حاشية الصاوي على الشرح الصغير = بلغة السالك لأقرب المسالك

أحمد الصاوي

[مقدمة الكتاب]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مُقَدِّمَة الْكتاب] «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» حَدِيثٌ شَرِيفٌ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مُقَدِّمَةُ صَاحِبِ الْحَاشِيَةِ يَقُولُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّاوِيُّ الْمَالِكِيُّ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي اسْتَخْلَصَ الْعُلَمَاءَ بِعِنَايَتِهِ وَجَمِيلِ لُطْفِهِ مِنْ غَيَاهِبِ الْجَهَالَاتِ، وَجَعَلَهُمْ أُمَنَاءَ عَلَى خَلْقِهِ يَقُومُونَ بِحِفْظِ شَرِيعَتِهِ حَتَّى يُؤَدُّوا إلَى الْخَلْقِ تِلْكَ الْأَمَانَاتِ، فَهُمْ مَصَابِيحُ الْأَرْضِ وَخُلَفَاءُ الْأَنْبِيَاءِ، يَسْتَغْفِرُ لَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْبَحْرِ، وَيُحِبُّهُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً أَسْتَفْتِحُ بِمَدَدِهَا أَبْوَابَ الْعِنَايَاتِ. وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ السَّادَاتِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَشِيعَتِهِ وَحِزْبِهِ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ، صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ نَسْتَمْطِرُ بِهِمَا غُيُوثَ السَّعَادَاتِ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ مِنْ أَفْضَلِ الطَّاعَاتِ، وَأَوْلَى مَا أُنْفِقَتْ فِيهِ نَفَائِسُ الْأَوْقَاتِ، خُصُوصًا عِلْمَ الْفِقْهِ الْعَذْبَ الزُّلَالَ، الْمُتَكَفِّلَ بِبَيَانِ الْحَرَامِ مِنْ الْحَلَالِ، وَقَدْ كَانَ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَهْلًا وَحَقِيقًا بِذَلِكَ، كَانَ أَحْسَنَ مَا أُلِّفَ فِيهِ مِنْ الْمُخْتَصَرَاتِ مَتْنًا وَشَرْحًا مُخْتَصَرُ شَيْخِنَا وَشَيْخِ مَشَايِخِنَا شَيْخِ الْوَقْتِ وَالطَّرِيقَةِ، وَمَعْدِنِ الشَّرِيعَةِ وَالْحَقِيقَةِ، أَبِي الْبَرَكَاتِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الدَّرْدِيرِ الْعَدَوِيِّ مَالِكٍ الصَّغِيرِ - الَّذِي سَمَّاهُ أَقْرَبَ الْمَسَالِكِ إلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ "؛ أَمَرَنِي مَنْ لَا تَسَعُنِي مُخَالَفَتُهُ خَلِيفَتُهُ وَوَارِثُ حَالِهِ أَخُونَا فِي اللَّهِ الشَّيْخُ صَالِحٌ السِّبَاعِيُّ: أَنْ أَكْتُبَ عَلَيْهِ كِتَابَةً تُنَاسِبُهُ فِي السُّهُولَةِ؛ فَأَجَبْته لِذَلِكَ رَاجِيًا الْفَتْحَ مِنْ الْقَادِرِ الْمَالِكِ، وَسَمَّيْتهَا: بُلْغَةَ السَّالِكِ لِأَقْرَبِ الْمَسَالِكِ " لِيُنْتَفَعَ بِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَمْثَالِي مِنْ الْقَاصِرِينَ، مُشِيرًا بِحَاشِيَةِ الْأَصْلِ لِحَاشِيَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQشَيْخِنَا وَقُدْوَتِنَا الشَّيْخ مُحَمَّدٍ الدُّسُوقِيِّ عَلَى شَرْحِ شَيْخِنَا الْمُؤَلِّفِ عَلَى مُخْتَصَرِ الْعَلَّامَةِ أَبِي الضِّيَاءِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ، وَبِالْأَصْلِ لِشَرْحِ الْمُؤَلِّفِ الْمَذْكُورِ وَشَيْخِنَا فِي مَجْمُوعِهِ لِمَجْمُوعِ شَيْخِنَا وَقُدْوَتِنَا أَبِي مُحَمَّدٍ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَمِيرِ، وَبِالْحَاشِيَةِ لِحَاشِيَةِ شَيْخِ الْمَشَايِخِ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الصَّعِيدِيِّ الْعَدَوِيِّ عَلَى الْخَرَشِيِّ. وَأُشِيرَ لِبَاقِي أَهْلِ الْمَذْهَبِ كَمَا أَشَارَتْ أَسْلَافُنَا لِلشَّيْخِ الْبُنَانِيِّ بِصُورَةِ (ب ن) ، وَلِلشَّيْخِ مُصْطَفَى الرَّمَاصِيِّ مُحَشِّي التَّتَّائِيِّ بِصُورَةِ (ر) ، وَلِلْعَلَّامَةِ سَيِّدِي مُحَمَّدٍ الْحَطَّابِ بِصُورَةِ (ح) ، وَلِلشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي بِصُورَةِ (عب) ، وَلِلْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ الشَّبْرَخِيتِيِّ بِصُورَةِ (شب) ، وَإِنْ أَسْنَدْت لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ صَرَّحْت بِهِ. وَأَسَالُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِكَمَالِهَا وَالنَّفْعَ بِهَا كَمَا نَفَعَ بِأَصْلِهَا وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ الْإِمَامُ الدَّرْدِيرُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] : افْتَتَحَ كِتَابَهُ بِالْبَسْمَلَةِ اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالْآثَارِ النَّبَوِيَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، لِافْتِتَاحِ الْكِتَابِ بِهَا وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - كَمَا فِي رِوَايَةٍ - فَهُوَ أَبْتَرُ أَوْ أَقْطَعُ أَوْ أَجْذَمُ» أَيْ نَاقِصٌ وَقَلِيلُ الْبَرَكَةِ. وَالْبَاءُ: لِلِاسْتِعَانَةِ أَوْ الْمُصَاحَبَةِ التَّبَرُّكِيَّةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أُؤَلِّفُ وَنَحْوُهُ، وَهُوَ يَعُمُّ جَمِيعَ أَجْزَاءِ التَّأْلِيفِ فَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ أَفْتَتِحُ وَنَحْوِهِ، لِإِيهَامِ قَصْرِ التَّبَرُّكِ عَلَى الِافْتِتَاحِ فَقَطْ. وَاَللَّهُ: عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ فَيَعُمُّ الصِّفَاتِ. وَالرَّحْمَنُ: الْمُنْعِمُ بِجَلَائِلِ النِّعَمِ كَمِّيَّةً أَوْ كَيْفِيَّةً. وَالرَّحِيمُ: الْمُنْعِمُ بِدَقَائِقِهَا كَذَلِكَ. وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ وَهُوَ اللَّهُ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الذَّاتِ، ثُمَّ الثَّانِيَ لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ الثَّالِثِ، فَقُدِّمَ عَلَيْهِ لِيَكُونَ لَهُ كَالتَّتِمَّةِ وَالرَّدِيفِ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَيَنْبَغِي تَتْمِيمُ الْكَلَامِ عَلَيْهَا مِنْ الْفَنِّ الْمَشْرُوعِ فِيهِ فَنَقُولُ: إنَّ مَوْضُوعَ هَذَا الْفَنِّ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ لِأَنَّهُ يَبْحَثُ فِيهِ عَنْهَا مِنْ جِهَةِ مَا يَعْرِضُ لَهَا مِنْ وُجُوبٍ وَنَدْبٍ وَحُرْمَةٍ وَكَرَاهَةٍ وَإِبَاحَةٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِعْلٌ مِنْ الْأَفْعَالِ، وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ إنَّ حُكْمَ الْبَسْمَلَةِ الْأَصْلِيَّ النَّدْبُ لِأَنَّهَا ذِكْرٌ مِنْ الْأَذْكَارِ؛ وَالْأَصْلُ فِي الْأَذْكَارِ أَنْ تَكُونَ مَنْدُوبَةً، وَيَتَأَكَّدُ النَّدْبُ فِي الْإِتْيَانِ بِهَا فِي أَوَائِلِ ذَوَاتِ الْبَالِ وَلَوْ شِعْرًا، كَمَا انْحَطَّ عَلَيْهِ كَلَامُ ح، وَقَوْلُهُمْ: الشِّعْرُ لَا يُبْتَدَأُ بِالْبَسْمَلَةِ، مَحَلُّهُ إذَا اشْتَمَلَ عَلَى مَدْحِ مَنْ لَا يَجُوزُ مَدْحُهُ أَوْ ذَمِّ مَنْ لَا يَجُوزُ ذَمُّهُ، وَقَدْ تَعْرِضُ لَهَا الْكَرَاهَةُ وَذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعِنْدَ الْأُمُورِ الْمَكْرُوهَةِ كَاسْتِعْمَالِ ذِي الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ، وَتَحْرُمُ إذَا أَتَى بِهَا الْجُنُبُ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ لَا بِقَصْدِ التَّحَصُّنِ، وَكَذَا تَحْرُمُ عِنْدَ الْإِتْيَانِ بِالْحَرَامِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَقِيلَ: بِكَرَاهَتِهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَارْتَضَاهُ فِي الْحَاشِيَةِ، وَتَحْرُمُ فِي ابْتِدَاءِ بَرَاءَةٌ عِنْدَ ابْنِ حَجَرٍ، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: بِالْكَرَاهَةِ، وَأَمَّا فِي أَثْنَائِهَا فَتُكْرَهُ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَتُنْدَبُ عِنْدَ الثَّانِي. قَالَ ح: وَلَمْ أَرَ لِأَهْلِ مَذْهَبِنَا شَيْئًا فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهَا حَالَةُ وُجُوبٍ إلَّا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالنَّذْرِ، فَلَا يُقَالُ: إنَّ الْبَسْمَلَةَ وَاجِبَةٌ عِنْدَ الذَّكَاةِ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّنَا نَقُولُ الْوَاجِبُ مُطْلَقُ ذِكْرِ اللَّهِ لَا خُصُوصُ الْبَسْمَلَةِ كَمَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ. بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ تَجِبُ بِالنَّذْرِ وَلَوْ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ رَابِعِ النَّحْرِ، أَوْ لَا تَجِبُ؟ وَاسْتُظْهِرَ اللُّزُومَ خُصُوصًا، وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ يَقُولُ بِوُجُوبِهَا فِي الْفَرِيضَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُلَاحَظٍ بِالنَّذْرِ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ، وَإِلَّا كَانَتْ وَاجِبَةً قَوْلًا وَاحِدًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ مُبَاحَةً لِأَنَّ أَقَلَّ مَرَاتِبِهَا أَنَّهَا ذِكْرٌ، وَأَقَلُّ أَحْكَامِهِ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ، وَقَوْلُ الشَّيْخِ خَلِيلٍ: وَجَازَتْ كَمُتَعَوِّذٍ بِنَفْلٍ يُوهِمُ ذَلِكَ وَكَذَا قَوْلُ الشَّاطِبِيِّ: وَلَا بُدَّ مِنْهَا فِي ابْتِدَائِك سُورَةً ... سِوَاهَا وَفِي الْأَجْزَاءِ خُيِّرَ مَنْ تَلَا فَحَمَلُوا كُلًّا مِنْ الْجَوَازِ وَالتَّخْيِيرِ عَلَى عَدَمِ تَأَكُّدِ الطَّلَبِ وَنَفْيِ الْكَرَاهَةِ، فَلَا يُنَافِي أَصْلَ النَّدْبِ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا قَالَهَا حَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ، وَكَوْنُ الْإِنْسَانِ يَذْكُرُ اللَّهَ وَلَا ثَوَابَ لَهُ بَعِيدٌ جِدًّا. اهـ بِتَصَرُّفٍ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ وَشَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى أَفْضَالِهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَصَحْبِهِ وَآلِهِ. (أَمَّا بَعْدُ) فَهَذَا شَرْحٌ لَطِيفٌ عَلَى كِتَابِنَا الْمُسَمَّى بِأَقْرَبِ الْمَسَالِكِ لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ، اقْتَصَرْت فِيهِ عَلَى بَيَانِ مَعَانِي أَلْفَاظِهِ، لِيَسْهُلَ فَهْمُهُ عَلَى الْمُبْتَدَئِينَ، وَشَرْحُهُ وَقِرَاءَتُهُ لِمَنْ شَاءَ بِمَشِيئَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (عَلَى أَفْضَالِهِ) : أَيْ إحْسَانِهِ لِعِبَادِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ الصَّلَاحِ وَالْأَصْلَحِ. قَوْلُهُ: [شَرْحٌ] : فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ إمَّا بِمَعْنَى شَارِحٍ أَوْ ذُو شَرْحٍ، أَوْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ مُبَالَغَةً عَلَى حَدِّ مَا قِيلَ فِي زَيْدٌ عَدْلٌ، وَمَعْنَاهُ مُوَضَّحٌ وَمُبَيَّنٌ وَالْإِسْنَادُ لَهُ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ مِنْ الْإِسْنَادِ لِلسَّبَبِ. قَوْلُهُ لَطِيفٌ: يُطْلَقُ اللَّطِيفُ عَلَى صَغِيرِ الْحَجْمِ، وَعَلَى رَقِيقِ الْقَوَامِ، وَعَلَى الَّذِي لَا يَحْجُبُ مَا وَرَاءَهُ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا السُّهُولَةُ، فَأَطْلَقَ الْمَلْزُومَ وَهُوَ أَحَدُ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ وَأَرَادَ لَازِمَهُ وَهُوَ سُهُولَةُ الْمَأْخَذِ. قَوْلُهُ: [عَلَى بَيَانِ مَعَانِي أَلْفَاظِهِ] : الْبَيَانُ: الْإِظْهَارُ، وَالْمَعَانِي جَمْعُ مَعْنًى: وَهُوَ مَا يُعْنَى وَيُقْصَدُ مِنْ اللَّفْظِ، وَإِضَافَةُ مَعَانِي لِلْأَلْفَاظِ مِنْ إضَافَةِ الْمَدْلُولِ لِلدَّالِّ، وَإِضَافَةُ الْأَلْفَاظِ لِلضَّمِيرِ مِنْ إضَافَةِ الْجُزْءِ لِلْكُلِّ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ اسْمٌ لِلْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ. قَوْلُهُ: [لِيَسْهُلَ فَهْمُهُ] : اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ اقْتَصَرْت، وَالْفِعْلُ مَنْصُوبٌ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ بَعْدَهَا وَالْفَهْمُ، الْإِدْرَاكُ. قَوْلُهُ: عَلَى الْمُبْتَدَئِينَ: جَمْعُ مُبْتَدِئٍ وَهُوَ الشَّارِعُ فِي الْعِلْمِ الَّذِي لَمْ يُقَفْ عَلَى أُصُولِهِ، فَإِنْ وَقَفَ عَلَى الْأُصُولِ وَعَجَزَ عَنْ الْأَدِلَّةِ يُقَالُ لَهُ: مُتَوَسِّطٌ، فَإِنْ عَرَفَ الْأُصُولَ وَالْأَدِلَّةَ يُقَالُ: لَهُ مُنْتَهٍ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْمُبْتَدَئِينَ لِأَنَّ غَيْرَهُمْ لَا يَتَوَقَّفُ فَهْمُهُ عَلَيْهِ، بَلْ يَتَعَاطَى أَيَّ كِتَابٍ شَاءَ. قَوْلُهُ: [وَشَرْحُهُ] : بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى فَهْمُهُ، وَمُتَعَلِّقُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ عَلَيَّ. قَوْلُهُ: [وَقِرَاءَتُهُ] : بِالرَّفْعِ مَعْطُوفٌ عَلَى فَهْمُهُ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ: [لِمَنْ شَاءَ] : لِمَنْ شَاءَ مُتَعَلِّقٌ بِقِرَاءَتِهِ، وَبِمَشِيئَتِهِ إلَخْ رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ، وَالْمَعْنَى اقْتَصَرْت فِي هَذَا الشَّرْحِ عَلَى إظْهَارِ مَعَانِي أَلْفَاظِهِ لِأَجْلِ سُهُولَةِ فَهْمِهِ عَلَى الْمُبْتَدَئِينَ الْقَاصِرِينَ، وَلِسُهُولَةِ شَرْحِهِ عَلَيَّ، وَلِسُهُولَةِ قِرَاءَتِهِ لِمَنْ شَاءَ أَنْ يَقْرَأَهُ، وَهَذِهِ السُّهُولَةُ تَحْصُلُ بِمَشِيئَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

فَأَقُولُ وَبِهِ أَسْتَعِينُ: (يَقُولُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ الْمُنْكَسِرُ الْفُؤَادُ مِنْ التَّقْصِيرِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الدَّرْدِيرُ) : الْقَوْلُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى مَعْنًى وُضِعَ لَهُ ذَلِكَ اللَّفْظُ وَلَوْ فِي ثَانِي حَالٍ، فَيَشْمَلُ الْمَجَازَ كَأَسَدٍ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ، وَالْعَبْدُ الْمُرَادُ بِهِ الْمَمْلُوكُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْفَقِيرُ: الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَأَقُولُ] : جَوَابُ أَمَّا. قَوْلُهُ: [وَبِهِ أَسْتَعِينُ] السِّينُ وَالتَّاءُ لِلطَّلَبِ، وَقَدَّمَ الْمَجْرُورَ لِيُفِيدَ الْحَصْرَ. قَوْلُهُ: [يَقُولُ] : أَصْلُهُ يَقُولُ اُسْتُثْقِلَتْ الضَّمَّةُ عَلَى الْوَاوِ فَنُقِلَتْ إلَى مَا قَبْلَهَا. قَوْلُهُ: [الْعَبْدُ] : يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ مَشْهُورَةٍ اقْتَصَرَ الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي عَلَى أَحَدِهَا. قَوْلُهُ: [اللَّفْظُ الدَّالُّ] : اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ اللَّفْظِ الْمُهْمَلِ كديز مَثَلًا فَلَا يُقَالُ لَهُ قَوْلٌ، وَيُطْلَقُ الْقَوْلُ عَلَى الرَّأْيِ وَالِاعْتِقَادِ، كَمَا يُقَالُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: كَذَا أَيْ رَأَى وَاعْتَقَدَ. قَوْلُهُ: [وُضِعَ لَهُ ذَلِكَ اللَّفْظُ] : دَخَلَ الْمَعْنَى الْمُطَابِقِيُّ وَالتَّضَمُّنِيُّ، وَخَرَجَ الْمَعْنَى الِالْتِزَامِيُّ، كَعِلْمِنَا بِحَيَاةِ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ، فَلَيْسَ مَوْضُوعًا لَهُ اللَّفْظُ. قَوْلُهُ: [فَيَشْمَلُ الْمَجَازَ] : مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ فِي ثَانِي حَالٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّ الْحَقِيقَةَ مَوْضُوعَةٌ وَضْعًا أَوَّلِيًّا، أَيْ كَلِمَةٌ اُسْتُعْمِلَتْ فِيمَا وُضِعَتْ لَهُ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ، وَالْمَجَازُ مَوْضُوعٌ وَضْعًا ثَانَوِيًّا لِأَنَّهُ كَلِمَةٌ اُسْتُعْمِلَتْ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَتْ لَهُ، لِعَلَاقَةٍ مَعَ قَرِينَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ: كَأَسَدٍ فَإِنَّهُ فِي الْأَصْلِ مَوْضُوعٌ لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ، ثُمَّ تَسْتَعْمِلُهُ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ، فَتَقُولُ: رَأَيْت أَسَدًا فِي الْحِمَامِ مَثَلًا، فَكُلٌّ مِنْ الْمَجَازِ وَالْحَقِيقَةِ مَوْضُوعٌ وَضْعًا لُغَوِيًّا، لَكِنَّ الْحَقِيقَةَ وَضْعُهَا أَصْلِيٌّ لَا يَحْتَاجُ لِقَرِينَةٍ وَلَا لِعَلَاقَةٍ، وَالْمَجَازُ وَضْعُهُ عَرَضِيٌّ يَحْتَاجُ لِعَلَاقَةٍ وَقَرِينَةٍ. قَوْلُهُ: [الْمُرَادُ بِهِ الْمَمْلُوكُ لِلَّهِ تَعَالَى] : إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى لِشُمُولِهِ وَعُمُومِهِ قَالَ تَعَالَى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93] ، أَيْ مَمْلُوكًا وَهُوَ الْمُسَمَّى بِعَبْدِ الْإِيجَادِ. [الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ تَعَالَى إلَخْ] : هَذَا التَّفْسِيرُ يَصْلُحُ لِكَوْنِ الْفَقِيرِ صِفَةً مُشَبَّهَةً أَوْ صِيغَةَ مُبَالَغَةٍ، وَلَا يَخْلُو عَبْدٌ مِنْهُمَا دُنْيَا وَلَا أُخْرَى، وَلَوْ وَكَّلَنَا مَوْلَانَا طَرْفَةَ عَيْنٍ لِأَنْفُسِنَا لَهَلَكْنَا.

تَعَالَى فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، وَالْمُنْكَسِرُ: الْحَزِينُ، وَالْفُؤَادُ: الْقَلْبُ، وَإِسْنَادُ الِانْكِسَارِ بِمَعْنَى الْحُزْنِ إلَيْهِ مَجَازٌ، وَقَوْلُهُ: مِنْ التَّقْصِيرِ عِلَّةٌ لِانْكِسَارِ فُؤَادِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ: قِلَّةُ الْعَمَلِ وَالتَّقْوَى؛ فَهُوَ كَقَوْلِ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْمُنْكَسِرُ خَاطِرُهُ لِقِلَّةِ الْعَمَلِ وَالتَّقْوَى، وَأَحْمَدُ: بَيَانٌ لِلْعَبْدِ، وَالدَّرْدِيرُ: لَقَبٌ اُشْتُهِرَ بِهِ كَأَبِيهِ بَيْنَ النَّاسِ. وَكَانَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَجُلًا صَالِحًا عَالِمًا مُتْقِنًا لِلْقُرْآنِ، فَقَدَ بَصَرَهُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ، فَاشْتَغَلَ بِتَعْلِيمِ الْأَطْفَالِ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى، فَحَفِظَ الْقُرْآنَ عَلَى يَدِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَكَانَ يُعَلِّمُ الْفُقَرَاءَ حِسْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَأْخُذُ مِنْهُمْ صِرَافَةً وَلَا غَيْرَهَا، بَلْ رُبَّمَا وَاسَاهُمْ مِنْ عِنْدِهِ، وَكَانَ كَثِيرَ السُّكُوتِ لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا نَادِرًا، وَوِرْدُهُ - فِي غَالِبِ أَوْقَاتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الْمُنْكَسِرُ الْحَزِينُ] : يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اسْتِعَارَةً تَبَعِيَّةً، حَيْثُ شَبَّهَ حُزْنَ الْقَلْبِ بِالِانْكِسَارِ الَّذِي هُوَ تَفَرُّقُ أَجْزَاءِ الشَّيْءِ الصُّلْبِ بِجَامِعِ التَّلَفِ وَالتَّشَتُّتِ فِي كُلٍّ، وَاسْتَعَارَ اسْمَ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ، وَاشْتُقَّ مِنْهُ مُنْكَسِرٌ بِمَعْنَى حَزِينٍ، وَالْقَرِينَةُ إضَافَتُهُ لِلْفُؤَادِ. قَوْلُهُ: [مَجَازٌ] : أَيْ عَقْلِيٌّ مِنْ إسْنَادِ مَا لِلْكُلِّ لِلْبَعْضِ الَّذِي هُوَ الْفُؤَادُ، وَإِنَّمَا خُصَّ الْفُؤَادُ دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّهُ مَحَلُّهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ عُلَمَاءُ الْبَيَانِ: إذَا أُسْنِدَ مَا لِلْكُلِّ لِلْجُزْءِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ الْجُزْءِ مَزِيَّةٌ تُمَيِّزُهُ، إذَا عَلِمْت مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاسْتِعَارَةِ، وَمَا هُنَا مِنْ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ، فَفِي كَلَامِهِ مَجَازٌ عَلَى مَجَازٍ. قَوْلُهُ: (عِلَّةٌ لِانْكِسَارِ فُؤَادِهِ) : أَيْ حُزْنُهُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ رُؤْيَةِ التَّقْصِيرِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ، وَهَذَا سُنَّةُ الْعَارِفِينَ بِرَبِّهِمْ لَا يَرَوْنَ لِأَنْفُسِهِمْ عَمَلًا، كَمَا قَالَ السَّيِّدُ الْبَكْرِيُّ: إلَهِي إنِّي أَخَافُ أَنْ تُعَذِّبَنِي بِأَفْضَلِ أَعْمَالِي. قَوْلُهُ: [كَقَوْلِ الشَّيْخِ إلَخْ] : الْمُرَادُ بِهِ الشَّيْخُ خَلِيلٌ. قَوْلُهُ: [بَيَانٌ] أَيْ عَطْفُ بَيَانٍ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا لِأَنَّ نَعْتَ الْمَعْرِفَةِ إذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهَا يُعْرَبُ بِحَسَبِ الْعَوَامِلِ، وَتُعْرَبُ مِنْهُ بَدَلًا أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ، بِخِلَافِ نَعْتِ النَّكِرَةِ إذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهَا فَيُعْرَبُ حَالًا، وَتُعْرَبُ هِيَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ: لَمِّيَّةُ مُوحِشًا طَلَلُ قَوْلُهُ: [فِي غَالِبِ أَوْقَاتِهِ] : وَهِيَ الْأَوْقَاتُ الَّتِي لَمْ يَكُنْ مَشْغُولًا فِيهَا بِالْقُرْآنِ.

صَلَاةُ سَيِّدِي عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ مُشَيْشٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَكَانَ يُبَشِّرُنِي فِي صِغَرِي بِأَنْ أَكُونَ عَالِمًا. مَاتَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَهِيدًا بِالطَّاعُونِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ بَعْدَ الْأَلْفِ وَمِائَةٍ، وَعُمْرِي نَحْوُ عَشْرِ سِنِينَ، وَشُوهِدَتْ لَهُ كَرَامَاتٌ. (الْحَمْدُ لِلَّهِ مَوْلَى النِّعَمِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى مَا خَصَّ مِنْهَا وَعَمَّ) الْحَمْدُ هُوَ الْوَصْفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَبْدُ السَّلَامِ إلَخْ] : هُوَ شَيْخُ أَبِي الْحَسَنِ الشَّاذِلِيِّ، وَنَاهِيك بِشَيْخٍ، الشَّاذِلِيُّ تِلْمِيذُهُ، وَمُشِيش - بِشِينَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ وَأَوَّلُهُ مِيمٌ أَوْ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ - وَأَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ الشَّارِحُ عَنْ وَالِدِهِ الْمَذْكُورِ، أَنَّ زَوْجَتَهُ كَانَتْ تَدْخُلُ عَلَيْهِ فَتَجِدُ عِنْدَهُ شُمُوعًا مُوقَدَةً فِي أَوْقَاتِ الظَّلَامِ، فَتَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَيَقُولُ: إنَّهَا أَنْوَارُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَخْبَرَنَا أَيْضًا أَنَّهُمْ كَانُوا فِي ضِيقِ عَيْشٍ فَتُوضَعُ الصَّحْفَةُ فِيهَا الطَّعَامُ الْقَلِيلُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيَقْرَأُ عَلَيْهَا سُورَةَ قُرَيْشٍ، فَيُبَارَكُ فِيهَا وَيَأْكُلُ مِنْهَا النَّاسُ الْكَثِيرُونَ. قَالَ الشَّيْخُ فَصِرْت أَقْرَأُ تِلْكَ السُّورَةَ عَلَى الْأَبْوَابِ الْمُغْلَقَةِ فَتُفْتَتَحُ بِغَيْرِ مِفْتَاحٍ، فَشَاعَ عَنِّي - وَأَنَا صَغِيرٌ - أَنِّي أَفْتَحُ الْأَبْوَابَ بِغَيْرِ مِفْتَاحٍ. قَوْلُهُ: [وَعُمْرِي نَحْوُ عَشْرِ سِنِينَ] : فَيَكُونُ مَوْلِدُ الشَّيْخِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدٍ بَعْدَ الْأَلْفِ؛ فَسِنُّهُ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِمَشْهَدِهِ الْمَشْهُورِ بِالْكَعْكِيِّينَ، وَكَرَامَاتُهُ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَمَاتِ أَظْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ فِي رَابِعَةِ النَّهَارِ. وَأَقُولُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: لِي سَادَةٌ مِنْ عِزِّهِمْ ... أَقْدَامُهُمْ فَوْقَ الْجِبَاهِ إنْ لَمْ أَكُنْ مِنْهُمْ فَلِي ... فِي حُبِّهِمْ عِزٌّ وَجَاهْ قَوْلُهُ: [وَشُوهِدَتْ لَهُ كَرَامَاتٌ] : قَدْ تَقَدَّمَ لَك بَعْضُهَا. قَوْلُهُ: [الْحَمْدُ لِلَّهِ] : لَمَّا افْتَتَحَ بِالْبَسْمَلَةِ افْتِتَاحًا حَقِيقِيًّا افْتَتَحَ بِالْحَمْدِ لَهُ افْتِتَاحًا إضَافِيًّا، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ عَلَى الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ جَمْعًا بَيْنَ حَدِيثَيْ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ، وَحَمَلَ الْبَسْمَلَةَ عَلَى الِابْتِدَاءِ الْحَقِيقِيِّ، وَالْحَمْدَلَةِ عَلَى الِابْتِدَاءِ الْإِضَافِيِّ لِمُوَافَقَةِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ، وَلِقُوَّةِ حَدِيثِ الْبَسْمَلَةِ عَلَى حَدِيثِ الْحَمْدَلَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ» ، وَهُنَاكَ أَوْجُهٌ أُخَرُ مَشْهُورَةٌ لِدَفْعِ التَّعَارُضِ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجُمْلَةُ الْحَمْدُ لِلَّهِ إلَى آخِرِ الْكِتَابِ مَقُولُ الْقَوْلِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ لِأَنَّ الْقَوْلَ لَا يَنْصِبُ إلَّا الْجُمَلَ أَوْ الْمُفْرَدَ الَّذِي فِي مَعْنَى الْجُمْلَةِ، أَوْ الْمُفْرَدَ الَّذِي قُصِدَ لَفْظُهُ مَا لَمْ يَجْرِ مَجْرَى الظَّنِّ، فَيَنْصِبُ الْمُفْرَدَاتِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ: وَكَ تَظُنُّ اجْعَلْ تَقُولُ إنْ وَلِي ... مُسْتَفْهِمًا بِهِ وَلَمْ يَنْفَصِلْ إلَى أَنْ قَالَ: وَأُجْرِيَ الْقَوْلُ كَظَنٍّ مُطْلَقًا ... عِنْدَ سُلَيْمٍ نَحْوِ قُلْ ذَا مُشْفِقًا وَأَلْ فِيهِ قِيلَ لِلْجِنْسِ وَقِيلَ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَقِيلَ لِلْعَهْدِ وَهُوَ حَمْدُ الْمَوْلَى نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ أَزَلًا، لِأَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ عَجْزَ خَلْقِهِ عَنْ أَدَاءِ كُنْهِ حَمْدِهِ حَمِدَ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ أَزَلًا، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحْمَدُوهُ بِذَلِكَ الْحَمْدِ، وَاللَّامُ فِي لِلَّهِ قِيلَ لِلْمِلْكِ أَوْ لِلِاسْتِحْقَاقِ أَوْ لِلتَّعْلِيلِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ جَمِيعُ الْمَحَامِدِ مَمْلُوكَةٌ لِلَّهِ، وَعَلَى الثَّانِي مُسْتَحَقَّةٌ لِلَّهِ، وَعَلَى الثَّالِثِ ثَابِتَةٌ لِأَجْلِهِ، وَجُمْلَةُ الْحَمْدِ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى، وَكَانَتْ اسْمِيَّةً لِلدَّلَالَةِ عَلَى الثُّبُوتِ وَالدَّوَامِ وَاقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَأَصْلُ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَحْمَدُ حَمْدَ اللَّهِ فَحُذِفَ الْفِعْلُ لِدَلَالَةِ الْمَصْدَرِ عَلَيْهِ فَبَقِيَ حَمْدُ اللَّهِ، ثُمَّ عُدِلَ مِنْ النَّصْبِ إلَى الرَّفْعِ لِدَلَالَةِ الثُّبُوتِ وَالدَّوَامِ، فَصَارَ حَمْدٌ لِلَّهِ، ثُمَّ أُدْخِلَتْ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِقَصْدِ الِاسْتِغْرَاقِ أَوْ الْجِنْسِ أَوْ الْعَهْدِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَيُسْتَحَبُّ الِابْتِدَاءُ بِهَا لِكُلِّ مُصَنِّفٍ وَمُدَرِّسٍ وَخَطِيبٍ وَخَاطِبٍ وَمُتَزَوِّجٍ وَمُزَوِّجٍ، وَبَيْنَ يَدَيْ سَائِرِ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ، وَكَذَا الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ بِاخْتِصَارٍ. قَوْلُهُ: [هُوَ الْوَصْفُ إلَخْ] : شُرُوعٌ فِي مَعْنَى الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ اللُّغَوِيَّيْنِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَعْنَاهُمَا الِاصْطِلَاحِيَّيْنِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَمْدَ الِاصْطِلَاحِيَّ هُوَ الشُّكْرُ اللُّغَوِيُّ، وَالشُّكْرُ الِاصْطِلَاحِيُّ هُوَ صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ إلَى مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فِي كُلٍّ لِأَنَّهُ الَّذِي يُحْمَلُ عَلَيْهِ الشَّرْعُ إذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اصْطِلَاحٌ خَاصٌّ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الْحَمْدُ اصْطِلَاحًا وَالشُّكْرُ اصْطِلَاحًا، فَالْمُرَادُ اصْطِلَاحُ النَّاسِ لَا اصْطِلَاحَ الشَّرْعِ، فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فِي كُلٍّ، وَمَعْنَى الْوَصْفِ الذِّكْرُ وَهَذَا التَّعْرِيفُ سَالِمٌ مِنْ جَمِيعِ مَا يَرِدُ عَلَى التَّعْرِيفِ الْمَشْهُورِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ يَشْمَلُ أَقْسَامَ الْحَمْدِ الْأَرْبَعَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَظَهَرَ مِنْ هَذَا

بِالْجَمِيلِ اخْتِيَارِيًّا أَمْ لَا فِعْلًا أَمْ لَا عَلَى فِعْلٍ جَمِيلٍ اخْتِيَارِيٍّ، وَالشُّكْرُ مَا دَلَّ عَلَى تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ لِإِنْعَامِهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ اعْتِقَادٍ، وَشُكْرُ الْمُنْعِمِ وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ، وَالْمُولِي بِكَسْرِ اللَّامِ الْمُعْطِي، وَالنِّعَمُ جَمْعُ نِعْمَةٍ بِكَسْرِ النُّونِ بِمَعْنَى الْعَطِيَّةِ الْمُلَائِمَةِ، وَقَوْلُهُ مِنْهَا بَيَانٌ لِمَا وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى النِّعَمِ، فَالْمَعْنَى عَلَى نِعَمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّعْرِيفِ أَنَّ مَوْرِدَ الْحَمْدِ خَاصٌّ وَمُتَعَلِّقَهُ عَامٌّ، وَمَوْرِدَ الشُّكْرِ عَامٌّ، وَمُتَعَلِّقَهُ خَاصٌّ لِتَقْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ لِإِنْعَامِهِ، وَالنِّسَبُ بَيْنَ الْمَعَانِي الْأَرْبَعَةِ مَعْلُومَةٌ. قَوْلُهُ: [اخْتِيَارِيًّا أَمْ لَا إلَخْ] : تَعْمِيمٌ فِي الْمَحْمُودِ بِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارِيًّا، وَقَوْلُهُ عَلَى فِعْلٍ جَمِيلٍ اخْتِيَارِيٍّ هُوَ الْمَحْمُودُ عَلَيْهِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارِيًّا اهـ مِنْ تَقْرِيرِ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ] : أَيْ لَا بِالْعَقْلِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ حَكَّمُوا الْعَقْلَ فِي الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ، بَلْ الْحَسَنُ مَا حَسَّنَهُ الشَّرْعُ، وَالْقَبِيحُ مَا قَبَّحَهُ الشَّرْعُ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ وَاجِبًا أَنَّهُ يَتَحَتَّمُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ اعْتِقَادُ أَنَّ كُلَّ نِعْمَةٍ ظَهَرَتْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَهِيَ مِنْهُ تَعَالَى، بَلْ هَذَا مِنْ عَقَائِدِ الْإِيمَانِ، وَمَنْ اعْتَقَدَ خِلَافَ ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ، وَأَمَّا شُكْرُ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرِيَّةِ فَتَارَةً تَكُونُ وَاجِبَةً وَتَارَةً تَكُونُ مَنْدُوبَةً عَلَى حَسَبِ مَا أَمَرَ الشَّارِعُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الشَّرْعِ. قَوْلُهُ: [بِكَسْرِ اللَّامِ] : أَيْ مَعَ ضَمِّ الْمِيمِ اسْمُ فَاعِلٍ، وَأَمَّا بِفَتْحِهِمَا فَهُوَ الْمَالِكُ أَوْ الْمُعْتِقُ أَوْ الصَّاحِبُ أَوْ الْقَرِيبُ، وَأَمَّا بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ فَهُوَ الْمُعْطَى اسْمُ مَفْعُولٍ. قَوْلُهُ: [بِكَسْرِ النُّونِ] : وَأَمَّا بِضَمِّهَا فَالْفَرَحُ وَالسُّرُورُ وَبِفَتْحِهَا التَّنَعُّمُ. قَالَ تَعَالَى: {وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} [الدخان: 27] . قَوْلُهُ: الْمُلَائِمَةُ: أَيْ الْمُوَافَقَةُ لِتَمَنِّي النَّفْسِ، وَلَمْ يَقُلْ تُحْمَدُ عَاقِبَتُهَا شَرْعًا لِأَجْلِ شُمُولِهِ نِعَمَ الْكُفَّارِ الدُّنْيَوِيَّةِ، فَإِنَّ الْكُفَّارَ مُنْعَمٌ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي تَعْرِيفِ النِّعْمَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ كُلُّ مُلَائِمٍ تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ شَرْعًا، وَمِنْ ثَمَّ لَا نِعْمَةَ لِلَّهِ عَلَى كَافِرٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ مُلَائِمٍ، فَالْكَافِرُ مُنْعَمٌ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَإِنْ لَمْ تُحْمَدْ عَوَاقِبُ تِلْكَ النِّعَمِ، وَاقْتِصَارُ الشَّارِحِ يُؤَيِّدُ الثَّانِيَ.

خَصَّهَا بِنَا أَيْ قَصَرَهَا عَلَيْنَا مَعَاشِرَ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ مِنْ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَعْرِفَةِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي جَاءَ بِهَا، وَكَذَا النِّعَمُ الْمَخْصُوصَةُ بِالشَّخْصِ فِي ذَاتِهِ كَشَكْلِهِ وَلَوْنِهِ وَصُورَتِهِ الَّتِي يَتَمَيَّزُ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ. وَقَوْلُهُ وَعَمَّ أَيْ النِّعَمُ الَّتِي تَشْمَلُنَا وَغَيْرَنَا كَنِعْمَةِ الْوُجُودِ الشَّامِلَةِ لِكُلِّ مَوْجُودٍ، وَنِعْمَةِ الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَيَشْمَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ قَوْلُ الشَّيْخِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى مَا أَوْلَانَا مِنْ الْفَضْلِ وَالْكَرَمِ، وَإِنَّمَا جَعَلْنَا الْمَعْنَى عَلَى النِّعَمِ الَّتِي خَصَّهَا بِنَا وَلَمْ نَجْعَلْهُ عَلَى النِّعَمِ الَّتِي خَصَّنَا بِهَا لِيَكُونَ الْعَائِدُ الْمَحْذُوفُ ضَمِيرَ نَصْبٍ مُتَّصِلًا، وَهُوَ شَائِعٌ لَا شُذُوذَ فِيهِ بِخِلَافِ التَّقْدِيرِ الثَّانِي. (وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ الْأَعْظَمِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأُمَّتِهِ أَشْرَفِ الْأُمَمِ) هَذِهِ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى قَصَدَ بِهَا طَلَبَ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى أَعْظَمِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهُوَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ إجْمَاعًا، وَأُمَّتُهُ جَمَاعَتُهُ وَهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكَانُوا أَشْرَفَ الْأُمَمِ لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعُهُ، وَالتَّابِعُ يَشْرُفُ بِشَرَفِ الْمَتْبُوعِ (وَصَلِّ اللَّهُمَّ عَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَعَلَى آلِهِمْ وَصَحْبِهِمْ أَجْمَعِينَ) يَجُوزُ عَطْفُ الْفِعْلِيَّةِ الْإِنْشَائِيَّةِ عَلَى الِاسْمِيَّةِ كَذَلِكَ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ أَعَمُّ مُتَعَلَّقًا مِمَّا قَبْلَهَا لِشُمُولِهَا النَّبِيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [خَصَّهَا بِنَا] : الْبَاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ، وَهَذَا خِلَافُ الْغَالِبِ كَمَا قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَبَاءُ الِاخْتِصَاصِ فِيهِ يَكْثُرُ ... دُخُولُهَا عَلَى الَّذِي قَدْ قَصَرُوا وَعَكْسُهُ مُسْتَعْمَلٌ وَجَيِّدٌ ... قَدْ قَالَهُ الْحَبْرُ الْهُمَامُ السَّيِّدُ قَوْلُهُ: [أَيْ قَصَرَهَا عَلَيْنَا] : أَيْ وَلَسْنَا مَقْصُورِينَ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: [كَشَكْلِهِ وَلَوْنِهِ إلَخْ] : قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الروم: 22] . قَوْلُهُ: [لِيَكُونَ الْعَائِدُ إلَخْ] : أَيْ لِقَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ: وَالْحَذْفُ عِنْدَهُمْ كَثِيرٌ مُنْجَلِي ... فِي عَائِدٍ مُتَّصِلٍ إنْ انْتَصَبَ إلَخْ قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ التَّقْدِيرِ] : أَيْ فَفِي حَذْفِ الْعَائِدِ شُذُوذٌ لِعَدَمِ اسْتِيفَائِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالشُّرُوطَ الَّتِي قَالَ فِيهَا ابْنُ مَالِكٍ: كَذَاك حَذْفُ مَا بِوَصْفٍ خَفْضًا إلَخْ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا التَّخَالُفُ فِي شُذُوذِ حَذْفِ الْعَائِدِ وَعَدَمِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّ الْبَاءَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَرَكَهُ الشَّارِحُ تَكُونُ دَاخِلَةً عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَى مُقْتَضَى الْكَثِيرِ فِيهَا، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ لِمَا قَالَهُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَالصَّلَاةُ إلَخْ] : لَمَّا أَثْنَى عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَشَكَرَهُ عَلَى نِعَمِهِ أَدَاءً لِبَعْضِ مَا يَجِبُ إجْمَالًا، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْوَاسِطَةُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْعِبَادِ، وَجَمِيعُ النِّعَمِ الْوَاصِلَةِ إلَيْهِمْ الَّتِي أَعْظَمَهَا الْهِدَايَةُ لِلْإِسْلَامِ إنَّمَا هِيَ بِبَرَكَتِهِ وَعَلَى يَدَيْهِ، أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدَاءً لِبَعْضٍ مَا يَجِبُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَامْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] ، وَعَمَلًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كُلُّ كَلَامٍ لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ فَيُبْدَأُ بِهِ وَبِالصَّلَاةِ عَلَيَّ فَهُوَ أَقْطَعُ مَمْحُوقٌ مِنْ كُلِّ بَرَكَةٍ» ، وَالصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ رَحْمَتُهُ الْمَقْرُونَةُ بِالتَّعْظِيمِ، وَمِنْ الْعَبِيدِ طَلَبُهُمْ ذَلِكَ، وَالسَّلَامُ مِنْ اللَّهِ الْأَمَانُ أَوْ التَّحِيَّةُ، بِأَنْ يُحَيِّيَ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِكَلَامِهِ الْقَدِيمِ، كَمَا يُحَيِّي أَحَدُنَا ضَيْفَهُ، وَمِنْ الْعَبِيدِ طَلَبُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [عَلَى النَّبِيِّ الْأَعْظَمِ] : أَيْ مِنْ كُلِّ عَظِيمٍ. قَوْلُهُ: [إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى] : أَيْ وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ خَبَرِيَّةً لَفْظًا أَوْ مَعْنًى خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ يَاسِينُ. قَوْلُهُ: [وَالتَّابِعُ يَشْرُفُ بِشَرَفِ الْمَتْبُوعِ] : لِمَا ذَكَرُوهُ فِي الْخَصَائِصِ عِنْدَ قَوْلِ الْبُوصِيرِيِّ: وَلَك الْأُمَّةُ الَّتِي غَبَطَتْهَا ... بِك لَمَا أَتَيْتَهَا الْأَنْبِيَاءُ إنَّ اللَّهَ جَمَعَ فِي نَبِيِّنَا جَمِيعَ مَا تَفَرَّقَ فِي الْأَنْبِيَاءِ مِنْ الْكَمَالَاتِ، وَجَمَعَ فِي أُمَّتِهِ جَمِيعَ مَا تَفَرَّقَ فِي الْأُمَمِ مِنْهَا، وَكَفَاهُمْ قَوْله تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] الْآيَةَ.

وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ؛ وَالْكَلَامُ فِي الْآلِ وَالصَّحْبِ مَشْهُورٌ. (وَبَعْدُ فَهَذَا كِتَابٌ جَلِيلٌ اقْتَطَفْته مِنْ ثِمَارِ مُخْتَصَرِ الْإِمَامِ خَلِيلٍ) الْكَلَامُ فِي بَعْدُ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ مَشْهُورٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مَشْهُورٌ] : أَمَّا الْآلُ فِي مَقَامِ الزَّكَاةِ فَهُمْ عِنْدَنَا بَنُو هَاشِمٍ لَا الْمُطَّلِبِ، وَأَمَّا فِي مَقَامِ الدُّعَاءِ فَكُلُّ مُؤْمِنٍ وَلَوْ عَاصِيًا، وَأَمَّا فِي مَقَامِ الْمَدْحِ فَكُلُّ تَقِيٍّ لِمَا فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «آلُ مُحَمَّدٍ كُلُّ تَقِيٍّ» ، وَأَصْحَابُهُ كُلُّ مَنْ اجْتَمَعَ بِهِ فِي حَيَاتِهِ بَعْدَ الْبَعْثَةِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يَطُولُ. قَوْلُهُ: [الْكَلَامُ فِي بَعْدُ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ مَشْهُورٌ] : أَيْ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ لِشُهْرَتِهِ، وَلْنَذْكُرْ لَك زُبْدَةَ ذَلِكَ لِيَطْمَئِنَّ بِهَا الْخَاطِرُ؛ فَبَعْدُ يَتَعَلَّقُ بِهَا تِسْعَةُ مَبَاحِثَ: الْأَوَّلُ فِي وَاوِهَا، الثَّانِي: فِي مَوْضِعِهَا، الثَّالِثُ: فِي مَعْنَاهَا، الرَّابِعُ: فِي إعْرَابِهَا، الْخَامِسُ: فِي الْعَامِلِ فِيهَا، السَّادِسُ: فِي أَصْلِهَا، السَّابِعُ: فِي حُكْمِ الْإِتْيَانِ بِهَا، الثَّامِنُ: فِي أَوَّلِ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَا، التَّاسِعُ: فِي الْفَاءِ بَعْدَهَا. فَأَمَّا الْوَاوُ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ لِعَطْفِ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا عَطْفِ قِصَّةٍ عَلَى قِصَّةٍ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ نَائِبَةً عَنْ أَمَّا الَّتِي هِيَ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ، وَقَدْ تَكُونُ لِلتَّأْكِيدِ مَعَ التَّفْصِيلِ فِي غَيْرِ مَا هُنَا. وَأَمَّا مَوْضِعُهَا فَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِمْ هِيَ كَلِمَةٌ يُؤْتَى بِهَا لِلِانْتِقَالِ مِنْ أُسْلُوبٍ إلَى آخَرَ، أَيْ مِنْ غَرَضٍ إلَى آخَرَ، فَلَا تَقَعُ بَيْنَ كَلَامَيْنِ مُتَّحِدَيْنِ، وَلَا أَوَّلَ الْكَلَامِ وَلَا آخِرَهُ، فَإِنْ وَقَعَتْ بَيْنَ كَلَامَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ بَيْنَهُمَا عَدَمُ مُنَاسَبَةٍ سُمِّيَ اقْتِضَابًا مَحْضًا، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةٌ كُلِّيَّةٌ سُمِّيَ تَخَلُّصًا، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَوْعُ مُنَاسَبَةٍ كَمَا هُنَا، سُمِّيَ اقْتِضَابًا مَشُوبًا بِتَخَلُّصٍ، فَمِثَالُ الِاقْتِضَابِ الْمَحْضِ قَوْلُ الشَّاعِرِ: لَوْ رَأَى اللَّهُ أَنَّ فِي الشَّيْبِ خَيْرًا ... جَاوَتْهُ الْأَبْرَارُ فِي الْخُلْدِ شِيبَا كُلُّ يَوْمٍ تُبْدِي صُرُوفُ اللَّيَالِي ... خُلُقًا مِنْ أَبِي سَعِيد غَرِيبَا وَمِثَالُ التَّخَلُّصِ قَوْلُ الشَّاعِرِ أَيْضًا: أَمَطْلَعَ الشَّمْسِ تَبْغِي أَنْ تَؤُمَّ بِنَا ... فَقُلْت كَلًّا وَلَكِنْ مَطْلَعَ الْجُودِ وَأَمَّا مَعْنَاهَا فَهُوَ نَقِيضُ قَبْلُ، وَتَكُونُ ظَرْفَ زَمَانٍ كَثِيرًا وَمَكَانٍ قَلِيلًا، وَهِيَ هُنَا لِلزَّمَانِ لَا غَيْرُ، وَقَوْلُهُمْ إنَّهَا لِلْمَكَانِ بِاعْتِبَارِ الرَّقْمِ بَعِيدٌ كَمَا حَقَّقَهُ الشَّارِحُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا إعْرَابُهَا فَلَهَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ: تُعْرَبُ فِي ثَلَاثَةٍ وَتُبْنَى فِي حَالَةٍ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ. وَأَمَّا الْعَامِلُ فِيهَا فَهُوَ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ عَاطِفَةٌ مُقَدَّرٌ بِ أَقُولُ وَنَحْوِهِ، وَعَلَى أَنَّهَا نَائِبَةٌ عَنْ أَمَّا، فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الشَّرْطِ فَالْعَامِلُ فِيهَا فِعْلُ الشَّرْطِ، وَالتَّقْدِيرُ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ، أَوْ الْعَامِلُ فِيهَا الْوَاوُ النَّائِبَةُ عَنْ أَمَّا النَّائِبَةِ عَنْ مَهْمَا، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْجَزَاءِ كَانَتْ مَعْمُولَةً لِلْجَزَاءِ، وَالتَّقْدِيرُ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ فَأَقُولُ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ، وَجَعْلُهَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْجَزَاءِ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَكُونُ وُجُودُ الْمُؤَلَّفِ مُعَلَّقًا عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ مُطْلَقٍ. وَأَمَّا أَصْلُهَا فَهُوَ أَمَّا، وَأَصْلُ أَمَّا مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا الْأَصْلُ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ نَائِبَةٌ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهَا عَاطِفَةٌ فَالْأَصْلُ، وَأَقُولُ بَعْدُ إلَخْ. وَأَمَّا حُكْمُ الْإِتْيَانِ بِهَا فَالِاسْتِحْبَابُ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ كَانَ يَأْتِي بِأَصْلِهَا وَهُوَ أَمَّا بَعْدُ فِي خُطَبِهِ وَمُكَاتَبَاتِهِ. وَأَمَّا أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَا فَقَدْ نَظَمَ الْخِلَافَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: جَرَى الْخُلْفُ أَمَّا بَعْدُ مَنْ كَانَ بَادِئًا ... بِهَا خَمْسُ أَقْوَالٍ وَدَاوُد أَقْرَبُ وَكَانَتْ لَهُ فَصْلَ الْخِطَابِ وَبَعْدَهُ ... فَقُسٌّ فَسَحْبَانُ فَكَعْبٌ فَيَعْرُبُ وَأَمَّا الْفَاءُ بَعْدَهَا فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْوَاوَ عَاطِفَةٌ فَالْفَاءُ زَائِدَةٌ عَلَى تَوَهُّمِ وُجُودِ أَمَّا، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا نَائِبَةٌ عَنْ أَمَّا فَالْفَاءُ رَابِطَةٌ لِلْجَوَابِ. وَفِي هَذَا الْقَدْرِ كِفَايَةٌ. وَأَمَّا اسْمُ الْإِشَارَةِ فَفِيهِ احْتِمَالَاتٌ سَبْعَةٌ أَبْدَاهَا السَّيِّدُ الْجُرْجَانِيِّ: وَهِيَ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى الْأَلْفَاظِ أَوَالنُّقُوشِ أَوْ الْمَعَانِي أَوْ الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي، أَوْ الْمَعَانِي وَالنُّقُوشِ أَوْ الْأَلْفَاظِ وَالنُّقُوشِ، أَوْ الثَّلَاثَةِ. اخْتَارَ السَّيِّدُ الْجُرْجَانِيِّ مِنْهَا أَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى الْأَلْفَاظِ الْخَارِجِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ فَبَحَثَ فِيهِ بِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ تَنْقَضِي بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِهَا، وَالْحَقُّ أَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى مَا فِي الذِّهْنِ، وَاسْمُ الْإِشَارَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُبْتَدَأٌ وَكِتَابٌ خَبَرٌ. وَإِنْ قُلْت مَا فِي الذِّهْنِ مُجْمَلٌ وَالْكِتَابُ اسْمٌ لِلْمُفَصَّلِ فَلَا يَصِحُّ الْإِخْبَارُ. أُجِيبَ بِأَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفَ مُضَافٍ أَيْ مُفَصَّلُ هَذَا كِتَابٌ. فَإِنْ قُلْت: مَا فِي ذِهْنِ الْمُؤَلِّفِ جُزْئِيٌّ وَالْكِتَابُ اسْمٌ لِمَا فِي ذِهْنِ الْمُؤَلِّفِ وَغَيْرِهِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ الْإِخْبَارُ بِالْكُلِّيِّ عَنْ الْجُزْئِيِّ. أُجِيبَ بِأَنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفَ مُضَافٍ ثَانٍ. أَيْ مُفَصَّلُ نَوْعِ

وَالْكِتَابُ اسْمٌ لِلنُّقُوشِ الدَّالَّةِ عَلَى الْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ لِمَعَانِيهَا، وَجَلِيلٌ نَعْتٌ لَهُ، وَمَعْنَاهُ عَظِيمُ الشَّأْنِ، لِمَا اشْتَمَلَ عَلَى الْأَحْكَامِ النَّفِيسَةِ مَعَ سُهُولَةِ الْأَلْفَاظِ وَعُذُوبَتِهَا وَاخْتِصَارِهَا اخْتِصَارًا لَا يُخِلُّ بِالْمَعَانِي. وَمَعْنَى اقْتَطَفْته إلَخْ أَخَذْته وَجَمَعْته مِنْ مَعَانِي مُخْتَصَرِ الْإِمَامِ الْجَلِيلِ أَبِي الضِّيَاءِ خَلِيلِ بْنِ إِسْحَاقَ، كَانَ مَعَ وُفُورِ عِلْمِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الْعَارِفِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَشَيْخِهِ الْإِمَامِ سَيِّدِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَعَنَّا بِهِمْ، وَقَدْ شَبَّهَ الْمُخْتَصَرَ الْمَذْكُورَ بِرَوْضَةٍ مُثْمِرَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا كِتَابٌ. وَالْإِشْكَالُ الْأَوَّلُ لَا يَرِدُ إلَّا عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ الذِّهْنَ لَا يَقُومُ بِهِ الْمُفَصَّلُ، وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ الْكِتَابَ لَا يَكُونُ اسْمًا لِلْمُجْمَلِ، وَعَلَى تَسْلِيمِ عَدَمِ صِحَّةِ الْإِخْبَارِ بِالْمُفَصَّلِ عَنْ الْمُجْمَلِ، وَإِلَّا فَلَا يُحْتَاجُ لِتَقْدِيرِ الْمُضَافِ الْأَوَّلِ، وَالْإِشْكَالُ الثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى مَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ أَسْمَاءَ الْكُتُبِ مِنْ قَبِيلِ عِلْمِ الْجِنْسِ، وَأَسْمَاءَ الْعُلُومِ مِنْ قَبِيلِ عِلْمِ الشَّخْصِ، وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الشَّيْءُ لَا يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ مَحَلِّهِ فَالْكُلُّ مِنْ قَبِيلِ عِلْمِ الشَّخْصِ، وَإِنْ كَانَ الشَّيْءُ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ مَحَلِّهِ فَالْكُلُّ مِنْ قَبِيلِ عِلْمِ الْجِنْسِ، وَالْفَرْقُ تَحَكُّمٌ وَكَوْنُ الشَّيْءِ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ مَحَلِّهِ أَوْهَامٌ فَلْسَفِيَّةٌ لَا يُعْتَدُّ بِهَا، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ الْمُضَافِ الثَّانِي أَيْضًا. قَوْلُهُ: [اسْمٌ لِلنُّقُوشِ إلَخْ] : فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الشَّارِحُ اخْتَارَ أَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ عَائِدٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَهُوَ أَحَدُ الِاحْتِمَالَاتِ السَّبْعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. قَوْلُهُ: ابْنُ إِسْحَاقَ: بْنُ مُوسَى وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا فِي الْحَطَّابِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ وَهَمَ ابْنُ غَازِيٍّ فِي إبْدَالِ مُوسَى بِيَعْقُوبَ. قَوْلُهُ: [مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الْعَارِفِينَ] : أَيْ لِكَوْنِهِ كَانَ مُجَاهِدًا لِنَفْسِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ مَكَثَ عِشْرِينَ سَنَةً بِمِصْرَ لَمْ يَرَ النِّيلَ لِاشْتِغَالِهِ بِرَبِّهِ، وَكَانَ يَلْبَسُ لُبْسَ الْجُنْدِ الْمُتَقَشِّفِينَ، وَلَهُ وَلِشَيْخِهِ كَرَامَاتٌ ذَكَرَ الْأَصْلُ بَعْضَهَا. قَوْلُهُ: [بِرَوْضَةٍ مُثْمِرَةٍ] : أَيْ وَطَوَى ذِكْرَ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَذِكْرُ الثِّمَارِ تَخْيِيلٌ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، وَالِاقْتِطَافُ تَرْشِيحٌ وَالْجَامِعُ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ الِانْتِفَاعُ التَّامُّ فِي كُلٍّ، فَإِنَّ الرَّوْضَةَ بِهَا انْتِفَاعُ الْأَجْسَادِ وَبِالْمُخْتَصَرِ انْتِفَاعُ الْأَرْوَاحِ.

وَذِكْرُ الثِّمَارِ تَخْيِيلٌ لِلْمَكْنِيَّةِ (فِي مَذْهَبِ إمَامِ أَئِمَّةِ دَارِ التَّنْزِيلِ) فِي مَذْهَبِ نَعْتٌ لِلْمُخْتَصَرِ الْمَذْكُورِ أَيْ الْكَائِنُ ذَلِكَ الْمُخْتَصَرُ فِي مَذْهَبِ إمَامِ أَئِمَّةِ دَارِ التَّنْزِيلِ، وَهِيَ الْمَدِينَةُ الْمُنَوَّرَةُ، وَالتَّنْزِيلُ: الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فِي مَذْهَبٍ] : هُوَ فِي الْأَصْلِ مَحَلُّ الذَّهَابِ كَالطَّرِيقِ الْمَحْسُوسَةِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الِاجْتِهَادِيَّةِ، فَقَدْ شَبَّهَ الْأَحْكَامَ الَّتِي ذَهَبَ إلَيْهَا وَاعْتَقَدَهَا بِطَرِيقٍ يُوصِلُ إلَى الْمَقْصُودِ، وَاسْتَعَارَ اسْمَ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا التَّوَصُّلُ لِلْمَقْصُودِ فِي كُلٍّ، عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] . قَوْلُهُ: [أَئِمَّةِ] : جَمْعُ إمَامٍ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْمُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ مَنْ بَلَغَ رُتْبَةَ أَهْلِ الْفَضْلِ وَلَوْ صَغِيرًا، وَأَصْلُ أَئِمَّةِ: أَأْمِمَةٍ نُقِلَتْ كَسْرَةُ الْمِيمِ الْأُولَى إلَى الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ أُدْغِمَتْ الْمِيمُ فِي الْمِيمِ فَصَارَ أَئِمَّةٌ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ أَوْ بِتَسْهِيلِ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: (دَارِ التَّنْزِيلِ) : أَيْ الْقُرْآنِ لِنُزُولِ غَالِبِهِ بِهَا. قَوْلُهُ: [وَهِيَ الْمَدِينَةُ الْمُنَوَّرَةُ] : أَيْ بِأَنْوَارِ الْمُصْطَفَى لِأَنَّهُ أَنَارَهَا حِسًّا وَمَعْنًى، وَلَهَا أَسْمَاءٌ كَثِيرَةٌ أَنْهَاهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى تِسْعِينَ، مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْمَتْنُ وَالشَّرْحُ، مِنْهَا قُبَّةُ الْإِسْلَامِ، وَمَدِينَةُ الرَّسُولِ، وَطَيْبَةُ، وَطَابَةُ، وَالرَّاحِمَةُ، وَالْمَرْحُومَةُ، وَالْهَادِيَةُ، وَالْمَهْدِيَّةُ، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا بِيَثْرِبَ فَمَكْرُوهٌ وَمَا فِي الْآيَةِ حِكَايَةٌ عَنْ الْمُنَافِقِينَ. قَوْلُهُ: مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ غَيْمَانَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَوَّلَهُ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ابْنُ خُثَيْلٍ - بِالْمُثَلَّثَةِ مُصَغَّرٌ أَوَّلُهُ خَاءٌ مُعْجَمَةٌ وَيُقَالُ بِالْجِيمِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ - مِنْ ذِي أَصْبَحَ بَطْنٌ مِنْ حِمْيَرَ فَهُوَ مِنْ بُيُوتِ الْمُلُوكِ وَعَادَةُ مُلُوكِهِمْ يَزِيدُونَ فِي الْعِلْمِ ذَا تَعْظِيمًا: أَيْ صَاحِبُ هَذَا الِاسْمِ. وَأُمُّ الْإِمَامِ اسْمُهَا الْعَالِيَةُ بِنْتُ شَرِيكٍ الْأَزْدِيَّةُ، وَقِيلَ طُلَيْحَةُ مَوْلَاةُ عَامِرٍ بِنْتُ مَعْمَرٍ، وَكَانَ أَبُو الْإِمَامِ وَجَدُّهُ مِنْ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ، وَجَدُّهُ مَالِكٌ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ حَمَلُوا عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى قَبْرِهِ لَيْلًا وَدَفَنُوهُ بِالْبَقِيعِ، وَأَبُوهُ أَبُو عَامِرٍ صَحَابِيٌّ شَهِدَ الْمَغَازِي كُلَّهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلَا بَدْرًا، وَالْإِمَامُ تَابِعُ التَّابِعِينَ وَقِيلَ تَابِعِيٌّ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ

وَإِذَا كَانَ إمَامَ أَئِمَّةِ الْمَدِينَةِ - مَعَ عِظَمِ شَأْنِهِمْ - كَانَ إمَامًا لِغَيْرِهِمْ بِالْأَوْلَى. فَهُوَ إمَامُ الْأَئِمَّةِ لَا بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، بَلْ بِشَهَادَةِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ. يَحْكُمُ بِذَلِكَ كُلُّ مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَائِشَةَ بِنْتَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - وَقِيلَ بِصُحْبَتِهَا - وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا لَيْسَتْ صَحَابِيَّةً. وَهُوَ عَالِمٌ الْمَدِينَةِ. لَمْ تُشَدَّ الرِّحَالُ لِعَالِمٍ بِهَا كَمَا شُدَّتْ لَهُ حَتَّى يُحْمَلَ عَلَيْهِ. وَنَاهِيك مَا اُشْتُهِرَ: لَا يُفْتَى وَمَالِكٌ بِالْمَدِينَةِ. رَوَى الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ بِرِوَايَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ: «يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَلَا يَجِدُونَ أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ» . وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظٍ: «يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ أَكْبَادَ الْإِبِلِ» . وَيُرْوَى: «آبَاطَ الْإِبِلِ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ فَلَا يَجِدُونَ عَالِمًا أَفْقَهَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ» قَالَ سُفْيَانُ: كَانُوا يَرَوْنَهُ مَالِكًا. قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: يَعْنِي سُفْيَانَ بِقَوْلِهِ كَانُوا يَرَوْنَهُ: التَّابِعِينَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَيْرِ الْقُرُونِ. وَيُرْوَى: «لَا تَنْقَضِي السَّاعَةُ حَتَّى يَضْرِبَ النَّاسُ أَكْبَادَ الْإِبِلِ» ، إلَخْ اُنْظُرْ (ح) . وَبِالْجُمْلَةِ مَتَى قِيلَ: هَذَا قَوْلُ عَالِمِ الْمَدِينَةِ، فَهُوَ الْمُرَادُ. وَفِي (ح) أَيْضًا: مَا أَفْتَى مَالِكٌ حَتَّى أَجَازَهُ أَرْبَعُونَ مُحَنَّكًا. وَالتَّحْنِيكُ فِي الْعِمَامَةِ شَأْنُ الْأَئِمَّةِ. وَعَنْ مَالِكٍ: جَالَسْت ابْنَ هُرْمُزَ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً فِي عِلْمٍ لَمْ أَبُثَّهُ لِأَحَدٍ، وَمَذْهَبُهُ عُمْرِي؛ سَدُّ الْحِيَلِ وَاتِّقَاءُ الشُّبُهَاتِ. وَلَمْ يَعْتَزِلْ مَالِكِيٌّ قَطُّ وَعَلَيْهِ أَهْلُ الْغَرْبِ الْوَارِدُ بَقَاؤُهُمْ عَلَى الْحَقِّ. وَأَلَّفَ السُّيُوطِيّ كِتَابًا يُسَمَّى " تَزْيِينُ الْمَمَالِكِ فِي تَرْجَمَةِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " أَثْبَتَ فِيهِ أَخْذَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْهُ. قَالَ: وَأَلَّفَ الدَّارَقُطْنِيُّ جُزْءًا فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي رَوَاهَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْهُ. بَلْ رَوَى عَنْ الْإِمَامِ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ سِنًّا مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَقْدَمُ وَفَاةً، كَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ، وَهُمَا مِنْ شُيُوخِ مَالِكٍ وَأَخَذَا عَنْهُ، فَأَوْلَى قَرِينُهُ. وَمِنْ شُيُوخِ مَالِكٍ مِنْ غَيْرِ التَّابِعِينَ: نَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ الْقَارِئُ؛ قَرَأَ عَلَيْهِ مَالِكٌ

كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (اقْتَصَرْت فِيهِ عَلَى أَرْجَحِ الْأَقَاوِيلِ) هَذَا نَعْتٌ لِكِتَابٍ؛ أَيْ كِتَابٌ اقْتَصَرْت فِيهِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي حُكْمٍ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ عِنْدَ الْأَشْيَاخِ. فَلَمْ يَقَعْ فِيهِ ذِكْرُ الْقَوْلَيْنِ إلَّا قَلِيلًا حَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ تَرْجِيحٌ لِأَحَدِهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقُرْآنَ. وَرَوَى هُوَ عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ غَيْرُ نَافِعٍ التَّابِعِيِّ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ. وَحَمَلَتْ بِالْإِمَامِ أُمُّهُ ثَلَاثَ سِنِينَ. وَكَانَتْ وِلَادَتُهُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ عَلَى الْأَشْهَرِ بِذِي الْمَرْوَةِ؛ مَوْضِعٌ مِنْ مَسَاجِدِ تَبُوكَ عَلَى ثَمَانِيَةِ بُرُدٍ مِنْ الْمَدِينَةِ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ يَوْمَ الْأَحَدِ لِتَمَامِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ. وَصَلَّى عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ وَالِيًا عَلَى الْمَدِينَةِ. وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ وَقَبْرُهُ مَشْهُورٌ وَعَلَيْهِ قُبَّةٌ، وَبِجَانِبِهِ قَبْرٌ لِنَافِعٍ؛ قِيلَ: نَافِعٌ الْقَارِئُ أَوْ هُوَ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ. وَمَنَاقِبُهُ وَفَضْلُهُ أَظْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ فِي رَابِعَةِ النَّهَارِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنَّا بِهِ. قَوْله: قَلْبٌ: أَيْ عَقْلٌ كَامِلٌ. وَقَوْلُهُ: (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ إلَخْ) : أَيْ صَغَى بِسَمْعِهِ وَهُوَ حَاضِرٌ بِقَلْبِهِ لِمَا يُذْكَرُ مِنْ مَنَاقِبِ الْإِمَامِ، وَفِيهِ اقْتِبَاسٌ مِنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ. قَوْلُهُ: [أَرْجَحِ الْأَقَاوِيلِ] : أَيْ أَقْوَاهَا إنْ وُجِدَ رَاجِحٌ وَأَرْجَحُ، وَعَلَى الرَّاجِحِ إنْ وُجِدَ رَاجِحٌ وَمَرْجُوحٌ. فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ فِي كَلَامِهِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ دَائِمًا كَمَا يُفِيدُهُ حَلُّ الشَّارِحِ. وَالرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ: مَا قَوِيَ دَلِيلُهُ وَالْمَشْهُورُ: مَا كَثُرَ قَائِلُهُ. وَلَكِنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِالْأَرْجَحِ وَالرَّاجِحِ: الْقَوِيُّ وَالْأَقْوَى؛ إمَّا لِقُوَّةِ دَلِيلِهِ أَوْ لِكَثْرَةِ قَائِلِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مُلْتَزِمًا لِاصْطِلَاحَاتِ الْمُخْتَصَرِ. مَسْأَلَةٌ: لِلْمُفْتِي إذَا اُسْتُفْتِيَ فِي مَسْأَلَةٍ فِيهَا قَوْلَانِ أَنْ يَحْمِلَ الْمُسْتَفْتِيَ عَلَى أَيِّهِمَا. وَقِيلَ: بَلْ يُخْبِرُهُ بِالْقَائِلَيْنِ، فَيُقَلِّدُ أَيَّهُمَا أَحَبَّ كَمَا لَوْ كَانُوا أَحْيَاءً. وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لِلتَّرْجِيحِ، وَإِلَّا فَلْيُرَجِّحْ أَحَدَ الْأَقْوَالِ - اُنْظُرْ الْأُجْهُورِيَّ. مَسْأَلَةٌ أُخْرَى - فِي الْحَطَّابِ: أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ بِفَتْوَاهُ مُجْتَهِدًا لَا يَضْمَنُ، وَمُقَلِّدًا يَضْمَنُ إنْ انْتَصَبَ أَوْ تَوَلَّى فِعْلَ مَا أَفْتَى بِهِ، وَإِلَّا - فَغُرُورٌ قَوْلِيٌّ لَا ضَمَانَ فِيهِ، وَيُزْجَرُ. وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ اشْتِغَالٌ بِالْعِلْمِ، أُدِّبَ وَتَجُوزُ الْأُجْرَةُ عَلَى الْفُتْيَا إنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ. وَذُكِرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ تَقْدِيمُ الشَّاذِّ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى مَذْهَبِ الْغَيْرِ، وَالْأَشْيَاخُ عَلَى عَكْسِهِ.

(مُبَدِّلًا غَيْرَ الْمُعْتَمَدِ مِنْهُ بِهِ، مَعَ تَقْيِيدِ مَا أَطْلَقَهُ وَضِدِّهِ، لِلتَّسْهِيلِ) : مُبَدِّلًا، حَالٌ مِنْ فَاعِلِ اقْتَصَرْت، أَيْ حَالَ كَوْنِي مُبَدِّلًا غَيْرَ الْمُعْتَمَدِ مِنْ الْمُخْتَصَرِ بِالْمُعْتَمَدِ، مَعَ تَقْيِيدِ الْحُكْمِ الَّذِي أَطْلَقَهُ الشَّيْخُ - وَحَقُّهُ التَّقْيِيدُ - وَمَعَ إطْلَاقِ مَا قَيَّدَهُ - وَحَقُّهُ الْإِطْلَاقُ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِي: (وَضِدِّهِ) . وَقَوْلُهُ: لِلتَّسْهِيلِ: عِلَّةٌ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْإِبْدَالِ وَمَا مَعَهُ. أَيْ فَعَلْت ذَلِكَ لِأَجْلِ أَنْ يَسْهُلَ الْأَمْرُ عَلَى الطَّالِبِ الْمُسْتَفِيدِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَالتَّقْيِيدِ فِي مَحَلِّ الْإِطْلَاقِ - وَعَكْسُهُ - فِيهِ خَفَاءٌ وَصُعُوبَةٌ عَلَى الطَّالِبِ، لِإِيجَابِهِ اعْتِقَادَ خِلَافِ الْوَاقِعِ. (وَسَمَّيْته: أَقْرَبَ الْمَسَالِكِ لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ) الْمَسَالِكُ جَمْعُ مَسْلَكٍ: أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَسْأَلَةٌ أُخْرَى - فِي (شب) : أَنَّهُ يُمْتَنَعُ تَتَبُّعُ رُخَصِ الْمَذَاهِبِ. وَفَسَّرَهَا بِمَا يُنْقَضُ بِهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ مِنْ مُخَالِفِ النَّصِّ وَجَلِيِّ الْقِيَاسِ. وَلِغَيْرِهِ: أَنَّ مَعْنَاهُ رَفْعُ مَشَقَّةِ التَّكْلِيفِ بِاتِّبَاعِ كُلِّ سَهْلٍ. وَفِيهِ أَيْضًا مَنْعُ التَّلْفِيقِ. وَاَلَّذِي قَالَهُ شَيْخُنَا الْأَمِيرُ عَنْ شَيْخِهِ الْعَدَوِيِّ عَنْ شَيْخِهِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُهُ، وَهُوَ فُسْحَةٌ. لَكِنْ لَا يَنْبَغِي فِعْلُهَا فِي النِّكَاحِ، لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِي الْفُرُوجِ مَا لَا يُحْتَاطُ فِي غَيْرِهَا. قَوْلُهُ: مُبْدِلًا: أَيْ مُعَوِّضًا. قَوْلُهُ: غَيْرَ الْمُعْتَمَدِ: أَيْ غَيْرَ الْقَوِيِّ. وَقَوْلُهُ: [بِهِ] : أَيْ بِالْمُعْتَمَدِ، بِمَعْنَى الْقَوِيِّ سَوَاءٌ كَانَتْ قُوَّتُهُ لِرُجْحَانِهِ أَوْ لِشُهْرَتِهِ - وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَصْلَ - الَّذِي هُوَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ - إذَا مَشَى عَلَى طَرِيقَةٍ قَالَ الْأَشْيَاخُ بِضَعْفِهَا، أَبْدَلَهَا مُصَنِّفُنَا بِمَا اعْتَمَدَتْهُ الْأَشْيَاخُ. قَوْلُهُ: [مَعَ تَقْيِيدِ مَا أَطْلَقَهُ] إلَخْ: كَقَوْلِ الْمُخْتَصَرِ وَسُقُوطُهَا فِي صَلَاةٍ مُبْطِلٌ، فَهَذَا الْإِطْلَاقُ حَقُّهُ التَّقْيِيدُ بِشُرُوطٍ تَأْتِي، فَقَيَّدَهُ مُصَنِّفُنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِتِلْكَ الشُّرُوطِ وَقَوْلُهُ: [وَمَعَ إطْلَاقِ مَا قَيَّدَهُ] إلَخْ: كَقَوْلِهِ فِي الْوُضُوءِ: وَإِنْ عَجَزَ، مَا لَمْ يُطِلْ، فَحَقُّهُ - حَيْثُ كَانَ الْعَجْزُ حَقِيقِيًّا - الْإِطْلَاقُ، وَقَدْ أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهَكَذَا فَلْتَقِسْ. قَوْلُهُ: [وَسَمَّيْته] إلَخْ: أَيْ وَضَعْت ذَلِكَ التَّرْكِيبَ اسْمًا لَهُ؛ لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْمُؤَلِّفِينَ تَسْمِيَةَ أَنْفُسِهِمْ وَكُتُبِهِمْ لِأَجْلِ الرَّغْبَةِ وَالِانْتِفَاعِ بِهَا، لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يُرْغَبُ فِيهِ، وَالضَّمِيرُ الْبَارِزُ فِي [سَمَّيْته] : مَفْعُولٌ أَوَّلٌ لَسَمَّى، وَ [أَقْرَبَ] : مَفْعُولُهُ الثَّانِي، وَمَادَّةُ التَّسْمِيَةِ تَارَةً

مَحَلُّ السُّلُوكِ أَيْ الذَّهَابُ، فَالْمَسْلَكُ الطَّرِيقُ الْمَسْلُوكُ فِيهِ. وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْكُتُبُ الْمُؤَلَّفَةُ فِي الْمَذْهَبِ. وَسَمَّاهُ بِذَلِكَ لِيُطَابِقَ الِاسْمُ الْمُسَمَّى؛ إذْ الْكُتُبُ الْمُؤَلَّفَةُ فِي الْمَذْهَبِ لَا تَخْلُو عَنْ صُعُوبَةٍ، وَهَذَا الْكِتَابُ سَهْلٌ مُنَقَّحٌ. وَيُقَرِّبُ الْأَقْصَى بِلَفْظٍ مُوجَزٍ وَيَبْسُطُ الْبَذْلَ بِوَعْدٍ مُنْجَزٍ وَقَوْلُهُ: (لِمَذْهَبِ) : مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسَالِكِ. (وَأَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ كَمَا نَفَعَ بِأَصْلِهِ إنَّهُ عَلِيٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَتَعَدَّى لِلثَّانِي بِنَفْسِهَا أَوْ بِالْبَاءِ. قَوْلُهُ: [وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْكُتُبُ] : أَيْ فَقَدْ شَبَّهَ الْكُتُبَ الْمُؤَلَّفَةَ فِي الْمَذْهَبِ بِطُرُقٍ تُوصِلُ إلَى مَدِينَةٍ مَثَلًا، وَاسْتَعَارَ اسْمَ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ. وَإِضَافَتُهَا لِلْمَذْهَبِ قَرِينَةٌ مَانِعَةٌ. وَلَك أَنْ تَجْعَلَ [فِي الْمَذْهَبِ] : بِمَعْنَى الْأَحْكَامِ؛ اسْتِعَارَةً بِالْكِنَايَةِ، بِأَنْ يُقَالَ: شَبَّهَ مَذْهَبَ مَالِكٍ بِمَدِينَةٍ يُتَوَصَّلُ إلَيْهَا بِطُرُقٍ عَدِيدَةٍ، وَطَوَى ذِكْرَ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَرَمَزَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ لَوَازِمِهِ - وَهُوَ الْمَسَالِكُ - عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ بِالْكِنَايَةِ وَذِكْرُ الْمَسَائِلِ تَخْيِيلٌ. قَوْلُهُ: [يُقَرِّبُ الْأَقْصَى] إلَخْ: مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ: تُقَرِّبُ الْأَقْصَى بِلَفْظٍ مُوجَزٍ ... وَتَبْسُطُ الْبَذْلَ بِوَعْدٍ مُنْجَزٍ وَإِسْنَادُ التَّقْرِيبِ لِلْكِتَابِ: مَجَازٌ عَقْلِيٌّ مِنْ الْإِسْنَادِ لِلسَّبَبِ. وَالْأَقْصَى صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ الْمَعْنَى الْأَبْعَدُ الَّذِي فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، وَمِنْ بَابٍ أَوْلَى الْبَعِيدُ. وَالْمُوجَزُ: الْمُخْتَصَرُ، وَالْبَسْطُ: التَّوْسِعَةُ. وَالْبَذْلُ: الْعَطَاء أَيْ الْمُعْطَى. وَالْوَعْدُ: مَا كَانَ بِخَيْرٍ ضِدُّ الْوَعِيدِ. وَالْمُنْجَزُ: الْمُبْرَمُ. وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ شَبَّهَ كِتَابَهُ بِشَخْصٍ كَرِيمٍ ذِي عَطَايَا وَاسِعَةٍ يَعِدُ وَلَا يُخْلِفُ. وَطَوَى ذِكْرَ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَرَمَزَ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ لَوَازِمِهِ وَهُوَ الْبَسْطُ وَالْبَذْلُ وَالْوَعْدُ، فَالْبَذْلُ تَخْيِيلٌ، وَالْبَسْطُ وَالْوَعْدُ تَرْشِيحَانِ. قَوْلُهُ: [كَمَا نَفَعَ بِأَصْلِهِ] : مَا مَصْدَرِيَّةٌ تُسْبَكُ مَعَ مَا بَعْدَهَا بِمَصْدَرٍ. وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ وَالتَّقْدِيرُ: وَأَسْأَلُ اللَّهَ النَّفْعَ بِهِ نَفْعًا كَائِنًا كَالنَّفْعِ بِأَصْلِهِ. قَوْلُهُ: [إنَّهُ عَلِيٌّ] إلَخْ: بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ الْمُضَمَّنِ مَعْنَى التَّعْلِيلَ،

حَكِيمٌ، رَءُوفٌ رَحِيمٌ) سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى النَّفْعَ بِهَذَا الْكِتَابِ لِأَنَّهُ لَا يُسْأَلُ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ. وَالنَّفْعُ ضِدُّ الضُّرِّ. وَحَذَفَ الْمَعْمُولَ لِإِفَادَةِ الْعُمُومِ. أَيْ يَنْفَعُ بِهِ كُلَّ مَنْ قَرَأَهُ أَوْ كَتَبَهُ أَوْ حَصَّلَهُ، كَمَا نَفَعَ بِأَصْلِهِ الَّذِي هُوَ مُخْتَصَرُ الشَّيْخِ. وَاعْلَمْ أَنِّي مَتَى أَطْلَقْت لَفْظَ الشَّيْخِ فِي هَذَا الْكِتَابِ أَوْ أَتَيْت بِضَمِيرِ الْغَائِبِ لِغَيْرِ مَذْكُورٍ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمُصَنِّفُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْعَلِيُّ: الْمُنَزَّهُ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ. وَالْحَكِيمُ: ذُو الْحِكْمَةِ وَالصُّنْعِ الَّذِي يَضَعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي مَحَلِّهِ، وَالرَّءُوفُ: شَدِيدُ الرَّحْمَةِ، وَالرَّحِيمُ: ذُو الرَّحْمَةِ. وَحِكْمَةُ تَوَسُّلِهِ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ: إفَادَتُهَا أَنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنْ الْأَغْرَاضِ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَحْكَامِ يُعْطِي مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ وَمِنْ غَيْرِ تَهَيُّؤِ الْعَبْدِ لِلْعَطَايَا يُعْطِي الْحِكَمَ؛ وَهِيَ الْعُلُومُ النَّافِعَةُ لِشِدَّةِ رَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ لَا يُسْأَلُ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ] : هَذَا الْحَصْرُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ: [إنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ] إلَخْ.

[باب في بيان الطهارة]

بَابٌ فِي بَيَانِ الطَّهَارَةِ وَأَقْسَامِهَا، وَأَحْكَامِهَا، وَالطَّاهِرِ، وَالنَّجِسِ. وَيُسَمَّى كِتَابَ الطَّهَارَةِ. وَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الطَّهَارَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي بَيَانِ الطَّهَارَةِ] [تَعْرِيف الطَّهَارَة وَأَقْسَامهَا] (بَابٌ) : هُوَ فِي الْعُرْفِ مَعْرُوفٌ. وَفِي اللُّغَةِ: فُرْجَةٌ فِي سَاتِرٍ يُتَوَصَّلُ بِهَا مِنْ خَارِجٍ إلَى دَاخِلٍ وَعَكْسُهُ حَقِيقَةٌ فِي الْأَجْسَامِ؛ كَبَابِ الدَّارِ وَمَجَازٌ فِي الْمَعَانِي كَمَا هُنَا. وَفِي الِاصْطِلَاحِ: اسْمٌ لِطَائِفَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُشْتَرَكَةِ فِي أَمْرٍ. وَالْبَابُ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ إمَّا مَرْفُوعٌ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَوْ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَوْ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَوْ مَوْقُوفٌ عَلَى حَدِّ مَا قِيلَ فِي الْأَعْدَادِ الْمَسْرُودَةِ. وَاعْتُرِضَ الْإِعْرَابُ الْأَوَّلُ: بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الِابْتِدَاءُ بِالنَّكِرَةِ، وَيُجَابُ: بِأَنَّ الْمُسَوِّغَ لِلِابْتِدَاءِ بِهَا هُنَا وُقُوعُ الْخَبَرِ جَارًّا وَمَجْرُورًا. وَهُوَ إذَا وَقَعَ خَبَرًا عَنْ نَكِرَةٍ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهَا لِيُسَوَّغَ الِابْتِدَاءُ بِهَا فَيُقَدَّرُ مُقَدَّمًا عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: فِي بَيَانِ الطَّهَارَةِ: بِفَتْحِ الطَّاءِ، وَأَمَّا بِضَمِّهَا فَهُوَ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ، وَأَمَّا بِكَسْرِهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَهُوَ مَا يُضَافُ إلَى الْمَاءِ مِنْ صَابُونٍ وَنَحْوِهِ. وَابْتَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الطَّهَارَةِ لِأَنَّهَا مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ. وَالْكَلَامُ فِي الشَّرْطِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ. وَقَدَّمَ مَا يَكُونُ بِهِ الطَّهَارَةُ وَهُوَ - الْمَاءُ فِي الْغَالِبِ - لِأَنَّهُ إنْ لَمْ: يُوجَدْ هُوَ وَلَا بَدَلُهُ، لَا تُوجَدُ الطَّهَارَةُ؛ فَهُوَ كَالْآلَةِ. وَاسْتَدْعَى الْكَلَامُ فِيهِ الْكَلَامَ عَلَى الْأَعْيَانِ الطَّاهِرَةِ وَالنَّجِسَةِ لِكَيْ يُعْلَمُ مَا يُنَجِّسُ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الطَّهَارَةُ، وَمَا لَا يُنَجِّسُهُ وَمَا يَمْنَعُ التَّلَبُّسَ بِهِ مِنْ التَّقَرُّبِ بِالصَّلَاةِ وَمَا فِي حُكْمِهَا، وَمَا لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ جَرَتْ عَادَتُهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ يَتَعَرَّضُوا لِبَيَانِ حَقَائِقَ سَبْعَةٍ، وَهِيَ: الطَّهَارَةُ وَالنَّجَاسَةُ وَالطَّاهِرُ وَالنَّجِسُ وَالطَّهُورِيَّةُ وَالتَّطْهِيرُ وَالتَّنْجِيسُ، وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى تَعْرِيفِ الطَّهَارَةِ. وَلْنَذْكُرْ لَك الْبَاقِيَ عَلَى طِبْقِ تَعْرِيفِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي. فَتَعْرِيفُ النَّجَاسَةِ: صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ يُمْتَنَعُ بِهَا مَا اُسْتُبِيحَ بِطَهَارَةِ الْخَبَثِ. وَالطَّاهِرُ الْمَوْصُوفُ بِصِفَةٍ حُكْمِيَّةٍ يُسْتَبَاحُ بِهَا مَا مَنَعَهُ الْحَدَثُ أَوْ حُكْمُ الْخَبَثِ. وَالنَّجِسُ - بِكَسْرِ الْجِيمِ - الْمُتَنَجِّسُ: هُوَ الْمَوْصُوفُ بِصِفَةٍ حُكْمِيَّةٍ يُمْتَنَعُ بِهَا مَا أُبِيحَ بِطَهَارَةِ الْخَبَثِ. وَأَمَّا بِفَتْحِهَا: فَهُوَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ، وَتَقَدَّمَ تَعْرِيفُهَا. وَالطَّهُورِيَّةُ بِفَتْحِ الطَّاءِ: صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ يُزَالُ بِمَا قَامَتْ بِهِ الْحَدَثُ وَحُكْمُ الْخَبَثِ. وَهَذَا الْوَصْفُ لَا يَطَّرِدُ إلَّا فِي الْمَاءِ الْمُطْلَقِ. وَالتَّطْهِيرُ: إزَالَةُ النَّجَاسَةِ أَوْ رَفْعُ الْحَدَثِ. وَالتَّنْجِيسُ: تَصْيِيرُ الطَّاهِرِ نَجِسًا. وَقَوْلُهُ: [وَأَقْسَامُهَا] : قَالَ الْأَصْلُ الطَّهَارَةُ قِسْمَانِ: حَدَثِيَّةٌ وَخُبْثِيَّةٌ، وَالْأُولَى مَائِيَّةٌ وَتُرَابِيَّةٌ، وَالْمَائِيَّةُ بِغُسْلٍ وَمَسْحٍ أَصْلِيٍّ أَوْ بَدَلِيٍّ. وَالْبَدَلِيُّ اخْتِيَارِيٌّ أَوْ اضْطِرَارِيٌّ،

وَمَا تَتَحَصَّلُ بِهِ مِنْ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ. فَقَالَ: (الطَّهَارَةُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ يُسْتَبَاحُ بِهَا مَا مَنَعَهُ الْحَدَثُ أَوْ حُكْمُ الْخَبَثِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتُّرَابِيَّةُ بِمَسْحٍ فَقَطْ، وَالْخَبَثِيَّةُ أَيْضًا مَائِيَّةٌ وَغَيْرُ مَائِيَّةٍ، وَالْمَائِيَّةُ بِغُسْلٍ وَنَضْحٍ، وَغَيْرُ الْمَائِيَّةِ بِدَابِغٍ فِي كَيْمَخْتٍ فَقَطْ، وَنَارٍ عَلَى الرَّاجِحِ فِيهِمَا. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُهُمْ: الرَّافِعُ هُوَ الْمُطْلَقُ لَا غَيْرُهُ، فِيهِ نَظَرٌ بِنَاءً عَلَى الرَّاجِحِ. وَعَلَى التَّحْقِيقِ مِنْ أَنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ رَفْعًا مُقَيَّدًا، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُهُ وَإِنَّمَا يُبِيحُ الصَّلَاةَ لَا وَجْهَ لَهُ، إذْ كَيْفَ تَجْتَمِعُ الْإِبَاحَةُ مَعَ الْمَنْعِ أَوْ الْوَصْفِ الْمَانِعِ؟ نَعَمْ الْأَمْرَانِ مَعًا - أَيْ الْحَدَثُ وَحُكْمُ الْخَبَثِ - لَا يَرْفَعُهُمَا إلَّا الْمَاءُ الْمُطْلَقُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَرْفَعُهُمَا مَعًا لِأَنَّ التُّرَابَ إنَّمَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَقَطْ وَالدِّبَاغُ وَالنَّارُ إنَّمَا يَرْفَعَانِ حُكْمَ الْخَبَثِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (وَأَحْكَامُهَا) : وَهِيَ الْوُجُوبُ إذَا تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ عَلَيْهَا أَوْ النَّدْبُ أَوْ السُّنِّيَّةُ إنْ لَمْ تَتَوَقَّفْ. قَوْلُهُ: [وَالطَّاهِرُ] : سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: الطَّاهِرُ مَيْتَةُ مَا لَا دَمَ لَهُ وَالْحَيُّ وَدَمْعُهُ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: [النَّجِسُ] : بَيَّنَهُ أَيْضًا فِي بَابِ الطَّاهِرِ وَفِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ. قَوْلُهُ: [وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] : اسْمُ الْإِشَارَةِ عَائِدٌ عَلَى الطَّهَارَةِ وَمَا بَعْدَهَا، وَأُفْرِدَ بِاعْتِبَارِ مَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: [وَيُسَمَّى كِتَابُ الطَّهَارَةِ] : أَيْ كَمَا يُسَمَّى بِبَابِ الطَّهَارَةِ وَهِيَ تَسْمِيَةٌ قَدِيمَةٌ. قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: قَالَ ابْنُ مَحْمُودٍ شَارِحُ أَبِي دَاوُد: قَدْ اُسْتُعْمِلَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ زَمَنَ التَّابِعِينَ، يَعْنِي لَفْظَةَ بَابٍ، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ أَيْضًا وَانْظُرْ لَفْظَةَ كِتَابٍ، قَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ وَانْظُرْ لَفْظَةَ فَصْلٍ. قَوْلُهُ: الطَّهَارَةُ: هَذَا شُرُوعٌ فِي مَعْنَاهَا اصْطِلَاحًا. وَأَمَّا مَعْنَاهَا لُغَةً فَهِيَ النَّظَافَةُ مِنْ الْأَوْسَاخِ الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ كَالْمَعَاصِي الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ. قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الطَّهَارَةَ مِنْ التَّحْقِيقِ كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ رَاشِدٍ، وَتَبِعَهُ الْعَلَّامَةُ الرَّصَّاعُ وَالتَّتَّائِيُّ عَلَى الْجَلَّابُ والشبرخيتي وَشَيْخُنَا فِي حَاشِيَتِهِ، مَوْضُوعَةً لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ الْخُلُوصُ مِنْ الْأَوْسَاخِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا حِسِّيَّةً أَوْ مَعْنَوِيَّةً خِلَافًا لِمَا قَالَهُ ح

أَقُولُ: الطَّهَارَةُ الْقَائِمَةُ بِالشَّيْءِ الطَّاهِرِ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ؛ أَيْ يَحْكُمُ الْعَقْلُ بِثُبُوتِهَا وَحُصُولِهَا فِي نَفْسِهَا فَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الْأَحْوَالِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْحَالِ، أَوْ مِنْ الصِّفَاتِ الِاعْتِبَارِيَّةِ عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِالْحَالِ؛ كَالْوُجُودِ وَالظُّهُورِ وَالشَّرَفِ وَالْخِسَّةِ؛ فَإِنَّهَا صِفَاتٌ حُكْمِيَّةٌ، أَيْ اعْتِبَارِيَّةٌ يَعْتَبِرُهَا الْعَقْلُ. أَوْ أَنَّهَا أَحْوَالٌ: أَيْ لَهَا ثُبُوتٌ فِي نَفْسِهَا، وَلَيْسَتْ وُجُودِيَّةً كَصِفَاتِ الْمَعَانِي، وَلَا سَلْبِيَّةً بِأَنْ يَكُونَ مَدْلُولُهَا سَلْبَ شَيْءٍ كَالْقِدَمِ وَالْبَقَاءِ. وَقَوْلُهُ: (يُسْتَبَاحُ) : أَيْ يُبَاحُ فَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلتَّوْكِيدِ. وَقَوْلُهُ: (مَا) : كِنَايَةٌ عَنْ فِعْلٍ أَيْ يُبَاحُ بِهَا فِعْلٌ؛ كَصَلَاةٍ وَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ. (مَنَعَهُ) : أَيْ مَنَعَ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلنَّظَافَةِ مِنْ الْأَوْسَاخِ، بِقَيْدِ كَوْنِهَا حِسِّيَّةً، وَأَنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِي النَّظَافَةِ مِنْ الْأَوْسَاخِ الْمَعْنَوِيَّةِ مَجَازٌ، وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى: {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] ، وَالْمَجَازُ لَا يُؤَكَّدُ إلَّا شُذُوذًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ السَّنُوسِيُّ فِي شَرْحِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] . قَوْلُهُ: [صِفَةٌ] : دَخَلَ تَحْتَهَا أَقْسَامُ الصِّفَاتِ الثَّلَاثَةِ: الْمَعَانِي وَالْمَعْنَوِيَّةِ وَالسَّلْبِيَّةِ، فَلِذَلِكَ أَخْرَجَ الْمَعَانِيَ وَالسَّلْبِيَّةَ بِقَوْلِهِ حُكْمِيَّةٌ. قَوْلُهُ: [بِالشَّيْءِ الطَّاهِرِ] : أَيْ حَيَوَانًا أَوْ جَمَادًا كَانَ الْحَيَوَانُ عَاقِلًا أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [يَحْكُمُ الْعَقْلُ] تَبَعًا لِلشَّرْعِ، لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [فَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الْأَحْوَالِ] إلَخْ: وَهِيَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ صِفَةٌ ثُبُوتِيَّةٌ لَا تُوصَفُ بِالْوُجُودِ بِحَيْثُ يَصِحُّ أَنْ تُرَى، وَلَا بِالْعَدَمِ بِحَيْثُ لَا تُدْرَكُ إلَّا فِي التَّعَقُّلِ، بَلْ هِيَ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْوَصْفِ الْوُجُودِيِّ وَالِاعْتِبَارِيِّ. قَوْلُهُ: [أَوْ مِنْ الصِّفَاتِ الِاعْتِبَارِيَّةِ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْحَقُّ. لِأَنَّ الْحَقَّ أَنْ لَا حَالَ. وَالْحَالُ مُحَالٌ، كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ. قَوْلُهُ: [كَالْوُجُودِ] إلَخْ: هَذِهِ الْأَمْثِلَةُ لِمَا فِيهِ الْخِلَافُ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهَا صِفَاتٌ حُكْمِيَّةٌ] إلَخْ: تَوْضِيحٌ لِلْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوَّلًا. قَوْلُهُ: [لِلتَّوْكِيدِ] : أَيْ زَائِدَتَانِ لِلتَّوْكِيدِ وَلَيْسَتَا لِلطَّلَبِ. قَوْلُهُ: [فِعْلٌ كَصَلَاةٍ] : يَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِالْإِضَافَةِ وَالتَّنْوِينِ. قَوْلُهُ: [أَيْ مَنَعَ مِنْهُ] : إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَذْفًا وَإِيصَالًا،

الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ أَوْ الْأَكْبَرُ، أَوْ مَنَعَ مِنْهُ حُكْمُ الْخَبَثِ، وَالْخَبَثُ: عَيْنُ النَّجَاسَةِ. وَالْمَانِعُ مِنْ التَّلَبُّسِ بِالْفِعْلِ الْمَطْلُوبِ: حُكْمُهَا الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهَا عِنْدَ إصَابَتِهَا الشَّيْءَ الطَّاهِرَ؛ وَهُوَ أَثَرُهَا الْحُكْمِيُّ الَّذِي حَكَمَ الشَّرْعُ بِأَنَّهُ مَانِعٌ. فَالطَّهَارَةُ قِسْمَانِ: طَهَارَةٌ مِنْ حَدَثٍ، وَطَهَارَةٌ مِنْ خَبَثٍ، فَأَوْ فِي قَوْلِهِ: (أَوْ حُكْمُ الْخَبَثِ) لِلتَّنْوِيعِ: لَا لِلتَّشْكِيكِ أَوْ الشَّكِّ فَلَا يَضُرُّ ذِكْرُهَا فِي الْحَدِّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَقُومُ إلَّا بِالْمُكَلَّفِ. وَهُوَ قِسْمَانِ: أَصْغَرُ وَأَكْبَرُ. فَالْأَصْغَرُ يَمْنَعُ الصَّلَاةَ وَالطَّوَافَ وَمَسَّ الْمُصْحَفِ. وَيَزِيدُ الْأَكْبَرُ مَنْعَ الْحُلُولِ بِالْمَسْجِدِ، فَإِنْ كَانَ جَنَابَةً مَنَعَ الْقِرَاءَةَ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ عَنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ مَنَعَ الْوَطْءَ. وَأَمَّا حُكْمُ الْخَبَثِ فَيَقُومُ بِكُلِّ طَاهِرٍ مِنْ بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ مَكَان أَوْ غَيْرِهَا. وَهُوَ يَمْنَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ حَذْفَ الْجَارَّ، وَإِيصَالَ الضَّمِيرِ. قَوْلُهُ: [عَيْنُ النَّجَاسَةِ] : أَيْ وَهُوَ يُزَالُ بِكُلِّ قِلَاعٍ فَلَا تَحْصُلُ بِإِزَالَتِهِ الطَّهَارَةُ الشَّرْعِيَّةُ إلَّا فِي مَسَائِلَ، كَالِاسْتِجْمَارِ وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَضُرُّ ذِكْرُهَا فِي الْحَدِّ] : أَيْ التَّعْرِيفِ، لِأَنَّ الْمُضِرَّ أَوْ الَّتِي لِلشَّكِّ أَوْ التَّشْكِيكِ وَهِيَ الَّتِي قَالَ فِيهَا صَاحِبُ السُّلَّمِ: وَلَا يَجُوزُ فِي الْحُدُودِ ذِكْرُ أَوْ ... وَجَائِزٌ فِي الرَّسْمِ فَادْرِ مَا رَوَوْا قَوْلُهُ: [وَاعْلَمْ] إلَخْ: إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لِلْمَاهِيَّةِ وَهِيَ مُجْمَلَةٌ، فَلَمْ يَكْتَفِ بِهِ وَذَكَرَ هَذَا الْحَاصِلَ لِلْإِيضَاحِ. قَوْلُهُ: [إلَّا بِالْمُكَلَّفِ] : هَذَا الْحَصْرُ مُشْكِلٌ، لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ هُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ إلَخْ. فَيَقْتَضِي أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيَّزَ لَا يَقُومُ بِهِ الْحَدَثُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُكَلَّفِ: مَا يَشْمَلُ الْمُكَلَّفَ بِالْمَنْدُوبِ وَالْمَكْرُوهِ فَقَطْ فَيَدْخُلُ الْمُمَيِّزُ. وَأَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَجْنُونَ وَالنَّائِمَ لَا يَقُومُ بِهِمَا الْحَدَثُ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدَثِ هُوَ الَّذِي يَتَأَتَّى رَفْعُهُ. لِأَنَّ الْمَجْنُونَ حَالَ جُنُونِهِ، وَالنَّائِمَ حَالَ نَوْمِهِ لَا يُخَاطَبَانِ بِرَفْعِهِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُخَاطَبُ بِهِ الْمُكَلَّفُ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ عَنْ حَيْضٍ] إلَخْ: أَيْ وَإِنْ كَانَ الْأَكْبَرُ نَاشِئًا عَنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ مَنَعَ الْوَطْءَ، أَيْ لَا الْقِرَاءَةَ مُدَّةَ سَيَلَانِ الدَّمِ، وَأَمَّا بَعْدَ انْقِطَاعِهِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ

[الماء المطلق]

الصَّلَاةَ وَالطَّوَافَ وَالْمُكْثَ فِي الْمَسْجِدِ. ثُمَّ إنْ أُرِيدَ بِالْمَانِعِ مَا يَشْمَلُ التَّحْرِيمَ وَالْكَرَاهَةَ، شَمِلَ التَّعْرِيفُ الْأَرْضِيَّةَ، وَالِاغْتِسَالَات الْمَنْدُوبَةَ وَالْمَسْنُونَةَ. كَمَا يَشْمَلُ طَهَارَةَ الذِّمِّيَّةِ لِيَطَأَهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ. وَلَا يَرِدُ الْوُضُوءُ الْمُجَدَّدُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَحْصِيلُ طَهَارَةٍ، وَإِنَّمَا فِيهِ تَقْوِيَةُ الطَّهَارَةِ الْحَاصِلَةِ، فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ تَعْرِيفَنَا الطَّهَارَةَ أَخْصَرُ وَأَوْضَحُ وَأَشْمَلُ مِنْ تَعْرِيفِ ابْنِ عَرَفَةَ الْمَشْهُورِ. (وَيُرْفَعُ: بِالْمُطْلَقِ) : ضَمِيرُ يُرْفَعُ يَعُودُ عَلَى الْحَدَثِ وَحُكْمِ الْخَبَثِ، وَأَفْرَدَهُ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ. وَالْحَدَثُ وَصْفٌ تَقْدِيرِيٌّ قَائِمٌ بِالْبَدَنِ أَوْ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ. وَقَوْلُهُ: (يُرْفَعُ) : أَيْ يَرْتَفِعُ وَيَزُولُ بِرَفْعِ اللَّهِ لَهُ بِسَبَبِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQفَتُمْنَعُ الْقِرَاءَةُ لِقُدْرَتِهَا عَلَى إزَالَةِ مَانِعِهَا. انْتَهَى تَقْرِيرُ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [الْأَرْضِيَّةَ وَالِاغْتِسَالَات] إلَخْ: كَالْوُضُوءِ لِزِيَارَةِ الْأَوْلِيَاءِ، وَلِلدُّخُولِ عَلَى السُّلْطَانِ، وَوُضُوءِ الْجُنُبِ لِلنَّوْمِ، وَغُسْلِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لِلْإِحْرَامِ وَالْوُقُوفِ. فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَنَعَهَا الْحَدَثُ مَنْعَ كَرَاهَةٍ وَالْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ أَبَاحَهَا. وَأَمَّا غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ لِلْمُتَوَضِّئِ فَلَمْ يُسْتَبَحْ بِهِمَا مَا مَنَعَهُ الْحَدَثُ، بَلْ هُمَا خَارِجَانِ مِنْ التَّعْرِيفِ كَالْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ. [الْمَاء المطلق] قَوْلُهُ: [وَيُرْفَعُ بِالْمُطْلَقِ] : أَيْ لَا غَيْرِهِ لِأَنَّ التُّرَابَ وَإِنْ رَفَعَ الْحَدَثَ لَا يَرْفَعُ الْخَبَثَ، وَالنَّار وَالدِّبَاغَ وَإِنْ رَفَعَا الْخَبَثَ لَا يَرْفَعَانِ الْحَدَثَ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَالْحَدَثُ وَصْفٌ تَقْدِيرِيٌّ] إلَخْ: وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى نَفْسِ الْمَنْعِ سَوَاءٌ تَعَلَّقَ بِجَمِيعِ الْأَعْضَاءِ كَالْجَنَابَةِ، أَوْ بِبَعْضِهَا كَحَدَثِ الْوُضُوءِ، لَكِنَّ تَسْمِيَةَ الْمَنْعِ حَدَثًا فِيهِ بَشَاعَةٌ لِأَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ فَلَا يَلِيقُ أَنْ يُسَمَّى بِذَلِكَ، وَرَفْعُهُ بِهَذَا الْمَعْنَى بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهِ بِالْأَشْخَاصِ فَيَرْجِعُ لِمَعْنَى الصِّفَةِ الْحُكْمِيَّةِ؛ وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ قِيَامِهِ بِاَللَّهِ فَهُوَ وَاجِبُ الْوُجُودِ فَلَا يُتَصَوَّرُ ارْتِفَاعُهُ، وَيُطْلَقُ فِي مَبْحَثِ الْوُضُوءِ عَلَى الْخَارِجِ الْمُعْتَادِ مِنْ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ، وَفِي مَبْحَثِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ عَلَى خُرُوجِ الْخَارِجِ فَلَهُ إطْلَاقَاتٌ أَرْبَعٌ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [أَيْ يَرْتَفِعُ وَيَزُولُ بِرَفْعِ اللَّهِ] : أَيْ يَحْكُمُ اللَّهُ بِالرَّفْعِ.

الْوَجْهِ الْمَعْرُوفِ شَرْعًا الْآتِي بَيَانُهُ مِنْ غُسْلٍ أَوْ مَسْحٍ أَوْ رَشٍّ. (وَهُوَ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ) : يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ الَّذِي يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَحُكْمَ الْخَبَثِ هُوَ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ؛ أَيْ مَا صَحَّ إطْلَاقُ لَفْظِ الْمَاءِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ قَيْدٍ؛ بِأَنْ يُقَالَ فِيهِ: هَذَا مَاءٌ. فَخَرَجَ مَا لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ أَصْلًا مِنْ الْمَائِعَاتِ؛ كَالْخَلِّ وَالسَّمْنِ. وَمَا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُهُ إلَّا بِالْقَيْدِ كَمَاءِ الْوَرْدِ وَمَاءِ الزَّهْرِ وَمَاءِ الْبِطِّيخِ وَنَحْوِهَا. فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَيْسَتْ مِنْ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ، فَلَا يَصِحُّ التَّطْهِيرُ بِهَا، بِخِلَافِ مَاءِ الْبَحْرِ وَالْمَطَرِ وَالْآبَارِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ إطْلَاقُ الْمَاءِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ فَيَصِحُّ التَّطْهِيرُ بِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مِنْ غُسْلٍ] : أَيْ فِي طَهَارَةِ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ مَسْحٍ] : أَيْ فِي حَدَثٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ رَشٍّ] : أَيْ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَإِنْ شَكَّ فِي إصَابَتِهَا لِثَوْبٍ وَجَبَ نَضْحُهُ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ إلَخْ) : الصِّدْقُ مَعْنَاهُ الْحَمْلُ؛ أَيْ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: [بِلَا قَيْدٍ] : أَيْ لَازِمٍ غَيْرِ مُنْفَكٍّ عَنْهُ أَصْلًا، فَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ أَصْلًا أَوْ مُقَيَّدًا بِقَيْدٍ غَيْرِ لَازِمٍ كَمَاءِ الْبِئْرِ مَثَلًا كَمَا يُفِيدُهُ الشَّارِحُ فِي الْحِلِّ. قَوْلُهُ: [يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ] إلَخْ: أَيْ فَفَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِمْ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ مَاءٍ، فَالْأَوَّلُ مَا عَلِمْت. وَالثَّانِي صَادِقٌ بِكُلِّ مَاءٍ وَلَوْ مُضَافًا، وَهَذَا اصْطِلَاحٌ لِلْفُقَهَاءِ وَلَا مُشَاحَّةَ فِيهِ. قَوْلُهُ: [أَيْ مَا صَحَّ إطْلَاقُ] إلَخْ: أَيْ الْحَمْلُ عَلَيْهِ وَالْإِخْبَارُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: [وَالْآبَارِ] إلَخْ: أَيْ وَلَوْ آبَارُ ثَمُودَ، فَمَاؤُهَا طَهُورٌ عَلَى الْحَقِّ وَإِنْ كَانَ التَّطْهِيرُ بِهِ غَيْرَ جَائِزٍ. فَلَوْ وَقَعَ وَنَزَلَ وَتَطَهَّرَ بِهَا وَصَلَّى فَهَلْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ أَوْ لَا؟ اسْتَظْهَرَ الْأُجْهُورِيُّ الصِّحَّةَ وَفِي الرَّصَّاعِ عَلَى الْحُدُودِ عَدَمَهَا، وَاعْتَمَدُوهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. وَعَدَمُ الصِّحَّةِ تَعَبُّدِيٌّ لَا لِنَجَاسَةِ الْمَاءِ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ طَهُورٌ. وَكَمَا يُمْنَعُ التَّطْهِيرُ

(وَإِنْ جُمِعَ مِنْ نَدًى أَوْ ذَابَ بَعْدَ جُمُودِهِ) : هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي قَوْلِهِ يُرْفَعُ إلَخْ. أَيْ أَنَّ الْحَدَثَ وَحُكْمَ الْخَبَثَ يَرْتَفِعَانِ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَلَوْ جُمِعَ الْمُطْلَقُ مِنْ النَّدَى السَّاقِطِ عَلَى أَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ أَوْ الزَّرْعِ، أَوْ كَانَ جَامِدًا كَالْبَرَدِ وَالْجَلِيدِ، ثُمَّ ذَابَ بَعْدَ جُمُودِهِ. (مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رِيحًا بِمَا يُفَارِقُهُ غَالِبًا مِنْ طَاهِرٍ، أَوْ نَجِسٍ مُخَالِطٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَائِهَا يُمْنَعُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي طَبْخٍ وَعَجْنٍ لِكَوْنِهِ مَاءَ عَذَابٍ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهَا الْبِئْرُ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّطْهِيرُ وَالِانْتِفَاعُ بِمَائِهَا، وَكَمَا يُمْنَعُ التَّطْهِيرُ بِمَائِهَا يُمْنَعُ التَّيَمُّمُ بِأَرْضِهَا أَيْ يَحْرُمُ، وَقِيلَ بِجَوَازِهِ وَصَحَّحَهُ التَّتَّائِيُّ. وَمَا قِيلَ فِي آبَارِ ثَمُودَ يُقَالُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْآبَارِ الَّتِي فِي أَرْضٍ نَزَلَ بِهَا الْعَذَابُ كَدِيَارِ لُوطٍ وَعَادٍ انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ جُمِعَ مِنْ نَدًى] : أَيْ وَلَوْ تَغَيَّرَتْ أَوْصَافُهُ لِأَنَّهُ كَالْقَرَارِ، وَلَا يُخَصُّ بِتَغَيُّرِ الرِّيحِ وَلَا بِمَا جُمِعَ مِنْ فَوْقِهِ خِلَافًا لِلْأَصْلِ وَالْخَرَشِيِّ. قَوْلُهُ: (أَوْ ذَابَ إلَخْ) : أَيْ تَمَيَّعَ سَوَاءٌ كَانَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِ فَاعِلٍ. قَوْلُهُ: (كَالْبَرَدِ) : هُوَ النَّازِلُ مِنْ السَّمَاءِ جَامِدًا كَالْمِلْحِ قَالَ تَعَالَى: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ} [النور: 43] . قَوْلُهُ: وَالْجَلِيدِ: هُوَ مَا يَنْزِلُ مُتَّصِلًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَالْخُيُوطِ. وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ الثَّلْجَ وَهُوَ مَا يَنْزِلُ مَائِعًا ثُمَّ يَجْمُدُ عَلَى الْأَرْضِ. قَوْلُهُ: [مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنًا] إلَخْ: مَا مَصْدَرِيَّةٌ ظَرْفِيَّةٌ، أَيْ مُدَّةَ عَدَمِ تَغَيُّرِهِ. وَ [لَوْنًا] وَ [مَا] عَطْفٌ عَلَيْهِ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَلَى الْفَاعِلِ، كَمَا يُفِيدُهُ الشَّارِحُ فِي الْحِلِّ. وَلَوْنُ الْمَاءِ الْأَصْلِيُّ الْبَيَاضُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي تَعْرِيفِهِ: الْمَاءُ جَوْهَرٌ سَيَّالٌ لَا لَوْنَ لَهُ يَتَلَوَّنُ بِلَوْنِ إنَائِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ فِي مَرْأَى الْعَيْنِ لِشَفَّافِيَّتِهِ. وَقَوْلُ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «مَا هُوَ إلَّا الْأَسْوَدَانِ الْمَاءُ وَالتَّمْرُ» تَغْلِيبٌ لِلتَّمْرِ أَوْ لِلَوْنِ إنَائِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: [أَوْ رِيحًا] قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: لَا بُدَّ مِنْ التَّجَوُّزِ فِي قَوْلِهِمْ تَغَيَّرَ رِيحُ الْمَاءِ؛ إذْ الْمَاءُ لَا رِيحَ لَهُ أَصَالَةً أَيْ فَالْمُرَادُ طُرُوُّ رِيحٍ عَلَيْهِ. (انْتَهَى بِالْمَعْنَى مِنْ شَيْخِنَا فِي مَجْمُوعِهِ) .

أَوْ مُلَاصِقٍ، لَا مُجَاوِرٍ) : يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَحُكْمَ الْخَبَثِ مُدَّةَ كَوْنِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ بِشَيْءٍ شَأْنُهُ مُفَارَقَةُ الْمَاءِ غَالِبًا مِنْ طَاهِرٍ - كَلَبَنٍ وَسَمْنٍ وَعَسَلٍ وَحَشِيشٍ وَوَرَقِ شَجَرٍ وَنَحْوِهَا - أَوْ نَجِسٍ - كَدَمٍ وَجِيفَةٍ وَخَمْرٍ وَنَحْوِهَا. فَإِنْ تَغَيَّرَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ سُلِبَ الطَّهُورِيَّةَ فَلَمْ يَرْفَعْ مَا ذُكِرَ. وَمَحَلُّ سَلْبِهِ الطَّهُورِيَّةَ إنْ خَالَطَ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ الْمَاءَ، بِأَنْ امْتَزَجَ بِهِ أَوْ لَاصَقَهُ، كَالرَّيَاحِينِ الْمَطْرُوحَةِ عَلَى سَطْحِ الْمَاءِ، وَالدُّهْنِ الْمُلَاصِقِ لَهُ، فَنَشَأَ مِنْ ذَلِكَ تَغَيُّرُ أَحَدِ أَوْصَافِ الْمَاءِ، لَا إنْ جَاوَرَهُ، فَتَكَيَّفَ الْمَاءُ بِكَيْفِيَّةِ الْمُجَاوِرِ، فَلَا يَضُرُّ. وَمِنْ الْمُجَاوِرِ: جِيفَةٌ مَطْرُوحَةٌ خَارِجَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَاصِلُ الْفِقْهِ فِي الْمُتَغَيِّرِ أَحَدُ أَوْصَافِهِ بِالْمُفَارِقِ غَالِبًا - إنْ كَانَ مُخَالِطًا أَوْ مُلَاصِقًا - أَنْ يُقَالَ: إمَّا أَنْ يُتَحَقَّقَ التَّغَيُّرُ أَوْ يُظَنَّ أَوْ يُشَكَّ أَوْ يُتَوَهَّمَ، فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ مَضْرُوبَةٌ فِي الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ بِاثْنَيْ عَشْرَ، وَهِيَ مَضْرُوبَةٌ فِي الْمُخَالِطِ وَالْمُلَاصِقِ؛ فَالْحَاصِلُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً. فَإِنْ كَانَ التَّغَيُّرُ مُحَقَّقًا أَوْ مَظْنُونًا ضَرَّ فَالْخَارِجُ اثْنَا عَشَرَ. فَإِنْ كَانَ مَشْكُوكًا أَوْ مُتَوَهَّمًا فَلَا يَضُرُّ، فَهَذِهِ اثْنَا عَشَرَ أَيْضًا. وَأَمَّا الْمُجَاوِرُ فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ مُطْلَقًا فِي اثْنَيْ عَشَرَ وَهِيَ تَغَيُّرُ أَحَدِ أَوْصَافِهِ تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا أَوْ شَكًّا أَوْ تَوَهُّمًا، فَالْجُمْلَةُ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ صُورَةً، وَقَدْ عَلِمْتهَا. وَخِلَافُ هَذَا لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، انْتَهَى بِالْمَعْنَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [مِنْ طَاهِرٍ] : أَيْ وَحُكْمُهُ كَمُغَيِّرِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ أَوْ نَجِسٍ.

الْمَاءِ فَتَغَيَّرَ رِيحُ الْمَاءِ مِنْهَا، أَوْ بُخِّرَتْ الْآنِيَةُ بِبَخُورٍ وَصُبَّ فِيهَا الْمَاءُ بَعْدَ ذَهَابِ الدُّخَانِ، أَوْ وُضِعَ رَيْحَانٌ فَوْقَ شُبَّاكِ قُلَّةٍ بِحَيْثُ لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ فَتَكَيَّفَ الْمَاءُ بِرِيحِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ. بِخِلَافِ مَا لَوْ صُبَّ الْمَاءُ قَبْلَ ذَهَابِ دُخَانِ الْبَخُورِ أَوْ وَصَلَ الرَّيْحَانُ لِلْمَاءِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ. (لَا إنْ تَغَيَّرَ بِمَقَرٍّ أَوْ مَمَرٍّ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ؛ كَمَغْرَةٍ وَمِلْحٍ، أَوْ بِمَا طُرِحَ مِنْهَا وَلَوْ قَصْدًا) : هَذَا مَعْطُوفٌ بِلَا النَّافِيَةِ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ مَا (لَمْ يَتَغَيَّرْ) إلَخْ. كَأَنَّهُ قِيلَ: فَإِنْ تَغَيَّرَ بِمَا يُفَارِقُهُ غَالِبًا ضَرَّ تَغَيُّرُهُ، لَا إنْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِمَقَرِّ الْمَاءِ أَوْ تَغَيَّرَ بِمَمَرِّهِ أَيْ بِمَا مَرَّ عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِ الْمُغَيِّرِ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، كَالْمَغْرَةِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْمِلْحِ وَالْكِبْرِيتِ وَالتُّرَابِ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ. وَكَذَا لَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِمَا طُرِحَ فِيهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَالْمِلْحِ أَوْ الطَّفْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَوْ قَصْدًا. وَقَوْلُ الشَّيْخِ وَالْأَرْجَحُ: السَّلْبُ بِالْمِلْحِ ضَعِيفٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَتَغَيَّرَ رِيحُ الْمَاءِ مِنْهَا] : بَلْ وَلَوْ فُرِضَ تَغَيُّرُ الثَّلَاثَةِ لَا يَضُرُّ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى الرِّيحِ لِكَوْنِهِ الشَّأْنَ. قَوْلُهُ: [وَصُبَّ فِيهَا الْمَاءُ] إلَخْ: مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي هَذَا الْمِثَالِ مِثْلُهُ فِي الْحَاشِيَةِ تَبَعًا لِلْأُجْهُورِيِّ، وَبَحَثَ فِيهِ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ بِقَوْلِهِ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْإِنَاءَ اكْتَسَبَ الرِّيحَ وَهُوَ مُلَاصِقٌ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ ذَهَابِ دُخَانِ] إلَخْ: أَيْ وَلَوْ بِكِبْرِيتٍ وَنَحْوِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَمَا قَالَ عب وَاعْتَمَدَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [لَا إنْ تَغَيَّرَ بِمَقَرٍّ] : أَيْ قَرَارٍ أَقَامَ عَلَيْهِ الْمَاءَ. وَقَوْلُهُ: أَوْ [مَمَرٍّ] : أَيْ مَوْضِعٍ مَرَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَمِثْلُ ذَلِكَ أَوَانِي الْفَخَّارِ الْمَحْرُوقِ وَالنُّحَاسِ إذَا سُخِّنَ الْمَاءُ فِيهَا وَتَغَيَّرَ. قَوْلُهُ: [وَقَوْلُ الشَّيْخِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْمِلْحِ الْمَطْرُوحِ قَصْدًا. فَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: لَا يُنْقَلُ حُكْمُ الْمَاءِ كَالتُّرَابِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ الْقَابِسِيُّ: إنَّهُ كَالطَّعَامِ فَيَنْقُلُهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِهِ وَالْأَرْجَحُ إلَخْ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الْمَعْدِنِيُّ كَالتُّرَابِ وَالْمَصْنُوعُ كَالطَّعَامِ. فَهَذِهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ لِلْمُتَأَخِّرِينَ. ثُمَّ اخْتَلَفَ مَنْ بَعْدَهُمْ: هَلْ تَرْجِعُ هَذِهِ الطُّرُقُ إلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ؟ فَيَكُونُ مَنْ جَعَلَهُ كَالتُّرَابِ أَرَادَ الْمَعْدِنِيَّ وَمَنْ جَعَلَهُ كَالطَّعَامِ أَرَادَ الْمَصْنُوعَ؟ وَحِينَئِذٍ، فَقَدْ اتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى أَنَّ الْمَصْنُوعَ يَضُرُّ، وَهَذَا هُوَ الشِّقُّ الْأَوَّلُ مِنْ التَّرَدُّدِ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ،

(أَوْ بِمُتَوَلَّدٍ مِنْهُ أَوْ بِطُولِ مُكْثٍ) : لَا يَضُرُّ تَغَيُّرُ الْمَاءِ بِشَيْءٍ تَوَلَّدَ مِنْهُ، كَالسَّمَكِ وَالدُّودِ وَالطُّحْلُبِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا، وَكَذَا إذَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِطُولِ مُكْثِهِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أُلْقِيَ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ. (أَوْ بِدَابِغٍ طَاهِرٍ كَقَطِرَانٍ، أَوْ بِمَا يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ؛ كَتِبْنٍ أَوْ وَرَقِ شَجَرٍ) : يَعْنِي أَنَّ الْجُلُودَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِحَمْلِ الْمَاءِ كَالْقِرَبِ وَالدِّلَاءِ الَّتِي يُسْتَقَى بِهَا، إذَا دُبِغَتْ بِدَابِغٍ طَاهِرٍ كَالْقَطِرَانِ وَالشَّبِّ وَالْقَرَظِ، ثُمَّ وُضِعَ فِيهَا الْمَاءُ لِسَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَتَغَيَّرَ مِنْ أَثَرِ ذَلِكَ الدَّابِغِ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُتَغَيِّرِ بِقَرَارِهِ. وَكَذَا إذَا تَغَيَّرَ بِمَا يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، كَالتِّبْنِ وَوَرَقِ الشَّجَرِ الَّذِي يَتَسَاقَطُ فِي الْآبَارِ وَالْبِرَكِ مِنْ الرِّيحِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْآبَارُ أَوْ الْغُدْرَانُ فِي الْبَادِيَةِ أَوْ الْحَاضِرَةِ؛ إذْ الْمَدَارُ عَلَى عُسْرِ الِاحْتِرَازِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ قَوْلُهُ: [وَفِي الِاتِّفَاقِ عَلَى السَّلْبِ بِهِ إنْ صَنَعَ تَرَدُّدٌ] . وَأَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَ مَصْنُوعٍ، فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِهِ: [وَلَوْ قَصْدًا] . وَتَرْجِعُ هَذِهِ الطُّرُقُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ مُتَبَايِنَةٍ: فَمَنْ قَالَ: لَا يَضُرُّ، مُرَادُهُ: وَلَوْ مَصْنُوعًا، وَمَنْ قَالَ: يَضُرُّ، مُرَادُهُ: وَلَوْ مَعْدِنِيًّا. فَالْمَصْنُوعُ فِيهِ خِلَافٌ كَغَيْرِهِ. وَهَذَا هُوَ الشِّقُّ الثَّانِي مِنْ التَّرَدُّدِ، وَهُوَ الْمَحْذُوفُ فِي كَلَامِ خَلِيلٍ تَقْدِيرُهُ: وَعَدَمُ الِاتِّفَاقِ، وَهُوَ صَادِقٌ بِالْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ (انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَمَا قَالَهُ شَارِحُنَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. فَلَا ضَرَرَ بِالْمِلْحِ وَلَوْ مَطْرُوحًا قَصْدًا أَوْ مَصْنُوعًا - مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ النَّبَاتِ - كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ. قَوْلُهُ: [كَالسَّمَكِ] إلَخْ: أَيْ حَيْثُ كَانَ حَيًّا فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ وَلَوْ تَغَيَّرَتْ أَوْصَافُهُ الثَّلَاثَةُ. وَلَوْ طُرِحَ قَصْدًا، وَأَمَّا إنْ مَاتَ فَيَضُرُّ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا خَرْؤُهُ فَنَظَرَ فِيهِ الْأُجْهُورِيُّ وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ الضَّرَرَ وَبَعْضُهُمْ عَدَمَهُ. قَوْلُهُ: [وَالطُّحْلُبِ] : أَيْ مَا لَمْ يُطْبَخْ. قَوْلُهُ: [يَعْنِي أَنَّ الْجُلُودَ] إلَخْ: لَا مَفْهُومَ لَهَا بَلْ كُلُّ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَأَوَانِي الْمَاءِ حُكْمُهُ كَالدِّبَاغِ لَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ مُطْلَقًا لَوْنًا وَطَعْمًا وَرِيحًا فَاحِشًا أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [عَلَى عُسْرِ الِاحْتِرَازِ] : وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ التَّغَيُّرُ بِرَوْثِ الْمَوَاشِي وَالدَّوَابِّ وَبَوْلِهَا وَإِلَّا ضَرَّ كَمَا ذَكَرَهُ خَلِيلٌ وَشُرَّاحُهُ.

وَمَا فِي كَلَامِ الشَّيْخِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ ضَعِيفٌ. بِخِلَافِ مَا لَوْ تَغَيَّرَ بِالتِّبْنِ أَوْ وَرَقِ الشَّجَرِ فِي الْأَوَانِي أَوْ بِمَا أُلْقِيَ مِنْهُمَا فِي الْآبَارِ بِفِعْلِ فَاعِلٍ، فَإِنَّهُ يَضُرُّ لِعَدَمِ عُسْرِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ. (وَلَا إنْ خَفَّ التَّغَيُّرُ بِآلَةِ سَقْيٍ مِنْ حَبْلٍ أَوْ وِعَاءٍ أَوْ تَغَيَّرَ بِأَثَرِ بَخُورٍ أَوْ قَطِرَانٍ كَجِرْمِهِ إنْ رَسَبَ) : هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَا إنْ تَغَيَّرَ. أَيْ: وَكَذَا لَا يَضُرُّ تَغَيُّرُ الْمَاءِ إذَا كَانَ التَّغَيُّرُ خَفِيفًا بِآلَةِ سَقْيٍ؛ مِنْ حَبْلٍ رُبِطَ بِهِ قَوَادِيسُ السَّانِيَةِ، أَوْ عُلِّقَتْ بِهِ الدِّلَاءُ أَوْ تَغَيَّرَ بِنَفْسِ الْوِعَاءِ، كَالدِّلَاءِ وَالْقَوَادِيسِ وَكَذَا. إذَا تَغَيَّرَ بِأَثَرِ بَخُورٍ بُخِّرَ بِهِ الْإِنَاءُ ثُمَّ زَالَ دُخَانُهُ وَبَقِيَ الْأَثَرُ، فَوُضِعَ فِيهِ الْمَاءُ، أَوْ بِأَثَرِ قَطِرَانٍ دُهِنَ بِهِ الْإِنَاءُ مِنْ غَيْرِ دَبْغٍ بِهِ. وَكَذَا إذَا رُمِيَ الْقَطِرَانُ فِي الْمَاءِ فَرَسَبَ فِي قَرَارِهِ فَتَغَيَّرَ الْمَاءُ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ عَلَى الْأَصَحِّ. لِأَنَّ الْقَطِرَانَ كَانَتْ تَسْتَعْمِلُهُ الْعَرَبُ كَثِيرًا فِي الْمَاءِ عِنْدَ الِاسْتِقَاءِ وَغَيْرِهِ، فَتُسُومِحَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالتَّغَيُّرِ بِالْمَقَرِّ، وَلَيْسَ غَيْرُ الْمُتَغَيِّرِ بِآلَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا إنْ خَفَّ التَّغَيُّرُ] : لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْبَيِّنِ وَغَيْرِهِ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ وَهِيَ تَغَيُّرُ الْمَاءِ بِالْآلَةِ الَّتِي يَخْرُجُ بِهَا. وَفِي بْن: اعْلَمْ أَنَّ التَّغَيُّرَ إمَّا بِمُلَازِمٍ غَالِبًا، فَيُغْتَفَرُ. أَوْ بِمُفَارِقٍ غَالِبًا وَدَعَتْ إلَيْهِ الضَّرُورَةُ - كَحَبْلِ الِاسْتِقَاءِ؛ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا ابْنُ عَرَفَةَ: قِيلَ: إنَّهُ طَهُورٌ وَهُوَ لِابْنِ زَرْقُونٍ. وَقِيلَ، لَيْسَ بِطَهُورٍ، وَهُوَ لِابْنِ الْحَاجِّ. وَالثَّالِثُ لِابْنِ رُشْدٍ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ التَّغَيُّرِ الْفَاحِشِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ. وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [بِآلَةِ سَقْيٍ] : هَذَا أَشْمَلُ مِنْ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ حَبْلُ السَّانِيَةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا لَا مَفْهُومَ لِحَبْلٍ وَلَا لِسَانِيَةٍ، بَلْ مَتَى تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِآلَتِهِ وَلَمْ تَكُنْ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ يُفْصَلُ فِيهَا بَيْنَ الْفَاحِشِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [فَتَغَيَّرَ الْمَاءُ بِهِ] : أَيْ رِيحُهُ، أَوْ مَا لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ فَيَضُرُّ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ دِبَاغًا كَذَا فِي الْأَصْلِ.

(أَوْ شَكَّ فِي مُغَيِّرِهِ: هَلْ يَضُرُّ؟) : يَعْنِي إذْ كَانَ الْمَاءُ مُتَغَيِّرًا، وَشَكَّ فِي مُغَيِّرِهِ، هَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا يَضُرُّ؟ كَالْعَسَلِ وَالدَّمِ، أَوْ هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا لَا يَضُرُّ؟ كَالْمَغْرَةِ وَالْكِبْرِيتِ وَطُولِ الْمُكْثِ؟ فَإِنَّهُ لَا يُسْلَبُ الطَّهُورِيَّةَ وَيَجُوزُ التَّطْهِيرُ بِهِ. (أَوْ فِي مَاءٍ جُعِلَ فِي الْفَمِ، هَلْ تَغَيَّرَ؟ أَوْ فِيمَا خُلِطَ بِمُوَافِقٍ، هَلْ يُغَيَّرُ لَوْ خَالَفَ؟) : يَعْنِي إذَا جُعِلَ الْمَاءُ فِي الْفَمِ، وَحَصَلَ شَكٌّ فِيهِ هَلْ تَغَيَّرَ بِالرِّيقِ أَوْ لَا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّطْهِيرُ بِهِ. وَأَوْلَى إذَا ظَنَّ عَدَمَ التَّغَيُّرِ. بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّ التَّغَيُّرَ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّطْهِيرُ بِهِ. وَكَذَا إذَا شَكَّ فِي الْمَاءِ الْمَخْلُوطِ بِشَيْءٍ مُوَافِقٍ لِأَوْصَافِهِ؛ كَمَا لَوْ خُلِطَ بِمِيَاهِ الرَّيَاحِينِ الْمُنْقَطِعَةِ الرَّائِحَةِ، هَلْ تُغَيِّرُهُ لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُنْقَطِعَةِ الرَّائِحَةِ أَوْ لَا تُغَيِّرُهُ لِقِلَّتِهَا وَكَثْرَةِ الْمَاءِ؟ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ، فَقَوْلُهُ: أَوْ فِي مَاءٍ جُعِلَ، عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: فِي مُغَيِّرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ شُكَّ] إلَخْ: هُوَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ وَقَعَ التَّرَدُّدُ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فِي هَذَا الْمُغَيِّرِ. وَمَفْهُومُ شُكَّ أَنَّهُ لَوْ ظُنَّ أَوْ تُحُقِّقَ أَنَّ مُغَيِّرَهُ يَضُرُّ أَنَّهُ يُعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ. وَالْوَهْمُ أَوْلَى مِنْ الشَّكِّ فِي عَدَمِ الضَّرَرِ. فَقَوْلُهُ: [هَلْ يَضُرُّ] تَصْوِيرٌ لِقَوْلِهِ: [أَوْ شُكَّ] . قَوْلُهُ: [أَوْ فِي مَاءٍ جُعِلَ فِي الْفَمِ] إلَخْ: حَاصِلُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فِي الْمَاءِ الْمُطْلَقِ الْمَجْعُولِ فِي الْفَمِ إذَا حَصَلَ فِيهِ شَكٌّ، هَلْ تَغَيَّرَ بِالرِّيقِ أَمْ لَا؟ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَأَوْلَى إذَا ظُنَّ عَدَمُ التَّغَيُّرِ أَوْ تُحُقِّقَ، بِخِلَافِ مَا إذَا ظُنَّ التَّغَيُّرُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّطْهِيرُ بِهِ، وَأَوْلَى إذَا تُحُقِّقَ التَّغَيُّرُ، وَهَذَا حَمْلٌ مِنْهُ لِلْخِلَافِ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ عَلَى اللَّفْظِيِّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَقَوْلُ أَشْهَبَ بِالضَّرَرِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تُحُقِّقَ التَّغَيُّرُ أَوْ ظُنَّ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِعَدَمِ الضَّرَرِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا شُكَّ فِي التَّغَيُّرِ أَوْ ظُنَّ عَدَمُهُ أَوْ تُحُقِّقَ. قَوْلُهُ: [أَوْ فِيمَا خُلِطَ بِمُوَافِقٍ] إلَخْ: حَاصِلُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فِيمَا إذَا خَالَطَ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ - شَيْءٌ أَجْنَبِيٌّ مُوَافِقٌ لِأَوْصَافِهِ كَمَاءِ الرَّيَاحِينِ الْمُنْقَطِعَةِ الرَّائِحَةِ وَمَاءِ الزَّرْجُونِ - بِفَتْحِ الزَّايِ - أَيْ حَطَبُ الْعِنَبِ أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ مُخَالِفًا وَلَمْ يُغَيِّرْهُ تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا أَوْ شَكًّا لَا يَضُرُّ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَلَوْ كَانَ يُغَيِّرُهُ تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا لَمْ يَضُرَّ عَلَى الرَّاجِحِ. وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ صُورَةً لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ إمَّا قَدْرُ آنِيَةِ الْوُضُوءِ، أَوْ أَقَلُّ مِنْهَا أَوْ أَكْثَرُ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يُخْلَطَ بِمُسَاوٍ لَهُ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَهَذِهِ تِسْعٌ وَفِي كُلٍّ

أَيْ أَوْ شَكَّ فِي الْمَاءِ الَّذِي جُعِلَ فِي الْفَمِ، وَقَوْلُهُ هَلْ تَغَيَّرَ؟ تَفْسِيرٌ لِلشَّكِّ. وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. (كَتَحَقُّقِهِ عَلَى الْأَرْجَحِ) : هَذَا تَشْبِيهٌ فِي عَدَمِ الضَّرَرِ. يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ الْمَخْلُوطَ بِمُوَافِقٍ لَا يَضُرُّ التَّطْهِيرُ بِهِ، وَلَوْ جَزَمْنَا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا خَالَطَ مُخَالِفًا لَهُ لَغَيَّرَهُ عَلَى الْأَرْجَحِ. وَجَمِيعُ مَا فِي كَلَامِ الشَّيْخِ مِمَّا يُخَالِفُ هَذَا ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَشْيَاخِ. (وَحُكْمُهُ كَمُغَيِّرِهِ) : يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ بِمَا يُفَارِقُهُ غَالِبًا حُكْمُهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَعَدَمِهِ كَحُكْمِ مُغَيِّرِهِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ بِطَاهِرٍ فَالْمَاءُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الطَّهَارَةِ. وَإِنْ تَغَيَّرَ بِنَجِسٍ فَالْمَاءُ مُتَنَجِّسٌ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي طَهَارَةٍ وَلَا غَيْرِهَا إلَّا فِي نَحْوِ سَقْيِ بَهِيمَةٍ أَوْ زَرْعٍ كَمَا سَيَأْتِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ قُدِّرَ مُخَالِفًا - إمَّا أَنْ يُتَحَقَّقَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ، أَوْ يُظَنَّ عَدَمُهُ، أَوْ يُشَكَّ، أَوْ يُتَوَهَّمَ، أَوْ يُتَحَقَّقَ التَّغَيُّرُ. فَهَذِهِ خَمْسٌ مَضْرُوبَةٌ فِي التِّسْعِ بِخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ صُورَةً مِنْهَا سَبْعٌ وَعِشْرُونَ لَا ضَرَرَ فِيهَا قَطْعًا؛ وَهِيَ مَا إذَا تُحُقِّقَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ. أَوْ ظُنَّ عَدَمُهُ، أَوْ شُكَّ. فَهَذِهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ مَضْرُوبَةٍ فِي التِّسْعِ وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَفِيمَا خُلِطَ بِمُوَافِقٍ، هَلْ يُغَيَّرُ لَوْ خَالَفَ؟ لِأَنَّ مَوْضُوعَهُ الشَّكُّ فِي التَّغَيُّرِ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُخَالَفَةِ، فَمِنْ بَابٍ أَوْلَى تَحَقُّقُ الْعَدَمِ وَظَنُّهُ. وَالثَّمَانِيَةَ عَشَرَ الْبَاقِيَةُ حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ تَحَقُّقِ التَّغَيُّرِ أَوْ ظَنِّهِ فِي التِّسْعِ، دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: [كَتَحَقُّقِهِ عَلَى الْأَرْجَحِ] . وَهَذَا التَّرْجِيحُ مِنْ الْمُصَنِّفِ اعْتَمَدَهُ فِي الْحَاشِيَةِ وَذَكَرَهُ شب أَيْضًا تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بِنَاءً عَلَى تَقْدِيرِ الْمُوَافِقِ غَيْرُ مُخَالِفٍ. وَالْمُخَالَفَةُ لَا تُضْبَطُ، وَالشَّرِيعَةُ السَّمْحَاءُ تَقْتَضِي طَرْحَ ذَلِكَ. وَمُقَابِلُ الْأَرْجَحِ يَقُولُ بِتَقْدِيرِ الْمُوَافِقِ مُخَالِفًا، وَيُحْكَمُ بِالضَّرَرِ عِنْدَ تَحَقُّقِ التَّغَيُّرِ أَوْ ظَنِّهِ. وَقَدْ ارْتَضَاهُ الشَّيْخُ فِي قِرَاءَةِ عب وَتَبِعَهُ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ. وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ نَاصِرِ الدِّينِ: أَنَّ الْمُخَالِطَ إذَا كَانَ نَجِسًا فَالْمَاءُ نَجِسٌ مُطْلَقًا (اهـ) . قَالَ بْن نَقْلًا عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ (اهـ) . وَلَك أَنْ تَقُولَ كَلَامُ أَبِي عَلِيٍّ ظَاهِرٌ حَيْثُ كَانَ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ يَحْصُلُ التَّغَيُّرُ تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا. وَأَمَّا لَوْ شُكَّ فِي التَّغَيُّرِ فَلَا وَجْهَ لِظُهُورِهِ. وَهَذَا الْحَاصِلُ زُبْدَةُ مَا قَالُوهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلْيُحْفَظْ. قَوْلُهُ: [وَحُكْمُهُ كَمُغَيِّرِهِ] : جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا كَانَ التَّغَيُّرُ بِالْمُفَارِقِ يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ فَهَلْ يَجُوزُ تَنَاوُلُهُ فِي الْعَادَاتِ أَوْ لَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهُ فِيهَا؟ قَوْلُهُ: [كَمَا سَيَأْتِي] : أَيْ فِي آخِرِ فَصْلِ الطَّاهِرِ، فِي قَوْلِهِ: وَجَازَ انْتِفَاعٌ بِمُتَنَجِّسٍ

[المياه المكروهة]

(وَكُرِهَ مَاءٌ يَسِيرٌ اُسْتُعْمِلَ فِي حَدَثٍ، أَوْ حَلَّتْ بِهِ نَجَاسَةٌ لَمْ تُغَيِّرْهُ، أَوْ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ، وَمُشْمِسٍ بِقُطْرٍ حَارٍّ) : هَذَا شُرُوعٌ فِي الْمِيَاهِ الْمَكْرُوهَةِ الِاسْتِعْمَالِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي غَيْرِ مَسْجِدٍ وَآدَمِيٍّ. [الْمِيَاه الْمَكْرُوهَة] [مَسْأَلَة زِيَادَة الْمَاء الْمَكْرُوه وَالِاسْتِعْمَال المؤدي لِلْكَرَاهَةِ] قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ مَاءٌ] إلَخْ: الْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ اسْتِعْمَالُهُ، وَقَوْلُهُ: [اُسْتُعْمِلَ] : صِفَتُهُ. وَقَوْلُهُ: [فِي حَدَثٍ] : تَنَازَعَهُ كُلٌّ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمُقَدَّرِ وَاسْتِعْمَالِ الْمَذْكُورِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: " وَكُرِهَ اسْتِعْمَالُ مَاءٍ فِي حَدَثٍ اُسْتُعْمِلَ فِي حَدَثٍ ". وَحَاصِلُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ أَنَّ الْمَاءَ الْيَسِيرَ الَّذِي هُوَ قَدْرُ آنِيَةِ الْغُسْلِ فَأَقَلَّ، الْمُسْتَعْمَلُ فِي حَدَثٍ، يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي حَدَثٍ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا، وَأَنْ يَكُونَ اُسْتُعْمِلَ فِي رَفْعِ حَدَثٍ لَا حُكْمِ خَبَثٍ، وَأَنْ يَكُونَ الِاسْتِعْمَالُ الثَّانِي فِي رَفْعِ حَدَثٍ. فَصَارَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي حُكْمِ خَبَثٍ لَا يُكْرَهُ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ، وَأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي حَدَثٍ لَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي حُكْمِ خَبَثٍ. وَهَذَا مَا نَقَلَهُ زَرُّوقٌ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ: أَنَّ الْمَاءَ الْيَسِيرَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي حَدَثٍ مُتَوَقِّفٌ عَلَى طَهُورٍ، وَلَوْ غُسْلَ ذِمِّيَّةٍ مِنْ الْحَيْضِ لِيَطَأَهَا زَوْجُهَا - فَإِنَّهُ رَفَعَ حَدَثًا فِي الْجُمْلَةِ - أَوْ غَسْلَةً ثَانِيَةً أَوْ ثَالِثَةً، لِأَنَّهُمَا مِنْ تَوَابِعِ رَفْعِ الْحَدَثِ، حَتَّى قَالَ الْقَرَافِيُّ يَنْوِي أَنَّ الْفَرْضَ مَا أَسْبَغَ مِنْ الْجَمِيعِ وَالْفَضِيلَةَ الزَّائِدَةُ، فَبِالْجُمْلَةِ الْكُلُّ طَهَارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالْخَبَثُ كَالْحَدَثِ لَا نَحْوُ رَابِعَةٍ، وَغَسْلُ ثَوْبٍ طَاهِرٍ مِمَّا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهُورٍ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ مَا ذُكِرَ فِي مِثْلِهِ (اهـ. بِالْمَعْنَى) أَيْ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي حَدَثٍ وَلَوْ غُسْلَ ذِمِّيَّةٍ أَوْ غَسْلَةً ثَانِيَةً أَوْ ثَالِثَةً أَوْ حُكْمُ خَبَثٍ، وَهَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. وَحَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّ صُوَرَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً، لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ أَوَّلًا إمَّا فِي حَدَثٍ أَوْ حُكْمِ خَبَثٍ، وَإِمَّا فِي طَهَارَةٍ مَسْنُونَةٍ أَوْ مُسْتَحَبَّةٍ، وَإِمَّا فِي غَسْلِ إنَاءٍ. وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ إذَا اُسْتُعْمِلَ ثَانِيًا فَلَا بُدَّ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي أَحَدِهَا؛ فَالْمُسْتَعْمَلُ فِي حَدَثٍ أَوْ فِي حُكْمِ خَبَثٍ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي مِثْلِهِمَا فَهَذِهِ أَرْبَعٌ. وَكَذَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّهَارَةِ الْمَسْنُونَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ، فَهَذِهِ أَرْبَعٌ أَيْضًا وَلَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَسْلٍ كَالْإِنَاءِ، وَهَاتَانِ صُورَتَانِ. وَالْمُسْتَعْمَلُ فِي الطَّهَارَةِ الْمَسْنُونَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ وَحُكْمِ الْخَبَثِ. وَفِي الطَّهَارَةِ الْمَسْنُونَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ عَلَى أَحَدِ التَّرَدُّدَيْنِ، فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ، لَا فِي غَسْلٍ كَالْإِنَاءِ. فَهَاتَانِ اثْنَتَانِ وَالْمُسْتَعْمَلُ فِي غَسْلٍ كَالْإِنَاءِ لَا يُكْرَهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِعْمَالُهُ فِي شَيْءٍ فَهَذِهِ خَمْسٌ (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ بِتَصَرُّفٍ) . تَنْبِيهٌ: عُلِّلَتْ كَرَاهَةُ الِاسْتِعْمَالِ بِعِلَلٍ سِتٍّ. أَوَّلُهَا: لِأَنَّهُ أُدِّيَتْ بِهِ عِبَادَةٌ. ثَانِيهَا: لِأَنَّهُ رُفِعَ بِهِ مَانِعٌ. ثَالِثُهَا: لِأَنَّهُ مَاءُ ذُنُوبٍ. رَابِعُهَا: لِلْخِلَافِ فِي طَهُورِيَّتِهِ. خَامِسُهَا: لِعَدَمِ أَمْنِ الْأَوْسَاخِ. سَادِسُهَا: لِعَدَمِ عَمَلِ السَّلَفِ. وَأَوْجُهُ تِلْكَ الْعِلَلِ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ وَهُوَ عِلَّةُ كَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْقَلِيلِ الَّذِي حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ، وَعِلَّةُ كَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ. مَسْأَلَةٌ: لَوْ جُمِعَتْ مِيَاهٌ قَلِيلَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ أَوْ حَلَّتْهَا نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهَا فَكَثُرَتْ هَلْ تَسْتَمِرُّ الْكَرَاهَةُ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ لِلْأَجْزَاءِ يَثْبُتُ لِلْكُلِّ؟ وَهُوَ مَا لِلْحَطَّابِ. وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ نَفْيَهَا. قِيلَ: وَعَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ لَا تَعُودُ الْكَرَاهَةُ إنْ فَرَّقَ لِأَنَّهَا زَالَتْ وَلَا مُوجِبَ لِعَوْدِهَا، وَقَدْ يُقَالُ: لَهُ مُوجِبٌ وَهُوَ الْقِلَّةُ، وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ. وَيُجْزَمُ بِزَوَالِ الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَتْ الْكَثْرَةُ بِغَيْرِ مُسْتَعْمَلٍ. مَسْأَلَةٌ أُخْرَى: الِاسْتِعْمَالُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا بِالدَّلْكِ لَا بِمُجَرَّدِ إدْخَالِ الْعُضْوِ، وَالظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ فِي اسْتِعْمَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ الْوُضُوءَ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّ كُلَّ عُضْوٍ يَطْهُرُ بِانْفِرَادِهِ أَوْ لَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ إلَّا بِكَمَالِ الْأَعْضَاءِ، خِلَافًا لِمَا فِي عب مِنْ التَّفْصِيلِ. (اهـ. بِالْمَعْنَى مِنْ شَيْخِنَا فِي مَجْمُوعِهِ) . [أَوْ حَلَّتْ بِهِ] إلَخْ: حَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَاءَ الْيَسِيرَ وَهُوَ مَا كَانَ قَدْرَ آنِيَةِ الْغَسْلِ فَأَقَلَّ إذَا حَلَّتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ بِقُيُودٍ سِتَّةٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا كَمَا تَقَدَّمَ. الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ كَالْقَطْرَةِ. أَيْ نُقْطَةِ الْمَطَرِ الْمُتَوَسِّطَةِ فَفَوْقُ. الثَّالِثُ: عَدَمُ التَّغْيِيرِ. الرَّابِعُ: أَنْ يُوجَدَ غَيْرُهُ. الْخَامِسُ: أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهُورٍ. السَّادِسُ: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَادَّةٌ. فَإِنْ تَغَيَّرَ مُنِعَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعَادَاتِ وَالْعِبَادَاتِ. وَإِنْ أُخِلَّ شَرْطٌ مِنْ بَاقِي الشُّرُوطِ فَلَا كَرَاهَةَ. قَوْلُهُ: [أَوْ وَلَغَ] إلَخْ: مَعْطُوفٌ عَلَى [حَلَّتْ] وَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ فِي الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا فِي الْمَاضِي؛ أَيْ أَدْخَلَ لِسَانَهُ فِيهِ وَحَرَّكَهُ. فَإِنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ حَيْثُ كَانَ يَسِيرًا وَلَمْ يَتَغَيَّرْ وَوُجِدَ غَيْرُهُ، وَلَوْ تَحَقَّقَتْ سَلَامَةٌ فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ، لَا إنْ لَمْ يُحَرِّكْ لِسَانَهُ، وَلَا إنْ سَقَطَ مِنْهُ لُعَابٌ فِي الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ إدْخَالٍ فَلَا كَرَاهَةَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَاءِ الَّذِي حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهُورِهِ وَلَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعَادَاتِ. قَوْلُهُ: [وَمُشْمِسٍ] : مَعْطُوفٌ عَلَى مَاءٍ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ وَصْفِهِ بِالْيَسِيرِ، وَهُوَ صِفَةٌ

وَلَا تَكُونُ الْكَرَاهَةُ إلَّا فِي الْمَاءِ الْيَسِيرِ فِيمَا قَبْلَ الْمُشْمِسِ. وَالْيَسِيرُ: مَا كَانَ كَآنِيَةِ الْمُغْتَسِلِ كَالصَّاعِ وَالصَّاعَيْنِ وَالْكَثِيرُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، أَيْ وَكُرِهَ اسْتِعْمَالُ مَاءٍ يَسِيرٍ فِي رَفْعِ حَدَثٍ قَدْ كَانَ اُسْتُعْمِلَ أَوَّلًا فِي رَفْعِ حَدَثٍ. فَالْقُيُودُ ثَلَاثَةٌ: أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا، وَأَنْ يَكُونَ اُسْتُعْمِلَ فِي رَفْعِ حَدَثٍ لَا حُكْمِ خَبَثٍ، وَأَنْ يَكُونَ الِاسْتِعْمَالُ الثَّانِي فِي رَفْعِ حَدَثٍ. وَالْمُرَادُ بِالْمُسْتَعْمَلِ فِي حَدَثٍ: مَا تَقَاطَرَ مِنْ الْأَعْضَاءِ أَوْ غُسِلَتْ فِيهِ. وَأَمَّا لَوْ اغْتَرَفَ مِنْهُ وَغُسِلَتْ الْأَعْضَاءُ خَارِجَهُ فَلَيْسَ بِمُسْتَعْمَلٍ. وَعُلِمَ أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي تَطْهِيرِ حُكْمِ الْخَبَثِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، كَاَلَّذِي رَفَعَ بِهِ حُكْمَهُ، لَمْ يُكْرَهْ فِي الْحَدَثِ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ. وَكَذَا يُكْرَهُ الْيَسِيرُ الَّذِي حَلَّتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ لِقِلَّتِهَا وَلَوْ مِنْ خَبَثٍ. وَقَوْلُ الرِّسَالَةِ: وَقَلِيلُ الْمَاءِ يُنَجِّسُهُ قَلِيلُ النَّجَاسَةِ وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ، ضَعِيفٌ، وَإِنْ كَانَ هُوَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَكَذَا الْيَسِيرُ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ؛ فَإِنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ: وَكُرِهَ اسْتِعْمَالُ مَاءٍ مُشْمِسٍ إلَخْ. وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ طِبِّيَّةٌ لَا شَرْعِيَّةٌ لِأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ مِنْ إكْمَالِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ كَرَاهَتُهُ لِشِدَّةِ حَرَارَتِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكَرَاهَتَيْنِ أَنَّ الشَّرْعِيَّةَ يُثَابُ تَارِكُهَا بِخِلَافِ الطِّبِّيَّةِ؛ وَمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا طِبِّيَّةٌ، هُوَ مَا قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَاَلَّذِي ارْتَضَاهُ الْحَطَّابُ أَنَّهَا شَرْعِيَّةٌ. قَوْلُهُ: [كَآنِيَةِ الْمُغْتَسِلِ] : أَيْ وَلَوْ لِلْمُتَوَضِّئِ وَالْمُزِيلِ لِحُكْمِ الْخَبَثِ. قَوْلُهُ: [لَا حُكْمُ خَبَثٍ] : قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ. قَوْلُهُ: [فِي رَفْعِ حَدَثٍ] : أَيْ أَوْ حُكْمِ خَبَثٍ. قَوْلُهُ: [فَلَيْسَ بِمُسْتَعْمَلٍ] : أَيْ وَلَمْ يَنْوِ الِاغْتِرَافَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ. قَوْلُهُ: [غَيْرُ مَكْرُوهٍ] : قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [لِقِلَّتِهَا] : لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى عَدَمِ التَّغَيُّرِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ] : أَيْ فَلَا غَرَابَةَ فِي ضَعْفِهِ وَإِنْ كَانَ.

يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُنْدَبُ إرَاقَتُهُ، وَغَسْلُ الْإِنَاءِ سَبْعًا، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي كَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ. وَكَذَا يُكْرَهُ الْمَاءُ الْمُشَمَّسُ أَيْ الْمُسَخَّنُ بِالشَّمْسِ فِي الْأَقْطَارِ الْحَارَّةِ كَأَرْضِ الْحِجَازِ، لَا فِي نَحْوِ مِصْرَ وَالرُّومِ، وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْكَرَاهَةَ أَيْضًا بِالْمُشْمِسِ فِي الْأَوَانِي النُّحَاسِ وَنَحْوِهَا لَا الْفَخَّارِ، وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ مُطْلَقًا. (كَاغْتِسَالٍ بِرَاكِدٍ) : هَذَا تَشْبِيهٌ فِي الْكَرَاهَةِ؛ أَيْ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَنَحْوِهَا فِي مَاءٍ رَاكِدٍ أَيْ غَيْرِ جَارٍ؛ كَحَوْضٍ وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا مَا لَمْ يَسْتَبْحِرْ كَبِرْكَةٍ وَغَدِيرٍ. وَمَا لَمْ تَكُنْ لَهُ مَادَّةٌ، وَإِلَّا لَمْ يُكْرَهْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي لَهُ مَادَّةٌ قَلِيلًا فِي نَفْسِهِ فَيُكْرَهُ أَيْضًا. (وَرَاكِدٌ مَاتَ فِيهِ بَرِّيٌّ ذُو نَفْسٍ سَائِلَةٍ وَلَوْ كَانَ لَهُ مَادَّةٌ. وَنُدِبَ نَزْحٌ لِظَنِّ زَوَالِ الْفَضَلَاتِ، لَا إنْ أُخْرِجَ حَيًّا أَوْ وَقَعَ مَيِّتًا) : قَوْلُهُ: رَاكِدٌ بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى [مَا] : ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَنَحْوِهَا] : كَالرَّصَاصِ وَالْقَصْدِيرِ لِأَنَّهَا تُورِثُ الْبَرَصَ، فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ بِقُيُودٍ ثَلَاثَةٍ: أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ مُسَخَّنًا بِالشَّمْسِ فِي أَوَانٍ نَحْوِ النُّحَاسِ مِنْ كُلِّ مَا يُمَدُّ تَحْتَ الْمِطْرَقَةِ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ، وَغَيْرِ الْمُغَشَّى بِمَا يَمْنَعُ اتِّصَالَ الزُّهُومَةِ بِالْبِلَادِ الْحَارَّةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [كَاغْتِسَالٍ بِرَاكِدٍ] إلَخْ: حَاصِلُ مَا فِيهِ أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ بِكَرَاهَةِ الِاغْتِسَالِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ كَانَ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَبْحِرْ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ مَادَّةٌ سَوَاءٌ كَانَ جَسَدُ الْمُغْتَسِلِ نَقِيًّا مِنْ الْأَذَى أَوْ لَا، وَلَكِنْ لَا يُسْلَبُ الطَّهُورِيَّةَ. فَإِنْ كَانَ يُسْلَبُهَا مُنِعَ الِاغْتِسَالُ فِيهِ. فَلَيْسَ عِنْدَ مَالِكٍ حَالَةُ جَوَازٍ لِلِاغْتِسَالِ فِيهِ، بَلْ إمَّا الْمَنْعُ أَوْ الْكَرَاهَةُ. وَهِيَ عِنْدَهُ تَعَبُّدِيَّةٌ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَحْرُمُ الِاغْتِسَالُ فِيهِ إنْ كَانَ يَسِيرًا وَبِالْجَسَدِ أَوْسَاخٌ؛ وَإِلَّا جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: [كَاغْتِسَالٍ بِرَاكِدٍ] لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى كَلَامِ مَالِكٍ. قَوْلُهُ: [مَاتَ فِيهِ] إلَخْ: سَيَأْتِي مُحْتَرَزُ هَذَا وَهُوَ شَيْئَانِ خُرُوجُهُ حَيًّا وَوُقُوعُهُ مَيِّتًا. أَمَّا الْأَوَّلُ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَقَالَ (ب ن) عَنْ ابْنِ مَرْزُوقٍ الْوُقُوعُ مَيِّتًا كَالْمَوْتِ فِيهِ، وَلَكِنْ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ظَاهِرُ التَّعْلِيلِ الْآتِي وَهُوَ زَوَالُ الرُّطُوبَاتِ الَّتِي تَخْرُجُ عِنْدَ الْمَوْتِ.

أَيْ وَكُرِهَ مَاءٌ رَاكِدٌ - أَيْ اسْتِعْمَالُهُ فِي حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ - إذَا مَاتَ فِيهِ حَيَوَانٌ بَرِّيٌّ بِفَتْحِ الْبَاءِ نِسْبَةً لِلْبَرِّ ضِدُّ الْبَحْرِ - بِقُيُودِهِ الْآتِيَةِ قَبْلَ النَّزْحِ مِنْهُ، لِأَنَّهُ مَاءٌ تَعَافُهُ النُّفُوسُ، وَلَوْ كَثُرَ أَوْ كَانَتْ لَهُ مَادَّةٌ كَالْبِئْرِ. وَإِذَا مَاتَ الْحَيَوَانُ الْبَرِّيُّ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ أَوْ الْكَثِيرِ - لَهُ مَادَّةٌ أَوْ لَا - كَالصَّهَارِيجِ، وَكَانَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ - أَيْ دَمٌ يَجْرِي مِنْهُ إذَا جُرِحَ - فَإِنَّهُ يُنْدَبُ النَّزْحُ مِنْهُ بِقَدْرِ الْحَيَوَانِ مِنْ كِبَرٍ أَوْ صِغَرٍ وَبِقَدْرِ الْمَاءِ مِنْ قِلَّةٍ وَكَثْرَةٍ إلَى ظَنِّ زَوَالِ الْفَضَلَاتِ، خَرَجَتْ مِنْ فِيهِ حَالَ خُرُوجِ رُوحِهِ فِي الْمَاءِ. وَيُنْقِصُ النَّازِحُ الدَّلْوَ لِئَلَّا تَطْفُوَ الدُّهْنِيَّةُ فَتَعُودَ لِلْمَاءِ ثَانِيًا. وَالْمَدَارُ عَلَى ظَنِّ زَوَالِ الْفَضَلَاتِ، وَلِهَذَا حَذَفْنَا مِنْ الْمَتْنِ قَوْلَ الشَّيْخِ: " بِقَدْرِهِمَا "، فَلَوْ أُخْرِجَ الْحَيَوَانُ مِنْ الْمَاءِ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ وَقَعَ فِيهِ مَيِّتًا أَوْ كَانَ الْمَاءُ جَارِيًا أَوْ مُسْتَبْحِرًا كَغَدِيرٍ عَظُمَ جِدًّا، أَوْ كَانَ الْحَيَوَانُ بَحْرِيًّا كَحُوتٍ، أَوْ بَرِّيًّا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ كَعَقْرَبٍ وَذُبَابٍ، لَمْ يُنْدَبْ النَّزْحُ فَلَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ كَمَا لَا يُكْرَهُ بَعْدَ النَّزْحِ. وَهَذَا مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ بِالْحَيَوَانِ الْمَذْكُورِ. فَإِنْ تَغَيَّرَ لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رِيحًا تَنَجَّسَ لِأَنَّ مَيْتَتَهُ نَجِسَةٌ. (وَلَوْ زَالَ تَغَيُّرُ مُتَنَجِّسٍ بِغَيْرِ إلْقَاءِ طَاهِرٍ فِيهِ، لَمْ يَطْهُرْ) : يَعْنِي إذَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فِي حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ] : الْمُرَادُ كُلُّ مَا تَوَقَّفَ عَلَى طَهُورٍ. قَوْلُهُ: [بِقُيُودِهِ] : مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِعْمَالِهِ، وَقَبْلَ النَّزَحِ ظَرْفٌ لَهُ. وَالْقُيُودُ الْآتِيَةُ سِتَّةٌ، وَهِيَ: مَاتَ الْحَيَوَانُ الْبَرِّيُّ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ أَوْ الْكَثِيرِ إلَخْ، وَكَانَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ، وَلَمْ يُغَيَّرْ كَمَا يَأْتِي فِي آخِرِ عِبَارَةِ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ مَيْتَتَهُ نَجِسَةٌ] : أَيْ لِكَوْنِهِ: بَرِّيًّا ذَا نَفْسٍ سَائِلَةٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ بَحْرِيًّا أَوْ بَرِّيًّا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ وَتَغَيَّرَ الْمَاءُ بِهِ، فَهُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ وَمَفْهُومُ قَوْلِ الشَّارِحِ [وَكُرِهَ مَاءٌ] أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي طَعَامٍ وَمَاتَ فِيهِ أَوْ وَقَعَ مَيِّتًا أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى حُكْمِ الطَّعَامِ الَّذِي حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ الْآتِي. وَإِنْ وَقَعَ حَيًّا وَخَرَجَ كَذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ يَغْلِبُ عَلَى جَسَدِهِ النَّجَاسَةُ عُمِلَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا ضَرَرَ لِأَنَّ الطَّعَامَ لَا يُطْرَحُ بِالشَّكِّ قَوْلُهُ: [لَمْ يَطْهُرْ] : هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ ب ن الْأَرْجَحُ أَنَّهُ يَطْهُرُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ ظَنَّ مَالِكٌ، وَاعْتَمَدَ الْأُجْهُورِيُّ وَ (عب) أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ. وَرَجَّحَ ابْنُ رُشْدٍ مَا لِابْنِ وَهْبٍ وَفِيهِ نَظَرٌ (اهـ تَقْرِيرُ الشَّارِحِ)

بِحُلُولِ نَجَاسَةٍ فِيهِ ثُمَّ زَالَ تَغَيُّرُهُ لَا بِصَبِّ شَيْءٍ طَاهِرٍ فِيهِ بَلْ بِنَفْسِهِ - فَإِنَّهُ يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى تَنَجُّسِهِ. وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي عِبَادَةٍ أَوْ عَادَةٍ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّهُ إذَا زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ طَهُرَ لِأَنَّ عِلَّةَ تَنْجِيسِهِ تَغَيُّرُهُ وَقَدْ زَالَتْ. وَأَمَّا لَوْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِصَبِّ مَاءٍ مُطْلَقٍ فِيهِ وَلَوْ قَلَّ لَعَادَتْ لَهُ الطَّهُورِيَّةُ. وَكَذَا إذَا زَالَ بِسُقُوطِ شَيْءٍ طَاهِرٍ فِيهِ كَتُرَابٍ أَوْ طِينٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ طَهُورًا إذَا زَالَ أَثَرُ مَا سَقَطَ فِيهِ. وَمَفْهُومُ مُتَنَجِّسٍ: أَنَّهُ لَوْ زَالَ تَغَيُّرُ الطَّاهِرِ بِنَفْسِهِ لَكَانَ طَهُورًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَعَادَتْ لَهُ الطَّهُورِيَّةُ] : أَيْ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَكُونُ طَهُورًا] : قَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ: حَاصِلُ مَا أَفَادَهُ الْأُجْهُورِيُّ وَتَلَامِذَتُهُ وَالزَّرْقَانِيُّ وَابْنُ الْإِمَامِ التِّلْمِسَانِيُّ: إذَا زَالَ تَغَيُّرُ النَّجِسِ بِنَحْوِ تُرَابٍ، فَإِنْ ظُنَّ زَوَالُ أَوْصَافِ النَّجَاسَةِ طَهُرَ، وَإِنْ اُحْتُمِلَ بَقَاؤُهَا، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهَا خَفِيَتْ بِالْمُخَالِطِ فَنَجِسٌ. وَبَعْدُ، فَالْقِيَاسُ فِي غَيْرِ صَبِّ الْمُطْلَقِ تَخْرِيجُ الْفَرْعِ مِنْ أَصْلِهِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْمُخَالِطِ الْمُوَافِقِ. وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْأَظْهَرَ فِيهِ الضَّرَرُ، فَلِذَا اعْتَمَدْنَا هُنَا بَقَاءَ النَّجَاسَةِ تَبَعًا لِلْأُجْهُورِيِّ وَ (عب) وَ (شب) وَ (خش) وَإِنْ اعْتَمَدَ ب ن الطَّهُورِيَّةَ (اهـ) . قَوْلُهُ: [لَكَانَ طَهُورًا] : أَيْ اتِّفَاقًا وَمَفْهُومُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ زَالَ تَغَيُّرُ نَفْسِ النَّجَاسَةِ كَالْبَوْلِ فَنَجِسٌ جَزْمًا؛ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ لِبَوْلِيَّتِهِ لَا لِتَغَيُّرِهِ، وَلَا وَجْهَ لِمَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ مِنْ الْخِلَافِ فِيهِ كَمَا فِي شب اهـ. شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ.

[فصل بيان الأعيان الطاهرة والنجسة]

فَصْلٌ: فِي بَيَانِ الْأَعْيَانِ الطَّاهِرَةِ وَالنَّجِسَةِ (الطَّاهِرُ: الْحَيُّ، وَعَرَقُهُ، وَدَمْعُهُ وَمُخَاطُهُ، وَلُعَابُهُ، وَبَيْضُهُ، إلَّا الْمَذِرَ وَمَا خَرَجَ بَعْدَ مَوْتِهِ) : الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ الطَّهَارَةُ. فَجَمِيعُ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهَا طَاهِرٌ، وَالنَّجَاسَةُ عَارِضَةٌ. فَكُلُّ حَيٍّ - وَلَوْ كَلْبًا وَخِنْزِيرًا - طَاهِرٌ، وَكَذَا عَرَقُهُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ بَيَانِ الْأَعْيَانِ الطَّاهِرَةِ وَالنَّجِسَةِ] [تَنْبِيه غَسَلَ الثَّوْب مِنْ فَضَلَات الْمُبَاح] فَصْلٌ: هُوَ لُغَةً الْحَاجِزُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، وَاصْطِلَاحًا اسْمٌ لِطَائِفَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الْفَنِّ مُنْدَرِجَةٌ تَحْتَ بَابٍ أَوْ كِتَابٍ غَالِبًا. وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْمُتَغَيِّرَ بِالطَّاهِرِ طَاهِرٌ. وَبِالنَّجِسِ نَجِسٌ نَاسَبَ أَنْ يُبَيِّنَ الْأَعْيَانَ الطَّاهِرَةَ وَالنَّجِسَةَ فِي هَذَا الْفَصْلِ. قَوْلُهُ: [الطَّاهِرُ] : بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُبَاحِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ، فَيَجْتَمِعَانِ فِي الْخُبْزِ مَثَلًا، وَيَنْفَرِدُ الطَّاهِرُ فِي السُّمِّ، وَيَنْفَرِدُ الْمُبَاحُ فِي الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ. كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ بَيْنَ النَّجِسِ وَالْمَمْنُوعِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ أَيْضًا؛ فَيَجْتَمِعَانِ فِي الْخَمْرِ مَثَلًا، وَيَنْفَرِدُ الْمَمْنُوعُ فِي السُّمِّ وَالنَّجِسُ فِي الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ. قَوْلُهُ: [الْحَيُّ] : أَيْ مَنْ قَامَتْ بِهِ الْحَيَاةُ وَهِيَ ضِدُّ الْمَوْتِ، فَهِيَ صِفَةٌ تُصَحَّحُ لِمَنْ قَامَتْ بِهِ الْحَرَكَةُ الْإِرَادِيَّةُ. قَوْلُهُ: [وَبَيْضُهُ] : أَيْ وَلَوْ مِنْ حَشَرَاتٍ. قَوْلُهُ: [فَجَمِيعُ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ] : أَيْ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْجَمَادِ. وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ. قَوْلُهُ: [وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهَا] : أَيْ كَالنَّبَاتَاتِ لِأَنَّهَا مِنْ الْجَمَادِ أَيْضًا، وَجَمِيعُ الْحَيَوَانَاتِ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَنِيِّ، وَهُوَ نَاشِئٌ مِنْ الْغِذَاءِ، وَهُوَ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ فَلِذَلِكَ فَرَّعَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ " فَكُلُّ حَيٍّ " إلَخْ. قَوْلُهُ: [فَكُلُّ حَيٍّ] : أَيْ وَلَوْ كَافِرًا أَوْ شَيْطَانًا وَنَجَاسَتُهُمَا مَعْنَوِيَّةٌ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا عَرَقُهُ] : وَلَوْ شَارِبَ خَمْرٍ. قَوْلُهُ: [وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ] : الَّذِي هُوَ دَمْعُهُ وَمُخَاطُهُ وَلُعَابُهُ وَبَيْضُهُ. وَهِيَ طَاهِرَةٌ وَلَوْ أَكَلَ نَجِسًا، وَمَحَلُّ كَوْنِ اللُّعَابِ طَاهِرًا إنْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ الْمَعِدَةِ. وَأَمَّا الْخَارِجُ مِنْ الْمَعِدَةِ فَنَجِسٌ وَعَلَامَتُهُ أَنْ يَكُونَ أَصْفَرَ مُنْتِنًا.

إلَّا الْبَيْضَ الْمَذِرَ، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ مَا تَغَيَّرَ بِعُفُونَةٍ أَوْ زُرْقَةٍ، أَوْ صَارَ دَمًا؛ فَإِنَّهُ نَجِسٌ بِخِلَافِ الْمَمْرُوقِ: وَهُوَ مَا اخْتَلَطَ بَيَاضُهُ بِصِفَارِهِ مِنْ غَيْرِ نُتُونَةٍ وَإِلَّا مَا خَرَجَ مِنْ الْحَيَوَانِ مِنْ بَيْضٍ أَوْ مُخَاطٍ أَوْ دَمْعٍ أَوْ لُعَابٍ بَعْدَ مَوْتِهِ بِلَا ذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَجِسًا. فَهَذَا فِي الْحَيَوَانِ الَّذِي مَيْتَتُهُ نَجِسَةٌ. (وَبَلْغَمٌ، وَصَفْرَاءُ، وَمَيِّتُ الْآدَمِيِّ، وَمَا لَا دَمَ لَهُ، وَالْبَحْرِيِّ، وَمَا ذُكِّيَ مِنْ غَيْرِ مُحَرَّمِ الْأَكْلِ، وَالشَّعْرُ، وَزَغَبُ الرِّيشِ) : الْبَلْغَمُ: وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّدْرِ مُنْعَقِدًا كَالْمُخَاطِ، وَكَذَا مَا يَسْقُطُ مِنْ الدِّمَاغِ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، طَاهِرٌ. وَكَذَا الصَّفْرَاءُ: وَهِيَ مَاءٌ أَصْفَرُ مُلْتَحِمٌ يَخْرُجُ مِنْ الْمَعِدَةِ يُشْبِهُ الصِّبْغَ الزَّعْفَرَانِيَّ؛ لِأَنَّ الْمَعِدَةَ عِنْدَنَا طَاهِرَةٌ فَمَا خَرَجَ مِنْهَا طَاهِرٌ، مَا لَمْ يَسْتَحِلْ إلَى فَسَادٍ كَالْقَيْءِ الْمُتَغَيِّرِ. وَمِنْ الطَّاهِرِ: مَيْتَةُ الْآدَمِيِّ وَلَوْ كَافِرًا عَلَى الصَّحِيحِ. وَمَيْتَةُ مَا لَا دَمَ لَهُ مِنْ جَمِيعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ صَارَ دَمًا] : وَأَوْلَى مَا صَارَ مُضْغَةً أَوْ فَرْخًا مَيِّتًا، وَأَمَّا وُجُودُ نُقْطَةِ دَمٍ غَيْرِ مَسْفُوحٍ فِيهِ فَلَا تَضُرُّ. قَوْلُهُ: [مِنْ بَيْضٍ] : أَيْ وَلَوْ يَابِسًا. قَوْلُهُ: [فَهَذَا فِي الْحَيَوَانِ الَّذِي مَيْتَتُهُ نَجِسَةٌ] : وَأَمَّا الْخَارِجُ مِمَّا مَيْتَتُهُ طَاهِرَةٌ - كَالسَّمَكِ وَالْجَرَادِ - وَالْخَارِجُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ، فَجَمِيعُهُ طَاهِرٌ. قَوْلُهُ: [وَمَيِّتُ الْآدَمِيِّ] : بِسُكُونِ الْيَاءِ وَالْمُشَدَّدِ لِلْحَيِّ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ} [الزمر: 30] قِيلَ: أَيَا سَائِلِي تَفْسِيرَ مَيْتٍ وَمَيِّتٍ ... فَدُونَك قَدْ فَسَّرْت مَا عَنْهُ تَسْأَلُ فَمَا كَانَ ذَا رُوحٍ فَذَلِكَ مَيِّتٌ ... وَمَا الْمَيْتُ إلَّا مَنْ إلَى الْقَبْرِ يُحْمَلُ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْغَالِبُ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَلَا يَكَادُونَ يَسْتَعْمِلُونَ " مَيْتَةً " بِالتَّاءِ إلَّا مُخَفَّفًا (اهـ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ) . قَوْلُهُ: [الْآدَمِيِّ] : إنَّمَا كَانَ طَاهِرًا لِتَكْرِيمِهِ قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] . قَوْلُهُ: [كَالْقَيْءِ الْمُتَغَيِّرِ] : وَمِثْلُهُ الصَّفْرَاءُ الْمُنْتِنَةُ. قَوْلُهُ: [مَا لَا دَمَ لَهُ] : هُوَ مَعْنَى قَوْلِ غَيْرِهِ: لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ أَيْ لَا دَمَ ذَاتِيٌّ لَهُ، بَلْ إنْ وُجِدَ فِيهِ دَمٌ يَكُونُ مَنْقُولًا وَيُحْكَمُ. بِنَجَاسَةِ الدَّمِ فَقَطْ، فَلِذَلِكَ قَالَ: [لَا دَمَ لَهُ] وَلَمْ يَقُلْ: لَا دَمَ فِيهِ.

خَشَاشِ الْأَرْضِ؛ كَعَقْرَبٍ، وَجُنْدُبٍ وَخُنْفُسٍ. وَمِنْهُ الْبُرْغُوثُ، بِخِلَافِ الْقَمْلِ، وَكَذَا مَيْتَةُ الْبَحْرِيِّ مِنْ السَّمَكِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ طَالَتْ حَيَاتُهُ بِالْبَرِّ. وَجَمِيعُ مَا ذُكِّيَ بِذَبْحٍ أَوْ نَحْرٍ أَوْ عَقْرٍ مِنْ غَيْرِ مُحَرَّمِ الْأَكْلِ، بِخِلَافِ مُحَرَّمِهِ؛ كَالْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ وَالْخَيْلِ، فَإِنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [خَشَاشِ الْأَرْضِ] : أَيْ وَلَيْسَ مِنْهُ مَا هُوَ كَالْوَزَغِ وَالسَّحَالِي مِنْ كُلِّ مَا لَهُ لَحْمٌ وَدَمٌ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُكْمِ بِطَهَارَةِ مَيْتَةِ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، أَنَّهُ يُؤْكَلُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ؛ لِقَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ: وَافْتَقَرَ نَحْوُ الْجَرَادِ لَهَا بِمَا يَمُوتُ بِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخَشَاشَ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ الطَّعَامِ، كَدُودِ الْفَاكِهَةِ وَالْمِشِّ يُؤْكَلُ مُطْلَقًا. وَغَيْرُ الْمُتَوَلِّدِ إذَا كَانَ حَيًّا وَجَبَ نِيَّةُ ذَكَاتِهِ بِمَا يَمُوتُ بِهِ. وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَإِنْ تَمَيَّزَ أُخْرِجَ وَلَوْ وَاحِدَةٌ، وَإِلَّا أُكِلَ إنْ غَلَبَ الطَّعَامُ لَا إنْ قَلَّ أَوْ سَاوَى عَلَى الرَّاجِحِ. فَإِنْ شَكَّ هَلْ غَلَبَ الطَّعَامُ أَوْ لَا فَلَا يُطْرَحُ بِالشَّكِّ. وَلَيْسَ كَضُفْدَعَةٍ شَكَّ أَبَرِّيَّةٌ أَمْ بَحْرِيَّةٌ؛ فَلَا تُؤْكَلُ كَمَا فِي عب لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِإِبَاحَتِهَا (اهـ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ بِالْمَعْنَى) . قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْقَمْلِ] : أَيْ فَمَيْتَتُهَا نَجِسَةٌ. خِلَافًا لِسَحْنُونٍ مِنْ أَنَّهَا لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ. فَهِيَ كَالْبُرْغُوثِ عِنْدَهُ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا مَيْتَةُ الْبَحْرِيِّ] إلَخْ: وَفِي الْحَدِيثِ «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ» . فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِ تَغْلِيبُ السَّمَكِ عَلَى الْجَرَادِ لِكَوْنِ ذَكَاتِهِ بِمَا يَمُوتُ بِهِ مُطْلَقًا (اهـ مِنْ شَيْخِنَا فِي مَجْمُوعِهِ) . قَوْلُهُ: [وَلَوْ طَالَتْ حَيَاتُهُ بِالْبَرِّ] : أَيْ وَلَوْ مَاتَ بِهِ عَلَى أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ، وَلَوْ عَلَى صُورَةِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ، وَلَا يَجُوزُ وَطْؤُهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَهَائِمِ، وَيُعَزَّرُ وَاطِئُهُ. قَوْلُهُ: [وَجَمِيعُ مَا ذُكِّيَ] إلَخْ: لَمْ يَقُلْ وَجُزْؤُهُ كَمَا قَالَ خَلِيلٌ لِأَنَّ حُكْمَهُ كَالْكُلِّ فِي مِثْلِ هَذَا. قَوْلُهُ: [مِنْ غَيْرِ مُحَرَّمِ الْأَكْلِ] : أَيْ فَيَشْمَلُ مَكْرُوهَهُ كَسَبُعٍ وَهِرٍّ، فَإِنْ ذُكِّيَ لِأَكْلِ لَحْمِهِ طَهُرَ جِلْدُهُ تَبَعًا لَهُ، لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ كَاللَّحْمِ، وَإِنْ ذُكِّيَ بِقَصْدِ أَخْذِ جِلْدِهِ فَقَطْ جَازَ أَيْضًا أَكْلُ لَحْمِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَتَبَعَّضُ وَهُوَ الْأَرْجَحُ. قَوْلُهُ: [لَا تَعْمَلُ فِيهِ] : أَيْ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا فِي الثَّلَاثَةِ، وَمُقَابِلُهُ مَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ كَرَاهَةِ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةِ فِي الْخَيْلِ.

وَكَذَا الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ لَا تَعْمَلُ فِيهِمَا الذَّكَاةُ. فَمَيْتَةُ مَا ذُكِرَ نَجِسَةٌ وَلَوْ ذُكِّيَ. وَمِنْ الطَّاهِرِ: الشَّعْرُ وَلَوْ مِنْ خِنْزِيرٍ. وَكَذَا زَغَبُ الرِّيشِ وَهُوَ مَا اكْتَنَفَ الْقَصَبَةَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَأَرَادَ بِالشَّعْرِ مَا يَعُمُّ الْوَبَرَ وَالصُّوفَ. (وَالْجَمَادُ إلَّا الْمُسْكِرَ، وَلَبَنُ آدَمِيٍّ، وَغَيْرِ الْمُحَرَّمِ، وَفَضْلَةُ الْمُبَاحِ، إنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْ النَّجَاسَةَ، وَمَرَارَتُهُ، وَالْقَلَسُ، وَالْقَيْءُ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ حَالَةِ الطَّعَامِ، وَمَسْكٌ، وَفَأْرَتُهُ، وَخَمْرٌ خُلِّلَ أَوْ حُجِّرَ، وَرَمَادُ نَجِسٍ وَدُخَانُهُ، وَدَمٌ لَمْ يُسْفَحْ مِنْ مُذَكًّى) أَيْ مِنْ الْأَعْيَانِ الطَّاهِرَةِ الْجَمَادُ وَهُوَ جِسْمٌ لَيْسَ بِحَيٍّ أَيْ لَمْ تَحُلَّهُ الْحَيَاةُ، وَلَا مُنْفَصِلٍ عَنْ حَيٍّ. فَشَمِلَ النَّبَاتَ بِأَنْوَاعِهِ وَجَمِيعَ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَجَمِيعَ الْمَائِعَاتِ؛ كَالْمَاءِ وَالزَّيْتِ لَا اللَّبَنِ وَالسَّمْنِ وَعَسَلِ النَّحْلِ؛ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِجَمَادٍ لِانْفِصَالِهَا عَنْ الْحَيَوَانِ كَالْبَيْضِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْجَمَادِ: الْمُسْكِرُ. وَلَا يَكُونُ إلَّا مَائِعًا، كَالْمُتَّخَذِ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَهُوَ الْخَمْرُ. أَوْ مِنْ نَقِيعِ الزَّبِيبِ أَوْ التَّمْرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ نَجِسٌ، وَيُحَدُّ شَارِبُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَكَذَا الْكَلْبُ] : أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِحُرْمَةِ أَكْلِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِكَرَاهَتِهِ فَتَعْمَلُ فِيهِ وَسَيَأْتِي الْقَوْلَانِ فِي بَابِ الْمُبَاحِ. وَأَمَّا الْخِنْزِيرُ فَلَا تَعْمَلُ الذَّكَاةُ فِيهِ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ [وَلَوْ مِنْ خِنْزِيرٍ] : أَيْ لَا تَحُلُّهُ الْحَيَاةُ وَأَمَّا أُصُولُ الشَّعْرِ فَكَالْجِلْدِ. قَوْلُهُ: [وَالْجَمَادُ] : مَعْطُوفٌ عَلَى الْحَيِّ. قَوْلُهُ: [وَلَبَنُ آدَمِيٍّ] : ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَلَوْ كَافِرًا مَيِّتًا سَكْرَانَ. لِاسْتِحَالَتِهِ إلَى صَلَاحٍ. قَوْلُهُ: [وَغَيْرُ الْمُحَرَّمِ] : أَيْ فَلَبَنُهُ طَاهِرٌ. قَوْلُهُ: [فَشَمِلَ النَّبَاتَ] : مِنْ ذَلِكَ الْبُنُّ وَالدُّخَانُ، فَالْقَهْوَةُ فِي ذَاتِهَا مُبَاحَةٌ وَيَعْرِضُ لَهَا حُكْمُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا. هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي ح هُنَا وَمِثْلُهَا الدُّخَانُ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَكَثْرَتُهُ لَهْوٌ (اهـ مِنْ شَيْخِنَا فِي مَجْمُوعِهِ) . قَوْلُهُ: [وَهُوَ الْخَمْرُ] : أَيْ فَهُوَ عِنْدَهُمْ الْمُتَّخَذُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ. قَوْلُهُ: [أَوْ مِنْ نَقِيعِ الزَّبِيبِ أَوْ التَّمْرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ] : أَيْ كَالْمُسْتَخْرَجِ مِنْ دَقِيقِ الشَّعِيرِ وَيُسَمَّى بِالنَّبِيذِ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ نَجِسٌ وَيُحَدُّ شَارِبُهُ] : أَيْ فَحَقِيقَةُ الْمُسْكِرِ هُوَ مَا كَانَ مَائِعًا مُغَيِّبًا لِلْعَقْلِ مَعَ شِدَّةٍ وَفَرَحٍ - سَوَاءٌ كَانَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ وَهُوَ الْخَمْرُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ النَّبِيذُ - فَمُوجِبٌ لِلْحَدِّ وَالْحُرْمَةِ فِي قَلِيلِهِ كَكَثِيرِهِ وَإِنْ لَمْ يَغِبْ عَقْلُهُ بِالْفِعْلِ.

بِخِلَافِ نَحْوِ الْحَشِيشَةِ وَالْأَفْيُونِ وَالسَّيْكَرَانِ فَطَاهِرَةٌ لِأَنَّهَا مِنْ الْجَمَادِ. وَيَحْرُمُ تَعَاطِيهَا لِتَغْيِيبِهَا الْعَقْلَ، وَلَا يَحْرُمُ التَّدَاوِي بِهَا فِي ظَاهِرِ الْجَسَدِ. وَمِنْ الطَّاهِرِ لَبَنُ الْآدَمِيِّ وَلَوْ كَافِرًا. وَلَبَنُ غَيْرِ مُحَرَّمِ الْأَكْلِ وَلَوْ مَكْرُوهًا كَالْهِرِّ وَالسَّبُعِ. بِخِلَافِ مُحَرَّمِ الْأَكْلِ، كَالْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ فَلَبَنُهُ نَجِسٌ. وَمِنْ الطَّاهِرِ: فَضْلَةُ الْمُبَاحِ، مِنْ رَوْثٍ وَبَعْرٍ وَبَوْلٍ وَزِبْلِ دَجَاجٍ وَحَمَامٍ وَجَمِيعِ الطُّيُورِ، مَا لَمْ يَسْتَعْمِلْ النَّجَاسَةَ. فَإِنْ اسْتَعْمَلَهَا أَكْلًا أَوْ شُرْبًا فَفَضْلَتُهُ نَجِسَةٌ. وَالْفَأْرَةُ مِنْ الْمُبَاحِ؛ فَفَضْلَتُهَا طَاهِرَةٌ إنْ لَمْ تَصِلْ لِلنَّجَاسَةِ وَلَوْ شَكًّا لِأَنَّ شَأْنَهَا اسْتِعْمَالُ النَّجَاسَةِ كَالدَّجَاجِ. بِخِلَافِ نَحْوِ الْحَمَامِ فَلَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ فَضْلَتِهِ إلَّا إذَا تُحُقِّقَ أَوْ ظُنَّ اسْتِعْمَالُهَا لِلنَّجَاسَةِ. وَمِنْ الطَّاهِرِ مَرَارَةُ غَيْرِ مُحَرَّمِ الْأَكْلِ مِنْ مُبَاحٍ أَوْ مَكْرُوهٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْمَاءُ الْأَصْفَرُ الْكَائِنُ فِي الْجِلْدَةِ الْمَعْلُومَةِ لِلْحَيَوَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِخِلَافِ نَحْوِ الْحَشِيشَةِ وَالْأَفْيُونِ] : أَيْ فَلَيْسَتْ مِنْ الْمُسْكِرِ وَلَا مِنْ النَّجِسِ وَلَا تُوجِبُ حَدًّا، وَإِنَّمَا فِيهَا الْأَدَبُ إنْ تَعَاطَى مِنْهَا مَا يُغَيِّبُ الْعَقْلَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسْكِرَ هُوَ مَا غَيَّبَ الْعَقْلَ دُونَ الْحَوَاسِّ مَعَ نَشْوَةٍ وَطَرَبٍ. وَالْمُخَدِّرُ - وَيُقَالُ لَهُ الْمُفْسِدُ - مَا غَيَّبَ الْعَقْلَ دُونَ الْحَوَاسِّ لَا مَعَ نَشْوَةٍ وَطَرَبٍ، وَالْمُرَقِّدُ مَا غَيَّبَهُمَا مَعًا كَالدَّاتُورَةِ. فَالْأَوَّلُ نَجِسٌ وَالْآخَرَانِ طَاهِرَانِ وَلَا يَحْرُمُ مِنْهُمَا إلَّا مَا أَثَّرَ فِي الْعَقْلِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ شَكًّا] : عَلَى مَا لِلْأُجْهُورِيِّ وَ (عب) . وَجَعَلَهُ الشَّيْخُ فِي الْحَاشِيَةِ: شَكًّا فِي الْمَانِعِ، أَيْ فَلَا يَضُرُّ، فَإِنْ تَوَلَّدَ الْحَيَوَانُ مِنْ مُبَاحٍ وَغَيْرِهِ فَكَذَاتِ الرَّحِمِ، مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى صُورَةِ مُحَرَّمِ الْأَكْلِ كَخِنْزِيرَةٍ مِنْ شَاةٍ فَهِيَ نَجِسَةٌ كَفَضْلَتِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَحَبُّ غَسْلُ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ مِنْ فَضَلَاتِ الْمُبَاحِ وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرَةً، إمَّا لِاسْتِقْذَارِهِ أَوْ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّةَ يَقُولُونَ بِنَجَاسَتِهَا. وَذَكَرَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ: لَيْسَ مِنْ التَّلْفِيقِ الَّذِي قِيلَ بِجَوَازِهِ مُرَاعَاةُ الشَّافِعِيِّ فِي إبَاحَةِ الْخَيْلِ، وَمَالِكٍ فِي طَهَارَةِ رَجِيعِهَا، لِأَنَّ مَالِكًا عَيَّنَ لِلْإِبَاحَةِ أَشْيَاءَ فَتَأَمَّلْ (اهـ) ، وَذَكَرَ فِي مَجْمُوعِهِ أَيْضًا: أَنَّ فَضَلَاتِ الْأَنْبِيَاءِ طَاهِرَةٌ حَتَّى بِالنِّسْبَةِ لَهُمْ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ مَتَى ثَبَتَتْ لِذَاتٍ فَهِيَ مُطْلَقَةٌ. وَاسْتِنْجَاؤُهُمْ تَنْزِيهٌ وَتَشْرِيعٌ وَلَوْ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَإِنْ كَانَ لَا حُكْمَ إذْ ذَاكَ كَالْعِصْمَةِ لِاصْطِفَائِهِمْ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ. وَأَنَّ الْمَنِيَّ الَّذِي خُلِقَتْ مِنْهُ الْأَنْبِيَاءُ طَاهِرٌ بِلَا خِلَافٍ، بَلْ جَمِيعُ مَا تَكُونُ مِنْهُ أُصُولُ الْمُصْطَفَى طَاهِرٌ أَيْضًا (اهـ) .

وَمِنْ الطَّاهِرِ الْقَلَسُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ، وَهُوَ مَا تَقْذِفُهُ الْمَعِدَةُ مِنْ الْمَاءِ عِنْدَ امْتِلَائِهَا. وَكَذَا الْقَيْءُ طَاهِرٌ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ حَالَةِ الطَّعَامِ بِحُمُوضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَإِنْ تَغَيَّرَ فَنَجِسٌ. وَمِنْ الطَّاهِرِ الْمَسْكُ وَفَأْرَتُهُ وَهُوَ الْجِلْدَةُ الْمُتَكَوِّنُ فِيهَا. وَكَذَا الْخَمْرُ، إذَا خُلِّلَ بِفِعْلِ فَاعِلٍ أَوْ حُجِّرَ، أَيْ صَارَ كَالْحَجَرِ فِي الْيُبْسِ بِفِعْلِ فَاعِلٍ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ طَاهِرًا. وَأَوْلَى لَوْ تَخَلَّلَ بِنَفْسِهِ أَوْ تَحَجَّرَ بِنَفْسِهِ. وَمِنْ الطَّاهِرِ رَمَادُ النَّجِسِ، كَالزِّبْلِ وَالرَّوْثِ النَّجِسَيْنِ. وَأَوْلَى؛ الْوَقُودُ الْمُتَنَجِّسُ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِالنَّارِ. وَكَذَا دُخَانُ النَّجِسِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ. وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ ضَعِيفٌ. نَعَمْ. قَيَّدَ بَعْضُهُمْ طَهَارَةَ رَمَادِ النَّجِسِ بِمَا إذَا أَكَلَتْهُ النَّارُ وَانْمَحَقَ مَعَهُ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ رَمَادُهُ لَهُ نَوْعُ صَلَابَةٍ فَبَاقٍ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَمِنْ الطَّاهِرِ: الدَّمُ غَيْرُ الْمَسْفُوحِ، أَيْ الْجَارِي مِنْ الْمُذَكَّى، وَهُوَ الْبَاقِي بِالْعُرُوقِ، أَوْ فِي قَلْبِ الْحَيَوَانِ أَوْ مَا يُرَشَّحُ مِنْ اللَّحْمِ لِأَنَّهُ كَجُزْءِ الْمُذَكَّى. وَكُلُّ مُذَكًّى وَجُزْؤُهُ طَاهِرٌ، بِخِلَافِ مَا بَقِيَ عَلَى مَحَلِّ الذَّبْحِ فَإِنَّهُ مِنْ بَاقِي الْمَسْفُوحِ فَنَجِسٌ. وَكَذَا مَا يُوجَدُ فِي بَطْنِهَا بَعْدَ السَّلْخِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ لِأَنَّهُ جَرَى مِنْ مَحَلِّ الذَّبْحِ إلَى الْبَطْنِ، فَهُوَ مِنْ الْمَسْفُوحِ. وَقَوْلِي: (مِنْ مُذَكًّى) : قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ أَهْمَلَهُ الشَّيْخُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (وَمِنْ الطَّاهِرِ الْقَلَسُ) : أَيْ مَا لَمْ يُشَابِهْ فِي التَّغَيُّرِ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعَذِرَةِ. فَلَا تَضُرُّ حُمُوضَتُهُ لِخِفَّتِهِ وَتَكَرُّرِهِ. (اهـ. مِنْ شَيْخِنَا فِي مَجْمُوعِهِ) . قَوْلُهُ: [بِحُمُوضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا] إلَخْ: وَقِيلَ مَا لَمْ يُشَابِهْ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعَذِرَةِ. وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ. وَفِي الْحَاشِيَةِ: طَهَارَةُ الْقَيْءِ تَقْتَضِي طَهَارَةَ مَا وَصَلَ لِلْمَعِدَةِ مِنْ خَيْطٍ أَوْ دِرْهَمٍ. وَقَالُوا بِنَجَاسَتِهِ كَمَا فِي كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ. وَأَمَّا الَّذِي أُدْخِلَ فِي الدُّبُرِ فَنَجِسٌ قَطْعًا كَمَا فِي ح. قَوْلُهُ: [وَمِنْ الطَّاهِرِ الْمَسْكُ] إلَخْ: أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ لِشِدَّةِ الِاسْتِحَالَةِ إلَى صَلَاحٍ. بِخِلَافِ الْبَيْضِ فَانْدَفَعَ مَا فِي الْحَاشِيَةِ (اهـ مِنْ شَيْخِنَا فِي مَجْمُوعِهِ) . قَوْلُهُ: [إذَا خُلِّلَ] إلَخْ: أَيْ إلَّا لِنَجَاسَةٍ بِهِ قَبْلُ. قَوْلِهِ: [أَوْ حُجِّرَ] : قَيَّدَهُ ح بِمَا إذَا لَمْ يُعَدَّ إسْكَارُهُ بِالْبَلِّ، وَرَدَّهُ الْأُجْهُورِيُّ. وَفِي عب: يَطْهُرُ بِالتَّحْجِيرِ وَالتَّخْلِيلِ وَلَوْ عَلَى ثَوْبٍ، تَابِعًا فِي ذَلِكَ لِلْأُجْهُورِيِّ. وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ لِأَنَّهُ أَصَابَ حَالَ نَجَاسَتِهِ، وَهُوَ مَا فِي شب. وَحَيْثُ طَهُرَ الْخَمْرُ بِالتَّخْلِيلِ وَالتَّحْجِيرِ طَهُرَ إنَاؤُهُ، فَيُسْتَثْنَى مِمَّا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: [وَفَخَّارٌ بِغَوَّاصٍ] . وَاخْتَلَفُوا فِي تَخْلِيلِهَا بِالْحُرْمَةِ لِوُجُوبِ إرَاقَتِهَا وَالْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةِ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ ظَاهِرٌ] : وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ الطَّهَارَةُ مُطْلَقًا، وَهَذَا ضَعِيفٌ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَشْيَاخِنَا.

[الأعيان النجسة]

(وَالنَّجَسُ: مَيْتٌ غَيْرُ مَا ذُكِرَ، وَمَا خَرَجَ مِنْهُ، وَمَا انْفَصَلَ مِنْهُ أَوْ مِنْ حَيٍّ مِمَّا تَحُلُّهُ الْحَيَاةُ، كَقَرْنٍ وَظُفْرٍ، وَظِلْفٍ، وَحَافِرٍ، وَسِنٍّ، وَقَصَبِ رِيشٍ، وَجِلْدٍ، وَلَوْ دُبِغَ) : يَعْنِي أَنَّ النَّجَسَ بِفَتْحِ الْجِيمِ، أَيْ الْأَعْيَانُ النَّجِسَةُ الذَّاتِ: مَيْتُ غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَغَيْرُهُ: كُلُّ بَرِّيٍّ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ، مِنْ غَنَمٍ وَبَقَرٍ وَحِمَارٍ وَلَوْ قَمْلَةً. وَقِيلَ، بِطَهَارَةِ مَيْتَتِهَا؛ لِأَنَّ دَمَهَا مُكْتَسَبٌ لَا ذَاتِيٌّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. نَعَمْ يُعْفَى عَمَّا قَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْأَعْيَان النَّجِسَة] [تَنْبِيه ميتة الْجِنّ] قَوْلُهُ: [وَالنَّجِسُ: مَيْتٌ] إلَخْ: عَطْفٌ عَلَى الطَّاهِرِ إلَخْ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْأَعْيَانَ الطَّاهِرَةَ وَاسْتَشْعَرَ أَضْدَادَهَا، فَشَرَعَ يُتَمِّمُ الْكَلَامَ عَلَيْهَا صَرَاحَةً، وَإِنْ تَقَدَّمَ لَهُ بَعْضُهَا صَرَاحَةً وَضِمْنًا كَقَوْلِهِ: [إلَّا الْمَذَرُ وَمَا خَرَجَ بَعْدَ الْمَوْتِ] . وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ [مِنْ غَيْرِ مُحَرَّمٍ] وَ [إلَّا الْمُسْكِرَ] ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْ النَّجَاسَةَ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَلَى حَالِ الطَّعَامِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ خُلِّلَ أَوْ حُجِّرَ وَمَفْهُومُ لَمْ يُسْفَحْ. قَوْلُهُ: [غَيْرِ الْآدَمِيِّ] : وَأَمَّا هُوَ فَمَيْتَتُهُ طَاهِرَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا تَقَدَّمَ خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ شَعْبَانَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَالْقَائِلُ بِالطَّهَارَةِ ابْنُ رُشْدٍ نَقْلًا عَنْ سَحْنُونَ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ فِي مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ الْخِلَافُ. وَأَمَّا مَيْتَةُ الْجِنِّ فَنَجِسَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ الْآدَمِيَّ فِي الشَّرَفِ وَإِنْ اقْتَضَى عُمُومُ «الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ» أَنَّ لَهُ مَا لِلْآدَمِيِّ. وَلَوْ قِيلَ بِطَهَارَةِ الْمُسْلِمِ مِنْهُمْ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ وَلَيْسَ الْفَرْعُ نَصًّا قَدِيمًا (اهـ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ) . قَالَ عِيَاضٌ الْأَمْرُ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ وَإِكْرَامِهِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ يَأْبَى تَنْجِيسَهُ. إذْ لَا مَعْنَى لِغُسْلِ الْمَيْتَةِ الَّتِي هِيَ مِثْلُ الْعَذِرَةِ وَصَلَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى سَهْلِ ابْنِ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ، وَتَقْبِيلِهِ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَوْ كَانَ نَجِسًا مَا فَعَلَ النَّبِيُّ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ قَمْلَةً] : مُبَالَغَةٌ فِي قَوْلِهِ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ إلَخْ] : هُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ. قَوْلُهُ: [نَعَمْ يُعْفَى إلَخْ] : فَيُسْتَخَفُّ مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي الصَّلَاةِ قَتْلًا وَحَمْلًا بَعْدَهُ. وَنَقَلَ ابْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ بَعْضِ الصَّالِحِينَ إنْ احْتَاجَ لِقَتْلِهَا فِي الْمَسْجِدِ يَنْوِي ذَكَاتَهَا قَالَ ح:

لِلْمَشَقَّةِ. وَكَذَا كُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ بَوْلٍ وَدَمْعٍ وَمُخَاطٍ وَبَيْضٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ نَجِسٌ. وَكَذَا كُلُّ مَا انْفَصَلَ مِنْهُ مِمَّا تَحُلُّهُ الْحَيَاةُ أَوْ انْفَصَلَ مِنْ حَيٍّ مِمَّا تَحُلُّهُ الْحَيَاةُ، كَاللَّحْمِ وَالْعَظْمِ وَالْعَصَبِ وَالْقَرْنِ وَالظِّلْفِ وَهُوَ لِلْبَقَرِ وَالشَّاةِ وَالْحَافِرِ، وَهُوَ لِلْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ. فَأَرَادَ بِالظِّلْفِ مَا يَعُمُّ الْحَافِرَ مَجَازًا، وَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْكَافِ. وَالظُّفْرُ وَهُوَ لِلْبَعِيرِ وَالنَّعَامِ وَالْإِوَزِّ وَالدَّجَاجِ. وَالسِّنِّ مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ. وَمِنْهُ نَابُ الْفِيلِ الْمُسَمَّى بِالْعَاجِ، وَرَجَّحَ بَعْضُهُمْ كَرَاهَتَهُ تَنْزِيهًا. وَكَذَا قَصَبُ الرِّيشِ مِنْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ وَهُوَ الَّذِي يَكْتَنِفُهُ الزَّغَبُ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الزَّغَبَ طَاهِرٌ كَالشَّعْرِ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ شَاسٍ مِنْ عَمَلِهَا فِي الْمُحَرَّمِ؛ فَإِنَّ فِي " حَيَاةِ الْحَيَوَانِ " تَحْرِيمُ أَكْلِهَا إجْمَاعًا. وَإِنْ بَنَى عَلَى قَوْلِ سَحْنُونَ إنَّ الْقَمْلَةَ لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ لَمْ يَحْتَجْ لِتَذْكِيَةٍ إلَّا زِيَادَةَ احْتِيَاطٍ. تَنْبِيهٌ: إذَا صَارَتْ الْقَمْلَةُ عَقْرَبًا، فَالظَّاهِرُ النَّظَرُ لِتِلْكَ الْعَقْرَبِ. فَإِنْ كَانَ لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ طَهُرَتْ لِاسْتِحَالَةِ الْحَالِ كَدُودِ الْعَذِرَةِ وَالْحُكْمُ يَتْبَعُ الْعِلَّةَ (اهـ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ) . قَوْلُهُ: [وَكَذَا كُلُّ مَا انْفَصَلَ] : أَيْ أَوْ تَعَلَّقَ بِيَسِيرِ جِلْدٍ مَثَلًا. قَوْلُهُ: [وَالْعَظْمِ] : أَيْ فَتَحُلُّهُ الْحَيَاةُ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ} [يس: 78] . قَوْلُهُ: [وَالدَّجَاجِ] : وَمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الدَّجَاجَ لَيْسَ مِنْ ذِي الظُّفْرِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْجِلْدَةُ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَالظُّفْرِ هُنَا مَا يُقَصُّ. قَوْلُهُ: [وَرَجَّحَ بَعْضُهُمْ] إلَخْ: أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْفِيلَ غَيْرُ مُذَكًّى، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ اتِّفَاقًا. وَسَبَبُ هَذِهِ الْكَرَاهَةِ أَنَّ الْعَاجَ - وَإِنْ كَانَ مِنْ مَيْتَةٍ لَكِنَّهُ أُلْحِقَ بِالْجَوَاهِرِ النَّفْسِيَّةِ فِي التَّزَيُّنِ، فَأُعْطِيَ حُكْمًا وَسَطًا وَهُوَ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ. قَوْلُهُ: [كَالشَّعْرِ] : خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِنَجَاسَةِ شَعْرِ الْمَيْتَةِ وَلَوْ دُبِغَ جِلْدُهَا.

لَا تَحُلُّهُ الْحَيَاةُ. وَالْجِلْدُ مِنْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ كَذَلِكَ نَجِسٌ وَلَوْ دُبِغَ، فَلَا يُصَلَّى بِهِ أَوْ عَلَيْهِ لِنَجَاسَتِهِ. وَمَا وَرَدَ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَيُّمَا إهَابٍ أَيْ جِلْدٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» فَمَحْمُولٌ عَلَى الطَّهَارَةِ اللُّغَوِيَّةِ لَا الشَّرْعِيَّةِ فِي مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ؛ وَبَعْضُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ حَمَلَهُ عَلَى الطَّهَارَةِ الشَّرْعِيَّةِ حَمْلًا لِأَلْفَاظِ الشَّارِعِ عَلَى الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ عِنْدَنَا. وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِي الْكِيمَخْتِ، وَهُوَ جِلْدُ الْحِمَارِ أَوْ الْفَرَسِ أَوْ الْبَغْلِ الْمَدْبُوغِ. وَرَجَّحَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ طَهَارَتَهُ فَيُسْتَعْمَلُ فِي الْمَائِعَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْجِلْدُ] إلَخْ: مِنْ ذَلِكَ ثَوْبُ الثُّعْبَانِ إذَا ذُكِّيَ بَعْدَ تَمَامِ مَا تَحْتَهُ لَا يَطْهُرُ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَكَذَا إذَا سَلَتَهُ وَهُوَ حَيٌّ وَمِنْهُ أَيْضًا مَا يُنْحَتُ مِنْ الرِّجْلِ بِالْحَجَرِ بِخِلَافِ مَا نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ عِنْدَ حَلْقِهِ فَوَسَخٌ مُنْعَقِدٌ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ يَكُونُ نَجِسًا، وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ يَكُونُ طَاهِرًا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ دُبِغَ] : أَيْ بِمَا يُزِيلُ الرِّيحَ وَالرُّطُوبَةَ وَيَحْفَظُهُ مِنْ الِاسْتِحَالَةِ. وَلَا يَفْتَقِرُ الدَّبْغُ إلَى فِعْلِ فَاعِلٍ، بَلْ إنْ وَقَعَ فِي مَدْبَغَةٍ طَهُرَ لُغَةً. وَلَا يُشْتَرَطُ إزَالَةُ الشَّعْرِ عِنْدَنَا وَإِنَّمَا يَلْزَمُ إزَالَتُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْقَائِلِينَ إنَّهُ نَجِسٌ. وَإِنَّ طَهَارَةَ الْجِلْدِ بِالدَّبْغِ لَا تَتَعَدَّى إلَى طَهَارَةِ الشَّعْرِ، لِأَنَّهُ تَحُلُّهُ الْحَيَاةُ، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَالشَّعْرُ طَاهِرٌ لِذَاتِهِ لَا تَحُلُّهُ الْحَيَاةُ. فَالْفَرْوُ إنْ كَانَ مُذَكَّى مَجُوسِيٍّ أَوْ مَصِيدَ كَافِرٍ، قُلِّدَ فِي لُبْسِهِ فِي الصَّلَاةِ أَبُو حَنِيفَةَ، لِأَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ عِنْدَهُ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَالشَّعْرُ عِنْدَهُ طَاهِرٌ. وَالشَّافِعِيُّ - وَإِنْ قَالَ بِطَهَارَةِ الْجِلْدِ بِالدِّبَاغِ - فَالشَّعْرُ بَاقٍ عَلَى تَنْجِيسِهِ وَمَالِكٌ. إنْ قَالَ بِطَهَارَةِ الشَّعْرِ فَالْجِلْدُ بَاقٍ عَلَى تَنْجِيسِهِ. فَإِنْ أَرَادَ تَقْلِيدَ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لَفَّقَ. قَوْلُهُ: [اللُّغَوِيَّةِ] : أَيْ وَهِيَ النَّظَافَةُ. قَوْلُهُ: [وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِي الْكِيمَخْتِ] إلَخْ: أَيْ فِي الْجَوَابِ عَنْ حُكْمِ الْكِيمَخْتِ هَلْ هُوَ الطَّهَارَةُ أَوْ النَّجَاسَةُ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا أَدْرِي؟ وَاخْتُلِفَ فِي تَوَقُّفِهِ هَلْ يُعَدُّ قَوْلًا أَوْ لَا؟ وَالرَّاجِحُ الثَّانِي. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي اسْتِعْمَالِهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: الْجَوَازُ مُطْلَقًا فِي السُّيُوفِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ لِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَالْجَوَازُ فِي السُّيُوفِ فَقَطْ وَهُوَ لِابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ حَبِيبٍ، وَكَرَاهَةُ اسْتِعْمَالِهِ مُطْلَقًا؛ قِيلَ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ، وَلَكِنْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ جَائِزٌ إمَّا مُطْلَقًا أَوْ فِي السُّيُوفِ لَا مَكْرُوهٌ.

كَالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ، وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، ثُمَّ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ مِنْ نَجَاسَةِ الْجِلْدِ الْمَدْبُوغِ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ الْمَائِعَاتِ كَالْحُبُوبِ وَالدَّقِيقِ وَالْخُبْزِ الْغَيْرِ الْمَبْلُولِ فِي الْمَاءِ الْمُطْلَقِ بِأَنْ يُوضَعَ الْمَاءُ فِيهِ سَفَرًا وَحَضَرًا، لِأَنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يَضُرُّهُ إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ. وَأَمَّا الْمَائِعَاتُ كَالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ وَالزَّيْتِ وَسَائِرِ الْأَدْهَانِ، وَالْمَاءُ الْغَيْرُ الْمُطْلَقِ - كَمَاءِ الْوَرْدِ - وَمِنْ ذَلِكَ الْخُبْزُ الْمَبْلُولُ قَبْلَ جَفَافِهِ، وَالْجُبْنُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَضْعُهُ فِيهِ، وَيَتَنَجَّسُ بِوَضْعِهِ فِيهِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَجَازَ اسْتِعْمَالُهُ بَعْدَ الدَّبْغِ فِي يَابِسٍ وَمَائِعٍ) : أَيْ وَأَمَّا قَبْلَ الدَّبْغِ فَلَا يَجُوزُ وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ جِلْدَ الْخِنْزِيرِ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ مُطْلَقًا دُبِغَ أَوْ لَا فِي مَائِعٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَكَذَا جِلْدُ الْآدَمِيِّ لِشَرَفِهِ وَكَرَامَتِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ وُجُوبِ دَفْنِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ فِي الْأَصْلِ: وَجْهُ التَّوَقُّفِ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي نَجَاسَتَهُ لَا سِيَّمَا مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ، وَعَمَلُ السَّلَفِ فِي صَلَاتِهِمْ بِسُيُوفِهِمْ وَجَفِيرِهَا مِنْهُ يَقْتَضِي طَهَارَتَهُ. وَالْمُعْتَمَدُ - كَمَا قَالُوا - إنَّهُ طَاهِرٌ لِلْعَمَلِ لَا نَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ: جِلْدُ الْمَيْتَةِ نَجِسٌ وَلَوْ دُبِغَ. وَانْظُرْ مَا عِلَّةُ طَهَارَتِهِ، فَإِنْ قَالُوا: الدَّبْغُ، قُلْنَا: يَلْزَمُ طَهَارَةُ كُلِّ مَدْبُوغٍ، وَإِنْ قَالُوا: الضَّرُورَةُ، قُلْنَا: إنْ سَلِمَ فَهِيَ لَا تَقْتَضِي الطَّهَارَةَ بَلْ الْعَفْوَ. وَحَمْلُ الطَّهَارَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ عَلَى اللُّغَوِيَّةِ فِي غَيْرِ الْكِيمَخْتِ وَعَلَى الْحَقِيقَةِ فِي الْكِيمَخْتِ تَحَكُّمٌ، وَعَمَلُ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِمْ الرِّضَا فِي جُزْئِيٍّ يُحَقِّقُ الْعَمَلَ فِي الْبَاقِي (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَهُوَ مُشْكِلٌ] إلَخْ: تَقَدَّمَ لَك تَقْرِيرُ الْإِشْكَالِ عَنْ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [مِنْ نَجَاسَةِ الْجِلْدِ] : أَيْ غَيْرِ الْكِيمَخْتِ. قَوْلُهُ: [فِي غَيْرِ الْمَائِعَاتِ] : مِنْ ذَلِكَ لُبْسُهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ لَا فِيهِ، لِأَنَّهُ يُمْنَعُ دُخُولُ النَّجِسِ فِيهِ وَلَوْ مَعْفُوًّا عَنْهُ. قَوْلُهُ: [وَالدَّقِيقِ] : أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُوضَعَ الرَّحَا عَنْهُ. قَوْلُهُ: [فِي الْمَاءِ الْمُطْلَقِ] إلَخْ: وَلَيْسَ مِنْهُ لُبْسُ الرَّجُلِ الْمَبْلُولَةَ لَهُ وِفَاقًا لِلْحَطَّابِ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَجُوزُ] إلَخْ: وَمُقَابِلُهُ مَا شَهَرَهُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنُ الْفَرَسِ - بِالْفَاءِ وَالرَّاءِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ - مِنْ أَنَّهُ كَغَيْرِهِ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْيَابِسَاتِ وَالْمَاءِ بَعْدَ دَبْغِهِ. قَوْلُهُ: [جِلْدُ الْآدَمِيِّ] إلَخْ: أَيْ إجْمَاعًا.

(وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ وَالسَّوْدَاءُ، وَفَضْلَةُ الْآدَمِيِّ وَغَيْرُ الْمُبَاحِ وَمُسْتَعْمَلُ النَّجَاسَةِ) : أَيْ أَنَّ الدَّمَ الْمَسْفُوحَ - وَهُوَ الَّذِي يَسِيلُ عِنْدَ مُوجِبِهِ مِنْ ذَبْحٍ أَوْ فَصْدٍ أَوْ جُرْحٍ - نَجِسٌ. وَكَذَا السَّوْدَاءُ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَعِدَةِ كَالدَّمِ الْخَالِصِ بِخِلَافِ الصَّفْرَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَمِنْ النَّجِسِ: فَضْلَةُ الْآدَمِيِّ مِنْ بَوْلٍ وَعَذِرَةٍ، وَفَضْلَةُ غَيْرِ مُبَاحِ الْأَكْلِ وَهُوَ مُحَرَّمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الْمَسْفُوحُ] : أَيْ الْجَارِي وَلَوْ مِنْ سَمَكٍ وَذُبَابٍ وَقُرَادٍ وَحِلْمٍ وَبَقٍّ وَبَرَاغِيثَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِطَهَارَتِهِ مِنْهَا. وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي الدَّمِ الْمَسْفُوحِ مِنْ السَّمَكِ، هَلْ هُوَ الْخَارِجُ عِنْدَ التَّقْطِيعِ الْأَوَّلِ لَا مَا خَرَجَ عِنْدَ التَّقْطِيعِ الثَّانِي؟ أَوْ الْجَارِي عِنْدَ جَمِيعِ التَّقْطِيعَاتِ؟ وَاسْتُظْهِرَ الْأَوَّلُ. وَبَعْضُهُمْ قَالَ بِطَهَارَةِ دَمِ السَّمَكِ مُطْلَقًا، وَهُوَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْخِلَافِ جَوَازُ أَكْلِ السَّمَكِ الَّذِي يُرْضَخُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَيَسِيلُ دَمُهُ مِنْ بَعْضِهِ إلَى بَعْضٍ، وَعَدَمُ جَوَازِ ذَلِكَ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ إلَّا الصَّفُّ الْأَوَّلُ. وَعَلَى كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ يُؤْكَلُ كُلُّهُ. وَقَدْ كَانَ الشَّارِحُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ الَّذِي أَدِينُ اللَّهَ بِهِ أَنَّ الْفَسِيخَ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا يُمَلَّحُ وَلَا يُرْضَخُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ وَبَعْدَ مَوْتِ السَّمَكِ إنْ وُجِدَ فِيهِ دَمٌ يَكُونُ كَالْبَاقِي فِي الْعُرُوقِ بَعْدَ الذَّكَاةِ الشَّرْعِيَّةِ؛ فَالرُّطُوبَاتُ الْخَارِجَةُ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ طَاهِرَةٌ لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ (اهـ) . وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ السَّمَكِ لَيْسَ بِدَمٍ لِأَنَّهُ لَا دَمَ لَهُ عِنْدَهُمْ، وَحِينَئِذٍ فَهُوَ طَاهِرٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ فِيهِ إذَا شُكَّ هَلْ هَذَا السَّمَكُ مِنْ الصَّفِّ الْأَعْلَى أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، أُكِلَ لِأَنَّ الطَّعَامَ لَا يُطْرَحُ بِالشَّكِّ. قَوْلُهُ: وَكَذَا السَّوْدَاءُ: أَيْ الَّتِي هِيَ أَحَدُ الْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ: الصَّفْرَاءُ وَالدَّمُ وَالسَّوْدَاءُ وَالْبَلْغَمُ، وَلَا بُدَّ فِي كُلِّ إنْسَانٍ مِنْ وُجُودِ الْأَخْلَاطِ، فَالسَّوْدَاءُ وَالدَّمُ نَجِسَانِ، وَالصَّفْرَاءُ وَالْبَلْغَمُ طَاهِرَانِ. قَوْلُهُ: [الْخَالِصُ] : أَيْ الَّذِي لَا خَلْطَ فِيهِ. وَمِنْ السَّوْدَاءِ أَيْضًا الدَّمُ الْكَدِرُ أَوْ

الْأَكْلِ كَالْحِمَارِ، أَوْ مَكْرُوهُهُ كَالْهِرِّ وَالسَّبُعِ، وَفَضْلَةُ مُسْتَعْمِلِ النَّجَاسَةِ مِنْ الطُّيُورِ كَالدَّجَاجِ وَغَيْرِهِ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا. فَإِذَا شَرِبَتْ الْبَهَائِمُ مِنْ الْمَاءِ الْمُتَنَجِّسِ أَوْ أَكَلَتْ نَجَاسَةً فَفَضْلَتُهَا مِنْ بَوْلٍ أَوْ رَوْثٍ نَجِسَةٌ. وَهَذَا إذَا تُحُقِّقَ أَوْ ظُنَّ. وَأَمَّا لَوْ شُكَّ فِي اسْتِعْمَالِهَا فَإِنْ كَانَ شَأْنُهَا اسْتِعْمَالَ النَّجَاسَةِ كَالدَّجَاجِ وَالْفَأْرَةِ وَالْبَقَرَةِ الْجَلَّالَةِ حُمِلَتْ فَضْلَتُهَا عَلَى النَّجَاسَةِ. وَإِنْ كَانَ شَأْنُهَا عَدَمَ اسْتِعْمَالِهَا كَالْحَمَامِ وَالْغَنَمِ حُمِلَتْ عَلَى الطَّهَارَةِ. وَالتَّعْبِيرُ (بِفَضْلَةٍ) أَوْلَى وَأَخْصَرُ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِبَوْلٍ وَعَذِرَةٍ (وَالْقَيْءُ الْمُتَغَيِّرُ، وَالْمَنِيُّ، وَالْمَذْيُ، وَالْوَدْيُ وَلَوْ مِنْ مُبَاحٍ) الْقَيْءُ مَا تَقْذِفُهُ الْمَعِدَةُ مِنْ الطَّعَامِ عِنْدَ تَغَيُّرِ الْمِزَاجِ، فَهُوَ نَجِسٌ إنْ تَغَيَّرَ عَنْ حَالِ الطَّعَامِ طَعْمًا أَوْ لَوْنًا أَوْ رِيحًا، وَإِلَّا فَطَاهِرٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَمِنْ النَّجِسِ: الْمَنِيُّ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ عِنْدَ اللَّذَّةِ الْكُبْرَى عِنْدَ الْجِمَاعِ وَنَحْوِهِ. وَالْمَذْيُ: وَهُوَ الْمَاءُ الرَّقِيقُ الْخَارِجُ مِنْ الذَّكَرِ أَوْ فَرْجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَحْمَرُ الْغَيْرُ الْقَانِي، أَيْ شَدِيدُ الْحُمْرَةِ. قَوْلُهُ: [فَضْلَةُ الْآدَمِيِّ] : أَيْ غَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَمَّا الْأَنْبِيَاءُ فَجَمِيعُ مَا يَنْفَصِلُ مِنْهُمْ طَاهِرٌ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [كَالْهِرِّ] : أَدْخَلَتْ الْكَافُ نَحْوَ الْوَطْوَاطِ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهِ الْأَكْلِ، فَمَكْرُوهُ الْأَكْلِ وَمُحَرَّمُهُ فَضْلَتُهُ نَجِسَةٌ وَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْ النَّجَاسَةَ. قَوْلُهُ: [وَفَضْلَةُ مُسْتَعْمِلِ النَّجَاسَةِ] إلَخْ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمَ الْأَكْلِ وَلَا مَكْرُوهَهُ. قَوْلُهُ: [حُمِلَتْ عَلَى الطَّهَارَةِ] : أَيْ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ، وَمِنْ قَوَاعِدِنَا اسْتِصْحَابُ الْأَصْلِ إنْ لَمْ يَغِبْ الْعَارِضُ. قَوْلُهُ: [أَوْلَى وَأَخْصَرُ] : وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ اسْمَ الْعَذِرَةِ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَا خَرَجَ مِنْ الْآدَمِيِّ خَاصَّةً، بِخِلَافِ الْفَضْلَةِ فَإِنَّهُ شَامِلٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَالْأَخْصَرِيَّةُ ظَاهِرَةٌ. قَوْلُهُ: [عَنْ حَالِ الطَّعَامِ] : وَإِنْ لَمْ يُشَابِهْ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعَذِرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُعْتَمَدِ. بِخِلَافِ الْقَلَسِ فَلَا تَضُرُّ فِيهِ الْحُمُوضَةُ لِتَكَرُّرِهِ. قَوْلُهُ: [الْمَنِيُّ] : هُوَ وَمَذْيٌ وَوَدْيٌ بِوَزْنِ ظَبْيٍ وَصَبِيٍّ.

[حلول النجاسة في المائع والجامد والانتفاع بالمتنجس]

الْأُنْثَى عِنْدَ تَذَكُّرِ الْجِمَاعِ. وَالْوَدْيُ: وَهُوَ مَاءٌ خَاثِرٌ يَخْرُجُ مِنْ الذَّكَرِ بِلَا لَذَّةٍ بَلْ لِنَحْوِ مَرَضٍ أَوْ يُبْسِ طَبِيعَةٍ وَغَالِبًا يَكُونُ خُرُوجُهُ عَقِبَ الْبَوْلِ؛ وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ مِنْ مُبَاحِ الْأَكْلِ. وَلَا تُقَاسُ عَلَى بَوْلِهِ. (وَالْقَيْحُ، وَالصَّدِيدُ، وَمَا يَسِيلُ مِنْ الْجَسَدِ مِنْ نَحْوِ جَرَبٍ) : مِنْ النَّجِسِ الْقَيْحُ بِفَتْحِ الْقَافِ: وَهُوَ الْمِدَّةُ الْخَاثِرَةُ تَخْرُجُ مِنْ الدُّمَّلِ. وَالصَّدِيدُ وَهُوَ الْمَاءُ الرَّقِيقُ مِنْ الْمِدَّةِ قَدْ يُخَالِطُهُ دَمٌ. وَمِنْ النَّجِسِ: كُلُّ مَا سَالَ مِنْ الْجَسَدِ مِنْ نَفْطِ نَارٍ أَوْ جَرَبٍ أَوْ حَكَّةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مِنْ مُبَاحِ الْأَكْلِ] : أَيْ وَإِنَّمَا حُكِمَ بِنَجَاسَتِهَا لِلِاسْتِقْذَارِ وَالِاسْتِحَالَةِ إلَى فَسَادٍ، وَلِأَنَّ أَصْلَهَا دَمٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْعَفْوِ عَنْ أَصْلِهَا الْعَفْوُ عَنْهَا. [حُلُول النَّجَاسَة فِي الْمَائِع وَالْجَامِد وَالِانْتِفَاع بِالْمُتَنَجِّسِ] قَوْلُهُ: [فِي مَائِعٍ تَنَجَّسَ] إلَخْ: أَيْ مِنْ طَعَامٍ أَوْ مَاءٍ مُضَافٍ حَلَّتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ بَعْدَ مَا صَارَ مُضَافًا. وَأَمَّا لَوْ حَلَّتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ قَبْلَ الْإِضَافَةِ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ، ثُمَّ أُضِيفَ بِطَاهِرٍ كَلَبَنٍ، فَإِنَّهُ طَاهِرٌ. وَقَدْ أَلْغَزَ فِي هَذَا شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ بِقَوْلِهِ: قُلْ لِلْفَقِيهِ إمَامِ الْعَصْرِ قَدْ مُزِجَتْ ... ثَلَاثَةٌ بِإِنَاءٍ وَاحِدٍ نَسَبُوا لَهَا الطَّهَارَةُ حَيْثُ الْبَعْضُ قُدِّمَ أَوْ ... إنْ قُدِّمَ الْبَعْضُ فَالتَّنْجِيسُ مَا السَّبَبُ وَفِيهِ أَيْضًا: هَلْ الْقَمْلَةُ تُنَجِّسُ الْعَجِينَ الْكَثِيرَ؟ وَهُوَ الْأَقْوَى حَيْثُ لَمْ تُحْصَرْ فِي مَحَلٍّ، أَوْ يُقَاسُ عَلَى مُحَرَّمٍ جُهِلَ عَيْنُهَا بِبَادِيَةٍ؟ وَلَوْ قِيلَ بِالْعَفْوِ عَمَّا يَعْسُرُ، لَحَسُنَ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ فِي رَوْثِ فَأْرَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ مَنْ فَرَّغَ عَشْرَ قِلَالِ سَمْنٍ فِي زِقَاقٍ ثُمَّ وَجَدَ فِي قُلَّةٍ فَأْرَةً وَلَا يَدْرِي فِي أَيِّ زِقَاقٍ فَرَّغَهَا تَنَجَّسَ الْجَمِيعُ، وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الطَّعَامِ لَا يُطْرَحُ بِالشَّكِّ، لِأَنَّ ذَاكَ فِي طُرُوُّ النَّجَاسَةِ، وَهِيَ هُنَا مُحَقَّقَةٌ وَلَمَّا لَمْ تَتَعَيَّنْ تَعَلَّقَ حُكْمُهَا بِالْكُلِّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي أَوَانِي زَيْتٍ ثُمَّ وَجَدَ فِي الْأُولَى فَأْرَةً فَالثَّلَاثَةُ نَجِسَةٌ - ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَكَذَا الْبَاقِي وَلَوْ مِائَةٌ وَهُوَ وَجِيهٌ، وَقَالَ أَصْبَغُ: مَا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ طَاهِرٌ. قَالَ ح: وَالظَّاهِرُ الطَّهَارَةُ إنْ ظُنَّ زَوَالُ النَّجَاسَةِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ زَالَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمُطْلَقِ لَمْ يَتَنَجَّسْ مُلَاقِي مَحَلِّهَا. وَفِي الْحَاشِيَةِ: الطَّعَامُ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ قَمْلَةٌ يُؤْكَلُ لِقِلَّتِهَا وَكَثْرَتِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ يُونُسَ. قَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَرْعَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ سَحْنُونَ مِنْ أَنَّهَا لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ (اهـ)

(فَإِنْ حَلَّتْ فِي مَائِعٍ تَنَجَّسَ وَلَوْ كَثُرَ، كَجَامِدٍ إنْ ظُنَّ سَرَيَانُهَا فِيهِ وَإِلَّا فَقَدْرُ مَا ظُنَّ) : إذَا حَلَّتْ النَّجَاسَةُ فِي مَائِعٍ - كَزَيْتٍ وَعَسَلٍ وَلَبَنٍ وَمَاءِ وَرْدٍ وَنَحْوِهِ - تَنَجَّسَ. وَلَوْ كَثُرَ الْمَائِعُ وَقَلَّتْ النَّجَاسَةُ، كَنُقْطَةٍ مِنْ بَوْلٍ فِي قَنَاطِيرَ مِمَّا ذُكِرَ. كَمَا يَتَنَجَّسُ الْجَامِدُ - كَسَمْنٍ جَامِدٍ أَوْ ثَرِيدٍ أَوْ عَسَلٍ جَامِدٍ - وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ أَوْ مَاتَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ إنْ ظَلَّ سَرَيَانُهَا فِي جَمِيعِهِ بِأَنْ طَالَ مُكْثُهَا فِيهِ. وَإِلَّا، بِأَنْ لَمْ يُظَنَّ سَرَيَانُهَا فِي جَمِيعِهِ، فَيَتَنَجَّسُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا ظُنَّ سَرَيَانَ النَّجَاسَةِ فِيهِ. وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ مِنْ مَيَعَانِ النَّجَاسَةِ وَجُمُودِهَا، وَطُولِ الزَّمَنِ وَقِصَرِهِ؛ فَيُرْفَعُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا ظُنَّ سَرَيَانُهَا فِيهِ، وَيُسْتَعْمَلُ الْبَاقِي - وَلَوْ شُكَّ فِي سَرَيَانِهَا فِيهِ - لِأَنَّ الطَّعَامَ لَا يُطْرَحُ بِالشَّكِّ. وَالْكَلَامُ فِي نَجَاسَةٍ مَائِعَةٍ أَوْ جَامِدَةٍ يَتَحَلَّلُ مِنْهَا شَيْءٌ بِخِلَافِ نَجَاسَةٍ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهَا شَيْءٌ، كَعَظْمٍ وَسِنٍّ، فَلَا يَتَنَجَّسُ مَا ذُكِرَ مِنْ سُقُوطِهَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَنَا لَا يَنْتَقِلُ. وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَشْمَلُ وَأَوْضَحُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. (وَلَا يُقْبَلُ التَّطْهِيرُ؛ كَلَحْمٍ طُبِخَ، وَزَيْتُونٍ مُلِحَ وَبَيْضٍ صُلِقَ بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إنْ ظُنَّ سَرَيَانُهَا فِيهِ] : إمَّا بِسَبَبِ كَوْنِهَا مَائِعَةً، أَوْ بِطُولِ مُكْثِهَا، وَكَانَ يَتَحَلَّلُ مِنْهَا شَيْءٌ كَمَا يَأْتِي لِلشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [كَنُقْطَةٍ مِنْ بَوْلٍ] : هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ: إنَّ قَلِيلَ النَّجَاسَةِ لَا يَضُرُّ كَثِيرَ الطَّعَامِ. قَوْلُهُ: [أَوْ مَاتَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ] : أَيْ مَثَلًا مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ مَيْتَتُهُ نَجِسَةٌ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ شُكَّ فِي سَرَيَانِهَا] إلَخْ: مُبَالَغَةٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ. وَقَوْلُهُ: [لِأَنَّ الطَّعَامَ] إلَخْ: عِلَّةُ الْمُبَالَغَةِ. قَوْلُهُ: [وَالْكَلَامُ] : أَيْ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ السَّرَيَانِ فِي جَمِيعِهِ أَوْ بِقَدْرِهِ. قَوْلُهُ: [كَعَظْمٍ وَسِنٍّ] : وَمِنْهُ الْعَاجُ الَّذِي تَلْبَسُهُ النِّسَاءُ وَيُبَاشِرْنَ بِهِ نَحْوَ الْعَجِينِ. قَوْلُهُ: [أَشْمَلُ] : أَيْ لِشُمُولِهَا الْمَاءَ الْمُضَافَ. قَوْلُهُ: [كَلَحْمٍ طُبِخَ] : اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ صَلْقِ نَحْوِ الدَّجَاجِ لِأَخْذِ رِيشِهِ، وَفِي بَاطِنِهِ النَّجَاسَةُ فَلَا يَضُرُّ. قَوْلُهُ: [وَزَيْتُونٍ] إلَخْ: وَمِنْ ذَلِكَ اخْتِلَاطُ النَّجَاسَةِ بِالزَّيْتِ نَفْسِهِ فَلَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ

وَفَخَّارٍ بِغَوَّاصٍ) : يَعْنِي أَنَّ الْمَائِعَاتِ - كَالزَّيْتِ وَاللَّبَنِ وَالسَّمْنِ وَنَحْوِهَا - إذَا حَلَّتْ فِيهَا نَجَاسَةٌ فَإِنَّهَا تُنَجَّسُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا تَقْبَلُ التَّطْهِيرَ بِحَالٍ. كَمَا لَا يَقْبَلُهُ لَحْمٌ طُبِخَ بِالنَّجَاسَةِ، وَزَيْتُونٌ مُلِحَ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ مُخَفَّفًا - بِالنَّجَاسَةِ، وَلَا بَيْضٌ صُلِقَ بِهَا. وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ فَخَّارٌ تَنَجَّسَ بِشَيْءٍ غَوَّاصٍ: أَيْ كَثِيرُ الْغَوْصِ، أَيْ النُّفُوذِ فِي أَجْزَاءِ الْفَخَّارِ، بِأَنْ كَانَ النَّجِسُ مَائِعًا كَالْبَوْلِ وَالْمَاءِ الْمُتَنَجِّسِ وَالدَّمِ، إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQخِلَافًا لِابْنِ اللَّبَّادِ، فَإِنَّهُ قَالَ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَخَضْخَضَتِهِ وَثَقْبِ الْإِنَاءِ مِنْ أَسْفَلِهِ، وَصَبِّ الْمَاءِ مِنْهُ وَيُكَرَّرُ ذَلِكَ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ زَوَالُ النَّجَاسَةِ. قَوْلُهُ: [وَبَيْضٍ صُلِقَ] : وَمِنْهُ إذَا وُجِدَتْ فِيهِ وَاحِدَةٌ مَذِرَةٌ فَرَشَحَتْ فِي الْمَاءِ وَشَرِبَ مِنْهُ غَيْرُهَا حَيْثُ لَمْ يَبْقَ الْمَاءُ مُطْلَقًا. وَشَمِلَ بَيْضَ النَّعَامِ، وَغِلَظُ قِشْرِهِ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ لَهُ مَسَامُّ يَسْرِي مِنْهَا الْمَاءُ. وَقَوْلُهُ: [وَفَخَّارٍ بِغَوَّاصٍ] : قَالَ ب ن: أُطْلِقَ فِي الْفَخَّارِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَخَّارَ الْبَالِيَ إذَا حَلَّتْ فِيهِ نَجَاسَةُ غَوَّاصَةٍ يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ، فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى فَخَّارٍ لَمْ يُسْتَعْمَلْ قَبْلَ حُلُولِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، أَوْ اُسْتُعْمِلَ قَلِيلًا. وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي الْحَاشِيَةِ حَيْثُ قَالَ وَفَخَّارٍ بِغَوَّاصٍ وَلَوْ بَعْدَ الِاسْتِعْمَالِ، لِأَنَّ الْفَخَّارَ يَقْبَلُ الْغَوْصَ دَائِمًا كَمَا فِي كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ نَقْلًا عَنْ اللَّقَانِيِّ. وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ. ثُمَّ إنَّ عَدَمَ قَبُولِ الْإِنَاءِ لِلتَّطْهِيرِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى بِهِ مَثَلًا. وَأَمَّا الطَّعَامُ يُوضَعُ فِيهِ بَعْدَ غَسْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْجُسُ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِيهِ أَجْزَاءٌ لِلنَّجَاسَةِ كَمَا قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْمِسْنَاوِيُّ نَقْلًا عَنْ ب ن. وَمِثْلُ الْفَخَّارِ أَوَانِي الْخَشَبِ الَّتِي يُمْكِنُ سَرَيَانُ النَّجَاسَةِ إلَى دَاخِلِهَا (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [يَعْنِي أَنَّ الْمَائِعَاتِ] إلَخْ: التَّعْمِيمُ هَذَا أَدْخَلَتْهُ الْكَافُ. قَوْلُهُ: [وَنَحْوِهَا] : مِنْ كُلِّ طَعَامٍ مَائِعٍ وَمَاءِ زَهْرٍ وَوَرْدٍ. قَوْلُهُ: [بِحَالٍ] : خِلَافًا لِابْنِ اللَّبَّادِ. قَوْلُهُ: [بِشَيْءٍ غَوَّاصٍ] : مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ إذَا تَحَجَّرَ أَوْ تَخَلَّلَ، فَإِنَّ إنَاءَهُ يَطْهُرُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَمَحَلُّهُ أَيْضًا مَا لَمْ يُحْرَقْ الْفَخَّارُ بِالنَّارِ، فَإِنَّهُ يَطْهُرُ لِكَوْنِهَا مُطَهَّرَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ.

[الانتفاع بالمتنجس]

مَكَثَ مُدَّةً يُظَنُّ سَرَيَانُ مَا ذُكِرَ فِي أَجْزَائِهِ. وَخَرَجَ بِالْفَخَّارِ: النُّحَاسُ وَالزُّجَاجُ وَنَحْوُهُمَا. وَبِالْغَوَّاصِ النَّجَاسَةُ الْجَامِدَةُ إذَا حَلَّتْ بِالْفَخَّارِ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ. (وَجَازَ انْتِفَاعٌ بِمُتَنَجِّسٍ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ وَآدَمِيٍّ) : يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالشَّيْءِ الْمُتَنَجِّسِ مِنْ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ بِأَنْ يُسْقَى بِهِ الدَّوَابُّ وَالزَّرْعُ وَيُدْهَنَ بِهِ نَحْوُ عَجَلَةٍ. وَيُعْمَلُ مِنْ الزَّيْتِ الْمُتَنَجِّسِ صَابُونٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِعَدَمِ إمْكَانِ تَطْهِيرِهِ - بِخِلَافِ نَحْوِ الثَّوْبِ - لَكِنْ إذَا بِيعَ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ إلَّا الْآدَمِيَّ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا، وَلَا يُدْهَنُ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّلْطِيخَ بِالْمُتَنَجِّسِ حَرَامٌ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَيَجِبُ إزَالَتُهُ لِلصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَإِلَّا الْمَسْجِدُ فَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِيهِ، فَلَا يُسْتَصْبَحُ فِيهِ بِالزَّيْتِ الْمُتَنَجِّسِ، نَعَمْ إذَا كَانَ الْمِصْبَاحُ خَارِجَهُ وَالضَّوْءُ فِيهِ جَازَ، وَأَمَّا نَجِسُ الذَّاتِ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِحَالٍ إلَّا جِلْدَ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغَ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِلَّا لَحْمَ الْمَيِّتِ لِمُضْطَرٍّ، وَإِلَّا الْخَمْرَ لِإِسَاغَةِ غُصَّةٍ، إذْ الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَنَحْوُهُمَا] : كَالْحَدِيدِ يُحْمَى وَيُطْفَأُ فِي النَّجَاسَةِ، فَلَا غَوْصَ لَهَا فِيهِ لِدَفْعِهَا الْحَرَارَةَ. وَأَمَّا الْمَصْبُوغُ بِنَجِسٍ فَيَطْهُرُ بِإِزَالَةِ الطَّعْمِ، وَلَا يَضُرُّ اللَّوْنُ وَالرِّيحُ إذَا عَسِرَا كَمَا يَأْتِي. [الِانْتِفَاع بِالْمُتَنَجِّسِ] قَوْلُهُ: [وَجَازَ انْتِفَاعٌ بِمُتَنَجِّسٍ] : أَيْ وَهُوَ مَا كَانَ طَاهِرًا فِي الْأَصْلِ، وَطَرَأَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ وَالنَّجِسُ مَا كَانَتْ ذَاتُهُ نَجِسَةً كَالْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ] إلَخْ: خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ. قَوْلُهُ: [إلَّا الْآدَمِيَّ] : وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ، وَيَتَعَلَّقُ الْخِطَابُ بِوَلِيِّهِ. قَوْلُهُ: [وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ] : أَيْ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ، وَأَمَّا هُوَ فَيَحْرُمُ التَّلَطُّخُ بِهِ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [فَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِيهِ] إلَخْ: فَإِنْ بُنِيَ بِالْمُتَنَجِّسِ مَسْجِدٌ فَلَيْسَ بِطَاهِرٍ، وَلَا يُهْدَمُ وَأَمَّا لَوْ كُتِبَ الْمُصْحَفُ بِنَجِسٍ فَإِنَّهُ يُبَلُّ. قَوْلُهُ: [لِإِسَاغَةِ غُصَّةٍ] : أَيْ فَقَطْ، فَلَا يَجُوزُ الدَّوَاءُ بِهِ وَلَوْ تَعَيَّنَ. وَفِي غَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ خِلَافٌ إنْ تَعَيَّنَ. وَلَا شُرْبُهُ لِدَفْعِ الْعَطَشِ لِأَنَّهُ يَزِيدُهُ. وَأَجَازَ لَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ لِدَفْعِ الْهَلَاكِ بِعَدَمِ الرُّطُوبَةِ لَا لِلْعَطَشِ نَفْسِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ. (اهـ. شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ) .

[استعمال الحرير والذهب والفضة ونقش الخواتيم]

وَيَجُوزُ طَرْحُ الْمَيْتَةِ لِلْكِلَابِ وَأَنْ تُوقَدَ بِعَظْمِهَا عَلَى طُوبٍ أَوْ حِجَارَةٍ. (وَحَرُمَ عَلَى الذَّكَرِ الْمُكَلَّفِ اسْتِعْمَالُ حَرِيرٍ، وَمُحَلًّى بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ وَلَوْ آلَةُ حَرْبٍ، إلَّا السَّيْفَ وَالْمُصْحَفَ وَالسِّنَّ وَالْأَنْفَ وَخَاتَمَ الْفِضَّةِ إنْ كَانَ دِرْهَمَيْنِ وَاتَّحَدَ) : لَمَّا كَانَ مُحَرَّمَ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ الطَّاهِرَاتِ يُشْبِهُ اسْتِعْمَالَ الْمُتَنَجِّسِ فِي الْمَنْعِ، ذَكَرُوهُ هُنَا، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الذَّكَرِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ اسْتِعْمَالُ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ لُبْسًا وَفَرْشًا وَغِطَاءً. وَأَمَّا الْخَزُّ وَهُوَ مَا كَانَ سُدَاهُ مِنْ حَرِيرٍ وَلُحْمَتُهُ مِنْ قُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ فَقِيلَ بِحُرْمَتِهِ، وَقِيلَ بِجَوَازِهِ، وَقِيلَ بِكَرَاهَتِهِ؛ وَهُوَ الْأَرْجَحُ. وَجَازَ سِتَارَةٌ مِنْ حَرِيرٍ إذَا لَمْ يَسْتَنِدْ الْمُكَلَّفُ إلَيْهَا، وَكَذَا بُشْخَانَةٌ؛ أَيْ نَامُوسِيَّةٌ. وَحَرُمَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَيَجُوزُ طَرْحُ الْمَيْتَةِ] إلَخْ: وَيَجُوزُ أَيْضًا وَضْعُ النَّجَاسَةِ فِي الزَّرْعِ لِنَفْعِهِ، كَإِطْعَامِ الْبِطِّيخِ بِهِ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَيَانُ عِنْدَ الْبَيْعِ. [اسْتِعْمَال الْحَرِير وَالذَّهَب وَالْفِضَّة ونقش الْخَوَاتِيم] قَوْلُهُ: [عَلَى الذَّكَرِ الْمُكَلَّفِ] : خَرَجَ الْأُنْثَى وَالصَّبِيُّ. فَيَجُوزُ لِلْأُنْثَى اسْتِعْمَالُ الْحَرِيرِ بِأَيِّ وَجْهٍ، وَلُبْسُ النَّقْدَيْنِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: [وَجَازَ لِلْمَرْأَةِ الْمَلْبُوسُ] إلَخْ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَيَجُوزُ لِلْوَلِيِّ إلْبَاسُهُ الْفِضَّةَ وَيُكْرَهُ لَهُ الْحَرِيرُ وَالذَّهَبُ كَمَا يُفِيدُهُ ح وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ: [بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ] : وَأَوْلَى بِهِمَا مَعًا. قَوْلُهُ: [وَفَرْشًا] : وَلَوْ مَعَ كَثِيفِ حَائِلٍ كَمَا قَالَ الْمَازِرِيُّ. وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ فَرْشَهُ وَتَوَسُّدَهُ وَوَافَقَهُمْ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَأَجَازَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ تَبَعًا لِامْرَأَتِهِ. وَأَجَازَهُ ابْنُ حَبِيبٍ لِلْحَكَّةِ وَأَجَازَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لِلْجِهَادِ. وَالْمُعْتَمَدُ الْحُرْمَةُ فِي الْجَمِيعِ، إلَّا الْعَلَمَ إذَا كَانَ أَرْبَعَةَ أَصَابِعَ مُتَّصِلًا بِالثَّوْبِ كَشَرِيطِ الْحَبْكَةِ، وَأَمَّا قَلَمٌ مِنْ حَرِيرٍ فِي أَثْنَاءِ الثَّوْبِ فَمِمَّا نُسِجَ بِحَرِيرٍ وَغَيْرِهِ، وَمِنْهُ مَا شُغِلَ بِحَرِيرٍ عَلَى الطَّارَّةِ مَثَلًا، فَكَالْخَزِّ، وَيَجُوزُ الْقِيطَانُ وَالزِّرُّ لِثَوْبٍ أَوْ سُبْحَةٍ، وَالْخِيَاطَةُ بِهِ. (اهـ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ بِالْمَعْنَى) . قَوْلُهُ: [وَهُوَ الْأَرْجَحُ] : وَلَكِنَّ الْوَرَعَ تَرْكُهُ لِأَنَّهُ مِنْ الشُّبُهَاتِ، «وَمَنْ تَرَكَ الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» . قَوْلُهُ: [وَكَذَا بُشْخَانَةٌ] : وَمِثْلُهَا الرَّايَةُ لِخُصُوصِ الْجِهَادِ لِأَوْلَى. وَالسِّجَافُ اللَّائِقُ بِاللَّابِسِ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ. (اهـ. شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ) . قَوْلُهُ: [إلَّا السَّيْفُ] : قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ الْعَلَّامَةِ الْعَدَوِيِّ: إذَا كَانَ اتِّخَاذُهُ لِأَجْلِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ لِحَمْلِهِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَلَا

أَيْضًا اسْتِعْمَالُ الْمُحَلَّى بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ: الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ نَسْجًا أَوْ طِرَازًا أَوْ زِرًّا. وَأَوْلَى فِي الْحُرْمَةِ الْحُلِيُّ نَفْسُهُ - كَأَسَاوِرَ وَحِزَامٍ - وَلَوْ آلَةُ حَرْبٍ كَخَنْجَرٍ وَسِكِّينٍ وَحَرْبَةٍ. إلَّا السَّيْفَ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَحْلِيَتُهُ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ فِي قَبْضَتِهِ أَوْ جَفِيرِهِ وَإِلَّا الْمُصْحَفَ؛ فَيَجُوزُ تَحْلِيَتُهُ بِهِمَا لِلتَّشْرِيفِ. إلَّا أَنَّ كِتَابَتَهُ أَوْ كِتَابَةَ أَعْشَارِهِ أَوْ أَحْزَابِهِ بِذَلِكَ مَكْرُوهَةٌ، لِأَنَّهَا تَشْغَلُ الْقَارِئَ عَنْ التَّدَبُّرِ. وَأَمَّا كُتُبُ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ فَلَا يَجُوزُ تَحْلِيَتُهَا بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ. وَإِلَّا السِّنَّ؛ وَمُرَادُهُ بِهِ؛ مَا يَشْمَلُ الضِّرْسَ إذَا تَخَلْخَلَ، فَيَجُوزُ رَبْطُهُ بِشَرِيطٍ مِنْهُمَا. وَكَذَا يَجُوزُ اتِّخَاذُ أَنْفٍ مِنْ أَحَدِهِمَا إذَا قُطِعَ الْأَنْفُ. وَكَذَا يَجُوزُ اتِّخَاذُ خَاتَمٍ - بَلْ يُنْدَبُ - مِنْ الْفِضَّةِ فَقَطْ إذَا كَانَ دِرْهَمَيْنِ شَرْعِيَّيْنِ فَأَقَلَّ لَا أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمَيْنِ. وَكَانَ مُتَّحِدًا لَا إنْ تَعَدَّدَ. وَلَوْ كَانَ الْمُتَعَدِّدُ دِرْهَمَيْنِ فَأَقَلَّ فَيَحْرُمُ كَمَا لَوْ كَانَ ذَهَبًا أَوْ بَعْضُهُ ذَهَبًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجُوزُ تَحْلِيَتُهُ. قَوْلُهُ: [بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ] : أَيْ أَوْ بِهِمَا. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا كُتُبُ الْعِلْمِ] إلَخْ: أَجَازَ الْبُرْزُلِيُّ تَحْلِيَةَ الدَّوَاةِ لِكِتَابَةِ الْمُصْحَفِ وَتَحْلِيَةَ الْإِجَازَةِ. قَوْلُهُ: [قَوْلُهُ فَيَجُوزُ رَبْطُهُ] : أَيْ وَلَهُ اتِّخَاذُ الْأَنْفِ وَرَبْطُ السِّنِّ مَعًا: وَالْمُرَادُ بِالسِّنِّ: الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِالْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدِ. وَمِثْلُ الرَّبْطِ عِنْدَ التَّخَلْخُلِ رَدُّهَا إذَا سَقَطَتْ وَرَبْطُهَا بِمَا ذُكِرَ. وَإِنَّمَا جَازَ رَدُّهَا لِأَنَّ مَيْتَةَ الْآدَمِيِّ طَاهِرَةٌ. وَكَذَا يَجُوزُ بَدَلُهَا مِنْ طَاهِرٍ. وَأَمَّا مِنْ مَيْتَةٍ فَقَوْلَانِ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ. وَعَلَى الثَّانِي، فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَلْعُهَا عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ مَا لَمْ يَتَعَذَّرْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [اتِّخَاذُ أَنْفٍ] : وَانْظُرْ هَلْ يَجُوزُ تَعْوِيضُ عُضْوٍ سَقَطَ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ قِيَاسًا عَلَى الْأَنْفِ؟ قَوْلُهُ: [بَلْ يُنْدَبُ] إلَخْ: وَكَذَا يُنْدَبُ كَوْنُهُ بِالْيُسْرَى لِأَنَّهُ آخِرُ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِلتَّيَامُنِ فِي تَنَاوُلِهِ فَيُحَوِّلُهُ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ. وَيَنْدُبُ جَعْلُ فَصِّهِ لِلْكَفِّ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْعُجْبِ.

إلَّا أَنْ يَقِلَّ الذَّهَبُ عَنْ الْفِضَّةِ فَلَا يَحْرُمُ بَلْ يُكْرَهُ وَلَوْ تَمَيَّزَ عَنْ الْفِضَّةِ. وَكَذَا لَوْ طُلِيَ بِالذَّهَبِ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ. وَيُكْرَهُ التَّخَتُّمُ بِالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَنَحْوِهِمَا، وَقَوْلُنَا: إنْ كَانَ إلَخْ زِيَادَةٌ عَلَى كَلَامِ الشَّيْخِ لَا بُدَّ مِنْهَا. (وَعَلَى الْمُكَلَّفِ مُطْلَقًا اتِّخَاذُ إنَاءٍ مِنْهُمَا وَلَوْ لِلْقِنْيَةِ أَوْ غُشِّيَ، وَتَضْبِيبُهُ، وَفِي الْمُمَوَّهِ قَوْلَانِ) : يَعْنِي أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُكَلَّفِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى اتِّخَاذُ إنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَلَوْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ بِالْفِعْلِ، لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ لِلِاسْتِعْمَالِ. وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ سَدَّ الذَّرَائِعِ وَاجِبٌ عِنْدَ الْإِمَامِ، فَلَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ لِلِادِّخَارِ أَوْ لِعَاقِبَةِ الدَّهْرِ، وَلَا التَّزَيُّنُ بِهِ عَلَى رَفٍّ وَنَحْوِهِ. بِخِلَافِ الْحُلِيِّ يَتَّخِذُهُ الرَّجُلُ لِعَاقِبَةِ الدَّهْرِ فَجَائِزٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ، إذْ الْحُلِيُّ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لِلنِّسَاءِ وَالْإِنَاءُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لِرِجَالٍ وَلَا نِسَاءٍ. فَقَوْلُهُ: [وَلَوْ لِلْقِنْيَةِ] : رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِجَوَازِ اتِّخَاذِهِ لِلْقِنْيَةِ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ غُشِّيَ] : فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ؛ أَيْ يَحْرُمُ الْإِنَاءُ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ وَلَوْ غُشِّيَ ظَاهِرُهُ بِنُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ قَصْدِيرٍ نَظَرًا لِبَاطِنِهِ. خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ بِجَوَازِهِ نَظَرًا لِظَاهِرِهِ. وَقَوْلُهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَقِلَّ] إلَخْ: أَيْ بِأَنْ كَانَ الثُّلُثَ فَأَقَلَّ. فَرْعٌ: يَجُوزُ نَقْشُ الْخَوَاتِمِ وَنَقْشُ أَصْحَابِهَا وَأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ «وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فِي ثَلَاثَةِ أَسْطُرٍ» . قَوْلُهُ: [وَيُكْرَهُ التَّخَتُّمُ] إلَخْ: أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ إلَّا لِتَحَفُّظٍ كَمَنْعِ النُّحَاسِ الْأَصْفَرِ وَالرَّصَاصِ وَالْحَدِيدِ الْجِنَّ. وَلَا يَتَقَيَّدُ بِدِرْهَمَيْنِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَجَازَ التَّخَتُّمُ بِجِلْدٍ وَخَشَبٍ كَعَقِيقٍ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ] إلَخْ: أَيْ وَلَوْ لِلصِّبْيَانِ وَالنَّهْيُ يَتَعَلَّقُ بِالْأَوْلِيَاءِ. قَوْلُهُ: [لِعَاقِبَةِ الدَّهْرِ] إلَخْ: أَيْ أَوْ لِلْكِرَاءِ وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ: [رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ] إلَخْ: أَيْ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ يُجَوِّزُ ذَلِكَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ اقْتِنَاءَهُ إنْ كَانَ بِقَصْدِ الِاسْتِعْمَالِ فَهُوَ حَرَامٌ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ كَانَ لِقَصْدِ الْعَاقِبَةِ أَوْ التَّجَمُّلِ بِهِ أَوْ لَا لِقَصْدِ شَيْءٍ، فَفِي كُلٍّ قَوْلَانِ. وَالْمُعْتَمَدُ الْمَنْعُ. وَأَمَّا إنْ اقْتَنَاهُ لِأَجْلِ كَسْرِهِ أَوْ لِفَكِّ أَسِيرٍ بِهِ فَجَائِزٌ. هَذَا مُحَصَّلُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ، وَارْتَضَاهُ (ب ن) رَادٌّ لِغَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى صِيَاغَتِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ كَسَرَهُ وَأَتْلَفَ

(وَتَضْبِيبُهُ) عَطْفٌ عَلَى اتِّخَاذُ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْإِنَاءِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ مِنْهُمَا. أَيْ يَحْرُمُ عَلَى الْمُكَلَّفِ الذَّكَرِ أَوْ الْأُنْثَى أَنْ يُضَبِّبَ الْإِنَاءَ الْخَشَبَ أَوْ الْفَخَّارَ - كَالصِّينِيِّ - بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ؛ أَيْ رَبْطُ كَسْرِهِ أَوْ شِقَّهُ بِهِمَا. وَأَمَّا الْإِنَاءُ إذَا كَانَ مِنْ نُحَاسٍ أَوْ حَدِيدٍ - كَالْقُدُورِ وَالصُّحُونِ وَالْمَبَاخِرِ وَالْقَمَاقِمِ مِنْ ذَلِكَ - وَمُوِّهَتْ؛ أَيْ طُلِيَتْ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ. وَمِنْ ذَلِكَ الرِّكَابُ يُطْلَى بِأَحَدِهِمَا، فَفِيهِ قَوْلَانِ: بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ. وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ الْقَوْلَ بِالْجَوَازِ نَظَرًا لِبَاطِنِهِ وَالطَّلَى تَبَعٌ. وَقَدْ عَلِمْت مَا فِي كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ إطْلَاقِهِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَمِيعِ بِلَا تَرْجِيحٍ (لَا جَوْهَرٌ. وَجَازَ لِلْمَرْأَةِ الْمَلْبُوسُ وَنَحْوُهُ، وَلَوْ نَعْلًا لَا كَمِرْوَدٍ وَسَرِيرٍ) جَوْهَرٌ بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى اسْتِعْمَالُ أَوْ اتِّخَاذُ. أَيْ لَا يَحْرُمُ جَوْهَرٌ - أَيْ اسْتِعْمَالُهُ أَوْ اتِّخَاذُهُ - فَهُوَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ. وَيَجُوزُ جَرُّهُ عَطْفًا عَلَى حَرِيرٍ أَوْ إنَاءٍ فَلَا حَذْفَ فِي الْكَلَامِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْجَوْهَرَ - كَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَاللُّؤْلُؤِ - وَالْبَلُّورَ أَوَانَيْهِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ أَوَانَيْهِ فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ جِدًّا، مَا كَانَ يَنْبَغِي لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يَذْكُرَ فِيهِ الْقَوْلَيْنِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفَاسَتِهِ حُرْمَةُ اسْتِعْمَالِهِ. وَكَذَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الْمَلْبُوسُ مِنْ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الْمُحَلَّى بِهِمَا وَلَوْ نَعْلًا أَوْ قَبْقَابًا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْمَلْبُوسِ وَيَلْحَقُ بِالْمَلْبُوسِ. مَا شَابَهَهُ مِنْ فُرُشٍ وَمَسَانِدَ وَزِرٍّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQتِلْكَ الصِّيَاغَةِ. وَيَجُوزُ بَيْعُهَا لِأَنَّ عَيْنَهَا تُمْلَكُ إجْمَاعًا (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ مِنْهُمَا] : أَيْ فَفِيهِ اسْتِخْدَامٌ. قَوْلُهُ: [فِي الْجَمِيعِ] : أَيْ جَمِيعِ الْمَسَائِلِ الْخَمْسَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ فِيهَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ مُرَجَّحٌ عَلَى الْآخَرِ. فَالْمُرَجَّحُ فِي الْمُغَشَّى وَالْمُضَبَّبِ وَذِي الْحَلْقَةِ الْمَنْعُ. وَالْمُرَجَّحُ فِي الْمُمَوَّهِ وَإِنَاءِ الْجَوْهَرِ الْجَوَازُ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ: تَزْوِيقُ الْحِيطَانِ وَالسَّقْفِ وَالْخَشَبِ وَالسَّاتِرِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جَائِزٌ فِي الْبُيُوتِ، وَفِي الْمَسَاجِدِ مَكْرُوهٌ إذَا كَانَ يَشْغَلُ الْمُصَلِّيَ، وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: [وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفَاسَتِهِ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ عِلَّةَ حُرْمَةِ النَّقْدَيْنِ تَضْيِيقُ الْمُعَامَلَةِ عَلَى الْعِبَادِ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِمَا الْجَوَاهِرُ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ نَعْلًا] : فِي ح أَنَّهُ لِرَدِّ الْخِلَافِ الْوَاقِعِ فِي الْمَذْهَبِ الْقَائِلِ بِالْمَنْعِ.

وَمَا عُلِّقَ بِشَعْرٍ. وَلَا يَجُوزُ لَهَا مَا لَمْ يَكُنْ مَلْبُوسًا وَلَا مُلْحَقًا بِهِ كَالْمِرْوَدِ - بِكَسْرِ الْمِيمِ - وَكَالسَّرِيرِ وَالْأَوَانِي مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْمُشْطِ وَالْمُكْحُلَةِ وَالْمُدْيَةِ. وَكَذَا لَا يَجُوزُ تَحْلِيَةُ مَا ذُكِرَ بِهِمَا وَلَا تَحْلِيَةُ سَيْفِهَا إنْ كَانَ لَهَا سَيْفٌ بِذَلِكَ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَتْ تُقَاتِلُ بِهِ. وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَعَلَى مَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ تَغَيُّرٍ بِنَجِسٍ أَوْ طَاهِرٍ وَعَلَى الْأَعْيَانِ الطَّاهِرَةِ وَالنَّجِسَةِ، شَرَعَ فِي بَيَانِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْ طَهَارَةِ خَبَثٍ وَحَدَثٍ وَاسْتِقْبَالٍ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ. وَبَدَأَ بِطَهَارَةِ الْخَبَثِ لِقِلَّةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا يَجُوزُ لَهَا] إلَخْ: فَكُلُّ مَا كَانَ خَارِجًا عَنْ جَسَدِهَا لَا يَجُوزُ لَهَا اتِّخَاذُهُ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ وَلَا مِنْ الْمُحَلَّى بِهِ، وَإِنَّمَا حَرُمَ عَلَيْهَا تَحْلِيَةُ السَّيْفِ لِأَنَّهُ مِنْ زِينَةِ الرِّجَالِ وَجَازَ لَهَا اتِّخَاذُ شَرِيطِ السَّرِيرِ مِنْ حَرِيرٍ، لِأَنَّهُ تَوَسُّعٌ فِي الْحَرِيرِ أَكْثَرُ مِنْ النَّقْدَيْنِ.

[فصل في إزالة النجاسة]

فَصْلٌ: فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ (تَجِبُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَنْ مَحْمُولِ الْمُصَلِّي وَبَدَنِهِ وَمَكَانِهِ إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ، وَإِلَّا أَعَادَ بِوَقْتٍ) : يَجِبُ شَرْطًا إزَالَةُ حُكْمِ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ عَنْ كُلِّ مَحْمُولِ الْمُصَلِّي؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ] [تَنْبِيه صَلَاة النَّافِلَة بِالنَّجَاسَةِ] فَصْلٌ: قَوْلُهُ: [تَجِبُ إزَالَةُ] إلَخْ: أَيْ وُجُوبَ شَرْطٍ كَمَا يَأْتِي، وَكَذَا يَجِبُ تَقْلِيلُهَا كَتَطْهِيرِ أَحَدِ كُمَّيْهِ حَيْثُ لَمْ يَكْفِهِمَا الْمَاءُ. بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَلَا يَلْزَمُ غَسْلُ الْبَعْضِ إنْ لَمْ يُقَدَّمْ عَلَى الْكُلِّ، لِأَنَّهُ يَزِيدُهَا انْتِشَارًا كَمَا فِي (شب) وَ (ح) . قَوْلُهُ: [الْمُصَلِّي] : الْمُرَادُ بِهِ مُرِيدُ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُرِدْهَا فَلَا تَجِبُ إزَالَتُهَا بَلْ تُنْدَبُ إذَا لَمْ تَكُنْ خَمْرًا، وَأَرَادَ بِالْمُصَلِّي مَا يَشْمَلُ الصَّبِيَّ، وَالْخِطَابُ بِالنِّسْبَةِ لِوَلِيِّهِ خِطَابُ تَكْلِيفٍ، وَبِالنِّسْبَةِ لَهُ خِطَابُ وَضْعٍ. تَنْبِيهٌ: تَعَمُّدُ صَلَاةِ النَّافِلَةِ بِالنَّجَاسَةِ مَمْنُوعٌ مَانِعٌ مِنْ صِحَّتِهَا، وَلَا تُقْضَى لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ فَأَشْبَهَ مَنْ افْتَتَحَهَا مُحْدِثًا كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَبَدَنِهِ] : أَيْ ظَاهِرِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ دَاخِلُ أَنْفِهِ وَأُذُنِهِ وَعَيْنِهِ فَهِيَ مِنْ الظَّاهِرِ فِي طَهَارَةِ الْخَبَثِ، وَمِنْ الْبَاطِنِ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ. وَلَمْ يَجْعَلُوهَا مِنْ الظَّاهِرِ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ لِمَشَقَّةِ التَّكَرُّرِ. قَوْلُهُ: [إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ] وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ أَقْوَالٍ أَرْبَعَةٍ الَّذِي انْبَنَتْ عَلَيْهِ فُرُوعُ الْمَذْهَبِ. وَالْمَشْهُورُ الثَّانِي: السُّنِّيَّةُ إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ، وَسَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُعْتَمَدًا إلَّا أَنَّ فُرُوعَ الْمَذْهَبِ بُنِيَتْ عَلَى الْأَوَّلِ. وَالثَّالِثُ: الْوُجُوبُ مُطْلَقًا كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ وَهُوَ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْجُمْهُورِ. وَالرَّابِعُ: النَّدْبُ، لَكِنْ هَذَانِ الْقَوْلَانِ ضَعِيفَانِ فِي الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ: [عَنْ كُلِّ مَحْمُولِ الْمُصَلِّي] إلَخْ: مِنْ ذَلِكَ لَوْ وَضَعَ حَبْلَ سَفِينَةٍ فِي وَسَطِهِ

مِنْ ثَوْبٍ أَوْ عِمَامَةٍ أَوْ نَعْلٍ أَوْ حِزَامٍ أَوْ مِنْدِيلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ عَنْ بَدَنِهِ وَعَنْ مَكَانِهِ، وَهُوَ مَا تَمَسُّهُ أَعْضَاؤُهُ مِنْ قَدَمَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَيَدَيْهِ وَجَبْهَتِهِ. فَلَا يَضُرُّ نَجَاسَةُ مَا تَحْتَ صَدْرِهِ وَمَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَلَوْ تَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ. وَلَا مَا تَحْتَ حَصِيرِهِ وَلَوْ اتَّصَلَ بِهَا كَفَرْوَةِ مَيْتَةٍ صَلَّى عَلَى صُوفِهَا. بِخِلَافِ طَرَفِ عِمَامَتِهِ الْمُلْقَى بِالْأَرْضِ أَوْ طَرَفِ رِدَائِهِ الْمُلْقَى وَبِهِ نَجَاسَةٌ، فَإِنَّهُ يَضُرُّ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَحْمُولِ لِلْمُصَلِّي. وَمَحَلُّ كَوْنِهَا شَرْطَ صِحَّةٍ لِلصَّلَاةِ إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ عَلَى إزَالَتِهَا. فَإِنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ نَاسِيًا لَهَا حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَيُنْدَبُ لَهُ إعَادَتُهَا فِي الْوَقْتِ. وَكَذَا مَنْ عَجَزَ عَنْ إزَالَتِهَا لِعَدَمِ مَاءٍ طَهُورٍ أَوْ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إزَالَتِهَا بِهِ، وَلَمْ يَجِدْ ثَوْبًا غَيْرَ الْمُتَنَجِّسِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِالنَّجَاسَةِ وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ. وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ تَأْخِيرُهَا حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ. وَيُصَلِّي أَوَّلَ الْوَقْتِ إنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مَاءً وَلَا ثَوْبًا آخَرَ فِي الْوَقْتِ. وَإِنْ ظَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى إزَالَتِهَا آخِرَ الْوَقْتِ، أَخَّرَ لِآخِرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَانَ بِهَا نَجَاسَةٌ وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ تَتَحَرَّك بِحَرَكَتِهِ لِصِغَرِهَا. بِخِلَافِ مِقْوَدِ الدَّابَّةِ حَيْثُ كَانَ طَاهِرًا فَلَا يَضُرُّ حَمْلُهَا لِلنَّجَاسَةِ، أَوْ ثَوْبِ شَخْصٍ جَاءَ عَلَى كَتِفِ الْمُصَلِّي مَثَلًا مَا لَمْ يَصِرْ مَحْمُولًا لَهُ. قَوْلُهُ: [وَنَحْوِ ذَلِكَ] : كَمَوْضِعِ السُّجُودِ لِلْمُومِئِ فَلَا يُشْتَرَطُ طَهَارَتُهُ كَمَا فِي (شب) وَ (عب) . بِخِلَافِ حَسْرِ عِمَامَتِهِ عَنْ جَبْهَتِهِ فَيُشْتَرَطُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى رُكْنِيَّةِ السُّجُودِ. وَالِاخْتِلَافِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَقَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ: وَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُ الْمَسِّ بِزَائِدٍ لَا يُحَسُّ. وَقَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: الشَّعْرُ كَطَرَفِ الثَّوْبِ، أَيْ لَا يَضُرُّ مَسُّهُ لِلنَّجَاسَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَا مَا تَحْتَ حَصِيرِهِ] : لِمَا سَيَأْتِي فِي الْفَوَائِتِ فِي قَوْلِ خَلِيلٍ: وَلِمَرِيضٍ سَتَرَهُ نَجِسٌ بِطَاهِرٍ. قَالُوا: لَا مَفْهُومَ لِمَرِيضٍ، إنَّمَا يُشْتَرَطُ انْفِصَالُ السَّاتِرِ عَنْ مَحْمُولِ الْمُصَلِّي. فَلَا يَكْفِي سَتْرُ نَجَاسَةِ الْمَكَانِ بِبَعْضِ ثَوْبِهِ اللَّابِسِ لَهُ وَلَوْ طَالَ جِدًّا. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَحْمُولِ] : وَمِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْوَسَطُ عَلَى الْأَرْضِ نَجِسًا وَأَخَذَ كُلٌّ طَرَفًا طَاهِرًا، بَطَلَتْ عَلَيْهِمَا. قَوْلُهُ: [أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا] : أَيْ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ. فَمُرَادُهُ بِالنَّاسِي مَنْ سَبَقَ لَهُ عِلْمٌ بِهَا، ثُمَّ دَخَلَ الصَّلَاةَ نَاسِيًا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: [فِي الْوَقْتِ] : أَيْ إنْ كَانَ لَهَا وَقْتٌ تُعَادُ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا تُعَادُ كَالْفَائِتَةِ

قِيَاسًا عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي التَّيَمُّمِ، ثُمَّ إنَّهُ إنْ وَجَدَ مَا يُزِيلُهَا بِهِ فِي الْوَقْتِ، أَوْ ثَوْبًا آخَرَ نُدِبَ لَهُ الْإِعَادَةُ مَا دَامَ الْوَقْتُ. فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ فَلَا إعَادَةَ، وَالْوَقْتُ فِي الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ، وَفِي الْعِشَاءَيْنِ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَفِي الصُّبْحِ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ. وَمَا مَشَيْنَا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ وَاجِبَةٌ إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ هُوَ أَحَدُ الْمَشْهُورَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ فَإِنْ صَلَّى بِهَا عَامِدًا قَادِرًا عَلَى إزَالَتِهَا أَعَادَ صَلَاتَهُ أَبَدًا وُجُوبًا لِبُطْلَانِهَا. وَالْمَشْهُورُ الثَّانِي أَنَّ إزَالَتَهَا سُنَّةٌ إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ أَيْضًا، فَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالنَّفَلِ الْمُطْلَقِ إلَّا مَا سَيَأْتِي مِنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ. قَوْلُهُ: [عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي التَّيَمُّمِ] : فِي قَوْلِهِ فَالْآيِسُ أَوَّلُ الْمُخْتَارِ وَالْمُتَرَدِّدُ وَسَطُهُ وَالرَّاجِي آخِرُهُ، فَالْمُرَادُ بِالْوَقْتِ يُؤَخَّرُ فِيهِ الِاخْتِيَارِيُّ وَأَمَّا الضَّرُورِيُّ فَلَا تَفْصِيلَ فِيهِ بَلْ يُقَدَّمُ وَلَوْ كَانَ رَاجِيًا. قَوْلُهُ: [مَا دَامَ الْوَقْتُ] : أَيْ الْآتِي فِي الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [لِلِاصْفِرَارِ] : بِإِخْرَاجِ الْغَايَةِ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَبُحِثَ فِيهِ بِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّ الظُّهْرَيْنِ لِلْغُرُوبِ، وَالْعِشَاءَيْنِ لِلثُّلُثِ وَالصُّبْحَ لِلْإِسْفَارِ. وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْإِعَادَةَ كَالتَّنَفُّلِ، فَكَمَا لَا يُتَنَفَّلُ فِي الِاصْفِرَارِ لَا يُعَادُ فِيهِ وَيُتَنَفَّلُ فِي اللَّيْلِ كُلِّهِ، وَالنَّافِلَةُ وَإِنْ كُرِهَتْ بَعْدَ الْإِسْفَارِ لِمَنْ نَامَ عَنْ وِرْدِهِ إلَّا أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا ضَرُورِيَّ لِلصُّبْحِ قَوِيٌّ (اهـ مِنْ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ أَيْضًا] : أَيْ فَهُوَ قَيْدٌ فِي الْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ مَعًا، وَقَدْ تَبِعَ شَارِحُنَا (عب) وَالْأُجْهُورِيَّ. وَفِي ابْنِ مَرْزُوقٍ وَ (ح) أَنَّهُ قَيْدٌ فِي الْوُجُوبِ فَقَطْ، وَأَمَّا السُّنِّيَّةُ فَهُوَ مُطْلَقٌ، سَوَاءٌ كَانَ ذَاكِرًا قَادِرًا أَمْ لَا. فَإِنْ قُلْت: جَعْلُ الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ مُطْلَقًا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَاجِزَ وَالنَّاسِيَ مُطَالَبَانِ بِالْإِزَالَةِ عَلَى سَبِيلِ السُّنِّيَّةِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ امْتِنَاعُ تَكْلِيفِهِمَا، قُلْت: مَنْ قَالَ بِالسُّنِّيَّةِ حَالَةَ الْعَجْزِ وَالنِّسْيَانِ أَرَادَ ثَمَرَتَهَا مِنْ نَدْبِ الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ طَلَبَ الْإِزَالَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِهَا. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْأُجْهُورِيَّ نَظَرَ إلَى رَفْعِ الطَّلَبِ عَنْهُمَا حَالَةَ الْعُذْرِ فَقَالَ: إنَّهُ قَيْدٌ فِيهِمَا، وَغَيْرُهُ نَظَرَ إلَى طَلَبِ الْإِعَادَةِ مِنْهُمَا فِي الْوَقْتِ، فَقَالَ: إنَّهُ قَيْدٌ فِي الْوُجُوبِ فَقَطْ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ، وَعَادَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ لِكَوْنِ الْخِلَافِ لَفْظِيًّا. (اُنْظُرْ " ب ن " اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .

لَمْ يَذْكُرْهَا أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إزَالَتِهَا أَعَادَ بِوَقْتٍ كَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا الْعَامِدُ الْقَادِرُ فَيُعِيدُ أَبَدًا، لَكِنْ نَدَبًا. فَعُلِمَ أَنَّهُمَا يَتَّفِقَانِ عَلَى الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ نَدْبًا فِي النَّاسِ وَغَيْرِ الْعَالِمِ، وَفِي الْعَاجِزِ، وَيَتَّفِقَانِ عَلَى الْإِعَادَةِ أَبَدًا فِي الْعَامِدِ الذَّاكِرِ لَكِنْ وُجُوبًا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَنَدْبًا عَلَى الثَّانِي. وَقَوْلُنَا (عَنْ مَحْمُولِ الْمُصَلِّي) أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ: ثَوْبٌ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الثَّوْبَ أَيْ الْمَلْبُوسَ وَغَيْرَهُ، وَيَشْمَلُ مَا اسْتَقَرَّ بِبَطْنِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ؛ كَأَنْ شَرِبَ خَمْرًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَقَيَّأَهَا إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا كَانَ عَاجِزًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَنَدْبًا عَلَى الثَّانِي] : أَيْ وَلَا غَرَابَةَ فِي النَّدْبِيَّةِ وَالْأَبَدِيَّةِ، فَقَدْ قَالُوهُ فِي الصَّلَاةِ بِمَعْطِنِ الْإِبِلِ. وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ حَقِيقِيٌّ وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ التَّشْهِيرُ وَالِاسْتِدْلَالُ وَاخْتِلَافُ التَّفَارِيعِ. وَرَجَّحَهُ الْأُجْهُورِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ كَ (عب) . وَعَلَيْهِ، فَمَا وَرَدَ مِنْ التَّعْذِيبِ فِي الْبَوْلِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى إبْقَائِهِ بِالْقَصَبَةِ بِحَيْثُ يُبْطِلُ الْوُضُوءَ، فَإِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا وَمَالَ (ح) وَ (ر) إلَى أَنَّهُ لَفْظِيٌّ. قَالَا: وَعُهِدَتْ الْإِعَادَةُ أَبَدًا وُجُوبًا لِتَرْكِ السُّنَّةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. وَبَحَثَ فِيهِ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ بِأَنَّ هَذَا اعْتِرَافٌ بِأَنَّهُ حَقِيقِيٌّ لَهُ ثَمَرَةٌ؛ فَإِنَّ الْوَاجِبَ يَبْطُلُ تَرْكُهُ اتِّفَاقًا أَيْ لَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ سَمِعْنَا أَنَّ السُّنَّةَ إذْ اُشْتُهِرَتْ فَرْضِيَّتُهَا أُبْطِلَ تَرْكُهَا قَطْعًا، لَكِنَّهُ يُجْعَلُ كُلُّ خِلَافٍ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَفْظِيًّا، وَهُوَ بَعِيدٌ مُضَيِّعٌ لِثَمَرَةِ التَّشْهِيرِ أَوْ لِصِحَّتِهِ. وَمِمَّا يُبْعِدُ كَوْنَهُ لَفْظِيًّا مَا ارْتَضَاهُ (ر) نَفْسُهُ مِنْ عَدَمِ تَقْيِيدِ السُّنِّيَّةِ بِالذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ، وَالْوُجُوبُ مُقَيَّدٌ. وَقَالَ فِي الْأَصْلِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " خِلَافٌ لَفْظِيٌّ "، لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى إعَادَةِ الذَّاكِرِ الْقَادِرِ أَبَدًا، وَالْعَاجِزِ وَالنَّاسِي فِي الْوَقْتِ. قَالَهُ (ح) . وَرَدَّ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَى الْوُجُوبِ وَنَدْبِهَا عَلَى السُّنِّيَّةِ، وَبِأَنَّ الْقَائِلَ بِأَحَدِهِمَا يَرُدُّ مَا تَمَسَّكَ بِهِ الْآخَرُ فَالْخِلَافُ مَعْنَوِيٌّ. قَوْلُهُ: [وَغَيْرَهُ] أَيْ مِنْ سَائِرِ مَا نَبَّهَ الشَّارِحُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [فَيَجِبُ عَلَيْهِ] إلَخْ: هَذَا رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ. وَقَالَ التُّونُسِيُّ: ذَلِكَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ لَغْوٌ فَلَا يُؤْمَرُ بِتَقَايُؤٍ وَلَا بِإِعَادَةٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. إنْ قُلْت: حِينَئِذٍ صَارَتْ الْمَعِدَةُ نَجِسَةً بِمُجَرَّدِ الشُّرْبِ. قُلْت: إنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ تَطْهِيرِ نَفْسِ الْمَعِدَةِ، فَأَمَرْنَاهُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ التَّقَيُّؤِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْبَعْضِ وَجَبَ، لِأَنَّ تَقْلِيلَ النَّجَاسَةِ وَاجِبٌ

[تنبيه موت الدابة وحبلها بوسطه]

(فَسُقُوطُهَا عَلَيْهِ فِيهَا أَوْ ذِكْرُهَا مُبْطِلٌ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَوَجَدَ مَا تُزَالُ بِهِ) : الْفَاءُ فَاءُ التَّفْرِيغِ فَذِكْرُهَا أَوْلَى مِنْ ذِكْرِ الْوَاوِ. يَعْنِي إذَا عَلِمْت أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ وَاجِبَةٌ فَسُقُوطُهَا عَلَى الْمُصَلِّي مُبْطِلٌ لِصَلَاتِهِ وَلَوْ قَبْلَ تَمَامِ التَّلَفُّظِ بِالسَّلَامِ، إنْ اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَتْ رَطْبَةً أَوْ يَابِسَةً وَلَمْ تَنْحَدِرْ حَالَ سُقُوطِهَا. وَإِلَّا لَمْ تَبْطُلْ وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ لِإِزَالَتِهَا وَإِدْرَاكِ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَوَجَدَ مَا تُزَالُ بِهِ مِنْ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ أَوْ ثَوْبًا غَيْرَ الْمُتَنَجِّسِ. وَكَذَا تَبْطُلُ إذَا ذَكَرَ النَّجَاسَةَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ عَلِمَهَا وَهُوَ فِيهَا، فَإِنَّهَا تَبْطُلُ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQاهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . وَمَحَلُّ وُجُوبِ التَّقَايُؤِ الْمَذْكُورِ مُدَّةُ مَا يَرَى بَقَاءَ النَّجَاسَةِ فِي بَطْنِهِ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا لَا شَكًّا؛ فَإِذَا كَانَتْ خَمْرًا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ مُدَّةَ مَا يُظَنُّ بَقَاؤُهَا خَمْرًا، فَإِنْ تَحَوَّلَتْ لِلْعَذِرَةِ فَهِيَ بِمَثَابَتِهَا. [تَنْبِيه مَوْت الدَّابَّة وحبلها بوسطه] قَوْلُهُ: [قَوْلُهُ فَسُقُوطُهَا عَلَيْهِ] إلَخْ: أَيْ عَلَى الْمُصَلِّي وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا فِي نَفْلٍ - مَأْمُومًا أَوْ إمَامًا أَوْ فَذًّا - مُبْطِلٌ لَهَا بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ. وَلَوْ جُمُعَةً عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. وَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبُطْلَانِ خَلِيلًا التَّابِعَ لِابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ. وَإِنْ سَقَطَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي صَلَاةٍ قَطَعَهَا، وَالْقَطْعُ يُؤْذَنُ بِالِانْعِقَادِ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ الْقَطْعُ وُجُوبًا أَوْ اسْتِحْبَابًا؟ اُنْظُرْ (ب ن) . تَنْبِيهٌ: مَوْتُ الدَّابَّةِ وَحَبْلُهَا بِوَسَطِهِ كَسُقُوطِ النَّجَاسَةِ عَلَى الظَّاهِرِ (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . وَقَوْلُنَا أَوْ إمَامًا: أَيْ وَيَسْتَخْلِفُ؛ فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ مَسَائِلِ الِاسْتِخْلَافِ. وَإِنْ عَلِمَهَا مَأْمُومٌ بِإِمَامِهِ أَرَاهُ إيَّاهَا، وَلَا يَمَسُّهَا. فَإِنْ بَعُدَ فَوْقَ الثَّلَاثِ صُفُوفٍ كَلَّمَهُ، وَيَسْتَخْلِفُ الْإِمَامُ وَلَا تَبْطُلُ عَلَى الْمَأْمُومِينَ. قَوْلُهُ: [أَوْ ذَكَرَهَا] : أَيْ عَلِمَ بِهَا فِيهَا، سَوَاءٌ كَانَ نَاسِيًا لَهَا ابْتِدَاءً أَمْ لَا، لَا إنْ ذَكَرَهَا قَبْلَهَا ثُمَّ نَسِيَهَا عِنْدَ الدُّخُولِ فِيهَا، وَاسْتَمَرَّ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا فَلَا تَبْطُلُ. وَلَوْ تَكَرَّرَ الذِّكْرُ وَالنِّسْيَانُ قَبْلَهَا وَإِنَّمَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ (اهـ مِنْ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [أَوْلَى مِنْ ذِكْرِ الْوَاوِ] : أَيْ الَّتِي مَشَى عَلَيْهَا خَلِيلٌ. قَوْلُهُ: [وَاجِبَةٌ] : وَأَمَّا عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ فَلَا تَبْطُلُ بِالسُّقُوطِ أَوْ الذِّكْرِ فِيهَا، وَكَلَامُ ابْنِ مَرْزُوقٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الرَّاجِحُ. قَوْلُهُ: [إنْ اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ] : أَيْ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا.

اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَوَجَدَ ثَوْبًا أَوْ مَا يُزِيلُهَا بِهِ. وَهَذَانِ الْقَيْدَانِ زِدْنَاهُمَا عَلَى الشَّيْخِ. وَبَقِيَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ مِمَّا لَا يُعْفَى عَنْهَا كَالْبَوْلِ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُعْفَى عَنْهَا كَدِرْهَمِ دَمٍ لَمْ تَبْطُلْ. فَالْقُيُودُ أَرْبَعَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِسُقُوطِهَا، وَثَلَاثَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِذِكْرِهَا. وَقَوْلُنَا: (وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ) ، أَيْ لِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْهَا فَأَكْثَرَ لَا أَقَلَّ. وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَقْتُ اخْتِيَارِيًّا أَوْ ضَرُورِيًّا. فَإِذَا لَمْ يَسَعْ الْوَقْتُ رَكْعَةً كَمَّلَهَا. ثُمَّ إنْ كَانَ الْوَقْتُ ضَرُورِيًّا فَلَا إعَادَةَ، وَإِنْ كَانَ اخْتِيَارِيًّا أَعَادَهَا فِي الضَّرُورِيِّ نَدْبًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (لَا إنْ تَعَلَّقَتْ بِأَسْفَلِ نَعْلٍ فَسَلَّ رِجْلَهُ إلَّا أَنْ يَرْفَعَهَا بِهَا) : لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ مُتَعَلِّقَةً بِأَسْفَلِ النَّعْلِ ثُمَّ سَلَّ رِجْلَهُ مِنْ نَعْلِهِ أَيْ: أَخْرَجَهَا بِلُطْفٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْفَعَ رِجْلَهُ بِالنَّعْلِ الْمُتَنَجِّسَةِ. فَإِنْ رَفَعَ رِجْلَهُ بِهَا بَطَلَتْ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ فَوْقَ حَمْلِهِ، وَكَانَ ذَاكِرًا لَهَا وَلَوْ لَمْ يَرْفَعْهَا؛ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لَهَا. فَقَوْلُ الشَّيْخِ: " أَوْ كَانَتْ أَسْفَلَ نَعْلٍ " يَعْنِي: وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالنَّعْلِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ وَاقِفٌ عَلَيْهَا بِالنَّعْلِ الطَّاهِرِ، إذْ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَمْ تَبْطُلْ إذَا رَفَعَ نَعْلَهُ عِنْدَ التَّذَكُّرِ، أَوْ الْعِلْمِ وَوَضَعَهَا عَلَى أَرْضٍ طَاهِرَةٍ وَلَا يَحْتَاجُ لِخَلْعِهَا. فَعُلِمَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي النَّعْلِ الْمُتَنَجِّسِ أَسْفَلُهُ لَا الْوَاقِفِ بِهِ عَلَى نَجَاسَةٍ جَافَّةٍ، فَعِبَارَتُنَا أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَتِهِ إذْ عِبَارَتُهُ تُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ. وَالتَّعْبِيرُ بِسَلَّ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِخَلَعَ؛ لِأَنَّ السَّلَّ يُفِيدُ الْخِفَّةَ وَالْخَلْعَ يَصْدُقُ وَلَوْ مَعَ الرَّفْعِ بِهَا. وَمَفْهُومُ (سَلَّ رِجْلَهُ) أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُخْرِجْ رِجْلَهُ مِنْ نَعْلِهِ لَبَطَلَتْ، لَكِنْ حَيْثُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَامِلٌ لِلنَّجَاسَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَرْبَعَةٌ] إلَخْ: وَهِيَ: إنْ اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ، وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ، وَوُجِدَ مَا تُزَالُ بِهِ، وَلَمْ تَكُنْ مَعْفُوًّا عَنْهَا، وَقَوْلُهُ وَثَلَاثٌ إلَخْ: أَيْ بِإِسْقَاطِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ الْمَوْضُوعُ. قَوْلُهُ: [عَلَى مَا تَقَدَّمَ] : أَيْ مِنْ أَنَّ الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ، وَالْعِشَاءَيْنِ لِلْفَجْرِ، وَالصُّبْحَ لِلطُّلُوعِ. قَوْلُهُ: [بِأَسْفَلِ نَعْلٍ] : وَأَمَّا لَوْ تَعَلَّقَتْ بِأَسْفَلِ خُفٍّ فَتَذَّكَّرَهَا فَتَبْطُلَ بِهَا الصَّلَاةُ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِكَوْنِهِ كَثَوْبِ الْعُضْوِ فِي شِدَّةِ الِالْتِصَاقِ بِالرَّجُلِ، بِخِلَافِ النَّعْلِ فَهُوَ كَالْحَصِيرِ. هَكَذَا فَرَّقَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ. قَوْلُهُ: [لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ] إلَخْ: أَيْ وَلَوْ تَحَرَّكَ النَّعْلُ بِحَرَكَتِهِ حِينَ سَلَّ رِجْلَهُ لِأَنَّهَا كَالْحَصِيرِ. خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إذَا تَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ تَبْطُلُ.

[ما لا تجوز الصلاة به]

وَذَلِكَ حَالَ السُّجُودِ أَوْ حَالَ رَفْعِهِ لِرِجْلِهِ بِالنَّعْلِ، وَعُلِمَ أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ وَهُوَ لَابِسٌ لِنَعْلِهِ الْمُتَنَجِّسِ أَسْفَلُهُ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ. (وَلَا يُصَلَّى بِمَا غَلَبَتْ عَلَيْهِ كَثَوْبِ كَافِرٍ وَسِكِّيرٍ وَكَنَّافٍ وَغَيْرِ مُصَلٍّ، وَمَا يَنَامُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ] إلَخْ: أَيْ أَوْ إيمَاءً مِنْ قِيَامٍ أَوْ كَانَ يَخْلَعُ رِجْلَهُ مِنْهَا عِنْدَ السُّجُودِ. قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّعْلِ يَنْزِعُهُ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَالثَّوْبِ تَبْطُلُ وَلَوْ طَرَحَهُ، أَنَّ الثَّوْبَ حَامِلٌ لَهُ وَالنَّعْلَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ وَالنَّجَاسَةَ فِي أَسْفَلِهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ بَسَطَ عَلَى النَّجَاسَةِ حَائِلًا كَثِيفًا. [مَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاة بِهِ] [تَنْبِيه ثِيَاب الرأس لِلسِّكِّيرِ وَنَحْوه] قَوْلُهُ: [وَلَا يُصَلَّى] : بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ يَحْرُمُ صَلَاةُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ. قَوْلُهُ: [كَثَوْبِ كَافِرٍ] : الْمُرَادُ بِالثَّوْبِ مَحْمُولُهُ، كَانَ الْكَافِرُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، كِتَابِيًّا أَوْ غَيْرَهُ بَاشَرَ جِلْدَهُ أَوْ لَا، كَانَ مِمَّا يَسْتَعْمِلُ النَّجَاسَةَ أَوْ لَا. ثُمَّ مَحَلُّ الْحُرْمَةِ إذَا جَزَمَ بِعَدَمِ الطَّهَارَةِ أَوْ ظَنَّ عَدَمَهَا أَوْ شَكَّ. أَمَّا لَوْ تَحَقَّقَتْ الطَّهَارَةُ أَوْ ظُنَّتْ، فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ. وَهَذَا فِي الْكَافِرِ بِخِلَافِ ثِيَابِ شَارِبِ الْخَمْرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّهُ فِي حَالَةِ الشَّكِّ يُحْمَلُ عَلَى الطَّهَارَةِ تَقْدِيمًا لِلْأَصْلِ عَلَى الْغَالِبِ (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا مَتَى حَصَلَ شَكٌّ قُدِّمَ الْغَالِبُ، لِأَنَّ ثَمَرَةَ تَقْدِيمِ الْغَالِبِ لَا تَظْهَرُ إلَّا عِنْدَ الشَّكِّ فِي الْجَمِيعِ. فَالتَّفْرِقَةُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ لَا وَجْهَ لَهَا وَلَا مُسْتَنَدَ لَهُ فِي التَّفْرِقَةِ. قَوْلُهُ: [وَكَنَّاف] : وَيَجْرِي فِيهِ مَا جَرَى فِيهِ السِّكِّيرُ. قَوْلُهُ: [وَمَا يَنَامُ فِيهِ غَيْرُهُ] : أَيْ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ بِثَوْبٍ يَنَامُ فِيهِ غَيْرُ الْمُصَلِّي إذَا تَحَقَّقَتْ نَجَاسَتُهَا أَوْ ظُنَّتْ أَوْ شُكَّ فِيهَا. وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَحْتَاطُ فِي طَهَارَتِهَا، أَوْ ظَنَّ ذَلِكَ. جَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهَا. وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا يُفْرَشُ فِي الْمَضَايِفِ فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ النَّائِمَ عَلَيْهَا يَلْتَفُّ فِي شَيْءٍ آخَرَ غَيْرِ ذَلِكَ الْفَرْشِ هَكَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. وَلَكِنْ كَانَ شَيْخُنَا الْمُؤَلِّفُ يُفَصِّلُ وَيَقُولُ: أَمَّا مَضَايِفُ الرِّيفِ فَشَأْنُهَا النَّجَاسَةُ. وَأَمَّا مَقَاعِدُ مِصْرَ وَقِيعَانُهَا فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى فِرَاشِهَا لِأَنَّ الْغَالِبَ التَّحَفُّظُ. وَهُوَ وَجِيهٌ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ. تَنْبِيهٌ: عَمَّمَ الْمُصَنِّفِ هُنَا فِي ثِيَابِ النَّوْمِ وَغَيْرِ الْمُصَلِّي وَجَعَلَهَا كَثِيَابِ السِّكِّيرِ وَالْكَافِرِ لَا فَرْقَ بَيْنَ ثِيَابِ الرَّأْسِ وَغَيْرِهَا، مُوَافَقَةً فِي ذَلِكَ لِابْنِ مَرْزُوقٍ وَقَدْ أَيَّدَهُ

[المعفو عنه من النجاسة]

فِيهِ غَيْرُهُ، وَمَا حَاذَى فَرْجَ غَيْرِ عَالِمٍ) هَذِهِ الْأَحْكَامُ هِيَ الَّتِي أَشَارَ لَهَا الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ بِقَوْلِهِ: " وَلَا يُصَلَّى بِلِبَاسِ كَافِرٍ إلَخْ "، أَخَّرْتهَا هُنَا؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّهَا وَتَقْدِيمُهَا فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ ذِكْرٌ لَهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا. وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ الْأَصْلُ وَالْغَالِبُ قُدِّمَ الْغَالِبُ، فَإِنَّ الْأَصْلَ - فِيمَا ذُكِرَ - الطَّهَارَةُ، وَالْغَالِبُ النَّجَاسَةُ، وَقَوْلِي: (وَلَا يُصَلَّى بِمَا غَلَبَتْ أَيْ: النَّجَاسَةُ عَلَيْهِ) إشَارَةٌ لِقَاعِدَةٍ هِيَ: كُلُّ مَا غَلَبَتْ النَّجَاسَةُ عَلَيْهِ فَلَا يُصَلَّى بِهِ. وَقَوْلُهُ: (كَثَوْبِ كَافِرٍ) إلَخْ أَمْثِلَةٌ لِبَعْضِ مَا صَدَقَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ. وَالشَّيْخُ إنَّمَا ذَكَرَ بَعْضَ الْأَمْثِلَةِ دُونَ الْقَاعِدَةِ فَلِبَاسُ الْكَافِرِ لَا يُصَلَّى بِهِ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الْكَافِرِ عَدَمُ تَوَقِّي النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ نَسْجِهِ، فَإِنَّ الشَّأْنَ فِيهِ تَوَقِّي النَّجَاسَةِ. وَالسِّكِّيرُ - أَيْ: كَثِيرُ السُّكْرِ - كَالْكَافِرِ. وَ (الْكَنَّافِ) : الَّذِي شَأْنُهُ نَزْحُ الْأَكْنِفَةِ. وَ (غَيْرِ الْمُصَلِّي) : يَشْمَلُ الصِّبْيَانَ وَالنِّسَاءَ وَالرِّجَالَ الَّذِينَ لَا اعْتِنَاءَ لَهُمْ بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ شَأْنَهُمْ عَدَمُ التَّحَرُّزِ مِنْ النَّجَاسَةِ " وَالثَّوْبُ الَّذِي يَنَامُ فِيهِ غَيْرُ مُرِيدِ الصَّلَاةِ لَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ شَأْنَهُ مَا ذُكِرَ. وَأَمَّا مَا يَنَامُ فِيهِ هُوَ فَهُوَ أَعْلَمُ بِحَالِهِ. وَكَذَا مَا حَاذَى فَرْجَ غَيْرِ الْعَالِمِ بِأَحْكَامِ الطَّهَارَةِ كَالْإِزَارِ وَالسَّرَاوِيلِ لَا يُصَلَّى بِهِ، بِخِلَافِ نَحْوِ عِمَامَتِهِ وَرِدَائِهِ، وَبِخِلَافِ مُحَاذِي فَرْجِ الْعَالِمِ بِالِاسْتِبْرَاءِ وَأَحْكَامِ الطَّهَارَةِ. وَلَمَّا كَانَ بَعْضُ النَّجَاسَةِ يُعْفَى عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَعُفِيَ عَمَّا يَعْسُرُ كَسَلَسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQب ن) . وَهُوَ خِلَافُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ خَلِيلٍ مِنْ اسْتِثْنَائِهِ ثِيَابَ الرَّأْسِ وَمَا قَارَبَهَا. قَوْلُهُ: [وَمَا حَاذَى فَرْجَ غَيْرِ عَالِمٍ] : مِنْ ذَلِكَ فُوَطُ الْحَمَّامِ إذَا كَانَ يَدْخُلُهُ عُمُومُ النَّاسِ، وَلَكِنْ لَا يَجِبُ غَسْلُ الْجَسَدِ مِنْهَا لِلْحَرَجِ نَعَمْ هُوَ الْأَوْلَى وَالْأَحْوَطُ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَدْخُلُهُ إلَّا الْمُسْلِمُونَ الْمُتَحَفِّظُونَ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ نَسْجِهِ] : وَكَذَا سَائِرُ صَنَائِعِهِ فَيُحْمَلُونَ فِيهَا عَلَى الطَّهَارَةِ عِنْدَ الشَّكِّ، وَلَوْ صَنَعَهَا بِبَيْتِ نَفْسِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا صَنَعَهُ لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ كَمَا يُفِيدُهُ الْبُرْزُلِيُّ. قَوْلُهُ: [كَالْكَافِرِ] إلَخْ: هَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ الرَّدَّ عَلَى مُحَشِّي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [غَيْرُ مُرِيدِ الصَّلَاةِ] : أَيْ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ، بِأَنْ أَرَادَ شَخْصٌ الصَّلَاةَ فِي فِرَاشِ نَوْمِ غَيْرِهِ. [المعفو عَنْهُ مِنْ النَّجَاسَة] [تَنْبِيه سَبَب الْعَفْو عَنْ الدَّم وقيد لِلْعَفْوِ عَنْ الطِّين] قَوْلُهُ

لَازِمٍ) يُعْفَى عَنْ كُلِّ مَا يَعْسُرُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ مِنْ النَّجَاسَاتِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ؛ لِأَنَّ مَا يُعْفَى عَنْهُ إذَا حَلَّ بِطَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ نَجَّسَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ. وَلَمَّا كَانَ أَخْذُ الْجُزْئِيَّاتِ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ قَدْ يَخْفَى عَلَى بَعْضِ الْأَذْهَانِ، صَرَّحَ بِبَعْضِ جُزْئِيَّاتٍ لِلْإِيضَاحِ بِقَوْلِهِ: (كَسَلَسٍ إلَخْ.) وَالْمُرَادُ بِالسَّلَسِ: مَا خَرَجَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْ الْأَحْدَاثِ كَالْبَوْلِ وَالْمَذْيِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُعْفَى عَنْ كُلِّ مَا يَعْسُرُ] : أَخَذَ الْكُلِّيَّةَ مِنْ لَفْظِ [مَا] لِأَنَّهَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ. وَمَعْنَى يَعْسُرُ: يَشُقُّ. قَوْلُهُ: [إذَا حَلَّ بِطَعَامٍ] إلَخْ: أَيْ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الطَّعَامَ الْمَائِعَ وَمَا فِي حُكْمِهِ يَنْجُسُ إذَا حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ؛ أَيُّ نَجَاسَةٍ كَانَتْ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ] إلَخْ: أَيْ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لِلدَّوَاءِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ] : اسْمُ الْإِشَارَةِ عَائِدٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: [وَعُفِيَ عَمَّا يَعْسُرُ] . وَمَعْنَى الْقَاعِدَةِ الضَّابِطُ الْكُلِّيُّ الَّذِي انْدَرَجَ تَحْتَهُ الْجُزْئِيَّاتُ، وَقَالُوا فِي تَعْرِيفِهَا: قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ يُتَعَرَّفُ مِنْهَا أَحْكَامُ جُزْئِيَّاتِ مَوْضُوعِهَا، فَالْقَضِيَّةُ الْكُلِّيَّةُ هُنَا هِيَ: " كُلُّ مَا يَعْسُرُ يُعْفَى عَنْهُ ". فَيَنْدَرِجُ تَحْتَ " كُلُّ " جَمِيعُ الْجُزْئِيَّاتِ الْآتِيَةِ وَغَيْرُهَا. وَضَابِطُ اسْتِخْرَاجِهَا أَنْ يُؤْتَى بِقِيَاسٍ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ يَجْعَلُ مَوْضُوعَ صُغْرَاهُ جُزْئِيًّا مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْقَاعِدَةِ، وَمَحْمُولَهَا مَوْضُوعُ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ وَتَجْعَلُهُ الْحَدَّ الْمُكَرَّرَ، وَتَجْعَلُ مَحْمُولَ كُبْرَاهُ مَحْمُولَ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ، وَتَحْذِفُ الْحَدَّ الْمُكَرَّرَ يَنْتُجُ الْمَقْصُودُ وَمَسَاقُهُ هَكَذَا: السَّلَسُ يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَكُلُّ مَا يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، فَيَنْتُجُ: السَّلَسُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ. وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ: مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ " إذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ "، " وَعِنْدَ الضَّرُورَاتِ تُبَاحُ الْمَحْظُورَاتُ ". قَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] . فَرْعٌ: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: إذَا عُفِيَ عَنْ الْأَحْدَاثِ فِي حَقِّ صَاحِبِهَا عُفِيَ عَنْهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِهَا شَرْعًا، وَقِيلَ: يُعْفَى عَنْهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِأَنَّ سَبَبَ الْعَفْوِ الضَّرُورَةُ وَلَمْ تُوجَدْ فِي غَيْرِهِ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي جَوَازِ صَلَاةِ صَاحِبِهَا إمَامًا بِغَيْرِهِ، وَعَدَمُ الْجَوَازِ فَعَلَى الْأَوَّلِ تَجُوزُ، وَعَلَى الثَّانِي تُكْرَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ بِالْبُطْلَانِ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّ صَاحِبَ السَّلَسِ صَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ لِلْعَفْوِ عَنْ النَّجَاسَةِ فِي حَقِّهِ، وَصَحَّتْ صَلَاةُ

وَالْمَنِيِّ وَالْغَائِطِ يَسِيلُ مِنْ الْمَخْرَجِ بِنَفْسِهِ، فَيُعْفَى عَنْهُ وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ لِلضَّرُورَةِ إذَا لَازَمَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ مَرَّةً. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُلَازَمَةِ هُنَا مَا يَأْتِي فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ. (وَبَلَلِ بَاسُورٍ وَثَوْبٍ كَمُرْضِعٍ تَجْتَهِدُ) أَيْ: يُعْفَى عَنْ بَلَلِ الْبَاسُورِ يُصِيبُ الْبَدَنَ أَوْ الثَّوْبَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ مَرَّةً. وَأَمَّا الْيَدُ فَلَا يُعْفَى عَنْ غَسْلِهَا إلَّا إذَا كَثُرَ الرَّدُّ بِهَا، بِأَنْ يَزِيدَ عَلَى الْمَرَّتَيْنِ كُلَّ يَوْمٍ وَإِلَّا وَجَبَ غَسْلُهَا؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا يَشُقُّ غَسْلُهَا كَالثَّوْبِ وَالْبَدَنِ. وَيُعْفَى عَنْ ثَوْبِ الْمُرْضِعَةِ أَوْ جَسَدِهَا يُصِيبُهُ بَوْلٌ أَوْ غَائِطٌ مِنْ الطِّفْلِ سَوَاءٌ كَانَتْ أُمًّا أَوْ غَيْرَهَا، إذَا كَانَتْ تَجْتَهِدُ فِي دَرْءِ النَّجَاسَةِ عَنْهَا حَالَ نُزُولِهَا، بِخِلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ ائْتَمَّ بِهِ لِأَنَّ صَلَاتَهُ مُرْتَبِطَةٌ بِصَلَاتِهِ (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ] : أَيْ وَلَا يُسَنُّ. مِمَّا أَصَابَ الثَّوْبَ وَالْبَدَنَ وَالْمَكَانَ حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ التَّحَوُّلُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ الْمُرَادُ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ مَا هُنَا مِنْ بَابِ الْأَخْبَاثِ وَذَاكَ مِنْ بَابِ الْأَحْدَاثِ. وَالْأَخْبَاثُ أَسْهَلُ مِنْ الْأَحْدَاثِ فَلِذَلِكَ شُدِّدَ فِي الْأَحْدَاثِ فِيمَا يَأْتِي، فَقَالُوا: لَا يُعْفَى عَنْهُ إلَّا إذَا لَازَمَ كُلَّ الزَّمَانِ أَوْ جُلَّهُ أَوْ نِصْفَهُ فَلَا يُنْقَضُ الْوُضُوءُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ وَلَا يُوجِبُ غَسْلًا لِلنَّجَاسَةِ، وَإِنْ لَازَمَ أَقَلَّ الزَّمَانِ نُقِضَ مَعَ الْعَفْوِ عَنْ النَّجَاسَةِ إنْ لَازَمَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ مَرَّةً. قَوْلُهُ: وَبَلَلِ بَاسُورٍ: جَمْعُهُ بَوَاسِيرُ وَالْمُرَادُ بِهِ النَّابِتُ دَاخِلَ مَخْرَجِ الْغَائِطِ بِحَيْثُ يَخْرُجُ مِنْهُ وَعَلَيْهِ بُلُولَةُ النَّجَاسَةِ، وَفِي عب الظَّاهِرُ أَنَّ خُرُوجَ الصَّرْمِ كَالْبَاسُورِ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ يَزِيدَ عَلَى الْمَرَّتَيْنِ إلَخْ] : وَقِيلَ بَلْ عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ وَمِثْلُ الْيَدِ الْخِرْقَةُ الَّتِي يَرُدُّ بِهَا. قَوْلُهُ: [كَالثَّوْبِ] : أَيْ الْمَلْبُوسِ لَا الَّتِي يَرُدُّ بِهَا فَإِنَّهَا كَالْيَدِ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [عَنْ ثَوْبِ الْمُرْضِعَةِ] إلَخْ: أَيْ لِإِمْكَانِهَا فَلَا يُعْفَى عَمَّا أَصَابَهُ إنْ أَمْكَنَهَا التَّحَوُّلُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرُهَا] : أَيْ إنْ احْتَاجَتْ لِلْإِرْضَاعِ لِفَقْرِهَا أَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْوَلَدُ غَيْرَهَا، وَإِلَّا فَلَا يُعْفَى عَمَّا أَصَابَهَا خِلَافًا لِلْمَشَذَّالِيِّ فِي جَعْلِهَا كَالْأُمِّ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: [تَجْتَهِدُ] قَيْدٌ فِي الْمُرْضِعَةِ مُطْلَقًا أُمًّا أَوْ غَيْرَهَا، فَإِذَا اجْتَهَدَتْ وَأَصَابَهَا شَيْءٌ عُفِيَ عَنْهُ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يُنْدَبُ لَهَا غَسْلُهُ إنْ تَفَاحَشَ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا غَسْلُ

الْمُفَرِّطَةِ. وَدَخَلَ الْجَزَّارُ وَالْكَنَّافُ وَالطَّبِيبُ الَّذِي يُزَاوِلُ الْجُرُوحَ تَحْتَ الْكَافِ. وَنُدِبَ لَهَا وَلِمَنْ أُلْحِقَ بِهَا اسْتِعْدَادُ ثَوْبٍ لِلصَّلَاةِ. (وَقَدْرِ دِرْهَمٍ مِنْ دَمٍ وَقَيْحٍ وَصَدِيدٍ) : أَيْ: يُعْفَى عَنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ وَهُوَ الدَّائِرَةُ السَّوْدَاءُ الْكَائِنَةُ فِي ذِرَاعِ الْبَغْلِ فَدُونَ. وَقَوْلُ الشَّيْخِ: وَ " دُونَ دِرْهَمٍ " الْمُفِيدُ أَنَّ مَا كَانَ قَدْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا أَصَابَهَا مِنْ بَوْلِهِ أَوْ عَذِرَتِهِ وَلَوْ رَأَتْهُ، خِلَافًا لِابْنِ فَرْحُونٍ الْقَائِلِ بِأَنَّ مَا رَأَتْهُ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ. قَوْلُهُ: [وَدَخَلَ الْجَزَّارُ] إلَخْ: أَيْ فَيُعْفَى عَنْهُمْ إنْ اجْتَهَدُوا كَالْمُرْضِعَةِ. قَوْلُهُ: [وَلِمَنْ أُلْحِقَ بِهَا] : أَيْ مِمَّنْ دَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ. وَأَمَّا صَاحِبُ السَّلَسِ فَلَا يُنْدَبُ لَهُ إعْدَادُ ثَوْبٍ لِعَدَمِ ضَبْطِهِ. قَوْلُهُ: [وَقَدْرُ دِرْهَمٍ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ مَخْلُوطًا بِمَاءٍ حَيْثُ كَانَ طَاهِرًا. نَعَمْ إنْ خَالَطَهُ نَجِسٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ انْتَفَى الْعَفْوُ. وَخَالَفَتْ الشَّافِعِيَّةُ؛ فَعِنْدَهُمْ نِصْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا مِنْ دَمٍ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ قَدْرُ نِصْفِهِ مَاءً طَهُورًا لَا يُعْفَى عَنْهُ لِأَنَّ الدَّمَ نَجَّسَ الْمَاءَ، وَإِذَا طَرَأَ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِ عَيْنِ الدَّمِ النَّجِسِ مَا زَالَ مَعْفُوًّا عَنْهُ وَهَذَا مِمَّا يُسْتَغْرَبُ. وَقَدْ يُلْغَزُ بِهِ، وَقَدْ قُلْت فِي ذَلِكَ: حَيِّ الْفَقِيهَ الشَّافِعِيَّ وَقُلْ لَهُ ... مَا ذَلِكَ الْحُكْمُ الَّذِي يُسْتَغْرَبُ نَجِسٌ عَفُوًّا عَنْهُ فَلَوْ خَالَطَهُ ... نَجِسٌ طَرَا فَالْعَفْوُ بَاقٍ يَصْحَبُ وَإِذَا طَرَا بَدَلَ النَّجَاسَةِ طَاهِرٌ ... لَا عَفْوَ يَا أَهْلَ الذَّكَاءِ تَعْجَبُوا ، (شَيْخِنَا عَلَى مَجْمُوعِهِ) . وَأَمَّا لَوْ صَارَ بِسَبَبِ الْمَائِعِ زَائِدًا عَلَى دِرْهَمٍ فَلَا عَفْوَ. وَالْعَفْوُ عَنْ يَسِيرِ الدَّمِ وَالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ. وَقِيلَ اغْتِفَارُهُ مَقْصُورٌ عَلَى الصَّلَاةِ؛ فَلَا تُقْطَعُ لِأَجْلِهِ إذَا ذَكَرَهُ فِيهَا، وَلَا يُعِيدُ. وَأَمَّا إذَا رَآهُ خَارِجَهَا فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِغَسْلِهِ. هَكَذَا حُكِيَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَمْرِ بِالْغَسْلِ، فَقِيلَ: نَدْبًا، وَقِيلَ: وُجُوبًا وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْعِرَاقِيِّينَ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ الدَّائِرَةُ] : أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمِسَاحَةُ لَا الْكَمِّيَّةَ، أَيْ فَالْعِبْرَةُ بِقَدْرِهِ فِي الْمِسَاحَةِ وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ فِي الْكَمِّيَّةِ كَنُقْطَةٍ مِنْ الدَّمِ ثَخِينَةٍ. (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .

الدِّرْهَمِ لَا يُعْفَى عَنْهُ، ضَعِيفٌ. وَسَوَاءٌ كَانَ مَا ذُكِرَ مِنْ الدَّمِ وَمَا بَعْدَهُ أَصَابَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ - وَلَوْ مِنْ خِنْزِيرٍ - بِثَوْبٍ أَوْ بَدَنٍ أَوْ مَكَان، كَمَا يُفِيدُهُ إطْلَاقُ عِبَارَتِهِ. وَصَرَّحَ الشَّيْخُ بِالْإِطْلَاقِ لَكِنْ قَدَّمَهُ عَلَى الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ وَالْأَوْلَى لَهُ تَأْخِيرُهُ عَنْهُمَا. (وَفَضْلَةِ دَوَابَّ لِمَنْ يُزَاوِلُهَا) أَيْ: أَنَّ فَضْلَةَ الدَّوَابِّ مِنْ بَوْلٍ أَوْ رَوْثٍ - سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّوَابُّ خَيْلًا أَوْ حَمِيرًا أَوْ بِغَالًا - إذَا أَصَابَتْ ثَوْبًا أَوْ بَدَنًا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُزَاوِلَهَا بِالرَّعْيِ أَوْ الْعَلَفِ أَوْ الرَّبْطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ - يُعْفَى عَنْهَا؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْمَشَقَّةِ وَهِيَ حَاصِلَةٌ لِمَنْ شَأْنُهُ مُزَاوَلَتُهَا. لَوْ أُمِرَ بِالْغَسْلِ كُلَّمَا أَصَابَتْهُ فَلَا مَفْهُومَ لِلْقُيُودِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: " وَبَوْلِ فَرَسٍ لِغَازٍ بِأَرْضِ حَرْبٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [ضَعِيفٌ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا ثَلَاثُ طُرُقٍ، الْأُولَى: أَنَّ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ يُعْفَى عَنْهُ اتِّفَاقًا، وَمَا فَوْقَهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ اتِّفَاقًا، وَفِي الدِّرْهَمِ رِوَايَتَانِ: وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْعَفْوِ. وَالثَّانِيَةُ: مَا دُونَ الدِّرْهَمِ يُعْفَى عَنْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالدِّرْهَمُ وَمَا فَوْقَهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ اتِّفَاقًا. وَالثَّالِثَةُ: أَنَّ الدِّرْهَمَ مِنْ حَيِّزِ الْيَسِيرِ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ مُصَنِّفُنَا تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَصَاحِبِ الْإِرْشَادِ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا اخْتَصَّ الْعَفْوُ بِالدَّمِ وَمَا مَعَهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو عَنْهُ، فَهُوَ كَالْقِرْبَةِ الْمَمْلُوءَةِ بِالدَّمِ وَالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ، فَالِاحْتِرَازُ عَنْ يَسِيرِهِ عُسْرٌ، دُونَ غَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْمَنِيِّ وَالْمَذْيِ. وَمَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ اغْتِفَارِ مِثْلِ رُءُوسِ الْإِبَرِ مِنْ الْبَوْلِ ضَعِيفٌ. نَعَمْ أَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِالْمَعْفُوَّاتِ الْمَذْكُورَةِ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مِنْ بَوْلِ الطَّرَقَاتِ إذَا لَمْ يُتَبَيَّنْ، فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ جَسَدٍ، أَوْ خُفٍّ مِثْلِ أَنْ تَزِلَّ الرِّجْلُ مِنْ النَّعْلِ وَهِيَ مَبْلُولَةٌ فَيُصِيبَهَا مِنْ الْغُبَارِ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مُخَالَطَةُ الْبَوْلِ لَهُ إذْ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ. (انْتَهَى بِالْمَعْنَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [فَلَا مَفْهُومَ لِلْقُيُودِ] : أَيْ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ: بَوْلٌ وَفَرْثٌ وَغَازٌ وَأَرْضُ الْحَرْبِ. لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى مَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ. وَحَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَانَى الدَّوَابَّ يُعْفَى عَمَّا أَصَابَهُ مِنْ بَوْلِهَا وَأَرْوَاثِهَا، كَانَ فِي الْحَضَرِ أَوْ فِي السَّفَرِ بِأَرْضِ حَرْبٍ أَوْ غَيْرِهَا. غَايَةُ

(وَأَثَرِ ذُبَابٍ مِنْ نَجَاسَةٍ وَدَمِ حِجَامَةٍ مُسِحَ حَتَّى يَبْرَأَ) أَيْ: يُعْفَى عَنْ أَثَرِ الذُّبَابِ يَقَعُ عَلَى الْعَذِرَةِ أَوْ الْبَوْلِ أَوْ الدَّمِ بِأَرْجُلِهِ أَوْ فَمِهِ، ثُمَّ يَطِيرُ وَيَحُطُّ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ بَدَنٍ. فَقَوْلُنَا: (مِنْ نَجَاسَةٍ) بَيَانٌ لِأَثَرٍ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ " مِنْ عَذِرَةٍ " إذْ لَا مَفْهُومَ لَهَا. وَمِثْلُ الذُّبَابِ النَّامُوسُ، أَوْ أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ النَّامُوسَ. وَالْعَامَّةُ تَقْلِبُ الْبَاءَ الْأَخِيرَةَ نُونًا وَيُشَدِّدُونَ الْأُولَى، وَكَذَلِكَ يُعْفَى عَنْ أَثَرِ الْحِجَامَةِ إذَا مُسِحَ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا إلَى أَنْ يَبْرَأَ الْمُحَالُ لِمَشَقَّةِ غَسْلِهِ قَبْلَ بُرْءِ الْجُرْحِ. فَإِذَا بَرَأَ غُسِلَ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ، أَيْ وُجُوبًا أَوْ اسْتِنَانًا عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ الْخِلَافِ. (وَطِينٍ كَمَطَرٍ وَمَائِهِ مُخْتَلِطًا بِنَجَاسَةٍ مَا دَامَ طَرِيًّا فِي الطُّرُقِ وَلَوْ بَعْدَ انْقِطَاعِ نُزُولِهِ، إلَّا أَنْ تَغْلِبَ عَلَيْهِ أَوْ تُصِيبَ عَيْنُهَا) : يُعْفَى عَنْ طِينِ الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ كَطِينِ الرَّشِّ وَمُسْتَنْقَعِ الطُّرُقِ. وَكَذَا يُعْفَى عَنْ مَاءِ الْمَطَرِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ حَالَ كَوْنِ مَا ذُكِرَ مِنْ الطِّينِ أَوْ الْمَاءِ مُخْتَلِفًا بِنَجَاسَةٍ، وَإِلَّا فَلَا مَحَلَّ لِلْعَفْوِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ النَّجَاسَةُ عَذِرَةً أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا هُنَاكَ أَنَّهُ إذَا وُجِدَتْ الْقُيُودُ الْأَرْبَعَةُ فَلَا يُعْتَبَرُ اجْتِهَادُهُ، بَلْ الْعَفْوُ مُطْلَقٌ لِتَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَّ قَيْدٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِهَادِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَمِثْلُ الذُّبَابِ] إلَخْ: أَيْ فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ النَّامُوسُ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ] إلَخْ: أَيْ فَفِيهِ مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ الْخَاصِّ وَإِرَادَةِ الْعَامِّ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ النَّمْلُ الصَّغِيرُ. وَأَمَّا الْكَبِيرُ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ لِأَنَّ وُقُوعَهُ عَلَى الْإِنْسَانِ نَادِرٌ. قَوْلُهُ: [إلَى أَنْ يَبْرَأَ] : فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ [حَتَّى] فِي الْمَتْنِ بِمَعْنَى إلَى. قَوْلُهُ: [أَيْ وُجُوبًا] إلَخْ: مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ أَثَرُ الدَّمِ أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمٍ، وَإِلَّا فَلَا مَحَلَّ لِوُجُوبِ الْغَسْلِ وَلَا لِاسْتِنَانِهِ. وَمِثْلُ أَثَرِ الْحِجَامَةِ أَثَرُ الْفَصْدِ فَإِذَا بَرَأَ أُمِرَ بِالْغَسْلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَصَلَّى مُتَعَمِّدًا وَلَمْ يَغْسِلْ، أَعَادَ فِي الْوَقْتِ عَلَى الرَّاجِحِ مِمَّا فِي خَلِيلٍ لِيَسَارَةِ الدَّمِ، لِكَوْنِهِ أَثَرًا لَا عَيْنًا. وَمُرَاعَاةً لِمَنْ لَا يَأْمُرُهُ بِغَسْلِهِ. قَوْلُهُ: [وَنَحْوِهِ] وَقَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي [وَكَذَا] إلَخْ إشَارَةٌ لِمَا أَدْخَلَتْهُ الْكَافُ. قَوْلُهُ: [سَوَاءٌ كَانَتْ النَّجَاسَةُ] إلَخْ: أَيْ وَكَانَ الطِّينُ أَكْثَرَ مِنْهَا تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا أَوْ تَسَاوِيًا بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي.

غَيْرَهَا مَا دَامَ الطِّينُ طَرِيًّا فِي الطُّرُقِ يُخْشَى مِنْهُ الْإِصَابَةُ ثَانِيًا، وَلَوْ بَعْدَ انْقِطَاعِ نُزُولِ الْمَطَرِ. وَمَحَلُّ الْعَفْوِ مَا لَمْ تَغْلِبْ النَّجَاسَةُ عَلَى الطِّينِ بِأَنْ تَكُونَ أَكْثَرَ مِنْهُ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا كَنُزُولِ الْمَطَرِ عَلَى مُطْرَحِ النَّجَاسَاتِ، أَوْ مَا لَمْ تُصِبْ الْإِنْسَانَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ الْغَيْرِ الْمُخْتَلِطَةِ بِغَيْرِهَا، وَإِلَّا فَلَا عَفْوَ وَيَجِبُ الْغَسْلُ. كَمَا لَا عَفْوَ بَعْدَ جَفَافِ الطُّرُقِ، فَيَجِبُ غَسْلُ مَا أَصَابَ أَيَّامَ النُّزُولِ، وَطَرَاوَةُ الطِّينِ لِزَوَالِ الْمَشَقَّةِ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ عِبَارَتَنَا أَوْضَحُ وَأَشْمَلُ مِنْ عِبَارَتِهِ وَقَوْلُنَا: [عَيْنُهَا] فَاعِلُ تُصِيبَ، وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ تُصِيبُهُ عَيْنُهَا. (وَأَثَرِ دُمَّلٍ سَالَ بِنَفْسِهِ أَوْ احْتَاجَ لِعَصْرِهِ أَوْ كَثُرَتْ) : يُعْفَى عَنْ أَثَرِ الدُّمَّلِ مِنْ الْمِدَّةِ السَّائِلَةِ بِنَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ عَصْرِهِ، فَإِنْ عَصَرَهُ لَمْ يُعْفَ عَمَّا زَادَ عَلَى الدِّرْهَمِ إلَّا أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِأَنْ تَكُونَ] إلَخْ: أَيْ فَلَا عَفْوَ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ عَلَى ظَاهِرِهَا. قَوْلُهُ: [كَنُزُولِ الْمَطَرِ] إلَخْ: مِثَالٌ لِمَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْمُدَوَّنَةُ مَعَ غَيْرِهَا. قَوْلُهُ: [أَوْ مَا لَمْ تُصِبْ الْإِنْسَانَ] إلَخْ: أَيْ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ اتِّفَاقًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَحْوَالَ أَرْبَعَةٌ: الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ: كَوْنُ الطِّينِ أَكْثَرَ مِنْ النَّجَاسَةِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهَا تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا وَلَا إشْكَالَ فِي الْعَفْوِ فِيهِمَا، وَالثَّالِثَةُ: غَلَبَةُ النَّجَاسَةِ عَلَى الطِّينِ تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا وَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَيَجِبُ غَسْلُهُ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ شَارِحُنَا تَبَعًا لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ. وَالرَّابِعَةُ: أَنْ تَكُونَ عَيْنُهَا قَائِمَةً وَهِيَ لَا عَفْوَ فِيهَا اتِّفَاقًا. تَنْبِيهٌ: قَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْعَفْوَ عَنْ طِينِ الْمَطَرِ بِمَا إذَا لَمْ يُدْخِلْهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِلَّا فَلَا عَفْوَ؛ وَذَلِكَ كَأَنْ يَعْدِلَ عَنْ الطَّرِيقِ السَّالِمَةِ لِلَّتِي فِيهَا طِينٌ بِلَا عُذْرٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ احْتَاجَ لِعَصْرِهِ] : أَشَارَ بِهَذَا إلَى مَا فِي أَبِي الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ مِنْ أَنَّ الدُّمَّلَ الْوَاحِدَةَ إنْ اُضْطُرَّ إلَى إنْكَائِهَا وَشَقَّ عَلَيْهِ تَرْكُهَا فَإِنَّهُ يُعْفَى عَمَّا سَالَ مِنْهَا. قَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْ الِاضْطِرَارِ إلَى إنْكَائِهَا وَضْعَ الدَّوَاءِ عَلَيْهَا فَتَسِيلُ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ عَصَرَهُ] إلَخْ: مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَسِلْ مِنْهُ شَيْءٌ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ، خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ عِنْدَ الْعَصْرِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ سَالَ بِنَفْسِهِ وَمَحَلُّ الْعَفْوِ إنْ دَامَ

يَضْطَرَّ لِعَصْرِهِ. فَإِنْ اُضْطُرَّ عُفِيَ عَمَّا زَادَ عَلَى الدِّرْهَمِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا سَالَ بِنَفْسِهِ. وَكَذَا إنْ كَثُرَتْ الدَّمَامِلُ فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْ أَثَرِهَا، وَلَوْ عَصَرَهَا لِأَنَّ كَثْرَتَهَا مَظِنَّةُ الِاضْطِرَارِ كَالْحَكَّةِ وَالْجَرَبِ. (وَذَيْلِ امْرَأَةٍ أُطِيلَ لِسَتْرٍ، وَرِجْلٍ بُلَّتْ مَرَّا بِنَجَسٍ يَابِسٍ) : يُعْفَى عَنْ ذَيْلِ ثَوْبِ الْمَرْأَةِ يُجَرُّ عَلَى الْأَرْضِ الْمُتَنَجِّسَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْغُبَارُ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ إطَالَتُهُ لِلسَّتْرِ لَا لِلْخُيَلَاءِ وَيُعْفَى عَمَّا تَعَلَّقَ بِرِجْلٍ مَبْلُولَةٍ مَرَّ بِهَا صَاحِبُهَا بِنَجَاسَةٍ يَابِسَةٍ فَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ وَذِي الرِّجْلِ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْغَسْلُ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ: " يَطْهُرَانِ بِمَا بَعْدَهُ ". (وَخُفٍّ وَنَعْلٍ مِنْ رَوْثِ دَوَابِّ وَبَوْلِهَا إنْ دُلِكَا وَأُلْحِقَتْ بِهِمَا رِجْلُ الْفَقِيرِ) : يُعْفَى عَمَّا أَصَابَ الْخُفَّ وَالنَّعْلَ مِنْ أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالِهَا فِي الطُّرُقِ وَالْأَمَاكِنِ الَّتِي تَطْرُقُهَا الدَّوَابُّ كَثِيرًا لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ مِنْ ذَلِكَ. بِخِلَافِ غَيْرِ الدَّوَابِّ كَالْآدَمِيِّ وَالْكَلْبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَيَلَانُهُ أَوْ لَمْ يَنْضَبِطْ، أَوْ يَأْتِي كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ مَرَّةً. فَإِنْ انْضَبَطَ وَفَارَقَ يَوْمًا وَأَتَى آخَرُ فَلَا عَفْوَ عَمَّا زَادَ عَلَى الدِّرْهَمِ، وَلَوْ مَصَلَ بِنَفْسِهِ. كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا إنْ كَثُرَتْ] : أَيْ بِأَنْ زَادَتْ عَلَى الْوَاحِدَةِ. قَوْلُهُ: [وَذَيْلِ الْمَرْأَةِ] : أَيْ غَيْرِ مُبْتَلٍّ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْأَصْلِ، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ. وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ حَيْثُ خَصَّهُ بِالْحُرَّةِ لِكَوْنِ السَّاقِ فِي حَقِّهَا عَوْرَةً وَغَيْرُهُ رَاعَى جَوَازَ السَّتْرِ فَعَمَّمَ. قَوْلُهُ: [أُطِيلَ لِسَتْرٍ] : مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهَا لَا تُطِيلُهُ لِلسَّتْرِ إلَّا إذَا كَانَتْ غَيْرَ لَابِسَةٍ الْخُفَّ. فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ لَابِسَةً الْخُفَّ فَلَا عَفْوَ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ زِيِّهَا أَمْ لَا كَمَا نَقَلَهُ (ح) عَنْ الْبَاجِيِّ (اهـ مَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) قَوْلُهُ: [يَابِسٍ] : اسْمُ فَاعِلٍ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ خَلِيلٍ: يَبَسَ بِفَتْحِ الْبَاءِ فَإِنَّهُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ وَبِكَسْرِهَا عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ [قَوْلُهُ يُعْفَى إلَخْ] إنْ قُلْت إذَا كَانَ الذَّيْلُ يَابِسًا وَالنَّجِسُ كَذَلِكَ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالذَّيْلِ شَيْءٌ فَلَا مَحَلَّ لِلْعَفْوِ قُلْت قَدْ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغُبَارُ وَهُوَ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [الَّتِي تَطْرُقُهَا الدَّوَابُّ كَثِيرًا] : هَذَا الْقَيْدُ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ سَحْنُونَ.

[كيف تزال النجاسة]

وَالْهِرِّ وَنَحْوِهَا، فَلَا يُعْفَى عَمَّا أَصَابَ مِنْ فَضَلَاتِهَا. وَبِخِلَافِ مَا أَصَابَ غَيْرَ الْخُفِّ وَالنَّعْلِ كَالثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فَلَا عَفْوَ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ: " لَا غَيْرَهُ ". وَأَلْحَقَ اللَّخْمِيُّ رِجْلَ الْمُكَلَّفِ الْفَقِيرِ الَّذِي لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى تَحْصِيلِ خُفٍّ أَوْ نَعْلٍ فِي الْعَفْوِ بِالْخُفِّ وَالنَّعْلِ. وَأَمَّا غَيْرُ الْفَقِيرِ فَلَا يُعْفَى عَمَّا أَصَابَ رِجْلَهُ مِنْهُمَا لِعَدَمِ عُذْرِهِ. وَبَعْضُهُمْ أَلْحَقَهَا بِهِمَا أَيْضًا. وَشَرْطُ الْعَفْوِ إنْ دُلِكَ كُلٌّ مِنْ الْخُفِّ أَوْ النَّعْلِ أَوْ الرِّجْلِ بِخِرْقَةٍ أَوْ تُرَابٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ دَلْكًا لَا يَبْقَى مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْعَيْنِ. (وَمَا تَفَاحَشَ نُدِبَ غَسْلُهُ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ) : أَيْ أَنَّ مَا تَفَاحَشَ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الْمَعْفُوَّاتِ بِأَنْ خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ حَتَّى صَارَ يُسْتَقْبَحُ النَّظَرُ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُنْدَبُ غَسْلُهُ. كَمَا أَنَّهُ يُنْدَبُ غَسْلُ دَمِ الْبَرَاغِيثِ إذَا تَفَاحَشَ لَا إنْ لَمْ يَتَفَاحَشْ. (وَمَا سَقَطَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَارٍّ حُمِلَ عَلَى الطَّهَارَةِ، وَإِنْ سَأَلَ صَدَّقَ الْعَدْلَ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَلَى هَذَا فَلَا يُعْفَى عَمَّا أَصَابَ الْخُفَّ وَالنَّعْلَ مِنْ أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالِهَا بِمَوْضِعٍ لَا يَطْرُقُهُ الدَّوَابُّ كَثِيرًا وَلَوْ دَلْكًا. قَوْلُهُ: [وَأَلْحَقَ اللَّخْمِيُّ] إلَخْ: وَمِثْلُهُ غَنِيٌّ لَمْ يَجِدْ مَا ذُكِرَ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اللُّبْسِ لِمَرَضٍ. قَوْلُهُ: [لَا يَبْقَى مَعَهُ شَيْءٌ] إلَخْ: وَلَا يُعْتَبَرُ بَقَاءُ الرِّيحِ وَاللَّوْنِ. قَوْلُهُ: [مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ] إلَخْ: يُحْتَرَزُ عَمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ كَالسَّيْفِ الصَّقِيلِ وَالْمِرْآةِ فَلَا يُنْدَبُ غَسْلُهُ لِلْإِفْسَادِ. قَوْلُهُ: [مِنْ الْمَعْفُوَّاتِ] : فِي الْحَاشِيَةِ أَنَّ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ مِنْ الدَّمِ وَمَا مَعَهُ يُنْدَبُ غَسْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَفَاحَشْ وَعَلَيْهِ فَلَا وَجْهَ لِلتَّقْيِيدِ بِالتَّفَاحُشِ. قَوْلُهُ: [دَمِ الْبَرَاغِيثِ] إلَخْ: فَسَّرَهُ فِي الْأَصْلِ - تَبَعًا لِلْخَرَشِيِّ وَغَيْرِهِ - بِالْخَرْءِ، قَائِلًا: وَأَمَّا دَمُهَا الْحَقِيقِيُّ فَدَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَدُونَ دِرْهَمٍ. قَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ: وَقَدْ يُقَالُ هُوَ كَدُمَّلٍ زَادَ عَلَى وَاحِدَةٍ أَيْ فَيُعْفَى عَنْهُ وَلَوْ زَادَ عَلَى دِرْهَمٍ، غَايَةُ مَا هُنَاكَ يُنْدَبُ غَسْلُهُ عِنْدَ التَّفَاحُشِ فَتَعْمِيمُ شَارِحِنَا صَوَابٌ. [كيف تزال النَّجَاسَة] قَوْلُهُ: [مَا سَقَطَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ] إلَخْ: حَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّ الشَّخْصَ السَّاقِطَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، إمَّا أَنْ يَكُونَ مَارًّا أَوْ جَالِسًا تَحْتَ سَقَائِفِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ كُفَّارٍ أَوْ مَشْكُوكٍ فِيهِمْ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ طَهَارَةَ الْوَاقِعِ، أَوْ يَظُنَّهَا، أَوْ يَتَحَقَّقَ النَّجَاسَةَ، أَوْ يَظُنَّهَا أَوْ يَشُكَّ.

الْوَاوُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ، وَمَا مُبْتَدَأٌ، وَحُمِلَ خَبَرُهُ؛ يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يَسْقُطُ عَلَى شَخْصٍ مَارٍّ أَوْ جَالِسٍ فِي طَرِيقٍ مِنْ سَقْفٍ وَنَحْوِهِ وَلَمْ تَقُمْ أَمَارَةٌ عَلَى طَهَارَتِهِ وَلَا نَجَاسَتِهِ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الطَّهَارَةِ فَلَا يُطْلَبُ غَسْلُهُ إنْ كَانَ الْمَاءُ السَّاقِطُ مِنْ قَوْمٍ مُسْلِمِينَ، لِأَنَّ شَأْنَهُمْ الطَّهَارَةُ. وَإِنْ شَكَّ فِي إسْلَامِهِمْ أَوْ كُفْرِهِمْ حُمِلُوا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ طَهَارَتِهِ أَوْ نَجَاسَتِهِ لَكِنَّهُ إنْ سَأَلَ صَدَّقَ الْمُجِيبَ إنْ كَانَ عَدْلَ رِوَايَةٍ بِأَنْ كَانَ مُسْلِمًا صَالِحًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى حُرًّا أَوْ عَبْدًا. فَإِنْ أَخْبَرَ بِالنَّجَاسَةِ وَجَبَ الْغَسْلُ، أَيْ إنْ بَيَّنَ وَجْهَهَا أَوْ اتَّفَقَا مَذْهَبًا، وَإِلَّا نُدِبَ. وَلَا عِبْرَةَ بِإِخْبَارِ الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ، وَيَنْبَغِي نَدْبُ الْغَسْلِ إنْ أَخْبَرَ بِالنَّجَاسَةِ. وَأَمَّا مَا سَقَطَ مِنْ بُيُوتِ الْكُفَّارِ فَمَحْمُولٌ عِنْدَ الشَّكِّ عَلَى النَّجَاسَةِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ، إلَّا أَنْ يُخْبِرَ عَدْلٌ حَاضِرٌ مَعَهُمْ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ. وَعِبَارَتُنَا أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّيْخِ مِنْ وُجُوهٍ كَمَا يُعْلَمُ بِالتَّأَمُّلِ. (وَإِنَّمَا يَجِبُ الْغَسْلُ إنْ ظَنَّ إصَابَتَهَا فَإِنْ عَلِمَ مَحَلَّهَا؛ وَإِلَّا فَجَمِيعُ الْمَشْكُوكِ) : لَا يَجِبُ غَسْلُ الْمَحَلِّ الْمُصَابِ بِالنَّجَاسَةِ مِنْ بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ مَكَان أَوْ إنَاءٍ إلَّا إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَهَذِهِ خَمْسَةَ عَشْرَ؛ فَإِنْ تَحَقَّقَتْ طَهَارَةُ الْوَاقِعِ أَوْ ظُنَّتْ أَوْ تُحُقِّقَتْ نَجَاسَتُهَا أَوْ ظُنَّتْ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَ صُورَةً. وَأَمَّا إذَا شَكَّ، فَإِنْ كَانَ مَارًّا أَوْ جَالِسًا تَحْتَ سَقَائِفِ مُسْلِمِينَ أَوْ مَشْكُوكٍ فِيهِمْ حُمِلَ عَلَى الطَّهَارَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ سُؤَالٌ. فَإِنْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ رِوَايَةً بِالنَّجَاسَةِ عَمِلَ عَلَيْهَا إنْ بَيَّنَ وَجْهَهَا أَوْ اتَّفَقَا مَذْهَبًا، فَهَاتَانِ صُورَتَانِ. وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا فَإِنَّهُ يَكُونُ نَجِسًا مَا لَمْ يُخْبِرْهُ عَدْلٌ رِوَايَةً بِالطَّهَارَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ مَعَهُ فِي الْمَذْهَبِ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهَا. قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ عَلَيْهِ] : أَيْ وُجُوبًا فَلَا يُنَافِي النَّدْبَ. قَوْلُهُ: [لَكِنَّهُ إنْ سَأَلَ] : أَيْ كَمَا هُوَ الْمَنْدُوبُ. قَوْلُهُ: [إنْ أُخْبِرَ بِالنَّجَاسَةِ] : أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يُخْبِرَ عَدْلٌ] : أَيْ فَيُصَدَّقُ وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ مَعَهُ فِي الْمَذْهَبِ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهَا كَمَا تَقَدَّمَ. بِخِلَافِ الْإِخْبَارِ فِيمَا يُحْمَلُ عَلَى الطَّهَارَةِ فَلَا بُدَّ مَعَ الْعَدَالَةِ مِنْ اتِّفَاقِ الْمَذْهَبِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [كَمَا يُعْلَمُ بِالتَّأَمُّلِ] : أَيْ فَإِنَّ مَنْ تَأَمَّلَ وَجَدَ فِيهَا إجْمَالًا مِنْ وُجُوهٍ وَإِيهَامِ خِلَافِ الْمُرَادِ.

ظَنَّ إصَابَةَ النَّجَاسَةِ لَهُ. وَأَوْلَى إنْ عَلِمَ. فَإِنْ عَلِمَ الْمَحَلَّ الْمُصَابَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ بِعَيْنِهِ بِأَنْ حَصَلَ شَكٌّ؛ هَلْ أَصَابَتْ النَّجَاسَةُ الْمُحَقَّقَةُ أَوْ الْمَظْنُونَةُ هَذِهِ النَّاحِيَةَ أَوْ هَذِهِ أَوْ هَذَا الْكُمَّ أَوْ الْكُمَّ الْآخَرَ، أَوْ فَرْدَةَ الْخُفِّ هَذِهِ أَوْ الْأُخْرَى، تَعَيَّنَ غَسْلُ جَمِيعِ مَا شَكَّ فِيهِ، وَلَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَا ثَوْبَيْنِ كَفَى غَسْلُ أَحَدِهِمَا لِلصَّلَاةِ فِيهِ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَوَجَدَ مَا يُزِيلُهَا بِهِ، وَإِلَّا صَلَّى بِإِحْدَاهُمَا وَاجْتَهَدَ. (وَيَطْهُرُ إنْ انْفَصَلَ الْمَاءُ طَاهِرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ الْمَظْنُونَةُ] : أَيْ فَالْمَشْكُوكَةُ وَالْمُتَوَهَّمَةُ لَا تُعَدُّ. قَوْلُهُ: [مَا شَكَّ فِيهِ] : أَيْ تَرَدَّدَ فِي مَحَلَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مَعَ تَحَقُّقِ الْإِصَابَةِ أَوْ ظَنِّهَا. قَوْلُهُ: [عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ] : أَيْ حَيْثُ كَانَا مُتَّصِلَيْنِ أَوْ فِي حُكْمِهِمَا كَالْخُفَّيْنِ، فَيَجِبُ غَسْلُهُمَا مَعًا وَلَا يَتَحَرَّى وَاحِدًا بِالْغَسْلِ فَقَطْ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إنَّهُ يَتَحَرَّى فِي الْكُمَّيْنِ وَاحِدًا يَغْسِلُهُ كَالثَّوْبَيْنِ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا اتَّسَعَ الْوَقْتُ لِغَسْلِ الْكُمَّيْنِ وَوَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَغْسِلُهُمَا مَعًا، فَإِنْ لَمْ يَسَعْ الْوَقْتُ إلَّا غَسْلَ وَاحِدٍ أَوْ لَمْ يَجِدْ مِنْ الْمَاءِ إلَّا مَا يَغْسِلُ وَاحِدًا تَحَرَّى وَاحِدًا يَغْسِلُهُ فَقَطْ اتِّفَاقًا، ثُمَّ يَغْسِلُ الثَّانِيَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي الْفَرْعِ الْأَوَّلِ، وَبَعْدَ وُجُودِهِ فِي الْفَرْعِ الثَّانِي. فَإِنْ لَمْ يَسَعْ الْوَقْتُ غَسْلَ وَاحِدٍ، صَلَّى بِدُونِ غَسْلٍ لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الْوَقْتِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى طَهَارَةِ الْخَبَثِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ كَانَا ثَوْبَيْنِ] : الْمُرَادُ شَيْئَيْنِ مُنْفَصِلَيْنِ، بِحَيْثُ يُصَلَّى بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ. قَوْلُهُ: [إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ] إلَخْ: أَيْ وَالثَّوْبُ الْبَاقِي لَمْ يُغْسَلْ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ. قَوْلُهُ: [وَاجْتَهَدَ] : أَيْ تَحَرَّى طَهَارَةَ ثَوْبٍ وَصَلَّى بِهِ إنْ وَجَدَ سَعَةً مِنْ الْوَقْتِ لِتَحَرِّيهِ، وَإِلَّا صَلَّى بِأَيِّهِمَا. وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلشَّيْخِ خَلِيلٍ هُوَ الْمُعَوَّلُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إذَا أَصَابَ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ أَوْ الْأَثْوَابِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُعْلَمْ عَيْنُهَا صَلَّى بِعَدَدِ النَّجِسِ، وَزِيَادَةِ ثَوْبٍ كَالْأَوَانِي. وَفَرَّقَ لِلْمُعْتَمَدِ بَيْنَ الْأَوَانِي وَالْأَثْوَابِ بِخِفَّةِ الْأَخْبَاثِ عَنْ الْأَحْدَاثِ. قَوْلُهُ: [إنْ انْفَصَلَ الْمَاءُ طَاهِرًا] : أَيْ وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرُهُ بِالْأَوْسَاخِ، وَذَلِكَ كَثَوْبِ الْبَقَّالِ

وَزَالَ طَعْمُهَا، بِخِلَافِ لَوْنٍ وَرِيحٍ عَسُرَا كَمَصْبُوغٍ بِهَا، وَلَا يَلْزَمُ عَصْرُهُ) ؛ يَعْنِي أَنَّ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ يَطْهُرُ إنْ انْفَصَلَ الْمَاءُ عَنْهُ طَاهِرًا وَلَوْ لَمْ يَنْفَصِلْ طَهُورًا خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِهِ. بَلْ الْمَدَارُ عَلَى زَوَالِ طَعْمِ النَّجَاسَةِ وَلَوْنِهَا وَرِيحِهَا فَمَتَى بَقِيَ فِي الْمَاءِ الْمُنْفَصِلِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَالْمَحَلُّ لَمْ يَطْهُرْ وَالْغُسَالَةُ نَجِسَةٌ، لَكِنَّ الطَّعْمَ لَا بُدَّ فِي طَهَارَةِ الْمَحَلِّ مِنْ زَوَالِهِ، وَلَوْ تَعَسَّرَ. وَأَمَّا اللَّوْنُ وَالرِّيحُ فَإِنْ تَيَسَّرَ زَوَالُهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ زَوَالِهِمَا وَإِنْ تَعَسَّرَ، كَثَوْبٍ مَصْبُوغٍ بِزَعْفَرَانٍ مُتَنَجِّسٍ أَوْ نِيلَةٍ كَذَلِكَ، كَمَا لَوْ وَقَعَ فِي الدَّنِّ فَأْرٌ فَمَاتَ فِيهِ - كَمَا يَتَّفِقُ كَثِيرًا - أَوْ أَصَابَ الثَّوْبَ مَنِيٌّ انْطَبَعَ فِيهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَلَا يُشْتَرَطُ زَوَالُهُمَا لِعُسْرِهِ عَادَةً، إذْ لَا يَرْجِعُ عَادَةً لِحَالَتِهِ الْأُولَى. وَلَا يُقَالُ الرِّيحُ يَسْهُلُ زَوَالُهُ، لِأَنَّا نَقُولُ بَعْضُ الرَّوَائِحِ كَالْمِسْكِ وَالزَّبَادِ الْمُتَنَجِّسَيْنِ لَا يَسْهُلُ زَوَالُ رِيحِهِمَا. فَقَوْلُهُ: (كَمَصْبُوغٍ بِهَا) أَيْ بِالنَّجَاسَةِ مِثَالٌ لِلْمُتَعَسِّرِ، فَإِذَا طَهُرَ بِانْفِصَالِ الْمَاءِ طَاهِرًا لَمْ يَلْزَمْهُ عَصْرُهُ. (وَتَطْهُرُ الْأَرْضُ بِكَثْرَةِ إفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَيْهَا) : الْأَرْضُ الْمُتَنَجِّسَةُ إذَا انْصَبَّ الْمَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاللَّحَّامِ إذَا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ. فَلَا يُشْتَرَطُ فِي تَطْهِيرِهِ إزَالَةُ مَا فِيهِ مِنْ الْأَوْسَاخِ، بَلْ مَتَى انْفَصَلَ الْمَاءُ خَالِيًا عَنْ أَعْرَاضِ النَّجَاسَةِ كَفَى، كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [وَزَالَ طَعْمُهَا] : وَيُتَصَوَّرُ الْوُصُولُ إلَى مَعْرِفَةِ ذَوْقِ النَّجَاسَةِ - وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ ذَوْقُهَا - بِأَنْ تَكُونَ فِي الْفَمِ، أَوْ تَحَقَّقَ أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ زَوَالُهَا، فَجَازَ لَهُ ذَوْقُ الْمَحَلِّ، اخْتِبَارًا أَوْ ارْتَكَبَ النَّهْيَ وَذَاقَهَا. وَحُرْمَةُ ذَوَاقِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّلَطُّخَ بِهَا حَرَامٌ وَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ كَمَا تَقَدَّمَ (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ لَوْنٍ وَرِيحٍ] إلَخْ: أَيْ وَلَا يَجِبُ أُشْنَانٌ وَنَحْوُهُ لِإِزَالَتِهِمَا، بِخِلَافِ الطَّعْمِ فَلَا بُدَّ مِنْ زَوَالِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. قَوْلُهُ: [شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ] : أَيْ مِنْ أَعْرَاضِ النَّجَاسَةِ لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رِيحًا. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا اللَّوْنُ وَالرِّيحُ] إلَخْ: إنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ اللَّوْنِ وَالرِّيحِ وَبَيْنَ الطَّعْمِ؟ قُلْت: الْفَرْقُ أَنَّ طَعْمَ جُرْمِ النَّجَاسَةِ بَاقٍ مَعَهُ بِخِلَافِ اللَّوْنِ وَالرِّيحِ فَهُمَا مِنْ الْأَعْرَاضِ. قَوْلُهُ: [لَمْ يَلْزَمْهُ عَصْرُهُ] : أَيْ حَيْثُ زَالَ الطَّعْمُ وَكَذَا لَا يَلْزَمُهُ تَثْلِيثُ الْغَسْلِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ، وَلَا تَسْبِيعُهُ خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ (انْتَهَى شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ) .

[تنبيه وجوب الغسل عند الشك في إصابة النجاسة للبدن]

عَلَيْهَا مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى زَالَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَأَعْرَاضُهَا طَهُرَتْ؛ «كَمَا وَقَعَ لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي بَالَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَاحَ بِهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَرْكِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِأَنْ يَصُبُّوا عَلَيْهَا ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ» . وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. (وَإِنْ شُكَّ فِي إصَابَتِهَا لِبَدَنٍ غُسِلَ، وَلِثَوْبٍ أَوْ حَصِيرٍ وَجَبَ نَضْحُهُ بِلَا نِيَّةٍ كَالْغَسْلِ: وَهُوَ رَشٌّ بِالْيَدِ أَوْ غَيْرِهَا، فَإِنْ تَرَكَ أَعَادَ الصَّلَاةَ كَالْغَسْلِ، لَا إنْ شَكَّ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (ذَنُوبًا) : بِفَتْحِ الذَّالِ: الدَّلْوُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَأْمُرُ بِالتَّثْلِيثِ أَوْ التَّسْبِيعِ. [تَنْبِيه وُجُوب الْغُسْل عِنْد الشَّكّ فِي إصَابَة النَّجَاسَة للبدن] قَوْلُهُ: [وَإِنْ شَكَّ فِي إصَابَتِهَا] : أَيْ مَعَ تَحَقُّقِ النَّجَاسَةِ أَوْ ظَنِّهَا بِدَلِيلِ آخِرِ الْعِبَارَةِ قَوْلُهُ: [وَلِثَوْبٍ أَوْ حَصِيرٍ] : وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَدَنِ وَغَيْرِهِ، أَنَّ الْبَدَنَ لَا يَفْسُدُ بِالْغَسْلِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَقَدْ يَفْسُدُ بِالْغَسْلِ، فَخُفِّفَ فِيهِ عِنْدَ الشَّكِّ فِي الْإِصَابَةِ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِلْأَرْضِ الَّتِي شُكَّ فِي إصَابَتِهَا، هَلْ تُغْسَلُ أَوْ تُنْضَحُ؟ وَلَكِنْ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ: أَنَّهَا تُغْسَلُ اتِّفَاقًا وَقِيلَ: تُنْضَحُ كَمَا فِي الْحَطَّابِ وَغَيْرِهِ (اهـ مِنْ شَيْخِنَا فِي مَجْمُوعِهِ) . وَلَكِنْ لَا وَجْهَ لِنَضْحِهَا بِدَلِيلِ الْفَرْقِ الْمُتَقَدِّمِ بَيْنَ الْبَدَنِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [بِلَا نِيَّةٍ] : قَيْدٌ فِي النَّضْحِ لِأَنَّهُ الْمُتَوَهَّمُ لِكَوْنِهِ تَعَبُّدِيًّا. وَأَمَّا تَوَهُّمُ كَوْنِ الْغَسْلِ بِنِيَّةٍ فَبَعِيدٌ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ تَرَكَ أَعَادَ الصَّلَاةَ] إلَخْ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ إعَادَةِ مَنْ تَرَكَ النَّضْحَ الصَّلَاةَ كَمَنْ تَرَكَ غَسْلَ النَّجَاسَةِ الْمُحَقَّقَةِ، قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ وَعِيسَى مِنْ أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ فَقَطْ لِخِفَّةِ أَمْرِ النَّضْحِ، وَيُمْكِنُ تَمْشِيَتُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِجَعْلِ التَّشْبِيهِ فِي مُطْلَقِ الْإِعَادَةِ لَيْسَ بِتَامٍّ. بَلْ قَالَ الْقَرِينَانِ؛ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ أَصْلًا. وَلِخِفَّةِ النَّضْحِ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِإِعَادَةِ النَّاسِي أَبَدًا كَمَا قِيلَ بِهِ فِي تَرْكِ غَسْلِ النَّجَاسَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ عِنْدَنَا قَوْلًا لِأَبِي الْفَرَجِ يَقُولُ بِوُجُوبِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ مُطْلَقًا وَلَوْ مَعَ النِّسْيَانِ كَمَا تَقَدَّمَ لَك أَوَّلَ

نَجَاسَةِ الْمُصِيبِ) : هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ سَابِقًا وَإِنَّمَا يَجِبُ الْغَسْلُ إنْ ظَنَّ إصَابَتَهَا. وَأَشَارَ إلَى أَنَّ فِي هَذَا الْمَفْهُومِ تَفْصِيلًا؛ حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ حَصَلَ شَكٌّ فِي إصَابَةِ النَّجَاسَةِ لِمَحَلٍّ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بَدَنًا أَوْ غَيْرَهُ. فَإِنْ كَانَ بَدَنًا وَجَبَ غَسْلُهُ كَمُحَقَّقِ الْإِصَابَةِ. وَإِنْ شَكَّ فِي إصَابَتِهَا لِثَوْبٍ أَوْ حَصِيرٍ وَجَبَ نَضْحُهُ لَا غَسْلُهُ، فَإِنْ غَسَلَهُ فَقَدْ فَعَلَ الْأَحْوَطَ. وَالنَّضْحُ: رَشٌّ عَلَى الْمَحَلِّ الْمَشْكُوكِ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا، كَفَمٍ أَوْ تَلَقِّي مَطَرٍ رَشَّةً وَاحِدَةً وَلَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ تَعْمِيمُهَا الْمَحَلَّ. وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ كَمَا أَنَّ غَسْلَ النَّجَاسَةِ لَا يَفْتَقِرُ، لَهَا. بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ صُغْرَى أَوْ كُبْرَى فَإِنَّهَا تَفْتَقِرُ لَهَا كَمَا يَأْتِي وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: [أَوْ غَيْرِهَا] إلَى أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: " بِالْيَدِ ". وَأَمَّا لَوْ أَصَابَهُ شَيْءٌ تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا، ثُمَّ شَكَّ هَلْ مَا أَصَابَهُ نَجِسٌ أَوْ طَاهِرٌ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَضْحُهُ وَلَا غَسْلُهُ لِحَمْلِهِ عَلَى الطَّهَارَةِ، كَمَا عُلِمَ مِنْ السَّاقِطِ عَلَى مَارٍّ مِنْ أَمْكِنَةِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا مَرَّ. وَأَوْلَى إنْ شَكَّ فِي الْإِصَابَةِ وَفِي نَجَاسَةِ الْمُصِيبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَصْلِ. وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ النَّضْحِ مُطْلَقًا، بَلْ قِيلَ إنَّهُ وَاجِبٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ. وَقِيلَ إنَّهُ سُنَّةٌ مُطْلَقًا وَقِيلَ بِاسْتِحْبَابِهِ وَصَرَّحَ بِهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمَعُونَةِ، وَاسْتَحْسَنَهُ. قَوْلُهُ: [كَفَمٍ] : وَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ] : أَيْ خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ بِالِافْتِقَارِ لِكَوْنِهِ تَعَبُّدِيًّا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ التَّعَبُّدِيِّ يَفْتَقِرُ لِنِيَّةٍ إنْ كَانَ فِي النَّفْسِ، وَأَمَّا فِي الْغَيْرِ كَالْحَصِيرِ وَالثَّوْبِ هُنَا وَكَغُسْلِ الْمَيِّتِ، فَلَا يَفْتَقِرُ لَهَا. قَوْلُهُ: [كَمَا مَرَّ] : أَيْ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الطَّهَارَةِ عِنْدَ الشَّكِّ. قَوْلُهُ: [وَأَوْلَى إنْ شَكَّ] : أَيْ فِي عَدَمِ لُزُومِ النَّضْحِ وَالْغَسْلِ لِضَعْفِ الشَّكِّ فَلِذَلِكَ تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ. تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ أَنَّهُ يَجِبُ الْغَسْلُ عَلَى الرَّاجِحِ لَا النَّضْحُ إذَا شَكَّ فِي بَقَاءِ النَّجَاسَةِ وَزَوَالِهَا، نَعَمْ مُلَاقِي مَا شَكَّ فِي بَقَائِهَا بِهِ قَبْلَ غَسْلِهِ يُنْضَحُ مِنْ الرُّطُوبَةِ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ الْحَطَّابُ (اهـ) . وَمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ تَحَقَّقَ نَجَاسَةَ الْمُصِيبِ

(وَلَوْ زَالَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ مُطْلَقٍ لَمْ يَنْجُسْ مُلَاقِي مَحَلِّهَا) : إذَا زَالَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ مَاءٍ مُطْلَقٍ بِأَنْ زَالَتْ بِمَاءٍ مُضَافٍ أَوْ مَاءِ وَرْدٍ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ لَاقَى مَحَلُّ النَّجَاسَةِ وَهُوَ مَبْلُولٌ مَحَلًّا طَاهِرًا مِنْ ثَوْبٍ أَوْ بَدَنٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، أَوْ جَفَّ مَحَلُّ النَّجَاسَةِ وَلَاقَى مَحَلًّا مَبْلُولًا، لَمْ يَنْجُسْ مُلَاقِي مَحَلِّ النَّجَاسَةِ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إلَّا الْحُكْمُ وَالْحُكْمُ لَا يَنْتَقِلُ؛ وَلِلْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُضَافَ كَالْمُطْلَقِ لَا يَتَنَجَّسُ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا. (وَنُدِبَ إرَاقَةُ مَاءٍ وَغَسْلُ إنَائِهِ سَبْعًا بِلَا نِيَّةٍ وَلَا تَتْرِيبٍ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ بِوُلُوغِ كَلْبٍ أَوْ أَكْثَرَ لَا طَعَامٍ وَحَوْضٍ) : إذَا وَلَغَ كَلْبٌ أَوْ أَكْثَرُ فِي إنَاءِ مَاءٍ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ نُدِبَ إرَاقَةُ ذَلِكَ الْمَاءِ، وَنُدِبَ غَسْلُ الْإِنَاءِ سَبْعَ مَرَّاتٍ تَعَبُّدًا، إذْ الْكَلْبُ طَاهِرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِثَوْبٍ مَثَلًا وَشَكَّ هَلْ أَزَالَهَا أَمْ لَا، ثُمَّ لَاقَاهَا ثَوْبٌ آخَرُ وَهِيَ مُبْتَلَّةٌ، فَالثَّوْبُ الْأَوَّلُ الْمَشْكُوكُ فِي بَقَاءِ النَّجَاسَةِ بِهِ يَجِبُ غَسْلُهُ عَلَى الرَّاجِحِ، وَأَمَّا الثَّانِي الْمَشْكُوكُ فِي إصَابَةِ النَّجَاسَةِ فَيَجِبُ نَضْحُهُ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ (ح) . وَاسْتَظْهَرَ (ب ن) أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الثَّوْبِ الثَّانِي لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي نَجَاسَةِ مَا أَصَابَهُ. قَوْلُهُ: [لَمْ يَنْجُسْ] إلَخْ: أَيْ وَلَوْ كَانَا رَطْبَيْنِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إلَّا الْحُكْمُ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ، وَالْأُمُورُ الِاعْتِبَارِيَّةُ لَا وُجُودَ لَهَا. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا] : أَيْ فَهُوَ مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ، قَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ: وَلَيْسَ مِنْ الزَّوَالِ جَفَافُ الْبَوْلِ بِكَثَوْبٍ. نَعَمْ لَا يَضُرُّ الطَّعَامُ الْيَابِسُ كَمَا فِي (عب) خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ (شب) وَتَبِعَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: [إرَاقَةُ مَاءٍ] : أَيْ إذَا كَانَ يَسِيرًا. قَوْلُهُ: [تَعَبُّدًا] : مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ فَهُوَ عِلَّةٌ لِنَدْبِ الْإِرَاقَةِ وَالْغَسْلِ، وَهُوَ مِنْ تَعْلِيلِ الْعَامِّ بِالْخَاصِّ، لِأَنَّ التَّعَبُّدَ طَلَبُ الشَّارِعِ أَمْرًا غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى، وَالطَّلَبُ أَعَمُّ. وَكَوْنُ الْغَسْلِ تَعَبُّدًا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَإِنَّمَا حُكِمَ بِكَوْنِهِ تَعَبُّدًا لِطَهَارَةِ الْكَلْبِ،

وَلُعَابُهُ طَاهِرٌ، وَلَا يَفْتَقِرُ غَسْلُهُ لِنِيَّةٍ لِأَنَّهُ تَعَبُّدٌ فِي الْغَيْرِ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ. وَلَا يُنْدَبُ التَّتْرِيبُ بِأَنْ يُجْعَلَ فِي أَوَّلَاهُنَّ أَوْ الْأَخِيرَةِ أَوْ غَيْرِهِمَا تُرَابٌ، لِأَنَّ طُرُقَ التَّتْرِيبِ مُضْطَرِبَةٌ ضَعِيفَةٌ لَمْ يُعَوِّلْ عَلَيْهَا الْإِمَامُ مَعَ كَوْنِ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى خِلَافِهِ. وَمَحَلُّ نَدْبِ غَسْلِهِ سَبْعًا عِنْدَ إرَادَةِ اسْتِعْمَالِهِ لَا قَبْلَهَا وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: [بِوُلُوغِ] سَبَبِيَّةٌ، وَالْوُلُوغُ: إدْخَالُ لِسَانِهِ فِي الْمَاءِ وَتَحْرِيكُهُ أَيْ لَعْقُهُ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ إدْخَالِ لِسَانِهِ بِلَا حَرَكَةٍ أَوْ سُقُوطِ لُعَابِهِ أَوْ لَحْسِهِ الْإِنَاءَ فَارِغًا، فَلَا يُسَبَّعُ كَمَا لَوْ وَلَغَ فِي حَوْضٍ أَوْ طَعَامٍ وَلَوْ لَبَنًا فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا يُرَاقُ وَلَا يُغْسَلُ سَبْعًا، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: [كَلْبٌ أَوْ أَكْثَرُ] إلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ الْغَسْلُ سَبْعًا بِوُلُوغِ كَلْبٍ مَرَّاتٍ أَوْ كِلَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِذَلِكَ لَمْ يَطْلُبْ الْغَسْلَ فِي الْخِنْزِيرِ. وَقِيلَ: إنَّ نَدْبَ الْغَسْلِ مُعَلَّلٌ بِقَذَارَةِ الْكَلْبِ، وَقِيلَ لِنَجَاسَتِهِ، إلَّا أَنَّ الْمَاءَ لَمَّا لَمْ يَتَغَيَّرْ قُلْنَا بِعَدَمِ وُجُوبِ الْغَسْلِ، وَلَوْ تَغَيَّرَ لَوَجَبَ. وَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ يُلْحَقُ الْخِنْزِيرُ بِالْكَلْبِ فِي نَدْبِ غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِهِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ طُرُقَ التَّتْرِيبِ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ التَّتْرِيبَ لَمْ يَثْبُتْ فِي كُلِّ الرِّوَايَاتِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِي بَعْضِهَا وَذَلِكَ الْبَعْضُ وَقَعَ فِيهِ اضْطِرَابٌ. قَوْلُهُ: [لَا قَبْلَهَا] : هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِلْأَكْثَرِ وَلِرِوَايَةِ عَبْدِ الْحَقِّ وَقِيلَ يُؤْمَرُ بِفَوْرِ الْوُلُوغِ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ] إلَخْ: خِلَافًا لِلسَّادَةِ الشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.

[فصل في بيان آداب قضاء حاجة الإنسان]

فَصْلٌ: فِي بَيَانِ آدَابِ قَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ، وَحُكْمِ الِاسْتِبْرَاءِ وَالِاسْتِنْجَاءِ وَالِاسْتِجْمَارِ وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ طَهَارَةِ الْخَبَثِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا عَلَى طَهَارَةِ الْحَدَثِ. وَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخَّرَهَا عَنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، نَظَرًا إلَى أَنَّهَا قَدْ تَطْرَأُ عَلَى الْإِنْسَانِ بَعْدَ الْوُضُوءِ. (آدَابُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ: جُلُوسٌ بِطَاهِرٍ، وَسَتْرٌ لِقُرْبِهِ، وَاعْتِمَادٌ عَلَى رِجْلٍ يُسْرَى مَعَ رَفْعِ عَقِبِ الْيُمْنَى، وَتَفْرِيجُ فَخِذَيْهِ، وَتَغْطِيَةُ رَأْسِهِ، وَعَدَمُ الْتِفَاتِهِ) : الْمُرَادُ بِالْآدَابِ: الْأُمُورُ الْمَطْلُوبَةُ نَدْبًا لِمُرِيدِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي بَيَانِ آدَابِ قَضَاءِ حَاجَة الْإِنْسَان] فَصْلٌ: قَوْلُهُ: (آدَابٌ) : جَمْعُ أَدَبٍ وَهُوَ الْأَمْرُ الْمَطْلُوبُ شَرْعًا عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الطَّلَبُ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا؛ لِأَنَّ بَعْضَ مَا يَأْتِي وَاجِبٌ. قَوْلُهُ: [حَاجَةِ الْإِنْسَانِ] : الْمُرَادُ بِالْإِنْسَانِ الْمُكَلَّفُ وَلَوْ بِالْمَنْدُوبَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ، فَشَمِلَ الصَّبِيَّ وَالصَّبِيَّةَ الْمُمَيِّزَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَحُكْمِ الِاسْتِبْرَاءِ] : وَهُوَ وُجُوبُ اسْتِفْرَاغِ الْأَخْبَثَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَالِاسْتِنْجَاءِ] : مَعْطُوفٌ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ أَيْ وَحُكْمُ الِاسْتِنْجَاءِ وَهُوَ يَجْرِي عَلَى حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ. قَوْلُهُ: [وَالِاسْتِجْمَارِ] مَعْطُوفٌ أَيْضًا عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ وَحُكْمُهُ كَالِاسْتِنْجَاءِ. قَوْلُهُ: [وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ] إلَخْ: جَوَابٌ عَلَى سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَارِدٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ تَقْدِيرُهُ: لِمَ لَمْ تُوَافِقْ أَصْلَك؟ فَأَجَابَ بِمَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: [جُلُوسٌ] : هُوَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ خَبَرٌ عَنْ آدَابِ. قَوْلُهُ: [نَدْبًا] : أَيْ بِحَسَبِ غَالِبِهَا. فَلَا يُنَافِي أَنَّ بَعْضَهَا وَاجِبٌ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [لِمُرِيدِ] : إنَّمَا قَالَ الشَّارِحُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْآدَابَ لَا لِلْحَاجَةِ، فَإِنَّ مِنْهَا مَا يُفْعَلُ قَبْلَهَا وَمَعَهَا وَبَعْدَهَا. قَوْلُهُ: [قَاضِي حَاجَتِهِ] إلَخْ: هَكَذَا نُسْخَةُ الْأَصْلِ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ. وَلَوْ ذَكَرَهُ

فَيُنْدَبُ لَهُ الْجُلُوسُ وَيَتَأَكَّدُ فِي الْغَائِطِ. وَأَنْ يَكُونَ بِمَحَلٍّ طَاهِرٍ إذَا كَانَ بِالْفَضَاءِ خَوْفًا مِنْ تَلَوُّثِ ثِيَابِهِ بِالنَّجَاسَةِ. وَأَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ رَخْوًا كَالتُّرَابِ وَالرَّمْلِ، لَا صُلْبًا كَالْحَجَرِ لِئَلَّا يَتَطَايَرَ عَلَيْهِ الْبَوْلُ. وَأَنْ يُدِيمَ السَّتْرَ حَالَ انْحِطَاطِهِ لِلْجُلُوسِ لِقُرْبِ الْمَحَلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمَصْدَرِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ، وَقَدْ يُقَالُ أَطْلَقَ اسْمَ الْفَاعِلِ. وَأَرَادَ الْمَصْدَرَ. قَوْلُهُ: [فَيُنْدَبُ لَهُ الْجُلُوسُ] إلَخْ: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَسَّمَ بَعْضُهُمْ مَوْضِعَ الْبَوْلِ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ. فَقَالَ: إنْ كَانَ طَاهِرًا رَخْوًا جَازَ فِيهِ الْقِيَامُ، وَالْجُلُوسُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَسْتَرُ. وَإِنْ كَانَ رَخْوًا نَجِسًا: بَالَ قَائِمًا مَخَافَةَ أَنْ تَتَنَجَّسَ ثِيَابُهُ. وَإِنْ كَانَ صُلْبًا نَجِسًا: تَنَحَّى عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ، وَلَا يَبُولُ فِيهِ قَائِمًا وَلَا جَالِسًا. وَإِنْ كَانَ صُلْبًا طَاهِرًا: تَعَيَّنَ الْجُلُوسُ لِئَلَّا يَتَطَايَرَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَوْلِ. وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ الْوَانْشَرِيسِيُّ بِقَوْلِهِ: بِالطَّاهِرِ الصُّلْبِ اجْلِسْ ... وَقُمْ بِرَخْوٍ نَجِسِ وَالنَّجِسُ الصُّلْبُ اجْتَنِبْ ... وَاجْلِسْ وَقُمْ إنْ تَعْكِسْ وَقَوْلُ التَّوْضِيحِ: فِي الصُّلْبِ الطَّاهِرِ يَتَعَيَّنُ الْجُلُوسُ، ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْبَاجِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ عَرَفَةَ. وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا: أَنَّ الْقِيَامَ مَكْرُوهٌ فَقَطْ. وَلِذَلِكَ قَالَ الْأَصْلُ: وَمَعْنَى تَعَيَّنَ نُدِبَ نَدْبًا قَوِيًّا أَكِيدًا (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) ؛ فَفِي الْبَوْلِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ قَدْ عَلِمْتهَا. فَقَوْلُ الشَّارِحِ: [فَيُنْدَبُ لَهُ الْجُلُوسُ] : أَيْ فِي قِسْمَيْنِ مِنْهَا، وَهُمَا مَا إذَا كَانَ الْمَحَلُّ طَاهِرًا رَخْوًا أَوْ صُلْبًا. وَعَلِمْت أَنَّ النَّجِسَ الصُّلْبَ يَجْتَنِبُهُ مُطْلَقًا لِئَلَّا يَتَنَجَّسَ. لَكِنَّهُ بَحَثَ فِيهِ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ بِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ إذَا جَلَسَ مَعَ أَنَّهُ يَابِسٌ (اهـ) . وَإِيضَاحُ بَحْثِهِ حَيْثُ قُلْتُمْ بِطَلَبِهِ بِالْجُلُوسِ فِي الصُّلْبِ الطَّاهِرِ، فَالصُّلْبُ النَّجِسُ مِثْلُهُ بِجَامِعِ الْيُبْسِ وَعَدَمِ تَلَوُّثِ الثِّيَابِ فِي كُلٍّ. قَوْلُهُ: [وَيَتَأَكَّدُ فِي الْغَائِطِ] : قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَأَمَّا الْغَائِطُ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْقِيَامُ، أَيْ يُكْرَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً فِيمَا يَظْهَرُ. وَمِثْلُهُ بَوْلُ الْمَرْأَةِ وَالْخَصِيِّ. قَوْلُهُ: [إذَا كَانَ بِالْفَضَاءِ] : أَيْ وَأَمَّا الْأَمَاكِنُ الْمُعَدَّةُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي الْمُدُنِ مَثَلًا فَلَا يَتَأَتَّى فِيهَا اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ. قَوْلُهُ: [لِئَلَّا يَتَطَايَرَ] إلَخْ: هَذَا التَّعْلِيلُ يُنْتِجُ اجْتِنَابَ الصُّلْبِ قِيَامًا وَجُلُوسًا طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا.

[مندوبات قضاء الحاجة]

الَّذِي يَقْضِي بِهِ حَاجَتَهُ. فَلَا يَرْفَعُ ثِيَابَهُ وَهُوَ قَائِمٌ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْأَكْنِفَةِ. وَأَنْ يَعْتَمِدَ حَالَ جُلُوسِهِ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى لِأَنَّهُ أَعْوَنُ عَلَى خُرُوجِ الْخَارِجِ - وَلَوْ بَوْلًا - كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ. وَأَنْ يَرْفَعَ عَقِبَ رِجْلِهِ الْيُمْنَى لِمَا ذُكِرَ. وَأَنْ يُفَرِّجَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ لِذَلِكَ حَالَ جُلُوسِهِ. وَأَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ بِرِدَاءٍ وَنَحْوِهِ، قَالُوا: وَيَكْفِي وَلَوْ بِطَاقِيَّةٍ، فَالْمُرَادُ أَنْ لَا يَكُونَ رَأْسُهُ مَكْشُوفًا حَالَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ. وَأَنْ لَا يَلْتَفِتَ حَالَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لِئَلَّا يَرَى مَا يَخَافُ أَذِيَّتَهُ فَيَقُومَ قَبْلَ تَمَامِ حَاجَتِهِ فَيَتَنَجَّسَ مَعَ عَدَمِ تَمَامِ فَرْضِهِ. وَأَمَّا قَبْلَ جُلُوسِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْتَفِتَ حَتَّى يَبْعُدَ عَمَّا يَخَافُهُ وَيَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ. (وَتَسْمِيَةٌ قَبْلَ الدُّخُولِ بِزِيَادَةِ: " اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ "، وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي ") : أَيْ وَمِنْ الْآدَابِ التَّسْمِيَةُ قَبْلَ دُخُولِ الْخَلَاءِ أَوْ قَبْلَ مَحَلِّ الْجُلُوسِ فِي الْفَضَاءِ. فَإِنْ نَسِيَ سَمَّى قَبْلَ كَشْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَهَذَا فِي غَيْرِ الْأَكْنِفَةِ] : أَيْ وَمَا فِيهَا فَيَرْفَعُ ثِيَابَهُ وَهُوَ قَائِمٌ لِئَلَّا يَتَنَجَّسَ قَوْلُهُ: [عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى] إلَخْ: قَالَ فِي الْمَدْخَلِ يَرْفَعُ: عَقِبَ رِجْلِهِ، أَيْ الْيُمْنَى عَلَى صَدْرِهَا وَيَتَوَكَّأُ عَلَى رُكْبَةِ يُسْرَاهُ أَعْوَنُ. قَوْلُهُ: [وَأَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ] : قِيلَ: حَيَاءً مِنْ اللَّهِ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لِمَسَامِّ الشَّعْرِ مِنْ عُلُوقِ الرَّائِحَةِ بِهَا. قَوْلُهُ: [قَالُوا وَيَكْفِي] إلَخْ: أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي عِلَّةِ نَدْبِ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ، هَلْ هُوَ الْحَيَاءُ مِنْ اللَّهِ أَوْ خَوْفُ عُلُوقِ الرَّائِحَةِ بِمَسَامِّ الشَّعْرِ؟ قَالَ (بْن) : وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْصُوصُ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . [مَنْدُوبَات قَضَاء الْحَاجَة] قَوْلُهُ: [فَإِنْ نَسِيَ سَمَّى] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ لَا تَفُوتُ إلَّا بِخُرُوجِ الْخَارِجِ. فَإِنْ قُلْت إذَا فَاتَهُ الذِّكْرُ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَتَحَصَّنُ؟ قُلْت: تَرْكُهُ الذِّكْرَ تَعْظِيمًا لِلَّهِ هُوَ التَّحَصُّنُ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ لَمْ يَصِلْ الْمَحَلَّ] : وَمِثْلُ الْكَنِيفِ الْمَوَاضِعُ الْقَذِرَةُ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ يَقُولَ] إلَخْ: هَذِهِ رِوَايَةٌ مِنْ جُمْلَةِ رِوَايَاتٍ مَشْهُورَةٍ أَيُّهَا يَكْفِي. وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «سَتْرُ مَا بَيْنِ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ» . وَخَصَّ هَذَا الْمَوْضِعَ بِالِاسْتِعَاذَةِ لِأَنَّ لَلشَّيْطَانَ

عَوْرَتِهِ فِي الْفَضَاءِ وَلَا يُسَمِّي بَعْدَ دُخُولِهِ الْكَنِيفَ، وَلَوْ لَمْ يَصِلْ الْمَحَلَّ بِأَنْ يَقُولَ: " بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ إلَخْ "، وَالْخُبُثُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ؛ جَمْعُ خَبِيثٍ: ذَكَرُ الشَّيَاطِينِ. وَقَدْ تُسَكَّنُ الْبَاءُ. وَالْخَبَائِثُ؛ جَمْعُ خَبِيثَةٍ: أُنْثَى الشَّيَاطِينِ. وَمِنْ الْآدَابِ الْمَنْدُوبَةِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْخَلَاءِ أَوْ بَعْدَ تَحَوُّلِهِ مِنْ مَكَانِهِ فِي الْفَضَاءِ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ إلَخْ ". وَلَيْسَ بَعْدَ الْخُرُوجِ تَسْمِيَةٌ كَمَا يُفِيدُهُ النَّقْلُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ. (وَسُكُوتٌ إلَّا لِمُهِمٍّ) : أَيْ وَيُنْدَبُ لَهُ السُّكُوتُ مَا دَامَ فِي الْخَلَاءِ - وَلَوْ بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ تَسَلُّطًا وَقُدْرَةً عَلَى ابْنِ آدَمَ لَمْ تَكُنْ فِي غَيْرِهِ بِسَبَبِ غَيْبَةِ الْحَفَظَةِ عَنْهُ. قَوْلُهُ: [وَقَدْ تُسَكَّنُ الْبَاءُ] : وَقِيلَ بِالسُّكُونِ: الْكُفْرُ. قَوْلُهُ: [الْحَمْدُ لِلَّهِ] إلَخْ: وَمِنْهُ أَيْضًا مَا وَرَدَ أَنَّهُ يَقُولُ: «غُفْرَانَك» . وَالْحِكْمَةُ فِي طَلَبِ الْغُفْرَانِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ خُرُوجُ الْأَخْبَثَيْنِ بِسَبَبِ خَطِيئَةِ آدَمَ وَمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ حَيْثُ جُعِلَ مُكْثُهُ فِي الْأَرْضِ، وَمَا تَنَالُ ذُرِّيَّتُهُ فِيهَا عِظَةٌ لِلْعِبَادِ وَتَذْكِرَةٌ لِمَا تَئُولُ إلَيْهِ الْمَعَاصِي، فَقَدْ رُوِيَ «أَنَّهُ لَمَّا وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ رِيحَ الْغَائِطِ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ مَا هَذَا؟ فَقَالَ تَعَالَى: هَذَا رِيحُ خَطِيئَتِك، فَكَانَ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْخَلَاءِ: غُفْرَانَك» ، الْتِفَاتًا إلَى هَذَا الْأَصْلِ تَذْكِيرًا لِأُمَّتِهِ بِهَذِهِ الْعِظَةِ (اهـ مِنْ الْحَاشِيَةِ) . وَفِي رِوَايَةٍ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَوَّغَنِيهِ طَيِّبًا وَأَخْرَجَهُ عَنِّي خَبِيثًا» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي لَذَّتَهُ وَأَذْهَبَ عَنِّي مَشَقَّتَهُ وَأَبْقَى فِي جِسْمِي قُوَّتَهُ» . قَوْلُهُ: [وَسُكُوتٌ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ الْكَلَامَ حِينَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ يُورِثُ الصَّمَمَ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُشَمِّتُ عَاطِسًا وَلَا يَحْمَدُ إنْ عَطَسَ، وَلَا يُجِيبُ مُؤَذِّنًا وَلَا يَرُدُّ عَلَى مُسْلِمٍ

خُرُوجِ الْأَذَى - إلَّا لِأَمْرٍ مُهِمٍّ يَقْتَضِي كَلَامَهُ؛ كَطَلَبِ مَا يُزِيلُ بِهِ الْأَذَى. وَقَدْ يَجِبُ الْكَلَامُ كَإِنْقَاذِ أَعْمَى مِنْ سُقُوطٍ فِي حُفْرَةٍ أَوْ تَخْلِيصِ مَالٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (وَبِالْفَضَاءِ: تَسَتُّرٌ، وَبُعْدٌ، وَاتِّقَاءُ جُحْرٍ، وَرِيحٍ، وَمَوْرِدٍ، وَطَرِيقٍ، وَظِلٍّ، وَمَجْلِسٍ، وَمَكَانٍ نَجِسٍ) : مِنْ الْآدَابِ الْمَنْدُوبَةِ إذَا أَرَادَ قَضَاءَ حَاجَتِهِ بِالْفَضَاءِ: أَنْ يَسْتَتِرَ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ بِشَجَرٍ أَوْ صَخْرَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يُرَى جِسْمُهُ. وَأَمَّا سَتْرُ عَوْرَتِهِ عَنْهُمْ فَوَاجِبٌ. وَأَنْ يَبْعُدَ عَنْهُمْ بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتُ رِيحٍ يَخْرُجُ مِنْهُ، وَأَنْ يَتَّقِيَ - أَيْ يَتَجَنَّبَ - قَضَاءَ حَاجَتِهِ فِي جُحْرٍ؛ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ ثُقْبٍ فِي الْأَرْضِ مُسْتَدِيرٍ أَوْ مُسْتَطِيلٍ، لِئَلَّا يَخْرُجَ مِنْهُ مَا يُؤْذِيهِ مِنْ الْهَوَامِّ، وَلِأَنَّهُ مَسْكَنُ الْجِنِّ، فَرُبَّمَا حَصَلَ مِنْهُمْ لَهُ أَذِيَّةٌ. وَأَنْ يَتَّقِيَ مَهَبَّ الرِّيحِ لِئَلَّا يَعُودَ عَلَيْهِ الْبَوْلُ فَيُنَجِّسَهُ وَأَنْ يَتَّقِيَ مَوْرِدَ النَّاسِ: أَيْ مَحَلَّ وُرُودِهِمْ لِلْمَاءِ، لِأَنَّهُ يُؤْذِي النَّاسَ فَيَلْعَنُونَهُ. وَأَنْ يَتَّقِيَ الطُّرُقَ الَّتِي يَمُرُّ فِيهَا النَّاسُ، وَأَنْ يَتَّقِيَ الظِّلَّ: أَيْ الْمَحَلَّ الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ، كَالْمُجَامِعِ. بِخِلَافِ الْمُلَبِّي وَالْمُؤَذِّنِ فَإِنَّهُمَا يَرُدَّانِ بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَأَمَّا الْمُصَلِّي فَيَرُدُّ بِالْإِشَارَةِ. قَوْلُهُ: [مِنْ الْآدَابِ الْمَنْدُوبَةِ] إلَخْ: جَعَلَ هَذِهِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ، كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ فِي الْحِلِّ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا سَتْرُ عَوْرَتِهِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَاجِبٌ. وَمَصَبُّ النَّدْبِ أَنْ يَبْعُدَ عَنْهُمْ بِحَيْثُ لَا يُرَى لَهُ جِسْمٌ وَلَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ وَلَا يُشَمُّ لَهُ رِيحٌ. وَهَذَا بِالْفَضَاءِ كَمَا صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ، وَأَمَّا فِي الْكَنِيفِ فَلَا يَضُرُّ سَمَاعُ صَوْتِهِ وَلَا شَمُّ رِيحِهِ لِلْمَشَقَّةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ مُسْتَطِيلٍ] : أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجُحْرِ خُصُوصَ الْمُسْتَدِيرِ بِالْجُحْرِ، بَلْ مَا يَشْمَلُ السَّرَبَ بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ وَهُوَ الْمُسْتَطِيلُ، وَلَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الْمُسْتَدِيرُ. قَوْلُهُ [مَهَبَّ الرِّيحِ] : أَيْ جِهَةَ هُبُوبِهِ وَإِنْ كَانَ سَاكِنًا. قَوْلُهُ: [الطُّرُقَ] : هُوَ أَعَمُّ مِمَّا قَبْلَهُ. لِأَنَّ الطَّرِيقَ إمَّا مُوصِلَةٌ لِلْمَاءِ فَتَكُونُ مَوْرِدًا، وَإِمَّا غَيْرُ مُوصِلَةٍ لَهُ فَلَا تَكُونُ مَوْرِدًا. وَقَدْ يُقَالُ الطَّرِيقُ عُرْفًا: مَا اُعْتِيدَ لِلسُّلُوكِ، وَالْمَوْرِدُ مَحَلُّ الْوُرُودِ فَهُوَ مُغَايِرٌ، وَلِذَا جُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَدِيثِ.

الشَّأْنُ أَنْ يَسْتَظِلَّ فِيهِ النَّاسُ. لَا مُطْلَقَ ظِلٍّ، وَمِثْلُهُ الشَّمْسُ أَيَّامَ الشِّتَاءِ، وَالْمَكَانُ الْمُقْمِرُ الَّذِي شَأْنُهُمْ الْجُلُوسُ فِيهِ. وَالْمَوْرِدُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ هِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْمَلَاعِنِ الثَّلَاثِ، وَعَطْفُ الْمَجْلِسِ عَلَيْهَا مِنْ عَطْفِ مَا هُوَ أَعَمُّ. وَأَنْ يَتَّقِيَ الْأَمْكِنَةَ النَّجِسَةَ لِئَلَّا تُصِيبَهُ نَجَاسَتُهَا. (وَتَنْحِيَةُ ذِكْرِ اللَّهِ لَفْظًا وَخَطًّا) : مِنْ الْآدَابِ الْأَكِيدَةِ أَنْ لَا يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْخَلَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ الْأَذَى أَوْ حَالَ خُرُوجِهِ وَبَعْدَهُ مَا دَامَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَقْضِي فِيهِ حَاجَتَهُ، سَوَاءٌ كَانَ كَنِيفًا أَوْ غَيْرَهُ. وَأَنْ لَا يَدْخُلَ الْكَنِيفَ أَوْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ بِفَضَاءٍ وَمَعَهُ مَكْتُوبٌ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ، أَوْ دِرْهَمٌ أَوْ خَاتَمٌ مَكْتُوبٌ فِيهِ ذَلِكَ، وَكَذَا اسْمُ نَبِيٍّ. وَلِيُنَحِّهِ قَبْلَ دُخُولِهِ نَدْبًا أَكِيدًا. إلَّا الْقُرْآنَ فَيَحْرُمُ قِرَاءَتُهُ وَالدُّخُولُ بِمُصْحَفٍ أَوْ بَعْضِهِ وَلَوْ آيَةً، مَا لَمْ يَكُنْ حِرْزًا مَسْتُورًا بِسَاتِرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الشَّأْنُ] إلَخْ: أَيْ كَمَقِيلٍ وَمَنَاخٍ، أَيْ مَحَلِّ قَيْلُولَةِ النَّاسِ أَوْ إنَاخَةِ الْإِبِلِ فِيهَا. قَوْلُهُ: [هِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْمَلَاعِنِ] إلَخْ: قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَضَاءَ الْحَاجَةِ فِي الْمَوَارِدِ وَالطَّرِيقِ وَالظِّلِّ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ حَرَامٌ كَمَا يُفِيدُهُ عِيَاضٌ. وَقَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ وَقَدْ تَبِعَ شَارِحُنَا خَلِيلًا. وَلَكِنْ مُقْتَضَى تَسْمِيَتِهَا مَلَاعِنَ تَشْهَدُ لِلْحُرْمَةِ. فَلِذَلِكَ قُلْنَا: جَعَلَهَا مَنْدُوبَاتٍ، بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ. قَوْلُهُ: [الْأَمْكِنَةَ النَّجِسَةَ] إلَخْ: فَيَتَّقِي الصُّلْبَ مِنْهَا فِي الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ قِيَامًا وَجُلُوسًا، وَالرَّخْوَ مِنْهَا فِي الْغَائِطِ قِيَامًا وَجُلُوسًا وَفِي الْبَوْلِ جُلُوسًا. قَوْلُهُ: [وَكَذَا اسْمُ نَبِيٍّ] : أَيْ مَقْرُونٌ بِمَا يُعَيِّنُهُ، كَعَلَيْهِ السَّلَامُ، لَا مُجَرَّدُ الِاشْتِرَاكِ. وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ لَا تَصِلُ لِلْخَاتَمِ. وَإِلَّا مُنِعَ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ آيَةً] : مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ مَنْعِ دُخُولِ الْكَنِيفِ وَنَحْوِهِ بِمَا فِيهِ قُرْآنٌ وَلَوْ آيَةً تَبِعَ فِيهِ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَالتَّوْضِيحَ. وَقَدْ رَدَّهُ (ح) وَالْأُجْهُورِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ. وَاسْتَظْهَرَ الْأَوَّلُ كَرَاهَةَ الدُّخُولِ بِالْقُرْآنِ، وَأَطْلَقَ فِي الْكَرَاهَةِ فَظَاهِرُهُ كَانَ كَامِلًا أَوْ لَا. وَاسْتَظْهَرَ الثَّانِي التَّحْرِيمَ فِي الْكَامِلِ وَمَا قَارَبَهُ وَالْكَرَاهَةَ فِي غَيْرِ ذِي الْبَالِ كَالْآيَاتِ. وَاعْتَمَدَ هَذَا الْأَشْيَاخُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي المج (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ)

وَمِنْ السَّاتِرِ جَيْبُهُ فَوَضْعُهُ فِي جَيْبِهِ مَثَلًا يَمْنَعُ الْحُرْمَةَ فِي الْمُصْحَفِ. وَالْكَرَاهَةَ فِي غَيْرِهِ. وَهَذَا مَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الضَّيَاعَ، وَإِلَّا جَازَ الدُّخُولُ بِهِ لِلضَّرُورَةِ. (وَتَقْدِيمُ يُسْرَاهُ دُخُولًا، وَيُمْنَاهُ خُرُوجًا؛ عَكْسُ الْمَسْجِدِ وَالْمَنْزِلِ؛ يُمْنَاهُ فِيهِمَا) : مِنْ الْآدَابِ أَنْ يُقَدِّمَ حَالَ دُخُولِهِ الْكَنِيفَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيُؤَخِّرَهَا حَالَ خُرُوجِهِ مِنْهُ؛ بِأَنْ يُقَدِّمَ فِي الْخُرُوجِ رِجْلَهُ الْيُمْنَى. وَذَلِكَ عَكْسُ الْيُسْرَى فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى دُخُولًا وَتَقْدِيمُ الْيُسْرَى خُرُوجًا لِشَرَفِهِ، كَمَا يُنْدَبُ فِي تَنَعُّلِهِ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى وَفِي خَلْعِ النِّعَالِ تَقْدِيمُ الْيُسْرَى، وَأَمَّا الْمَنْزِلُ فَيُقَدِّمُ الْيُمْنَى دُخُولًا وَخُرُوجًا. (وَمُنِعَ بِفَضَاءٍ اسْتِقْبَالُ قِبْلَةٍ وَاسْتِدْبَارُهَا بِلَا سَاتِرٍ، كَالْوَطْءِ، وَإِلَّا فَلَا) : يَحْرُمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمِنْ السَّاتِرِ جَيْبُهُ] : قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ (ح) : وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجَيْبَ لَا يَكْفِي لِأَنَّهُ ظَرْفٌ مُتَّسِعٌ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا جَازَ] إلَخْ: أَيْ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَاتِرٍ إنْ أَمْكَنَ. قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ جَوَازُ الدُّخُولِ بِالْمُصْحَفِ مُقَيَّدٌ بِأَمْرَيْنِ: الْخَوْفُ وَالسَّاتِرُ (اهـ) . وَالْمُرَادُ بِالْخَوْفِ إمَّا عَلَى نَفْسِهِ - بِأَنْ جُعِلَ حِرْزًا - أَوْ الضَّيَاعُ. قَوْلُهُ: [حَالَ دُخُولِهِ الْكَنِيفَ] : أَيْ وَكَذَا كُلُّ دَنِيءٍ: كَحَمَّامٍ وَفُنْدُقٍ وَبَيْتِ ظَالِمٍ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْمَنْزِلُ] إلَخْ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّشْرِيفِ وَالتَّكْرِيمِ قَدَّمَ فِيهِ الْيُمْنَى وَعَكْسُهُ قَدَّمَ فِيهِ الْيُسْرَى، فَإِنْ حَصَلَتْ الْمُعَارَضَةُ بَيْنَ الْمَنْزِلِ وَالْمَسْجِدِ - كَمَا لَوْ كَانَ بَابُ بَيْتِهِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ - كَانَ الْحُكْمُ لِلْمَسْجِدِ دُخُولًا وَخُرُوجًا. قَوْلُهُ: [وَمُنِعَ بِفَضَا] إلَخْ: حَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَسَائِلَ سِتٌّ: الْأُولَى: قَضَاءُ الْحَاجَةِ، وَالْوَطْءُ فِي الْفَضَاءِ مُسْتَقْبِلًا وَمُسْتَدْبِرًا بِدُونِ سَاتِرٍ وَهَذِهِ حَرَامٌ قَطْعًا. الثَّانِيَةُ: قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِي بَيْتِ الْخَلَاءِ الَّذِي فِي الْمَنْزِلِ بِسَاتِرٍ، وَالْوَطْءُ فِي الْمَنْزِلِ بِسَاتِرٍ، وَهَذِهِ جَائِزَةٌ اتِّفَاقًا مُسْتَقْبِلًا وَمُسْتَدْبِرًا. الثَّالِثَةُ: قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِيهِ، وَالْوَطْءُ فِيهِ بِدُونِ سَاتِرٍ، وَفِيهَا قَوْلَانِ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْجَوَازُ وَلَوْ كَانَ بَيْتُ الْخَلَاءِ أَوْ الْوَطْءُ. بِالسَّطْحِ. الرَّابِعَةُ: قَضَاءُ الْحَاجَةِ وَالْوَطْءُ فِي الْفَضَاءِ بِسَاتِرٍ مُسْتَقْبِلًا أَوْ مُسْتَدْبِرًا، وَفِيهَا قَوْلَانِ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْجَوَازُ. وَالْخَامِسَةُ وَالسَّادِسَةُ: قَضَاءُ الْحَاجَةِ وَالْوَطْءُ بِحَوْشِ الْمَنْزِلِ بِسَاتِرٍ وَبِدُونِهِ وَفِيهِمَا قَوْلَانِ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ وَالْمُعْتَمَدُ الْجَوَازُ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَلَا] : أَيْ إمَّا اتِّفَاقًا أَوْ عَلَى الرَّاجِحِ كَمَا تَقَدَّمَ.

[الاستبراء والاستنجاء والاستجمار]

عَلَى الْمُكَلَّفِ إذَا قَضَى حَاجَتَهُ فِي الْفَضَاءِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ أَوْ يَسْتَدْبِرَهَا بِلَا سَاتِرٍ. فَإِنْ اسْتَتَرَ بِحَائِطٍ أَوْ صَخْرَةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا حُرْمَةَ، وَالْأَوْلَى التَّرْكُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ. وَكَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَطْءُ لِحَلِيلَتِهِ فِي الْفَضَاءِ بِلَا سَاتِرٍ. وَقَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ فِي الْفَضَاءِ، بِأَنْ كَانَ فِي مَنْزِلِهِ وَلَوْ فِي سَاحَةِ الدَّارِ أَوْ رَحْبَتِهَا أَوْ سَطْحِهَا أَوْ كَانَ فِي الْفَضَاءِ وَلَكِنْ بِسَاتِرٍ، فَلَا حُرْمَةَ. وَالْمُرَادُ بِالْمَنْزِلِ: مَا عَدَا الْفَضَاءَ؛ فَيَشْمَلُ فَضَاءَ الْمُدُنِ فَلَا يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَلَا اسْتِدْبَارُهَا فِيهَا، وَالْكَلَامُ كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْأَكْنِفَةِ، وَأَمَّا هِيَ فَلَا حُرْمَةَ اتِّفَاقًا. وَكَذَا لَا يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَا الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَلَوْ فِي الْفَضَاءِ بِلَا سَاتِرٍ. (وَوَجَبَ اسْتِبْرَاءٌ بِسَلْتِ ذَكَرٍ وَنَتْرٍ خَفَّا) : يَجِبُ عَلَى مَنْ قَضَى حَاجَتَهُ أَنْ يَسْتَبْرِئَ: أَيْ يَسْتَخْلِصَ مَجْرَى الْبَوْلِ مِنْ ذَكَرِهِ بِسَلْتِهِ؛ بِأَنْ يَجْعَل أُصْبُعَهُ السَّبَّابَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ اسْتَتَرَ] إلَخْ: وَيَكْفِي أَنْ يَكُونَ طُولُهُ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ وَقُرْبُهُ مِنْهُ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ فَأَقَلَّ، وَعَرْضُهُ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا يُوَارِي عَوْرَتَهُ. قَوْلُهُ: [مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ] : أَيْ وَهُوَ الَّذِي عَلِمْته مِنْ الْحَاصِلِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا هِيَ فَلَا حُرْمَةَ اتِّفَاقًا] : أَيْ إنْ كَانَ بِسَاتِرٍ وَإِلَّا فَفِيهِمَا قَوْلَانِ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَمَدُ الْجَوَازَ كَمَا عَلِمْت مِمَّا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا لَا يَحْرُمُ] إلَخْ: أَيْ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى الْإِنْقَاءُ. [الِاسْتِبْرَاء وَالِاسْتِنْجَاء وَالِاسْتِجْمَار] قَوْلُهُ: [وَوَجَبَ اسْتِبْرَاءٌ] : يُحْتَمَلُ أَنَّ السِّينَ وَالتَّاءَ زَائِدَتَانِ وَأَنْ يَكُونَا لِلطَّلَبِ، فَعَلَى أَنَّهُمَا زَائِدَتَانِ تَكُونُ الْبَاءُ فِي [بِسَلْتِ] لِلتَّصْوِيرِ وَعَلَى أَنَّهُمَا لِلطَّلَبِ، تَكُونُ الْبَاءُ لِلِاسْتِعَانَةِ أَوْ السَّبِيَّةِ. قَوْلُهُ: [أَيْ يَسْتَخْلِصُ] : يَجْرِي فِي السِّينِ وَالتَّاءِ مَعَ الْبَاءِ فِي قَوْلِهِ [بِسَلْتِ] مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ يَجْعَلَ أُصْبُعَهُ] إلَخْ: تَصْوِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ وَلِذَا أَفْتَى النَّاصِرُ اللَّقَانِيِّ بِوُجُوبِ

مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى تَحْتَ ذَكَرِهِ مِنْ أَصْلِهِ وَالْإِبْهَامَ فَوْقَهُ ثُمَّ يَسْحَبَهُ بِرِفْقٍ حَتَّى يَخْرُجَ مَا فِيهِ مِنْ الْبَوْلِ. وَالنَّتْرُ بِسُكُونِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ: جَذْبُهُ. وَنُدِبَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِرِفْقٍ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: (خَفَّا) بِفَتْحِ الْخَاءِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ خُلُوصُ الْمَحَلِّ. وَلَا يَتَتَبَّعُ الْأَوْهَامَ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْوَسْوَسَةَ وَهِيَ تَضُرُّ بِالدِّينِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِبْرَاءِ وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ، لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَصِحُّ مَعَ الْمُنَافِي. لَكِنْ وَقَعَ فِي (عب) عَنْ اللَّخْمِيِّ مَا يُوهِمُ أَنَّ الْبَقَاءَ فِي الْقَصَبَةِ لَا يَضُرُّ، وَأَنَّ النَّقْضَ إذَا نَزَلَ بِالْفِعْلِ، وَمَالَ إلَيْهِ شَيْخُنَا، لَكِنْ إذَا بَقِيَ فِي الْقَصَبَةِ مَعَ الرَّشْحِ عَلَى رَأْسِ الذَّكَرِ فَيَضُرُّ قَطْعًا (اهـ بِالْمَعْنَى حَاشِيَةُ شَيْخِنَا عَلَى مَجْمُوعِهِ) . قَوْلُهُ: [مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى] إلَخْ: كَوْنُهُ مِنْ الْيَدِ الْيُسْرَى وَبِالْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ أَفْضَلَ وَأَوْلَى. وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِالْيُمْنَى أَوْ بِغَيْرِ السَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ كَفَى وَخَالَفَ الْأَفْضَلَ. وَهَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا تَضَعُ يَدَهَا عَلَى عَانَتِهَا وَيَقُومُ ذَلِكَ مَقَامَ السَّلْتِ وَالنَّتْرِ، وَأَمَّا الْخُنْثَى فَيَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ احْتِيَاطًا. وَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَوْلِ، وَأَمَّا الْغَائِطُ فَيَكْفِي فِي تَفْرِيغِ الْمَحَلِّ مِنْهُ الْإِحْسَاسُ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِمَّا هُوَ بِصَدَدِ الْخُرُوجِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا بَطَنَ مِنْ الْمَخْرَجِ، بَلْ يَحْرُمُ لِشَبَهِ ذَلِكَ بِاللِّوَاطِ. فَلَوْ تَوَضَّأَ وَالْبَوْلُ فِي قَصَبَةِ الذَّكَرِ أَوْ الْغَائِطُ فِي دَاخِلِ فَمِ الدُّبُرِ كَانَ الْوُضُوءُ بَاطِلًا كَمَا تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْوُضُوءِ عَدَمُ الْمُنَافِي، فَالِاسْتِبْرَاءُ مَطْلُوبٌ لِأَجْلِ إزَالَةِ الْحَدَثِ فَلَا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ. وَفِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ السَّلْتُ وَالنَّتْرُ بِالْمُتَعَيَّنِ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى حُصُولِ الظَّنِّ بِانْقِطَاعِ الْمَادَّةِ بِسَلْتٍ أَوْ غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ مَكَثَ مُدَّةً يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ خُلُوُّ الْمَحَلِّ. وَلَا يَضُرُّ بُلُولَةُ رَأْسِ الذَّكَرِ بَعْدَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [كُلٌّ مِنْهُمَا بِرِفْقٍ] : هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّتْرِ وَصْفٌ كَاشِفٌ لِأَنَّهُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ هُوَ التَّحْرِيكُ الْخَفِيفُ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَتَتَبَّعُ الْأَوْهَامَ] : أَيْ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ انْقِطَاعُ الْمَادَّةِ مِنْ الذَّكَرِ تَرَكَ السَّلْتَ وَالنَّتْرَ، وَمَا شَكَّ فِي خُرُوجِهِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ كَنُقْطَةٍ فَمَعْفُوٌّ عَنْهَا، فَإِنْ تَحَقَّقَهَا فَحُكْمُ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ؛ أَيْ أَنَّهَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ إنْ لَمْ تُلَازِمْ نِصْفَ الزَّمَانِ فَأَكْثَرَ. وَيَجِبُ غَسْلُهَا إنْ لَمْ تَأْتِهِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ مَرَّةً. قَوْلُهُ: [وَهِيَ تَضُرُّ بِالدِّينِ] : وَلِذَلِكَ قَالَ الْعَارِفُونَ إنَّ الْوَسْوَاسَ سَبَبُهُ خَبَلٌ

(وَاسْتِنْجَاءٌ، وَنُدِبَ بِيَسَارِهِ وَبَلُّهَا قَبْلَ لُقِيِّ الْأَذَى، وَاسْتِرْخَاؤُهُ قَلِيلًا وَغَسْلُهَا بِكَتُرَابٍ بَعْدَهُ وَإِعْدَادُ الْمُزِيلِ، وَوِتْرُهُ وَتَقْدِيمُ قُبُلِهِ وَجَمْعُ مَاءٍ وَحَجَرٍ ثُمَّ مَاءٍ) يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ كَمَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ وَالْمُرَادُ بِهِ: إزَالَةُ النَّجَاسَةِ مِنْ مَحَلِّ الْبَوْلِ أَوْ الْغَائِطِ بِالْمَاءِ أَوْ بِالْأَحْجَارِ. وَنُدِبَ أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى وَيُكْرَهُ بِالْيُمْنَى إلَّا لِضَرُورَةٍ. وَنُدِبَ بَلَلُ يَدِهِ الْيُسْرَى بِالْمَاءِ قَبْلَ لُقِيِّ الْأَذَى مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ لِئَلَّا يَقْوَى تَعَلُّقُ الرَّائِحَةِ بِهَا إذَا لَاقَى بِهَا الْأَذَى جَافَّةً. وَيُنْدَبُ حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ أَنْ يَسْتَرْخِيَ قَلِيلًا لِأَنَّهُ أَمْكَنُ فِي التَّنْظِيفِ. وَنُدِبَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ الَّتِي لَاقَى بِهَا الْأَذَى حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ بِتُرَابٍ وَنَحْوِهِ، كَأُشْنَانٍ وَغَاسُولٍ وَصَابُونٍ. وَنُدِبَ لَهُ عِنْدَ إرَادَتِهِ قَضَاءَ الْحَاجَةِ أَنْ يُعِدَّ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ مِنْ مَاءٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَيُنْدَبُ لَهُ وَتْرُ الْمُزِيلِ إذَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْعَقْلِ أَوْ شَكٌّ فِي الدِّينِ. قَوْلُهُ: [بِالْمَاءِ أَوْ بِالْأَحْجَارِ] : أَيْ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الِاسْتِجْمَارِ لِأَنَّ الِاسْتِجْمَارَ لَا يَكُونُ بِالْمَاءِ. قَوْلُهُ: [بِيَدِهِ الْيُسْرَى] : أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التَّشْرِيفِ. قَوْلُهُ: [بِتُرَابٍ وَنَحْوِهِ] : مَحَلُّ طَلَبِ الْغَسْلِ بِالتُّرَابِ وَنَحْوِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ بَلَّهَا أَوَّلًا، وَإِلَّا فَلَا يَتَوَقَّفُ نَدْبُ الْغَسْلِ عَلَى التُّرَابِ وَنَحْوِهِ لِانْسِدَادِ الْمَسَامِّ بِالْغَسْلِ أَوَّلًا. وَالْمُرَادُ بِالْيَدِ الَّتِي تَغْسِلُ الْخِنْصَر وَالْبِنْصِرُ وَالْوُسْطَى لِأَنَّهَا الَّتِي يُلَاقِي بِهَا النَّجَاسَةَ. قَوْلُهُ: [أَنْ يُعِدَّ] : أَيْ فَيُنْدَبُ لِمُرِيدِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ إعْدَادُ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ مَعًا إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا فَالْمَاءُ فَقَطْ، وَإِلَّا فَالْأَحْجَارُ فَقَطْ، عَلَى حَسَبِ التَّرْتِيبِ فِي الْمَنْدُوبِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ أَنْقَى] إلَخْ: أَيْ إنْ أَنْقَى الشَّفْعُ يُوتِرُ بِثَالِثٍ، وَأَرْبَعٌ يُوتِرُ بِخَامِسٍ، وَسِتٌّ يُوتِرُ بِسَابِعٍ، وَبَعْدَ ذَلِكَ لَا إيتَارَ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى الْإِنْقَاءِ. وَقَوْلُهُمْ الْوِتْرُ خَيْرٌ مِنْ الشَّفْعِ فِي غَيْرِ الْوَاحِدِ. وَإِلَّا فَالِاثْنَانِ خَيْرٌ مِنْهُ وَيَكْفِي فِي الْوَتَرِيَّةِ حَجَرٌ وَاحِدٌ

[متى تتعين الطهارة بالماء]

جَامِدًا كَحَجَرٍ حَيْثُ انْتَقَى الْمَحَلُّ بِالشَّفْعِ وَإِلَّا فَالْإِنْقَاءُ مُتَعَيَّنٌ. وَيَنْتَهِي نَدْبُ الْإِيتَارِ لِلسَّبْعِ، فَإِنْ أَنْقَى بِثَامِنٍ فَلَا يُطْلَبُ بِتَاسِعٍ. وَنُدِبَ تَقْدِيمُ قُبُلِهِ عَلَى دُبُرِهِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ وَنُدِبَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْحَجَرِ وَالْمَاءِ، فَيُقَدِّمَ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ بِالْحَجَرِ، ثُمَّ يَتْبَعَ الْمَحَلَّ بِالْمَاءِ. فَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالْمَاءُ أَوْلَى مِنْ الْحَجَرِ وَنَحْوِهِ. (وَتَعَيَّنَ فِي مَنِيٍّ وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَبَوْلِ امْرَأَةٍ وَمُنْتَشِرٍ عَنْ مَخْرَجٍ كَثِيرًا) : الضَّمِيرُ فِي (تَعَيَّنَ) يَعُودُ عَلَى الْمَاءِ. أَيْ أَنَّ الْمَاءَ يَتَعَيَّنُ - وَلَا يَكْفِي الْحَجَرُ وَنَحْوُهُ - فِي إزَالَةِ الْمَنِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ ثَلَاثُ جِهَاتٍ يَمْسَحُ الْمَحَلَّ بِكُلِّ جِهَةٍ. قَوْلُهُ: [تَقْدِيمُ قُبُلِهِ] إلَخْ: أَيْ خَوْفًا مِنْ تَنَجُّسِ يَدِهِ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ لَوْ قَدَّمَ دُبُرَهُ، وَمَحَلُّ تَقْدِيمِ الْقُبُلِ إلَّا أَنْ يَقْطُرَ فَيُقَدِّمَ دُبُرَهُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَقْدِيمِ الْقُبُلِ. قَوْلُهُ: [أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْحَجَرِ وَالْمَاءِ] : أَيْ لِأَنَّ اللَّهَ مَدَحَ أَهْلَ قُبَاءَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108] وَطَهَارَتُهُمْ هِيَ جَمْعُهُمْ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ فِي اسْتِنْجَائِهِمْ كَمَا وَرَدَ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [فَالْمَاءُ أَوْلَى] : أَيْ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْحَجَرِ وَنَحْوِهِ كَفَى وَخَالَفَ الْأَوْلَى. وَهَلْ يَكُونُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْمَحَلُّ طَاهِرًا لِرَفْعِ الْعَيْنِ وَالْحُكْمِ عَنْهُ أَوْ نَجِسًا مَعْفُوًّا عَنْهُ؟ اُنْظُرْ (ح) (انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرَاتِبَ خَمْسٌ: مَاءٌ. وَحَجَرٌ، مَاءٌ وَمَدَرٌ. مَاءٌ فَقَطْ، حَجَرٌ فَقَطْ، مَدَرٌ فَقَطْ. وَالْمُرَادُ بِالْمَدَرِ أَيُّ طَاهِرٌ مُنْقٍ مُسْتَوْفِي الشُّرُوطِ غَيْرُ حَجَرٍ. فَهِيَ مَطْلُوبَةٌ نَدْبًا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فِي غَيْرِ مَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمَاءُ. [مَتَى تَتَعَيَّن الطَّهَارَة بِالْمَاءِ] [تَنْبِيه كَرَاهَة الِاسْتِنْجَاء مِنْ الرِّيح] قَوْلُهُ: [وَتَعَيَّنَ] إلَخْ: شُرُوعٌ فِي مَسَائِلَ مُسْتَثْنَاةٍ مِنْ قَوْلِهِمْ: الْمَاءُ أَفْضَلُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ. وَلَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ. فَكَأَنَّهُ قَالَ: إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَيَتَعَيَّنُ فِيهَا الْمَاءُ، وَلَا يَكْفِي فِيهَا الْحَجَرُ وَنَحْوُهُ. قَوْلُهُ: [لِمَنْ فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ] إلَخْ: جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ وَارِدٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَنِيَّ وَالْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ يَتَعَيَّنُ فِيهَا غَسْلُ جَمِيعِ الْجَسَدِ وَلَا يُتَوَهَّمُ فِيهَا كِفَايَةُ الِاسْتِجْمَارِ بِالْأَحْجَارِ؟ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ لِلنَّصِّ عَلَى تَعَيُّنِ الْمَاءِ فِيهَا وَعَدَمِ كِفَايَةِ الْأَحْجَارِ.

لِمَنْ فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ أَوْ الْوُضُوءُ، كَخُرُوجِهِ بِلَا لَذَّةٍ أَوْ لَذَّةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ. وَفِي إزَالَةِ دَمِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ، وَكَذَا فِي دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ إنْ لَمْ يُلَازِمْ كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ مَرَّةً، وَإِلَّا فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَسَلَسِ الْبَوْلِ الْمُلَازِمِ لِذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى فَلَا تَجِبُ إزَالَتُهُ. وَيَتَعَيَّنُ الْمَاءُ أَيْضًا فِي إزَالَةِ بَوْلِ الْمَرْأَةِ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا لِتَعَدِّيهِ الْمَخْرَجَ إلَى جِهَةِ الْمَقْعَدَةِ عَادَةً. وَيَتَعَيَّنُ أَيْضًا فِي حَدَثِ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ انْتَشَرَ عَنْ الْمَخْرَجِ انْتِشَارًا كَثِيرًا كَأَنْ يَصِلَ إلَى الْمَقْعَدَةِ أَوْ يَعُمَّ جُلَّ الْحَشَفَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَاصِلُ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّارِحُ أَنَّ الْكَلَامَ مَفْرُوضٌ فِي حَقِّ مَنْ فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ لِكَمَرَضٍ أَوْ لِعَدَمِ مَا يَكْفِي غَسْلُهُ، وَمَعَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ، فَيُقَالُ لِمَنْ خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ: لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِ الذَّكَرِ أَوْ الْفَرْجِ بِالْمَاءِ، أَوْ لِمَنْ فَرْضُهُ الْوُضُوءُ لِخُرُوجِ مَنِيِّهِ بِلَا لَذَّةٍ أَوْ لَذَّةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ، وَيُقَالُ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي انْقَطَعَ حَيْضُهَا أَوْ نِفَاسُهَا مِثْلُ مَا قِيلَ فِيمَنْ فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ. قَوْلُهُ: [بَوْلِ الْمَرْأَةِ] : مِثْلُهَا بَوْلُ الْخَصِيِّ أَيْ مَقْطُوعِ الذَّكَرِ قُطِعَتْ أُنْثَيَاهُ أَمْ لَا. وَمِثْلُهُ مَنِيُّ الرَّجُلِ إذَا خَرَجَ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ غَسْلِهَا فَهُوَ كَبَوْلِهَا لَا يَكْفِي فِيهِ الْحَجَرُ، وَمِثْلُهُ الْبَوْلُ الْخَارِجُ مِنْ الثُّقْبَةِ إذَا انْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ عَلَى الظَّاهِرِ، لِأَنَّهُ مُنْتَشِرٌ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمَاءُ، وَلَا يَكْفِي فِيهِ الْحَجَرُ. وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ [بَوْلٍ] أَنَّهَا فِي الْغَائِطِ كَالرَّجُلِ. وَتَغْسِلُ الْمَرْأَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا كُلَّ مَا ظَهَرَ مِنْ فَرْجِهَا حَالَ جُلُوسِهَا، وَأَمَّا قَوْلُ (عب) : وَتَغْسِلُ الْمَرْأَةُ مَا ظَهَرَ مِنْ فَرْجِهَا وَالْبِكْرُ مَا دُونَ الْعَذِرَةِ فَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَيْضِ خَاصَّةً كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ، وَاخْتَارَ فِي الْبَوْلِ تَسَاوِيهِمَا لِأَنَّ مَخْرَجَ الْبَوْلِ قَبْلَ الْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ بِخِلَافِ الْحَيْضِ، اُنْظُرْ (ح) ، وَلَا تُدْخِلُ الْمَرْأَةُ يَدَهَا بَيْنَ شَفْرَيْهَا كَفِعْلِ اللَّوَاتِي لَا دِينَ لَهُنَّ، وَكَذَا يَحْرُمُ إدْخَالُ أُصْبُعٍ بِدُبُرٍ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ لِزَوَالِ الْخَبَثِ كَمَا فِي الْمَجِّ، وَلَا يُقَالُ الْحُقْنَةُ مَكْرُوهَةٌ لِأَنَّنَا نَقُولُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ فَإِنَّ الْحُقْنَةَ شَأْنُهَا تُفْعَلُ لِلتَّدَاوِي. (انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . [انْتَشَرَ عَنْ الْمَخْرَجِ] : أَيْ فَيَتَعَيَّنُ الْمَاءُ فِي هَذَا الْحَدَثِ كُلِّهِ لَا فِي الْمُنْتَشِرِ فَقَطْ، فَيَغْسِلُ الْكُلَّ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى مَا جَاوَزَ الْمُعْتَادَ، لِأَنَّهُمْ قَدْ يَغْتَفِرُونَ الشَّيْءَ مُنْفَرِدًا دُونَهُ مُجْتَمِعًا مَعَ غَيْرِهِ. وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: يُغْسَلُ الْمُنْتَشِرُ الزَّائِدُ عَلَى مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَلْوِيثِهِ، وَيُعْفَى عَنْ الْمُعْتَادِ (انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .

(وَمَذْيٌ بِلَذَّةٍ مَعَ غَسْلِ كُلِّ ذَكَرِهِ بِنِيَّةٍ، وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا، وَفِي اقْتِصَارِهِ عَلَى الْبَعْضِ قَوْلَانِ، وَوَجَبَ غَسْلُهُ لِمَا يُسْتَقْبَلُ) : يَعْنِي وَيَتَعَيَّنُ الْمَاءُ أَيْضًا فِي مَذْيٍ خَرَجَ بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ بِنَظَرٍ أَوْ مُلَاعَبَةٍ لِزَوْجَةٍ مَثَلًا أَوْ لِتَذَكُّرٍ، مَعَ وُجُوبِ غَسْلِ جَمِيعِ الذَّكَرِ بِنِيَّةِ طَهَارَتِهِ مِنْ الْحَدَثِ، أَوْ رَفْعِ حَدَثِهِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ بِخُرُوجِ الْمَذْيِ. وَهَذِهِ النِّيَّةُ وَاجِبَةٌ غَيْرُ شَرْطٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. فَلِذَا لَوْ تَرَكَهَا وَغَسَلَ ذَكَرَهُ بِلَا نِيَّةٍ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ عَلَى الرَّاجِحِ. وَأَمَّا غَسْلُ جَمِيعِ الذَّكَرِ فَقِيلَ: وَاجِبٌ شَرْطًا؛ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى غَسْلِ بَعْضِهِ - وَلَوْ مَعَ نِيَّةٍ - وَصَلَّى بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَقِيلَ: وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ. فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِغَسْلِ الْبَعْضِ وَلَوْ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ فَقَطْ بِنِيَّةٍ أَوْ لَا. وَلَمْ يُرَجِّحُوا وَاحِدًا مِنْ الْقَوْلَيْنِ، فَلِذَا قُلْنَا: (قَوْلَانِ) وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَيَجِبُ غَسْلُ جَمِيعِهِ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ وَاجِبٌ. وَقَوْلُنَا: (بِلَذَّةٍ) قَيْدٌ زِدْنَاهُ عَلَى الْمُصَنِّفِ، إذْ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ بِلَا لَذَّةٍ لَكَفَى فِيهِ الْحَجَرُ مَا لَمْ يَكُنْ سَلَسًا يُلَازِمُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ مَرَّةً، وَإِلَّا عُفِيَ عَنْهُ وَلَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ حَجَرٌ وَلَا غَيْرُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مَعَ غَسْلِ كُلِّ ذَكَرِهِ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ غَسْلَ الذَّكَرِ مِنْ الْمَذْيِ وَقَعَ فِيهِ خِلَافٌ. قِيلَ: إنَّهُ مُعَلَّلٌ بِقَطْعِ الْمَادَّةِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَقِيلَ: إنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ. وَالْمُعْتَمَدُ الثَّانِي، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ يَتَفَرَّعُ خِلَافٌ: هَلْ الْوَاجِبُ غَسْلُ بَعْضِهِ أَوْ كُلِّهِ؟ وَالْمُعْتَمَدُ الثَّانِي. وَيَتَفَرَّعُ أَيْضًا: هَلْ تَجِبُ النِّيَّةُ فِي غَسْلِهِ أَوْ لَا؟ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعَبُّدِ، تَجِبُ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مُعَلَّلٌ، لَا تَجِبُ. وَالْمُعْتَمَدُ وُجُوبُهَا. ثُمَّ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ إذَا غَسَلَهُ كُلَّهُ بِلَا نِيَّةٍ وَصَلَّى، هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَهُوَ النِّيَّةُ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ. وَالْمُعْتَمَدُ الصِّحَّةُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ. لِأَنَّ النِّيَّةَ وَاجِبَةٌ غَيْرُ شَرْطٍ. وَمُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا، وَأَنَّ الْغَسْلَ مُعَلَّلٌ وَعَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ غَسْلِهِ كُلِّهِ لَوْ غَسَلَ بَعْضَهُ بِنِيَّةٍ أَوْ بِدُونِهَا وَصَلَّى، هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَوْ لَا تَبْطُلُ؟ قَوْلَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ مُرَاعَاةً لِمَنْ قَالَ إنَّمَا يَجِبُ غَسْلُ بَعْضِهِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فَهَلْ تُعَادُ فِي الْوَقْتِ أَوْ لَا يُطْلَبُ بِإِعَادَتِهَا؟ قَوْلَانِ. هَذَا مُحَصَّلُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ (انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [رَفْعِ حَدَثِهِ] : أَيْ الذَّكَرِ. قَوْلُهُ: [إلَّا عُفِيَ عَنْهُ] : أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَأَمَّا نَقْضُ الْوُضُوءِ

هَذَا هُوَ الْحَقُّ وَلَا تَغْتَرُّ بِمَا يُخَالِفُهُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ. وَعَبَّرَ بِ (مَعَ) إشَارَةً إلَى أَنَّ الْبَاءَ فِي قَوْلِ الشَّيْخِ: بِغَسْلٍ، بِمَعْنَى مَعَ. وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ خُرُوجَ الْمَذْيِ مِنْ الرَّجُلِ بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ يُوجِبُ غَسْلَ جَمِيعِ الذَّكَرِ بِنِيَّةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (وَجَازَ الِاسْتِجْمَارُ بِيَابِسٍ طَاهِرٍ مُنْقٍ غَيْرِ مُؤْذٍ وَلَا مُحْتَرَمٍ لِطَعْمِهِ أَوْ شَرَفِهِ، أَوْ حَقِّ الْغَيْرِ. وَإِلَّا فَلَا، وَأَجْزَأَ إنْ أَنْقَى كَالْيَدِ وَدُونَ الثَّلَاثِ) : يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ: وَهُوَ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَنْ أَحَدِ الْمَخْرَجَيْنِ بِكُلِّ يَابِسٍ مِنْ حَجَرٍ - وَهُوَ الْأَصْلُ - أَوْ غَيْرِهِ مِنْ خَشَبٍ أَوْ مَدَرٍ: وَهُوَ مَا حُرِقَ مِنْ الطِّينِ - أَوْ خِرَقٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ نَحْوِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ مَا لَمْ يُلَازِمْ نِصْفَ الزَّمَانِ فَأَكْثَرَ. قَوْلُهُ: [مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ] إلَخْ: أَرَادَ الْخَرَشِيُّ (وعب) فَإِنَّ الْخَرَشِيَّ قَالَ: ثُمَّ إنَّ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ فِي الْمَذْيِ الْخَارِجِ بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ، أَمَّا مَا خَرَجَ بِغَيْرِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ عَلَى حُكْمِ الْمَنِيِّ الْخَارِجِ بِلَا لَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ، فَإِنْ لَمْ يُوجِبْ الْوُضُوءَ كَفَى فِيهِ الْحَجَرُ، وَإِنْ أَوْجَبَهُ تَعَيَّنَ الْمَاءُ فِيهِ (انْتَهَى) . وَيُؤْخَذُ مِنْ الْأَصِيلِيِّ وَ (عب) نَحْوُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَقَدْ عَلِمْت فَسَادَهَا مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ، وَمَا تَقَدَّمَ لَك فِي مَذْيِ الرَّجُلِ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ تَغْسِلُ مِنْ مَذْيِهَا مَحَلَّ الْأَذَى فَقَطْ، وَلَا تَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ كَمَا قَالَ الْأُجْهُورِيُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَائِبَةُ تَعَبُّدٍ، خِلَافًا لِمَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ احْتِيَاجِهَا لِنِيَّةٍ. تَنْبِيهٌ: يُكْرَهُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ الرِّيحِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ خَلِيلٌ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ مُصَنِّفُنَا لِوُضُوحِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ اسْتَنْجَى مِنْ رِيحٍ» أَيْ لَيْسَ عَلَى سُنَّتِنَا. وَهُوَ طَاهِرٌ لَا يُنَجِّسُ ثَوْبًا وَلَا بَدَنًا. قَوْلُهُ: [وَجَازَ الِاسْتِجْمَارُ] : أَيْ يَجُوزُ إنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ هَذِهِ الْأَوْصَافُ الْخَمْسَةُ. وَالْمُرَادُ بِالْيَابِسِ: الْجَافُّ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ صَلَابَةٌ كَالْحَجَرِ أَوْ لَا كَالْقُطْنِ. قَوْلُهُ: (الِاسْتِجْمَارُ) وَهُوَ إلَخْ: هُوَ خَاصٌّ بِاسْتِعْمَالِ الْجَمَرَاتِ مِنْ الْحَجَرِ وَنَحْوِهِ. وَالِاسْتِنْجَاءُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِالْمَاءِ وَغَيْرِهِ. فَكَمَا أَنَّ الِاسْتِجْمَارَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْجَمَرَاتِ بِمَعْنَى الْأَحْجَارِ وَنَحْوِهَا، كَذَلِكَ الِاسْتِنْجَاءُ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّجْوَةِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ، كَمَا سَمَّوْا الْفَضْلَةَ غَائِطًا بِاسْمِ الْمَكَانِ الْمُنْخَفِضِ؛ كَانُوا إذَا أَرَادُوا التَّبَرُّزَ عَمَدُوا لِلْمُنْخَفِضِ، فَإِذَا قَضَوْا إرْبَهُمْ انْتَقَلُوا لِلْمُرْتَفِعِ وَأَزَالُوا فِيهِ الْأَثَرَ (اهـ وَالْمَعْنَى مِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى مَجْمُوعِهِ) .

ذَلِكَ. فَلَا يَجُوزُ بِمُبْتَلٍّ كَطِينٍ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْجَوَازِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا احْتِرَازًا مِنْ النَّجِسِ؛ كَأَرْوَاثِ الْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ وَعَظْمِ الْمَيْتَةِ وَالْعَذِرَةِ. وَأَنْ يَكُونَ مُنَقِّيًا لِلنَّجَاسَةِ؛ احْتِرَازًا مِنْ الْأَمْلَسِ كَالْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ وَالزُّجَاجِ. وَأَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُؤْذٍ؛ احْتِرَازًا مِمَّا يُؤْذِي كَالْحَجَرِ الْمُحَدَّدِ وَالسِّكِّينِ. وَأَنْ لَا يَكُونَ مُحْتَرَمًا؛ إمَّا لِكَوْنِهِ مَطْعُومًا لِآدَمِيٍّ كَخُبْزٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ مِنْ الْأَدْوِيَةِ كَحَزَنْبَلٍ وَمُغَاثٍ وَزَنْجَبِيلٍ. أَوْ لِكَوْنِهِ ذَا شَرَفٍ؛ كَالْمَكْتُوبِ لِحُرْمَةِ الْحُرُوفِ وَلَوْ بِخَطٍّ غَيْرِ عَرَبِيٍّ. أَوْ بِمَا دَلَّ عَلَى بَاطِلٍ؛ كَالسِّحْرِ. أَوْ لِكَوْنِ شَرَفِهِ ذَاتِيًّا؛ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْجَوَاهِرِ. وَإِمَّا لِكَوْنِ حُرْمَتِهِ لِحَقِّ الْغَيْرِ؛ كَكَوْنِ الشَّيْءِ الَّذِي يُسْتَجْمَرُ بِهِ مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ، وَمِنْهُ جِدَارُ الْغَيْرِ وَلَوْ وَقْفًا. وَكُرِهَ بِعَظْمٍ وَرَوْثٍ طَاهِرَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا يَجُوزُ بِمُبْتَلٍّ] : هَذَا شُرُوعٌ فِي مُحْتَرَزِ الْأَوْصَافِ الْخَمْسَةِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي جَوَازِ مَا يُسْتَجْمَرُ بِهِ عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ، أَيْ فَيَحْرُمُ الِاسْتِجْمَارُ بِالْمُبْتَلِّ لِنَشْرِهِ النَّجَاسَةِ، فَإِنْ وَقَعَ وَاسْتَجْمَرَ بِهِ فَلَا يُجْزِيهِ. وَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِ الْمَحَلِّ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَاءِ، فَإِنْ صَلَّى قَبْلَ غَسْلِهِ جَرَى عَلَى حُكْمِ مَنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ. وَمَا قِيلَ فِي الْمُبْتَلِّ يُقَالُ فِي النَّجِسِ إنْ كَانَ يَتَحَلَّلُ مِنْهُ شَيْءٌ. قَوْلُهُ: [فِي الْجَوَازِ] : أَيْ فِي مُتَعَلِّقِهِ لِأَنَّ الشُّرُوطَ فِي الشَّيْءِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَوَازُ قَوْلُهُ: [كَالْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ] إلَخْ: حَيْثُ كَانَ كُلٌّ سَالِمًا مِنْ الْكَسْرِ وَإِلَّا كَانَ مِنْ الْمُؤْذِي. قَوْلُهُ: [لِحُرْمَةِ الْحُرُوفِ] : أَيْ لِشَرَفِهَا. قَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيِّ: مَحَلُّ كَوْنِ الْحُرُوفِ لَهَا حُرْمَةٌ إذَا كَانَتْ مَكْتُوبَةً بِالْعَرَبِيِّ، وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ لَهَا إلَّا إذَا كَانَ الْمَكْتُوبُ بِهَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَقَالَ الْأُجْهُورِيُّ: الْحُرُوفُ لَهَا حُرْمَةٌ سَوَاءٌ كُتِبَتْ بِالْعَرَبِيِّ أَوْ بِغَيْرِهِ وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ (ح) وَفَتْوَى النَّاصِرِ. قَالَ شَيْخُنَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ مِنْ (حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَلَوْ وَقْفًا] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْوَقْفُ مَسْجِدًا أَوْ غَيْرَهُ، وَكَانَ الْوَاقِفُ لَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ، كَانَ الِاسْتِجْمَارُ بِجِدَارِ الْوَقْفِ مِنْ دَاخِلٍ أَوْ خَارِجٍ. وَأَمَّا مِلْكُ الْغَيْرِ فَمَحَلُّ الْحُرْمَةِ إذَا اسْتَجْمَرَ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ، فَإِنْ اسْتَجْمَرَ بِإِذْنِهِ كُرِهَ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [طَاهِرَيْنِ] : أَيْ لِأَنَّ الْعَظْمَ طَعَامُ الْجِنِّ فَإِنَّهُ يُكْسَى لَحْمًا. وَالرَّوْثَ طَعَامُ دَوَابِّهِمْ يَرْجِعُ عَلَفًا كَمَا كَانَ عَلَيْهِ، وَهَلْ الَّذِي يَصِيرُ كَذَلِكَ كُلُّ رَوْثٍ أَوْ خُصُوصُ

[فصل في فرائض الوضوء]

وَبِجِدَارٍ مَمْلُوكٍ لَهُ. فَإِنْ وُجِدَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ الْخَمْسَةُ جَازَ الِاسْتِجْمَارُ، فَإِنْ انْتَفَى شَرْطٌ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ، وَلَكِنَّهُ يُجْزِي إنْ أَنْقَى الْمَحَلَّ؛ كَالْمُحْتَرَمِ وَالنَّجِسِ الْيَابِسِ الَّذِي لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ شَيْءٌ. كَمَا يُجْزِي الْإِنْقَاءُ بِالْيَدِ بِدُونِ الثَّلَاثِ مِنْ الْأَحْجَارِ وَنَحْوِهَا. وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَحَلَّ الْإِجْزَاءِ فِي غَيْرِ الْمَنِيِّ وَبَوْلِ الْمَرْأَةِ وَالدَّمِ وَالْمُنْتَشِرِ كَثِيرًا أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مُسْتَثْنًى مِمَّا هُنَا. وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى طَهَارَةِ الْخَبَثِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQرَوْثِ الْمُبَاحِ؟ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ الْعَظْمُ طَعَامَ الْجِنِّ وَالرَّوْثُ طَعَامَ دَوَابِّهِمْ صَارَ النَّهْيُ عَنْهُمَا لِحَقِّ الْغَيْرِ. إنْ قُلْت إذَا كَانَ الرَّوْثُ عَلَفَ دَوَابِّهِمْ مَنْهِيًّا عَنْهُ يَكُونُ عَلَفُ دَوَابِّ الْإِنْسِ مِنْ الْحَشِيشِ وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ مَا لَيْسَ مَطْعُومًا لِلْآدَمِيِّ كَذَلِكَ، وَالْجَوَابُ أَنَّ النَّهْيَ فِي الرَّوْثِ وَرَدَ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى مَجْمُوعِهِ) . قَوْلُهُ: [مَمْلُوكٍ لَهُ] : أَيْ وَاسْتَجْمَرَ بِهِ مِنْ دَاخِلٍ، وَأَمَّا مِنْ خَارِجٍ فَقَوْلَانِ: بِالْكَرَاهَةِ وَالْحُرْمَةِ. وَإِنَّمَا قِيلَ بِالْحُرْمَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْزِلُ مَطَرٌ عَلَيْهِ مَثَلًا وَيَلْتَصِقُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ عَلَيْهِ فَتُصِيبُهُ النَّجَاسَةُ. قَوْلُهُ: [لَمْ يَجُزْ] : أَيْ إذَا أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى تِلْكَ الْأَشْيَاءِ، وَأَمَّا إنْ قَصَدَ أَنْ يَتْبَعَهَا الْمَاءُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ. إلَّا الْمُحَرَّمُ وَالْمُحَدَّدُ وَالنَّجِسُ. فَالْحُرْمَةُ مُطْلَقًا. لَا يُقَالُ الْجَزْمُ بِحُرْمَةِ النَّجِسِ مُطْلَقًا مُشْكِلٌ مَعَ مَا مَرَّ مِنْ كَرَاهَةِ التَّلَطُّخِ بِالنَّجَاسَةِ عَلَى الرَّاجِحِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الِاسْتِجْمَارُ بِالنَّجَاسَةِ فِيهِ قَصْدٌ لِاسْتِعْمَالِ النَّجِسِ، وَهَذَا مَمْنُوعٌ وَالتَّلْطِيخُ الْمَكْرُوهُ لَيْسَ فِيهِ قَصْدُ الِاسْتِعْمَالِ (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَبِدُونِ الثَّلَاثِ] إلَخْ: خِلَافًا لِأَبِي الْفَرَجِ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ الثَّلَاثَةَ، فَإِنْ أَنْقَى مِنْ الثَّلَاثَةِ فَلَا بُدَّ مِنْهَا. قَوْلُهُ: [وَالدَّمُ] : أَيْ دَمُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ. [فَصْلٌ فِي فَرَائِضِ الْوُضُوءِ] [مَا يَجِب غسله وَمَسَحَهُ] قَوْلُهُ: [وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ] إلَخْ: أَيْ لَمَّا انْقَضَى الْكَلَامُ عَلَى وَسَائِلِ الطَّهَارَةِ الثَّلَاثِ الَّتِي هِيَ بَيَانُ الْمَاءِ الَّذِي تَحْصُلُ بِهِ الطَّهَارَةُ، وَبَيَانُ الْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ وَالنَّجِسَةِ، وَبَيَانُ حُكْمِ

طَهَارَةِ الْحَدَثِ؛ صُغْرَى وَكُبْرَى، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا. وَبَدَأَ بِالصُّغْرَى فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQإزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَكَيْفِيَّةِ إزَالَتِهَا مِنْ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ، وَمَا يُعْفَى مِنْهَا وَمَا لَا يُعْفَى أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْكَلَامِ عَلَى مَقَاصِدِ الطَّهَارَةِ وَهِيَ: الْوُضُوءُ وَنَوَاقِضُهُ، وَالْغُسْلُ وَنَوَاقِضُهُ، وَمَا هُوَ بَدَلٌ عَنْهُمَا وَهُوَ التَّيَمُّمُ، أَوْ عَنْ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ وَهُوَ مَسْحُ الْخُفِّ وَالْجَبِيرَةِ، فَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ شَرَعَ الْكَلَامَ إلَخْ. قَوْلُهُ: [طَهَارَةُ] : أَرَادَ بِهَا التَّطْهِيرَ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ كَمَا تُطْلَقُ عَلَى الصِّفَةِ الْحُكْمِيَّةِ تُطْلَقُ عَلَى التَّطْهِيرِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ.

فَصْلٌ: فِي فَرَائِضِ الْوُضُوءِ وَسُنَنِهِ وَفَضَائِلِهِ وَمَكْرُوهَاتِهِ وَمَنْدُوبَاتِهِ وَشُرُوطِ صِحَّتِهِ وَوُجُوبِهِ (فَرَائِضُ الْوُضُوءِ: غَسْلُ الْوَجْهِ مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ إلَى مُنْتَهَى الذَّقَنِ أَوْ اللِّحْيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ قَوْلُهُ: (فَرَائِضُ) إلَخْ: جَمْعُ فَرِيضَةٍ: وَهُوَ الْأَمْرُ الَّذِي يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَيَتَرَتَّبُ الْعِقَابُ عَلَى تَرْكِهِ، وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا: فَرْضٌ، وَيُجْمَعُ الْفَرْضُ عَلَى فُرُوضٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَرَائِضُ جَمْعُ كَثْرَةٍ، وَهُوَ مِنْ الْعَشَرَةِ فَفَوْقَ مَعَ أَنَّهُ سَبْعَةٌ؟ يُقَالُ: اسْتِعْمَالُ جَمْعِ الْكَثْرَةِ فِي الْقِلَّةِ أَوْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَبْدَأَ جَمْعِ الْكَثْرَةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ فِي الْمَبْدَأِ، وَقَوْلُ (تت) : فَرَائِضُ جَمْعُ فَرْضٍ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فَعْلًا لَا يُجْمَعُ عَلَى فَعَائِلَ بَلْ هُوَ جَمْعُ فَرِيضَةٍ بِمَعْنَى مَفْرُوضَةٍ. وَمُرَادُهُ بِالْفَرْضِ هُنَا مَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ. فَيَشْمَلُ وُضُوءَ الصَّبِيِّ، وَالْوُضُوءَ قَبْلَ الْوَقْتِ. وَالْوُضُوءُ بِضَمِّ الْوَاوِ: الْفِعْلُ، وَبِفَتْحِهَا: الْمَاءُ عَلَى الْمَعْرُوفِ فِي اللُّغَةِ، وَحُكِيَ الضَّمُّ وَالْفَتْحُ فِيهِمَا. وَهَلْ هُوَ اسْمٌ لِلْمَاءِ الْمُطْلَقِ؟ أَوْ لَهُ بَعْدَ كَوْنِهِ مُعَدًّا لِلْوُضُوءِ، أَوْ بَعْدَ كَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا فِي الْعِبَادَاتِ؟ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَضَاءَةِ بِالْمَدِّ - وَهِيَ النَّظَافَةُ بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ - وَالْحُسْنِ. وَشَرْعًا: طَهَارَةٌ مَائِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِأَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَهِيَ الْأَعْضَاءُ الْأَرْبَعَةُ. وَإِنَّمَا خُصَّتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ اكْتِسَابِ الْخَطَايَا، وَلِأَنَّ آدَمَ مَشَى إلَى الشَّجَرَةِ بِرِجْلَيْهِ وَتَنَاوَلَ مِنْهَا بِيَدِهِ، وَأَكَلَ بِفَمِهِ، وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِوَرَقِهَا. وَاخْتَصَّ الرَّأْسُ بِالْمَسْحِ لِسَتْرِهِ غَالِبًا فَاكْتُفِيَ بِأَدْنَى طَهَارَةٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ. وَمُحَصَّلُ ذَلِكَ أَنَّ مِنْهَا فَرْضًا بِإِجْمَاعٍ. وَهُوَ الْأَعْضَاءُ الْأَرْبَعَةُ، وَعَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ وَهِيَ النِّيَّةُ وَالدَّلْكُ وَالْفَوْرُ (اهـ. مِنْ الْخَرَشِيِّ وَالْحَاشِيَةِ) . وَفَرَائِضُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ يُؤْخَذُ مِنْ حِلِّ الشَّارِحِ تَقْدِيرُهُ سَبْعَةٌ، وَقَوْلُهُ: غَسْلُ الْوَجْهِ خَبَرٌ لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ قَدَّرَهُ الشَّارِحُ، وَيَصِحُّ جَعْلُهُ خَبَرًا عَنْ فَرَائِضَ. وَقَوْلُهُ: [مِنْ مَنَابِتِ] : مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ قَدَّرَهُ الشَّارِحُ

وَمَا بَيْنَ وَتَدَيْ الْأُذُنَيْنِ) : فَرَائِضُ الْوُضُوءِ سَبْعَةٌ: أَوَّلُهَا: غَسْلُ جَمِيعِ الْوَجْهِ، وَحْدَهُ طُولًا مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ إلَى مُنْتَهَى الذَّقَنِ فِيمَنْ لَا لِحْيَةَ لَهُ أَوْ مُنْتَهَى اللِّحْيَةِ فِيمَنْ لَهُ لِحْيَةٌ. وَالذَّقَنُ - بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ مَجْمَعُ اللَّحْيَيْنِ - بِفَتْحِ اللَّامِ - تَثْنِيَةُ لَحْيٍ: وَهُوَ فَكُّ الْحَنَكِ الْأَسْفَلِ. وَاللِّحْيَةُ - بِفَتْحِ اللَّامِ - هِيَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى ذَلِكَ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: [الْمُعْتَادِ] : الْأَصْلَعُ - بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ - وَهُوَ مَنْ انْحَسَرَ شَعْرُ رَأْسِهِ إلَى جِهَةِ الْيَافُوخِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْتَهِيَ فِي غَسْلِهِ إلَى مَنَابِتِ شَعْرِهِ. وَخَرَجَ الْأَغَمُّ: وَهُوَ مَنْ نَزَلَ شَعْرُ رَأْسِهِ إلَى جِهَةِ حَاجِبِهِ؛ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُدْخِلَ فِي غَسْلِهِ مَا نَزَلَ عَنْ الْمُعْتَادِ. وَلَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِ جُزْءٍ يَسِيرٍ مِنْ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ، وَحَدُّهُ عَرْضًا مِنْ وَتَدِ الْأُذُنِ إلَى الْوَتَدِ الْآخَرِ؛ فَلَمْ يَدْخُلْ الْوَتَدَانِ فِي الْوَجْهِ وَلَا الْبَيَاضُ الَّذِي فَوْقَهُمَا وَلَا شَعْرُ الصُّدْغَيْنِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْبَيَاضُ الَّذِي تَحْتَهُمَا؛ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِقَوْلِهِ: (وَحَدُّهُ طُولًا) إلَخْ. وَقَوْلُهُ: [وَمَا بَيْنَ وَتَدَيْ الْأُذُنَيْنِ] : خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ قَدَّرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: (وَحَدُّهُ عَرْضًا) إلَخْ. قَوْلُهُ: [غَسْلُ جَمِيعِ الْوَجْهِ] : أَيْ وَلَوْ تَعَدَّدَ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: [بِفَتْحِ اللَّامِ] : وَحُكِيَ كَسْرُهَا فِي الْمُفْرَدِ وَالْمَثْنَى. قَوْلُهُ: [فَكُّ الْحَنَكِ الْأَسْفَلِ] : وَهُوَ قِطْعَتَانِ وَمَحَلُّ اجْتِمَاعِهِمَا هُوَ الذَّقَنُ، وَسُمِّيَ فَكًّا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ مَفْكُوكٌ عَنْ صَاحِبِهِ. قَوْلُهُ: [وَاللِّحْيَةُ بِفَتْحِ اللَّامِ] : وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَجَمْعُهَا: لِحًى بِالْكَسْرِ. قَوْلُهُ: [الْأَصْلَعُ] إلَخْ: الْحَاصِلُ أَنَّ خُلُوَّ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ مِنْ الشَّعْرِ، يُقَالُ لَهُ صَلَعٌ وَلِصَاحِبِهِ أَصْلَعُ. وَالْأَنْزَعُ: هُوَ الَّذِي لَهُ نَزَعَتَانِ - بِفَتْحَتَيْنِ - أَيْ بَيَاضَانِ يَكْتَنِفَانِ نَاصِيَتَهُ؛ فَكَمَا لَا تَدْخُلُ نَاصِيَةُ الْأَصْلَعِ فِي الْوَجْهِ لَا يَدْخُلُ الْبَيَاضَانِ لِلْأَنْزَعِ. قَوْلُهُ: [وَلَا بُدَّ] إلَخْ: أَيْ كَمَا لَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِ جُزْءٍ مِنْ الْوَجْهِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ، وَلَيْسَ لَنَا فَرْضٌ يُغْسَلُ وَيُمْسَحُ إلَّا الْحَدَّ الَّذِي بَيْنَ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَتِمُّ] إلَخْ: أَيْ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَهَلْ بِوُجُوبِ مُسْتَقِلٍّ؟ أَوْ بِوُجُوبِ الْوَاجِبِ الَّذِي يَتِمُّ بِهِ؟ قَوْلَانِ. قَوْلُهُ: [وَحَدُّهُ عَرَضًا] إلَخْ: الْحَاصِلُ أَنَّ بَعْضَ الصُّدْغِ مِنْ الْوَجْهِ وَهُوَ الْعَظْمُ

مِنْ الْوَجْهِ. (فَيَغْسِلُ الْوَتْرَةَ وَأَسَارِيرَ جَبْهَتِهِ وَظَاهِرَ شَفَتَيْهِ، وَمَا غَارَ مِنْ جَفْنٍ أَوْ غَيْرِهِ، بِتَخْلِيلِ شَعْرٍ تَظْهَرُ الْبَشَرَةُ تَحْتَهُ) : هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ؛ أَيْ إذَا عَلِمْت وُجُوبَ غَسْلِ جَمِيعِ الْوَجْهِ، فَيَجِبُ غَسْلُ وَتَرَةِ الْأَنْفِ - بِفَتْحِ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْوَاوِ - وَهِيَ الْحَاجِزُ بَيْنَ طَاقَتَيْ الْأَنْفِ، وَغَسْلُ أَسَارِيرِ الْجَبْهَةِ - وَهِيَ التَّكَامِيشُ - جَمْعُ أَسِرَّةٍ كَأَزِمَّةٍ، وَاحِدُهُ سِرَارٌ كَزِمَامٍ، أَوْ جَمْعُ أَسْرَارٍ كَأَعْنَابٍ وَاحِدُهُ سِرَرٌ كَعِنَبٍ. فَأَسَارِيرُ جَمْعُ الْجَمْعِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَغَسْلُ ظَاهِرِ الشَّفَتَيْنِ. وَغَسْلُ مَا غَارَ مِنْ جَفْنٍ أَوْ غَيْرِهِ، كَأَثَرِ جُرْحٍ أَوْ مَا خُلِقَ غَائِرًا، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ: " لَا جُرْحًا بَرِئَ أَوْ خُلِقَ غَائِرًا "، فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ غَسْلُهُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يُمْكِنْ تَحْصِيلُهُ لَمْ يُخَاطَبْ بِهِ الْمُكَلَّفُ، فَكَانَ عَلَيْهِ حَذْفُ حَرْفِ النَّفْيِ وَعَطْفُهُ عَلَى الْمُثْبَتِ. مَعَ وُجُوبِ تَخْلِيلِ شَعْرٍ - بِفَتْحِ الشِّينِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّاتِئُ، فَمَا دُونَهُ، وَبَعْضُهُ مِنْ الرَّأْسِ وَهُوَ مَا فَوْقَهُ الشَّعْرِ، فَمَا بَيْنَ شَعْرِ الصُّدْغَيْنِ مِنْ الْوَجْهِ قَطْعًا؛ وَشَعْرُ الصُّدْغَيْنِ مِنْ الرَّأْسِ قَطْعًا، وَمَا فَوْقَ الْوَتَدَيْنِ مِنْ الْبَيَاضِ كَذَلِكَ، وَمَا تَحْتَ الْوَتَدَيْنِ مِنْ الْوَجْهِ، فَيُغْسَلُ. وَدَخَلَ فِي الْوَجْهِ الْجَبِينَانِ وَهُمَا الْمُحِيطَانِ بِالْجَبْهَةِ يَمِينًا وَشِمَالًا (اهـ. مِنْ الْحَاشِيَةِ) . قَوْلُهُ: [جَبْهَتُهُ] : الْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَا ارْتَفَعَ عَنْ الْحَاجِبَيْنِ إلَى مَبْدَإِ الرَّأْسِ، فَيَشْمَلُ الْجَبِينَيْنِ، كَمَا تَقَدَّمَ، بِخِلَافِ الْجَبْهَةِ فِي السُّجُودِ فَهِيَ مُسْتَدِيرُ مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ إلَى النَّاصِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَظَاهِرُ شَفَتَيْهِ] : هُوَ مَا يَبْدُو مِنْهُمَا عِنْدَ انْطِبَاقِهِمَا انْطِبَاقًا طَبِيعًا. قَوْلُهُ: [مَعَ وُجُوبُ تَخْلِيلِ شَعْرِ] إلَخْ: الْحَاصِلُ أَنَّ اللِّحْيَةَ حَيْثُ كَانَتْ خَفِيفَةً - وَكُلُّ شَعْرٍ فِي الْوَجْهِ خَفِيفٌ - يَجِبُ عَلَيْهِ إيصَالُ الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَكَرٍ وَأُنْثَى. وَإِنْ كَانَ الشَّعْرُ كَثِيفًا يُكْرَهُ تَخْلِيلُهُ فِي الْوُضُوءِ، سَوَاءٌ كَانَ لِحْيَةً أَوْ غَيْرَهَا لِذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى. وَلَا يُطَالَبُ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِغَسْلِ أَسْفَلِ اللِّحْيَةِ الَّذِي يَلِي الْعُنُقَ كَانَتْ كَثِيفَةً أَوْ خَفِيفَةً.

[تنبيه وضوء الأقطع]

الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ - إذَا كَانَتْ الْبَشَرَةُ، بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ: الْجِلْدَةُ الَّتِي تَظْهَرُ فِي مَجْلِسِ الْمُخَاطَبَةِ تَحْتَ الشَّعْرِ، وَهُوَ الشَّعْرُ الْخَفِيفُ سَوَاءً كَانَ شَعْرَ لِحْيَةٍ أَوْ حَاجِبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا. وَالْمُرَادُ بِالتَّخْلِيلِ: إيصَالُ الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ بِالدَّلْكِ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَأَمَّا الْكَثِيفُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيلُهُ أَيْ إيصَالُ الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ تَحْتَهُ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَجِبُ تَحْرِيكُهُ لِيَدْخُلَ الْمَاءُ بَيْنَ ظَاهِرِهِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ لِلْبَشَرَةِ. (وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ بِتَخْلِيلِ أَصَابِعِهِ لَا تَحْرِيكِ خَاتَمِهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ) : الْفَرِيضَةُ الثَّانِيَةُ: غَسْلُ الْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، بِإِدْخَالِهِمَا فِي الْغَسْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَلَى ظَاهِرِهِ] : أَيْ لَا بَاطِنِهِ الَّذِي يَلِي الْعُنُقَ، فَلَا يُطَالَبُ بِغَسْلِهِ وَغَسْلُهُ مِنْ التَّعَمُّقِ فِي الدِّينِ. تَنْبِيهٌ: يَجِبُ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ عِنْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ إزَالَةُ مَا بِعَيْنَيْهِ مِنْ الْقَذْي، فَإِنْ وَجَدَ بِعَيْنَيْهِ شَيْئًا بَعْدَ وُضُوئِهِ وَأَمْكَنَ حُدُوثُهُ لِطُولِ الْمُدَّةِ، حُمِلَ عَلَى الطَّرَيَانِ، حَيْثُ أَمَرَّ يَدَهُ عَلَى مَحَلِّهِ حِينَ غَسْلِ وَجْهِهِ. [تَنْبِيه وضوء الْأَقْطَع] قَوْلُهُ: [وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ] : أَيْ لِلسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَإِنْ صَدَقَتْ الْآيَةُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ أَخْذًا مِنْ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ. قَوْلُهُ: [بِإِدْخَالِهِمَا فِي الْغُسْلِ] : لِلسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَإِلَّا فَالْأَصْلُ فِي " إلَى " عَدَمُ الْإِدْخَالِ. كَمَا قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَفِي دُخُولِ الْغَايَةِ الْأَصَحُّ لَا ... تَدْخُلُ مَعَ إلَى وَحَتَّى دَخَلَا وَسُمِّيَا مِرْفَقَيْنِ لِأَنَّ الْمُتَّكِئَ يَرْتَفِقُ بِهِمَا إذَا أَخَذَ بِرَاحَتِهِ رَأْسَهُ مُتَّكِئًا عَلَى ذِرَاعَيْهِ. تَنْبِيهٌ: يَلْزَمُ الْأَقْطَعَ أُجْرَةُ مَنْ يُطَهِّرُهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَ مَا أَمْكَنَهُ، قَالَهُ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ وَيَلْزَمُ غَسْلُ بَقِيَّةِ مِعْصَمٍ إنْ قُطِعَ الْمِعْصَمُ، وَكُلُّ عُضْوٍ سَقَطَ بَعْضُهُ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِبَاقِيهِ غَسْلًا وَمَسْحًا، كَمَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ كَفٍّ خُلِقَتْ بِمَنْكِبٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَاهَا، فَإِنْ كَانَ لَهُ يَدٌ سِوَاهَا فَلَا يَجِبُ غَسْلُ الْكَفِّ إلَّا إذَا نَبَتَتْ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ أَوْ غَيْرِهِ وَكَانَ لَهَا مِرْفَقٌ، فَتُغْسَلُ لِلْمِرْفَقِ؛ لِأَنَّ لَهَا حِينَئِذٍ حُكْمُ الْيَدِ الْأَصْلِيَّةِ، بَلْ لَوْ كَثُرَتْ الْأَيَادِي الَّتِي بِالْمَرَافِقِ تُغْسَلُ كُلُّهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِرْفَقٌ فَلَا غُسْلَ مَا لَمْ تَصِلْ لِمَحَلِّ الْفَرْضِ، فَإِنْ وَصَلَتْ غُسِلَ مَا وَصَلَ إلَى مُحَاذَاةِ الْمِرْفَقِ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ. وَيُقَالُ فِي الرِّجْلِ الزَّائِدَةِ مَا قِيلَ فِي الْيَدِ، وَيُنَزَّلُ الْكَعْبُ مَنْزِلَةَ الْمِرْفَقِ (اهـ مِنْ الْأَصْلِ) .

[تنبيه غسل النساء شعرهن]

مَعَ وُجُوبِ تَخْلِيلِ أَصَابِعِهِ وَمُعَاهَدَةِ تَكَامِيشِ الْأَنَامِلِ أَوْ غَيْرِهَا. وَلَا يَجِبُ تَحْرِيكُ الْخَاتَمِ الْمَأْذُونِ فِيهِ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَلَوْ ضَيِّقًا لَا يَدْخُلُ الْمَاءُ تَحْتَهُ، وَلَا يُعَدُّ حَائِلًا. بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ كَالذَّهَبِ لِلرَّجُلِ أَوْ الْمُتَعَدِّدِ، فَلَا بُدَّ مِنْ نَزْعِهِ مَا لَمْ يَكُنْ وَاسِعًا يَدْخُلُ الْمَاءُ تَحْتَهُ فَيَكْفِي تَحْرِيكُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّلْكِ بِالْخِرْقَةِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَرَامِ كَالذَّهَبِ، أَوْ الْمَكْرُوهِ كَالنُّحَاسِ، وَإِنْ كَانَ الْمُحَرَّمُ يَجِبُ نَزْعُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَرَامٌ. وَقَوْلُهُ: [خَاتَمِهِ] الْإِضَافَةُ فِيهِ لِلْجِنْسِ، فَيَشْمَلُ الْمُتَعَدِّدَ لِلْمَرْأَةِ. (وَمَسْحُ جَمِيعِ الرَّأْسِ مَعَ شَعْرِ صُدْغَيْهِ وَمَا اسْتَرْخَى، لَا نَقْضُ ضُفُرِهِ. وَأَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَهُ فِي رَدِّ الْمَسْحِ) الْفَرِيضَةُ الثَّالِثَةُ: مَسْحُ جَمِيعِ الرَّأْسِ مِنْ مَنَابِتِ الشَّعْرِ الْمُعْتَادِ مِنْ الْمُقَدَّمِ إلَى نُقْرَةِ الْقَفَا مَعَ مَسْحِ شَعْرِ صُدْغَيْهِ مِمَّا فَوْقَ الْعَظْمِ النَّاتِئِ فِي الْوَجْهِ. وَأَمَّا هُوَ فَلَا يَمْسَحُ بَلْ يَغْسِلُ فِي الْوَجْهِ. وَيَدْخُلُ فِي الرَّأْسِ الْبَيَاضُ الَّذِي فَوْقَ وَتَدَيْ الْأُذُنَيْنِ كَمَا مَرَّ، وَمَعَ مَسْحِ مَا اسْتَرْخَى مِنْ الشَّعْرِ وَلَوْ طَالَ جِدًّا. وَلَيْسَ عَلَى الْمَاسِحِ - مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى - نَقْضُ مَضْفُورِهِ وَلَوْ اشْتَدَّ الضَّفْرُ مَا لَمْ يَكُنْ بِخُيُوطٍ كَثِيرَةٍ، وَإِلَّا نُقِضَ؛ لِأَنَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مَعَ وُجُوبِ تَخْلِيلِ أَصَابِعِهِ] : إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْبَاءَ فِي [بِتَخْلِيلِ] بِمَعْنَى مَعَ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ ضَيِّقًا] : لَكِنَّهُ إذَا كَانَ ضَيِّقًا فَنَزَعَهُ تَدَارَكَ مَا تَحْتَهُ وَمِنْهُ أَسَاوِرُ الْمَرْأَةِ. وَالظَّاهِرُ لَا يَجِبُ تَعْمِيمُ الْخَاتَمِ نِيَابَةً عَمَّا تَحْتَهُ بِخِلَافِ الشَّوْكَةِ. قَوْلُهُ: [مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَرَامٌ] : أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ تَوَقُّفُ صِحَّةِ الْوُضُوءِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْوُضُوءَ صَحِيحٌ حَيْثُ كَانَ وَاسِعًا عَلَى كُلِّ حَالٍ. [تَنْبِيه غَسَلَ النِّسَاء شعرهن] قَوْلُهُ: [وَمَسْحُ جَمِيعِ الرَّأْسِ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَا يَلْزَمُ غَسْلُهُ عِنْدَ كَثْرَةِ الْعَرَقِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ، خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَغْسِلُهُ عِنْدَ الْعَرَقِ لِئَلَّا يُضِيفَ الْمَاءَ، فَلَيْسَ كَلَامُهُ بِشَيْءٍ، فَلَوْ وَقَعَ وَنَزَلَ وَغَسَلَهُ أَجْزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ. قَوْلُهُ: [بِخُيُوطٍ كَثِيرَةٍ] : حَاصِلَةُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ خَيْطَيْنِ نُقِضَ فِي

حَائِلٌ، وَاغْتُفِرَ الْخَيْطَانِ. وَأَمَّا الْغَسْلُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نَقْضِ مَا اشْتَدَّ ضَفْرُهُ وَلَوْ بِنَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يُظَنُّ سَرَيَانُ الْمَاءِ فِي خِلَالِهِ كَالْمَضْفُورِ بِخُيُوطٍ كَثِيرَةٍ. وَأَدْخَلَ الْمَاسِحُ يَدَهُ وُجُوبًا تَحْتَ الشَّعْرِ الْمُسْتَطِيلِ فِي رَدِّ الْمَسْحِ إذْ لَا يَحْصُلُ التَّعْمِيمُ إلَّا بِهِ. وَمَحَلُّ قَوْلِهِمْ: الرَّدُّ سُنَّةٌ، أَيْ بَعْدَ التَّعْمِيمِ، ذَكَرَهُ الْأُجْهُورِيُّ. وَرَدَّ: بِأَنَّ جَمِيعَ نُصُوصِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّ الرَّدَّ بَعْدَ مَسْحِ ظَاهِرِ الشَّعْرِ أَوَّلًا سُنَّةٌ، وَلَا يَجِبُ رَدٌّ أَصْلًا. (وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ بِالْكَعْبَيْنِ النَّاتِئَيْنِ بِمِفْصَلَيْ السَّاقَيْنِ مَعَ تَعَهُّدِ مَا تَحْتَهُمَا كَأُخْمُصَيْهِ، وَنُدِبَ تَخْلِيلُ أَصَابِعِهِمَا) : الْفَرِيضَةُ الرَّابِعَةُ: غَسْلُ جَمِيعِ الرِّجْلَيْنِ، أَيْ الْقَدَمَيْنِ مَعَ إدْخَالِ الْكَعْبَيْنِ فِي الْغَسْلِ؛ وَهُمَا الْعَظْمَاتُ النَّاتِئَانِ أَيْ الْبَارِزَانِ أَسْفَلَ السَّاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ: اشْتَدَّ أَمْ لَا. وَبِخَيْطٍ أَوْ بِخَيْطَيْنِ إنْ اشْتَدَّ فِيهِمَا نُقِضَ وَإِلَّا فَلَا. وَبِنَفْسِهِ لَا يُنْقَضُ فِي الْوُضُوءِ مُطْلَقًا، وَيُنْقَضُ فِي الْغُسْلِ إنْ اشْتَدَّ، لَا فَرْقَ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، قَالَ شَيْخُنَا الْجَدَّاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ فِي ثَلَاثِ الْخَيْطِ يُضَفَّرُ الشَّعْرُ ... فَنَقْضُهُ فِي كُلِّ حَالٍ قَدْ ظَهَرَ وَفِي أَقَلَّ إنْ يَكُنْ ذَا شَدَّهُ ... فَالنَّقْضُ فِي الطُّهْرَيْنِ صَارَ عَمْدَهُ وَإِنْ خَلَا عَنْ الْخُيُوطِ أَبْطَلَهُ ... فِي الْغُسْلِ إنْ شَدَّ وَإِلَّا أَهْمَلَهُ تَنْبِيهٌ: يَنْفَعُ النِّسَاءَ فِي الْوُضُوءِ تَقْلِيدُ الشَّافِعِيِّ أَوْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْغُسْلِ تَقْلِيدُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يَكْتَفِي فِي الْغُسْلِ بِوُصُولِ الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ الْمُسْتَرْخِيَ مِنْ الشَّعْرِ. بَلْ لَوْ كَانَ الْمُسْتَرْخِي جَافًّا عِنْدَهُ فَلَا ضَرَرَ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ. قَوْلُهُ: [وَاغْتُفِرَ الْخَيْطَانِ] : أَيْ إنْ لَمْ يَشْتَدَّ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَجِبُ رَدٌّ أَصْلًا] : وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّرْقَانِيُّ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ الْبَاطِنِ، وَالْمَسْحُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ. وَمَحَلُّ كَوْنِ الرَّدِّ سُنَّةً وَلَوْ فِي الشَّعْرِ الطَّوِيلِ - إذَا بَقِيَ بِيَدِهِ بَلَلٌ مِنْ الْمَسْحِ الْوَاجِبِ، فَإِنْ بَقِيَ مَا يَكْفِي فِي الرَّدِّ هَلْ يُسَنُّ بِقَدْرِ الْبَلَلِ فَقَطْ - وَهُوَ الظَّاهِرُ - أَوْ يَسْقُطُ؟ (اهـ مِنْ الْأَصْلِ) . فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْمُصَنِّفُ مَشَى عَلَى كَلَامِ الْأُجْهُورِيِّ، وَقَدْ ظَهَرَ لِلشَّارِحِ ضَعْفُهُ. قَوْلُهُ: [بِالْكَعْبَيْنِ] : الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ بِمَعْنَى مَعَ، بِخِلَافِهَا فِي قَوْلِهِ: [بِمَفْصِلَيْ السَّاقَيْنِ] ، فَإِنَّهَا لِلظَّرْفِيَّةِ بِمَعْنَى: فِي.

[الدلك والموالاة في الوضوء]

تَحْتَهُمَا مَفْصِلُ السَّاقِ، وَالْمَفْصِلُ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ - وَاحِدُ الْمَفَاصِلِ. وَبِالْعَكْسِ اللِّسَانُ. وَيَجِبُ تَعَهُّدُ مَا تَحْتَهُمَا كَالْعُرْقُوبِ وَالْأَخْمُصِ - وَهُوَ بَاطِنُ الْقَدَمِ - بِالْغَسْلِ، وَكَذَا سَائِرُ الْمَغَابِنِ. وَيُنْدَبُ تَخْلِيلُ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ، يَبْدَأُ نَدْبًا بِخِنْصَرِ الْيُمْنَى، وَيَخْتِمُ بِإِبْهَامِهَا مِنْ أَسْفَلِهَا بِسَبَّابَتِهِ، ثُمَّ يَبْدَأُ بِإِبْهَامِ الْيُسْرَى وَيَخْتِمُ بِخِنْصَرِهَا كَذَلِكَ، وَالدَّلْكُ بِالْيَدِ الْيُسْرَى. (وَدَلْكٌ خَفِيفٌ بِيَدٍ) : الْفَرِيضَةُ الْخَامِسَةُ: الدَّلْكُ: وَهُوَ إمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الْعُضْوِ وَلَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَاحِدُ الْمَفَاصِلِ] : هُوَ مَجْمَعُ مَفْصِلِ السَّاقِ مِنْ الْقَدَمِ، وَالْعَقِبُ تَحْتَهُ. قَوْلُهُ: [كَالْعُرْقُوبِ] : هُوَ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ، وَمُرَادُهُ بِالْعُرْقُوبِ مَا يَشْمَلُ الْعَقِبَ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ» . قَوْلُهُ: [وَيُنْدَبُ تَخْلِيلُ] إلَخْ: أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ التَّخْلِيلِ فِي الرِّجْلَيْنِ كَالْيَدَيْنِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قِيلَ بِوُجُوبِهِ فِيهِمَا وَنَدْبِهِ فِيهِمَا. وَالْمَشْهُورُ الْوُجُوبُ فِي الْيَدَيْنِ وَالنَّدْبُ فِي الرِّجْلَيْنِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ فِي الْيَدَيْنِ لِعَدَمِ شِدَّةِ الْتِصَاقِهِمَا بِخِلَافِ الرِّجْلَيْنِ. قَوْلُهُ: [مِنْ أَسْفَلِهَا] إلَخْ: مَنْدُوبٌ ثَانٍ. تَنْبِيهٌ: قَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ: وَلَا يُعِيدُ مُزِيلٌ كَاللِّحْيَةِ - عَلَى الرَّاجِحِ - وَلَوْ كَثِيفَةً، وَحُرِّمَ عَلَى الرَّجُلِ وَوَجَبَ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَكَذَا لَا يُعْتَبَرُ كَشْطُ جِلْدٍ، وَأَوْلَى قَلْمُ ظُفْرٍ وَحَلْقُ رَأْسٍ. وَلَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ الْآنَ لِمَنْ عَادَتُهُ الْحَلْقُ (اهـ) . قَالَ فِي حَاشِيَته: لِأَنَّهُ صَارَ عَلَامَةً عَلَى دَعْوَى الْوَلَايَةِ، وَالْكَذِبُ فِيهَا يُخْشَى مِنْهُ سُوءُ الْخَاتِمَةِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى. [الدلك وَالْمُوَالَاة فِي الْوُضُوء] قَوْلُهُ: [وَدَلْكٌ] إلَخْ: هُوَ وَاجِبٌ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ وَصَلَ الْمَاءُ لِلْبَشَرَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ بِنَاءً

بَعْدَ صَبِّ الْمَاءِ قَبْلَ جَفَافِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْيَدِ: بَاطِنُ الْكَفِّ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ فَلَا يَكْفِي دَلْكُ الرِّجْلِ بِالْأُخْرَى، خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَا الدَّلْكُ بِظَاهِرِ الْيَدِ. وَهَذَا فِي الْوُضُوءِ، وَأَمَّا فِي الْغُسْلِ فَيَكْفِي كَمَا سَيَأْتِي. وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا مَرَّةً وَاحِدَةً. وَيُكْرَهُ التَّشْدِيدُ وَالتَّكْرَارُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَمُّقِ فِي الدِّينِ الْمُؤَدِّي لِلْوَسْوَسَةِ. (وَمُوَالَاةٌ إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ) : الْفَرِيضَةُ السَّادِسَةُ: الْمُوَالَاةُ بَيْنَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِأَنْ لَا يَتَرَاخَى بَيْنَهُمَا. وَالتَّعْبِيرُ (بِالْمُوَالَاةِ) أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْفَوْرِ، لِأَنَّهُ يُوهِمُ الْعَجَلَةَ حِينَ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ. وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْمُوَالَاةِ إنْ كَانَ ذَاكِرًا قَادِرًا عَلَيْهَا. فَإِذَا فَرَّقَ بَيْنَ الْأَعْضَاءِ اخْتِيَارًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا بَطَلَ مَا فَعَلَهُ مِنْ الْوُضُوءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى دُخُولِهِ فِي مُسَمَّى الْغُسْلِ، وَإِلَّا كَانَ مُجَرَّدَ إفَاضَةٍ أَوْ غَمْسٍ. إنْ قُلْت: حَيْثُ كَانَ الدَّلْكُ دَاخِلًا فِي مُسَمَّى الْغُسْلِ، فَفَرْضِيَّةُ الْغُسْلِ مُغْنِيَةٌ عَنْهُ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ؟ قُلْت: ذَكَرَهُ لِلرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ الْقَوِيِّ الْقَائِلِ: إنَّهُ وَاجِبٌ لِإِيصَالِ الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ، فَإِنْ وَصَلَ لَهَا بِدُونِهِ لَمْ يَجِبْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ إيصَالَ الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ يُسَمَّى غَسْلًا (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ الْعَلَّامَةِ الْعَدَوِيِّ) . قَوْلُهُ: [وَلَوْ بَعْدَ صَبِّ الْمَاءِ] إلَخْ: أَيْ كَمَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِأَبِي الْحَسَنِ الْقَابِسِيِّ حَيْثُ قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ مُقَارَنَةِ الْيَدِ لِلصَّبِّ. قَوْلُهُ: [وَالْمُرَادُ بِالْيَدِ] إلَخْ: هَذَا مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأُجْهُورِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ. وَفِي (ب ن) نَقْلًا عَنْ الْمِسْنَاوِيِّ: أَنَّ الدَّلْكَ فِي الْوُضُوءِ كَالْغُسْلِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، فَيَكْفِي الدَّلْكُ بِأَيِّ عُضْوٍ كَانَ، أَوْ بِخِرْقَةٍ أَوْ بِحَكِّ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ بِالْأُخْرَى، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ وَمِنْ شَيْخِنَا فِي حَاشِيَةِ مَجْمُوعِهِ. تَنْبِيهٌ: لَا يَضُرُّ إضَافَةُ الْمَاءِ بِسَبَبِ الدَّلْكِ حَيْثُ عَمَّ الْمَاءُ الْعُضْوَ حَالَةَ كَوْنِهِ طَهُورًا، إلَّا أَنْ يَتَجَسَّدَ الْوَسَخُ قَالَهُ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ بِمُرَادٍ] : أَيْ بَلْ الْمُرَادُ عَدَمُ التَّرَاخِي الَّذِي بِهِ الْجَفَافُ. قَوْلُهُ: [قَادِرًا عَلَيْهَا] : قَيَّدَهَا الْمُصَنَّف وَالشَّارِحُ بِالْقُدْرَةِ تَبَعًا لِخَلِيلٍ، وَهُوَ

وَأَعَادَهُ بِالنِّيَّةِ. وَإِنْ فَرَّقَ نَاسِيًا كَوْنَهُ فِي وُضُوءٍ، أَوْ عَاجِزًا عَنْهَا، فَفِيهِ تَفْصِيلٌ أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَبَنَى النَّاسِي مُطْلَقًا بِنِيَّةِ الْإِتْمَامِ كَالْعَاجِزِ إنْ لَمْ يُفَرِّطْ، وَإِلَّا بَنَى مَا لَمْ يُطِلْ بِجَفَافِ عُضْوٍ وَزَمَنٍ اعْتَدَلَا كَالْعَامِدِ) : يَعْنِي أَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْأَعْضَاءِ نَاسِيًا كَوْنَهُ فِي وُضُوءٍ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا فَعَلَ طَالَ الزَّمَنُ أَوْ لَمْ يَطُلْ، وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ، بِنِيَّةِ إتْمَامِ وُضُوئِهِ وَهُوَ مَعْنَى الْإِطْلَاقِ. وَأَمَّا لَوْ فَرَّقَ عَاجِزًا عَنْ إكْمَالِ الْوُضُوءِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُفْرِطًا فِي أَسْبَابِ الْعَجْزِ؛ كَمَا لَوْ أَعَدَّ مَاءً كَافِيًا لِوُضُوئِهِ فَأُهْرِيقَ مِنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَشْهُورُ، وَإِنْ نَازَعَهُ (ر) وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: سُنَّةٌ وَعَلَيْهِ إنْ فَرَّقَ نَاسِيًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَكَذَا عَامِدًا عَلَى مَا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ أَبَدًا، كَتَرْكِ سُنَّةٍ مِنْ سُنَّتِهَا عَمْدًا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ (اهـ مِنْ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَأَعَادَهُ بِالنِّيَّةِ] : أَيْ ابْتَدَأَهُ وُجُوبًا إنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَبْنِي] إلَخْ: أَيْ إنْ شَاءَ، لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْعِبَادَةِ الَّتِي لَا تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ، فَالْمُتَوَضِّئُ مُخَيَّرٌ فِي إتْمَامِ الْوُضُوءِ وَتَرْكِهِ، حَصَلَ نِسْيَانٌ أَمْ لَا. فَيَجُوزُ لَهُ رَفْضُ النِّيَّةِ وَيَبْتَدِئُهُ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: صَلَاةٌ وَصَوْمٌ ثُمَّ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ ... طَوَافٌ عُكُوفٌ وَائْتِمَامٌ تَحَتَّمَا وَفِي غَيْرِهَا كَالطُّهْرِ وَالْوَقْفِ خُيِّرْنَ ... فَمَنْ شَاءَ فَلِيَقْطَعْ وَمَنْ شَاءَ تَمَّمَا وَلِابْنِ كَمَالٍ بَاشَا مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: مِنْ النَّوَافِلِ سَبْعٌ تَلْزَمُ الشَّارِعَ ... أَخْذًا لِذَلِكَ مِمَّا قَالَهُ الشَّارِعُ صَوْمٌ صَلَاةٌ عُكُوفٌ حَجُّهُ الرَّابِعُ ... طَوَافُهُ عُمْرَةٌ إحْرَامُهُ السَّابِعُ فَأَرَادَ الْإِحْرَامَ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَالدُّخُولَ مَعَهُمْ. وَهُوَ الِائْتِمَامُ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ، وَيَجِبُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ بِالشُّرُوعِ أَيْضًا، قَالَ الْمُحَلَّى وَإِنَّمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ طَلَبُ الْكِفَائِيّ بِالشُّرُوعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ عِبَادَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ. قَوْلُهُ: [بِنِيَّةِ إتْمَامٍ] إلَخْ: أَيْ بِتَجْدِيدِ نِيَّةٍ. لِأَنَّ النِّيَّةَ الْأُولَى ذَهَبَتْ بِخِلَافِ الْعَاجِزِ فَنِيَّتُهُ حَاضِرَةٌ حُكْمًا فَلَا يَحْتَاجُ لِتَجْدِيدٍ. قَوْلُهُ: [كَمَا لَوْ أَعَدَّ مَاءً كَافِيًا] : أَيْ تَحْقِيقًا.

أَوْ غُصِبَ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ الْإِتْمَامِ فَإِنَّهُ يَبْنِي كَالنَّاسِي مُطْلَقًا طَالَ أَوْ لَمْ يَطُلْ - وَإِنْ كَانَ مُفْرِطًا - كَمَا لَوْ أَعَدَّ مِنْ الْمَاءِ مَا لَا يَكْفِيهِ وَلَوْ ظَنًّا وَلَمْ يَكْفِهِ - فَإِنَّهُ: يَبْنِي عَلَى مَا فَعَلَ مَا لَمْ يُطِلْ الْفَصْلَ، وَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعَامِدِ الْمُخْتَارِ؛ كَاَلَّذِي يَغْسِلُ بَعْضَ الْأَعْضَاءِ بِمَكَانٍ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ لِتَكْمِيلِهِ بِمَكَانٍ آخَرَ، أَوْ اسْتَمَرَّ فِي مَكَانِهِ تَارِكًا لِتَكْمِيلِ وُضُوئِهِ قَصْدًا بِلَا رَفْضٍ. فَإِنْ طَالَ ابْتَدَأَ وُضُوءَهُ وُجُوبًا لِعَدَمِ الْمُوَالَاةِ. وَالطُّولُ يُقَدَّرُ بِجَفَافِ الْعُضْوِ الْأَخِيرِ فِي الزَّمَنِ الْمُعْتَدِلِ؛ أَيْ الَّذِي لَا حَرَارَةَ بِهِ وَلَا بُرُودَةَ وَلَا شِدَّةَ هَوَاءٍ. وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا اعْتِدَالُ الْعُضْوِ، أَيْ تَوَسُّطُهُ بَيْنَ الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ، احْتِرَازًا مِنْ عُضْوِ الشَّابِّ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ السِّنِّ. وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ اعْتِدَالِ الْمَكَانِ أَيْضًا بِأَنْ لَا يَكُونَ الْقُطْرُ حَارًّا وَلَا بَارِدًا. (وَأَتَى بِالْمَنْسِيِّ فَقَطْ إنْ طَالَ، وَإِلَّا أَعَادَ مَا بَعْدَهُ لِلتَّرْتِيبِ) : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ أُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ الْإِتْمَامِ] : أَيْ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَكْفِيهِ أَوْ سُرِقَ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [مُطْلَقًا] : بَيَانٌ لِوَجْهِ الشَّبَهِ لَكِنَّ النَّاسِيَ بِتَجْدِيدِ النِّيَّةِ بِخِلَافِ هَذَا لِمَا عَلِمْت. فَجُمْلَةُ الصُّوَرِ الَّتِي يَبْنِي فِيهَا مُطْلَقًا خَمْسٌ غَيْرَ النَّاسِي. قَوْلُهُ: [وَلَوْ ظَنًّا] : مِنْ قِبَلِ الْمُبَالَغَةِ: الْجَزْمُ بِعَدَمِ الْكِفَايَةِ. فَمَنْ أَعَدَّ مِنْ الْمَاءِ مَا لَا يَكْفِيهِ جَزْمًا أَوْ ظَنًّا يَبْنِي مَا لَمْ يَطُلْ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. وَأَوْلَى مِنْهُمَا فِي الْحُكْمِ مَنْ ظَنَّ الْكِفَايَةَ أَوْ شَكَّ فِيهَا. وَمِثْلُ هَذِهِ الصُّوَرِ؛ الْمُفَرِّقُ عَمْدًا بِغَيْرِ نِيَّةِ رَفْضِ الْوُضُوءِ. فَتَحَصَّلَ أَنَّ الصُّوَرَ الَّتِي يَبْنِي فِيهَا - مَا لَمْ يُطِلْ - خَمْسٌ، وَالصُّوَرُ الَّتِي يَبْنِي فِيهَا - وَلَوْ طَالَ - سِتٌّ بِالنَّاسِي. وَكُلُّهَا تُؤْخَذُ مِنْ الْمَتْنِ فَتُؤْخَذُ السِّتُّ الَّتِي يَبْنِي فِيهَا مُطْلَقًا مِنْ قَوْلِهِ: [وَبَنَى النَّاسِي مُطْلَقًا بِنِيَّةِ إتْمَامِ الْوُضُوءِ كَالْعَاجِزِ إنْ لَمْ يُفَرِّطْ] . وَتُؤْخَذُ الْخَمْسُ الَّتِي يَبْنِي فِيهَا مَا لَمْ يُطِلْ مِنْ قَوْلِهِ: [وَإِلَّا بَنَى مَا لَمْ يُطِلْ] ، وَقَوْلِهِ: [كَالْعَامِدِ] . وَقَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ: مَنْ عَلِمَ عَدَمَ الْكِفَايَةِ أَوْ ظَنَّهَا فَلَا يَبْنِي وَلَوْ قَرَّبَ لِلتَّلَاعُبِ وَالدُّخُولِ عَلَى الْفَسَادِ. قَوْلُهُ: [وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ اعْتِدَالِ الْمَكَانِ] : كَمَا عَزَاهُ الْفَاكِهَانِيُّ لِابْنِ حَبِيبٍ. قَوْلُهُ: [هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ تَعَلُّقَاتِ] إلَخْ: فَلِذَلِكَ قَدَّمَهَا هُنَا، وَإِنْ ذَكَرَهَا

[النية في الوضوء]

مِنْ تَعَلُّقَاتِ التَّرْكِ لِبَعْضِ الْأَعْضَاءِ نِسْيَانًا. وَحَاصِلُهَا: أَنَّ مَنْ فَعَلَ بَعْضَ الْأَعْضَاءِ وَتَرَكَ جَمِيعَ مَا بَعْدَهُ، كَمَا لَوْ غَسَلَ وَجْهَهُ وَتَرَكَ الْبَاقِيَ نِسْيَانًا مِنْهُ، بِأَنْ ذَهِلَ عَنْ كَوْنِهِ يَتَوَضَّأُ، فَإِنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ الْبَاقِيَ بِنِيَّةٍ، طَالَ أَوْ لَمْ يَطُلْ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا لَوْ تَرَكَ عُضْوًا أَوْ لُمْعَةً فِي أَثْنَاءِ وُضُوئِهِ نِسْيَانًا وَتَمَّمَ بَقِيَّةَ الْأَعْضَاءِ مُعْتَقِدًا الْكَمَالَ، ثُمَّ تَذَكَّرَ الْمَتْرُوكَ، كَمَا لَوْ غَسَلَ وَجْهَهُ وَتَرَكَ إحْدَى الْيَدَيْنِ نَاسِيًا وَفَعَلَ بَقِيَّةَ الْأَعْضَاءِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَوْ نَبَّهَهُ أَحَدٌ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَطُولَ الزَّمَنُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، أَوْ لَا. فَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ اقْتَصَرَ عَلَى فِعْلِ الْمَنْسِيِّ وَلَا يُعِيدُ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَعْضَاءِ. وَإِنْ لَمْ يَطُلْ - بِأَنْ لَمْ تَجِفَّ الْأَعْضَاءُ - فَعَلَ الْمَنْسِيَّ وَأَعَادَ مَا بَعْدَهُ اسْتِنَانًا لِأَجْلِ تَحْصِيلِ سُنَّةِ التَّرْتِيبِ، فَهِيَ مُلَاحَظَةٌ عِنْدَ عَدَمِ الطُّولِ. (وَنِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ فِي ابْتِدَائِهِ أَوْ اسْتِبَاحَةِ مَا مَنَعَهُ أَوْ أَدَاءِ الْفَرْضِ) : الْفَرِيضَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَلِيلٌ فِي السُّنَنِ. قَوْلُهُ: [كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ] : أَيْ مِنْ مَسْأَلَةِ الْبِنَاءِ نِسْيَانًا، فَإِنْ كَانَ صَلَّى أَعَادَ الصَّلَاةَ بَعْدَ إتْمَامِ الْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا لَوْ تَرَكَ عُضْوًا] إلَخْ: شُرُوعٌ فِي مَعْنَى الْمُصَنِّفِ هُنَا. قَوْلُهُ: [كَمَا لَوْ غَسَلَ وَجْهَهُ] إلَخْ: مِثَالٌ لِتَرْكِ الْعُضْوِ وَلَمْ يُمَثِّلْ لِتَرْكِ اللُّمْعَةِ وَهِيَ كَمَنْ تَرَكَ بَعْضَ وَجْهِهِ أَوْ غَيْرَهُ. قَوْلُهُ: [عَلَى مَا تَقَدَّمَ] : أَيْ مِنْ قَوْلِهِ: [بِجَفَافِ عُضْوٍ وَزَمَنٍ اعْتَدَلَا] . قَوْلُهُ: [اقْتَصَرَ عَلَى فِعْلِ الْمَنْسِيِّ] : أَيْ أَتَى بِهِ وَحْدَهُ بِنِيَّةِ إكْمَالِ الْوُضُوءِ، وَيُثَلِّثُهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُثَلَّثُ. قَوْلُهُ: [اسْتِنَانًا] : وَقِيلَ نَدْبًا. وَيُعِيدُهُ مَرَّةً إنْ فَعَلَهُ أَوَّلًا مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، وَإِلَّا فِيمَا يُكْمِلُ الثَّلَاثَ، وَهَذَا فِي تَرْكِ الْعُضْوِ أَوْ اللُّمْعَةِ نِسْيَانًا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِمَّا عَمْدًا أَوْ عَجْزًا، فَإِنْ لَمْ يُطِلْ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ وُجُوبًا وَبِمَا بَعْدَهُ اسْتِنَانًا أَوْ نَدْبًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي النِّسْيَانِ، وَإِنْ طَالَ فَفِي الْحَقِيقَةِ يَأْتِي بِهِ وَحْدَهُ، وَفِي الْعَمْدِ وَالْعَجْزِ الْحُكْمِيِّ يَبْتَدِئُ الْوُضُوءَ لِبُطْلَانِهِ. [النِّيَّة فِي الْوُضُوء] [تَنْبِيه النِّيَّة لَوْ تَقَدَّمَتْ كَثِيرًا] قَوْلُهُ: [فِي ابْتِدَائِهِ] : هُوَ مَعْنَى قَوْلِ غَيْرِهِ عِنْدَ أَوَّلِ مَغْسُولٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ اسْتِبَاحَةٍ] إلَخْ: بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ، فَكَيْفِيَّتُهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ كَمَا قَالَ

السَّابِعَةُ: النِّيَّةُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ كَغَسْلِ الْوَجْهِ، بِأَنْ يَنْوِيَ بِقَلْبِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، أَيْ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْأَعْضَاءِ أَوْ اسْتِبَاحَةِ مَا مَنَعَهُ الْحَدَثُ أَوْ يَقْصِدُ أَدَاءَ فَرْضِ الْوُضُوءِ. وَالْأَوْلَى تَرْكُ التَّلَفُّظِ بِذَلِكَ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ النِّيَّةِ الْقَصْدُ بِالْقَلْبِ لَا عَلَاقَةَ لِلِّسَانِ بِهَا. (وَإِنْ مَعَ نِيَّةِ رَفْعِ الْخَبَثِ، أَوْ إخْرَاجِ بَعْضِ مَا يُبَاحُ) : يُشِيرُ إلَى أَنَّ النِّيَّةَ تَكْفِي وَلَوْ صَاحَبَهَا نِيَّةُ رَفْعِ حُكْمِ الْخَبَثِ الْكَائِنِ عَلَى الْعُضْوِ، أَوْ إخْرَاجِ بَعْضِ مَا يُبَاحُ بِالْوُضُوءِ؛ كَأَنْ يَنْوِيَ بِهِ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ لَا مَسَّ الْمُصْحَفِ أَوْ صَلَاةَ الظُّهْرِ لَا الْعَصْرِ. وَجَازَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا أَخْرَجَهُ لِأَنَّ حَدَثَهُ قَدْ ارْتَفَعَ بِاعْتِبَارِ مَا قَصَدَهُ. (بِخِلَافِ نِيَّةِ مُطْلَقِ الطَّهَارَةِ أَوْ إخْرَاجِ نَاقِضٍ، أَوْ نِيَّةِ إنْ كُنْت أَحْدَثْت، فَلَهُ) : يَعْنِي إذَا نَوَى مُطْلَقَ الطَّهَارَةِ الشَّامِلَةِ لِطَهَارَةِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ، أَيْ مِنْ حَيْثُ حُصُولُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُصَنِّفُ، وَهِيَ: نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ، أَوْ اسْتِبَاحَةِ مَا مَنَعَهُ، أَوْ أَدَاءِ الْفَرْضِ. وَيُرِيدُ بِهِ مَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ لِيَشْمَلَ وُضُوءَ الصَّبِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَ [أَوْ] فِي كَلَامِهِ مَانِعَةُ خُلُوٍّ، فَتُجَوِّزُ الْجَمْعَ. بَلْ الْأَوْلَى الْجَمْعُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ فِي قَصْدِهِ أَوْ لَفْظِهِ إنْ لُفِظَ وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ خِلَافَ الْأَوْلَى كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [أَيْ الْمَنْعُ] إلَخْ: هُوَ أَحَدُ مَعْنَيَيْنِ لِلْحَدَثِ هُنَا، وَالثَّانِي الصِّفَةُ الْحُكْمِيَّةُ. وَالْمُرَادُ بِرَفْعِ الْمَنْعِ: رَفْعُ تَعَلُّقِهِ بِالشَّخْصِ، فَيَرْجِعُ لِرَفْعِ الصِّفَةِ الْحُكْمِيَّةِ. قَوْلُهُ: [مَا مَنَعَهُ الْحَدَثُ] : أَيْ فِعْلًا مَنَعَهُ إلَخْ مَنْعَ تَحْرِيمٍ أَوْ كَرَاهَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَعْرِيفِ الطَّهَارَةِ. قَوْلُهُ: [الْقَصْدُ] : أَيْ إلَى الْعِبَادَةِ الْمُعَيَّنَةِ، فَأَفَادَ الشَّارِحُ حَقِيقَتَهَا وَكَيْفِيَّتَهَا. وَأَمَّا زَمَنُهَا: فَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: [عِنْدَ ابْتِدَاءِ] الْوُضُوءِ. وَالْمَحَلُّ: مِنْ قَوْلِهِ: [بِقَلْبِهِ] . وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا وَهُوَ تَمْيِيزُ الْعِبَادَاتِ عَنْ الْعَادَاتِ، وَبَعْضِ الْعِبَادَاتِ عَنْ بَعْضٍ: مِنْ قَوْلِهِ: [الْقَصْدُ بِالْقَلْبِ] . وَالْحُكْمُ: مِنْ عَدِّهَا مِنْ الْفَرَائِضِ. وَالشَّرْطُ: أَنْ لَا يَأْتِيَ بِمُنَافٍ. وَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ أَوْ: [إخْرَاجُ نَاقِضٍ] إلَخْ، وَقَدْ جَمَعَ الْعَلَّامَةُ التَّتَّائِيُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ بِقَوْلِهِ: سَبْعُ سُؤَالَاتٍ أَتَتْ فِي نِيَّةٍ ... تُلْقَى لِمَنْ حَاوَلَهَا بِلَا وَسَنْ حَقِيقَةٌ حُكْمٌ مَحَلٌّ وَزَمَنٌ ... كَيْفِيَّةٌ شَرْطٌ وَمَقْصُودٌ حَسَنْ قَوْلُهُ: [وَإِنْ مَعَ نِيَّةٍ] إلَخْ: وَمِثْلُهُ نِيَّةُ التَّبَرُّدِ أَوْ التَّدَفِّي أَوْ النَّظَافَةِ.

فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّهَا لَا تَكْفِي لِحُصُولِ التَّرَدُّدِ فِي الْحَقِيقَةِ. وَأَمَّا لَوْ نَوَى مُطْلَقَ الطَّهَارَةِ لَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، فَالظَّاهِرُ الْإِجْزَاءُ كَمَا قَالَ سَنَدٌ، لِأَنَّ فِعْلَهُ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ رَفْعِ الْحَدَثِ. وَكَذَا لَا تُجْزِئُ نِيَّةُ الْوُضُوءِ مَعَ إخْرَاجِ حَدَثٍ نَاقِضٍ، كَأَنْ يَقُولَ: نَوَيْت الْوُضُوءَ مِنْ غَيْرِ الْبَوْلِ، أَوْ: إلَّا مِنْ الْبَوْلِ، أَوْ: نَوَيْته مِنْ الْغَائِطِ لَا مِنْ الْبَوْلِ، وَكَذَا لَا تُجْزِئُ إذَا حَصَلَ عِنْدَهُ شَكٌّ فِي وُضُوئِهِ: إنْ كُنْت أَحْدَثْت فَهَذَا الْوُضُوءُ لِذَلِكَ الْحَدَثِ، لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ جَازِمَةٍ. (وَلَا يَضُرُّ عُزُوبُهَا، بِخِلَافِ الرَّفْضِ فِي الْأَثْنَاءِ، لَا بَعْدَهُ، كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ) : أَيْ أَنَّ عُزُوبَ النِّيَّةِ: أَيْ ذَهَابَهَا بَعْدَ أَنْ أَتَى بِهَا فِي أَوَّلِهِ - بِأَنْ لَمْ يَسْتَحْضِرْهَا عِنْدَ فِعْلِ غَيْرِ الْفَرْضِ الْأَوَّلِ - لَا يَضُرُّ فِي الْوُضُوءِ. بِخِلَافِ الرَّفْضِ: أَيْ الْإِبْطَالِ فِي أَثْنَائِهِ بِأَنْ يُبْطِلَ مَا فَعَلَهُ مِنْهُ، كَأَنْ يَقُولَ بِقَلْبِهِ: أَبْطَلْت وُضُوئِي، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ عَلَى الرَّاجِحِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ ابْتِدَاؤُهُ إنْ أَرَادَ بِهِ صَلَاةً وَنَحْوَهَا. بِخِلَافِ رَفْضِهِ بَعْدَ إتْمَامِهِ، فَلَا يَضُرُّ. وَجَازَ لَهُ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [غَيْرُ مُعَيَّنٍ] : أَيْ بِحَيْثُ صَارَ صَادِقًا بِالْحَدَثِ وَالْخَبَثِ أَوْ بِالْخَبَثِ فَقَطْ أَوْ بِالْحَدَثِ فَقَطْ، فَالضَّرَرُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [كَمَا قَالَ سَنَدٌ] : وَمِثْلُهُ إذَا نَوَى الطَّهَارَةَ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقِهَا فِي الْحَدَثِ، فَالْإِجْزَاءُ فِي صُورَتَيْنِ. قَوْلُهُ: [مِنْ غَيْرِ الْبَوْلِ] : أَيْ مَعَ حُصُولِ الْبَوْلِ مِنْهُ، فَلَا ضَرَرَ لِأَنَّهُ الْوَاقِعُ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا مِنْ الْبَوْلِ] : أَيْ وَقَدْ حَصَلَ مِنْهُ كَغَيْرِهِ أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا ضَرَرَ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [لَا مِنْ الْبَوْلِ] : أَيْ وَقَدْ خَرَجَ مِنْهُ، فَإِنَّ الْوُضُوءَ بَاطِلٌ، حَصَلَ مِنْهُ مَا نَوَاهُ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [لِعَدَمِ الْجَزْمِ] : أَيْ لِأَنَّ النِّيَّةَ مُتَرَدِّدَةٌ لِكَوْنِهِ عَلَّقَهَا عَلَى حَدَثٍ مُحْتَمَلٍ، وَإِنْ كَانَ الشَّكُّ نَاقِضًا - إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْهُ فِي نِيَّتِهِ فَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى عَدَمِ نَقْضِ الشَّكِّ وِفَاقًا لِلْحَطَّابِ. وَأَمَّا لَوْ شَكَّ فِي الْوُضُوءِ، وَنَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ مِمَّا شَكَّ فِيهِ فَيَرْتَفِعُ قَطْعًا. قَوْلُهُ: [وَلَا يَضُرُّ عُزُوبُهَا] إلَخْ. يُقَيَّدُ بِمَا إذَا لَمْ يَأْتِ بِنِيَّةٍ مُضَادَّةٍ كَنِيَّةِ الْفَضِيلَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. وَيُقَيَّدُ بِمَا إذَا لَمْ يَعْتَقِدْ فِي الْأَثْنَاءِ انْقِضَاءَ الطَّهَارَةِ وَكَمَالَهَا، وَيَكُونُ قَدْ تَرَكَ بَعْضَهَا، ثُمَّ يَأْتِي بِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ فَلَا يُجْزِي: انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ

[سنن الوضوء]

يُصَلِّيَ بِهِ، إذْ لَيْسَ مِنْ نَوَاقِضِهِ إبْطَالُهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ. وَمِثْلُ الْوُضُوءِ الْغُسْلُ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ فَيُرْتَفَضَانِ فِي الْأَثْنَاءِ قَطْعًا، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ فِي الصَّوْمِ لَا بَعْدَ تَمَامِهَا عَلَى أَظْهَرْ الْقَوْلَيْنِ الْمُرَجَّحَيْنِ. وَأَمَّا الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَلَا يُرْتَفَضَانِ مُطْلَقًا وَيَرْتَفِضُ التَّيَمُّمُ مُطْلَقًا مَا لَمْ يُصَلِّ بِهِ، لِضَعْفِهِ. (وَسُنَنُهُ: غَسْلُ يَدَيْهِ إلَى كُوعَيْهِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ، إنْ أَمْكَنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَقْلًا عَنْ (ب ن) . قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ] : أَيْ وَمِثْلُهُمَا الِاعْتِكَافُ لِاحْتِوَائِهِ عَلَيْهِمَا. بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ؛ وَهُوَ أَنَّ رَفْضَ الْوُضُوءِ جَائِزٌ، كَمَا يَجُوزُ الْقُدُومُ عَلَى الْمَسِّ، وَإِخْرَاجِ الرِّيحِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَفِي الْحَجِّ نَظَرٌ، وَأَمَّا الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ وَالِاعْتِكَافُ فَالْحُرْمَةُ، وَبَعْضُ الشُّيُوخِ فَرَّقَ بَيْنَ الرَّفْضِ وَنَقْضِ الْوُضُوءِ فَمَنَعَ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَالْوُضُوءُ عَمَلٌ، قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَعْمَالِ الْمَقَاصِدُ لَا الْوَسَائِلُ، وَحِينَئِذٍ فَرَفْضُ الْوُضُوءِ كَنَقْضِهِ جَائِزٌ، وَاسْتَظْهَرَهُ الشَّبْرَخِيتِيُّ. تَنْبِيهٌ: لَوْ تَقَدَّمَتْ النِّيَّةُ بِكَثِيرٍ تَضُرُّ اتِّفَاقًا، وَفِي تَقَدُّمِهَا بِيَسِيرٍ خِلَافٌ، وَأَمَّا تَأَخُّرُهَا فَيَضُرُّ مُطْلَقًا لِخُلُوِّ بَعْضِهِ عَنْ النِّيَّةِ، فَيَكُونُ فِي الْحَقِيقَةِ أَوَّلُ الْوُضُوءِ مَا نَوَى عِنْدَهُ. [سُنَن الْوُضُوء] قَوْلُهُ: [غَسْلُ يَدَيْهِ] : أَيْ تَعَبُّدًا، كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَشْهَبُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ: «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي إنَائِهِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» ، فَتَعْلِيلُهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَعْقُولٌ، وَاحْتَجَّ ابْنُ الْقَاسِمِ لِلتَّعَبُّدِ بِالتَّحْدِيدِ بِالثَّلَاثِ، إذْ لَا مَعْنَى لَهُ إلَّا ذَلِكَ، وَحَمَلَهُ أَشْهَبُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي النَّظَافَةِ (انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . [قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقِيلَ: السُّنَّةُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْغَسْلِ خَارِجَ الْإِنَاءِ مُطْلَقًا سَوَاءً تَوَضَّأَ مِنْ نَهْرٍ أَوْ حَوْضٍ أَوْ إنَاءٍ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا.

الْإِفْرَاغُ، وَإِلَّا أَدْخَلَهُمَا فِيهِ كَالْكَثِيرِ وَالْجَارِي، وَنُدِبَ تَفْرِيقُهُمَا) لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى فَرَائِضِ الْوُضُوءِ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى سُنَنِهِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ: السُّنَّةُ الْأُولَى: غَسْلُ يَدَيْهِ أَوَّلًا إلَى كُوعَيْهِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ. فَإِنْ أَدْخَلَهُمَا فِيهِ وَغَسَلَهُمَا فِيهِ لَمْ يَكُنْ آتِيًا بِالسُّنَّةِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى الْغَسْلِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ قَلِيلًا كَآنِيَةِ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ، وَأَمْكَنَ الْإِفْرَاغُ مِنْهُ كَالصَّحْفَةِ، وَأَنْ يَكُونَ غَيْرَ جَارٍ. فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا أَوْ جَارِيًا أَوْ لَمْ يُمْكِنْ الْإِفْرَاغُ مِنْهُ كَالْحَوْضِ الصَّغِيرِ، أَدْخَلَهُمَا فِيهِ - إنْ كَانَتَا نَظِيفَتَيْنِ أَوْ غَيْرَ نَظِيفَتَيْنِ - وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ بِإِدْخَالِهِمَا فِيهِ، وَإِلَّا تَحَيَّلَ عَلَى غَسْلِهِمَا خَارِجَهُ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا تَرَكَهُ وَتَيَمَّمَ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، لِأَنَّهُ كَعَادِمِ الْمَاءِ. وَهَلْ التَّثْلِيثُ وَالتَّفْرِيقُ - بِأَنْ يَغْسِلَ كُلَّ يَدٍ ثَلَاثًا عَلَى حِدَتِهَا - مِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ؟ أَوْ يَكْفِي غَسْلُهُمَا مَرَّةً وَالثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ مُسْتَحَبَّتَانِ وَلَوْ مُجْتَمِعَتَيْنِ؟ قَوْلَانِ. الْأَرْجَحُ الِاكْتِفَاءُ قِيَاسًا عَلَى بَاقِي أَفْعَالِ الْوُضُوءِ الَّتِي يُطْلَبُ فِيهَا التَّثْلِيثُ. وَلِذَا لَمْ نَذْكُرْ التَّثْلِيثَ فِي الْمَتْنِ، وَيُؤْخَذُ نَدْبُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مِنْ قَوْلِنَا الْآتِي: (وَالْغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ) وَبَيَّنَّا هُنَا أَنَّ التَّفْرِيقَ مَنْدُوبٌ. (وَمَضْمَضَةٌ وَاسْتِنْشَاقٌ، وَنُدِبَ فِعْلُ كُلٍّ بِثَلَاثِ غُرُفَاتٍ، وَمُبَالَغَةُ مُفْطِرٍ، وَاسْتِنْثَارٌ بِوَضْعِ أُصْبُعَيْهِ مِنْ الْيُسْرَى عَلَى أَنْفِهِ، وَمَسْحُ أُذُنَيْهِ ظَاهِرُهُمَا وَبَاطِنُهُمَا، وَتَجْدِيدُ مَائِهِمَا، وَرَدُّ مَسْحِ الرَّأْسِ إنْ بَقِيَ بَلَلٌ) : السُّنَّةُ الثَّانِيَةُ: الْمَضْمَضَةُ: وَهِيَ إدْخَالُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ وَخَضْخَضَتُهُ وَطَرْحُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْله: [لَكِنْ بِشَرْطٍ] إلَخْ: أَيْ فَالشُّرُوطُ ثَلَاثَةٌ. قَوْلُهُ: [وَالتَّفْرِيقُ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ طَلَبَ التَّفْرِيقِ هُوَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَغْسِلُهُمَا مَجْمُوعَتَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَطَرْحُهُ] : أَيْ لَا إنْ شَرِبَهُ أَوْ تَرَكَهُ سَالَ مِنْ فَمِهِ فَلَا يُجْزِي، وَلَا إنْ أَدْخَلَهُ وَمَجَّهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكٍ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ.

وَالثَّالِثَةُ: الِاسْتِنْشَاقُ: وَهُوَ إدْخَالُ الْمَاءِ فِي الْأَنْفِ وَجَذْبُهُ بِنَفَسِهِ إلَى دَاخِلِ أَنْفِهِ. وَنُدِبَ فِعْلُ كُلٍّ مِنْ هَاتَيْنِ السُّنَّتَيْنِ بِثَلَاثِ غُرُفَاتٍ؛ بِأَنْ يَتَمَضْمَضَ بِثَلَاثٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ بِثَلَاثٍ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ: " وَفِعْلُهُمَا بِسِتٍّ أَفْضَلُ ": أَيْ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَفْعَلَهُمَا بِثَلَاثِ غُرُفَاتٍ، يَتَمَضْمَضُ، وَيَسْتَنْشِقُ بِكُلِّ غُرْفَةٍ مِنْهَا، أَوْ بِغُرْفَتَيْنِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا قَالَ. وَجَازَ أَوْ إحْدَاهُمَا بِغُرْفَةٍ. وَنُدِبَ لِلْمُفْطِرِ أَنْ يُبَالِغَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَإِيصَالِ الْمَاءِ إلَى الْحَلْقِ وَآخِرِ الْأَنْفِ، وَكُرِهَتْ الْمُبَالَغَةُ لِلصَّائِمِ لِئَلَّا يُفْسِدَ صَوْمَهُ. فَإِنْ بَالَغَ وَوَصَلَ الْمَاءُ لِلْحَلْقِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. ثُمَّ لَا بُدَّ لِهَذِهِ السُّنَنِ الثَّلَاثَةِ مِنْ نِيَّةٍ بِأَنْ يَنْوِيَ بِهَا سُنَنَ الْوُضُوءِ، أَوْ يَنْوِيَ عِنْدَ غَسْلِ يَدَيْهِ أَدَاءَ الْوُضُوءِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ فَعَلَ مَا ذُكِرَ لِأَجْلِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ إزَالَةِ غُبَارٍ، ثُمَّ أَرَادَ الْوُضُوءَ، فَلَا بُدَّ مِنْ إعَادَتِهَا لِحُصُولِ السُّنَّةِ بِالنِّيَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَمَا قَالَ] إلَخْ: أَيْ الشَّيْخُ خَلِيلٌ وَضَمِيرُ الِاثْنَيْنِ فِي كَلَامِهِ عَائِدٌ عَلَى الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ. وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ خِلَافُ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ مُقَابِلٌ لِلنَّدَبِ. وَقَوْلُهُ: [بِغُرْفَةٍ] : رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ قَبْلَهُ، أَيْ جَازَا مَعًا بِغُرْفَةٍ وَجَازَ أَحَدُهُمَا بِغُرْفَةٍ. فَالْأَوَّلُ: كَأَنْ يَتَمَضْمَضَ بِغُرْفَةٍ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ مِنْ تِلْكَ الْغُرْفَةِ الَّتِي تَمَضْمَضَ مِنْهَا ثَلَاثًا عَلَى الْوَلَاءِ وَيَتَمَضْمَضُ وَاحِدَةً وَيَسْتَنْشِقُ أُخْرَى، وَهَكَذَا مِنْ غُرْفَةٍ وَاحِدَةٍ. وَالثَّانِي: كَأَنْ يَتَمَضْمَضَ بِغُرْفَةٍ ثَلَاثًا وَيَسْتَنْشِقَ بِأُخْرَى ثَلَاثًا، وَبَقِيَ صِفَةٌ أُخْرَى وَالظَّاهِرُ جَوَازُهَا وَهِيَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ مِنْ غُرْفَة مَرَّتَيْنِ، وَالثَّالِثَةَ مِنْ ثَانِيَةٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ مِنْهَا ثُمَّ مَرَّةً يَسْتَنْشِقَ اثْنَتَيْنِ مِنْ غُرْفَة ثَالِثَةٍ (انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [ثُمَّ لَا بُدَّ لِهَذِهِ السُّنَنِ الثَّلَاثَةِ] : الْمُنَاسِبُ تَأْخِيرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ عَنْ سُنَّةِ الِاسْتِنْثَارِ. وَيُبْدَلُ الثَّلَاثَةُ بِالْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ يُوهِمُ أَنَّ الِاسْتِنْثَارَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. بَلْ حُكْمُ الْأَرْبَعَةِ وَاحِدٌ. قَوْلُهُ: [لِحُصُولِ السُّنَّةِ بِالنِّيَّةِ] : اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ عِلَّةٌ لِلْإِعَادَةِ، فَ [الـ] فِي

الرَّابِعَةُ: الِاسْتِنْثَارُ: وَهُوَ دَفْعُ الْمَاءِ بِنَفَسِهِ مَعَ وَضْعِ أُصْبُعَيْهِ - السَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى - عَلَى أَنْفِهِ كَمَا يَفْعَلُ فِي امْتِخَاطِهِ. الْخَامِسَةُ: مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا. السَّادِسَةُ: تَجْدِيدُ الْمَاءِ لَهُمَا. السَّابِعَةُ: رَدُّ مَسْحِ الرَّأْسِ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى بَلَلٌ مِنْ أَثَرِ مَسْحِ رَأْسِهِ، وَإِلَّا سَقَطَتْ سُنَّةُ الرَّدِّ. (وَتَرْتِيبُ فَرَائِضِهِ؛ فَإِنْ نَكَّسَ أَعَادَ الْمُنَكَّسَ وَحْدَهُ إنْ بَعُدَ بِجَفَافٍ، وَإِلَّا فَمَعَ تَابِعِهِ) : السُّنَّةُ الثَّامِنَةُ: تَرْتِيبُ الْفَرَائِضِ الْأَرْبَعَةِ، بِأَنْ يُقَدِّمَ الْوَجْهَ عَلَى الْيَدَيْنِ، وَهُمَا عَلَى الرَّأْسِ ثُمَّ الرِّجْلَيْنِ. وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فَمَنْدُوبٌ، كَمَا يَأْتِي. فَإِنْ نَكَّسَ، بِأَنْ قَدَّمَ فَرْضًا عَلَى مَوْضِعِهِ الْمَشْرُوعِ لَهُ، كَأَنْ غَسَلَ الْيَدَيْنِ قَبْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسُّنَّةِ] لِلْجِنْسِ، فَيَشْمَلُ السُّنَنَ الْأَرْبَعَةَ. قَوْلُهُ: [مَعَ وَضْعِ] إلَخْ: فَإِنْ لَمْ يَضَعْ أُصْبُعَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ. وَلَا أَنْزَلَ الْمَاءَ مِنْ الْأَنْفِ بِالنَّفَسِ - وَإِنَّمَا نَزَلَ بِنَفْسِهِ - فَلَا يُسَمَّى اسْتِنْثَارًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ وَضْعَ الْأُصْبُعَيْنِ مِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ، وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ. قَوْلُهُ: [مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى] : هُوَ مُسْتَحَبٌّ كَخُصُوصِ السَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ. قَوْلُهُ: [ظَاهِرُهُمَا وَبَاطِنُهُمَا] : الظَّاهِرُ مَا يَلِي الرَّأْسَ وَالْبَاطِنُ مَا يَلِي الْوَجْهَ، لِأَنَّهَا خُلِقَتْ كَالْوَرْدَةِ ثُمَّ انْفَتَحَتْ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ. قَوْلُهُ: [السَّادِسَةُ] إلَخْ: وَبَقِيَ لَهُمَا سُنَّةٌ أُخْرَى وَهِيَ مَسْحُ الصِّمَاخَيْنِ وَهُوَ الثُّقْبُ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ رَأْسُ الْأُصْبُعِ مِنْ الْأُذُنِ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ نَقْلًا عَنْ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ يُونُسَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ. لَكِنَّ الَّذِي يُفِيدُهُ التَّوْضِيحُ أَنَّ مَسْحَ الصِّمَاخَيْنِ مِنْ جُمْلَةِ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ، لَا أَنَّهُ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَلِذَا تَرَكَهُ هُنَا وَعَدَّهَا ثَمَانِيَةً. قَوْلُهُ: [رَدُّ مَسْحِ الرَّأْسِ] : أَيْ إلَى حَيْثُ بَدَأَ فَيَرُدُّ مِنْ الْمُؤَخَّرِ إلَى الْمُقَدَّمِ أَوْ عَكْسُهُ أَوْ مِنْ أَحَدِ الْفَوْدَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا سَقَطَتْ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ التَّحْدِيدَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَكْرُوهَاتِ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الرَّدَّ سُنَّةٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّعْرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ خِلَافًا لِمَنْ فَصَلَ. قَوْلُهُ: [وَتَرْتِيبُ فَرَائِضِهِ] : أَيْ وَأَمَّا السُّنَنُ فِي أَنْفُسِهَا أَوْ مَعَ الْفَرَائِضِ، فَسَيَأْتِيَانِ

[فضائل الوضوء]

الْوَجْهِ أَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْيَدَيْنِ أَوْ قَبْلَ الْوَجْهِ، أَعَادَ الْمُنَكَّسَ اسْتِنَانًا وَحْدَهُ مَرَّةً وَلَا يُعِيدُ مَا بَعْدَهُ، إنْ طَالَ مَا بَيْنَ انْتِهَاءِ وُضُوئِهِ وَتَذَكُّرِهِ طُولًا مُقَدَّرًا بِجَفَافِ الْعُضْوِ الْأَخِيرِ فِي زَمَانٍ وَمَكَانٍ اعْتَدِلَا. فَإِنْ لَمْ يُعِدْ فَعَلَهُ مَرَّةً فَقَطْ مَعَ تَابِعِهِ شَرْعًا فَلَوْ بَدَأَ بِذِرَاعَيْهِ ثُمَّ بِوَجْهِهِ فَرَأْسِهِ فَرِجْلَيْهِ، فَإِنْ تَذَكَّرَ بِالْقُرْبِ أَعَادَ الذِّرَاعَيْنِ مَرَّةً وَمَسَحَ الرَّأْسَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مَرَّةً، سَوَاءٌ نَكَّسَ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا. وَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ طُولٍ أَعَادَ الذِّرَاعَيْنِ فَقَطْ مَرَّةً إنْ نَكَّسَ سَهْوًا، وَاسْتَأْنَفَ وُضُوءَهُ نَدْبًا إنْ نَكَّسَ عَمْدًا وَلَوْ جَاهِلًا. وَلَوْ بَدَأَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ فَوَجْهَهُ أَعَادَ الْيَدَيْنِ وَالرَّأْسَ مُطْلَقًا ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ إنْ قَرُبَ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ بَدَأَ بِرِجْلَيْهِ فَرَأْسِهِ فَيَدَيْهِ فَوَجْهِهِ أَعَادَ مَا بَعْدَ الْوَجْهِ عَلَى التَّرْتِيبِ الشَّرْعِيِّ مُطْلَقًا قَرُبَ أَوْ بَعُدَ، لِأَنَّ كُلَّ فَرْضٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ مُنَكَّسٌ. وَلَا يُعِيدُ الْوَجْهَ إلَّا إذَا نَكَّسَ عَمْدًا وَطَالَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَوْ قَدَّمَ الرِّجْلَيْنِ عَلَى الرَّأْسِ أَعَادَ الرِّجْلَيْنِ مُطْلَقًا إلَّا إذَا تَعَمَّدَ وَطَالَ، فَيَبْتَدِئُ وُضُوءَهُ نَدْبًا لِقَوْلِهِ: [وَإِلَّا فَمَعَ تَابِعِهِ] : أَيْ إنْ كَانَ لَهُ تَابِعٌ. (وَفَضَائِلُهُ: مَوْضِعٌ طَاهِرٌ، وَاسْتِقْبَالٌ، وَتَسْمِيَةٌ، وَتَقْلِيلُ الْمَاءِ بِلَا حَدٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْفَضَائِلِ. وَحَاصِلُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: أَنَّ تَرْتِيبَ الْفَرَائِضِ فِي أَنْفُسِهَا سُنَّةٌ. فَإِنْ خَالَفَ وَنَكَّسَ - بِأَنْ قَدَّمَ عُضْوًا عَنْ مَحَلِّهِ - فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا أَوْ سَهْوًا، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَطُولَ الْأَمْرُ أَمْ لَا. فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ قَرِيبًا بِحَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ جَفَافٌ أَتَى بِالْمُنَكَّسِ مَرَّةً، إنْ كَانَ غَسَلَهُ أَوْ لَا، ثَلَاثًا أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَإِلَّا كَمَّلَ تَثْلِيثَهُ وَأَعَادَ مَا بَعْدَهُ مَرَّةً مَرَّةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ. لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا وَإِنْ طَالَ، فَإِنْ كَانَ عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا ابْتَدَأَ وُضُوءَهُ نَدْبًا، أَوْ نَاسِيًا فَعَلَهُ فَقَطْ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الطُّولِ عَمْدًا أَوْ عَجْزًا أَوْ سَهْوًا؛ فَصُوَرُ الطُّولِ تِسْعَةٌ وَالْقُرْبُ ثَلَاثَةٌ، تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [فَعَلَهُ مَرَّةً فَقَطْ] : عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَ الشَّيْخ سَالِمٌ وَالطِّخِّيخِيُّ وَارْتَضَاهُ، خِلَافًا لِلْأُجْهُورِيِّ فِي قَوْلِهِ يُعَادُ فِي حَالَةِ الْقُرْبِ ثَلَاثًا. [فَضَائِل الْوُضُوء] [تَنْبِيه السِّوَاك هَلْ هُوَ سَنَةٍ أَوْ استحباب] قَوْلُهُ: [وَفَضَائِلُهُ] : أَيْ خِصَالُهُ وَأَفْعَالُهُ الْمُسْتَحَبَّةُ. قَوْلُهُ: [وَتَقْلِيلُ] إلَخْ: أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ: وَقِلَّةٌ لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ بِكَوْنِهِ مُسْتَحَبًّا إنَّمَا هُوَ التَّقْلِيلُ لَا الْقِلَّةُ إذْ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ، وَمَعْنَاهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ

كَالْغُسْلِ، وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى وَجَعْلُ الْإِنَاءِ الْمَفْتُوحِ لِجِهَتِهَا، وَبَدْءٌ بِمُقَدَّمِ الْأَعْضَاءِ، وَالْغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ حَتَّى فِي الرِّجْلِ، وَتَرْتِيبُ السُّنَنِ فِي أَنْفُسِهَا أَوْ مَعَ الْفَرَائِضِ، وَاسْتِيَاكٌ وَلَوْ بِأُصْبُعٍ) : هَذَا شُرُوعٌ فِي فَضَائِلِ الْوُضُوءِ أَيْ مُسْتَحَبَّاتِهِ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى سُنَنِهِ. أَوَّلُهَا: إيقَاعُهُ فِي مَحَلٍّ طَاهِرٍ بِالْفِعْلِ وَشَأْنُهُ الطَّهَارَةُ - فَخَرَجَ الْكَنِيفُ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ فَيُكْرَهُ الْوُضُوءُ فِيهِ. ثَانِيهَا: اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ. ثَالِثُهَا: التَّسْمِيَةُ بِأَنْ يَقُولَ عِنْدَ غَسْلِ يَدَيْهِ إلَى كُوعَيْهِ: بِسْمِ اللَّهِ، وَفِي زِيَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ خِلَافٌ. رَابِعُهَا: تَقْلِيلُ الْمَاءِ الَّذِي يَرْفَعُهُ لِلْأَعْضَاءِ حَالَ الْوُضُوءِ، وَلَا تَحْدِيدَ فِي التَّقْلِيلِ لِاخْتِلَافِ الْأَعْضَاءِ وَالنَّاسِ، بَلْ بِقَدْرِ مَا يَجْرِي عَلَى الْعُضْوِ وَإِنْ لَمْ يَتَقَاطَرْ مِنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسْتَعْمَلُ - وَهُوَ الَّذِي يُجْعَلُ عَلَى الْعُضْوِ - قَلِيلًا، وَإِنْ كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْبَحْرِ. قَوْلُهُ: [فَخَرَجَ الْكَنِيفُ] إلَخْ: أَيْ بِقَوْلِهِ: شَأْنُهُ الطَّهَارَةُ. قَوْلُهُ: [اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ] : أَيْ إنْ أَمْكَنَ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ. قَوْلُهُ: [التَّسْمِيَةُ] : جَعَلَهَا مِنْ فَضَائِلِ الْوُضُوءِ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهَا فِيهِ وَأَنَّهَا تُكْرَهُ. قَوْلُهُ: [خِلَافٌ] : أَيْ قَوْلَانِ رَجَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا؛ فَابْنُ نَاجِي رَجَّحَ الْقَوْلَ بِعَدَمِ زِيَادَتِهِمَا، وَالْفَاكِهَانِيُّ وَابْنُ الْمُنِيرِ رَجَّحَا الْقَوْلَ بِزِيَادَتِهِمَا. قَوْلُهُ: [مَا يَجْرِي] إلَخْ: أَيْ وَإِلَّا - بِأَنْ لَمْ يَجْرِ - كَانَ مَسْحًا.

كَالْغُسْلِ يُنْدَبُ فِيهِ الْمَوْضِعُ الطَّاهِرُ وَمَا بَعْدَهُ. خَامِسُهَا: تَقْدِيمُ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ الْيُمْنَى فِي الْغُسْلِ عَلَى الْيُسْرَى. سَادِسُهَا: جَعْلُ الْإِنَاءِ الْمَفْتُوحِ - كَالْقَصْعَةِ وَالطَّسْتِ - لِجِهَةِ الْيَدِ الْيُمْنَى، لِأَنَّهُ أَعْوَنُ فِي التَّنَاوُلِ. بِخِلَافِ الْإِبْرِيقِ وَنَحْوِهِ فَيَجْعَلُهُ فِي جِهَةِ الْيُسْرَى فَيُفْرِغُ بِهَا مِنْهُ عَلَى الْيَدِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَرْفَعُهُ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا إلَى الْعُضْوِ. سَابِعُهَا: الْبَدْءُ فِي الْغُسْلِ أَوْ الْمَسْحِ بِمُقَدَّمِ الْعُضْوِ، بِأَنْ يَبْدَأَ فِي الْوَجْهِ مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ نَازِلًا إلَى ذَقَنِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ، وَيَبْدَأُ فِي الْيَدَيْنِ مِنْ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَفِي الرَّأْسِ مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ إلَى نُقْرَةِ الْقَفَا، وَفِي الرِّجْلِ مِنْ الْأَصَابِعِ إلَى الْكَعْبَيْنِ. فَقَوْلُنَا بِمُقَدَّمِ الْأَعْضَاءِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ: بِمُقَدَّمِ الرَّأْسِ. ثَامِنُهَا: الْغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي السُّنَنِ وَالْفَرَائِضِ. فَأَرَادَ بِالْغَسْلَةِ مَا يَشْمَلُ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: [الْغَسْلَةُ] مَا يُمْسَحُ مِنْ رَأْسٍ وَأُذُنٍ وَخُفَّيْنِ، فَتُكْرَهُ الثَّانِيَةُ وَغَيْرُهَا. تَاسِعُهَا: الْغَسْلَةُ الثَّالِثَةُ فِيمَا ذُكِرَ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَنْدُوبٌ عَلَى حِدَتِهِ. وَعِبَارَتُنَا أَفْضَلُ مِنْ قَوْلِهِ: " وَشَفَعَ غَسْلُهُ وَتَثْلِيثُهُ ". وَالرِّجْلَانِ كَغَيْرِهِمَا، وَقِيلَ الْمَطْلُوبُ فِيهِمَا الْإِنْقَاءُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ النَّقِيَّتَيْنِ مِنْ الْأَوْسَاخِ، وَأَمَّا هُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الْيُمْنَى] : أَيْ وَلَوْ أَعْسَرَ بِخِلَافِ الْإِنَاءِ، وَأَمَّا جَانِبَا الْوَجْهِ وَالْفَرْدَانِ فَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: [لِجِهَةِ الْيَدِ الْيُمْنَى] : أَيْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ أَعْسَرَ وَإِلَّا انْعَكَسَ الْحَالُ. قَوْلُهُ: [أَوْلَى] : أَيْ لِشُمُولِهِ وَعُمُومِهِ. قَوْلُهُ: [الْغَسْلَةُ الثَّالِثَةُ] : جَعْلُ كُلٍّ مِنْ الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مُسْتَحَبًّا، هُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَقِيلَ: كُلٌّ مِنْهُمَا سُنَّةٌ، وَقِيلَ: الْغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ وَالثَّالِثَةُ فَضِيلَةٌ، وَنَقَلَ الزَّرْقَانِيُّ عَنْ أَشْهَبَ فَرْضِيَّةَ الثَّانِيَةِ، وَقِيلَ إنَّهُمَا مُسْتَحَبٌّ وَاحِدٌ، وَذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ. قَوْلُهُ: [أَفْضَلُ] : أَيْ لِكَوْنِهَا أَصَرْحَ فِي الْمُرَادِ لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ. وَمَحَلُّ كَوْنِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مُسْتَحَبًّا إذَا عَمَّتْ الْأُولَى، وَأُحْكِمَتْ مِنْ فَرْضٍ أَوْ سُنَّةٍ. قَوْلُهُ: [الْإِنْقَاءُ] : أَيْ وَلَوْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ، وَلَا يُطْلَبُ بِشَفْعٍ وَلَا تَثْلِيثٍ بَعْدَ الْإِنْقَاءِ

فَكَغَيْرِهِمَا قَطْعًا. عَاشِرُهَا: الِاسْتِيَاكُ بِعُودٍ لَيِّنٍ قَبْلَ الْمَضْمَضَةِ مِنْ نَخْلٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَرَاكٍ، وَيَكْفِي الْأُصْبُعُ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَقِيلَ: يَكْفِي وَلَوْ وُجِدَ الْعُودُ. وَيَسْتَاكُ نَدْبًا بِيَدِهِ الْيُمْنَى مُبْتَدِئًا بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَالْمُرَادُ بِالْوَسَخِ الَّذِي يُطْلَبُ إزَالَتُهُ فِي الْوُضُوءِ: الْوَسَخُ الْحَائِلُ، وَأَمَّا الْوَسَخُ الْغَيْرُ الْحَائِلِ فَلَا يَتَوَقَّفُ الْوُضُوءُ عَلَى إزَالَتِهِ. كَذَا فِي (ب ن) نَقْلًا عَنْ الْمِسْنَاوِيِّ. تَنْبِيهٌ: تَرَكَ الشَّارِحُ الْكَلَامَ عَلَى فَضِيلَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ، وَهُمَا: تَرْتِيبُ السُّنَنِ فِي أَنْفُسِهَا أَوْ مَعَ الْفَرَائِضِ. فَجُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَقَطْ ثِنْتَا عَشْرَةَ فَضِيلَةً فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَى غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ: عَاشِرُهَا، تَرْتِيبُ السُّنَنِ فِي أَنْفُسِهَا، حَادِيَةَ عَشَرَهَا، تَرْتِيبُهَا مَعَ الْفَوَائِضِ، ثَانِيَةَ عَشَرَهَا، الِاسْتِيَاكُ. قَوْلُهُ: الِاسْتِيَاكُ: هُوَ اسْتِعْمَالُ السِّوَاكِ مِنْ عُودٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَالسِّوَاكُ يُطْلَقُ مُرَادًا بِهِ الْفِعْلُ، وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْآلَةُ، فَلَمَّا كَانَ لَفْظُ السِّوَاكِ مُشْتَرَكًا عُبِّرَ بِالْفِعْلِ لِدَفْعِ إيهَامِ الْآلَةِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ سَاكَ يَسُوكُ بِمَعْنَى دَلَكَ أَوْ تَمَايَلَ، مِنْ قَوْلِهِمْ جَاءَتْ الْإِبِلُ تَسَّاوَكُ: أَيْ تَتَمَايَلُ فِي الْمَشْيِ مِنْ ضَعْفِهَا. وَسَبَبُ مَشْرُوعِيَّتِهِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا قَامَ لِلصَّلَاةِ قَامَ مَعَهُ مَلَكٌ، وَوَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ، فَلَا تَخْرُجُ مِنْ فِيهِ آيَةُ قُرْآنٍ إلَّا فِي جَوْفِ الْمَلَكِ. قَوْلُهُ: [بِعُودٍ لَيِّنٍ] : أَيْ لِغَيْرِ الصَّائِمِ، وَأَمَّا هُوَ فَيُكْرَهُ بِهِ. قَوْلُهُ: [الْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ] إلَخْ: وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْأَفْضَلُ الْأَرَاكُ، ثُمَّ جَرِيدُ النَّخْلِ، ثُمَّ عُودُ الزَّيْتُونِ، ثُمَّ مَا لَهُ رَائِحَةٌ ذَكِيَّةٌ، ثُمَّ غَيْرُهُ مِنْ الْعِيدَانِ مِمَّا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَذْهَبَنَا مُوَافِقٌ لَهُمْ، وَقَالَ أَيْضًا: وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لِأَنَّهُ كَانَ لِلْأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ لَا لِأُمَمِهِمْ (انْتَهَى) . قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَوَّلُ مَنْ اسْتَاك سَيِّدُنَا إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قَوْلُهُ: [وَيَكْفِي الْأُصْبُعُ] إلَخْ: أَيْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي الْأُصْبُعُ عِنْدَهُمْ مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: [بِيَدِهِ الْيُمْنَى] : أَيْ بِأَنْ يَجْعَلَ الْإِبْهَامَ وَالْخِنْصَرَ تَحْتَهُ وَالثَّلَاثَةَ فَوْقَهُ.

عَرْضًا فِي الْأَسْنَانِ وَطُولًا فِي اللِّسَانِ. وَلَا يَسْتَاكُ بِعُودِ الرَّيْحَانِ الْمُسَمَّى فِي مِصْرَ بِالْمُرْسِينَ وَلَا بِعُودِ الرُّمَّانِ لِتَحْرِيكِهِمَا عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ عِرْقَ الْجُذَامِ وَلَا بِعُودِ الْحَلْفَاءِ، وَلَا قَصَبِ الشَّعِيرِ لِأَنَّهُمَا يُورِثَانِ الْأَكَلَةَ أَوْ الْبَرَصَ. وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ فِي طُولِهِ عَلَى شِبْرٍ. وَفِي السِّوَاكِ كَلَامٌ طَوِيلٌ فَرَاجِعْهُ فِي مَحَلِّهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَرْضًا فِي الْأَسْنَانِ] إلَخْ: أَيْ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَطُولًا فِي اللِّسَانِ ظَاهِرًا. وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا كَوْنُهُ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ اللُّيُونَةِ وَالْيُبُوسَةِ. وَيُكْرَهُ لِلصَّائِمِ الْأَخْضَرُ لِئَلَّا يَتَحَلَّلَ مِنْهُ شَيْءٌ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ اسْتِحْبَابِ السِّوَاكِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إنَّهُ سُنَّةٌ لِحَثِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» «وَلِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ حَتَّى صَحَّ أَنَّهُ فَعَلَهُ وَهُوَ فِي سَكَرَاتِ الْمَوْتِ» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ثَلَاثٌ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَيَّ وَهُنَّ لَكُمْ سُنَّةٌ، فَذَكَرَ مِنْهَا السِّوَاكَ» وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالسُّنَّةِ الطَّرِيقَةُ الْمَنْدُوبَةُ. قَوْلُهُ: [كَلَامٌ طَوِيلٌ] : مِنْ ذَلِكَ فَضَائِلُهُ، وَهِيَ تَنْتَهِي إلَى بِضْعٍ وَثَلَاثِينَ فَضِيلَةً، وَقَدْ نَظَمَهَا الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فَقَالَ: إنَّ السِّوَاكَ مُرْضِي الرَّحْمَنِ ... وَهَكَذَا مُبَيِّضُ الْأَسْنَانِ وَمُظْهِرُ الشَّعْرِ مُذَكِّي الْفَطِنَةِ ... يَزِيدُ فِي فَصَاحَةٍ وَحُسْنِهِ مُشَدِّدُ اللِّثَةِ أَيْضًا مُذْهِبٌ ... لِبَخَرٍ وَلِلْعَدُوِّ مُرْهِبٌ كَذَا مُصَفِّي خِلْقَةٍ وَيَقْطَعُ ... رُطُوبَةً وَلِلْغِذَاءِ يَنْفَعُ وَمُبْطِئٌ لِلشَّيْبِ وَالْإِهْرَامِ ... وَمُهَضِّمُ الْأَكْلِ مِنْ الطَّعَامِ وَقَدْ غَدَا مُذَكِّرَ الشَّهَادَةِ ... مُسَهِّلَ النَّزْعِ لَدَى الشَّهَادَةِ وَمُرْغِمُ الشَّيْطَانِ وَالْعَدُوِّ ... وَالْعَقْلَ وَالْجِسْمَ كَذَا يُقَوِّي

[مكروهات الوضوء]

(كَصَلَاةٍ بَعُدَتْ مِنْهُ، وَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ، وَانْتِبَاهٍ مِنْ نَوْمٍ، وَتَغَيُّرِ فَمٍ) : تَشْبِيهٌ فِي النَّدْبِ؛ أَيْ كَمَا يُنْدَبُ الِاسْتِيَاكُ لِصَلَاةِ فَرْضٍ أَوْ نَافِلَةٍ بَعُدَتْ مِنْ الِاسْتِيَاكِ بِالْعُرْفِ. فَمَنْ وَالَى بَيْنَ صَلَوَاتٍ، فَلَا يُنْدَبُ أَنْ يَسْتَاكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْهَا مَا لَمْ يَبْعُدْ مَا بَيْنَهَا عَنْ الِاسْتِيَاكِ. وَيُنْدَبُ الِاسْتِيَاكُ أَيْضًا عِنْدَ إرَادَةِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِتَطْيِيبِ الْفَمِ، وَعِنْدَ الِانْتِبَاهِ مِنْ النَّوْمِ، وَعِنْدَ تَغَيُّرِ الْفَمِ بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ بِكَثْرَةِ كَلَامٍ وَلَوْ بِذِكْرٍ أَوْ قِرَاءَةٍ أَوْ طُولِ سُكُوتٍ، وَوَرَدَ: «أَنَّ السِّوَاكَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إلَّا السَّامَ» أَيْ الْمَوْتَ. (وَكُرِهَ: مَوْضِعٌ نَجِسٌ، وَإِكْثَارُ الْمَاءِ، وَالْكَلَامُ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، وَالزَّائِدُ عَلَى الثَّلَاثِ، وَبَدْءٌ بِمُؤَخَّرِ الْأَعْضَاءِ، وَكَشْفُ الْعَوْرَةِ وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ، وَكَثْرَةُ الزِّيَادَةِ عَلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ، وَتَرْكُ سُنَّةٍ) : هَذَا شُرُوعٌ فِي مَكْرُوهَاتِ الْوُضُوءِ، وَهُوَ مِنْ زِيَادَاتِي عَلَى الْمُصَنِّفِ. أَيْ أَنَّهُ يُكْرَهُ فِعْلُ الْوُضُوءِ فِي مَكَان نَجِسٍ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ، فَيَتَنَحَّى عَنْ الْمَكَانِ النَّجِسِ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمُورِثٌ لَسَعَةٍ مَعَ الْغِنَى ... وَمُذْهِبٌ لِأَلَمٍ حَتَّى الْعَنَا وَلِلصُّدَاعِ وَعُرُوقِ الرَّأْسِ ... مُسَكِّنٌ وَوَجَعِ الْأَضْرَاسِ يَزِيدُ فِي مَالٍ وَيُنْمِي الْوَلَدَا ... مُطَهِّرٌ لِلْقَلْبِ جَالٍ لِلصَّدَا مُبَيِّضُ الْوَجْهِ وَجَالٍ لِلْبَصَرِ ... وَمُذْهِبٌ لِبَلْغَمٍ مَعَ الْحُفَرِ مُيَسِّرٌ مُوَسِّعٌ لِلرِّزْقِ ... مُفَرِّحٌ لِلْكَاتِبِينَ الْحَقِّ قَوْلُهُ: [كَصَلَاةٍ بَعُدَتْ مِنْهُ] إلَخْ: أَيْ سَوَاءً كَانَ مُتَطَهِّرًا بِمَاءٍ أَوْ تُرَابٍ أَوْ غَيْرَ مُتَطَهِّرٍ، كَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُصَلِّي. قَوْلُهُ: [تَشْبِيهٌ فِي النَّدْبِ] إلَخْ: وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَالسِّوَاكُ مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ فِي خَمْسَةِ أَوْقَاتٍ: عِنْدَ الْوُضُوءِ وَعِنْدَ الصَّلَاةِ وَعِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَعِنْدَ انْتِبَاهِهِ مِنْ النَّوْمِ وَعِنْدَ تَغَيُّرِ الْفَمِ بِسُكُوتٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ تَرْكِهِمَا أَوْ بِكَثْرَةِ كَلَامٍ وَلَوْ بِالْقُرْآنِ. [مَكْرُوهَات الْوُضُوء] قَوْلُهُ: [وَهُوَ مِنْ زِيَادَاتِي] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ لِلْمُصَنِّفِ زِيَادَاتٍ زَادَهَا عَلَى أَصْلِهِ مِنْهَا الْمَكْرُوهَاتُ وَالشُّرُوطُ هُنَا، وَسَيَأْتِي لَهُ جُمْلَةُ مَوَاضِعَ يَزِيدُهَا عَلَى أَصْلِهِ. قَوْلُهُ: [أَيْ أَنَّهُ يُكْرَهُ] إلَخْ: لَمَّا كَانَ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الْفَضِيلَةِ حُصُولُ الْمَكْرُوهِ صَرَّحَ بِالْمَكْرُوهَاتِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ] : أَيْ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ تَعَبَّدَنَا بِهَا الشَّارِعُ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِي

مَا شَأْنُهُ النَّجَاسَةُ وَلِئَلَّا يَتَطَايَرَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يَتَقَاطَرُ مِنْ أَعْضَائِهِ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ النَّجَاسَةُ. وَيُكْرَهُ إكْثَارُ الْمَاءِ عَلَى الْعُضْوِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ السَّرَفِ وَالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ الْمُوجِبِ لِلْوَسْوَسَةِ. وَيُكْرَهُ الْكَلَامُ حَالَ الْوُضُوءِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَوَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ حَالَ الْوُضُوءِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي، وَبَارِكْ لِي فِي رِزْقِي، وَقَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوَاضِعِ الطَّاهِرَةِ. قَوْلُهُ: [وَلِئَلَّا يَتَطَايَرَ] إلَخْ: هَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي الْمَكَانِ النَّجِسِ بِالْفِعْلِ لَا فِيمَا شَأْنُهُ النَّجَاسَةُ، فَالتَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ أَتَمُّ. قَوْلُهُ: [وَالْغُلُوُّ] : أَيْ التَّشْدِيدُ، وَفِي الْحَدِيثِ: «وَلَنْ يُشَادَّ أَحَدٌ الدِّينَ إلَّا غَلَبَهُ» . قَوْلُهُ: [وَيُكْرَهُ الْكَلَامُ إلَخْ] : أَيْ لِأَنَّ السُّكُوتَ لِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ حَالَ الْوُضُوءِ مَنْدُوبٌ، فَيُكْرَهُ ضِدُّهُ. قَوْلُهُ: [اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي] : يَجْرِي فِي تَفْسِيرِهِ مَا جَرَى فِي قَوْله تَعَالَى: (لِيَغْفِرَ لَك اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ) . قَوْلُهُ: [وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي] : أَيْ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ، فَقَدْ وَرَدَ: " سَعَادَةُ الْمَرْءِ فِي الدُّنْيَا ثَلَاثٌ: الدَّارُ الْوَسِيعَةُ، وَالدَّابَّةُ السَّرِيعَةُ، وَالزَّوْجَةُ الْمُطِيعَةُ " انْتَهَى. وَسَعَةُ دَارِ الْآخِرَةِ هِيَ الْأَهَمُّ. قَوْلُهُ: [وَبَارِكْ لِي فِي رِزْقِي] : أَيْ زِدْنِي فِيهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. قَوْلُهُ: [وَقَنِّعْنِي] : أَيْ اجْعَلْنِي قَانِعًا أَيْ مُكْتَفِيًا وَرَاضِيًا بِمَا رَزَقْتَنِي فِي الدُّنْيَا، فَلَا أَمُدُّ عَيْنَيَّ لِمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ، وَهَذَا هُوَ الْغِنَى النَّفْسِيِّ وَفِي الْحَدِيثِ:

وَلَا تَفْتِنِّي بِمَا زَوَيْت عَنِّي» . وَيُكْرَهُ الزَّائِدُ عَلَى الثَّلَاثِ فِي الْمَغْسُولِ، وَكَذَا يُكْرَهُ الْمَسْحُ الثَّانِي فِي الْمَمْسُوحِ، وَقِيلَ يُمْنَعُ الزَّائِدُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَيُكْرَهُ الْبَدْءُ بِمُؤَخَّرِ الْأَعْضَاءِ، وَكَشْفُ الْعَوْرَةِ حَالَ الْوُضُوءِ إذَا كَانَ بِخَلْوَةٍ أَوْ مَعَ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ وَإِلَّا حَرُمَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَيُكْرَهُ مَسْحُ الرَّقَبَةِ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْغُلُوِّ فِي الدِّينِ، فَهُوَ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِنَدْبِهِ. وَكَذَا تُكْرَهُ كَثْرَةُ الزِّيَادَةِ عَلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ لِمَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِنَدْبِهَا وَفَسَّرَ إطَالَةَ الْغُرَّةِ فِي الْحَدِيثِ بِذَلِكَ، وَفَسَّرَهَا الْإِمَامُ مَالِكٌ بِإِدَامَةِ الْوُضُوءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ «خَيْرُ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» . قَوْلُهُ: [وَلَا تَفْتِنِّي بِمَا زَوَيْت عَنِّي] : أَيْ وَلَا تَجْعَلْنِي مَفْتُونًا أَيْ مَشْغُولًا بِمَا زَوَيْته أَيْ أَبْعَدْته عَنِّي، بِأَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِك أَنَّك لَا تَقْدِرْهُ لِي، فَإِنَّ الشُّغُلَ بِهِ حَسْرَةٌ وَنَدَامَةٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ تَعْلِيمٌ لِأُمَّتِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ تَخَلُّفُ تِلْكَ الدَّعَوَاتِ. قَوْلُهُ: [عَلَى الثَّلَاثِ] : أَيْ الْمُوعِبَةِ، لِأَنَّهَا مِنْ السَّرَفِ. وَهُوَ نَقْلُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا يُكْرَهُ الْمَسْحُ] إلَخْ: أَيْ يُكْرَهُ تَكْرَارُ الْمَسْحِ فِي الْعُضْوِ الْمَمْسُوحِ، كَانَ الْمَسْحُ أَصْلِيًّا أَوْ بَدَلِيًّا، اخْتِيَارِيًّا أَوْ اضْطِرَارِيًّا، لِكَوْنٍ الْمَسْحِ مَبْنِيًّا عَلَى التَّخْفِيفِ. قَوْلُهُ: [إذَا كَانَ بِخَلْوَةٍ] : أَيْ وَلَوْ فِي ظَلَامٍ. قَوْلُهُ: [خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِنَدْبِهِ] : أَيْ وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِعَدَمِ وُرُودِ ذَلِكَ فِي وُضُوئِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَإِنْ وَرَدَ فِيهِ أَنَّهُ أَمَانٌ مِنْ الْغَلِّ. قَوْلُهُ: [كَثْرَةُ الزِّيَادَةِ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا أَصْلُ الزِّيَادَةِ فَلَا بُدَّ مِنْهَا لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. قَوْلُهُ: [لِمَا ذَكَرْنَا] : أَيْ وَهُوَ الْغُلُوُّ. قَوْلُهُ: [فِي الْحَدِيثِ] : أَيْ الْوَارِدِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

[متى يكون الوضوء مندوبا]

وَكُرِهَ لِلْمُتَوَضِّئِ تَرْكُ سُنَّةٍ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ عَمْدًا وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا، فَإِنْ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا سُنَّ لَهُ فِعْلُهَا لِمَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ الصَّلَاةِ إنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ. (وَنُدِبَ لِزِيَارَةِ صَالِحٍ وَسُلْطَانٍ، وَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ، وَحَدِيثٍ، وَعِلْمٍ، وَذِكْرٍ، وَنَوْمٍ وَدُخُولِ سُوقٍ، وَإِدَامَتِهِ وَتَجْدِيدِهِ إنْ صَلَّى بِهِ أَوْ طَافَ) : يَعْنِي أَنَّهُ يُنْدَبُ لِمَنْ أَرَادَ زِيَارَةَ صَالِحٍ، كَعَالِمٍ وَزَاهِدٍ وَعَابِدٍ - حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ - أَنْ يَتَوَضَّأَ، وَأَوْلَى لِزِيَارَةِ نَبِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: «مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» . قَوْلُهُ: [تَرَكَ سُنَّةً] : أَيْ: أَيُّ سُنَّةٍ كَانَتْ مِنْ السُّنَنِ الثَّمَانِيَةِ، فَهِيَ أَوْلَى فِي الْكَرَاهَةِ مِنْ تَرْكِ الْفَضِيلَةِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ تَرَكَهَا] إلَخْ: أَيْ تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا أَوْ شَكًّا لِغَيْرِ مُسْتَنْكِحٍ غَيَّرَ التَّرْتِيبَ، وَلَمْ يُنِبْ عَنْهَا غَيْرَهَا، وَلَمْ يُوقِعْ فِعْلَهَا فِي مَكْرُوهٍ - وَهِيَ: الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ - فَإِنَّهُ يَفْعَلُهَا - كَمَا قَالَ الشَّارِحُ - إنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ بِهَذَا الْوُضُوءِ دُونَ مَا بَعْدَهُ وَلَوْ قَرِيبًا، وَلَا يُعِيدُ مَا صَلَّى فِي وَقْتٍ وَلَا غَيْرِهِ اتِّفَاقًا فِي السَّهْوِ، وَعَلَى الْمَعْرُوفِ فِي الْعَمْدِ، لِضَعْفِ أَمْرِ الْوُضُوءِ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً عَنْ أَمْرِ الصَّلَاةِ لِكَوْنِهَا مَقْصِدًا. وَأَمَّا التَّرْتِيبُ فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ. وَأَمَّا مَا نَابَ عَنْهُ غَيْرُهُ، كَغَسْلِ الْيَدَيْنِ إلَى الْكُوعَيْنِ، أَوْ أَوْقَعَ فِعْلَهُ فِي مَكْرُوهٍ، كَرَدِّ مَسْحِ الرَّأْسِ وَتَجْدِيدِ الْمَاءِ لِلْأُذُنَيْنِ وَالِاسْتِنْثَارِ - إذْ لَا بُدَّ مِنْ سَبْقِ اسْتِنْشَاقٍ - فَلَا يُفْعَلُ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى مَا لِابْنِ بَشِيرٍ خِلَافًا لِطَرِيقَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْقَائِلِ بِالْإِتْيَانِ بِالسُّنَّةِ مُطْلَقًا. وَظَاهِرُ، الشَّارِحِ مُوَافَقَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ، لَكِنَّ الَّذِي ارْتَضَاهُ الْأَشْيَاخُ كَلَامَ ابْنِ بَشِيرٍ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ. [مَتَى يَكُون الْوُضُوء مَنْدُوبًا] قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ] إلَخْ: شُرُوعٌ فِي الْوُضُوءِ الْمَنْدُوبِ وَضَابِطُهُ: كُلُّ وُضُوءٍ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ مَا يُفْعَلُ بِهِ، بَلْ مِنْ كَمَالَاتِ مَا يُفْعَلُ بِهِ، وَلِذَلِكَ لَا يَرْتَفِعُ بِهِ الْحَدَثُ

لِأَنَّ حَضْرَتَهُمْ حَضْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْوُضُوءُ نُورٌ فَيُقَوِّي بِهِ نُورَهُ الْبَاطِنِيَّ فِي حَضْرَتِهِمْ. وَكَذَا يُنْدَبُ الْوُضُوءُ لِزِيَارَةِ سُلْطَانٍ أَوْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ لِأَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ لِأَنَّ حَضْرَةَ السُّلْطَانِ حَضْرَةُ قَهْرٍ أَوْ رِضًا مِنْ اللَّهِ، وَالْوُضُوءُ سِلَاحُ الْمُؤْمِنِ وَحِصْنٌ مِنْ سَطْوَتِهِ. وَكَذَا يُنْدَبُ الْوُضُوءُ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَقِرَاءَةِ الْحَدِيثِ وَقِرَاءَةِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ وَلِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا. وَعِنْدَ النَّوْمِ وَعِنْدَ دُخُولِ السُّوقِ، لِأَنَّهُ مَحَلُّ لَهْوٍ وَاشْتِغَالٍ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَمَحَلُّ الْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ، فَلِلشَّيْطَانِ فِيهِ قُوَّةُ تَسَلُّطٍ عَلَى الْإِنْسَانِ، وَالْوُضُوءُ سِلَاحُ الْمُؤْمِنِ وَدِرْعُهُ الْحَصِينُ مِنْ كَيْدِهِ وَكَيْدِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ. وَيُنْدَبُ أَيْضًا إدَامَةُ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ نُورٌ كَمَا وَرَدَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا إذَا نَوَى رَفْعَهُ أَوْ نَوَى فِعْلَ عِبَادَةٍ تَتَوَقَّفُ عَلَى رَفْعِ الْحَدَثِ كَمَسِّ الْمُصْحَفِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: [فَيَقْوَى بِهِ نُورُهُ] إلَخْ: أَيْ فَتَتَّصِلُ رُوحُهُ بِأَرْوَاحِهِمْ وَيَسْتَمِدُّ مِنْهُمْ. قَوْلُهُ: [لِزِيَارَةِ سُلْطَانٍ] : مُرَادُهُ كُلُّ ذِي بَطْشٍ. قَوْلُهُ: [حَضْرَةُ قَهْرٍ] إلَخْ: أَيْ فَهُوَ مَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ الْحَقِّ، رَحْمَةٌ وَنِقْمَةٌ يَرْحَمُ اللَّهُ بِهِ وَيَنْتَقِمُ اللَّهُ بِهِ، وَالْوُضُوءُ حِصْنٌ مِنْ النِّقْمَةِ فَاتِحٌ لِلرَّحْمَةِ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا يُنْدَبُ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ حَضْرَةَ مَا ذُكِرَ حَضْرَةُ اللَّهِ، فَيَتَعَرَّضُ فِيهَا الْعَبْدُ لِلنَّفَحَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ، فَيَتَهَيَّأُ لِتِلْكَ النَّفَحَاتِ بِالْوُضُوءِ وَإِخْلَاصِ الْبَاطِنِ. قَوْلُهُ: [وَعِنْدَ النَّوْمِ] : أَيْ لِمَا وَرَدَ: «مَنْ نَامَ عَلَى طَهَارَةٍ سَجَدَتْ رُوحُهُ تَحْتَ الْعَرْشِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَلَاعَبُ بِهِ» . قَوْلُهُ: [فَلِلشَّيْطَانِ فِيهِ قُوَّةُ تَسَلُّطٍ] : أَيْ لِمَا وَرَدَ: «إنَّ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ الْأَسْوَاقَ الشَّيَاطِينُ: بِرَايَاتِهَا وَإِنَّهَا شَرُّ الْبِقَاعِ» . قَوْلُهُ: [كَمَا وَرَدَ] : مِنْ ذَلِكَ مَا فَسَّرَ بِهِ مَالِكٌ إطَالَةَ الْغُرَّةِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا

[شروط صحة ووجوب الوضوء]

وَيُنْدَبُ أَيْضًا لِمَنْ كَانَ عَلَى وُضُوءٍ صَلَّى بِهِ فَرْضًا وَنَفْلًا، أَوْ طَافَ بِهِ وَأَرَادَ صَلَاةً أَوْ طَوَافًا أَنْ يُجَدِّدَ وُضُوءَهُ لِذَلِكَ، لَا إنْ مَسَّ بِهِ مُصْحَفًا فَلَا يُنْدَبُ لَهُ تَجْدِيدُهُ. (وَشَرْطُ صِحَّتِهِ: إسْلَامٌ، وَعَدَمُ حَائِلٍ وَمُنَافٍ) هَذَا شُرُوعٌ فِي شُرُوطِ الْوُضُوءِ. وَهِيَ مِنْ زِيَادَتِنَا عَلَى الشَّيْخِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ مَا عَدَا الْأَخِيرَ. وَشُرُوطُهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: شُرُوطُ صِحَّةٍ فَقَطْ، وَشُرُوطُ وُجُوبٍ فَقَطْ، وَشُرُوطُ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ مَعًا. وَمُرَادُهُ بِالشَّرْطِ: مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ مِنْ صِحَّةٍ أَوْ وُجُوبٍ أَوْ هُمَا، فَيَشْمَلُ السَّبَبَ كَدُخُولِ الْوَقْتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ، فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» . قَوْلُهُ: [لَا إنْ مَسَّ بِهِ مُصْحَفًا] : إنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ مَعَ أَنَّ كُلًّا فُعِلَ بِهِ عِبَادَةٌ تَتَوَقَّفُ عَلَى طَهُورٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّ غَيْرَ مَسِّ الْمُصْحَفِ أَقْوَى مِنْ تَعَلُّقِهِ بِالطَّهَارَةِ؛ لِتَوَقُّفِ صِحَّتِهِ عَلَيْهَا، فَلِذَلِكَ طَلَبَ التَّجْدِيدَ بَعْدَ تَأْدِيَتِهَا دُونَ مَسِّ الْمُصْحَفِ [شُرُوط صِحَّة وَوُجُوب الْوُضُوء] قَوْلُهُ: [مَا عَدَا الْأَخِيرَ] : أَيْ الَّذِي هُوَ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ قَوْلُهُ: [وَشُرُوطُهُ] إلَخْ: جَمْعُ شَرْطٍ: وَمَعْنَاهُ لُغَةً الْعَلَامَةُ وَاصْطِلَاحًا مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ. قَوْلُهُ: [شُرُوطُ صِحَّةٍ] إلَخْ: شَرْطُ الصِّحَّةِ مَا تَبْرَأُ بِهِ الذِّمَّةُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَحْصِيلُهُ. قَوْلُهُ: [شُرُوطُ وُجُوبٍ] : شَرْطُ الْوُجُوبِ مَا تَعْمُرُ بِهِ الذِّمَّةُ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَحْصِيلُهُ. قَوْلُهُ: [وَمُرَادُهُ بِالشَّرْطِ] إلَخْ: جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ وَرَدٌّ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّ حَقِيقَةَ شَرْطِ الْوُجُوبِ تُنَاقِضُ حَقِيقَةَ شَرْطِ الصِّحَّةِ، فَكَيْفَ يَجْتَمِعَانِ؟ إذْ شَرْطُ الْوُجُوبِ مَا تَعْمُرُ بِهِ الذِّمَّةُ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَحْصِيلُهُ، وَشَرْطُ الصِّحَّةُ مَا تَبْرَأُ بِهِ الذِّمَّةُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَحْصِيلُهُ. فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: [وَمُرَادُهُ] إلَخْ أَيْ أَنَّهُمَا إذَا اجْتَمَعَا يُعْرَفَانِ بِمَا ذُكِرَ، وَإِذَا انْفَرَدَا يُعْرَفَانِ بِمَا سَبَقَ (انْتَهَى تَقْرِيرُ الشَّارِحِ) . قَوْلُهُ: (فَيَشْمَلُ السَّبَبَ) : هُوَ فِي اللُّغَةِ الْحَبْلُ، قَالَ تَعَالَى:

فَشُرُوطُ صِحَّتِهِ ثَلَاثَةٌ: الْإِسْلَامُ؛ فَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ. وَلَا يَخْتَصُّ بِالْوُضُوءِ بَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ مِنْ طَهَارَةٍ وَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَصَوْمٍ وَحَجٍّ. الثَّانِي: عَدَمُ الْحَائِلِ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ، كَشَمْعٍ وَدُهْنٍ مُتَجَسِّمٍ عَلَى الْعُضْوِ، وَمِنْهُ عُمَاصُ الْعَيْنِ وَالْمِدَادُ بِيَدِ الْكَاتِبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. الثَّالِثُ: عَدَمُ الْمُنَافِي لِلْوُضُوءِ، فَلَا يَصِحُّ حَالَ خُرُوجِ الْحَدَثِ أَوْ مَسِّ الذَّكَرِ وَنَحْوِهِ. (وَشَرْطُ وُجُوبِهِ: دُخُولُ وَقْتٍ، وَبُلُوغٌ، وَقُدْرَةٌ عَلَيْهِ، وَحُصُولُ نَاقِضٍ) أَيْ شُرُوطُ وُجُوبِهِ فَقَطْ أَرْبَعَةٌ: دُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} [الحج: 15] أَيْ حَبْلٍ إلَى سَقْفِ بَيْتِهِ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْمُوَصِّلِ لِغَيْرِهِ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ: مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ. قَوْلُهُ: [الْإِسْلَامُ] : أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، خِلَافًا لِمَنْ جَعَلَهُ شَرْطَ وُجُوبٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ. وَلَكِنْ إذَا تَأَمَّلْت تَجِدْهُ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ شَرْطَ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ مَعًا كَمَا ذَكَرَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ فِي فَصْلِ شَرْطِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَخْتَصُّ بِالْوُضُوءِ] : اعْتِرَاضٌ مِنْ الشَّارِحِ عَلَى عَدِّهِمْ لَهُ مِنْ الشُّرُوطِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا يُعَدُّ مِنْ شُرُوطِ الشَّيْءِ إلَّا مَا كَانَ خَاصًّا بِذَلِكَ الشَّيْءِ. قَوْلُهُ: [مُتَجَسِّمٌ] : يُحْتَرَزُ عَنْ نَحْوِ السَّمْنِ وَالزَّيْتِ الَّذِي يَقْطَعُ الْمَاءَ عَلَى الْعُضْوِ، فَلَا يَضُرُّ إذَا عَمَّ الْمَاءُ وَتَقَطَّعَ بَعْدَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَنَحْوَ ذَلِكَ] : أَيْ كَالْأَوْسَاخِ الْمُتَجَسِّدَةِ عَلَى الْأَبَدَانِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْقَشَفُ الْمَيِّتُ. قَوْله: [وَنَحْوَهُ] : أَيْ كَمَسِّ الْأَجْنَبِيَّةِ بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ. قَوْلُهُ: [دُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ] : إنَّمَا عَدَّهُ مِنْ الشُّرُوطِ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالشَّرْطِ مَا يَشْمَلُ السَّبَبَ

وَالْبُلُوغُ، فَلَا يَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ. وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْوُضُوءِ فَلَا يَجِبُ عَلَى عَاجِزٍ كَالْمَرِيضِ وَلَا عَلَى فَاقِدِ الْمَاءِ. فَالْمُرَادُ بِالْقَادِرِ هُوَ الْوَاجِدُ الْمَاءَ الَّذِي لَا يَضُرُّهُ اسْتِعْمَالُهُ. وَالرَّابِعُ: حُصُولُ نَاقِضٍ، فَلَا يَجِبُ عَلَى مُحَصِّلِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَشَرْطُهُمَا: عَقْلٌ، وَنَقَاءٌ مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ، وَوُجُودُ مَا يَكْفِي مِنْ الْمُطْلَقِ، وَعَدَمُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ) : أَيْ أَنَّ شُرُوطَ الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ مَعًا لِلْوُضُوءِ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ: الْعَقْلُ، فَلَا يَجِبُ وَلَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ حَالَ جُنُونِهِ، وَلَا مِنْ مَصْرُوعٍ حَالَ صَرْعِهِ. الثَّانِي: النَّقَاءُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ فَلَا يَجِبُ وَلَا يَصِحُّ مِنْ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ. الثَّالِثُ: وُجُودُ مَا يَكْفِي مِنْ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ، فَلَا يَجِبُ وَلَا يَصِحُّ مِنْ وَاجِدِ مَاءٍ قَلِيلٍ لَا يَكْفِيهِ. فَلَوْ غَسَلَ بَعْضَ الْأَعْضَاءِ بِمَا وَجَدَهُ مِنْ الْمَاءِ فَبَاطِلٌ. وَمَا أَدْخَلْنَا - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْبُلُوغُ] : سَتَأْتِي عَلَامَتُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَنْجَرَةِ، وَمَعْنَاهُ قُوَّةٌ تَحْدُثُ لِلصَّبِيِّ يَنْتَقِلُ بِهَا مِنْ حَالَةِ الطُّفُولِيَّةِ إلَى حَالَةِ الرُّجُولِيَّةِ. قَوْلُهُ: [عَلَى صَبِيٍّ] : مُرَادُهُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى. قَوْلُهُ: [كَالْمَرِيضِ] : أَدْخَلَتْ الْكَافُ الْمُكْرَهَ وَالْمَصْلُوبَ وَالْأَقْطَعَ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُوَضِّئُهُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّحَيُّلُ. قَوْلُهُ: [وَلَا عَلَى فَاقِدِ الْمَاءِ] : أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمَنْ عِنْدَهُ مَاءٌ يَحْتَاجُ لَهُ لِنَحْوِ شُرْبٍ. قَوْلُهُ: [حُصُولُ نَاقِضٍ] : أَيْ ثُبُوتُهُ شَرْعًا وَلَوْ بِالشَّكِّ فِي الْحَدَثِ، أَوْ الشَّكِّ فِي السَّبَبِ لِغَيْرِ مُسْتَنْكِحٍ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَجِبُ عَلَى مُحَصِّلِهِ] : أَيْ الْوُضُوءُ، وَأَمَّا التَّجْدِيدُ فَشَيْءٌ آخَرُ. قَوْلُهُ: [أَرْبَعَةٌ] : وَزَادَ بَعْضُهُمْ خَامِسًا وَهُوَ بُلُوغُ دَعْوَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَكُونُ عَلَى هَذِهِ خَمْسَةً، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِنُدُورِ تَخَلُّفِهِ. قَوْلُهُ: [مِنْ مَجْنُونٍ] : وَمِثْلُهُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَعْتُوهُ الَّذِي لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ.

فِي شَرْطِ الْقُدْرَةِ مِنْ أَنَّهُ شَرْطُ وُجُوبٍ فَقَطْ هُوَ الْعَادِمُ لِلْمَاءِ مِنْ أَصْلِهِ، فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَادِرٍ عَلَى الْوُضُوءِ، تَأَمَّلْ. الرَّابِعُ: عَدَمُ النَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ فَلَا يَجِبُ عَلَى نَائِمٍ وَغَافِلٍ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا لِعَدَمِ النِّيَّةِ إذْ لَا نِيَّةَ لِنَائِمٍ أَوْ غَافِلٍ حَالَ النَّوْمِ أَوْ الْغَفْلَةِ. (كَالْغُسْلِ وَكَالتَّيَمُّمِ، بِإِبْدَالِ الْمُطْلَقِ بِالصَّعِيدِ، إلَّا أَنَّ الْوَقْتَ فِيهِ شَرْطٌ فِيهِمَا) : أَيْ أَنَّ الْغُسْلَ يَجْرِي فِيهِ جَمِيعُ الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِأَنْوَاعِهَا الثَّلَاثَةِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ. وَكَذَا التَّيَمُّمُ لَكِنْ يُبْدَلُ فِيهِ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ بِالصَّعِيدِ الطَّاهِرِ، فَلَا يَجِبُ التَّيَمُّمُ عَلَى فَاقِدِ الْمَاءِ إلَّا إذَا وَجَدَ صَعِيدًا طَاهِرًا يَتَيَمَّمُ عَلَيْهِ، فَوُجُودُ الصَّعِيدِ شَرْطٌ فِيهِمَا. وَأَعَادَ الْكَافَ فِي التَّيَمُّمِ لِيَعُودَ الْكَلَامُ بَعْدَهُ لَهُ. وَلَمَّا كَانَ التَّشْبِيهُ يُوهِمُ أَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ شَرْطُ وُجُوبٍ فَقَطْ فِي التَّيَمُّمِ اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (إلَّا أَنَّ الْوَقْتَ فِيهِ) - أَيْ التَّيَمُّمِ - (شَرْطٌ فِيهِمَا) : أَيْ الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ مَعًا. - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الْعَادِمُ لِلْمَاءِ مِنْ أَصْلِهِ] : أَيْ حِسًّا أَوْ شَرْعًا كَمَنْ عِنْدَهُ مَاءٌ مُسَبَّلٌ لِلشُّرْبِ، أَوْ مُحْتَاجٌ لَهُ لِنَحْوِ شُرْبٍ، كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [تَأَمَّلْ] : أَمْرٌ بِالتَّأَمُّلِ لِصُعُوبَةِ الْفَرْقِ. قَوْلُهُ: [لِعَدَمِ النِّيَّةِ] : أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْغَافِلِ، وَأَمَّا النَّائِمُ فَمَعْدُومُ النِّيَّةِ وَالْعَقْلِ. قَوْلُهُ: [كَالْغُسْلِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الشُّرُوطَ الْأَحَدَ عَشَرَ بَلْ الِاثْنَا عَشَرَ بِمَا زِدْنَاهُ تَجْرِي فِي الْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ أَيْضًا، فَيُقَالُ: شُرُوطُ صِحَّةِ الْغُسْلِ ثَلَاثَةٌ: الْإِسْلَامُ، وَعَدَمُ الْحَائِلِ عَلَى أَيِّ عُضْوٍ مِنْ جَمِيعِ الْجَسَدِ، وَعَدَمُ الْمُنَافِي وَهُوَ الْجِمَاعُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ. وَشُرُوطُ وُجُوبِهِ فَقَطْ أَرْبَعَةٌ: الْبُلُوغُ، وَدُخُولُ الْوَقْتِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ، وَثُبُوتُ الْمُوجِبِ، وَسَتَأْتِي مُوجِبَاتُهُ. وَشُرُوطُ وُجُوبِهِ وَصِحَّتِهِ مَعًا خَمْسَةٌ: الْعَقْلُ، وَانْقِطَاعُ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ، وَوُجُودُ مَا يَكْفِي جَمِيعَ الْبَدَنِ مِنْ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَكَوْنُ الْمُكَلَّفِ غَيْرَ نَائِمٍ وَلَا غَافِلٍ، وَبُلُوغُ الدَّعْوَةِ. وَأَمَّا التَّيَمُّمُ فَيُقَالُ شُرُوطُ صِحَّتِهِ ثَلَاثَةٌ: الْإِسْلَامُ: وَعَدَمُ الْحَائِلِ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، وَعَدَمُ الْمُنَافِي الَّذِي: يُوجِبُ الْغُسْلَ أَوْ الْوُضُوءَ. وَمِنْ الْمُنَافِي أَيْضًا: وُجُودُ الْمَاءِ الْمُبَاحِ لِلْقَادِرِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ. وَشُرُوطُ وُجُوبِهِ فَقَطْ ثَلَاثَةٌ: الْبُلُوغُ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ، وَثُبُوتُ النَّاقِضِ. وَشُرُوطُ وُجُوبِهِ وَصِحَّتِهِ مَعًا سِتَّةٌ: الْعَقْلُ، وَانْقِطَاعُ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَوُجُودُ الصَّعِيدِ الطَّاهِرِ، وَدُخُولُ الْوَقْتِ، وَكَوْنُ الْمُكَلَّفِ غَيْرَ نَائِمٍ وَلَا غَافِلٍ، وَبُلُوغُ الدَّعْوَةِ.

[فصل في نواقض الوضوء]

فَصْلٌ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ (نَاقِضُ الْوُضُوءِ: إمَّا حَدَثٌ؛ وَهُوَ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ مِنْ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ فِي الصِّحَّةِ، مِنْ رِيحٍ وَغَائِطٍ وَبَوْلٍ وَمَذْيٍ وَوَدْيٍ وَمَنِيٍّ بِغَيْرِ لَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ وَهَادٍ) : لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْوُضُوءِ، شَرَعَ فِي بَيَانِ نَوَاقِضِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ] [الْحَدَث] فَصْلٌ قَوْلُهُ: [نَاقِضُ الْوُضُوءِ] : أَيْ مُبْطِلُ حُكْمِهِ مِمَّا كَانَ يُبَاحُ بِهِ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ مَجْمُوعِهِ أَيْ يَنْتَهِي حُكْمُهُ، لَا أَنَّهُ بَطَلَ مِنْ أَصْلِهِ، وَإِلَّا لَوَجَبَ قَضَاءُ الْعِبَادَةِ الَّتِي أُدِّيَتْ بِهِ (انْتَهَى) . وَيُسَمَّى مُوجِبَ الْوُضُوءِ أَيْضًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَتَعْبِيرُ ابْنِ الْحَاجِبِ " بِالنَّوَاقِضِ " أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ غَيْرِهِ: " بِمَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ "؛ لِأَنَّ النَّاقِضَ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَأَخِّرًا عَنْ الْوُضُوءِ بِخِلَافِ الْمُوجِبِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَسْبِقُ كَالْبُلُوغِ

وَالنَّاقِضُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: حَدَثٌ، وَسَبَبٌ، وَغَيْرُهُمَا. وَعَرَّفَ الْحَدَثَ بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ) إلَخْ. وَقَوْلُهُ: (فِي الصِّحَّةِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمُعْتَادِ وَبَيَّنَ الْخَارِجَ الْمَذْكُورَ بِقَوْلِهِ: (مِنْ رِيحٍ) إلَخْ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَثَلًا، وَكَلَامُنَا فِيمَا كَانَ مُتَأَخِّرًا لَا مَا كَانَ مُتَقَدِّمًا، وَالْمُؤَلِّفُ لَمَّا أَرَادَ ذِكْرَ النَّوَاقِضِ مُتَأَخِّرَةً عَنْ الْوُضُوءِ نَاسَبَ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْهَا بِالنَّوَاقِضِ وَإِلَّا فَالتَّعْبِيرُ بِالْمُوجِبِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى السَّابِقِ، وَعَلَى الْمُتَأَخِّرِ، وَأَيْضًا فَالتَّعْبِيرُ بِالنَّقْضِ يُوهِمُ بُطْلَانَ الْعِبَادَةِ بِالْوُضُوءِ السَّابِقِ وَإِنْ أُجِيبَ عَنْهُ. قَوْلُهُ: [إمَّا حَدَثٌ] : هُوَ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ: [وَسَبَبٌ] : هُوَ مَا لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِنَفْسِهِ بَلْ بِمَا يُؤَدِّي إلَى الْحَدَثِ. قَوْلُهُ: [وَغَيْرُهُمَا] : أَيْ كَالشَّكِّ فِي الْحَدَثِ، وَالرِّدَّةِ. عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ: إنَّ الشَّكَّ فِي الْحَدَثِ دَاخِلٌ فِي الْأَحْدَاثِ، وَالشَّكَّ فِي السَّبَبِ دَاخِلٌ فِي الْأَسْبَابِ، بِأَنْ يُقَالَ إنَّ الْحَدَثَ نَاقِضٌ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُهُ، أَوْ الشَّكُّ فِيهِ. (انْتَهَى مِنْ الْحَاشِيَةِ) . قَوْلُهُ: [مُتَعَلِّقٌ بِالْمُعْتَادِ] : أَيْ الَّذِي اُعْتِيدَ فِي الصِّحَّةِ خُرُوجُهُ، أَيْ مُتَعَلِّقًا بِالْخَارِجِ؛ وَإِلَّا لَاقْتَضَى عَدَمَ النَّقْضِ بِالْمُعْتَادِ إذَا خَرَجَ فِي الْمَرَضِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. كَذَا قِيلَ: وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالصِّحَّةِ مَا شَأْنُهُ أَنْ يَخْرُجَ فِيهَا، فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ.

الْخَارِجَ الْمُعْتَادَ سَبْعَةٌ؛ سِتَّةٌ فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَوَاحِدٌ - وَهُوَ الْهَادِي - يَخْتَصُّ بِالْأُنْثَى، وَكُلُّهَا مِنْ الْقُبُلِ إلَّا الرِّيحَ وَالْغَائِطَ فَمِنْ الدُّبُرِ. فَقَوْلُهُ: (الْخَارِجُ) خَرَجَ عَنْهُ الدَّاخِلُ مِنْ أُصْبُعٍ أَوْ عُودٍ أَوْ حُقْنَةٍ فَلَا يَنْقُضُ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: (الْمُعْتَادُ) الْخَارِجُ الْغَيْرُ الْمُعْتَادِ كَالدَّمِ وَالْقَيْحِ وَالْحَصَى وَالدُّودِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: [مِنْ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ] مَا خَرَجَ مِنْ الْفَمِ أَوْ مِنْ ثُقْبَةٍ، عَلَى مَا سَيَأْتِي، أَوْ خُرُوجُ رِيحٍ أَوْ غَائِطٍ مِنْ الْقُبُلِ، أَوْ بَوْلٍ مِنْ الدُّبُرِ؛ فَلَا يَنْقُضُ. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: [فِي الصِّحَّةِ] مِنْ الْخَارِجِ الْمُعْتَادِ عَلَى وَجْهِ الْمَرَضِ - وَهُوَ السَّلَسُ - عَلَى مَا سَيَأْتِي. وَقَوْلُهُ: (وَمَنِيٍّ بِغَيْرِ لَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ) أَيْ بِأَنْ كَانَ بِغَيْرِ لَذَّةٍ أَصْلًا أَوْ لَذَّةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ كَمَنْ حَكَّ لِجَرَبٍ أَوْ هَزَّتْهُ دَابَّةٌ فَأَمْنَى. وَأَمَّا مَا خَرَجَ بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ مِنْ جِمَاعٍ أَوْ لَمْسٍ أَوْ فِكْرٍ فَمُوجِبٌ لِلْغُسْلِ. وَالْهَادِي: هُوَ الْمَاءُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ وِلَادَتِهَا. وَبَقِيَ مِنْ النَّوَاقِضِ أَمْرَانِ: دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ، وَسَيَأْتِي إدْخَالُهُ فِي السَّلَسِ، - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُرَادُ [بِالْمُعْتَادِ] مَا اُعْتِيدَ جِنْسُهُ. فَإِذَا خَرَجَ الْبَوْلُ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ؛ لِأَنَّ جِنْسَهُ مُعْتَادٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ مُعْتَادًا. قَوْلُهُ: [أَوْ حُقْنَةٌ] : هِيَ الدَّوَاءُ الَّذِي يُصَبُّ فِي الدُّبُرِ بِآلَةٍ، وَمِنْ جُمْلَةِ الدَّوَاخِلِ ذَكَرُ الْبَالِغِ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ فَإِنَّهُ يُوجِبُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْوُضُوءِ وَهُوَ غَسْلُ جَمِيعِ الْجَسَدِ، وَالتَّعْرِيفُ إنَّمَا هُوَ لِلْحَدَثِ الْمُوجِبِ لِلطَّهَارَةِ الصُّغْرَى، فَقَطْ. وَمِنْ جُمْلَةِ مَا لَيْسَ دَاخِلًا وَلَا خَارِجًا: الْقَرْقَرَةُ وَالْحَقْنُ الشَّدِيدَانِ؛ فَلَا يَنْقُضَانِ الْوُضُوءَ إذَا تَمَّتْ مَعَهُمَا الْأَرْكَانُ. وَأَمَّا لَوْ مَنَعَا مِنْ الْإِتْيَانِ بِشَيْءٍ مِنْهَا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا؛ كَمَا لَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِعُسْرٍ فَقَدْ أَبْطَلَا الْوُضُوءَ. فَمَنْ حَصَرَهُ بَوْلٌ أَوْ رِيحٌ وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ أَصْلًا أَوْ يَأْتِي بِهِ مَعَ عُسْرٍ كَانَ وُضُوءُهُ بَاطِلًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهَارَةٍ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ إنْ لَمْ يَخْرُجْ حَقِيقَةً فَهُوَ خَارِجٌ حُكْمًا. (انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ تَبَعًا لِتَقْرِيرِ الْعَلَّامَةِ الْعَدَوِيِّ) . قَوْلُهُ: [بِغَيْرِ لَذَّةٍ أَصْلًا] : أَيْ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ، وَإِلَّا فَحُكْمُهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ هَزَّتْهُ دَابَّةٌ] : أَيْ مَا لَمْ يُحِسَّ بِمَبَادِئِ اللَّذَّةِ فَيَسْتَدِيمُ حَتَّى يُنْزِلَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَالْهَادِي] : أَيْ فَهُوَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْوُضُوءِ عَلَى خِلَافِ مَا مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ لِقَوْلِ خَلِيلٍ وَوَجَبَ وُضُوءٌ بِهَا وَالْأَظْهَرُ نَفْيُهُ. قَوْلُهُ: [دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ] : أَيْ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ لِجَرَيَانِهِ عَلَى صُوَرِ السَّلَسِ.

وَخُرُوجُ مَنِيِّ الرَّجُلِ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ أَنْ اغْتَسَلَتْ. (لَا حَصًى وَدُودٌ وَلَوْ مَعَ أَذًى) : بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى (وَهُوَ الْخَارِجُ) وَهُوَ مُحْتَرَزُ (الْمُعْتَادُ) فَلَيْسَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِحَدَثٍ فَلَا يَنْقُضُ، وَلَوْ خَرَجَ مَعَ كُلٍّ أَذًى، أَيْ بَوْلٌ أَوْ غَائِطٌ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْأَذَى تَابِعٌ لِخُرُوجِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ. وَمِثْلُهُمَا الدَّمُ وَالْقَيْحُ. كَمَا تَقَدَّمَ، لَكِنْ بِشَرْطِ خُرُوجِهِمَا خَالِصَيْنِ مِنْ الْأَذَى، كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّأْنَ فِي الْحَصَى وَالدُّودِ عَدَمُ خُلُوصِهِمَا. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا نَقْضَ بِهِمَا مُطْلَقًا كَالْحَصَى وَالدُّودِ. (وَلَا مِنْ ثُقْبَةٍ إلَّا تَحْتَ الْمَعِدَةِ وَانْسَدَّا) هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: (مِنْ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَخُرُوجُ مَنِيِّ الرَّجُلِ] إلَخْ: حَيْثُ دَخَلَ بِجِمَاعٍ لَا بِغَيْرِهِ فَلَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ، لِقَوْلِ الْخَرَشِيِّ وَأَمَّا لَوْ دَخَلَ فَرْجَهَا بِلَا وَطْءٍ ثُمَّ خَرَجَ فَلَا يَكُونُ نَاقِضًا كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ. قَوْلُهُ: [لَا حَصًى وَدُودٍ] : أَيْ الْمُتَخَلِّقَانِ فِي الْبَطْنِ. وَأَمَّا لَوْ ابْتَلَعَ حَصَاةً أَوْ دُودَةً فَنَزَلَتْ بِصِفَتِهَا فَالنَّقْضُ وَلَوْ كَانَا خَالِصَيْنِ مِنْ الْأَذَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْخَارِجِ الْمُعْتَادِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ خَرَجَ مَعَ كُلِّ أَذًى] : أَيْ وَلَوْ كَثُرَ الْأَذَى مَا لَمْ يَتَفَاحَشْ فِي الْكَثْرَةِ، وَإِلَّا نَقَضَ كَمَا قَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ الْعَدَوِيُّ. تَنْبِيهٌ: يُعْفَى عَمَّا خَرَجَ مِنْ الْأَذَى مَعَ الْحَصَى وَالدُّودِ إنْ كَانَ مُسْتَنْكِحًا بِأَنْ كَانَ يَأْتِي كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً فَأَكْثَرَ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَتِهِ بِمَاءٍ أَوْ حَجَرٍ إنْ كَثُرَ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ. وَلِذَلِكَ قَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ: قُلْ لِلْفَقِيهِ وَلَا تُخْجِلْكَ هَيْبَتُهُ ... شَيْءٌ مِنْ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ قَدْ عَرَضَا فَأَوْجَبَ الْقَطْعَ وَاسْتَنْجَى الْمُصَلِّي لَهُ ... لَكِنْ بِهِ الطُّهْرُ يَا مَوْلَايَ مَا انْتَقَضَا قَوْلُهُ: [وَلَا مِنْ ثُقْبَةٍ] إلَخْ: حَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّ الصُّوَرَ تِسْعٌ؛ لِأَنَّ الثُّقْبَةَ إمَّا تَحْتَ الْمَعِدَةِ أَوْ فِي نَفْسِ الْمَعِدَةِ، وَهِيَ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ إلَى مُنْخَسَفِ الصَّدْرِ، فَالسُّرَّةُ مِمَّا تَحْتَ الْمَعِدَةِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ أَوْ فَوْقَهَا بِأَنْ كَانَتْ فِي الصَّدْرِ. وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَنْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ أَوْ يَنْفَتِحَا، أَوْ يَنْسَدَّ أَحَدُهُمَا وَيَنْفَتِحَ الْآخَرُ. فَالنَّقْضُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ: وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ الْمَعِدَةِ وَانْسَدَّا وَلَا نَقْضَ وَالْبَاقِي. وَلَكِنْ قَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ: وَمُقْتَضَى النَّظَرِ فِي انْسِدَادِ أَحَدِهِمَا نَقْضُ خَارِجِهِ مِنْهَا، وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ يَدُمْ الِانْسِدَادُ وَتُعْتَادُ الثُّقْبَةُ فَتَنْقُضُ وَلَوْ فَوْقَ الْمَعِدَةِ بِالْأَوْلَى مِنْ نَقْضِهِمْ بِالْفَمِ إذَا اُعْتِيدَ، وَالْفَرْقُ بِأَنَّهُ مُعْتَادٌ لِبَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ كَالتِّمْسَاحِ (وَاهٍ اهـ) . قَوْلُهُ: [إلَّا تَحْتَ الْمَعِدَةِ] إلَخْ: الْمُسْتَثْنَى صُورَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ التِّسْعِ.

فَإِذَا خَرَجَ بَوْلٌ أَوْ غَائِطٌ أَوْ رِيحٌ مِنْ ثُقْبَةٍ فَوْقَ الْمَعِدَةِ لَمْ يَنْقُضْ، انْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ لَا. الْمُرَادُ بِالْمَعِدَةِ: الْكُرْشُ الَّذِي يَسْتَقِرُّ فِيهِ الطَّعَامُ عِنْدَ الْأَكْلِ، وَمُسْتَقَرُّهَا فَوْقَ السُّرَّةِ. بِخِلَافِ الْخَارِجِ مِنْ ثُقْبَةٍ تَحْتَهَا فَإِنَّهُ يَنْقُضُ بِشَرْطِ انْسِدَادِ الْمَخْرَجَيْنِ، لِأَنَّ الطَّعَامَ أَوْ الشَّرَابَ لَمَّا انْحَدَرَ مِنْ الْمَعِدَةِ إلَى الْأَمْعَاءِ - أَيْ الْمَصَارِينِ - صَارَ الْخَارِجُ مِنْ الثُّقْبَةِ الَّتِي تَحْتَ الْمَعِدَةِ عِنْدَ انْسِدَادِ الْمَخْرَجَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْخَارِجِ مِنْ نَفْسِ الْمَخْرَجَيْنِ. وَأَمَّا عِنْدَ انْفِتَاحِهِمَا وَنُزُولِ الْخَارِجِ مِنْهُمَا عَلَى الْعَادَةِ لَمْ يَكُنْ الْخَارِجُ مِنْ الثُّقْبَةِ مُعْتَادًا فَلَمْ يَنْقُضْ. (وَلَا سَلَسٍ لَازَمَ نِصْفَ الزَّمَنِ فَأَكْثَرَ، وَإِلَّا نَقَضَ) : هَذَا مُحْتَرَزٌ (فِي الصِّحَّةِ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ: خَارِجٌ مُعْتَادٌ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ، فَخَرَجَ السَّلَسُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ فَلَا يَنْقُضُ إنْ لَازَمَ نِصْفَ زَمَنِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ أَوْ أَكْثَرَ، فَأَوْلَى فِي عَدَمِ النَّقْضِ بِمُلَازَمَتِهِ كُلَّ الزَّمَنِ. لَكِنْ يُنْدَبُ الْوُضُوءُ إذَا لَمْ يَعُمَّ الزَّمَنَ وَسَوَاءٌ كَانَ السَّلَسُ وَهُوَ مَا - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمُسْتَقَرُّهَا فَوْقَ السُّرَّةِ] : أَيْ وَالسُّرَّةُ مِمَّا تَحْتَ الْمَعِدَةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا عِنْدَ انْفِتَاحِهِمَا] إلَخْ: وَقَدْ عَلِمْت مَا إذَا انْسَدَّ أَحَدُهُمَا وَكَانَ الْخَارِجُ مِنْهُ هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالنَّقْضِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ شَيْخِنَا فِي مَجْمُوعِهِ وَقَرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [وَلَا سَلَسٌ] : مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: [لَا حَصًى] . وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ أَحَدِ الْمَخْرَجَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ صُوَرُهُ أَرْبَعٌ: تَارَةً يُلَازِمُ كُلَّ الزَّمَانِ، وَهَذِهِ لَا نَقْضَ فِيهَا وَلَا يُنْدَبُ فِيهَا وُضُوءٌ. وَتَارَةً يُلَازِمُ جُلَّ الزَّمَانِ أَوْ نِصْفَ الزَّمَانِ وَهَاتَانِ لَا نَقْضَ فِيهِمَا وَيُسْتَحَبُّ فِيهِمَا الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ. وَتَارَةً يُلَازِمُ أَقَلَّ الزَّمَانِ وَهَذِهِ يَجِبُ فِيهِ الْوُضُوءُ. وَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: [وَلَا سَلَسٌ لَازَمَ نِصْفَ الزَّمَانِ فَأَكْثَرَ] . وَالرَّابِعَةُ هِيَ قَوْلُهُ: [وَإِلَّا نَقَضَ] . قَوْلُهُ: [أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ] : وَهِيَ مِنْ الزَّوَالِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي وَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ إحْدَى طَرِيقَتَيْنِ فِي خَلِيلٍ خَلِيلٍ وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ جَمَاعَةَ وَمُخْتَارُ ابْنِ هَارُونَ وَابْنِ فَرْحُونٍ وَالشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ. وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ تَقُولُ: الْمُرَادُ جَمِيعُ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْبُرْزُلِيِّ وَمُخْتَارُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ،

يَسِيلُ بِنَفْسِهِ لِانْحِرَافِ الطَّبِيعَةِ بَوْلًا أَوْ رِيحًا أَوْ غَائِطًا أَوْ مَذْيًا. وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْضَبِطْ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّدَاوِي، فَإِنْ انْضَبَطَ بِأَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ آخِرَ الْوَقْتِ وَجَبَ عَلَيْهِ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ لِآخِرِهِ، أَوْ يَنْقَطِعُ أَوَّلَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ تَقْدِيمُهَا، هَكَذَا قَيَّدَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ. وَكَذَا إذَا قَدَرَ عَلَى التَّدَاوِي وَجَبَ عَلَيْهِ التَّدَاوِي، وَاغْتُفِرَ لَهُ أَيَّامَهُ. إلَّا أَنَّ هَذَا خَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِالْمَذْي إذَا كَانَ لِعُزُوبَةٍ بِلَا تَذَكُّرٍ. وَأَمَّا لِتَذَكُّرٍ أَوْ نَظَرٍ - بِأَنْ كَانَ كُلَّمَا تَذَكَّرَ أَوْ نَظَرَ أَمْذَى - وَاسْتَدَامَ عَلَيْهِ التَّذَكُّرُ، فَإِنَّهُ يَنْقُضُ مُطْلَقًا وَلَوْ لَازَمَ كُلَّ الزَّمَنِ. فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُزُوبَةٍ بَلْ لِمَرَضٍ أَوْ انْحِرَافِ طَبِيعَةٍ فَهُوَ كَغَيْرِهِ وَلَا يَجِبُ فِيهِ التَّدَاوِي. وَمِنْ السَّلَسِ: دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ، فَإِنْ لَازَمَ أَقَلَّ الزَّمَنِ نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا. - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا فَرَضْنَا أَنَّ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ مِائَتَانِ وَسِتُّونَ دَرَجَةً وَغَيْرَ أَوْقَاتِهَا مِائَةُ دَرَجَةٍ، فَأَتَاهُ السَّلَسُ فِيهَا وَفِي مِائَةٍ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ. فَعَلَى الْأُولَى يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ لِمُفَارِقَتِهِ أَكْثَرَ الزَّمَانِ لَا عَلَى الثَّانِيَةِ لِمُلَازِمَتِهِ أَكْثَرَ الزَّمَانِ. فَإِنْ لَازَمَهُ وَقْتَ صَلَاةٍ فَقَطْ نَقَضَ وَصَلَّاهَا قَضَاءً أَفْتَى بِهِ النَّاصِرُ فِيمَنْ يَطُولُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ. قَوْلُهُ: [بَعْضُ الْفُضَلَاءِ] : هُوَ سَيِّدِي عَبْدُ اللَّهِ الْمَنُوفِيُّ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَنْقُضُ مُطْلَقًا] : قَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ: وَلَيْسَ مِنْهُ مَذْيٌ مِنْ كُلَّمَا نَظَرَ أَمَذَى بِلَذَّةٍ خِلَافًا لِمَا فِي الْخَرَشِيِّ، بَلْ هَذَا يَنْقُضُ. إنَّمَا السَّلَسُ مَذْيٌ مُسْتَرْسِلٌ، نَظَرَ أَمْ لَا؛ لِطُولِ عُزُوبَةٍ مَثَلًا أَوْ اخْتِلَالِ مِزَاجٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَجِبُ فِيهِ التَّدَاوِي] : أَيْ لَوْ قَدَرَ عَلَى رَفْعِهِ بِالتَّدَاوِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّدَاوِي. غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ فِيهِ الصُّوَرَ الْأَرْبَعَ الْمُتَقَدِّمَةَ، فَهُوَ مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِمْ حَيْثُ قَدَرَ عَلَى دَفْعِهِ لَا يُغْتَفَرُ لَهُ إلَّا مُدَّةُ التَّدَاوِي، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ: اعْلَمْ أَنَّ عِنْدَنَا صُوَرًا ثَلَاثًا: الْأُولَى: مَا إذَا كَانَ سَلَسُ الْمَذْيِ لِبُرُودَةٍ أَوْ عِلَّةٍ كَاخْتِلَالِ مِزَاجٍ، فَهَذِهِ لَا يَجِبُ فِيهَا الْوُضُوءُ قَدَرَ عَلَى رَفْعِهِ أَمْ لَا إلَّا إذَا فَارَقَ أَكْثَرَ الزَّمَانِ. الثَّانِيَةُ: مَا إذَا كَانَ لِعُزُوبَةٍ مَعَ تَذَكُّرٍ بِأَنْ اسْتَنْكَحَهُ، وَصَارَ مَهْمَا نَظَرَ أَوْ سَمِعَ أَوْ تَفَكَّرَ أَمَذَى بِلَذَّةٍ. الثَّالِثَةُ: مَا إذَا كَانَ لِطُولِ، عُزُوبَةٍ مِنْ غَيْرِ تَذَكُّرٍ وَتَفَكُّرٍ بَلْ صَارَ الْمَذْيُ مِنْ أَجْلِ طُولِ الْعُزُوبَةِ نَازِلًا مُسْتَرْسِلًا نَظَرَ أَوْ لَا، تَفَكَّرَ أَوْ لَا، وَالْأَوْلَى مِنْ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ يَجِبُ فِيهَا الْوُضُوءُ مُطْلَقًا قَدَر عَلَى رَفْعِهِ أَمْ لَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ كَمَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ،

[زوال العقل]

(وَإِمَّا سَبَبٌ وَهُوَ: زَوَالُ الْعَقْلِ وَإِنْ بِنَوْمٍ ثَقِيلٍ وَلَوْ قَصُرَ) : هَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ السَّبَبِ النَّاقِضِ. وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: زَوَالُ الْعَقْلِ، وَلَمْسُ مَنْ تُشْتَهَى، وَمَسُّ ذَكَرِهِ الْمُتَّصِلِ. فَقَوْلُهُ: (وَإِمَّا سَبَبٌ) : عَطْفٌ عَلَى (إمَّا حَدَثٌ) . قَوْلُهُ: (وَهُوَ زَوَالُ الْعَقْلِ) - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّانِيَةُ: مِنْهُمَا يَجِبُ فِيهَا الْوُضُوءُ عَلَى إحْدَى رِوَايَتَيْ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ إنْ قَدَرَ عَلَى رَفْعِهِ بِزَوَاجٍ أَوْ تَسَرٍّ وَجَبَ الْوُضُوءُ وَإِلَّا فَلَا (انْتَهَى) . فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَجَمِيعُ صُوَرِ السَّلَسِ مِنْ اسْتِحَاضَةٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ غَائِطٍ مَتَى قَدَرَ فِيهَا عَلَى التَّدَاوِي يُغْتَفَرُ لَهُ مُدَّةُ التَّدَاوِي فَقَطْ، إلَّا سَلَسَ الْمَذْيِ إذَا كَانَ لِبُرُودَةٍ وَعِلَّةٍ فَيُغْتَفَرُ لَهُ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى التَّدَاوِي، كَمَا هُوَ مُفَادُ شَارِحِنَا وَحَاشِيَةِ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ (بْن) . [زَوَال الْعَقْل] قَوْلُهُ: [وَإِمَّا سَبَبٌ] : أَيْ سَبَبٌ لِلْحَدَثِ أَيْ مُوَصِّلٌ إلَيْهِ، كَالنَّوْمِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى خُرُوجِ الرِّيحِ مَثَلًا، وَغَيْبَةُ الْعَقْلِ تُؤَدِّي لِذَلِكَ أَيْضًا، وَاللَّمْسُ وَالْمَسُّ يُؤَدِّيَانِ لِخُرُوجِ الْمَذْيِ. قَوْلُهُ: [زَوَالُ الْعَقْلِ] : ظَاهِرُهُ أَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ بِغَيْرِ النَّوْمِ كَالْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ وَالْجُنُونِ لَا يُفْصَلُ فِيهِ بَيْنَ طَوِيلِهِ وَقَصِيرِهِ كَمَا يُفْصَلُ فِي النَّوْمِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ فَهُوَ نَاقِضٌ مُطْلَقًا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهُوَ الْحَقُّ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَالْقَلِيلُ فِي ذَلِكَ كَالْكَثِيرِ (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . وَالْمُرَادُ بِزَوَالِهِ؛ اسْتِتَارُهُ إذْ لَوْ زَالَ حَقِيقَةً لَمْ يَعُدْ حَتَّى يُقَالَ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [وَإِنْ بِنَوْمٍ ثَقِيلٍ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ صِفَةُ النَّوْمِ وَلَا عِبْرَةَ بِهَيْئَةِ النَّائِمِ مِنْ اضْطِجَاعٍ أَوْ قِيَامٍ أَوْ غَيْرِهِمَا. فَمَتَى كَانَ النَّوْمُ ثَقِيلًا نَقَضَ كَانَ النَّائِمُ مُضْطَجِعًا أَوْ سَاجِدًا أَوْ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ثَقِيلٍ فَلَا يَنْقُضُ عَلَى أَيْ حَالٍ، وَهِيَ طَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ. وَاعْتَبَرَ بَعْضُهُمْ صِفَةَ النَّوْمِ مَعَ الثِّقَلِ وَصِفَةَ النَّائِمِ مَعَ غَيْرِهِ، فَقَالَ: وَأَمَّا النَّوْمُ الثَّقِيلُ فَيَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ عَلَى أَيِّ حَالٍ، وَأَمَّا غَيْرُ الثَّقِيلِ فَيَجِبُ الْوُضُوءُ فِي الِاضْطِجَاعِ وَالسُّجُودِ، وَلَا يَجِبُ فِي الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ. وَعَزَا فِي التَّوْضِيحِ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ لِعَبْدِ الْحَقِّ وَغَيْرِهِ، وَلَكِنَّ الطَّرِيقَةَ الْأُولَى هِيَ الْأَشْهَرُ وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ مَرْزُوقٍ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ قَصَّرَ] : رَدَّ بِ [لَوْ] عَلَى مَنْ قَالَ بِعَدَمِ النَّقْضِ فِي الْقَصِيرِ وَلَوْ ثَقُلَ.

إشَارَةٌ إلَى النَّوْعِ الْأَوَّلِ. وَزَوَالُهُ يَكُونُ بِجُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ بِنَوْمٍ ثَقِيلٍ وَلَوْ قَصُرَ زَمَنُهُ، لَا إنْ خَفَّ وَلَوْ طَالَ. وَنُدِبَ إنْ طَالَ. وَالثَّقِيلُ: مَا لَا يَشْعُرُ صَاحِبُهُ بِالْأَصْوَاتِ أَوْ بِسُقُوطِ شَيْءٍ بِيَدِهِ، أَوْ سَيَلَانِ رِيقِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ شَعَرَ بِذَلِكَ فَخَفِيفٌ، وَإِنْ لَمْ يُفَسِّرْ الْكَلَامَ عِنْدَهُ. (وَلَمْسُ بَالِغٍ مَنْ يُلْتَذُّ بِهِ عَادَةً وَلَوْ لِظُفْرٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ بِحَائِلٍ إنْ قَصَدَ اللَّذَّةَ أَوْ وَجَدَهَا، وَإِلَّا فَلَا) : هَذَا إشَارَةُ لِلنَّوْعِ الثَّانِي مِنْ أَنْوَاعِ السَّبَبِ. فَلَمْسُ مَعْطُوفٌ عَلَى زَوَالُ عَقْلٍ أَيْ إنَّ لَمْسَ الْمُتَوَضِّئِ الْبَالِغِ لِشَخْصٍ يُلْتَذُّ بِمِثْلِهِ عَادَةً - مِنْ ذَكَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ سُكْرٍ] : وَلَوْ بِحَلَالٍ إلَّا مِنْ سُكْرٍ فِي مَحَبَّةِ اللَّهِ فَلَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ؛ لِأَنَّ قَلْبَهُ حَاضِرٌ مُسْتَيْقِظٌ. قَوْلُهُ: [وَلَمْسٌ] : اللَّمْسُ. هُوَ مُلَاقَاةُ جِسْمٍ لِجِسْمٍ لِطَلَبِ مَعْنًى فِيهِ كَحَرَارَةٍ أَوْ بُرُودَةٍ أَوْ صَلَابَةٍ أَوْ رَخَاوَةٍ. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: [إنْ قَصَدَ لَذَّةً] تَخْصِيصٌ لِعُمُومِ الْمَعْنَى. وَأَمَّا الْمَسُّ: فَهُوَ مُلَاقَاةُ جِسْمٍ لِآخَرَ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ وَلِذَا عَبَّرَ بِهِ فِي [الذَّكَرِ] لِكَوْنِهِ لَا يُشْتَرَطُ فِي النَّقْضِ بِهِ قَصْدٌ. قَوْلُهُ: [بَالِغٌ] : أَيْ وَلَوْ مِنْ امْرَأَةٍ لِمِثْلِهَا، قِيَاسًا عَلَى الْغُلَامَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلًّا يَلْتَذُّ بِالْآخِرِ. قَوْلُهُ: [بَالِغٌ] : أَيْ لَا صَبِيٌّ وَلَوْ رَاهَقَ؛ لِأَنَّ اللَّمْسَ إنَّمَا نَقَضَ لِكَوْنِهِ يُؤَدِّي إلَى خُرُوجِ الْمَذْيِ، وَلَا مَذْيَ لِغَيْرِ الْبَالِغِ. قَوْلُهُ: [يُلْتَذُّ بِمِثْلِهِ] إلَخْ: الْحَاصِلُ أَنَّ النَّقْضَ بِاللَّمْسِ مَشْرُوطٌ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَنْ يَكُونَ اللَّامِسُ بَالِغًا، وَأَنْ يَكُونَ الْمَلْمُوسُ مِمَّنْ يُشْتَهَى عَادَةً، وَأَنْ يَقْصِدَ اللَّامِسُ اللَّذَّةَ أَوْ يَجِدَهَا وَالْمُرَادُ بِالْعَادَةِ: عَادَةُ النَّاسِ، لَا عَادَةُ الْمُلْتَذِّ وَحْدَهُ، وَإِلَّا لَاخْتَلَفَ الْحُكْمُ

[تنبيه لمس المحرم للذة]

أَوْ أُنْثَى - يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَلَوْ كَانَ الْمَلْمُوسُ غَيْرَ بَالِغٍ، أَوْ كَانَ اللَّمْسُ لِظُفْرٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ كَثَوْبٍ وَظَاهِرُهَا: كَانَ الْحَائِلُ خَفِيفًا يُحِسُّ اللَّامِسُ مَعَهُ بِطَرَاوَةِ الْبَدَنِ، أَوْ كَانَ كَثِيفًا وَتَأَوَّلَهَا بَعْضُهُمْ بِالْخَفِيفِ. وَأَمَّا اللَّمْسُ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ كَثِيفٍ فَلَا يَنْقُضُ. وَمَحَلُّ النَّقْضِ إنْ قَصَدَ التَّلَذُّذَ بِلَمْسِهِ، وَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ لَذَّةٌ حَالَ لَمْسِهِ أَوْ وَجَدَهَا حَالَ اللَّمْسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاصِدًا لَهَا ابْتِدَاءً. فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ لَذَّةٌ فَلَا نَقْضَ. وَلَوْ وَجَدَهَا بَعْدَ اللَّمْسِ، وَالْمَلْمُوسُ - إنْ بَلَغَ وَوَجَدَ أَوْ قَصَدَ - بِأَنْ مَالَتْ نَفْسُهُ لَأَنْ يَلْمِسَهُ غَيْرُهُ فَلَمَسَهُ، انْتَقَضَ وُضُوءُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فِي الْحَقِيقَةِ لَامِسًا وَمَلْمُوسًا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَالِغًا فَلَا نَقْضَ، وَلَوْ قَصَدَ وَوَجَدَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: (يُلْتَذُّ بِهِ عَادَةً) مَنْ لَا يُشْتَهَى عَادَةً كَمَا سَيُنَبَّهُ عَلَيْهِ. (إلَّا الْقُبْلَةَ بِفَمٍ، فَمُطْلَقًا) : مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ: (إنْ قَصَدَ اللَّذَّةَ) إلَخْ. - ـــــــــــــــــــــــــــــQبِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ. قَوْلُهُ: [لِظُفْرٍ] : أَيْ أَوْ بِهِ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ شَعْرٍ] : أَيْ لَا بِهِ عَلَى الظَّاهِرِ، وَمِثْلُ شَعْرٍ الْعُودُ. وَلَا يُقَاسَ عَلَى الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ الَّتِي لَا إحْسَاسَ لَهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ فِي النَّقْضِ أَنْ يَكُونَ اللَّمْسُ بِعُضْوٍ، سَوَاءٌ كَانَ أَصْلِيًّا أَوْ زَائِدًا، وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْإِحْسَاسُ فِي الزَّائِدِ أَوْ لَا؟ خِلَافٌ، وَالْمُعْتَمَدُ الثَّانِي لِلتَّقَوِّي بِالْقَصْدِ وَالْوِجْدَانِ، بِخِلَافِ مَا يَأْتِي فِي مَسِّ الذَّكَرِ. قَوْلُهُ: [أَوْ كَانَ كَثِيفًا] : هُمَا قَوْلَانِ رَاجِحَانِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَقْبِضْ، فَإِنْ قَبَضَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْجِسْمِ نَقَضَ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [فَلَا يَنْقُضُ] : أَيْ إلَّا أَنْ يَقْبِضَ. قَوْلُهُ: [إنْ قَصَدَ التَّلَذُّذَ] : وَمِنْهُ أَنْ يُخْتَبَرَ هَلْ يَحْصُلُ لَهُ لَذَّةٌ أَمْ لَا. [تَنْبِيه لمس الْمُحْرِم للذة] قَوْلُهُ: [إلَّا الْقُبْلَةَ بِفَمٍ] إلَخْ: الْبَاءُ بِمَعْنَى عَلَى؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْقُبْلَةَ لَا تَكُونُ

أَيْ أَنَّ الْقُبْلَةَ فِي الْفَمِ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ مُطْلَقًا قَصَدَ اللَّذَّةَ أَوْ وَجَدَهَا أَوْ لَا، لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ اللَّذَّةِ بِخِلَافِهَا فِي غَيْرِ الْفَمِ. فَمِنْ أَقْسَامِ مُطْلَقِ اللَّمْسِ - وَسَوَاءٌ فِي النَّقْضِ - الْمُقَبِّلُ وَالْمُقَبَّلُ، وَلَوْ وَقَعَتْ بِإِكْرَاهٍ أَوْ اسْتِغْفَالٍ، وَيُنْتَقَضُ وُضُوءُهُمَا إنْ كَانَا بَالِغَيْنِ أَوْ الْبَالِغُ مِنْهُمَا إنْ قَبَّلَ مَنْ يُشْتَهَى كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ، وَإِلَّا فَلَا، كَمَا يَأْتِي. (لَا بِلَذَّةٍ مِنْ نَظَرٍ أَوْ فِكْرٍ وَلَوْ أَنْعَظَ، وَلَا بِلَمْسِ صَغِيرَةٍ لَا تُشْتَهَى أَوْ بَهِيمَةٍ) : هَذَا مُحْتَرَزُ مَا قَبْلَهُ أَيْ أَنَّ مُجَرَّدَ اللَّذَّةِ بِدُونِ لَمْسٍ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، إنْ كَانَتْ بِسَبَبِ نَظَرٍ لِصُورَةٍ جَمِيلَةٍ أَوْ بِسَبَبِ فِكْرٍ وَلَوْ حَصَلَ لَهُ إنْعَاظٌ: وَهُوَ قِيَامُ الذَّكَرِ. وَكَذَا لَمْسُ مَنْ لَا تُشْتَهَى عَادَةً كَصَغِيرَةٍ، أَوْ صَغِيرٍ لَيْسَ الشَّأْنُ التَّلَذُّذَ بِمِثْلِهِمَا، وَلَوْ قَصَدَ وَوَجَدَ. وَكَذَا بِلَمْسِ الْبَهِيمَةِ أَوْ الرَّجُلِ الْمُلْتَحِي، إذْ الشَّأْنُ عَدَمُ التَّلَذُّذِ بِهِ عَادَةً إذَا كَمُلَتْ لِحْيَتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بِالْفَمِ، وَبِذَلِكَ لَوْ لَمْ تَكُنْ عَلَى الْفَمِ تَجْرِي عَلَى أَحْكَامِ الْمُلَامَسَةِ. قَوْلُهُ: [أَيْ أَنَّ الْقُبْلَةَ] إلَخْ: أَيْ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الصَّوْتِ فِي تَحَقُّقِ التَّقْبِيلِ كَمَا يَأْتِي فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ] إلَخْ: أَيْ بِالنَّظَرِ الْوَاقِعِ وَإِنْ كَانَتْ تَنْتَفِي فِي الظَّاهِرِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِهَا فِي غَيْرِ الْفَمِ] إلَخْ: أَيْ وَلَوْ كَانَ التَّقْبِيلُ فِي الْفَرْجِ فَيَجْرِي عَلَى أَحْكَامِ الْمُلَامَسَةِ وِفَاقًا لِلْأُجْهُورِيِّ رَدًّا عَلَى ابْنِ فُجْلَةَ فِي قِيَاسِهِ عَلَى الْفَمِ بِالْأَحْرَى. وَالْفَرْقُ أَنَّ تَقْبِيلَهُ لَا يُشْتَهَى. قَوْلُهُ: [وَلَوْ وَقَعَتْ بِإِكْرَاهٍ] إلَخْ: أَيْ لَا لِوَدَاعٍ أَوْ رَحْمَةٍ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ أَنْعَظَ إلَخْ] : أَيْ فَلَا يُنْتَقَضُ مُطْلَقًا كَانَتْ عَادَتْهُ الْإِمْذَاءَ بِالْإِنْعَاظِ أَوْ لَا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ مَا لَمْ يُمْذِ بِالْفِعْلِ. قَوْلُهُ: [صَغِيرَةٍ لَا تُشْتَهَى] إلَخْ: اُخْتُلِفَ فِي مَسِّ فَرْجِهَا فَقِيلَ لَا نَقْضَ وَلَوْ قَصَدَ اللَّذَّةَ مَا لَمْ يَلْتَذَّ بِالْفِعْلِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ. وَاسْتَظْهَرَ شَيْخُنَا عَدَمَ النَّقْضِ مُطْلَقًا. (انْتَهَى مِنْ الْأَصْل) . قَوْلُهُ: [وَكَذَا بِلَمْسِ الْبَهِيمَةِ] إلَخْ: أَيْ بِخِلَافِ مَسِّ فَرْجِهَا فَيَجْرِي عَلَى حُكْمِ الْمُلَامَسَةِ. قَوْلُهُ: [إذَا كَمُلَتْ لِحْيَتُهُ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَ حَدِيثَ النَّبَاتِ فَهُوَ مِمَّنْ يُشْتَهَى عَادَةً.

إذَا كَانَ الْمُلَامِسُ لَهُ رَجُلًا. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ لَوْ لَمَسَتْ شَيْخًا فَانِيًا. (وَمَسُّ ذَكَرِهِ الْمُتَّصِلِ مُطْلَقًا بِبَطْنِ كَفِّهِ أَوْ جَنْبِهِ أَوْ أُصْبُعٍ كَذَلِكَ وَلَوْ زَائِدًا إنْ أَحَسَّ وَتَصَرَّفَ) : هَذَا إشَارَةٌ لِلنَّوْعِ الثَّالِثِ مِنْ أَنْوَاعِ السَّبَبِ؛ وَهُوَ مَسُّ الْمُتَوَضِّئِ ذَكَرَهُ الْمُتَّصِلَ لَا الْمَقْطُوعَ، وَسَوَاءٌ مَسَّهُ مِنْ أَعْلَاهُ أَوْ مِنْ أَسْفَلِهِ أَوْ وَسَطِهِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، الْتَذَّ أَمْ لَا - وَهُوَ مَعْنَى الْإِطْلَاقِ - إذَا مَسَّهُ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ بِبَطْنِ أَوْ جَنْبِ كَفِّهِ وَبِأُصْبُعٍ بِبَطْنِهِ وَبِجَنْبِهِ لَا بِظَهْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الْأُصْبُعُ زَائِدًا عَلَى الْخَمْسَةِ إنْ كَانَ يَتَصَرَّفُ كَإِخْوَتِهِ وَكَانَ لَهُ إحْسَاسٌ، وَإِلَّا لَمْ يَنْقُضْ، لِأَنَّهُ كَالْعَدَمِ. وَهَذَا إذَا كَانَ بَالِغًا، فَمَسُّ الصَّبِيِّ ذَكَرَهُ لَا يَنْقُضُ كَلَمْسِهِ، وَكَذَا مَسُّ الْبَالِغِ ذَكَرَهُ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ وَلَوْ كَانَ خَفِيفًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا جِدًّا كَالْعَدَمِ. (لَا بِمَسِّ دُبُرٍ أَوْ أُنْثَيَيْنِ وَلَا بِمَسِّ امْرَأَةٍ فَرْجَهَا وَلَوْ أَلْطَفَتْ) : هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: (ذَكَرَهُ) أَيْ الْمُتَوَضِّئِ، لَا يَنْقُضُ وُضُوءَهُ بِمَسِّ دُبُرِهِ أَيْ حَلْقَةِ الدُّبُرِ، وَلَا بِمَسِّهِ أُنْثَيَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ لَمَسَتْ شَيْخًا] إلَخْ: أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَمِثْلُهَا لَوْ لَمَسَ الْبَالِغُ امْرَأَةً فَانِيَةً. تَنْبِيهٌ: لَمْسُ الْمَحْرَمِ يَنْقُضُ إنْ وُجِدَتْ اللَّذَّةُ كَأَنْ قَصَدَ فَقَطْ وَكَانَ فَاسِقًا شَأْنُهُ اللَّذَّةُ بِمَحْرَمِهِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. وَالْعِبْرَةُ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِمَا يَظُنُّهُ حَالَةَ اللَّمْسِ. قَوْلُهُ: [وَمَسُّ ذَكَرِهِ] : أَيْ وَلَوْ تَعَدَّدَ. قَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمُقَارِبَةِ الْأَصْلِيِّ. وَلَا يُشْتَرَطُ إحْسَاسُ الذَّكَرِ إذَا كَانَ أَصْلِيًّا بِخِلَافِ الزَّائِدِ. قَوْلُهُ: [إنْ أَحَسَّ وَتَصَرَّفَ] : أَيْ فَلَا بُدَّ فِي الزَّائِدِ مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ. بِخِلَافِ الْأَصْلِيِّ، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ حِسُّ الْإِحْسَاسِ فَقَطْ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: [أَحَسَّ] بِالْهَمْزَةِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ خَلِيلٍ: بِغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ الْإِحْسَاسِ لَا مِنْ الْحِسِّ. قَوْلُهُ: [لَا بِمَسِّ دُبُرٍ] إلَخْ: أَيْ وَلَوْ الْتَذَّ وَلَوْ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي دُبُرِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ أَلْطَفَتْ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقِيلَ: إنْ أَلْطَفَتْ فَعَلَيْهَا الْوُضُوءُ.

[الردة والشك]

وَلَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُ الْمَرْأَةِ بِمَسِّهَا لِفَرْجِهَا وَلَوْ أَلْطَفَتْ: أَيْ أَدْخَلَتْ أُصْبُعًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَصَابِعِهَا فِي فَرْجِهَا. (وَأَمَّا غَيْرُهُمَا وَهُوَ الرِّدَّةُ: وَالشَّكُّ فِي النَّاقِضِ بَعْدَ طُهْرٍ عُلِمَ وَعَكْسُهُ، أَوْ فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا) : هَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ النَّاقِضِ، فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: (إمَّا حَدَثٌ) أَيْ أَنَّ النَّاقِضَ لِلْوُضُوءِ: إمَّا حَدَثٌ، وَإِمَّا سَبَبٌ وَإِمَّا غَيْرُهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الرِّدَّة وَالشَّكّ] [مَسْأَلَة تخيل النَّاقِض] قَوْلُهُ: [وَهُوَ الرِّدَّةُ] : أَيْ وَلَوْ مِنْ صَغِيرٍ كَمَا فِي كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ لِاعْتِبَارِهَا مِنْهُ، وَتَسْقُطُ الْفَوَائِتُ وَالزَّكَاةُ إنْ لَمْ يَرْتَدَّ لِذَلِكَ وَتُبْطِلُ الْحَجَّ. قَوْلُهُ: [وَالشَّكُّ فِي النَّاقِضِ] : هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ لَا يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِذَلِكَ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ فَقَطْ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِهِ. وَالْأَوَّلُ نَظَرَ إلَى أَنَّ الذِّمَّةَ عَامِرَةٌ فَلَا تَبْرَأُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَالثَّانِي نَظَرَ إلَى اسْتِصْحَابِ مَا كَانَ فَلَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِيَقِينٍ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مَنْ تَأَمَّلَ عَلِمَ أَنَّ الشَّكَّ فِي الْحَدَثِ شَكٌّ فِي الْمَانِعِ لَا شَكٌّ فِي الشَّرْطِ، وَالْمَعْرُوفُ إلْغَاءُ الشَّكِّ فِي الْمَانِعِ، فَكَانَ الْوَاجِبُ طَرْحُ ذَلِكَ الشَّكِّ وَإِلْغَاؤُهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى حَالِهِ، وَعَدَمُ طُرُوُّ الْمَانِعِ وَالشَّكِّ فِي الشَّرْطِ يُؤْثِرُ الْبُطْلَانَ بِاتِّفَاقٍ كَالْعَكْسِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ: مَا إذَا تَحَقَّقَ الْحَدَثُ وَشَكَّ هَلْ تَوَضَّأَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ الْعَامِرَةَ لَا تَبْرَأُ إلَّا بِيَقِينٍ. إنْ قُلْت: حَيْثُ كَانَ شَكًّا فِي الْمَانِعِ فَلِمَ جَعَلُوهُ نَاقِضًا عَلَى الْمَذْهَبِ؟ مَعَ أَنَّ الشَّكَّ فِي الْمَانِعِ يُلْغِي كَالشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالظِّهَارِ وَالرَّضَاعِ. قُلْت: كَأَنَّهُمْ رَاعَوْا سُهُولَةَ الْوُضُوءِ وَكَثْرَةَ نَوَاقِضِهِ فَاحْتَاطُوا لِأَجْلِ الصَّلَاةِ. (انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ بِتَصَرُّفٍ) . مَسْأَلَةٌ: لَوْ تَخَيَّلَ أَنَّ شَيْئًا حَصَلَ مِنْهُ بِالْفِعْلِ لَا يَدْرِي مَا هُوَ هَلْ حَدَثٌ أَوْ غَيْرُهُ؟ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْوَهْمِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ صَادِقٌ بِالشَّكِّ فِي الْأَحْدَاثِ وَالْأَسْبَابِ مَا عَدَا الرِّدَّةَ، فَلَا نَقْضَ بِالشَّكِّ فِيهَا.

وَهُوَ أَمْرَانِ: الرِّدَّةُ وَالشَّكُّ. وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَيْسَ بِحَدَثٍ وَلَا سَبَبٍ، وَبَعْضُهُمْ جَعَلَهُمَا مِنْ أَقْسَامِ السَّبَبِ. أَمَّا الرِّدَّةُ فَهِيَ مُحْبِطَةٌ لِلْعَمَلِ؛ وَمِنْهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ عَلَى الْأَرْجَحِ مِنْ قَوْلَيْنِ رَجَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا. وَأَمَّا الشَّكُّ فَهُوَ نَاقِضٌ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَا تَبْرَأُ مِمَّا طُلِبَ مِنْهَا إلَّا بِيَقِينٍ، وَلَا تَعَيُّنَ عِنْدَ الشَّاكِّ. وَالْمُرَادُ بِالْيَقِينِ: مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ. وَالشَّكُّ الْمُوجِبُ لِلْوُضُوءِ ثَلَاثُ صُوَرٍ: الْأُولَى: أَنْ يَشُكَّ بَعْدَ عِلْمِهِ بِتَقَدُّمِ طُهْرِهِ، هَلْ حَصَلَ مِنْهُ نَاقِضٌ - مِنْ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَبَعْضُهُمْ جَعَلَهُمَا] إلَخْ: قَالَ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ مَجْمُوعِهِ: لَا يَنْبَغِي أَنْ تُعَدَّ الرِّدَّةُ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ، لِأَنَّهَا تُحْبِطُ جَمِيعَ الْأَعْمَالِ لَا خُصُوصَ الْوُضُوءِ. كَمَا قَالُوا: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ مِنْ شُرُوطِ الشَّيْءِ إلَّا مَا كَانَ خَاصًّا بِهِ فَكَذَا مَا هُنَا. وَأَمَّا الشَّكُّ فِي الْحَدَثِ فَالظَّاهِرُ رُجُوعُهُ لِلْقِسْمَيْنِ بِأَنْ يُرَادَ بِالْحَدَثِ مَا يَشْمَلُ الْمُحَقَّقَ وَالْمَشْكُوكَ، وَكَذَا السَّبَبُ. قَوْلُهُ: [وَمِنْهُ الْوُضُوءُ] إلَخْ: فِي الْبُنَانِيِّ قَوْلٌ بِاسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ مِنْ الرِّدَّةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: [عَلَى الْأَرْجَحِ] إلَخْ: هَذَا رَاجِعٌ لِلْغُسْلِ فَقَطْ فَالْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَرَجَّحَهُ بَهْرَامُ فِي صَغِيرَةٍ، وَالثَّانِي: لِابْنِ جَمَاعَةَ. وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ (ح) تَرْجِيحُهُ وَتَبِعَهُ الْأُجْهُورِيُّ وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى إحْبَاطِهَا الْعَمَلَ مِنْ حَيْثُ الثَّوَابُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ ثَوَابِهِ إعَادَتُهُ، فَلِذَا لَا يُطَالَبُ بَعْدَهَا بِقَضَاءِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ صَلَاةٍ وَصِيَامٍ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْوُضُوءُ عَلَى الْقَوْلِ الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهُ صَارَ بَعْدَ تَوْبَتِهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَلَغَ حِينَئِذٍ. فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ لِمُوجِبِهِ، وَهُوَ إرَادَةُ الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ. بِخِلَافِ الْغُسْلِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِوُقُوعِ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِهِ. وَوَجْهُهُ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الرِّدَّةَ تُبْطِلُ نَفْسَ الْأَعْمَالِ، فَإِذَا ارْتَدَّ وَبَطَلَ عَمَلُهُ رَجَعَ الْأَمْرُ لِكَوْنِهِ مُتَلَبِّسًا بِالْحَدَثِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ الْعَمَلِ، سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ الْحَدَثُ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ. قَوْلُهُ: [وَالشَّكُّ الْمُوجِبُ] إلَخْ: الشَّكُّ مُبْتَدَأٌ وَثَلَاثٌ خَبَرٌ. قَوْلُهُ: [الْأَوْلَى أَنْ يَشُكَّ] إلَخْ: هَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا النِّزَاعُ، هَلْ هِيَ شَكٌّ فِي الْمَانِعِ أَوْ فِي الشَّرْطِ؟ وَالْحَقُّ أَنَّهَا شَكٌّ فِي الْمَانِعِ حُكْمٍ وَإِنَّمَا بِالنَّقْضِ

حَدَثٍ أَوْ سَبَبٍ - أَمْ لَا. الثَّانِيَةُ: عَكْسُهَا، وَهُوَ أَنْ يَشُكَّ بَعْدَ عِلْمِ حَدَثِهِ، هَلْ حَصَلَ مِنْهُ وُضُوءٌ أَمْ لَا. الثَّالِثَةُ: عَلِمَ كُلًّا مِنْ الطُّهْرِ وَالْحَدَثِ وَشَكَّ فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا. (وَلَوْ طَرَأَ الشَّكُّ فِي الصَّلَاةِ اسْتَمَرَّ، ثُمَّ إنْ بَانَ الطُّهْرُ لَمْ يُعِدْ) : هَذَا الْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِالصُّورَةِ الْأُولَى، يَعْنِي أَنَّ الشَّخْصَ إذَا دَخَلَ الصَّلَاةَ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مُتَوَضِّئٌ، ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الشَّكُّ فِيهَا - هَلْ حَصَلَ مِنْهُ نَاقِضٌ أَمْ لَا - فَإِنَّهُ يَسْتَمِرُّ عَلَى صَلَاتِهِ وُجُوبًا. ثُمَّ إنْ بَانَ لَهُ أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ وَلَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا فَلَا يُعِيدُهَا. وَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى شَكِّهِ تَوَضَّأَ وَأَعَادَهَا. - ـــــــــــــــــــــــــــــQلِغَيْرِ الْمُسْتَنْكِحِ احْتِيَاطًا لِلصَّلَاةِ وَلِخِفَّةِ أَمْرِ الْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: [الثَّانِيَةُ عَكْسُهَا] إلَخْ: هَذِهِ الصُّورَةُ شَكٌّ فِي الشَّرْطِ جَزْمًا وَفِيهَا الْوُضُوءُ اتِّفَاقًا وَلَوْ لِلْمُسْتَنْكِحِ. قَوْلُهُ: [الثَّالِثَةُ عَلِمَ كُلًّا] إلَخْ: هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ الشَّكِّ فِي الشَّرْطِ أَيْضًا، وَفِيهَا النَّقْضُ وَلَوْ مُسْتَنْكِحًا، مِنْ بَابِ أَوْلَى إذَا شَكَّ فِيهِمَا وَشَكَّ فِي السَّابِقِ أَوْ تَحَقَّقَ أَحَدُهُمَا وَشَكَّ فِي السَّابِقِ. فَتَحَصَّلَ أَنَّ جُمْلَةَ الصُّوَرِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً: وَهِيَ تَحَقُّقُ الطَّهَارَةِ وَالشَّكِّ فِي الْحَدَثِ وَعَكْسِهِ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَنْكِحًا أَوْ غَيْرَهُ، فَهَذِهِ أَرْبَعٌ. وَبَقِيَ مَا إذَا شَكَّ فِي السَّابِقِ مَعَ تَحَقُّقِ الْحَدَثِ وَالطَّهَارَةِ، أَوْ الشَّكِّ فِيهِمَا، أَوْ الشَّكِّ فِي الْحَدَثِ وَتَحَقُّقِ الطَّهَارَةِ، أَوْ عَكْسِهِ. فَهَذِهِ أَرْبَعٌ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَنْكِحًا أَوْ غَيْرَهُ. فَتِلْكَ ثَمَانٌ وَجَمِيعُ الِاثْنَيْ عَشَرَ يَجِبُ فِيهَا الْوُضُوءُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُسْتَنْكِحٍ وَغَيْرِهِ، إلَّا الصُّورَةَ الْأُولَى فَيُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ الْمُسْتَنْكِحِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الشَّكُّ فِيهَا] : الْمُرَادُ بِالشَّكِّ هُنَا: مَا قَابَلَ الْجَزْمَ فَيَشْمَلُ الظَّنَّ وَلَوْ كَانَ قَوِيًّا فَمَنْ ظَنَّ النَّقْضَ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ، فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَنْ تَرَدَّدَ فِيهِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فِي وُجُوبِ التَّمَادِي كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ، وَإِنَّمَا يُجْعَلُ ظَنُّ الْحَدَثِ كَشَكِّهِ لِحُرْمَةِ الصَّلَاةِ حَيْثُ دَخَلَهَا بِيَقِينٍ. وَأَمَّا الْوَهْمُ فَلَا أَثَرَ لَهُ بِالْأُولَى إذْ لَا يَضُرُّ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ إنْ بَانَ] إلَخْ: أَيْ جَزْمًا أَوْ ظَنًّا. قَوْلُهُ: [وَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى شَكِّهِ] : وَأَوْلَى إذَا تَبَيَّنَ حَدَثَهُ. قَوْلُهُ: [وَأَعَادَهَا] : أَيْ كَالْإِمَامِ إذَا صَلَّى مُحْدِثًا نَاسِيًا لِلْحَدَثِ فَإِنَّهُ لَا إعَادَةَ

[ما يمنعه الحدث]

(فَلَوْ شَكَّ: هَلْ تَوَضَّأَ؟ قَطَعَ) : يَعْنِي لَوْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مُتَوَضِّئٌ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الشَّكُّ فِيهَا هَلْ حَصَلَ مِنْهُ وُضُوءٌ بَعْدَ أَنْ أَحْدَثَ أَمْ لَا؟ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَطْعُ الصَّلَاةِ وَيَسْتَأْنِفُ الْوُضُوءَ. وَهَذَا حُكْمُ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، وَأَمَّا طُرُوُّ الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ فِي الصَّلَاةِ؛ وَهِيَ الشَّكُّ فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا، فَهَلْ حُكْمُهُ كَالْأُولَى؟ أَوْ كَالثَّانِيَةِ فَيَقْطَعُ؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ. لِأَنَّ الشَّكَّ فِيهَا أَقْوَى مِنْ الْأُولَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (وَمَنَعَ الْحَدَثُ صَلَاةً وَطَوَافًا وَمَسَّ مُصْحَفٍ أَوْ جُزْئِهِ وَكَتْبَهُ وَحَمْلَهُ وَإِنْ بِعَلَّاقَةٍ أَوْ ثَوْبٍ) : يَعْنِي أَنَّ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ - وَأَوْلَى الْأَكْبَرُ - يَمْنَعُ التَّلَبُّسَ بِالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ. إذْ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِمَا الطَّهَارَةُ فَلَا يَنْعَقِدَانِ بِدُونِهَا. وَيَمْنَعُ أَيْضًا مَسَّ الْمُصْحَفِ الْكَامِلِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ - وَإِنْ آيَةً - وَلَوْ مَسَّ ذَلِكَ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ أَوْ بِعُودٍ. وَكَذَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ كَتْبُهُ، فَلَا يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ أَنْ يَكْتُبَ الْقُرْآنَ أَوْ آيَةً مِنْهُ، وَلَا أَنْ يَحْمِلَهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مَأْمُومِهِ، لِلْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ بَطَلَتْ عَلَى الْإِمَامِ بَطَلَتْ عَلَى الْمَأْمُومِ إلَّا فِي سَبْقِ الْحَدَثِ وَنِسْيَانِهِ، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ قَبِيلِ نِسْيَانِ الْحَدَثِ. قَوْلُهُ: [وَيَسْتَأْنِفُ الْوُضُوءَ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ شَاكٌّ فِي الشَّرْطِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَضُرُّ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [وَهُوَ الظَّاهِرُ] : أَيْ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي الشَّرْطِ أَيْضًا، وَأَمَّا لَوْ شَكَّ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لَا؟ فَالْوُضُوءُ بَاطِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ جَزْمًا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الشَّكِّ قَبْلَهَا وَالشَّكِّ فِيهَا، أَنَّ الشَّكَّ فِيهَا ضَعِيفٌ لِكَوْنِهِ دَخَلَ الصَّلَاةَ بِيَقِينٍ فَلَا يَقْطَعُهَا إلَّا بِيَقِينٍ. وَأَمَّا مَنْ شَكَّ خَارِجَهَا فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا إلَّا بِطَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ، وَأَمَّا إذَا حَصَلَ الشَّكُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا يَضُرُّ إلَّا إذَا تَحَقَّقَ الْحَدَثَ. [مَا يَمْنَعهُ الْحَدَث] [لَطِيفَة فِي تَفْسِير لَا يَمَسّهُ إلَّا المطهرون] قَوْلُهُ: [التَّلَبُّسُ بِالصَّلَاةِ] إلَخْ: سَوَاءٌ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا. وَمِنْ الصَّلَاةِ: سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ. قَوْلُهُ: [مَسُّ الْمُصْحَفِ] إلَخْ: وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ جِلْدُهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ مِنْهُ. وَأَحْرَى طَرَفُ الْمَكْتُوبِ وَمَا بَيْنَ الْأَسْطُرِ. قَوْلُهُ: [كَتْبُهُ] : أَيْ بِالْعَرَبِيِّ وَمِنْهُ الْكُوفِيُّ، لَا بِالْعَجَمِيِّ فَيَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ مَسُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ بَلْ هُوَ تَفْسِيرٌ لَهُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْأَقْرَبُ مَنْعُ كَتْبِهِ بِغَيْرِ الْقَلَمِ الْعَرَبِيِّ

وَلَوْ مَعَ أَمْتِعَةٍ غَيْرِ مَقْصُودَةٍ بِالْحَمْلِ، وَلَوْ بِعَلَّاقَةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ وِسَادَةٍ. (إلَّا لِمُعَلِّمٍ وَمُتَعَلِّمٍ وَإِنْ حَائِضًا لَا جُنُبًا) : أَيْ يَحْرُمُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ، إلَّا إذَا كَانَ مُعَلِّمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا، فَيَجُوزُ لَهُمَا مَسُّ الْجُزْءِ وَاللَّوْحِ وَالْمُصْحَفِ الْكَامِلِ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِمَا عَلَى إزَالَةِ الْمَانِعِ. بِخِلَافِ الْجُنُبِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى إزَالَتِهِ بِالْغُسْلِ أَوْ التَّيَمُّمِ. وَالْمُتَعَلِّمُ يَشْمَلُ مَنْ ثَقُلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فَصَارَ يُكَرِّرُهُ فِي الْمُصْحَفِ. (وَإِلَّا حِرْزًا بِسَاتِرٍ وَإِنْ لِجُنُبٍ، كَبِأَمْتِعَةٍ قُصِدَتْ) : هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ قَبْلَهُ. أَيْ: إلَّا لِمُعَلِّمٍ، وَإِلَّا إذَا كَانَ الْقُرْآنُ حِرْزًا بِسَاتِرٍ: يَقِيهِ مِنْ وُصُولِ قَذَارَةٍ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ حَمْلُهُ خَوْفًا مِنْ ارْتِيَاعٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ رَمَدٍ وَلَوْ لِلْجُنُبِ، وَأَوْلَى الْحَائِضُ. وَظَاهِرُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا تَحْرُمُ قِرَاءَتُهُ بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِ لِقَوْلِهِمْ: الْقَلَمُ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ، وَالْعَرَبُ لَا تَعْرِفُ قَلَمًا غَيْرَ الْعَرَبِيِّ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 195] . وَمَا يَقَعُ مِنْ التَّمَائِمِ والأوفاق بِقَصْدِ مُجَرَّدِ التَّبَرُّكِ بِالْأَعْدَادِ الْهِنْدِيَّةِ الْمُوَافِقَةِ لِلْحُرُوفِ فَلَا بَأْسَ بِهَا. وَمَحَلُّ امْتِنَاعِ مَسِّ الْمُحْدِثِ لِلْقُرْآنِ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ؛ كَالْغَرَقِ أَوْ اسْتِيلَاءِ كَافِرٍ عَلَيْهِ وَإِلَّا مَسَّهُ وَلَوْ جُنُبًا. وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا جَوَازُ كَتْبِهِ لِلسُّخُونَةِ وَتَبْخِيرِ مَنْ هِيَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ طَرِيقًا لِلدَّوَاءِ (انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِعَلَّاقَةٍ] : خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، فَعِنْدَهُمْ لَا يَحْرُمُ إلَّا مَسُّ النُّقُوشِ. قَوْلُهُ: [أَوْ وِسَادَةٍ] : وَمِنْهَا الْكُرْسِيُّ الَّذِي وُضِعَ الْمُصْحَفُ فَوْقَهُ، وَقَدْ حَرَّمَ الشَّافِعِيَّةُ مَسَّ كُرْسِيِّهِ وَهُوَ عَلَيْهِ، وَمَذْهَبُنَا يَمْنَعُ حَمْلَهُ بِالْكُرْسِيِّ لَا مَسَّ الْكُرْسِيِّ. قَوْلُهُ: [إلَّا لِمُعَلِّمٍ] إلَخْ: أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ قَائِلًا: لِأَنَّ حَاجَةَ الْمُعَلِّمِ صِنَاعَةٌ وَتَكَسُّبٌ لَا حِفْظٌ كَحَاجَةِ الْمُتَعَلِّمِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْجُنُبِ] : وَمِثْلُهُ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ قَبْلَ الْغُسْلِ وَبَعْدَ انْقِطَاعِ الْعُذْرِ لِقُدْرَتِهِمَا عَلَى إزَالَةِ الْمَانِعِ. قَوْلُهُ: [فَصَارَ يُكَرِّرُهُ] : أَيْ بِنِيَّةِ الْحِفْظِ لَا لِمُجَرَّدِ التَّعَبُّدِ بِالتِّلَاوَةِ فَيَتَوَضَّأُ. (انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى مَجْمُوعِهِ) . قَوْلُهُ: [وَإِنْ لِجُنُبٍ] : أَيْ أَوْ بَهِيمَةٍ لَا كَافِرٍ.

وَلَوْ مُصْحَفًا كَامِلًا هُوَ كَذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. وَمِثْلُ ذَلِكَ حَمْلُهُ بِأَمْتِعَةٍ قُصِدَتْ بِالْحَمْلِ، كَصُنْدُوقٍ وَنَحْوِهِ فِيهِ مُصْحَفٌ أَوْ جُزْءٌ وَقَدْ حَمَلَهُ فِي سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ. فَإِنْ قُصِدَ الْمُصْحَفُ فَقَطْ أَوْ قُصِدَا مَعًا، مُنِعَ إذَا كَانَ قَصَدَ الْمُصْحَفَ ذَاتِيًّا لَا بِالتَّبَعِ لِلْأَمْتِعَةِ، وَإِلَّا جَازَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَكَذَا حَمْلُ التَّفْسِيرِ وَمَسُّهُ لَا يَحْرُمُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُصْحَفًا عُرْفًا. فَقَوْلُهُ: [فَيُصَلِّي] تَشْبِيهٌ فِي الْجَوَازِ الْمُسْتَفَادِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ. وَيَجُوزُ حَمْلُ الْأَمْتِعَةِ الْمَقْصُودِ حَمْلُهَا وَلَوْ لِكَافِرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ مُصْحَفًا كَامِلًا] إلَخْ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يُغَيَّرْ عَنْ هَيْئَةِ المصحفية، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ تَغْيِيرُهُ عَنْ هَيْئَةِ المصحفية. [وَكَذَا حَمْلُ التَّفْسِيرِ] إلَخْ: أَيْ فَيَجُوزُ مَسُّهُ وَحَمْلُهُ وَالْمُطَالَعَةُ فِيهِ لِلْمُحْدِثِ وَلَوْ كَانَ جُنُبًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّفْسِيرِ مَعَانِي الْقُرْآنِ لَا تِلَاوَتُهُ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كُتِبَتْ فِيهِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ مُتَوَالِيَةٌ وَقَصَدَهَا بِالْمَسِّ وَهُوَ كَذَلِكَ، كَمَا قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ خِلَافًا لِابْنِ عَرَفَةَ. لَطِيفَةٌ: قَوْله تَعَالَى: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] إنْ كَانَ الضَّمِيرُ لِلْقُرْآنِ فَلَا نَاهِيَةَ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَفِي جَزْمٍ وَشِبْهِ الْجَزْمِ تَخْيِيرٌ قَفَى. وَعَلَى بَقَاءِ الْإِدْغَامِ يَجُوزُ الضَّمُّ إتْبَاعًا لِضَمِّ الْهَاءِ. أَوْ أَنَّهُ نَهَى بِصُورَةِ النَّفْيِ. وَلَا يَصِحُّ بَقَاءُ النَّفْيِ عَلَى ظَاهِرِهِ لِلُّزُومِ الْكَذِبِ لِكَثْرَةِ مَنْ مَسَّ الْقُرْآنَ بِلَا طَهَارَةٍ مِنْ صِبْيَانٍ وَغَيْرِهِمْ، نَعَمْ إنْ رَجَعَ الضَّمِيرُ لِلَّوْحِ الْمَحْفُوظِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْكِتَابِ الْمَكْنُونِ أَوْ صُحُفِ الْمَلَائِكَةِ، وَأَلْ لِلْجِنْسِ صَحَّ النَّفْيُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمَسُّ ذَلِكَ إلَّا الْمَلَائِكَةُ الْمُطَهَّرُونَ مِنْ الرَّذَائِلِ. (انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى مَجْمُوعِهِ) .

[فصل المسح على الخفين ونحوه]

فَصْلٌ: الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ وَنَحْوِهِ (جَازَ بَدَلًا عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ بِحَضَرٍ وَسَفَرٍ - وَلَوْ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ - مَسْحُ خُفٍّ أَوْ جَوْرَبٍ بِلَا حَدٍّ) : ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ حُكْمَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَشُرُوطَهُ وَصِفَتَهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَنَحْوِهِ] [جَوَازِ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ] قَوْلُهُ: [جَازَ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ. وَمُقَابِلُهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْوُجُوبُ وَالنَّدْبُ وَعَدَمُ الْجَوَازِ. وَمَعْنَى الْوُجُوبِ أَنَّهُ إنْ اتَّفَقَ كَوْنُهُ لَابِسًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، لَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَلْبَسَهُ وَيَمْسَحَ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ جَائِزًا مَعَ أَنَّهُ يَنْوِي بِهِ الْفَرْضَ؟ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْجَوَازَ مِنْ حَيْثُ الْعُدُولُ عَنْ الْغُسْلِ الْأَصْلِيِّ، وَإِنْ قَامَ مَقَامَ الْوَاجِبِ، حَتَّى قِيلَ الْوَاجِبُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ. لَكِنَّ الِاصْطِلَاحَ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُخَيَّرَ مَا وَرَدَ فِيهِ التَّخْيِيرُ ابْتِدَاءً كَكَفَّارَةِ الصَّيْدِ، وَهَذَا الْجَوَابُ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ مَجْمُوعِهِ. وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَاسِحُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَلَكِنَّ الْغَسْلَ أَفْضَلُ. قَوْلُهُ: [بِحَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ] : هَذَا التَّعْمِيمُ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ وَالْأَخَوَيْنِ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ: لَا يَمْسَحُ الْحَاضِرُونَ. وَرَوَى عَنْهُ أَيْضًا: لَا يَمْسَحُ الْحَاضِرُونَ وَلَا الْمُسَافِرُونَ. قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ: وَالْمَذْهَبُ، الْأَوَّلُ، وَبِهِ قَالَ فِي الْمُوَطَّإِ. قَوْلُهُ: [مَسْحُ خُفٍّ] إلَخْ: مُرَادُهُ بِهِ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِالْمُتَعَدِّدِ، بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: (فَإِنْ نَزَعَهُمَا أَوْ أَعْلَيَيْهِ) . وَإِنَّمَا قَدَّمَ مَسْحَ الْخُفِّ عَلَى الْغَسْلِ لِكَوْنِهِ مِنْ خَوَاصِّ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى. قَوْلُهُ: [بِلَا حَدٍّ] : أَيْ وَاجِبٍ بِحَيْثُ لَوْ زَادَ عَلَيْهِ بَطَلَ الْمَسْحُ، فَلَا يُنَافِي نَدْبَ نَزْعِهِ كُلَّ جُمُعَةٍ، كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَشُرُوطُهُ] : أَيْ الْإِحْدَى عَشَرَةَ الْآتِيَةَ. قَوْلُهُ: [وَصِفَتُهُ] : أَيْ كَيْفِيَّةُ مَسْحِهِ.

وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. فَحُكْمُهُ الْجَوَازُ؛ فَهُوَ رُخْصَةٌ جَائِزَةٌ بَدَلًا عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَلَوْ كَانَ السَّفَرُ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ؛ كَالسَّفَرِ لِقَطْعِ طَرِيقٍ أَوْ إبَاقٍ. لِأَنَّ كُلَّ رُخْصَةٍ جَازَتْ بِالْحَضَرِ جَازَتْ بِالسَّفَرِ مُطْلَقًا. وَأَمَّا الرُّخْصَةُ الَّتِي لَا تَجُوزُ فِي الْحَضَرِ - كَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ - فَلَا تَجُوزُ إلَّا فِي السَّفَرِ الْمُبَاحِ. وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْمُبَاحِ ضَعِيفٌ. وَمِثْلُ الْخُفِّ الْجَوْرَبُ، بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] : أَيْ مِنْ مُحْتَرَزَاتِ الشُّرُوطِ وَمُخَالَفَةِ الْكَيْفِيَّةِ. قَوْلُهُ: رُخْصَةٌ: هِيَ فِي اللُّغَةِ: السُّهُولَةُ. وَشَرْعًا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ سَهْلٌ اُنْتُقِلَ إلَيْهِ مِنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ صَعْبٍ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ. فَالْحُكْمُ الصَّعْبُ هُنَا وُجُوبُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ أَوْ حُرْمَةُ الْمَسْحِ، وَالْحُكْمُ السَّهْلُ جَوَازُ الْمَسْحِ لِعُذْرٍ، وَهُوَ مَشَقَّةُ النَّزْعِ وَاللُّبْسِ، وَالسَّبَبُ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ كَوْنُ الْمَحَلِّ قَابِلًا لِلْغَسْلِ. (انْتَهَى مِنْ الْحَاشِيَةِ) . قَوْلُهُ: [جَائِزَةٌ] : أَيْ بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى. قَوْلُهُ: [فِي الْوُضُوءُ] : أَيْ لَا فِي الْغُسْلِ. فَلِذَلِكَ لَوْ حَصَلَتْ لَهُ جَنَابَةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ نَزْعُهُ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [كَالسَّفَرِ] إلَخْ: أَيْ بِخِلَافِ الْمَعْصِيَةِ فِي السَّفَرِ فَلَا تَمْنَعُ اتِّفَاقًا كَالسَّفَرِ لِتِجَارَةٍ ثُمَّ تَعْرِضُ لَهُ مَعَاصٍ. قَوْلُهُ: [وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ] : مُرَادُهُ بِهِ الشَّيْخُ خَلِيلٌ. وَقَدْ خَالَفَ اصْطِلَاحَهُ

[شروط المسح على الخفين]

الْوَاوِ - وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ قُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ صُوفٍ جِلْدٌ ظَاهِرُهُ، أَيْ كُسِيَ بِالْجِلْدِ بِشَرْطِهِ الْآتِي. فَإِنْ لَمْ يُجَلَّدْ فَلَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. وَلَا حَدَّ فِي مُدَّةِ الْمَسْحِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَلَا بِأَكْثَرَ وَلَا أَقَلَّ خِلَافًا لِمَنْ ذَهَبَ إلَى التَّحْدِيدِ. وَلِجَوَازِهِ شُرُوطٌ أَحَدَ عَشَرَ؛ سِتَّةٌ فِي الْمَمْسُوحِ وَخَمْسَةٌ فِي الْمَاسِحِ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (بِشَرْطِ جِلْدٍ طَاهِرٍ، خُرِزَ، وَسَتَرَ مَحَلَّ الْفَرْضِ، وَأَمْكَنَ الْمَشْيُ فِيهِ عَادَةً بِلَا حَائِلٍ) : أَيْ أَنَّ الشَّرْطَ. الْأَوَّلَ فِي الْمَمْسُوحِ: كَوْنُهُ جِلْدًا، فَلَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى غَيْرِهِ. الثَّانِيَ: أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا احْتِرَازًا مِنْ جِلْدِ الْمَيْتَةِ وَلَوْ مَدْبُوغًا. الثَّالِثَ: أَنْ يَكُونَ مَخْرُوزًا لَا إنْ لُزِقَ بِنَحْوِ رسراس. - ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ هُنَا مِنْ تَعْبِيرِهِ عَنْهُ بِالشَّيْخِ. قَوْلُهُ: [بِشَرْطِهِ الْآتِي] : مُرَادُهُ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِالْمُتَعَدِّدِ، أَوْ إنْ شُرِطَ مُفْرَدٌ مُضَافٌ يَعُمُّ. قَوْلُهُ: [خِلَافًا لِمَنْ ذَهَبَ] إلَخْ: أَيْ كَابْنِ حَنْبَلٍ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ نَزْعَهُ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ، وَالشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ لِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. [شُرُوط الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ] قَوْلُهُ: [جِلْدٍ طَاهِرٍ] : قَالَ: (بْن) هَذَانِ الشَّرْطَانِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِمَا. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْخُفَّ لَا يَكُون إلَّا مِنْ جِلْدٍ، وَالْجَوْرَبُ قَدْ تَقَدَّمَ اشْتِرَاطُهُ فِيهِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ لَفْظَ جِلْدٍ هُنَا إنَّمَا ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَقَدْ اعْتَرَضَهُ الرَّمَاصِيُّ بِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ فَصْلِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَلَا يُذْكَرُ هُنَا إلَّا مَا هُوَ خَاصٌّ بِالْبَابِ، وَبِأَنَّ ذِكْرَهُ هُنَا يُوهِمُ بُطْلَانَ الْمَسْحِ عَلَيْهِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ عَجْزًا كَمَا أَنَّ بَاقِيَ الشُّرُوطِ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. لِأَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ طَاهِرٍ لَهُ حُكْمُ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ. (انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْمُصَنِّفُ قَدْ تَبِعَ خَلِيلًا فِي عَدِّهِ شَرْطًا، وَلَكِنْ قَدْ عَلِمَتْ مَا فِيهِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ مَدْبُوغًا] : أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ كيمخت كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ. قَوْلُهُ: [لَا إنْ لُزِقَ] إلَخْ: أَيْ وَلَا مَا نُسِجَ أَوْ سُلِخَ كَذَلِكَ، قَصْرًا لِلرُّخْصَةِ عَلَى الْوَارِدِ، كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ.

الرَّابِعَ: أَنْ يَكُونَ لَهُ سَاقٌ سَاتِرٌ لِمَحَلِّ الْغَرْضِ بِأَنْ يَسْتُرَ الْكَعْبَيْنِ احْتِرَازًا مِنْ غَيْرِ السَّاتِرِ لَهُمَا. الْخَامِسَ: أَنْ يُمْكِنَ الْمَشْيُ فِيهِ عَادَةً احْتِرَازًا مِنْ الْوَاسِعِ الَّذِي يَنْسَلِتُ مِنْ الرِّجْلِ عِنْدَ الْمَشْيِ فِيهِ وَهُوَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ فِيهِ. السَّادِسَ: أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ حَائِلٌ مِنْ شَمْعٍ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. (وَلُبِسَ بِطَهَارَةِ مَاءٍ كَمُلَتْ، بِلَا تَرَفُّهٍ وَلَا عِصْيَانٍ بِلُبْسِهِ) : هَذَا إشَارَةٌ لِشُرُوطِ الْمَاسِحِ الْخَمْسَةِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَلْبَسَهُ عَلَى طَهَارَةٍ احْتِرَازًا مِنْ أَنْ يَلْبَسَهُ مُحْدِثًا، فَلَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الطَّهَارَةُ مَائِيَّةً لَا تُرَابِيَّةً. الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الطَّهَارَةُ كَامِلَةً بِأَنْ يَلْبَسَهُ بَعْدَ تَمَامِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ الَّذِي لَمْ يَنْتَقِضْ فِيهِ وُضُوءُهُ، فَلَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ قَبْلَ مَسْحِ رَأْسِهِ وَلَبِسَ خُفَّهُ ثُمَّ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [احْتِرَازًا مِنْ غَيْرِ السَّاتِرِ] : أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ سَتْرِهِ الْمَحَلَّ بِذَاتِهِ وَلَوْ بِمَعُونَةِ أَزْرَارٍ، لَا مَا نَقَصَ عَنْهُ وَلَا مَا كَانَ وَاسِعًا يَنْزِلُ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ. قَوْلُهُ: [عَادَةً] : أَيْ لِذَوِي الْمُرُوءَةِ. وَذَكَرَ فِي الْحَاشِيَةِ عَنْ الصَّغِيرِ: أَنَّ الضَّيِّقَ مَتَى أَمْكَنَ لُبْسُهُ مَسَحَ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ خَالَفَهُ فِي قِرَاءَةِ (عب) وَهُوَ الظَّاهِرُ. (انْتَهَى مِنْ شَيْخِنَا فِي مَجْمُوعِهِ) . قَوْلُهُ: [مِنْ شَمْعٍ أَوْ خِرْقَةٍ] : أَيْ إذَا كَانَ عَلَى أَعْلَاهُ لَا إنْ كَانَ أَسْفَلَهُ، فَلَا يَبْطُلُ الْمَسْحُ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ مَسْحُ الْأَسْفَلِ، وَإِنَّمَا يُنْدَبُ إزَالَتُهُ لِيُبَاشِرَهُ الْمَسْحُ. وَلَا تَضُرُّ اللَّفَائِفُ الَّتِي تُوضَعُ عَلَى الْقَدَمِ وَيُلْبَسُ الْخُفُّ فَوْقَهَا. وَاسْتَثْنَى الْعُلَمَاءُ الْمِهْمَازَ الَّذِي يَكُونُ فِي أَعْلَى الْخُفِّ، فَإِنَّهُ حَائِلٌ وَلَا يَمْنَعُ الْمَسْحَ لِمَنْ شَأْنُهُ رُكُوبُ الدَّوَابِّ فِي السَّفَرِ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَدَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ العزية: وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا وَأَنْ يَكُونَ زَمَنَ رُكُوبِهِ غَالِبًا فَيُمْسَحُ عَلَيْهِ رَكِبَ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا. وَمَنْ زَمَنُ رُكُوبِهِ نَادِرٌ فَيَمْسَحُ عَلَيْهِ إنْ رَكِبَ لَا إنْ لَمْ يَرْكَبْ. (انْتَهَى) . وَلَا بُدَّ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ.

[مبطلات المسح على الخفين]

مَسَحَ رَأْسَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ غَسَلَ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ وَلَبِسَ فِيهَا الْخُفَّ ثُمَّ غَسَلَ الثَّانِيَةَ وَلَبِسَ الْأُخْرَى، لَمْ يَجُزْ لَهُ مَسْحٌ حَتَّى يَنْزَعَ الْأُولَى ثُمَّ يَلْبَسَهَا وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ. الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ مُتَرَفِّهًا بِلُبْسِهِ كَمَنْ لَبِسَهُ لِخَوْفٍ عَلَى حِنَّاءٍ بِرِجْلَيْهِ أَوْ لِمُجَرَّدِ النَّوْمِ بِهِ وَلِكَوْنِهِ حَاكِمًا وَلِقَصْدِ مُجَرَّدِ الْمَسْحِ أَوْ لِخَوْفِ بُرْغُوثٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. بِخِلَافِ مَنْ لَبِسَهُ لَحَرٍّ وَبَرْدٍ وَوَعْرٍ أَوْ خَوْفِ عَقْرَبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ. الْخَامِسُ: أَنْ لَا يَكُونَ عَاصِيًا بِلُبْسِهِ كَمُحْرِمٍ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَمْ يَضْطَرَّ لِلُبْسِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ، بِخِلَافِ الْمُضْطَرِّ وَالْمَرْأَةِ فَيَجُوزُ. (وَكُرِهَ غَسْلُهُ وَتَتَبُّعُ غُضُونِهِ) : أَيْ يُكْرَهُ لِمَنْ اسْتَوْفَى الشُّرُوطَ الْمُتَقَدِّمَةَ أَنْ يَغْسِلَ خُفَّهُ. وَأَجْزَأَهُ إنْ نَوَى بِهِ أَنَّهُ بَدَلُ الْمَسْحِ أَوْ رَفْعِ الْحَدَثِ، لَا إنْ نَوَى بِهِ مُجَرَّدَ إزَالَةِ نَجَاسَةٍ أَوْ قَذَرٍ. وَكَذَا يُكْرَهُ تَتَبُّعُ غُضُونِهِ بِالْمَسْحِ أَيْ تكاميشه؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ. كَمَا يُكْرَهُ تَكْرَارُ الْمَسْحِ. (وَبَطَلَ بِمُوجِبِ غُسْلٍ، وَبِخَرْقِهِ قَدْرَ ثُلُثِ الْقَدَمِ وَإِنْ الْتَصَقَ كَدُونِهِ إنْ انْفَتَحَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ] إلَخْ: أَيْ إلَّا إذَا نَزَعَهُمَا بَعْدَ تَمَامِ طَهَارَتِهِ وَأَعَادَهُمَا قَبْلَ حَدَثِهِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ] إلَخْ: وَمِثْلُهُ مَشَقَّةُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَأَمَّا لِمَنْ عَادَتُهُ الْمَسْحُ وَأَوْلَى لِلسُّنَّةِ فَيَمْسَحُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [كَمُحْرِمٍ بِحَجٍّ] : وَالْحَالُ أَنَّهُ ذَكَرٌ، وَأَمَّا الْأُنْثَى فَتَلْبَسُهُ وَتَمْسَحُ عَلَيْهِ وَلَوْ مُحْرِمَةً، لِأَنَّ إحْرَامَهَا فِي وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا كَمَا يَأْتِي. تَنْبِيهٌ: الْأَظْهَرُ إجْزَاءُ مَسْحِ الْمَغْصُوبِ وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ فِي الْغَصْبِ لَمْ يَرِدْ عَلَى خُصُوصِ لُبْسِهِ، بَلْ مِنْ أَصْلِ مُطْلَقِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا نَهْيُ الْمُحْرِمِ فَوَرَدَ عَلَى خُصُوصِ لُبْسِ الْمَخِيطِ، وَالْوَارِدُ عَلَى الْخُصُوصِ أَشَدُّ تَأْثِيرًا. (انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى مَجْمُوعِهِ) . قَوْلُهُ: [غَسْلُهُ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ مُخَرَّقًا خَرْقًا يَجُوزُ مَعَهُ الْمَسْحُ. قَوْلُهُ: [إنْ نَوَى بِهِ] إلَخْ: وَلَوْ نَوَى أَنَّهُ يَنْزِعُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ. [مُبْطِلَات الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ] قَوْلُهُ: [وَبَطَلَ بِمُوجَبِ غَسْلٍ] : أَيْ وَحَيْثُ بَطَلَ فَلَا يُمْسَحُ عَلَى الْخُفِّ لِوُضُوءِ

إلَّا الْيَسِيرَ جِدًّا) : هَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ مُبْطِلَاتِ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ. فَيَبْطُلُ بِمُوجِبِ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ؛ مِنْ مَغِيبِ حَشَفَةٍ أَوْ نُزُولِ مَنِيٍّ بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ أَوْ نِفَاسٍ. وَمَعْنَى بُطْلَانِهِ انْتِهَاءُ الْمَسْحِ إلَى حُصُولِ الْمُوجِبِ، وَيَجِبُ نَزْعُهُ لِيُغْسَلَ. وَيَبْطُلُ الْمَسْحُ أَيْضًا أَيْ يَنْتَهِي حُكْمُهُ بِخَرْقِهِ ثُلُثَ الْقَدَمِ - سَوَاءٌ كَانَ مُنْفَتِحًا أَوْ مُلْتَصِقًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ - كَالشَّقِّ وَفَتْقِ خِيَاطَتِهِ مَعَ الْتِصَاقِ الْجِلْدِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ. فَإِنْ كَانَ الْخَرْقُ دُونَ الثُّلُثِ ضَرَّ أَيْضًا إنْ انْفَتَحَ بِأَنْ ظَهَرَتْ الرِّجْلُ مِنْهُ لَا إنْ الْتَصَقَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُنْفَتِحُ يَسِيرًا جِدًّا بِحَيْثُ لَا يَصِلُّ بَلَلُ الْيَدِ حَالَ الْمَسْحِ لِمَا تَحْتَهُ مِنْ الرِّجْل فَلَا يَضُرُّ. (وَبِنَزْعِ أَكْثَرِ الرِّجْلِ لِسَاقِهِ) : أَيْ وَبَطَلَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ إذَا أُخْرِجَتْ الرِّجْلُ مِنْهُ لِسَاقِهِ أَيْ سَاقُ الْخُفِّ وَهُوَ مَا فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ فَأَوْلَى لَوْ خَرَجَتْ كُلُّهَا، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُهُ إلَّا خُرُوجُ جَمِيعِ الْقَدَمِ إلَى السَّاقِ فَلَا يَضُرُّ نَزْعُ أَكْثَرِهِ وَرُجِّحَ (فَإِنْ نَزَعَهُمَا أَوْ أَعْلَيَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا، - ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّوْمِ وَهُوَ جُنُبٌ. وَهَذِهِ حِكْمَةُ عُدُولِهِ عَنْ عِبَارَةِ خَلِيلٍ. قَوْلُهُ: [وَمَعْنَى بُطْلَانِهِ] إلَخْ: أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَسْحَ نَفْسَهُ بَطَلَ، وَإِلَّا لَزِمَ بُطْلَانُ مَا فَعَلَ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ. وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [ثُلُثِ الْقَدَمِ] : أَيْ عَلَى مَا لِابْنِ بَشِيرٍ، أَوْ قَدْرِ جُلِّ الْقَدَمِ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. أَوْ الْمُرَادُ بِالْكَثِيرِ: مَا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ مُدَاوَمَةُ الْمَشْيِ، كَمَا لِلْعِرَاقِيَّيْنِ. قَوْلُهُ: [أَيْ وَبَطَلَ الْمَسْحُ] إلَخْ: أَيْ فَإِذَا وَصَلَ جُلُّ الْقَدَمِ لِسَاقِ الْخُفِّ فَإِنَّهُ يُبَادِرُ إلَى نَزْعِهِ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَلَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ مَا لَمْ يَتَرَاخَ عَمْدًا وَيُطِلْ. وَقَوْلُ الْأُجْهُورِيِّ: إذَا نَزَعَ أَكْثَرَ الرِّجْلِ لِسَاقِ الْخُفِّ فَإِنَّهُ يُبَادِرُ لِرَدِّهَا وَيَمْسَحُ بِالْفَوْرِ، غَيْرُ ظَاهِرٍ. إذْ بِمُجَرَّدِ نَزْعِ أَكْثَرِ الرِّجْلِ تَحَتَّمَ الْغَسْلُ وَبَطَلَ الْمَسْحُ كَمَا فِي الرَّمَاصِيِّ. قَوْلُهُ: [وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ قَالَتْ: وَبَطَلَ الْمَسْحُ بِنَزْعِ كُلِّ الْقَدَمِ لِسَاقِ الْخُفِّ. قَالَ الْجَلَّابُ: وَالْأَكْثَرُ كَالْكُلِّ. قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مُقَابِلُ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ (ح) : إنَّهُ تَفْسِيرٌ لَهَا. قَوْلُهُ: [فَإِنْ نَزَعَهُمَا] إلَخْ: أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُمَا غَيْرُهُمَا. وَقَوْلُهُ: [أَوْ أَعْلَيَيْهِ] : أَيْ إنْ كَانَ تَحْتَهُمَا غَيْرُهُمَا. وَقَوْلُهُ: [أَوْ أَحَدَهُمَا] : صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ؛ بِأَنْ كَانَتْ الْمَنْزُوعَةُ مُفْرَدَةً

[مندوبات المسح على الخفين]

وَكَانَ عَلَى طُهْرٍ، بَادَرَ لِلْأَسْفَلِ كَالْمُوَالَاةِ) : أَيْ إذَا نَزَعَ الْمُتَوَضِّئُ خُفَّيْهِ بَعْدَ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا، أَوْ نَزَعَ الْأَعْلَيَيْنِ بَعْدَ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا، وَكَانَ قَدْ لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ فَوْقَ الْأَسْفَلَيْنِ، وَنَزَعَ أَحَدَ الْخُفَّيْنِ الْأَعْلَيَيْنِ أَوْ أَحَدَ الْمُنْفَرِدَيْنِ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَادِرَ إلَى الْأَسْفَلِ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعَةِ. فَيُبَادِرُ لِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْأُولَى، وَلِمَسْحِ الْأَسْفَلَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ، وَلِمَسْحِ الْأَسْفَلِ فِي الثَّالِثَةِ، وَلِنَزْعِ الْآخَرِ وَغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي الرَّابِعَة. وَإِنَّمَا وَجَبَ نَزْعُ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ غُسْلٍ وَمَسْحٍ. وَالْمُبَادَرَةُ هُنَا كَالْمُبَادَرَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي الْمُوَالَاةِ، فَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ عَمْدًا بَطَلَ وُضُوءُهُ وَاسْتَأْنَفَهُ وَبَنَى بِنِيَّةٍ إنْ نَسَى مُطْلَقًا. وَيُعَدُّ الطُّولُ بِجَفَافِ أَعْضَاءٍ بِزَمَنٍ اعْتَدَلَ. (وَنُدِبَ نَزْعُهُ كُلَّ جُمُعَةٍ أَوْ أُسْبُوعٍ) : يَعْنِي أَنَّهُ: يُنْدَبُ نَزْعُهُ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهَا كَالْمَرْأَةِ. وَلَوْ لَبِسَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَإِنْ لَمْ يَنْزِعْهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ نَزَعَهُ نَدْبًا فِي مِثْلِ الْيَوْمِ الَّذِي لَبِسَهُ فِيهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِيَوْمِ الْأُسْبُوعِ. - ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ تَحْتَهَا غَيْرُهَا. فَلِذَلِكَ كَانَتْ الصُّوَرُ أَرْبَعًا. قَوْلُهُ: [وَكَانَ عَلَى طُهْرٍ] : الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طُهْرٍ بَطَلَ الْمَسْحُ مُطْلَقًا. وَيَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ مَعَ الْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: [وَبَنَى بِنِيَّةٍ إنْ نَسَى] : وَمِثْلُ النِّسْيَانِ الْعَجْزُ الْحَقِيقِيُّ. [مَنْدُوبَات الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ] [فَائِدَة نزع إحْدَى رجليه وتعسر فِي الْأُخْرَى] قَوْلُهُ: [يَعْنِي أَنَّهُ يُنْدَبُ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّهُ يُطَالَبُ بِنَزْعِهِ كُلُّ مَنْ يُخَاطَبُ بِالْجُمُعَةِ وَلَوْ نَدْبًا كَمَا قَالَ الْجُزُولِيُّ. ثُمَّ ظَاهِرُ تَعْلِيلِهِمْ قَصْرُ النَّدْبِ عَلَى مَنْ أَرَادَ الْغَسْلَ بِالْفِعْلِ. وَيُحْتَمَلُ نَدْبُ نَزْعِهِ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الشَّارِحِ إذْ لَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ وُضُوءُهُ لِلْجُمُعَةِ عَارِيًّا عَنْ الرُّخْصَةِ كَمَا قَالَهُ زَرُّوقٌ. فَإِنْ قُلْت: لَمْ يُسَنَّ نَزْعُهُ كُلَّ جُمُعَةِ لِمَنْ يُسَنُّ لَهُ غُسْلُهَا؛ لِأَنَّ الْوَسِيلَةَ تُعْطَى حُكْمَ الْمَقْصِدِ. وَالْجَوَابُ: الْإِثْمُ حَمْلُ النَّدْبِ عَلَى مُطْلَقِ الطَّلَبِ فَيَشْمَلُ السُّنِّيَّةَ لِمَنْ يُرِيدُ غُسْلَ الْجُمُعَةِ وَكَانَ فِي حَقِّهِ سُنَّةً. قَوْلُهُ: [فِي مِثْلِ الْيَوْمِ] إلَخْ: أَيْ مُرَاعَاةً لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ. تَنْبِيهٌ: لَا يُشْتَرَطُ نَقْلُ الْمَاءِ لِمَسْحِ الْخُفِّ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَفْسَدَهُ. فَائِدَةٌ: إنْ نَزَعَ الْمَاسِحُ رِجْلًا مِنْ الْخُفِّ وَعَسَرَتْ عَلَيْهِ الْأُخْرَى وَضَاقَ الْوَقْتُ، فَقِيلَ: يَتَيَمَّمُ وَيَتْرُكُ الْمَسْحَ وَالْغُسْلَ إعْطَاءً لِسَائِرِ الْأَعْضَاءِ حُكْمَ مَا تَحْتَ الْخُفِّ:

[فصل في الغسل]

(وَوَضْعُ يُمْنَاهُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلِهِ وَيُسْرَاهُ تَحْتَهَا وَيُمِرُّهُمَا لِكَعْبَيْهِ) : هَذِهِ صِفَةُ الْمَسْحِ الْمَنْدُوبَةِ، وَهِيَ: أَنْ يَضَعَ بَاطِنَ كَفِّ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى، وَيَضَعَ بَاطِنَ كَفِّ الْيُسْرَى تَحْتَهَا أَيْ تَحْتَ أَصَابِعِ رِجْلِهِ وَيُمِرَّهُمَا - أَيْ الْيَدَيْنِ - لِمُنْتَهَى كَعْبَيْ رِجْلِهِ. وَقِيلَ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ فِي الرِّجْلِ الْيُمْنَى، وَأَمَّا الْيُسْرَى فَيُعْكَسُ الْحَالُ بِأَنْ يَجْعَلَ الْيَدَ الْيُمْنَى تَحْتَ الْخُفِّ وَالْيُسْرَى فَوْقَهَا لِأَنَّهُ أَمْكَنُ. (وَمَسْحٌ مَعَ أَسْفَلِهِ) : أَيْ يُنْدَبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. فَلَا يُنَافِي أَنَّ مَسْحَ الْأَعْلَى وَاجِبٌ تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ الصَّلَاةُ، بِخِلَافِ مَسْحِ الْأَسْفَلِ فَلَا يَجِبُ. فَإِنْ تَرَكَهُ أَعَادَ صَلَاتَهُ فِي الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ. وَلِذَا قَالَ: (وَبَطَلَتْ بِتَرْكِ الْأَعْلَى لَا الْأَسْفَلِ، فَيُعِيدُ: وَقْتَ) : فَالضَّمِيرُ فِي بَطَلَتْ عَائِدٌ عَلَى الصَّلَاةِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ الْمَقَامِ. وَتَرْكُ الْبَعْضِ مِنْ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ كَتَرْكِ الْكُلِّ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى وَنَوَاقِضِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ، شَرَعَ فِي بَيَانِ الْكُبْرَى وَمُوجِبَاتِهَا فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَعَذُّرُ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ كَتَعَذُّرِ الْجَمِيعِ، وَلَا يُمَزِّقُهُ مُطْلَقًا كَثُرَتْ قِيمَتُهُ أَوْ قَلَّتْ، وَهُوَ الرَّاجِحُ مِنْ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ ذَكَرَهَا خَلِيلٌ. قَوْلُهُ: [وَوَضْعُ يُمْنَاهُ] إلَخْ: فَلَوْ خَالَفَ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةَ وَمَسَحَ كَيْفَمَا اتَّفَقَ كَفَاهُ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ] إلَخْ: وَهُوَ الْأَرْجَحُ. قَوْلُهُ: [أَيْ يُنْدَبُ الْجَمْعُ] إلَخْ: جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ: كَيْفَ يُنْدَبُ مَسْحُ الْأَعْلَى مَعَ أَنَّهُ وَاجِبٌ؟ فَأَجَابَ بِمَا ذَكَرَ. قَوْلُهُ: [فِي الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ] : أَيْ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ بِالْوُجُوبِ. فَإِنْ (ح) صَدَّرَ بِالْقَوْلِ بِأَنَّ مَسْحَ كُلٍّ مِنْ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ وَاجِبٌ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ مَسْحُ أَعْلَاهُ دُونَ أَسْفَلِهِ، وَلَا أَسْفَله دُونَ أَعْلَاهُ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ مَسَحَ أَعْلَاهُ وَصَلَّى فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ لَا يَمْسَحُ بُطُونَهُمَا. (انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [تَرْكُ الْبَعْضِ] إلَخْ: أَيْ فَيُعِيدُ لِتْرِك بَعْضِ الْأَعْلَى أَبَدًا وَلِبَعْضِ الْأَسْفَلِ فِي الْوَقْتِ. [فَصْلٌ فِي الْغُسْلِ] [مَتَى يَجِب الْغُسْل] قَوْلُهُ: [فِي بَيَانِ الْكُبْرَى] : أَيْ مِنْ جِهَةِ فَرَائِضِهَا وَسُنَنِهَا وَمَنْدُوبَاتِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ.

فَصْلٌ: فِي الْغُسْلِ (يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ غَسْلُ جَمِيعِ الْجَسَدِ بِخُرُوجِ مَنَيٍّ بِنَوْمٍ مُطْلَقًا) : اعْلَمْ أَنَّ مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ أَرْبَعَةٌ: خُرُوجُ الْمَنِيِّ. وَمَغِيبُ الْحَشَفَةِ. وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ. وَالْمُرَادُ بِالْمُكَلَّفِ: الْبَالِغُ الْعَاقِلُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. فَخُرُوجُ الْمَنِيِّ مِنْ الذَّكَرِ أَوْ الْأُنْثَى فِي حَالَةِ النَّوْمِ يُوجِبُ الْغُسْلَ مُطْلَقًا بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ أَمْ لَا، بَلْ إذَا انْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ فَوَجَدَ الْمَنِيَّ وَلَمْ يَشْعُرْ بِخُرُوجِهِ، أَوْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ الشَّيْخُ الْأُجْهُورِيُّ، وَنُوزِعَ فِيهِ. - ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ: قَوْلُهُ: [جَمِيعِ الْجَسَدِ] : أَيْ ظَاهِرِهِ وَلَيْسَ مِنْهُ الْفَمُ وَالْأَنْفُ وَصِمَاخ الْأُذُنَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ، بَلْ التَّكَامِيشُ بِدُبُرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَسْتَرْخِي قَلِيلًا، وَالسُّرَّةُ وَكُلُّ مَا غَارَ مِنْ جَسَدِهِ. 1 - قَوْلُهُ: [بِخُرُوجِ مَنِيٍّ] : الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ. وَقَوْلُهُ: [بِنَوْمٍ] : الْبَاءُ بِمَعْنَى فِي. قَوْلُهُ: [اعْلَمْ أَنَّ مُوجِبَاتِ] إلَخْ: أَيْ أَسْبَابَهُ الَّتِي تُوجِبُهُ. وَالْغُسْلُ بِالضَّمِّ: الْفِعْلُ. وَبِالْفَتْحِ: اسْمٌ لِلْمَاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ. وَبِالْكَسْرِ اسْمٌ لِمَا يُغْتَسَلُ بِهِ مِنْ أُشْنَانٍ وَنَحْوِهِ. وَعَرَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: إيصَالُ الْمَاءِ لِجَمِيعِ الْجَسَدِ بِنِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ مَعَ الدَّلْكِ. قَوْلُهُ: [فَخُرُوجُ الْمَنِيِّ] إلَخْ: أَيْ بُرُوزُهُ مِنْ الْفَرْجِ أَوْ الذَّكَرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْحَطَّابُ، وَمِثْلُهُ فِي الْعَارِضَةِ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ. فَالرَّجُلُ كَالْمَرْأَةِ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَيْهِمَا إلَّا بِالْبُرُوزِ خَارِجًا، فَإِذَا وَصَلَ مَنِيُّ الرَّجُلِ لِأَصْلِ الذَّكَرِ أَوْ لِوَسَطِهِ فَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ. وَظَاهِرُهُ؛ وَلَوْ كَانَ لِرَبْطٍ أَوْ حَصًى. وَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ مِنْ وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الرَّجُلِ بِانْفِصَالِهِ عَنْ مَقَرِّهِ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ قَدْ حَصَلَتْ بِانْتِقَالِهِ - فَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ كَمَا فِي (بْن) (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ] إلَخْ: أَيْ مُعْتَرِضًا بِهِ عَلَى (ح) والتتائي الْقَائِلِينَ: إذَا

(أَوْ يَقَظَةٍ إنْ كَانَ بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ، مِنْ نَظَرٍ أَوْ فِكْرٍ فَأَعْلَى، وَلَوْ بَعْدَ ذَهَابِهَا) : أَيْ أَوْ بِخُرُوجِهِ فِي يَقَظَةٍ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْخُرُوجُ بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ مِنْ أَجْلِ نَظَرٍ أَوْ فِكْرٍ فِي جِمَاعٍ فَأَعْلَى كَمُبَاشَرَةٍ. وَإِنْ حَصَلَ الْخُرُوجُ بَعْدَ ذَهَابِ اللَّذَّةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ. (وَإِلَّا أَوْجَبَ الْوُضُوءَ فَقَطْ) : أَيْ - وَأَلَّا يَكُنْ بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ - بِأَنْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ لِمَرَضٍ أَوْ طَرْبَةٍ، أَوْ كَانَ بِلَذَّةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ - كَمَنْ حَكَّ لِجَرَبٍ أَوْ هَزَّتْهُ دَابَّةٌ فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ - فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ فَقَطْ. لَكِنْ قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ: الرَّاجِحُ فِي اللَّذَّةِ غَيْرِ الْمُعْتَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَأَى فِي مَنَامِهِ أَنَّ عَقْرَبًا لَدَغَتْهُ فَأَمْنَى أَوْ حَكَّ لِجَرَبٍ فَالْتَذَّ فَأَمْنَى فَوَجَدَ الْمَنِيَّ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ. وَقِبَلَ الرَّمَاصِيُّ مَا لِلْأُجْهُورِيِّ مِنْ أَنَّ الْأَحْوَطَ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَقَالَ (بْن) : مَا تَمَسَّكَ بِهِ الْأُجْهُورِيُّ فِي رَدِّهِ عَلَى الْحَطَّابِ (وتت) وَاهٍ جِدًّا. (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَلَوْ بَعْدَ ذَهَابِهَا] : أَيْ هَذَا إذَا كَانَ خُرُوجُ الْمَنِيِّ مُقَارِنًا لِلَذَّةٍ، بَلْ إنْ خَرَجَ بَعْدَ ذَهَابِهَا وَسُكُونِ إنعاظه حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ الْخُرُوجُ بِلَا جِمَاعٍ. وَيُلَفِّقُ حَالَةِ النَّوْمِ لِحَالَةِ الْيَقِظَةِ، فَإِذَا الْتَذَّ فِي نَوْمِهِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ فِي الْيَقَظَةِ بَعْدَ انْتِبَاهِهِ مِنْ غَيْرِ لَذَّةٍ اغْتَسَلَ، وَسَوَاءٌ اغْتَسَلَ قَبْلَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ جَهْلًا مِنْهُ، أَوْ لَمْ يَغْتَسِلْ. بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ اللَّذَّةُ نَاشِئَةً عَنْ جِمَاعٍ بِأَنْ غَيَّبَ الْحَشَفَةَ وَلَمْ يُنْزِلْ، ثُمَّ أَنْزَلَ بَعْدَ ذَهَابِ لَذَّتِهِ وَسُكُونِ إنعاظه؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ، مَا لَمْ يَكُنْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الْإِنْزَالِ، وَإِلَّا فَلَا لِوُجُودِ مُوجِبِ الْغُسْلِ وَهُوَ مَغِيبُ الْحَشَفَةِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْدُ. وَكَذَا إذَا خَرَجَ بَعْضُ الْمَنِيِّ بِغَيْرِ جِمَاعٍ ثُمَّ خَرَجَ الْبَعْضُ الْبَاقِي؛ فَإِنْ اغْتَسَلَ لِلْبَعْضِ الْأَوَّلِ فَلَا يُعِيدُ الْغُسْلَ وَإِنَّمَا يَتَوَضَّأُ لِلثَّانِي. قَوْلُهُ: [فِي جِمَاعٍ] : مُتَعَلِّقٌ بِتَفَكُّرٍ. وَقَوْلُهُ: [كَمُبَاشَرَةٍ] : مِثَالٌ لِلْأَعْلَى. قَوْلُهُ: [لَكِنْ قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ] إلَخْ: ظَاهِرٌ اسْتَدَامَ أَمْ لَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ مَثَّلُوا اللَّذَّةَ غَيْرَ الْمُعْتَادَةِ: بِالنُّزُولِ فِي الْمَاءِ الْحَارِّ وَحَكِّ الْجَرَبِ وَهَزِّ الدَّابَّةِ. قَالَ فِي الْأَصْلِ: أَمَّا نُزُولُهُ بِالْمَاءِ الْحَارِّ فَلَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَلَوْ اسْتَدَامَ فِيمَا يَظْهَرُ، وَحَكُّ الْجَرَبِ

وُجُوبُ الْغُسْلِ كَمَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَظَاهِرُ ابْنِ بَشِيرٍ. إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ تَضْعِيفُهُ. (كَمَنْ جَامَعَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ أَمْنَى) : تَشْبِيهٌ فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ فَقَطْ. أَيْ أَنَّ مَنْ جَامَعَ بِأَنْ غَيَّبَ الْحَشَفَةَ فِي الْفَرْجِ فَاغْتَسَلَ لِذَلِكَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ مَنِيٌّ بَعْدَ غُسْلِهِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ غُسْلَهُ لِلْجَنَابَةِ قَدْ حَصَلَ. (وَلَوْ شَكَّ أَمَنِيٌّ أَمْ مَذْيٌ وَجَبَ. فَإِنْ لَمْ يَدْرِ وَقْتَهُ أَعَادَ مِنْ آخِرِ نَوْمَةٍ) : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِخُرُوجِهِ فِي النَّوْمِ. أَيْ أَنَّ مَنْ انْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ فَوَجَدَ بَلَلًا فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ فَشَكَّ هَلْ هُوَ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ لِأَنَّ الشَّكَّ مُؤَثِّر فِي إيجَابِ الطَّهَارَةِ، - ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ كَانَ بِذَكَرِهِ، وَهَزُّ الدَّابَّةِ إنْ أَحَسَّ بِمَبَادِئِ اللَّذَّةِ فِيهِمَا وَاسْتَدَامَ وَجَبَ الْغُسْلُ وَإِلَّا فَلَا. وَأَمَّا إنْ كَانَ بِغَيْرِ ذَكَرِهِ فَإِنَّهُ كَالْمَاءِ الْحَارِّ. بَقِيَ شَيْءٌ؛ وَهُوَ أَنَّهُ فِي هَزِّ الدَّابَّةِ إذَا أَحَسَّ بِمَبَادِئِ اللَّذَّةِ وَاسْتَدَامَ حَتَّى أَنْزَلَ، فَهَلْ يَجِبُ الْغُسْلُ وَلَوْ كَانَتْ الِاسْتِدَامَةُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّزُولِ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْجِمَاعِ؟ أَوْ لَا غُسْلَ حِينَئِذٍ؟ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ الْأُجْهُورِيُّ. قَوْلُهُ: [تَضْعِيفُهُ] : قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ (بْن) : اعْتَرَضَ ابْنُ مَرْزُوقٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الرَّاجِحَ وُجُوبُ الْغُسْلِ بِخُرُوجِهِ بِلَذَّةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ، كَمَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَظَاهِرُ ابْنِ بَشِيرٍ. قَالَ شَيْخُنَا: عَدَمُ تَعَرُّضِ الشُّرَّاحِ لِنَقْلِ كَلَامِ ابْنِ مَرْزُوقٍ وَإِعْرَاضهمْ عَنْهُ يَقْتَضِي عَدَمَ تَسْلِيمِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الرَّاجِحُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (اهـ) وَقَدْ تَبِعَ مُصَنِّفُنَا مَا قَالَهُ خَلِيلٌ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ غَيَّبَ الْحَشَفَةَ] إلَخْ: مِثْلُ الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ؛ الْمَرْأَةُ إذَا خَرَجَ مِنْ فَرْجِهَا الْمَنِيُّ بَعْدَ غُسْلِهَا مِنْ الْجِمَاعِ. قَوْلُهُ: [فَقَطْ] : أَيْ وَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ الَّتِي كَانَ صَلَّاهَا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ شَكَّ] إلَخْ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ عَمَّا إذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ حَيْضًا فِي ثَوْبِهَا وَلَمْ تَدْرِ وَقْتَ حُصُولِهِ، وَحُكْمُهَا أَنَّهَا تَغْتَسِلُ وَتُعِيدُ الصَّلَاةَ مِنْ يَوْمِ لُبْسِهِ اللُّبْسَةَ الْأَخِيرَةَ لِاحْتِمَالِ طُهْرِهَا وَقْتَ أَوَّلِ صَلَاةٍ، كَالصَّوْمِ؛ لِانْقِطَاعِ التَّتَابُعِ. إلَّا أَنْ تُبَيِّتَ النِّيَّةَ كُلَّ لَيْلَةٍ فَتُعِيدُ عَادَتَهَا إنْ أَمْكَنَ اسْتِغْرَاقُهُ لَهَا لِكَثْرَتِهِ، وَلَوْ كُلَّ يَوْمٍ نُقْطَةٌ، وَإِلَّا فَبِحَسَبِهِ. فَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ زِيَادَتُهُ عَلَى يَوْمَيْنِ فِي ظَنِّ الْعَادَةِ قَضَتْهُمَا

بِخِلَافِ الْوَهْمِ؛ فَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مَذْيٌ وَتَوَهَّمَ فِي الْمَنِيِّ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ. فَلِذَا لَوْ شَكَّ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ كَمَنِيٍّ وَمَذْي وَوَدْي، لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ التَّرَدُّدِ: بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، يُصَيِّرُ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا وَهْمًا. وَمَنْ وَجَدَ مَنِيًّا مُحَقَّقًا أَوْ مَشْكُوكًا، وَلَمْ يَدْرِ الْوَقْتَ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَغْتَسِلُ وَيُعِيدُ صَلَاتَهُ مِنْ آخِرِ نَوْمَةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ بِلَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، وَلَا يُعِيدُ مَا صَلَّاهُ قَبْلَهَا. (وَبِمَغِيبِ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا فِي فَرْجٍ مُطِيقٍ، وَإِنْ بَهِيمَةً أَوْ مَيِّتًا) : الْمُوجِبُ الثَّانِي لِلْغُسْلِ: تَغْيِيبُ الْمُكَلَّفِ - ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَطْ، وَهَكَذَا. وَمِنْ هُنَا فَرَّعَ الْوَجِيزِي: الَّذِي فِي (عب) : ثَلَاثُ جَوَارٍ لَبِسَتْ كُلٌّ الثَّوْبَ عَشَرَةً فِي رَمَضَانَ، فَوُجِدَ فِيهِ نُقْطَةُ دَمٍ؛ فَتَصُومُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمًا مَعَ التَّبْيِيتِ، وَتَقْضِي الْأُولَى صَلَاةَ الشَّهْرِ، وَالثَّانِيَةُ، عِشْرِينَ، وَالثَّالِثَةُ، عَشَرَةً. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إلْغَاءُ الِاسْتِظْهَارِ هُنَا (اهـ مِنْ شَيْخِنَا فِي مَجْمُوعِهِ) . قَوْلُهُ: [لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ] : أَيْ وَلَكِنْ يَجِبُ غَسْلُ الذَّكَرِ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: لَا يَجِبُ غَسْلُ الْجَسَدِ وَلَا الذَّكَرِ، وَأَمَّا إذَا شَكَّ أَمَذْي أَمْ بَوْلٌ أَوْ أَمَذْي أَمْ وَدْيٌ، وَجَبَ غَسْلُ الذَّكَرِ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَغْتَسِلُ وَيُعِيدُ] إلَخْ: مَحَلُّ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ بَعْدَ الْغُسْلِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّكِّ أَوْ التَّحَقُّقِ إذَا لَمْ يَلْبَسْهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُمْنِي، وَإِلَّا لَمْ يَجِبُ غُسْلٌ بَلْ يُنْدَبُ فَقَطْ، كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ تَبَعًا لِابْنِ الْعَرَبِيِّ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالُوهُ مِنْ وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى كُلٍّ مِنْ شَخْصَيْنِ لَبِسَا ثَوْبًا وَنَامَ فِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَمْ يُحْتَمَلْ لِبْسُ غَيْرِهِمَا لِذَلِكَ الثَّوْبِ، وَوُجِدَ فِيهِ مَنِيٌّ. وَلِقَوْلِ الْبُرْزُلِيِّ: لَوْ نَامَ شَخْصَانِ تَحْتَ لِحَافٍ ثُمَّ وَجَدَا مَنِيًّا عَزَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، فَإِنْ كَانَا غَيْرَ زَوْجَيْنِ اغْتَسَلَا وَصَلَّيَا مِنْ أَوَّلِ مَا نَامَا فِيهِ لِتَطَرُّقِ الشَّكِّ إلَيْهِمَا مَعًا فَلَا يَبْرَآنِ إلَّا بِيَقِينٍ، وَإِنْ كَانَا زَوْجَيْنِ اغْتَسَلَ الزَّوْج فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الزَّوْجَةَ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا ذَلِكَ. قَالَ (بْن) : فَهُمَا قَوْلَانِ وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ الثَّانِيَ لَا مَا قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [الْمُكَلَّفِ] : أَيْ وَلَوْ خُنْثَى مُشْكِلًا، إذَا غَيَّبَهَا فِي فَرْجِ غَيْرِهِ أَوْ فِي دُبُرِ نَفْسِهِ، وَإِلَّا - بِأَنْ غَيَّبَهَا فِي فَرْجِ نَفْسِهِ - فَلَا، مَا لَمْ يُنْزِلْ. وَاشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ خَاصٌّ بِالْآدَمِيِّ، فَإِذَا غَيَّبَتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرَ بَهِيمَةٍ فِي فَرْجِهَا وَجَبَ الْغُسْلُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْبَهِيمَةِ الْبُلُوغُ.

جَمِيعَ حَشَفَتِهِ - أَيْ رَأْسَ ذَكَرِهِ - أَوْ تَغْيِيبُ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا فِي فَرْجِ شَخْصٍ مُطِيقٍ لِلْجِمَاعِ قُبُلًا أَوْ دُبُرًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَلَوْ غَيْرَ بَالِغٍ، أَوْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَدْخُلُ فِي الْمُكَلَّفِ الْجِنُّ؛ فَلَوْ غَيَّبَ ذَكَرَهُ فِي إنْسِيَّةٍ، أَوْ إنْسِيٌّ غَيَّبَ ذَكَرَهُ فِي جِنِّيَّةٍ، وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَى كُلٍّ، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَهُوَ التَّحْقِيقُ. قَوْلُهُ: [جَمِيعَ حَشَفَتِهِ] : أَيْ مَا يُلَفُّ عَلَيْهَا خِرْقَةٌ كَثِيفَةٌ. وَلَيْسَتْ الْجِلْدَةُ الَّتِي عَلَى الْحَشَفَةِ بِمَثَابَةِ الْخِرْقَةِ الْكَثِيفَةِ. قَوْلُهُ: [قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا] : وَمِثْلُ الْقَطْعِ مَا لَوْ قُلْنَاهُ وَهَلْ يُعْتَبَرُ قَدْرُ طُولِهَا لَوْ انْفَرَدَ وَاسْتَظْهَرَ؟ أَوْ مُثَنِّيًا؟ وَانْظُرْ لَوْ خُلِقَ ذَكَرُهُ كُلُّهُ بِصِفَةِ الْحَشَفَةِ، هَلْ يُرَاعَى قَدْرُهَا مِنْ الْمُعْتَادِ؟ أَوْ لَا بُدَّ فِي إيجَابِ الْغُسْلِ مِنْ تَغْيِيبِهِ كُلِّهِ؟ وَالظَّاهِرُ - كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ - الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: [قُبُلًا أَوْ دُبُرًا] إلَخْ: ظَاهِرُهُ: غَيَّبَ الْحَشَفَةَ فِي الْقُبُلِ فِي مَحَلِّ الِافْتِضَاضِ أَوْ فِي مَحَلِّ الْبَوْلِ، وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِمَنْ شَرَطَ مَحَلَّ الِافْتِضَاضِ. بَقِيَ لَوْ دَخَلَ شَخْصٌ بِتَمَامِهِ فِي الْفَرْجِ؛ فَلَا نَصَّ عِنْدَنَا. وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ: إنْ بَدَأَ فِي الدُّخُولِ بِذَكَرِهِ اغْتَسَلَ، وَإِلَّا فَلَا كَأَنَّهُمْ رَأَوْهُ كَالتَّغْيِيبِ فِي الْهَوِيِّ. وَيُفْرَضُ ذَلِكَ فِي الْفِيَلَةِ وَدَوَابِّ الْبَحْرِ الْهَائِلَةِ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ تَغْيِيبَ الْحَشَفَةِ فِي الدُّبُرِ يُوجِبُ الْغُسْلَ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَفِي (ح) قَوْلٌ شَاذٌّ لِمَالِكٍ: إنَّ التَّغْيِيبَ فِي الدُّبُرِ لَا يُوجِبُ غُسْلًا حَيْثُ

الْمُطِيقُ بَهِيمَةً أَوْ مَيِّتًا. (وَعَلَى ذِي الْفَرْجِ إنْ بَلَغَ) : أَيْ وَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى صَاحِبِ الْفَرْجِ الْمُغَيَّبِ فِيهِ إنْ كَانَ بَالِغًا. وَهَذَا الْقَيْدُ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ: (الْمُكَلَّفُ) . ذَكَرَهُ لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ فَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى غَيْرِ الْمُكَلَّفِ، وَلَا بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ فِي غَيْرِ فَرْجٍ كَالْأَلْيَتَيْنِ وَالْفَخْذَيْنِ، وَلَا فِي فَرْجٍ غَيْرِ مُطِيقٍ. (وَنُدِبَ لِمَأْمُورِ الصَّلَاةِ؛ كَصَغِيرَةٍ وَطِئَهَا بَالِغٌ) : أَيْ وَيُنْدَبُ الْغُسْلُ لِذَكَرٍ مَأْمُورٍ بِالصَّلَاةِ وَطِئَ مُطِيقًا كَمَا يُنْدَبُ لِمُطِيقَةٍ وَطِئَهَا بَالِغٌ وَإِلَّا فَلَا. - ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا إنْزَالَ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَإِنْ أَوْجَبَ الْغُسْلَ، فَإِذَا كَانَ مُتَوَضِّئًا وَغَيَّبَ الْحَشَفَةَ فِي الدُّبُرِ وَلَمْ يُنْزِلْ وَغَسَلَ مَا عَدَا أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ أَجْزَأَهُ. (انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . وَمَحَلُّ كَوْنِهِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عِنْدَهُمْ حَيْثُ كَانَ الْمُغَيَّبُ فِي دُبُرِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى مُحَرَّمًا. قَوْلُهُ: [أَوْ مَيِّتًا] : أَيْ وَلَا يُعَادُ غُسْلُ الْمَيِّتِ الْمُغَيَّبِ فِيهِ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ. قَوْلُهُ: [غَيْرِ مُطِيقٍ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ آدَمِيًّا أَوْ غَيْرَهُ. قَوْلُهُ: [لِمَأْمُورِ الصَّلَاةِ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يُرَاهِقْ. فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ خَلِيلٍ: مُرَاهِقٌ. فَفِي الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ: إذَا عُدِمَ الْبُلُوغُ فِي الْوَاطِئِ أَوْ الْمَوْطُوءَةِ، فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ لَا غُسْلَ. وَيُؤْمَرَانِ بِهِ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ (انْتَهَى) ، وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ سَحْنُونَ: يَجِبُ عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ. فَلَوْ صَلَّيَا بِدُونِهِ فَقَالَ أَشْهَبُ: يُعِيدَانِ. وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونَ: يُعِيدَانِ بِقُرْبِ ذَلِكَ لَا أَبَدًا. قَالَ سَنَدٌ: وَهُوَ حَسَنٌ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ أَشْهَبَ. وَالْمُرَادُ بِالْقُرْبِ: كَالْيَوْمِ، كَمَا فِي (ر) . وَالْمُرَادُ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهِمَا: عَدَمُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِدُونِهِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَيْهِ كَالْوُضُوءِ، لَا تَرَتُّبَ الْإِثْمِ عَلَى التَّرْكِ. (انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . فَعَلَى النَّدْبِ الَّذِي هُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ؛ لَوْ جَامَعَ وَهُوَ مُتَوَضِّئٌ وَصَلَّى بِغَيْرِ غُسْلٍ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، غَايَةُ مَا فِيهِ الْكَرَاهَةُ. وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ: جِمَاعُ الصَّبِيِّ لَا يَنْقُضُ وُضُوءَهُ. قَوْلُهُ: [وَطِئَ مُطِيقًا] : كَانَ الْمَوْطُوءُ بَالِغًا أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَلَا] : هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعٌ: لِأَنَّ الْوَاطِئَ وَالْمَوْطُوءَ بَالِغَانِ أَوْ بَالِغٌ وَصَغِيرَةٌ أَوْ صَغِيرٌ وَبَالِغَةٌ أَوْ صَغِيرَانِ. فَالْأُولَى: يَجِبُ فِيهَا الْغُسْلُ عَلَيْهِمَا اتِّفَاقًا. وَفِي الثَّانِيَةِ: يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الْوَاطِئِ وَيُنْدَبُ لِلْمَوْطُوءَةِ حَيْثُ كَانَتْ مَأْمُورَةً

[فرائض الغسل]

(وَبِحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَلَوْ بِلَا دَمٍ، لَا بِاسْتِحَاضَةٍ. وَنُدِبَ لِانْقِطَاعِهِ) : الْمُوجِبُ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ لِلْغُسْلِ: الْحَيْضُ وَلَوْ دَفْعَةً. وَالنِّفَاسُ وَلَوْ خَرَجَ الْوَلَدُ بِلَا دَمٍ أَصْلًا. وَلَا يَجِبُ بِخُرُوجِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ، لَكِنْ يُنْدَبُ إذَا انْقَطَعَ. (وَفَرَائِضُهُ: نِيَّةُ فَرْضِ الْغُسْلِ، أَوْ رَفْعِ الْحَدَثِ، أَوْ اسْتِبَاحَةِ مَمْنُوعٍ، بِأَوَّلِ مَفْعُولٍ) : فَرَائِضُ الْغُسْلِ خَمْسَةٌ: الْأُولَى: النِّيَّةُ عِنْدَ أَوَّلِ مَفْعُولٍ ابْتَدَأَ بِفَرْجِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِأَنْ يَنْوِيَ بِقَلْبِهِ أَدَاءَ فَرْضِ الْغُسْلِ، أَوْ يَنْوِيَ رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ أَوْ رَفْعَ الْجَنَابَةِ، أَوْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ مَا مَنَعَهُ الْحَدَثُ الْأَكْبَرُ أَوْ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مَثَلًا. (وَمُوَالَاةٌ كَالْوُضُوءِ وَتَعْمِيمُ ظَاهِرِ الْجَسَدِ بِالْمَاءِ) : الْفَرِيضَةُ الثَّانِيَةُ: الْمُوَالَاةُ إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ، كَالْمُوَالَاةِ فِي الْوُضُوءِ. فَإِنْ فَرَّقَ عَامِدًا بَطَلَ إنْ طَالَ، - ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالصَّلَاةِ. وَفِي الثَّالِثَةِ: يُنْدَبُ لِلْوَاطِئِ دُونَ مَوْطُوءَتِهِ مَا لَمْ تُنْزِلْ. وَكَذَا فِي الرَّابِعَةِ. قَوْلُهُ: [وَبِحَيْضٍ] : أَيْ بِوُجُودِ حَيْضٍ، فَالْمُوجِبُ لِلْغُسْلِ وُجُودُهُ لَا انْقِطَاعُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ كَمَا قَالَ الْأَصْلُ. وَمَا قِيلَ فِي الْحَيْضِ يُقَالُ فِي النِّفَاسِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِلَا دَمٍ] : هَذَا هُوَ الْمُسْتَحْسَنُ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَخَلِيلٍ مِنْ رِوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ الْأَقْوَى ذَكَرَهُ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ. قَوْلُهُ: [لَكِنْ يُنْدَبُ إذَا انْقَطَعَ] : أَيْ لِأَجْلِ النَّظَافَةِ وَتَطْيِيبِ النَّفْسِ، كَمَا يُنْدَبُ غَسْلُ الْمَعْفُوَّاتِ إذَا تَفَاحَشَتْ لِذَلِكَ، وَالِاسْتِحَاضَةُ مِنْ جُمْلَتِهَا. وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ خَالَطَ الِاسْتِحَاضَةَ حَيْضٌ وَهِيَ لَا تَشْعُرُ، فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْغُسْلِ لَا نَدْبَهُ لِوُجُودِ الشَّكِّ فِي الْجَنَابَةِ. [فَرَائِضُ الْغُسْل] قَوْلُهُ: [بِأَنْ يَنْوِيَ إلَخْ] : وَلَا يَضُرُّ إخْرَاجُ بَعْضِ الْمُسْتَبَاحِ، بِأَنْ يَقُولَ: نَوَيْت اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ لَا الطَّوَافِ مَثَلًا. وَلَا نِسْيَانُ مُوجِبٍ، بِخِلَافِ إخْرَاجِهِ الْحَدَثَ، كَأَنْ يَقُولَ: نَوَيْت الْغُسْلَ مِنْ الْجِمَاعِ لَا مِنْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ، وَالْحَالُ أَنَّ مَا أَخْرَجَهُ قَدْ حَصَلَ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. أَوْ يَنْوِيَ مُطْلَقَ الطَّهَارَةِ الْمُتَحَقِّقَةِ فِي الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ أَوْ فِي الْمَنْدُوبَةِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ يَضُرُّ. قَوْلُهُ: [كَالْوُضُوءِ] إلَخْ: التَّشْبِيهُ فِي الصِّفَةِ وَالْحُكْمِ مَعًا. قَوْلُهُ: [عَامِدًا] : أَيْ مُخْتَارًا.

وَإِلَّا بَنَى عَلَى مَا فَعَلَ بِنِيَّةٍ. الْفَرِيضَةُ الثَّالِثَةُ: تَعْمِيمُ ظَاهِرِ الْجَسَدِ بِالْمَاءِ، بِأَنْ يَنْغَمِسَ فِيهِ أَوْ يَصُبَّهُ عَلَى جَسَدِهِ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا. (وَدَلْكٌ وَلَوْ بَعْدَ صَبِّهِ وَإِنْ بِخِرْقَةٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ سَقَطَ، وَلَا اسْتِنَابَةَ) : الْفَرِيضَةُ الرَّابِعَةُ: الدَّلْكُ وَهُوَ هُنَا إمْرَارُ الْعُضْوِ عَلَى ظَاهِرِ الْجَسَدِ، يَدًا أَوْ رِجْلًا فَيَكْفِي دَلْكُ الرِّجْلِ بِالْأُخْرَى. وَيَكْفِي الدَّلْكُ بِظَاهِرِ الْكَفِّ وَبِالسَّاعِدِ وَالْعَضُدِ، بَلْ يَكْفِي بِالْخِرْقَةِ عِنْدَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِلَّا بَنَى بِنِيَّةٍ] : أَيْ حَيْثُ فَرَّقَ نَاسِيًا وَأَمَّا لَوْ فَرَّقَ عَاجِزًا فَيَبْنِي لِنِيَّةٍ لِاسْتِصْحَابِهَا. وَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ يَأْتِي هُنَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ: [فَإِنْ فَرَّقَ عَامِدًا] إلَى آخِرِهِ: مَا قِيلَ إلَّا مَنْطُوقُهُ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ. وَمَفْهُومُهُ بَعْدَهَا خَمْسُ صُوَرٍ: وَهِيَ مَا إذَا فَرَّقَ نَاسِيًا، أَوْ عَاجِزًا، أَطَالَ أَمْ لَا، أَوْ عَامِدًا مُخْتَارًا وَلَمْ يُطِلْ. وَالْكُلُّ يَبْنِي فِيهَا بِغَيْرِ تَجْدِيدِ نِيَّةٍ، إلَّا إذَا فَرَّقَ نَاسِيًا وَطَالَ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ: (بَنَى بِنِيَّةٍ) كَلَامٌ مُجْمَلٌ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّاسِي فِي حَالَةِ الطُّولِ. قَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرِهَا] : كَتَلَقِّيه مِنْ الْمَطَرِ وَتَمْرِيغِهِ فِي الزَّرْعِ وَعَلَيْهِ نَدًى كَثِيرٌ حَتَّى عَمَّهُ الْمَاءُ. قَوْلُهُ: [وَدَلْكٌ] : هُوَ دَاخِلٌ فِي مَفْهُومِ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّهُ صَبُّ الْمَاءِ عَلَى الْعُضْوِ مَعَ دَلْكٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ؛ وَحِينَئِذٍ فَيُغْنِي عَنْهُ اسْمُ الْغُسْلِ لَكِنَّهُ ذَكَرَهُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ وَاجِبٌ لِإِيصَالِ الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ، فَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ لِنَفْسِهِ فَيُعِيدُ تَارِكُهُ أَبَدًا وَلَوْ تَحَقَّقَ وُصُولَ الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ. وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَ الْأُجْهُورِيُّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ لِقُوَّةِ مُدْرَكِهِ. وَلَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ قَوِيَّ الْمُدْرَكِ، فَهُوَ ضَعِيفٌ فِي الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بَعْدَ صَبِّهِ] : خِلَافًا لِلْقَابِسِيِّ فِي اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ لِصَبِّ الْمَاءِ. فَإِذَا انْغَمَسَ فِي الْمَاءِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ فَصَارَ الْمَاءُ مُنْفَصِلًا عَنْ جَسَدِهِ إلَّا أَنَّهُ مُبْتَلٌّ، فَيَكْفِي الدَّلْكُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى الْأَوَّلِ لَا عَلَى الثَّانِي. قَوْلُهُ: [وَهُوَ هُنَا] : يَحْتَرِزُ عَنْ الْوُضُوءِ. فَإِنَّهُ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ الْمُرَادُ مِنْهَا بَاطِنُ الْكَفِّ، وَتَقَدَّمَ نَقْلُ (بْن) عَنْ المسناوي أَنَّهُ كَالْغُسْلِ يَكْفِي فِيهِ أَيُّ عُضْوٍ

الْقُدْرَةِ - بِالْيَدِ عَلَى الرَّاجِحِ - بِأَنْ يُمْسِكَ طَرَفَيْهَا بِيَدَيْهِ، وَيَدْلِكَ بِوَسَطِهَا أَوْ بِحَبْلٍ كَذَلِكَ. وَيَكْفِي وَلَوْ بَعْدَ صَبِّ الْمَاءِ وَانْفِصَالِهِ عَنْ الْجَسَدِ مَا لَمْ يَجِفَّ. فَإِنْ تَعَذَّرَ الدَّلْكُ سَقَطَ. وَيَكْفِي تَعْمِيمُ الْجَسَدِ بِالْمَاءِ كَمَا فِي سَائِرِ الْفَرَائِضِ. إذْ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا، خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ: يَجِبُ اسْتِنَابَةُ مَنْ يُدَلِّكُهُ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ، أَوْ يَتَدَلَّكُ بِحَائِطٍ إنْ كَانَتْ مِلْكًا لَهُ، أَوْ أَذِنَ لَهُ مَالِكُهَا فِي ذَلِكَ وَكَانَ الدَّلْكُ بِهَا لَا يُؤْذِيهِ. فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ، وَإِنْ مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ. (وَتَخْلِيلُ شَعْرٍ وَأَصَابِعِ رِجْلَيْهِ) : الْفَرِيضَةُ الْخَامِسَةُ: تَخْلِيلُ شَعْرِهِ وَلَوْ كَثِيفًا سَوَاءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. قَوْلُهُ: [عَلَى الرَّاجِحِ] : أَيْ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ بَهْرَامُ عَنْ سَحْنُونَ مِنْ عَدَمِ الْكِفَايَةِ بِخِرْقَةٍ مَعَ الْقُدْرَةِ بِالْيَدِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ (عب) . وَرَدَّ شَيْخُنَا ذَلِكَ. وَاعْتَمَدَ الْكِفَايَةَ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الصَّغِيرِ. (انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَيَكْفِي وَلَوْ بَعْدَ صَبِّ الْمَاءِ] إلَخْ: إنَّمَا قَدَّرَ الشَّارِحُ ذَلِكَ - قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ - لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ الدَّلْكُ، وَالدَّلْكُ وَاجِبٌ. هَذَا إذَا كَانَ مُقَارِنًا لِصَبِّ الْمَاءِ، بَلْ وَلَوْ بَعْدَ صَبِّهِ خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ بَعْدَ الصَّبِّ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. وَنَفْيُ الْوُجُوبِ يُجَامِعُ الْآخَرَ، مَعَ أَنَّ الْمَرْدُودَ عَلَيْهِ يَقُولُ بِعَدَمِهِ. قَوْلُهُ: [مَا لَمْ يَجِفَّ] : وَإِلَّا فَلَا يُجْزِئُ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [فَإِنْ تَعَذَّرَ الدَّلْكُ] إلَخْ: أَيْ إذَا تَعَذَّرَ الدَّلْكُ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْيَدِ وَالْخِرْقَةِ سَقَطَ، وَيَكْفِي تَعْمِيمُ جَسَدِهِ بِالْمَاءِ. بَلْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَتَى تَعَذَّرَ بِالْيَدِ سَقَطَ، وَلَا يَجِبُ بِالْخِرْقَةِ وَلَا الِاسْتِنَابَةِ. وَرَجَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ فَيَكُونُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ (انْتَهَى مِنْ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ] إلَخْ: أَيْ وَهُوَ سَحْنُونَ وَتَبِعَهُ خَلِيلٌ، وَذَكَرَ ابْنُ الْقَصَّارِ مَا يُفِيدُ ضَعْفَهُ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَثِيفًا] : أَيْ هَذَا إنْ كَانَ خَفِيفًا، بَلْ إنْ كَانَ كَثِيفًا عَلَى الْأَشْهُرِ. وَقِيلَ: يُنْدَبُ تَخْلِيلُ الْكَثِيفِ فَقَطْ. وَقِيلَ: تَخْلِيلُهُ مُبَاحٌ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي اللِّحْيَةِ فَقَطْ. وَأَمَّا غَيْرُهَا فَتَخْلِيلُهُ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا، خَفِيفًا أَوْ كَثِيفًا. قَالَهُ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ

كَانَ شَعْرَ رَأْسٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَمَعْنَى تَخْلِيلِهِ: أَنْ يَضُمَّهُ وَيَعْرُكَهُ عِنْدَ صَبِّ الْمَاءِ حَتَّى يَصِلَ إلَى الْبَشَرَةِ، فَلَا يَجِبُ إدْخَالُ أَصَابِعِهِ تَحْتَهُ وَيَعْرُكَ بِهَا الْبَشَرَةَ. وَكَذَا يَجِبُ تَخْلِيلُ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ هُنَا فَأَوْلَى الْيَدَيْنِ. وَتَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ أَنَّهُ يُنْدَبُ تَخْلِيلُ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ وَيَجِبُ تَخْلِيلُ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ. (لَا نَقْضُ مَضْفُورِهِ، إلَّا إذَا اشْتَدَّ، أَوْ بِخُيُوطٍ كَثِيرَةٍ) : أَيْ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُغْتَسِلِ نَقْضُ مَضْفُورِ شَعْرِهِ مَا لَمْ يَشْتَدَّ الضَّفْرُ حَتَّى يَمْنَعَ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ، أَوْ يُضَفَّرْ بِخُيُوطٍ كَثِيرَةٍ تَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ أَوْ إلَى بَاطِنِ الشَّعْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَبَعًا لِ (بْن) . قَوْلُهُ: [وَأَصَابِعِ رِجْلَيْهِ] : أَيْ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ تَعْمِيمُ الْجَسَدِ إلَّا بِذَلِكَ، كالتكاميش الَّتِي تَكُونُ فِي الْجَسَدِ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهَا. قَوْلُهُ: [حَتَّى يَصِلَ إلَى الْبَشَرَةِ] : وَهَذَا وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَتْ عَرُوسًا تُزَيِّنُ شَعْرَهَا، وَفِي (بْن) : وَغَيْرِهِ أَنَّ الْعَرُوسَ الَّتِي تُزَيِّنُ شَعْرَهَا لَيْسَ عَلَيْهَا غَسْلُ رَأْسِهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إتْلَافِ الْمَالِ وَيَكْفِيهَا الْمَسْحُ عَلَيْهِ. وَفِي (ح) عِنْدَ قَوْلِ خَلِيلٍ فِي الْوُضُوءِ " وَلَا يَنْقُضُ ضَفْرَهُ أَيْ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ ": أَنَّهَا تَتَيَمَّمُ إذَا كَانَ الطِّيبُ فِي جَسَدِهَا كُلِّهِ؛ لِأَنَّ إزَالَتَهُ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. قَوْلُهُ: [وَيَجِبُ تَخْلِيلُ إلَخْ] : وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: [لَا نَقْضُ مَضْفُورِهِ إلَخْ] : تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي الْوُضُوءِ نَظْمًا وَنَثْرًا قَوْلُهُ: [مَضْفُورِ شَعْرِهِ] : وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ - وَفِي جَوَازِ الضَّفْرِ - سَوَاءٌ، إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقَةِ ضَفْرِ النِّسَاءِ فِي الزِّينَةِ وَالتَّشَبُّهِ بِهِنَّ، فَلَا أَظُنُّ أَحَدًا يَقُولُ بِجَوَازِهِ، قَالَهُ فِي الْأَصْلِ، وَقَالَ أَيْضًا: وَكَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَقْضُ الْخَاتَمِ وَلَا تَحْرِيكُهُ وَلَوْ ضَيِّقًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ (اهـ.) وَالْمُرَادُ بِهِ الْخَاتَمُ الْمَأْذُونُ فِي لُبْسِهِ وَإِلَّا وَجَبَ نَزْعُهُ إنْ كَانَ ضَيِّقًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: [أَوْ إلَى بَاطِنِ الشَّعْرِ] : هَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي قَالَهُ الشَّارِحُ هُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ، وَتَقَدَّمَ لَنَا - فِي مَبْحَثِ الْوُضُوءِ أَنَّهُ يَنْفَعُ النِّسَاءَ كَثِيرَاتِ الضَّفَائِرِ فِي الْغُسْلِ - مَذْهَبُ السَّادَةِ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ عِنْدَهُمْ وُصُولُ الْمَاءِ لِأُصُولِ الشَّعْرِ وَلَا يَلْزَمُ تَعْمِيمُهُ وَلَا إدْخَالُ الْمَاءِ فِي بَاطِنِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلنِّسَاءِ. وَأَمَّا الرِّجَالُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْمِيمِ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ

(وَإِنْ شَكَّ غَيْرُ مُسْتَنْكِحٍ فِي مَحَلٍّ غَسَلَهُ) : إذَا شَكَّ غَيْرُ الْمُسْتَنْكِحِ فِي مَحَلٍّ مِنْ بَدَنِهِ هَلْ أَصَابَهُ الْمَاءُ، وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُهُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَدَلْكِهِ. وَأَمَّا الْمُسْتَنْكِحُ - وَهُوَ الَّذِي يَعْتَرِيهِ الشَّكُّ كَثِيرًا - فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ، إذْ تَتَبُّعُ الْوَسْوَاسِ يُفْسِدُ الدِّينَ مِنْ أَصْلِهِ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ. (وَوَجَبَ تَعَهُّدُ الْمَغَابِنِ مِنْ شُقُوقٍ وَأَسِرَّةٍ وَسُرَّةٍ وَرُفْغٍ وَإِبِطٍ) : يَجِبُ عَلَى الْمُغْتَسِلِ أَنْ يَتَعَهَّدَ مَغَابِنَهُ أَيْ الْمَحِلَّاتُ الَّتِي يَنْبُو عَنْهَا الْمَاءُ كَالشُّقُوقِ الَّتِي فِي الْبَدَنِ وَالْأَسِرَّةِ أَيْ التَّكَامِيشِ وَالسُّرَّةِ وَالرُّفْغَيْنِ، وَالْإِبِطَيْنِ وَكُلِّ مَا غَار مِنْ الْبَدَنِ، بِأَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَيَدْلُكَهُ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا اكْتَفَى بِصَبِّ الْمَاءِ. (وَسُنَنُهُ: غَسْلُ يَدَيْهِ أَوَّلًا، وَمَضْمَضَةٌ، وَاسْتِنْشَاقٌ، وَاسْتِنْثَارٌ، وَمَسْحُ صِمَاخ) : أَيْ سُنَنُهُ خَمْسَةٌ: غَسْلُ يَدَيْهِ أَوَّلًا إلَى كُوعَيْهِ، وَالْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ، وَالِاسْتِنْثَارُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ، وَمَسْحُ صِمَاخ الْأُذُنَيْنِ - بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ - ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ لَهُمْ مَنْدُوحَةً عَنْ ذَلِكَ بِحَلْقِهِ هَذَا هُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ شَكَّ] إلَخْ: أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْمِيمِ الْجَسَدِ تَحْقِيقًا. وَيَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِغَيْرِ الْمُسْتَنْكِحِ. قَوْلُهُ: [وَجَبَ عَلَيْهِ] : أَيْ وَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِيَقِينٍ أَوْ غَلَبَةِ ظَنٍّ. قَوْلُهُ: [أَوَّلًا] : أَيْ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ قَلِيلًا وَأَمْكَنَ الْإِفْرَاغُ، وَأَنْ يَكُونَ غَيْرَ جَارٍ، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا أَوْ جَارِيًا أَوْ لَمْ يُمْكِنْ الْإِفْرَاغُ مِنْهُ، كَالْحَوْضِ الصَّغِيرِ أَدْخَلَهُمَا فِيهِ إنْ كَانَتَا نَظِيفَتَيْنِ، أَوْ غَيْرَ نَظِيفَتَيْنِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ بِإِدْخَالِهِمَا، وَإِلَّا تَحَيَّلَ عَلَى غَسْلِهِمَا خَارِجَهُ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا تَرَكَهُ وَتَيَمَّمَ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ كَعَادِمِ الْمَاءِ. قَوْلُهُ: [كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ] : وَيَأْتِي هُنَا الْخِلَافُ: هَلْ التَّثْلِيثُ مِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ؟ أَوْ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ مُسْتَحَبٌّ؟ وَهُوَ الرَّاجِحُ. وَيَأْتِي هُنَا تَوَقُّفُ السُّنَّةِ عَلَى غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ، إنْ أَمْكَنَ الْإِفْرَاغُ إلَى آخِرِ الشُّرُوطِ الَّتِي ذُكِرَتْ. وَقِيلَ: الْأَوَّلِيَّةُ قَبْلَ إزَالَةِ الْأَذَى، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلَ. وَاعْلَمْ أَنَّ جَعْلَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَالِاسْتِنْثَارِ وَمَسْحِ صِمَاخ الْأُذُنَيْنِ مِنْ سُنَنِ الْغُسْلِ، إنَّمَا هُوَ حَيْثُ لَمْ يَفْعَلْ قَبْلَهُ الْوُضُوءَ الْمُسْتَحَبَّ، فَإِنْ فَعَلَهُ قَبْلَهُ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ لَا الْغُسْلِ

[فضائل الغسل]

أَيْ ثُقْبَيْهِمَا، وَلَا يُبَالِغُ فَإِنَّهُ يَضُرُّ السَّمْعَ، وَأَمَّا ظَاهِرُهُمَا وَبَاطِنُهُمَا فَمِنْ ظَاهِرِ الْجَسَدِ يَجِبُ غَسْلُهُ كَمَا سَيَأْتِي. (وَفَضَائِلُهُ: مَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ. وَبَدْءٌ بِإِزَالَةِ الْأَذَى، فَمَذَاكِيرُهُ، ثُمَّ أَعْضَاءُ وُضُوئِهِ مَرَّةً، وَتَخْلِيلُ أُصُولِ شَعْرِ رَأْسِهِ، وَتَثْلِيثُهُ يَعُمُّهُ بِكُلِّ غَرْفَةٍ، وَأَعْلَاهُ، وَمَيَامِنَهُ) : أَيْ إنَّ فَضَائِلَ الْغُسْلِ - أَيْ مُسْتَحَبَّاته - مَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ؛ مِنْ قَوْلِهِ: مَوْضِعٌ طَاهِرٌ، وَاسْتِقْبَالٌ وَتَسْمِيَةٌ، وَتَقْلِيلُ مَاءٍ بِلَا حَدٍّ كَالْغُسْلِ. وَيُنْدَبُ فِي الْغُسْلِ بَدْءٌ بِإِزَالَةِ الْأَذَى: أَيْ النَّجَاسَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي فَرْجِهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ. ثُمَّ يَشْرَعُ فِي الْغُسْلِ، فَيَبْدَأُ - بَعْدَ غَسْلِ يَدَيْهِ إلَى كُوعَيْهِ وَإِزَالَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ النَّجَاسَةِ إنْ كَانَتْ - بِغَسْلِ مَذَاكِيرِهِ أَيْ الْفَرْجِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَالدُّبْرِ. وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالْمَذَاكِيرِ تَبَرُّكًا بِالْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي صِفَةِ غُسْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيُّ. وَلَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّ هَذَا الْوُضُوءَ الَّذِي يَأْتِي بِهِ وُضُوءُ صُورَةٍ، وَفِي الْمَعْنَى قِطْعَةٌ مِنْ الْغُسْلِ. وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ إضَافَةُ السُّنَنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عِنْدَ إتْيَانِهِ بِالْوُضُوءِ، وَعِنْدَ عَدَمِ الْإِتْيَانِ بِهِ تَكُونُ مُضَافَةً لِلْغُسْلِ. (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [أَيْ ثَقْبَيْهِمَا] : أَيْ فَالسُّنَّةُ هُنَا مُغَايِرَةٌ لِلسُّنَّةِ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهَا مَسْحُ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا وَصِمَاخهمَا، وَالسُّنَّةُ هُنَا مَسْحُ الثَّقْبِ الَّذِي هُوَ الصِّمَاخ. [فَضَائِلُ الْغُسْل] قَوْلُهُ: [بِإِزَالَةِ الْأَذَى] إلَخْ: أَيْ وَلَا يَكُونُ مَسُّ فَرْجِهِ لِإِزَالَةِ الْأَذَى نَاقِضًا لِغَسْلِ يَدَيْهِ أَوَّلًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ غَسْلُهُمَا قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ، فَلَا يُعِيدُ غَسْلَهُمَا بَعْدَ إزَالَةِ الْأَذَى. خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ بِإِعَادَةِ الْغُسْلِ. قَوْلُهُ: [وَإِزَالَةِ مَا عَلَيْهِ] : إشَارَةٌ إلَى أَنَّ إزَالَةَ الْأَذَى مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ غَسْلِ الْيَدَيْنِ. قَوْلُهُ: [تَبَرُّكًا بِالْحَدِيثِ] : أَيْ لِكَوْنِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَقَعَتْ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ.

وَحَاصِلُ كَيْفِيَّةِ الْغُسْلِ الْمَنْدُوبَةِ: أَنْ يَبْدَأَ بِغَسْلِ يَدَيْهِ إلَى كُوعَيْهِ ثَلَاثًا كَالْوُضُوءِ بِنِيَّةِ السُّنِّيَّةِ، ثُمَّ يَغْسِلَ مَا بِجِسْمِهِ مِنْ أَذًى، وَيَنْوِيَ فَرْضَ الْغُسْلِ أَوْ رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ، فَيَبْدَأُ بِغَسْلِ فَرْجِهِ وَأُنْثَيَيْهِ وَرُفْغَيْهِ وَدُبُرِهِ وَمَا بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ مَرَّةً فَقَطْ، ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ وَيَسْتَنْثِرُ، ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ إلَى تَمَامِ الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً، ثُمَّ يُخَلِّلُ أُصُولَ شَعْرِ رَأْسِهِ لِتَنْسَدَّ الْمَسَامُّ خَوْفًا مِنْ أَذِيَّةِ الْمَاءِ إذَا صُبَّ عَلَى الرَّأْسِ، ثُمَّ يَغْسِلُ رَأْسَهُ ثَلَاثًا يَعُمُّ رَأْسَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، ثُمَّ يَغْسِلُ رَقَبَتَهُ ثُمَّ مَنْكِبَيْهِ إلَى الْمِرْفَقِ ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ إلَى الْكَعْبِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ كَذَلِكَ. وَلَا يَلْزَمُ تَقْدِيمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الْمَنْدُوبَةِ] : أَيْ الْكَامِلَةِ الَّتِي جَمَعَتْ الْفَرَائِضَ وَالسُّنَنَ وَالْفَضَائِلَ. قَوْلُهُ: [بِنِيَّةِ السُّنِّيَّةِ] : أَيْ لِلْوُضُوءِ الصُّورِيِّ أَوْ لِلْغُسْلِ. قَوْلُهُ: [مَا بِجِسْمِهِ] : فَرْجًا أَوْ غَيْرَهُ بِدَلِيلِ تَعْرِيفِهِ. قَوْلُهُ: [وَيَنْوِي] : أَيْ عِنْدَ الْبَدْءِ بِغَسْلِ فَرْجِهِ. قَوْلُهُ: [إلَى تَمَامِ الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً] : تَبِعَ الشَّارِحُ خَلِيلًا مُوَافَقَةً لِمَا ذَكَرَهُ عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا فَضِيلَةَ فِي تَكْرَارِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا قَالَ (ر) : وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي، مِنْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا وَصَفَتْ غُسْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْجَنَابَةِ وَفِيهِ: ثُمَّ تَمَضْمَضَ ثَلَاثًا وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا» (اهـ.) فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلِأَهْلِ الْمَذْهَبِ طَرِيقَتَانِ فِي كَيْفِيَّةِ الْغُسْلِ بَيَّنَهُمَا الشَّارِحُ، وَلَهُمْ فِي الْوُضُوءِ طَرِيقَتَانِ أَيْضًا: التَّثْلِيثُ وَعَدَمُهُ، وَتَقْدِيمُ الرِّجْلَيْنِ قِبَلَ غَسْلِ الرَّأْسِ أَوْ تَأْخِيرُهُمَا بَعْدَ تَمَامِ الْغُسْلِ. فَاخْتَارَ شَارِحُنَا تَبَعًا لِخَلِيلٍ التَّقْدِيمَ وَكَوْنَ الْغُسْلِ مَرَّةً مَرَّةً. قَوْلُهُ: [لِتَنْسَدَّ الْمَسَامُّ] : أَيْ فَفِي التَّخْلِيلِ فَائِدَةٌ طَيِّبَةٌ؛ وَهِيَ سَدُّ الْمَسَامِّ؛ لِمَنْعِ الضَّرَرِ عَنْ الرَّأْسِ، وَفَائِدَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَهِيَ عَدَمُ الْإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ يَغْسِلُ رَأْسَهُ ثَلَاثًا] : أَيْ فَالتَّثْلِيثُ فِي الرَّأْسِ وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ لِلْكُوعَيْنِ مَنْدُوبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، بِخِلَافِ بَاقِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، فَفِيهَا الْخِلَافُ. قَوْلُهُ: [إلَى الْكَعْبِ] : مَا ذَكَرَهُ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ وَزَرُّوقٌ. وَفِي (ح) : ظَوَاهِرِ النُّصُوصِ تَقْتَضِي أَنَّ الْأَعْلَى يُقَدَّمُ بِمَيَامِنِهِ وَمَيَاسِرِهِ عَلَى

الْأَسَافِلِ عَلَى الْأَعَالِي؛ لِأَنَّ الشِّقَّ كُلَّهُ بِمَنْزِلَةِ عُضْوٍ وَاحِدٍ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: يَغْسِلُ الشِّقَّ الْأَيْمَنَ إلَى الرُّكْبَةِ ثُمَّ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ، ثُمَّ يَغْسِلُ مِنْ رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى إلَى كَعْبِهَا ثُمَّ الْيُسْرَى كَذَلِكَ، قَالَ: لِئَلَّا يَلْزَمَ تَقْدِيمُ الْأَسَافِلِ عَلَى الْأَعَالِي، وَلَمْ يَدْرِ أَنَّ الشِّقَّ كُلَّهُ بِمَنْزِلَةِ عُضْوٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ تُنْقَلْ هَذِهِ الصِّفَةُ فِي اغْتِسَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ إذَا غَسَلَ الشِّقَّ الْأَيْمَنَ أَوْ الْأَيْسَرَ، يَغْسِلُهُ بَطْنًا وَظَهْرًا. فَإِنْ شَكَّ فِي مَحَلٍّ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكِحًا وَجَبَ غَسْلُهُ وَإِلَّا فَلَا. (وَيُجْزِئُ عَنْ الْوُضُوءِ وَإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمُ جَنَابَتِهِ، مَا لَمْ يَحْصُلْ نَاقِضٌ بَعْدَهُ وَقَبْلَ تَمَامِ الْغُسْلِ) : يَعْنِي أَنَّ الْغُسْلَ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَوْ عَلَى غَيْرِهَا، يُجْزِئُ عَنْ الْوُضُوءِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَحْضِرْ رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ رَفْعِ الْأَكْبَرِ رَفْعُ الْأَصْغَرِ - ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَسْفَلِ بِمَيَامِنِهِ وَمَيَاسِرِهِ، لَا أَنَّ مَيَامِنَ كُلٍّ مِنْ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَيَاسِرِ كُلٍّ. بَلْ هَذَا صَرِيحُ عِبَارَةِ ابْنِ جَمَاعَةَ وَبِهِ قَرَّرَ ابْنُ عَاشِرٍ. وَهَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي رَدَّ عَلَيْهَا الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ شَكَّ] إلَخْ: هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ سَابِقًا: [وَإِنْ شَكَّ غَيْرُ مُسْتَنْكِحٍ فِي مَحَلٍّ غَسَلَهُ] ، وَإِنَّمَا كَرَّرَهُ لَأَجْلِ تَمَامِ الْكَيْفِيَّةِ. قَوْلُهُ: [وَيُجْزِئُ] إلَخْ: ظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ غُسْلَ الْجِنَايَةِ يُجْزِئُ عَنْ الْوُضُوءِ. وَالْأَوْلَى الْوُضُوءُ بَعْدَ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يَسْتَعْمِلُ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ - أَعْنِي الْإِجْزَاءَ - فِي الْإِجْزَاءِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْكَمَالِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِيمَا عَلِمْت أَنَّهُ لَا فَضْلَ فِي الْوُضُوءِ بَعْدَ الْغُسْلِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِجْزَاءِ بِالنَّظَرِ لِلْأَوْلَوِيَّةِ؛ أَيْ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ الْغُسْلُ إذَا تَرَكَ الْوُضُوءَ ابْتِدَاءً مَعَ مُخَالَفَةِ الْأَوْلَى، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُطَالَبُ بِالْوُضُوءِ بَعْدَ الْغُسْلِ كَمَا فَهِمَ الْمُعْتَرِضُ، وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ وَالْجَوَابُ وَارِدَانِ عَلَى خَلِيلٍ، وَقَدْ تَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ. [لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ رَفْعِ الْأَكْبَرِ] إلَخْ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْغُسْلَ وَاجِبٌ أَصْلِيٌّ لِكَوْنِهِ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ وَلَوْ بِحَسَبِ اعْتِقَادِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ غَيْرَ وَاجِبٍ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ - وَلَوْ نَذَرَهُمَا - لَا يُجْزِئُ عَنْ الْوُضُوءِ. وَلَا بُدَّ مِنْ الْوُضُوءِ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ، مِثَالُ رَفْعِ الْأَكْبَرِ الَّذِي يُجْزِئُ عَنْ الْأَصْغَرِ، كَمَا لَوْ انْغَمَسَ فِي الْمَاءِ وَنَوَى بِذَلِكَ رَفْعَ الْأَكْبَرِ، وَلَمْ يَسْتَحْضِرْ الْأَصْغَرَ؛ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ. وَنَصَّ ابْنُ بَشِيرٍ: وَالْغُسْلُ يُجْزِئُ عَنْ

كَعَكْسِهِ فِي مَحَلِّ الْوُضُوءِ كَمَا يَأْتِي، وَلَوْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ. فَيُصَلِّي بِذَلِكَ الْغُسْلِ مَا لَمْ يَحْصُلْ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ مِنْ حَدَثٍ كَرِيحٍ، أَوْ سَبَبٍ كَمَسِّ ذَكَرٍ بَعْدَهُ - أَيْ بَعْدَ تَمَامِ الْوُضُوءِ - أَوْ بَعْضِهِ وَقَبْلَ تَمَامِ الْغُسْلِ. فَإِنْ حَصَلَ نَاقِضٌ أَعَادَ مَا فَعَلَهُ مِنْ الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَإِلَّا أَعَادَهُ مَرَّةً بِنِيَّتِهِ) : أَيْ الْوُضُوءَ. وَأَمَّا حُصُولُهُ بَعْدَ تَمَامِ الْغُسْلِ فَإِنَّهُ يُعِيدُهُ بِنِيَّتِهِ اتِّفَاقًا مَعَ التَّثْلِيثِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (وَالْوُضُوءُ عَنْ مَحَلِّهِ وَلَوْ نَاسِيًا لِجَنَابَتِهِ) : أَيْ وَيُجْزِئُ الْوُضُوءُ عَنْ مَحَلِّ الْوُضُوءِ؛ يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ ثُمَّ تَمَّمَ الْغُسْلَ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْأَكْبَرِ أَوْ بِنِيَّةِ الْغُسْلِ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ غَسْلُ مَحَلِّ الْوُضُوءِ عَنْ غَسْلِهِ فِي الْغُسْلِ، فَلَا يُعِيدُ غَسْلَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فِي غُسْلِهِ، وَلَوْ كَانَ نَاسِيًا أَنَّ عَلَيْهِ جَنَابَةً حَالَ وُضُوئِهِ. فَإِذَا تَذَكَّرَ - وَلَوْ بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوُضُوءِ؛ فَلَوْ اغْتَسَلَ وَلَمْ يَبْدَأْ بِالْوُضُوءِ وَلَا خَتَمَ بِهِ لَأَجْزَأَهُ غُسْلُهُ عَنْ الْوُضُوءِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَيْهِ. هَذَا إنْ لَمْ يُحْدِثْ بَعْدَ غَسْلِ شَيْءٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِأَنْ لَمْ يُحْدِثْ أَصْلًا أَوْ أَحْدَثَ قَبْلَ غَسْلِ شَيْءٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ. وَأَمَّا إنْ أَحْدَثَ بَعْدَ غَسْلِ شَيْءٍ مِنْهُ، فَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ تَمَامِ وُضُوئِهِ وَغُسْلِهِ فَهُوَ كَمُحْدِثٍ يَلْزَمُهُ أَنْ يُجَدِّدَ وُضُوءَهُ بِنِيَّةٍ اتِّفَاقًا. وَإِنْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ غُسْلِهِ - فَهَذَا إنْ لَمْ يَرْجِعْ فَيَغْسِلُ مَا غَسَلَ مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ قَبْلَ حَدَثِهِ - فَإِنَّهُ لَا تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ. وَهَلْ يَفْتَقِرُ هَذَا فِي غَسْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ لِنِيَّةٍ، أَوْ تُجْزِئُهُ نِيَّةُ الْغُسْلِ عَنْ ذَلِكَ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ. فَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، وَقَالَ الْقَابِسِيُّ: لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ. قَوْلُهُ: [بِنِيَّتِهِ أَيْ الْوُضُوءِ] : أَيْ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْقَابِسِيِّ فَلَا يَفْتَقِرُ لَهَا. قَوْلُهُ: [اتِّفَاقًا] : أَيْ مِنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَالْقَابِسِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ: [وَالْوُضُوءُ عَنْ مَحَلِّهِ] : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَكْسُ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهِيَ الَّتِي وَعَدَ بِهَا. لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَةَ أَجْزَأَ فِيهَا غُسْلُ الْجَنَابَةِ عَنْ الْوُضُوءِ، وَهَذِهِ أَجْزَأَ فِيهَا غُسْلُ الْوُضُوءِ عَلَى بَعْضِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَ نَاسِيًا] إلَخْ: دَفَعَ بِهِ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ نِيَّةَ الْأَصْغَرِ لَا تَنُوبُ عَنْ الْأَكْبَرِ.

[تنبيه من أراد العود للجماع]

طُولٍ - فَإِنَّهُ يَبْنِي بِنِيَّةٍ عَلَى مَا غَسَلَهُ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ إذَا لَمْ يَطُلْ مَا بَيْنَ تَذَكُّرِهِ وَبَيْنَ الشُّرُوعِ فِي الْإِتْمَامِ. (وَلَوْ نَوَى الْجَنَابَةَ وَنَفْلًا أَوْ نِيَابَةً عَنْ النَّفْلِ، حَصَلَا) : يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ فَاغْتَسَلَ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ وَغُسْلِ الْجُمُعَةِ أَوْ غُسْلِ الْعِيدِ، حَصَلَا مَعًا. وَكَذَا إذَا نَوَى نِيَابَةَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ عَنْ غُسْلِ النَّفْلِ. بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى نِيَابَةَ النَّفْلِ عَنْ الْجَنَابَةِ فَلَا تَكْفِي عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَقَوْلُنَا: (وَنَفْلًا) أَشْمَلُ مِنْ قَوْلِهِ: " وَالْجُمُعَةِ " لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الِاغْتِسَالَاتِ الْمَسْنُونَةَ: كَالْجُمُعَةِ وَغُسْلِ الْإِحْرَامِ، وَالْمَنْدُوبَةَ: كَالْعِيدَيْنِ وَالْغُسْلِ لِدُخُولِ مَكَّةَ. (وَنُدِبَ لِجُنُبٍ وُضُوءٌ لِنَوْمٍ لَا تَيَمُّمٌ وَلَا يَنْتَقِضُ إلَّا بِجِمَاعٍ) : أَيْ يُنْدَبُ لِلْجُنُبِ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إذَا لَمْ يَطُلْ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا طُولُهُ قَبْلَ التَّذَكُّرِ فَلَا يَضُرُّ مَا دَامَ لَمْ تَنْتَقِضْ طَهَارَتُهُ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ نَوَى الْجَنَابَةَ] إلَخْ: تَرَكَ الْمُصَنِّفُ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ وَاجِبَيْنِ فِي نِيَّةٍ وَاحِدَةٍ لِعِلْمِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّ الْأَسْبَابَ إذَا تَعَدَّدَ مُوجَبُهَا نَابَ مُوجَبُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ. قَوْلُهُ: [حَصَلَا مَعًا] : أَيْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْوَاجِبِ وَالنَّفَلِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صِحَّةُ صَوْمِ عَاشُورَاءَ لِلْفَضِيلَةِ وَالْقَضَاءِ، وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ مَنْ كَبَّرَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً نَاوِيًا بِهَا الْإِحْرَامَ وَالرُّكُوعَ، فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ. وَأَنَّ مَنْ سَلَّمَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً نَاوِيًا بِهَا الْفَرْضَ وَالرَّدَّ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . [تَنْبِيه مِنْ أَرَادَ العود للجماع] قَوْلُهُ: [وُضُوءٌ لِنَوْمٍ] : فِي (عب) : مِثْلُهُ الْحَائِضُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ لَا قَبْلَهُ وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ رَجَاءُ نَشَاطِهِ لِلْغُسْلِ. قَوْلُهُ: [لَا تَيَمُّمٌ] : أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ النَّشَاطُ، وَقِيلَ يَتَيَمَّمُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ

[دخول الكافر المسجد]

إذَا أَرَادَ النَّوْمَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءًا كَامِلًا كَوُضُوءِ الصَّلَاةِ. كَمَا يُنْدَبُ لِغَيْرِهِ. لَكِنَّ وُضُوءَ الْجُنُبِ لَا يُبْطِلُهُ إلَّا الْجِمَاعُ، بِخِلَافِ وُضُوءِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُهُ كُلُّ نَاقِضٍ مِمَّا تَقَدَّمَ. وَلَك أَنْ تَقُولَ مُلْغِزًا: مَا وُضُوءٌ لَا يَنْقُضُهُ بَوْلٌ وَلَا غَائِطٌ؟ فَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْجُنُبُ مَاءً عِنْدَ إرَادَةِ النَّوْمِ فَلَا يُنْدَبُ لَهُ التَّيَمُّمُ. (وَتَمْنَعُ مَوَانِعَ الْأَصْغَرِ وَقِرَاءَةً إلَّا الْيَسِيرَ لِتَعَوُّذٍ أَوْ رُقْيَا أَوْ اسْتِدْلَالٍ، وَدُخُولُ مَسْجِدٍ وَلَوْ مُجْتَازًا) : أَيْ أَنَّ الْجَنَابَةَ مِنْ جِمَاعٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ تَمْنَعُ مَوَانِعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، مِنْ صَلَاةٍ وَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ أَوْ جُزْئِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَتَمْنَعُ أَيْضًا قِرَاءَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الطَّهَارَةُ، وَأَمَّا وُضُوءُ الْجُنُبِ لِلْأَكْلِ فَلَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَيْهِ عَمَلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَإِنْ قَالَ بِهِ بَعْضٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا فِي الْمُوَطَّإِ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى مَجْمُوعِهِ) . قَوْلُهُ: [كَوُضُوءِ الصَّلَاةِ] : أَيْ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الْمَنِيِّ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا يُنْتَقَضُ إلَّا بِجِمَاعٍ، أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اسْتِبْرَاءٍ. وَعَدَمُ نَقْضِهِ بِذَلِكَ لَا يُنَافِي وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُ مِنْ شُرُوطِ كُلِّ وُضُوءٍ شَرْعِيٍّ. قَوْلُهُ: [مُلْغِزًا] : أَنْشَدَ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ نَقْلًا عَنْ التَّتَّائِيِّ: وَإِنْ سَأَلْت وُضُوءًا لَيْسَ يُبْطِلُهُ ... إلَّا الْجِمَاعُ وُضُوءُ النَّوْمِ لِلْجُنُبِ تَنْبِيهٌ: يُنْدَبُ لِلْجُنُبِ أَيْضًا غَسْلُ فَرْجِهِ إذَا أَرَادَ الْعُودَ لِلْجِمَاعِ، كَانَتْ الَّتِي جَامَعَهَا أَوْ غَيْرُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَتَقْوِيَةِ الْعُضْوِ. وَقِيلَ إنْ كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ أُخْرَى وَجَبَ الْغَسْلُ؛ لِئَلَّا يُؤْذِيَهَا بِنَجَاسَةِ غَيْرِهَا، وَيُنْدَبُ لِلْأُنْثَى الْغَسْلُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ فُجْلَةَ، وَرَدَّهُ (عب) بِأَنَّهُ يُرْخِي مَحَلَّهَا، قَالَ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ مَجْمُوعِهِ: وَلَعَلَّ الْأَظْهَرَ كَلَامُ ابْنِ فُجْلَةَ خُصُوصًا بِفَوْرِ الْجِمَاعِ وَتَنَشُّفِهِ. [دُخُول الْكَافِر الْمَسْجِد] قَوْلُهُ: [وَقِرَاءَةٌ] : أَيْ وَيُزَادُ فِي الْمَنْعِ الْقِرَاءَةُ وَلَوْ بِغَيْرِ مُصْحَفٍ وَلَوْ لِمُعَلِّمٍ وَمُتَعَلِّمٍ.

الْقُرْآنِ، إلَّا الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ كَمَا يَأْتِي فِي الْحَيْضِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ الْقِرَاءَةِ الْيَسِيرُ لِأَجْلِ تَعَوُّذٍ عِنْدَ نَوْمٍ أَوْ خَوْفٍ مِنْ إنْسٍ أَوْ جِنٍّ، فَيَجُوزُ. وَالْمُرَادُ بِالْيَسِيرِ: مَا الشَّأْنُ أَنْ يَتَعَوَّذَ بِهِ كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَالْإِخْلَاصِ وَالْإِخْلَاصِ، أَوْ لِأَجْلِ رُقْيَا لِلنَّفْسِ أَوْ لِلْغَيْرِ مِنْ أَلَمٍ أَوْ عَيْنٍ، أَوْ لِأَجْلِ اسْتِدْلَالٍ عَلَى حُكْمٍ نَحْوَ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] . وَتَمْنَعُ أَيْضًا دُخُولَ الْمَسْجِدِ سَوَاءٌ كَانَ جَامِعًا أَمْ لَا، وَلَوْ كَانَ الدَّاخِلُ مُجْتَازًا أَيْ مَارًّا فِيهِ مِنْ بَابٍ لَبَابٍ آخَرَ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ. (وَلِمَنْ فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ دُخُولُهُ بِهِ) : أَيْ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ الَّذِي فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ - لِمَرَضٍ أَوْ لِسَفَرٍ وَعَدَمِ الْمَاءِ - أَنْ يَدْخُلَهُ بِالتَّيَمُّمِ لِلصَّلَاةِ وَيَبِيتَ فِيهِ إنْ اُضْطُرَّ لِذَلِكَ. وَكَذَا صَحِيحٌ حَاضِرٌ اُضْطُرَّ لِلدُّخُولِ فِيهِ وَلَمْ يَجِدْ خَارِجَهُ مَاءً. - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ] إلَخْ: بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ لَهُ قِرَاءَةَ: قُلْ أُوحِيَ، وَفِي (ح) عَنْ الذَّخِيرَةِ لَا يَتَعَوَّذُ بِنَحْوِ {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ} [الشعراء: 160] وَتَبِعَهُ الْأُجْهُورِيُّ وَغَيْرُهُ، وَنُوقِشَ، بِأَنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ حِصْنٌ وَشِفَاءٌ وَلَيْسَ مِنْ الْقِرَاءَةِ مُرُورُ الْقَلْبِ بَلْ حَرَكَةُ اللِّسَانِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَ الدَّاخِلُ مُجْتَازًا] : رَدًّا عَلَى الشَّافِعِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ الدُّخُولِ لِلْمُجْتَازِ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَجِدْ خَارِجَهُ مَاءً] : أَيْ وَكَانَ الْمَاءُ دَاخِلَهُ أَوْ الدَّرَاهِمُ الَّتِي يُحَصِّلُهُ بِهَا دَاخِلَهُ. وَلَوْ احْتَلَمَ فِيهِ هَلْ يَتَيَمَّمُ لِخُرُوجِهِ مِنْهُ أَوْ لَا؟ وَهُوَ الْأَقْوَى كَمَا فِي (ح) لِمَا فِيهِ مِنْ طُولِ الْمُكْثِ، وَالْإِسْرَاعُ بِالْخُرُوجِ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

[فصل في التيمم]

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الطَّهَارَةِ الْمَائِيَّةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى التُّرَابِيَّةِ وَهِيَ التَّيَمُّمُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ فَقَالَ: - ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَتَيَمَّمْ لَمَّا دَخَلَهُ نَاسِيًا خَرَجَ واغْتَسَلَ وَعَادَ لِلصَّلَاةِ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، وَقَدْ يُقَالُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إبَاحَةُ مُكْثِهِ فِي الْمَسْجِدِ جُنُبًا إلَّا أَنْ يُلْتَفَتَ لِلتَّشْرِيعِ. وَبِالْجُمْلَةِ: الْأَحْسَنُ التَّيَمُّمُ وَهُوَ مَارٌّ حَيْثُ لَمْ يُعِقْهُ. (اهـ. مِنْ شَيْخِنَا فِي مَجْمُوعِهِ) . تَنْبِيهٌ: يُمْنَعُ دُخُولُ الْكَافِرِ الْمَسْجِدَ أَيْضًا وَإِنْ أَذِنَ لَهُ مُسْلِمٌ إلَّا لِضَرُورَةِ عَمَلٍ، وَمِنْهَا قِلَّةُ أُجْرَتِهِ عَنْ الْمُسْلِمِ وَإِتْقَانُهُ عَلَى الظَّاهِرِ. [فَصْلٌ فِي التَّيَمُّمِ] [مِنْ يَجُوز لَهُمْ التَّيَمُّم] قَوْلُهُ: [الطَّهَارَةِ الْمَائِيَّةِ] : أَيْ صُغْرَى وَكُبْرَى. قَوْلُهُ: [وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا] : أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ مِنْ أَوَّلِ بَابِ الطَّهَارَةِ إلَى هُنَا. قَوْلُهُ: [التُّرَابِيَّةِ] : أَيْ عَلَى الطَّهَارَةِ التُّرَابِيَّةِ وَأَخَّرَهَا لِنِيَابَتِهَا عَنْ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى. قَوْلُهُ: [وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ] : أَيْ الَّتِي احْتَوَى عَلَيْهَا هَذَا الْفَصْلُ.

فَصْلٌ: فِي التَّيَمُّمِ (إنَّمَا يُتَيَمَّمُ لِفَقْدِ مَاءٍ كَافٍ بِسَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ، أَوْ قُدْرَةٍ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ) : اعْلَمْ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ إلَّا لِأَحَدِ أَشْخَاصٍ سَبْعَةٍ: الْأَوَّلُ: فَاقِدُ الْمَاءِ الْكَافِي لِلْوُضُوءِ أَوْ لِلْغُسْلِ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً أَصْلًا أَوْ وَجَدَ مَاءً لَا يَكْفِيهِ. الثَّانِي: فَاقِدُ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، أَيْ مَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْمُكْرَهِ وَالْمَرْبُوطِ بِقُرْبِ الْمَاءِ وَالْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ سَبُعٍ أَوْ لِصٍّ، فَيَتَيَمَّمُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَلَوْ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ، خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ مِنْ - ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ قَوْلُهُ: [إنَّمَا يُتَيَمَّمُ] إلَخْ: التَّيَمُّمُ لُغَةً الْقَصْدُ، وَشَرْعًا: طَهَارَةٌ تُرَابِيَّةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى مَسْحِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِنِيَّةٍ. وَالْمُرَادُ بِالتُّرَابِ: جِنْسُ الْأَرْضِ، فَيَشْمَلُ جَمِيعَ أَجْزَائِهَا إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ، كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ، وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ اتِّفَاقًا، بَلْ إجْمَاعًا. وَهَلْ هُوَ عَزِيمَةٌ أَوْ رُخْصَةٌ؟ أَوْ لِعَدَمِ الْمَاءِ عَزِيمَةٌ وَلِلْمَرَضِ وَنَحْوِهِ رُخْصَةٌ؟ خِلَافٌ. قَوْلُهُ: [لِفَقْدِ مَاءٍ] : شُرُوعٌ مِنْهُ فِي أَسْبَابِ التَّيَمُّمِ، وَتُسَمَّى مُوجِبَاتُهُ، وَعَدَّهَا الشَّارِحُ هُنَا سَبْعَةً. وَإِنْ كَانَ يَأْتِي يَقُولُ: بَلْ إذَا تَحَقَّقْتَ تَجِدُ الْأَقْسَامَ تَرْجِعُ إلَى قِسْمَيْنِ: الْأَوَّلُ فَاقِدُ الْمَاءِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، الثَّانِي فَاقِدُ الْقُدْرَةِ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: [فَاقِدُ الْمَاءِ] : أَيْ الْمُبَاحِ، وَأَمَّا وُجُودُ غَيْرِ الْمُبَاحِ فَهُوَ كَالْعَدَمِ. وَالْمُرَادُ غَيْرُ كَافٍ لِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ الْقُرْآنِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْوُضُوءِ وَلِجَمِيعِ بَدَنِهِ بِالنِّسْبَةِ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ وَلَوْ كَفَى وُضُوءَهُ. قَوْلُهُ: [أَيْ مَنْ لَا قُدْرَةَ] إلَخْ: تَفْسِيرٌ مُرَادٌ لِقَوْلِهِ [أَوْ قُدْرَةٍ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ] . وَالْمَعْنَى انْتَفَتْ قُدْرَتُهُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ الْكَافِي فَتَغَايَرَ مَعَ مَا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ] : أَيْ هَذَا إذَا كَانَ سَفَرَ طَاعَةٍ كَالْحَجِّ وَالْغَزْوِ، أَوْ مُبَاحًا كَالتَّجْرِ، بَلْ وَلَوْ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ، وَإِذَا كَانَ الْمُسَافِرُ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ اسْتِصْحَابُ الْمَاءِ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَنَفْيُ اللُّزُومِ لَا يُنَافِي النَّدْبَ لِمُرَاعَاةِ

تَقْيِيدِهِ بِالْمُبَاحِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَاعِدَةِ فِي مَسْحِ الْخُفَّيْنِ. وَكَذَا بَقِيَّةُ السَّبْعَةِ يَتَيَمَّمُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ حَضَرًا أَوْ سَفَرًا وَلَوْ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ. فَقَوْلُهُ: [بِسَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ] لَيْسَ خَاصًّا بِالْأَوَّلِ، بَلْ هُوَ جَارٍ فِي الْجَمِيعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ: [أَوْ قُدْرَةٍ] عَطْفٌ عَلَى مَاءٍ. (أَوْ خَوْفِ حُدُوثِ مَرَضٍ أَوْ زِيَادَتِهِ أَوْ تَأَخُّرِ بُرْءٍ) : هَذَا هُوَ الثَّالِثُ: وَهُوَ الْوَاجِدُ لِلْمَاءِ الْقَادِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، وَلَكِنْ خَافَ بِاسْتِعْمَالِهِ حُدُوثَ مَرَضٍ مِنْ نَزْلَةٍ أَوْ حُمَّى أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ الْقَادِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ مَرِيضًا وَخَافَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ زِيَادَةَ مَرَضِهِ، أَوْ تَأَخُّرَ بُرْئِهِ مِنْهُ. وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْعَادَةِ، أَوْ بِإِخْبَارِ طَبِيبٍ عَارِفٍ، فَقَوْلُهُ: [أَوْ خَوْفٍ] عَطْفٌ عَلَى فَقْدِ مَاءٍ. (أَوْ عَطَشِ مُحْتَرَمٍ وَلَوْ كَلْبًا) : هَذَا هُوَ الرَّابِعُ وَهُوَ الْخَائِفُ عَطَشَ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ - ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخِلَافِ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى مَجْمُوعِهِ) . قَوْلُهُ: [لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَاعِدَةِ] : أَيْ الَّتِي هِيَ كُلُّ رُخْصَةٍ لَا تَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ فَتُفْعَلُ وَإِنْ مِنْ عَاصٍ بِالسَّفَرِ، وَكُلّ رُخْصَةٍ تَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ فَلَا تُفْعَلُ مِنْ عَاصٍ بِالسَّفَرِ. قَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ: قَدْ يُقَالُ الْعَاصِي بِالسَّفَرِ لَا يَتَيَمَّمُ لِغَيْرِ مَا يَتَيَمَّمُ لَهُ الْحَاضِرُ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ رُخْصَتَهُ تَخْصِيصٌ بِالسَّفَرِ، لَكِنْ فِي (ح) : يَتَيَمَّمُ الْمُسَافِرُ لِلنَّوَافِلِ مُطْلَقًا وَلَوْ غَيْرَ قَصْرٍ عَلَى الصَّحِيحِ. قَوْلُهُ: [زِيَادَةَ مَرَضِهِ] : أَيْ فِي الشِّدَّةِ. قَوْلُهُ: [بِالْعَادَةِ] : أَيْ بِالْقَرَائِنِ الْعَادِيَّةِ، كَخَوْفِهِ انْقِطَاعَ عِرْقِ الْعَافِيَةِ بِاسْتِعْمَالِهِ الْمَاءَ. وَلَيْسَ مِنْ الْعَاجِزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِلْمَرَضِ الْمَبْطُونُ الَّذِي كُلَّمَا قَامَ لِلْمَاءِ وَاسْتَعْمَلَهُ انْطَلَقَ بَطْنُهُ، بَلْ يُؤْمَرُ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَمَا خَرَجَ غَيْرُ نَاقِضٍ كَمَا سَبَقَ فِي السَّلَسِ وِفَاقًا لِلْحَطَّابِ. أَمَّا مَبْطُونٌ يَضُرُّ بِهِ الْمَاءُ وَأَعْجَزَهُ الْإِعْيَاءُ أَوْ عِظَمُ الْبَطْنِ عَنْ تَنَاوُلِ الْمَاءِ، فَيَتَيَمَّمُ (اهـ. مِنْ شَيْخِنَا فِي حَاشِيَةِ مَجْمُوعِهِ) . قَوْلُهُ: [أَوْ عَطَشِ مُحْتَرَمٍ] : مِثْلُ الْعَطَشِ ضَرُورَةُ الْعَجْنِ وَالطَّبْخِ، قَالُوا: فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْجَمْعُ بِقَضَاءِ الْوَطَرِ بِمَاءِ الْوُضُوءِ، فَعَلَ حَيْثُ لَمْ تَعَفْهُ النَّفْسُ حَتَّى يَتَوَلَّدَ مِنْهُ شِدَّةُ الضَّرَرِ، وَإِلَّا فَيَتْرُكُهُ لِحَاجَةِ الْعَجْنِ وَالطَّبْخِ وَيَتَيَمَّمُ.

شَرْعًا مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ كَلْبًا لِصَيْدٍ أَوْ لِحِرَاسَةٍ، بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ وَالْكَلْبِ الْغَيْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَالْمُرْتَدِّ. فَقَوْلُهُ: (أَوْ عَطَشِ) عَطْفٌ عَلَى حُدُوثِ. وَالْمُرَادُ بِالْخَوْفِ: الِاعْتِقَادُ أَوْ الظَّنُّ - أَيْ ظَنُّ التَّلَبُّسِ بِالْعَطَشِ - وَلَوْ فِي الْمُسْتَقْبِلِ، أَيْ الْعَطَشِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرِهِ] : مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ مَعْصُومٍ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ] إلَخْ: أَيْ فَإِنَّ مَا ذَكَرَ غَيْرُ مَعْصُومٍ، فَلَا يَتَيَمَّمُ وَيَدْفَعُ الْمَاءَ لِمَا ذَكَرَ، بَلْ يُعَجِّلُ الْقَتْلَ إنْ أَمْكَنَ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقَتْلِ لِعَدِمِ حَاكِمٍ يَقْتُلُ الْمُرْتَدَّ، وَلِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى قَتْلِ الْكَلْبِ - وَمِثْلُهُ الْخِنْزِيرُ - سَقَى الْمَاءَ مَنْ ذُكِرَ وَتَيَمَّمَ. وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ فَلَا يَسْقِيهِ مُطْلَقًا. وَمِثْلُ الْمُرْتَدِّ: الْجَانِي إذَا ثَبَتَتْ عِنْدَ حَاكِمٍ جِنَايَتُهُ وَحَكَمَ بِقَتْلِهِ قِصَاصًا؛ فَلَا يَدْفَعُ الْمَاءَ إلَيْهِ بَلْ يُعَجِّلُ بِقَتْلِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ دَفَعَ الْمَاءَ لَهُ وَلَا يُعَذِّبُهُ بِالْعَطَشِ. وَلَيْسَ كَجِهَادِ الْحَرْبِيِّينَ، فَإِنَّهُمْ جَوَّزُوهُ بِقَطْعِ الْمَاءِ عَلَيْهِمْ لِيَغْرَقُوا أَوْ عَنْهُمْ لِيَهْلِكُوا بِالْعَطَشِ. وَالدُّبُّ وَالْقِرْدُ مِنْ قَبِيلِ الْمُحْتَرَمِ وَإِنْ كَانَ فِي الْقِرْدِ قَوْلٌ بِحُرْمَةِ أَكْلِهِ. فَإِنْ كَانَ فِي الرُّفْقَةِ زَانٍ مُحْصَنٌ فَإِذَا وَجَدَ صَاحِبُ الْمَاءِ حَاكِمًا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ؛ وَإِلَّا أَعْطَاهُ الْمَاءَ وَتَيَمَّمَ. قَوْلُهُ: [وَالْمُرَادُ بِالْخَوْفِ الِاعْتِقَادُ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْحَيَوَانَ الْمُحْتَرَمَ الَّذِي خِيفَ عَلَيْهِ الْعَطَشُ: إمَّا مُتَلَبِّسٌ بِالْعَطَشِ بِالْفِعْلِ، أَوْ غَيْرُ مُتَلَبِّسٍ. وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يُخَافَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَطَشِ، هَلَاكًا، أَوْ شِدَّةَ أَذًى، أَوْ مَرَضًا خَفِيفًا، أَوْ مُجَرَّدَ جَهْدٍ وَمَشَقَّةٍ. فَهَذِهِ ثَمَانٍ. وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْخَوْفُ تَحْقِيقًا، أَوْ ظَنًّا، أَوْ شَكًّا، أَوْ وَهْمًا، فَهَذِهِ ثِنْتَانِ وَثَلَاثُونَ صُورَةً. أَمَّا قَبْلَ التَّلَبُّسِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ تَحَقَّقَ أَوْ ظَنَّ هَلَاكًا أَوْ شِدَّةَ أَذًى وَجَبَ التَّيَمُّمُ، وَإِنْ تَحَقَّقَ أَوْ ظَنَّ مَرَضًا خَفِيفًا جَازَ التَّيَمُّمُ، فَهَذِهِ سِتٌّ مِنْ سِتَّ عَشْرَةَ. وَالْبَاقِي عَشْرَةٌ لَا يَجُوزُ فِيهَا التَّيَمُّمُ. وَأَمَّا لَوْ تَلَبَّسَ بِالْعَطَشِ فَالْخَوْفُ مُطْلَقًا - عِلْمًا أَوْ ظَنًّا أَوْ شَكًّا أَوْ وَهْمًا - يُوجِبُهُ فِي صُورَتَيْنِ: الْهَلَاكُ وَشِدَّةُ الْأَذَى. وَيُجَوِّزُهُ فِي صُورَةِ: مُجَرَّدِ الْمَرَضِ لَا فِي مُجَرَّدِ الْجَهْدِ. فَهَذِهِ سِتَّ عَشْرَةَ أَيْضًا، ثَمَانِيَةٌ مِنْهَا يَجِبُ التَّيَمُّمُ. وَأَرْبَعَةٌ يَجُوزُ وَأَرْبَعَةٌ لَا يَجُوزُ. وَمَا أَبْدَيْته لَك مِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ هُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْأَصْلُ تَبَعًا لِلْأُجْهُورِيِّ وَهُوَ مَا فِي التَّوْضِيحِ. وَنَازَعَ (ح) فِي ذَلِكَ وَقَالَ: بَلْ الْمُرَادُ بِالْخَوْفِ الْجَزْمُ وَالظَّنُّ فَقَطْ فِي حَالِ التَّلَبُّسِ كَغَيْرِهِ، وَتَبِعَهُ شَارِحُنَا. هُنَا وَنَظَرَ فِيهِ (بْن) نَقْلًا عَنْ المسناوي. وَقَالَ الصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ الْأُجْهُورِيُّ مِنْ التَّفْصِيلِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ.

الْمُؤَدِّي إلَى هَلَاكٍ أَوْ شِدَّةِ أَذًى، لَا مُجَرَّدَ عَطَشٍ. (أَوْ تَلَفِ مَالٍ لَهُ بَالٌ بِطَلَبِهِ) : هَذَا هُوَ الْخَامِسُ، وَهُوَ الْخَائِفُ بِطَلَبِ الْمَاءِ تَلَفَ مَالٍ بِسَرِقَةٍ أَوْ نَهْبٍ. وَالْمُرَادُ بِمَا لَهُ بَالٌ: مَا زَادَ عَلَى مَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ الْمَاءِ بِهِ لَوْ اشْتَرَاهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَاءُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ. وَهَذَا إذَا تَحَقَّقَ وُجُودَ الْمَاءِ الْمَطْلُوبِ أَوْ ظَنَّهُ، فَإِنْ شَكَّ فِي وُجُودِهِ تَيَمَّمَ وَلَوْ قَلَّ الْمَالُ. (أَوْ خُرُوجِ وَقْتٍ بِاسْتِعْمَالِهِ) : هَذَا هُوَ النَّوْعُ السَّادِسُ: وَهُوَ الْخَائِفُ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ خُرُوجَ وَقْتِ الصَّلَاةِ، الَّذِي أَوْلَى بِطَلَبِهِ. فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَطْلُبُهُ وَلَا يَسْتَعْمِلُهُ إنْ كَانَ مَوْجُودًا مُحَافَظَةً عَلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا، وَلَوْ الِاخْتِيَارِيَّ فَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُدْرِكُ مِنْهَا رَكْعَةً فِي وَقْتِهَا إنْ تَوَضَّأَ أَوْ اغْتَسَلَ فَلَا يَتَيَمَّمُ وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْفَرَائِضِ مَرَّةً وَيَتْرُكَ السُّنَنَ وَالْمَنْدُوبَاتِ إنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْوَقْتِ بِفِعْلِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا مُجَرَّدَ عَطَشٍ] : أَيْ لَا مُجَرَّدَ جَهْدٍ مِنْ عَطَشٍ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ زَائِدٍ، فَلَا يَتَيَمَّمُ لِأَجْلِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ تَلَفِ مَالٍ] إلَخْ: وَمِنْ ذَلِكَ الَّذِينَ يَحْرُسُونَ زُرُوعَهُمْ وَالْأُجَرَاءُ الَّذِينَ يَحْصُدُونَ الزَّرْعَ. قَوْلُهُ: [أَوْ خُرُوجِ وَقْتٍ] إلَخْ: هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي رَوَاهُ الْأَبْهَرِيُّ، وَاخْتَارَهُ التُّونُسِيُّ، وَصَوَّبَهُ ابْنُ يُونُسَ، وَشَهَّرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَأَقَامَهُ اللَّخْمِيُّ وَعِيَاضٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَمُقَابِلُهُ: يَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ. وَهُوَ الَّذِي حَكَى عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ - الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ؛ فَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [إنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْوَقْتِ بِفِعْلِهَا] : أَيْ بِفِعْلِ تِلْكَ السُّنَنِ وَالْمَنْدُوبَاتِ. فَلَوْ خَشِيَ فَوَاتَ الْوَقْتِ بِالْفَرَائِضِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ، كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ. فَإِنْ تَيَمَّمَ وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْوَقْتَ بَاقٍ مُتَّسِعٌ أَوْ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ، فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَهَا بِوَجْهٍ جَائِزٍ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. وَأَوْلَى إذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ وَأَمَّا لَوْ تَبَيَّنَ لَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَنَّ الْوَقْتَ بَاقٍ مُتَّسِعٌ أَوْ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ الْوَقْتُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْوُضُوءِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى مَجْمُوعِهِ: أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِهِ يَتَيَمَّمُ وَيَتْرُكُ الْمَاءَ لِضِيقِ الْوَقْتِ مَا لَمْ يَقْصِدْهُ اسْتِثْقَالًا لِلْمَائِيَّةِ فَيُعَامَلُ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ (اهـ) .

[التيمم للجمعة والجنازة]

(أَوْ فَقْدِ مُنَاوِلٍ أَوْ آلَةٍ) : عَطْفٌ عَلَى فَقْدِ مَاءٍ. وَهَذَا هُوَ السَّابِعُ، أَيْ أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَلَكِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُنَاوِلُهُ إيَّاهُ أَوْ لَمْ يَجِدْ آلَةً مِنْ حَبْلٍ أَوْ دَلْوٍ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ. وَلَك أَنْ تُدْخِلَ هَذَا الْقِسْمَ فِي فَاقِدِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ بِإِرَادَةِ فَقْدِ الْقُدْرَةِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، بَلْ إذَا تَحَقَّقْت تَجِدْ الْأَقْسَامَ تَرْجِعُ إلَى قِسْمَيْنِ؛ الْأَوَّلُ: فَاقِدُ الْمَاءِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا؛ فَيَدْخُلُ فِيهِ خَوْفُ عَطَشِ الْمُحْتَرَمِ، وَتَلَفُ الْمَاءِ وَخُرُوجُ الْوَقْتِ بِالطَّلَبِ أَوْ الِاسْتِعْمَالِ. الثَّانِي: فَاقِدُ الْقُدْرَةِ كَذَلِكَ، فَيَشْمَلُ الْبَاقِيَ. وَفَاقِدُ الْقُدْرَةِ مَقِيسٌ عَلَى فَاقِدِ الْمَاءِ الْمَنْصُوصِ فِي الْآيَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ طُلِبَ مِنْهُ التَّيَمُّمُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ اسْتِقْلَالًا وَتَبَعًا، وَلِلْجُمُعَةِ وَالْجِنَازَةِ وَلَوْ لَمْ تَتَعَيَّنْ. إلَّا الصَّحِيحَ الْحَاضِرَ الْعَادِمَ لِلْمَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ لِجُمُعَةٍ وَلَا لِجِنَازَةٍ إلَّا إذَا تَعَيَّنَتْ، وَلَا لِنَفْلٍ اسْتِقْلَالًا وَلَوْ وِتْرًا وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَتَيَمَّمُ صَحِيحٌ حَاضِرٌ لِجُمُعَةٍ، وَلَا تُجْزِئُ،) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ لَمْ يَجِدْ آلَةً] : أَيْ مُبَاحَةً؛ فَوُجُودُ الْآلَةِ الْمُحَرَّمَةِ كَإِنَاءٍ أَوْ سِلْسَةٍ مِنْ ذَهَبٍ يُخْرِجُ بِهِ الْمَاءَ مِنْ الْبِئْرِ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْأَصْلِ تَبَعًا لِ (عب) . قَالَ (بْن) : وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْتَعْمِلُهَا وَلَا يَتَيَمَّمُ. لِأَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ، أَلَا تَرَى مَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ إلَّا ثَوْبَ حَرِيرٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ سَتْرُهَا بِهِ؟ وَقَدْ يُقَوِّي مَا قَالَهُ (عب) أَنَّ الطَّهَارَةَ الْمَائِيَّةَ لَهَا بَدَلٌ، وَهُوَ التَّيَمُّمُ فَلَا يُسَوَّغُ لَهُ ارْتِكَابُ الْمَحْظُورِ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْآلَةِ الْمُحَرَّمَةِ. فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالتَّقَيُّدُ بِالْإِبَاحَةِ ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ. [التَّيَمُّم لِلْجُمُعَةِ وَالْجِنَازَة] قَوْلُهُ: [وَلَا يَتَيَمَّمُ] إلَخْ: أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الطُّهْرِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. فَعَدَمُ إجْزَاءِ تَيَمُّمِهِ لِلْجُمُعَةِ مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ.

وَالْأَظْهَرُ خِلَافُهُ، وَلَا لِجِنَازَةٍ، إلَّا إذَا تَعَيَّنَتْ وَلَا لِنَفْلٍ (اسْتِقْلَالًا) وَلَوْ وِتْرًا (إلَّا تَبَعًا لِفَرْضٍ إنْ اتَّصَلَ بِهِ) : أَمَّا الْجُمُعَةُ فَلَا يَتَيَمَّمُ لَهَا صَحِيحٌ حَاضِرٌ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ، لِأَنَّ لَهَا بَدَلًا، وَهُوَ الظُّهْرُ، فَأَشْبَهَتْ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ النَّفَلَ وَهُوَ لَا يَتَيَمَّمُ لِنَفْلٍ. وَأَمَّا الْجِنَازَةُ فَلِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ مَتَى وُجِدَ مُتَوَضِّئٌ غَيْرُهُ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَتْ النَّفَلَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُتَوَضِّئِ. وَالْحَاضِرُ الصَّحِيحُ لَا يَتَيَمَّمُ لِنَفْلٍ فَلَوْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى بِهِ الْجُمُعَةَ لَمْ تُجْزِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَلَوْ بِتَيَمُّمٍ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَخِلَافُ الْمَشْهُورِ نَظَرَ إلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ مُتَعَيِّنَةٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ قُلْنَا إنَّ لَهَا بَدَلًا، فَقَالَ بِوُجُوبِ التَّيَمُّمِ لَهَا كَغَيْرِهَا، وَهُوَ أَظْهَرُ مَدْرَكًا مِنْ الْمَشْهُورِ. فَلِذَا قُلْنَا: (وَالْأَظْهَرُ خِلَافُهُ) أَيْ خِلَافَ الْمَشْهُورِ، هَذَا وَظَاهِرُ كَثِيرٍ مِنْ النُّقُولِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي عَادِمِ الْمَاءِ وَقْتَ أَدَائِهَا فَقَطْ مَعَ عِلْمِهِ بِوُجُودِهِ بَعْدَهَا، أَوْ فِيمَنْ خَافَ بِاسْتِعْمَالِهِ فَوَاتَهَا. وَأَمَّا الْعَادِمُ لَهُ فِي جَمِيعُ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لَهَا - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْأَظْهَرُ خِلَافُهُ] : أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فَرْضُ يَوْمِهَا، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَشْهُورٍ. وَلِذَلِكَ سَيَأْتِي يَقُولُ: [وَهُوَ أَظْهَرُ] مَدْرَكًا مِنْ الْمَشْهُورِ. قَوْلُهُ: [إلَّا إذَا تَعَيَّنَتْ] : أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهَا سُنَّةُ كِفَايَةٍ فَلَا يَتَيَمَّمُ لَهَا الْحَاضِرُ الصَّحِيحُ وَلَوْ تَعَيَّنَتْ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ وِتْرًا] : أَيْ وَلَوْ مَنْذُورًا فَلَا يَتَيَمَّمُ لَهُ الْحَاضِرُ الصَّحِيحُ نَظَرًا لِأَصْلِهِ، وَلَيْسَ كَجِنَازَةٍ تَعَيَّنَتْ؛ لِأَنَّ مَا أَوْجَبَهُ الشَّارِعُ عَلَى الْمُكَلَّفِ قَوِيٌّ مِمَّا أَوْجَبَهُ هُوَ عَلَى نَفْسِهِ، فَتَدَبَّرْ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى مَجْمُوعِهِ) . قَوْلُهُ: [هَذَا] : مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ افْهَمْ هَذَا. قَوْلُهُ: [وَظَاهِرُ كَثِيرٍ] إلَخْ: قَالَ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ مَجْمُوعِهِ: رَجَّحَ بَعْضٌ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ التَّيَمُّمِ لَهَا إذَا خَشِيَ بِطَلَبِ الْمَاءِ فَوَاتَهَا فَيَطْلُبَهُ لِظُهْرٍ، أَمَّا إنْ كَانَ فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الْمَاءِ بِالْمَرَّةِ فَيُصَلِّيَهَا بِالتَّيَمُّمِ كَالظُّهْرِ، وَلَكِنْ فِي تَوْضِيحِ الْأَصْلِ مَنَعَ إطْلَاقَ التَّيَمُّمِ، انْتَهَى. فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَصَدِّقْ الشَّارِحَ فِي قَوْلِ: [وَالْوَجْهُ أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ] : أَيْ مَسْأَلَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا؛ وَهِيَ مَا إذَا خَشِيَ بِطَلَبِ الْمَاءِ فَوَاتَهَا، وَمَسْأَلَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَهِيَ مَا إذَا كَانَ فَرْضُهُ التَّيَمُّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ بِالْمَرَّةِ فَيُصَلِّيهَا بِالتَّيَمُّمِ وَلَا يَدَعُهَا وَيُصَلِّي الظُّهْرَ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ (ح) عَنْ ابْنِ يُونُسَ.

جَزْمًا. وَالْوَجْهُ أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ - أَيْ طَرِيقَتَانِ - لَا تُرَدُّ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، فَتَأَمَّلْ. وَكَذَا لَا يَتَيَمَّمُ الْحَاضِرُ الصَّحِيحُ لِجِنَازَةٍ إلَّا إذَا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ مِنْ مُتَوَضِّئٍ أَوْ مَرِيضٍ أَوْ مُسَافِرٍ، وَلَا لِنَفْلٍ اسْتِقْلَالًا وَلَوْ وِتْرًا إلَّا تَبَعًا لَفَرْضٍ كَأَنْ يَتَيَمَّمَ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ ثُمَّ يُتْبِعُهُ بِنَفْلٍ أَوْ لِلْعِشَاءِ ثُمَّ يُصَلِّي الشَّفْعَ وَالْوِتْرَ بِتَيَمُّمِ الْعِشَاءِ، بِشَرْطِ أَنْ يَتَّصِلَ النَّفَلُ بِالْفَرْضِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، فَلَا يَضُرُّ يَسِيرُ فَصْلٍ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَرِيضَ وَالْمُسَافِرَ يَتَيَمَّمَانِ لِلْجِنَازَةِ تَعَيَّنَتْ أَمْ لَا، وَلِلنَّفْلِ اسْتِقْلَالًا، وَأَوْلَى تَبَعًا، كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا. وَأَمَّا الْحَاضِرُ الصَّحِيحُ فَلَا يَتَيَمَّمُ لِنَفْلٍ وَلَوْ سُنَّةً اسْتِقْلَالًا، وَلَا لِجِنَازَةٍ إلَّا إذَا تَعَيَّنَتْ، وَقَوْلُهُ (إلَّا تَبَعًا) : اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، أَيْ لَكِنْ إنْ صَلَّى نَفْلًا بِتَيَمُّمٍ لِفَرْضٍ جَازَ بِالتَّبَعِيَّةِ لِذَلِكَ الْفَرْضِ، إنْ اتَّصَلَ بِالْفَرْضِ، وَكَذَا إنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ. وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ الْفَرْضُ بَعْدَهُ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ، كَمَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ فِيمَا بَعْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ] : وَهَذَا التَّقَيُّدُ لِلْأُجْهُورِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ. فَوُجُودُ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ يَمْنَعُ مِنْ تَيَمُّمِ الْحَاضِرِ الصَّحِيحِ، وَفِي (ح) و (ر) خِلَافُهُ وَإِنْ تَعَدَّدَ الْحَاضِرُونَ الْأَصِحَّاءُ صَحَّتْ لَهُمْ مَعًا، وَيَجْرِي مَنْ لَحِقَ فِي الْأَثْنَاءِ عَلَى سُقُوطِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ لِتَعَيُّنِهِ بِالشُّرُوعِ. وَعَدَمِ تَعَيُّنِهِ؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ إنَّمَا تَحْصُلُ بِالتَّمَامِ. وَفَائِدَةُ التَّعَيُّنِ حُرْمَةُ الْقَطْعِ لَا السُّقُوطِ عَنْ غَيْرِ الشَّارِعِ فِيهِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى مَجْمُوعِهِ. قَوْلُهُ: [بِشَرْطِ أَنْ يَتَّصِلَ] إلَخْ: وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ النَّوَافِلِ كَمَا أَفَادَهُ (ح) قَالَ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ (عب) : إنَّ شَرْطَ نِيَّتِهَا ضَعِيفٌ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى مَجْمُوعِهِ) . قَوْلُهُ: [فَلَا يَضُرُّ يَسِيرُ فَصْلٍ] : أَيْ بَيْنَ النَّوَافِلِ وَالْفَرْضِ وَبَيْنَ النَّوَافِلِ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ قَالَ فِي الْأَصْلِ: لَا إنْ طَالَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ. وَيَسِيرُ الْفَصْلِ عَفْوٌ، وَمِنْهُ آيَةُ الْكُرْسِيِّ وَالْمُعَقِّبَاتُ، وَأَنْ لَا يُكْثِرَ فِي نَفْسِهِ جِدًّا بِالْعُرْفِ (اهـ) وَقَالَ فِي تَكْرِيرِهِ: الْكَثْرَةُ جِدًّا كَالزِّيَادَةِ عَلَى التَّرَاوِيحِ مَعَ الشَّفْعِ وَالْوِتْرِ، فَيَجُوزُ فِعْلُهَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ لِعَدَمِ الْكَثْرَةِ جِدًّا (اهـ) . قَوْلُهُ: [اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ] : أَيْ فِي قُوَّةِ الِاسْتِدْرَاكِ، فَلِذَلِكَ قَالَ: [أَيْ لَكِنْ] إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا إنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ] : ظَاهِرُهُ أَنَّ تَقْدِيمَهُ عَلَيْهِ جَائِزٌ لَكِنْ لَا يَصِحُّ

[ما يبيحه التيمم]

(وَجَازَ نَفْلٌ، وَمَسُّ مُصْحَفٍ، وَقِرَاءَةٌ، وَطَوَافٌ وَرَكْعَتَاهُ بِتَيَمُّمِ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ، وَصَحَّ الْفَرْضُ إنْ تَأَخَّرَتْ) : يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَيَمَّمَ لِفَرْضٍ - سَوَاءٌ كَانَ حَاضِرًا صَحِيحًا أَوْ لَا - أَوْ لِنَفْلٍ اسْتِقْلَالًا، بِأَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ نَفْلًا وَجِنَازَةً، وَأَنْ يَمَسَّ بِهِ الْمُصْحَفَ، وَيَقْرَأَ الْقُرْآنَ إنْ كَانَ جُنُبًا، وَأَنْ يَطُوفَ وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْهِ، وَسَوَاءٌ قَدَّمَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عَلَى الْفَرْضِ أَوْ النَّفْلِ الَّذِي قَصَدَهُ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ أَوْ أَخَّرَهَا عَنْهُ بِشَرْطِ الِاتِّصَالِ كَمَا تَقَدَّمَ. لَكِنْ إنْ قَدَّمَ عَلَيْهَا مَا قَصَدَهُ بِالتَّيَمُّمِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ قَدَّمَهَا عَلَى مَا قَصَدَهُ بِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِهِ نَفْلًا كَأَنْ تَيَمَّمَ مَرِيضٌ أَوْ مُسَافِرٌ لِصَلَاةِ الضُّحَى مَثَلًا جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَرْضُ إلَّا إذَا تَأَخَّرَ عَنْهُ، وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ (ح) : أَنَّ الْقُدُومَ عَلَى فِعْلِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ بِتَيَمُّمِ الْفَرْضِ قَبْلَهُ لَا يَجُوزُ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) وَعَلَى مَا قَالَهُ (ح) فَلَا يَرِدُ اعْتِرَاضٌ عَنْ خَلِيلٍ. [مَا يبيحه التَّيَمُّم] قَوْلُهُ: [وَإِنْ تَقَدَّمَتْ] : ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُبَالَغَةٌ فِي الْجَوَازِ، وَمُقْتَضَى مَا قَالَهُ (ح) أَنَّهُ مُبَالَغَةٌ فِي مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَتُجْزِئُ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ، جَوَازُ فِعْلِ مَا ذُكِرَ بِتَيَمُّمِ الْفَرْضِ أَوْ النَّفْلِ تَقَدَّمَ عَنْ الْمَنْوِيِّ أَوْ تَأَخَّرَ. وَشَرْطُ صِحَّةِ الْفَرْضِ إنْ تَأَخَّرَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَنْهُ لَا إنْ تَقَدَّمَتْ أَوْ شَيْءٌ مِنْهَا، فَلَا يَصِحُّ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ مَسَّ مُصْحَفٍ أَوْ قِرَاءَةً لَا تُخِلُّ بِالْمُوَالَاةِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ. بَلْ تَقَدُّمُ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَالْقِرَاءَةِ الَّتِي لَا تُخِلُّ بِالْمُوَالَاةِ، لَا يَضُرُّ، كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ. وَانْظُرْ لَوْ تَيَمَّمَ لِلْفَرْضِ أَوْ النَّفْلِ وَأَخْرَجَ بَعْضَ

[تنبيه التيمم لنافلة]

النَّفَلَ الْمَقْصُودَ بَعْدَهَا. وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِهِ فَرْضًا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُصَلِّيَهُ بَعْدَ أَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا. فَقَوْلُهُ: (وَصَحَّ الْفَرْضُ إنْ تَأَخَّرَتْ) أَيْ صَحَّ الْفَرْضُ الَّذِي قُصِدَ لَهُ التَّيَمُّمُ مِنْ حَاضِرٍ صَحِيحٍ أَوْ مُسَافِرٍ أَوْ مَرِيضٍ إنْ قَدَّمَهُ عَلَيْهَا، لَا إنْ قَدَّمَهَا أَوْ شَيْئًا مِنْهَا عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا صَرَّحْنَا بِهَذَا - وَإِنْ عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ - لِأَنَّ كَلَامَ الشَّيْخِ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: " إنْ تَأَخَّرَتْ " ظَاهِرُهُ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي قَوْلِهِ: " وَجَازَ جِنَازَةٌ " إلَخْ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَجُوزُ مُطْلَقًا تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ كَمَا عَلِمْت. فَلِذَا قَالَ الشُّرَّاحُ: هُوَ شَرْطٌ فِي مُقَدَّرٍ؛ أَيْ وَشَرْطُ صِحَّةِ الْفَرْضِ الْمَنْوِيِّ لَهُ التَّيَمُّمُ إنْ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ وَلَكِنْ لَا دَلِيلَ عَلَى هَذَا الْمُقَدَّرِ. وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ يَتَيَمَّمُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ غَيْرَ مَا نَوَاهُ مِنْهَا مُتَقَدِّمًا وَمُتَأَخِّرًا لَا الْفَرْضَ إذَا نَوَى لَهُ التَّيَمُّمَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا تَقَدَّمَ. (لَا فَرْضٌ آخَرُ وَإِنْ قُصِدَا بِهِ، وَبَطَلَ الثَّانِي، وَإِنْ مُشْتَرِكَةً وَلَوْ مِنْ مَرِيضٍ) : أَيْ لَا يَصِحُّ فَرْضٌ آخَرُ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ قُصِدَا مَعًا بِتَيَمُّمٍ. فَالثَّانِي بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَتْ - ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ مَا أَخْرَجَهُ جَرْيًا عَلَى إخْرَاجِ بَعْضِ الْمُسْتَبَاحِ مِنْ نِيَّةِ الْوُضُوءِ؟ وَهُوَ مَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْحَاشِيَةِ، أَوْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ الْمُخْرَجَ لِضَعْفِ التَّيَمُّمِ؟ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى (عب) (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: [إذْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ] إلَخْ: هَذَا عَلَى غَيْرِ مَا قَالَهُ (ح) كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ] : أَيْ وَلَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا. [تَنْبِيه التَّيَمُّم لنافلة] قَوْلُهُ: [وَإِنْ مُشْتَرِكَةً] : رَدٌّ بِالْمُبَالَغَةِ عَلَى أَصْبَغَ حَيْثُ قَالَ: إذَا صَلَّى فَرْضَيْنِ مُشْتَرِكَيْنِ بِتَيَمُّمٍ فَإِنَّهُ يُعِيدُ ثَانِيَةَ ثَانِيَةَ فِي الْوَقْتِ، وَأَمَّا ثَانِيَةُ غَيْرِهِمَا فَيُعِيدُهَا أَبَدًا، وَتَصِحُّ الْأُولَى عَلَى كُلِّ حَالٍ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . تَنْبِيهٌ: كَمَا لَا تَصِحُّ النَّافِلَةُ بِالْوُضُوءِ الْمُسْتَحَبِّ، كَالْوُضُوءِ لِزِيَارَةِ الْأَوْلِيَاءِ، لَا تَصِحُّ بِالتَّيَمُّمِ لِذَلِكَ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ خَلِيلٍ: " لَا بِتَيَمُّمٍ لِمُسْتَحَبٍّ "، فَإِنَّ اللَّامَ فِي كَلَامِهِ مُقْحَمَةٌ، وَقَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ لَا بِتَيَمُّمِ مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهَارَةٍ كَقِرَاءَةِ غَيْرِ الْجُنُبِ (اهـ) .

[طلب الماء وشراؤه]

الصَّلَاةُ الثَّانِيَةُ مُشْتَرِكَةً فِي الْوَقْتِ مَعَ الْأُولَى، كَالْعَصْرِ مَعَ الظُّهْرِ وَلَوْ كَانَ التَّيَمُّمُ مِنْ مَرِيضٍ يَشُقُّ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ. (وَلَزِمَ شِرَاءُ الْمَاءِ بِثَمَنٍ اُعْتِيدَ وَإِنْ بِذِمَّتِهِ إنْ لَمْ يَحْتَجْ لَهُ) : أَيْ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفُ الَّذِي لَمْ يَجِدْ مَاءً لِطَهَارَتِهِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِالثَّمَنِ الْمُعْتَادِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ؛ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، إنْ كَانَ غَنِيًّا بِبَلَدِهِ أَوْ يُتَرَجَّى الْوَفَاءُ بِبَيْعِ شَيْءٍ أَوْ اقْتِضَاءِ دَيْنٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَمَحَلُّ وُجُوبِ شِرَائِهِ إذَا لَمْ يَحْتَجْ لِذَلِكَ الثَّمَنِ فِي مَصَارِفِهِ، وَإِلَّا جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ كَمَا لَوْ زَادَ الثَّمَنُ عَلَى الْمُعْتَادِ وَلَوْ غَنِيًّا. (وَقَبُولُ هِبَتِهِ وَاقْتِرَاضه) : أَيْ وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُ هِبَتِهِ إذَا وُهِبَ لَهُ لِأَجْلِ التَّطَهُّرِ بِهِ، لِأَنَّ الْمِنَّةَ فِيهِ ضَعِيفَةٌ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا أَنْ يَقْتَرِضَهُ إنْ رَجَا الْوَفَاءَ. (وَطَلَبُهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ طَلَبًا لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ دُونَ الْمِيلَيْنِ، إلَّا إذَا ظَنَّ عَدَمَهُ) : يَعْنِي - ـــــــــــــــــــــــــــــQ [طَلَب الْمَاء وَشِرَاؤُهُ] قَوْلُهُ: [كَمَا لَوْ زَادَ الثَّمَنُ عَلَى الْمُعْتَادِ] : ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ تَافِهَةً، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ وَإِنْ زِيدَ فِي الْمُعْتَادِ مِثْلُ ثُلُثِهِ، فَإِنْ زِيدَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَلْزَمُهُ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ لَهُ بَالٌ، أَمَّا لَوْ كَانَ بِمَحَلٍّ لَا بَالَ لِثَمَنِ مَاءٍ يَتَوَضَّأُ بِهِ فِيهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ وَلَوْ زِيدَ عَلَيْهِ فِي الثَّمَنِ مِثْلُ ثُلُثَيْهِ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [وَقَبُولُ هِبَتِهِ] إلَخْ: مُرَادُهُ مَا يَشْمَلُ الصَّدَقَةَ حَيْثُ لَا مِنَّةَ، وَكَمَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ يَلْزَمُهُ طَلَبُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [إنْ رَجَا الْوَفَاءَ] : قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ: يَلْزَمُهُ اقْتِرَاضُ الْمَاءِ، وَيَلْزَمُهُ قَبُولُ قَرْضِهِ، وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ الْوَفَاءَ، فَفَرَّقَ بَيْنَ اقْتِرَاضِ الْمَاءِ وَاقْتِرَاضِ ثَمَنِهِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ شَيْخِنَا مِثْلُهُ. [تَنْبِيه طَلَب الْمَاء مِنْ الرِّفَاق وَالشُّحّ بِهِ] قَوْلُهُ: [وَطَلَبُهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ] إلَخْ: حَاصِلُ مَا أَفَادَهُ الْمَتْنُ وَالشَّارِحُ: أَنَّ صُوَرَ الْمَسْأَلَةِ عِشْرُونَ. لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ مُحَقَّقَ الْوُجُودِ، أَوْ مَظْنُونَهُ، أَوْ مَشْكُوكًا فِيهِ، أَوْ مُحَقَّقَ الْعَدَمِ، أَوْ مَظْنُونَهُ، فَهَذِهِ خَمْسٌ. وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى مِيلَيْنِ أَوْ أَقَلَّ، فَهَذِهِ عَشْرٌ. وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الطَّلَبُ، أَوْ لَا. أَمَّا إذَا كَانَ مُحَقَّقَ الْعَدَمِ أَوْ مَظْنُونَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ طَلَبٌ مُطْلَقًا. وَأَمَّا إذَا كَانَ مُحَقَّقَ الْوُجُودِ أَوْ مَظْنُونَهُ أَوْ مَشْكُوكَهُ فَيَلْزَمُهُ الطَّلَبُ فِيمَا دُونَ الْمِيلَيْنِ إنْ لَمْ يَشُقَّ وَإِلَّا فَلَا.

[اليائس من طلب الماء]

أَنَّ مَنْ لَمْ يَظُنَّ عَدَمَ الْمَاءِ فِي مَكَان - بِأَنْ كَانَ مُتَرَدِّدًا فِي وُجُودِهِ أَوْ ظَانًّا لِوُجُودِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ وَالتَّفْتِيشُ عَلَيْهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ طَلَبًا لَا يَشُقُّ عَلَى مِثْلِهِ فِيمَا دُونَ الْمِيلَيْنِ. فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَوْ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَجِدُهُ إلَّا بَعْدَ مَسَافَةِ مِيلَيْنِ فَلَا يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ وَلَوْ كَانَ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الشَّأْنَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَشَقَّةُ. كَمَا لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ فِيمَا دُونَ الْمِيلَيْنِ إذَا شَقَّ عَلَيْهِ، أَوْ خَافَ فَوَاتَ رُفْقَةٍ، وَكَذَا إذَا ظَنَّ عَدَمَهُ، وَأَوْلَى الْيَائِسُ مِنْهُ. (فَالْيَائِسُ أَوَّلَ الْمُخْتَارِ، وَالْمُتَرَدِّدُ فِي لُحُوقِهِ أَوْ وُجُودِهِ وَسَطَهُ، وَالرَّاجِي آخِرَهُ) : يَعْنِي إذَا عَلِمْت مَنْ فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ لِعَدَمِ الْمَاءِ أَوْ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ آيِسًا، أَوْ مُتَرَدِّدًا، أَوْ رَاجِيًا. فَالْيَائِسُ مِنْ وُجُودِهِ أَوْ لُحُوقِهِ أَوْ مِنْ زَوَالِ الْمَانِعِ - وَهُوَ الْجَازِمُ أَوْ الْغَالِبُ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ مَا ذَكَرَ فِي الْمُخْتَارِ، يَتَيَمَّمُ نَدْبًا أَوَّلَ الْمُخْتَارِ. وَالْمُتَرَدِّدُ فِي ذَلِكَ - وَهُوَ الشَّاكُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: كَمَا يَلْزَمُهُ طَلَبُ الْمَاءِ عَلَى دُونِ الْمِيلَيْنِ يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ مِنْ رُفْقَةٍ قَلَّتْ - كَالْأَرْبَعَةِ - كَانَتْ حَوْلَهُ أَمْ لَا، أَوْ مِمَّنْ حَوْلَهُ مِنْ رُفْقَةٍ كَثِيرَةٍ إنْ جَهِلَ بُخْلَهُمْ بِهِ بِأَنْ اعْتَقَدَ الْإِعْطَاءَ أَوْ ظَنَّهُ أَوْ شَكَّ أَوْ تَوَهَّمَ. فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى أَعَادَ أَبَدًا إنْ اعْتَقَدَ أَوْ ظَنَّ الْإِعْطَاءَ. وَفِي الْوَقْتِ، إنْ شَكَّ. وَلَمْ يُعِدْ، إنْ تَوَهَّمَ. وَهَذَا كُلُّهُ إنْ تَبَيَّنَ وُجُودُ الْمَاءِ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ. فَإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمُهُ فَلَا إعَادَةَ مُطْلَقًا. وَمَفْهُومُ قَوْلِنَا: جَهِلَ بُخْلَهُمْ بِهِ، أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ بُخْلَهُمْ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَبٌ: (اهـ. مِنْ الْأَصْلِ) . فَرْعٌ: إذَا شَحَّ الْعَبْدُ بِمَائِهِ عَلَى سَيِّدِهِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ نَزْعُهُ؟ وَاسْتَظْهَرُوا جَوَازَ التَّيَمُّمِ. قَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ: وَلَعَلَّ الْأَظْهَرَ الِانْتِزَاعُ حَيْثُ لَا ضَرَرَ. [الْيَائِس مِنْ طَلَب الْمَاء] قَوْلُهُ: [يَتَيَمَّمُ نَدْبًا أَوَّلَ الْمُخْتَارِ] : فَإِنْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى كَمَا أُمِرَ، ثُمَّ وَجَدَ مَاءً فِي الْوَقْتِ بَعْدَ صَلَاتِهِ، فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ وَجَدَ مَا أَيِسَ مِنْهُ أَوْ غَيْرَهُ، كَمَا هُوَ مُقْتَضَى نَقْلِ (ح) وَالْمَوَّاقِ وَنَصِّ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: إنْ وَجَدَ مَا أَيِسَ مِنْهُ أَعَادَ لِخَطَئِهِ، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ فَلَا إعَادَةَ. وَضَعَّفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .

[المقصر في طلب الماء]

وَمِثْلُهُ الظَّانُّ ظَنًّا قَرِيبًا مِنْ الشَّكِّ - يَتَيَمَّمُ نَدْبًا وَسَطَهُ. وَالرَّاجِي - وَهُوَ الظَّانُّ الْوُجُودَ أَوْ اللُّحُوقَ أَوْ زَوَالَ الْمَانِعِ يَتَيَمَّمُ - آخِرَهُ نَدْبًا. وَلَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ لِلضَّرُورِيِّ، فَالتَّفْصِيلُ فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ؛ إذْ لَا امْتِدَادَ لِاخْتِيَارَيْهَا. (وَلَا إعَادَةَ إلَّا لِمُقَصِّرٍ، فَفِي الْوَقْتِ) : يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَنْ أُمِرَ بِالتَّيَمُّمِ - إذَا تَيَمَّمَ وَصَلَّى - فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ. إلَّا أَنْ يَكُونَ مُقَصِّرًا، أَيْ عِنْدَهُ نَوْعٌ مِنْ التَّقْصِيرِ، فَيُعِيدَ فِي الْوَقْتِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْمُقَصِّرِ بِقَوْلِهِ: (كَوَاجِدِهِ بَعْدَ طَلَبِهِ بِقُرْبِهِ أَوْ رَحْلِهِ، وَخَائِفِ لِصٍّ أَوْ سَبُعٍ، فَتَبَيَّنَ عَدَمُهُ، وَمَرِيضٍ عَدِمَ مُنَاوِلًا، وَرَاجٍ قَدَّمَ، وَمُتَرَدِّدٍ فِي لُحُوقٍ فَلَحِقَهُ، كَنَاسٍ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَسَطَهُ] : قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَمِثْلُهُ مَرِيضٌ عَدِمَ مُنَاوِلًا وَخَائِفُ لِصٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ مَسْجُونٌ، فَيُنْدَبُ لَهُمْ التَّيَمُّمُ وَسَطَهُ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ آيِسًا أَوْ رَاجِيًا (اهـ.) قَالَ مُحَشِّيهِ: وَأَصْلُ الْعِبَارَةِ لِلطِّرَازِ. وَلَكِنَّ الْمُوَافِقَ لِكَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ حَمْلُهُ عَلَى الْمُتَرَدِّدِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. قَوْلُهُ: [آخِرَهُ نَدْبًا] : قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِأَنَّهُ حِينَ خُوطِبَ بِالصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ وَاجِدًا لِلْمَاءِ فَدَخَلَ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] . قَوْلُهُ: [فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ] إلَخْ: وَأَمَّا قَوْلُ خَلِيلٍ وَفِيهَا تَأْخِيرُهُ الْمَغْرِبَ لِلشَّفَقِ، فَضَعِيفٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ، وَهُوَ أَنَّ وَقْتَهَا الِاخْتِيَارِيَّ يَمْتَدُّ لِلشَّفَقِ، وَأَفْهَمُ قَوْلَهُ: [أَوَّلَ الْمُخْتَارِ] أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الضَّرُورِيِّ لَتَيَمَّمَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ آيِسٍ وَغَيْرِهِ. [المقصر فِي طَلَب الْمَاء] قَوْلُهُ: [وَلَا إعَادَةَ] : فِي (عَبَّ) وَغَيْرِهِ حُرْمَةُ الْإِعَادَةِ. قَالَ شَيْخُنَا: لَيْسَ فِي النَّقْلِ تَصْرِيحٌ بِالْحُرْمَةِ. (اهـ. مِنْ شَيْخِنَا فِي مَجْمُوعِهِ) . قَالَ فِي حَاشِيَتِهِ: لَكِنْ لَهَا وَجْهٌ إنْ كَانَتْ الْإِعَادَةُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُ الطَّهَارَةِ التُّرَابِيَّةِ اسْتِضْعَافًا لَهَا عَلَى الْمَائِيَّةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِظْهَارِ عَلَى الشَّارِعِ فِيمَا شَرَعَ (اهـ) . قَوْلُهُ: [فَيُعِيدَ فِي الْوَقْتِ] : أَلْ فِيهِ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ أَيْ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ: [فَالْآيِسُ أَوَّلَ الْمُخْتَارِ] بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [بَعْدَ طَلَبِهِ] : أَمَّا إنْ تَرَكَ الطَّلَبَ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَ مَا كَانَ ظَانًّا لَهُ أَوْ مُتَرَدِّدًا فِيهِ فِيمَا دُونَ الْمِيلَيْنِ، أَوْ فِي الرَّحْلِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا حَيْثُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي

ذَكَرَ بَعْدَهَا) : أَيْ أَنَّ مَنْ وَجَدَ الْمَاءَ الَّذِي فَتَّشَ عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ الْمِيلَيْنِ: بِعَيْنِهِ بِقُرْبِهِ - أَيْ فِيمَا دُونَ الْمِيلَيْنِ - فَإِنَّهُ يُعِيدُ صَلَاتَهُ فِي الْوَقْتِ نَدْبًا لِتَفْرِيطِهِ، إذْ لَوْ أَمْعَنَ النَّظَرَ لَوَجَدَهُ، فَلِذَا لَوْ وَجَدَ غَيْرَهُ أَوْ وَجَدَهُ بَعْدَ بُعْدٍ لَمْ يُعِدْ. وَكَذَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ مَنْ فَتَّشَ عَلَيْهِ فِي رَحْلِهِ فَلَمْ يُصَادِفْهُ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَهُ فِيهِ بِعَيْنِهِ. وَكَذَا الْخَائِفُ مِنْ لِصٍّ أَوْ سَبُعٍ عَلَى الْمَاءِ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ عَدَمُ مَا خَافَ مِنْهُ لَا إنْ اسْتَمَرَّ عَلَى خَوْفِهِ، وَأَوْلَى إنْ تَحَقَّقَ مَا خَافَ مِنْهُ، وَلَا إنْ وَجَدَ مَاءً غَيْرَ مَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللُّصُوصِ. وَالْمُرَادُ بِالْخَوْفِ: الظَّنُّ. وَكَذَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ مَرِيضٌ يَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُنَاوِلُهُ إيَّاهُ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى، ثُمَّ وَجَدَ مُنَاوِلًا. وَهَذَا فِي مَرِيضٍ شَأْنُهُ أَنْ لَا يَتَرَدَّدَ عَلَيْهِ النَّاسُ، وَأَمَّا مَنْ شَأْنُهُ التَّرَدُّدُ عَلَيْهِ فَلَا تَفْرِيطَ عِنْدَهُ لِجَزْمِهِ أَوْ ظَنِّهِ مُنَاوِلًا، فَلْيُتَأَمَّلْ. وَكَذَا يُعِيدُ الرَّاجِي وُجُودَ الْمَاءِ آخِرَ الْوَقْتِ؛ فَقَدَّمَ الصَّلَاةَ بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ وَجَدَ فِي الْوَقْتِ مَا كَانَ يَرْجُوهُ. وَكَذَا الْمُتَرَدِّدُ فِي لُحُوقِهِ إذَا صَلَّى وَسَطَ الْوَقْتِ ثُمَّ لَحِقَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّلَبِ، وَكَذَا إنْ طَلَبَهُ فَلَمْ يَجِدْهُ فَتَيَمَّمَ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ قَبْلَ صَلَاتِهِ. فَإِنَّ التَّيَمُّمَ يَبْطُلُ، فَإِنْ صَلَّى بِهِ أَعَادَ أَبَدًا، كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [بَعْدَ بُعْدٍ] : بِأَنْ كَانَ عَلَى مِيلَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَصَلَّى] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ وَجَدَهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَيُعِيدُ أَبَدًا، كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا الْخَائِفُ مِنْ لِصٍّ] : أَيْ فَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ بِقُيُودٍ أَرْبَعَةٍ: أَنْ يَتَبَيَّنَ عَدَمُ مَا خَافَهُ بِأَنْ ظَهَرَ أَنَّهُ شَجَرٌ مَثَلًا، وَأَنْ يَتَحَقَّقَ الْمَاءَ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ، وَأَنْ يَكُونَ خَوْفُهُ جَزْمًا أَوْ ظَنًّا، وَأَنْ يَجِدَ الْمَاءَ بِعَيْنِهِ. فَإِنْ تَبَيَّنَ حَقِيقَةُ مَا خَافَهُ، أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ، أَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَاءَ، أَوْ وَجَدَ غَيْرَ الْمَاءِ الْمَخُوفِ، فَلَا إعَادَةَ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ خَوْفُهُ شَكًّا أَوْ وَهْمًا فَالْإِعَادَةُ أَبَدًا (اهـ. مِنْ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [فَلْيُتَأَمَّلْ] : إنَّمَا أَمَرَ بِالتَّأَمُّلِ لِبُعْدِ التَّقْصِيرِ عَنْ الْمَرِيضِ. وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ نَاجِي: الْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ مُطْلَقًا عَلَى الْمَرِيضِ الَّذِي عَدِمَ مُنَاوِلًا سَوَاءٌ كَانَ لَا يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ الدَّاخِلُونَ أَوْ يَتَكَرَّرُ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُنَاوِلُهُ إيَّاهُ إنَّمَا تَرَكَ الِاسْتِعْدَادَ لِلْمَاءِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ فَلَا إعَادَةَ مُطْلَقًا (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ بْن) .

[فرائض التيمم]

فِي الْوَقْتِ مَا كَانَ مُتَرَدِّدًا فِيهِ. بِخِلَافِ الْمُتَرَدِّدِ فِي الْوُجُودِ، فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إنْ وَجَدَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُودِ. وَكَذَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ مَنْ نَسِيَ الْمَاءَ الَّذِي مَعَهُ ثُمَّ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ أَنْ صَلَّى: بِالتَّيَمُّمِ لِتَفْرِيطِهِ إذْ النَّاسِي عِنْدَهُ نَوْعُ تَفْرِيطٍ فَإِنْ تَذَكَّرَهُ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ كَمَا يَأْتِي، وَالْمُرَادُ بِالْوَقْتِ هُنَا الْوَقْتُ الِاخْتِيَارِيُّ. (وَفَرَائِضُهُ: نِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ أَوْ فَرْضِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ الضَّرْبَةِ الْأُولَى، وَلَزِمَ نِيَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إنْ وَجَدَهُ] إلَخْ: أَيْ سَوَاءٌ تَيَمَّمَ فِي وَسْطِ الْوَقْتِ أَوْ قَدَّمَ أَوَّلَهُ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ. قَوْلُهُ: [وَالْمُرَادُ بِالْوَقْتِ] إلَخْ: قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ أُمِرَ بِالْإِعَادَةِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ بِالْمَاءِ إلَّا الْمُقْتَصِرَ عَلَى كُوعَيْهِ، وَالْمُتَيَمِّمُ عَلَى مُصَابِ بَوْلٍ، وَمَنْ وَجَدَ بِثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ مَكَانِهِ نَجَاسَةً، وَمَنْ تَذَكَّرَ إحْدَى الْحَاضِرَتَيْنِ: بَعْدَ مَا صَلَّى الثَّانِيَةَ مِنْهُمَا. وَمَنْ يُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ، وَمَنْ يُقَدِّمُ الْحَاضِرَةَ عَلَى يَسِيرِ الْمَنْسِيِّ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُعِيدُونَ وَلَوْ بِالتَّيَمُّمِ. وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَقْتِ الْوَقْتُ الِاخْتِيَارِيُّ إلَّا فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُ الضَّرُورِيُّ مَا عَدَا الْمُقْتَصِرَ عَلَى كُوعَيْهِ، فَإِنَّهُ الِاخْتِيَارِيُّ (اهـ) . [فَرَائِض التَّيَمُّم] [تَنْبِيه التَّيَمُّم هَلْ يرفع الْحَدَث] وَقَوْلُهُ: [وَفَرَائِضُهُ] إلَخْ: هُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ خَمْسَةٌ، كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَهِيَ خَمْسَةٌ. وَقَوْلُهُ: [نِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ] إلَخْ: خَبَرٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ الْأُولَى، كَمَا قَدَّرَهُ الشَّارِحُ أَيْضًا، وَيَصِحُّ جَعْلُ نِيَّةُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ خَبَرًا عَنْ فَرَائِضَ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ. قَوْلُهُ: [اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ] إلَخْ: شُرُوعٌ فِي بَيَانِ الْكَيْفِيَّةِ، وَهِيَ قِسْمَانِ، كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ: اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ، أَوْ فَرْضِ التَّيَمُّمِ. وَلَا يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ الْآتِي. قَوْلُهُ: [عِنْدَ الضَّرْبَةِ الْأُولَى] : أَيْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ اللُّمَعِ. وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ. وَقَالَ زَرُّوقٌ: إنَّهَا تَكُونُ عِنْدَ مَسْحِ الْوَجْهِ. وَاسْتَظْهَرَهُ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ قِيَاسًا عَلَى الْوُضُوءِ. قَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ: وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ، إذْ يَبْعُدُ أَنْ يَضَعَ الْإِنْسَانُ يَدَهُ عَلَى حَجَرٍ مَثَلًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ تَيَمُّمٍ بِقَصْدِ الِاتِّكَاءِ، أَوْ مُجَرَّدِ اللَّمْسِ مَثَلًا ثُمَّ يَرْفَعَهَا فَيَبْدُوَ لَهُ بَعْدَ الرَّفْعِ أَنْ يَمْسَحَ بِهَا وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ بِنِيَّةِ التَّيَمُّمِ، فَيُقَالُ: صَحَّ تَيَمُّمُهُ. وَفَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوُضُوءِ، إذْ الْوَاجِبُ فِي الْوُضُوءِ غَسْلُ الْوَجْهِ

أَكْبَرَ إنْ كَانَ) : هَذَا شُرُوعٌ فِي فَرَائِضِ التَّيَمُّمِ وَهِيَ خَمْسَةٌ: الْأُولَى: النِّيَّةُ عِنْدَ الضَّرْبَةِ الْأُولَى، أَنْ يَنْوِيَ بِهِ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَوْ فَرْضَ التَّيَمُّمِ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ مُلَاحَظَةُ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ أَكْبَرُ بِأَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مِنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ، فَإِنْ لَمْ يُلَاحِظْهُ بِأَنْ نَسِيَهُ أَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّهُ عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ، وَأَعَادَ أَبَدًا. وَلَا يُصَلَّى فَرْضٌ بِتَيَمُّمٍ نَوَاهُ لِغَيْرِهِ، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَلَا صَلَاةَ بِتَيَمُّمٍ نَوَاهُ لِغَيْرِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] وَلَا مَدْخَلَ لِنَقْلِ الْمَاءِ فِي الْغُسْلِ، وَقَالَ فِي التَّيَمُّمِ: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [المائدة: 6] ، فَأَوْجَبَ قَصْدَ الصَّعِيدِ قَبْلَ الْمَسْحِ. وَقَدْ عَدُّوا الضَّرْبَةَ الْأُولَى مِنْ الْفَرَائِضِ فَلَا يَصِحُّ تَقَدُّمُهَا عَنْ النِّيَّةِ (اهـ.) وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ عَاشِرٍ: فُرُوضُهُ مَسْحُكَ وَجْهًا وَالْيَدَيْنِ ... لِلْكُوعِ وَلِلنِّيَّةِ أُولَى الضَّرْبَتَيْنِ ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَرَدُّ الْبُنَانِيُّ لِذَلِكَ الْقَوْلِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ. قَوْلُهُ: [الْأَكْبَرِ إنْ كَانَ] : أَيْ إنْ وُجِدَ حَدَثٌ أَكْبَرُ مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. قَوْلُهُ: [وَوَجَبَ عَلَيْهِ مُلَاحَظَةُ] إلَخْ: قَالَ الشَّارِحُ فِي تَقْرِيرِهِ: وَمَحَلُّ لُزُومِ نِيَّةِ الْأَكْبَرِ إنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَوْ مَا مَنَعَهُ الْحَدَثُ، وَأَمَّا إنْ نَوَى فَرْضَ التَّيَمُّمِ فَيُجْزِيهِ عَنْ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ وَإِنْ لَمْ يُلَاحِظْهُ. وَذَكَرَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ مِثْلَهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ] إلَخْ: فَإِنْ نَوَاهُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ أَجْزَأَهُ. قَوْلُهُ: [وَأَعَادَ أَبَدًا] : أَيْ عِنْدَ تَرْكِ نِيَّةِ الْأَكْبَرِ، وَأَمَّا نِيَّةُ الْأَصْغَرِ مَعَ الْأَكْبَرِ فَمَنْدُوبَةٌ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَكْبَرِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْأَصْغَرِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُصَلَّى فَرْضٌ] إلَخْ: قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَيُنْدَبُ تَعْيِينُ الصَّلَاةِ مِنْ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ أَوْ هُمَا، فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا فَإِنْ نَوَى الصَّلَاةَ صَلَّى بِهِ مَا عَلَيْهِ مِنْ فَرْضٍ، لَا إنْ ذَكَرَ فَائِتَةً بَعْدَهَا. وَإِنْ نَوَى مُطْلَقَ الصَّلَاةِ الصَّالِحَةِ لِلْفَرْضِ أَوْ النَّفْلِ صَحَّ فِي نَفْسِهِ. وَيَفْعَلُ بِهِ النَّفَلَ دُونَ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ تَخُصُّهُ (اهـ) .

(وَالضَّرْبَةُ الْأُولَى، وَتَعْمِيمُ مَسْحِ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ لِكُوعَيْهِ، مَعَ تَخْلِيلِ أَصَابِعِهِ، وَنَزْعِ خَاتَمِهِ) : الْفَرِيضَةُ الثَّانِيَةُ: الضَّرْبَةُ الْأُولَى؛ أَيْ وَضْعُ الْكَفَّيْنِ عَلَى الصَّعِيدِ، وَأَمَّا الضَّرْبَةُ الثَّانِيَةُ فَسُنَّةٌ، كَمَا سَيَأْتِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّ تَعْيِينَ شَخْصِ الصَّلَاةِ مَنْدُوبٌ، فَإِنْ عَيَّنَ بِهِ شَخْصَ فَرْضٍ فَلَا يَفْعَلُ بِهِ فَرْضًا غَيْرَهُ، وَإِنْ عَيَّنَ نَوْعَ الْفَرْضِ أَوْ سَكَتَ - كَمُجَرَّدِ صَلَاةٍ صُرِفَ لِلْفَرْضِ الَّذِي عَلَيْهِ، وَيَفْعَلُ غَيْرَهُ تَبَعًا، عَلَى مَا سَبَقَ، فَإِنْ لَاحَظَ الْإِطْلَاقَ أَيْ الصَّلَاةَ الدَّائِرَةَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ مُلَاحِظًا الشُّيُوعَ لَمْ يَجُزْ بِهِ الْفَرْضُ، وَصَلَّى مِنْ النَّفْلِ مَا شَاءَ. تَنْبِيهٌ: قَالَ خَلِيلٌ: وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، قَالَ: الْأَصْلُ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ وَإِنَّمَا يُبِيحُ الْعِبَادَةَ، وَهُوَ مُشْكِلٌ جِدًّا. إذْ كَيْفَ تُجَامِعُ الْإِبَاحَةُ الْمَنْعَ؟ وَلِهَذَا ذَهَبَ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ إلَى أَنَّ الْخُلْفَ لَفْظِيٌّ، فَمَنْ قَالَ: لَا يَرْفَعُهُ، أَيْ مُطْلَقًا، بَلْ إلَى غَايَةِ الصَّلَاةِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ النَّقِيضَانِ، إذْ الْحَدَثُ الْمَنْعُ وَالْإِبَاحَةُ حَاصِلَةٌ إجْمَاعًا (اهـ.) قَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ: وَفِي (ح) وَ (ر) تَقْوِيَةٌ أَنَّهُ حَقِيقِيٌّ لِابْتِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى كُلٍّ. قُلْنَا: إنْ فُسِّرَ الْحَدَثُ بِالْمَنْعِ تَعَيَّنَ أَنَّهُ لَفْظِيٌّ، أَوْ بِالصِّفَةِ الْحُكْمِيَّةِ - كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ - فَلَا (اهـ) . وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ الْمَنْعَ لَا يُجَامِعُ الْإِبَاحَةَ فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ لَفْظِيًّا حَيْثُ فُسِّرَ بِالْمَنْعِ، وَحَقِيقِيًّا إنْ فُسِّرَ بِالصِّفَةِ الْحُكْمِيَّةِ، لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ تُجَامِعُ الصِّفَةَ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَدْ احْتَلَمَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ: صَلَّيْت بِالنَّاسِ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟» ، أَيْ قَائِمٌ بِك الصِّفَةُ الْحُكْمِيَّةُ لَا الْمَنْعُ، وَإِلَّا لَأَمَرَهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ، تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَضْعُ الْكَفَّيْنِ] : إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ لَفْظِ الضَّرْبِ أَنَّهُ يَكُونُ بِشِدَّةٍ، فَأَفَادَ أَنَّهُ وَضْعُ الْكَفَّيْنِ عَلَى الصَّعِيدِ، وَمِثْلُ الْكَفَّيْنِ أَحَدُهُمَا أَوْ بَعْضُهُمَا،

الْفَرِيضَةُ الثَّالِثَةُ: تَعْمِيمُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ إلَى الْكُوعَيْنِ بِالْمَسْحِ. وَأَمَّا مِنْ الْكُوعَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ فَسُنَّةٌ، كَمَا سَيَأْتِي. وَلَمْ يَعُدُّوا الْوَجْهَ فَرِيضَةً عَلَى حِدَتِهَا وَالْيَدَيْنِ فَرِيضَةً أُخْرَى كَمَا فَعَلُوا فِي الْوُضُوءِ لَعَلَّهُ لِلِاخْتِصَارِ. وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ وَنَزْعُ الْخَاتَمِ لِيَمْسَحَ مَا تَحْتَهُ. وَتَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ يَكُونُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ أَوْ الْأَصَابِعِ لَا بِجَنْبِهَا إذْ لَمْ يَمَسَّهَا تُرَابٌ. (وَصَعِيدٍ طَاهِرٍ كَتُرَابٍ، وَهُوَ أَفْضَلُ) : الْفَرِيضَةُ الرَّابِعَةُ: الصَّعِيدُ الطَّاهِرُ؛ أَيْ اسْتِعْمَالُهُ. إذْ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ، فَخَرَجَ اسْتِعْمَالُ غَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ بِصَعِيدٍ أَوْ مَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ بِبَاطِنٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا لَوْ تَيَمَّمَ بِظَاهِرِ كَفِّهِ فَلَا يُجْزِئُ. قَوْلُهُ: [تَعْمِيمُ الْوَجْهِ] إلَخْ: وَلَا يَتَعَمَّقُ فِي نَحْوِ أَسَارِيرِ الْجَبْهَةِ، وَلَا يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ وَلَوْ خَفِيفَةً، لِأَنَّ الْمَسْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ. قَوْلُهُ: [إلَى الْكُوعَيْنِ] : قَالَ (ح) : الْكُوعُ طَرَفُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْإِبْهَامَ وَفِي الذَّخِيرَةِ: آخِرُ السَّاعِدِ وَأَوَّلُ الْكَفِّ. وَيُقَالُ: كَاعٌ. قَوْلُهُ: [لَعَلَّهُ لِلِاخْتِصَارِ] : تُرْجَى فِي الْجَوَابِ تَحَرِّيًا لِلصِّدْقِ لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى النَّصِّ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَنَزْعُ الْخَاتَمِ] : أَيْ إزَالَتُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ لِيَمْسَحَ مَا تَحْتَهُ، وَإِنْ مَأْذُونًا فِيهِ وَاسِعًا لِضِيقِ مَا هُنَا عَنْ الْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: [طَاهِرٌ] : هُوَ مَعْنَى الطَّيِّبِ فِي الْآيَةِ. قَوْلُهُ: [أَيْ اسْتِعْمَالُهُ] إلَخْ: هُوَ مَعْنَى الضَّرْبَةِ الْأُولَى، لِأَنَّ مَعْنَاهَا وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الصَّعِيدِ. وَفِي الْحَقِيقَةِ الصَّعِيدُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ فِي الطَّهَارَةِ الْمَائِيَّةِ، فَلِذَلِكَ قَالَ شَيْخُنَا فِي تَقْرِيرِهِ: عَدُّهُمْ الصَّعِيدَ فَرْضًا مِنْ فُرُوضِ التَّيَمُّمِ لَا يَظْهَرُ، وَإِنْ كَانَتْ الْفَرْضِيَّةُ الْوَضْعَ الْمَذْكُورَ. فَلَا يَكْفِي تُرَابٌ أَثَارَهُ الرِّيحُ عَلَى يَدَيْهِ، وَاسْتَظْهَرَ الْإِجْزَاءَ إذَا عَمَدَ بِيَدَيْهِ لِتُرَابٍ مُتَكَاثِفٍ فِي الْهَوَاءِ. قَوْلُهُ: [مِمَّا لَيْسَ بِصَعِيدٍ] : أَيْ وَلَا مُلْحَقًا بِهِ كَالثَّلْجِ، كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [أَوْ مَا كَانَ نَجِسًا] : فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ عَلَيْهِ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَ خَلِيلٌ تَبَعًا لِلْمُدَوَّنَةِ: أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ عَلَى مُصَابِ بَوْلٍ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَاسْتُشْكِلَ فَأُوِّلَتْ بِتَآوِيلَ، مِنْهَا: أَنَّ الرِّيحَ سَتَرَتْهُ بِتُرَابٍ طَاهِرٍ، أَوْ مُرَاعَاةً لِلْقَائِلِ بِطَهَارَةِ الْأَرْضِ بِالْجَفَافِ كَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ.

نَجِسًا وَأَفْضَلُ أَنْوَاعِ الصَّعِيدِ: التُّرَابُ. وَالْمُرَادُ بِالصَّعِيدِ. كُلُّ مَا صَعَدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ أَجْزَائِهَا، فَالْكَافُ فِي: (كَتُرَابٍ) لِلتَّمْثِيلِ. (وَرَمْلٍ وَحَجَرٍ وَجَصٍّ لَمْ يُطْبَخْ) : أَيْ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَى كُلٍّ مِمَّا ذُكِرَ. وَالْجَصُّ نَوْعٌ مِنْ الْحَجَرِ يُحْرَقُ بِالنَّارِ وَيُسْحَقُ وَيُبْنَى بِهِ الْقَنَاطِرُ وَالْمَسَاجِدُ وَالْبُيُوتُ الْعَظِيمَةُ، إذَا أُحْرِقَ - وَهُوَ الْمُرَادُ بِالطَّبْخِ - لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ خَرَجَ بِالصَّنْعَةِ عَنْ كَوْنِهِ صَعِيدًا. (وَمَعْدِنٍ غَيْرِ نَقْدٍ وَجَوْهَرٍ وَمَنْقُولٍ) : أَيْ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَى الْمَعْدِنِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ. وَلَا جَوْهَرًا وَلَا مَنْقُولًا مِنْ مَحَلِّهِ بِحَيْثُ يَصِيرُ مَالًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ؛ فَلَا يُتَيَمَّمُ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَوْ بِمَعْدِنِهِمَا، وَلَا عَلَى الْجَوْهَرِ كَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَاللُّؤْلُؤِ وَلَوْ بِمُحَلِّهَا، وَلَا عَلَى الشَّبِّ وَالْمِلْحِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالْقَصْدِيرِ وَالْكُحْلِ، إنْ نُقِلَتْ مِنْ مَحِلَّاتِهَا وَصَارَتْ أَمْوَالًا فِي أَيْدِي النَّاسِ. وَأَمَّا مَا دَامَتْ فِي مَوَاضِعِهَا فَيَجُوزُ. فَقَوْلُهُ: (كَشَبٍّ وَمِلْحٍ وَحَدِيدٍ وَرُخَامٍ) : مِثَالٌ لِلْمَعْدِنِ الْغَيْرِ مَا ذَكَرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [التُّرَابُ] : أَيْ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ خَرَجَ بِالصَّنْعَةِ] إلَخْ: أَيْ الَّتِي هِيَ الطَّبْخُ بِالنَّارِ، وَلَا يَضُرُّ مُجَرَّدُ النَّشْرِ، وَلَوْ صَنَعَ رَحًى أَوْ أَعْمِدَةً. قَوْلُهُ: [غَيْرِ نَقْدٍ وَجَوْهَرٍ] : أَيْ لِأَنَّهُمَا لَا يَظْهَرُ فِيهِمَا ذُلُّ الْعِبَادَةِ فَتُنَافِي التَّوَاضُعَ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا مَا دَامَتْ] إلَخْ: وَمِثْلُهُ لَوْ نُقِلَتْ وَلَمْ تَضُرَّ كَالْعَقَاقِيرِ كَالطَّفْلِ وَالْأَحْجَارِ وَالرُّخَامِ الَّذِي يُجْعَلُ أَعْمِدَةً فِي الْمَسَاجِدِ مَثَلًا، وَالْمِلْحِ الَّذِي يُجْرَنُ قَرِيبًا مِنْ أَرْضِهِ فَهَذَا كُلُّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَرُخَامٍ] : قِيلَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعَادِنِ النَّفِيسَةِ الْمُتَمَوِّلَة الْغَالِيَةِ الثَّمَنِ وَاسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: [لِلْمَعْدِنِ الْغَيْرِ مَا ذُكِرَ] : أَيْ النَّقْدِ وَالْجَوْهَرِ وَالْمَنْقُولِ، أَيْ الَّذِي

(كَثَلْجٍ لَا خَشَبٍ وَحَشِيشٍ) : تَشْبِيهٌ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ، أَيْ أَنَّ الثَّلْجَ - وَهُوَ مَا جَمَدَ مِنْ الْمَاءِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَوْ الْبَحْرِ - يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ - بِجُمُودِهِ - الْحَجَرَ، فَالْتَحَقَ بِأَجْزَاءِ الْأَرْضِ. بِخِلَافِ الْخَشَبِ وَالْحَشِيشِ فَلَا يُتَيَمَّمُ عَلَيْهِمَا وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُمَا. وَقِيلَ: إنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُمَا وَلَمْ يُمْكِنْ قَلْعُهُمَا وَضَاقَ الْوَقْتُ جَازَ التَّيَمُّمُ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَعِيدٍ وَلَا يُشْبِهُ الصَّعِيدَ. - ـــــــــــــــــــــــــــــQصَارَ فِي أَيْدِي النَّاسِ كَالْعَقَاقِيرِ. قَوْلُهُ: [كَثَلْجٍ] : أَيْ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَيْهِ حَيْثُ عَجَزَ عَنْ تَحْلِيلِهِ، وَتَصْيِيرِهِ مَاءً وَلَوْ وَجَدَ غَيْرَهُ بِخِلَافِ الْخِضْخَاضِ فَلَا يَتَيَمَّمُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَوَّلَ لِجُمُودِهِ صَارَ كَالْحَجَرِ فَالْتَحَقَ بِأَجْزَاءِ الْأَرْضِ، وَالثَّانِيَ لِرِقَّتِهِ بَعُدَ عَنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ] إلَخْ: قَائِلُهُ اللَّخْمِيُّ قَالَ (بْن) : وَكَلَامُ (ح) يَقْتَضِي أَنَّهُ الرَّاجِحُ، وَاعْتَمَدَهُ (ر) فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَبْنِي وَإِنْ نَسِيَ] : أَيْ أَوْ عَجَزَ لِضَعْفِهِ عَنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ. وَلِذَلِكَ جَعَلَ دُخُولَ الْوَقْتِ شَرْطَ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ فِيهِ، فَلَا يَتَيَمَّمُ لِفَرِيضَةٍ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا. وَوَقْتُ الْفَائِتَةِ تَذَكُّرُهَا، فَمَنْ تَيَمَّمَ لِلصُّبْحِ فَتَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ الْعِشَاءَ فَلَا يُجْزِيهِ هَذَا التَّيَمُّمُ. لَهَا بِخِلَافِ وَقْتِ وَقْتِ لَوْ تَيَمَّمَ لَإِحْدَاهُمَا فَتَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ الْأُخْرَى صَلَّاهَا بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ خَصَّ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا كَمَا تَقَدَّمَ. وَوَقْتُ الْجِنَازَةِ الْفَرَاغُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ، فَإِنْ كَانَ التَّيَمُّمُ فَرْضَ الْمَيِّتِ، وَالْمُصَلِّي عَلَيْهِ يُمِّمَ الْمَيِّتُ بَعْدَ التَّكْفِينِ، وَلَا يَتَيَمَّمُ الْمُصَلِّي عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ تَيَمُّمِ الْمَيِّتِ، وَتَيَمُّمُهُ لَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ لِأَنَّهُ كَغُسْلِهِ، وَقَدْ أَلْغَزَ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ مَجْمُوعِهِ بِقَوْلِهِ: يَا مَنْ بِلَحْظٍ يَفْهَمُ ... أَحْسِنْ جَوَابَ تَفَهُّمِ لِمَ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمٌ ... إلَّا بِسَبْقِ تَيَمُّمِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ عِبَادَةٍ ... بِالسَّابِقِ الْمُتَقَدِّمِ وَمَتَى يَصِحُّ تَيَمُّمٌ ... مِنْ غَيْرِ نِيَّتِهِ نُمِيَ قَالَ: وَاحْتَرَزْت بِقَوْلِي: مِنْ غَيْرِ إلَخْ عَنْ التَّيَمُّمِ لِثَانِيَةِ الْمُشْتَرِكَيْنِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ أَنْ يَتَيَمَّمَ لِلْأُولَى وَيُصَلِّيَهَا (اهـ) ، وَقَدْ أَجَبْت عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِي:

[سنن التيمم]

(وَالْمُوَالَاةُ) : الْفَرِيضَةُ الْخَامِسَةُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ أَجْزَائِهِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فُعِلَ لَهُ مِنْ صَلَاةٍ وَنَحْوِهَا، وَابْتَدَأَهُ إنْ فَرَّقَ وَطَالَ. وَلَا يَبْنِي وَإِنْ نَسِيَ. (وَسُنَنُهُ: تَرْتِيبٌ وَضَرْبَةٌ لِيَدَيْهِ وَإِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَنَقْلُ مَا تَعَلَّقَ بِهِمَا مِنْ غُبَارٍ) : أَيْ إنَّ سُنَنَهُ أَرْبَعَةٌ: التَّرْتِيبُ بِأَنْ يَمْسَحَ الْيَدَيْنِ بَعْدَ الْوَجْهِ فَإِنْ نَكَّسَ أَعَادَ الْيَدَيْنِ إنْ قَرُبَ وَلَمْ يُصَلِّ بِهِ، وَالضَّرْبَةُ الثَّانِيَةُ لِيَدَيْهِ وَالْمَسْحُ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَنَقْلُ أَثَرِ الضَّرْبِ مِنْ الْغُبَارِ إلَى الْمَمْسُوحِ بِأَنْ لَا يَمْسَحَ عَلَى شَيْءٍ قَبْلَ مَسْحِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، فَإِنْ مَسَحَهُمَا بِشَيْءٍ قَبْلَ مَا ذُكِرَ كُرِهَ وَأَجْزَأَ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا قَالَ فِي الرِّسَالَةِ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِمَا شَيْءٌ نَفَضَهُمَا نَفْضًا خَفِيفًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (وَنُدِبَ: تَسْمِيَةٌ، وَصَمْتٌ، وَاسْتِقْبَالٌ، وَتَقْدِيمُ الْيَدِ الْيُمْنَى، وَجَعْلُ ظَاهِرِهَا مِنْ طَرَفِ الْأَصَابِعِ بِبَاطِنِ يُسْرَاهُ، فَيُمِرُّهَا إلَى الْمِرْفَقِ، ثُمَّ بَاطِنِهَا لِآخِرِ الْأَصَابِعِ، ثُمَّ يُسْرَاهُ كَذَلِكَ) : هَذَا شُرُوعٌ فِي مَنْدُوبَاتِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَجَعْلُ) إلَخْ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُنْدَبُ أَنْ يَجْعَلَ ظَاهِرَ الْيُمْنَى مِنْ طَرَفِ أَصَابِعِهَا بِبَاطِنِ كَفِّ يَدِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يُمِرَّ الْيُسْرَى إلَى مِرْفَقِ الْيُمْنَى. ثُمَّ يَجْعَلَ بَاطِنَهَا بِحَيْثُ يَجْعَلُ بَاطِنَ الْيُمْنَى مِنْ طَيِّ الْمِرْفَقِ بِبَاطِنِ الْيُسْرَى فَيُمِرُّهَا لِآخِرِ أَصَابِعِ الْيُمْنَى. ثُمَّ يَفْعَلُ بِيُسْرَاهُ كَمَا فَعَلَ بِالْيُمْنَى بِأَنْ يَجْعَلَ ظَاهِرَهَا مِنْ - ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا الَّذِي يَتَيَمَّمُ ... لِصَلَاةِ مَيْتٍ يَمَّمُوا وَلَحْظُنَا مِنْ يَمِّكُمْ ... يَا مَنْ إلَيْكُمْ يَمَّمُوا قَوْلُهُ: [إنْ قَرُبَ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا لَوْ بَعُدَ أَوْ صَلَّى بِهِ فَيَفُوتُ. [سُنَن التَّيَمُّم] قَوْلُهُ: [وَالضَّرْبَةُ الثَّانِيَةُ] : إنْ قُلْت كَيْفَ تَكُونُ سُنَّةً مَعَ أَنَّهَا لِلْفَرْضِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْفَرْضَ بِآثَارِ الْأُولَى. قَوْلُهُ: [كُرِهَ وَأَجْزَأَ] إلَخْ: قَيَّدَهُ عب، بِأَنْ لَا يَقْوَى الْمَسْحُ، وَنُوقِشَ بِصِحَّتِهِ عَلَى حَجَرٍ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ، قَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بِشَائِبَةِ التَّلَاعُبِ. [مَنْدُوبَات التَّيَمُّم] [تَنْبِيه هَلْ يَنْدُب الْمَوْضِع الطَّاهِر فِي التَّيَمُّم] قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ تَسْمِيَةٌ] : وَاخْتُلِفَ فِي تَكْمِيلِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ عَلَى قَوْلَيْنِ، أَرْجَحُهُمَا: يُكْمِلُهَا، بَلْ يُكْمِلُ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ إلَّا فِي الذَّكَاةِ. قَوْلُهُ: [وَصَمْتٌ] : أَيْ إلَّا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ يُسْرَاهُ كَذَلِكَ] : ظَاهِرُهُ لَا يُبْقِي غُبَارَ الْكَفِّ لِلْأُخْرَى، وَهِيَ طَرِيقَةٌ، وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: يُبْقِي غُبَارَ الْكَفِّ الْيُمْنَى لِلْيُسْرَى.

[مبطلات التيمم ومكروهاته]

طَرَفِ الْأَصَابِعِ بِبَاطِنِ كَفِّ الْيُمْنَى فَيُمِرَّهَا لِآخِرِ طَرَفِ مِرْفَقِ الْيُسْرَى. ثُمَّ يَجْعَلَ بَاطِنَهَا مِنْ طَيِّ مِرْفَقِهَا بِبَاطِنِ كَفِّ الْيُمْنَى لِآخِرِ أَصَابِعِ الْيُسْرَى. ثُمَّ يُخَلِّلَ الْأَصَابِعَ. فَقَوْلُهُ [ثُمَّ بَاطِنِهَا] عَطْفًا عَلَى ظَاهِرِهَا، أَيْ ثُمَّ جَعَلَ بَاطِنَهَا. (وَيُبْطِلُهُ مُبْطِلُ الْوُضُوءِ؛ وَوُجُودُ مَاءٍ قَبْلَ الصَّلَاةِ، لَا فِيهَا، إلَّا نَاسِيه) : أَيْ إنَّ كُلَّ مَا أَبْطَلَ الْوُضُوءَ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَالْأَسْبَابِ وَغَيْرِهِمَا أَبْطَلَ التَّيَمُّمَ. وَيُبْطِلُهُ أَيْضًا وُجُودُ مَاءٍ كَافٍ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لِاسْتِعْمَالِهِ مَعَ إدْرَاكِ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ وُجُودِ الْمَاءِ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُبْطِلُهَا إلَّا إذَا كَانَ نَاسِيًا لِلْمَاءِ الَّذِي مَعَهُ فَتَيَمَّمَ وَأَحْرَمَ بِصَلَاةٍ ثُمَّ تَذَكَّرَ فِيهَا، فَتَبْطُلُ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِمَّا يُبْطِلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [ثُمَّ يُخَلِّلُ الْأَصَابِعَ] : أَيْ بِبَاطِنِ الْأَصَابِعِ الْأُخْرَى، كَمَا تَقَدَّمَ لَهُ. تَنْبِيهٌ: لَا يُنْدَبُ هُنَا الْمَوْضِعُ الطَّاهِرُ لِأَمْنِ التَّطَايُرِ. وَقِيلَ: يُنْدَبُ نَظَرًا لِتَشْرِيفِ الْعِبَادَةِ، وَلَا يُنْدَبُ ذِكْرُهُ بَعْدَهُ لِاتِّصَالِهِ بِمَا فُعِلَ لَهُ، كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ. [مُبْطِلَات التَّيَمُّم وَمَكْرُوهَاته] قَوْلُهُ: [وَغَيْرِهِمَا] : أَيْ كَالرِّدَّةِ، وَإِنْ كَانَ التَّيَمُّمُ لِأَكْبَرَ. فَتَنْظِيرُ الْأُجْهُورِيِّ وَتَلَامِذَتِهِ فِي الرَّدِّ بِالنِّسْبَةِ لِتَيَمُّمِ الْأَكْبَرِ لَا مَحَلَّ لَهُ، لِأَنَّهُ إذَا بَطَل بِالْبَوْلِ مَثَلًا وَعَادَ جُنُبًا عَلَى الْمَشْهُورِ فَأَوْلَى الرِّدَّةُ. (اهـ. مِنْ شَيْخِنَا فِي مَجْمُوعِهِ) . قَوْلُهُ: [وُجُودُ مَاءٍ كَافٍ] : أَيْ أَوْ الْقُدْرَةُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي الْوَقْتِ بِحَيْثُ يُدْرِكُ بِاسْتِعْمَالِهِ الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ. قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ انْتَبَهَ فِي الضَّرُورِيِّ وَكَانَ مُتَّسِعًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُبَادَرَةُ إذْ لَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ فِي الضَّرُورِيِّ، وَفِي (عب) عَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّ الضَّرُورِيَّ كَالْمُخْتَارِ، وَهُوَ وَجِيهٌ. وَالْعِبْرَةُ فِي الْوُجُودِ بِظَنِّهِ، فَإِنْ رَأَى مَانِعًا بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ أَعَادَ التَّيَمُّمَ لَا إنْ رَآهُ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ، وَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ رَكْبٌ احْتَمَلَ مَعَهُمْ مَاءً بَطَلَ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الطَّلَبُ لَمْ يَصِحَّ التَّيَمُّمُ إلَّا بَعْدَهُ. (اهـ. بِالْمَعْنَى مِنْ شَيْخِنَا فِي مَجْمُوعِهِ) . قَوْلُهُ: [فَلَا يُبْطِلُهَا] : أَيْ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَلَوْ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ.

[تنبيه تيمم من نسي صلاة من الخمس لم يدر عينها]

أَيْضًا طُولُ الْفَصْلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ كَمَا عُلِمَ مِنْ الْمُوَالَاةِ. (وَكُرِهَ لِفَاقِدِهِ إبْطَالُ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ إلَّا لِضَرَرٍ) : هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا، هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَعَ الْإِيضَاحِ وَالِاخْتِصَارِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ الْمُصَنِّفُ وَالرِّسَالَةُ، يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ مُتَوَضِّئًا أَوْ مُغْتَسِلًا وَهُوَ عَادِمٌ الْمَاءَ يُكْرَهُ لَهُ إبْطَالُ وُضُوئِهِ بِحَدَثٍ أَوْ سَبَبٍ أَوْ إبْطَالُ غُسْلِهِ - وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَوَضِّئٍ - بِجِمَاعٍ، لِانْتِقَالِهِ مِنْ التَّيَمُّمِ لِلْأَصْغَرِ إلَى التَّيَمُّمِ لِلْأَكْبَرِ. وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مَا لَمْ يَحْصُلْ لِلْمُتَوَضِّئِ ضَرَرٌ مِنْ حَقْنٍ أَوْ غَيْرِهِ وَمَا لَمْ يَحْصُلْ لَلْمُغْتَسِلِ ضَرَرٌ بِتَرْكِ الْجِمَاعِ وَإِلَّا لَمْ يُكْرَهْ (وَلِصَحِيحٍ تَيَمُّمٌ بِحَائِطٍ لَبِنٍ أَوْ حَجَرٍ كَمَرِيضٍ) : الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلصَّحِيحِ الْعَادِمِ لِلْمَاءِ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِحَائِطٍ مَبْنِيٍّ بِالطُّوبِ النِّيء، وَهُوَ الْمُرَادُ بِاللَّبِنِ، وَبِالْحَائِطِ الْمَبْنِيِّ بِالْحَجَرِ. كَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ الَّذِي لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ ذَلِكَ. (وَتَسْقُطُ الصَّلَاةُ بِفَقْدِ الطَّهُورَيْنِ، أَوْ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِمَا) : الْمَذْهَبُ أَنَّ فَاقِدَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ الْمُصَنِّفُ] إلَخْ: أَيْ مِنْ الْحُرْمَةِ لِتَعْبِيرِهِمَا بِالْمَنْعِ. [تَنْبِيه تَيَمُّم مِنْ نَسِيَ صَلَاة مِنْ الْخَمْس لَمْ يدر عَيْنهَا] قَوْلُهُ: [الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ] إلَخْ: فِيهِ تَعْرِيضٌ لِلشَّيْخِ خَلِيلٍ حَيْثُ خَصَّهُ بِالْمَرِيضِ. قَوْلُهُ: [بِالطُّوبِ النِّيء] : أَيْ الَّذِي لَمْ يُحْرَقْ وَلَمْ يُخْلَطْ بِنَجَسٍ أَصْلًا، أَوْ طَاهِرٍ كَثِيرٍ بِأَنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَإِلَّا لَمْ يَتَيَمَّمْ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَتَيَمَّمْ عَلَى رَمَادٍ. تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ لَمْ يَدْرِ عَيْنَهَا صَلَّى الْخَمْسَ، كُلُّ وَاحِدَةٍ بِتَيَمُّمٍ. وَإِنْ نَسِيَ إحْدَى النَّهَارِيَّاتِ صَلَّى ثَلَاثًا، كُلُّ وَاحِدَةٍ بِتَيَمُّمٍ، وَإِنْ نَسَى إحْدَى اللَّيْلَتَيْنِ صَلَّاهُمَا كُلُّ وَاحِدَةٍ بِتَيَمُّمٍ. الثَّانِي: إذَا مَاتَ صَاحِبُ الْمَاءِ وَمَعَهُ شَخْصٌ جُنُبٌ فَصَاحِبُ الْمَاءِ أَوْلَى يُغَسَّلُ بِهِ، إلَّا لِخَوْفِ عَطَشٍ عَلَى الْحَيِّ، فَيُقَدَّمُ الْحَيُّ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ بِمَحَلِّ أَخْذِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مِثْلِيًّا لِلْمَشَقَّةِ فِي قَضَاءِ الْمِثْلِ فِي مَحَلِّ الْأَخْذِ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَاءُ لَهُمَا مَعًا وَيَكْفِي وَاحِدًا فَقَطْ فَيَتَطَهَّرُ بِهِ الْحَيُّ، وَيَضْمَنُ حِصَّةَ الْمَيِّتِ لِوَرَثَتِهِ. قَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ: فَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِمَا فَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ الْحَيِّ أَيْضًا لِشَرِكَةِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَمِلْكُ الْغَيْرِ لِمَنْ خَصَّهُ، فَإِنْ أَشْرَكَهُمَا فَكَالْأَوَّلِ. (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَتَسْقُطُ الصَّلَاةُ] إلَخْ: أَيْ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْقِطَاتِ لِلْأَدَاءِ

الطَّهُورَيْنِ - وَهُمَا الْمَاءُ وَالتُّرَابُ - أَوْ فَاقِدَ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِمَا - كَالْمُكْرَهِ وَالْمَصْلُوبِ - تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ أَدَاءً وَقَضَاءً، كَالْحَائِضِ. وَقِيلَ: يُؤَدِّيهَا بِلَا طَهَارَةٍ وَلَا يَقْضِي كَالْعُرْيَانِ. وَقِيلَ: يَقْضِي وَلَا يُؤَدِّي. وَقِيلَ: يُؤَدِّي وَيَقْضِي عَكْسُ الْأَوَّلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْقَضَاءِ كَالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ، وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَاصِلَ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا مُتَيَمَّمًا ... فَأَرْبَعَةُ الْأَقْوَالِ يَحْكِينَ مَذْهَبًا يُصَلِّي وَيَقْضِي عَكْسُ مَا قَالَ مَالِكٌ ... وَأَصْبَغُ يَقْضِي وَالْأَدَاءُ لِأَشْهَبَا وَقَالَ التَّتَّائِيُّ: وَلِلْقَابِسِيِّ ذُو الرَّبْطِ يُومِي لِأَرْضِهِ ... بِوَجْهٍ وَأَيْدٍ لِلتَّيَمُّمِ مَطْلَبَا قَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ: وَفِي (ر) التَّيَمُّمِ عَلَى الشَّجَرَةِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الزَّرْعِ وَفِي (ح) قَوْلٌ بِالْإِيمَاءِ لِلْمَاءِ أَيْضًا. (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَقِيلَ يُؤَدِّيهَا] إلَخْ: أَيْ نَظَرًا إلَى أَنَّ الشَّخْصَ مَطْلُوبٌ بِمَا يُمْكِنُهُ وَالْأَدَاءُ مُمْكِنٌ لَهُ. وَعَلَى هَذَا فَحَدَثُهُ فِي صَلَاتِهِ لَا يُبْطِلُهَا، وَلَكِنْ قَالَ شَيْخُنَا الْأَمِيرُ فِي تَقْرِيرِهِ: الظَّاهِرُ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ إخْرَاجَهُ وَإِلَّا كَانَ مُتَلَاعِبًا. قَوْلُهُ: [وَفِي يُؤَدِّي وَيَقْضِي] : أَيْ احْتِيَاطًا، وَتَرَكَ الشَّارِحُ قَوْلَ الْقَابِسِيِّ الَّذِي فِي النَّظْمِ وَهُوَ أَنَّ مَحَلَّ سُقُوطِهِمَا أَدَاءٌ وَقَضَاءٌ إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الْإِيمَاءُ لِلتَّيَمُّمِ، كَالْمَحْبُوسِ بِمَكَانٍ مَبْنِيٍّ: بِالْآجُرِّ وَمَفْرُوشٍ بِهِ. فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْإِيمَاءُ كَالْمَرْبُوطِ وَمَنْ فَوْقَ شَجَرَةٍ وَتَحْتَهُ سَبْعٌ مَثَلًا فَإِنَّهُ يُومِئُ لِلتَّيَمُّمِ إلَى الْأَرْضِ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَيُؤَدِّيهَا وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .

[فصل المسح على الجبيرة ونحوها]

فَصْلٌ: الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَنَحْوِهَا فِي بَيَانِ حُكْمِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ. (إنْ خِيفَ غَسْلُ مَحَلٍّ، بِنَحْوِ جُرْحٍ كَالتَّيَمُّمِ، مُسِحَ) : أَيْ إذَا كَانَ بِهِ جُرْحٌ بِضَمِّ الْجِيمِ أَوْ دُمَّلٌ أَوْ جَرَبٌ أَوْ حَرْقٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَخِيفَ بِغَسْلِهِ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ حُدُوثُ مَرَضٍ أَوْ زِيَادَتُهُ أَوْ تَأَخُّرُ بُرْءٍ - كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّيَمُّمِ - فَإِنَّهُ يُمْسَحُ إنْ خِيفَ وُجُوبًا هَلَاكٌ أَوْ شِدَّةُ ضَرَرٍ، كَتَعْطِيلِ مَنْفَعَةٍ، وَجَوَازًا إنْ خِيفَ شِدَّةُ الْأَلَمِ أَوْ تَأَخُّرُهُ بِلَا شَيْنٍ، فَقَوْلُهُ: (كَالتَّيَمُّمِ) أَيْ خَوْفًا كَالْخَوْفِ الْمُتَقَدِّمِ فِي التَّيَمُّمِ وَمَتَى - ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَنَحْوِهَا] [الْمَسْح عَلَى الْعِمَامَة] فَصْلٌ: قَوْلُهُ: [فِي بَيَانِ الْمَسْحِ] إلَخْ: لَمَّا كَانَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا رُخْصَةً فِي الطَّهَارَةِ الْمَائِيَّةِ وَالتُّرَابِيَّةِ، نَاسَبَ تَأْخِيرُ هَذَا الْفَصْلِ عَنْهُمَا، وَلِيَكُونَ إحَالَةً عَلَى مَعْلُومٍ فِي قَوْلِهِ: [كَالتَّيَمُّمِ] . وَحُكْمُ الْمَسْحِ الْوُجُوبُ إنْ خَافَ هَلَاكًا أَوْ شِدَّةً، كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ] : أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي حَوَاهَا الْفَصْلُ. قَوْلُهُ: [بِضَمِّ الْجِيمِ] : وَبِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ، لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يُمْسَحُ. وَالْمُرَادُ بِالْجُرْحِ: الْمَجْرُوحُ بِآلَةٍ كَحَرْبَةٍ، بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ] : أَيْ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ إنْ كَانَ مُحْدِثًا حَدَثًا أَصْغَرَ، أَوْ فِي جَسَدِهِ إنْ كَانَ مُحْدِثًا حَدَثًا أَكْبَرَ وَلَوْ مِنْ زِنَا. قَوْلُهُ: [إنْ خِيفَ] : الْمُرَادُ بِالْخَوْفِ هُنَا الْعِلْمُ أَوْ الظَّنُّ. قَوْلُهُ: [كَتَعْطِيلِ مَنْفَعَةٍ] : أَيْ كَضَيَاعِ حَاسَّةٍ مِنْ الْحَوَاسِّ أَوْ نَقْصِهَا. قَوْلُهُ: [شِدَّةُ الْأَلَمِ] إلَخْ: مُرَادُهُ الْمَرَضُ الَّذِي لَا يُعَطِّلُ مَنْفَعَةً، وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ غَيْرُهُ: بِالْمَرَضِ الْخَفِيفِ. وَ [الشَّيْنُ] : نَقْصُ الْمَنْفَعَةِ، وَأَمَّا إنْ خَافَ بِغَسْلِهِ مُجَرَّدَ الْمَشَقَّةِ، فَلَا

أَمْكَنَ الْمَسْحُ عَلَى الْمَحَلِّ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ، وَلَا يُجْزِئُهُ إنْ مَسَحَ عَلَيْهَا. (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى الْجَبِيرَةِ) : أَيْ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الْمَسْحَ عَلَى الْمَحَلِّ بِدُونِ جَبِيرَةٍ مَسَحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ: وَهِيَ اللَّزْقَةُ فِيهَا الدَّوَاءُ تُوضَعُ عَلَى الْجُرْحِ وَنَحْوِهِ. أَوْ عَلَى الْعَيْنِ الرَّمْدَاءِ (ثُمَّ عَلَى الْعِصَابَةِ) : أَيْ ثُمَّ إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ بِأَنْ خَافَ مَا تَقَدَّمَ، مَسَحَ عَلَى الْعِصَابَةِ الَّتِي تُرْبَطُ فَوْقَ الْجَبِيرَةِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى عِصَابَةٍ أُخْرَى فَوْقَهَا، وَالْأَرْمَدُ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْمَسْحَ عَلَى عَيْنِهِ أَوْ جَبْهَتِهِ - بِأَنْ خَافَ مَا مَرَّ - يَضَعُ خِرْقَةً عَلَى الْعَيْنِ أَوْ الْجَبْهَةِ وَيَمْسَحُ عَلَيْهَا. (كَقِرْطَاسِ صُدْغٍ أَوْ عِمَامَةٍ خِيفَ بِنَزْعِهَا) : أَيْ كَمَا يَمْسَحُ عَلَى قِرْطَاسٍ يُوضَعُ عَلَى صُدْغٍ لِصُدَاعٍ وَنَحْوِهِ أَوْ عَلَى عِمَامَةٍ خِيفَ بِنَزْعِهَا، إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَسْحِ مَا تَحْتَهَا - ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [فَعَلَى الْجَبِيرَةِ] أَيْ وَيَعُمُّهَا بِالْمَسْحِ. قَوْلُهُ: [الْعِصَابَةِ] : بِكَسْرِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ إذَا صِيغَ اسْمٌ عَلَى وَزْنِ فِعَالَةٍ لِمَا يَشْتَمِلُ عَلَى الشَّيْءِ - نَحْوُ الْعِمَامَةِ - فَهُوَ بِالْكَسْرِ، كَمَا نَقَلَهُ الشِّهَابُ الخفاجي فِي حَوَاشِي الْبَيْضَاوِيِّ عَنْ الزَّجَّاجِ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ] إلَخْ: وَكَذَا إنْ تَعَذَّرَ حَلُّهَا فَيَمْسَحُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُ الْمَسْحُ عَلَى مَا دُونَهَا. قَوْلُهُ: [يَضَعُ خِرْقَةً] إلَخْ: أَيْ وَلَا يَرْفَعُهَا عَنْ الْجُرْحِ أَوْ الْعَيْنِ بَعْدَ الْمَسْحِ عَلَيْهَا حَتَّى يُصَلِّيَ. قَوْلُهُ: [خِيفَ بِنَزْعِهَا] : أَيْ أَوْ بِفَكِّهَا لِكَوْنِهِ مِنْ أَرْبَابِ الْمَنَاصِبِ الَّذِينَ لَهُمْ زِيٌّ فِي الْعِمَامَةِ. قَوْلُهُ: [وَنَحْوِهِ] : أَيْ كَفَصْدِهِ، فَيَمْسَحُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَعَلَى الْجَبِيرَةِ، وَهَكَذَا.

مِنْ عِرْقِيَّةٍ وَنَحْوِهَا، فَإِنْ قَدِرَ عَلَى مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ أَتَى بِهِ وَكَمَّلَ عَلَى الْعِمَامَةِ. (وَإِنْ بِغُسْلٍ أَوْ بِلَا طُهْرٍ أَوْ انْتَشَرَتْ) : أَيْ لَا فَرْقَ فِي الْمَسْحِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ، وَسَوَاءٌ وَضَعَهَا وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ أَوْ بِلَا طُهْرٍ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ قَدْرَ الْمَحَلِّ المألوم أَوْ انْتَشَرَتْ: أَيْ اتَّسَعَتْ لِلضَّرُورَةِ. (إنْ كَانَ غَسْلُ الصَّحِيحِ لَا يَضُرُّ، وَإِلَّا فَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ) : أَيْ أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ الْمَسْحِ الْمَذْكُورِ، إنْ كَانَ غَسْلُ الصَّحِيحِ مِنْ الْجَسَدِ فِي الْغُسْلِ أَوْ الصَّحِيحِ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فِي الْوُضُوءِ لَا يَضُرُّ، بِحَيْثُ لَا يُوجِبُ حُدُوثَ مَرَضٍ وَلَا زِيَادَةَ مَرَضِ المألوم وَلَا تَأَخُّرَ بُرْئِهِ. وَإِلَّا كَانَ فَرْضُهُ التَّيَمُّمَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الصَّحِيحُ هُوَ الْأَكْثَرُ أَوْ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَكَمَّلَ عَلَى الْعِمَامَةِ] : أَيْ كَمَا أَفَادَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقِيلَ: يَمْسَحُ بَعْضَ الرَّأْسِ فَقَطْ وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّكْمِيلُ، وَقِيلَ: بِاسْتِحْبَابِهِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ بِغُسْلٍ] : سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ، كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ مَعْصِيَةَ الزِّنَا قَدْ انْقَطَعَتْ، فَوَقَعَ الْغُسْلُ الْمُرَخَّصُ فِيهِ الْمَسْحُ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَلَبِّسٍ بِالْمَعْصِيَةِ، فَلَا تُقَاسُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [اتَّسَعَتْ] : أَيْ الْعِصَابَةُ وَجَاوَزَتْ مَحَلَّ الْأَلَمِ؛ لِأَنَّ انْتِشَارَهَا مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الشَّدِّ. قَوْلُهُ: [إنْ كَانَ غَسْلُ الصَّحِيحِ] إلَخْ: هَذَا بَيَانٌ لِشَرْطِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ. وَحَاصِلُهُ خَمْسُ صُوَرٍ: اثْنَتَانِ يَغْسِلُ فِيهِمَا الصَّحِيحَ وَيَمْسَحُ الْجَرِيحَ، وَثَلَاثٌ يَتَيَمَّمُ فِيهَا. فَلَوْ غَسَلَ الصَّحِيحَ والمألوم فِي الْجَمْعِ أَجْزَأَ، وَأَمَّا لَوْ غَسَلَ الصَّحِيحَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَرِيحِ فِي الصُّوَرِ الَّتِي يَتَيَمَّمُ فِيهَا فَلَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ الْغُسْلُ، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّيَمُّمِ أَوْ غَسْلِ الْجَمِيعِ. وَقَالَ (بْن) بِالْإِجْزَاءِ، فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا إنْ صَحَّ جُلُّ جَسَدِهِ فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَجُلُّ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، أَوْ أَقَلُّهُ، وَلَمْ يَقُلْ جِدًّا، كَيَدٍ أَوْ رِجْلٍ. وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَضُرَّ غَسْلُهُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ، وَإِلَّا - بِأَنْ ضَرَّ - سَوَاءٌ كَانَ جُلُّ الْأَعْضَاءِ صَحِيحًا أَوْ لَا، أَوْ أَقَلُّ جِدًّا كَيَدٍ فَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ وَلَوْ لَمْ يَضُرَّ غَسْلُهُ فِي هَذِهِ الْأَخِيرَةِ، إذْ التَّافِهُ لَا حُكْمَ لَهُ. قَوْلُهُ: [وَسَوَاءٌ كَانَ الصَّحِيحُ] إلَخْ: تَعْمِيمٌ فِي الضَّرَرِ وَعَدَمِهِ. فَتَحْتَهَا

الْأَقَلُّ، فَالْأَرْمَدُ لَا يَتَيَمَّمُ بِحَالٍ إلَّا إذَا كَانَ غَسْلُ بَقِيَّةَ أَعْضَائِهِ يُوجِبُ مَا ذُكِرَ (كَأَنْ قَلَّ جِدًّا كَيَدٍ) : أَيْ كَمَا أَنَّ فَرْضَهُ التَّيَمُّمَ لَوْ قَلَّ الصَّحِيحُ جِدًّا كَيَدٍ أَوْ رِجْلٍ، وَكَانَ غَسْلُهُ لَا يُوجِبُ ضَرَرًا. - ـــــــــــــــــــــــــــــQصُوَرٌ أَرْبَعٌ: اثْنَتَانِ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَاثْنَتَانِ يَتَيَمَّمُ، وَسَتَأْتِي الثَّالِثَةُ فِي قَوْلِهِ: [كَأَنْ] قَلَّ جِدًّا. قَوْلُهُ: [فَالْأَرْمَدُ] إلَخْ: إنَّمَا نَصَّ عَلَيْهِ رَدًّا عَلَى مَنْ يَتَوَهَّمُ جَوَازَ التَّيَمُّمِ لَهُ مُطْلَقًا، فَإِنَّهُ وَهْمٌ بَاطِلٌ. قَوْلُهُ: [وَكَانَ غَسْلُهُ] إلَخْ: الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى لَوْ ضَرَّ. وَكَوْنُ الْيَدِ قَلِيلَةً جِدًّا بِالنَّظَرِ لِلْغَالِبِ، فَلَوْ خُلِقَ لِشَخْصٍ وَجْهٌ وَرَأْسٌ وَيَدٌ وَاحِدَةٌ وَكَانَتْ هِيَ الصَّحِيحَةُ لَكَانَ حُكْمُهُ التَّيَمُّمَ. وَالْمُرَادُ بِالْيَدِ فِي الْوُضُوءِ: مَا يَجِبُ غَسْلُهُ. وَأَمَّا فِي الْغَسْلِ، فَانْظُرْ: هَلْ مِنْ طَرَفِ الْأَصَابِعِ إلَى الْإِبْطِ أَوْ إلَى الْمِرْفَقِ؟ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. (اهـ. مِنْ الْحَاشِيَةِ) . مَسْأَلَةٌ إنْ تَعَذَّرَ مَسْحُ الْجِرَاحَاتِ بِكُلِّ وَجْهٍ؛ فَإِنْ كَانَتْ بِأَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ - كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَقِيلَ إلَى الْكُوعَيْنِ - تَرَكَهَا وَتَطَهَّرَ بِالْمَاءِ وُضُوءًا نَاقِصًا وَغُسْلًا نَاقِصًا. وَإِلَّا تَكُنْ بِأَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ، فَهَلْ كَذَلِكَ كَثُرَتْ الْجِرَاحَاتُ أَوْ قَلَّتْ؟ أَوْ إنْ قَلَّتْ وَلَا يَتَيَمَّمُ، أَوْ يَتَيَمَّمُ مُطْلَقًا، أَوْ يَجْمَعُهُمَا؟ أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ، وَإِذَا جَمَعَ قَدَّمَ الْمَائِيَّةَ. فَإِنْ خَافَ الضَّرَرَ مِنْ الْمَاءِ تَيَمَّمَ فَقَطْ بِاتِّفَاقٍ، وَاسْتَظْهَرَ الْأُجْهُورِيُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْأَخِيرِ أَنَّهُ يُعِيدُ الْمَائِيَّةَ لِكُلِّ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْمَجْمُوعِ وَالتَّيَمُّمَ لَا يُصَلَّى بِهِ إلَّا فَرْضٌ وَاحِدٌ، وَأَلْغَزَ فِيهِ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ بِقَوْلِهِ: أَلَا يَا فَقِيهَ الْعَصْرِ إنِّي رَافِعٌ ... إلَيْك سُؤَالًا حَارَ مِنِّي بِهِ الْفِكْرُ سَمِعْتَ وُضُوءًا أَبْطَلَتْهُ صَلَاتُهُ ... فَمَا الْقَوْلُ فِي هَذَا فَدَيْتُك يَا حَبْرُ وَلَيْسَ جَوَابًا لِي إذَا كُنْت عَارِفًا ... وُضُوءَ صَحِيحٍ فِي تَجَدُّدِهِ نَذْرُ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي حَاشِيَةِ (عب) بِقَوْلِهِ: إذَا مَا جِرَاحَاتٌ تَعَذَّرَ مَسُّهَا ... وَلَيْسَتْ بِأَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ يَا بَدْرُ فَيَجْمَعُ كُلًّا فِي صَلَاةٍ أَرَادَهَا ... تُرَابًا وَمَاءً كَيْ يَتِمَّ لَهُ الطُّهْرُ وَهَذَا عَلَى بَعْضِ الْأَقَاوِيلِ فَادْرَهْ ... وَكُنْ حَاذِقًا فَالْعِلْمُ يَسْمُو بِهِ الْقَدَرُ

[نزع الجبيرة]

(وَإِنْ نَزَعَهَا لِدَوَاءٍ أَوْ سَقَطَتْ رَدَّهَا وَمَسَحَ إنْ لَمْ يَطُلْ، كَالْمُوَالَاةِ) : يَعْنِي أَنَّ الْمُتَطَهِّرَ لَوْ نَزَعَ الْجَبِيرَةَ أَوْ الْعِصَابَةَ الَّتِي مَسَحَ عَلَيْهَا أَوْ سَقَطَتْ بِنَفْسِهَا، فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا لِمَحَلِّهَا فِي الصُّورَتَيْنِ، وَيَمْسَحُ عَلَيْهَا مَا دَامَ الزَّمَنُ لَمْ يَطُلْ. فَإِنْ طَالَ طُولًا كَالطُّولِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمُوَالَاةِ الْمُقَدَّرِ بِجَفَافِ عُضْوٍ وَزَمَنٍ اعْتَدَلَا، بَطَلَتْ طَهَارَتُهُ مِنْ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ إنْ تَعَمَّدَ وَبَنَى بِنِيَّةٍ إنْ نَسِيَ. (وَلَوْ كَانَ فِي صَلَاةٍ بَطَلَتْ) : أَيْ لَوْ كَانَ سُقُوطُهَا فِي صَلَاةٍ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ وَأَعَادَ الْجَبِيرَةَ فِي مَحَلِّهَا وَأَعَادَ الْمَسْحَ عَلَيْهَا إنْ لَمْ يَطُلْ ثُمَّ ابْتَدَأَ صَلَاتَهُ فَإِنْ طَالَ نِسْيَانًا بَنِي بِنِيَّةٍ، وَإِلَّا ابْتَدَأَ طَهَارَتَهُ. (كَأَنْ صَحَّ، وَبَادَرَ لِغَسْلِ مَحَلِّهَا أَوْ مَسْحِهِ) : هَذَا تَشْبِيهٌ فِيمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ: (وَإِنْ نَزَعَهَا) إلَخْ، مِنْ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَطُلْ الزَّمَنُ تَدَارَكَ الطَّهَارَةَ، وَإِلَّا بَطَلَتْ بِالْعَمْدِ وَلَوْ كَانَ فِي صَلَاةٍ يَعْنِي لَوْ صَحَّ - أَيْ بَرِئَ الْجُرْحُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ - وَهُوَ فِي صَلَاةٍ بَطَلَتْ وَبَادَرَ لِغَسْلِ مَحَلِّ الْجَبِيرَةِ إنْ كَانَ مِمَّا يُغْسَلُ، كَالْوَجْهِ، وَمَسَحَهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُمْسَحُ كَالرَّأْسِ. وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَأَرَادَ الْبَقَاءَ عَلَى طَهَارَتِهِ بَادَرَ بِمَا ذُكِرَ وَإِلَّا بَطَلَتْ إنْ طَالَ عَمْدًا. وَبَنَى إنْ طَالَ نِسْيَانًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَسْأَلَةٌ أُخْرَى: هَلْ يَصِحُّ التَّيَمُّمُ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ؟ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ (عب) وَغَيْرُهُ - أَوْ لَا يَصِحُّ؟ وَهُوَ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ (ح) عَنْ السُّيُورِيِّ، فَيَكُونُ كَفَاقِدِ الْمَاءِ وَالصَّعِيدِ؟ قَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ: وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. [نزع الجبيرة] قَوْلُهُ: [الْجَبِيرَةَ إلَخْ] : مُرَادُهُ الْأُمُورُ الْحَائِلَةُ مِنْ جَبِيرَةٍ وَعِصَابَةٍ وَقِرْطَاسٍ وَعِمَامَةٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ سَقَطَتْ بِنَفْسِهَا] إلَخْ: لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ السُّقُوطِ وَالنَّزْعِ عَمْدًا أَوْ غَيْرَهُ، فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ. قَوْلُهُ: [وَيَمْسَحُ عَلَيْهَا] : أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ، كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [إنْ نَسِيَ] : وَمِثْلُهُ إنْ عَجَزَ. وَيَبْنِي بِغَيْرِ تَجْدِيدِ نِيَّةٍ. قَوْلُهُ: [بَطَلَتْ] : أَيْ عَلَيْهِ وَحْدَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ إمَامًا فِي الْجُمُعَةِ لِاثْنَيْ عَشَرَ أَوْ وَاحِدًا مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ فِيهَا. وَمِنْهُ اللُّغْزُ الْمَشْهُورُ: رَجُلٌ سَقَطَتْ عِمَامَتُهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ جَمَاعَتِهِ. وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُبْطِلَ سُقُوطُهَا لَا دَوَرَانُهَا وَلَا سُقُوطُ الْجَبِيرَةِ مِنْ تَحْتِ الْعِصَابَةِ مَعَ بَقَاءِ الْعِصَابَةِ الْمَمْسُوحِ عَلَيْهَا مِنْ الْجُرْحِ.

[فصل في الحيض]

فَصْلٌ فِي الْحَيْضِ (الْحَيْضُ دَمٌ أَوْ صُفْرَةٌ أَوْ كُدْرَةٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ مِنْ قُبُلِ مَنْ تَحْمِلُ عَادَةً) : أَيْ أَنَّ الْحَيْضَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: إمَّا دَمٌ - وَهُوَ الْأَصْلُ - أَوْ صُفْرَةٌ كَالصَّدِيدِ الْأَصْفَرِ، أَوْ كُدْرَةٌ - بِضَمِّ الْكَافِ - شَيْءٌ كَدِرٌ لَيْسَ عَلَى أَلْوَانِ الدِّمَاءِ، (خَرَجَ بِنَفْسِهِ) : أَيْ لَا بِسَبَبِ وِلَادَةٍ وَلَا افْتِضَاضٍ وَلَا جُرْحٍ وَلَا عِلَاجٍ وَلَا عِلَّةٍ وَفَسَادٍ بِالْبَدَنِ. فَيَخْرُجُ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْحَيْضِ] [أَقَلّ الْحَيْض] فَصْلٌ: هُوَ لُغَةً: السَّيَلَانُ، مِنْ قَوْلِهِمْ حَاضَ الْوَادِي إذَا سَالَ، وَلَهُ مَعَانٍ أُخَرُ مَذْكُورَةٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ مِنْهَا الضَّحِكُ، وَبِهِ فُسِّرَ قَوْله تَعَالَى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ} [هود: 71] أَيْ حَاضَتْ، مُقَدِّمَةٌ لِلْحَمْلِ الَّذِي بُشِّرَ بِهِ، وَلَكِنَّ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْجَلَالُ أَنَّهَا ضَحِكَتْ سُرُورًا بِهَلَاكِ قَوْمِ لُوطٍ لِفُجُورِهِمْ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى مَجْمُوعِهِ) . وَيُطْلَقُ الْحَيْضُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لِكَوْنِهِ جِنْسًا، فَإِنْ أُرِيدَ التَّنْصِيصُ عَلَى الْوَحْدَةِ لَحِقَتْهُ التَّاءُ. قَوْلُهُ: [أَوْ صُفْرَةٌ أَوْ كُدْرَةٌ] : مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ حَيْضٌ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ سَوَاءٌ رَأَتْهُمَا فِي زَمَنِ الْحَيْضِ أَمْ لَا بِأَنْ رَأَتْهُمَا بَعْدَ عَلَامَةِ الطُّهْرِ. وَقِيلَ: إنْ كَانَا فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ فَحَيْضٌ وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ. وَقِيلَ: إنَّهُمَا لَيْسَا بِحَيْضٍ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: [خَرَجَ بِنَفْسِهِ] : أَيْ وَإِنْ بِغَيْرِ زَمَنِهِ الْمُعْتَادِ لَهُ. قَوْلُهُ: [وَلَا عِلَاجَ] : أَيْ قَبْلَ زَمَنِهِ الْمُعْتَادِ لَهُ. وَمِنْ هَاهُنَا قَالَ سَيِّدِي عَبْدُ اللَّهِ الْمَنُوفِيُّ إنَّ مَا خَرَجَ بِعِلَاجٍ قَبْلَ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ لَهُ لَا يُسَمَّى حَيْضًا، قَائِلًا: الظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَبْرَأُ بِهِ مِنْ الْعِدَّةِ وَلَا تَحِلُّ، وَتَوَقَّفَ فِي تَرْكِهَا الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ، قَالَ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ: وَالظَّاهِرُ عَلَى بَحْثِهِ عَدَمُ تَرْكِهِمَا (اهـ.) قَالَ فِي الْأَصْلِ: أَيْ لِأَنَّهُ اسْتَظْهَرَ

(مِنْ قُبُلِ امْرَأَةٍ تَحْمِلُ عَادَةً) : احْتِرَازًا مِمَّا خَرَجَ مِنْ الدُّبُرِ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ، وَمِمَّا خَرَجَ مِنْ قُبُلِ صَغِيرَةٍ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ أَوْ كَبِيرَةٍ بَلَغَتْ السَّبْعِينَ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ قَطْعًا. (وَأَقَلُّهُ فِي الْعِبَادَةِ دَفْقَةٌ) : بِفَتْحِ الدَّالِ وَبِالْقَافِ. وَيُقَالُ: دَفْعَةٌ - بِضَمِّهَا وَفَتْحِهَا وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ - لَا تُلَوِّثُ الْمَحَلَّ بِلَا دَفْقٍ، فَلَيْسَ بِحَيْضٍ إذَا لَمْ يَسْتَدِمْ، وَقَوْلُهُ (فِي الْعِبَادَةِ) : أَيْ فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ بِالدَّفْقَةِ، وَيَبْطُلُ صَوْمُهَا، وَتَقْضِي ذَلِكَ الْيَوْمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَدَمَ كَوْنِهِ حَيْضًا تَحِلُّ بِهِ الْمُعْتَدَّةُ، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَا تَتْرُكُهُمَا، وَإِنَّمَا قَالَ: " عَلَى بَحْثِهِ " لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي نَفْسِهِ تَرْكُهُمَا لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ حَيْضًا. وَقَضَاؤُهُمَا: لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ حَيْضًا. وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ الظَّاهِرُ فِعْلُهُمَا وَقَضَاءُ الصَّوْمِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ لِعَدَمِ نَصٍّ فِي الْمَسْأَلَةِ (اهـ.) وَقَوْلُنَا قَبْلَ زَمَنِهِ مَفْهُومُهُ لَوْ خَرَجَ بِعِلَاجٍ فِي زَمَنِهِ أَوْ بَعْدَهُ يَكُونُ حَيْضًا وَهُوَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: [مِنْ الدُّبُرِ] : وَمِثْلُهُ الثُّقْبَةُ وَلَوْ انْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ وَكَانَتْ تَحْتَ الْمَعِدَةِ. قَوْلُهُ: [بَلَغَتْ السَّبْعِينَ] : أَيْ وَتُسْأَلُ النِّسَاءُ فِي بِنْتِ الْخَمْسِينَ إلَى السَّبْعِينَ، فَإِنْ قُلْنَ: حَيْضٌ، أَوْ شَكَكْنَ، فَحَيْضٌ. كَمَا يُسْأَلْنَ فِي الْمُرَاهَقَةِ، وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ. وَأَمَّا مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ وَالْخَمْسِينَ فَيُقْطَعُ بِأَنَّهُ حَيْضٌ. مَسْأَلَةٌ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ اسْتَعْمَلَتْ الدَّوَاءَ لِرَفْعِهِ عَنْ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ فَارْتَفَعَ، فَيُحْكَمُ لَهَا بِالطُّهْرِ. وَعَنْ ابْنِ كِنَانَةَ: مَنْ عَادَتُهَا ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ مَثَلًا فَاسْتَعْمَلَتْ الدَّوَاءَ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ مَثَلًا لِرَفْعِهِ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ، فَيُحْكَمُ لَهَا بِالطُّهْرِ، خِلَافًا لِابْنِ فَرْحُونٍ (اهـ مِنْ الْأَصْلِ) . لَكِنْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: هَذَا الْعِلَاجُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الضَّرَرِ. قَوْلُهُ: [وَبِالْقَافِ] : الشَّيْءُ الْمَدْفُوقُ. قَوْلُهُ: [بِضَمِّهَا] : يَرْجِعُ لِمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَهُوَ الْمَرَّةُ، وَهَذَا إشَارَةٌ لِأَقَلِّهِ بِاعْتِبَارِ الْخَارِجِ، وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ الزَّمَنِ فَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ. وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ: أَقَلُّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: أَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ لَا يُعَدُّ حَيْضًا لَا فِي الْعِدَّةِ وَلَا فِي الْعِبَادَةِ فَيَنْفَعُ النِّسَاءَ تَقْلِيدُهُمْ. قَوْلُهُ: [فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ] : أَيْ فَثَمَرَتُهُ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ كُلَّمَا انْقَطَعَ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ وَإِنْ حَسِبَتْ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمَ حَيْضٍ.

[الاستحاضة]

وَأَمَّا فِي الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ فَلَا يُعَدُّ حَيْضًا إلَّا مَا اسْتَمَرَّ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ لَهُ بَالٌ كَمَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَأَكْثَرُهُ لِمُبْتَدَأَةٍ نِصْفُ شَهْرٍ كَأَقَلِّ الطُّهْرِ) : الْحَائِضُ إمَّا مُبْتَدَأَةٌ، أَوْ مُعْتَادَةٌ، أَوْ حَامِلٌ. فَأَكْثَرُ الْحَيْضِ لِلْمُبْتَدَأَةِ إنْ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَمَا زَادَ فَهُوَ دَمُ عِلَّةٍ وَفَسَادٍ، تَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ، كَمَا أَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ لِجَمِيعِ النِّسَاءِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَمَنْ رَأَتْ دَمًا بَعْدَهَا فَهُوَ حَيْضٌ قَطْعًا مُؤْتَنِفٌ. وَمَنْ رَأَتْهُ قَبْلَ تَمَامِهَا فَإِنْ كَانَتْ اسْتَوْفَتْ تَمَامَ حَيْضِهَا بِنِصْفِ الشَّهْرِ أَوْ بِالِاسْتِظْهَارِ، فَذَلِكَ الدَّمُ اسْتِحَاضَةٌ وَإِلَّا ضَمَّتْهُ لِلْأَوَّلِ حَتَّى يَحْصُلَ تَمَامُهُ بِالْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ بِالِاسْتِظْهَارِ وَمَا زَادَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ] وَيُرْجَعُ فِي تَعْيِينِ ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ الْعَارِفَاتِ بِأَحْوَالِ الْحَيْضِ. [الِاسْتِحَاضَة] قَوْلُهُ: [لِمُبْتَدَأَةٍ] : أَيْ غَيْرِ حَامِلٍ، بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي. وَهَذَا بِاعْتِبَارِ الزَّمَانِ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ الْخَارِجِ فَلَا حَدَّ لَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [كَأَقَلِّ الطُّهْرِ] : أَيْ فَأَقَلُّهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: عَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَقِيلَ: خَمْسَةٌ. وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ التَّحْدِيدِ لِأَقَلِّ الطُّهْرِ فِيمَا لَوْ حَاضَتْ مُبْتَدَأَةٌ أَوْ انْقَطَعَ عَنْهَا دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ عَاوَدَهَا قَبْلَ طُهْرٍ تَامٍّ، فَتَضُمُّ هَذَا الثَّانِيَ لِلْأَوَّلِ لِتَتِمَّ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِمَثَابَةِ مَا إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ، ثُمَّ هُوَ دَمُ عِلَّةٍ. وَإِنْ عَاوَدَهَا بَعْدَ تَمَامِ الطُّهْرِ فَهُوَ حَيْضٌ مُؤْتَنِفٌ. (اهـ. مِنْ الْخَرَشِيِّ) . قَوْلُهُ: [أَوْ حَامِلٌ] : أَيْ أَنَّ الْحَامِلَ عِنْدَنَا تَحِيضُ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَدَلَالَةُ الْحَيْضِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ ظَنِّيَّةٌ وَاكْتَفَى بِهَا الشَّارِعُ رِفْقًا بِالنِّسَاءِ. قَوْلُهُ: [إنْ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ] : أَيْ لَمْ يَحْصُلْ بَيْنَ الدَّمَيْنِ أَقَلُّ الطُّهْرِ. قَوْلُهُ: [مُؤْتَنِفٌ] : أَيْ فَتَحْسِبُهُ مِنْ الْعِدَّةِ وَيَجْرِي عَلَيْهَا سَائِرُ أَحْكَامِهِ. قَوْلُهُ: [بِنِصْفِ الشَّهْرِ] : أَيْ إنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً أَوْ عَادَتُهَا ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [أَوْ بِالِاسْتِظْهَارِ] : أَيْ كَمَا إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا ثَلَاثَةً وَاسْتَظْهَرَتْ بِثَلَاثٍ. فَمَا زَادَ عَلَى السِّتَّةِ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا ضَمَّتْهُ] إلَخْ: أَيْ وَإِلَّا تَسْتَوْفِي نِصْفَ الشَّهْرِ وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً أَوْ مُعْتَادَةً لِذَلِكَ لِذَلِكَ إنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً دُونَهُ ضَمَّتْهُ لِلْأَوَّلِ إلَخْ.

فَاسْتِحَاضَةٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَلِمُعْتَادَةٍ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ عَلَى أَكْثَرِ عَادَتِهَا اسْتِظْهَارًا، مَا لَمْ تُجَاوِزْهُ) : أَيْ وَأَكْثَرُهُ لِلْمُعْتَادَةِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ زِيَادَةً عَلَى أَكْثَرِ عَادَتِهَا. وَالْعَادَةُ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ؛ فَمَنْ اعْتَادَتْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ أَوْ خَمْسَةً اسْتَظْهَرَتْ بِثَلَاثَةٍ عَلَى الْخَمْسَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْخَمْسَةُ رَأَتْهَا مَرَّةً وَرَأَتْ الْأَرْبَعَةَ أَكْثَرَ. وَمَحَلُّ الِاسْتِظْهَارِ بِالثَّلَاثَةِ مَا لَمْ تُجَاوِزْ نِصْفَ الشَّهْرِ، فَمَنْ اعْتَادَتْ نِصْفَ الشَّهْرِ فَلَا اسْتِظْهَارَ عَلَيْهَا. وَمَنْ عَادَتُهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ اسْتَظْهَرَتْ بِيَوْمٍ فَقَطْ. (ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ تَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ) : أَيْ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ مَكَثَتْ الْمُبْتَدَأَةُ نِصْفَ شَهْرٍ، وَبَعْدَ أَنْ اسْتَظْهَرَتْ الْمُعْتَادَةُ بِثَلَاثَةٍ أَوْ بِمَا يُكْمِلُ نِصْفَ شَهْرٍ تَصْبِرُ؛ إنْ تَمَادَى بِهَا الدَّمُ مُسْتَحَاضَةً. وَيُسَمَّى الدَّمُ النَّازِلُ بِهَا دَمَ اسْتِحَاضَةٍ وَدَمَ عِلَّةٍ وَفَسَادٍ، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَلَى مَا سَيَأْتِي] إلَخْ: أَيْ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ مَيَّزَتْ بَعْدَ طُهْرٍ تَمَّ فَحَيْضٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَلِمُعْتَادَةٍ] : أَيْ وَعَادَتُهَا دُونَ نِصْفِ الشَّهْرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَأَكْثَرُ بِدَلِيلِ مَا يُذْكَرُ بَعْدُ. قَوْلُهُ: [عَلَى أَكْثَرِ عَادَتِهَا] : أَيْ زَمَنًا لَا وُقُوعًا بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [اسْتَظْهَرَتْ بِيَوْمٍ فَقَطْ] : حَاصِلُ مَا أَفَادَهُ أَنَّ مَنْ عَادَتَهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مَثَلًا، وَزَادَ عَلَيْهَا تَسْتَظْهِرُ بِثَلَاثَةٍ وَتَصِيرُ السِّتَّةُ عَادَةً لَهَا، فَإِنْ زَادَ فِي الدَّوْرِ الثَّانِي اسْتَظْهَرَتْ بِثَلَاثَةٍ، وَتَصِيرُ التِّسْعَةُ عَادَةً لَهَا. فَإِنْ زَادَ فِي الدَّوْرِ الثَّالِثِ اسْتَظْهَرَتْ بِثَلَاثَةٍ وَتَصِيرُ الِاثْنَا عَشَرَ عَادَةً لَهَا. فَإِنْ زَادَ فِي الدَّوْرِ الرَّابِعِ اسْتَظْهَرَتْ بِثَلَاثَةٍ وَتَصِيرُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ عَادَةً لَهَا. فَإِنْ زَادَ فِي دَوْرٍ خَامِسٍ فَهُوَ دَمُ عِلَّةٍ وَفَسَادٍ. وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ عَادَتَهَا ثَمَانِيَةٌ، وَزَادَ اسْتَظْهَرَتْ بِثَلَاثَةٍ، فَتَصِيرُ الْإِحْدَى عَشَرَ عَادَةً لَهَا. فَإِنْ زَادَ فِي دَوْرٍ ثَانٍ اسْتَظْهَرَتْ بِثَلَاثَةٍ وَتَصِيرُ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ عَادَةً لَهَا. فَإِنْ زَادَ فِي دَوْرٍ ثَالِثٍ اسْتَظْهَرَتْ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ طَاهِرٌ] : أَيْ خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ هِيَ طَاهِرٌ حُكْمًا. فَعَلَى مَا قَالَهُ الشَّارِحُ: يُنْدَبُ لَهَا بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا الْغُسْلُ وَقَضَاءُ الصَّوْمِ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ الثَّانِي. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي كَانَتْ كَحَائِضٍ انْقَطَعَ حَيْضُهَا، فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَقَضَاءُ الصَّوْمِ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، لِأَنَّهَا إمَّا صَحِيحَةٌ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ

طَاهِرٌ تَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ. (وَلِحَامِلٍ فِيمَا بَعْدَ شَهْرَيْنِ عِشْرُونَ، وَفِي سِتَّةٍ فَأَكْثَرَ ثَلَاثُونَ) : أَيْ وَأَكْثَرُ الْحَيْضِ لِلْحَامِلِ إنْ تَمَادَى بِهَا بَعْدَ شَهْرَيْنِ عِشْرُونَ يَوْمًا إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَفِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَى آخِرِ حَمْلِهَا ثَلَاثُونَ يَوْمًا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَادَةَ الْغَالِبَةَ فِي الْحَامِلِ عَدَمُ نُزُولِ الدَّمِ مِنْهَا، وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ قَدْ يَعْتَرِيهَا الدَّمُ. ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي الدَّمِ النَّازِلِ مِنْهَا: هَلْ هُوَ حَيْضٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِبَادَةِ؟ فَلَا تُصَلِّي وَلَا تَصُومُ وَلَا تَدْخُلُ مَسْجِدًا وَلَا تُوطَأُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَمَا بِهِ الْفَتْوَى عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، أَوْ لَيْسَ بِحَيْضٍ بَلْ هُوَ دَمُ عِلَّةٍ وَفَسَادٍ؟ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ. - ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ سَاقِطَةٌ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي. قَوْلُهُ: [فِيمَا بَعْدَ شَهْرَيْنِ] إلَخْ: هَذَا عَلَى مَا فِي الْخَرَشِيِّ وَأَقَرَّهُ فِي الْحَاشِيَةِ وَاشْتُهِرَ، وَفِي (ر) : أَنَّ الرَّابِعَ وَالْخَامِسَ وَسَطٌ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ. (اهـ. مِنْ الْمَجْمُوعِ) . قَوْلُهُ: [وَفِي سِتَّةٍ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ: إنَّ الشَّهْرَ السَّادِسَ مُلْحَقٌ بِمَا قَبْلَهُ. بَلْ الَّذِي عَلَيْهِ جَمِيعُ شُيُوخِ إفْرِيقِيَّةَ: أَنَّ حُكْمَ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ حُكْمُ مَا بَعْدَهَا. قَوْلُهُ: [بِالنِّسْبَةِ لِلْعِبَادَةِ] : أَيْ لَا لِلْعِدَّةِ؛ فَإِنَّ الْعِبْرَةَ فِيهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ لِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَعِدَّةُ الْحَامِلِ فِي وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ وَضْعُ حَمْلِهَا كُلِّهِ. قَوْلُهُ: [بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ] : أَيْ كَالْحَنَفِيَّةِ. تَنْبِيهٌ: هَلْ حُكْمُ مَا قَبْلَ الثَّلَاثَةِ لِلْحَامِلِ كَحُكْمِ مَا بَعْدَهَا؟ فَيَكُونُ عِشْرِينَ يَوْمًا أَوْ كَالْمُعْتَادَةِ غَيْرِ الْحَامِلِ تَمْكُثُ عَادَتَهَا وَالِاسْتِظْهَارَ؟ وَهُوَ التَّحْقِيقُ - وَلِذَلِكَ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ - وَأَمَّا الْحَامِلُ الَّتِي بَلَغَتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَلَا اسْتِظْهَارَ عَلَيْهَا

(فَإِنْ تَقَطَّعَتْ أَيَّامُهُ بِطُهْرٍ لَفَّقَتْهَا فَقَطْ عَلَى تَفْصِيلِهَا، ثُمَّ مُسْتَحَاضَةٌ، وَتَغْتَسِلُ كُلَّمَا انْقَطَعَ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ) : أَيْ إذَا تَقَطَّعَتْ أَيَّامَ الدَّمِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ وَالْمُعْتَادَةِ بِأَنْ تَخَلَّلَهَا طُهْرٌ - بِأَنْ كَانَ يَأْتِيهَا الدَّمُ فِي يَوْمٍ مَثَلًا، وَيَنْقَطِعُ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يَبْلُغْ الِانْقِطَاعُ نِصْفَ الشَّهْرِ - فَإِنَّهَا تُلَفِّقُ أَيَّامَ الدَّمِ فَقَطْ. فَالْمُبْتَدَأَةُ وَمَنْ اعْتَادَتْ نِصْفَ الشَّهْرِ تُلَفِّقُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فِي شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَلَا تُلَفِّقُ الطُّهْرَ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا: (فَقَطْ) . وَالْمُعْتَادَةُ تُلَفِّقُ عَادَتَهَا وَأَيَّامَ الِاسْتِظْهَارِ. كَذَلِكَ مَتَى لَمْ يَنْقَطِعْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَإِنْ انْقَطَعَهَا فَحَيْضٌ مُؤْتَنِفِ. ثُمَّ إذَا لَفَّقَتْ أَيَّامَ حَيْضِهَا - عَلَى تَفْصِيلِهَا الْمُتَقَدِّمِ مِنْ مُبْتَدَأَةٍ وَمُعْتَادَةٍ وَحَامِلٍ - فَمَا نَزَلَ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ مُبْتَدَأَةٍ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: [فِي الْمُبْتَدَأَةِ وَالْمُعْتَادَةِ] : أَيْ وَالْحَامِلِ. قَوْلُهُ: [فِي شَهْرٍ] : أَيْ إنْ انْقَطَعَ يَوْمًا وَجَاءَ يَوْمًا. قَوْلُهُ: [أَوْ شَهْرَيْنِ] أَيْ إنْ انْقَطَعَ ثَلَاثَةً وَجَاءَ فِي الرَّابِعِ. قَوْلُهُ: [أَوْ ثَلَاثَةٍ] : أَيْ إنْ انْقَطَعَ خَمْسَةً وَأَتَى فِي السَّادِسِ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَكْثَرَ] : أَيْ كَمَا إذَا كَانَ يَنْقَطِعُ فِي تِسْعَةٍ وَيَأْتِي فِي الْعَاشِرِ فَتُلَفِّقُهَا مِنْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا. قَوْلُهُ: [أَوْ أَقَلَّ] : أَيْ بِأَنْ أَتَاهَا يَوْمَيْنِ وَانْقَطَعَ يَوْمًا فَتُلَفِّقُهُ مِنْ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ. قَوْلُهُ: [لَا تُلَفِّقُ الطُّهْرَ] : أَيْ مِنْ تِلْكَ الْأَيَّامِ الَّتِي فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بَعْدَ فَرَاغِ أَيَّامِ الدَّمِ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِهَا لَا تُلَفِّقُ أَيَّامَ الطُّهْرِ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إنْ نَقَصَتْ أَيَّامُ الطُّهْرِ عَنْ أَيَّامِ الدَّمِ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ إنْ زَادَتْ أَوْ سَاوَتْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّ أَيَّامَ الطُّهْرِ إذَا سَاوَتْ أَيَّامَ الْحَيْضِ أَوْ زَادَتْ فَلَا تُلْغَى وَلَوْ كَانَتْ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، بَلْ هِيَ فِي أَيَّامِ الطُّهْرِ طَاهِرٌ تَحْقِيقًا، وَفِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَائِضٌ تَحْقِيقًا بِحَيْضٍ مُؤْتَنِفٍ، وَهَكَذَا مُدَّةَ عُمُرِهَا. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الدَّمِ النَّازِلِ بَعْدَ تَلْفِيقِ عَادَتِهَا أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَعَلَى الْمُعْتَمَدِ تَكُونُ طَاهِرًا، وَالدَّمُ النَّازِلُ دَمُ عِلَّةٍ وَفَسَادٍ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ يَكُونُ حَيْضًا. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .

فَاسْتِحَاضَةٌ لَا حَيْضٌ. وَحُكْمُ الْمُلَفِّقَةِ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ وُجُوبًا، كُلَّمَا انْقَطَعَ دَمُهَا وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَتُوطَأُ. (فَإِنْ مَيَّزَتْ بَعْدَ طُهْرٍ تَمَّ فَحَيْضٌ، فَإِنْ دَامَ بِصِفَةِ التَّمْيِيزِ اسْتَظْهَرَتْ، وَإِلَّا فَلَا) : يَعْنِي أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ - وَهِيَ مَنْ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ بَعْدَ تَمَامِ حَيْضِهَا بِتَلْفِيقٍ أَوْ بِغَيْرِ تَلْفِيقٍ - إذَا مَيَّزَتْ الدَّمَ بِتَغَيُّرِ رَائِحَةٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ رِقَّةٍ أَوْ ثِخَنٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ طُهْرٍ - أَيْ نِصْفِ شَهْرٍ - فَذَلِكَ الدَّمُ الْمُمَيَّزُ حَيْضٌ لَا اسْتِحَاضَةٌ. فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِصِفَةِ التَّمَيُّزِ اسْتَظْهَرَتْ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَا لَمْ تُجَاوِزْ نِصْفَ شَهْرٍ، ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ. وَإِلَّا - بِأَنْ لَمْ يَدُمْ بِصِفَةِ التَّمَيُّزِ بِأَنْ رَجَعَ لِأَصْلِهِ - مَكَثَتْ عَادَتَهَا فَقَطْ، وَلَا اسْتِظْهَارَ. هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ خِلَافًا لِإِطْلَاقِ الشَّيْخِ. (وَعَلَامَةُ الطُّهْرِ جُفُوفٌ أَوْ قُصَّةٌ - وَهِيَ أَبْلَغُ - فَتَنْتَظِرُهَا مُعْتَادَتُهُمَا لِآخِرِ الْمُخْتَارِ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كُلَّمَا انْقَطَعَ] : أَيْ لِأَنَّهَا لَا تَدْرِي هَلْ يُعَاوِدُهَا أَمْ لَا، إلَّا أَنْ تَظُنَّ أَنَّهُ يُعَاوِدُهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الَّذِي هِيَ فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ ضَرُورِيًّا أَوْ اخْتِيَارِيًّا فَلَا تُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ تَبَعًا لِ (عب) . وَقَوْلُ الْأَصْلِ فَلَا تُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ، فَإِنْ اغْتَسَلَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَصَلَّتْ وَلَمْ يَأْتِهَا دَمٌ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ فَهَلْ يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ أَمْ لَا؟ وَهَذَا إذَا جَزَمَتْ النِّيَّةَ. فَإِنْ تَرَدَّدَتْ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. وَالْمُسْتَحْسَنُ مِنْ كَلَامِ الْأَشْيَاخِ وُجُوبُ الْغُسْلِ عَلَيْهَا إنْ لَمْ تَعْلَمْ عَوْدَةً فِي الْوَقْتِ الَّذِي هِيَ فِيهِ، فَلَوْ كَانَتْ بِالِاخْتِيَارِيِّ وَعَلِمَتْ عَوْدَهُ فِي الضَّرُورِيِّ اغْتَسَلَتْ، كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ وَفِي (بْن) : أَنَّهَا لَا تُؤَخِّرُ رَجَاءَ الْحَيْضِ. (اهـ. مِنْ الْمَجْمُوعِ) . قَوْلُهُ: [حَيْضٌ] : أَيْ اتِّفَاقًا فِي الْعِبَادَةِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْعِدَّةِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَابْنِ الْمَاجَشَونِ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ فِي الْعِدَّةِ. قَوْلُهُ: [هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ] : أَيْ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الِاسْتِظْهَارِ، لِأَنَّ الِاسْتِظْهَارَ فِي غَيْرِهَا لِرَجَاءِ انْقِطَاعِ الدَّمِ، وَهَذِهِ قَدْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ اسْتِمْرَارُهُ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ، حَيْثُ قَالَ بِاسْتِظْهَارِهَا عَلَى أَكْثَرِ عَادَتِهَا. وَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: [فَإِنْ مَيَّزَتْ بِعَدَمِ طُهْرٍ تَمَّ] : أَنَّهَا إذَا لَمْ تُمَيِّزْ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ أَبَدًا، وَبِحُكْمٍ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا طَاهِرٌ وَلَوْ مَكَثَتْ طُولَ عُمُرِهَا، وَتَعْتَدُّ بِسَنَةٍ بَيْضَاءَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْعِدَّةِ.

[علامة الطهر]

بِخِلَافِ مُعْتَادَةِ الْجُفُوفِ فَلَا تَنْتَظِرُ مَا تَأَخَّرَ مِنْهُمَا كَالْمُبْتَدَأَةِ) : أَيْ أَنَّ عَلَامَةَ الطُّهْرِ أَيْ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ أَمْرَانِ: الْجُفُوفُ؛ أَيْ خُرُوجُ الْخِرْقَةِ خَالِيَةً مِنْ أَثَرِ الدَّمِ وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَلَّةً مِنْ رُطُوبَةِ الْفَرْجِ، وَالْقُصَّةُ وَهِيَ مَاءٌ أَبْيَضُ كَالْمَنِيِّ أَوْ الْجِيرِ الْمَبْلُولِ. وَالْقُصَّةُ أَبْلَغُ: أَيْ أَدَلُّ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ الْحَيْضِ، فَمَنْ اعْتَادَتْهَا أَوْ اعْتَادَتْهُمَا مَعًا طَهُرَتْ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهَا فَلَا تَنْتَظِرُ الْجُفُوفَ. وَإِذَا رَأَتْهُ ابْتِدَاءً انْتَظَرَتْهَا لِآخِرِ الْمُخْتَارِ بِحَيْثُ تُوقِعُ الصَّلَاةُ فِي آخِرِهِ. وَأَمَّا مُعْتَادَةُ الْجُفُوفِ فَقَطْ فَمَتَى رَأَتْهُ أَوْ رَأَتْ الْقُصَّةَ طَهُرَتْ وَلَا تَنْتَظِرُ الْآخِرَ مِنْهُمَا وَكَذَا الْمُبْتَدَأَةُ الَّتِي لَمْ تَعْتَدَّ شَيْئًا، هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، وَمُقْتَضَى أبلغية الْقُصَّةِ أَنَّهَا إنْ رَأَتْ الْجُفُوفَ أَوَّلًا انْتَظَرَتْ الْقُصَّةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [علامة الطُّهْرِ] قَوْلُهُ: [أَيْ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ] : سَوَاءٌ كَانَ دَمًا أَوْ كُدْرَةً. قَوْلُهُ: [وَالْقُصَّةُ] : لَا إشْكَالَ فِي نَجَاسَتِهَا، كَمَا قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ: مَاءُ الْفَرْجِ وَرُطُوبَتُهُ عِنْدَنَا نَجِسَانِ. قَوْلُهُ: [أَبْلَغُ] : أَيْ حَتَّى لِمُعْتَادَةِ الْجُفُوفِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَوْلُهُ: [انْتَظَرَتْهَا] : أَيْ اسْتِحْبَابًا. قَوْلُهُ: [هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ] : خِلَافًا لِظَاهِرِ خَلِيلٍ مِنْ تَقْيِيدِ الأبلغية بِمُعْتَادَةِ الْقُصَّةِ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ الْجُفُوفِ. قَوْلُهُ: [وَمُقْتَضَى أبلغية] إلَخْ: أَيْ فَهُوَ مُشْكِلٌ لِإِفَادَتِهِ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الْجُفُوفِ وَالْقُصَّةِ. مَعَ أَنَّهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَبْلَغُ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ تَنْبِيهٌ: لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ لَا وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا نَظَرُ طُهْرِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ لَعَلَّهَا

[ما يمنعه الحيض]

(وَمَنَعَ صِحَّةَ طَوَافٍ، وَاعْتِكَافٍ وَصَلَاةٍ، وَصَوْمٍ، وَوُجُوبَهُمَا وَقَضَاءُ الصَّوْمِ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ) : قَوْلُهُ: (وَوُجُوبَهُمَا) عَطْفٌ عَلَى صِحَّةٍ أَيْ مَنَعَ الْحَيْضُ صِحَّةَ مَا ذُكِرَ. وَمَنَعَ وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ؛ فَلَا يَجِبَانِ عَلَى الْحَائِضِ. كَمَا لَا يَصِحَّانِ مِنْهَا أَمَّا الصَّلَاةُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الصَّوْمُ فَمُشْكِلٌ؛ إذْ عَدَمُ وُجُوبِهِ يَقْتَضِي عَدَمَ قَضَائِهِ مَعَ أَنَّهَا تَقْضِيهِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ قَضَاءَهُ بِأَمْرٍ مِنْ الشَّارِعِ جَدِيدٍ؛ أَيْ غَيْرِ مَا يَقْتَضِيهِ عَدَمُ الْوُجُوبِ. (وَحَرُمَ بِهِ طَلَاقٌ، وَتَمَتُّعٌ بِمَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ، حَتَّى تَطْهُرَ بِالْمَاءِ، وَدُخُولُ مَسْجِدٍ، وَمَسُّ مُصْحَفٍ لَا قِرَاءَةٌ) : أَيْ يَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ أَيَّامَ حَيْضِهَا وَإِنْ وَقَعَ مِنْهُ لَزِمَهُ وَأُجْبِرَ عَلَى رَجْعَتِهَا إنْ كَانَ رَجْعِيًّا. وَهَذَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا، - ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ تُدْرِكَ الْعِشَاءَيْنِ وَالصَّوْمَ، بَلْ يُكْرَهُ إذْ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ وَلِقَوْلِ الْإِمَامِ: لَا يُعْجِبُنِي بَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا نَظَرُهُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وُجُوبًا مُوَسَّعًا إلَى أَنْ يَبْقَى مَا يَسَعُ الْغُسْلَ وَالصَّلَاةَ فَيَجِبُ وُجُوبًا مُضَيَّقًا مَا عَدَا وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، فَيُسْتَصْحَبُ الْأَصْلُ لِضَرُورَةِ النَّوْمِ، وَلِذَلِكَ لَوْ شَكَّتْ هَلْ طَهُرَتْ - قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ - سَقَطَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ. (بْن) . [مَا يَمْنَعهُ الْحَيْض] . قَوْلُهُ: [بِأَمْرٍ جَدِيدٍ] : وَإِنَّمَا وَجَبَ قَضَاؤُهُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ مِنْ الشَّارِعِ دُونَ الصَّلَاةِ لِخِفَّةِ مَشَقَّتِهِ بِعَدَمِ تَكَرُّرِهِ. قَوْلُهُ: [وَحَرُمَ بِهِ طَلَاقٌ] : أَيْ وَلَوْ أَوْقَعَهُ عَلَى مَنْ تَقَطَّعَ طُهْرُهَا لِأَنَّهُ يَوْمُ حَيْضٍ حُكْمًا كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ. وَاعْتِرَاضُ (بْن) بِأَنَّهُ لِلْحُرْمَةِ فِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ: [وَأُجْبِرَ عَلَى رَجْعَتِهَا] : أَيْ وَلَوْ أَوْقَعَهُ فِي حَالِ تَقَطُّعِ طُهْرِهَا بِنَاءً عَلَى حُرْمَةِ الطَّلَاقِ فِيهَا.

[النفاس]

وَإِلَّا لَمْ يَحْرُمْ. وَحَرُمَ أَيْضًا عَلَى الزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِزَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ بِوَطْءٍ فَقَطْ بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا، وَحَرُمَ عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ مِنْ ذَلِكَ. وَيَجُوزُ بِمَا عَدَا ذَلِكَ؛ فَيَجُوزُ تَقْبِيلُهَا وَاسْتِمْنَاؤُهُ بِيَدِهَا وَثَدْيَيْهَا وَسَاقَيْهَا وَمُبَاشَرَةُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعِ - مَا عَدَا الْوَطْءِ - كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الْأَئِمَّةِ، خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَهُ، وَتَسْتَمِرُّ حُرْمَةُ الِاسْتِمْتَاعِ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ حَتَّى تَطْهُرَ بِالْمَاءِ لَا بِالتَّيَمُّمِ، فَإِذَا لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ فَلَا يَقْرَبْهَا بِالتَّيَمُّمِ إلَّا لِشِدَّةِ ضَرَرٍ. وَيَحْرُمُ عَلَى الْحَائِضِ أَيْضًا دُخُولُ مَسْجِدٍ وَمَسُّ مُصْحَفٍ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ إلَّا بَعْدَ انْقِطَاعِهِ وَقَبْلَ غُسْلِهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ جُنُبًا حَالَ حَيْضِهَا أَمْ لَا، فَلَا تَقْرَأُ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ مُطْلَقًا حَتَّى تَغْتَسِلَ. هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. (وَالنِّفَاسُ: مَا خَرَجَ لِلْوِلَادَةِ مَعَهَا أَوْ بَعْدَهَا، وَلَوْ بَيْنَ تَوْأَمَيْنِ) : أَيْ أَنَّ النِّفَاسَ هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ وِلَادَتِهَا مَعَ الْوِلَادَةِ أَوْ بَعْدَهَا. وَأَمَّا مَا خَرَجَ قَبْلَهَا، فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ حَيْضٌ. فَلَا يُحْسَبُ مِنْ السِّتِّينَ يَوْمًا. وَبَالَغَ بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ بَيْنَ) إلَخْ: - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِلَّا لَمْ يَحْرُمْ] : أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، أَوْ كَانَتْ حَامِلًا فَلَا حُرْمَةَ، عَلَى أَنَّ حُرْمَةَ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ مُعَلَّلَةٌ بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ. قَوْلُهُ: [كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ] إلَخْ: فَفِي (بْن) : الَّذِي لِابْنِ عَاشِرٍ مَا نَصُّهُ ظَاهِرُ عِبَارَاتِهِمْ جَوَازُ الِاسْتِمْتَاعِ بِمَا تَحْتَ الْإِزَارِ بِغَيْرِ الْوَطْءِ مِنْ لَمْسٍ وَمُبَاشَرَةٍ وَنَظَرٍ حَتَّى لِلْفَرْجِ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ المسناوي: نُصُوصُ الْأَئِمَّةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي يُمْنَعُ تَحْتَ الْإِزَارِ هُوَ الْوَطْءُ فَقَطْ لَا التَّمَتُّعُ بِغَيْرِهِ خِلَافًا لِلْأُجْهُورِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ. قَوْلُهُ: [لَا بِالتَّيَمُّمِ] : أَيْ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إذَا كَانَتْ مِنْ أَهْلِهِ جَازَ وَطْؤُهَا وَلَوْ لَمْ يُخَفْ الضَّرَرُ. قَوْلُهُ: [دُخُولُ مَسْجِدٍ] : أَيْ فَلَا تَعْتَكِفُ وَلَا تَطُوفُ. قَوْلُهُ: [وَمَسُّ مُصْحَفٍ] : أَيْ مَا لَمْ تَكُنْ مُعَلِّمَةً أَوْ مُتَعَلِّمَةً. قَوْلُهُ: [هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ] : وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الْحَطَّابُ، وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ كَمَا أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الْقِرَاءَةُ حَالَ اسْتِرْسَالِ الدَّمِ عَلَيْهَا كَانَتْ جُنُبًا أَمْ لَا كَمَا صَدَّرَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَصَوَّبَهُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ. [النِّفَاس] قَوْلُهُ: [فَلَا يُحْسَبُ مِنْ السِّتِّينَ] : وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ نِفَاسٌ، فَإِنَّ أَيَّامَهُ تُضَمُّ لِمَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَتُحْسَبُ مِنْ السِّتِّينَ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ أَيْضًا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ إذَا رَأَتْ هَذَا الدَّمَ الْخَارِجَ قَبْلَ الْوِلَادَةِ لِأَجَلِهَا، فَهَلْ هُوَ نِفَاسٌ يَمْنَعُ الصَّلَاةَ

لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: مَا خَرَجَ بَيْنَ التَّوْأَمَيْنِ حَيْضٌ وَلَا تُحْسَبُ السِّتُّونَ يَوْمًا إلَّا مِنْ خُرُوجِ الثَّانِي. وَالتَّوْأَمَانِ: الْوَلَدَانِ فِي بَطْنٍ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. (وَأَكْثَرُهُ سِتُّونَ يَوْمًا) أَيْ أَنَّ أَكْثَرَ النِّفَاسِ سِتُّونَ يَوْمًا، فَمَا زَادَ عَلَيْهَا فَاسْتِحَاضَةٌ، فَإِنْ تَقَطَّعَ لَفَّقَتْ السِّتِّينَ، وَتَغْتَسِلُ كُلَّمَا انْقَطَعَ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي، فَإِنْ انْقَطَعَ نِصْفَ شَهْرٍ فَقَدْ تَمَّ الطُّهْرُ وَمَا نَزَلَ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَيْضٌ. وَعَلَامَةُ الطُّهْرِ مِنْهُ جُفُوفٌ أَوْ قُصَّةٌ وَهِيَ أَبْلَغُ، وَيَمْنَعُ مَا مَنَعَهُ الْحَيْضُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ. (وَالطُّهْرُ مِنْهُ وَتَقَطُّعُهُ وَمَنْعُهُ كَالْحَيْضِ) . - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالصَّوْمَ أَوْ دَمُ اسْتِحَاضَةٍ تُصَلِّي مَعَهُ وَتَصُومُ. قَوْلُهُ: [وَبَالَغَ] إلَخْ: أَيْ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ نِفَاسٌ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ شَهْرَيْنِ فَاخْتُلِفَ: هَلْ تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى لَهَا وَيَصِيرُ الْجَمِيعُ نِفَاسًا وَاحِدًا؟ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَرَادِعِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، أَوْ تَسْتَأْنِفُ لِلثَّانِي نِفَاسًا آخَرَ؟ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ. وَأَمَّا إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا شَهْرَانِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا تَسْتَأْنِفُ. وَمَحَلُّ الْقَوْلَيْنِ مَا لَمْ يَتَخَلَّلْهَا أَقَلُّ الطُّهْرِ كَمَا قَيَّدَ بِهِ النَّفْرَاوِيُّ، وَإِلَّا فَتَسْتَأْنِفُ لِلثَّانِي نِفَاسًا جَزْمًا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهُوَ وَجِيهٌ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوهُ. قَوْلُهُ: [أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ] : أَيْ قِلَّةٌ لَهَا بَالٌ، كَسِتَّةِ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ كَانَا بَطْنَيْنِ. لَكِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ شَيْخُنَا بِأَنَّ الثَّانِيَ قَدْ يَتَأَخَّرُ لِأَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ، وَلَا يَكُونُ مَنْ يَلْحَقُ بِهِ الثَّانِيَ فَيُلْحَقُ بِالْأَوَّلِ، وَلَا تَتِمُّ الْعِدَّةُ إلَّا بِهِمَا، وَتَكُونُ مَنْكُوحَةً فِي الْعِدَّةِ إذَا لَمْ يَمْضِ لِوَطْءِ الثَّانِي أَقَلُّ الْحَمْلِ كَمَا يَأْتِي. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ فَيَكُونَانِ تَوْأَمَيْنِ. (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى مَجْمُوعِهِ) . قَوْلُهُ: [سِتُّونَ] : أَيْ وَلَا عَادَةَ وَلَا اسْتِظْهَارَ، فَقَدْ عُلِمَ مِنْ الْبَابِ أَرْبَعَةٌ لَا تَسْتَظْهِرُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، وَهِيَ: الْمُبْتَدَأَةُ، وَالْحَامِلُ، وَالْمُسْتَحَاضَةُ، وَالنُّفَسَاءُ.

[باب الصلاة]

بَابُ الصَّلَاةِ (الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ لِلظُّهْرِ مِنْ الزَّوَالِ لِآخِرِ الْقَامَةِ بِغَيْرِ ظِلِّ الزَّوَالِ، وَهُوَ أَوَّلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الصَّلَاةِ] [أَوْقَات الصَّلَاة] لَمَّا أَكْمَلَ الْكَلَامَ عَنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ - الَّذِي أَوْقَعَ الْبَابَ مَوْقِعَهُ، إذْ هِيَ آكَدُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ - أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْكَلَامِ عَلَى بَقِيَّةِ شُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا وَسُنَنِهَا وَمَنْدُوبَاتِهَا وَمُبْطِلَاتِهَا. وَتَرْجَمَ عَنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ [بِبَابٍ] مَكَانَ تَرْجَمَةِ غَيْرِهِ بِكِتَابٍ. وَالصَّلَاةُ لُغَةً: الدُّعَاءُ وَبِمَعْنَى الْبَرَكَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَشَرْعًا: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُرْبَةٌ فِعْلِيَّةٌ ذَاتُ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ أَوْ سُجُودٍ فَقَطْ، فَيَدْخُلُ سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ. (اهـ.) . وَافْتَتَحَ الْمُصَنِّفُ بَابَ الصَّلَاةِ بِوَقْتِهَا، لِأَنَّهُ إمَّا شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا وَوُجُوبِهَا كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ، أَوْ سَبَبٌ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ خِطَابِ الْمُكَلَّفِ بِالصَّلَاةِ، وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ خِطَابِ الْمُكَلَّفِ بِهَا - كَمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ - وَهُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَعْنِي خَلِيلًا، وَتَبِعَهُ مُصَنِّفُنَا لِتَأْخِيرِ الشَّرْطِ عَنْهُ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ ثُمَّ ذَكَرَ الْأَذَانَ، ثُمَّ ذَكَرَ الشُّرُوطَ بَعْدَ ذَلِكَ. (اهـ.) مِنْ الْخَرَشِيِّ. قَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ: وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ فَرْضًا وَنَفْلًا، وَقَدْ سَاقَ الْحَطَّابُ جُمْلَةً مِنْ تَطَوُّعِهَا وَعَدَّ مِنْهُ: صَلَاةَ التَّسَابِيحِ. وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَرَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَعِنْدَ السَّفَرِ. وَالْقُدُومِ، وَبَيْنَ الْأَذَانِ، وَالْإِقَامَةِ إلَّا الْمَغْرِبَ. وَمِنْ الْحَاجَةِ: صَلَاةُ التَّوْبَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا بَعْضُ الْعَارِفِينَ، وَكُلُّ خَيْرٍ حَسَنٌ. قِيلَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الصِّلَةِ وَهُوَ إمَّا مِنْ بَابِ الِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ الَّذِي لَا يُرَاعَى فِيهِ التَّرْتِيبُ، أَوْ أَنَّهَا عِلْفَةٌ وَأَصْلُهَا دَخَلَهَا الْقَلْبُ الْمَكَانِيُّ بِتَأْخِيرِ الْفَاءِ عَنْ لَامِ الْكَلِمَةِ. فَصَارَ صِلْوَةً ثُمَّ الْإِعْلَالِيّ بِقَلْبِ الْوَاوِ أَلِفًا. وَقِيلَ: مِنْ صَلَّيْت الْعُودَ بِالتَّشْدِيدِ: قَوَّمْته بِالنَّارِ. وَاعْتَرَضَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ لَامَهُ يَاءٌ وَلَامَهَا وَاوٌ. فَأُجِيبَ بِأَنَّهَا تُقْلَبُ يَاءً مِنْ الْمُضَعَّفِ مَعَ الضَّمِيرِ كزكيت مِنْ الزَّكَاةِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَكَأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِمْ: صَلَيْت اللَّحْمَ صَلْيًا كَرَمَيْتُهُ رَمْيًا إذَا شَوَيْته. وَقَدْ يُقَالُ الْمَادَّةُ وَاحِدَةٌ. (اهـ) . قَوْلُهُ: [الْوَقْتُ] إلَخْ: هُوَ مُبْتَدَأٌ وَالْمُخْتَارُ صِفَتُهُ، وَلِلظُّهْرِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ أَيْ ابْتِدَاؤُهُ لِلظُّهْرِ. وَقَوْلُهُ: [مِنْ الزَّوَالِ] : خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الثَّانِي، وَالثَّانِي وَخَبَرُهُ خَبَرُ الْأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ: [لِآخِرِ الْقَامَةِ] : حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي الْخَبَرِ. وَإِنَّمَا بَدَأَ بِبَيَانِ

وَقْتِ الْعَصْرِ، لِلِاصْفِرَارِ، وَاشْتَرَكَا فِيهِ بِقَدْرِهَا) : هَذَا الْبَابُ يُذْكَرُ فِيهِ أَحْكَامُ الصَّلَاةِ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقْتِ الظُّهْرِ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ صُلِّيَتْ فِي الْإِسْلَامِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ بِالظُّهْرِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْوَقْتِ عِنْدَ الْقَرَافِيُّ فَرْضُ كِفَايَةٍ يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهِ، وَعِنْدَ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ فَرْضُ عَيْنٍ، وَوُفِّقَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلشَّخْصِ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ دُخُولَ الْوَقْتِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي جَوَازَ التَّقْلِيدِ فِيهِ اُنْظُرْ (بْن) : (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: أَحْكَامُ الصَّلَاةِ أَيْ مِنْ وُجُوبٍ وَنَدْبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

أَوْقَاتُهَا وَشَرَائِطُهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. وَالْوَقْتُ إمَّا اخْتِيَارِيٌّ وَإِمَّا ضَرُورِيٌّ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمَعْذُورِينَ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَيْهِ. فَالِاخْتِيَارِيُّ لِلظُّهْرِ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ بِذِرَاعٍ قَدْرَ قَامَتِهِ، وَقَامَةُ كُلِّ إنْسَانٍ سَبْعَةُ أَقْدَامٍ بِقَدَمِ نَفْسِهِ أَوْ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ بِذِرَاعِ نَفْسِهِ، وَتُعَدُّ قَامَةُ كُلِّ شَيْءٍ بِغَيْرِ ظِلِّ الزَّوَالِ، وَهُوَ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّمْسَ إذَا أَشْرَقَتْ ظَهَرَ لِكُلِّ شَخْصٍ ظِلٌّ مُمْتَدٌّ لِجِهَةِ الْمَغْرِبِ، فَكُلَّمَا ارْتَفَعَتْ نَقَصَ الظِّلُّ، فَإِذَا وَصَلَتْ وَسَطَ السَّمَاءِ وَهُوَ وَقْتُ الِاسْتِوَاءِ تَمَّ نُقْصَانُهُ. وَطُولُهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ، فَقَدْ يَكُونُ قَدْرَ قَامَةٍ وَثُلُثِ قَامَةٍ كَمَا فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَوْقَاتُهَا] : أَيْ الَّتِي تُؤَدَّى فِيهَا؛ اخْتِيَارِيَّةٌ أَوْ ضَرُورِيَّةٌ. قَوْلُهُ: [وَشَرَائِطُهَا] : جَمْعُ شَرْطٍ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ شُرُوطُ وُجُوبٍ فَقَطْ، وَشُرُوطُ صِحَّةٍ فَقَطْ، وَشُرُوطُ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ مَعًا. قَوْلُهُ: [وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] : أَيْ مِنْ بَيَانِ الْأَرْكَانِ وَالسُّنَنِ وَالْفَضَائِلِ وَالْمَكْرُوهَاتِ وَالْمُبْطِلَاتِ وَسُجُودِ السَّهْوِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَالْوَقْتُ] : أَيْ الزَّمَانُ الْمُقَدَّرُ لِلْعِبَادَةِ شَرْعًا. قَوْلُهُ: [لِغَيْرِ الْمَعْذُورِينَ] : وَأَمَّا الْمَعْذُورُونَ فَيَجُوزُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمْ. قَوْلُهُ: [مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ] : أَيْ مَيْلِهَا. قَوْلُهُ: [عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ] : أَيْ بِأَنْ تَمِيلَ لِجِهَةِ الْمَغْرِبِ. قَوْلُهُ: [قَدْرَ قَامَتِهِ] : هُوَ مَعْنَى قَوْلِ غَيْرِهِ: حَتَّى يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ. قَوْلُهُ: [وَطُولُهُ يَخْتَلِفُ إلَخْ] : أَيْ قَدْرُ الْبَاقِي بَعْدَ تَمَامِ الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ. وَقَوْلُهُ: [يَخْتَلِفُ] إلَخْ: أَيْ بِحَسَبِ الْأَشْهُرِ الْقِبْطِيَّةِ، وَهِيَ تُوتُ فَبَابَهْ فَهَاتُورُ فَكِيَهْكُ فَطُوبَةُ فَأَمْشِيرُ فَبَرَمْهَاتُ فَبَرْمُودَةُ فَبَشَنْسُ فبؤنة فَأَبِيبُ فَمِسْرَى،

[تنبيه لو خطى ولي من قطر إلى قطر]

أَوَّلِ فَصْلِ الشِّتَاءِ، وَقَدْ يَكُونُ سُدُسَ الْقَامَةِ كَمَا فِي بؤنة وَأَبِيبَ. وَقَدْ لَا يَكُونُ مِنْ أَصْلِهِ كَمَا فِي مَكَّةَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ إلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ أَخَذَ الظِّلُّ فِي الزِّيَادَةِ، وَذَلِكَ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، فَذَلِكَ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ الِاخْتِيَارِيِّ. وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ إلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ، وَاشْتَرَكَتْ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ فِي آخِرِ الْقَامَةِ بِقَدْرِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، فَيَكُونُ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَأَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّيْت آخِرَ الْقَامَةِ وَقَعَتْ صَحِيحَةً. وَقِيلَ: بَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدَّمَ جَعْلَ بَعْضِهِمْ لِذَلِكَ ضَابِطًا بِقَوْلِهِ: " طزه جبا أبد وحي، فَالطَّاءُ قَدْرُ أَقْدَامِ ظِلِّ الزَّوَالِ بِطُوبَةٍ، وَالزَّايُ لِأَقْدَامِ أَمْشِيرَ وَهَكَذَا لِآخِرِهَا. قَوْلُهُ: [كَمَا فِي مَكَّةَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ] : أَيْ وَزِيدَ مَرَّتَيْنِ فِي السَّنَةِ وَبِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ مَرَّةً، وَهُوَ أَطْوَلُ يَوْمٍ فِيهَا، قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلُ: بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ عَرْضَ الْمَدِينَةِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً، وَعَرْضَ مَكَّةَ إحْدَى وَعِشْرُونَ دَرَجَةً وَكِلَاهُمَا شَمَالِيٌّ، وَالْمُرَادُ بِالْعَرْضِ: بُعْدُ سَمْتِ رَأْسِ أَهْلِ الْبَلَدِ عَنْ دَائِرَةِ الْمُعَدَّلِ وَالْمَيْلُ الْأَعْظَمُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً وَالْمُرَادُ بِهِ بُعْدُ غَايَةِ الشَّمْسِ إذَا كَانَتْ عَلَى مِنْطَقَةِ الْبُرُوجِ مِنْ دَائِرَةِ الْمُعَدَّلِ، وَإِذَا كَانَتْ الشَّمْسُ عَلَى مِنْطَقَةِ الْبُرُوجِ فِي غَايَةِ الْمَيْلِ الشَّمَالِيِّ كَانَتْ مُسَامِتَةً لِرَأْسِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَيَنْعَدِمُ الظِّلُّ عِنْدَهُمْ، وَلَا تَكُونُ الشَّمْسُ كَذَلِكَ فِي الْعَامِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ فِي آخِرِ الْجَوْزَاءِ، وَإِذَا كَانَتْ الشَّمْسُ عَلَى مِنْطَقَةِ الْبُرُوجِ وَكَانَ الْمَيْلُ الشَّمَالِيُّ إحْدَى وَعِشْرِينَ دَرَجَةً كَانَتْ مُسَامِتَةً لِرَأْسِ أَهْلِ مَكَّةَ فَيَنْعَدِمُ الظِّلُّ عِنْدَهُمْ فِي يَوْمَيْنِ مُتَوَازِيَيْنِ، يَوْمٌ قَبْلَ الْمَيْلِ الْأَعْظَمِ وَيَوْمٌ بَعْدَهُ فِي تَنَقُّلَاتِهَا. فَإِنْ كَانَ الْعَرْضُ أَكْثَرَ مِنْ الْمَيْلِ الْأَعْظَمِ كَمَا فِي مِصْرَ - فَإِنَّ عَرْضَهَا ثَلَاثُونَ - لَمْ يَنْعَدِمْ الظِّلُّ أَصْلًا، لِأَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تُسَامِتْهُمْ، دَائِمًا فِي جَنُوبِهِمْ. (اهـ.) . [تَنْبِيه لَوْ خطى وَلِي مِنْ قطر إلَى قطر] قَوْلُهُ: [وَاشْتَرَكَتْ الظُّهْرُ] إلَخْ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا؛ فَآخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ آخِرُ الْقَامَةِ الْأُولَى، وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ أَوَّلُ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: تَاللَّهِ مَا بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكٌ، وَلَقَدْ زَلَّتْ فِيهِ أَقْدَامُ الْعُلَمَاءِ. قَوْلُهُ: [بِقَدْرِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ] : أَيْ فِي الْحَضَرِ وَبِقَدْرِ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ. قَوْلُهُ: [وَقَعَتْ صَحِيحَةً] : وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ ابْنِ رَاشِدٍ وَابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ،

أَوَّلُهُ أَوَّلُ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ، فَلَوْ صَلَّيْت آخِرَ الْأُولَى كَانَتْ فَاسِدَةً، وَعَلَيْهِ فَالِاشْتِرَاكُ فِي أَوَّلِ الثَّانِيَةِ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ فِيهِ لَمْ يَأْثَمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ. وَلَوْ أَخَّرَ الظُّهْرَ عَلَى هَذَا لِأَوَّلِ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ أَثِمَ. قَوْلُهُ: [وَعَلَيْهِ فَالِاشْتِرَاكُ] إلَخْ: وَهُوَ لِابْنِ الْحَاجِبِ. وَحَاصِلُ مَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ: أَنَّ فَائِدَةَ الْخِلَافِ بِالنِّسْبَةِ لِلظُّهْرِ تَظْهَرُ فِي الْإِثْمِ وَعَدَمِهِ عِنْدَ تَأْخِيرِهَا عَنْ الْقَامَةِ الْأُولَى لِأَوَّلِ الثَّانِيَةِ، وَتَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَصْرِ فِي الصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا إذَا قَدَّمَهَا فِي آخِرِ الْأُولَى، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى: «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بِي الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ» ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ: «فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ مِنْ الْغَدِ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ» ، فَاخْتَلَفَ الْأَشْيَاخُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثَيْنِ؛ فَصَلَّى، هَلْ مَعْنَاهُ شَرَعَ فِيهِمَا أَوْ مَعْنَاهُ فَرَغَ مِنْهُمَا؟ فَإِنْ فُسِّرَ بِشَرَعَ كَانَتْ الظُّهْرُ دَاخِلَةً عَلَى الْعَصْرِ وَمُشَارِكَةً لَهَا فِي أَوَّلِ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ فُسِّرَ بِفَرَغَ كَانَتْ الْعَصْرُ دَاخِلَةً عَلَى الظُّهْرِ وَمُشَارِكَةً فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ يَجْرِي نَحْوُهُ فِي الْعِشَاءَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِدَادِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ لِمَغِيبِ الشَّفَقِ لَا عَلَى مَا لِلْمُصَنِّفِ. فَإِذَا قِيلَ بِالِاشْتِرَاكِ وَقِيلَ بِدُخُولِ الْمَغْرِبِ عَلَى الْعِشَاءِ فَالِاشْتِرَاكُ بِمِقْدَارِ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الْعِشَاءِ. وَإِنْ قِيلَ بِدُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ عَلَى الْمَغْرِبِ فَبِمِقْدَارِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ أَيْ مِنْ آخِرِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . تَنْبِيهٌ لَا يُعْتَبَرُ مَعْرِفَةُ الْوَقْتِ بِكَشْفٍ وَلَا تَدْقِيقِ مِيقَاتٍ. وَإِنْ خَطَّى وَلِيٌّ مِنْ قُطْرٍ

(وَلِلْمَغْرِبِ غُرُوبُ الشَّمْسِ بِقَدْرِ فِعْلِهَا بَعْدَ شُرُوطِهَا) : أَيْ وَالْمُخْتَارُ لِلْمَغْرِبِ أَوَّلُهُ غِيَابُ جَمِيعِ قُرْصِ الشَّمْسِ وَلَا امْتِدَادَ لَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، بَلْ يُقَدَّرُ بِقَدْرِ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ بَعْدَ تَحْصِيلِ شُرُوطِهَا مِنْ طَهَارَةِ حَدَثٍ وَخَبَثٍ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ، وَجَازَ لِمَنْ كَانَ مُحَصِّلًا لَهَا تَأْخِيرُهَا بِقَدْرِ تَحْصِيلِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى آخَرَ اُعْتُبِرَ زَوَالُ مَا يُصَلِّي فِيهِ، وَلَا تَكَرُّرَ عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ فِي يَوْمِ الدَّجَّالِ يُقَدَّرُ لَهُ صَلَاةُ السَّنَةِ، فَأَجْرَى فِيهِ بَعْضُهُمْ جَمِيعَ أَحْكَامِ الْعَامِ مِنْ صِيَامٍ وَحَجٍّ وَزَكَاةٍ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ لِعَلَامَةِ وَقْتِ الْعَصْرِ ضَابِطًا وَهُوَ: إذَا ضَمَّ أَصَابِعَهُ وَوَضَعَ الْخِنْصَرَ عَلَى تَرْقُوَتِهِ وَذَقَنِهِ عَلَى الْإِبْهَامِ، فَرَأَى الشَّمْسَ، فَقَدْ دَخَلَ الْعَصْرُ، لَا إنْ كَانَ قُرْصُهَا فَوْقَ حَاجِبِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهُوَ تَقْرِيبٌ لِأَنَّ الشَّمْسَ تَنْخَفِضُ فِي الشِّتَاءِ. قَوْلُهُ: [وَلِلْمَغْرِبِ] : وَتُسَمَّى صَلَاةَ الشَّاهِدِ - نَجْمٌ يَطْلُعُ عِنْدَهَا - أَوْ الْحَاضِرِ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَقْصُرُهَا أَوْ أَنَّهُ لَا يَنْتَظِرُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ مَعَ الْجَمَاعَةِ، لِأَنَّ وَقْتَهَا أَضْيَقُ. وَوَرَدَ النَّهْيُ عَنْ تَسْمِيَتِهَا عِشَاءً، وَلَمْ يَصِحَّ: «إذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ وَالْعِشَاءُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ» وَإِنَّمَا هُوَ: «إذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ» ، ثُمَّ الْمُقَدَّمُ طَعَامٌ لَا يُخْرِجُ الْوَقْتَ كَعَادَتِهِمْ، وَأَمَّا عِشَاءَانِ تَغْلِيبًا فَخَفِيفٌ. قَوْلُهُ: [غُرُوبُ الشَّمْسِ] : أَيْ مِنْ غُرُوبِ أَيْ مَغِيبِ جَمِيعِ قُرْصِهَا. وَهَذَا هُوَ الْغُرُوبُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ جَوَازُ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، وَجَوَازُ الْفِطْرِ لِلصَّائِمِ، وَأَمَّا الْغُرُوبُ الْمِيقَاتِيُّ فَهُوَ مَغِيبُ مَرْكَزِ الْقُرْصِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ تَحْدِيدُ قَدْرِ اللَّيْلِ وَأَحْكَامٌ أُخَرُ تُذْكَرُ فِي الْمِيقَاتِ، فَالْغُرُوبُ الْمِيقَاتِيُّ أَقَلُّ مِنْ الْغُرُوبِ الشَّرْعِيِّ بِنِصْفِ دَرَجَةٍ. (انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [عَلَى الْمَشْهُورِ] : وَقِيلَ لِلشَّفَقِ وَلِمُرَاعَاتِهِ أَجَازُوا التَّطْوِيلَ فِيهَا وَالتَّأْخِيرَ لِلْمُسَافِرِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [مِنْ طَهَارَةِ حَدَثٍ] إلَخْ: أَيْ مَائِيَّةٍ صُغْرَى وَكُبْرَى لَا تَيَمُّمٍ،

(وَلِلْعِشَاءِ مِنْ غُرُوبِ الشَّفَقِ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ. وَيُعْتَبَرُ طَهَارَةُ الْمُتَوَسِّطِ بِحَسَبِ غَالِبِ النَّاسِ وَاسْتِقْبَالٌ، وَيُزَادُ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ الْمُخْتَارِ بِالنِّسْبَةِ لِلِابْتِدَاءِ لِجَوَازِ التَّطْوِيلِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا وَبِالنِّسْبَةِ لِلْمُقِيمِ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَمُدَّ وَيَسِيرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ الْمِيلَ وَنَحْوَهُ ثُمَّ نَزَلَ وَيُصَلِّي كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. قَوْلُهُ: [وَلِلْعِشَاءِ] : اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ تَسْمِيَتِهَا بِالْعَتَمَةِ. قَوْلُهُ: [مِنْ غُرُوبِ الشَّفَقِ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، قَالَ ابْنُ نَاجِي وَنَقَلَ ابْنُ هَارُونَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ نَحْوَ مَا لِأَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّ مُخْتَارَ الْعِشَاءِ مِنْ غُرُوبِ الْبَيَاضِ، وَهُوَ يَتَأَخَّرُ عَنْ غُرُوبِ الْحُمْرَةِ - لَا أَعْرِفُهُ - وَأَمَّا الْبِلَادُ الَّتِي يَطْلُعُ فَجْرُهَا قَبْلَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ أَسْقَطَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْهُمْ الْعِشَاءَ كَمَنْ سَقَطَ لَهُ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، فَيَسْقُطُ عَنْهُ غُسْلُهُ. وَقَدَّرَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ لَهُمْ، وَاخْتَارَهُ الْقَرَافِيُّ مِنْ أَئِمَّتِنَا، فَتَكُونُ الْعِشَاءُ أَدَاءً عَلَيْهِ. قَالَ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ مَجْمُوعِهِ: ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ التَّقْدِيرَ مَعْنَاهُ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِغَيْبُوبَةِ شَفَقِ أَقْرَبِ مَكَان لَهُمْ، فَإِذَا غَابَ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْعِشَاءُ بَعْدَ فَجْرِهِمْ، فَهُوَ أَدَاءٌ لِأَنَّهُ غَايَةُ مَا فِي قُدْرَتِهِمْ إذْ لَا عِشَاءَ إلَّا بِغَيْبُوبَةِ شَفَقٍ، وَهَذَا أَسْبَقُ شَفَقٍ غَابَ لَهُمْ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ وُجُوبَهَا مُضَيَّقٌ كَقَضَاءِ الْفَائِتَةِ نَظَرًا لِطُلُوعِ فَجْرِهِمْ، وَهَذَا - أَعْنِي تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِشَفَقِ غَيْرِهِمْ - أَنْسَبُ بِمَا قَالُوهُ عِنْدَنَا مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ، وَأَنَّهُ يَجِبُ فِي قُطْرٍ بِرُؤْيَتِهِ فِي قُطْرٍ آخَرَ. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ بَعْضُ حَوَاشِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ أَنْ يُقَدَّرَ لَهُمْ مُدَّةَ شَفَقٍ مِنْ لَيْلِهِمْ بِنِسْبَةِ مُدَّةِ شَفَقِ غَيْرِهِمْ لِلَيْلِهِ، فَإِذَا كَانَ الشَّفَقُ يَغِيبُ فِي أَقْرَبِ مَكَان لَهُمْ فِي سَاعَةٍ وَمُدَّةُ اللَّيْلِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مِنْ الْغُرُوبِ لِلْفَجْرِ ثَمَانِ سَاعَاتٍ، فَغَيْبُوبَةُ الشَّفَقِ فِي الثُّمُنِ. فَإِذَا كَانَ لَيْلُ هَؤُلَاءِ

الْأَحْمَرِ لِلثُّلُثِ الْأَوَّلِ) : أَيْ وَالْمُخْتَارُ لِلْعِشَاءِ مِنْ غِيَابِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ فَلَا يَنْتَظِرُ غِيَابَ الْأَبْيَضِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ، قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: فَإِذَا لَمْ يَبْقَ فِي الْمَغْرِبِ حُمْرَةٌ وَلَا صُفْرَةٌ فَقَدْ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ. (وَلِلصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ لِلْإِسْفَارِ الْبَيِّنِ) : أَيْ وَأَوَّلُ الْمُخْتَارِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ وَهُوَ مَا يَنْتَشِرُ ضِيَاؤُهُ حَتَّى يَعُمَّ الْأُفُقَ، احْتِرَازًا مِنْ الْكَاذِبِ: وَهُوَ الَّذِي لَا يَنْتَشِرُ بَلْ يَخْرُجُ مُسْتَطِيلًا يَطْلُبُ وَسَطَ السَّمَاءِ دَقِيقًا يُشْبِهُ ذَنَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْغُرُوبِ لِلْفَجْرِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ دَرَجَةً فَوَقْتُ الْعِشَاءِ بَعْدَ الْغُرُوبِ بِدَرَجَةٍ وَنِصْفٍ، وَهُوَ أَنْسَبُ بِقَوَاعِدِهِمْ أَعْنِي الشَّافِعِيَّةَ مِنْ اعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ، وَإِنَّ لِكُلِّ مَكَان حُكْمُ نَفْسِهِ. (انْتَهَى بِحُرُوفِهِ) . وَقَدْ قُلْت فِي هَذَا الْمَعْنَى: قُلْ لِلْفَقِيهِ الَّذِي فِي عَصْرِهِ انْفَرَدَا ... بِكُلِّ فَنٍّ وَكَمْ مِنْ مُعْضِلٍ مَهَدَا مَاذَا عِشًا أَدَّيْت وَالْفَجْرُ قَدْ طَلَعَا ... قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْبُطْلَانُ قَدْ وَرَدَا وَجَوَابُهُ: هِيَ الْبِلَادُ الَّتِي لَاحَ الصَّبَاحُ بِهَا ... مِنْ قَبْلِ غَيْبِ الشَّفَقِ يَا صَاحِ فَاعْتَمِدَا قَوْلَ الْقَرَافِيُّ بِتَقْدِيرِ الْقَرِيبِ لَهُمْ ... مِنْ الْبِلَادِ حَبَاك اللَّهُ كُلَّ نَدَا وَلَكِنَّ هَذَا السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ لَا يَتِمُّ إلَّا عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ مَعْنَاهُ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِغَيْبُوبَةِ شَفَقِ أَقْرَبِ مَكَان لَهُمْ. فَإِذَا غَابَ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْعِشَاءُ بَعْدَ فَجْرِهِمْ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ الشَّيْخُ فِي أَوَّلِ عِبَارَتِهِ فِي الْحَاشِيَةِ. وَأَمَّا عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ حَوَاشِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ الْعِشَاءُ قَبْلَ الْفَجْرِ قَطْعًا فَلَا يَأْتِي سُؤَالٌ وَلَا جَوَابٌ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: [الثُّلُثُ الْأَوَّلُ] : أَيْ مَحْسُوبًا مِنْ الْغَيْبُوبَةِ مُمْتَدًّا لِلثُّلُثِ، وَقِيلَ إنَّ اخْتِيَارِيَّ الْعِشَاءِ يَمْتَدُّ لِلْفَجْرِ، وَعَلَيْهِ فَلَا ضَرُورِيَّ لَهَا. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَفِيهِ فُسْحَةٌ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ مَا يَنْتَشِرُ ضِيَاؤُهُ] : أَيْ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَفِي جِهَةِ دُبُرِهَا حَتَّى يَعُمَّ الْأُفُقَ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: [يَنْتَشِرُ ضِيَاؤُهُ] : أَنَّ الْفَجْرَ الصَّادِقَ غَيْرُ الضَّوْءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ ضَوْءُ الشَّمْسِ السَّابِقُ عَلَيْهَا، فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْذَفَ " ضِيَاؤُهُ " وَيَقُولَ: وَهُوَ مَا يَنْتَشِرُ حَتَّى إلَخْ. قَوْلُهُ: [يَطْلُبُ وَسَطَ السَّمَاءِ] : أَيْ فَهُوَ بَيَاضٌ دَقِيقٌ يَخْرُجُ مِنْ الْأُفُقِ وَيَصْعَدُ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ بِغَيْرِ انْتِشَارٍ بَلْ بِحِذَائِهِ ظُلْمَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ.

[أوقات الفضيلة]

السِّرْحَانِ أَيْ الذِّئْبِ. ثُمَّ يَذْهَبُ ثُمَّ يَخْرُجُ الْفَجْرُ الصَّادِقُ. وَيَنْتَهِي مُخْتَارُهُ إلَى الْإِسْفَارِ الْبَيِّنِ: أَيْ الَّذِي تَظْهَرُ فِيهِ الْوُجُوهُ ظُهُورًا بَيِّنًا وَتَخْتَفِي فِيهِ النُّجُومُ، وَقِيلَ: بَلْ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ. وَلَا ضَرُورِيَّ لَهَا. (وَأَفْضَلُ الْوَقْتِ أَوَّلُهُ مُطْلَقًا. إلَّا الظُّهْرَ لِجَمَاعَةٍ فَلِرُبْعِ الْقَامَةِ، وَيُزَادُ لِشِدَّةِ الْحَرِّ لِنِصْفِهَا) : أَيْ إنَّ أَفْضَلَ الْوَقْتِ مُطْلَقًا لِظُهْرٍ أَوْ غَيْرِهَا - لِفَذٍّ أَوْ جَمَاعَةٍ - أَوَّلُهُ. فَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: السِّرْحَانُ: بِكَسْرِ السِّينِ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الذِّئْبِ وَالْأَسَدِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُشْبِهُ ذَنَبَ السِّرْحَانِ الْأَسْوَدِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفَجْرَ الْكَاذِبَ بَيَاضٌ مُخْتَلِطٌ بِسَوَادٍ، وَالسِّرْحَانُ الْأَسْوَدُ لَوْنُهُ مُظْلِمٌ وَبَاطِنُ ذَنَبِهِ أَبْيَضُ. قَوْلُهُ: [تَظْهَرُ فِيهِ الْوُجُوهُ] : أَيْ بِالْبَصَرِ الْمُتَوَسِّطِ فِي مَحَلٍّ لَا سَقْفَ فِيهِ، ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ مُخْتَارَ الصُّبْحِ يَمْتَدُّ لِلْإِسْفَارِ الْأَعْلَى هُوَ رِوَايَةُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ بَلْ] إلَخْ: هُوَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَالْأَكْثَرِ. وَعَزَاهُ عِيَاضٌ لِكَافَّةِ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الْفَتْوَى قَالَ وَهُوَ مَشْهُورُ قَوْلَيْ مَالِكٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ قَدْ شُهِرَ. وَلَكِنَّ مَا مَشَى الْمُصَنِّفُ أَشْهَرُ وَأَقْوَى كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. [أَوْقَات الْفَضِيلَة] [تَنْبِيه تَأْخِير الْعِشَاء] تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ: الْمَشْهُورُ عِنْدَ مَالِكٍ وَعُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّ صَلَاةَ الصُّبْحِ هِيَ الْوُسْطَى، وَقِيلَ: الْعَصْرُ، وَمَا مِنْ صَلَاةٍ مِنْ الْخَمْسِ إلَّا قِيلَ فِيهَا هِيَ الْوُسْطَى، وَقِيلَ هِيَ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا

رِضْوَانُ اللَّهِ إلَّا الظُّهْرَ فَيُنْدَبُ لِمَنْ يَنْتَظِرُ جَمَاعَةً أَوْ كَثْرَتَهَا أَنْ يُؤَخِّرَ لِرُبْعِ الْقَامَةِ لِتَحْصِيلِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ. فَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ وَقْتَ شِدَّةِ الْحَرِّ نُدِبَ تَأْخِيرُهَا لِلْإِبْرَادِ حَتَّى تَتَفَيَّأَ الْأَفْيَاءُ، وَحَدَّ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِنِصْفِ الْقَامَةِ وَبَعْضُهُمْ بِأَكْثَرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأُبْهِمَتْ لِأَجْلِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى كُلِّ الصَّلَوَاتِ كَلَيْلَةِ الْقَدْرِ بَيْنَ اللَّيَالِي. الثَّانِي: مَنْ مَاتَ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَمْ يَعْصِ، إلَّا أَنْ يَظُنَّ الْمَوْتَ وَلَمْ يُؤَدِّ حَتَّى مَاتَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَاصِيًا. وَكَذَا إذَا تَخَلَّفَ ظَنُّهُ فَلَمْ يَمُتْ فَيَبْقَى الْإِثْمُ وَلَوْ أَدَّاهَا فِي الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ. وَيُلْغَزُ بِهَا فَيُقَالُ: رَجُلٌ أَدَّى الصَّلَاةَ وَسَطَ الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ وَهُوَ آثِمٌ بِالتَّأْخِيرِ. قَوْلُهُ: [لِمَنْ يَنْتَظِرُ جَمَاعَةً] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ الَّتِي لَا تَنْتَظِرُ غَيْرَهَا فَالْأَفْضَلُ لَهَا التَّقْدِيمُ كَالْفَذِّ، وَهَلْ مَنْ يُؤْمَرُ بِالتَّقْدِيمِ يَفْعَلُ الرَّوَاتِبَ قَبْلَهَا؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ وِفَاقًا لِصَاحِبِ الْمَدْخَلِ وَأَبِي الْحَسَنِ شَارِحِ الرِّسَالَةِ وَ (ح) ، لِأَنَّهَا مُقَدِّمَاتٌ تَابِعَةٌ فِي الْمَعْنَى عَنْ الْأَوْلَوِيَّةِ لِظَوَاهِرِ الْأَحَادِيثِ وَعُمُومِهَا، كَتَقْدِيمِ نَحْوِ الْفَجْرِ وَالْوِرْدِ بِشُرُوطِهِ عَلَى الصُّبْحِ، وَأَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَقَبْلَ الْعَصْرِ. خِلَافًا لِابْنِ الْعَرَبِيِّ حَيْثُ جَعَلَ التَّقْدِيمَ مَطْلُوبًا حَتَّى عَلَى الرَّوَاتِبِ، وَحَمَلَ فِعْلَ الرَّوَاتِبِ عَلَى جَمَاعَةٍ تَنْتَظِرُ غَيْرَهَا، وَمَالَ إلَيْهِ الْأُجْهُورِيُّ. وَلَكِنْ عَوَّلَ أَشْيَاخُنَا عَلَى الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: [لِرُبْعِ الْقَامَةِ] : أَيْ بَعْدَ ظِلِّ الزَّوَالِ صَيْفًا وَشِتَاءً لِأَجْلِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ، وَلَيْسَ هَذَا التَّأْخِيرُ مِنْ مَعْنَى الْإِبْرَادِ. قَوْلُهُ: [لِلْإِبْرَادِ] : أَيْ وَيُزَادُ عَلَى رُبْعِ الْقَامَةِ مِنْ أَجْلِ الْإِبْرَادِ لِشِدَّةِ الْحَرِّ، وَمَعْنَى الْإِبْرَادِ: الدُّخُولُ فِي وَقْتِ الْبَرْدِ. قَوْلُهُ: [وَحَدَّ ذَلِكَ] إلَخْ: قَالَ الْبَاجِيُّ: قَدْرَ الذِّرَاعَيْنِ، وَابْنُ حَبِيبٍ فَوْقَهُمَا بِيَسِيرٍ، وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: أَنْ لَا يُخْرِجَهَا عَنْ الْوَقْتِ. فَتَحَصَّلَ أَنَّهُ يُنْدَبُ الْمُبَادَرَةُ

[من خفي عليه الوقت]

(وَالْأَفْضَلُ لِفَذٍّ انْتِظَارُ جَمَاعَةٍ يَرْجُوهَا) : يَعْنِي أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ لِجَمَاعَةٍ يَرْجُوهَا فِي الْوَقْتِ لِتَحْصِيلِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ. وَقِيلَ: يُقَدِّمُ ثُمَّ إذَا وَجَدَهَا أَعَادَ إنْ كَانَتْ مِمَّا تُعَادُ. وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَيُقَدِّمُهَا جَزْمًا لِضِيقِ وَقْتِهَا. وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُمْ: الْأَفْضَلُ لِلْفَذِّ تَقْدِيمُهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَرْجُ جَمَاعَةً. (وَمَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ) لِظُلْمَةٍ: أَوْ سَحَابٍ (اجْتَهَدَ) : وَتَحَرَّى (بِنَحْوِ وِرْدٍ) : فَمَنْ كَانَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وِرْدٌ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ قِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ، وَكَانَتْ عَادَتُهُ الْفَرَاغَ مِنْهُ طُلُوعَ الْفَجْرِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَعْتَمِدُ عَلَى ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الطَّحَّانُ يَفْرُغُ مِنْ طَحْنِ الْإِرْدَبِّ مَثَلًا طُلُوعَ الْفَجْرِ أَوْ الْغَزْلِ أَوْ النَّسْجِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَالِ الْمُجَرَّبَةِ، فَإِنَّهُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا. وَكَذَا آلَةُ الْمُؤَقِّتِينَ كَالرَّمْلِيَّةِ وَالسَّاعَةِ الْمُنْضَبِطَةِ وَإِلَّا زَادَ فِي التَّحَرِّي حَتَّى يَغْلِبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي أَوَّلِ الْمُخْتَارِ مُطْلَقًا إلَّا الظُّهْرَ لِجَمَاعَةٍ تَنْتَظِرُ غَيْرَهَا فَيُنْدَبُ تَأْخِيرُهَا. وَتَحْتَهُ قِسْمَانِ: تَأْخِيرٌ لِانْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ فَقَطْ، وَتَأْخِيرٌ لِلْإِبْرَادِ كَمَا عَلِمْت. تَنْبِيهٌ قَوْلُ خَلِيلٍ: " وَفِيهَا نُدِبَ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ قَلِيلًا ": أَيْ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُنْدَبُ لِلْقَبَائِلِ وَالْحَرَسِ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ بَعْدَ الشَّفَقِ زَمَنًا قَلِيلًا لِيَجْتَمِعَ النَّاسُ لَهَا، لِأَنَّ شَأْنَهُمْ التَّفَرُّقُ؛ ضَعِيفٌ. وَالرَّاجِحُ التَّقْدِيمُ مُطْلَقًا، فَلِذَلِكَ تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [وَالْأَفْضَلُ لِفَذٍّ] : أَيْ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ سَنَدٌ، فَفِعْلُهَا عِنْدَهُ فِي جَمَاعَةٍ آخِرَ الْوَقْتِ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِهَا، فَذًّا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَجَزَمَ بِهِ الْبَاجِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ قِيَاسًا عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ الْعِشَاءِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ، لِأَجْلِ الْجَمَاعَةِ، فَأَوْلَى التَّأْخِيرُ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ يُقَدِّمُ] : اُعْتُرِضَ الْقَوْلُ بِالتَّقْدِيمِ، بِأَنَّ الرِّوَايَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الصُّبْحِ يُنْدَبُ تَقْدِيمُهَا عَلَى جَمَاعَةٍ يَرْجُوهَا بَعْدَ الْإِسْفَارِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا ضَرُورِيَّ لَهَا وَإِلَّا لَوَجَبَ. وَرُدَّ بِأَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ نَقَلَ اخْتِلَافَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي تَرْجِيحِ أَوَّلِ الْوَقْتِ فَذًّا عَلَى آخِرِهِ جَمَاعَةً أَوْ بِالْعَكْسِ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ لَا فِي خُصُوصِ الصُّبْحِ، وَحِينَئِذٍ فَإِطْلَاقُ الْمُؤَلِّفِ صَحِيحٌ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَعُلِمَ مِنْ هَذَا] : أَيْ مِنْ الْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. [مِنْ خفي عَلَيْهِ الْوَقْت] قَوْلُهُ: [وَمَنْ خَفِيَ] إلَخْ: سَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ فِي قَوْلِهِ: [وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ] إلَخْ. قَوْلُهُ: [لِظُلْمَةٍ أَوْ سَحَابٍ] : لَيْلًا أَوْ نَهَارًا.

[الوقت الضروري للصلاة]

عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُ الْوَقْتِ. وَلِذَا قَالَ: (وَكَفَتْ غَلَبَةُ الظَّنِّ، فَإِنْ تَخَلَّفَ ظَنُّهُ وَتَبَيَّنَ تَقْدِيمُهَا) : عَلَى الْوَقْتِ (أَعَادَ وُجُوبًا) : وَإِلَّا فَلَا. (وَمَنْ شَكَّ) : أَوْ ظَنَّ ظَنًّا خَفِيفًا (فِي دُخُولِهِ) : وَصَلَّى (لَمْ تُجْزِهِ) صَلَاتُهُ (وَإِنْ) : تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهَا (وَقَعَتْ فِيهِ) : أَيْ الْوَقْتِ. فَأَوْلَى إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ أَوْ تَبَيَّنَ وُقُوعَهَا قَبْلَهُ، بِخِلَافِ مَنْ غَلَبَ ظَنُّهُ فَلَا يُعِيدُ إلَّا فِي الْأَخِيرَةِ كَمَا عَلِمْت. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ بِأَنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَحَقُّقِ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَلَا يَكْفِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ. (وَ) الْوَقْتُ (الضَّرُورِيُّ) أَيْ ابْتِدَاؤُهُ (تِلْوَ) : أَيْ عَقِبَ الْوَقْتِ (الْمُخْتَارِ) سُمِّيَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَلَا] : أَيْ وَإِلَّا يَتَبَيَّنُ التَّقْدِيمُ - بِأَنْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا فِي الْوَقْتِ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ - فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَمَنْ شَكَّ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا تَرَدَّدَ، هَلْ دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ أَمْ لَا، أَوْ ظَنَّ ظَنًّا غَيْرَ قَوِيٍّ الدُّخُولَ، أَوْ ظَنَّ عَدَمَهُ - وَسَوَاءٌ حَصَلَ مَا ذُكِرَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِيهَا - فَإِنَّهَا لَا تُجْزِيهِ لِتَرَدُّدِ نِيَّتِهِ، سَوَاءٌ تَبَيَّنَ أَنَّهَا وَقَعَتْ قَبْلَهُ أَوْ فِيهِ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ؛ فَهَذِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ. وَأَمَّا إذَا دَخَلَ الصَّلَاةَ جَزْمًا بِدُخُولِ وَقْتِهَا أَوْ ظَنًّا قَوِيًّا. فَتُجْزِئُ إنْ تَبَيَّنَ وُقُوعُهَا فِيهِ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ فَهَذِهِ أَرْبَعٌ، وَإِنْ تَبَيَّنَ وُقُوعُهَا قَبْلَهُ لَا تُجْزِئُ فَهَاتَانِ صُورَتَانِ، فَجُمْلَةُ الصُّوَرِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ. قَوْلُهُ: [ظَنًّا خَفِيفًا] : أَيْ غَيْرَ قَوِيٍّ فَهُوَ وَالشَّكُّ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَكْفِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ] : أَيْ فَلَوْ دَخَلَ مَعَ غَلَبَةِ الظَّنِّ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، وَلَوْ وَقَعَتْ فِيهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْيَقِينِ وَتَفْرِيطِهِ؛ هَكَذَا قَالَ شَارِحُنَا. وَلَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: غَلَبَةُ الظَّنِّ كَافِيَةٌ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (انْتَهَى) . فَظَاهِرُهُ: وَلَوْ لَمْ تَخْفَ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ. [الْوَقْتُ الضَّرُورِيُّ لِلصَّلَاةِ] قَوْلُهُ: [تِلْوَ] إلَخْ: مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الضَّرُورِيَّ عَقِبَ الْمُخْتَارِ فِي غَيْرِ أَرْبَابِ الْأَعْذَارِ وَالْمُسَافِرِ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا فَالضَّرُورِيُّ قَدْ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُشْتَرِكَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ضَرُورِيًّا لِعَدَمِ جَوَازِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ إلَيْهِ لِغَيْرِ أَرْبَابِ الضَّرُورَاتِ، فَابْتِدَاؤُهُ مِنْ الْإِسْفَارِ. وَيَمْتَدُّ (لِطُلُوعِ الشَّمْسِ فِي الصُّبْحِ، وَلِغُرُوبِهَا فِي الظُّهْرَيْنِ) : فَيَمْتَدُّ ضَرُورِيُّ الظُّهْرِ الْمُخْتَصُّ بِهَا مِنْ دُخُولِ مُخْتَارِ الْعَصْرِ، وَيَمْتَدُّ ضَرُورِيُّ الْعَصْرِ مِنْ الِاصْفِرَارِ لِغُرُوبِهَا فِيهِمَا. لَكِنْ تَخْتَصُّ الْعَصْرُ بِقَدْرِهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ عَلَى مَا سَيَأْتِي: بَيَانُهُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنَّ الْوَقْتَ إذَا ضَاقَ اخْتَصَّ بِالْأَخِيرَةِ، فَيَشْتَرِكَانِ فِي الضَّرُورِيِّ مِنْ الِاصْفِرَارِ. وَمَبْدَأُ ضَرُورِيِّ الْمَغْرِبِ مِنْ مُضِيِّ مَا يَسَعُهَا بِشُرُوطِهَا. وَمَبْدَأُ ضَرُورِيِّ الْعِشَاءِ مِنْ مُضِيِّ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ. (وَ) يَمْتَدُّ (لِلْفَجْرِ فِي الْعِشَاءَيْنِ) : لَكِنْ تَخْتَصُّ الْعِشَاءُ الْأَخِيرَةُ بِقَدْرِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ، كَمَا تَخْتَصُّ الْمَغْرِبُ بِمَا قَبْلَ دُخُولِ الثُّلُثِ الثَّانِي. (وَتُدْرَكُ فِيهِ) : أَيْ فِي الضَّرُورِيِّ (الصَّلَاةُ) صُبْحًا أَوْ غَيْرَهَا (بِرَكْعَةٍ) بِسَجْدَتَيْهَا أَيْ بِأَدَائِهَا فِيهِ. فَمَنْ صَلَّى رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا أَخَّرَ الضَّرُورِيَّ، وَصَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِغَيْرِ أَرْبَابِ الضَّرُورَاتِ] : أَيْ فَغَيْرُهُمْ آثِمٌ بِالتَّأْخِيرِ وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ مُؤَدِّينَ. قَوْلُهُ: [لِطُلُوعِ الشَّمْسِ] : أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهَا ضَرُورِيًّا. قَوْلُهُ: [مِنْ دُخُولِ مُخْتَارِ الْعَصْرِ] : أَيْ الْخَاصِّ بِهَا وَهُوَ أَوَّلُ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعِ رَكَعَاتِ الِاشْتِرَاكِ مِنْهَا عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي أَنَّ الْعَصْرَ دَاخِلَةٌ عَلَى الظُّهْرِ أَوْ الْعَكْسُ. وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ: أَيْ إلَى الِاصْفِرَارِ. قَوْلُهُ: [وَيَمْتَدُّ ضَرُورِيُّ الْعَصْرِ] إلَخْ: الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَيَمْتَدُّ ضَرُورِيُّهُمَا مَعًا مِنْ الِاصْفِرَارِ لِلْغُرُوبِ لَكِنْ إلَخْ. وَيُحْذَفُ قَوْلُهُ: [فِيهِمَا] . قَوْلُهُ: [كَمَا تَخْتَصُّ الْمَغْرِبُ] : أَيْ فَصَارَ وَقْتُ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الضَّرُورِيِّ الثُّلُثَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنْ اللَّيْلِ إلَّا مِقْدَارَ مَا يَسَعُ الْعِشَاءَ قَبْلَ الْفَجْرِ. فَصَارَ الثُّلُثَانِ الْأَخِيرَانِ بِمَنْزِلَةِ الِاصْفِرَارِ بَعْدَ الْعَصْرِ. قَوْلُهُ: [بِرَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْهَا] : أَيْ مَعَ قِرَاءَةِ فَاتِحَةٍ قِرَاءَةٍ مُعْتَدِلَةٍ وَطُمَأْنِينَةٍ وَاعْتِدَالٍ. وَيَجِبُ تَرْكُ السُّنَنِ كَالسُّورَةِ، وَيَأْتِي بِالسُّنَّةِ فِيمَا بَقِيَ بَعْدَ الْوَقْتِ. وَيَتْرُكُ الْإِقَامَةَ مِنْ بَابِ أَوْلَى فَلَا يُدْرِكُ بِأَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ، خِلَافًا لِأَشْهَبَ، وَخِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ: لَا يُدْرِكُ إلَّا بِجَمِيعِهَا أَوْ أَكْثَرِهَا أَوْ شَطْرِهَا.

الْبَاقِيَ بَعْدَ خُرُوجِهِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهَا الضَّرُورِيِّ، لِأَنَّ مَا فُعِلَ خَارِجَهُ كَالتَّكْرَارِ لِمَا فُعِلَ فِيهِ (كَالِاخْتِيَارِيِّ) يُدْرِكُ بِفِعْلِ رَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْهَا فِيهِ، وَإِنْ وَقَعَ الْبَاقِي بَعْدَ خُرُوجِهِ فِي الضَّرُورِيِّ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ إذَا أَخَّرَ الصَّلَاةَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَقِيلَ: يَأْثَمُ. (وَالْكُلُّ) : أَيْ مَا صَلَّى فِي آخِرِ الضَّرُورِيِّ وَمَا صَلَّى خَارِجَهُ (أَدَاءٌ) : وَإِنْ أَثِمَ بِالتَّأْخِيرِ لِغَيْرِ عُذْرٍ. وَفَائِدَتُهُ: أَنَّ مَنْ حَاضَتْ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِيمَا وَقَعَ خَارِجَ الْوَقْتِ سَقَطَتْ عَنْهُ لِحُصُولِ الْعُذْرِ وَقْتَ الْأَدَاءِ، لَكِنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ السُّقُوطِ لِحُصُولِ الْعُذْرِ بَعْدَ الْوَقْتِ. وَمِنْ فَوَائِدِهِ أَيْضًا بُطْلَانُ صَلَاةِ مَنْ اقْتَدَى بِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا قَضَاءٌ خَلْفَ أَدَاءً. (وَأَثِمَ الْمُؤَخِّرُ) الصَّلَاةَ، (لَهُ) : أَيْ لِلضَّرُورِيِّ، وَإِنْ كَانَتْ أَدَاءً. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ] : أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: [بُطْلَانُ صَلَاةٍ] إلَخْ: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَابْنُ قَدَّاحٍ بِالصِّحَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الثَّانِيَةَ أَدَاءٌ حُكْمًا، وَهِيَ قَضَاءٌ فِعْلًا. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا أَدَاءٌ حُكْمًا. وَبُطْلَانُ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي مِنْ حَيْثُ مُخَالَفَةُ الْإِمَامِ نِيَّةً وَصِفَةً إذْ صِفَةُ صَلَاةِ الْإِمَامِ الْأَدَاءُ بِاعْتِبَارِ

[إثم مؤخر الصلاة للوقت الضروري]

(إلَّا لِعُذْرٍ) فَلَا يَأْثَمُ، وَبَيَّنَ الْعُذْرَ بِقَوْلِهِ: (مِنْ كُفْرٍ) : أَصْلِيٍّ، بَلْ. (إنْ طَرَأَ) بِأَنْ ارْتَدَّ ثُمَّ عَادَ لِلْإِسْلَامِ فَلَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ لِلضَّرُورِيِّ، وَفِي الْحَقِيقَةِ عَدَمُ الْإِثْمِ لِلتَّرْغِيبِ فِي الْإِسْلَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] . (وَصِبًا) : فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ فِي الضَّرُورِيِّ وَأَدَّاهَا فِيهِ فَلَا يَأْثَمْ. (وَإِغْمَاءٍ وَجُنُونٍ) : أَفَاقَ صَاحِبُهُمَا فِي الضَّرُورِيِّ وَأَدَّاهَا فِيهِ لَمْ يَأْثَمْ. (وَفَقْدِ طَهُورَيْنِ) : مَاءٍ وَتُرَابٍ فَآخَرُ، فَإِنْ وَجَدَ أَحَدَهُمَا فِي الضَّرُورِيِّ فَأَدَّى لَمْ يَأْثَمْ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِنَا. (وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ) : فَإِذَا طَهُرَتْ فِي الضَّرُورِيِّ وَأَدَّتْ لَمْ تَأْثَمْ. (وَنَوْمٍ وَغَفْلَةٍ) ، فَإِذَا انْتَبَهَ فِي الضَّرُورِيِّ فَأَدَّى فِيهِ لَمْ يَأْثَمْ. وَلَا يَحْرُمْ النَّوْمُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَلَوْ عَلِمَ اسْتِغْرَاقَهُ الْوَقْتَ، بِخِلَافِهِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَصَلَاةِ الْمَأْمُومِ الْقَضَاءُ. وَأَنَّهَا إنْ حَاضَتْ فِيهَا لَمْ تَسْقُطْ لِخُرُوجِ الْوَقْتِ حَقِيقَةً. (انْتَهَى مِنْ الْأَصْلِ) . [إثم مُؤَخِّر الصَّلَاة لِلْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ] قَوْلُهُ: [لِلتَّرْغِيبِ فِي الْإِسْلَامِ] : أَيْ لِأَنَّ بِالْإِسْلَامِ يَحْصُلُ الْغُفْرَانُ. قَوْلُهُ: [وَصِبًا] : بِالْفَتْحِ مَدًّا وَالْكَسْرِ قَصْرًا. قَوْلُهُ: [وَأَدَّاهَا] : أَيْ وَيُعِيدُهَا إنْ كَانَ صَلَّاهَا لِأَنَّ الْأُولَى نَفْلٌ وَإِنْ بَلَغَ بِهَا بِإِنْبَاتِ الْعَانَةِ مَثَلًا شَفَعَ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَصَلَّاهَا. وَإِلَّا قَطَعَ وَأَدْرَكَهَا. قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَلَا يُقَدَّرُ لَهُ الطُّهْرُ إنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا. قَوْلُهُ: [وَفَقْدِ طُهْرَيْنِ] : أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَتَسْقُطُ صَلَاةٌ، وَقَضَاؤُهَا بِعَدَمِ مَاءٍ وَصَعِيدٍ. قَوْلُهُ: [فَآخَرَ] : أَيْ طَاهِرٍ. قَوْلُهُ: [مِنْ زِيَادَتِنَا] : أَيْ مِنْ حَيْثُ ذَكَرَهُ هُنَا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ عَلِمَ اسْتِغْرَاقَهُ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطَبْ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ

[تقدير وقت لطهر المعذور]

إنْ ظَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ لِآخِرِ الِاخْتِيَارِيِّ. (لَا سُكْرٍ) : حَرَامٍ، فَلَيْسَ بِعُذْرٍ لِإِدْخَالِهِ عَلَى نَفْسِهِ، فَمَنْ سَكِرَ بِحَرَامٍ وَأَفَاقَ فِي الضَّرُورِيِّ أَثِمَ لِلتَّأْخِيرِ زِيَادَةً عَلَى إثْمِ الْإِسْكَارِ. وَأَمَّا السُّكْرُ بِغَيْرِ حَرَامٍ فَعُذْرٌ كَالنَّوْمِ وَبِهِ تَتِمُّ الْأَعْذَارُ عَشْرَةً. (وَتُدْرَكُ) : الصَّلَاتَانِ (الْمُشْتَرِكَتَانِ) : فِي الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ؛ وَهُمَا الظُّهْرَانِ وَالْعِشَاءَانِ إنْ (بِزَوَالِهِ) أَيْ الْعُذْرِ أَيْ عِنْدَ زَوَالِهِ، وَمَعْنَى إدْرَاكِهِمَا: تَرَتُّبُهُمَا فِي ذِمَّتِهِ (بِفَضْلٍ) : أَيْ بِسَبَبِ زِيَادَةِ (رَكْعَةٍ) : بِسَجْدَتَيْهَا (عَنْ) : الصَّلَاةِ (الْأُولَى) : مِنْ الْمُشْتَرَكَتَيْنِ. أَيْ أَنَّ مَنْ زَالَ عُذْرُهُ فِي الضَّرُورِيِّ، بِأَنْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ. أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ فِي الْجُمُعَةِ. وَيَنْبَغِي الْكَرَاهَةُ حَيْثُ خَشِيَ فَوَاتَهَا كَالسَّفَرِ بَعْدَ الْفَجْرِ لِأَنَّهَا مِنْ مَشَاهِدِ الْخَيْرِ. قَوْلُهُ: [إنْ ظَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ] : أَيْ مَا لَمْ يُوَكِّلْ مَنْ يُوقِظُهُ وَوَجَبَ عَلَى مَنْ عَلِمَهُ نَائِمًا إيقَاظُهُ إنْ خِيفَ خُرُوجُ الْوَقْتِ، وَهَلْ وَلَوْ نَامَ قَبْلَ الْوَقْتِ - كَمَا قَاسَهُ الْقُرْطُبِيُّ عَلَى تَنْبِيهِ الْغَافِلِ - أَوْ لَا؟ لِأَنَّهُ نَامَ بِوَجْهٍ جَائِزٍ (انْتَهَى مِنْ الْمَجْمُوعِ) . قَوْلُهُ: [أَثِمَ] : أَيْ سَوَاءٌ سَكِرَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [كَالنَّوْمِ] : قَالَ فِي الْأَصْلِ: فَكَالْمَجْنُونِ (انْتَهَى) وَهُوَ الصَّوَابُ لِقَوْلِهِ فِي الْحَاشِيَةِ: فَتَسْقُطُ عَنْهُ صَلَاةُ ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي اسْتَغْرَقَهُ. [تقدير وَقْت لطهر الْمَعْذُور] قَوْلُهُ: [عَنْ الصَّلَاةِ الْأُولَى] : أَيْ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْأُخْرَى فِعْلًا وَجَبَ التَّقْدِيرُ بِهَا، لَا لِفَضْلِهَا عَنْ الصَّلَاةِ الْأَخِيرَةِ. خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَسَحْنُونٍ وَغَيْرِهِمَا. قَالُوا: لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْوَقْتُ إذَا ضَاقَ اخْتَصَّ بِالْأَخِيرَةِ وَسَقَطَتْ الْأُولَى اتِّفَاقًا وَجَبَ التَّقْدِيرُ بِهَا. وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي حَائِضٍ مُسَافِرَةٍ طَهُرَتْ لِثَلَاثٍ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ تُدْرِكُ الْعِشَاءَ وَتُسْقِطُ الْمَغْرِبَ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ تُدْرِكُهُمَا بِفَضْلِ رَكْعَةٍ عَنْ الْعِشَاءِ الْمَقْصُورَةِ. وَفِي حَائِضٍ حَاضِرَةٍ طَهُرَتْ لِأَرْبَعٍ قَبْلَ الْفَجْرِ؛ فَعَلَى الْأُولَى تُدْرِكُهُمَا لِفَضْلِ رَكْعَةٍ عَنْ الْمَغْرِبِ، وَعَلَى الثَّانِي: تُدْرِكُ الْعِشَاءَ فَقَطْ إذْ لَمْ يَفْضُلْ لِلْمَغْرِبِ شَيْءٌ فِي التَّقْدِيرِ. (انْتَهَى مِنْ الْأَصْلِ) . وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا لَمْ يَذْكُرْ الْخُلْفَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِثَمَرَتِهِ. وَسَيُفَصِّلُ الْمَسْأَلَةَ عَلَى مُقْتَضَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ فَقَطْ.

أَوْ وَجَدَ فَاقِدُ الطُّهْرَيْنِ أَحَدَهُمَا، أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ فِيهِ، فَإِنَّهُ يُنْظَرُ: فَإِذَا اتَّسَعَ الضَّرُورِيُّ بِحَيْثُ يَسَعُ الصَّلَاتَيْنِ مَعًا بَعْدَ تَقْدِيرِ زَمَنٍ يَحْصُلُ فِيهِ طَهَارَةُ الْحَدَثِ، فَإِنَّهُ يُدْرِكُهُمَا مَعًا، أَيْ يَتَرَتَّبَانِ مَعًا فِي ذِمَّتِهِ، أَوْ يَسَعُ الْأُولَى مِنْهَا بَعْدَ تَقْدِيرِ الطَّهَارَةِ، وَيَفْضُلُ عَنْهَا لِلثَّانِيَةِ بِقَدْرِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا. وَكُلُّ مَعْذُورٍ يُقَدَّرُ لَهُ الطُّهْرُ إلَّا الْكَافِرَ فَلَا يُقَدَّرُ لَهُ. وَأَشَارَ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ بِقَوْلِهِ: (وَالْمَعْذُورُ) : حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ كَافِرٍ يُقَدَّرُ لَهُ الطُّهْرُ) : وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي غَيْرِ النَّائِمِ وَالنَّاسِي وَالسَّكْرَانِ بِحَلَالٍ. وَأَمَّا هُمْ فَتَجِبُ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ مَتَى تَنَبَّهُوا عَلَى كُلِّ حَالٍ أَبَدًا لِعَدَمِ إسْقَاطِهَا الصَّلَاةَ، كَمَا سَيَأْتِي. أَشَارَ لِتَفْصِيلِ ذَلِكَ بِالتَّفْرِيعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ) (بَقِيَ) : مِنْ الْوَقْتِ (بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ (مَا) : أَيْ زَمَنٌ (يَسَعُ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا) : لَا أَقَلَّ - مَعَ مَا يَسَعُ الطَّهَارَةَ الْكُبْرَى فِي الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، أَوْ الصُّغْرَى فِي الْمُغْمَى وَالْمَجْنُونِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ (وَجَبَتْ الصُّبْحُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [غَيْرَ كَافِرٍ] : وَأَمَّا الْكَافِرُ لَا يُقَدَّرُ لَهُ الطُّهْرُ لِأَنَّ إزَالَةَ عُذْرِهِ بِالْإِسْلَامِ فِي وُسْعِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُؤَدِّيهَا إلَّا بِطَهَارَةٍ خَارِجَ الْوَقْتِ. وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ إنْ بَادَرَ بِالطَّهَارَةِ وَصَلَّى بَعْدَ الْوَقْتِ. (انْتَهَى مِنْ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [يُقَدَّرُ لَهُ الطُّهْرُ] : أَيْ يُقَدَّرُ لَهُ زَمَنٌ يَسَعُ طُهْرَهُ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا حَدَثًا أَصْغَرَ قُدِّرَ لَهُ مَا يَسَعُ الْوُضُوءَ. وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا حَدَثًا أَكْبَرَ قُدِّرَ لَهُ مَا يَسَعُ الْغُسْلَ، هَذَا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الطَّهَارَةِ الْمَائِيَّةِ، وَإِلَّا قُدِّرَ لَهُ مَا يَسَعُ التَّيَمُّمَ. وَفَائِدَةُ ذَلِكَ التَّقْدِيرِ إسْقَاطُ تِلْكَ الصَّلَاةِ الَّتِي زَالَ عُذْرُهُ فِي ضَرُورِيِّهَا وَعَدَمُ إسْقَاطِهَا. قَوْلُهُ: [وَالسَّكْرَانُ بِحَلَالٍ] : تَقَدَّمَ أَنَّ إلْحَاقَهُ بِالنَّائِمِ فِيهِ نَظَرٌ. بَلْ الْمُنَاسِبُ إلْحَاقُهُ بِالْمَجْنُونِ، فَتَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ وَالْخَرَشِيِّ وَالْمَجْمُوعِ وَالْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ الصُّغْرَى] : أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا كُبْرَى.

كَأَخِيرَةِ الْمُشْتَرَكَتَيْنِ) ، فَقَطْ، وَتَسْقُطُ الْأُولَى. فَإِذَا طَهُرَتْ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ قَبْلَ الْغُرُوبِ بِمَا يَسَعُ مَا ذُكِرَ وَجَبَتْ الْعَصْرُ، وَسَقَطَتْ الظُّهْرُ. أَوْ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَجَبَتْ الْعِشَاءُ وَسَقَطَتْ الْمَغْرِبُ. وَكَذَا إذَا بَقِيَ مَا يَسَعُ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً فِي الظُّهْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ إذَا ضَاقَ اخْتَصَّ بِالْأَخِيرَةَ فَتَجِبُ، وَتَسْقُطُ الْأُولَى لِخُرُوجِ وَقْتِهَا الضَّرُورِيِّ. (وَ) إنْ بَقِيَ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ مَا يَسَعُ (خَمْسًا) : مِنْ الرَّكَعَاتِ حَالَ كَوْنِهِ (حَضَرًا) : أَيْ فِي الْحَضَرِ أَوْ حَاضِرًا (أَوْ) : مَا يَسَعُ (ثَلَاثًا سَفَرًا) : أَيْ فِي السَّفَرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ، (وَجَبَ الظُّهْرَانِ) : مَعًا لِأَنَّهُ يُدْرِكُ الظُّهْرَ بِأَرْبَعٍ فِي الْحَضَرِ أَوْ بِرَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ. وَيَفْضُلُ لِلْعَصْرِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً فَيَجِبُ أَيْضًا. (وَ) : إنْ بَقِيَ مَا يَسَعُ (أَرْبَعًا) : قَبْلَ الْفَجْرِ (مُطْلَقًا) : أَيْ حَضَرًا أَوْ سَفَرًا (وَجَبَ الْعِشَاءَانِ) : مَعًا لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْأُولَى؛ فَتُدْرَكُ الْمَغْرِبُ بِثَلَاثٍ حَضَرًا أَوْ سَفَرًا يَفْضُلُ لِلْعِشَاءِ رَكْعَةٌ فَتَجِبُ أَيْضًا وَأَوْلَى لَوْ بَقِيَ قَبْلَ الْفَجْرِ مَا يَسَعُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَتَسْقُطُ الْأُولَى] : أَيْ لَمَّا عُلِمَ مِنْ الْقَاعِدَةِ، وَهِيَ: إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ اخْتَصَّ بِالْأَخِيرَةِ فِي الْمُشْتَرَكَتَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَسَقَطَتْ الظُّهْرُ] : أَيْ وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّقْدِيرِ بِالثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً] إلَخْ: أَيْ فِي الْحَضَرِ وَأَمَّا فِي السَّفَرِ لَوْ بَقِيَ ثَلَاثَةٌ وَجَبَتْ الصَّلَاتَانِ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [أَيْ فِي الْحَضَرِ] إلَخْ: أَشَارَ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ [حَضَرًا] إمَّا مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، أَوْ حَالٌ بِتَأْوِيلِهِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ. قَوْلُهُ: [وَجَبَ الظُّهْرَانِ مَعًا] : أَيْ وَلَا فَرْقَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ بَيْنَ كَوْنِ التَّقْدِيرِ بِالْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْأُولَى] : عِلَّةٌ لِلْإِطْلَاقِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ التَّقْدِيرُ بِالثَّانِيَةِ وَكَانَ فِي الْحَضَرِ لَسَقَطَتْ الْأُولَى. قَوْلُهُ: [وَأَوْلَى لَوْ بَقِيَ] إلَخْ: أَيْ فِي وُجُوبِ الصَّلَاتَيْنِ كَانَ التَّقْدِيرُ بِالْأُولَى أَوْ بِالثَّانِيَةِ. تَنْبِيهٌ: إذَا ظَنَّ إدْرَاكَ الصَّلَاتَيْنِ مَعًا بَعْدَ تَقْدِيرِ الطَّهَارَةِ، فَتَبَيَّنَ إدْرَاكُ الْأَخِيرَةِ

(وَطُرُوُّ) : بِضَمِّ الطَّاءِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ طَرَيَان (غَيْرِ النَّوْمِ وَالنِّسْيَانِ) : مِنْ الْأَعْذَارِ عَلَى الْمُكَلَّفِ، كَأَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهِ حَيْضٌ أَوْ نِفَاسٌ أَوْ فَقْدُ الطُّهْرَيْنِ أَوْ كُفْرٌ، (فِيهِ) : أَيْ فِي الضَّرُورِيِّ (لِمَا ذُكِرَ) : اللَّامُ بِمَعْنَى فِي، أَيْ فِي قَدْرِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ (مُسْقِطٌ لَهَا) : أَيْ لِلصَّلَاةِ خَبَرُ قَوْلِهِ: (طُرُوُّ) فَإِذَا طَرَأَ الْعُذْرُ وَالْبَاقِي مِنْ الضَّرُورِيِّ قَدْرُ مَا يَسَعُ رَكْعَةً لَا أَقَلَّ، سَقَطَتْ الصُّبْحُ - إذَا لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا وَإِنْ عَمْدًا - وَأَخِيرَةَ الْمُشْتَرَكَتَيْنِ، وَهِيَ الْعَصْرُ أَوْ الْعِشَاءُ الْأَخِيرُ، لِحُصُولِ الْعُذْرِ فِي وَقْتِهَا، وَتَخَلَّدَتْ فِي ذِمَّتِهِ الظُّهْرُ أَوْ الْمَغْرِبُ لِعَدَمِ حُصُولِهِ وَقْتَهَا، لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْوَقْتَ إذْ ضَاقَ اخْتَصَّ بِالْأَخِيرَةِ. وَقَدْرُ مَا يَسَعُ خَمْسًا بِالْحَضَرِ أَوْ ثَلَاثًا بِالسَّفَرِ، سَقَطَ الظُّهْرَانِ مَعًا وَقَدْرُ مَا يَسَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الْفَجْرِ سَقَطَ الْعِشَاءَانِ مَعًا. (وَلَا يُقَدَّرُ) لِلسُّقُوطِ (طُهْرٌ) : كَالْإِدْرَاكِ، وَأَمَّا النَّوْمُ وَالنِّسْيَانُ فَلَا يُسْقِطَانِهَا بِحَالٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَطْ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَقَطْ سَوَاءٌ رَكَعَ أَوْ لَمْ يَرْكَعْ. وَيَخْرُجُ عَنْ شَفْعٍ إنْ لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ. وَإِنْ تَطَهَّرَ مَنْ ظَنَّ إدْرَاكَ الصَّلَاتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا فَأَحْدَثَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، أَوْ تَبَيَّنَ عَدَمُ طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا، فَظَنَّ إدْرَاكَ الصَّلَاةِ بِطَهَارَةٍ أُخْرَى فَفَعَلَ فَخَرَجَ الْوَقْتُ، فَالْقَضَاءُ فِي الْأُولَى عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي الثَّانِيَةِ عِنْدَ سَحْنُونَ، عَمَلًا بِالتَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ. أَوْ تَطَهَّرَ لِلصَّلَاتَيْنِ وَذَكَرَ مَا يَتَرَتَّبُ مَعَهَا مِنْ يَسِيرِ الْفَوَائِتِ مِمَّا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْحَاضِرَةِ فَقَدَّمَهُ فَخَرَجَ الْوَقْتُ فَيَلْزَمُ الْقَضَاءُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ (انْتَهَى مِنْ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَتَخَلَّدَتْ فِي ذِمَّتِهِ] إلَخْ: أَيْ مَتَى زَالَ عُذْرُهُ يَقْضِيهَا. قَوْلُهُ: [اخْتَصَّ بِالْأَخِيرَةِ] : أَيْ إدْرَاكًا أَوْ سُقُوطًا. قَوْلُهُ: [سَقَطَ الْعِشَاءَانِ] إلَخْ: أَيْ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْأُولَى وَأَمَّا لَوْ كَانَ التَّقْدِيرُ بِالثَّانِيَةِ لَسَقَطَتْ الْأَخِيرَةُ فَقَطْ. وَأَمَّا لَوْ حَصَلَ الْعُذْرُ قَبْلَ الْفَجْرِ بِثَلَاثٍ فِي السَّفَرِ، فَعَلَى التَّقْدِيرِ بِالْأُولَى تَسْقُطُ الْأَخِيرَةُ وَعَلَى التَّقْدِيرِ بِالثَّانِيَةِ يَسْقُطَانِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُقَدَّرُ لِلسُّقُوطِ] إلَخْ: وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي اخْتَارَهُ وَإِنَّمَا لَمْ يُقَدَّرْ الطُّهْرُ لِلِاحْتِيَاطِ فِي جَانِبِ الْعِبَادَةِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا النَّوْمُ] إلَخْ: سُكُوتُهُ عَنْ السُّكْرِ بِحَلَالٍ هُنَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ

[تارك الصلاة]

(وَتَارِكُهَا) : أَيْ الصَّلَاةِ اخْتِيَارًا (بِلَا عُذْرٍ يُؤَخِّرُ) : وُجُوبًا بَعْدَ الرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ وَطَلَبِهِ بِفِعْلِهَا (لِمَا ذُكِرَ) : أَيْ لِقَدْرِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا مِنْ آخِرِ الضَّرُورِيِّ، إنْ كَانَ عَلَيْهِ فَرْضٌ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ مُشْتَرِكَتَانِ أَخَّرَ لِقَدْرِ خَمْسٍ فِي الظُّهْرَيْنِ، وَالْأَرْبَعِ فِي الْعِشَاءَيْنِ حَضَرًا وَثَلَاثٍ سَفَرًا أَوْ قَدْرِ طُهْرٍ خَفِيفٍ وَرَكَعَاتٍ خَالِيَةٍ عَنْ سُنَنٍ صَوْنًا لِلدِّمَاءِ مَا أَمْكَنَ. (وَيُقْتَلُ بِالسَّيْفِ حَدًّا) : لَا كُفْرًا خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ حُكْمُ النَّوْمِ وَالنِّسْيَانِ بَلْ حُكْمُ الْجُنُونِ. [تَارِكُ الصَّلَاةِ] [تَنْبِيه قَتْلَ تَارِك الصَّلَاة] قَوْلُهُ: [اخْتِيَارًا] : أَيْ كَسَلًا. قَوْلُهُ: [بَعْدَ الرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ] : أَيْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ. قَوْلُهُ: [وَطَلَبِهِ] : أَيْ مَعَ التَّهْدِيدِ بِالْقَتْلِ. وَلَا يُضْرَبُ عَلَى الرَّاجِحِ خِلَافًا لِأَصْبَغَ. وَحُمِلَ الطَّلَبُ الْمَذْكُورُ إنْ كَانَ هُنَاكَ مَاءٌ أَوْ صَعِيدٌ، وَإِلَّا فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ لِسُقُوطِهَا عَنْهُ. قَوْلُهُ: [وَلِأَرْبَعٍ فِي الْعِشَاءَيْنِ] إلَخْ: أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْأُولَى. وَهُوَ الْمُتَعَيَّنُ صَوْنًا لِلدِّمَاءِ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَثَلَاثٌ سَفَرًا] : أَيْ بِنَاءً عَلَى التَّقْدِيرِ بِالْأَخِيرَةِ فِي الْعِشَاءَيْنِ، وَهُوَ الْمُتَعَيَّنُ صَوْنًا لِلدِّمَاءِ. قَوْلُهُ: [خَفِيفٌ] : أَيْ مُجَرَّدُ الْفَرَائِضِ وَقِيلَ: تُعْتَبَرُ طَهَارَةٌ تُرَابِيَّةٌ. قَوْلُهُ: [خَالِيَةٌ عَنْ سُنَنٍ] : أَيْ فَلَا يُقَدَّرُ فِي الرَّكْعَةِ إلَّا مَا اُتُّفِقَ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ. قَوْلُهُ: [حَدًّا] : قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: أُورِدَ عَلَى قَتْلِهِ حَدًّا أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا سَقَطَ بِرُجُوعِهِ إلَى الصَّلَاةِ قَبْلَ إقَامَتِهِ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْحُدُودِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ التَّرْكَ الْمُوجِبَ لِقَتْلِهِ حَدًّا إنَّمَا هُوَ التَّرْكُ الْجَازِمُ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ. فَيَكُونُ كَسَائِرِ الْأَسْبَابِ الَّتِي لَا يَعْلَمُ بِوُقُوعِهَا إلَّا بَعْدَ وُقُوعِ مُسَبِّبَاتِهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ (انْتَهَى مِنْ شَيْخِنَا فِي مَجْمُوعِهِ) قَالَ فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا: لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْقُدُومُ عَلَى الْقَتْلِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِسَبَبِهِ، وَسَالِمٌ مِنْ هَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ: لَا يُقْتَلُ إلَّا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ صَوْنًا لِلدِّمَاءِ. نَعَمْ قَدْ يُدَّعَى أَنَّ الْعِلْمَ بِالسَّبَبِ يَتَحَقَّقُ مَعَ الشُّرُوعِ فِي الْقَتْلِ وَلَمْ يُفْعَلْ، فَتَدَبَّرْ (انْتَهَى) . قَوْلُهُ: [خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ] : أَيْ فَإِنَّهُ قَالَ بِكُفْرِهِ، وَقَدْ نُقِلَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَقَالَ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَكِنَّهُ خَصَّهُ بِمَا إذَا طُلِبَتْ مِنْهُ وَضَاقَ وَقْتُ الَّتِي بَعْدَهَا. وَأَمَّا تَارِكُ الزَّكَاةِ فَتُؤْخَذُ كُرْهًا وَإِنْ بِقِتَالٍ. وَيَكُونُ الْآخِذُ كَالْوَكِيلِ شَرْعًا تَكْفِي نِيَّتُهُ. وَأَمَّا الصَّوْمُ فَقَالَ عِيَاضٌ: يُحْبَسُ وَيُمْنَعُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ. وَفِيهِ أَنَّ النِّيَّةَ لَا بُدَّ مِنْهَا فَيُؤَخَّرُ لِضِيقِ وَقْتِهَا. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَكْذِبُ فِي الْإِخْبَارِ بِهَا. قُلْنَا: لَنَا الظَّاهِرُ. وَأَمَّا مَنْ تَرَكَ الْحَجَّ فَاَللَّهُ حَسْبُهُ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ الْعُمْرُ وَرُبَّ عُذْرٍ فِي الْبَاطِنِ فَيُتْرَكُ إلَّا بِقَدْرِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ. (انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِنَا فِي مَجْمُوعِهِ) . تَنْبِيهٌ يُقْتَلُ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ: أَنَا أَفْعَلُ - كَمَا قَالَ خَلِيلٌ - أَيْ وَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ، وَإِلَّا بِأَنْ قَالَ: أَنَا أَفْعَلُ، وَفَعَلَ، تُرِكَ وَلَمْ يُقْتَلْ. وَيُعِيدُ مَنْ صَلَّى مُكْرَهًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ: إنَّهُ يُدَيَّنُ (انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . وَيُكْرَهُ لِأَهْلِ الْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ كَكُلِّ بِدْعِيٍّ وَمُظْهِرِ

(وَالْجَاحِدُ لَهَا) أَيْ الْمُنْكِرُ لِوُجُوبِهَا (كَافِرٌ) : مُرْتَدٌّ، يُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ كُفْرًا، وَمَالُهُ فَيْءٌ (كَكُلِّ مَنْ جَحَدَ مَا) : أَيْ حُكْمًا (عُلِمَ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً) : كَوُجُوبِ الصَّوْمِ وَتَحْرِيمِ الزِّنَا وَإِبَاحَةِ الْبَيْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَبِيرَةٍ رَدْعًا لِغَيْرِهِ، وَلَا يُطْمَسُ قَبْرُهُ بَلْ يُجْعَلُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْقُبُورِ. وَحُكْمُ مَنْ تَرَكَ الْوُضُوءَ أَوْ الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ كَسَلًا حُكْمُ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَيُؤَخَّرُ إذَا طَلَبَ بِالْفِعْلِ طَلَبًا مُتَكَرِّرًا فِي سَعَةِ الْوَقْتِ إلَى أَنْ يَصِيرَ الْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ قَدْرَ مَا يَسَعُ الْوُضُوءَ أَوْ الْغُسْلَ. بِخِلَافِ مَنْ قَالَ: لَا أَغْسِلُ النَّجَاسَةَ أَوْ لَا أَسْتُرُ الْعَوْرَةَ خِلَافًا لِ (عب) فِي شَرْحِ الْعِزِّيَّةِ لِلْخِلَافِ فِي ذَلِكَ (انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [الْمُنْكِرُ لِوُجُوبِهَا] : أَيْ أَوْ رُكُوعِهَا أَوْ سُجُودِهَا، بِأَنْ قَالَ: الصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ لَكِنَّ الرُّكُوعَ أَوْ السُّجُودَ مَثَلًا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِيهَا. قَوْلُهُ: [كَافِرٌ] : قَيَّدَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ بِمَا إذَا كَانَ غَيْرَ حَدِيثِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ تَابَ] : أَيْ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: [فَيْءٌ] : أَيْ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. قَوْلُهُ: [كَكُلِّ مَنْ جَحَدَ] إلَخْ: أَيْ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُرْتَدًّا اتِّفَاقًا سَوَاءٌ كَانَ الدَّالُّ عَلَيْهِ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ. قَوْلُهُ: [ضَرُورَةً] : أَيْ اُشْتُهِرَ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ، وَأَمَّا مَنْ جَحَدَ

[أوقات الكراهة والتحريم]

(وَحَرُمَ نَفْلٌ) لَا فَرْضٌ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا قَابَلَ الْخَمْسَ، فَيَشْمَلُ الْجِنَازَةَ وَالْمَنْذُورَ، (حَالَ طُلُوعِ) : أَيْ بُرُوزِ (شَمْسٍ، وَ) حَالَ (غُرُوبِهَا) : أَيْ غِيَابِهَا فِي الْأُفُقِ، (وَ) حَالَ خُطْبَةِ جُمُعَةٍ، لَا عِيدٍ؛ لِأَنَّهُ يُشْغَلُ عَنْ سَمَاعِهَا الْوَاجِبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمْرًا مِنْ الدِّينِ غَيْرَ مَعْلُومٍ بِالضَّرُورَةِ كَاسْتِحْقَاقِ بِنْتِ الِابْنِ السُّدُسَ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ، فَفِي كُفْرِهِ قَوْلَانِ. وَالرَّاجِحُ عَدَمُ الْكُفْرِ. وَهَذَا كَمَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَمَنْ لِمَعْلُومٍ ضَرُورَةً جَحَدَ ... مِنْ دِينِنَا يُقْتَلُ كُفْرًا لَيْسَ حَدُّ وَمِثْلُ هَذَا مَنْ نَفَى لِمُجْمَعٍ ... أَوْ اسْتَبَاحَ كَالزِّنَا فَلْتَسْمَعْ [أَوْقَات الْكَرَاهَة وَالتَّحْرِيم] قَوْلُهُ: [هُنَا] : أَيْ فِي أَمَاكِنِ الْمَنْعِ وَالْكَرَاهَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْعَ النَّفْلِ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا إذَا كَانَ النَّفَلُ مَدْخُولًا عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا مَنْعَ كَمَا إذَا شَرَعَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ عِنْدَ الْغُرُوبِ مَثَلًا أَوْ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ عِنْدَ الْخُطْبَةِ، وَبَعْدَ أَنْ عَقَدَ مِنْهَا رَكْعَةً تَذَكَّرَ أَنَّهُ قَدْ صَلَّاهَا، فَإِنَّهُ يَشْفَعُهَا وَلَا حُرْمَةَ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّفَلَ غَيْرُ مَدْخُولٍ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [فَيَشْمَلُ الْجِنَازَةَ] : أَيْ إنْ لَمْ يَخْشَ تَغَيُّرَهَا وَإِلَّا صُلِّيَتْ أَيَّ وَقْتٍ. قَوْلُهُ: [وَالْمَنْذُورَ] : وَمِثْلُهُ قَضَاءُ النَّفْلِ الْمُفْسَدِ وَسُجُودُ السَّهْوِ الْبَعْدِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى كَوْنِهِ سُنَّةً. قَوْلُهُ: [بُرُوزِ شَمْسٍ] : أَيْ قَبْلَ ارْتِفَاعِ جَمِيعِ الْقُرْصِ. قَوْلُهُ: [سَمَاعِهَا الْوَاجِبِ] : أَيْ فَلِذَلِكَ حُرِّمَ كُلُّ شَاغِلٍ عَلَى حَاضِرِهَا

[تنبيه أحرم بنافلة ثم دخل وقت النهي]

(وَ) حَالَ (خُرُوجٍ) : أَيْ تَوَجُّهِ الْإِمَامِ (لَهَا) أَيْ لِلْخُطْبَةِ، (وَ) حَالَ (ضِيقِ وَقْتٍ) : اخْتِيَارِيٍّ أَوْ ضَرُورِيٍّ لِفَرْضٍ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِإِخْرَاجِهِ عَنْ وَقْتِهِ الْوَاجِبِ، (وَ) حَالَ (ذِكْرٍ) : أَيْ تَذَكُّرِ صَلَاةٍ (فَائِتَةٍ) : لِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِتَأْخِيرِهَا الْحَرَامِ، إذْ يَجِبُ صَلَاتُهَا وَقْتَ تَذَكُّرِهَا وَلَوْ حَالَ طُلُوعٍ أَوْ غُرُوبٍ، (وَ) حَالَ (إقَامَةٍ لِحَاضِرَةٍ) : لِأَنَّهُ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ أَيْ الْمُقَامَةَ، أَيْ يَحْرُمُ صَلَاةٌ غَيْرُهَا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِلطَّعْنِ فِي الْإِمَامِ. (وَكُرِهَ) النَّفَلُ (بَعْدَ) طُلُوعِ (فَجْرٍ) صَادِقٍ (وَبَعْدَ أَدَاءِ فَرْضِ) عَصْرٍ إلَى أَنْ (تَرْتَفِعَ) : الشَّمْسُ بَعْدَ طُلُوعِهَا (قَيْدَ) أَيْ قَدْرَ (رُمْحٍ، وَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا يَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ. قَوْلُهُ: [وَحَالَ خُرُوجٍ] إلَخْ: أَيْ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ مِنْ حُرْمَةِ ابْتِدَاءِ صَلَاةٍ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ. وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَطْعُ النَّافِلَةِ إنْ أَحْرَمَ، عَقَدَ رَكْعَةً أَمْ لَا إلَّا دَاخِلًا وَقْتَ الْخُطْبَةِ وَأَحْرَمَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا فَيُتِمُّ لِلْخِلَافِ فِي الدَّاخِلِ وَلِعُذْرِهِ بِالنِّسْيَانِ أَوْ الْجَهْلِ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَلَوْ حَالَ طُلُوعٍ] إلَخْ: أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ شَاكًّا هَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ فِي ذِمَّتِهِ أَمْ لَا فَيَجْتَنِبُ أَوْقَاتَ النَّهْيِ. قَوْلُهُ: [فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ] : أَيْ فَيَحْرُمُ النَّفَلُ وَغَيْرُهُ حَتَّى الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ مَا دَامَ الرَّاتِبُ يُصَلِّي. [تَنْبِيه أحرم بِنَافِلَة ثُمَّ دَخَل وَقْت النَّهْي] قَوْلُهُ: [وَبَعْدَ أَدَاءِ فَرْضِ عَصْرٍ] : أَيْ فَيُكْرَهُ النَّفَلُ بَعْدَهَا وَلَوْ جُمِعَتْ مَعَ الظُّهْرِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ. قَوْلُهُ: [إلَى أَنْ تَرْتَفِعَ] : هَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ بَعْدَ فَجْرٍ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ تَمْتَدُّ كَرَاهَةُ النَّفْلِ بَعْدَ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَيَحْرُمُ النَّفَلُ إلَى أَنْ يَتَكَامَلَ ظُهُورُ قُرْصِهَا فَتَعُودُ الْكَرَاهَةُ إلَى أَنْ تَرْتَفِعَ قَيْدَ رُمْحٍ أَيْ قَدْرَهُ. وَالرُّمْحُ اثْنَا عَشَرَ

إلَى أَنْ (تُصَلَّى الْمَغْرِبُ) : مَا عَدَا حَالَةَ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ فَيَحْرُمُ أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ (إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ) : فَلَا يُكْرَهَانِ بَعْدَ طُلُوعِهِ، بَلْ هُمَا رَغِيبَةٌ كَمَا يَأْتِي. (وَ) إلَّا (الْوِرْدَ) أَيْ مَا وَظَّفَهُ مِنْ الصَّلَاةِ لَيْلًا عَلَى نَفْسِهِ، فَلَا يُكْرَهُ بَلْ يُنْدَبُ فِعْلُهُ (قَبْلَ) أَدَاءِ (فَرْضِ صُبْحٍ) : وَرَكْعَتَيْ فَجْرٍ (وَ) قَبْلَ (إسْفَارٍ) لَا بَعْدَهُ إلَّا الشَّفْعَ وَالْوَتْرَ، وَإِنَّمَا يُنْدَبُ فِعْلُهُ قَبْلَ الْإِسْفَارِ (لِمَنْ اعْتَادَهُ) لَيْلًا بِأَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ التَّهَجُّدَ وَإِلَّا كُرِهَ (وَغَلَبَةُ النَّوْمُ) : آخِرَ اللَّيْلِ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، لَا إنْ كَانَ سَاهِرًا أَوْ أَخَّرَهُ كَسَلًا فَيُكْرَهُ (وَلَمْ يَخَفْ) بِفِعْلِهِ (فَوَاتَ جَمَاعَةٍ) لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، وَإِلَّا كُرِهَ إنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَإِلَّا حَرُمَ. فَالشُّرُوطُ أَرْبَعَةٌ: كَوْنُهُ قَبْلَ الْإِسْفَارِ، وَمُعْتَادًا، وَغَلَبَهُ النَّوْمُ وَلَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ. (وَإِلَّا جِنَازَةً وَسُجُودَ تِلَاوَةٍ قَبْلَ إسْفَارٍ) فِي الصُّبْحِ (وَ) قَبْلَ (اصْفِرَارٍ) فِي الْعَصْرِ وَلَوْ بَعْدَ صَلَاتِهِمَا، فَلَا يُكْرَهُ، بَلْ يُنْدَبُ لَا بَعْدَهُمَا فَيُكْرَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQشِبْرًا وَالْمَعْنَى إلَى ارْتِفَاعِهَا اثْنَيْ عَشَرَ شِبْرًا فِي نَظَرِ الْعَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَى أَنْ تُصَلَّى الْمَغْرِبُ] إلَخْ: رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: [بَعْدَ أَدَاءِ فَرْضِ عَصْرٍ] . وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ تَمْتَدُّ كَرَاهَةُ النَّفْلِ بَعْدَ أَدَاءِ فَرْضِ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ طَرَفِ الشَّمْسِ، فَيَحْرُمُ إلَى اسْتِتَارِ جَمِيعِهَا فَتَعُودُ الْكَرَاهَةُ إلَى أَنْ تُصَلَّى الْمَغْرِبُ. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ بِدُخُولِ وَقْتِ الْحُرْمَةِ فِي عُمُومِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ. قَوْلُهُ: [إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ] إلَخْ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ: [بَعْدَ فَجْرٍ] . قَوْلُهُ: [قَبْلَ أَدَاءِ إلَخْ] أَيْ فَلَا بَأْسَ بِإِيقَاعِ الْفَجْرِ وَالْوِرْدِ بِشُرُوطِهِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ. فَإِنْ صَلَّى فَاتَ الْوَرْدُ وَأُخِّرَ الْفَجْرُ لِحِلِّ النَّافِلَةِ، وَأَمَّا لَوْ تَذَكَّرَ الْوِرْدَ فِي أَثْنَاءِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُهُ، وَإِنْ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهِ وَيُعِيدُ الْفَجْرَ، إذْ لَا يَفُوتُ الْوَرْدُ إلَّا بِصَلَاةِ الْفَرْضِ، هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. (انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [إلَّا الشَّفْعَ وَالْوَتْرَ] : فَيُقَدَّمَانِ عَلَى الصُّبْحِ وَلَوْ بَعْدَ الْإِسْفَارِ مَتَى كَانَ يَبْقَى لِلصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الشَّمْسِ. وَمِثْلُهُمَا الْفَجْرُ، كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا جِنَازَةً] إلَخْ: هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ وَقْتَيْ الْكَرَاهَةِ أَيْ مِنْ مَجْمُوعِ قَوْلِهِ: [وَكُرِهَ بَعْدَ فَجْرٍ وَفَرْضِ عَصْرٍ] . قَوْلُهُ: [لَا بَعْدَهُمَا] : أَيْ لَا بَعْدَ دُخُولِهِمَا فَيُكْرَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَلَوْ صَلَّى

(وَقَطْعَ) الْمُتَنَفِّلُ صَلَاتَهُ (إذَا أَحْرَمَ بِوَقْتِ نَهْيٍ) : وُجُوبًا إنْ أَحْرَمَ بِوَقْتِ حُرْمَةٍ، وَنَدْبًا إنْ أَحْرَمَ بِوَقْتِ كَرَاهَةٍ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ: (قَطَعَ) بِانْعِقَادِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَ النَّهْيُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ كَحَالِ الْخُطْبَةِ، وَمَا ذُكِرَ بَعْدَهَا. وَأَمَّا إذَا كَانَ النَّهْيُ لِذَاتِ الْوَقْتِ كَحَالِ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ، وَكَذَا بَعْدَ الطُّلُوعِ لِحِلِّ النَّافِلَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ. فَلَا وَجْهَ لِانْعِقَادِهِ؛ كَصَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ وَصَوْمِ اللَّيْلِ. وَيُجَابُ: بِأَنَّ مَعْنَى الْقَطْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْجِنَازَةِ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ فَلَا تُعَادُ بِحَالٍ. بِخِلَافِ مَا لَوْ صَلَّى عَلَيْهَا فِي وَقْتِ الْحُرْمَةِ مَعَ عَدَمِ خَوْفِ التَّغَيُّرِ. فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّهَا تُعَادُ مَا لَمْ تُدْفَنْ. أَيْ تُوضَعْ فِي الْقَبْرِ، وَإِنْ لَمْ يُسَوَّ عَلَيْهَا التُّرَابُ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا تُعَادُ وَإِنْ لَمْ تُدْفَنْ. قَوْلُهُ: [وَقَطَعَ الْمُتَنَفِّلُ] إلَخْ: أَيْ أَحْرَمَ: بِنَافِلَةٍ: لِأَنَّهُ لَا يَتَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَسَوَاءٌ أَحْرَمَ جَاهِلًا أَوْ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا. وَهَذَا التَّعْمِيمُ فِي غَيْرِ الدَّاخِلِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ. فَإِنَّهُ إنْ أَحْرَمَ بِالنَّافِلَةِ جَهْلًا أَوْ نَاسِيًا فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ مُرَاعَاةً لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ الْأَوْلَى لِلدَّاخِلِ أَنْ يَرْكَعَ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ. وَأَمَّا لَوْ دَخَلَ الْخَطِيبُ عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ فَأَحْرَمَ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا أَوْ سَهْوًا، أَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَأَحْرَمَ عَمْدًا، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ، وَسَوَاءٌ فِي الْكُلِّ عَقَدَ رَكْعَةً أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ] أَيْ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ عَلَى الْقَطْعِ. قَوْلُهُ: [وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ: قَطَعَ] إلَخْ: وَبَنَى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ الثَّوَابَ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْمَنْعِ، أَيْ: فَحَيْثُ قُلْنَا بِالِانْعِقَادِ يَأْثَمُ مِنْ جِهَةٍ وَيُثَابُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى. قَوْلُهُ: [كَحَالِ الْخُطْبَةِ وَمَا ذُكِرَ بَعْدَهَا] : أَيْ مِنْ ضِيقِ الْوَقْتِ وَذِكْرِ الْفَائِتَةِ وَإِقَامَةِ الْحَاضِرَةِ. فَإِنَّ الْحُرْمَةَ فِيهَا لِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ ذَاتِ الْعِبَادَةِ وَهُوَ الشَّغْلُ عَنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ وَتَفْوِيتُ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَتَأْخِيرُ الْفَائِتَةِ عَنْ وَقْتِهَا وَالطَّعْنُ فِي الْإِمَامِ، وَهَذِهِ تَحْصُلُ وَلَوْ بِغَيْرِ صَلَاةٍ نَظِيرَ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ. قَوْلُهُ: [لِذَاتِ الْوَقْتِ] : أَيْ مُلَازِمٍ لِلْوَقْتِ بِمَعْنَى أَنَّ النَّهْيَ مَخْصُوصٌ بِالصَّلَاةِ فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ، وَأَمَّا شَغْلُهَا بِغَيْرِ صَلَاةِ النَّفْلِ فَلَا نَهْيَ. قَوْلُهُ: [فَلَا وَجْهَ لِانْعِقَادِهِ] : وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ فِي الْحَاشِيَةِ عَنْ سَيِّدِي يَحْيَى الشَّاوِيِّ.

فِيمَا ذُكِرَ الِانْصِرَافُ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِفَاسِدٍ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْأَوْقَاتِ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا بِهِ الْإِعْلَامُ بِدُخُولِهَا، وَهُوَ الْأَذَانُ فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِفَاسِدٍ] : ظَاهِرُ كَلَامِهِ فَسَادُ النَّفْلِ وَلَوْ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ. تَنْبِيهٌ مَنْ أَحْرَمَ بِنَافِلَةٍ فَدَخَلَ وَقْتُ النَّهْيِ أَتَمَّ بِسُرْعَةٍ وَلَا يَقْطَعُهَا.

[فصل في الأذان]

فَصْلٌ فِي الْأَذَانِ فِي بَيَانِ الْأَذَانِ وَأَحْكَامِهِ (الْأَذَانُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ بِكُلِّ مَسْجِدٍ) وَلَوْ تَلَاصَقَتْ الْمَسَاجِدُ. (وَلِجَمَاعَةٍ) فِي حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ (طَلَبَتْ غَيْرَهَا) : لِلِاجْتِمَاعِ فِي الصَّلَاةِ (لِفَرْضٍ) : لَا نَفْلٍ كَعِيدٍ (وَقْتِيٍّ) : أَيْ لَهُ وَقْتٌ مَحْدُودٌ؛ فَخَرَجَتْ الْجِنَازَةُ وَالْفَائِتَةُ إذْ لَيْسَ لَهَا وَقْتٌ مُعَيَّنٌ، بَلْ وَقْتُهَا تَذَكُّرُهَا فِي أَيِّ زَمَانٍ (اخْتِيَارِيٍّ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْأَذَانِ] [حُكْم الْأَذَان] فَصْلٌ: قَوْلُهُ: [الْأَذَانُ سُنَّةٌ إلَخْ: وَيُقَالُ: الْأُذِينُ، قَالَ الشَّاعِرُ: قَدْ بَدَا لِي وَضَحُ الصُّبْحِ الْمُبِينِ ... فَاسْقِنِيهَا قَبْلَ تَكْبِيرِ الْأُذِينِ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ نَقْلًا عَنْ الْبَدْرِ الْقَرَافِيِّ: لَا يُقَالُ أَذَّنَ الْعَصْرَ، بَلْ أَذَّنَ بِالْعَصْرِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: لَا مَانِعَ مِنْ نَصْبِ الْمَفْعُولِيَّةِ أَوْ إسْنَادِ الْمَجَازِ (انْتَهَى) . وَهُوَ لُغَةً: الْإِعْلَامُ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ، مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَذَنِ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ، أَوْ مِنْ الْأُذُنِ بِالضَّمِّ: كَأَنَّهُ أَوْدَعَ مَا عَلِمَهُ أُذُنَ صَاحِبِهِ. وَأَذَّنَ بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ أَعْلَمَ. وَاصْطِلَاحًا: هُوَ الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِالْأَلْفَاظِ الْمَشْرُوعَةِ. قَوْلُهُ: [بِكُلِّ مَسْجِدٍ] : وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِلصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: وَلَوْ تَلَاصَقَتْ] : أَيْ أَوْ تَرَاكَمَتْ بِأَنْ كَانَتْ فَوْقَ بَعْضِهَا. قَوْلُهُ: [لِفَرْضٍ] : أَيْ وَلَوْ جُمُعَةً فَالْأَذَانُ لَهَا سُنَّةٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ بِوُجُوبِ الثَّانِي فِعْلًا. وَعَلَى الْقَوْلِ. بِالْوُجُوبِ فَهُوَ غَيْرُ شَرْطٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَالْحُكْمُ عَلَى الْأَوَّلِ فِي الْفِعْلِ بِالسُّنِّيَّةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا أَحْدَثَهُ سَيِّدُنَا عُثْمَانُ، فَهُوَ أَوَّلٌ فِي الْفِعْلِ ثَانٍ

[متى يندب الأذان]

لَا ضَرُورِيٍّ، فَيُكْرَهُ الْأَذَانُ فِي الضَّرُورِيِّ (أَوْ) صَلَاةٍ (مَجْمُوعَةٍ مَعَهُ) : أَيْ الْفَرْضِ الِاخْتِيَارِيِّ جَمْعَ تَقْدِيمٍ أَوْ تَأْخِيرٍ كَالْعَصْرِ مَعَ الظُّهْرِ فِي عَرَفَةَ، وَالْعِشَاءِ مَعَ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ، وَكَالْجَمْعِ فِي السَّفَرِ. وَقَوْلُنَا: (اخْتِيَارِيٍّ) إلَخْ: قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ تَرَكَهُ الشَّيْخُ. (وَكُرِهَ) : الْأَذَانُ (لِغَيْرِهِمْ) : أَيْ غَيْرِ الْجَمَاعَةِ الَّتِي طَلَبَتْ غَيْرَهَا، وَهُوَ الْمُنْفَرِدُ، وَالْجَمَاعَةُ الْمَحْصُورَةُ فِي مَكَان لَا تَطْلُبُ غَيْرَهَا (حَضَرًا) : أَيْ فِي الْحَضَرِ. (وَنُدِبَ) : لِمُنْفَرِدٍ أَوْ لِجَمَاعَةٍ لَا تَطْلُبُ غَيْرَهَا (سَفَرًا) : أَيْ فِي السَّفَرِ (وَلَوْ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ) : كَمَنْ فِي بَادِيَةٍ رَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَبَقِيَ مُنْفَرِدًا يَطْلُبُ غَيْرَهُ، أَوْ جَمَاعَةٍ مَحْصُورَةٍ فِي دَارٍ أَوْ خَانٍ لَكِنَّهُمْ مُتَفَرِّقُونَ فِيهَا، وَالظَّاهِرُ دُخُولُهُمَا فِي قَوْلِهِ: [جَمَاعَةٍ طَلَبَتْ غَيْرَهَا] ، أَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّ الْمُنْفَرِدَ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ طَلَبَهُ جَمَاعَةٌ فَيُسَنُّ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فَقَطْ. (اهـ.) قَالَ شَيْخُنَا: وَقَدْ يُقَالُ لِمَا فَعَلَهُ عُثْمَانُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَأَقَرُّوهُ عَلَيْهِ كَانَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا، فَالْقَوْلُ بِالسُّنِّيَّةِ لَهُ وَجْهٌ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [أَوْ صَلَاةٍ مَجْمُوعَةٍ] إلَخْ: أَيْ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ لَهَا عِنْدَ فِعْلِهَا. قَوْلُهُ: [فِي عَرَفَةَ] : أَيْ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ فِي مُزْدَلِفَةَ. قَوْلُهُ: [وَكَالْجَمْعِ فِي السَّفَرِ] : أَيْ جَمْعِ تَقْدِيمٍ أَوْ تَأْخِيرٍ أَوْ صُورِيٍّ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ الْمُنْفَرِدُ] إلَخْ: لِقَوْلِ مَالِكٍ: لَا أُحِبُّ الْأَذَانَ لِلْفَذِّ الْحَاضِرِ وَالْجَمَاعَةِ الْمُنْفَرِدَةِ. [مَتَى يَنْدُب الْأَذَان] قَوْلُهُ: [كَمَنْ فِي بَادِيَةٍ] : أَيْ فَمُرَادُهُ بِالسَّفَرِ: اللُّغَوِيُّ، فَيَشْمَلُ مَنْ كَانَ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ لِخَبَرِ الْمُوَطَّإِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " مَنْ صَلَّى بِأَرْضٍ فَلَاةٍ صَلَّى عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ شِمَالِهِ مَلَكٌ، فَإِذَا أَذَّنَ وَأَقَامَ صَلَّى وَرَاءَهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَمْثَالُ الْجِبَالِ ". وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا كَانَ الرَّجُلُ فِي أَرْضٍ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ صَلَّى خَلْفَهُ مَلَكَانِ، فَإِذَا أَذَّنَ وَأَقَامَ صَلَّى وَرَاءَهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مَا لَا

[متى يكره الأذان]

(وَ) كُرِهَ (لِفَائِتَةٍ وَ) لِصَلَاةٍ (ذَاتِ) وَقْتٍ (ضَرُورِيٍّ وَ) لِصَلَاةِ (جِنَازَةٍ وَنَافِلَةٍ) كَعِيدٍ وَكُسُوفٍ. وَهَذَا مَفْهُومٌ [فَرْضٌ] . وَمَا قَبْلَهُ مَعَ الْأَوَّلِ مَفْهُومٌ [وَقْتِيٌّ] وَذَاتُ ضَرُورِيٍّ مَفْهُومٌ [اخْتِيَارِيٌّ] فَلَمْ يَأْتِ عَلَى التَّرْتِيبِ. (وَهُوَ) : أَيْ الْأَذَانُ (مُثَنًّى) : بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ، مِنْ التَّثْنِيَةِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَرَاهُ طَرْفَاهُ يَرْكَعُونَ بِرُكُوعِهِ وَيَسْجُدُونَ بِسُجُودِهِ وَيُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَائِهِ» . ذَكَرَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّإِ (اهـ. مِنْ الْحَاشِيَةِ) . [مَتَى يَكْرَه الْأَذَان] قَوْلُهُ: [ذَاتِ وَقْتٍ ضَرُورِيٍّ] : أَيْ فِي صُوَرِ الْجَمْعِ كَمَا تَقَدَّمَ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْأَذَانَ تَارَةً يَكُونُ سُنَّةً وَمَنْدُوبًا وَمَكْرُوهًا وَحَرَامًا. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْوُجُوبِ. وَهُوَ يَجِبُ فِي الْمِصْرِ كِفَايَةً، وَيُقَاتَلُونَ عَلَى تَرْكِهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَشْيَاخُ. [مَتَى يَكُون الْأَذَان وَاجِبًا] قَوْلُهُ: [بِضَمِّ الْمِيمِ] إلَخْ: أَيْ لَا بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ، الْمَعْدُولُ عَنْ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ لِئَلَّا يَقْتَضِيَ زِيَادَةَ كُلِّ جُمْلَةٍ عَنْ اثْنَيْنِ، وَأَنَّ كُلَّ جُمْلَةٍ تُقَالُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ؛ لِأَنَّ مُثَنًّى مَعْنَاهُ اثْنَانِ اثْنَانِ، كَذَا فِي (عب) وَالْخَرَشِيِّ. وَرُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّهُ: لَا يَلْزَمُ مَا قَالُوا إلَّا لَوْ كَانَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا لِلْأَذَانِ بِاعْتِبَارِ كُلِّ جُمْلَةٍ مِنْهُ، وَهَذَا غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِجَوَازِ جَعْلِ الضَّمِيرِ رَاجِعًا لَهُ بِاعْتِبَارِ جُمَلِهِ وَكَلِمَاتِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ ضَبْطُ قَوْلِهِ مُثَنًّى بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ. وَالْمَعْنَى: وَكَلِمَاتُ الْأَذَانِ مُثَنًّى أَيْ اثْنَيْنِ بَعْدَ اثْنَيْنِ كَمَا تَقُولُ: جَاءَ الرِّجَالُ مُثَنًّى بَعْدَ اثْنَيْنِ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .

لِأَنَّهُ عَمَلُ السَّلَفِ بِالْمَدِينَةِ، لَا مُرَبَّعَ التَّكْبِيرِ. (وَلَوْ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ) : الْكَائِنَةُ (بِصُبْحٍ) : خَاصَّةً بَعْدَ الْحَيْعَلَتَيْنِ. خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِإِفْرَادِهَا. (إلَّا الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ) : مِنْهُ وَهِيَ: " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " فَمُفْرَدَةٌ اتِّفَاقًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ] : مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَالْجُمْلَةُ مَحْكِيَّةٌ قُصِدَ لَفْظُهَا فِي مَحَلِّ نَصْبٍ لِكَانَ الْمَحْذُوفَةِ، أَيْ وَلَوْ كَانَ اللَّفْظُ الَّذِي ثُنِّيَ هَذَا اللَّفْظَ وَهُوَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ. قَوْلُهُ: [بَعْدَ الْحَيْعَلَتَيْنِ] : أَيْ وَقَبْلَ التَّكْبِيرِ الْأَخِيرِ، وَيَقُولُهَا الْمُؤَذِّنُ سَوَاءً أَذَّنَ لِجَمَاعَةٍ أَوْ أَذَّنَ وَحْدَهُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِتَرْكِهَا رَأْسًا لِلْمُنْفَرِدِ بِمَحَلٍّ مُنْعَزِلٍ عَنْ النَّاسِ لِعَدَمِ إمْكَانِ مَنْ يَسْمَعُهَا. وَرَدَّهُ سَنَدٌ بِأَنَّ الْأَذَانَ أَمْرٌ مُتَّبَعٌ أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: حَيِّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ. وَجَعْلُ الصَّلَاةِ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ بِأَمْرٍ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا فِي الِاسْتِذْكَارِ وَغَيْرِهِ، فَفِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِلْعَيْنِيِّ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ بِلَالٍ: «أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤْذِنُهُ بِالصُّبْحِ فَوَجَدَهُ رَاقِدًا، فَقَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَكَذَا يَا بِلَالُ اجْعَلْهُ فِي أَذَانِك إذَا أَذَّنْتَ لِلصُّبْحِ» (اهـ.) وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ لِلْمُؤَذِّنِ حِينَ جَاءَهُ يُعْلِمُهُ بِالصَّلَاةِ فَوَجَدَهُ نَائِمًا، فَقَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ: اجْعَلْهَا فِي نِدَاءِ الصُّبْحِ، فَهُوَ إنْكَارٌ عَلَى الْمُؤَذِّنِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ شَيْئًا مِنْ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تَكُنْ الصُّبْحَ. وَذَلِكَ كَمَا كَرِهَ مَالِكٌ التَّلْبِيَةَ فِي غَيْرِ الْحَجِّ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْأَذَانِ فَبِدْعَةٌ حَسَنَةٌ، أَوَّلُ حُدُوثِهَا زَمَنَ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ أَيُّوبَ سَنَةَ إحْدَى وَثَمَانِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَكَانَتْ أَوَّلًا تُزَادُ بَعْدَ أَذَانِ الْعِشَاءِ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَقَطْ، ثُمَّ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ زِيدَتْ عَقِبَ كُلِّ أَذَانٍ إلَّا الْمَغْرِبَ. كَمَا إنَّ مَا يُفْعَلُ لَيْلًا مِنْ الِاسْتِغْفَارَاتِ وَالتَّسَابِيحِ وَالتَّوَسُّلَاتِ هُوَ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ. (اهـ، مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [لِمَنْ قَالَ] إلَخْ: أَيْ وَهُوَ ابْنُ وَهْبٍ. قَوْلُهُ: [إلَّا الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ] : هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ مُثَنًّى.

[صفة الأذان]

(وَخَفَّضَ) : الْمُؤَذِّنِ نَدْبًا (الشَّهَادَتَيْنِ) : أَيْ " أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " مَرَّتَيْنِ، " أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " مَرَّتَيْنِ حَالَةَ كَوْنِهِ (مُسَمِّعًا) : بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ مِنْ سَمِعَ بِالتَّضْعِيفِ، وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا مِنْ أَسْمَعَ فَإِنْ لَمْ يُسْمِعْ بِهِمَا الْحَاضِرِينَ لَمْ يَكُنْ آتَيَا بِالسُّنَّةِ كَمَا لَوْ تَرَكَهَا بِالْمَرَّةِ، كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ الْمُؤَذِّنِينَ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ. (ثُمَّ) : بَعْدَ خَفْضِهِمَا مَعَ التَّسْمِيعِ (رَجَّعَهُمَا) : بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ أَيْ أَعَادَهُمَا (بِأَعْلَى صَوْتِهِ) حَالَ كَوْنِهِ (مُسَاوِيًا بِهِمَا) حَالَ التَّرْجِيعِ (التَّكْبِيرَ) : فِي رَفْعِ الصَّوْتِ. وَهُوَ (مَجْزُومٌ) : أَيْ سَاكِنُ الْجُمَلِ لَا مُعَرَّبٌ (بِلَا فَصْلٍ) : بَيْنَ جُمَلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [صفة الْأَذَان] قَوْلُهُ: [وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا مِنْ أَسْمَعَ] : أَيْ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ كَالتَّضْعِيفِ فِي التَّعْدِيَةِ. قَوْلُهُ: [لَمْ يَكُنْ آتَيَا بِالسُّنَّةِ] : أَيْ سُنَّةِ التَّرْجِيعِ بَلْ يَكُونُ مَا أَتَى بِهِ عَلَى أَنَّهُ تَرْجِيعٌ تَتْمِيمًا لِلْأَذَانِ وَفَاتَتْهُ سُنَّةُ التَّرْجِيعُ. قَوْلُهُ: [رَجَّعَهُمَا] : أَيْ الشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِهِ كُلَّ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ. فَبِالتَّرْجِيعِ تَكُونُ الْجُمَلُ ثَمَانِ شَهَادَاتٍ. وَإِنَّمَا طَلَبُ التَّرْجِيعِ لِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا مَحْذُورَةَ. وَحِكْمَةُ ذَلِكَ إغَاظَةُ الْكُفَّارِ أَيْ لِأَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ أَخْفَى صَوْتَهُ بِهِمَا حَيَاءً مِنْ قَوْمِهِ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ بُغْضِهِمْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَدَعَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَعَرَكَ أُذُنَهُ وَأَمَرَهُ بِالتَّرْجِيعِ. وَلَا يَنْتَفِي هَذَا بِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ كَالرَّمَلِ فِي الْحَجِّ (اهـ. مِنْ الْخَرَشِيِّ) . وَلَا يَبْطُلُ الْأَذَانُ بِتَرْكِ التَّرْجِيعِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: [سَاكِنُ الْجُمَلِ] : قَالَ الْمَازِرِيُّ: اخْتَارَ شُيُوخُ صِقِلِّيَّةَ جَزْمَهُ وَشُيُوخُ الْقَرَوِيِّينَ إعْرَابَهُ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي التَّكْبِيرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنْ أَلْفَاظِهِ حَتَّى " اللَّهُ أَكْبَرُ " الْأَخِيرُ فَلَمْ يُذْكَرْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ أَنَّهُ نَطَقَ بِهِ غَيْرَ مَوْقُوفٍ. وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ نَقَلَ (بْن) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ وَعِيَاضٍ وَابْنِ يُونُسَ وَابْنِ رَاشِدٍ وَالْفَاكِهَانِيِّ: أَنَّ جَزْمَ الْأَذَانِ مِنْ الصِّفَاتِ الْوَاجِبَةِ، وَإِنَّمَا أُعْرِبَتْ الْإِقَامَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ لِرَفْعِ الصَّوْتِ لِلِاجْتِمَاعِ عِنْدَهَا، بِخِلَافِ. الْأَذَانِ فَإِنَّهُ مُحْتَاجٌ لِرَفْعِ الصَّوْتِ وَامْتِدَادِهِ، وَالْإِسْكَانُ أَعْوَنُ عَلَى ذَلِكَ. وَاعْلَمْ أَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ اللَّحْنِ فِي الْأَذَانِ مُسْتَحَبَّةٌ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَ (ح) . فَاللَّحْنُ فِيهِ

[تحريم الأذان قبل الوقت]

بِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ أَوْ سُكُوتٍ، فَلَوْ فَصَلَ لَمْ يَضُرَّ (وَبَنَى) : عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْهُ (إنْ لَمْ يَطُلْ) : الْفَصْلُ وَإِلَّا ابْتَدَأَهُ. (وَحَرُمَ) : الْأَذَانُ (قَبْلَ) : دُخُولِ (الْوَقْتِ) : لِمَا فِيهِ مِنْ التَّلْبِيسِ وَالْكَذِبِ بِالْإِعْلَامِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، (إلَّا الصُّبْحَ فَيُنْدَبُ) : تَقْدِيمُهُ (بِسُدُسِ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ ثُمَّ يُعَادُ) : اسْتِنَانًا (عِنْدَ) طُلُوعِ (الْفَجْرِ) الصَّادِقِ. (وَصِحَّتُهُ بِإِسْلَامٍ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَكْرُوهٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ اللَّحْنُ فِيهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ حَدِيثًا إلَى مُجَرَّدِ الْإِعْلَامِ. قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [فَلَوْ فَصَلَ لَمْ يَضُرَّ] : أَيْ وَيُكْرَهُ. قَوْلُهُ: [وَبَنَى عَلَى مَا قَدَّمَهُ] : أَيْ مِنْ الْكَلِمَاتِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا ابْتَدَأَهُ] : أَيْ وَإِلَّا طَالَ فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ الْأَذَانَ مِنْ أَوَّلِهِ. وَالْمُرَادُ بِالطُّولِ مَا لَوْ بَنَى مَعَهُ لَظُنَّ أَنَّهُ غَيْرُ أَذَانٍ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْفَصْلِ الطَّوِيلِ مُبْطِلًا أَنْ يَكُونَ حَرَامًا، هَذَا مَا أَفَادَهُ الْأُجْهُورِيُّ. وَظَاهِرُ (ح) أَنَّهُ يَحْرُمُ وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ زَرُّوقٍ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . [تَحْرِيم الْأَذَان قَبْل الْوَقْت] قَوْلُهُ: [إلَّا الصُّبْحَ] إلَخْ: حَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّ الصُّبْحَ، قِيلَ: لَا يُؤَذَّنُ لَهَا إلَّا أَذَانٌ وَاحِدٌ، وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ بِسُدُسِ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ. فَالْأَذَانُ سُنَّةٌ وَتَقْدِيمُهُ مُسْتَحَبٌّ وَلَا يُعَادُ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَهُوَ قَوْلُ سَنَدٍ. وَالرَّاجِحُ إعَادَتُهُ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْإِعَادَةِ، فَقِيلَ: نَدْبًا؛ فَالْأَوَّلُ سُنَّةٌ، وَالثَّانِي مَنْدُوبٌ، وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ الرَّمَاصِيُّ. وَقِيلَ: الْأَوَّلُ مَنْدُوبٌ، وَالثَّانِي سُنَّةٌ، وَهُوَ مَا فِي الْعِزِّيَّةِ وَأَبِي الْحَسَنِ عَلَى الرِّسَالَةِ وَتَبِعَهُ شَارِحُنَا. وَقِيلَ: كُلٌّ مِنْهُمَا سُنَّةٌ وَالثَّانِي آكَدُ مِنْ الْأَوَّلِ، وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الْأُجْهُورِيُّ وَقَوَّاهُ (بْن) بِالنُّقُولِ. وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْأَذَانِ عَلَى السُّدُسِ الْأَخِيرِ فَيَحْرُمُ كَمَا ذَكَرَهُ الْأُجْهُورِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الرِّسَالَةِ. وَيُعْتَبَرُ اللَّيْلُ مِنْ الْغُرُوبِ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . [شُرُوط صِحَّة الْأَذَان] قَوْلُهُ: [بِإِسْلَامٍ] : أَيْ مُسْتَمِرٍّ فَإِنْ ارْتَدَّ بَعْدَ الْأَذَانِ أُعِيدُ إنْ كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ فَلَا إعَادَةَ. نَعَمْ بَطَلَ ثَوَابُهُ، كَذَا قَالَ الْأُجْهُورِيُّ. قَالَ شَيْخُنَا: أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ ثَمَرَتَهُ، وَهِيَ الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ قَدْ حَصَلَتْ، وَحِينَئِذٍ

[تنبيه أذان الأعمى والراكب وتعدد الأذان]

وَإِنْ كَانَ بِهِ مُسْلِمًا (وَعَقْلٍ) لَا مِنْ مَجْنُونٍ (وَذُكُورَةٍ) : لَا مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ خُنْثَى مُشْكِلٍ (وَدُخُولِ وَقْتٍ) فَلَا يَصِحُّ قَبْلَهُ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ فَيُعَادُ إذَا دَخَلَ الْوَقْتُ. وَيَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ إذَا اعْتَمَدَ فِي دُخُولِهِ عَلَى عَدْلٍ (وَنُدِبَ مُتَطَهِّرٌ) : مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ (صَيِّتٌ) : أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ وَنَقَلَ (ح) عَنْ النَّوَادِرِ أَنَّهُ إنْ أَعَادُوا فَحَسَنٌ، وَإِنْ اجْتَزَءُوا بِهِ أَجْزَأَهُمْ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ بِهِ مُسْلِمًا] : أَيْ لِوُقُوعِ بَعْضِهِ فِي حَالِ كُفْرِهِ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ عَزَمَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَبِهِ جَزَمَ (ح) خِلَافًا لِاسْتِظْهَارِ ابْنِ نَاجِي الصِّحَّةَ، حَيْثُ عَزَمَ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَالْفَرْقُ عَلَى الْأَوَّلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُسْلِ، حَيْثُ قَالُوا بِصِحَّةِ الْغُسْلِ مَعَ الْعَزْمِ عَلَى الْإِسْلَامِ دُونَ الْأَذَانِ، أَنَّ الْمُؤَذِّنَ مُخْبِرٌ فَلَا بُدَّ مِنْ عَدَالَتِهِ لِأَجْلِ أَنْ يُقْبَلَ خَبَرُهُ، بِخِلَافِ الْمُغْتَسِلِ. ثُمَّ الَّذِي حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِالْأَذَانِ إذَا رَجَعَ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ وَلَا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّ إنْ لَمْ يَقَعْ عَلَى الدَّعَائِمِ لَا قَبْلَ الْأَذَانِ وَلَا بَعْدَهُ، فَإِنْ وَقَفَ عَلَيْهَا جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّ مَا لَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ أَذَّنَ لِعُذْرٍ، كَقَصْدِ التَّحَصُّنِ بِالْإِسْلَامِ لِحِفْظِ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: [لَا مِنْ مَجْنُونٍ] : فَإِنْ جُنَّ فِي حَالِ أَذَانِهِ أَوْ مَاتَ فِي أَثْنَائِهِ فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ الْأَذَانَ مِنْ أَوَّلِهِ عَلَى الظَّاهِرِ. قَوْلُهُ: [لَا مِنْ امْرَأَةٍ] : أَيْ لِحُرْمَةِ أَذَانِهَا. وَأَمَّا قَوْلُ اللَّخْمِيِّ وَسَنَدٍ وَالْقَرَافِيِّ: يُكْرَهُ أَذَانُهَا، يَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْحَطَّابُ أَنْ تَحْمِلَ الْكَرَاهَةُ فِي كَلَامِهِمْ الْمَنْعَ، إذْ لَيْسَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ بِظَاهِرٍ، لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ اُنْظُرْ (بْن) ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ صَوْتَ الْمَرْأَةِ لَيْسَ عَوْرَةً حَقِيقَةً بِدَلِيلِ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ عَنْ النِّسَاءِ الصَّحَابِيَّاتِ، وَإِنَّمَا هُوَ كَالْعَوْرَةِ فِي حُرْمَةِ التَّلَذُّذِ بِكُلٍّ، وَحِينَئِذٍ فَحَمْلُ الْكَرَاهَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا وَجِيهٌ، تَأَمَّلْ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَيَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ] : ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ عَنْ الْبَلَدِ الْمُكَلَّفِينَ بِهِ. [تَنْبِيه أَذَان الْأَعْمَى وَالرَّاكِب وتعدد الْأَذَان] قَوْلُهُ: [مُتَطَهِّرٌ] : أَيْ وَيُكْرَهُ كَوْنُهُ مُحْدِثًا. وَالْكَرَاهَةُ فِي الْجُنُبِ أَشَدُّ.

حَسَنُ الصَّوْتِ (مُرْتَفِعٌ) : عَلَى حَائِطٍ أَوْ مَنَارَةٍ لِلْإِسْمَاعِ (قَائِمٌ) : لَا جَالِسٌ فَيُكْرَهُ (إلَّا لِعُذْرٍ) : كَمَرَضٍ (مُسْتَقْبِلٌ) ، لِلْقِبْلَةِ (إلَّا لِإِسْمَاعٍ) فَيَجُوزُ الِاسْتِدْبَارُ. (وَ) نُدِبَ (حِكَايَتُهُ) أَيْ الْأَذَانُ (لِسَامِعِهِ) بِأَنْ يَقُولَ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ مِنْ تَكْبِيرٍ أَوْ تَشَهُّدٍ (لِمُنْتَهَى الشَّهَادَتَيْنِ وَلَوْ) كَانَ السَّامِعُ (بِنَفْلٍ) أَيْ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [حَسَنُ الصَّوْتِ] : أَيْ مِنْ غَيْرِ تَطْرِيبٍ وَإِلَّا كُرِهَ لِمُنَافَاتِهِ الْخُشُوعَ وَالْوَقَارَ، وَالْكَرَاهَةُ عَلَى بَابِهَا مَا لَمْ يَتَفَاحَشْ التَّطْرِيبُ، وَإِلَّا حَرُمَ. كَذَا قَالُوا. وَالتَّطْرِيبُ تَقْطِيعُ الصَّوْتِ وَتَرْعِيدُهُ كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُؤَذِّنِينَ بِالْأَمْصَارِ. قَوْلُهُ: [فَيَجُوزُ الِاسْتِدْبَارُ] : أَيْ فَيَدُورُ حَوْلَ الْمَنَارَةِ وَيُؤَذِّنُ كَيْفَ تَيَسَّرَ وَلَكِنْ يَبْتَدِئُ الْأَذَانَ لِلْقِبْلَةِ ثُمَّ يَدُورُ. قَوْلُهُ: [لِسَامِعِهِ] : أَيْ بِلَا وَاسِطَةٍ أَوْ بِوَاسِطَةٍ، كَأَنْ يَسْمَعَ الْحَاكِي لِلْأَذَانِ. وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ غَيْرَ السَّامِعِ لَا تُنْدَبُ لَهُ الْحِكَايَةُ وَإِنْ أُخْبِرَ بِالْأَذَانِ أَوْ رَأَى الْمُؤَذِّنَ وَعَلِمَ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ، وَلَوْ كَانَ عَدَمُ سَمَاعِهِ لِعَارِضٍ كَصَمَمٍ. ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ: [لِسَامِعِهِ] يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَحْكِي أَذَانَ نَفْسِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَحْكِيه لِأَنَّهُ سَمِعَ نَفْسَهُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا انْتَهَى الْمُؤَذِّنُ لِآخِرِ الْأَذَانِ يَحْكِيه إنْ شَاءَ (اهـ.) . فَلَا يَحْكِي أَذَانَ نَفْسِهِ قَبْلَ فَرَاغِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَصْلِ، وَإِنَّمَا يَحْكِيه بَعْدَ الْفَرَاغِ وَهَلْ يَحْكِي الْمُؤَذِّنُ أَذَانَ مُؤَذِّنٍ آخَرَ؟ قَوْلَانِ. وَعَلَى الْأَوَّلِ فَيَحْكِيه بَعْدَ فَرَاغِهِ، وَإِذَا تَعَدَّدَ الْمُؤَذِّنُونَ وَأَذَّنُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، فَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ تَكْرِيرَ الْحِكَايَةِ. وَقِيلَ: يَكْفِيه حِكَايَةُ الْأَوَّلِ. وَيَجْرِي عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُتَرَدِّدِينَ بِالْحَطَبِ لِمَكَّةَ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [لِمُنْتَهَى الشَّهَادَتَيْنِ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ. قَوْلُهُ: [بِنَفْلٍ] : أَيْ فَلَوْ حَكَاهُ فِي النَّفْلِ كُلِّهِ - عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي - وَلَمْ يُبَدِّلْ الْحَيْعَلَتَيْنِ بِالْحَوْقَلَتَيْنِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَأَمَّا حِكَايَتُهُ فِي الْفَرْضِ فَمَكْرُوهَةٌ مَعَ الصِّحَّةِ

فِي صَلَاةِ نَفْلٍ فَيُنْدَبُ لَهُ حِكَايَتُهُ بِلَا تَرْجِيعٍ إلَّا إذَا لَمْ يَسْمَعْ الْمَخْفُوضَ فَلَا يَحْكِي الْحَيْعَلَتَيْنِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْكِي مَا بَعْدَهُمَا مِنْ تَكْبِيرٍ وَتَهْلِيلٍ أَيْضًا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: يَحْكِيه لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْحَيْعَلَتَيْنِ وَلَا يَحْكِي: " الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ " قَطْعًا، وَلَا يُبَدِّلُهَا بِقَوْلِهِ: صَدَقْت وَبَرَرْت. ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ اقْتَصَرَ عَلَى مُنْتَهَى الشَّهَادَتَيْنِ أَوْ أَبْدَلَ الْحَيْعَلَتَيْنِ بِالْحَوْقَلَتَيْنِ وَإِلَّا فَتَبْطُلُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي النَّفْلِ. قَوْلُهُ: [قِيلَ يَحْكِيه] إلَخْ: وَتَحْتَ هَذَا قَوْلَانِ، قِيلَ: يُبَدِّلُ الْحَيْعَلَتَيْنِ بِالْحَوْقَلَتَيْنِ، وَقِيلَ: يَتْرُكُهُمَا. قَوْلُهُ: [وَلَا يُبَدِّلُهَا إلَخْ] : وَقِيلَ: يُبَدِّلُهَا، وَمَحَلُّ طَلَبِ حِكَايَةِ الْأَذَانِ مَا لَمْ يَكُنْ مَكْرُوهًا أَوْ مُحَرَّمًا، وَإِلَّا فَلَا يَحْكِي. تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ أَذَانُ الْأَعْمَى وَالرَّاكِبِ وَتَعَدُّدُهُ بِمَسْجِدٍ وَاحِدٍ إذَا كَانَ الْمُؤَذِّنُ الْأَوَّلُ غَيْرَ الثَّانِي، وَإِلَّا كُرِهَ. وَاسْتَظْهَرَ الْحَطَّابُ الْجَوَازَ حَيْثُ انْتَقَلَ لِرُكْنٍ آخَرَ مِنْهُ، وَالْأَفْضَلُ تَرَتُّبُهُمْ إنْ لَمْ يُضَيِّعُوا فَضِيلَةَ الْوَقْتِ، وَجَازَ جَمْعُهُمْ إنْ لَمْ يُؤَدِّ لِتَقْطِيعٍ، فَإِنْ أَدَّى إلَى تَقْطِيعِ اسْمِ اللَّهِ حَرُمَ. وَفَوَاتُ الْكَلِمَاتِ لِبَعْضِهِمْ مَكْرُوهٌ. وَيَجُوزُ حِكَايَةُ الْأَذَانِ قَبْلَهُ، وَالْأَفْضَلُ الِاتِّبَاعُ. وَلَا يَكْفِي مَا نُقِلَ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يَتَشَهَّدُ فَقَالَ: وَأَنَا كَذَلِكَ، أَيْ أَتَشَهَّدُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّلَفُّظِ بِمُمَاثِلِهِ حَمْلًا لِلْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ.

[الإقامة]

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْأَذَانِ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى حُكْمِ الْإِقَامَةِ لِلصَّلَاةِ فَقَالَ: (وَالْإِقَامَةُ) لِلصَّلَاةِ (سُنَّةُ عَيْنٍ لِذَكَرٍ بَالِغٍ فَذٍّ) : أَيْ مُنْفَرِدٍ (أَوْ مَعَ نِسَاءٍ) : يُصَلِّي بِهِنَّ أَيْ أَوْ مَعَ صِبْيَانٍ، (وَ) سُنَّةُ (كِفَايَةٍ لِجَمَاعَةِ الذُّكُورِ الْبَالِغِينَ) : مَتَى أَقَامَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجَازَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْإِقَامَةِ، أَوْ مَعَ الصَّلَاةِ إمَامًا وَكُرِهَ عَلَى الْإِمَامَةِ وَحْدَهَا مِنْ الْمُصَلِّينَ. وَأَمَّا مِنْ الْوَقْفِ فَجَعَلُوهُ إعَانَةً، وَأَمَّا عَادَةُ الْأَكَابِرِ بِمِصْرَ وَنَحْوِهَا إجَارَةُ الْإِمَامِ فِي بُيُوتِهِمْ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي نَظِيرِ الْتِزَامِ الذَّهَابِ لِلْبَيْتِ. وَيُكْرَهُ لِلْمُؤَذِّنِ - وَمِثْلِهِ الْمُلَبِّي - رَدُّ السَّلَامِ فِي الْأَثْنَاءِ، وَيَرُدُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إسْمَاعِ الْمُسْلِمِ إنْ حَضَرَ. (اهـ. مِنْ الْمَجْمُوعِ) . [الْإِقَامَة] [تَنْبِيه مَنْدُوبَات الْإِقَامَة] قَوْلُهُ: [لِلصَّلَاةِ] أَيْ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ. قَوْلُهُ: [سُنَّةُ عَيْنٍ] : قَالَ (بْن) : لَا خِلَافَ أَعْلَمَهُ فِي عَدَمِ وُجُوبِهَا، قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: وَالْقَوْلُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ لِمَنْ تَرَكَهَا عَمْدًا لَيْسَ لِوُجُوبِهَا خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ بَلْ لِلِاسْتِخْفَافِ بِالسُّنَّةِ. قَوْلُهُ: [كِفَايَةٍ] : قَالَ (بْن) : سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُقِيمُ أَحَدٌ لِنَفْسِهِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ وَمَنْ فَعَلَهُ خَالَفَ السُّنَّةَ، ابْنُ رُشْدٍ. لِأَنَّ السُّنَّةَ إقَامَةُ الْمُؤَذِّنِ دُونَ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ، وَفِي إرْشَادِ اللَّبِيبِ: كَانَ السُّيُورِيُّ يُقِيمُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَكْتَفِي بِإِقَامَةِ الْمُؤَذِّنِ، وَيَقُولُ: إنَّهَا تَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ وَالْعَامِّيُّ لَا يَنْوِيهَا وَلَا يَعْرِفُ النِّيَّةَ، الْمَازِرِيُّ وَكَذَلِكَ أَنَا أَفْعَلُ فَأُقِيمُ لِنَفْسِي، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَالْحَقُّ أَنَّ الْإِقَامَةَ يَكْفِي فِيهَا نِيَّةُ الْفِعْلِ كَالْأَذَانِ، وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةِ الْقُرْبَةِ وَنِيَّةُ الْفِعْلِ حَاصِلَةٌ مِنْ الْعَامِّيِّ، فَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ الْمَازِرِيُّ وَالسُّيُورِيُّ إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ. تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ (ح) : أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْمُقِيمِ طَهَارَةٌ وَقِيَامٌ وَاسْتِقْبَالٌ. وَفِي حَاشِيَة الشَّيْخِ كَرِيمِ الدِّينِ الْبَرْمُونِيِّ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ: أَنَّ الْوُضُوءَ شَرْطٌ فِيهَا بِخِلَافِ الْأَذَانِ؛ لِأَنَّ اتِّصَالَهَا بِالصَّلَاةِ صَيَّرَهَا كَالْجُزْءِ مِنْهَا وَلِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ الْأَذَانِ. وَالْمُعْتَمَدُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْحَطَّابِ. قَوْلُهُ: [مَتَى أَقَامَهَا] إلَخْ: أَيْ فَلَا يَكْفِي إقَامَةُ صَبِيٍّ لَهُمْ. وَأَوْلَى الْمَرْأَةُ.

وَاحِدٌ مِنْهُمْ كَفَى، وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ (وَنُدِبَتْ) الْإِقَامَةُ (لِمَرْأَةٍ) وَصَبِيٍّ سِرًّا فِيهِمَا. (وَهِيَ) : أَيْ الْإِقَامَةُ (مُفْرَدَةٌ) حَتَّى قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ (إلَّا التَّكْبِيرَ) مِنْهَا أَوَّلًا وَآخِرًا فَمُثَنًّى. (وَجَازَ) لِلْمُصَلِّي (قِيَامُهُ مَعَهَا) : أَيْ الْإِقَامَةِ أَيْ حَالِ الْإِقَامَةِ (أَوْ بَعْدَهَا) : فَلَا يَطْلُبُ لَهُ تَعْيِينَ حَالٍ بَلْ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مُفْرَدَةٌ] إلَخْ: فَلَوْ شَفَعَهَا كُلَّهَا أَوْ جُلَّهَا أَوْ نِصْفَهَا بَطَلَتْ، كَإِفْرَادِ الْأَذَانِ كُلِّهِ أَوْ جُلِّهِ أَوْ نِصْفِهِ لَا الْأَقَلِّ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: [وَجَازَ قِيَامُهُ] إلَخْ: هَذَا فِي غَيْرِ الْمُقِيمِ. وَأَمَّا هُوَ فَيُنْدَبُ لَهُ الْقِيَامُ مِنْ أَوَّلِهَا. تَنْبِيهٌ: عَلَامَةُ فِقْهِ الْإِمَامِ تَخْفِيفُ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ وَالْجُلُوسِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَدْخُلُ الْمِحْرَابَ إلَّا بَعْدَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ. قَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ: خَاتِمَتَانِ حَسَنَتَانِ. الْأُولَى: قَالَ التَّتَّائِيُّ نَظَمَ الْبِرْمَاوِيُّ مُؤَذِّنِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: لِخَيْرِ الْوَرَى خَمْسٌ مِنْ الْغُرِّ أَذَّنُوا ... بِلَالٌ نَدِيُّ الصَّوْتِ بَدَأَ يُعَيِّنُ وَعَمْرٌو الَّذِي أُمٌّ لِمَكْتُومٍ أُمُّهُ ... وَبِالْقُرَظِيِّ أَذْكُرُ سَعْدَهُمْ إذْ يُبَيِّنُ وَأَوْسٌ أَبُو مَحْذُورَةَ وَبِمَكَّةَ ... زِيَادٌ الصُّدَائِيُّ نَجْلُ حَارِثٍ يُعْلِنُ قَالَ: وَسَعْدٌ الْقُرَظِيّ هُوَ ابْنُ عَابِدٍ مَوْلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَكَانَ يَلْزَمُ التِّجَارَةَ فِي الْقَرَظِ فَعُرِفَ بِذَلِكَ. كَذَا فِي سِيرَةِ ابْنِ سَيِّدِ النَّاسِ. وَفِي النِّهَايَةِ الْقَرَظُ وَرَقُ السَّلَمِ، وَهُوَ مُحَرَّكٌ بِالْفَتْحِ كَمَا يُفِيدُهُ الْقَامُوسُ. وَيُقَالُ: سَعْدُ الْقَرَظِ: بِالْإِضَافَةِ إلَى الْقَرَظِ وَالصُّدَائِيُّ - بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ: نِسْبَةً إلَى صُدَاءٍ - كَغُرَابٍ حَيٍّ مِنْ الْيَمَنِ. قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِيَةُ: وَرَدَ أَنَّ الْمُؤَذِّنِينَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَقِيلَ: حَقِيقَةً إذَا أَلْجَمَ النَّاسَ الْعَرَقُ، وَقِيلَ: كِنَايَةً عَنْ رِفْعَةِ الشَّأْنِ، وَيُرْوَى كَمَا فِي الْحَطَّابِ وَغَيْرِهِ: بِكَسْرِ هَمْزَةِ إعْنَاقِ: أَيْ خُطَا السَّيْرِ لِلْجَنَّةِ (اهـ.) أَيْ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: يَا نَاقُ سَيُرِي عَنَقًا فَسِيحًا ... إلَى سُلَيْمَانَ فَنَسْتَرِيحَا

[فصل في شروط الصلاة]

فَصْلٌ: فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ فِي بَيَانِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا. وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: شُرُوطُ وُجُوبٍ فَقَطْ، وَشُرُوطُ صِحَّةٍ فَقَطْ، وَشُرُوطُ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ مَعًا. وَالْمُرَادُ بِشَرْطِ الْوُجُوبِ: مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ، وَبِشَرْطِ الصِّحَّةِ: مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ، وَبِشَرْطِهِمَا مَعًا: مَا يَتَوَقَّفَانِ عَلَيْهِ. وَشَرْطُ الشَّيْءِ: مَا كَانَ خَارِجًا عَنْ حَقِيقَتِهِ، وَرُكْنُهُ مَا كَانَ جُزْءًا مِنْ حَقِيقَتِهِ. وَالشَّرْطُ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ. فَإِنْ كَانَ شَرْطَ وُجُوبٍ فَقَطْ كَالْبُلُوغِ قُلْت: هُوَ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ وُجُوبِ الشَّيْءِ كَالصَّلَاةِ مَثَلًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ الْوُجُوبِ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ مَانِعٍ كَالْحَيْضِ، وَلَا عَدَمُ الْوُجُوبِ بَلْ قَدْ يَحْصُلُ الْوُجُوبُ وَذَلِكَ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ] [شُرُوط الصِّحَّة وَالْوُجُوب] فَصْلٌ: قَوْلُهُ: [وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا] إلَخْ: أَيْ مِنْ أَحْكَامِ الرُّعَافِ وَمَسَائِلِ الْبِنَاءِ وَالْقَضَاءِ وَأَحْكَامِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَأَحْكَامِ الِاسْتِقْبَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ ثَلَاثَةٌ إلَخْ] : أَيْ شُرُوطُ الصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ. قَوْلُهُ: [وَالْمُرَادُ] إلَخْ: تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ وَارِدٍ عَلَى تَعْرِيفِهِمْ شَرْطَ الْوُجُوبِ فَقَطْ، وَشَرْطُ الصِّحَّةِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [وَشَرْطُ الشَّيْءِ] إلَخْ: أَيْ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ، وَلَا مُشَاحَةَ فِي الِاصْطِلَاحِ. قَوْلُهُ: [وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ] : أَيْ لِذَاتِهِ، وَقَدْ وَضَّحَهُ بِقَوْلِهِ [فَإِنْ كَانَ] إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ] : أَيْ بِالنَّظَرِ لِذَاتِهِ. قَوْلُهُ: [لِاحْتِمَالِ وُجُودِ مَانِعٍ] : عِلَّةٌ لِنَفْيِ اللُّزُومِ. قَوْلُهُ: [عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ] : الْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ فَيَشْمَلُ جَمِيعُ الْمَوَانِعِ.

وَتَوَفُّرِ الْأَسْبَابِ كَدُخُولِ الْوَقْتِ. وَإِنْ كَانَ شَرْطَ صِحَّةٍ فَقَطْ كَالْإِسْلَامِ قُلْت: هُوَ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ الصِّحَّةِ لِجَوَازِ انْتِفَاءِ شَرْطٍ آخَرَ كَالطَّهَارَةِ، أَوْ وُجُودُ مَانِعٍ كَالْحَيْضِ، وَلَا عَدَمُهَا بَلْ قَدْ تُوجَدُ إذَا انْتَفَتْ الْمَوَانِعُ وَتَوَفَّرَتْ الْأَسْبَابُ. وَإِنْ كَانَ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ مَعًا - كَالْعَقْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ - قُلْت: هُوَ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُهُمَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُهُمَا وَلَا عَدَمُهُمَا. أَمَّا كَوْنُهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُهُمَا فَلِجَوَازِ حُصُولِ مَانِعٍ مِنْهُمَا كَالْحَيْضِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ عَدَمُهُمَا، فَلِجَوَازِ تَوَفُّرِ الْأَسْبَابِ وَانْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ، وَهِيَ - إذَا تَوَفَّرَتْ مَعَ انْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ - حَصَلَ الْوُجُوبُ وَالصِّحَّةُ. أَمَّا شُرُوطُ وُجُوبِهَا فَقَطْ فَاثْنَانِ: الْبُلُوغُ وَعَدَمُ الْإِكْرَاهِ عَلَى تَرْكِهَا، فَوُجُوبُهَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِمَا دُونَ الصِّحَّةِ، إذْ تَصِحُّ مَعَ فَقْدِهِمَا فَتَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ وَمِنْ الْمُكْرَهِ حَالَ الْإِكْرَاهِ لَوْ وَقَعَتْ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُكْرَهَ تَجِبُ عَلَيْهِ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الطَّهَارَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَتَوَفُّرِ الْأَسْبَابِ] : الْمُرَادُ بِهَا مَا يَشْمَلُ الشُّرُوطَ. قَوْلُهُ: [كَدُخُولِ الْوَقْتِ] : مِثَالٌ لِلسَّبَبِ، وَمِثَالُ الشَّرْطِ كَوُجُودِ أَحَدِ الطَّهُورَيْنِ. قَوْلُهُ: [لِجَوَازِ انْتِفَاءِ شَرْطٍ آخَرَ] : مُرَادُهُ مَا يَشْمَلُ السَّبَبَ. قَوْلُهُ: [وَتَوَفَّرَتْ الْأَسْبَابُ] : مُرَادُهُ مَا يَشْمَلُ الشُّرُوطَ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ] : خَصَّهَا لِكَوْنِهَا الْمَوْضُوعَ، وَإِلَّا فَهُوَ شَرْطُ وُجُوبِ وَصِحَّةِ أَغْلَبَ الْعِبَادَاتِ. قَوْلُهُ: [وَعَدَمُ الْإِكْرَاهِ] إلَخْ: وَالْإِكْرَاهُ يَكُونُ بِمَا يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ مِنْ خَوْفٍ مُؤْلِمٍ مِنْ قَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ سَجْنٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ صَفْعٍ لِذِي مُرُوءَةٍ، إذْ هَذَا الْإِكْرَاهُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْعِبَادَاتِ، كَذَا فِي (بْن) نَقْلًا عَنْ الرَّمَاصِيِّ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَالتَّحْقِيقُ] إلَخْ: رَدَّ بِهَذَا التَّحْقِيقِ عَلَى (عب) وَ (ح) قَالَ (بْن) : وَفِي عَدِّ عَدَمِ الْإِكْرَاهِ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ نَظَرٌ إذْ لَا يَتَأَتَّى الْإِكْرَاهُ عَلَى جَمِيعِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ نَقَلَ ح نَفْسُهُ أَوَّلَ فَصْلٍ يَجِبُ بِفَرْضٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْقَبَّابِ، وَسَلَّمَهُ أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ سَقَطَ عَنْهُ مَا لَمْ يَقْدِرْ، عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ مِنْ قِيَامٍ

بِأَنْ يُجْرِيَهَا عَلَى قَلْبِهِ كَمَا يَأْتِي. فَعَدَمُ الْإِكْرَاهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْوُجُوبِ فَلِذَا لَمْ يُلْتَفَتْ لَهُ فِي الْمَتْنِ. وَأَمَّا شُرُوطُ الصِّحَّةِ فَخَمْسَةٌ: طَهَارَةُ الْحَدَثِ وَطَهَارَةُ الْخَبَثِ عَلَى أَشْهَرِ الْقَوْلَيْنِ - وَقِيلَ: سُنَّةٌ، وَشَهْرٌ أَيْضًا - وَالْإِسْلَامُ، وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ، وَالِاسْتِقْبَالُ. وَأَمَّا شُرُوطُهُمَا مَعًا فَسِتَّةٌ: بُلُوغُ الدَّعْوَةِ وَالْعَقْلُ وَدُخُولُ الْوَقْتِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الطَّهُورِ وَعَدَمُ النَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ، وَالْخُلُوُّ مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَهُوَ خَاصٌّ بِالنِّسَاءِ. وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ كُلِّهِ بِقَوْلِهِ: (تَجِبُ) : أَيْ الصَّلَاةُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ، وَيَفْعَلُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ إحْرَامٍ وَقِرَاءَةٍ وَإِيمَاءٍ كَمَا يَفْعَلُ الْمَرِيضُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ مَا سِوَاهُ (اهـ.) فَالْإِكْرَاهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ الْمُسْقِطِ لِبَعْضِ أَرْكَانِهَا وَلَا يَسْقُطُ بِهِ وُجُوبُهَا. (اهـ. كَلَامُهُ قَالَهُ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [كَمَا يَأْتِي] : أَيْ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى نِيَّةٍ، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: إنَّ الشَّرْطِيَّةَ بِاعْتِبَارِ الْهَيْئَةِ الْخَارِجِيَّةِ وَهَذَا لَا يُنَافِي وُجُوبَهَا عَلَيْهِ بِالنِّيَّةِ، فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ عَمَّنْ عَدَّهُ شَرْطًا. قَوْلُهُ: [وَالْإِسْلَامُ] : أَيْ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، وَأَمَّا عَلَى مُقَابِلِهِ مِنْ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِهَا فَهُوَ شَرْطُ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ مَعًا. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَالْعَقْلُ] : اعْلَمْ أَنَّ كَوْنَهُ شَرْطًا لَهُمَا حَيْثُ ضَمَّ لَهُ الْبُلُوغَ، فَإِنْ لَمْ يَضُمَّ لَهُ فَلَا يَكُونُ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ كَذَا قِيلَ، وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ لَازِمٌ لِعَدَمِ الْعَقْلِ كَانَ الْبُلُوغُ مَوْجُودًا أَمْ لَا، وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ فِي تَحَقُّقِ شَرْطِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ. (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَدُخُولُ الْوَقْتِ] : الْحَقُّ أَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ سَبَبٌ فِي الْوُجُوبِ وَشَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ، لِصِدْقِ تَعْرِيفِ السَّبَبِ بِالنِّسْبَةِ لِلْوُجُوبِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [عَلَى اسْتِعْمَالِ الطَّهُورِ] : أَيْ مَاءً أَوْ تُرَابًا. قَوْلُهُ: [وَهُوَ خَاصٌّ بِالنِّسَاءِ] : أَيْ وَمَا عَدَاهُ عَامٌّ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. قَوْلُهُ: [بِدُخُولِ الْوَقْتِ] : أَيْ بِسَبَبِ دُخُولِهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ سَبَبٌ فِي الْوُجُوبِ

(عَلَى مُكَلَّفٍ) : وَهُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ، الَّذِي بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ كَافِرًا. إذْ الصَّحِيحُ تَكْلِيفُهُمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ كَأُصُولِهَا، وَالتَّكْلِيفُ: طَلَبُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ، وَالطَّلَبُ يَشْمَلُ الْجَازِمَ وَغَيْرَهُ فِعْلًا أَوْ تَرْكًا؛ فَالْمَنْدُوبُ وَالْمَكْرُوهُ مُكَلَّفٌ بِهِمَا. وَقِيلَ: إلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ. وَالْإِلْزَامُ: الطَّلَبُ الْجَازِمُ فِعْلًا أَوْ تَرْكًا. فَالْمَنْدُوبُ وَالْمَكْرُوهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِهِمَا كَالْمُبَاحِ اتِّفَاقًا. وَالْكُلْفَةُ. الْمَشَقَّةُ وَلَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَشَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ. قَوْلُهُ: [كَأُصُولِهَا] : أَيْ وَهُوَ الْعَقَائِدُ فَمُكَلَّفُونَ بِهَا إجْمَاعًا، فَمَنْ أَنْكَرَ تَكْلِيفَهُمْ بِهَا كَفَرَ بِخِلَافِ الْفُرُوعِ، فَفِي تَكْلِيفِهِمْ بِهَا خِلَافٌ، وَالصَّحِيحُ تَكْلِيفُهُمْ، كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى تَكْلِيفِهِمْ بِالْفُرُوعِ تَعْذِيبُهُمْ عَلَى تَرْكِهَا زِيَادَةً عَلَى عَذَابِ الْكُفْرِ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْله تَعَالَى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 42] {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 43] ، الْآيَاتُ. قَوْلُهُ: [وَالتَّكْلِيفُ طَلَبُ] إلَخْ: شُرُوعٌ فِي مَسْأَلَةٍ أُصُولِيَّةٍ اُخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى قَوْلَيْنِ. قَوْلُهُ: [الْجَازِمَ] : أَيْ وَهُوَ الْوَاجِبُ وَالْحَرَامُ. وَقَوْلُهُ [وَغَيْرَهُ] أَيْ وَهُوَ الْمَنْدُوبُ وَالْمَكْرُوهُ. قَوْلُهُ: [فِعْلًا أَوْ تَرْكًا] : رَاجِعٌ لِلْجَازِمِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [فَالْمَنْدُوبُ وَالْمَكْرُوهُ] إلَخْ: أَيْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَيَكُونُ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ مُكَلَّفًا لِتَعَلُّقِ الْأَمْرِ الْغَيْرِ الْجَازِمِ بِهِ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَقَوْلُهُمْ الْمُكَلَّفُ هُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ أَيْ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي الْجَازِمَةُ وَغَيْرُ الْجَازِمَةِ، فَالْحَصْرُ إضَافِيٌّ. قَوْلُهُ: [غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِهِمَا] : أَيْ فَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، فَقَوْلُهُمْ الْمُكَلَّفُ هُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ حَصْرٌ حَقِيقِيٌّ. قَوْلُهُ: [وَلَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ] : أَيْ كَمَا قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ: مَسْأَلَةُ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ اخْتِيَارِيٍّ.

وَهُوَ فِي النَّهْيِ: التَّرْكُ؛ أَيْ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. فَشَمِلَ قَوْلُنَا: [مُكَلَّفٌ ثَلَاثَةَ شُرُوطٍ] : الْبُلُوغُ، وَالْعَقْلُ، وَبُلُوغُ الدَّعْوَةِ. (مُتَمَكِّنٌ) : شَرْعًا وَعَادَةً (مِنْ طَهَارَةِ الْحَدَثِ) : خَرَجَ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِمَا مِنْهَا شَرْعًا فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا. وَخَرَجَ فَاقِدُ الطُّهْرَيْنِ أَوْ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِمَا كَالْمُكْرَهِ وَالْمَرْبُوطِ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا يَقْضِيهَا إنْ تَمَكَّنَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الطَّهَارَةِ عَادَةً. وَقِيلَ: تَجِبُ عَلَيْهِ فَيُؤَدِّيهَا وَلَا يَقْضِي وَلَا وَجْهَ لَهُ. وَقِيلَ: بَلْ يَقْضِي وَلَا يُؤَدِّيهَا كَالنَّائِمِ. وَرُدَّ بِوُجُودِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا؛ فَإِنَّ النَّائِمَ وَالنَّاسِيَ عِنْدَهُمَا نَوْعُ تَفْرِيطٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا، وَأَيْضًا عُذْرُهُمَا يَزُولُ بِأَدْنَى تَنْبِيهٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا. وَلِذَا طَلَبَ الشَّارِعُ مِنْهُمَا الْقَضَاءَ اسْتِدْرَاكًا لِمَا فَاتَهُمَا وَأَبْقَى مَا عَدَاهُمَا عَلَى الْأَصْلِ. فَفَاقِدُ الطُّهْرَيْنِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا تَصِحُّ مِنْهُ كَالْحَائِضِ وَالْمَجْنُونِ. وَقِيلَ: يُؤَدِّي وَيَقْضِي احْتِيَاطًا وَلَا نَظِيرَ لَهُ يُقَاسُ عَلَيْهِ. فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ مَالِكٌ. (غَيْرُ نَائِمٍ وَلَا غَافِلٍ) : بِالْجَرِّ؛ نَعْتٌ ثَالِثٌ. فَخَرَجَ النَّائِمُ وَالْغَافِلُ أَيْ النَّاسِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَهُوَ فِي النَّهْيِ التَّرْكُ] : أَيْ فَالْمُرَادُ بِفِعْلٍ مَا يَشْمَلُ الْجُسْمَانِيَّ وَالنَّفْسَانِيَّ كَتَرْكِ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ وَالِاعْتِقَادَاتِ، فَإِنَّهَا أَفْعَالٌ نَفْسَانِيَّةٌ. قَوْلُهُ: [فَشَمِلَ قَوْلُنَا] إلَخْ: تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَهُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ إلَخْ. قَوْلُهُ: [فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا] : أَيْ وَلَا تَصِحُّ، لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ أَنَّ الْخُلُوَّ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ شَرْطٌ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: [فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ] : أَيْ وَلَا تَصِحُّ، لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ] : تَنَازَعَهُ كُلُّ مَنْ تَمَكَّنَ وَلَا يَقْضِيهَا. قَوْلُهُ: [عَلَى الْمَشْهُورِ] : أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. قَوْلُهُ: [عَادَةً] : وَقَدْ يَكُونُ عَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ الطَّهَارَةِ شَرْعِيًّا؛ كَخَوْفِ ضَيَاعِ الْمَالِ. قَوْلُهُ: [فَيُؤَدِّيهَا] إلَخْ: هُوَ لِأَشْهَبَ قَوْلُهُ: [بَلْ يَقْضِي] إلَخْ: هُوَ لِأَصْبَغَ. قَوْلُهُ: [فَفَاقِدُ الطُّهْرَيْنِ] إلَخْ: تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ [وَأَبْقَى مَا عَدَاهُمَا] إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ يُؤَدِّي وَيَقْضِي] إلَخْ: هُوَ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ

كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي حَدِيثِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» إلَخْ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا حَتَّى يَسْتَيْقِظَا. وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا مَعَ دُخُولِهِ فِيمَا قَبْلَهُ، إذْ النَّائِمُ وَالْغَافِلُ غَيْرُ مُتَمَكِّنَيْنِ مِنْ طَهَارَةِ الْحَدَثِ عَادَةً لِأَنَّهُمَا لَمَّا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ دُونَ غَيْرِهِمَا كَانَا كَأَنَّهُمَا قِسْمٌ مُسْتَقِلٌّ، وَلِدَفْعِ تَوَهُّمِ عَدَمِ الدُّخُولِ. وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْمُتَّصِفِ بِمَا ذَكَرَ وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ الصَّبِيُّ فَيُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِهَا بِحَالٍ، نَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ يُؤْمَرُ بِهَا نَدْبًا فَقَالَ: (وَأُمِرَ صَبِيٌّ) : ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (بِهَا) أَيْ بِالصَّلَاةِ (لِسَبْعٍ) : أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ وَزِيَادَةٌ نَظْمًا وَنَثْرًا. قَوْلُهُ: [فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا] : أَيْ وَلَا تَصِحُّ. قَوْلُهُ: [عَدَمِ الدُّخُولِ] : أَيْ فِي حُكْمِ غَيْرِ الْمُتَمَكِّنِ. قَوْلُهُ: [وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ إمَّا غَيْرُ مُكَلَّفٍ أَصْلًا، بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ إلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ، أَوْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِالْأَمْرِ الْجَازِمِ فِعْلًا أَوْ تَرْكًا، بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ طَلَبُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ. قَوْلُهُ: [وَأُمِرَ صَبِيٌّ] : هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» . أَيْ فَالْأَمْرُ

عِنْدَ دُخُولِهِ فِي الْعَامِ السَّابِعِ، وَلَا يُضْرَبُ إنْ لَمْ يَمْتَثِلْ بِالْقَوْلِ. (وَضُرِبَ عَلَيْهَا) : أَيْ لِأَجْلِهَا (لِعَشْرٍ) : أَيْ لِدُخُولِهِ فِي الْعَاشِرِ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ. وَالْآمِرُ لَهُ بِهَا وَالضَّارِبُ وَلِيُّهُ. وَمَحَلُّ الضَّرْبِ إنْ ظَنَّ إفَادَتَهُ، وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ بَلَغَ وَصَلَّى فَظَاهِرٌ وَإِلَّا أُخِّرَ لِبَقَاءِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا مِنْ الضَّرُورِيِّ، وَقُتِلَ بِالسَّيْفِ حَدًّا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (وَفُرِّقَ) : نَدْبًا فِي الدُّخُولِ فِي الْعَشْرِ (بَيْنَهُمْ) : أَيْ الصِّبْيَانِ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَذْكُورُ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ الْوَلِيِّ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَأْمُورٌ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ، لَكِنَّ الْوَلِيَّ مَأْمُورٌ بِالْأَمْرِ بِهَا، وَالصَّبِيَّ مَأْمُورٌ بِفِعْلِهَا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ. وَعَلَى هَذَا، فَالتَّكْلِيفُ طَلَبُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ لِتَكْلِيفِ الصَّبِيِّ بِالْمَنْدُوبَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ، وَالْبُلُوغُ إنَّمَا شُرِطَ فِي التَّكْلِيفِ بِالْوَاجِبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَنَا. وَيَتَرَتَّبُ عَلَى تَكْلِيفِهِ بِالْمَنْدُوبَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى الصَّلَاةِ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ أَمْرًا بِذَلِكَ الشَّيْءِ الْمَبْنِيِّ عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ إلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ، فَالْوَلِيُّ مَأْمُورٌ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ فَيُؤْجَرُ دُونَ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ مِنْ جِهَةِ الْوَلِيِّ لِأَجْلِ تَدْرِيبِهِ فَلَا يَكُونُ مُكَلَّفًا بِالْمَنْدُوبَاتِ وَلَا بِالْمَكْرُوهَاتِ، وَلَا ثَوَابَ لَهُ وَلَا عِقَابَ عَلَيْهِ، وَالثَّوَابُ عَلَيْهَا لِأَبَوَيْهِ. قِيلَ: عَلَى السَّوَاءِ، وَقِيلَ: ثُلُثَاهُ لِلْأُمِّ وَثُلُثُهُ لِلْأَبِ. قَوْلُهُ: [عِنْدَ دُخُولِهِ] : أَيْ وَهُوَ سِنُّ الْإِثْغَارِ: أَيْ عِنْدَ نَزْعِ الْأَسْنَانِ لِإِنْبَاتِهَا. قَوْلُهُ: [وَلَا يُضْرَبُ] : أَيْ يُحَرَّمُ ضَرْبُهُ وَلَوْ ظَنَّ الْإِفَادَةَ. قَوْلُهُ: [غَيْرَ مُبَرِّحٍ] : هُوَ الَّذِي لَا يَكْسِرُ عَظْمًا وَلَا يَشِينُ جَارِحَةً وَلَا يُحَدُّ بِعَدَدٍ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الصِّبْيَانِ. قَوْلُهُ: [إنْ ظَنَّ إفَادَتَهُ] : شَرْطٌ فِي الضَّرْبِ عَلَى تَرْكِهَا إذَا دَخَلَ فِي الْعَشْرِ. قَوْلُهُ: [وَفُرِّقَ نَدْبًا] : أَيْ فَيَتَعَلَّقُ الْأَمْرُ بِالْوَلِيِّ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ وَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي الصِّبْيَانِ هَلْ مَأْمُورُونَ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْوَلِيِّ.

(فِي الْمَضَاجِعِ) عِنْدَ النَّوْمِ. وَيَكْفِي أَنْ يَنَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بِثَوْبٍ عَلَى حِدَتِهِ وَيُكْرَهُ تَلَاصُقُهُمْ عُرَاةً. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ شُرُوطِ الْوُجُوبِ، وَهِيَ الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَبُلُوغُ الدَّعْوَةِ وَالتَّمَكُّنُ مِنْ طَهَارَةِ الْحَدَثِ الشَّامِلِ لِلْخُلُوِّ مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَإِغْمَاءٍ وَنَوْمٍ وَنِسْيَانٍ، وَلِلْقُدْرَةِ عَلَى تَحْصِيلِ الطَّهَارَةِ بِوُجُودِ مَاءٍ أَوْ تُرَابٍ بِلَا مَانِعٍ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ، شَرَعَ فِي بَيَانِ شُرُوطِ صِحَّتِهَا. وَذَكَرَ مِنْهَا بَعْضَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ شُرُوطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَيَكْفِي أَنْ يَنَامَ] إلَخْ: فَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُصُولِ التَّفْرِقَةِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِرَاشٌ عَلَى حِدَةٍ؛ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ ثَوْبٌ. فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا، عَلَيْهِ ثَوْبٌ وَالْآخَرُ عُرْيَانًا، وَالْحَالُ أَنَّهُمَا عَلَى فِرَاشٍ وَاحِدٍ فَلَا يَكْفِي. وَقِيلَ: يَكْفِي. قَوْلُهُ: [عُرَاةً] : أَيْ بِعَوْرَتَيْهِمَا. وَالْمُخَاطَبُ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْكَرَاهَةِ الْوَلِيُّ. وَهُمْ أَيْضًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ خِطَابِهِمْ بِالْمَكْرُوهَاتِ، وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مَا لَمْ يَقْصِدْ أَحَدُهُمَا اللَّذَّةَ بِالْمُلَاصَقَةِ، وَإِلَّا وَجَبَ عَلَى الْوَلِيِّ الْمَنْعُ. كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَنْعُهُ مِنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَمِنْ كُلِّ مَا هُوَ مَعْصِيَةٌ فِي حَقِّ الْبَالِغِ، كَشُرْبِ الْخَمْرِ قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْمِسْنَاوِيُّ وَغَيْرُهُ. فَمَا فِي الْخَرَشِيِّ وعب مِنْ كَرَاهَةِ تَلَاصُقِهِمَا وَلَوْ مَعَ قَصْدِ اللَّذَّةِ أَوْ وُجُودِهَا فِيهِ نَظَرٌ. بَلْ التَّلَاصُقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَرَامٌ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ الْبُنَانِيِّ) . تَنْبِيهٌ: يَحْرُمُ تَلَاصُقُ الْبَالِغِينَ بِعَوْرَتَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ مَعَ قَصْدِ لَذَّةٍ أَوْ وُجُودِهَا وَلَوْ بِغَيْرِ الْعَوْرَةِ وَبِغَيْرِ حَائِلٍ مِنْ غَيْرِ الْعَوْرَةِ. وَمِنْ غَيْرِ لَذَّةٍ مَكْرُوهٌ كَتَلَاصُقِهِمْ بِالصَّدْرِ، لَا نَحْوَ الْيَدِ وَالرَّأْسِ فَلَا كَرَاهَةَ. وَإِنْ تَلَاصَقَ بَالِغٌ وَصَبِيٌّ فَعَلَى حُكْمَيْهِمَا. قَوْلُهُ: [مِنْ بَيَانِ شُرُوطِ الْوُجُوبِ] : أَيْ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي تَوَقَّفَ الْوُجُوبُ عَلَيْهَا سَوَاءً تَوَقَّفَتْ عَلَيْهَا الصِّحَّةُ أَمْ لَا كَمَا يُفِيدُهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [بِلَا مَانِعٍ] : أَيْ عَادِيٍّ أَوْ شَرْعِيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [شُرُوطِ صِحَّتِهَا] : أَيْ مَا تَوَقَّفَتْ عَلَيْهَا سَوَاءً تَوَقَّفَ عَلَيْهَا الْوُجُوبُ أَمْ لَا كَمَا يُفِيدُهُ الشَّارِحُ.

الْوَاجِبِ، كَالْعَقْلِ، وَالنَّقَاءِ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ؛ فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ مَا أَعَادَهُ شَرْطٌ فِيهِمَا مَعًا. وَأَنَّ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهُ كَالْإِسْلَامِ وَمَا بَعْدَهُ شُرُوطٌ فِي الصِّحَّةِ فَقَطْ، وَأَنَّ مَا لَمْ يُعِدْهُ ثَانِيًا كَالْبُلُوغِ شَرْطُ وُجُوبٍ فَقَطْ فَقَالَ: (وَصِحَّتُهَا: بِعَقْلٍ) : فَلَا تَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ. وَمِثْلُهُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ، فَالْعَقْلُ شَرْطٌ فِيهِمَا: (وَقُدْرَةٍ عَلَى طَهَارَةِ حَدَثٍ) فَلَا تَصِحُّ مِنْ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ أَوْ الْعَاجِزِ عَنْ اسْتِعْمَالِهِمَا لِقِيَامِ مَانِعِ الْحَدَثِ بِهِ، كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فَهِيَ شَرْطٌ فِيهِمَا أَيْضًا. (وَنَقَاءٍ) : أَيْ خُلُوٍّ (مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ) فَلَا تَصِحُّ مِنْ حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ لِقِيَامِ مَانِعِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ بِهَا كَمَا لَا تَجِبُ، فَهُوَ شَرْطٌ فِيهِمَا. (وَبِإِسْلَامٍ) : فَلَا تَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَهُوَ شَرْطُ صِحَّةٍ فَقَطْ. وَأَعَادَ الْبَاءَ فِيهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ وَمَا بَعْدَهُ شَرْطُ صِحَّةٍ فَقَطْ، أَيْ أَنَّهُ نَوْعٌ غَيْرُ مَا قَبْلَهُ. (وَطَهَارَةِ حَدَثٍ) فَلَا تَصِحُّ بِغَيْرِهَا وَإِنْ وَجَبَتْ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَحْصِيلِهَا، فَهِيَ شَرْطُ صِحَّةٍ فَقَطْ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَحْصِيلِهَا. وَأَمَّا نَفْسُ الْقُدْرَةِ عَلَى وُجُودِ أَحَدِ الطُّهْرَيْنِ فَشَرْطُ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ كَمَا مَرَّ. (وَ) طَهَارَةِ (خَبَثٍ عَلَى مَا مَرَّ) فِي فَصْلَيْهِمَا مِنْ أَنَّ طَهَارَةَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ أَوْ الْأَصْغَرِ وَاجِبَةٌ مُطْلَقًا، وَتَسْقُطُ الصَّلَاةُ بِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَحْصِيلِهَا، وَأَنَّ طَهَارَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَالْبُلُوغِ] : أَيْ وَعَدَمِ الْإِكْرَاهِ. قَوْلُهُ: [الْمُغْمَى عَلَيْهِ] : الْإِغْمَاءُ مَرَضٌ يَعْتَرِي الشَّخْصَ بِسَبَبِ شِدَّةِ هَمٍّ أَوْ فَرَحٍ. وَمِثْلُهُ: السُّكْرُ بِحَلَالٍ، وَالْمَعْتُوهُ الَّذِي لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ الْعَاجِزِ] : أَيْ شَرْعًا أَوْ عَادَةً. قَوْلُهُ: [فَهِيَ شَرْطٌ فِيهِمَا أَيْضًا] : أَيْ فَلَا يَلْزَمُهُ أَدَاءٌ وَلَا قَضَاءٌ الَّذِي هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. فَهُوَ كَسَائِرِ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ مَعًا. قَوْلُهُ: [فَهُوَ شَرْطُ صِحَّةٍ فَقَطْ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [فَهُوَ شَرْطُ صِحَّةٍ فَقَطْ] : نَتِيجَةُ قَوْلِهِ وَإِنْ وَجَبَتْ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا نَفْسُ الْقُدْرَةِ] : أَيْ عَلَى وُجُودِ أَحَدِ الطَّهُورَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَتَسْقُطُ الصَّلَاةُ] : أَيْ أَدَاءً وَقَضَاءً كَمَا مَرَّ.

[الأماكن التي يصلى أو لا يصلى فيها]

الْخَبَثِ وَاجِبَةٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ دُونَ الْعَجْزِ وَالنِّسْيَانِ. (وَجَازَتْ) : الصَّلَاةُ (بِمَقْبَرَةٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَثْلِيثِ الْبَاءِ: أَيْ فِيهَا وَلَوْ عَلَى الْقَبْرِ عَامِرَةً أَوْ دَارِسَةً وَلَوْ لِكَافِرَيْنِ. (وَحَمَّامٍ وَمَزْبَلَةٍ) : مَحَلُّ طَرْحِ الزِّبْلِ، (وَمَحَجَّةِ) أَيْ قَارِعَةِ (طَرِيقٍ) أَيْ وَسَطِهَا، (وَمَجْزَرَةٍ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ فِي الثَّلَاثَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا وَبِكَسْرِ الزَّايِ (إنْ أُمِنَتْ النَّجَاسَةُ) : رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ بِأَنْ ظُنَّ طَهَارَتُهَا (وَإِلَّا) تُؤْمَنْ وَصَلَّى (أَعَادَ) صَلَاتَهُ (بِوَقْتٍ إنْ شَكَّ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَاجِبَةٌ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ. [الْأُمَّاكُنَّ الَّتِي يُصَلَّى أَوْ لَا يُصَلَّى فِيهَا] قَوْلُهُ: [وَجَازَتْ] إلَخْ: الْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الْخَمْسَةَ إنْ أَمِنْت مِنْ النَّجَسِ - بِأَنْ جَزَمَ أَوْ ظَنَّ طَهَارَتَهَا - كَانَتْ الصَّلَاةُ فِيهَا جَائِزَةً، وَلَا إعَادَةَ أَصْلًا. وَإِنْ تَحَقَّقَتْ نَجَاسَتُهَا أَوْ ظُنَّتْ فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا، وَإِذَا صَلَّى أَعَادَ أَبَدًا، وَإِنْ شَكَّ فِي نَجَاسَتِهَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ عَلَى الرَّاجِحِ بِنَاءً عَلَى تَرْجِيحِ الْأَصْلِ عَلَى الْغَالِبِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُعِيدُ أَبَدًا تَرْجِيحًا لِلْغَالِبِ عَلَى الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَحَمَّامٍ] : الْمُرَادُ بِهِ مَحَلُّ الْحَرَارَةِ لِأَنَّهُ الَّذِي شَأْنُهُ الْقَذَارَةُ وَأَمَّا اللَّوَاوِينُ الْخَارِجَةُ الْمَفْرُوشَةُ فَهِيَ كَبَيْتِ الْإِنْسَانِ، الْأَصْلُ فِيهَا وَالْغَالِبُ عَلَيْهَا الطَّهَارَةُ. قَوْلُهُ: [أَعَادَ صَلَاتَهُ بِوَقْتٍ] : أَيْ عَلَى الْأَرْجَحِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ، وَحَمَلَ ابْنُ رُشْدٍ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا إعَادَةَ أَصْلًا. وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْحَطَّابِ.

فِيهَا. فَإِنْ تَحَقَّقَتْ أَعَادَ أَبَدًا وَكُرِهَتْ فِي الشَّكِّ وَمُنِعَتْ فِي تَحَقُّقِهَا. (وَ) جَازَتْ (بِمَرْبِضِ غَنَمٍ، وَبَقَرٍ) : أَيْ مَحَلِّ رُبُوضِهَا أَيْ بَرْكِهَا لِطَهَارَةِ زِبْلِهَا. (وَكُرِهَتْ) : الصَّلَاةُ (بِمَعْطِنِ إبِلٍ) : مَوْضِعِ بُرُوكِهَا عِنْدَ شُرْبِهَا عَلَلًا بَعْدَ شُرْبِهَا نَهَلًا. (وَأَعَادَ) إنْ صَلَّى فِيهِ (بِوَقْتٍ) مُطْلَقًا (وَإِنْ أَمِنَ) : مِنْ النَّجَسِ أَوْ فَرَشَ فُرُشًا طَاهِرًا تَعَبُّدًا عَلَى الْأَظْهَرِ. (وَ) كُرِهَتْ (بِكَنِيسَةٍ) : الْمُرَادُ بِهَا مُتَعَبَّدُ الْكُفَّارِ، نَصَارَى أَوْ غَيْرِهِمْ (مُطْلَقًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ [فَإِنْ تَحَقَّقَتْ] : وَمِثْلُهُ الظَّنُّ. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَتْ] : أَيْ الْقُدُومُ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: [فِي تَحَقُّقِهَا] : وَمِثْلُهُ الظَّنُّ. قَوْلُهُ: [وَجَازَتْ] : أَيْ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ فُرُشٍ. قَوْلُهُ: [مَوْضِعُ: بُرُوكِهَا] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا مَوْضِعُ مَبِيتِهَا فَلَيْسَ بِمَعْطَنٍ فَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ إنْ أَمِنَ مِنْ النَّجَسِ، وَهُوَ مَنِيُّهَا أَوْ غَيْرُهُ أَوْ صَلَّى عَلَى فِرَاشٍ طَاهِرٍ. قَوْلُهُ: [بِوَقْتٍ مُطْلَقًا] : أَيْ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا. وَقِيلَ: الْعَامِدُ وَالْجَاهِلُ يُعِيدَانِ أَبَدًا نَدْبًا. قَوْلُهُ: [وَالْمُرَادُ بِهَا مُتَعَبَّدُ الْكُفَّارِ] : أَيْ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: كَنِيسَةٍ. بَلْ الْمُرَادُ

[الرعاف في الصلاة]

عَامِرَةً أَوْ دَارِسَةً (إلَّا) : إذَا نَزَلَهَا (لِضَرُورَةٍ) : كَحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ مَطَرٍ أَوْ خَوْفِ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ فَلَا كَرَاهَةَ وَلَوْ عَامِرَةً. (وَلَا إعَادَةَ) : عَلَيْهِ إنْ صَلَّى بِهَا (إلَّا) : إذَا صَلَّى (بِعَامِرَةٍ) : لَا دَارِسَةٍ وَ (نَزَلَهَا اخْتِيَارًا) لَا اضْطِرَارًا. (وَصَلَّى بِمَشْكُوكٍ) : فِي نَجَاسَتِهِ لَا بِمَكَانٍ تَحَقَّقَتْ أَوْ ظُنَّتْ طَهَارَتُهُ، (فَفِي الْوَقْتِ) : يُعِيدُ بِالْقُيُودِ الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِإِطْلَاقِهِ عَدَمَ الْإِعَادَةِ. وَلَمَّا كَانَ دَمُ الرُّعَافِ مِنْ الْخَبَثِ الْمُنَافِي لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَكَانَ لَهُ أَحْكَامٌ تَخُصُّهُ، شَرَعَ فِي بَيَانِهَا مُقَسِّمًا لَهُ أَوَّلًا عَلَى قِسْمَيْنِ أَشَارَ لِأَوَّلِهِمَا بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ رَعَفَ) : مَنْ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ أَيْ خَرَجَ مِنْ أَنْفِهِ دَمٌ (قَبْلَهَا) : أَيْ الصَّلَاةِ أَيْ قَبْلَ دُخُولِهِ فِيهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ سَائِلًا أَوْ قَاطِرًا أَوْ رَاشِحًا (وَدَامَ) : رُعَافُهُ أَيْ اسْتَمَرَّ، فَلَا يَخْلُو الْحَالُ إمَّا أَنْ يَظُنَّ اسْتِغْرَاقَهُ الْوَقْتَ أَوْ لَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يَشْمَلُ الْبِيعَةَ وَبَيْتَ النَّارِ، فَالْكَنِيسَةُ مُتَعَبَّدُ النَّصَارَى وَالْبِيعَةُ لِلْيَهُودِ، وَبَيْتُ النَّارِ لِلْمَجُوسِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الصُّوَرَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا ثَمَانِيَةٌ، لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ فِيهَا: إمَّا أَنْ يَكُونَ نَزَلَهَا اخْتِيَارًا أَوْ اضْطِرَارًا، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ تَكُونَ عَامِرَةً أَوْ دَارِسَةً، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى فِرَاشِهَا أَوْ لَا. فَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَهِيَ مَا إذَا نَزَلَهَا اخْتِيَارًا وَكَانَتْ عَامِرَةً وَصَلَّى عَلَى فِرَاشِهَا أَوْ أَرْضِهَا، وَكَانَ مَشْكُوكًا فِيمَا صَلَّى عَلَيْهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ، وَمَا عَدَاهَا لَا إعَادَةَ. وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا إنْ دَخَلَهَا اخْتِيَارًا كَانَتْ عَامِرَةً أَوْ دَارِسَةً. فَالْكَرَاهَةُ فِي صُورَتَيْنِ وَالْإِعَادَةُ فِي صُورَةٍ، وَمَا عَدَاهُمَا لَا كَرَاهَةَ وَلَا إعَادَةَ. قَوْلُهُ: [بِالْقُيُودِ الثَّلَاثَةِ] : وَهِيَ النُّزُولُ اخْتِيَارًا وَكَانَتْ عَامِرَةً وَصَلَّى عَلَى مَشْكُوكٍ فِيهِ. [الرُّعَاف فِي الصَّلَاة] قَوْلُهُ: [وَإِنْ رَعَفَ] : هُوَ بِفَتْحِ عَيْنِهِ وَتُضَمُّ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ، وَيُبْنَى لِلْمَفْعُولِ كَزُكِمَ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ دُخُولِهِ فِيهَا] : وَأَمَّا إذَا نَزَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِيهَا فَسَيَأْتِي.

(فَإِنْ ظَنَّ اسْتِغْرَاقَهُ الْوَقْتَ صَلَّى) : أَوَّلَ الْوَقْتِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي تَأْخِيرِهِ. ثُمَّ إنْ انْقَطَعَ فِي الْوَقْتِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ، (وَإِلَّا) : يَظُنُّ اسْتِغْرَاقَهُ الْوَقْتَ بِأَنْ ظَنَّ قَطْعَهُ فِيهِ أَوْ شَكَّ (أَخَّرَ) : وُجُوبًا (لِآخِرِ الِاخْتِيَارِيِّ) : بِحَيْثُ يُوقِعُهَا فِيهِ، وَصَلَّى عَلَى حَالَتِهِ إنْ لَمْ يَنْقَطِعْ، وَلَا تَصِحُّ إنْ قَدَّمَهَا لِعَدَمِ صِحَّتِهَا بِالنَّجَاسَةِ مَعَ ظَنِّ انْقِطَاعِهَا أَوْ احْتِمَالِهِ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْقِسْمِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: (أَوْ) رَعَفَ (فِيهَا) : أَيْ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَخْلُو أَيْضًا إمَّا أَنْ يَظُنَّ دَوَامَهُ لِآخِرِ الْمُخْتَارِ أَوْ لَا، (فَإِنْ ظَنَّ دَوَامَهُ لَهُ تَمَادَى) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ ظَنَّ اسْتِغْرَاقَهُ] : وَمِنْ بَابِ أَوْلَى التَّحَقُّقُ، سَوَاءٌ كَانَ سَائِلًا أَوْ قَاطِرًا أَوْ رَاشِحًا، فَهَذِهِ سِتُّ صُوَرٍ. قَوْلُهُ: [لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ] : أَيْ بَلْ وَلَا تُنْدَبُ عَلَى أَقْوَى مَا فِي ح. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُ مَا هُنَا عَلَى مَا سَبَقَ فِي التَّيَمُّمِ مِنْ آيِسٍ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا خَافَ فَوَاتَ الْعِيدِ وَالْجِنَازَةِ هَلْ يُصَلِّي بِحَالِهِ أَوْ يَتْرُكُهُمَا؟ خِلَافٌ فِي الْحَطَّابِ وَغَيْرِهِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [بِأَنْ ظَنَّ قَطْعَهُ] إلَخْ: وَأَوْلَى التَّحَقُّقُ. وَفِي كُلٍّ سَائِلًا أَوْ قَاطِرًا أَوْ رَاشِحًا فَصُوَرُ التَّأْخِيرِ تِسْعٌ، فَجُمْلَةُ الصُّوَرِ قَبْلَ الدُّخُولِ خَمْسَةَ عَشَرَ مَأْخُوذَةً مِنْ الشَّارِحِ سِتٌّ يُصَلِّي فِيهَا عَلَى حَالِهِ وَتِسْعٌ يُؤَخِّرُ. قَوْلُهُ: [أَوْ شَكَّ] : هَذَا مَا ذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ. وَنَقَلَ عَنْهُ أَيْضًا: أَنَّ الشَّاكَّ لَا يُؤَخِّرُ. فَيَكُونُ عَلَى هَذَا الثَّانِي صُوَرُ التَّأْخِيرِ سِتًّا، وَصُوَرُ عَدَمِهِ تِسْعًا، وَقَدْ مَشَى فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى هَذَا الثَّانِي. قَوْلُهُ: [لِآخِرِ الِاخْتِيَارِيِّ] : أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ، وَقِيلَ: لِآخِرِ الضَّرُورِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ ظَنَّ دَوَامَهُ] : وَأَوْلَى التَّحَقُّقُ، وَسَوَاءٌ كَانَ سَائِلًا أَوْ قَاطِرًا أَوْ رَاشِحًا، فَهَذِهِ سِتَّةٌ، يَتَمَادَى فِيهَا إذَا رَعَفَ بَعْدَ الدُّخُولِ. قَوْلُهُ: [تَمَادَى] : أَيْ وَلَوْ عِيدًا وَجِنَازَةً وَظَنَّ دَوَامَ الرُّعَافِ فِي الْعِيدِ وَالْجِنَازَةِ إلَى فَرَاغِ الْإِمَامِ بِحَيْثُ لَا يُدْرِكُ مَعَهُ رَكْعَةً فِي الْعِيدِ، وَلَا تَكْبِيرَةً غَيْرَ الْأُولَى فِي الْجِنَازَةِ. فَفَرَاغُ الْإِمَامِ فِيهِمَا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ فِي الْفَرِيضَةِ، قَالَهُ أَشْهَبُ.

فِي صَلَاتِهِ وُجُوبًا عَلَى حَالَتِهِ الَّتِي هُوَ بِهَا وَلَا فَائِدَةَ فِي الْقَطْعِ مَا لَمْ يَخْشَ مِنْ تَمَادِيهِ تَلَطُّخَ فُرُشِ مَسْجِدٍ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ. وَمِثْلُ الْفُرُشِ الْبَلَاطُ، فَإِنْ خَشِيَهُ - وَلَوْ بِقَطْرَةٍ - قَطَعَ صَوْنًا لَهُ مِنْ النَّجَاسَةِ. وَيُؤَدِّيهَا الرَّاعِفُ بِرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا إنْ لَمْ يَخْشَ ضَرَرًا. (وَأَوْمَأَ) لِرُكُوعٍ مِنْ قِيَامٍ وَلِسُجُودٍ مِنْ جُلُوسٍ (إنْ خَافَ) : بِرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ (ضَرَرًا) فِي جِسْمِهِ مِنْ زِيَادَةِ مَرَضٍ أَوْ حُدُوثِهِ أَوْ تَأَخُّرِ بُرْءٍ. (أَوْ) خَافَ (تَلَطُّخَ ثَوْبٍ) : يُفْسِدُهُ الْغَسْلُ (لَا) إنْ خَافَ تَلَطُّخَ (بَدَنٍ) بِالدَّمِ فَلَا يُومِئُ لِعَدَمِ فَسَادِهِ بِالْغَسْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيلَ: الدَّوَامُ فِي الْعِيدِ الزَّوَالُ، وَفِي الْجِنَازَةِ رَفْعُهَا إنْ صَلَّى فَذًّا، وَفَرَاغُ الْإِمَامِ إنْ صَلَّى جَمَاعَةً. وَأَصْلُ هَذَا الْكَلَامِ لِلْأُجْهُورِيِّ، قَالَ بْن: لَكِنَّ قَوْلَ الْأُجْهُورِيِّ إنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَذًّا هُوَ رَفْعُهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ، لِأَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ غَيْرُ هَذَا الرَّاعِفِ لَمْ يُحْتَجَّ لِهَذَا الرَّاعِفِ، وَإِلَّا لَمْ تُرْفَعْ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا وَلَوْ اعْتَبِرُوا الْوَقْتَ بِخَوْفِ تَغَيُّرِهَا كَانَ ظَاهِرًا (اهـ) . قَوْلُهُ: [الْبَلَاطِ] : قَالَ بْن: فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ - كَمَا قَالَ الْمِسْنَاوِيُّ - أَنَّ الْبَلَاطَ لَيْسَ كَالْفِرَاشِ لِسُهُولَةِ غَسْلِهِ، بَلْ هُوَ كَالْحَصْبَاءِ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . وَلَكِنْ فِي الْمَجْمُوعِ مَا يُؤَيِّدُ شَارِحَنَا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِقَطْرَةٍ] : ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنْ لَا يُعْفَى فِي الْمَسْجِدِ عَنْ الدَّمِ وَلَوْ دُونَ دِرْهَمٍ، فَالْعَفْوُ الْمُتَقَدِّمُ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّخْصِ فِي نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: [فِي جِسْمِهِ] : أَيْ مِنْ انْعِكَاسِ الدَّمِ، وَالْمُرَادُ بِالْخَوْفِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ وَالشَّكَّ. قَوْلُهُ: [يُفْسِدُهُ الْغَسْلُ] : فَإِنْ كَانَ لَا يُفْسِدُهُ وَجَبَ أَنْ يَتَمَادَى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَوْ تَلَطَّخَ بِأَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمٍ كَمَا قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ وبن أَيْضًا، خِلَافًا لِ عب وَمَنْ وَافَقَهُ، لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ أَنَّهُ ظَنَّ الدَّوَامَ لِخُرُوجِ الْوَقْتِ. وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الْأَرْكَانِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى عَدَمِ النَّجَاسَةِ. لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَغْوٌ حِينَئِذٍ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [فَلَا يُومِئُ] : أَيْ وَلَوْ كَثُرَ الدَّمُ بِسَبَبِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَمَا عَلِمْت مِمَّا تَقَدَّمَ.

(وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ) دَوَامَهُ لِآخِرِ الْمُخْتَارِ بَلْ ظَنَّ انْقِطَاعَهُ فِيهِ أَوْ شَكَّ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ رَاشِحًا أَوْ سَائِلًا أَوْ قَاطِرًا. (فَإِنْ رَشَحَ) : بِأَنْ لَمْ يَسِلْ وَلَمْ يَقْطُرْ بَلْ لَوَّثَ طَاقَتَيْ الْأَنْفِ، وَجَبَ تَمَادِيهِ فِيهَا. وَ (فَتَلَهُ) : أَيْ الدَّمُ بِأَنْ يُدْخِلَ الْأُنْمُلَةَ فِي طَاقَةِ أَنْفِهِ وَيَعْرُكَهَا بِأُنْمُلَةِ إبْهَامِهِ إلَى تَمَامِ أَنَامِلِهِ. وَقِيلَ: يَضَعُ الْأُنْمُلَةَ عَلَى طَاقَةِ أَنْفِهِ مِنْ غَيْرِ إدْخَالٍ، ثُمَّ يَفْتِلُهَا بِالْإِبْهَامِ إلَى آخِرِهَا. وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ الْفَتْلُ (بِأَنَامِلِ) أَصَابِعِ (يُسْرَاهُ الْعُلْيَا، فَإِنْ) انْقَطَعَ الدَّمُ تَمَادَى عَلَى صَلَاتِهِ، وَإِنْ زَادَ مَا فِي أَنَامِلِهِ الْعُلْيَا عَلَى دِرْهَمٍ وَإِنْ (لَمْ يَنْقَطِعْ) : وَاسْتَمَرَّ رَاشِحًا (فَبِالْوُسْطَى) : أَيْ فَتَلَهُ بِأَنَامِلِ يَدِهِ الْيُسْرَى الْوُسْطَى، (فَإِنْ) : لَمْ يَزِدْ مَا عَلَيْهَا مِنْ الدَّمِ عَلَى دِرْهَمٍ اسْتَمَرَّ، وَإِنْ (زَادَ) الدَّمُ (فِيهَا) : أَيْ الْوُسْطَى (عَلَى دِرْهَمٍ قَطَعَ) : صَلَاتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بَلْ ظَنَّ انْقِطَاعَهُ] إلَخْ: وَمِنْ بَابِ أَوْلَى التَّحَقُّقُ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ مَضْرُوبَةٍ فِي السَّائِلِ وَالْقَاطِرِ وَالرَّاشِحِ. فَتَصِيرُ تِسْعَةً تُضَمُّ لِلسِّتَّةِ قَبْلَهَا تَكُونُ الْجُمْلَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ صُورَةً فِيمَا إذَا طَرَأَ الدَّمُ فِي الصَّلَاةِ، تُضَمُّ لِلْخَمْسِ عَشْرَةَ الَّتِي فِي نُزُولِ الدَّمِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَجُمْلَةُ صُوَرِ الرُّعَافِ ثَلَاثُونَ. قَوْلُهُ: [فَتَلَهُ] : أَيْ إنْ أَمْكَنَ بِأَنْ لَمْ يُكْثِرْ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُمْكِنْ لِكَثْرَتِهِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ السَّائِلِ وَالْقَاطِرِ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْقَطْعِ وَالْبِنَاءِ. فَالْفَتْلُ الْمَذْكُورُ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ مِنْ التِّسْعِ، وَهِيَ: تَحَقُّقُ الِانْقِطَاعِ، أَوْ ظَنُّهُ، أَوْ شَكُّهُ، وَكَانَ رَاشِحًا. وَهَذَا الْفَتْلُ وَاجِبٌ مَعَ التَّمَادِي، وَيَحْرُمُ قَطْعُهَا بِسَلَامٍ أَوْ كَلَامٍ. فَإِنْ خَرَجَ لِغَسْلِ الدَّمِ بِغَيْرِ سَلَامٍ وَلَا كَلَامٍ فَسَدَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى مَأْمُومِيهِ. وَالْمُرَادُ بِالرَّاشِحِ الَّذِي يَفْتِلُ كُلَّ ثَخِينٍ يُذْهِبُهُ الْفَتْلُ فَلَا يَقْطَعُ لِأَجْلِهِ الصَّلَاةَ، بَلْ يَفْتِلُهُ ابْتِدَاءً وَلَوْ كَانَ سَائِلًا أَوْ قَاطِرًا (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَقِيلَ: يَضَعُ الْأُنْمُلَةَ] : أَيْ لِيُلَاقِيَ الدَّمَ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: [يُسْرَاهُ] : أَيْ فَالْفَتْلُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَرْجَحِ الطَّرِيقَتَيْنِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ الْيُسْرَى. قَوْلُهُ: [قَطَعَ صَلَاتَهُ] : أَيْ وُجُوبًا. ظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَطْعَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَبِهِ قَالَ ر قَائِلًا: جَمِيعُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ يُعَبِّرُونَ بِالْقَطْعِ إذَا تَلَطَّخَ بِغَيْرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ،

إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ (كَأَنْ لَطَّخَهُ) : أَيْ كَمَا يَقْطَعُ وُجُوبًا إنْ لَطَخَّهُ الدَّمُ بِمَا زَادَ عَلَى دِرْهَمٍ، وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ قَطَعَ وَغَسَلَ الدَّمَ أَدْرَكَ مِنْ الْوَقْتِ وَلَوْ رَكْعَةً وَإِلَّا اسْتَمَرَّ. (أَوْ خَافَ تَلَوُّثَ فُرُشِ مَسْجِدٍ) : فَيَقْطَعُ صَوْنًا لَهُ عَنْ النَّجَاسَةِ، وَإِنْ دُونَ دِرْهَمٍ (وَإِلَّا) يَرْشَحُ، بَلْ سَالَ أَوْ قَطَرَ فَهَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ: [فَإِنْ رَشَحَ] (فَلَهُ الْبِنَاءُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَعْبِيرُهُمْ بِالْقَطْعِ إشَارَةٌ لِصِحَّتِهَا، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الْمُوَافِقُ لِلْمَذْهَبِ فِي الْعِلْمِ بِالنَّجَاسَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَّهَا صَحِيحَةٌ وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى وُجُوبِ الْقَطْعِ أَوْ اسْتِحْبَابِهِ، فَكَذَلِكَ يُقَالُ هُنَا، بَلْ مَا هُنَا أَوْلَى لِلضَّرُورَةِ، وَلَكِنْ حَقَّقَ بْن هُنَا الْبُطْلَانَ لِسُقُوطِ النَّجَاسَةِ، وَرَدَّ عَلَى ر بِمَا قَالَهُ ح وَالشَّيْخُ سَالِمٌ وَمَنْ تَبِعَهُمَا كَالْخَرَشِيِّ - مِنْ تَفْسِيرِ قَوْلِ خَلِيلٍ " قَطَعَ " بِالْبُطْلَانِ وَلَا يَجُوزُ التَّمَادِي فِيهَا وَلَوْ بَنَى لَمْ تَصِحَّ، لَا أَنَّهَا صَحِيحَةٌ فَيَحْتَاجُ إلَى قَطْعِهَا. (اهـ. بِالْمَعْنَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ وَالْمَجْمُوعِ) . قَوْلُهُ: [إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّمَادِي وَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ بِاتِّفَاقِ ح وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا اسْتَمَرَّ] : رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهُمَا: مَا إذَا زَادَ عَلَى دِرْهَمٍ فِي الْوُسْطَى أَوْ لَطَّخَهُ فَيَسْتَمِرُّ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وُجُوبًا عَلَى صَلَاةٍ صَحِيحَةٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ: [فَيَقْطَعُ صَوْنًا لَهُ] إلَخْ: أَيْ وَيُصَلِّي خَارِجَهُ وَلَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ كَمَا قَرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ. قَوْلُهُ: [بَلْ سَالَ أَوْ قَطَرَ] : أَيْ وَلَمْ يَتَلَطَّخْ بِهِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ فَتْلُهُ وَإِلَّا فَكَالرَّاشِحِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [فَلَهُ الْبِنَاءُ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الدَّمَ إذَا كَانَ سَائِلًا أَوْ قَاطِرًا وَلَمْ يُلَطِّخْهُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ فَتْلُهُ، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْبِنَاءِ وَالْقَطْعِ. وَاخْتَارَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْقَطْعَ، فَقَالَ: هُوَ أَوْلَى، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَ أَفْعَالِهَا مِثْلُ الْأُمُورِ الْآتِيَةِ. قَالَ زَرُّوقٌ: وَهُوَ - أَيْ الْقَطْعُ - أَنْسَبُ بِمَنْ لَا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِي الْعِلْمِ، وَاخْتَارَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ الْبِنَاءَ لِلْعَمَلِ، وَقِيلَ: هُمَا سِيَّانِ، وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ مَا يُفِيدُ وُجُوبَ الْبِنَاءِ (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .

وَلَهُ الْقَطْعُ إنْ لَمْ يَخْشَ خُرُوجَ الْوَقْتِ، وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْبِنَاءُ. (فَيَخْرُجُ) : مُرِيدُ الْبِنَاءِ (لِغَسْلِهِ) : أَيْ الدَّمِ، حَالَ كَوْنِهِ (مُمْسِكٌ أَنْفَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَهُ الْقَطْعُ] : أَيْ بِسَلَامٍ أَوْ كَلَامٍ أَوْ مُنَافٍ وَيَخْرُجُ لِغَسْلِ الدَّمِ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِسَلَامٍ وَلَا مُنَافٍ وَخَرَجَ لِغَسْلِ الدَّمِ وَرَجَعَ وَابْتَدَأَ صَلَاتَهُ مِنْ أَوَّلِهَا أَعَادَهَا ثَالِثَةً؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ الثَّانِيَةَ الْوَاقِعَةَ بَعْدَ غَسْلِ الدَّمِ زِيَادَةٌ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إنْ ابْتَدَأَهَا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَعَادَ الصَّلَاةَ، وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّا إذَا حَكَمْنَا بِأَنَّ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَحَكَمْنَا عَلَى أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ، فَإِذَا كَانَ قَدْ صَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ ابْتَدَأَ بَعْدَ غَسْلِ الدَّمِ أَرْبَعًا صَارَ كَمَنْ صَلَّى خَمْسًا جَاهِلًا. قَالَ ح: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الرَّفْضَ مُبْطِلٌ فَيَكْفِي فِي الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ رَفْضُهَا. فَمَحَلُّ كَوْنِهِ إذَا خَرَجَ لِغَسْلِ الدَّمِ وَلَمْ يَأْتِ بِسَلَامٍ وَلَا كَلَامٍ، ثُمَّ رَجَعَ وَابْتَدَأَهَا فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا، مَا لَمْ يَنْوِ رَفْضَهَا حِينَ الْخُرُوجِ مِنْهَا، وَإِلَّا فَلَا إعَادَةَ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْبِنَاءَ فِي سِتِّ صُوَرٍ، وَهِيَ: مَا إذَا تَحَقَّقَ الِانْقِطَاعُ، أَوْ ظَنَّهُ، أَوْ شَكَّ فِيهِ. وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الدَّمُ سَائِلًا، أَوْ قَاطِرًا. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْبِنَاءُ] : أَيْ بِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ تَمَادَى فِي تِلْكَ الصُّوَرِ السِّتِّ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ غَسْلِ الدَّمِ عَلَى صَلَاتِهِ بُطْلَانُهَا. فَيَكُونُ مُخَصِّصًا لِقَوْلِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ: إنْ طَرَأَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى الْمُصَلِّي وَضَاقَ الْوَقْتُ تَمَادَى، وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ اُنْظُرْ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [فَيَخْرُجُ] : أَيْ مِنْ هَيْئَتِهِ الْأُولَى أَوْ مِنْ مَكَانِهِ إنْ احْتَاجَ وَلَوْ مُتَيَمِّمًا، لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ مِنْهُ مُلْحَقٌ بِأَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَلَا يُبْطِلُ الْمُوَالَاةَ فِي التَّيَمُّمِ، وَلِذَا يُكَبِّرُ إحْرَامًا فِي رُجُوعِهِ، وَسَبَقَ، وُجُودُ الْمَاءِ فِيهَا لَا يُبْطِلُهَا (اهـ. مِنْ الْمَجْمُوعِ) . قَوْلُهُ: [مُمْسِكٌ أَنْفَهُ] إلَخْ: بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ. خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ هَارُونَ، وَإِنْ كَانَ دَاخِلُ الْأَنْفِ مِنْ الظَّاهِرِ فِي الْأَخْبَاثِ إلَّا أَنَّ الْمَحَلَّ مَحَلُّ ضَرُورَةٍ وَهُوَ إرْشَادٌ لِأَحْسَنِ الْكَيْفِيَّاتِ، وَالشَّرْطُ التَّحَفُّظُ وَلَوْ لَمْ يُمْسِكُهُ كَمَا اخْتَارَهُ وِفَاقًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ.

مِنْ أَعْلَاهُ وَهُوَ مَارِنُهُ لَا مِنْ أَسْفَلِهِ مِنْ الْوَتَرَةِ؛ لِئَلَّا يَبْقَى الدَّمُ فِي طَاقَتَيْ أَنْفِهِ. فَإِذَا غَسَلَهُ بَنَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَهُ بِشُرُوطٍ سِتَّةٍ: أَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (إنْ لَمْ يَتَلَطَّخْ) : بِالدَّمِ بِمَا يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ وَإِلَّا قَطَعَ. وَالثَّانِي بِقَوْلِهِ: (وَلَمْ يُجَاوِزْ أَقْرَبَ مَكَان مُمْكِنٍ) : لِغَسْلِ الدَّمِ فِيهِ، فَإِنْ تَجَاوَزَهُ بَطَلَتْ. وَلِلثَّالِثِ بِقَوْلِهِ: (وَقَرُبَ) : ذَلِكَ الْمَكَانُ الْمُمْكِنُ فِي نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بَطَلَتْ وَلَوْ لَمْ يَتَجَاوَزْهُ، وَمَفْهُومُ [مُمْكِنٍ] أَنَّهُ لَوْ تَجَاوَزَ مَكَانًا لَا يُمْكِنُهُ الْغَسْلُ فِيهِ لَمْ تَبْطُلْ إذَا كَانَ الْمُتَجَاوِزُ إلَيْهِ قَرِيبًا فِي نَفْسِهِ، لِأَنَّ عَدَمَ إمْكَانِ الْغَسْلِ مِنْهُ صَيَّرَهُ كَالْعَدَمِ. وَلِلرَّابِعِ بِقَوْلِهِ: (وَلَمْ يَسْتَدْبِرْ) : الْقِبْلَةَ (بِلَا عُذْرٍ) ، فَإِنْ اسْتَدْبَرَهَا لِغَيْرِهِ بَطَلَتْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِئَلَّا يَبْقَى الدَّمُ] : أَيْ وَلَكِنْ لَوْ بَقِيَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ مَحَلُّ ضَرُورَةٍ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [إنْ لَمْ يَتَلَطَّخْ] إلَخْ: وَأَمَّا إنْ تَلَطَّخَ بِمَا زَادَ عَلَى دِرْهَمٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَطْعُ الصَّلَاةِ وَيَبْتَدِئُهَا مِنْ أَوَّلِهَا بَعْدَ غَسْلِ الدَّمِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ تَجَاوَزَهُ بَطَلَتْ] : أَيْ فَإِنْ جَاوَزَ الْأَقْرَبَ مَعَ الْإِمْكَانِ إلَى أَبْعَدَ مِنْهُ. وَظَاهِرُ بُطْلَانِهَا وَلَوْ كَانَتْ الْمُجَاوَزَةُ بِمِثْلِ مَا يَفْتَقِرُ لِسُتْرَةٍ أَوْ فُرْجَةٍ وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْمُنَافِيَاتِ هُنَا. وَلَكِنْ قَالَ ح: يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِاغْتِفَارِ الْمُجَاوَزَةِ بِمِثْلِ الْخُطْوَتَيْنِ، وَالثَّلَاثَةِ. وَيَجِبُ عَلَيْهِ شِرَاءُ الْمَاءِ إذَا وَجَدَهُ يُبَاعُ فِي أَقْرَبِ مَكَان بِالْمُعَاطَاةِ بِثَمَنٍ مُعْتَادٍ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، لِأَنَّهُ مِنْ يَسِيرِ الْأَفْعَالِ وَلَا يَتْرُكُهُ لِلْبَعِيدِ. وَقَدْ نَصَّ بَعْضُهُمْ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِشَارَةِ الْخَفِيفَةِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، فَكَيْفَ بِذَلِكَ هُنَا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ شِرَاؤُهُ بِالْإِشَارَةِ فَبِالْكَلَامِ وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَلَامٌ لِإِصْلَاحِهَا اُنْظُرْ: عب (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بَطَلَتْ] : أَيْ إنْ تَفَاحَشَ الْبُعْدُ. فَيُرَادُ بِالْقُرْبِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا عَدَا الْبَعْدَ الْمُتَفَاحِشَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ اسْتَدْبَرَهَا لِغَيْرِهِ بَطَلَتْ] : مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ اشْتِرَاطِ الِاسْتِقْبَالِ إلَّا لِعُذْرٍ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَجَمَاعَةٌ:

وَلِلْخَامِسِ بِقَوْلِهِ: (وَلَمْ يَطَأْ) : أَيْ فِي طَرِيقِهِ (نَجِسًا) : وَإِلَّا بَطَلَتْ. وَلِلسَّادِسِ بِقَوْلِهِ: (وَلَمْ يَتَكَلَّمْ) فِي مُضِيِّهِ لِلْغُسْلِ، فَإِنْ تَكَلَّمَ (وَلَوْ سَهْوًا) : بَطَلَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَخْرُجُ كَيْفَمَا أَمْكَنَهُ، وَاسْتَبْعَدُوا اشْتِرَاطَ الِاسْتِقْبَالِ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ غَالِبًا. ثُمَّ إنَّهُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ اشْتِرَاطِ الِاسْتِقْبَالِ، يُقَدِّمُ اسْتِدْبَارًا لَا يُلَابِسُ فِيهِ نَجِسًا عَلَى اسْتِقْبَالٍ مَعَ وَطْءِ نَجِسٍ لَا يُغْتَفَرُ، لِأَنَّهُ عَهِدَ عَدَمَ تَوَجُّهِ الْقِبْلَةِ لِعُذْرٍ، وَلِمَا فِي الِاسْتِقْبَالِ مِنْ الْخِلَافِ، كَذَا فِي عب. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ الْقَرِيبِ مَعَ مُلَابَسَتِهِ نَجَاسَةً عَلَى بَعِيدٍ خَلَا مِنْهَا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ مُتَّفَقٌ عَلَى شَرْطِيَّتِهِ، كَمَا أَنَّ الظَّاهِرَ تَقْدِيمُ مَا قَلَّتْ مُنَافِيَاتُهُ كَبَعِيدٍ مَعَ اسْتِقْبَالٍ بِلَا نَجَاسَةٍ عَلَى قَرِيبٍ مُسْتَدْبَرٍ مَعَ نَجَاسَةٍ، فَتَأَمَّلْ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَطَأْ فِي طَرِيقِهِ نَجَسًا] إلَخْ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَتَى وَطِئَ النَّجَاسَةَ بَطَلَتْ، كَانَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا مُضْطَرًّا أَوْ لَا، كَانَتْ النَّجَاسَةُ أَرْوَاثَ دَوَابِّ أَوْ غَيْرِهَا يَابِسَةً أَوْ رَطْبَةً، وَلَكِنْ الَّذِي يُفِيدُهُ النَّقْلُ كَمَا فِي ح، وَالْمَوَّاقِ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالِهَا فَهُوَ غَيْرُ مُبْطِلٍ إذَا وَطِئَهَا نِسْيَانًا أَوْ اضْطِرَارًا لِكَثْرَةِ ذَلِكَ فِي الطُّرُقَاتِ، وَإِنْ وَطِئَهَا عَمْدًا مُخْتَارًا بَطَلَتْ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ رَطْبِهَا وَيَابِسِهَا. وَأَمَّا غَيْرُ أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالِهَا مِنْ الْعُذْرَةِ وَنَحْوِهَا، فَإِنْ كَانَ رَطْبًا فَمُبْطِلٌ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَإِنْ كَانَ يَابِسًا فَكَذَلِكَ إنْ تَعَمَّدَ وَإِنْ نَسِيَ أَوْ اضْطَرَّ فَقَوْلَانِ، الْبُطْلَانُ لِابْنِ يُونُسَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَعَدَمُهُ لِابْنِ عَبْدُوسٍ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ عَنْ الْبُنَانِيِّ) . قَوْلُهُ: [فَإِنْ تَكَلَّمَ وَلَوْ سَهْوًا] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا تَكَلَّمَ عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا بَطَلَتْ اتِّفَاقًا. وَاخْتُلِفَ إذَا تَكَلَّمَ سَهْوًا؟ وَالْمَشْهُورُ الْبُطْلَانُ هُنَا وَلَوْ قَلَّ لِكَثْرَةِ الْمُنَافِيَاتِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءً كَانَ الْكَلَامُ فِي حَالِ انْصِرَافِهِ لِغَسْلِ الدَّمِ، أَوْ كَانَ بَعْدَ عَوْدِهِ، وَاَلَّذِي فِي الْمَوَّاقِ أَنَّهُ إنْ تَكَلَّمَ حَالَ رُجُوعِهِ بَعْدَ غَسْلِ الدَّمِ فَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ اتِّفَاقًا، فَإِذَا أَدْرَكَ بَقِيَّةً مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ حَمَلَ الْإِمَامُ عَنْهُ سَهْوَهُ، وَإِلَّا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ لِسَهْوِهِ، وَأَمَّا إنْ تَكَلَّمَ سَهْوًا فِي حَالِ انْصِرَافِهِ لِغَسْلِ الدَّمِ، فَقَالَ سَحْنُونَ، الْحُكْمُ وَاحِدٌ مِنْ الصِّحَّةِ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ - وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ عَمْدًا - وَمُحَصِّلُهُ أَنَّهُ رَجَّحَ أَنَّ الْكَلَامَ سَهْوًا لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ مُطْلَقًا، سَوَاءً تَكَلَّمَ حَالَ انْصِرَافِهِ أَوْ حَالَ رُجُوعِهِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْمَوَّاقُ

(وَلَا يَعْتَدُّ) : الْبَانِي إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا أَوْ فَذًّا (بِرَكْعَةٍ) : مِنْ صَلَاتِهِ (إلَّا إذَا كَمُلَتْ بِالِاعْتِدَالِ) : قَائِمًا فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْجُلُوسِ وَجَالِسًا فِي مَحَلِّهِ (مِنْ سَجْدَتِهَا الثَّانِيَةِ) : فَإِذَا غَسَلَ رَجَعَ جَالِسًا - إنْ حَصَلَ لَهُ فِي جُلُوسِ التَّشَهُّدِ - وَقَائِمًا إنْ حَصَلَ فِي قِيَامِهِ، وَيُعِيدُ الْقِرَاءَةَ إنْ كَانَ قَرَأَ أَوَّلًا. وَكَذَا إنْ حَصَلَ فِي رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ اسْتِقْلَالِهِ، فَيَرْجِعُ قَائِمًا وَيُلْغِي جَمِيعَ مَا فَعَلَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْأُولَى بَنَى عَلَى الْإِحْرَامِ، وَإِنْ كَانَ فِي الثَّانِيَةِ بَنَى عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ فِي الثَّالِثَةِ بَنَى عَلَى الثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الرَّابِعَةِ بَنَى عَلَى الثَّالِثَةِ. (وَأَتَمَّ بِمَوْضِعِهِ) الَّذِي غَسَلَ فِيهِ الدَّمَ وُجُوبًا (إنْ أَمْكَنَ) الْإِتْمَامُ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ - وَأَمَّا الْكَلَامُ لِإِصْلَاحِهَا فَلَا يُبْطِلُهَا كَمَا ذَكَرَهُ ح وَغَيْرُهُ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [أَوْ فَذًّا] : أَيْ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي بِنَائِهِ. قَوْلُهُ: [إلَّا إذَا كَمُلَتْ] : مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَمُقَابِلُهُ الِاعْتِدَادُ بِمَا فَعَلَهُ مُطْلَقًا، لَا فَرْقَ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَةٍ وَبَعْضِهَا. قَوْلُهُ: [وَإِنْ حَصَلَ لَهُ فِي جُلُوسِ التَّشَهُّدِ] : أَيْ لِأَنَّ الْحَرَكَةَ لِلرُّكْنِ مَقْصُودَةٌ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا إنْ حَصَلَ فِي رُكُوعٍ] إلَخْ: أَيْ فَيَرْجِعُ قَائِمًا، وَيَبْتَدِئُ الْقِرَاءَةَ وَيُلْغِي جَمِيعَ مَا فَعَلَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، فَلِذَلِكَ قَالَ: [فَإِنْ كَانَ فِي الْأُولَى بَنَى عَلَى الْإِحْرَامِ] إلَخْ. قَوْلُهُ: [بَنَى عَلَى الْإِحْرَامِ] : أَشَارَ بِذَلِكَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الِاعْتِدَادِ وَبَيْنَ الْبِنَاءِ. فَأَفَادَ أَنَّهُ إذَا بَنَى لَمْ يَعْتَدَّ إلَّا بِرَكْعَةٍ كَامِلَةٍ لَا أَقَلَّ، سَوَاءً كَانَتْ الْأُولَى أَوْ غَيْرُهَا، وَأَمَّا الْبِنَاءُ فَيَكُونُ وَلَوْ عَلَى الْإِحْرَامِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الِاعْتِدَادِ الْبِنَاءُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْبِنَاءِ الِاعْتِدَادُ. وَخَالَفَ ابْنُ عَبْدُوسٍ حَيْثُ قَالَ: إذَا لَمْ تَكْمُلْ الرَّكْعَةُ ابْتَدَأَ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ، وَلَا يَبْنِي عَلَى إحْرَامِهِ لَا فِي الْجُمُعَةِ وَلَا غَيْرِهَا. وَقَالَ سَحْنُونَ: يَعْتَدُّ بِمَا فَعَلَهُ وَلَوْ الْإِحْرَامَ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا. وَالْمُعْتَمَدُ تَفْصِيلُ الْمُصَنِّفِ الَّذِي هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: [وَأَتَمَّ بِمَوْضِعِهِ] إلَخْ: وَمِثْله لَوْ رَجَعَ لِظَنِّ بَقَاءِ إمَامِهِ فَعَلِمَ أَوْ ظَنَّ فِي أَثْنَاءِ

(وَإِلَّا) : يُمْكِنُ (فَأَقْرَبُ مَكَان مُمْكِنٍ) : يَتِمُّ فِيهِ (إنْ ظَنَّ فَرَاغَ إمَامِهِ) : مِنْ الصَّلَاةِ. فَإِنْ لَمْ يَتِمَّ بِمَوْضِعِهِ أَوْ بِأَقْرَبِ مَكَان مُمْكِنٍ بَطَلَتْ (وَإِلَّا) يَظُنُّ فَرَاغَهُ بِأَنْ اعْتَقَدَ أَوْ ظَنَّ عَدَمَ فَرَاغِهِ أَوْ شَكَّ فِيهِ (رَجَعَ لَهُ) أَيْ لِإِمَامِهِ وُجُوبًا، (وَلَوْ) : كَانَ يَظُنُّ إدْرَاكَهُ (فِي السَّلَامِ) ، فَإِنْ رَجَعَ فَوَجَدَهُ قَدْ فَرَغَ أَتَمَّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (فَلَوْ أَدْرَكَ مَعَهُ) : أَيْ مَعَ إمَامِهِ (الرَّكْعَةَ الْأُولَى) : وَفِي قِيَامِهِ لِلثَّانِيَةِ مَثَلًا رَعَفَ فَخَرَجَ وَغَسَلَ الدَّمَ وَرَجَعَ (وَ) أَدْرَكَ (الْأَخِيرَةَ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ) وَلَوْ فِي رُكُوعِهَا فَقَدْ فَاتَتْهُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ، (أَتَى) بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ (بِرَكْعَةٍ بِسُورَةٍ) : جَهْرًا إنْ كَانَتْ جَهْرِيَّةً (وَجَلَسَ) لِلتَّشَهُّدِ لِأَنَّهَا ثَانِيَةُ إمَامِهِ - وَإِنْ كَانَتْ ثَالِثَةً - ثُمَّ بِرَكْعَةٍ سِرًّا، وَالتَّفْصِيلُ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ أَنَّهُ إنْ ظَنَّ فَرَاغَ إمَامِهِ أَتَمَّ مَكَانَهُ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا رَجَعَ لَهُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالرُّجُوعِ فَرَاغَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ، فَإِنَّهُ يُتِمُّ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ الْعِلْمُ أَوْ الظَّنُّ. فَإِنْ تَعَدَّاهُ مَعَ إمْكَانِ الْإِتْمَامِ فِيهِ بَطَلَتْ. وَقَوْلُهُ: [وَأَتَمَّ بِمَوْضِعِهِ] : أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [إنْ ظَنَّ فَرَاغَ إمَامِهِ] : أَيْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُهُ سَوَاءً ظَنَّ فَرَاغَهُ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا. وَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَأْمُومِ وَالْإِمَامِ، لِأَنَّهُ يُسْتَخْلَفُ وَيَصِيرُ مَأْمُومًا فَيَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُ الْمَأْمُومَ. وَأَمَّا الْفَذُّ فَيُتِمُّ مَكَانَهُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. قَوْلُهُ: [رَجَعَ لَهُ] : أَيْ لِأَدْنَى مَكَان يَصِحُّ فِيهِ الِاقْتِدَاءُ، لَا لِمُصَلَّاهُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ مَشْيٍ فِي الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: [إدْرَاكَهُ فِي السَّلَامِ] : رَدَّ بِهِ عَلَى ابْنِ شَعْبَانَ الْقَائِلِ: إنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا إذَا رَجَا إدْرَاكَهُ رَكْعَةً، فَإِنْ لَمْ يَرْجُ إدْرَاكَهَا أَتَمَّ مَكَانَهُ. قَوْلُهُ: [فَلَوْ أَدْرَكَ مَعَهُ] إلَخْ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِنَاءٌ مَحْضٌ، فَلِذَلِكَ قَدَّمَهَا عَلَى مَسَائِلِ اجْتِمَاعِ الْبِنَاءِ وَالْقَضَاءِ. وَهِيَ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَى خَلِيلٍ كَشُرُوطِ الصَّلَاةِ الَّتِي بَسَطَهَا فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَجَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ] إلَخْ: تَبِعَ فِيهِ الْأُجْهُورِيَّ وَسَيَأْتِي فِي التَّتِمَّةِ تَحْقِيقُ ذَلِكَ.

[تنبيه لا يبني بغير الرعاف]

(وَرَجَعَ فِي الْجُمُعَةِ) : بَعْدَ غَسْلِ الدَّمِ (مُطْلَقًا) : وَلَوْ عَلِمَ فَرَاغَ إمَامِهِ (لِأَوَّلِ) جُزْءٍ مِنْ (الْجَامِعِ) : الَّذِي ابْتَدَأَهَا بِهِ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّتِهَا الْجَامِعُ. (وَإِلَّا) : يَرْجِعُ لِلْجَامِعِ أَوْ رَجَعَ وَلَمْ يُتِمَّ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ بَلْ ذَهَبَ دَاخِلَهُ (بَطَلَتْ) : وَهَذَا إذَا أَتَمَّ مَعَ إمَامِهِ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا وَاعْتَدَلَ مَعَهُ قَائِمًا. (وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ مَعَهُ رَكْعَةً فِيهَا) : أَيْ الْجُمُعَةِ قَبْلَ رُعَافِهِ وَخَرَجَ لِغَسْلِهِ فَفَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ، (ابْتَدَأَ ظُهْرًا بِإِحْرَامٍ) : جَدِيدٍ فِي أَيِّ مَكَان، وَلَا يَبْنِي عَلَى الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ كَانَ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ. (وَإِنْ رَعَفَ) : مَأْمُومٌ (حَالَ سَلَامِ إمَامِهِ) وَأَوْلَى بَعْدَهُ (سَلَّمَ وَصَحَّتْ) : لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الَّذِي ابْتَدَأَهَا بِهِ] : فَلَوْ رَجَعَ لِمَسْجِدٍ آخَرَ أَوْ لِرِحَابِ الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ أَوْ طُرُقِهِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ فَلَا يَكْفِي وَلَوْ كَانَ ابْتِدَاءُ الصَّلَاةِ فِي الرِّحَابِ أَوْ الطُّرُقِ الْمُتَّصِلَةِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا تَرْجِيحُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي الرِّحَابُ وَالطُّرُقُ مُطْلَقًا، وَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ مَا يُخَالِفُهُ (اهـ.) قَوْلُهُ: [ابْتَدَأَ ظُهْرًا] إلَخْ: أَيْ مَا لَمْ يَرْجُ إدْرَاكَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي بَلَدٍ آخَرَ قَرِيبٍ أَوْ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ بِالْبَلَدِ، وَإِلَّا وَجَبَ صَلَاتُهَا جُمُعَةً. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ وَرَعَفَ وَفَاتَهُ بَاقِيهَا مَعَ الْإِمَامِ، يَبْتَدِئُ ظُهْرًا بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ. هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَكْفِي بِنَاؤُهُ عَلَى إحْرَامِ الْجُمُعَةِ. وَفِي الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ: الْبِنَاءُ عَلَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مُطْلَقًا فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا. وَلِهَذَا الْخِلَافِ رَدَّ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَبْنِي عَلَى الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ إلَخْ. [تَنْبِيه لَا يَبْنِي بِغَيْرِ الرُّعَاف] قَوْلُهُ: [وَإِنْ رَعَفَ مَأْمُومٌ] إلَخْ: وَأَمَّا لَوْ رَعَفَ الْإِمَامُ أَوْ الْفَذُّ قَبْلَ سَلَامِهِ فَقَالَ ح: لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ إنْ حَصَلَ الرُّعَافُ بَعْدَ أَنْ أَتَى بِمِقْدَارِ السُّنَّةِ مِنْ التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ وَالْإِمَامُ وَالْفَذُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنْ رَعَفَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَسْتَخْلِفُ مَنْ يُتِمُّ بِهِمْ التَّشَهُّدَ وَيَخْرُجُ لِغَسْلِ الدَّمِ، وَيَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ

سَلَامَهُ بِنَجَاسَةِ الدَّمِ أَخَفُّ مِنْ خُرُوجِهِ لِغَسْلِهِ، لَا إنْ رَعَفَ قَبْلَ سَلَامِهِ وَلَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ التَّشَهُّدِ فَلَا يُسَلِّمُ، بَلْ يَخْرُجُ لِغَسْلِهِ وَيُسَلِّمُ مَكَانَهُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ إمَامُهُ قَبْلَ الِانْصِرَافِ، وَإِلَّا سَلَّمَ وَانْصَرَفَ. (فَإِنْ اجْتَمَعَ لَهُ) : أَيْ لِلرَّاعِفِ (قَضَاءٌ) : وَهُوَ مَا يَأْتِي بِهِ الْمَسْبُوقُ عِوَضًا عَمَّا فَاتَهُ قَبْلَ دُخُولِهِ مَعَ الْإِمَامِ، (وَبِنَاءٌ) : وَهُوَ مَا يَأْتِي بِهِ عِوَضًا عَمَّا فَاتَهُ بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَأْمُومِ، وَأَمَّا الْفَذُّ فَيَخْرُجُ لِغَسْلِ الدَّمِ وَيُتِمُّ مَكَانَهُ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [قَبْلَ الِانْصِرَافِ] : مُرَادُهُ بِالِانْصِرَافِ: الْمَشْيُ الْكَثِيرُ فَوَافَقَ قَوْلَ السُّودَانِيِّ وَهُوَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ بَابَا: لَوْ انْصَرَفَ لِغَسْلِهِ وَجَاوَزَ الصَّفَّيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فَسَمِعَ الْإِمَامَ يُسَلِّمُ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ وَيَذْهَبُ، وَأَمَّا لَوْ سَمِعَهُ يُسَلِّمُ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُسَلِّمُ، بَلْ يَذْهَبُ لِغَسْلِ الدَّمِ، ثُمَّ يَرْجِعُ بِتَشَهُّدٍ وَيُسَلِّمُ وَيُعِيدُ التَّشَهُّدَ، وَلَوْ كَانَ التَّشَهُّدُ لِأَجْلِ أَنْ يَتَّصِلَ سَلَامُهُ بِهِ. تَنْبِيهٌ: لَا يَبْنِي بِغَيْرِ الرُّعَافِ كَسَبْقِ حَدَثٍ أَوْ ذِكْرِهِ أَوْ سُقُوطِ نَجَاسَةٍ وَذِكْرِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُبْطِلَاتِ الصَّلَاةِ، بَلْ يَسْتَأْنِفُهَا؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ رُخْصَةٌ يَقْتَصِرُ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ. وَهُوَ إنَّمَا وَرَدَ فِي الرُّعَافِ، وَكَمَا لَا يَبْنِي بِغَيْرِهِ لَا يَبْنِي بِهِ مَرَّةً ثَانِيَةً فَتَبْطُلُ، وَلَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ لِكَثْرَةِ الْمُنَافِي - كَمَا إذَا ظَنَّ الرُّعَافَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَخَرَجَ لِغَسْلِهِ فَظَهَرَ لَهُ نَفْيُهُ - فَلَا يَبْنِي. وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِمُجَرَّدِ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ إمَامًا بَطَلَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى مَأْمُومِيهِ. وَأَلْغَزَ فِيهِ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ مَجْمُوعِهِ بِقَوْلِهِ: مِنْ الْعَجِيبِ إمَامُ الْقَوْمِ لَابَسَهُ ... سُقُوطُ طَارِئَةٍ فِي جِسْمِهِ اتَّصَلَتْ تَصِحُّ لِلْكُلِّ إنْ بَانَتْ نَجَاسَتُهَا ... وَإِنْ يَكُنْ بَانَ شَيْءٌ طَاهِرٌ بَطَلَتْ وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَظَاهِرٌ أَنَّ دَمَ الرُّعَافِ نَجِسٌ مَسْفُوحٌ وَالْبُطْلَانُ لِلْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ وَالْمُلْغِزِ يَعْمَى (اهـ.) قَوْلُهُ: [فَإِنْ اجْتَمَعَ لَهُ قَضَاءٌ] : أَيْ فَالْقَافُ لِلْقَبْلِ. قَوْلُهُ: [أَيْ لِلرَّاعِفِ] : وَمِثْلُهُ مَنْ فَاتَتْهُ لِنُعَاسٍ خَفِيفٍ أَوْ مُزَاحَمَةٍ فَيَجْرِي فِيهِ مَا جَرَى فِي الرَّاعِفِ. قَوْلُهُ: [وَبِنَاءٌ] : أَيْ فَالْبَاءُ لِلْبَعْدِ، وَقَدْ الْتَفَتَ الشَّارِحُ فِي الْقَضَاءِ وَالْبِنَاءِ لِلْمَعْنَى الِاسْمِيِّ، فَفَسَّرَ كُلًّا بِمَا يَأْتِي بِهِ فَهُوَ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ، وَأَمَّا تَفْسِيرُهُمَا بِالْمَعْنَى

دُخُولِهِ مَعَهُ لِغَسْلِ الدَّمِ (قَدَّمَ الْبِنَاءَ) : عَلَى الْقَضَاءِ (وَجَلَسَ فِي أَخِيرَةِ الْإِمَامِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ) : أَخِيرَةُ الْإِمَامِ (ثَانِيَتَهُ) : هُوَ، بَلْ ثَالِثَتَهُ. (وَ) جَلَسَ أَيْضًا (فِي ثَانِيَتِهِ) : وَلَوْ لَمْ تَكُنْ ثَانِيَةَ الْإِمَامِ وَلَا أَخِيرَتَهُ. (كَمَنْ أَدْرَكَ) : مَعَ الْإِمَامِ (الْوُسْطَيَيْنِ) : مِنْ رُبَاعِيَّةٍ كَالْعِشَاءِ وَفَاتَتْهُ الْأُولَى قَبْلَ دُخُولِهِ مَعَهُ وَرَعَفَ فِي الرَّابِعَةِ فَخَرَجَ لِغَسْلِهِ فَفَاتَتْهُ بِرَفْعِ الْإِمَامِ مِنْ رُكُوعِهَا، قَدَّمَ الْبِنَاءَ، فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ سِرًّا وَيَجْلِسُ؛ لِأَنَّهَا أَخِيرَةُ إمَامِهِ - وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ثَانِيَتَهُ هُوَ - ثُمَّ بِرَكْعَةِ الْقَضَاءِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ جَهْرًا؛ لِأَنَّهَا أُولَى الْإِمَامِ، وَتُسَمَّى أُمَّ الْجَنَاحَيْنِ لِوُقُوعِ السُّورَةِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي طَرَفَيْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَصْدَرِيِّ فَالْقَضَاءُ فِعْلُ مَا فَاتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ مَعَ الْإِمَامِ بِصِفَتِهِ، وَالْبِنَاءُ فِعْلُ مَا فَاتَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ مَعَ الْإِمَامِ بِصِفَتِهِ، وَكُلٌّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ صَحِيحٌ، وَلَكِنَّ التَّعْرِيفَ الْجَامِعَ لِجَمِيعِ صُوَرِهِ أَنْ يُقَالَ: الْبِنَاءُ مَا ابْتَنَى عَلَى الْمُدْرَكِ وَالْقَضَاءُ مَا ابْتَنَى عَلَيْهِ الْمُدْرَكُ، لِأَنَّ التَّعْرِيفَ الْأَوَّلَ لَا يَشْمَلُ مَسْأَلَةَ الْحَاضِرِ الْمُدْرِكِ ثَانِيَةَ إمَامِ الْمُسَافِرِ. قَوْلُهُ: [قَدَّمَ الْبِنَاءَ] : أَيْ فِي الصُّوَرِ الْخَمْسِ الْآتِيَةِ - كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ - وَذَلِكَ لِانْسِحَابِ الْمَأْمُومِيَّةِ عَلَيْهِ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ إكْمَالِ مَا فَعَلَهُ الْإِمَامُ بَعْدَ دُخُولِهِ مَعَهُ. وَقَالَ سَحْنُونَ: يُقَدَّمُ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ وَشَأْنُهُ يَعْقُبُ سَلَامَ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ لَمْ تَكُنْ ثَانِيَتَهُ] إلَخْ: عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَدَ: بِ [لَوْ] عَلَى ابْنِ حَبِيبٍ. قَوْلُهُ: [فِي ثَانِيَتِهِ] إلَخْ: أَيْ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ تَكُنْ. ثَانِيَتَهُ هُوَ] : أَيْ بَلْ هِيَ ثَالِثَتُهُ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ الْقَائِلِ: إذَا قَدَّمَ الْبِنَاءَ، فَإِنَّهُ لَا يَجْلِسُ فِي آخِرَةِ الْإِمَامِ إلَّا إذَا كَانَتْ ثَانِيَتَهُ هُوَ. وَأَمَّا عَلَى مَا قَالَهُ سَحْنُونَ مِنْ تَقْدِيمِ الْقَضَاءِ عَلَى الْبِنَاءِ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ، لِأَنَّهَا أُولَاهُ وَأُولَى إمَامِهِ أَيْضًا، ثُمَّ بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ، وَيَجْلِسُ لِأَنَّهَا أَخِيرَتُهُ وَأَخِيرَةُ إمَامِهِ. وَعَلَى مَذْهَبِهِ فَتُلَقَّبُ هَذِهِ الصُّورَةُ بِالْعَرْجَاءِ لِأَنَّهُ فَصَلَ فِيهَا بَيْنَ رَكْعَتَيْ السُّورَةِ. بِرَكْعَتَيْ الْفَاتِحَةِ، وَبَيْنَ رَكْعَتَيْ الْفَاتِحَةِ بِرَكْعَةِ السُّورَةِ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمِنْ إسَاءَةِ الْأَدَبِ تَلْقِيبُهَا بِالْعَرْجَاءِ، وَإِنَّمَا هِيَ مُتَخَلَّلَةٌ - مَثَلًا - بِالسُّورَتَيْنِ.

(أَوْ) أَدْرَكَ مَعَهُ (إحْدَاهُمَا) : أَيْ إحْدَى الْوُسْطَيَيْنِ وَتَحْتَهُ صُورَتَانِ: الْأُولَى: أَنْ يُدْرِكَ الثَّالِثَةَ وَتَفُوتَهُ الْأُولَيَانِ بِالسَّبْقِ وَالرَّابِعَةُ بِالرُّعَافِ قَدَّمَ الْبِنَاءَ. فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِالْفَاتِحَةِ فَقَطْ سِرًّا؛ لِأَنَّهَا الرَّابِعَةُ وَيَجْلِسُ لِأَنَّهَا ثَانِيَتُهُ وَأَخِيرَةُ إمَامِهِ، ثُمَّ بِرَكْعَتَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ جَهْرًا وَلَا جُلُوسَ بَيْنَهُمَا، وَتُسَمَّى بِالْمَقْلُوبَةِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يُدْرِكَ الثَّانِيَةَ مَعَ الْإِمَامِ وَتَفُوتَهُ الْأُولَى بِالسَّبْقِ وَالْأَخِيرَتَانِ بِالرُّعَافِ، قَدَّمَ الْبِنَاءَ، فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ سِرًّا وَيَجْلِسُ لِأَنَّهَا ثَانِيَتُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَخِيرَةَ الْإِمَامِ، ثُمَّ بِرَكْعَةٍ كَذَلِكَ، وَيَجْلِسُ أَيْضًا لِأَنَّهَا أَخِيرَةُ إمَامِهِ وَإِنْ كَانَتْ ثَالِثَتَهُ، ثُمَّ بِرَكْعَةِ الْقَضَاءِ بِفَاتِحَةٍ وَسُورَةٍ. فَصَلَاتُهُ كُلُّ رَكْعَةٍ مِنْهَا بِجُلُوسٍ وَمِثْلُ هَذِهِ الصُّورَةِ حَاضِرٌ أَدْرَكَ مَعَ مُسَافِرٍ ثَانِيَتَهُ، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَعَلَ مَأْمُومُهُ الْحَاضِرُ مِثْلَ مَا ذُكِرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِالْمَقْلُوبَةِ] : أَيْ لِأَنَّ السُّورَتَيْنِ مُتَأَخِّرَتَانِ بِعَكْسِ الْأَصْلِ، وَعَلَى مَذْهَبِ سَحْنُونَ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ لِأَنَّهَا ثَانِيَتُهُ وَأُولَى إمَامِهِ، وَيَجْلِسُ ثُمَّ بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ لِأَنَّهَا ثَانِيَةُ إمَامِهِ وَلَا يَجْلِسُ لِأَنَّهَا ثَالِثَتُهُ - خِلَافًا لِمَا فِي الْخَرَشِيِّ. ثُمَّ بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ وَيَجْلِسُ فِيهَا لِأَنَّهَا أَخِيرَتُهُ وَأَخِيرَةُ إمَامِهِ، وَعَلَيْهِ فَتُلَقَّبُ بِالْحُبْلَى لِثِقَلِ وَسَطِهَا بِالْقِرَاءَةِ. قَوْلُهُ: [وَيَجْلِسُ أَيْضًا] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ. قَوْلُهُ: [فَصَلَاتُهُ كُلَّ رَكْعَةٍ مِنْهَا بِجُلُوسٍ] : أَيْ وَتُسَمَّى أُمَّ الْجَنَاحَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَلَى مَذْهَبِ سَحْنُونَ: يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ لِأَنَّهَا أُولَى إمَامِهِ، وَيَجْلِسُ فِيهَا لِأَنَّهَا ثَانِيَتُهُ، ثُمَّ بِرَكْعَتَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ وَلَا يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: [وَمِثْلُ هَذِهِ الصُّورَةِ] إلَخْ: وَمِثْلُهَا أَيْضًا حَاضِرٌ أَدْرَكَ ثَانِيَةَ صَلَاةِ خَوْفٍ بِحَضَرٍ، قَسَّمَ الْإِمَامُ الْقَوْمَ فِيهِ طَائِفَتَيْنِ فَأَدْرَكَ الْحَاضِرُ مَعَ الطَّائِفَةِ الْأُولَى الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، وَإِنَّمَا تَرَكَهَا الْمُصَنِّفُ لِعِلْمِهَا بِالْمُقَايَسَةِ وَشُهْرَتِهَا. تَتِمَّةٌ: إنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ وَالرَّابِعَةَ فَقَالَ التَّتَّائِيُّ: الْأُولَى قَضَاءٌ بِلَا إشْكَالٍ، وَاخْتُلِفَ فِي الثَّالِثَةِ: فَعَلَى مَذْهَبِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ: بِنَاءٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ نَظَرًا لِلْمُدْرَكَةِ قَبْلَهَا كَمَا فِي (ر) قَالَ: فَيُقَدِّمُهَا عَلَى الْأُولَى، وَيَقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ سِرًّا وَلَا يَجْلِسُ لِأَنَّهَا ثَالِثَتُهُ، ثُمَّ بِرَكْعَةِ الْقَضَاءِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ جَهْرًا إنْ كَانَ. وَأَطْلَقَ عَلَى الثَّالِثَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَضَاءً نَظَرًا لِلرَّابِعَةِ الْمُدْرَكَةِ بَعْدَهَا كَمَا قَالَ (ر) فَيُقَدِّمُ

[ستر العورة]

(وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ) : عَطْفٌ عَلَى بِإِسْلَامٍ أَيْ وَصِحَّتُهَا أَيْ شَرْطُ صِحَّتِهَا بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ (الْمُغَلَّظَةِ) : خَاصَّةً وَكَلَامُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ (إنْ قَدَرَ) : عَلَى سَتْرِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُولَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ، ثُمَّ الثَّالِثَةَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ سِرًّا. وَمِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ أَيْضًا أَنْ يُدْرِكَ الْأُولَى ثُمَّ يَرْعُفَ فَتَفُوتَهُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ، ثُمَّ يُدْرِكَ الرَّابِعَةَ. قَالَ التَّتَّائِيُّ: قَالَ بَعْضُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ هُمَا بِنَاءٌ. قَالَ (ر) : وَعَلَيْهِ فَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ بَيْنَهُمَا، قَالَهُ ابْنُ نَاجِي وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَعَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ ثَانِيَةٍ وَثَالِثَةٍ، يَقْرَأُ فِي الثَّالِثَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَلَا يَجْلِسُ لِأَنَّهَا ثَالِثَةُ بِنَائِهِ، وَيَقْرَأُ فِي الثَّالِثَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيَجْلِسُ لِأَنَّهَا آخِرُ صَلَاتِهِ (اهـ) . فَقَدْ ظَهَرَ لَك الْفَرْقَ بَيْنَ مَذْهَبِ الْكِتَابِ وَقَوْلِ بَعْضِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ. وَمِنْ صُوَرِ الْخِلَافِ أَنْ يُدْرِكَ الْأُولَى وَيَرْعُفَ فِي الثَّانِيَةِ وَيُدْرِكَ الثَّالِثَةَ وَتَفُوتَهُ الرَّابِعَةُ، فَلَا إشْكَالَ أَنَّ الرَّابِعَةَ بِنَاءٌ. وَاخْتُلِفَ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ: فَعَلَى أَنَّهَا قَضَاءٌ يَبْدَأُ بِالرَّابِعَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ سِرًّا وَيَجْلِسُ لِأَنَّهَا آخِرَةُ الْإِمَامِ، ثُمَّ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ جَهْرًا إنْ كَانَ، وَعَلَى مَذْهَبِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ يَأْتِي بِهِمَا نَسَقًا مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ بَيْنَهُمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ فِيهِمَا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَعَلَيْهِ الْأُجْهُورِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ (اهـ مِنْ الْمَجْمُوعِ) . [سِتْر الْعَوْرَة] قَوْلُهُ: (وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ) : السَّتْرُ بِفَتْحِ السِّينِ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَهُوَ مَا يَسْتَتِرُ بِهِ. وَالْعَوْرَةُ: مِنْ الْعَوَرِ، وَهُوَ الْقُبْحُ لِقُبْحِ كَشْفِهَا لَا نَفْسِهَا، حَتَّى قَالَ مُحْيِي الدِّينِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: الْأَمْرُ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ لِتَشْرِيفِهَا وَتَكْرِيمِهَا لَا لِخِسَّتِهَا فَإِنَّهُمَا - يَعْنِي الْقُبُلَيْنِ - مَنْشَأُ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ الْمُكَرَّمِ الْمُفَضَّلِ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى مَجْمُوعِهِ) . وَالْعَوْرَةُ فِي الْأَصْلِ الْخَلَلُ فِي الثَّغْرِ وَغَيْرِهِ وَمَا يُتَوَقَّعُ مِنْهُ ضَرَرٌ وَفَسَادٌ، وَمِنْهُ عَوِرَ الْمَكَانُ أَيْ تُوُقِّعَ مِنْهُ الضَّرَرُ وَالْفَسَادُ وقَوْله تَعَالَى: {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} [الأحزاب: 13] أَيْ خَالِيَةٌ يُتَوَقَّعُ فِيهَا الْفَسَادُ. وَالْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ لِتَوَقُّعِ الْفَسَادِ مِنْ رُؤْيَتِهَا أَوْ سَمَاعِ كَلَامِهَا، لَا مِنْ الْعَوَرِ بِمَعْنَى الْقُبْحِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهِ فِي الْجَمِيلَةِ مِنْ النِّسَاءِ لِمَيْلِ النُّفُوسِ إلَيْهَا، وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالْقُبْحِ مَا يُسْتَقْبَحُ شَرْعًا وَإِنْ مِيلَ إلَيْهِ طَبْعًا. (اهـ. مِنْ الْخَرَشِيِّ) . قَوْلُهُ: [يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ] : أَيْ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ فَيُوهِمُ الشَّرْطِيَّةَ حَتَّى فِي الْمُخَفَّفَةِ،

وَإِلَّا صَلَّى عُرْيَانَا. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُغَلَّظَةِ فَسَتْرُهَا وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ عَلَى مَا يَأْتِي، وَالرَّاجِحُ عَدَمُ تَقْيِيدِهِ بِالذِّكْرِ خِلَافًا لِلشَّيْخِ. فَمَنْ صَلَّى مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ الْمُغَلَّظَةِ نِسْيَانًا أَعَادَ أَبَدًا وُجُوبًا. (وَإِنْ بِإِعَارَةٍ) : مُبَالَغَةً فِي [قَدِرَ] ؛ فَإِذَا عَلِمَ مَنْ يُعِيرُهُ مَا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ فَلَمْ يَسْتَعِرْهُ وَصَلَّى عُرْيَانَا بَطَلَتْ (أَوْ) بِسَاتِرٍ (نَجِسٍ أَوْ حَرِيرٍ) : فَإِنْ صَلَّى عُرْيَانَا مَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ السَّاتِرُ كَثِيفًا وَهُوَ مَا لَا يَشِفُّ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ، بِأَنْ لَا يَشِفَّ أَصْلًا أَوْ يَشِفَّ بَعْدَ إمْعَانِ النَّظَرِ، وَخَرَجَ بِهِ مَا يَشِفُّ فِي بَادِئِ النَّظَرِ، فَإِنَّ وُجُودَهُ كَالْعَدَمِ وَأَمَّا مَا يَشِفُّ بَعْدَ إمْعَانِ النَّظَرِ فَيُعِيدُ مَعَهُ فِي الْوَقْتِ كَالْوَاصِفِ لِلْعَوْرَةِ الْمُحَدِّدِ لَهَا بِغَيْرِ بَلَلٍ وَلَا رِيحٍ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِهِ مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: [وَالرَّاجِحُ عَدَمُ تَقْيِيدِهِ بِالذِّكْرِ] : اعْلَمْ أَنَّ (ر) تَعَقَّبَ خَلِيلًا فَقَالَ: إنَّهُ تَبِعَ ابْنَ عَطَاءِ اللَّهِ فِي تَقْيِيدِهِ بِالذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالذِّكْرِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، فَيُعِيدُ أَبَدًا مَنْ صَلَّى عُرْيَانًا نَاسِيًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى السَّتْرِ. وَقَدْ صَرَّحَ الْجُزُولِيُّ بِأَنَّهُ شَرْطٌ مَعَ الْقُدْرَةِ ذَاكِرًا أَوْ نَاسِيًا وَهُوَ الْجَارِي عَلَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ، فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ شَرْطُ صِحَّةٍ مُقَيَّدٌ بِالذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَبِالْقُدْرَةِ فَقَطْ عِنْدَ بَعْضِهِمْ. فَاَلَّذِي ارْتَضَاهُ الْمُؤَلِّفُ التَّقْيِيدَ بِالْقُدْرَةِ فَقَطْ، وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعِ التَّقْيِيدَ بِهِمَا، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْحَاشِيَةِ أَيْضًا. وَلَيْسَ مِنْ الْعَجْزِ سُقُوطُ السَّاتِرِ فَيَرُدُّهُ فَوْرًا، بَلْ الْمَشْهُورُ الْبُطْلَانُ كَمَا فِي ح. وَقِيلَ: سَتْرُ الْمُغَلَّظَةِ وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ، وَقِيلَ: مُسْتَحَبٌّ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالسُّنِّيَّةِ فِي كَلَامِ الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [فَإِذَا عَلِمَ مَنْ يُعِيرُهُ] إلَخْ: وَذَلِكَ لِضَعْفِ الْمَانِيَةِ بِهِ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي مُجَرَّدِ الصَّلَاةِ، فَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ وَالْقَبُولُ. وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الْهِبَةِ لِعَظْمِ الْمَانَيَةِ بِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ سَتْرُهَا بِالطِّينِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ قَوْلَيْنِ. لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ التَّسَاقُطِ وَيَكْبُرُ الْجُرْمُ، فَهُوَ كَالْعَدَمِ، بَلْ بِإِيمَاءٍ لِمَنْ فَرْضُهُ الْإِيمَاءُ وَإِلَّا فَالرُّكْنُ مُقَدَّمٌ. (اهـ مِنْ الْمَجْمُوعِ) . قَوْلُهُ: [نَجِسٌ] : وَأَوْلَى الْمُتَنَجِّسُ فِي وُجُوبِ الِاسْتِتَارِ بِهِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَأَوْلَى مِنْهُمَا الْحَشِيشُ، بَلْ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحَرِيرِ. قَوْلُهُ: [أَوْ حَرِيرٍ] : مَا ذَكَرَهُ مِنْ وُجُوبِ الِاسْتِتَارِ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ طَاهِرٍ غَيْرِ حَرِيرٍ

وُجُودِ أَحَدِهِمَا بَطَلَتْ (وَهُوَ) : أَيْ الْحَرِيرُ الطَّاهِرُ (مُقَدَّمٌ) : عَلَى النَّجِسِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي الصَّلَاةَ، بِخِلَافِ النَّجِسِ. (وَهِيَ) : أَيْ الْمُغَلَّظَةُ (مِنْ رَجُلٍ السَّوْأَتَانِ) : وَهُمَا - مِنْ الْمُقَدَّمِ - الذَّكَرُ مَعَ الْأُنْثَيَيْنِ وَمِنْ الْمُؤَخَّرِ: مَا بَيْنَ الْأَلْيَتَيْنِ، فَيُعِيدُ مَكْشُوفُ الْأَلْيَتَيْنِ فَقَطْ أَوْ مَكْشُوفُ الْعَانَةِ فِي الْوَقْتِ. (وَمِنْ أَمَةٍ وَإِنْ بِشَائِبَةِ حُرِّيَّةٍ هُمَا) : أَيْ السَّوْأَتَانِ (مَعَ الْأَلْيَتَيْنِ) : فَإِذَا انْكَشَفَ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَعَادَتْ أَبَدًا وَسَيَأْتِي مَا تُعِيدُ فِيهِ فِي الْوَقْتِ وَمَا لَا تُعِيدُ. (وَ) هِيَ (مِنْ حُرَّةٍ) جَمِيعُ الْبَدَنِ (مَا عَدَا الصَّدْرَ وَالْأَطْرَافَ) : مِنْ رَأْسٍ وَيَدَيْنِ وَرِجْلَيْنِ وَمَا قَابَلَ الصَّدْرَ مِنْ الظَّهْرِ، كَالصَّدْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَمُقَابِلُ مَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ يُصَلِّي عُرْيَانًا وَلَا يُصَلِّي بِالْحَرِيرِ. قَوْلُهُ: [مُقَدَّمٌ عَلَى النَّجَسِ] : أَيْ وَكَذَا عَلَى الْمُتَنَجِّسِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَصْبَغُ: يُقَدَّمُ النَّجِسُ لِأَنَّ الْحَرِيرَ يُمْنَعُ لُبْسُهُ مُطْلَقًا وَالنَّجِسُ إنَّمَا يُمْنَعُ لُبْسُهُ فِي حَالِ الصَّلَاةِ، وَالْمَمْنُوعُ فِي حَالَةٍ أَوْلَى مِنْ الْمَمْنُوعِ مُطْلَقًا. وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. قَوْلُهُ [لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي الصَّلَاةَ] : أَيْ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ وَشَأْنُ الطَّاهِرِ أَنْ يُصَلَّى بِهِ وَلَمْ يَعُدُّوا تَرْكَهُ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ النَّجِسِ. قَوْلُهُ: [أَيْ الْمُغَلَّظَةُ] : أَيْ الَّتِي تُعَادُ الصَّلَاةُ لِكَشْفِهَا أَبَدًا مَعَ الْقُدْرَةِ. قَوْلُهُ: [مَا بَيْنَ الْأَلْيَتَيْنِ] : أَيْ وَهُوَ فَمُ الدُّبُرِ وَسُمِّيَ مَا ذُكِرَ بِالسَّوْأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ كَشْفَهُمَا يَسُوءُ الشَّخْصَ. قَوْلُهُ: [فِي الْوَقْتِ] : أَيْ لِأَنَّهُمَا بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ مِنْ الْعَوْرَةِ الْمُخَفَّفَةِ. قَوْلُهُ: [أَعَادَتْ أَبَدًا] : أَيْ لِأَنَّ مَا ذَكَرَ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَمَةِ مِنْ الْمُغَلَّظَةِ. قَوْلُهُ: [وَيَدَيْنِ وَرِجْلَيْنِ] : مُرَادُهُ الذِّرَاعَانِ وَالرِّجْلَانِ لِلرُّكْبَتَيْنِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُغَلَّظَةَ فِي الْحُرَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ بَطْنُهَا وَمَا حَاذَاهَا وَمِنْ السُّرَّةِ لِلرُّكْبَةِ وَهِيَ خَارِجَةٌ، فَدَخَلَ الْأَلْيَتَانِ وَالْفَخْذَانِ وَالْعَانَةُ، وَأَمَّا صَدْرُهَا وَمَا حَاذَاهُ مِنْ ظَهْرِهَا سَوَاءٌ كَانَ كَتِفُهُ أَوْ غَيْرُهُ وَعُنُقُهَا لِآخِرِ الرَّأْسِ وَرُكْبَتُهَا لِآخِرِ الْقَدَمِ،

(وَأَعَادَتْ لِصَدْرِهَا) : أَيْ لِكَشْفِهِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا (وَأَطْرَافِهَا) : كَذَلِكَ وَلَوْ ظَهْرَ قَدَمٍ لَا بَاطِنَهُ (بِوَقْتٍ) ضَرُورِيٍّ وَنَحْوِ فِي الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ وَفِي الْعِشَاءَيْنِ اللَّيْلُ كُلُّهُ وَفِي الصُّبْحِ لِلطُّلُوعِ. (كَكَشْفِ أَمَةٍ) : مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ (فَخْذًا) : كُلًّا أَوْ بَعْضًا مَفْعُولُهُ (أَوْ) كَشْفِ (رَجُلٍ أَلْيَةً أَوْ بَعْضَ ذَلِكَ) : مِنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرَ فَيُعِيدُ بِوَقْتٍ. (وَنُدِبَ) : لِذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (سَتْرُهَا) أَيْ الْمُغَلَّظَةِ بِخَلْوَةٍ وَلَوْ بِظَلَامٍ. (وَ) نُدِبَ (لِأُمِّ وَلَدٍ وَ) حُرَّةٍ (صَغِيرَةٍ) : تُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ (سَتْرٌ وَاجِبٌ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQفَعَوْرَةٌ مُخَفَّفَةٌ يُكْرَهُ كَشْفُهَا فِي الصَّلَاةِ، وَتُعِيدُ فِي الْوَقْتِ لَهُ، وَإِنْ حَرُمَ النَّظَرُ لِذَلِكَ كَمَا يَأْتِي. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [لِصَدْرِهَا] : أَيْ وَمَا حَاذَاهُ، وَالْمُرَادُ تُعِيدُ لِمَا عَدَا الْمُغَلَّظَةِ الَّتِي تَقَدَّمَ بَيَانُهَا. قَوْلُهُ: [لِكَشْفِهِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا] : أَيْ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا أَوْ نِسْيَانًا كَمَا فِي الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ. قَوْلُهُ: [لَا بَاطِنُهُ] : أَيْ فَلَا تُعِيدُ لَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُخَفَّفَةِ. قَوْلُهُ: [كَكَشْفِ أَمَةٍ] إلَخْ: أَيْ فَكُلُّ مَا أَعَادَ الرَّجُلُ فِيهِ أَبَدًا تُعِيدُ الْأَمَةُ فِيهِ كَذَلِكَ. وَكُلُّ مَا أَعَادَ فِيهِ فِي الْوَقْتِ تُعِيدُ فِيهِ أَبَدًا. وَمَا تُعِيدُ فِيهِ الْأَمَةُ فِي الْوَقْتِ لَا يُعِيدُ فِيهِ الرَّجُلُ أَصْلًا. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ لِذَكَرٍ] : أَيْ وَقِيلَ: يَجِبُ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِي الْخَلْوَةِ، فَهَلْ يَجِبُ لِلصَّلَاةِ فِي الْخَلْوَةِ أَوْ يُنْدَبُ؟ ذَكَرَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ عَنْ اللَّخْمِيِّ. وَالْمُرَادُ بِالْمُغَلَّظَةِ فِي الْخَلْوَةِ - عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - السَّوْأَتَانِ وَمَا قَارَبَهُمَا، سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقِيلَ: إنَّ الْمُغَلَّظَةَ الَّتِي يُنْدَبُ سَتْرُهَا فِي الْخَلْوَةِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ، فَهِيَ السَّوْأَتَانِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ، وَتَزِيدُ الْأَمَةُ الْأَلْيَتَيْنِ وَالْعَانَةَ، وَتَزِيدُ الْحُرَّةُ عَلَى ذَلِكَ بِالظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْفَخْذِ. وَعَلَى هَذَا فَسَتْرُ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْفَخْذِ فِي الْخَلْوَةِ مَنْدُوبٌ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ دُونَ الرَّجُلِ وَالْأَمَةُ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [لِأُمِّ وَلَدٍ] : أَيْ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهَا مِمَّنْ فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ. قَوْلُهُ: [تُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ] : أَيْ وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُرَاهِقَةٍ.

الْحُرَّةِ) : الْكَبِيرَةِ وَهُوَ جَمِيع الْبَدَنِ مَا عَدَا الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَكَذَا الصَّغِيرُ الْمَأْمُورُ بِالصَّلَاةِ يُنْدَبُ لَهُ سَتْرٌ وَاجِبٌ عَلَى الْبَالِغِ. (وَأَعَادَتَا) : أَيْ أُمُّ الْوَلَدِ وَالصَّغِيرَةُ صَلَاتَهُمَا (لِتَرْكِهِ) : أَيْ لِتَرْكِ السَّتْرِ الْمَنْدُوبِ لَهُمَا الْوَاجِبِ عَلَى الْحُرَّةِ الْكَبِيرَةِ، (بِوَقْتٍ، كَمُصَلٍّ بِحَرِيرٍ) : يُعِيدُ بِوَقْتٍ، (وَعَاجِزٍ) : عَنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ (صَلَّى مَكْشُوفًا) : أَيْ بَادِيَ الْعَوْرَةِ الْمُغَلَّظَةِ ثُمَّ وَجَدَ سَاتِرًا فَيُعِيدُ بِالْوَقْتِ وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ ضَعِيفٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَهُوَ جَمِيعُ الْبَدَنِ] : أَيْ فَمَصَبُّ النَّدْبِ عَلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَإِلَّا فَالْمَنْدُوبُ السَّتْرُ الزَّائِدُ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا فِي الْوُجُوبِ، وَهُوَ سَتْرُ مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ. وَخُصَّتْ أُمُّ الْوَلَدِ دُونَ غَيْرِهَا لِقُوَّةِ شَائِبَةِ الْحُرِّيَّةِ فِيهَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِسَيِّدِهَا فِيهَا إلَّا الِاسْتِمْتَاعُ وَيَسِيرُ الْخِدْمَةِ، وَتَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا الصَّغِيرُ] إلَخْ: قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ: الْأَوْلَى حَذْفُ هَذَا لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ مَا يُنْدَبُ لِلْكَبِيرِ لَا يُنْدَبُ لِلصَّغِيرِ وَالظَّاهِرُ نَدْبُهُ لَهُ تَأَمَّلْ. (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَأَعَادَتَا] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الصَّغِيرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ يُنْدَبُ لَهُمَا فِي الصَّلَاةِ السَّتْرُ الْوَاجِبُ عَلَى الْحُرَّةِ الْبَالِغَةِ زِيَادَةً عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُنَّ فِي الْوُجُوبِ، فَإِنْ تَرَكَتَا ذَلِكَ وَصَلَّتَا بِغَيْرِ قِنَاعٍ مَثَلًا أَعَادَتَا أُمُّ الْوَلَدِ لِلِاصْفِرَارِ وَكَذَا الصَّغِيرَةُ إنْ رَاهَقَتْ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ نَدْبُ السَّتْرِ لِلْمُرَاهِقَةِ وَغَيْرِهَا وَسَكَتَ فِيهَا عَنْ الْإِعَادَةِ، فَظَاهِرُهَا عَدَمُهَا وَأَشْهَبُ - وَإِنْ قَالَ بِنَدْبِ السَّتْرِ لِلْمُرَاهِقَةِ وَغَيْرِهَا - زَادَ الْإِعَادَةَ لِتَرْكِهِ فِي الْوَقْتِ، فَأَطْلَقَ فِي الْإِعَادَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالْمُرَاهِقَةِ، فَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ أَشْهَبَ أَطْلَقَ فِي الْإِعَادَةِ بَلْ قَيَّدَهَا بِالْمُرَاهِقَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّجْرَاجِيُّ فِي مِنْهَاجِ التَّحْصِيلِ، وَكَفَى بِهِ حُجَّةً. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ بِتَصَرُّفٍ) . فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ تَقْيِيدُ شَارِحِنَا بِالْمُرَاهَقَةِ كَمَا عَلِمْت. قَوْلَهُ: [بِوَقْتٍ] : وَهُوَ فِي الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ مُسْتَحَبَّةٌ تُشْبِهُ النَّفَلَ، وَفِي الْعِشَاءَيْنِ اللَّيْلُ كُلُّهُ، وَفِي الصُّبْحِ لِلطُّلُوعِ. قَوْلُهُ: [بِحَرِيرٍ] : وَمِثْلُهُ الذَّهَبُ وَلَوْ خَاتَمًا. قَوْلُهُ: [وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ] : أَيْ مِنْ عَدَمِ الْإِعَادَةِ أَصْلًا، فَإِنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّهُ أَوْلَى مِمَّا صَلَّى بِالنَّجِسِ وَالْحَرِيرِ فِي طَلَبِ الْإِعَادَةِ.

[عورة المرأة والأمة والرجل]

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْعَوْرَةِ الْمُغَلَّظَةِ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى شَرَعَ فِي بَيَانِ الْعَوْرَةِ الْوَاجِبِ سَتْرُهَا بِالنِّسْبَةِ لِلرُّؤْيَةِ وَلِلصَّلَاةِ أَيْضًا، لَكِنَّهَا بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ وَاجِبَةٌ غَيْرُ شَرْطٍ مَا عَدَا الْمُغَلَّظَةَ الَّتِي تَقَدَّمَ بَيَانُهَا. فَقَالَ: (وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ) : الَّتِي يَجِبُ عَلَيْهِ سَتْرُهَا (وَ) عَوْرَةُ (الْأَمَةِ) : الْقِنِّ بَلْ (وَإِنْ بِشَائِبَةٍ) : كَأُمِّ وَلَدٍ وَمُكَاتَبَةٍ وَمُبَعَّضَةٍ مَعَ رَجُلٍ أَوْ مَعَ امْرَأَةٍ مَحْرَمٍ لَهُ. (وَ) عَوْرَةُ (الْحُرَّةِ) : الْبَالِغَةِ (مَعَ امْرَأَةٍ) : كَبِيرَةٍ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ كَافِرَةٍ، فَقَوْلُهُ: [مَعَ امْرَأَةٍ] ، قَيْدٌ فِي الْحُرَّةِ، وَقَوْلُهُ: (مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ) : رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [عَوْرَة الْمَرْأَة والأمة والرجل] [تَنْبِيه نهي الْغِلْمَان عَنْ الزِّينَة] قَوْلُهُ: [كَأُمِّ وَلَدٍ] : هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ صَدْرَهَا وَعُنُقَهَا لَيْسَا بِعَوْرَةٍ - وَهُوَ كَذَلِكَ - خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّهُمَا عَوْرَةٌ. غَايَةُ مَا هُنَاكَ يُنْدَبُ لَهَا السَّتْرُ الْوَاجِبُ عَلَى الْحُرَّةِ فِي الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: [مَعَ رَجُلٍ] إلَخْ: رَاجِعٌ لِعَوْرَةِ الرَّجُلِ. وَأَمَّا الْأَمَةُ فَمَعَ أَيْ شَخْصٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ كَافِرَةٍ] : أَيْ هَذَا إذَا كَانَتْ الْحُرَّةُ أَوْ الْأَمَةُ مُسْلِمَةً، بَلْ وَلَوْ كَانَتْ كَافِرَةً، وَهَذَا مُسَلَّمٌ فِي الْأَمَةِ. وَأَمَّا الْحُرَّةُ الْكَافِرَةُ فَعَوْرَةُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ مَعَهَا مَا عَدَا الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ كَمَا فِي بْن، لَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَقَطْ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الشَّارِحِ، وَقَوْلُ عب مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْأَطْرَافَ مَمْنُوعٌ، بَلْ فِي شب حُرْمَةُ جَمِيعِ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الْكَافِرَةِ؛ لِئَلَّا تَصِفَهَا لِزَوْجِهَا الْكَافِرِ. فَالتَّحْرِيمُ لِعَارِضٍ لَا لِكَوْنِهِ عَوْرَةً كَمَا أَفَادَهُ فِي الْحَاشِيَةِ وَغَيْرِهِ إذَا عَلِمْت مَا فِي شب وَالْحَاشِيَةِ كَانَ كَلَامُ شَارِحِنَا مُسَلَّمًا، لِأَنَّهُ فِي بَيَانِ تَحْدِيدِ الْعَوْرَةِ، وَأَمَّا الْحُرْمَةُ لِعَارِضٍ فَشَيْءٌ آخَرُ. قَوْلُهُ: [مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ] : فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فَخْذُ الرَّجُلِ عَوْرَةً مَعَ مِثْلِهِ وَمَحْرَمِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، فَيَحْرُمُ كَشْفُهُ. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ بَلْ يُكْرَهُ مُطْلَقًا. وَقِيلَ عِنْدَ مَنْ يَسْتَحْيِ مِنْهُ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ صَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ «بِكَشْفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخْذَهُ بِحَضْرَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَلَمَّا دَخَلَ عُثْمَانُ سَتَرَهُ وَقَالَ: أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ» .

(وَ) عَوْرَةُ الْحُرَّةِ (مَعَ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ) : مِنْهَا أَيْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لَهَا جَمِيعُ الْبَدَنِ (غَيْرُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ) : وَأَمَّا هُمَا فَلَيْسَا بِعَوْرَةٍ. وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهَا سَتْرُهُمَا لِخَوْفِ فِتْنَةٍ. (وَيَجِبُ سَتْرُهَا) : أَيْ الْعَوْرَةِ الْمَذْكُورَةِ لِرَجُلٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ حُرَّةٍ مَعَ أَجْنَبِيٍّ (بِالصَّلَاةِ أَيْضًا) كَمَا يَجِبُ سَتْرُهَا بِالنِّسْبَةِ لِرُؤْيَةِ مَنْ ذُكِرَ لَكِنَّ الْمُغَلَّظَةَ مِنْ ذَلِكَ تُعَادِلُ تَرْكَهَا أَبَدًا، وَالْمُخَفَّفَةَ بَعْضُهَا تُعَادِلُهُ فِي الْوَقْتِ كَالْفَخْذَيْنِ فِي الْأَمَةِ وَالْأَطْرَافِ فِي الْحُرَّةِ، وَبَعْضُهَا لَا تُعَادِلُهُ أَصْلًا كَمَا عَدَا الْفَخْذَيْنِ فِي الْأَمَةِ غَيْرِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَمَا عَدَا الْأَلْيَتَيْنِ فِي الرَّجُلِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مَعَ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ] : أَيْ مُسْلِمٍ سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَلَوْ كَانَ مِلْكَهَا مَا لَمْ يَكُنْ وَخْشًا، وَإِلَّا فَكَمَحْرَمِهَا. وَمِثْلُ عَبْدِهَا فِي التَّفْصِيلِ مَجْبُوبُ زَوْجِهَا. قَوْلُهُ: [غَيْرُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ] إلَخْ: أَيْ فَيَجُوزُ النَّظَرُ لَهُمَا لَا فَرْقَ بَيْنَ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا بِغَيْرِ قَصْدِ لَذَّةٍ وَلَا وِجْدَانِهَا، وَإِلَّا حَرُمَ. وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ سَتْرُ وَجْهِهَا وَيَدَيْهَا؟ وَهُوَ الَّذِي لِابْنِ مَرْزُوقٍ قَائِلًا: إنَّهُ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ: أَوْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ، وَإِنَّمَا عَلَى الرَّجُلِ غَضُّ بَصَرِهِ؟ وَهُوَ مُقْتَضَى نَقْلِ الْمَوَّاقِ عَنْ عِيَاضٍ. وَفَصَّلَ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْوَغْلِيسِيَّةِ بَيْنَ الْجَمِيلَة - فَيَجِبُ - وَغَيْرِهَا فَيُسْتَحَبُّ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُ: [الشَّارِحِ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهَا سَتْرُهُمَا] إلَخْ مُرُورٌ عَلَى كَلَامِ ابْنِ مَرْزُوقٍ. قَوْلُهُ: [لِرَجُلٍ] : أَيْ مَعَ مِثْلِهِ أَوْ مَحْرَمِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَمَةٍ] : أَيْ مَعَ مُطْلَقِ شَخْصٍ. قَوْلُهُ: [مَعَ أَجْنَبِيٍّ] : رَاجِعٌ لِخُصُوصِ الْحُرَّةِ.

(وَ) عَوْرَةُ الْمَرْأَةِ (مَعَ) رَجُلٍ (مَحْرَمٍ) : لَهَا (غَيْرُ الْوَجْهِ وَالْأَطْرَافِ) : الرَّأْسِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا كَشْفُ صَدْرِهَا وَثَدْيَيْهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ عِنْدَهُ، وَيَحْرُمُ عَلَى مَحْرَمِهَا كَأَبِيهَا رُؤْيَةُ ذَلِكَ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَلْتَذَّ. (وَتَرَى) : الْمَرْأَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً (مِنْ) الرَّجُلِ (الْأَجْنَبِيِّ) : مِنْهَا أَيْ غَيْرِ الْمَحْرَمِ (مَا يَرَاهُ) الرَّجُلُ (مِنْ مَحْرَمِهِ) وَهُوَ الْوَجْهُ وَالْأَطْرَافُ إلَّا أَنْ تَخْشَى لَذَّةً، فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ لِصَدْرِهِ وَلَا جَنْبِهِ وَلَا ظَهْرِهِ وَلَا سَاقِهِ، وَلَوْ لَمْ تَخَفْ لَذَّةً. (وَ) تَرَى الْمَرْأَةُ (مِنْ الْمَحْرَمِ) وَلَوْ مِنْ رَضَاعٍ (كَرَجُلٍ مَعَ مِثْلِهِ) أَيْ كَمَا يَرَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مَحْرَمٍ لَهَا] : أَيْ وَلَوْ بِصِهْرٍ، كَزَوْجِ أُمِّهَا أَوْ بِنْتِهَا. أَوْ رَضَاعٍ كَابْنِهَا وَأَخِيهَا مِنْ الرَّضَاعِ. قَوْلُهُ: [فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا كَشْفُ صَدْرِهَا] إلَخْ: وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ رُؤْيَةَ مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَذَلِكَ فُسْحَةٌ. قَوْلُهُ: [مَا يَرَاهُ الرَّجُلُ مِنْ مَحْرَمِهِ] : فَحِينَئِذٍ عَوْرَةُ الرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْأَطْرَافَ. وَعَلَى هَذَا فَيَرَى الرَّجُلُ مِنْ الْمَرْأَةِ - إذَا كَانَتْ أَمَةً - أَكْثَرَ مِمَّا تَرَى مِنْهُ لِأَنَّهَا تَرَى مِنْهُ الْوَجْهَ وَالْأَطْرَافَ فَقَطْ، وَهُوَ يَرَى مِنْهَا مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، لِأَنَّ عَوْرَةَ الْأَمَةِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ كَمَا مَرَّ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الرُّؤْيَةِ جَوَازُ الْجَسِّ. فَلِذَلِكَ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَرَى مِنْ الْأَجْنَبِيِّ الْوَجْهَ وَالْأَطْرَافَ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا لَمْسُ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى وَجْهِهَا، بِخِلَافِ الْمَحْرَمِ فَإِنَّهُ كَمَا يَجُوزُ النَّظَرُ لِلْوَجْهِ وَالْأَطْرَافِ يَجُوزُ مُبَاشَرَةُ ذَلِكَ مِنْهَا بِغَيْرِ لَذَّةٍ. وَكَمَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ نَظَرُ مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مِنْ مَحْرَمِهَا، يَجُوزُ لَهَا مَسُّ ذَلِكَ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَحَارِمُ كُلُّ مَا جَازَ لَهُمْ فِيهِ النَّظَرُ جَازَ الْمَسُّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ النَّظَرِ الْمَسُّ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَجُوزُ] إلَخْ: مُفَرَّعٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ " هُوَ الْوَجْهُ وَالْأَطْرَافُ "، كَأَنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِأَطْرَافٍ فَيَحْرُمُ فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ مِنْ رَضَاعٍ] : أَيْ أَوْ صِهْرٍ. قَوْلُهُ: [كَرَجُلٍ مَعَ مِثْلِهِ] : أَيْ وَيَجُوزُ الْجَسُّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَيْضًا. فَفِي

الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ، وَهُوَ مَا عَدَا مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ. (وَكُرِهَ لِرَجُلٍ كَشْفُ كَتِفٍ أَوْ جَنْبٍ، كَتَشْمِيرِ ذَيْلٍ) أَيْ ذَيْلِ ثَوْبِهِ (وَكَفِّ) أَيْ ضَمِّ (كُمٍّ أَوْ) كَفِّ (شَعْرٍ) : بِرَأْسٍ (لِصَلَاةٍ) لَا غَيْرِهَا لِأَمْرٍ اقْتَضَى ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، قُبَيْلَ مَقْدَمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ أَنَّ الصِّدِّيقَ قَبَّلَ عَائِشَةَ بِنْتَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي فَمِهَا. بِخِلَافِ جَسِّ الْعَوْرَةِ، فَإِنْ كَانَ حَائِلٌ فَلَا حُرْمَةَ، كَمَا سَبَقَ فِي تَفْرِيقِ الْمَضَاجِعِ إلَّا كَضَمٍّ. وَمِنْهُ الدَّلْكُ بِكِيسِ الْحَمَّامِ، وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيَّةُ. وَفِي الْحَاشِيَةِ نَقْلًا عَنْ الشَّيْخِ سَالِمٍ: أَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْمُتَّصِلِ. وَحَرَّمَتْ الشَّافِعِيَّةُ الْمُنْفَصِلَ حَتَّى قَالُوا: إنْ عَلِمَ شَعْرَ عَانَةٍ بَعْدَ حَلْقِهِ حَرُمَ النَّظَرُ إلَيْهِ. وَأَمَّا الْمُنْفَصِلُ فَمَحَلُّ جَوَازِ النَّظَرِ إلَيْهِ عِنْدَنَا إذَا كَانَ انْفِصَالُهُ عَنْ صَاحِبِهِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ لِأَنَّهُ صَارَ أَجْنَبِيًّا عَنْ الْجِسْمِ وَلَهُ قَوَامٌ بِدُونِهِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَحْرُمُ النَّظَرُ لِأَجْزَاءِ الْأَجْنَبِيَّةِ. وَلِذَا نَهَوْا عَنْ النَّظَرِ فِي الْقُبُورِ مَخَافَةَ مُصَادَفَتِهِ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى مَجْمُوعِهِ) . وَيَحْرُمُ بِاتِّفَاقٍ الِالْتِذَاذُ الشَّيْطَانِيُّ؛ وَهُوَ كُلُّ مَا أَثَارَ شَهْوَةً لَا مُجَرَّدَ انْبِسَاطِ النَّفْسِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْأَمْرَدِ وَالْمُلْتَحِي حَرُمَ عَلَيْهِ النَّظَرُ لَهُ إلَّا كَمَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الشَّجَرَةِ الْيَابِسَةِ وَالْخَضِرَةِ. (اهـ. مِنْ الْمَجْمُوعِ) . تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لَا يَلْزَمُ غَيْرَ الْمُلْتَحِي تَنَقُّبٌ، لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ: يُنْهَى الْغِلْمَانُ عَنْ الزِّينَةِ لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ، وَتَعَمُّدِ الْفَسَادِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ لِغَيْرِ الْمُلْتَحِي بِقَصْدِ اللَّذَّةِ، وَيَجُوزُ لِغَيْرِهَا إنْ أَمِنَ الْفِتْنَةَ. (اهـ.) وَأَمَّا الْخَلْوَةُ بِالْأَمْرَدِ فَحَرَامٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَلَوْ أُمِنَتْ الْفِتْنَةُ، وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ مُقْتَضَى: الْمَذْهَبِ لَا يَحْرُمُ. (اهـ. مِنْ الْأَصِيلِيِّ) . قَوْلُهُ: [لِصَلَاةٍ] : رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ.

[استقبال القبلة]

(وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى بِإِسْلَامٍ أَيْ وَصِحَّتُهَا أَيْ بِمَا ذُكِرَ وَبِاسْتِقْبَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَاتِمَةٌ: تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَعَمُّدِ نَظَرِ عَوْرَةِ إمَامِهِ وَإِنْ نَسِيَ كَوْنَهُ فِي صَلَاةٍ كَتَعَمُّدِ نَظَرِ عَوْرَةِ نَفْسِهِ إنْ لَمْ يَنْسَ كَوْنَهُ فِي صَلَاةٍ، وَفِي بْن عَنْ أَبِي عَلِيٍّ: وَلَوْ نَسِيَ. وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا سِتْرًا لِأَحَدِ فَرْجَيْهِ، فَقِيلَ: يَسْتُرُ الْقُبُلَ بِهِ لِأَنَّهُ أَبْدَى وَأَكْبَرُ، وَقِيلَ: الدُّبُرُ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ. وَيُتَّفَقُ عَلَى الْقُبُلِ إنْ كَانَ وَرَاءَهُ نَحْوَ حَائِطٍ كَمَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ. وَإِنْ اجْتَمَعَ عُرَاةٌ صَلُّوا بِظَلَامٍ أَوْ تَبَاعَدُوا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ صَلُّوا صَفًّا وَاحِدًا قِيَامًا غَاضِّينَ أَبْصَارَهُمْ، وَإِمَامُهُمْ فِي الصَّفِّ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَإِنْ كَانَ لِعُرَاةٍ ثَوْبٌ وَاحِدٌ صَلُّوا أَفْذَاذًا وَأُقْرِعَ لِلتَّقْدِيمِ إنْ تَنَازَعُوا، أَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ. فَإِنْ ضَاقَ عَنْ الْقُرْعَةِ أَيْضًا صَلُّوا عُرَاةً، فَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ لِأَحَدِهِمْ نُدِبَ لَهُ إعَارَتُهُمْ، وَجُبِرَ عَلَى الزَّائِدِ عَنْ حَاجَتِهِ بِلَا إتْلَافٍ وِفَاقًا لِابْنِ رُشْدٍ وَخِلَافًا لِلَّخْمِيِّ. (اهـ. مِنْ الْمَجْمُوعِ بِتَصَرُّفٍ) . [اسْتِقْبَال الْقِبْلَة] [الْقِبْلَة وَأَقْسَامهَا] قَوْلُهُ: [وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ] : لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى شُرُوطِ الصِّحَّةِ الْأَرْبَعَةِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْخَامِسِ وَهُوَ الِاسْتِقْبَالُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144] إلَى قَوْلِهِ {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] أَيْ جِهَتَهُ وَفِي الْمُوَطَّإِ: «حُوِّلَتْ الْقِبْلَةُ قَبْلَ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ وَقَدْ صَلَّى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعْدَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، فَكَانَتْ نَاسِخَةً لِذَلِكَ، وَحُوِّلَتْ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الظُّهْرِ لِيَجْمَعَ فِيهَا بَيْنَ الْقِبْلَتَيْنِ» ، وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَهُمْ: إنَّ أَوَّلَ صَلَاةٍ صُلِّيَتْ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْعَصْرُ، لِأَنَّ الْمُرَادَ أَوَّلُ صَلَاةٍ، وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ: «فَحُوِّلَتْ فِي رُكُوعِ الْعَصْرِ» . وَسُمِّيَتْ الْقِبْلَةُ قِبْلَةً: لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يُقَابِلُهَا وَتُقَابِلُهُ. وَهِيَ أَقْسَامٌ سَبْعَةٌ: قِبْلَةُ تَحْقِيقٍ، وَهِيَ قِبْلَةُ الْوَحْيِ كَقِبْلَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَإِنَّهَا بِوَضْعِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَقِبْلَةُ إجْمَاعٍ: وَهِيَ قِبْلَةُ جَامِعِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ وَقَفَ عَلَى جَامِعِ عَمْرٍو ثَمَانُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقِبْلَةُ اسْتِتَارٍ: وَهِيَ قِبْلَةُ مَنْ غَابَ عَنْ الْبَيْتِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ عَنْ مَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْفَرْضُ أَنَّهُ فِي

الْقِبْلَةِ (مَعَ أَمْنٍ) مِنْ عَدُوٍّ وَسَبُعٍ، وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ (وَ) مَعَ (قُدْرَةٍ) : فَلَا يَجِبُ مَعَ عَجْزٍ كَمَرْبُوطٍ أَوْ مَرِيضٍ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى التَّحَوُّلِ لَهَا وَلَا يَجِدُ مَنْ يُحَوِّلُهُ، فَيُصَلِّي لِغَيْرِهَا. فَالْيَائِسُ أَوَّلُهُ وَالرَّاجِي آخِرُهُ كَالتَّيَمُّمِ. وَهَذَا الْقَيْدُ زِيَادَةٌ عَلَى الشَّيْخِ فَتَحَصَّلَ أَنَّ طَهَارَةَ الْحَدَثِ لَا تَتَقَيَّدُ بِقَيْدٍ. فَالنَّاسِي يُعِيدُ أَبَدًا وَالْعَاجِزُ تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ، وَأَنَّ الطَّهَارَةَ مِنْ الْخَبَثِ تُقَيَّدُ بِالذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ وَتَسْقُطُ بِالْعَجْزِ وَالنِّسْيَانِ، وَأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ يُقَيَّدُ بِالْقُدْرَةِ فَقَطْ؛ فَالنَّاسِي يُعِيدُ أَبَدًا دُونَ الْعَاجِزِ فَيُعِيدُ بِوَقْتٍ، وَأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ يُقَيَّدُ بِالْأَمْنِ وَالْقُدْرَةِ لَا عَلَى خَائِفٍ مِنْ كَعَدُوٍّ وَلَا عَاجِزٍ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَسْتَقْبِلْ نِسْيَانًا لِوُجُوبِهِ فَيُعِيدُ أَبَدًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ، وَقِبْلَةُ اجْتِهَادٍ: وَهِيَ قِبْلَةُ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَرَمَيْنِ، وَقِبْلَةُ بَدَلٍ: وَهِيَ الْآتِيَةُ فِي قَوْلِهِ: " صَوْبَ سَفَرِهِ "، وَقِبْلَةُ تَخْيِيرٍ وَهِيَ الْآتِيَةُ فِي قَوْلِهِ: " فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَوْ تَحَيَّرَ مُجْتَهِدٌ تَخَيَّرَ "؛ وَقِبْلَةُ عِيَانٍ: وَهِيَ الَّتِي ابْتَدَأَ بِهَا بِقَوْلِهِ: وَهِيَ عَيْنُ الْكَعْبَةِ لِمَنْ بِمَكَّةَ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ] : أَيْ فَلَا يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ حَالَ الْمُسَايَفَةِ وَلَا فِي الْخَوْفِ مِنْ عَدُوٍّ وَسَبُعٍ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [كَالتَّيَمُّمِ] : أَيْ فَلَوْ صَلَّى الْمُتَرَدِّدُ قَبْلَ الْوَسَطِ وَالرَّاجِي قَبْلَ الْآخِرِ، تُنْدَبُ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ. قَوْلُهُ: [فَتَحَصَّلَ] إلَخْ: أَيْ مِمَّا تَقَدَّمَ وَمِمَّا هُنَا. قَوْلُهُ: [وَالْعَاجِزُ] : أَيْ عَنْ الطَّهُورَيْنِ. قَوْلُهُ: [بِالذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ] إلَخْ: أَيْ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ: [بِالْقُدْرَةِ فَقَطْ] : أَيْ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ هُوَ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [مِنْ كَعَدُوٍّ] : أَدْخَلَتْ الْكَافُ: السَّبُعَ. وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَدُوُّ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَسْتَقْبِلْ نِسْيَانًا] إلَخْ: أَيْ فَلَا يُقَيَّدُ بِالذِّكْرِ عَلَى الْمَشْهُورِ.

(وَهِيَ) أَيْ الْقِبْلَةُ (عَيْنُ الْكَعْبَةِ) : أَيْ ذَاتُهَا (لِمَنْ بِمَكَّةَ) : وَمَنْ فِي حُكْمِهَا مِمَّنْ يُمْكِنُهُ الْمُسَامَتَةُ، كَمَنْ فِي جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ فَيَسْتَقْبِلُهَا بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، حَتَّى لَوْ خَرَجَ مِنْهُ عُضْوٌ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. ثُمَّ إنَّ مَنْ بِمَكَّةَ - إنْ كَانَ بِالْحَرَمِ - فَظَاهِرٌ، فَيُصَلُّونَ صَفًّا إنْ كَانُوا قَلِيلًا أَوْ دَائِرَةً أَوْ قَوْسًا إذَا لَمْ تَكْمُلْ الدَّائِرَةُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَلْ بِبَيْتِهِ مَثَلًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَصْعَدَ عَلَى سَطْحٍ أَوْ مَكَان مُرْتَفِعٍ، ثُمَّ يَنْظُرُ الْكَعْبَةَ وَيُحَرِّرُ قِبْلَتَهُ جِهَتَهَا. وَلَا يَكْفِي الِاجْتِهَادُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ مَسَاجِدُ مَكَّةَ الَّتِي حَوْلَهَا كَمَسْجِدِ ذِي طُوًى. (وَجِهَتُهَا) : أَيْ الْكَعْبَةِ (لِغَيْرِهِ) : أَيْ غَيْرِ مَنْ بِمَكَّةَ سَوَاءً كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَيْنُ الْكَعْبَةِ] : أَيْ فَالشَّرْطُ اسْتِقْبَالُ ذَاتِ الْكَعْبَةِ أَيْ بِنَائِهَا وَالْبُقْعَةِ إنْ نُقِضَتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى. قَوْلُهُ: [الْمُسَامَتَةُ] أَيْ مُقَابَلَةُ سَمْتِهَا أَيْ ذَاتِ بِنَائِهَا. قَوْلُهُ: [ثُمَّ إنَّ مَنْ بِمَكَّةَ] إلَخْ: قَالَ فِي الْأَصْلِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ بِمَكَّةَ أَقْسَامٌ: الْأَوَّلُ صَحِيحٌ آمِنٌ، فَهَذَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ اسْتِقْبَالِ الْعَيْنِ، إمَّا بِأَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ بِأَنْ يَطَّلِعَ عَلَى سَطْحٍ لِيَرَى ذَاتَ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ يَنْزِلُ فَيُصَلِّي إلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ طُلُوعٌ أَوْ كَانَ بِلَيْلٍ اسْتَدَلَّ عَلَى الذَّاتِ بِالْعَلَامَةِ الْيَقِينِيَّةِ الَّتِي يَقْطَعُ بِهَا جَزْمًا لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ بِحَيْثُ إنَّهُ لَوْ أُزِيلَ لَكَانَ مُسَامِتًا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ صَلَاةٌ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ. الثَّانِي مَرِيضٌ مَثَلًا يُمْكِنُهُ جَمِيعُ مَا سَبَقَ فِي الصَّحِيحِ لَكِنْ بِجُهْدٍ وَمَشَقَّةٍ، فَهَذَا فِيهِ التَّرَدُّدُ، أَيْ فَإِنَّهُ قِيلَ بِجَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي طَلَبِ الْعَيْنِ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْيَقِينُ، وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ الْمُعَايَنَةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْيَقِينِ تَمْنَعُ مِنْ الِاجْتِهَادِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ هُنَا. الثَّالِثُ: مَرِيضٌ مَثَلًا لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فَهَذَا يَجْتَهِدُ فِي الْعَيْنِ ظَنًّا وَلَا يَلْزَمُهُ الْيَقِينُ اتِّفَاقًا. الرَّابِعُ: مَرِيضٌ مَثَلًا يَعْلَمُ الْجِهَةَ قَطْعًا وَكَانَ مُتَوَجِّهًا لِغَيْرِ الْبَيْتِ وَلَكِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّحَوُّلِ وَلَمْ يَجِدْ مُحَوِّلًا، فَهَذَا كَالْخَائِفِ مِنْ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ يُصَلِّي لِغَيْرِ الْجِهَةِ، لِأَنَّ شَرْطَ الِاسْتِقْبَالِ الْأَمْنُ وَالْقُدْرَةُ، وَلَا يَخْتَصُّ بِمَنْ بِمَكَّةَ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لِلْعَاجِزِ وَالْخَائِفِ عَدَمُ الِاسْتِقْبَالِ بِمَكَّةَ فَمَنْ بِغَيْرِهَا أَوْلَى. (اهـ.) قَوْلُهُ: [مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ بِمَشَقَّةٍ. قَوْلُهُ: [غَيْرِ مَنْ بِمَكَّةَ] : أَيْ وَالْمَدِينَةِ وَجَامِعِ عَمْرٍو لِأَنَّ الْمَدِينَةَ بِالْوَحْيِ

قَرِيبًا مِنْ مَكَّةَ كَأَهْلِ مِنًى أَوْ بَعِيدًا كَأَهْلِ الْآفَاقِ، فَيَسْتَقْبِلُ الْمُصَلِّي تِلْكَ الْجِهَةَ (اجْتِهَادًا) أَيْ بِالِاجْتِهَادِ (إنْ أَمْكَنَ) : الِاجْتِهَادُ بِمَعْرِفَةِ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْجِهَةِ كَالْفَجْرِ وَالشَّفَقِ وَالشَّمْسِ وَالْقُطْبِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكَوَاكِبِ، وَكَذَا الرِّيحُ الشَّرْقِيُّ أَوْ الْجَنُوبِيُّ أَوْ الشَّمَالِيُّ وَالْغَرْبِيُّ. وَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ مَعَ إمْكَانِ الِاجْتِهَادِ (وَإِلَّا) يُمْكِنُ الِاجْتِهَادُ (قَلَّدَ) : عَارِفًا عَدْلًا. (وَلَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدٌ - وَإِنْ أَعْمَى -) : غَيْرَهُ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ، وَأَوْلَى غَيْرُهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا بِالِاجْتِهَادِ وَجَامِعَ عَمْرٍو بِالْإِجْمَاعِ الَّذِي يُفِيدُ الْقَطْعَ لَا بِالِاجْتِهَادِ الَّذِي يُفِيدُ الظَّنَّ. قَوْلُهُ: [قَرِيبًا مِنْ مَكَّةَ] : أَيْ وَلَا يُمْكِنُهُ مُسَامَتَةُ الْعَيْنِ. قَوْلُهُ: [أَيْ بِالِاجْتِهَادِ] : إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ. وَكَوْنُ الْمُصَلِّي بِغَيْرِهَا يَسْتَقْبِلُ الْجِهَةَ بِالِاجْتِهَادِ هُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ لَا سَمْتَهَا، خِلَافًا لِابْنِ الْقَصَّارِ؛ فَعِنْدَهُ يُقَدِّرُ الْمُصَلِّي الْمُقَابَلَةَ وَالْمُحَاذَاةَ لَهَا، إذْ الْجِسْمُ الصَّغِيرُ كُلَّمَا زَادَ بُعْدُهُ اتَّسَعَتْ جِهَتُهُ، كَغَرَضِ الرُّمَاةِ. فَإِذَا تَخَيَّلْنَا الْكَعْبَةَ مَرْكَزًا خَرَجَ مِنْهَا خُطُوطٌ مُجْتَمِعَةُ الْأَطْرَافِ فِيهِ، وَكُلَّمَا بَعُدَتْ اتَّسَعَتْ فَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَذْهَبِهِ بُطْلَانُ الصَّفِّ الطَّوِيلِ، بَلْ جَمِيعُ بِلَادِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى تَفْرِقَتِهَا تُقَدِّرُ ذَلِكَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ بَعُدَ عَنْ مَكَّةَ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ مُقَابَلَةَ الْكَعْبَةِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ. وَإِنَّمَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ لِابْنِ رُشْدٍ يَجْتَهِدُ فِي الْجِهَةِ، وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. وَالثَّانِي لِابْنِ الْقَصَّارِ: يَجْتَهِدُ فِي اسْتِقْبَالِ السَّمْتِ. وَالْمُرَادُ أَنْ يُقَدِّرَ الْمُقَابَلَةَ وَالْمُحَاذَاةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَاقِعِ كَذَلِكَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَيَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ: لَوْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ يُعِيدُ أَبَدًا. (اهـ.) لَكِنْ قَالَ بْن: الْحَقُّ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ لَا ثَمَرَةَ لَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَازِرِيُّ، وَأَنَّهُ لَوْ اجْتَهَدَ وَأَخْطَأَ فَإِنَّمَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ] إلَخْ: أَيْ لِمُجْتَهِدٍ أَوْ لِمِحْرَابِ غَيْرِ مِصْرٍ. قَوْلُهُ: [عَدْلًا] : أَيْ فِي الرِّوَايَةِ. قَوْله: [وَأَوْلَى غَيْرُهُمْ] : أَيْ غَيْرُ الْمُجْتَهِدِينَ.

فَإِنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ سَأَلَ عَنْهَا فَإِذَا دُلَّ عَلَيْهَا اجْتَهَدَ. (إلَّا مِحْرَابًا لِمِصْرٍ) : مِنْ الْأَمْصَارِ فَإِنَّهُ يُقَلِّدُهُ، فَإِذَا دَخَلَ بَلَدًا مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي يَحِلُّ بِهَا أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ قَلَّدَ مِحْرَابَهَا مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ. (وَقَلَّدَ) وُجُوبًا (غَيْرُهُ) : أَيْ غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ (عَدْلًا عَارِفًا) : بِالْأَدِلَّةِ لَا غَيْرَ عَدْلٍ وَلَا جَاهِلًا (أَوْ مِحْرَابًا مُطْلَقًا) : سَوَاءً كَانَ مِحْرَابَ مِصْرٍ أَوْ غَيْرِ مِصْرٍ. (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ عَدْلًا عَارِفًا وَلَا مِحْرَابًا، (أَوْ تَحَيَّرَ مُجْتَهِدٌ) : بِأَنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ لِغَيْمٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ، (تَخَيَّرَ) : جِهَةً مِنْ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ وَصَلَّى إلَيْهَا وَاكْتَفَى بِذَلِكَ، وَقِيلَ: يُصَلِّي أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ لِكُلِّ جِهَةٍ صَلَاةٌ. (وَبَطَلَتْ) : صَلَاةُ مُجْتَهِدٍ أَوْ مُقَلِّدٍ (إنْ خَالَفَ) : الْجِهَةَ الَّتِي أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهَا، أَوْ أَمَرَهُ الْعَارِفُ بِهَا وَصَلَّى لِغَيْرِهَا (عَمْدًا) : وَأَعَادَهَا وُجُوبًا، (وَلَوْ صَادَفَ) : الْقِبْلَةَ فِي الْجِهَةِ الَّتِي خَالَفَ إلَيْهَا. (وَإِنْ تَبَيَّنَ خَطَأٌ) يَقِينًا أَوْ ظَنًّا (بِصَلَاةٍ) أَيْ فِيهَا (قَطَعَ) صَلَاتَهُ (الْبَصِيرُ الْمُنْحَرِفُ كَثِيرًا) : بِأَنْ اسْتَدْبَرَ أَوْ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ، وَابْتَدَأَهَا بِإِقَامَةٍ. وَلَا يَكْفِي تَحَوُّلُهُ لِجِهَةِ الْقِبْلَةِ. (وَاسْتَقْبَلَ) الْقِبْلَةَ؛ بِأَنْ يَتَحَوَّلَ إلَيْهَا (غَيْرُهُ) : وَهُوَ الْأَعْمَى مُطْلَقًا وَالْبَصِيرُ الْمُنْحَرِفُ يَسِيرًا، (أَوْ) إنْ تَبَيَّنَ خَطَأٌ (بَعْدَهَا) : أَيْ بَعْدَ الصَّلَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مِحْرَابُ مِصْرٍ] : أَيْ عُلِمَ أَنَّهُ وَضْعُ الْعَارِفِينَ أَوْ الشَّأْنُ فِيهِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرِ مِصْرٍ] : أَيْ الشَّأْنُ فِيهِ عَدَمُ الْعَارِفِينَ. قَوْلُهُ: [لِكُلِّ جِهَةٍ صَلَاةٌ] : أَيْ إنْ كَانَ الشَّكُّ فِي الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ، فَإِنْ شَكَّ فِي جِهَتَيْنِ فَصَلَاتَيْنِ وَلَا بُدَّ مِنْ جَزْمِ النِّيَّةِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ. قَوْلُهُ: [إنْ خَالَفَ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ صَلَّى إلَى جِهَةِ اجْتِهَادِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ إذَا اسْتَدْبَرَ أَوْ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، إلَّا إنْ انْحَرَفَ يَسِيرًا. قَوْلُهُ: [وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ] إلَخْ: أَيْ فَإِنْ لَمْ يَسْتَقْبِلْهَا الْأَعْمَى الْمُنْحَرِفُ كَثِيرًا بَعْدَ الْعِلْمِ بَطَلَتْ، لِأَنَّ الِانْحِرَافَ الْكَثِيرَ مُبْطِلٌ مُطْلَقًا مَعَ الْعِلْمِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِهِ حِينَ الدُّخُولِ أَوْ عَلِمَ بِهِ بَعْدَ دُخُولِهَا. وَأَمَّا الْمُنْحَرِفُ يَسِيرًا - أَعْمَى أَوْ بَصِيرًا - إذَا لَمْ يَسْتَقْبِلْ - لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ.

[الصلاة في الكعبة]

(أَعَادَ الْأَوَّلُ) : وَهُوَ الْبَصِيرُ الْمُنْحَرِفُ كَثِيرًا (بِوَقْتٍ) : ضَرُورِيٍّ، وَقَوْلُ الشَّيْخِ: الْمُخْتَارُ مُعْتَرَضٌ، وَأَمَّا الْمُنْحَرِفُ يَسِيرًا وَالْأَعْمَى مُطْلَقًا فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ (كَالنَّاسِي) : لِلْجِهَةِ الَّتِي أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهَا أَوْ الَّتِي دَلَّهُ عَلَيْهَا الْعَارِفُ الْمُقَلَّدُ، يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ: أَبَدًا. وَأَمَّا نَاسِي وُجُوبِ الِاسْتِقْبَالِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكَلَامِ؛ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا تَقَدَّمَ. وَبَعْضُهُمْ أَجْرَى الْخِلَافَ حَتَّى فِي نَاسِي الْوُجُوبِ أَيْضًا، وَعَلَيْهِ فَيُقَيَّدُ وُجُوبُ الِاسْتِقْبَالِ بِالذِّكْرِ وَالْأَمْنِ وَالْقُدْرَةِ. (وَجَازَ نَفْلٌ غَيْرُ مُؤَكَّدٍ) : وَمِنْهُ الرَّوَاتِبُ كَأَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَالضُّحَى وَالشَّفْعِ (فِيهَا) : أَيْ الْكَعْبَةِ (وَفِي الْحِجْرِ) : أَيْ حِجْرِ إسْمَاعِيلَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ (لِأَيِّ جِهَةٍ) : رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: [فِيهَا] لَا لِقَوْلِهِ الْحِجْرُ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَدْبَرَ الْبَيْتَ أَوْ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ لَمْ تَصِحَّ كَمَا قَالَ الْحَطَّابُ، وَقِيلَ: بَلْ تَصِحُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَعَادَ الْأَوَّلُ] إلَخْ: هَذَا التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي قِبْلَةِ الِاجْتِهَادِ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ. وَأَمَّا قِبْلَةُ الْقَطْعِ - كَمَنْ بِمَكَّةَ - أَوْ الْوَحْيِ - كَمَنْ بِالْمَدِينَةِ - أَوْ الْإِجْمَاعِ - كَمَنْ بِمَسْجِدٍ عَمْرٍو - فَإِنَّهُ يَقْطَعُ وَلَوْ أَعْمَى مُنْحَرِفًا يَسِيرًا فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ أَعَادَ أَبَدًا. قَوْلُهُ: [بِوَقْتٍ ضَرُورِيٍّ] إلَخْ: قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَهُوَ فِي الْعِشَاءَيْنِ اللَّيْلُ كُلُّهُ، وَفِي الصُّبْحِ لِلطُّلُوعِ، وَفِي الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ أَبَدًا] : هَذَا الْخِلَافُ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ، وَأَمَّا فِي النَّفْلِ فَلَا إعَادَةَ أَصْلًا. قَوْلُهُ: [وَعَلَيْهِ فَيُقَيَّدُ وُجُوبُ الِاسْتِقْبَالِ] إلَخْ: الْمُنَاسِبُ جَعْلُ هَذَا عَقِبَ قَوْلِهِ [عَلَى الْمَشْهُورِ] تَأَمَّلْ. [الصَّلَاة فِي الْكَعْبَة] قَوْلُهُ: [وَقِيلَ: بَلْ تَصِحُّ بِنَاءً] إلَخْ: لَكِنْ أَيَّدَ بْن الْأَوَّلَ.

(وَكُرِهَ الْمُؤَكَّدَةُ) : كَالْوَتْرِ وَالْعِيدَيْنِ وَكَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمَا سُنَّةٌ، وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ عَلَى الرَّاجِحِ، وَقِيلَ: يُمْنَعُ الْمُؤَكَّدُ. وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ ضَعِيفٌ. (وَمُنِعَ الْفَرْضُ) : فِيهَا أَوْ فِي الْحِجْرِ (وَ) إنْ وَقَعَ وَلَوْ عَمْدًا (أَعَادَهُ بِوَقْتٍ) : ضَرُورِيٍّ وَهُوَ فِي الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ، وَقِيلَ يُعِيدُ الْعَامِدُ أَبَدًا (وَبَطَلَ) : الْفَرْضُ (عَلَى ظَهْرِهَا) : وَيُعَادُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَالُ الْبِنَاءِ (كَالْمُؤَكَّدِ) : فَلَا يَكْفِي اسْتِقْبَالُ الْهَوَاءِ لِجِهَةِ السَّمَاءِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَجُوزُ النَّفَلُ أَيْضًا، وَقِيلَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. (وَ) جَازَ (لِمُسَافِرٍ سَفَرَ قَصْرٍ) لَا أَقَلَّ (تَنَفُّلٌ وَإِنْ) تَنَفَّلَ (بِوَتْرٍ) فَأَوْلَى غَيْرُهُ (صَوْبَ) : أَيْ جِهَةَ (سَفَرِهِ إنْ رَكِبَ دَابَّةً) : عَلَى ظَهْرِهَا بَلْ. (وَإِنْ بِمَحْمِلٍ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ] : أَيْ غَيْرِ الْوَاجِبِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْجَوَازِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ: يُعِيدُ الْعَامِدُ] إلَخْ: وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ الْأُولَى. قَوْلُهُ: [وَبَطَلَ الْفَرْضُ عَلَى ظَهْرِهَا] : أَيْ وَلَوْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ بَعْضُ بِنَائِهَا. قَوْلُهُ: [كَالْمُؤَكَّدِ] : أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ: لَا بَأْسَ بِهِ] : الْحَاصِلُ أَنَّ فِي غَيْرِ الْفَرْضِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْجَوَازُ مُطْلَقًا، الْجَوَازُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُؤَكَّدٍ، الْمَنْعُ مُطْلَقًا، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَهَذَا الْأَخِيرُ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ حُكْمِ الصَّلَاةِ تَحْتَ الْكَعْبَةِ فِي حُفْرَةٍ مَثَلًا. وَالْحُكْمُ الْبُطْلَانُ مُطْلَقًا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا لِأَنَّ مَا تَحْتَ الْمَسْجِدِ لَا يُعْطَى حُكْمَهُ بِحَالٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ الدُّخُولُ تَحْتَهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الطَّيَرَانُ فَوْقَهُ؟ كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .

[صلاة المسافر وغيره إلى غير القبلة والصلاة تحت الكعبة]

بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ مَا يُرْكَبُ فِيهِ مِنْ مِحَفَّةٍ وَشُقْدُفٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَجْلِسُ فِيهِ وَيُصَلِّي مُتَرَبِّعًا؛ فَلِجَوَازِ التَّنَفُّلِ صَوْبَ السَّفَرِ شُرُوطٌ: أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ سَفَرَ قَصْرٍ، وَأَنْ يَكُونَ رَاكِبًا لَا مَاشِيًا وَلَا جَالِسًا، وَأَنْ يَكُونَ رَاكِبَ دَابَّةٍ مِنْ حِمَارٍ أَوْ بَغْلٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ بَعِيرٍ لَا سَفِينَةٍ أَوْ رِجْلٍ، وَأَنْ يَكُونَ رُكُوبُهُ لَهَا عَلَى الْمُعْتَادِ لَا مَقْلُوبًا أَوْ جَاعِلًا رِجْلَيْهِ مَعًا لِجَنْبٍ وَاحِدٍ. وَأَخَذَ مِنْ قَوْلِهِ سَفَرَ قَصْرٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا فِيهِ شَرْعًا، فَخَرَجَ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ. وَأَشَارَ لِكَيْفِيَّةِ صَلَاةِ النَّفْلِ فِي سَفَرِ الْقَصْرِ عَلَى الدَّابَّةِ بِقَوْلِهِ: (يُومِئُ) : بَعْدَ أَنْ يَرْكَعَ (بِسُجُودِهِ لِلْأَرْضِ) : وَلَا يَسْجُدُ عَلَى قَرْبُوسِ السَّرْجِ وَلَا عَلَى الْقَتَبِ. وَيَحْسَرُ عِمَامَتَهُ كَمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ. وَلَا يُشْتَرَطُ طَهَارَةُ الْأَرْضِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودُ عَلَى نَحْوِ سَطْحٍ وَمِحَفَّةٍ. وَإِلَّا صَلَّى مُتَرَبِّعًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [صَلَاة الْمُسَافِر وَغَيْره إلَى غَيْر الْقِبْلَة وَالصَّلَاة تَحْت الْكَعْبَة] قَوْلُهُ: [شُرُوطٌ] : أَيْ خَمْسَةٌ. قَوْلُهُ: [أَوْ رِجْلٍ] : أَيْ لِلسُّنَّةِ قَوْلُهُ: [لَا مَقْلُوبًا] إلَخْ: أَيْ إلَّا أَنْ يُوَافِقَ الْقِبْلَةَ الْأَصْلِيَّةَ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ سَفَرُ قَصْرٍ] إلَخْ: أَيْ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ قَيْدَانِ أَنْ يَكُونَ أَرْبَعَةَ بُرْدٍ لَا أَقَلَّ: وَأَنْ لَا يَكُونَ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ، وَوَجْهُ أَخْذِ هَذَا الثَّانِي أَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا. قَوْلُهُ: [وَلَا يُشْتَرَطُ طَهَارَةُ الْأَرْضِ] : وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ وُجُوبِ حَسْرِ الْعِمَامَةِ، وَعَدَمِ اشْتِرَاطِ طَهَارَةِ الْأَرْضِ بِقُوَّةِ الرُّكْنِ عَلَى الشَّرْطِ وَالِاخْتِلَافِ فِي هَذَا الشَّرْطِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا صَلَّى مُتَرَبِّعًا] : وَلِذَلِكَ قَالُوا: تَجُوزُ الصَّلَاةُ فَرْضًا وَنَفْلًا عَلَى الدَّابَّةِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، وَكَانَ مُسْتَقْبِلًا لِلْقِبْلَةِ كَذَا ذَكَرَهُ سَنَدٌ فِي الطِّرَازِ، وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يُجْزِئُ إيقَاعُ الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ قَائِمًا وَرَاكِعًا وَسَاجِدًا لِدُخُولِهِ عَلَى الْفَوْرِ، وَمَا قَالَهُ سَنَدٌ هُوَ الرَّاجِحُ كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .

[الأحوال التي يجوز فيها الفرض لغير القبلة]

فَإِنْ انْحَرَفَ لِغَيْرِ جِهَةِ سَفَرِهِ عَامِدًا بِلَا ضَرُورَةٍ بَطَلَ نَفْلُهُ إلَّا لِجِهَةِ الْقِبْلَةِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ. وَجَازَ لَهُ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَيْهَا أَنْ يَعْمَلَ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِنْ رَكْضِ دَابَّةٍ وَمَسْكِ عَنَانِهَا وَسَوْقِهَا بِسَوْطٍ وَنَحْوِهِ، لَا بِكَلَامٍ. ثُمَّ صَرَّحَ بِبَعْضِ مَفْهُومِ دَابَّةٍ وَهُوَ السَّفِينَةُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ وَالتَّفْصِيلِ بِقَوْلِهِ: (لَا) إنْ رَكِبَ (سَفِينَةً) فَلَا يُصَلِّي فِيهَا صَوْبَ سَفَرِهِ وَلَا بِالْإِيمَاءِ، بَلْ لِجِهَةِ الْقِبْلَةِ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ لِتَيَسُّرِ التَّوَجُّهِ لِلْقِبْلَةِ، وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِيهَا بِخِلَافِ الدَّابَّةِ، وَحِينَئِذٍ (فَيَسْتَقْبِلُ) الْقِبْلَةَ (وَدَارَ مَعَهَا) أَيْ مَعَ دَوَرَانِهَا إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ إذَا دَارَتْ لِغَيْرِهَا (إنْ أَمْكَنَ) الدَّوَرَانُ مَعَهَا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لِضِيقٍ وَنَحْوِهِ صَلَّى حَيْثُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِلَا ضَرُورَةٍ] : أَيْ فَإِنْ كَانَ انْحِرَافُهُ لِضَرُورَةٍ كَظَنِّهِ أَنَّهَا طَرِيقُهُ أَوْ غَلَبَتْهُ الدَّابَّةُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ وَصَلَ لِمَحَلِّ إقَامَتِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ نَزَلَ عَنْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي يَسِيرًا كَالتَّشَهُّدِ، وَإِلَّا فَلَا يَنْزِلُ: عَنْهَا. وَإِذَا نَزَلَ عَنْهَا أَتَمَّ بِالْأَرْضِ مُسْتَقْبِلًا رَاكِعًا وَسَاجِدًا لَا بِالْإِيمَاءِ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ الْإِيمَاءَ فِي النَّفْلِ لِلصَّحِيحِ غَيْرِ الْمُسَافِرِ، فَيُتِمُّ عَلَيْهَا بِالْإِيمَاءِ وَالْمُرَادُ مَحَلُّ إقَامَتِهِ الَّذِي يَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْزِلُهُ. [الْأَحْوَال الَّتِي يَجُوز فِيهَا الْفَرْض لِغَيْرِ الْقِبْلَة] قَوْلُهُ: [لِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ] : الْحَاصِلُ أَنَّهُ وَقَعَ خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ، هَلْ يُصَلِّي بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي السَّفِينَةِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، أَوْ لَا يُصَلِّي لِغَيْرِهَا أَصْلًا؟ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتَنَفَّلَ فِي السَّفِينَةِ إيمَاءً لِلْقِبْلَةِ، أَوْ لَا يَجُوزُ؟ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ شَارِحُنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ وَلَا لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ لَا فِي فَرْضٍ وَلَا فِي نَفْلٍ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ] إلَخْ: أَيْ فَيَسْقُطُ عَنْهُ الِاسْتِقْبَالُ عِنْدَ الْعَجْزِ بَلْ السُّجُودُ أَيْضًا لَا فَرْقَ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ.

تَوَجَّهَتْ بِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ نَفْلٍ وَفَرْضٍ (لَا فَرْضٌ) أَيْ لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ فَرْضٌ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ (وَإِنْ مُسْتَقْبِلًا) لِلْقِبْلَةِ إلَّا فِي فُرُوعٍ أَرْبَعَةٍ. أَشَارَ لِأَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ: (إلَّا لِالْتِحَامٍ) فِي قِتَالِ عَدُوٍّ كَافِرٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ كُلِّ قِتَالٍ جَائِزٍ لَا يُمْكِنُ النُّزُولُ فِيهِ عَنْ الدَّابَّةِ، فَيُصَلِّي الْفَرْضَ عَلَى ظَهْرِهَا إيمَاءً لِلْقِبْلَةِ إنْ أَمْكَنَ. وَإِلَى ثَانِيهَا بِقَوْلِهِ: (أَوْ خَوْفٍ) مِنْ كَ (سَبُعٍ) أَوْ لِصٍّ إنْ نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ (فَلَهَا) أَيْ فَيُصَلِّي الْفَرْضَ عَلَى ظَهْرِهَا إيمَاءً لِلْقِبْلَةِ (إنْ أَمْكَنَ) وَإِلَّا صَلَّى لِغَيْرِهَا، (وَإِنْ أَمِنَ) أَيْ حَصَلَ لَهُ أَمَانٌ بَعْدَ صَلَاتِهِ (أَعَادَ الْخَائِفُ) : مِنْ كَسَبُعٍ (بِوَقْتٍ) دُونَ الْمُلْتَحِمِ. وَأَشَارَ لِثَالِثِهَا بِقَوْلِهِ: (وَإِلَّا) رَاكِبًا (لِخَضْخَاضٍ) أَيْ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا يَصِحُّ فَرْضٌ] إلَخْ: مَحَلُّ الْبُطْلَانِ إذَا كَانَ يُصَلِّي عَلَى الدَّابَّةِ بِالْإِيمَاءِ أَوْ رُكُوعٌ وَسُجُودٌ مِنْ جُلُوسٍ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ. وَأَمَّا لَوْ صَلَّى عَلَى الدَّابَّةِ قَائِمًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ مُسْتَقْبِلًا لِلْقِبْلَةِ أَوْ عَاجِزًا عَنْ الْقِيَامِ كَانَتْ صَحِيحَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ سَنَدٍ، وَكَمَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الْمَرِيضِ. قَوْلُهُ: [مِنْ كُلِّ قِتَالٍ جَائِزٍ] : أَيْ لِأَجْلِ الدَّفْعِ عَنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَوْ حَرِيمٍ. قَوْلُهُ: [إنْ أَمْكَنَ] إلَخْ: قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: الْخَائِفُ مِنْ سِبَاعٍ وَنَحْوِهَا عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْجُهٍ: مُوقِنٌ بِانْكِشَافِ الْخَوْفِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَيَائِسٌ مِنْ انْكِشَافِهِ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ، وَرَاجٍ انْكِشَافَهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ؛ فَالْأَوَّلُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عَلَى الدَّابَّةِ لِآخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ وَالثَّانِي يُصَلِّي عَلَيْهَا أَوَّلَهُ. وَالثَّالِثُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا لِوَسَطِهِ. قَوْلُهُ: [بِوَقْتٍ] : وَهُوَ كَمَا تَقَدَّمَ لِلِاصْفِرَارِ فِي الظُّهْرَيْنِ وَلِلْفَجْرِ فِي الْعِشَاءَيْنِ وَلِلطُّلُوعِ فِي الصُّبْحِ. قَوْلُهُ: [دُونَ الْمُلْتَحِمِ] : أَيْ وَأَمَّا الْمُلْتَحِمُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ تَبَيَّنَ عَدَمَ مَا يَخَافُ مِنْهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخَائِفِ مِنْ كَسَبُعٍ وَالْمُلْتَحِمِ وُرُودُ النَّصِّ فِيهِ وَغَيْرُهُ مَقِيسٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا رَاكِبًا لِخَضْخَاضٍ] : لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُسَافِرًا أَوْ حَاضِرًا.

(لَا يُطِيقُ النُّزُولَ بِهِ) : أَيْ فِيهِ. (وَخَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ) الِاخْتِيَارِيِّ فَأَوْلَى الضَّرُورِيُّ فَيُصَلِّي الْفَرْضَ عَلَى الدَّابَّةِ إيمَاءً، وَهَذَا الْقَيْدُ زِدْنَاهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَخَفْ خُرُوجَهُ أَخَّرَ لِآخِرِ الِاخْتِيَارِيِّ. وَأَشَارَ لِرَابِعِهَا بِقَوْلِهِ: (وَإِلَّا لِمَرَضٍ) بِالرَّاكِبِ لَا يُطِيقُ النُّزُولَ مَعَهُ. (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (يُؤَدِّيهَا عَلَيْهَا) : أَيْ عَلَى الدَّابَّةِ (كَالْأَرْضِ) أَيْ كَمَا يُؤَدِّيهَا عَلَى الْأَرْضِ بِالْإِيمَاءِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا عَلَى دَابَّتِهِ إيمَاءً لِلْقِبْلَةِ بَعْدَ أَنْ تَوَقَّفَ بِهِ، فَإِذَا كَانَ يُؤَدِّيهَا بِالْأَرْضِ بِأَكْمَلَ مِمَّا عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ وَجَبَ تَأَدِّيهَا بِالْأَرْضِ (وَاَلَّذِي يَنْبَغِي فِي هَذَا) الْفَرْعِ الْأَخِيرِ (الْأَرْضُ) أَيْ تَأْدِيَتُهَا بِالْأَرْضِ يُحْتَمَلُ وُجُوبًا وَيُحْتَمَلُ نَدْبًا قَالَ فِيهَا: لَا يُعْجِبنِي تَأْدِيَتُهَا عَلَى الدَّابَّةِ، فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: أَيْ يُكْرَهُ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَيْ يُمْنَعُ، فَقَوْلُ الشَّيْخِ وَفِيهَا كَرَاهَةُ الْأَخِيرِ مُعْتَرَضٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا يُطِيقُ النُّزُولَ بِهِ] : أَيْ أَوْ خَشِيَ تَلَطُّخَ ثِيَابِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْحَطَّابُ عَنْ ابْنِ نَاجِي. قَوْلُهُ: [وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَيْ يُمْنَعُ] : وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ. لَكِنْ تَأَوَّلَ الْمُدَوَّنَةَ ابْنُ نَاجِي بِتَأْوِيلٍ آخَرَ، فَقَالَ: مَعْنَى قَوْلِهَا لَا يُعْجِبُنِي إذَا صَلَّى حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ الدَّابَّةُ، وَأَمَّا لَوْ وَقَفَتْ لَهُ وَاسْتَقْبَلَ بِهَا الْقِبْلَةَ لَجَازَ. وَهُوَ وِفَاقٌ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ بْن)

[فصل في فرائض الصلاة]

فَصْلٌ: فِي فَرَائِضِ الصَّلَاةِ وَسُنَنِهَا وَمَنْدُوبَاتِهَا وَمَكْرُوهَاتِهَا وَمُبْطِلَاتِهَا (فَصْلٌ) : فِي بَيَانِ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ؛ أَيْ أَرْكَانِهَا الَّتِي تَتَرَكَّبُ هِيَ مِنْهَا، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ. (فَرَائِضُ الصَّلَاةِ) أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَرِيضَةً أَوَّلُهَا: (نِيَّتُهَا) : أَيْ الصَّلَاةِ الْمَخْصُوصَةِ. فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ تَعْيِينِهَا مِنْ ظُهْرٍ أَوْ عَصْرٍ. وَإِنَّمَا يَجِبُ التَّعْيِينُ فِي الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ كَالْوِتْرِ وَالْعِيدِ وَكَذَا الْفَجْرُ، دُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي فَرَائِضِ الصَّلَاةِ] [تَنْبِيه سَبَقَ النِّيَّة فِي الصَّلَاة] فَصْلٌ: لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى شُرُوطِ الصَّلَاةِ الْخَارِجَةِ عَنْ مَاهِيَّتِهَا، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى فَرَائِضِهَا الْمُعَبِّرِ عَنْهَا بِالْأَرْكَانِ الدَّاخِلَةِ فِي مَاهِيَّتِهَا مُتْبِعًا ذَلِكَ بِذِكْرِ سُنَنِهَا وَمَنْدُوبَاتِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. فَقَالَ: [فَرَائِضُ الصَّلَاةِ] إلَخْ: وَإِضَافَةُ فَرَائِضَ لِلصَّلَاةِ مِنْ إضَافَةِ الْجُزْءِ لِلْكُلِّ، لِأَنَّ الْفَرَائِضَ بَعْضُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ هَيْئَةٌ مُجْتَمِعَةٌ مِنْ فَرَائِضَ وَغَيْرِهَا. وَالْمُرَادُ: الصَّلَاةُ وَلَوْ نَفْلًا، وَيُصْرَفُ كُلُّ فَرْضٍ إلَى مَا يَلِيقُ بِهِ فَإِنَّ الْقِيَامَ فِي الْفَاتِحَةِ وَلِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَاجِبٌ فِي الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ. قَوْلُهُ: [وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ] : أَيْ مِنْ سُنَنٍ وَفَضَائِلَ وَمَكْرُوهَاتٍ وَمُبْطِلَاتٍ. قَوْلُهُ: [أَرْبَعَ عَشْرَةَ] : أَيْ وِفَاقًا وَخِلَافًا؛ أَيْ لِأَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ وَالِاعْتِدَالَ وَقَعَ فِيهِمَا خِلَافٌ. قَوْلُهُ: [وَإِنَّمَا يَجِبُ التَّعْيِينُ] إلَخْ: فِي ح عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ التَّعْيِينَ لَهَا يَتَضَمَّنُ الْوُجُوبَ وَالْأَدَاءَ وَالْقُرْبَةَ. فَهُوَ يُغْنِي عَنْ الثَّلَاثَةِ لَكِنَّ اسْتِحْضَارَ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ أَكْمَلُ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّعْيِينِ نِيَّةُ الْيَوْمِ. وَمَا يَأْتِي فِي الْفَوَائِتِ مِنْ أَنَّهُ إذَا عَلِمَهَا دُونَ يَوْمِهَا صَلَّاهَا نَاوِيًا لَهُ فَلِكَوْنِ سُلْطَانِ وَقْتِهَا فَاتَ، فَاحْتِيجَ فِي تَعْيِينِهَا لِمُلَاحَظَةِ الْيَوْمِ. وَأَمَّا الْوَقْتُ الْحَالُّ فَلَا يَقْبَلُ الِاشْتِرَاكَ. وَلَا يَكْفِي فِي الْفَرَائِضِ نِيَّةُ

غَيْرِهَا مِنْ النَّوَافِلِ؛ كَالضُّحَى وَالرَّوَاتِبِ وَالتَّهَجُّدِ فَيَكْفِي فِيهِ نِيَّةُ مُطْلَقِ نَفْلٍ، وَيَنْصَرِفُ لِلضُّحَى إنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَهَكَذَا. وَالنِّيَّةُ: قَصْدُ الشَّيْءِ. وَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ. (وَجَازَ التَّلَفُّظُ بِهَا) : وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ فِي صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَهِيَ فَرْضٌ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُطْلَقِ الْفَرْضِ، وَلَا فِي السُّنَّةِ نِيَّةُ مُطْلَقِ السُّنَّةِ، فَإِنْ أَرَادَ صَلَاةَ الظُّهْرِ وَقَالَ: نَوَيْت صَلَاةَ الْفَرْضِ، وَلَمْ يُلَاحِظْ أَنَّهُ الظُّهْرُ كَانَتْ بَاطِلَةً. وَكَذَا يُقَالُ فِي السُّنَّةِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ: (لَا بُدَّ فِي الْفَرَائِضِ مِنْ التَّعْيِينِ) نِيَّةُ الْجُمُعَةِ عَنْ الظُّهْرِ، فَإِنَّهَا تُجْزِي عَلَى الْمَشْهُورِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الظُّهْرَ جُمُعَةٌ فَنَوَاهَا أَوْ ظَنَّ أَنَّ الْجُمُعَةَ ظُهْرٌ فَنَوَاهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْبُطْلَانُ فِيهِمَا، وَالصِّحَّةُ فِيهِمَا، وَالْمَشْهُورُ التَّفْصِيلُ: إنْ نَوَى الْجُمُعَةَ فَتَبَيَّنَ الظُّهْرُ أَجْزَأَ دُونَ الْعَكْسِ وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّ شُرُوطَ الْجُمُعَةِ أَكْثَرُ مِنْ شُرُوطِ الظُّهْرِ، وَنِيَّةَ الْأَخَصِّ تَسْتَلْزِمُ نِيَّةَ الْأَعَمِّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَلَا يَخْلُو عَنْ تَسَمُّحٍ فَإِنَّ الْجُمُعَةَ رَكْعَتَانِ وَالظُّهْرَ أَرْبَعٌ، فَلَا خُصُوصَ وَلَا عُمُومَ بَيْنَهُمَا فَتَأَمَّلْ. تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: قَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ لَهُ دُخُولٌ عَلَى مَا أَحْرَمَ بِهِ الْإِمَامُ. قَالَ الْأَصْلُ فِي شَرْحِهِ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى صُورَتَيْنِ فَقَطْ عَلَى التَّحْقِيقِ؛ الْأُولَى أَنْ يَجِدَ الْمَأْمُومُ إمَامًا وَلَمْ يَدْرِ أَهُوَ فِي الْجُمُعَةِ أَوْ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فَيَنْوِي مَا أَحْرَمَ بِهِ الْإِمَامُ فَيُجْزِيهِ مَا تَبَيَّنَ مِنْهُمَا. الثَّانِيَةُ أَنْ يَجِدَ إمَامًا وَلَمْ يَدْرِ أَهُوَ مُسَافِرٌ أَمْ مُقِيمٌ فَأَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ الْإِمَامُ، فَيُجْزِيهِ مَا تَبَيَّنَ مِنْ سَفَرِيَّةٍ أَوْ حَضَرِيَّةٍ، لَكِنْ إنْ كَانَ الْمَأْمُومُ مُقِيمًا فَإِنَّهُ يُتِمُّ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ الْمُسَافِرِ، وَيَلْزَمُهُ إنْ كَانَ مُسَافِرًا مُتَابَعَةُ إمَامِهِ الْمُقِيمِ. الثَّانِي: تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِسَبْقِ النِّيَّةِ إنْ كَثُرَ، وَإِلَّا فَخِلَافٌ. فَالْبُطْلَانُ بِنَاءٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ وَعَدَمُهُ بِنَاءٌ عَلَى عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَسَبْقُهَا بِيَسِيرٍ مُغْتَفَرٌ عَلَى الْمُخْتَارِ. قَوْلُهُ: [وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ] : يُسْتَثْنَى الْمُوَسْوَسُ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ التَّلَفُّظُ لِيَذْهَبَ عَنْهُ اللَّبْسُ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ، وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ هُوَ الَّذِي حَلَّ بِهِ بَهْرَامُ كَلَامَ خَلِيلٍ تَبَعًا لِأَبِي الْحَسَنِ وَالتَّوْضِيحِ. وَقِيلَ إنَّ التَّلَفُّظَ وَعَدَمَهُ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ. تَنْبِيهٌ: إنْ خَالَفَ لَفْظُهُ نِيَّتَهُ فَالْعِبْرَةُ بِالنِّيَّةِ إنْ وَقَعَ ذَلِكَ سَهْوًا وَأَمَّا عَمْدًا فَمُتَلَاعِبٌ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ.

[تنبيه أقوال الصلاة ليست بفرائض إلا ثلاث]

(وَعُزُوبُهَا) : أَيْ ذَهَابُهَا مِنْ الْقَلْبِ بَعْدَ اسْتِحْضَارِهَا عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، (مُغْتَفَرٌ) غَيْرُ مُبْطِلٍ لَهَا وَلَوْ بِتَفَكُّرٍ فِي أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ بِخِلَافِ رَفْضِهَا فَمُبْطِلٌ. (كَعَدَمِ نِيَّةِ الْأَدَاءِ) إنْ كَانَتْ أَدَاءً، (أَوْ) عَدَمِ نِيَّةِ (الْقَضَاءِ) إنْ كَانَتْ قَضَاءً، فَإِنَّهُ مُغْتَفَرٌ إذْ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا نِيَّةُ أَدَاءً أَوْ قَضَاءٍ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى مُلَاحَظَةُ ذَلِكَ (أَوْ) عَدَمِ نِيَّةِ (عَدَدِ الرَّكَعَاتِ) فَإِنَّهُ مُغْتَفَرٌ، إذْ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُلَاحِظَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مَثَلًا، فَالظُّهْرُ فِي وَقْتِهِ مَثَلًا يَتَضَمَّنُ أَنَّهُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَأَنَّهُ أَدَاءٌ، وَخَارِجُ وَقْتِهِ يَتَضَمَّنُ أَنَّهُ قَضَاءٌ، بَلْ إذَا كَانَ غَافِلًا عَنْ الْأَدَاءِ مَثَلًا أَوْ جَاهِلًا بِوَصْفِهَا بِذَلِكَ فَهِيَ صَحِيحَةٌ. (وَ) ثَانِيهَا: (تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فِي أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ] : أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الشَّاغِلِ عَنْ اسْتِصْحَابِهَا تَفَكُّرَهُ بِدُنْيَوِيٍّ أَوْ أُخْرَوِيٍّ، مُتَقَدِّمًا عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ طَارِئًا عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: [فَمُبْطِلٌ] : أَيْ إنْ وَقَعَ فِي الْأَثْنَاءِ اتِّفَاقًا. وَعَلَى أَحَدِ مُرَجَّحَيْنِ: إنْ وَقَعَ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [كَعَدَمِ نِيَّةِ الْأَدَاءِ] إلَخْ: وَنَابَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ إنْ اتَّحَدَا وَلَمْ يَتَعَمَّدْ. وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَتَّحِدَا فَلَا، كَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ أَيَّامًا قَبْلَ وَقْتِهِ، فَلَا يَكُونُ ظُهْرُ يَوْمٍ قَضَاءً عَمَّا قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ أَجْزَأَ، وَلَوْ ظَنَّهُ أَدَاءً. وَصِيَامُ أَسِيرٍ رَمَضَانَ سِنِينَ فِي شَعْبَانَ كَالْأَوَّلِ، وَفِي شَوَّالٍ كَالثَّانِي. (اهـ. مِنْ الْمَجْمُوعِ) . [تَنْبِيه أَقْوَال الصَّلَاة لَيْسَتْ بِفَرَائِض إلَّا ثَلَاث] قَوْلُهُ: الْإِحْرَامِ: أَصْلُ الْإِحْرَامِ الدُّخُولُ فِي حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ نُقِلَ لَفْظُ الْإِحْرَامِ لِلنِّيَّةِ أَوْ لِمَجْمُوعِ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ، لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَدْخُلُ بِهِمَا فِي حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ. وَإِضَافَةُ التَّكْبِيرِ لِلْإِحْرَامِ إمَّا مِنْ إضَافَةِ الْجُزْءِ لِلْكُلِّ - إنْ قُلْنَا إنَّ الْإِحْرَامَ عِبَارَةٌ عَنْ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ - أَوْ مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى مُصَاحِبِهِ إنْ قُلْنَا إنَّهُ النِّيَّةُ فَقَطْ. قَالَ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ مَجْمُوعِهِ: الْمُنَاسِبُ لِحَدِيثِ: «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ» أَنَّ الْإِضَافَةَ بَيَانِيَّةٌ فَإِذَا كَبَّرَ فَتَكْبِيرُهُ إحْرَامٌ أَيْ دُخُولٌ فِي حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ فَيُحَرَّمُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا نَافَاهَا. (اهـ) . تَنْبِيهٌ: الصَّلَاةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ فَجَمِيعُ أَقْوَالِهَا لَيْسَتْ بِفَرَائِضَ إلَّا ثَلَاثَةً: تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ، وَالْفَاتِحَةُ، وَالسَّلَامُ. وَجَمِيعُ أَفْعَالِهَا فَرَائِضُ إلَّا ثَلَاثَةً: رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَالْجُلُوسُ لِلتَّشَهُّدِ، وَالتَّيَامُنُ بِالسَّلَامِ. (اهـ مِنْ الْأَصْلِ) .

عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ وَلَوْ مَأْمُومًا، فَلَا يَتَحَمَّلُهَا الْإِمَامُ عَنْهُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، (وَإِنَّمَا يُجْزِئُ: اللَّهُ أَكْبَرُ) بِلَا فَصْلٍ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ بِكَلِمَةٍ أُخْرَى وَلَا بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ، وَلَا يُجْزِئُ مُرَادِفُهَا بِعَرَبِيَّةٍ وَلَا عَجَمِيَّةٍ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ النُّطْقِ بِهَا سَقَطَتْ كَكُلِّ فَرْضٍ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِبَعْضِهَا أَتَى بِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَعْنًى وَإِلَّا فَلَا. وَلَا يَضُرُّ إبْدَالُ الْهَمْزَةِ مِنْ أَكْبَرَ وَاوًا لِمَنْ لُغَتُهُ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ] إلَخْ: فَلَوْ صَلَّى وَحْدَهُ أَوْ كَانَ مَأْمُومًا ثُمَّ شَكَّ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ كَانَ شَكُّهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ كَبَّرَهَا بِغَيْرِ سَلَامٍ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْقِرَاءَةَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ رَكَعَ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَقْطَعُ وَيَبْتَدِئُ، وَإِذَا تَذَكَّرَ بَعْدَ شَكِّهِ أَنَّهُ كَانَ أَحْرَمَ، جَرَى عَلَى مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ بَانَ الطُّهْرُ. وَإِنْ كَانَ الشَّاكُّ إمَامًا فَقَالَ سَحْنُونَ: يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ، وَإِذَا سَلَّمَ سَأَلَهُمْ، فَإِنْ قَالُوا، أَحْرَمْت رَجَعَ لِقَوْلِهِمْ وَإِنْ شَكُّوا أَعَادَ جَمِيعُهُمْ. (اهـ. مِنْ الْحَاشِيَةِ) . قَوْلُهُ: [فَلَا يَتَحَمَّلُهَا الْإِمَامُ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْفَرَائِضِ عَدَمُ الْحَمْلِ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِحَمْلِ الْفَاتِحَةِ وَبَقِيَ مَا عَدَاهَا عَلَى الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَإِنَّمَا يُجْزِئُ اللَّهُ أَكْبَرُ] : لَمَّا كَانَ مَعْنَى التَّكْبِيرِ التَّعْظِيمَ، فَيُتَوَهَّمُ إجْزَاءُ كُلِّ مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ، بَيْنَ انْحِصَارِ الْمُجْزِئِ مِنْهُ بِقَوْلِهِ إنَّمَا يُجْزِئُ إلَخْ. قَوْلُهُ: [بِلَا فَصْلٍ] إلَخْ: قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَا يَضُرُّ زِيَادَةُ وَاوٍ قَبْلَ (أَكْبَرُ) . (اهـ.) وَقَدْ تَعَقَّبَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُضِرٌّ إذْ لَا يُعْطَفُ الْخَبَرُ عَلَى الْمُبْتَدَإِ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ مُتَعَبَّدٌ بِهِ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [سَقَطَتْ] إلَخْ: فَلَوْ أَتَى بِمُرَادِفِهَا لَمْ تَبْطُلْ فِيمَا يَظْهَرُ. قَوْلُهُ: [إنْ كَانَ لَهُ مَعْنًى] : أَيْ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ سَوَاءٌ دَلَّ عَلَى ذَاتِ اللَّهِ - كَلَفْظِ الْجَلَالَةِ - أَوْ عَلَى صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ مِثْلَ: بَرٌّ بِمَعْنَى مُحْسِنٍ. وَأَمَّا إنْ دَلَّ عَلَى مَعْنًى يُبْطِلُ الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ لَا يَنْطِقُ بِهِ مِثْلَ: كِبْرٌ أَوْ كَرٌّ، أَوْ كَانَ لَا مَعْنَى لَهُ أَصْلًا كَالْحُرُوفِ الْمُفْرَدَةِ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْأُجْهُورِيِّ، وَقَالَ الشَّيْخُ سَالِمٌ: إذَا لَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى الْبَعْضِ فَلَا يَأْتِي بِهِ وَأَطْلَقَ. قَوْلُهُ: [لِمَنْ لُغَتُهُ ذَلِكَ] : أَيْ كَالْعَوَامِّ وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْمَدِّ الطَّبِيعِيِّ وَهُوَ

(وَ) ثَالِثُهَا: (الْقِيَامُ لَهَا فِي الْفَرْضِ) : فَلَا يُجْزِئُ فِيهِ مِنْ جُلُوسٍ وَلَا فِي حَالَةِ انْحِنَاءٍ، بَلْ حَتَّى يَسْتَقِلَّ قَائِمًا. وَقَوْلُنَا: [فِي الْفَرْضِ] زِدْنَاهُ لِإِخْرَاجِ النَّفْلِ لِجَوَازِ صَلَاتِهِ مِنْ جُلُوسٍ. لَكِنْ لَوْ كَبَّرَ فِيهِ جَالِسًا وَقَامَ فَأَتَمَّهُ مِنْ قِيَامٍ هَلْ يُجْزِي وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ صَلَاةُ رَكْعَةٍ مِنْ قِيَامٍ، وَأُخْرَى مِنْ جُلُوسٍ. وَاسْتَثْنَى مِنْ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ: مِنْ كُلِّ مُصَلٍّ، قَوْلَهُ (إلَّا لِمَسْبُوقٍ) وَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا وَ (كَبَّرَ مُنْحَطًّا) أَيْ حَالَ انْحِطَاطِهِ لِلرُّكُوعِ وَأَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، بِأَنْ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ اسْتِقْلَالِ الْإِمَامِ قَائِمًا، فَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ وَسَوَاءٌ ابْتَدَأَهَا مِنْ قِيَامٍ وَأَتَمَّهَا حَالَ الِانْحِطَاطِ أَوْ بَعْدَهُ بِلَا فَصْلٍ طَوِيلٍ، أَوْ ابْتَدَأَهَا حَالَ الِانْحِطَاطِ كَذَلِكَ. وَهَذَا إذَا نَوَى بِهَا الْإِحْرَامَ أَوْ هُوَ وَالرُّكُوعَ أَوْ لَمْ يُلَاحِظْ شَيْئًا مِنْهُمَا، أَمَّا إذَا نَوَى بِهِ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ فَقَطْ، فَلَا يُجْزِئُ كَمَا سَيَأْتِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَرَكَتَانِ، فَإِنْ زَادَ فَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ: يُغْتَفَرُ أَقْصَى مَا قِيلَ بِهِ عِنْدَ الْقُرَّاءِ، وَلَوْ عَلَى شُذُوذٍ وَهُوَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ حَرَكَةً. وَكَذَلِكَ لَا يَضُرُّ إشْبَاعُ الْبَاءِ وَتَضْعِيفُ الرَّاءِ، وَأَمَّا نِيَّةُ أَكْبَارٍ: جَمْعُ كَبَرٍ وَهُوَ الطَّبْلُ الْكَبِيرُ، فَكُفْرٌ وَلْيَحْذَرْ مِنْ مَدِّ هَمْزَةِ الْجَلَالَةِ فَيَصِيرُ كَالْمُسْتَفْهِمِ، وَأَمَّا زِيَادَةُ وَاوٍ فِي ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ فَتُوهِمُ الْقَسَمَ وَالْعَطْفَ عَلَى مَحْذُوفٍ فَالظَّاهِرُ الْبُطْلَانُ. قَوْلُهُ: [بَلْ حَتَّى يَسْتَقِلَّ قَائِمًا] : أَيْ فَلَوْ أَتَى بِهَا قَائِمًا مُسْتَنِدًا لِعِمَادٍ - بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَ الْعِمَادُ لَسَقَطَ - فَلَا تُجْزِئُ. قَوْلُهُ: [إلَّا لِمَسْبُوقٍ] إلَخْ: حَاصِلُ صُوَرِ الْمَسْبُوقِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْمُصَنِّفِ وَالشَّرْحِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ صُورَةً مِنْهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ - الصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ، وَعِشْرُونَ الصَّلَاةُ فِيهَا بَاطِلَةٌ. وَهِيَ أَنْ تَقُولَ: إذَا وَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا، إمَّا أَنْ يَبْتَدِئَهَا مِنْ قِيَامٍ وَيُتِمَّهَا حَالَ الِانْحِطَاطِ، أَوْ بَعْدَهُ. أَوْ يَبْتَدِئَهَا فِي حَالِ الِانْحِطَاطِ وَيُتِمَّهَا أَوْ بَعْدَهُ. فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ. وَفِي كُلٍّ مِنْهَا: إمَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهَا الْإِحْرَامَ، أَوْ هُوَ وَالرُّكُوعُ، أَوْ لَمْ يُلَاحِظْ شَيْئًا، أَوْ الرُّكُوعَ فَقَطْ فَهَذِهِ سِتَّةَ عَشَرَ. وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَحْصُلَ فَصْلٌ أَوْ لَا فَهَذِهِ اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ. إنْ حَصَلَ فَصْلٌ فَالصَّلَاةُ بَاطِلَةٌ فِي سِتَّ عَشْرَةَ، أَوْ نَوَى بِالتَّكْبِيرِ الرُّكُوعَ فَقَطْ فَبَاطِلَةٌ أَيْضًا فِي أَرْبَعَةٍ، يَبْقَى اثْنَتَا عَشْرَةَ صَحِيحَةً.

وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الرَّكْعَةِ الْمُدْرَكَةِ هَلْ يُعْتَدُّ بِهَا أَوْ لَا؟ أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَفِي الِاعْتِدَادِ بِالرَّكْعَةِ) الْمُدْرَكَةِ مَعَ الْإِمَامِ (إنْ ابْتَدَأَهَا) : أَيْ التَّكْبِيرَةَ حَالَ كَوْنِهِ (قَائِمًا) وَأَتَمَّهَا حَالَ انْحِطَاطِهِ أَوْ بَعْدَهُ بِلَا فَصْلٍ وَعَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِهَا (تَأْوِيلَانِ) . وَأَمَّا لَوْ ابْتَدَأَ التَّكْبِيرَةَ حَالَ انْحِطَاطِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا اتِّفَاقًا كَمَا لَوْ شَكَّ فِي إدْرَاكِهَا، وَانْظُرْ مَا وَجْهُهُ وَمَا وَجْهُ التَّأْوِيلِ الثَّانِي مَعَ أَنَّهُ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ وَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ، وَقَدْ اُغْتُفِرَ لِلْمَسْبُوقِ تَكْبِيرُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَكَوْنُ الِانْحِطَاطِ مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي الرَّكْعَةِ دُونَ الصَّلَاةِ مِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَفِي الِاعْتِدَادِ] إلَخْ: أَيْ فَمَحَلُّ التَّأْوِيلَيْنِ فِي سِتِّ صُوَرٍ مِنْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَعَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِالرَّكْعَةِ اتِّفَاقًا فِي السِّتِّ الْبَاقِيَةِ وَيَضُمُّ لِتِلْكَ السِّتِّ مَا لَوْ شَكَّ فِي إدْرَاكِهَا، سَوَاءٌ ابْتَدَأَهَا مِنْ قِيَامٍ وَأَتَمَّهَا حَالَ الْقِيَامِ أَوْ حَالَ الِانْحِطَاطِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ ابْتَدَأَهَا مِنْ الِانْحِطَاطِ أَوْ بَعْدَهُ وَأَتَمَّهَا حَالَ الِانْحِطَاطِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَحْصُلْ فَصْلٌ، فَهَذِهِ خَمْسٌ سَوَاءٌ نَوَى الْإِحْرَامَ فَقَطْ، أَوْ الْإِحْرَامَ وَالرُّكُوعَ أَوْ لَمْ يُلَاحِظْ شَيْئًا. فَقَدْ دَخَلَ تَحْتَ الشَّكِّ خَمْسَ عَشْرَةَ صُورَةً فَجُمْلَةُ الصُّوَرِ الَّتِي تُلْغَى فِيهَا الرَّكْعَةُ اتِّفَاقًا إحْدَى وَعِشْرُونَ صُورَةً. قَوْلُهُ: [وَانْظُرْ مَا وَجْهُهُ] إلَخْ: قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ: وَإِنَّمَا صَحَّتْ الصَّلَاةُ مَعَ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالرَّكْعَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الْإِحْرَامُ، إمَّا اتِّفَاقًا أَوْ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ. مَعَ أَنَّ عَدَمَ الِاعْتِدَادِ بِهَا إنَّمَا هُوَ لِلْخَلَلِ الْوَاقِعِ فِي الْإِحْرَامِ. فَكَانَ الْوَاجِبُ عَدَمَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ لِلْخَلَلِ الْوَاقِعِ فِي إحْرَامِهَا بِتَرْكِ الْقِيَامِ لَهُ، لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لَا مِنْ أَرْكَانِ الرَّكْعَةِ، لِأَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ الْقِيَامُ فِي الرَّكْعَةِ التَّالِيَةِ لِهَذِهِ الرَّكْعَةِ فَكَانَ الْإِحْرَامُ حَصَلَ حَالَ قِيَامِ تِلْكَ الرَّكْعَةِ التَّالِيَةِ فَتَكُونُ أَوَّلَ صَلَاتِهِ، وَالشَّرْطُ الَّذِي هُوَ الْقِيَامُ - مُقَارِنٌ لِلْمَشْرُوطِ وَهُوَ التَّكْبِيرُ حُكْمًا. وَهَذَا بِخِلَافِ الرَّكْعَةِ الَّتِي أَحْرَمَ فِي رُكُوعِهَا، فَإِنَّ الشَّرْطَ لَمْ يُقَارِنْ فِيهَا الْمَشْرُوطَ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا لِعَدَمِ وُجُودِهِ كَذَا قَالَ الْمَازِرِيُّ. قَالَ الْمِسْنَاوِيُّ: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْبُعْدِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا حَكَمُوا بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْقِيَامَ لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ غَيْرُ فَرْضٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَسْبُوقِ وَعَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِالرَّكْعَةِ إنَّمَا جَاءَ لِلْخَلَلِ فِي رُكُوعِهَا حَيْثُ أَدْمَجَ الْفَرْضَيْنِ الثَّانِيَ فِي الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ، لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي الثَّانِي قَبْلَ تَمَامِ

(وَ) رَابِعُهَا: (فَاتِحَةٌ) : أَيْ قِرَاءَتُهَا (بِحَرَكَةِ لِسَانٍ) وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ (لِإِمَامٍ، وَفَذٍّ) أَيْ مُنْفَرِدٍ - لَا مَأْمُومٍ - لِأَنَّ الْإِمَامَ يَحْمِلُهَا عَنْهُ دُونَ سَائِرِ الْفَرَائِضِ، (فَيَجِبُ) عَلَى الْمُكَلَّفِ (تَعَلُّمُهَا) : أَيْ الْفَاتِحَةِ لِيُؤَدِّيَ صَلَاتَهُ بِهَا (إنْ أَمْكَنَ) التَّعَلُّمُ بِأَنْ قَبِلَهُ، وَوَجَدَ مُعَلِّمًا وَلَوْ بِأُجْرَةٍ أَوْ فِي أَزْمِنَةٍ طَوِيلَةٍ، (وَإِلَّا) يُمْكِنْ التَّعَلُّمُ - لِخَرَسٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ لَمْ يَجِدْ مُعَلِّمًا أَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ - (ائْتَمَّ) وُجُوبًا (بِمَنْ يُحْسِنُهَا إنْ وَجَدَهُ) ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّكْبِيرِ، وَعَلَى هَذَا فَالْقِيَامُ لِلتَّكْبِيرِ إنَّمَا وَجَبَ لِأَجْلِ أَنْ يَصِحَّ لَهُ الرُّكُوعُ فَتُدْرَكُ الرَّكْعَةُ. (اهـ. بْن) . قَوْلُهُ: [أَيْ قِرَاءَتُهَا] : إنَّمَا قَدَّرَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ. قَوْلُهُ: [بِحَرَكَةِ لِسَانٍ] : احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا أَجْرَاهَا عَلَى قَلْبِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي. قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ] : وَلَكِنَّ الْأَوْلَى مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يُوجِبُ إسْمَاعَ النَّفْسِ. وَفِي الْخَرَشِيِّ نَقْلًا عَنْ الْأُجْهُورِيِّ: أَنَّهُ يَجِبُ قِرَاءَتُهَا مَلْحُونَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّحْنَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ. قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَهُوَ اسْتِظْهَارٌ بَعِيدٌ، إذْ الْقِرَاءَةُ الْمَلْحُونَةُ لَا تُعَدُّ قِرَاءَةٌ، فَصَاحِبُهَا يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعَاجِزِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إذَا كَانَ يَلْحَنُ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ فَإِنَّهُ يَقْرَأُ مَا لَا يَلْحَنُ فِيهِ، وَيَتْرُكُ مَا يَلْحَنُ فِيهِ. وَهَذَا إذَا كَانَ مَا يَلْحَنُ فِيهِ مُتَوَالِيًا وَإِلَّا فَالْأَظْهَرُ أَنْ يَتْرُكَ الْكُلَّ. قَوْلُهُ: [لِإِمَامٍ وَفَذٍّ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً، جَهْرِيَّةً أَوْ سِرِّيَّةً. قَوْلُهُ: [لَا مَأْمُومٍ] : أَيْ خِلَافًا لِابْنِ الْعَرَبِيِّ الْقَائِلِ بِلُزُومِهَا لِلْمَأْمُومِ فِي السِّرِّيَّةِ. وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ لُزُومِهَا وَإِنَّمَا تُسْتَحَبُّ قِرَاءَتُهَا لَهُ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [دُونَ سَائِرِ الْفَرَائِضِ] : أَيْ فَلَا يَحْمِلُ الْإِمَامُ شَيْئًا مِنْهَا فِعْلِيَّةً أَوْ قَوْلِيَّةً. قَوْلُهُ: [إنْ أَمْكَنَ] إلَخْ: فَإِنْ فَرَّطَ فِي التَّعَلُّمِ مَعَ إمْكَانِهِ قَضَى مِنْ الصَّلَوَاتِ بَعْدَ تَعَلُّمِهَا مَا صَلَّاهُ فَذًّا فِي الْأَزْمِنَةِ الَّتِي فَرَّطَ فِيهَا. قَوْلُهُ: [لِخَرَسٍ] : ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخَرَسَ يُوجِبُ الِائْتِمَامَ، لَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فَيَجِبُ تَعَلُّمُهَا إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا ائْتَمَّ وُجُوبًا غَيْرُ الْأَخْرَسِ.

وَتَبْطُلُ إنْ تَرَكَهُ (وَإِلَّا) يَجِدْهُ صَلَّى فَذًّا. (نُدِبَ) لَهُ (فَصْلٌ بَيْنَ تَكْبِيرِهِ) لِلْإِحْرَامِ (وَرُكُوعِهِ) بِسُكُوتٍ أَوْ ذِكْرٍ وَهُوَ أَوْلَى، وَنَكَّرَ [فَصْلٌ] لِيَشْمَلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِذِكْرٍ بَدَلَهَا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّكْبِيرِ لِخَرَسٍ دَخَلَ بِالنِّيَّةِ وَسَقَطَ عَنْهُ. ثُمَّ إنَّ الْفَاتِحَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَتَبْطُلُ إنْ تَرَكَهُ] : أَيْ لِتَرْكِهِ وَاجِبًا وَهُوَ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لِكَوْنِهِ لَا يَتَوَصَّلُ لَهَا إلَّا بِالْإِمَامِ، فَإِذَا تَرَكَهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ مَعَ الْإِمْكَانِ. قَوْلُهُ: [صَلَّى فَذًّا] : أَيْ فَلَوْ عَجَزَ عَنْ التَّعَلُّمِ وَالِائْتِمَامِ وَشَرَعَ فِي الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا فَطَرَأَ عَلَيْهِ قَارِئٌ، أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِهَا لَمْ يَقْطَعْ وَيُتِمُّهَا كَعَاجِزٍ عَنْ الْقِيَامِ قَدَرَ عَلَيْهِ فِي أَثْنَائِهَا. قَوْلُهُ: [وَهُوَ أَوْلَى] : أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ مُرَاعَاةِ مَنْ يَقُولُ وُجُوبَ الْبَدَلِ، فَإِنْ لَمْ يَفْصِلْ وَرَكَعَ أَجْزَأَهُ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَصْلَ مَنْدُوبٌ وَكَوْنُهُ بِذِكْرِ مَنْدُوبٍ آخَرَ وَكَوْنُهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَذْكَارِ. قَوْلُهُ: [لِيَشْمَلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ] : أَيْ خِلَافًا لِابْنِ مَسْلَمَةَ الْمُقَيِّدِ لَهُ بِكَوْنِهِ يَقِفُ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ مَعَهَا. قَوْلُهُ: [وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ] إلَخْ: أَيْ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ خِلَافًا لِمُحَمَّدِ بْنِ سَحْنُونَ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّكْبِيرِ] إلَخْ: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ شَارِحُنَا مِنْ أَنَّ الْأَخْرَسَ يَجِبُ عَلَيْهِ الِائْتِمَامُ، كَاَلَّذِي لَا يَقْبَلُ التَّعَلُّمَ. فَاسْتَشْعَرَ سُؤَالَ سَائِلٍ يَقُولُ لَهُ: مَا يَصْنَعُ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ؟ فَأَجَابَ بِمَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ إنَّ الْفَاتِحَةَ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافٌ فِي وُجُوبِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ وَعَدَمِ وُجُوبِهَا فِيهَا. فَقِيلَ: لَا تَجِبُ فِي شَيْءٍ مِنْ الرَّكَعَاتِ: بَلْ هِيَ سُنَّةٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، لِحَمْلِ الْإِمَامِ لَهَا وَهُوَ لَا يَحْمِلُ فَرْضًا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ شَبْلُونَ وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْ مَالِكٍ، وَقِيلَ إنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ. وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ مَا تَجِبُ فِيهِ مِنْ الرَّكَعَاتِ عَلَى أَقْوَالٍ أَرْبَعَةٍ: فَقِيلَ فِي كُلِّ الرَّكْعَةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَقِيلَ فِي الْجُلِّ وَسُنَّةٌ فِي الْأَقَلِّ. وَقِيلَ وَاجِبَةٌ فِي رَكْعَةٍ وَسُنَّةٌ فِي الْبَاقِي. وَقِيلَ فِي النِّصْفِ اقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ، لِأَنَّ الْقَوْلَ

تَجِبُ فِي كُلٍّ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ تَجِبُ فِي الْجُلِّ فَفِي الرُّبَاعِيَّةِ تَجِبُ فِي ثَلَاثَةٍ، وَفِي الثُّلَاثِيَّةِ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَتُسَنُّ فِي رَكْعَةٍ لَكِنْ لَا كَسَائِرِ السُّنَنِ لِاتِّفَاقِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى أَنَّ تَرْكَهَا عَمْدًا أَوْ بَعْضَهَا مُبْطِلٌ. (فَإِنْ سَهَا عَنْهَا أَوْ عَنْ بَعْضِهَا فِي رَكْعَةٍ) : أَيْ تَرَكَهَا أَوْ بَعْضَهَا سَهْوًا وَلَوْ أَقَلَّ مِنْ آيَةٍ وَلَمْ يُمْكِنْ التَّدَارُكُ بِأَنْ رَكَعَ، (سَجَدَ) سُجُودَ السَّهْوِ لِذَلِكَ قَبْلَ سَلَامِهِ وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِهَا فِي الْجُلِّ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَمْكَنَ التَّدَارُكُ بِأَنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ رُكُوعِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ وَإِلَّا بَطَلَتْ (كَرَكْعَتَيْنِ) ، أَيْ كَمَا لَوْ تَرَكَهَا سَهْوًا فِي رَكْعَتَيْنِ أَوْ فِي رَكْعَةٍ مِنْ ثُنَائِيَّةٍ، فَإِنَّهُ يَتَمَادَى وَلَا يَقْطَعُ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ (وَأَعَادَهَا) أَيْ احْتِيَاطًا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِوُجُوبِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَشَهَّرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا فِي الْجُلِّ رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَشَهَّرَهُ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي الْإِرْشَادِ، وَقَالَ الْقَرَافِيُّ هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ تَجِبُ فِي الْجُلِّ] : أَيْ فِيمَا لَهَا جُلٌّ فَيَتَّفِقُ الْقَوْلَانِ عَلَى وُجُوبِهَا فِي جَمِيعِ الثُّنَائِيَّةِ، وَإِنَّمَا اخْتِلَافُ الْقَوْلَيْنِ فِي الرُّبَاعِيَّةِ وَالثُّلَاثِيَّةِ. قَوْلُهُ: [عَلَى أَنَّ تَرْكَهَا عَمْدًا] إلَخْ: أَيْ وَلَوْ فِي رَكْعَةٍ وَلَمْ يُرَاعِ خِلَافَ اللَّخْمِيِّ لِضَعْفِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تَبْطُلُ إذَا تَرَكَهَا فِي رَكْعَةٍ وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. إذْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا سُجُودَ لِلْعَمْدِ، وَإِنَّمَا اتَّفَقَ الْقَوْلَانِ لِكَوْنِهَا سُنَّةً شُهِّرَتْ فَرْضِيَّتُهَا. قَوْلُهُ: [فَإِنْ سَهَا عَنْهَا] إلَخْ: هَذَا مُرَتَّبٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ رَكَعَ] : أَيْ فَالتَّدَارُكُ يَفُوتُ بِمُجَرَّدِ الِانْحِنَاءِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ رُجُوعٍ مِنْ فَرْضٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ وَهُوَ الرُّكُوعُ إلَى مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ بِالسُّنِّيَّةِ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ سَلَامِهِ] : أَيْ وَلَا يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بَدَلَ رَكْعَةِ النَّقْصِ. قَوْلُهُ: [وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ] : هُوَ قَوْلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَلَكِنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الْفَاتِحَةَ كُلًّا أَوْ بَعْضًا، سَهْوًا مِنْ الْأَقَلِّ - كَرَكْعَةٍ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ أَوْ الثُّلَاثِيَّةِ - فَإِنَّهُ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ ثُمَّ يُعِيدُ تِلْكَ الصَّلَاةَ احْتِيَاطًا، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ فِي الرِّسَالَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِيمَنْ تَرَكَهَا مِنْ الْجُلِّ أَوْ النِّصْفِ. فَتَحَصَّلَ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ سَهْوًا إمَّا

أَبَدًا عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَ) إنْ تَرَكَهَا أَوْ بَعْضَهَا (عَمْدًا) وَلَوْ فِي رَكْعَةٍ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ (كَأَنْ لَمْ يَسْجُدْ) : أَيْ كَمَا تَبْطُلُ إذَا لَمْ يَسْجُدْ لِسَهْوِهِ فِيمَا إذَا تَرَكَهَا أَوْ بَعْضَهَا سَهْوًا حَتَّى طَالَ الزَّمَنُ. (وَ) خَامِسُهَا: (قِيَامٌ لَهَا) أَيْ لِلْفَاتِحَةِ (بِفَرْضٍ) : فَإِنْ جَلَسَ أَوْ انْحَنَى حَالَ قِرَاءَتِهَا بَطَلَتْ. وَكَذَا لَوْ اسْتَنَدَ إلَى شَيْءٍ بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ سَقَطَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَتْرُكَهَا مِنْ الْأَقَلِّ أَوْ النِّصْفِ أَوْ الْجُلِّ، فَالْمَشْهُورُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّهُ يَتَمَادَى حَيْثُ فَاتَهُ التَّدَارُكُ بِالرُّكُوعِ مِنْ رَكْعَتِهَا، وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَيُعِيدُ أَبَدًا وُجُوبًا كَمَا قَالَ (ر) رَدًّا عَلَى الْأُجْهُورِيِّ وَالتَّتَّائِيِّ مِنْ قَوْلِهِمَا: إنَّ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَجْمُوعِ وَحَاشِيَتِهِ. قَوْلُهُ: [أَبَدًا] : أَيْ وُجُوبًا كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [بَطَلَتْ صَلَاتُهُ] : أَيْ وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَسَائِرِ السُّنَنِ. قَوْلُهُ: [حَتَّى طَالَ الزَّمَنُ] : أَيْ بِالْعُرْفِ أَوْ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ. وَإِنَّمَا بَطَلَتْ بِتَرْكِ السُّجُودِ لَهَا لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ مِنْ مُبْطِلَاتِ الصَّلَاةِ تَرْكَ السُّجُودِ الْقَبْلِيِّ الْمُتَرَتِّبِ عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ فَمَا هُنَا أَوْلَى. قَوْلُهُ: [قِيَامٌ لَهَا] : أَيْ لِأَجْلِهَا فِي حَقِّ إمَامٍ وَفَذٍّ، فَلَيْسَ بِفَرْضٍ مُسْتَقِلٍّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَعَلَيْهِ فَلَوْ عَجَزَ عَنْهَا سَقَطَ الْقِيَامُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ لِبَعْضِهَا وَقَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ لِلْبَعْضِ الْآخَرِ، فَهَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ الْقِيَامُ لِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيَأْتِي بِهَا كُلِّهَا مِنْ جُلُوسٍ؟ أَوْ يَأْتِي بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ قَائِمًا وَيَجْلِسُ فِي غَيْرِهِ؟ قَوْلَانِ مَشْهُورُهُمَا الثَّانِي. وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ لَهَا، فَلَوْ اسْتَنَدَ حَالَ قِرَاءَتِهَا لِعِمَادٍ بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَ لَسَقَطَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ لَهُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، جَازَ لَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ، وَإِنْ بَطَلَتْ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ بِجُلُوسِهِ حَالَ قِرَاءَتِهَا، ثُمَّ قِيَامُهُ لِلرُّكُوعِ لِكَثِيرِ الْفِعْلِ لَا لِمُخَالَفَتِهِ لِلْإِمَامِ، كَمَا قِيلَ لِصِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْجَالِسِ بِالْقَائِمِ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .

(وَ) سَادِسُهَا: (رُكُوعٌ مِنْ قِيَامٍ) فِي الْفَرْضِ أَوْ النَّفْلِ الَّذِي صَلَّاهُ مِنْ قِيَامٍ، فَلَوْ جَلَسَ فَرَكَعَ لَمْ تَصِحَّ (تَقْرُبُ رَاحَتَاهُ) تَثْنِيَةُ رَاحَةٍ وَهِيَ الْكَفُّ وَالْجَمْعُ رَاحٌ بِلَا تَاءٍ (فِيهِ) أَيْ فِي الرُّكُوعِ (مِنْ رُكْبَتَيْهِ) لَوْ وَضَعَهُمَا؛ أَيْ أَنَّ الرُّكُوعَ الْوَاجِبَ هُوَ الِانْحِنَاءُ بِحَيْثُ لَوْ وَضَعَ كَفَّيْهِ لَكَانَتَا عَلَى رَأْسِ الْفَخْذَيْنِ مِمَّا يَلِي الرُّكْبَتَيْنِ، فَيَكُونُ الرَّأْسُ أَرْفَعَ مِنْ الْعَجِيزَةِ فِيهِ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ تَطَأْطُؤِ الرَّأْسِ فَلَيْسَ بِرُكُوعٍ بَلْ إيمَاءٌ. وَأَمَّا تَسْوِيَةُ الظَّهْرِ فَمَنْدُوبٌ زَائِدٌ عَلَى الْوُجُوبِ لِتَمْكِينِ الْيَدَيْنِ مِنْ الرُّكْبَتَيْنِ كَمَا يَأْتِي. (وَ) سَابِعُهَا (رَفْعٌ مِنْهُ) : أَيْ مِنْ الرُّكُوعِ فَإِذَا لَمْ يَرْفَعْ بَطَلَتْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [رُكُوعٌ مِنْ قِيَامٍ] : أَيْ فَلَا تَتِمُّ حَقِيقَةُ الرُّكُوعِ إلَّا بِالِانْحِطَاطِ مِنْ قِيَامٍ. أَمَّا فِي الْفَرْضِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا فِي النَّفْلِ فَلِكَوْنِهِ ابْتَدَأَ تِلْكَ الرَّكْعَةَ مِنْ قِيَامٍ، فَلَوْ جَلَسَ وَرَكَعَ لَكَانَ مُتَلَاعِبًا. قَوْلُهُ: [تَقْرُبُ رَاحَتَاهُ] : هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ وَضْعَ الْيَدَيْنِ عَلَى الْفَخِذَيْنِ فِي الرُّكُوعِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، بَلْ مُسْتَحَبٌّ فَقَطْ وَهُوَ الَّذِي فَهِمَهُ سَنَدٌ وَأَبُو الْحَسَنِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ الْبَاجِيُّ وَاللَّخْمِيُّ مِنْ الْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: [لِتَمْكِينِ الْيَدَيْنِ] : أَيْ فَوَضْعُ الْيَدَيْنِ مُسْتَحَبٌّ وَالتَّمْكِينُ مُسْتَحَبٌّ ثَانٍ، وَرَأَى مَالِكٌ التَّحْدِيدَ فِي تَفْرِيقِ الْأَصَابِعِ وَضَمِّهَا بِدْعَةً، فَإِنْ قَصُرَتَا لَمْ يَزِدْ عَلَى تَسْوِيَةِ ظَهْرِهِ. وَلَوْ قُطِعَتْ إحْدَاهُمَا وَضَعَ الْأُخْرَى عَلَى رُكْبَتِهَا - كَمَا فِي الطِّرَازِ - لَا عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ مَعًا كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ. قَوْلُهُ: [فَإِذَا لَمْ يَرْفَعْ بَطَلَتْ] : أَيْ إنْ كَانَ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا كَمَا يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْعَوَامّ، وَأَمَّا سَهْوًا فَيَرْجِعُ مُحْدَوْدِبًا حَتَّى يَصِلَ لِحَالَةِ الرُّكُوعِ، ثُمَّ يَرْفَعُ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ. إلَّا الْمَأْمُومَ فَلَا يَسْجُدُ لِحَمْلِ الْإِمَامِ سَهْوَهُ، فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ مُحْدَوْدِبًا وَرَجَعَ قَائِمًا أَعَادَ صَلَاتَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَهَذَا إذَا كَانَ رُجُوعُهُ عَمْدًا، فَإِنْ كَانَ سَهْوًا أَلْغَى تِلْكَ الرَّكْعَةَ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .

(وَ) ثَامِنُهَا: (سُجُودٌ عَلَى أَيْسَرِ جُزْءٍ) أَيْ عَلَى أَقَلِّ جُزْءٍ تَيَسَّرَ (مِنْ جَبْهَتِهِ) وَهُوَ مَا فَوْقَ الْحَاجِبَيْنِ وَبَيْنَ الْجَبِينَيْنِ. (وَنُدِبَ) السُّجُودُ (عَلَى أَنْفِهِ) : وَقِيلَ يَجِبُ (وَأَعَادَ) الصَّلَاةَ (لِتَرْكِهِ) : أَيْ السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ (بِوَقْتٍ) مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِهِ. (وَ) تَاسِعُهَا: (جُلُوسٌ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [سُجُودٌ] : عَرَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ مَسُّ الْأَرْضِ أَوْ مَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ ثَابِتٍ بِالْجَبْهَةِ (اهـ) . وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: أَوْ مَا اتَّصَلَ بِهَا، مِنْ نَحْوِ السَّرِيرِ الْمُعَلَّقِ فِي حَبْلٍ مَثَلًا، وَبِقَوْلِهِ: مِنْ ثَابِتٍ، عَنْ الْفِرَاشِ الْمَنْفُوشِ جِدًّا، وَدَخَلَ فِي الثَّابِتِ السَّرِيرُ مِنْ خَشَبٍ مَثَلًا لَا مِنْ شَرِيطٍ، نَعَمْ أَجَازَهُ بَعْضُهُمْ لِلْمَرِيضِ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: أَوْ مَا اتَّصَلَ بِهَا، وَإِنْ عَلَا عَنْ سَطْحِ رُكْبَتَيْهِ فَيَشْمَلُ السُّجُودَ عَلَى الْمِفْتَاحِ، وَالسُّبْحَةِ وَلَوْ اتَّصَلَتْ بِهِ وَالْمَحْفَظَةِ. وَلَكِنَّ الْأَكْمَلَ خِلَافُهُ، هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ مِمَّا فِي عب وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. وَحَدَّهُ الشَّافِعِيَّةُ بِارْتِفَاعِ الْأَسَافِلِ وَانْحِدَارِ الْأَعَالِي، قَالُوا: وَلَا بُدَّ مِنْ التَّحَامُلِ وَهُوَ أَنْ يُلْقِيَ رَأْسَهُ عَلَى مَا سَجَدَ عَلَيْهِ؛ حَتَّى لَا يُعَدَّ حَامِلًا لَهَا، فَلَا يَكْفِي الْإِمْسَاسُ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاصَقَةِ. وَلَيْسَ مَعْنَى التَّحَامُلِ شَدُّ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى يُؤَثِّرَ فِيهَا كَمَا يَفْعَلُ الْجَهَلَةُ، وَسِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ: الْخُشُوعُ وَالْخُضُوعُ. (اهـ. بِالْمَعْنَى مِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى مَجْمُوعِهِ) . قَوْلُهُ: [عَلَى أَيْسَرِ جُزْءٍ] : أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ إلْصَاقُ الْجَبْهَةِ بِتَمَامِهَا وَإِنَّمَا إلْصَاقُهَا كُلُّهَا مَنْدُوبٌ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ مَا فَوْقَ الْحَاجِبَيْنِ] : أَيْ فَالْجَبْهَةُ هُنَا مُسْتَدِيرُ مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ إلَى النَّاصِيَةِ أَيْ: مُقَدَّمِ الرَّأْسِ، فَلَوْ سَجَدَ عَلَى أَحَدِ الْجَبِينَيْنِ لَمْ يَكْفِ. قَوْلُهُ: [وَأَعَادَ الصَّلَاةَ] إلَخْ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ التَّرْكُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَالْمُرَادُ فِي الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ وَفِي غَيْرِهِمَا لِلطُّلُوعِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: الْوَقْتُ الِاخْتِيَارِيُّ. قَوْلُهُ: [جُلُوسٌ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ] : وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ خَلِيلٍ: " وَرَفْعٌ مِنْهُ ". قَالَ الْمَازِرِيُّ: أَمَّا الْفَصْلُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَوَاجِبٌ اتِّفَاقًا، لِأَنَّ السَّجْدَةَ وَإِنْ طَالَتْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ سَجْدَتَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ فَصْلِ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى يَكُونَا اثْنَتَيْنِ (اهـ.) وَنَحْوَهُ فِي

[تنبيه تجديد نية الخروج بالسلام]

فَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَلَمْ يُمْكِنْ تَدَارُكُهُ وَطَالَ بَطَلَتْ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ. (وَ) عَاشِرُهَا: (سَلَامٌ) وَهُوَ آخِرُ أَرْكَانِهَا كَمَا أَنَّ النِّيَّةَ أَوَّلُهَا. (وَإِنَّمَا يُجْزِئُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ) بِالْعَرَبِيَّةِ وَتَعْرِيفُهُ [بِأَلْ] ، وَتَقْدِيمُهُ عَلَى [عَلَيْكُمْ] بِلَا فَصْلٍ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ فَإِنْ تَرَكَهُ أَوْ أَتَى بِمُنَافٍ قَبْلَهُ بَطَلَتْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّوْضِيحِ، وَهَذَا الِاتِّفَاقُ لَا يُعَارِضُ قَوْلَ ابْنِ عَرَفَةَ نَقْلًا عَنْ الْبَاجِيِّ فِي كَوْنِ الْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَرْضًا أَوْ سُنَّةً، خِلَافَ (اهـ.) لِمَا فِي التَّتَّائِيِّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الِاعْتِدَالِ لَا فِي أَصْلِ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ حَسَنٌ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ الْبُنَانِيِّ) . قَوْلُهُ: [فَإِنْ تَرَكَهُ] إلَخْ: هَذَا لَا يَخُصُّ الْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بَلْ فِي كُلِّ الْأَرْكَانِ. [تَنْبِيه تَجْدِيد نِيَّة الْخُرُوج بالسلام] قَوْلُهُ: [وَتَعْرِيفُهُ بِأَلْ] : أَيْ وَفِي إجْزَاءِ أَمْ بَدَلَهَا لِحِمْيَرَ - الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهَا بِهَا - قَوْلَانِ، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ حَيْثُ أَمْكَنَهُمْ النُّطْقُ بِأَلْ، وَأَمَّا إنْ أَتَى بِهِ مُنَوَّنًا فَلَا يُجْزِي إنْ كَانَ خَالِيًا مِنْ أَلْ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مَقْرُونًا بِهَا فَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِالصِّحَّةِ، وَقَالَ التَّتَّائِيُّ: يَنْبَغِي إجْرَاؤُهُ عَلَى اللَّحْنِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: [وَتَقْدِيمُهُ] : أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ فَلَوْ أَسْقَطَ الْمِيمَ مِنْ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ صِيغَةِ الْجَمْعِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُصَلِّي إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ فَذًّا، إذْ لَا يَخْلُو مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُصَاحِبِينَ لَهُ أَقَلُّهُمْ الْحَفَظَةُ. وَلَا يَضُرُّ زِيَادَةُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. وَفِي الْمَجْمُوعِ: الْأَوْلَى تَرْكُهَا. وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْقَادِرِ، وَأَمَّا الْعَاجِزُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ بِالنِّيَّةِ قَطْعًا. وَإِنْ أَتَى بِمُرَادِفِهَا بِالْعَجَمِيَّةِ فَذَكَرَ الْأُجْهُورِيُّ أَنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ، وَاَلَّذِي اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ الصِّحَّةُ قِيَاسًا عَلَى الدُّعَاءِ بِالْعَجَمِيَّةِ لِلْقَادِرِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ. قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [بَطَلَتْ] : كَمَا لَوْ قَصَدَ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِالْحَدَثِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ الْمُنَافِيَاتِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَوَقَعَ لِابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ أَحْدَثَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ أَجْزَأَتْهُ، قَالَهُ ابْنُ زَرْقُونٍ وَهَذَا مَرْدُودٌ نَقْلًا وَمَعْنًى. تَنْبِيهٌ: وَقَعَ خِلَافٌ: هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُجَدِّدَ نِيَّةً لِلْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ بِالسَّلَامِ لِأَجْلِ أَنْ يَتَمَيَّزَ عَنْ جِنْسِهِ كَافْتِقَارِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ إلَيْهَا لِتَمْيِيزِهَا عَنْ غَيْرِهَا فَلَوْ سَلَّمَ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ نِيَّةٍ لَمْ يُجْزِهِ؟ قَالَ سَنَدٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا

(وَ) حَادِي عَشَرَهَا: (جُلُوسٌ لَهُ) أَيْ لِسَلَامِهِ فَلَا يَصِحُّ مِنْ قِيَامٍ وَلَا اضْطِجَاعٍ. (وَ) ثَانِي عَشَرَهَا: (طُمَأْنِينَةٌ) وَهِيَ اسْتِقْرَارُ الْأَعْضَاءِ زَمَنًا مَا، فِي جَمِيعِ أَرْكَانِهَا. (وَ) ثَالِثَ عَشَرَهَا (اعْتِدَالٌ) بَعْدَ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَحَالَ سَلَامِهِ وَتَكْبِيرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتُنْدَبُ فَقَطْ لِانْسِحَابِ النِّيَّةِ الْأُولَى، قَالَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ يُفِيدُ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ فَلِذَلِكَ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الِاشْتِرَاطِ. قَوْلُهُ: [جُلُوسٌ لَهُ] : أَيْ لِأَجْلِ إيقَاعِ السَّلَامِ، فَالْجُزْءُ الْأَخِيرُ مِنْ الْجُلُوسِ الَّذِي يُوقِعُ فِيهِ السَّلَامَ هُوَ الْفَرْضُ، وَمَا قَبْلَهُ السُّنَّةُ فَلَا يَلْزَمُ إيقَاعُ فَرْضٍ فِي سُنَّةٍ، فَلَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ وَاعْتَدَلَ جَالِسًا وَسَلَّمَ كَانَ ذَلِكَ الْجُلُوسُ هُوَ الْوَاجِبُ وَفَاتَتْهُ السُّنَّةُ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ مِنْ قِيَامٍ] : أَيْ فَلَوْ أَتَى بِهِ فِي حَالِ الْقِيَامِ بَطَلَتْ بِاتِّفَاقٍ وَلَا يُقَاسُ عَلَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِلْمَسْبُوقِ، لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ مُحْرِصٌ عَلَى الدُّخُولِ فِي الْعِبَادَةِ، فَاغْتُفِرَ لَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ لَهَا، وَأَمَّا الْمُسَلِّمُ فَخَارِجٌ عَنْ الْعِبَادَةِ فَلَا يُغْتَفَرُ لَهُ تَرْكُ الْجُلُوسِ. قَوْلُهُ: [طُمَأْنِينَةٌ] : اعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ بِفَرْضِيَّتِهَا صَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَلِذَا قَالَ زَرُّوقٌ: مَنْ تَرَكَ الطُّمَأْنِينَةَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ إنَّهَا فَضِيلَةٌ (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [اعْتِدَالٌ] إلَخْ: أَيْ فَبَيْنَ الِاعْتِدَالِ وَالطُّمَأْنِينَةِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ التَّحَقُّقِ، وَإِنْ تَخَالَفَا فِي الْمَفْهُومِ فَيُوجَدَانِ مَعًا إذَا نَصَبَ قَامَتَهُ فِي الْقِيَامِ أَوْ فِي الْجُلُوسِ، وَبَقِيَ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ أَعْضَاؤُهُ فِي مَحَالِّهَا زَمَنًا مَا. وَيُوجَدُ الِاعْتِدَالُ

[سنن الصلاة]

لِلْإِحْرَامِ، وَلَا يَكْفِي الِانْحِنَاءُ فِي ذَلِكَ. (وَ) رَابِعَ عَشَرَهَا: (تَرْتِيبُهَا) أَيْ الصَّلَاةِ بِأَنْ يُقَدِّمَ النِّيَّةَ عَلَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَهِيَ عَلَى الْفَاتِحَةِ، وَهِيَ عَلَى الرُّكُوعِ، وَهُوَ مَعَ الرَّفْعِ مِنْهُ عَلَى السُّجُودِ، وَهُوَ عَلَى السَّلَامِ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ فَرَائِضِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ (سُنَنِهَا) فَقَالَ: (وَسُنَنُهَا) : أَيْ الصَّلَاةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ: أَوَّلُهَا (قِرَاءَةُ آيَةٍ) : وَإِتْمَامُ السُّورَةِ مَنْدُوبٌ. وَيَقُومُ مَقَامَ الْآيَةِ بَعْضُ آيَةٍ طَوِيلَةٍ لَهُ بَالٌ نَحْوَ: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] (بَعْدَ الْفَاتِحَةِ) : لَا قَبْلَهَا فَلَا يَكْفِي (فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ) ، وَإِنَّمَا يُسَنُّ مَا زَادَ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ فِيهِمَا إذَا اتَّسَعَ الْوَقْتُ، فَإِنْ ضَاقَ بِحَيْثُ يَخْشَى خُرُوجَهُ بِقِرَاءَتِهَا لَمْ تُسَنَّ، بَلْ يَجِبُ تَرْكُهَا لِإِدْرَاكِهِ. (وَ) ثَانِيهَا: (قِيَامٌ لَهَا) : أَيْ لِلْآيَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الظَّرْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَطْ إذَا نَصَبَ قَامَتَهُ فِي الْقِيَامِ أَوْ فِي الْجُلُوسِ وَلَمْ تَسْتَقِرَّ أَعْضَاؤُهُ وَتُوجَدُ الطُّمَأْنِينَةُ فَقَطْ فِيمَنْ اسْتَقَرَّتْ أَعْضَاؤُهُ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَكْفِي الِانْحِنَاءُ فِي ذَلِكَ] : أَيْ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ، وَقَوْلُ خَلِيلٍ: " وَالْأَكْثَرُ عَلَى نَفْيِهِ " ضَعِيفٌ كَمَا فِي الشَّبْرَخِيتِيِّ. قَوْلُهُ: [تَرْتِيبُهَا] إلَخْ: أَيْ الْفَرَائِضِ فِي أَنْفُسِهَا وَأَمَّا تَرْتِيبُ السُّنَنِ فِي أَنْفُسِهَا أَوْ مَعَ الْفَرَائِضِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ السُّورَةَ عَلَى الْفَاتِحَةِ لَمْ تَبْطُلْ وَيُطْلَبُ بِإِعَادَةِ السُّورَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ. [سُنَنُ الصَّلَاة] [تَنْبِيه إِن لَمْ يرفع يديه بَيْن السَّجْدَتَيْنِ] قَوْلُهُ: [قِرَاءَةُ آيَةٍ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ طَوِيلَةً أَوْ قَصِيرَةً كَ {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64] . قَوْلُهُ: [وَإِتْمَامُ السُّورَةِ مَنْدُوبٌ] : أَيْ وَأَمَّا قِرَاءَةُ سُورَتَيْنِ أَوْ سُورَةٍ وَبَعْضِ أُخْرَى فَمَكْرُوهٌ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [بَعْدَ الْفَاتِحَةِ] : أَيْ إنْ كَانَ يَحْفَظُ الْفَاتِحَةَ وَإِلَّا قَرَأَهَا. قَوْلُهُ: [فَلَا يَكْفِي] : أَيْ لِأَنَّ كَوْنَهَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ شَرْطٌ لِلسُّنَّةِ فَلَوْ قَدَّمَهَا فَإِنَّهُ يُطَالَبُ بِإِعَادَتِهَا بَعْدَهَا حَيْثُ لَمْ يَرْكَعْ، فَإِنْ رَكَعَ كَانَ تَارِكًا لِسُنَّةِ السُّورَةِ. قَوْلُهُ: [قِيَامٌ لَهَا] : أَيْ لِأَجْلِهَا، فَالْقِيَامُ سُنَّةٌ لِغَيْرِهِ لَا لِنَفْسِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَرْكَعُ إنْ عَجَزَ عَنْ الْآيَةِ إثْرَ الْفَاتِحَةِ وَلَا يَقُومُ بِقَدْرِهَا.

حُكْمُ الْمَظْرُوفِ فَلَوْ اسْتَنَدَ لِشَيْءٍ حَالَ قِرَاءَتِهَا بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَ لَسَقَطَ لَمْ تَبْطُلْ، لَا إنْ جَلَسَ فَقَرَأَهَا جَالِسًا، فَتَبْطُلُ لِإِخْلَالِهِ بِهَيْئَةِ الصَّلَاةِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ قَوْلُهُمْ الْقِيَامُ لَهَا سُنَّةٌ. (وَ) ثَالِثُهَا: (جَهْرٌ) : فِي الصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ وَأُولَتَيْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. (وَ) رَابِعُهَا: (سِرٌّ) فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَأَخِيرَةِ الْمَغْرِبِ وَأَخِيرَتَيْ الْعِشَاءِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (بِمَحَلِّهِمَا) ، وَهَذِهِ السُّنَنُ الْأَرْبَعَةُ مَخْصُوصَةٌ (بِفَرْضٍ) فَلَا تُسَنُّ فِي النَّفْلِ وَهَذَا مِمَّا زِدْنَاهُ عَلَيْهِ. (وَتَأَكَّدَا) : أَيْ الْجَهْرُ بِمَحَلِّهِ وَالسِّرُّ (بِالْفَاتِحَةِ) دُونَ السُّورَةِ بَعْدَهَا كَمَا يَتَبَيَّنُ لَك ذَلِكَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ. (وَأَقَلُّ جَهْرِ الرَّجُلِ) : الْكَافِي فِي السُّنَّةِ (إسْمَاعُ مَنْ يَلِيهِ) فَقَطْ لَوْ فُرِضَ أَنَّ بِجَانِبِهِ أَحَدًا مُتَوَسِّطَ السَّمْعِ، (وَجَهْرُ الْمَرْأَةِ) : الْكَافِي لَهَا بِالْإِتْيَانِ بِالسُّنَّةِ. وَيَجِبُ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ بِحَضْرَةِ أَجَانِبَ يَخْشَوْنَ مِنْ عُلُوِّ صَوْتِهَا الْفِتْنَةَ (إسْمَاعُهَا نَفْسَهَا) فَقَطْ (كَأَعْلَى السِّرِّ) : لَيْسَ الْمُرَادُ بِأَعْلَاهُ غَايَتَهُ كَمَا ظَنَّ بَعْضُهُمْ، فَاعْتَرَضَ بِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَمْ تَبْطُلْ] : أَيْ لِتَرْكِهِ سُنَّةً خَفِيفَةً. قَوْلُهُ: [لِإِخْلَالِهِ بِهَيْئَةِ الصَّلَاةِ] : أَيْ وَهُوَ كَثْرَةُ الْأَفْعَالِ مِنْ جُلُوسٍ وَقِيَامٍ فَالْبُطْلَانُ لِذَلِكَ لَا لِتَرْكِ السُّنَّةِ. قَوْلُهُ: [فَلَا تُسَنُّ فِي النَّفْلِ] : أَيْ فَإِنَّ قِرَاءَةَ مَا زَادَ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ فِيهِ مُسْتَحَبٌّ، وَالْجَهْرُ وَالسِّرُّ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: [دُونَ السُّورَةِ بَعْدَهَا] : أَيْ فَالْجَهْرُ فِي الْفَاتِحَةِ فِي مَحَلِّهِ وَالسِّرُّ فِي مَحَلِّهِ، أَوْكَدُ مِنْ الْجَهْرِ وَالسِّرِّ فِي السُّورَةِ. وَلِذَلِكَ مَنْ تَرَكَ السِّرَّ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ الْجَهْرَ فِيهَا مِنْ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ سَهْوًا يَسْجُدُ لِتَرْكِ الْجَهْرِ قَبْلَ السَّلَامِ وَتَرْكِ السِّرِّ بَعْدَهُ، بِخِلَافِ تَارِكِ أَحَدِهِمَا مِنْ السُّورَةِ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَأَقَلُّ جَهْرِ الرَّجُلِ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا أَعْلَاهُ فَلَا حَدَّ لَهُ. قَوْلُهُ: [كَمَا ظَنَّ بَعْضُهُمْ] : أَيْ وَهُوَ النَّفْرَاوِيُّ حَيْثُ اعْتَرَضَ فَقَالَ: إنَّ أَعْلَى الشَّيْءِ مَا يَحْصُلُ بِالْمُبَالَغَةِ فِيهِ، فَيَكُونُ بِالْعَكْسِ.

أَعْلَاهُ أَخْفَاهُ؛ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ: الظَّاهِرُ مِنْهُ لِمُشَاهَدَةِ السَّمْعِ، يُقَابِلُهُ الْخَفَاءُ وَهَذَا مِنْ الْبَدِيهِيَّاتِ، فَيَسْتَوِي جَهْرُهَا مَعَ أَعْلَى سِرِّهَا وَيَنْفَرِدُ أَخْفَى سِرِّهَا بِحَرَكَةِ اللِّسَانِ كَالرَّجُلِ. (وَ) خَامِسُهَا: (كُلُّ تَكْبِيرَةٍ) غَيْرُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. (وَ) سَادِسُهَا: كُلُّ لَفْظِ (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لِإِمَامٍ وَفَذٍّ حَالَ رَفْعِهِ) : مِنْ الرُّكُوعِ لَا مَأْمُومٍ فَلَا تُسَنُّ فِي حَقِّهِ، بَلْ يُكْرَهُ لَهُ قَوْلُهَا. (وَ) سَابِعُهَا: كُلُّ (تَشَهُّدٍ) . (وَ) ثَامِنُهَا (جُلُوسٌ لَهُ) بِالرَّفْعِ أَوْ الْجَرِّ أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الظَّاهِرُ مِنْهُ] : أَيْ بِحَيْثُ لَوْ زِيدَ عَلَيْهِ خَرَجَ عَنْ السِّرِّيَّةِ، وَأَجَابَ فِي الْمَجْمُوعِ بِجَوَابٍ آخَرَ وَهُوَ: أَنَّهُ لَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ. قَوْلُهُ: [فَيَسْتَوِي جَهْرُهَا] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ صَوْتَهَا كَالْعَوْرَةِ وَرُبَّمَا كَانَ فِي سَمَاعِهِ فِتْنَةٌ، وَمَا قَالَهُ شَارِحُنَا تَبِعَ فِيهِ عب وَالْخَرَشِيَّ قَالَ الْبُنَانِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ جَهْرُهَا مَرْتَبَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَنْ تُسْمِعَ نَفْسَهَا فَقَطْ. وَلَيْسَ هَذَا سِرًّا لَهَا، بَلْ سِرُّهَا أَنْ تُحَرِّكَ لِسَانَهَا فَقَطْ، فَلَيْسَ لِسِرِّهَا أَدْنَى وَأَعْلَى كَمَا أَنَّ جَهْرَهَا كَذَلِكَ، هَذَا هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [كُلُّ تَكْبِيرَةٍ] : يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكُلِّ: الْكُلُّ الْجَمِيعِيُّ، فَيَكُونُ مَاشِيًا عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكُلِّ: الْمَجْمُوعِيُّ فَيَكُونُ مَاشِيًا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَالْأَبْهَرِيِّ. وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ: السُّجُودُ لِتَرْكِ تَكْبِيرَتَيْنِ سَهْوًا عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَبُطْلَانُ الصَّلَاةِ إنْ تَرَكَ السُّجُودَ لِثَلَاثٍ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. قَوْلُهُ: [كُلُّ لَفْظِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ] : الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ كَالْأَوَّلِ: الْكُلُّ الْجَمِيعِيُّ. فَيَكُونُ مَاشِيًا عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ أَنَّ كُلَّ تَسْمِيعَةٍ سُنَّةٌ، وَهُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَالْأَبْهَرِيِّ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [كُلُّ تَشَهُّدٍ] : أَيْ وَلَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ أَيْ كُلُّ فَرْضٍ مِنْهُ سُنَّةٌ

وَكُلُّ جُلُوسٍ. (وَ) تَاسِعُهَا (الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ) التَّشَهُّدِ (الْأَخِيرِ) بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ، وَقِيلَ بَلْ هِيَ مَنْدُوبَةٌ كَالدُّعَاءِ بَعْدَهَا بِمَا أَحَبَّ كَمَا يَأْتِي، ـــــــــــــــــــــــــــــQمُسْتَقِلَّةٌ كَمَا شَهَّرَهُ ابْنُ بَزِيزَةَ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ. وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ قَوْلًا بِوُجُوبِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ - وَشَهَّرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْقُلَيْشَانِي - أَنَّ مَجْمُوعَ التَّشَهُّدَيْنِ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ. وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُصَلِّي فَذًّا أَوْ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا، إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَسْقُطُ الطَّلَبُ بِهِ فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ كَنِسْيَانِهِ حَتَّى قَامَ الْإِمَامُ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، فَلْيَقُمْ وَلَا يَتَشَهَّدْ. وَأَمَّا إنْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ يَتَشَهَّدُ وَلَا يَدْعُو وَيُسَلِّمُ، وَسَوَاءٌ تَذَكَّرَ تَرَكَ التَّشَهُّدَ قَبْلَ انْصِرَافِ الْإِمَامِ عَنْ مَحَلِّهِ أَوْ بَعْدَ انْصِرَافِهِ كَمَا ذَكَرَهُ ح فِي سُجُودِ السَّهْوِ نَقْلًا عَنْ النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَلَا تَحْصُلُ أَيْ سُنَّةُ التَّشَهُّدِ إلَّا بِجَمِيعِهِ وَآخِرُهُ: " وَرَسُولُهُ " (اهـ.) . وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي خُصُوصِ اللَّفْظِ الْوَارِدِ عَنْ عُمَرَ، قِيلَ سُنَّةٌ، وَقِيلَ مَنْدُوبٌ. وَأَمَّا التَّشَهُّدُ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ مِنْ جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ الْوَارِدَةِ فَهُوَ سُنَّةٌ قَطْعًا كَمَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ وَالْحَطَّابُ وَالشَّيْخُ سَالِمٌ، وَقِيلَ إنَّ الْخِلَافَ فِي أَصْلِهِ. وَأَمَّا اللَّفْظُ الْوَارِدُ عَنْ عُمَرَ فَمَنْدُوبٌ قَطْعًا وَقَوَّاهُ (ر) حَيْثُ قَالَ هُوَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِلنَّقْلِ وَتَعَقَّبَهُ (بْن) . وَبِالْجُمْلَةِ فَأَصْلُ التَّشَهُّدِ سُنَّةٌ قَطْعًا أَوْ عَلَى الرَّاجِحِ، وَخُصُوصُ اللَّفْظِ مَنْدُوبٌ قَطْعًا أَوْ عَلَى الرَّاجِحِ. وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَا اُشْتُهِرَ مِنْ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِتَرْكِ سُجُودِ السَّهْوِ عَنْهُ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، إذْ هُوَ لَيْسَ عَنْ نَقْصِ ثَلَاثِ سُنَنٍ بِاتِّفَاقٍ. قَوْلُهُ: [أَيْ وَكُلُّ جُلُوسٍ] : أَيْ مِنْ الْجُلُوسَاتِ الَّتِي لِلتَّشَهُّدِ غَيْرِ الْجُلُوسِ بِقَدْرِ السَّلَامِ، فَإِنَّهُ وَاجِبٌ، وَغَيْرِ الْجُلُوسِ لِلدُّعَاءِ فَإِنَّهُ مَنْدُوبٌ مَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَإِلَّا كَانَ مَكْرُوهًا، وَغَيْرِ الْجُلُوسِ لِلصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقِيلَ مَنْدُوبٌ، وَقِيلَ سُنَّةٌ عَلَى الْخِلَافِ فِيهَا.

وَأَفْضَلُهَا: " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ ". (وَ) عَاشِرُهَا: (السُّجُودُ عَلَى صَدْرِ الْقَدَمَيْنِ) وَعَلَى (الرُّكْبَتَيْنِ وَالْكَفَّيْنِ) ، وَأَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَنَا إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْجَبْهَةِ. (وَ) حَادِي عَشْرَتَهَا: (رَدُّ الْمُقْتَدِي السَّلَامَ عَلَى إمَامِهِ وَعَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ إنْ) كَانَ عَلَى يَسَارِهِ أَحَدٌ (شَارَكَهُ فِي رَكْعَةٍ) : فَأَكْثَرَ لَا أَقَلَّ، (وَأَجْزَأَ فِيهِ) : أَيْ فِي سَلَامِ الرَّدِّ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ الَّذِي عَلَى الْيَسَارِ، (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) بِالتَّنْكِيرِ (وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ) بِتَقْدِيمِ عَلَيْكُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَفْضَلُهَا] : أَيْ لِكَوْنِهَا أَصَحَّ مَا وَرَدَ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَارِدِ أَفْضَلُ، حَتَّى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِيهَا تَرْكُ السِّيَادَةِ لِوُرُودِهَا كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: [السُّجُودُ عَلَى صَدْرِ الْقَدَمَيْنِ] : تَبِعَ الْمُصَنِّفُ خَلِيلًا التَّابِعَ لِابْنِ الْحَاجِبِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَكَوْنُ السُّجُودِ عَلَيْهِمَا سُنَّةً لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْمَذْهَبِ، غَايَتُهُ أَنَّ ابْنَ الْقَصَّارِ قَالَ: الَّذِي يَقْوَى فِي نَفْسِي أَنَّهُ سُنَّةٌ فِي الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ إنَّ السُّجُودَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَاجِبٌ مُوَافَقَةً لِلشَّافِعِيِّ وَوَجْهُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ» . تَنْبِيهٌ: إنْ لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ؛ فَقَوْلَانِ: بِالْبُطْلَانِ وَعَدَمِهِ. فَعَلَى الْبُطْلَانِ يَكُونُ السُّجُودُ عَلَيْهِمَا وَاجِبًا، وَعَلَى عَدَمِ الْبُطْلَانِ فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [شَارَكَهُ فِي رَكْعَةٍ] إلَخْ: يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ مِنْ عَلَى الْيَسَارِ مَسْبُوقًا أَوْ غَيْرَ مَسْبُوقٍ، وَيُرَدُّ الْمَسْبُوقُ وَالسَّابِقُ. وَخَرَّجَ مِنْهُ النَّفْرَاوِيُّ الرَّدَّ فِي طَائِفَتَيْ الْخَوْفِ؛ أَيْ فَكُلُّ طَائِفَةٍ تُسَلِّمُ عَلَى الْأُخْرَى. قَوْلُهُ: [أَجْزَأَ فِيهِ] : أَيْ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ مُمَاثَلَتُهَا لِتَسْلِيمَةِ التَّحْلِيلِ.

(وَ) ثَانِي عَشْرَتَهَا: (جَهْرٌ بِتَسْلِيمَةِ التَّحْلِيلِ) فَقَطْ دُونَ تَسْلِيمَةِ الرَّدِّ. (وَ) ثَالِثَ عَشْرَتَهَا: (إنْصَاتُ مُقْتَدٍ) أَيْ مَأْمُومٍ (فِي الْجَهْرِ) أَيْ جَهْرِ إمَامِهِ السُّنِّيِّ إنْ سَمِعَهُ الْمُقْتَدِي، بَلْ (وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ) قِرَاءَتَهُ لِبُعْدٍ أَوْ صَمَمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (أَوْ سَكَتَ الْإِمَامُ) لِعَارِضٍ أَوْ لَا، كَأَنْ يَسْكُتَ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَوْ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ أَوْ السُّورَةِ. (وَ) رَابِعَ عَشْرَتَهَا: (الزَّائِدُ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ) الْوَاجِبَةِ بِقَدْرِ مَا يَجِبُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِتَسْلِيمَةِ التَّحْلِيلِ] : أَيْ وَأَمَّا الْجَهْرُ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَمَنْدُوبٌ وَبِغَيْرِهَا مِنْ التَّكْبِيرِ - يُنْدَبُ لِلْإِمَامِ دُونَ غَيْرِهِ - فَالْأَفْضَلُ لَهُ الْإِسْرَارُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ حَيْثُ نُدِبَ الْجَهْرُ بِهَا، وَتَسْلِيمَةِ التَّحْلِيلِ حَيْثُ سُنَّ الْجَهْرُ بِهَا قُوَّةُ الْأُولَى، لِأَنَّهَا قَدْ صَاحَبَتْهَا النِّيَّةُ الْوَاجِبَةُ جَزْمًا، بِخِلَافِ التَّسْلِيمَةِ فَفِي وُجُوبِ النِّيَّةِ مَعَهَا خِلَافٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَيْضًا انْضَمَّ لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ رَفْعُ الْيَدَيْنِ، وَالتَّوَجُّهُ لِلْقِبْلَةِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [دُونَ تَسْلِيمَةِ الرَّدِّ] : قَالَ بَعْضُهُمْ التَّسْلِيمَةُ الْأُولَى تَسْتَدْعِي الرَّدَّ فَطُلِبَ الْجَهْرُ بِهَا وَتَسْلِيمَةُ الرَّدِّ لَا تَسْتَدْعِي رَدًّا فَلِذَلِكَ لَمْ يُطْلَبْ الْجَهْرُ. وَسَلَامُ الْفَذِّ لَا يَسْتَدْعِي رَدًّا فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ جَهْرٌ. تَنْبِيهٌ: لَوْ تَعَمَّدَ التَّحْلِيلَ عَلَى الْيَسَارِ أَجْزَأَ وَخَالَفَ الْمَطْلُوبَ، فَإِنْ سَهَا عَنْ التَّحْلِيلِ وَسَلَّمَ بِقَصْدِ الْفَصْلِ صَحَّ إنْ عَادَ بِقُرْبٍ كَأَنْ قَدَّمَ الرَّدَّ نَاوِيًا الْعَوْدَ وَإِلَّا بَطَلَتْ. قَوْلُهُ: [إنْصَاتُ مُقْتَدٍ] : جَعْلُهُ سُنَّةً هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ بِوُجُوبِهِ كَمَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ بِوُجُوبِ الْقِرَاءَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ سَكَتَ الْإِمَامُ] إلَخْ: أَشَارَ بِهَذَا لِقَوْلِ سَنَدٍ الْمَعْرُوفِ: إنَّهُ إذَا سَكَتَ إمَامُهُ لَا يَقْرَأُ، وَفِيهِ رَدٌّ لِرِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّ الْمَأْمُومَ يَقْرَأُ إذَا سَكَتَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ. قَوْلُهُ: [بِقَدْرِ مَا يَجِبُ] : قَالَ بَعْضُهُمْ اُنْظُرْ مَا قَدْرُ هَذَا الزَّائِدِ فِي حَقِّ الْفَذِّ وَالْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقَدَّرُ بِعَدَمِ التَّفَاحُشِ. بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ؛ وَهُوَ أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ هَلْ هُوَ مُسْتَوٍ فِيمَا يُطْلَبُ فِيهِ

[مندوبات الصلاة]

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْمَنْدُوبَاتِ عَلَى التَّرْتِيبِ فَقَالَ: (وَنُدِبَ نِيَّةُ الْأَدَاءِ) فِي الْحَاضِرَةِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَلِأَنَّهُ أَكْمَلُ فِي التَّأْدِيَةِ (وَضِدُّهُ) أَيْ ضِدُّ الْأَدَاءِ وَهُوَ الْقَضَاءُ فِي الْفَائِتَةِ. (وَ) نُدِبَ: نِيَّةُ (عَدَدِ الرَّكَعَاتِ) كَرَكْعَتَيْنِ فِي الصُّبْحِ وَثَلَاثٍ فِي الْمَغْرِبِ وَأَرْبَعٍ فِي غَيْرِهِمَا. (وَ) نُدِبَ (خُشُوعٌ) أَيْ خُضُوعٌ لِلَّهِ (وَاسْتِحْضَارُ عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى) وَهَيْبَتِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُعْبَدُ وَلَا يُقْصَدُ سِوَاهُ. (وَ) اسْتِحْضَارُ (امْتِثَالِ أَمْرِهِ) : بِتِلْكَ الصَّلَاةِ لِيَتِمَّ الْمَقْصُودُ مِنْهَا بَاطِنًا مِنْ إفَاضَةِ الرَّحَمَاتِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. (وَ) نُدِبَ (رَفْعُ الْيَدَيْنِ) : حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ ظُهُورُهُمَا لِلسَّمَاءِ وَبُطُونُهُمَا لِلْأَرْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّطْوِيلُ وَفِي غَيْرِهِ كَالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسَّجْدَةِ الْأُولَى أَمْ لَا، وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ يَقْتَضِي اسْتِوَاءَهُ فِيهِمَا لَكِنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْحَاشِيَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَوِيًا بَلْ هُوَ فِيمَا يُطْلَبُ فِيهِ التَّطْوِيلُ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِيمَا لَا يُطْلَبُ فِيهِ التَّطْوِيلُ. [مَنْدُوبَات الصَّلَاة] قَوْلُهُ: [عَلَى التَّرْتِيبِ] : أَيْ شَرَعَ فِي فَضَائِلِهَا عَلَى طِبْقِ تَرْتِيبِ الصَّلَاةِ مِنْ مَبْدَئِهَا لِمُنْتَهَاهَا. وَقَدْ أَنْهَاهَا لِنَحْوِ الْخَمْسِينَ فَضِيلَةً. قَوْلُهُ: [خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ] : أَيْ خِلَافِ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِهَا. وَيُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي نِيَّةِ الْقَضَاءِ، وَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَالْخُشُوعِ؛ فَإِنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ يَقُولُ بِوُجُوبِ ذَلِكَ كُلِّهِ. قَوْلُهُ: [وَاسْتِحْضَارُ عَظَمَةِ اللَّهِ] : تَفْسِيرٌ مُرَادٌ لِلْخُشُوعِ الْمَنْدُوبِ. وَإِلَّا، فَأَصْلُ الْخُشُوعِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَلِذَلِكَ تَبْطُلُ بِالْكِبْرِ. قَوْلُهُ: [وَاسْتِحْضَارُ امْتِثَالِ] إلَخْ: أَيْ فَمَصَبُّ النَّدْبِ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَامْتِثَالُ الْأَمْرِ هُوَ النِّيَّةُ، فَإِنْ عَدِمَ عَدِمَتْ. قَوْلُهُ: [لِيَتِمَّ الْمَقْصُودُ مِنْهَا] : أَيْ لِكَمَالِ الْإِخْلَاصِ بِتِلْكَ الْآدَابِ فَلَا تَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ كَامِلِ الْإِخْلَاصِ. قَوْلُهُ: [بَاطِنًا] : أَيْ وَأَمَّا ظَاهِرًا فَتَسْقُطُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخْلِصًا. قَوْلُهُ: [ظُهُورُهُمَا لِلسَّمَاءِ] : إلَخْ: أَيْ عَلَى صِفَةِ الرَّاهِبِ وَرَجَّحَهَا الْأُجْهُورِيُّ.

(مَعَ الْإِحْرَامِ) أَيْ عِنْدَهُ لَا عِنْدَ رُكُوعٍ وَلَا رَفْعٍ مِنْهُ، وَلَا عِنْدَ قِيَامٍ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَنَدَبَهُ الشَّافِعِيُّ (حِينَ تَكْبِيرِهِ) لِلْإِحْرَامِ لَا قَبْلَهُ كَمَا يَفْعَلُهُ أَكْثَرُ الْعَوَامّ. (وَ) نُدِبَ (إرْسَالُهُمَا بِوَقَارٍ) لَا بِقُوَّةٍ وَلَا يَدْفَعُ بِهِمَا مَنْ أَمَامَهُ لِمُنَافَاتِهِ لِلْخُشُوعِ، (وَجَازَ الْقَبْضُ) أَيْ قَبْضُهُمَا عَلَى الصَّدْرِ (بِنَفْلٍ) أَيْ فِيهِ، (وَكُرِهَ) الْقَبْضُ (بِفَرْضٍ، لِلِاعْتِمَادِ) : أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاعْتِمَادِ أَيْ كَأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ. (وَ) نُدِبَ (إكْمَالُ سُورَةٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ) : فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى بَعْضِهَا وَلَا عَلَى آيَةٍ أَوْ أَكْثَرَ وَلَوْ مِنْ الطِّوَالِ. (وَكُرِهَ تَكْرِيرُهُمَا) أَيْ السُّورَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَلْ الْمَطْلُوبُ أَنْ يَكُونَ فِي الثَّانِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَجَّحَ اللَّقَانِيِّ صِفَةَ النَّابِذِ بُطُونَهُمَا خَلْفُ. وَهُنَاكَ ثَالِثَةٌ يُقَالُ لِصَاحِبِهَا الرَّاغِبُ بُطُونَهُمَا لِلسَّمَاءِ، وَيُحَاذِي الْمَنْكِبَ عَلَى كُلِّ حَالٍ. قَوْلُهُ: [وَنَدَبَهُ الشَّافِعِيُّ] : أَيْ فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ الْقَبْضُ] إلَخْ: أَيْ طَوَّلَ أَمْ لَا لِجَوَازِ الِاعْتِمَادِ فِي النَّفْلِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، فَإِنْ قَصَدَ التَّسَنُّنَ فَمَنْدُوبٌ. قَوْلُهُ: [لِلِاعْتِمَادِ] إلَخْ: هَذَا التَّعْلِيلُ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ فَلَوْ فَعَلَهُ لَا لِلِاعْتِمَادِ بَلْ اسْتِنَانًا لَمْ يُكْرَهْ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فِيمَا يَظْهَرُ. وَهَذَا التَّعْلِيلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعَلَيْهِ فَيَجُوزُ فِي النَّفْلِ مُطْلَقًا؛ لِجَوَازِ الِاعْتِمَادِ فِيهِ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَقِيلَ: خِيفَةَ اعْتِقَادِ وُجُوبِهِ عَلَى الْعَوَامّ، وَاسْتُبْعِدَ وَضُعِّفَ. وَقِيلَ: خِيفَةَ إظْهَارِ الْخُشُوعِ وَلَيْسَ بِخَاشِعٍ فِي الْبَاطِنِ، وَعَلَيْهِ فَلَا تَخْتَصُّ الْكَرَاهَةُ بِالْفَرْضِ. وَقِيلَ: لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَلَمَّا كَانَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْعِلَّةَ الْأُولَى اقْتَصَرَ عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [إكْمَالُ سُورَةٍ] : أَيْ فَالسُّورَةُ وَلَوْ قَصِيرَةً أَفْضَلُ مِنْ بَعْضِ سُورَةٍ وَلَوْ كَثُرَ. قَوْلُهُ: [فِي الرَّكْعَتَيْنِ] إلَخْ: وَمِنْ بَابِ أَوْلَى فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ. وَقَدْ وَرَدَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةُ تَكْرِيرِ السُّورَةِ كَالصَّمَدِيَّةِ فِي الرَّكْعَةِ وَظَاهِرُ مَا وَرَدَ عَنْ مَالِكٍ الْكَرَاهَةُ وَلَوْ فِي النَّفْلِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْفَوَائِدِ، وَلِذَلِكَ سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ الْجَوَازُ فِي النَّفْلِ.

سُورَةٌ غَيْرُ الَّتِي قَرَأَهَا فِي الْأُولَى أَنْزَلُ مِنْهَا لَا أَعْلَى فَلَا يَقْرَأُ الثَّانِيَةَ [إنَّا أَنْزَلْنَاهُ] بَعْدَ قِرَاءَتِهِ فِي الْأُولَى [لَمْ يَكُنْ] مَثَلًا. (بِفَرْضٍ) : لَا نَفْلٍ فَلَا يَجُوزُ تَكْرِيرُهَا (كَسُورَتَيْنِ) : أَيْ كَمَا يُكْرَهُ بِالْفَرْضِ قِرَاءَةُ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ، وَجَازَ بِالنَّفْلِ قِرَاءَةُ السُّورَتَيْنِ وَالْأَكْثَرُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ. (وَ) نُدِبَ (تَطْوِيلُ قِرَاءَةٍ بِصُبْحٍ) : بِأَنْ يَقْرَأَ فِيهَا مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَأَوَّلُهُ الْحُجُرَاتُ وَآخِرُهُ سُورَةُ النَّازِعَاتِ، وَإِنْ قَرَأَ فِيهَا بِنَحْوِ [يس] فَلَا بَأْسَ بِهِ بِحَسَبِ التَّغْلِيسِ. (وَالظُّهْرُ تَلِيهَا) أَيْ الصُّبْحَ فِي التَّطْوِيلِ بِأَنْ يَقْرَأَ فِيهَا مِنْ طِوَالِهِ أَيْضًا، وَوَسَطِهِ أَوَّلُهُ [عَبَسَ] وَآخِرُهُ سُورَةُ [وَاللَّيْلِ] ، وَالتَّطْوِيلُ الْمَذْكُورُ يَكُونُ (لِفَذٍّ وَإِمَامٍ بِجَمَاعَةٍ مُعَيَّنَيْنِ) : مَحْصُورَيْنِ (طَلَبُوهُ) : أَيْ التَّطْوِيلَ مِنْهُ بِلِسَانِ الْمَقَالِ أَوْ الْحَالِ، وَإِلَّا فَالتَّقْصِيرُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ يَكُونُ فِيهِمْ الضَّعِيفُ وَذُو الْحَاجَةِ فَيَضُرُّهُمْ التَّطْوِيلُ. (وَ) نُدِبَ (تَقْصِيرُهَا) : أَيْ الْقِرَاءَةِ (بِمَغْرِبٍ وَعَصْرٍ) فَيَقْرَأُ فِيهِمَا مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَنْزَلُ مِنْهَا] : أَيْ بِأَنْ تَكُونَ عَلَى نَظْمِ الْمُصْحَفِ. وَفِي ح: إنْ قَرَأَ فِي الْأَوَّلِ سُورَةَ النَّاسِ فَقِرَاءَةُ مَا فَوْقَهَا فِي الثَّانِيَةِ أَوْلَى مِنْ تَكْرَارِهَا. وَحُرِّمَ تَنْكِيسُ الْآيَاتِ الْمُتَلَاصِقَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأُبْطِلَ لِأَنَّهُ كَكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ. وَلَيْسَ تَرْكُ مَا بَعْدَ السُّورَةِ الْأُولَى هَجْرًا لَهَا مِنْ الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [كَمَا يُكْرَهُ بِالْفَرْضِ] إلَخْ: أَيْ إلَّا لِمَأْمُومٍ خَشِيَ مِنْ سُكُوتِهِ تَفَكُّرًا فَلَا كَرَاهَةَ. قَوْلُهُ: [وَالْأَكْثَرُ] : أَيْ بَلْ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ بِرُمَّتِهِ فِي رَكْعَتَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَأَوَّلُهُ الْحُجُرَاتُ] : أَيْ أَوَّلُ الْمُفَصَّلِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَسُمِّيَ مُفَصَّلًا لِكَثْرَةِ الْفَصْلِ فِيهِ بِالْبَسْمَلَةِ. قَوْلُهُ: [طَلَبُوهُ] : أَيْ وَعَلِمَ إطَاقَتَهُمْ لَهُ وَعَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا عُذْرَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ فَهَذِهِ قُيُودٌ أَرْبَعَةٌ بِمَا فِي الشَّرْحِ لِاسْتِحْبَابِ التَّطْوِيلِ لِلْإِمَامِ. قَوْلُهُ: [فَالتَّقْصِيرُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ] : أَيْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:

(وَ) نُدِبَ (تَوَسُّطٌ بِعِشَاءٍ) فَيَقْرَأُ فِيهَا مِنْ وَسَطِهِ. (وَ) نُدِبَ (تَقْصِيرُ) الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ عَنْ) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى) : وَالْمُسَاوَاةُ جَائِزَةٌ بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى. (وَكُرِهَ تَطْوِيلُهَا) : أَيْ الثَّانِيَةِ (عَنْهَا) أَيْ الْأُولَى. (وَ) نُدِبَ (إسْمَاعُ نَفْسِهِ فِي السِّرِّ) لِأَنَّهُ أَكْمَلُ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ. (وَ) نُدِبَ (قِرَاءَةٌ خَلْفَ إمَامٍ) سِرًّا (فِيهِ) : أَيْ السِّرِّ؛ أَيْ فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ، وَأَخِيرَةِ الْمَغْرِبِ، وَأَخِيرَتَيْ الْعِشَاءِ. (وَ) نُدِبَ (تَأْمِينُ فَذٍّ) أَيْ قَوْلُهُ: آمِينَ بَعْدَ وَلَا الضَّالِّينَ (مُطْلَقًا) فِي السِّرِّ وَالْجَهْرِ (كَإِمَامٍ فِي السِّرِّ) فَقَطْ، (وَمَأْمُومٍ) فِي سِرِّهِ وَ (فِي الْجَهْرِ) إنْ (سَمِعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ «إذَا أَمَّ أَحَدُكُمْ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِي النَّاسِ الْكَبِيرَ وَالْمَرِيضَ وَذَا الْحَاجَةِ» ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي ذَمِّ التَّطْوِيلِ، وَانْظُرْ إذَا طَوَّلَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ وَخَشِيَ الْمَأْمُومُ تَلَفَ بَعْضِ مَالِهِ أَوْ حُصُولَ ضَرَرٍ شَدِيدٍ إنْ أَتَمَّ مَعَهُ، هَلْ يُسَوَّغُ لَهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ وَيُتِمُّ لِنَفْسِهِ أَمْ لَا؟ قَالَ الْمَازِرِيُّ: يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَحَكَى عِيَاضٌ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ. قَوْلُهُ: [تَقْصِيرُ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ] : أَيْ فِي الزَّمَنِ وَإِنْ قَرَأَ فِيهَا أَكْثَرَ كَمَا يَأْتِي فِي الْكُسُوفِ. قَوْلُهُ: [وَلِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ] : أَيْ لِأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ يُوجِبُ إسْمَاعَ نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ قِرَاءَةٌ خَلْفَ إمَامٍ] : أَيْ وَيَتَأَكَّدُ إنْ رَاعَى خِلَافَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ يُوجِبُهَا عَلَى الْمَأْمُومِ مُطْلَقًا.

إمَامَهُ) يَقُولُ وَلَا الضَّالِّينَ لَا إنْ لَمْ يَسْمَعْهُ يَقُولُهَا وَلَا يَتَحَرَّى. (وَ) نُدِبَ (الْإِسْرَارُ بِهِ) أَيْ بِالتَّأْمِينِ لِكُلِّ مُصَلٍّ طُلِبَ مِنْهُ. (وَ) نُدِبَ (تَسْوِيَةُ ظَهْرِهِ) أَيْ الْمُصَلِّي (بِرُكُوعٍ) أَيْ فِيهِ. (وَ) نُدِبَ فِيهِ أَيْضًا (وَضْعُ يَدَيْهِ) . أَيْ كَفَّيْهِ (عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَ) نُدِبَ (تَمْكِينُهُمَا) أَيْ الْيَدَيْنِ (مِنْهُمَا) : أَيْ مِنْ الرُّكْبَتَيْنِ. (وَ) نُدِبَ (نَصْبُهُمَا) أَيْ الرُّكْبَتَيْنِ فَلَا يَحْنِيهِمَا قَلِيلًا خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ. (وَ) نُدِبَ (تَسْبِيحٌ بِهِ) أَيْ فِيهِ نَحْوَ " سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، وَسُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَلَا يَدْعُو وَلَا يَقْرَأُ (كَسُجُودٍ) يُنْدَبُ فِيهِ التَّسْبِيحُ وَالدُّعَاءُ أَيْضًا كَمَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ. (وَ) نُدِبَ فِيهِ أَيْضًا (مُجَافَاةُ رَجُلٍ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ أَيْ مُبَاعَدَةُ الرَّجُلِ (مِرْفَقَيْهِ جَنْبَيْهِ) أَيْ عَنْهُمَا لَا كَثِيرًا بَلْ (يُجَنِّحُ بِهِمَا) أَيْ بِمِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ (تَجْنِيحًا وَسَطًا، وَ) ، نُدِبَ (قَوْلُ فَذٍّ) بَعْدَ قَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. (وَ) قَوْلُ (مُقْتَدٍ) بَعْدَ قَوْلِ إمَامِهِ ذَلِكَ (رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ) أَوْ " اللَّهُمَّ رَبَّنَا " إلَخْ، وَجَازَ حَذْفُ الْوَاوِ وَإِثْبَاتُهَا أَوْلَى، فَالْإِمَامُ لَا يَقُولُ " رَبَّنَا " إلَخْ وَالْمَأْمُومُ لَا يَقُولُ: " سَمِعَ اللَّهُ " إلَخْ وَالْفَذُّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا (حَالَ الْقِيَامِ) لَا حَالَ رَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ إذْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا يَتَحَرَّى] : أَيْ عَلَى الْأَظْهَرِ لِأَنَّهُ لَوْ تَحَرَّى لَرُبَّمَا أَوْقَعَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. وَرُبَّمَا صَادَفَ آيَةَ عَذَابٍ كَذَا فِي التَّوْضِيحِ، وَبَحَثَ فِيهِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَقَعْ فِيهِ الدُّعَاءُ بِالْعَذَابِ إلَّا عَلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا ضَرَرَ بِمُصَادَفَتِهِ آيَةَ عَذَابٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَدْعُو] إلَخْ: أَيْ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [كَمَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ] : أَيْ فَقَدْ وَرَدَ طَلَبُ الدُّعَاءِ وَالتَّسْبِيحِ فِي السُّجُودِ، وَالتَّسْبِيحِ فَقَطْ فِي الرُّكُوعِ. قَوْلُهُ: [مُجَافَاةُ رَجُلٍ] : وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَسَيَأْتِي أَنَّهَا تَكُونُ مُنْضَمَّةً فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهَا. قَوْلُهُ: [أَيْ عَنْهُمَا] : إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ. قَوْلُهُ: [يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا] : أَيْ فَيَأْتِي بِسُنَّةٍ وَمَنْدُوبٍ.

يَعْمُرُ الرَّفْعَ بِ " سَمِعَ اللَّهُ " إلَخْ، فَإِذَا اعْتَدَلَ قَائِمًا قَالَ: " رَبَّنَا " إلَخْ. (وَ) نُدِبَ (التَّكْبِيرُ) السُّنَّةُ (حَالَةَ الْخَفْضِ) لِلرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ (وَ) حَالَةَ (الرَّفْعِ) مِنْ السُّجُودِ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ (إلَّا فِي الْقِيَامِ مِنْ التَّشَهُّدِ) الْوَسَطِ (فَلِلِاسْتِقْلَالِ) قَائِمًا حَتَّى يُكَبِّرَ. (وَ) نُدِبَ (تَمْكِينُ جَبْهَتِهِ) وَأَنْفِهِ (مِنْ الْأَرْضِ أَوْ مَا اتَّصَلَ بِهَا) : أَيْ بِالْأَرْضِ (مِنْ سَطْحٍ كَسَرِيرٍ) : أَوْ سَقْفٍ وَنَحْوِهِمَا (بِسُجُودِهِ) أَيْ فِيهِ. (وَ) نُدِبَ (تَقْدِيمُ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ عِنْدَهُ) أَيْ السُّجُودِ أَيْ حَالَ انْحِطَاطِهِ لَهُ (وَتَأْخِيرُهُمَا) : أَيْ الْيَدَيْنِ عَنْ الرُّكْبَتَيْنِ (عِنْدَ الْقِيَامِ) لِلْقِرَاءَةِ. (وَ) نُدِبَ (وَضْعُهُمَا) أَيْ الْيَدَيْنِ (حَذْوَ) : أَيْ قُبَالَةَ (أُذُنَيْهِ أَوْ قُرْبَهُمَا) : فِي سُجُودِهِ بِحَيْثُ تَكُونُ أَطْرَافُ أَصَابِعِهِمَا حَذْوَ الْأُذُنَيْنِ. (وَ) نُدِبَ (ضَمُّ أَصَابِعِهِمَا وَرُءُوسِهَا) أَيْ الْأَصَابِعِ (لِلْقِبْلَةِ) أَيْ لِجِهَتِهَا. (وَ) نُدِبَ (مُجَافَاةُ) أَيْ مُبَاعَدَةُ (رَجُلٍ فِيهِ) أَيْ السُّجُودِ (بَطْنَهُ فَخْذَيْهِ) فَلَا يَجْعَلُ بَطْنَهُ عَلَيْهِمَا. (وَ) مُجَافَاةُ (مِرْفَقَيْهِ رُكْبَتَيْهِ) أَيْ عَنْ رُكْبَتَيْهِ. (وَ) مُجَافَاةُ (ضَبُعَيْهِ) : بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ تَثْنِيَةُ ضَبُعٍ: مَا فَوْقَ الْمِرْفَقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلِلِاسْتِقْلَالِ] : أَيْ لِأَنَّهُ كَمُفْتَتِحٍ صَلَاةً وَيُؤَخِّرُ الْمَأْمُومُ قِيَامَهُ حَتَّى يَسْتَقِلَّ إمَامُهُ، وَكُلٌّ مِنْ الْفَذِّ وَالْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ لَا يُكَبِّرُ إلَّا بَعْدَ اسْتِقْلَالِهِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ تَمْكِينُ جَبْهَتِهِ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا وَضْعُ أَيْسَرِ جُزْءٍ فَرُكْنٌ. قَوْلُهُ: [حَذْوَ الْأُذُنَيْنِ] : أَيْ أَوْ قُرْبَهُمَا. قَوْلُهُ: [بَطْنَهُ فَخْذَيْهِ] : أَيْ عَنْ فَخْذَيْهِ.

إلَى الْإِبْطِ (جَنْبَيْهِ) أَيْ عَنْهُمَا مُجَافَاةً (وَسَطًا) فِي الْجَمِيعِ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَكُونُ مُنْضَمَّةً فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهَا. (وَ) نُدِبَ فِي السُّجُودِ (رَفْعُ الْعَجِيزَةِ) : عَنْ الرَّأْسِ بِأَنْ يَكُونَ مَحَلُّ السُّجُودِ مُسَاوِيًا لِمَحَلِّ الْقَدَمَيْنِ حَالَ الْقِيَامِ أَوْ أَخْفَضَ. وَأَوْجَبَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ فَإِذَا كَانَ الرَّأْسُ مُسَاوِيًا لِلْعَجُزِ أَوْ أَعْلَى بِأَنْ يَكُونَ مَحَلُّ السُّجُودِ أَعْلَى مِنْ مَحَلِّ الْقَدَمَيْنِ لَمْ تَبْطُلْ عِنْدَنَا وَبَطَلَتْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ. (وَ) نُدِبَ (دُعَاءٌ فِيهِ) أَيْ فِي السُّجُودِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِأُمُورِ الدِّينِ أَوْ الدُّنْيَا أَوْ الْآخِرَةِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ خُصُوصًا أَوْ عُمُومًا (بِلَا حَدٍّ) بَلْ بِحَسَبِ مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى، (كَالتَّسْبِيحِ) فِيهِ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ بِلَا حَدٍّ وَيُقَدِّمُهُ عَلَى الدُّعَاءِ. (وَ) نُدِبَ (الْإِفْضَاءُ) : بِالْفَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ (فِي الْجُلُوسِ) كُلِّهِ سَوَاءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مُجَافَاةً وَسَطًا] إلَخْ: مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَرْضِ كَنَفْلٍ لَمْ يُطَوِّلْ فِيهِ لَا إنْ طَوَّلَ فِيهِ فَلَهُ وَضْعُ ذِرَاعَيْهِ عَلَى فَخْذَيْهِ لِطُولِ السُّجُودِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: [وَبَطَلَتْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ] : أَيْ لِاشْتِرَاطِهِ ارْتِفَاعَ الْأَسَافِلِ، وَانْحِدَارَ الْأَعَالِي وَقُدِّمَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ دُعَاءٌ] : أَيْ مِنْ كُلِّ جَائِزٍ شَرْعًا وَعَادَةً وَتَأَكَّدَ حَالَةَ السُّجُودِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» . فَالدُّعَاءُ الشَّرْعِيُّ مَطْلُوبٌ؛ وَلَوْ قَالَ فِي دُعَائِهِ يَا فُلَانُ فَعَلَ اللَّهُ بِك كَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا وَقَصَدَ خِطَابَهُ - وَإِلَّا بَطَلَتْ، وَيَجُوزُ الدُّعَاءُ عَلَى الظَّالِمِ بِعَزْلِهِ، كَانَ ظَالِمًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَالْأَوْلَى عَدَمُ الدُّعَاءِ عَلَى مَنْ لَمْ يَعُمَّ ظُلْمُهُ، فَإِنْ عَمَّ فَالْأَوْلَى الدُّعَاءُ. وَيُنْهَى عَنْ الدُّعَاءِ عَلَيْهِ بِذَهَابِ أَوْلَادِهِ وَأَهْلِهِ، أَوْ بِالْوُقُوعِ فِي مَعْصِيَةٍ لِأَنَّ إرَادَةَ الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ وَلَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ عَلَيْهِ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ نَاجِي وَغَيْرُهُ خِلَافًا لِلْبَرْزَلِيِّ. (اهـ. مِنْ الْحَاشِيَةِ) . قَوْلُهُ: [وَيُقَدِّمُهُ عَلَى الدُّعَاءِ] : أَيْ لِوُرُودِ السُّنَّةِ بِتَقْدِيمِ التَّسْبِيحِ عَلَى الدُّعَاءِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ الْإِفْضَاءُ] إلَخْ: أَيْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ فَعِنْدَهُمْ يُخَصُّ الْإِفْضَاءُ

كَانَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَوْ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ أَوْ غَيْرِهِ، وَفَسَّرَ الْإِفْضَاءَ بِقَوْلِهِ: (بِجَعْلِ الْيُسْرَى) أَيْ الرِّجْلِ الْيُسْرَى مَعَ الْأَلْيَةِ (لِلْأَرْضِ) أَيْ عَلَيْهَا، (وَقَدَمِهَا) أَيْ الْيُسْرَى (جِهَةَ) الرِّجْلِ (الْيُمْنَى، وَنَصْبُ قَدَمِ الْيُمْنَى) إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ لِلْإِيضَاحِ (عَلَيْهَا) : أَيْ عَلَى الْيُسْرَى أَيْ عَلَى قَدَمِ الْيُسْرَى خَلْفَهَا (وَبَاطِنِ إبْهَامِهَا) : أَيْ الْيُمْنَى (لِلْأَرْضِ) أَيْ عَلَيْهَا. (وَ) نُدِبَ (وَضْعُ الْكَفَّيْنِ عَلَى رَأْسِ الْفَخْذَيْنِ) بِحَيْثُ تَكُونُ رُءُوسُ أَصَابِعِهِمَا عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ. (وَ) نُدِبَ (تَفْرِيجُ الْفَخْذَيْنِ) : لِلرَّجُلِ فَلَا يُلْصِقُهُمَا بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ. (وَ) نُدِبَ (عَقْدُ مَا عَدَا السَّبَّابَةَ وَالْإِبْهَامَ) : وَهُوَ الْخِنْصِرُ وَالْبِنْصِرُ وَالْوُسْطَى (مِنْ) الْيَدِ (الْيُمْنَى فِي) حَالِ (تَشَهُّدِهِ) مُطْلَقًا الْأَخِيرِ أَوْ غَيْرِهِ، (بِجَعْلِ رُءُوسِهَا) أَيْ الْأَصَابِعِ الثَّلَاثَةِ مَا عَدَا السَّبَّابَةَ وَالْإِبْهَامَ (بِلُحْمَةِ الْإِبْهَامِ) بِضَمِّ اللَّامِ: أَيْ اللُّحْمَةِ الَّتِي بِجَنْبِ الْإِبْهَامِ حَالَةَ كَوْنِهِ (مَادًّا) أُصْبُعَهُ (السَّبَّابَةَ بِجَنْبِ الْإِبْهَامِ) كَالْمُشِيرِ بِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِغَيْرِ الْجُلُوسِ الْوَسَطِ، فَالْأَفْضَلُ فِي الْجُلُوسِ الْوَسَطِ عِنْدَهُمْ نَصْبُ الْقَدَمَيْنِ، وَالْجُلُوسُ عَلَيْهِمَا. قَوْلُهُ: [وَفَسَّرَ الْإِفْضَاءَ] إلَخْ: أَيْ فَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: [بِجَعْلِ] لِلتَّصْوِيرِ وَيَصِحُّ جَعْلُهَا لِلْمُصَاحَبَةِ أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْجُلُوسِ مُقَارِنًا لِهَذِهِ الْهَيْئَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقَارِنًا لَهَا حَصَلَتْ السُّنَّةُ وَفَاتَ الْمُسْتَحَبُّ. قَوْلُهُ: [وَبَاطِنِ إبْهَامِهَا] : أَيْ مَعَ مَا يَتَيَسَّرُ مِنْ بَاقِي الْأَصَابِعِ. قَوْلُهُ: [بِلُحْمَةِ الْإِبْهَامِ] : أَيْ فَتَصِيرُ الْهَيْئَةُ هَيْئَةَ التِّسْعَةِ وَالْعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ مَدَّ السَّبَّابَةِ مَعَ الْإِبْهَامِ صُورَةُ عِشْرِينَ، وَقَبْضَ الثَّلَاثَةِ تَحْتَ الْإِبْهَامِ صُورَةُ تِسْعٍ، وَأَمَّا إنْ جَعَلَ الثَّلَاثَةَ وَسَطَ الْكَفِّ تَكُونُ هَيْئَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ فَجَائِزَةٌ أَيْضًا، لَكِنَّ شَارِحَنَا اخْتَارَ الْأُولَى. وَأَمَّا جَعْلُهَا وَسَطَ الْكَفِّ مَعَ وَضْعِ الْإِبْهَامِ عَلَى أُنْمُلَةِ الْوُسْطَى وَهُوَ صِفَةُ ثَلَاثَةٍ وَخَمْسِينَ فَلَيْسَتْ بِمَنْدُوبَةٍ، لِأَنَّ الْإِبْهَامَ غَيْرُ مَمْدُودٍ مَعَ السَّبَّابَةِ، وَالسُّنَّةُ مَدُّهُمَا.

(وَ) نُدِبَ (تَحْرِيكُهَا دَائِمًا) مِنْ أَوَّلِ التَّشَهُّدِ إلَى آخِرِهِ (يَمِينًا وَشِمَالًا) أَيْ لِجِهَتِهِمَا لَا لِجِهَةِ فَوْقَ وَتَحْتَ (تَحْرِيكًا وَسَطًا) . وَنُدِبَ (الْقُنُوتُ) أَيْ الدُّعَاءُ وَالتَّضَرُّعُ (بِأَيِّ لَفْظٍ) نَحْوَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا (بِصُبْحٍ) فَقَطْ. (وَ) نُدِبَ (إسْرَارُهُ) لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَكُلُّ دُعَاءٍ يُنْدَبُ إسْرَارُهُ. (وَ) نُدِبَ كَوْنُهُ (قَبْلَ الرُّكُوعِ) الثَّانِي. (وَ) نُدِبَ (لَفْظُهُ) الْوَارِدُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ الَّذِي اخْتَارَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا لِجِهَةِ فَوْقُ وَتَحْتُ] : أَيْ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ وَإِنَّمَا طَلَبَ تَحْرِيكَهَا لِأَنَّهَا مِذَبَّةٌ لِلشَّيْطَانِ كَمَا وَرَدَ بِهَا الْحَدِيثُ، وَإِنَّمَا اُخْتِيرَتْ دُونَ سَائِرِ الْأَصَابِعِ لِأَنَّ بِهَا عِرْقًا مُتَّصِلًا بِنِيَاطِ الْقَلْبِ، فَكُلَّمَا وَضَعَ الشَّيْطَانُ خُرْطُومَهُ عَلَى الْقَلْبِ طُرِدَ بِسَبَبِ ذَلِكَ التَّحْرِيكِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ الْقُنُوتُ] : هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ سَحْنُونَ: إنَّهُ سُنَّةٌ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ: مَنْ تَرَكَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ. قَوْلُهُ: [أَيْ الدُّعَاءُ وَالتَّضَرُّعُ] : أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُنُوتِ هُنَا الدُّعَاءُ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ عَلَى أُمُورٍ: مِنْهَا الدُّعَاءُ وَمِنْهَا الطَّاعَةُ وَالْعِبَادَةُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا} [النحل: 120] وَمِنْهَا السُّكُوتُ كَمَا فِي: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] أَيْ سَاكِتِينَ فِي الصَّلَاةِ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: «كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ» ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ

الْإِمَامُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (وَهُوَ) أَيْ لَفْظُهُ: (اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك) أَيْ نَطْلُبُ مِنْك الْإِعَانَةَ عَلَى تَحْصِيلِ مَصَالِحِ دِينِنَا وَدُنْيَانَا وَآخِرَتِنَا، وَنَطْلُبُ مِنْك غَفْرَ أَيْ سَتْرَ ذُنُوبِنَا وَعَدَمَ مُؤَاخَذَتِنَا بِهَا (إلَى آخِرِهِ) أَيْ تَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى آخِرِهِ. وَلَمَّا كَانَ مَشْهُورًا بَيْنَ النَّاسِ قَالَ مَا ذَكَرَ، وَتَمَامُهُ " وَنُؤْمِنُ بِك " أَيْ نُصَدِّقُ بِوُجُوبِ وُجُودِك وَعَظَمَتِك وَقُدْرَتِك وَوَحْدَانِيِّتِكَ إلَى آخِرِ عَقَائِدِ الْإِيمَانِ، " وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْك وَنَخْنَعُ لَك وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُك، اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخَافُ عَذَابَك إنَّ عَذَابَك الْجِدَّ بِالْكَافِرِينَ مُلْحَقٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــQطُولُ الْقُنُوتِ» أَيْ الْقِيَامِ. قَوْلُهُ: [وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْك] : أَيْ نُفَوِّضُ أُمُورَنَا إلَيْك. قَوْلُهُ: [وَنَخْنَعُ] : أَيْ نَخْضَعُ وَنَذِلُّ لَك وَهُوَ بِالنُّونِ، وَقَوْلُهُ وَنَخْلَعُ بِاللَّامِ مَعْنَاهُ نَتْرُكُ كُلَّ شَاغِلٍ يَشْغَلُ عَنْك لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذاريات: 50] ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ: " وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ كُلَّهُ نَشْكُرُك وَلَا نَكْفُرُك " وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ] إلَخْ: أَيْ لَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاكَ، وَلَا نُصَلِّي وَلَا نَسْجُدُ إلَّا لَك، وَلَا نَسْعَى فِي الطَّاعَةِ، " وَنَحْفِدُ " نَجِدُّ إلَّا لِحَضْرَتِك، وَقَوْلُهُ " نَرْجُو رَحْمَتَك ": أَيْ بِسَبَبِ أَخْذِنَا فِي أَسْبَابِ طَاعَتِك وَالتَّضَرُّعِ لَك لِأَنَّ الدُّعَاءَ مِفْتَاحُ الرَّحْمَةِ، وَقَوْلُهُ " وَنَخَافُ عَذَابَك ": أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ، وَقَوْلُهُ: [الْجَدَّ] : أَيْ الْحَقَّ، وَقَوْلُهُ: [إنَّ عَذَابَك] إلَخْ بِالْكَسْرِ لِلِاسْتِئْنَافِ، وَفِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ وَ [مُلْحَقٌ] : اسْمُ فَاعِلٍ أَوْ اسْمُ مَفْعُولٍ. قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} [الطور: 7] {مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} [الطور: 8] . وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقُنُوتَ لَا يُشْرَعُ إلَّا فِي الصُّبْحِ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ مَنْدُوبَاتٌ أَرْبَعُ: هُوَ فِي نَفْسِهِ، وَكَوْنُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَكَوْنُهُ سِرًّا، وَكَوْنُهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ. وَفِي الْخَرَشِيِّ: وَيُنْدَبُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ فِي الصُّبْحِ. قَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ: وَهَذَا لَا يَظْهَرُ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّهُ إذَا أَتَى بِهِ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ فَعَلَ مَنْدُوبًا أَوْ مَنْدُوبَاتٍ، وَفَاتَهُ مَنْدُوبٌ، مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ

(وَ) نُدِبَ (دُعَاءٌ قَبْلَ السَّلَامِ) وَبَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا أَحَبَّ. (وَ) نُدِبَ (إسْرَارُهُ) لِأَنَّ كُلَّ دُعَاءٍ يُنْدَبُ إسْرَارُهُ (كَالتَّشَهُّدِ) السُّنَّةُ يُنْدَبُ إسْرَارُهُ. (وَ) نُدِبَ (تَعْمِيمُهُ) أَيْ الدُّعَاءِ، لِأَنَّ التَّعْمِيمَ أَقْرَبُ لِلْإِجَابَةِ، (وَمِنْهُ) : أَيْ الدُّعَاءِ الْعَامِّ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا) مَعَاشِرَ الْحَاضِرِينَ فِي الصَّلَاةِ (وَلِوَالِدِينَا) : بِكَسْرِ الدَّالِ أَوْلَى لِأَنَّهُ جَمْعٌ يَعُمُّ كُلَّ مَنْ لَهُ عَلَيْك وِلَادَةٌ (وَلِأَئِمَّتِنَا) مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْخُلَفَاءِ (وَلِمَنْ سَبَقَنَا) : أَيْ تَقَدَّمَنَا (بِالْإِيمَانِ مَغْفِرَةً عَزْمًا) أَيْ جَزْمًا، (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا مَا قَدَّمْنَا) مِنْ الذُّنُوبِ (وَمَا أَخَّرْنَا) مِنْهَا (وَمَا أَسْرَرْنَا وَمَا أَعْلَنَّا) مِنْهَا (وَمَا) : أَيْ وَكُلَّ ذَنْبٍ (أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا، رَبَّنَا آتِنَا) : أَعْطِنَا (فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً) : هِدَايَةً وَعَافِيَةً وَصَلَاحَ حَالٍ، (وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) : لُحُوقًا بِالْأَخْيَارِ وَإِدْخَالًا تَحْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَغَيْرِهِ أَيْضًا كَرَاهَةُ الْقُنُوتِ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ أَوْ خِلَافُ الْأُولَى، فَالْحَقُّ أَنَّ الْمَنْدُوبَاتِ أَرْبَعٌ ثُمَّ هِيَ فِي الصُّبْحِ. فَالصُّبْحُ تَوْقِيتٌ لِلْمَكَانِ الَّذِي شُرِعَ فِيهِ فَلَا يُعَدُّ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ. (اهـ) . قَوْلُهُ: [قَبْلَ السَّلَامِ] : أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُومًا، وَيُسَلِّمُ إمَامُهُ فَيُكْرَهُ لَهُ الدُّعَاءُ. قَوْلُهُ: [أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ] : أَيْ لِمَا فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «إذَا دَعَوْتُمْ فَعَمِّمُوا فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» . قَوْلُهُ: [يَعُمُّ كُلَّ مَنْ لَهُ عَلَيْك وِلَادَةٌ] : أَيْ مِمَّنْ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ. فَيُلَاحِظُ الدَّاعِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113] الْآيَةَ. قَوْلُهُ: [وَمَا أَخَّرْنَا مِنْهَا] : لَعَلَّ مُرَادَهُ طَلَبُ غُفْرَانِ الذُّنُوبِ الَّتِي سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ حُصُولُهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ. قَوْلُهُ: [وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا] : عَطْفٌ عَامٌّ وَالدُّعَاءُ مَحَلُّ إطْنَابٍ. قَوْلُهُ: [فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً] إلَخْ: فَسَّرَهَا الشَّارِحُ؛ بِأَحْسَنِ التَّفَاسِيرِ وَفِيهَا تَفَاسِيرُ كَثِيرَةٌ.

[سترة المصلي ودفع المار أمامه وإثم المصلي]

شَفَاعَةِ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ، (وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) جَهَنَّمَ: أَيْ اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا وِقَايَةً حَتَّى لَا نَدْخُلَهَا. وَأَحْسَنُ الدُّعَاءِ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ ثُمَّ مَا فُتِحَ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ. (وَ) نُدِبَ (تَيَامُنٌ بِتَسْلِيمَةِ التَّحْلِيلِ) كُلِّهَا إنْ كَانَ مَأْمُومًا. وَأَمَّا الْإِمَامُ وَالْفَذُّ فَيُشِيرُ عِنْدَ النُّطْقِ بِهَا لِلْقِبْلَةِ وَيَخْتِمُهَا بِالتَّيَامُنِ عِنْدَ النُّطْقِ بِالْكَافِ وَالْمِيمِ مِنْ عَلَيْكُمْ حَتَّى يَرَى مَنْ خَلْفَهُ صَفْحَةَ وَجْهِهِ. (وَ) نُدِبَ (سُتْرَةٌ لِإِمَامٍ وَفَذٍّ) عَلَى الرَّاجِحِ وَعَدَّهَا الشَّيْخُ فِي السُّنَنِ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَالْإِمَامُ سُتْرَتُهُ، وَالسُّتْرَةُ مَا يَجْعَلُهُ الْمُصَلِّي أَمَامَهُ لِمَنْعِ الْمَارِّينَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِذَا قَالَ (خَشِيَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وِقَايَةً] : أَيْ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي نَمُوتُ عَلَيْهِ وَنَلْقَاك بِهِ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ مَا فَتَحَ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ] : أَيْ أَلْقَى عَلَى قَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ تَصَنُّعٍ، فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الدَّعَوَاتِ الَّتِي لَمْ تَرِدْ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ، وَأَوْرَادُ الْعَارِفِينَ الْمَشْهُورَةُ لَا تَخْلُو مِنْ كَوْنِهَا مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْفَتْحِ الْإِلَهِيِّ، فَلِذَلِكَ تُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهَا. قَوْلُهُ: [فَيُشِيرُ عِنْدَ النُّطْقِ] : أَيْ بِقَلْبِهِ لَا بِرَأْسِهِ. [سترة المصلي ودفع المار أَمَامه وَإِثْم المصلي] قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ سُتْرَةٌ] : أَيْ نَصْبُهَا أَمَامَهُ خَوْفَ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا. قَوْلُهُ: [فَالْإِمَامُ سُتْرَتُهُ] : هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: سُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَتُهُ. وَاخْتُلِفَ: هَلْ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَأَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ؟ وَحِينَئِذٍ، فَفِي كَلَامِ مَالِكٍ حَذْفُ مُضَافٍ، وَالتَّقْدِيرُ: لِأَنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لَهُ أَوْ الْمَعْنَى مُخْتَلِفٌ. وَالْخِلَافُ حَقِيقِيٌّ، وَعَلَيْهِ فَيَمْتَنِعُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ الْمُرُورُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالصَّفِّ الَّذِي خَلْفَهُ كَمَا يَمْتَنِعُ الْمُرُورُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُتْرَتِهِ لِأَنَّهُ مُرُورٌ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَسُتْرَتِهِ فِيهِمَا وَيَجُوزُ الْمُرُورُ بَيْنَ بَاقِي الصُّفُوفِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ عَبْدِ الْوَهَّابِ فَيَجُوزُ الْمُرُورُ بَيْنَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَالْإِمَامِ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْخِلَافَ حَقِيقِيٌّ، وَالْمُعْتَمَدُ قَوْلُ مَالِكٍ كَمَا قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ. وَبَحَثَ فِيهِ فِي الْمَجْمُوعِ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْإِمَامَ أَوْ الصَّفَّ لِمَا قَبْلَهُ سُتْرَةٌ، عَلَى أَنَّ السُّتْرَةَ مَعَ

أَيْ إنْ خَشِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا (مُرُورًا بِمَحَلِّ سُجُودِهِمَا) فَقَطْ، عَلَى الْأَرْجَحِ وَتَكُونُ السُّتْرَةُ (بِطَاهِرٍ) مِنْ حَائِطٍ أَوْ أُسْطُوَانَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَكُرِهَ النَّجِسُ (ثَابِتٍ) لَا كَسَوْطٍ وَحَبْلٍ وَمِنْدِيلٍ وَدَابَّةٍ غَيْرِ مَرْبُوطَةٍ، وَلَا خَطٍّ فِي الْأَرْضِ وَلَا حُفْرَةٍ (غَيْرِ مُشْغِلٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَائِلِ لَيْسَتْ أَدْنَى مِنْ عَدَمِ السُّتْرَةِ أَصْلًا وَقَدْ قَالُوا بِالْحُرْمَةِ فِيهِ، نَعَمْ إنْ قُلْنَا: (الْإِمَامُ سُتْرَتُهُ) فَحُرْمَةُ الْمُرُورِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَسُتْرَتِهِ لَحِقَ الْإِمَامَ فَقَطْ، وَإِنْ قُلْنَا: (سُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَتُهُ) فَالْحُرْمَةُ مِنْ جِهَتَيْنِ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَالْمَيِّتُ فِي الْجِنَازَةِ كَافٍ وَلَا يُنْظَرُ لِلْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ وَلَا أَنَّهُ لَيْسَ ارْتِفَاعَ ذِرَاعٍ لِلْخِلَافِ فِي ذَلِكَ كَمَا لِلشَّيْخِ الْأُجْهُورِيِّ اهـ. قَوْلُهُ: [مُرُورًا بِمَحَلِّ سُجُودِهِمَا] : أَيْ وَلَوْ بِحَيَوَانٍ غَيْرِ عَاقِلٍ كَهِرَّةٍ، وَالْمُرَادُ بِالْخَشْيَةِ مَا يَشْمَلُ الشَّكَّ أَيْ هَذَا إذَا جَزَمَ أَوْ ظَنَّ الْمُرُورَ، بَلْ وَلَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ لَا إنْ لَمْ يَخْشَيَا فَلَا تُطْلَبُ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّقْيِيدِ بِذَلِكَ هُوَ الْمَشْهُورُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُصَلِّي فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَأْمَنُ فِيهِ مِنْ مُرُورِ شَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ (اهـ) . قَوْلُهُ: [عَلَى الْأَرْجَحِ] : أَيْ فَالْأَرْجَحُ أَنَّ حَرِيمَ الْمُصَلِّي قَدْرُ أَفْعَالِهِ، وَمَا زَادَ يَجُوزُ الْمُرُورُ فِيهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إمَامُهُ سُتْرَةً، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هُوَ مَا لَا يُشَوِّشُ عَلَيْهِ الْمُرُورُ فِيهِ. وَيُحَدُّ بِنَحْوِ عِشْرِينَ ذِرَاعًا وَقِيلَ قَدْرُ رَمْيَةِ الْحَجَرِ أَوْ السَّهْمِ أَوْ الْمُضَارَبَةِ بِالسَّيْفِ.

كَامْرَأَةٍ وَصَغِيرٍ وَوَجْهٍ كَبِيرٍ وَحَلْقَةِ عِلْمٍ أَوْ ذِكْرٍ. وَأَقَلُّهَا أَنْ تَكُونَ (فِي غِلَظِ رُمْحٍ وَطُولِ ذِرَاعٍ. وَأَثِمَ مَارٌّ) بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ مَحَلِّ صَلَاتِهِ، صَلَّى لِسُتْرَةٍ أَمْ لَا (غَيْرُ طَائِفٍ) بِالْبَيْتِ، (وَ) غَيْرُ (مُصَلٍّ) أَيْ مُحْرِمٍ بِصَلَاةٍ جَازَ لَهُ الْمُرُورُ لِسُتْرَةٍ أَوْ لِسَدِّ فُرْجَةٍ بِصَفٍّ أَوْ لِغَسْلِ رُعَافٍ. فَالطَّائِفُ وَالْمُصَلِّي لَا حُرْمَةَ عَلَيْهِمَا إذَا مَرَّا بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، وَلَوْ كَانَ لَهُمَا مَنْدُوحَةٌ (لَهُ) : أَيْ الْمَارِّ غَيْرِ الطَّائِفِ وَالْمُصَلِّي (مَنْدُوحَةٌ) : أَيْ سَعَةٌ وَطَرِيقٌ غَيْرُ مَا بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ إلَّا مَا بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ إنْ احْتَاجَ لِلْمُرُورِ وَإِلَّا أَثِمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ مِنْ مَالِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَدِيَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي دَفْعِهِ، وَقِيلَ هَدَرَ، وَقِيلَ الدِّيَةُ مِنْ مَالِهِ اُنْظُرْ الْحَطَّابَ، وَتَحْرُمُ الْمُنَاوَلَةُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي وَالْكَلَامُ عِنْدَ جَنْبَيْهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَطُولِ ذِرَاعٍ] : أَيْ مِنْ الْمِرْفَقِ لِآخِرِ الْأُصْبُعِ الْوُسْطَى وَقِيلَ لِلْكُوعِ. قَوْلُهُ: [غَيْرُ طَائِفٍ بِالْبَيْتِ] : أَيْ فَلَا يُمْنَعُ مُرُورُ الطَّائِفِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، بَلْ يُكْرَهُ فَقَطْ إنْ كَانَ لِلطَّائِفِ مَنْدُوحَةٌ وَإِلَّا جَازَ. وَمِثْلُ الطَّائِفِ الْمَارُّ بِالْحَرَمِ الْمَكِّيِّ لِكَثْرَةِ زُوَّارِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ، وَإِلَّا مُنِعَ إنْ كَانَ لَهُ مَنْدُوحَةٌ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَ لَهُمَا مَنْدُوحَةٌ] : أَيْ فَغَايَةُ مَا هُنَاكَ يُكْرَهُ إنْ كَانَ لَهُمَا مَنْدُوحَةٌ وَالْمُصَلِّي لِسُتْرَةٍ. قَوْلُهُ: [فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَكَانَ الْمَارُّ غَيْرَ مُصَلٍّ فَإِنْ كَانَ لِلْمَارِّ مَنْدُوحَةٌ حُرِّمَ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ صَلَّى لِسُتْرَةٍ أَمْ لَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْدُوحَةٌ فَلَا يُحَرَّمُ الْمُرُورُ صَلَّى لِسُتْرَةٍ أَمْ لَا. وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حُرِّمَ الْمُرُورُ إنْ كَانَ لَهُ مَنْدُوحَةٌ وَصَلَّى لِسُتْرَةٍ وَإِلَّا جَازَ،

[مكروهات الصلاة]

(وَ) أَثِمَ (مُصَلٍّ تَعَرَّضَ) بِصَلَاتِهِ مِنْ غَيْرِ سُتْرَةٍ فِي مَحَلٍّ يَظُنُّ بِهِ الْمُرُورَ وَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ أَحَدٌ فَقَدْ يَأْثَمَانِ مَعًا وَقَدْ يَأْثَمُ أَحَدُهُمَا فَقَطْ وَقَدْ لَا يَأْثَمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ: (وَكُرِهَ تَعَوُّذٌ وَبَسْمَلَةٌ) قَبْلَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ (بِفَرْضٍ) أَصْلِيٍّ. وَجَازَا بِنَفْلٍ وَلَوْ مَنْذُورًا وَتَرْكُهُمَا أَوْلَى مَا لَمْ يُرَاعَ الْخِلَافُ، فَالْإِتْيَانُ بِالْبَسْمَلَةِ أَوْلَى خُرُوجًا مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا إذَا كَانَ الْمَارُّ غَيْرَ طَائِفٍ، وَأَمَّا هُوَ فَلَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا. نَعَمْ إنْ كَانَ لَهُ سُتْرَةٌ كُرِهَ حَيْثُ كَانَ لِلطَّائِفِ مَنْدُوحَةٌ، وَأَمَّا الْمُصَلِّي يَمُرُّ بِسُتْرَةٍ أَوْ فُرْجَةٍ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ كُلِّ مُصَلٍّ. قَوْلُهُ: [فَقَدْ يَأْثَمَانِ مَعًا] : أَيْ إنْ تَعَرَّضَ بِغَيْرِ سُتْرَةٍ وَكَانَ لِلْمَارِّ مَنْدُوحَةٌ. وَقَوْلُهُ: [وَقَدْ يَأْثَمُ أَحَدُهُمَا فَقَطْ] : أَيْ فَيَأْثَمُ الْمُصَلِّي إنْ تَعَرَّضَ وَلَا مَنْدُوحَةَ لِلْمَارِّ، وَيَأْثَمُ الْمَارُّ إنْ كَانَ لَهُ مَنْدُوحَةٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَلِّيَ. وَقَوْلُهُ: [وَقَدْ لَا يَأْثَمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا] : أَيْ إنْ اُضْطُرَّ الْمَارُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَلِّيَ. تَنْبِيهٌ: اسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ إثْمَ الْمُصَلِّي بِأَنَّ الْمُرُورَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا، فَإِنَّ السُّتْرَةَ إمَّا سُنَّةٌ أَوْ مَنْدُوبَةٌ، فَكَيْفَ يَكُونُ آثِمًا بِفِعْلِ غَيْرِهِ؟ وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُرُورَ - وَإِنْ كَانَ فِعْلَ غَيْرِهِ - لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ سَدُّ طَرِيقِ الْإِثْمِ، فَأَثِمَ لِعَدَمِ سَدِّهِ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَالْإِثْمُ بِالْمُرُورِ بِالْفِعْلِ لَا بِتَرْكِ السُّتْرَةِ، كَذَا لِابْنِ عَرَفَةَ رَدًّا عَلَى تَخْرِيجِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ الْإِثْمِ وُجُوبُ السُّتْرَةِ. (اهـ) . وَلَكِنَّ الَّذِي أَقُولُهُ: إنَّ تَخْرِيجَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَجِيهٌ. [مَكْرُوهَات الصَّلَاة] قَوْلُهُ: [تَعَوُّذٌ وَبَسْمَلَةٌ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ وَأَسَرَّ أَوْ جَهَرَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا. وَمُقَابِلُهُ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ كَرَاهَةِ الْجَهْرِ بِالتَّعَوُّذِ. وَمُفَادُ الشَّبْرَخِيتِيِّ تَرْجِيحُهُ، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَكَرَاهَةُ التَّسْمِيَةِ إذَا أَتَى بِهَا عَلَى وَجْهِ أَنَّهَا فَرْضٌ، سَوَاءٌ قَصَدَ الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [مَا لَمْ يُرَاعِ الْخِلَافَ] : أَيْ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ كَوْنِهَا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا. لِأَنَّهُ إنْ قَصَدَ الْفَرْضِيَّةَ كَانَ آتِيًا بِمَكْرُوهٍ كَمَا عَلِمْت، وَلَوْ قَصَدَ النَّفْلِيَّةَ لَمْ تَصِحَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَلَا يُقَالُ لَهُ حِينَئِذٍ مُرَاعٍ لِلْخِلَافِ، قَالَ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ مَجْمُوعِهِ: أَوْرَدَ (بْن) أَنَّ الْكَرَاهَةَ حَاصِلَةٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُبَالِ بِهَا لِغَرَضِ الصِّحَّةِ عِنْدَ الْمُخَالِفِ.

(وَ) كُرِهَ (دُعَاءٌ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ) لِلْفَاتِحَةِ أَوْ السُّورَةِ (وَأَثْنَائِهَا) أَيْ الْقِرَاءَةِ. (وَ) كُرِهَ الدُّعَاءُ (فِي الرُّكُوعِ وَقَبْلَ التَّشَهُّدِ) الْأَوَّلِ وَغَيْرِهِ، (وَبَعْدَ غَيْرِ) التَّشَهُّدِ (الْأَخِيرِ) ، وَأَمَّا بَعْدَ الْأَخِيرِ فَيُنْدَبُ كَمَا تَقَدَّمَ مَا لَمْ يُسَلِّمْ الْإِمَامُ. (وَ) كُرِهَ لِلْمَأْمُومِ (بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَ) كُرِهَ (الْجَهْرُ بِهِ) أَيْ بِالدُّعَاءِ الْمَطْلُوبِ فِي الصَّلَاةِ فِي سُجُودٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَ) كُرِهَ الْجَهْرُ (بِالتَّشَهُّدِ) مُطْلَقًا. (وَ) كُرِهَ (السُّجُودُ عَلَى مَلْبُوسِهِ) أَيْ الْمُصَلِّي أَيْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَلْبُوسِهِ كَكُمِّهِ أَوْ رِدَائِهِ (أَوْ) السُّجُودُ (عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ) الْكَائِنِ عَلَى جَبْهَتِهِ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكِنْ قَدْ يُقَالُ إذَا كَانَتْ الْمُرَاعَاةُ لِوَرَعٍ طُلِبَتْ. فَتَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ قَطْعًا. نَعَمْ لَيْسَ طَلَبُ الْمُرَاعَاةِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلِيٍّ عب (اهـ) . وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ قِيلَ بِإِبَاحَتِهَا وَنَدْبِهَا وَوُجُوبِهَا. قَوْلُهُ: [قَبْلَ الْقِرَاءَةِ] إلَخْ: وَمِثْلُهُ فِي الْكَرَاهَةِ قَوْلُ: " سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك تَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك وَلَا إلَهَ غَيْرُك، وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ "، خِلَافًا لِمَنْ يَأْمُرُ بِذَلِكَ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَ الْفَاتِحَةِ. قَوْلُهُ: [أَيْ الْقِرَاءَةِ] : ظَاهِرُ كَرَاهَتِهَا بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ، وَالرَّاجِحُ الْجَوَازُ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ ح نَقْلًا عَنْ الْجَلَّابِ وَالطِّرَازِ. بَلْ قَيَّدَ فِي الطِّرَازِ كَرَاهَةَ الدُّعَاءِ فِي أَثْنَاءِ الْقِرَاءَةِ بِالْفَرْضِ، وَأَمَّا فِي النَّفْلِ فَيَجُوزُ. قَوْلُهُ: [فِي الرُّكُوعِ] : أَيْ أَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ فِيهِ التَّسْبِيحُ، وَأَمَّا قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَهُ فَجَائِزٌ. قَوْلُهُ: [وَقَبْلَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ] : أَيْ وَأَمَّا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَمَنْدُوبٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقُولُ بَيْنَهُمَا: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاسْتُرْنِي وَاجْبُرْنِي وَارْزُقْنِي، وَاعْفُ عَنِّي وَعَافِنِي» . قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ الْجَهْرُ بِهِ] : أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] قَوْلُهُ: [عَلَى مَلْبُوسِهِ] : أَيْ أَنَّهُ مَظِنَّةُ الرَّفَاهِيَةِ إلَّا لِضَرُورَةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ. قَوْلُهُ: [عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ] : أَيْ إلَّا لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ.

خَفِيفًا كَالطَّاقَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَوْرُ الْعِمَامَةِ عَلَى الْجَبْهَةِ وَمَنَعَ الْجَبْهَةَ مِنْ وَضْعِهَا عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ سَاجِدًا، (أَوْ) السُّجُودُ (عَلَى ثَوْبٍ) غَيْرِ مَلْبُوسٍ لَهُ (أَوْ) عَلَى (بِسَاطٍ) أَوْ مِنْدِيلٍ (أَوْ) عَلَى (حَصِيرٍ نَاعِمٍ) لَا خَشِنٍ، كُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ يُنَافِي الْخُشُوعَ. (وَ) كُرِهَ (الْقِرَاءَةُ بِرُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ) إلَّا أَنْ يَقْصِدَ فِي السُّجُودِ بِهَا الدُّعَاءَ كَأَنْ يَقُولَ: " رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتنَا " إلَخْ فَلَا يُكْرَهُ. (وَ) كُرِهَ (تَخْصِيصُ دُعَاءٍ) : دَائِمًا لَا يَدْعُو بِغَيْرِهِ، فَالْوَجْهُ أَنْ يَدْعُوَ تَارَةً بِالْمَغْفِرَةِ وَتَارَةً بِسَعَةِ الرِّزْقِ، وَتَارَةً بِصَلَاحِ النَّفْسِ أَوْ الْوَلَدِ أَوْ الزَّوْجَةِ، وَتَارَةً بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاَللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: كَالطَّاقَتَيْنِ: الْمُرَادُ بِالطَّاقَاتِ: الطَّيَّاتُ الْمَشْدُودَةُ عَلَى الْجَبْهَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ كَوْرَ الْعِمَامَةِ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ اللَّفَّاتِ الْمُحْتَوِي كُلِّ لَفَّةٍ مِنْهَا عَلَى طَبَقَاتٍ، وَالْمُرَادُ بِالطَّاقَاتِ فِي كَلَامِهِمْ: اللَّفَّاتُ وَالتَّعْصِيبَاتُ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [لَمْ يَكُنْ سَاجِدًا] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ سَجَدَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَكَانَتْ فَوْقَ النَّاصِيَةِ وَلَمْ تَلْتَصِقْ الْجَبْهَةُ بِالْأَرْضِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْعِمَامَةُ فَوْقَ الْجَبْهَةِ وَسَجَدَ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَتْ كَالطَّاقَتَيْنِ الرَّفِيعَتَيْنِ فَلَا إعَادَةَ. وَإِلَّا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [كُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ] : أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ فَرْشَ مَسْجِدٍ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ. قَوْلُهُ: [بِرُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ] : أَيْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نُهِيت أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا» . قَوْلُهُ: [تَخْصِيصُ دُعَاءٍ] : أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جَوَامِعِ الدُّعَاءِ كَسُؤَالِ حَسَنَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَوْ سَعَادَتِهِمَا، وَمِنْ أَعْظَمِ الدَّعَوَاتِ الْجَامِعَةِ أَنْ يَقُولَ: " اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ كُلِّ خَيْرٍ سَأَلَك مِنْهُ مُحَمَّدٌ نَبِيُّك وَرَسُولُك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(وَ) كُرِهَ (الْتِفَاتٌ) فِي الصَّلَاةِ (بِلَا حَاجَةٍ) مُهِمَّةٍ. (وَ) كُرِهَ (تَشْبِيكُ أَصَابِعَ وَفَرْقَعَتُهَا) لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ الْخُشُوعَ وَالْأَدَبَ. (وَ) كُرِهَ (إقْعَاءٌ) بِأَنْ يَرْجِعَ فِي جُلُوسِهِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَأَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ لِقُبْحِ الْهَيْئَةِ. (وَ) كُرِهَ (تَخَصُّرٌ) وَهُوَ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى خَصْرِهِ حَالَ قِيَامِهِ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْمُتَكَبِّرِينَ، وَمَنْ لَا مُرُوءَةَ لَهُ. (وَ) كُرِهَ (تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ) إلَّا لِخَوْفِ وُقُوعِ بَصَرِهِ عَلَى مَا يَشْغَلُهُ عَنْ صَلَاتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَعُوذُ بِك مِنْ كُلِّ شَرٍّ اسْتَعَاذَك مِنْهُ مُحَمَّدٌ نَبِيُّك وَرَسُولُك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ الْتِفَاتٌ] : أَيْ وَلَا تَبْطُلُ وَلَوْ الْتَفَتَ بِجَمِيعِ جَسَدِهِ حَيْثُ بَقِيَتْ رِجْلَاهُ لِلْقِبْلَةِ وَإِلَّا بَطَلَتْ. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ تَشْبِيكُ أَصَابِعَ] : أَيْ فِي الصَّلَاةِ، كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ. وَأَمَّا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَلَوْ فِي الْمَسْجِدِ. إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لِأَنَّ فِيهِ تَشَاؤُمًا. قَوْلُهُ: [لِقُبْحِ الْهَيْئَةِ] : أَيْ وَأَمَّا جُلُوسُهُ كَالْمُحْتَبِي وَهُوَ جُلُوسُ الْكَلْبِ وَالْبَدْوِيِّ الْمُصْطَلِي فَمَمْنُوعٌ، وَالْأَظْهَرُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ. وَبَقِيَ مِنْ الْأَحْوَالِ الْمَكْرُوهَةِ ثَلَاثُ حَالَاتٍ: جُلُوسُهُ عَلَى الْقَدَمَيْنِ وَظُهُورُهُمَا لِلْأَرْضِ، وَجُلُوسُهُ بَيْنَهُمَا وَأَلْيَاهُ لِلْأَرْضِ وَظُهُورُهُمَا لِلْأَرْضِ أَيْضًا، وَجُلُوسُهُ بَيْنَهُمَا وَرِجْلَاهُ قَائِمَتَانِ عَلَى أَصَابِعِهِمَا. قَوْلُهُ: [وَمَنْ لَا مُرُوءَةَ لَهُ] : أَيْ وَلِذَلِكَ قِيلَ إنَّهَا مِنْ خِصَالِ الْيَهُودِ.

(وَ) كُرِهَ (رَفْعُهُ رِجْلًا) عَنْ الْأَرْضِ وَاعْتِمَادٌ عَلَى الْأُخْرَى إلَّا لِضَرُورَةٍ. (وَ) كُرِهَ (وَضْعُ قَدَمٍ عَلَى الْأُخْرَى) . (وَ) كُرِهَ (إقْرَانُهُمَا) أَيْ الْقَدَمَيْنِ (دَائِمًا) فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ. وَكُرِهَ (تَفَكُّرٌ بِدُنْيَوِيٍّ) أَيْ فِي أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ. (وَ) كُرِهَ (حَمْلُ شَيْءٍ بِكُمٍّ أَوْ فَمٍ) إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ مَخَارِجُ الْحُرُوفِ وَإِلَّا مُنِعَ وَبَطَلَتْ. (وَ) كُرِهَ (عَبَثٌ بِلِحْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا) (وَ) كُرِهَ (حَمْدٌ لِعَاطِسٍ أَوْ بِشَارَةٌ) بُشِّرَ بِهَا وَهُوَ يُصَلِّي. (وَ) كُرِهَ (إشَارَةٌ لِلرَّدِّ) بِرَأْسٍ أَوْ يَدٍ (عَلَى مُشَمِّتٍ) شَمَّتَهُ وَهُوَ يُصَلِّي إذَا ارْتَكَبَ الْمَكْرُوهَ وَحَمَّدَ لِعُطَاسِهِ، وَأَمَّا الرَّدُّ بِالْكَلَامِ فَمُبْطِلٌ، وَأَمَّا رَدُّ السَّلَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [رَفْعُهُ رِجْلًا] : أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ قِلَّةِ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ لِأَنَّهُ وَاقِفٌ بِحَضْرَتِهِ. وَمَا يَزْعُمُهُ الْعَوَامُّ مِنْ أَنَّ الْوَاقِفَ عَلَى رِجْلٍ وَاحِدَةٍ فِي الصَّلَاةِ أَوْ الذِّكْرِ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ غَيْرِهِ، كَلَامٌ بَاطِلٌ. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ إقْرَانُهُمَا] : وَهُوَ ضَمُّ الْقَدَمَيْنِ مَعًا كَالْمُقَيَّدِ، وَقِيلَ جَعْلُ خَطِّهِمَا مِنْ الْقِيَامِ مُسْتَوِيًا، سَوَاءٌ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَوْ ضَمَّهُمَا، لَكِنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [تَفَكُّرٌ بِدُنْيَوِيٍّ] : أَيْ وَلَمْ يَشْغَلْهُ عَنْ الصَّلَاةِ، فَإِنْ شَغَلَهُ حَتَّى لَا يَدْرِيَ مَا صَلَّى أَعَادَ أَبَدًا. فَإِنْ شَغَلَهُ زَائِدًا عَنْ الْمُعْتَادِ وَدَرَى مَا صَلَّى أَعَادَ بِوَقْتٍ. وَإِنْ شَكَّ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ وَأَتَى بِمَا شَكَّ فِيهِ بِخِلَافِ الْأُخْرَوِيِّ فَلَا يُكْرَهُ. ثُمَّ إنْ لَمْ يَشْغَلْهُ عَنْ الصَّلَاةِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ. وَإِنْ شَغَلَهُ عَنْهَا فَإِنْ شَكَّ فِي عَدَدِ مَا صَلَّى بَنَى عَلَى الْيَقِينِ. وَإِنْ لَمْ يَدْرِ مَا صَلَّى أَصْلًا بَطَلَتْ كَالتَّفَكُّرِ بِدُنْيَوِيٍّ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ التَّفَكُّرُ مُتَعَلِّقًا بِالصَّلَاةِ، فَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهَا كَالْمُرَاقَبَةِ وَالْخُشُوعِ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ مَا صَلَّى بَنَى عَلَى الْإِحْرَامِ. وَإِنْ كَانَ مُسْتَحْضِرًا لَهُ فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ فِي الْجَمِيعِ إلَّا فِي هَذَا الْفَرْعِ. قَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرِهَا] : أَيْ كَخَاتَمٍ بِيَدِهِ إلَّا أَنْ يُحَوِّلَهُ فِي أَصَابِعِهِ لِضَبْطِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ خَوْفَ السَّهْوِ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لِإِصْلَاحِهَا وَلَيْسَ مِنْ الْعَبَثِ.

بِالْإِشَارَةِ عَلَى مُسَلِّمٍ عَلَيْهِ فَمَطْلُوبٌ. (وَ) كُرِهَ (حَكُّ جَسَدٍ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ) إنْ قَلَّ وَجَازَ لَهَا وَالْكَثِيرُ مُبْطِلٌ. (وَ) كُرِهَ (تَبَسُّمٌ قَلَّ اخْتِيَارًا) وَالْكَثِيرُ مُبْطِلٌ وَلَوْ اضْطِرَارًا. (وَ) كُرِهَ (تَرْكُ سُنَّةٍ خَفِيفَةٍ) عَمْدًا مِنْ سُنَنِهَا كَتَكْبِيرَةٍ وَتَسْمِيعَةٍ، وَحُرِّمَ تَرْكُ الْمُؤَكَّدَةِ وَسَيَأْتِي فِي السَّهْوِ. (وَ) كُرِهَ (سُورَةٌ) أَوْ آيَةٌ أَيْ قِرَاءَتُهَا (فِي أَخِيرَتَيْهِ) أَيْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ. (وَ) كُرِهَ (التَّصْفِيقُ) فِي صَلَاةٍ وَلَوْ مِنْ امْرَأَةٍ (لِحَاجَةٍ) تَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ كَسَهْوِ إمَامِهِ فَجَلَسَ بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوْ سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ أَوْ بِغَيْرِ الصَّلَاةِ كَمَنْعِ مَارٍّ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ تَنْبِيهٍ عَلَى أَمْرٍ مَا، (وَالشَّأْنُ) الْمَطْلُوبُ شَرْعًا لِمَنْ نَابَهُ شَيْءٌ وَهُوَ يُصَلِّي (التَّسْبِيحُ) بِأَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى فَرَائِضِ الصَّلَاةِ وَسُنَنِهَا وَمَنْدُوبَاتِهَا وَمَكْرُوهَاتِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ مُبْطِلَاتِهَا فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَمَطْلُوبٌ] : أَيْ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا. قَوْلُهُ: [وَالْكَثِيرُ مُبْطِلٌ] : وَالْكَثْرَةُ بِالْعُرْفِ وَهُوَ مُبْطِلٌ وَلَوْ سَهْوًا، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إنْ لَمْ يَكْثُرْ. قَوْلُهُ: [وَحُرِّمَ تَرْكُ الْمُؤَكَّدَةِ] : أَيْ وَفِيهَا قَوْلَانِ: بِالْبُطْلَانِ وَعَدَمِهِ، وَإِنْ كَانَ الرَّاجِحُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ الْجَزْمَ بِالْحُرْمَةِ مُشْكِلٌ غَايَةَ الْإِشْكَالِ، حَيْثُ كَانَ مُتَّفَقًا عَلَى سُنِّيَّتِهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا قَوْلٌ بِالْفَرْضِيَّةِ. قَوْلُهُ: [فِي أَخِيرَتَيْهِ] : أَيْ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهَا قَوْلِيَّةٌ. وَالزِّيَادَةُ الْقَوْلِيَّةُ لَا سُجُودَ لَهَا إلَّا فِي تَكْرَارِ الْفَاتِحَةِ سَهْوًا. قَوْلُهُ: [وَالشَّأْنُ الْمَطْلُوبُ] إلَخْ: وَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ إنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» خَارِجٌ عِنْدَنَا مَخْرَجَ الذَّمِّ، فَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَحَمَلَهُ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى ظَاهِرِهِ.

[مبطلات الصلاة]

(وَبَطَلَتْ) الصَّلَاةُ (بِرَفْضِهَا) أَيْ بِنِيَّةِ إبْطَالِهَا وَإِلْغَاءِ مَا فَعَلَهُ مِنْهَا. (وَبِتَعَمُّدِ تَرْكِ رُكْنٍ) مِنْ أَرْكَانِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ. (وَ) بِتَعَمُّدِ (زِيَادَةِ رُكْنٍ فِعْلِيٍّ) كَرُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ بِخِلَافِ زِيَادَةِ رُكْنٍ قَوْلِيٍّ. وَأَرْكَانُهَا الْقَوْلِيَّةُ ثَلَاثَةٌ: تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَالْفَاتِحَةُ وَالسَّلَامُ. وَبَقِيَّةُ الْأَرْكَانِ فِعْلِيَّةٌ. إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى زِيَادَةُ مُجَرَّدِ اعْتِدَالٍ أَوْ طُمَأْنِينَةٍ أَوْ مُجَرَّدُ قِيَامٍ لِتَكْبِيرِ إحْرَامٍ أَوْ فَاتِحَةٍ، فَرَجَعَ إلَى زِيَادَةِ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ وَيَلْزَمُ مِنْهَا زِيَادَةُ رَفْعٍ. وَكَذَا تَبْطُلُ بِتَعَمُّدِ زِيَادَةِ تَشَهُّدٍ بَعْدَ الْأُولَى أَوْ الثَّالِثَةِ مِنْ جُلُوسٍ (وَ) بِتَعَمُّدِ (أَكْلٍ) وَلَوْ لُقْمَةً بِمَضْغِهَا (وَ) بِتَعَمُّدِ (شُرْبٍ) وَلَوْ قَلَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مُبْطِلَات الصَّلَاة] [الْأَرْكَان الْقَوْلِيَّة وَالْفِعْلِيَّة لِلصَّلَاةِ] قَوْلُهُ: [وَبَطَلَتْ الصَّلَاةُ بِرَفْضِهَا] : تَقَدَّمَ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِهِ اتِّفَاقًا إذَا وَقَعَ فِي الْأَثْنَاءِ. وَبَعْدَ الْفَرَاغِ: قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ. قَوْلُهُ: [أَيْ بِنِيَّةِ إبْطَالِهَا] : أَيْ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ التَّلَفُّظُ بَلْ الْقَصْدُ كَافٍ. قَوْلُهُ: [وَبِتَعَمُّدِ تَرْكِ رُكْنٍ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ. وَمِنْهُ تَرْكُ الشَّرْطِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ تَرْكُ الرُّكْنِ سَهْوًا فَلَا تَبْطُلُ إلَّا بِالطُّولِ. وَالطُّولُ بِالْعُرْفِ أَوْ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ. قَوْلُهُ: [وَبِتَعَمُّدِ زِيَادَةِ رُكْنٍ] : مُرَادُهُ بِالْعَمْدِ مَا يَشْمَلُ الْجَهْلَ وَهَذَا فِي النَّفْلِ وَالْفَرْضِ. قَوْلُهُ: [قَوْلِيٍّ] : أَيْ كَتَكْرِيرِ الْفَاتِحَةِ فَلَا يُبْطِلُهَا عَنْ الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا يُحَرَّمُ إنْ كَانَ عَمْدًا وَيَسْجُدُ إنْ كَانَ سَهْوًا. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى زِيَادَةُ] إلَخْ: اسْتِدْرَاكٌ عَلَى عُمُومِ قَوْلِهِ: (وَبِتَعَمُّدِ زِيَادَةِ رُكْنٍ فِعْلِيٍّ) كَأَنَّهُ يَقُولُ فِيهَا: يَتَأَتَّى فِيهِ الزِّيَادَةُ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا تَبْطُلُ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ الْجُلُوسَ فِيهِ غَيْرُ مَشْرُوعٌ، فَلَوْ فَعَلَهُ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا بَطَلَتْ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ قَلَّ] : أَيْ بَلْ وَلَوْ كَانَ مُكْرَهًا وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ لِإِنْقَاذِ نَفْسِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ لِذَلِكَ، وَلَوْ خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ كَمَا قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ.

[تنبيه بطلان الصلاة بالشك في الطهر]

(وَ) بِتَعَمُّدِ (كَلَامٍ) : وَلَوْ كَلِمَةً أَجْنَبِيَّةً نَحْوَ: " نَعَمْ " أَوْ " لَا " لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQاهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . [تَنْبِيه بطلان الصَّلَاة بِالشَّكِّ فِي الطُّهْرِ] قَوْلُهُ: [وَبِتَعَمُّدِ كَلَامٍ] إلَخْ: الْكَلَامُ هُنَا بِمَعْنَى مُطْلَقِ الصَّوْتِ. وَلَوْ نَهَقَ كَالْحِمَارِ، قَالُوا: إنْ حَرَّكَ شِدْقَيْهِ وَشَفَتَيْهِ لَمْ تَبْطُلْ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا يَحْصُلُ بَيْنَ يَدَيْ الْكَلَامِ. أَمَّا إنْ حَصَلَ صُورَةُ الْكَلَامِ بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ وَالشَّفَتَيْنِ فَيَنْبَغِي الْبُطْلَانُ. كَمَا اكْتَفَوْا بِهِ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ. وَتَرَدَّدُوا: هَلْ تَبْطُلُ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ أَوْ إنْ قَصَدَ بِهَا الْكَلَامَ؟ أَمَّا إنْ نَطَقَتْ يَدُهُ بِلَا قَصْدٍ فَلَا. وَبِهِ وَلِيٌّ يُفْتِي نَفْسَهُ. (اهـ) وَمِثْلُ التَّعَمُّدِ فِي الْكَلَامِ الْمُبْطِلِ الْإِكْرَاهُ عَلَيْهِ أَوْ الْوُجُوبُ؛ لِإِنْقَاذِ أَعْمَى أَوْ لِإِجَابَةِ أَحَدِ وَالِدَيْهِ وَهُوَ أَعْمَى أَصَمُّ فِي نَافِلَةٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذْ نَادَاهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ، فَإِنْ كَانَ أَعْمَى أَصَمَّ وَكَانَ هُوَ يُصَلِّي نَافِلَةً وَجَبَ عَلَيْهِ إجَابَتُهُ وَقَطَعَ تِلْكَ النَّافِلَةَ لِأَنَّهُ تَعَارَضَ مَعَهُ وَاجِبَانِ فَيُقَدِّمُ أَوْكَدَهُمَا، وَهُوَ إجَابَةُ الْوَالِدَيْنِ؛ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِهَا، وَالْخِلَافُ فِي وُجُوبِ إتْمَامِ النَّافِلَةِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُنَادِي لَهُ مِنْ أَبَوَيْهِ لَيْسَ أَعْمَى وَلَا أَصَمَّ أَوْ كَانَ يُصَلِّي فِي فَرِيضَةٍ فَلْيُخَفِّفْ وَيُسَلِّمْ وَيُكَلِّمْهُ، اُنْظُرْ ح. وَأَمَّا إذَا وَجَبَ لِإِجَابَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَالِ حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَهَلْ تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ أَوْ لَا تَبْطُلُ؟ قَوْلَانِ، وَالْمُعْتَمَدُ مِنْهُمَا عَدَمُ الْبُطْلَانِ. فَإِذَا تَرَكَ الْمُصَلِّي الْكَلَامَ لِإِنْقَاذِ الْأَعْمَى وَهَلَكَ، ضَمِنَ دِيَتَهُ. وَيَجِبُ أَيْضًا الْكَلَامُ لِتَخْلِيصِ الْمَالِ إذَا كَانَ يَخْشَى بِذَهَابِهِ هَلَاكًا أَوْ شَدِيدَ أَذًى، كَانَ الْمَالُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَيَقْطَعُ الصَّلَاةَ، كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا أَوْ لَا. وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَخْشَى بِذَهَابِهِ هَلَاكًا وَلَا شَدِيدَ أَذًى فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَلَا يَقْطَعُ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا قَطَعَ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ، وَالْكَثْرَةُ وَالْقِلَّةُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَلِمَةً أَجْنَبِيَّةً] : هَذِهِ الْمُبَالَغَةُ فِيهَا شَيْءٌ وَلَعَلَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يَقُولَ:

(لِغَيْرِ إصْلَاحِهَا، وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ لِإِصْلَاحِهَا فَتَبْطُلُ (بِكَثِيرِهِ) : كَأَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ مِنْ اثْنَتَيْنِ أَوْ يَقُومَ لِخَامِسَةٍ وَلَمْ يَفْهَمْ بِالتَّسْبِيحِ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ لَهُ، فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُومُ أَنْتَ سَلَّمْت مِنْ اثْنَتَيْنِ أَوْ قُمْت لِخَامِسَةٍ كَمَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ، فَإِنْ كَثُرَ الْكَلَامُ بِمَا يَزِيدُ عَلَى الْحَاجَةِ بَطَلَتْ. (وَ) بِتَعَمُّدِ (تَصْوِيتٍ) : خَالٍ عَنْ الْحُرُوفِ كَصَوْتِ الْغُرَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِتَعَمُّدِ كَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ وَلَوْ كَلِمَةً. قَوْلُهُ: [لِغَيْرِ إصْلَاحِهَا] : وَهِيَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْبُطْلَانِ بِالْكَلَامِ. قَوْلُهُ: [فَتَبْطُلُ بِكَثِيرِهِ] : وَالْكَثِيرُ مَا زَادَ عَلَى مَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ. قَوْلُهُ: [فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ] : هُوَ رَجُلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ لُقِّبَ بِذَلِكَ لِطُولٍ كَانَ فِي يَدَيْهِ. وَحَاصِلُهُ «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ رَكْعَتَيْنِ فِي صَلَاةٍ رُبَاعِيَّةٍ قِيلَ الْعَصْرُ وَقِيلَ الظُّهْرُ، فَقَالَ ذُو الْيَدَيْنِ: أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيت يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ لَهُ: كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، فَقَالَ ذُو الْيَدَيْنِ بَلْ بَعْضُ ذَلِكَ قَدْ كَانَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَاقِي الْمُصَلِّينَ أَحَقٌّ مَا قَالَهُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. فَقَامَ النَّبِيُّ وَكَمَّلَ الصَّلَاةَ وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ» . قَوْلُهُ: [وَبِتَعَمُّدِ تَصْوِيتٍ] إلَخْ: أَيْ لِكَوْنِهِ مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ.

[تنبيه التبسم في الصلاة]

(وَ) بِتَعَمُّدِ (نَفْخٍ) بِفَمٍ لَا بِأَنْفٍ (وَ) بِتَعَمُّدِ (قَيْءٍ) وَلَوْ طَاهِرًا قَلَّ (وَ) بِتَعَمُّدِ (سَلَامٍ حَالَ شَكِّهِ فِي الْإِتْمَامِ) فَتَبْطُلُ، (وَإِنْ بَانَ) لَهُ (الْكَمَالُ) ، أَيْ كَمَالُ الصَّلَاةِ، فَأَوْلَى إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ وَأَوْلَى إنْ تَعَمَّدَ السَّلَامَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَوْ يَظُنُّ عَدَمَ الْإِكْمَالِ فَقَدْ نَصَّ عَلَى الْمُتَوَهِّمِ. (وَ) بَطَلَتْ (بِطُرُوِّ نَاقِضٍ) لِوُضُوئِهِ مِنْ حَدَثٍ أَوْ سَبَبٍ أَوْ شَكٍّ إلَّا أَنَّهُ فِي طُرُوُّ الشَّكِّ يَسْتَمِرُّ، فَإِنْ بَانَ الطُّهْرُ لَمْ يَعُدْ كَمَا تَقَدَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِفَمٍ] : أَيْ لِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ كَلَامٌ. وَقَوْلُهُ: [لَا بِأَنْفٍ] : أَيْ إلَّا أَنْ يُكْثِرَ أَوْ يَتَلَاعَبَ. وَذَكَرَ الْأُجْهُورِيُّ عَنْ النَّوَادِرِ تَمَادِي الْمَأْمُومِ عَلَى صَلَاةٍ بَاطِلَةٍ إنْ نَفَخَ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا. قَوْلُهُ: [وَبِتَعَمُّدِ قَيْءٍ] : أَيْ وَمِثْلُهُ الْقَلْسُ. وَأَمَّا الْبَلْغَمُ فَلَا يُفْسِدُ صَلَاةً وَلَا صَوْمًا إلَّا إذَا كَثُرَ فَيَجْرِي عَلَى الْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ. وَمَفْهُومُ [بِتَعَمُّدٍ] أَنَّهُ إنْ غَلَبَهُ لَا يَضُرُّ حَيْثُ كَانَ طَاهِرًا مَا لَمْ يَزْدَرِدْ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنْ ازْدَرَدَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ. وَغَلَبَةً: قَوْلَانِ مُسْتَوِيَانِ. وَسَهْوًا: سَجَدَ. قَوْلُهُ: [حَالَ شَكِّهِ فِي الْإِتْمَامِ] : مُرَادُهُ بِالشَّكِّ التَّرَدُّدُ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ لَا مَا قَابَلَ الْجَزْمَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عب إذْ مُقْتَضَاهُ أَنَّ السَّلَامَ مَعَ ظَنِّ الْإِتْمَامِ مُبْطِلٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا يُفِيدُهُ نَقْلُ ح عَنْ ابْنِ رُشْدٍ (انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [يَعْلَمُ] إلَخْ: فَتَحَصَّلَ أَنَّ الصُّوَرَ الَّتِي تَبْطُلُ فِيهَا الصَّلَاةُ تِسْعٌ، وَهِيَ: إذَا سَلَّمَ مُتَرَدِّدًا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، أَوْ مُتَحَقِّقًا عَدَمَ الْكَمَالِ، أَوْ ظَانًّا عَدَمَهُ. وَفِي كُلٍّ: تَبَيَّنَ الْكَمَالُ أَوْ عَدَمُهُ، أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ. وَأَمَّا لَوْ سَلَّمَ مُعْتَقِدًا الْكَمَالَ أَوْ ظَانًّا الْكَمَالَ فَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ حَيْثُ تَبَيَّنَ الْكَمَالَ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْئًا، وَإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمَ الْكَمَالِ بَطَلَتْ إنْ طَالَ، وَإِلَّا تَدَارَكَهُ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا بَطَلَتْ الصَّلَاةُ بِالشَّكِّ فِي الْإِتْمَامِ لِأَنَّهُ شَكٌّ فِي السَّبَبِ الْمُبِيحِ لِلسَّلَامِ وَهُوَ الْإِتْمَامُ وَالشَّكُّ فِي السَّبَبِ يَضُرُّ، وَلَيْسَ شَكًّا فِي الْمَانِعِ خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ. [تَنْبِيه التَّبَسُّم فِي الصَّلَاة] قَوْلُهُ: [بِطُرُوِّ نَاقِضٍ] : أَيْ حُصُولِهِ أَوْ تَذَكُّرِهِ. وَلَا يَسْرِي الْبُطْلَانُ لِلْمَأْمُومِ بِحُصُولِ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ إلَّا بِتَعَمُّدِهِ لَا بِالْغَلَبَةِ وَالنِّسْيَانِ كَمَا سَيَأْتِي.

(وَ) بِطُرُوِّ (كَشْفِ عَوْرَةٍ مُغَلَّظَةٍ) لَا غَيْرِهَا، (وَ) بِطُرُوِّ (نَجَاسَةٍ) سَقَطَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ فِيهَا أَوْ تَعَلَّقَتْ بِهِ إنْ اسْتَقَرَّتْ بِهِ، وَعَلِمَ بِهَا وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ لِإِزَالَتِهَا وَإِيقَاعِ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَإِلَّا لَمْ تَبْطُلْ لَمَّا عَلِمْت أَنَّ طَهَارَةَ الْخُبْثِ وَاجِبَةٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ سَاقِطَةٌ مَعَ الْعَجْزِ وَالنِّسْيَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ. (وَ) بَطَلَتْ (بِفَتْحٍ عَلَى غَيْرِ الْإِمَامِ) ، بِأَنْ سَمِعَهُ يَقْرَأُ فَتَوَقَّفَ فِي الْقِرَاءَةِ فَأَرْشَدَهُ لِلصَّوَابِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُكَالَمَةِ، بِخِلَافِ الْفَتْحِ عَلَى إمَامِهِ وَلَوْ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ فَلَا تَبْطُلُ. (وَ) بَطَلَتْ (بِقَهْقَهَةٍ) : وَهِيَ الضَّحِكُ بِصَوْتٍ فَإِنْ كَانَ فَذًّا أَوْ إمَامًا قَطَعَ وَاسْتَأْنَفَ صَلَاتَهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ وَقَعَ مِنْهُ اخْتِيَارًا أَوْ غَلَبَةً أَوْ نِسْيَانًا لِكَوْنِهِ فِي صَلَاتِهِ. وَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَتَمَادَى) وُجُوبًا (الْمَأْمُومُ) مَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَبِطُرُوِّ كَشْفِ عَوْرَةٍ] إلَخْ: أَيْ فَهُوَ مِنْ الْمُبْطِلَاتِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا فِي الْحَطَّابِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَبْحَثِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ. قَوْلُهُ: [عَلَى غَيْرِ الْإِمَامِ] : أَيْ وَإِنْ كَانَ مُصَلِّيًا. وَقَوْلُ خَلِيلٍ: " كَفَتْحٍ عَلَى مَنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي صَلَاةٍ " لَا مَفْهُومَ لَهُ، بَلْ الْمَدَارُ عَلَى كَوْنِهِ غَيْرَ إمَامِهِ. قَوْلُهُ: [وَبَطَلَتْ بِقَهْقَهَةٍ] : أَيْ سَوَاءٌ كَثُرَتْ أَوْ قَلَّتْ. قَوْلُهُ: [قَطَعَ وَاسْتَأْنَفَ] : أَيْ وَيَقْطَعُ مِنْ خَلْفِ الْإِمَامِ أَيْضًا وَلَا يَسْتَخْلِفُ. وَوَقَعَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ: أَنَّ الْإِمَامَ يَقْطَعُ هُوَ وَمَنْ خَلْفَهُ فِي الْعَمْدِ، وَيَسْتَخْلِفُ فِي النِّسْيَانِ وَالْغَلَبَةِ أَوْ يَرْجِعُ مَأْمُومًا مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِعَدَمِ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِالْقَهْقَهَةِ غَلَبَةً أَوْ نِسْيَانًا. وَإِذَا رَجَعَ مَأْمُومًا أَتَمَّ صَلَاتَهُ مَعَ ذَلِكَ الْخَلِيفَةِ وَيُعِيدُهُمَا أَبَدًا لِبُطْلَانِهَا. وَأَمَّا مَأْمُومُوهُ فَيُتِمُّونَ صَلَاتَهُمْ مَعَ ذَلِكَ الْخَلِيفَةِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ فِي وَقْتٍ وَلَا غَيْرِهِ. وَاقْتَصَرَ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مَا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَاعْتَمَدَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَتَمَادَى وُجُوبًا الْمَأْمُومُ] : أَيْ بِقُيُودٍ خَمْسَةٍ، ذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْهَا أَرْبَعَةً بِقَوْلِهِ: [إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ بِغَيْرِ جُمُعَةٍ] إنْ كَانَ كُلُّهُ غَلَبَةً أَوْ نِسْيَانًا، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكْثُرْ فِي ذَاتِهِ. وَالْخَامِسُ هُوَ أَنْ لَا يَلْزَمَ عَلَى تَمَادِيهِ ضِحْكُ كُلِّ الْمَأْمُومِينَ أَوْ بَعْضِهِمْ وَإِلَّا قَطَعَ وَخَرَجَ.

إمَامِهِ عَلَى صَلَاةٍ بَاطِلَةٍ، لِأَنَّهُ مِنْ مَسَاجِينِ الْإِمَامِ نَظَرًا لِلْقَوْلِ بِعَدَمِ بُطْلَانِهَا (إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ) لِأَدَائِهَا فِي وَقْتِهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَكَانَ (بِغَيْرِ) صَلَاةِ (جُمُعَةٍ) ، فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ أَوْ كَانَ بِجُمُعَةٍ قَطَعَ وَدَخَلَ مَعَ إمَامِهِ لِئَلَّا يَفُوتَهُ الْوَقْتُ أَوْ الْجُمُعَةُ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ (إنْ كَانَ) ضِحْكُهُ (كُلُّهُ) مِنْ أَوَّلِهِ لِآخِرِهِ (غَلَبَةً أَوْ نِسْيَانًا) لِكَوْنِهِ فِي صَلَاةٍ. فَإِنْ كَانَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ عَمْدًا اخْتِيَارًا قَطَعَ وَاسْتَأْنَفَ مَعَ إمَامِهِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكْثُرْ فِي ذَاتِهِ، وَإِلَّا أَبْطَلَ قَطْعًا لِأَنَّهُ مِنْ الْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ، وَإِلَى هَذِهِ الْمَفَاهِيمِ الثَّلَاثَةِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَإِلَّا) بِأَنْ ضَاقَ الْوَقْتُ أَوْ كَانَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ عَمْدًا اخْتِيَارًا (قَطَعَ وَدَخَلَ مَعَهُ) أَيْ مَعَ إمَامِهِ. (وَ) بَطَلَتْ (بِكَثِيرِ فِعْلٍ) : غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ كَحَكِّ جَسَدٍ وَعَبَثٍ بِلِحْيَتِهِ وَوَضْعِ رِدَاءٍ عَلَى كَتِفٍ وَدَفْعِ مَارٍّ وَإِشَارَةٍ بِيَدٍ؛ فَالْقَلِيلُ مِنْ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُهَا كَمَا تَقَدَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِلَّا أَبْطَلَ قَطْعًا] : أَيْ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعَمْدِ لَا يَتَمَادَى الْمَأْمُومُ فِيهِ. تَنْبِيهٌ: لَا شَيْءَ فِي التَّبَسُّمِ إنْ قَلَّ، وَكُرِهَ عَمْدُهُ. فَإِنْ كَثُرَ أَبْطَلَ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مِنْ الْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ، وَإِنْ تَوَسَّطَ بِالْعُرْفِ يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَأَبْطَلَ عَمْدُهُ. (اهـ مِنْ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [كَحَكِّ جَسَدٍ] : أَيْ فَيُبْطِلُهَا إذَا كَثُرَ وَلَوْ سَهْوًا وَالْكَثِيرُ عِنْدَنَا هُوَ مَا يُخَيِّلُ لِلنَّاظِرِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ. قَوْلُهُ: [وَعَبَثٍ بِلِحْيَتِهِ] إلَخْ: حُكْمُهُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ.

بَعْضُهُ فِي الْمَكْرُوهَاتِ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا بَعْضُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ لَا بِإِنْصَاتٍ قَلَّ لِمُخْبِرٍ إلَى آخِرِهِ، وَالْكَثِيرُ مِنْهُ مُبْطِلٌ (وَلَوْ سَهْوًا كَسَلَامٍ مَعَ أَكْلٍ أَوْ) مَعَ (شُرْبٍ) سَهْوًا (وَلَوْ قَلَّ) الْأَكْلُ أَوْ الشُّرْبُ الْمُصَاحِبُ لِلسَّلَامِ لِشِدَّةِ الْمُنَافَاةِ فِي السَّلَامِ. فَلَوْ اجْتَمَعَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ سَهْوًا فَالْبُطْلَانُ أَيْضًا، وَقِيلَ: يُجْبَرُ بِسُجُودِ السَّهْوِ وَلَا بُطْلَانَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ اجْتِمَاعَ الثَّلَاثَةِ مُبْطِلٌ اتِّفَاقًا وَانْفِرَادَ أَحَدِهِمَا لَا يُبْطِلُ وَيُجْبَرُ بِالسُّجُودِ، وَحُصُولِ اثْنَيْنِ فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَظْهَرُ الْبُطْلَانُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا سَلَامًا. (وَ) بَطَلَتْ (بِمُشْغِلٍ) أَيْ مَانِعٍ (عَنْ فَرْضٍ) مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ؛ كَرُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ وَقِرَاءَةِ فَاتِحَةٍ أَوْ بَعْضِهَا كَشِدَّةِ حَقْنٍ أَوْ غَثَيَانٍ أَوْ وَضْعِ شَيْءٍ فِي فَمِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مَعَ أَكْلٍ] إلَخْ: الْحَاصِلُ أَنَّهُ وَقَعَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ سَلَّمَ وَأَكَلَ وَشَرِبَ - وَرُوِيَ: أَوْ شَرِبَ سَهْوًا - بَطَلَتْ، وَفِي آخَرَ: إنْ أَكَلَ وَشَرِبَ سَهْوًا سَجَدَ. وَهَلْ اخْتِلَافٌ لِلْمُنَافِي فِيهِمَا - بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ اتِّحَادِهِ وَتَعَدُّدِهِ أَوْ وِفَاقٌ؟ وَالْبُطْلَانُ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ لِلسَّلَامِ أَوْ لِلْجَمْعِ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ عَلَى رِوَايَةِ الْوَاوِ، وَاثْنَيْنِ عَلَى رِوَايَةٍ أَوْ تَأْوِيلَاتٍ ثَلَاثَةٍ؛ وَاحِدٌ بِالْخِلَافِ وَاثْنَانِ بِالْوِفَاقِ. قَوْلُهُ: [لِشِدَّةِ الْمُنَافَاةِ فِي السَّلَامِ] : أَيْ فَالْبُطْلَانُ لِلسَّلَامِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ أَكْلٌ وَشُرْبٌ أَوْ أَحَدُهُمَا. قَوْلُهُ: [فَلَوْ اجْتَمَعَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ] إلَخْ: أَيْ بِنَاءً عَلَى تَأْوِيلِ الْجَمْعِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ يُجْبَرُ بِسُجُودِ السَّهْوِ] : أَيْ نَظَرًا لِلتَّوْفِيقِ الْأَوَّلِ وَهُوَ السَّلَامُ وَلَمْ يَكُنْ. قَوْلُهُ: [اتِّفَاقًا] : أَيْ لِاتِّفَاقِ الْمُوَفَّقِينَ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [لَا يُبْطِلُ وَيُجْبَرُ بِالسُّجُودِ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ الرَّاجِحَ تَأْوِيلُ الْوِفَاقِ بِوَجْهِهِ. قَوْلُهُ: [وَالْأَظْهَرُ الْبُطْلَانُ] : أَيْ نَظَرًا لِلْجَمِيعِ. قَوْلُهُ: [لَا سِيَّمَا] إلَخْ: أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ وَكَثْرَةِ الْمُنَافِيَاتِ. قَوْلُهُ: [أَوْ غَثَيَانٍ] : الْمُرَادُ بِهِ فَوَرَانُ النَّفْسِ.

[تنبيه يمكن للساهي تسع تشهدات]

(وَأَعَادَ فِيهِ) مُشْغِلٌ عَنْ (سُنَّةٍ) مُؤَكَّدَةٍ (بِوَقْتٍ ضَرُورِيٍّ) وَهُوَ فِي الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ. (وَ) بَطَلَتْ (بِذِكْرٍ) : أَيْ تَذَكُّرِ (أُولَى) الصَّلَاتَيْنِ (الْحَاضِرَتَيْنِ فِي) الصَّلَاةِ (الْأُخْرَى) أَيْ الثَّانِيَةِ، كَأَنْ يَتَذَكَّرَ فِي صَلَاتِهِ الْعَصْرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ، أَوْ يَتَذَكَّرَ وَهُوَ فِي الْعِشَاءِ قَبْلَ الْفَجْرِ أَنَّ عَلَيْهِ الْمَغْرِبَ فَتَبْطُلُ الَّتِي هُوَ فِيهَا لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْحَاضِرَتَيْنِ وَاجِبُ شَرْطٍ. (وَ) بَطَلَتْ (بِزِيَادَةِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ سَهْوًا) : فِي الرُّبَاعِيَّةِ وَالثُّلَاثِيَّةِ وَلَوْ فِي السَّفَرِ (كَرَكْعَتَيْنِ) : أَيْ زِيَادَتِهِمَا سَهْوًا (فِي الثُّنَائِيَّةِ) كَالصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ (أَوْ الْوَتْرِ) : لَا بِرَكْعَةٍ فَقَطْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ الْبُطْلَانِ بِالْمُشْغِلِ عَنْ الْفَرْضِ: إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِتْيَانِ مَعَهُ بِالْفَرْضِ أَصْلًا أَوْ يَأْتِي بِهِ مَعَهُ لَكِنْ بِمَشَقَّةٍ إذَا دَامَ ذَلِكَ الْمُشْغِلُ. وَأَمَّا إنْ حَصَلَ ثُمَّ زَالَ فَلَا إعَادَةَ كَمَا فِي الْبُرْزُلِيِّ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [بِوَقْتٍ ضَرُورِيٍّ] : قَالَ ح: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحُكْمُ فِيمَنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ السُّنَنِ الثَّمَانِيَةِ الْمُؤَكَّدَةِ. وَأَمَّا تَرْكُ سُنَّةٍ غَيْرِ مُؤَكَّدَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَانَ التَّرْكُ لِمُشْغِلٍ أَوْ لِغَيْرِ مُشْغِلٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَاجِبُ شَرْطٍ] : أَيْ: فِي الِابْتِدَاءِ بِاتِّفَاقٍ، وَفِي الْأَثْنَاءِ عَلَى إحْدَى طَرِيقَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ إمَامًا بَطَلَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى مَأْمُومِيهِ، وَإِنْ كَانَ فَذًّا قَطَعَ، وَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا تَمَادَى عَلَى صَلَاةٍ بَاطِلَةٍ لَحِقَ الْإِمَامَ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ. [تَنْبِيه يُمْكِنُ لِلسَّاهِي تِسْعُ تَشَهُّدَاتٍ] قَوْلُهُ: [وَبِزِيَادَةِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ] : أَيْ مُتَيَقَّنَةٍ، وَأَمَّا لَوْ شَكَّ فِي الزِّيَادَةِ الْكَثِيرَةِ فَإِنَّهَا تُجْبَرُ بِالسُّجُودِ اتِّفَاقًا. وَقَوْلُهُ: [سَهْوًا] : وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَمْدًا فَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: [وَالثُّلَاثِيَّةِ] : هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ: إنَّ الثُّلَاثِيَّةَ تَبْطُلُ بِزِيَادَةِ مِثْلِهَا. وَقِيلَ: بِزِيَادَةِ رَكْعَتَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ فِي السَّفَرِ] : أَيْ مُرَاعَاةً لِأَصْلِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرُّبَاعِيَّةَ هِيَ الْأَصْلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَا تَبْطُلُ إلَّا بِصَلَاتِهَا سِتًّا. قَوْلُهُ: [أَوْ الْوَتْرِ] : مِثْلُهَا فِي ذَلِكَ النَّفَلُ الْمَحْدُودُ كَالْفَجْرِ وَالْعِيدَيْنِ

(وَ) بَطَلَتْ (بِسُجُودٍ مَسْبُوقٍ) بِرَكْعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ (مَعَ إمَامِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِسُجُودِ الْمُضَافِ لِفَاعِلِهِ السُّجُودُ (الْبَعْدِيُّ) الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الْإِمَامِ لِزِيَادَةِ سَهْوٍ. فَإِذَا سَجَدَ الْمَسْبُوقُ الْبَعْدِيُّ مَعَ إمَامِهِ بَطَلَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فَعَلَ زِيَادَةً فِي صَلَاتِهِ عَمْدًا وَلَوْ جَهْلًا (كَالْقَبْلِيِّ) : أَيْ كَمَا تَبْطُلُ عَلَى الْمَسْبُوقِ بِسُجُودِهِ الْقَبْلِيِّ مَعَ إمَامِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ، وَلَوْ لَمْ يُكَرِّرْ الرُّكُوعَ فِيهِ. وَأَمَّا النَّفَلُ غَيْرُ الْمَحْدُودِ فَلَا يَبْطُلُ بِزِيَادَةِ مِثْلِهِ، لِقَوْلِهِمْ: إذَا قَامَ لِخَامِسَةٍ فِي النَّافِلَةِ رَجَعَ وَلَا يُكْمِلُهَا سَادِسَةً وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: يُمْكِنُ لِلسَّاهِي تِسْعُ تَشَهُّدَاتٍ وَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ بِأَنْ سَهَا بِزِيَادَةٍ بَعْدَ الْقَبْلِيِّ، وَجَلَسَ فِي سَبْعِ رَكَعَاتٍ، قَالَ فِي حَاشِيَتِهِ: فَإِنْ كَانَ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ كَمَّلَ عَشْرًا، فَإِنْ سَجَدَ مَعَهُ سُجُودَ السَّهْوِ نَاسِيًا زَادَتْ عَلَى الْعَشْرِ، كَأَنْ شَكَّ فِي تَشَهُّدٍ هَلْ سَجَدَ قَبْلَهُ سَجْدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ؟ سَجَدَ وَاحِدَةً وَأَعَادَ تَشَهُّدَهُ، وَفِي ذَلِكَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ سَجَدَاتٍ كَثِيرَةٍ كَثَمَانِ سَجَدَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَعَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ. قُلْت: يَا فَقِيهًا يُدْعَى لِحَلِّ الْأَحَاجِي ... أَصَلَاةٌ فِيهَا ثَلَاثُونَ سَجْدَهْ بَلْ مَزِيدٌ وَهَلْ تَشَهُّدٌ أَحْرَى ... ضَبَطُوهُ فَجَاوَزَ الْعَشْرَ عَدُّهْ وَقَوْلُهُ: [مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ سَجَدَاتٍ كَثِيرَةٍ] إلَخْ: أَيْ مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ سَجْدَتَانِ. قَالَ هُنَاكَ: فَإِنْ شَكَّ عِنْدَ الرَّفْعِ هَلْ هَذَا سُجُودٌ لِلْفَرْضِ أَوْ كَانَ بِنِيَّةِ السَّهْوِ، وَنَسِيَ الْفَرْضَ، أَتَى بِالْفَرْضِ ثُمَّ السَّهْوِ فَيَكُونُ سِتَّ سَجَدَاتٍ وَيَنْضَمُّ لَهُ مَا أَمْكَنَ مِنْ سَجَدَاتِ التِّلَاوَةِ فِي الْقِرَاءَةِ. فَإِنْ تَذَكَّرَ تَرْكَ الْفَاتِحَةِ رَجَعَ لَهَا ثُمَّ يُمْكِنُ أَنْ يَجْتَمِعَ لَهُ سَجَدَاتٌ كَالْأَوَّلِ. وَيَلْغُزُ بِهَا كَمَا لِلْوَانُّوغِيِّ وَالْأُجْهُورِيِّ سَجَدَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ. وَنَحْوَهُ فِي كَبِيرِ التَّتَّائِيِّ. (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَبَطَلَتْ بِسُجُودٍ] إلَخْ: أَيْ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا وَأَمَّا نِسْيَانًا فَلَا تَبْطُلُ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ جَهْلًا] : أَيْ فَالْجَاهِلُ كَالْعَامِدِ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي أَلْحَقَهُ بِالنَّاسِي مُرَاعَاةً لِمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ سُجُودِهِ مَعَ الْإِمَامِ وَهُوَ سُفْيَانُ.

(إذَا) كَانَ (لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ رَكْعَةً) لِأَنَّ سُجُودَهُ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْمَسْبُوقَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَأْمُومٍ حَقِيقَةً؛ فَسُجُودُهُ مَعَهُ مَحْضُ زِيَادَةٍ فِي الصَّلَاةِ. فَإِنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا سَجَدَ مَعَهُ الْقَبْلِيَّ وَقَامَ لِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ بَعْدَ سَلَامِهِ، وَأَخَّرَ الْبَعْدِيَّ لِتَمَامِ صَلَاتِهِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي السَّهْوِ. (وَ) بَطَلَتْ (بِسُجُودٍ قَبْلَ السَّلَامِ لِتَرْكِ سُنَّةٍ خَفِيفَةٍ) : كَتَكْبِيرَةٍ أَوْ تَسْمِيعَةٍ، وَأَوْلَى لِتَرْكِ فَضِيلَةٍ كَقُنُوتٍ. (وَ) بَطَلَتْ (بِمَا يَأْتِي) الْكَلَامُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُبْطِلَاتِ (فِي) بَابِ سُجُودِ (السَّهْوِ) : كَتَرْكِ السُّجُودِ لِثَلَاثِ سُنَنٍ وَإِنْ طَالَ. ثُمَّ ذَكَرَ أَشْيَاءَ لَا بُطْلَانَ فِيهَا لِجَوَازِ فِعْلِهَا فِي الصَّلَاةِ مَا لَمْ تَكُنْ كَثِيرَةً بِحَيْثُ يَعْتَقِدُ مَنْ رَآهُ يَفْعَلُهَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ فَقَالَ: (لَا) تَبْطُلُ الصَّلَاةُ (بِإِنْصَاتٍ قَلَّ) لَا كَثُرَ (لِمُخْبِرٍ) بِكَسْرِ الْبَاءِ اسْمُ فَاعِلٍ؛ أَيْ إنْصَاتٍ قَلِيلٍ لِمَنْ أَخْبَرَهُ أَوْ أَخْبَرَ غَيْرَهُ بِخَبَرٍ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ. فَإِنْ طَالَ الْإِنْصَاتُ بَطَلَتْ. وَأَمَّا لَوْ قَالَ: " إيهٍ إيهٍ " فَتَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ كَمَا تَقَدَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ سَجَدَ الْقَبْلِيَّ مَعَهُ وَلَمْ يَكُنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَالصَّلَاةُ بَاطِلَةٌ إنْ فَعَلَهُ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَأَمَّا لَوْ سَجَدَ الْبَعْدِيَّ مَعَهُ فَالْبُطْلَانُ مُطْلَقًا أَدْرَكَ رَكْعَةً أَمْ لَا إنْ فَعَلَهُ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا لَا سَهْوًا. فَإِنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فِي الْقَبْلِيِّ سَجَدَ مَعَهُ قَبْلَ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ إنْ سَجَدَهُ الْإِمَامُ قَبْلَ السَّلَامِ وَلَوْ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ كَشَافِعِيٍّ يَرَى التَّقْدِيمَ مُطْلَقًا. فَإِنْ أَخَّرَهُ بَعْدَهُ فَهَلْ يَفْعَلُهُ مَعَهُ قَبْلَ قِيَامِهِ لِلْقَضَاءِ - وَضُعِّفَ - أَوْ بَعْدَ تَمَامِ الْقَضَاءِ قَبْلَ سَلَامِ نَفْسِهِ أَوْ بَعْدَهُ؟ أَوْ إنْ كَانَ عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ؟ فَعَلَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَإِلَّا فَبَعْدَهُ؟ تَرَدُّدٌ. (اهـ مِنْ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَبَطَلَتْ بِسُجُودٍ قَبْلَ السَّلَامِ لِتَرْكِ سُنَّةٍ] إلَخْ: أَيْ إلَّا أَنْ يَأْتَمَّ بِمَنْ يَرَاهُ فَيَتْبَعُهُ وَلَا بُطْلَانَ بَلْ فِي (بْن) تَقْوِيَةُ عَدَمِ الْبُطْلَانِ بِالسُّجُودِ لِتَكْبِيرَةٍ وَفَضِيلَةٍ (اهـ مِنْ الْمَجْمُوعِ) . قَوْلُهُ: [وَإِنْ طَالَ] : أَيْ لِأَنَّهُ اشْتَغَلَ عَنْ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ إنْ كَانَ سَهْوًا، كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ.

[أشياء لا تبطل الصلاة]

(وَ) لَا (قَتْلِ عَقْرَبٍ قَصَدَتْهُ) : أَيْ جَاءَتْ عَلَيْهِ إذْ هِيَ لَا قَصْدَ لَهَا (وَلَا) تَبْطُلُ (بِإِشَارَةٍ بِعُضْوٍ) كَيَدٍ أَوْ رَأْسٍ (لِحَاجَةٍ) طَرَأَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، (أَوْ) إشَارَةٍ لِ (رَدِّ سَلَامٍ) عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي. وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْإِشَارَةَ لِرَدِّ السَّلَامِ وَاجِبَةٌ، وَتَبْطُلُ إنْ رَدَّهُ بِالْقَوْلِ. (وَلَا) تَبْطُلُ (بِأَنِينٍ لِوَجَعٍ) إنْ قَلَّ وَإِلَّا بَطَلَتْ، (وَبُكَاءِ تَخَشُّعٍ) : أَيْ خُشُوعٍ (وَإِلَّا) يَكُنْ الْأَنِينُ لِوَجَعٍ وَلَا الْبُكَاءُ لِخُشُوعٍ (فَكَالْكَلَامِ) يُبْطِلُ عَمْدُهُ وَلَوْ قَلَّ، وَسَهْوُهُ إنْ كَثُرَ. وَهَذَا فِي الْبُكَاءِ الْمَمْدُودِ وَهُوَ مَا كَانَ بِصَوْتٍ، وَأَمَّا الْمَقْصُورُ - وَهُوَ مَا كَانَ بِلَا صَوْتٍ فَلَا تَبْطُلُ إلَّا بِكَثِيرِهِ وَلَوْ اخْتِيَارًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [أَشْيَاء لَا تَبْطُلُ الصَّلَاة] قَوْلُهُ: [جَاءَتْ عَلَيْهِ] : أَيْ فَإِنْ لَمْ تَجِئْ عَلَيْهِ كُرِهَ؛ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ قَتْلَهَا، وَلَا تَبْطُلُ بِانْحِطَاطِهِ لِأَخْذِ حَجَرٍ يَرْمِيهَا بِهِ. قَوْلُهُ: [إذْ هِيَ لَا قَصْدَ لَهَا] : أَيْ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ مِنْ خَوَاصِّ الْعُقَلَاءِ، هَكَذَا قِيلَ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَنَاطِقَةَ عَرَّفُوا الْحَيَوَانَ بِأَنَّهُ: الْمُتَحَرِّكُ بِالْإِرَادَةِ. قَوْلُهُ: [بِإِشَارَةٍ] : أَيْ مَا لَمْ تَكْثُرْ. قَوْلُهُ: [وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْإِشَارَةَ لِرَدِّ السَّلَامِ] إلَخْ: أَيْ وَلَوْ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ وَهَكَذَا فِي رَدِّ السَّلَامِ وَأَمَّا ابْتِدَاؤُهُ بِالْإِشَارَةِ فَمَكْرُوهٌ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ الْقَائِلِ بِجَوَازِهِ. قَوْلُهُ: [إنْ قَلَّ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ فِيهِ نَوْعُ اخْتِيَارٍ. قَوْلُهُ: [وَبُكَاءِ تَخَشُّعٍ] : ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَثُرَ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ. قَوْلُهُ: [وَسَهْوُهُ إنْ كَثُرَ] : أَيْ وَإِلَّا فَفِيهِ السُّجُودُ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا فِي الْبُكَاءِ الْمَمْدُودِ] إلَخْ: قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ إلَّا إذَا كَانَ الْبُكَاءُ بِصَوْتٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا صَوْتَ فِيهِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ اخْتِيَارًا أَوْ غَلَبَةً تَخَشُّعًا أَمْ لَا. وَيَنْبَغِي: إلَّا أَنْ يَكْثُرَ الِاخْتِيَارِيُّ مِنْهُ. وَأَمَّا بِصَوْتٍ فَإِنْ كَانَ اخْتِيَارًا أَبْطَلَ مُطْلَقًا كَانَ لِتَخَشُّعٍ أَمْ لَا بِأَنْ كَانَ لِمُصِيبَةٍ، وَإِنْ كَانَ غَلَبَةً إنْ كَانَ بِتَخَشُّعٍ لَمْ تَبْطُلُ ظَاهِرُهُ. وَإِنْ كُثْر وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ أَبْطَلَ. (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَلَوْ اخْتِيَارًا] : الْمُنَاسِبُ الِاخْتِيَارِيُّ وَلَا مَحَلَّ لِلْمُبَالَغَةِ لِأَنَّ الِاضْطِرَارِيَّ

(وَلَا) تَبْطُلُ (بِتَنَحْنُحٍ) (وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ) . (وَلَا) تَبْطُلُ (بِمَشْيِ) الْمُصَلِّي (كَصَفَّيْنِ) أُدْخِلَتْ الْكَافَ الثَّالِثَ (لِسَتْرِهِ) : يَقْرَبُ إلَيْهَا لِيَسْتَتِرَ بِهَا خَوْفًا مِنْ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ (أَوْ دَفْعِ مَارٍّ) بَيْنَ يَدَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْ مَحَلِّ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَإِلَّا فَلَا يَمْشِي لِتَيَسُّرِ دَفْعِهِ وَهُوَ بِمَكَانِهِ، (أَوْ) مَشْيٍ نَحْوَ الصَّفَّيْنِ لِأَجْلِ (ذَهَابِ دَابَّةٍ) لِيَرُدَّهَا، أَوْ لِإِمْسَاكِ رَسَنِهَا فَإِنْ بَعُدَتْ قَطَعَ وَطَلَبَهَا، وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ إذَا تَرَتَّبَ عَلَى ذَهَابِهَا ضَرَرٌ. وَدَابَّةُ الْغَيْرِ كَدَابَّتِهِ وَمِثْلُ الْمَشْيِ لِمَا ذُكِرَ: الْمَشْيُ لِسَدِّ فُرْجَةٍ فِي صَفٍّ؛ فَلَا تَبْطُلُ بِمَشْيٍ كَالصَّفَّيْنِ فِيمَا ذُكِرَ، (وَإِنْ) كَانَ الْمَشْيُ (بِجَنْبٍ أَوْ قَهْقَرَى) بِأَنْ يَرْجِعَ عَلَى ظَهْرِهِ وَالِاسْتِدْبَارُ لِلْقِبْلَةِ مُبْطِلٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا شَيْءَ فِيهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ] : أَيْ هَذَا إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ وَلَوْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِالصَّلَاةِ فَلَا سُجُودَ فِي سَهْوِهِ بَلْ وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ بَعُدَتْ قَطَعَ] : حَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الدَّابَّةَ إذَا ذَهَبَتْ فَلَهُ أَنْ يَقْطَعَ الصَّلَاةَ وَيَطْلُبَهَا إنْ كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا. وَكَانَ ثَمَنُهَا يُجْحِفُ بِهِ. فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ أَوْ قَلَّ ثَمَنُهَا فَلَا يَقْطَعُهَا إلَّا إذَا كَانَ يَخَافُ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ لِكَوْنِهِ بِمَفَازَةٍ مَثَلًا وَإِلَّا قَطَعَهَا. وَغَيْرُ الدَّابَّةِ مِنْ الْمَالِ يَجْرِي عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. قَوْلُهُ: [وَالِاسْتِدْبَارُ لِلْقِبْلَةِ مُبْطِلٌ] : أَيْ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ فِي الصَّفِّ وَالصَّفَّيْنِ وَالثَّلَاثَةِ. وَإِنْ كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهَا إلَّا بِالِاسْتِدْبَارِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاسْتِدْبَارَ لِعُذْرٍ مُغْتَفَرٌ، وَالْعُذْرُ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الدَّابَّةِ قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ.

(وَلَا) تَبْطُلُ (بِإِصْلَاحِ رِدَاءٍ) سَقَطَ مِنْ فَوْقِ كَتِفَيْهِ فَتَنَاوَلَهُ وَوَضَعَهُ عَلَيْهِمَا وَلَوْ طَأْطَأَ لِأَخْذِهِ مِنْ الْأَرْضِ، (أَوْ سُتْرَةٍ) نَصَبَهَا إمَامُهُ لِيُصَلِّيَ لَهَا (سَقَطَتْ) وَلَوْ انْحَطَّ لِإِصْلَاحِهَا. وَكَمَا أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سُجُودٌ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ تَبْطُلْ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ (لِجَوَازِ) جَمِيعِ (مَا ذُكِرَ) . وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ: عَدَمُ الْمَنْعِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ بَعْضَهُ خِلَافُ الْأَوْلَى: كَالْإِنْصَاتِ لِلْمُخْبِرِ، وَقَتْلِ الْعَقْرَبِ إذَا لَمْ يَخْشَ مِنْهَا الضَّرَرَ وَأَنَّ الْبَعْضَ وَاجِبٌ كَالْإِشَارَةِ لِرَدِّ السَّلَامِ، وَبَعْضَهَا مَنْدُوبٌ كَالْمَشْيِ لِلسُّتْرَةِ. وَمَحَلُّ عَدَمِ الْبُطْلَانِ، إذَا لَمْ تَكْثُرْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ كَثْرَةً يَظُنُّ مُشَاهِدُهَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ وَإِلَّا أُبْطِلَتْ لِدُخُولِهَا تَحْتَ قَوْلِهِ [وَبِكَثِيرِ فِعْلٍ] كَمَا تَقَدَّمَ. وَشَبَهٌ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِ الْبُطْلَانِ قَوْلُهُ: (كَسَدِّ فِيهِ) أَيْ فَمِهِ بِيَدِهِ الْيُمْنَى (لِتَثَاؤُبٍ) بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ وَهُوَ بِمُثَنَّاةٍ فَمُثَلَّثَةٌ انْفِتَاحُ الْفَمِ عِنْدَ انْعِقَادِ الْبُخَارِ بِالدِّمَاغِ مِنْ كَثْرَةِ الْأَكْلِ أَوْ النَّوْمِ. (وَنَفْثٍ) بِسُكُونِ الْفَاءِ الْبُصَاقُ بِلَا صَوْتٍ (بِثَوْبٍ) أَوْ غَيْرِهِ (لِحَاجَةٍ) كَامْتِلَاءِ فَمِهِ بِالْبُصَاقِ وَكُرِهَ لِغَيْرِهَا فَإِنْ كَانَ بِصَوْتٍ بَطَلَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا تَبْطُلُ بِإِصْلَاحِ رِدَاءٍ] : أَيْ بَلْ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ إذَا أَصْلَحَهُ وَهُوَ جَالِسٌ بِأَنْ يَمُدَّ يَدَهُ يَأْخُذُهُ مِنْ الْأَرْضِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ قَائِمًا وَانْحَطَّ لِذَلِكَ فَيُكْرَهُ وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ إنْ كَانَ مَرَّةً وَإِلَّا أَبْطَلَ، لِأَنَّهُ فِعْلُ كَثِيرٍ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ انْحَطَّ لِإِصْلَاحِهَا] : أَيْ مَرَّةً وَأَبْطَلَ إنْ زَادَ، كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. وَأَمَّا الِانْحِطَاطُ لِأَخْذِ عِمَامَةٍ فَمُبْطِلٌ لِأَنَّهَا لَا تَصِلُ لِرُتْبَةِ مَا ذَكَرَ فِي الطَّلَبِ إلَّا أَنْ يَتَضَرَّرَ لَهَا كَمَا فِي عب كَمُنْكَبٍّ (اهـ مِنْ الْمَجْمُوعِ) . قَوْلُهُ: [بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ] : أَيْ فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا إذَا كَانَ السَّدُّ بِغَيْرِ بَاطِنِ الْيُسْرَى لَا إنْ كَانَ بِهِ فَيُكْرَهُ لِمُلَابَسَةِ النَّجَاسَةِ، وَلَيْسَ التَّفْلُ عَقِبَ التَّثَاؤُبِ مَشْرُوعًا، وَمَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ تَفْلِهِ عَقِبَ التَّثَاؤُبِ فَلِاجْتِمَاعِ رِيقٍ عِنْدَهُ إذْ ذَاكَ اُنْظُرْ ح. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [مِنْ كَثْرَةِ الْأَكْلِ] إلَخْ: أَيْ بِحَسَبِ الْغَالِبِ وَقَدْ يَكُونُ لِمَرَضٍ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ لِغَيْرِهَا] : أَيْ وَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْبُصَاقَ

(وَقَصْدِ التَّفْهِيمِ) أَيْ تَفْهِيمِ أَحَدٍ أَمْرًا مِنْ الْأُمُورِ (بِذِكْرِ) مُتَعَلِّقٍ [بِقَصْدٍ] ، أَيْ قَصْدٍ بِالذِّكْرِ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ غَيْرِهِ كَتَسْبِيحٍ لِيَفْهَمَ غَيْرُهُ أَنَّهُ فِي صَلَاةٍ، أَوْ لِيَتَنَاوَلَ كِتَابًا أَوْ غَيْرَهُ بِقَوْلِهِ: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12] أَوْ لِيَأْذَنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ بِقَوْلِهِ: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46] . وَقَوْلُهُ: (فِي مَحَلِّهِ) : صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ يَطْلُبُ الْإِذْنَ بِالدُّخُولِ أَوْ بِأَخْذِ شَيْءٍ فَيَبْتَدِئُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ بِقَوْلِهِ: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} [الزخرف: 70] . مَثَلًا أَوْ يَكُونَ مُتَلَبِّسًا بِهَا سِرًّا فَيَجْهَرُ بِهَا لِلْإِشَارَةِ لِلدُّخُولِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمَحَلِّهِ بِأَنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ أَوْ آيَةِ الْكُرْسِيِّ مَثَلًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ شَخْصٌ فَانْتَقَلَ إلَى قَوْلِهِ: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ} [الحجر: 46] أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ (وَإِلَّا) يَكُنْ فِي مَحَلِّهِ (بَطَلَتْ) الصَّلَاةُ، لِأَنَّهُ صَارَ بِانْتِقَالِهِ مِمَّا هُوَ فِيهِ إلَى مَا ذُكِرَ فِي مَعْنَى الْمُكَالَمَةِ وَهَذَا فِي غَيْرِ التَّسْبِيحِ، وَأَمَّا هُوَ فَيَجُوزُ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ لِلْحَاجَةِ. وَكَذَا لَا تَبْطُلُ بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَكْرُوهَاتِ مِنْ الِالْتِفَاتِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَا تَبْطُلُ بِتَعَمُّدِ بَلْعِ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ مِنْ طَعَامٍ وَلَوْ مَضَغَهُ لِيَسَارَتِهِ، أَوْ بِتَعَمُّدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الصَّلَاةِ إمَّا لِحَاجَةٍ أَوْ لِغَيْرِهَا؛ وَفِي كُلٍّ، إمَّا أَنْ يَكُونَ بِصَوْتٍ أَوْ بِغَيْرِهِ. فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ كَانَ بِصَوْتٍ أَمْ لَا وَلَا سُجُودَ فِيهِ اتِّفَاقًا. وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ صَوْتٍ كَانَ مَكْرُوهًا، وَفِي السُّجُودِ لِسَهْوِهِ قَوْلَانِ. وَإِنْ كَانَ بِصَوْتٍ بَطَلَتْ إنْ كَانَ عَمْدًا وَإِنْ كَانَ سَهْوًا سَجَدَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا يَكُنْ فِي مَحَلِّهِ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ] : أَيْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ بِالصِّحَّةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا فِي غَيْرِ التَّسْبِيحِ] : مِثْلُهُ التَّهْلِيلُ وَالْحَوْقَلَةُ فَلَا يَضُرُّ قَصْدُ الْإِفْهَامِ بِهِمَا فِي أَيِّ مَحَلٍّ مِنْ الصَّلَاةِ، فَالصَّلَاةُ كُلُّهَا مَحَلٌّ لِذَلِكَ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [مِنْ طَعَامٍ وَلَوْ مَضَغَهُ] : قَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ طَعَامٌ كَفِلْقَةِ الْحَبَّةِ فَابْتَلَعَهُ فِي صَلَاتِهِ لَمْ يَقْطَعْ صَلَاتَهُ أَبُو الْحَسَنِ، لِأَنَّ فِلْقَةَ الْحَبَّةِ

بَلْعِ نَحْوَ زَبِيبَةٍ أَوْ لُقْمَةٍ بِلَا مَضْغٍ وَإِلَّا بَطَلَتْ. وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ الْبُطْلَانَ فِي الْمَضْغِ وَفِي بَلْعٍ كَالزَّبِيبَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَتْ بِأَكْلٍ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا ابْتَلَعَهَا فِي الصَّوْمِ لَا يُفْطِرُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ؟ فَإِذَا كَانَ الصَّوْمُ لَا يَبْطُلُ فَأَحْرَى الصَّلَاةُ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .

[فصل في صلاة القاعدة وقضاء الفوائت]

فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْقَاعِدَةِ وَقَضَاءِ الْفَوَائِتِ فِي بَيَانِ حَالِ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ فِي الْفَرْضِ وَفِي بَيَانِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ (إذَا لَمْ يَقْدِرْ) الْمُصَلِّي (عَلَى الْقِيَامِ اسْتِقْلَالًا) لِعَجْزٍ بِهِ أَوْ لِمَشَقَّةٍ فَادِحَةٍ لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهَا الْقِيَامَ كَدَوْخَةٍ (فِي) صَلَاةِ (الْفَرْضِ) الْوَاجِبِ فِيهِ الْقِيَامُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْقَاعِدَةِ وَقَضَاءِ الْفَوَائِتِ] فَصْلٌ أَيْ فَهَذَا الْفَصْلُ يُذْكَرُ فِيهِ حُكْمُ الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ وَبَدَلُهُ؛ وَهُوَ الْجُلُوسُ، وَمَرَاتِبُهُمَا أَيْ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلًّا أَوْ مُسْتَنِدًا. قَوْلُهُ: [وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] : أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ وَبِالْفَوَائِتِ كَتَرْتِيبِ الْفَوَائِتِ فِي أَنْفُسِهَا وَيَسِيرِهَا مَعَ حَاضِرَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [أَوْ لِمَشَقَّةٍ] : أَرَادَ بِالْمَشَقَّةِ الَّتِي يَنْشَأُ عَنْهَا الْمَرَضُ أَوْ زِيَادَتُهُ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ الْحَالِيَّةَ الَّتِي تَحْصُلُ فِي حَالِ الصَّلَاةِ - وَلَا يَخْشَى عَاقِبَتَهَا - لَا تُوجِبُ تَرْكَ الْقِيَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ أَشْهَبُ الْمَرِيضُ إذَا صَلَّى قَائِمًا وَحَصَلَتْ لَهُ الْمَشَقَّةُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ جُلُوسٍ. قَالَ ابْنُ نَاجِي وَلَقَدْ أَحْسَنَ أَشْهَبُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ مَرِيضٍ لَوْ تَكَلَّفَ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ قَائِمًا لَقَدَرَ لَكِنْ بِمَشَقَّةٍ وَتَعَبٍ؟ فَأَجَابَ: بِأَنَّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَأَنْ يُصَلِّيَ جَالِسًا، وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ. وَالْحَاصِلُ - كَمَا قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: أَنَّ الَّذِي يُصَلِّي الْفَرْضَ جَالِسًا هُوَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ جُمْلَةً، وَمَنْ يَخَافُ مِنْ الْقِيَامِ الْمَرَضَ أَوْ زِيَادَتَهُ كَالتَّيَمُّمِ، وَأَمَّا مَنْ يَحْصُلُ لَهُ بِهِ الْمَشَقَّةُ الْفَادِحَةُ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّيهِ جَالِسًا إنْ كَانَ صَحِيحًا، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا لَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ مَسْلَمَةَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ بِاخْتِصَارٍ) . قَوْلُهُ: [فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَيْنِيًّا أَوْ كِفَائِيًّا كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِفَرْضِيَّتِهَا - لَا عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهَا فَيُنْدَبُ الْقِيَامُ فَقَطْ؛ وَسَوَاءٌ كَانَ

[تنبيه إعادة الصلاة للاستناد ونحوه]

اسْتِقْلَالًا - بِخِلَافِ النَّفْلِ - فَيَجُوزُ فِيهِ الْجُلُوسُ. وَيَجُوزُ بَعْضُهُ مِنْ قِيَامٍ وَبَعْضُهُ مِنْ جُلُوسٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ. (أَوْ) قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فِي الْفَرْضِ وَلَكِنْ (خَافَ بِهِ ضَرَرًا كَالتَّيَمُّمِ) : أَيْ كَالضَّرَرِ الْمُوجِبِ لِلتَّيَمُّمِ، بِأَنْ خَافَ بِالْقِيَامِ حُدُوثَ مَرَضٍ مِنْ نَزْلَةٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ زِيَادَتِهِ - إنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِهِ - قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا، أَوْ خَافَ تَأَخُّرَ بُرْءٍ (أَوْ) خَافَ بِالْقِيَامِ (خُرُوجَ حَدَثٍ) كَرِيحٍ، (اسْتَنَدَ) نَدْبًا (لِغَيْرِ جُنُبٍ أَوْ حَائِضٍ) : بِأَنْ يَسْتَنِدَ لِحَائِطٍ، أَوْ عَلَى قَضِيبٍ أَوْ لِحَبْلٍ يُعَلِّقُهُ بِسَقْفٍ لِلْبَيْتِ وَيَعْتَمِدُ عَلَى إمْسَاكِهِ فِي قِيَامِهِ أَوْ عَلَى شَخْصٍ غَيْرِهِمَا. (وَ) إنْ اسْتَنَدَ (لَهُمَا) : أَيْ لِلْجُنُبِ أَوْ الْحَائِضِ (أَعَادَ بِوَقْتٍ) ضَرُورِيٍّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَرْضُ الْعَيْنِيُّ فَرْضِيَّتُهُ أَصْلِيَّةٌ أَوْ عَارِضَةٌ بِالنَّذْرِ إنْ نَذَرَ فِيهِ الْقِيَامَ، أَمَّا إنْ نَذَرَ الْفِعْلَ فَقَطْ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: [فَيَجُوزُ لَهُ الْجُلُوسُ] إلَخْ: أَيْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، لَا الِاضْطِجَاعُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا لِعُذْرٍ. [تَنْبِيه إعَادَة الصَّلَاة لِلِاسْتِنَادِ وَنَحْوه] قَوْلُهُ: [بِأَنْ خَافَ بِالْقِيَامِ حُدُوثَ مَرَضٍ] : أَيْ بِأَنْ يَكُونَ عَادَتُهُ إذَا قَامَ حَصَلَ لَهُ إغْمَاءٌ أَوْ دَوْخَةٌ مَثَلًا، أَوْ أَخْبَرَهُ طَبِيبٌ عَارِفٌ أَوْ مُوَافِقٌ لَهُ فِي الْمِزَاجِ. قَوْلُهُ: [خُرُوجَ حَدَثٍ] : أَيْ فَيَجْلِسُ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَقَالَ سَنَدٌ يُصَلِّي مِنْ قِيَامٍ وَيُغْتَفَرُ لَهُ خُرُوجُ الرِّيحِ لِأَنَّ الرُّكْنَ أَوْلَى لِلْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ مِنْ الشَّرْطِ. وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. وَقَوْلُ سَنَدٍ: الرُّكْنُ أَوْلَى لَا يُسَلَّمُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُنَا أَعْظَمُ مِنْهُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الرُّكْنِ الْوَاجِبِ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ لَا يَجِبُ إلَّا فِي الْفَرْضِ، وَبِهَذَا يَسْقُطُ قَوْلُ سَنَدٍ: لِمَ لَمْ يُصَلِّ قَائِمًا وَيُغْتَفَرُ لَهُ خُرُوجُ الرِّيحِ وَيَصِيرُ كَالسَّلَسِ؟ وَلَا يُتْرَكُ الرُّكْنُ لِأَجْلِهِ، فَتَحَصَّلَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ رُجِّحَ كُلٌّ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: [أَعَادَ بِوَقْتٍ ضَرُورِيٍّ] : أَيْ وَيُكْرَهُ ابْتِدَاءً لِبُعْدِهِمَا عَنْ حَالَةِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا لَوْ اسْتَنَدَ لِغَيْرِ مُحَرَّمٍ - كَالزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ وَالْأَمْرَدِ وَالْمَأْبُونِ - فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ مَا ذُكِرَ غَيْرَ جُنُبٍ وَحَائِضٍ. فَإِنْ حَصَلَتْ اللَّذَّةُ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ وَإِلَّا فَلَا. وَمَحَلُّ

فَلَوْ صَلَّى جَالِسًا اسْتِقْلَالًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ مُسْتَنِدًا صَحَّتْ. (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْقِيَامُ بِحَالَتَيْهِ (جَلَسَ كَذَلِكَ) : أَيْ مُسْتَقِلًّا وُجُوبًا إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا فَمُسْتَنِدًا. (وَتَرَبَّعَ) نَدْبًا (لَهُ) : أَيْ لِلْجُلُوسِ فِي الْقِيَامِ؛ أَيْ فِي الْحَالَةِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْقِيَامُ لِلْقَادِرِ؛ وَهِيَ حَالَةُ التَّكْبِيرِ لِلْإِحْرَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَلِلتَّشَهُّدِ فَالْإِفْضَاءُ كَمَا مَرَّ (كَالْمُتَنَفِّلِ) : مِنْ جُلُوسٍ فَإِنَّهُ يَتَرَبَّعُ نَدْبًا فِي مَحَلِّ الْقِيَامِ، وَيُغَيِّرُ جِلْسَتَهُ فِي التَّشَهُّدِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. (وَلَوْ اسْتَنَدَ الْقَادِرُ) : عَلَى الْقِيَامِ (فِي غَيْرِ) قِرَاءَةِ (السُّورَةِ) ، وَذَلِكَ فِي الْإِحْرَامِ وَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَالرُّكُوعِ (بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَ الْعِمَادُ) : الْمُسْتَنَدُ إلَيْهِ (لَسَقَطَ) الْمُسْتَنِدُ (بَطَلَتْ) : صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْفَرْضِ الرُّكْنِيِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَرَاهَةِ فِي الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَالْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ إذَا وُجِدَ غَيْرُهُمَا، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ وَلَا إعَادَةَ. تَنْبِيهٌ لَا غَرَابَةَ فِي إعَادَةِ الصَّلَاةِ لِارْتِكَابِ أَمْرٍ مَكْرُوهٍ كَالِاسْتِنَادِ لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِمَا، أَلَا تَرَى لِلصَّلَاةِ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَتُعَادُ الصَّلَاةُ لِأَجْلِهِ فِي الْوَقْتِ، فَانْدَفَعَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: إنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَقْتَضِي الْإِعَادَةَ أَصْلًا. قَوْلُهُ: [صَحَّتْ] : أَيْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي وَزَرُّوقٌ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ نَاقِلًا لَهُ عَنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ أَنَّ تَقْدِيمَ الْقِيَامِ مُسْتَنِدًا عَلَى الْجُلُوسِ مُسْتَقِلًّا مُسْتَحَبٌّ، وَذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا، وَاعْتَمَدَهُ الْبُنَانِيُّ. قَوْلُهُ: [وَتَرَبَّعَ نَدْبًا] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَقِلًّا أَوْ مُسْتَنِدًا. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْجُلُوسِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنْ يُكَبِّرَ لِلْإِحْرَامِ مُتَرَبِّعًا وَيَقْرَأَ وَيَرْكَعَ وَيَرْفَعَ كَذَلِكَ، ثُمَّ يُغَيِّرُ جِلْسَتَهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ فَيَسْجُدُ عَلَى أَطْرَافِ قَدَمَيْهِ. وَيَجْلِسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَفِي التَّشَهُّدِ إلَى السَّلَامِ كَالْجُلُوسِ الْمُتَقَدِّمِ فِي مَنْدُوبَاتِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَرْجِعُ مُتَرَبِّعًا لِلْقِرَاءَةِ وَهَكَذَا. قَوْلُهُ: [الْقَادِرُ عَلَى الْقِيَامِ] : لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ مِثْلُهُ لَوْ اسْتَنَدَ الْقَادِرُ عَلَى الْجُلُوسِ اسْتِقْلَالًا.

(وَإِلَّا) يَسْقُطْ عَلَى تَقْدِيرِ زَوَالِهِ أَوْ كَانَ اسْتِنَادُهُ فِي السُّورَةِ (كُرِهَ) اسْتِنَادُهُ وَلَا بُطْلَانَ. فَلَوْ جَلَسَ حَالَ قِرَاءَةِ السُّورَةِ بَطَلَتْ لِلْإِخْلَالِ بِهَيْئَةِ الصَّلَاةِ لَا لِتَرْكِ رُكْنٍ. (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْجُلُوسِ بِحَالَتَيْهِ صَلَّى (عَلَى شِقٍّ أَيْمَنَ) بِالْإِيمَاءِ نَدْبًا: (فَأَيْسَرَ) إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ، نَدْبًا أَيْضًا. (فَعَلَى ظَهْرٍ) : وَرِجْلَاهُ لِلْقِبْلَةِ. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَعَلَى بَطْنِهِ وَرَأْسُهُ لِلْقِبْلَةِ. فَإِنْ قَدَّمَهَا عَلَى الظَّهْرِ بَطَلَتْ. بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَّمَ الظَّهْرَ عَلَى الشِّقِّ بِحَالَتَيْهِ، أَوْ قَدَّمَ الْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ فَلَا تَبْطُلُ. وَبَطَلَتْ إنْ قَدَّمَ الِاضْطِجَاعَ مُطْلَقًا عَلَى الْجُلُوسِ بِحَالَتَيْهِ، أَوْ اسْتَنَدَ جَالِسًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ اسْتِقْلَالًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ جَلَسَ مُسْتَقِلًّا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ مُسْتَنِدًا كَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) الشَّخْصُ (الْقَادِرُ عَلَى الْقِيَامِ فَقَطْ) : دُونَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْجُلُوسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَرِجْلَاهُ لِلْقِبْلَةِ] : أَيْ وُجُوبًا فَلَوْ جَعَلَ رَأْسَهُ إلَيْهَا وَرِجْلَيْهِ لِدُبُرِهَا لَبَطَلَتْ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّحَوُّلِ وَلَوْ بِمُحَوِّلٍ. وَإِلَّا فَلَا بُطْلَانَ. قَوْلُهُ: [وَرَأْسُهُ لِلْقِبْلَةِ] : أَيْ وُجُوبًا فَإِنْ جَعَلَ رِجْلَيْهِ لِلْقِبْلَةِ وَرَأْسَهُ لِدُبُرِهَا بَطَلَتْ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّحَوُّلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظِيرِهِ. قَوْلُهُ: [كَمَا تَقَدَّمَ] : أَيْ مِنْ نَدْبِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ نَاجِي وَزَرُّوقٍ. وَأَمَّا، عَلَى قَوْلِ ابْنِ شَاسٍ فَالْبُطْلَانُ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرَاتِبَ خَمْسٌ: الْقِيَامُ بِحَالَتَيْهِ، وَالْجُلُوسُ كَذَلِكَ. وَالِاضْطِجَاعُ فَتَأْخُذُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مَعَ مَا بَعْدَهَا يَحْصُلُ عَشْرُ مَرَاتِبَ كُلُّهَا وَاجِبَةٌ إلَّا وَاحِدَةً؛ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْقِيَامِ مُسْتَنِدًا وَالْجُلُوسِ مُسْتَقِلًّا فَفِيهَا الْقَوْلَانِ: بِالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ. وَالْمَرْتَبَةُ الْأَخِيرَةُ تَحْتَهَا ثَلَاثُ صُوَرٍ وَهِيَ: تَقْدِيمُ الْأَيْمَنِ عَلَى الْأَيْسَرِ وَالْأَيْسَرِ عَلَى الظَّهْرِ وَهَاتَانِ مُسْتَحَبَّتَانِ، وَأَمَّا تَقْدِيمُ الظَّهْرِ عَلَى الْبَطْنِ فَوَاجِبٌ. قَوْلُهُ: [وَالشَّخْصُ الْقَادِرُ] إلَخْ: وَاخْتُلِفَ هَلْ يَجِبُ فِيهِ الْوُسْعُ أَيْ: انْتِهَاءُ الطَّاقَةِ فِي الِانْحِطَاطِ، حَتَّى لَوْ قَصَرَ عَنْهُ بَطَلَتْ فَلَا يَضُرُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مُسَاوَاةُ الرُّكُوعِ لِلسُّجُودِ، وَعَدَمُ تَمْيِيزِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ أَوْ لَا يَجِبُ فِيهِ الْوُسْعُ؟

(أَوْمَأَ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقِيَامِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَضْطَجِعَ وَيُومِئَ لَهُمَا مِنْ اضْطِجَاعِهِ، فَإِنْ اضْطَجَعَ بَطَلَتْ. (وَ) الْقَادِرُ عَلَى الْقِيَامِ (مَعَ الْجُلُوسِ) أَوْمَأَ لِرُكُوعِهِ مِنْ الْقِيَامِ وَ (أَوْمَأَ لِلسُّجُودِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْجُلُوسِ، فَإِنْ خَالَفَ فِيهِمَا بَطَلَتْ. (وَ) إذَا أَوْمَأَ لِلسُّجُودِ مِنْ قِيَامٍ أَوْ جُلُوسٍ (حَسَرَ) : أَيْ رَفَعَ (عِمَامَتَهُ) مِنْ جَبْهَتِهِ وُجُوبًا، بِحَيْثُ لَوْ سَجَدَ لَأَمْكَنَ وَضْعُ جَبْهَتِهِ بِالْأَرْضِ أَوْ بِمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ فَرْشٍ وَنَحْوِهِ. (فَإِنْ سَجَدَ) مِنْ حَقِّهِ الْإِيمَاءُ بِالسُّجُودِ لِقُرُوحٍ بِجَبْهَتِهِ مَثَلًا (عَلَى أَنْفِهِ صَحَّتْ) لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا فِي طَاقَتِهِ مِنْ الْإِيمَاءِ - وَحَقِيقَةُ السُّجُودِ وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ - وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِإِيمَاءٍ وَلَا سُجُودٍ (وَإِنْ قَدَرَ) الْمُصَلِّي (عَلَى الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ الْأَرْكَانِ (إلَّا أَنَّهُ إنْ سَجَدَ) بَعْدَ أَنْ كَبَّرَ وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ قَائِمًا وَرَكَعَ وَرَفَعَ مِنْهُ (لَا يَنْهَضُ) : أَيْ لَا يَقْدِرُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ يُجْزِئُ مَا يَكُونُ إيمَاءً مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَزْيَدَ مِنْهُ، وَلَا بُدَّ عَلَى هَذَا مِنْ تَمْيِيزِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ. قَوْلُهُ: [أَيْ رَفَعَ عِمَامَتَهُ عَنْ جَبْهَتِهِ] : أَيْ حِينَ إيمَائِهِ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ عِمَامَتَهُ إنْ كَانَ يَسْجُدُ بِالْفِعْلِ وَإِلَّا لَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا كَالطَّاقَةِ وَالطَّاقَتَيْنِ فَيُكْرَهُ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ لَا تَصِحُّ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ بِجَبْهَتِهِ قُرُوحٌ تَمْنَعُهُ مِنْ السُّجُودِ فَلَا يَسْجُدُ عَلَى أَنْفِهِ، وَإِنَّمَا يُومِئُ لِلْأَرْضِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ وَقَعَ وَنَزَلَ وَسَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ وَخَالَفَ فَرْضَهُ، فَقَالَ أَشْهَبُ: يُجْزِئُ. وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: هَلْ هُوَ الْإِجْزَاءُ كَمَا قَالَ أَشْهَبُ أَوْ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ؟ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يُوَافِقُ أَشْهَبَ عَلَى الْإِجْزَاءِ إذَا نَوَى الْإِيمَاءَ بِالْجَبْهَةِ لَا إنْ نَوَى السُّجُودَ عَلَى الْأَنْفِ حَقِيقَةً فَتَبْطُلُ. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " صَحَّتْ " وَيَشْهَدُ لَهُ تَعْلِيلُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا فِي طَاقَتِهِ إلَخْ، وَقَوْلُهُ: " وَقِيلَ لَا تَصِحُّ " مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْإِيمَاءَ فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ خِلَافٌ.

[تنبيه إيماء غير القادر في الصلاة]

الْقِيَامِ، (صَلَّى رَكْعَةً) بِسَجْدَتَيْهَا وَهِيَ الْأُولَى مِنْ قِيَامٍ، (وَتَمَّمَ) صَلَاتَهُ (مِنْ جُلُوسٍ) . (وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَرْكَانِ (إلَّا عَلَى نِيَّةٍ) فَقَطْ بِأَنْ يَنْوِيَ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ وَيَسْتَحْضِرَهَا، فَإِنْ قَدَرَ مَعَ ذَلِكَ عَلَى السَّلَامِ سَلَّمَ، (أَوْ) قَدَرَ عَلَى النِّيَّةِ (مَعَ إيمَاءٍ بِطَرْفٍ) : أَيْ وَلَوْ بِطَرْفٍ (وَجَبَتْ) الصَّلَاةُ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَسَقَطَ عَنْهُ غَيْرُ مَقْدُورِهِ. (وَلَا يُؤَخِّرُهَا) عَنْ وَقْتِهَا بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ (مَا دَامَ) الْمُكَلَّفُ (فِي عَقْلِهِ) . ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ. وَالْقَضَاءُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَتَمَّمَ صَلَاتَهُ مِنْ جُلُوسٍ] : لِأَنَّ السُّجُودَ أَعْظَمُ مِنْ الْقِيَامِ، وَقِيلَ يُصَلِّي قَائِمًا إيمَاءً إلَّا الْأَخِيرَةَ فَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ فِيهَا. [تَنْبِيه إيمَاء غَيْر الْقَادِر فِي الصَّلَاة] قَوْلُهُ: [وَجَبَتْ الصَّلَاةُ بِمَا قَدَرَ] إلَخْ: أَيْ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي الْأُولَى، وَعَلَى مَا قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُؤَخِّرُهَا عَنْ وَقْتِهَا] إلَخْ: أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ فَاقِدًا لِلطُّهْرَيْنِ مَثَلًا. تَنْبِيهٌ هَلْ الْمُومِئُ لِلسُّجُودِ مِنْ قِيَامٍ أَوْ مِنْ جُلُوسٍ - وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى وَضْعِ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ - يُومِئُ مَعَ إيمَائِهِ بِظَهْرِهِ وَرَأْسِهِ بِيَدِهِ أَيْضًا إلَى الْأَرْضِ؟ وَإِنْ كَانَ يُومِئُ لَهُ مِنْ جُلُوسٍ يَضَعُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ بِالْفِعْلِ - إنْ قَدَرَ - أَوْ لَا يُومِئُ بِهِمَا؟ تَأْوِيلَانِ. خَاتِمَةٌ إنْ خَفَّ فِي الصَّلَاةِ مَعْذُورٌ، بِأَنْ زَالَ عُذْرُهُ عَنْ حَالَةٍ أُبِيحَتْ لَهُ، انْتَقَلَ وُجُوبًا لِلْأَعْلَى مِنْهَا فِيمَا التَّرْتِيبُ فِيهِ وَاجِبٌ، كَمُضْطَجِعٍ قَدَرَ عَلَى الْجُلُوسِ، وَنَدْبًا فِيمَا هُوَ فِيهِ مَنْدُوبٌ كَمُضْطَجِعٍ عَلَى أَيْسَرِ قَدَرَ عَلَى أَيْمَنَ. وَيَجُوزُ مُدَاوَاةُ الْعَيْنِ وَلَوْ أَدَّى إلَى الِاسْتِلْقَاءِ فِي الصَّلَاةِ خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ.

[الفوائت والقضاء]

اسْتِدْرَاكُ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ فَقَالَ: (وَيَجِبُ) عَلَى الْمُكَلَّفِ (قَضَاءُ) : أَيْ فِعْلُ وَاسْتِدْرَاكُ (مَا فَاتَهُ مِنْهَا) أَيْ الصَّلَاةِ بِخُرُوجِ وَقْتِهِ لِغَيْرِ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ كُفْرٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ، أَوْ لِفَقْدِ الطُّهْرَيْنِ بَلْ لِتَرْكِهَا عَمْدًا، أَوْ لِنَوْمٍ، أَوْ لِسَهْوٍ، وَكَذَا لَوْ فَعَلَهَا بَاطِلَةً لِفَقْدِ رُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ (وَلَوْ شَكًّا) : فَأَوْلَى إنْ فَاتَتْهُ تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْفَوَائِت وَالْقَضَاء] قَوْلُهُ: [ثُمَّ شَرَعَ] إلَخْ: أَيْ بَعْدَمَا فَرَغَ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ سُنَنٍ وَمُسْتَحَبَّاتٍ وَمَكْرُوهَاتٍ وَمُبْطِلَاتٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى حُكْمِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ وَتَرْتِيبِهَا فِي نَفْسِهَا وَمَعَ غَيْرِهَا، وَبَيَانِ كَيْفِيَّةِ مَا يَفْعَلُ عِنْدَ الشَّكِّ فِي الْإِتْيَانِ أَوْ فِي عَيْنِهَا أَوْ فِي تَرْتِيبِهَا، وَانْجَرَّ بِهِ الْكَلَامُ إلَى بَيَانِ حُكْمِ تَرْتِيبِ الْحَاضِرَتَيْنِ فَذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ قَوْلُهُ: [اسْتِدْرَاكُ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ] : أَيْ إدْرَاكُهُ وَتَحْصِيلُهُ؛ لِيَسْقُطَ عَنْ ذِمَّتِهِ. قَوْلُهُ: [لِغَيْرِ جُنُونٍ] إلَخْ: وَمِثْلُ مَا ذَكَرَ السُّكْرُ بِحَلَالٍ فَهُوَ مِنْ الْمُسْقِطَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [أَوْ لِفَقْدِ الطُّهْرَيْنِ] : أَيْ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ الْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ: [بَلْ لِتَرْكِهَا عَمْدًا] إلَخْ: ابْنُ نَاجِي عَلَى الرِّسَالَةِ. قَالَ عِيَاضٌ: سَمِعْت عَنْ مَالِكٍ قَوْلَةً شَاذَّةً: لَا تُقْضَى فَائِتَةُ الْعَمْدِ وَلَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ سِوَى دَاوُد وَابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيِّ، وَخَرَّجَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ بِكُفْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ أَسْلَمَ، وَخَرَّجَهُ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ عَلَى يَمِينِ الْغَمُوسِ (اهـ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ) قَوْلُهُ: [وَلَوْ شَكًّا] : أَيْ فِي فَوَاتِهَا وَالْحَالُ أَنَّهُ مُسْتَنِدٌ لِقَرِينَةٍ مِنْ كَوْنِهِ وَجَدَ مَاءَ وُضُوئِهِ بَاقِيًا أَوْ وَجَدَ فِرَاشَ صَلَاتِهِ مَطْوِيًّا وَنَحْوَ ذَلِكَ، كَمَا إذَا شَكَّ فِي الْحَاضِرَةِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِيَقِينٍ مُطْلَقًا لِبَقَاءِ سَلْطَنَةِ وَقْتِهَا. وَمِنْ الْقَرِينَةِ أَنْ يَكُونَ شَأْنُهُ التَّهَاوُنَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ يَتَقَدَّمَ لَهُ مَرَضٌ أَوْ سَفَرٌ شَأْنُهُ التَّهَاوُنُ فِيهِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَلَهَا هُنَا شَبَهٌ بِالشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ؛ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إذَا شَكَّ هَلْ طَلَّقَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ وَهُوَ سَالِمُ الْخَاطِرِ لِرُؤْيَةِ شَخْصٍ دَاخِلٍ، شَكَّ هَلْ هُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَى دُخُولِهِ؟ وَأَمَّا إذَا جَزَمَ بِأَصْلِ الطَّلَاقِ وَشَكَّ فِي عَدَدِهِ عَامَلُوهُ بِالْأَحْوَطِ فِي حِلِّيَّتِهَا لَهُ بِالْأَزْوَاجِ، وَكَذَا هُنَا إذَا جَزَمَ بِأَصْلِ التَّرْكِ وَشَكَّ فِي عَيْنِ الْمَنْسِيَّةِ عَامَلُوهُ بِالْأَحْوَطِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْمَجْمُوعِ. وَأَمَّا مُجَرَّدُ الشَّكِّ مِنْ غَيْرِ عَلَامَةٍ فَلَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ وَأَوْلَى الْوَهْمُ. إنْ قُلْت: إنَّ مَنْ ظَنَّ تَمَامَ الصَّلَاةِ وَتَوَهَّمَ بَقَاءَ رَكْعَةٍ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِالْوَهْمِ وَالْإِتْيَانُ بِرَكْعَةٍ، فَأَيُّ فَرْقٍ؟ قُلْت: مَا هُنَا ذِمَّتُهُ غَيْرُ مَشْغُولَةٍ تَحْقِيقًا، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْمُورَدَةِ فَإِنَّ الذِّمَّةَ فِيهَا مَشْغُولَةٌ فَلَا تَبْرَأُ إلَّا بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهُ جَازِمٌ بِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ.

وَيَقْضِيهَا بِنَحْوِ مَا فَاتَتْهُ، سَفَرِيَّةً أَوْ حَضَرِيَّةً، جَهْرِيَّةً أَوْ سِرِّيَّةً (فَوْرًا) وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ تَأْخِيرُ الْقَضَاءِ (مُطْلَقًا) - سَفَرًا أَوْ حَضَرًا، صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا - وَقْتَ جَوَازٍ بَلْ (وَلَوْ وَقْتَ نَهْيٍ) كَطُلُوعِ شَمْسٍ وَغُرُوبِهَا وَخُطْبَةِ جُمُعَةٍ (فِي غَيْرِ مَشْكُوكَةٍ) رَاجِعٌ لِمَا بَعْدَ الْمُبَالَغَةِ. فَالْمَشْكُوكُ فِي فَوَاتِهَا يَقْضِيهَا بِغَيْرِ وَقْتِ النَّهْيِ. وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: " فَوْرًا مُطْلَقًا " قَوْلَهُ: (إلَّا وَقْتَ الضَّرُورَةِ) : أَيْ الْحَاجَةِ؛ كَوَقْتِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنَّوْمِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ وَقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَتَحْصِيلِ مَا يَحْتَاجُ لَهُ فِي مَعَاشِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِنَحْوِ مَا فَاتَتْهُ] : قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَفِي زَرُّوقٍ عَلَى الرِّسَالَةِ: يَقْنُتُ فِي الْفَائِتَةِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّسَالَةِ، قَالَ: وَيُطَوِّلُ. وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ لَا يُقِيمُ وَسَبَقَ خِلَافُهُ. نَعَمْ يَقْضِي الْعَاجِزُ بِمَا قَدَرَ وَالْقَادِرُ بِالْقِيَامِ وَلَوْ فَاتَتْهُ حَالَ عَجْزِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْعَوَارِضِ الْحَالِيَّةِ كَالتَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ تَتْبَعُ وَقْتَهَا (اهـ) . قَوْلُهُ: [فَوْرًا] : أَيْ عَادِيًّا بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ مُفَرِّطًا، لَا الْحَالَ الْحَقِيقِيَّ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْوَادِي قَالَ: «ارْتَحِلُوا فَإِنَّ هَذَا وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ، فَسَارَ بِهِمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ الصُّبْحَ» فَلَا يُقَالُ: إنَّ هَذَا الْمَعْنَى خَاصٌّ وَهُوَ أَنَّ الْوَادِيَ بِهِ شَيْطَانٌ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاقْتَصَرَ عَلَى مُجَرَّدِ مُجَاوَزَةِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى مَجْمُوعِهِ) . قَوْلُهُ: [فِي غَيْرِ مَشْكُوكَةٍ] : قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: الْمُرَادُ الشَّكُّ فِي أَصْلِ التَّرْتِيبِ، أَمَّا فِي الْعَيْنِ فَكَالْمُحَقَّقِ (اهـ) وَمَعْنَاهُ يَقْضِي وَلَوْ فِي وَقْتِ النَّهْيِ. قَوْلُهُ: [فَالْمَشْكُوكُ فِي فَوَاتِهَا] : أَيْ لَا فِي عَيْنِهَا فَتُقْضَى وَلَوْ فِي وَقْتِ النَّهْيِ كَمَا عَلِمْت (اهـ) .

[ترتيب القضاء]

(وَلَا يَجُوزُ لَهُ) : أَيْ لِمَنْ عَلَيْهِ فَوَائِتُ - (النَّفَلُ) مِنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِمَّا عَلَيْهِ (إلَّا السُّنَنَ) : كَوَتْرٍ وَعِيدٍ، (وَشَفْعًا) : قَبْلَ الْوَتْرِ، (وَفَجْرًا) : قَبْلَ أَدَاءِ الصُّبْحِ. (وَ) يَجِبُ (مَعَ ذِكْرٍ) : أَيْ تَذَكُّرٍ - وَلَوْ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ - (تَرْتِيبُ) صَلَاتَيْنِ (حَاضِرَتَيْنِ) : مُشْتَرَكَتَيْ الْوَقْتِ؛ وَهُمَا الظُّهْرَانِ وَالْعِشَاءَانِ وُجُوبًا (شَرْطًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا يَجُوزُ لَهُ] إلَخْ: قَالَ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ مَجْمُوعِهِ: لَكِنْ رَخَّصُوا فِي الْيَسِيرِ كَالرَّوَاتِبِ، وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الْفَجْرَ قَبْلَ الصُّبْحِ يَوْمَ الْوَادِي» (اهـ) . وَلَا يَنْتَظِرُ الْمَاءَ عَادِمُهُ بَلْ يَتَيَمَّمُ وَلَوْ أَقَرَّ أَجِيرٌ بِفَوَائِتَ لَمْ يُعْذَرْ حَتَّى يَفْرُغَ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْأُجْهُورِيِّ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُورِيُّ: النَّهْيُ عَنْ النَّفْلِ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ إذَا لَمْ يَتَنَفَّلْ قَضَى الْفَوَائِتَ، أَمَّا مَنْ إذَا نَهَيْنَاهُ عَنْ النَّفْلِ تَرَكَ بِالْمَرَّةِ فَالنَّفَلُ خَيْرٌ مِنْ التَّرْكِ. وَتَوَقَّفَ فِيهِ تِلْمِيذُهُ زَرُّوقٌ أَيْ: لِأَنَّ الْفَتْوَى لَا تَتْبَعُ كَسَلَهُ بَلْ يُشَدَّدُ عَلَيْهِ. وَوَقَعَ التَّنْظِيرُ فِي كُفْرِ مَنْ أَنْكَرَ وُجُوبَ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْ كَلَامِ شَيْخِنَا فِي حَاشِيَةِ مَجْمُوعِهِ عَدَمُ كُفْرِهِ، وَوَقَعَ التَّنْظِيرُ أَيْضًا فِي كِفَايَةِ قَضَاءِ يَوْمَيْنِ مَعَ يَوْمٍ، قَالُوا: وَلَا يَكْفِي يَوْمٌ مَعَ يَوْمٍ وَذَلِكَ كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْخُلُوصِ مِنْ إثْمِ التَّأْخِيرِ، وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ حَاصِلَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ. قَوْلُهُ: [وَفَجْرًا] : وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِثْلَهُ الرَّوَاتِبُ. [تَرْتِيب الْقَضَاء] [الْإِكْرَاه عَلَى تَرْكِ التَّرْتِيبِ فِي قَضَاء الصَّلَاة] قَوْلُهُ: [وَيَجِبُ مَعَ ذِكْرٍ] : أَيْ وَوَجَبَ مَعَ ذِكْرٍ فِي الِابْتِدَاءِ بَلْ وَلَوْ فِي الْأَثْنَاءِ، فَإِذَا أَحْرَمَ بِثَانِيَةِ الْحَاضِرَتَيْنِ مَعَ تَذَكُّرِهِ لِلْأُولَى بَطَلَتْ تِلْكَ الثَّانِيَةُ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا. وَكَذَا إنْ أَحْرَمَ بِالثَّانِيَةِ غَيْرَ مُتَذَكِّرٍ لِلْأُولَى ثُمَّ تَذَكَّرَهَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الثَّانِيَةَ تَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ تَذَكُّرِ الْأُولَى، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحَاضِرَتَيْنِ وَاجِبٌ " شَرْطٌ " فِي الِابْتِدَاءِ وَفِي الْأَثْنَاءِ تَبِعَ فِيهِ (عب) وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ كَالنَّاصِرِ اللَّقَانِيِّ وَالطِّخِّيخِيِّ وَالتَّتَّائِيِّ. وَتَعَقَّبَ (بْن) : بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ شَرْطًا فِي الِابْتِدَاءِ لَا فِي الْأَثْنَاءِ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ الْمَوَّاقِ. فَإِذَا أَحْرَمَ بِالثَّانِيَةِ نَاسِيًا لِلْأُولَى ثُمَّ تَذَكَّرَهَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ الثَّانِيَةُ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يَأْثَمُ إذَا أَتَمَّهَا وَيُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا بَعْدَ فِعْلِ الْأُولَى.

يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ. وَلَا يَكُونَانِ حَاضِرَتَيْنِ إلَّا إذَا وَسِعَهُمَا الْوَقْتُ الضَّرُورِيُّ، فَإِنْ ضَاقَ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ إلَّا الْأَخِيرَةَ اخْتَصَّتْ بِهِ. فَيَدْخُلُ فِي قِسْمِ الْحَاضِرَةِ مَعَ يَسِيرِ الْفَوَائِتِ. فَمَنْ صَلَّى الْعَصْرَ فِي وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ أَوْ الضَّرُورِيِّ وَهُوَ مُتَذَكِّرٌ أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ، أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ التَّذَكُّرُ فِي أَثْنَاءِ الْعَصْرِ، فَالْعَصْرُ بَاطِلَةٌ. وَكَذَا الْعِشَاءُ مَعَ الْمَغْرِبِ لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْحَاضِرَةِ وَاجِبٌ شَرْطًا. فَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ سَلَامِهِ مِنْ الثَّانِيَةِ صَحَّتْ وَأَعَادَهَا بِوَقْتٍ بَعْدَ الْأُولَى. فَقَوْلُ الرِّسَالَةِ: وَمَنْ ذَكَرَ صَلَاةً فِي صَلَاةٍ فَسَدَتْ عَلَيْهِ الَّتِي هُوَ فِيهَا، مَعْنَاهُ: إنْ كَانَتَا حَاضِرَتَيْنِ لَا مُطْلَقًا. (وَ) يَجِبُ تَرْتِيبُ (الْفَوَائِتِ فِي أَنْفُسِهَا) قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ تَرْتِيبًا غَيْرَ شَرْطٍ فَيُقَدَّمُ الظُّهْرُ عَلَى الْعَصْرِ وَهِيَ عَلَى الْمَغْرِبِ وَهَكَذَا وُجُوبًا، فَإِنْ نَكَّسَ صَحَّتْ وَأَثِمَ إنْ تَعَمَّدَ وَلَا يُعِيدُ الْمُنَكَّسَ. (وَ) يَجِبُ تَرْتِيبُ (يَسِيرِهَا) : أَيْ الْفَوَائِتِ (مَعَ حَاضِرَةٍ) فَيَجِبُ تَقْدِيمُ يَسِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ التَّذَكُّرُ] : أَيْ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ شَارِحُنَا تَبَعًا لِ (عب) وَالْجَمَاعَةِ لَا عَلَى مَا قَالَهُ (بْن) . قَوْلُهُ: [وَأَعَادَهَا بِوَقْتٍ] : فَإِنْ تَرَكَ إعَادَتَهَا نِسْيَانًا أَوْ عَجْزًا أَوْ عَمْدًا حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ لَمْ يُعِدْهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيُعِيدُهَا عِنْدَ غَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: مِثْلُ مَنْ قَدَّمَ الثَّانِيَةَ نِسْيَانًا وَتَذَكَّرَ الْأُولَى بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا، فِي كَوْنِهِ يُنْدَبُ لَهُ إعَادَةُ الثَّانِيَةِ بَعْدَ فِعْلِ الْأُولَى، مَنْ أُكْرِهَ عَلَى تَرْكِ التَّرْتِيبِ. فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَزِيدَ: (وَقُدْرَةٍ) ، بَعْدَ قَوْلِهِ: " وَمَعَ ذِكْرٍ " وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى الْإِكْرَاهُ عَلَى تَرْكِ تَرْتِيبِ الْحَاضِرَتَيْنِ فِي الْعِشَاءَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ وَالْعَصْرِ، لَا فِي الظُّهْرَيْنِ لِإِمْكَانِ نِيَّةِ الْأُولَى بِالْقَلْبِ وَإِنْ اخْتَلَفَ لَفْظُهُ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [تَرْتِيبُ الْفَوَائِتِ فِي أَنْفُسِهَا] : مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ تَرْتِيبَ الْفَوَائِتِ فِي أَنْفُسِهَا وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: إنَّهُ وَاجِبٌ شَرْطًا. قَوْلُهُ: [وَلَا يُعِيدُ الْمُنَكِّسُ] : أَيْ لِأَنَّهُ بِالْفَرَاغِ مِنْهُ خَرَجَ وَقْتُهُ وَالْإِعَادَةُ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ الْغَيْرِ الشَّرْطِ إنَّمَا هِيَ فِي الْوَقْتِ. قَوْلُهُ: [يَسِيرِهَا] إلَخْ: أَيْ وُجُوبًا غَيْرَ شَرْطٍ أَيْضًا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ إنَّهُ مَنْدُوبٌ.

الْفَوَائِتِ عَلَى الْحَاضِرَةِ؛ كَمَنْ عَلَيْهِ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ مَعَ الصُّبْحِ، فَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الصُّبْحِ الْحَاضِرَةِ (وَإِنْ خَرَجَ وَقْتُهَا) : أَيْ الْحَاضِرَةِ بِتَقْدِيمِهِ يَسِيرَ الْفَوَائِتِ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا. (وَهِيَ) : أَيْ يَسِيرُ الْفَوَائِتِ (خَمْسٌ) فَأَقَلُّ، وَقِيلَ أَرْبَعٌ فَأَقَلُّ. فَالْأَرْبَعُ يَسِيرٌ اتِّفَاقًا وَالسِّتَّةُ كَثِيرٌ اتِّفَاقًا وَالْخِلَافُ فِي الْخَمْسِ؛ فَإِنْ قَدَّمَ الْحَاضِرَ عَلَى يَسِيرِ الْفَوَائِتِ صَحَّتْ وَأَثِمَ إنْ تَعَمَّدَ (وَأَعَادَ الْحَاضِرَةَ) نَدْبًا (إنْ خَالَفَ) وَقَدَّمَ الْحَاضِرَةَ عَلَى الْيَسِيرِ وَلَوْ عَمْدًا (بِوَقْتٍ ضَرُورِيٍّ) : أَيْ بِوَقْتِهَا وَلَوْ الضَّرُورِيَّ، وَهُوَ فِي الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ (لَا مَأْمُومُهُ) الَّذِي صَلَّى خَلْفَهُ الْحَاضِرَةَ فَلَا يُعِيدُهَا. وَقِيلَ: يُعِيدُهَا كَإِمَامِهِ لِتَعَدِّي خَلَلِ صَلَاةِ إمَامِهِ لِصَلَاتِهِ. وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ. (وَإِنْ ذَكَرَ) الْمُصَلِّي (الْيَسِيرَ) مِنْ الْفَوَائِتِ وَهُوَ (فِي فَرْضٍ) وَلَوْ صُبْحًا أَوْ جُمُعَةً - فَذًّا أَوْ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا - (قَطَعَ فَذٌّ) صَلَاتَهُ (وَ) قَطَعَ (إمَامٌ) وُجُوبًا فِيهِمَا (وَ) قَطَعَ (مَأْمُومُهُ) تَبَعًا لَهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ إتْمَامٌ بِنَفْسِهِ وَلَا بِاسْتِخْلَافٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْخِلَافُ فِي الْخَمْسِ] : أَيْ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا مِنْ الْيَسِيرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْيَسِيرِ أَصْلًا كَمَا لَوْ تَرَكَ ذَلِكَ الْقَدْرَ ابْتِدَاءً أَوْ بَقَاءً كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَقَضَى بَعْضَهُ حَتَّى بَقِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ فِي الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ] : قَالَ مُحَشِّي الْأَصْلِ تَبَعًا لِلْحَاشِيَةِ لِلْغُرُوبِ، فَانْظُرْ فِي ذَلِكَ. أَيْ وَيُعِيدُ الْعِشَاءَيْنِ لِلْفَجْرِ وَلَوْ مَغْرِبًا صُلِّيَتْ فِي جَمَاعَةٍ وَعِشَاءً بَعْدَ وَتْرٍ، وَالصُّبْحَ لِلطُّلُوعِ وَلَهُ حِينَ إرَادَةِ إعَادَةِ الْحَاضِرَةِ أَنْ يُعِيدَهَا فِي جَمَاعَةٍ سَوَاءٌ صَلَّى أَوْ لَا، فَذًّا أَوْ جَمَاعَةً؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ لَيْسَتْ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ بَلْ لِلتَّرْتِيبِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُعِيدُهَا] : أَيْ لِوُقُوعِ صَلَاةِ الْإِمَامِ تَامَّةً فِي نَفْسِهَا لِاسْتِيفَاءِ شُرُوطِهَا، وَإِنَّمَا أَعَادَ الْإِمَامُ لِعُرُوضِ تَقْدِيمِ الْحَاضِرَةِ عَلَى يَسِيرِ الْفَوَائِتِ. قَوْلُهُ: [وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ] : أَيْ لِأَنَّهُ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ، وَرَجَّحَهُ اللَّخْمِيُّ وَأَبُو عِمْرَانَ وَابْنُ يُونُسَ. قَوْلُهُ: [وُجُوبًا فِيهِمَا] : أَيْ وَقِيلَ نَدْبًا وَالْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْحَاضِرَةِ وَيَسِيرِ الْفَوَائِتِ. وَالثَّانِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ وَإِنَّمَا أُبْطِلَ

وَيَقْطَعُ مَنْ ذَكَرَ بِسَلَامٍ لِأَنَّهَا مُنْعَقِدَةٌ، مَتَى تَذَكَّرَ سَوَاءٌ كَانَ تَذَكُّرُهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ إذَا لَمْ يُتِمَّ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا. (وَشَفَعَ نَدْبًا إنْ رَكَعَ) : أَيْ يُنْدَبُ لَهُ إذَا تَمَّمَ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا أَنْ يُضِيفَ لَهَا أُخْرَى بِنِيَّةِ النَّفْلِ، وَيَخْرُجُ عَنْ شَفْعٍ (وَلَوْ) كَانَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي هُوَ فِيهَا (صُبْحًا) . وَلَا يُقَالُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّنَفُّلُ قَبْلَ الصُّبْحِ، لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا أَمْرٌ جَرَّ إلَيْهِ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ لَا مَدْخُولَ عَلَيْهِ (وَجُمُعَةً) : وَلَا يَكُونُ الْقَطْعُ فِيهَا إلَّا مِنْ إمَامٍ فَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ تَمَامِ رَكْعَتَيْنِ وَقَبْلَ تَمَامِ الثَّالِثَةِ بِسَجْدَتَيْهَا رَجَعَ لِلتَّشَهُّدِ، وَخَرَجَ عَنْ شَفْعٍ فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ (وَكَمَّلَ الْمَغْرِبَ) بِنِيَّةِ الْفَرِيضَةِ وُجُوبًا (وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ) تَمَامِ (رَكْعَتَيْنِ) مِنْهَا، لِأَنَّ مَا قَارَبَ الشَّيْءَ يُعْطَى حُكْمَهُ (كَغَيْرِهَا) أَيْ كَمَا يُكَمِّلُ غَيْرَ الْمَغْرِبِ وُجُوبًا إنْ ذَكَرَ الْيَسِيرَ (بَعْدَ) تَمَامِ (ثَلَاثٍ) مِنْ الرَّكَعَاتِ. وَالْمُرَادُ بِغَيْرِهَا: الرُّبَاعِيَّةُ: فَلَا يَشْمَلُ الصُّبْحَ وَالْجُمُعَةَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَعُلِمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَمَلُ لِتَحْصِيلِ مَنْدُوبٍ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ. قَوْلُهُ: [وَشَفَعَ نَدْبًا إنْ رَكَعَ] : هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقِيلَ يَخْرُجُ عَنْ شَفْعٍ مُطْلَقًا عَقْدُ رَكْعَةٍ أَمْ لَا، وَقِيلَ يَقْطَعُ مُطْلَقًا. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ تَجْرِي فِيمَا إذَا تَذَكَّرَ الْفَذُّ أَوْ الْإِمَامُ حَاضِرَةً فِي حَاضِرَةٍ، كَمَا لَوْ تَذَكَّرَ الظُّهْرَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ. وَالْمُعْتَمَدُ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْقَطْعُ وَإِنْ لَمْ يَرْكَعْ وَالشَّفْعُ إنْ رَكَعَ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي هُوَ فِيهَا صُبْحًا] : هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّهُ يُتِمُّ الصُّبْحَ إذَا تَذَكَّرَ يَسِيرَ الْمَنْسِيَّاتِ بَعْدَ أَنْ عَقَدَ مِنْهَا رَكْعَةً، وَلَا يَشْفَعُهَا نَافِلَةً لِإِشْرَافِهَا عَلَى التَّمَامِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَغْرِبَ كَغَيْرِهَا، قَالَ مُؤَلِّفُهُ فِي تَقْرِيرِهِ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقِيلَ: يَقْطَعُ وَلَوْ عَقَدَ رَكْعَةً. وَقِيلَ: إنْ عَقَدَ رَكْعَةً كَمَّلَهَا مَغْرِبًا، وَفِي الْحَاشِيَةِ ضَعَّفَ الْأَوَّلَ. قَوْلُهُ: [التَّنَفُّلُ قَبْلَ الصُّبْحِ] : أَيْ وَالتَّنَفُّلُ قَبْلَ الصُّبْحِ بِغَيْرِ الْوَرْدِ بِشُرُوطِهِ، وَالشَّفْعُ وَالْوَتْرُ وَالْفَجْرُ مَكْرُوهٌ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّا نَقُولُ] إلَخْ: أَيْ وَمِثْلُ هَذَا يُقَالُ فِي الْمَغْرِبِ.

أَنَّهُ إنْ ذَكَرَ الْيَسِيرَ بَعْدَ رَكْعَةٍ خَرَجَ عَنْ شَفْعٍ مُطْلَقًا، وَبَعْدَ رَكْعَتَيْنِ كَمَّلَ الْمَغْرِبَ وَأُولَى الصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ، وَخَرَجَ عَنْ شَفْعٍ فِي الرُّبَاعِيَّةِ، وَبَعْدَ ثَلَاثٍ كَمَّلَ الرُّبَاعِيَّةَ، وَأُولَى الْمَغْرِبِ. (وَ) إذَا كَمَّلَ (أَعَادَ) نَدْبًا مَا أُمِرَ بِتَكْمِيلِهِ بِوَقْتٍ ضَرُورِيٍّ بَعْدَ إتْيَانِهِ بِيَسِيرِ الْفَوَائِتِ (كَمَأْمُومٍ) تَذَكَّرَ الْيَسِيرَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يُكْمِلُ صَلَاتَهُ الْحَاضِرَةَ مَعَ الْإِمَامِ وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَسَاجِينِ الْإِمَامِ، ثُمَّ يُعِيدُ نَدْبًا بِوَقْتٍ ضَرُورِيٍّ بَعْدَ إتْيَانِهِ بِالْيَسِيرِ (مُطْلَقًا) عَقَدَ رَكْعَةً مَعَ إمَامِهِ أَوْ لَا. ثُمَّ ذَكَرَ مَفْهُومَ قَوْلِهِ [فِي فَرْضٍ] بِقَوْلِهِ: (وَ) إنْ ذَكَرَ الْيَسِيرَ (فِي) صَلَاةِ (نَفْلٍ أَتَمَّهُ) : أَيْ النَّفَلَ وُجُوبًا؛ لِوُجُوبِهِ بِالشُّرُوعِ فِيهِ وَلَا يُعَوِّضُ (إلَّا إذَا خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ) : لِحَاضِرَةٍ عَلَيْهِ أَيْضًا (وَلَمْ يَعْقِدْ رُكُوعًا) مِنْ النَّفْلِ أَيْ لَمْ يَأْتِ بِرَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْهَا. فَإِذَا خَافَ خُرُوجَهُ وَلَمْ يَعْقِدْ رَكْعَةً قَطَعَ وَصَلَّى الْفَرْضَ. فَإِنْ عَقَدَهَا كَمَّلَهُ وَلَوْ خَرَجَ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا تَبْرَأُ بِهِ الذِّمَّةُ عِنْدَ جَهْلِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِتِ فَقَالَ: (وَإِنْ جَهِلَ عَيْنَ مَنْسِيَّةٍ) أَيْ فَائِتَةٍ. وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْمَتْرُوكَةَ عَمْدًا مَعَ عِلْمِهِ أَوْ ظَنِّهِ أَوْ شَكِّهِ أَنَّ عَلَيْهِ صَلَاةً وَاحِدَةً مِنْ الْخَمْسِ، (مُطْلَقًا) : ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [خَرَجَ عَنْ شَفْعٍ مُطْلَقًا] : أَيْ ثُلَاثِيَّةً أَوْ رُبَاعِيَّةً أَوْ ثُنَائِيَّةً فَيَشْمَلُ الْمَغْرِبَ وَالصُّبْحَ وَالْجُمُعَةَ، وَقَدْ عَلِمْت الْخِلَافَ فِي الْمَغْرِبِ وَالصُّبْحِ. قَوْلُهُ: [وَأُولَى الصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ] : أَيْ وَمَعْنَى تَكْمِيلِهَا أَنَّهُ لَا يَصْرِفُهَا لِنَفْلٍ. قَوْلُهُ: [وَأُولَى الْمَغْرِبِ] : أَيْ فَلَا يُكَمِّلُهَا أَرْبَعًا وَيَجْعَلُهَا نَفْلًا بَلْ يُبْقِيهَا مَغْرِبًا. قَوْلُهُ: [بِوَقْتٍ ضَرُورِيٍّ] : أَيْ وَلَوْ مَغْرِبًا وَعِشَاءً بَعْدَ وَتْرٍ. قَوْلُهُ: [كَمَأْمُومٍ] : أَيْ فَيَتَمَادَى عَلَى صَلَاةٍ صَحِيحَةٍ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَعْقِدْ رَكْعَةً] : الْحَاصِلُ أَنَّهُ يُتِمُّ النَّفَلَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَهِيَ مَا إذَا خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ وَلَمْ يَعْقِدْ رَكْعَةً.

[جهل ما عليه من الفوائت]

أَيْ لَمْ يَدْرِ أَهِيَ لَيْلِيَّةٌ أَوْ نَهَارِيَّةٌ (صَلَّى خَمْسًا) يَبْدَأُ بِالظُّهْرِ وَيَخْتِمُ بِالصُّبْحِ كَمَا يَأْتِي. (وَ) إنْ جَهِلَ عَيْنَ (نَهَارِيَّةٍ) فَائِتَةٍ فَلَمْ يَدْرِ أَهِيَ الصُّبْحُ أَوْ الظُّهْرُ أَوْ الْعَصْرُ صَلَّى (ثَلَاثًا) هِيَ الْمُتَقَدِّمَةُ. (وَ) إنْ جَهِلَ عَيْنَ (لَيْلِيَّةٍ) تَرَكَهَا فَلَمْ يَدْرِ أَهِيَ الْمَغْرِبُ أَمْ الْعِشَاءُ صَلَّى (اثْنَتَيْنِ) هُمَا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ، وَفِيهِ الْعَطْفُ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَفِي جَوَازِهِ خِلَافٌ. (وَفِي) جَهْلِ (صَلَاةٍ وَثَانِيَتِهَا) : كَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ عَلَيْهِ صَلَاتَيْنِ الثَّانِيَةُ مِنْهَا تَلِي الْأُولَى، وَلَمْ يَدْرِ أَهِيَ الظُّهْرُ مَعَ الْعَصْرِ أَوْ الْعَصْرُ مَعَ الْمَغْرِبِ، أَوْ الْمَغْرِبُ مَعَ الْعِشَاءِ أَوْ الْعِشَاءُ مَعَ الصُّبْحِ صَلَّى خَمْسًا فَإِذَا بَدَأَ بِالظُّهْرِ خَتَمَ بِالصُّبْحِ. (أَوْ) جَهْلِ صَلَاةٍ (وَثَالِثَتِهَا) : كَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ عَلَيْهِ صَلَاتَيْنِ الثَّانِيَةُ مِنْهُمَا ثَالِثَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْأُولَى صَلَّى خَمْسًا. (أَوْ) صَلَاةٍ (وَرَابِعَتِهَا أَوْ) صَلَاةٍ (وَخَامِسَتِهَا) صَلَّى فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ (خَمْسًا) فَقَطْ - لَا سِتًّا كَمَا قَالَ الشَّيْخُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [جَهْل مَا عَلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِت] قَوْلُهُ: [صَلَّى خَمْسًا] : أَيْ وَيَجْزِمُ النِّيَّةَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ بِالْفَرْضِيَّةِ لِتَوَقُّفِ الْبَرَاءَةِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ مِنْ الْخَمْسِ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمَتْرُوكَةُ، فَصَارَ عَدَدُ حَالَاتِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ خَمْسَةً فَوَجَبَ اسْتِيفَاؤُهَا. قَوْلُهُ: [صَلَّى ثَلَاثًا] : أَيْ لِيُحِيطَ بِحَالَاتِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ. وَقَوْلُهُ: هِيَ الْمُتَقَدِّمَةُ أَيْ فِي الذِّكْرِ وَهِيَ الصُّبْحُ وَالظُّهْرُ وَالْعَصْرُ دَفَعَ بِهِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ عُمُومِ اللَّفْظِ الِاجْتِزَاءُ بِأَيِّ ثَلَاثٍ. قَوْلُهُ: [صَلَّى اثْنَتَيْنِ] إلَخْ: أَيْ لِيَسْتَوْفِيَ مَا وَقَعَ فِيهِ الشَّكُّ وَيُنْدَبُ نِيَّةُ يَوْمِ الصَّلَاةِ الْمَنْسِيَّةِ الَّذِي فِي عِلْمِ اللَّهِ حَيْثُ جَهِلَهُ. قَوْلُهُ [وَفِيهِ الْعَطْفُ] إلَخْ: بَيَانُهُ أَنَّ [لَيْلِيَّةٍ] مَعْطُوفٌ عَلَى " مَنْسِيَّةٍ " وَاثْنَتَيْنِ مَعْطُوفٌ عَلَى " خَمْسَةً " وَعَامِلُ " مَنْسِيَّةٍ " الْمُضَافُ وَهُوَ " عَيْنَ "، وَعَامِلُ " خَمْسًا " الْفِعْلُ الْمَاضِي وَهُوَ " صَلَّى "، وَالْعَامِلَانِ مُخْتَلِفَانِ لِكَوْنِ الْأَوَّلِ اسْمًا مُضَافًا وَالثَّانِي فِعْلًا، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ " وَنَهَارِيَّةٌ ثَلَاثًا ". [تَنْبِيه مِنْ نَسِيَ أَكْثَر مِنْ خَمْس صَلَوَات] قَوْلُهُ: [لَا سِتًّا كَمَا قَالَ الشَّيْخُ] إلَخْ: الْحَاصِلُ أَنَّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّ تَرْتِيبَ الْفَوَائِتِ فِي أَنْفُسِهَا وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ. وَقَوْلُ خَلِيلٍ فِي هَذِهِ

تَرْتِيبَ الْفَوَائِتِ فِي أَنْفُسِهَا وَاجِبٌ شَرْطًا، وَهُوَ غَيْرُ مَا مَشَى عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَعَلَيْهِ فَلَا يُصَلِّي إلَّا خَمْسًا. لَكِنْ فِي عَمَلِهِ (يُثَنِّي بِبَاقِي الْمَنْسِيِّ) أَيْ بَاقِيهِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا فَرَغَ مِنْهُ. فَإِنَّ الْمَنْسِيَّ فِي كُلِّ صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ صَلَاتَانِ؛ فَإِذَا صَلَّى الظُّهْرَ مَثَلًا ابْتِدَاءً قِيلَ لَهُ: لَوْ فُرِضَ أَنَّ الْأُولَى فِي الْوَاقِعِ هِيَ الظُّهْرُ الَّتِي صَلَّيْتهَا، فَبَاقِي الْمَنْسِيِّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى هِيَ الْعَصْرُ فَثَنِّ بِهَا. وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ هِيَ الْمَغْرِبُ فَثَنِّ بِهَا، وَفِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ هِيَ الْعِشَاءُ فَثَنِّ بِهَا، وَفِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ هِيَ الصُّبْحُ فَثَنِّ بِهَا. فَإِذَا ثَنَّى بِمَا أُمِرَ بِهِ قِيلَ لَهُ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْأُولَى فِي الْوَاقِعِ هِيَ مَا ثَنَّيْت بِهَا، وَأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ الْمَنْسِيِّ ثَانِيَتُهَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَثَالِثَتُهَا فِي الثَّانِيَةِ، وَرَابِعَتُهَا فِي الثَّالِثَةِ، وَخَامِسَتُهَا فِي الرَّابِعَةِ، فَثَنِّ بِهَا. فَإِذَا ثَنَّى بِهَا قِيلَ لَهُ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْأُولَى فِي الْوَاقِعِ هِيَ هَذِهِ الَّتِي ثَنَّيْت بِهَا وَهَكَذَا إلَى آخِرِهَا. فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الشَّيْخِ يُثَنِّي بِالْمَنْسِيِّ. عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ؛ أَيْ بِبَاقِي الْمَنْسِيِّ حَتَّى يَصِحَّ كَلَامُهُ. (وَ) صَلَّى (الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ) بِأَنْ يُصَلِّيَهَا مُتَوَالِيَةً ثُمَّ يُعِيدَهَا كَذَلِكَ (فِي) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَسْأَلَةِ وَمَا بَعْدَهَا صَلَّى سِتًّا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ شَرْطًا يَبْدَأُ بِالظُّهْرِ، وَيَخْتِمُ بِهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. وَقَالَ الْأَشْيَاخُ: إنَّهُ مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ، فَلِذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ تَبِعَ خَلِيلًا. وَشَيْخُنَا الْمُؤَلِّفُ الْتَفَتَ لِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى ضَعِيفٍ، فَلَمْ يُعَوَّلْ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [يُثَنِّي بِبَاقِي الْمَنْسِيِّ] إلَخْ: صُورَةُ صَلَاتِهَا فِي الْأَوَّلِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يُصَلِّي الْخَمْسَ عَلَى التَّرْتِيبِ. وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ: يَبْدَأُ بِالظُّهْرِ ثُمَّ الْمَغْرِبِ ثُمَّ الصُّبْحِ ثُمَّ الْعَصْرِ ثُمَّ الْعِشَاءِ. وَفِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ: يَبْدَأُ بِالظُّهْرِ ثُمَّ الْعِشَاءِ ثُمَّ الْعَصْرِ ثُمَّ الصُّبْحِ ثُمَّ الْمَغْرِبِ. وَفِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ: يَبْدَأُ بِالظُّهْرِ ثُمَّ الصُّبْحِ ثُمَّ الْعِشَاءِ ثُمَّ الْمَغْرِبِ ثُمَّ الْعَصْرِ وَهَذَا كُلُّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الشَّارِحِ فِي الْحِلِّ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ يُصَلِّيَهَا مُتَوَالِيَةً] إلَخْ: أَيْ أَوْ صَلَاةً ثُمَّ صَلَاةً بِأَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ مِنْ يَوْمٍ ثُمَّ يُعِيدَهَا لِيَوْمٍ آخَرَ، وَالْعَصْرَ مِنْ يَوْمٍ ثُمَّ يُعِيدَهَا لِلْيَوْمِ الْآخَرِ وَهَكَذَا.

نِسْيَانِ صَلَاةٍ وَ (سَادِسَتِهَا) وَهِيَ سَمِيَّتُهَا مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي (أَوْ) فِي صَلَاةٍ وَ (حَادِيَةَ عَشْرَتَهَا) وَهِيَ سَمِيَّتُهَا مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَكَذَا سَادِسَةَ عَشْرَتَهَا وَحَادِيَةَ عَشَرَيْهَا؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَهِيَ سَمِيَّتُهَا مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي] : أَيْ فَسَادِسَةُ الظُّهْرِ ظُهْرٌ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي وَسَادِسَةُ الْعَصْرِ عَصْرٌ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي وَهَكَذَا. قَوْلُهُ: [وَهِيَ سَمِيَّتُهَا مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ] : أَيْ فَحَادِيَةَ عَشْرَةَ الظُّهْرِ ظُهْرٌ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَحَادِيَةَ عَشْرَةَ الْعَصْرِ عَصْرٌ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا سَادِسَةَ عَشْرَتَهَا] : أَيْ فَإِنَّهَا سَمِيَّتُهَا مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ. وَقَوْلُهُ وَحَادِيَةَ عَشْرَيْهَا هِيَ سَمِيَّتُهَا مِنْ الْيَوْمِ الْخَامِسِ. وَيُقَالُ فِي سَادِسَةَ عَشْرَيْهَا الَّتِي هِيَ سَمِيَّتُهَا مِنْ الْيَوْمِ السَّادِسِ وَحَادِيَةَ ثَلَاثِيهَا سَمِيَّتُهَا مِنْ الْيَوْمِ السَّابِعِ، وَسَادِسَةَ ثَلَاثِيهَا سَمِيَّتُهَا مِنْ الْيَوْمِ الثَّامِنِ، وَحَادِيَةَ أَرْبَعَيْهَا سَمِيَّتُهَا مِنْ الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْجَمِيعِ وَاحِدٌ؛ يُصَلِّي الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ خَمْسًا، ثُمَّ خَمْسًا أَوْ صَلَاةً ثُمَّ صَلَاةً. وَهَذَا الْحُكْمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ مُمَاثِلِ ثَانِيَةِ الصَّلَاةِ الْمَتْرُوكَةِ، كَصَلَاةٍ وَسَابِعَتِهَا. أَوْ مُمَاثِلِ ثَالِثَتِهَا كَصَلَاةٍ وَثَامِنِهَا، أَوْ مُمَاثِلِ رَابِعَتِهَا كَصَلَاةٍ وَتَاسِعَتِهَا، أَوْ مُمَاثِلِ خَامِسَتِهَا كَصَلَاةٍ وَعَاشِرَتِهَا. سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الْمُمَاثَلَةُ مِنْ دَوْرٍ أَوَّلٍ أَوْ ثَانٍ أَوْ ثَالِثٍ وَهَكَذَا. وَالْحُكْمُ أَنَّهُ يَبْرَأُ بِخَمْسٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَنْ نَسِيَ صَلَاةً وَثَالِثَتَهَا إلَى خَامِسَتِهَا، وَبِسِتٍّ عَلَى مَا قَالَهُ خَلِيلٌ. وَبَرَاءَتُهُ بِالْخَمْسِ أَوْ السِّتِّ هُوَ الصَّوَابُ وِفَاقًا لِلْحَطَّابِ وَالرَّمَاصِيِّ وَغَيْرِهَا. خِلَافًا لِلْبِسَاطِيِّ وَالتَّتَّائِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا كَالْخَرَشِيِّ فِي صَلَاةِ الْخَمْسِ مَرَّتَيْنِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالضَّابِطُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: أَنْ تُقَسِّمَ عَدَدَ الْمَعْطُوفَةِ عَلَى خَمْسَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَهِيَ خَامِسَةُ الْأُولَى فِي أَدْوَارٍ بِقَدْرِ آحَادِ الْخَارِجِ. فَالصَّلَاةُ مُكَمَّلَةٌ وَثَلَاثِينَ - بِالنِّسْبَةِ لَهَا - خَامِسَةٌ مِنْ دَوْرٍ سَادِسٍ. وَإِنْ فَضَلَ وَاحِدٌ فَهِيَ مُمَاثِلَةٌ الْأُولَى كَذَلِكَ. وَمَا بَيْنَهُمَا مُمَاثِلَةٌ سَمِيَّةَ الْفَاضِلِ كَذَلِكَ؛ فَالثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِثْلُ الثَّانِيَةِ بَعْدَ دَوْرَيْنِ. وَالثَّالِثَةَ عَشْرَةَ مِثْلُ مُمَاثِلَةِ الثَّالِثَةِ، وَالرَّابِعَةَ عَشْرَةَ مُمَاثِلَةٌ رَابِعَتَهَا وَالْخَامِسَةَ عَشْرَةَ خَامِسَةٌ فَتَدَبَّرْ (اهـ.) وَحَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مُقْتَضَى الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ: أَنَّ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً وَثَانِيَتَهَا أَوْ وَثَالِثَتَهَا إلَى خَامِسَتَهَا يَبْرَأُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَرْتِيبَ الْفَوَائِتِ وَاجِبٌ

لِأَنَّ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ لَا يَدْرِي عَيْنَهَا صَلَّى خَمْسًا، وَهَذَا قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ صَلَاتَانِ مِنْ يَوْمَيْنِ فِي كُلِّ يَوْمٍ صَلَاةٌ لَا يَدْرِي عَيْنَهَا. (وَ) صَلَّى (خَمْسًا) مُرَتَّبَةً (فِي) تَرْكِ (ثَلَاثٍ) مِنْ الصَّلَوَاتِ (أَوْ) تَرْكِ (أَرْبَعٍ أَوْ) تَرْكِ (خَمْسٍ) مِنْ الصَّلَوَاتِ (مُرَتَّبَةً) قَيَّدَ فِي كُلٍّ مِنْ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ (مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَعْلَمُ الْأُولَى) مِنْهَا، وَلَا سَبْقَ اللَّيْلِ النَّهَارَ، فَإِنْ عَلِمَ سَبْقَ اللَّيْلِ صَلَّى أَرْبَعًا أَوَّلُهَا الْمَغْرِبُ فِي الْأُولَى، وَخَمْسًا فِي غَيْرِهَا. وَكَذَا إنْ عَلِمَ سَبْقَ النَّهَارِ أَوَّلُهَا الظُّهْرُ وَهَذَا مِنْ تَتِمَّةِ صَلَاةٍ وَثَانِيَتِهَا. وَمَا مَرَرْنَا عَلَيْهِ فِي الْمَحَلَّيْنِ - مِنْ أَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ خَمْسٌ فَقَطْ - هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَشْيَاخِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَرْتِيبَ الْفَوَائِتِ فِي أَنْفُسِهَا وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ، وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَهُوَ إنَّمَا يَجِبُ ابْتِدَاءً قَبْلَ الْفِعْلِ وَبِفِعْلِهَا خَرَجَ وَقْتُهَا وَبَرِئَ مِنْهَا فَلَا تُعَادُ لِلتَّرْتِيبِ. (وَنُدِبَ) فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ (تَقْدِيمُ) صَلَاةِ (الظُّهْرِ) لِأَنَّهَا أَوَّلُ فَرِيضَةٍ ظَهَرَتْ فِي الْإِسْلَامِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ أَوَّلَ مَا تَرَكَهُ غَيْرُ الظُّهْرِ وَإِلَّا لَمْ يَبْتَدِئْ بِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرُ شَرْطٍ، أَوْ بِسِتٍّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَرْتِيبَهَا وَاجِبٌ شَرْطًا، لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ ثَانِيَتِهَا إلَى خَامِسَتِهَا مِنْ يَوْمِهَا أَوْ مِنْ ثَانِي أَيَّامِهَا أَوْ ثَالِثَةِ أَوْ رَابِعَةِ أَوْ خَامِسَةِ، وَهَكَذَا وَإِنَّ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً وَمُمَاثِلَتَهَا مِنْ يَوْمٍ ثَانٍ أَوْ ثَالِثٍ أَوْ رَابِعٍ أَوْ خَامِسٍ وَهَكَذَا صَلَّى الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: [وَمَا مَرَرْنَا عَلَيْهِ فِي الْمَحَلَّيْنِ] إلَخْ: أَيْ خِلَافًا لِلشَّيْخِ خَلِيلٍ حَيْثُ ذَكَرَ: أَنَّ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً وَثَانِيَتَهَا إلَى خَامِسَتِهَا يُصَلِّي سِتًّا يَخْتِمُ بِاَلَّتِي بَدَأَ بِهَا لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ، وَأَنَّ مَنْ نَسِيَ ثَلَاثًا مُرَتَّبَةً مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَعْلَمُ الْأُولَى مِنْهُمَا وَلَا سَبْقَ اللَّيْلِ عَلَى النَّهَارِ يُصَلِّي سَبْعًا بِزِيَادَةِ وَاحِدَةٍ عَلَى السِّتِّ، فَيُعِيدُ الَّتِي بَدَأَ بِهَا وَمَا بَعْدَهَا لِيَخْرُجَ بِهَا مِنْ عُهْدَةِ الشُّكُوكِ. وَأَنَّ مَنْ نَسِيَ أَرْبَعًا مُرَتَّبَةً مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَدْرِي الْأُولَى وَلَا سَبْقَ اللَّيْلِ عَلَى النَّهَارِ. صَلَّى ثَمَانِيًا لِإِعَادَةِ الَّتِي ابْتَدَأَ بِهَا وَاثْنَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَأَنَّ مَنْ نَسِيَ خَمْسًا كَذَلِكَ صَلَّى تِسْعًا فَيُعِيدُ الَّتِي ابْتَدَأَ بِهَا وَثَلَاثَةً بَعْدَهَا. خَاتِمَةٌ: قَوْلُ خَلِيلٍ فِي صَلَاتَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ مُعَيَّنَتَيْنِ لَا يَدْرِي السَّابِقَةَ صَلَّاهُمَا وَأَعَادَ الْمُبْتَدَأَةَ، مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ أَيْضًا. وَأَمَّا عَلَى الرَّاجِحِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ مُصَنِّفُنَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يُعِيدُ الْمُبْتَدَأَةَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَمَعَ الشَّكِّ فِي الْقَصْرِ أَعَادَ إثْرَ كُلِّ حَضَرِيَّةٍ سَفَرِيَّةً أَيْ: نَدْبًا فَهُوَ بِاتِّفَاقٍ. وَقَوْلُهُ: وَثَلَاثًا كَذَلِكَ سَبْعًا وَأَرْبَعًا ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَخَمْسًا إحْدَى وَعِشْرِينَ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ أَيْضًا. وَالرَّاجِحُ - عَلَى مَا عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ - أَنَّ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ تَحْصُلُ بِفِعْلِ الْمَتْرُوكِ مَرَّةً، وَلِذَلِكَ أَعْرَضَ الْمُصَنِّفُ عَنْ تِلْكَ الْمَسَائِلِ لِصُعُوبَتِهَا مَعَ ضَعْفِهَا لِابْتِنَائِهَا عَلَى ضَعِيفٍ. وَإِنْ كَانَتْ مَشْهُورَةً فِي الْمَذْهَبِ.

[فصل في بيان سجود السهو]

فَصْلٌ: فِي بَيَانِ سُجُودِ السَّهْوِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي بَيَانِ سُجُودِ السَّهْوِ] [تَنْبِيه إبْطَال الصَّلَاة بَعْد الْإِكْمَال] فَصْلٌ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا قَصَدَهُ مِنْ أَحْكَامِ السَّهْوِ عَنْ الصَّلَاةِ كُلِّهَا، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى السَّهْوِ عَنْ بَعْضِهَا. وَالسَّهْوُ الْمَذْهُولُ عَنْ الشَّيْءِ تَقَدَّمَهُ ذِكْرٌ أَوْ لَا، وَأَمَّا النِّسْيَانُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ ذِكْرٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ: أَنَّ الْغَفْلَةَ تَكُونُ عَمَّا يَكُونُ، وَالسَّهْوَ يَكُونُ عَمَّا لَا يَكُونُ، تَقُولُ: غَفَلْت عَنْ هَذَا الشَّيْءِ حَتَّى كَانَ؛ وَلَا تَقُولُ: سَهَوْت حَتَّى كَانَ؛ لِأَنَّك إذَا سَهَوْت عَنْ الشَّيْءِ لَمْ يَكُنْ، وَيَجُوزُ أَنْ تَغْفُلَ عَنْهُ وَيَكُونُ. وَفَرْقٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْغَفْلَةَ تَكُونُ عَنْ فِعْلِ الْغَيْرِ، تَقُولُ كُنْت غَافِلًا عَمَّا كَانَ مِنْ فُلَانٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْهَى عَنْ فِعْلِ الْغَيْرِ.

(يُسَنُّ لِسَاهٍ عَنْ سُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ) فَأَكْثَرَ (أَوْ) عَنْ (سُنَّتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ) فَأَكْثَرَ، بِأَنْ تَرَكَ مَا ذَكَرَ سَهْوًا بِلَا زِيَادَةِ شَيْءٍ فِي صَلَاتِهِ (أَوْ مَعَ زِيَادَةٍ) : لِشَيْءٍ سَهْوًا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ غَيْرِ كَثِيرٍ، إذْ زِيَادَةُ الْكَثِيرِ مُبْطِلٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا كَمَا يَأْتِي. إذَا كَانَ النَّقْصُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الزِّيَادَةِ تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا، بَلْ (وَلَوْ شَكًّا) . فَالصُّوَرُ سِتٌّ: نَقْصٌ فَقَطْ، نَقْصٌ مَعَ زِيَادَةٍ؛ وَالنَّقْصُ مَعَ الزِّيَادَةِ إمَّا مُحَقَّقَانِ أَوْ مَشْكُوكَانِ، أَوْ النَّقْصُ مُحَقَّقٌ وَالزِّيَادَةُ مَشْكُوكَةٌ، أَوْ عَكْسُهُ. وَالنَّقْصُ فَقَطْ إمَّا مُحَقَّقٌ أَوْ مَشْكُوكٌ، وَمِثْلُهَا مَا إذَا شَكَّ فِيمَا حَصَلَ مِنْهُ هَلْ هُوَ زِيَادَةٌ أَوْ نَقْصٌ. وَالْحُصُولُ إمَّا مُحَقَّقٌ أَوْ مَظْنُونٌ أَوْ مَشْكُوكٌ؛ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ تُضَمُّ لِلسِّتَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ يُمْكِنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمَّا وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ اخْتِلَافٌ فِي حُكْمِ السُّجُودِ قَبْلِيًّا أَوْ بَعْدِيًّا بِالْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ، وَوُجُوبُ الْقَبْلِيِّ عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ وَسُنِّيَّتُهُ عَمَّا دُونَهَا، وَكَانَ الرَّاجِحُ سُنِّيَّتَهُ قَبْلِيًّا أَوْ بَعْدِيًّا مُطْلَقًا قَالَ " يُسَنُّ "، إلَخْ. قَوْلُهُ: " يُسَنُّ لِسَاهٍ ": أَرَادَ بِالسَّاهِي مَنْ حَصَلَ مِنْهُ مُوجِبُ السُّجُودِ. فَيَشْمَلُ الطُّولَ بِالْمَحَلِّ الَّذِي لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لَهُ وَلَا سَهْوَ هُنَا بَلْ هُوَ عَمْدٌ أَوْ جَهْلٌ. تَنْبِيهٌ لَا يَجُوزُ إبْطَالُ الصَّلَاةِ الَّتِي حَصَلَ فِيهَا مُوجِبُ السُّجُودِ وَلَا إعَادَتُهَا بَعْدَ الْكَمَالِ. وَقَوْلُ الذَّخِيرَةِ: تَرْقِيعُ الصَّلَاةِ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِهَا وَإِعَادَتِهَا لِلْعَمَلِ، حَمَلُوا الْأَوْلَوِيَّةَ فِيهَا عَلَى الْوُجُوبِ وَلَا يَكْفِي عَنْ السُّجُودِ الْقَبْلِيِّ الْغَيْرِ الْمُبْطِلِ تَرْكُهُ إعَادَةَ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: [عَنْ سُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ] : أَيْ دَاخِلَةٍ الصَّلَاةَ، أَمَّا الْخَارِجَةُ عَنْهَا كَالْإِقَامَةِ فَلَا يَسْجُدُ لِنَقْصِهَا. فَإِنْ سَجَدَ لَهَا قَبْلَ السَّلَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا، وَإِلَّا فَفِعْلُهُ زِيَادَةٌ يَسْجُدُ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ السُّنَّةُ غَيْرَ مُؤَكَّدَةٍ - وَلَوْ كَانَتْ دَاخِلَةً فِيهَا - فَلَا يَسْجُدُ لَهَا، فَإِنْ سَجَدَ لَهَا قَبْلَ السَّلَامِ بَطَلَتْ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْمُبْطِلَاتِ. قَوْلُهُ: [أَوْ مَعَ الزِّيَادَةِ] : وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَنْقُوصِ مَعَ الزِّيَادَةِ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً، عَلَى الْمَشْهُورِ، خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَ بِذَلِكَ.

دُخُولُهَا تَحْتَ قَوْلِهِ: [وَلَوْ شَكًّا] كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (سَجْدَتَانِ) نَائِبُ فَاعِلِ يُسَنُّ (قَبْلَ السَّلَامِ) : فِي الصُّوَرِ التِّسْعِ. (وَلَوْ تَكَرَّرَ) : السَّهْوُ مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَكْثَرَ، مُبَالَغَةً فِي " سَجْدَتَانِ "؛ فَلِذَا أَخَّرْنَاهُ عَنْهُ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُبَالَغَةً فِي " يُسَنُّ " أَيْضًا لِدَفْعِ تَوَهُّمِ الْوُجُوبِ عِنْدَ التَّكْرَارِ، كَمَا قَدْ يُفْهَمُ مِنْ تَقْدِيمِ الشَّيْخِ لَهُ عَلَيْهِ. وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: (وَأَعَادَ تَشَهُّدَهُ) أَنَّهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَ التَّشَهُّدِ لَا قَبْلَهُ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: (بِلَا دُعَاءٍ) أَنَّ الدُّعَاءَ الْمَطْلُوبَ يَكُونُ عَقِبَ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِيَقَعَ سَلَامُهُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي الصَّلَاةِ، وَهَذَا أَحَدُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يُطْلَبُ فِيهَا دُعَاءٌ بَعْدَ تَشَهُّدِ السَّلَامِ. الثَّانِي: مَنْ سَلَّمَ إمَامُهُ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ هُوَ فِي الدُّعَاءِ. الثَّالِثُ: مَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ لِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ فِي نَفْلٍ فَإِنَّهُ يُخَفِّفُهُ حَتَّى يَتْرُكَ الدُّعَاءَ. الرَّابِعُ: مَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي أُخْرَى وَلَوْ فَرْضًا. ثُمَّ مَثَّلَ لِتَرْكِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ وَالْمُتَرَكِّبَةِ مِنْ خَفِيفَتَيْنِ فَأَكْثَرَ بِقَوْلِهِ: (كَتَرْكِ تَكْبِيرَةِ عِيدٍ) : سَهْوًا فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لَهَا؛ لِأَنَّهَا مُؤَكَّدَةٌ. وَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّكْبِيرُ الَّذِي قَبْلَ الْفَاتِحَةِ وَبَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَى عِيدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ تَكَرَّرَ السَّهْوُ] : أَيْ بِمَعْنَى مُوجِبِ السُّجُودِ. أَيْ: وَكَانَ التَّكْرَارُ قَبْلَ السُّجُودِ. أَمَّا إذَا كَانَ التَّكْرَارُ بَعْدُ فَإِنَّ السُّجُودَ يَتَكَرَّرُ كَمَا إذَا سَجَدَ الْمَسْبُوقُ مَعَ إمَامِهِ الْقَبْلِيَّ ثُمَّ سَهَا فِي قَضَائِهِ بِنَقْصٍ أَوْ زِيَادَةٍ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ، وَلَا يَجْتَزِئُ بِسُجُودِهِ السَّابِقِ مَعَ الْإِمَامِ. أَوْ تَكَلَّمَ الْمُصَلِّي بَعْدَ سُجُودِهِ فِي الْقَبْلِيِّ وَقَبْلَ سَلَامِهِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ أَيْضًا. وَكَذَا إذَا زَادَ سَجْدَةً فِي الْقَبْلِيِّ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ. أَمَّا الْبَعْدِيُّ إذَا زَادَ فِيهِ فَلَا يَسْجُدُ لَهُ أَصْلًا. (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ شَكَّ عِنْدَ الرَّفْعِ هَلْ هَذَا سُجُودُ الْفَرْضِ أَوْ كَانَ بِنِيَّةِ السَّهْوِ وَنَسِيَ الْفَرْضَ أَتَى بِالْفَرْضِ، ثُمَّ السَّهْوِ. قَوْلُهُ: [وَأَعَادَ تَشَهُّدَهُ] : أَيْ اسْتِنَانًا عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ، وَخِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِالنَّدْبِ. قَوْلُهُ: [وَالْمُرَادُ مِنْهُ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا التَّكْبِيرُ عِنْدَ الْأَرْكَانِ فَهُوَ سُنَّةٌ خَفِيفَةٌ

(وَ) تَرْكِ (جَهْرٍ بِفَرْضٍ) كَالصُّبْحِ لَا نَفْلٍ، كَالْوَتْرِ وَالْعِيدَيْنِ بِفَاتِحَةٍ فَقَطْ وَلَوْ مَرَّةً، لِأَنَّ الْجَهْرَ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي الْفَاتِحَةِ وَأَوْلَى تَرْكُهُ فِي الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ، أَوْ بِسُورَةٍ فَقَطْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ فِيهَا سُنَّةً خَفِيفَةً. (وَاقْتِصَارٌ عَلَى حَرَكَةِ اللِّسَانِ) الَّذِي هُوَ أَدْنَى السِّرِّ وَالْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ أَيْ: تَرْكِ الْجَهْرِ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ مَعَ اقْتِصَارِهِ عَلَى أَدْنَى السِّرِّ؛ فَلَوْ أَبْدَلَ الْجَهْرَ بِأَعْلَى السِّرِّ بِأَنْ أَسْمَعَ نَفْسَهُ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ. (وَ) تَرْكِ (تَشَهُّدٍ) وَلَوْ مَرَّةً لِأَنَّهُ سُنَّةٌ خَفِيفَةٌ وَالْجُلُوسُ لَهُ سُنَّةٌ وَيَلْزَمُ مِنْ تَرْكِهِ تَرْكُ جُلُوسِهِ، وَمِثْلُهُ مَا زَادَ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ وَلَوْ فِي رَكْعَةٍ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ، وَالْقِيَامُ لَهُ سُنَّةٌ أَوْ تَرْكُ تَكْبِيرَتَيْنِ أَوْ تَسْمِيعَتَيْنِ أَوْ تَكْبِيرَةٍ وَتَسْمِيعَةٍ. (وَ) يَسْجُدُ (لِمَحْضِ الزِّيَادَةِ) مِنْ جِنْسِهَا أَوْ لَا إذَا لَمْ تَكْثُرْ، كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ أَوْ سَجْدَةٍ أَوْ سَلَامٍ كَأَنْ سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ أَوْ كَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ سَهْوًا فِي الْجَمِيعِ (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ السَّلَامِ، فَإِنْ كَثُرَتْ الزِّيَادَةُ أُبْطِلَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ. قَوْلُهُ: [وَتَرْكِ جَهْرٍ] : مِثْلُهُ كُلُّ مَا كَانَ مُؤَكَّدًا مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ غَيْرُ السِّرِّ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [وَالْجُلُوسُ لَهُ سُنَّةٌ] : أَيْ فَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ سُنَّتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، فَإِذَا تَرَكَهُمَا مَرَّةً سَهْوًا سَجَدَ اتِّفَاقًا وَلَوْ فِي النَّفْلِ. وَإِنْ أَتَى بِالْجُلُوسِ وَتَرَكَ التَّشَهُّدَ فَقَوْلَانِ: بِالسُّجُودِ وَعَدَمِهِ، وَالْمُعْتَمَدُ السُّجُودُ؛ لِأَنَّ جُلُوسًا بِغَيْرِ تَشَهُّدٍ عَدَمٌ، لِأَنَّ جُلُوسَهُ مَا يَكُونُ ظَرْفًا لَهُ فَلِذَلِكَ اُعْتُرِضَ عَلَى الشَّيْخِ خَلِيلٍ فِي تَمْثِيلِهِ لِنَقْضِ السُّنَّةِ بِتَرْكِ التَّشَهُّدَيْنِ، فَقَالُوا لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ الْوَاحِدُ كَافٍ. قَوْلُهُ: [وَمِثْلُهُ مَا زَادَ] إلَخْ: أَيْ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ سُنَّتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ فَقَطْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ السُّورَةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ: مَا ذَكَرَهُ وَكَوْنُهُ جَهْرًا أَوْ سِرًّا. قَوْلُهُ [لِمَحْضِ الزِّيَادَةِ] : مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ الزِّيَادَةِ الْمَحْضَةِ أَيْ الْخَالِصَةِ مِنْ مُصَاحَبَةِ النَّقْصِ، كَانَتْ مُحَقَّقَةً أَوْ مَشْكُوكًا فِيهَا. قَوْلُهُ: [أَيْ بَعْدَ السَّلَامِ] إلَخْ: أَيْ الْوَاجِبِ بِالنِّسْبَةِ لِلْفَذِّ وَالْإِمَامِ، أَوْ السُّنِّيِّ

سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ جِنْسِهَا كَأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِي الرُّبَاعِيَّةِ وَرَكْعَتَيْنِ فِي الثُّنَائِيَّةِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا كَكَثِيرِ كَلَامٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ حَكٍّ بِجَسَدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَكَذَا إنْ وَقَعَتْ عَمْدًا وَلَوْ قُلْت كَنَفْخٍ وَكَلَامٍ إلَّا مَا تَقَدَّمَ فِي مُبْطِلَاتِهَا. ثُمَّ مَثَّلَ لِزِيَادَةِ الْمَشْكُوكَةِ بِقَوْلِهِ: (كَمُتِمٍّ) صَلَاتَهُ (لِشَكٍّ) هَلْ صَلَّى رَكْعَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ، وَيَأْتِي بِمَا شَكَّ فِيهِ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَكَمَنْ شَكَّ هَلْ سَجَدَ سَجْدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ هَلْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَوْ لَا، فَإِنَّهُ يَأْتِي بِمَا شَكَّ فِيهِ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالنِّسْبَةِ لِلْمَأْمُومِ. قَوْلُهُ: [سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ جِنْسِهَا] : أَيْ وَلَمْ تَكُنْ مِنْ أَقْوَالِهَا. فَإِنْ كَانَتْ مِنْهَا كَالسُّورَةِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ، أَوْ قِرَاءَةِ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ مِنْ الْأُولَيَيْنِ فَلَا سُجُودَ وَلَا بُطْلَانَ. وَإِنْ كَانَ التَّكْرَارُ فِي الْفَاتِحَةِ فَإِنْ كَانَ سَهْوًا سَجَدَ، وَعَمْدًا فَلَا سُجُودَ. وَالرَّاجِحُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ مَعَ الْإِثْمِ. قَوْلُهُ: [إلَّا مَا تَقَدَّمَ فِي مُبْطِلَاتِهَا] : كَنَفْخٍ بِأَنْفٍ وَكَلَامٍ لِإِصْلَاحِهَا، فَإِنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمُبْطِلَاتِ. قَوْلُهُ: [كَمُتِمٍّ صَلَاتَهُ لِشَكٍّ] : هَذَا إذَا شَكَّ قَبْلَ السَّلَامِ، وَأَمَّا إنْ شَكَّ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ عَلَى يَقِينٍ فَاخْتُلِفَ فِيهِ؛ فَقِيلَ يَبْنِي عَلَى يَقِينِهِ الْأَوَّلِ وَلَا أَثَرَ لِلشَّكِّ الطَّارِئِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَقِيلَ إنَّهُ يُؤَثِّرُ وَهُوَ الرَّاجِحُ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . وَقَوْلُهُ: " لِشَكِّهِ " اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ مُتَعَلِّقَةٌ بِمُتِمٍّ أَوْ بِمَحْذُوفٍ؛ أَيْ: وَإِتْمَامُهُ لِأَجْلِ رَفْعِ شَكٍّ. لَا لِلتَّعْدِيَةِ مُتَعَلِّقَةٌ " بِمُتِمٍّ " لِأَنَّهُ يَقْتَضِيَ أَنَّهُ يُتِمُّ شَكْلَهُ أَيْ يَزِيدُ فِيهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: [هَلْ صَلَّى رَكْعَةً] إلَخْ: تَصْوِيرٌ لِلشَّكِّ. قَوْلُهُ: [وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ] : أَيْ لِاحْتِمَالِ زِيَادَةِ الْآتِي بِهِ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا تَحَقَّقَ سَلَامَةُ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ نَقْصٍ، وَإِلَّا سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ فِي الْآتِي بِهِ مَعَ النَّقْصِ. قَوْلُهُ: [كَمَنْ شَكَّ هَلْ سَجَدَ] إلَخْ: قَالَ فِي الْأَصْلِ الْمُرَادُ بِالشَّكِّ مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ فَيَشْمَلُ الْوَهْمَ فَإِنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي الْفَرَائِضِ دُونَ السُّنَنِ. فَمَنْ تَوَهَّمَ تَرْكَ تَكْبِيرَتَيْنِ مَثَلًا فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ.

(وَكَمُقْتَصَرٍ عَلَى صَلَاةٍ) هُوَ بِهَا (كَشَفْعٍ) أَوْ ظُهْرٍ (إنْ شَكَّ أَهُوَ بِهَا أَوْ) خَرَجَ مِنْهَا بِالسَّلَامِ وَأَحْرَمَ (بِأُخْرَى) تَلِيهَا (كَوَتْرٍ) بِالنِّسْبَةِ لِلشَّفْعِ، أَوْ عَصْرٍ بِالنِّسْبَةِ لِلظُّهْرِ، فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ بِأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الشَّفْعِ أَوْ الظُّهْرِ، أَيْ يَجْعَلُ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ تَمَامِ الَّتِي كَانَ بِهَا وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ، ثُمَّ يَأْتِي بِمَا يَلِيهَا كَالْوَتْرِ؛ وَإِنَّمَا يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَضَافَ رَكْعَةَ الْوَتْرِ لِشَفْعِهِ بِلَا سَلَامٍ مِنْ شَفْعِهِ، فَيَكُونُ قَدْ صَلَّى الشَّفْعَ ثَلَاثًا. وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي الْفَجْرِ مَعَ الصُّبْحِ، وَالظُّهْرِ مَعَ الْعَصْرِ. (وَ) كَ (إبْدَالِ السِّرِّ بِالْفَرْضِ) : أَيْ فِيهِ - لَا فِي النَّفْلِ - كَأَنْ يَقْرَأَ فِي الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ وَلَوْ فِي فَاتِحَةٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَخِيرَةِ الْمَغْرِبِ أَوْ الْعِشَاءِ (بِمَا زَادَ عَلَى أَدْنَى الْجَهْرِ) سَهْوًا فَإِنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ، لِأَنَّ الْجَهْرَ مَكَانَ السِّرِّ زِيَادَةٌ، كَمَا أَنَّ السِّرَّ مَكَانَ الْجَهْرِ نَقْصٌ. وَأَمَّا لَوْ أَتَى فِيمَا ذَكَرَ بِأَدْنَى الْجَهْرِ - بِأَنْ أَسْمَعَ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ خَاصَّةً - فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ لِخِفَّةِ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَاصِلُ أَنَّ ظَنَّ الْإِتْيَانِ بِالسُّنَنِ مُعْتَبَرٌ بِخِلَافِ ظَنِّ الْإِتْيَانِ بِالْفَرَائِضِ. فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْعُهْدَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَبْرِ وَالسُّجُودِ (اهـ.) ، وَقَدْ تَبِعَ فِيهِ الْأُجْهُورِيَّ. وَاَلَّذِي فِي (بْن) : أَنَّ الشَّكَّ عَلَى حَقِيقَتِهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [كَمُقْتَصِرٍ عَلَى صَلَاةٍ هُوَ بِهَا] : هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَعَمُّ مِنْ عِبَارَةِ خَلِيلٍ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ كَمُقْتَصِرٍ عَلَى شَفْعٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَإِنَّمَا يَسْجُدُ] إلَخْ: جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَا وَجْهَ لِلسُّجُودِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي آخِرَةِ الشَّفْعِ فَقَدْ أَتَى بِهَا وَلَا زِيَادَةَ وَلَا نَقْصَ وَإِنْ كَانَ فِي رَكْعَةِ الْوَتْرِ فَقَدْ فَرَغَ مِنْ الشَّفْعِ وَسَلَّمَ مِنْهُ فَلَا زِيَادَةَ فِيهِ وَلَا نَقْصَ. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ لِأَنَّ مَعَهُ نَقْصَ السَّلَامِ وَالزِّيَادَةِ الْمَشْكُوكَيْنِ. وَقَدْ نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ زِيَادٍ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ] : قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: اسْتِحْبَابًا. قَالَ الشَّبْرَخِيتِيُّ: هُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ، أَيْ خَلِيلٍ، إلَّا أَنَّ الْبَغْدَادِيِّينَ - وَمِنْهُمْ عَبْدُ الْوَهَّابِ - يُطْلِقُونَ الْمُسْتَحَبَّ عَلَى مَا يَشْمَلُ السُّنَّةَ، فَلَيْسَ هَذَا جَارِيًا عَلَى طَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْمُسْتَحَبِّ (اهـ مِنْ الْحَاشِيَةِ) .

فَتَحَصَّلَ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْجَهْرَ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ وَأَتَى بَدَلَهُ بِالسِّرِّ فَقَدْ حَصَلَ مِنْهُ نَقْصٌ، لَكِنْ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى حَرَكَةِ اللِّسَانِ، وَأَنَّ مَنْ تَرَكَ السِّرَّ فِيمَا يُسَرُّ فِيهِ وَأَتَى بَدَلَهُ بِالْجَهْرِ فَقَدْ حَصَلَ مِنْهُ زِيَادَةٌ، لَكِنْ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ بَعْدَ السَّلَامِ إلَّا إذَا رَفَعَ صَوْتَهُ فَوْقَ سَمَاعِ نَفْسِهِ، وَمَنْ يَلِيهِ بِلَصْقِهِ بِأَنْ كَانَ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ عَنْهُ بِنَحْوِ صَفٍّ فَأَكْثَرَ. (وَكَمَنْ اسْتَنْكَحَهُ) : أَيْ كَثُرَ عَلَيْهِ (الشَّكُّ) : بِأَنْ يَأْتِيَهُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ مَرَّةً فِي صَلَاةٍ مِنْ الْخَمْسِ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا، فَ (إنَّهُ) يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ، وَ (لَا إصْلَاحَ عَلَيْهِ) : أَيْ لَا يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ وَيَأْتِي بِمَا شَكَّ فِيهِ، بَلْ يَبْنِي عَلَى الْأَكْثَرِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: " وَهِيَ عَنْهُ " أَيْ وُجُوبًا، فَإِنَّهُ لَا دَوَاءَ لَهُ مِثْلُ الْإِعْرَاضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بَلْ يَبْنِي عَلَى الْأَكْثَرِ] : أَيْ فَإِذَا شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا بَنَى عَلَى أَرْبَعٍ وُجُوبًا، وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ. فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ حَيْثُ بُنِيَ عَلَى الْأَكْثَرِ فَلَا مُوجِبَ لِلسُّجُودِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّكَّ مُسْتَنْكِحٌ وَغَيْرُ مُسْتَنْكِحٍ، وَالسَّهْوُ كَذَلِكَ. فَالشَّكُّ الْمُسْتَنْكِحُ: هُوَ أَنْ يَعْتَرِيَ الْمُصَلِّي كَثِيرًا بِأَنْ يَشُكَّ كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ مَرَّةً، هَلْ زَادَ أَوْ نَقَصَ أَوْ لَا، أَوْ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا وَلَا يَتَيَقَّنُ شَيْئًا يَبْنِي عَلَيْهِ. وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَلْهُو عَنْهُ وَلَا إصْلَاحَ عَلَيْهِ، بَلْ يَبْنِي عَلَى الْأَكْثَرِ، وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ اسْتِحْبَابًا كَمَا فِي عِبَارَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَكَمَنْ اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ وَلَا إصْلَاحَ عَلَيْهِ " وَالشَّكُّ غَيْرُ الْمُسْتَنْكِحِ هُوَ الَّذِي لَا يَأْتِي كُلَّ يَوْمٍ كَمَنْ شَكَّ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، أَوْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا أَوْ هَلْ زَادَ أَوْ نَقَصَ أَوْ لَا، وَهَذَا يَصْلُحُ بِالْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ، وَالْإِتْيَانِ بِمَا شَكَّ فِيهِ، وَيَسْجُدُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " كَمُتِمٍّ الشَّكَّ " إلَخْ، وَ " كَمُقْتَصِرٍ عَلَى صَلَاةٍ " إلَخْ فَإِنْ بَنَى عَلَى الْأَكْثَرِ بَطَلَتْ وَلَوْ ظَهَرَ الْكَمَالُ لِأَنَّهُ سَلَّمَ عَنْ غَيْرِ يَقِينٍ. وَالسَّهْوُ الْمُسْتَنْكِحُ: هُوَ الَّذِي يَعْتَرِي الْمُصَلِّي كَثِيرًا، وَهُوَ أَنْ يَسْهُوَ وَيَتَيَقَّنَ أَنَّهُ سَهَا، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَصْلُحُ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ: " وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَمَنْ اسْتَنْكَحَهُ السَّهْوُ أَصْلَحَ وَلَا سُجُودَ "، وَالسَّهْوُ غَيْرُ الْمُسْتَنْكِحِ: هُوَ الَّذِي لَا يَعْتَرِي الْمُصَلِّيَ كَثِيرًا، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَصْلُحُ، وَيَسْجُدُ حَسْبَمَا سَهَا مِنْ زِيَادَةٍ

[ما لا سجود للسهو فيه]

عَنْهُ فَإِنْ أَصْلَحَ بِأَنْ أَتَى بِمَا شَكَّ فِيهِ لَمْ تَبْطُلْ. (وَمَنْ اسْتَنْكَحَهُ السَّهْوُ) : أَيْ كَثُرَ عَلَيْهِ وَلَوْ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً، (أَصْلَحَ) صَلَاتَهُ إنْ أَمْكَنَهُ الْإِصْلَاحُ (وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ) بَعْدَ السَّلَامِ وَلَا قَبْلَهُ. عَكْسُ مَنْ اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ. مِثَالُ مَنْ اسْتَنْكَحَهُ السَّهْوُ: أَنْ يَسْهُوَ عَنْ السُّورَةِ كَثِيرًا فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى يَرْكَعَ، أَوْ يَسْهُوَ عَنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ كَثِيرًا فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى فَارَقَ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ، فَإِنَّهُ يَسْتَمِرُّ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَلَا يَتَأَتَّى فِي مِثْلِ هَذَا إصْلَاحٌ. وَمِثْلُ مَا يَأْتِي فِيهِ الْإِصْلَاحُ أَنْ يَكْثُرَ عَلَيْهِ السَّهْوُ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ رَكْعَةٍ، فَمَا يَشْعُرُ حَتَّى يَسْتَقِلَّ قَائِمًا، فَهَذَا يَصْلُحُ وُجُوبًا إنْ أَمْكَنَهُ الْإِصْلَاحُ بِأَنْ يَرْجِعَ جَالِسًا ثُمَّ يَسْجُدَ الثَّانِيَةَ وَيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ بَعْدَ السَّلَامِ. فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِصْلَاحُ - كَأَنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ إلَّا بَعْدَ عَقْدِ رُكُوعِ الَّتِي قَامَ لَهَا - انْقَلَبَتْ الثَّانِيَةُ أُولَى، وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ وَلَا يَرْجِعُ لِإِصْلَاحِ الْأُولَى وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ بَعْدَ السَّلَامِ. فَعُلِمَ أَنَّ اسْتِنْكَاحَ الشَّكِّ أَنْ يَعْتَرِيَهُ الشَّكُّ: فِي شَيْءٍ كَثِيرٍ، هَلْ فَعَلَهُ أَوْ لَا؟ وَأَنَّ اسْتِنْكَاحَ السَّهْوِ: أَنْ يَتْرُكَ سُنَّةً أَوْ فَرْضًا سَهْوًا كَثِيرًا. ثُمَّ شَبَّهَ فِي عَدَمِ السُّجُودِ مَسَائِلَ بِقَوْلِهِ: (كَمَنْ شَكَّ هَلْ سَلَّمَ) أَوْ لَمْ يُسَلِّمْ؟ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ، (أَوْ) شَكَّ (هَلْ سَجَدَ مِنْهُ) : أَيْ مِنْ سُجُودِهِ الْقَبْلِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ نَقْصٍ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: [يُسَنُّ لِسَاهٍ عَنْ سُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ] إلَخْ، فَالْفَرْقُ بَيْنَ السَّاهِي وَالشَّاكِّ أَنَّ السَّاهِيَ يَضْبِطُ مَا تَرَكَهُ بِخِلَافِ الشَّاكِّ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ أَصْلَحَ] : أَيْ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا كَمَا فِي الْحَطَّابِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ بِنَاءَهُ عَلَى الْأَكْثَرِ وَإِعْرَاضَهُ عَنْ شَكِّهِ تَرْخِيصٌ لَهُ وَقَدْ رَجَعَ لِلْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ] : أَيْ مُطْلَقًا أَمْكَنَهُ الْإِصْلَاحُ أَمْ لَا، وَانْظُرْ مَا حُكْمُ سُجُودِهِ هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ؟ أَوْ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ قَبْلِيًّا، وَالثَّانِي إنْ كَانَ بَعْدِيًّا؟ كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ، قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: فَلَوْ سَجَدَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَكَانَ قَبْلَ السَّلَامِ فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ حَيْثُ كَانَ مُتَعَمِّدًا أَوْ جَاهِلًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالسُّجُودِ أَوْ لَا؟ لِأَنَّ هُنَاكَ مَنْ يَقُولُ بِسُجُودِهِ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ. [مَا لَا سُجُود لِلسَّهْوِ فِيهِ] قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ] : أَيْ إنْ قَرُبَ وَلَمْ يَنْحَرِفْ عَنْ الْقِبْلَةِ وَلَمْ يُفَارِقْ مَكَانَهُ، فَإِنْ طَالَ جِدًّا بَطَلَتْ. وَإِنْ انْحَرَفَ اسْتَقْبَلَ وَسَلَّمَ وَسَجَدَ. وَإِنْ

(وَاحِدَةً) أَوْ اثْنَتَيْنِ؟ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالثَّانِيَةِ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ أَيْ لِهَذَا السَّهْوِ. (أَوْ) شَكَّ (هَلْ سَجَدَهُ) أَوْ لَمْ يَسْجُدْهُ مِنْ أَصْلِهِ؟ فَإِنَّهُ يَسْجُدُهُ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ ثَانِيًا لِهَذَا الشَّكِّ. (وَبَنَى عَلَى الْيَقِينِ) فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ فَفِي الْأُولَى: يَبْنِي عَلَى عَدَمِ السَّلَامِ لِأَنَّهُ الْأَصْلِيُّ. وَفِي الثَّانِيَةِ: عَلَى أَنَّهُ سَجَدَ وَاحِدَةً فَقَطْ وَفِي الثَّالِثَةِ: عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ أَصْلًا ثُمَّ يَأْتِي بِمَا شَكَّ كَمَا قَدَّمْنَا. (أَوْ زَادَ سُورَةً فِي أُخْرَيَيْهِ) : مَعًا وَأَوْلَى فِي وَاحِدَةٍ أَوْ فِي أَخِيرَةِ الْمَغْرِبِ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ. (أَوْ خَرَجَ) فِي أُولَيَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا مِنْ سُورَةٍ (إلَى) سُورَةٍ (أُخْرَى) فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ. (أَوْ قَاءَ أَوْ قَلَسَ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ خَرَجَ مِنْهُ قَيْءٌ أَوْ قَلْسٌ (غَلَبَةً) : فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ (إنْ قَلَّ) الْخَارِجُ مِنْهُمَا، (وَطَهُرَ) بِأَنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ حَالَةِ الطَّعَامِ (وَلَمْ يَزْدَرِدْ) أَيْ يَبْتَلِعْ مِنْهُ (شَيْئًا عَمْدًا وَإِلَّا) بِأَنْ كَثُرَ الْخَارِجُ مِنْهُمَا أَوْ كَانَ نَجِسًا بِأَنْ تَغَيَّرَ أَوْ ابْتَلَعَ مِنْهُ شَيْئًا (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ، وَقَوْلُنَا: " إنْ قَلَّ " إلَى آخِرِهِ مِمَّا زِدْنَاهُ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQطَالَ لَا جِدًّا أَوْ فَارَقَ مَكَانَهُ بَنَى بِإِحْرَامٍ وَتَشَهُّدٍ وَسَلَّمَ وَسَجَدَ كَمَا سَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [هَلْ سَجَدَ وَاحِدَةً] : بَيَانٌ لِصُورَةِ شَكِّهِ، أَيْ أَنَّهُ إذَا شَكَّ هَلْ سَجَدَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ وَاحِدَةً وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا. قَوْلُهُ: [وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ ثَانِيًا لِهَذَا الشَّكِّ] : أَيْ لِئَلَّا يَتَسَلْسَلَ الْأَمْرُ وَتَحْصُلَ الْمَشَقَّةُ الْكُبْرَى. وَلَا يُقَالُ التَّسَلْسُلُ مُسْتَحِيلٌ، لِأَنَّ التَّسَلْسُلَ - بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ - لَا اسْتِحَالَةَ فِيهِ. قَوْلُهُ: [فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ بَطَلَتْ قِرَاءَةُ السُّورَةِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ: وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ مَا قَالَهُ أَشْهَبُ مِنْ السُّجُودِ. قَوْلُهُ: [أَوْ خَرَجَ فِي أُولَيَيْهِ] : أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِخَارِجٍ عَنْ الصَّلَاةِ. وَكُرِهَ تَعَمُّدُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَفْتَتِحَ بِسُورَةٍ قَصِيرَةٍ فِي صَلَاةٍ شُرِعَ فِيهَا التَّطْوِيلُ، فَيُنْدَبُ لَهُ تَرْكُهَا، وَيَنْتَقِلُ إلَى سُورَةٍ طَوِيلَةٍ.

[السجود القبلي والبعدي للسهو]

وَقَوْلُنَا: " عَمْدًا " مَفْهُومُهُ لَوْ ازْدَرَدَهُ نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ: وَسَجَدَ لِأَنَّهُ مِنْ الْفِعْلِ الْقَلِيلِ، وَكَذَا إنْ ابْتَلَعَهُ غَلَبَةً عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. (أَوْ أَعْلَنَ) أَيْ جَهَرَ زِيَادَةً عَلَى سَمَاعِ مَنْ يَلِيهِ فِيمَا يُسِرُّ فِيهِ (أَوْ أَسَرَّ) بِحَرَكَةِ اللِّسَانِ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ (بِكَآيَةٍ) مِنْ الْفَاتِحَةِ أَوْ السُّورَةِ، فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا السُّجُودُ فِيمَا إذَا أَعْلَنَ أَوْ أَسَرَّ فِي نِصْفِ الْفَاتِحَةِ فَأَكْثَرَ، (أَوْ أَعَادَ السُّورَةَ لَهُمَا) : أَيْ لِلْإِعْلَانِ وَالسِّرِّ بِأَنْ كَانَ قَرَأَهَا عَلَى خِلَافِ سُنَّتِهَا، فَتَطَلَّبَ مِنْهُ إعَادَتُهَا وَالْإِتْيَانُ بِهَا عَلَى سُنَّتِهَا فَأَعَادَهَا، فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ (بِخِلَافِ) إعَادَةِ (الْفَاتِحَةِ) لَهُمَا فَمُوجِبٌ لِلسُّجُودِ. (أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى إسْمَاعِ نَفْسِهِ فِي جَهْرِيَّةٍ أَوْ) اقْتَصَرَ (عَلَى إسْمَاعِ مَنْ يَلِيهِ فِي سِرِّيَّةٍ) فَلَا سُجُودَ كَمَا تَقَدَّمَ. (أَوْ أَدَارَ) الْإِمَامُ (مَأْمُومَهُ) إذَا وَقَفَ جِهَةَ يَسَارِهِ (لِيَمِينِهِ) كَمَا هُوَ الْمَنْدُوبُ. فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَا سُجُودَ فِي فِعْلٍ يَسِيرٍ؛ كَالْتِفَاتٍ وَحَكِّ جَسَدٍ وَإِصْلَاحِ سُتْرَةٍ أَوْ رِدَاءٍ أَوْ مَشْيٍ كَصَفَّيْنِ لِفُرْجَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَسَجَدَ) الْبَعْدِيَّ (بِنِيَّةٍ) وُجُوبًا (وَتَكْبِيرٍ فِي خَفْضِهِ وَرَفْعِهِ وَتَشَهُّدٍ) اسْتِنَانًا (وَسَلَامٍ) وُجُوبًا، كَالسَّجْدَتَيْنِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا، فَوَاجِبَاتُهُ خَمْسَةٌ. وَأَمَّا الْقَبْلِيُّ فَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَمَا هُوَ الْمَنْدُوبُ] : أَيْ وَلَا سُجُودَ فِي فِعْلِ مَنْدُوبٍ. «وَقَدْ فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِصَّةِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَيْثُ قَامَ عَلَى يَسَارِهِ فَأَدَارَهُ عَنْ يَمِينِهِ» قَوْلُهُ: [وَإِصْلَاحِ سُتْرَةٍ أَوْ رِدَاءٍ] : أَيْ لِكَوْنِهِ مَنْدُوبًا وَهَذَا إذَا أَصْلَحَهُ وَهُوَ جَالِسٌ. وَأَمَّا إنْ كَانَ قَائِمًا يَنْحَطُّ لِذَلِكَ فَيُكْرَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً، وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ إلَّا إذَا زَادَ الِانْحِطَاطُ عَنْ مَرَّةٍ. [السُّجُود الْقِبْلِيّ وَالْبَعْدِي لِلسَّهْوِ] قَوْلُهُ: [فَوَاجِبَاتُهُ خَمْسَةٌ] : أَيْ وَهِيَ: النِّيَّةُ، وَالسَّجْدَةُ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةُ، وَالْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا، وَالسَّلَامُ، لَكِنَّ السَّلَامَ وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ، وَأَمَّا التَّكْبِيرُ وَالتَّشَهُّدُ بَعْدَهُ فَسُنَّةٌ.

[تنبيه لو أخر الإمام سجود السهو القبلي]

وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ نِيَّتَهُ مُنْدَرِجَةٌ فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ، وَالسَّلَامُ مِنْهُ هُوَ سَلَامُ الصَّلَاةِ. (وَصَحَّتْ) الصَّلَاةُ (إنْ قَدَّمَهُ) أَيْ الْبَعْدِيَّ (عَلَى السَّلَامِ وَأَثِمَ) أَيْ يُحَرَّمُ تَقْدِيمُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ خَارِجًا عَنْ الصَّلَاةِ صَارَ تَقْدِيمُهُ كَالزِّيَادَةِ فِيهَا. (وَكُرِهَ تَأْخِيرُ الْقَبْلِيِّ) : عَنْ السَّلَامِ عَمْدًا وَلَا تَبْطُلُ. (وَسَجَدَ مَسْبُوقٌ أَدْرَكَ) مَعَ إمَامِهِ (رَكْعَةً) فَأَكْثَرَ السُّجُودَ (الْقَبْلِيَّ) الْمُتَرَتِّبَ عَلَى الْإِمَامِ (مَعَ إمَامِهِ) قَبْلَ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ (إنْ سَجَدَ) الْإِمَامُ ذَلِكَ الْقَبْلِيَّ، (وَإِلَّا) يَسْجُدْهُ الْإِمَامُ بَلْ تَرَكَهُ، (فَعَلَهُ) أَيْ سَجَدَهُ الْمَأْمُومُ (لِنَفْسِهِ) قَبْلَ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ (وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ مُوجِبَهُ) . (وَأَخَّرَ الْبَعْدِيَّ) : الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَى إمَامِهِ لِتَمَامِ صَلَاتِهِ فَيَسْجُدُهُ بَعْدَ سَلَامِهِ فَإِنْ قَدَّمَهُ مَعَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مُنْدَرِجَةٌ] : أَيْ فَلَا يَفْتَقِرُ لِنِيَّةٍ وَلَا لِسَلَامٍ وَلَا يَصِحُّ فِي الْجُمُعَةِ إلَّا فِي الْجَامِعِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، وَكَذَا الرِّحَابُ وَالطُّرُقُ. وَأَمَّا الْبَعْدِيُّ فِي الْجُمُعَةِ فَبِأَيِّ جَامِعٍ (اهـ. مِنْ الْمَجْمُوعِ) قَوْلُهُ: [وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ] : أَيْ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ الْقَائِلِ إنَّ السُّجُودَ دَائِمًا قَبْلِيٌّ. قَوْلُهُ: [وَلَا تَبْطُلُ] : أَيْ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ الْقَائِلِ بِبَعْدِيَّةِ السُّجُودِ دَائِمًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ وَقَعَ خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ فِي مَحَلِّ السُّجُودِ. فَقِيلَ: بَعْدَ السَّلَامِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: قَبْلَهُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: بِالتَّخْيِيرِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ النَّقْصُ خَفِيفًا كَالسِّرِّ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ سَجَدَ بَعْدَهُ كَالزِّيَادَةِ، وَإِلَّا فَقَبْلَهُ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ عَنْ زِيَادَةٍ فَبَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ عَنْ نَقْصٍ فَقَطْ أَوْ نَقْصٍ وَزِيَادَةٍ فَقَبْلَهُ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَأُصُولُهُ. وَعَلَيْهِ لَوْ قَدَّمَ الْبَعْدِيَّ أَوْ أَخَّرَ الْقَبْلِيَّ تَصِحُّ مُرَاعَاةً لِمَا ذَكَرَ مِنْ الْأَقْوَالِ [تَنْبِيه لَوْ أخر الْإِمَام سُجُود السَّهْو الْقِبْلِيّ] قَوْلُهُ: [أَدْرَكَ مَعَ إمَامِهِ رَكْعَةً] إلَخْ: أَيْ وَإِلَّا فَإِنْ أَدْرَكَ دُونَ رَكْعَةٍ وَسَجَدَ مَعَهُ قَبْلَ السَّلَامِ بَطَلَتْ. قَوْلُهُ: [بَلْ تَرَكَهُ] : أَيْ إمَّا عَمْدًا أَوْ رَأْيًا أَوْ سَهْوًا وَإِذَا تَرَكَهُ الْإِمَامُ وَسَجَدَهُ الْمَسْبُوقُ وَكَانَ عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ صَحَّتْ لِلْمَسْبُوقِ وَبَطَلَتْ عَلَى الْإِمَامِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ

(فَإِنْ سَهَا) : الْمَأْمُومُ حَالَ الْقَضَاءِ (بِنَقْصٍ قَدَّمَهُ) عَلَى سَلَامِهِ بَعْدَ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ لِاجْتِمَاعِ النَّقْصِ مِنْهُ مَعَ زِيَادَةِ الْإِمَامِ. (وَلَا سُجُودَ عَلَى مُؤْتَمٍّ سَهَا) بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ لِسُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ أَوْ سُنَّتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ فَأَكْثَرَ (حَالَةَ الْقُدْوَةِ) : لِأَنَّ كُلَّ سَهْوٍ سَهَاهُ الْمَأْمُومُ فَالْإِمَامُ يَحْمِلُهُ عَنْهُ. وَمَفْهُومُ حَالَةِ الْقُدْوَةِ أَنَّهُ لَوْ سَهَا فِيمَا يَقْضِيهِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ لَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ فِيهِ السُّجُودُ، وَهُوَ كَذَلِكَ. وَقَوْلُنَا " سُجُودٌ " مِمَّا زِدْنَاهُ عَلَيْهِ. (وَلَا) سُجُودَ (لِتَرْكِ فَضِيلَةٍ أَوْ سُنَّةٍ خَفِيفَةٍ) كَالْقُنُوتِ وَكَتَكْبِيرَةٍ فَإِنْ سَجَدَ لَهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ بَطَلَتْ لِتَعَمُّدِ الزِّيَادَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَذْهَبُهُ يَرَى التَّرْكَ، وَتُزَادُ عَلَى قَاعِدَةِ: كُلُّ صَلَاةٍ بَطَلَتْ عَلَى الْإِمَامِ بَطَلَتْ عَلَى الْمَأْمُومِ إلَّا فِي سَبْقِ الْحَدَثِ وَنِسْيَانِهِ. تَنْبِيهٌ لَوْ أَخَّرَ الْإِمَامُ الْقَبْلِيَّ؛ هَلْ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُقَدِّمَهُ أَمْ لَا؟ الْبُرْزُلِيُّ: كَانَ شَيْخُنَا ابْنُ عَرَفَةَ يَقُولُ إنَّ الْمَأْمُومَ يَسْجُدُ قَبْلُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّ الْمَأْمُومَ يَتْبَعُ الْإِمَامَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي السُّجُودِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ. وَفِي الْمَوَّاقِ فِيهَا لِمَالِكٍ وَكَذَا إنْ قَدَّمَ الْإِمَامُ الْقَبْلِيَّ وَأَخَّرَهُ الْمَأْمُومُ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [سَهَا] إلَخْ: لَا مَفْهُومَ لِلسَّهْوِ بَلْ إذَا تَعَمَّدَ تَرْكَ جَمِيعِ السُّنَنِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَحْمِلُهَا عَنْهُ. قَوْلُهُ: [حَالَةَ الْقَدْوَةِ] : بِفَتْحِ الْقَافِ بِمَعْنَى الِاقْتِدَاءِ، وَأَمَّا الشَّخْصُ الْمُقْتَدَى بِهِ فَهُوَ مُثَلَّثُ الْقَافِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ كُلَّ سَهْوٍ سَهَاهُ الْمَأْمُومُ] إلَخْ: يُشِيرُ لِقَاعِدَةٍ وَهِيَ: كُلُّ سَهْوٍ يَحْمِلُهُ الْإِمَامُ فَسَهْوُهُ عَنْهُ سَهْوٌ لَهُمْ وَإِنْ هُمْ فَعَلُوهُ، وَكُلُّ سَهْوٍ لَا يَحْمِلُهُ الْإِمَامُ فَسَهْوُهُ عَنْهُ لَيْسَ سَهْوًا لَهُمْ إذَا هُمْ فَعَلُوهُ، مِثَالُ الْأَوَّلِ: إذَا سَهَا الْإِمَامُ عَنْ سُورَةٍ مَثَلًا، أَوْ بِزِيَادَةٍ وَسَجَدَ فَإِنَّ الْمَأْمُومَ يَسْجُدُ مَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ مُوجِبُ السُّجُودِ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ مِنْ الْمَأْمُومِ لَحَمَلَهُ الْإِمَامُ عَنْهُ، وَمِثَالُ الثَّانِي إذَا سَهَا الْإِمَامُ أَوْ الْمَأْمُومُ عَنْ الْفَرَائِضِ فَلَا يَحْمِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ. قَوْلُهُ: [لِتَعَمُّدِ الزِّيَادَةِ] : أَيْ وَلَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ.

(وَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِتَرْكِ) سُجُودٍ (بَعْدِيٍّ) . (وَ) إنْ نَسِيَهُ (سَجَدَهُ مَتَى ذَكَرَهُ) وَلَوْ بَعْدَ سِنِينَ. وَكَذَا إنْ تَرَكَهُ عَمْدًا (وَلَا يَسْقُطُ) بِطُولِ الزَّمَانِ سَوَاءٌ تَرَكَهُ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا. (وَلَا) تَبْطُلُ (بِتَرْكِ) سُجُودٍ (قَبْلِيٍّ) عَمْدًا أَوْ سَهْوًا تَرَتَّبَ (عَنْ) تَرْكِ (سُنَّتَيْنِ) خَفِيفَتَيْنِ فَقَطْ (وَسَجَدَهُ) اسْتِنَانًا (إنْ قَرُبَ) بِأَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ وَهُوَ فِي مَكَانِهِ أَوْ قُرْبِهِ (وَإِلَّا) يَقْرَبْ بِأَنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ طَالَ الزَّمَانُ (سَقَطَ) لِخِفَّتِهِ (وَبَطَلَتْ إنْ كَانَ) الْقَبْلِيُّ مُتَرَتِّبًا (عَنْ) تَرْكِ (ثَلَاثٍ) مِنْ السُّنَنِ (وَطَالَ) زَمَنُ تَرْكِهِ سَهْوًا، وَأَمَّا لَوْ تَرَكَهُ عَمْدًا لَبَطَلَتْ بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ وَهُوَ يُنَافِي كَوْنَهُ سُنَّةً. (كَتَرْكِ رُكْنٍ) سَهْوًا وَطَالَ زَمَنُ التَّرْكِ فَتَبْطُلُ. وَأَمَّا عَمْدًا فَتَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ (وَ) إذَا لَمْ يَطُلْ: (تَدَارَكَهُ) بِأَنْ يَأْتِيَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ بَعْدَ سِنِينَ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَرْغِيمُ الشَّيْطَانِ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ] : أَيْ عِنْدَ أَشْهَبَ لِأَنَّ الطُّولَ عِنْدَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ. قَوْلُهُ: [أَوْ طَالَ الزَّمَنُ] : أَيْ بِالْعُرْفِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَوْلُهُ: [وَطَالَ زَمَنُ تَرْكِهِ] : أَيْ بِأَنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، أَوْ بِالْعُرْفِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا لَوْ تَرَكَهُ عَمْدًا] إلَخْ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ: وَصَحَّ إنْ قَدَّمَ بَعْدِيَّةً أَوْ أَخَّرَ قَبْلِيَّةً، فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُعْرِضْ عَنْ الْإِتْيَانِ بِهِ بِالْمَرَّةِ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ يُنَافِي كَوْنَهُ سُنَّةً] : أَجَابَ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ الْبُطْلَانَ مُرَاعَاةٌ لِلْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ. قَوْلُهُ: [وَطَالَ زَمَنُ التَّرْكِ] : أَيْ بِحَيْثُ فَاتَهُ تَدَارُكُهُ. وَمِثْلُ الطُّولِ بَقِيَّةُ الْمُنَافِيَاتِ كَحَدَثٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ كَلَامٍ كَمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ كُلِّ مَا أَخَلَّ بِشَرْطٍ، عَلَى تَفْصِيلِ الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ. قَوْلُهُ: [تَدَارُكُهُ] : أَيْ إنْ كَانَ يُمْكِنُ التَّدَارُكُ بِأَنْ كَانَ تَرْكُهُ بَعْدَ تَحَقُّقِ مَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ وَانْعِقَادِهَا كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَأَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ كَالنِّيَّةِ

عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي بَيَانُهُ (إنْ لَمْ يُسَلِّمْ) مُعْتَقِدًا التَّمَامَ إذَا كَانَ التَّرْكُ (مِنْ) الرَّكْعَةِ (الْأَخِيرَةِ) فَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ الْفَاتِحَةَ: انْتَصَبَ قَائِمًا فَيَقْرَؤُهَا ثُمَّ يُتِمُّ رَكْعَتَهُ، وَإِنْ كَانَ الرُّكُوعَ رَجَعَ قَائِمًا ثُمَّ يَرْكَعُ، وَإِنْ كَانَ الرَّفْعَ مِنْهُ رَجَعَ مَحْدُوبًا فَإِذَا وَصَلَ حَدَّ الرُّكُوعِ اطْمَأَنَّ. ثُمَّ يَرْفَعُ وَيُتِمُّ رَكْعَتَهُ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ. وَإِنْ كَانَ السُّجُودَ سَجَدَ وَهُوَ جَالِسٌ وَأَعَادَ التَّشَهُّدَ وَسَلَّمَ، وَثُمَّ يَسْجُدُ بَعْدَهُ لِلزِّيَادَةِ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ نَقْصٌ تَقَدَّمَ وَإِلَّا فَقَبْلَهُ. فَإِنْ سَلَّمَ مِنْ الْأَخِيرَةِ مُعْتَقِدًا كَمَالَ صَلَاتِهِ ثُمَّ تَذَكَّرَ تَرْكَ الرُّكْنِ مِنْهَا، فَاتَ التَّدَارُكُ وَاسْتَأْنَفَ رَكْعَةً بَدَلهَا إذَا لَمْ يَطُلْ، فَإِنْ طَالَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، فَلَوْ سَلَّمَ مِنْ غَيْرِ الْأَخِيرَةِ سَاهِيًا لَمْ يَفُتْ تَدَارُكُهُ - بَلْ يَتَدَارَكُهُ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي - مَا لَمْ يَعْقِدْ رُكُوعًا مِنْ الَّتِي تَلِيهَا. (أَوْ) يَتَدَارَكُهُ مِنْ غَيْرِ الْأَخِيرَةِ إنْ (لَمْ يَعْقِدْ رُكُوعًا) مِنْ رَكْعَةٍ تَلِي رَكْعَةَ النَّقْصِ إذَا كَانَ التَّرْكُ (مِنْ غَيْرِهَا) . وَقَوْلُنَا فِي الْأُولَى: " مِنْ الْأَخِيرَةِ " وَفِي هَذِهِ " مِنْ غَيْرِهَا " تَقْيِيدٌ لِإِطْلَاقِهِ، وَالْأَوْضَحُ. لَوْ قُلْنَا: " وَتَدَارُكَهُ مِنْ الْأَخِيرَةِ إنْ لَمْ يُسَلِّمْ، وَمِنْ غَيْرِهَا إنْ لَمْ يَعْقِدْ رُكُوعَ الَّتِي تَلِيهَا "، وَإِذَا أَمْكَنَ التَّدَارُكُ بِأَنْ كَانَ التَّرْكُ مِنْ الْأَخِيرَةِ وَلَمْ يُسَلِّمْ، أَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا وَلَمْ يَعْقِدْ رُكُوعَ الَّتِي تَلِي رَكْعَةَ النَّقْصِ. (فَتَارِكُ رُكُوعٍ) سَهْوًا تَذَكَّرَهُ فِي السُّجُودِ أَوْ فِي الْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَوْ فِي التَّشَهُّدِ (يَرْجِعُ قَائِمًا) (وَنُدِبَ أَنْ يَقْرَأَ) شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ لِيَقَعَ رُكُوعُهُ بَعْدَ قِرَاءَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُصَلٍّ. قَوْلُهُ: [إذَا كَانَ التَّرْكُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ] : أَيْ وَأَمَّا سَلَامُهُ مِنْ اثْنَتَيْنِ مُعْتَقِدًا الْكَمَالَ فَلَا يُفِيتُ تَدَارُكَ الرُّكْنِ الْمَتْرُوكِ مِنْ الثَّانِيَةِ كَمَا هُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ النُّقُولِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَأْمُومِ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْمُزَاحَمَةِ. قَوْلُهُ: [سَجَدَ وَهُوَ جَالِسٌ] : أَيْ إنْ كَانَتْ السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ، وَإِلَّا فَيَخِرُّ مِنْ قِيَامٍ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [فَتَارِكُ رُكُوعٍ سَهْوًا] إلَخْ: إنَّمَا كَانَ يَرْجِعُ لَهُ قَائِمًا لِأَنَّ الْحَرَكَةَ لِلرُّكْنِ مَقْصُودَةٌ. قَوْلُهُ: [شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ] : أَيْ مِنْ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ لَا مِنْهَا، لِأَنَّ تَكْرِيرَهَا حَرَامٌ،

[فوات التدارك]

وَكَذَا تَارِكُ الْفَاتِحَةِ يَرْجِعُ قَائِمًا لِيَأْتِيَ بِهَا. (وَ) تَارِكُ (الرَّفْعِ مِنْهُ) : أَيْ مِنْ الرُّكُوعِ (يَرْجِعُ مُحْدَوْدِبًا) أَيْ مَحْنِيًّا مُقَوَّسًا حَتَّى يَصِلَ حَدَّ الرُّكُوعِ ثُمَّ يَرْفَعَ مِنْهُ بِسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. (وَ) تَارِكُ (سَجْدَةٍ) سَهْوًا - وَتَذَكَّرَ فِي قِيَامِهِ - (يَجْلِسُ) لِيَأْتِيَ بِهَا مِنْهُ (لَا) تَارِكُ (سَجْدَتَيْنِ) ثُمَّ تَذَكَّرَهُمَا قَائِمًا فَلَا يَجْلِسُ لَهُمَا بَلْ يَنْحَطُّ لَهُمَا مِنْ قِيَامٍ ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا إذَا فَاتَ التَّدَارُكُ بِعَقْدِ الرُّكُوعِ مِنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي تَلِي رَكْعَةَ النَّقْصِ أَوْ بِالسَّلَامِ إذَا كَانَ التَّرْكُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَقَالَ: (فَإِنْ رَكَعَ) : هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ " أَوْ لَمْ يَعْقِدْ رُكُوعًا " أَيْ فَإِنْ عَقَدَ رُكُوعَ الرَّكْعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَرْتَكِبُ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ مَنْدُوبٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَقْرَأُ وَلَوْ كَانَ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ. وَفِي الْمَجْمُوعِ وَ (عب) نَدْبُ قِرَاءَتِهِ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ ظَاهِرُ شَارِحِنَا. قَوْلُهُ: [يَرْجِعُ مُحْدَوْدِبًا] : هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ. فَلَوْ خَالَفَ وَرَجَعَ قَائِمًا لَمْ تَبْطُلْ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ الْمُقَابِلِ، خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ (عب) مِنْ الْبُطْلَانِ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. وَالْقَائِلُ بِرُجُوعِهِ قَائِمًا هُوَ ابْنُ حَبِيبٍ، فَيَقُولُ: يَرْجِعُ قَائِمًا بِقَصْدِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعُ أَنْ يَنْحَطَّ لِلسُّجُودِ مِنْ قِيَامٍ مِنْهُ، وَإِذَا رَجَعَ إلَى الْقِيَامِ وَانْحَطَّ مِنْهُ إلَى السُّجُودِ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ. قَوْلُهُ: [وَتَارِكُ سَجْدَةٍ] : أَيْ إنْ كَانَتْ الثَّانِيَةَ فَإِنَّ الْأُولَى لَا يُتَصَوَّرُ تَرْكُهَا. وَفَعَلَ الثَّانِيَةَ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ أَتَى بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْأُولَى قَطْعًا وَلَوْ جَلَسَ قَبْلَهَا فَجُلُوسُهُ مَلْغِيٌّ لِوُقُوعِهِ بِغَيْرِ مَحَلِّهِ وَلَا يُصَيِّرُهَا الْجُلُوسُ قَبْلَهَا ثَانِيَةً. قَوْلُهُ: [بَلْ يَنْحَطُّ لَهُمَا مِنْ قِيَامٍ] : فَلَوْ فَعَلَهُمَا مِنْ جُلُوسٍ فَلَا بُطْلَانَ وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ، فَالِانْحِطَاطُ غَيْرُ وَاجِبٍ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَالْحَطَّابِ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ الْحَرَكَةَ لِلرُّكْنِ مَقْصُودَةٌ، فَالِانْحِطَاطُ لَهُمَا وَاجِبٌ، فَكَيْفَ يَجْبُرُهُ السُّجُودُ وَعَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا سُنَّةٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مُرَاعَاةَ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ صَيَّرَتْهُ كَالسُّنَّةِ فَلِذَا جُبِرَ بِالسُّجُودِ. [فَوَات التَّدَارُك] قَوْلُهُ: [إذَا كَانَ التَّرْكُ] إلَخْ: ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ: " أَوْ بِالسَّلَامِ

الَّتِي تَلِي رَكْعَةَ النَّقْصِ بَطَلَتْ رَكْعَةُ النَّقْصِ. وَ (رَجَعَتْ الثَّانِيَةُ) الَّتِي عَقَدَ رُكُوعَهَا (أُولَى لِبُطْلَانِهَا) : أَيْ الْأُولَى بِفَوَاتِ التَّدَارُكِ؛ فَإِنْ كَانَتْ رَكْعَةُ النَّقْصِ هِيَ الْأُولَى صَارَتْ الثَّانِيَةُ مَكَانَهَا، وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ، وَيَتَشَهَّدُ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ لِمَحْضِ الزِّيَادَةِ. وَإِذَا كَانَتْ رَكْعَةُ النَّقْصِ هِيَ الثَّانِيَةُ صَارَتْ الثَّالِثَةُ ثَانِيَةً، وَهِيَ بِالْفَاتِحَةِ فَقَطْ فَيَتَشَهَّدُ بَعْدَهَا وَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ بِالْفَاتِحَةِ فَقَطْ، وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ لِنَقْصِ السُّورَةِ مِنْ الَّتِي صَارَتْ ثَانِيَةً مَعَ الزِّيَادَةِ. وَإِذَا كَانَتْ رَكْعَةُ النَّقْصِ هِيَ الثَّالِثَةُ صَارَتْ الرَّابِعَةُ ثَالِثَةً، وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ. وَإِذَا تَذَكَّرَ وَهُوَ فِي الْجُلُوسِ الثَّانِي أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ الْأُولَى رَجَعَتْ الثَّانِيَةُ أُولَى، وَالثَّالِثَةُ ثَانِيَةً وَالرَّابِعَةُ ثَالِثَةً؛ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِالْفَاتِحَةِ فَقَطْ سِرًّا وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ لِنَقْصِ السُّورَةِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ صَارَ مُلْغًى بِوُقُوعِهِ بَعْدَ الْأُولَى. وَكَذَا إنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ السَّلَامِ بِقُرْبٍ فَإِنْ طَالَ بَطَلَتْ كَمَا يَأْتِي. (وَهُوَ) : أَيْ الرُّكُوعُ الْمُفِيتُ لِلتَّدَارُكِ (رَفْعُ رَأْسٍ) : بَعْدَ الِانْحِنَاءِ مُطْمَئِنًّا (مُعْتَدِلًا) مُطْمَئِنًّا، فَمَنْ لَمْ يَعْتَدِلْ تَدَارَكَ مَا فَاتَهُ. وَكَذَا الْمَسْبُوقُ إذَا كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ وَانْحَنَى بَعْدَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ وَقَبْلَ اعْتِدَالِهِ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ مَعَهُ. وَكَذَا الْمَأْمُومُ إذَا لَمْ يَرْكَعْ مَعَ إمَامِهِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى رَفَعَ مُطْمَئِنًّا فَإِنَّهُ يَفُوتُهُ الرُّكُوعُ مَعَهُ، وَإِلَّا رَكَعَ وَأَدْرَكَهُ. وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَرَجَعَتْ الثَّانِيَةُ] إلَخْ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ انْقِلَابِ الرَّكَعَاتِ لِلْفَذِّ وَالْإِمَامِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: لَا انْقِلَابَ. فَعَلَى الْمَشْهُورِ الرَّكْعَةُ الَّتِي يَأْتِي بِهَا فِي آخِرِ صَلَاتِهِ بِنَاءً يَقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ، كَمَا يَأْتِي فِيمَا قَبْلَهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْمُقَابِلِ: الرَّكْعَةُ الَّتِي يَأْتِي بِهَا آخِرَ صَلَاتِهِ قَضَاءً عَلَى الَّتِي بَطَلَتْ، فَيَأْتِي بِهَا عَلَى صِفَتِهَا مِنْ سِرٍّ أَوْ جَهْرٍ، وَبِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ أَوْ بِالْفَاتِحَةِ فَقَطْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَكِنْ هَلْ هِيَ بِنَاءٌ أَوْ قَضَاءٌ؟ وَعَلَى الْمَشْهُورِ يَخْتَلِفُ حَالُ السُّجُودِ وَعَلَى مُقَابِلِهِ، فَالسُّجُودُ دَائِمًا بَعْدَ السَّلَامِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ طَالَ بَطَلَتْ] : مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْبُطْلَانِ عِنْدَ الطُّولِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ (ر) قَائِلًا: الْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي عَدَمَ الْبُطْلَانِ إنْ قَرُبَ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ خِلَافًا لِلشَّيْخِ سَالِمٍ السَّنْهُورِيِّ حَيْثُ قَالَ بِالْبُطْلَانِ بِمُجَرَّدِ السَّلَامِ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ

[تنبيه إقامة مغرب عليه وهو بها]

هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. فَلَيْسَ الرُّكُوعُ مُجَرَّدَ الِانْحِنَاءِ - خِلَافًا لِأَشْهَبَ - إلَّا فِي مَسَائِلَ أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ: (إلَّا لِتَرْكِ رُكُوعٍ) مِنْ رَكْعَةٍ فَيَفُوتُ بِمُجَرَّدِ الِانْحِنَاءِ مِنْ الَّتِي تَلِيهَا وَتَقُومُ هَذِهِ الرَّكْعَةُ مَقَامَ مَا قَبْلَهَا. (أَوْ) تَرْكِ (سِرٍّ) لِفَاتِحَةٍ أَوْ سُورَةٍ فَيَفُوتُ بِمُجَرَّدِ الِانْحِنَاءِ، فَإِنْ عَادَ لِلْقِرَاءَةِ عَلَى سُنَّتِهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. (أَوْ) تَرْكِ (جَهْرٍ) فَكَذَلِكَ. (أَوْ) تَرْكِ (تَكْبِيرِ عِيدٍ) كُلًّا أَوْ بَعْضًا حَتَّى انْحَنَى فَكَذَلِكَ. (أَوْ) تَرْكِ (سُورَةٍ) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ. (أَوْ) تَرْكِ (سَجْدَةِ تِلَاوَةٍ) فِي فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ حَتَّى انْحَنَى سَاهِيًا عَنْهَا. (أَوْ ذِكْرِ بَعْضٍ) مِنْ صَلَاةٍ أُخْرَى قَبْلَ الَّتِي هُوَ فِيهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [تَنْبِيه إقَامَة مَغْرِبٍ عَلَيْهِ وَهُوَ بِهَا] قَوْلُهُ: [فَيَفُوتُ بِمُجَرَّدِ الِانْحِنَاءِ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَطْمَئِنَّ. قَوْلُهُ: [بَطَلَتْ صَلَاتُهُ] : أَيْ لِرُجُوعِهِ مِنْ فَرْضٍ لِسُنَّةٍ. قَوْلُهُ: [حَتَّى انْحَنَى فَكَذَلِكَ] : أَيْ تَبْطُلُ إنْ رَجَعَ وَإِنَّمَا يَسْتَمِرُّ وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ فِي تَرْكِ تَكْبِيرِ الْعِيدِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا أَوْ تَرْكِ الْجَهْرِ. وَأَمَّا تَرْكُ السِّرِّ فَيَسْجُدُ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ إنْ أَتَى بِأَعْلَى الْجَهْرِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ فَيَفُوتُ السُّجُودُ بِمُجَرَّدِ الِانْحِنَاءِ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ، وَلَا يَجْبُرُ بِسُجُودِ سَهْوٍ وَلَا غَيْرِهِ وَيَأْتِي بِهِ فِي ثَانِيَةِ النَّفْلِ، وَهَلْ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهَا أَهَمُّ؟ أَوْ قَبْلَهَا لِتَقَدُّمِ مُوجِبَهَا؟ قَوْلَانِ. قَوْلُهُ: [أَوْ ذَكَرَ بَعْضَ] إلَخْ: أَيْ فَإِذَا ذَكَرَ بَعْضَ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ أَوْ سُجُودًا قَبْلِيًّا مِنْ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً، أَوْ كَانَ الْبَعْضُ أَوْ السُّجُودُ مِنْ نَافِلَةٍ وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي نَافِلَةٍ أُخْرَى بَعْدَ انْحِنَائِهِ لِلرُّكُوعِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ لِإِتْمَامِ الْأُولَى وَتَبْطُلُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْقَبْلِيَّ الْمُتَرَتِّبَ عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ وَالْبَعْضَ الْمَتْرُوكَ مِنْ فَرْضٍ وَذَكَرَهُ فِي فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ، فَإِنْ أَطَالَ الْقِرَاءَةَ مِنْ غَيْرِ رُكُوعٍ بِأَنْ فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ أَوْ رَكَعَ بِالِانْحِنَاءِ - وَإِنْ لَمْ تَطُلْ قِرَاءَتُهُ بَلْ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ - كَأُمِّيٍّ وَمَأْمُومٍ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ الْمَتْرُوكُ مِنْهَا لِفَوَاتِ التَّلَافِي بِالْإِتْيَانِ بِمَا فَاتَ مِنْهَا. وَحَيْثُ بَطَلَتْ الْأُولَى

وَمُرَادُهُ بِالْبَعْضِ الْمَتْرُوكِ: مَا يَشْمَلُ الْبَعْضَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَالسُّجُودِ الْقَبْلِيِّ الْمُتَرَتِّبِ عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ (فَبِالِانْحِنَاءِ) أَيْ فَالرُّكُوعُ بِالِانْحِنَاءِ، وَيَفُوتُ التَّدَارُكُ لِمَا تَرَكَهُ فِي الْجَمِيعِ وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ الَّتِي تَرَكَ مِنْهَا الْبَعْضَ لِلطُّولِ بِالرُّكُوعِ. (وَإِنْ سَلَّمَ) هَذَا عَطْفٌ عَلَى " إنْ رَكَعَ " وَهُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ: (إنْ لَمْ يُسَلِّمْ) أَيْ: وَإِنْ سَلَّمَ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مُعْتَقِدًا الْكَمَالَ فَاتَ التَّدَارُكُ لِلرُّكْنِ الْمَتْرُوكِ مِنْهَا. (وَبَنَى) عَلَى مَا مَعَهُ مِنْ الرَّكَعَاتِ الصِّحَاحِ وَأَلْغَى رَكْعَةَ النَّقْصِ (إنْ قَرُبَ) تَذَكُّرُهُ بَعْدَ سَلَامِهِ بِالْعُرْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَتَمَّ النَّفَلَ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لِإِدْرَاكِ الْأُولَى عَقَدَ مِنْهُ رَكْعَةً أَمْ لَا، أَوْ ضَاقَ وَأَتَمَّ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا، وَإِلَّا قَطَعَ وَأَحْرَمَ بِالْأُولَى وَقَطَعَ الْفَرْضَ بِسَلَامٍ أَوْ غَيْرِهِ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ إنْ كَانَ فَذًّا أَوْ إمَامًا وَتَبِعَهُ مَأْمُومُهُ، لَا مَأْمُومًا. وَنُدِبَ الْإِشْفَاعُ وَلَوْ بِصُبْحٍ وَجُمُعَةٍ إلَّا الْمَغْرِبَ إنْ عَقَدَ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ، وَإِلَّا قَطَعَ لِأَنَّهُ يَقْضِي بِخِلَافِ النَّفْلِ وَإِلَّا - بِأَنْ لَمْ يُطِلْ الْقِرَاءَةَ وَلَمْ يَرْكَعْ - رَجَعَ لِإِصْلَاحِ الْأُولَى بِلَا سَلَامٍ مِنْ الثَّانِيَةِ. فَإِنْ سَلَّمَ بَطَلَتْ الْأُولَى. وَإِنْ كَانَ ذَكَرَ الْقَبْلِيَّ أَوْ الْبَعْضَ مِنْ نَفْلٍ فِي فَرْضٍ، تَمَادَى مُطْلَقًا كَفِي نَفْلٍ وَإِنْ أَطَالَ الْقِرَاءَةَ أَوْ رَكَعَ. وَإِلَّا رَجَعَ لِإِصْلَاحِ الْأُولَى بِلَا سَلَامٍ، وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ النَّفْلِ الَّذِي رَجَعَ عَنْهُ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ إبْطَالَهُ. (انْتَهَى مِنْ الْأَصْلِ) فَالصُّوَرُ ثَمَانِيَةٌ وَقَدْ عَلِمْت تَفْصِيلَهَا فَتَأَمَّلْ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ إقَامَةَ مَغْرِبٍ عَلَيْهِ وَهُوَ بِهَا، لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِيهَا أَنَّ مَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الرَّاتِبِ لِلْمَغْرِبِ وَهُوَ بِهَا - وَقَدْ أَتَمَّ مِنْهَا رَكْعَتَيْنِ بِسُجُودِهِمَا - فَإِنَّهُ يُتِمُّ، فَلَا يَتَوَقَّفُ الْفَوَاتُ عَلَى الِانْحِنَاءِ بِالثَّانِيَةِ خِلَافًا لِخَلِيلٍ. قَوْلُهُ: [بِالْعُرْفِ] : أَيْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ إذْ ابْنُ الْقَاسِمِ عِنْدَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ طُولٌ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ، فَقَالَ فِي قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ سَهَا عَنْ سَجْدَةٍ أَوْ رَكْعَةٍ أَوْ عَنْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ بَنَى فِيمَا قَرُبَ، وَإِنْ تَبَاعَدَ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ، مَا نَصُّهُ: حَدُّ الْقُرْبِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الصَّفَّانِ أَوْ الثَّلَاثَةُ أَوْ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ، (انْتَهَى نَقْلُهُ ر) ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْمَسْجِدِ طُولٌ بِاتِّفَاقٍ، وَحِينَئِذٍ

وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ فَإِنْ طَالَ بَطَلَتْ (بِنِيَّةٍ وَتَكْبِيرٍ) أَيْ إكْمَالِ صَلَاتِهِ وَنُدِبَ رَفْعُ يَدَيْهِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ (وَلَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ) : أَيْ التَّكْبِيرِ، لِأَنَّهُ وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ. ثُمَّ إنْ كَانَ جَالِسًا كَبَّرَ مِنْ جُلُوسِهِ وَقَامَ لِلْإِتْمَامِ. (وَجَلَسَ لَهُ) : إنْ كَانَ قَائِمًا لِيَأْتِيَ بِهِ مِنْ جُلُوسٍ لِأَنَّ حَرَكَتَهُ لِلْقِيَامِ لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً لِإِتْمَامِ صَلَاتِهِ. هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الرُّكْنُ الْمَتْرُوكُ غَيْرَ السَّلَامِ، فَإِنْ كَانَ السَّلَامُ فَأَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَأَعَادَ تَارِكُ السَّلَامِ) سَهْوًا (التَّشَهُّدَ) فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ: (إنْ فَارَقَ مَكَانَهُ) : الَّذِي كَانَ بِهِ وَلَوْ لَمْ يُطِلْ. (أَوْ) لَمْ يُفَارِقْهُ وَ (طَالَ لَا جِدًّا) أَيْ بَلْ طُولًا مُتَوَسِّطًا بِالْعُرْفِ. فَإِنْ طَالَ جِدًّا بَطَلَتْ فِيهِمَا وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ لِلزِّيَادَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ نَقْصٌ سَبَقَ (وَسَجَدَ) بَعْدَهُ (فَقَطْ) ، أَيْ بِلَا إعَادَةِ التَّشَهُّدِ (إنْ انْحَرَفَ) عَنْ الْقِبْلَةِ انْحِرَافًا (كَثِيرًا) بِأَنْ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ إذَا كَانَ بِنَحْوِ الْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ مُفَارَقَةٍ لِمَكَانِهِ (بِلَا طُولٍ) ، فَإِنْ لَمْ يَنْحَرِفْ عَنْهَا أَوْ انْحِرَافًا يَسِيرًا اعْتَدَلَ وَسَلَّمَ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَتَعَيَّنُ أَنَّ الْوَاوَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى بَابِهَا لِلْجَمْعِ لَا بِمَعْنَى أَوْ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ] : أَيْ بِرِجْلَيْهِ مَعًا بِأَنْ لَمْ يَخْرُجْ أَصْلًا أَوْ خَرَجَ بِإِحْدَى رِجْلَيْهِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ طَالَ بَطَلَتْ] : مِثْلُهُ خُرُوجُ الْحَدَثِ وَحُصُولُ بَقِيَّةِ الْمُنَافِيَاتِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْكَلَامِ. قَوْلُهُ: [وَلَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا النِّيَّةُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا وَلَوْ قَرُبَ جِدًّا كَمَا لِلْبَاجِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَوْلُهُ: [وَجَلَسَ لَهُ] : هَذَا قَوْلُ ابْنِ شَبْلُونٍ وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ. قَوْلُهُ: [فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ] : وَهِيَ: مُفَارَقَةُ مَكَانِهِ طَالَ طُولًا مُتَوَسِّطًا، أَمْ لَا، أَوْ لَمْ يُفَارِقْ مَكَانَهُ وَطَالَ طُولًا مُتَوَسِّطًا. قَوْلُهُ: [بَطَلَتْ فِيهِمَا] : أَيْ فِيمَا إذَا طَالَ جِدًّا فَارَقَ مَكَانَهُ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [إذَا كَانَ بِنَحْوِ الْمَدِينَةِ] : أَيْ كَمِصْرِ وَمَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ كُلِّ مَنْ كَانَتْ

[ترك التشهد الأول سهوا]

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَنْ حُكْمِ مَنْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ سَهْوًا فَقَالَ: (وَرَجَعَ تَارِكُ الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ) وَالْمُرَادُ بِهِ مَا عَدَا الْأَخِيرَ (مَا) : أَيْ مُدَّةَ كَوْنِهِ (لَمْ يُفَارِقْ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ) جَمِيعًا بِأَنْ بَقِيَ بِالْأَرْضِ وَلَوْ يَدًا أَوْ رُكْبَةً (وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ) لِهَذَا الرُّجُوعِ مَعَ التَّزَحْزُحِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ فَارَقَ الْأَرْضَ بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ (فَلَا) يَرْجِعُ لَهُ. أَيْ: يُمْنَعُ وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ. (فَإِنْ رَجَعَ) لِلتَّشَهُّدِ وَلَوْ عَمْدًا (لَمْ تَبْطُلْ) صَلَاتُهُ، (وَلَوْ اسْتَقَلَّ) قَائِمًا (وَتَبِعَهُ مَأْمُومُهُ) فِي الرُّجُوعِ وُجُوبًا (وَسَجَدَ) لِزِيَادَةِ هَذَا الرُّجُوعِ (بَعْدَهُ) أَيْ السَّلَامِ. (وَإِنْ شَكَّ) الْمُصَلِّي (فِي) تَرْكِ (سَجْدَةٍ لَمْ يَدْرِ مَحَلَّهَا) ؛ أَيْ: هَلْ هِيَ مِنْ الَّتِي هُوَ بِهَا أَوْ مِنْ رَكْعَةٍ قَبْلَهَا؟ (سَجَدَهَا) مَكَانَهُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا مِنْ الَّتِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقِبْلَتُهُمْ بَيْنَ مَطْلَعِ الشَّمْسِ وَالْجَنُوبِ. [تَرَكَ التَّشَهُّد الْأَوَّل سَهْوًا] قَوْلُهُ: [وَرَجَعَ تَارِكُ الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ] : الَّذِي يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ أَنَّ الرُّجُوعَ سُنَّةٌ، فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ سَهْوًا سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ لِلنَّقْصِ. وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ عَمْدًا جَرَى عَلَى تَرْكِ السُّنَّةِ. قَوْلُهُ: [الْمُرَادُ بِهِ مَا عَدَا الْأَخِيرَ] : أَيْ فَالْمُرَادُ جُلُوسٌ غَيْرُ السَّلَامِ سَوَاءٌ كَانَ أَوَّلًا أَوْ ثَانِيًا أَوْ ثَالِثًا كَمَا فِي مَسَائِلِ الْبِنَاءِ وَالْقَضَاءِ. قَوْلُهُ: [أَيْ يُمْنَعُ] : أَيْ لِأَنَّهُ تَلَبَّسَ بِرُكْنٍ فَلَا يَقْطَعُهُ لِمَا دُونَهُ، وَالرُّجُوعُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ الْقَائِلِ بِالِاعْتِدَادِ بِرُجُوعِهِ. وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ رُجُوعِهِ فِي غَيْرِ الْمَأْمُومِ، وَأَمَّا هُوَ إذَا قَامَ وَحْدَهُ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَاسْتَقَلَّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ: [لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ] : أَيْ لِعَدَمِ الِاتِّفَاقِ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْفَاتِحَةِ بِخِلَافِ مَنْ رَجَعَ مِنْ الرُّكُوعِ لِفَضِيلَةِ الْقُنُوتِ لِغَيْرِ اتِّبَاعِ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ اسْتَقَلَّ قَائِمًا] : أَيْ بَلْ وَلَوْ قَرَأَ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ، أَمَّا لَوْ قَرَأَهَا كُلَّهَا وَرَجَعَ فَالْبُطْلَانُ. قَوْلُهُ: [وَتَبِعَهُ مَأْمُومُهُ] إلَخْ: أَيْ فَمَأْمُومُهُ يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّبَاعُهُ فِي كُلِّ حَالٍ. قَوْلُهُ: [لِزِيَادَةِ هَذَا الرُّجُوعِ] : أَيْ وَلِقِيَامِهِ سَهْوًا. [الشَّكّ فِي ترك سَجْدَة] قَوْلُهُ: [سَجَدَهَا مَكَانَهُ] : أَيْ فَإِنْ تَرَكَ الْإِتْيَانَ بِهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ

هُوَ بِهَا. فَإِنْ كَانَ قَائِمًا جَلَسَ لَهَا وَبِسُجُودِهَا تَيَقَّنَ سَلَامَةَ تِلْكَ الرَّكْعَةِ، وَصَارَ الشَّكُّ فِيمَا قَبْلَهَا. ثُمَّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ، أَوْ لَا، (فَ) إنْ كَانَ (فِي الْأَخِيرَةِ أَتَى بِرَكْعَةٍ) بِالْفَاتِحَةِ فَقَطْ سِرًّا لِأَنَّهَا آخِرُ صَلَاتِهِ، وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ لِلزِّيَادَةِ مَعَ النَّقْصِ الْمَشْكُوكِ لِاحْتِمَالِ تَرْكِهَا مِنْ إحْدَى الْأُولَيَيْنِ فَتَصِيرُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ بِالْفَاتِحَةِ فَقَطْ ثَانِيَةً. (وَ) إنْ كَانَ (فِي قِيَامِ الرَّابِعَةِ) أَتَى (بِرَكْعَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ بِسُجُودِهَا تَحَقَّقَتْ لَهُ رَكْعَتَانِ: هَذِهِ الثَّالِثَةُ وَوَاحِدَةٌ مِنْ إحْدَى الْأُولَيَيْنِ، (وَيَتَشَهَّدُ) بَعْدَ إتْيَانِهِ بِالسَّجْدَةِ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِالرَّكْعَتَيْنِ، وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ لِاحْتِمَالِ النَّقْصِ كَمَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا. (وَ) إنْ كَانَ (فِي) قِيَامِ (الثَّالِثَةِ) جَلَسَ وَسَجَدَهَا، فَيَتَحَقَّقُ بِهَا سَلَامَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَمَّدَ إبْطَالَ رَكْعَةٍ أَمْكَنَهُ إصْلَاحُهَا، فَإِنْ تَحَقَّقَ تَمَامُ تِلْكَ الرَّكْعَةِ لَمْ يَسْجُدْ فَقَوْلُهُ " سَجَدَهَا مَكَانَهُ " أَيْ: مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ تَمَامُ تِلْكَ الرَّكْعَةِ، وَإِلَّا فَلَا يَسْجُدُهَا أَصْلًا وَتَنْقَلِبُ رَكَعَاتُهُ وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ كَانَ فِي الْأَخِيرَةِ] : شُرُوعٌ فِي التَّفْصِيلِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَالْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ. قَوْلُهُ: [لِاحْتِمَالِ النَّقْصِ] : أَيْ نَقْصِ الصُّورَةِ مِنْ إحْدَى الْأُولَيَيْنِ لِانْقِلَابِ الرَّكَعَاتِ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْفَذِّ وَالْإِمَامِ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ السَّجْدَةَ لِتَكْمِلَةِ الرَّكْعَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا، وَبَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ إحْدَى الْأُولَيَيْنِ، وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ لِاحْتِمَالِ زِيَادَةِ هَذِهِ الرَّكْعَةِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ فِي قِيَامِ الثَّالِثَةِ] : أَيْ أَوْ فِي رُكُوعِهَا وَقَبْلَ الرَّفْعِ مِنْهُ، وَأَمَّا لَوْ حَصَلَ لَهُ الشَّكُّ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ رُكُوعِهَا فَلَا يَسْجُدُهَا لِفَوَاتِ التَّدَارُكِ، وَيَتَشَهَّدُ بَعْدَ هَذِهِ ثُمَّ يَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ بِالْفَاتِحَةِ فَقَطْ، وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ لِنَقْصِ السُّورَةِ وَالزِّيَادَةِ؛ هَذَا إذَا كَانَ فَذًّا أَوْ إمَامًا. وَأَمَّا الْمَأْمُومُ الَّذِي شَكَّ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ رُكُوعِ الثَّالِثَةِ فَإِنَّهُ يَأْتِي مَعَ الْإِمَامِ بِرَكْعَةٍ وَبَعْدَهُ بِرَكْعَةٍ بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ وَيَسْجُدُ

[المصلي إذا فاته ركوع]

الثَّانِيَةِ وَيَصِيرُ الشَّكُّ فِي الْأُولَى فَتُلْغَى لِفَوَاتِ تَدَارُكِهَا، وَأَتَى (بِثَلَاثٍ) : وَاحِدَةٌ بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ وَتَشَهُّدٍ، وَرَكْعَتَيْنِ بِالْفَاتِحَةِ فَقَطْ وَتَشَهُّدٍ، وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ. (وَإِنْ فَاتَ مُؤْتَمًّا) مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ (رُكُوعٌ) فَاعِلٌ مُؤَخَّرٌ (مَعَ إمَامِهِ) : بِأَنْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِهِ وَاعْتَدَلَ مُطْمَئِنًّا قَبْلَ انْحِنَاءِ الْمُؤْتَمِّ لِلرُّكُوعِ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْفَوَاتُ فِي أُولَى الْمَأْمُومِ سَوَاءٌ كَانَتْ أُولَى الْإِمَامِ أَيْضًا أَوْ غَيْرَهَا كَمَا فِي الْمَسْبُوقِ. أَوْ فِي غَيْرِ أُولَاهُ، وَفِي كُلٍّ مِنْهَا: إمَّا أَنْ يَكُونَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ. (فَ) إنْ كَانَ الْفَوَاتُ (فِي غَيْرِ أُولَاهُ) أَيْ الْمَأْمُومِ (اتَّبَعَهُ) أَيْ تَبِعَ الْإِمَامَ بِأَنْ يَرْكَعَ وَيَرْفَعَ وَيَسْجُدَ خَلْفَهُ (مَا) أَيْ مُدَّةَ كَوْنِ الْإِمَامِ (لَمْ يَرْفَعْ) رَأْسَهُ (مِنْ سُجُودِهَا) الثَّانِي. فَإِنْ رَفَعَ فَاتَتْهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ اتِّبَاعُهُ فِي الَّتِي قَامَ لَهَا، وَيَجْلِسُ مَعَهُ إنْ جَلَسَ لِتَشَهُّدٍ. فَإِنْ قَضَى بَعْدَ رَفْعِ إمَامِهِ مِنْ سُجُودِهَا الثَّانِي بَطَلَتْ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ السَّلَامِ. تَنْبِيهٌ إنْ سَجَدَ إمَامٌ سَجْدَةً وَاحِدَةً وَتَرَكَ الثَّانِيَةَ سَهْوًا وَقَامَ لَمْ يَتْبَعْهُ مَأْمُومُهُ بَلْ يَجْلِسُ وَيُسَبِّحُ لَهُ لَعَلَّهُ يَرْجِعُ، فَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ كَلَّمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فَإِنَّهُمْ يَسْجُدُونَهَا لِأَنْفُسِهِمْ وَلَا يَتْبَعُونَهُ فِي تَرْكِهَا وَإِلَّا بَطَلَتْ عَلَيْهِمْ وَيَجْلِسُونَ مَعَهُ وَيُسَلِّمُونَ بِسَلَامِهِ. فَإِذَا تَذَكَّرَ وَرَجَعَ لِسُجُودِهَا فَلَا يُعِيدُونَهَا مَعَهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ اسْتَمَرَّ تَارِكُهَا حَتَّى سَلَّمَ وَطَالَ الْأَمْرُ بَطَلَتْ عَلَيْهِ دُونَهُمْ. فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ. [المصلي إذَا فَاتَهُ رُكُوع] [تَنْبِيه السَّهْو فِي سُجُود السَّهْو] قَوْلُهُ: [فَاعِلٌ مُؤَخَّرٌ] : أَيْ لِكَوْنِهِ إذَا دَارَ الْإِسْنَادُ بَيْنَ الْمَعْنَى وَالذَّاتِ يُسْنَدُ لِلْمَعْنَى لَا لِلذَّاتِ. قَوْلُهُ: [اتَّبَعَهُ] إلَخْ: أَيْ فَعَلَ الْمَأْمُومُ مَا فَاتَهُ بِهِ الْإِمَامُ، وَلَا يَضُرُّ قَضَاءُ الْمَأْمُومِ فِي صُلْبِ الْإِمَامِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. قَوْلُهُ: [أَيْ مُدَّةَ كَوْنِ الْإِمَامِ] إلَخْ: أَيْ فَهُوَ ظَرْفٌ لِلِاتِّبَاعِ. وَالْمَعْنَى أَتَى بِمَا فَاتَهُ بِهِ الْإِمَامُ مُدَّةَ عَدَمِ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ فَإِذَا رَفَعَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ فَلَا يَشْرَعُ الْمَأْمُومُ فِي الْإِتْيَانِ بِمَا فَاتَهُ. وَمَتَى عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْإِمَامَ فِي ثَانِي السَّجْدَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ وَإِنْ أَتَى بِالسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ قِيَامِ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ: [بَطَلَتْ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ] : ظَاهِرُهُ نَوَى الِاعْتِدَادَ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ أَمْ

وَسَوَاءٌ كَانَ الْفَوَاتُ لِعُذْرٍ مِمَّا يَأْتِي أَوْ لَا، غَيْرَ أَنَّ غَيْرَ الْمَعْذُورِ آثِمٌ عَلَى الرَّاجِحِ، وَقَوْلُنَا: " اتَّبَعَهُ مَا لَمْ يَرْفَعْ " إلَخْ صَادِقٌ بِمَا إذَا كَانَ يُدْرِكُ إمَامَهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى، أَوْ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، أَوْ فِي الثَّانِيَةِ. فَلَوْ طَمِعَ فِي إدْرَاكِهِ الْأُولَى قَبْلَ رَفْعِ إمَامِهِ مِنْ الثَّانِيَةِ اتَّبَعَهُ أَيْضًا وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ. فَلَوْ رَكَعَ وَرَفَعَ مِنْهُ فَرَفَعَ إمَامُهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ أَلْغَى رُكُوعَهُ وَتَابَعَ إمَامَهُ فِي الْقِيَامِ أَوْ الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ. (وَ) إنْ كَانَ فَوَاتُ الرُّكُوعِ بِرَفْعِ إمَامِهِ مُعْتَدِلًا (فِي الْأُولَى) : أَيْ أُولَى ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ مَحَلَّ الْبُطْلَانِ إنْ اعْتَدَّ بِهَا. قَوْلُهُ: [وَفِي الثَّانِيَةِ] : أَيْ وَإِنْ كَانَ لَا يَفْعَلُهَا إلَّا بَعْدَ رَفْعِ الْإِمَامِ مِنْهَا. قَوْلُهُ: [أَلْغَى رُكُوعُهُ] إلَخْ: أَيْ وَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ وَقَضَى رَكْعَةً. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ فَوَاتُ الرُّكُوعِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا فَاتَهُ رُكُوعُ الْأُولَى بِمَا ذَكَرَ مِنْ الِازْدِحَامِ وَمَا مَعَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ بَعْدَ رَفْعِ الْإِمَامِ؛ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ إذَا أَتَى بِهِ يُدْرِكُ الْإِمَامَ قَبْلَ رَفْعِهِ مِنْ السُّجُودِ بَلْ يَخِرُّ سَاجِدًا، وَيُلْغِي هَذِهِ الرَّكْعَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْسَحِبْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمَأْمُومِيَّةِ. فَإِنْ تَبِعَهُ وَأَتَى بِذَلِكَ الرُّكُوعِ وَأَدْرَكَهُ فِي السُّجُودِ أَوْ بَعْدَهُ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ حَيْثُ اعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ، لَا إنْ أَلْغَاهَا وَأَتَى بِرَكْعَةٍ بَدَلَهَا. وَمِثْلُ مَنْ زُوحِمَ عَلَى الرُّكُوعِ فِي الْأُولَى، الْمَسْبُوقُ إذَا أَرَادَ الرُّكُوعَ فَرَفَعَ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ يَخِرُّ مَعَهُ، وَلَا تَبْطُلُ إنْ رَكَعَ إذَا أَلْغَى تِلْكَ الرَّكْعَةَ. وَمِنْ هَذَا تَعْلَمُ مَا يَقَعُ لِبَعْضِ الْجَهَلَةِ؛ يَأْتُونَ فَيَجِدُونَ الْإِمَامَ قَدْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَيُحْرِمُونَ وَيُدْرِكُونَ الْإِمَامَ فِي السُّجُودِ، أَنَّ صَلَاتَهُمْ بَاطِلَةٌ إنْ اعْتَدُّوا بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ. فَإِنْ أَلْغَوْهَا وَأَتَوْا بَدَلَهَا بِرَكْعَةٍ صَحَّتْ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَتْبَعُهُ مُطْلَقًا لَا فِي الْأُولَى وَلَا فِي غَيْرِهَا. وَقِيلَ بِعَدَمِ الِاتِّبَاعِ فِي الْأُولَى فَقَطْ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ، وَقِيلَ: بِالِاتِّبَاعِ مُطْلَقًا مَا لَمْ يَعْقِدْ التَّالِيَةَ (اُنْظُرْ بَهْرَامَ. اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . تَنْبِيهٌ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ حُكْمِ مَا إذَا زُوحِمَ عَنْ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ فَهَلْ هُوَ كَمَنْ زُوحِمَ عَنْ الرُّكُوعِ؟ فَيَأْتِي بِهِ فِي غَيْرِ الْأُولَى مَا لَمْ يَرْفَعْ مِنْ سُجُودِهَا، أَوْ هُوَ كَمَنْ زُوحِمَ عَنْ سَجْدَةٍ؟ فَيَجْرِي فِيهِ مَا جَرَى فِيهَا مِنْ التَّفْصِيلِ؟ قَوْلَانِ. وَالْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ عَقْدَ الرُّكُوعِ بِرَفْعِ الرَّأْسِ، وَالثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى

الْمَأْمُومِ - وَإِنْ كَانَتْ ثَانِيَةَ إمَامِهِ أَوْ ثَالِثَتَهُ - (فَ) إنْ كَانَ فَوَاتُهُ (لِعُذْرٍ مِنْ سَهْوٍ وَنُعَاسٍ) خَفِيفٍ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، (وَازْدِحَامٍ) بَيْنَ النَّاسِ (وَنَحْوِهَا) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ كَمَرَضٍ مَنَعَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، أَوْ إكْرَاهٍ أَوْ مَشْيٍ لِسَدِّ فُرْجَةٍ (تَرَكَهُ) : أَيْ الرُّكُوعَ (وَسَجَدَ) أَيْ خَرَّ سَاجِدًا (مَعَهُ) أَيْ مَعَ إمَامِهِ وَلَوْ فِي الثَّانِيَةِ، وَجَلَسَ مَعَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَسَجَدَ مَعَهُ الثَّانِيَةَ إنْ فَاتَتْهُ الْأُولَى. فَإِنْ فَاتَتْهُ السَّجْدَتَانِ مَعًا أَيْضًا اتَّبَعَهُ فِي الْحَالَةِ الَّتِي صَارَ إلَيْهَا مِنْ قِيَامٍ أَوْ جُلُوسٍ لِتَشَهُّدٍ، لِأَنَّهُ صَارَ مَسْبُوقًا فَاتَهُ الرُّكُوعُ فَيَتَّبِعُ إمَامَهُ فِي الْحَالَةِ الَّتِي هِيَ بِهَا، (وَقَضَاهَا) : أَيْ الرَّكْعَةَ الَّتِي فَاتَتْهُ بِرَفْعِ الْإِمَامِ مِنْ رُكُوعِهِ (بَعْدَ سَلَامِهِ) أَيْ سَلَامِ إمَامِهِ. (وَ) إنْ كَانَ الْفَوَاتُ (لِغَيْرِهِ) : أَيْ لِغَيْرِ عُذْرٍ بَلْ بِاخْتِيَارِهِ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ وَاسْتَأْنَفَ الْإِحْرَامَ، (كَإِنْ) أَيْ كَمَا تَبْطُلُ إنْ (قَضَى) فِي صُلْبِ الْإِمَامِ (مَا فَاتَهُ) مِنْ الرُّكُوعِ (فِي) حَالِ (الْعُذْرِ وَسَجْدَةٌ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى رُكُوعٍ، أَيْ وَإِنْ فَاتَ مُؤْتَمًّا سَجْدَةٌ أَوْ سَجْدَتَانِ؛ فَالْمُرَادُ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِالِاثْنَتَيْنِ (فَإِنْ طَمِعَ فِيهَا) أَيْ فِي الْإِتْيَانِ بِالسَّجْدَةِ وَإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ (قَبْلَ عَقْدِ إمَامِهِ) رُكُوعَ الَّتِي تَلِيهَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُعْتَدِلًا مُطْمَئِنًّا (سَجَدَهَا) وَأَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ، (وَإِلَّا) يَطْمَعْ فِيهَا بِأَنْ ظَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ بِالِانْحِنَاءِ (اهـ. مِنْ الْحَاشِيَةِ) . قَوْلُهُ: [بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَاسْتَأْنَفَ الْإِحْرَامَ] : أَيْ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ الْأُجْهُورِيُّ وَقِيلَ: وَكَالْمَعْذُورِ إلَّا أَنَّهُ آثِمٌ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ طَمَعَ فِيهَا] إلَخْ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا أُولَى الْمَأْمُومِ أَوْ غَيْرِهَا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُزَاحَمَةِ عَلَى الرُّكُوعِ حَيْثُ فَصَلَ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِ مِنْ الْأُولَى أَوْ مِنْ غَيْرِهَا وَالْمُزَاحَمَةِ عَلَى السَّجْدَةِ، حَيْثُ سَوَّى بَيْنَ كَوْنِهَا مِنْ الْأُولَى أَوْ مِنْ غَيْرِهَا: أَنَّ الْمُزَاحَمَةَ عَلَى السَّجْدَةِ إنَّمَا حَصَلَتْ بَعْدَ انْسِحَابِ حُكْمِ الْمَأْمُومِيَّةِ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَالْمُزَاحَمَةَ عَلَى الرُّكُوعِ تَارَةً تَكُونُ بَعْدَ انْسِحَابِ حُكْمِ الْمَأْمُومِيَّةِ عَلَيْهِ وَتَارَةً قَبْلُ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا يَطْمَعْ فِيهَا] إلَخْ: أَيْ بِأَنْ لَمْ يَظُنَّ الْإِدْرَاكَ لِلسَّجْدَةِ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ التَّالِيَةِ، بِأَنْ جَزَمَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ، أَوْ ظَنَّ عَدَمَهُ، أَوْ شَكَّ فِيهِ.

أَنَّهُ مَتَى سَجَدَهَا فَاتَهُ الرُّكُوعُ (تَمَادَى) عَلَى حَالِهِ مِنْ تَرْكِهَا، وَاتَّبَعَ إمَامَهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ (وَقَضَاهَا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [تَمَادَى عَلَى حَالِهِ] : أَيْ فَيَتَمَادَى مَعَ الْإِمَامِ وَيَتْرُكُ تِلْكَ السَّجْدَةَ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهَا فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ مَعَ الْإِمَامِ، وَكَانَ مُحَصِّلًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ الَّتِي فَعَلَ سَجْدَتَهَا. وَإِنْ تَمَادَى مَعَ الْإِمَامِ كَانَ مُحَصِّلًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مَعَهُ، وَفَاتَتْهُ الْأُولَى الْمَتْرُوكُ مِنْهَا السَّجْدَةُ، وَمُوَافَقَتُهُ لِلْإِمَامِ أَوْلَى. فَلَوْ خَالَفَ وَلَمْ يَتَمَادَ مَعَ الْإِمَامِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ. إنْ تَبَيَّنَ أَنَّ سُجُودَهُ وَقَعَ قَبْلَ عَقْدِ إمَامِهِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَعْدَ الْعَقْدِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. قَوْلُهُ: [وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ] : أَيْ إلَّا أَنْ يَشُكَّ فِي التَّرْكِ فَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ. خَاتِمَةٌ إنْ قَامَ إمَامٌ لِزَائِدَةٍ فَمَأْمُومُهُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ أَنَّهَا مَحْضُ زِيَادَةٍ. أَوْ لَا، وَتَحْتَهُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ، فَمُتَيَقِّنُ الزِّيَادَةِ يَجْلِسُ وُجُوبًا، وَتَصِحُّ لَهُ إنْ سَبَّحَ فَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ كَلَّمَهُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ يَقِينُهُ، وَتَصِحُّ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مَنْ تَيَقَّنَ الْمُوجِبَ، أَوْ ظَنَّهُ. أَوْ شَكَّ، أَوْ تَوَهَّمَ إنْ اتَّبَعَهُ. فَإِنْ خَالَفَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ إلَّا أَنْ يُصَادِفَ الْوَاقِعَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي الْأَوَّلِ، وَالْحَطَّابُ فِي الثَّانِي. وَسَهْوًا: أَتَى الْجَالِسُ الَّذِي كَانَ يُؤْمَرُ بِالْقِيَامِ بِرَكْعَةٍ وَيُعِيدُهَا الْمُتَّبِعُ الَّذِي كَانَ يُؤْمَرُ بِالْجُلُوسِ إنْ تَبَيَّنَ مُوجِبٌ. فَلَوْ اتَّبَعَ مَنْ كَانَ يُؤْمَرُ بِالْجُلُوسِ مُنْفَرِدًا صَحَّتْ لَهُ وَلَمْ تَجُزْ مَسْبُوقًا عَلِمَ بِزِيَادَتِهَا عَنْ رَكْعَةٍ قَضَاءً، وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ فِي الْوَاقِعِ رَكْعَةٌ فَكَأَنَّهُ قَامَ لَهَا وَأَجْزَأَتْهُ عَنْ رَكْعَةِ الْقَضَاءِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِزِيَادَتِهَا. وَهَلْ إلَّا أَنْ يُجْمِعَ الْمَأْمُومُونَ عَلَى نَفْيِ الْمُوجِبِ؟ قَوْلَانِ سِيَّانِ، وَسَاهٍ عَنْ سَجْدَةٍ مَنْ كَأُولَاهُ لَا تُجْزِيهِ الْخَامِسَةُ. وَإِنْ تَعَمَّدَهَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَفِي (ح) : خِلَافٌ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ نَظَرًا لِلتَّلَاعُبِ، وَعَدَمِهِ نَظَرًا لِلْوَاقِعِ.

[فصل في النوافل]

فَصْلٌ: فِي النَّوَافِلِ فِي بَيَانِ النَّوَافِلِ الْمَطْلُوبَةِ: (نُدِبَ نَفْلٌ) فِي غَيْرِ وَقْتِ النَّهْيِ، وَنَفْلُ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ نَفْلِ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي النَّوَافِلِ] [النَّوَافِل الْمَطْلُوبَة وَالنَّوَافِل المؤكدة] فَصْلٌ إنَّمَا قَدَّمَهُ عَلَى سُجُودِ التِّلَاوَةِ لِاحْتِوَائِهِ عَلَى تَطَوُّعٍ بِالصَّلَوَاتِ الْكَامِلَةِ بِخِلَافِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ فَإِنَّهُ بَعْضُ صَلَاةٍ. وَالنَّفَلُ مَعْنَاهُ لُغَةً: الزِّيَادَةُ. وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا زَادَ عَلَى الْفَرْضِ وَعَلَى السُّنَّةِ وَالرَّغِيبَةِ، بِدَلِيلِ ذِكْرِهِمَا بَعْدُ، وَاصْطِلَاحًا: مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ أَيْ يَتْرُكُهُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، وَيَفْعَلُهُ فِي بَعْضٍ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَتْرُكُهُ رَأْسًا لِأَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ إدَامَةَ عَمَلِهِ. وَهَذَا الْحَدُّ غَيْرُ جَامِعٍ؛ لِخُرُوجِ نَحْوِ أَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، لِمَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُدَاوِمُ عَلَيْهَا. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَهِيَ لُغَةً: الطَّرِيقَةُ، وَاصْطِلَاحًا: مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَظْهَرَهُ حَالَةَ كَوْنِهِ فِي جَمَاعَةٍ، وَدَاوَمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهِ. وَالْمُؤَكَّدُ مِنْ السُّنَنِ مَا كَثُرَ ثَوَابُهُ كَالْوَتْرِ. وَأَمَّا الرَّغِيبَةُ فَهُوَ لُغَةً: التَّحْضِيضُ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ، وَاصْطِلَاحًا: مَا رَغَّبَ فِيهِ الشَّرْعُ وَحْدَهُ وَلَمْ يَفْعَلْهُ فِي جَمَاعَةٍ. وَالْمُرَادُ: أَنَّهُ حَدَّدَهُ تَحْدِيدًا بِحَيْثُ لَوْ زِيدَ فِيهِ عَمْدًا أَوْ نَقَصَ عَمْدًا لَبَطَلَ، فَلَا يُقَالُ إنَّهُ صَادِقٌ بِأَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ؛ فَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» لَا يُفِيدُ التَّحْدِيدَ بِحَيْثُ لَا يَصِحُّ غَيْرُهَا، بَلْ بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَنَفْلُ الصَّلَاةِ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ الْقُرُبَاتِ لِجَمْعِهَا أَنْوَاعًا مِنْ

فَرْضَهَا أَفْضَلُ مِنْ فَرْضِ غَيْرِهَا. (وَتَأَكَّدَ) النَّفَلُ (قَبْلَ) صَلَاةِ (ظُهْرٍ وَبَعْدَهَا) (وَقَبْلَ) صَلَاةِ (عَصْرٍ وَبَعْدَ) صَلَاةِ (مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ بِلَا حَدٍّ) فِي الْجَمِيعِ، فَيَكْفِي فِي تَحْصِيلِ النَّدْبِ رَكْعَتَانِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ إلَّا الْمَغْرِبَ فَسِتٌّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِبَادَاتِ لَا تُجْمَعُ فِي غَيْرِهَا. قَوْلُهُ: [وَتَأَكَّدَ النَّفَلُ] : قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي تَقْدِيم النَّوَافِلِ عَلَى الْفَرَائِضِ وَتَأْخِيرِهَا عَنْهَا مَعْنًى لَطِيفٌ مُنَاسِبٌ؛ أَمَّا فِي التَّقْدِيمِ فَلِأَنَّ النُّفُوسَ لِاشْتِغَالِهَا بِأَسْبَابِ الدُّنْيَا بَعِيدَةٌ عَنْ حَالَةِ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ وَالْحُضُورِ الَّتِي هِيَ رُوحُ الْعِبَادَةِ، فَإِذَا قُدِّمَتْ النَّوَافِلُ عَلَى الْفَرَائِضِ أَنَسَتْ النَّفْسُ بِالْعِبَادَةِ وَتَكَيَّفَتْ بِحَالَةٍ تَقْرُبُ مِنْ الْخُشُوعِ، وَأَمَّا تَأْخِيرُهَا عَنْهَا فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ النَّوَافِلَ جَابِرَةٌ لِنَقْصِ الْفَرَائِضِ، فَإِذَا وَقَعَ الْفَرْضُ نَاسَبَ أَنْ يَقَعَ بَعْدَهُ مَا يَجْبُرُ الْخَلَلَ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ (اهـ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَاعْلَمْ أَنَّ النَّفَلَ الْبَعْدِيَّ وَإِنْ كَانَ جَابِرًا لِلْفَرْضِ فِي الْوَاقِعِ، لَكِنَّهُ يُكْرَهُ نِيَّةُ الْجَبْرِ بِهِ لِعَدَمِ الْعَمَلِ، بَلْ يُفَوَّضُ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ الْجَبْرَ فِي الْوَاقِعِ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ صَلَاةِ ظُهْرٍ] إلَخْ: أَيْ إنْ كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا وَإِلَّا مُنِعَ. قَوْلُهُ: [بِلَا حَدٍّ] : أَيْ يَضُرُّ مُخَالَفَتُهُ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى] إلَخْ: أَيْ فَالْأَفْضَلُ الْوَارِدُ وَكَوْنُهُ بَعْدَ الْأَذْكَارِ الْوَارِدَةِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ.

(وَ) تَأَكَّدَ (الضُّحَى) : وَأَقَلُّهُ رَكْعَتَانِ وَأَكْثَرُهُ ثَمَانٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَتَأَكَّدَ الضُّحَى] : أَيْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رَكْعَتَانِ مِنْ الضُّحَى يَعْدِلَانِ عِنْدَ اللَّهِ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مُتَقَبَّلَتَيْنِ» ، رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي الثَّوَابِ عَنْ أَنَسٍ. وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ الضُّحَى عُطِفَ عَلَى الضَّمِيرِ فِي " تَأَكَّدَ " لَا عَلَى نَفْلٍ، وَإِلَّا لَاكْتَفَى بِدُخُولِ الضُّحَى فِي عُمُومِ نَدْبِ نَفْلٍ. قَوْلُهُ: [أَكْثَرُهُ ثَمَانٍ] : لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ: أَوْسَطُهُ سِتٌّ، لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ مِنْ أَنَّ أَكْثَرَهَا اثْنَا عَشَرَ. فَمَا زَادَ عَلَى الثَّمَانِ بِنِيَّةِ الضُّحَى يُكْرَهُ لَا بِنِيَّةِ مُطْلَقِ نَفْلٍ. إنْ قُلْت الْوَقْتُ يَصْرِفُهَا لِلضُّحَى قِيلَ: صَرْفُهُ إذَا لَمْ يَصِلْ فِيهِ لِلْقَدْرِ الْمَعْلُومِ الَّذِي هُوَ الثَّمَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَالَ (بْن) مَا ذُكِرَ مِنْ كَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ، عَلَى الثَّمَانِيَةِ قَوْلُ الْأُجْهُورِيِّ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ. وَالصَّوَابُ - كَمَا قَالَ الْبَاجِيُّ - إنَّهَا لَا تَنْحَصِرُ فِي عَدَدٍ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَكْثَرُهَا ثَمَانٍ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ أَكْثَرُ الْوَارِدِ فِيهَا لَا كَرَاهَةُ الزَّائِدِ عَلَى الثَّمَانِ، فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْبَاجِيِّ وَغَيْرِهِ. قَالَهُ الْمِسْنَاوِيُّ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .

[تنبيه النفل قبل العشاء]

(وَ) : تَأَكَّدَ (التَّهَجُّدُ) أَيْ النَّفَلُ بِاللَّيْلِ، وَأَفْضَلُهُ بِالثُّلُثِ الْأَخِيرِ. (وَالتَّرَاوِيحُ) : بِرَمَضَانَ (وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً) بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ غَيْرِ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُؤَلِّفُ مِنْ النَّفْلِ قَبْلَ الْعِشَاءِ كَأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِيهِ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ إلَّا عُمُومُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَبَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ» وَالْمُرَادُ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ، وَالْمَغْرِبُ مُسْتَثْنَاةٌ (اهـ. مِنْ الْحَاشِيَةِ) . [تَنْبِيه النَّفَل قَبْل الْعِشَاء] قَوْلُهُ: [وَتَأَكَّدَ التَّهَجُّدُ] : أَيْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رَكْعَتَانِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ يُكَفِّرَانِ الْخَطَايَا» ، رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ عَنْ جَابِرٍ. قَوْلُهُ: [وَأَفْضَلُهُ بِالثُّلُثِ الْأَخِيرِ] : أَيْ وَالْأَفْضَلُ أَيْضًا الْوَارِدُ وَهُوَ عَشْرٌ غَيْرُ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ، وَأَكْثَرُهُ لَا حَدَّ لَهُ وَقَدْ وَرَدَ فِي فَضْلِ التَّهَجُّدِ لَيْلًا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا لَا يُحْصَى. قَوْلُهُ: [بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ] : أَيْ فَوَقْتُهُ بَعْدَ عِشَاءٍ صَحِيحَةٍ وَشَفَقٍ لِلْفَجْرِ.

[النوافل المندوبة والرغائب]

(وَ) نُدِبَ (الْخَتْمُ فِيهَا) : أَيْ التَّرَاوِيحِ، بِأَنْ يَقْرَأَ كُلَّ لَيْلَةٍ جُزْءًا يُفَرِّقُهُ عَلَى الْعِشْرِينَ رَكْعَةً (وَ) نُدِبَ (الِانْفِرَادُ) بِهَا فِي بَيْتِهِ (إنْ لَمْ تُعَطَّلْ الْمَسَاجِدُ) : عَنْ صَلَاتِهَا بِهَا جَمَاعَةً فَإِنْ لَزِمَ عَلَى الِانْفِرَادِ بِهَا تَعْطِيلُ الْمَسَاجِدِ عَنْهَا، فَالْأَوْلَى إيقَاعُهَا فِي الْمَسَاجِدِ جَمَاعَةً، فَعُلِمَ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْأَعْيَانِ فِعْلُهَا فِي الْمَسَاجِدِ لِأَنَّ الشَّأْنَ أَنَّ الْأَعْيَانَ، وَمَنْ يَقْتَدِي بِهِمْ إذَا لَمْ يُصَلُّوهَا فِي الْمَسَاجِدِ تَعَطَّلَتْ الْمَسَاجِدُ. (وَ) نُدِبَ (تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ) بِرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْجُلُوسِ بِهِ (لِدَاخِلٍ) فِيهِ (يُرِيدُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَنُدِبَ الْخَتْمُ فِيهَا] : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا لِمَالِكٍ وَلَيْسَ الْخَتْمُ بِسُنَّةٍ وَلِرَبِيعَةَ لَوْ أُقِيمَ بِسُورَةٍ أَجْزَأَهُ، اللَّخْمِيُّ وَالْخَتْمُ أَحْسَنُ (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ الِانْفِرَادُ بِهَا] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ نَدْبَ فِعْلِهَا فِي الْبُيُوتِ مَشْرُوطٌ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَنْ لَا تُعَطَّلَ الْمَسَاجِدُ، وَأَنْ يَنْشَطَ لِفِعْلِهَا فِي بَيْتِهِ، وَأَنْ يَكُونَ غَيْرَ آفَاقِيٍّ بِالْحَرَمَيْنِ، فَإِنْ تَخَلَّفَ مِنْهَا شَرْطٌ كَانَ فِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلَ. قَوْلُهُ: [فَعُلِمَ أَنَّهُ يُنْدَبُ] إلَخْ: مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ أَنَّ الْأَعْيَانَ لَا يُصَلُّونَهَا إلَّا فِي الْمَسَاجِدِ وَلَوْ لَمْ تَتَعَطَّلْ بِالْفِعْلِ، وَالِانْفِرَادُ لَهُمْ بِهَا مَكْرُوهٌ. [النَّوَافِل الْمَنْدُوبَة وَالرَّغَائِب] قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ] : الْمُنَاسِبُ وَتَأَكَّدَ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُتَأَكَّدِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ بَعْدَ ذِكْرِ النَّفْلِ مَعْنًى. وَإِنَّمَا كَانَتْ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ مِنْ الْمُتَأَكَّدِ لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «أَعْطُوا الْمَسَاجِدَ حَقَّهَا، قَالُوا: وَمَا حَقُّهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ تُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجْلِسُوا» . وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ بِهِمَا التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهَا تَحِيَّةُ رَبِّ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا دَخَلَ بَيْتَ الْمَلِكِ إنَّمَا يُحَيِّي الْمَلِكَ لَا بَيْتَهُ. قَوْلُهُ: [لِدَاخِلٍ فِيهِ] إلَخْ: ذَكَرَ سَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٌ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَنْ قَالَ: " سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ " أَرْبَعَ مَرَّاتٍ قَامَتْ مَقَامَ

الْجُلُوسَ بِهِ) أَيْ: بِالْمَسْجِدِ - لَا الْمُرُورَ فِيهِ - وَلَا تَفُوتُ بِالْجُلُوسِ (فِي وَقْتِ جَوَازٍ) : لَا وَقْتِ نَهْيٍ (وَتَأَدَّتْ) التَّحِيَّةُ (بِفَرْضٍ) ، فَيَسْقُطُ طَلَبُهَا بِصَلَاتِهِ. فَإِنْ نَوَى الْفَرْضَ وَالتَّحِيَّةَ حَصَلَا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ التَّحِيَّةَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ثَوَابُهَا، «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» . (وَتَحِيَّةُ مَكَّةَ) : أَيْ مَسْجِدِهَا (الطَّوَافُ) بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَرَكْعَتَاهُ لِآفَاقِيٍّ وَغَيْرِهِ، إلَّا مَكِّيًّا لَيْسَ مَطْلُوبًا بِطَوَافٍ، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي وَقْتِ جَوَازٍ لِغَيْرِ قَصْدِ طَوَافٍ فَيَكْفِيهِ الرَّكْعَتَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّحِيَّةِ، فَيَنْبَغِي اسْتِعْمَالُهَا فِي وَقْتِ النَّهْيِ أَوْ فِي أَوْقَاتِ الْجَوَازِ إذَا كَانَ غَيْرَ مُتَوَضِّئٍ. وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي أَوْقَاتِ الْجَوَازِ وَهُوَ مُتَوَضِّئٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ. إنْ قُلْت فِعْلُ التَّحِيَّةِ وَقْتَ النَّهْيِ عَنْ النَّفْلِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَكَيْفَ يُطْلَبُ بِبَدَلِهَا وَيُثَابُ عَلَيْهَا؟ قُلْت: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّحِيَّةَ وَقْتَ النَّهْيِ عَنْ التَّنَفُّلِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، بَلْ هِيَ مَطْلُوبَةٌ فِي وَقْتِ النَّهْيِ وَفِي وَقْتِ الْجَوَازِ، غَيْرَ أَنَّهَا فِي وَقْتِ الْجَوَازِ يُطْلَبُ فِعْلُهَا صَلَاةً وَفِي وَقْتِ النَّهْيِ يُطْلَبُ فِعْلُهَا ذِكْرًا (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَتَأَدَّتْ التَّحِيَّةُ بِفَرْضٍ] : أَيْ غَيْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَلَى الْأَظْهَرِ لِأَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَكَيْفَ تَكُونُ تَحِيَّةً لَهُ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ] : ظَاهِرُهُ أَنَّ التَّحِيَّةَ نَفْسُ الطَّوَافِ لَا الرَّكْعَتَانِ بَعْدَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْجُزُولِيِّ وَالْقَلْشَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ التَّحِيَّةَ هِيَ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الطَّوَافِ وَلَكِنْ زِيدَ عَلَيْهِمَا الطَّوَافُ (اهـ. بْن) وَلَكِنْ يُؤَيِّدُ مَا لِلْمُصَنِّفِ وَخَلِيلٍ الْمُبَادَرَةُ بِالطَّوَافِ وقَوْله تَعَالَى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج: 26] وَالرَّكْعَتَانِ تَبَعٌ، عَكْسُ مَا فِي (بْن) . وَعَلَيْهِ إذَا رَكَعَهُمَا خَارِجَهُ لَمْ يَأْتِ بِالتَّحِيَّةِ (اهـ مِنْ الْمَجْمُوعِ) . قَوْلُهُ [فَيَكْفِيهِ الرَّكْعَتَانِ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعٌ: مَكِّيٌّ، وَآفَاقِيٌّ. وَفِي كُلٍّ

(وَنُدِبَ بَدْءٌ بِهَا) : أَيْ التَّحِيَّةِ (قَبْلَ السَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِمَسْجِدِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَ) نُدِبَ (قِرَاءَةُ شَفْعٍ) : الْمُرَادُ بِهِ الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْوَتْرِ (بِسَبِّحْ) اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى عَقِبَ الْفَاتِحَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (وَالْكَافِرُونَ) فِي الثَّانِيَةِ. (وَ) نُدِبَ قِرَاءَةُ (وَتْرٍ) : أَيْ فِيهِ، بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (بِإِخْلَاصٍ وَمُعَوِّذَتَيْنِ) . (وَ) نُدِبَ (فَصْلُهُ) : أَيْ الشَّفْعِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْوَتْرِ (بِسَلَامٍ وَكُرِهَ وَصْلُهُ) بِهِ مِنْ غَيْرِ سَلَامٍ. (وَ) كُرِهَ (الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَتْرِ) : مِنْ غَيْرِ شَفْعٍ وَصَحَّ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ إلَّا بِشَفْعٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإمَّا مَأْمُورٌ بِالطَّوَافِ، أَوْ غَيْرُ مَأْمُورٍ فَالْكُلُّ تَحِيَّتُهُمْ الطَّوَافُ إلَّا الْمَكِّيَّ الَّذِي لَمْ يُؤْمَرْ بِطَوَافٍ وَلَمْ يَدْخُلْهُ لِأَجْلِ الطَّوَافِ بَلْ لِلْمُشَاهَدَةِ أَوْ لِلصَّلَاةِ أَوْ لِقِرَاءَةِ عِلْمٍ أَوْ قُرْآنٍ، فَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ فِي حَقِّهِ الصَّلَاةُ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ السَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ] إلَخْ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا وَفِيهِ جَمَاعَةٌ فَإِنَّهُ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ إلَّا بَعْدَ صَلَاةِ التَّحِيَّةِ إلَّا أَنْ يَخْشَى الشَّحْنَاءَ وَالْبَغْضَاءَ، وَإِلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ فِعْلِهَا. قَوْلُهُ: [وَالْكَافِرُونَ] : مَجْرُورٌ عَلَى الْحِكَايَةِ، وَقِرَاءَةُ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ بِمَا ذُكِرَ مَنْدُوبَةٌ وَلَوْ لِمَنْ لَهُ حِزْبٌ وَقَوْلُ خَلِيلٍ: إلَّا لِمَنْ لَهُ حِزْبٌ، اسْتِظْهَارٌ لِلْمَازِرِيِّ خِلَافَ الْمَذْهَبِ - كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ وَصْلُهُ بِهِ] : أَيْ إلَّا لِاقْتِدَاءٍ بِوَاصِلٍ. فِي الْأُجْهُورِيِّ وَ (عب) وَالْحَاشِيَةِ: إنْ فَاتَتْهُ مَعَهُ رَكْعَةٌ قَضَى رَكْعَةَ الشَّفْعِ، وَكَانَ وَتْرًا بَيْنَ رَكْعَتَيْ شَفْعٍ وَرَكْعَتَانِ فَوَتْرٌ قَبْلَ شَفْعٍ، وَقَدْ يُقَالُ: يَدْخُلُ بِنِيَّةِ الشَّفْعِ ثُمَّ يُوتِرُ، وَالنَّفَلُ خَلْفَ النَّفْلِ جَائِزٌ مُطْلَقًا وَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا مُوَافَقَةَ الْإِمَامِ مَعَ أَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى التَّرْتِيبِ بَيْنَ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ أَوْلَى. عَلَى أَنَّ الْمُخَالَفَةَ لَازِمَةٌ، فَإِنَّ الثَّلَاثَ كُلَّهَا وَتْرٌ عِنْدَ الْوَاصِلِ، وَقَدْ قَالُوا لَا يَضُرُّ مُخَالَفَةُ الْمَأْمُومِ لَهُ فِي هَذَا فَلْيُتَأَمَّلْ. (اهـ مِنْ الْمَجْمُوعِ) . وَاعْلَمْ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِالْوَاصِلِ مَكْرُوهٌ، وَلَا تَبْطُلُ إنْ خَالَفَهُ وَسَلَّمَ وَمِنْ رَكْعَتَيْنِ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ أَشْهَبَ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [خِلَافًا لِمَنْ قَالَ] إلَخْ: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالشَّفْعُ قَبْلَهُ لِلْفَضِيلَةِ وَقِيلَ لِلصِّحَّةِ وَفِي كَوْنِهِ لِأَجْلِهِ قَوْلَانِ - التَّوْضِيحُ: كَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَشْهُورَ كَوْنُ الشَّفْعِ لِلْفَضِيلَةِ.

[رغيبة الفجر]

(وَالْفَجْرُ) أَيْ رَكْعَتَاهُ (رَغِيبَةٌ) : أَيْ مُرَغَّبٌ فِيهَا فَوْقَ الْمَنْدُوبِ وَدُونَ السُّنَّةِ، وَلَيْسَ لَنَا رَغِيبَةٌ إلَّا هِيَ، وَقِيلَ: بَلْ هِيَ سُنَّةٌ (تَفْتَقِرُ لِنِيَّةٍ تَخُصُّهَا) : أَيْ تُمَيِّزُهَا عَنْ مُطْلَقِ النَّافِلَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ النَّوَافِلِ فَيَكْفِي فِيهَا نِيَّةُ الصَّلَاةِ؛ فَإِنْ كَانَتْ بِاللَّيْلِ فَتَهَجُّدٌ، وَإِنْ كَانَتْ بِوَقْتِ الضُّحَى فَضُحًى، وَعِنْدَ دُخُولِ مَسْجِدٍ فَتَحِيَّةٌ وَهَكَذَا. (وَوَقْتُهُ) أَيْ الْفَجْرِ أَيْ رَكْعَتَيْهِ (كَالصُّبْحِ) فَلَا تُجْزِئُ إنْ تَبَيَّنَ تَقَدُّمُ إحْرَامِهَا عَلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَوْ بِتَحَرٍّ، فَإِنْ تَحَرَّ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ - وَأَوْلَى إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِهَا بَعْدَ الْفَجْرِ - أَجْزَأَتْ، فَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّ لَمْ يُجْزِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ. وَالتَّحَرِّي: الِاجْتِهَادُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ دُخُولُ الْوَقْتِ. (وَلَا يُقْضَى نَفْلٌ) خَرَجَ وَقْتُهُ (سِوَاهَا) ، فَإِنَّهَا تُقْضَى بَعْدَ حِلِّ النَّافِلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاَلَّذِي فِي الْبَاجِيِّ تَشْهِيرُ الثَّانِي؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يَكُونُ الْوَتْرُ إلَّا عَقِبَ شَفْعٍ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ اُخْتُلِفَ فِي رَكْعَتَيْ الشَّفْعِ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَخُصَّهُمَا بِنِيَّةٍ أَوْ يَكْتَفِي بِأَيِّ رَكْعَتَيْنِ كَانَتَا؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ تَقَدُّمَ الشَّفْعِ شَرْطُ كَمَالٍ، وَأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ لِنِيَّةٍ تَخُصُّهُ. وَارْتَضَاهُ فِي الْحَاشِيَةِ. [رَغِيبَة الْفَجْر] قَوْلُهُ: [مُرَغَّبٌ فِيهَا] : أَيْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِتَحَرٍّ] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِالْفَجْرِ فَإِمَّا أَنْ يَتَحَرَّى وَيَجْتَهِدَ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَتَحَرَّى فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا وَهُوَ شَاكٌّ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، سَوَاءٌ تَبَيَّنَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا أَنَّ إحْرَامَهُ بِهَا وَقَعَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ. وَأَمَّا إذَا أَحْرَمَ بَعْدَ التَّحَرِّي فَإِنْ تَبَيَّنَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا أَنَّ الْإِحْرَامَ بِهَا وَقَعَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَبَاطِلَةٌ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ فَصَحِيحَةٌ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُقْضَى نَفْلٌ] : ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَضَاءُ غَيْرِهَا مِنْ النَّوَافِلِ، وَصَرَّحَ فِي الْأَصْلِ بِالْحُرْمَةِ، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: هَذَا بَعِيدٌ جِدًّا وَلَيْسَ مَنْقُولًا وَلَا سِيَّمَا

(لِلزَّوَالِ) سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا الصُّبْحُ أَوْ لَا، كَمَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الصُّبْحِ قَبْلَ أَدَائِهَا أَوْ صَلَّى الصُّبْحَ لِضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ تَرَكَهَا كَسَلًا. (وَإِنْ أُقِيمَتْ الصُّبْحُ) : أَيْ صَلَاتُهُ، بِأَنْ شَرَعَ الْمُقِيمُ فِي الْإِقَامَةِ وَلَمْ يَكُنْ شَخْصٌ صَلَّى الْفَجْرَ (وَهُوَ بِمَسْجِدٍ) أَوْ رَحْبَتِهِ (تَرَكَهَا) وُجُوبًا وَدَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الصُّبْحِ وَقَضَاهَا بَعْدَ حِلِّ النَّافِلَةِ لِلزَّوَالِ. (وَ) إنْ أُقِيمَتْ الصُّبْحُ وَهُوَ (خَارِجُهُ) أَيْ وَخَارِجُ رَحْبَتِهِ أَيْضًا (رَكَعَهَا) خَارِجَهُ (إنْ لَمْ يَخْشَ) بِصَلَاتِهَا (فَوَاتَ رَكْعَةٍ) مِنْ الصُّبْحِ مَعَ الْإِمَامِ. (وَنُدِبَ) لِمَنْ أَرَادَ التَّوَجُّهَ لِمَسْجِدٍ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ (إيقَاعُهُ) : أَيْ الْفَجْرِ (بِالْمَسْجِدِ) لَا بِبَيْتِهِ، (وَنَابَ عَنْ التَّحِيَّةِ فَإِنْ صَلَّاهُ) أَيْ الْفَجْرَ (بِغَيْرِهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ قَبْلَ إقَامَةِ الصُّبْحِ (جَلَسَ) حَتَّى تُقَامَ الصُّبْحُ، (وَلَمْ يَرْكَعْ) فَجْرًا وَلَا تَحِيَّةً لِأَنَّ الْوَقْتَ صَارَ وَقْتَ نَهْيِ كَرَاهَةٍ لِلنَّافِلَةِ. (وَ) نُدِبَ (الِاقْتِصَارُ فِيهِ) أَيْ الْفَجْرِ (عَلَى الْفَاتِحَةِ وَ) نُدِبَ (إسْرَارُهُ) أَيْ الْقِرَاءَةُ فِيهِ سِرًّا (كَنَوَافِلِ النَّهَارِ) كُلِّهَا، يُنْدَبُ فِيهَا الْإِسْرَارُ. (وَ) نُدِبَ (جَهْرُ) نَوَافِلِ (اللَّيْلِ وَتَأَكَّدَ) نَدْبُ الْجَهْرِ (بِوَتْرٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يُجَوِّزُ الْقَضَاءَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَضَاءَ غَيْرِ الْفَرَائِضِ مَكْرُوهٌ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ الِاقْتِصَارُ] إلَخْ: فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِلشَّيْخِ أَحْمَدَ زَرُّوقٍ، ابْنِ وَهْبٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِيهَا بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ، وَقَدْ جُرِّبَ لِوَجَعِ الْأَسْنَانِ فَصَحَّ، وَمَا يَذْكُرُ مَنْ قَرَأَ فِيهَا بِ (أَلَمْ) وَ (أَلَمْ) لَمْ يُصِبْهُ أَلَمٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَهُوَ بِدْعَةٌ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهَا (اهـ. بْن) لَكِنْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ وَسَائِلِ الْحَاجَاتِ وَآدَابِ الْمُنَاجَاةِ مِنْ الْإِحْيَاءِ أَنَّ مِمَّا جُرِّبَ لِدَفْعِ الْمَكَارِهِ وَقُصُورِ يَدِ كُلِّ عَدُوٍّ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ إلَيْهِ سَبِيلًا قِرَاءَةُ (أَلَمْ نَشْرَحْ) وَ (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ) فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، قَالَ وَهَذَا صَحِيحٌ لَا شَكَّ فِيهِ. قَوْلُهُ: [يُنْدَبُ فِيهَا الْإِسْرَارُ] : وَفِي كَرَاهَةِ الْجَهْرِ بِهِ وَعَدَمِهَا - بَلْ هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى - قَوْلَانِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ جَهْرُ نَوَافِلِ اللَّيْلِ] إلَخْ: أَيْ مَا لَمْ يُشَوِّشْ عَلَى غَيْرِهِ وَإِلَّا حَرُمَ.

(وَ) نُدِبَ (التَّمَادِي فِي الذِّكْرِ إثْرِ صَلَاةِ الصُّبْحِ لِلطُّلُوعِ) أَيْ طُلُوعِ الشَّمْسِ. (وَ) نُدِبَ (آيَةُ الْكُرْسِيِّ) أَيْ قِرَاءَتُهَا (وَالْإِخْلَاصُ) . (وَالتَّسْبِيحُ) : أَيْ قَوْلُهُ سُبْحَانَ اللَّهِ (وَالتَّحْمِيدُ) : أَيْ قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ (وَالتَّكْبِيرُ) : أَيْ قَوْلُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ (ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ) لِكُلٍّ مِمَّا ذُكِرَ، (وَخَتَمَ الْمِائَةَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالسِّرُّ فِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْجَهْرُ مُشَوِّشًا. وَتَأَكَّدَ الْجَهْرُ بِالْوَتْرِ وَلَوْ صَلَّاهُ بَعْدَ الْفَجْرِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ التَّمَادِي فِي الذِّكْرِ] : أَيْ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ فَإِذَا حَلَّتْ النَّافِلَةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ وَجَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَ لَهُ ثَوَابُ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّتَيْنِ تَامَّتَيْنِ تَامَّتَيْنِ» قَالَ فِي الْأَصْلِ: كَرَّرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثَلَاثًا؛ فَلَا يَنْبَغِي لِعَاقِلٍ فَوَاتُ هَذَا الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. وَلَكِنَّهَا الْأَهْوَاءُ عَمَّتْ فَأَعْمَتْ.

[أحكام الوتر]

بِإِسْقَاطِ يُحْيِي وَيُمِيتُ عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ. (وَاسْتِغْفَارٌ) بِأَيِّ صِيغَةٍ (وَصَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَدُعَاءٌ) بِمَا تَيَسَّرَ (عَقِبَ كُلِّ صَلَاةٍ) مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ. ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى أَحْكَامِ الْوَتْرِ فَقَالَ: (وَالْوَتْرُ سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ (آكَدُ) السُّنَنِ الْخَمْسِ: (فَالْعِيدُ) يَلِي الْوَتْرَ سَوَاءٌ عِيدُ الْفِطْرِ أَوْ النَّحْرِ وَهُمَا فِي الْفَضْلِ سَوَاءٌ. (فَالْكُسُوفُ) يَلِي الْعِيدَ فِي الْفَضْلِ. (فَالِاسْتِسْقَاءُ) وَلِكُلٍّ بَابٌ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْوَتْرِ خَاصَّةً. (وَوَقْتُهُ) الِاخْتِيَارِيُّ (بَعْدَ) صَلَاةِ (عِشَاءٍ صَحِيحَةٍ) وَلَوْ بَعْدَ ثُلُثِ اللَّيْلِ. فَإِنْ تَبَيَّنَ فَسَادُهَا لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ. وَإِنْ كَانَ صَلَّاهُ بَعْدَ الْفَاسِدَةِ أَعَادَهُ بَعْدَ إعَادَتِهَا. (وَ) بَعْدَ غِيَابِ (شَفَقٍ) أَحْمَرَ فَإِنْ قَدَّمَ الْعِشَاءَ عِنْدَ الْمَغْرِبِ لِسَفَرٍ أَوْ مَطَرٍ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الْوَتْرِ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ، وَيَمْتَدُّ اخْتِيَارِيُّهُ (لِلْفَجْرِ) أَيْ لِطُلُوعِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَقِبَ كُلِّ صَلَاةٍ] : رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ وَمِنْ هُنَا كَانَ خَتْمُ السَّادَةِ الْخَلْوَتِيَّةِ الْمَشْهُورُ جَامِعًا لِلْوَارِدِ فِي السُّنَّةِ، فَلِذَلِكَ كَانَ شَيْخُنَا الْمُؤَلِّفُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ مَنْ لَازَمَهُ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ وَصَلَ إلَى اللَّهِ. [أَحْكَامِ الْوَتْرِ] قَوْلُهُ: [وَالْوَتْرُ سُنَّةٌ] : بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا. قَوْلُهُ: [آكَدُ السُّنَنِ الْخَمْسِ] : أَيْ الَّتِي ذِكْرُهَا بَعْدُ، وَأَمَّا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهَا فَهِيَ آكَدُ مِنْ الْوَتْرِ. وَاسْتَظْهَرَ الْأَشْيَاخُ أَنَّ آكَدَ السُّنَنِ رَكْعَتَا الطَّوَافِ الْوَاجِبِ، فَهِيَ كَالْجِنَازَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهِمَا، وَإِنْ كَانَ الرَّاجِحُ وُجُوبُهُمَا، ثُمَّ رَكْعَتَا الطَّوَافِ الْغَيْرِ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِمَا وَسُنِّيَّتِهِمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، ثُمَّ الْعُمْرَةُ لِأَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْجَهْمِ بِوُجُوبِهَا ضَعِيفٌ، ثُمَّ الْوَتْرُ لِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ خَارِجَ الْمَذْهَبِ. ثُمَّ الْعِيدُ لِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ بِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، ثُمَّ الْكُسُوفُ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ بِلَا نِزَاعٍ، ثُمَّ الِاسْتِسْقَاءُ لِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ إنَّهَا لَا تُفْعَلُ، وَأَمَّا صَلَاةُ خُسُوفِ الْقَمَرِ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ مَنْدُوبٌ.

(وَضَرُورِيُّهُ) مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ (لِلصُّبْحِ) أَيْ لِصَلَاتِهَا بِتَمَامِهَا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. فَإِنْ صَلَّاهَا خَرَجَ وَقْتُهَا الضَّرُورِيُّ وَسَقَطَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى مِنْ النَّوَافِلِ إلَّا الْفَجْرُ، فَيُقْضَى لِلزَّوَالِ. (وَنُدِبَ لِفَذٍّ) تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ الْوَتْرَ وَهُوَ فِي الصُّبْحِ (قَطَعَهَا) : أَيْ الصُّبْحَ (لَهُ) : أَيْ لِأَجْلِ الْوَتْرِ مَا لَمْ يَخَفْ خُرُوجَ وَقْتِ الصُّبْحِ. فَيَأْتِي بِالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَيُعِيدُ الْفَجْرَ. (وَجَازَ) الْقَطْعُ (لِمُؤْتَمٍّ) عَلَى الرَّاجِحِ (كَإِمَامٍ) : يَجُوزُ لَهُ الْقَطْعُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: يُنْدَبُ كَالْفَذِّ، وَإِذَا قَطَعَ، فَهَلْ يَقْطَعُ مَأْمُومُهُ أَوْ يَسْتَخْلِفُ؟ قَوْلَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَضَرُورِيُّهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ] : الْحَاصِلُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الضَّرُورِيَّ لِلْوَتْرِ يَمْتَدُّ مِنْ الْفَجْرِ إلَى تَمَامِ صَلَاةِ الصُّبْحِ مُطْلَقًا بِالنِّسْبَةِ لِلْفَذِّ وَالْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَلَا يُقْضَى بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ. قَوْلُهُ: [قَطَعَهَا أَيْ الصُّبْحَ] : وَأَمَّا لَوْ ذَكَرَ الْوَتْرَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَهَلْ يُتِمُّهَا ثُمَّ يَفْعَلُهُ، أَوْ يَقْطَعُ كَالصُّبْحِ؟ قَوْلَانِ: وَقَطْعُهُ الصُّبْحَ مَنْدُوبٌ سَوَاءٌ تَذَكَّرَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْقِدَ رَكْعَةً أَوْ بَعْدَ أَنْ عَقَدَهَا كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ خِلَافًا لِابْنِ زَرْقُونٍ الْقَائِلِ إنَّهُ لَا يَقْطَعُ إنْ عَقَدَ رَكْعَةً. قَوْلُهُ: [لِمُؤْتَمٍّ] : أَيْ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقَطْعِ وَعَدَمِهِ وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ، وَكَانَ أَوَّلًا يَقُولُ بِنَدْبِ التَّمَادِي وَعَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ مَسَاجِينِ الْإِمَامِ، وَقَدْ مَشَى عَلَيْهِ التَّتَّائِيُّ فِي نَظْمِهِ الْمَشْهُورِ بِمَسَاجِينِ الْإِمَامِ وَهُوَ: إذَا ذَكَرَ الْمَأْمُومُ فَرْضًا بِفَرْضِهِ ... أَوْ الْوَتْرَ أَوْ يَضْحَكُ فَلَا يَقْطَعُ الْعَمَلَ يُتَمِّمُهَا فِي الْكُلِّ خَلْفَ إمَامِهِ ... وَيَأْتِي بِهَا فِي غَيْرِ وَتْرٍ بِلَا كَسَلٍ (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ] إلَخْ: مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيُّ تَرْجِيحُ رِوَايَةِ النَّدْبِ فَإِنَّهُ عَزَاهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَمُطَرِّفٍ وَلَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْمَوَّاقِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْإِمَامِ نَدْبُ التَّمَادِي وَعَدَمُ الْقَطْعِ فَيَكُونُ فِي الْإِمَامِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: نَدْبُ الْقَطْعِ وَنَدْبُ التَّمَادِي وَالتَّخْيِيرُ. قَوْلُهُ: [أَوْ يَسْتَخْلِفُ] : أَيْ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا فِي (عب) .

[خاتمة طول السجود وطول القراءة في النفل]

(وَ) نُدِبَ (تَأْخِيرُهُ لِمُنْتَبِهٍ) : أَيْ لِمَنْ شَأْنُهُ الِانْتِبَاهُ (آخِرَ اللَّيْلِ) لِصَلَاةِ التَّهَجُّدِ لِيَكُونَ وَتْرُهُ (آخِرَ) صَلَاتِهِ مِنْ (اللَّيْلِ) ، فَإِنْ قَدَّمَهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَانْتَبَهَ آخِرَ فَصَلَّى نَفْلًا (لَمْ يُعِدْهُ) إذْ لَا وَتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ. (وَجَازَ) لِمَنْ صَلَّى الْوَتْرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ أَوْ آخِرَهُ (نَفْلٌ بَعْدَهُ) إذَا لَمْ يُوصِلْهُ بِهِ، بَلْ أَخَّرَهُ عَنْهُ بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ أَنَّهُ أَوْصَلَ وَتْرَهُ بِنَفْلٍ، أَخَذَا مِمَّا يَأْتِي (إنْ لَمْ يَنْوِهِ) : أَيْ النَّفَلَ (قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ) : أَيْ فِي الْوَتْرِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَصْلًا أَوْ طَرَأَتْ لَهُ نِيَّةُ التَّنَفُّلِ وَهُوَ فِي الْوَتْرِ، (وَإِلَّا) : بِأَنْ نَوَى قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْوَتْرِ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَعْدَهُ، (كُرِهَ) لَهُ التَّنَفُّلُ بَعْدَهُ وَلَوْ لَمْ يُوصِلْهُ بِهِ - (كَوَصْلِهِ) : أَيْ كَمَا يُكْرَهُ وَصْلُ النَّفْلِ (بِهِ) أَيْ بِالْوَتْرِ، إذَا لَمْ يَنْوِهِ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِيهِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ جَوَازَ النَّفْلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْوَتْرِ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ: أَنْ لَا يَنْوِيَ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِيهِ النَّفَلَ بَعْدَهُ، وَأَنْ لَا يُوصِلَهُ بِهِ، قَوْلُهُ (بِلَا فَاصِلٍ عَادِيٍّ) احْتِرَازٌ بِهِ عَنْ الْفَاصِلِ الْيَسِيرِ، فَكَالْعَدَمِ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَامَ وَلَوْ قَلِيلًا أَوْ جَدَّدَ وُضُوءَهُ أَوْ ذَهَبَ مِنْ الْمَسْجِد ـــــــــــــــــــــــــــــQ [خَاتِمَة طول السُّجُود وطول الْقِرَاءَة فِي النَّفَل] قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ تَأْخِيرُهُ لِمُنْتَبِهٍ] : قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي (ر) : «كَانَ الصِّدِّيقُ يُوتِرُ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَعُمَرُ يُؤَخِّرُهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ الْأَوَّلَ أَخَذَ بِالْحَزْمِ وَالثَّانِيَ أَخَذَ بِالْقُوَّةِ» . وَرَأَيْت لِبَعْضِ الصُّوفِيَّةِ أَنَّ الصِّدِّيقَ تَحَقَّقَ بِمَقَامِ: مَا خَرَجَ مِنِّي نَفَسٌ وَأَيْقَنْت أَنْ يَعُودَ. وَعَنْ عَلِيٍّ: يُوتِرُ أَوَّلَ اللَّيْلِ بِرَكْعَةٍ فَإِذَا انْتَبَهَ صَلَّى رَكْعَةً ضَمَّهَا لِلْأُولَى فَيَكُونُ شَفْعًا، ثُمَّ تَنَفَّلَ مَا شَاءَ ثُمَّ أَوْتَرَ وَهُوَ مَذْهَبٌ لَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْجَمِيعِ وَعَنَّا بِهِمْ (اهـ) . قَوْلُهُ: [لَمْ يُعِدْهُ] إلَخْ: تَقْدِيمًا لِلنَّهْيِ الْمَأْخُوذِ مِنْ حَدِيثِ: «لَا وَتْرَانِ فِي

لِبَيْتِهِ أَوْ عَكْسِهِ فَلَا يُكْرَهُ. (وَ) كُرِهَ (تَأْخِيرُهُ) : أَيْ الْوَتْرِ (لِلضَّرُورِيِّ) : أَيْ ضَرُورِيِّهِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ (بِلَا عُذْرٍ) : مِنْ نَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا. (وَ) كُرِهَ (كَلَامٌ) بِدُنْيَوِيٍّ (بَعْدَ) صَلَاةِ (صُبْحٍ لَا) بَعْدَ (فَجْرٍ) وَقَبْلَ صُبْحٍ. (وَ) كُرِهَ (ضِجْعَةٌ) بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ الْهَيْئَةُ الْمَعْلُومَةُ بِأَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ غَيْرُنَا؛ إذْ لَمْ يَصْحَبْهَا عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ (بَعْدَ) صَلَاةِ (فَجْرٍ) وَقَبْلَ صُبْحٍ. (وَ) كُرِهَ (جَمْعٌ كَثِيرٌ لِنَفْلٍ) : أَيْ صَلَاتِهِ فِي جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ فِي غَيْرِ التَّرَاوِيحِ وَلَوْ بِمَكَانٍ غَيْرِ مَشْهُورٍ؛ لِأَنَّ شَأْنَ النَّفْلِ الِانْفِرَادُ بِهِ. (أَوْ) صَلَاتُهُ فِي جَمَاعَةٍ قَلِيلَةٍ (بِمَكَانٍ مُشْتَهَرٍ) بَيْنَ النَّاسِ (وَإِلَّا) تَكُنْ الْجَمَاعَةُ كَثِيرَةً - بَلْ قَلِيلَةً كَالِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ - وَلَمْ يَكُنْ الْمَكَانُ مُشْتَهَرًا (فَلَا) يُكْرَهُ. (وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ الْوَقْتُ) أَيْ وَقْتُ الصُّبْحِ الضَّرُورِيُّ (إلَّا لِرَكْعَتَيْنِ) : أَيْ لِمِقْدَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْلَةٍ» عَلَى حَدِيثِ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنْ اللَّيْلِ وَتْرًا» . قَوْلُهُ: [كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ غَيْرُنَا] : أَيْ فَهِيَ سُنَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَتَذَكَّرُ بِهَا ضَجْعَةَ الْقَبْرِ، وَيَقُولُ عِنْدَ الِاضْطِجَاعِ: اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَعِزْرَائِيلَ وَمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجِرْنِي مِنْ النَّارِ. وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ الضِّجْعَةِ إذَا فَعَلَهَا اسْتِنَانًا لَا لِاسْتِرَاحَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهَا. قَوْلُهُ: [فِي غَيْرِ التَّرَاوِيحِ] : وَمِنْ الْغَيْرِ الشَّفْعُ وَالْوَتْرُ، فَالْأَفْضَلُ الِانْفِرَادُ فِيهِمَا.

مَا يَسَعُهُمَا - وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى الْوَتْرَ وَعَلَيْهِ الصُّبْحُ - (تَرَكَ الْوَتْرَ) وَأَدْرَكَ الصُّبْحَ (لَا) إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ (لِثَلَاثٍ) : أَيْ لِقَدْرِ مَا يَسَعُ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ أَوْ أَرْبَعًا؛ فَلَا يَتْرُكُهُ بَلْ يُصَلِّيهِ وَلَوْ بِالْفَاتِحَةِ فَقَطْ، ثُمَّ يُصَلِّي الصُّبْحَ وَيُؤَخِّرُ الْفَجْرَ لِحِلِّ النَّافِلَةِ وَسَقَطَ عَنْهُ الشَّفْعُ. (وَ) إنْ اتَّسَعَ (لِخَمْسٍ) أَوْ سِتٍّ (زَادَ الشَّفْعَ) وَأَخَّرَ الْفَجْرَ (مَا لَمْ يُقَدِّمْهُ) أَيْ الشَّفْعَ بَعْدَ الْعِشَاءِ أَيْ مَا لَمْ يُصَلِّ بَعْدَ الْعِشَاءِ نَفْلًا وَلَوْ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ صَلَّى اقْتَصَرَ عَلَى الْوَتْرِ وَصَلَّى الْفَجْرَ وَأَدْرَكَ الصُّبْحَ فِي الْبَاقِي؛ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ. وَقَوْلُهُ: " وَلَوْ قَدَّمَهُ " ضَعِيفٌ. (وَ) إنْ اتَّسَعَ (لِسَبْعٍ زَادَ) عَلَى الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (الْفَجْرَ) وَأَدْرَكَ الصُّبْحَ فِي الْبَاقِي. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَحْكَامِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [تَرَكَ الْوَتْرَ] : هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ أَصْبَغُ: يُصَلِّي الصُّبْحَ وَالْوَتْرَ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَرْبَعًا] : خَالَفَ أَصْبَغُ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَرْبَعًا، فَقَالَ: يُصَلِّي الشَّفْعَ وَالْوَتْرَ وَيُدْرِكُ الصُّبْحَ بِرَكْعَةٍ. خَاتِمَةٌ: هَلْ الْأَفْضَلُ فِي النَّفْلِ كَثْرَةُ السُّجُودِ أَيْ الرَّكَعَاتِ؟ لِخَبَرِ: «عَلَيْك بِكَثْرَةِ السُّجُودِ فَإِنَّك لَنْ تَسْجُدَ لِلَّهِ سَجْدَةً إلَّا رَفَعَك اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ بِهَا عَنْك خَطِيئَةً» أَوْ طُولُ الْقِيَامِ بِالْقِرَاءَةِ؟ لِخَبَرِ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ» أَيْ طُولُ الْقِيَامِ وَلِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، «فَإِنَّهُ تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ مِنْ الْقِيَامِ وَمَا زَادَ فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً» ؟ قَوْلَانِ مَحَلُّهُمَا: مَعَ اتِّحَادِ زَمَانِهِمَا. قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَلَعَلَّ الْأَظْهَرَ الْأَوَّلُ لِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ الْفَرَائِضِ، وَمَا يَشْمَلُ عَلَيْهِ مِنْ تَسْبِيحٍ وَتَحْمِيدٍ وَتَهْلِيلٍ وَصَلَاةٍ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (اهـ) وَلِبَعْضِهِمْ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ: كَأَنَّ الدَّهْرَ فِي خَفْضِ الْأَعَالِي ... وَفِي رَفْعِ الْأَسَافِلَةِ اللِّئَامِ فَقِيهٌ صَحَّ فِي فَتْوَاهُ قَوْلٌ ... بِتَفْضِيلِ السُّجُودِ عَلَى الْقِيَامِ :

[فصل في سجود القرآن]

فَصْلٌ: فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ (سُنَّ) : عَلَى الرَّاجِحِ وَقِيلَ: يُنْدَبُ (لِقَارِئٍ وَمُسْتَمِعٍ) : أَيْ قَاصِدُ السَّمَاعِ مِنْهُ، لَا مُجَرَّدَ سَمَاعٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (إنْ جَلَسَ) أَيْ الْمُسْتَمِعُ (لِيَتَعَلَّمَ) مِنْ الْقَارِئِ مَخَارِجَ الْحُرُوفِ، أَوْ حِفْظَهُ، أَوْ طُرُقَهُ، لَا لِمُجَرَّدِ ثَوَابٍ أَوْ مُدَارَسَةٍ - (وَ) إنْ (صَلَحَ الْقَارِئُ لِلْإِمَامَةِ) - بِأَنْ يَكُونَ ذَكَرًا مُحَقِّقًا بَالِغًا عَاقِلًا، وَإِلَّا فَلَا سُجُودَ عَلَى الْمُسْتَمِعِ بَلْ عَلَى الْقَارِئِ وَحْدَهُ (بِشَرْطِ) أَيْ مَعَ حُصُولِ شُرُوطِ (الصَّلَاةِ) : مِنْ طَهَارَةِ حَدَثٍ وَخَبَثٍ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ وَاسْتِقْبَالٍ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. فَإِنْ كَانَ الْقَارِئُ هُوَ الْمُحَصِّلُ لَهَا وَحْدَهُ سَجَدَ دُونَ الْمُسْتَمِعِ. وَإِنْ كَانَ الْمُحَصِّلُ لَهَا هُوَ الْمُسْتَمِعُ وَحْدَهُ لَمْ يَسْجُدْ لِأَنَّ سُجُودَهُ تَابِعٌ لِسُجُودِ الْقَارِئِ. وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ لِفَقْدِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الطَّهَارَةِ. وَأَمَّا السَّتْرُ وَالِاسْتِقْبَالُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنَا فَكَذَلِكَ وَإِنْ أَمْكَنَا فَإِنَّهُ يَطْلُبُ بِهَا وَيَسْجُدُ، بِأَنْ يَسْتَقْبِلَ إنْ كَانَ مُتَوَجِّهًا لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ إنْ كَانَ عِنْدَهُ سَاتِرٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ] [تَنْبِيه السُّجُود عِنْد سَمَاع حسن الْقِرَاءَة] فَصْلٌ قَوْلُهُ: [سُنَّ عَلَى الرَّاجِحِ] : أَيْ كَمَا شَهَّرَهُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ وَابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ فَضِيلَةٌ هُوَ قَوْلُ الْبَاجِيِّ وَابْنِ الْكَاتِبِ وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ كَثْرَةُ الثَّوَابِ وَقِلَّتُهُ. قَوْلُهُ: [لِقَارِئٍ] : أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ صَلَحَ لِلْإِمَامَةِ أَمْ لَا، جَلَسَ لِيُسْمِعَ النَّاسَ حُسْنَ قِرَاءَتِهِ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [وَمُسْتَمِعٍ] : أَيْ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. قَوْلُهُ: [وَإِنْ صَلَحَ الْقَارِئُ لِلْإِمَامَةِ] : أَيْ وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ لِيَدْخُلَ الْمُتَوَضِّئُ الْعَاجِزُ فَإِنَّهُ صَالِحٌ لِلْإِمَامَةِ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ إذْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ إمَامًا بِمِثْلِهِ. قَوْلُهُ: [شُرُوطِ الصَّلَاةِ] : أَيْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ فَلِذَلِكَ تُفْعَلُ عَلَى الدَّابَّةِ. قَوْلُهُ: [لِفَقْدِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ] : أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا كَمَا إذَا كَانَ الْقَارِئُ غَيْرَ مُتَوَضِّئٍ؛ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ: لَا يَسْجُدُ الْمُسْتَمِعُ. وَذَكَرَ النَّاصِرُ اللَّقَانِيِّ سُجُودَهُ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ

[مواضع السجود في القرآن]

(سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ) : نَائِبٌ عَنْ فَاعِلِ " سُنَّ " (بِلَا تَكْبِيرِ إحْرَامٍ) : بَلْ يُكَبِّرُ فِي الْهَوِيِّ لَهُ وَالرَّفْعِ مِنْهُ اسْتِنَانًا. (وَ) بِلَا (سَلَامٍ) مِنْهُ. وَلَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ؛ يَنْحَطُّ الْقَائِمُ لَهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ قِيَامِهِ وَلَا يَجْلِسُ لِيَأْتِيَ بِهَا مِنْ جُلُوسٍ. وَيَنْزِلُ لَهَا الرَّاكِبُ - إلَّا إذَا كَانَ مُسَافِرًا فَيَسْجُدُهَا صَوْبَ سَفَرِهِ بِالْإِيمَاءِ - لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ. (فِي أَحَدَ عَشَرَ مَوْضِعًا) مِنْ الْقُرْآنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: بَقِيَ شَرْطٌ ثَالِثٌ لِسُجُودِ الْمُسْتَمِعِ: وَهُوَ أَنْ لَا يَجْلِسَ الْقَارِئُ لِيُسْمِعَ النَّاسَ حُسْنَ قِرَاءَتِهِ، فَإِنْ جَلَسَ لِذَلِكَ فَلَا يَسْجُدُ الْمُسْتَمِعُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ يَسْجُدُ. إنْ قُلْت: غَايَةُ مَا فِيهِ فِسْقُهُ بِالرِّيَاءِ وَالْمُعْتَمَدُ صِحَّةُ إمَامَةِ الْفَاسِقِ، أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْقِرَاءَةَ هُنَا كَالصَّلَاةِ فَالْمُرَائِي فِي قِرَاءَتِهِ كَمَنْ تَعَلَّقَ فِسْقُهُ بِالصَّلَاةِ، وَالْفَاسِقُ الَّذِي اعْتَمَدُوا صِحَّةَ إمَامَتِهِ مَنْ كَانَ فِسْقُهُ غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِالصَّلَاةِ كَمَا يَأْتِي. قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ] : فَلَوْ أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ؛ إذْ لَا يَتَوَقَّفُ الْخُرُوجُ مِنْهَا عَلَى سَلَامٍ، نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِيمَنْ زَادَ فِي الطَّوَافِ عَلَى الْأَشْوَاطِ السَّبْعَةِ. وَمَحَلُّ عَدَمِ الْبُطْلَانِ الْمَذْكُورِ إنْ لَمْ تَكُنْ السَّجْدَةُ فِي الصَّلَاةِ، وَإِلَّا بَطَلَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ لِتَعَمُّدِ الزِّيَادَةِ فِيهَا. قَوْلُهُ: [بِلَا تَكْبِيرِ إحْرَامٍ] : أَيْ وَأَمَّا الْإِحْرَامُ بِمَعْنَى نِيَّةِ الْفِعْلِ فَلَا بُدَّ مِنْهَا، ثُمَّ مَحَلُّ قَوْلِهِ بِلَا تَكْبِيرِ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ أَنْ يَقْصِدَ مُرَاعَاةَ خِلَافٍ كَمَا قَالَ (عب) . قَوْلُهُ: [وَيَنْزِلُ لَهَا الرَّاكِبُ] : أَيْ فَلَا يَسْجُدُهَا عَلَى الدَّابَّةِ وَلَا يُومِئُ بِهَا لِلْأَرْضِ. قَوْلُهُ: [فَيَسْجُدُهَا صَوْبَ سَفَرِهِ] : أَيْ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي قِلَّةِ الْبَدَلِ. [مواضع السُّجُود فِي الْقُرْآن] قَوْلُهُ: [فِي أَحَدَ عَشَرَ مَوْضِعًا] : أَيْ وَهِيَ الْعَزَائِمُ أَيْ الْمَأْمُورَاتُ الَّتِي يَعْزِمُ النَّاسُ بِالسُّجُودِ فِيهَا. وَقِيلَ: الْعَزَائِمُ مَا ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ خَالٍ عَنْ مُعَارِضٍ رَاجِحٍ.

لَا فِي ثَانِيَةِ الْحَجِّ، وَلَا النَّجْمِ، وَلَا الِانْشِقَاقِ، وَلَا الْقَلَمِ؛ تَقْدِيمًا لِلْعَمَلِ عَلَى الْحَدِيثِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى نَسْخِهِ. وَبَيَّنَ الْأَحَدَ عَشَرَ مَوْضِعًا بِقَوْلِهِ: (آخِرِ الْأَعْرَافِ) يَجُوزُ فِيهِ الْجَرُّ وَالرَّفْعُ وَالنَّصْبُ، (وَالْآصَالِ) فِي سُورَةِ الرَّعْدِ، (وَيُؤْمَرُونَ) فِي النَّحْلِ، (وَخُشُوعًا) فِي الْإِسْرَاءِ، (وَبُكِيًّا) فِي مَرْيَمَ (وَإنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) فِي الْحَجِّ، (وَزَادَهُمْ نُفُورًا) فِي الْفُرْقَانِ، (وَرَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) فِي النَّمْلِ، (وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَيْسَ فِي الْمُفَصَّلِ مِنْهَا شَيْءٌ عَلَى الْمَشْهُورِ قَوْلُهُ: [لَا فِي ثَانِيَةِ الْحَجِّ] إلَخْ: أَيْ فَيُكْرَهُ وَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ: يُمْنَعُ، مَعْنَاهَا يُكْرَهُ كَذَا قَالَ الْأُجْهُورِيُّ فَلَوْ سَجَدَ فِي ثَانِيَةِ الْحَجِّ وَمَا بَعْدَهَا فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُقْتَدِيًا بِمَنْ يَسْجُدُهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا بُطْلَانَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِلْخِلَافِ فِيهَا، فَلَوْ سَجَدَ دُونَ إمَامِهِ بَطَلَتْ، وَإِنْ تَرَكَ اتِّبَاعَهُ أَسَاءَ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [تَقْدِيمًا لِلْعَمَلِ] : أَيْ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ تَرْكِ السُّجُودِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْأَرْبَعَةِ. وَقَوْلُهُ: [عَلَى الْحَدِيثِ] : أَيْ الدَّالِ عَلَى طَلَبِ السُّجُودِ فِيهَا. قَوْلُهُ: [يَجُوزُ فِيهِ الْجَرُّ] إلَخْ: فَالْجَرُّ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ وَالرَّفْعُ

[مكروهات سجود التلاوة]

فِي سُورَةِ السَّجْدَةِ، (وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) فِي ص، (وَإنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ) فِي فُصِّلَتْ. وَقِيلَ: [وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ] . (وَكُرِهَ لِمُحَصِّلِ الشُّرُوطِ) الْمُتَقَدِّمَةِ (وَقْتَ الْجَوَازِ) لَهَا، وَمِنْهُ: بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ قَبْلَ إسْفَارٍ وَاصْفِرَارٍ (تَرْكُهَا) أَيْ السَّجْدَةِ، (وَإِلَّا) يَكُنْ مُحَصِّلًا لِلشُّرُوطِ أَوْ كَانَ الْوَقْتُ لَيْسَ وَقْتَ جَوَازٍ (تَرَكَ الْآيَةَ) الَّتِي فِيهَا السُّجُودُ بِرُمَّتِهَا عَلَى التَّحْقِيقِ لَا الْمَحَلَّ فَقَطْ. (وَ) كُرِهَ (الِاقْتِصَارُ عَلَى) قِرَاءَةِ (الْآيَةِ لِلسُّجُودِ) أَيْ لِأَجْلِهِ؛ كَأَنْ يَقْرَأَ: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا} [السجدة: 15] إلَخْ لِقَصْرِ السُّجُودِ عَلَى أَظْهَرِ التَّأْوِيلَيْنِ، وَقِيلَ مَحَلُّ الْكَرَاهَةِ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْمَحَلِّ فَقَطْ كَأَنْ يَقُولَ: {وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15] ثُمَّ يَسْجُدُ. أَوْ يَقُولَ: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [النحل: 114] وَيَسْجُدُ. وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْآيَةِ لِلسُّجُودِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ. (وَ) كُرِهَ لِمُصَلٍّ (تَعَمُّدُهَا) : أَيْ السَّجْدَةِ، بِأَنْ يَقْرَأَ مَا فِيهِ آيَتُهَا (بِفَرِيضَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالنَّصْبُ مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ. قَوْلُهُ: [وَأَنَابَ فِي ص] : وَقِيلَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 25] . قَوْلُهُ: [قَبْلَ إسْفَارٍ وَاصْفِرَارٍ] : أَيْ فَلَيْسَ الْإِسْفَارُ وَالِاصْفِرَارُ بِوَقْتٍ لَهَا، بَلْ تُكْرَهُ فِيهِمَا. وَتُمْنَعُ عِنْدَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا. قَوْلُهُ: [لَا الْمَحَلِّ فَقَطْ] : أَيْ فَمِثْلُ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا} [السجدة: 15] يَتْرُكُ الْآيَةَ بِرُمَّتِهَا لَا خُصُوصَ: {وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15] وَفِي الْمَجْمُوعِ: وَيَنْبَغِي مُلَاحَظَةُ الْمُتَجَاوِزِ بِقَلْبِهِ لِنِظَامِ التِّلَاوَةِ بَلْ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ كَمَا فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ. وَإِنَّمَا أُمِرَ بِمُجَاوَزَةِ الْآيَةِ كُلِّهَا لِئَلَّا يُغَيِّرَ الْمَعْنَى لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مُجَاوَزَةِ مَحَلِّ السُّجُودِ وَالْمُرَادُ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى مُجَاوَزَتِهِ مَظِنَّةَ تَغَيُّرِ الْمَعْنَى فَلَا يُنَافِي أَنَّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مَحَلَّ السُّجُودِ فَقَطْ لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى. [مَكْرُوهَات سُجُود التِّلَاوَة] قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ الِاقْتِصَارُ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى قِرَاءَةِ مَحَلِّ السُّجُودِ كُرِهَ اتِّفَاقًا وَإِذَا فَعَلَهُ لَا يَسْجُدُ، وَأَمَّا إذَا قَرَأَ الْآيَةَ كُلَّهَا فَفِيهِ خِلَافٌ بِالْكَرَاهِيَةِ وَعَدَمِهَا. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ لَوْ قَرَأَهَا لَا يَسْجُدُ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ يَسْجُدُ وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الطَّرِيقَةِ الْخَلْوَتِيَّةِ فِي خَتْمِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَيُسَنُّ السُّجُودُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ. وَقَوْلُهُ [بِفَرِيضَةٍ] : أَيْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْمُدَاوَمَةِ كَمَا لَوْ اتَّفَقَ لَهُ ذَلِكَ

وَلَوْ صُبْحَ جُمُعَةٍ) عَلَى الْمَشْهُورِ (لَا) فِي (نَفْلٍ) فَلَا يُكْرَهُ، (فَإِنْ قَرَأَهَا بِفَرْضٍ) عَمْدًا أَوْ سَهْوًا (سَجَدَ) لَهَا (وَلَوْ بِوَقْتِ نَهْيٍ لَا) إنْ قَرَأَهَا فِي (خُطْبَةٍ) فَلَا يَسْجُدُ لَهَا لِاخْتِلَالِ نِظَامِهَا. (وَجَهَرَ بِهَا) نَدْبًا (إمَامُ) الصَّلَاةِ (السِّرِّيَّةِ) كَالظُّهْرِ لَيُسْمِعَ الْمَأْمُومِينَ فَيَتَّبِعُوهُ فِي سُجُودِهِ، (وَإِلَّا) يَجْهَرْ بِهَا بَلْ قَرَأَهَا سِرًّا وَسَجَدَ (اتَّبَعَ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ السَّهْوِ. فَإِنْ لَمْ يَتَّبِعْ صَحَّتْ لَهُمْ. (وَمُجَاوِزُهَا) فِي الْقِرَاءَةِ (بِكَآيَةٍ) أَوْ آيَتَيْنِ (يَسْجُدُ) بِلَا إعَادَةِ الْقِرَاءَةِ لِمَحَلِّهَا. (وَ) مُجَاوِزُهَا (بِكَثِيرٍ يُعِيدُهَا) : أَيْ الْقِرَاءَةَ الَّتِي فِيهَا السَّجْدَةُ بِغَيْرِ صَلَاةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَرَّةً وَإِنَّمَا كُرِهَ تَعَمُّدُهَا بِالْفَرِيضَةِ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْجُدْهَا دَخَلَ فِي الْوَعِيدِ أَيْ اللَّوْمِ الْمُشَارِ لَهُ بِقَوْلِهِ: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] . وَإِنْ سَجَدَ زَادَ فِي عَدَدِ سُجُودِهَا كَذَا قِيلَ. وَفِيهِ أَنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ مَوْجُودَةٌ فِي النَّافِلَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ السُّجُودَ لَمَّا كَانَ نَافِلَةً وَالصَّلَاةُ نَافِلَةٌ صَارَ كَأَنَّهُ لَيْسَ زَائِدًا. وَإِنْ قُلْت: إنَّ مُقْتَضَى الزِّيَادَةِ فِي الْفَرْضِ الْبُطْلَانُ، قُلْت: إنَّ الشَّارِعَ لَنَا طَلَبَهَا مِنْ كُلِّ قَارِئٍ صَارَتْ كَأَنَّهَا لَيْسَتْ زَائِدَةً مَحْضَةً (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَلَوْ صُبْحَ جُمُعَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ] : أَيْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِنَدْبِهَا فِيهِ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ لِأَنَّ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى خِلَافِهِ فَدَلَّ عَلَى نَسْخِهِ. وَلَيْسَ مِنْ تَعَمُّدِهَا بِالْفَرِيضَةِ صَلَاةُ مَالِكِيٍّ خَلْفَ شَافِعِيٍّ يَقْرَؤُهَا بِصُبْحِ جُمُعَةٍ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ رَاتِبٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ مَكْرُوهًا. قَالَهُ (عب) قَوْلُهُ: [سَجَدَ لَهَا] : هَذَا إذَا كَانَ الْفَرْضُ غَيْرَ جِنَازَةٍ، وَإِلَّا فَلَا يَسْجُدُ فِيهَا. قَوْلُهُ: [لَا إنْ قَرَأَهَا فِي خُطْبَةٍ] أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ خُطْبَةَ جُمُعَةٍ أَوْ غَيْرَهَا. فَإِنْ وَقَعَ وَنَزَلَ وَسَجَدَ فِي الْخُطْبَةِ أَوْ الْجِنَازَةِ هَلْ يَبْطُلَانِ لِزَوَالِ نِظَامِهَا أَمْ لَا؟ وَاسْتَظْهَرَهُ الشَّيْخُ كَرِيمُ الدِّينِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يُتَّبَعْ صَحَّتْ لَهُمْ] أَيْ لِأَنَّ اتِّبَاعَهُ وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُقْتَدَى بِهِ فِيهَا أَصَالَةً، وَتَرْكُ الْوَاجِبِ الَّذِي لَيْسَ بِشَرْطٍ لَا يُوجِبُ الْبُطْلَانَ.

أَوْ بِهَا (وَلَوْ بِالْفَرْضِ) وَيَسْجُدُ - وَهَذَا الْكَلَامُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى سُنِّيَّتِهَا - (مَا لَمْ يَنْحَنِ) بِقَصْدِ الرُّكُوعِ فِي نَفْلٍ أَوْ فَرْضٍ فَإِنْ رَكَعَ بِالِانْحِنَاءِ فَاتَ تَدَارُكُهَا. (وَأَعَادَهَا) ؛ أَيْ أَعَادَ قِرَاءَتَهَا نَدْبًا (بِالنَّفْلِ) لَا الْفَرْضِ (فِي ثَانِيَتِهِ) : أَيْ رَكْعَتِهِ الثَّانِيَةِ. إذَا لَمْ تَكُنْ قِرَاءَتُهَا فِي ثَانِيَتِهِ، وَهَلْ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ أَوْ قَبْلَهَا، قَوْلَانِ. (وَنُدِبَ لِسَاجِدِهَا بِصَلَاةٍ) - فَرْضًا أَوْ نَفْلًا - (قِرَاءَةٌ) وَلَوْ مِنْ سُورَةٍ أُخْرَى (قَبْلَ رُكُوعِهِ) لِيَقَعَ رُكُوعُهُ عَقِبَ قِرَاءَةٍ. (وَلَوْ قَصَدَهَا) : أَيْ السَّجْدَةَ بَعْدَ قِرَاءَةِ مَحَلِّهَا وَانْخَفَضَ بِنِيَّتِهَا (فَرَكَعَ سَاهِيًا) عَنْهَا (اُعْتُدَّ بِهِ) : أَيْ بِرُكُوعِهِ (عِنْدَ مَالِكٍ) - بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَرَكَةَ لِلرُّكْنِ لَا تُشْتَرَطُ - (لَا) عِنْدَ (ابْنِ الْقَاسِمِ) فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ عِنْدَهُ، وَإِذَا لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ (فَيَخِرُّ) إذَا تَذَكَّرَ (سَاجِدًا وَلَوْ بَعْدَ رَفْعِهِ) مِنْ رُكُوعِهِ ثُمَّ يَأْتِي بِالرُّكُوعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا الْفَرْضِ] : أَيْ يُكْرَهُ إعَادَتُهَا فِي ثَانِيَةِ الْفَرْضِ. فَإِنْ أَعَادَهَا مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ لَمْ تَبْطُلْ عَلَى الظَّاهِرِ لِتَقَدُّمِ سَبَبِهَا، وَيُحْتَمَلُ الْبُطْلَانُ لِانْقِطَاعِ السَّبَبِ بِالِانْحِنَاءِ. قَوْلُهُ: [فِي ثَانِيَتِهِ] : أَيْ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى عَقَدَ الثَّانِيَةَ فَاتَتْ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ قَبْلَهَا قَوْلَانِ] : الْأَوَّلُ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالثَّانِي لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ. وَوَجْهُ الثَّانِي تَقَدُّمُ سَبَبِهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَعَلَيْهِ لَوْ أَخَّرَهَا حَتَّى قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فَعَلَهَا بَعْدَهَا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ مِنْ سُورَةٍ أُخْرَى] : أَيْ كَسَاجِدِ الْأَعْرَافِ فَإِنَّهُ يَقْرَأُ مِنْ الْأَنْفَالِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ. وَمَحَلُّ كَرَاهَةٍ الْجَمْعُ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي الْفَرِيضَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِمِثْلِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَرَكَةَ] إلَخْ: أَيْ فَهُوَ مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ] : أَيْ سَوَاءٌ تَذَكَّرَ قَبْلَ أَنْ يَطْمَئِنَّ فِي ذَلِكَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَ طُمَأْنِينَتِهِ أَوْ بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [فَيَخِرُّ إذَا تَذَكَّرَ سَاجِدًا] : أَيْ لِلتِّلَاوَةِ، وَيَرْجِعُ لِلرُّكُوعِ بَعْدَ ذَلِكَ سَوَاءٌ تَذَكَّرَ قَبْلَ أَنْ يَطْمَئِنَّ فِي ذَلِكَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَ طُمَأْنِينَتِهِ فِيهِ أَوْ بَعْدَ

(وَسَجَدَ) لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ (بَعْدَ السَّلَامِ إنْ اطْمَأَنَّ بِهِ) : أَيْ بِرُكُوعِهِ، لِظُهُورِ الزِّيَادَةِ. فَإِنْ لَمْ يَطْمَئِنَّ سَجَدَهَا وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ. (وَكَرَّرَهَا) الْقَارِئُ أَيْ السَّجْدَةَ كُلَّ مَرَّةٍ (إنْ كَرَّرَ حِزْبًا) : أَيْ جُمْلَةً مِنْ الْقُرْآنِ فِيهِ السَّجْدَةُ كَاَلَّذِي يَقْرَأُ سُورَةَ السَّجْدَةِ؛ مِرَارًا. (إلَّا الْمُعَلِّمَ) لِلْقُرْآنِ بِأَيِّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ التَّعْلِيمِ، حِفْظًا أَوْ غَيْرَهُ، (وَالْمُتَعَلِّمُ) كَذَلِكَ (فَأَوَّلُ مَرَّةٍ) يَسْجُدُهَا فَقَطْ لِلْمَشَقَّةِ. (وَكُرِهَ سُجُودُ شُكْرٍ) عِنْدَ سَمَاعِ بِشَارَةٍ (أَوْ) سُجُودٌ (عِنْدَ زَلْزَلَةٍ) بِخِلَافِ الصَّلَاةِ. (وَ) كُرِهَ (قِرَاءَةٌ بِتَلْحِينٍ) أَيْ تَطْرِيبٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQرَفْعِهِ مِنْهُ. إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ السُّجُودُ بَعْدَ السَّلَامِ فِي الْحَالَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ، وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ سُجُودُ شُكْرٍ] : وَأَجَازَهُ ابْنُ حَبِيبٍ لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ: «أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرٌ فَسُرَّ بِهِ فَخَرَّ سَاجِدًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ الْعَمَلُ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الصَّلَاةِ] : أَيْ لِلشُّكْرِ وَالزَّلْزَلَةِ فَمَنْدُوبَةٌ. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ قِرَاءَةٌ بِتَلْحِينٍ] : وَأَجَازَهَا الشَّافِعِيُّ وَاسْتَحْسَنَهَا ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَكَثِيرٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، لِأَنَّ سَمَاعَهُ بِالْأَلْحَانِ يَزِيدُ غِبْطَةً بِالْقُرْآنِ، وَإِيمَانًا وَيُكْسِبُ الْقَلْبَ خَشْيَةً وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ

(وَ) كُرِهَ (قِرَاءَةُ جَمَاعَةٍ) يَجْتَمِعُونَ فَيَقْرَءُونَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ مَعًا نَحْوَ سُورَةِ يس. وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ (إذَا لَمْ تَخْرُجْ) الْقِرَاءَةُ (عَنْ حَدِّهَا) الشَّرْعِيِّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَإِلَّا حَرُمَتْ وَهَذَا الْقَيْدُ زِدْنَاهُ عَلَيْهِ. (وَ) كُرِهَ (جَهْرٌ بِهَا) : أَيْ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ (بِمَسْجِدٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْلِيطِ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَالذَّاكِرِينَ مَعَ مَظِنَّةِ الرِّيَاءِ (وَأُقِيمَ الْقَارِئُ) جَهْرًا (بِهِ) : أَيْ بِالْمَسْجِدِ مِنْ الْقِيَامِ لَا الْإِمَامَةِ، أَيْ أَنَّهُ يُنْهَى عَنْ الْقِرَاءَةِ فِيهِ جَهْرًا، وَيَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ إذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ الِامْتِثَالُ، (إنْ قَصَدَ) بِقِرَاءَتِهِ (الدَّوَامَ) : أَيْ دَوَامَ الْقِرَاءَةِ كَاَلَّذِي يَتَعَرَّضُ بِقِرَاءَتِهِ لِسُؤَالِ النَّاسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» وَقَوْلُهُ «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» وَأُجِيبُ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ عَنْ الْأَوَّلِ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّغَنِّي الِاسْتِغْنَاءُ وَعَنْ الثَّانِي: بِأَنَّهُ مَقْلُوبٌ. قَوْلُهُ: [يَجْتَمِعُونَ فَيَقْرَءُونَ] : إنَّمَا كُرِهَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَلِأَنَّهُ مَظِنَّةُ التَّخْلِيطِ وَعَدَمِ إصْغَاءِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَأَمَّا اجْتِمَاعُ جَمَاعَةٍ يَقْرَأُ وَاحِدٌ رُبْعَ حِزْبٍ مَثَلًا، وَآخَرُ مَا يَلِيهِ وَهَكَذَا فَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ جَوَازُهَا قَالَ بْن وَهُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ: [وَأُقِيمَ الْقَارِئُ] إلَخْ: يَعْنِي أَنَّ الْقَارِئَ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ خَمِيسٍ أَوْ غَيْرِهِ يُقَامُ نَدْبًا، وَلَوْ كَانَ فَقِيرًا مُحْتَاجًا بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَنْ تَكُونَ قِرَاءَتُهُ جَهْرًا، وَدَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ وَاقِفٌ لِأَنَّهُ يَجِبُ اتِّبَاعُ شَرْطِهِ وَلَوْ كُرِهَ. وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْعِلْمِ فِي الْمَسَاجِدِ فَمِنْ السُّنَّةِ الْقَدِيمَةِ، وَلَا يَرْفَعُ الْمُدَرِّسُ فِي الْمَسْجِدِ صَوْتَهُ فَوْقَ الْحَاجَةِ لِقَوْلِ مَالِكٍ: وَمَا لِلْعِلْمِ وَرَفْعَ الصَّوْتِ؟ وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى الْأَبْوَابِ وَفِي الطُّرُقِ قَصْدًا لِطَلَبِ الدُّنْيَا، فَحَرَامٌ، لَا يَجُوزُ الْإِعْطَاءُ لِفَاعِلِ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَى الْمُحَرَّمِ وَلَا سِيَّمَا فِي مَوَاضِعِ الْأَقْذَارِ، فَكَادَتْ أَنْ تَكُونَ كُفْرًا وَالرِّضَا بِهَا مِنْ أُولِي الْأَمْرِ ضَلَالٌ مُبِينٌ.

[فصل في صلاة الجماعة وأحكامها]

فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَأَحْكَامِهَا (الْجَمَاعَةُ) : أَيْ فِعْلُ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ بِإِمَامٍ (بِفَرْضٍ) وَلَوْ فَائِتًا أَوْ كِفَائِيًّا كَالْجِنَازَةِ (غَيْرِ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ. وَأَمَّا غَيْرُ الْفَرْضِ فَمِنْهُ مَا يُنْدَبُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَأَحْكَامِهَا] فَصْلٌ قَوْلُهُ: [وَلَوْ فَائِتًا] : طَلَبُ الْجَمَاعَةِ، فِي الْفَائِتِ صَرَّحَ بِهِ عِيسَى وَذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ وَنَقَلَهُ (ح) . قَوْلُهُ: [كَالْجِنَازَةِ] : وَقِيلَ تُنْدَبُ بِهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَلِابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِيهَا كَالْجُمُعَةِ فَإِنْ صَلَّوْا عَلَيْهِ بِغَيْرِ إمَامٍ أُعِيدَتْ مَا لَمْ تُدْفَنْ مُرَاعَاةً لِلْمُقَابِلِ. قَوْلُهُ: [سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ] : وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ بِوُجُوبِهَا، فَتَحْرُمُ صَلَاةُ الشَّخْصِ مُنْفَرِدًا عِنْدَهُمْ مَعَ الصِّحَّةِ.

وَهُوَ الْعِيدُ وَالْكُسُوفُ وَالِاسْتِسْقَاءُ وَالتَّرَاوِيحُ. وَالْأَوْجَهُ فِي غَيْرِ التَّرَاوِيحِ السُّنِّيَّةُ وَمِنْهُ مَا تُكْرَهُ فِيهِ، كَجَمْعٍ كَثِيرٍ مُطْلَقًا أَوْ قَلِيلٍ بِمَكَانٍ مُشْتَهَرٍ فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ، وَإِلَّا جَازَتْ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَالْجَمَاعَةُ فِيهَا شَرْطُ صِحَّةٍ. وَصَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَفِي رِوَايَةٍ: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ قَالَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ بِالْبُطْلَانِ لِلْمُنْفَرِدِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا سُنَّةٌ فِي الْبَلَدِ وَفِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَفِي حَقِّ كُلِّ مُصَلٍّ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِ، وَقِتَالُ أَهْلِ الْبَلَدِ عَلَى تَرْكِهَا لِتَهَاوُنِهِمْ بِالسُّنَّةِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ بَشِيرٍ: إنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ بِالْبَلَدِ، فَلِذَلِكَ يُقَاتَلُونَ عَلَيْهَا إذَا تَرَكُوهَا، وَسُنَّةٌ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَمَنْدُوبَةٌ لِلرَّجُلِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، قَالَ الْأَبِيُّ: وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى التَّحْقِيقِ. قَوْلُهُ: [وَالْأَوْجَهُ فِي غَيْرِ التَّرَاوِيحِ] إلَخْ: أَيْ كَمَا قَالَ الْحَطَّابُ وَعِيَاضٌ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ نَعَمْ: فِي السُّنَنِ غَيْرِ الْوَتْرِ مِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْهَا إلَّا كَذَلِكَ كَمَا فِي (ر) وَيُفِيدُهُ مَا يَأْتِي فِي الْعِيدِ أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ سُنَّةً مَعَ الْإِمَامِ، فَإِذَا فَاتَتْ فَمَنْدُوبَةٌ خِلَافًا لِمَنْ أَطْلَقَ النَّدْبَ فِي غَيْرِ الْفَرْضِ. قَوْلُهُ: [أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ] : وَيَحْصُلُ الْفَضْلُ وَلَوْ بِصَلَاةِ الرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ بِأَنَّ الْجُزْءَ أَكْبَرُ مِنْ الدَّرَجَةِ أَوْ أَخْبَرَ أَوَّلًا بِالْأَقَلِّ، ثُمَّ تَفْضُلُ بِالزِّيَادَةِ فَأَخْبَرَ بِهَا ثَانِيًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجُزْءِ وَالدَّرَجَةِ الصَّلَاةُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْجُزْءِ جُزْءَ ثَوَابِ الْجَمَاعَةِ لَا جُزْءَ ثَوَابِ الْفَذِّ. فَالْأَعْدَادُ الْوَارِدَةُ كُلُّهَا أَعْدَادُ صَلَوَاتٍ. فَصَلَاةُ الْجَمَاعَةِ ثَمَانِيَةٌ

[إدراك صلاة الجماعة]

(وَلَا تَتَفَاضَلُ) : تَفَاضُلًا يَقْتَضِي إعَادَةَ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى؛ وَإِلَّا فَلَا نِزَاعَ أَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا، لِشُمُولِ الدُّعَاءِ وَكَثْرَةِ الرَّحْمَةِ وَسُرْعَةِ الْإِجَابَةِ. (وَإِنَّمَا يَحْصُلُ فَضْلُهَا) الْوَارِدُ بِهِ الْخَبَرُ الْمُتَقَدِّمُ (بِرَكْعَةٍ) كَامِلَةٍ بِسَجْدَتَيْهَا مَعَ الْإِمَامِ لَا أَقَلَّ. (وَإِنَّمَا تُدْرَكُ) الرَّكْعَةُ مَعَ الْإِمَامِ (بِانْحِنَائِهِ) : أَيْ الْمَأْمُومِ (فِي أُولَاهُ) : أَيْ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ لَهُ (مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ اعْتِدَالِهِ) : أَيْ الْإِمَامِ مِنْ رُكُوعِهِ وَلَوْ حَالَ رَفْعِهِ، (وَإِنْ لَمْ يَطْمَئِنَّ) الْمَأْمُومُ فِي رُكُوعِهِ (إلَّا بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ اعْتِدَالِ الْإِمَامِ مُطْمَئِنًّا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعِشْرُونَ صَلَاةً؛ وَاحِدَةٌ لِصَلَاةِ الْفَذِّ وَسَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، عَلَى رِوَايَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأَعْدَادِ الْوَارِدَةِ فِي الرِّوَايَاتِ (اهـ. مِنْ الْحَاشِيَةِ) . قَالَ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ مَجْمُوعِهِ: فَلَا يَظْهَرُ مَا تَكَلَّفَهُ الْحَافِظُ الْعَسْقَلَانِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي حِكْمَةِ الْعَدَدِ السَّابِقِ؛ فَإِنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى مَنْ سَعَى لِلْمَسْجِدِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرُوهُ؛ إلَّا أَنْ يُرِيدُوا تَفَضُّلَ الْوَهَّابِ بِمَا هُوَ الشَّأْنُ عَلَى الْجَمِيعِ. فَالشَّأْنُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ ثَلَاثَةٌ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَهِيَ حَسَنَةٌ لِكُلٍّ وَهِيَ بِعَشْرٍ فَالْجُمْلَةُ ثَلَاثُونَ، مِنْهَا ثَلَاثَةُ أُصُولٍ يَبْقَى سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ حَصَلَ الْفَضْلُ بِإِعْطَائِهَا لِكُلٍّ (اهـ) قَوْلُهُ: [وَإِنَّمَا يَحْصُلُ فَضْلُهَا] إلَخْ: نَحْوَهُ لِخَلِيلٍ وَلِابْنِ الْحَاجِبِ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَابْنِ رُشْدٍ أَنَّ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ يُدْرَكُ بِجُزْءٍ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ، نَعَمْ؛ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ حُكْمَهَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِرَكْعَةٍ لَا أَقَلَّ مِنْهَا وَهُوَ أَنْ لَا يَقْتَدِيَ بِهِ وَأَنْ لَا يُعِيدَ فِي جَمَاعَةٍ؛ وَتَرَتَّبَ سَهْوُ الْإِمَامِ وَسَلَامُهُ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى مَنْ عَلَى الْيَسَارِ وَصِحَّةُ اسْتِخْلَافِهِ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [بِرَكْعَةٍ كَامِلَةٍ] : قَيَّدَهُ حَفِيدُ ابْنِ رُشْدٍ بِالْمَعْذُورِ بِأَنْ فَاتَهُ مَا قَبْلَهَا اضْطِرَارًا وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ. وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّ مَنْ فَرَّطَ فِي رَكْعَةٍ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْفَضْلُ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي تَقْرِيرِهِ: وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ يُعِيدَ لِلْفَضْلِ وَهَا هُوَ ذَا الْحَطَّابُ نَقَلَ عَنْ الْأَقْفَهْسِيِّ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّسَالَةِ حُصُولُ الْفَضْلِ، وَقَالَ اللَّقَانِيِّ: إنَّ كَلَامَ الْحَفِيدِ لِظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ. [إدْرَاك صَلَاة الْجَمَاعَة] قَوْلُهُ: [وَإِنَّمَا تُدْرَكُ الرَّكْعَةُ] إلَخْ: أَيْ وَلَا بُدَّ مِنْ إدْرَاكِهَا بِسَجْدَتَيْهَا قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ. فَإِنْ زُوحِمَ أَوْ نَعَسَ عَنْهُمَا حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ ثُمَّ فَعَلَهُمَا بَعْدَ سَلَامِهِ،

[تنبيه من لم يحصل فضل الجماعة بأحد المساجد الثلاثة]

(فَإِنْ) كَبَّرَ قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ وَ (سَهَا أَوْ زُوحِمَ) أَوْ نَعَسَ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الرُّكُوعِ مَعَ إمَامِهِ (حَتَّى رَفَعَ) الْإِمَامُ أَيْ اعْتَدَلَ مِنْ رَفْعِهِ (تَرَكَهُ) الْمَأْمُومُ: أَيْ تَرَكَ الرُّكُوعَ وُجُوبًا، (وَسَجَدَ) : أَيْ وَخَرَّ سَاجِدًا (مَعَهُ) أَيْ مَعَ إمَامِهِ، فَإِنْ رَكَعَ وَرَفَعَ سَهْوًا أَلْغَى الرَّكْعَةَ. وَعَمْدًا: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي صُلْبِ الْإِمَامِ. (وَقَضَاهَا) أَيْ الرَّكْعَةَ فِيمَا إذَا خَرَّ مَعَهُ سَاجِدًا وَفِيمَا إذَا رَكَعَ وَرَفَعَ سَهْوًا. (بَعْدَ السَّلَامِ) : أَيْ سَلَامِ الْإِمَامِ - وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي سُجُودِ السَّهْوِ - أَعَادَهُ تَوْكِيدًا، وَلِأَنَّهُ مَحَلُّهُ. (وَنُدِبَ لِمَنْ لَمْ يُحَصِّلْهُ) : أَيْ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ (كَمُصَلٍّ بِصَبِيٍّ) وَأَوْلَى الْمُنْفَرِدُ وَلَوْ حُكْمًا كَمُدْرِكِ مَا دُونَ رَكْعَةٍ (لَا) مُصَلٍّ بِ (امْرَأَةٍ) لِحُصُولِ فَضْلِهَا مَعَهَا بِخِلَافِ الصَّبِيِّ (أَنْ يُعِيدَ) صَلَاتَهُ، وَلَوْ بِالْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ (مَأْمُومًا) لِتَحْصِيلِ فَضْلِهَا لَا إمَامًا؛ وَإِلَّا بَطَلَتْ عَلَيْهِمْ كَمَا يَأْتِي بِنِيَّةِ الْفَرْضِ، (مُفَوِّضًا) لِلَّهِ فِي قَبُولِ أَيَّتِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَهَلْ يَكُونُ كَمَنْ فَعَلَهُمَا مَعَهُ فَيَحْصُلُ لَهُ الْفَضْلُ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ لِأَشْهَبَ وَالثَّانِي لِابْنِ الْقَاسِمِ كَذَا فِي (بْن) وَعَكَسَ فِي الْحَاشِيَةِ النِّسْبَةَ لِلشَّيْخَيْنِ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهَا وَرَجَا جَمَاعَةً أُخْرَى جَازَ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ يَنْسَحِبُ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمَأْمُومِيَّةِ. [تَنْبِيه مَنْ لَمْ يُحَصِّلْ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ بِأَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ] قَوْلُهُ: [بِنِيَّةِ الْفَرْضِ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْفَرْضِ مَعَ نِيَّةِ التَّفْوِيضِ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الْحَطَّابُ عَنْ الْفَاكِهَانِيِّ وَابْنِ فَرْحُونٍ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ غَيْرِهِمَا أَنَّ نِيَّةَ التَّفْوِيضِ لَا يُنْوَى بِهَا فَرْضٌ وَلَا غَيْرُهُ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّ التَّفْوِيضَ يَتَضَمَّنُ نِيَّةَ الْفَرْضِ؛ إذْ مَعْنَاهُ التَّفْوِيضُ فِي قَبُولِ أَيِّ الْفَرْضَيْنِ. فَمَنْ قَالَ: لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ نِيَّةِ الْفَرْضِ لَمْ يُرِدْ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ، بَلْ إشَارَةٌ إلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ نِيَّةُ التَّفْوِيضِ وَمَنْ قَالَ: لَا يُنْوَى مَعَهُ فَرْضٌ، مُرَادُهُ: أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْفَرْضِ مُطَابِقَةً لِتَضَمُّنِ نِيَّةِ التَّفْوِيضِ لَهَا. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَوْنِ الْمُعِيدِ يَنْوِي التَّفْوِيضَ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: يَنْوِي الْفَرْضَ وَقِيلَ يَنْوِي النَّفَلَ وَقِيلَ يَنْوِي إكْمَالَ الْفَرِيضَةِ وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْأَقْوَالَ بِقَوْلِهِ: فِي نِيَّةِ الْعَوْدِ لِلْمَفْرُوضِ أَقْوَالُ ... فَرْضٌ وَنَفْلٌ وَتَفْوِيضٌ وَإِكْمَالُ تَنْبِيهٌ: مَنْ لَمْ يُحَصِّلْ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ بِأَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُهَا فِي

(مَعَ جَمَاعَةٍ) : اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (لَا) مَعَ (وَاحِدٍ إلَّا إذَا كَانَ) إمَامًا (رَاتِبًا) بِمَسْجِدٍ، فَيُعِيدُ مَعَهُ، لِأَنَّ الرَّاتِبَ كَالْجَمَاعَةِ (غَيْرَ مَغْرِبٍ) : وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَلَا تُعَادُ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مَعَ الْأُولَى شَفْعًا وَلِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ النَّفْلِ بِثَلَاثٍ؛ لِأَنَّ الْمُعَادَةَ فِي حُكْمِ النَّفْلِ. (كَعِشَاءٍ) : فَلَا تُعَادُ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ (بَعْدَ) صَلَاةِ (وَتْرٍ) ، وَتُعَادُ قَبْلَهُ. (فَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِهَا جَمَاعَةً، وَمَنْ صَلَّى فِي غَيْرِهَا مُنْفَرِدًا فَإِنَّهُ يُعِيدُ فِيهَا وَلَوْ مُنْفَرِدًا، وَمَنْ صَلَّى فِي غَيْرِهَا جَمَاعَةً أَعَادَ بِهَا جَمَاعَةً لَا فَذًّا وَحِينَئِذٍ فَتُسْتَثْنَى هَذِهِ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: " وَنُدِبَ لِمَنْ لَمْ يُحَصِّلْهُ " إلَخْ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَإِذَا أَعَادَ فِيهَا مَنْ صَلَّى فِي غَيْرِهَا جَمَاعَةً فَإِنَّهُ يُعِيدُ مَأْمُومًا إذَا صَلَّى فِي غَيْرِهَا إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ إلَّا بِالْإِعَادَةِ الْوَاجِبَةِ كَالظُّهْرِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، أَوْ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي نَفْسِ الْإِعَادَةِ قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [لَا مَعَ وَاحِدٍ] : أَيْ خِلَافًا لِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَلَوْ مَعَ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ خِلَافُ الرَّاجِحِ. فَإِنْ أَعَادَهَا مَعَ وَاحِدٍ غَيْرِ رَاتِبٍ فَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِإِمَامِهِ الْإِعَادَةُ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ، وَأَمَّا عَلَى الرَّاجِحِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ مُصَنِّفُنَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُمَا الْإِعَادَةَ كَذَا ذَكَرَهُ عب فِي صَغِيرِهِ. قَوْلُهُ: [غَيْرَ مَغْرِبٍ] إلَخْ: وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ أَجَازُوا إعَادَةَ الْعَصْرِ مَعَ كَرَاهَةِ النَّفْلِ بَعْدَهَا وَإِمْكَانِ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ نَافِلَةً، وَكَذَلِكَ الصُّبْحُ لِرَجَاءِ أَنْ تَكُونَ فَرِيضَةً، وَكُرِهَ إعَادَةُ الْمَغْرِبِ لِأَنَّ النَّافِلَةَ لَا تَكُونُ ثَلَاثًا مَعَ إمْكَانِ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْفَرِيضَةَ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ النَّافِلَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالصُّبْحِ أَخَفُّ مِنْ النَّفْلِ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الْخَرَشِيِّ (اهـ بْن - كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [كَعِشَاءٍ فَلَا تُعَادُ] إلَخْ: قَالَ فِي الْأَصْلِ: أَيْ يُمْنَعُ لِأَنَّهُ إنْ أَعَادَ الْوَتْرَ يَلْزَمُ مُخَالَفَةُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا وَتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْهُ لَزِمَ مُخَالَفَةُ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنْ اللَّيْلِ وَتْرًا» وَفِي إفَادَةِ هَذِهِ الْعِلَلِ الْمَنْعَ (نَظَرٌ. اهـ) قَالَ مُحَشِّيهِ: أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ فِي قَوْلِهِ: «لَا وَتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ، وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: " اجْعَلُوا " إلَخْ لِلنَّدْبِ؛ فَمُخَالَفَةُ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ حِينَئِذٍ أَوْ الدُّخُولُ فِي النَّهْيِ الْمَذْكُورِ حِينَئِذٍ لَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ. وَاسْتَبْعَدَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِقَوْلِهِ: مَعَ أَنَّهُمْ أَجَازُوا التَّنَفُّلَ بَعْدَ الْوَتْرِ.

أَعَادَ) : أَيْ شَرَعَ فِي الْإِعَادَةِ سَهْوًا عَنْ كَوْنِهِ صَلَّاهَا ثُمَّ تَذَكَّرَ (قَطَعَ) صَلَاتَهُ (إنْ لَمْ يَعْقِدْ رَكْعَةً، وَإِلَّا) بِأَنْ عَقَدَ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ بِرَفْعِ رَأْسِهِ مُعْتَدِلًا (شَفَعَ نَدْبًا) لَا وُجُوبًا بِأَنْ يَضُمَّ لَهَا رَكْعَةً وَيَخْرُجَ عَنْ شَفْعٍ (وَسَلَّمَ) إذَا قَامَ الْإِمَامُ لِلثَّالِثَةِ، أَوْ مَعَهُ إذَا كَانَتْ أُولَى الْمَأْمُومِ ثَانِيَةَ الْمَغْرِبِ وَيَأْتِي بِأُخْرَى بَعْدَ سَلَامِهِ إذَا دَخَلَ مَعَهُ فِي ثَالِثَتِهَا، (وَإِنْ أَتَمَّ) مَعَهُ الْمَغْرِبَ (أَتَى بِرَابِعَةٍ) إذَا لَمْ يُسَلِّمْ مَعَهُ (وَلَوْ سَلَّمَ مَعَهُ إنْ قَرُبَ) تَذَكُّرُهُ بِأَنَّهُ قَدْ كَانَ صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا (وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ) لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَلِّمْ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ، وَمَفْهُومُ " قَرُبَ " أَنَّهُ إنْ بَعُدَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (فَإِنْ تَبَيَّنَ) لِلْمُعِيدِ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ (عَدَمُ الْأُولَى أَوْ فَسَادُهَا أَجْزَأَتْهُ) الْمُعَادَةُ لِنِيَّتِهِ التَّفْرِيضَ، (وَمَنْ ائْتَمَّ بِمُعِيدٍ أَعَادَ) صَلَاتَهُ (أَبَدًا) لِبُطْلَانِهَا لِأَنَّهُ فَرْضٌ خَلْفَ نَفْلٍ (وَلَوْ فِي جَمَاعَةٍ) ، وَقَوْلُ الشَّيْخِ: " أَفْذَاذًا " لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [شَفَعَ نَدْبًا] إلَخْ: مَا ذَكَرَهُ هُوَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهَا: وَمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ فَلَهُ إعَادَتُهَا فِي جَمَاعَةٍ إلَّا الْمَغْرِبَ، فَإِنْ أَعَادَهَا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَشْفَعَهَا إنْ عَقَدَ رَكْعَةً (اهـ) وَفِي الْمَوَّاقِ نَقْلًا عَنْ عِيسَى: أَنَّ الْقَطْعَ أَوْلَى (اهـ) وَمَحَلُّ طَلَبِ الشَّفْعِ أَوْ الْقَطْعِ: إذَا لَمْ يَنْوِ رَفْضَ الْأُولَى وَجَعْلَ هَذِهِ صَلَاتَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَقْطَعْ وَيُتِمُّهَا بِنِيَّةِ الْفَرِيضَةِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ لِفَرْضِهِ أَوْلَى لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ الْبُنَانِيِّ. قَوْلُهُ: [لِنِيَّتِهِ التَّفْوِيضَ] : أَيْ فَقَطْ أَوْ الْفَرْضَ مَعَ التَّفْوِيضِ، وَأَمَّا لَوْ قَصَدَ بِالثَّانِيَةِ النَّفَلَ أَوْ الْإِكْمَالَ فَلَا تُجْزِئُ هَذِهِ الثَّانِيَةُ عَنْ فَرْضِهِ ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ: " فَإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمُ الْأُولَى " رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: " وَنُدِبَ لِمَنْ لَمْ يُحَصِّلْهُ أَنْ يُعِيدَ " إلَخْ فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ أَعَادَ فَتَبَيَّنَ عَدَمَ الْأُولَى أَوْ فَسَادَهَا أَجْزَأَتْهُ هَذِهِ الثَّانِيَةُ إنْ نَوَى التَّفْوِيضَ. قَوْلُهُ: [وَمَنْ ائْتَمَّ بِمُعِيدٍ] إلَخْ: صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ صَلَّى مُنْفَرِدًا ثُمَّ خَالَفَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ الْإِعَادَةِ مَأْمُومًا وَصَلَّى إمَامًا فَيُعِيدُ ذَلِكَ الْمُؤْتَمُّ بِهِ أَبَدًا فَذًّا أَوْ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا. وَلَوْ كَانَ هَذَا الْإِمَامُ نَوَى الثَّانِيَةَ الْفَرْضَ أَوْ التَّفْوِيضَ. قَوْلُهُ: [وَقَوْلُ الشَّيْخِ أَفْذَاذًا] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِابْنِ حَبِيبٍ. وَاَلَّذِي صَدَرَ بِهِ الشَّاذِلِيُّ: أَنَّهُمْ يُعِيدُونَ جَمَاعَةً إنْ شَاءُوا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَالْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ لِبُطْلَانِ صَلَاتِهِمْ خَلْفَ الْمُعِيدِ، وَأَمَّا الْإِمَامُ الْمُرْتَكِبُ لِلنَّهْيِ فَلَا يُعِيدُ لِاحْتِمَالِ

[آداب إقامة صلاة الجماعة في المساجد]

(وَالْإِمَامُ الرَّاتِبُ) بِمَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ إذَا جَاءَ فِي وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ لَهُ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا يُصَلِّي مَعَهُ فَصَلَّى مُنْفَرِدًا (كَجَمَاعَةٍ) فَضْلًا وَحُكْمًا، فَيَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ وَيَنْوِي الْإِمَامَةَ وَلَا يُعِيدُ فِي أُخْرَى، وَيُعِيدُ مَعَهُ مَنْ صَلَّى فَذًّا وَلَا يُصَلِّي بَعْدَهُ جَمَاعَةً. وَيَجْمَعُ لَيْلَةَ الْمَطَرِ. (وَحَرُمَ) عَلَى الْمُتَخَلِّفِ (ابْتِدَاءُ صَلَاةٍ) فَرْضًا أَوْ نَفْلًا بِجَمَاعَةٍ أَوْ لَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ تَكُونَ هَذِهِ فَرْضَهُ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ عَنْ التَّحْقِيقِ. وَقَوْلُ (عب) : وَيَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ كَمَا فِي النَّاصِرِ، فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ لَيْسَ ذَلِكَ فِيهِ. قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ. تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّ الْمَسَائِلَ الَّتِي تَبْطُلُ فِيهَا صَلَاةُ الْإِمَامِ دُونَ الْمَأْمُومِ فِيهَا أَنْ يُعِيدَ الْمَأْمُومُ فِيهَا لِانْعِدَامِ الِاقْتِدَاءِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْتَخْلِفُ فِي الْأَثْنَاءِ؟ وَفِي (ح) عَنْ الْأَقْفَهْسِيِّ: إنْ تَبَيَّنَ حَدَثُ الْإِمَامِ فَصَلَاةُ الْمَأْمُومِ صَحِيحَةٌ، وَلَا يُعِيدُهَا فِي جَمَاعَةٍ، وَإِنْ تَبَيَّنَ حَدَثُ الْمَأْمُومِ، فَفِي إعَادَةِ الْإِمَامِ خِلَافٌ؛ هَكَذَا فَرْقٌ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَيُنْظَرُ وَجْهُهُ (اهـ) [آدَاب إقَامَة صَلَاة الْجَمَاعَة فِي الْمَسَاجِد] قَوْلُهُ: [وَالْإِمَامُ الرَّاتِبُ] إلَخْ: أَيْ وَهُوَ مَنْ نَصَّبَهُ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ نَصْبِهِ مِنْ وَاقِفٍ أَوْ سُلْطَانٍ أَوْ نَائِبِهِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ أَوْ بَعْضِهَا عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ أَوْ يُكْرَهُ بِأَنْ قَالَ: جَعَلْت إمَامَ مَسْجِدِي هَذَا فُلَانًا الْأَقْطَعَ. لِأَنَّ الْوَاقِفَ إذَا شَرَطَ الْمَكْرُوهَ مَضَى. قَوْلُهُ [وَيَنْوِي الْإِمَامَةَ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا كَانَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ فَغَيْرُ اللَّخْمِيِّ يَقُولُ: لَا بُدَّ فِي حُصُولِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ مِنْ نِيَّةِ الْإِمَامَةِ، وَاللَّخْمِيُّ يَقُولُ الْفَضْلُ يَحْصُلُ مُطْلَقًا وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّتِهَا، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ جَمَاعَةٌ وَكَانَ رَاتِبًا فَاتَّفَقَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ كَالْجَمَاعَةِ إلَّا إذَا نَوَى الْإِمَامَةَ لِأَنَّهُ لَا تَتَمَيَّزُ صَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا عَنْ صَلَاتِهِ إمَامًا إلَّا بِالنِّيَّةِ. وَهَلْ يَجْمَعُ بَيْنَ (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) وَ (رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ) ، أَوْ لَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا؟ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ؟ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ وَالظَّاهِرُ جَمْعُهُ بَيْنَهُمَا إذْ لَا مُجِيبَ لَهُ. قَوْلُهُ: [وَحَرُمَ عَلَى الْمُتَخَلِّفِ ابْتِدَاءُ] إلَخْ: أَيْ وَحُمِلَتْ الْكَرَاهَةُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى التَّحْرِيمِ، قَالَ (ح) : وَإِذَا فَعَلَ أَجْزَأَتْهُ وَأَسَاءَ.

(بَعْدَ الْإِقَامَةِ) لِلرَّاتِبِ، (وَإِنْ أُقِيمَتْ) صَلَاةٌ لِرَاتِبٍ (بِمَسْجِدٍ وَهُوَ) : أَيْ الْمُصَلِّي (بِهَا) : أَيْ فِي صَلَاةِ فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ بِالْمَسْجِدِ أَوْ رَحْبَتِهِ، (قَطَعَ) صَلَاتَهُ وَدَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ نَافِلَةً أَوْ فَرْضًا غَيْرَ الْمُقَامَةِ أَوْ عَيْنِهَا عَقَدَ رَكْعَةً أَمْ لَا (بِسَلَامٍ أَوْ مُنَافٍ) كَكَلَامٍ وَنِيَّةِ إبْطَالٍ، هَذَا (إنْ خَشَى) بِإِتْمَامِهَا (فَوَاتَ رَكْعَةٍ) مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الْمُقَامَةِ (وَإِلَّا) يَخْشَ بِإِتْمَامِهَا فَوَاتَ رَكْعَةٍ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي نَافِلَةٍ أَوْ فَرِيضَةٍ غَيْرِ الْمُقَامَةِ أَوْ نَفْسِ الْمُقَامَةِ. فَإِنْ كَانَ فِي نَافِلَةٍ أَوْ فَرِيضَةٍ غَيْرِهَا، (أَتَمَّ النَّافِلَةَ) - عَقَدَ رَكْعَةً أَمْ لَا - (أَوْ فَرِيضَةٍ غَيْرِ الْمُقَامَةِ) سَوَاءٌ (عَقَدَ رَكْعَةً أَمْ لَا. فَإِنْ كَانَتْ) الصَّلَاةُ الَّتِي هُوَ بِهَا (الْمُقَامَةُ) نَفْسَهَا - بِأَنْ كَانَ فِي الْعَصْرِ فَأُقِيمَتْ لِلْإِمَامِ - وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ لَمْ يَخْشَ بِإِتْمَامِهَا فَوَاتَ رَكْعَةٍ، أَيْ أَنَّهُ لَوْ أَتَمَّهَا لَأَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ (انْصَرَفَ عَنْ شَفْعٍ) وَلَا يُتِمُّهَا هَذَا (إنْ عَقَدَ) مِنْهَا (رَكْعَةً) قَبْلَ إقَامَتِهَا عَلَيْهِ فَيَضُمُّ لَهَا أُخْرَى. وَإِنْ كَانَ فِي الثَّانِيَةِ كَمَّلَهَا وَإِنْ كَانَ فِي الثَّالِثَةِ قَبْلَ كَمَالِهَا بِسُجُودِهَا رَجَعَ لِلْجُلُوسِ فَيَتَشَهَّدُ، وَيُسَلِّمُ وَهَذَا إنْ كَانَ (بِغَيْرِ صُبْحٍ وَمَغْرِبٍ) بِأَنْ كَانَ فِي رُبَاعِيَّةٍ (وَإِلَّا) - بِأَنْ لَمْ يَعْقِدْ رَكْعَةً أَوْ عَقَدَهَا وَلَكِنْ كَانَ بِصُبْحٍ أَوْ مَغْرِبٍ فَأُقِيمَتْ - (قَطَعَ) وَدَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِيهَا لِئَلَّا يَصِيرَ مُتَنَفِّلًا بِوَقْتِ نَهْيٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِالْمَسْجِدِ أَوْ رَحْبَتِهِ] : أَيْ لَا الطُّرُقِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ فَلَا يَقْطَعُ. قَوْلُهُ: [غَيْرَ الْمُقَامَةِ] : أَيْ فَالْمَوْضُوعُ أَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ فَرْضٌ، فَإِنْ كَانَتْ نَفْلًا فَلَا مَنْعَ - كَمَا إذَا كَانَ يُصَلِّي الْإِمَامُ الرَّاتِبُ التَّرَاوِيحَ فِي الْمَسْجِدِ - فَلَكَ أَنْ تُصَلِّيَ الْعِشَاءَ الْحَاضِرَةَ أَوْ الْفَوَائِتَ فِي صُلْبِهِ. وَلَوْ أَرَدْت أَنْ تُصَلِّيَ الْوَتْرَ، فَقِيلَ: يَجُوزُ لَك ذَلِكَ. وَقِيلَ: لَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَأَمَّا لَوْ أَرَدْت صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ - وَالْحَالُ أَنَّهُ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ - فَإِنَّهُ يَحْرُمُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْجِدِ: الْمَوْضِعُ الَّذِي اُعْتِيدَ لِلصَّلَاةِ وَلَهُ رَاتِبٌ كَمَا يُرْشِدُ لَهُ عِلَّةُ الطَّعْنِ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ الْحَاشِيَةِ) . قَوْلُهُ: [أَتَمَّ النَّافِلَةَ] إلَخْ: أَيْ وَيُنْدَبُ أَنْ يُتِمَّهَا جَالِسًا كَمَا فِي الْمَوَّاقِ. قَوْلُهُ: [وَلَكِنْ كَانَ بِصُبْحٍ أَوْ مَغْرِبٍ] : أَمَّا الْمَغْرِبُ فَلِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَتْ الْمَغْرِبُ قَطَعَ وَدَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ عَقَدَ رَكْعَةً أَمْ لَا، وَإِنْ صَلَّى اثْنَتَيْنِ أَتَمَّهَا ثَلَاثًا وَخَرَجَ، وَإِنْ صَلَّى ثَلَاثًا سَلَّمَ وَخَرَجَ وَلَمْ يُعِدْهَا. وَأَمَّا الصُّبْحُ فَلَمْ يَسْتَثْنِهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا غَيْرُهُ، بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّهَا كَغَيْرِهَا؛ يَقْطَعُ مَا لَمْ يَعْقِدْ رَكْعَةً وَإِلَّا انْصَرَفَ عَنْ

(فَإِنْ عَقَدَ ثَانِيَةَ الْمَغْرِبِ بِسُجُودِهَا أَوْ) عَقَدَ (ثَالِثَةً غَيْرَهَا) كَذَلِكَ (كَمَّلَهَا فَرْضًا) أَيْ بِنِيَّةِ الْفَرِيضَةِ، وَكَذَا إنْ عَقَدَ ثَانِيَةَ الصُّبْحِ بِسُجُودِهَا (وَدَخَلَ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْإِمَامِ (فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ) . وَأَمَّا فِي الْمَغْرِبِ فَيَخْرُجُ وُجُوبًا مِنْ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ جُلُوسَهُ بِهِ يُؤَدِّي لِلطَّعْنِ فِي الْإِمَامِ، وَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَذْكُرْ هَذَا التَّفْصِيلَ بِتَمَامِهِ. (وَإِنْ أُقِيمَتْ) الصَّلَاةُ (بِمَسْجِدٍ) لِرَاتِبِهِ (عَلَى) شَخْصٍ (مُحَصِّلٍ الْفَضْلَ) - بِأَنْ كَانَ صَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ (وَهُوَ بِهِ) - أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ بِالْمَسْجِدِ الَّذِي أُقِيمَتْ فِيهِ أَيْ أَوْ بِرَحْبَتِهِ، (خَرَجَ) مِنْهُ وُجُوبًا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الطَّعْنِ فِي الْإِمَامِ. وَمِثْلُهُ مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ أَوْ الْعِشَاءَ وَأَوْتَرَ (وَإِلَّا) يَكُنْ مُحَصِّلَ الْفَضْلِ بِأَنْ كَانَ صَلَّاهَا فَذًّا - (لَزِمَتْهُ) الصَّلَاةُ مَعَ الْإِمَامِ (كَمَنْ لَمْ يُصَلِّهَا) أَصْلًا فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ، (وَ) إنْ أُقِيمَتْ بِمَسْجِدٍ (عَلَى مُصَلٍّ) فَرْضًا أَوْ نَفْلًا (بِغَيْرِهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ - بِأَنْ كَانَ فِي بَيْتِهِ أَوْ غَيْرِهِ - فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ بِبَيْتِهِ (أَتَمَّهَا) وُجُوبًا، وَكَذَا لَوْ أُقِيمَتْ بِغَيْرِ مَسْجِدٍ عَلَى مُصَلٍّ فِيهِ. (وَكُرِهَ لِلْإِمَامِ) لَا الْفَذِّ (إطَالَةُ رُكُوعٍ لِدَاخِلٍ) أَيْ لِأَجْلِ دَاخِلٍ مَعَهُ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQشَفْعٍ، لِأَنَّ الْوَقْتَ وَقْتُ نَفْلٍ فِي الْجُمْلَةِ. أَلَا تَرَى فِعْلَ الْوَرْدِ لِنَائِمٍ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؟ فَلِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ الْمِسْنَاوِيُّ: إنَّ اسْتِثْنَاءَ الصُّبْحِ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَوْ صَرِيحِهِ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ - نَقْلًا عَنْ بْن) . قَوْلُهُ: [وَإِلَّا يَكُنْ مُحَصِّلُ الْفَضْلِ] إلَخْ: بَقِيَ مَا إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ عَلَى مَنْ بِالْمَسْجِدِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا وَعَلَيْهِ مَا قَبْلَهَا أَيْضًا كَمَا لَوْ أُقِيمَتْ الْعَصْرُ عَلَى مَنْ بِالْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى الظُّهْرَ - فَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الدُّخُولُ مَعَ الْإِمَامِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ، وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَقِيلَ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ بِنِيَّةِ الْعَصْرِ وَيَتَمَادَى عَلَى صَلَاةٍ بَاطِلَةٍ، وَاسْتُبْعِدَ، وَقِيلَ يَدْخُلُ مَعَهُ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ وَيُتَابِعُهُ فِي الْأَفْعَالِ بِحَيْثُ يَكُونُ مُقْتَدِيًا بِهِ صُورَةً فَقَطْ، وَهَذَا أَقْرَبُ الْأَقْوَالِ، كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ] : أَيْ فَيَلْزَمُهُ الدُّخُولُ مَعَهُ أَيْ إذَا كَانَ مُحَصِّلًا لِشُرُوطِهَا، وَلَمْ يَكُنْ إمَامًا بِمَسْجِدٍ آخَرَ فَكَلَامُ الشَّارِحِ مُقَيَّدٌ بِهَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ. قَوْلُهُ: [إطَالَةُ رُكُوعٍ لِدَاخِلٍ] : أَيْ وَأَمَّا التَّطْوِيلُ فِي الْقِرَاءَةِ لِأَجْلِ إدْرَاكِ الدَّاخِلِ أَوْ فِي السُّجُودِ، فَذَكَرَ (عب) أَنَّهُ كَذَلِكَ يُكْرَهُ قَالَ (بْن) : وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَمْ

[شروط الإمامة]

الصَّلَاةِ لِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ إلَّا الضَّرُورَةَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ شُرُوطِ الْإِمَامِ بِقَوْلِهِ: (وَشَرْطُهُ) : أَيْ الْإِمَامِ (إسْلَامٌ) : فَلَا تَصِحُّ خَلْفَ كَافِرٍ وَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ بِكُفْرِهِ حَالَ الِاقْتِدَاءِ. (وَتَحَقُّقُ ذُكُورَةٍ) فَلَا تَصِحُّ خَلْفَ امْرَأَةٍ وَلَا خُنْثَى مُشْكِلٍ وَلَوْ اقْتَدَى ـــــــــــــــــــــــــــــQيَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ وَالتَّوْضِيحُ وَالْبَرْزَلِيُّ فِي غَيْرِ الرُّكُوعِ إلَّا الْجَوَازَ، وَإِنَّمَا كُرِهَتْ الْإِطَالَةُ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّشْرِيكِ فِي الْعَمَلِ لِغَيْرِ اللَّهِ، كَذَا قَالَ عِيَاضٌ وَلَمْ يَجْعَلْهُ تَشْرِيكًا حَقِيقَةً لِأَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَهُ لِيَحُوزَ بِهِ أَجْرَ إدْرَاكِ الدَّاخِلِ. قَوْلُهُ: [إلَّا لِضَرُورَةٍ] : أَيْ بِأَنْ يَخَافَ الضَّرَرَ مِنْ الدَّاخِلِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ اعْتِدَادِهِ بِمَا فَاتَهُ فَيُفْسِدُ صَلَاتَهُ كَبَعْضِ الْعَوَامّ. وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي تَقْرِيرِهِ مَا لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الرَّكْعَةُ هِيَ الْأَخِيرَةُ فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يُطِيلُ الرُّكُوعَ لِلدَّاخِلِ، وَالْإِمَامُ إذَا خَشِيَ ضَرَرًا مِنْ الدَّاخِلِ أَوْ فَسَادَ صَلَاتِهِ أَوْ تَفْوِيتَ الْجَمَاعَةِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَتْ تِلْكَ الرَّكْعَةُ هِيَ الْأَخِيرَةُ. فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ. وَالْخَوْفُ هُنَا بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِكْرَاهُ عَلَى الطَّلَاقِ. [شُرُوط الْإِمَامَة] قَوْلُهُ: [فَلَا تَصِحُّ خَلْفَ كَافِرٍ] : مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ يَظُنُّهُ مُسْلِمًا فَظَهَرَ كُفْرُهُ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ أَشَارَ لَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: وَفِي إعَادَةِ مَأْمُومٍ اقْتَدَى بِكَافِرٍ ظَنَّهُ مُسْلِمًا أَبَدًا مُطْلَقًا، وَصِحَّتُهَا فِيمَا جُبِرَ فِيهِ، ثَالِثُهَا: إنْ كَانَ آمِنًا وَأَسْلَمَ لَمْ يُعِدْ. الْأَوَّلُ: لِسَمَاعِ يَحْيَى وَرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ قَوْلِهِ وَقَوْلِ الْأَخَوَيْنِ، وَالثَّانِي: لِابْنِ حَارِثٍ عَنْ يَحْيَى وَعَنْ سَحْنُونَ. الثَّالِثُ: لِلْعُتْبِيِّ عَنْ سَحْنُونَ. وَهَذَا الْخِلَافُ بِالنِّسْبَةِ لِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ وَعَدَمِ إعَادَتِهَا؛ وَإِنْ كَانَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِحُصُولِ الصَّلَاةِ مِنْهُ إذَا تَحَقَّقَ النُّطْقُ فِيهَا بِالشَّهَادَتَيْنِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. لَا يُقَالُ حَيْثُ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّنَا نَقُولُ: إسْلَامُهُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ، وَلَا يُؤْمَنُ مِنْ صُدُورِ مُكَفِّرٍ فِي خِلَالِ الصَّلَوَاتِ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) إذَا عَلِمْت ذَلِكَ؛ فَإِذَا ظَهَرَ مِنْهُ كُفْرٌ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ مَا لَمْ يُبْدِ عُذْرًا فِي إظْهَارِ الْإِسْلَامِ، لِقَوْلِ خَلِيلٍ فِيمَا سَيَأْتِي؛ وَقُبِلَ عُذْرُ مَنْ أَسْلَمَ، وَقَالَ أَسْلَمْت عَنْ ضِيقٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَتَحَقُّقُ ذُكُورَةٍ] : يَحْتَرِزُ بِهِ عَنْ الْأُنُوثَةِ وَالْخُنُوثَةِ، فَلَا يُنَافِي صِحَّةَ

بِهِمَا مِثْلُهُمَا. (وَعَقْلٌ) فَلَا تَصِحُّ خَلْفَ مَجْنُونٍ. فَإِنْ كَانَ يُفِيقُ أَحْيَانًا وَأَمَّ حَالَ إفَاقَتِهِ صَحَّتْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِعَدَمِهَا أَيْضًا. وَفِي عَدِّ الْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ مِنْ شُرُوطِ الْإِمَامِ مُسَامَحَةٌ، إذْ هُمَا شَرْطَانِ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا، وَلَا يُعَدُّ مِنْ شُرُوطِ الشَّيْءِ إلَّا مَا كَانَ خَاصًّا بِذَلِكَ الشَّيْءِ وَاَلَّذِي سَهَّلَ التَّسَامُحَ أَنَّهُمَا هُنَاكَ اُعْتُبِرَا شَرْطًا لِلصَّلَاةِ، وَهُنَا اُعْتُبِرَا شَرْطًا لِلْإِمَامِ. (وَكَوْنُهُ غَيْرَ مَأْمُومٍ) فَلَا تَصِحُّ خَلْفَ مَأْمُومٍ، وَمِنْهُ مَسْبُوقٌ قَامَ لِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ فَاقْتَدَى بِهِ غَيْرُهُ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ إمَامَهُ مَأْمُومٌ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ صَلَاتِهِ. وَلَيْسَ مِنْهُ مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مَا دُونَ رَكْعَةٍ، فَإِذَا قَامَ لِصَلَاتِهِ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَيَنْوِي الْإِمَامِيَّةَ بَعْدُ إنْ كَانَ نَاوِيًا الْمَأْمُومِيَّةَ. (وَلَا مُتَعَمِّدِ حَدَثٍ) فَلَا تَصِحُّ خَلْفَ مُتَعَمِّدٍ الْحَدَثَ فِيهَا أَوْ حَالَ الْإِحْرَامِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَأْمُومُ بِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا. وَأَشَارَ لِمَفْهُومِ مُتَعَمِّدٍ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ نَسِيَهُ) أَيْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ بِالصَّلَاةِ مُحْدِثًا وَهُوَ نَاسٍ لِكَوْنِهِ مُحْدِثًا وَتَذَكَّرَ بَعْدَ السَّلَامِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِمْ عَمَلًا بَلْ خَرَجَ وَأَشَارَ لَهُمْ بِالْإِتْمَامِ أَوْ أَحْدَثَ فِيهَا نَاسِيًا لِكَوْنِهِ فِي صَلَاةٍ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِمْ عَمَلًا أَيْضًا. وَهَذِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاقْتِدَاءِ بِالْمِلْكِ، لِأَنَّ وَصْفَ الْمِلْكِيَّةِ أَشْرَفُ مِنْ وَصْفِ الذُّكُورَةِ، وَالْغَرَضُ نَفْيُ خِسَّةِ الْأُنُوثَةِ وَمَا شَابَهَهَا كَالْخُنُوثَةِ. وَقَدْ «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَ جِبْرِيلَ صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ» ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ. لَا يُقَالُ إنَّ صَلَاتَهُمْ نَفْلٌ لِأَنَّنَا نَقُولُ: الْحَقُّ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ، أَوْ يُسْتَثْنَوْنَ فَقَدْ قِيلَ بِالْفَرْضِ خَلْفَ نَفْلٍ. وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ أَيْضًا خَلْفَ ذُكُورِ الْجِنِّ لِأَنَّ لَهُمْ مَا لَنَا وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ اقْتَدَى بِهِمَا مِثْلُهُمَا] : أَيْ وَلَوْ نَوَيَا الْإِمَامَةَ فَصَلَاتُهُمَا صَحِيحَةٌ وَصَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُمَا بَاطِلَةٌ وَإِنَّمَا حُكِمَ بِالصِّحَّةِ إذَا نَوَى كُلٌّ الْإِمَامَةَ مَعَ أَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ مُرَاعَاةً لِمَنْ قَالَ بِصِحَّةِ إمَامَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِمِثْلِهِ. كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [خِلَافًا لِمَنْ قَالَ] إلَخْ: أَيْ وَهُوَ الْأُجْهُورِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ. قَوْلُهُ: [وَلَا مُتَعَمِّدُ حَدَثٍ] : مِثْلُهُ عُلِمَ مَوْتُهُ بِحَدَثِهِ وَدَخَلَ أَوْ تَرَاخَى مَعَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ كَمَا يَأْتِي.

الصُّورَةُ يَشْمَلُهَا كَلَامُهُ أَيْضًا: (أَوْ غَلَبَهُ) الْحَدَثُ فِيهَا كَأَنْ سَبَقَهُ الْبَوْلُ أَوْ الرِّيحُ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِمْ عَمَلًا (صَحَّتْ لِلْمَأْمُومِ) دُونَ الْإِمَامِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: كُلُّ صَلَاةٍ بَطَلَتْ عَلَى الْإِمَامِ بَطَلَتْ عَلَى الْمَأْمُومِ إلَّا فِي سَبْقِ الْحَدَثِ وَنِسْيَانِهِ. وَقَوْلُنَا فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ: " وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِمْ عَمَلًا " مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ عَمِلَ بِهِمْ عَمَلًا لَبَطَلَتْ عَلَيْهِمْ أَيْضًا لِشُمُولِ الْمُتَعَمِّدِ لَهُ. وَمَحَلُّ صِحَّتِهَا لِلْمَأْمُومِ فِي أَنَّ النِّسْيَانَ (إنْ لَمْ يَعْلَمْ) الْمَأْمُومُ (بِهِ) - أَيْ يُحْدِثُ إمَامُهُ - (قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ دُخُولِهِ مَعَهُ فِيهَا، فَإِنْ عَلِمَهُ قَبْلَهَا وَدَخَلَ مَعَهُ وَلَوْ نَاسِيًا كَإِمَامِهِ بَطَلَتْ (أَوْ عَلِمَ) بِحَدَثِ إمَامِهِ (فِيهَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ (وَلَمْ يَسْتَمِرَّ) مَعَهُ، بَلْ فَارَقَهُ وَصَلَّى لِنَفْسِهِ مُنْفَرِدًا أَوْ مُسْتَخْلِفًا فَتَصِحُّ لِلْمَأْمُومَيْنِ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِحَدَثِ إمَامِهِ فِي الصَّلَاةِ وَاسْتَمَرَّ مَعَهُ بَطَلَتْ عَلَيْهِمْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا كَانَ نَاسِيًا الْحَدَثَ أَوْ غَلَبَهُ فِيهَا فَتَصِحُّ لِلْمَأْمُومِ بِشَرْطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا فِي سَبْقِ الْحَدَثِ وَنِسْيَانِهِ] : أَيْ وَمَسَائِلَ أُخْرَى نَحْوَ أَحَدَ عَشَرَ تُضَمُّ لِسَبْقِ الْحَدَثِ وَنِسْيَانِهِ؛ الْأُولَى: لَوْ ضَحِكَ الْإِمَامُ غَلَبَةً أَوْ سَهْوًا فَيَسْتَخْلِفُ وَتَبْطُلُ عَلَيْهِ دُونَهُمْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. الثَّانِيَةُ: إذَا رَأَى الْمَأْمُومُ نَجَاسَةً عَلَى إمَامِهِ وَأَرَاهُ إيَّاهَا فَوْرًا، وَاسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ مِنْ حِينِ ذَلِكَ فَتَبْطُلُ عَلَيْهِ دُونَهُمْ، وَاخْتَارَ ابْنُ نَاجِي الْبُطْلَانَ لِلْجَمِيعِ. الثَّالِثَةُ: إذَا سَقَطَ سَاتِرُ الْعَوْرَةِ الْمُغَلَّظَةِ فَيَسْتَخْلِفُ فِي قَوْلِ سَحْنُونَ وَإِنْ أَعَادَ مَعَ التَّمَادِي فَقِيلَ: الْفَسَادُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَقِيلَ بِالصِّحَّةِ عَلَى الْجَمِيعِ الرَّابِعَةُ: إذَا رَعَفَ فِي الصَّلَاةِ رُعَافَ بِنَاءٍ وَاسْتَخْلَفَ فِيهِ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي حَالَةِ الِاسْتِخْلَافِ. الْخَامِسَةُ: إذَا انْحَرَفَ الْإِمَامُ انْحِرَافًا كَثِيرًا عَنْ الْقِبْلَةِ وَنَوَى مَأْمُومُهُ الْمُفَارَقَةَ مِنْهُ. السَّادِسَةُ: لَوْ طَرَأَ فَسَادُ الصَّلَاةِ لِلْإِمَامِ الَّذِي قَسَّمَ الْقَوْمَ طَائِفَتَيْنِ فِي الْخِلَافِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْأُولَى فَتَبْطُلُ عَلَيْهِ دُونَ الطَّائِفَةِ الْأُولَى. السَّابِعَةُ: إنْ تَرَكَ السُّجُودَ الْقَبْلِيَّ الْمُتَرَتِّبَ عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ وَطَالَ وَسَجَدَهُ الْمَأْمُومُ. الثَّامِنَةُ: إنْ تَرَكَ الْإِمَامُ سَجْدَةً وَسَبَّحَ لَهُ الْمَأْمُومُ وَلَمْ يَرْجِعْ فَسَجَدَهَا الْمَأْمُومُ، وَاسْتَمَرَّ الْإِمَامُ تَارِكًا لَهَا حَتَّى سَلَّمَ وَطَالَ. التَّاسِعَةُ: إنْ قَطَعَ الصَّلَاةَ الْإِمَامُ لِخَوْفٍ عَلَى مَالٍ أَوْ نَفْسٍ. الْعَاشِرُ: إنْ طَرَأَ لَهُ جُنُونٌ. الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: إنْ طَرَأَ لَهُ مَوْتٌ. وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ حَاصِلُ نَظْمِ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الْبِيلِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

أَنْ لَا يَعْلَمَ أَوْ عَلِمَ فِيهَا وَلَمْ يَعْمَلْ مَعَهُ عَمَلًا وَإِلَّا بَطَلَتْ. (وَ) شَرْطُهُ: (قُدْرَةٌ عَلَى الْأَرْكَان، لَا إنْ عَجَزَ) عَنْ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهَا فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ (إلَّا أَنْ يُسَاوِيَهُ الْمَأْمُومُ) فِي الْعَجْزِ فِي ذَلِكَ الرُّكْنِ (فَتَصِحُّ) صَلَاتُهُ خَلْفَهُ؛ كَأَخْرَسَ صَلَّى بِمِثْلِهِ وَعَاجِزٍ عَنْ الْقِيَامِ صَلَّى جَالِسًا بِمِثْلِهِ (إلَّا الْمُومِئَ) أَيْ مَنْ فَرْضُهُ الْإِيمَاءُ مِنْ قِيَامٍ أَوْ جُلُوسٍ أَوْ اضْطِجَاعٍ يَأْتَمُّ (بِمِثْلِهِ) فَلَا تَصِحُّ لَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَ) شَرْطُهُ: (عِلْمٌ) أَيْ كَوْنُهُ عَالِمًا (بِمَا تَصِحُّ) الصَّلَاةُ (بِهِ) مِنْ الْأَحْكَامِ كَشُرُوطِ الصَّلَاةِ وَأَرْكَانِهَا. وَكَفَى عِلْمُ كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يُمَيِّزْ الْفَرْضَ مِنْ السُّنَّةِ بِخِلَافِ مَنْ يَعْتَقِدُ الْفَرْضَ سُنَّةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ [أَوْ عَلِمَ فِيهَا] إلَخْ: فَقَدْ نَقَلَ (ح) أَوَّلَ الِاسْتِخْلَافِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ حُكْمَ مَنْ عَلِمَ بِحَدَثِ إمَامِهِ حُكْمُ مَنْ رَأَى النَّجَاسَةَ فِي ثَوْبِ إمَامِهِ، فَإِنْ أَعْلَمَهُ بِذَلِكَ فَوْرًا فَلَا يَضُرُّ، وَأَمَّا إنْ عَمِلَ مَعَهُ عَمَلًا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ السَّلَامَ فَقَدْ بَطَلَتْ عَلَيْهِ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ بْن) . قَوْلُهُ: [لَا إنْ عَجَزَ عَنْ رُكْنٍ] : أَيْ قَوْلِيٍّ: كَالْفَاتِحَةِ. أَوْ فِعْلِيٍّ: كَالرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ الْقِيَامِ. وَالْفَرْضُ أَنَّ الْمُقْتَدِيَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ الرُّكْنِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. وَمِنْ هُنَا اخْتَلَفَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ إمَامَةِ مُقَوَّسِ الظَّهْرِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي تَقْرِيرِهِ: إنْ وَصَلَ تَقَوُّسُهُ لِحَدِّ الرُّكُوعِ فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ عَاجِزًا عَنْ رُكْنٍ فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْقَادِرِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى حَدِّ الرُّكُوعِ فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ عَاجِزٍ عَنْ رُكْنٍ وَحِينَئِذٍ فَاقْتِدَاءُ الْقَادِرِ بِهِ صَحِيحٌ فَلَا مَعْنَى لِهَذَا الِاخْتِلَافِ (اهـ.) قَوْلُهُ: [فَلَا تَصِحُّ لَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ] : أَيْ فِي غَيْرِ قِتَالِ الْمُسَايَفَةِ، وَأَمَّا فِيهِ فَيَجُوزُ. وَإِنَّمَا مُنِعَ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ لَا يَنْضَبِطُ فَقَدْ يَكُونُ إيمَاءُ الْمَأْمُومِ أَخْفَضَ مِنْ إيمَاءِ الْإِمَامِ، وَهَذَا يَضُرُّ وَمُقَابِلُ هَذَا مَا لِابْنِ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيِّ مِنْ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُومِي بِالْمُومِي. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ مَنْ يَعْتَقِدُ الْفَرْضَ سُنَّةً] : وَانْظُرْ لَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ السُّنَّةَ فَرْضٌ أَوْ فَضِيلَةٌ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالُوا إنَّهَا صَحِيحَةٌ إنْ سَلِمَتْ مِنْ الْخَلَلِ كَمَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا كُلَّهَا فَرَائِضُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ أَخَذَ صِفَتَهَا عَنْ عَالِمٍ وَلَمْ يُمَيِّزْ الْفَرْضَ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ

(وَقِرَاءَةٍ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى مَا أَيْ وَعُلِمَ بِقِرَاءَةٍ (غَيْرِ شَاذَّةٍ) وَالشَّاذُّ مَا وَرَاءَ الْعَشَرَةِ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ إنْ لَمْ يُوَافِقْ الرَّسْمَ الْعُثْمَانِيَّ. (وَصَحَّتْ بِهَا) أَيْ بِالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ (إنْ وَافَقَتْ رَسْمَ الْمُصْحَفِ) الْعُثْمَانِيِّ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ الْقِرَاءَةُ بِهَا. (وَ) صَحَّتْ (بِلَحْنٍ) فِي الْقِرَاءَةِ (وَلَوْ بِالْفَاتِحَةِ) إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ، (وَأَثِمَ) الْمُقْتَدِي بِهِ (إنْ وَجَدَ غَيْرَهُ) مِمَّنْ يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ وَإِلَّا فَلَا (وَ) صَحَّتْ (بِغَيْرِ) أَيْ بِقِرَاءَةِ غَيْرِ (مُمَيِّزٍ بَيْنَ كَضَادٍ وَظَاءٍ) بِالْمُعْجَمَتَيْنِ كَمَا فِي لُغَةِ بَعْضِ الْعَرَبِ الَّذِينَ يَقْلِبُونَ الضَّادَ ظَاءً، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ مَنْ يَقْلِبُ الْحَاءَ الْمُهْمَلَةَ هَاءً أَوْ الرَّاءَ لَامًا أَوْ الضَّادَ دَالًا كَمَا فِي بَعْضِ الْأَعَاجِمِ. (لَا) تَصْلُحُ (إنْ تَعَمَّدَ) اللَّحْنَ أَوْ تَبْدِيلَ الْحُرُوفِ بِغَيْرِهَا فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQصَحِيحَةٌ إذَا سَلِمَتْ مِنْ الْخَلَلِ سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّ فِيهَا فَرَائِضَ وَسُنَنًا أَوْ اعْتَقَدَ فَرْضِيَّةَ جَمِيعِهَا عَلَى الْإِجْمَالِ، وَإِنْ لَمْ تَسْلَمْ صَلَاتُهُ مِنْ الْخَلَلِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ فِي الْجَمِيعِ. وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ، فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ إلَّا بِفِعْلِ مَا رَأَوْا، وَأَهْلُ الْعِلْمِ نُوَّابُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قَوْلُهُ: [إنْ وَافَقَتْ رَسْمَ الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ] : أَيْ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَرْكَانِ الْقُرْآنِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ فِي الطَّيِّبَةِ: وَكُلُّ مَا وَافَقَ وَجْهَ النَّحْوِ ... وَكَانَ لِلرَّسْمِ احْتِمَالًا يَحْوِي وَصَحَّ إسْنَادًا هُوَ الْقُرْآنُ ... فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَرْكَانُ قَالَ شَيْخُنَا فِي تَقْرِيرِهِ: الْحَقُّ أَنَّ الْقِرَاءَةَ الْمُلَفَّقَةَ مِنْ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ الْجَارِيَةِ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ جَائِزَةٌ لَا حُرْمَةَ فِيهَا وَلَا كَرَاهَةَ، وَالصَّلَاةُ بِهَا لَا كَرَاهَةَ فِيهَا. (اهـ.) قَوْلُهُ: [وَصَحَّتْ بِلَحْنٍ] إلَخْ: أَيْ غَيَّرَ الْمَعْنَى أَمْ لَا. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْحَقُّ مِنْ أَقْوَالٍ سِتَّةٍ، الثَّانِي: تَبْطُلُ بِاللَّحْنِ مُطْلَقًا؛ الثَّالِثُ: بِاللَّحْنِ فِي الْفَاتِحَةِ، الرَّابِعُ: إنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى، الْخَامِسُ: الْكَرَاهَةُ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ، السَّادِسُ: الْجَوَازُ. قَوْلُهُ: [بَيْنَ كَضَادٍ وَظَاءٍ] إلَخْ: صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَجْلِ التَّنْصِيصِ عَلَى عَيْنِهَا، وَإِنْ كَانَتْ دَاخِلَةً فِي اللَّاحِنِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ فَإِنَّهُمْ لَمَّا ذَكَرُوا الْخِلَافَ فِي اللَّحْنِ قَالُوا: وَمِنْهُ مَنْ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ ضَادٍ وَظَاءٍ.

(وَ) شَرْطُهُ (بُلُوغٌ فِي) صَلَاةِ (فَرْضٍ) فَلَا يَصِحُّ خَلْفَ صَبِيٍّ بِخِلَافِ النَّفْلِ خَلْفَ الصَّبِيِّ فَيَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ. (وَ) شَرْطُهُ (بِجُمُعَةٍ) : أَيْ فِيهَا زِيَادَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (حُرِّيَّةٌ) فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ خَلْفَ عَبْدٍ وَلَوْ مُكَاتَبًا لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ. (وَإِقَامَةٌ) بِبَلَدِهَا وَمَا فِي حُكْمِهِ فَلَا تَصِحُّ خَلْفَ خَارِجٍ عَنْهَا بِمَا زَادَ عَلَى كَفَرْسَخٍ، كَمَا لَا تَصِحُّ مِنْهُمَا أَيْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ إعَادَتِهَا، وَلَوْ ظُهْرًا، إنْ لَمْ يُمْكِنْ إعَادَتُهَا جُمُعَةً. (وَأَعَادَ) صَلَاتَهُ (بِوَقْتٍ) ضَرُورِيٍّ (فِي) اقْتِدَائِهِ بِإِمَامٍ (بِدْعِيٍّ) لَمْ يَكْفُرْ بِبِدْعَتِهِ كَحَرُورِيٍّ وَقَدَرِيٍّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ خَلْفَ صَبِيٍّ] : اعْلَمْ أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا فَاتَهُ لَا يَنْوِي فَرْضًا وَلَا نَفْلًا، وَلَهُ أَنْ يَنْوِيَ النَّفَلَ فَإِنْ نَوَى الْفَرْضَ هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؟ لِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ إذْ لَا فَرْضَ عَلَيْهِ، أَوْ لَا تَبْطُلُ؟ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا الثَّانِي كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. وَهَذَا فِي صَلَاتِهِ فِي نَفْسِهِ، وَأَمَّا إنْ اقْتَدَى بِهِ أَحَدٌ فَصَلَاةُ ذَلِكَ الْمُقْتَدِي بَاطِلَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ إذَا كَانَ مَأْمُومُهُ بَالِغًا فِي فَرْضٍ فَإِنْ أَمَّ فِي نَفْلٍ صَحَّتْ الصَّلَاةُ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ ابْتِدَاءً كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ مُكَاتَبًا] : أَيْ أَوْ مُبَعَّضًا فِي يَوْمِ حُرِّيَّتِهِ. قَوْلُهُ: [فَلَا تَصِحُّ خَلْفَ خَارِجٍ عَنْهَا] : أَيْ مَا لَمْ يَنْوِ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ لِغَيْرِ قَصْدِ الْخُطْبَةِ فَتَصِحُّ وَلَوْ سَافَرَ عَقِبَ الصَّلَاةِ. وَمَحَلُّ عَدَمِ صِحَّتِهَا خَلْفَ الْمُسَافِرِ مَا لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً أَوْ نَائِبَهُ وَمَرَّ بِقَرْيَةِ جُمُعَةٍ مِنْ قُرَى عَمَلِهِ، فَيَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّ بِهِمْ بَلْ يُنْدَبُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ مَكْرُوهِ الْجُمُعَةِ. قَوْلُهُ: [كَحَرُورِيٍّ] إلَخْ: هَذَا بَيَانٌ لِلْحُكْمِ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ، وَأَمَّا الِاقْتِدَاءُ بِهِ فَقِيلَ مَمْنُوعٌ وَقِيلَ مَكْرُوهٌ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَمُرَادُهُ: كُلُّ مَا اُخْتُلِفَ فِي تَكْفِيرِهِ بِبِدْعَتِهِ خَرَجَ الْمَقْطُوعُ بِكُفْرِهِ؛ كَمَنْ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ مُفَصَّلَةً بَلْ

(وَكُرِهَ فَاسِقٌ بِجَارِحَةٍ) : أَيْ إمَامَتِهِ وَلَوْ لِمِثْلِهِ عَلَى الصَّحِيحِ. (وَ) كُرِهَ (أَعْرَابِيٌّ) : وَهُوَ سَاكِنُ الْبَادِيَةِ (لِغَيْرِهِ) مِنْ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ وَلَوْ بِسَفَرٍ لَا لِمِثْلِهِ. (وَ) كُرِهَ (ذُو سَلَسٍ) كَبَوْلٍ وَنَحْوِهِ (وَقَرْحٍ) : أَيْ دُمَّلٍ سَائِلٍ (لِصَحِيحٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمُجْمَلَةً فَقَطْ، فَالِاقْتِدَاءُ بِهِ بَاطِلٌ. وَخَرَجَ الْمَقْطُوعُ بِعَدَمِ كُفْرِهِ كَذِي بِدْعَةٍ خَفِيفَةٍ كَمُفَضِّلِ عَلِيٍّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ؛ فَهَذَا لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ اقْتَدَى بِهِ. تَنْبِيهٌ: الْحَرُورِيَّةُ قَوْمٌ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِحَرُورَاءَ: قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْكُوفَةِ عَلَى مِيلَيْنِ مِنْهَا نَقَمُوا عَلَيْهِ فِي التَّحْكِيمِ أَيْ عَابُوا عَلَيْهِ وَكَفَّرُوهُ بِالذَّنْبِ. وَالْمُرَادُ بِالتَّحْكِيمِ تَحْكِيمُهُ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ إنَّ هَذَا ذَنْبٌ صَدَرَ مِنْك وَكُلُّ ذَنْبٍ مُكَفِّرٌ لِفَاعِلِهِ فَأَنْتَ كَافِرٌ. فَأَوَّلًا كَفَّرُوا مُعَاوِيَةَ بِخُرُوجِهِ عَلَى عَلِيٍّ، ثُمَّ كَفَّرُوا عَلِيًّا بِتَحْكِيمِهِ لِأَبِي مُوسَى، وَخَرَجُوا عَنْ طَاعَتِهِ فَقَاتَلَهُمْ قِتَالًا عَظِيمًا. قَوْلُهُ: [فَاسِقٌ بِجَارِحَةٍ] : يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ الْفَاسِقِ بِالِاعْتِقَادِ أَيْ فَفِسْقُهُ بِسَبَبِ الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لِمَا وَرَدَ: «أَنَّ أَئِمَّتَكُمْ شُفَعَاؤُكُمْ» وَالْفَاسِقُ لَا يَصْلُحُ لِلشَّفَاعَةِ. قَوْلُهُ: [عَلَى الصَّحِيحِ] : أَيْ خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ مِنْ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا شَرْطُ كَمَالٍ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ فِسْقُهُ بِالصَّلَاةِ؛ كَأَنْ يَقْصِدَ بِتَقَدُّمِهِ الْكِبْرَ كَمَا يَأْتِي، أَوْ يُخِلَّ بِرُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ سُنَّةٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي بُطْلَانِ صَلَاةِ تَارِكِهَا عَمْدًا (اهـ. مِنْ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ أَعْرَابِيٌّ] : قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ عِيَاضٍ: الْأَعْرَابِيُّ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - هُوَ الْبَدَوِيُّ كَانَ عَرَبِيًّا أَوْ عَجَمِيًّا. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ تُكْرَهُ إمَامَةُ الْبَدَوِيِّ - أَيْ سَاكِنِ الْبَادِيَةِ - لِلْحَضَرِيِّ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَاضِرَةِ أَوْ فِي الْبَادِيَةِ، بِأَنْ كَانَ الْحَضَرِيُّ مُسَافِرًا؛ وَلَوْ كَانَ الْأَعْرَابِيُّ أَكْثَرَ قُرْآنًا أَوْ أَحْكَمَ قِرَاءَةً وَلَوْ كَانَ بِمَنْزِلِ ذَلِكَ الْبَدَوِيِّ، فَمَحَلُّ تَقْدِيمِ رَبِّ الْمَنْزِلِ إنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِمَانِعِ نَقْصٍ أَوْ كُرْهٍ كَمَا يَأْتِي. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . وَفِي هَذَا التَّقْيِيدِ نَظَرٌ لِمَا يَأْتِي أَنَّهُ يُسْتَثْنَى رَبُّ الْمَنْزِلِ وَالسُّلْطَانُ مِنْ عَدَمِ إسْقَاطِ الْمَانِعِ حَقَّهُمَا. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ ذُو سَلَسٍ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَإِنْ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى ضَعِيفٍ

[من لا تجوز إمامته ومن تكره]

وَمِثْلُهُمَا كُلُّ مَنْ تَلَبَّسَ بِنَجَاسَةٍ مَعْفُوٍّ عَنْهَا لِسَالِمٍ مِنْهَا لَا لِمِثْلِهِ. (وَ) كُرِهَ (أَغْلَفُ وَمَجْهُولُ حَالٍ) أَيْ لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ أَهْوَ عَدْلٌ أَوْ فَاسِقٌ وَمِثْلُهُ مَجْهُولُ النَّسَبِ. ثُمَّ بَيَّنَ مَنْ تُكْرَهُ إمَامَتُهُ فِي حَالَةٍ دُونَ أُخْرَى فَقَالَ: (وَ) كُرِهَ (تَرَتُّبُ خَصِيٍّ) أَيْ مَقْطُوعِ الْأُنْثَيَيْنِ (وَ) تَرَتُّبُ (مَأْبُونٍ) أَيْ مُتَشَبِّهٍ بِالنِّسَاءِ أَوْ مَنْ يَتَكَسَّرُ فِي كَلَامِهِ كَالنِّسَاءِ أَوْ مَنْ كَانَ يُفْعَلُ بِهِ فِعْلُ قَوْمِ لُوطٍ ثُمَّ تَابَ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَتُبْ فَهُوَ أَرْذَلُ الْفَاسِقِينَ (وَوَلَدِ زِنًا وَعَبْدٍ) : أَيْ جَعْلِ مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ أَنَّ الْأَحْدَاثَ إذَا عُفِيَ عَنْهَا فِي حَقِّ صَاحِبِهَا لَا يُعْفَى عَنْهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ إذَا عُفِيَ عَنْهَا فِي حَقِّ صَاحِبِهَا عُفِيَ عَنْهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ. وَعَلَيْهِ فَلَا كَرَاهَةَ فِي إمَامَةِ صَاحِبِهَا لِغَيْرِهِ. وَأَمَّا صَلَاةُ غَيْرِهِ بِثَوْبِهِ فَاقْتَصَرَ فِي الذَّخِيرَةِ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ قَائِلًا إنَّمَا عُفِيَ عَنْ النَّجَاسَةِ لِلْمَعْذُورِ خَاصَّةً فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ. ثُمَّ تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ الْكَرَاهَةَ بِالصَّحِيحِ تَبِعَ فِيهِ خَلِيلًا وَابْنَ الْحَاجِبِ، وَظَاهِرُ عِيَاضٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْخِلَافَ لَا يَخْتَصُّ بِإِمَامَةِ الصَّحِيحِ فَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِالصَّحِيحِ طَرِيقَةٌ. قَوْلُهُ: [لَا لِمِثْلِهِ] : أَيْ خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ عِيَاضٌ وَابْنُ بَشِيرٍ. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ أَغْلَفُ] : أَيْ وَهُوَ مَنْ لَمْ يُخْتَتَنْ فَتُكْرَهُ إمَامَتُهُ مُطْلَقًا رَاتِبًا أَوْ لَا خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ مِنْ تَخْصِيصِهِ بِالرَّاتِبِ. قَوْلُهُ: [وَمِثْلُهُ مَجْهُولُ النَّسَبِ] : قَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ مَجْهُولُ النَّسَبِ كَوَلَدِ الزِّنَا. إنَّمَا تُكْرَهُ إمَامَتُهُ إنْ كَانَ رَاتِبًا كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْمُدَوَّنَةِ. وَالْمُرَادُ بِمَجْهُولِ النَّسَبِ: اللَّقِيطُ لَا الطَّارِئُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ مَأْمُونُونَ عَلَى أَنْسَابِهِمْ. [مِنْ لَا تَجُوز إمَامَتُهُ وَمَنْ تُكْرَهُ] قَوْلُهُ: [تَرَتُّبُ خَصِيٍّ] : أَيْ بِحَضَرٍ لَا سَفَرٍ كَمَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَتُبْ] إلَخْ: أَيْ وَتَقَدَّمَ كَرَاهَةُ إمَامَتِهِ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَاتِبًا. قَوْلُهُ: [وَعَبْدٍ] إلَخْ: الْحَاصِلُ أَنَّ إمَامَةَ الْعَبْدِ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: جَائِزَةٌ،

ذُكِرَ إمَامًا رَاتِبًا (فِي فَرْضٍ أَوْ سُنَّةٍ) كَعِيدٍ لَا إنْ لَمْ يُرَتَّبْ. (وَ) كُرِهَتْ (صَلَاةٌ) وَلَوْ لِفَذٍّ (بَيْنَ الْأَسَاطِينِ) جَمْعُ أُسْطُوَانَةٍ وَهِيَ الْعَمُودُ. (وَ) كُرِهَتْ صَلَاةُ مَأْمُومٍ (أَمَامَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ: أَيْ قُدَّامَ (الْإِمَامِ بِلَا ضَرُورَةٍ) وَإِلَّا لَمْ تُكْرَهْ. (وَ) كُرِهَ (اقْتِدَاءُ مَنْ بِأَسْفَلِ السَّفِينَةِ بِمَنْ بِأَعْلَاهَا) لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِمْ مِنْ مُلَاحَظَةِ الْإِمَامِ وَقَدْ تَدُورُ فَيَخْتَلُّ عَلَيْهِمْ أَمْرُ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ (كَأَبِي قُبَيْسٍ) : أَيْ كَمَا يُكْرَهُ اقْتِدَاءُ مَنْ بِأَبِي قُبَيْسٍ بِمَنْ يُصَلِّي بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَهُوَ جَبَلٌ عَالٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَكْرُوهَةٌ، وَمَمْنُوعَةٌ. فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إمَامًا رَاتِبًا فِي النَّوَافِلِ، وَإِمَامًا غَيْرَ رَاتِبٍ فِي الْفَرَائِضِ. وَكُرِهَ أَنْ يَكُونَ رَاتِبًا فِيهَا، وَكَذَا فِي السُّنَنِ كَالْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، فَإِنْ أَمَّ فِي ذَلِكَ أَجْزَأَتْ. وَيُمْنَعُ أَنْ يَكُونَ إمَامًا فِي الْجُمُعَةِ رَاتِبًا أَوْ غَيْرَ رَاتِبٍ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَرَاهَةِ تَرَتُّبِهِ فِي الْفَرْضِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بِجَوَازِ تَرَتُّبِهِ فِي الْفَرَائِضِ كَالنَّوَافِلِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ أَصْلَحَهُمْ فَلَا يُكْرَهُ. قَوْلُهُ: [بَيْنَ الْأَسَاطِينِ] : أَيْ لِأَنَّ هَذَا الْمَحَلَّ مُعَدٌّ لِوَضْعِ النِّعَالِ وَهِيَ لَا تَخْلُو غَالِبًا مِنْ نَجَاسَةٍ، أَوْ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الشَّيَاطِينِ فَيُطْلَبُ التَّبَاعُدُ عَنْهُ، فَقَدْ «ارْتَحَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْوَادِي الَّذِي نَامُوا فِيهِ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَقَالَ: إنَّ بِهِ شَيْطَانًا» . قَوْلُهُ: [أَمَامَ الْإِمَامِ بِلَا ضَرُورَةٍ] : أَيْ لِمُخَالَفَةِ الرُّتْبَةِ، كَمَا لَوْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ الْمُنْفَرِدِ. وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ وُقُوفَ الْمَأْمُومِ أَمَامَ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ مُبْطِلٌ لِصَلَاتِهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْعَكْسِ] : أَيْ وَهُوَ اقْتِدَاءُ مَنْ بِأَعْلَى السَّفِينَةِ بِمَنْ بِأَسْفَلِهَا فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَذَلِكَ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ ضَبْطِ أَفْعَالِ إمَامِهِ. قَوْلُهُ: [أَيْ كَمَا يُكْرَهُ اقْتِدَاءُ] إلَخْ: إنْ قُلْت صِحَّةُ صَلَاةِ مَنْ بِأَبِي قُبَيْسٍ مُشْكِلَةٌ، لِأَنَّ مَنْ بِمَكَّةَ يَجِبُ عَلَيْهِ مُسَامَتَةُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ كَمَا مَرَّ، وَمَنْ كَانَ بِأَبِي قُبَيْسٍ

[تنبيه تنفل الإمام في المحراب]

تُجَاهَ رُكْنِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لِعَدَمِ تَمَامِ التَّمَكُّنِ مِنْ أَفْعَالِ الْإِمَامِ. (وَ) كُرِهَ (صَلَاةُ رَجُلٍ بَيْنَ نِسَاءٍ وَعَكْسُهُ) أَيْ امْرَأَةٍ بَيْنَ رِجَالٍ. (وَ) كُرِهَ (إمَامَةٌ بِمَسْجِدٍ بِلَا رِدَاءٍ) يُلْقِيهِ الْإِمَامُ عَلَى كَتِفَيْهِ بِخِلَافِ الْمَأْمُومِ وَالْفَذِّ فَلَا يُكْرَهُ لَهُمَا عَدَمُ الرِّدَاءِ، بَلْ هُوَ خِلَافُ الْأُولَى، فَعُلِمَ أَنَّ الرِّدَاءَ يُنْدَبُ لِكُلِّ مُصَلٍّ وَالنَّدْبُ لِلْإِمَامِ أَوْكَدُ. [تَنْبِيه تنفل الْإِمَام فِي الْمِحْرَاب] (وَ) كُرِهَ (تَنَفُّلُهُ) : أَيْ الْإِمَامِ (بِالْمِحْرَابِ) لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا حَالَ كَوْنِهِ إمَامًا، وَلِأَنَّهُ قَدْ يُوهِمُ غَيْرَهُ أَنَّهُ فِي صَلَاةِ فَرْضٍ فَيَقْتَدِي بِهِ. (وَ) كُرِهَ (صَلَاةُ جَمَاعَةٍ) فِي الْمَسْجِدِ (قَبْلَ الرَّاتِبِ) ، وَحَرُمَ مَعَهُ، وَوَجَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَكُونُ مُسَامِتًا لَهَا لِارْتِفَاعِهِ عَنْهَا. وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْوَاجِبَ عَلَى مَنْ كَانَ بِأَبِي قُبَيْسٍ وَنَحْوِهِ أَنْ يُلَاحِظَ أَنَّهُ مُسَامِتٌ لِلْبِنَاءِ، وَقَوْلُهُمْ: الْوَاجِبُ عَلَى مَنْ بِمَكَّةَ مُسَامَتَةُ الْعَيْنِ أَيْ وَلَوْ بِالْمُلَاحَظَةِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [بَيْنَ نِسَاءٍ] : أَيْ بَيْنَ صُفُوفِ النِّسَاءِ، وَكَذَا مُحَاذَاتُهُ لَهُنَّ بِأَنْ تَكُونَ امْرَأَةٌ عَنْ يَمِينِهِ وَأُخْرَى عَنْ يَسَارِهِ، وَيُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ امْرَأَةٍ بَيْنَ رِجَالٍ. وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كُنَّ مَحَارِمَ. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ تَنَفُّلُهُ] إلَخْ: أَيْ وَكَذَا يُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ تَنَفُّلُهُ بِمَوْضِعِ فَرِيضَتِهِ كَذَا فِي الْحَطَّابِ نَقْلًا عَنْ الْمَدْخَلِ، لَكِنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ مَالِكٌ لَا يَتَنَفَّلُ الْإِمَامُ فِي مَوْضِعِهِ وَلْيَقُمْ عَنْهُ بِخِلَافِ الْفَذِّ وَالْمَأْمُومِ فَلَهُمَا ذَلِكَ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ عَنْ بْن) ، وَكَمَا يُكْرَهُ تَنَفُّلُهُ بِمِحْرَابِهِ يُكْرَهُ لَهُ جُلُوسُهُ عَلَى هَيْئَةِ الصَّلَاةِ وَيَخْرُجُ مِنْ الْكَرَاهَةِ بِتَغَيُّرِ الْهَيْئَةِ لِخَبَرِ: «كَانَ إذَا صَلَّى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ» . تَنْبِيهٌ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْإِمَامَ يَقِفُ فِي الْمِحْرَابِ حَالَ صَلَاتِهِ الْفَرِيضَةَ كَيْفَمَا يَقِفُ خَارِجَهُ وَيَسْجُدُ فِيهِ. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ صَلَاةُ جَمَاعَةٍ] : وَهَذَا النَّهْيُ وَلَوْ صَلَّى فِي صَحْنِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ. وَكَرَاهَةُ الْجَمْعِ قَبْلَ الرَّاتِبِ وَبَعْدَهُ. وَحُرْمَتُهُ مَعَهُ لَا تُنَافِي حُصُولَ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ لِمَنْ جَمَعَ مَعَهُ كَمَا قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ، أَلَا تَرَى لِلصَّلَاةِ جَمَاعَةً فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ؟

الْخُرُوجُ عِنْدَ قِيَامِهَا لِلرَّاتِبِ (أَوْ) صَلَاةُ جَمَاعَةٍ (بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ صَلَاتِهِ (وَإِنْ أَذِنَ) لِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ، (وَلَهُ) أَيْ لِلرَّاتِبِ (الْجَمْعُ) فِي مَسْجِدِهِ (إنْ جَمَعَ غَيْرُهُ) قَبْلَهُ (بِلَا إذْنٍ) مِنْهُ. وَمَحَلُّ جَوَازِ الْجَمْعِ (إنْ لَمْ يُؤَخِّرْ) عَنْ عَادَتِهِ تَأْخِيرًا (كَثِيرًا، وَإِلَّا) - بِأَنْ أَذِنَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُصَلِّيَ مَكَانَهُ بِالنَّاسِ أَوْ أَخَّرَ كَثِيرًا. (كُرِهَ) لَهُ الْجَمْعُ ثَانِيًا. (وَ) إنْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ مَسْجِدًا فَوَجَدُوا رَاتِبَهُ قَدْ صَلَّى (خَرَجُوا) نَدْبًا (لِيَجْمَعُوا خَارِجَهُ، إلَّا الْمَسَاجِدَ الثَّلَاثَةَ. فَيُصَلُّونَ) فِيهَا (أَفْذَاذًا إنْ دَخَلُوهَا) ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ صَلَاةُ جَمَاعَةٍ بَعْدَهُ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الرَّاتِبُ صَلَّى وَحْدَهُ أَوْ بِجَمَاعَةٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَزَمَ بِالْكَرَاهَةِ تَبَعًا لِخَلِيلٍ وَالرِّسَالَةِ وَالْجَلَّابِ، وَعَبَّرَ ابْنُ بَشِيرٍ وَاللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِالْمَنْعِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ. وَلَا تُجْمَعُ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدٍ مَرَّتَيْنِ إلَّا مَسْجِدٍ لَيْسَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ، وَنَسَبَ أَبُو الْحَسَنِ الْجَوَازَ لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَمَحَلُّ النَّهْيِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ إذَا صَلَّى الرَّاتِبُ فِي وَقْتِهِ الْمَعْلُومِ؛ فَلَوْ قَدَّمَ عَنْ وَقْتِهِ وَأَتَتْ جَمَاعَةٌ فَإِنَّهُمْ يُعِيدُونَ فِيهِ جَمَاعَةً مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، أَوْ أَخَّرَ عَنْ وَقْتِهِ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمَاعَةً مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. وَمَحَلُّ النَّهْيِ عَنْ تَعَدُّدِ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي رَتَّبَ فِيهَا الْوَاقِفُ أَرْبَعَةَ أَئِمَّةٍ عَلَى الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، كَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كُلُّ وَاحِدٍ يُصَلِّي فِي مَوْضِعٍ فَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِالْكَرَاهَةِ، وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِالْجَوَازِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ مَوَاضِعَهُمْ كَمَسَاجِدَ مُتَعَدِّدَةٍ، خُصُوصًا وَقَدْ قَرَّرَهُ وَلِيُّ الْأَمْرِ، وَمَحَلُّ الْقَوْلَيْنِ إذَا صَلَّوْا مُتَرَتِّبِينَ، وَأَمَّا إذَا أَقَامَ أَحَدُهُمْ الصَّلَاةَ مَعَ صَلَاةِ الْآخَرِ فَلَا نِزَاعَ فِي حُرْمَتِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِذَا تَمَّ إلْحَاقُ الْبِقَاعِ بِالْمَسَاجِدِ لَمْ يَحْرُمْ الْمُكْثُ فِي بُقْعَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ لِإِقَامَةِ إمَامِ غَيْرِهَا مِنْ الْبِقَاعِ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَخَّرَ كَثِيرًا] : أَيْ فَلَا كَرَاهَةَ لِمَنْ يَجْمَعُ قَبْلَهُ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ، وَيُكْرَهُ لَهُ الْجَمْعُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [لِيَجْمَعُوا خَارِجَهُ] : أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً فِي غَيْرِهِ؛ إمَّا فِي مَسْجِدٍ آخَرَ أَوْ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ. ثُمَّ إنَّ النَّدْبَ مِنْ حَيْثُ الْجَمَاعَةُ خَارِجَهُ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْجَمَاعَةَ سُنَّةٌ وَلَوْ فِيهِ. قَوْله: [إنْ دَخَلُوهَا] : اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُفِيدُهُ.

لِأَنَّ فَذَّهَا أَفْضَلُ مِنْ جَمَاعَةِ غَيْرِهَا، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلُوهَا جَمَعُوا خَارِجَهَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ جَوَازِ إمَامَةِ مَنْ يُتَوَهَّمُ فِيهِ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَجَوَازُ أَشْيَاءَ يُتَوَهَّمُ عَدَمُ جَوَازِهَا، فَقَالَ: (وَجَازَ) بِمَعْنَى خِلَافِ الْأُولَى (إمَامَةُ أَعْمَى) إذْ إمَامَةُ الْبَصِيرِ الْمُسَاوِي فِي الْفَضْلِ لِلْأَعْمَى أَفْضَلُ. (وَ) إمَامَةُ (مُخَالِفٍ فِي الْفُرُوعِ) كَشَافِعِيٍّ وَحَنَفِيٍّ؛ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ أَوْ لَمْ يَتَدَلَّكْ أَوْ مَسَّ ذَكَرَهُ. لِأَنَّ مَا كَانَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فَالْعِبْرَةُ فِيهِ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ، وَمَا كَانَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ فَالْعِبْرَةُ فِيهِ بِمَذْهَبِ الْمَأْمُومِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأُجِيبُ بِأَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ، وَأَنَّهُمْ مُطَالَبُونَ بِالصَّلَاةِ فِيهَا أَفْذَاذًا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلُوهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: [جَمَعُوا خَارِجَهَا] : أَيْ وَلَا يَدْخُلُونَهَا. وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا أَمْكَنَهُمْ الْجَمْعُ بِغَيْرِهَا، وَإِلَّا دَخَلُوهَا وَصَلَّوْا بِهَا أَفْذَاذًا فَفِي قَوْلِهِ: [إنْ دَخَلُوهَا] تَفْصِيلٌ. قَوْلُهُ: [أَفْضَلُ] : أَيْ لِتَحَفُّظِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ وَقِيلَ: الْأَعْمَى أَفْضَلُ لِكَوْنِهِ أَخْشَعَ، وَقِيلَ: سِيَّانِ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَسَحَ] إلَخْ: أَيْ وَلَوْ أَتَى ذَلِكَ الْإِمَامُ الْمُخَالِفُ فِي الْفُرُوعِ بِمُنَافٍ لِلصِّحَّةِ عَلَى مَذْهَبِ الْمَأْمُومِ وَالْحَالُ أَنَّهُ غَيْرُ مُنَافٍ عَلَى مَذْهَبِ ذَلِكَ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ مَا كَانَ شَرْطًا] : أَيْ خَارِجًا عَنْ مَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا مَا كَانَ رُكْنًا دَاخِلًا فِيهَا فَالْعِبْرَةُ فِيهِ: بِنِيَّةِ الْمَأْمُومِ، مِثْلَ شَرْطِ الِاقْتِدَاءِ. فَلَوْ اقْتَدَى مَالِكِيٌّ بِحَنَفِيٍّ لَا يَرَى رُكْنِيَّةَ السَّلَامِ وَلَا الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ، فَإِنْ أَتَى بِهِمَا صَحَّتْ صَلَاةُ مَأْمُومِهِ الْمَالِكِيِّ، وَإِنْ تَرَكَ الْإِمَامُ ذَلِكَ كَانَتْ صَلَاةُ مَأْمُومِهِ الْمَالِكِيِّ بَاطِلَةً وَلَوْ فَعَلَ الْمَأْمُومُ ذَلِكَ. وَفِي الْحَطَّابِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَوْ عَلِمْت أَنَّ رَجُلًا يَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ لَمْ أُصَلِّ خَلْفَهُ نَقَلَهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَمَا كَانَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ] إلَخْ: يُعْلَمُ مِنْ هَذَا صِحَّةُ صَلَاةِ مَالِكِيٍّ الظُّهْرَ خَلْفَ شَافِعِيٍّ فِيهَا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ لِاتِّحَادِ عَيْنِ الصَّلَاةِ، وَالْمَأْمُومُ يَرَاهَا أَدَاءً خَلْفَ أَدَاءً، وَالْإِمَامُ يَرَاهَا قَضَاءً خَلْفَ قَضَاءٍ، وَهِيَ فِي نَفْسِ

[بعض آداب الجماعة والمساجد]

فَلَا يَصِحُّ فَرْضٌ خَلْفَ مُعِيدٍ وَلَا مُتَنَفِّلٍ وَلَا مُغَايِرِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يَرَى ذَلِكَ. (وَ) جَازَ إمَامَةُ (أَلْكَنَ) : وَهُوَ مَنْ لَا يَكَادُ يُخْرِجُ بَعْضَ الْحُرُوفِ مِنْ مَخَارِجِهَا لِعُجْمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِثْلَ أَنْ يَقْلِبَ الْحَاءَ هَاءً أَوْ الرَّاءَ لَامًا أَوْ الضَّادَ دَالًا. (وَ) إمَامَةُ (مَحْدُودٍ) لِقَذْفٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (وَ) إمَامَةُ (عِنِّينٍ) : وَهُوَ مَنْ لَهُ ذَكَرٌ صَغِيرٌ لَا يَتَأَتَّى بِهِ الْجِمَاعُ أَوْ مَنْ لَا يَنْتَشِرُ ذَكَرُهُ. (وَ) إمَامَةُ (أَقْطَعَ) يَدًا أَوْ رِجْلًا (وَأَشَلَّ) عَلَى الرَّاجِحِ فِيهِمَا، وَقِيلَ يُكْرَهُ (وَمَجْذُومٍ) أَيْ مَنْ قَامَ بِهِ دَاءُ الْجُذَامِ (إلَّا أَنْ يَشْتَدَّ) جُذَامُهُ: بِحَيْثُ يَضُرُّ بِالنَّاسِ (فَلْيَتَنَحَّ) وُجُوبًا عَنْ الْإِمَامَةِ بَلْ عَنْ الِاجْتِمَاعِ بِالنَّاسِ. (وَ) جَازَ إمَامَةُ (صَبِيٍّ بِمِثْلِهِ) . (وَ) جَازَ (إسْرَاعٌ لَهَا) : أَيْ لِأَجْلِ إدْرَاكِ الصَّلَاةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ (بِلَا خَبَبٍ) أَيْ هَرْوَلَةٍ وَهِيَ مَا دُونَ الْجَرْيِ، وَتُكْرَهُ الْهَرْوَلَةُ لِأَنَّهَا تُذْهِبُ الْخُشُوعَ فَالْجَرْيُ أَوْلَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَمْرِ إمَّا أَدَاءً أَوْ قَضَاءً كَمَا قَرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ. [بَعْض آدَاب الْجَمَاعَة وَالْمَسَاجِد] قَوْلُهُ: [وَإِمَامَةُ مَحْدُودٍ] : أَيْ بِالْفِعْلِ وَهَذَا إنْ حَسُنَتْ حَالَتُهُ وَتَابَ. وَمَفْهُومُ (مَحْدُودٍ بِالْفِعْلِ) فِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ بِعَفْوٍ فِي حَقِّ مَخْلُوقٍ أَوْ بِإِتْيَانِ الْإِمَامِ طَائِعًا وَتَرْكِ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ حِرَابَةٍ جَازَتْ إمَامَتُهُ إنْ حَسُنَتْ حَالَتُهُ، وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: [وَإِمَامَةُ عِنِّينٍ] : إنَّمَا نَصَّ عَلَيْهِ لِتَوَهُّمِ النَّهْيِ لِضَعْفِ أَمْرِ الرُّجُولِيَّةِ فِيهِ. قَوْلُهُ: [فَلْيَتَنَحَّ وُجُوبًا] : أَيْ وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ إمَامَةُ صَبِيٍّ بِمِثْلِهِ] : وَأَمَّا بِبَالِغِينَ فَلَا تَصِحُّ فِي الْفَرْضِ. وَتَصِحُّ فِي النَّفْلِ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ ابْتِدَاءً كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَتُكْرَهُ الْهَرْوَلَةُ] : أَيْ وَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْجُمُعَةِ إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ فَتَجِبُ.

(وَ) جَازَ (بِمَسْجِدٍ قَتْلُ عَقْرَبٍ) وَحَيَّةٍ (وَفَأْرَةٍ) . (وَ) جَازَ بِمَسْجِدٍ (إحْضَارُ صَبِيٍّ) شَأْنُهُ أَنَّهُ (لَا يَعْبَثُ أَوْ) يَعْبَثُ لَكِنْ (يَنْكَفُّ) عَنْهُ (إذَا نُهِيَ) وَإِلَّا مُنِعَ إحْضَارُهُ. (وَ) جَازَ بِالْمَسْجِدِ (بَصْقٌ قَلَّ) - لَا إنْ كَثُرَ - (إنْ حَصَبَ) أَيْ فُرِشَ بِالْحَصْبَاءِ (فَوْقَ الْحَصْبَاءِ أَوْ تَحْتَ حَصِيرِهِ) : أَيْ الْمُحَصَّبِ، وَمِثْلُهُ الْمُتَرَّبُ، (وَإِلَّا) بِأَنْ كَثُرَ الْبُصَاقُ أَوْ لَمْ يُحَصَّبْ بِأَنْ كَانَ مُبَلَّطًا، أَوْ بَصَقَ فَوْقَ حَصِيرِهِ (مُنِعَ كَبِحَائِطِهِ) أَيْ كَمَا يُمْنَعُ الْبَصْقُ بِحَائِطِ الْمَسْجِدِ لِتَقْذِيرِهِ. (وَقَدَّمَ الْمُصَلِّي) نَدْبًا فِي الْبَصْقِ إنْ احْتَاجَ (ثَوْبَهُ) الشَّامِلَ لِلرِّدَاءِ (ثُمَّ جِهَةَ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ) الْيُسْرَى (ثُمَّ) إنْ تَعَسَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بَصَقَ (جِهَةَ يَمِينِهِ. وَ) إنْ تَعَسَّرَ بَصَقَ (أَمَامَهُ) . (وَ) جَازَ (خُرُوجُ) امْرَأَةٍ (مُتَجَالَّةٍ) لَا أَرَبَ لِلرِّجَالِ فِيهَا (لِمَسْجِدٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [قَتْلُ عَقْرَبٍ] إلَخْ: أَيْ مَعَ التَّحَفُّظِ مِنْ تَقْذِيرِهِ وَتَعْفِيشِهِ مَا أَمْكَنَ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا مُنِعَ إحْضَارُهُ] : نَصَّ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا يُجَنَّبُ الصَّبِيُّ الْمَسْجِدَ إذَا كَانَ يَعْبَثُ أَوْ لَا يَكُفُّ إذَا نُهِيَ (اهـ.) قَوْلُهُ: [بَصْقٌ قَلَّ] إلَخْ: مُلَخَّصُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَقُولَ لَا يَخْلُو الْمَسْجِدُ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مُحَصَّبًا أَوْ مُبَلَّطًا؛ فَالثَّانِي لَا يُبْصَقُ فِيهِ لِعَدَمِ تَأَتِّي دَفْنِ الْبُصَاقِ فِيهِ، وَالْأَوَّلُ: إمَّا مَفْرُوشٌ أَمْ لَا؛ فَالْأَوَّلُ يُبْصَقُ تَحْتَ فُرُشِهِ لَا فَوْقَهُ، وَالثَّانِي يُبْصَقُ فِيهِ ثُمَّ يُدْفَنُ الْبَصْقُ فِي الْحَصْبَاءِ. قَوْلُهُ: [وَقَدَّمَ الْمُصَلِّي] إلَخْ: أَيْ فَهَذَا التَّرْتِيبُ خَاصٌّ بِالْمُصَلِّي فَلَا يُطْلَبُ مِنْ غَيْرِهِ وَبِهِ قَرَّرَ الْمِسْنَاوِيُّ. وَاخْتَارَ الرَّمَاصِيُّ مِثْلَ مَا لِلشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيُّ: أَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ يُطْلَبُ فِي الصَّلَاةِ وَفِي غَيْرِهَا قَالَ لِإِطْلَاقِ عِيَاضٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَرَفَةَ، فَهُمَا طَرِيقَتَانِ. وَهَذَا التَّرْتِيبُ فِي الْمَسْجِدِ الْمُحَصَّبِ أَوْ الْمُتَرَّبِ الْخَالِي مِنْ الْفُرُشِ أَوْ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ؛ إذْ الْمَسْجِدُ الْمُبَلَّطُ أَوْ الْمَفْرُوشُ لَا يَجُوزُ فِيهِ بِحَالٍ، وَتَعَيَّنَ الثَّوْبُ أَوْ الْخُرُوجُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ خُرُوجُ امْرَأَةٍ مُتَجَالَّةٍ] : مُرَادُهُ بِالْجَوَازِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَجَالَّةِ النَّدْبُ. وَبِالنِّسْبَةِ لِلشَّابَّةِ خِلَافُ الْأُولَى كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْخَرَشِيِّ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ:

تُصَلِّي مَعَ الْجَمَاعَةِ بِهِ. (وَ) خُرُوجٌ (لِكَعِيدٍ) أَدْخَلَتْ الْكَافُ الِاسْتِسْقَاءَ وَالْكُسُوفَ وَجِنَازَةَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ. (وَ) جَازَ خُرُوجُ (شَابَّةٍ غَيْرِ مُفْتِنَةٍ لِمَسْجِدٍ وَجِنَازَةِ قَرِيبٍ) مِنْ أَهْلِهَا، (وَلَا يَقْضِي عَلَى زَوْجِهَا بِهِ) أَيْ الْخُرُوجِ لِمَا ذُكِرَ أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا، وَأَمَّا مَخْشِيَّةُ الْفِتْنَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ مُطْلَقًا. (وَ) جَازَ (فَصْلُ مَأْمُومٍ) عَنْ إمَامِهِ (بِنَهْرٍ صَغِيرٍ) لَا يَمْنَعُ مِنْ رُؤْيَةِ أَفْعَالِ الْإِمَامِ أَوْ سَمَاعِهِ (أَوْ طَرِيقٍ) أَوْ زَرْعٍ؛ لِلْأَمْنِ مِنْ الْخَلَلِ فِي صَلَاتِهِ. (وَ) جَازَ (عُلُوُّ مَأْمُومٍ) عَلَى إمَامِهِ (وَلَوْ بِسَطْحٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQتَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدِي أَنَّ النِّسَاءَ أَرْبَعٌ: عَجُوزٌ انْقَطَعَتْ حَاجَةُ الرِّجَالِ مِنْهَا، فَهَذِهِ كَالرَّجُلِ فَتَخْرُجُ لِلْمَسْجِدِ وَلِلْفَرْضِ وَلِمَجَالِسِ الْعِلْمِ وَالذِّكْرِ، وَتَخْرُجُ لِلصَّحْرَاءِ فِي الْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَلِجِنَازَةِ أَهْلِهَا وَأَقَارِبِهَا وَلِقَضَاءِ حَوَائِجِهَا. وَمُتَجَالَّةٌ لَمْ تَنْقَطِعْ حَاجَةُ الرِّجَالِ مِنْهَا بِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ تَخْرُجُ لِلْمَسْجِدِ لِلْفَرَائِضِ وَمَجَالِسِ الْعِلْمِ وَالذِّكْرِ وَلَا تُكْثِرُ التَّرَدُّدَ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهَا أَيْ: يُكْرَهُ لَهَا ذَلِكَ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ. وَشَابَّةٌ غَيْرُ فَارِهَةٍ فِي الشَّبَابِ وَالنَّجَابَةِ تَخْرُجُ لِلْمَسْجِدِ لِصَلَاةِ الْفَرْضِ جَمَاعَةً وَفِي جَنَائِزِ أَهْلِهَا وَأَقَارِبِهَا، وَلَا تَخْرُجُ لِعِيدٍ وَلَا اسْتِسْقَاءٍ وَلَا لِمَجَالِسِ ذِكْرٍ أَوْ عِلْمٍ، وَشَابَّةٌ فَارِهَةٌ فِي الشَّبَابِ وَالنَّجَابَةِ فَهَذِهِ الِاخْتِيَارُ لَهَا أَنْ لَا تَخْرُجَ أَصْلًا (اهـ. ذَكَرَهُ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَلَا يُقْضَى عَلَى زَوْجِهَا بِهِ] : الْحَاصِلُ أَنَّ الشَّابَّةَ غَيْرُ مَخْشِيَّةِ الْفِتْنَةِ لَا يُقْضَى عَلَى زَوْجِهَا بِخُرُوجِهَا إذَا طَلَبَتْهُ، وَأَمَّا الْمُتَجَالَّةُ فَقِيلَ: يُقْضَى وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ، وَقِيلَ: لَا يُقْضَى وَهُوَ ظَاهِرُ السَّمَاعِ، وَقَوْلُ الْأَبِيِّ وَعَدَمُ الْقَضَاءِ عَلَى الزَّوْجِ فِي الشَّابَّةِ وَلَوْ اشْتَرَطَ لَهَا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى الْوَفَاءَ لَهَا كَمَا فِي السَّمَاعِ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَجَازَ عُلُوُّ مَأْمُومٍ] إلَخْ: أَيْ مَعَ كَوْنِهِ يَضْبِطُ أَحْوَالَ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ تَعَذُّرٍ فَلَا يُشْكِلُ بِكَرَاهَةِ اقْتِدَاءِ مَنْ بِأَبِي قُبَيْسٍ بِمَنْ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ ضَبْطُ أَحْوَالِ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِسَطْحٍ] : رَدَّ " بِلَوْ " قَوْلَ مَالِكٍ الْمَرْجُوعَ إلَيْهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ

فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ (لَا) عُلُوُّ (إمَامٍ) عَلَى الْمَأْمُومِ (فَيُكْرَهُ) خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِهِ مِنْ الْمَنْعِ؛ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ عُلُوُّ الْإِمَامِ (بِكَشِبْرٍ، أَوْ) كَانَ عُلُوُّهُ لِأَجْلِ (ضَرُورَةٍ أَوْ قَصْدِ تَعْلِيمٍ) لِلْمَأْمُومِينَ كَيْفِيَّةَ الصَّلَاةِ فَيَجُوزُ. (وَبَطَلَتْ) الصَّلَاةُ (إنْ قَصَدَ إمَامٌ أَوْ مَأْمُومٌ بِهِ) : أَيْ بِعُلُوِّهِ (الْكِبْرَ) : لِمُنَافَاتِهِ الصَّلَاةَ. (وَ) جَازَ (مُسَمِّعٌ) أَيْ نَصَبَهُ لِيُسَمِّعَ النَّاسَ بِرَفْعِ صَوْتِهِ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ وَالسَّلَامِ فَيَقْتَدُونَ بِالْإِمَامِ (وَاقْتِدَاءٌ بِهِ) أَيْ بِالْمُسَمِّعِ أَيْ بِسَبَبِ سَمَاعِهِ، أَيْ جَازَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَالْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ كُرِهَ ذَلِكَ وَبِأَوَّلِ قَوْلَيْهِ أَقُولُ (اهـ. بْن كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ] : إنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَصِحُّ بِسَطْحِ الْمَسْجِدِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [فَيُكْرَهُ] وَهَلْ الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامُ يُصَلِّي وَحْدَهُ أَوْ كَانَ مَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَأْمُومِينَ مِنْ خَوَاصِّ النَّاسِ أَوْ عُمُومِهِمْ؟ أَوْ مَحَلُّ النَّهْيِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ فِي الْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ، أَوْ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ خَوَاصِّ النَّاسِ؟ وَأَمَّا لَوْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُمْ مِنْ عُمُومِ النَّاسِ فَلَا كَرَاهَةَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَحَلُّ الْعَالِي مُعَدًّا لِلْجَمِيعِ، وَكَسِلَ بَعْضُ الْمَأْمُومِينَ وَصَلَّى أَسْفَلَ فَلَا كَرَاهَةَ اتِّفَاقًا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [إنْ قَصَدَ إمَامٌ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْعُلُوُّ كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا بَلْ قَصَدَ الْكِبْرَ بِتَقَدُّمِهِ لِلْإِمَامَةِ، أَوْ بِتَقَدُّمِ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ عَلَى بَعْضٍ مُبْطِلٌ، وَأَمَّا الرِّيَاءُ وَالْعُجْبُ فَغَيْرُ مُبْطِلٍ وَإِنْ أَبْطَلَ الثَّوَابَ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ مُسَمِّعٌ] : ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً أَوْ مُحْدِثًا أَوْ كَافِرًا وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُسَمِّعَ عَلَامَةٌ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ؛ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُسَمِّعَ نَائِبٌ عَنْ الْإِمَامِ، فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ شُرُوطَ الْإِمَامَةِ كَمَا ذَكَرَهُ (بْن) كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ.

[شروط الاقتداء]

الِاقْتِدَاءُ بِالْإِمَامِ بِسَبَبِ سَمَاعِ الْمُسَمِّعِ، وَهَذَا كَعَطْفِ مَا هُوَ عِلَّةٌ عَلَى مَعْلُولِهِ. (وَ) اقْتِدَاءٌ (بِرُؤْيَةٍ) لِلْإِمَامِ أَوْ لِمَأْمُومِهِ وَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، (وَإِنْ) كَانَ الْمَأْمُومُ (بِدَارٍ) مَثَلًا وَالْإِمَامُ بِمَسْجِدٍ مَثَلًا وَلَا يُشْتَرَطُ إمْكَانُ التَّوَصُّلِ إلَيْهِ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ شُرُوطِ الْإِمَامِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ فَقَالَ: (وَشَرْطُ الِاقْتِدَاءِ) بِالْإِمَامِ: (نِيَّتُهُ) بِأَنْ يَنْوِيَ الِاقْتِدَاءَ أَوْ الْمَأْمُومِيَّةَ بِالْإِمَامِ أَوْ يَنْوِيَ الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ (أَوَّلًا) : أَيْ أَوَّلَ صَلَاتِهِ قَبْلَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَهَذَا هُوَ مَحَطُّ الشَّرْطِيَّةِ؛ فَمَنْ صَلَّى فَذًّا ثُمَّ رَأَى إمَامًا بَعْدَ التَّكْبِيرِ فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ (وَلَزِمَ) أَيْ الِاقْتِدَاءُ الْمَأْمُومَ إذَا نَوَاهُ بِشَرْطِهِ، فَمَنْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ مُفَارَقَتُهُ. فَلِذَا فَرَّعَ عَلَى الْقَيْدَيْنِ عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ قَوْلَهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِسَبَبِ سَمَاعِ الْمُسَمِّعِ] : أَيْ وَأَوْلَى سَمَاعُ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ: [وَاقْتِدَاءٌ بِرُؤْيَةٍ] : أَيْ جَازَ الِاقْتِدَاءُ بِالْإِمَامِ بِسَبَبِ رُؤْيَةٍ لَهُ أَوْ لِلْمَأْمُومِينَ. فَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مَرَاتِبِ الِاقْتِدَاءِ الْأَرْبَعِ؛ وَهِيَ: الِاقْتِدَاءُ بِرُؤْيَةِ الْإِمَامِ، أَوْ الْمَأْمُومِ، أَوْ بِسَمَاعِ الْإِمَامِ أَوْ الْمَأْمُومِ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ عَيْنُ الْإِمَامِ. وَمِمَّا يُلْغَزُ بِهِ هُنَا: شَخْصٌ تَصِحُّ صَلَاتُهُ فَذًّا أَوْ إمَامًا لَا مَأْمُومًا؟ وَهُوَ الْأَعْمَى وَالْأَصَمُّ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُشْتَرَطُ إمْكَانُ التَّوَصُّلِ] إلَخْ: أَيْ خِلَافًا لِلسَّادَةِ الشَّافِعِيَّةِ. [شُرُوط الِاقْتِدَاء] [تَنْبِيه لَا يَتَوَقَّف فَضْل الْجَمَاعَة عَلَى نِيَّة الْإِمَامَة] قَوْلُهُ: [وَهَذَا هُوَ مَحَطُّ الشَّرْطِيَّةِ] : أَيْ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ الِاقْتِدَاءَ يَتَحَقَّقُ خَارِجًا بِدُونِ نِيَّةٍ، لَكِنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا وُجِدَتْ مَعَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ خَارِجًا إلَّا بِهَا، فَجَعْلُهَا شَرْطًا لَا يَصِحُّ؟ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ: أَنَّ الشَّرْطِيَّةَ مُنْصَبَّةٌ عَلَى الْأَوَّلِيَّةِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ لَا عَلَى النِّيَّةِ، فَلَوْ حَصَلَ تَأْخِيرُ النِّيَّةِ لِثَانِي رَكْعَةٍ حَصَلَ الِاقْتِدَاءُ وَلَكِنْ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ لِفَقْدِ شَرْطٍ وَهِيَ الْأَوَّلِيَّةُ، وَهَذَا لَا يُنَافِي عَدَّ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ رُكْنًا. قَوْلُهُ: [فَمَنْ صَلَّى فَذًّا] : تَفْرِيعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ.

(فَلَا يَتَنَقَّلُ مُنْفَرِدٌ) بِصَلَاتِهِ (لِجَمَاعَةٍ) لِعَدَمِ نِيَّتِهِ الِاقْتِدَاءَ أَوَّلًا (كَعَكْسِهِ) : أَيْ لَا يَنْتَقِلُ مَنْ فِي جَمَاعَةٍ إلَى الِانْفِرَادِ لِلُزُومِهِ، وَإِلَّا بَطَلَتْ فِيهِمَا، فَعُلِمَ أَنَّ الْمَأْمُومَ يَلْزَمُهُ نِيَّةُ الْمَأْمُومِيَّةِ. (بِخِلَافِ الْإِمَامِ) لَا يَلْزَمُهُ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ، وَلَيْسَتْ شَرْطًا فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ (وَلَوْ بِجِنَازَةٍ) إذْ لَا تُشْتَرَطُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ. (إلَّا جُمُعَةً) فَيُشْتَرَطُ فِيهَا نِيَّةُ الْإِمَامَةِ. لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِيهَا فَلَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ بَطَلَتْ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ. (وَ) إلَّا (جَمْعًا) بَيْنَ عِشَاءَيْنِ (لِمَطَرٍ) فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّةِ الْإِمَامَةِ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِيهِ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّةِ الْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاتَيْنِ، وَيَجِبُ فِيهِ نِيَّةُ الْجَمْعِ عِنْدَ الْأُولَى وُجُوبًا فَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ تَبْطُلْ بِخِلَافِ تَرْكِ نِيَّةِ الْإِمَامَةِ فَتَبْطُلُ الثَّانِيَةُ فَقَطْ. (وَ) إلَّا (خَوْفًا) أَيْ صَلَاتُهُ إذَا صُلِّيَتْ بِطَائِفَتَيْنِ كَمَا يَأْتِي فَلَا بُدَّ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَعَكْسِهِ] : إنَّمَا لَمْ يَصِحَّ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ لِأَنَّ الْمَأْمُومِيَّةَ تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ، وَإِنْ لَمْ تَجِبْ ابْتِدَاءً كَصَلَاةِ النَّفْلِ. وَمَحَلُّ مَنْعِ الِانْتِقَالِ الْمَذْكُورِ، مَا لَمْ يَضُرَّ الْإِمَامُ بِالْمَأْمُومِينَ فِي الطُّولِ وَإِلَّا جَازَ الِانْتِقَالُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ. كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْإِمَامِ] : فَلَيْسَتْ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ شَرْطًا، نَعَمْ لَوْ نَوَى الْإِمَامَةَ ثُمَّ رَفَضَهَا وَنَوَى الْفِدْيَةَ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ لِتَلَاعُبِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِجِنَازَةٍ] : رَدَّ " بِلَوْ " عَلَى ابْنِ رُشْدٍ الْقَائِلِ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْإِمَامَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، فَإِنْ صَلَّى عَلَيْهَا فُرَادَى أُعِيدَتْ مَا لَمْ تُدْفَنْ، وَإِلَّا فَلَا إعَادَةَ مُرَاعَاةً لِلْمُقَابِلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِيهَا] : أَيْ شَرْطُ صِحَّةٍ. وَكُلُّ صَلَاةٍ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا كَانَتْ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ فِيهَا شَرْطًا. قَوْلُهُ: [عِنْدَ الْأُولَى] : أَيْ وَتَسْتَمِرُّ لِلثَّانِيَةِ عَلَى أَنَّهُ يَبْعُدُ عَدَمُ اشْتِرَاطِهَا فِي الثَّانِيَةِ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [فَتَبْطُلُ الثَّانِيَةُ فَقَطْ] : أَيْ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي ظَهَرَ فِيهَا أَثَرُ الْجَمْعِ، وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَقَدْ وَقَعَتْ فِي وَقْتِهَا فَلَا تَبْطُلُ، وَقَالَ بِذَلِكَ (بْن) وَخَصَّ هَذَا الْجَمْعَ

نِيَّةِ الْإِمَامَةِ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ كَذَلِكَ إلَّا بِجَمَاعَةٍ. (وَ) إلَّا (مُسْتَخْلِفًا) لِأَنَّهُ كَانَ مَأْمُومًا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةِ الْإِمَامَةِ لِتَمْيِيزِ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى، فَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ غَايَتُهُ أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ. وَذَكَرَ الشَّرْطَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ: (وَمُسَاوَاةٌ) : عُطِفَ عَلَى نِيَّتِهِ (فِي ذَاتِ الصَّلَاةِ) : كَظُهْرٍ خَلْفَ ظُهْرٍ فَلَا يَصِحُّ خَلْفَ عَصْرٍ مَثَلًا. (وَ) فِي (صِفَتِهَا) فِي الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ؛ فَلَا يَصِحُّ أَدَاءٌ خَلْفَ قَضَاءٍ وَلَا عَكْسُهُ. (وَ) فِي (زَمَنِهَا) وَإِنْ اتَّفَقَا فِي الْقَضَاءِ فَلَا يَصِحُّ ظُهْرُ يَوْمِ السَّبْتِ خَلْفَ ظُهْرِ يَوْمِ الْأَحَدِ وَلَا عَكْسُهُ. (إلَّا نَفْلًا خَلْفَ فَرْضٍ) : كَرَكْعَتَيْ ضُحًى خَلْفَ صُبْحٍ بَعْدَ الشَّمْسِ، وَرَكْعَتَيْ نَفْلٍ خَلْفَ سَفَرِيَّةٍ، أَوْ أَرْبَعٍ خَلْفَ ظُهْرِ حَضَرِيَّةٍ، بِنَاءً عَلَى جَوَازِ النَّفْلِ بِأَرْبَعٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQدُونَ سَائِرِ الْجُمُوعِ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِيهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَتَكْفِي النِّيَّةُ الْحُكْمِيَّةُ فِي الْإِمَامَةِ كَغَيْرِهَا، إنَّمَا الْمُضِرُّ نِيَّةُ الْفِدْيَةِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ كَذَلِكَ] إلَخْ: أَيْ فَلَوْ تُرِكَتْ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ فِيهَا فَقَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: تَبْطُلُ عَلَى الطَّائِفَةِ الْأُولَى فَقَطْ لِأَنَّهَا فَارَقَتْ الْإِمَامَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْمُفَارَقَةِ، وَأَمَّا صَلَاةُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ وَصَلَاةُ الْإِمَامِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ. قَوْلُهُ: [فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ] : أَيْ إلَّا أَنْ يَتَلَاعَبَ بِأَنْ يَنْوِيَ الْفِدْيَةَ مَعَ النِّيَابَةِ فَتَبْطُلُ. تَنْبِيهٌ: لَا يَتَوَقَّفُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ لِلْإِمَامِ عَلَى نِيَّةِ الْإِمَامَةِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ كَمَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ قَوْلِ الْأَكْثَرِ: قَوْلُهُ: [إلَّا نَفْلًا خَلْفَ فَرْضٍ] : أَيْ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا فَلَوْ اقْتَدَى مُتَنَفِّلٌ بِمُفْتَرِضٍ وَتَرَتَّبَ عَلَى الْإِمَامِ سَهْوٌ فِي الْفَرْضِ لَا يَقْتَضِي السُّجُودَ فِي النَّفْلِ - كَتَرْكِ سُورَةٍ - فَاسْتَظْهَرَ الْأَشْيَاخُ اتِّبَاعَهُ فِي السُّجُودِ كَمَسْبُوقٍ لَمْ يُدْرِكْ مُوجِبَهُ وَمُقْتَدٍ بِمُخَالِفٍ. تَنْبِيهٌ: لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ مُتَيَقِّنِ الْفَائِتَةِ كَشَاكٍّ فِيهَا لِاحْتِمَالِ بَرَاءَةِ الشَّاكِّ بِالْفِعْلِ

وَفَرَّعَ عَلَى شَرْطِ الْمُسَاوَاةِ قَوْلَهُ: (فَلَا يَصِحُّ) لِمَأْمُومٍ (صُبْحٌ) صَلَّاهُ (بَعْدَ شَمْسٍ) بِاقْتِدَائِهِ (بِمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً قَبْلَهَا) : أَيْ قَبْلَ الشَّمْسِ فَاقْتَدَى بِهِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا لِلْإِمَامِ أَدَاءٌ وَلِلْمَأْمُومِ قَضَاءٌ. وَذَكَرَ شَرْطَ الِاقْتِدَاءِ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ: (وَمُتَابَعَةٌ) لِلْإِمَامِ (فِي إحْرَامٍ وَسَلَامٍ) بِأَنْ يُكَبِّرَ لِلْإِحْرَامِ بَعْدَهُ وَيُسَلِّمَ بَعْدَهُ. (فَالْمُسَاوَاةُ) فِيهِمَا (مُبْطِلَةٌ) وَأَوْلَى السَّبْقُ وَلَوْ خَتَمَ بَعْدَهُ فِيهِمَا. وَصَحَّتْ إنْ ابْتَدَأَ بَعْدَهُ وَخَتَمَ بَعْدَهُ قَطْعًا أَوْ مَعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ لَا إنْ خَتَمَ قَبْلَهُ. فَالصُّوَرُ تِسْعٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ وَجَبَ ظَاهِرًا فَيَكُونُ فَرْضًا خَلْفَ نَفْلٍ، وَبِهَذَا أَلْغَزَ (عب) : رَجُلَانِ فِي كُلِّ شُرُوطِ الْإِمَامَةِ تَصِحُّ إمَامَةُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فِي صَلَاةٍ بِعَيْنِهَا؟ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمِنْ هُنَا مَا وَقَعَ: صَلَّى بِنَا شَيْخُنَا الْعَصْرَ - يَعْنِي الشَّيْخَ الْعَدَوِيَّ - فَقَالَ لَنَا إنْسَانٌ: صَلَّيْتُمْ قَبْلَ الْعَصْرِ وَعَارَضَهُ آخَرُ، فَحَصَلَ شَكٌّ وَأَرَدْنَا الْإِعَادَةَ فَأَرَادَ الدُّخُولَ مَعَنَا أُنَاسٌ لَمْ يُصَلُّوا أَوَّلًا، فَقُلْت قَدِّمُوا بَعْضَ مَنْ لَمْ يُصَلِّ أَوَّلًا، وَاسْتَحْسَنَ كَلَامِي بَعْضُ الْعَارِفِينَ - يَعْنِي بِهِ شَيْخَنَا الْمُؤَلِّفَ - فَقَالَ الشَّيْخُ إنَّ إعَادَتَنَا وَاجِبَةٌ وَصَلَّى بِالْجَمِيعِ ثَانِيًا وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ (اهـ.) قَوْلُهُ [لِأَنَّهَا لِلْإِمَامِ أَدَاءٌ] إلَخْ: أَيْ فَالْبُطْلَانُ جَاءَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَمِنْ حَيْثُ اخْتِلَافُهُمَا فِي النِّيَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلَ بَابِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ. قَوْلُهُ: [وَمُتَابَعَةٌ لِلْإِمَامِ] إلَخْ: الْمُفَاعَلَةُ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا. قَوْلُهُ: [فَالْمُسَاوَاةُ فِيهِمَا مُبْطِلَةٌ] : أَيْ وَإِنْ بِشَكٍّ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا فِي الْمَأْمُومِيَّةِ وَالْإِمَامِيَّةِ أَوْ الْفِدْيَةِ، فَإِذَا شَكَّ: هَلْ هُوَ مَأْمُومٌ أَوْ إمَامٌ أَوْ فَذٌّ أَوْ فِي مَأْمُومِيَّةٍ مَعَ أَحَدِهِمَا وَسَاوَاهُ أَوْ سَبَقَهُ بَطَلَتْ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ شَكَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بَطَلَتْ عَلَيْهِمَا إنْ تَسَاوَيَا، وَإِلَّا فَعَلَى السَّابِقِ. وَمَفْهُومُ قَوْلِنَا (فِي الْمَأْمُومِيَّةِ) : أَنَّهُ إذَا شَكَّ أَحَدُهُمَا فِي الْإِمَامِيَّةِ وَالْفِدْيَةِ لَا تَبْطُلُ بِسَلَامِهِ قَبْلَ الْآخَرِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ كَانَ مَأْمُومًا فِي الْوَاقِعِ. وَكَذَا لَوْ شَكَّ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْإِمَامِيَّةِ وَالْفِدْيَةِ، أَوْ نَوَى كُلٌّ مِنْهُمَا إمَامَةَ الْآخَرِ صَحَّتْ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْأَصْلِ.

تَصِحُّ فِي صُورَتَيْنِ وَتَبْطُلُ فِي الْبَاقِي، إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ سَهْوًا قَبْلَ إمَامِهِ فَيُعِيدُهُ بَعْدَهُ وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ. (وَحَرُمَ) عَلَى الْمَأْمُومِ (سَبْقُهُ) أَيْ الْإِمَامِ (فِي غَيْرِهِمَا) أَيْ غَيْرِ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ مِنْ سَائِرِ الْأَرْكَانِ، وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ (وَكُرِهَ مُسَاوَاتُهُ) فِي غَيْرِهِمَا. (وَ) إنْ سَبَقَهُ فِي رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ رَفْعٍ مِنْهُمَا وَلَوْ سَهْوًا (أُمِرَ) وُجُوبًا - وَقِيلَ: اسْتِنَانًا - (بِعَوْدِهِ لَهُ) أَيْ لِلْإِمَامِ (إنْ عَلِمَ إدْرَاكَهُ) فِيهِ لِيَرْفَعَ بِرَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ، أَوْ يَخْفِضَ بِخَفْضِهِ لِرُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ إنْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ قَبْلَهُ. وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ: مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ، فَإِنْ لَمْ يَظُنَّ إدْرَاكَهُ فَلَا يُؤْمَرُ بِالْعَوْدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَتَبْطُلُ فِي الْبَاقِي] : لَكِنَّ الْبُطْلَانَ فِي أَرْبَعَةٍ مِنْهَا اتِّفَاقًا، وَهِيَ: مَا إذَا سَبَقَ الْإِمَامَ وَلَوْ بِحَرْفٍ وَخَتَمَ مَعَهُ، أَوْ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ سَاوَاهُ فِي الْبَدْءِ وَخَتَمَ قَبْلَهُ. وَأَمَّا إذَا سَاوَاهُ فِي الْبَدْءِ وَخَتَمَ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَالْبُطْلَانُ فِيهِمَا عَلَى الرَّاجِحِ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَأَصْبَغَ، وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَكَذَلِكَ إذَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ فِي الْبَدْءِ وَخَتَمَ قَبْلَ الْإِمَامِ فَالْبُطْلَانُ فِيهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِاسْتِظْهَارِ ابْنِ عَرَفَةَ الصِّحَّةَ. قَوْلُهُ: [وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ] : أَيْ حَيْثُ كَانَ يَشْرَعُ فِيهِ قَبْلَ الْإِمَامِ وَيَسْتَمِرُّ حَتَّى يَأْخُذَ فَرْضَهُ مَعَهُ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَرْكَعُ قَبْلَهُ مَثَلًا وَيَرْفَعُ قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ فَهُوَ مُبْطِلٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ فَرْضَهُ مَعَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ سَهْوًا فَيَرْجِعُ لَهُ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [فَلَا يُؤْمَرُ بِالْعَوْدِ] : أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ أَخَذَ فَرْضَهُ مَعَ الْإِمَامِ. وَإِلَّا أُمِرَ بِالْعَوْدِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنْ تَرَكَ الْعَوْدَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ كَمَنْ سَبَقَ الْإِمَامَ بِرُكْنٍ. وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَقُولَ مَنْ رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ مَثَلًا فَتَارَةً يَكُونُ رَفْعُهُ مِنْهُمَا قَبْلَ أَخْذِ فَرْضِهِ مَعَ الْإِمَامِ، وَتَارَةً يَكُونُ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ رَفْعُهُ بَعْدُ فَإِنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ وَكَذَلِكَ الرَّكْعَةُ مُطْلَقًا - سَبَقَ الْإِمَامَ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا أَوْ سَهْوًا - وَيُؤْمَرُ بِالْعَوْدِ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، فَإِنْ لَمْ يُعِدْ مَعَ تَمَكُّنِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ رَفْعُهُ قَبْلَ أَخْذِ فَرْضِهِ فَالصَّلَاةُ بَاطِلَةٌ إذَا سَبَقَ الْإِمَامَ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا وَرَفَعَ قَبْلَهُ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا؛ لِأَنَّهُ مُتَعَمِّدُ تَرْكِ رُكْنٍ إنْ اعْتَدَّ بِمَا فَعَلَهُ وَلَمْ يُعِدْهُ، وَإِنْ اعْتَدَّ بِمَا فَعَلَهُ وَأَعَادَهُ، فَقَدْ تَعَمَّدَ زِيَادَةَ رُكْنٍ. وَأَمَّا إنْ كَانَ رَفْعُهُ سَهْوًا وَجَبَ

[الأولى بالتقديم للإمامة]

وَإِذَا أُمِرَ بِالْعَوْدِ فَلَمْ يَعُدْ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ إنْ أَخَذَ فَرْضَهُ بِالطُّمَأْنِينَةِ، وَإِلَّا بَطَلَتْ إذَا لَمْ يُعِدْ. وَتَفْصِيلُ الشَّيْخِ بَيْنَ الرَّفْعِ فَيُؤْمَرُ بِالْعَوْدِ وَالْخَفْضِ فَلَا يُؤْمَرُ ضَعِيفٌ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ الْأَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ جَمَاعَةٍ كُلٌّ مِنْهُمْ صَالِحٌ لِلْإِمَامَةِ فَقَالَ: (وَنُدِبَ تَقْدِيمُ سُلْطَانٍ) : أَوْ نَائِبِهِ وَلَوْ بِمَسْجِدٍ لَهُ رَاتِبٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُلْطَانٌ أَوْ نَائِبُهُ فَرَاتِبُ الْمَسْجِدِ إنْ كَانُوا بِهِ وَإِلَّا (فَرَبُّ مَنْزِلٍ) إنْ كَانُوا بِهِ. (وَ) نُدِبَ تَقْدِيمُ (الْمُسْتَأْجِرِ) لَهُ (عَلَى الْمَالِكِ) إنْ اجْتَمَعَا بِهِ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَنَافِعِهِ، (وَإِنْ) كَانَ رَبُّ الْمَنْزِلِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ (عَبْدًا كَامْرَأَةٍ وَاسْتَخْلَفَتْ) مَنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ، وَالْأَوْلَى لَهَا اسْتِخْلَافُ الْأَفْضَلِ. (كَمَنْ قَامَ بِهِ مَانِعٌ) لِلْإِمَامَةِ (مِنْهُمَا) أَيْ السُّلْطَانِ وَرَبِّ الْمَنْزِلِ كَعَجْزٍ عَنْ رُكْنٍ فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ مَنْ يَصْلُحُ لَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالرُّجُوعُ، فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا بَطَلَتْ، وَسَهْوًا: كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ زُوحِمَ عَنْهُ فَيَجْرِي عَلَى تَفْصِيلِ الْمُزَاحَمَةِ. قَوْلُهُ: [ضَعِيفٌ] : أَيْ لِأَنَّهُ مَبْحُوثٌ فِي عِلَّتِهِ. [الْأَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ لِلْإِمَامَةِ] [تَنْبِيه الْمُتَسَاوُونَ إِن تَشَاحُّوا فِي الْإِمَامَة] قَوْلُهُ: [كُلٌّ مِنْهُمْ صَالِحٌ لِلْإِمَامَةِ] : أَيْ بِأَنْ لَا يَكُونَ بِأَحَدِهِمْ نَقْصٌ مُنِعَ أَوْ كُرِهَ. فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ نَقْصٌ مُنِعَ أَوْ كُرِهَ فَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي التَّقَدُّمِ، إلَّا السُّلْطَانَ وَرَبَّ الْمَنْزِلِ؛ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُمَا وَنُدِبَ لَهُمَا الِاسْتِخْلَافُ وَعَدَمُ إهْمَالِ الْأَمْرِ لِغَيْرِهِمَا إذَا كَانَ النَّقْصُ غَيْرَ كُفْرٍ وَجُنُونٍ، وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَهُمَا أَصْلًا. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَنَافِعِهِ] : أَيْ وَلِخِبْرَتِهِ بِطَهَارَةِ الْمَكَانِ. وَالنَّدْبُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ لَا يُنَافِي الْقَضَاءَ عِنْدَ التَّنَازُعِ، وَمِثْلُ الْمُسْتَأْجِرِ كُلُّ مَنْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ بِإِعَارَةٍ أَوْ عُمْرَى أَوْ وَقْفٍ. قَوْلُهُ: [وَاسْتَخْلَفَتْ] : أَيْ نَدْبًا وَقِيلَ وُجُوبًا، وَالْحَقُّ أَنَّ الْخَلَفَ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ وُجُوبًا مُرَادُهُ أَنَّهَا لَا تُبَاشِرُ الْإِمَامَةَ بِنَفْسِهَا، وَمَنْ قَالَ نَدْبًا مُرَادُهُ أَنَّهَا لَا تُتْرَكُ لِلْقَوْمِ هَمَلًا.

(فَأَبٍ فَعَمٍّ) هُوَ وَمَا بَعْدَهُ بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى سُلْطَانٍ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْفَاءِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِثُمَّ. (فَزَائِدِ فِقْهٍ) عَلَى مَنْ دُونَهُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ أَزْيَدَ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ. (فَ) زَائِدِ (حَدِيثٍ) أَيْ أَوْسَعَ رِوَايَةً وَحِفْظًا. (فَ) زَائِدِ (قِرَاءَةٍ) أَيْ أَدْرَى بِطُرُقِ الْقُرْآنِ أَوْ أَكْثَرَ قُرْآنًا أَوْ أَشَدَّ إتْقَانًا أَوْ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ فِي مَخَارِجِ الْحُرُوفِ. (فَ) زَائِدِ (عِبَادَةٍ) أَيْ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ فِي نَوَافِلِ الْخَيْرِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا (فَمُسِنٍّ فِي الْإِسْلَامِ) . (فَقُرَشِيٍّ) لَا فَرْقَ بَيْنَ أَوْلَادِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرِهِ، كَأَوْلَادِ الْعَبَّاسِ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بَنُو عَلِيٍّ مِنْ الزَّهْرَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَوْلَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِثُمَّ] : أَيْ لِلِاخْتِصَارِ. وَالْمَقْصُودُ مُطْلَقُ التَّرْتِيبِ وَهُوَ مُسْتَفَادٌ بِكُلٍّ، وَذِكْرُهُ الْأَبَ وَالْعَمَّ هُنَا عَقِبَ رَبِّ الْمَنْزِلِ هُوَ الْأَوْلَى خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ مِنْ تَأْخِيرِهِمَا، فَإِنَّهُ مُعْتَرِضٌ، وَتَقْدِيمُ الْأَبِ وَالْعَمِّ الِابْنَ وَابْنَ الْأَخِ عِنْدَ الْمُشَاحَّةِ. وَأَمَّا عِنْدَ التَّرَاضِي فَالِابْنُ أَوْ ابْنُ الْأَخِ الزَّائِدُ فِي الْفَضْلِ أَوْلَى. قَوْلُهُ: [فَزَائِدِ فِقْهٍ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِأَحْوَالِ الصَّلَاةِ فَيُقَدَّمُ؛ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَعْلَى مِنْهُ رُتْبَةً، كَعُلَمَاءِ الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ. قَوْلُهُ: [أَيْ أَوْسَعَ رِوَايَةً] إلَخْ: وَاسِعُ الرِّوَايَةِ: هُوَ الْمُتَلَقِّي كَثِيرًا مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ سَوَاءٌ حَفِظَ مَا تَلَقَّاهُ أَمْ لَا، وَوَاسِعُ الْحِفْظِ هُوَ الَّذِي يَحْفَظُ كَثِيرًا مِنْ الْأَحَادِيثِ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ] إلَخْ: أَيْ وَيُقَدَّمُ الْأَحْسَنُ تَجْوِيدًا وَلَوْ كَانَ أَقَلَّ حِفْظًا. قَوْلُهُ: [فَزَائِدُ عِبَادَةٍ] : أَيْ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ غَيْرِهِ لِلَّهِ بِنَصِّ الْحَدِيثِ وَالْفَرْضِ أَنَّهُ يُسَاوِي غَيْرَهُ فِي الصِّفَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ. قَوْلُهُ: [فَمُسِنٍّ فِي الْإِسْلَامِ] : أَيْ وَلَا عِبْرَةَ بِالسِّنِّ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَابْنُ عِشْرِينَ نَشَأَ مُسْلِمًا مُقَدَّمٌ عَلَى ابْنِ أَرْبَعِينَ لَمْ يَكْمُلْ لَهُ عِشْرُونَ فِي الْإِسْلَامِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ قُرَيْشًا فِرَقٌ كَثِيرَةٌ سُمُّوا بِاسْمِ جَدِّهِمْ الْأَعْلَى. وَالْأَكْثَرُ أَنَّ قُرَيْشًا هُوَ النَّضْرُ وَقِيلَ هُوَ فِهْرٌ أَحَدُ أَجْدَادِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَمْ يُمَيِّزُوا فِي التَّقْدِيمِ قَبِيلَةً عَلَى أُخْرَى؛ وَإِنْ كَانَ النَّظَرُ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ بَنِي عَلِيٍّ مِنْ الزَّهْرَاءِ عَلَى بَنِيهِ مِنْ غَيْرِهَا، وَبَنُوهُ مِنْ غَيْرِهَا وَبَنُو الْعَبَّاسِ سَوَاءٌ، وَهُمْ يُقَدَّمُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَهُمْ يُقَدَّمُونَ عَلَى بَنِي الْمُطَّلِبِ أَخِي هَاشِمٍ وَهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَهَكَذَا. (فَمَعْلُومٍ نَسَبُهُ) تَصِحُّ الْإِضَافَةُ وَتَنْوِينُ الْأَوَّلِ وَرَفْعُ الثَّانِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فِرَقٌ كَثِيرَةٌ] : خِيَارُهَا بَنُو هَاشِمٍ. قَوْلُهُ: [وَالْأَكْثَرُ أَنَّ قُرَيْشًا] إلَخْ: أَيْ لِقَوْلِ الْعِرَاقِيِّ فِي السِّيرَةِ: أَمَّا قُرَيْشٌ فَالْأَصَحُّ فِهْرُ ... جِمَاعُهَا وَالْأَكْثَرُونَ النَّضْرُ قَوْلُهُ: [فَمَعْلُومٍ نَسَبُهُ] : أَيْ لِأَنَّهُ أَصْوَنُ لِعِرْضِهِ.

(فَحُسْنِ خُلُقٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ (فَخَلْقٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ (فَلِبَاسٍ) أَيْ فَحُسْنِ لِبَاسٍ. (وَ) نُدِبَ تَقْدِيمُ (الْأَوْرَعِ وَالزَّاهِدِ وَالْحُرِّ عَلَى غَيْرِهِمْ) رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَعْطِفْهَا بِالْفَاءِ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْأَوْرَعُ فِي كُلِّ مَا قُرِنَ بِالْفَاءِ، فَقَوْلُنَا: " فَزَائِدِ فِقْهٍ " أَيْ وَيُقَدَّمُ مِنْهُ الْأَوْرَعُ إلَخْ، فَلَوْ عُطِفَ بِالْفَاءِ لَاقْتَضَى أَنَّ مَرْتَبَةَ الْأَوْرَعِ وَمَا بَعْدَهُ تَلِي مَرْتَبَةَ حَسَنِ اللِّبَاسِ - وَلَيْسَ كَذَلِكَ - فَتَدَبَّرْ. (وَوُقُوفُ ذَكَرٍ) عُطِفَ عَلَى " تَقْدِيمُ ": أَيْ وَنُدِبَ وُقُوفُ ذَكَرٍ (وَلَوْ صَبِيًّا عَقَلَ الْقُرْبَةَ) أَيْ الْعِبَادَةَ وَإِلَّا تُرِكَ يَقِفُ حَيْثُ شَاءَ (عَنْ يَمِينِهِ وَ) نُدِبَ (تَأَخُّرُهُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْإِمَامِ (قَلِيلًا) لِيَتَمَيَّزَ الْمَأْمُومُ عَنْ الْإِمَامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِضَمِّ الْخَاءِ] : أَيْ وَاللَّامُ مَضْمُومَةٌ أَوْ سَاكِنَةٌ وَهُوَ الْحِلْمُ، لِأَنَّهُ التَّحَلِّي بِالْفَضَائِلِ وَالتَّنَزُّهُ عَنْ الرَّذَائِلِ، لَا مَا يَعْتَقِدُهُ الْعَوَامُّ مِنْ أَنَّهُ مُسَايَرَةُ النَّاسِ وَإِنْ كَانَ مُغْضِبًا لِلَّهِ؛ فَإِنَّ مَنْ كَانَ هَذَا وَصْفُهُ فَهُوَ مُدَاهِنٌ لَا حَسَنُ الْخُلُقِ. قَوْلُهُ: [بِفَتْحِ الْخَاءِ] إلَخْ: أَيْ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ الصُّورَةُ الْحَسَنَةُ لِأَنَّ الْخَيْرَ وَالْعَقْلَ يَتْبَعَانِهَا غَالِبًا. قَالَ (بْن) نَقْلًا عَنْ عِيَاضٍ: قَرَأْت فِي بَعْضِ الْكُتُبِ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ آتَاهُ اللَّهُ وَجْهًا حَسَنًا وَاسْمًا حَسَنًا وَخُلُقًا حَسَنًا وَجَعَلَهُ فِي مَوْضِعٍ حَسَنٍ فَهُوَ مِنْ صَفْوَةِ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ» . قَوْلُهُ: [أَيْ فَحَسَنِ لِبَاسٍ] : أَيْ شَرْعًا وَعُرْفًا وَهُوَ الْجَدِيدُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ الْحَرِيرِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ صَاحِبُ اللِّبَاسِ الْحَسَنِ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ لِدَلَالَةِ حُسْنِ اللِّبَاسِ عَلَى شَرَفِ النَّفْسِ وَالْبُعْدِ عَنْ الْمُسْتَقْذَرَاتِ، وَقَدَّمَهُ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى جَمِيلِ الْخِلْقَةِ. قَوْلُهُ: [تَقْدِيمُ الْأَوْرَعِ] : أَيْ وَهُوَ التَّارِكُ لِبَعْضِ الْمُبَاحَاتِ خَوْفَ الْوُقُوعِ فِي الشُّبُهَاتِ، فَيُقَدَّمُ عَلَى الْوَرِعِ وَهُوَ التَّارِكُ لِلشُّبُهَاتِ خَوْفَ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، وَعَطْفُ الزَّاهِدِ عَلَى الْأَوْرَعِ مِنْ عَطْفِ التَّفْسِيرِ. تَنْبِيهٌ: إنْ تَشَاحَّ مُتَسَاوُونَ فِي الرُّتْبَةِ فِي طَلَبِ التَّقَدُّمِ - لَا لِكِبْرٍ، وَإِنَّمَا هُوَ لِطَلَبِ الثَّوَابِ أَوْ لِأَخْذِ الْوَظِيفَةِ - اقْتَرَعُوا. وَأَمَّا لَوْ تَشَاحُّوا لِكِبْرٍ سَقَطَ حَقُّهُمْ لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ فُسَّاقٌ وَلَا حَقَّ لَهُمْ فِيهَا، بَلْ تَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُمْ.

[صلاة المسبوق]

(وَ) نُدِبَ وُقُوفُ (اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ خَلْفَهُ) أَيْ خَلْفَ الْإِمَامِ. (وَ) نُدِبَ وُقُوفُ (نِسَاءٍ خَلْفَ الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ مَنْ ذُكِرَ فَمَعَ إمَامٍ وَحْدَهُ خَلْفَهُ وَمَعَ إمَامٍ مَعَهُ ذَكَرٌ عَنْ يَمِينِهِ خَلْفَهُمَا، وَمَعَ رِجَالٍ خَلْفَهُ خَلْفَهُمْ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ الْمَسْبُوقُ إذَا وَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا أَوْ جَالِسًا لِتَشَهُّدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَالَ: (وَكَبَّرَ الْمَسْبُوقُ بَعْدَ) تَكْبِيرَةِ (الْإِحْرَامِ لِرُكُوعٍ) إذَا وَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا أَوْ رَافِعًا مِنْهُ وَيَعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ مَتَى انْحَنَى قَبْلَ اعْتِدَالِ الْإِمَامِ وَلَوْ لَمْ يَطْمَئِنَّ فِي رُكُوعِهِ إلَّا بَعْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ - إنْ أَتَى بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مِنْ قِيَامٍ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا، وَسَيَأْتِي أَيْضًا آخِرَ هَذَا الْفَصْلِ (أَوْ سُجُودٍ) : أَيْ وَكَبَّرَ لِسُجُودٍ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ إذَا وَجَدَ الْإِمَامَ بِهِ أَوْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ فَيَخِرُّ مَعَهُ مُكَبِّرًا (لَا) يُكَبِّرُ (لِجُلُوسٍ) أَوَّلَ أَوْ ثَانٍ وَجَدَ الْإِمَامَ بِهِ أَوْ بَيْنَ سَجْدَتَيْنِ، بَلْ يُكَبِّرُ لِلْإِحْرَامِ مِنْ قِيَامٍ وَيَجْلِسُ بِلَا تَكْبِيرٍ (وَلَا يُؤَخِّرُ) الدُّخُولَ مَعَ الْإِمَامِ فِي أَيِّ حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ حَتَّى يَقُومَ لِلرَّكْعَةِ الَّتِي تَلِيهَا هَذَا شَأْنُهُ فِي التَّكْبِيرِ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ، وَأَمَّا شَأْنُهُ فِيهِ إذَا قَامَ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ فَأَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ [خَلْفَ الْجَمِيعِ] : وَيَقِفُ الْخُنْثَى أَمَامَ النِّسَاءِ فَيَتَوَسَّطُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَفِي (ح) يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَؤُمَّ الْأَجْنَبِيَّاتِ وَحْدَهُنَّ. وَالْكَرَاهَةُ فِي الْوَاحِدَةِ أَشَدُّ. [صَلَاة الْمَسْبُوق] قَوْلُهُ: [وَلَا يُؤَخِّرُ الدُّخُولَ] إلَخْ: فَيَحْرُمُ التَّأْخِيرُ إنْ وَجَدَهُ رَاكِعًا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الدُّخُولِ شَاكًّا فِي إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ وَإِلَّا نُدِبَ لَهُ التَّأْخِيرُ. وَإِنَّمَا وَجَبَ الدُّخُولُ بِشَرْطِهِ؛ لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ طَعْنًا فِي الْإِمَامِ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ رَاتِبٌ. وَأَمَّا تَأْخِيرُهُ فِي غَيْرِ الرُّكُوعِ فَمَكْرُوهٌ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعِيدًا لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ، وَإِلَّا أَخَّرَ دُخُولَهُ حَتَّى يَعْلَمَ هَلْ بَقِيَ مَعَهُ رَكْعَةٌ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [وَقَامَ الْمَسْبُوقُ] : أَيْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَإِنْ قَامَ لَهُ قَبْلَ سَلَامِهِ بَطَلَتْ. وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ نِيَّةَ الْمُفَارَقَةِ. وَهَذَا إذَا قَامَ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا، فَإِنْ قَامَ سَهْوًا أَلْغَى مَا فَعَلَ وَرَجَعَ لِلْإِمَامِ فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ إلَّا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَيُلْغِي مَا فَعَلَهُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ.

(وَقَامَ) الْمَسْبُوقُ (لِلْقَضَاءِ بِتَكْبِيرٍ إنْ جَلَسَ) الْمَسْبُوقُ (فِي ثَانِيَتِهِ) هُوَ، بِأَنْ أَدْرَكَ مَعَ إمَامِهِ الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ أَوْ ثُلَاثِيَّةٍ؛ لِأَنَّ جُلُوسَهُ حِينَئِذٍ فِي مَحَلِّهِ فَيَقُومُ بِتَكْبِيرٍ (وَإِلَّا) يَجْلِسُ فِي ثَانِيَتِهِ؛ بِأَنْ جَلَسَ فِي أُولَاهُ كَمُدْرِكٍ الرَّابِعَةَ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ، أَوْ الثَّالِثَةَ مِنْ ثُلَاثِيَّةٍ، أَوْ الثَّانِيَةَ مِنْ ثُنَائِيَّةٍ، أَوْ جَلَسَ فِي ثَالِثَةٍ كَمَنْ أَدْرَكَ الثَّانِيَةَ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ (فَلَا) يَقُومُ بِتَكْبِيرٍ لِأَنَّ جُلُوسَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَإِنَّمَا هُوَ لِمُوَافَقَةِ الْإِمَامِ، وَقَدْ رَفَعَ مَعَهُ بِتَكْبِيرٍ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لِقِيَامِهِ. وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (إلَّا مُدْرِكٌ) مَا (دُونَ رَكْعَةٍ) كَمُدْرِكٍ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ؛ فَإِنَّهُ يَقُومُ بِتَكْبِيرٍ لِأَنَّهُ كَمُفْتَتِحِ صَلَاةٍ. (وَ) إذَا قَامَ الْمَسْبُوقُ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ (قَضَى الْقَوْلَ) : وَالْمُرَادُ بِهِ خُصُوصُ الْقِرَاءَةِ وَصِفَتُهَا مِنْ سِرٍّ أَوْ جَهْرٍ، بِأَنْ يَجْعَلَ مَا فَاتَهُ قَبْلَ دُخُولِهِ مَعَ الْإِمَامِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ أَوَّلَ صَلَاتِهِ وَمَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ آخِرَهَا، (وَبَنَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِتَكْبِيرٍ] : أَيْ يَأْتِي بِهِ بَعْدَ اسْتِقْلَالِهِ لَا أَنَّهُ يُكَبِّرُ حَالَ قِيَامِهِ قَبْلَ اسْتِقْلَالِهِ. قَوْلُهُ: [إلَّا مَا دُونَ رَكْعَةٍ] إلَخْ: مَا ذَكَرَهُ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. وَمُقَابِلُهُ مَا خَرَّجَهُ سَنَدٌ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: إذَا جَلَسَ فِي ثَانِيَتِهِ يَقُومُ بِلَا تَكْبِيرٍ أَيْضًا، وَمَا نَقَلَهُ زَرُّوقٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ: أَنَّهُ يَقُومُ بِتَكْبِيرٍ مُطْلَقًا. قَالَ: وَكَانَ شَيْخُنَا الْقُورِيُّ يُفْتِي بِهِ الْعَامَّةَ لِئَلَّا يُخْطِئُوا. فَالْمَسْأَلَةُ ذَاتُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ كَمُفْتَتِحِ صَلَاةٍ] : يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ التَّكْبِيرَ حَتَّى يَسْتَقِلَّ قَائِمًا. قَوْلُهُ: [قَضَى الْقَوْلَ] إلَخْ: مَا قَالَهُ الشَّارِحُ هُوَ مَذْهَبُنَا. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ يَقْضِي الْقَوْلَ وَالْفِعْلَ، وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنْ يَبْنِيَ فِيهِمَا وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ خَبَرُ: «إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» وَرَوَى: «فَاقْضُوا» فَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِرَاوِيَةِ: «فَأَتِمُّوا» وَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ بِرَاوِيَةِ: «فَاقْضُوا» وَعَمِلَ مَالِكٌ بِكِلَيْهِمَا لِقَاعِدَةِ الْأُصُولِيِّينَ وَالْمُحَدِّثِينَ: إذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ جُمِعَ، فَحَمَلَ رِوَايَةَ «فَأَتِمُّوا»

الْفِعْلَ: وَهُوَ) أَيْ الْفِعْلُ أَيْ وَالْمُرَادُ بِالْفِعْلِ (مَا عَدَا الْقِرَاءَةَ) بِصِفَتِهَا فَيَشْمَلُ التَّسْمِيعَ وَالتَّحْمِيدَ وَالْقُنُوتَ، بِأَنْ يَجْعَلَ مَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ أَوَّلَ صَلَاتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَفْعَالِ، وَمَا فَاتَهُ آخِرَهَا فَيَكُونُ فِيهِ كَالْمُصَلِّي وَحْدَهُ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَمُدْرِكُ ثَانِيَةِ الصُّبْحِ) مَعَ الْإِمَامِ (يَقْنُتُ فِي رَكْعَةِ الْقَضَاءِ) لِأَنَّهَا آخِرَتُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْفِعْلِ الَّذِي مِنْهُ الْقُنُوتُ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ التَّسْمِيعِ وَالتَّحْمِيدِ؛ لِأَنَّهَا آخِرَتُهُ وَهُوَ فِيهَا كَالْمُصَلِّي وَحْدَهُ. فَمَنْ أَدْرَكَ أَخِيرَةَ الْمَغْرِبِ قَامَ بِلَا تَكْبِيرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْلِسْ فِي ثَانِيَتِهِ وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْأَفْعَالِ، وَرِوَايَةَ «فَاقْضُوا» عَلَى الْأَقْوَالِ. فَإِذَا أَدْرَكَ أَخِيرَةَ الْمَغْرِبِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ جَهْرًا وَيَجْلِسُ، ثُمَّ بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ فَيَتَشَهَّدُ. وَعَلَى مَا لِأَبِي حَنِيفَةَ: يَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ جَهْرًا وَلَا يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ قَاضٍ فِيهِمَا قَوْلًا وَفِعْلًا. وَأَمَّا عَلَى مَا لِمَالِكٍ يَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ جَهْرًا وَيَجْلِسُ: بَيْنَهُمَا، وَعَلَى ذَلِكَ فَقِسْ. وَمَا نُسِبَ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَبِعْنَا فِيهِ حَاشِيَةَ الْأَصْلِ، وَلَكِنَّ الَّذِي رَأَيْنَاهُ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ أَنَّ مَذْهَبَهُمْ كَمَذْهَبِنَا سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ؛ وَنَصُّهُ: وَيَقْضِي أَوَّلَ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ قِرَاءَةٍ وَآخِرَهَا فِي حَقِّ تَشَهُّدٍ، فَمُدْرِكُ رَكْعَةٍ مِنْ غَيْرِ فَجْرٍ يَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ بِفَاتِحَةٍ وَسُورَةٍ وَتَشَهُّدٍ بَيْنَهُمَا (اهـ بِحُرُوفِهِ) . قَوْلُهُ: [فَيَشْمَلُ التَّسْمِيعَ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ لَهَا حُكْمَ الْأَفْعَالِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا بَانِيًا. قَوْلُهُ: [يَقْنُتُ فِي رَكْعَةِ الْقَضَاءِ] : تَبِعَ فِيهِ الْأُجْهُورِيَّ وَالْجُزُولِيَّ وَابْنَ عُمَرَ وَاَلَّذِي فِي الْعُتْبِيَّةِ - وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ - أَنَّ مُدْرِكَ ثَانِيَةِ الصُّبْحِ لَا يَقْنُتُ إذَا قَامَ لِقَضَاءِ الْأُولَى الَّتِي فَاتَتْهُ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَوْلِ الَّذِي يَقْضِي الْقِرَاءَةَ وَالْقُنُوتَ كَمَا ذَكَرَهُ (بْن) .

وَسُورَةٍ جَهْرًا لِأَنَّهُ قَاضِي الْقَوْلَ، أَيْ يَجْعَلُ مَا فَاتَهُ أَوَّلَ صَلَاتِهِ وَأَوَّلَهَا بِالْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ جَهْرًا وَيَجْلِسُ لِلتَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ بَانِي الْفِعْلَ أَيْ جَعَلَ مَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ أَوَّلَ صَلَاتِهِ، وَهَذِهِ الَّتِي أَتَى بِهَا هِيَ الثَّانِيَةُ، وَالثَّانِيَةُ يَجْلِسُ بَعْدَهَا ثُمَّ بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ جَهْرًا لِأَنَّهَا الثَّانِيَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَوْلِ - أَيْ الْقِرَاءَةَ - وَيَجْمَعُ بَيْنَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَرَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ لِأَنَّهُ وَمَنْ أَدْرَكَ أَخِيرَةَ الْعِشَاءِ أَتَى بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ جَهْرًا لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَوْلِ، فَيَقْضِي كَمَا فَاتَ وَيَجْلِسُ لِلتَّشَهُّدِ لِأَنَّهَا ثَانِيَتُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَفْعَالِ، ثُمَّ بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ جَهْرًا لِأَنَّهَا ثَانِيَتُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَقْوَالِ، وَلَا يَجْلِسُ بَعْدَهَا لِأَنَّهَا ثَانِيَتُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَقْوَالِ، وَلَا يَجْلِسُ بَعْدَهَا لِأَنَّهَا ثَالِثَتُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَفْعَالِ ثُمَّ بِرَكْعَةٍ بِالْفَاتِحَةِ فَقَطْ سِرًّا لِأَنَّهَا آخِرُ صَلَاتِهِ. وَمَنْ أَدْرَكَ الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْهَا أَتَى بِرَكْعَتَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ جَهْرًا لِمَا تَقَدَّمَ. (وَأَحْرَمَ) : أَيْ كَبَّرَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَرَكَعَ (مَنْ خَشِيَ) بِاسْتِمْرَارِهِ بِسَكِينَةٍ إلَى الصَّفِّ (فَوَاتَ رَكْعَةٍ) بِرَفْعِ الْإِمَامِ مِنْ رُكُوعِهِ إنْ لَمْ يُحْرِمْ (دُونَ الصَّفِّ) مُتَعَلِّقٌ بِأَحْرَمَ (إنْ ظَنَّ إدْرَاكَهُ) أَيْ إدْرَاكَ الصَّفِّ فِي رُكُوعِهِ دَابًّا إلَيْهِ (قَبْلَ الرَّفْعِ) : أَيْ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ يَعْنِي: أَنَّ مَنْ وَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا وَخَافَ أَنَّهُ إنْ اسْتَمَرَّ لِلصَّفِّ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَتَفُوتُهُ الرَّكْعَةُ، فَإِنَّهُ يُحْرِمُ وَيَرْكَعُ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ يَدِبُّ فِي رُكُوعِهِ إلَى الصَّفِّ، وَيَرْفَعُ بِرَفْعِ الْإِمَامِ (وَإِلَّا) يَظُنُّ إدْرَاكَ الصَّفِّ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ (تَمَادَى إلَيْهِ) أَيْ إلَى الصَّفِّ بِلَا خَبَبٍ وَلَا يُحْرِمُ دُونَهُ وَلَوْ فَاتَهُ الرُّكُوعُ (إلَّا أَنْ تَكُونَ) الرَّكْعَةُ (الْأَخِيرَةُ) مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ دُونَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يُحْرِمُ وَيَرْكَعُ دُونَ الصَّفِّ] : إنَّمَا أُمِرَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الرَّكْعَةِ وَالصَّفِّ مَعًا خَيْرٌ مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ. قَوْلُهُ: [تَمَادَى إلَيْهِ] : أَيْ نَدْبًا، وَقَوْلُهُ " وَلَا يُحْرِمُ دُونَهُ " إلَخْ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَرْكَعُ دُونَ الصَّفِّ وَيُدْرِكُ الرَّكْعَةَ، فَرَأْيُ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الرَّكْعَةِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّفِّ عَكْسُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ، وَلَكِنْ رَجَّحَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلَ مَالِكٍ فَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ تَكُونَ الرَّكْعَةُ] إلَخْ: هَذَا الْقَيْدُ ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ وَالتُّونُسِيُّ قَالَ الْحَطَّابُ وَهُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ.

لِئَلَّا تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ (وَدَبَّ) : أَيْ مَشَى مَنْ أَحْرَمَ دُونَ الصَّفِّ، وَكَذَا مَنْ رَأَى فُرْجَةً وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ أَمَامَهُ أَوْ يَمِينَهُ أَوْ شِمَالَهُ (كَالصَّفَّيْنِ) غَيْرَ مَا خَرَجَ مِنْهُ أَوْ دَخَلَ فِيهِ، وَالْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ عَلَى الْأَرْجَحِ (لِآخِرِ فُرْجَةٍ) إنْ تَعَدَّدَتْ (رَاكِعًا) وَلَوْ خَبَبًا لِأَنَّ كَرَاهَةَ الْخَبَبِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا لَا بَعْدَهُ. (أَوْ قَائِمًا فِي ثَانِيَتِهِ) لَا فِي رَفْعِهِ مِنْ رُكُوعِهِ لِقِصَرِهِ وَهَذَا حَيْثُ خَابَ ظَنُّهُ - إذْ لَا يَرْفَعُ دُونَ الصَّفِّ إلَّا إذْ ظَنَّ إدْرَاكَ الصَّفِّ قَبْلَ الرَّفْعِ كَمَا تَقَدَّمَ - (لَا) يَدِبُّ لِلصَّفِّ (جَالِسًا) وَلَوْ فِي تَشَهُّدٍ جَالِسًا لِقُبْحِ الْحَالَةِ. وَمَنْ وَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا أَوْ رَافِعًا مِنْ رُكُوعِهِ فَأَحْرَمَ وَرَكَعَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِآخِرِ فُرْجَةٍ] : أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِجِهَةِ الدَّاخِلِ، وَإِنْ كَانَتْ أَوْلَى بِالنِّسْبَةِ لِجِهَةِ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ: [لَا بَعْدَهُ] : كَذَا قِيلَ. قَالَ الْمِسْنَاوِيُّ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ أَوْ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْخَبَبَ إنَّمَا كُرِهَ - كَمَا لِابْنِ رُشْدٍ - لِئَلَّا تَذْهَبَ سَكِينَتُهُ، وَإِذَا كَانَ الْخَبَبُ يُكْرَهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ لِأَجْلِ السَّكِينَةِ فَكَيْفَ لَا يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي فِيهَا طَلَبُ الْخُضُوعِ وَالتَّوَاضُعِ؟ (اهـ بْن) ، وَلِذَا قَالَ شَيْخُ الْمَشَايِخِ الْعَدَوِيُّ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَدِبُّ مِنْ غَيْرِ خَبَبٍ لِمُنَافَاتِهِ الْخُشُوعَ. فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ لَا يُحَبُّ فِيهَا فَكَيْفَ يَتَأَتَّى أَنَّهُ إذَا اسْتَمَرَّ بِلَا إحْرَامٍ لَا يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ فِي الصَّفِّ؟ فَإِذَا أَحْرَمَ خَارِجَ الصَّفِّ وَدَبَّ فِي رُكُوعِهِ أَدْرَكَهَا مَعَ أَنَّ الزَّمَنَ وَالْفِعْلَ وَاحِدٌ. قُلْنَا: إذَا خَشِيَ الْفَوَاتَ عِنْدَ عَدَمِ الْهَرْوَلَةِ يُؤْمَرُ بِالرُّكُوعِ خَارِجَ الصَّفِّ، وَيَمْشِي بِغَيْرِ هَرْوَلَةٍ. وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ يَمْشِي قَبْلَ الدُّخُولِ لِئَلَّا يَتَخَلَّفَ ظَنُّهُ فَتَفُوتُهُ الرَّكْعَةُ، بِخِلَافِ مَشْيِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا. فَإِنْ أَدْرَكَ الصَّفَّ أَيْضًا فَذَاكَ وَلَا نَدْبَ فِي أَثْنَائِهَا (اهـ. بِالْمَعْنَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) قَوْلُهُ: [لَا فِي رَفْعِهِ مِنْ رُكُوعَهُ] إلَخْ: فَلَوْ دَبَّ فِي رَفْعِهِ مِنْ رُكُوعِهِ فَقَدْ فَعَلَ مَكْرُوهًا وَلَا تَبْطُلُ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا حَيْثُ خَابَ ظَنُّهُ] : أَيْ أَنَّهُ أَحْرَمَ خَلْفَ الصَّفِّ طَامِعًا فِي إدْرَاكِهِ فَمَشَى فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ فَرَفَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ لِلصَّفِّ، وَتَخَلَّفَ ظَنُّهُ فَإِنَّهُ يَدِبُّ فِي حَالَةِ قِيَامِهِ لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ حَتَّى يُدْرِكَ الصَّفَّ. قَوْلُهُ: [لِقُبْحِ الْحَالَةِ] : اُنْظُرْ هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ، وَالظَّاهِرُ الثَّانِي وَعَلَى

فَإِنْ تَحَقَّقَ الْإِدْرَاكُ بِأَنْ انْحَنَى قَبْلَ اعْتِدَالِ الْإِمَامِ مِنْ الرُّكُوعِ - وَلَوْ حَالَ رَفْعِهِ - فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ. وَإِنْ تَحَقَّقَ عَدَمُ الْإِدْرَاكِ بِأَنْ اعْتَدَلَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَخْذِهِ فِي الِانْحِنَاءِ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ الرُّكُوعُ، بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَهُ فِي السُّجُودِ. فَإِنْ رَكَعَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرْفَعَ مِنْهُ. فَإِنْ رَفَعَ مِنْهُ بَطَلَتْ لِلزِّيَادَةِ فِي الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ سَهْوًا. (وَإِنْ شَكَّ فِي الْإِدْرَاكِ) : هَلْ رَكَعَ قَبْلَ اعْتِدَالِ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ - وَالْمُرَادُ بِالشَّكِّ مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ الشَّامِلِ لِلظَّنِّ وَالْوَهْمِ - (أَلْغَاهَا) أَيْ الرَّكْعَةَ (وَقَضَاهَا بَعْدَ سَلَامِهِ) أَيْ سَلَامِ إمَامِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ. وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الرَّفْعِ مِنْ هَذَا الرُّكُوعِ؛ فَهَلْ يُطْلَبُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ الرَّكْعَةُ لَا يُعْتَدُّ بِهَا؟ قَالُوا: نَعَمْ؛ فَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ. وَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ أَحْرَمَ مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ رُكُوعِهِ ثُمَّ زُوحِمَ عَنْ الرُّكُوعِ مَعَهُ أَوْ نَعَسَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَإِنْ تَحَقَّقَ فَوَاتُ الرَّكْعَةِ فَلَا يَرْكَعُ، وَإِنْ ظَنَّ الْإِدْرَاكَ رَكَعَ مَعَهُ جَزْمًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلِّ حَالٍ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَلَوْ حَالَ رَفْعِهِ] : أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ إلَّا انْحِنَاءُ الْمَأْمُومِ قَبْلَ اسْتِقْلَالِ الْإِمَامِ وَلَوْ لَمْ يَطْمَئِنَّ إلَّا بَعْدَ اسْتِقْلَالِهِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ رَفَعَ مِنْهُ بَطَلَتْ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الصِّحَّةُ إنْ أَلْغَاهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً حَقِيقَةً فِي صُلْبِ الْإِمَامِ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ سَهْوًا] : أَيْ فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِاتِّفَاقٍ حَيْثُ لَمْ يُعْتَدَّ بِالرَّكْعَةِ. قَوْلُهُ: [وَالْمُرَادُ بِالشَّكِّ مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ] : أَيْ فَتَحْتَ الشَّكِّ صُوَرٌ ثَلَاثٌ؛ وَتَقَدَّمَ صُورَتَانِ: تَحَقُّقُ الْإِدْرَاكِ، وَتَحَقُّقُ عَدَمِهِ، فَتَكُونُ الصُّوَرُ خَمْسًا. قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي تَقْرِيرِهِ: وَلَا الْتِفَاتَ إلَى تَكْثِيرِ الصُّوَرِ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ، بَلْ هُوَ مِنْ التَّخْلِيطِ عَلَى الْمُتَعَلِّمِ وَتَعْسِيرِ الْفَهْمِ عَلَيْهِ وَتَشْتِيتِ ذِهْنِهِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ وَلَا ثَمَرَةٍ (اهـ.) قَوْلُهُ: [فَهَلْ يُطْلَبُ مِنْهُ] : أَيْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ - أَعْنِي الصُّوَرَ الثَّلَاثَ - وَهِيَ: ظَنُّ الْإِدْرَاكِ، أَوْ تَوَهُّمُهُ، أَوْ الشَّكُّ فِيهِ. قَوْلُهُ: [فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ] : تَبِعَ الْمُؤَلِّفُ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ.

ثُمَّ إنْ تَحَقَّقَ الْإِدْرَاكُ فَظَاهِرٌ وَإِنْ تَحَقَّقَ عَدَمُهُ لَمْ يَرْفَعْ مِنْهُ، وَإِنْ شَكَّ فِي الْإِدْرَاكِ أَلْغَاهَا وَرَفَعَ، كَلَامُهُ هُنَا يَشْمَلُ هَذِهِ. وَشُبِّهَ فِي إلْغَاءِ الرَّكْعَةِ قَوْلُهُ: (كَأَنْ أَدْرَكَهُ) أَيْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ (فِي الرُّكُوعِ) وَتَحَقَّقَ الْإِدْرَاكُ فِيهِ. (وَ) لَكِنْ (كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ فِي) حَالِ (انْحِطَاطِهِ) لِلرُّكُوعِ وَلَوْ ابْتَدَأَهُ مِنْ قِيَامٍ؛ فَتُلْغَى تِلْكَ الرَّكْعَةُ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ. وَأَمَّا لَوْ كَبَّرَ بَعْدَ الِانْحِطَاطِ فَتُلْغَى جَزْمًا؛ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَذَكَرَهَا هُنَا لِمُنَاسَبَةِ إلْغَاءِ الرَّكْعَةِ عِنْدَ شَكِّ الْإِدْرَاكِ. ثُمَّ كَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنَّ مَنْ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ حَالَ الِانْحِطَاطِ أَوْ بَعْدَهُ: إمَّا بُطْلَانُ الصَّلَاةِ مِنْ أَصْلِهَا لِفَقْدِ رُكْنِ الْقِيَامِ لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَإِمَّا صِحَّتُهَا مَعَ صِحَّةِ الرَّكْعَةِ لِعُذْرِهِ بالمسبوقية. وَجَعْلُهُمْ التَّأْوِيلَيْنِ فِي خُصُوصِ الرَّكْعَةِ مَعَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ مِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ، فَتَدَبَّرْ. عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَهَبَ إلَى هَذَا. اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ. وَلَمَّا كَانَ الِاسْتِخْلَافُ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْإِمَامِ أَتْبَعَ الْإِمَامَةَ بِهِ فَقَالَ:. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَجَعْلُهُمْ التَّأْوِيلَيْنِ فِي خُصُوصِ الرَّكْعَةِ] إلَخْ: تَقَدَّمَ لَهُ هَذَا الْبَحْثُ أَيْضًا فِي فَرَائِضِ الصَّلَاةِ، وَتَقَدَّمَ لَنَا الْجَوَابُ عَنْهُ؛ فَانْظُرْهُ.

[فصل في الاستخلاف في الصلاة]

فَصْلٌ: فِي الِاسْتِخْلَافِ وَهُوَ اسْتِنَابَةُ الْإِمَامِ غَيْرَهُ مِنْ الْمَأْمُومِينَ لِتَكْمِيلِ الصَّلَاةِ بِهِمْ لِعُذْرٍ قَامَ بِهِ. وَحُكْمُهُ النَّدْبُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَالْوُجُوبُ فِيهَا. وَبَدَأَ بِحُكْمِهِ وَأَسْبَابِهِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِالشُّرُوطِ بِقَوْلِهِ: (نُدِبَ لِلْإِمَامِ) الَّذِي ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ بِنِيَّةٍ وَإِحْرَامٍ وَاقْتِدَاءٍ بِهِ (اسْتِخْلَافُ غَيْرِهِ) مِنْ الْمَأْمُومِينَ، لَا أَجْنَبِيٍّ، بِشَرْطِ حُصُولِ عُذْرٍ لِلْإِمَامِ لَا تَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُمْ. وَالْعُذْرُ إمَّا خَارِجٌ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِهَا. وَالْمُتَعَلِّقُ بِهَا إمَّا مَانِعٌ مِنْ الْإِمَامَةِ دُونَ الصَّلَاةِ وَإِمَّا مَانِعٌ مِنْ الصَّلَاةِ. وَقَدْ أَشَارَ لِلْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ: (إنْ خَشِيَ) الْإِمَامُ بِتَمَادِيهِ (تَلَفَ مَالٍ) لَهُ بَالٌ وَلَوْ لِغَيْرِهِ. وَالْمُرَادُ تَلَفُهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَوْ كَانَ بَاقِيًا فِي نَفْسِهِ كَأَنْ يَخَافَ عَلَيْهِ مِنْ السَّرِقَةِ أَوْ الْغَصْبِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا أَوْ حَيَوَانًا نَاطِقًا أَوْ غَيْرَهُ. (أَوْ) خَشِيَ تَلَفَ (نَفْسٍ) مُحْتَرَمَةٍ وَلَوْ كَافِرَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الِاسْتِخْلَافِ فِي الصَّلَاة] قَوْلُهُ: [وَبَدَأَ بِحُكْمِهِ] : أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْجُمُعَةِ. قَوْلُهُ: [بِنِيَّةٍ] إلَخْ: مُتَعَلِّقٌ " بِثَبَتَ ": أَيْ فَتَحَقُّقُ الْإِمَامَةِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى مَا ذَكَرَ. فَمَنْ لَمْ تَتَحَقَّقْ إمَامَتُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَا اسْتِخْلَافَ لَهُ. قَوْلُهُ: [وَإِمَّا مَانِعٌ مِنْ الصَّلَاةِ] : أَيْ مِنْ صِحَّتِهَا لِلْإِمَامِ فَقَطْ، وَأَمَّا مَانِعُ الصِّحَّةِ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ مَعًا فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ اسْتِخْلَافٌ. قَوْلُهُ: [إنْ خَشِيَ الْإِمَامُ] الْمُرَادُ بِهِ الظَّنُّ أَوْ الشَّكُّ لَا الْوَهْمُ، فَلَا يَسْتَخْلِفُ الْإِمَامُ لِأَجْلِهِ خِلَافًا لِ (عب) . قَوْلُهُ: [مُحْتَرَمَةٍ] : أَيْ مَعْصُومَةٍ بِالنِّسْبَةِ لَهُ؛ كَخَوْفِهِ عَلَى صَبِيٍّ أَوْ أَعْمَى أَنْ يَقَعَ فِي بِئْرٍ أَوْ نَارٍ فَيَهْلِكُ أَوْ يَحْصُلُ لَهُ شِدَّةُ أَذًى.

وَأَشَارَ لِلْقِسْمِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: (أَوْ مُنِعَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ ضَمِيرُ الْإِمَامِ وَ (الْإِمَامَةَ) مَفْعُولُهُ الثَّانِي (لِعَجْزٍ) عَنْ رُكْنٍ كَالْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ (أَوْ) لِحُصُولِ (رُعَافٍ بِنَاءً وَ) إذَا اسْتَخْلَفَ فِي هَذَا الْقِسْمِ (رَجَعَ مَأْمُومًا) إنْ أَمْكَنَهُ. وَلَا يَجُوزُ لَهُ قَطْعُ الصَّلَاةِ فِي الْعَجْزِ وَجَازَ فِي الرُّعَافِ إذَا اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَاحْتَرَزَ بِرُعَافِ الْبِنَاءِ عَنْ رُعَافِ الْقَطْعِ، فَإِنَّهُ مِنْ مَوَانِعِ الصَّلَاةِ لَا الْإِمَامَةِ. وَأَشَارَ لِلْقِسْمِ الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ) مُنِعَ الْإِمَامُ (الصَّلَاةَ) نَفْسَهَا لِبُطْلَانِهَا عَلَيْهِ دُونَهُمْ (بِسَبْقِ حَدَثٍ) : مِنْ بَوْلٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَهُوَ يُصَلِّي. وَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ فَيَسْتَخْلِفُ لِبُطْلَانِهَا عَلَيْهِ دُونَهُمْ. (أَوْ) بِسَبَبِ (ذِكْرِهِ) أَيْ الْحَدَثِ فِيهَا فَيَسْتَخْلِفُ، إنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِمْ عَمَلًا بَعْدَ السَّبْقِ أَوْ الذِّكْرِ؛ وَإِلَّا كَانَ مُتَعَمِّدًا لِلْحَدَثِ فَتَبْطُلُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَلَا اسْتِخْلَافَ. وَمِثْلُ ذَلِكَ: مَا لَوْ قَهْقَهَ غَلَبَةً أَوْ نِسْيَانًا لَا عَمْدًا، أَوْ رَعَفَ رُعَافًا تَبْطُلُ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ شَكٌّ هَلْ دَخَلَ الصَّلَاةَ بِوُضُوءٍ أَوْ لَا، أَوْ تَحَقَّقَ الطَّهَارَةُ وَالْحَدَثُ وَشَكَّ فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا، لَا إنْ شَكَّ هَلْ انْتَقَضَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ مُنِعَ] إلَخْ: أَيْ طَرَأَ لَهُ الْعَجْزُ عَنْ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ صَلَاتِهِ، وَأَمَّا طَرَيَان عَجْزِهِ عَنْ السُّنَّةِ فَلَيْسَ مِنْ مُوجِبَاتِ الِاسْتِخْلَافِ. قَوْلُهُ: [رُعَافٌ بِنَاءً] : أَيْ فَهُوَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمَانِعِ لِلْإِمَامَةِ فَقَطْ، وَجَعَلَهُ خَلِيلٌ مِنْ مَوَانِعِ الصَّلَاةِ وَلَعَلَّهُ نَظَرَ إلَى الْحَالِ قَبْلَ الْغَسْلِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّهُ مَانِعُ الصَّلَاةِ عَلَى أَنَّهُ إمَامٌ فَمُشْتَرَكٌ فِي جَمِيعِ مَوَانِعِ الْإِمَامَةِ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ فِي الرُّعَافِ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ الْبِنَاءَ مَنْدُوبٌ عِنْدَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ مِنْ مَوَانِعِ الصَّلَاةِ] : أَيْ فَهُوَ كَسَبْقِ الْحَدَثِ وَنِسْيَانِهِ كَمَا سَيَأْتِي؛ أَيْ فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ وَتَبْطُلُ عَلَيْهِ دُونَهُمْ كَمَا فِي (بْن) ، خِلَافًا لِلْأُجْهُورِيِّ وَ (عب) حَيْثُ قَالَا بِالْبُطْلَانِ عَلَى الْجَمِيعِ. قَوْلُهُ: [أَوْ تَحَقَّقَ الطَّهَارَةُ] إلَخْ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يَسْتَخْلِفُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَبِعَ فِيهِ (عب) وَلَكِنْ تَقَدَّمَ لِعْب نَفْسِهِ. وَلِلْمُؤَلِّفِ: أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَتَمَادَى فِي صَلَاتِهِ، ثُمَّ إذَا بَانَ الطُّهْرُ لَمْ يُعِدْ فَانْظُرْهُ.

وُضُوءُهُ فَإِنَّهُ يَتَمَادَى كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ إنْ بَانَ الطُّهْرُ لَمْ يُعِدْ، وَإِلَّا أَعَادَ الْإِمَامُ فَقَطْ، وَكَذَا إنْ طَرَأَ عَلَيْهِ فِيهَا جُنُونٌ أَوْ إغْمَاءٌ أَوْ مَوْتٌ إلَّا أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ يَكُونُ مِنْهُمْ. (وَإِنْ) حَصَلَ السَّبَبُ (بِرُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ) . وَيَرْفَعُ بِلَا تَسْمِيعٍ فِي الْأَوَّلِ وَبِلَا تَكْبِيرٍ فِي الثَّانِي لِئَلَّا يَقْتَدُوا بِهِ وَيَرْفَعُونَ بِرَفْعِ الْخَلِيفَةِ (وَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ (إنْ رَفَعُوا بِرَفْعِهِ قَبْلَهُ) : أَيْ قَبْلَ الِاسْتِخْلَافِ، وَلَا بُدَّ مِنْ عَوْدِ الْخَلِيفَةِ (وَعَادُوا مَعَهُ) : أَيْ مَعَ الْخَلِيفَةِ وَلَوْ أَخَذُوا فَرْضَهُمْ مَعَ الْأَوَّلِ. فَإِنْ لَمْ يَعُودُوا لَمْ تَبْطُلْ إنْ أَخَذُوا فَرْضَهُمْ مَعَهُ وَإِلَّا بَطَلَتْ. (وَنُدِبَ لَهُمْ) الِاسْتِخْلَافُ (إنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ) الْإِمَامُ. (وَ) نُدِبَ (اسْتِخْلَافُ الْأَقْرَبَ) لِلْإِمَامِ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِأَفْعَالِهِ وَلِتَيَسُّرِ تَقَدُّمِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِنْ حَصَلَ السَّبَبُ] : أَيْ الَّذِي هُوَ خَشْيَةُ تَلَفِ الْمَالِ وَمَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ] إلَخْ: أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمُقَابِلُهُ - وَهُوَ الْبُطْلَانُ - مُخَرَّجٌ لِابْنِ بَشِيرٍ. عَلَى أَنَّ الْحَرَكَةَ لِلرُّكْنِ مَقْصُودَةٌ وَمَحَلُّ عَدَمِ الْبُطْلَانِ مَا لَمْ يَرْفَعُوا بِهِ عَالِمِينَ بِحَدَثِهِ، وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ، كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ عَبْدِ الْحَقِّ وَغَيْرِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الْبُطْلَانِ عَلَى الْأَصَحِّ حَيْثُ رَفَعُوا بِرَفْعِهِ جَهْلًا أَوْ غَلَطًا فَإِنْ رَفَعُوا بِرَفْعِهِ عَمْدًا مَعَ عِلْمِهِمْ بِحَدَثِهِ فَالْبُطْلَانُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي بْن (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [لَمْ تَبْطُلْ إنْ أَخَذُوا فَرْضَهُمْ] : هَذَا قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ الْبُطْلَانَ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا بَطَلَتْ] : أَيْ قَوْلًا وَاحِدًا إنْ كَانَ تَرْكُهُمْ الْعَوْدَ عَمْدًا وَإِنْ كَانَ التَّرْكُ لِعُذْرٍ وَفَاتَ التَّدَارُكُ بَطَلَتْ تِلْكَ الرَّكْعَةُ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ لَهُمْ الِاسْتِخْلَافُ] : أَيْ وَلَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا أَفْذَاذًا وَلَيْسَ مُقَابِلُهُ أَنَّ لَهُمْ الِانْتِظَارَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِمْ، لِأَنَّ صَلَاتَهُمْ تَبْطُلُ حِينَئِذٍ كَمَا هُوَ مَبْنَى اعْتِرَاضِ ابْنِ غَازِيٍّ. فَإِنْ عَمِلُوا عَمَلًا ثُمَّ اسْتَخْلَفُوا بَطَلَتْ كَمَا حَكَى (ح) تَخْرِيجَ بَعْضٍ لَهُ عَلَى امْتِنَاعِ الْإِتْبَاعِ بَعْدَ الْقَطْعِ فِي النَّحْوِ. قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ اسْتِخْلَافُ الْأَقْرَبِ] : أَيْ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْخَلِيفَةُ فِي الصَّفِّ

فَيَقْتَدُوا بِهِ. (وَ) نُدِبَ (تَقَدُّمُهُ) عَلَيْهِمْ (إنْ قَرُبَ) كَالصَّفَّيْنِ، فَيَتَقَدَّمُ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي هُوَ بِهَا (وَإِنْ بِجُلُوسِهِ) أَوْ سُجُودِهِ أَوْ رُكُوعِهِ، بِخِلَافِ مَنْ رَأَى فُرْجَةً فَإِنَّهُ إنَّمَا يَدِبُّ رَاكِعًا أَوْ قَائِمًا لَا جَالِسًا كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ تَقَدَّمَ غَيْرُهُ) : أَيْ غَيْرُ مَنْ اسْتَخْلَفَهُ الْإِمَامُ وَأَتَمَّ بِهِمْ (صَحَّتْ) صَلَاتُهُمْ (كَأَنْ أَتَمُّوا أَفْذَاذًا أَوْ بَعْضُهُمْ) أَفْذَاذًا وَالْآخَرُ بِإِمَامٍ (أَوْ) أَتَمُّوا (بِإِمَامَيْنِ) كُلُّ طَائِفَةٍ بِإِمَامٍ فَتَصِحُّ (إلَّا الْجُمُعَةَ) فَلَا تَصِحُّ أَفْذَاذًا، وَتَصِحُّ لِلْبَعْضِ الَّذِي لَهُ إمَامٌ إنْ كَمُلَ الْعَدَدُ وَتَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطُ الصِّحَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي يَلِيهِ، فَإِنْ اسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ خَالَفَ الْأَوْلَى. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ مَنْ رَأَى فُرْجَةً] إلَخْ: وَالْفَرْقُ أَنَّ مَا هُنَا أَهَمُّ لِتَعَلُّقِ إصْلَاحِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِينَ بِهِ. قَوْلُهُ: [كَأَنْ أَتَمُّوا أَفْذَاذًا] : أَيْ وَلَوْ تَرَكُوا الْخَلِيفَةَ الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ عَلَيْهِمْ، وَظَاهِرُهُ الصِّحَّةُ وَلَوْ كَانُوا وَتَرَكُوا الْفَاتِحَةَ مَعَ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوهَا بِوَجْهٍ جَائِزٍ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ لَهُمْ إنْ أَتَمُّوا أَفْذَاذًا وَتَرَكُوا الْخَلِيفَةَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ رُتْبَةُ الْإِمَامَةِ كَالْأَصْلِيِّ إلَّا إذَا عَمِلُوا مَعَهُ عَمَلًا. قَوْلُهُ: [فَلَا تَصِحُّ أَفْذَاذًا] إلَخْ: أَيْ لِفَقْدِ شَرْطِهَا الَّذِي هُوَ الْجَمَاعَةُ وَالْإِمَامُ، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَلَوْ حَصَلَ الْعُذْرُ بَعْدَ رَكْعَةٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَلَيْسُوا كَالْمَسْبُوقِ الَّذِي أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي رَكْعَةً تَقَدَّمَتْ بِشَرْطِهَا بِخِلَافِهِمْ؛ فَإِنَّ الرَّكْعَةَ الْمَأْتِيَّ بِهَا بِنَاءٌ، وَلَا يَصِحُّ صَلَاةُ شَيْءٍ مِنْ الْجُمُعَةِ مِمَّا هُوَ بِنَاءٌ فَذًّا. وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ: أَنَّهَا تَصِحُّ لِلْمُؤْتَمِّينَ وُحْدَانًا إذَا حَصَلَ الْعُذْرُ بَعْدَ رَكْعَةٍ، لِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . وَيُرَدُّ عَلَى قَوْلِهِ: " وَلَا يَصِحُّ صَلَاةُ شَيْءٍ مِنْ الْجُمُعَةِ مِمَّا هُوَ بِنَاءٌ، فَذًّا " بِنَاءُ الرَّاعِفِ فِي الْجُمُعَةِ حَيْثُ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى وَفَاتَتْهُ الثَّانِيَةُ وَهُوَ يَغْسِلُ الدَّمَ؛ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا فَذًّا وَهِيَ بِنَاءٌ لَا غَيْرُ. فَتَأَمَّلْ. قَوْلَهُ: [إنْ كَمُلَ الْعَدَدُ] : أَيْ وَتَصِحُّ لِمَنْ قَدَّمَهُ الْإِمَامُ إنْ كَمُلَ مَعَهُ الْعَدَدُ وَإِنْ لَمْ يُقَدِّمْ وَاحِدًا مِنْهُمَا صَحَّتْ لِلسَّابِقِ إنْ كَمُلَ مَعَهُ الْعَدَدُ، وَإِنْ تَسَاوَيَا بَطَلَتْ عَلَيْهِمَا، فَتَأَمَّلْ.

[شروط صحة الاستخلاف في الصلاة]

(وَقَرَأَ) الْخَلِيفَةُ (مِنْ انْتِهَاءِ) قِرَاءَةِ الْإِمَامِ (الْأَوَّلِ إنْ عَلِمَ) الِانْتِهَاءَ فِي فَاتِحَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (وَإِلَّا) يَعْلَمْ (ابْتَدَأَ) الْقِرَاءَةَ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ وُجُوبًا. (وَصِحَّتُهُ) : أَيْ شَرْطُ صِحَّةِ الِاسْتِخْلَافِ: (بِإِدْرَاكِ جُزْءٍ) : أَيْ بِإِدْرَاكِ الْخَلِيفَةِ مَعَ الْإِمَامِ الْأَصْلِيِّ قَبْلَ الْعُذْرِ جُزْءًا (يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الرَّكْعَةِ) الْمُسْتَخْلَفِ هُوَ فِيهَا (قَبْلَ عَقْدِ الرُّكُوعِ) - مُتَعَلِّقٌ بِإِدْرَاكٍ - وَعَقَدَهُ بِاعْتِدَالِ الْإِمَامِ مِنْهُ؛ وَهَذَا صَادِقٌ بِدُخُولِهِ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَ الْقِرَاءَةِ، أَوْ حَالَ الْقِرَاءَةِ أَوْ حَالَ الرُّكُوعِ أَوْ حَالَ الرَّفْعِ مِنْهُ قَبْلَ الِاعْتِدَالِ. فَإِذَا حَصَلَ لِلْإِمَامِ عُذْرٌ صَحَّ اسْتِخْلَافُ مَنْ أَدْرَكَهُ فِي ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ حَصَلَ لَهُ الْعُذْرُ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ فِي سُجُودِهِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ صَلَاتِهِ، لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَدْرَكَ قَبْلَ الْعُذْرِ جُزْءًا يُعْتَدُّ بِهِ. وَمِثْلُهُ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ حَالَ قِيَامِهِ لِلْقِرَاءَةِ فِيهَا، أَوْ قَبْلَ عَقْدِ رُكُوعِهَا. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: " يُعْتَدُّ بِهِ " عَمَّنْ أَدْرَكَ مَا قَبْلَ الرُّكُوعِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ غَيْرِهَا وَفَاتَهُ الرُّكُوعُ لِعُذْرٍ مِنْ ازْدِحَامٍ أَوْ نُعَاسٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذِهِ الرَّكْعَةُ وَجَمِيعُ أَجْزَائِهَا لَا يُعْتَدُّ بِهَا بِالنِّسْبَةِ لَهُ فَلَا يَصِحُّ اسْتِخْلَافُهُ، وَكَذَا مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ بِأَنْ أَدْرَكَهُ فِي السُّجُودِ أَوْ الرَّفْعِ مِنْهُ أَوْ الْجُلُوسِ لِتَشَهُّدٍ، فَحَصَلَ لِلْإِمَامِ عُذْرٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ قِيَامِهِ لِلَّتِي تَلِيهَا فَلَا يَصِحُّ اسْتِخْلَافُهُ، لِأَنَّ مَا أَدْرَكَهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ؛ وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ. نَعَمْ إنْ قَامَ الْإِمَامُ لِقِرَاءَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَقَامَ مَعَهُ هَذَا الْمَسْبُوقُ صَحَّ اسْتِخْلَافُهُ، لِأَنَّهُ بِقِيَامِهِ مَعَهُ أَدْرَكَ جُزْءًا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ تِلْكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إنْ عَلِمَ] إلَخْ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الصَّلَاةِ جَهْرِيَّةً أَوْ سِرِّيَّةً. [شُرُوطُ صِحَّةِ الِاسْتِخْلَافِ فِي الصَّلَاة] قَوْلُهُ: [مِنْ الرَّكْعَةِ الْمُسْتَخْلَفِ هُوَ فِيهَا] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ الْعُذْرُ قَبْلَ تَمَامِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ كَانَ لَهُ اسْتِخْلَافُ مَنْ دَخَلَ مَعَهُ قَبْلَ الْعُذْرِ بِكَثِيرٍ أَوْ بِقَلِيلٍ. وَأَمَّا لَوْ حَصَلَ لِلْإِمَامِ الْعُذْرُ بَعْدَ تَمَامِ الرَّفْعِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ إلَّا مَنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رُكُوعَ تِلْكَ الرَّكْعَةِ بِأَنْ انْحَنَى مَعَهُ قَبْلَ حُصُولِ الْعُذْرِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَدْرِك مَعَهُ ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ اسْتِخْلَافُهُ فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ؛ كَمَا لَوْ دَخَلَ مَعَهُ بَعْدَ تَمَامِ الرَّفْعِ ثُمَّ حَصَلَ لَهُ الْعُذْرُ قَبْلَ الْقِيَامِ لِلرَّكْعَةِ الَّتِي تَلِيهَا. وَالشَّارِحُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إيضَاحٍ.

الرَّكْعَةِ. (وَإِنْ جَاءَ) وَأَحْرَمَ (بَعْدَ الْعُذْرِ فَكَأَجْنَبِيٍّ) الْكَافُ زَائِدَةٌ أَيْ فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْجَمَاعَةِ إذْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ جُزْءًا أَلْبَتَّةَ، فَلَا يَصِحُّ اسْتِخْلَافُهُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ، وَتَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ مِنْهُمْ. وَأَمَّا صَلَاتُهُ هُوَ (فَإِنْ صَلَّى لِنَفْسِهِ) صَلَاةً مُنْفَرِدَةً - بِأَنْ ابْتَدَأَ الْقِرَاءَةَ وَلَمْ يَبْنِ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ - صَحَّتْ، (أَوْ بَنَى) عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ ظَنًّا مِنْهُ صِحَّةَ اسْتِخْلَافِهِ (بِالْأُولَى) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ صَلَّى لِنَفْسِهِ] إلَخْ: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَا إشْكَالَ أَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ. قَالَ (ح) : وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْخِلَافُ فِي صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ خَلْفَ شَخْصٍ يَظُنُّهُ فِي الصَّلَاةِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ مَا نَصُّهُ، وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونَ مَا نَصُّهُ: " وَلَوْ أَحْرَمَ قَوْمٌ قَبْلَ إمَامِهِمْ ثُمَّ أَحْدَثَ هُوَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ فَتَقَدَّمَ أَحَدُهُمْ وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ فَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ، وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّوْا فُرَادَى حَتَّى يُجَدِّدُوا إحْرَامًا ". (اهـ.) وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ (ح) : " لِأَنَّهُ أَحْرَمَ " إلَخْ: أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ خَلْفَهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِعُذْرِهِ لَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِتَلَاعُبِهِ (اهـ. بْن مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَبْنِ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ] : أَيْ لِكَوْنِهِ لَمْ يَقْبَلْ الِاسْتِخْلَافَ بَلْ صَلَّى نَاوِيًا الْفَذِّيَّةَ. قَوْلُهُ: [أَوْ بَنَى عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ] إلَخْ: أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِ نَاوِيًا الْإِمَامَةَ وَالْمُرَادُ بِبِنَائِهِ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ: بِنَاؤُهُ عَلَى مَا فَعَلَهُ الْإِمَامُ مِنْ الصَّلَاةِ، بِحَيْثُ لَوْ وَجَدَ الْإِمَامَ قَرَأَ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ كَمَّلَهَا وَلَمْ يَبْتَدِئْهَا، وَلَوْ وَجَدَ الْإِمَامَ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ ابْتَدَأَ بِالسُّورَةِ وَلَمْ يَقْرَأْ الْفَاتِحَةَ، أَوْ وَجَدَهُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَحَصَلَ لَهُ الْعُذْرُ وَدَخَلَ مَعَهُ فَيَرْكَعُ وَيَدَعُ الْقِرَاءَةَ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَعَ أَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْإِمَامِ وَقَدْ خَلَتْ رَكْعَةٌ مِنْ صَلَاتِهِ مِنْ الْفَاتِحَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَاتِحَةَ وَاجِبَةٌ فِي الْجُلِّ؛ فَإِنْ كَانَ فِي الرُّبَاعِيَّةِ أَوْ الثُّلَاثِيَّةِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ ثُنَائِيَّةً فَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ: لَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ لِأَنَّهُ لَا جُلَّ لَهَا، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: " أَوْ بَنَى بِالْأُولَى " عَلَى مَا عَدَا الثُّنَائِيَّةَ، وَقِيلَ بِالصِّحَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَاتِحَةَ وَاجِبَةٌ فِي رَكْعَةٍ، وَعَلَى هَذَا يَتَمَشَّى قَوْلُ الشَّارِحِ أَوْ بَنَى بِالْأُولَى مُطْلَقًا.

أَيْ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى مُطْلَقًا (أَوْ بِالثَّالِثَةِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ) فَقَطْ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْفَاتِحَةِ كَالْإِمَامِ (صَحَّتْ) صَلَاتُهُ، لِأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُنْفَرِدِ لِجُلُوسِهِ فِي مَحَلِّ الْجُلُوسِ وَقِيَامِهِ فِي مَحَلِّ الْقِيَامِ - وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ تَرْكُ السُّورَةِ فِي أُولَيَيْهِ وَجَهْرُهُ فِي أُخْرَيَيْهِ إذَا كَانَتْ عِشَاءً مَعَ زِيَادَةِ السُّورَةِ - لَكِنَّهُ إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى أَنَّ تَارِكَ السُّنَّةِ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، فَلَعَلَّهُمْ سَامَحُوهُ هُنَا لِلْعُذْرِ فِي الْجَهْلِ، أَوْ بَنَوْا هَذَا الْفَرْعَ الْمَشْهُورَ عَلَى غَيْرِ الْمَشْهُورِ، (وَإِلَّا) يَبْنِي بِالْأُولَى وَلَا الثَّالِثَةِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ بِأَنْ بَنَى بِالثَّانِيَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ مِنْ ثُلَاثِيَّةٍ (فَلَا) تَصِحُّ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْك زِيَادَةُ الْقُيُودِ الَّتِي زِدْنَاهَا وَسَوْقُ الْكَلَامِ عَلَى أَتَمِّ نِظَامٍ. (وَجَلَسَ الْمَسْبُوقُ) مِنْ الْمَأْمُومِينَ وَلَا يَقُومُ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ (لِسَلَامِهِ) : أَيْ إلَى سَلَامِ الْخَلِيفَةِ الْمَسْبُوقِ أَيْضًا، فَإِذَا سَلَّمَ قَامَ لِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ وَفِي تَقْدِيمِنَا الْفَاعِلَ وَتَأْخِيرِ " لِسَلَامِهِ " إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخَلِيفَةَ مَسْبُوقٌ أَيْضًا بِمُلَاحَظَةِ الِاسْتِخْدَامِ؛ فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مُطْلَقًا] : أَيْ كَانَتْ الصَّلَاةُ ثُنَائِيَّةً أَوْ ثُلَاثِيَّةً أَوْ رُبَاعِيَّةً. قَوْلُهُ: [وَاقْتَصَرَ عَلَى الْفَاتِحَةِ] : أَيْ أَوْ عَلَى بَعْضِهَا أَوْ تَرَكَهَا لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ لَهَا كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [تَرْكُ السُّورَةِ] إلَخْ: بَلْ وَلَوْ تَرَكَ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ أَوْ كُلَّهَا كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [مَعَ زِيَادَةِ السُّورَةِ] : أَيْ عِنْدَ قِيَامِهِ لِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [فَلَعَلَّهُمْ سَامَحُوهُ] إلَخْ: أَيْ كَمَا سَامَحُوهُ فِي تَرْكِ الْفَاتِحَةِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا بِنَاءً عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْجُلِّ أَوْ الْأَقَلِّ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [عَلَى غَيْرِ الْمَشْهُورِ] : فِيهِ نَظَرٌ بَلْ بَنَوْهُ فِي تَرْكِ السُّورَةِ عَلَى مَشْهُورٍ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ تَارِكَ السُّنَّةِ الْمُتَّفَقِ عَلَى سُنِّيَّتِهَا عَمْدًا أَوْ جَهْلًا يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَلَا يَظْهَرُ بِنَاؤُهُ عَلَى غَيْرِ الْمَشْهُورِ إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِتَرْكِ الْفَاتِحَةِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [فَلَا تَصِحُّ] : أَيْ لِاخْتِلَافِ نِظَامِهَا لِجُلُوسِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْجُلُوسِ وَقِيَامِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْقِيَامِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَخْفَى عَلَيْك] : أَيْ فَفِي كَلَامِ خَلِيلٍ إجْمَالٌ وَتَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَحَذْفٌ، وَمُصَنَّفُنَا سَالِمٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ.

عَلَى الْمَسْبُوقِ بِمَعْنًى آخَرَ بِخِلَافِ صَنِيعِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْخَلِيفَةَ إذَا كَانَ مَسْبُوقًا - كَأَنْ أَدْرَكَ الرَّابِعَةَ مَعَ الْإِمَامِ فَاسْتَخْلَفَهُ لِعُذْرٍ - وَكَانَ فِي الْمَأْمُومِينَ مَسْبُوقٌ أَيْضًا، فَإِذَا أَتَمَّ الْخَلِيفَةُ صَلَاةَ الْإِمَامِ - بِأَنْ كَمَّلَ لَهُمْ الرَّابِعَةَ وَجَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ وَتَشَهَّدَ - أَشَارَ لَهُمْ جَمِيعًا بِأَنْ يَجْلِسُوا، وَقَامَ لِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ قَاضِيًا لِلْقَوْلِ بَانِيًا لِلْفِعْلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَيَجْلِسُ لِأَنَّهَا ثَانِيَتُهُ، ثُمَّ بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَلَا يَجْلِسُ لِأَنَّهَا ثَالِثَةٌ، ثُمَّ بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ فَإِذَا تَشَهَّدَ وَسَلَّمَ سَلَّمَ مَعَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَسْبُوقًا بِرَكْعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ وَقَامَ لِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ بَطَلَتْ وَلَوْ لَمْ يُسَلِّمْ إلَّا بِسَلَامِهِ. وَشَبَهٌ فِي الْجُلُوسِ لِسَلَامِ الْخَلِيفَةِ قَوْلُهُ: (كَأَنْ اسْتَخْلَفَ) إمَامٌ (مُسَافِرٌ) خَلْفَهُ مُسَافِرُونَ وَمُقِيمُونَ رَجُلًا (مُقِيمًا) مِمَّنْ خَلْفَهُ فَإِذَا أَتَمَّ بِهِمْ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ أَشَارَ لَهُمْ بِالْجُلُوسِ حَتَّى يَأْتِيَ بِبَقِيَّةِ صَلَاتِهِ، فَإِذَا سَلَّمَ سَلَّمَ مَعَهُ الْمُسَافِرُ وَقَامَ الْمُقِيمُ لِبَقِيَّةِ صَلَاتِهِ، هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ مِنْ أَنَّ الْمُسَافِرَ يُسَلِّمُ إذَا قَامَ الْخَلِيفَةُ لِبَقَاءِ مَا عَلَيْهِ، وَيَقُومُ الْمُقِيمُ لِلْقَضَاءِ ضَعِيفٌ. (أَوْ سَبَقَ هُوَ) : أَيْ الْخَلِيفَةُ وَحْدَهُ فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَهُ لِيُسَلِّمُوا بِسَلَامِهِ وَإِلَّا بَطَلَتْ عَلَيْهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِمَعْنًى آخَرَ] : أَيْ وَهُوَ الْخَلِيفَةُ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ وَقَامَ] إلَخْ: هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ: " جَلَسَ " وَمُقَابِلُهُ مَا لِلَّخْمِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُخَيَّرُ الْمَسْبُوقُ بَيْنَ أَنْ يَقُومَ لِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ وَحْدَهُ إذَا قَامَ الْخَلِيفَةُ لِلْقَضَاءِ قِيَاسًا عَلَى الطَّائِفَةِ الْأُولَى فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، أَوْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ يُصَلِّي بِهِ إمَامًا وَيُسَلِّمَ مَعَهُ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا قَاضٍ وَالسَّلَامَانِ وَاحِدٌ، أَوْ يَنْتَظِرَ فَرَاغَ إمَامِهِ مِنْ قَضَائِهِ ثُمَّ يَقْضِي مُنْفَرِدًا. (اهـ. مِنْ الْحَاشِيَةِ) . قَوْلُهُ: [ضَعِيفٌ] : أَيْ لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ. وَمَا مَشَى عَلَيْهِ مُصَنِّفُنَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ وَالْمِصْرِيِّينَ قَاطِبَةً. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَإِلَّا بَطَلَتْ عَلَيْهِمْ] : أَيْ لِأَنَّ السَّلَامَ مِنْ بَقِيَّةِ صَلَاةِ الْأَوَّلِ. وَقَدْ حَلَّ هَذَا الْخَلِيفَةُ مَحَلَّهُ فِيهِ، فَلَا يَخْرُجُ الْقَوْمُ مِنْ إمَامَتِهِ لِغَيْرِ مَعْنًى يَقْتَضِيهِ، وَانْتِظَارُ الْقَوْمِ لِفَرَاغِهِ مِنْ الْقَضَاءِ أَخَفُّ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ إمَامَتِهِ. وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ الْخَلِيفَةَ يَسْتَخْلِفُ لَهُمْ مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ لِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQخَاتِمَةٌ: إنْ جَهِلَ الْخَلِيفَةُ الْمَسْبُوقُ مَا صَلَّى الْأَوَّلُ أَشَارَ لَهُمْ فَأَفْهَمُوهُ بِالْإِشَارَةِ، أَوْ الْكَلَامِ إنْ لَمْ يَفْهَمْ بِالْإِشَارَةِ. وَإِنْ قَالَ لِلْخَلِيفَةِ: أَسْقَطْت رُكُوعًا مَثَلًا، عَمِلَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ خِلَافَهُ.

[فصل في قصر الصلاة وجمعها]

فَصْلٌ: فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ وَجَمْعِهَا وَالْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا (سُنَّ) سُنَّةً مُؤَكَّدَةً (لِمُسَافِرٍ سَفَرًا جَائِزًا) أَيْ مَأْذُونًا فِيهِ فَيَشْمَلُ، الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُبَاحُ (أَرْبَعَةَ بُرُدٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمُسَافِرٍ، بُرُدٍ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَالرَّاءِ: جَمْعُ بَرِيدٍ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَالْبَرِيدُ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ وَثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ، فَمَسَافَةُ الْقَصْرِ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا وَثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا، وَالْمِيلُ ثَلَاثَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَخَمْسُمِائَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ أَلْفَا ذِرَاعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ وَجَمْعِهَا] [حُكْم الْقَصْر] فَصْلٌ قَوْلُهُ: [سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ] : هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ قَالَ عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ: كَوْنُهُ سُنَّةً هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ (اهـ) . وَقِيلَ إنَّ الْقَصْرَ فَرْضٌ وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ وَقِيلَ مُبَاحٌ. وَعَلَى السُّنِّيَّةِ فَفِي آكَدِيَّتِهَا عَلَى سُنِّيَّةِ الْجَمَاعَةِ وَعَكْسِهِ قَوْلَا ابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ. وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا تَعَارَضَا كَمَا إذَا لَمْ يَجِدْ الْمُسَافِرُ أَحَدًا يَأْتَمُّ بِهِ إلَّا مُقِيمًا؛ فَلَا يَأْتَمُّ بِهِ عَلَى الْأَوَّلِ وَيَأْتَمُّ بِهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ عَلَى الثَّانِي. قَوْلُهُ: [لِمُسَافِرٍ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ سَفَرُهُ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ بِأَنْ كَانَ بِطَيَرَانٍ أَوْ خُطْوَةٍ. قَوْلُهُ: [جَائِزًا] : خَرَّجَ غَيْرَ الْجَائِزِ كَالْمُسَافِرِ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالْعَاقِّ وَالْآبِقِ؛

وَهِيَ بِاعْتِبَارِ الزَّمَنِ مَرْحَلَتَانِ أَيْ سَيْرُ يَوْمَيْنِ مُعْتَدِلَيْنِ أَوْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِسَيْرِ الْإِبِلِ الْمُثْقَلَةِ بِالْأَحْمَالِ عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ سَيْرٍ وَحَطٍّ وَتَرْحَالٍ وَأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَصَلَاةٍ. مُعْتَبَرَةً (ذَهَابًا) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (وَلَوْ بِبَحْرٍ) كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا، تَقَدَّمَتْ مَسَافَةُ الْبَحْرِ أَوْ تَأَخَّرَتْ (أَوْ) كَانَ الْمُسَافِرُ (نُوتِيًّا بِأَهْلِهِ) وَلَا تَمْنَعُهُ صُحْبَةُ أَهْلِهِ عَنْ الْقَصْرِ. (قَصْرُ) صَلَاةٍ (رُبَاعِيَّةٍ) نَائِبُ فَاعِلِ سُنَّ لَا ثُنَائِيَّةٍ وَثُلَاثِيَّةٍ (سَافَرَ بِوَقْتِهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ. وَإِنْ قَصَرَ فَقَوْلَانِ: بِالْحُرْمَةِ، وَالْكَرَاهَةِ، وَالرَّاجِحُ الْحُرْمَةُ مَعَ الصِّحَّةِ. وَخَرَّجَ الْمَكْرُوهَ أَيْضًا؛ كَالسَّفَرِ لِلَهْوٍ فَيُكْرَهُ الْقَصْرُ، وَالصَّلَاةُ صَرِيحَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَا إعَادَةَ فِي وَقْتٍ وَلَا غَيْرِهِ وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [أَيْ سَيْرُ يَوْمَيْنِ مُعْتَدِلَيْنِ] إلَخْ: فَالْمُرَادُ أَنَّهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ سَاعَةً، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ عِبَارَةِ يَوْمَيْنِ مُعْتَدِلَيْنِ وَيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَا مَعْنَى لِمَا فِي الْحَاشِيَةِ عَنْ كَبِيرٍ الْخَرَشِيِّ: هَلْ مَبْدَأُ الْيَوْمِ الشَّمْسُ أَوْ الْفَجْرُ؟ فَإِنَّ مَعْنَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَاجِبَةٍ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ سَاعَةً فَمَا خَرَجَ عَنْ الْيَوْمِ دَخَلَ فِي اللَّيْلِ. (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِبَحْرٍ] : أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي التَّحْدِيدِ بِالْمَسَافَةِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: الْعِبْرَةُ فِي الْبَحْرِ بِالزَّمَانِ مُطْلَقًا، وَلِمَنْ قَالَ: الْعِبْرَةُ فِيهِ بِالزَّمَانِ إنْ سَافَرَ فِيهِ لَا بِجَانِبِ الْبَرِّ وَإِنْ سَافَرَ فِيهِ بِجَانِبِهِ فَالْعِبْرَةُ بِالْأَرْبَعَةِ بُرُدٍ. وَأَمَّا أَصْلُ الْقَصْرِ فِي الْبَحْرِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ. قَوْلُهُ: [كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا] إلَخْ: هَذَا التَّعْمِيمُ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَاعْتَمَدَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَقَالَ فِي تَقْرِيرِهِ: وَهُوَ الَّذِي أَدِينُ لِلَّهِ بِهِ وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ - وَحَلَّ بِهِ فِي الْأَصْلِ - فَقَالَ: وَلَوْ كَانَ سَفَرُهَا بِبَحْرٍ أَيْ جَمِيعُهَا أَوْ بَعْضُهَا سَوَاءً تَقَدَّمَتْ مَسَافَةُ الْبَحْرِ أَوْ تَأَخَّرَتْ حَيْثُ كَانَ السَّيْرُ فِيهِ بِالْمَجَاذِيفِ أَوْ بِهَا وَبِالرِّيحِ، كَأَنْ كَانَ بِالرِّيحِ فَقَطْ وَتَأَخَّرَتْ مَسَافَةُ الْبَرِّ وَتَقَدَّمَتْ، وَكَانَتْ قَدْرَ الْمَسَافَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِلَّا فَلَا يَقْصُرُ حَتَّى يَنْزِلَ الْبَحْرَ وَيَسِيرَ بِالرِّيحِ. (اهـ. وَفِي الْمَجْمُوعِ مَا يُوَافِقُ هَذَا) . قَوْلُهُ [نُوتِيًّا بِأَهْلِهِ] : أَيْ خِلَافًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ. فَأَوْلَى فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ غَيْرُ النُّوتِيِّ إذَا سَافَرَ بِأَهْلِهِ وَالنُّوتِيُّ إذَا سَافَرَ بِغَيْرِ أَهْلِهِ، فَالْمُصَنِّفُ نَصَّ عَلَى الْمُتَوَهَّمِ. قَوْلُهُ: [سَافَرَ بِوَقْتِهَا] : أَيْ وَقْتِهَا الْحَاضِرِ.

وَلَوْ الضَّرُورِيَّ، لَا إنْ خَرَجَ وَقْتُهَا الضَّرُورِيُّ فَلَا تُقْصَرُ وَلَوْ قَضَاهَا فِي سَفَرِهِ. (أَوْ فَاتَتْهُ) عَطْفٌ عَلَى سَافَرَ أَيْ أَوْ رُبَاعِيَّةٌ فَاتَتْهُ (فِيهِ) أَيْ فِي سَفَرِهِ فَتُقْصَرُ، وَلَوْ صَلَّاهَا بِحَضَرٍ أَوْ عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ أَدَّاهَا فِي سَفَرِهِ أَوْ فَاتَتْهُ فِيهِ. وَمَحَلُّ الْقَصْرِ (إنْ عَدَا) : أَيْ جَاوَزَ الْمُسَافِرُ (الْبَلَدِيُّ) أَيْ مَنْ سَكَنُهُ بِبَلَدٍ (الْبَسَاتِينَ) لِهَذَا الْبَلَدِ (الْمَسْكُونِ) بِالْأَهْلِ، وَلَوْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ كَأَيَّامِ الثِّمَارِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَسْكُونِ وَلَوْ كَانَ بِهِ الْحُرَّاسُ فَلَا يُشْتَرَطُ تَعْدِيَتُهُ كَالْمَزَارِعِ، بَلْ يَقْتَصِرُ بِمُجَرَّدِ تَعَدِّي الْبُيُوتِ كَالْخَالِيَةِ عَنْ الْبَسَاتِينِ (وَلَوْ بِقَرْيَةِ جُمُعَةٍ) وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ فِيهَا لَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَةِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ ضَعِيفٌ، (وَ) إنْ عَدَا (الْعَمُودِيُّ حِلَّتَهُ) أَيْ بُيُوتَ حِلَّتِهِ، وَلَوْ تَفَرَّقَتْ حَيْثُ جَمَعَهَا اسْمُ الْحَيِّ وَالدَّارِ، أَوْ الدَّارُ فَقَطْ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الْبَلَدِيُّ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ تَعْدِيَةِ الْبَلَدِيِّ الْبَسَاتِينَ الْمَذْكُورَةَ إذَا سَافَرَ مِنْ نَاحِيَتِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِ نَاحِيَتِهَا وَكَانَ مُحَاذِيًا لَهَا، وَإِلَّا فَيَقْصُرُ بِمُجَرَّدِ مُجَاوَزَةِ الْبُيُوتِ كَذَا فِي (عب) . وَفِي (بْن) أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا إلَّا إذَا سَافَرَ مِنْ نَاحِيَتِهَا، فَإِنْ سَافَرَ مِنْ غَيْرِ نَاحِيَتِهَا فَلَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا وَلَوْ كَانَ مُحَاذِيًا لَهَا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِقَرْيَةِ جُمُعَةٍ] إلَخْ: الْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ مُجَاوَزَةُ الْبَسَاتِينِ الْمَسْكُونَةِ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ قَرْيَةِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا، وَرَوَى مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ: إنْ كَانَتْ قَرْيَةَ جُمُعَةٍ فَلَا يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ مِنْهَا حَتَّى يُجَاوِزَ بُيُوتَهَا بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ السُّورِ إنْ كَانَ لِلْبَلَدِ سُورٌ، وَإِلَّا فَمِنْ آخِرِ بُنْيَانِهَا إنْ لَمْ تَكُنْ قَرْيَةَ جُمُعَةٍ فَيَكْفِي مُجَاوَزَةُ الْبَسَاتِينِ فَقَطْ. وَقَدْ عَلِمْت ضَعْفَ هَذَا التَّفْصِيلِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ عَدَا الْعَمُودِيُّ] إلَخْ: هُوَ سَاكِنُ الْبَادِيَةِ، وَالْحِلَّةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ: أَيْ مَحَلَّتُهُ، وَهِيَ مَنْزِلَةُ قَوْمِهِ. فَالْحِلَّةُ وَالْمَنْزِلُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: [حَيْثُ جَمَعَهُمَا اسْمُ الْحَيِّ وَالدَّارِ] إلَخْ: الْمُرَادُ بِالْحَيِّ: الْقَبِيلَةُ. وَالْمُرَادُ بِالدَّارِ: الْمَنْزِلُ الَّذِي يَنْزِلُونَ فِيهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا جَمَعَهُمْ اسْمُ الْحَيِّ وَالدَّارِ، أَوْ الدَّارُ فَقَطْ فَإِنَّهُ لَا يَقْصُرُ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ إلَّا إذَا جَاوَزَ جَمِيعَ الْبُيُوتِ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْفَضَاءِ وَالرِّحَابِ الْمُجَاوِرِ لِلْأَبْنِيَةِ. فَكَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَةِ الْفَضَاءِ، لَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَةِ جَمِيعِ الْبُيُوتِ. وَأَمَّا لَوْ جَمَعَهُمْ اسْمُ الْحَيِّ فَقَطْ دُونَ الدَّارِ - بِأَنْ كَانَتْ كُلُّ فِرْقَةٍ فِي دَارٍ - فَإِنَّهَا تُعْتَبَرُ كُلُّ دَارٍ عَلَى

بِأَنْ يَتَوَقَّفَ رَحِيلُهُمْ وَنُزُولُهُمْ عَلَى بَعْضِهِمْ - وَلَوْ كَانُوا مِنْ قَبِيلَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَا إنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ وَلَوْ كَانُوا مِنْ قَبِيلَةٍ وَاحِدَةٍ. (وَ) إنْ (انْفَصَلَ غَيْرُهُمَا) : أَيْ غَيْرُ الْبَلَدِيِّ وَالْعَمُودِيِّ عَنْ مَكَانِهِ، كَسَاكِنٍ بِجَبَلٍ أَوْ بِقَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لَا بَسَاتِينَ لَهَا. وَيَنْتَهِي الْقَصْرُ (إلَى) مِثْلِ (مَحَلِّ الْبَدْءِ) فِي ذَهَابِهِ أَوْ إلَيْهِ نَفْسِهِ فِي عَوْدِهِ، فَيُتِمُّ بِوُصُولِهِ إلَى الْبَسَاتِينِ الْمَسْكُونَةِ، أَوْ إلَى الْبُيُوتِ فِيمَا لَا بَسَاتِينَ لَهَا (لَا) إنْ سَافَرَ (أَقَلَّ) مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَلَا يَقْصُرُ. (وَبَطَلَتْ) إنْ قَصَرَ (فِي) مَسَافَةِ (ثَلَاثَةِ بُرُدٍ) أَوْ أَقَلَّ (لَا أَكْثَرَ) مِنْهَا فَلَا تَبْطُلُ بِقَصْرِهَا، وَذَلِكَ مِنْ سَبْعَةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا إلَى سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ، (وَإِنْ مُنِعَ) الْقَصْرُ فِي ذَلِكَ؛ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْمَنْعِ الْبُطْلَانُ (كَالْعَاصِي بِسَفَرِهِ) فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْقَصْرُ، وَلَكِنَّهُ إنْ قَصَرَ لَمْ تَبْطُلْ وَأَمَّا الْعَاصِي فِي سَفَرِهِ فَإِنَّهُ يُسَنُّ لَهُ الْقَصْرُ قَطْعًا. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَاصِيَ بِهِ نَفْسُ سَفَرِهِ مَعْصِيَةٌ، كَآبِقٍ وَمُسَافِرٍ لِقَطْعِ طَرِيقٍ أَوْ لِسَرِقَةٍ أَوْ غَصْبٍ، وَالْعَاصِي فِيهِ سَفَرُهُ جَائِزٌ فِي نَفْسِهِ، لَكِنْ قَدْ يَقَعُ مِنْهُ فِيهِ مَعْصِيَةٌ كَشُرْبٍ أَوْ زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ غَصْبٍ. (وَكُرِهَ) الْقَصْرُ (لِلَاهٍ بِهِ) : أَيْ بِالسَّفَرِ وَتَصِحُّ بِالْأَوْلَى مِمَّا قَبْلَهُ وَقِيلَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQحِدَةٍ حَيْثُ كَانَ لَا يَرْتَفِقُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ. وَإِلَّا، فَهُمْ كَأَهْلِ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ. وَكَذَا إذَا لَمْ يَجْمَعْهُمْ اسْمُ الْحَيِّ وَالدَّارِ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ إذَا جَاوَزَ بُيُوتَ حِلَّتِهِ هُوَ. قَوْلُهُ: [كَسَاكِنٍ بِجَبَلٍ] إلَخْ: أَيْ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ إذَا جَاوَزَ مَحَلَّهُ، وَسَاكِنُ الْقَرْيَةِ الَّتِي لَا بَسَاتِينَ بِهَا مَسْكُونَةٌ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ إذَا جَاوَزَ بُيُوتَ الْقَرْيَةِ وَالْأَبْنِيَةَ الْخَرَابَ الَّتِي فِي طَرَفِهَا. وَكَذَلِكَ سَاكِنُ الْبَسَاتِينِ يَقْصُرُ بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِهِ عَنْ مَسْكَنِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الْبَسَاتِينُ مُتَّصِلَةً بِالْبَلَدِ أَوْ مُنْفَصِلَةً عَنْهُ. كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَقْصُرُ] : أَيْ يَحْرُمُ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا يُعْطِيهِ لَفْظُهُ وَهُوَ نَفْيُ السُّنِّيَّةِ. قَوْلُهُ: [بَطَلَتْ إنْ قَصَرَ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ الْقَصْرَ فِيمَا دُونَ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مَمْنُوعٌ اتِّفَاقًا، وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا بَعْدَ الْوُقُوعِ قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: مَنْ يَقْصُرْ الصَّلَاةَ فِي أَمْيَالِ ... بُعْدٍ لَهُ تَبْطُلُ بِلَا إشْكَالِ وَقَصْرُهَا بَعْدَ مِيمٍ لَا ضَرَرْ ... وَفِيمَا بَيْنَ ذَا وَذَا الْخُلْفُ اشْتَهَرْ فَقِيلَ لَا يُعِيدُهَا أَصْلًا وَقِيلَ ... يُعِيدُهَا فِي الْوَقْتِ فَافْهَمْ يَا نَبِيلُ

[أحوال القصر]

لَا يَجُوزُ أَيْضًا. (وَلَا يَقْصُرُ رَاجِعٌ) مِنْ سَفَرٍ لِمَحَلِّ إقَامَتِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ إذَا رَجَعَ (لِدُونِهَا) أَيْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، لِأَنَّ الرُّجُوعَ يُعْتَبَرُ سَفَرًا مُسْتَقِلًّا. هَذَا إنْ رَجَعَ تَارِكًا لِلسَّفَرِ، بَلْ (وَلَوْ) رَجَعَ (لِشَيْءٍ نَسِيَهُ، إلَّا أَنْ يَخْرُجَ رَافِضًا سُكْنَاهَا) بِأَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ عَدَمَ الْعَوْدِ إلَيْهَا بِاسْتِيطَانِ غَيْرِهَا (وَلَمْ يَنْوِ بِرُجُوعِهِ الْإِقَامَةَ) الْقَاطِعَةَ لِحُكْمِ السَّفَرِ، بَلْ شَيْءٌ طَرَأَ لَهُ وَيَرْجِعُ لِسَفَرِهِ فَيَقْصُرُ فِي رُجُوعِهِ. لِأَنَّ رُجُوعَهُ حِينَئِذٍ لَا يَقْطَعُ حُكْمَ سَفَرِهِ، فَقَوْلُهُ إلَّا إنْ إلَخْ قَيْدٌ لِمَا بَعْدَ الْمُبَالَغَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ رَجَعَ لِدُونِ الْمَسَافَةِ لَا يَقْصُرُ وَلَوْ رَجَعَ لِحَاجَةٍ مَا لَمْ يَكُنْ خُرُوجُهُ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ بِنِيَّةِ رَفْضِ سُكْنَاهُ، وَرُجُوعُهُ لَهُ إنَّمَا هُوَ لِمُجَرَّدِ قَضَاءِ حَاجَةٍ مِنْهُ بِلَا نِيَّةِ إقَامَةٍ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَإِلَّا فَيَقْصُرُ. (وَلَا) يَقْصُرُ (عَادِلٌ عَنْ) طَرِيقٍ (قَصِيرٍ) دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ إلَى السَّفَرِ فِي طَرِيقٍ طَوِيلٍ فِيهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ (بِلَا عُذْرٍ) يَقْتَضِي الْعُدُولَ إلَيْهِ، فَإِنْ قَصَرَ فَصَحِيحَةٌ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ لَاهٍ بِسَفَرٍ، وَالْمُرَادُ بِالْعُذْرِ مُطْلَقُ سَبَبٍ، فَإِنْ عَدِمَ وَلَوْ لِأَمْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأُجْهُورِيِّ صِحَّتُهَا فِي السَّادِسِ وَالثَّلَاثِينَ، وَكَلَامُ شَارِحِنَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ وَهُوَ الَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ فِي تَقْرِيرِهِ. [أحوال الْقَصْر] قَوْلُهُ: [لِدُونِهَا] : مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ بَعْدَهَا قَصَرَ فِي رُجُوعِهِ، كَمَا يُرْشِدُ التَّعْلِيلُ. قَوْلُهُ: [لِشَيْءٍ نَسِيَهُ] : قَالَ (ر) إذَا رَجَعَ لِلْبَلَدِ الَّذِي سَافَرَ مِنْهُ. وَأَمَّا لَوْ رَجَعَ لِغَيْرِهِ لِشَيْءٍ نَسِيَهُ لَقَصَرَ فِي رُجُوعِهِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. (اهـ. بْن مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . وَرَدَّ بِالْمُبَالَغَةِ عَلَى ابْنِ الْمَاجِشُونِ الْقَائِلِ: إذَا رَجَعَ لِشَيْءٍ نَسِيَهُ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرْفُضْ سَفَرَهُ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ بَعْدَ رُجُوعِهِ وَطَنَهُ الَّذِي نَوَى الْإِقَامَةَ فِيهِ عَلَى التَّأْبِيدِ، فَإِنْ دَخَلَهُ فَلَا خِلَافَ فِي إتْمَامِهِ. قَوْلُهُ: [عَنْ طَرِيقٍ قَصِيرٍ] : مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ (ح) مِنْ تَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ قَصْرِ اللَّاهِي أَنَّهُ إذَا قَصَرَ لَا يُعِيدُ وَهُوَ الظَّاهِرُ، لِأَنَّ الْعُدُولَ عَنْ الْقَصِيرِ لِلطَّوِيلِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ. وَفِي التَّوْضِيحِ: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اللَّاهِيَ بِصَيْدِهِ وَشُبْهَةٍ لَا يَقْصُرُ فَلَا شَكَّ فِي قَصْرِ هَذَا. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .

مُبَاحٍ قَصَرَ قَطْعًا. (وَلَا) يَقْصُرُ (كَهَائِمٍ) الْكَافُ بِمَعْنَى مِثْلِ وَالْهَائِمُ: السَّائِحُ فِي الْأَرْضِ، وَلَا يَقْصِدُ إقَامَةً بِمَحَلٍّ مَخْصُوصٍ وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ الرَّاعِيَ يَطْلُبُ الرَّعْيَ بِمَوَاشِيهِ حَيْثُ وَجَدَ الْكَلَأَ، وَطَالِبَ ضَالَّةٍ أَوْ آبِقَ مَتَى وَجَدَهَا رَجَعَ (إلَّا أَنْ يَعْلَمَ) الْهَائِمُ وَنَحْوُهُ (قَطْعَ الْمَسَافَةِ) الشَّرْعِيَّةِ (قَبْلَ مَرَامِهِ) : أَيْ مَقْصِدِهِ وَقَدْ عَزَمَ عَلَى قَطْعِهَا حِينَ خُرُوجِهِ فَيَقْصُرُ. (وَلَا) يَقْصُرُ (مُنْفَصِلٌ) عَنْ الْبَلَدِ أَوْ الْبَسَاتِينِ الْمَسْكُونَةِ (يَنْتَظِرُ رُفْقَةً) يُسَافِرُ مَعَهُمْ (إلَّا أَنْ يَجْزِمَ بِالسَّيْرِ دُونَهَا) أَيْ الرُّفْقَةِ؛ أَيْ أَنَّهُ يَسِيرُ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ لَمْ تَجِئْ (أَوْ) أَنَّهُ لَا يُسَافِرُ إلَّا مَعَهَا وَجَزَمَ (بِمَجِيئِهَا) وَالسَّفَرِ مَعَهَا (قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) فَإِنْ جَزَمَ بِمَا ذُكِرَ قَصَرَ فِي مَحَلِّ الِانْتِظَارِ. (وَلَا) يَقْصُرُ مُسَافِرٌ (نَاوٍ إقَامَةً بِمَكَانٍ) فِي طَرِيقِهِ عَلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ (تَقْطَعُهُ) صِفَةٌ لِإِقَامَةٍ: أَيْ إقَامَةً قَاطِعَةً لِلْقَصْرِ - بِأَنْ كَانَتْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ - كَأَنْ يُسَافِرَ عَلَى مَحَلٍّ مَسَافَةَ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَأَكْثَرَ ثُمَّ نَوَى حِينَ خُرُوجِهِ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَانٍ عَلَى بَرِيدَيْنِ مَثَلًا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا يَقْصُرُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ الْمَكَانِ، (أَوْ) نَاوٍ (دُخُولَ وَطَنِهِ) الْكَائِنِ فِي أَثْنَاءِ الْمَسَافَةِ، (أَوْ) نَاوٍ دُخُولَ (مَحَلِّ زَوْجَةٍ دَخَلَ بِهَا) فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْكَائِنِ فِي أَثْنَاءِ الْمَسَافَةِ - لَا إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَيَقْصُرُ - وَلَوْ كَانَ بِهِ أَقَارِبُهُ كَوَلَدٍ أَوْ وَالِدٍ حَتَّى يَنْوِيَ إقَامَةً أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، (وَهُوَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَكَانِ أَوْ الْوَطَنِ أَوْ مَحَلِّ الزَّوْجَةِ. وَالْوَاوُ لِلْحَالِ: أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ مَا ذُكِرَ (دُونَ الْمَسَافَةِ) الشَّرْعِيَّةِ. مِثَالُهُ: مُقِيمٌ بِمَكَّةَ أَرَادَ السَّفَرَ إلَى الْمَدِينَةِ وَنَوَى حِينَ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ أَنْ يُقِيمَ بِالْجِعْرَانَةِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، أَوْ كَانَتْ الْجِعْرَانَةُ وَطَنَهُ - أَيْ مَحَلَّ زَوْجَتِهِ الْمَدْخُولِ بِهَا - وَنَوَى أَنْ يَدْخُلَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [قَصَرَ قَطْعًا] : أَيْ مِنْ غَيْرِ نَهْيٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَقْصُرُ مُنْفَصِلٌ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ مِنْ الْبَلَدِ عَازِمًا عَلَى السَّفَرِ ثُمَّ أَقَامَ قَبْلَ مَسَافَتِهِ يَنْتَظِرُ رُفْقَةً لَاحِقَةً لَهُ، فَإِنْ جَزَمَ أَنَّهُ لَا يُسَافِرُ دُونَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ وَقْتَ مَجِيئِهَا فَإِنَّهُ لَا يَقْصُرُ بَلْ يُتِمُّ مُدَّةَ انْتِظَارِهِ. فَإِنْ نَوَى انْتِظَارَهَا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَإِنْ لَمْ تَأْتِ سَافَرَ دُونَهَا أَوْ جَزَمَ بِمَجِيئِهَا قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ قَصَرَ مُدَّةَ انْتِظَارِهِ لَهَا.

[طروء ما يقطع القصر]

وَلَوْ لَمْ يَقُمْ بِهَا مَا ذُكِرَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَقْصُرُ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْجِعْرَانَةِ لِأَنَّهَا دُونَ الْمَسَافَةِ. ثُمَّ إذَا خَرَجَ إلَى الْمَدِينَةِ قَصَرَ، فَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ دُونَ الْمَدِينَةِ اعْتَبَرَ الْبَاقِيَ، فَإِنْ كَانَ مَسَافَةَ قَصْرٍ، قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا. ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَنْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِالْقَصْرِ وَطَرَأَ عَلَيْهِ مَا يَقْطَعُهُ بِقَوْلِهِ: (وَقَطَعَهُ) أَيْ الْقَصْرَ الَّذِي كَانَ مُتَلَبِّسًا بِهِ (دُخُولُهُ) أَيْ دُخُولُ وَطَنِهِ الْمَارِّ عَلَيْهِ، أَوْ دُخُولُ مَحَلِّ زَوْجَتِهِ الْمَدْخُولِ بِهَا، حَالَ كَوْنِهِ (بَعْدَهَا) : أَيْ الْمَسَافَةِ؛ أَيْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ. فَإِنْ طَرَأَتْ لَهُ نِيَّةُ دُخُولِهِ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ اسْتَمَرَّ عَلَى الْقَصْرِ حَتَّى يَدْخُلَ بِالْفِعْلِ، وَلَوْ كَانَ الْبَاقِي دُونَ الْمَسَافَةِ. وَكَذَا إذَا كَانَ دُونَهَا حَيْثُ خَرَجَ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي ابْتَدَأَ السَّفَرَ مِنْهُ غَيْرَ قَاصِدٍ دُخُولَ مَا ذُكِرَ فَطَرَأَ لَهُ الدُّخُولُ، فَإِنَّهُ يُتِمُّ مِنْ وَقْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ دُونَ الْمَدِينَةِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْأَقْسَامَ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَسْتَقِلَّ مَا قَبْلَ وَطَنِهِ وَمَا بَعْدَهُ بِالْمَسَافَةِ وَفِي هَذِهِ يَقْصُرُ قَبْلَ دُخُولِهِ لِوَطَنِهِ وَبَعْدَهُ. الثَّانِي: عَكْسُهُ وَالْمَجْمُوعُ فِيهِ الْمَسَافَةُ، وَفِي هَذَا إنْ نَوَى الدُّخُولَ أَتَمَّ قَبْلَ دُخُولِهِ وَطَنَهُ وَبَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ دُخُولَهُ قَصَرَ، وَإِنْ نَوَى دُخُولَهُ بَعْدَ سَيْرِهِ شَيْئًا فَفِي قَصْرِهِ قَوْلَا سَحْنُونَ وَغَيْرِهِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ قَبْلَ وَطَنِهِ أَقَلُّ مِنْ الْمَسَافَةِ وَبَعْدَ مَسَافَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ، فَإِنْ نَوَى الدُّخُولَ فَلَا يَقْصُرُ قَبْلَهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الدُّخُولَ قَصَرَ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَيَقْصُرُ مُطْلَقًا وَلَوْ نَوَى دُخُولَهُ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ، فَحَكَى فِي التَّوْضِيحِ فِي هَذِهِ قَوْلَيْنِ الْقَصْرُ لِسَحْنُونٍ وَالْإِتْمَامُ لِغَيْرِهِ. الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ قَبْلَ وَطَنِهِ مَسَافَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَبَعْدَهُ أَقَلُّ مِنْهَا فَيَقْصُرُ قَبْلَ وَطَنِهِ مُطْلَقًا نَوَى الدُّخُولَ أَمْ لَا، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَقْصُرُ مُطْلَقًا. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . وَمَا قِيلَ فِي الْوَطَنِ يُقَالُ فِي مَكَانِ الزَّوْجَةِ وَفِي مَكَان نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ فِيهِ، فَتَأَمَّلْ. [طُرُوء مَا يَقْطَع الْقَصْر] قَوْلُهُ: [دُخُولُهُ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْمُرُورِ بِالْوَطَنِ أَوْ مَكَانِ الزَّوْجَةِ فَلَا يَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ وَلَوْ حَاذَاهُ. وَلِذَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّمَا يُمْنَعُ الْمُرُورُ بِشَرْطِ دُخُولِهِ أَوْ نِيَّةِ دُخُولِهِ لَا إنْ اجْتَازَ، وَالْمُرَادُ بِمَكَانِ الزَّوْجَةِ: الْبَلَدُ الَّذِي هِيَ بِهِ لَا خُصُوصُ الْمَنْزِلِ الَّذِي هِيَ بِهِ، وَلَا يَكُونُ مَحَلُّ الزَّوْجَةِ قَاطِعًا إلَّا إذَا كَانَتْ غَيْرَ نَاشِزَةٍ، فَفِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ الزَّوْجَةَ النَّاشِزَةَ لَا عِبْرَةَ بِهَا مِثْلَ الزَّوْجَةِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالسُّرِّيَّةِ. قَوْلُهُ: [اسْتَمَرَّ عَلَى الْقَصْرِ] : أَيْ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونَ.

نِيَّةِ الدُّخُولِ فِي هَذَا الثَّانِي، أَوْ الدُّخُولِ بِالْفِعْلِ إذَا لَمْ يَطْرَأْ لَهُ قَصْدُ الدُّخُولِ. (ثُمَّ) إذَا شَرَعَ فِي بَقِيَّةِ سَفَرِهِ (اعْتَبَرَ مَا بَقِيَ) . فَإِنْ كَانَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ قَصَرَ. وَإِلَّا فَلَا. وَهَذَا رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ. (وَ) قَطْعُ الْقَصْرِ أَيْضًا (دُخُولُ بَلَدِهِ) : الَّذِي سَافَرَ مِنْهُ إنْ رَجَعَ اخْتِيَارًا. بَلْ (وَإِنْ رُدَّ) إلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْوَطَنِ وَمَا بَعْدَهُ (غَلَبَةً بِكَرِيحِ) رَدَّتْ السَّفِينَةَ الَّتِي هُوَ بِهَا، فَهَذِهِ الْمُبَالَغَةُ تَرْجِعُ لِمَا قَبْلَ بَلَدِهِ أَيْضًا؛ وَهُوَ وَطَنُهُ أَوْ مَحَلُّ زَوْجَتِهِ الْكَائِنُ فِي أَثْنَاءِ الْمَسَافَةِ. وَلَا يَتَكَرَّرُ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ سَابِقًا: " وَلَا يَقْصُرُ رَاجِعٌ " لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي كَوْنِ الدُّخُولِ فِي الْبَلَدِ يَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ. وَهُنَاكَ فِي كَوْنِ الرَّاجِعِ لَا يَقْصُرُ فِي رُجُوعِهِ إذَا كَانَتْ مَسَافَتُهُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ. (وَ) قَطْعُهُ (نِيَّةَ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ) : تَسْتَلْزِمُ عِشْرِينَ صَلَاةً وَإِلَّا فَلَا (أَوْ الْعِلْمُ بِهَا) أَيْ بِإِقَامَةِ الْأَرْبَعَةِ الْأَيَّامِ فِي مَحَلٍّ (عَادَةً) بِأَنْ كَانَتْ عَادَةُ الْقَافِلَةِ أَنْ تُقِيمَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يُتِمُّ (لَا الْإِقَامَةَ) الْمُجَرَّدَةَ عَنْ كَوْنِهَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، كَالْمُقِيمِ لِحَاجَةٍ مَتَى قُضِيَتْ سَافَرَ فَإِنَّهَا لَا تَقْطَعُ الْقَصْرَ (وَلَوْ طَالَتْ) ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ [بِكَرِيحٍ] : وَمِثْلُهُ دَابَّةٌ جَمَحَتْ وَلَا يَجِدُ غَيْرَهَا لَا الْغَاصِبُ إذْ يُمْكِنُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ وَلَوْ بِمَالٍ، فَهُوَ عَلَى نِيَّةِ سَفَرِهِ. كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [نِيَّةَ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ] إلَخْ: الْأَوْلَى نُزُولُ مَكَان نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ فِيهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ يَنْقَطِعُ حُكْمُ السَّفَرِ وَلَوْ كَانَ بَيْنَ مَحَلِّهَا. وَمَحَلِّ الْإِقَامَةِ الْمَسَافَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: [تَسْتَلْزِمُ عِشْرِينَ صَلَاةً] : أَيْ فِي مُدَّةِ تِلْكَ الْإِقَامَةِ بِأَنْ دَخَلَ قَبْلَ فَجْرِ السَّبْتِ وَنَوَى الِارْتِحَالَ بَعْدَ عِشَاءِ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ، وَاعْتَبَرَ سَحْنُونَ الْعِشْرِينَ فَقَطْ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [وَالْعِلْمُ بِهَا] إلَخْ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ عَادَةِ الْحَاجِّ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ يُقِيمُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَيُتِمُّ. وَمَحَلُّ قَطْعِ الْقَصْرِ بِإِقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ فِي غَيْرِ الْعَسْكَرِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَأَمَّا هُوَ فَيَقْصُرُ وَلَوْ طَالَتْ إقَامَتُهُ. كَمَا قَالَ خَلِيلٌ: إلَّا الْعَسْكَرَ بِدَارِ الْحَرْبِ.

[اقتداء مقيم بمسافر وعكسه]

إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا لَا تُقْضَى إلَّا بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ (وَإِنْ نَوَاهَا) : أَيْ الْأَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَهُوَ (بِصَلَاةٍ) أَيْ فِيهَا (قَطَعَ) الصَّلَاةَ (وَشَفَعَ) نَدْبًا (إنْ رَكَعَ) : أَيْ صَلَّى رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا (وَلَمْ تَجُزْ حَضَرِيَّةً) إنْ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا لِعَدَمِ دُخُولِهِ عَلَيْهَا (وَلَا سَفَرِيَّةً) لِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِيهَا (وَ) إنْ نَوَاهَا (بَعْدَهَا) : أَيْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا (أَعَادَ بِوَقْتٍ) اخْتِيَارِيٍّ. (وَكُرِهَ اقْتِدَاءُ مُقِيمٍ بِمُسَافِرٍ) : لِمُخَالَفَةِ نِيَّةِ إمَامِهِ (كَعَكْسِهِ) : أَيْ اقْتِدَاءِ مُسَافِرٍ بِمُقِيمٍ. (وَتَأَكَّدَ) الْكُرْهُ لِمُخَالَفَةِ الْمُسَافِرِ سُنَّتَهُ مِنْ الْقَصْرِ. (وَتَبِعَهُ) الْمُسَافِرُ فِي الْإِتْمَامِ وُجُوبًا وَلَوْ نَوَى الْقَصْرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِنْ نَوَاهَا] : أَيْ الْأَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، وَمِثْلُ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا إذَا أَدْخَلَتْهُ الرِّيحُ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا سَفَرِيَّةً، مَحَلًّا يَقْطَعُ دُخُولُهُ حُكْمَ السَّفَرِ مِنْ وَطَنِهِ، أَوْ مَحَلَّ زَوْجَةٍ بَنَى بِهَا. قَوْلُهُ: [أَعَادَ بِوَقْتٍ] إلَخْ: اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ وَقَعَتْ مُسْتَجْمِعَةً لِلشُّرُوطِ قَبْلَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ. وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِلْإِعَادَةِ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ عَلَى جَرْيِ الْعَادَةِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ تَرَدُّدٍ قَبْلَهَا فِي الْإِقَامَةِ وَعَدَمِهَا، فَإِذَا جَزَمَ بِالْإِقَامَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَكَأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ عِنْدَ نِيَّةِ الصَّلَاةِ السَّفَرِيَّةِ، فَاحْتِيطَ لَهُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ. [اقْتِدَاءُ مُقِيمٍ بِمُسَافِرٍ وعكسه] قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ اقْتِدَاءُ مُقِيمٍ] إلَخْ: أَيْ إلَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْمُسَافِرُ ذَا فَضْلٍ أَوْ سِنٍّ كَمَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَنَقَلَهُ (ح) عَلَى وَجْهٍ يَقْتَضِي اعْتِمَادَهُ، وَذَكَرَ (ر) أَنَّ الْمُعْتَمَدَ إطْلَاقُ الْكَرَاهَةِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَكُلٌّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ قَدْ رَجَحَ. كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ نَوَى الْقَصْرَ] : اُسْتُشْكِلَ إتْمَامُهُ مَعَ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: " وَإِنْ نَوَى الْقَصْرَ فَأَتَمَّ عَمْدًا بَطَلَتْ "، وَمَعَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ ظَنَّ الْإِمَامَ مُسَافِرًا فَظَهَرَ خِلَافُهُ أَعَادَ أَبَدًا " إلَخْ، وَأَجَابَ (ر) : بِأَنَّ نِيَّةَ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَمُخَالَفَةِ فِعْلِهِ لِتِلْكَ النِّيَّةِ أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَتَارَةً يُلْغُونَهُ وَتَارَةً يَعْتَبِرُونَهُ. فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَرَّ عَلَى قَوْلٍ، فَمَرَّ هُنَا عَلَى اغْتِفَارِ مُخَالَفَةِ الْفِعْلِ لِلنِّيَّةِ لِأَجْلِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ، وَفِيمَا يَأْتِي مَرَّ عَلَى عَدَمِ اغْتِفَارِ مُخَالَفَةِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ نَوْعَ تَلَاعُبٍ.

(وَأَعَادَ بِوَقْتٍ) عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ الْإِعَادَةِ (كَأَنْ نَوَى) الْمُسَافِرُ (الْإِتْمَامَ وَلَوْ سَهْوًا) عَنْ كَوْنِهِ مُسَافِرًا فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ سَفَرِيَّةً. (وَأَتَمَّ) وُجُوبًا بِالدُّخُولِ عَلَى الْإِتْمَامِ (فَإِنْ قَصَرَ) بَعْدَ نِيَّةِ الْإِتْمَامِ (عَمْدًا أَوْ تَأْوِيلًا بَطَلَتْ وَ) إنْ قَصَرَ (سَهْوًا فَكَأَحْكَامِ السَّهْوِ) . فَإِنْ تَذَكَّرَ بِالْقُرْبِ أَتَمَّ وَسَجَدَ بَعْدَ سَلَامِهِ، وَإِنْ طَالَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ بَطَلَتْ. (وَإِنْ نَوَى الْقَصْرَ فَأَتَمَّ عَمْدًا بَطَلَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى مَأْمُومِهِ) أَتَمَّ مَعَهُ أَوْ لَا، لِأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ بَطَلَتْ عَلَى الْإِمَامِ بَطَلَتْ عَلَى الْمَأْمُومِ إلَّا فِيمَا اُسْتُثْنِيَ. (وَ) إنْ أَتَمَّ (سَهْوًا أَوْ تَأْوِيلًا) بِأَنْ يَرَى أَنَّ الْقَصْرَ لَا يَجُوزُ أَوْ أَنَّ الْإِتْمَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَعَادَ بِوَقْتٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ] : أَيْ لِكَوْنِهِ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ، وَعَدَمُ الْإِعَادَةِ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ سَهْوًا] : مَا قَبْلَ الْمُبَالَغَاتِ ثَلَاثُ صُوَرٍ: وَهِيَ نِيَّةُ الْإِتْمَامِ عَمْدًا، أَوْ جَهْلًا، أَوْ تَأْوِيلًا. وَالرَّابِعَةُ الْمُبَالَغُ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: " وَأَتَمَّ ": أَيْ كَمَا نَوَى. فَفِي الْإِتْمَامِ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا مَضْرُوبَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ، تَكُونُ الصُّوَرُ سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً. كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْأَصْلِ: يُنْدَبُ لَهُ فِي جَمِيعِهَا الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ؛ سَفَرِيَّةً إنْ لَمْ يَحْضُرْ، وَحَضَرِيَّةً إنْ حَضَرَ. وَمَأْمُومُهُ تَبَعٌ لَهُ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ قَصَرَ بَعْدَ نِيَّةِ الْإِتْمَامِ] إلَخْ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً أَيْضًا لِأَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ نِيَّةِ الْإِتْمَامِ صَادِقٌ بِأَرْبَعِ صُوَرٍ: الْعَمْدِ، وَالْجَهْلِ، وَالتَّأْوِيلِ، وَالسَّهْوِ. وَفِي كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعِ: إمَّا أَنْ يَقْصُرَ عَمْدًا - وَمِثْلُهُ الْجَهْلُ - أَوْ تَأْوِيلًا. فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ فِي الْأَرْبَعَةِ أَجَابَ عَنْهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: " بَطَلَتْ "، وَبَقِيَ مَا إذَا قَصَرَ سَهْوًا فِي الْأَرْبَعَةِ، أَجَابَ عَنْهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: " فَكَأَحْكَامِ السَّهْوِ " إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ نَوَى الْقَصْرَ] إلَخْ: لَا يَتَأَتَّى هُنَا تَعْدَادُ الصُّوَرِ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ. فَفِي هَذَا الْقِسْمِ أَرْبَعُ صُوَرٍ فَقَطْ أَفَادَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: " فَأَتَمَّ عَمْدًا بَطَلَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى مَأْمُومِهِ، وَسَهْوًا أَوْ تَأْوِيلًا أَوْ جَهْلًا فَفِي الْوَقْتِ " فَجُمْلَةُ صُوَرِ هَذَا الْمَبْحَثِ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ صُورَةً. قَوْلُهُ: [بِأَنْ يَرَى أَنَّ الْقَصْرَ لَا يَجُوزُ] إلَخْ: أَرَادَ مُرَاعَاةَ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ

أَفْضَلُ (أَوْ جَهْلًا؛ فَفِي الْوَقْتِ) الضَّرُورِيِّ يُعِيدُ، (وَصَحَّتْ لِمَأْمُومِهِ) أَيْضًا (بِلَا إعَادَةٍ) عَلَيْهِ (إنْ لَمْ يَتْبَعْهُ) فِي الْإِتْمَامِ. بَلْ جَلَسَ حَتَّى سَلَّمَ، فَإِنْ تَبِعَهُ بَطَلَتْ. (وَ) إذَا قَامَ الْإِمَامُ لِلْإِتْمَامِ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا بَعْدَ نِيَّةِ الْقَصْرِ (سَبَّحَ لَهُ) الْمَأْمُومُ بِأَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ، فَإِنْ رَجَعَ سَجَدَ لِسَهْوِهِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فَلَا يَتْبَعُهُ بَلْ يَجْلِسُ حَتَّى يُسَلِّمَ إمَامُهُ. (وَسَلَّمَ الْمُسَافِرُ بِسَلَامِهِ، وَأَتَمَّ غَيْرُهُ) : أَيْ غَيْرُ الْمُسَافِرِ صَلَاتَهُ (بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ سَلَامِهِ، فَإِنْ سَلَّمَ الْمُسَافِرُ قَبْلَهُ أَوْ قَامَ غَيْرُهُ لِلْإِتْمَامِ قَبْلَهُ بَطَلَتْ عَلَيْهِمْ كَمَا لَوْ تَبِعُوهُ فِي الْإِتْمَامِ عَمْدًا لِتَعَمُّدِهِمْ الزِّيَادَةَ دُونَهُ، وَلَمْ يَجْعَلُوا الْجَاهِلَ هُنَا الْمُتَأَوِّلَ كَالْعَامِدِ فِي الْبُطْلَانِ حَيْثُ نَوَى الْقَصْرَ وَهُوَ مُشْكِلٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ خَارِجَ الْمَذْهَبِ، فَفِي كُتُبِ الْحَدِيثِ بَعْضُ السَّلَفِ كَانَ يَرَى أَنَّ الْقَصْرَ مُقَيَّدٌ بِالْخَوْفِ مِنْ الْكُفَّارِ كَمَا فِي آيَةِ: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} [النساء: 101] الْآيَةَ وَكَانَتْ عَائِشَةُ لَا تَقْصُرُ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ تَبِعَهُ بَطَلَتْ] : أَيْ حَيْثُ كَانَ مُتَيَقِّنًا انْتِفَاءَ الْمُوجِبِ وَإِلَّا فَيَأْمُرُ بِالِاتِّبَاعِ لِجَرَيَانِهَا عَلَى مَسْأَلَةِ قِيَامِ الْإِمَامِ لِزَائِدَةٍ قَوْلُهُ: [بَلْ يَجْلِسُ] : أَيْ حَيْثُ كَانَ مُتَيَقِّنًا انْتِفَاءَ الْمُوجِبِ قَوْلُهُ: [وَهُوَ مُشْكِلٌ] : وَلَعَلَّهُ خَفَّفَ الْأَمْرَ فِي الْجَاهِلِ وَالْمُتَأَوِّلِ الْقَوْلَ

(وَإِنْ ظَنَّ) شَخْصٌ (الْإِمَامَ مُسَافِرًا) فَاقْتَدَى بِهِ (فَظَهَرَ خِلَافُهُ) وَأَنَّهُ مُقِيمٌ (أَعَادَ) الْمَأْمُومُ صَلَاتَهُ (أَبَدًا) لِبُطْلَانِهَا (كَعَكْسِهِ) ، بِأَنْ ظَنَّ أَنَّ إمَامَهُ مُقِيمٌ، فَإِذَا هُوَ مُسَافِرٌ؛ فَيُعِيدُ أَبَدًا (إنْ كَانَ) الْمَأْمُومُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (مُسَافِرًا) ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ وَإِمَامُهُ نَوَى الْإِتْمَامَ فِي الْأُولَى، وَإِنْ سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَقَدْ خَالَفَ إمَامَهُ نِيَّةً وَفِعْلًا، وَإِنْ أَتَمَّ مَعَهُ فَقَدْ خَالَفَ فِعْلُهُ نِيَّتَهُ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَهُوَ قَدْ نَوَى الْإِتْمَامَ لِظَنِّهِ أَنَّ إمَامَهُ مُقِيمٌ، وَالْإِمَامُ قَدْ نَوَى الْقَصْرَ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ؛ فَإِنْ قَصَرَ مَعَهُ فَقَدْ خَالَفَ فِعْلُهُ نِيَّتَهُ. وَإِنْ أَتَمَّ بِمُقْتَضَى نِيَّتِهِ فَقَدْ خَالَفَ إمَامَهُ نِيَّةً وَفِعْلًا. وَاعْتَرَضَ بِاقْتِدَاءِ الْمُقِيمِ بِمُسَافِرٍ؛ وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْمُقِيمَ دَخَلَ عَلَى مُخَالَفَةِ إمَامِهِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ فَاغْتُفِرَ، وَهَذَا دَخَلَ عَلَى مُوَافَقَتِهِ فَأَخْطَأَ ظَنُّهُ فَلَمْ يُغْتَفَرْ. وَمَفْهُومُ " إنْ كَانَ مُسَافِرًا " أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُقِيمًا صَحَّتْ فِيهِمَا، لَكِنْ يُرَدُّ عَلَى الثَّانِيَةِ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ عَلَى الْمُوَافَقَةِ لِإِمَامِهِ فَتَبَيَّنَ خَطَأُ ظَنِّهِ. (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) الْمُسَافِرُ (قَصْرًا وَلَا إتْمَامًا) بِأَنْ نَوَى الظُّهْرَ مَثَلًا مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (فَفِي صِحَّتِهَا) وَعَدَمِهَا (قَوْلَانِ) ، وَعَلَى الصِّحَّةِ (فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ) لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (أَوْ يُخَيَّرُ) فِي الْإِتْمَامِ وَالْقَصْرِ؟ لِأَنَّ شَأْنَ الْمُسَافِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِعَدَمِ جَوَازِ الْقَصْرِ أَوْ أَنَّ الْإِتْمَامَ أَفْضَلُ. قَوْلُهُ: [فَظَهَرَ خِلَافُهُ] : أَيْ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَظْهَرْ خِلَافُهُ بَلْ وَافَقَ ظَنَّهُ فَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ فَبَاطِلَةٌ أَيْضًا كَمَا فِي النَّقْلِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ، فَالْمَفْهُومُ فِيهِ تَفْصِيلٌ. قَوْلُهُ: [نِيَّةً وَفِعْلًا] : أَيْ لِأَنَّ هَذَا الدَّاخِلَ نَوَى الْقَصْرَ وَسَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَالْإِمَامُ نَوَى الْإِتْمَامَ وَسَلَّمَ مِنْ أَرْبَعٍ. قَوْلُهُ: [فَقَدْ خَالَفَ فِعْلُهُ نِيَّتَهُ] : أَيْ فَهُوَ كَمَنْ نَوَى الْقَصْرَ وَأَتَمَّ عَمْدًا. قَوْلُهُ: [وَفَرَّقَ] إلَخْ: حَاصِلُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمَأْمُومَ هُنَا لَمَّا خَالَفَ سُنَّةً - وَهِيَ الْقَصْرُ - وَعَدَلَ إلَى الْإِتْمَامِ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الْإِمَامَ الْمُقِيمَ كَانَتْ نِيَّتُهُ مُعَلَّقَةً، فَكَأَنَّهُ نَوَى الْإِتْمَامَ إنْ كَانَ الْإِمَامُ مُتِمًّا، وَقَدْ ظَهَرَ بُطْلَانُ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَيَبْطُلُ الْمُعَلَّقُ وَهُوَ الْإِتْمَامُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى، فَإِنَّهُ نَاوٍ الْإِتْمَامَ عَلَى كُلِّ حَالٍ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ)

[بعض آداب السفر]

الْقَصْرُ: (قَوْلَانِ) . (وَلَا تَجِبُ) عَلَى الْمُسَافِرِ (نِيَّةُ الْقَصْرِ عِنْدَ السَّفَرِ) بَلْ عِنْدَ الصَّلَاةِ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُتِمُّ إلَى أَنْ بَقِيَ مِنْ الْمَسَافَةِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَطُلِبَ مِنْهُ الْقَصْرُ. [بَعْض آدَاب السَّفَر] (وَنُدِبَ) لِلْمُسَافِرِ (تَعْجِيلُ الْأَوْبَةِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ الرُّجُوعِ لِوَطَنِهِ بَعْدَ قَضَاءِ وَطَرِهِ. (وَ) نُدِبَ لَهُ (الدُّخُولُ نَهَارًا) - لَا خُصُوصُ الضُّحَى - وَكُرِهَ الطُّرُوقُ لَيْلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [النِّيَّة فِي قَصْر الصَّلَاة] قَوْلُهُ: [قَوْلَانِ] : أَيْ سَوَاءٌ صَلَّاهَا حَضَرِيَّةً أَوْ سَفَرِيَّةً. هَذَا هُوَ الصَّوَابُ خِلَافًا لِ (عب) حَيْثُ قَالَ: مَحَلُّ التَّرَدُّدِ إنْ صَلَّاهَا سَفَرِيَّةً، وَإِلَّا صَحَّتْ اتِّفَاقًا قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ التَّرَدُّدِ فِي أَوَّلِ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فِي السَّفَرِ؛ فَإِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَ لَهُ نِيَّةُ الْقَصْرِ، فَإِنَّهُ يَتَّفِقُ عَلَى الصِّحَّةِ فِيمَا بَعْدُ إذَا قَصَرَ لِأَنَّ نِيَّةَ الْقَصْرِ قَدْ انْسَحَبَتْ عَلَيْهِ فَهِيَ مَوْجُودَةٌ حُكْمًا. وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا إذَا نَوَى الْإِتْمَامَ فِي أَوَّلِ صَلَاةٍ ثُمَّ تَرَكَ نِيَّةَ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ فِيمَا بَعْدَهَا وَأَتَمَّ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ لِلْمُسَافِرِ تَعْجِيلُ الْأَوْبَةِ] إلَخْ: أَيْ فَمُكْثُهُ بَعْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ خِلَافُ الْأَوْلَى، لِأَنَّهُ مِنْ ضَيَاعِ الزَّمَنِ فِيمَا لَا يَعْنِي، وَالْوَطَرُ هُوَ الْحَاجَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا} [الأحزاب: 37] أَيْ حَاجَةً. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ لَهُ الدُّخُولُ نَهَارًا] : أَيْ وَيُكْرَهُ لَيْلًا فِي حَقِّ ذِي زَوْجَةٍ، فَفِي مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنُهُمْ أَوْ يَطْلُبُ عَثَرَاتِهِمْ» (اهـ) وَالطُّرُوقُ: هُوَ الدُّخُولُ مِنْ بُعْدٍ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ لِلسَّفَرِ أَنْ يَذْهَبَ لِإِخْوَانِهِ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ

[جمع الصلاة]

(وَ) نُدِبَ لَهُ (اسْتِصْحَابُ هَدِيَّةٍ) لِعِيَالِهِ وَجِيرَانِهِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي السُّرُورِ. وَلَمَّا كَانَ السَّفَرُ مِنْ أَسْبَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ مُشْتَرَكَتَيْ الْوَقْتِ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى جَمْعِهِمَا فِيهِ، وَأَتْبَعَهُمَا بِالْكَلَامِ عَلَى جَمْعِهِمَا فِي غَيْرِهِ. وَأَسْبَابُهُ سِتَّةٌ: السَّفَرُ، وَالْمَطَرُ، وَالْوَحْلُ مَعَ الظُّلْمَةِ، وَنَحْوَ الْإِغْمَاءِ، وَعَرَفَةَ، وَمُزْدَلِفَةَ - إلَّا أَنَّهُ أَخَّرَ الْأَخِيرَيْنِ لِمَحَلِّهِمَا - فَقَالَ: (وَرُخِّصَ) جَوَازًا (لَهُ) : أَيْ لِلْمُسَافِرِ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً (فِي جَمْعِ الظُّهْرَيْنِ) وَالْعِشَاءَيْنِ كَمَا يَأْتِي (بِبَرٍّ) : أَيْ فِيهِ لَا فِي بَحْرٍ؛ قَصْرًا لِلرُّخْصَةِ عَلَى مَوْرِدِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُوَدِّعُهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ الدُّعَاءَ، وَأَنْ يُوَدِّعُوهُ وَيَدْعُوا لَهُ بِمَا دَعَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ جَاءَ يُرِيدُ سَفَرًا، وَيَلْتَمِسُ أَنْ يُزَوِّدَهُ فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «زَوَّدَك اللَّهُ التَّقْوَى، وَوَقَاك الرَّدَى، وَغَفَرَ ذَنْبَك، وَيَسَّرَكَ لِلْخَيْرِ حَيْثُمَا كُنْتَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَنَسٍ. وَأَمَّا إذَا قَدِمَ مِنْ السَّفَرِ فَالْمُسْتَحَبُّ لِإِخْوَانِهِ أَنْ يَأْتُوا إلَيْهِ وَيُسَلِّمُوا عَلَيْهِ، وَمَا يَقَعُ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عِنْدَ الْوَدَاعِ فَأَنْكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ التَّاجُورِيُّ، وَقَالَ: إنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي السُّنَّةِ. وَقَالَ الْأُجْهُورِيُّ: بَلْ وَرَدَ فِيهَا مَا يَدُلُّ لِجَوَازِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُنْكَرٍ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَرَاهَةِ الْقُدُومِ لَيْلًا - فِي حَقِّ ذِي الزَّوْجَةِ - كَانَتْ الْغَيْبَةُ قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ، خِلَافًا لِمَا يُفِيدُهُ (عب) مِنْ اخْتِصَاصِ الْكَرَاهَةِ بِطُولِ الْغَيْبَةِ. وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ الْمَذْكُورَةِ لِغَيْرِ مَعْلُومِ الْقُدُومِ، وَأَمَّا مَنْ عَلِمَ أَهْلُهُ بِوَقْتِ قُدُومِهِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ الطُّرُوقُ لَيْلًا، وَيُسْتَحَبُّ ابْتِدَاءُ دُخُولِهِ بِالْمَسْجِدِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ لَهُ اسْتِصْحَابُ هَدِيَّةٍ] إلَخْ: أَيْ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهَا فِي الْأَحَادِيثِ. [جَمْعِ الصَّلَاة] قَوْلُهُ: [لِمَحَلِّهِمَا] : أَيْ وَهُوَ بَابُ الْحَجِّ. قَوْلُهُ: [رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً] : أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا عَلَى مَا فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهُ بِالرَّاكِبِ. قَوْلُهُ: [بِبَرٍّ] إلَخْ: وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِالْبَحْرِ أَيْضًا.

(وَإِنْ قَصَرَ) السَّفَرَ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ (أَوْ لَمْ يَجِدَّ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ وَلَمْ يَكُنْ حَثِيثًا (إنْ زَالَتْ الشَّمْسُ) عَلَى الْمُسَافِرِ حَالَ كَوْنِهِ (نَازِلًا) بِمَكَانٍ - مَنْهَلًا أَوْ غَيْرَهُ - (وَنَوَى) عِنْدَ الرَّحِيلِ قَبْلَ وَقْتِ الْقَصْرِ (النُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ) ، فَيَجْمَعُهُمَا جَمْعَ تَقْدِيمٍ؛ بِأَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ فِي وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ، وَيُقَدِّمَ الْعَصْرَ فَيُصَلِّيهَا مَعَهَا قَبْلَ رَحِيلِهِ لِأَنَّهُ وَقْتُ ضَرُورَةٍ لَهَا، اُغْتُفِرَ لِلْمَشَقَّةِ. (فَإِنْ نَوَاهُ) أَيْ النُّزُولَ (قَبْلَ) دُخُولِ (الِاصْفِرَارِ أَخَّرَ الْعَصْرَ) وُجُوبًا لِوَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ، فَإِنْ قَدَّمَهَا أَجْزَأَتْهُ (وَ) إنْ نَوَى النُّزُولَ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ دُخُولِ الِاصْفِرَارِ (خُيِّرَ فِيهَا) : أَيْ الْعَصْرِ إنْ شَاءَ قَدَّمَهَا وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهَا وَهُوَ الْأَوْلَى. (وَإِنْ زَالَتْ) الشَّمْسُ عَلَيْهِ (سَائِرًا، أَخَّرَهُمَا إنْ نَوَى الِاصْفِرَارَ) : أَيْ النُّزُولَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِنْ قَصَرَ السَّفَرَ] إلَخْ: أَيْ وَلَكِنْ لَا بُدَّ فِي الْجَوَازِ مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ عَاصٍ بِهِ وَلَاهٍ جَمْعًا فَلَا إعَادَةَ بِالْأُولَى مِنْ الْقَصْرِ. كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [أَوْ لَمْ يَجِدْ] إلَخْ: أَيْ فَقَوْلُ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَفِيهَا شَرْطُ الْجِدِّ بِالْكَسْرِ أَيْ الِاجْتِهَادِ فِي السَّيْرِ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: [بِمَكَانٍ مَنْهَلًا أَوْ غَيْرَهُ] : أَيْ فَقَوْلُ خَلِيلٍ بِمَنْهَلٍ مُرَادُهُ مَكَانُ النُّزُولِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ مَاءٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَنْهَلُ فِي الْأَصْلِ مَكَانَ الْمَاءِ. قَوْلُهُ: [فَيَجْمَعُهُمَا جَمْعَ تَقْدِيمٍ] : أَيْ وَيُؤَذِّنُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ وَقْتُ ضَرُورَةٍ لَهَا] إلَخْ: أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسَافِرِ. قَوْلُهُ: [أَخَّرَ الْعَصْرَ وُجُوبًا] : أَيْ غَيْرَ شَرْطٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَإِنْ قَدَّمَهَا أَجْزَأَتْ أَيْ وَتُنْدَبُ إعَادَتُهَا بِالْوَقْتِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهَا وَهُوَ الْأَوْلَى] : أَيْ لِأَنَّهُ ضَرُورِيُّهَا الْأَصْلِيُّ، وَلَا يُؤَذِّنُ لَهَا حِينَئِذٍ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَذَانِ مِنْ كَرَاهَتِهِ فِي الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ. قَوْلُهُ: [أَخَّرَهُمَا] : قِيلَ وُجُوبًا كَمَا فِي الْأَصْلِ. وَفِيهِ شَيْءٌ؛ إذْ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ جَوَازُ تَأْخِيرِهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَتَأْخِيرُ الصَّلَاةِ الْأُولَى جَائِزٌ وَالثَّانِيَةِ وَاجِبٌ لِنُزُولِهِ بِوَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ، كَذَا كَتَبَ وَالِدُ (عب) . وَلِلَّخْمِيِّ: أَنَّ تَأْخِيرَهُمَا

فِيهِ (أَوْ قَبْلَهُ، وَإِلَّا) - بِأَنْ نَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ - (فَفِي وَقْتَيْهِمَا) الِاخْتِيَارِيِّ؛ هَذِهِ فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَهَذِهِ أَوَّلُ وَقْتِهَا جَمْعًا صُورِيًّا، (كَمَنْ) زَالَتْ عَلَيْهِ سَائِرًا، وَلَكِنْ (لَا يَضْبِطُ نُزُولَهُ) : هَلْ يَنْزِلُ بَعْدَ الْغُرُوبِ أَوْ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَجْمَعُ جَمْعًا صُورِيًّا. (وَكَالْمَرِيضِ) - مَبْطُونًا أَوْ غَيْرَهُ - يَجْمَعُ جَمْعًا صُورِيًّا. (وَلِلصَّحِيحِ فِعْلُهُ) : أَيْ الْجَمْعِ الصُّورِيِّ بِكَرَاهَةٍ. (وَالْعِشَاءَانِ كَالظُّهْرَيْنِ) فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ عَلَى الرَّاجِحِ بِتَنْزِيلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَنْزِلَةَ الْغُرُوبِ، وَالثُّلُثَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مَنْزِلَةَ الِاصْفِرَارِ، وَمَا قَبْلَهُمَا مَنْزِلَةَ مَا قَبْلَ الِاصْفِرَارِ. وَأَشَارَ لِلْجَمْعِ بِسَبَبِ الْإِغْمَاءِ وَنَحْوِهِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ خَافَ إغْمَاءً أَوْ) حُمَّى (نَافِضًا أَوْ مَيْدًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ: أَيْ دَوْخَةٍ بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ (عِنْدَ دُخُولِ وَقْتِ) الصَّلَاةِ (الثَّانِيَةِ) الْعَصْرِ أَوْ الْعِشَاءِ (قَدَّمَهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQجَائِزٌ أَيْ وَيَجُوزُ إيقَاعُ كُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا وَلَوْ جَمْعًا صُورِيًّا، وَلَا يَجُوزُ جَمْعُهُمَا جَمْعَ تَقْدِيمٍ لَكِنْ إنْ وَقَعَ فَالظَّاهِرُ الْإِجْزَاءُ، وَنُدِبَ إعَادَةُ الثَّانِيَةِ فِي الْوَقْتِ. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ تَأْخِيرِهِمَا مُرَادُهُ عَدَمُ جَوَازِ تَقْدِيمِهِمَا مَعًا فَلَا يُنَافِي جَوَازَ إيقَاعِ كُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا، وَالْجَوَازُ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ بِهَذَا الْمَعْنَى فَالْخُلْفُ لَفْظِيٌّ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [جَمْعًا صُورِيًّا] : أَيْ وَيَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ. قَوْلُهُ: [وَلِلصَّحِيحِ فِعْلُهُ] : أَيْ وَلَكِنْ تَفُوتُهُ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ. قَوْلُهُ: [وَالْعِشَاءَانِ كَالظُّهْرَيْنِ] إلَخْ: وَعَلَيْهِ إذَا غَرَبَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَهُوَ نَازِلٌ وَنَوَى الِارْتِحَالَ وَالنُّزُولَ بَعْدَ الْفَجْرِ جَمَعَهُمَا جَمْعَ تَقْدِيمٍ قَبْلَ ارْتِحَالِهِ، وَإِنْ نَوَى النُّزُولَ فِي الثُّلُثِ الْأَوَّلِ أَخَّرَ الْعِشَاءَ وُجُوبًا، وَإِنْ نَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الثُّلُثِ وَقَبْلَ الْفَجْرِ خُيِّرَ فِي الْعِشَاءِ، وَالْأَوْلَى تَأْخِيرُهَا لِأَنَّهُ ضَرُورِيُّهَا الْأَصْلِيُّ، وَأَنَّ مَنْ غَرَبَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَهُوَ سَائِرٌ وَنَوَى النُّزُولَ فِي الثُّلُثِ الْأَوَّلِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَبْلَ الْفَجْرِ أَخَّرَهُمَا جَوَازًا عَلَى مَا مَرَّ، وَإِنْ نَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الْفَجْرِ جَمَعَ جَمْعًا صُورِيًّا بِنَاءً عَلَى امْتِدَادِ مُخْتَارِ الْمَغْرِبِ لِلشَّفَقِ.

أَيْ الثَّانِيَةَ عِنْدَ الْأَوْلَى جَوَازًا عَلَى الرَّاجِحِ، (فَإِنْ سَلِمَ) مِنْ الْإِغْمَاءِ وَمَا بَعْدَهُ - وَقَدْ كَانَ قَدَّمَ الثَّانِيَةَ (أَعَادَ الثَّانِيَةَ بِوَقْتٍ) ضَرُورِيٍّ، بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إذَا قَدِمَ وَلَمْ يَرْتَحِلْ فَلَا يُعِيدُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. ثُمَّ أَشَارَ لِجَمْعِ الْعِشَاءَيْنِ خَاصَّةً لِأَحَدِ سَبَبَيْنِ بِقَوْلِهِ: (وَ) رُخِّصَ (فِي جَمْعِ الْعِشَاءَيْنِ) فَقَطْ جَمْعُ تَقْدِيمٍ (بِكُلِّ مَسْجِدٍ) تُقَامُ بِهِ الصَّلَاةُ وَلَوْ غَيْرَ مَسْجِدِ الْجُمُعَةِ (لِمَطَرٍ) وَاقِعٍ أَوْ مُتَوَقَّعٍ (أَوْ طِينٍ مَعَ ظُلْمَةٍ) لِآخِرِ الشَّهْرِ لَا لِغَيْمٍ وَلَا لِأَحَدِهِمَا فَقَطْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [جَوَازًا عَلَى الرَّاجِحِ] : أَيْ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَنَدْبًا عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ وَفِي (بْن) مَا يُفِيدُ اعْتِمَادَ الْأَوَّلِ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: بِمَنْعِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَيُصَلِّي كُلَّ صَلَاةٍ بِوَقْتِهَا بِقَدْرِ الطَّاقَةِ وَلَوْ بِالْإِيمَاءِ فَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ حَتَّى ذَهَبَ وَقْتُهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا. وَاسْتَظْهَرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ اسْتِغْرَاقِ الْإِغْمَاءِ لِلْوَقْتِ، فَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى الْجَمْعِ، وَكَمَا إذَا خَافَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَمُوتَ أَوْ تَحِيضَ فَإِنَّهُ لَا يُشْرَعُ لَهَا الْجَمْعُ، وَفَرْقٌ بَيْنَ الْإِغْمَاءِ وَالْحَيْضِ، بِأَنَّ الْحَيْضَ يُسْقِطُ الصَّلَاةَ قَطْعًا بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا، وَبِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْحَيْضِ أَنْ يَعُمَّ الْوَقْتَ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ كَبِيرٍ الْخَرَشِيِّ) . قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ] إلَخْ: أَيْ حَيْثُ جَمَعَ وَهُوَ نَاوٍ لِلِارْتِحَالِ ثُمَّ طَرَأَ لَهُ عَدَمُهُ، وَأَمَّا لَوْ جَمَعَ وَهُوَ غَيْرُ نَاوٍ الِارْتِحَالَ فَيُعِيدُهَا فِي الْوَقْتِ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [لِمَطَرٍ] : أَوْ بَرَدٍ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالرَّاءِ. وَأَمَّا الثَّلْجُ فَذُكِرَ فِي الْمِيعَادِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُ ابْنُ سِرَاجٍ فَأَجَابَ بِأَنِّي لَا أَعْرِفُ فِيهِ نَصًّا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ كَثُرَ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ نَفْضُهُ جَازَ الْجَمْعُ وَإِلَّا فَلَا. كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ (بْن) . قَوْلُهُ: [أَوْ مُتَوَقَّعٍ] : إنْ قُلْت الْمَطَرُ إنَّمَا يُبِيحُ الْجَمْعَ إذَا كَثُرَ، وَالْمُتَوَقَّعُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ؟ وَأُجِيبُ: بِأَنَّهُ عُلِمَ كَثْرَتُهُ بِالْقَرِينَةِ فَإِنْ تَخَلَّفَ وَلَمْ يَحْصُلْ فَيَنْبَغِي إعَادَةُ الثَّانِيَةِ فِي الْوَقْتِ، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ سَلَامَةِ الْمُغْمَى - كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ. قَوْلُهُ: [أَوْ طِينٍ مَعَ ظُلْمَةٍ] : أَيْ بِشَرْطِ كَوْنِ الطِّينِ كَثِيرًا يَمْنَعُ أَوَاسِطَ النَّاسِ مِنْ لُبْسِ الْمَدَاسِ.

وَذَكَرَ صِفَةَ الْجَمْعِ بِقَوْلِهِ: (يُؤَذَّنُ لِلْمَغْرِبِ) عَلَى الْمَنَارِ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ (كَالْعَادَةِ وَتُؤَخَّرُ) الصَّلَاةُ تَأْخِيرًا (قَلِيلًا) بِقَدْرِ مَا يَدْخُلُ وَقْتُ الِاشْتِرَاكِ لِاخْتِصَاصِ الْأُولَى بِقَدْرِ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْغُرُوبِ (ثُمَّ صُلِّيَا) أَيْ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ (بِلَا فَصْلٍ) بَيْنَهُمَا بِنَفْلٍ أَوْ غَيْرِهِ (إلَّا) فَصْلًا (بِأَذَانٍ لِلْعِشَاءِ مُنْخَفِضٍ) لَا يُرْفَعُ صَوْتٌ (فِي الْمَسْجِدِ) لَا عَلَى الْمَنَارِ (ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ) لِمَنَازِلِهِمْ (مِنْ غَيْرِ تَنَفُّلٍ) فِي الْمَسْجِدِ: أَيْ يُكْرَهُ بِحَمْلِ الْمَنْعِ فِي النَّفْلِ عَلَى الْكَرَاهَةِ. وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ جَمَاعَةٍ (وَوَجَبَ نِيَّتُهُ) عِنْدَ الْأُولَى كَنِيَّةِ الْإِمَامَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) جَازَ الْجَمْعُ (لِمُنْفَرِدٍ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (بِالْمَغْرِبِ) : أَيْ عَنْ جَمَاعَةِ الْجَمْعِ وَلَوْ صَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ (يَجِدُهُمْ) فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي صَلَّى بِهِ الْمَغْرِبَ أَوْ غَيْرَهُ (بِالْعِشَاءِ) فَيَدْخُلُ مَعَهُمْ فِيهَا، وَيُغْتَفَرُ لَهُ نِيَّةُ الْجَمْعِ عِنْدَ صَلَاتِهِ الْمَغْرِبَ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَتُؤَخَّرُ قَلِيلًا] : وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: لَا يُؤَخَّرُ الْمَغْرِبُ أَصْلًا. قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ: وَهُوَ الصَّوَابُ إذْ لَا مَعْنَى لِتَأْخِيرِهَا قَلِيلًا إذْ فِي ذَلِكَ خُرُوجُ الصَّلَاتَيْنِ مَعًا عَنْ وَقْتِهِمَا الْمُخْتَارِ. اُنْظُرْ: بْن (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . وَلَكِنْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي تَقْرِيرِهِ: لَمْ يَلْزَمْ مِنْ تَأْخِيرِهَا بِقَدْرِهَا إيقَاعُهَا فِي وَقْتِهَا الضَّرُورِيِّ. قَوْلُهُ: [بِأَذَانٍ لِلْعِشَاءِ] : اعْلَمْ أَنَّ الْأَذَانَ لِلْعِشَاءِ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مُسْتَحَبٌّ وَلِذَا جَرَى قَوْلَانِ فِي إعَادَتِهِ عِنْدَ غَيْبَةِ الشَّفَقِ. وَالْمُعْتَمَدُ إعَادَتُهُ لِأَجْلِ السُّنَّةِ. قَوْلُهُ: [فِي الْمَسْجِدِ] : أَيْ عِنْدَ مِحْرَابِهِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقِيلَ بِصِحَّتِهِ لَا فَوْقَ الْمَنَارِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِئَلَّا يَلْبِسَ عَلَى النَّاسِ. قَوْلُهُ: [مِنْ غَيْرِ تَنَفُّلٍ] : أَيْ فَالْمُعْتَمَدُ كَرَاهَةُ النَّفْلِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَبَعْدَهُمَا وَلَوْ اسْتَمَرَّ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ، فَهَلْ يُطْلَبُ بِإِعَادَةِ الْعِشَاءِ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ. وَقِيلَ: إنْ قَعَدَ الْكُلُّ أَوْ الْجُلُّ أَعَادُوا، وَإِلَّا فَلَا. وَاسْتَظْهَرَ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا. كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ الْجَمْعُ لِمُنْفَرِدٍ بِالْمَغْرِبِ] : أَيْ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ نِيَّةَ الْجَمْعِ تُجْزِي عِنْدَ الثَّانِيَةِ، وَلِكَوْنِهِ تَابِعًا لَهُمْ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ فَلَا يُنَافِي مَنْعَ الْجَمْعِ لَوْ حَدَثَ السَّبَبُ بَعْدَ الْأُولَى.

(وَ) جَازَ الْجَمْعُ (لِمُقِيمٍ بِمَسْجِدٍ) لِأَجْلِ اعْتِكَافٍ أَوْ مُجَاوَرَةٍ (تَبَعًا) لِلْجَمَاعَةِ (لَا اسْتِقْلَالًا) إذْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي إيقَاعِ الْعِشَاءِ بِوَقْتِهَا، (وَلَا لِجَارِ الْمَسْجِدِ وَلَوْ) كَانَ مَرِيضًا يَشُقُّ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِلْمَسْجِدِ (أَوْ) كَانَ (امْرَأَةً) وَلَا يُخْشَى مِنْهَا الْفِتْنَةُ: أَيْ لَا يَجُوزُ لِجَارِ الْمَسْجِدِ أَنْ يَجْمَعَ بِبَيْتِهِ تَبَعًا لِجَمَاعَةِ الْمَسْجِدِ، بَلْ إمَّا أَنْ يَذْهَبَ لِلْمَسْجِدِ فَيَجْمَعُ مَعَهُمْ أَوْ يُصَلِّي كُلَّ صَلَاةٍ بِوَقْتِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَجَازَ الْجَمْعُ لِمُقِيمٍ بِمَسْجِدٍ] : مُرَادُهُ بِالْجَوَازِ فِي هَذَا وَمَا قَبْلَهُ: الْإِذْنُ الصَّادِقُ بِالنَّدْبِ لِأَنَّهُ لِتَحْصِيلِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ. حَيْثُ كَانَ إمَامُ الْمَسْجِدِ مُعْتَكِفًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ إلَّا تَبَعًا، فَلِذَلِكَ يَلْزَمُهُ اسْتِخْلَافُ مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ وَيُصَلِّي هُوَ مَأْمُومًا، وَلَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ. وَلَا يَصِحُّ الْجَمْعُ بِمَسْجِدٍ لِشَخْصٍ مُنْفَرِدٍ غَيْرِ رَاتِبٍ إلَّا بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثِ إذَا دَخَلَهَا فَوَجَدَ إمَامَهَا قَدْ جَمَعَ، صَلَّى الْمَغْرِبَ مَعَ الْعِشَاءِ جَمْعًا. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَدْخُلْ وَعَلِمَ أَنَّ إمَامَهَا قَدْ جَمَعَ فَلَا يُطَالَبُ بِدُخُولِهَا، وَيُبْقِي الْعِشَاءَ لِلشَّفَقِ. هَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ كَمَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .

[فصل في شروط الجمعة]

فَصْلٌ: فِي شُرُوطِ الْجُمُعَةِ وَآدَابِهَا وَمَكْرُوهَاتِهَا وَمَوَانِعهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَلَهَا شُرُوطُ وُجُوبٍ وَهِيَ مَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهَا عَلَيْهَا، وَشُرُوطُ صِحَّةٍ وَهِيَ مَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهَا عَلَيْهَا. وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ: (الْجُمُعَةُ فَرْضُ عَيْنٍ) لَا كِفَايَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْجُمُعَةِ] [حُكْم الْجُمُعَةِ وَشَرْط وُجُوبهَا وفضل الْعَمَل فِيهَا] فَصْلٌ سُمِّيَتْ الْجُمُعَةُ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ آدَمَ وَحَوَّاءَ بِالْأَرْضِ فِيهِ، وَقِيلَ: لِمَا جُمِعَ فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ، وَقِيلَ: لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: لَا شَكَّ أَنَّ الْعَمَلَ فِيهَا لَهُ مَزِيَّةٌ عَنْ الْعَمَلِ فِي غَيْرِهَا، وَلِذَلِكَ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَ لِتِلْكَ الْحِجَّةِ فَضْلٌ عَلَى غَيْرِهَا. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ رَزِينٍ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حِجَّةً فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَفِيهِ وَقْفَةٌ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْمُنَاوِيُّ - ذَكَرَهُ (شب) فِي شَرْحِهِ. (اهـ. مِنْ الْحَاشِيَةِ) . قَوْلُهُ: [وَآدَابِهَا] : مُرَادُهُ مَا يَشْمَلُ السُّنَنَ. قَوْلُهُ: [وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] : أَيْ مِنْ تَفَاصِيلِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ. وَأَعْقَبَهَا لِصَلَاةِ الْقَصْرِ لِكَوْنِهَا شِبْهَ ظُهْرٍ مَقْصُورَةً. قَوْلُهُ: [الْجُمُعَةُ فَرْضُ عَيْنٍ] : الْأَشْهَرُ فِيهَا ضَمُّ الْمِيمِ وَبِهِ قَرَأَ جَمَاعَةٌ، وَحُكِيَ إسْكَانُهَا وَفَتْحُهَا وَكَسْرُهَا وَبِهِنَّ قُرِئَ شَاذًّا وَهِيَ بَدَلٌ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَالظُّهْرُ بَدَلٌ مِنْهَا فِي الْفِعْلِ. وَمَعْنَى كَوْنِهَا بَدَلًا فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ: أَنَّ الظُّهْرَ شُرِعَتْ ابْتِدَاءً ثُمَّ شُرِعَتْ الْجُمُعَةُ بَدَلًا عَنْهَا، وَمَعْنَى كَوْنِهَا بَدَلًا عَنْهَا فِي الْفِعْلِ أَنَّهَا إذَا تَعَذَّرَ فِعْلُهَا أَجْزَأَتْ عَنْهَا الظُّهْرُ. (اهـ. خَرَشِيٌّ) . وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْجُمُعَةُ رَكْعَتَانِ يَمْنَعَانِ وُجُوبَ الظُّهْرِ عَلَى رَأْيٍ، وَعَلَيْهِ فَهِيَ فَرْضُ يَوْمِهَا، وَالظُّهْرُ بَدَلٌ عَنْهَا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الظُّهْرِ شَاذٌّ إذْ لَوْ كَانَتْ بَدَلًا عَنْ الظُّهْرِ لَمْ يَصِحَّ فِعْلُهَا مَعَ إمْكَانِ فِعْلِهِ.

وَلَا تَتَوَقَّفُ إقَامَتُهَا ابْتِدَاءً عَلَى إذْنِ الْإِمَامِ خِلَافًا لِمَنْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ. (عَلَى الذَّكَرِ الْحُرِّ) : أَيْ عَلَى كُلِّ ذَكَرٍ حُرٍّ لَا عَلَى امْرَأَةٍ أَوْ رَقِيقٍ (غَيْرِ الْمَعْذُورِ) لَا عَلَى مَعْذُورٍ بِعُذْرٍ مِمَّا يَأْتِي، (الْمُقِيمِ بِبَلَدِهَا) : أَيْ بَلَدِ، الْجُمُعَةِ الْآتِي بَيَانُهُ (أَوْ) الْمُقِيمِ (بِقَرْيَةٍ) أَوْ خَيْمٍ فَلَا مَفْهُومَ لِقَرْيَةٍ (نَائِيَةٍ) : أَيْ خَارِجَةٍ وَمُنْفَصِلَةٍ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ بَلَدِ الْجُمُعَةِ (بِكَفَرْسَخٍ) ، ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ ثُلُثَ الْمِيلِ لَا أَكْثَرَ مُعْتَبَرًا (مِنْ الْمَنَارِ) ، فَتَجِبُ عَلَى الْمُقِيمِ الْمَذْكُورِ (وَإِنْ) كَانَ (غَيْرَ مُسْتَوْطِنٍ) ، بِبَلَدِهَا بِأَنْ كَانَ مُقِيمًا بِهِ لِمُجَاوَرَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إقَامَةً تَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ وَإِنْ لَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ. فَلَا تَجِبُ عَلَى مُسَافِرٍ إذَا لَمْ يَنْوِ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحِينَئِذٍ فَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ وَقْتَ سَعْيِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ فَإِنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعَادَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الشَّاذِّ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ. (اهـ. مِنْ الْحَاشِيَةِ) . قَوْلُهُ: [وَلَا تَتَوَقَّفُ إقَامَتُهَا] إلَخْ: أَيْ وَإِنَّمَا يُنْدَبُ الِاسْتِئْذَانُ فَقَطْ. وَوَجَبَتْ عَلَيْهِمْ إنْ مُنِعَ وَأَمِنُوا ضَرَرَهُ، وَإِلَّا لَمْ تُجِزْهُمْ لِأَنَّهَا مَحَلُّ اجْتِهَادٍ، وَلَا سِيَّمَا فِي شُرُوطِهَا. وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ الصِّحَّةَ. كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [لَا عَلَى امْرَأَةٍ أَوْ رَقِيقٍ] : فَالْمَرْأَةُ لَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْجُمُعَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُسِنَّةً لَا أَرَبَ لِلرِّجَالِ فِيهَا. وَلَا تَجِبُ عَلَى عَبْدٍ وَلَوْ كَانَ فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. قَوْلُهُ: [فَلَا تَجِبُ عَلَى مُسَافِرٍ] : الْحَاصِلُ أَنَّ اشْتِرَاطَ هَذِهِ الشُّرُوطِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُتَّصِفَ بِأَضْدَادِهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الظُّهْرُ، فَإِذَا حَضَرَهَا وَصَلَّاهَا حَصَلَ لَهُ ثَوَابُهَا مِنْ حَيْثُ الْحُضُورُ وَسَقَطَ عَنْهُ الظُّهْرُ. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: إنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ عَلَى التَّخْيِيرِ، إذْ لَوْ كَانَ حُضُورُهَا مَنْدُوبًا فَقَطْ لَوَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَنْدُوبَ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْوَاجِبِ. وَرُدَّ: بِأَنَّ الْوَاجِبَ الْمُخَيَّرَ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ أُمُورٍ مُتَسَاوِيَةٍ؛ بِأَنْ يُقَالَ: الْوَاجِبُ إمَّا هَذَا وَإِمَّا هَذَا. وَالشَّارِعُ إنَّمَا أَوْجَبَ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْتَوْفِ شُرُوطَ الْجُمُعَةِ الظُّهْرَ ابْتِدَاءً. لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْجُمُعَةُ فِيهَا الْوَاجِبُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا صَلَاةٌ، وَزِيَادَةٌ مِنْ حَيْثُ حُضُورُ الْجَمَاعَةِ وَالْخُطْبَةُ،

[شروط صحة الجمعة]

فَعُلِمَ أَنَّ شُرُوطَ وُجُوبِهَا: الذُّكُورِيَّةُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالسَّلَامَةُ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لَهَا، وَالْإِقَامَةُ. وَلَا يُعَدُّ مِنْ شُرُوطِهَا الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَصَّانِ بِهَا؛ لِأَنَّهُمَا شَرْطَانِ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا، وَلَا يُعَدُّ الشَّيْءُ شَرْطًا فِي شَيْءٍ إلَّا إذَا كَانَ مُخْتَصًّا بِذَلِكَ الشَّيْءِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوُضُوءَ وَسِتْرَ الْعَوْرَةِ لَا يُعَدَّانِ مِنْ شُرُوطِهِمَا؛ لِكَوْنِهِمَا لَا يَخْتَصَّانِ بِهَا. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ شُرُوطِ الْوُجُوبِ، شَرَعَ فِي بَيَانِ شُرُوطِ صِحَّتِهَا؛ وَهِيَ خَمْسَةٌ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ، إذًا كُلُّ شَرْطٍ مِنْهَا لَهُ شُرُوطٌ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ شَرْطَ الشَّرْطِ شُرُوطٌ. فَقَالَ: (وَصِحَّتُهَا) : أَيْ وَشُرُوطُ صِحَّتِهَا خَمْسَةٌ: أَوَّلُهَا: الِاسْتِيطَانُ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْإِقَامَةِ لِأَنَّهُ الْإِقَامَةُ بِقَصْدِ التَّأْبِيدِ؛ الْإِقَامَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَفَتْ عَنْ الظُّهْرِ. قَالَ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةٍ مَجْمُوعِهِ: لَا يَلْزَمُ هَذَا التَّعَبُ مِنْ أَصْلِهِ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَنْوِي إذَا أَحْرَمَ بِالْجُمُعَةِ الْفَرْضِيَّةَ فَلَمْ يَنُبْ عَنْ الْوَاجِبِ إلَّا وَاجِبٌ، فَالنَّدْبُ مِنْ حَيْثُ سَعْيُهُ لِحُضُورِهَا فَقَطْ. (اهـ) . [شُرُوط صِحَّة الْجُمُعَةِ] قَوْلُهُ: [إذْ كُلُّ شَرْطٍ مِنْهَا لَهُ شُرُوطٌ] : عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: (خَمْسَةٌ) إجْمَالًا. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ شُرُوطَ الصِّحَّةِ إجْمَالًا خَمْسَةٌ: أَوَّلُهَا الِاسْتِيطَانُ وَلَهُ شَرْطَانِ: أَنْ يَكُونَ بِبَلَدٍ أَوْ أَخْصَاصٍ، وَأَنْ يَكُونَ بِجَمَاعَةٍ تَتَقَرَّى بِهِمْ تِلْكَ الْقَرْيَةُ عَادَةً بِالْأَمْنِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَالِاسْتِغْنَاءِ إلَى آخِرِ مَا قَالَ الشَّارِحُ. وَالشَّرْطُ الثَّانِي: حُضُورُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا؛ وَلَهُ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ: كَوْنُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ. الثَّانِي: بَقَاؤُهُمْ مِنْ أَوَّلِ الْخُطْبَتَيْنِ لِلسَّلَامِ. الثَّالِثُ: كَوْنُهُمْ مَالِكِيِّينَ أَوْ حَنَفِيِّينَ أَوْ شَافِعِيِّينَ مُقَلِّدِينَ لِمَالِكٍ أَوْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى هَذَا الشَّارِحُ، وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: الْإِمَامُ. وَلَهُ شَرْطَانِ: كَوْنُهُ مُقِيمًا إنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْخَلِيفَةُ. وَكَوْنُهُ الْخَاطِبَ إلَّا لِعُذْرٍ؛ وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ: الْخُطْبَتَانِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ لَهُمَا شُرُوطًا ثَمَانِيَةً، وَيُزَادُ تَاسِعٌ: وَهُوَ اتِّصَالُهُمَا بِالصَّلَاةِ. وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ: الْجَامِعُ وَلَهُ شُرُوطٌ أَرْبَعٌ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. فَتَكَامَلَ تَفْصِيلُ شُرُوطِ الصِّحَّةِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ الْإِقَامَةُ بِقَصْدِ التَّأْبِيدِ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ نَزَلَ جَمَاعَةٌ فِي بَلَدٍ خَرَابٍ مَثَلًا، وَنَوَوْا الْإِقَامَةَ فِيهِ مُدَّةً ثُمَّ يَرْتَحِلُونَ فَأَرَادُوا صَلَاةَ الْجُمُعَةِ فِيهِ فَلَا تَصِحُّ مِنْهُمْ،

أَعَمُّ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (بِاسْتِيطَانِ بَلَدٍ) : مَبْنِيَّةٍ بِطُوبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (أَوْ) اسْتِيطَانِ (أَخْصَاصٍ) مِنْ قَصَبٍ أَوْ أَعْوَادٍ تُرَمُّ بِحَشِيشٍ، (لَا خِيَمٍ) مِنْ شَعْرٍ أَوْ قُمَاشٍ، لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَهْلِهَا الِارْتِحَالُ فَأَشْبَهُوا الْمُسَافِرِينَ، نَعَمْ إنْ أَقَامُوا عَلَى كَفَرْسَخٍ مِنْ بَلَدِهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا تَبَعًا لِأَهْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَعْنَى كَوْنِ الِاسْتِيطَانِ شَرْطُ صِحَّةٍ أَنَّهُ لَوْلَاهُ مَا صَحَّتْ جُمُعَةٌ لِأَحَدٍ؛ وَكَمَا أَنَّهُ شَرْطُ صِحَّةٍ هُوَ شَرْطُ وُجُوبٍ، أَيْضًا؛ إذْ لَوْلَاهُ مَا وَجَبَتْ عَلَى أَحَدٍ جُمُعَةٌ. وَيُشْتَرَطُ لِهَذَا الشَّرْطِ شَرْطَانِ: الْأَوَّلُ كَوْنُهُ بِبَلَدٍ أَوْ خِصَاصٍ كَمَا قَدَّمْنَا. الثَّانِي: كَوْنُهُ (بِجَمَاعَةٍ تَتَقَرَّى) أَيْ تُقَامُ وَتَسْتَغْنِي (بِهِمْ الْقَرْيَةُ) عَادَةً بِالْأَمْنِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَالِاسْتِغْنَاءِ فِي مَعَاشِهِمْ الْعُرْفِيِّ عَنْ غَيْرِهِمْ. وَلَا يُحَدُّونَ بِحَدٍّ؛ كَمِائَةٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَلَوْ كَانُوا لَا تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ بِأَنْ كَانُوا مُسْتَنِدِينَ فِي مَعَاشِهِمْ لِغَيْرِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا عَلَى كَفَرْسَخٍ مِنْ قَرْيَةِ الْجُمُعَةِ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ تَبَعًا لَهُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ إلَّا تَبَعًا لِمَنْ اسْتَوْفَى شُرُوطَ الْجُمُعَةِ. قَوْلُهُ: [وَمَعْنَى كَوْنِ الِاسْتِيطَانِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ كَوْنَ الْبَلَدِ مُسْتَوْطَنًا أَيْ: مَنْوِيًّا الْإِقَامَةُ فِيهِ عَلَى التَّأْبِيدِ شَرْطُ صِحَّةٍ، وَاسْتِيطَانُ الشَّخْصِ فِي نَفْسِهِ شَرْطُ وُجُوبٍ. فَمَتَى كَانَ الْبَلَدُ مُسْتَوْطَنًا وَالْجَمَاعَةُ مُتَوَطِّنَةٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ، وَصَحَّتْ مِنْهُمْ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ الْبَلَدُ تَحْتَ حُكْمِ الْكُفَّارِ؛ كَمَا لَوْ تَغَلَّبُوا عَلَى بَلَدٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَأَخَذُوهُ وَلَمْ يَمْنَعُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْ التَّوَطُّنِ وَلَا مِنْ إقَامَةِ الشَّعَائِرِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِيهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقَاتِهِمْ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [كَوْنُهُ بِبَلَدٍ أَوْ أَخْصَاصٍ] : أَيْ لَا خِيَمٍ فَلَا تَجِبُ إلَّا تَبَعًا. قَوْلُهُ: [بِجَمَاعَةٍ تَتَقَرَّى] إلَخْ: أَيْ قَالَ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ مَجْمُوعِهِ: بِأَنْ يَدْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ الْأُمُورَ الْغَالِبَةَ، وَلَا يَضُرُّ خَوْفُهُمْ مِنْ الْجُيُوشِ الْكَثِيرَةِ لِأَنَّ هَذَا يُوجَدُ فِي الْمُدُنِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْأَمْنُ بِنَفْسِ الْعَدَدِ فَلَا يُعْتَبَرُ جَاهٌ وَلَا اعْتِقَادُ وِلَايَةٍ مَثَلًا لِأَنَّ الْأَمْنَ بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مَعَ قِلَّةِ الْعَدَدِ جِدًّا. (اهـ) .

وَإِنْ كَانُوا خَارِجِينَ عَنْ كَفَرْسَخٍ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ كَأَهْلِ الْخِيَمِ، وَلَوْ أَحْدَثَ جَمَاعَةٌ تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ بَلَدًا عَلَى كَفَرْسَخٍ مِنْ بَلَدِ الْجُمُعَةِ لَوَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ اسْتِقْلَالًا. الشَّرْطُ الثَّانِي: حُضُورُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا لِصَلَاتِهَا وَسَمَاعِ الْخُطْبَتَيْنِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَحُضُورُ اثْنَيْ عَشَرَ) رَجُلًا لِلصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ، وَيُشْتَرَطُ لِهَذَا الشَّرْطِ شَرْطَانِ أَيْضًا: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونُوا (مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ فَلَا تَصِحُّ مِنْ الْمُقِيمِينَ بِهِ لِنَحْوِ تِجَارَةٍ إذَا لَمْ يَحْضُرْهَا الْعَدَدُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْمُسْتَوْطِنِينَ بِالْبَلَدِ. الثَّانِي أَنْ يَكُونُوا (بَاقِينَ) مَعَ الْإِمَامِ مِنْ أَوَّلِ الْخُطْبَةِ (لِسَلَامِهَا) أَيْ إلَى السَّلَامِ مِنْ صَلَاتِهَا، أَيْ سَلَامِ جَمِيعِهِمْ، فَلَوْ فَسَدَتْ صَلَاةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَوْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ بَطَلَتْ الْجُمُعَةُ، وَحُضُورُ مَنْ ذُكِرَ شَرْطُ صِحَّةٍ (وَإِنْ) كَانَ (فِي أَوَّلِ جُمُعَةٍ) أُقِيمَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَأَهْلِ الْخِيَمِ] : تَشْبِيهٌ تَامٌّ فِي التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ أَحْدَثَ جَمَاعَةٌ] إلَخْ: فَعَلَى هَذَا يُسَوَّغُ لِلْكُفُورِ الَّتِي تَحْدُثُ بِجَانِبِ الْقُرَى إحْدَاثُ جُمُعَةٍ اسْتِقْلَالًا. قَوْلُهُ: [وَحُضُورُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا] : أَيْ غَيْرِ الْإِمَامِ، وَأَنْ يَكُونُوا مَالِكِيِّينَ أَوْ حَنَفِيِّينَ أَوْ شَافِعِيِّينَ قَلَّدُوا وَاحِدًا مِنْهُمَا، لَا إنْ لَمْ يُقَلِّدُوا. فَلَا تَصِحُّ جُمُعَةُ الْمَالِكِيِّ مَعَ اثْنَيْ عَشَرَ شَافِعِيِّينَ لَمْ يُقَلِّدُوا. لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا عِنْدَهُمْ أَرْبَعُونَ يَحْفَظُونَ الْفَاتِحَةَ بِشَدَّاتِهَا. قَوْلُهُ: [بَطَلَتْ الْجُمُعَةُ] : أَيْ وَلَوْ دَخَلَ بَدَلَهُ مَسْبُوقٌ فَاتَتْهُ الْخُطْبَةُ.

بِهَذَا الْبَلَدِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي أَوَّلِ جُمُعَةٍ حُضُورُ جَمِيعِ أَهْلِ الْبَلَدِ جَزْمًا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ. الشَّرْطُ الثَّالِثُ: الْإِمَامُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَإِمَامٌ مُقِيمٌ) فَلَا تَصِحُّ أَفْذَاذًا. وَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِقَامَةُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَوَطِّنًا كَمَا أَشَرْنَا لَهُ بِالْوَصْفِ وَأَنْ يَكُونَ هُوَ الْخَاطِبُ، فَلَوْ صَلَّى بِهِمْ غَيْرُ الْخَاطِبِ لَمْ تَصِحَّ إلَّا لِعُذْرٍ يُبِيحُ الِاسْتِخْلَافَ كَرُعَافٍ وَنَقْضِ وُضُوءٍ، وَجَبَ انْتِظَارُهُ إنْ قَرُبَ زَوَالُ الْعُذْرِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَكَوْنُهُ الْخَاطِبَ، إلَّا لِعُذْرٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [هَذَا هُوَ الصَّوَابُ] : أَيْ وَهُوَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ تَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ وُجُودُهُمْ فِيهَا شَرْطُ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا الْجُمُعَةَ بِالْفِعْلِ. وَالِاثْنَا عَشَرَ حُضُورُهُمْ شَرْطُ صِحَّةٍ تَتَوَقَّفُ الصِّحَّةُ عَلَى حُضُورِهِمْ بِالْفِعْلِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأُولَى أَوْ غَيْرِهَا. فَلَوْ تَفَرَّقَ مَنْ تَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي أَشْغَالِهِمْ - وَلَمْ يَبْقَ إلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا وَالْإِمَامُ - جَمَعُوا، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. وَمَا مَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: [وَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِقَامَةُ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ ابْنُ غَلَّابٍ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، فَلَوْ اجْتَمَعَ شَخْصٌ مُقِيمٌ وَاثْنَا عَشَرَ مُتَوَطِّنُونَ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ إمَامًا لَهُمْ. وَيُلْغَزُ بِهَا فَيُقَالُ: شَخْصٌ إنْ صَلَّى إمَامًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَأْمُومِيهِ، وَإِنْ صَلَّى مَأْمُومًا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ (اُنْظُرْ المج) . قَوْلُهُ: [وَجَبَ انْتِظَارُهُ] : أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّ ذَلِكَ الْعُذْرَ طَرَأَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ تَمَامِهَا أَوْ بَعْدَهُ، أَمَّا لَوْ حَصَلَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الِاخْتِيَارِيِّ مَا يَسَعُ الْخُطْبَةَ وَالْجُمُعَةَ، ثُمَّ يُصَلُّونَهَا إذَا أَمْكَنَهُمْ الْجُمُعَةُ دُونَهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُمْ الْجُمُعَةُ دُونَهُ فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ إلَى أَنْ يَبْقَى مِقْدَارُ مَا يَسَعُ الظُّهْرَ ثُمَّ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ أَفْذَاذًا فِي آخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ. (اهـ. مِنْ الْحَاشِيَةِ) . قَوْلُهُ: [إنْ قَرُبَ زَوَالُ الْعُذْرِ] : وَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْعُرْفُ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: بِقَدْرِ أُولَتَيْ الرُّبَاعِيَّةِ، وَالْقِرَاءَةُ فِيهِمَا بِالْفَاتِحَةِ وَمَا تَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ السُّورَةِ.

الشَّرْطُ الرَّابِعُ الْخُطْبَتَانِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَبِخُطْبَتَيْنِ) بِشُرُوطٍ سِتَّةٍ. أَشَارَ لِأَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ: (مِنْ قِيَامٍ) ، وَقِيلَ الْقِيَامُ فِيهِمَا سُنَّةٌ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ، فَإِنْ جَلَسَ أَتَمَّ وَصَحَّتْ. وَثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَا (بَعْدَ الزَّوَالِ) فَإِنْ تَقَدَّمَتَا عَلَيْهِ لَمْ تَجُزْ. وَثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَا (مِمَّا تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ خُطْبَةً) وَلَوْ سَجْعَتَيْنِ نَحْوَ: اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا أَمَرَ، وَانْتَهُوا عَمَّا عَنْهُ نَهَى وَزَجَرَ. فَإِنْ سَبَّحَ أَوْ هَلَّلَ أَوْ كَبَّرَ لَمْ يُجْزِهِ. وَرَابِعُهَا: (دَاخِلُ الْمَسْجِدِ) فَلَوْ خَطَبَهُمَا خَارِجَهُ لَمْ يَصِحَّا. وَخَامِسُهَا: أَنْ يَكُونَا (قَبْلَ الصَّلَاةِ) فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ قَبْلَهُمَا (فَإِنْ أَخَّرَهُمَا) عَنْهُمَا (أُعِيدَتْ) الصَّلَاةُ (إنْ قَرُبَ) الزَّمَنُ عُرْفًا وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ فَإِنْ طَالَ أُعِيدَتَا لِأَنَّهُمَا مِنْ الصَّلَاةِ كَرَكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ، فَالطُّولُ وَالْقُرْبُ كَالْمُتَقَدِّمِينَ فِي الْبِنَاءِ. وَسَادِسُهَا، أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (يَحْضُرُهُمَا الْجَمَاعَةُ) الِاثْنَا عَشَرَ؛ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا مِنْ أَوَّلِهِمَا لَمْ يُجْزِيَا لِأَنَّهُمَا كَرَكْعَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَبَقِيَ شَرْطَانِ: أَنْ يَجْهَرَ بِهِمَا وَأَنْ يَكُونَا بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَوْ لِأَعْجَمِيِّينَ. الشَّرْطُ الْخَامِسُ: الْجَامِعُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ سَبَّحَ أَوْ هَلَّلَ] إلَخْ: أَيْ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا بِإِجْزَاءِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [كَالْمُتَقَدِّمِينَ فِي الْبِنَاءِ] : أَيْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَهُوَ الْعُرْفُ، أَوْ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ. قَوْلُهُ: [يَحْضُرُهُمَا الْجَمَاعَةُ] : أَيْ سَوَاءٌ حَصَلَ مِنْهُمْ إصْغَاءٌ أَمْ لَا، فَاَلَّذِي هُوَ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ الْحُضُورُ لَا الِاسْتِمَاعُ وَالْإِصْغَاءُ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ حُضُورَ الْخُطْبَةِ فَرْضُ عَيْنٍ وَلَوْ كَثُرَ الْعَدَدُ جِدًّا، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْعَيْنِيَّةَ إذَا كَانَ الْعَدَدُ اثْنَيْ عَشَرَ، فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حُضُورُ الْخُطْبَةِ. قَوْلُهُ: [أَنْ يَجْهَرَ بِهَا] أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ صُمًّا. قَوْلُهُ: [وَأَنْ يَكُونَا بِالْعَرَبِيَّةِ] : فَلَوْ كَانَ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُحْسِنُ الْإِتْيَانَ بِالْخُطْبَةِ

[شروط الجامع في صلاة الجمعة]

(وَبِجَامِعٍ) فَلَا تَصِحُّ فِي الْبُيُوتِ، وَلَا فِي بَرَاحٍ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَا فِي خَانٍ، وَلَا فِي رَحْبَةِ دَارٍ. وَلَهُ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ: أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا، وَأَنْ يَكُونَ بِنَاؤُهُ عَلَى عَادَتِهِمْ، وَأَنْ يَكُونَ مُتَّحِدًا، وَمُتَّصِلًا بِالْبَلَدِ. وَإِلَيْهِمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ (مَبْنِيٍّ) فَلَا تَصِحُّ فِيمَا حُوِّطَ عَلَيْهِ بِزَرْبٍ أَوْ أَحْجَارٍ أَوْ طُوبٍ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ (عَلَى عَادَتِهِمْ) أَيْ أَهْلِ الْبَلَدِ فَيَشْمَلُ بِنَاءَهُ مِنْ بُوصٍ لِأَهْلِ الْأَخْصَاصِ لَا لِغَيْرِهِمْ (مُتَّحِدٍ) بِالْبَلَدِ. (فَإِنْ تَعَدَّدَ فَالْعَتِيقُ) : هُوَ الَّذِي تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ دُونَ غَيْرِهِ. وَالْمُرَادُ بِالْعَتِيقِ مَا أُقِيمَتْ فِيهِ الْجُمُعَةُ ابْتِدَاءً وَلَوْ تَأَخَّرَ بِنَاؤُهُ عَنْ غَيْرِهِ فَالْجُمُعَةُ لَهُ، (وَإِنْ تَأَخَّرَ أَدَاءٌ) أَيْ وَإِنْ تَأَخَّرَ أَدَاءُ الْجُمُعَةِ فِيهِ عَنْ الْجَدِيدِ فَالصَّلَاةُ فِي الْجَدِيدِ، وَإِنْ سَبَقَتْ فَاسِدَةً مَا لَمْ يُهْجَرْ الْعَتِيقُ، فَالْجُمُعَةُ لَا تَكُونُ إلَّا مُتَّحِدَةً فِي الْبَلَدِ مَتَى ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَلْزَمْهُمْ جُمُعَةٌ. [شُرُوط الْجَامِع فِي صَلَاة الْجُمُعَةِ] قَوْلُهُ: [فَلَا تَصِحُّ فِي الْبُيُوتِ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَسْجِدًا إلَّا إذَا كَانَ ذَا بِنَاءٍ مُعْتَادٍ خَارِجًا لِلَّهِ لِخُصُوصِ الصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ قَالَ تَعَالَى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18] . قَوْلُهُ: [فَإِنْ تَعَدَّدَ فَالْعَتِيقُ] : أَيْ وَلَا تَصِحُّ فِي الْجَدِيدِ، وَلَوْ صَلَّى فِيهِ السُّلْطَانُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَتِيقٌ بِأَنْ بُنِيَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يُصَلِّ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَحَّتْ الْجُمُعَةُ فِيمَا أُقِيمَتْ فِيهِ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ، فَإِنْ أُقِيمَتْ فِيهِمَا بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحَّتْ لِلسَّابِقِ بِالْإِحْرَامِ إنْ عَلِمَ وَإِلَّا حُكِمَ بِفَسَادِهَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا كَذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ، وَوَجَبَ إعَادَتُهَا لِلشَّكِّ فِي السَّبْقِ جُمُعَةً إنْ كَانَ وَقْتُهَا بَاقِيًا وَإِلَّا ظُهْرًا. قَوْلُهُ: [وَالْمُرَادُ بِالْعَتِيقِ] إلَخْ: أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْعَتَاقَةَ تُعْتَبَرُ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْبِنَاءِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ تَأَخَّرَ أَدَاءُ] : أَيْ فِي غَيْرِ الْمَرَّةِ الْأُولَى الَّتِي صَارَ بِهَا عَتِيقًا. قَوْلُهُ: [مَا لَمْ يُهْجَرْ الْعَتِيقُ] : أَيْ وَيَنْقُلُونَهَا لِلْجَدِيدِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْهَجْرُ لِلْعَتِيقِ لِمُوجِبٍ أَوْ لِغَيْرِهِ. وَظَاهِرُهُ: دَخَلُوا عَلَى دَوَامِ هِجْرَانِ الْعَتِيقِ أَوْ عَلَى عَدَمِ دَوَامِ ذَلِكَ، فَإِنْ رَجَعُوا لِلْعَتِيقِ مَعَ الْجَدِيدِ فَالْجُمُعَةُ لِلْعَتِيقِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُتَنَاسَى الْأَوَّلُ

أُقِيمَتْ لَا تُصَلَّى بِجَمَاعَةٍ بَعْدُ لَا فِي الْعَتِيقِ وَلَا غَيْرِهِ، وَإِنْ صُلِّيَتْ فِي غَيْرِهِ قَبْلَهُ فَبَاطِلَةٌ (مُتَّصِلٌ بِبَلَدِهَا) حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ انْفَصَلَ عَنْهَا انْفِصَالًا يَسِيرًا عُرْفًا (لَا إنْ انْفَصَلَ كَثِيرًا) فَلَا تَصِحُّ بِهِ الْجُمُعَةُ (أَوْ خَفَّ بِنَاؤُهُ) عَنْ عَادَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ فَلَا تَصِحُّ فِيهِ، وَهَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ: [عَلَى عَادَاتِهِمْ] . ثُمَّ أَشَارَ لِنَفْيِ أُمُورٍ قِيلَ بِشَرْطِيَّتِهَا، وَالرَّاجِحُ عَدَمُ اشْتِرَاطِهَا بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمَرَّةِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ لِلثَّانِي. قَالَ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ مَجْمُوعِهِ: وَاعْلَمْ أَنَّ خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ بَيْنَ الْقَوْمِ - إذَا اجْتَمَعُوا فِي مَسْجِدٍ - تُبِيحُ التَّعَدُّدَ كَالضِّيقِ، وَأَمَّا خَوْفُ شَخْصٍ وَحْدَهُ فَهُوَ مِنْ الْأَعْذَارِ الْآتِيَةِ، وَلَا يُحْدِثُ لَهُ مَسْجِدًا أَوْ يَأْخُذُ مَعَهُ جَمَاعَةً. وَالضِّيقُ عَلَى مَنْ يُخَاطَبُ بِهَا شَرْعًا وَلَعَلَّهُ إنْ خَشِيَ مِنْ التَّوْسِعَةِ التَّخْلِيطَ وَإِلَّا فَيُجْبَرُ الْمُلَّاكُ عَلَى التَّوْسِعَةِ. (اهـ.) وَمِثْلُ هَجْرِ الْعَتِيقِ حُكْمُ حَاكِمٍ بِصِحَّتِهَا فِي الْجَدِيدِ تَبَعًا لِحُكْمِهِ بِصِحَّةِ عِتْقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ مَثَلًا عَلَّقَ سَيِّدُهُ عِتْقَهُ عَلَى صِحَّةِ الْجُمُعَةِ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، بِأَنْ يَقُولَ بَانِي الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرُهُ لِعَبْدٍ مُعَيَّنٍ مَمْلُوكٍ لَهُ: إنْ صَحَّتْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَعْدَ الصَّلَاةِ فِيهِ يَذْهَبُ ذَلِكَ الْعَبْدُ إلَى الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ فَيَقُولُ ادَّعَى عَلَيَّ سَيِّدِي أَنَّهُ عَلَّقَ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ عِتْقِي، وَقَدْ صَلَّيْت الْجُمُعَةَ فِيهِ، فَيَقُولُ ذَلِكَ الْقَاضِي حَكَمْت بِعِتْقِك فَيَسْرِي حُكْمُهُ بِالْعِتْقِ إلَى صِحَّةِ الْجُمُعَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا، لَا فَرْقَ بَيْنَ السَّابِقَةِ عَلَى الْحُكْمِ وَالْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ، فَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ تَابِعٌ لِلْحُكْمِ بِالْعِتْقِ، لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُعَلَّقِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِحُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُحْكَمُ بِالصِّحَّةِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْحَاكِمَ لَا يُدْخِلُ الْعِبَادَاتِ اسْتِقْلَالًا، بَلْ تَبَعًا كَمَا لِلْقَرَافِيِّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، خِلَافًا لِابْنِ رُشْدٍ حَيْثُ قَالَ: حُكْمُ الْحَاكِمِ يُدْخِلُهَا اسْتِقْلَالًا كَالْمُعَامَلَاتِ قَوْلُهُ: [حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا] إلَخْ: وَلَا يَضُرُّ خَرَابُ مَا حَوْلَهُ، وَفِي الْحَطَّابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ: أَنَّ الِانْفِصَالَ الْيَسِيرَ هُوَ أَنْ يَنْعَكِسَ عَلَيْهِ دُخَانُهَا، وَحَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَرْبَعِينَ ذِرَاعًا أَوْ بَاعًا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ خَفَّ بِنَاؤُهُ] : أَيْ بِأَنْ كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ يَبْنُونَ بِالْأَحْجَارِ أَوْ بِالطُّوبِ الْمَحْرُوقِ وَبِنَاؤُهُ بِالنِّيءِ، أَوْ كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ يَبْنُونَ بِالنِّيءِ وَبِنَاؤُهُ بِالْبُوصِ.

(وَلَا يُشْتَرَطُ سَقْفُهُ) عَلَى الرَّاجِحِ (وَلَا قَصْدُ تَأْبِيدِهَا) : أَيْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ (بِهِ) : أَيْ فِيهِ، فَتَصِحُّ فِي مَسْجِدٍ قَصَدُوا بَعْدَ مُدَّةٍ الِانْتِقَالَ لِغَيْرِهِ وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ، (أَوْ إقَامَةُ) الصَّلَوَاتِ (الْخَمْسِ) فِيهِ لَا يُشْتَرَطُ فَتَصِحُّ فِي جَامِعٍ لَمْ يُصَلَّ فِيهِ إلَّا الْجُمُعَةُ. (وَصَحَّتْ) الْجُمُعَةُ (بِرَحْبَتِهِ) وَهِيَ مَا زِيدَ خَارِجَ مُحِيطِهِ لِتَوْسِعَتِهِ (وَطُرُقِهِ الْمُتَّصِلَةِ) بِهِ مِنْ غَيْرِ فَصْلِ بُيُوتٍ أَوْ حَوَانِيتَ أَوْ أَشْيَاءَ مَحْجُورَةٍ (مُطْلَقًا) ضَاقَ الْمَسْجِدُ أَوْ اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ أَمْ لَا. (وَمُنِعَتْ) الْجُمُعَةُ (بِهِمَا) أَيْ بِالرَّحْبَةِ وَالطُّرُقِ الْمُتَّصِلَةِ - وَإِنْ صَحَّتْ - (إنْ انْتَفَى الضِّيقُ وَ) انْتَفَى (اتِّصَالُ الصُّفُوفِ) . وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ ضَعِيفٌ. (لَا) تَصِحُّ (بِسَطْحِهِ) ، وَلَوْ ضَاقَ بِالنَّاسِ. (وَلَا بِمَا) أَيْ بِكُلِّ مَكَان (حِجْرٍ) أَيْ كَانَ مَحْجُورًا (كَبَيْتِ قَنَادِيلِهِ) أَوْ حُصْرِهِ أَوْ خُلُوِّهِ لِخَادِمٍ مِنْ خَدَمَتِهِ كَمُؤَذِّنٍ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ السُّنَنِ وَالْمَنْدُوبَاتِ فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا يُشْتَرَطُ سَقْفُهُ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْحَقُّ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: [مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بِبُيُوتٍ] إلَخْ: أَيْ فَلَوْ فُصِلَ بَيْنَ حِيطَانِهِ وَالطُّرُقِ بِحَوَانِيتَ كَالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ بِمِصْرَ، فَظَاهِرُهُ يَضُرُّ وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشَّيْخِ سَالِمٍ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الْحَاشِيَةِ قَوْلُهُ: [مُنِعَتْ الْجُمُعَةُ] إلَخْ: أَيْ كُرِهَتْ كَرَاهَةً شَدِيدَةً كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَمِمَّا يَلْحَقُ بِالطُّرُقِ الْمُتَّصِلَةِ الْمَدَارِسُ الَّتِي حَوْلَ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ، وَأَمَّا الْأَرْوِقَةُ الَّتِي فِيهِ فَهِيَ مِنْهُ فَتُصْبِحُ الْجُمُعَةُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ مَا لَمْ تَكُنْ مَحْجُورَةً، وَإِلَّا كَانَتْ كَبَيْتِ الْقَنَادِيلِ وَمَقَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ الَّتِي فِي الْمَسْجِدِ كَمَقَامِ أَبِي مَحْمُودٍ الْحَنَفِيِّ أَوْ الْحُسَيْنِ أَوْ السَّيِّدَةِ مِنْ قَبِيلِ الطُّرُقِ الْمُتَّصِلَةِ، فَتَصِحُّ فِيهَا الْجُمُعَةُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمَقَامُ لَا يُفْتَحُ إلَّا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ. قَوْلُهُ: [لَا تَصِحُّ بِسَطْحِهِ] إلَخْ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ صِحَّتَهَا بِدَكَّةِ الْمُبَلِّغِينَ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ لَمْ تَكُنْ مَحْجُورَةً فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ سَطْحِهِ وَالطُّرُقِ أَنَّ الطُّرُقَ مُتَّصِلَةٌ بِأَرْضِهِ، فَتَصِحُّ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ أَعْلَى مِنْ السَّطْحِ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ صِحَّتِهَا

[سنن الجمعة ومندوباتها]

(وَسُنَّ) حَالَ الْخُطْبَةِ (اسْتِقْبَالُ الْخَطِيبِ) بِذَاتِهِ لَا اسْتِقْبَالُ جِهَتِهِ فَقَطْ. وَقِيلَ: يَجِبُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. وَإِذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ قَطْعُ الْكَلَامِ وَاسْتِقْبَالُهُ وَالْإِنْصَاتُ إلَيْهِ. وَهَذَا لَا يُمْكِنُ لِجَمِيعِ النَّاسِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلَا الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ؛ أَمَّا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَلِأَنَّ الْمِنْبَرَ بِجَانِبِ الْمَقَامِ وَالْمَطَافُ حَائِلٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ فَإِذَا رَقَى الْخَطِيبُ عَلَى الْمِنْبَرِ اسْتَقْبَلَهُ بَعْضُ النَّاسِ وَبَاقِيهِمْ فِي الْمَطَافِ خَلْفَ ظَهْرِهِ، وَأَكْثَرُهُمْ خَلْفَ الْبَيْتِ وَجَوَانِبِهِ. وَأَمَّا الْمَسْجِدُ النَّبَوِيُّ فَإِنَّ زِيَادَةَ عُثْمَانَ خَلْفَ الْمِنْبَرِ النَّبَوِيِّ وَخَلْفَ الرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ مِنْ الْجِهَةِ الْقِبْلِيَّةِ، فَالْجَالِسُ فِيهَا يَكُونُ خَلْفَ ظَهْرِ الْخَطِيبِ. فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ نَزَلَ وَتَخَطَّى الصُّفُوفَ حَتَّى يَصِلَ لِلْمِحْرَابِ الَّذِي فِي الزِّيَادَةِ (وَ) سُنَّ (جُلُوسُهُ) أَيْ الْخَطِيبِ (أَوَّلَ كُلِّ خُطْبَةٍ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْأُولَى وَأَوَّلِ الثَّانِيَةِ. (وَ) سُنَّ (غُسْلٌ لِكُلِّ مُصَلٍّ وَلَوْ لَمْ تَلْزَمْهُ) الْجُمُعَةُ كَالْمُسَافِرِينَ وَالْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى السَّطْحِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقِيلَ بِصِحَّتِهَا عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَهُوَ لِمَالِكٍ وَأَشْهَبَ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، قَالُوا وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ابْتِدَاءً وَقِيلَ بِصِحَّتِهَا عَلَيْهِ لِلْمُؤَذِّنِ لَا غَيْرِهِ وَقِيلَ إنْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ جَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَى سَطْحِهِ. [سُنَن الْجُمُعَةِ وَمَنْدُوبَاتهَا] قَوْلُهُ: [وَسُنَّ حَالَ الْخُطْبَةِ] إلَخْ: أَيْ لِقَوْلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا قَعَدَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاسْتَقْبِلُوهُ بِوُجُوهِكُمْ وَارْمُقُوهُ بِأَجْفَانِكُمْ» وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ طَلَبُ اسْتِقْبَالِهِ بِمُجَرَّدِ قُعُودِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَوْ لَمْ يَنْطِقْ، لَكِنَّ الَّذِي فِي (عب) أَنَّ طَلَبَ اسْتِقْبَالِهِ عِنْدَ نُطِقْهُ لَا قَبْلَهُ وَلَوْ كَانَ قَبْلَ النُّطْقِ جَالِسًا عَلَى الْمِنْبَرِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ يَجِبُ] إلَخْ: أَيْ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ (ح) وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ السُّنِّيَّةُ. وَقِيلَ: إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ، وَظَاهِرُهُ طَلَبُ الِاسْتِقْبَالِ حَتَّى لِلصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ تَبَعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ، فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: [وَالْمَطَافُ حَائِلٌ] : الْمُنَاسِبُ طَرِيقٌ. قَوْلُهُ: [وَسُنَّ جُلُوسُهُ] : قَالَ ابْنُ عَاتٍ قَدْرَ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) . قَوْلُهُ: [وَلَوْ لَمْ تَلْزَمْهُ] : وَلَا يُشْكِلُ كَوْنُ الْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ

(وَصِحَّتُهُ) : أَيْ الْغُسْلِ: (بِطُلُوعِ الْفَجْرِ) فَلَا يَصِحُّ قَبْلَهُ (وَاتِّصَالُهُ بِالرَّوَاحِ) إلَى الْمَسْجِدِ، وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ (فَإِنْ فَصَلَ كَثِيرًا أَوْ تَغَذَّى) خَارِجَهُ (أَوْ نَامَ خَارِجَهُ اخْتِيَارًا) أَوْ اضْطِرَارًا وَطَالَ (أَعَادَهُ) لِبُطْلَانِهِ. (وَنُدِبَ) لِمُرِيدِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ (تَحْسِينُ هَيْئَةٍ) : مِنْ قَصِّ شَارِبٍ، وَأَظْفَارٍ، وَحَلْقِ عَانَةٍ، وَنَتْفِ إبْطٍ - إنْ احْتَاجَ لِذَلِكَ - وَسِوَاكٍ؛ وَقَدْ يَجِبُ لِإِزَالَةِ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ كَبَصَلٍ. (وَجَمِيلُ ثِيَابٍ) وَأَفْضَلُهَا الْأَبْيَضُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQسُنَّةً مَعَ أَنَّ نَفْسَ الْجُمُعَةِ فِي حَقِّهِ مَنْدُوبَةٌ، فَإِنَّ الْوُضُوءَ لَهَا وَاجِبٌ وَإِنْ شِئْت فَانْظُرْ إلَى السُّورَةِ وَنَحْوِهَا فِي صَلَاةِ الصَّبِيِّ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [وَاتِّصَالُهُ بِالرَّوَاحِ] : اسْتَعْمَلَ الرَّوَاحَ فِيمَا قَارَبَ الزَّوَالَ، وَإِلَّا فَالرَّوَاحُ فِي الْأَصْلِ السَّيْرُ بَعْدَ الزَّوَالِ هَكَذَا قِيلَ، وَلَكِنْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي تَقْرِيرِهِ: التَّحْقِيقُ أَنَّ الرَّوَاحَ هُوَ الذَّهَابُ مُطْلَقًا لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ خِلَافًا لِجَمْعٍ. فَالْمَطْلُوبُ عِنْدَنَا هُوَ وَقْتُ الْهَاجِرَةِ فَلَوْ رَاحَ قَبْلَهُ مُتَّصِلًا بِغُسْلِهِ - قَالَ ابْنُ وَهْبٍ - يُجْزِيهِ وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ. قَوْلُهُ: [أَوْ تَغَذَّى خَارِجَهُ] إلَخْ: وَأَمَّا إنْ تَغَذَّى أَوْ نَامَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي ذَهَابِهِ إلَيْهِ فَلَا يَضُرُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [اخْتِيَارًا] : رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الْأَكْلِ وَالنَّوْمِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لَا لِلنَّوْمِ فَقَطْ كَمَا قِيلَ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ لِمُرِيدِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ] : الْمُرَادُ التَّأَكُّدُ، وَإِلَّا فَتَحْسِينُهَا مَنْدُوبٌ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: [وَأَفْضَلُهَا الْأَبْيَضُ] : اعْلَمْ أَنَّ لُبْسَ الثِّيَابِ الْجَمِيلَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَنْدُوبٌ لَا لِأَجْلِ الْيَوْمِ بَلْ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، فَيَجُوزُ لُبْسُ الْبَيَاضِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَيُلْبَسُ الْأَبْيَضُ فِيهَا. بِخِلَافِ الْعِيدِ فَإِنَّ لُبْسَ الْجَدِيدِ فِيهِ مَنْدُوبٌ لِلْيَوْمِ لَا لِلصَّلَاةِ. فَإِنْ كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عِيدٍ لَبِسَ الْجَدِيدَ غَيْرَ الْأَبْيَضِ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَالْأَبْيَضَ عِنْدَ حُضُورِهَا.

(وَتَطْيِيبٌ لِغَيْرِ نِسَاءٍ) وَيَحْرُمُ التَّجْمِيلُ بِالثِّيَابِ وَالطِّيبِ عَلَيْهِنَّ لِتَعَلُّقِ الرِّجَالِ بِهِنَّ. (وَمَشْيٌ) فِي الذَّهَابِ فَقَطْ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ. (وَتَهْجِيرٌ) أَيْ ذَهَابٌ فِي الْهَاجِرَةِ وَالْمُرَادُ بِهَا السَّاعَةُ السَّادِسَةُ الَّتِي يَلِيهَا الزَّوَالُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَتَطْيِيبٌ] : إنَّمَا نُدِبَ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ يَوْمَهَا لِأَجْلِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَقِفُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، وَرُبَّمَا صَافَحُوهُ أَوْ لَمَسُوهُ. قَوْلُهُ: [وَمَشَى فِي الذَّهَابِ] : أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّوَاضُعِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّهُ عَبْدٌ ذَاهِبٌ لِمَوْلَاهُ فَيُطْلَبُ مِنْهُ التَّوَاضُعُ لَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا فِي إقْبَالِهِ عَلَيْهِ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ اغْبَرَّتْ قَدِمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَيْ فِي طَاعَتِهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» وَشَأْنُ الْمَاشِي الِاغْبِرَارُ وَإِنْ اتَّفَقَ عَدَمُ الِاغْبِرَارِ فِيمَنْ مَنْزِلُهُ قَرِيبٌ، وَاغْبِرَارُ قَدَمَيْ الرَّاكِبِ نَادِرٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاغْبِرَارَ لَازِمٌ لِلْمَشْيِ عَادَةً فَأُطْلِقَ اسْمُ اللَّازِمِ وَأُرِيدَ الْمَلْزُومُ الَّذِي هُوَ الْمَشْيُ عَلَى طَرِيقِ الْكِنَايَةِ. قَوْلُهُ: [فَقَطْ] : أَيْ وَأَمَّا فِي رُجُوعِهِ فَلَا يُنْدَبُ الْمَشْيُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ قَدْ حَصَلَ. قَوْلُهُ: [وَالْمُرَادُ بِهَا السَّاعَةُ السَّادِسَةُ] : أَيْ وَهِيَ الْمُقَسَّمَةُ إلَى السَّاعَاتِ أَيْ الْأَجْزَاءِ فِي حَدِيثِ الْمُوَطَّأِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» . وَمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ

(وَتَقْصِيرُ الْخُطْبَتَيْنِ، وَالثَّانِيَةُ أَقْصَرُ) مِنْ الْأُولَى، أَيْ يُنْدَبُ كَوْنُهَا أَقْصَرَ. (وَ) نُدِبَ (رَفْعُ صَوْتِهِ بِهِمَا) زِيَادَةً عَلَى أَصْلِ الْجَهْرِ الْوَاجِبِ. (وَبَدْؤُهُمَا بِالْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، وَأَوْجَبَهُمَا الشَّافِعِيُّ كَمَا أَوْجَبَ الِاسْتِغْفَارَ وَأَمَرَ بِالتَّقْوَى وَلَوْ فِي أَحَدِهِمَا. (وَخَتَمَ الثَّانِيَةَ بِ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ) . (وَأَجْزَأَ) فِي النَّدْبِ (اُذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ) . (وَ) نُدِبَ (قِرَاءَةٌ فِيهِمَا) وَلَوْ آيَةً وَالْأُولَى سُورَةٌ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَرُوِيَ: " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِيهَا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70] إلَى قَوْله تَعَالَى: {فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71] ، وَأَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ الْقِرَاءَةَ وَجَعَلَ أَرْكَانَهَا خَمْسَةً الْأَرْبَعَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ وَالْقِرَاءَةَ؛ فَيَكْفِي عِنْدَهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتِلْكَ السَّاعَاتِ أَجْزَاءٌ لِلسَّادِسَةِ الَّتِي يَلِيهَا الزَّوَالُ هُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَاجِيُّ وَشَهَّرَهُ الرَّجْرَاجِيُّ خِلَافًا لِابْنِ الْعَرَبِيِّ الْقَائِلِ: إنَّهُ تَقْسِيمٌ لِلسَّاعَةِ السَّابِعَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِمَامَ يُطْلَبُ خُرُوجُهُ فِي أَوَّلِهَا وَبِخُرُوجِهِ تَحْضُرُ الْمَلَائِكَةُ لِسَمَاعِ الذِّكْرِ. قَوْلُهُ: [وَالثَّانِيَةُ أَقْصَرُ] : أَيْ وَكَذَا يُنْدَبُ تَقْصِيرُ الصَّلَاةِ لِمَا مَرَّ أَنَّ التَّخْفِيفَ لِكُلِّ إمَامٍ مَطْلُوبٌ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ رَفْعُ صَوْتِهِ بِهِمَا] إلَخْ: وَلِذَلِكَ نُدِبَ لِلْخَطِيبِ أَنْ يَكُونَ مُرْتَفِعًا عَلَى مِنْبَرٍ. قَوْلُهُ: [وَأَجْزَأَ فِي النَّدْبِ: اُذْكُرُوا اللَّهَ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا خَتْمُهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل: 90] الْآيَةَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ غَيْرُ مَطْلُوبٍ فِي خَتْمِهَا وَأَوَّلُ مَنْ قَرَأَ فِي آخِرِهَا: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل: 90] عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَإِنَّهُ أَحْدَثَ ذَلِكَ بَدَلًا عَمَّا كَانَ يَخْتِمُ بِهِ بَنُو أُمَيَّةَ خُطْبَتَهُمْ مِنْ سَبِّهِمْ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لَكِنْ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى خِلَافِهِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ قِرَاءَةٌ فِيهِمَا] : أَيْ فِي مَجْمُوعِهِمَا لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ إنَّمَا تُنْدَبُ فِي الْأُولَى كَمَا فِي (شب) . قَوْلُهُ: [يَقْرَأُ فِيهَا] : أَيْ فِي خُطْبَتِهِ الْأُولَى.

وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، اتَّقُوا اللَّهَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [الزلزلة: 7] إلَخْ، غَفَرَ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ مِثْلُ ذَلِكَ. وَكَذَا عِنْدَنَا لِأَنَّهُ مِمَّا تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ خُطْبَةً، وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِنَدْبِ قِرَاءَةِ حَدِيثٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَعَلَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الْحَسَنَةِ. (وَ) نُدِبَ لِلْإِمَامِ (تَوَكُّؤٌ) حَالَ الْخُطْبَةِ (عَلَى عَصَا) وَأَجْزَأَ قَوْسٌ وَسَيْفٌ. (وَ) نُدِبَ (قِرَاءَةُ) سُورَةِ (الْجُمُعَةِ) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى، (وَهَلْ أَتَاك أَوْ سَبِّحْ) بَعْدَهَا فِي الثَّانِيَةِ. (وَ) نُدِبَ (حُضُورُ صَبِيٍّ وَ) امْرَأَةٍ (مُتَجَالَّةٍ) أَيْ عَجُوزٌ لَا أَرَبَ لِلرِّجَالِ فِيهَا، (وَمُكَاتَبٍ) وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ (وَ) حُضُورُ (قِنٍّ) أَوْ مُدَبَّرٍ (أَذِنَ سَيِّدُهُ) لَهُ فِي الْحُضُورِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَهَلْ أَتَاك أَوْ سَبِّحْ] إلَخْ: أَيْ فَيَكُونُ الْخَطِيبُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الِاثْنَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ] : أَيْ لِسُقُوطِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِالْكِتَابَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ مُدَبَّرٍ أَذِنَ سَيِّدُهُ] إلَخْ: أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلسَّيِّدِ الْإِذْنُ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِلْمَنْدُوبِ. قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: مَنْ يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ مِنْ ذِي الْعُذْرِ ... عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُمْ فَادْرِ وَمَا عَلَى أُنْثَى وَلَا أَهْلِ السَّفَرْ ... وَالْعَبْدِ فِعْلُهَا وَإِنْ لَهَا حَضَرْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَقَدْ نَازَعَ (ر) وَ (بْن) فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَى ذِي الرِّقِّ بَعْدَ الْحُضُورِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ مُقْتَضَى بِحَثِّ الْقَرَافِيُّ الْمَشْهُورِ فِي إجْزَائِهَا عَنْ الظُّهْرِ. (اهـ.) قَالَ فِي حَاشِيَتِهِ: لَكِنَّ مُنَازَعَتَهُمَا فِي عَدَمِ وُجُوبِ الدُّخُولِ عِنْدَ الْإِقَامَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأُجْهُورِيَّ قَالَ بِهِ وَخَصَّ وُجُوبَ الدُّخُولِ بِالْإِقَامَةِ بِمَا إذَا كَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ، فَقَالَ (ر) : الصَّوَابُ أَنَّ الْوُجُوبَ عَامٌّ، وَأَنَّ مَعْنَى كَلَامِ الْأَشْيَاخِ: أَنَّ الْمَرِيضَ وَالْمَعْذُورَ بِخَوْفٍ أَوْ وَحَلٍ أَوْ مَطَرٍ مَثَلًا - إذَا حَضَرَ فِي الْمَسْجِدِ، وَتَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ - وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ لِارْتِفَاعِ عُذْرِهِمْ لَمَّا حَضَرُوا، فَارْتَفَعَ الْمَانِعُ الْمُسْقِطُ لِلْوُجُوبِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ وَمَنْ مَعَهُ فَعُذْرُهُمْ قَائِمٌ بِهِمْ حَالَ حُضُورِهِمْ فَلَهُمْ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا اللُّزُومُ فَالْإِقَامَةُ فَقَدْرٌ مُشْتَرَكٌ. (اهـ) .

[تنبيه صلاة الظهر جماعة يوم الجمعة]

(وَ) نُدِبَ (تَأْخِيرُ مَعْذُورٍ) كَمَحْبُوسٍ وَمُكْرَهٍ وَمَرِيضٍ وَعُرْيَانَ وَخَائِفٍ مِنْ الذَّهَابِ لِأَمْرِ (الظُّهْرِ) : أَيْ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَى أَنْ تُصَلَّى الْجُمُعَةُ، وَلَا يَسْتَعْجِلُ بِصَلَاتِهَا (إنْ ظَنَّ زَوَالَ عُذْرِهِ) قَبْلَ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ وَإِدْرَاكِهَا فَإِنْ قَدِمَ صَحَّتْ وَأَعَادَهَا جُمُعَةً وُجُوبًا إنْ أَمْكَنَ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَأَخَّرَ الظُّهْرَ " إلَخْ الْوُجُوبِ (وَإِلَّا) يَظُنَّ زَوَالَ عُذْرَهُ بَلْ شَكَّ أَوْ ظَنَّ عَدَمَهُ (فَلَهُ التَّقْدِيمُ) لِصَلَاةِ الظُّهْرِ أَوَّلَ الْوَقْتِ قَبْلَ إقَامَتِهِمْ الْجُمُعَةَ؛ كَالنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ (وَغَيْرِ الْمَعْذُورِ) مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَلَوْ لَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ؛ كَالْمُقِيمِ بِبَلَدِهَا (إنْ صَلَّاهُ) : أَيْ الظُّهْرَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ (مُدْرِكًا) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ ظَانًّا الْإِدْرَاكَ (لِرَكْعَةٍ) مِنْ الْجُمُعَةِ (لَوْ سَعَى) لَهَا (لَمْ يُجْزِهِ) أَيْ الظُّهْرَ الَّذِي صَلَّاهُ، وَيُعِيدُهُ - إنْ لَمْ تُمْكِنْهُ الْجُمُعَةُ أَبَدًا (كَمَعْذُورٍ) صَلَّى الظُّهْرَ لِعُذْرِهِ ثُمَّ (زَالَ عُذْرُهُ) : كَأَنْ قَدِمَ مِنْ السَّفَرِ أَوْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ أَوْ انْفَكَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [تَنْبِيه صَلَاة الظُّهْر جَمَاعَة يَوْم الْجُمُعَةَ] قَوْلُهُ: [لَمْ يُجْزِهِ] : أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ جُمُعَةٌ وَلَمْ يَأْتِ بِهَا. وَسَوَاءٌ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ عَازِمًا عَلَى عَدَمِ الْجُمُعَةِ أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ إحْرَامِهِ بِالظُّهْرِ مُدْرِكًا لِرَكْعَةٍ مِنْ الْجُمُعَةِ لَوْ سَعَى إلَيْهَا أَجْزَأَتْهُ ظُهْرُهُ. وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ مَا فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ: أَنَّ غَيْرَ الْمَعْذُورِ إذَا صَلَّى الظُّهْرَ مُدْرِكًا لِرَكْعَةٍ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ، قَالَ: إذْ كَيْفَ يُعِيدُهَا أَرْبَعًا وَقَدْ صَلَّى أَرْبَعًا؟ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِالْأَصْلِ وَهُوَ الظُّهْرُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ الْمَازِرِيَّ بَنَى هَذَا الْفَرْعَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْجُمُعَةِ هَلْ هِيَ فَرْضُ يَوْمِهَا أَوْ بَدَلٌ عَنْ الظُّهْرِ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . تَنْبِيهٌ: تُكْرَهُ صَلَاةُ الظُّهْرِ جَمَاعَةً يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِغَيْرِ أَرْبَابِ الْأَعْذَارِ الْكَثِيرَةِ الْوُقُوعِ، وَأَمَّا عَنْ أَرْبَابِ الْأَعْذَارِ الْكَثِيرَةِ الْوُقُوعِ فَالْأَوْلَى لَهُمْ الْجَمْعُ، وَيُنْدَبُ صَبْرُهُمْ إلَى فَرَاغِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَإِخْفَاءُ جَمَاعَتِهِمْ لِئَلَّا يُتَّهَمُوا بِالرَّغْبَةِ عَنْ الْجُمُعَةِ. وَاحْتَرَزْنَا بِكَثْرَةِ الْوُقُوعِ عَنْ نَادِرَةِ الْوُقُوعِ كَخَوْفِ بَيْعَةِ الْأَمِيرِ الظَّالِمِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِلْخَائِفِ الْجَمْعُ، وَإِذَا جَمَعُوا لَمْ يُعِيدُوا عَلَى الْأَظْهَرِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِإِعَادَتِهِمْ إذَا جَمَعُوا. وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَتَخَلَّفَ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَجْمَعْ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ وَجَمَعَ ابْنُ وَهْبٍ بِالْقَوْمِ وَقَاسَهَا عَلَى الْمُسَافِرِ، ثُمَّ قَدِمَا عَلَى مَالِكٍ فَسَأَلَاهُ؟ فَقَالَ: لَا تَجْمَعُوا وَلَا يَجْمَعْ إلَّا أَهْلُ السِّجْنِ وَالْمَرَضِ وَالْمُسَافِرُ.

[ما يجوز في صلاة الجمعة]

مِنْ وِثَاقِهِ قَبْلَ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ بِحَيْثُ لَوْ سَعَى لَأَدْرَكَ مِنْهَا وَلَوْ رَكْعَةً، فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، فَإِذَا لَمْ يُصَلِّهَا مَعَ الْإِمْكَانِ فَهَلْ يُعِيدُ الظُّهْرَ أَوْ لَا؟ وَلِأَنَّهُ قَدْ صَلَّاهَا حَالَ الْعُذْرِ وَهُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ صَدْرُ الْمَبْحَثِ (أَوْ صَبِيٍّ بَلَغَ) بَعْدَ أَنْ صَلَّى الظُّهْرَ وَقَبْلَ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، فَإِنْ لَمْ يُصَلِّهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ أَعَادَ الظُّهْرَ أَبَدًا، لِأَنَّ فِعْلَهُ الْأَوَّلَ وَقَعَ نَافِلَةً وَقَدْ بَلَغَ فِي الْوَقْتِ. (وَ) نُدِبَ (حَمْدُ عَاطِسٍ سِرًّا حَالَ الْخُطْبَةِ) . وَكُرِهَ جَهْرًا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّشْمِيتِ وَالرَّدِّ وَهُوَ مِنْ اللَّغْوِ الْمَمْنُوعِ (كَتَأْمِينٍ) تَشْبِيهٌ فِي النَّدْبِ أَيْ فِي قَوْلِهِ آمِينَ (وَتَعَوُّذٍ وَاسْتِغْفَارٍ عِنْدَ ذِكْرِ السَّبَبِ) فِي الْجَمِيعِ بِأَنْ يَشْرَعَ فِي دُعَاءٍ أَوْ ذِكْرِ جَهَنَّمَ أَوْ اسْتِغْفَارٍ، فَيُنْدَبُ بِشَرْطِ السِّرِّ بِهِ وَيُكْرَهُ الْجَهْرُ. [مَا يَجُوز فِي صَلَاة الْجُمُعَةَ] ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَجُوزُ بِقَوْلِهِ: (وَجَازَ) بِمَعْنًى خِلَافَ الْأُولَى لِدَاخِلٍ (تَخَطٍّ) لِرِقَابِ الْجَالِسِينَ (قَبْلَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ) عَلَى الْمِنْبَرِ (لِفُرْجَةٍ) يَجْلِسُ فِيهَا وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهَا كَمَا يَأْتِي فِي الْمَكْرُوهَاتِ، وَيَحْرُمُ حَالَ الْجُلُوسِ كَمَا يَأْتِي أَيْضًا. (وَ) جَازَ التَّخَطِّي (بَعْدَهَا) أَيْ الْخُطْبَةِ (وَقَبْلَ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا) أَيْ لِفُرْجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، (كَمَشْيٍ بَيْنَ الصُّفُوفِ) يَجُوزُ مُطْلَقًا وَلَوْ حَالَ الْخُطْبَةِ. (وَ) جَازَ (كَلَامٌ بَعْدَهَا) أَيْ الْخُطْبَةِ (لِلصَّلَاةِ) : أَيْ لِلْأَخْذِ فِي إقَامَتِهَا إذْ الْكَلَامُ حَالَ الْإِقَامَةِ مَكْرُوهٌ، وَيَحْرُمُ بَعْدَ إحْرَامِ الْإِمَامِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا، لَكِنَّ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَنَصَّ غَيْرُهُ عَلَى جَوَازِهِ حَالَ الْإِقَامَةِ. (وَ) جَازَ (ذِكْرٌ) كَتَسْبِيحٍ وَتَهْلِيلٍ (قَلَّ سِرًّا) حَالَ الْخُطْبَةِ وَمُنِعَ الْكَثِيرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَيَحْرُمُ حَالَ الْجُلُوسِ] : أَيْ وَلَوْ لِفُرْجَةٍ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ التَّخَطِّي] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْخُطْبَةِ بِخِلَافِ الْجُلُوسِ قَبْلَهَا فَإِنَّهُ تَأَهُّلٌ لَهَا. قَوْلُهُ: [وَنَصَّ، غَيْرُهُ] إلَخْ: وَهُوَ (بْن) تَبَعًا لِلْمَوَّاقِ وَالْحَطَّابِ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ ذِكْرٌ] : أَيْ بِمَرْجُوحِيَّةٍ خِلَافًا لِقَوْلِ (عب) إنَّهُ مَنْدُوبٌ، فَالْأَوْلَى الْإِنْصَاتُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

[مكروهات الجمعة]

جَهْرًا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَرْكِ وَاجِبٍ وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجَهْرَ بِالْيَسِيرِ مَكْرُوهٌ. وَمِنْ الْبِدَعِ الْمُحَرَّمَةِ مَا يَقَعُ بِدَكَّةِ الْمُبَلِّغِينَ بِالْقُطْرِ الْمِصْرِيِّ مِنْ الصَّرِيخِ عَلَى صُورَةِ الْغِنَاءِ وَالتَّرَنُّمِ، وَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَمِنْ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ أَنْ يَقُولَ الْخَطِيبُ الْجَهُولُ فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ الْأُولَى: اُدْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، ثُمَّ يَجْلِسُ فَتَسْمَعُ مِنْ الْجَالِسِينَ ضَجَّةً عَظِيمَةً يَسْتَمِرُّونَ فِيهَا حَتَّى يَكَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَخْتِمَ الثَّانِيَةَ، وَعَلَى دَكَّةِ التَّبْلِيغِ جَمَاعَةٌ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ جِدًّا بِقَوْلِهِمْ آمِينَ آمِينَ يَا مُجِيبَ السَّائِلِينَ إلَى آخِرِ كَلَامٍ طَوِيلٍ، وَهَكَذَا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ. (وَ) جَازَ (نَهْيُ خَطِيبٍ) حَالَ الْخُطْبَةِ (أَوْ أَمْرُهُ) إنْسَانًا لَغَى أَوْ وَقَعَ مِنْهُ مَا لَا يَلِيقُ كَأَنْ يَقُولَ: أَنْصِتْ أَوْ لَا تَتَكَلَّمْ، أَوْ لَا تَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ وَنَحْوَ ذَلِكَ. (وَ) جَازَ لِلْمَأْمُورِ (إجَابَتُهُ) فِيمَا يَجُوزُ إظْهَارًا لِعُذْرِهِ، كَأَنَا فَعَلْتُ كَذَا خَوْفًا عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْخَطِيبِ وَالْمُجِيبِ لَاغِيًا. [مَكْرُوهَات الْجُمُعَةَ] ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ الْمَكْرُوهَاتِ فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجَهْرَ] إلَخْ: أَيْ فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْأَقْسَامَ أَرْبَعَةٌ: مَنْدُوبٌ وَهُوَ الذِّكْرُ سِرًّا عِنْدَ السَّبَبِ، وَخِلَافُ الْأَوْلَى وَهُوَ الذِّكْرُ الْقَلِيلُ سِرًّا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ، وَمَكْرُوهٌ وَهُوَ الذِّكْرُ الْقَلِيلُ جَهْرًا، وَحَرَامٌ وَهُوَ كَثْرَةُ الذِّكْرِ جَهْرًا كَالْوَاقِعِ بِدَكَّةِ الْمُبَلِّغِينَ. قَوْلُهُ: [عَلَى صُورَةِ الْغِنَاءِ] : بِالْمَدِّ مَعَ كَسْرِ الْغَيْنِ: وَهُوَ تَطْرِيبُ الصَّوْتِ. قَوْلُهُ: [أَنْ يَقُولَ الْخَطِيبُ الْجَهُولُ] : صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ لِأَنَّ جَهْلَهُ مُرَكَّبٌ لِزَعْمِهِ أَنَّهُ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ يَأْمُرُ بِالْمُنْكَرِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ قِرَاءَةِ الْحَدِيثِ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِهَا فِي الْخُطْبَةِ أَصْلًا فَهُوَ مِنْ الْبِدَعِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْإِنْصَاتُ وَلَوْ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَاجِبٌ، وَرَفْعُ الْأَصْوَاتِ الْكَثِيرَةِ وَلَوْ بِالذِّكْرِ حَرَامٌ، فَهَذَا الْخَطِيبُ ضَلَّ فِي نَفْسِهِ وَأَضَلَّ غَيْرَهُ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ] : إنَّمَا اسْتَرْجَعَ لِكَوْنِهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ حَيْثُ جَعَلُوا شَعِيرَةَ الْإِسْلَامِ مُلْحَقَةً بِالْمَلَاهِي بِحُضُورِ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ وَالْخَلْقُ مُجْمِعُونَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُوجَدْ لَهَا مُغَيِّرٌ.

(وَكُرِهَ تَخَطٍّ قَبْلَ الْجُلُوسِ) : أَيْ جُلُوسِ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ (لِغَيْرِ فُرْجَةٍ) لِأَنَّهُ يُؤْذِي الْجَالِسِينَ. (وَ) كُرِهَ (تَرْكُ طُهْرٍ) بِأَنْ يَخْطُبُ وَهُوَ مُحْدِثٌ (فِيهِمَا) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِمَا الطَّهَارَةُ عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَ) كُرِهَ تَرْكُ (الْعَمَلِ يَوْمَهَا) : أَيْ الْجُمُعَةِ لِأَجْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي السَّبْتِ وَالْأَحَدِ. (وَ) كُرِهَ (تَنَفُّلٌ عِنْدَ الْأَذَانِ) الْأَوَّلِ لَا قَبْلَهُ (لِجَالِسٍ) فِي الْمَسْجِدِ، لَا دَاخِلٍ (يُقْتَدَى بِهِ) مِنْ عَالَمٍ أَوْ سُلْطَانٍ أَوْ إمَامٍ لَا لِغَيْرِهِمْ؛ خَوْفَ اعْتِقَادِ الْعَامَّةِ وُجُوبَهُ. وَيُكْرَهُ التَّنَفُّلُ بَعْدَ صَلَاتِهَا أَيْضًا إلَى أَنْ يَنْصَرِفَ النَّاسُ مِنْ الْمَسْجِدِ. (وَ) كُرِهَ (حُضُورُ شَابَّةٍ غَيْرِ مُفْتِنَةٍ) لِصَلَاتِهَا وَحَرُمَ لِمُفْتِنَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَيْسَ مِنْ شُرُوطِهِمَا الطَّهَارَةُ] إلَخْ: أَيْ وَلَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِي الْكُبْرَى مِنْ حَيْثُ الْمُكْثُ بِالْجَنَابَةِ فِي الْمَسْجِدِ. (قَالَ) ابْنُ يُونُسَ عَنْ سَحْنُونَ: إنْ ذَكَرَ فِي الْخُطْبَةِ أَنَّهُ جُنُبٌ نَزَلَ لِلْغُسْلِ وَانْتَظَرُوهُ إنْ قَرُبَ وَبَنَى - أَيْ عَلَى مَا قَرَأَهُ مِنْ الْخُطْبَةِ. قَالَ غَيْرُهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَتَمَادَى فِي الْخُطْبَةِ وَاسْتَخْلَفَ فِي الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ. قَوْلُهُ: [فِي السَّبْتِ وَالْأَحَدِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ] : وَهَذَا حَيْثُ تَرَكَهُ تَعْظِيمًا كَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ لِسَبْتِهِمْ وَأَحَدِهِمْ. وَأَمَّا تَرْكُهُ لِاسْتِرَاحَةٍ فَمُبَاحٌ، وَتَرْكُهُ لِاشْتِغَالِهِ بِأَمْرِ الْجُمُعَةِ مِنْ تَنْظِيفٍ وَنَحْوِهِ فَحَسَنٌ يُثَابُ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ يُكْرَهُ اشْتِغَالُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِأَمْرٍ يَشْغَلُهُ عَنْ وَظَائِفِ الْجُمُعَةِ. قَوْلُهُ: [عِنْدَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ] : أَيْ وَأَمَّا عِنْدَ الْأَذَانِ الثَّانِي فَحَرَامٌ فَلَا يُعَارِضُهُ حُرْمَةُ الصَّلَاةِ عِنْدَ خُرُوجِ الْخَطِيبِ لِلْمِنْبَرِ، قَالَ الْخَرَشِيُّ: وَكَذَا يُكْرَهُ لِلْجَالِسِ التَّنَفُّلُ وَقْتَ كُلِّ أَذَانٍ لِلصَّلَوَاتِ غَيْرِ الْجُمُعَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ، فَقَالَ: وَيُكْرَهُ قِيَامُ النَّاسِ لِلرُّكُوعِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنَيْنِ مِنْ الْأَذَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا. (اهـ. كَلَامُ مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ) . وَلَكِنْ قَيَّدَ فِي الْمَجْمُوعِ الْكَرَاهَةَ، كَمَا قَيَّدَهَا شَارِحُنَا بِقَوْلِهِ: إلَّا لِغَيْرِ مُقْتَدَى بِهِ وَكَذَا الدَّاخِلُ أَوْ مَنْ اسْتَمَرَّ يَتَنَفَّلُ حَتَّى أُذِّنَ. قَوْلُهُ: [إلَى أَنْ يَنْصَرِفَ النَّاسُ] : أَيْ أَوْ يَأْتِيَ وَقْتُ انْصِرَافِهِمْ.

(وَ) كُرِهَ (سَفَرٌ بَعْدَ الْفَجْرِ) إلَى الزَّوَالِ لَا قَبْلَهُ، (وَحُرِّمَ) السَّفَرُ (بِالزَّوَالِ) لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِهِ. (كَتَخَطٍّ) لِرِقَابِ الْجَالِسِينَ (أَوْ كَلَامٍ) مِنْ الْجَالِسِينَ بِالْمَسْجِدِ (فِي) حَالِ (خُطْبَتَيْهِ) لَا قَبْلَهُمَا، وَلَوْ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ الْجِلْسَةَ الْأُولَى (وَبَيْنَهُمَا) فِي الْجِلْسَةِ الثَّانِيَةِ (وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْ) الْخُطْبَةَ لِبُعْدِهِ أَوْ صَمَمِهِ (إلَّا أَنْ يَلْغُوَ) فِي خُطْبَتِهِ: أَيْ يَأْتِيَ بِكَلَامِ لَغْوٍ أَيْ سَاقِطٍ كَأَنْ يَسُبَّ مَنْ لَا يَجُوزُ سَبُّهُ، أَوْ يَمْدَحَ مَنْ لَا يَجُوزُ مَدْحُهُ، أَوْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ خَارِجٍ عَنْ قَانُونِ الْخُطْبَةِ فَيَجُوزُ الْكَلَامُ حِينَئِذٍ. (وَ) حُرِّمَ (سَلَامٌ) مِنْ دَاخِلٍ أَوْ جَالِسٍ عَلَى أَحَدٍ فَهُوَ الرَّفْعُ عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي حُرِّمَ لِوُجُودِ الْفَصْلِ، وَيَجُوزُ جَرُّهُ عَطْفًا عَلَى تَخَطٍّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بَعْدَ الْفَجْرِ] : أَيْ لِمَنْ لَا يُدْرِكُهَا أَمَامَهُ. قَوْلُهُ: [وَحُرِّمَ السَّفَرُ بِالزَّوَالِ] : أَيْ لِضَرُورَةٍ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ] : إنَّمَا مُنِعَ الْكَلَامُ لِغَيْرِ السَّامِعِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ لِئَلَّا يَسْتَرْسِلَ النَّاسُ عَلَى الْكَلَامِ حَتَّى يَتَكَلَّمَ مَنْ يَسْمَعُ الْإِمَامَ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِ " لَوْ " لِرَدِّ مَا نَقَلَهُ ابْنُ زَرْقُونٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ مِنْ جَوَازِ الْكَلَامِ لِغَيْرِ السَّامِعِ وَلَوْ لِدَاخِلِ الْمَسْجِدِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: [مِنْ الْجَالِسِينَ بِالْمَسْجِدِ] أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْكَلَامُ فِي الطُّرُقِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْمَسْجِدِ وَلَوْ سَمِعَ الْخُطْبَةَ، وَكَذَلِكَ رَحْبَتُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُرْمَةَ الْكَلَامِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ، قِيلَ: خَاصَّةٌ بِمَنْ فِي الْمَسْجِدِ. وَقِيلَ بِمَنْ فِيهِ وَالرِّحَابِ، وَقِيلَ: بِمَنْ فِيهِمَا أَوْ فِي الطُّرُقِ، وَلَكِنَّ الْمُؤَلِّفَ عَوَّلَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَلْغُوَ] إلَخْ: مِنْ جُمْلَةِ اللَّغْوِ: الدُّعَاءُ لِلسُّلْطَانِ، وَكَذَا التَّرَضِّي عَنْ الصَّحْبِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ، لَكِنْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي تَقْرِيرِهِ نَقْلًا عَنْ الْبُنَانِيِّ: إنَّ التَّرَضِّيَ عَنْ الصَّحْبِ وَالدُّعَاءَ لِلسُّلْطَانِ لَيْسَ مِنْ اللَّغْوِ، بَلْ مِنْ تَوَابِعِ الْخُطْبَةِ فَحِينَئِذٍ يَحْرُمُ الْكَلَامُ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لعب (اهـ) . قَوْلُهُ: [عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي حُرِّمَ] : أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَحُرِّمَ بِالزَّوَالِ.

(وَ) حُرِّمَ (رَدُّهُ) أَيْ السَّلَامِ وَلَوْ بِالْإِشَارَةِ بِخِلَافِ رَدِّهِ بِالْإِشَارَةِ مِنْ الْمُصَلِّي فَيَجِبُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) حُرِّمَ (تَشْمِيتُ عَاطِسٍ) فَأَوْلَى الرَّدُّ عَلَيْهِ. (وَ) حُرِّمَ (نَهْيُ لَاغٍ) بِأَنْ يَقُولَ كُفَّ عَنْ هَذَا اللَّغْوِ، أَوْ نَحْوَهُ (أَوْ إشَارَةٌ لَهُ) : أَيْ لِلَّاغِي بِأَنْ يَنْكَفَّ. (وَأَكْلٌ أَوْ شُرْبٌ) . (وَابْتِدَاءُ صَلَاةٍ) نَفْلًا (بِخُرُوجِهِ) أَيْ الْخَطِيبِ لِلْخُطْبَةِ لِجَالِسٍ بَلْ (وَإِنْ لِدَاخِلٍ) . وَقَطَعَ وَلَوْ عَقَدَ رَكْعَةً وَلَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ إنْ. كَانَ جَالِسًا، (وَلَا يَقْطَعُ الدَّاخِلُ إلَّا إنْ تَعَمَّدَ) النَّفَلَ، بِأَنْ عَلِمَ بِخُرُوجِ الْخَطِيبِ وَأَحْرَمَ عَمْدًا فَيَقْطَعُ، وَلَوْ عَقَدَ رَكْعَةً، لَا إنْ جَهِلَ خُرُوجَهُ أَوْ نَاسِيًا فَلَا يَقْطَعُ وَلَوْ لَمْ يَعْقِدْ رَكْعَةً لَكِنْ يُخَفِّفُ بِأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْأَرْكَانِ وَالسُّنَنِ، وَمَفْهُومُ (ابْتِدَاءُ. . . إلَخْ) أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِنَفْلٍ قَبْلَ خُرُوجِ الْخَطِيبِ، أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ مُطْلَقًا، وَهُوَ كَذَلِكَ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ بِالْإِشَارَةِ] : نَقَلَ ابْنُ هَارُونَ عَنْ مَالِكٍ جَوَازَ الرَّدِّ بِالْإِشَارَةِ، وَأَنْكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ رَدِّهِ] إلَخْ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَمُسْتَمِعِ الْخُطْبَةِ عِظَمُ هَيْبَةِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مَانِعٌ مِنْ كَوْنِ الْإِشَارَةِ ذَرِيعَةً لِلْكَلَامِ. قَوْلُهُ: [وَابْتِدَاءُ صَلَاةٍ بِخُرُوجِهِ] : حَاصِلُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَتْنِ وَالشَّارِحِ أَنَّ الصُّوَرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ: إمَّا أَنْ يَبْتَدِئَ صَلَاةَ النَّفْلِ بَعْدَ خُرُوجِ الْخَطِيبِ، أَوْ قَبْلَهُ. فَإِنْ ابْتَدَأَهَا قَبْلَ خُرُوجِ الْخَطِيبِ فَلَا يَقْطَعُ مُطْلَقًا عَقَدَ رَكْعَةً أَمْ لَا، عَامِدًا، أَوْ جَاهِلًا، أَوْ نَاسِيًا؛ فَهَذِهِ سِتٌّ تُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: وَمَفْهُومُ " ابْتِدَاءُ " إلَخْ، وَإِنْ ابْتَدَأَهَا بَعْدَ خُرُوجِ الْخَطِيبِ وَكَانَ جَالِسًا قَطَعَ مُطْلَقًا عَقَدَ رَكْعَةً أَمْ لَا، عَامِدًا، أَوْ جَاهِلًا، أَوْ نَاسِيًا. وَإِنْ ابْتَدَأَهَا بَعْدَ خُرُوجِ الْخَطِيبِ وَكَانَ دَاخِلًا قَطَعَ إنْ تَعَمَّدَ، عَقَدَ رَكْعَةٍ أَمْ لَا، فَهَاتَانِ صُورَتَانِ تُضَمُّ لِلسِّتِّ قَبْلَهَا يَقْطَعُ فِيهَا. وَأَمَّا إنْ ابْتَدَأَهَا جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا - سَوَاءٌ عَقَدَ رَكْعَةً أَمْ لَا - فَلَا يَقْطَعُ وَلَكِنَّهُ يُخَفِّفُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، وَيُتِمُّهَا جَالِسًا فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ تُضَمُّ لِلسِّتِّ الْأُوَلِ لَا يَقْطَعُ فِيهَا. قَوْلُهُ: [وَإِنْ لِدَاخِلٍ] : رَدَّ بِالْمُبَالَغَةِ عَلَى السُّيُورِيِّ الْقَائِلِ بِجَوَازِهِ لِلدَّاخِلِ حَالَ

(وَفَسْخُ بَيْعٍ وَنَحْوَهُ) مِنْ إجَارَةٍ وَتَوْلِيَةٍ وَشَرِكَةٍ وَشُفْعَةٍ وَإِقَالَةٍ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (بِأَذَانٍ ثَانٍ) إلَى الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى حُرْمَةِ مَا ذُكِرَ وَإِلَّا لَمْ يَفْسَخْ لَا قَبْلَهُ وَلَوْ حَالَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ إلَّا إذَا بَعُدَتْ دَارُهُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ السَّعْيُ قَبْلَهُ فَاشْتَغَلَ بِهِ عَنْ السَّعْيِ فَيَفْسَخُ وَتُرَدُّ السَّلَّةُ لِرَبِّهَا إنْ لَمْ تَفُتْ (فَإِنْ فَاتَ) الْبَيْعُ وَلَوْ بِتَغَيُّرِ سُوقِهِ (فَالْقِيمَةُ) لَازِمَةٌ (حِينَ الْقَبْضِ) لَا حِينَ الْعَقْدِ وَلَا الْفَوَاتِ وَمَفْهُومُ بَيْعٍ وَنَحْوَهُ أَنَّ النِّكَاحَ وَالْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَالْكِتَابَةَ لَا تُفْسَخُ إنْ وَقَعَتْ عِنْدَ الْأَذَانِ الثَّانِي وَإِنْ حُرِّمَ. ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لَهَا فَقَالَ: (وَعُذْرُ تَرْكِهَا) أَيْ الْمُوجِبُ لِتَرْكِهَا أَيْ السَّبَبُ فِيهِ (كَالْجَمَاعَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQخُرُوجِ الْإِمَامِ لِلْخُطْبَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. قَوْلُهُ: [وَفَسْخُ بَيْعٍ] إلَخْ: وَهُوَ مَا حَصَلَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ وَلَوْ مَعَ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ تَبَايَعَ اثْنَانِ تُلْزِمُهُمَا الْجُمُعَةُ أَوْ أَحَدَهُمَا فَسْخَ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَا مِمَّنْ لَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يُفْسَخْ. (اهـ.) وَالْحُرْمَةُ وَالْفَسْخُ وَلَوْ فِي حَالِ السَّعْيِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ وَ (عب) عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَيُسْتَثْنَى مَنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَلَا يَجِدُ الْمَاءَ إلَّا بِالشِّرَاءِ فَلَا حُرْمَةَ عَلَى بَائِعٍ وَلَا مُشْتَرٍ. قَوْلُهُ: [مِنْ إجَارَةٍ] : وَهِيَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ. وَالتَّوْلِيَةُ: أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ مَا اشْتَرَاهُ بِمَا اشْتَرَاهُ. وَالشَّرِكَةُ: أَنْ يَبِيعَهُ بَعْضَ مَا اشْتَرَاهُ، وَالشُّفْعَةُ: هِيَ أَخْذُ الشَّرِيكِ الشِّقْصَ مِنْ مُشْتَرِيهِ بِثَمَنِهِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ، وَالْإِقَالَةُ: هِيَ قَبُولُ رَدِّ السِّلْعَةِ لِرَبِّهَا بَعْدَ لُزُومِهَا. وَهَذَا الْحُكْمُ وَهُوَ الْفَسْخُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ؛ فَلَا يُفْسَخُ بَيْعُ مَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ وَقْتُ غَيْرِهَا لِأَنَّ السَّعْيَ لِلْجَمَاعَةِ هُنَا مَقْصُودٌ، وَإِلَّا لَزِمَ فَسْخُ بَيْعِ مَنْ عَلَيْهِ فَوَائِتُ، بَلْ الْغُصَّابُ لِوُجُودِ اشْتِغَالِهِمْ بِرَدِّ مَا عَلَيْهِمْ - كَمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ اُنْظُرْ (ح) كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [فَالْقِيمَةُ لَازِمَةٌ] إلَخْ: أَيْ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ فَوَاتِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ بِالثَّمَنِ. قَوْلُهُ: [لَا تُفْسَخُ] : أَيْ إمَّا لِعَدَمِ الْعِوَضِ أَوْ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْعِبَادَاتِ. وَاسْتَظْهَرَ فِي الْمَجْمُوعِ إلْحَاقَ الْخُلْعِ بِالنِّكَاحِ، وَهِبَةُ الثَّوَابِ كَالْبَيْعِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ

[الأعذار المسقطة للجمعة]

أَيْ كَعُذْرِ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ (شِدَّةُ وَحَلٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَهُوَ مَا يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى خَلْعِ الْمَدَاسِ. (وَ) شِدَّةُ (مَطَرٍ) وَهُوَ مَا يَحْمِلُهُمْ عَلَى تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ. (وَجُذَامٌ) تَضُرُّ رَائِحَتُهُ بِالنَّاسِ (وَمَرَضٌ) يَشُقُّ مَعَهُ الذَّهَابُ (وَتَمْرِيضٌ) لِقَرِيبٍ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مَنْ يُمَرِّضُهُ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ بَعِيدِ الْقَرَابَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَنْ يَقُومُ بِهِ غَيْرُهُ. (وَشِدَّةُ مَرَضِ قَرِيبٍ وَنَحْوَهُ) كَصَدِيقٍ مُلَاطِفٍ وَزَوْجَةٍ وَسُرِّيَّةٍ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مَنْ يَعُولُهُ، وَأَوْلَى إشْرَافُ مَنْ ذُكِرَ عَلَى الْمَوْتِ وَأَوْلَى مَوْتُهُ بِالْفِعْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْهِبَةُ ": أَيْ لِغَيْرِ الثَّوَابِ. [الْأَعْذَار الْمُسْقِطَة لِلْجُمُعَةِ] قَوْلُهُ: [بِفَتْحِ الْحَاءِ] : أَيْ عَلَى الْأَفْصَحِ. وَيُجْمَعُ عَلَى أَوْحَالٍ كَسَبَبٍ وَأَسْبَابٍ، وَمُقَابِلُ الْأَفْصَحِ: السُّكُونُ، كَفَلْسٍ وَيُجْمَعُ عَلَى أَوْحُلَ كَأَفْلُسَ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ مَا يَحْمِلُ النَّاسَ] : أَيْ أَوْسَطَهُمْ. قَوْلُهُ: [تَضُرُّ رَائِحَتُهُ بِالنَّاسِ] : وَأَمَّا مَنْ لَا تَضُرُّ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ، وَمِثْلُ الْجُذَامِ الْبَرَصُ وَكُلُّ بَلَاءٍ مُنَفِّرٍ، وَمَحَلُّ كَوْنِ مَا ذَكَرَ مُسْقِطًا إذَا كَانَ الْمَجْذُومُ وَنَحْوَهُ لَا يَجِدُ مَوْضِعًا يَتَمَيَّزُ فِيهِ، أَمَّا لَوْ وَجَدَ مَوْضِعًا تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَلَا يَضُرُّ بِالنَّاسِ فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ النَّاسِ. قَوْلُهُ: [وَمَرَضٌ يَشُقُّ] إلَخْ: أَيْ وَمِنْهُ كِبَرُ السِّنِّ يَشُقُّ مَعَهُ الْإِتْيَانُ إلَيْهَا رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا. قَوْلُهُ: [وَتَمْرِيضٌ لِقَرِيبٍ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ وَالْقَرِيبَ الْغَيْرَ الْخَاصِّ لَا يُبَاحُ التَّخَلُّفُ عِنْدَهُ إلَّا بِقَيْدَيْنِ: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَنْ يَقُومُ بِهِ، وَأَنْ يَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ لَوْ تَرَكَهُ. وَأَمَّا الصَّدِيقُ الْمُلَاطِفُ وَشَدِيدُ الْقَرَابَةِ فَيُبَاحُ عِنْدَهُ التَّخَلُّفُ. وَلَوْ وَجَدَ مَنْ يَعُولُهُ وَإِنْ لَمْ يَخْشَ عَلَيْهِ ضَيْعَةً؛ لِأَنَّ تَخَلُّفَهُ عِنْدَهُ لَيْسَ لِأَجْلِ تَمْرِيضِهِ بَلْ لِمَا دَهَمَهُ مِنْ شِدَّةِ الْمُصِيبَةِ. قَوْلُهُ: [وَأَوْلَى مَوْتُهُ بِالْفِعْلِ] : نَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَجُوزُ التَّخَلُّفُ لِأَجْلِ النَّظَرِ فِي أَمْرِ الْمَيِّتِ مِنْ إخْوَانِهِ مِنْ مُؤَنِ تَجْهِيزِهِ. وَفِي الْمَدْخَلِ جَوَازُ التَّخَلُّفِ لِلنَّظَرِ فِي شَأْنِهِ مُطْلَقًا وَلَوْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ ضَيْعَةً وَلَا تَغَيُّرًا. كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ.

(وَخَوْفٌ عَلَى مَالٍ) لَهُ بَالٌ (وَلَوْ لِغَيْرِهِ، أَوْ حَبْسٌ أَوْ ضَرْبٌ) أَيْ خَوْفُهُمَا وَأَوْلَى مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمَا كَقَتْلٍ وَقَطْعٍ وَجُرْحٍ. (وَعُرْيٌ) بِأَنْ لَا يَجِدَ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ (وَرَائِحَةٌ) كَرِيهَةٌ تُؤْذِي الْجَمَاعَةَ (كَرَائِحَةِ ثُومٍ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَقَدْ تُبَدَّلُ فَاءً كَمَا فِي الْآيَةِ: [وَفُومِهَا] ، وَدِبَاغٍ وَبَصَلٍ وَكُرَّاثٍ، وَيَجِبُ تَرْكُ أَكْلِ ذَلِكَ يَوْمَهَا وَكَذَا فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ (فَيَجِبُ) عَلَى مَنْ تَلَبَّسَ بِرَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ (إزَالَتُهَا) بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ (إنْ أَمْكَنَ) . (وَ) مِنْ الْأَعْذَارِ (عَدَمُ وُجُودِ قَائِدٍ لِأَعْمَى) إنْ كَانَ (لَا يَهْتَدِي بِنَفْسِهِ) ، وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ السَّعْيُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَخَافَ عَلَى مَالٍ] : أَيْ مِنْ ظَالِمٍ أَوْ لِصٍّ أَوْ نَارٍ. وَقَوْلُهُ: [لَهُ بَالٌ] : أَيْ وَهُوَ الَّذِي يَجْحَفُ بِصَاحِبِهِ. وَمِثْلُ الْخَوْفِ عَلَى الْمَالِ: الْخَوْفُ عَلَى الْعِرْضِ أَوْ الدِّينِ كَأَنْ يَخَافَ قَذْفَ أَحَدٍ مِنْ السُّفَهَاءِ لَهُ أَوْ إلْزَامَ قَتْلِ شَخْصٍ أَوْ ضَرْبِهِ ظُلْمًا أَوْ إلْزَامَ بَيْعَةِ ظَالِمٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ لَا يَجِدَ] إلَخْ: كَذَا نَقَلَ (ح) عَنْ بَهْرَامَ وَالْبِسَاطِيِّ، ابْنُ عَاشِرٍ: وَلَا يُقَيَّدُ بِمَا يَلِيقُ بِأَهْلِ الْمُرُوءَاتِ (اهـ. بْن) ، فَعَلَى هَذَا: إذَا وَجَدَ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّخَلُّفُ وَلَوْ كَانَ مِنْ ذَوِي الْمُرُوءَاتِ. وَهُنَاكَ طَرِيقَةٌ أُخْرَى حَاصِلُهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُرْيِ أَنْ لَا يَجِدَ مَا يَلِيقُ بِأَمْثَالِهِ وَلَا يُزْرِي بِهِ وَإِلَّا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الْأَلْيَقُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَاءِ. كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ لَهَا بِالنَّجَسِ لِأَنَّ لَهَا بَدَلًا. كَمَا قَالُوا: لَا يَتَيَمَّمُ لَهَا. قَوْلُهُ: [وَيَجِبُ تَرْكُ أَكْلِ ذَلِكَ يَوْمَهَا] : أَيْ حَيْثُ لَمْ يَسْتَحْضِرْ لَهُ عَلَى مُزِيلٍ وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ فِي أَكْلِهِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ. وَسَمِعْت عَنْ بَعْضِ الصَّالِحِينَ أَنَّ مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَنَحْوَهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَوْ يَوْمَهَا لَا يَمُوتُ حَتَّى يُبْتَلَى بِتُهْمَةٍ بَاطِلَةٍ وَلَمْ تَظْهَرْ لَهُ بَرَاءَةٌ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ السَّعْيُ] : أَيْ حَيْثُ اهْتَدَى بِنَفْسِهِ أَوْ وَجَدَ قَائِدًا وَلَوْ بِأُجْرَةٍ حَيْثُ لَمْ تَزِدْ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَكَانَتْ لَا تُجْحِفُ بِهِ. خَاتِمَةٌ: مِنْ أَعْذَارِ الْجَمَاعَةِ شِدَّةُ الرِّيحِ بِاللَّيْلِ لَا بِالنَّهَارِ. وَلَيْسَ الْعُرْسُ مِنْ الْأَعْذَارِ وَلَا شُهُودُ الْعِيدِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُمْ الْإِمَامُ فِي التَّخَلُّفِ عَلَى الْمَشْهُورِ، إذْ لَيْسَ حَقًّا لَهُ.

[فصل في صلاة الخوف وكيفيتها]

فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَكَيْفِيَّتِهَا (سُنَّ لِقِتَالٍ جَائِزٍ) أَيْ مَأْذُونٌ فِيهِ؛ وَاجِبًا كَانَ كَقِتَالِ الْحَرْبِيِّينَ وَالْبُغَاةِ الْقَاصِدِينَ الدَّمَ وَهَتْكَ الْحَرِيمِ، أَوْ جَائِزًا كَقِتَالِ مُرِيدِ الْمَالِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَكَيْفِيَّتِهَا] [حُكْم صَلَاةِ الْخَوْفِ] فَصْلٌ: قَوْلُهُ: [وَكَيْفِيَّتِهَا] : أَيْ الْكَيْفِيَّةِ الْمَخْصُوصَةِ الَّتِي تُفْعَلُ حَالَ الْخَوْفِ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهَا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: ذَاتِ الرِّقَاعِ وَذَاتِ النَّخِيلِ وَعُسْفَانَ» ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ صَلَّاهَا فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ. قَوْلُهُ: [سُنَّ لِقِتَالٍ] : أَيْ وَهُوَ الَّذِي فِي الرِّسَالَةِ وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَقِيلَ إنَّهَا مَنْدُوبَةٌ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ سَنَدٌ عَنْ الْمَوَّازِ، وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: [كَقِتَالِ مُرِيدِ الْمَالِ] : إنْ قُلْت إنَّ حِفْظَ الْمَالِ وَاجِبٌ وَحِينَئِذٍ فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ قِتَالُ مُرِيدِ أَخْذِهِ وَاجِبًا حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْحِفْظُ الْوَاجِبُ. قُلْت مَعْنَى وُجُوبِ حِفْظِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إتْلَافُهُ بِنَحْوِ إحْرَاقٍ أَوْ تَغْرِيقٍ مَثَلًا، وَهَذَا لَا يُنَافِي جَوَازَ تَمْكِينِ الْغَيْرِ مِنْ أَخْذِهِ لَهُ مَا لَمْ يَحْصُلُ مُوجِبٌ لِتَحْرِيمِهِ؛ كَأَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ التَّلَفَ إنْ أَمْكَنَ غَيْرَهُ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ: [مِنْ الْمُسْلِمِينَ] : حَالٌ مِنْ مُرِيدِ الْمَالِ.

[كيفية صلاة الخوف إن أمكن للبعض ترك القتال]

(إنْ أَمْكَنَ تَرْكُهُ) أَيْ الْقِتَالِ (لِبَعْضٍ) مِنْ الْقَوْمِ وَالْبَعْضِ الْآخَرِ فِيهِ مُقَاوَمَةٌ لِلْعَدُوِّ أَيْضًا (قَسْمُهُمْ) أَيْ الْقَوْمَ (قِسْمَيْنِ وَعَلَّمَهُمْ) الْإِمَامُ كَيْفِيَّتَهَا وُجُوبًا إنْ جَهِلُوا وَنَدْبًا إنْ كَانُوا عَارِفِينَ، حَذَرًا مِنْ تَطَرُّقِ الْخَلَلِ (وَصَلَّى بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ بِالْأُولَى) مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ (رَكْعَةً فِي) الصَّلَاةِ (الثُّنَائِيَّةِ) كَالصُّبْحِ وَالْمَقْصُورَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: " جَائِزًا ": لَوْ كَانَ الْقِتَالُ حَرَامًا كَقِتَالِ الْبُغَاةِ لِلْإِمَامِ الْعَدْلِ وَكَقِتَالِ أَهْلِ الْفُسُوقِ الَّذِينَ اشْتَهَرُوا بِسَعْدٍ وَحَرَامٍ، فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ. [كَيْفِيَّة صَلَاةِ الْخَوْفِ إنْ أَمْكَنَ لِلْبَعْضِ تَرْكُ الْقِتَالِ] قَوْلُهُ: [قَسْمُهُمْ] : نَائِبُ فَاعِلٍ سُنَّ، أَيْ فَيُقَسِّمُهُمْ وَيُصَلِّي بِهِمْ فِي الْوَقْتِ. فَالْآيِسُونَ مِنْ انْكِشَافِ الْعَدُوِّ يُصَلُّونَ أَوَّلَ الْمُخْتَارِ، وَالْمُتَرَدَّدُونَ وَسَطَهُ وَالرَّاجُونَ آخِرَهُ. وَفِي (بْن) طَرِيقَةٌ بِعَدَمِ هَذَا التَّفْصِيلِ وَأَنَّهُمْ يُصَلُّونَ أَوَّلَ الْمُخْتَارِ مُطْلَقًا. وَإِذَا قَسَّمَهُمْ فَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الطَّائِفَتَيْنِ؛ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى أَنَّ الْأُخْرَى تُنَاوِئُ الْعَدُوَّ. وَيُصَلِّي بِهِمْ صَلَاةَ الْقِسْمَةِ وَإِنْ كَانُوا مُتَوَجِّهِينَ جِهَةَ الْقِبْلَةِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْقَسْمِ حِينَئِذٍ، بَلْ يُصَلُّونَ جَمَاعَةً وَاحِدَةً. بَلْ وَإِنْ كَانُوا عَلَى دَوَابِّهِمْ يُصَلُّونَ بِالْإِيمَاءِ، وَكَذَلِكَ إمَامُهُمْ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ. وَهَذِهِ مُسْتَثْنَاةٌ مِمَّا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِمْ: الْمُومِئُ؛ لَا يَؤُمُّ الْمُومِئَ لِأَنَّ الْمَحَلَّ مَحَلُّ ضَرُورَةٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ هُنَا يُصَلُّونَ عَلَى الدَّوَابِّ إيمَاءً مَعَ الْقَسْمِ لِإِمْكَانِهِ، بِخِلَافِ مَا يَأْتِي فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ عَلَى دَوَابِّهِمْ أَفْذَاذًا لِعَدَمِ إمْكَانِ الْقَسْمِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَصَلَّى بِأَذَانٍ] إلَخْ: إمَّا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " وَعَلَّمَهُمْ ": أَيْ وَالْحُكْمُ أَنَّهُ يُصَلِّي بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ إذَا قَسَمَهُمْ فَمَا كَيْفِيَّةُ مَا يَفْعَلُ؟ فَأَجَابَهُ بِقَوْلِهِ: وَصَلَّى إلَخْ، وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: " بِأَذَانٍ ": بِمَعْنَى مَعَ، وَفِي قَوْلِهِ: " بِالْأُولَى ": لِلْمُلَابَسَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُتَعَلِّقٌ بِصَلَّى. فَلَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ مُتَّحِدَيْ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بِعَامِلٍ وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: [كَالصُّبْحِ وَالْمَقْصُورَةِ] : أَيْ وَكَالْجُمُعَةِ؛ فَإِنَّهَا مِنْ الثُّنَائِيَّةِ، لَكِنْ لَا يُقَسِّمُهُمْ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَسْمَعَ كُلُّ طَائِفَةٍ الْخُطْبَةَ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ كُلُّ طَائِفَةٍ اثْنَيْ عَشَرَ فَإِنْ كَانَ كُلُّ طَائِفَةٍ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ لِاثْنَيْ عَشَرَ مِنْ كُلٍّ، ثُمَّ إنَّهُ يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً وَتَقُومُ فَتُكْمِلُ صَلَاتَهَا وَتُسَلِّمُ أَفْذَاذًا،

(وَ) صَلَّى بِهِمْ (رَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِهَا) : أَيْ الثُّنَائِيَّةِ وَهِيَ الرُّبَاعِيَّةُ بِأَنْ كَانُوا يَحْضُرُونَ الثُّلَاثِيَّةَ، (ثُمَّ قَامَ) بَعْدَ التَّشَهُّدِ فِي غَيْرِ الثُّنَائِيَّةِ وَلَا تَشَهُّدَ فِي الثُّنَائِيَّةِ (دَاعِيًا أَوْ سَاكِتًا مُطْلَقًا) فِي الثُّنَائِيَّةِ وَغَيْرِهَا (أَوْ قَارِئًا فِي الثُّنَائِيَّةِ) فَقَطْ؛ فَفِي الثُّنَائِيَّةِ يُخَيَّرُ بَيْنَ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: الدُّعَاءِ بِالنَّصْرِ وَالْفَرَجِ وَرَفْعِ الْكَرْبِ، وَالسُّكُوتِ وَالْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ يُعَقِّبُ الْفَاتِحَةَ فِيهَا السُّورَةُ فَلَهُ أَنْ يُطَوِّلَ مَا شَاءَ، وَيُخَيَّرُ فِي غَيْرِ الثُّنَائِيَّةِ وَهِيَ الرُّبَاعِيَّةُ وَالثُّلَاثِيَّةُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ الدُّعَاءِ وَالسُّكُوتِ، إذْ لَا قِرَاءَةَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (فَأَتَمَّتْ) الطَّائِفَةُ الْأُولَى حَالَ قِيَامِهِ صَلَاتَهَا (أَفْذَاذًا وَانْصَرَفَتْ) بَعْدَ سَلَامِهَا تُجَاهَ الْعَدُوِّ لِلْقِتَالِ (فَتَأْتِي) الطَّائِفَةُ (الثَّانِيَةُ) الَّتِي كَانَتْ تُجَاهَ الْعَدُوِّ فَتُحْرِمُ خَلْفَهُ (فَيُصَلِّي بِهَا مَا بَقِيَ) لَهُ (فَإِذَا سَلَّمَ) الْإِمَامُ (قَضَوْا مَا فَاتَهُمْ) مِنْ الصَّلَاةِ مِنْ رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ بِفَاتِحَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ تُدْرِكُ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ وَيُسَلِّمُونَ بَعْدَ إكْمَالِ صَلَاتِهِمْ، وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ لِسَلَامِهَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ ضَرُورَةٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ - فَيُلْغِزُ مِنْ جِهَتَيْنِ: جُمُعَةٌ لَا يَكْفِي فِيهَا اثْنَا عَشَرَ يَسْمَعُونَ الْخُطْبَةَ، وَجُمُعَةٌ صَحَّتْ مِنْ غَيْرِ بَقَاءِ اثْنَيْ عَشَرَ لِسَلَامِ الْإِمَامِ. (اهـ) قَالَ فِي حَاشِيَتِهِ: وَمُقَابِلُ هَذَا يَخْطُبُ لِاثْنَيْ عَشَرَ يَسْتَمِرُّونَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الطَّائِفَتَيْنِ لَكِنْ يَلْزَمُهُ أَنَّهُمْ قُسِّمُوا أَثْلَاثًا. (اهـ.) قَوْلُهُ: [وَالْقِرَاءَةُ] : أَيْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُتِمُّهَا حَتَّى تَفْرُغَ الْأُولَى مِنْ صَلَاتِهَا وَتَدْخُلَ مَعَهُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ. قَوْلُهُ: [فَأَتَمَّتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى] : وَهَلْ يُسَلِّمُونَ عَلَى الْإِمَامِ كَالْمَسْبُوقِ؟ ذَكَرَ شَيْخُ الْمَشَايِخِ فِي حَاشِيَةِ أَبِي الْحَسَنِ عَدَمَهُ، وَيَرُدُّونَ عَلَى مَنْ بِالْيَسَارِ. وَإِذَا بَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِمْ لَمْ تَبْطُلْ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ: [أَفْذَاذًا] : فَإِنْ أَمَّهُمْ أَحَدُهُمْ سَوَاءٌ كَانَ بِاسْتِخْلَافِهِمْ لَهُ أَمْ لَا فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَإِنْ نَوَى الْإِمَامَةَ، إلَّا لِتَلَاعُبٍ، وَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ كَمَا فِي الطِّرَازِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ. وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ. وَإِنَّمَا فَسَدَتْ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَا يُصَلَّى بِإِمَامَيْنِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فِي غَيْرِ الِاسْتِخْلَافِ. قَوْلُهُ: [قَضَوْا مَا فَاتَهُمْ] : عَبَّرَ فِي الْأُولَى بِقَوْلِهِ: " فَأَتَمَّتْ " وَهُنَا بِقَوْلِهِ: " قَضَوْا " إشَارَةً إلَى أَنَّ الْأُولَى بَانِيَةٌ وَالثَّانِيَةَ قَاضِيَةٌ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.

[كيفية صلاة الخوف إن لم يمكن ترك القتال وصلاة الالتحام]

وَسُورَةٍ جَهْرًا فِي الْجَهْرِيَّةِ (وَإِنْ سَهَا مَعَ الْأُولَى سَجَدَتْ) الْأُولَى (بَعْدَ إكْمَالِهَا) صَلَاتَهَا السُّجُودَ (الْقَبْلِيَّ قَبْلَ السَّلَامِ) ، أَيْ سَلَامِهَا وَالْبَعْدِيَّ بَعْدَهُ (وَسَجَدَتْ الثَّانِيَةَ) السُّجُودَ (الْقَبْلِيَّ مَعَهُ) ، فَإِذَا سَلَّمَ قَامَتْ لِقَضَاءِ مَا عَلَيْهَا (وَ) سَجَدَتْ (الْبَعْدِيَّ بَعْدَ الْقَضَاءِ) وَذَكَرَ مَفْهُومَ قَوْلِهِ أَمْكَنَ إلَخْ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَرْكُهُ) أَيْ الْقِتَالِ (لِبَعْضٍ صَلَّوْا آخِرَ) الْوَقْتِ (الْمُخْتَارِ إيمَاءً) أَيْ بِالْإِيمَاءِ بِخَفْضٍ لِلسُّجُودِ أَكْثَرَ مِنْ الرُّكُوعِ (أَفْذَاذًا إنْ لَمْ يُمْكِنْ رُكُوعٌ وَسُجُودٌ) ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِنْ سَهَا مَعَ الْأُولَى] إلَخْ: وَأَمَّا لَوْ سَهَا بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْأُولَى فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ إنَّمَا يَلْزَمُ الثَّانِيَةَ. قَوْلُهُ: [الْقَبْلِيَّ مَعَهُ] : وَانْظُرْ لَوْ أَخَّرَتْ لِإِكْمَالِ صَلَاتِهَا وَسَجَدَتْهُ قَبْلَ سَلَامِهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ مَا جَرَى مِنْ الْمَسْبُوقِ الْمُتَقَدِّمِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْبُطْلَانَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَنَّ الصِّحَّةَ قَوْلُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ، وَاخْتَارَهُ (بْن) . ثُمَّ إنَّهَا تَسْجُدُ الْقَبْلِيَّ وَلَوْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ مُتَرَتِّبًا عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ، وَطَالَ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَسَجَدَتْ الْبَعْدِيَّ بَعْدَ الْقَضَاءِ] : فَإِنْ سَجَدَتْهُ مَعَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا كَمَا مَرَّ فِي الْمَسْبُوقِ. [كَيْفِيَّة صَلَاةِ الْخَوْفِ إنْ لَمْ يَمْكَن تَرْكُ الْقِتَالِ وَصَلَاة الِالْتِحَام] قَوْلُهُ: (آخِرَ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ) إلَخْ: هَذَا إذَا رَجَوْا الِانْكِشَافَ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ بِحَيْثُ يُدْرِكُونَ الصَّلَاةَ فِيهِ. وَأَمَّا إنْ أَيِسُوا مِنْ انْكِشَافِهِ فِي الْوَقْتِ صَلَّوْا صَلَاةَ مُسَايَقَةٍ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، فَإِنْ تَرَدَّدُوا أَخَّرُوا الصَّلَاةَ لِوَسَطِهِ، كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. كَأَنْ دَهَمَهُمْ عَدُوٌّ بِهَا فَيُصَلُّونَ كَيْفَمَا تَيَسَّرَ، قَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ: وَسُئِلْت إنْ دَهَمَهُمْ الْعَدُوُّ فِي الْجُمُعَةِ، فَقُلْت: الظَّاهِرُ إنْ دَهَمَهُمْ بَعْدَ رَكْعَةٍ حَصَلَتْ الْجَمَاعَةُ وَأَتَمُّوا جُمُعَةً حَيْثُ أَمْكَنَ الْمَسْجِدُ كَالْمَسْبُوقِ، وَإِلَّا أَتَمُّوا ظُهْرًا وَتَكْفِي نِيَّةُ الْجُمُعَةِ كَمَا سَبَقَ وَانْظُرْ النَّصَّ (اهـ) . قَوْلُهُ: [أَفْذَاذًا] : أَيْ لِأَنَّ مَشَقَّةَ الِاقْتِدَاءِ هُنَا أَشَدُّ مِنْ مَشَقَّتِهِ فِيمَا إذَا أَمْكَنَ الْقَسْمُ، وَلِذَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ الْقَسْمُ فَإِنَّ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا وَلَوْ عَلَى دَوَابِّهِمْ إيمَاءً.

[تنبيه صلاة الخوف بأكثر من إمام]

فَإِنْ أَمْكَنَ صَلَّوْهَا تَامَّةً. (وَحَلَّ) لِلْمُصَلِّي صَلَاةُ الِالْتِحَامِ (لِلضَّرُورَةِ) أَيْ لِأَجْلِهَا (مَشْيٌ) وَهَرْوَلَةٌ وَجَرْيٌ وَرَكْضٌ (وَضَرْبٌ وَطَعْنٌ) لِلْعَدُوِّ (وَكَلَامٌ) مِنْ تَحْذِيرٍ وَإِغْرَاءٍ وَأَمْرٍ وَنَهْيٍ، (وَعَدَمِ تَوَجُّهٍ) لِلْقِبْلَةِ (وَمَسْكُ) سِلَاحٍ (مُلَطَّخٍ) بِدَمٍ (وَإِنْ أَمِنُوا) أَيْ حَصَلَ لَهُمْ الْأَمَانُ (بِهَا) أَيْ فِيهَا أَيْ فِي صَلَاةِ الِالْتِحَامِ (أَتَمَّتْ صَلَاةَ أَمْنٍ) بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ - وَقَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى الْوِتْرِ وَأَنَّهُ آكَدُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [تَنْبِيه صَلَاة الْخَوْفِ بِأَكْثَر مِنْ إمَام] قَوْلُهُ: [وَحَلَّ لِلْمُصَلِّي] إلَخْ: أَيْ فِي صَلَاةِ الْمُسَايَفَةِ الْمَذْكُورَةِ. قَوْلُهُ: [وَكَلَامٌ] : أَيْ لِغَيْرِ إصْلَاحِهَا وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا إنْ احْتَاجَ لَهُ فِي أَمْرِ الْقِتَالِ. قَوْلُهُ: [وَمَسْكُ سِلَاحٍ مُلَطَّخٍ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُحْتَاجًا لِمَسْكِهِ أَوْ فِي غُنْيَةٍ عَنْهُ لِأَنَّهُ مَحَلُّ ضَرُورَةٍ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا لَهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ قَوْلُهُ: [أَيْ فِيهَا] : الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِصَلَاةِ الْخَوْفِ مُطْلَقًا؛ كَانَتْ مُسَايَفَةً أَوْ قَسْمًا وَقَوْلُهُ: [أَتَمَّتْ] : أَيْ إنْ كَانَتْ سَفَرِيَّةً فَسَفَرِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَتْ حَضَرِيَّةً فَحَضَرِيَّةٌ. وَقَوْلُهُ: [صَلَاةَ أَمْنٍ] : حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ " أَتَمَّتْ " فَإِنْ حَصَلَ الْأَمْنُ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى فَمَنْ فَعَلَ مِنْهُمْ فِعْلًا أُمْهِلَ حَتَّى يَأْتِيَ الْإِمَامُ لِيَقْتَدِيَ بِهِ وَلَوْ فِي السَّلَامِ، فَإِنْ أَلْغَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا فَعَلَ وَرَجَعَ بَطَلَتْ عَلَى غَيْرِ السَّاهِي وَهُوَ الْعَامِدُ وَالْجَاهِلُ بِخِلَافِ جَمَاعَةِ السُّفُنِ؛ فَمَنْ فَعَلَ مِنْهُمْ فِعْلًا بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ لَا يَعُودُ لِلْإِمَامِ أَصْلًا لِعَدَمِ أَمْنِهِمْ مِنْ التَّفْرِيقِ ثَانِيًا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ (المج) . تَنْبِيهٌ: لَوْ صَلَّوْا فِي الْخَوْفِ بِإِمَامَيْنِ فَأَكْثَرَ أَوْ بَعْضٌ فَذًّا، جَازَ: أَيْ مَضَى ذَلِكَ بَعْدَ الْوُقُوعِ، وَإِنْ كَانَ الدُّخُولُ عَلَى ذَلِكَ مَكْرُوهًا لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ أَوْ الْمَنْدُوبِ. خَاتِمَةٌ: إنْ صَلَّى فِي ثُلَاثِيَّةٍ أَوْ رُبَاعِيَّةٍ بِكُلٍّ رَكْعَةً، بَطَلَتْ عَلَى الْأُولَى كَثَالِثَةِ الرُّبَاعِيَّةِ لِمُفَارَقَتِهَا قَبْلَ مَحَلِّ الْمُفَارَقَةِ، وَصَحَّتْ لِغَيْرِهِمَا. وَيُقَدَّمُ الْبِنَاءُ كَمَا سَبَقَ فِي الرُّعَافِ. (اهـ. مِنْ الْمَجْمُوعِ) .

[فصل في صلاة العيدين]

فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ فَقَالَ: فِي أَحْكَامِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ (صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ) : أَيْ عِيدُ الْفِطْرِ وَعِيدُ الْأَضْحَى، (سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) تَلِي الْوِتْرَ فِي التَّأْكِيدِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْكَدَ مِنْ الْآخَرِ (فِي حَقِّ مَأْمُورِ الْجُمُعَةِ) : وَهُوَ الذَّكَرُ الْبَالِغُ الْحُرُّ الْمُقِيمُ بِبَلَدِ الْجُمُعَةِ أَوْ النَّائِي عَلَى كَفَرْسَخٍ مِنْهُ، لَا لِصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ] [حُكْم صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ] فَصْلٌ: أَيْ فِي أَحْكَامِ الصَّلَاةِ الَّتِي تُفْعَلُ فِي الْيَوْمِ الْمُسَمَّى عِيدًا. وَسُمِّيَ ذَلِكَ الْيَوْمُ عِيدًا: لِاشْتِقَاقِهِ مِنْ الْعَوْدِ: وَهُوَ الرُّجُوعُ لِتَكَرُّرِهِ. وَلَا يَرُدُّ أَنَّ أَيَّامَ الْأُسْبُوعِ وَالشَّهْرِ تَتَكَرَّرُ أَيْضًا وَلَا يُسَمَّى شَيْءٌ مِنْهَا عِيدًا لِأَنَّ هَذِهِ مُنَاسَبَةٌ وَلَا يَلْزَمُ اطِّرَادُهَا، وَقَالَ عِيَاضٌ: لِعَوْدِهِ عَلَى النَّاسِ بِالْفَرَحِ، وَقِيلَ تَفَاؤُلًا بِأَنْ يَعُودَ عَلَى مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْ النَّاسِ. وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ قُلِبَتْ يَاءً كَمِيزَانٍ وَجُمِعَ بِهَا، وَحَقُّهُ أَنْ يُرَدَّ لِأَصْلِهِ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْوَادِ الْخَشَبِ. «وَأَوَّلُ عِيدٍ صَلَّاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِيدُ الْفِطْرِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ» ، وَهِيَ سَنَةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا وَمَشْرُوعِيَّةِ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَأَكْثَرِ الْأَحْكَامِ، وَاسْتَمَرَّ مُوَاظِبًا عَلَيْهَا حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمَا وَرَدَ مِنْ تَسْمِيَةِ الْجُمُعَةِ عِيدًا، فَمِنْ بَابِ التَّشْبِيهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَمْ يَتَبَادَرْ لِلذِّهْنِ الْجُمُعَةُ أَلْبَتَّةَ. قَوْلُهُ: [سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ] : أَيْ عَيْنِيَّةٌ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ سُنَّةٌ كِفَائِيَّةٌ، وَقِيلَ: فَرْضُ عَيْنٍ، وَقِيلَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ. فَإِنْ قُلْت: يُؤْخَذُ مِنْ اسْتِحْبَابِ إقَامَتِهَا لِمَنْ فَاتَتْهُ أَنَّهَا سُنَّةٌ كِفَائِيَّةٌ؟ إذْ لَوْ كَانَتْ سُنَّةَ عَيْنٍ لَسُنَّتْ فِي حَقِّ مَنْ فَاتَتْهُ؛ أُجِيبَ بِأَنَّهَا

[وقت صلاة العيد والنداء لها]

وَمُسَافِرٍ لَمْ يَنْوِ إقَامَةً تَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ، وَلَا بِنَاءً عَلَى أَكْثَرَ مِنْ كَفَرْسَخٍ وَنُدِبَتْ لِغَيْرِ الشَّابَّةِ، وَلَا تُنْدَبُ لِحَاجٍّ وَلَا لِأَهْلِ مِنًى وَلَوْ غَيْرَ حَاجِّينَ. (وَهِيَ رَكْعَتَانِ) لَا أَكْثَرُ. وَقْتُهَا (مِنْ حِلِّ النَّافِلَةِ) بِارْتِفَاعِ الشَّمْسِ عَنْ الْأُفُقِ قِيدَ رُمْحٍ لَا قَبْلَهُ، فَتُكْرَهُ بَعْدَ الشُّرُوقِ وَتَحْرُمُ حَالَ الشُّرُوقِ وَلَا تُجْزِئُ (لِلزَّوَالِ) ، فَلَا تُصَلَّى بَعْدَهُ لِفَوَاتِ وَقْتِهَا وَالنَّوَافِلُ لَا تُقْضَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQسُنَّةُ عَيْنٍ فِي حَقِّ مَنْ يُؤْمَرُ بِالْجُمُعَةِ وُجُوبًا بِشَرْطِ إيقَاعِهَا مَعَ الْإِمَامِ، فَلَا يُنَافِي اسْتِحْبَابُهَا لِمَنْ فَاتَتْهُ جَمَاعَتُهَا، أَوْ يُقَالُ: إنَّ اسْتِحْبَابَ فِعْلِهَا لِمَنْ فَاتَتْهُ مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ: وَهُوَ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا سُنَّةُ كِفَايَةٍ. قَوْلُ: (وَلَا تُنْدَبُ لِحَاجٍّ) : أَيْ لِأَنَّ وُقُوفَهُمْ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ يَوْمَ النَّحْرِ يَكْفِيهِمْ عَنْهَا. قَوْلُهُ: [وَلَا لِأَهْلِ مِنًى] : أَيْ لَا تُشْرَعُ فِي حَقِّهِمْ جَمَاعَةً، بَلْ تُنْدَبُ لَهُمْ فُرَادَى إذَا كَانُوا غَيْرَ حُجَّاجٍ، وَإِنَّمَا لَمْ تُشْرَعْ فِي حَقِّهِمْ جَمَاعَةً لِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً لِصَلَاةِ الْحُجَّاجِ مَعَهُمْ. [وَقْت صَلَاة الْعِيد وَالنِّدَاء لَهَا] قَوْلُهُ: [وَقْتُهَا مِنْ حِلِّ النَّافِلَةِ] إلَخْ: هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقْتُهَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ. قَوْلُهُ: [فَتُكْرَهُ بَعْدَ الشُّرُوقِ] : أَيْ عِنْدَنَا وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَتَجُوزُ، فَاتَّفَقَ الْمَذْهَبَانِ عَلَى الصِّحَّةِ، وَاخْتَلَفَا فِي الْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَا تُجْزِئُ] : أَيْ حَالَ الطُّلُوعِ بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ. تَنْبِيهٌ: لَا يُنَادَى: " الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ ". أَيْ لَا يُنْدَبُ وَلَا يُسَنُّ، بَلْ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى لِعَدَمِ وُرُودِ ذَلِكَ فِيهَا فَبِالْكَرَاهَةِ صَرَّحَ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي وَابْنُ عُمَرَ إنَّهُ بِدْعَةٌ وَمَا ذَكَرَهُ الْخَرَشِيُّ أَنَّهُ جَائِزٌ فَغَيْرُ صَوَابٍ، بَلْ مَا وَرَدَ ذَلِكَ إلَّا فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَمَحَلُّ كَوْنِهِ مَكْرُوهًا أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى إنْ اعْتَقَدَ مَطْلُوبِيَّةَ ذَلِكَ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ قَصْدِ الْإِعْلَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. قَوْلُهُ: [وَالنَّوَافِلُ لَا تُقْضَى] : أَيْ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهَا إلَّا فَجْرَ يَوْمِهِ لِلزَّوَالِ كَمَا تَقَدَّمَ.

[كيفية صلاة العيدين]

وَأَشَارَ لِكَيْفِيَّتِهَا بِقَوْلِهِ: (يُكَبِّرُ) الْمُصَلِّي فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (سِتًّا بَعْدَ) تَكْبِيرَةِ (الْإِحْرَامِ) فَيَكُونُ التَّكْبِيرُ بِهَا سَبْعًا (ثُمَّ) يُكَبِّرُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (خَمْسًا غَيْرَ) تَكْبِيرَةِ (الْقِيَامِ) . وَيَكُونُ التَّكْبِيرُ (مُوَالًى) بِلَا فَصْلٍ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ (إلَّا بِتَكْبِيرِ الْمُؤْتَمِّ) فَيَفْصِلُ سَاكِتًا بِقَدْرِهِ (وَتَحَرَّاهُ مُؤْتَمٌّ لَمْ يَسْمَعْ) تَكْبِيرَ الْإِمَامِ أَوْ مَأْمُومَهُ. وَمَحِلُّ التَّكْبِيرِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَلَوْ اقْتَدَى بِحَنَفِيٍّ يُؤَخِّرُهُ (فَإِنْ نَسِيَهُ) وَتَذَكَّرَهُ فِي أَثْنَاءِ قِرَاءَتِهِ أَوْ بَعْدَهَا (كَبَّرَ) أَيْ أَتَى بِهِ، أَوْ بِمَا تَرَكَهُ مِنْهُ (مَا لَمْ يَرْكَعْ وَأَعَادَ الْقِرَاءَةَ وَسَجَدَ) لِزِيَادَةِ إعَادَتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كَيْفِيَّة صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ] قَوْلُهُ: [سِتًّا بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ] : أَيْ وَكَوْنُهُ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَ الْقِرَاءَةِ مُسْتَحَبٌّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ مِنْهَا سُنَّةٌ كَمَا يَأْتِي، وَتَقْدِيمُ ذَلِكَ التَّكْبِيرِ عَلَى الْقِرَاءَةِ مَنْدُوبٌ فَلَوْ أَخَّرَهُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ أَتَى بِالسُّنَّةِ وَفَاتَهُ الْمَنْدُوبُ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ يُكَبِّرُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ خَمْسًا] إلَخْ: فَلَوْ اقْتَدَى بِشَافِعِيٍّ يَزِيدُ، فَلَا يَزِيدُ مَعَهُ وَهَذَا الْعَدَدُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَارِدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمُوَطَّإِ، وَمَرْفُوعٌ فِي مُسْنَدِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْت عَنْهُ الْبُخَارِيَّ فَقَالَ صَحِيحٌ. قَوْلُهُ: [وَتَحَرَّاهُ مُؤْتَمٌّ] : أَيْ تَكْبِيرَ الْعِيدِ، وَأَمَّا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ فَلَا يُجْزِئُ فِيهَا التَّحَرِّي، بَلْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْيَقِينِ بِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْرَمَ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ الْقِرَاءَةِ] : أَيْ نَدْبًا كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [وَلَوْ اقْتَدَى بِحَنَفِيٍّ] إلَخْ: مُبَالَغَةٌ فِي الْقَبْلِيَّةِ أَيْ يُؤَخِّرُهُ تَبَعًا لَهُ، بَلْ يُكَبِّرُهُ حَالَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَالْمُخَالَفَةُ الْقَوْلِيَّةُ لَا تَضُرُّ. قَوْلُهُ: [وَإِعَادَةُ الْقُرَّاءِ] : أَيْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الِافْتِتَاحَ بِالتَّكْبِيرِ مَنْدُوبٌ، فَإِنْ تَرَكَ إعَادَتَهَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ. قَوْلُهُ: [لِزِيَادَةِ إعَادَتِهَا] : هَذَا يُفِيدُ أَنَّ سَبَبَ السُّجُودِ الْقِرَاءَةُ الثَّانِيَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ مَطْلُوبَةٌ بَلْ السَّبَبُ فِي الْحَقِيقَةِ الْقِرَاءَةُ الْأُولَى لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي لَمْ تُصَادِفْ مَحَلَّهَا، فَهِيَ الزَّائِدَةُ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّهُ لَوْ فُرِضَ اقْتِصَارُهُ عَلَيْهَا لَأَجْزَأَتْ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ الْعِلَّةَ زِيَادَةَ الْإِعَادَةِ لِكَوْنِهِ لَا يُؤْمَرُ بِالسُّجُودِ إلَّا عِنْدَ

(بَعْدَ) : أَيْ بَعْدَ السَّلَامِ (فَإِنْ رَكَعَ تَمَادَى) وُجُوبًا وَلَا يَرْجِعُ لَهُ؛ إذْ لَا يُرْجَعُ مِنْ فَرْضٍ لِنَفْلٍ، وَإِلَّا بَطَلَتْ. (وَ) إذَا تَمَادَى (سَجَدَ) غَيْرُ الْمُؤْتَمِّ (قَبْلُ، وَلَوْ لِتَرْكِ) تَكْبِيرَةٍ (وَاحِدَةٍ) إذْ كُلُّ تَكْبِيرَةٍ مِنْهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَأَمَّا الْمُؤْتَمُّ فَالْإِمَامُ يَحْمِلُهُ عَنْهُ. (وَمُدْرِكُ الْقِرَاءَةِ) مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الْمَسْبُوقِينَ (يُكَبِّرُ) فَمُدْرِكُ الْأُولَى يُكَبِّرُ (سَبْعًا) بِالْإِحْرَامِ (وَمُدْرِكُ الثَّانِيَةِ يُكَبِّرُ خَمْسًا) غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. (ثُمَّ) إذَا قَامَ لِلْقَضَاءِ كَبَّرَ (سَبْعًا بِالْقِيَامِ) أَيْ بِتَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ. وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ مُدْرِكَ رَكْعَةٍ لَا يَقُومُ بِتَكْبِيرٍ؟ وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ؛ وَهُوَ أَنَّهُ يَقُومُ بِتَكْبِيرٍ (كَمُدْرِكِ التَّشَهُّدِ) : تَشْبِيهٌ فِي التَّكْبِيرِ سَبْعًا؛ أَيْ إنْ فَاتَتْهُ مَعَ الْإِمَامِ صَلَاةُ الْعِيدِ، وَأَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي السُّجُودِ مِنْ الثَّانِيَةِ أَوْ التَّشَهُّدِ، فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ سَبْعًا بِتَكْبِيرِ الْقِيَامِ، وَقِيلَ سِتًّا وَلَا يُكَبِّرُ لِقِيَامِهِ. وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ مُدْرِكَ التَّشَهُّدِ يَقُومُ بِتَكْبِيرٍ؟ وَأُجِيبَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQحُصُولِهَا. قَوْلُهُ: [إلَّا بَطَلَتْ] : أَيْ لَيْسَ كَمَنْ رَجَعَ لِلْجُلُوسِ الْوَسَطِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَقِلَّ قَائِمًا لِأَنَّ الرُّكْنَ الْمُتَلَبَّسَ بِهِ هُنَا وَهُوَ الرُّكُوعُ أَقْوَى مِنْ الْمُتَلَبَّسِ بِهِ هُنَاكَ لِوُجُوبِ الرُّكُوعِ بِاتِّفَاقٍ وَالِاخْتِلَافُ فِي الْفَاتِحَةِ. قَوْلُهُ: [يُكَبِّرُ خَمْسًا] إلَخْ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ آخِرَ صَلَاتِهِ وَحِينَئِذٍ فَيُكَبِّرُ فِي رَكْعَةِ الْقَضَاءِ سَبْقًا بِالْقِيَامِ كَمَا سَيَقُولُ الْمُصَنِّفُ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَا أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلَ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ سَبْعًا بِالْإِحْرَامِ، وَيَقْضِي خَمْسًا غَيْرَ الْقِيَامِ فَإِنْ جَاءَ الْمَأْمُومُ فَوَجَدَ الْإِمَامَ فِي الْقِرَاءَةِ، وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ هُوَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ، فَقَالَ الْأُجْهُورِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُكَبِّرُ سَبْعًا بِالْإِحْرَامِ احْتِيَاطًا ثُمَّ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا الْأُولَى، فَظَاهِرٌ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا الثَّانِيَةُ قَضَى الْأُولَى بِسِتٍّ غَيْرِ الْقِيَامِ، وَلَا يَحْسِبُ مَا كَبَّرَهُ زِيَادَةً عَلَى الْخَمْسِ مِنْ تَكْبِيرِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: [بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ] إلَخْ: أَيْ أَنْ يَقُومَ بِتَكْبِيرٍ مُطْلَقًا سَوَاءٌ جَلَسَ مَعَ الْإِمَامِ فِي ثَانِيَةِ نَفْسِهِ أَمْ لَا، فَمَا هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ وَلَا غَرَابَةَ فِي بِنَاءِ مَشْهُورٍ عَلَى ضَعِيفٍ، وَتَقَدَّمَ لِزَرُّوقٍ قَالَ: كَانَ شَيْخُنَا الْقُورِيُّ يُفْتِي بِهِ الْعَامَّةَ لِئَلَّا يَخْلِطُوا، فَفِي ذَلِكَ الْقَوْلِ نَوْعُ قُوَّةٍ.

[آداب العيد ومندوباته]

بِأَنَّهُ فِي الْعِيدِ خَاصَّةً لَا يَقُومُ بِهِ، لِأَنَّ تَكْبِيرَ الْعِيدِ يَقُومُ مَقَامَهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، فَلِذَا اقْتَصَرْنَا عَلَيْهِ. وَالشَّيْخُ ذَكَرَ التَّأْوِيلَيْنِ. (وَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي الْأُولَى) أَيْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ (فَقَطْ) . (وَنُدِبَ إحْيَاءُ لَيْلَتِهِ) : أَيْ الْعِيدِ الصَّادِقِ بِالِاثْنَيْنِ بِالْعِبَادَةِ مِنْ صَلَاةٍ وَذِكْرٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَسْبِيحٍ وَاسْتِغْفَارٍ، وَيَحْصُلُ بِالثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ وَالْأَوْلَى إحْيَاءُ كُلِّهِ. (وَ) نُدِبَ (غُسْلٌ) يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِالسُّدُسِ الْأَخِيرِ. (وَ) نُدِبَ كَوْنُهُ (بَعْدَ) صَلَاةِ الصُّبْحِ. (وَ) نُدِبَ (تَطَيُّبٌ وَتَزَيُّنٌ) بِالثِّيَابِ الْجَدِيدَةِ إظْهَارًا لِنِعْمَتِهِ وَشُكْرِهِ، (وَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ] : أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ وَسَنَدٍ وَابْنِ رَاشِدٍ، وَإِنَّمَا كَانَ أَظْهَرَ لِأَنَّ سُنَّةَ الْعِيدِ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي إحْدَى رَكْعَتَيْهِ سَبْعٌ مُوَالَاةٌ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ تَكْبِيرٍ وَلِمُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ. [آدَاب الْعِيد وَمَنْدُوبَاته] قَوْلُهُ: (وَنُدِبَ إحْيَاءُ لَيْلَتِهِ) : أَيْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ أَحْيَا لَيْلَةَ الْعِيدِ وَلَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ» ، وَمَعْنَى عَدَمِ مَوْتِ قَلْبِهِ عَدَمُ تَحَيُّرِهِ عِنْدَ النَّزْعِ وَعِنْدَ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ وَفِي الْقِيَامَةِ، بَلْ يَكُونُ مُطْمَئِنًّا ثَانِيًا فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ. قَوْلُهُ: [وَيَحْصُلُ بِالثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ] : وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ الْفُرَاتِ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِإِحْيَاءِ مُعْظَمِ اللَّيْلِ، وَقِيلَ بِسَاعَةٍ، وَقِيلَ بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ فِي جَمَاعَةٍ، وَلَكِنَّ الْأَوْلَى كَمَا قَالَ الشَّارِحُ إحْيَاؤُهُ كُلِّهِ، وَقَوْلُهُمْ إحْيَاءُ اللَّيْلِ كُلِّهِ مَكْرُوهٌ فِي غَيْرِ اللَّيَالِي الَّتِي رَغَّبَ الشَّارِعُ فِي قِيَامِهَا كُلِّهَا لِمَا فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «إنَّ لِلَّهِ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ فَتَعَرَّضُوا لَهَا» . قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ غُسْلٌ] : هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ (ح) وَرَجَّحَ اللَّخْمِيُّ وَسَنَدٌ سُنِّيَّتَهُ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُهُ بِالْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّى. [تَنْبِيه ترك إظْهَار الزِّينَة فِي الْعِيد] قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ تَطَيُّبٌ وَتَزَيُّنٌ] : هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ النِّسَاءِ وَأَمَّا هُنَّ إذَا خَرَجْنَ

لِغَيْرِ مُصَلٍّ) كَالصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ فِي بُيُوتِهِنَّ. (وَ) نُدِبَ (مَشْيٌ فِي ذَهَابِهِ) بِالْفَتْحِ لَا فِي رُجُوعِهِ، (وَرُجُوعٌ فِي طَرِيقٍ أُخْرَى) غَيْرِ الَّتِي ذَهَبَ فِيهَا. (وَ) نُدِبَ (فِطْرٌ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ ذَهَابِهِ لِلْمُصَلَّى (فِي) عِيدِ (الْفِطْرِ) (وَ) نُدِبَ (كَوْنُهُ عَلَى تَمْرٍ) وِتْرًا إنْ وَجَدَهُ، وَإِلَّا حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ كَفِطْرِ رَمَضَانَ. (وَ) نُدِبَ (تَأْخِيرُهُ) أَيْ الْفِطْرِ (فِي) عِيدِ (النَّحْرِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يَتَطَيَّبْنَ وَلَا يَتَزَيَّنَّ لِخَوْفِ الِافْتِتَانِ بِهِنَّ. تَنْبِيهٌ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ تَرْكُ إظْهَارِ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ فِي الْأَعْيَادِ تَقَشُّفًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ، قَالَهُ (ح) . وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَرَحًا وَسُرُورًا وَزِينَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَوَرَدَ: «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ» ، قَالَ (ح) أَيْضًا وَلَا يُنْكَرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَعِبُ الصِّبْيَانِ وَضَرْبُ الدُّفِّ فَقَدْ وَرَدَ. قَوْلُهُ: [فِي ذَهَابِهِ] : أَيْ لِأَنَّهُ عَبْدٌ ذَاهِبٌ لِخِدْمَةِ مَوْلَاهُ فَيُطْلَبُ مِنْهُ التَّوَاضُعُ لِأَجْلِ إقْبَالِهِ عَلَيْهِ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ؛ وَإِلَّا فَلَا يُنْدَبُ لَهُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [فِي طَرِيقٍ أُخْرَى] : أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ كُلٌّ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ وَمَلَائِكَتُهُمَا. قَوْلُهُ: [فِي عِيدِ الْفِطْرِ] : أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يُقَارِنَ فِطْرُهُ إخْرَاجَ زَكَاةِ فِطْرِهِ الْمَأْمُورِ بِإِخْرَاجِهَا قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ كَوْنُهُ عَلَى] إلَخْ: أَيْ فَكَوْنُهُ عَلَى تَمْرٍ مَنْدُوبٌ ثَانٍ، وَكَوْنُهُ وِتْرًا مَنْدُوبٌ ثَالِثٌ، وَقَوْلُهُ عَلَى تَمْرٍ إلَخْ أَيْ إنْ لَمْ يَجِدْ رُطَبًا. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ تَأْخِيرُهُ] إلَخْ: أَيْ لِيَكُونَ أَوَّلُ أَكْلِهِ مِنْ كَبِدِ أُضْحِيَّتِهِ فَهَذِهِ هِيَ الْعِلَّةُ، وَأَجْرَى الْبَابَ عَلَى وَتِيرَةٍ وَإِنْ لَمْ يُضَحِّ.

(وَ) نُدِبَ (خُرُوجٌ) : أَيْ ذَهَابٌ لِلصَّلَاةِ (بَعْدَ) طُلُوعِ (شَمْسٍ لِمَنْ قَرُبَتْ دَارُهُ) وَإِلَّا خَرَجَ بِقَدْرِ مَا يُدْرِكُ الصَّلَاةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ. (وَ) نُدِبَ (تَكْبِيرٌ فِيهِ) أَيْ فِي خُرُوجِهِ. (وَ) نُدِبَ (جَهْرٌ بِهِ) أَيْ بِالتَّكْبِيرِ لِإِظْهَارِ الشَّعِيرَةِ، وَيَسْتَمِرُّ عَلَى التَّكْبِيرِ فَيُكَبِّرُونَ وَهُمْ جَالِسُونَ فِي الْمُصَلَّى (لِلشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ) . (وَ) نُدِبَ (إيقَاعُهَا) أَيْ صَلَاةِ الْعِيدِ (بِالْمُصَلَّى) ، فِي الصَّحْرَاءِ لَا فِي الْمَسْجِدِ (إلَّا بِمَكَّةَ) فَبِمَسْجِدِهَا أَفْضَلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ فِي خُرُوجِهِ] : أَيْ وَلَوْ قَبْلَ الشَّمْسِ فِيمَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ، وَيُسْتَحَبُّ الِانْفِرَادُ فِي التَّكْبِيرِ حَالَةَ الْمَشْيِ لِلْمُصَلَّى. وَأَمَّا التَّكْبِيرُ جَمَاعَةً وَهُمْ جَالِسُونَ فِي الْمُصَلَّى فَهَذَا هُوَ الَّذِي اُسْتُحْسِنَ. قَالَ ابْنُ نَاجِي افْتَرَقَ النَّاسُ بِالْقَيْرَوَانِ فِرْقَتَيْنِ بِمَحْضَرِ أَبِي عَمْرٍو الْفَارِسِيِّ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَإِذَا فَرَغَتْ إحْدَاهُمَا مِنْ التَّكْبِيرِ كَبَّرَتْ الْأُخْرَى فَسُئِلَا عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَا: إنَّهُ لَحَسَنٌ. قَوْلُهُ: [وَيَسْتَمِرُّ عَلَى التَّكْبِيرِ] إلَخْ: وَاخْتُلِفَ فِي ابْتِدَاءِ وَقْتِ التَّكْبِيرِ فِي. الْمُصَلَّى فَقِيلَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَقِيلَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ مِنْ الْإِسْفَارِ. قَوْلُهُ: [لِلشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ] : هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ لِمَجِيءِ الْإِمَامِ لَلْمُصَلَّى وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الصَّلَاةَ بِالْفِعْلِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ إيقَاعُهَا] إلَخْ: أَيْ لِأَجْلِ الْمُبَاعَدَةِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ وَإِنْ كَبِرَتْ يَقَعُ الِازْدِحَامُ فِيهَا وَفِي أَبْوَابِهَا بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ دُخُولًا وَخُرُوجًا فَتُتَوَقَّعُ الْفِتْنَةُ فِي مَحَلِّ الْعِبَادَةِ. قَوْلُهُ: [لَا فِي الْمَسْجِدِ] : أَيْ وَلَوْ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَلَا يَغْتَفِرُ الْمَسْجِدَ إلَّا الضَّرُورَةُ. قَوْلُهُ: [إلَّا بِمَكَّةَ] : إنَّمَا كَانَ أَفْضَلَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ - مَعَ أَنَّ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِنْهُ عِنْدَنَا - لِلْمَزَايَا الَّتِي تَقَعُ فِيهِ لِمَنْ يُصَلِّي الْعِيدَ، وَهِيَ النَّظَرُ وَالطَّوَافُ الْمَعْدُومَانِ فِي غَيْرِهِ لِخَبَرِ: «يَنْزِلُ عَلَى الْبَيْتِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ رَحْمَةً سِتُّونَ لِلطَّائِفِينَ، وَأَرْبَعُونَ لِلْمُصَلِّينَ، وَعِشْرُونَ لِلنَّاظِرِينَ إلَيْهِ» .

(وَ) نُدِبَ (قِرَاءَتُهَا) أَيْ الْقِرَاءَةُ فِيهَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (بِكَسَبِّحْ) اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى أَوْ {هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: 1] فِي الْأُولَى، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1] أَوْ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] فِي الثَّانِيَةِ. (وَ) نُدِبَ (خُطْبَتَانِ كَالْجُمُعَةِ) يَجْلِسُ فِي أَوَّلِ الْأُولَى وَأَوَّلِ الثَّانِيَةِ، يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهِمَا زَكَاةَ الْفِطْرِ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَوُجُوبَ إخْرَاجِهَا يَوْمَ الْفِطْرِ وَحُرْمَةَ تَأْخِيرِهَا عَنْهُ، وَالضَّحِيَّةَ وَمَنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ وَمَا تُجْزِئُ مِنْهَا وَمَا لَا تُجْزِئُ فِي النَّحْرِ. (وَ) نُدِبَ (بَعْدِيَّتِهِمَا) أَيْ كَوْنُهُمَا بَعْدَ الصَّلَاةِ (وَأُعِيدَتَا) نَدْبًا (إنْ قُدِّمَتَا) عَلَى الصَّلَاةِ. (وَ) نُدِبَ (اسْتِفْتَاحُهُمَا) : أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ (بِتَكْبِيرٍ) بِلَا حَدٍّ بِثَلَاثَةٍ أَوْ سَبْعَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، (وَتَخْلِيلُهُمَا بِهِ) أَيْ بِالتَّكْبِيرِ (بِلَا حَدٍّ) : رَاجِعٌ لِلِافْتِتَاحِ وَالتَّخْلِيلِ (وَاسْتِمَاعُهُمَا) : بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ فَيَجِبُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) نُدِبَ (إقَامَتُهَا) أَيْ صَلَاةِ الْعِيدِ (لِغَيْرِ مَأْمُورِ الْجُمُعَةِ) : مِنْ الصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ غَيْرِ الشَّابَّةِ، وَيَحْرُمُ عَلَى مَخْشِيَّةِ الْفِتْنَةِ، وَلَا يُحْتَاجُ مُكَاتَبٌ لِإِذْنٍ لِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ، (أَوْ لِمَنْ فَاتَتْهُ) صَلَاتُهَا (مَعَ الْإِمَامِ) مِنْ مَأْمُورِ الْجُمُعَةِ. فَقَوْلُهُمْ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَنُدِبَ خُطْبَتَانِ] : اُنْظُرْ هَلْ هُمَا مَنْدُوبٌ وَاحِدٌ أَوْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مَنْدُوبٌ مُسْتَقِلٌّ؟ قَالَ شَيْخُ الْمَشَايِخِ الْعَدَوِيُّ الْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَقَدْ اقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى سُنِّيَّةِ الْخُطْبَتَيْنِ. قَوْلُهُ: [يَجْلِسُ فِي أَوَّلِ الْأُولَى] : الظَّاهِرُ أَنَّ الْجُلُوسَ فِيهِمَا مَنْدُوبٌ لَا سُنَّةٌ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ، وَانْظُرْ هَلْ يُنْدَبُ الْقِيَامُ فِيهِمَا أَمْ لَا؟ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . وَالظَّاهِرُ النَّدْبُ. قَوْلُهُ: [وَأُعِيدَتَا نَدْبًا] : مَا ذَكَرَهُ مِنْ نَدْبِ إعَادَتِهِمَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ بَعْدِيَّتِهِمَا مُسْتَحَبَّةٌ وَأَمَّا عَلَى أَنَّ بَعْدِيَّتِهِمَا سُنَّةٌ فَإِعَادَتُهُمَا سُنَّةٌ. قَوْلُهُ: [بِتَكْبِيرٍ] : أَيْ بِخِلَافِ خُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ يُطْلَبُ افْتِتَاحُهُمَا بِالتَّحْمِيدِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ خُطْبَةَ الِاسْتِسْقَاءِ تُفْتَتَحُ بِالِاسْتِغْفَارِ. قَوْلُهُ: [وَاسْتِمَاعُهُمَا] : مَا ذَكَرَهُ مِنْ نَدْبِ الِاسْتِمَاعِ لَهُمَا بِأَنْ لَا يَشْغَلَ فِكْرَهُ فَمُسَلَّمٌ، وَأَمَّا الْكَلَامُ وَقْتَهُمَا فَاخْتُلِفَ فِيهِ؛ قِيلَ مَكْرُوهٌ، وَقِيلَ حَرَامٌ بَعْدَ الْحُضُورِ الْمَنْدُوبِ ابْتِدَاءً، وَهُوَ ظَاهِرُ النَّقْلِ عَلَى مَا أَفَادَهُ (ر) كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ.

سُنَّةُ عَيْنٍ؛ أَيْ لِمَنْ يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا مَعَ الْإِمَامِ. فَإِنْ فَاتَتْهُ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَتُنْدَبُ لِلزَّوَالِ. (وَ) نُدِبَ لِكُلِّ مُصَلٍّ وَلَوْ صَبِيًّا (التَّكْبِيرُ إثْرَ) كُلِّ صَلَاةٍ مِنْ (خَمْسَ عَشْرَةَ فَرِيضَةً وَقْتِيَّةً مِنْ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ) لَا قَبْلَهُ إلَى صُبْحِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ لَا بَعْدَ نَافِلَةٍ وَلَا مَقْضِيَّةٍ فِيهَا، وَلَوْ فَاتَتْهُ مِنْهَا (فَإِنْ نَسِيَ) التَّكْبِيرَ (كَبَّرَ) إذَا تَذَكَّرَ (إنْ قَرُبَ) الزَّمَنُ لَا إنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ طَالَ عُرْفًا (وَكَبَّرَ مُؤْتَمٌّ) نَدْبًا (تَرَكَ إمَامَهُ) . وَنُدِبَ تَنْبِيهُ النَّاسِي وَلَوْ بِالْكَلَامِ. (وَ) نُدِبَ (لَفْظُهُ الْوَارِدُ) أَيْ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ (وَهُوَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثَلَاثًا) فَإِنْ زَادَ بَعْدَ الثَّالِثَةِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَحَسَنٌ. وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ (وَكُرِهَ تَنَفُّلٌ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا بِمُصَلًّى) أَيْ فِيهِ (لَا بِمَسْجِدٍ) فَلَا يُكْرَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ فَاتَتْهُ لِعُذْرٍ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا مَنْ صَلَّاهَا قَبْلَ الْإِمَامِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالسُّنَّةِ فَيُعِيدُهَا مَعَهُ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [مِنْ خَمْسَ عَشْرَةَ فَرِيضَةً] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِابْنِ بَشِيرٍ الْقَائِلِ إثْرَ سِتَّ عَشْرَةَ فَرِيضَةً مِنْ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لِظُهْرِ الرَّابِعِ. قَوْلُهُ: [وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ] : أَيْ لِأَنَّهُ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالثَّانِي فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ. قَوْلُهُ: [لَا بِمَسْجِدٍ فَلَا يُكْرَهُ] : أَيْ النَّفَلُ فِيهِ قَبْلَ صَلَاتِهَا وَبَعْدَهَا. أَمَّا عَدَمُ كَرَاهَتِهِ قَبْلَ صَلَاتِهَا فَنَظَرًا لِلتَّحِيَّةِ، وَأَمَّا عَدَمُ كَرَاهَتِهِ بَعْدَهَا فَلِنُدُورِ حُضُورِ أَهْلِ الْبِدَعِ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ.

[فصل في صلاة الكسوف والخسوف]

فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ (سُنَّ وَتَأَكَّدَ) الِاسْتِنَانُ الْمَفْهُومُ مِنْ سُنَّ: تَأْكِيدًا يَلِي الْعِيدَيْنِ (لِكُسُوفِ الشَّمْسِ) : أَيْ لِأَجْلِ كُسُوفِهَا (وَلَوْ) كَانَ الْمَكْسُوفُ (بَعْضًا) مِنْهَا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ (رَكْعَتَانِ) : نَائِبُ فَاعِلٍ لِسُنَّ. (بِزِيَادَةِ قِيَامٍ، وَرُكُوعٍ) عَلَى الصَّلَاةِ الْمَعْهُودَةِ (فِيهِمَا) : أَيْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُمَا؛ بِأَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً وَلَوْ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ، ثُمَّ يَرْكَعَ ثُمَّ يَرْفَعَ مِنْهُ فَيَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً، ثُمَّ يَرْكَعَ، ثُمَّ يَرْفَعَ، وَيَسْجُدَ السَّجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَفْعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ وَيَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ (لِمَأْمُورِ الصَّلَاةِ) مُتَعَلِّقٌ: بِ " سُنَّ "، (وَإِنْ) كَانَ مَأْمُورُ الصَّلَاةِ (صَبِيًّا) عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ] [صَلَاة الْكُسُوفِ وَحُكْمهَا] فَصْلٌ: اعْلَمْ أَنَّ الْكُسُوفَ وَالْخُسُوفَ قِيلَ مُتَرَادِفَانِ وَأَنَّهُ ذَهَابُ الضَّوْءِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا مِنْ شَمْسٍ أَوْ قَمَرٍ، وَقِيلَ الْكُسُوفُ ذَهَابُ ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَالْخُسُوفُ ذَهَابُ ضَوْءِ الْقَمَرِ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَقِيلَ عَكْسُهُ وَرُدَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [القيامة: 8] وَقِيلَ الْكُسُوفُ اسْمٌ لِذَهَابِ بَعْضِ الضَّوْءِ وَالْخُسُوفُ اسْمٌ لِذَهَابِ جَمِيعِهِ وَقِيلَ عَكْسُهُ. قَوْلُهُ: [سُنَّ] : أَيْ عَيْنًا عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ. قَوْلُهُ: [يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً] إلَخْ: بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْأَحْكَامِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا. [تَنْبِيه لَا يُصَلَّى لِغَيْرِ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ مِنْ الْآيَاتِ] قَوْلُهُ: [لِمَأْمُورِ الصَّلَاةِ] : أَيْ الْخَمْسِ وَلَوْ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ فَيَشْمَلُ الصِّبْيَانَ الْمُمَيِّزِينَ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ مَأْمُورُ الصَّلَاةِ صَبِيًّا] إلَخْ: هَكَذَا أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِمَأْمُورِ الصَّلَاةِ وَلَوْ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ، فَيَشْمَلُ الصِّبْيَانَ الْمُمَيِّزِينَ كَمَا عَلِمْت تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِنْ الشُّرَّاحِ، وَوَجْهُهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِقَوْلِهِ: وَلَا يُسْتَبْعَدُ كَوْنُهُ لَهُ أَعْلَى مِنْ الْخَمْسِ؛

[وقت صلاة الكسوف ومندوباتها]

(وَعَمُودِيًّا وَمُسَافِرًا إلَّا أَنْ يَجِدَّ سَيْرَهُ) أَيْ الْمُسَافِرِ (لِ) أَمْرٍ (مُهِمٍّ) فَلَا يُسَنُّ لَهُ. (وَوَقْتُهَا كَالْعِيدِ) مِنْ حِلِّ النَّافِلَةِ لِلزَّوَالِ. (وَنُدِبَ صَلَاتُهَا بِالْمَسْجِدِ) لَا الصَّحْرَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهَا مَحَلُّ خَوْفٍ، وَهُوَ مَقْبُولٌ، وَلَا يَرِدُ الْخُسُوفُ فَإِنَّهُ مَنْدُوبٌ مَعَ أَنَّهُ يَأْتِي وَهُوَ نَائِمٌ، وَلَا يَلْحَقُ مُصِيبَةَ الشَّمْسِ، وَكَذَا الِاسْتِسْقَاءُ فَإِنَّهُ دُونَهَا فِي التَّأْكِيدِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَعُمُّ الْعَالَمَ وَيُغْنِي عَنْهُ نَحْوُ الْعُيُونِ (اهـ.) لَكِنْ قَالَ (بْن) لَمْ أَرَ مِنْ ذِكْرِ السُّنِّيَّةِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ إلَّا مَا نَقَلَهُ الْحَطَّابُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا عَبَّرَ بِالسُّنِّيَّةِ تَغْلِيبًا لِغَيْرِ الصَّبِيِّ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ وَابْنُ عَرَفَةَ بِلَفْظِ يُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِهَا فَيُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى النَّدْبِ كَمَا هُوَ حَقِيقَةٌ، وَإِذَا صَحَّ هَذَا سَقَطَ اسْتِغْرَابُ أَمْرِ الصَّبِيِّ بِالْكُسُوفِ اسْتِنَانًا وَبِالْفَرَائِضِ الْخَمْسِ نَدْبًا (اهـ. كَلَامُ بْن مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . فَعَلَى هَذَا فَسُنِّيَّتُهَا إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُكَلَّفِ. قَوْلُهُ: [لِأَمْرٍ مُهِمٍّ] : أَيْ فَتَعَلَّقَ بِالسُّنِّيَّةِ بِهِ حَيْثُ لَمْ يَجِدَّ أَصْلًا أَوْ جَدَّ لِغَيْرِ مُهِمٍّ هَكَذَا مُفَادُ الشَّارِحِ، وَمُفَادُ الْمَوَّاقِ أَنَّهُ إذَا جَدَّ السَّيْرُ مُطْلَقًا لَا تُسَنُّ فِي حَقِّهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ خَلِيلٍ. تَنْبِيهٌ: لَا يُصَلَّى لِغَيْرِ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ مِنْ الْآيَاتِ كَالزَّلَازِلِ كَمَا قَالَ (ح) فِي الذَّخِيرَةِ، وَحَكَى اللَّخْمِيُّ عَنْ أَشْهَبَ الصَّلَاةَ وَاخْتَارَهُ (بْن) (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . [وَقْت صَلَاة الْكُسُوفِ وَمَنْدُوبَاتهَا] قَوْلُهُ: [وَوَقْتُهَا كَالْعِيدِ] : حَكَى ابْنُ الْجَلَّابِ فِي وَقْتِهَا ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ عَنْ مَالِكٍ: إحْدَاهَا أَنَّهَا مِنْ حِلِّ النَّافِلَةِ لِلزَّوَالِ كَالْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّهَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ. وَالثَّالِثَةُ أَنَّهَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الْعَصْرِ، وَالْأُولَى هِيَ الَّتِي فِي الْمُدَوَّنَةِ فَلَوْ طَلَعَتْ مَكْسُوفَةً لَمْ تُصَلَّ حَتَّى يَأْتِيَ حِلُّ النَّافِلَةِ، وَكَذَا إذَا كَسَفَتْ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمْ تُصَلَّ عَلَى رِوَايَةِ الْمُدَوَّنَةِ الَّتِي مَشَى عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي لَهَا حَالًا وَيُصَلِّي لَهَا بَعْدَ الْعَصْرِ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ صَلَاتُهَا بِالْمَسْجِدِ] : أَيْ مَخَافَةَ أَنْ تَنْجَلِيَ قَبْلَ الذَّهَابِ إلَى الْمُصَلَّى، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ شَاءُوا فَعَلُوهَا فِي الْمُصَلَّى أَوْ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ وَهَذَا إذَا وَقَعَتْ فِي جَمَاعَةٍ كَمَا هُوَ الْمُسْتَحْسَنُ، فَأَمَّا الْفَذُّ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَهَا فِي

(وَإِسْرَارُهَا) أَيْ الْقِرَاءَةُ فِيهَا سِرٌّ. (وَ) نُدِبَ (تَطْوِيلُ الْقِرَاءَةِ بِنَحْوِ) سُورَةِ (الْبَقَرَةِ) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (وَمُوَالِيَاتُهَا فِي الْقِيَامَاتِ) آلُ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءُ وَالْمَائِدَةُ. (وَالرُّكُوعُ) فِيهَا (كَالْقِرَاءَةِ) فِي الطُّولِ نَدْبًا فَالرُّكُوعُ الْأَوَّلُ نَحْوُ الْبَقَرَةِ، وَالرُّكُوعُ الثَّانِي نَحْوُ آلِ عِمْرَانَ يُسَبِّحُ فِي الرُّكُوعَاتِ، لِأَنَّ الرُّكُوعَ يُعَظَّمُ فِيهِ الرَّبُّ بِلَا دُعَاءٍ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي الصَّلَاةِ. (وَالسُّجُودُ كَالرُّكُوعِ) فِي الطُّولِ نَدْبًا يُسَبِّحُ فِيهِ وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ، وَأَمَّا الْجِلْسَةُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَعَلَى الْعَادَةِ لَا تَطْوِيلَ فِيهَا اتِّفَاقًا (إلَّا لِخَوْفِ خُرُوجِ الْوَقْتِ) بِالزَّوَالِ (أَوْ) خَوْفِ (ضَرَرِ الْمَأْمُومِ) بِالتَّطْوِيلِ فَلَا يُطَوِّلُ، وَيَنْبَغِي حِينَئِذٍ النَّظَرُ لِحَالِ الْوَقْتِ وَالْمَأْمُومِينَ، فَقَدْ يَقْتَضِي قِرَاءَةَ {يس} [يس: 1] وَنَحْوِهَا، أَوْ طَوَالِ الْمُفَصَّلِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ قِصَارِهِ، وَجَازَ اقْتِدَاءُ الْجَالِسِ بِالْقَائِمِ لِأَنَّهَا نَفْلٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْتِهِ. وَلَا أَذَانَ لَهَا وَلَا إقَامَةَ لِأَنَّهَا مِنْ خَوَاصِّ الْفَرْضِ - ابْنُ عُمَرَ. وَلَا يَقُولُ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ - ابْنُ نَاجِي، نَقَلَ ابْنُ هَارُونَ أَنَّهُ لَوْ نَادَى مُنَادٍ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَاسْتَحْسَنَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعَثَ مُنَادِيًا يُنَادِي الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، (اهـ. خَرَشِيٌّ) . قَوْلُهُ: [وَإِسْرَارُهَا] : هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ جَهْرًا لِئَلَّا يَسْأَمَ النَّاسُ، وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ ابْنُ نَاجِي، وَبِهِ عَمِلَ بَعْضُ شُيُوخِنَا بِجَامِعِ الزَّيْتُونَةِ، وَإِنَّمَا طُلِبَ فِيهَا الْإِسْرَارُ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهَا صَلَاةُ نَفْلٍ نَهَارِيَّةٌ لَا خُطْبَةَ لَهَا وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ صَلَاةِ نَفْلٍ نَهَارِيَّةٍ لَا خُطْبَةَ لَهَا، فَالْقِرَاءَةُ فِيهَا سِرًّا. قَوْلُهُ: [بِنَحْوِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ] : أَيْ الْبَقَرَةِ وَنَحْوِهَا فِي الطُّولِ، وَقِيلَ إنَّ الْمَنْدُوبَ خُصُوصُ الْبَقَرَةِ. قَوْلُهُ: [آلِ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءِ وَالْمَائِدَةِ] : أَيْ فَخُصُوصُ هَذِهِ السُّوَرِ مَنْدُوبٌ وَقِيلَ مِقْدَارُهَا. قَوْلُهُ: [كَالْقِرَاءَةِ] إلَخْ: أَيْ يَقْرُبُ مِنْهَا فَكُلُّ رُكُوعٍ نَحْوَ الْقِرَاءَةِ الَّتِي

(وَ) نُدِبَ (الْجَمَّاعَةُ فِيهَا) : أَيْ صَلَاتِهَا جَمَاعَةً بِخِلَافِ خُسُوفِ الْقَمَرِ. (وَ) نُدِبَ (وَعْظٌ بَعْدَهَا) : مُشْتَمِلًا عَلَى الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى نَبِيِّهِ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ. (وَتُدْرَكُ الرَّكْعَةُ) مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ (بِالرُّكُوعِ الثَّانِي) فَيَكُونُ هُوَ الْفَرْضُ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَسُنَّةٌ، وَقِيلَ فَرْضٌ. وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْفَاتِحَةَ فَرْضٌ مُطْلَقًا وَقِيلَ الْأُولَى سُنَّةٌ. (وَإِنْ انْجَلَتْ) الشَّمْسُ (قَبْلَ رَكْعَةٍ أَتَمَّهَا) الْمُصَلِّي (كَالنَّوَافِلِ. وَ) إنْ انْجَلَتْ (بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ إتْمَامِ رَكْعَةٍ (فَقَوْلَانِ) قَالَ سَحْنُونَ: كَالنَّوَافِلِ بِقِيَامٍ وَرُكُوعٍ فَقَطْ بِلَا تَطْوِيلٍ وَقَالَ أَصْبَغُ: أَتَمَّتْ عَلَى سُنَّتِهَا (بِلَا تَطْوِيلٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَلِيهَا وَكُلُّ سُجُودٍ نَحْوَ الرُّكُوعِ الَّذِي يَلِيهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ تَطْوِيلَ الرُّكُوعِ كَالْقِرَاءَةِ وَتَطْوِيلَ السُّجُودِ كَالرُّكُوعِ قِيلَ إنَّهُ مَنْدُوبٌ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَهُوَ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ، وَقَالَ سَنَدٌ إنَّهُ سُنَّةٌ وَيَتَرَتَّبُ السُّجُودُ عَلَى تَرْكِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ (ح) وَالشَّيْخُ زَرُّوقٌ، وَحَيْثُ قَرَأَ النِّسَاءَ عَقِبَ آلِ عِمْرَانَ فَيُسْرِعُ حَتَّى تَكُونَ أَقْصَرَ مِنْهَا. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ الْجَمَاعَةُ فِيهَا] إلَخْ: تَبِعَ الْمُصَنِّفَ. وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ لَهُ فِي فَضْلِ الْجَمَاعَةِ أَنَّهَا مِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ كَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ وَعْظٌ بَعْدَهَا] : أَيْ لَا عَلَى طَرِيقَةِ الْخُطْبَةِ لِأَنَّهُ لَا خُطْبَةَ لَهَا. قَوْلُهُ: [وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْفَاتِحَةَ] إلَخْ: قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: حَاصِلُ مَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ الرُّكُوعُ الثَّانِي لِأَنَّهُ عَلَى الشَّأْنِ بَعْدَ قِرَاءَةٍ وَقَبْلَ سُجُودٍ وَالْأَوَّلُ فِي أَثْنَاءِ الْقِرَاءَةِ وَهِيَ سَاقِطَةٌ عَنْ الْمَأْمُومِ، وَكَذَا قَالَ: الْوَاجِبُ الْقِيَامُ الثَّانِي، وَالْأَوَّلُ سُنَّةٌ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْفَاتِحَةَ وَاجِبَةٌ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ سُنَّةٌ فِي الثَّانِي، وَقِيلَ: لَا تُكَرَّرُ، مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قِيَامَ الْفَاتِحَةِ تَابِعٌ لَهَا (اهـ) . قَوْلُهُ: [أَتَمَّهَا الْمُصَلِّي كَالنَّوَافِلِ] : قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ يَنْبَغِي إذَا انْجَلَتْ بَعْدَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ أَنْ يَأْتِيَ بِالثَّانِي عَلَى مَا سَبَقَ أَنَّهُ الْوَاجِبُ.

[صلاة الخسوف]

(وَنُدِبَ لِخُسُوفِ الْقَمَرِ رَكْعَتَانِ جَهْرًا كَالنَّوَافِلِ) بِقِيَامٍ وَرُكُوعٍ فَقَطْ عَلَى الْعَادَةِ. (وَ) نُدِبَ (تَكْرَارُهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (حَتَّى يَنْجَلِيَ) الْقَمَرُ (أَوْ يَغِيبَ) فِي الْأُفُقِ (أَوْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ) ؛ فَإِنْ حَصَلَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَلَا صَلَاةَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ السُّنَّةِ الْخَامِسَةِ وَهِيَ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQ [صَلَاة الْخُسُوفِ] قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ لِخُسُوفِ] إلَخْ: أَيْ لِبَالِغٍ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا يُخَاطَبُ بِهَا لِأَنَّهَا تَأْتِي وَهُوَ نَائِمٌ. قَوْلُهُ: [جَهْرًا كَالنَّوَافِلِ] : اللَّيْلِيَّةِ وَوَقْتُهَا اللَّيْلُ كُلُّهُ وَفِي (ح) أَنَّ الْجُزُولِيَّ ذَكَرَ فِي صَلَاتِهَا بَعْدَ الْفَجْرِ أَيْ إذَا غَابَ عِنْدَ الْفَجْرِ مُنْخَسِفًا أَوْ طَلَعَ مُنْخَسِفًا، قَوْلَيْنِ. وَأَنَّ التِّلْمِسَانِيَّ اقْتَصَرَ عَلَى الْجَوَازِ، وَأَنَّ صَاحِبَ الذَّخِيرَةِ اقْتَصَرَ عَلَى عَدَمِهِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ مَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى نَفْلٌ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَّا الْوَرْدُ لِنَائِمٍ عَنْهُ وَالشَّفْعُ وَالْوَتْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ. وَالْأَفْضَلُ فِعْلُهَا فِي الْبُيُوتِ وَفِعْلُهَا فِي الْمَسَاجِدِ مَكْرُوهٌ سَوَاءٌ كَانَتْ جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى.

[فصل في صلاة الاستسقاء]

فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ (صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ) : أَيْ طَلَبُ السَّقْيِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِمَطَرٍ أَوْ نَيْلٍ لِأَمْرٍ مِمَّا يَأْتِي (حُكْمًا) : أَيْ فِي الْحُكْمِ؛ وَهُوَ السُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ، إلَّا أَنَّ الْعِيدَ أَوْكَدُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَوَقْتًا) : أَيْ وَفِي الْوَقْتِ مِنْ حِلِّ النَّافِلَةِ لِلزَّوَالِ. (وَصِفَةً) : أَيْ وَفِي الصِّفَةِ مِنْ كَوْنِهَا رَكْعَتَيْنِ كَالنَّوَافِلِ يَقْرَأُ فِيهِمَا جَهْرًا بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْعِيدِ وَبَعْدَهَا خُطْبَتَانِ (كَالْعِيدِ إلَّا التَّكْبِيرَ) الَّذِي فِي الْعِيدِ فَلَيْسَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ بَلْ فِيهِ الِاسْتِغْفَارُ بَدَلَ التَّكْبِيرِ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا يَأْتِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ] [حُكْم صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَصِفَّاتهَا] فَصْلٌ: هُوَ بِالْمَدِّ: طَلَبُ السَّقْيِ، إذْ هُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنْ سَقَيْت. وَيُقَالُ سَقَى وَأَسْقَى لُغَتَانِ، وَقِيلَ سَقَى نَاوَلَهُ الشِّرْبَ بِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْحَظَّ مِنْ الْمَاءِ، قَالَهُ فِي الْمُخْتَارِ، وَأَسْقَاهُ جَعَلَهُ مَسْقِيًّا وَالِاسْتِفْعَالُ غَالِبًا لِطَلَبِ الْفِعْلِ كَالِاسْتِفْهَامِ وَالِاسْتِرْشَادِ لِطَلَبِ الْفَهْمِ وَالرُّشْدِ، وَشَرْعًا طَلَبُ السَّقْيِ مِنْ اللَّهِ لِقَحْطٍ نَزَلَ بِهِمْ أَوْ غَيْرِهِ بِالصَّلَاةِ الْمَعْهُودَةِ. قَوْلُهُ: [أَيْ طَلَبُ السَّقْيِ] : أَيْ فَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلطَّلَبِ أَيْ فَالسُّنَّةُ الصَّلَاةُ لَا الطَّلَبُ. قَوْلُهُ: [هُوَ السُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ] : أَيْ الْعَيْنِيَّةُ وَالْجَمَاعَةُ شَرْطٌ فِي سُنِّيَّتِهَا، فَمَتَى فَاتَتْهُ مَعَ الْجَمَاعَةِ نُدِبَتْ لَهُ الصَّلَاةُ فَقَطْ كَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ. وَمُقْتَضَى التَّشْبِيهِ الْآتِي أَيْضًا أَنَّهَا تُسَنُّ فِي حَقِّ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ، وَتُنْدَبُ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ. قَوْلُهُ: [جَهْرًا بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْعِيدِ] إلَخْ: وَهُوَ قِرَاءَتُهُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ بِكَسَبِّحْ وَالشَّمْسِ وَالْقِرَاءَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْجَهْرُ بِهَا مَنْدُوبٌ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ ذَاتُ خُطْبَةٍ وَكُلُّ صَلَاةٍ لَهَا خُطْبَةٌ فَالْقِرَاءَةُ فِيهَا جَهْرًا لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ يَسْمَعُونَهُ. وَلَا يُرَدُّ الصَّلَاةُ يَوْمَ عَرَفَةَ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ لِلصَّلَاةِ بَلْ لِتَعْلِيمِ الْمَنَاسِك.

وَتُسَنُّ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ (لِزَرْعٍ) : أَيْ لِأَجْلِ زَرْعٍ أَيْ لِأَجْلِ إنْبَاتِهِ أَوْ لِأَجْلِ حَيَاتِهِ، (أَوْ) لِأَجْلِ (شُرْبٍ) لِآدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ لِعَطَشٍ وَاقِعٍ أَوْ مُتَوَقَّعٍ لِتَخَلُّفِ مَطَرٍ أَوْ نِيلٍ أَوْ لِقِلَّتِهِمَا، أَوْ لِقِلَّةِ جَرْيِ عَيْنٍ أَوْ غَوْرِهَا إنْ كَانُوا بِبَلَدٍ أَوْ بَادِيَةٍ حَاضِرِينَ أَوْ مُسَافِرِينَ، (وَإِنْ) كَانُوا (بِسَفِينَةٍ) فِي بَحْرٍ مِلْحٍ أَوْ عَذْبٍ. (وَكُرِّرَتْ) الصَّلَاةُ فِي أَيَّامٍ لَا يَوْمٍ (إنْ تَأَخَّرَ) السَّقْيُ بِأَنْ لَمْ يَحْصُلْ أَوْ حَصَلَ دُونَ مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ. (يَخْرُجُ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ) لَهَا (ضُحًى) بَعْدَ حِلِّ النَّافِلَةِ (مُشَاةً) لِلْمُصَلَّى لَا رَاكِبِينَ لِإِظْهَارِ الْعَجْزِ وَالِانْكِسَارِ (بِبِذْلَةٍ) : أَيْ بِثِيَابِ الْمِهْنَةِ أَيْ مَا يَمْتَهِنُ مِنْهَا بِالنِّسْبَةِ لِلَابِسِهَا (وَذِلَّةٍ) : أَيْ خُشُوعٍ وَخُضُوعٍ، لِأَنَّهُ إلَى الْإِجَابَةِ أَقْرَبُ. وَاسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ النَّاسِ قَوْلَهُ: (إلَّا شَابَّةً) : وَلَوْ غَيْرَ مَخْشِيَّةِ الْفِتْنَةِ، إلَّا أَنَّ مَخْشِيَّةَ الْفِتْنَةِ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ وَتُمْنَعُ، وَغَيْرُهَا يُكْرَهُ لَهَا وَلَا تُمْنَعُ، وَأَمَّا الْمُتَجَالَّةُ فَتَخْرُجُ مَعَ النَّاسِ. (وَإِلَّا غَيْرَ مُمَيِّزٍ) مِنْ الصِّبْيَانِ فَلَا يَخْرُجُ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ الْقُرْبَةَ، فَأَوْلَى الْبَهَائِمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ لِأَجْلِ زَرْعٍ] إلَخْ: أَيْ فَهِيَ لِأَحَدِ سَبَبَيْنِ: وَهُمَا احْتِيَاجُ الزَّرْعِ أَوْ الْحَيَوَانِ لِلْمَاءِ. قَوْلُهُ: [وَكُرِّرَتْ الصَّلَاةُ] : قَالَ فِي الْأَصْلِ تَبَعًا لِ (عب) اسْتِنَانًا وَاعْتَرَضَهُ (ر) وَتَبِعَهُ (بْن) بِأَنَّ الْمُدَوَّنَةَ وَغَيْرَهَا إنَّمَا عَبَّرَ بِالْجَوَازِ، وَقَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ وَالظَّاهِرُ النَّدْبُ، وَقَالَ شَيْخُنَا الْأَمِيرُ يُرَادُ بِالْجَوَازِ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا: الْإِذْنُ الصَّادِقُ بِالسُّنِّيَّةِ وَالنَّدْبِ. قَوْلُهُ: [يَخْرُجُ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ لَهَا] إلَخْ: أَصْلُ الْخُرُوجِ سُنَّةٌ وَكَوْنُهُ ضُحًى وَمُشَاةً إلَخْ مَنْدُوبٌ. قَوْلُهُ: [فَأَوْلَى الْبَهَائِمُ وَالْمَجَانِينُ] : أَيْ فَلَيْسَ خُرُوجُهُمْ بِمَشْرُوعٍ، بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِنَدْبِ خُرُوجِ مَنْ ذُكِرَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَوْلَا شُيُوخٌ رُكَّعٌ وَأَطْفَالٌ رُضَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ لَصُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ صَبًّا» ،

[مندوبات صلاة الاستسقاء]

وَالْمَجَانِين. (وَلَا يُمْنَعُ ذِمِّيٌّ) مِنْ الْخُرُوجِ مَعَ النَّاسِ، (وَانْفَرَدَ) عَنْ الْمُسْلِمِينَ بِمَكَانٍ (لَا بِيَوْمٍ) مَخَافَةَ أَنْ يَسْبِقَ الْقَدْرُ بِالسَّقْيِ فِي يَوْمِهِ فَيَفْتَتِنَ بِذَلِكَ ضُعَفَاءُ الْقُلُوبِ. (وَنُدِبَ خُطْبَتَانِ بَعْدَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (كَالْعِيدِ) أَيْ كَخُطْبَةٍ يَجْلِسُ فِي أَوَّلِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَيَتَوَكَّأُ عَلَى عَصًا لَكِنْ (بِالْأَرْضِ) لَا بِالْمِنْبَرِ يَعِظُهُمْ فِيهِمَا وَيُخَوِّفُهُمْ بِبَيَانِ أَنَّ سَبَبَ الْجَدْبِ مَعَاصِي اللَّهِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالتَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْبِرِّ وَالْمَعْرُوفِ. (وَ) نُدِبَ (إبْدَالُ التَّكْبِيرِ) فِي خُطْبَتَيْ الْعِيدِ (بِالِاسْتِغْفَارِ) بِلَا حَدٍّ فِي أَوَّلِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ. (ثُمَّ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ (يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ) بِوَجْهِهِ حَالَ كَوْنِهِ (قَائِمًا فَيُحَوِّلُ) نَدْبًا (رِدَاءَهُ) الَّذِي عَلَى كَتِفَيْهِ (يَجْعَلُ مَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ) : أَيْ يَأْخُذُهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَيَجْعَلُهُ (عَلَى) عَاتِقِهِ (الْأَيْمَنِ) وَيَأْخُذُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى مَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ يَجْعَلُهُ عَلَى الْأَيْسَرِ (بِلَا تَنْكِيسٍ) لِلرِّدَاءِ فَلَا يَجْعَلُ الْحَاشِيَةَ السُّفْلَى الَّتِي عَلَى رِجْلَيْهِ عَلَى أَكْتَافِهِ. (ثُمَّ) إذْ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَظَهْرُهُ لِلنَّاسِ (يُبَالِغُ فِي الدُّعَاءِ) بِرَفْعِ الْكَرْبِ وَالْقَحْطِ وَإِنْزَالِ الْغَيْثِ وَالرَّحْمَةِ وَعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالذُّنُوبِ، وَلَا يَدْعُو لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَوْلَا وُجُودُهُمْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ لَوْلَا حُضُورُهُمْ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُمْنَعُ ذِمِّيٌّ] : أَيْ مِنْ الْخُرُوجِ كَمَا لَا يُؤْمَرُ بِهِ، وَسَوَاءٌ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَصْحَبُهُ أَوْ أَخْرَجَ مَعَهُ صَلِيبَهُ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْ إخْرَاجِهِ مَعَهُ وَلَا مِنْ إظْهَارِهِ حَيْثُ تَنَحَّى بِهِ عَنْ الْجَمَاعَةِ. [مَنْدُوبَات صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ] قَوْلُهُ: [بَعْدَهَا أَيْ الصَّلَاةِ] : فَلَوْ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ عَلَى الصَّلَاةِ اُسْتُحِبَّ إعَادَتُهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ إبْدَالُ التَّكْبِيرِ] إلَخْ: أَيْ فَيَبْتَدِئُهَا وَيَتَخَلَّلُهَا بِالِاسْتِغْفَارِ عِوَضًا عَنْ التَّكْبِيرِ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ. قَوْلُهُ: [فَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ] : أَيْ وَأَمَّا الْبَرَانِسُ وَالْغَفَائِرُ فَإِنَّهَا لَا تُحَوَّلُ إلَّا إنْ كَانَتْ تُلْبَسُ كَالرِّدَاءِ. وَالتَّحْوِيلُ الْمَذْكُورُ خَاصٌّ بِالرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ الْحَاضِرَاتِ فَلَا يُحَوَّلْنَ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْكَشْفِ. وَلَا يُكَرِّرُ الْإِمَامُ وَلَا الرِّجَالُ التَّحْوِيلَ.

(وَحَوَّلَ الذُّكُورُ فَقَطْ) أَرْدِيَتَهُمْ دُونَ النِّسَاءِ (كَذَلِكَ) : أَيْ كَتَحْوِيلِ الْإِمَامِ الْمُتَقَدِّمِ حَالَ كَوْنِهِمْ (جُلُوسًا) : أَيْ جَالِسِينَ، (وَأَمَّنُوا) : أَيْ الْحَاضِرُونَ ذُكُورًا وَإِنَاثًا (عَلَى دُعَائِهِ) : أَيْ الْإِمَامِ بِأَنْ يَقُولُوا آمِينَ حَالَ كَوْنِهِمْ (مُبْتَهِلِينَ) : أَيْ مُتَضَرِّعِينَ. (وَ) نُدِبَ لَهُمْ (صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ. (وَ) نُدِبَ لَهُمْ (صَدَقَةٌ) عَلَى الْفُقَرَاءِ بِمَا تَيَسَّرَ. (وَأَمَرَ الْإِمَامُ) النَّاسَ (بِهِمَا) : أَيْ بِالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ نَدْبًا (كَالتَّوْبَةِ) : أَيْ كَمَا يَأْمُرُهُمْ بِالتَّوْبَةِ. (وَرَدِّ التَّبِعَاتِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ الْمَظَالِمِ لِأَهْلِهَا. (وَ) نُدِبَ لِمَنْ نَزَلَ عَلَيْهِمْ مَطَرٌ مَثَلًا بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ (إقَامَتُهَا) أَيْ صَلَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَمَرَ الْإِمَامُ النَّاسَ بِهِمَا] : هَذَا قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ، قَالَ وَلَوْ أَمَرَهُمْ الْإِمَامُ أَنْ يَصُومُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ آخِرُهَا الْيَوْمُ الَّذِي يَبْرُزُونَ فِيهِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ (اهـ) . وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ صَائِمِينَ وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ مُفْطِرِينَ لِأَجْلِ التَّقَوِّي عَلَى الدُّعَاءِ، وَالصَّوْمُ يَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ الْخُرُوجِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الصَّدَقَةِ أَيْضًا: وَيَحُضُّ الْإِمَامُ عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَأْمُرُ بِالطَّاعَةِ وَيُحَذِّرُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ (اهـ) . وَفِي بَهْرَامَ قَالَ ابْنُ شَاسٍ يَأْمُرُهُمْ بِالتَّقَرُّبِ وَالصَّدَقَةِ بَلْ حَكَى الْجُزُولِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَرَدِّ التَّبَعَاتِ] : أَيْ لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ التَّوْبَةِ عَلَى ذَلِكَ حَيْثُ كَانَتْ بَاقِيَةً بِأَعْيَانِهَا، فَإِنْ عُدِمَتْ عَيْنُهَا فَرَدُّ الْعِوَضِ وَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ التَّوْبَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ تَوْبَةَ الْكَافِرِ مَقْبُولَةٌ قَطْعًا، وَأَمَّا تَوْبَةُ الْمُؤْمِنِ الْعَاصِي فَمَقْبُولَةٌ ظَنًّا عَلَى التَّحْقِيقِ، وَقِيلَ قَطْعًا وَعَلَى كُلٍّ فَإِذَا أَذْنَبَ بَعْدَهَا لَا تَعُودُ ذُنُوبُهُ الْأُولَى وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ عَدَمُ قَبُولِ التَّوْبَةِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَعِنْدَ الْغَرْغَرَةِ، وَقِيلَ إنَّ تَوْبَةَ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ الْغَرْغَرَةِ وَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا مَقْبُولَةٌ، وَيُحْمَلُ مَا وَرَدَ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ عِنْدَهُمَا عَلَى الْكَافِرِ دُونَ الْمُؤْمِنِ كَذَا فِي (بْن) (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .

الِاسْتِسْقَاءِ (لِطَلَبِ سَعَةٍ) ، وَلَا يُسَنُّ إلَّا لِمَنْ قَامَ بِهِ ضِيقٌ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) نُدِبَ (دُعَاءُ غَيْرِ الْمُحْتَاجِ لِمُحْتَاجٍ) لِأَنَّهُ مِنْ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى. (لَا) تُنْدَبُ (الصَّلَاةُ) خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ الْقَائِلِ بِنَدْبِهَا. (وَجَازَ تَنَفُّلٌ) فِي الْمُصَلَّى (قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِطَلَبِ سَعَةٍ] : أَيْ فَهُوَ مَنْدُوبٌ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِالْإِبَاحَةِ؛ إذْ لَيْسَ ثَمَّ عِبَادَةٌ مُسْتَوِيَةُ الطَّرَفَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: الْإِذْنُ الصَّادِقُ بِالنَّدْبِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ دُعَاءُ غَيْرِ الْمُحْتَاجِ] إلَخْ: مَحَلُّ نَدْبِ الدُّعَاءِ فَقَطْ دُونَ الصَّلَاةِ - مَا لَمْ يَذْهَبْ لِمَحَلِّ الْمُحْتَاجِ - وَإِلَّا صَارَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُحْتَاجِينَ فَيُخَاطَبُ مَعَهُمْ بِالصَّلَاةِ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [وَجَازَ تَنَفُّلٌ فِي الْمُصَلَّى] إلَخْ: لَا مَفْهُومَ لِلْمُصَلَّى بَلْ فِي الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا بِالْمُصَلَّى لَا بِالْمَسْجِدِ كَمَا مَرَّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ الْإِقْلَاعُ عَنْ الْخَطَايَا وَالِاسْتِكْثَارُ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ.

[فصل في الجنائز]

فَصْلٌ: فِي الْجَنَائِزِ بَيَانُ أَحْكَامِ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ مُؤَنِ تَجْهِيزِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (غُسْلُ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ) وَلَوْ حُكْمًا؛ فَلَا يُغَسَّلُ كَافِرٌ (الْمُسْتَقَرِّ الْحَيَاةِ) : أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْجَنَائِزِ] [حُكْم غَسَلَ الْمَيِّت وَتَكْفِينَهُ وَالصَّلَاة عَلَيْهِ] فَصْلٌ تَقَدَّمَ دُخُولُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فِي رَسْمِ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ: ذَاتُ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ. وَالْمَوْتُ كَيْفِيَّةٌ وُجُودِيَّةٌ تُضَادُّ الْحَيَاةَ فَلَا يَعْرَى الْجِسْمُ عَنْهُمَا، وَلَا يَجْتَمِعَانِ فِيهِ، وَصَرِيحُ كَلَامِ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ عَرْضٌ لِأَنَّ الْكَيْفِيَّةَ عَرْضٌ. وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ مَعْنًى خَلَقَهُ اللَّهُ فِي كَفِّ مَلَكِ الْمَوْتِ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ فِي صُورَةِ كَبْشٍ لَا يَمُرُّ بِشَيْءٍ يَجِدُ رِيحَهُ إلَّا مَاتَ. وَالرُّوحُ جِسْمٌ لَطِيفٌ مُتَحَلِّلٌ فِي الْبَدَنِ تَذْهَبُ الْحَيَاةُ بِذَهَابِهِ. (اهـ. خَرَشِيٌّ) . فَائِدَتَانِ: الْأُولَى: تَرَدَّدَ بَعْضٌ: هَلْ شُرِعَتْ الْجِنَازَةُ بِمَكَّةَ أَوْ بِالْمَدِينَةِ؟ وَظَاهِرُ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهَا بِالْمَدِينَةِ. (اهـ. مِنْ الْحَاشِيَةِ) . الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْمَجْمُوعِ: وَرَأَيْت بِخَطِّ النَّفْرَاوِيِّ شَارِحِ الرِّسَالَةِ: لَوْ أُحْيِيَ مَيِّتٌ كَرَامَةً لِوَلِيٍّ ثُمَّ مَاتَ وَجَبَ لَهُ غُسْلٌ وَتَجْهِيزٌ ثَانٍ. قُلْت: هُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ مُقْتَضِيه، لَكِنْ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الْحَيَاةِ الْمُتَعَارَفَةِ لَا مُجَرَّدِ نُطْقٍ وَهُوَ فِي نَعْشِهِ أَوْ قَبْرِهِ مَثَلًا. (اهـ) . قَوْلُهُ: [غُسْلُ الْمَيِّتِ] : أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا كَمَا إذَا سَقَطَتْ عَلَيْهِ صَخْرَةٌ لَمْ يُمْكِنْ إزَالَتُهَا عَنْهُ وَظَهَرَ قَدَمُهُ فَيُغَسَّلُ وَيُلَفُّ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُوَارَى عَمَلًا بِحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ بِمَا اسْتَطَعْتُمْ» هَكَذَا يَظْهَرُ، وَلَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ الْآتِي: " وَلَا دُونَ الْجُلِّ " لِأَنَّ ذَاكَ انْعَدَمَ بَاقِيهِ، وَهُنَا مَوْجُودٌ لَمْ يُتَوَصَّلْ إلَيْهِ. وَلَا يَخْرُجُ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْجَبِيرَةِ مِنْ إلْغَاءِ الصَّحِيحِ إذَا قَلَّ جِدًّا كَيْدٍ؛ لِوُجُودِ الْبَدَلِ هُنَاكَ، أَعْنِي التَّيَمُّمَ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَلَوْ حُكْمًا] : وَهُوَ الْمَجُوسِيُّ الَّذِي نَوَى بِهِ مَالِكُهُ الْإِسْلَامَ كَمَا يَأْتِي.

الَّذِي اسْتَقَرَّتْ حَيَاتُهُ بَعْدَ وِلَادَتِهِ وَلَوْ لَحْظَةً بِأَنْ اُسْتُهِلَّ صَارِخًا، أَوْ قَامَتْ بِهِ أَمَارَةُ الْحَيَاةِ؛ فَلَا يُغَسَّلُ السَّقَطُ (غَيْرُ شَهِيدِ الْمُعْتَرَكِ) فِي قِتَالٍ الْحَرْبِيِّينَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَأَمَّا هُوَ فَلَا يُغَسَّلُ لِمَزِيدِ شَرَفِهِ (بِمُطْلَقٍ) : مُتَعَلِّقٌ بِغُسْلٍ فَلَا يُجْزِئُ فِيهِ الْمَاءُ الْمُضَافُ (كَالْجَنَابَةِ) أَيْ غُسْلًا مِثْلَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ الْإِجْزَاءُ كَالْإِجْزَاءِ وَالْكَمَالُ كَالْكَمَالِ. (وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ) عَطْفٌ عَلَى غُسْلٌ الْمُبْتَدَأُ وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ: (فَرْضَا كِفَايَةٍ) إذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِي وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِمُطْلَقٍ] : أَيْ وَلَوْ بِزَمْزَمَ بَلْ هُوَ أَبْرَكُ، وَالْآدَمِيُّ طَاهِرٌ خِلَافًا لِابْنِ شَعْبَانَ وَالْمُعْتَمَدُ الَّذِي عَلَيْهِ مَالِكٌ وَأَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ أَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ تَعَبُّدٌ. قَوْلُهُ: [كَالْجَنَابَةِ] إلَخْ: أَيْ إلَّا مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمَيِّتُ مِنْ تَكْرَارِ غُسْلٍ وَسِدْرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي، وَلَا يَتَكَرَّرُ الْوُضُوءُ بِتَكَرُّرِ الْغُسْلِ عَلَى الْأَرْجَحِ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ أَوَّلًا ثَلَاثًا ثُمَّ يَبْدَأُ بِغَسْلِ الْأَذَى فَيُوَضِّئُهُ مَرَّةً مَرَّةً فَيُثَلِّثُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَقْلِبُهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَيَغْسِلُ الْأَيْمَنَ، ثُمَّ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَيَغْسِلُ الْأَيْمَنَ، ثُمَّ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ الْأَيْسَرَ. (اهـ. مِنْ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [فَرْضَا كِفَايَةٍ] : أَمَّا فَرْضِيَّةُ الْغُسْلِ فَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَابْنِ مُحْرِزٍ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَشَهْرِ بْنِ رَاشِدٍ وَابْنِ فَرْحُونٍ وَمُقَابِلُهُ السُّنِّيَّةُ حَكَاهَا ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَابْنُ يُونُسَ وَابْنُ الْجَلَّابِ، وَشَهْرُ بْنُ بَزِيزَةَ، وَأَمَّا فَرْضِيَّةُ الصَّلَاةِ فَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ ابْن نَاجِي وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَشَهَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ، وَالْقَوْلُ بِالسُّنِّيَّةِ لَمْ يَعْزُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَلَا ابْنِ عَرَفَةَ إلَّا لِأَصْبَغَ، وَلِذَلِكَ لَمَّا كَانَ الْأَشْهَرُ فِيهَا الْفَرْضِيَّةَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [سَقَطَ عَنْ الْبَاقِي] : قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ السَّيِّدِ: وَهَلْ يَتَعَيَّنُ غُسْلُ الْمَيِّتِ بِالشُّرُوعِ عَلَى قَاعِدَةِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ أَمْ لَا؟ لِجَوَازِ غَسْلِ كُلِّ شَخْصٍ عُضْوًا. أَقُولُ: الظَّاهِرُ الثَّانِي فَصَارَ كُلُّ جُزْءٍ كَأَنَّهُ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ كَمَا قَالَ الْمَحَلِّيُّ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ. إنَّمَا يَتَعَيَّنُ طَلَبُ الْعِلْمِ الْكِفَائِيِّ بِالشُّرُوعِ لِأَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ عِبَادَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ. وَلَوْ غَسَّلَهُ مَلِكٌ أَوْ صَبِيٌّ كَفَى وَإِنْ لَمْ يَتَوَجَّهْ الْخِطَابُ لَهُ لِأَنَّ إقْرَارَ الْبَالِغِينَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ فِعْلِهِمْ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ. (اهـ.) قَوْلُهُ: [وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ] : أَيْ فِي الطَّلَبِ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ:

[غسل الميت]

فَكُلُّ مَنْ وَجَبَ غُسْلُهُ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَبِالْعَكْسِ وَيَقُومُ مَقَامَ الْغُسْلِ التَّيَمُّمُ عِنْدَ التَّعَذُّرِ كَمَا يَأْتِي. (كَكَفْنِهِ) بِسُكُونِ الْفَاءِ: أَيْ إدْرَاجِهِ فِي الْكَفَنِ بِفَتْحِهَا. (وَدَفْنِهِ) أَيْ مُوَارَاتِهِ فِي الْقَبْرِ أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ كَمَا يَأْتِي فَإِنَّهُمَا فَرْضَا كِفَايَةٍ إجْمَاعًا. (فَإِنْ تَعَذَّرَ الْغُسْلُ يُمِّمَ) وُجُوبًا كِفَائِيًّا وَسَيَأْتِي قَرِيبًا تَفْصِيلُهُ. [غَسَلَ الْمَيِّت] [تَنْبِيه فِي غَسَلَ أَحَد الزَّوْجَيْنِ الْآخِر] (وَقُدِّمَ) فِي الْغُسْلِ (الزَّوْجَانِ) عَلَى الْعَصَبَةِ (بِالْقَضَاءِ) : أَيْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ عِنْدَ التَّنَازُعِ أَيْ يُقَدَّمُ الْحَيُّ مِنْهُمَا فِي غُسْلِ صَاحِبِهِ وَيُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ (إنْ صَحَّ النِّكَاحُ وَلَوْ) كَانَتْ صِحَّتُهُ (بِالْفَوَاتِ) أَيْ بِسَبَبِهِ كَالدُّخُولِ، أَوْ هُوَ مَعَ الطَّوْلِ لَا إنْ فَسَدَ إذْ الْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا. (وَإِبَاحَةُ الْوَطْءِ بِرِقٍّ) : أَيْ بِسَبَبِ رِقِّ الْأُنْثَى (تُبِيحُ الْغُسْلَ لِكُلٍّ) مِنْ السَّيِّدِ لِأَمَتِهِ وَالْأَمَةِ لِسَيِّدِهَا وَخَرَجَتْ الْمُكَاتَبَةُ وَالْمُبَعَّضَةُ لِعَدَمِ إبَاحَةِ وَطْئِهِمَا، وَكَذَا الْمُشْتَرَكَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكُلُّ مَنْ غَسَّلَهُ " إلَخْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ فِي الْفِعْلِ وُجُودًا وَعَدَمًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ الْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ وَتَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، كَمَا إذَا كَثُرَتْ الْمَوْتَى جِدًّا فَغُسْلُهُ أَوْ بَدَلُهُ مَطْلُوبٌ ابْتِدَاءً لَكِنْ إنْ تَعَذَّرَ سَقَطَ لِلتَّعَذُّرِ فَلَا تَسْقُطُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَبِهَذَا قَرَّرَ (ر) عِنْدَ قَوْلِ خَلِيلٍ: " وَعَدَمُ الدَّلْكِ لِكَثْرَةِ الْمَوْتَى " قَوْلُهُ: [وَيُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ] : أَيْ إنْ أَرَادَ الْمُبَاشَرَةَ بِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ: [إنْ صَحَّ النِّكَاحُ] إلَخْ: أَيْ لَا إنْ فَسَدَ وَلَوْ لَمْ يَمْضِ بِشَيْءٍ مِمَّا يَمْضِي بِهِ الْفَاسِدُ مِنْ دُخُولٍ وَنَحْوِهِ. وَمَحَلُّ كَوْنِهِ إذَا فَسَدَ لَا يُقَدَّمُ الْحَيُّ مِنْهُمَا إذَا وُجِدَ مَنْ يَجُوزُ مِنْهُ الْغُسْلُ. فَإِنْ عُدِمَ وَصَارَ الْأَمْرُ لِلتَّيَمُّمِ كَانَ غُسْلُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ مِنْ تَحْتِ ثَوْبٍ أَحْسَنَ لِأَنَّ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَجَازَهُ كَذَا نَقَلَ ح عَنْ اللَّخْمِيِّ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) أَيْ وَمَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِي فَسَادِهِ. تَنْبِيهٌ: يُقْضَى لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ - وَإِنْ رَقِيقًا - أَذِنَ سَيِّدُهُ فِي الْغُسْلِ، وَلَا يَكْفِي إذْنُهُ لَهُ فِي الزَّوَاجِ. وَيَكْرَهُ تَغْسِيلُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ إنْ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا، كَمَا يُكْرَهُ لَهَا تَغْسِيلُهُ إنْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ، وَحَيْثُ كَانَ مَكْرُوهًا فَلَا قَضَاءَ لَهُمَا إنْ طَلَبَاهُ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا الْمُشْتَرَكَةُ] : أَيْ وَالْمُعْتَقَةُ لِأَجَلٍ وَأَمَةُ الْقِرَاضِ، وَأَمَةُ الْمَدْيُونِ بَعْدَ الْحَجْرِ، وَالْمُتَزَوِّجَةُ وَالْمُوَلَّى مِنْهَا؛ أَيْ الْمَحْلُوفُ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا وَلَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ أَقَلَّ

(بِلَا قَضَاءٍ) : أَيْ لِلْأَمَةِ، بِالتَّقْدِيمِ عَلَى عَصَبَةِ سَيِّدِهَا. وَأَمَّا السَّيِّدُ فَهُوَ أَوْلَى بِأَمَتِهِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ. (ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ) أَيْ عَصَبَتِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ. (ثُمَّ) إذَا لَمْ يَكُنْ عَصَبَةً أَوْ كَانُوا وَلَمْ يَتَوَلَّوْا غُسْلَهُ (أَجْنَبِيٌّ) مِنْ الْعَصَبَةِ وَمِنْ الْأَخِ لِأُمٍّ وَالْخَالِ وَالْجَدِّ لِأُمٍّ. (ثُمَّ) بَعْدَ الْأَجْنَبِيِّ (امْرَأَةُ مَحْرَمٍ) كَأُمٍّ وَبِنْتٍ وَأُخْتٍ وَعَمَّةٍ وَخَالَةٍ تُغَسِّلُهُ. وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ ذَكَرًا. (ثُمَّ) إنْ لَمْ تُوجَدْ امْرَأَةُ مَحْرَمٍ وَلَوْ بِمُصَاهَرَةٍ (يُمِّمَ) : أَيْ يَمَّمَتْهُ امْرَأَةٌ غَيْرِ مَحْرَمٍ (لِمِرْفَقَيْهِ) لَا لِكُوعَيْهِ فَقَطْ كَمَا قِيلَ؛ فَعَدَمُ وُجُودِ الْمَحْرَمِ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِلْغُسْلِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّيَمُّمِ. (كَعَدَمِ الْمَاءِ) حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ اُحْتِيجَ لَهُ فَيُمِّمَ. (وَتَقَطُّعِ الْجَسَدِ) بِالْمَاءِ (أَوْ تَسَلُّخِهِ مِنْ صَبِّهِ) عَلَيْهِ فَيُمِّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَالْمُظَاهَرُ مِنْهَا؛ فَفِي النَّوَادِرِ كُلُّ أَمَةٍ لَا يَحِلُّ لِلسَّيِّدِ وَطْؤُهَا لَا يُغَسِّلُهَا وَلَا تُغَسِّلُهُ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ يَمْنَعَانِ مِنْهُ فِي الْأَمَةِ لَا الزَّوْجَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْغُسْلَ فِي الْأَمَةِ مَنُوطٌ بِإِبَاحَةِ الْوَطْءِ، وَفِي الزَّوْجَةِ بِالزَّوْجِيَّةِ كَمَا ارْتَضَاهُ (ر) وَلَا يَضُرُّ مَنْعُ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ (اهـ) . قَوْلُهُ: [ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ] إلَخْ: أَيْ مِنْ عَصَبَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَلَا إذْ لَا عَلَقَةَ لَهُمْ بِهِ لِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَلَا يُتْرَكُ مُسْلِمٌ لِوَلِيِّهِ الْكَافِرِ. لَكِنْ لَوْ غَسَّلَهُ بِحَضْرَةِ مُسْلِمٍ أَجْزَأَ، كَمَا فِي تَغْسِيلِ الْكِتَابِيَّةِ زَوْجَهَا الْمُسْلِمَ، وَلَوْ عَلَى أَنَّهُ تَعَبُّدِي. وَقَوْلُهُمْ: الْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّعَبُّدِ، مُقَيَّدٌ بِالتَّعَبُّدِ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ لَهُ؛ فَيُقَدَّمُ ابْنٌ فَابْنُهُ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فِي النِّكَاحِ. وَيُقَدَّمُ الْأَخُ وَابْنُهُ عَلَى الْجَدِّ كَالنِّكَاحِ. وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْأُجْهُورِيِّ: بِغُسْلٍ وَإِيصَاءٍ وَلَاءُ جِنَازَةٍ ... نِكَاحُ أَخًا وَابْنًا عَلَى الْجَدِّ قُدِّمَ وَعَقْلٌ وَوَسَطُهُ بِبَابِ حَضَانَةٍ ... وَسَوِّهِ مَعَ الْآبَاءِ فِي الْإِرْثِ وَالدَّمِ قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِمُصَاهَرَةٍ] : لَكِنْ يُقَدَّمُ مُحَرَّمُ النَّسَبِ عَلَى مُحَرَّمِ الرَّضَاعِ، وَمُحَرَّمُ الرَّضَاعِ عَلَى الْمُصَاهَرَةِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ.

وَيَجِبُ غُسْلُهُ. (وَسَقَطَ الدَّلْكُ) فَقَطْ (وَإِنْ خِيفَ مِنْهُ) : أَيْ مِنْ الدَّلْكِ (تَسَلُّخٌ) لِلْجَسَدِ. (كَكَثْرَةِ الْمَوْتَى جِدًّا) بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ الدَّلْكُ فَيَسْقُطُ الدَّلْكُ. (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ زَوْجٌ أَوْ سَيِّدٌ) يُغَسِّلُهَا، أَوْ كَانَ وَأُسْقِطَ حَقُّهُ (فَأَقْرَبُ امْرَأَةٍ) لَهَا تُغَسِّلُهَا (فَالْأَقْرَبُ) لَهَا فَتُقَدَّمُ الْبِنْتُ فَالْأُمُّ فَأُخْتٌ شَقِيقَةٌ فَلِأَبٍ فَبِنْتُ أَخٍ كَذَلِكَ، فَجَدَّةٌ فَعَمَّةٌ شَقِيقَةٌ فَلِأَبٍ فَبِنْتُ عَمٍّ كَذَلِكَ. (ثُمَّ) بَعْدَ مَنْ ذَكَرْت - (أَجْنَبِيَّةٌ) . (ثُمَّ) إنْ لَمْ تُوجَدْ أَجْنَبِيَّةٌ غَسَّلَهَا (مَحْرَمٌ) عَلَى التَّرْتِيبِ السَّابِقِ، (وَيَسْتُرُ) وُجُوبًا (جَمِيعَ بَدَنِهَا وَلَا يُبَاشِرُ جَسَدَهَا بِالدَّلْكِ بَلْ بِخِرْقَةٍ كَثِيفَةٍ) يَلُفُّهَا الْغَاسِلُ عَلَى يَدِهِ وَيُدَلِّكُ بِهَا. (ثُمَّ) إذَا لَمْ يُوجَدْ مَحْرَمٌ (يُمِّمَتْ) الْمَيِّتَةُ (لِكُوعَيْهَا) لَا لِمِرْفَقَيْهَا. (وَوَجَبَ) عَلَى الْغَاسِلِ (سَتْرُ عَوْرَتِهِ مِنْ سُرَّتِهِ لِرُكْبَتَيْهِ) الذَّكَرِ مَعَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مَعَ الْأُنْثَى. وَأَمَّا الذَّكَرُ الْمَحْرَمُ مَعَ الْأُنْثَى فَيَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهَا كَمَا مَرَّ. وَكَذَا إنْ غَسَّلَتْ الْأُنْثَى الْمَحْرَمُ رَجُلًا مِنْ مَحَارِمِهَا وَقِيلَ بَلْ تَسْتُرُ الْعَوْرَةَ فَقَطْ. (وَنُدِبَ) سَتْرُ الْعَوْرَةِ (لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ) بِغُسْلِ صَاحِبِهِ (كَأَمَةٍ مَعَ سَيِّدٍ) إذَا غَسَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ يُنْدَبُ لَهُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ، وَلَا يَجِبُ وَظَاهِرُ، الْمُصَنِّفِ الْوُجُوبُ وَهُوَ ضَعِيفٌ. (وَ) نُدِبَ (سِدْرٌ) وَهُوَ وَرَقُ النَّبْقِ. وَأَشَارَ لِكَيْفِيَّةِ الْوَجْهِ الْمَنْدُوبِ بِقَوْلِهِ: (يُسْحَقُ) السِّدْرُ (وَيُضْرَبُ بِمَاءٍ قَلِيلٍ) فِي إنَاءٍ حَتَّى تَبْدُوَ لَهُ رَغْوَةٌ ثُمَّ (يُعْرَكُ بِهِ جَسَدُهُ) لِإِزَالَةِ الْوَسَخِ ثُمَّ يُفَاضُ عَلَيْهِ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ حَتَّى يَزُولَ، فَهَذِهِ هِيَ الْغَسْلَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَيَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهَا] : أَيْ وُجُوبًا، مَا عَدَا الْأَطْرَافَ فَيُنْدَبُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْفِقْهِ. وَيَسْتُرُ وُجُوبًا جَمِيعَ بَدَنِهِ وَصِفَةُ السَّاتِرِ عَلَى مَا قَالَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُعَلِّقَ الثَّوْبَ مِنْ السَّقْفِ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ لِيَمْنَعَ النَّظَرَ. . . إلَى آخِرِ مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ بَلْ تَسْتُرُ الْعَوْرَةَ فَقَطْ] : أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ سَاتِرٌ غَضَّتْ بَصَرَهَا وَلَا تَتْرُكُ غُسْلَهُ. قَوْلُهُ: [فَهَذِهِ هِيَ الْغَسْلَةُ الْأُولَى] : هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَ مُحَشِّي الْأَصْلِ عِنْدَ

الْأُولَى. فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ سِدْرٌ (فَكَصَابُونٍ) أَيِّ صَابُونٍ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ أُشْنَانٍ أَوْ غَاسُولٍ يَعْرُكُ بِهِ جَسَدَهُ، ثُمَّ يُفِيضُ عَلَيْهِ الْمَاءَ لِلتَّنْظِيفِ. (وَ) نُدِبَ (تَجْرِيدُهُ) أَيْ الْمَيِّتِ مِنْ ثِيَابِهِ بَعْدَ سَتْرِ عَوْرَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، (وَوَضْعُهُ عَلَى مُرْتَفَعٍ) : حِينَ غُسْلٍ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِغَاسِلِهِ. (وَ) نُدِبَ (إيتَارُهُ) : أَيْ الْغُسْلِ؛ أَيْ جَعْلُهُ وِتْرًا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا (لِسَبْعٍ) ثُمَّ الْمَدَارُ عَلَى الْإِنْقَاءِ. (وَلَا يُعَادُ) الْغُسْلُ (كَوُضُوئِهِ) : لَا يُعَادُ. (لِخُرُوجِ نَجَاسَةٍ) بَعْدَهُ (وَغُسِلَتْ) النَّجَاسَةُ فَقَطْ إنْ خَرَجَتْ بَعْدَ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ. (وَ) نُدِبَ (عَصْرُ بَطْنِهِ) حَالَ الْغُسْلِ (بِرِفْقٍ) لَا بِشِدَّةٍ لِإِخْرَاجِ مَا فِي بَطْنِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ. (وَ) نُدِبَ حِينَئِذٍ (كَثْرَةُ صَبِّ الْمَاءِ فِي) حَالِ (غُسْلِ مَخْرَجَيْهِ) لِإِزَالَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلِ خَلِيلٍ: وَلِلْغُسْلِ سِدْرٌ أَيْ فِي الْغَسْلَةِ الَّتِي بَعْدَ الْأُولَى، إذْ هِيَ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ لِلتَّطْهِيرِ. وَالثَّانِيَةُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ لِلتَّنْظِيفِ. وَالثَّالِثَةُ بِالْمَاءِ وَالْكَافُورِ لِلتَّطْيِيبِ. وَقَوْلُهُ فِي الْمَجْمُوعِ: وَنُدِبَ لِلْغُسْلِ سِدْرٌ بِغَيْرِ الْأُولَى لِأَنَّهَا بِالْقَرَاحِ، وَمِثْلُ السِّدْرِ نَحْوُ الصَّابُونِ وَطِيبٍ فِي الْأَخِيرَةِ وَأَفْضَلُهُ الْكَافُورُ (اهـ.) فَلَعَلَّ مَا قَالَهُ شَارِحُنَا هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي طَرِيقَةٌ، وَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْغُسْلُ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الْكَيْفِيَّةِ. قَوْلُهُ: [يَعْرُكُ جَسَدَهُ] إلَخْ وَنَصَّ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ: بِمَاءٍ وَسِدْرٍ مِثْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَأَخَذَ اللَّخْمِيُّ مِنْهُ جَوَازَ غُسْلِهِ بِالْمَاءِ الْمُضَافِ كَقَوْلِ. ابْنِ شَعْبَانَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَخْلِطُ الْمَاءَ بِالسِّدْرِ، بَلْ يَحُكُّ الْمَيِّتَ بِالسِّدْرِ وَيَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ. وَهَذَا الْجَوَابُ عِنْدِي مُتَّجِهٌ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَشْيَاخِي وَالْمُدَوَّنَةِ قَابِلَةٌ لِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ تَجْرِيدُهُ] : قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَتَغْسِيلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَوْبِهِ تَعْظِيمٌ، وَغَسَّلَهُ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ وَالْفَضْلُ وَأُسَامَةُ وَشُقْرَانُ مَوْلَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْيُنُهُمْ مَعْصُوبَةٌ، وَمَاتَ ضَحْوَةَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ. وَدُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ، فَمَا يُقَالُ اسْتَمَرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَا دَفْنٍ فِي جَعْلِ اللَّيْلَةِ يَوْمًا تَغْلِيبًا وَتَأْخِيرُهُ لِلِاجْتِمَاعِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [لِخُرُوجِ نَجَاسَةٍ] : أَيْ وَلَا إيلَاجٍ.

النَّجَاسَةِ، وَتَقْلِيلِ الْعُفُونَةِ؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ فِي الْأَمْوَاتِ كَثْرَةُ ذَلِكَ. (وَ) لَا يُفْضِي الْغَاسِلُ بِيَدِهِ لِغَسْلِ ذَلِكَ بَلْ (يَلُفُّ خِرْقَةً كَثِيفَةً بِيَدِهِ) : حَالَ غَسْلِ الْعَوْرَةِ مِنْ تَحْتِ السُّتْرَةِ، (وَلَهُ الْإِفْضَاءُ) لِلْعَوْرَةِ (إنْ اُضْطُرَّ) لَهُ. (وَ) نُدِبَ (تَوْضِئَتُهُ أَوَّلًا) أَيْ فِي أَوَّلِ الْغَسَلَاتِ (بَعْدَ إزَالَةِ مَا عَلَيْهِ) : أَيْ الْمَيِّتِ (مِنْ أَذًى) نَجَاسَةٍ أَوْ وَسَخٍ، بِالسِّدْرِ أَوْ الصَّابُونِ، فَإِذَا أَزَالَهُ شَرَعَ فِي تَوْضِئَتِهِ كَالْجَنَابَةِ؛ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ إلَى كُوعَيْهِ ثَلَاثًا، وَيُمَضْمِضُهُ بِأَنْ يَضَعَ الْمَاءَ فِي فَمِهِ عِنْدَ إمَالَةِ رَأْسِهِ. (وَ) نُدِبَ (تَعَهُّدُ أَسْنَانِهِ وَ) تَعَهُّدُ (أَنْفِهِ) عِنْدَ الِاسْتِنْشَاقِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ (بِخِرْقَةٍ نَظِيفَةٍ) كَمِنْدِيلٍ. (وَ) نُدِبَ حِينَئِذٍ (إمَالَةُ رَأْسِهِ بِرِفْقٍ) لِلتَّمَكُّنِ مِنْ غَسْلِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ، وَلِئَلَّا يَدْخُلَ الْمَاءُ فِي جَوْفِهِ (لِمَضْمَضَةٍ) أَيْ وَاسْتِنْشَاقٍ، ثُمَّ يُتَمِّمُ وُضُوءَهُ مَرَّةً مَرَّةً، ثُمَّ يَجْعَلُهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَيَغْسِلُ الْأَيْمَنَ، ثُمَّ يُدِيرُهُ عَلَى الْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ الْأَيْسَرَ بَعْدَ تَثْلِيثِ رَأْسِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُ الْكَافُورَ فِي مَاءٍ فَيُغَسِّلُهُ بِهِ لِلتَّبْرِيدِ. وَلَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَلَوْ خَرَجَتْ مِنْهُ نَجَاسَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَهَذِهِ هِيَ الْغَسْلَةُ الثَّالِثَةُ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ: الْأُولَى بِسِدْرٍ لِلتَّنْظِيفِ، وَالثَّانِيَةُ بِمُطْلَقٍ لِلتَّطْهِيرِ، وَالثَّالِثَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إنْ اُضْطُرَّ لَهُ] : وَفِي (بْن) اسْتِحْبَابُ عَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَمَنَعَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَهُوَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْحَيَّ إذَا كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ إزَالَتَهَا لِعِلَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا إلَّا بِمُبَاشَرَةِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَمَسُّ فَرْجَهُ لِإِزَالَةِ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَالَتِهِ فَهُوَ فِي الْمَوْتِ أَوْلَى بِذَلِكَ، إذْ لَا يَكُونُ الْمَيِّتُ فِي إزَالَةِ تِلْكَ النَّجَاسَةِ أَعْلَى مِنْ الْحَيِّ. قَوْلُهُ: [بِخِرْقَةٍ نَظِيفَةٍ] : أَيْ غَيْرِ الْخِرْقَةِ الَّتِي غُسِّلَ بِهَا مَخْرَجُهُ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ يَجْعَلُ الْكَافُورَ فِي مَاءٍ] : اعْلَمْ أَنَّ النَّدْبَ يَحْصُلُ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ الطِّيبِ فِي مَاءِ الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَأَفْضَلُهُ الْكَافُورُ لِمَنْعِهِ سُرْعَةَ التَّغَيُّرِ، وَإِمْسَاكِهِ لِلْجَسَدِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هُنَا أَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي لَا تُبْلَى أَفْضَلُ، وَعَكَسَ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ بِأَفْضَلِيَّةِ الَّتِي تُبْلَى، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّا قَبْلَ الدَّفْنِ مَأْمُورُونَ بِالْحِفْظِ فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ] : تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ

[التكفين]

بِكَافُورِ لِلتَّبْرِيدِ، فَإِنْ اُحْتِيجَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْخَامِسَةِ أَوْ السَّابِعَةِ لِكَوْنِ جَسَدِهِ يَحْتَاجُ لِذَلِكَ مِنْ أَجْلِ دَمَامِلَ أَوْ جُدَرِيٍّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ زَادَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْحَالُ. وَنُدِبَ (عَدَمُ حُضُورِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ) لِلْغَاسِلِ، وَكُرِهَ حُضُورُ غَيْرِهِ. (وَ) نُدِبَ (كَافُورٌ فِي) الْغَسْلَةِ (الْأَخِيرَةِ) كَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) نُدِبَ (تَنْشِيقُهُ) : أَيْ الْمَيِّتِ بِخِرْقَةٍ طَاهِرَةٍ قَبْلَ إدْرَاجِهِ فِي الْكَفَنِ. (وَ) نُدِبَ (عَدَمُ تَأْخِيرِ التَّكْفِينِ) : أَيْ إدْرَاجِهِ فِي الْكَفَنِ (عَنْ الْغُسْلِ) لِمَا فِي الْإِسْرَاعِ مِنْ الِاهْتِمَامِ بِأَمْرِهِ، وَلِئَلَّا تَخْرُجَ نَجَاسَةٌ مِنْهُ فَيُحْتَاجُ لِإِزَالَتِهَا. (وَ) نُدِبَ (اغْتِسَالُ الْغَاسِلِ) لِلْمَيِّتِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ غُسْلِهِ. (وَ) نُدِبَ (بَيَاضُ الْكَفَنِ) مِنْ كَتَّانٍ أَوْ قُطْنٍ وَهُوَ أَوْلَى، (وَتَجْمِيرُهُ) ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمُحَشِّي الْأَصْلِ وَالْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ اغْتِسَالُ الْغَاسِلِ] : أَيْ لِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي فِي الْمُوَطَّإِ: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ» . وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْأَمْرَ هُنَا تَعَبُّدِيٌّ لَا مُعَلَّلٌ، وَحَمَلَهُ عَلَى مُقْتَضَاهُ مِنْ الْوُجُوبِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ مُعَلَّلٌ وَحَمَلَهُ عَلَى النَّدْبِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْعِلَّةِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّمَا أَمَرَ بِالْغُسْلِ لِأَجْلِ أَنْ يُبَالِغَ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ إذَا غَسَّلَ الْمَيِّتَ مُوَطِّنًا نَفْسَهُ عَلَى الْغُسْلِ لَمْ يُبَالِ بِمَا يَتَطَايَرُ عَلَيْهِ مِنْهُ، فَكَانَ سَبَبًا لِمُبَالَغَتِهِ فِي غُسْلِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَيْسَ مَعْنَى أَمْرِهِ بِالْغُسْلِ أَنْ يُغَسِّلَ جَمِيعَ بَدَنِهِ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يُغَسِّلَ مَا بَاشَرَهُ بِهِ أَوْ تَطَايَرَ عَلَيْهِ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ شَعْبَانَ، وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ لَا يَحْتَاجُ هَذَا الْغُسْلُ لِنِيَّةٍ فَلَيْسَ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِغَسْلِ ثِيَابِهِ عَلَى الثَّانِي لِلْمَشَقَّةِ. [التَّكْفِين] قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ بَيَاضُ الْكَفَنِ] إلَخْ: قَالَ (ح) عَنْ سَنَدٍ وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ

بِالْجِيمِ. أَيْ تَبْخِيرُهُ بِالْعُودِ وَنَحْوِهِ (وَالزِّيَادَةُ عَلَى) الْكَفَنِ (الْوَاحِدِ) ؛ فَالِاثْنَانِ أَفْضَلُ مِنْ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ وِتْرًا. (وَ) نُدِبَ (وِتْرُهُ) : أَيْ الْكَفَنِ، فَالثَّلَاثَةُ أَفْضَلُ مِنْ الِاثْنَيْنِ وَمِنْ الْأَرْبَعَةِ. (وَ) نُدِبَ (تَقْمِيصُهُ) أَيْ إلْبَاسُهُ قَمِيصًا (وَتَعْمِيمُهُ) بِعِمَامَةٍ. (وَ) نُدِبَ (عَذَبَةٌ فِيهَا) قَدْرُ ذِرَاعٍ تُجْعَلُ عَلَى وَجْهِهِ، (وَأَزْرَةٌ) بِوَسَطِهِ أَقَلُّهَا مِنْ سُرَّتِهِ لِرُكْبَتِهِ. فَإِنْ زَادَتْ عَلَى ذَلِكَ فَأَحْسَنُ (وَلِفَافَتَانِ) فَهَذِهِ خَمْسَةٌ هِيَ أَفْضَلُ كَفَنِ الذَّكَرِ. (وَالسَّبْعُ لِلْمَرْأَةِ) أَيْ الْأُنْثَى لَا الذَّكَرِ (بِزِيَادَةِ لِفَافَتَيْنِ) عَلَى الْأَزْرَةِ وَالْقَمِيصِ وَاللِّفَافَتَيْنِ؛ فَتَكُونُ اللَّفَائِفُ الَّتِي تُدْرَجُ فِيهَا أَرْبَعَةً. (وَ) نُدِبَ (خِمَارٌ) يُلَفُّ عَلَى رَأْسِهَا وَوَجْهِهَا (بَدَلَ الْعِمَامَةِ) لِلرَّجُلِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQقُطْنًا لِأَنَّهُ أَسْتَرُ، قَالَ (ح) : وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مِنْ الْكَتَّانِ مَا هُوَ أَسْتَرُ مِنْ الْقُطْنِ. وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِيهِ، وَلِكَوْنِهِ أَبْهَجَ بَيَاضًا. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ وِتْرًا] : أَيْ فَمَحَلُّ كَوْنِ الْإِيتَارِ أَفْضَلَ مِنْ الشَّفْعِ إذَا كَانَ غَيْرَ وَاحِدٍ، وَإِذَا شَحَّ الْوَارِثُ لَا يُقْضَى إلَّا بِوَاحِدٍ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ، وَفِي (عب) : ثَلَاثٌ، فَإِنْ أَوْصَى بِزَائِدٍ فَفِي ثُلُثِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَوْصَى بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ تَقْمِيصُهُ] إلَخْ: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَيِّتَ يُقَمَّصُ وَيُعَمَّمُ أَمَّا اسْتِحْبَابُ التَّعْمِيمِ فَهُوَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا اسْتِحْبَابُ التَّقْمِيصِ فَفِي الْوَاضِحَةِ عَنْ مَالِكٍ. قَوْلُهُ: [وَأَزْرَةٌ] : أَيْ تَحْتَ الْقَمِيصِ أَوْ سَرَاوِيلَ بَدَلُهَا وَهُوَ أَسْتَرُ مِنْهَا. قَوْلُهُ: [فَهَذِهِ خَمْسَةٌ] : أَيْ الْأَزْرَةُ وَاللِّفَافَتَانِ وَالْقَمِيصُ وَالْعِمَامَةُ. قَوْلُهُ: وَنُدِبَ خِمَارٌ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَخْمِيرِ الرَّأْسِ وَالْعُنُقِ أَيْ تَغْطِيَتِهَا بِهِ.

[تنبيه الكفن إذا سرق]

فَالْمَجْمُوعُ لِلْمَرْأَةِ سَبْعٌ. (وَ) نُدِبَ (حَنُوطٌ) : مِنْ كَافُورٍ أَوْ فِيهِ كَافُورٌ أَوْ غَيْرُهُ يُذَرُّ (دَاخِلَ كُلِّ لِفَافَةٍ) مِنْ الْكَفَنِ، (وَ) يُجْعَلُ (عَلَى قُطْنٍ، يَلْصَقُ) الْقُطْنُ (بِمَنَافِذِهِ) عَيْنَيْهِ وَأَنْفِهِ وَفَمِهِ وَأُذُنَيْهِ وَمَخْرَجِهِ، (وَمَسَاجِدِهِ) : جَبْهَتِهِ وَكَفَّيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَصَابِعِ رِجْلَيْهِ (وَمَرَاقِهِ) : رُفْغَيْهِ وَإِبِطَيْهِ وَبَاطِنِ رُكْبَتَيْهِ وَمَنْخَرِهِ وَخَلْفِ أُذُنَيْهِ. وَيُنْدَبُ تَحْنِيطُهُ، (وَإِنْ) كَانَ الْمَيِّتُ (مُحْرِمًا) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لِانْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ بِالْمَوْتِ (وَ) إنْ امْرَأَةً (مُعْتَدَّةً) عِدَّةَ وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ (وَ) لَكِنْ إنْ كَانَ الْغَاسِلُ لِمَيِّتٍ مُطْلَقًا - مُحْرِمًا أَوْ مُعْتَدَّةً (تَوَلَّاهُ) : أَيْ الْحَنُوطَ، أَيْ تَوَلَّى أَمْرَهُ لِلْمَيِّتِ (غَيْرُهُمَا) : لِأَنَّهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُمَا مَسُّ الْحَنُوطِ. (وَ) نُدِبَ (تَكْفِينُهُ بِثِيَابٍ كَجُمُعَتِهِ) الشَّرْعِيَّةِ لِحُصُولِ الْبَرَكَةِ بِثِيَابِ مَشَاهِدِ الْخَيْرِ. (وَهُوَ) : أَيْ الْكَفَنُ (مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ كَمُؤَنِ التَّجْهِيزِ) مِنْ حَنُوطٍ وَسِدْرٍ وَمَاءٍ وَأُجْرَةِ غَاسِلٍ وَحَامِلٍ وَقَبْرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ، (يُقَدَّمُ عَلَى دَيْنِ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ فِيهِ كَافُورٌ] إلَخْ: أَيْ فَالْمُرَادُ بِالْحَنُوطِ: الطِّيبُ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ مِسْكٍ أَوْ زَبَدٍ أَوْ شَنَدٍ أَوْ عِطْرِ شَاهٍ أَوْ عِطْرِ لَيْمُونٍ أَوْ مَاءِ وَرْدٍ، وَالْأَكْمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كَافُورٌ. قَوْلُهُ: [وَمَرَاقِهِ] : أَيْ مَا رِقَّ مِنْ جَسَدِهِ. قَوْلُهُ: رُفْغَيْهِ: هُمَا أَعْلَى الْفَخِذَيْنِ مِمَّا يَلِي الْعَانَةَ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمَا] : مَفْهُومُهُ لَوْ تَحَيَّلَا فِي عَدَمِ مَسِّهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا تَوْلِيَتُهُ وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَتَوَلَّاهُ غَيْرُهُمَا وَهُوَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: [بِثِيَابٍ كَجُمُعَتِهِ] : أَيْ وَقُضِيَ لَهُ بِهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَى أَنْ يُوصَى بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْأَصْلِ. [تَنْبِيهٌ الْكَفَنُ إذَا سُرِقَ] قَوْلُهُ: [غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ] : وَمِثْلُهُ كُلُّ مَالٍ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغَيْرِ بِعَيْنِهِ؛ كَالْعَبْدِ الْجَانِي، وَأُمِّ الْوَلَدِ وَزَكَاةِ الْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ، بَلْ وَلَوْ كَانَ الْكَفَنُ مَرْهُونًا فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِهِ. تَنْبِيهٌ: إنْ سُرِقَ الْكَفَنُ طُلِبَ كَالِابْتِدَاءِ. ثُمَّ إنْ وُجِدَ الْأَوَّلُ فَتَرِكَةٌ كَأَنْ ذَهَبَ

[مسألة تقديم الأب والابن في الكفن]

لِرَهْنٍ فِي دَيْنِهِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ، فَإِنْ كَانَ مَالُهُ مُرْتَهَنًا عِنْدَ مَدِينٍ، فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِالرَّهْنِ مِنْ الْكَفَنِ وَمُؤَنِ التَّجْهِيزِ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَالٌ أَوْ مَالٌ وَمُرْتَهَنٌ (فَعَلَى الْمُنْفِقِ بِقَرَابَةٍ) : كَأَبٍ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ وَكَابْنٍ لِوَالِدَيْهِ الْفَقِيرَيْنِ (أَوْ رِقٍّ) كَسَيِّدٍ رَقِيقٍ (لَا) عَلَى مُنْفِقٍ بِسَبَبِ (زَوْجِيَّةٍ) ؛ فَلَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ تَكْفِينُ زَوْجَتِهِ وَلَا مُؤَنُ تَجْهِيزِهَا، وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا وَهِيَ فَقِيرَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَلَا مُنْفِقٌ (فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ) . فَإِنْ لَمْ يَكُنْ (فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ) فَرْضُ كِفَايَةٍ. (وَالْوَاجِبُ) مِنْ الْكَفَنِ لِلذَّكَرِ (سَتْرُ الْعَوْرَةِ) مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ (وَالْبَاقِي) وَهُوَ مَا يَسْتُرُ بَقِيَّةَ الْبَدَنِ حَتَّى الرَّأْسَ وَالرِّجْلَيْنِ (سُنَّةٌ) عَلَى أَحَدِ الْمَشْهُورَيْنِ. وَالثَّانِي أَنَّ سَتْرَ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَاجِبٌ، قَالَ الشَّيْخُ فِي تَوْضِيحِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَجِبُ سَتْرُ جَمِيعِ بَدَنِهَا قَوْلًا وَاحِدًا، وَمَا زَادَ عَلَى الْكَفَنِ الْوَاجِبِ أَوْ السُّنَّةِ فَمَنْدُوبٌ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) نُدِبَ (مَشْيُ مُشَيِّعٍ) لِلْجِنَازَةِ. (وَ) نُدِبَ (تَقَدُّمُهُ) عَلَيْهَا (وَإِسْرَاعُهُ) فِي الْمَشْيِ (بِوَقَارٍ) وَسَكِينَةٍ لَا بِهَرْوَلَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُ الْمَيِّتُ. [مَسْأَلَة تَقْدِيم الْأَب وَالِابْن فِي الْكَفَن] قَوْلُهُ: [كَسَيِّدٍ رَقِيقٍ] : فَلَوْ مَاتَ السَّيِّدُ وَعَبْدُهُ وَعِنْدَهُ مَا يُكَفَّنُ بِهِ أَحَدُهُمَا فَقَطْ، كُفِّنَ الْعَبْدُ لِأَنَّ لَا حَقَّ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَيَكُونُ السَّيِّدُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ لِكَوْنِهِ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ نَقَلَهُ الْحَطَّابُ. مَسْأَلَةٌ: لَوْ مَاتَ الْأَبُ وَالِابْنُ الْقَاصِرُ وَكَانَ عِنْدَ الْأَبِ كَفَنٌ وَاحِدٌ، قِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَبُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَقِيلَ يَتَحَاصَّانِ، وَلَوْ مَاتَ الْأَبُ وَالْأُمُّ الْفَقِيرَانِ وَكَانَ وَلَدُهُمَا لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى كَفَنٍ وَاحِدٍ، قِيلَ يَتَحَاصَّانِ، وَقِيلَ تُقَدَّمُ الْأُمُّ. قَوْلُهُ: [عَلَى الْمَذْهَبِ] : وَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ يَلْزَمُهُ مُطْلَقًا أَوْ إنْ كَانَتْ فَقِيرَةً. قَوْلُهُ: [قَالَ الشَّيْخُ فِي تَوْضِيحِهِ] : أَيْ وَيُؤَيِّدُهُ الْقَضَاءُ بِهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ. [تَشْيِيع الْجِنَازَة] قَوْلُهُ: [لَا بِهَرْوَلَةٍ] : أَيْ لِأَنَّهَا تُنَافِي الْخُشُوعَ، وَاسْتَحَبَّتْ الشَّافِعِيَّةُ الْقُرْبَ

[الصلاة على الجنازة]

(وَ) نُدِبَ (تَأَخُّرُ رَاكِبٍ) عَنْهَا (وَ) تَأَخُّرُ (امْرَأَةٍ) وَإِنْ مَاشِيَةً، وَتَأَخُّرُهَا أَيْضًا عَنْ الرِّجَالِ. (وَ) نُدِبَ (سَتْرُهَا) : أَيْ الْمَرْأَةِ الْمَيِّتَةِ (بِقُبَّةٍ) : مِنْ جَرِيدٍ أَوْ غَيْرِهِ يُجْعَلُ عَلَى النَّعْشِ، وَيُلْقَى عَلَيْهِ ثَوْبٌ أَوْ رِدَاءٌ لِمَزِيدِ السَّتْرِ. ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَأَرْكَانِهَا فَقَالَ: (وَأَرْكَانُ الصَّلَاةِ) عَلَى الْجِنَازَةِ خَمْسَةٌ: أَوَّلُهَا (النِّيَّةُ) بِأَنْ يَقْصِدَ الصَّلَاةَ عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ أَوْ عَلَى مَنْ حَضَرَ مِنْ أَمْوَاتِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ اسْتِحْضَارِ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَلَا اعْتِقَادُ أَنَّهَا ذَكَرٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا أُنْثَى وَلَا عَكْسُهُ؛ إذْ الْمَقْصُودُ هَذَا الْمَيِّتُ. (وَ) ثَانِيهَا: (أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ) كُلُّ تَكْبِيرَةٍ بِمَنْزِلَةِ رَكْعَةٍ فِي الْجُمْلَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْمَيِّتِ حَالَ تَشْيِيعِهِ لِلِاعْتِبَارِ، وَالْحَنَفِيَّةُ التَّأَخُّرَ فِي صُفُوفِ الصَّلَاةِ تَوَاضُعًا فِي الشَّفَاعَةِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ سَتْرُهَا] إلَخْ: أَيْ فِي حَالِ الْحَمْلِ وَالدَّفْنِ. [الصَّلَاة عَلَى الْجِنَازَةِ] [تَنْبِيه حمل الْجِنَازَة] قَوْلُهُ: [أَوَّلُهَا النِّيَّةُ] : أَيْ وَحِينَئِذٍ فَتُعَادُ عَلَى مَنْ لَمْ تُنْوَ عَلَيْهِ كَاثْنَيْنِ اعْتَقَدَهُمَا وَاحِدًا إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ وَاحِدًا، فَتُعَادُ عَلَى غَيْرِهِ، وَأَمَّا إنْ اعْتَقَدَ الْوَاحِدَ مُتَعَدِّدًا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تَتَضَمَّنُ الْوَاحِدَ. تَنْبِيهٌ: لَا يُشْتَرَطُ وَضْعُهَا عَلَى الْأَعْنَاقِ فِي الْأَظْهَرِ. قَوْلُهُ: [أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ] : أَيْ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ زَمَنَ الْفَارُوقِ عَلَيْهَا بَعْدَ أَنْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَرَى التَّكْبِيرَ أَرْبَعًا، وَبَعْضُهُمْ خَمْسًا وَهَكَذَا إلَى سَبْعٍ، وَاَلَّذِي لِابْنِ نَاجِي أَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ بَعْدَ زَمَنِ الصَّحَابَةِ عَلَى أَرْبَعٍ، مَا عَدَا ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّهُ يَقُولُ إنَّهَا خَمْسٌ، وَمِثْلُ مَا لِابْنِ نَاجِي مَا لِلنَّوَوِيِّ عَلَى مُسْلِمٍ. (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [كُلُّ تَكْبِيرَةٍ بِمَنْزِلَةِ رَكْعَةٍ] : فَإِذَا كَبَّرَ عَلَى جِنَازَةٍ وَطَرَأَتْ جِنَازَةٌ أُخْرَى فَلَا يُشْرِكُهَا مَعَهَا، بَلْ يَتَمَادَى فِي صَلَاتِهِ عَلَى الْأُولَى حَتَّى يُتِمَّهَا، ثُمَّ يَبْتَدِئَ الصَّلَاةَ عَلَى الثَّانِيَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو؛ إمَّا أَنْ يَقْطَعَ الصَّلَاةَ وَيَبْتَدِئَ

(فَإِنْ زَادَ) الْإِمَامُ خَامِسَةً عَمْدًا أَوْ سَهْوًا (لَمْ يُنْتَظَرْ) ؛ بَلْ يُسَلِّمُونَ قَبْلَهُ وَصَحَّتْ لَهُمْ وَلَهُ أَيْضًا إذْ التَّكْبِيرُ لَيْسَ كَالرَّكَعَاتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَإِنْ انْتَظَرُوا سَلَّمُوا مَعَهُ وَصَحَّتْ. (وَإِنْ نَقَصَ) عَنْ الْأَرْبَعِ (سَبَّحَ لَهُ، فَإِنْ رَجَعَ) وَكَبَّرَ الرَّابِعَةَ كَبَّرُوا مَعَهُ وَسَلَّمُوا بِسَلَامِهِ؛ (وَإِلَّا) يَرْجِعُ (كَبَّرُوا) لِأَنْفُسِهِمْ وَسَلَّمُوا وَصَحَّتْ، وَقِيلَ تَبْطُلُ لِبُطْلَانِهَا عَلَى الْإِمَامِ. وَإِنَّمَا خَالَفَتْ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ غَيْرَهَا لِأَنَّ بَعْضَ السَّلَفِ كَانَ يَرَى أَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ، وَبَعْضُهُمْ يَرَى أَنَّهَا أَقَلُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] ، أَوْ لَا يَقْطَعُ وَيَتَمَادَى عَلَيْهِمَا إلَى أَنْ يُتِمَّ تَكْبِيرَ الْأُولَى وَيُسَلِّمَ، وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُكَبِّرَ عَلَى الثَّانِيَةِ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعٍ، أَوْ يَتَمَادَى إلَى أَنْ يُتِمَّ التَّكْبِيرَ عَلَى الثَّانِيَةِ، فَيَكُونَ قَدْ كَبَّرَ عَلَى الْأُولَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، فَلِذَا مُنِعَ مِنْ إدْخَالِهَا مَعَهَا. قَوْلُهُ: [لَمْ يُنْتَظَرْ] : هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَشْهَبُ إنَّهُ يُنْتَظَرُ وَيُسَلِّمُونَ مَعَهُ. قَوْلُهُ: [صَحَّتْ] : أَيْ فِيمَا يَظْهَرُ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ أَشْهَبَ: وَسَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ تَأْوِيلًا. قَوْلُهُ: [وَإِنْ نَقَصَ] : أَيْ سَهْوًا، وَأَمَّا عَمْدًا فَسَيَأْتِي. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا سَلَّمَ عَنْ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعٍ فَإِنَّ مَأْمُومَهُ لَا يَتْبَعُهُ، بَلْ إنْ نَقَصَ سَاهِيًا سُبِّحَ لَهُ، فَإِنْ رَجَعَ وَكَمَّلَ سَلَّمُوا مَعَهُ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ وَتَرَكَهُمْ كَبَّرُوا لِأَنْفُسِهِمْ، وَصَحَّتْ صَلَاتُهُمْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ تَنَبَّهَ عَنْ قُرْبٍ وَكَمَّلَ صَلَاتَهُ أَمْ لَا، هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَإِنْ كَانَ نَقَصَ عَمْدًا وَهُوَ يَرَاهُ مَذْهَبًا لَمْ يَتْبَعُوهُ، وَأَتَمُّوا بِتَمَامِ الْأَرْبَعِ، وَصَحَّتْ لَهُمْ وَلَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَرَاهُ مَذْهَبًا - بَطَلَتْ عَلَيْهِمْ. وَلَوْ أَتَوْا بِرَابِعَةٍ تَبَعًا لِبُطْلَانِهَا عَلَى الْإِمَامِ، وَحِينَئِذٍ فَتُعَادُ إنْ لَمْ تُدْفَنْ كَمَا سَيَأْتِي.

(وَ) ثَالِثُهَا (دُعَاءٌ لَهُ) أَيْ لِلْمَيِّتِ (بَيْنَهُنَّ) أَيْ التَّكْبِيرَاتِ (بِمَا تَيَسَّرَ) وَلَوْ " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ ". (وَدُعَاءٌ بَعْدَ) التَّكْبِيرَةِ (الرَّابِعَةِ إنْ أَحَبَّ) ، وَإِنْ أَحَبَّ لَمْ يَدْعُ وَسَلَّمَ (يُثَنِّي) : بِفَتْحِ: الْمُثَلَّثَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ الْمَكْسُورَةِ: أَيْ يَأْتِي بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ أَوْ بِالِاسْمِ الظَّاهِرِ مُثَنًّى إنْ كَانَ الْمَيِّتُ اثْنَيْنِ، (وَيَجْمَعُ إنْ احْتَاجَ) لِلتَّثْنِيَةِ أَوْ الْجَمْعِ بِأَنْ كَانُوا جَمَاعَةً، فَيَقُولُ إنْ كَانَا اثْنَيْنِ: " اللَّهُمَّ إنَّهُمَا عَبْدَاك وَابْنَا عَبْدَيْك وَابْنَا أَمَتَيْك كَانَا يَشْهَدَانِ " إلَخْ وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً قَالَ: " اللَّهُمَّ إنَّهُمْ عَبِيدُك وَأَبْنَاءُ عَبِيدِك وَأَبْنَاءُ إمَائِك كَانُوا يَشْهَدُونَ " إلَخْ، وَإِنْ شَاءَ قَالَ فِي الِاثْنَيْنِ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمَا وَارْحَمْهُمَا "، وَقَالَ فِي الْجَمَاعَةِ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ " (يُغَلِّبُ) . بِضَمِّ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ مَكْسُورَةً (الْمُذَكَّرَ عَلَى الْمُؤَنَّثِ) إنْ اجْتَمَعَ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ. (وَإِنْ وَالَاهُ) : أَيْ التَّكْبِيرَ - بِأَنْ لَمْ يَدْعُ بَعْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ - (أَوْ) دَعَا (وَسَلَّمَ بَعْدَ ثَلَاثٍ عَمْدًا، أَعَادَ) الصَّلَاةَ. وَكَذَا إنْ سَلَّمَ بَعْدَ ثَلَاثٍ سَهْوًا وَطَالَ (إنْ لَمْ تُدْفَنْ) الْجِنَازَةُ، فَإِنْ دُفِنَتْ فَلَا إعَادَةَ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَقِيلَ لَا إعَادَةَ فِي الْأُولَى وَإِنْ لَمْ تُدْفَنْ. فَقَوْلُ الشَّيْخِ: " وَإِنْ دُفِنَتْ فَعَلَى الْقَبْرِ " لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [دُعَاءٌ لَهُ] : أَيْ مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ كَثْرَتُهُ لِلْمَيِّتِ، وَأَوْجَبَ الشَّافِعِيَّةُ الْفَاتِحَةَ بَعْدَ الْأُولَى، وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الثَّانِيَةِ. وَمِنْ الْوَرَعِ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ، قَالَ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْفَاتِحَةِ لَا يَكْفِي عِنْدَنَا، وَيَبْعُدُ إدْرَاجُ الْمَيِّتِ فِي نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ. نَعَمْ يَظْهَرُ كِفَايَةُ مَنْ سَمِعَ دُعَاءَ الْإِمَامِ فَأَمَّنَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمُؤَمِّنَ أَحَدُ الدَّاعِينَ كَمَا قَالُوهُ فِي: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس: 89] أَنَّ مُوسَى كَانَ يَدْعُو وَهَارُونَ كَانَ يُؤَمِّنُ. قَوْلُهُ: [إنْ أَحَبَّ] : وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وُجُوبًا، وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ، وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ إنْ أَحَبَّ. قَوْلُهُ: [يُثَنِّي] إلَخْ: أَيْ يَتَّبِعُ فِي دُعَائِهِ الْأَلْفَاظَ الْعَرَبِيَّةَ فَلَوْ دَعَا بِمَلْحُونٍ فَالْعِبْرَةُ بِقَصْدِهِ وَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ. قَوْلُهُ: [لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ] أَيْ لِأَنَّ الَّذِي ارْتَضَاهُ (ر) وَتَبِعَهُ فِي الْحَاشِيَةِ إذَا دُفِنَتْ لَا إعَادَةَ فِي الْأُولَى وَلَا فِي الثَّانِيَةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ يُونُسَ.

(وَ) رَابِعُهَا (تَسْلِيمَةٌ) وَاحِدَةٌ يَجْهَرُ بِهَا الْإِمَامُ بِقَدْرِ التَّسْمِيعِ. (وَنُدِبَ لِغَيْرِ الْإِمَامِ إسْرَارُهَا) . (وَ) خَامِسُهَا: (قِيَامٌ لَهَا لِقَادِرٍ) عَلَى الْقِيَامِ لَا لِعَاجِزٍ عَنْهُ وَهَذَا مِمَّا زِدْنَاهُ عَلَيْهِ. (وَ) إنْ سَبَقَ أَحَدٌ بِالتَّكْبِيرِ مَعَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ: إنْ شَرَعُوا فِي الدُّعَاءِ، (صَبَرَ الْمَسْبُوقُ) بِهِ وُجُوبًا (لِلتَّكْبِيرِ) ، أَيْ إلَى أَنْ يُكَبِّرُوا فَلَا يُكَبِّرُ حَالَ اشْتِغَالِهِمْ بِالدُّعَاءِ لِأَنَّهُ كَالْقَاضِي خَلْفَ الْإِمَامِ، (فَإِنْ كَبَّرَ صَحَّتْ وَلَا يُعْتَدُّ بِهَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِ مِنْ الْأَشْيَاخِ (وَدَعَا) الْمَسْبُوقُ بَعْدَ تَكْبِيرِهِ الْكَائِنَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ (إنْ تُرِكَتْ) الْجِنَازَةُ (وَإِلَّا) بِأَنْ رُفِعَتْ (وَالَى) التَّكْبِيرَ بِلَا دُعَاءٍ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [تَسْلِيمَةٌ] : أَيْ لِكُلٍّ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فَلَا يَرُدُّ الْمَأْمُومُ وَلَا عَلَى إمَامِهِ وَلَا عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ الْقَائِلِ بِنَدْبِ رَدِّهِ عَلَى الْإِمَامِ إنْ سَمِعَهُ، وَلِابْنِ غَانِمٍ مِنْ نَدْبِ رَدِّ الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى مَنْ عَلَى الْيَسَارِ. قَوْلُهُ: [قِيَامٌ لَهَا] : أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ الْقِيَامُ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ كَالْقَاضِي] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ بِمَنْزِلَةِ رَكْعَةٍ فِي الْجُمْلَةِ. قَوْله: [وَلَا يُعْتَدُّ بِهَا] إلَخْ: هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ. فَالتَّكْبِيرُ عِنْدَهُ يَفُوتُ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فِي الدُّعَاءِ، وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ (عب) : مُقْتَضَى سَمَاعِ أَشْهَبَ اعْتِدَادَهُ بِهَا، بَلْ الَّذِي فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ أَنَّهُ إذَا جَاءَ وَقَدْ فَرَغَ الْإِمَامُ وَمَأْمُومُهُ مِنْ التَّكْبِيرِ، وَاشْتَغَلُوا بِالدُّعَاءِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ مَعَهُمْ وَلَا يَنْتَظِرُ لِأَنَّهُ لَا تَفُوتُ كُلُّ تَكْبِيرَةٍ إلَّا بِاَلَّتِي بَعْدَهَا (اهـ. بْن مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَالَى التَّكْبِيرَ] : أَيْ لِئَلَّا تَصِيرَ صَلَاةً عَلَى غَائِبٍ، وَاسْتَشْكَلَ هَذَا بِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْغَائِبِ مَكْرُوهَةٌ كَمَا يَأْتِي، وَالدُّعَاءَ رُكْنٌ كَمَا تَقَدَّمَ، فَكَيْفَ يُتْرَكُ الرُّكْنُ خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِي مَكْرُوهٍ؟ وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الدُّعَاءَ رُكْنٌ لِغَيْرِ الْمَسْبُوقِ كَمَا قَالُوا فِي الْقِيَامِ لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فِي الْفَرْضِ الْعَيْنِيِّ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ مَا إذَا تُرِكَتْ فَيَدْعُو، وَإِذَا لَمْ تُتْرَكْ فَيُوَالِي التَّكْبِيرَ أَيَّدَهُ، (بْن) ، وَاَلَّذِي ارْتَضَاهُ فِي الْحَاشِيَةِ تَبَعًا لِلرَّمَاصِيِّ: أَنَّ الْمَسْبُوقَ إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ فَإِنَّهُ يُوَالِي التَّكْبِيرَ مُطْلَقًا

(وَنُدِبَ رَفْعُ الْيَدَيْنِ) حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ (بِالْأُولَى) أَيْ عِنْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى (فَقَطْ) (وَ) نُدِبَ (ابْتِدَاءُ الدُّعَاءِ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بِأَنْ يَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَاتَ وَأَحْيَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْت وَبَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وَأَحْسَنُ الدُّعَاءِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ: " اللَّهُمَّ إنَّهُ عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك وَابْنُ أَمَتِك، كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَحْدَك لَا شَرِيكَ لَك وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُك وَرَسُولُك، وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ، اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ "، فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً قَالَ: " اللَّهُمَّ إنَّهَا أَمَتُك وَبِنْتُ عَبْدِك وَبِنْتُ أَمَتِك كَانَتْ تَشْهَدُ " إلَخْ. (وَ) نُدِبَ (إسْرَارُهُ) أَيْ الدُّعَاءِ. (وَ) نُدِبَ (وُقُوفُ إمَامٍ وَسَطَ) الْمَيِّتِ (الذَّكَرِ وَحَذْوَ مَنْكِبَيْ غَيْرِهِ) ، مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عِنْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى فَقَطْ] : أَيْ وَأَمَّا فِي غَيْرِ أُولَاهُ فَخِلَافُ الْأُولَى. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ ابْتِدَاءُ الدُّعَاءِ] : أَيْ إثْرَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَفِي الطِّرَازِ: لَا تَكُنْ الصَّلَاةُ وَالتَّحْمِيدُ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ؛ بَلْ فِي الْأُولَى وَيَدْعُو فِي غَيْرِهَا. وَعَزَاهُ ابْنُ يُونُسَ لِلنَّوَادِرِ. قَوْلُهُ: [وَابْنُ عَبْدِك] إلَخْ: لَمْ يَكُنْ فِي مُسَوَّدَةِ الْمُؤَلِّفِ لَفْظُ أَمَتِك وَلَعَلَّهَا مُسْقَطَةٌ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ إسْرَارُهُ] : أَيْ وَلَوْ صَلَّى عَلَيْهَا لَيْلًا. قَوْلُهُ: [وَسَطَ الْمَيِّتِ] : أَيْ عِنْدَ وَسَطِهِ مِنْ غَيْرِ مُلَاصَقَةٍ، بَلْ يُسَنُّ أَنْ يَكُونَ

[الدفن باللحد والشق]

أُنْثَى أَوْ خُنْثَى جَاعِلًا (رَأْسَ الْمَيِّتِ عَنْ يَمِينِهِ) أَيْ الْإِمَامِ، (إلَّا فِي الرَّوْضَةِ) الشَّرِيفَةِ فَتُجْعَلُ رَأْسُهُ عَلَى يَسَارِ الْإِمَامِ تُجَاهَ رَأْسِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِلَّا لَزِمَ قِلَّةَ الْأَدَبِ. (وَالْأَوْلَى بِالصَّلَاةِ) عَلَى الْمَيِّتِ (وَصِيٌّ رُجِيَ خَيْرُهُ) أَوْصَى الْمَيِّتُ بِأَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ (فَالْخَلِيفَةُ) إنْ لَمْ يَكُنْ وَصِيٌّ (لَا فَرْعُهُ) أَيْ نَائِبُهُ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِهِ (إلَّا إذَا وَلِيَ الْخُطْبَةَ) مِنْ الْخَلِيفَةِ فَيَكُونُ كَالْخَلِيفَةِ أَوْلَى مِنْ الْعَصَبَةِ، (ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ مِنْ عَصَبَتِهِ) فَيُقَدَّمُ ابْنٌ فَابْنُهُ فَأَبٌ فَأَخٌ فَابْنُهُ، فَجَدٌّ فَعَمٌّ فَابْنُهُ إلَخْ، وَقُدِّمَ الشَّقِيقُ عَلَى غَيْرِهِ (وَأَفْضَلُهُمْ عِنْدَ التَّسَاوِي وَلَوْ) كَانَ الْأَفْضَلُ (وَلِيَّ امْرَأَةٍ) صَلَّى عَلَيْهَا مَعَ رَجُلٍ. (وَصَلَّتْ النِّسَاءُ) عِنْدَ عَدَمِ الرِّجَالِ (دَفْعَةً) : أَيْ فِي آنٍ وَاحِدٍ (أَفْذَاذًا) إذْ لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُنَّ، وَيَلْزَمُ عَلَى تَرَتُّبِهِنَّ تَكْرَارُ الصَّلَاةِ. (وَ) نُدِبَ (اللَّحْدُ) : وَهُوَ أَنْ يُحْفَرَ فِي أَسْفَلِ الْقَبْرِ جِهَةَ قِبْلَتِهِ مِنْ الْمَغْرِبِ. لِلْمَشْرِقِ بِقَدْرِ مَا يُوضَعُ فِيهِ الْمَيِّتُ (فِي الْأَرْضِ الصُّلْبَةِ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ قَدْرَ شِبْرٍ وَقِيلَ قَدْرَ ذِرَاعٍ. قَوْلُهُ: [أَوْصَى الْمَيِّتُ] : أَيْ لِرَجَاءِ خَيْرِهِ، وَأَمَّا لَوْ أَوْصَاهُ لِإِغَاظَةِ أَوْلِيَائِهِ. لِعَدَاوَةٍ لَمْ تَنْفُذْ وَصِيَّتُهُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [أَيْ نَائِبُهُ] : أَيْ فِي الْحُكْمِ فَقَطْ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [فَيُقَدَّمُ ابْنٌ] إلَخْ: أَيْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي النَّظْمِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ وَلِيَ امْرَأَةٍ] : مُبَالَغَةٌ فِي مَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ: كَاجْتِمَاعِ جَنَائِزَ فَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ وَلَوْ وَلِيَ امْرَأَةٍ. قَوْلُهُ: [وَيَلْزَمُ عَلَى تَرَتُّبِهِنَّ] إلَخْ: أَيْ وَهُوَ مَكْرُوهٌ. [الدّفن بِاللَّحْدِ وَالشِّقّ] قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ اللَّحْدُ] : إنَّمَا فُضِّلَ لِخَبَرِ: «اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا» .

الْمُتَمَاسِكَةِ الَّتِي لَا تَنْهَالُ (وَإِلَّا) تَكُنْ الْأَرْضُ صُلْبَةً (فَالشَّقُّ) : بِأَنْ يُحْفَرَ وَسَطُ الْقَبْرِ بِقَدْرِ الْمَيِّتِ وَيُسَدَّ بِاللَّبِنِ كَمَا يَأْتِي. (وَ) نُدِبَ (وَضْعُهُ عَلَى) شِقٍّ (أَيْمَنَ مُقَبَّلًا) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ مَجْعُولًا وَجْهَهُ لِلْقِبْلَةِ. (وَ) نُدِبَ (قَوْلُ وَاضِعِهِ) فِي قَبْرِهِ (بِسْمِ اللَّهِ) أَيْ وَضَعْته (وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْهُ بِأَحْسَنِ قَبُولٍ) . (وَتُدُورِكَ) الْمَيِّتُ (إنْ خُولِفَ) بِأَنْ جُعِلَ ظَهْرُهُ لِلْقِبْلَةِ، أَوْ نُكِّسَ بِأَنْ جُعِلَ رِجْلَاهُ مَكَانَ رَأْسِهِ بِأَنْ يُحَوَّلَ إلَى الْحَالَةِ الْمَطْلُوبَةِ (إنْ لَمْ يُسَوَّ عَلَيْهِ التُّرَابُ) ، وَإِلَّا تُرِكَ وَشَبَّهَ فِي مُطْلَقِ التَّدَارُكِ قَوْلَهُ: (كَتَرْكِ الْغُسْلِ أَوْ الصَّلَاةِ) عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُتَدَارَكُ وَيُخْرَجُ مِنْ الْقَبْرِ لَهُمَا وَلَوْ سُوِّيَ عَلَيْهِ التُّرَابُ (إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ) الْمَيِّتُ (وَإِلَّا) - بِأَنْ مَضَى زَمَنٌ يُظَنُّ بِهِ تَغَيُّرُهُ - (صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ مَا بَقِيَ) أَيْ مُدَّةَ ظَنِّ بَقَاءِ الْمَيِّتِ (بِهِ) ، أَيْ فِيهِ وَلَوْ بَعْدَ سِنِينَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا غُسِّلَ وَإِلَّا فَفِيهِ نَظَرٌ. (وَ) نُدِبَ (سَدُّهُ) أَيْ اللَّحْدِ وَالشَّقِّ (بِلَبِنٍ) وَهُوَ الطُّوبُ النِّيءُ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ (فَلَوْحٌ) مِنْ خَشَبٍ (فَقَرْمُودٌ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ - طُوبٌ يُجْعَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِلْقِبْلَةِ] : أَيْ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْمَجَالِسِ، أَيْ وَتُحَلُّ عُقَدُ كَفَنِهِ وَتُمَدُّ يَدُهُ الْيُمْنَى عَلَى جَسَدِهِ، وَيُعْدَلُ رَأْسُهُ بِالتُّرَابِ وَرِجْلَاهُ بِرِفْقٍ، وَيُجْعَلُ التُّرَابُ خَلْفَهُ وَأَمَامَهُ لِئَلَّا يَنْقَلِبَ، فَإِنْ لَمْ يُتَمَكَّنْ مِنْ جَعْلِهِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَعَلَى ظَهْرِهِ مُسْتَقْبِلًا لِلْقِبْلَةِ بِوَجْهِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَعَلَى حَسَبِ الْإِمْكَانِ. قَوْلُهُ. [وَتُدُورِكَ الْمَيِّتُ] : أَيْ اسْتِحْبَابًا. قَوْلُهُ: [وَشَبَّهَ فِي مُطْلَقِ التَّدَارُكِ] : أَيْ لِأَنَّ هَذَا التَّدَارُكَ وَاجِبٌ إنْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا فَالتَّشْبِيهُ مُخْتَلِفٌ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَفِيهِ نَظَرٌ] : وَجْهُ النَّظَرِ الْمُنَافَاةُ لِقَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ " وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ " وَيُجَابُ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ (ر) : بِأَنَّ مَعْنَى التَّلَازُمِ فِي الطَّلَبِ ابْتِدَاءٌ فَإِنْ تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا وَجَبَ الْآخَرُ لِمَا فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ بِمَا اسْتَطَعْتُمْ» . قَوْلُهُ: [وَهُوَ الطُّوبُ النِّيءُ] : أَيْ كَمَا فَعَلَ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ مَصْنُوعًا بِالْقَالِبِ أَمْ لَا.

[آداب التعزية وحضور الاحتضار]

عَلَى صُورَةِ وُجُوهِ الْخَيْلِ، (فَقَصَبٌ) لَكِنْ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْآجُرُّ بِالْمَدِّ وَضَمِّ الْجِيمِ الطُّوبُ الْمَحْرُوقُ: (وَإِلَّا) يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (فَسُنَّ التُّرَابُ) بِبَابِ اللَّحْدِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُلَتَّ بِالْمَاءِ لِيَتَمَاسَكَ (أَوْلَى) عِنْدَ الْعُلَمَاءِ (مِنْ) دَفْنِهِ فِي (التَّابُوتِ) أَيْ السِّحْلِيَّةِ تُجْعَلُ كَالصُّنْدُوقِ يَدْفِنُ فِيهَا النَّصَّارِي أَمْوَاتَهُمْ وَهُوَ مِنْ سُنَّتِهِمْ. (وَ) نُدِبَ (رَفْعُهُ) أَيْ الْقَبْرِ بِرَمْلٍ وَحِجَارَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (كَشِبْرٍ مُسَنَّمًا) أَيْ كَسَنَامِ الْبَعِيرِ لَا مُسَطَّبًا. (وَ) نُدِبَ لِلنَّاسِ (تَعْزِيَةُ أَهْلِهِ) أَيْ تَسْلِيَتُهُمْ وَحَمْلُهُمْ عَلَى الصَّبْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الْآجُرُّ] : وَبَعْدَ الْآجُرِّ الْحَجَرُ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ مِنْ سُنَّتِهِمْ] : وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَاتٍ التَّابُوتُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ، بَلْ هُوَ مِنْ عَادَةِ الْأَعَاجِمِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ. قَوْلُهُ: [كَشِبْرٍ مُسَنَّمًا] : إنَّمَا اُسْتُحِبَّ ذَلِكَ لِيُعْرَفَ بِهِ، وَإِنْ زِيدَ عَلَى الشِّبْرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَكَرَاهَةُ مَالِكٍ لِرَفْعِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى رَفْعِهِ بِالْبِنَاءِ لَا رَفْعِ تُرَابِهِ عَنْ الْأَرْضِ مُسَنَّمًا، وَعَلَى هَذَا تَأَوَّلَهَا عِيَاضٌ بِأَنَّ قَبْرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُسَنَّمٌ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَكَذَا قَبْرُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ رِوَايَةِ تَسْطِيحِهَا، لِأَنَّهُ زِيُّ أَهْلِ الْكِتَابِ وَشِعَارُ الرَّوَافِضِ. (اهـ. خَرَشِيٌّ) . [آدَاب التعزية وَحُضُور الِاحْتِضَار] قَوْلُهُ: [تَعْزِيَةُ أَهْلِهِ] : أَيْ لِخَبَرِ: «مَنْ عَزَّى مُصَابًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ» ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هِيَ الْحَمْلُ عَلَى الصَّبْرِ بِوَعْدِ الْأَجْرِ وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ وَالْمُصَابِ. (وَقَالَ) ابْنُ حَبِيبٍ فِي التَّعْزِيَةِ ثَوَابٌ كَثِيرٌ، (وَقَالَ) ابْنُ الْقَاسِمِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: تَهْوِينُ الْمُصِيبَةِ عَلَى الْمُعَزَّى وَتَسْلِيَتُهُ عَنْهَا وَحَضُّهُ عَلَى الْتِزَامِ الصَّبْرِ وَاحْتِسَابُهُ الْأَجْرَ وَالرِّضَا بِالْقَدَرِ وَالتَّسْلِيمُ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. الثَّانِي: الدُّعَاءُ بِأَنْ يُعَوِّضَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ مُصَابِهِ جَزِيلَ الثَّوَابِ. الثَّالِثُ: الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ وَالتَّرَحُّمُ عَلَيْهِ وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ لِلتَّعْزِيَةِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ جَاءَ خَبَرُ جَعْفَرٍ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ

(وَ) نُدِبَ لِلْجَارِ وَنَحْوِهِ (تَهْيِئَةُ طَعَامٍ لَهُمْ) أَيْ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ (إلَّا أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى مُحَرَّمٍ) مِنْ نَدْبٍ وَلَطْمٍ وَنِيَاحَةٍ، فَلَا. (وَ) نُدِبَ لِأَهْلِهِ (التَّصَبُّرُ) : أَيْ إظْهَارُ الصَّبْرِ، (وَالتَّسْلِيمُ لِلْقَضَاءِ) : أَيْ لِقَضَاءِ اللَّهِ مَالِك الْمُلْكِ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ، (كَتَحْسِينِ الْمُحْتَضَرِ) : تَشْبِيهٌ فِي النَّدْبِ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَ (ظَنَّهُ) مَفْعُولُهُ: أَيْ يُنْدَبُ لِلْمُحْتَضَرِ أَنْ يُحْسِنَ ظَنَّهُ (بِاَللَّهِ بِقُوَّةِ الرَّجَاءِ فِيهِ) ، أَيْ بِسَبَبِ قُوَّةِ رَجَائِهِ فِي اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ فِيمَا عِنْدَهُ مِنْ الْكَرَمِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمُسَامَحَةِ، لِأَنَّهُ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ يَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ وَيُقِيلُ الْعَثَرَاتِ فَيُقَدِّمُ الرَّجَاءَ عَلَى الْخَوْفِ. (وَ) يُنْدَبُ لِلْحَاضِرِ عِنْدَهُ (تَلْقِينُهُ الشَّهَادَتَيْنِ بِلُطْفٍ) بِأَنْ يَقُولَ عِنْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ وَمَنْ قُتِلَ مَعَهُمْ بِمُؤْتَةِ، اسْمُ مَكَان. وَوَاسِعٌ كَوْنُهَا قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ، وَالْأَوْلَى عِنْدَ رُجُوعِ الْوَلِيِّ إلَى بَيْتِهِ. قَوْلُهُ: [أَيْ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ] : أَيْ لِاشْتِغَالِهِمْ بِمَيِّتِهِمْ، وَجَمْعُ النَّاسِ عَلَى طَعَامِ بَيْتِ الْمَيِّتِ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ لَمْ يُنْقَلْ فِيهَا شَيْءٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَوْضِعَ وَلَائِمَ. وَأَمَّا عَقْرُ الْبَهَائِمِ وَذَبْحُهَا عَلَى الْقَبْرِ فَمِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا عَقْرَ فِي الْإِسْلَامِ» ، قَالَ الْعُلَمَاءُ الْعَقْرُ الذَّبْحُ عَلَى الْقَبْرِ. كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [فَيُقَدِّمُ الرَّجَاءَ عَلَى الْخَوْفِ] : أَيْ وَأَمَّا الصَّحِيحُ فَفِيهِ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ: قِيلَ مِثْلُ الْمُحْتَضَرِ وَهُوَ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ، وَقِيلَ: يَعْتَدِلُ عِنْدَهُ جَانِبُ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ فَيَكُونُ كَجَنَاحَيْ الطَّائِرِ مَتَى رُجِّحَ أَحَدُهُمَا سَقَطَ، وَقِيلَ: يُطْلَبُ مِنْهُ غَلَبَةُ الْخَوْفِ لِيَحْمِلَهُ عَلَى كَثْرَةِ الْعَمَلِ، وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ عِنْدَنَا. قَوْلُهُ: [تَلْقِينُهُ الشَّهَادَتَيْنِ] : أَيْ لِحَدِيثِ: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» لِيَكُونَ ذَلِكَ آخِرَ كَلَامِهِ وَلِيُطْرَدَ بِهِ الشَّيَاطِينُ الَّذِينَ يَحْضُرُونَهُ لِدَعْوَى

أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " وَلَا يَقُولُ لَهُ: " قُلْ "، وَلَا يُلِحُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ السَّاعَةَ سَاعَةُ ضِيقٍ وَكَرْبٍ، وَرُبَّمَا كَانَ الْإِلْحَاحُ عَلَيْهِ سَبَبًا فِي تَغَيُّرِهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ زِيَادَةِ الضِّيقِ عَلَيْهِ. (وَلَا يُكَرِّرُ) التَّلْقِينَ عَلَيْهِ (إنْ نَطَقَ بِهِمَا إلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِأَجْنَبِيٍّ) مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ فَيُلَقَّنُ لِيَكُونَ آخِرُ كَلَامِهِ مِنْ الدُّنْيَا التَّكَلُّمَ بِهِمَا. (وَ) نُدِبَ (اسْتِقْبَالُهُ) لِلْقِبْلَةِ (عِنْدَ شُخُوصِهِ) بِبَصَرِهِ (عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ) إذَا تَعَسَّرَ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ فَعَلَى (ظَهْرِهِ) رِجْلَاهُ لِلْقِبْلَةِ. (وَ) نُدِبَ (تَجَنُّبُ) : أَيْ تَبَاعُدُ (جُنُبٍ وَحَائِضٍ وَتِمْثَالٍ وَآلَةِ لَهْوٍ) لِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَةِ تَنْفِرُ مِنْ ذَلِكَ. (وَ) نُدِبَ (إحْضَارُ طِيبٍ) كَبَخُورِ عُودٍ أَوْ جَاوِي عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُحِبُّهُ. (وَ) نُدِبَ إحْضَارُ (أَحْسَنِ أَهْلِهِ) خَلْقًا وَخُلُقًا (وَ) أَحْسَنِ (أَصْحَابِهِ) مِمَّنْ كَانَ يُحِبُّهُمْ وَلَا يَنْبَغِي إحْضَارُ الْوَارِثِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ابْنًا وَزَوْجَةً وَنَحْوَهُمَا. (وَ) نُدِبَ (دُعَاءٌ) مِنْ الْحَاضِرِينَ: لِأَنْفُسِهِمْ وَلِلْمَيِّتِ لِأَنَّهُ مِنْ أَوْقَاتِ الْإِجَابَةِ. (وَ) نُدِبَ (عَدَمُ بُكًى) بِالْقَصْرِ وَهُوَ الْخَفِيُّ الَّذِي لَا يُرْفَعُ فِيهِ الصَّوْتُ. لِأَنَّ التَّصَيُّرَ أَجْمَلُ. (وَ) نُدِبَ (تَغْمِيضُهُ) أَيْ قَفْلُ عَيْنَيْهِ (وَشَدُّ لَحْيَيْهِ) بِعِصَابَةٍ (إذَا قُضِيَ) أَيْ خَرَجَتْ رُوحُهُ بِالْفِعْلِ، فَلَا يُغَمَّضُ قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُهُ الْجَهَلَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّبْدِيلِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ. وَلَا يُلَقِّنُ إلَّا بَالِغٌ، وَظَاهِرُ الرِّسَالَةِ مُطْلَقًا وَالْمَدَارُ عَلَى التَّمْيِيزِ. قَوْلُهُ: (أَيْ خَرَجَتْ رُوحُهُ بِالْفِعْلِ) : وَعَلَامَةُ ذَلِكَ أَرْبَعٌ: انْقِطَاعُ نَفَسِهِ. وَإِحْدَادُ بَصَرِهِ، وَانْفِرَاجُ شَفَتَيْهِ فَلَا يَنْطَبِقَانِ، وَسُقُوطُ قَدَمَيْهِ فَلَا يَنْتَصِبَانِ. وَمِنْ

[تنبيه زيارة النساء للقبور]

(وَ) نُدِبَ (رَفْعُهُ) بَعْدَ مَوْتِهِ (عَنْ الْأَرْضِ) عَلَى طَرَّاحَةٍ أَوْ سَرِيرٍ لِئَلَّا تُسْرِعَ لَهُ الْهَوَامُّ (وَسَتْرُهُ بِثَوْبٍ وَإِسْرَاعُ تَجْهِيزِهِ) خَوْفًا مِنْ تَغَيُّرِهِ (إلَّا كَالْغَرِقِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ: أَيْ الْغَرِيقُ، وَمَنْ مَاتَ تَحْتَ هَدْمٍ أَوْ فَجْأَةً؛ فَإِنَّهُ يُؤَخَّرُ وَلَا يُسْرَعُ بِتَجْهِيزِهِ حَتَّى تَظْهَرَ أَمَارَاتُ التَّغَيُّرِ وَتَحَقُّقِ مَوْتِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَيًّا ثُمَّ تُرَدُّ لَهُ رُوحُهُ. (وَ) نُدِبَ (زِيَارَةُ الْقُبُورِ بِلَا حَدٍّ) بِيَوْمٍ أَوْ وَقْتٍ أَوْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، (وَالدُّعَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَامَةِ الْبُشْرَى لِأَهْلِ الْخَيْرِ الَّذِينَ لَا يَلْحَقُهُمْ عَذَابٌ كَمَا قِيلَ وَقِيلَ - عَلَامَةُ الْإِيمَانِ مُطْلَقًا - أَنْ يَصْفَرَّ وَجْهُهُ وَيَعْرَقَ جَبِينُهُ وَتَذْرِفَ عَيْنَاهُ دُمُوعًا، وَمِنْ عَلَامَاتِ السُّوءِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ أَنْ تَحْمَرَّ عَيْنَاهُ وَتَرْبَدَّ شَفَتَاهُ، وَيَغُطَّ كَغَطِيطِ الْبِكْرِ وَتَرْبَدُّ - بِالْبَاءِ. الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا دَالٌ مُشَدَّدَةٌ - لَوْنُ الْغُبْرَةِ. قَوْلُهُ: [لِئَلَّا تُسْرِعَ لَهُ الْهَوَامُّ] : أَيْ لِمُفَارَقَةِ الْحَفَظَةِ لَهُ بِخُرُوجِ رُوحِهِ. قَوْلُهُ: [وَسَتْرُهُ بِثَوْبٍ] : أَيْ زِيَادَةً عَلَى مَا عَلَيْهِ حَالَ الْمَوْتِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُغَطَّى وَجْهُهُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَتَغَيَّرُ مِنْ الْمَرَضِ فَيَظُنُّ مَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ مَا لَا يَجُوزُ. تَنْبِيهٌ: قَالَ حُلُولُو فِي قَوْلِ خَلِيلٍ وَتَلْيِينُ مَفَاصِلِهِ بِرِفْقٍ وَرَفْعُهُ عَنْ الْأَرْضِ، وَوَضْعُ ثَقِيلٍ عَلَى بَطْنِهِ - مَا ذَكَرَهُ مِنْ هَذِهِ الْمَنْدُوبَاتِ: لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهَا مِنْ الْأَصْحَابِ وَهِيَ مَنْصُوصَةٌ لِلشَّافِعِيَّةِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [خَوْفًا مِنْ تَغَيُّرِهِ] : وَتَأْخِيرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْأَمْنِ مِنْ ذَلِكَ؛ وَاسْتَثْنَوْا مِنْ قَاعِدَةِ الْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ سِتَّ مَسَائِلَ: التَّوْبَةُ، وَالصَّلَاةُ إذَا دَخَلَ وَقْتُهَا، وَتَجْهِيزُ الْمَيِّتِ عِنْدَ مَوْتِهِ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ، وَنِكَاحُ الْبِكْرِ إذَا بَلَغَتْ وَتَقْدِيمُ الطَّعَامِ لِلضَّيْفِ إذَا قَدِمَ، وَقَضَاءُ الدَّيْنِ إذَا حَلَّ. وَزِيدَ تَعْجِيلُ الْأَوْبَةِ مِنْ السَّفَرِ وَرَمْيُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَإِخْرَاجُ الزَّكَاةِ عِنْدَ حُلُولِهَا. [تَنْبِيه زِيَارَة النِّسَاء لِلْقُبُورِ] قَوْلُهُ: [بِلَا حَدٍّ] : أَيْ فِي أَصْلِ النَّدْبِ، فَلَا يُنَافِي التَّأَكُّدَ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي وَرَدَ الْأَمْرُ فِيهَا بِخُصُوصِهَا كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَرَدَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ زَارَ وَالِدَيْهِ كُلَّ جُمُعَةٍ غُفِرَ لَهُ وَكُتِبَ بَارًّا» ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّ الْمَوْتَى يَعْلَمُونَ بِزُوَّارِهِمْ يَوْمَ

[الجائز في الجنائز]

وَالِاعْتِبَارُ) أَيْ الِاتِّعَاظُ وَإِظْهَارُ الْخُشُوعِ (عِنْدَهَا) أَيْ الْقُبُورِ، وَيُكْرَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالضِّحْكُ وَكَثْرَةُ الْكَلَامِ، وَكَذَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالْأَصْوَاتِ الْمُرْتَفِعَةِ وَاِتِّخَاذُ ` ذَلِكَ عَادَةً لَهُمْ كَمَا يَقَعُ فِي قَرَافَةِ مِصْرَ، وَرُبَّمَا خَرَجُوا عَنْ قَانُونِ الْقِرَاءَةِ إلَى قَانُونِ الْغِنَاءِ وَالتَّمْطِيطِ وَتَقْطِيعِ الْحُرُوفِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْجَائِزَاتِ فَقَالَ: (وَجَازَ غَسْلُ امْرَأَةٍ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَمَفْعُولِهِ قَوْلُهُ (ابْنَ ثَمَانٍ) أَيْ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُغَسِّلَ صَبِيًّا ابْنَ ثَمَانِ سِنِينَ فَأَوْلَى مَنْ دُونَهُ، لَا ابْنُ تِسْعٍ، وَإِنْ جَازَ لَهَا النَّظَرُ لِعَوْرَتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجُمُعَةِ وَيَوْمًا قَبْلَهُ وَيَوْمًا بَعْدَهُ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ: عَشِيَّةَ الْخَمِيسِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ السَّبْتِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلِذَلِكَ يُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ الْقُبُورِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَهَا، وَيُكْرَهُ السَّبْت فِيمَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ، لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْبَيَانِ: قَدْ جَاءَ أَنَّ الْأَرْوَاحَ بِأَفْنِيَةِ الْقُبُورِ، وَأَنَّهَا تَطَّلِعُ بِرُؤْيَتِهَا، وَأَنَّ أَكْثَرَ اطِّلَاعِهَا يَوْمُ الْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ وَلَيْلَةُ السَّبْتِ، وَفِي الْقُرْطُبِيِّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «مَنْ مَرَّ عَلَى الْمَقَابِرِ وَقَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] إحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً ثُمَّ وَهَبَ أَجْرَهُ لِلْأَمْوَاتِ أُعْطِيَ مِنْ الْأَجْرِ بِعَدَدِ الْأَمْوَاتِ» (اهـ. مِنْ الْحَاشِيَةِ) ، وَمِمَّا وَرَدَ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْقُبُورِ: " اللَّهُمَّ رَبَّ الْأَرْوَاحِ الْبَاقِيَةِ وَالْأَجْسَادِ الْبَالِيَةِ وَالشُّعُورِ الْمُتَمَزِّقَةِ، وَالْجُلُودِ الْمُتَقَطِّعَةِ وَالْعِظَامِ النَّخِرَةِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ الدُّنْيَا وَهِيَ بِك مُؤْمِنَةٌ أَنْزِلْ عَلَيْهَا رُوحًا مِنْك وَسَلَامًا مِنِّي ". تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ فِي الْمَدْخَلِ فِي زِيَارَةِ النِّسَاءِ لِلْقُبُورِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: الْمَنْعُ، وَالْجَوَازُ بِشَرْطِ التَّحَفُّظِ، وَالثَّالِثُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَجَالَّةِ فَيُبَاحُ بَلْ يُنْدَبُ، وَالشَّابَّةِ فَيَحْرُمُ إنْ خَشِيَتْ الْفِتْنَةَ. قَوْلُهُ: [وَيُكْرَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ] إلَخْ: أَيْ لِحَدِيثِ: «زُورُوا الْقُبُورَ تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «زُورُوا الْقُبُورَ وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا» ص أَيْ كَلَامًا لَغْوًا أَوْ بَاطِلًا. [الْجَائِز فِي الْجَنَائِز] قَوْلُهُ: [وَإِنْ جَازَ لَهَا النَّظَرُ] إلَخْ: أَيْ مَا لَمْ يُنَاهِزْ الْحُلُمَ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ

(وَ) جَازَ (غَسْلُ رَجُلٍ كَرَضِيعَةٍ) أَيْ رَضِيعَةٍ وَمَا قَارَبَهَا كَزِيَادَةِ شَهْرٍ عَلَى مُدَّةِ الرَّضَاعِ لَا بِنْتِ ثَلَاثِ سِنِينَ، فَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ تَغْسِيلُهَا. (وَ) جَازَ (تَسْخِينُ مَاءٍ) لِلْغُسْلِ كَالْبَارِدِ. (وَ) جَازَ (تَكْفِينٌ بِمَلْبُوسٍ) لِلْمَيِّتِ أَوْ غَيْرِهِ - أَيْ عِنْدَ وُجُودِ غَيْرِهِ - وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْمَلْبُوسُ، (أَوْ مُزَعْفَرٍ أَوْ مُوَرَّسٍ) أَيْ مَصْبُوغٍ بِزَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ لِأَنَّهُمَا مِنْ الطِّيبِ بِخِلَافِ الْمَصْبُوغِ بِغَيْرِهِمَا فَيُكْرَهُ. (وَ) جَازَ (حَمْلُ غَيْرِ أَرْبَعَةٍ) لِلنَّعْشِ مِنْ الرِّجَالِ كَأَنْ يَحْمِلُهُ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ. (وَ) جَازَ (بَدْءٌ بِأَيِّ نَاحِيَةٍ) فِي حَمْلِ السَّرِيرِ (بِلَا تَعْيِينٍ) : قَالَ الْمُصَنِّفُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهَا النَّظَرُ لِعَوْرَتِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهَا تَغْسِيلُهُ، فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ: ابْنُ ثَمَانٍ فَأَقَلَّ يَجُوزُ لَهَا تَغْسِيلُهُ وَالنَّظَرُ لِعَوْرَتِهِ، وَابْنُ تِسْعٍ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ فَأَكْثَرَ لَا يَجُوزُ لَهَا النَّظَرُ لِعَوْرَتِهِ، وَابْنُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ فَأَكْثَرَ لَا يَجُوزُ لَهَا تَغْسِيلُهُ وَلَا النَّظَرُ لِعَوْرَتِهِ؛ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ النَّظَرِ جَوَازُ التَّغْسِيلِ، لِأَنَّ فِي التَّغْسِيلِ زِيَادَةَ الْجَسِّ بِالْيَدِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ تَغْسِيلُهَا] : أَيْ وَإِنْ كَانَ لَهُ نَظَرُ عَوْرَتِهَا مَا لَمْ تُطِقْ الْوَطْءَ لِمَا سَبَقَ، وَالْمُحَرَّمُ فِي الْأُنْثَيَيْنِ أَوْ الذَّكَرَيْنِ بُلُوغٌ أَوْ فِتْنَةُ بَالِغٍ. قَوْلُهُ: [كَالْبَارِدِ] : وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ الْبَارِدَ لِأَنَّهُ يَشُدُّ الْأَعْضَاءَ. قَوْلُهُ: [بِمَلْبُوسٍ] : أَيْ نَظِيفٍ طَاهِرٍ لَمْ يَشْهَدْ فِيهِ مَشَاهِدَ الْخَيْرِ وَإِلَّا كُرِهَ فِي الْأَوَّلَيْنِ كَمَا يَأْتِي، وَنُدِبَ فِي الْأَخِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ (اهـ. مِنْ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: أَوْ وَرَسٍ: وَهُوَ نَبْتٌ بِالْيَمَنِ أَصْفَرُ يُتَّخَذُ مِنْهُ الْحُمْرَةُ لِلْوَجْهِ. قَوْلُهُ. [بِخِلَافِ الْمَصْبُوغِ بِغَيْرِهِمَا] : أَيْ كَالْمَصْبُوغِ بِالْخُضْرَةِ وَنَحْوِهَا؛ حَيْثُ. أَمْكَنَ غَيْرُهُمَا إذْ لَيْسَ فِي صَبْغِهِمَا طِيبٌ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ حَمْلُ غَيْرِ أَرْبَعَةٍ] : أَيْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِنَدْبِ الْأَرْبَعَةِ، وَهُوَ أَشْهَبُ وَابْنُ حَبِيبٍ، وَفِي الْخَرَشِيِّ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ شَهَرَ قَوْلَ أَشْهَبَ وَابْنِ حَبِيبٍ بِاسْتِحْبَابِ الْأَرْبَعَةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْأُجْهُورِيِّ، قَالَ (بْن) : وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُمَا؛ فَابْنُ الْحَاجِبِ لَمْ يُشْهِرْ إلَّا مَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَنَصُّهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ حَمْلُ أَرْبَعَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .

وَالْمُعَيِّنُ مُبْتَدِعٌ؛ أَيْ لِأَنَّهُ عَيَّنَ مَا لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ. (وَ) جَازَ (خُرُوجُ مُتَجَالَّةٍ) لِجِنَازَةٍ مُطْلَقًا (كَشَابَّةٍ لَمْ يُخْشَ فِتْنَتُهَا) يَجُوزُ خُرُوجُهَا (فِي) جِنَازَةِ مَنْ عَظُمَتْ مُصِيبَتُهُ عَلَيْهَا (كَأَبٍ) وَأُمٍّ (وَزَوْجٍ وَابْنٍ) وَبِنْتٍ (وَأَخ) وَأُخْتٍ، وَحَرُمَ عَلَى مَخْشِيَّةِ الْفِتْنَةِ مُطْلَقًا، وَعُلِمَ مِنْ هَذَا النَّصِّ أَنَّ الزَّوْجَةَ الْمُتَجَالَّةَ وَغَيْرَ مَخْشِيَّةِ الْفِتْنَةِ يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ لِجِنَازَةِ زَوْجِهَا مَعَ أَنَّهَا بِمَوْتِهِ لَزِمَهَا الْإِحْدَادُ وَعَدَمُ الْخُرُوجِ إلَّا فِيمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْعِدَّةِ؛ فَيَكُونُ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَثْنَى. (وَ) جَازَ (نَقْلُهُ) : أَيْ الْمَيِّتِ مِنْ مَكَان إلَى آخَرَ وَإِنْ مِنْ بَلَدٍ لِآخَرَ قَبْلَ دَفْنِهِ أَوْ بَعْدَهُ (لِمَصْلَحَةٍ) كَأَنْ يُخَافَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَهُ الْبَحْرُ أَوْ السَّبُعُ، وَكَرَجَاءِ بَرَكَتِهِ لِلْمَكَانِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ أَوْ زِيَارَةِ أَهْلِهِ أَوْ لِدَفْنِهِ بَيْنَ أَهْلِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (إنْ لَمْ تُنْتَهَكْ حُرْمَتُهُ) بِانْفِجَارِهِ أَوْ نَتَانَتِهِ، وَهَلْ مِنْ انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ تَكْسِيرُ عِظَامِهِ بَعْدَ يُبْسِهِ فِي قَبْرِهِ أَوْ لَا؟ (وَ) جَازَ (بُكًى) بِالْقَصْرِ (عِنْدَ مَوْتِهِ وَبَعْدَهُ) وَقَوْلُهُ (بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ) كَالتَّفْسِيرِ لِبُكَى الْمَقْصُورِ، لِأَنَّ مَا كَانَ بِرَفْعِ صَوْتٍ يُسَمَّى بُكَاءً بِالْمَدِّ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْمُعَيِّنُ مُبْتَدِعٌ] إلَخْ: أَيْ لِلْبَدْءِ كَأَشْهَبَ وَابْنِ حَبِيبٍ؛ فَأَشْهَبُ يَقُولُ: يُبْدَأُ بِمُقَدِّمِ السَّرِيرِ الْأَيْمَنِ فَيَضَعُهُ الْحَامِلُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ بِمُؤَخِّرَةِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ بِمُقَدَّمِهِ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ بِمُؤَخَّرِهِ الْأَيْسَرِ. وَابْنُ حَبِيبٍ يَقُولُ يُبْدَأُ بِمُقَدَّمِ يَسَارِ السَّرِيرِ، ثُمَّ بِمُؤَخَّرِ يَسَارِهِ، ثُمَّ بِمُؤَخَّرِ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ بِمُقَدَّمِ يَمِينِهِ. كَذَا فِي (عب) . قَوْله: (وَحَرُمَ عَلَى مَخْشِيَّةِ الْفِتْنَةِ مُطْلَقًا) : أَيْ وَإِنْ عَظُمَتْ مُصِيبَتُهُ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: [إنْ لَمْ تُنْتَهَكْ حُرْمَتُهُ] : إلَّا لِضَرَرٍ أَعْظَمَ. وَقَوْلُهُ: [وَهَلْ مِنْ انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ تَكْسِيرُ عِظَامِهِ] إلَخْ؟ اسْتَظْهَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي تَقْرِيرِهِ أَنَّهُ مِنْ الِانْتِهَاكِ.

(وَ) بِلَا (قَوْلٍ قَبِيحٍ) وَإِلَّا مُنِعَ. (وَ) جَازَ (جَمْعُ أَمْوَاتٍ بِقَبْرٍ) وَاحِدٍ (لِضَرُورَةٍ) ، كَضِيقِ مَكَان أَوْ تَعَذُّرِ حَافِرٍ وَلَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا أَجَانِبَ. (وَ) إذَا دُفِنُوا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (وَلِيَ الْقِبْلَةَ الْأَفْضَلُ) فَالْأَفْضَلُ، وَقُدِّمَ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى وَالْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ (وَفِي الصَّلَاةِ) عَلَيْهِ (يَلِي الْإِمَامَ أَفْضَلُ رَجُلٍ) فَالْأَفْضَلُ (فَالطِّفْلُ الْحُرُّ فَالْعَبْدُ) كَبِيرٌ فَصَغِيرٌ، (فَالْخَصِيُّ) حُرٌّ كَبِيرٌ فَصَغِيرٌ فَعَبْدٌ كَبِيرٌ فَصَغِيرٌ (فَالْمَجْبُوبُ) كَذَلِكَ (فَالْخُنْثَى) كَذَلِكَ (فَالْحُرَّةُ) كَبِيرَةٌ فَصَغِيرَةٌ (فَالْأَمَةُ) كَذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِلَّا مُنِعَ] : حَاصِلُهُ أَنَّ اُلْبُكَا يَجُوزُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ بِقَيْدَيْنِ: عَدَمُ رَفْعِ الصَّوْتِ، وَعَدَمُ الْقَوْلِ الْقَبِيحِ، وَأَمَّا مَعَهُمَا أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَحِلُّ جَوَازِ اُلْبُكَا بِالْقَيْدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ إنْ لَمْ يَجْتَمِعُوا لَهُ، وَإِلَّا كُرِهَ. قَوْلُهُ: [بِقَبْرٍ وَاحِدٍ] : أَيْ وَبِكَفَنٍ وَاحِدٍ، وَالْمَدَارُ عَلَى الضَّرُورَةِ وَكُرِهَ جَمْعُهُمْ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ النَّبْشُ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ، لِأَنَّ الْقَبْرَ حَبْسٌ لَا يُمْشَى عَلَيْهِ وَلَا يُنْبَشُ. وَأَمَّا الْجَمْعُ فِي كَفَنٍ وَاحِدٍ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَحَرَامٌ. قَوْلُهُ: [وَلِيَ الْقِبْلَةَ الْأَفْضَلُ] إلَخْ: أَيْ فَالْأَفْضَلُ يُجْعَلُ وَجْهُهُ فِي الْحَائِط الْقِبْلِيِّ، وَالْمَفْضُولُ يُجْعَلُ خَلْفَ ظَهْرِهِ وَهَكَذَا، هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلدَّفْنِ. وَبِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ يُجْعَلُ الْفَاضِلُ يَلِي الْإِمَامَ، وَالْمَفْضُولُ بَعْدَهُ لِجِهَةِ الْقِبْلَةِ، وَهَكَذَا عَكْسُ الْقَبْرِ. فَالْمَرَاتِبُ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ عِشْرُونَ حَاصِلُهَا: حُرٌّ كَبِيرٌ، حُرٌّ صَغِيرٌ، عَبْدٌ كَبِيرٌ، عَبْدٌ صَغِيرٌ، خَصِيٌّ حُرٌّ كَبِيرٌ، خَصِيٌّ حُرٌّ صَغِيرٌ، خَصِيٌّ عَبْدٌ كَبِيرٌ، خَصِيٌّ عَبْدٌ صَغِيرٌ، مَجْبُوبٌ حُرٌّ كَبِيرٌ، مَجْبُوبٌ حُرٌّ صَغِيرٌ، مَجْبُوبٌ عَبْدٌ كَبِيرٌ، مَجْبُوبٌ عَبْدٌ صَغِيرٌ، خُنْثَى حُرٌّ كَبِيرٌ، خُنْثَى حُرٌّ صَغِيرٌ، خُنْثَى عَبْدٌ كَبِيرٌ، خُنْثَى عَبْدٌ صَغِيرٌ. حُرَّةٌ كَبِيرَةٌ، حُرَّةٌ صَغِيرَةٌ، أَمَةٌ كَبِيرَةٌ، أَمَةٌ صَغِيرَةٌ. وَجَمْعُ هَؤُلَاءِ فِي الصَّلَاةِ مَطْلُوبٌ لِرَجَاءِ الْبَرَكَةِ، وَفِي الْقَبْرِ لِلضَّرُورَةِ. وَبَقِيَتْ صِفَةٌ أُخْرَى فِي جَمْعِهِمْ لِلصَّلَاةِ، وَهِيَ جَعْلُهُمْ صَفًّا وَاحِدًا؛ الْأَفْضَلُ أَمَامَ الْإِمَامِ، ثُمَّ الْمَفْضُولِ عَنْ يَسَارِهِ. قَالَ الْخَرَشِيُّ وَيُكَمَّلُ الصَّفُّ لِلْيَسَارِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ فَاضِلٌ فَعَنْ الْيَمِينِ أَيْضًا، ثُمَّ مَفْضُولٌ فَعَنْ الْيَسَارِ، وَهَكَذَا، وَرَأْسُ الْمَفْضُولِ عِنْدَ

[المكروهات في الجنائز]

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْمَكْرُوهَاتِ فَقَالَ: (وَكُرِهَ حَلْقُ رَأْسِهِ) إنْ كَانَ ذَكَرًا وَإِلَّا حَرُمَ (وَقَلْمُ ظُفُرِهِ وَضُمَّ مَعَهُ) فِي كَفَنِهِ (إنْ فُعِلَ) بِهِ ذَلِكَ. (وَ) كُرِهَ (قِرَاءَةٌ) لِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ (عِنْدَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ عَلَى الْقُبُورِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ السَّلَفِ، وَإِنَّمَا كَانَ شَأْنُهُمْ الدُّعَاءَ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالِاتِّعَاظَ (إلَّا لِقَصْدِ تَبَرُّكٍ) بِالْقُرْآنِ (بِلَا عَادَةٍ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ. (وَ) كُرِهَ (انْصِرَافٌ عَنْهَا) أَيْ الْجِنَازَةِ (بِلَا صَلَاةٍ) عَلَيْهَا وَلَوْ بِإِذْنِ أَهْلِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الطَّعْنِ فِيهَا، (أَوْ) انْصِرَافٌ (بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ الصَّلَاةِ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ أَهْلِهَا (إنْ لَمْ يُطَوِّلُوا) ، فَإِنْ أَذِنُوا بَعْدَ الصَّلَاةِ أَوْ طَوَّلُوا وَلَمْ يَأْذَنُوا جَازَ الِانْصِرَافُ. (وَ) كُرِهَ (صِيَاحٌ خَلْفَهَا بِكَاسْتَغْفِرُوا لَهَا) : أَيْ بِ اسْتَغْفِرُوا لَهَا وَنَحْوِهِ. (وَ) كُرِهَ (إدْخَالُهَا الْمَسْجِدَ) وَلَوْ لِغَيْرِ صَلَاةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQرِجْلَيْ الْفَاضِلِ، فَالتَّفَاوُتُ بِالْقُرْبِ لِلْإِمَامِ، وَقُدِّمَ أَفْضَلُ كُلِّ صِنْفٍ فِيهِ كَالْأَعْلَمِ، وَالشَّرْعِيِّ وَمَنْ قَوِيَتْ شَائِبَةُ حُرِّيَّتِهِ، وَمَنْ لَا تَخَنُّثَ فِيهِ عَلَى مُتَّضِحٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. [الْمَكْرُوهَات فِي الْجَنَائِز] قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ حَلْقُ رَأْسِهِ] : أَيْ وَكَذَا سَائِرُ شَعْرِهِ غَيْرَ مَا يَحْرُمُ حَلْقُهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَكَمَا أَنَّهُ لَا يُفْعَلُ بِهِ لَا يَفْعَلُهُ لِنَفْسِهِ بِقَصْدِ أَنْ يَكُونَ مَيِّتًا عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، وَأَمَّا إنْ قَصَدَ إرَاحَةَ نَفْسِهِ فَلَا يُكْرَهُ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا حَرُمَ] : أَيْ فِي حَقِّ الْأُنْثَى الْكَبِيرَةِ الَّتِي يَكُونُ الْحَلْقُ فِيهَا مِثْلَهُ. قَوْلُهُ: [وَضُمَّ مَعَهُ] : أَيْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَجْزَاءَ لَا يَجِبُ مُوَارَاتُهَا، وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَجْزَاءَ حَقِيقَةِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَجُوزُ] : أَيْ وَلِذَا اسْتَحَبَّهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَبَعْضُهُمْ يُسَنُّ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِإِذْنِ أَهْلِهَا] : أَيْ وَلَوْ طَوَّلُوا. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ صِيَاحٌ خَلْفَهَا] : أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ السَّلَفِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ لِغَيْرِ صَلَاةٍ] : أَيْ لِاحْتِمَالِ قَذَرِهِ وَلِلْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا.

(وَ) كُرِهَ (الصَّلَاةُ عَلَيْهَا فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ كَانَتْ هِيَ خَارِجَةً. (وَ) كُرِهَ (تَكْرَارُهَا) أَيْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ (إنْ أُدِّيَتْ) أَوَّلًا جَمَاعَةً. (وَإِلَّا) تُؤَدَّ جَمَاعَةً بِأَنْ صَلَّى عَلَيْهَا فَذٌّ (أُعِيدَتْ) نَدْبًا (جَمَاعَةً) لَا أَفْذَاذًا، فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ تَكْرَهُ الْإِعَادَةُ فِي ثَلَاثٍ، وَتَنْدُبُ فِي وَاحِدَةٍ. (وَ) كُرِهَ (صَلَاةُ فَاضِلٍ عَلَى بِدْعِيٍّ) لَمْ يُكَفَّرْ بِبِدْعَتِهِ، (أَوْ) عَلَى (مُظْهِرٍ كَبِيرَةً) كَشُرْبِ خَمْرٍ أَيْ يَفْعَلُهَا عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ مُبَالَاةٍ، (أَوْ) عَلَى (مَقْتُولٍ بِحَدٍّ) كَقَاتِلٍ أَوْ زَانٍ مُحْصَنٍ رُجِمَ. (وَ) كُرِهَ (تَكْفِينٌ) لِمَيِّتٍ وَلَوْ أُنْثَى (بِحَرِيرٍ وَخَزٍّ وَنَجِسٍ وَكَأَخْضَرَ وَمُعَصْفَرٍ) أَيْ مَصْبُوغٍ بِخُضْرَةٍ أَوْ صُفْرَةٍ إذَا (أَمْكَنَ غَيْرُهُ) وَإِلَّا لَمْ يُكْرَهْ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْمُوَرَّسُ وَالْمُزَعْفَرُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) كُرِهَ (زِيَادَةُ رَجُلٍ) أَيْ ذَكَرٍ وَلَوْ صَبِيًّا (عَلَى خَمْسَةٍ) مِنْ الْأَكْفَانِ. (وَ) كُرِهَ زِيَادَةُ (امْرَأَةٍ عَلَى سَبْعَةٍ) لِأَنَّهُ مِنْ الْإِسْرَافِ. (وَ) كُرِهَ (اجْتِمَاعُ نِسَاءٍ لِبُكًى سِرًّا) وَمُنِعَ جَهْرًا كَالْقَوْلِ الْقَبِيحِ مُطْلَقًا. (وَ) كُرِهَ (تَكْبِيرُ نَعْشٍ) لِمَيِّتٍ صَغِيرٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُبَاهَاتِ وَالنِّفَاقِ. (وَ) كُرِهَ (فَرْشُهُ) أَيْ النَّعْشِ (بِحَرِيرٍ) أَوْ خَزٍّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَتْ هِيَ خَارِجَةً] : أَيْ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ لِدُخُولِهَا. قَوْلُهُ: [وَتُنْدَبُ فِي وَاحِدَةٍ] : أَيْ وَهِيَ مَا إذَا صُلِّيَتْ فَذًّا وَأُعِيدَتْ جَمَاعَةً وَظَاهِرُهُ وَلَوْ تَعَدَّدَ الْفَذُّ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [أَوْ عَلَى مُظْهِرِ كَبِيرَةٍ] : وَمِثْلُهُ مُظْهِرُ الصَّغِيرَةِ الْمُصِرُّ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: [رُجِمَ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَ حَدُّهُ الْجَلْدَ فَلَا كَرَاهَةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَلَوْ مَاتَ بِهِ. قَوْلُهُ: [وَنَجَسٍ] : يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِي صَلَاةِ الْمَيِّتِ طَهَارَتُهُ بَلْ طَهَارَةُ الْمُصَلَّى. قَوْلُهُ: [لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُبَاهَاةِ وَالنِّفَاقِ] : أَيْ مِنْ مَظِنَّةِ النِّفَاقِ، وَمَظِنَّةِ الْمُبَاهَاةِ وَإِلَّا لَوْ حَصَلَ بِالْفِعْلِ حَرُمَ. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ فَرْشُهُ] إلَخْ: مَفْهُومُهُ أَنَّ السَّتْرَ لَا يُكْرَهُ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ:

(وَ) كُرِهَ (إتْبَاعُهُ) أَيْ الْمَيِّتِ (بِنَارٍ وَإِنْ) كَانَتْ (بِبَخُورٍ) أَيْ مُصَاحِبَةً لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَاؤُمِ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. (وَ) كُرِهَ (نِدَاءٌ بِهِ) أَيْ بِسَبَبِهِ أَيْ صِيَاحٌ (بِمَسْجِدٍ أَوْ بِبَابِهِ) بِأَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ قَدْ مَاتَ فَاسْعَوْا لِجِنَازَتِهِ مَثَلًا (إلَّا الْإِعْلَامَ بِصَوْتٍ خَفِيٍّ) : أَيْ مِنْ غَيْرِ صِيَاحٍ فَلَا يُكْرَهُ. (وَ) كُرِهَ (قِيَامٌ لَهَا) : أَيْ لِلْجِنَازَةِ إذَا مَرُّوا بِهَا عَلَى جَالِسٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَرَ الْكَفَنُ بِثَوْبٍ سَاجٍ وَنَحْوِهِ، وَيُنْزَعُ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَالسَّاجُ طَيْلَسَانُ أَخْضَرُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا مُطْلَقُ طَيْلَسَانَ سَوَاءٌ كَانَ أَحْمَرَ أَوْ أَخْضَرَ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ حَرِيرًا. قَوْلُهُ: [لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَاؤُمِ] : أَيْ وَلِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ النَّصَارَى وَإِنْ كَانَ فِيهَا طِيبٌ فَكَرَاهَةٌ ثَانِيَةٌ لِلسَّرَفِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُكْرَهُ] : أَيْ بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ لِأَنَّ وَسِيلَةَ الْمَطْلُوبِ مَطْلُوبَةٌ. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ قِيَامٌ لَهَا] : قَالَ الْخَرَشِيُّ: صَادِقٌ بِثَلَاثِ صُوَرٍ: إحْدَاهَا

عَمَلِ السَّلَفِ. (وَ) كُرِهَ (الصَّلَاةُ عَلَى) مَيِّتٍ (غَائِبٍ) وَلَوْ فِي الْبَلَدِ. وَصَلَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّجَاشِيِّ وَقَدْ مَاتَ فِي أَرْضِ الْحَبَشَةِ - مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَصْحَبْهُ عَمَلٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْجَالِسِ تَمُرُّ بِهِ جِنَازَةٌ، فَيَقُومُ لَهَا. الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَنْ يَتْبَعُهَا أَنْ يَسْتَمِرَّ قَائِمًا حَتَّى تُوضَعَ. الثَّالِثَةُ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَنْ سَبَقَ لِلْمَقْبَرَةِ أَنْ يَقُومَ إذَا رَآهَا حَتَّى تُوضَعَ، وَأَمَّا الْقِيَامُ عَلَيْهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَالْقَوْلُ بِنَسْخِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَفَعَلَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ قَلِيلٌ لِأَخِينَا قِيَامُنَا عَلَى قَبْرِهِ: وَأَمَّا الْقِيَامُ لِلْحَيِّ فَقَدْ أَطَالَ الْقَرَافِيُّ فِيهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ لِمَنْ يُحِبُّهُ وَيَعْجَبُ بِهِ، وَيُكْرَهُ لِمَنْ لَا يُحِبُّهُ وَيَتَأَذَّى مِنْهُ، وَيَجُوزُ لِمَنْ لَا يُحِبُّهُ وَلَا يَعْجَبُ بِهِ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ وَالصِّهْرِ وَالْوَالِدَيْنِ وَلِمَنْ نَزَلَ بِهِ هَمٌّ فَيُعَزَّى أَوْ سُرُورٌ فَيُهَنَّأُ وَلِلْقَادِمِ مِنْ السَّفَرِ؛ وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى تَرْكِهِ فِتْنَةٌ فَيَجِب. (اهـ.) قَوْلُهُ: عَلَى النَّجَاشِيِّ: بِفَتْحِ النُّونِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ بِكَسْرِهَا وَخِفَّةِ الْجِيمِ، وَأَخْطَأَ مَنْ شَدَّدَهَا، هُوَ لَقَبٌ لِكُلِّ مَنْ مَلَكَ الْحَبَشَةِ وَاسْمُهُ أَصْحَمَةُ أَسْلَمَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: [مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ] : وَأُجِيبَ بِجَوَابٍ آخَرَ بِأَنَّ الْأَرْضَ رَفَعَتْهُ لَهُ وَعَلِمَ

(وَ) كُرِهَ (تَطْيِينُ قَبْرٍ) أَيْ تَلْبِيسُهُ بِالطِّينِ (أَوْ تَبْيِيضُهُ) بِالْجِيرِ (وَنَقْشُهُ) بِالْحُمْرَةِ أَوْ الصُّفْرَةِ، (وَبِنَاءٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَبْرِ نَفْسِهِ (أَوْ تَحْوِيزٌ) عَلَيْهِ وَلَوْ بِلَا قُبَّةٍ إنْ كَانَ (بِأَرْضٍ مُبَاحَةٍ) إمَّا بِمِلْكٍ لِلْمَيِّتِ أَوْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ أَرْضِ مَوَاتٍ (بِلَا مُبَاهَاةٍ) بِمَا ذُكِرَ، (وَإِلَّا) : بِأَنْ كَانَ بِأَرْضٍ غَيْرِ مُبَاحَةٍ أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لِلْمُبَاهَاةِ بِكَوْنِهِ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَوْمَ مَوْتِهِ وَأَخْبَرَ بِهِ أَصْحَابَهُ، وَخَرَجَ بِهِمْ فَأَمَّهُمْ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يُوَارَى فَتَكُونُ صَلَاتُهُ عَلَيْهِ كَصَلَاةِ الْإِمَامِ عَلَى مَيِّتٍ رَآهُ وَلَمْ يَرَهُ الْمَأْمُومُونَ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهَا فَلَا تَكُونُ عَلَى غَائِبٍ، وَلَيْسَتْ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ تَطْيِينُ قَبْرٍ] إلَخْ: أَيْ مَا لَمْ يَتَوَقَّفْ مَنْعُ الرَّائِحَةِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَنَقْشُهُ] : وَيَشْتَدُّ النَّهْيُ فِي الْقُرْآنِ وَقَدْ وَقَعَ التَّرَدُّدُ قَدِيمًا فِي الْوَصِيَّةِ بِوَضْعِهِ فِي الْقَبْرِ، هَلْ تَبْطُلُ أَوْ يُرْفَعُ عَنْ الْقَذَرِ؟ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [غَيْرِ مُبَاحَةٍ] : أَيْ كَالْمَوْقُوفَةِ لِلدَّفْنِ مِثْلِ قَرَافَةِ مِصْرَ. وَاخْتُلِفَ هَلْ يَجُوزُ إعْدَادُ قَبْرٍ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ حَالَ الْحَيَاةِ؟ فِي الْحَطَّابِ مَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَسَمِعْت شَيْخَنَا يَقُولُ تُرَبُ مِصْرَ كَالْمِلْكِ فَيَجُوزُ إعْدَادُهَا. (اهـ.) . وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ تَحْوِيزٌ زَائِدٌ عَلَى الْحَاجَةِ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ بِاتِّفَاقٍ دُفِنَ فِيهِ صَاحِبُهُ أَمْ لَا؛ قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَمِنْ الضَّلَالِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَغْنِيَاءِ يَبْقُونَ بِقَرَافَةِ مِصْرَ أَسْبِلَةً وَمَدَارِسَ وَمَسَاجِدَ وَيَنْبُشُونَ الْأَمْوَاتَ وَيَجْعَلُونَ مَحَلَّهَا الْأَكْنِفَةَ، وَهَذِهِ الْخُرَافَاتُ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ فَعَلُوا الْخَيْرَاتِ، كَلًّا مَا فَعَلُوا إلَّا الْمُهْلِكَاتِ. (اهـ.) وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الشَّعْرَانِيِّ أَنَّ السُّيُوطِيّ أَفْتَى بِعَدَمِ

كَبِيرًا أَوْ أَمِيرًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (حَرُمَ) : لِأَنَّهُ مِنْ الْإِعْجَابِ وَالْكِبْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُمَا، وَكَذَا إذَا كَانَ الْبِنَاءُ أَوْ التَّحْوِيزُ ذَرِيعَةً لِإِيوَاءِ أَهْلِ الْفَسَادِ فِيهِ فَيَحْرُمُ. (وَ) كُرِهَ (مَشْيٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَبْرِ بِشَرْطَيْنِ (إنْ كَانَ مُسَنَّمًا) أَوْ مُسَطَّبًا، (وَالطَّرِيقُ دُونَهُ) الْوَاوُ لِلْحَالِ، فَإِنْ زَالَ تَسْنِيمُهُ أَوْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ طَرِيقٌ جَازَ الْمَشْيُ عَلَيْهِ. (وَ) كُرِهَ (تَغْسِيلُ مَنْ فُقِدَ) : أَيْ عُدِمَ (أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِهِ) كَنِصْفِهِ فَأَكْثَرَ، وَوُجِدَ نِصْفُهُ فَأَقَلُّ. (وَ) كُرِهَتْ (صَلَاةٌ عَلَيْهِ) لِتَلَازُمِهِمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQهَدْمُ مَشَاهِدِ الصَّالِحِينَ بِالْقَرَافَةِ قِيَاسًا عَلَى أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَدِّ كُلِّ خَوْخَةٍ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ الشَّيْخُ وَهِيَ فُسْحَةٌ فِي الْجُمْلَةِ لَكِنَّ سِيَاقَهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ. (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ تَغْسِيلُ مَنْ فُقِدَ] إلَخْ: شُرُوعٌ فِي شُرُوطِ وُجُوبِ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ بِذِكْرِ أَضْدَادِهَا وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ: وُجُودُ كُلِّهِ أَوْ جُلِّهِ. الثَّانِي: أَنْ يَتَقَدَّمَ لَهُ اسْتِقْرَارُ حَيَاةٍ، الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا وَلَوْ حُكْمًا، الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ شَهِيدَ مُعْتَرَكٍ، فَذَكَرَ مُحْتَرِزَاتِهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: [وَوُجِدَ نِصْفُهُ فَأَقَلُّ] : مِثْلُهُ وُجُودُ مَا دُونَ الثُّلُثَيْنِ وَلَوْ زَادَ عَلَى النِّصْفِ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَلَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا وُجِدَ الثُّلُثَانِ فَأَكْثَرُ، وَيُلْغَى الرَّأْسُ: فَالْعِبْرَةُ بِثُلُثَيْ الْجَسَدِ كَانَ مَعَهُمَا رَأْسٌ أَمْ لَا فَإِنْ وُجِدَ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثَيْنِ وَلَوْ مَعَهُ الرَّأْسُ كُرِهَ تَغْسِيلُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ هَذَا هُوَ التَّحْرِيرُ. قَوْلُهُ: [لِتَلَازُمِهِمَا] : أَيْ فِي أَصْلِ الشُّرُوطِ فَإِنَّ شُرُوطَهُمَا وَاحِدَةٌ؛ وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ. مَتَى تَخَلَّفَ شُرُوطٌ مِنْهَا انْتَفَى الْغُسْلُ وَالصَّلَاةُ مَعًا وَإِذَا وُجِدَتْ وُجِدَا إنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَإِلَّا أَتَى بِالْمُسْتَطَاعِ، وَسَقَطَ الْمُتَعَذَّرُ كَمَا تَقَدَّمَ لَنَا فِيمَنْ دُفِنَ بِغَيْرِ غُسْلٍ وَلَا صَلَاةٍ وَتَغَيَّرَ فِي الْقَبْرِ فَإِنَّهُ لَا يُغَسَّلُ، وَلَكِنْ تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ عَلَى الْقَبْرِ فَتَأَمَّلْ. إنْ قُلْت: إنَّ أَصْلَ الصَّلَاةِ وَاجِبٌ، وَالصَّلَاةُ عَلَى مَا دُونَ الْجُلِّ مَكْرُوهَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى غَائِبٍ، فَكَيْفَ يُتْرَكُ وَاجِبٌ خَوْفَ الْوُقُوعِ فِي مَكْرُوهٍ؟ وَأَجَابَ فِي التَّوْضِيحِ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ

[المحرمات في الجنائز]

فَإِنْ وُجِدَ جُلُّهُ فَأَكْثَرُ وَجَبَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَشَبَّهَ فِي الْكَرَاهَةِ قَوْلَهُ: (كَمَنْ لَمْ يُسْتَهَلَّ صَارِخًا) : يُكْرَهُ غُسْلُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ، (وَلَوْ تَحَرَّكَ أَوْ بَالَ أَوْ عَطَسَ إنْ لَمْ تَتَحَقَّقْ حَيَاتُهُ) ، فَإِنْ تَحَقَّقَتْ وَجَبَا كَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) كُرِهَ (تَحْنِيطُهُ وَتَسْمِيَتُهُ) أَيْ السَّقَطُ. (وَ) كُرِهَ (دَفْنُهُ بِدَارٍ وَلَيْسَ) دَفْنُهُ فِيهَا (عَيْبًا) تُرَدُّ بِهِ إذَا بِيعَتْ، (بِخِلَافِ) دَفْنِ (الْكَبِيرِ) فِيهَا فَإِنَّهُ عَيْبٌ تُرَدُّ بِهِ. (وَغَسْلُ دَمِهِ) : أَيْ السَّقَطِ (وَلُفَّ بِخِرْقَةٍ وَوُورِيَ) وُجُوبًا فِيهِمَا وَنَدْبًا فِي الْأَوَّل. (وَحَرُمَا) : أَيْ الْغُسْلُ وَالصَّلَاةُ (لِكَافِرٍ وَإِنْ صَغِيرًا ارْتَدَّ) لِأَنَّ رِدَّةَ الصَّغِيرِ مُعْتَبَرَةٌ فَأَوْلَى غَيْرُهُ (أَوْ) كَانَ الْكَافِرُ الصَّغِيرُ عَبْدًا (نَوَى بِهِ مَالِكُهُ الْإِسْلَامَ وَهُوَ) : أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ (كِتَابِيٌّ) : وَهَذَا قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ، فَإِنْ كَانَ مَجُوسِيًّا ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بِشَرْطِ الْحُضُورِ، وَحُضُورُ جُلِّهِ كَحُضُورِ كُلِّهِ وَحُضُورُ الْأَقَلِّ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ. (اهـ) . قَوْلُهُ: [فَإِنْ وُجِدَ جُلُّهُ] : أَيْ وَهُوَ الثُّلُثَانِ كَانَ مَعَهُمَا رَأْسٌ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [كَمَنْ لَمْ يُسْتَهَلّ] إلَخْ: شُرُوعٌ فِي مُحْتَرَزِ الشَّرْطِ الثَّانِي. قَوْلُهُ: [فَإِنْ تَحَقَّقَتْ] : أَيْ بِأَنْ رَضَعَ كَثِيرًا أَوْ وَقَعَتْ مِنْهُ أُمُورٌ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ حَيٍّ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَا فِي الْأَوَّلِ] : أَيْ فَغَسْلُ الدَّمِ مَنْدُوبٌ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْحَاشِيَةِ بِخِلَافِ الْمُوَارَاةِ وَاللَّفِّ بِالْخِرْقَةِ، فَكُلُّ وَاجِبٍ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. [الْمُحَرَّمَات فِي الْجَنَائِز] قَوْلُهُ: [وَحَرُمَا] : شُرُوعٌ فِي مُحْتَرَزِ الشَّرْطِ الثَّالِثِ. قَوْلُهُ: [لِكَافِرٍ] : اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَافِرٌ عِنْدَ الْمَوْتِ، سَوَاءٌ كَانَ كُفْرُهُ سَابِقًا أَوْ طَرَأَ لَهُ الْكُفْرُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ. قَوْلُهُ: [ارْتَدَّ] : أَيْ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا حَيْثُ كَانَ مُمَيِّزًا، وَإِلَّا فَلَا تُعْتَبَرُ رِدَّتُهُ بِالْإِجْمَاعِ. قَوْلُهُ: [أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ كِتَابِيٌّ] : أَيْ لِأَنَّ صِغَارَ الْكِتَابِيِّينَ لَا يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ عَلَى الرَّاجِحِ، وَكِبَارَهُمْ لَا يُجْبَرُونَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، وَالْمُرَادُ بِالْكَبِيرِ مَنْ يَعْقِلُ دِينَهُ لَا الْبَالِغُ فَقَطْ.

[تغسيل الشهيد المعترك]

وَنَوَى بِهِ مَالِكُهُ الْإِسْلَامَ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ حُكْمًا. وَقَوْلُنَا: " مَالِكُهُ " أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ: " سَابِيهِ ". (وَإِنْ اخْتَلَطُوا) أَيْ الْكُفَّارُ بِمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُمَيَّزُوا (غُسِّلُوا) جَمِيعًا لِلضَّرُورَةِ وَصُلِّيَ عَلَيْهِمْ. (وَمُيِّزَ الْمُسْلِمُ) مِنْهُمْ (فِي) حَالِ (الصَّلَاةِ) عَلَيْهِمْ (بِالنِّيَّةِ) بِأَنْ يُنْوَى بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْهُمْ. (كَشَهِيدِ مُعْتَرَكٍ) يَحْرُمُ الْغُسْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ حُكْمًا] : أَيْ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَهَلْ الَّذِي يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ يَكُونُ مُسْلِمًا بِمُجَرَّدِ مِلْكِ الْمُسْلِمِ لَهُ؟ وَهُوَ لِابْنِ دِينَارٍ. أَوْ حَتَّى يَنْوِيَ مَالِكُهُ إسْلَامَهُ؟ وَهُوَ لِابْنِ وَهْبٍ. أَوْ حَتَّى يَقْدَمَ مِلْكَهُ وَيُزَيِّيَهُ بِزِيِّ الْإِسْلَامِ؟ وَهُوَ لِابْنِ حَبِيبٍ. أَوْ حَتَّى يَغْفُلَ وَيُجِيبَ حِينَ إثْغَارِهِ نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ. خَامِسًا حَتَّى يُجِيبَ بَعْدَ احْتِلَامِهِ؟ وَظَاهِرُ كَلَامِ شَارِحِنَا تَرْجِيحُ الْقَوْلِ الثَّانِي وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَجُوسِيِّ، كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا. قَوْلُهُ: [غُسِّلُوا جَمِيعًا] إلَخْ: أَيْ وَمُؤْنَةُ غُسْلِهِمْ وَكَفَنِهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، إنْ كَانَ الْمُسْلِمُ فَقِيرًا لَا مَالَ لَهُ، وَلَا يُقَالُ: الْكَافِرُ لَا حَقَّ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ غُسْلُ الْمُسْلِمِ وَتَكْفِينُهُ وَمُوَارَاتُهُ لَا تَتَأَتَّى إلَّا بِفِعْلِ ذَلِكَ فِي الْكَافِرِ، وَمَا لَا يَتَحَقَّقُ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. وَأَمَّا إنْ كَانَ لِلْمُسْلِمِ مَالٌ فَإِنَّ مُؤْنَةَ جَمِيعِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ. وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُخْتَلِطُ بِالْكُفَّارِ مُسْلِمًا غَيْرَ شَهِيدٍ، أَمَّا إذَا اخْتَلَطَ الشَّهِيدُ بِالْكُفَّارِ فَإِنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَيُدْفَنُونَ بِمَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ تَغْلِيبًا لِحَقِّ الْمُسْلِمِ. بَقِيَ مَا لَوْ اخْتَلَطَ مُسْلِمٌ يُغَسَّلُ بِشَهِيدِ مَعْرَكَةٍ، فَالظَّاهِرُ أَنْ يُغَسَّلَ الْجَمِيعُ وَيُكَفَّنُوا مَعَ دَفْنِهِمْ بِثِيَابِهِمْ احْتِيَاطًا فِي الْجَانِبَيْنِ وَصُلِّيَ عَلَيْهِمْ وَيُمَيَّزُ غَيْرُ الشَّهِيدِ بِالنِّيَّةِ. [تَغْسِيل الشَّهِيد الْمُعْتَرَك] قَوْلُهُ: [وَكَشَهِيدِ مُعْتَرَكٍ] : شُرُوعٌ فِي مُحْتَرَزِ الشَّرْطِ الرَّابِعِ، ثُمَّ إنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَقْتُولَ الْحَرْبِيِّ بِغَيْرِ مَعْرَكَةٍ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَمُقْتَضَى مَوْضِعٍ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ: لَا يُغَسَّلُ شَهِيدُ كَافِرٍ حَرْبِيٍّ بِغَيْرِ مَعْرَكَةٍ لِكَوْنِهِ لَهُ حُكْمُ مَنْ قُتِلَ بِهِ وَهُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ، وَتَبِعَهُ سَحْنُونَ وَأَصْبَغُ وَابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْمَشَايِخِ الْعَدَوِيُّ أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ

وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ (لِحَيَاتِهِ وَلَوْ) كَانَ شَهِيدًا (بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ) كَأَنْ يُصِيبُهُ السَّهْمُ وَهُوَ نَائِمٌ، (أَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ خَطَأً) يَظُنُّهُ كَافِرًا أَوْ قَصَدَ كَافِرًا فَأَصَابَهُ، وَكَذَا إذَا رَجَعَ عَلَيْهِ سَيْفُهُ أَوْ سَهْمُهُ أَوْ تَرَدَّى مِنْ شَاهِقٍ فَمَاتَ حَالَ الْقِتَالِ، (أَوْ رُفِعَ) عَطْفٌ عَلَى مَا فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ وَلَوْ رُفِعَ حَيًّا (مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ) ؛ فَإِنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، خِلَافًا لِلْمُصَنِّفِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَدْ اتَّفَقَ سَنَةَ 1052 اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ وَأَلْفٍ أَنَّ أَسْرَى نَصَارَى بِأَيْدِي مُسْلِمِينَ أَغَارُوا بِإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَقْتَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُسْلِمُونَ فِي صَلَاتِهَا فَقَتَلُوا جَمَاعَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَفْتَى الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ بِعَدَمِ غُسْلِهِمْ وَعَدَمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [لِحَيَاتِهِ] : عِلَّةٌ لِحُرْمَةِ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ عِلَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ وَقِيلَ كَمَالُهُ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَحْيَاءٌ كَامِلُونَ مَغْفُورٌ لَهُمْ مَعَ أَنَّ غُسْلَهُمْ وَالصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ مَطْلُوبَانِ. أُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ مَزِيَّةٌ، وَالْمَزِيَّةُ لَا تَقْتَضِي الْأَفْضَلِيَّةَ. قَوْلُهُ: [أَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ] : فِي الْحَطَّابِ أَنَّ هَذَا يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ مَنْ دَاسَتْهُ الْخَيْلُ وَاعْتَمَدَهُ (بْن) . قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ] : أَيْ لَوْ كَانَ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ جُنُبًا قَالَهُ أَشْهَبُ وَأَصْبَغُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ. قَوْلُهُ: [خِلَافًا لِلْمُصَنِّفِ] : أَيْ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٍ.

[يحرم نبش القبر ما دام الميت به]

(كَالْمَغْمُورِ) فَإِنَّهُ لَا يُغَسَّلُ اتِّفَاقًا إذَا اسْتَمَرَّ فِي غَمْرَتِهِ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى مَاتَ. (وَدُفِنَ) وُجُوبًا (بِثِيَابِهِ الْمُبَاحَةِ) لَا الْمُحَرَّمَةِ كَالْحَرِيرِ (إنْ سَتَرَتْهُ) جَمِيعَهُ، (وَإِلَّا) تَسْتُرْهُ (زِيدَ) عَلَيْهَا قَدْرُ مَا يَسْتُرُ مَا لَمْ يَكُنْ مَسْتُورًا مِنْ وَجْهٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَإِنْ وُجِدَ عُرْيَانًا سُتِرَ جَمِيعُ جَسَدِهِ (بِخُفٍّ) أَيْ مَعَ خُفٍّ (وَقَلَنْسُوَةٍ) هِيَ مَا يَلُفُّ عَلَيْهَا الْعِمَامَةَ (وَمِنْطَقَةٍ) قَلَّ ثَمَنُهَا لَا إنْ كَثُرَ (وَخَاتَمٍ) مُبَاحٍ (قَلَّ فَصُّهُ) أَيْ قِيمَةُ فَصِّهِ (لَا) يُدْفَنُ بِآلَةِ حَرْبٍ مِنْ (دِرْعٍ وَسِلَاحٍ) لِأَنَّهُ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ بِغَيْرِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ. (وَالْقَبْرُ حَبْسٌ عَلَى الْمَيِّتِ لَا يُنْبَشُ) : أَيْ يَحْرُمُ نَبْشُهُ (مَا دَامَ) الْمَيِّتُ (بِهِ) : أَيْ فِيهِ (إلَّا لِضَرُورَةٍ) شَرْعِيَّةٍ كَضِيقِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، أَوْ دُفِنَ آخَرُ مَعَهُ عِنْدَ الضِّيقِ أَوْ كَانَ الْقَبْرُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَأَرَادَ إخْرَاجَهُ مِنْهُ أَوْ كُفِّنَ بِمَالِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ وَأَرَادَ رَبُّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَاصِلُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ إذَا رُفِعَ حَيًّا فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَلَوْ مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ مَا لَمْ يَكُنْ مَغْمُورًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ، وَلَكِنَّ شَارِحَنَا اعْتَمَدَ طَرِيقَةَ سَحْنُونَ مِنْ أَنَّهُ مَتَى رُفِعَ مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ أَوْ مَغْمُورًا فَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، فَهُمَا طَرِيقَتَانِ وَاعْتَمَدَ (بْن) مَا قَالَهُ خَلِيلٌ مُحْتَجًّا بِتَغْسِيلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَحْضَرِ الصَّحَابَةِ مَعَ أَنَّهُ رُفِعَ مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ، وَفِي هَذَا الِاحْتِجَاجِ نَظَرٌ لِأَهْلِ النَّظَرِ. قَوْلُهُ. [وَدُفِنَ وُجُوبًا] : أَيْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «زَمِّلُوهُمْ بِثِيَابِهِمْ اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ» . قَوْلُهُ: [لَا الْمُحَرَّمَةِ كَالْحَرِيرِ] : أَيْ فَالظَّاهِرُ كَرَاهَةُ دَفْنِهِ بِهَا. قَوْلُهُ: [مِنْ وَجْهٍ أَوْ رِجْلٍ] : بَيَانٌ لِ [مَا] . [يَحْرُمُ نَبْشُ الْقَبْر مَا دَامَ الْمَيِّتُ بِهِ] قَوْلُهُ: [وَأَرَادَ إخْرَاجَهُ مِنْهُ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا دُفِنَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ لِلْمَالِكِ إخْرَاجُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ طَالَ الزَّمَانُ أَمْ لَا، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَهُ إخْرَاجُهُ إنْ كَانَ بِالْفَوْرِ، وَأَمَّا مَعَ الطُّولِ فَلَا، وَجُبِرَ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: إنْ كَانَ بِالْقُرْبِ فَلَهُ إخْرَاجُهُ، وَإِنْ طَالَ فَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِظَاهِرِ الْأَرْضِ وَلَا يُخْرِجُهُ، اُنْظُرْ (بْن) كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْقَبْرُ فِي حَبْسٍ عَلَى

أَخْذَهُ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ، أَوْ دُفِنَ مَعَهُ مَالٌ مِنْ حُلِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، وَمَفْهُومُ " مَا دَامَ " أَنَّهُ إذَا عُلِمَ أَنَّ الْأَرْضَ أَكَلَتْهُ وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ عِظَامِهِ فَإِنَّهُ يُنْبَشُ؛ لَكِنْ لِلدَّفْنِ أَوْ اتِّخَاذِ مَحَلِّهَا مَسْجِدًا لَا لِلزَّرْعِ وَالْبِنَاءِ. (وَأَقَلُّهُ) : أَيْ الْقَبْرِ (مَا مَنَعَ رَائِحَتَهُ) أَيْ الْمَيِّتِ (وَحَرَسَهُ) مِنْ السِّبَاعِ، وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ، وَنُدِبَ عَدَمُ عُمْقِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعُمُومِ النَّاسِ وَدُفِنَ فِيهِ شَخْصٌ غَيْرُ بَانِيه فَلَيْسَ لِلْبَانِي إلَّا قِيمَةُ الْحَفْرِ وَالْبُنْيَانِ وَلَا يُخْرَجُ مِنْهُ الْمَيِّتُ أَصْلًا. قَوْلُهُ: [قَبْلَ تَغَيُّرِهِ] : أَيْ وَأَمَّا بَعْدَ التَّغَيُّرِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا قِيمَتُهُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ يُبْدَأُ بِهَا. قَوْلُهُ: [أَوْ دُفِنَ مَعَهُ مَالٌ] : وَتُشَقُّ بَطْنُهُ أَيْضًا إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ ابْتَلَعَ مَالًا نِصَابَ زَكَاةٍ وَلَوْ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى هُنَا يَمِينُ اسْتِظْهَارٍ لِعَدَمِ تَعَلُّقِهَا بِالذِّمَّةِ فَيُلْغَزُ بِهَا دَعْوَى عَلَى مَيِّتٍ لَيْسَ فِيهَا يَمِينُ اسْتِظْهَارٍ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي بَطْنِهِ الْمَالُ عُزِّرَ الْمُدَّعِي وَالشَّاهِدُ، وَلَا يُشَقُّ بَطْنُ الْمَرْأَةِ عَنْ جَنِينٍ وَلَوْ رُجِيَ حَيَاتُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّ سَلَامَتَهُ مَشْكُوكَةٌ فَلَا تُنْتَهَكُ حُرْمَتُهَا لَهُ، وَلَكِنْ لَا تُدْفَنُ حَتَّى يُتَحَقَّقَ مَوْتُهُ وَلَوْ تَغَيَّرَتْ. وَأَمَّا جَنِينُ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ يُبْقَرُ عَنْهُ إذَا رُجِيَ حَيَاتُهُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَهُنَاكَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ يَقُولُ: بِالْبَقْرِ فِي جَنِينِ الْآدَمِيِّ أَيْضًا. وَعَلَيْهِ: يُشَقُّ عَلَيْهِ مِنْ خَاصِرَتِهَا الْيُسْرَى إنْ كَانَ الْحَمْلُ أُنْثَى، وَمِنْ الْيُمْنَى إنْ كَانَ الْحَمْلُ ذَكَرًا، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ إخْرَاجُهُ بِحِيلَةٍ غَيْرِ الشَّقِّ وَجَبَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ مِمَّا لَا يُسْتَطَاعُ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِإِخْرَاجِهِ مِنْ الْقُوَّةِ الدَّافِعَةِ، وَشَرْطُ وُجُودِهَا الْحَيَاةُ إلَّا لِخَرْقِ الْعَادَةِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [لَكِنْ لِلدَّفْنِ] إلَخْ: قَالَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُدْفَنُ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَقْفٌ عَلَيْهِ مَا دَامَ شَيْءٌ مَوْجُودًا فِيهِ حَتَّى يَفْنَى فَإِنْ فَنِيَ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ دَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ عِظَامِهِ فَالْحُرْمَةُ بَاقِيَةٌ لِجَمِيعِهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ أَحْجَارِ الْمَقَابِرِ الْعَافِيَةِ لِبِنَاءِ قَنْطَرَةٍ أَوْ دَارٍ، وَلَا حَرْثِهَا لِلزِّرَاعَةِ، لَكِنْ لَوْ حُرِثَتْ جُعِلَ كِرَاؤُهَا فِي مُؤَنِ دَفْنِ الْفُقَرَاءِ.

(وَرَمْيُ مَيِّتِ الْبَحْرِ) بَعْدَ غُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ (بِهِ) أَيْ فِيهِ (إنْ لَمْ يُرْجَ الْبَرُّ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ) ، وَإِلَّا وَجَبَ تَأْخِيرُهُ لِلْبَرِّ. (وَحَرُمَ نِيَاحَةٌ) : عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ نِسَاءٍ أَوْ رِجَالٍ (وَلَطْمٌ) عَلَى وَجْهٍ وَصَدْرٍ (وَشَقُّ جَيْبٍ وَقَوْلُ قَبِيحٍ) نَحْوِ وَا مُصِيبَتَاهْ وَا وَلَدَاهْ (وَتَسْخِيمُ وَجْهٍ أَوْ ثَوْبٍ) بِطِينٍ أَوْ نِيلَةٍ. (وَ) حَرُمَ (حَلْقٌ) لِشَعْرِ رَأْسٍ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إظْهَارِ عَدَمِ الرِّضَاءِ بِالْقَضَاءِ وَالصَّبْرِ لِحُكْمِ اللَّهِ الْمَالِكِ لِكُلِّ شَيْءٍ. (وَلَا يُعَذَّبُ) الْمَيِّتُ بِبُكَائِهِ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ إذَا (لَمْ يُوصِ) الْمَيِّتُ (بِهِ) ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَرُمِيَ مَيِّتُ الْبَحْرِ] إلَخْ: وَلَا يُثْقَلُ بِحَجَرٍ وَنَحْوِهِ لِرَجَاءِ أَنْ يَأْتِيَ إلَى الْبَرِّ فَيَدْفِنَهُ أَحَدٌ. قَوْلُهُ: [وَلَطْمٌ] إلَخْ: لِمَا فِي الْحَدِيثِ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَقَ وَخَرَقَ وَذَلَقَ

[الصدقة على الميت]

وَإِلَّا عُذِّبَ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِحَرَامٍ. (وَ) الْمَيِّتُ (يَنْفَعُهُ صَدَقَةٌ) عَلَيْهِ مِنْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ كِسْوَةٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ دِينَارٍ، (وَدُعَاءٌ) لَهُ بِنَحْوِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ بِالْإِجْمَاعِ لَا بِالْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ كَأَنْ تَهَبَ لَهُ ثَوَابَ صَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ قِرَاءَةِ قُرْآنٍ كَالْفَاتِحَةِ، وَقِيلَ يَنْتَفِعُ بِثَوَابِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ. وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى أَحْكَامِ الصَّلَاةِ انْتَقَلَ لِيَتَكَلَّمَ عَلَى أَحْكَامِ الزَّكَاةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَلَقَ» . الْأَوَّلُ: حَلْقُ الشَّعْرِ. وَالثَّانِي: خَرْقُ الثَّوْبِ وَالثَّالِثُ: ضَرْبُ الْحُدُودِ. وَالرَّابِعُ: الصِّيَاحُ فِي الْبُكَاءِ وَقُبْحُ الْقَوْلِ. قَالَ زَرُّوقٌ عَنْ الْقُورِيِّ: ووه مَعْنَاهَا بِالْفَارِسِيَّةِ: لَا أَرْضَى يَا رَبِّ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ النِّسَاءُ مِنْ الزَّغْرُوتَةِ عِنْدَ حَمْلِ جِنَازَةِ صَالِحٍ أَوْ عِنْدَ فَرَحٍ، فَإِنَّهُ مِنْ مَعْنَى رَفْعِ الصَّوْتِ وَإِنَّهُ بِدْعَةٌ يَجِبُ النَّهْيُ عَنْهَا. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ أَوْصَى بِحَرَامٍ] : وَمِثْلُ وَصِيَّتِهِ عِلْمُهُ بِهِ وَرِضَاهُ. [الصَّدَقَة عَلَى الْمَيِّت] قَوْلُهُ: [وَقِيلَ يَنْتَفِعُ] إلَخْ: وَأَيَّدَهُ (بْن) بِقَوْلِهِ إنَّ الْقِرَاءَةَ تَصِلُ لِلْمَيِّتِ وَإِنَّهَا عِنْدَ الْقَبْرِ أَحْسَنُ مَزِيَّةً، وَإِنَّ الْعِزَّ بْنَ عَبْدِ السَّلَامِ رُئِيَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَقِيلَ لَهُ: مَا تَقُولُ فِيمَا كُنْت تُنْكِرُ مِنْ وُصُولِ مَا يُهْدَى مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْمَوْتَى؟ فَقَالَ: هَيْهَاتَ، فَقَدْ وَجَدْت الْأَمْرَ عَلَى خِلَافِ مَا كُنْت أَظُنُّ. قَوْلُهُ: [وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى أَحْكَامِ الصَّلَاةِ] : قَدَّمَهَا لِأَنَّهَا أَعْظَمُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ، وَأَوْصَلَ بِهَا الزَّكَاةَ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَقَعَا فِي كِتَابِ اللَّهِ إلَّا هَكَذَا.

[باب الزكاة]

بَابُ الزَّكَاةِ هِيَ لُغَةً: النُّمُوُّ وَالزِّيَادَةُ، وَشَرْعًا: إخْرَاجُ مَالٍ مَخْصُوصٍ مِنْ مَالٍ مَخْصُوصٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الزَّكَاةِ] [تَعْرِيف الزَّكَاةِ] بَابٌ: قَوْلُهُ: [النُّمُوُّ وَالزِّيَادَةُ] : يُقَالُ زَكَا الزَّرْعُ إذَا نَمَا وَطَابَ وَحَسُنَ، وَيُقَالُ فُلَانٌ زَاكٍ أَيْ كَثِيرُ الْخَيْرِ، وَسُمِّيَتْ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ تَنْقُصُ الْمَالَ حِسًّا لِنُمُوِّهِ فِي نَفْسِهِ عِنْدَ اللَّهِ كَمَا فِي حَدِيثِ: «مَا تَصَدَّقَ عَبْدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ، إلَّا كَأَنَّمَا يَضَعُهَا فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ فَيُرَبِّيهَا لَهُ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَةُ حَتَّى تَكُونَ كَالْجَبَلِ» . وَأَيْضًا تَعُود عَلَى الْمَالِ بِالْبَرَكَةِ وَالتَّنْمِيَةِ بِاعْتِبَارِ الْأَرْبَاحِ، وَلِأَنَّ صَاحِبَهَا يَزْكُو بِأَدَائِهَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] . قَوْلُهُ: [وَإِخْرَاجُ مَالٍ] إلَخْ: تَعْرِيفٌ لَهَا بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَأَمَّا الِاسْمِيُّ فَيُقَالُ فِيهِ: مَالٌ مَخْصُوصٌ مُخْرَجٌ مِنْ مَالٍ مَخْصُوصٍ إلَخْ، وَالْمَالُ الْمَخْصُوصُ الْمُخْرَجُ هُوَ الشَّاةُ مِنْ الْأَرْبَعِينَ مَثَلًا، أَوْ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ أَوْ رُبْعُهُ مَثَلًا. قَوْلُهُ: [مِنْ مَالٍ مَخْصُوصٍ] : هُوَ النَّعَمُ وَالْحَرْثُ وَالنَّقْدَانِ. وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ وَالْمَعَادِنِ.

[حكم الزكاة وشروط وجوبها]

بَلَغَ نِصَابًا لِمُسْتَحِقِّهِ إِن تَمَّ الْمِلْكُ وَحَوْلٌ غَيْرِ مَعْدِنٍ وَحَرْثٍ. فَقَالَ: (الزَّكَاةُ) الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَةِ (فَرْضُ عَيْنٍ) . (عَلَى الْحُرِّ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، فَلَا تَجِبُ عَلَى الرَّقِيقِ وَلَوْ بِشَائِبَةِ حُرِّيَّةٍ لِعَدَمِ تَمَامِ مِلْكِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بَلَغَ نِصَابًا] : هُوَ فِي اللُّغَةِ الْأَصْلُ، وَشَرْعًا: الْقَدْرُ الَّذِي إذَا بَلَغَهُ الْمَالُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيهِ، وَسَمِّي نِصَابًا أَخْذًا لَهُ مِنْ النُّصُبِ؛ لِأَنَّهُ كَعَلَامَةٍ نُصِبَتْ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ. وَقَوْلُهُ: [لِمُسْتَحِقِّهِ] : مُتَعَلِّقٌ بِإِخْرَاجٍ وَالْمُسْتَحَقُّونَ هُمْ الْأَصْنَافُ الثَّمَانِيَةُ الْمَذْكُورُونَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ. قَوْلُهُ: [إنْ تَمَّ الْمِلْكُ وَحَوْلٌ] إلَخْ: اُخْتُلِفَ فِي الْمِلْكِ التَّامِّ، قِيلَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ لَا شَرْطٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَمِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ السَّبَبِ بِالنَّظَرِ لِذَاتِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنَّهُ شَرْطٌ نَظَرًا إلَى الظَّاهِرِ وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ الْوُجُوبِ وَلَا عَدَمِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى شُرُوطٍ أُخَرَ، كَالْحَوْلِ وَالْحُرِّيَّةِ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ كَالدَّيْنِ. وَأَمَّا الْحَوْلُ فَهُوَ شَرْطٌ بِلَا خِلَافٍ لِصِدْقِ تَعْرِيفِ الشَّرْطِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ وُجُوبِهَا وَلَا عَدَمُهُ لِتَوَقُّفِ وُجُوبِهَا عَلَى مَالِ النِّصَابِ وَفَقْدِ الْمَانِعِ كَالدَّيْنِ. قَوْلُهُ: [غَيْرُ مَعْدِنٍ وَحَرْثٍ] : أَيْ وَأَمَّا هُمَا فَلَا يَتَوَقَّفَانِ عَلَى الْحَوْلِ، بَلْ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْدِنِ بِالْخُرُوجِ أَوْ بِالتَّصْفِيَةِ وَفِي الْحَرْثِ بِالطَّيِّبِ وَسَيَأْتِي. [حُكْم الزَّكَاةِ وَشُرُوط وُجُوبهَا] قَوْلُهُ: [فَلَا تَجِبُ عَلَى الرَّقِيقِ] إلَخْ: أَيْ وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لِسَيِّدِهِ انْتِزَاعُ مَالِهِ كَالْمُكَاتَبِ. وَكَمَا أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الرَّقِيقِ فِي مَالِهِ لَا يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ إخْرَاجُهَا عَنْ الرَّقِيقِ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ لَا يُعَدُّ مَالِكًا. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُنْتَزَعَ الْمَالُ مِنْهُ، فِيمَنْ يَجُوزُ لَهُ انْتِزَاعُهُ وَيَمْكُثُ عِنْدَهُ حَوْلًا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَفِي الشَّاذِلِيِّ عَلَى الرِّسَالَةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: عِنْدِي أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ يُزَكِّيه السَّيِّدُ أَوْ الْعَبْدُ، لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِأَحَدِهِمَا قَطْعًا، فَكَأَنَّهُ جَعَلَهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ. إنْ قُلْت: قَوْله تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] : يَقْتَضِي أَنَّ الْعَبْدَ لَا مِلْكَ لَهُ كَمَا يَقُولُ غَيْرُنَا، فَكَيْفَ نَقُولُ إنَّهُ يَمْلِكُ لَكِنَّ مِلْكًا غَيْرُ تَامٍّ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ الصِّفَةَ مُخَصَّصَةٌ

(الْمَالِكِ لِلنِّصَابِ) فَلَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِ مَالِكٍ كَغَاصِبٍ وَمُودِعٍ، حَالَ كَوْنِ النِّصَابِ (مِنْ) أَجْزَاءِ أَنْوَاعٍ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْأَمْوَالِ: (النَّعَمِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ الْأَنْعَامِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. (وَالْحَرْثِ) : الْحُبُوبِ وَذَوَاتِ الزُّيُوتِ الْأَرْبَعِ. وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا. (وَالْعَيْنِ) : الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْأَصْلِ لَا كَاشِفَةَ، وَهُوَ مَعْنَى مَا قِيلَ لَا يَلْزَمُ مِنْ ضَرْبِ الْمِثْلِ بِعَبْدٍ لَا يَمْلِكُ أَنَّ كُلَّ عَبْدٍ لَا يَمْلِكُ. (اهـ.) قَوْلُهُ: [كَغَاصِبٍ] : مِنْ ذَلِكَ الظُّلْمَةِ الْمُسْتَغْرِقُونَ لِلذِّمَمِ؛ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ زَكَاةٌ حَيْثُ كَانَ جَمِيعُ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ. قَوْلُ: [النَّعَمُ] : إمَّا مِنْ التَّنَعُّمِ: لِكَوْنِهَا: يُتَنَعَّمُ بِهَا، أَوْ مِنْ لَفْظِ نَعَمْ: لِأَنَّ بِهَا السُّرُورَ كَمَا يُسَرُّ السَّائِلُ بِقَوْلِ الْمُجِيبِ: نَعَمْ. وَالنَّعَمُ اسْمُ جَمْعٍ لَا اسْمُ جِنْسٍ لِأَنَّهُ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ بَلْ مِنْ مَعْنَاهُ. وَاسْمُ الْجِنْسِ هُوَ الَّذِي: فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدِهِ بِالتَّاءِ غَالِبًا. قَوْلُهُ: [وَالْحَرْثُ] : سُمِّي حَرْثًا لِأَنَّهُ تُحْرَثُ الْأَرْضُ لِأَجْلِهِ غَالِبًا.

فَلَا تَجِبُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ كَخَيْلٍ وَحَمِيرٍ وَبِغَالٍ وَعَبِيدٍ، وَلَا فِي فَوَاكِهَ كَتِينٍ وَرُمَّانٍ، وَلَا فِي مَعَادِنَ غَيْرِ عَيْنٍ كَمَا لَا تَجِبُ عَلَى مَالِكِ دُونَ النِّصَابِ مِنْهَا. وَالْمُرَادُ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْحُرِّ فِي الْمَالِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ. وَالْمُخَاطَبُ بِالْإِخْرَاجِ وَلِيُّهُ فَلَيْسَ التَّكْلِيفُ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِهَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ كَغَيْرِهَا مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ؛ فَلَا تَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ عِنْدَهُ. وَتَجِبُ عِنْدَ غَيْرِهِ عَلَى الْحُرِّ مُطْلَقًا فِي مَالِهِ. وَالْخِطَابُ بِهَا فِيهِ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ: أَيْ مُتَعَلِّقٌ بِجَعْلِ الْمَالِ الْمَذْكُورِ - إذَا تَوَفَّرَتْ شُرُوطُهُ - سَبَبًا فِي وُجُوبِ زَكَاتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا تَجِبُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ] : أَيْ مَا لَمْ تَكُنْ عُرُوضًا لِلتِّجَارَةِ فَتُزَكَّى زَكَاةَ إدَارَةٍ أَوْ احْتِكَارٍ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَلَوْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ] : أَيْ لَتَعَلُّقِ الْخِطَابِ بِهِ وَضْعًا كَمَا سَيَقُولُ. قَوْلُهُ: [وَالْمُخَاطَبُ بِالْإِخْرَاجِ وَلِيُّهُ] : أَيْ وَلَّى مَنْ ذَكَرَ مِنْ صَغِيرٍ وَمَجْنُونِ؛ فَإِنْ خَشِيَ غُرْمًا رَفَعَ لِلْحَاكِمِ الْمَالِكِيِّ لِيَحْكُمَ لَهُ: بِلُزُومِ الزَّكَاةِ لَهُمَا: فَلَا يَنْفَعُ الْمَجْنُونَ وَالصَّبِيَّ بَعْدَ ذَلِكَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلُ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِمَا، لِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ رَفْعُ الْخِلَافَ. قَوْلُهُ: [مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ] : وَتَعْرِيفُهُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ: جَعْلُ الشَّيْءِ سَبَبًا أَوْ شَرْطًا أَوْ مَانِعًا أَوْ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا.

فَشُرُوطُ وُجُوبِهَا أَرْبَعَةٌ: اثْنَانِ عَامَّانِ فِي الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ وَهُمَا: الْحُرِّيَّةُ وَمِلْكُ النِّصَابِ. وَاثْنَانِ خَاصَّانِ بِبَعْضِهَا أَوَّلُهُمَا: تَمَامُ الْحَوْلِ؛ فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِالْمَاشِيَةِ وَبِالْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (إنْ تَمَّ الْحَوْلُ فِي غَيْرِ الْحَرْثِ وَالْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ) وَغَيْرِهِمَا: هُوَ الْمَاشِيَةُ وَالْعَيْنُ. وَأَمَّا الْحَرْثُ فَتَجِبُ فِيهِ بِطَيِّبِهِ كَمَا سَيَأْتِي؛ وَتَجِبُ فِي الْمَعْدِنِ بِإِخْرَاجِهِ، وَفِي الرِّكَازِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَثَانِيهِمَا: مَجِيءُ السَّاعِي؛ فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِالْمَاشِيَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَ) إنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فِي الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ] : أَيْ النَّعَمِ وَالْحَرْثِ وَالْعَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَمِلْكُ النِّصَابِ] : تَقَدَّمَ فِيهِ خِلَافٌ هَلْ هُوَ سَبَبٌ أَوْ شَرْطٌ. قَوْلُهُ: [بِطَيِّبِهِ] : وَالطَّيِّبُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ. قَوْلُهُ: [بِإِخْرَاجِهِ] : هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ. وَقِيلَ بِالتَّصْفِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَفِي الرِّكَازِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ] : وَهُوَ مَا إذَا احْتَاجَ إلَى كَبِيرِ عَمَلٍ وَنَفَقَةٍ وَإِلَّا فَفِيهِ الْخُمُسُ كَمَا سَيَأْتِي.

(وَصَلَ السَّاعِي) إلَى مَحَلِّ الْمَاشِيَةِ (إنْ كَانَ) ثَمَّ سَاعٍ - (فِي النَّعَمِ) لَا فِي غَيْرِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاعٍ فَتَجِبُ بِتَمَامِ الْحَوْلِ. كَمَا تَجِبُ بِتَمَامِهِ فِي الْعَيْنِ وَبِالطَّيِّبِ فِي الْحَرْثِ، وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ سَاعٍ. وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ مَسْأَلَةِ السَّاعِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَ) إنْ (تَمَّ النِّصَابُ) فِي النَّعَمِ. وَهَذَا الشَّرْطُ مُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ: " الْمَالِكِ لِلنِّصَابِ " - فَلَيْسَ ذِكْرُهُ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ - وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (وَإِنْ بِنِتَاجٍ) : كَمَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ النُّوقِ أَوْ مِنْ الْبَقَرِ أَوْ مِنْ الْغَنَمِ دُونَ النِّصَابِ فَنَتَجَتْ عِنْدَ الْحَوْلِ أَوْ عِنْدَ مَجِيءِ السَّاعِي وَمَا يُكْمِلُ النِّصَابَ فَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ؛ (أَوْ) كَانَ بِسَبَبِ (إبْدَالٍ مِنْ نَوْعِهَا) : كَمَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَرْبَعٌ مِنْ الْإِبِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْله: [إنْ كَانَ ثَمَّ سَاعٍ] : أَيْ وَأَمْكَنَ بُلُوغُهُ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاعٍ] : أَيْ أَوْ كَانَ وَتَعَذَّرَ بُلُوغُهُ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ بِنِتَاجٍ] : أَيْ هَذَا إذَا كَانَ كَمَالُ النِّصَابِ بِنَفْسِهِ، بَلْ وَإِنْ كَانَ بِنِتَاجٍ بَلْ وَإِنْ صَارَ كُلُّهُ نِتَاجًا خِلَافًا لِدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ الْقَائِلِ: إنَّ النِّتَاجَ لَا يُزَكَّى. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي النِّتَاجِ الْأَخْذُ مِنْهُ، بَلْ يُكَلِّفُ رَبُّهَا شِرَاءَ مَا يُجْزِئُ. وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي النِّتَاجِ وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ صِنْفِ الْأَصْلِ؛ كَمَا لَوْ نَتَجَتْ الْإِبِلُ أَوْ الْبَقَرُ غَنَمًا، وَتُزَكَّى عَلَى حَوْلِ الْأُمَّهَاتِ زَكَاةُ نَوْعِهَا إنْ كَانَ فِيهَا نِصَابٌ. فَإِذَا مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ كُلُّهَا زَكَّى النِّتَاجَ عَلَى حَوْلِ الْأُمَّهَاتِ حَيْثُ كَانَ فِيهِ نِصَابٌ، وَكَذَا إذَا مَاتَ بَعْضُ الْأُمَّهَاتِ وَكَانَ فِي الْبَاقِي مِنْهَا مَعَ النِّتَاجِ نِصَابٌ، زَكَّى الْجَمِيعُ لِحَوْلِ الْأُمَّهَاتِ. قَوْلُهُ: [أَوْ كَانَ بِسَبَبِ إبْدَالٍ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ أَبْدَلَ مَاشِيَةَ بِنِصَابٍ مِنْ نَوْعِهَا، فَإِنَّهُ: يَبْنِي عَلَى حَوْلِ الْمُبْدَلَةِ كَانَتْ الْمُبْدَلَةُ؛ نِصَابًا أَوْ دُونَ نِصَابٍ. كَانَتْ

فَأَبْدَلَهَا بِخَمْسٍ مِنْهَا وَلَوْ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ أَوْ أَقَلَّ، أَوْ عِنْدَهُ ثَلَاثُونَ مِنْ الْغَنَمِ فَأَبْدَلَهَا بِأَرْبَعِينَ مِنْهَا، فَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ لِحَوْلٍ مِنْ يَوْمِ مَلَكَ الْأَصْلَ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْدَلَهَا بِغَيْرِ نَوْعِهَا فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهَا الْحَوْلَ. (أَوْ) كَانَتْ (عَامِلَةً) فِي حَرْثٍ أَوْ حَمْلٍ فَتَجِبُ فِيهَا. (أَوْ) كَانَتْ (مَعْلُوفَةً) وَلَوْ فِي جَمِيعِ الْعَامِ فَتَجِبُ فِيهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ سَائِمَةً؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلتِّجَارَةِ أَوْ لِلْقِنْيَةِ. كَانَ الْإِبْدَالُ اخْتِيَارِيًّا أَوْ اضْطِرَارِيًّا. فَهَذِهِ ثَمَانِي صُوَرٍ، فَتَمْثِيلُ الشَّارِحِ بِدُونِ النِّصَابِ مَفْهُومُهُ أَحْرَوِيٌّ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْدَلَهَا] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ مَاشِيَةٌ وَأَبْدَلَهَا بِغَيْرِ نَوْعِهَا مِنْ الْمَوَاشِي - كَمَنْ أَبْدَلَ بَقَرًا بِغَنَمٍ - فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ مُطْلَقًا؛ كَانَتْ الْمُبْدَلَةُ نِصَابًا أَوْ دُونَ نِصَابٍ، كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِلْقِنْيَةِ كَانَ الْبَدَلُ اخْتِيَارِيًّا أَوْ اضْطِرَارِيًّا. فَهَذِهِ ثَمَانِي صُوَرٍ أَيْضًا. يَسْتَقْبِلُ فِيهَا، مَا لَمْ يَقْصِدْ الْفِرَارَ وَكَانَ الْمُبْدَلُ نِصَابًا كَمَا يَأْتِي، بَقِيَ مَا لَوْ أَبْدَلَهَا بِنِصَابِ عَيْنٍ؛ فَإِنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ بَنَى عَلَى حَوْلِ أَصْلِهَا، كَانَتْ الْمُبْدَلَةُ نِصَابًا أَوْ دُونَ نِصَابٍ. كَانَ الْبَدَلُ اخْتِيَارِيًّا أَوْ اضْطِرَارِيًّا. فَهَذِهِ أَرْبَعُ. وَأَمَّا إنْ كَانَتْ لِلْقِنْيَةِ وَكَانَتْ نِصَابًا فَكَذَلِكَ: أَيْ يَبْنِي عَلَى حَوْلِ أَصْلِهَا كَانَ الْبَدَلُ اخْتِيَارِيًّا أَوْ اضْطِرَارِيًّا فَهَاتَانِ صُورَتَانِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ دُونَ نِصَابٍ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِالثَّمَنِ مُطْلَقًا. كَانَ الْبَدَلُ اخْتِيَارِيًّا أَوْ اضْطِرَارِيًّا. فَهَاتَانِ صُورَتَانِ أَيْضًا. فَجُمْلَةٌ. الصُّوَرِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ. وَكَذَلِكَ مَا لَوْ أَبْدَلَ نِصَابَ عَيْنٍ بِمَاشِيَةٍ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِالْمَاشِيَةِ مُطْلَقًا هَذَا حَاصِلُ مَا قَرَّرَ بِهِ الشُّرَّاحُ قَوْلَ خَلِيلٍ، وَكَمُبْدَلٍ مَاشِيَةِ تِجَارَةٍ وَإِنْ دُونَ نِصَابٍ بِعَيْنٍ أَوْ نَوْعِهَا وَإِنْ لِاسْتِهْلَاكِ؛ كَنِصَابِ قِنْيَةٍ لَا بِمُخَالِفِهَا أَوْ عَيْنًا بِمَاشِيَةٍ. قَدَّمَ هَذَا الْمَبْحَثُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَقَدْ أَفَدْنَاك إيَّاهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ عَامِلَةً] : أَيْ هَذَا إذَا كَانَتْ مُهْمَلَةً، بَلْ وَإِنْ كَانَتْ عَامِلَةً فَتَجِبُ فِيهَا الذَّكَاةُ. خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ كَانَتْ مَعْلُوفَةً] : أَيْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا. وَالتَّقْيِيدُ بِالسَّائِمَةِ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ عَلَى مَوَاشِي الْعَرَبِ؛ فَهُوَ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لَا مَفْهُومَ لَهُ.

(لَا) إنْ كَانَتْ (مُتَوَلِّدَةً مِنْهَا) : أَيْ مِنْ النَّعَمِ، (وَمِنْ وَحْشٍ) : كَمَا لَوْ ضَرَبَتْ فَحَوْلُ الظِّبَاءِ إنَاثُ الْغَنَمِ أَوْ عَكْسُهُ مُبَاشَرَةً بِوَاسِطَةٍ فَلَا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةٌ. (وَضُمَّتْ الْفَائِدَةُ مِنْهَا) : أَيْ مِنْ النَّعَمِ. وَالْمُرَادُ بِالْفَائِدَةِ هُنَا: مَا تَجَدَّدَ مِنْ النَّعَمِ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا؛ (وَإِنْ بِشِرَاءٍ) لَا خُصُوصَ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهَا مَا تَجَدَّدَتْ لَا عَنْ مَالٍ أَوْ عَنْ مَالٍ مُقْتَنًى (لَهُ) أَيْ لِلنِّصَابِ؛ فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ النَّعَمِ كَخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ وَأَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ فَأَكْثَرَ. فَاسْتَفَادَ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ اسْتِحْقَاقٍ فِي وَقْفٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ بِشِرَاءِ قَدْرِ نِصَابٍ آخَرَ أَوْ مَا يُكْمِلُ نِصَابًا آخَرَ، فَإِنَّهُ يُضَمُّ لِلْأَوَّلِ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ وَيُزَكِّيهِ مَعَهُ فَيَكُونُ عَلَيْهِ شَاتَانِ بَعْدَ أَنْ كَانَ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ مَثَلًا، أَوْ تَبِيعَانِ بَعْدَ أَنْ كَانَ عَلَيْهِ تَبِيعٌ أَوْ حِقَّةٌ مَثَلًا. (وَإِنْ) مَلَكَهَا (قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ) فَأَوْلَى أَكْثَرُ وَلَا يَسْتَقْبِلُ بِالْفَائِدَةِ الْمَذْكُورَةِ حَوْلًا بِخِلَافِ الْفَائِدَةِ فِي الْعَيْنِ؛ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِل بِهَا كَمَا يَأْتِي وَ (لَا) تُضَمُّ الْفَائِدَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ بِوَاسِطَةٍ] : كَذَا فِي الْخَرَشِيِّ وَ (عب) وَ (المج) . قَالَ (بْن) : وَفِيهِ نَظَرٍ. بَلْ ظَاهِرُ النَّقْلِ خِلَافُهُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَوَّاقَ قَصَرَ ذَلِكَ عَلَى الْمُتَوَلِّدِ مِنْهَا وَمِنْ الْوَحْشِ مُبَاشَرَةً، وَأَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ النِّتَاجَ بِوَاسِطَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِيهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. وَاسْتَظْهَرَ ذَلِكَ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْله: [وَضُمَّتْ الْفَائِدَةُ مِنْهَا] إلَخْ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ نِصَابًا أَوْ أَقَلَّ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مِنْ كَانَ لَهُ مَاشِيَةٌ وَكَانَتْ نِصَابًا، ثُمَّ اسْتَفَادَ مَاشِيَةً أُخْرَى مِنْ نَوْعِهَا بِشِرَاءٍ أَوْ دِيَةٍ أَوْ هِبَةٍ، نِصَابًا أَوْ لَا، فَإِنَّ الثَّانِيَةَ تُضَمُّ لِلْأُولَى وَتُزَكَّى عَلَى حَوْلِهَا سَوَاءٌ حَصَلَ اسْتِفَادَةُ الثَّانِيَةِ قَبْلَ كَمَالِ حَوْلِ الْأُولَى بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ. فَإِنْ كَانَتْ الْأُولَى أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ فَلَا تُضَمُّ الثَّانِيَةُ لَهَا، وَلَوْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ نِصَابًا. وَيَسْتَقْبِلُ بِهِمَا مِنْ يَوْمِ حَوْلِ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْفَائِدَةُ فِي الْعَيْنِ] : وَالْفَرْقُ أَنَّ زَكَاةَ الْمَاشِيَةِ مَوْكُولَةُ لِلسَّاعِي فَلَوْ لَمْ تُضَمُّ الثَّانِيَةُ لِلنَّصَّابِ الْأَوَّلِ لَأَدَّى ذَلِكَ لِخُرُوجٍ مَرَّتَيْنِ وَفِيهِ مَشَقَّةٌ وَاضِحَةٌ، بِخِلَافِ الْعَيْنِ فَإِنَّهَا مَوْكُولَةٌ لِأَرْبَابِهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْمَاشِيَةُ الْأُولَى دُونَ النِّصَابِ وَقُلْنَا يَسْتَقْبِلُ فَلَا مَشَقَّةَ كَذَا فِي الْأَصْلِ.

[زكاة الإبل]

مِنْ النَّعَمِ (لِأَقَلَّ) مِنْ نِصَابٍ. سَوَاءٌ كَانَتْ هِيَ نِصَابًا أَمْ لَا، وَيَسْتَقْبِلُ بِهَا حَوْلٌ. وَتُضَمُّ الْأُولَى لَهَا. وَالْحَوْلُ: مِنْ وَقْتِ تَمَامِ النِّصَابِ بِالْفَائِدَةِ، فَإِذَا اسْتَفَادَ بَعْدَ تَمَامِ النِّصَابِ شَيْئًا ضُمَّ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ النِّتَاجِ، وَالْإِبْدَالِ بِهَا مِنْ نَوْعِهَا؛ إذْ فِيهِمَا يُضَمُّ مَا تَجَدَّدَ مِنْهَا. وَلَوْ لِغَيْرِ النِّصَابِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ إجْمَالًا شَرَعَ فِي بَيَانِ تَفْصِيلِ ذَلِكَ فَقَالَ: (أَمَّا الْإِبِلُ فَفِي كُلٍّ خَمْسٍ) مِنْهَا (ضَائِنَةٌ) : أَيْ شَاةٌ مِنْ الضَّأْنِ خِلَافُ الْمَعْزِ، وَتَاؤُهُ لِلْوَحْدَةِ لَا لِلتَّأْنِيثِ فَيَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى. (إنْ لَمْ يَكُنْ جُلُّ غَنَمِ الْبَلَدِ الْمَعْزَ) ، وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ الْإِخْرَاجُ مِنْ الْمَعْزِ؛ فَإِنْ تَطَوَّعْ بِإِخْرَاجِ الضَّأْنِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالْأَفْضَلُ. فَفِي الْخَمْسَةِ، شَاةٌ، وَفِي الْعَشَرَةِ، شَاتَانِ، وَفِي الْخَمْسَةَ عَشْرَ، ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي الْعِشْرِينَ، أَرْبَعُ شِيَاهٍ. (إلَى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ) ثُمَّ يَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ كَمَا قَالَ: (وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ) مِنْ الْإِبِلِ (بِنْتُ مَخَاضٍ) . وَلَا يَكْفِي ابْنُ مَخَاضٍ وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [زَكَاة الْإِبِل] قَوْلُهُ: [أَمَّا الْإِبِلُ] إلَخْ: قَدَّمَهَا لِأَنَّهَا أَشْرَفُ النَّعَمِ وَلِذَا سُمِّيَتْ جِمَالًا لِلتَّجَمُّلِ بِهَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} [النحل: 6] . قَوْلُهُ: [فَيَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى] : أَيْ لِأَنَّ الشَّاةَ الْمَأْخُوذَةَ عَنْ الْإِبِلِ كَالْمَأْخُوذَةِ عَنْ الْغَنَمِ سِنًّا وَصِفَةِ. وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُؤْخَذُ عَنْهَا الذَّكَرُ أَوْ الْأُنْثَى وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ. وَاشْتَرَطَ ابْنُ الْقَصَّارِ الْأُنْثَى فِي الْمَوْضِعَيْنِ. كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [أَجْزَأَهُ] : أَيْ وَيُجْبَرُ السَّاعِي عَلَى قَبُولِهِ. قَوْلُهُ: [فَفِي الْخَمْسَةِ شَاةٌ] : فَلَوْ أَخْرَجَ عَنْهَا بَعِيرًا أَجْزَأَ وَلَوْ كَانَ سِنُّهُ أَقَلَّ مِنْ عَامٍ وَهُوَ مَا ارْتَضَاهُ الْأُجْهُورِيُّ. وَأَمَّا لَوْ أَخْرَجَ الْبَعِيرَ عَنْ الشَّاتَيْنِ فَأَكْثَرَ فَلَا يُجْزِئُ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَيْهِمَا.

ابْنُ لَبُونٍ إلَّا إذَا عُدِمَتْ بِنْتُ الْمَخَاضِ فَيَكْفِي ابْنُ اللَّبُونِ إنْ كَانَ عِنْدَهُ، وَإِلَّا كَلَّفَهُ السَّاعِي بِنْتَ مَخَاضٍ، وَهِيَ: مَا (أَوْفَتْ سَنَةً) وَدَخَلَتْ فِي الثَّانِيَةِ، إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ. (وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، بِنْتُ لَبُونٍ أَوْفَتْ سَنَتَيْنِ) وَدَخَلَتْ فِي الثَّالِثَةِ. إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ. (وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ، حِقَّةٌ) بِكَسْرِ الْحَاء (أَوْفَتْ ثَلَاثًا) مِنْ السِّنِينَ. إلَى سِتِّينَ. (وَفِي إحْدَى وَسِتِّينَ، جَذَعَةٌ أَوْفَتْ أَرْبَعًا) . إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ. (وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ: بِنْتَا لَبُونٍ) إلَى تِسْعِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا إذَا عُدِمَتْ] : أَيْ بِأَنْ لَمْ تُوجَدْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ سَلِيمَةٍ، فَلَوْ وُجِدَتْ لَزِمَ إخْرَاجُهَا وَلَوْ كَانَتْ مِنْ كَرَائِمِ الْأَمْوَالِ، وَلَا يَنْتَقِلُ لِلْبَدَلِ مَعَ إمْكَانِ الْأَصْلِ. هَكَذَا ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [فَيَكْفِي ابْنُ اللَّبُونِ] : وَتُجْزِئُ بِنْتُ اللَّبُونِ بِالْأُولَى. وَهَلْ يُخَيِّرُ السَّاعِي فِي قَبُولِهَا أَوْ لَا يُخَيِّرُ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا؟ قَوْلَانِ. اقْتَصَرَ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى جَبْرِهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَلَيْسَ لَنَا فِي الْإِبِلِ مَا يُؤْخَذُ فِيهِ الذَّكَرُ عَنْ الْأُنْثَى إلَّا ابْنُ اللَّبُونِ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ؛ وَحِينَئِذٍ لَا يُجْزِئُ ابْنُ مَخَاضٍ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَابْنُ اللَّبُونِ عَنْ بِنْتِ اللَّبُونِ وَهَكَذَا، كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. وَسُمِّيَتْ بِنْتُ مَخَاضٍ: لِأَنَّ الْحَمْلَ مَخْضٌ فِي بَطْنِ أُمِّهَا؛ لِأَنَّ الْإِبِلَ تَحْمِلُ سَنَةً وَتُرَبِّي سَنَةً. قَوْلُهُ: [بِنْتُ لَبُونٍ] : أَيْ وَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا حِقٌّ وَلَوْ لَمْ تُوجَدْ أَوْ وُجِدَتْ مَعِيبَةً، وَأَمَّا أَخْذُ الْحِقَّةُ عَنْ بِنْتِ اللَّبُونِ فَتُجْزِئُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ ابْنِ اللَّبُونِ يُجْزِئُ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَالْحِقُّ لَا يُجْزِئُ عَنْ بِنْتِ اللَّبُونِ أَنَّ ابْنَ اللَّبُونِ يَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ وَيَرِدُ الْمَاءَ وَيَرْعَى الشَّجَرَ، فَقَابَلَتْ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ فَضِيلَةَ الْأُنُوثَةِ الَّتِي فِي بِنْتِ الْمَخَاضِ. وَالْحِقُّ لَيْسَ فِيهِ مَا يَزِيدُ عَلَى بِنْتِ اللَّبُونِ، فَلَيْسَ فِيهِ مَا يُعَادِلُ فَضِيلَةَ الْأُنُوثَةِ الَّتِي فِيهَا، وَسُمِّيَتْ بِنْتَ لَبُونٍ: لِأَنَّ أُمَّهَا وَلَدَتْ عَلَيْهَا وَصَارَ لَهَا لَبَنٌ جَدِيدٌ. قَوْلُهُ: [حِقَّةٌ] : أَيْ لَا يُجْزِئُ عَنْهَا جَذَعٌ. وَسُمِّيَتْ حِقَّةٌ: مَا اسْتَحَقَّتْ الْحَمْلُ عَلَيْهَا أَوْ طُرُوقُ الْفَحْلِ. قَوْلُهُ: [جَذَعَةٌ] : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ: لِأَنَّهَا أَجْذَعَتْ أَسْنَانَهَا أَيْ بَدَّلَتْهَا.

(وَفِي إحْدَى وَتِسْعِينَ: حِقَّتَانِ) إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ. (وَفِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ إلَى تِسْعٍ وَعِشْرِينَ) : إمَّا (حِقَّتَانِ، أَوْ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ الْخِيَارُ) فِي ذَلِكَ (لِلسَّاعِي) لَا لِرَبِّ الْمَالِ عِنْدَ وُجُودِ الْأَمْرَيْنِ أَوْ فَقْدِهِمَا. (وَتَعَيَّنَ) عَلَيْهِ (مَا وُجِدَ) عِنْدَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الْحِقَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثِ بَنَاتِ اللَّبُونِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ [وَالْخِيَارُ فِي ذَلِكَ لِلسَّاعِي] : اعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّقَادِيرِ، وَبَيَّنَ أَنَّ فِي الْإِحْدَى وَتِسْعِينَ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ حِقَّتَانِ قَالَ: «ثُمَّ مَا زَادَ فَفِي كُلٍّ أَرْبَعِينَ بِنْتِ لَبُونٍ وَفِي كُلٍّ خَمْسِينَ حِقَّةٍ» ، فَفَهِمَ مَالِكٌ أَنَّ الزِّيَادَةَ زِيَادَةُ عَقْدٍ أَيْ عَشْرَةٍ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَفَهِمَ ابْنُ الْقَاسِمِ مُطْلَقَ زِيَادَةٍ وَلَوْ حَصَلَتْ: بِوَاحِدَةٍ فَفِي مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ حِقَّةٍ وَبِنْتَا لَبُونٍ بِاتِّفَاقٍ. وَأَمَّا فِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ إلَى تِسْعٍ الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا؛ فَعِنْدَ مَالِكٍ: يُخَيِّرُ السَّاعِي بَيْنَ حِقَّتَيْنِ وَثَلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ: يَتَعَيَّنُ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ. قَوْلُهُ: [وَتَعَيَّنَ مَا وَجَدَ] : فَإِذَا زَادَتْ عَلَى الْمِائَتَيْنِ عَشْرَةٌ فَفِيهِ حِقَّةٌ وَأَرْبَعُ

[زكاة البقر]

(ثُمَّ) إنْ زَادَتْ عَلَى الْمِائَةِ وَالتِّسْعَةِ وَالْعِشْرِينَ: (فِي كُلِّ عَشْرٍ يَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ) : (فَ) يَجِبُ (فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ: بِنْتُ لَبُونٍ. وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ) : فَفِي مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ: حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ، وَفِي مَائِهٍ وَأَرْبَعِينَ حِقَّتَانِ وَبِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ، وَفِي مِائَةٍ وَسِتِّينَ: أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَفِي مِائَةٍ وَسَبْعِينَ: حِقَّةٌ وَثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَفِي مِائَةٍ وَثَمَانِينَ: حِقَّتَانِ وَبِنْتَا لَبُونٍ، وَفِي مِائَةٍ وَتِسْعِينَ: ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي مِائَتَيْنِ: إمَّا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ. الْخِيَارُ لِلسَّاعِي. وَتَعَيَّنَ مَا وُجِدَ. (وَأَمَّا الْبَقَرُ: فَفِي كُلِّ ثَلَاثٍ تَبِيعٌ) مَا أَوْفَى: سَنَتَيْنِ وَ (دَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ، وَفِي) كُلِّ (أَرْبَعِينَ) بَقَرَةً: (مُسِنَّةٌ) أُنْثَى كَمَّلَتْ ثَلَاثًا وَ (دَخَلَتْ فِي) السَّنَةِ (الرَّابِعَةِ) إلَى تِسْعٍ وَخَمْسِينَ، وَفِي السِّتِّينَ: تَبِيعَانِ، وَفِي السَّبْعِينَ: مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ، وَفِي الثَّمَانِينَ: مُسِنَّتَانِ، وَفِي التِّسْعِينَ: ثَلَاثَةُ أَتْبِعَةٍ، وَفِي مِائَةٍ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعَانِ، وَفِي مِائَةٍ وَعَشْرٍ: مُسِنَّتَانِ وَتَبِيعٌ، وَفِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ خُيِّرَ السَّاعِي فِي أَخْذِ ثَلَاثِ مُسِنَّاتِ أَوْ أَرْبَعَةِ أَتْبِعَةٍ. (وَأَمَّا الْغَنَمُ؛ فَفِي أَرْبَعِينَ) مِنْهَا (جَذَعَةٌ أَوْ جَذَعٌ ذُو سَنَةٍ) وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ، إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ. (وَفِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ: شَاتَانِ) جَذَعَتَانِ أَوْ جَذَعَانِ إلَى مِائَتَيْنِ (وَفِي مِائَتَيْنِ وَشَاةٍ: ثَلَاثٌ) مِنْ الشِّيَاهِ، كَذَلِكَ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ وَتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبَنَاتِ لَبُونٍ فَإِذَا زَادَتْ عَشْرَةٌ فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ. فَإِذَا زَادَتْ عَشْرَةٌ فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتَا لَبُونٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَشْرَةٌ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَشْرَةٌ فَفِيهَا خَمْسُ حِقَاقٍ. فَإِذَا زَادَتْ عَشْرَةٌ فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَأَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَهَكَذَا عَلَى ضَابِطِ الْمُؤَلِّفِ وَلَا يُنْتَقَضُ بِشَيْءٍ. [زَكَاة الْبَقَر] قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْبَقَرُ] إلَخْ: مَأْخُوذٌ مِنْ الْبَقَرِ وَهُوَ الشَّقُّ: لِأَنَّهُ يَشُقُّ الْأَرْضَ بِحَوَافِرِهِ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ، وَاحِدَةُ بَقَرَةٌ وَالْبَقَرَةُ تَقَعُ عَلَى الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ. لِأَنَّ تَاءَه لِلْوَحْدَةِ لَا لِلتَّأْنِيثِ. قَوْلُهُ: [تَبِيعُ] : سُمِّيَ بِذَلِكَ: لِأَنَّ قَرْنَيْهِ يَتْبَعَانِ أُذُنَيْهِ. أَوْ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ. [زَكَاة الْغَنَم] قَوْلُهُ: [ذُو سَنَةٍ] : أَيْ تَامَّةٍ كَمَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَقِيلَ ابْنُ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَقِيلَ ثَمَانِيَةٍ، وَقِيلَ سِتَّةٍ. وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [شَاتَانِ] : تَثْنِيَةُ شَاةٍ وَالتَّاءُ فِيهِ لِلْوَحْدَةِ لَا لِلتَّأْنِيثِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ " جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ " فَتَصَدَّقَ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى.

(وَفِي أَرْبَعِمِائَةٍ: أَرْبَعٌ) مِنْ الشِّيَاهِ، (ثُمَّ لِكُلِّ مِائَةِ شَاةٍ) جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ. (وَضَمُّ) فِي الْإِبِلِ (بُخْتٍ) : وَهِيَ إبِلُ خُرَاسَانَ ذَاتُ سَنَامَيْنِ (لِعِرَابٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْ الصِّنْفَيْنِ خَمْسَةٌ فَفِيهَا شَاةٌ وَهَكَذَا (وَ) ضَمُّ (جَامُوسٍ لِبَقَرٍ) : فَإِذَا مَلَكَ مِنْ كُلٍّ خَمْسَةَ عَشْرَ، وَجَبَ فِي الثَّلَاثِينَ تَبِيعٌ (وَ) ضَمُّ (ضَأْنٍ لِمَعْزٍ) . (وَخُيِّرَ السَّاعِي إنْ وَجَبَتْ) ذَاتٌ (وَاحِدَةٌ) فِي صِنْفَيْنِ (وَتُسَاوَيَا) ، كَخَمْسَةَ عَشْرَ مِنْ الْجَوَامِيسِ وَمِثْلِهَا مِنْ الْبَقَرِ. وَكَعِشْرِينَ مِنْ الضَّأْنِ وَمِثْلِهَا مِنْ الْمَعْزِ فِي أَخْذِهَا مِنْ أَيِّ صِنْفٍ شَاءَ. (وَإِلَّا) يَتَسَاوَيَا - كَعِشْرِينَ مِنْ الْبَقَرِ وَعَشْرَةٍ مِنْ الْجَوَامِيسِ وَكَثَلَاثِينَ مِنْ الضَّأْنِ وَعَشَرَةٍ مِنْ الْمَعْزِ أَوْ عَكْسُ ذَلِكَ (فَمِنْ الْأَكْثَرِ) : يَأْخُذُهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ. (وَإِنْ وَجَبَ) فِي الصِّنْفَيْنِ (اثْنَتَانِ: فَمِنْهُمَا) يَأْخُذُهُمَا أَيْ: يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ وَاحِدَةً (إنْ تُسَاوَيَا) : كَثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ وَمِثْلِهَا مِنْ الْجَوَامِيسِ، وَكَاثْنَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [ثُمَّ لِكُلِّ مِائَةٍ] إلَخْ: أَيْ بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ بَعْدَهَا إلَّا بِزِيَادَةِ الْمِائَةِ. قَوْلُهُ: [بُخْتٌ] : هِيَ إبِلٌ ضَخْمَةٌ مَائِلَةٌ لِلْقَصْرِ لَهَا سَنَامَانِ أَحَدُهُمَا خَلْفَ الْآخَرِ، وَإِنَّمَا ضُمَّتْ الْبُخْتُ لِلْعِرَابِ لِأَنَّهُمَا صِنْفَانِ مُنْدَرِجَانِ تَحْتَ نَوْعِ الْإِبِلِ، وَكَذَا الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ مُنْدَرِجَانِ تَحْتَ نَوْعِ الْغَنَمِ. وَكَذَا الْجَامُوسُ صِنْفٌ مِنْ الْبَقَرِ. قَوْلُهُ: [وَخُيِّرَ السَّاعِي] : دَلِيلٌ لِلضَّمِّ كَأَنَّهُ قَالَ: وَإِذَا ضُمَّ أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ لِلْآخَرِ فَإِنْ وَجَبَتْ وَاحِدَةٌ فِي الصِّنْفَيْنِ وَتُسَاوَيَا خُيِّرَ السَّاعِي فِي أَخْذِهَا مِنْ أَيِّهِمَا، وَهَذَا إذَا وَجَدَ السِّنَّ الْوَاجِبَ فِي الصِّنْفَيْنِ أَوْ فَقَدَ مِنْهُمَا وَتَعَيَّنَ الْمُنْفَرِدُ كَمَا نَقَلَهُ الْحَطَّابُ عَنْ الْبَاجِيِّ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ] : قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهَذَا مُتَّجَهٌ إنْ كَانَتْ الْكَثْرَةُ ظَاهِرَةً، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ كَالشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا كَمُتَسَاوِيَيْنِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ.

وَسِتِّينَ مِنْ الضَّأْنِ وَمِثْلِهَا مِنْ الْمَعْزِ، وَكَسِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ مِنْ الْبُخْتِ وَمِثْلِهَا مِنْ الْعِرَابِ فَمِنْ كُلٍّ حِقَّةٌ. (أَوْ) لَمْ يَتَسَاوَيَا، (وَ) كَانَ (الْأَقَلُّ نَصَّابًا) وَيَجُوزُ رَفْعُ " نِصَابٍ " عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ اسْمِيَّةٌ وَالْوَاوَ لِلْحَالِ وَهُوَ الْأَقْعَدُ - (غَيْرَ وَقْصٍ) : نَعْتٌ لِنِصَابٍ، وَالْوَقْصُ مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ مِنْ كُلِّ الْأَنْعَامِ؛ مِثْلُ ذَلِكَ: مِائَةٌ وَعِشْرُونَ ضَأْنًا وَأَرْبَعُونَ مَعْزًا؛ فَالْأَقَلُّ - وَهُوَ الْأَرْبَعُونَ - نِصَابٌ. وَغَيْرُ وَقْصٍ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ الثَّانِيَةَ فَتُؤْخَذُ مِنْهُ وَاحِدَةٌ وَمِنْ الْأَكْثَرِ وَاحِدَةٌ؛ أَيْ فَلَا تُؤْخَذُ الثَّانِيَةُ مِنْ الْأَقَلِّ إلَّا بِشَرْطَيْنِ كَوْنُهُ نِصَابًا أَيْ لَوْ انْفَرَدَ لَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَغَيْرَ وَقْصٍ لِإِيجَابِهِ الثَّانِيَةَ. فَإِنْ عُدِمَ الشَّرْطَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَالثَّانِيَةُ تُؤْخَذُ مِنْ الْأَكْثَرِ كَالْأُولَى وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَإِلَّا) يَكُنْ الْأَقَلُّ نِصَابًا - وَلَوْ غَيْرَ وَقْصٍ - كَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ ضَأْنًا وَثَلَاثِينَ مَعْزًا أَوْ كَانَ نِصَابًا إلَّا أَنَّهُ وَقْصٌ أَيْ لَمْ يُوجِبْ الثَّانِيَةَ كَمِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ ضَأْنًا وَأَرْبَعِينَ مَعْزًا (فَمِنْ الْأَكْثَرِ) يُؤْخَذَانِ. (وَ) إنْ وَجَبَ فِي الصِّنْفَيْنِ (ثَلَاثٌ) وَتَسَاوَيَا: كَمِائَةٍ وَوَاحِدَةٍ ضَأْنًا وَمِثْلِهَا مَعْزًا، (فَمِنْهُمَا) أَيْ فَمِنْ كُلِّ صِنْفٍ يَأْخُذُ وَاحِدَةً. (وَخُيِّرَ فِي الثَّالِثَةِ فِي أَخْذِهَا) مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ (إنْ تَسَاوَيَا) . (وَإِلَّا) يَتَسَاوَيَا (فَكَذَلِكَ) : أَيْ فَالْحُكْمُ كَالْحُكْمِ السَّابِقِ فِي الِاثْنَتَيْنِ. فَإِنْ كَانَ الْأَقَلُّ نِصَابًا غَيْرَ وَقْصٍ أُخِذَتْ مِنْهُ وَاحِدَةٌ، وَأُخِذَ الْبَاقِي مِنْ الْأَكْثَرِ، وَإِلَّا أُخِذَ الْجَمِيعُ مِنْ الْأَكْثَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَهُوَ الْأَقْعَدُ] : أَيْ لِأَنَّ حَذْفَ كَانَ بِدُونِ أَحَدِ الْجُزْأَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَعْوِيضٍ مَا قَلِيلٌ. قَوْلُهُ: [فَمِنْ الْأَكْثَرِ يُؤْخَذَانِ] : هَذَا هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُقَابِلُهُ مَا لِسَحْنُونٍ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَكْثَرِ مُطْلَقًا. وَلَوْ كَانَ الْأَقَلُّ نِصَابًا وَغَيْرُ وَقْصٌ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا أَخْذُ الْجَمِيعِ مِنْ الْأَكْثَرِ] : وَمَا قِيلَ فِي هَذِهِ الثَّالِثَةِ يُقَالُ فِي الرَّابِعَةِ؛ كَمَا إذَا وَجَبَ أَرْبَعٌ مِنْ الْغَنَمِ إذَا كَانَ أَرْبَعَمِائَةِ مِنْهَا ثَلَثُمِائَةِ ضَأْنًا وَمِائَةٌ بَعْضُهَا

[الفرار من الزكاة]

(وَمَنْ أَبْدَلَ) مَا فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ بَعْضَهُ، (أَوْ ذَبَحَ مَاشِيَتَهُ فِرَارًا) مِنْ الزَّكَاةِ - وَيُعْلَمُ فِرَارُهُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ - وَسَوَاءٌ أَبْدَلَهَا بِنَوْعِهَا؛ كَأَنْ يُبَدِّلَ خَمْسَةً مِنْ الْإِبِلِ بِأَرْبَعَةٍ - أَوْ بِغَيْرِ نَوْعِهَا؛ كَأَنْ يُبَدَّلَ الْإِبِلَ بِغَنَمٍ أَوْ عَكْسِهِ؛ أَوْ بِعُرُوضٍ، أَوْ بِعَيْنٍ - بِأَنْ يَبِيعَهَا بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ - (أُخِذَتْ) الزَّكَاةُ (مِنْهُ) إذَا كَانَ الْإِبْدَالُ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ، بَلْ (وَلَوْ) كَانَ (قَبْلَ الْحَوْلِ إنْ قَرُبَ) الْحَوْلُ - كَقُرْبِ الْخَلِيطَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQضَأْنٍ وَبَعْضُهَا مَعْزٍ: أَخْرَجَ ثَلَاثَةَ مِنْ الضَّأْنِ، وَاعْتُبِرَتْ الرَّابِعَةُ عَلَى حِدَةٍ، فَفِي التَّسَاوِي خُيِّرَ السَّاعِي. وَإِلَّا فَمِنْ الْأَكْثَرِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ خَلِيلٍ: " وَفِي أَرْبَعِينَ جَامُوسًا وَعِشْرِينَ بَقَرَةٍ مِنْهُمَا "؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ فِي الثَّلَاثِينَ مِنْ الْجَامُوسِ تَبِيعًا تَبْقَى عَشْرَةٌ فَتُضَمُّ لِلْعَشْرِ مِنْ الْبَقَرِ فَيَخْرُجُ التَّبِيعُ الثَّانِي مِنْهَا لِأَنَّهَا الْأَكْثَرُ. وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يُؤْخَذَ مِنْ الْأَقَلِّ بِشَرْطَيْنِ كَوْنُهُ نِصَابًا وَغَيْرَ وَقْصٍ، لِأَنَّ ذَاكَ حَيْثُ لَمْ تُقْرَرْ النُّصُبُ. وَمَا هُنَا بَعْدَ تَقَرُّرُهَا وَهِيَ إذَا تَقَرَّرَتْ نَظَرَ لِكُلِّ مَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِانْفِرَادِهِ فَيُؤْخَذُ مِنْ الْأَكْثَرِ وَالْأَخِيرِ كَمَا مَرَّ فِي الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ الْغَنَمِ. وَالْمُرَادُ بِتَقَرُّرِ النُّصُبِ: أَنْ يَسْتَقِرَّ النِّصَابُ فِي عَدَدِ مَضْبُوطٍ. كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ الْأَصْلِ. [الْفِرَار مِنْ الزَّكَاة] قَوْلُهُ: [وَمَنْ أَبْدَلَ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ الْمَاشِيَةِ سَوَاءٌ كَانَ لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِلْقِنْيَةِ - ثُمَّ أَبْدَلَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ أَوْ قَبْلَهُ بِقُرْبٍ كَشَهْرٍ بِمَاشِيَةٍ أُخْرَى مِنْ نَوْعِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهَا، كَانَتْ الْأُخْرَى نِصَابًا أَوْ أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ، أَوْ أَبْدَلَهَا بِعَرَضٍ أَوْ نَقْدٍ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ - وَيُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ إقْرَارِهِ أَوْ مِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ - فَإِنْ ذَلِكَ الْإِبْدَالُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ زَكَاةُ الْمُبْدَلَةِ بَلْ يُؤْخَذُ بِزَكَاتِهَا، مُعَامَلَةٌ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَلَا يُؤْخَذُ بِزَكَاةِ الْبَدَلِ وَإِنْ كَانَتْ زَكَاتُهُ أَكْثَرَ، لِأَنَّ الْبَدَلَ لَمْ تَجِبْ فِيهِ زَكَاةٌ لِعَدَمِ مُرُورِ الْحَوْلِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [كَقُرْبِ الْخَلِيطِينَ] : اعْتَرَضَ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيمَا سَيَأْتِي قُرْبُ الْخَلِيطِينَ فَفِيهِ إحَالَةٌ عَلَى مَجْهُولٍ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ اتَّكَلَ عَلَى شُهْرَتِهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْأَصْلِ بِهِ فِي شَرْحِ الشَّرْطِ الْخَامِسِ لِخُلَطَاءِ الْمَاشِيَةِ بِقَوْلِهِ: مَا لَمْ يَقْرُبْ جِدًّا كَشَهْرٍ (اهـ.) فَعُلِمَ أَنَّ قُرْبَ الْخَلِيطِينَ الشَّهْرُ، وَرَدَّ - بِالْمُبَالَغَةِ - قَوْلُ ابْنِ الْكَاتِبِ: أَنَّهُ

لَا إنْ بَعُدَ، لِمَا تَقَرَّرَ عِنْدَنَا أَنَّ الْحِيَلَ لَا تُفِيدُ فِي الْعِبَادَاتِ وَلَا فِي الْمُعَامَلَاتِ كَمَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بُيُوعِ الْآجَالِ، وَلَا يَكُونُ فَارًّا إلَّا إذَا كَانَ مَالِكًا لِلنِّصَابِ. وَمِنْ الْحِيَلِ الْبَاطِلَةِ أَنْ يَهَبَ مَالَهُ أَوْ بَعْضَهُ لِوَلَدِهِ أَوْ لِعَبْدِهِ قُرْبَ الْحَوْلِ لِيَأْتِيَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَعْتَصِرَهُ أَوْ يَنْتَزِعَهُ مِنْهُ لِيَكُونَ - فِي زَعْمِهِ - ابْتِدَاءَ مِلْكِهِ، وَقَدْ يَقَعُ لِلزَّوْجِ مَعَ زَوْجَتِهِ ثُمَّ يَقُولُ لَهَا: رُدِّي إلَيَّ مَا وَهَبَتْهُ لَك؛ بِقَصْدِ إسْقَاطِ الزَّكَاةِ عَنْهُ. فَتُؤْخَذُ مِنْهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا، فَلَا مَفْهُومَ لِلْإِبْدَالِ وَلَا لِلْمَاشِيَةِ. (وَبَنَى) الْمُزَكِّي عَلَى الْحَوْلِ الْأَصْلِيِّ (فِي) مَاشِيَةٍ (رَاجِعَةٍ) إلَيْهِ بَعْدَ بَيْعِهَا (بِعَيْبٍ أَوْ فَلَسٍ) لِمُشْتَرِيهَا مِنْهُ (أَوْ فَسَادٍ) لِبَيْعٍ فَيُزَكِّيهَا لِحَوْلِهَا. وَكَأَنَّهَا لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُؤْخَذُ بِزَكَاتِهَا إلَّا إذَا كَانَ الْإِبْدَالُ بَعْدَ مُرُورِ الْحَوْلِ وَقَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الْإِبْدَالُ قَبْلَ مُرُورِ الْحَوْلِ وَلَوْ بِقُرْبٍ فَلَا يَكُونُ هَارِبًا. قَوْلُهُ: [لَا إنْ بَعُدَ] : أَيْ لَا إنْ كَانَ الْإِبْدَالُ قَبْلَ الْحَوْلِ بِأَكْثَرِ مِنْ شَهْرٍ فَإِنَّهُ لَا تُؤْخَذُ بِزَكَاتِهَا، وَلَوْ قَامَتْ الْقَرَائِنُ عَلَى هُرُوبِهِ. هَذَا ظَاهِرُهُ؛ وَهُوَ الصَّوَابُ خِلَافًا لِمَا فِي (عب) كَذَا قَرَّرَ شَيْخُ الْمَشَايِخِ الْعَدَوِيُّ. قَوْلُهُ: [لِمَا تَقَرَّرَ] : عِلَّةٌ لَأَخْذِهِ بِالْمُبَادَلَةِ كَأَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا أَخَذَ بِهَا وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الْحَوْلِ إنْ قَرُبَ الْحَوْلِ لِلتُّهْمَةِ لِمَا تَقَرَّرَ إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَكُونُ فَارًّا] إلَخْ: عُلِمَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ: " وَمَنْ أَبْدَلَ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ ". قَوْلُهُ: [وَبَنَى الْمُزَكِّي] إلَخْ: أَيْ سَوَاءٌ بَاعَهَا بِعَيْنٍ أَوْ بِنَوْعِهَا أَوْ بِمُخَالِفِهَا. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَنْ بَاعَ مَاشِيَةً بَعْدَ أَنْ مَكَثَتْ عِنْدَهُ نِصْفِ عَامٍ مَثَلًا - سَوَاءٌ بَاعَهَا بِعَرَضٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ بِنَوْعِهَا أَوْ بِمُخَالِفِهَا - كَانَ فَارًّا مِنْ الزَّكَاةِ أَمْ لَا - فَمَكَثَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مُدَّةً ثُمَّ رُدَّتْ عَلَى بَائِعِهَا بِعَيْبٍ أَوْ فَلَسٍ لِلْمُشْتَرِي أَوْ فَسَادٍ الْبَيْعِ - فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى حَوْلِهَا عِنْدَهُ وَلَا يُلْغِي الْأَيَّامَ الَّتِي مَكَثَتْهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فَإِذَا مَلَكَهَا فِي رَمَضَانِ وَبَاعَهَا فِي الْمُحَرَّمِ وَرَجَعَتْ لَهُ فِي شَعْبَانِ وَجَبَ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا فِي رَمَضَانِ وَحَمَلَ زَكَاتَهَا فِي رُجُوعِهَا بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ مَا لَمْ تَفُتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِمُفَوِّتَاتِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَإِلَّا فَيَسْتَقْبِلُ بِهَا.

[خلط المواشي]

تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ (لَا) إنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ بِسَبَبِ (إقَالَةٍ) لِأَنَّ الْإِقَالَةَ ابْتِدَاءُ بَيْعٍ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى حُكْمِ خَلْطِ الْمَوَاشِي مِنْ مَالِكَيْنِ فَأَكْثَرَ فَقَالَ: (وَخُلَطَاءُ الْمَاشِيَةِ) الْمُتَّحِدَةِ النَّوْعِ (كَمَالِكٍ وَاحِدٍ) أَيْ حُكْمُهُمَا أَوْ حُكْمُهُمْ حُكْمُ الْمَالِكِ الْوَاحِدِ (فِي الزَّكَاةِ) : كَثَلَاثَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ فَعَلَيْهِمْ شَاةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى كُلٍّ ثُلُثُهَا، فَالْخُلْطَةُ أَثَّرَتْ التَّخْفِيفَ، وَلَوْ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ لَكَانَ عَلَى كُلٍّ شَاةٌ. وَكَاثْنَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِتٌّ وَثَلَاثُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَعَلَيْهِمَا جَذَعَةٌ عَلَى كُلٍّ نِصْفُهَا. فَلَوْ كَانَا مُتَفَرِّقَيْنِ لَكَانَ عَلَى كُلٍّ بِنْتُ لَبُونٍ، فَأَوْجَبَتْ الْخُلْطَةُ التَّغَيُّرَ فِي السِّنِّ. وَقَدْ تُوجِبُ التَّثْقِيلَ؛ كَاثْنَيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِائَةٌ مِنْ الْغَنَمِ وَشَاةٌ فَعَلَيْهِمَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَلَوْلَا الْخُلْطَةُ لَكَانَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ، فَالْخُلْطَةُ أَوْجَبَتْ الثَّالِثَةَ. وَإِنَّمَا يَكُونُونَ كَالْمَالِكِ الْوَاحِدِ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَفَادَ أَوَّلَهَا بِقَوْلِهِ: (إنْ نُوِيَتْ) الْخُلْطَةُ: أَيْ نَوَاهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ. وَثَانِيهَا بِقَوْلِهِ: (وَكُلٌّ) مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ (تَجِبُ عَلَيْهِ) الزَّكَاةُ؛ بِأَنْ يَكُونَ حُرًّا مُسْلِمًا مَلَكَ نِصَابًا تَمَّ حَوْلَهُ. فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا تَجِبُ عَلَيْهِ فَقَطْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَحْدَهُ حَيْثُ تَوَفَّرَتْ الشُّرُوطُ، فَهَذَا الشَّرْطُ قَدْ تَضَمَّنَ أَرْبَعَةَ شُرُوطٍ. وَثَالِثُهَا بِقَوْلِهِ: (وَاجْتَمَعَا) : أَيْ الْخَلِيطَانِ، أَوْ اجْتَمَعُوا إنْ كَانُوا جَمَاعَةً (بِمِلْكٍ) لِلذَّاتِ (أَوْ مَنْفَعَةٍ) بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ إبَاحَةٍ لِعُمُومِ النَّاسِ؛ كَنَهْرٍ أَوْ مَرَاحٍ بِأَرْضٍ مَوَاتٍ (فِي الْأَكْثَرِ) مُتَعَلِّقٌ: بِ " اجْتَمَعَا ": أَيْ وَاجْتَمَعَا بِمَا ذُكِرَ فِي الْأَكْثَرِ مِنْ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ الْآتِي بَيَانُهَا - وَأَوْلَى اجْتِمَاعُهُمَا فِي جَمِيعِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْله: [لَا إنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ] إلَخْ: أَيْ يَسْتَقْبِلُ وَلَا يَبْنِي وَمِثْلُهَا الرَّاجِعَةُ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ. [خَلْط الْمَوَاشِي] قَوْلُهُ: [عَلَى حُكْمِ خَلْطِ الْمَوَاشِي] : أَيْ وَأَمَّا الْخَلْطُ فِي غَيْرِهَا. فَالْعِبْرَةُ بِمِلْكِ كُلٍّ عَلَى حِدَةٍ. فَلَا ثَمَرَةَ فِي الْخَلْطِ. قَوْلُهُ: [الْمُتَّحِدَةُ النَّوْعِ] : قَالَ بَعْدَ هَذَا قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي كَوْنِ الْخَلِيطِينَ يُزَكِّيَانِ زَكَاةَ الْمَالِكِ الْوَاحِدِ. قَوْلُهُ: [إنْ نَوَيْت الْخَلْطَةَ] : قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَفِي الْحَقِيقَةِ، الشَّرْطُ عَدَمُ نِيَّةِ الْفِرَارِ. قَوْلُهُ: [حَيْثُ تَوَفَّرَتْ الشُّرُوطُ] : أَيْ شُرُوطُ الزَّكَاةِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

[ساعي الزكاة]

وَبَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ: (مِنْ مَرَاحٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ: الْمَحَلُّ الَّذِي تُقِيلُ فِيهِ أَوْ الَّذِي تَجْتَمِعُ فِيهِ آخِرَ النَّهَارِ، ثُمَّ تُسَاقُ مِنْهُ لِلْمَبِيتِ، وَأَمَّا بِالضَّمِّ: فَهُوَ الْمَبِيتُ وَسَيَأْتِي، (وَمَاءٍ) : بِأَنْ تَشْرَبَ مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ مَمْلُوكٍ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَلَا يَمْنَعُ الْآخَرُ، أَوْ مُبَاحٍ (وَمَبِيتٍ) كَذَلِكَ (وَرَاعٍ) مُتَّحِدٍ أَوْ مُتَعَدِّدٍ يَرْعَى الْجَمِيعَ (بِإِذْنِهِمَا، وَفَحْلٍ) كَذَلِكَ يُضْرَبُ فِي الْجَمِيعِ. بِإِذْنِهِمَا إذَا كَانَتْ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ. (وَ) إذَا أَخَذَ السَّاعِي مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمْ مَا عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَيْهِمْ (رَجَعَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ عَلَى صَاحِبِهِ) الَّذِي لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ (بِنِسْبَةِ عَدَدِ مَا لِكُلٍّ) مِنْهُمَا - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مِنْ مَرَاحٍ] : أَيْ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لَهُمَا ذَاتًا أَوْ مَنْفَعَةً أَوْ أَحَدُهُمَا يَمْلِكُ نِصْفَ ذَاتِهِ وَالْآخَرُ يَمْلِكُ نِصْفَ مَنْفَعَتِهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [بِفَتْحِ الْمِيمِ] : هَكَذَا فَرَّقَ الشَّارِحُ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: تُضَمُّ مِيمُهُ وَتُفْتَحُ، وَقَالَ الْخَرَشِيُّ: الْمُرَاح بِضَمِّ الْمِيمِ، وَقِيلَ: بِفَتْحِهَا، قِيلَ: هُوَ حَيْثُ تُجْمَعُ الْغَنَمُ لِلْقَائِلَةِ، وَقِيلَ: حَيْثُ تَجْمَعُ لِلرَّوَاحِ لِلْمَبِيتِ. فَلَعَلَّ الْمُؤَلِّفُ اطَّلَعَ عَلَى نَقْلٍ آخَرَ. قَوْلُهُ: [لِلْمَبِيتِ] : أَيْ أَوْ لِلسُّرُوحِ. قَوْلُهُ: [أَوْ مُتَعَدِّدٍ] : أَيْ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمَرَاحِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْمَبِيتِ أَوْ الْمَرَاحِ مُتَعَدِّدًا فَلَا يَضُرُّ بِشَرْطِ الْحَاجَةِ لِذَلِكَ. وَتَعَدُّدُ الرَّاعِي لَا يَضُرُّ وَلَوْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، خِلَافًا لِلْبَاجِيِّ حَيْثُ قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ الِاحْتِيَاجِ فِي تَعَدُّدِ الرَّاعِي. وَاعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ الْبَاجِيِّ بِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ النَّقْلِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالتَّعَاوُنِ فِي تَعَدُّدِ الرَّاعِي، كَثُرَتْ الْغَنَمُ أَوْ قَلَّتْ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [بِإِذْنِهِمَا] : فَإِنْ اُجْتُمِعَتْ مَوَاشٍ بِغَيْرِ إذْنِ أَرْبَابِهَا وَاشْتَرَكَ رُعَاتُهَا فِي الرَّعْيِ وَالْمُعَاوَنَةِ لَمْ يَصِحَّ عَدُّ الرَّاعِي مِنْ الْأَكْثَرِ، لِأَنَّ أَرْبَابَ الْمَاشِيَةِ لَمْ تَجْتَمِعْ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهَا فِي ثَلَاثَةٍ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [وَفَحْلٌ كَذَلِكَ] : أَنْ يَكُونَ مُشْتَرِكًا أَوْ مُخْتَصًّا بِأَحَدِهِمَا وَيَضْرِبُ فِي الْجَمِيعِ أَوْ لِكُلِّ مَاشِيَةٍ فَحْلٌ يَضْرِبُ فِي الْجَمِيعِ. [سَاعِي الزَّكَاة] قَوْلُهُ: [بِنِسْبَةِ عَدَدٍ] إلَخْ: أَيْ وَلَوْ انْفَرَدَ وَقْصٌ لِأَحَدِهِمَا، كَتِسْعٍ مِنْ الْإِبِلِ

أَوْ مِنْهُمْ (بِالْقِيمَةِ) ، أَيْ قِيمَةُ الْمَأْخُوذِ مُعْتَبَرَةٌ (وَقْتَ الْأَخْذِ) لَا وَقْتَ الرُّجُوعِ، وَلَا الْحُكْمِ؛ كَمَا لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ، وَلِلْآخِرِ ثَمَانُونَ، فَإِنْ أَخَذَ الشَّاةَ مِنْ ذِي الْأَرْبَعِينَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِثُلُثَيْ قِيمَتِهَا يَوْمَ أَخَذَهَا. وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ ذِي الثَّمَانِينَ رَجَعَ بِثُلُثِ الْقِيمَةِ عَلَى ذِي الْأَرْبَعِينَ. وَلَوْ كَانَ لِكُلٍّ أَرْبَعُونَ فَالتَّرَاجُعُ بِالنِّصْفِ. (وَتَعَيَّنَ) عَلَى السَّاعِي (أَخْذُ الْوَسَطِ) مِنْ الْوَاجِبِ فَلَا يُؤَخَّذُ مِنْ خِيَارِ الْأَمْوَالِ، وَلَا مِنْ شِرَارِهَا (وَلَوْ انْفَرَدَ الْخِيَارُ) عِنْدَ الْمُزَكِّي كَمَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ مِنْ الْحِقَاقِ أَوْ مِنْ الْمَخَاضِ أَوْ ذَاتِ اللَّبَنِ فَلَا يُؤْخَذُ عَنْهَا إلَّا بِنْتُ لَبُونٍ سَلِيمَةٌ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ الْأَعْلَى إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ الْمُزَكِّي بِهِ (أَوْ) انْفَرَدَ (الشِّرَارُ) عِنْدَهُ فَقَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ الْمُزَكَّيْ) أَيْ بِإِعْطَاءِ الْخِيَارِ رَاجِعٌ لِلْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ (أَوْ يَرَى السَّاعِي أَخْذَ الْمَعِيبَةِ أَحَظَّ) لِلْفُقَرَاءِ رَاجِعٌ لِلثَّانِي وَالْمُرَادُ يَرَى الْمَعِيبَةَ الْمُسْتَوْفِيَةَ لِلسِّنِّ الْوَاجِبِ شَرْعًا فَلَا يَصِحُّ أَخْذُ بِنْتِ لَبُونٍ عَنْ حِقَّةٍ؛ وَإِنَّمَا يَأْخُذُ مَا وَجَبَ شَرْعًا مِنْ بِنْتِ لَبُونٍ عَنْ حِقَّةٍ لَكِنَّهَا مَعِيبَةٌ لِعَوَرٍ وَنَحْوِهِ وَهِيَ أَكْثَرُ لَحْمًا أَوْ أَكْثَرُ ثَمَنًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَحَدِهِمَا وَلِلْآخِرِ خَمْسٌ؛ فَعَلَيْهِمَا شَاتَانِ: عَلَى صَاحِبِ التِّسْعَةِ تِسْعَةُ أَسْبَاعٍ، وَعَلَى صَاحِبِ الْخَمْسَةِ خَمْسَةُ أَسْبَاعٍ. فَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: يَتَرَاجَعَانِ بِالْقِيمَةِ لَوْ أَخَذَ السَّاعِي مِنْ نِصَابٍ لَهُمَا مُتَأَوِّلًا؛ كَكُلِّ عِشْرِينَ مِنْ الْغَنَمِ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا نِصَابٌ وَزَادَ لِلْخُلْطَةِ، كَمَا لَوْ كَانَ لِوَاحِدٍ مِائَةٌ وَلِلثَّانِيَّ أَحَدُ وَعِشْرُونَ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا وَأَخَذَ السَّاعِي شَاتَيْنِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ عِنْدَ الشَّرِيكَيْنِ أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ وَأَخَذَ السَّاعِي مِنْ أَحَدِهِمَا فَمُصِيبَةٌ عَلَى صَاحِبِهَا كَالْغَصْبِ. مَسْأَلَةٌ: قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ خَلِيطُ الْخَلِيطِ خَلِيطٌ؛ فَذُو خَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا خَالَطَ بِبَعْضِهَا صَاحِبَ خَمْسَةٍ، وَبِبَعْضِهَا صَاحِبَ عَشْرَةٍ: عَلَى الْكُلِّ بِنْتُ مَخَاضٍ (اهـ) .

(وَمَجِيءُ السَّاعِي - إنْ كَانَ) ثَمَّ سَاعٍ - (شَرْطُ وُجُوبٍ) فِي الزَّكَاةِ فَلَا يَجِبُ قَبْلَ مَجِيئِهِ كَمَا تَقَدَّمَ صَدْرَ الْبَابِ. وَإِنَّمَا أَعَادَهُ هُنَا لِيُرَتِّبَ فَوَائِدَهُ عَلَيْهِ. وَإِذَا كَانَ شَرْطُ وُجُوبٍ (فَلَا تُجَزِّئُ إنْ أَخْرَجَهَا قَبْلَهُ) : أَيْ قَبْلَ مَجِيئِهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا فَيَكُونُ الْمَجِيءُ شَرْطَ صِحَّةٍ أَيْضًا، وَإِنَّمَا لَمْ تَجُزْ - مَعَ أَنَّ تَقْدِيمَ زَكَاةِ الْعَيْنِ عَلَى الْحَوْلِ بِكَشَهْرٍ يُجَزِّئُ - لِأَنَّ التَّقْدِيمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمَجِيءُ السَّاعِي] : أَيْ وُصُولِهِ لِأَرْبَابِ الْمَوَاشِي. وَقَوْلُهُ: [شَرْطُ وُجُوبٍ] : أَيْ وُجُوبِ مُوَسَّعٍ كَدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ؛ فَإِنَّهُ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهَا وُجُوبًا مُوَسَّعًا لِأَنَّهُ قَدْ يَطْرَأُ مُسْقِطٌ كَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَإِغْمَاءٍ وَجُنُونٍ. وَكَذَلِكَ هُنَا قَدْ يَطْرَأُ مُسْقِطٌ بَعْدَ الْمَجِيءِ وَالْعَدِّ، بِحُصُولِ مَوْتٍ فِيهَا مَثَلًا؛ فَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا بَقِيَ بَعْدَهُ. فَإِذَا مَاتَ مِنْ الْمَوَاشِي أَوْ ضَاعَ مِنْهَا شَيْء بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ بَعْدَ الْحَوْلِ وَبَعْدَ بُلُوغِهِ وَقَبْلَ أَخْذِهِ - وَلَوْ عَدَّهَا - لَا يُحْسَبُ عَلَى رَبِّهَا، كَمُسْقِطَاتِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الدُّخُولِ وَقْتَهَا. وَلَيْسَ الْعَدُّ وَالْأَخْذُ هُمَا الشَّرْطُ فِي الْوُجُوبِ - خِلَافًا لِمَا تَوَهُّمُهُ الشَّيْخُ سَالِمٌ السَّنْهُورِيُّ - إذْ لَوْ تُوقَفْ الْوُجُوبُ عَلَى الْعَدِّ وَالْأَخْذِ لَاسْتَقْبَلَ الْوَارِثُ إذَا مَاتَ مُوَرِّثُهُ بَعْدَ مَجِيئِهِ وَقَبْلَ عَدِّهِ وَأَخْذِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَأَيْضًا الْوُجُوبُ هُوَ الْمُقْتَضِي لِلْعَدِّ وَالْأَخْذِ وَهُوَ سَابِقٌ عَلَيْهِمَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ الْأَخْذَ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ لَلَزِمَ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بَعْدَ الْأَخْذِ، فَيَكُونُ الْأَخْذُ وَاقِعًا قَبْلَ الْوُجُوبِ. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ فَمَبْحَثٌ آخَرُ يَأْتِي. تَنْبِيهٌ: يُنْدَبُ لِجَابِي الزَّكَاةِ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ فِي أَوَّلِ الصَّيْفِ لِاجْتِمَاعِ الْمَوَاشِي إذْ ذَاكَ عَلَى الْمِيَاهِ وَذَلِكَ أَيَّامُ طُلُوعِ الثُّرَيَّا بِالْفَجْرِ. وَاخْتَلَفَ فِي تَوْلِيَةِ الْإِمَامِ لِذَلِكَ الْجَابِي؛ فَقِيلَ بِوُجُوبِهِ. وَقِيلَ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ. وَعَلَى كُلٍّ إذَا وَلَّاهُ وَجَبَ خُرُوجُهُ فَلَا يَلْزَمُ رَبُّ الْمَاشِيَةِ سَوْقَ صَدَقَتِهِ إلَيْهِ، بَلْ هُوَ يَأْتِيهَا وَيَخْرُجُ السَّاعِي لَهَا كُلّ عَامٍ وَلَوْ فِي جَدْبٍ، لِأَنَّ الضَّيِّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَشَدُّ فَيَحْصُلُ لَهُمْ مَا يَسْتَغْنُونَ بِهِ، خِلَافًا لِأَشْهَبَ الْقَائِلُ إنَّهُ لَا يَخْرُجُ سَنَةَ الْجَدْبِ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْ أَرْبَابِهَا فِي ذَلِكَ الْعَامُ؟ أَوْ لَا تَسْقُطُ وَيُحَاسَبُ بِهَا أَرْبَابُهَا فِي الْعَامِ الثَّانِي؟ قَوْلَانِ. وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ خُرُوجِهِ عَامُ الْجَدْبِ فَيَقْبَلُ مِنْ أَرْبَابِ الْمَوَاشِي وَلَوْ الْعَجْفَاءُ. قَوْلُهُ [مَعَ أَنَّ تَقْدِيمَ زَكَاةُ الْعَيْنِ] إلَخْ: أَيْ وَمِثْلُهَا الْمَاشِيَةِ الَّتِي لَا سَاعِيَ لَهَا

[زكاة الوارث والموصى له]

فِي زَكَاةِ الْعَيْنِ رُخْصَةٌ لِاحْتِيَاجِ الْفُقَرَاءِ إلَيْهَا دَائِمًا مَعَ عَدَمِ الْمَانِعِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي فِيهِ إبْطَالٌ لِأَمْرِ الْإِمَامِ الَّذِي عَيَّنَهُ لِجَبْيِ الزَّكَاةِ عَلَى نَهْجِ الشَّرِيعَةِ: وَمَحَلُّ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ (مَا لَمْ يَتَخَلَّفْ) السَّاعِي عَنْ الْمَجِيءِ لِأَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ فَإِنْ تَخَلَّفَ أَجْزَأَتْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاعٍ فَالْوُجُوبُ بِمُرُورِ الْحَوْلِ. (وَيَسْتَقْبِلُ الْوَارِثُ) إنْ مَاتَ رَبُّهَا قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي وَلَوْ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا قَبْلَ الْوُجُوبِ عَلَى الْمُوَرِّثِ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ نِصَابٌ؛ وَإِلَّا ضَمَّ مَا وَرِثَهُ لَهُ وَزَكَّى الْجَمِيعَ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ. (وَلَا تَبْدَأُ) الْوَصِيَّةُ بِالزَّكَاةِ عَلَى مَا يَخْرُجُ قَبْلَ الْوَصَايَا مِنْ الثُّلُثِ؛ كَفَكِّ الْأَسِيرِ وَصَدَاقِ الْمَرِيضِ، (إنْ أَوْصَى) رَبُّ الْمَاشِيَةِ قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي (بِهَا) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ كَتَقْدِيمِهَا بِشَهْرٍ فِي عَيْنٍ وَمَاشِيَةٍ. قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ الْأَمْرُ هُنَا كَذَلِكَ] : وَلَا يُقَالُ إنَّ زَكَاةَ الْحَرْثِ كَالْعَيْنِ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا تُجْزِئُ قَبْلَ الْحَوْلِ بِكَشَهْرٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ الْإِجْزَاءَ فِي الْعَيْنِ رُخْصَةٌ فَيَقْتَصِرُ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ. قَوْلُهُ: [عَلَى نَهْجِ الشَّرِيعَةِ] : مَفْهُومُهُ لَوْ كَانَ جَائِزًا فِي صَرْفِهَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَجِيئُهُ شَرْطًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهَا لَهُ، فَإِنْ أُكْرِهَ النَّاسُ عَلَيْهِ أَجْزَأَتْ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ تَخَلَّفَ أَجْزَأَتْ] : قَالَ الْخَرَشِيُّ: إذَا كَانَ السُّعَاةُ مَوْجُودِينَ وَشَأْنُهُمْ الْخُرُوجُ فَتَخَلَّفُوا فِي بَعْضِ الْأَعْوَامِ لِشَغْلٍ، فَأَخْرَجَ رَجُلٌ زَكَاةَ مَاشِيَتِهِ أَجْزَأَتْ. وَحَمَلْنَا كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ عَلَى مَا إذَا تَخَلَّفَ لِعُذْرٍ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ عَلَى مَا قَالَهُ الرَّجْرَاجِيُّ، وَأَمَّا إنْ تَخَلَّفَ لَا لِعُذْرٍ فَإِنَّهُمْ يُخْرِجُونَ زَكَاتُهُمْ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا الْوَجْهِ. (اهـ.) قَوْلُهُ [بِمُرُورِ الْحَوْلِ] : أَيْ اتِّفَاقًا. وَكَذَا إنْ كَانَ وَلَمْ يُمْكِنْ بُلُوغُهُ، فَلَوْ أَمْكَنَ بُلُوغُهُ وَلَمْ يَبْلُغْ فَإِنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ بِمُرُورِ الْحَوْلِ. [زَكَاة الْوَارِث والموصى لَهُ] قَوْلُهُ: [كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلُ الْبَابِ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ: " وَضُمَّتْ الْفَائِدَةُ مِنْهَا وَإِنْ بِشِرَاءٍ لَهُ ". قَوْلُهُ: [وَلَا تَبْدَأُ] إلَخْ: أَشَارَ بِهَذَا لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ لَهُ مَاشِيَةٌ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ فَمَاتَ بَعْدَ حَوْلِهَا وَقَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي. وَأَوْصَى بِزَكَاتِهَا فَهِيَ مِنْ الثُّلُثِ

[تنبيه تخلف الساعي]

بِالزَّكَاةِ وَمَاتَ قَبْلَ مَجِيئِهِ، بَلْ تَكُونُ فِي مَرْتَبَةِ الْوَصَايَا بِالْمَالِ يُقَدَّمُ عَلَيْهَا فَكُّ الْأَسِيرِ وَمَا مَعَهُ كَمَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا ذَبَحَهُ أَوْ بَاعَهُ قَبْلَ مَجِيئِهِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْفِرَارَ (وَتَجِبُ فِيمَا ذَبَحَهُ أَوْ بَاعَهُ بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ مَجِيءِ السَّاعِي (بِغَيْرِ) قَصْدِ (فِرَارٍ) ، فَإِنْ قَصَدَ الْفِرَارَ أُخِذَتْ مِنْهُ مُطْلَقًا. (وَ) تَجِبُ (مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إنْ مَاتَ) رَبُّهَا بَعْدَ مَجِيءِ السَّاعِي، أَيْ يَأْخُذُهَا السَّاعِي مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِوُجُوبِهَا فِيهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ قَبْلَهُ فَيَسْتَقْبِلُ الْوَارِثُ كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاعٍ أَخْرَجَهَا الْوَارِثُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إنْ مَاتَ الْمُوَرِّثُ بَعْدَ الْحَوْلِ (لَا إنْ مَاتَتْ) الْمَاشِيَةُ بَعْدَ مَجِيءِ السَّاعِي (أَوْ ضَاعَتْ بِلَا تَفْرِيطٍ) مِنْ رَبِّهَا فَلَا تَجِبُ لِعَدَمِ اخْتِيَارِهِ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ الذَّبْحِ وَالْبَيْعِ كَمَا تَقَدَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرُ مُبْتَدَأَةٍ وَعَلَى الْوَرَثَةِ أَنْ يَصْرِفُوهَا لِلْمَسَاكِينِ الَّتِي تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ وَلَيْسَ لِلسَّاعِي قَبْضُهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ عَلَى الْمَيِّتِ وَكَأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ حَوْلِهَا إذْ حَوْلُهَا مَجِيءُ السَّاعِي بَعْدَ عَامٍ مَضَى. (اهـ) . قَوْلُهُ: [بِغَيْرِ قَصْدِ فِرَارٍ] : هَذِهِ الْعِبَارَةُ رَكِيكَةٌ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى صَحِيحًا. [تَنْبِيه تَخَلَّفَ السَّاعِي] قَوْلُهُ: [أَيْ يَأْخُذُهَا السَّاعِي مِنْ رَأْسِ الْمَالِ] : أَيْ قَبْلَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ بَلْ تَقَدَّمَ عَلَى مُؤَنِ التَّجْهِيزِ. قَوْلُهُ: [كَمَا تَقَدَّمَ] : وَتَقَدَّمَ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ نِصَابٌ يَضُمُّهُ لَهُ وَإِلَّا فَلَا يَسْتَقْبِلُ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاعٍ] : أَيْ أَوْ لَهُمْ سَاعٍ وَتَخَلَّفَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الذَّبْحِ وَالْبَيْعِ] : أَيْ لِأَنَّ كَلَا فِعْلٍ اخْتِيَارِيٍّ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ وُصُولُ السَّاعِي وَتَخَلَّفَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ بِمُرُورِ الْحَوْلِ، لَكِنْ إنْ أَخْرَجَهَا أَجْزَأَتْ. وَلَيْسَ لِلسَّاعِي الْمُطَالَبَةُ بِهَا إنْ تَخَلَّفَ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَادَّعَى صَاحِبُهَا الْإِخْرَاجَ. أَوْ تَخَلَّفَ لِعُذْرٍ وَأَثْبَتَ صَاحِبُهَا إخْرَاجَهَا بِالنِّيَّةِ. فَإِنْ اعْتَرَفَ بِعَدَمِ إخْرَاجِهَا عَمَل السَّاعِي فِي الْمَاضِي عَلَى مَا وَجَدَ بِتَبْدِئَةِ الْعَامِ الْأَوَّلِ. فَيُعْتَبَرُ نَقْصُهَا بِمَا أُخِذَ مِنْهُ كَالْهَارِبِ عَلَى الرَّاجِحِ، لَكِنْ يُعَامَلُ

[زكاة الحرث]

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى زَكَاةِ الْحَرْثِ فَقَالَ: (وَفِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) جَمْعُ وَسْقٍ - بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ - سِتُّونَ صَاعًا (فَأَكْثَرَ) : إذْ لَا وَقْصَ فِي الْحَبِّ. (مِنْ الْحَبِّ) : بَيَانٌ لِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْهَارِبُ إنْ نَقَصَتْ عَلَى مَا فَرَّ بِهِ. وَلَوْ جَاءَ تَائِبًا - كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ رَادًّا عَلَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. نَعَمْ إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَمَل بِهَا إلَّا عَامُ الْأَخْذِ فَعَلَى مَا وَجَدَ كَذَا فِي (عب) . وَفِي (بْن) اعْتِبَارٌ تَبْدِئَةِ الْعَامِ الْأَوَّلِ حَتَّى فِي عَامِ الِاطِّلَاعِ. مَسْأَلَةٌ: يُؤْخَذُ مِنْ الْخَوَارِجِ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ زَكَّاهُ الْأَعْوَامِ الْمَاضِيَةِ وَقْتَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ، إلَّا أَنْ يَدَّعُوا دَفْعُهَا فَيَصْدُقُوا. مَا لَمْ يَكُنْ خُرُوجُهُمْ عَلَى الْإِمَامِ لِمَنْعِهَا فَلَا يَصْدُقُونَ فِي دَفْعِهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ. [زَكَاة الْحَرْثِ] قَوْلُهُ: [وَفِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ] : أَيْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ فِي مِلْكِ وَاحِدٍ. فَلَوْ خَرَجَ مِنْ الزَّرْعِ الْمُشْتَرَكِ سِتَّةَ عَشْرَ وَسْقًا عَلَى أَرْبَعَةٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ لِعَدَمِ كَمَالِ النِّصَابِ لِكُلٍّ. قَوْلُهُ: [سِتُّونَ صَاعًا] : كُلُّ صَاعٍ: أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، كُلّ مَدٍّ: رَطْلٌ وَثُلُثُ، كُلُّ رِطْلٍ: مِائَةٌ وَثَمَانِيَةُ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا مَكِّيًّا، لِأَنَّهُ وَرَدَ: «الْوَزْنُ وَزْنُ مَكَّةَ وَالْكَيْلُ كَيْلُ الْمَدِينَةِ» ، لِأَنَّ مَكَّةَ مَحَلُّ التِّجَارَةِ الْمَوْزُونَةِ وَالْمَدِينَةِ مَحَلِّ الزَّرْعِ وَالْبَسَاتِينِ، فَيَعْتَنُونَ بِالْكَيْلِ. وَكُلُّ دِرْهَمٍ خَمْسُونَ وَخُمْسَا حَبَّةٍ مِنْ وَسَطِ الشَّعِيرِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَيُوزَنُ الْقَدْرُ الْمَعْلُومُ مِنْ الشَّعِيرِ، وَيُكَالُ. ثُمَّ الضَّابِطُ مِقْدَار الْكَيْلِ فَلَا يُقَالُ الْوَزْن يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحُبُوبِ. وَتَقْرِيبُ النِّصَابِ بِكَيْلِ مِصْرَ أَرْبَعَةُ أَرَادِبِ وَوَيْبَةٍ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلّ رُبْعٍ مُصَرٍّ: ثَلَاثَةُ آصُعَ. فَالْأَرْبَعَةُ أَرَادِبِ وَوَيْبَةٍ: ثَلَثُمِائَةِ صَاعٍ

وَدَخَلَ فِيهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ صِنْفًا: الْقَطَانِيُّ السَّبْعَةُ، وَالْقَمْحُ وَالسُّلْتُ وَالشَّعِيرُ وَالْعَلَسُ وَالذُّرَةُ وَالدُّخْنُ وَالْأُرْزُ، (وَذَوَاتِ الزُّيُوتِ الْأَرْبَعِ) وَهِيَ الزَّيْتُونُ، وَالسِّمْسِمُ، وَالْقُرْطُمُ وَحَبُّ الْفُجْلِ الْأَحْمَرِ. (وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ) . فَالْأَصْنَافُ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ عِشْرُونَ (فَقَطْ) : لَا فِي تِينٍ، وَرُمَّانٍ، وَتُفَّاحٍ. وَسَائِرِ الْفَوَاكِهِ. وَلَا فِي بَزْرِ كَتَّانٍ وَسَلْجَمٍ، وَلَا فِي جَوْزٍ وَلَوْزٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ؛ (وَإِنْ) زُرِعَتْ هَذِهِ الْعِشْرُونَ (بِأَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ) - كَأَرْضِ مِصْرَ وَالشَّامِ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً. وَخَرَاجُهَا لَا يُسْقِطُ عَنْهَا الزَّكَاةَ - كَمَا أَنَّ الْعَلَفَ لَا يُسْقِطُ زَكَاةَ الْمَاشِيَةِ - وَغَيْرُ الْخَرَاجِيَّةِ هِيَ أَرْضُ الصُّلْحِ الَّتِي أَسْلَمَ أَهْلُهَا وَأَرْضُ الْمَوَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَلِكَ قَدْرِ الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ. لِأَنَّ الْجُمْلَةَ أَلْفِ مَدٍّ وَمِائَتَانِ هَذَا كَيْلُهَا وَوَزْنُهَا أَلْفُ وَسِتِّمِائَةِ رَطْلٍ. قَوْلُهُ: [الْقَطَانِيُّ السَّبْعَةُ] : أَيْ وَهِيَ الْحِمَّصُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا. وَالْفُولُ وَاللُّوبِيَا وَالْعَدَسُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَالتُّرْمُسُ بِوَزْنِ بُنْدُقٌ، وَالْجُلْبَانِ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ، وَالْبَسِيلَةُ - بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ وَبِدُونِهَا - مِنْ لَحْنِ الْعَوَامّ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [الْفُجْلُ الْأَحْمَرُ] : صِفَةٌ لِلْفُجْلِ لَا لِلْحَبِّ؛ يُوجَدُ فِي بِلَادُ الْمَغْرِبِ. قَوْلُهُ: [لَا فِي تِينٍ] إلَخْ: أَيْ لَا تَجِبُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْعِشْرِينَ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا رِبَوِيًّا. قَوْلُهُ: [وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ] : أَيْ كَحَبِّ الْفُجْلِ الْأَبْيَضِ وَالْعُصْفُرِ وَالتَّوَابِلِ وَهِيَ: الْفُلْفُلُ وَالْكُزْبَرَةُ وَالْأَنِيسُونَ وَالشَّمَارِ وَالْكَمُّونِ وَالْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُصْلِحَاتِ الطَّعَامِ وَإِنْ كَانَتْ رِبَوِيَّةً. قَوْلُهُ: [بِأَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ] : رَدَّ الْمُصَنِّفُ بِالْمُبَالَغَةِ عَلَى الْحَنَفِيَّة الْقَائِلِينَ: لَا زَكَاةَ فِي زَرْعِ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ. قَوْلَةُ [كَمَا أَنَّ الْعَلَفَ لَا يَسْقُطُ] إلَخْ: أَيْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ. قَوْلُهُ: [الَّتِي أَسْلَمَ أَهْلُهَا] : أَيْ بِغَيْرِ قِتَالٍ. قَوْلُهُ: [وَأَرْضُ الْمَوَاتِ] : أَيْ كَأَرْضِ الْجِبَالِ وَالْبَرَارِيِ مَثَلًا وَتَعْرِيفُهَا: مَا سَلِمَ عَنْ الِاخْتِصَاصِ.

(نِصْفُ عُشْرِ الْحَبِّ) مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ خَبَرُهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ يَجِبُ نِصْفُ إلَخْ وَمُرَادُهُ بِالْحَبِّ هُنَا مَا يَشْمَلُ التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ. (وَ) نِصْفُ عُشْرِ (زَيْتِ مَا لَهُ زَيْتٌ) مِنْ ذَوَاتِ الزُّيُوتِ الْأَرْبَعِ. (وَجَازَ) الْإِخْرَاجُ (مِنْ حَبِّ غَيْرِ الزَّيْتُونِ) وَهُوَ السِّمْسِمُ وَالْقُرْطُمُ وَحَبُّ الْفُجْلِ، وَأَمَّا الزَّيْتُونُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِخْرَاجِ مِنْ زَيْتِهِ إنْ كَانَ لَهُ زَيْتٌ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَيْتٌ - كَزَيْتُونِ مِصْرَ - فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: (وَ) نِصْفُ عُشْرِ (ثَمَنِ مَا) : أَيْ زَيْتُونٍ (لَا زَيْتَ لَهُ) إنْ بَاعَهُ، وَإِلَّا أَخْرَجَ نِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهِ يَوْمَ طِيبِهِ، فَقَوْلُهُ: " ثَمَنِ " عَطْفٌ عَلَى الْحَبِّ. (وَ) نِصْفُ عُشْرِ ثَمَنِ (مَا لَا يَجِفُّ مِنْ عِنَبٍ وَرُطَبٍ) كَعِنَبِ مِصْرَ وَرُطَبِهَا إنْ بِيعَ وَإِلَّا فَنِصْفُ عُشْرِ الْقِيمَةِ يَوْمَ طِيبِهِ (وَلَا يُجْزِي) الْإِخْرَاجُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [نِصْفُ عُشْرِ الْحَبِّ] : هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا شَأْنُهُ الْجَفَافُ مِنْ الْحَبِّ سَوَاءٌ تُرِكَ حَتَّى جَفَّ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [وَنِصْفُ عُشْرِ زَيْتٍ] إلَخْ: أَيْ إنْ بَلَغَ حَبَّهُ نِصَابًا، فَمَتَى بَلَغَ حَبُّهُ نِصَابًا أَخْرَجَ نِصْفَ عُشْرِ زَيْتِهِ وَإِنْ قَلَّ الزَّيْتُ. قَوْلُهُ: [فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِخْرَاجِ مِنْ زَيْتِهِ] : أَيْ سَوَاءٌ عَصَرَهُ أَوْ أَكَلَهُ أَوْ بَاعَهُ. وَلَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ حَبٍّ أَوْ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الْقِيمَةِ. وَهَذَا إذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ قَدْرِ الزَّيْتِ وَلَوْ بِالتَّحَرِّي، أَوْ بِإِخْبَارٍ مَوْثُوقٍ بِإِخْبَارِهِ؛ وَإِلَّا أَخْرَجَ مِنْ قِيمَتِهِ إنْ أَكَلَهُ أَوْ أَهْدَاهُ أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ إنْ بَاعَهُ، وَإِلَّا أَخْرَجَ نِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهِ، أَيْ وَإِلَّا يَبِعْهُ بَلْ أَكَلَهُ أَوْ أَهْدَاهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ فَيَلْزَمُهُ نِصْفُ عُشْرِ الْقِيمَةِ. وَلَوْ أَخْرَجَ زَيْتُونًا فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ الَّذِي لَا يَجِفُّ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُجْزِئُ الْإِخْرَاجُ مِنْ حَبَّةِ] : وَرَوَى عَلِيٌّ وَابْنُ نَافِعٍ: مِنْ ثَمَنِهِ إلَّا أَنْ يَجِدَ زَبِيبًا فَيَلْزَمُ شِرَاؤُهُ. ابْنُ حَبِيبٍ: مِنْ ثَمَنِهِ. وَإِنْ أَخْرَجَ عِنَبًا أَجْزَأَهُ. وَكَذَا الزَّيْتُونُ الَّذِي لَا زَيْتَ لَهُ، وَالرُّطَبُ الَّذِي لَا يَتَتَمَّرُ؛ إنْ أَخْرَجَ مِنْ حَبِّهِ أَجْزَأَهُ، وَلَكِنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ شَارِحُنَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ. (اهـ بْن - مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .

(مِنْ حَبِّهِ) . وَأَمَّا مَا يَجِفُّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِخْرَاجِ مِنْ حَبِّهِ. وَلَوْ أَكَلَهُ أَوْ بَاعَهُ رُطَبًا، وَيَتَحَرَّى. وَهَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: " نِصْفُ عُشْرِ الْحَبِّ " كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ بِقَوْلِنَا: " وَمُرَادُهُ بِالْحَبِّ " إلَخْ (وَكَفُولٍ أَخْضَرَ) الْكَافُ بِمَعْنَى: مِثْلِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى عِنَبٍ أَيْ مِنْ عِنَبٍ وَمِنْ مِثْلِ فُولٍ أَخْضَرَ: أَيْ أَنَّ الْفُولَ الْأَخْضَرَ وَمَا مَاثَلَهُ مِنْ الْقَطَانِيِّ كَالْحِمَّصِ الْأَخْضَرِ - مِمَّا شَأْنُهُ عَدَمُ الْيُبْسِ كَالْمِسْقَاوِيِّ - يُخْرَجُ نِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ ثَمَنِهِ إنْ بِيعَ، وَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ إنْ لَمْ يُبَعْ، بِأَنْ أَكَلَ أَوْ أَهْدَى بِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ. (وَجَازَ) أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ حَبًّا يَابِسًا بَعْدَ اعْتِبَارِ جَفَافِهِ. فَإِنْ كَانَ شَأْنُهُ الْيُبْسَ - كَاَلَّذِي يُزْرَعُ بِمَحَلِّ النِّيلِ - فَهَلْ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْإِخْرَاجُ (مِنْ حَبِّهِ) إنْ أُكِلَ أَخْضَرَ أَوْ بِيعَ كَالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ اللَّذَيْنِ شَأْنُهُمَا الْيُبْسُ، أَوْ لَا يَتَعَيَّنُ؟ بَلْ يَجُوزُ الْإِخْرَاجُ مِنْ ثَمَنِهِ أَوْ قِيمَتِهِ كَاَلَّذِي شَأْنُهُ عَدَمُ الْيُبْسِ: قَوْلَانِ. رَجَّحَ بَعْضُهُمْ الثَّانِيَ؛ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْهُ: يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْإِخْرَاجُ مِنْ أَصْلِ حَبِّهِ، وَظَاهِرُ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ عَرَفَةَ تَرْجِيحُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَمَحَلُّ إخْرَاجِ نِصْفِ الْعُشْرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (إنْ سُقِيَ بِآلَةٍ) : كَالسَّوَّاقِي وَالدَّوَالِيبِ وَالدِّلَاءِ. (وَإِلَّا) يُسْقَ بِآلَةٍ - بِأَنْ سُقِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَمَّا مَا يَجِفُّ] : أَيْ شَأْنُهُ الْجَفَافُ جَفَّ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا، بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ [أَوْ بَاعَهُ رُطَبًا] : أَيْ لِمَنْ يُجَفِّفُهُ أَوْ لِمَنْ لَا يُجَفِّفُهُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ مَا لَمْ يَعْجَزْ عَنْ تَحَرِّيهِ إذَا بَاعَهُ. وَإِلَّا أَخْرَجَ مِنْ ثَمَنِهِ. (اهـ. بْن مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَكَفُولٍ أَخْضَرِ] : اعْلَمْ أَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الْفُولِ الْأَخْضَرِ وَالْفَرِيكِ الْأَخْضَرِ وَالْحِمَّصِ وَالشَّعِيرِ الْأَخْضَرَيْنِ. مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالْإِفْرَاكِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَسَيَأْتِي أَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَاكِ هُوَ طَيِّبَهُ وَبُلُوغُهُ حَدِّ الْأَكْلِ مِنْهُ. وَاسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ السَّقْيِ. وَأَمَّا لَوْ أَكَلَ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ بِاتِّفَاقٍ. وَلَوْ بَنَيْنَا عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ بِالْيُبْسِ فَلَا زَكَاةَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ حَيْثُ قُطِعَتْ قَبْلَهُ. وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ] : وَيُؤَيِّدُ اعْتِمَادُهُ تَقْوِيَةُ (بْن) فِيهِ. وَاَلَّذِي قَالَ بِهِ (ر) وَدَرَج عَلَيْهِ فِي الْحَاشِيَةِ التَّخْيِيرُ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ شَأْنه الْجَفَافُ (قَوْلُهُ كَالسَّوَّاقِي) أُدْخِلَتْ الْكَافُ: النَّطَّالَةُ وَالشَّادُوفُ. خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّهُمَا لَا يُدَخِّلَانِ فِي الْآلَةِ.

[تنبيه تغليب الأكثر في الزكاة]

بِالْمَطَرِ أَوْ النِّيلِ أَوْ الْعُيُونِ أَوْ السَّيْحِ - (فَالْعُشْرُ) كَامِلًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ إخْرَاجِ الْحَبِّ أَوْ الزَّيْتِ أَوْ الثَّمَنِ أَوْ الْقِيمَةِ. (وَلَوْ اشْتَرَى السَّيْحَ) مِمَّنْ نَزَلَ فِي أَرْضِهِ (أَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ) نَفَقَةً - كَأُجْرَةٍ أَوْ عَمَلٍ حَتَّى أَوْصَلَهُ مِنْ أَرْضٍ مُبَاحَةٍ مَثَلًا إلَى أَرْضِهِ - فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ. وَلَا يُنَزَّلُ الشِّرَاءُ أَوْ الْإِنْفَاقُ مَنْزِلَةَ الْآلَةِ لِخِفَّةِ الْمُؤْنَةِ غَالِبًا. (وَيُقَدَّرُ الْجَفَافُ) إنْ أُخِذَ مِنْ الْحُبُوبِ أَوْ الرُّطَبِ أَوْ الْعِنَبِ شَيْءٌ بَعْدَ إفْرَاكِهِ وَقَبْلَ يُبْسِهِ لِأَكْلٍ أَوْ بَيْعٍ هَذَا إذَا كَانَ شَأْنُهُ الْجَفَافَ، بَلْ (وَإِنْ لَمْ يَجِفَّ) عَادَةً - كَعِنَبِ مِصْرَ وَرُطَبِهَا وَالْفُولِ الْمَسْقَاوِيِّ - فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ جَفَافُهُ بِالتَّخْرِيصِ؛ بِأَنْ يُقَالَ: مَا قَدْرُ مَا يُنْقِصُهُ هَذَا الرُّطَبُ إذَا جَفَّ؟ أَوْ مَا قَدْرُهُ بَعْدَ جَفَافِهِ، فَإِذَا قِيلَ النِّصْفُ مَثَلًا اُعْتُبِرَ الْبَاقِي لِيُخْرِجَ مِنْهُ الزَّكَاةَ وَلَوْ بِالضَّمِّ لِغَيْرِهِ. (وَإِنْ سُقِيَ) زَرْعٌ (بِهِمَا) : أَيْ بِالْآلَةِ وَغَيْرِهَا، (فَعَلَى حُكْمِهِمَا) : أَيْ فَالزَّكَاةُ فِي ذَلِكَ الزَّرْعِ تَجْرِي عَلَى حُكْمِ السَّقْيِ بِالْآلَةِ وَالسَّقْيِ بِغَيْرِهَا بِأَنْ يُقَسَّمَ الْخَارِجُ نِصْفَيْنِ. نِصْفٌ فِيهِ الْعُشْرُ وَالْآخَرُ فِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ. وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ اسْتَوَى السَّقْيُ بِكُلِّ مِنْهُمَا فِي الزَّمَنِ أَوْ فِي عَدَدِ السَّقْيَاتِ أَمْ لَا، وَهُوَ أَحَدُ الْمَشْهُورَيْنِ. وَعَلَيْهِ؛ فَإِذَا سُقِيَ بِالْآلَةِ شَهْرَيْنِ وَبِالْمَطَرِ شَهْرًا أَوْ سُقِيَ بِالْآلَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَبِغَيْرِهَا مَرَّتَيْنِ. فَالثُّلُثَانِ لَهُمَا نِصْفُ الْعُشْرِ وَالثُّلُثُ لَهُ الْعُشْرُ. وَالْمَشْهُورُ الثَّانِي يُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ. وَقَوْلُنَا: " فَعَلَى حُكْمِهِمَا " هُوَ لَفْظُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَنُسْخَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ السَّيْحِ] : عَطْفٌ عَامٌّ يَشْمَلُ جَمِيعَ مَا قَبْلَهُ، فَالْمُنَاسِبُ الْوَاوُ. قَوْلُهُ: [فَالْعُشْرُ كَامِلًا] إلَخْ: وَمِمَّا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ مَا يَزْرَعُ مِنْ الذَّرَّة وَيَصُبُّ عَلَيْهِ عِنْدَ زَرْعِهِ فَقَطْ قَلِيلٌ مِنْ الْمَاءِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ اشْتَرَى السَّيْحَ] : رَدَّ بِلَوْ عَلَى الْمُخَالِفِ. [تَنْبِيه تَغْلِيب الْأَكْثَر فِي الزَّكَاة] قَوْلُهُ: [وَهُوَ أَحَدُ الْمَشْهُورِينَ] : أَيْ لِمَا أَشْهَرُهُ فِي الْإِرْشَادِ. قَوْلُهُ: [وَالْمَشْهُورُ الثَّانِي] إلَخْ: شَهَرَهُ فِي الْجَوَاهِرِ.

الْمُبَيَّضَةِ: " فَكُلٌّ عَلَى حُكْمِهِ ": أَيْ فَكُلٌّ مِنْ السَّقْيَيْنِ جَارٍ عَلَى حُكْمِهِ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ. فَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِلنُّسْخَةِ الَّتِي شَرَحْنَا عَلَيْهَا. (وَتُضَمُّ الْقَطَانِيُّ) السَّبْعَةُ (لِبَعْضِهَا) بَعْضًا لِأَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي الزَّكَاةِ. فَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْ جَمِيعِهَا أَوْ مِنْ اثْنَيْنِ مِنْهَا مَا فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ وَأَخْرَجَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا مَا يَنُوبُهُ. وَأَجْزَأ إخْرَاجُ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى لَا عَكْسُهُ (كَقَمْحٍ وَسُلْتٍ وَشَعِيرٍ) تَشْبِيهٌ فِي الضَّمِّ، لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ جِنْسٌ وَاحِدٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَنُسْخَةُ الْمُبَيَّضَةِ] : يَعْنِي بِهَا مُبَيَّضَةَ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا نَبَّهَ عَلَيْهَا لِانْتِشَارِ نُسْخَةِ الْمَتْنِ قَبْلَ الشَّرْحِ فَدَفَعَ بِهِ تَوَهُّمُ مُخَالِفَةِ النُّسْخَتَيْنِ وَنُسْخَةُ مُبَيَّضَتِهِ أَبْلَغُ فِي الْعَرَبِيَّةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ. تَنْبِيهٌ: عَلَى الْقَوْلِ بِتَغْلِيبِ الْأَكْثَرِ اخْتَلَفَ: هَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْأَكْثَرُ مُدَّةٌ وَلَوْ كَانَ السَّقْيُ فِيهَا أَقَلَّ؟ كَمَا لَوْ كَانَتْ مُدَّةُ السَّقْيِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ مِنْهَا شَهْرَانِ بِالسَّيْحِ، وَأَرْبَعَةٍ بِالْآلَةِ لَكِنْ سَقْيِهِ بِالسَّيْحِ عَشْرِ مَرَّاتٍ، وَبِالْآلَةِ خَمْسٍ - فَعَلَى هَذَا تَغْلِبُ الْآلَةُ وَيَخْرُجُ نِصْفُ " الْعُشْرِ فِي الْجَمِيعِ - أَوْ الْمُرَادُ الْأَكْثَرُ سَقْيًا وَإِنْ قَلَّتْ مُدَّتُهُ؟ فَعَلَيْهِ يَغْلِبُ السَّيْحُ فِي الْمِثَالِ، وَيَخْرُجُ عَنْ الْجَمِيعِ الْعُشْرُ. وَقَدْ اسْتَظْهَرَهُ فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي الزَّكَاةِ] : أَيْ لَا الْبَيْعُ فَإِنَّهَا فِيهِ أَجْنَاسٌ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ كَمَا يَأْتِي. وَالْقَطَانِيُّ: كُلٌّ مَا لَهُ غِلَافٌ وَتَقَدَّمَ عَدُّهَا. قَوْلُهُ: [وَأَجْزَأَ إخْرَاجُ الْأَعْلَى] : أَيْ أَوْ الْمُسَاوِي. وَالْعِبْرَةُ بِكَوْنِهِ أَعْلَى أَوْ مُسَاوِيًا عَرَفَ الْمَخْرَج. وَإِذَا أَخْرَجَ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى " فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِقَدْرِ مَكِيلَةُ الْمَخْرَجُ عَنْهُ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْهُ. وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ أَقَلُّ مِنْ مَكِيلَتِهِ لِئَلَّا يَكُونَ رُجُوعًا لِلْقِيمَةِ، فَيَدْخُلُهُ دَوَرَانُ الْفَضْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَهُوَ حَرَامٌ. قَوْلُهُ: [كَقَمْحٍ] إلَخْ: أَيْ وَيُجْزِئُ إخْرَاجُ الْأَعْلَى أَوْ الْمُسَاوِي كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ. قَوْلُهُ: [وَسُلْتٌ] : حَبٌّ بَيْنَ الشَّعِيرِ وَالْقَمْحِ لَا قِشْرَ لَهُ يُعْرَفُ عِنْد الْمَغَارِبَةِ بِشَعِيرِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ جِنْسٌ وَاحِدٌ] : أَيْ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ يَحْرُمُ بَيْعُ

[تنبيه ضم متحد الجنس في الزكاة]

(لَا) يُضَمُّ شَيْءٌ مِنْهَا (لِعَلَسٍ) : حَبٌّ طَوِيلٌ يُشْبِهُ الْبُرَّ بِالْيَمَنِ؛ لِأَنَّهُ جِنْسٌ مُنْفَرِدٌ فِي نَفْسِهِ، (وَذُرَةٍ) عَطْفٌ عَلَى عَلَسٍ: أَيْ وَلَا يَضُمُّ شَيْءٌ مِنْهَا لِذُرَةٍ، (وَ) لَا (دُخْنٍ، وَ) لَا (أُرْزٍ، وَهِيَ) فِي نَفْسِهَا (أَجْنَاسٌ) : أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا جِنْسٌ عَلَى حِدَةٍ لَا تُضَمُّ أَيْ لَا يُضَمُّ وَاحِدٌ مِنْهَا لِآخَرَ، بَلْ يُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ. (وَ) ذَوَاتُ الزُّيُوتِ الْأَرْبَعِ وَهِيَ: (الزَّيْتُونُ، وَالسِّمْسِمُ، وَبَذْرُ الْفُجْلِ) الْأَحْمَرِ - بِضَمِّ الْفَاءِ - يُوجَدُ بِقُطْرِ الْغَرْبِ (وَالْقُرْطُمُ؛ أَجْنَاسٌ) لَا يُضَمُّ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ. (وَالزَّبِيبُ) بِأَصْنَافِهِ (جِنْسٌ) كَذَلِكَ؛ تُضَمُّ أَصْنَافُهُ وَلَا يُضَمُّ هُوَ لِغَيْرِهِ. (وَالتَّمْرُ) بِأَصْنَافِهِ (جِنْسٌ) كَذَلِكَ. (وَاعْتُبِرَ الْأَرْزُ وَالْعَلَسُ) فِي الزَّكَاةِ (بِقِشْرِهِ) الَّذِي يُخَزَّنُ بِهِ (كَالشَّعِيرِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلَةٌ خِلَافًا لِعَبْدِ الْحَمِيدِ الصَّائِغِ. قَوْلُهُ: [أَجْنَاسٌ] : أَيْ فِي الزَّكَاةِ وَالْبَيْعِ. قَوْلُهُ: [بَلْ يُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ] : أَيْ فَإِنْ كَمُلَ النِّصَابُ زَكَّى وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: [وَالزَّبِيبُ بِأَصْنَافِهِ جِنْسٌ] : أَيْ فِي بَابِ الزَّكَاةِ وَالْبَيْعِ. قَوْلُهُ: [جِنْسٌ كَذَلِكَ] : تَشْبِيهٌ تَامٌّ. [تَنْبِيهٌ ضَمُّ مُتَّحِدِ الْجِنْسِ فِي الزَّكَاة] قَوْلُهُ: [بِقِشْرِهِ] : أَيْ وَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ الْأَرْزِ مَقْشُورًا أَوْ غَيْرَ مَقْشُورٍ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِتَعَيُّنِ الثَّانِي. تَنْبِيهٌ: يُضَمُّ مُتَّحِدِ الْجِنْسِ فِي الْحُبُوبِ وَلَوْ زُرِعَتْ بِبَلَدَيْنِ، حَيْثُ زُرِعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ وُجُوبِ زَكَاةِ الْآخَرِ وَبَقِيَ مِنْ الْأَوَّلِ إلَى وُجُوبِهَا فِي الثَّانِي مَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ مَعَ الثَّانِي. وَإِنْ زَرَعَ ثَالِثٌ بَعْدَ حَصَادِ أَوَّلٍ، وَقَبْلَ حَصَادِ ثَانٍ زَرْع ذَلِكَ الثَّانِي قَبْلَ حَصَادِ الْأَوَّلِ: ضُمَّ الْوَسَطُ لِلطَّرَفَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِيَّةِ إذْ كَانَ فِيهِ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصَابٌ؛ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ ثَلَاثَةٌ أَوْسُقٍ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَسَقَانِ وَلَمْ يَخْرُجْ زَكَاةٌ الْأَوَّلِينَ حَتَّى حَصَلَ الثَّالِثُ فَيُزَكِّي الْجَمِيعُ زَكَاةً وَاحِدَةً. وَلَا يُضَمُّ الْأَوَّلُ لِلثَّالِثِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَسَطِ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا - عَلَى الْبَدَلِيَّةِ - نِصَابٌ؛ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلٍّ وَسَقَانِ وَزَرَعَ الثَّالِثُ بَعْدَ حَصَادِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ كَانَ فِي الْوَسَطِ مَعَ أَحَدٍ

[فرع ما يعطى لأهل الشرطة وخدمة السلطان]

لَا مُجَرَّدًا عَنْهُ، فَإِذَا كَانَ فِيمَا ذِكْرُ نِصَابٍ بِقِشْرِهِ زَكَّاهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّنْقِيَةِ مِنْهُ أَقَلَّ. (وَالْوُجُوبُ) : أَيْ وُجُوبُ الزَّكَاةِ كَائِنٌ وَمُحَقَّقٌ (بِإِفْرَاكِ الْحَبِّ) : أَيْ طِيبِهِ وَبُلُوغِهِ حَدَّ الْأَكْلِ مِنْهُ وَاسْتِغْنَائِهِ عَنْ السِّقْي كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ. لَا بِالْيُبْسِ وَلَا بِالْحَصَادِ وَلَا بِالتَّصْفِيَةِ (وَطِيبُ الثَّمَرِ) بِالْمُثَلِّثَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَهُوَ الزَّهْوُ فِي بَلَحِ النَّخْلِ، وَظُهُورُ الْحَلَاوَةِ فِي الْعِنَبِ. وَإِذَا كَانَ الْوُجُوبُ بِمَا ذُكِرَ (فَيُحْسَبُ) - مِنْ الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَأَكْثَرَ - (مَا أَكَلَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّرَفَيْنِ فَقَطْ نِصَابٌ؛ كَمَا لَوْ كَانَ الْوَسَطُ اثْنَيْنِ وَالْأَوَّلُ ثَلَاثَةً وَالثَّالِثُ اثْنَيْنِ أَوْ الْعَكْسُ، فَإِنَّهُ يُضَمُّ لَهُ مَا يُكْمِلُهُ نِصَابًا وَلَا زَكَاةَ فِي الْآخَرِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ كَمُلَ مَعَ الْأَوَّلِ زَكَّى الثَّالِثُ مَعَهُمَا دُونَ الْعَكْسِ، لِأَنَّهُ إذَا كَمُلَ مِنْ الْأَوَّلِ مَضْمُومٌ لِلثَّانِي وَهُوَ خَلِيطُ الثَّالِثِ، وَإِذَا كَمُلَ مِنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَالْمَضْمُومُ الثَّانِي لِلثَّالِثِ. فَالْحَوْلُ الثَّالِثُ وَلَا خَلْطَةَ لِلْأَوَّلِ بِهِ، وَرَجَّحَ مَا لِابْنِ عَرَفَةَ (اهـ. مِنْ الْأَصْلِ) . [فَرْعٌ مَا يُعْطَى لِأَهْلِ الشُّرْطَةِ وَخَدَمَةِ السُّلْطَانِ] قَوْلُهُ: [بِإِفْرَاكِ الْحَبِّ] إلَخْ: أَيْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأُمَّهَاتِ، وَنَصَّ اللَّخْمِيُّ الزَّكَاةُ تَجِبُ عِنْدَ مَالِكٍ بِالطَّيِّبِ أَيْ بُلُوغِهِ حَدَّ الْأَكْلِ، فَإِذَا أَزْهَى النَّخْلُ أَوْ طَابَ الْكَرْمُ وَحَلَّ بَيْعُهُ وَأَفْرَكَ الزَّرْعُ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْمَاءِ وَأَسْوَدَّ الزَّيْتُونُ أَوْ قَارَبَ الِاسْوِدَادَ (اهـ) . فَقَدْ اقْتَصَرَ فِي الزَّرْعِ عَلَى الْإِفْرَاكِ وَذَكَرَ إبَاحَةَ الْبَيْعِ فِي غَيْرِهِ. كَذَا فِي (بْن) . ثُمَّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا قَالَ: فَتَحْصُلُ أَنَّ الْمَشْهُورَ تَعَلَّقَ الْوُجُوبُ بِالْإِفْرَاكِ كَمَا لِخَلِيلٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ وَالْمُدَوَّنَةِ، وَمَا لِابْنِ عَرَفَةَ مِنْ أَنَّ الْوُجُوبَ بِالْيُبْسِ ضَعِيفٌ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . وَالْحَقُّ أَنَّ الْيُبْسَ غَيْرُ الْإِفْرَاكِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ. قَوْلُهُ: [وَاسْتِغْنَائِهِ عَنْ السَّقْيِ] : أَيْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَطَعَ لَا يَنْقُصُ، بَلْ الْمُشَاهَدُ أَنَّهُ إذَا قَطَعَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَبْلَ يُبْسِهِ يُضْمَرُ وَيَنْقُصُ. قَوْلُهُ: [لَا بِالْيُبْسِ] إلَخْ: أَيْ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] لِأَنَّ الْمُرَادَ وَأَخْرِجُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ. وَوَقْتُ الْإِخْرَاجِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ.

[زكاة وارث الزرع]

أَوْ وَهَبَهُ (أَوْ تَصَدَّقَ) بِهِ (أَوْ اسْتَأْجَرَ بِهِ) الْحَصَادَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْهُ (بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ الْإِفْرَاكِ أَوْ الطِّيبِ تَنَازَعَهُ كُلٌّ مِنْ الْعَوَامِلِ قَبْلَهُ؛ (لَا) يُحْسَبُ (أَكْلُ دَابَّةٍ حَالَ دَرْسِهَا) أَيْ حَالَ دَوَرَانِهَا بِالنَّوْرَجِ، وَأَمَّا مَا أَكْلَتُهُ حَالَ رَبْطِهَا فَيُحْسَبُ. (وَلَا زَكَاةَ عَلَى وَارِثٍ) وَرِثَ الزَّرْعَ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الطِّيبِ (إلَّا إذَا حَصَلَ لَهُ) أَيْ لِلْوَارِثِ (نِصَابٌ) مِنْ ذَلِكَ الزَّرْعِ. فَإِذَا مَاتَ عَنْ أَخٍ لِأُمٍّ وَعَاصِبٍ، وَحَصَلَ مِنْ الزَّرْعِ سِتَّةَ أَوْسُقٍ، فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْأَخِ لِلْأُمِّ. لِأَنَّ مَنَابَهُ وَسْقٌ وَاحِدٌ. وَعَلَى الْعَاصِبِ الزَّكَاةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ] : أَيْ عَلَى الْفُقَرَاءِ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الزَّكَاةَ، أَوْ يَتَصَدَّق بِجَمِيعِهِ فَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ زَكَاةً. قَوْلُهُ: [لَا يَحْسِبُ أَكْلَ دَابَّةٍ] : أَيْ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الْآفَاتِ السَّمَاوِيَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَكْمِيمُهَا لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِهَا. وَفِي حَاشِيَةِ الْأُجْهُورِيِّ عَلَى الرِّسَالَةِ: أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ نَجَاسَةِ الدَّوَابِّ حَالَ دَرْسِهَا، فَلَا يُغْسَلُ الْحَبُّ مِنْ بَوْلِهَا النَّجَسِ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . فَرْعٌ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: لَا زَكَاةَ فِيمَا يُعْطِيه لِأَهْلِ الشُّرْطَةِ وَخَدَمَةِ السُّلْطَانِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجَائِحَةِ. [زَكَاة وَارِث الزَّرْع] [مَسْأَلَة الزَّكَاة فِي الْمُوصَى بِهِ] قَوْلُهُ: [إذَا حَصَلَ لَهُ] إلَخْ: أَيْ لِكَوْنِهِ حَصَلَ قَبْلَ الْوُجُوبِ، فَهُوَ إنَّمَا يُزَكِّي عَلَى مِلْكِ الْوَارِثِ. فَإِنْ وَرِثَ نِصَابًا زَكَّاهُ، وَإِنْ وَرِثَ أَقَلَّ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ زَرْعٌ يَضُمُّهُ لَهُ. وَقَيَّدَ عَبْدُ الْحَقِّ زَكَاةَ الزَّرْعِ الَّذِي مَاتَ مَالِكُهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ عَلَى مِلْكِ الْوَارِثِ بِمَا إذَا لَمْ تَسْتَغْرِقُ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ الدُّيُونِ. وَإِلَّا لَوَجَبَ أَنْ يُزَكِّي عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ. وَلَا مِيرَاثَ فِيهِ لِتَقَدُّمِ الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: [فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْأَخِ لِلْأُمِّ] : أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ مِنْ زَرْعٍ آخَرَ كَمَا تَقَدَّمَ. تَنْبِيهٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى بَائِعِ الزَّرْعِ بَعْدَ الْإِفْرَاكِ وَالطِّيبِ، وَيَصْدُقُ الْمُشْتَرِي فِي إخْبَارِهِ بِالْقَدْرِ حَيْثُ كَانَ مَأْمُونًا. وَإِلَّا احْتَاطَ؛ فَإِنْ أَعْدَمَ الْجَائِعُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي زَكَاتُهُ نِيَابَةً إنْ بَقِيَ الْبَيْعُ عِنْدَهُ أَوْ أَتْلَفَهُ هُوَ. ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَنَفَقَتُهُ عَلَيْهَا مِنْ أُجْرَةِ حَصَادِ وَتَصْفِيَةِ. فَإِنْ تَلِفَ بِسَمَاوِيِّ فَلَا زَكَاةَ أَصْلًا،

(وَلَا) زَكَاةَ (عَلَى مَنْ عَتَقَ) : أَيْ عَبْدٍ أَوْ كَافِرٍ زَرَعَ (أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ الطِّيبِ، لِأَنَّهُ حَالَ الطَّيِّبِ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِالزَّكَاةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَتَقَ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَهُ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ. (وَخَرْصُ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ فَقَطْ) التَّخْرِيصُ: التَّحْزِيرُ؛ أَيْ يَجِبُ تَخْرِيصُ هَذَيْنِ الْجِنْسَيْنِ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِمَا، أَيْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُعَيِّنَ عَارِفًا لِأَرْبَابِ الْحَوَائِطِ يَخْرُصَ عَلَيْهِمْ. فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَعَلَى رَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يَأْتِيَ بِعَارِفٍ يَخْرُصُ مَا فِي حَائِطِهِ مِنْ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ. وَسَوَاءٌ كَانَ شَأْنُهُمَا الْيُبْسَ أَمْ لَا كَرُطَبِ وَعِنَبِ مِصْرَ لِيَضْبِطَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْهُمَا (بَعْدَهُ) : أَيْ الطِّيبِ لَا قَبْلَهُ وَهَذَا أَخْصَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ لَمْ يَتْبَعْ بِزَكَاتِهِ الْمُشْتَرِي وَأَتْبَع بِهَا الْبَائِعُ إنْ أَيْسَرَ. مَسْأَلَةٌ مَنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ مِنْ الزَّرْعِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ أَوْ قَبْلَهُ وَمَاتَ بَعْدَهُ، فَالزَّكَاةُ عَلَى الْمُوصِي، كَانَتْ بِكَيْلٍ أَوْ بِجُزْءٍ، لِمَسَاكِينِ أَوْ لِمُعَيَّنٍ. وَأَمَّا إنْ مَاتَ قَبْلَ الْوُجُوبِ فَعَلَى الْمُوصِي أَيْضًا إنْ كَانَتْ بِكَيْلٍ لِمَسَاكِينِ أَوْ لِمُعَيَّنِ. وَإِنْ كَانَتْ بِجُزْءٍ لِمُعَيَّنِ: زَكَّاهَا الْمُعَيَّنُ إنْ كَانَتْ نِصَابًا، وَلَوْ بِانْضِمَامِهَا لِمَالِهِ. وَلِمَسَاكِينِ: زُكِّيَتْ عَلَى ذِمَّتِهِ إنْ كَانَتْ نِصَابًا وَلَا تَرْجِعُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِمَا أَخَذَ مِنْ الزَّكَاةِ. (اهـ. مِنْ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ [أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ] : إنْ قُلْت: لَا يَظْهَرُ هَذَا عَلَى التَّحْقِيقِ مِنْ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ؛ فَمُقْتَضَاهُ الْوُجُوبُ سَوَاءٌ أَسْلَمَ بَعْدَ أَوْ قَبْلَ، لِأَنَّ الْوُجُوبَ حَاصِلٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْفَرْعَ مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ، وَلِذَا قَالَ بَعْدَ: " لِأَنَّهُ حَالُ الطِّيبِ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِالزَّكَاةِ ". قَوْلِهِ: [وَخَرْصُ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ فَقَطْ] : اُعْتُرِضَ الْحَصْرُ بِأَنَّ الشَّعِيرَ الْأَخْضَرَ إذَا أُفْرِكَ وَأُكِلَ أَوْ بِيعَ زَمَنُ الْمَسْغَبَةِ. وَالْفُولَ الْأَخْضَرَ وَالْحِمْصَ تَخْرُصُ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ بِالْإِفْرَاكِ. وَأُجِيبَ بِجَوَابَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْحَصْرَ مُنْصَبٌّ عَلَى الشَّرْطِ. الثَّانِي أَنَّ الشَّعِيرَ وَالْفُولَ وَالْحِمْصَ لَا تَخْرِيصَ فِيهَا لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يُقَدَّرُ جَفَافُهُ وَيُحْسَبُ مَا أَكَلَ مِنْهُ تَحَرِّيًا إلَّا أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ مَوْكُولٌ لِرَبِّهِ. وَالتَّخْرِيصُ: أَنْ يُعَيِّنَ الْإِمَامُ عَارِفًا لِأَرْبَابِ الْحَوَائِطِ يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ إلَى. . . آخِرَ مَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [مِنْ التَّمْرِ] : فِيهِ مَجَازٌ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ حِينَ التَّخْرِيصِ لَمْ يَكُنْ تَمْرًا.

مِنْ قَوْلِهِ: " إذَا حَلَّ بَيْعُهُمَا ". وَأَشَارَ لِعِلَّةِ وُجُوبِ التَّخْرِيصِ فِيهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا بِقَوْلِهِ: (لِلِاحْتِيَاجِ لَهُمَا) : أَيْ لِأَنَّ الشَّأْنَ الِاحْتِيَاجُ لَهُمَا بِالْأَكْلِ وَالْبَيْعِ وَالْإِهْدَاءِ وَالتَّصَدُّقِ دُونَ غَيْرِهِمَا، فَلَوْ تُرِكَا بِلَا تَخْرِيصٍ لَحَصَلَ الْغَبَنُ عَلَى الْفُقَرَاءِ إذْ لَا تَكَادُ تُضْبَطُ الزَّكَاةُ إلَّا بِهِ، وَقَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " لِاخْتِلَافِ حَاجَةِ أَهْلِهِمَا " لَا يُفِيدُ الْمُرَادَ وَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْعِلَّةُ (شَجَرَةً شَجَرَةً) هَذَا أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " نَخْلَةً " لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْعِنَبَ إلَّا بِتَجَوُّزٍ أَوْ حَذْفٍ لِلْعَاطِفِ وَالْمَعْطُوفِ، أَيْ يَخْرُصُ كُلَّ شَجَرَةٍ مِنْ النَّخْلِ أَوْ الْعِنَبِ عَلَى حِدَتِهَا لِأَنَّهُ لِلصَّوَابِ أَقْرَبُ مِنْ الضَّمِّ. (وَكَفَى) مُخَرِّصٌ (وَاحِدٌ) إنْ كَانَ عَدْلًا عَارِفًا. (وَإِنْ) تَعَدَّدَ الْمُخَرِّصُونَ وَ (اخْتَلَفُوا فَالْأَعْرَفُ) مِنْهُمْ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ. (وَإِنْ أَصَابَتْهُ) بَعْدَ التَّخْرِيصِ (جَائِحَةٌ) مِنْ أَكْلِ طَيْرٍ أَوْ جَيْشٍ أَوْ بَرْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا يُفِيدُ الْمُرَادَ] إلَخْ: أُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْمَلْزُومَ - وَهُوَ الِاخْتِلَافُ - وَأَرَادَ لَازِمَهُ، وَهُوَ الِاحْتِيَاجُ. لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ اخْتِلَافِ الْحَاجَةِ وُجُودُ أَصْلُ الِاحْتِيَاجِ. وَفِي الْحَقِيقَةِ هَذِهِ الْعِلَّةُ شَرْطٌ ثَانٍ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلِذَلِكَ سَاقَهَا فِي الْمَجْمُوعِ مَسَاق الشَّرْطِ. قَوْلُهُ: [إلَّا بِتَجَوُّزٍ] : أَيْ مِنْ إطْلَاقِ الْخَاصِّ وَإِرَادَةَ الْعَامِّ. قَوْلُهُ: [أَوْ حَذْفٍ] : أَيْ أَوْ عِنَبَةٍ فَفِيهِ اكْتِفَاءٌ. وَقَوْلُهُ: [شَجَرَةٌ] إلَخْ: مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ بِتَأْوِيلِهِ بِ مُفَصَّلًا مِثْل بَابًا بَابًا. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ لِلصَّوَابِ أَقْرَبُ مِنْ الضَّمِّ] : فَإِنْ جَمَعَ أَكْثَرَ مِنْ نَخْلَةٍ. فَإِنْ اتَّحَدَتْ فِي الْجَفَافِ جَازَ وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الْأَصْنَافُ وَإِلَّا فَلَا. فَفِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ. قَوْلُهُ: [وَكَفَى مُخَرِّصٌ وَاحِدٌ] : أَيْ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا. «وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ وَحْدَهُ خَارِصًا إلَى خَيْبَرَ» . قَوْله: [فَالْأَعْرَفُ مِنْهُمْ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ رَأْيَ الْأَقَلِّ أَوْ الْأَكْثَرِ. وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ وَقَعَ التَّخْرِيصُ مِنْهُمْ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ. وَأَمَّا إذَا وَقَعَ التَّخْرِيصُ فِي أَزْمَانٍ فَيُؤْخَذُ بِقَوْلِ الْأَوَّلِ، فَقَوْلُهُ: " الْأَعْرَفُ " مَفْهُومُهُ: لَوْ اسْتَوَوْا فِي الْمَعْرِفَةِ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، بَلْ يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ جُزْءٌ عَلَى حَسْبِ عَدَدِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً أَخَذَ مِنْ قَوْلِ كُلِّ الثُّلُثُ وَأَرْبَعَةٌ الرُّبْعُ وَهَكَذَا.

أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، (اُعْتُبِرَتْ) فِي السُّقُوطِ فَيُزَكِّي مَا بَقِيَ إنْ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا. (فَإِنْ زَادَتْ) الثَّمَرَةُ (عَلَى قَوْلِ عَارِفٍ) بِالتَّخْرِيصِ (وَجَبَ الْإِخْرَاجُ عَنْهُ) : أَيْ عَنْ ذَلِكَ الزَّائِدِ وَهُوَ مُرَادُ الْإِمَامِ بِالْأَحَبِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَحَمَلَهُ الْأَقَلُّ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْعَارِفِ فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فَيُخْرِجُ عَنْ الزَّائِدِ وُجُوبًا اتِّفَاقًا. (وَأَخْذُ) الْوَاجِبِ (عَنْ أَصْنَافِهِمَا) : أَيْ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ (مِنْ) الصِّنْفِ الْوَسَطِ لَا مِنْ الْأَعْلَى وَلَا مِنْ الْأَدْنَى. وَلَا مِنْ كُلِّ نَوْعٍ لِلْمَشَقَّةِ؛ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ الْمُزَكِّي بِدَفْعِ الْأَعْلَى. فَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ كُلٍّ مَنَابَهُ أَجْزَأَ لَا إنْ أَخْرَجَ مِنْ الْأَدْنَى عَنْ الْأَعْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَهُوَ مُرَادُ الْإِمَامِ] إلَخْ: قَالَ فِيهَا: وَمِنْ خَرَصَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَوْسُقٍ فَوَجَدَ خَمْسَةً فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُزَكِّي لِقِلَّةِ إصَابَةِ الْخِرَاصِ الْيَوْمِ، فَقَوْلُ الْإِمَامِ: " أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُزَكِّي ". حَمَلَهُ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ عَلَى الْوُجُوبِ كَالْحَاكِمِ يَحْكُمُ ثُمَّ يَظْهَرُ أَنَّهُ خَطَأٌ صُرَاحٌ، وَهَذَا حَمْلُ الْأَكْثَرِ. وَحَمَلَهُ بَعْضٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ كَابْنِ رُشْدٍ وَعِيَاضٍ لِتَعْلِيلِهِ بِقِلَّةِ إصَابَةِ الْخِرَاصِ. فَلَوْ كَانَ عَلَى الْوُجُوبِ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى إصَابَةِ الْخِرَاصِ وَلَا إلَى خَطَئِهِمْ. وَهَذَا الْمَوْضِعُ أَحَدُ مَوَاضِعِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ حُمِلَ فِيهَا أَحَبُّ عَلَى الْوُجُوبِ. وَمِنْهَا: وَلَا يَتَوَضَّأُ بِشَيْءٍ مِنْ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا. وَلَا بِالْعَسَلِ الْمَمْزُوجِ، وَلَا بِالنَّبِيذِ، وَالتَّيَمُّمُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْهَا قَوْلُهَا فِي الْعَبْدِ يَظَاهَرُ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَصُومَ، وَمِنْهَا قَوْلُهَا فِي السَّلَمِ الثَّانِي إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ الْعَيْنِ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَضْمَنَ، وَفِي السَّلَمِ الثُّلُثُ فِي النَّصْرَانِيِّ يَبِيعُ الطَّعَامَ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَدْ اشْتَرَاهُ مِنْ مِثْلِهِ: أَحَبُّ إلَيَّ أَلَا يَشْتَرِيه مُسْلِمٌ حَتَّى يَقْبِضَهُ مِنْ النَّصْرَانِيِّ، وَمِنْهَا قَوْلُهَا فِي اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ الرَّائِعَةِ يَغِيبُ عَلَيْهَا غَاصِبٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا. وَفِي الْحَجِّ الثَّالِثُ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَصُومَ مَكَانَ كَسْرٍ الْمَدِّ يَوْمًا، وَفِي الصَّلَاةِ وَإِنْ صَلَّى بِقَرْقَرَةٍ وَنَحْوهَا أَوْ بِشَيْءٍ مِمَّا يَشْغَلُ: أَحَبَّ لَهُ الْإِعَادَةَ أَبَدًا، وَفِي الْحَجْرِ - وَلَا يَتَوَلَّى الْحَجْرُ إلَّا الْقَاضِيَ - قِيلَ: فَصَاحِبُ الشُّرْطَةِ؟ قَالَ: الْقَاضِي أَحَبُّ إلَيَّ، وَفِي السَّرِقَةِ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا تَقْطَع الْآبَاءُ وَالْأَجْدَادُ لِأَنَّهُمْ آبَاءٌ، وَلِأَنَّ الدِّيَةَ تَغْلُظُ عَلَيْهِمْ. (اهـ. خَرَشِيٌّ) . قَوْلُهُ: [مِنْ الصِّنْفِ الْوَسَطِ] : أَيْ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا كَانَ فِي الْحَائِطِ أَجْنَاسٌ مِنْ التَّمْرِ أَخَذَ مِنْ وَسَطِهَا. (اهـ.) وَقِيسَ عَلَى التَّمْرِ الْعِنَبُ.

[زكاة العين]

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا صِنْفٌ أَوْ صِنْفَانِ تَعَيَّنَ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ أَوْ مِنْهُمَا. وَهَذَا (بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا) : أَيْ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ مِنْ سَائِرِ الْحُبُوبِ، (فَمِنْ كُلٍّ) مِنْ أَصْنَافِهَا يُؤْخَذُ (بِحَسَبِهِ) أَيْ بِقَدْرِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ. وَلَا يُجْزِئُ الْأَخْذُ مِنْ الْوَسَطِ، فَإِنْ أَخْرَجَ الْأَعْلَى أَوْ الْمُسَاوِيَ أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا. وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ وَالْحَرْثِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى زَكَاةِ الْعَيْنِ فَقَالَ: (وَفِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ) : شَرْعِيٍّ فَأَكْثَرَ - وَهِيَ بِدَرَاهِمِ مِصْرَ لِكِبَرِهَا - مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ وَنِصْفُ وَثُمُنُ دِرْهَمٍ. (أَوْ عِشْرِينَ دِينَارًا شَرْعِيَّةً فَأَكْثَرَ) إذْ لَا وَقْصَ فِي الْعَيْنِ كَالْحَرْثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا صِنْفٌ] إلَخْ: أَيْ فَالصِّنْفُ وَالصِّنْفَانِ بِمَنْزِلَةِ أَصْنَافِ الْحَبِّ. يُؤْخَذُ مِنْ كُلٍّ صِنْفٍ قِسْطُهُ، أَوْ يَخْرُجُ الْأَعْلَى أَوْ الْمُسَاوِي عَنْ غَيْرِهِ. [زَكَاة الْعَيْنِ] [فَائِدَة لَا زَكَاة عَلَى الْأَنْبِيَاء] قَوْلُهُ: [دِرْهَمٍ شَرْعِيٍّ] : قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ قَدْرَهُ خَمْسُونَ وَخُمُسَا حَبَّةٍ مِنْ الشَّعِيرِ الْوَسَطُ. قَوْلٌ: [أَوْ عِشْرِينَ دِينَارًا] : قَدْرُ الدِّينَارِ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةً مِنْ وَسَطِ الشَّعِيرِ. قَوْلُهُ: [إذْ لَا وَقْصَ فِي الْعَيْن] : أَيْ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ قَالَ: لَا شَيْءَ فِي الزَّائِدِ عَلَى النِّصَابِ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ فِي الذَّهَبِ أَوْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فِي الْفِضَّةِ. قَوْلٌ [كَالْحَرْثِ] : أَيْ بِخِلَافِ الْمَاشِيَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَاشِيَةَ - لَمَّا كَانَتْ تَحْتَاجُ إلَى كَثْرَةِ - كُلْفَةٍ خَفَّفَ عَنْ صَاحِبِهَا بِخِلَافِ الْحَرْثِ فَكُلْفَتُهُ يَسِيرَةٌ.

(أَوْ مُجْتَمِعٍ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ كَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَعَشْرَةِ دَنَانِيرَ حَالَ كَوْنِ مَا ذُكِرَ مِنْهُمَا. (غَيْرِ حُلِيٍّ جَائِزٍ) إذْ لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ الْجَائِزِ كَمَا يَأْتِي؛ فَشَمِلَ كَلَامُهُ الْمَسْكُوكَ وَغَيْرَهُ؛ كَالسَّبَائِكِ وَالتِّبْرِ وَالْأَوَانَيْ وَالْحُلِيِّ الْحَرَامِ كَالْحِيَاصَةِ لِلذُّكُورِ وَعَدَدِ الْخَيْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (رُبْعُ الْعُشْرِ) إذَا حَالَ حَوْلُهَا عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ. فَفِي الْعِشْرِينَ دِينَارًا، نِصْفُ دِينَارٍ، وَفِي الْمِائَتَيْ دِرْهَمَ: خَمْسَةُ دَرَاهِمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَائِدَةٌ: لَا زَكَاةَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، لِأَنَّ مَا بِأَيْدِيهِمْ وَدَائِعُ لِلَّهِ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِنَا كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الرِّسَالَةِ. (كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ) . قَوْلُهُ: [إذْ لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ الْجَائِزِ] إلَخْ: أَيْ إلَّا مَا يَسْتَثْنِيهِ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا] : أَيْ لِأَنَّ الْخِطَابَ بِهَا خِطَابُ وَضْعٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْعِبْرَةُ بِمَذْهَبِ الْوَصِيِّ فِي الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ، لَا بِمَذْهَبِ الطِّفْلِ وَلَا بِمَذْهَبِ أَبِيهِ، فَإِنْ كَانَ مَذْهَبُهُ يَرَى سُقُوطَهَا عَنْ الطِّفْلِ سَقَطَتْ كَالْحَنَفِيِّ، وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ لِحَاكِمٍ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ حَنَفِيٌّ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَمْرُ الصَّبِيِّ، وَإِلَّا رَفَعَ الْوَصِيُّ الْأَمْرَ لِلْمَالِكِي لِأَجْلِ رَفَعَ الْخِلَافِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَانْظُرْ إذَا كَانَ مَذْهَبُ الْوَصِيِّ الْوُجُوبَ وَلَمْ يَخْرُجْهَا حَتَّى بَلَغَ الصَّبِيُّ، وَمَذْهَبُهُ سُقُوطُهَا، وَانْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ، فَهَلْ تُؤْخَذُ عَنْ الْأَعْوَامِ الْمَاضِيَةِ مِنْ الْمَالِ أَوْ تُؤْخَذُ مِنْ الْوَصِيِّ أَوْ تَسْقُطُ؟ وَانْظُرْ عَكْسَهُ: وَهُوَ مَا إذَا كَانَ مَذْهَبُ الْوَصِيِّ عَدَمَ وُجُوبِهَا وَبَلَغَ الصَّبِيُّ، وَقَلَّدَ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِهَا، هَلْ تُؤْخَذُ مِنْ الْمَالِ أَوْ تَسْقُطُ؟ كَذَا قَالَ الْأُجْهُورِيُّ، قَالَ (بْن) : وَكُلٌّ مِنْ النَّظَرَيْنِ قُصُورٌ، وَالنَّقْلُ: اعْتِبَارُ مَذْهَبِ الصَّبِيِّ بَعْدَ: بُلُوغِهِ حَيْثُ لَمْ يَخْرُجْهَا وَصِيُّهُ قَبْلَهُ، فَإِنْ قَلَّدَ مَنْ قَالَ بِسُقُوطِهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْوَصِيِّ، وَإِنْ قَلَّدَ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ فِي الْأَعْوَامِ الْمَاضِيَةِ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . تَنْبِيهٌ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ فِي إخْرَاجِهَا حَيْثُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِلَا يَمِينٍ إنْ لَمْ يُتَّهَمْ، وَإِلَّا فَبِيَمِينٍ. كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ.

[فائدة زكاة حلي الكعبة والمساجد والعين الموصى بتفرقتها]

فَلَا زَكَاةَ فِي النُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَعَادِنِ؛ وَلَوْ سُكَّتْ كَالْفُلُوسِ الْجُدُدِ. وَالْوُجُوبُ فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ ظَاهِرٌ فِي الْخَالِصَةِ وَلَوْ رَدِيَّةَ الْمَعْدِنِ. وَفِي الْكَامِلَةِ الْوَزْنِ بَلْ (وَلَوْ) كَانَتْ (مَغْشُوشَةً) أَيْ مَخْلُوطَةً بِنَحْوِ نُحَاسٍ (أَوْ) كَانَتْ (نَاقِصَةً) فِي الْوَزْنِ نَقْصًا لَا يَحُطُّهَا عَنْ الرَّوَاجِ كَالْكَامِلَةِ، كَنَقْصِ حَبَّةٍ أَوْ حَبَّتَيْنِ وَلِذَا قَالَ: (إنْ رَاجَتْ) الْمَغْشُوشَةُ أَوْ النَّاقِصَةُ (كَكَامِلَةٍ) : أَيْ رَوَاجًا كَرَوَاجِ الْكَامِلَةِ. (وَإِلَّا) تَرُجْ كَالْكَامِلَةِ بِأَنْ لَمْ تَرُجْ أَصْلًا أَوْ تَرُوجُ رَوَاجًا لَا كَالْكَامِلَةِ؛ بِأَنْ انْحَطَّتْ عَنْ الْكَامِلَةِ فِي الْمُعَامَلَاتِ (حُسِبَ الْخَالِصُ) عَلَى تَقْدِيرِ التَّصْفِيَةِ فِي الْمَغْشُوشَةِ، وَاعْتُبِرَ الْكَمَالُ فِي النَّاقِصَةِ بِزِيَادَةِ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ. فَمَتَى كَمُلَتْ زُكِّيَتْ وَإِلَّا فَلَا، فَإِذَا كَانَتْ الْعِشْرُونَ - لِنَقْصِهَا - إنَّمَا تَرُوجُ رَوَاجَ تِسْعَةَ عَشَرَ لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ إلَّا بِزِيَادَةِ وَاحِدٍ عَلَيْهَا وَهَكَذَا. (وَتُزَكَّى) الْعَيْنُ (الْمَغْصُوبَةُ) مِنْ رَبِّهَا قَبْلَ مُرُورِ الْحَوْلِ عَلَيْهَا أَوْ بَعْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ [فَلَا زَكَاةَ فِي النُّحَاسِ] إلَخْ: أَيْ مَا لَمْ تَكُنْ مُعَدَّةً لِلتِّجَارَةِ وَإِلَّا فَتُزَكَّى زَكَاةُ الْعُرُوضِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ [كَنَقْصِ حَبَّةٍ أَوْ حَبَّتَيْنِ] : أَيْ مِنْ كُلٍّ دِينَارٍ مِنْ النِّصَابِ، سَوَاءٌ كَانَ التَّعَامُلُ بِهَا عَدَدًا أَوْ وَزْنًا بِشَرْطِ رَوَاجِهَا وَرَوَاجِ الْكَامِلَةِ، بِأَنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ الَّتِي تُشْتَرَى بِدِينَارٍ كَامِلٍ تُشْتَرَى بِذَلِكَ الدِّينَارِ النَّاقِصِ لِاتِّحَادِ مَصْرِفِهِمَا. فَفِي الْحَقِيقَةِ: الْمَدَارُ عَلَى الرَّوَاجِ كَالْكَامِلَةِ قَلَّ نَقْصُ الْوَزْنِ أَوْ كَثُرَ. كَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَارْتَضَاهُ، وَلَكِنَّ شَارِحَنَا قَيَّدَ بِالْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ تَبَعًا لِبَهْرَامَ وَالتَّتَّائِيِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ كَثُرَ النَّقْصُ اُعْتُبِرَ وَلَوْ رَاجَتْ كَالْكَامِلَةِ. قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ: وَهُوَ الصَّوَابُ، إذْ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ. (اهـ.) قَوْلُهُ: [إلَّا بِزِيَادَةِ وَاحِدٍ] : مُرَادُهُ بِهِ كَمَالُ النِّصَابِ، فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ كُلَّ دِينَارٍ يَنْقُصُ ثَلَاثَ حَبَّاتٍ مِنْ وَزْنِ الدِّينَارِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي هُوَ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةً، يَكُونُ النِّصَابُ أَحَدًا وَعِشْرِينَ دِينَارًا إلَّا تِسْعَ حَبَّاتٍ، وَكَوْنُ الْعِشْرِينَ تِسْعَةَ عَشْرَ لَا يَكُونُ الْمُكَمِّلُ وَاحِدًا كَامِلًا، فَلِذَلِكَ قُلْنَا: الْمُرَادُ بِالْوَاحِدِ مَا بِهِ كَمَالُ النِّصَابِ. [فَائِدَة زَكَاة حلي الْكَعْبَة وَالْمَسَاجِد وَالْعَيْن الْمُوصَى بِتَفْرِقَتِهَا] قَوْلُهُ [وَتُزَكَّى الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ مِنْ رَبِّهَا] : أَيْ وَأَمَّا الْغَاصِبُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ قَيَّدَهُ الْحَطَّابُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَفَاءٌ بِمَا يُعَوِّضُهُ بِهِ. وَإِلَّا زَكَّاهُ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ

وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ إخْرَاجِ زَكَاتِهَا. (وَالضَّائِعَةُ) : بِأَنْ سَقَطَتْ مِنْ رَبِّهَا أَوْ دَفَنَهَا فِي مَحَلٍّ ثُمَّ ضَلَّ عَنْهَا قَبْلَ مُرُورِ الْحَوْلِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ (بَعْدَ قَبْضِهَا) مِنْ الْغَاصِبِ أَوْ وُجُودِهَا بَعْدَ الضَّيَاعِ (لِعَامٍ) مَضَى وَلَوْ مَكَثَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ، أَوْ ضَائِعَةً أَعْوَامًا كَثِيرَةً فَلَا تُزَكَّى مَا دَامَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ، أَوْ ضَائِعَةٍ فَإِذَا قُبِضَتْ زُكِّيَتْ لِعَامٍ وَاحِدٍ. (بِخِلَافِ الْمُودَعَةِ) : إذَا مَكَثْت أَعْوَامًا عِنْدَ الْمُودِعِ (فَ) تُزَكَّى بَعْدَ قَبْضِهَا (لِكُلِّ عَامٍ) مَضَى مُدَّةَ إقَامَتِهَا عِنْدَ الْأَمِينِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: " وَتَعَدَّدَتْ بِتَعَدُّدِهِ فِي مُودَعَةٍ لَا مَغْصُوبَةٍ وَمَدْفُونَةٍ وَضَائِعَةٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُ الشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيُّ. فَائِدَةٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤْخَذُ مِنْ شَرْطِ تَمَامِ الْمِلْكِ عَدَمُ زَكَاةِ حُلِيِّ الْكَعْبَةِ وَالْمَسَاجِدِ مِنْ قَنَادِيلَ وَعَلَائِقَ وَصَفَائِحِ أَبْوَابٍ. وَصَدَّرَ بِهِ عَبْدُ الْحَقِّ قَائِلًا: وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدِي، وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: يُزَكِّيهِ الْإِمَامُ كَالْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ لِلْقَرْضِ، كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. لَكِنْ قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ: سَيَأْتِي فِي النَّذْرِ أَنَّ نَذْرَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ، وَالْوَصِيَّةُ بِهِ تَكُونُ بَاطِلَةٌ، وَحِينَئِذٍ فَهِيَ عَلَى مِلْكِ رَبِّهَا، فَهُوَ الَّذِي يُزَكِّيهَا لَا خَزَنَةُ الْكَعْبَةِ وَلَا نُظَّارُ الْمَسَاجِدِ، وَلَا الْإِمَامُ. تَأَمَّلَ (انْتَهَى) . قَوْلُهُ [وَالضَّائِعَةُ] : أَيْ بِمَوْضِعٍ لَا يُحَاطُ بِهِ أَوْ يُحَاطُ بِهِ، خِلَافًا لِمُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ مِنْ أَنَّهَا إنْ دُفِنَتْ بِصَحْرَاءَ - أَيْ فِي مَوْضِعٍ لَا يُحَاطُ بِهِ - تُزَكَّى لِعَامٍ وَاحِدٍ وَإِنْ دُفِنَتْ فِي الْبَيْتِ وَالْمَوْضِعِ الَّذِي يُحَاطُ بِهِ زَكَّاهُ لِكُلِّ عَامٍ، وَعَكْسُ هَذَا ابْنُ حَبِيبٍ. كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. وَزَادَ فِي الشَّامِلِ قَوْلًا رَابِعًا: وَهُوَ زَكَاتُهَا لِكُلِّ عَامٍ مُطْلَقًا، دُفِنَتْ بِصَحْرَاءَ أَوْ بِبَيْتٍ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [لِكُلِّ عَامٍ مَضَى] : أَيْ مُبْتَدِئًا بِالْعَامِ الْأَوَّلِ فَمَا بَعْدَهُ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ الْأَخْذُ النِّصَابِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَعَدُّدِ زَكَاةِ الْمُودَعَةِ بِتَعَدُّدِ الْأَعْوَامِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمُقَابِلُهُ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ زَكَاتِهَا لِعَامٍ وَاحِدٍ بَعْدَ قَبْضِهَا لِعَدَمِ التَّنْمِيَةِ، وَمَا رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهَا حَوْلًا بَعْدَ قَبْضِهَا، وَقَوْلُهُ: بَعْدَ قَبْضِهَا؛ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُزَكِّيهَا وَإِنَّمَا تُزَكَّى بَعْدَ الْقَبْضِ، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَاشِرٍ أَنَّ الْمَالِكَ يُزَكِّيهَا كُلَّ عَامٍ وَقْتُ الْوُجُوبِ مِنْ عِنْدِهِ كَذَا فِي (بْن) نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ، فَتَكُونُ

(وَلَا زَكَاةَ فِي حُلِيٍّ جَائِزٍ وَإِنْ) كَانَ (لِرَجُلٍ) كَقَبْضَةِ سَيْفٍ لِلْجِهَادِ. وَسِنٍّ وَأَنْفٍ وَخَاتَمِ فِضَّةٍ بِشَرْطِهِ (إلَّا إذَا تَهَشَّمَ) بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ إصْلَاحُهُ إلَّا بِسَبْكِهِ ثَانِيًا فَفِيهِ الزَّكَاةُ. وَإِنْ لِامْرَأَةٍ فَتَجِبُ لِأَنَّهُ صَارَ مُلْحَقًا بِالنَّقْدِ، سَوَاءٌ نَوَى إصْلَاحَهُ أَمْ لَا، (كَأَنْ انْكَسَرَ) وَلَمْ يَنْوِ إصْلَاحَهُ بِأَنْ نَوَى عَدَمَ إصْلَاحِهِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَتَجِبُ زَكَاتُهُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ كَمَا تَجِبُ فِي الْمُهَشَّمِ مُطْلَقًا فَإِنْ نَوَى إصْلَاحَهُ لَمْ تَجِبْ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ حِينَئِذٍ. (أَوْ أُعِدَّ) مَعْطُوفٌ عَلَى مَا فِي حَيِّزِ الِاسْتِثْنَاءِ: أَيْ لَا زَكَاةَ فِي حُلِيٍّ مُبَاحٍ إلَّا إذَا تَهَشَّمَ، وَإِلَّا إذَا أُعِدَّ (لِلْعَاقِبَةِ أَوْ) أُعِدَّ (لِمَنْ سَيُوجَدُ) : لَهُ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ أَوْ - ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَقْوَالُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ؛ مَشْهُورُهَا مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. تَنْبِيهٌ لَا زَكَاةَ فِي عَيْنِ مُوصَى بِتَفْرِقَتِهَا عَلَى مُعَيَّنِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَقَدْ مَرَّ عَلَيْهَا حَوْلٌ بِيَدِ الْوَصِيِّ قَبْلَ التَّفْرِقَةِ. وَمَاتَ الْمُوصِي قَبْلَ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِمَوْتِهِ، فَإِنْ فُرِّقَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ وَهُوَ حَيٌّ زَكَّاهَا عَلَى مِلْكِهِ إنْ كَانَتْ نِصَابًا، وَلَوْ مَعَ مَا بِيَدِهِ وَلَا يُزَكِّيهَا مَنْ صَارَتْ لَهُ إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ قَبْضِهَا، لِأَنَّهَا فَائِدَةٌ. وَأَمَّا الْمَاشِيَةُ إنْ أَوْصَى بِهَا وَمَاتَ قَبْلَ الْحَوْلِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا إنْ كَانَتْ لِغَيْرِ مُعَيَّنِينَ، وَإِلَّا زُكِّيَتْ إنْ صَارَ لِكُلِّ نِصَابٌ لِمَاضِي الْأَعْوَامِ كَإِرْثِهَا، وَأَمَّا الْحَرْثُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [كَقَبْضَةِ سَيْفٍ] : قَالَ النَّاصِرُ: وَانْظُرْ لَوْ كَانَ السَّيْفُ مُحَلَّى وَاِتَّخَذَتْهُ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا، هَلْ لَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ الْحُلِيَّ لِنِسَائِهِ؟ قَالَ شَيْخُ الْمَشَايِخِ الْعَدَوِيُّ: وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهِ لِأَنَّ الشَّأْنَ اتِّخَاذُ الرَّجُلِ الْحُلِيَّ لِنِسَائِهِ لَا الْعَكْسُ. (كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [إلَّا إذَا تَهَشَّمَ] : حَاصِلُ الْفِقْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - عَلَى مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - أَنَّ الْحُلِيَّ إذَا تُكْسَرُ فَلَا يَخْلُوَا: إمَّا أَنْ يَتَهَشَّمَ أَوْ لَا، فَإِنْ تَهَشَّمَ وَجَبَتْ زَكَاتُهُ سَوَاءٌ نَوَى إصْلَاحَهُ أَوْ عَدَمَهَا أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ. وَإِنْ لَمْ يَتَهَشَّمْ - بِأَنْ كَانَ يُمْكِنُهُ إصْلَاحَهُ وَعَوْدِهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ سَبْكٍ - فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَنْوِي عَدَمَ إصْلَاحِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ نَوَى عَدَمَ إصْلَاحِهِ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ فَالزَّكَاةُ. وَإِنْ نَوَى إصْلَاحَهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ. فَالصُّوَرُ سِتَّةٌ يُزَكِّيه فِي خَمْسَةٍ.

بِنْتٍ. فَتَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ حُلِيُّ امْرَأَةٍ اتَّخَذَتْهُ - بَعْدَ كِبَرِهَا وَعَدَمِ التَّزَيُّنِ بِهِ - لِعَاقِبَةِ الدَّهْرِ أَوْ لِمَنْ سَيُوجَدُ لَهَا مِنْ بِنْتٍ صَغِيرَةٍ حَتَّى تَكْبُرَ، أَوْ أُخْتٍ أَوْ أَمَةٍ حَتَّى تَتَزَوَّجَ؛ فَتَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مَا دَامَ مُعَدًّا لِمَا ذُكِرَ مِنْ يَوْمِ اتِّخَاذِهِ لَهُ حَتَّى يَتَوَلَّاهُ مَنْ أُعِدَّ لَهُ. (أَوْ) أُعِدَّ (لِصَدَاقٍ) لِمَنْ يُرِيدُ زَوَاجَهَا لِنَفْسِهِ أَوْ لِوَلَدِهِ أَوْ لِشِرَاءِ جَارِيَةٍ بِهِ. (أَوْ نَوَى بِهِ) : عَطْفٌ عَلَى " تَهَشَّمَ " كَاَلَّذِي قَبْلَهُ، أَيْ: وَإِلَّا إذَا نَوَى بِهِ (التِّجَارَةَ) : أَيْ التَّكَسُّبَ وَالرِّبْحَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَتَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَأَفْهَمَ قَوْلَهُ. " حُلِيٍّ جَائِزٍ " أَنَّ الْمُحَرَّمَ: كَالْأَوَانَيْ وَالْمِرْوَدِ وَالْمُكْحُلَةِ - وَإِنْ لِامْرَأَةٍ - يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. وَإِنْ رُصِّعَ بِالْجَوَاهِرِ أَوْ طُرِّزَ بِسُلُوكِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ ثِيَابٌ أَوْ عَمَائِمُ فَإِنَّهَا تُزَكَّى زِنَتَهَا إنْ عُلِمَتْ وَأَمْكَنَ نَزْعُهَا بِلَا فَسَادٍ وَإِلَّا تُحُرِّيَ مَا فِيهِ مِنْ الْعَيْنِ وَزُكِّيَ. ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى حُكْمِ مَا حَصَلَ مِنْ الْعَيْنِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ؛ وَهُوَ ثَلَاثَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِلَّا إذَا نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ] إلَخْ: أَيْ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، أَمَّا إذَا اتَّخَذَهُ لِلْكِرَاءِ فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَّخِذُ لَهُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، وَسَوَاءٌ كَانَ يُبَاحُ اسْتِعْمَالُهُ لِمَالِكِهِ أَمْ لَا. وَيَكُونُ قَوْلُهُمْ: مُحَرَّمُ الِاسْتِعْمَالِ عَلَى مَالِكِهِ فِيهِ الزَّكَاةُ فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ لِلْكِرَاءِ، وَهَذَا مَا ارْتَضَاهُ فِي الْحَاشِيَةِ تَبَعًا لِلرَّمَاصِيِّ، وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ (بْن) : أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ الْمُعَدِّ لِلْكِرَاءِ لَا زَكَاةَ فِيهِ إذَا كَانَ: يُبَاحُ لِمَالِكِهِ اسْتِعْمَالُهُ كَأَسَاوِرَ أَوْ خَلَاخِلَ لِامْرَأَةٍ أَمَّا لَوْ كَانَ ذَلِكَ لِرَجُلٍ لَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ] : سَوَاءٌ كَانَ مُعَدًّا لِلِاسْتِعْمَالِ أَوْ لِلْعَاقِبَةِ. قَوْلُهُ: [بِلَا فَسَادٍ] : أَيْ أَوْ غُرْمٍ. وَحُكْمُ مَا رُصِّعَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْعُرُوضِ.

[زكاة التجارة]

أَقْسَامٍ: رِبْحٌ، وَغَلَّةُ مُكْتَرًى - وَهِيَ مِنْ الرِّبْحِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ - وَفَائِدَةٌ. وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى ثَمَنِ مُشْتَرًى لِلتِّجَارَةِ بِبَيْعِهِ فَقَالَ: (وَحَوْلُ الرِّبْحِ حَوْلُ أَصْلِهِ) : فَمَنْ مَلَكَ دُونَ نِصَابٍ وَلَوْ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQ [زَكَاة التِّجَارَة] [مَا حصل مِنْ الْعَيْن بَعْد أَنْ لَمْ يَكُنْ] قَوْلُهُ: [وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى ثَمَنٍ مُشْتَرَى] إلَخْ: هَذَا تَعْرِيفُ مِنْ الشَّارِحِ لِلرِّبْحِ وَهُوَ مَعْنَى تَعْرِيفِ ابْنِ عَرَفَةَ الْمَشْهُورِ الَّذِي قَالَ فِيهِ: زَائِدُ: ثَمَنٌ مَبِيعُ تَجَرَ عَلَى ثَمَنِهِ الْأَوَّلِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، فَقَوْل الشَّارِحِ: " وَهُوَ ": أَيْ الرِّبْح، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: " مَا زَادَ عَلَى ثَمَنٍ مُشْتَرَى " إلَخْ عَنْ زِيَادَةٍ غَيْر ثَمَنٍ الْمُشْتَرِي فَلَا يُسَمَّى رِبْحًا بَلْ هُوَ غَلَّةٌ يَسْتَقْبِلُ بِهَا. وَقَوْلُهُ: [لِلتِّجَارَةِ] : يُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّنْ اشْتَرَى سِلْعَةِ لِلْقِنْيَةِ بِعَشْرَةٍ ثُمَّ بَاعَهَا بِعِشْرِينَ فَلَا يُقَالُ لَهُ رِبْحٌ، بَلْ يَسْتَقْبِلُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [بِبَيْعِهِ] : يُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا لَوْ اشْتَرَى السِّلْعَةَ لِلتِّجَارَةِ، ثُمَّ اغْتَلَّهَا بِالْكِرَاءِ، فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَحَوْلُ الرِّبْحِ حَوْلُ أَصْلِهِ] : لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ أَوَّلَ الْحَوْلِ الَّذِي يَضُمُّ لَهُ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ. وَهُوَ: إمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنًا تُسَلِّفُهَا، أَوْ عَرَضًا تُسَلِّفُهُ لِلتَّجْرِ، أَوْ اشْتَرَاهُ لِلْقِنْيَةِ، وَيَبْدُو لَهُ التَّجْرُ؛ فَالْحَوْلُ فِي الْأُولَى مِنْ يَوْمِ الْقَرْضِ. وَفِي الثَّانِيَةِ مِنْ يَوْمِ التَّجْرِ، وَفِي الثَّالِثَةِ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ، وَفِي الرَّابِعَةِ مِنْ يَوْمِ الْبَيْعِ، وَقَدْ نَظَّمَ ذَلِكَ الْعَلَامَةُ الْأُجْهُورِيُّ بِقَوْلِهِ: وَحَوْلُ الْقَرْضِ مِنْ يَوْمِ اقْتِرَاضِ ... إذَا عَيْنًا يَكُونُ بِلَا خَفَاءِ وَيَوْمُ التَّجْرِ أَوَّلُ حَوْلِ عَرَضٍ ... تَسَلَّفَهُ لِتَجْرٍ لِلْغِنَاءِ وَمَنْ يَكُنْ اشْتَرَى عَرَضًا لِتَجْرٍ ... فَإِنَّ الْحَوْلَ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ وَإِنْ عَرَضًا لِقِنْيَةٍ اشْتَرَاهُ ... وَيَبْدُو التَّجْرُ فِيهِ لِلنَّمَاءِ

الْمُحَرَّمِ فَتَاجَرَ فِيهِ حَتَّى رَبِحَ تَمَامَ نِصَابٍ، فَحَوْلُهُ الْمُحَرَّمُ. فَإِنْ تَمَّ بَعْدَ الْحَوْلِ بِكَثِيرٍ أَوْ قَلِيلٍ زَكَّاهُ حِينَئِذٍ. وَإِنْ تَمَّ فِي أَثْنَائِهِ صَبَرَ لِتَمَامِ حَوْلِهِ وَزَكَّاهُ، إلَّا أَنَّهُ إذَا زَكَّاهُ بَعْدَ الْحَوْلِ بِمُدَّةٍ فَانْتَقَلَ حَوْلُهُ لِيَوْمِ التَّزْكِيَةِ، كَمَنْ مَلَكَ دُونَ نِصَابٍ فِي الْمُحَرَّمِ فَمَرَّ عَلَيْهِ الْمُحَرَّمُ نَاقِصًا، وَتَمَّ النِّصَابُ فِي رَجَبٍ: زَكَّاهُ حِينَئِذٍ وَصَارَ حَوْلُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ رَجَبًا. وَذَكَرَ الثَّانِيَ مُشَبِّهًا لَهُ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ: (كَغَلَّةِ مَا) : أَيْ شَيْءٍ - مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ - (اكْتَرَى) بِعَيْنٍ (لِلتِّجَارَةِ) : أَيْ لِأَجْلِهَا فَحَوْلُهَا حَوْلُ أَصْلِهَا وَهِيَ الْعَيْنُ الَّتِي اكْتَرَى بِهَا ذَلِكَ الشَّيْءَ، فَمَنْ مَلَكَ نِصَابًا أَوْ دُونَهُ فِي الْمُحَرَّمِ فَاكْتَرَى بِهِ دَارًا أَوْ بَعِيرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ - لِلتِّجَارَةِ لَا لِلسُّكْنَى وَلَا لِلرُّكُوبِ - ثُمَّ أَكْرَاهَا لِغَيْرِهِ فِي رَجَبٍ مَثَلًا بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا، فَإِنَّهَا تُزَكَّى فِي الْمُحَرَّمِ لِأَنَّ حَوْلَهَا يَوْمَ مَلَكَ أَصْلَهَا أَوْ زَكَّاهُ احْتَرَزَ بِمَا اكْتَرَى لِلتِّجَارَةِ عَنْ غَلَّةٍ مُشْتَرًى لِلتِّجَارَةِ أَوْ مُكْتَرًى لِلْقِنْيَةِ - كَالسُّكْنَى أَوْ الرُّكُوبِ - فَأَكْرَاهُ لِأَمْرٍ حَدَثَ؛ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهَا حَوْلًا بَعْدَ قَبْضِهَا لِأَنَّهَا مِنْ الْفَوَائِدِ. وَبَالَغَ عَلَى أَنَّ حَوْلَ الرِّبْحِ حَوْلُ أَصْلِهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ) كَانَ الرِّبْحُ (رِبْحَ دَيْنٍ) فِي ذِمَّتِهِ (لَا عِوَضَ لَهُ) : أَيْ لِذَلِكَ الدَّيْنِ (عِنْدَهُ) فَإِنَّ حَوْلَهُ حَوْلُ أَصْلِهِ وَهُوَ الدَّيْنُ. مِثَالُهُ: مَنْ تَسَلَّفَ عِشْرِينَ دِينَارًا مَثَلًا فَاشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً لِلتِّجَارَةِ أَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِعِشْرِينَ فِي ذِمَّتِهِ فِي الْمُحَرَّمِ، ثُمَّ بَاعَهَا بَعْدَ مُدَّةٍ قَلِيلَةٍ أَوْ كَثِيرَةٍ بِخَمْسِينَ، فَالرِّبْحُ ثَلَاثُونَ تُزَكَّى لِحَوْلِ أَصْلِهَا وَهُوَ الْمُحَرَّمُ. وَأَمَّا الْعِشْرُونَ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَوَّلُ حَوْلِهِ مِنْ يَوْمِ بَيْعٍ ... لَهُ فَاحْفَظْ وُقِيَتْ مِنْ الرِّدَاءِ وَالْمُعْتَمَدُ فِي الرَّابِعِ أَنَّهُ مِنْ يَوْمِ قَبْضِ ثَمَنُ الْعَرَضِ كَمَا فِي الْبُنَانِيِّ. قَوْلُهُ: [فَحَوْلُهُ الْمُحَرَّمُ] : أَيْ فَيَضُمُّ لِحَوْلِ أَصْلِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ وَلَا مِنْ يَوْمِ الرِّبْحِ، وَلَا يَسْتَقْبِلُ بِهِ خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ كُلِّهِ. قَوْلُهُ: [عَنْ غَلَّةِ مُشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ] : أَيْ اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ فِي ذَاتِ الْمَبِيعِ فَاغْتَلَّهُ فَالْغَلَّةُ فَائِدَةٌ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَبَالِغٌ عَلَى أَنَّ حَوْلَ الرِّبْحِ] إلَخْ: قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ حَاصِلُ مَا فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْمَشْهُورَ كَمَا عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الرِّبْحَ يَضُمُّ لِأَصْلِهِ سَوَاءٌ نَقَدَ الثَّمَنَ أَوْ بَعْضَهُ، أَوْ لَمْ يَنْقُدْ شَيْئًا وَكَانَ عِنْدَهُ مَا يَجْعَلهُ فِي مُقَابَلَةِ الدَّيْنُ وَعَلَى الْمَشْهُورِ اخْتَلَفَ إذَا

فَلَا تُزَكَّى لِأَنَّهَا فِي نَظِيرِ الدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ عِوَضٌ يُقَابِلُهَا عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَمِثْلُ رِبْحِ الدَّيْنِ غَلَّةُ مُكْتَرًى. بِدَيْنٍ لِلتِّجَارَةِ كَمَنْ اكْتَرَى دَارًا سَنَةً مَثَلًا بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ كَعَشْرَةٍ، ثُمَّ أَكْرَاهَا بِثَلَاثِينَ، فَالْغَلَّةُ عِشْرُونَ يُزَكِّيهَا أَوَّلَ أَصْلِهَا أَيْ مِنْ يَوْمِ اكْتَرَى. وَلَا يُزَكِّي الْعَشَرَةَ لِأَنَّهَا فِي نَظِيرِ الدَّيْنِ إلَّا إذَا كَانَ عِنْدَهُ عِوَضُهَا، وَالْمَتْنُ يَشْمَلُ ذَلِكَ بِجَعْلِ الرِّبْحِ شَامِلًا لِلْغَلَّةِ إذْ هِيَ رِبْحٌ فِي الْحَقِيقَةِ. وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ: (وَاسْتَقْبَلَ) حَوْلًا (بِفَائِدَةٍ، وَهِيَ) قِسْمَانِ: الْأُولَى: (مَا تَجَدَّدَتْ عَنْ غَيْرِ مَالٍ؛ كَعَطِيَّةٍ) مِنْ هِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَاسْتِحْقَاقِ وَقْفٍ أَوْ وَظِيفَةٍ (وَإِرْثٍ وَأَرْشٍ) لِجِنَايَةٍ (وَدِيَةٍ) لِنَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ (وَصَدَاقٍ) قَبَضَتْهُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ وَانْتَهَى وَفِي الْمُبَالَغَةِ رَدٌّ عَلَى أَشْهَبَ الْقَائِلِ بِاسْتِقْبَالِهِ بِالرِّبْحِ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: [عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ: " إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ الْعَرَضِ مَا يَفِي بِهِ، إنْ حَالَ حَوْلُهُ عِنْدَهُ " إلَى أَخَّرَ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَالْمَتْنُ يَشْمَلُ ذَلِكَ] : أَيْ قَوْلُهُ " وَلَوْ رِبْحُ دَيْنٍ ". وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي يُضَمُّ لِأَصْلِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: ثَمَنُ مَا اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ، وَبَيْعٌ لَهَا، وَغَلَّةُ مَا اكْتَرَى لِلتِّجَارَةِ، وَمَا اكْتَرَى بِالْفِعْلِ لَهَا. وَفِي كُلٍّ: كَانَ الثَّمَنُ مِنْ عِنْدِهِ، أَوْ فِي ذِمَّتِهِ، لَكِنْ إذَا كَانَ مِنْ عِنْدِهِ زَكَّى الْجَمِيعَ لِحَوْلِ أَصْلِهِ وَإِنْ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ زَكَّى الرِّبْحَ فَقَطْ، وَلَا يُزَكِّي رَأْسَ الْمَالِ إلَّا إذَا كَانَ عِنْدَهُ مَا يَجْعَلُ فِيهِ. مَسْأَلَةٌ مَنْ كَانَ بِيَدِهِ أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ مِنْ الْعَيْنِ قَدْ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَهُ ثُمَّ اشْتَرَى بِبَعْضِهِ سِلْعَةً لِلتِّجَارَةِ وَأَنْفَقَ الْبَعْضَ الْبَاقِي بَعْدَ الشِّرَاءِ: فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ السِّلْعَةَ بِمَا يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ إذَا ضُمَّ لِمَا أَنْفَقَهُ، تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ. مِثَالُهُ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَاشْتَرَى بِخَمْسَةٍ مِنْهَا سِلْعَةً لِلتِّجَارَةِ، ثُمَّ أَنْفَقَ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ، ثُمَّ بَاعَ السِّلْعَةَ بِخَمْسَةٍ عَشَرَ، فَإِنَّهُ يُزَكِّي عَلَى عِشْرِينَ؛ مِنْهَا الْخَمْسَةُ الْمُنْفِقَةُ لَحَوْلَانِ الْحَوْلُ عَلَيْهَا مَعَ الْخَمْسَةِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ الرِّبْحِ، فَلَوْ أَنْفَقَ الْخَمْسَةَ قَبْلَ شِرَاءِ السِّلْعَةِ فَلَا زَكَاةَ إلَّا إذَا بَاعَهَا بِنِصَابٍ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ مَعْنَى قَوْلِ خَلِيلٍ: " وَلِمُنْفِقٍ بَعْدَ حُلُولِهِ مَعَ أَصْلِهِ وَقْتُ الشِّرَاءِ ". قَوْلُهُ: [بِفَائِدَةٍ] : مُرَادُهُ بِهَا مَا لَيْسَ بِرِبْحِ تَجْرٍ وَغَلَّةِ تَجْرٍ.

[مسألة حالة لسقوط الزكاة لنقص النصاب]

زَوْجِهَا (وَمُنْتَزَعٍ مِنْ رَقِيقٍ) . وَالثَّانِيَةُ: أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ (أَوْ) تَجَدَّدَتْ (عَنْ) مَالٍ (غَيْرِ مُزَكًّى كَثَمَنِ) شَيْءٍ (مُقْتَنًى) عِنْدَهُ مِنْ (عَرْضٍ) ، كَثِيَابٍ وَحَيَوَانٍ وَأَسْلِحَةٍ وَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ، (وَعَقَارٍ) : وَهُوَ الْأَرْضُ وَمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ، (وَفَاكِهَةٍ) كَخَوْخٍ وَرُمَّانٍ وَتِينٍ، (وَمَاشِيَةٍ) مُقْتَنَاةٍ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ، وَسَوَاءٌ (مَلَكَ) مَا ذُكِرَ (بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَهِبَةٍ وَإِرْثٍ، فَيَسْتَقْبِلُ بِثَمَنِ مَا ذُكِرَ حَوْلًا بَعْدَ قَبْضِهِ. (وَلَوْ أَخَّرَهُ) أَيْ أَخَّرَ قَبْضَهُ مِنْ مُشْتَرِيهِ (فِرَارًا) مِنْ الزَّكَاةِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنْ أَخَّرَهُ فِرَارًا زَكَّاهُ لِكُلِّ عَامٍ مَضَى. (وَتُضَمُّ) فَائِدَةٌ (نَاقِصَةٌ) عَنْ النِّصَابِ (لِمَا) : أَيْ لِفَائِدَةٍ مُلِكَتْ (بَعْدَهَا) ، وَلَوْ تَعَدَّدَ حَتَّى يَتِمَّ النِّصَابُ فَيَتَقَرَّرَ الْحَوْلُ. فَمَنْ اسْتَفَادَ عَشَرَة مِنْ الْمُحَرَّمِ وَمِثْلَهَا فِي رَجَبٍ. فَمَبْدَأُ الْحَوْلِ رَجَبٌ فَيُزَكِّي الْعِشْرِينَ فِي رَجَبٍ الْمُسْتَقْبَلِ. وَلَوْ اسْتَفَادَ خَمْسَةً فِي الْمُحَرَّمِ، وَمِثْلَهَا فِي رَبِيعٍ، وَمِثْلَهَا فِي رَجَبٍ، وَمِثْلَهَا فِي رَمَضَانَ، فَمَبْدَأُ الْحَوْلِ رَمَضَانُ فَيَسْتَقْبِلُ بِهَا حَوْلًا مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ. (إلَّا أَنْ تَنْقُصَ) الْأُولَى عَنْ النِّصَابِ (بَعْدَ حَوْلِهَا) أَيْ بَعْدَ مُرُورِ الْحَوْلِ عَلَيْهَا (كَامِلَةً) وَوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا؛ فَلَا تُضَمُّ لِمَا بَعْدَهَا لِتَقَرُّرِ حَوْلِهَا. كَمَا لَا يُضَمُّ مَا بَعْدَهَا لَهَا. بَلْ يُزَكِّي كُلًّا فِي حَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَسْأَلَة حَالَة لِسُقُوطِ الزَّكَاة لنقص النصاب] قَوْلُهُ: [وَتُضَمُّ فَائِدَةٌ نَاقِصَةٌ] : اعْلَمْ أَنَّ أَقْسَامَ الْفَوَائِدِ أَرْبَعٌ: إمَّا كَامِلَتَانِ، أَوْ نَاقِصَتَانِ، أَوْ الْأُولَى كَامِلَةٌ وَالثَّانِيَةُ نَاقِصَةٌ، أَوْ عَكْسُهُ. فَالْكَامِلُ لَا يُضَمُّ وَالنَّاقِصُ الَّذِي بَعْدَهُ كَامِلٌ يُضَمُّ إلَيْهِ، وَالنَّاقِصُ بَعْدَ الْكَامِلِ لَا يُضَمُّ لِسَبْقِهِ بِالْكَامِلِ، وَالنَّاقِصُ يُضَمُّ لِلنَّاقِصِ بَعْدَهُ كَمَا يُضَمُّ لِلْكَامِلِ بَعْدَهُ. وَهَذَا التَّفْصِيلُ مَخْصُوصٌ بِفَائِدَةِ الْعَيْنِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ؛ وَأَمَّا الْمَاشِيَةُ، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا حَصَلَ مِنْ فَائِدَتِهَا بَعْدَ النِّصَابِ الْأَوَّلِ يُضَمُّ لَهُ. قَوْلُهُ: [وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهَا] : أَيْ اسْتِحْقَاقُهَا لِلتَّزْكِيَةِ سَوَاءٌ زُكِّيَتْ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [بَلْ يُزَكِّي كُلًّا فِي حَوْلِهِ] إلَخْ: اسْتَشْكَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا زَكَّيْنَا الْأُولَى عِنْدَ حَوْلِهَا. فَإِمَّا أَنْ نَنْظُرَ فِي زَكَاتِهَا لِلثَّانِيَةِ أَوَّلًا، فَإِنْ نَظَّرْنَا

مَا دَامَ فِي الْمَجْمُوعِ نِصَابٌ. مِثَالُهُ: اسْتَفَادَ عِشْرِينَ فِي الْمُحَرَّمِ. وَحَالَ حَوْلُهَا وَوَجَبَتْ زَكَاتُهَا ثُمَّ انْقَضَتْ، وَاسْتَفَادَ فِي رَجَبٍ مَا يُكْمِلُ النِّصَابَ فَأَكْثَرَ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى حَوْلِهَا. فَإِذَا جَاءَ الْمُحَرَّمُ زَكَّى الْمَحْرَمِيَّةَ، فَإِذَا جَاءَ رَجَبٌ زَكَّى الرَّجَبِيَّةَ. (وَ) اسْتَقْبَلَ (بِالْمُتَجَدِّدِ) مِنْ الْعَيْنِ (عَنْ سِلَعِ التِّجَارَةِ) وَأَوْلَى سِلَعِ الْقِنْيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلثَّانِيَةِ - كَمَا قَالَ الشَّارِحُ - وَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الثَّانِيَةَ لَمْ تَجْتَمِعْ مَعَ الْأُولَى فِي كُلِّ الْحَوْلِ، فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ عَلَيْهِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي النِّصَابِ قَبْلَ حَوْلِهِ، لِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَمْ يَحُلْ حَوْلُهَا. وَإِنْ لَمْ نَنْظُرْ لِلثَّانِيَةِ لَزِمَ زَكَاةُ مَا دُونَ النِّصَابِ. وَلَأَجْل هَذَا الْإِشْكَالِ اسْتَظْهَرَ قَوْلُ ابْنِ مَسْلَمَةَ مِنْ ضَمِّ الْأُولَى لِلثَّانِيَةِ فِي الْحَوْلِ كَمَا لَوْ نَقَصَتْ الْأُولَى قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَهِيَ كَامِلَةٌ. وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِاخْتِيَارِ الشِّقِّ الْأَوَّلِ، وَنَقُولُ: إنَّ هَذَا فَرْعٌ مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ: إنَّهُ يَكْفِي فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي الْمَالَيْنِ الْقَاصِرِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ النِّصَابِ وَفِي الْمَجْمُوعِ نِصَابُ اجْتِمَاعِهِمَا فِي بَعْضِ الْحَوْلِ. قَوْلُهُ: [مَا دَامَ فِي الْمَجْمُوعِ نِصَابٌ] : مَفْهُومُهُ لَوْ نَقَصَتَا مَعًا عَنْ النِّصَابِ كَصَيْرُورَةِ الْمَحْرَمِيَّةِ خَمْسَةً، وَالرَّجَبِيَّةُ مِثْلُهَا، فَفِيهَا تَفْصِيلٌ: حَاصِلُهُ: أَنَّهُ إنْ حَلَّ عَلَيْهِمَا الْحَوْلُ الثَّانِي نَاقِصَتَيْنِ بَطَلَ حَوْلُهُمَا وَرَجَعَتَا كَمَالٍ وَاحِدٍ لَا زَكَاةَ فِيهِ. وَإِنْ أَتَّجَرَ قَبْلَ مُرُورِ الْحَوْلِ الثَّانِي، فَرِبْحٌ فِيهِمَا أَوْ فِي إحْدَاهُمَا تَمَامُ نِصَابٍ، فَلَا يَخْلُو وَقْتُ التَّمَامِ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: إنْ حَصَلَ عِنْدَ حَوْلِ الْأُولَى، أَوْ قَبْلَهُ فَعَلَى حَوْلَيْهِمَا وَفَضُّ رِبْحُهُمَا عَلَيْهِمَا، وَإِنْ حَصَلَ الرِّبْحُ بَعْدَ حَوْلِ الْأُولَى وَقَبْلَ الثَّانِيَةِ انْتَقَلَ إلَيْهِ حَوْلُ الْأُولَى وَتَبْقَى الثَّانِيَةُ عَلَى حَوْلِهَا، وَإِنْ حَصَلَ عِنْدَ حَوْلِ الثَّانِيَةِ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَحَوْلُهُمَا مِنْهُ، وَإِنْ حَصَلَ بَعْدَ حُصُولِ الثَّانِيَةِ بِشَهْرٍ مَثَلًا كَشَعْبَانَ فَحَوْلُهُمَا مِنْهُ. كَذَا أَفَادَهُ الْأَصْلُ. مَسْأَلَةٌ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ عِشْرُونَ فِي الْمُحَرَّمِ وَعَشَرَةُ فِي رَجَبٍ فَجَاءَ الْحَوْلُ عَلَى الْمَحْرَمِيَّةِ فَأَنْفَقَهَا بَعْدَ زَكَاتِهَا أَوْ ضَاعَتْ، سَقَطَتْ عَنْهُ زَكَاةُ الرَّجَبِيَّةِ حَيْثُ نَقَصَتْ عَنْ النِّصَابِ. قَوْلُهُ: [وَأُولَى سِلَعِ الْقِنْيَةِ] : وَمِثْلُهَا الْمُكْتَرَاةُ لِلْقِنْيَةِ، وَأَمَّا الْمُكْتَرَاةُ لِلتِّجَارَةِ فَتَقَدَّمَ أَنَّ غَلَّتَهَا كَالرِّبْحِ يُضَمُّ لِأَصْلِهَا.

[مسألة من اكترى أرضا للتجارة]

(بِلَا بَيْعٍ) لَهَا، وَإِلَّا كَانَ رِبْحًا حَوْلُهُ حَوْلُ أَصْلِهِ كَمَا مَرَّ، وَمَثَّلَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (كَغَلَّةِ عَبْدٍ) أَوْ بَعِيرٍ أَوْ دَارٍ اُشْتُرِيَ لِلتِّجَارَةِ فَأَكْرَاهُ وَقَبَضَ مِنْ الْكِرَاءِ مَا فِيهِ نِصَابٌ، فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهِ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ قَبْضِهِ. (وَ) مِثْلُ (نُجُومِ كِتَابَةٍ) كَعَبْدٍ اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ، ثُمَّ كَاتَبَهُ. (وَثَمَنِ ثَمَرَةٍ) شَجَرَةٍ (مُشْتَرًى) لِلتِّجَارَةِ (وَلَوْ) كَانَتْ الْأَشْجَارُ (مُؤَبَّرَةً) يَوْمَ الشِّرَاءِ، خِلَافًا لِلْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهِ. (إلَّا الصُّوفَ التَّامَّ) الْمُسْتَحِقَّ لِلْجَزِّ وَقْتَ شِرَاءِ الْغَنَمِ لِلتِّجَارَةِ فَلَا يَسْتَقْبِلُ بِثَمَنِهِ، بَلْ حَوْلُهُ حَوْلُ أَصْلِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَسِلْعَةٍ قَائِمَةٍ بِنَفْسِهَا. (وَ) إلَّا (ثَمَرًا بَدَا صَلَاحُهُ) فِي الْأُصُولِ الْمُشْتَرَاةِ لَا لِلتِّجَارَةِ، فَلَا يَسْتَقْبِلُ بِثَمَنِهِ كَالصُّوفِ التَّامِّ. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: " وَبِالْمُتَجَدِّدِ " إلَخْ: يُوهِمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْفَائِدَةِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْهَا فِي التَّحْقِيقِ، فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ عَلَى قَوْلِهِ: " وَتُضَمُّ " إلَخْ وَدَرَجَهُ فِي أَمْثِلَتِهِ. (وَاسْتَقْبَلَ مَنْ عَتَقَ أَوْ أَسْلَمَ مِنْ يَوْمئِذٍ) أَيْ مِنْ يَوْمِ الْعِتْقِ أَوْ الْإِسْلَامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمِثْلُ نُجُومِ كِتَابَةِ] : أَيْ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ بَيْعًا حَقِيقِيًّا وَإِلَّا لَرَجَعَ الْعَبْدُ بِمَا دَفَعَ إنْ عَجَزَ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَتْ الْأَشْجَارُ مُؤَبَّرَةً] : أَيْ وَسَوَاءٌ بَاعَ الثَّمَرَةَ مُفْرَدَةً أَوْ بَاعَهَا مَعَ الْأَصْلِ، لَكِنْ إنْ بَاعَهَا مَعَ الْأَصْلِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ طِيبِهَا فُضَّ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ وَالثَّمَرَةِ فَمَا نَابَ الْأَصْلُ زَكَّاهُ لِحَوْلِ الْأَصْلِ وَمَا نَابَ الثَّمَرَةَ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهِ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ يَقْبِضُهُ، فَيَصِيرُ حَوْلَ الْأَصْلِ عَلَى حِدَةٍ، وَالثَّمَرَةُ عَلَى حِدَةٍ، وَإِنْ بَاعَهَا مَعَ الْأَصْلِ قَبْلَ طِيبِهَا زَكَّى ثَمَنَهَا لِأَنَّهُ تَبِعَ لِحَوْلِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [بَلْ حَوْلُهُ حَوْلُ أَصْلِهِ] : أَيْ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ. قَوْلُهُ: [فَكَانَ الْأُولَى تَقْدِيمُهُ] إلَخْ: وَأَجَابَ الْمُؤَلِّفُ فِي تَقْرِيرِهِ بِقَوْلِهِ سَهْلٌ ذَلِكَ كَوْنُهُ نَاشِئًا عَنْ سِلَعِ التِّجَارَةِ، فَكَأَنَّهُ لَيْسَ بِفَائِدَةٍ انْتَهَى. [مَسْأَلَة مِنْ اكْتَرَى أَرْضًا لِلتِّجَارَةِ] قَوْلُهُ: [وَاسْتَقْبَلَ مِنْ عِتْقٍ] إلَخْ: أَيْ فِي جَمِيعِ مَا يَمْلِكُهُ لَا فِي خُصُوصِ الْفَوَائِدِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ هُنَا دَفْعًا لِتَوَهُّمٍ أَنَّهُ يَفْصِلُ فِي مَالِهِ بَيْنَ الْفَوَائِدِ وَالْغَلَّةِ وَالرِّبْحِ. مَسْأَلَةٌ مِنْ اكْتَرَى أَرْضًا لِلتِّجَارَةِ وَزَرَعَ فِيهَا لِلتِّجَارَةِ، زَكَّى ثَمَنَ مَا حَصَلَ فِيهَا

[زكاة الدين]

ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى زَكَاةِ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى الْغَرِيمِ فَقَالَ: (وَيُزَكَّى الدَّيْنُ) بَعْدَ قَبْضِهِ - كَمَا يَأْتِي - (لِسَنَةٍ) فَقَطْ، وَإِنْ أَقَامَ عِنْدَ الْمَدِينِ أَعْوَامًا وَتُعْتَبَرُ السَّنَةُ (مِنْ يَوْمِ مَلَكَ أَصْلَهُ) بِهِبَةٍ وَنَحْوِهَا أَوْ قَبَضَهُ إنْ كَانَ عَمَّا لَا زَكَاةَ فِيهِ (أَوْ) مِنْ يَوْمِ (زَكَّاهُ) إنْ اسْتَمَرَّ عِنْدَهُ عَامًا. وَمَحَلُّ تَزْكِيَتِهِ لِسَنَةٍ فَقَطْ إذَا لَمْ يُؤَخِّرْهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ، وَإِلَّا زَكَّاهُ لِكُلِّ عَامٍ مَضَى عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَلِزَكَاتِهِ لِسَنَةٍ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ: أَوَّلُهَا: أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ عَيْنًا بِيَدِهِ فَيُسْلِفُهَا، أَوْ عُرُوضَ تِجَارَةٍ يَبِيعُهَا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ لِأَجَلٍ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (إنْ كَانَ) الدَّيْنُ الَّذِي هُوَ عَلَى الْمَدِينِ (عَيْنًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ غَلَّتِهَا مِنْ حَوْلِ زَكَاةِ حَرْثِهَا إنْ بَلَغَ نِصَابًا، وَإِلَّا فَمِنْ حُصُولِ رَأْسِ مَالِ التِّجَارَةِ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِزَكَاةِ الثَّمَنِ كَوْنُ الْبَذْرِ لِلتِّجَارَةِ؟ فَلَوْ كَانَ لِقُوتِهِ اسْتَقْبَلَ بِثَمَنِ مَا حَصَلَ مِنْ زَرْعِهَا، لِأَنَّهُ، كَفَائِدَةٍ، أَوْ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يُزَكِّي ثَمَنَ الْغَلَّةِ مُطْلَقًا. قَوْلَانِ. [زَكَاة الدِّين] [تَنْبِيهٌ مَنْ اقْتَضَى دَيْنًا فَأَخَّرَ] قَوْلُهُ: [عَلَى زَكَاةِ الدَّيْنِ] : أَيْ دَيْنِ غَيْرِ الْمُدَبَّرِ أَوْ دَيْنِ الْمُدَبَّرِ الْقَرْضُ، بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي: " لِسَنَةٍ مِنْ يَوْمِ مِلْكِ أَصْلِهِ أَوْ زَكَّاهُ "، وَسَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ بَيَانُهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ قَبْضِهِ إنْ كَانَ عَمَّا لَا زَكَاةَ فِيهِ] : أَيْ كَعَقَارٍ. ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا قَبْلَهُ يَكْفِي فِيهِ الْمِلْكُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. بَلْ الْهِبَةُ وَنَحْوُهَا - كَالْمِيرَاثِ - لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ السَّنَةُ إلَّا مِنْ يَوْمِ قَبْضَةِ مِنْ الْوَاهِبِ وَالْمُوَرِّث. قَوْلُهُ: [فَيُسَلِّفُهَا] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُدَبَّرًا أَوْ مُحْتَكِرًا أَوْ لَا، وَلَا لِأَنَّ الْفَرْضَ خَارِجٌ عَنْ نَوْعِي التِّجَارَةِ.

كَائِنَةً (مِنْ قَرْضٍ أَوْ) ثَمَنِ (عُرُوضِ تِجَارَةٍ) لِمُحْتَكِرٍ، أَيْ سَبَّبَهُ أَحَدُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، لَا إنْ كَانَ الدَّيْنُ عَرْضًا فَلَا يُزَكِّي إلَّا عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْمُدَبَّرِ. الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَقْبِضَ مِنْ الْمَدِينِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَقَبْضٍ) - لَا إنْ لَمْ يَقْبِضْ فَلَا يُزَكِّي - اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ عَنْ عَرْضِ تِجَارَةٍ لِمُدَبَّرٍ فَلَا يُزَكِّي بِتَمَامِ شُرُوطِهِ الْآتِيَةِ فِي الْمُدَبَّرِ. الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقْبِضَ (عَيْنًا) ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً لَا إنْ قَبَضَهُ عَرَضًا فَلَا زَكَاةَ حَتَّى يَبِيعَهُ عَلَى مَا سَيَأْتِي مِنْ احْتِكَارٍ أَوْ إدَارَةٍ، إذَا كَانَ الْقَابِضُ لَهُ رَبَّ الدَّيْنِ. بَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ عُرُوضُ تِجَارَةٍ] : أَيْ مَلَكَهَا بِشِرَاءٍ وَكَانَ مُحْتَكِرًا وَبَاعَهَا بِدَيْنٍ. قَوْلُهُ: [لَا إنْ كَانَ الدَّيْنُ عَرَضًا] : مُحْتَرِز قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: " عَيْنًا " وَقَوْلُ الشَّارِحِ: ثَمَنٍ. قَوْلُهُ: [اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ] إلَخْ: الِاسْتِدْرَاكُ بِهَذَا بَعِيدٌ، لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ يُحْرِزْهُ لِكَوْنِهِ فِي غَيْرِ الْمُدَبَّرِ. قَوْلُهُ: [فَلَا زَكَاةَ حَتَّى يَبِيعَهُ] : أَيْ فَإِذَا بَاعَهُ زَكَّاهُ لِسَنَةٍ مِنْ يَوْمِ قَبْضِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ غَيْرَ الْمُدَبَّرِ إنَّمَا يُزَكِّي الدَّيْنَ لِسَنَةٍ مِنْ أَصْلِهِ إذَا قَبَضَهُ عَيْنًا. وَأَمَّا إذَا قَبَضَهُ عَرَضًا فَلَا يُزَكِّيه حَتَّى يَبِيعَهُ، وَحَوْلُهُ الَّذِي يُزَكِّيه عِنْدَهُ مِنْ يَوْمِ قَبْضِ الْعَرَضِ لَا مِنْ حَوْلِ أَصْلِهِ كَالْعَيْنِ. فَإِذَا بَاعَ ذَلِكَ الْعَرَضِ زَكَّاهُ لِسَنَةٍ مِنْ يَوْمِ قَبْضِهِ هَذَا إذَا كَانَ غَيْرُ مُدَبَّرٍ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مُدَبَّرًا قَوَّمَهُ كُلَّ عَامٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ حَيْثُ نَضَّ لَهُ وَلَوْ دِرْهَمًا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [عَلَى مَا سَيَأْتِي] إلَخْ: الْأُولَى الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا قَبْلَهُ لِأَنَّ مَا يَأْتِي مَوْضُوعٌ آخَرُ.

(وَلَوْ) كَانَ الْقَابِضُ لَهُ (مَوْهُوبًا لَهُ) مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ (أَوْ أَحَالَ) رَبُّهُ بِهِ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَلَى الْمَدِينِ، فَإِنَّ رَبَّهُ الْمُحِيلَ يُزَكِّيهِ مِنْ غَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ قَبُولِ الْحَوَالَةِ. وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبْضِهِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ. وَلِذَا عَبَّرْنَا بِالْفِعْلِ الْمَعْطُوفِ عَلَى كَانَ الْمَحْذُوفَةِ بَعْدَ لَوْ. وَالْمَعْنَى: وَقَبَضَهُ عَيْنًا وَلَوْ أَحَالَ بِهِ؛ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ تُعَدُّ قَبْضًا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ زَكَاتِهِ عَلَى رَبِّهِ الْوَاهِبِ مِنْ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْفِعْلِ، خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ قَوْلُ الشَّيْخِ: " وَلَوْ بِهِبَةٍ أَوْ إحَالَةٍ "، فَقَوْلُنَا: " وَلَوْ أَحَالَ " فِي قُوَّةِ " وَلَوْ إحَالَةً " أَيْ وَلَوْ كَانَ الْقَبْضُ إحَالَةً فَيُزَكِّيهِ الْمُحِيلُ. وَأَمَّا الْمُحَالُ فَيُزَكِّيهِ أَيْضًا مِنْهُ لَكِنْ بَعْدَ قَبْضِهِ. وَأَمَّا الْمُحَالُ عَلَيْهِ فَيُزَكِّيهِ أَيْضًا مِنْ غَيْرِهِ بِشَرْطٍ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ، وَلَوْ مِنْ الْعُرُوضِ مَا يَفِي بِدَيْنِهِ. الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَقْبِضَ نِصَابًا كَامِلًا وَلَوْ فِي مَرَّاتٍ، كَأَنْ يَقْبِضَ مِنْهُ عَشَرَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَ الْقَابِضُ لَهُ مَوْهُوبًا] إلَخْ: أَشَارَ بِلَوْ لِرَدِّ قَوْلِ أَشْهَبَ: لَا زَكَاةَ فِي الْمَوْهُوبِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَحَالَ رَبُّهُ] : حَاصِلُهُ: أَنَّ كُلًّا مِنْ الْهِبَةِ وَالْحَوَالَةِ قَبْضٌ حُكْمِيٌّ لِلدَّيْنِ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي زَكَاةِ الدَّيْنِ الْمَوْهُوبِ لِغَيْرِ الْمَدِينِ مِنْ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، بِخِلَافِ الْحَوَالَةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَى الْمُحِيلُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِهَا وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُحَالُ عَلَى الْمَذْهَبِ، خِلَافًا لِابْنِ لُبَابَةَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَوَالَةِ وَالْهِبَةِ أَنَّ الْهِبَةَ - وَإِنْ كَانَتْ تَلْزَمُ بِالْقَبُولِ - قَدْ يَطْرَأُ عَلَيْهَا مَا يُبْطِلُهَا مِنْ فَلَسٍ أَوْ مَوْتٍ فَلَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ، بِخِلَافِ الْحَوَالَةِ. وَمَفْهُومُ قَوْلُنَا: لِغَيْرِ الْمَدِينِ؛ أَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ تُسْقِطُ الزَّكَاةَ عَلَى الْوَاهِبِ لِعَدَمِ الْقَبْضِ الْحِسِّيِّ وَالْحُكْمِيِّ، وَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ إبْرَاءٌ. وَمَحِلُّ كَوْنِ الْوَاهِبِ يُزَكِّي الدَّيْنُ الْمَوْهُوبُ لِغَيْرِ الْمَدِينِ إنْ لَمْ يُشْتَرَطُ زَكَاتُهُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ يَدَّعِي أَنَّهُ أَرَادَ الزَّكَاةَ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْمُحَالُ فَيُزَكِّيه] إلَخْ: أَيْ لِسَنَةٍ مِنْ أَصْلِهِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْمُحَالُ عَلَيْهِ] إلَخْ: تَحْصُلُ مِنْ هَذَا أَنَّ هَذَا الدَّيْنَ يُزَكِّيه ثَلَاثَةٌ: الْمُحِيلُ بِمُجَرَّدِ الْحَوَالَةِ، وَالْمُحَالُ بَعْدَ قَبْضِهِ، وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ. لَكِنَّ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ يُزَكِّيَانِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَالثَّانِي يُزَكِّيه مِنْهُ.

ثُمَّ عَشَرَةً، فَيُزَكِّيَهُ عِنْدَ قَبْضِ مَا بِهِ التَّمَامُ. أَوْ يَقْبِضَ بَعْضَ نِصَابٍ وَعِنْدَهُ مَا يُكْمِلُ النِّصَابَ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَكَمَّلَ) الْمَقْبُوضُ (نِصَابًا) بِنَفْسِهِ وَلَوْ عَلَى مَرَّاتٍ بَلْ (وَإِنْ) كَمُلَ (بِفَائِدَةٍ) عِنْدَهُ (تَمَّ حَوْلُهَا) كَمَا لَوْ قَبَضَ عَشَرَةَ وَعِنْدَهُ عَشَرَةٌ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَيُزَكِّي الْعِشْرِينَ (أَوْ كَمُلَ) الْمَقْبُوضُ نِصَابًا (بِمَعْدِنٍ) لِأَنَّ الْمَعْدِنَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْلُ عَلَى مَا سَيَأْتِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عِنْدَ قَبْضِ مَا بِهِ التَّمَامُ] : وَلَوْ لَمْ يَسْتَمِرَّ الْمَقْبُوضُ الْأَوَّلُ، بَلْ تَلِفَ قَبْلَ التَّمَامِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ خَلِيلٍ: " وَلَوْ تَلِفَ الْمُتِمُّ " كَمَا إذَا قَبَضَ مِنْ دِينِهِ عَشْرَةَ فَتَلْفِت مِنْهُ بِإِنْفَاقٍ أَوْ ضَيَاعٍ، ثُمَّ قَبَضَ مِنْهُ عَشْرَةً فَإِنَّهُ يُزَكِّي عَنْ الْعِشْرِينَ، وَلَا يَضُرُّ تَلَفُ الْعَشَرَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ جَمَعَهُمَا مِلْكٌ وَحَوْلٌ، خِلَافًا لِابْنِ الْمَوَّازِ حَيْثُ قَالَ: إذَا تَلِفَ الْمُتِمُّ مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِ سَقَطَتْ زَكَاتُهُ وَسَقَطَتْ زَكَاةُ بَاقِي الدَّيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نِصَابٌ. وَأَمَّا إذَا تَلِفَتْ بِسَبَبِهِ فَالزَّكَاةُ اتِّفَاقًا: قَوْلُهُ: [حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ] : يُفِيد أَنَّهُ لَوْ مَرَّ لِلْفَائِدَةِ عِنْدَهُ ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ، وَاقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ مَا يَصِيرُهَا نِصَابًا فَإِنَّهُ لَا يُزَكِّي مَا اقْتَضَاهُ، إلَّا إذَا بَقِيَتْ وَمَا اقْتَضَاهُ لِتَمَامِ الْحَوْلِ لَهَا. فَلَوْ قَبَضَ عَشْرَةً فَأُنْفِقهَا بَعْدَ حَوْلِهَا وَقَبْلَ حَوْلِ الْفَائِدَةِ، أَوْ اسْتَفَادَ وَأَنْفَقَ بَعْدَ حَوْلِهَا، ثُمَّ اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ قَبْلَ حَوْلِهِ مَا يُكْمِلُ النِّصَابَ فَلَا زَكَاةَ. كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ مِلْكِ الْفَائِدَةِ عَلَى الِاقْتِضَاءِ، بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْفَائِدَةُ مُتَقَدِّمَةً أَوْ مُتَأَخِّرَةً. لَكِنْ إنْ تَأَخَّرَتْ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الِاقْتِضَاءِ لِتَمَامِ حَوْلِهَا، وَإِنْ تَقَدَّمَتْ فَالشَّرْطُ مُضِيُّ حَوْلٍ عَلَيْهَا سَوَاءٌ بَقِيَتْ لِلِاقْتِضَاءِ الَّذِي حَالَ حَوْلُهُ أَوْ تَلِفَتْ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ كَمُلَ الْمَقْبُوضُ نِصَابًا بِمَعْدِنٍ] : أَيْ عَلَى مَا لِلْمَازِرِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٍ. وَاخْتَارَ الصَّقَلِّيُّ عَدَمَ ضَمِّ الْمَعْدِنِ لِلْمَقْبُوضِ. تَنْبِيهٌ مَنْ اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ الَّذِي حَالَ حَوْلُهُ دِينَارًا فِي الْمُحَرَّمِ مَثَلًا فَأَخَّرَ فِي رَجَبٍ مَثَلًا، فَاشْتَرَى بِكُلِّ سِلْعَةٍ بَاعَهَا بِعِشْرِينَ، فَفِيهِ تِسْعٌ صُوَرٍ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِهِمَا مَعًا، أَوْ الدِّينَارُ الْأَوَّلُ قَبْلَ الثَّانِي، أَوْ الثَّانِي قَبْلَ الْأَوَّلِ، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَتَيْنِ مَعًا، أَوْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى؛ وَجَبَ عَلَيْهِ زَكَاةٍ الْأَرْبَعِينَ إنْ اشْتَرَاهُمَا

[زكاة العروض]

(وَ) لَوْ اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ دُونَ نِصَابٍ، ثُمَّ اقْتَضَى مَا يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ فِي مَرَّةٍ أَوْ مَرَّاتٍ كَانَ (حَوْلُ الْمُتَمِّ) بِفَتْحِ التَّاءِ اسْمُ مَفْعُولٍ: وَهُوَ مَا قُبِضَ أَوَّلًا (مِنْ) وَقْتِ (التَّمَامِ) ، فَإِذَا قَبَضَ خَمْسَةً فَخَمْسَةً فَعَشْرَةً، فَحَوْلُ الْجَمِيعِ وَقْتُ قَبْضِ الْعَشَرَةِ، فَيُزَكِّي الْعِشْرِينَ حِينَئِذٍ (ثُمَّ زَكَّى الْمَقْبُوضَ) بَعْدَ ذَلِكَ (وَلَوْ قَلَّ) كَدِرْهَمٍ حَالَ قَبْضِهِ وَيَكُونُ كُلُّ اقْتِضَاءٍ بَعْدَ التَّمَامِ عَلَى حَوْلِهِ لَا يُضَمُّ لِمَا قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ وَلَوْ نَقَصَ النِّصَابُ بَعْدَ تَمَّامِهِ لِاسْتِقْرَارِ حَوْلِهِ بِالتَّمَامِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى زَكَاةِ الْعُرُوضِ، وَمُرَادُهُمْ زَكَاةُ الْعَيْنِ الَّتِي هِيَ عِوَضُ الْعُرُوضِ، إذْ الْعُرُوض لَا تُزَكَّى: أَيْ لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا زَكَاةٌ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهَا. فَقَالَ: (وَإِنَّمَا يُزَكَّى عَرَضُ تِجَارَةٍ) : لَا قِنْيَةٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، إلَّا إذَا بَاعَهُ بِعَيْنٍ أَوْ مَاشِيَةٍ فَيَسْتَقْبِلُ بِثَمَنِهِ حَوْلًا مِنْ قَبْضِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ. وَقَوْلُهُ: " عَرْضُ ": أَيْ عِوَضٌ، فَيَشْمَلُ قِيمَةَ عُرُوضِ الْمُدِيرِ عَنْ عُرُوضِ الْمُحْتَكِرِ حَيْثُ بَاعَهَا بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعًا سَوَاءٌ بَاعَهُمَا مَعًا أَوْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى، لَكِنْ إذَا بَاعَهُمَا مَعًا زَكَّى الْأَرْبَعِينَ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ بَاعَ وَاحِدَةً زَكَّاهَا الْآنَ، وَأَصْلَ الثَّانِيَةِ فَيُزَكَّى الْآنَ إحْدَى وَعِشْرِينَ. فَإِذَا بَاعَ الْأُخْرَى زَكَّى تِسْعَةَ عَشْرَ. وَمَا بَقِيَ مِنْ الصُّوَرِ يُزَكِّي إحْدَى وَعِشْرِينَ لَا غَيْرَ - كَمَا اعْتَمَدَهُ فِي الْأَصْلِ تَبَعًا لِلرَّمَاصِيِّ. تَتِمَّةٌ إذَا تَعَدَّدَتْ أَوْقَاتُ الِاقْتِضَاءَاتِ وَعُلِمَ الْمُتَقَدِّمُ مِنْهَا وَالْمُتَأَخِّرُ، وَنُسِيَ الْمُتَوَسِّطُ فَإِنْ يُضَمُّ لِلْمُتَقَدِّمِ وَيَجْعَلُ حَوْلُهُ مِنْهُ عَكْسَ الْفَوَائِدِ الَّتِي عُلِمَ أَوَّلُهَا وَآخِرُهَا، فَإِنَّ الْمَجْهُولَ الْوَسَطَ يَضُمُّ لِلْمُتَأَخِّرِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الِاقْتِضَاءَاتِ تُزَكَّى لِمَا مَضَى، فَهِيَ بِالتَّقْدِيمِ أَنْسَبُ. وَالْفَوَائِدُ بِالِاسْتِقْبَالِ أَنْسَبُ. [زَكَاة الْعُرُوضِ] قَوْلُهُ: [عَلَى زَكَاةِ الْعُرُوضِ] : أَعْقَبَهَا بِالْكَلَامِ عَلَى زَكَاةِ الدَّيْنِ لِمُشَارَكَتِهَا لَهُ فِي الْحُكْمِ، لِأَنَّ أَحَدَ قِسْمَيْهَا - وَهُوَ الْمُحْتَكِرُ - يُقَاسُ بِهِ. قَوْلُهُ: [بَلْ يَسْتَقْبِلُ بِثَمَنِهِ مِنْ يَوْمِ قَبْضِهِ] : كَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّهُ كَالْفَوَائِدِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. بَلْ مُقْتَضَى الْفِقْهِ أَنَّهُ يُزَكَّى الثَّمَنَ مِنْ حَوْلِ تَزَكِّيَة الْأَعْيَانِ كَمَا فِي (عب) نَقْلًا عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ.

أَشَارَ لِأَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ: (إنْ كَانَ لَا زَكَاةَ فِي عَيْنِهِ) كَالثِّيَابِ وَالرَّقِيقِ، وَأَمَّا مَا فِي عَيْنِهِ زَكَاةٌ كَنِصَابِ مَاشِيَةٍ أَوْ حُلِيٍّ أَوْ حَرْثٍ فَلَا يَقُومُ عَلَى مُدِيرٍ، وَلَا يُزَكِّي ثَمَنَهُ مُحْتَكِرٌ بَلْ يَسْتَقْبِلُ بِثَمَنِهِ مِنْ يَوْمِ قَبْضِهِ إلَّا إذَا قَرُبَ الْحَوْلُ وَبَاعَهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ فَيُؤْخَذُ بِزَكَاةِ الْمُبْدَلِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَلِثَانِيهَا بِقَوْلِهِ: (وَمَلَكَ) الْعَرْضَ (بِشِرَاءٍ) لَا إنْ وَرِثَهُ، أَوْ وُهِبَ لَهُ، أَوْ أَخَذَهُ فِي خُلْعٍ أَوْ أَخَذَتْهُ صَدَاقًا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْفَوَائِدِ. وَقَوْلُنَا: " بِشِرَاءٍ " أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِ: " بِمُعَاوَضَةٍ " لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الصَّدَاقَ وَالْخُلْعَ، فَيَحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدِهِ بِقَوْلِنَا: مَالِيَّةٍ، لِإِخْرَاجِهِمَا. وَشَمِلَ هَذَا الشَّرْطُ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ الْحَبَّ الْمُشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ، فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي عَيْنِهِ. وَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَرَضِ مَا يَشْمَلُ الْمِثْلِيَّاتِ. وَلِثَالِثِهَا بِقَوْلِهِ: (بِنِيَّةٍ تَجْرٍ) أَيْ إنْ مُلِكَ بِشِرَاءٍ مَعَ نِيَّةٍ تَجْرٍ مُجَرَّدَةٍ حَالَ الشِّرَاءِ (أَوْ مَعَ نِيَّةِ غَلَّتِهِ) : بِأَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ شِرَائِهِ لِلتِّجَارَةِ أَنْ يُكْرِيَهُ إلَى أَنْ يَجِدَ رِبْحًا (أَوْ مَعَ) نِيَّةِ (قِنْيَةٍ) : بِأَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ الشِّرَاءِ رُكُوبَهُ أَوْ سُكْنَاهُ أَوْ حَمْلًا عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَجِدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَيُؤْخَذُ بِزَكَاةِ الْمُبْدَلِ كَمَا تَقَدَّمَ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ: " وَمَنْ أَبْدَلَ أَوْ ذَبَحَ مَاشِيَةَ فِرَارًا أُخِذَتْ مِنْهُ ". قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي عَيْنِهِ] : أَيْ لِأَنَّ الْحَرْثَ لَا تَجِبُ زَكَاتُهُ إلَّا عَلَى مَنْ كَانَ وَقْتُ الْوُجُوبِ فِي مِلْكِهِ، وَالْحَبُّ الْمُشْتَرَى لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْوُجُوبِ. وَقَوْلُهُ: [وَعَلِمَ بِذَلِكَ] : أَيْ بِشُمُولِهِ لِلْحَبِّ. قَوْلُهُ: [مُجَرَّدَةٍ حَالَ الشِّرَاءِ] : سَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ فِي قَوْلِهِ: " لَا بِلَا نِيَّةٍ أَوْ نِيَّةِ قِنْيَةٍ ". قَوْلُهُ: [أَوْ مَعَ نِيَّةُ غَلَّتِهِ] : وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ حِينَئِذٍ لِأَنَّ مُصَاحَبَةَ نِيَّةِ الْغَلَّةِ لِنِيَّةِ التِّجَارَةِ أَخَفُّ مِنْ مُصَاحَبَةِ الْقِنْيَةِ لِلتِّجَارَةِ، فَإِذَا لَمْ تُؤَثِّرْ مُصَاحَبَةُ الْأَقْوَى فَأُولَى مُصَاحَبَةُ الْأَضْعَفِ. قَوْلُهُ: [أَوْ مَعَ نِيَّةِ قِنْيَةٍ] : أَيْ عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ. وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ وِفَاقًا لِأَشْهَبَ. وَرِوَايَتُهُ خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَوَّازِ. وَالِاخْتِيَارُ وَالتَّرْجِيحُ يَرْجِعَانِ لِلتَّجْرِ مَعَ الْقِنْيَةِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ. قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: وَأَمَّا التَّجْرُ مَعَ الْغَلَّةِ فَهَذَا

فِيهِ رِبْحًا فَيَبِيعَهُ، (لَا) إنْ مَلَكَهُ (بِلَا نِيَّةٍ) أَصْلًا (أَوْ نِيَّةِ قِنْيَةٍ) فَقَطْ، (أَوْ) نِيَّةِ (غَلَّةٍ) فَقَطْ (أَوْ هُمَا) : أَيْ بِنِيَّةِ الْقِنْيَةِ وَالْغَلَّةِ مَعًا، فَلَا زَكَاةَ. وَلِرَابِعِهَا بِقَوْلِهِ: (وَكَانَ ثَمَنُهُ) الَّذِي اشْتَرَى بِهِ ذَلِكَ الْعَرَضَ (عَيْنًا أَوْ عَرْضًا كَذَلِكَ) : أَيْ مُلِكَ بِشِرَاءٍ سَوَاءٌ كَانَ عَرْضَ تِجَارَةٍ أَوْ قِنْيَةً كَمَنْ عِنْدَهُ عَرْضٌ مُقْتَنَى اشْتَرَاهُ بِعَيْنٍ، ثُمَّ بَاعَهُ بِعَرْضٍ نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ، فَيُزَكِّي ثَمَنَهُ إذَا بَاعَهُ لِحَوْلِهِ مِنْ وَقْتِ اشْتِرَائِهِ. بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَرْضٌ مُلِكَ بِلَا عِوَضٍ - كَهِبَةٍ وَمِيرَاثٍ - فَيَسْتَقْبِلُ بِالثَّمَنِ. وَلِخَامِسِهَا بِقَوْلِهِ: (وَبِيعَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَرْضِ، وَأَوْلَى بَيْعُهُ كُلِّهِ (بِعَيْنٍ) نِصَابًا فَأَكْثَرَ فِي الْمُحْتَكِرِ أَوْ أَقَلَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحُكْمُ فِيهِ أَبْيَنُ. قَوْلُهُ: [أَوْ غَلَّةٍ فَقَطْ] : أَيْ فَلَا زَكَاةَ عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ، خِلَافًا لِاخْتِيَارِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ فِيهِ الزَّكَاةَ قَائِلًا: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْتِمَاسِ الرِّبْحِ مِنْ رِقَابٍ أَوْ مَنَافِعِ. قَوْلُهُ: [أَوْ هُمَا] : أَصْلُهُ أَوْ نِيَّتُهُمَا. فَحَذَفَ الْمُضَافِ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَانْفَصَلَ الضَّمِيرُ، وَحِينَئِذٍ فَهُوَ فِي مَحَلِّ جَرٍّ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ لَا الْأَصَالَةِ، لِأَنَّ " هُمَا " لَيْسَتْ مِنْ ضَمَائِرِ الْجَرِّ، لِأَنَّ ضَمِيرَ الْجَرِّ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَّصِلًا. قَوْلُهُ: [أَيْ مُلِكَ بِشِرَاءٍ] : طَرِيقَةٌ لِابْنِ حَارِثٍ، وَطَرِيقُ اللَّخْمِيِّ الْإِطْلَاقُ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [أَوْ قِنْيَةٍ] : هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي ارْتَضَاهُ الْمُؤَلِّفُ فِي تَقْرِيرِهِ كَمَا ارْتَضَاهُ (ح) و (ر) خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ: إنَّ الَّذِي أَصْلُهُ عَرَضُ قِنْيَةٍ يَسْتَقْبِلُ بِهِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ] إلَخْ: الْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعٌ: مَا أَصْلُهُ عَيْنٌ أَوْ عَرَضُ تَجْرٍ يُزَكِّي اتِّفَاقًا، وَمَا أَصْلُهُ عَرَضُ قَنْيِهِ مُلِكَ بِمُعَاوَضَةٍ: الْمَشْهُورُ زَكَاةُ عِوَضِهِ لِحَوْلٍ مِنْ أَصْلِهِ، وَمَا أَصْلُهُ عَرَضُ مُلِكَ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ - بِأَنَّ مُلِكَ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ أَصْلًا أَوْ بِمُعَاوَضَةٍ غَيْرِ مَالِيَّةٍ - فَفِيهِ طَرِيقَتَانِ: الْأُولَى لِلَّخْمِيِّ تَحْكِي قَوْلَيْنِ مَشْهُورُهُمَا الِاسْتِقْبَالُ، وَالثَّانِيَةُ لِابْنِ حَارِثٍ: يَسْتَقْبِلُ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [أَوْ أَقَلَّ] : أَيْ فَهَذِهِ الشُّرُوطُ عَامَّةٌ فِي الْمُحْتَكِرِ وَالْمُدَبَّرِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُحْتَكِرِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ الَّتِي بَاعَ بِهَا نِصَابًا سَوَاءٌ بَقِيَ مَا بَاعَ

(وَلَوْ دِرْهَمًا فِي الْمُدِيرِ) . فَإِنْ تَوَفَّرَتْ هَذِهِ الشُّرُوطِ زُكِّيَ (كَالدَّيْنِ) : أَيْ كَزَكَاةِ الدَّيْنِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ أَيْ لِسَنَةٍ مِنْ أَصْلِهِ إنْ قَبَضَ ثَمَنَهُ عَيْنًا نِصَابًا فَأَكْثَرَ كَمُلَ بِنَفْسِهِ وَلَوْ قَبَضَهُ فِي مَرَّاتٍ أَوْ مَعَ فَائِدَةٍ تَمَّ حَوْلُهَا، أَوْ مَعْدِنٍ. وَهَذَا (إنْ رَصَدَ) رَبُّهُ (بِهِ) أَيْ بِالْعَرْضِ الْمَذْكُورِ (الْأَسْوَاقَ) أَيْ ارْتِفَاعَ الْأَثْمَانِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُحْتَكِرِ، فَقَوْلُهُ: " كَالدَّيْنِ " خَاصٌّ بِالْمُحْتَكِرِ وَالشُّرُوطُ الْخَمْسَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَامَّةٌ فِيهِ وَفِي الْمُدِيرِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ تَوَفَّرَتْ الشُّرُوطُ زَكَّاهُ كَزَكَاةِ الدَّيْنِ إنْ كَانَ مُحْتَكِرًا شَأْنُهُ يَرْصُدُ الْأَسْوَاقَ. (وَإِلَّا) يَرْصُدْ الْأَسْوَاقَ بِأَنْ كَانَ مُدِيرًا: وَهُوَ الَّذِي يَبِيعُ بِالسِّعْرِ الْوَاقِعِ كَيْفَ كَانَ وَيُخَلِّفُ مَا بَاعَهُ بِغَيْرِهِ؛ كَأَرْبَابِ الْحَوَانِيتِ وَالطَّوَّافِينَ بِالسِّلَعِ، (زَكَّى عَيْنَهُ) الَّتِي عِنْدَهُ (وَدَيْنَهُ) أَيْ عَدَدَهُ (النَّقْدَ) الَّذِي أَصْلُهُ عَرْضٌ (الْحَالَّ) : أَيْ الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ أَمْ لَا، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ؛ فَإِنَّ الشَّرْطَ بَيْعُهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْعَيْنِ وَلَوْ قَلَّ. فَلَوْ لَمْ يَبِعْ الْمُحْتَكِرُ نِصَابًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَقَصَّدْ الْبَيْعَ بِالْعُرُوضِ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهَا كَمَا نَقَلَهُ الْحَطَّابُ عَنْ الرَّجْرَاجِيِّ لِأَنَّهُ مِنْ التَّحَيُّلِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ دِرْهَمًا] : فَهِمَ الْأُجْهُورِيُّ مِنْ ذَكَرِهِمْ الدِّرْهَمُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا: أَنَّهُ تَحْدِيدٌ لِأَقَلِّ مَا يَكْفِي فِي التَّقْوِيمِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ شَارِحَ الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّ ذِكْرَ الدِّرْهَمِ مِثَالٌ لِلْقَلِيلِ لَا تَحْدِيدَ، وَأَنَّهُ مُبْهَمًا نَضَّ لَهُ شَيْءٌ - وَإِنْ قَلَّ - لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ، وَهُوَ الصَّوَابُ. (اهـ بْن - نَقَلَهُ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [بِالسِّعْرِ الْوَاقِعِ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ فِيهِ خُسْرٌ. قَوْلُهُ: [كَأَرْبَابِ الْحَوَانِيتِ] إلَخْ ابْنُ عَاشِرٍ: الظَّاهِرُ أَنَّ أَرْبَابَ الصَّنَائِعِ كَالْحَاكَّةِ وَالدَّبَّاغِينَ مُدَبَّرُونَ وَقَدْ نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّ أَصْحَابَ الْأَسْفَارِ الَّذِينَ يُجَهِّزُونَ الْأَمْتِعَةَ إلَى الْبَلَدَانِ مُدَبَّرُونَ. قَوْلُهُ: [زَكَّى عَيْنَهُ] : إنَّمَا نَصَّ عَلَى زَكَاةِ الْعَيْنِ - مَعَ أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْمُدَبَّرِ بِزَكَاتِهَا - لِأَجْلِ أَنْ يَسْتَوْفِي الْكَلَامَ عَلَى أَمْوَالِ الْمُدَبَّرِ. قَوْلُهُ: [وَدِينه] : إنَّمَا الْكَائِنُ مِنْ التِّجَارَةِ الْمُعَدُّ لِلنَّمَاءِ. وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَنْ دَيْنِ الْقَرْضِ فَإِنَّهُ لَا يُزَكِّيه كُلَّ عَامٍ بَلْ لِسَنَةٍ بَعْدَ قَبْضِهِ كَمَا يَأْتِي.

حَلَّ أَجَلُهُ أَوْ كَانَ حَالًّا أَصَالَةً (الْمَرْجُوَّ) خَلَاصَهُ وَلَوْ لَمْ يَقْضِهِ بِالْفِعْلِ. وَمَا تَقَدَّمَ فِي زَكَاةِ الدَّيْنِ - مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يُزَكَّى بَعْدَ قَبْضِهِ مَعَ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ - فَفِي غَيْرِ الْمُدِيرِ أَوْ فِي الْمُدِيرِ إذَا كَانَ أَصْلُهُ قَرْضًا كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَكَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ. (وَإِلَّا) يَكُنْ نَقْدًا حَالًّا - بِأَنْ كَانَ عَرْضًا أَوْ مُؤَجَّلًا - مَرْجُوًّا فِيهِمَا؛ فَالنَّفْيُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: " النَّقْدَ الْحَالَّ " فَقَطْ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. وَمُرَادُنَا بِالْعَرْضِ: مَا يَشْمَلُ طَعَامَ السَّلَمِ (قَوَّمَهُ) عَلَى نَفْسِهِ قِيمَةُ عَدْلٍ (كُلَّ عَامٍ) وَزَكَّى الْقِيمَةَ، لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ أَنَّهُ مَرْجُوٌّ فَهُوَ فِي الْمُدِيرِ فِي قُوَّةِ الْمَقْبُوضِ (كَسِلَعِهِ) أَيْ الْمُدِيرِ أَيْ كَمَا يُقَوِّمُ كُلَّ عَامٍ سِلَعَهُ الَّتِي لِلتِّجَارَةِ (وَلَوْ بَارَتْ) سِنِينَ إذْ بُوَارُهَا بِضَمِّ الْبَاءِ أَيْ كَسَادُهَا لَا يَنْقُلُهَا لِاحْتِكَارٍ وَلَا قِنْيَةٍ، وَأَمَّا الْبَوَارُ بِفَتْحِ الْبَاءِ، فَمَعْنَاهُ: الْهَلَاكُ. (لَا إنْ لَمْ يَرْجُهُ) بِأَنْ كَانَ عَلَى مُعْدَمٍ أَوْ ظَالِمٍ لَا تَأْخُذُهُ الْأَحْكَامُ فَلَا يُقَوِّمُهُ. فَإِنْ قَبَضَهُ زَكَّاهُ لِعَامٍ وَاحِدٍ كَالْعَيْنِ الضَّائِعَةِ وَالْمَغْصُوبَةِ (أَوْ كَانَ) : أَيْ وَلَا إنْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مَا يَشْمَل طَعَامُ السَّلَمِ] : كَذَا قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَصَوَّبَهُ ابْنُ يُونُسَ. قَوْلُهُ: [وَزَكَّى الْقِيمَةَ] : أَيْ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تُحْسَبُ عَلَيْهِ لَوْ قَامَ غُرَمَاءُ ذَلِكَ الْمَدِينِ. قَوْلُهُ: [كَسِلَعِهِ] : اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يُقَوِّمهُ الْمُدَبَّرُ مِنْ السِّلَعِ هُوَ مَا دَفَعَ ثَمَنَهُ وَمَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ عِنْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ ثَمَنَهُ. وَحُكْمُهُ فِي الثَّانِي حُكْمُ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَبِيَدِهِ مَالٌ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَدْفَعْ ثَمَنَهُ وَلَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الْحَوْلُ عِنْدَهُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ. وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ زَكَاةِ مَا حَالَ حَوْلُهُ عِنْدَهُ شَيْءٌ بِسَبَبِ دَيْنِ ثَمَنِ هَذَا الْعَرَضُ الَّذِي لَمْ يَحُلْ حَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يَجْعَلُ فِي مُقَابِلَتِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ. انْتَهَى (بْن) كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [لَا يَنْقُلُهَا] : هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ نَافِعٍ وَسَحْنُونٍ لَا يَقُومُ مَا بَارَ مِنْهَا وَيَنْتَقِلُ لِلِاحْتِكَارِ. قَوْلُهُ: [فَمَعْنَاهُ الْهَلَاكُ] : كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَاَلَّذِي فِي الصِّحَاح وَالْقَامُوسِ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ بِمَعْنَى الْكَسَادِ وَالْهَلَاكِ مَعًا، (كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .

[تنبيه انتقال المدير إلى الاحتكار]

دَيْنُهُ الَّذِي عَلَى الْمَدِينِ (قَرْضًا) : أَيْ كَانَ أَصْلُهُ سَلَفًا - وَلَوْ مَرْجُوًّا - فَلَا يُقَوِّمُهُ عَلَى نَفْسِهِ لِيُزَكِّيَهُ لِعَدَمِ النَّمَاءِ فِيهِ فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ حُكْمِ التِّجَارَةِ. (فَإِنْ قَبَضَهُ زَكَّاهُ لِعَامٍ) وَاحِدٍ، وَإِنْ أَقَامَ عِنْدَ الْمَدِينِ سِنِينَ إلَّا أَنْ يُؤَخِّرَهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ فَلِكُلِّ عَامٍ مَضَى. (وَحَوْلُهُ) أَيْ وَالْمُدِيرُ الَّذِي يُقَوَّمُ فِيهِ سِلَعَهُ لِزَكَاتِهَا مَعَ عَيْنِهِ وَدَيْنِهِ الْحَالِّ الْمَرْجُوِّ (حَوْلُ أَصْلِهِ) أَيْ الْمَالِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ السِّلَعَ فَيَكُونُ ابْتِدَاءُ الْحَوْلِ مِنْ يَوْمِ مِلْكِ الْأَصْلِ أَوْ زَكَّاهُ، وَلَوْ تَأَخَّرَتْ الْإِدَارَةُ عَنْهُ كَمَا لَوْ مَلَكَ نِصَابًا أَوْ زَكَّاهُ فِي الْمُحَرَّمِ، ثُمَّ أَدَارَهُ فِي رَجَبٍ؛ أَيْ شَرَعَ فِي التِّجَارَةِ عَلَى وَجْهِ الْإِدَارَةِ فِي رَجَبٍ فَحَوْلُهُ الْمُحَرَّمُ، وَقِيلَ حَوْلُهُ وَسَطٌ بَيْنَ حَوْلِ الْأَصْلِ وَوَقْتِ الْإِدَارَةِ كَرَبِيعٍ الثَّانِي. (وَلَا تُقَوَّمُ الْأَوَانَيْ) الَّتِي تُوضَعُ فِيهَا سِلَعُ التِّجَارَةِ كَالزِّلَعِ (وَالْآلَاتِ) كَالْمِنْوَالِ وَالْمِنْشَارِ وَالْقَدُومِ وَالْمِحْرَاثِ، (وَبَهِيمَةِ الْعَمَلِ) مِنْ حَمْلٍ وَحَرْثٍ وَغَيْرِهِمَا لِبَقَاءِ عَيْنِهَا فَأَشْبَهَتْ الْقِنْيَةَ. (وَإِنْ اجْتَمَعَ) لِشَخْصٍ (احْتِكَارٌ) فِي عَرْضٍ (وَإِدَارَةٌ) فِي آخَرَ (وَتَسَاوَيَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَحَوْلُهُ الْمُحَرَّمِ] : هُوَ لِلْبَاجِيِّ وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّيُوخِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ يُونُسَ. وَقَوْلُهُ: وَقِيلَ حَوْلُهُ وَسَطُ هُوَ لِلَّخْمِيِّ وَهُوَ خِلَافُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ عِنْدَ اخْتِلَافِ وَقْتِ الْمِلْكِ وَالْإِدَارَةِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَخْتَلِفَا فَحَوْلُهُ الَّذِي يَقُومُ فِيهِ وَيُزَكِّي الشَّهْرَ الَّذِي مَلَكَ فِيهِ الْأَصْلُ اتِّفَاقًا. [تَنْبِيه انْتِقَال الْمُدِير إلَى الِاحْتِكَار] قَوْلُهُ: [وَبَهِيمَةُ الْعَمَلِ] : كَالْإِبِلِ الَّتِي تَحْمِلُ مَالَ التِّجَارَةِ. وَبَقَرِ الْحَرْثِ مَا لَمْ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِ تِلْكَ الْمَوَاشِي. وَاخْتُلِفَ فِي الْكَافِرِ الْمُدَبَّرِ إذَا أَسْلَمَ وَنَضَّ لَهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَلَوْ دِرْهَمًا؛ فَقِيلَ: يَقُومُ لِحَوْلٍ مِنْ إسْلَامِهِ، وَقِيلَ يَسْتَقْبِلُ بِالثَّمَنِ إنْ بَلَغَ نِصَابًا حَوْلًا مِنْ قَبْضِهِ؛ وَأَمَّا الْمُحْتَكِرُ إذَا أَسْلَمَ فَيَسْتَقْبِلُ بِالثَّمَنِ حَوْلًا مِنْ قَبْضِهِ اتِّفَاقًا. كَذَا فِي الْأَصْلِ. تَنْبِيهٌ يَنْتَقِلُ الْمُدَبَّرُ لِلِاحْتِكَارِ وَلِلْقِنْيَةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ. وَكَذَلِكَ الْمُحْتَكِرُ يَنْتَقِلُ لِلْقِنْيَةِ. لَا بِالْعَكْسِ؛ وَهُوَ انْتِقَالُ الْمُحْتَكِرِ وَالْمُقْتَنِي لِلْإِدَارَةِ فَلَا تَكْفِي فِيهِمَا النِّيَّةُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّعَاطِي؛ لِأَنَّ النِّيَّة سَبَبٌ ضَعِيفٌ تُنْقَلُ لِلْأَصْلِ وَلَا تُنْقَلُ عَنْهُ، وَالْأَصْلُ فِي الْعُرُوضِ الْقِنْيَةُ وَالِاحْتِكَارُ قَرِيبٌ مِنْهَا.

أَوْ احْتَكَرَ الْأَكْثَرَ) وَأَدَارَ فِي الْأَقَلِّ (فَكُلٌّ) مِنْ الْعَرْضَيْنِ (عَلَى حُكْمِهِ) فِي الزَّكَاةِ. (وَإِلَّا) بِأَنْ أَدَارَا أَكْثَرَ سِلَعِهِ وَاحْتَكَرَ الْأَقَلَّ (فَالْجَمِيعُ لِلْإِدَارَةِ) ، وَبَطَلَ حُكْمُ الِاحْتِكَارِ. (وَالْقِرَاضُ) الَّذِي عِنْدَ الْعَامِلِ (الْحَاضِرِ) بِبَلَدِ رَبِّ الْمَالِ (يُزَكِّيه رَبُّهُ) - لَا الْعَامِلُ - زَكَاةُ إدَارَةٍ (كُلُّ عَامٍ) بِمَا فِيهِ (مِنْ غَيْرِهِ) : لَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ لِئَلَّا يَنْقُصَ عَلَى الْعَامِلِ وَالرِّبْحِ يَجْبُرُهُ - وَهُوَ ضَرَرٌ عَلَى الْعَامِلِ - لَا أَنْ يَرْضَى بِذَلِكَ (إنْ أَدَارَ الْعَامِلُ) سَوَاءٌ كَانَ رَبُّهُ مُدِيرًا أَوْ مُحْتَكِرًا أَوْ لَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَكُلٌّ عَلَى حُكْمِهِ] : وَإِنَّمَا لَمْ يُغَلَّبُ الِاحْتِكَارُ فِيمَا الْأَكْثَرُ مُرَاعَاةً لَحِقَ الْفُقَرَاءِ إذَا غُلِّبَتْ الْإِدَارَةُ غَلَبَتْ قَوْلُهُ: [الْحَاضِرُ بِبَلَدِ رَبِّ الْمَالِ] : أَيْ وَلَوْ حُكْمًا، بِأَنَّ عَلِمَ فِي غِيبَتِهِ، كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [يُزَكِّيه رَبُّهُ كُلَّ عَامٍ] إلَخْ: هُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ ثَلَاثَةٌ، وَهِيَ طَرِيقَةٌ لِابْنِ يُونُسَ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَالثَّانِي - وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ: أَنَّهُ لَا يُزَكِّي إلَّا بَعْدَ الْمُفَاصَلَةِ، وَيُزَكِّي حِينَئِذٍ لِلسِّنِينَ الْمَاضِيَةِ عَلَى حُكْمِ مَا يَأْتِي فِي الْغَائِبِ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ وَعَزَّاهُ لِقِرَاضِ الْمُدَوَّنَةِ وَالْوَاضِحَةِ، وَلِرِوَايَةِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يُزَكِّي إلَّا بَعْدَ الْمُفَاصَلَةِ وَلَكِنْ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ كَالدَّيْنِ، حَكَاهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ - اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ (انْتَهَى - بْن كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) ، وَذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ مَا يُفِيدُ اعْتِمَادَ الْقَوْلِ الْوَسَطِ أَيْضًا. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يُخْرِجُ رَبُّ الْمَالِ زَكَاتَهُ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مِنْهُ وَيَحْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ. وَلَمْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ وَزِيَادَةٌ فِي مَالِ الْقِرَاضِ بِتَوْفِيرِهِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ كَالنَّقْصِ إمَّا الْيَسَارَةُ جُزْءُ الزَّكَاةِ فَتَسَامَحَ بِهِ النُّفُوسُ أَوْ لِأَنَّهُ لَازِمٌ شَرْعًا فَكَأَنَّهُ مَدْخُولٌ عَلَيْهِ. اُنْظُرْ الْخَرَشِيَّ وَغَيْرُهُ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [إنْ أَدَارَ الْعَامِلُ] إلَخْ: تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا بُدَّ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ أَنْ يَنِضَّ لَهُ وَلَوْ دِرْهَمًا. فَهَلْ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْعَامِلِ وَرَبِّ الْمَالِ مُدَبَّرًا يَكْفِي النَّضُوضُ لِأَحَدِهِمَا؟ وَإِذَا أَدَارَ الْعَامِلُ فَقَطْ فَلَا بُدَّ أَنْ يَنِضَّ لَهُ شَيْءٌ - وَهُوَ ظَاهِرُ مَا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ - أَمْ لَا؟ قَالَهُ الشَّيْخ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ، وَقَالَ اللَّقَانِيُّ: يُشْتَرَطُ النَّضُوضُ فِيمَنْ

وَذَكَرَ مَفْهُومَ الْحَاضِرِ بِقَوْلِهِ: (وَصَبَرَ) رَبُّهُ بِلَا زَكَاةٍ (إنْ غَابَ) الْمَالُ عَنْ بَلَد رَبِّهِ غِيبَةً لَا يُعْلَمُ فِيهَا حَالِهِ وَلَوْ سِنِينَ. وَلَا يُزَكِّيه الْعَامِلُ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَأْمُرَ رَبَّهُ بِهَا فَتَجْزِيه. وَيَحْسِبُهَا الْعَامِلُ عَلَى رَبِّهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ حَتَّى يُحْضِرَ الْمَالَ (فَيُزَكِّي عَنْ سَنَةِ الْحُضُورِ مَا) وَجَدَ (فِيهَا) سَوَاءٌ زَادَ عَمَّا قَبْلَهَا أَوْ نَقَصَ أَوْ سَاوَى. فَإِنْ كَانَ الْمَالُ فِي سَنَةِ الْحُضُورِ مُسَاوِيًا لِمَا مَضَى فَأَمْرُهُ ظَاهِرُ، (وَ) إنْ كَانَ فِيمَا قَبْلَهَا أَزِيدُ (سَقَطَ مَا زَادَ قَبْلَهَا) فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ لَهُ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ، وَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا لَوْ كَانَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مُسَاوِيًا لِسَنَةِ الْحُضُورِ، فَيَبْتَدِئُ فِي الْإِخْرَاجِ بِسَنَةِ لِحُضُورِ، ثُمَّ بِمَا قَبْلَهَا وَهَكَذَا. وَيُرَاعَى تَنْقِيصُ الْأَخْذَ النِّصَابَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ الْحُكْمُ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُزَكِّيهِ الْعَامِلُ] إلَخْ: أَيْ لِاحْتِمَالِ دَيْنِ رَبِّهِ أَوْ مَوْتِهِ، فَإِنْ وَقَعَ وَزَكَّاهُ رَبُّهُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِحَالِهِ، فَالظَّاهِرُ الْإِجْزَاءُ. ثُمَّ إنْ تَبَيَّنَ زِيَادَةَ الْمَالِ عَلَى مَا أَخْرَجَ أَخْرَجَ عَنْهَا. وَإِنْ تَبَيَّنَ نَقْصَهُ عَمَّا أَخْرَجَ رَجَعَ بِهَا عَلَى الْفَقِيرِ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً بِيَدِهِ وَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهَا زَكَاةٌ، وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ لَهُ خِلَافًا لِاسْتِظْهَارِ (عب) مِنْ عَدَمِ رُجُوعِهِ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ بَاقِيًا بِيَدِهِ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ بِإِخْرَاجِهِ قَبْلَ عِلْمِ قَدْرِهِ. قَوْلُهُ: [سَقَطَ مَا زَادَ قَبْلَهَا] : وَلَوْ زَكَّاهُ الْعَامِلُ عَنْ رَبِّهِ لَمْ يَرْجِعْ بِزَكَاةِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ. قَوْلُهُ: [فَيَبْتَدِئُ فِي الْإِخْرَاجِ بِسَنَةِ الْحُضُورِ] : اعْتَرَضَهُ الرَّمَاصِيُّ بِأَنَّ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْأَوْلَى فَالْأَوْلَى، فَإِذَا كَانَ الْمَالُ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ. وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثَمِائَةٍ، وَفِي الثَّالِثَةِ وَهِيَ سَنَة الْحُضُورِ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ. فَإِنَّهُ يُزَكِّي عَنْ الْأُولَى فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ عَنْ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مَا نَقَصَتْهُ الزَّكَاةُ فِيمَا قَبْلَهَا. قُلْت: الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: إنَّ الْمَالَ وَاحِدٌ سَوَاءٌ بَدَأَ بِالْأُولَى أَوْ سَنَةِ الْحُضُورِ. وَمِثْلُ هَذَا يُقَالُ فِي بَقِيَّةِ الصُّوَرِ (انْتَهَى - بْن. كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَيُرَاعِي] أَيْ فِي غَيْرِ سَنَةِ الْحُضُورِ. وَكَمَا يُرَاعِي تَنْقِيصَ الْأَخْذِ النِّصَابَ يُرَاعِي أَيْضًا تَنْقِيصَهُ لِجُزْءِ الزَّكَاةِ. فَالْأَوَّلُ: كَمَنْ عِنْدَهُ أَحَدَ وَعِشْرُونَ دِينَارًا فَغَابَ بِهَا الْعَامِلُ خَمْسَ سِنِينَ، وَوُجِدَتْ بَعْدَ الْحُضُورِ كَمَا هِيَ فَيَبْدَأُ بِالْعَامِ الْأَوَّلِ

(وَإِنْ نَقَصَ) مَا قَبْلَهَا عَنْهَا (فَلِكُلٍّ) مِنْ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ (مَا فِيهَا) كَمَا إذَا كَانَ فِي الْأُولَى مِائَةٌ. وَفِي الثَّانِيَةِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ وَفِي الثَّالِثَةِ مِائَتَانِ (وَإِنْ زَادَ) الْمَالُ فِيمَا قَبْلَهَا تَارَةً (وَنَقَصَ) تَارَةً أُخْرَى، كَمَا لَوْ كَانَ فِيهَا مِائَتَانِ، وَفِيمَا قَبْلَهَا ثَلَاثُمِائَةٍ (قَضَى بِالنَّقْصِ عَلَى مَا قَبْلَهُ) فَيُزَكِّي فِي سَنَةِ الْحُضُورِ عَنْ مِائَتَيْنِ، وَعَنْ كُلِّ مَا قَبْلَهَا مِائَةً، لِأَنَّ الزَّائِدَ لَمْ يَصِلْ لِرَبِّهِ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ، وَلَا يَقْضِي بِالنَّقْصِ عَلَى مَا بَعْدَهُ. وَذَكَرَ مَفْهُومَ " إنْ أَدَارَ " الْعَامِلُ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ احْتَكَرَ الْعَامِلُ) - سَوَاءٌ احْتَكَرَ رَبُّهُ أَمْ لَا - (فَكَالدَّيْنِ) يُزَكِّيه لِعَامٍ وَاحِدٍ بَعْدَ قَبْضِهِ بِانْفِصَالِهِ مِنْ الْعَامِلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَمَا بَعْدَهُ وَيُرَاعِي تَنْقِيصُ الْأَخْذِ النِّصَابَ. وَحِينَئِذٍ فَلَا يُزَكِّي عَنْ الثَّالِثَةِ الْبَاقِيَةِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَالُ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ أَرْبَعَمِائَةٍ، وَفِي الثَّانِي ثَلَاثَمِائَةٍ، وَفِي عَامِ الْحُضُورِ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ؛ فَإِذَا زَكَّى عَنْهَا لِعَامِ الْحُضُورِ أَخْرَجَ سِتَّةَ دَنَانِيرَ وَرُبْعًا، وَزَكَّى عَنْ الْعَامِ الَّذِي قَبْلَهُ عَنْ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ إلَّا سِتَّةً وَرُبْعًا الَّتِي أَخْرَجَهَا زَكَاةً، وَعَنْ الْعَامِ الْأَوَّلِ عَنْ مِائَتَيْنِ وَثَمَانِيَةٍ وَثَلَاثِينَ إلَّا رُبْعًا وَنَحْوَ الْعُشْرِ، قَالَ (بْن) : وَلَا يُقَالُ إنَّ اعْتِبَارَ تَنْقِيصُ الْأَخْذِ النِّصَابَ أَوْ لِجُزْءِ الزَّكَاةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَجْعَلُ فِي مُقَابِلَةِ دَيْنِ الزَّكَاةِ - وَإِلَّا فَيُزَكِّي عَنْ الْجَمِيعِ كُلَّ عَامٍ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ - لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يَجْرِي ذَلِكَ هُنَا، لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَقَعْ فِيهِ تَفْرِيطٌ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالذِّمَّةِ بَلْ بِالْمَالِ، فَيُعْتَبَرُ نَقْصُهُ مُطْلَقًا. نَقَلَهُ مَحْشِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [قَضَى بِالنَّقْصِ عَلَى مَا قَبْلَهُ] : هَذَا ظَاهِرُ فَمَا إذَا تَقَدَّمَ الْأَزْيَدُ عَلَى الْأَنْقَصِ كَمَا فِي مِثَالِ الشَّارِحِ. وَأَمَّا إنْ تَقَدَّمَ الْأَنْقَصُ عَلَى الْأَزْيَدِ؛ كَمَا لَوْ كَانَ فِي سَنَةِ الْحُضُورِ أَرْبَعُمِائَةٍ، وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا خَمْسُمِائَةٍ؛ وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا مِائَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يُزَكِّي أَرْبَعَمِائَةٍ لِسَنَةِ الْفَصْلِ وَلِمَا قَبْلَهَا وَيُزَكِّي عَنْ مِائَتَيْنِ لِلْعَامِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: [فَكَالدَّيْنِ] : أَفَادَ بِهَذَا التَّشْبِيهِ فَائِدَتَيْنِ؛ الْأُولَى: أَنَّهُ لَا يُزَكِّيهِ قَبْلَ رُجُوعِهِ لِرَبِّهِ وَلَوْ نَضَّ بِيَدِ الْعَامِلِ، وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ إنَّمَا يُزَكِّيهِ بَعْدَ قَبْضِهِ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَوْ أَقَامَ أَعْوَامًا كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ؛ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ رَبُّ الْمَالِ مُدَبَّرًا وَكَانَ مَا بِيَدِهِ أَكْثَرِ مِمَّا بِيَدِ الْعَامِلِ؛ وَإِلَّا كَانَ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ يُبْطِلُ حُكْمَ الِاحْتِكَارِ، وَحِينَئِذٍ فَيَقُومُ رَبُّ الْمَالِ مَا بِيَدِ الْعَامِلِ كُلَّ سَنَةٍ وَيُزَكِّيهِ إنْ عَلِمَ بِهِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْأَصْلِ وَحَاشِيَتِهِ.

[زكاة ربح العامل من مال القراض]

وَلَوْ أَقَامَ عِنْدَ الْعَامِلِ أَعْوَامًا وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْعُرُوضِ الْمُشْتَرَاةِ بِمَالٍ. وَأَمَّا الْمَاشِيَةُ فَحُكْمُهَا مَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: (وَعُجِّلَتْ زَكَاةُ مَاشِيَتِهِ) : أَيْ الْقِرَاضِ إذَا بَلَغَتْ نِصَابًا حَالَ حَوْلُهُ (مُطْلَقًا) حَضَرَتْ أَوْ غَابَتْ احْتَكَرَهَا الْعَامِلُ، أَوْ أَدَارَ وَمِثْلُ الْمَاشِيَةِ الْحَرْثِ وَأُخِذَتْ مِنْهَا إنْ غَابَتْ (وَحُسِبَتْ عَلَى رَبِّهِ) مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَلَا تُجْبَرْ بِالرِّبْحِ كَالْخَسَارَةِ، فَإِنْ حَضَرَتْ فَهَلْ كَذَلِكَ أَوْ تُؤْخَذُ مِنْ رَبِّهَا (كَزَكَاةِ فِطْرِ رَقِيقِهِ) : أَيْ الْقِرَاضِ فَإِنَّهَا عَلَى رَبِّهِ قَوْلًا وَاحِدًا؟ قَالَ فِيهَا: " وَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ عَبِيدِ الْقِرَاضِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ خَاصَّةً ". وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ نَظَرٌ. ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى زَكَاةِ رِبْحِ الْعَامِلِ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَقَالَ: (وَيُزَكِّي الْعَامِلُ رِبْحَهُ) بَعْدَ النَّضُوضِ وَالِانْفِصَالِ (وَإِنْ قَلَّ) عَنْ النِّصَابِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يَضُمُّهُ إلَيْهِ (لِعَامٍ) وَاحِدٍ بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَعُجِّلَتْ زَكَاةُ مَاشِيَتِهِ] : أَيْ فَتَخْرُجُ مِنْ عَيْنِهَا وَلَا يَنْتَظِرُ بِهَا الْمُفَاصَلَةَ وَلَا عِلْمَ رَبِّهَا بِحَالِهَا لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِعَيْنِهَا. قَوْلُهُ: [وَحُسِبَتْ عَلَى رَبِّهِ] إلَخْ: فَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَرْبَعِينَ دِينَارًا اشْتَرَى بِهَا الْعَامِلُ أَرْبَعِينَ شَاةٍ، أَخَذَ السَّاعِي مِنْهَا بَعْدَ مُرُورِ الْحَوْلِ شَاةً؛ فَلَوْ كَانَتْ الشَّاةُ تُسَاوِي دِينَارًا ثُمَّ بَاعَ الْبَاقِيَ بِسِتِّينَ دِينَارًا فَالرِّبْحُ - عَلَى الْمَشْهُورِ - أَحَدٌّ وَعِشْرُونَ دِينَارًا وَرَأْسُ الْمَالِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ لِحِسَابِ الشَّاهِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ. وَعَلَى مُقَابِلِهِ: الرِّبْحُ عِشْرُونَ وَيُجْبَرُ رَأْسُ الْمَالِ وَيَبْقَى الْمَالُ عَلَى حَالِهِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: [فَلَا تُجْبَرُ بِالرِّبْحِ] إلَخْ: أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ، بِخِلَافِ الْخَسَارَةِ فَإِنَّهَا تُجْبَرُ بِهِ. قَوْلُهُ: [وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ نَظَرٌ] : أَيْ لِحِكَايَتِهِ التَّأْوِيلَيْنِ مَعَ تَصْرِيحِ الْمُدَوَّنَةِ بِكَوْنِهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ خَاصَّةً كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. وَأَمَّا نَفَقَتُهُ فَمِنْ مَالِ الْقِرَاضِ وَيُجْبَرُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا. [زَكَاة رِبْحِ الْعَامِلِ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ] قَوْلُهُ: [وَيُزَكِّي الْعَامِلُ] : أَيْ لَا رَبَّ الْمَالِ خِلَافًا لِبَهْرَامَ حَيْثُ: قَالَ مَا خَصَّ الْعَامِلُ مِنْ الرِّبْحِ يُزَكِّيهِ رَبُّ الْمَالِ. قَوْلُهُ: [لِعَامٍ وَاحِدٍ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْعَامِلُ وَرَبُّ الْمَالِ مُدَبَّرَيْنِ أَوْ مُحْتَكِرَيْنِ

(إنْ أَقَامَ) الْقِرَاضَ (بِيَدِهِ حَوْلًا فَأَكْثَرَ) مِنْ يَوْمِ التَّجْرِ لَا أَقَلَّ مِنْ حَوْلٍ. (وَكَانَا) مَعًا (حُرَّيْنِ مُسْلِمِينَ بِلَا دَيْنٍ) عَلَيْهِمَا. (وَحِصَّةُ رَبِّهِ بِرِبْحِهِ نِصَابٌ) فَأَكْثَرُ، وَالْوَاوُ لِلْحَالِ: لَا أَقَلَّ وَإِنْ نَابَهُ هُوَ نِصَابٌ بَلْ يَسْتَقْبِلُ حِينَئِذٍ بِهِ (أَوْ) حِصَّةُ رَبِّهِ بِرِبْحِهِ (أَقَلُّ) مِنْ نِصَابٍ، (وَ) لَكِنْ (عِنْدَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ مُخْتَلِفَيْنِ، فَلَا يُزَكِّيهِ إلَّا لِعَامٍ وَاحِدٍ بَعْدَ قَبْضِ حِصَّتِهِ وَلَوْ أَقَامَ مَالَ الْقِرَاضِ بِيَدِهِ أَعْوَامًا. وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْعَامِلُ مُدَبَّرًا زَكَّاهُ لِكُلِّ عَامٍ بَعْدَ الْمُفَاصَلَةِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ وَقَالَ: إنَّهُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [إنْ أَقَامَ الْقِرَاضُ بِيَدِهِ حَوْلًا] : هَذَا الشَّرْطُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ شَرِيكٌ لِرَبِّ الْمَالِ لَا أَجِيرٌ وَإِلَّا لَاكْتَفَى بِحَوْلِ صَاحِبِ الْمَالِ قَوْلُهُ: [حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ بِلَا دَيْنٍ] : اشْتِرَاطُ هَذِهِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَة فِي رَبِّ الْمَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ أَجِيرٌ. أَمَّا لَوْ نَظَرَ لِكَوْنِهِ شَرِيكًا فَلَا يُشْتَرَطُ مَا ذَكَرَ فِي رَبِّ الْمَالِ بِالنِّسْبَةِ لِتَزْكِيَةِ الْعَامِلِ؛ لَانَ الْمَنْظُورَ لَهُ ذَاتُ الْمَالِ. وَاشْتِرَاطُهَا فِي الْعَامِلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ شَرِيكٌ؛ إذْ لَوْ قُلْنَا إنَّهُ أَجِيرٌ لَاكْتَفَى بِحَوْلِهَا فِي رَبِّ الْمَالِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ اضْطَرَبُوا فِي النَّظَرِ لِذَلِكَ، وَالْفِقْهُ: مُسْلِمٌ. قَوْلُهُ: [وَحِصَّةُ رَبِّهِ] : الْمُرَادُ بِالْحِصَّةِ: رَأْسُ الْمَالِ. قَوْلُهُ: [لَا أَقَلَّ وَإِنْ نَابَهُ هُوَ نِصَابٌ] : بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ أَجِيرٌ، فَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَدَفَعَهَا رَبُّهَا لِلْعَامِلِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِرَبِّهَا جُزْءٌ مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ فَرِبْحُ الْمَالِ مِائَةٌ، فَإِنَّ رَبَّهُ لَا يُزَكِّي لِأَنَّ مَجْمُوعَ رَأْسِ الْمَالِ وَحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ أَحَدَ عَشَرَ، وَكَذَلِكَ الْعَامِلُ لَا يُزَكِّي بَلْ يَسْتَقْبِلُ بِمَا خَصَّهُ وَهُوَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ حَوْلًا مِنْ وَقْتِ قَبْضِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَكِنْ عِنْدَهُ] : هَكَذَا فِي نَقْلِ ابْنِ يُونُسَ وَنَصُّهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، قَالَ أَشْهَبُ فِيمَنْ عِنْدَهُ أَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا فَرَبِحَ فِيهَا خَمْسَةً وَلَهُ مَالٌ حَالَ حَوْلُهُ: إنْ ضَمَّهُ إلَى هَذَا صَارَ فِيهِ الزَّكَاةُ، يُرِيدُ وَقَدْ حَالَ عَلَى أَصْلِ هَذَا الْمَالِ حَوْلٌ فَلِيُزَكِّ الْعَامِلُ حِصَّتَهُ، لِأَنَّ الْمَالَ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ. (انْتَهَى - كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ الْبُنَانِيِّ) . تَنْبِيهٌ قَالَ خَلِيلٌ: وَفِي كَوْنِهِ شَرِيكًا أَوْ أَجِيرًا خِلَافٌ. قَالَ شُرَّاحه: تَظْهَرُ

[أثر زكاة الدين في غيرها]

أَيْ رَبِّهِ (مَا يُكَمِّلُهُ) فَيُزَكِّي الْعَامِلُ وَإِنْ أَقَلَّ لِأَنَّ زَكَاتَهُ تَابِعَةُ لِزَكَاةِ رَبِّهِ. (وَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ) وَلَوْ عَيْنًا (زَكَاةُ حَرْثٍ وَمَاشِيَةٍ وَمَعْدِنٍ) لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِعَيْنِهَا. (بِخِلَافِ الْعَيْنِ) الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ (فَيُسْقِطُهَا) الدَّيْنُ (وَلَوْ) كَانَ الدَّيْنُ (مُؤَجَّلًا أَوْ) كَانَ (مَهْرًا) عَلَيْهِ لِامْرَأَتِهِ أَوْ مُؤَخَّرًا (أَوْ) مُقَدَّمًا كَانَ (نَفَقَةً كَزَوْجَةٍ) أَوْ أَبٍ أَوْ ابْنٍ (تَجَمَّدَتْ) عَلَيْهِ (أَوْ) كَانَ (دَيْنَ زَكَاةٍ) انْكَسَرَتْ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي الْمَبْنِيِّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فَبَعْضُهُمْ شَهَّرَ مَا ابْتَنَى عَلَى كَوْنِهِ شَرِيكًا، وَبَعْضُهُمْ شَهَّرَ عَلَى كَوْنِهِ أَجِيرًا، وَكُلُّ مُسْلِمٍ كَمَا عَلِمْت مِمَّا تَقَدَّمَ. [أثر زَكَاة الدِّين فِي غَيْرهَا] قَوْلُهُ: [وَمَعْدِنٍ] : مِثْلُهُ الرِّكَازُ؛ إذَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا يُسْقِطُهَا الدَّيْنُ وَلَا مَا مَعَهُ مِنْ فَقْدٍ وَأَسْرٍ، بَلْ وَكَذَلِكَ إذَا وَجَبَ فِيهِ الْخَمْسُ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْعَيْنُ] : أَيْ فَتَسْقُطُ بِسَبَبِ دَيْنٍ عَلَى أَرْبَابِهَا؛ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ عَيْنًا اقْتَرَضَهَا أَوْ اشْتَرَاهَا فِي الذِّمَّةِ، أَوْ كَانَ عَرَضًا أَوْ طَعَامًا كَدَيْنِ السَّلَمِ. وَيَدْخُلُ فِي الْعَيْنِ قِيمَةُ عُرُوضِ التِّجَارَةِ فَتَسْقُطُ زَكَاتُهَا بِالدَّيْنِ وَالْفَقْدِ وَالْأَسْرِ. قَوْلُهُ: [أَوْ كَانَ مَهْرًا عَلَيْهِ] : هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِكُلِّ دَيْنٍ إلَّا مُهُورَ النِّسَاءِ؛ إذْ لَيْسَ شَأْنُهُنَّ الْقِيَامَ بِهِ إلَّا فِي مَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْقُوَّةِ كَغَيْرِهِ. كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ كَانَ نَفَقَةً كَزَوْجَةٍ] : أَيْ فَإِنَّهَا مُسْقِطَةٌ لِلزَّكَاةِ مُطْلَقًا - حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ أَمْ لَا - لِقُوَّتِهَا بِكَوْنِهَا فِي مُقَابِلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ. قَوْلُهُ: [أَوْ ابْنٍ] : أَيْ إنْ حَكَمَ بِهَا - أَيْ قَضَى بِمَا تَجَمَّدَ مِنْهَا فِي الْمَاضِي - حَاكِمٌ غَيْرُ مَالِكِيٍّ يَرَى ذَلِكَ. وَصُورَتُهَا أَنَّهُ تَجَمَّدَ عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى شَيْءٌ مِنْ النَّفَقَةِ فَطَلَب الْوَلَدُ أَبَاهُ بِهِ، فَامْتَنَعَ فَرَفَعَ لِحَاكِمٍ يَرَى ذَلِكَ فَحَكَمَ بِهَا. فَإِنْ تَجَمَّدَتْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهَا حَاكِمٌ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَسْقُطُ، وَقَالَ أَشْهَبُ: تَسْقُطُ، وَإِطْلَاقُ شَارِحِنَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ أَشْهَبَ. وَأَمَّا إنْ تَجَمَّدَتْ نَفَقَةُ الْوَالِدِ - أَبًا وَأُمًّا - عَلَى الِابْنِ فَلَا تَسْقُطُ زَكَاتُهُ إلَّا بِشَرْطَيْنِ: حَكَمَ الْحَاكِمُ بِهَا، وَتَسَلَّفَهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا حَاكِمٌ أَوْ حُكْم بِهَا وَلَمْ يَتَسَلَّفْ الْوَالِدُ بَلْ تَحَيَّلَ فِي الْإِنْفَاقِ بِسُؤَالٍ أَوْ غَيْرِهِ، لَمْ تَسْقُطْ عَنْ الِابْنِ كَذَا فِي الْأَصْلِ. وَإِنَّمَا شَدَّدَ فِي نَفَقَةِ الْوَالِدِ حَيْثُ جُعِلَتْ مُسْقِطَةٌ لِزَكَاةِ الْعَيْنِ بِمُجَرَّدِ الْحُكْمِ بِهَا أَوْ بِمُجَرَّدِ تَجَمُّدِهَا - عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ - دُونَ نَفَقَةِ الْأَبَوَيْنِ، لِأَنَّ مُسَامَحَةَ الْوَالِدَيْنِ

(لَا) دَيْنَ (كَفَّارَةٍ) لِيَمِينٍ أَوْ غَيْرِهِ كَظِهَارٍ وَصَوْمٍ، (وَ) لَا دَيْنَ (هَدَى) وَجَبَ عَلَيْهِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَا يَسْقُطَانِ زَكَاةُ الْعَيْنِ. (إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ) أَيْ لِرَبِّ الْعَيْنِ الْمَدِينِ (مِنْ الْعُرُوضِ مَا) أَيِّ شَيْءٍ (يَفِي بِهِ) أَيْ بِدَيْنِهِ؛ فَإِنَّهُ يَجْعَلُهُ فِي نَظِيرِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ وَيُزَكِّي مَا عِنْدَهُ مِنْ الْعَيْنِ. وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ بِشَرْطَيْنِ: أَشَارَ لِأَوَّلِهِمَا بِقَوْلِهِ: (إنْ حَالَ حَوْلُهُ) : أَيْ الْعَرْضُ (عِنْدَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْوَلَدِ أَكْثَرُ مِنْ مُسَامَحَةِ الْوَلَدِ لَهُمَا لِأَنَّ حُبَّ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ مَوْرُوثٌ مِنْ آدَمَ، وَلَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ حُبُّ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ. قَوْلُهُ: [لَا دَيْنَ كَفَّارَةٍ] إلَخْ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ دَيْنِ الزَّكَاةِ أَنَّ دَيْنَ الزَّكَاةِ تُتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ مِنْ الْإِمَامِ الْعَدُوِّ وَيَأْخُذُهَا كُرْهًا بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ وَالْهَدْيِ، فَإِنَّهُ لَا يُتَوَجَّهُ فِيهِمَا ذَلِكَ وَتَعَقَّبْ هَذَا الْفَرْقُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَتَّابٍ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَرَفَةَ قَائِلًا: لَا فَرْقَ بَيْنَ دَيْنِ الزَّكَاةِ وَالْهَدْي وَالْكَفَّارَةِ فِي مُطَالَبَةِ الْإِمَامِ بِهَا، وَنَقَلَ ذَلِكَ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ فَتَحَصَّلَ أَنَّ فِي دَيْنِ الْكَفَّارَةِ وَالْهَدْي طَرِيقَتَيْنِ: طَرِيقَةُ ابْنِ عَتَّابٍ يَقُولُ كَالزَّكَاةِ، وَطَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَخَلِيلٍ وَشُرَّاحِهِ أَنَّهُمَا لَيْسَا كَالزَّكَاةِ. قَوْلُهُ: [إنْ حَالَ حَوْلُهُ] : أَيْ مَضَى لَهُ حَوْل. وَالْمُرَادُ بِالْحَوْلِ: السَّنَةُ كَمَا هُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ كَلَامِهِمْ. وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ هَذَا الشَّرْطُ إذَا مَرَّ عَلَى الدَّيْنِ حَوْلٌ وَهُوَ عِنْدَ الْمَدِينِ، وَإِلَّا فَالشَّرْطُ مُسَاوَاةُ الدَّيْنِ لِمَا يَجْعَلُ فِيهِ زَمَانًا. وَاشْتِرَاطُ مُرُورِ الْحَوْلِ عَلَى مَا يَجْعَلُ فِي الدَّيْنِ مِنْ الْعَرَضِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَشْهَبُ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ بَلْ يَجْعَلُ قِيمَتَهُ فِي مُقَابِلَةِ الدَّيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَمُرْ عَلَيْهِ حَوْلٌ عِنْدَهُ. قَالَ (ر) : وَبَنَوْا هَذَا الْخِلَافَ عَلَى أَنَّ مِلْكَ الْعَرَضِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ هُوَ مُنْشِئٌ لِمِلْكِ الْعَيْنِ الَّتِي بِيَدِهِ مِنْ الْآنَ وَحِينَئِذٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا لِفَقْدِ الْحَوْلِ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ - أَوْ كَاشِفٌ أَنَّهُ كَانَ مَالِكًا لَهَا، وَحِينَئِذٍ فَيُزَكِّي، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا الْبِنَاءَ يُوجِبُ عُمُومَ شَرْطِ الْحَوْلِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كُلِّ مَا يَجْعَلُ فِي مُقَابِلَةِ الدَّيْنِ مِنْ مَعْشَرٍ وَمَعْدِنٍ وَغَيْرِهِمَا، مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا مُرُورَ الْحَوْلِ إلَّا فِي الْعَرَضِ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوهُ فِي الْمَعْشَرِ وَالْمَعْدِنِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا فِي الْمَوَّاقِ. اُنْظُرْ (بْن) . كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ.

وَلِلثَّانِيَّ بِقَوْلِهِ: (وَبَيْعُ) ذَلِكَ الْعَرْضِ: أَيْ وَكَانَ مِمَّا يُبَاعُ (عَلَى الْمُفْلِسِ) : كَثِيَابٍ، وَنُحَاسٍ وَمَاشِيَةٍ وَلَوْ دَابَّةُ رُكُوبٍ أَوْ ثِيَابُ جُمُعَةٍ أَوْ كُتُبُ فِقْهٍ، لَا ثَوْبَ جَسَدِهِ أَوْ دَارَ سُكْنَاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا فَضْلٌ عَنْ ضَرُورَتِهِ. فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْعَرْضِ مَا يَفِي بِبَعْضِ مَا عَلَيْهِ لِلْبَاقِي: فَإِنْ كَانَ فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ، كَمَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَرْبَعُونَ دِينَارًا وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا وَعِنْدَهُ عَرْضٌ يَفِي بِعِشْرِينَ زَكَّى الْعِشْرِينَ. (وَالْقِيمَةُ) لِذَلِكَ الْعَرْضِ تُعْتَبَرُ (وَقْتَ الْوُجُوبِ) : أَيْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ آخِرِ الْحَوْلِ (أَوْ) يَكُونُ (لَهُ دَيْنٌ مَرْجُوٌّ وَلَوْ مُؤَجَّلًا) فَإِنَّهُ يَجْعَلُهُ فِيمَا عَلَيْهِ وَيُزَكِّي مَا عِنْدَهُ مِنْ الْعَيْنِ. (لَا غَيْرَ مَرْجُوٍّ) : كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى مُعْسِرٍ أَوْ ظَالِمٍ لَا تَنَالُهُ الْأَحْكَامُ، (وَلَا) إنْ كَانَ لَهُ (آبِقٌ) : فَلَا يَجْعَلْ فِي نَظِيرِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ (وَلَوْ رُجِيَ) تَحْصِيلُهُ لِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِ بِحَالٍ. (فَلَوْ وُهِبَ الدَّيْنُ لَهُ) : أَيْ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ - بِأَنَّ أَبْرَأهُ رَبُّهُ مِنْهُ وَلَمْ يَحِلْ حَوْلُهُ مِنْ يَوْمِ الْهِبَةِ - فَلَا زَكَاةَ فِي الْعَيْنِ الَّتِي عِنْدَهُ لِأَنَّ الْهِبَةَ إنْشَاءٌ لِمِلْكِ النِّصَابِ الَّذِي بِيَدِهِ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ إلَّا إذَا اسْتَقْبَلَ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ الْهِبَةِ (أَوْ) وُهِبَ لَهُ (مَا) : ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [دَيْنٌ مَرْجُوٌّ وَلَوْ مُؤَجَّلًا] : لَكِنْ إنْ كَانَ حَالًا بِحَسَبِ عَدَدِهِ وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا بِحَسَبِ قِيمَتِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَا إنْ كَانَ لَهُ آبِقٌ] : وَمِثْلُهُ الْبَعِيرُ الشَّارِدُ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ أَبْرَأَهُ رَبُّهُ مِنْهُ] : تَصْوِيرٌ لِهِبَةِ الدَّيْنِ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُسَمَّى إبْرَاءً، لِأَنَّ الْهِبَةَ الْحَقِيقِيَّةَ تَكُونُ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ. قَوْلُهُ: [إنْشَاءٌ لِمِلْكِ النِّصَابِ] : أَيْ مِنْ الْآنَ. قَوْلُهُ: [أَوْ وُهِبَ لَهُ] إلَخْ: وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ خَلِيلٍ: أَوْ مَرَّ لِكَمُؤَجِّرٍ نَفْسِهِ بِسِتِّينَ دِينَارًا ثَلَاثَ سِنِينَ حَوْلٌ فَلَا زَكَاةَ، قَالَ شَارِحُهُ: لِأَنَّ عِشْرِينَ السَّنَةُ الْأُولَى لَمْ يَتَحَقَّقْ مِلْكُهُ لَهَا إلَّا الْآنَ، فَلَمْ يَمْلِكُهَا حَوْلًا كَامِلًا، فَإِذَا مَرَّ الْحَوْلُ الثَّانِي زَكَّى عِشْرِينَ. وَإِذَا مَرَّ الثَّالِثُ زَكَّى أَرْبَعِينَ إلَّا مَا نَقَصَتْهُ الزَّكَاةُ. وَإِذَا مَرَّ الرَّابِعُ زَكَّى الْجَمِيعَ. فَمَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَجَّرَ نَفْسَهُ ثَلَاثَ سِنِينَ بِسِتِّينَ دِينَارًا وَقَبَضَهَا، وَحُكْمُ زَكَاتِهَا مَا عَلِمْت. فَائِدَتَانِ: الْأُولَى مَنْ كَانَ لَهُ مِائَةٌ مَحْرَمِيَّةٌ وَمِائَةٌ رَجَبِيَّةٌ وَعَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ وَجَبَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ الْمَحْرَمِيَّةِ عِنْدَ حَوْلِهَا، وَتَسْقُطُ عَنْهُ زَكَاةُ الرَّجَبِيَّةِ لِأَنَّ عَلَيْهِ مِثْلَهَا.

[زكاة المعدن]

أَيْ شَيْءٌ مِنْ الْعُرُوضِ أَوْ غَيْرِهِ؛ أَيْ وَهَبَ لَهُ إنْسَانٌ مَا؛ أَيْ شَيْئًا (يَجْعَلُ فِيهِ) : أَيْ فِي نَظِيرِ الدَّيْنِ، (وَلَوْ لَمْ يَحُلْ حَوْلُهُ) أَيْ حَوْلُ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ عِنْدَ رَبِّ الْعَيْنِ (فَلَا زَكَاةَ) فِي الْعَيْنِ الَّتِي عِنْدَهُ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ، لِمَا تَقَدَّمَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ. وَهَذَا التَّصْرِيحُ بِمَفْهُومِ قَوْلِ: " إنْ حَالَ حَوْلُهُ ". ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى زَكَاةِ الْمَعْدِنِ فَقَالَ: (وَيُزَكَّى مَعْدِنُ الْعَيْنِ) : الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ (فَقَطْ) لَا مَعْدِنَ نُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ زِئْبَقٍ أَوْ غَيْرِهَا. (وَحُكْمُهُ) أَيْ الْمَعْدِنُ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ مَعْدِنَ عَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ (لِلْإِمَامِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِيَةُ مَنْ وَقَفَ عَيْنًا لِلسَّلَفِ يَأْخُذُهَا الْمُحْتَاجُ وَيَرُدُّ مِثْلَهَا يَجِبُ عَلَى الْوَاقِفِ زَكَاتُهَا لِأَنَّهَا عَلَى مِلْكِهِ فَتُزَكَّى كُلَّ عَامٍ وَلَوْ بِانْضِمَامِهَا لِمَالِهِ، وَإِلَّا أَنْ تَسَلَّفَ فَتُزَكَّى لِعَامٍ وَاحِدٍ بَعْدَ قَبْضِهَا مِنْ الْمَدِينِ كَزَكَاةِ الدَّيْنِ، وَلَوْ مَكَثَتْ عِنْدَهُ أَعْوَامًا. وَكَذَلِكَ مَنْ وَقَفَ حَبًّا لِيُزْرَعَ كُلَّ عَامٍ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ، أَوْ حَوَائِطَ لِيُفَرَّقَ ثَمَرَهَا فَيَزِيدُ الْحَبُّ وَالثَّمَرُ إنْ كَانَ فِيهِ نِصَابٌ، وَلَوْ بِالضَّمِّ لِحَبِّ الْوَاقِفِ وَثَمَرَةِ. وَكَذَلِكَ وَقْفُ الْأَنْعَامِ لِتَفْرِقَةِ لَبَنِهَا أَوْ صُوفِهَا أَوْ الْحَمْلِ عَلَيْهَا أَوْ لِتَفْرِقَةِ نَسْلِهَا، فَإِنَّ الْجَمِيعَ تُزَكَّى عَلَى مَالِك الْوَاقِفِ إنْ كَانَ فِيهَا نِصَابٌ وَلَوْ بِالِانْضِمَامِ لِمَالٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ مُعَيَّنِينَ أَوْ غَيْرَهُمْ، وَيَقُومُ مَقَامُ الْوَاقِفِ نَاظِرُ الْوَقْفِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنَّهُ يُزَكِّيهَا عَلَى حِدَتِهَا إنْ بَلَغَتْ نِصَابًا، وَلَا يَتَأَتَّى الضَّمُّ لِمَالِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَالِكًا. [زَكَاة الْمَعْدِن] قَوْلُهُ [وَيُزَكَّى مَعْدِنُ الْعَيْنِ] : يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الزَّكَاةِ مِنْ حُرِّيَّةِ الْمَالِكِ لَهُ وَإِسْلَامِهِ، وَلَا مُرُورَ الْحَوْلِ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ أَوَّلَ الْبَابِ تَبَعًا لِخَلِيلٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ. وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حُرِّيَّةٌ وَلَا إسْلَامٌ وَأَنَّ الشُّرَكَاءُ فِيهِ كَالْوَاحِدِ، قَالَ الْجُزُولِيُّ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. نَقَلَهُ الْحَطَّابُ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ [أَوْ غَيْرُهَا] : أَيْ كَالْقَصْدِيرِ وَالْعَقِيقِ وَالْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْمَغْرَةِ وَالْكِبْرِيتِ فَلَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَادِنِ، إلَّا إنْ صَارَتْ عُرُوضُ تِجَارَةِ فَتُزَكَّى زَكَاتُهَا.

أَيْ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ يَقْطَعُهُ لِمَنْ شَاءَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يَجْعَلُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِمَنَافِعِهِمْ لَا لِنَفْسِهِ (وَلَوْ) وُجِدَ (بِأَرْضِ) شَخْصٍ (مُعَيَّنٍ) وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ رَبُّ الْأَرْضِ. (إلَّا أَرْضَ الصُّلْحِ) ، إذَا وُجِدَ بِهَا مَعْدِنٌ (فَلَهُمْ) . وَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ فِيهِ مَا دَامُوا كُفَّارًا فَإِنْ أَسْلَمُوا رَجَعَ الْأَمْرُ لِلْإِمَامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ [يَقْطَعُهُ لِمَنْ شَاءَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ] : أَيْ يُعْطِيهِ لِمَنْ يَعْمَلُ فِيهِ بِنَفْسِهِ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ أَوْ مُدَّةَ حَيَاةِ الْمُقَطَّعِ - بِفَتْحِ الطَّاءِ - وَسَوَاءُ كَانَ فِي نَظِيرِ شَيْءٍ يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ مِنْ الْمُقَطَّعِ أَوْ مَجَّانًا. وَإِذَا أَقْطَعهُ لِشَخْصٍ فِي مُقَابِلَةِ شَيْءٍ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَلَا يَأْخُذُ الْإِمَامُ عَنْهُ إلَّا بِقَدْرِ حَاجَتِهِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَإِذَا أَقْطَعَهُ لِأَحَدٍ فَإِنَّمَا يَقْطَعُهُ انْتِفَاعًا لَا تَمْلِيكًا وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ أَقْطَعَهُ لَهُ الْإِمَامُ أَنْ يَبِيعَهُ - ابْنُ الْقَاسِمِ. وَلَا يُورَثُ عَمَّنْ أَقْطَعَهُ لَهُ لِأَنَّ مَا لَا يُمْلَكُ لَا يُوَرَّثُ (اهـ. بْن كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) ، فَقَدْ عَلِمْت حُكْمَ مَا إذَا أَقْطَعَهُ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ، وَيَجِبُ عَلَى ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ زَكَاتُهُ إنْ خَرَجَ مِنْهُ نِصَابٌ حَيْثُ كَانَ عَيْنًا وَأَمَّا إذَا أَمَرَ بِقَطْعِهِ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَمْلُوكًا لِمُعَيَّنٍ حَتَّى يُزَكِّيَ. قَوْلُهُ: [بِأَرْضِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ] : أَيْ هَذَا إذَا كَانَ بِأَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَة كَالْفَيَافِيِ أَوْ مَا انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ وَلَوْ مُسْلِمِينَ، أَوْ مَمْلُوكَةٌ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَأَرْضِ الْعَنْوَةِ، بَلْ وَلَوْ بِأَرْضِ مُعَيَّنٍ، مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا. وَيُغْتَفَرُ إقْطَاعُهُ فِي الْأَرَاضِيِ الْأَرْبَعِ إلَى حِيَازَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَإِنْ مَاتَ الْإِمَامُ قَبْلَهَا بَطَلَتْ الْعَطِيَّةُ كَذَا فِي الْأَصْل، وَرَدَّ الْمُصَنِّفُ بِلَوْ عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّ الْمَعْدِنَ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْمَمْلُوكَةِ لِمُعَيَّنٍ يَكُونُ لِمَالِكِهَا مُطْلَقًا، وَعَلَى مَنْ قَالَ: إنْ كَانَ الْمَعْدِنُ عَيْنًا فَلِلْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَيْنٍ، فَلِمَالِكِ الْأَرْضِ الْمُعِينِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا لِلْإِمَامِ، لِأَنَّ الْمَعَادِنَ قَدْ يَجِدُهَا شِرَارُ النَّاسِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ لِلْإِمَامِ لَأَدَّى إلَى الْفِتَنِ وَالْهَرْجِ. قَوْلُهُ: [رَجَعَ الْأَمْرُ لِلْإِمَامِ] : أَيْ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ الْقَائِلِ إنَّهَا تَبْقَى لَهُمْ وَلَا تَرْجِعُ لِلْإِمَامِ.

[مسألة إجازة العمل في المعدن وزكاة الشركة فيه]

وَيُضَمُّ) فِي الزَّكَاةِ (بَقِيَّةُ الْعِرْقِ) الْمُتَّصِلِ لِمَا خَرَجَ أَوَّلًا، فَإِنْ بَلَغَ الْجَمِيعُ نِصَابًا فَأَكْثَرَ زَكَّاهُ إنْ اتَّصَلَ الْعَمَلُ بَلْ: (وَإِنْ تَرَاخَى الْعَمَلُ) وَالزَّكَاةُ بِإِخْرَاجِهِ أَوْ بِتَصْفِيَتِهِ: قَوْلَانِ. وَعَلَى الثَّانِي: لَوْ أُنْفِقَ شَيْئًا قَبْلَ تَصْفِيَتِهِ أَوْ ضَاعَ شَيْءٌ أَوْ تَلِفَ لَمْ يُحْسَبْ. وَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْسَبُ. (لَا) يُضَمُّ (عِرْقٌ لِآخَرَ) بَلْ إنْ أَخْرَجَ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ كُلٍّ عَلَى انْفِرَادِهِ زَكَّاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَسْأَلَة إجَازَة الْعَمَل فِي الْمَعْدِن وَزَكَاة الشَّرِكَة فِيهِ] قَوْلُهُ: [بَقِيَّةُ الْعِرْقِ] : يَعْنِي أَنَّ الْعِرْقَ الْوَاحِدَ مِنْ الْمَعْدِنِ - ذَهَبًا كَانَ أَوْ فِضَّةً. أَوْ كَانَ بَعْضُهُ ذَهَبًا وَبَعْضُهُ فِضَّةً - يُضَمُّ بَعْضُهُ لِبَعْضٍ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا، فَإِذَا أَخْرَجَ نِصَابًا زَكَّى مَا يَخْرُجُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْخَارِجُ شَيْئًا قَلِيلًا وَلَوْ تَلِفَ الْخَارِجُ أَوَّلًا. قَوْلُهُ: [بَلْ وَإِنْ تَرَاخَى الْعَمَلُ] : أَيْ فَالْمَدَارُ عَلَى اتِّصَالِ الْعِرْقِ وَلَوْ حَصَلَ فِي الْعَمَلِ انْقِطَاعٌ. قَوْلُهُ: [قَوْلَانِ] : الْأَوَّلُ لِلْبَاجِيِّ وَاسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ كَمَا قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَعَلَى الثَّانِي لَوْ أَنْفَقَ] إلَخْ: شُرُوعٌ فِي بَيَانِ ثَمَرَةِ الْخِلَافِ. قَوْلُهُ: [لَا يُضَمُّ عِرْقٌ لِآخَرَ] : أَيْ وَلَوْ اتَّصَلَ الْعَمَلُ، ظَاهِرُ عَدَمُ ضَمِّ أَحَدِ الْعِرْقَيْنِ لِلْآخَرِ وَلَوْ مِنْ مَعْدِنٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ وَجَدَ الثَّانِي قَبْلَ فَرَاغِ الْأَوَّلِ. وَفِي الْحَطَّابِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ يُضَمُّ حَيْثُ بَدَأَ الْعِرْقُ الثَّانِي قَبْلَ انْقِطَاعِ الْأَوَّلِ، وَسَوَاءٌ تَرَكَ الْعَمَلَ فِيهِ حَتَّى تَمَّمَ الْأَوَّلُ، أَوْ انْتَقَلَ لِلثَّانِي قَبْلَ تَمَامِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ حَيْثُ كَانَ الْمَعْدِنُ وَاحِدًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُ الْمَشَايِخِ الْعَدَوِيِّ. تَنْبِيهٌ إنْ وَجَدَ عِنْدَهُ فَائِدَةً حَالَ حَوْلُهَا وَحَصَلَ عِنْدَهُ مِنْ الْمَعْدِنِ مَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ، فَهَلْ يَضُمُّهُ لَهَا وَتَجِبُ الزَّكَاةُ وَهُوَ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ؟ أَوْ لَا يُضَمُّ قِيَاسًا عَلَى عَدَمِ ضَمِّ الْمَعْدِنَيْنِ وَهُوَ لِسَحْنُونٍ؟ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ دَفْعُ مَعْدِنِ الْعَيْنِ لِمَنْ يَعْمَلُ فِيهِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ غَيْرِ نَقْدٍ يَأْخُذُهَا مِنْ الْعَامِلِ فِي نَظِيرِ أَخْذِ الْعَامِلِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَعْدِنِ، بِشَرْطِ كَوْنِ الْعَمَلِ مَضْبُوطًا بِزَمَنٍ أَوْ عَمَلٍ خَاصٍّ كَحَفْرِ قَامَةٍ أَوْ قَامَتَيْنِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ نَقْدًا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ فِي النَّقْدَيْنِ، أَوْ إلَى الصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ. وَوَجْهُ الْجَوَازِ - إذَا كَانَتْ غَيْرَ نَقْدٍ - أَنَّهُ هِبَةٌ لِلثَّوَابِ، وَهِيَ تَجُوزُ مَعَ الْجَهَالَةِ، وَأَمَّا مَعْدِنُ غَيْرِ النَّقْدِ فَيَجُوزُ دَفْعُهُ

[الركاز]

وَإِلَّا فَلَا. وَأَوْلَى فِي عَدَمِ الضَّمِّ مَعْدِنٌ لِآخَرَ. (وَتُخَمَّسُ نَدْرَةُ الْعَيْنِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ: الْقِطْعَةُ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ أَيْ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ لِتَخْلِيصٍ، أَيْ يَخْرُجُ مِنْهَا الْخَمْسُ وَلَوْ دُونَ نِصَابٍ. (كَالرِّكَازِ) يُخَمَّسُ: أَيْ يَخْرُجُ مِنْهُ الْخَمْسُ (مُطْلَقًا) عَيْنًا أَوْ غَيْرَهُ قَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأُجْرَةٍ وَلَوْ نَقْدًا، وَيَكُونُ فِي نَظِيرِ إسْقَاطِهِ حَقَّهُ لَا فِي مُقَابِلَةِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ. وَأَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنَّ مَا يَخْرُجُ لِرَبِّهِ وَالْأُجْرَةُ يَدْفَعُهَا رَبُّهُ لِلْعَامِلِ، فَيَجُوزُ وَلَوْ بِأُجْرَةِ نَقْدٍ. مَسْأَلَةٌ أُخْرَى: لَوْ تَعَدَّدَ الْمُشْتَرِكُونَ فِي الْمَعْدِنِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ مِلْكُ كُلٍّ عَلَى حِدَةٍ. فَمَنْ بَلَغَتْ حِصَّتُهُ نِصَابًا زَكَّى وَإِلَّا فَلَا. وَاخْتَلَفَ: هَلْ يَجُوزُ دَفْعُ الْمَعْدِنِ لِمَنْ يَعْمَلُ فِيهِ بِجُزْءٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ؟ لِأَنَّ الْمَعَادِنَ لَمَّا لَمْ يُجَزْ بَيْعُهَا جَازَتْ الْمُعَامَلَةُ عَلَيْهَا بِجُزْءٍ كَالْمُسَاقَاةِ وَالْقِرَاضِ - وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ - أَوْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ؟ وَلِأَنَّهُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَهَذَا قَوْلُ أَصْبَغَ. رَجَّحَ كُلًّا مِنْهُمَا. [الرِّكَاز] قَوْلُهُ: [وَتُخَمَّسُ نَدْرَةُ الْعَيْنِ] : أَيْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَعِنْدَ ابْنِ نَافِعٍ فِيهَا الزَّكَاةُ رُبْعُ الْعُشْرِ لِأَنَّ الْخُمْسَ مُخْتَصٌّ بِالزَّكَاةِ، وَهِيَ عِنْدَهُ لَيْسَتْ مِنْهُ بَلْ مِنْ الْمَعْدِنِ؛ لِأَنَّ الرِّكَازَ عِنْدَهُ مُخْتَصٌّ بِدَفْنِ الْجَاهِلِيِّ، وَأَمَّا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَالرِّكَازُ مَا وُجِدَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فِي بَاطِنِ الْأَرْضِ مُخْلَصًا، سَوَاءٌ دُفِنَ فِيهَا أَوْ كَانَ مُخْلَقًا. قَوْلُهُ: [الْقِطْعَةُ مِنْ الذَّهَبِ] : كَذَا فَسَّرَهَا عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ. وَفَسَّرَهَا أَبُو عِمْرَانَ بِالتُّرَابِ الْكَثِيرِ الذَّهَبِ السَّهْلِ التَّصْفِيَةِ، وَهَذَا لَيْسَ مُخَالِفًا لِمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مَا نِيلَ مِنْ الْمَعْدِنِ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ لِكَبِيرِ عَمَلٍ فَهُوَ النَّدْرَةُ وَفِيهِ الْخُمْسُ، وَعَلَى هَذَا يَدُلُّ كَلَامُهُ كَمَا قَالَهُ (ر) . قَوْلُهُ: [الْخَالِصَةُ] : أَيْ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْأَرْضِ مِنْ أَصْلِ خِلْقَتِهَا لَا بِوَضْعِ وَاضِعٍ لَهَا. قَوْلُهُ: [الرِّكَازُ] : اعْلَمْ أَنَّ مَصْرِفَ الْخُمْسِ فِي النَّدْرَةِ. وَالرِّكَازِ غَيْرُ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ، أَمَّا خُمْسُ الرِّكَازِ فَقَدْ قَالَ اللَّخْمِيُّ: لَيْسَ كَمَصْرِفِ الزَّكَاةِ، وَإِنَّمَا هُوَ كَخُمْسِ الْغَنَائِمِ. فَمَصْرِفُهُ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ، وَيَحِلُّ لِلْأَغْنِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ نَقَلَهُ - الْمَوَّاقُ.

أَوْ كَثُرَ. (وَلَوْ كَرُخَامٍ) وَأَعْمِدَةٍ وَمِسْكٍ وَعُرُوضٍ. (أَوْ وَجَدَهُ عَبْدٌ أَوْ كَافِرٌ) ، وَالْإِطْلَاقُ رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ نَدْرَةِ الْعَيْنِ وَالرِّكَازِ وَالْمُبَالَغَةُ بِقَوْلِهِ: " وَلَوْ كَرُخَامٍ، خَاصَّةً بِالرِّكَازِ، وَقَوْلُهُ: " أَوْ وَجَدَهُ "، إلَخْ عَامٌّ فِيهِمَا. وَاسْتَثْنَى مِنْهُمَا مَعًا قَوْلُهُ: (إلَّا لِكَبِيرِ نَفَقَةٍ أَوْ) كَبِيرِ (عَمَلٍ) بِنَفْسِهِ أَوْ عَبِيدِهِ (فِي تَحْصِيلِهِ) : أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ النَّدْرَةِ وَالرِّكَازِ وَلَوْ بِمَشَقَّةِ سَفَرٍ عَلَى الْأَرْجَحِ (فَالزَّكَاةُ) حِينَئِذٍ رُبْعُ الْعُشْرِ دُونَ التَّخْمِيسِ. (وَهُوَ) : أَيْ الرِّكَازُ (دِفْنٌ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ مَدْفُونٌ (جَاهِلِيُّ) : أَيْ غَيْرُ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا مَصْرِفُ خُمْسُ النَّدْرَةِ مِنْ الْمَعْدِنِ فَلَمْ أَجِدْهُ، وَمُقْتَضَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ كَالْمَغْنَمِ وَالرِّكَازِ - أَيْ فَمَصْرِفُهُ - مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَخْتَصُّ بِالْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ (اهـ. بُنَانِيٌّ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَرُخَامٍ] : أَيْ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يُخَمَّسُ فِي الْعُرُوضِ. قَوْلُهُ: [وَالْإِطْلَاقُ رَاجِعٌ] إلَخْ: أَيْ فِي قَوْلِهِ مُطْلَقًا عَيْنًا أَوْ غَيْرِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ ظَاهِرُهُ. وَلَكِنَّ هَذَا يُنَافِيهِ تَفْسِيرُهُ - هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ شُرَّاحِ خَلِيلٍ - النَّدْرَةِ بِأَنَّهَا الْقِطْعَةُ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ، فَالصَّوَابُ رُجُوعُ الْإِطْلَاقِ لِلرِّكَازِ فَقَطْ، وَأَجَابَ الْمُؤَلِّف فِي تَقْرِيرِهِ: بِأَنَّ الْإِطْلَاقَ فِي النَّدْرَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [عَامٌّ فِيهِمَا] : أَيْ فَكَانَ الْأُولَى: أَوْ وَجَدَهُمَا. قَوْلُهُ: [فَالزَّكَاةُ] : أَيْ عَلَى تَأْوِيلِ اللَّخْمِيِّ تَأْوِيلِ ابْنِ يُونُسَ الْخُمْسُ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْبُنَانِيِّ، وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ عَاشِرٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِالزَّكَاةِ رُبْعُ الْعُشْرِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ نِصَابٍ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ شُرُوطِ الرِّكَازِ. قَوْلُهُ: [أَيْ غَيْرُ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ] : أَيْ فَالْمُرَادُ دَفْنُ غَيْرِ مَعْصُومٍ. وَمَفْهُومُ دَفْنٍ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ، لِأَنَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَا وَجَدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ مَالٍ جَاهِلِيٍّ، أَوْ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ مِنْ تَصَاوِيرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلِوَاجِدِهِ مُخَمَّسًا، وَاقْتَصَرَ عَنْ الدَّفْنِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ. هَذَا إذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ مَالٌ جَاهِلِيٌّ، بَلْ وَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ: بِأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ عَلَامَةٌ أَصْلًا أَوْ عَلَامَةٌ وَطُمِسَتْ. لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمَدْفُونَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَأَمَّا مَا عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْإِسْلَامِ

[ما لفظه البحر]

(وَكُرِهَ حَفْرُ قَبْرِهِ) : أَيْ الْجَاهِلِيُّ لِأَنَّهُ مِمَّا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ (وَالطَّلَبُ فِيهِ) عِلَّةٌ لِمَا قَبْلَهُ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُدْفَنُونَ الْأَمْوَالَ مَعَ أَمْوَاتِهِمْ. (وَ) إنْ وَقَعَ (خَمْسٌ) لِأَنَّهُ رِكَازُ (وَبَاقِيهِ) : أَيْ الرِّكَازُ (لِلْمَالِكِ الْأَرْضِ) بِإِحْيَاءٍ أَوْ بِإِرْثٍ مِنْهُ لَا لِوَاجِدِهِ وَلَا لِمَالِكِهَا بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ، بَلْ لِلْبَائِعِ الْأَصْلِيِّ أَوْ الْوَاهِبِ. فَإِنْ عَلِمَ، وَإِلَّا فَلُقَطَةُ، وَقِيلَ: لِمَالِكِهَا فِي الْحَالِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا بَاقِي النَّدْرَةِ فَكَالْمَعْدِنِ لِمُخْرِجِهِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ. (وَإِلَّا) تَكُنْ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً (فَلِوَاجِدِهِ وَدِفْنُ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لُقَطَةٌ) كَالْمَوْجُودِ مِنْ مَالِهِمَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ يُعَرَّفُ سَنَةً إذَا لَمْ يَعْلَمْ رَبَّهُ أَوْ وَارِثَهُ. فَإِنْ قَامَتْ الْقَرَائِنُ عَلَى تُوَالِي الْأَعْصَارِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّ رَبَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ وَلَا مَعْرِفَةُ وَارِثِهِ فِي هَذَا الْأَوَانِ. فَهَلْ يَنْوِي تَمَلُّكَهُ؟ أَوْ يَكُونُ مَحَلُّهُ بَيْتَ مَالِ الْمُسْلِمِينَ؟ لِقَوْلِهِمْ: كُلُّ مَالٍ جَهِلْت أَرْبَابَهُ فَمَحَلُّهُ بَيْتُ الْمَالِ؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ بَلْ الْمُتَعَيِّنُ. (وَمَا لَفَظَهُ) بِالْفَاءِ وَالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ طَرَحَهُ (الْبَحْرَ) مِمَّا لَمْ يَتَقَدَّمْ مِلْكُ أَحَدٍ عَلَيْهِ (كَعَنْبَرٍ) وَلُؤْلُؤٍ وَمَرْجَانِ وَسَمَكٍ (فَلِوَاجِدِهِ) الَّذِي وَضَعَ يَدُهُ عَلَيْهِ أَوَّلًا (بِلَا تَخْمِيسٍ) ، لِأَنَّ أَصْلَهُ الْإِبَاحَةُ. فَلَوْ رَآهُ جَمَاعَةٌ فَتَدَافَعُوا عَلَيْهِ فَجَاءَ آخَرُ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُ دُونَ الْمُتَدَافِعِينَ. (فَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا لَفَظَهُ الْبَحْرَ (مِلْكٌ) لِأَحَدٍ (فَإِنْ كَانَ) مَنْ تَقَدَّمَ لَهُ مَلَكَ (حَرْبِيًّا فَكَذَلِكَ) : أَيْ فَهُوَ لِوَاجِدِهِ لَكِنَّهُ يُخَمَّسُ لِأَنَّهُ مِنْ الرِّكَازِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ الذِّمِّيِّ فَلُقَطَةٌ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ حَفْرُ قَبْرِهِ] : إنَّمَا كُرِهَ لِأَنَّ تُرَابَهُمْ نَجَسٌ وَخِيفَ أَنْ يُصَادِفَ قَبْرَ صَالِحٍ، وَأَمَّا نَبْشُ قَبْرِ الْمُسْلِمِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ مِمَّا تَقَدَّمَ فَحَرَامٌ. وَحُكْمُ مَا يُوجَدُ حُكْمُ اللُّقَطَةِ. قَوْلُهُ: [لُقَطَةٌ] : أَيْ عَلَى حُكْمِهَا وَفِي (بْن) عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَالَ الذِّمِّيِّ يَنْظُرُ فِيهِ الْإِمَامُ وَلَيْسَ لُقَطَةٌ. [مَا لَفْظه الْبَحْر] [تَتِمَّة مِنْ ترك شَيْئًا فأخذه غَيْره] قَوْلُهُ: [بِالْفَاءِ] : أَيْ الْمَفْتُوحَةِ.

فَالتَّشْبِيهُ لَيْسَ بِتَامٍّ بِدَلِيلِ مَا بَعْده، وَمُرَادُهُ بِالْحَرْبِيِّ الْمُتَحَقِّقِ حِرَابَتُهُ وَإِلَّا فَمَا بَعْدَهُ يُغْنِي عَنْهُ أَيْ قَوْلِهِ؛ (وَ) إنْ كَانَ مَنْ تَقَدَّمَ مَلَكَهُ (جَاهِلِيًّا) أَيْ غَيْرَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ (وَلَوْ بِشَكٍّ) فِي جَاهِلِيَّتِهِ وَغَيْرِهَا (فَرِكَازٌ) يُخَمَّسُ وَالْبَاقِي لِوَاجِدِهِ. (وَإِلَّا) - بِأَنَّ عُلِمَ أَنَّهُ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ - (فَلُقَطَةٌ) يُعْرَفُ. وَلَا يَجُوزُ تَمَلُّكه ابْتِدَاءً خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ ابْتِدَاءً] : أَيْ مَا لَمْ تَقُمْ الْقَرَائِنُ عَلَى تُوَالِي الْأَعْصَارِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ عَيْنُ مَا نَظَرَ فِيهِ. تَتِمَّةٌ فِي الْحَطَّابِ وَكَبِيرِ التَّتَّائِيِّ الْخِلَافُ فِيمَنْ تَرَكَ شَيْأَهُ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ: هَلْ هُوَ لِرَبِّهِ؟ حَتَّى لَوْ رَمَاهُ الْآخِذُ فِي الْجَبِّ ثَانِيًا ضَمِنَهُ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا أُجْرَةُ تَخْلِيصِهِ أَوْ نَفَقَتَهُ عَلَى الدَّابَّةِ، أَوْ لِآخِذِهِ مُطْلَقًا؟ أَوْ إنْ تَرَكَهُ رَبُّهُ مُعْرِضًا عَنْهُ بِالْمَرَّةِ أَوْ الدَّابَّةِ فِي مَحَلٍّ مُجْدِبٍ؟ فَانْظُرْهُ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ.

[فصل في بيان مصرف الزكاة]

فَصْلٌ: فِي بَيَانِ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ وَهُوَ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهَا، كَالْإِسْلَامِ. (وَمَصْرِفُهَا) : أَيْ مَحَلُّ صَرْفِهَا أَيْ لِمَنْ تُصْرَفُ. أَيْ مَنْ تُعْطَى لَهُ. (فَقِيرٌ. لَا يَمْلِكُ قُوتَ عَامِهِ، وَلَوْ مَلَكَ نِصَابًا) : فَيَجُوزُ الْإِعْطَاءُ لَهُ وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ] [مَصْرِف الزَّكَاةِ مِنْ شُرُوط صحتها] فَصْلٌ قَوْلُهُ: [وَمَصْرِفُهَا] : الْمَصْرِفُ اسْمُ مَكَان لَا مَصْدَرٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْنَافَ اسْمُ مَحَلِّ الزَّكَاةِ فَلِذَلِكَ قَالَ: " أَيْ مَحَلُّ صَرْفِهَا ". وَفِي كَلَامِهِ لَطِيفَةٌ: وَهِيَ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ اللَّامَ الْوَاقِعَةَ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] إلَخْ، لِبَيَانِ الْمَصْرِفِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ وَالْمِلْكِ، وَإِلَّا لَكَانَ يُشْتَرَطُ تَعْمِيمُ الْأَصْنَافِ. قَوْلُهُ: [لَا يَمْلِكُ قُوتَ عَامِهِ] : الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ هُوَ مِنْ يَمْلِكُ شَيْئًا لَا يَكْفِيهِ عَامَهُ، وَإِلَّا فَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْفَقِيرَ أَعَمُّ مِنْ الْمِسْكِينِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ بَيْنَهُمَا

(وَمِسْكِينٌ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا) فَهُوَ أَحْوَجُ مِنْ الْفَقِيرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَبَايُنٌ حَيْثُ ذُكِرَا مَعَ بَعْضِهِمَا. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ إذَا اجْتَمَعَا افْتَرَقَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] ، فَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْفَقِيرَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ وَإِذَا افْتَرَقَا اجْتَمَعَا تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [فَهُوَ أَحْوَجُ] إلَخْ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ صِنْفَانِ مُتَغَايِرَانِ كَمَا عَلِمْت، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّهُمَا صِنْفٌ وَاحِدٌ. وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِشَيْءٍ لِلْفُقَرَاءِ دُونَ الْمَسَاكِينِ أَوْ الْعَكْسِ: فَهِيَ صَحِيحَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. وَإِذَا ادَّعَى شَخْصٌ الْفَقْرَ أَوْ الْمَسْكَنَةَ لِيَأْخُذَ مِنْ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ إلَّا لِرِيبَةٍ بِأَنْ يَكُونَ ظَاهِرُهُ يُخَالِفُ مَا يَدَّعِيهِ، فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَهَلْ يَكْفِي الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ؟ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي دَعْوَى الْمَدِينِ الْعَدَمَ وَدَعْوَى الْوَلَدِ الْعَدَمَ، لِأَجْلِ نَفَقَةِ وَالِدَيْهِ. وَعَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ فَهَلْ يَحْلِفُ مَعَهُمَا؟ كَمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ أَوْ لَا يَحْلِفُ؟ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ دَعْوَى الْوَالِدِ الْعَدَمَ لِأَجْلِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَلَدُهُ. كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. تَنْبِيهٌ: مَنْ لَزِمَتْ نَفَقَتُهُ مَلِيًّا أَوْ كَانَ لَهُ مُرَتَّبٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ يَكْفِيهِ، لَا يُعْطِي مِنْهَا. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمَلِيءُ لَمْ يَجُرَّ النَّفَقَةَ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَخْذِهَا مِنْهُ بِالْحُكْمِ. وَأَمَّا مَنْ لَهُ مُنْفِقٌ يُنْفِقُ عَلَيْهِ تَطَوُّعًا فَلَهُ أَخْذُهَا كَمَا ذَكَرَهُ (ح) ، لِأَنَّ لِلْمُنْفِقِ الْمَذْكُورِ قَطْعُ النَّفَقَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ ذَلِكَ الْمُنْفِقِ الْمُتَطَوِّعِ قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ لَازِمَةٌ لِمَلِيءٍ لَا يُعْطَى اتِّفَاقًا، وَإِنْ تَطَوَّعَ بِهَا مَلِيءٌ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: قِيلَ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا وَتُجْزِئُ رَبَّهَا مُطْلَقًا، وَهُوَ الَّذِي فِي (ح) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقِيلَ لَا تُجْزِئُ مُطْلَقًا وَهُوَ لِابْنِ حَبِيبٍ، وَقِيلَ: لَا تُجْزِئُ إنْ كَانَ الْمُنْفِقُ قَرِيبًا وَتُجْزِئُ إنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ، وَقِيلَ: إنَّهَا تُجْزِئُ مُطْلَقًا لَكِنْ مَعَ الْحُرْمَةِ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ. فَائِدَةٌ: نَقَلَ (ح) عَنْ الْبُرْزُلِيِّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ يَتِيمَةٌ، يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشُورَهَا مِنْ الزَّكَاةِ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهَا مِنْ ضَرُورِيَّاتِ النِّكَاحِ،

(وَعَامِلٌ عَلَيْهَا) : أَيْ عَلَى الزَّكَاةِ؛ (كَسَاعٍ وَجَابٍ) : وَهُوَ الَّذِي يَجْبِي الزَّكَاةَ (وَمُفَرِّقٌ) وَهُوَ الْقَاسِمُ، وَكَاتِبٌ وَحَاشِرٌ: وَهُوَ الَّذِي يَحْشُرُ - أَيْ يَجْمَعُ - أَرْبَابَ الْمَوَاشِي لِلْأَخْذِ مِنْهُمْ. (وَلَوْ) كَانَ الْعَامِلُ (غَنِيًّا) : لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهَا بِوَصْفِ الْعَمَلِ لَا بِوَصْفِ الْفَقْرِ (إنْ كَانَ كُلٌّ) مِنْ الْفَقِيرِ وَمَا بَعْدَهُ (حُرًّا مُسْلِمًا غَيْرَ هَاشِمِيٍّ) : فَلَا يُجْزِئُ لِعَبْدٍ أَوْ كَافِرٍ أَوْ هَاشِمِيٍّ: أَيْ مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، لِأَنَّ آلَ الْبَيْتِ تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ لِأَنَّهَا أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَلَهُمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِمْ. وَأَمَّا بَنُو الْمُطَّلِبِ أَخُو هَاشِمٍ فَلَيْسُوا عِنْدَنَا مِنْ آلِ الْبَيْتِ فَيُعْطَوْنَ مِنْهَا، قَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَمْرُ الَّذِي يَرَاهُ الْقَاضِي حَسَنًا فِي حَقِّ الْمَحْجُورِ. (اهـ. بْن نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَحَاشِرٌ] : اُعْتُرِضَ بِأَنَّ السُّعَاةَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْتُوا أَرْبَابَ الْمَاشِيَةِ وَهُمْ عَلَى الْمِيَاهِ وَلَا يَقْعُدُونَ فِي قَرْيَةٍ وَلَا يَبْعَثُونَ لِأَرْبَابِهَا إذْ لَا يَلْزَمُهُمْ السَّيْرُ لِقَرْيَةٍ أُخْرَى؛ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ لِلْحَاشِرِ؟ وَأُجِيبَ: بِأَنَّ مُرَادَ الشَّارِحِ - كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ - أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ مِنْ مَوَاضِعِهِمْ فِي قَرْيَتِهِمْ إلَى السَّاعِي بَعْدَ إتْيَانِهِ إلَيْهَا، فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْعَامِلَ عَلَيْهَا يَصْدُقُ بِالسَّاعِي وَالْجَابِي وَالْمُفَرِّقِ وَالْكَاتِبِ وَالْحَاشِرِ، لَا رَاعٍ وَحَارِسٍ، لِأَنَّ الشَّأْنَ عَدَمُ احْتِيَاجِ الزَّكَاةِ لَهُمَا لِكَوْنِهَا تُفَرَّقُ غَالِبًا عِنْدَ أَخْذِهَا، بِخِلَافِ مَنْ ذُكِرَ فَإِنَّ شَأْنَ الزَّكَاةِ احْتِيَاجُهَا إلَيْهِمْ، فَإِنْ دَعَتْ الضَّرُورَةُ لِرَاعٍ أَوْ الْحَارِسِ لِلْمَوَاشِي الْمَجْمُوعَةِ فَأُجْرَتُهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِثْلُ حَارِسِ الْفِطْرَةِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهَا بِوَصْفِ الْعَمَلِ] : وَلِذَلِكَ إذَا كَانَ فَقِيرًا يَأْخُذُ بِوَصْفِ الْفَقْرِ أَيْضًا كَمَا قَالَ خَلِيلٌ، وَأَخْذُ الْفَقِيرِ بِوَصْفَيْهِ وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ وَصْفَيْنِ فَأَكْثَرَ. قَوْلُهُ: [إنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْفَقِيرِ وَمَا بَعْدَهُ] إلَخْ: أَيْ مَا عَدَا الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ. كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَالْإِسْلَامَ وَعَدَمَ كَوْنِهِ هَاشِمِيًّا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ أَخْذِ الزَّكَاةِ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْعَامِلِ عَدْلًا عَالِمًا بِأَحْكَامِهَا الْآتِيَيْنِ فِي الشَّرْحِ فِيهِمْ شَرْطٌ لِصِحَّةِ كَوْنِهِ عَامِلًا؛ فَلَوْ كَانَ هَاشِمِيًّا أَوْ عَبْدًا، وَكَانَ عَدْلًا عَالِمًا بِأَحْكَامِهَا نَفَذَتْ تَوْلِيَتُهُ وَلَكِنْ لَا يُعْطَى مِنْهَا بَلْ يُعْطَى أُجْرَةَ مِثْلِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. قَوْلُهُ: [فَلَيْسُوا عِنْدَنَا مِنْ آلِ الْبَيْتِ] : أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ. قَوْلُهُ: [قَالَ بَعْضُهُمْ إذَا حُرِمُوا حَقَّهُمْ] إلَخْ: قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ تَنْبِيهٌ مَحَلُّ

حُرِمُوا حَقَّهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَصَارُوا فُقَرَاءَ جَازَ أَخْذُهُمْ وَإِعْطَاؤُهُمْ مِنْهَا كَمَا هُوَ الْآنَ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْعَامِلِ مَا ذُكِرَ وَأَنْ يَكُونَ عَدْلًا عَالِمًا بِأَحْكَامِهَا؛ فَلَا يُسْتَعْمَلُ عَلَيْهَا عَبْدٌ وَلَا كَافِرٌ وَلَا هَاشِمِيٌّ وَلَا فَاسِقٌ وَلَا جَاهِلٌ بِأَحْكَامِهَا (وَمُؤَلَّفٌ) قَلْبُهُ قَالَ تَعَالَى: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 60] : وَهُوَ (كَافِرٌ) يُعْطَى مِنْهَا (لِيُسْلِمَ) أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يُسْلِمَ، وَقِيلَ: وَهُوَ مُسْلِمٌ قَرِيبُ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ يُعْطَى مِنْهَا لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِسْلَامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَدَمِ إعْطَاءِ بَنِي هَاشِمٍ إذَا أُعْطُوا مَا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يُعْطُوهُ وَأَضَرَّ بِهِمْ الْفَقْرُ أُعْطُوا مِنْهَا، وَإِعْطَاؤُهُمْ أَفْضَلُ مِنْ إعْطَاءِ غَيْرِهِمْ، قَالَ فِي الْخَصَائِصِ وَظَاهِرُهُ: وَإِنْ لَمْ يَصِلُوا إلَى إبَاحَةِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ. وَقَيَّدَ الْبَاجِيُّ إعْطَاءَهُمْ بِوُصُولِهِمْ لَهَا وَلَعَلَّهُ الظَّاهِرُ أَوْ الْمُتَعَيَّنُ، كَذَا فِي (عب) . أَقُولُ قَدْ ضَعُفَ الْيَقِينُ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ؛ فَإِعْطَاءُ الزَّكَاةِ لَهُمْ أَسْهَلُ مِنْ تَعَاطِيهِمْ خِدْمَةَ الذِّمِّيِّ وَالْفَاجِرِ وَالْكَافِرِ (اهـ) . وَأَمَّا صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ فَهِيَ لِلْآلِ جَائِزَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. فَائِدَةٌ: الْهَاشِمِيُّ مَنْ لِهَاشِمٍ عَلَيْهِ وِلَادَةٌ: كَأَوْلَادِ الْعَبَّاسِ وَحَمْزَةَ وَأَبِي طَالِبٍ وَأَبِي لَهَبٍ وَأَوْلَادِ فَاطِمَةَ فَتَحْرُمُ عَلَى الْجَمِيعِ الزَّكَاةُ، وَيَجُوزُ لَهُمْ لُبْسُ الشَّرَفِ. وَمَنْ كَانَتْ أُمُّهُ مِنْهُمْ فَقَطْ لَيْسَ بِآلٍ فَتَجُوزُ لَهُ الزَّكَاةُ وَيَجُوزُ لَهُ لُبْسُ الشَّرَفِ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِهِ، لِأَنَّ لَهُ نِسْبَةً بِهِمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَفِي الْحَدِيثِ: «ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ» وَوَرَدَ أَيْضًا: «الْخَالُ أَبٌ» ، وَوَرَدَ أَيْضًا: «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ فَإِنَّ الْعِرْقَ دَسَّاسٌ» ، فَلِذَلِكَ جَازَ لَهُ لُبْسُ الشَّرَفِ لِيُحْتَرَمَ، ثُمَّ إنَّ لُبْسَ الشَّرَفِ هَذَا حَادِثٌ فِي زَمَنِ السُّلْطَانِ الْأَشْرَفِ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ الشَّرِيفُ مِنْ غَيْرِهِ، فَأَحْدَثَ لَهُمْ ذَلِكَ السُّلْطَانُ لِيَتَمَيَّزُوا عَنْ غَيْرِهِمْ فَصَارَ شِعَارَهُمْ فَلُبْسُهُ مِنْ غَيْرِ نِسْبَةٍ حَرَامٌ. قَوْلُهُ: [لِيُسْلِمَ] : هَذَا الْقَوْلُ لِابْنِ حَبِيبٍ وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ عَرَفَةَ، قَالَ خَلِيلٌ وَحُكْمُهُ بَاقٍ أَيْ لَمْ يُنْسَخْ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَنْ دَفْعِهَا إلَيْهِ تَرْغِيبُهُ فِي الْإِسْلَامِ لِأَجْلِ إنْقَاذِ مُهْجَتِهِ مِنْ النَّارِ لَا لِإِعَانَتِهِ لَنَا حَتَّى يَسْقُطَ بِفَشْوِ الْإِسْلَامِ. وَقِيلَ إنَّهُ مَنْسُوخٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ إعَانَتُهُمْ لَنَا وَقَدْ اسْتَغْنَيْنَا عَنْهُمْ بِعِزَّةِ الْإِسْلَامِ، وَالْخِلَافُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي مَشْي عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْمُؤَلَّفَ كَافِرٌ يُعْطَى تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْمُقَابِلِ لَهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَحُكْمُهُ بَاقٍ اتِّفَاقًا.

(وَرَقِيقٌ مُؤْمِنٌ) لَا كَافِرٌ (يُعْتَقُ مِنْهَا) بِأَنْ يُشْتَرَى مِنْهَا رَقِيقٌ فَيُعْتَقَ، أَوْ يَكُونَ عِنْدَهُ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ يُقَوِّمُهُ قِيمَةَ عَدْلٍ وَيُعْتِقُهُ عَنْ زَكَاتِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] . وَيُشْتَرَطُ فِي الرَّقِيقِ أَنْ يَكُونَ خَالِصًا (لَا عَقْدَ حُرِّيَّةٍ فِيهِ) : كَمُكَاتَبٍ وَمُدَبَّرٍ وَمُعْتَقٍ لَأَجَلٍ وَأُمِّ وَلَدٍ، وَإِلَّا فَلَا يُجْزِئُ. (وَوَلَاؤُهُ) - إذَا عَتَقَ مِنْهَا - (لِلْمُسْلِمِينَ) لَا لِلْمُزَكِّي، فَإِذَا مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ وَتَرَكَ مَالًا فَهُوَ فِي بَيْتِ الْمَالِ. (وَغَارِمٌ) : أَيْ مَدِينٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَرَقِيقٌ] : أَيْ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى. وَقَوْلُهُ [مُؤْمِنٌ] : قَالَ (عب) : وَلَوْ هَاشِمِيًّا وَارْتَضَاهُ شَيْخُ الْمَشَايِخِ الْعَدَوِيُّ، لِأَنَّ تَخْلِيصَ الْهَاشِمِيِّ مِنْ الرِّقِّ أَوْلَى وَلِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ لَهُ مِنْ تِلْكَ الْأَوْسَاخِ شَيْءٌ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَ هَاشِمِيٌّ أَمَةً مَمْلُوكَةً لِشَخْصٍ لِعَدَمِ وُجُودِ طَوْلٍ لِلْحَرَائِرِ، وَخَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ فَأَوْلَادُهُ أَرِقَّاءُ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ، وَأَشْرَافٌ، وَيُؤَلَّفُ مِنْهَا الْهَاشِمِيُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ تَخْلِيصَهُ مِنْ الْكُفْرِ أَهَمُّ، وَلِأَنَّ الْكُفْرَ قَدْ حَطَّ قَدْرَهُ فَلَا يَضُرُّ أَخْذُهُ الْأَوْسَاخَ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْمُؤَلَّفِ وَالرَّقِيقِ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: " غَيْرَ هَاشِمِيٍّ ". وَلَا يُشْتَرَطُ فِي عِتْقِ الرَّقِيقِ مِنْهَا سَلَامَتُهُ مِنْ الْعُيُوبِ خِلَافًا لِأَصْبَغَ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ يُشْتَرَى مِنْهَا رَقِيقٌ فَيُعْتَقَ] إلَخْ: بِشَرْطِ أَنْ لَا يُعْتَقَ بِنَفْسِ الْمِلْكِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ كَالْأَبَوَيْنِ وَالْأَوْلَادِ وَالْحَوَاشِي الْقَرِيبَةِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ. فَإِنْ اشْتَرَى مِنْ زَكَاتِهِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَدْفَعَهَا لِلْإِمَامِ، فَيَشْتَرِيَ بِهَا وَالِدُ رَبِّ الْمَالِ وَوَلَدُهُ وَيُعْتِقَهُ فَيُجْزِئُ حَيْثُ لَا تَوَاطُؤَ. قَوْلُهُ: [وَوَلَاؤُهُ إذَا عَتَقَ مِنْهَا لِلْمُسْلِمِينَ] : وَسَوَاءٌ صَرَّحَ الْمُعْتَقُ بِذَلِكَ أَوْ سَكَتَ، بَلْ وَلَوْ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ عَنِّي وَوَلَاؤُك لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَا تُجْزِئُهُ عَنْ الزَّكَاةِ وَالْعِتْقُ لَازِمٌ وَالْوَلَاءُ لَهُ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ. قَوْلُهُ: [وَغَارِمٌ] : اشْتَرَطَ فِيهِ الشَّارِحُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ هَاشِمِيٍّ لِأَنَّهَا أَوْسَاخُ النَّاسِ. وَلَا يُقَالُ: الدَّيْنُ يَضَعُ الْقَدْرَ أَكْثَرَ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ، لِأَنَّا نَقُولُ:

لَيْسَ عِنْدَهُ مَا يُوَفِّي بِهِ دَيْنَهُ (كَذَلِكَ) : أَيْ حُرٌّ مُسْلِمٌ غَيْرُ هَاشِمِيٍّ يُعْطَى مِنْهَا لِوَفَاءِ دَيْنِهِ. (وَلَوْ مَاتَ) : فَيُوَفِّي دَيْنَهُ مِنْهَا. إذَا (تَدَايَنَ لَا فِي فَسَادٍ) كَشُرْبِ خَمْرٍ وَقِمَارٍ، (وَلَا لِأَخْذِهَا) : أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ كِفَايَتُهُ وَتَدَايَنَ لِلتَّوَسُّعِ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا فَلَا يُعْطَى، وَأَمَّا فَقِيرٌ تَدَايَنَ لِلْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَائِلَتِهِ بِقَصْدِ أَنْ يُعْطَى مِنْهَا فَلَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ. (إلَّا أَنْ يَتُوبَ) مَنْ تَدَايَنَ لِفَسَادٍ أَوْ لِأَخْذٍ مِنْهَا، بِأَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ وَيَبْقَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدْ تَدَايَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَاتَ وَعَلَيْهِ الدَّيْنُ فَمَذَلَّتُهَا أَعْظَمُ مِنْ مَذَلَّةِ الدَّيْنِ، وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ شَيْءٌ وَلِذَلِكَ سَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ أَنَّهُ يُعْطِي إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْتَ مَالٍ يُوَفِّي مِنْهُ دَيْنَهُ. قَوْلُهُ: [لَيْسَ عِنْدَهُ مَا يُوَفِّي] إلَخْ: أَيْ مِمَّا يُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ مَاتَ] : رَدَّ بِلَوْ عَلَى مَنْ قَالَ: لَا يُقْضَى دَيْنُ الْمَيِّتِ مِنْ الزَّكَاةِ لِوُجُوبِ وَفَائِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَا الدَّيْنِ أَنْ يَكُونَ شَأْنُهُ أَنْ يُحْبَسَ فِيهِ؛ فَيَدْخُلُ دَيْنُ الْوَلَدِ عَلَى وَالِدِهِ، وَالدَّيْنُ عَلَى الْمُعْسِرِ. وَيَخْرُجُ دَيْنُ الْكَفَّارَاتِ وَالزَّكَاةِ، لِأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي يُحْبَسُ فِيهِ مَا كَانَ لِآدَمِيٍّ، وَأَمَّا الْكَفَّارَاتُ وَالزَّكَوَاتُ فَهِيَ لِلَّهِ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَتُوبَ] : رَجَّعَهُ الشَّارِحُ لِلْأَمْرَيْنِ مَعًا وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ

عَلَيْهِ مَا تَدَايَنَهُ فِي فَسَادِهِ فَيُعْطَى مِنْهَا، لَا بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ التَّوْبَةَ. (وَمُجَاهِدٌ كَذَلِكَ) : أَيْ حُرٌّ مُسْلِمٌ غَيْرُ هَاشِمِيٍّ. (وَآلَتُهُ) بِأَنْ يُشْتَرَى مِنْهَا سِلَاحٌ أَوْ خَيْلٌ لِيُغَازِيَ عَلَيْهَا، وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَيُعْطَى الْمُجَاهِدُ مِنْهَا وَيَدْخُلُ فِيهِ الْجَاسُوسُ وَالْمُرَابِطُ (وَلَوْ) كَانَ (غَنِيًّا) : لَا إنْ أَخَذَهُ بِوَصْفِ الْجِهَادِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] . (وَابْنُ سَبِيلٍ) : وَهُوَ الْغَرِيبُ (كَذَلِكَ) : أَيْ حُرٌّ مُسْلِمٌ غَيْرُ هَاشِمِيٍّ وَهُوَ (مُحْتَاجٌ لِمَا يُوَصِّلُهُ) لِوَطَنِهِ إذَا سَافَرَ مِنْ بَلَدِهِ (فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ) ، وَإِلَّا لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQخِلَافًا لِبَهْرَامَ حَيْثُ رَجَّعَهُ لِخُصُوصِ الْفَسَادِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ التَّدَايُنَ لَأَخْذِهَا لَيْسَ مُحَرَّمًا فَلَا يَحْتَاجُ لِتَوْبَةٍ، وَرَدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ مَنْ تَدَايَنَ وَعِنْدَهُ كِفَايَتُهُ كَانَ سَفِيهًا، وَالسَّفَهُ حَرَامٌ يَحْتَاجُ لِتَوْبَةٍ. قَوْلُهُ: [وَمُجَاهِدٌ كَذَلِكَ] : أَيْ مُتَلَبِّسٌ بِهِ أَوْ بِالرِّبَاطِ. قَوْلُهُ: [أَيْ حُرٌّ مُسْلِمٌ] إلَخْ: فَإِنْ تَخَلَّفَ وَصْفٌ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ فَلَا يُعْطَى ذَلِكَ الْمُجَاهِدُ مِنْهَا شَيْئًا. قَوْلُهُ: [وَيَدْخُلُ فِيهِ الْجَاسُوسُ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا لَكِنْ إنْ كَانَ مُسْلِمًا فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ حُرًّا غَيْرَ هَاشِمِيٍّ؛ وَأَمَّا إنْ كَانَ كَافِرًا فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ حُرًّا، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ كَوْنُهُ غَيْرَ هَاشِمِيٍّ لِخَسَّةِ الْكُفْرِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا] : رَدَّ بِلَوْ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ مِنْ أَنَّ الْمُجَاهِدَ الْغَنِيَّ لَا يَأْخُذُ مِنْهَا. فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: [فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ] : أَيْ بِأَنْ كَانَ غَيْرَ عَاصٍ أَصْلًا أَوْ كَانَ عَاصِيًا فِي السَّفَرِ فَيُعْطَى فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ. بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ عَاصِيًا بِالسَّفَرِ فَلَا يُعْطَى وَلَوْ خُشِيَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ، لِأَنَّ نَجَاتَهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ بِالتَّوْبَةِ، وَنَقَلَ أَبُو عَلِيٍّ الْمِسْنَاوِيّ عَنْ التَّبْصِرَةِ: لَا يُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ مِنْهَا إنْ خَرَجَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَإِنْ خُشِيَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ نُظِرَ فِي تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ؛ فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ قَتْلَ نَفْسٍ أَوْ هَتْكَ حُرْمَةٍ لَمْ يُعْطَ إلَّا إنْ تَابَ. وَلَا يُعْطَى مِنْهَا مَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى الرُّجُوعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ تَابَ أَوْ يُخَافَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ فِي بَقَائِهِ: فَقَدْ فَصَّلْت بَيْنَ سَيْرِهِ لِلْقَتْلِ وَهَتْكِ الْحَرِيمِ - فَلَا يُعْطَى إلَّا

يُعْطَ. (إلَّا أَنْ يَجِدَ) الْغَرِيبُ (مُسَلِّفًا) لِمَا يُوَصِّلُهُ (وَهُوَ) : أَيْ الْحَالُ أَنَّهُ (غَنِيٌّ بِبَلَدِهِ) فَلَا يُعْطَى حِينَئِذٍ. فَالْإِعْطَاءُ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ: لِلْفَقِيرِ مُطْلَقًا، وَالْغَنِيِّ الَّذِي لَمْ يَجِدْ مُسَلِّفًا، وَعُدْمِهِ فِي صُورَةٍ. وَمَفْهُومُ مُحْتَاجٍ: أَنَّ غَيْرَهُ لَا يُعْطَى وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا الْهَاشِمِيُّ فِيهِ وَفِي الَّذِي قَبْلَهُ فَعَلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَا يُوَصِّلُهُ، فَإِنْ عُدِمَ بَيْتُ الْمَالِ - كَمَا هُوَ الْآنَ - فَالْجَارِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْفَقِيرِ أَنْ يُعْطَى الْمَدِينُ أَوْ الْغَرِيبُ الْهَاشِمِيُّ مِنْهَا لِوَفَاءِ الدَّيْنِ أَوْ لِمَا يُوَصِّلُهُ لِبَلَدِهِ، فَهَذِهِ الْأَصْنَافُ الثَّمَانِيَةُ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] إلَخْ فَلَا تُجْزِئُ لِغَيْرِهِمْ كَسُوَرٍ وَسُفُنٍ لِغَيْرِ جِهَادٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَشِرَاءِ كُتُبِ عِلْمٍ وَدَارٍ لِتُسْكَنَ أَوْ ضَيْعَةٍ لِتُوقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ. (وَنُدِبَ إيثَارُ الْمُضْطَرِّ) أَيْ الْمُحْتَاجِ عَلَى غَيْرِهِ بِأَنْ يُخَصَّ بِالْإِعْطَاءِ أَوْ يُزَادَ لَهُ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ عَلَى حَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ، إذْ الْمَقْصُودُ سَدُّ الْخَلَّةِ (لَا تَعْمِيمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ تَابَ - وَبَيْنَ رُجُوعِهِ لِبَلَدِهِ فَيُعْطَى إنْ تَابَ أَوْ خِيفَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: [فَالْجَارِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ] : تَحْصُلُ أَنَّ اشْتِرَاطَ عَدَمِ كَوْنِهِ هَاشِمِيًّا فِي تِلْكَ الْأَصْنَافِ إنَّمَا هُوَ لِشَرَفِهِ، فَإِنْ أَدَّى مَنْعُهُ مِنْهَا إلَى الضَّرَرِ بِهِ قُدِّمَ وَيُلْغَى الشَّرْطُ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ. قَوْلُهُ: [لِغَيْرِ جِهَادٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ] : أَيْ وَأَمَّا لَهُ فَيَجُوزُ. كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يُنْشِئُ مِنْهَا الْمَرْكَبَ لِلْغَزْوِ وَيُعْطَى مِنْهَا كِرَاءُ النَّوَاتِيَّةِ وَيُبْنَى مِنْهَا حِصْنٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَلَمْ يَنْقُلْ اللَّخْمِيُّ غَيْرَهُ، وَاسْتَظْهَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُوَ الصَّحِيحُ - كَذَا فِي الْبُنَانِيِّ نَقَلَهُ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَالَ الْخَرَشِيُّ: وَمِثْلُ السُّورِ وَالْمَرْكَبِ؛ الْفَقِيهُ وَالْقَاضِي وَالْإِمَامُ، لَكِنْ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: مَحَلُّ كَوْنِ الْفَقِيهِ الَّذِي يُدَرِّسُ الْعِلْمَ أَوْ يُفْتِي لَا يَأْخُذُ مِنْهَا إذَا كَانَ يُعْطَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَإِلَّا فَيُعْطَى مِنْهَا وَلَوْ كَثُرَتْ كُتُبُهُ حَيْثُ كَانَ فِيهِ قَابِلِيَّةٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ قَابِلِيَّةٌ لَمْ يُعْطَ إلَّا أَنْ تَكُونَ كُتُبُهُ عَلَى قَدْرِ فَهْمِهِ، وَلَكِنْ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ: إذَا مَنَعُوا حَقَّهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ جَازَ لَهُمْ أَخْذُ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانُوا فُقَرَاءَ أَوْ أَغْنِيَاءَ بِالْأَوْلَى مِنْ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ. (اهـ) .

[ما يندب في صرف الزكاة وما يجوز وما يجب]

الْأَصْنَافِ) . فَلَا يَنْدُبُ بَلْ مَتَى أَعْطَى لِأَيِّ شَخْصٍ مَوْصُوفٍ بِكَوْنِهِ مِنْ أَحَدِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ كَفَى. (وَ) نُدِبَ (الِاسْتِنَابَةُ) فِيهَا: لِأَنَّهَا أَبْعَدُ مِنْ الرِّيَاءِ وَحُبِّ الْمَحْمَدَةِ. (وَجَازَ دَفْعُهَا) : أَيْ الزَّكَاةِ (لِقَادِرٍ عَلَى الْكَسْبِ) إذَا كَانَ فَقِيرًا وَلَوْ تَرَكَ التَّكَسُّبَ اخْتِيَارًا. (وَ) جَازَ (كِفَايَةُ سَنَةٍ) أَيْ إعْطَاءُ فَقِيرٍ أَوْ مِسْكِينٍ مَا يَكْفِيهِ سَنَةً (وَلَوْ) كَانَ (أَكْثَرَ مِنْهُ) : أَيْ مِنْ نِصَابٍ لَا أَكْثَرَ مِنْ كِفَايَةِ سَنَةٍ وَلَا أَقَلَّ مِنْهُ. (وَ) جَازَ (وَرِقٌ) أَيْ إعْطَاؤُهُ (عَنْ ذَهَبٍ وَعَكْسُهُ) بِلَا أَوْلَوِيَّةٍ لِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ، وَقِيلَ بِأَوْلَوِيَّةِ الْوَرِقِ عَنْ الذَّهَبِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ فِي الْإِنْفَاقِ، وَأَمَّا إخْرَاجُ الْفُلُوسِ عَنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَالْمَشْهُورُ الْإِجْزَاءُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، مُعْتَبِرًا إخْرَاجَ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا يَنْدُب فِي صَرْف الزَّكَاة وَمَا يَجُوز وَمَا يَجِب] قَوْلُهُ: [لَا تَعْمِيمَ الْأَصْنَافِ فَلَا يُنْدَبُ] : أَيْ لِأَنَّ اللَّامَ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الْآيَةُ لِبَيَانِ الْمَصْرِفِ لَا لِلْمِلْكِ. وَأَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ تَعْمِيمَ الْأَصْنَافِ إذَا وُجِدُوا، وَلَا يَجِبُ تَعْمِيمُ أَفْرَادِهِمْ إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ، وَاسْتَحَبَّ أَصْبَغُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ قَالَ: لِئَلَّا يَنْدَرِسَ الْعِلْمُ بِاسْتِحْقَاقِهِمْ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَصَالِحِ ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ سَدِّ الْخَلَّةِ وَالْغَزْوِ وَوَفَاءِ الدَّيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلِمَا يُوجِبُهُ مِنْ دُعَاءِ الْجَمِيعِ وَمُصَادَفَةِ وَلِيٍّ فِيهِمْ. كَذَا فِي الْخَرَشِيِّ. قَوْلُهُ: [كَفَى] : أَيْ وَلَوْ كَانَ الْآخِذُ لَهَا الْعَامِلَ إذَا كَانَتْ قَدْرَ عَمَلِهِ وَأَخَذَ الزَّائِدَ بِوَصْفِ الْفَقْرِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ الِاسْتِنَابَةُ] : أَيْ وَقَدْ تَجِبُ عَلَى مَنْ تَحَقَّقَ وُقُوعُ الرِّيَاءِ مِنْهُ، وَمِثْلُهُ الْجَاهِلُ بِأَحْكَامِهَا وَمَصْرِفِهَا. وَمِنْ آدَابِهَا دَفْعُهَا بِالْيَمِينِ، وَدُعَاءُ الْجَابِي وَالْإِمَامِ لِدَافِعِهَا، وَأَوْجَبَهُ دَاوُد. قَوْلُهُ: [فَالْمَشْهُورُ الْإِجْزَاءُ] : خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ بِعَدَمِهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ عَرْضًا. وَقَوْلُهُ: [مَعَ الْكَرَاهَةِ] : هَكَذَا فِي التَّوْضِيحِ وَالْحَطَّابِ عَنْ النَّوَادِرِ.

(بِصَرْفِ الْوَقْتِ) أَيْ وَقْتِ الْإِخْرَاجِ - لَا وَقْتِ الْوُجُوبِ؛ الْمَسْكُوكِ بِصَرْفِهِ، وَغَيْرِهِ بِصَرْفِهِ. وَلَا تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الصِّيَاغَةِ؛ فَمَنْ عِنْدَهُ حُلِيٌّ أَخْرَجَ صَرْفَ زِنَتِهِ لَا قِيمَةَ صِيَاغَتِهِ. (وَوَجَبَ نِيَّتُهَا) : عِنْدَ الدَّفْعِ، وَيَكْفِي عِنْدَ عَزْلِهَا، وَلَا يَجِبُ إعْلَامُ الْفَقِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِصَرْفِ الْوَقْتِ] : الْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِإِعْطَاءِ، أَيْ: مُتَلَبِّسًا ذَلِكَ الْإِعْطَاءُ بِصَرْفِ الْوَقْتِ قَوْلُهُ: [الْمَسْكُوكِ بِصَرْفِهِ] إلَخْ: أَيْ فَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ دِينَارٌ مِنْ أَرْبَعِينَ مَسْكُوكَةً وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ مَسْكُوكًا مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ أَوْ مِنْ نَوْعِهِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ فِضَّةً غَيْرَ مَسْكُوكَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ سِكَّةِ الدِّينَارِ زِيَادَةً عَلَى صَرْفِهِ غَيْرَ مَسْكُوكٍ، لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ الْمَسْكُوكَةَ يَجِبُ فِيهَا وَاحِدٌ مَسْكُوكٌ. وَكَذَا إنْ أَرَادَ يُخْرِجُ عَنْهَا دِينَارًا غَيْرَ مَسْكُوكٍ مِنْ التِّبْرِ مَثَلًا وَجَبَ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ السِّكَّةِ فَيُزِيدُهَا عَلَى وَزْنِ الدِّينَارِ. وَسَوَاءٌ سَاوَى الصَّرْفَ الشَّرْعِيَّ - وَهُوَ كُلُّ دِينَارٍ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ - أَوْ نَقَصَ أَوْ زَادَ. وَمَا ذُكِرَ مِنْ إخْرَاجِ قِيمَةِ السِّكَّةِ إذَا أَخْرَجَ مِنْ نَوْعِهِ غَيْرَ مَسْكُوكٍ هُوَ مَا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ شُرَكَاءُ وَإِنْ لَمْ تُعْتَبَرْ السِّكَّةُ فِي النِّصَابِ كَمَا سَبَقَ. وَفِي (ر) وَ (بْن) : اعْتِرَاضُهُ بِأَنَّهُ رِبًا لَمْ يَقُلْ الْقَابِسِيُّ الْقَائِلُ بِاعْتِبَارِ السِّكَّةِ. قَوْلُهُ: [لَا قِيمَةَ صِيَاغَتِهِ] : فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ ذَهَبٌ مَصُوغٌ وَزْنُهُ أَرْبَعُونَ دِينَارًا وَلِصِيَاغَتِهِ يُسَاوِي خَمْسِينَ، فَإِنَّهُ يُخْرِجُ عَنْ الْأَرْبَعِينَ وَيُلْغِي الزَّائِدَ وَهَذَا إذَا أَخْرَجَ عَنْهُ مِنْ نَوْعِهِ كَذَهَبٍ عَنْ ذَهَبٍ. وَأَمَّا لَوْ أَخْرَجَ وَرِقًا عَنْ ذَهَبٍ مَصُوغٍ، فَهَلْ هُوَ كَالنَّوْعِ الْوَاحِدِ تُلْغَى الصِّيَاغَةُ؟ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَقِيلَ: لَا تُلْغَى وَهُوَ ضَعِيفٌ، فَلِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ أَطْلَقَ فِي إلْغَاءِ الصِّيَاغَةِ. قَوْلُهُ: [وَوَجَبَ نِيَّتُهَا] : فَإِنْ لَمْ يَنْوِ وَلَوْ جَهْلًا أَوْ نِسْيَانًا لَمْ تَجُزْ وَالنِّيَّةُ الْوَاجِبَةُ إمَّا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ مَحْجُورِهِ بِأَنْ يَنْوِيَ أَدَاءَ مَا وَجَبَ فِي مَالِهِ أَوْ مَالِ مَحْجُورِهِ، قَالَ سَنَدٌ: وَالنِّيَّةُ الْحُكْمِيَّةُ كَافِيَةٌ فَإِذَا عَدَّ دَرَاهِمَهُ وَأَخْرَجَ مَا يَجِبُ فِيهَا وَلَمْ يُلَاحِظْ أَنَّ هَذَا الْمُخْرَجَ زَكَاةٌ - لَكِنْ لَوْ سُئِلَ لَأَجَابَ - أَجْزَأَهُ. قَوْلُهُ: [وَيَكْفِي عِنْدَ عَزْلِهَا] : كَمَا لِسَنَدٍ، فَإِذَا نَوَاهَا عِنْدَ الْعَزْلِ وَسَرَقَهَا مَنْ

بَلْ يُكْرَهُ كَمَا قَالَ اللَّقَانِيُّ لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ قَلْبِ الْفَقِيرِ. (وَ) وَجَبَ (تَفْرِقَتُهَا فَوْرًا بِمَوْضِعِ الْوُجُوبِ) وَهُوَ فِي الْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ الْمَوْضِعُ الَّذِي جُبِيَتْ مِنْهُ، وَفِي النَّقْدِ - وَمِنْهُ قِيمَةُ عَرْضِ التِّجَارَةِ - مَوْضِعُ الْمَالِكِ حَيْثُ كَانَ مَا لَمْ يُسَافِرْ، وَيُوَكِّلُ مَنْ يُخْرِجُ عَنْهُ بِبَلَدِ الْمَالِ، فَمَوْضِعِ الْمَالِ. (أَوْ قُرْبِهِ) أَيْ قُرْبِ مَوْضِعِ الْوُجُوبِ وَهُوَ مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ؛ لِأَنَّهُ فِي. حُكْمِ مَوْضِعِ الْوُجُوبِ فَيَجُوزُ دَفْعُهَا لِمَنْ بِقُرْبِهِ وَلَوْ وُجِدَ مُسْتَحِقٌّ فِي مَوْضِعِهِ أُعْدِمَ. وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهَا لِمَنْ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ. (إلَّا لِأَعْدَمَ) مِمَّنْ بِمَوْضِعِ الْوُجُوبِ أَوْ قُرْبِهِ، (فَأَكْثَرُهَا) تَنْقُلُ (لَهُ) أَيْ لِلْأَعْدَمِ وُجُوبًا وَأَقَلُّهَا فِي مَوْضِعِهِ، فَإِنْ أَدَّاهَا لِمَنْ بِمَوْضِعِهِ فَقَطْ أَجْزَأَتْ. (وَأَجْزَأَ) نَقْلُهَا (لِمِثْلِهِمْ) فِي الْعُدْمِ، وَأَثِمَ. إذْ الْوَاجِبُ تَفْرِقَتُهَا كُلِّهَا بِمَوْضِعِ الْوُجُوبِ عِنْدَ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْعُدْمِ. (لَا) إنْ نَقَلَهَا كُلًّا أَوْ بَعْضًا (لِدُونِهِمْ) أَيْ لِمَنْ هُوَ دُونَ أَهْلِ الْمَوْضِعِ (فِي الْعُدْمِ) فَلَا تُجْزِئُ. (كَأَنْ قَدَّمَ مُعَشَّرًا) أَيْ زَكَاةَ مَا فِيهِ الْعُشْرِ أَوْ نِصْفُهُ قَبْلَ وُجُوبِهِ بِإِفْرَاكِ الْحَبِّ وَطِيبِ الثَّمَرِ لَمْ يُجْزِهِ، وَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ إذَا وَجَبَتْ؛ إذْ هُوَ كَمَنْ صَلَّى قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَسْتَحِقُّهَا: أَجْزَأَتْ. قَوْلُهُ: [مَوْضِعُ الْمَالِكِ] : وَقِيلَ مَوْضِعُ الْمَالِ. قَوْلُهُ: [فَأَكْثَرُهَا تُنْقَلُ لَهُ] : أَيْ بِأُجْرَةٍ مِنْ الْفَيْءِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بِيعَتْ وَاشْتَرَى مِثْلَهَا أَوْ فُرِّقَ الثَّمَنُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ. وَهَذَا إذَا كَانَ النَّقْلُ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَأَمَّا لِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَبِأُجْرَةٍ مِنْهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُ الْمَشَايِخِ الْعَدَوِيُّ. قَوْلُهُ: [وُجُوبًا] : تَبِعَ الشَّارِحَ (عب) ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ سَبَقَ أَنَّ إيثَارَ الْمُضْطَرِّ مَنْدُوبٌ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [أَجْزَأَتْ] : وَكَذَلِكَ لَوْ نَقَلَهَا كُلَّهَا فَإِنَّهَا تُجْزِئُ مَعَ الْحُرْمَةِ. قَوْلُهُ: [فَلَا تُجْزِئُ] : فِي (بْن) : اعْتَرَضَهُ الْمَوَّاقُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْإِجْزَاءُ نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَالْكَافِي. اُنْظُرْهُ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [فَيُزَكِّي كَمَا تَقَدَّمَ] : أَيْ إنْ نَضَّ لَهُ وَلَوْ دِرْهَمًا، وَأَمَّا إنْ زَكَّى قَبْلَ النَّضُوضِ فَلَا يُجْزِئُ عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ.

(أَوْ) زَكَّى (دَيْنًا) حَالَ حَوْلُهُ (أَوْ عَرْضًا مُحْتَكَرًا) وَلَوْ بَاعَهُ (قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ قَبْضِ الدَّيْنِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ. أَوْ قَبَّضَهُ ثَمَنَ عَرْضِ الِاحْتِكَارِ لَمْ يُجْزِهِ. وَالْمُرَادُ بِالدَّيْنِ: الدَّيْنُ الَّذِي لَا يُزَكَّى كُلَّ عَامٍ وَهُوَ دَيْنُ الْمُحْتَكِرِ مُطْلَقًا وَدَيْنُ الْمُدِيرِ مِنْ قَرْضٍ أَوْ عَلَى مُعْسِرٍ؛ وَأَمَّا دَيْنُ الْمُدِيرِ مِنْ بَيْعٍ وَهُوَ حَالٌّ مَرْجُوٌّ فَيُزَكَّى كَمَا تَقَدَّمَ كُلَّ عَامٍ. (أَوْ دُفِعَتْ) الزَّكَاةُ (لِغَيْرِ مُسْتَحِقٍّ) لَهَا كَعَبْدٍ، أَوْ كَافِرٍ هَاشِمِيٍّ، أَوْ غَنِيٍّ، فَلَا تُجْزِئُ. (أَوْ) دُفِعَتْ (لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ أَوْ دَفَعَ عَرْضًا) عَنْهَا بِقِيمَتِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ. (أَوْ) دَفَعَ (جِنْسًا) مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ (عَنْ غَيْرِهِ) : مِمَّا فِيهِ زَكَاةٌ؛ لَمْ تُجْزِئْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ غَنِيٍّ فَلَا تُجْزِئُ] أَيْ إلَّا الْإِمَامَ يَدْفَعُهَا بِاجْتِهَادِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْآخِذَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ فَتُجْزِئُ حَيْثُ تَعَذَّرَ رَدُّهَا، وَالْوَصِيُّ وَمُقَدَّمُ الْقَاضِي كَذَلِكَ. فَتَحَصَّلَ: أَنَّ رَبَّهَا إذَا دَفَعَهَا لِغَيْرِ مُسْتَحِقِّهَا لَا تُجْزِئُهُ مُطْلَقًا، وَالْإِمَامُ وَمُقَدَّمُ الْقَاضِي وَالْوَصِيُّ تُجْزِئُهُ إنْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا هَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ دَفَعَ عَرْضًا] : أَيْ حَيْثُ أَطَاعَ بِذَلِكَ، وَإِلَّا - فَإِنْ أُكْرِهَ - أَجْزَأَتْ اتِّفَاقًا. وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَتْنِ وَالشَّارِحِ كَمَا فِي الْأَصْلِ: أَنَّهُ إذَا أَخْرَجَ الْعَيْنَ عَنْ الْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ يُجْزِئُ مَعَ الْكَرَاهَةِ. وَأَمَّا إخْرَاجُ الْعَرْضِ عَنْهُمَا أَوْ عَنْ الْعَيْنِ فَلَا يُجْزِئُ؛ كَإِخْرَاجِ الْحَرْثِ أَوْ الْمَاشِيَةِ عَنْ الْعَيْنِ. أَوْ الْحَرْثِ عَنْ الْمَاشِيَةِ أَوْ عَكْسِهِ. فَهَذِهِ تِسْعٌ الْمُجْزِئُ مِنْهَا اثْنَتَانِ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْمِسْنَاوِيّ: هَذَا التَّفْصِيلُ لِلْأُجْهُورِيِّ وَلَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ. قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ - بَلْ الْمَوْجُودُ فِي الْمَذْهَبِ - طَرِيقَتَانِ: عَدَمُ إجْزَاءِ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا وَإِجْزَاؤُهَا مُطْلَقًا، فَعَدَمُ الْإِجْزَاءِ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ بَشِيرٍ، وَقَدْ اعْتَرَضَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّهُ خِلَافُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْبَاجِيِّ مِنْ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِيهِ الْإِجْزَاءُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. وَفِي تَقْرِيرِ الْمُؤَلِّفِ مَا يُوَافِقُهُ؛ فَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلُ بَابِ الزَّكَاةِ مِنْ عَدَمِ إجْزَاءِ الْقِيمَةِ بَدَلَ الشَّيْءِ الْوَاجِبِ فِي الْمَوَاشِي وَغَيْرِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ هُنَا فَلْيُحْفَظْ هَذَا الْمَقَامُ.

كَأَنْ دَفَعَ مَاشِيَةً عَنْ حَرْثٍ أَوْ عَكْسِهِ. وَمُرَادُهُ بِالْجِنْسِ: مَا يَشْمَلُ الصِّنْفَ؛ فَلَا يُجْزِئُ تَمْرٌ عَنْ زَبِيبٍ وَلَا عَكْسُهُ. وَلَا شَيْءٌ مِنْ الْقَطَّانِي عَنْ آخَرَ، وَلَا زَيْتُ ذِي زَيْتٍ عَنْ آخَرَ، وَلَا شَعِيرٌ عَنْ قَمْحٍ أَوْ سُلْتٍ أَوْ ذُرَةٍ أَوْ أُرْزٍ. (إلَّا الْعَيْنَ) ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً يُخْرِجُهَا (عَنْ حَرْثٍ وَمَاشِيَةٍ) بِالْقِيمَةِ (فَتُجْزِئُ بِكُرْهٍ) أَيْ مَعَ كَرَاهَةٍ. وَهَذَا شَامِلٌ لِزَكَاةِ الْفِطْرِ. (كَتَقْدِيمِهَا) أَيْ الزَّكَاةِ قَبْلَ وُجُوبِهَا (بِكَشَهْرٍ) فَقَطْ لَا أَكْثَرَ. وَالْكَافُ فِي قَوْلِهِ: بِكَشَهْرٍ زَائِدَةٌ أَوْلَى حَذْفُهَا (فِي عَيْنٍ) وَمِنْهَا عَرْضُ تِجَارَةِ الْمُدِيرِ، (وَمَاشِيَةٍ) لَا سَاعِيَ لَهَا فَتُجْزِئُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، بِخِلَافِ مَا لَهَا سَاعٍ وَبِخِلَافِ الْحَرْثِ فَلَا تُجْزِئُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ تَلِفَ) بَعْدَ الْوُجُوبِ (جُزْءُ نِصَابٍ) - وَأَوْلَى كُلُّهُ - (وَلَمْ يُمْكِنْ الْأَدَاءُ) : إمَّا لِعَدَمِ تَمَامِ طِيبِ الْحَرْثِ أَوْ لِعَدَمِ مُسْتَحِقٍّ، أَوْ لِغَيْبَةِ الْمَالِ (سَقَطَتْ) الزَّكَاةُ. فَإِنْ أَمْكَنَ الْأَدَاءُ وَلَمْ يُؤَدِّ ضَمِنَ، وَأَمَّا مَا تَلِفَ قَبْلَ الْوُجُوبِ فَيُعْتَبَرُ الْبَاقِي. وَشَبَّهَ فِي السُّقُوطِ قَوْلَهُ: (كَعَزْلِهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ) لِيَدْفَعَهَا لِمُسْتَحِقِّهَا (فَضَاعَتْ بِلَا تَفْرِيطٍ) مِنْهُ، (لَا إنْ ضَاعَ أَصْلُهَا) بَعْدَ الْوُجُوبِ وَبَقِيَتْ هِيَ فَلَا تَسْقُطُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا فَرَّطَ أَمْ لَا، وَلَا إنْ عَزَلَهَا قَبْلَ الْوُجُوبِ فَضَاعَتْ أَوْ تَلِفَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا شَيْءَ مِنْ الْقَطَانِيِّ عَنْ آخَرَ] : أَيْ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ مِنْهَا وَكَانَ الْمُخْرَجُ أَدْوَنَ. قَوْلُهُ: [لَا أَكْثَرَ] : أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَهُوَ رِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقِيلَ: يُغْتَفَرُ الشَّهْرَانِ وَنَحْوُهُمَا، وَقِيلَ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَقِيلَ: خَمْسَةٌ، وَقِيلَ: عَشْرَةٌ. وَهَذَا التَّقْدِيمُ الْمُجْزِئُ مَعَ الْكَرَاهَةِ سَوَاءٌ كَانَ لِأَرْبَابِهَا أَوْ لِوَكِيلٍ يُوَصِّلُهَا لَهُ. قَوْلُهُ: [لَا إنْ ضَاعَ أَصْلُهَا] : أَيْ دُونَهَا؛ وَذَلِكَ بِأَنْ عَزَلَ الزَّكَاةَ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ، ثُمَّ ضَاعَ الْمَالُ الَّذِي هُوَ أَصْلُهَا وَبَقِيَتْ هِيَ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [فَرَّطَ] : حَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا حَلَّ الْحَوْلُ وَأَخَّرَ تَفْرِقَتَهَا عَنْ الْحَوْلِ - مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ التَّفْرِقَةِ - فَتَلِفَتْ، سَوَاءٌ تَلِفَ أَصْلُهَا أَمْ لَا، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الزَّكَاةَ لِتَفْرِيطِهِ.

[زكاة المسافر]

فَيَضْمَنُ أَوْ يُعْتَبَرُ الْبَاقِي. وَلَا إنْ عَزَلَهَا بَعْدَهُ وَفَرَّطَ بِأَنْ أَمْكَنَ الْأَدَاءُ فَلَمْ يُؤَدِّ، أَوْ وَضَعَهَا فِي غَيْرِ حِرْزِهَا فَيَضْمَنُ. (وَزَكَّى مُسَافِرٌ) فِي الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ بِهِ (مَا مَعَهُ) مِنْ الْمَالِ وَإِنْ دُونَ نِصَابٍ، (وَمَا غَابَ) عَنْهُ (إنْ لَمْ يَكُنْ) هُنَاكَ (مُخْرِجٌ) عَنْهُ بِتَوْكِيلٍ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمَالِكِ. فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مُخْرِجٌ زَكَّى مَا مَعَهُ فَقَطْ (وَلَا ضَرُورَةَ) عَلَيْهِ مِنْ نَحْوِ إنْفَاقٍ فِيمَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْغَائِبِ، وَإِلَّا أَخَّرَ حَتَّى يَصِلَ لِبَلَدِهِ، فَالْمُرَادُ بِالضَّرُورَةِ: الْحَاجَةُ. (وَأُخِذَتْ) الزَّكَاةُ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ حَيْثُ امْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا (كُرْهًا) بِضَمِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ وَضَعَهَا فِي غَيْرِ حِرْزِهَا] : أَيْ إذَا لَمْ يَجِدْ فُقَرَاءَ يَأْخُذُونَهَا فَوَضَعَهَا فِي غَيْرِ حِرْزِهَا، فَيَضْمَنُ إنْ ضَاعَتْ وَأَمَّا لَوْ وَجَدَ مُسْتَحِقِّيهَا وَأَخَّرَهَا عَنْهُمْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إنْ ضَاعَتْ وَلَوْ فِي حِرْزِهَا. وَمِنْ ذَلِكَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الْأَمْوَالَ السِّنِينَ الْعَدِيدَةَ ثُمَّ تَأْتِيهَا جَائِحَةٌ فَإِنَّ زَكَاةَ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِذِمَمِهِمْ لَا يَخْلُصُونَ مِنْهَا إلَّا بِأَدَائِهَا. [زَكَاة الْمُسَافِر] قَوْلُهُ: [وَزَكَّى مُسَافِرٌ] : مَفْهُومُهُ أَنَّ الْحَاضِرَ يُزَكِّي مَا حَضَرَ وَمَا غَابَ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ مُطْلَقًا، وَلَوْ دَعَتْ الضَّرُورَةُ لِصَرْفِ مَا حَضَرَ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ، فَإِنَّهُ لَا يُزَكِّيهِمَا إلَّا بِالشَّرْطَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَمَا غَابَ عَنْهُ] : هَذَا شَامِلٌ لِلْمَاشِيَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا سَاعٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَ لَهَا سَاعٍ فَإِنَّهَا تُزَكَّى فِي مَحَلِّهَا فَلَا يَشْمَلُهَا كَلَامُهُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْمُسَافِرَ يُزَكِّي مَا غَابَ عَنْهُ بِالشَّرْطَيْنِ وَلَا يُؤَخِّرُ زَكَاتَهُ حَتَّى يَرْجِعَ لَهُ، أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ. وَقَالَ أَيْضًا: إنَّهُ يُؤَخِّرُ زَكَاتَهُ اعْتِبَارًا بِمَوْضِعِ الْمَالِ. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ فِي اعْتِبَارِ مَوْضِعِ الْمَالِ أَوْ الْمَالِكِ: مَا لَوْ مَاتَ شَخْصٌ وَلَا وَارِثَ لَهُ إلَّا بَيْتُ الْمَالِ بِبَلَدِ سُلْطَانٍ وَمَالُهُ بِبَلَدِ سُلْطَانٍ آخَرَ. وَاَلَّذِي فِي أَجْوِبَةِ ابْنِ رُشْدٍ: أَنَّ مَالَهُ لِمَنْ مَاتَ بِبَلَدِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَا ضَرُورَةَ عَلَيْهِ] : وَيَنْفِي الضَّرُورَةَ وُجُودُ مُسَلِّفٍ يُمْهِلُهُ لِبَلَدِهِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا أَخَّرَ] : أَيْ وَإِلَّا فَإِنْ اُضْطُرَّ أَخَّرَ الْإِخْرَاجَ عَنْ الْحَاضِرِ مَعَهُ وَالْغَائِبِ حَتَّى: يَرْجِعَ لِبَلَدِهِ. [الْإِجْبَار عَلَى الزَّكَاة] [تَتِمَّة غُرّ عَبْدٌ بِحُرِّيَّةِ فَدُفِعَتْ لَهُ الزَّكَاةُ فَظَهَرَ رِقُّهُ] قَوْلُهُ: [وَأُخِذَتْ الزَّكَاةُ] : أَيْ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ، فَإِنْ كَانَ لَيْسَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ - وَكَانَ مَعْرُوفًا بِالْمَالِ - فَإِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَظْهَرَ مَالُهُ. فَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُ الْمَالِ

[فصل في زكاة الفطر]

الْكَافِ وَفَتْحِهَا (وَإِنْ بِقِتَالٍ) ، وَتُجْزِئُ نِيَّةُ الْإِمَامِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ عَنْ نِيَّتِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَرَقَ مُسْتَحِقٌّ بِقَدْرِهَا فَلَا تَكْفِي لِعَدَمِ النِّيَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاتُّهِمَ فِي إخْفَاءِ غَيْرِهِ فَقَالَ مَالِكٌ: يُصَدَّقُ وَلَا يَحْلِفُ إنَّهُ مَا أَخْفَى وَإِنْ اُتُّهِمَ، وَأَخْطَأَ مَنْ يُحَلِّفُ النَّاسَ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ بِقِتَالٍ] : أَيْ وَلَا يَقْصِدُ قَتْلَهُ، فَإِنْ اتَّفَقَ أَنَّهُ قَتَلَ أَحَدًا قُتِلَ بِهِ وَإِنْ قَتَلَهُ أَحَدٌ كَانَ هَدَرًا. وَيُؤَدَّبُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ أَدَائِهَا بَعْدَ أَخْذِهَا مِنْهُ كَرْهًا إنْ لَمْ يُقَاتِلْ حَالَةَ الْأَخْذِ وَإِلَّا كَفَى فِي الْأَدَبِ. قَوْلُهُ: [وَتُجْزِئُ نِيَّةُ الْإِمَامِ] : أَيْ وَيَجِبُ دَفْعُهَا لَهُ إنْ كَانَ عَدْلًا فِي صَرْفِهَا. وَأَخْذِهَا. وَإِنْ كَانَ جَائِرًا فِي غَيْرِهَا - إنْ كَانَتْ مَاشِيَةً أَوْ حَرْثًا، بَلْ وَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا. فَإِنْ طَلَبَهَا الْعَدْلُ وَادَّعَى إخْرَاجَهَا لَمْ يُصَدَّقْ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تُدْفَعُ لِلْجَائِرِ فِي صَرْفِهَا، بَلْ الْوَاجِبُ جَحْدُهَا وَالْهُرُوبُ بِهَا، فَإِنْ أَخَذَهَا كُرْهًا أَجْزَأَتْ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ مَا لَوْ سَرَقَ مُسْتَحِقٌّ] إلَخْ: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْفُقَرَاءَ لَيْسَ لَهُمْ الْمُقَاتَلَةُ عَلَيْهَا إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ لِتَوَقُّفِ الزَّكَاةِ عَلَى نِيَّتِهِ أَوْ نِيَّةِ الْمَالِكِ، وَلَوْ جَازَ لَهُمْ الْمُقَاتَلَةُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنِ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ لَأَدَّى إلَى الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ. تَتِمَّةٌ: إنْ غَرَّ عَبْدٌ بِحُرِّيَّةٍ فَدُفِعَتْ لَهُ الزَّكَاةُ فَظَهَرَ رِقُّهُ فَجِنَايَةٌ فِي رَقَبَتِهِ إنْ لَمْ تُوجَدْ مَعَهُ عَلَى الْأَرْجَحِ؛ فَيُخَيَّرُ سَيِّدُهُ بَيْنَ فِدَائِهِ وَإِسْلَامِهِ فَيُبَاعُ فِيهَا. وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ دَفْعِهَا لِمَدِينٍ عَدِيمٍ ثُمَّ أَخْذِهَا مِنْهُ فِي دَيْنِهِ حَيْثُ لَمْ يَتَوَاطَأْ عَنْ ذَلِكَ؟ قَوْلَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ. وَإِنْ دُفِعَتْ لِغَرِيبٍ مُحْتَاجٍ لِمَا يُوَصِّلُهُ أَوْ لِغَازٍ، ثُمَّ تَرَكَ كُلَّ السَّفَرِ لِمَا دُفِعَتْ الزَّكَاةُ لَأَجْلِهِ نُزِعَتْ مِنْهُمَا إلَّا بِوَصْفِ الْفَقْرِ كَالْغَرِيمِ إذَا اسْتَغْنَى، بِأَنْ ظَهَرَ لَنَا قُدْرَتُهُ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِهَا فَيَجِبُ نَزْعُهَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ. [فَصْلٌ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ] [قَدْرَ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَمَا تُخْرَجُ مِنْهُ وَمَنْ تُدْفَع لَهُ وَإِثْم تَأْخِيرهَا] فَصْلٌ:

فَصْلٌ: فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ (زَكَاةُ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ بِغُرُوبِ آخِرِ رَمَضَانَ) عَلَى قَوْلٍ (أَوْ بِفَجْرِ) أَوَّلِ (شَوَّالٍ) عَلَى قَوْلٍ آخَرَ. (عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْقَادِرِ) عَلَيْهَا وَقْتَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى زَكَاةِ الْأَمْوَالِ أَتْبَعَهُ بِالْكَلَامِ عَلَى زَكَاةِ الْأَبَدَانِ وَهِيَ زَكَاةُ الْفِطْرِ. وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ إضَافَتِهَا لِلْفِطْرِ، فَقِيلَ: مِنْ الْفِطْرَةِ وَهِيَ الْخِلْقَةُ لِتَعَلُّقِهَا بِالْأَبْدَانِ، وَقِيلَ لِوُجُوبِهَا بِالْفِطْرِ. وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا الرِّفْقُ بِالْفُقَرَاءِ فِي إغْنَائِهِمْ عَنْ السُّؤَالِ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: الْمُخْرِجُ بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَالْمُخْرَجُ بِالْفَتْحِ، وَالْوَقْتُ الْمُخْرَجُ فِيهِ، وَالْمَدْفُوعَةُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْمُؤَلَّفُ زَكَاةَ الْأَمْوَالِ عَلَيْهَا. وَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقُهَا أَشْرَفَ - لِأَنَّ زَكَاةَ الْأَمْوَالِ دِعَامَةٌ مِنْ دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ، وَلِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِهَا وَسُنِّيَّتِهَا. وَالْمَشْهُورُ الْوُجُوبُ وَلِذَلِكَ لَا يُقَاتَلُونَ عَلَيْهَا. قَالَ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ: وَانْظُرْ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَعْضِ السُّنَنِ الَّتِي يُقَاتَلُ عَلَى تَرْكِهَا، وَانْظُرْ هَلْ يَكْفُرُ جَاحِدُهَا أَوْ لَا؟ وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَجْحَدَ مَشْرُوعِيَّتَهَا: فَيَكْفُرَ، وَبَيْنَ أَنْ يَجْحَدَ وُجُوبَهَا: فَلَا يَكْفُرَ، لِأَنَّهُ قِيلَ بِالسُّنِّيَّةِ (اهـ.) قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَكَذَا لَا يُقَاتَلُونَ عَلَى صَلَاةِ الْعِيدِ بِخِلَافِ الْأَذَانِ وَالْجَمَاعَةِ فَيُقَاتَلُونَ عَلَى تَرْكِهِمَا، لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ وَيَتَوَقَّفُ الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ عَلَيْهِ (اهـ.) قَوْلُهُ: [وَاجِبَةٌ] : أَيْ وُجُوبًا ثَابِتًا بِالسُّنَّةِ فَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ» وَحَمْلُ الْفَرْضِ

(وَإِنْ بِتَسَلُّفٍ لِرَاجِي الْقَضَاءِ) لِأَنَّهُ قَادِرٌ حُكْمًا، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَرْجُهُ. (عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يَمُونُهُ) أَيْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى التَّقْدِيرِ بَعِيدٌ، خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ وَقَالَ إنَّهَا سُنَّةٌ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ خَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَادِيًا يُنَادِي فِي فِجَاجِ مَكَّةَ: أَلَا إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. . .» إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. وَلَا يُقَالُ: إنَّ فَرْضَهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَمَكَّةُ حِينَئِذٍ دَارُ حَرْبٍ، فَكَيْفَ يَتَأَتَّى فِيهَا النِّدَاءُ بِمَا ذُكِرَ؟ لِأَنَّهُ يُقَالُ: " بَعْثُ الْمُنَادِي ": يَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَنَةَ فَتْحِهَا وَهِيَ سَنَةُ ثَمَانٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَنَةَ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ وَهِيَ سَنَةُ تِسْعٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَنَةَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهِيَ سَنَةُ عَشْرٍ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ أَنْ يَكُونَ بَعْثَ الْمُنَادِي عَقِبَ الْفَرْضِ، وَرِوَايَةُ: " فِجَاجِ مَكَّةَ " هِيَ الصَّوَابُ. خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ مِنْ إبْدَالِ مَكَّةَ بِالْمَدِينَةِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا بِالسُّنَّةِ، لِأَنَّ آيَاتِ الزَّكَاةِ الْعَامَّةَ سَابِقَةٌ عَلَيْهَا، فَعُلِمَ أَنَّهَا غَيْرُ مُرَادَةٍ بِهَا أَوْ غَيْرُ صَرِيحَةٍ فِي وُجُوبِهَا. قَوْلُهُ: [بِغُرُوبِ آخِرِ رَمَضَانَ عَلَى قَوْلٍ] إلَخْ: الْأَوَّلُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَشَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ. وَالثَّانِي لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْأَخَوَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَشَهَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ. قَالَ بَعْضُهُمْ؛ الْأَوَّلُ: مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْفِطْرَ الَّذِي أُضِيفَتْ إلَيْهِ فِي خَبَرِ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ» : الْفِطْرُ الْجَائِزُ وَهُوَ مَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِغُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ رَمَضَانَ، وَالثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْفِطْرُ الْوَاجِبُ الَّذِي يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ. وَاعْتَرَضَهُ شَيْخُ مَشَايِخِهِ الْعَدَوِيُّ بِأَنَّ عَدَمَ نِيَّةِ الصَّوْمِ وَاجِبٌ فِيهِمَا. وَتَنَاوُلَ الْمُفْطِرِ جَائِزٌ فِيهِمَا، وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ. وَبَقِيَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أُخَرَ: الْأَوَّلُ: أَنَّ وَقْتَهُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا يَمْتَدُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا كَاَللَّذَيْنِ قَبْلَهُ. الثَّانِي: أَنَّ وَقْتَهُ مِنْ غُرُوبِ لَيْلَةِ الْعِيدِ مُمْتَدًّا إلَى غُرُوبِ يَوْمِهَا. الثَّالِثُ: مِنْ غُرُوبِ لَيْلَةِ الْعِيدِ مُمْتَدًّا إلَى زَوَالِ يَوْمِهَا. ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ (اهـ. بْن - كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَإِنْ بِتَسَلُّفٍ] : وَقِيلَ لَا تَجِبُ بِالتَّسَلُّفِ بَلْ يُسْتَحَبُّ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ رُشْدٍ. فَعُلِمَ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالدَّيْنِ.

(بِقَرَابَةٍ) : كَوَالِدَيْهِ الْفَقِيرَيْنِ؛ وَأَوْلَادِهِ الذُّكُورِ لِلْبُلُوغِ قَادِرِينَ عَلَى الْكَسْبِ، وَالْإِنَاثِ لِلدُّخُولِ بِالزَّوْجِ أَوْ الدُّعَاءِ إلَيْهِ. (أَوْ زَوْجِيَّةٍ) : أَيْ كَوْنِهَا زَوْجَةً لَهُ أَوْ لِأَبِيهِ الْفَقِيرِ. وَكَذَا تَلْزَمُ لِخَادِمِ الْقَرِيبِ الْمَذْكُورِ أَوْ الزَّوْجَةِ إنْ كَانَ رَقِيقًا لَا بِأُجْرَةٍ، وَيُمْكِنُ إدْخَالُهُ فِي قَوْلِنَا: (أَوْ رِقٍّ) : أَيْ أَوْ بِسَبَبِ رِقٍّ؛ كَعَبِيدِهِ وَعَبِيدِ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ وَلَدِهِ حَيْثُ كَانَ خَادِمًا وَهُمْ أَهْلٌ لِلْإِخْدَامِ (وَلَوْ) كَانَ الرَّقِيقُ (مُكَاتَبًا) (وَ) الرَّقِيقُ (الْمُشْتَرَكُ) بَيْنَ اثْنَيْنِ. أَوْ أَكْثَرَ يَجِبُ عَلَى كُلٍّ (بِقَدْرِ الْمِلْكِ) فِيهِ مِنْ نِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ سُدُسٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (كَالْمُبَعَّضِ) يَجِبُ الْإِخْرَاجُ عَلَى مَالِكِ بَعْضِهِ بِقَدْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ الدُّعَاءِ إلَيْهِ] : أَيْ حَيْثُ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُطِيقَةً وَلَمْ يَكُنْ بِهَا مَانِعٌ يُوجِبُ الْخِيَارَ. قَوْلُهُ: [حَيْثُ كَانَ خَادِمًا] : يُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا إذَا قَصَدَ بِهِ الرِّبْحَ أَوْ اشْتَرَى لِلْفَخْرِ. قَوْلُهُ: [وَهُمْ أَهْلٌ لِلْإِخْدَامِ] : فَلَوْ كَانَ أَهْلًا لِلْإِخْدَامِ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ إلَى أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ، فَقِيلَ: يَلْزَمُهُ زَكَاةُ فِطْرِ الْجَمِيعِ؛ وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ إلَّا زَكَاةُ فِطْرِ وَاحِدٍ فَقَطْ. وَنَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ فِي وُجُوبِهَا عَنْ أَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ إلَى أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ إنْ اقْتَضَاهُ شَرَفُهَا. ثَالِثُهَا: عَنْ خَادِمَيْنِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [يَجِبُ عَلَى كُلٍّ بِقَدْرِ الْمِلْكِ] : هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ. وَمُقَابِلُهُ: أَنَّهَا عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ الْمَالِكِينَ. وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ فِي هَذَا الْخِلَافِ، وَضَابِطُهَا: كُلُّ مَا يَجِبُ بِحُقُوقٍ مُشْتَرَكَةٍ؛ هَلْ الْوَاجِبُ بِقَدْرِ الْحُقُوقِ أَوْ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ؟ قَوْلَانِ. لَكِنَّ الرَّاجِحَ مِنْهُمَا مُخْتَلِفٌ، فَالرَّاجِحُ الثَّانِي، وَهُوَ اعْتِبَارُ عَدَدِ الرُّءُوسِ: فِي أُجْرَةِ الْقَسَّامِ، وَكَنْسِ الْمَرَاحِيضِ، وَالسَّوَّاقِي، وَحَارِسِ أَعْدَالِ الْمَتَاعِ، وَبُيُوتِ الطَّعَامِ، وَالْجَرِينِ، وَالْبَسَاتِينِ. وَكَاتِبِ الْوَثِيقَةِ وَكَذَا صَيْدُ الْكِلَابِ لَا يُنْظَرُ فِيهِ لِكِثَرِ الْكِلَابِ وَإِنَّمَا يُنْظَرُ فِي اشْتِرَاكِ الصَّيْدِ لِرُءُوسِ الصَّائِدِينَ. وَالرَّاجِحُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ اعْتِبَارُ الْمِلْكِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ،

مَا يَمْلِكُ فِيهِ. (وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُبَعَّضِ) فِي بَعْضِهِ الْحُرِّ. ثُمَّ مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ، أَوْ تَزَوَّجَ أَوْ اشْتَرَى عَبْدًا قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَجَبَتْ عَلَى الْأَبِ أَوْ الزَّوْجِ أَوْ سَيِّدِ الْعَبْدِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. وَلَوْ حَصَلَ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَطَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَجَبَتْ عَلَى مَنْ ذُكِرَ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ. وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ يَجِبْ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ. وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ مَنْ طَلُقَتْ أَوْ عَتَقَ أَوْ بَاعَ. وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا إلَّا بَعْدَ فَجْرِ شَوَّالٍ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا عَنْهَا وَقْتَ الْوُجُوبِ، وَإِنْ نُدِبَتْ إنْ زَالَ فَقْرُهُ أَوْ عَتَقَ يَوْمَهَا كَمَا يَأْتِي. (وَهِيَ) : أَيْ زَكَاةُ الْفِطْرِ (صَاعٌ) أَرْبَعَةُ أَمِدَاد عُبْرَةُ الْمُدِّ حَفْنَةٌ مِلْءُ الْيَدَيْنِ الْمُتَوَسِّطَتَيْنِ. (فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ يَوْمَهُ) أَيْ يَوْمَ عِيدِ الْفِطْرِ، وَقَدْ مَلَكَهُ وَقْتَ الْوُجُوبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالشُّفْعَةِ، وَنَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ؛ أَيْ فَإِنَّهَا تُوَزَّعُ عَلَى الْأَوْلَادِ بِقَدْرِ الْيَسَارِ لَا عَلَى الرُّءُوسِ وَلَا بِقَدْرِ الْمِيرَاثِ، وَكَذَا زَكَاةُ فِطْرِهِمَا. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . تَنْبِيهٌ: الْعَبْدُ الْمُخْدَمُ إنْ كَانَ مَرْجِعُهُ بَعْدَ الْخِدْمَةِ لِسَيِّدِهِ فَزَكَاتُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَرْجِعُهُ لِحُرِّيَّةٍ فَزَكَاتُهُ عَلَى الْمُخْدَمِ بِالْفَتْحِ، وَإِنْ كَانَ مَرْجِعُهُ لِشَخْصٍ آخَرَ فَزَكَاتُهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ الَّذِي مَرْجِعُهُ لَهُ. قَوْلُهُ: [وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ فِي بَعْضِهِ الْحُرِّ] : وَكَذَلِكَ عَبِيدُ الْعَبِيدِ لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ الْأَعْلَى وَلَا سَيِّدَهُمْ زَكَاةُ فِطْرِهِمْ، وَفِي (بْن) : أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُخْرِجُ عَنْ زَوْجَتِهِ خِلَافًا لِ (عب) ، وَأَمَّا الْمَوْقُوفُ فَعَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ] : شُرُوعٌ مِنْهُ فِي بَيَانِ ثَمَرَةِ الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ، لَكِنَّ الْوُجُوبَ لَا يَمْتَدُّ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ يَجِبْ عَلَى كُلٍّ] إلَخْ: أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ حَصَلَ بَعْدَ الْغُرُوبِ. قَوْلُهُ: [مِلْءُ الْيَدَيْنِ الْمُتَوَسِّطَتَيْنِ] : أَيْ لَا مَقْبُوضَتَيْنِ وَلَا مُتَوَسِّطَتَيْنِ وَذَلِكَ

(مِنْ أَغْلَبِ قُوتِ أَهْلِ الْمَحَلِّ مِنْ) أَصْنَافٍ تِسْعَةٍ: (قَمْحٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ سُلْتٍ أَوْ ذُرَةٍ أَوْ دُخْنٍ أَوْ أُرْزٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ أَقِطٍ) : وَهُوَ يَابِسُ اللَّبَنِ الْمُخْرَجِ زُبْدُهُ. وَقَوْلُهُ: (فَقَطْ) : إشَارَةٌ لِرَدِّ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ بِزِيَادَةِ الْعَلَسِ عَلَى التِّسْعَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَعَلَى قَوْلِهِ تَكُونُ الْأَصْنَافُ عَشْرَةً. فَيَتَعَيَّنُ الْإِخْرَاجُ مِمَّا غَلَبَ الِاقْتِيَاتُ مِنْهُ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ، فَلَا يُجْزِئُ الْإِخْرَاجُ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَا مِنْهَا إنْ اقْتَاتَ غَيْرُهُ مِنْهَا إلَّا أَنْ يُخْرِجَ الْأَحْسَنَ؛ كَمَا لَوْ غَلَبَ اقْتِيَاتُ الشَّعِيرِ فَأَخْرَجَ قَمْحًا. (إلَّا أَنْ يَقْتَاتَ غَيْرَهَا) أَيْ غَيْرَ هَذِهِ الْأَصْنَافِ كَعَلَسٍ وَلَحْمٍ وَفُولٍ وَعَدَسٍ وَحِمَّصٍ وَنَحْوِهَا (فَمِنْهُ) يُخْرِجُ، فَإِنْ غَلَبَ شَيْءٌ تَعَيَّنَ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ وَإِنْ سَاوَى غَيْرَهُ خُيِّرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدَحٌ وَثُلُثٌ، فَعَلَى هَذَا: الرُّبْعُ الْمِصْرِيُّ يُجْزِئُ عَنْ ثَلَاثَةٍ. قَوْلُهُ: [مِنْ أَغْلِبْ قُوتِ أَهْلِ الْمَحَلِّ] : أَيْ الْبَلَدِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِقُوتِ الْمُخْرِجِ. وَالْمَنْظُورُ لَهُ غَالِبُ قُوتِهِمْ فِي رَمَضَانَ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ الْحَطَّابِ تَرْجِيحُهُ، لَا فِي الْعَامِ كُلِّهِ، وَلَا فِي يَوْمِ الْوُجُوبِ. كَذَا فِي الْبُنَانِيِّ وَاسْتَظْهَرَ فِي الْمَجْمُوعِ اعْتِبَارَ الْغَلَبَةِ عِنْدَ الْإِخْرَاجِ. قَوْلُهُ: [مِنْ أَصْنَافٍ تِسْعَةٍ] : وَجَمَعَهَا بَعْضُهُمْ مَا عَدَا الْأَقِطَ بِقَوْلِهِ: قَمْحٌ شَعِيرٌ وَزَبِيبُ سُلْتٍ تَمْرٌ مَعَ الْأُرْزِ وَدُخْنُ ذُرَةٍ قَوْلُهُ: [فَلَا يُجْزِئُ الْإِخْرَاجُ مِنْ غَيْرِهَا] : أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْغَيْرُ عَيْنًا، وَإِلَّا فَالْأَظْهَرُ الْإِجْزَاءُ لِأَنَّهُ يَسْهُلُ بِالْعَيْنِ سَدُّ خَلَّتِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ (اهـ. تَقْرِيرُ مُؤَلِّفِينَ) . قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يُقْتَاتَ غَيْرُهَا] : أَيْ فِي زَمَنِ الرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ لَا فِي زَمَنِ الشِّدَّةِ فَقَطْ، كَمَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ رُشْدٍ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ عِبَارَاتِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ: أَنَّ غَيْرَ التِّسْعَةِ - إذَا كَانَ غَالِبًا - لَا يُخْرَجُ مِنْهُ؛ وَإِنَّمَا يُخْرَجُ مِنْهُ إذَا كَانَ عَيْشُهُمْ مِنْ غَيْرِ التِّسْعَةِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَمَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " إلَّا أَنْ يُقْتَاتَ غَيْرُهُ ": أَيْ إلَّا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالِاقْتِيَاتِ فَيُخْرَجَ مِنْهُ. قَوْله: [فَمِنْهُ يُخْرَجُ] : أَيْ وَلَوْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ التِّسْعَةِ، وَكَانَ غَيْرَ مُقْتَاتٍ لَهُمْ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ كَمَا قَالَهُ الرَّمَاصِيُّ. قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يُخْرَجُ صَاعًا بِالْكَيْلِ مِنْ الْعَلَسِ وَالْقَطَانِيِّ، وَبِالْوَزْنِ مِنْ نَحْوِ اللَّحْمِ. قَالَ مُحَشِّيهِ: وَرُدَّ بِقَوْلِهِ.

(وَنُدِبَ إخْرَاجُهَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ) أَيْ صَلَاةِ الْعِيدِ. (وَ) نُدِبَ إخْرَاجُهَا (مِنْ قُوتِهِ الْأَحْسَنِ) مِنْ قُوتِ أَهْلِ الْبَلَدِ. (وَ) نُدِبَ إخْرَاجُهَا (لِمَنْ زَالَ فَقْرُهُ أَوْ) زَالَ (رِقُّهُ) بِأَنْ عَتَقَ (يَوْمَهَا) . (وَ) نُدِبَ (عَدَمُ زِيَادَةٍ عَلَى الصَّاعِ) . بَلْ تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ لِأَنَّ الشَّارِعَ إذَا حَدَّدَ شَيْئًا كَانَ مَا زَادَ عَلَيْهِ بِدْعَةً؛ فَتَارَةً تَقْتَضِي الْفَسَادَ كَمَا فِي الصَّلَاةِ، وَتَارَةً تَكُونُ مَكْرُوهَةً كَمَا هُنَا وَكَمَا فِي زِيَادَةِ التَّسْبِيحِ عَلَى ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ. وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ إنْ تَحَقَّقَتْ الزِّيَادَةُ وَإِلَّا فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُزِيدَ مَا يُزِيلُ بِهِ الشَّكَّ. (وَجَازَ دَفْعُ صَاعٍ) وَاحِدٍ (لِمَسَاكِينَ) يَقْتَسِمُونَهُ. (وَ) جَازَ دَفْعُ (أَصْوُعٍ) مُتَعَدِّدَةٍ (لِوَاحِدٍ) مِنْ الْفُقَرَاءِ. (وَ) جَازَ (إخْرَاجُهَا قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمَيْنِ) لَا أَكْثَرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالصَّوَابُ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهُ يُخْرَجُ مِنْ اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ مِقْدَارُ شِبَعِ الصَّاعِ، فَإِذَا كَانَ الصَّاعُ مِنْ الْحِنْطَةِ يُغَدِّي إنْسَانًا وَيُعَشِّيهِ أُعْطِيَ مِنْ اللَّحْمِ أَوْ مِنْ اللَّبَنِ مِقْدَارَ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ، وَفِي الْمَجْمُوعِ: هَلْ يُقَدَّرُ نَحْوُ اللَّحْمِ بِجُرْمِ الْمُدِّ أَوْ شِبَعِهِ؟ وَصُوِّبَ كَمَا فِي الْحَطَّابِ أَوْ بِوَزْنِهِ خِلَافٌ (اهـ) . قَوْلُهُ: [أَيْ صَلَاةِ الْعِيدِ] : أَيْ فَالْمَنْدُوبُ إخْرَاجُهَا قَبْلَ الْغُدُوِّ لِلْمُصَلَّى، لَكِنْ إنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ وَبَعْدَ الْغُدُوِّ لِلْمُصَلَّى فَقَدْ كَفَى فِي الْمُسْتَحَبِّ، وَكَذَا يُنْدَبُ غَرْبَلَةُ الْقَمْحِ وَغَيْرِهِ، إلَّا الْغَلَثَ فَيَجِبُ غَرْبَلَتُهُ إنْ زَادَ غَلَثُهُ عَلَى الثُّلُثِ، وَقِيلَ بَلْ يُنْدَبُ وَلَوْ كَانَ الثُّلُثُ أَوْ مَا قَارَبَهُ يَسِيرًا وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ دَفْعُ أَصْوُعٍ مُتَعَدِّدَةٍ] إلَخْ: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَهَا الرَّجُلُ عَنْهُ وَعَنْ عِيَالِهِ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ. هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: لَا يُجْزِئُ أَنْ يُعْطِيَ مِسْكِينًا وَاحِدًا أَكْثَرَ مِنْ صَاعٍ، وَرَأَهَا كَالْكَفَّارَةِ، وَرَوَى مُطَرِّفٌ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَلِيَ تَفْرِقَةَ فِطْرَتِهِ أَنْ يُعْطِيَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مَا أَخْرَجَ عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ مِنْ أَهْلِهِ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ (اهـ. بْن) . قَوْلُهُ: [وَجَازَ إخْرَاجُهَا قَبْلَ] إلَخْ: فَلَوْ أَخْرَجَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَضَاعَتْ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَا تُجْزِئُ. وَاعْتَرَضَهُ التُّونُسِيُّ وَاخْتَارَ الْإِجْزَاءَ. قَوْلُهُ: [لَا أَكْثَرَ] : أَيْ خِلَافًا لِلْجَلَّابِ حَيْثُ جَوَّزَ إخْرَاجَهَا قَبْلُ بِثَلَاثَةِ

(وَلَا تَسْقُطُ) زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ غَنِيٍّ بِهَا وَقْتَ الْوُجُوبِ (بِمُضِيِّ زَمَنِهَا) بِغُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الْعِيدِ بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ فِي ذِمَّتِهِ أَبَدًا حَتَّى يُخْرِجَهَا. (وَإِنَّمَا تُدْفَعُ لِحُرٍّ) فَلَا تُجْزِئُ لِعَبْدٍ (مُسْلِمٍ) فَلَا تُجْزِئُ لِكَافِرٍ. (فَقِيرٍ) لَا يَمْلِكُ قُوتَ عَامِهِ. (غَيْرِ هَاشِمِيٍّ) لِشَرَفِهِ وَتَنَزُّهِهِ عَنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ. (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) الْحُرُّ الْمُسْلِمُ (إلَّا عَلَى الْبَعْضِ) : أَيْ بَعْضِ الصَّاعِ، أَوْ بَعْضِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ إنْ وَجَبَ عَلَيْهِ - أَكْثَرُ - (أَخْرَجَهُ) وُجُوبًا. فَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَصْوُعٍ وَلَمْ يَجِدْ إلَّا الْبَعْضَ بَدَأَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ بِزَوْجَتِهِ، وَالْأَظْهَرُ تَقْدِيمُ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ. (وَأَثِمَ) مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ (إنْ أَخَّرَ لِلْغُرُوبِ) لِتَفْوِيتِهِ وَقْتَ الْأَدَاءِ وَهُوَ الْيَوْمُ كُلُّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيَّامٍ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: يُجْزِئُ إخْرَاجُهَا مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ، وَحَيْثُ أَخْرَجَهَا قَبْلُ بِالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ فَتُجْزِئُ بِاتِّفَاقٍ إنْ بَقِيَتْ بِيَدِ الْفَقِيرِ إلَى لَيْلَةِ الْعِيدِ، وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ: إنْ لَمْ تَبْقَ، سَوَاءٌ تَوَلَّى تَفْرِقَتَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ وَكَّلَ مَنْ يَتَوَلَّى تَفْرِقَتَهَا. قَوْلُهُ: [بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ فِي ذِمَّتِهِ أَبَدًا] : أَيْ وَلَوْ مَضَى لَهَا سِنِينَ. وَقَوْلُهُ: [حَتَّى يُخْرِجَهَا] : أَيْ عَنْهُ وَعَمَّنْ تَلْزَمُهُ زَكَاةُ فِطْرِهِ، وَأَمَّا لَوْ مَضَى زَمَنُهَا وَهُوَ مُعْسِرٌ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ نَدْبُ الْإِخْرَاجِ بِمُضِيِّ يَوْمِهَا. قَوْلُهُ: [فَقِيرٍ] : الْمُرَادُ فَقِيرُ الزَّكَاةِ الْأَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ الْمِسْكِينِ، وَقِيلَ إنَّمَا تُدْفَعُ لِعَادِمِ قُوتِ يَوْمِهِ. وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: [أَخْرَجَهُ وُجُوبًا] : أَيْ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأَتَوْا مِنْهُ بِمَا اسْتَطَعْتُمْ» . قَوْلُهُ: [وَالْأَظْهَرُ تَقْدِيمُ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ] : فِي هَذَا الِاسْتِظْهَارِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْأَصِيلِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى خَلِيلٍ: فَرْعٌ إذَا تَعَدَّدَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَلَمْ يَجِدْ إلَّا صَاعًا أَوْ بَعْضَهُ؛ فَهَلْ يُخْرِجُهُ عَنْ الْجَمِيعِ أَوْ يُقَدِّمُ بَعْضًا عَلَى بَعْضٍ؟ كَمَا فِي النَّفَقَةِ فَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأَبَوَيْنِ. وَاخْتُلِفَ فِي الِابْنِ وَالْوَالِدَيْنِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي تَقْدِيمِ نَفَقَةِ الِابْنِ عَلَى الْأَبَوَيْنِ أَوْ هُمَا سَوَاءٌ، قَوْلَانِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ - قَالَهُ الْحَطَّابُ. تَتِمَّةٌ: يُنْدَبُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ نَفْسِهِ إذَا كَانَ عَادَةُ أَهْلِهِ يُخْرِجُونَ عَنْهُ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِخْرَاجُ، وَحَيْثُ اكْتَفَى بِإِخْرَاجِ أَهْلِهِ عَنْهُ أَجْزَأَهُ إنْ كَانَ عَادَتُهُمْ ذَلِكَ أَوْ أَوْصَاهُمْ، وَتَكُونُ الْعَادَةُ وَالْوَصِيَّةُ بِمَنْزِلَةِ النِّيَّةِ، وَإِلَّا لَمْ تُجْزِهِ لِفَقْدِهَا. وَكَذَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ عَنْهُمْ وَالْعِبْرَةُ فِي الْقِسْمَيْنِ بِقُوتِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ اُحْتِيطَ لِإِخْرَاجِ الْأَعْلَى، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُمْ الْقُوتُ الْأَعْلَى تَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ نَفْسِهِ، وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يُخْرِجَ مِنْ قُوتِهِ الْأَدْوَنِ مِنْ قُوتِ أَهْلِ الْبَلَدِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَمَّنْ يَعُولُهُ إذَا اقْتَاتَهُ لِفَقْرٍ، لَا لِشُحٍّ وَلَا هَضْمِ نَفْسٍ أَوْ لِعَادَةٍ؛ فَلَا يَكْفِي. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب في الصوم]

وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الزَّكَاةِ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الصَّوْمِ وَأَحْكَامِهِ فَقَالَ بَابٌ فِي الصَّوْمِ (يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ عَلَى الْمُكَلَّفِ) : أَيْ الْبَالِغِ، الْعَاقِلِ، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، حُرًّا أَوْ عَبْدًا. (الْقَادِرِ) : عَلَى صَوْمِهِ لَا عَلَى عَاجِزٍ عَنْ صَوْمِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمُرْضِعٍ لَهَا قُدْرَةٌ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ خَافَتْ عَلَى الرَّضِيعِ هَلَاكًا أَوْ شِدَّةَ ضَرَرٍ. (الْحَاضِرِ) لَا عَلَى مُسَافِرٍ سَفَرَ قَصْرٍ. (الْخَالِي مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ) لَا عَلَى حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ. فَشُرُوطُ وُجُوبِهِ خَمْسَةٌ: الْبُلُوغُ، وَالْعَقْلُ، وَالْقُدْرَةُ، وَالْحُضُورُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الصَّوْمِ] [حُكْم الصَّوْمِ وَشُرُوطه وَوُجُوبه] بَابٌ: الصَّوْمُ لُغَةً: الْإِمْسَاكُ وَالْكَفُّ عَنْ الشَّيْءِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] : أَيْ صَمْتًا وَإِمْسَاكًا عَنْ الْكَلَامِ، وَشَرْعًا: الْإِمْسَاكُ عَنْ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا مُخَالَفَةً لِلْهَوَى فِي طَاعَةِ الْمَوْلَى فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ النَّهَارِ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ إنْ أَمْكَنَ فِيمَا عَدَا زَمَنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَأَيَّامَ الْأَعْيَادِ، قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. (اهـ. خَرَشِيٌّ) وَسُمِّيَ رَمَضَانَ: لِأَنَّهُ يَرْمَضُ الذُّنُوبَ أَيْ يَحْرِقُهَا وَيُذْهِبُهَا، وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَالتَّشْبِيهُ فِي الْآيَةِ فِي أَصْلِ الصَّوْمِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ. قَوْلُهُ: [كَمُرْضِعٍ] : وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ: الْحَامِلَ. قَوْلُهُ: [لَا عَلَى مُسَافِرٍ] : أَيْ سَفَرًا مُبَاحًا. قَوْلُهُ: [لَا عَلَى حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ] : أَيْ لَا يَصِحُّ وَلَا يَجِبُ كَمَا يَأْتِي، بَلْ الصَّوْمُ فِي حَقِّهِمَا حَرَامٌ. قَوْلُهُ: [الْبُلُوغُ] : فَالصَّبِيُّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَلْ يُكْرَهُ لَهُ، وَلَيْسَ كَالصَّلَاةِ يُؤْمَرُ بِهِ عِنْدَ سَبْعٍ وَيُضْرَبُ عَلَيْهِ عِنْدَ عَشْرٍ.

وَالْخُلُوُّ مِنْ الْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ. وَيَصِحُّ مِمَّا عَدَا الْمَجْنُونَ وَالْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ؛ فَيَكُونُ الْعَقْلُ وَالْخُلُوُّ مِنْهُمَا شَرْطَيْ صِحَّةٍ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي. وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَشَرْطُ صِحَّةٍ فَقَطْ. وَسَيَأْتِي أَنَّ النِّيَّةَ رُكْنٌ. وَدَخَلَ الْمُكْرَهُ فِي الْعَاجِزِ. (بِكَمَالِ شَعْبَانَ) : أَيْ يَجِبُ وَيَتَحَقَّقُ بِكَمَالِهِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا. (أَوْ بِرُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ) : وَأَوْلَى أَكْثَرُ؛ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَخْبَرَاهُ بِهَا الصَّوْمُ، وَإِنْ لَمْ يَرْفَعَا لِحَاكِمٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الرَّفْعُ إذَا لَمْ يَرَهُ غَيْرُهُمَا كَمَا يَأْتِي. (فَإِنْ) ثَبَتَ بِرُؤْيَتِهِمَا وَ (لَمْ يُرَ) الْهِلَالُ: أَيْ هِلَالُ شَوَّالٍ (بَعْدَ ثَلَاثِينَ) يَوْمًا لِغَيْرِهِمَا - حَالَ كَوْنِ السَّمَاءِ (صَحْوًا) لَا غَيْمَ بِهَا - لَيْلَةَ الْإِحْدَى وَالثَّلَاثِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَيَصِحُّ مِمَّا عَدَا الْمَجْنُونَ] إلَخْ: وَالصِّحَّةُ لَا تُنَافِي الْكَرَاهَةَ كَمَا فِي صَوْمِ الصَّبِيِّ أَوْ الْحُرْمَةَ كَمَا فِي صَوْمِ الْمَرِيضِ إنْ أَضَرَّ بِهِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَشَرْطُ صِحَّةٍ] : أَيْ وَمِثْلُهُ الزَّمَانُ الْقَابِلُ لِلصَّوْمِ. قَوْلُهُ: [وَسَيَأْتِي أَنَّ النِّيَّةَ رُكْنٌ] : وَمِثْلُهَا الْإِمْسَاكُ عَنْ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ، وَلَكِنْ جَعَلَهَا الْأُجْهُورِيُّ فِي نَظْمِهِ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ حَيْثُ قَالَ: شَرَائِطُ لِأَدَاءِ الصَّوْمِ نِيَّتُهُ ... إسْلَامُنَا وَزَمَانٌ لِلْأَدَا قُبِلَا كَالْكَفِّ عَنْ مُفْطِرٍ شَرْطُ الْوُجُوبِ لَهُ ... إطَاقَةٌ وَبُلُوغٌ هَكَذَا نُقِلَا أَمَّا النَّقَاءُ وَعَقْلٌ فَهُوَ شَرْطُهُمَا ... دُخُولُ شَهْرِ صِيَامٍ مِثْلَ ذَا جُعِلَا قَوْلُهُ: [وَيَتَحَقَّقُ] : أَيْ فِي الْخَارِجِ سَوَاءٌ حَكَمَ بِثُبُوتِهِ حَاكِمٌ أَمْ لَا. وَمِثْلُ كَمَالِهِ؛ كَمَالُ مَا قَبْلَهُ وَهُوَ رَجَبٌ كَذَا مَا قَبْلَ رَجَبٍ وَهَذَا إنْ غُمَّ بِأَنْ كَانَتْ السَّمَاءُ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ مُغَيِّمَةً، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُصْحِيَةً فَلَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ عَلَى الْإِكْمَالِ ثَلَاثِينَ، بَلْ تَارَةً يَثْبُتُ بِذَلِكَ إنْ لَمْ يَرَ الْهِلَالَ وَتَارَةً يَثْبُتُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ. قَوْلُهُ: [أَوْ بِرُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ] : هَذَا إذَا انْفَرَدَا بِالرُّؤْيَةِ فِي غَيْمٍ وَلَوْ بِصَحْوٍ فِي بَلَدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، بَلْ وَلَوْ ادَّعَيَا الرُّؤْيَةَ فِي الْجِهَةِ الَّتِي وَقَعَ الطَّلَبُ فِيهَا مِنْ غَيْرِهِمَا. قَوْلُهُ: [كَمَا يَأْتِي] : أَيْ مِنْ وُجُوبِ الرَّفْعِ عَلَى الْعَدْلِ وَالْمَرْجُوِّ. قَوْلُهُ: [لَا غَيْمَ بِهَا] : حَاصِلُهُ أَنَّ تَكْذِيبَهُمَا مَشْرُوطٌ بِأَمْرَيْنِ: عَدَمُ رُؤْيَتِهِ لِغَيْرِهِمَا لَيْلَةَ إحْدَى وَثَلَاثِينَ، وَكَوْنُ السَّمَاءِ صَحْوًا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ. فَلَوْ رَآهُ غَيْرُهُمَا

(كُذِّبَا) فِي شَهَادَتِهِمَا بِرُؤْيَةِ رَمَضَانَ، فَيَجِبُ تَبْيِيتُ الصَّوْمِ. وَقَوْلُنَا: " لِغَيْرِهِمَا ": احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا شَهِدَا بِرُؤْيَةِ شَوَّالٍ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمَا لِاتِّهَامِهِمَا عَلَى تَرْوِيجِ شَهَادَتِهِمَا الْأُولَى. (أَوْ) بِرُؤْيَةِ (جَمَاعَةٍ مُسْتَفِيضَةٍ) وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا عُدُولًا وَهِيَ الَّتِي يَسْتَحِيلُ عَادَةً تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ؛ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ يَدَّعِيهَا، لَا أَنَّهُ يَدَّعِي السَّمَاعَ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْعَوَامّ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمْ الْعَدَالَةُ وَلَا الذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ. (أَوْ) بِرُؤْيَةِ (عَدْلٍ) بِالنِّسْبَةِ (لِمَنْ لَا اعْتِنَاءَ لَهُمْ بِهِ) : أَيْ بِالْهِلَالِ كَانُوا أَهْلَهُ أَمْ لَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْلَةَ إحْدَى وَثَلَاثِينَ أَوْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ وَكَانَتْ السَّمَاءُ غَيْمًا لَمْ يُكَذَّبَا. وَمِثْلُ الْعَدْلَيْنِ فِي كَوْنِهِمَا يُكَذَّبَانِ بِالشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، مَا زَادَ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَبْلُغْ الْمُسْتَفِيضَةَ. وَأَمَّا الْمُسْتَفِيضَةُ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِمْ ذَلِكَ لِإِفَادَةِ خَبَرِهِمْ الْقَطْعَ، قَالَ أَشْيَاخُنَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ فُرِضَ عَدَمُ الرُّؤْيَةِ بَعْدَ الثَّلَاثِينَ مِنْ إخْبَارِهِمْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِفَاضَةَ لَمْ تَتَحَقَّقْ فِيهِمْ، وَحِينَئِذٍ فَيُكَذَّبُونَ، وَحَيْثُ كُذِّبَ الْعَدْلَانِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمَا فَالنِّيَّةُ الْحَاصِلَةُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ صَحِيحَةٌ لِلْعُذْرِ وَلِخِلَافِ الْأَئِمَّةِ، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَقُولُ بِتَكْذِيبِ الْعَدْلَيْنِ وَيَعْتَمِدُ فِي الْفِطْرِ عَلَى رُؤْيَتِهِمَا أَوَّلًا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُمَا يُكَذَّبَانِ وَلَوْ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا حَاكِمٌ حَيْثُ كَانَ مَالِكِيًّا، أَمَّا لَوْ كَانَ الْحَاكِمُ بِهَا شَافِعِيًّا لَا يَرَى تَكْذِيبَهُمَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِطْرُ اعْتِمَادًا عَلَى رُؤْيَتِهِمَا الْأُولَى بِنَاءً عَلَى قَوْلِ ابْنِ رَاشِدٍ الْآتِي. قَوْلُهُ: [مُسْتَفِيضَةٌ] : أَيْ مُنْتَشِرَةٌ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ الَّتِي يَسْتَحِيلُ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ الْمُسْتَفِيضَةَ وَقَعَ فِيهَا خِلَافٌ؛ فَاَلَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالتَّوْضِيحُ: أَنَّهُ الْمُحَصِّلُ خَبَرُهُ الْعِلْمُ أَوْ الظَّنُّ، وَأَنْ يَبْلُغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ. وَاَلَّذِي لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: أَنَّ الْخَبَرَ الْمُسْتَفِيضَ هُوَ الْمُحَصِّلُ لِلْعِلْمِ لِصُدُورِهِ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى بَاطِلٍ لِبُلُوغِهِمْ عَدَدَ التَّوَاتُرِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا ابْنُ عَرَفَةَ وَالْأَبِيُّ وَالْمَوَّاقُ وَكَذَا شَارِحُنَا، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: يَسْتَحِيلُ عَادَةً تَوَاطُؤُهُمْ: أَيْ لِبُلُوغِهِمْ عَدَدَ التَّوَاتُرِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ؛ وَإِلَّا فَخَبَرُ الْعَدْلَيْنِ يُفِيدُ الظَّنَّ. قَوْلُهُ: [كَانُوا أَهْلَهُ أَمْ لَا] : هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ.

(وَلَا يَحْكُمُ بِهِ) : أَيْ بِرُؤْيَةِ الْعَدْلِ؛ أَيْ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِثُبُوتِ الْهِلَالِ بِرُؤْيَةِ عَدْلٍ فَقَطْ عِنْدَنَا، وَلَا يَلْزَمُ الصَّوْمُ إنْ حَكَمَ بِهِ إلَّا لِمَنْ لَا اعْتِنَاءَ لَهُمْ بِشَأْنِ الْهِلَالِ (فَإِنْ حَكَمَ بِهِ مُخَالِفٌ) لَنَا يَرَى ذَلِكَ (لَزِمَ) الصَّوْمُ، وَعَمَّ (عَلَى الْأَظْهَرِ) مِنْ أَحَدِ التَّرَدُّدَيْنِ. (وَعَمَّ) الصَّوْمُ سَائِرَ الْبِلَادِ وَالْأَقْطَارِ وَلَوْ بَعُدَتْ (إنْ نَقَلَ عَنْ الْمُسْتَفِيضَةِ أَوْ) عَنْ (الْعَدْلَيْنِ بِهِمَا) أَيْ بِالْمُسْتَفِيضَةِ أَوْ الْعَدْلَيْنِ. فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ: نَقْلُ اسْتِفَاضَةٍ عَنْ مِثْلِهَا أَوْ عَنْ عَدْلَيْنِ، وَنَقْلُ عَدْلَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَاصِلُ أَنَّ رُؤْيَةَ الْوَاحِدِ كَافِيَةٌ فِي مَحَلٍّ لَا اعْتِنَاءَ فِيهِ بِأَمْرِ الْهِلَالِ وَلَوْ امْرَأَةً أَوْ عَبْدًا، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَثِقُ النَّفْسُ بِخَبَرِهِ وَتَسْكُنُ بِهِ لِعَدَالَةِ الْمَرْأَةِ وَحُسْنِ سِيرَةِ الْعَبْدِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [عَلَى الْأَظْهَرِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُخَالِفَ إذَا حَكَمَ بِثُبُوتِ شَهْرِ رَمَضَانَ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ فَهَلْ يَلْزَمُ الْمَالِكِيَّ الصَّوْمُ بِهَذَا الْحُكْمِ؟ لِأَنَّهُ حُكْمٌ وَقَعَ فِي حُكْمٍ يَجُوزُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ وَهُوَ الْعِبَادَاتُ - وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ رَاشِدٍ الْقَفْصِيِّ. أَوَّلًا يَلْزَمُ الْمَالِكِيَّ صَوْمُهُ؟ لِأَنَّهُ إفْتَاءٌ لَا حُكْمٌ، لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَدْخُلُ الْعِبَادَاتِ، وَحُكْمُهُ فِيهَا يُعَدُّ إفْتَاءً فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُحَاكِمَ بِصِحَّةِ صَلَاةٍ أَوْ بُطْلَانِهَا وَإِنَّمَا يَدْخُلُ حُكْمُهُ حُقُوقَ الْعِبَادِ مِنْ مُعَامَلَاتٍ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا قَوْلُ الْقَرَافِيُّ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، وَلِلنَّاصِرِ اللَّقَانِيِّ قَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَدْخُلُ الْعِبَادَاتِ تَبَعًا لَا اسْتِقْلَالًا؛ فَعَلَى هَذَا إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِثُبُوتِ الشَّهْرِ لَزِمَ الْمَالِكِيَّ الصَّوْمُ إلَّا إنْ حَكَمَ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ، قَالَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا قِيلَ بِلُزُومِ الصَّوْمِ لِلْمَالِكِيِّ وَصَامَ النَّاسُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يُرَ الْهِلَالُ، وَحَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِالْفِطْرِ، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِيِّ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَصْعُبُ مِنْ الدُّخُولِ فِيهَا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ سَالِمٌ السَّنْهُورِيُّ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. وَلَا يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِنَا، أَمَّا لَوْ كَانَ الْحَاكِمُ بِهَا شَافِعِيًّا لَا يَرَى تَكْذِيبَهُمَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِطْرُ لِقُوَّةِ الْمُخَالَفَةِ هُنَا. قَوْلُهُ: [فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ] : أَيْ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الصَّوْمُ اتِّفَاقًا وَسَيَأْتِي التَّفْصِيلُ فِي نَقْلِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ.

[تنبيه تلفيق شهادة رؤية هلال رمضان وحكم من لم تمكنه رؤيته]

عَنْ مِثْلِهِمَا أَوْ عَنْ اسْتِفَاضَةٍ وَلَوْ لَمْ يَقَعْ النَّقْلُ عَنْ الْحُكْمِ مِنْ حَاكِمٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ، وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْقَوَاعِدُ الشَّرْعِيَّةُ، إذْ كُلُّ مَنْ بَلَغَهُ حُكْمٌ عَنْ عَدْلَيْنِ أَوْ عَنْ نَاقِلٍ عَنْهُمَا بِشَرْطِهِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ، وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ الْعُمُومِ فِي النَّقْلِ عَنْ الْحُكْمِ بِهِمَا. وَأَمَّا نَقْلُ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ فَلَا يَكْفِي، قِيلَ: مُطْلَقًا. وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ إنْ نَقَلَ عَنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِثُبُوتِهِ بِالْعَدْلَيْنِ أَوْ بِالْمُسْتَفِيضَةِ كَفَى وَعَمَّ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (أَوْ) نَقَلَ (بِعَدْلٍ) وَاحِدٍ أَيْ عَنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ لَا عَنْ الْعَدْلَيْنِ وَلَا الْمُسْتَفِيضَةُ (عَلَى الْأَرْجَحِ) . (وَ) يَجِبُ (عَلَى الْعَدْلِ) وَأَوْلَى الْعَدْلَيْنِ إذَا رَأَى الْهِلَالَ، وَعَلَى (الْمَرْجُوِّ) الْقَبُولِ (الرَّفْعُ لِلْحَاكِمِ) : أَيْ بِتَبْلِيغِهِ أَنَّهُ رَآهُ، وَلَوْ عَلِمَ الْمَرْجُوُّ جُرْحَهُ نَفْسَهُ؛ لَعَلَّهُ أَنْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ مَنْ يَثْبُتُ بِهِ عِنْدَهُ فَيَحْكُمَ بِالثُّبُوتِ، وَقَدْ يَكُونُ الْحَاكِمُ مِمَّنْ يَرَى الثُّبُوتَ بِعَدْلٍ. (فَإِنْ أَفْطَرَ) : أَيْ الْعَدْلُ أَوْ الْمَرْجُوُّ الَّذِي رَآهُ وَكَذَا كُلُّ مَنْ رَآهُ فَأَفْطَرَ (فَالْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ) ، وَلَوْ تَأَوَّلَ عَلَى الْأَرْجَحِ. (لَا) يَثْبُتُ الْهِلَالُ (بِقَوْلِ مُنَجِّمٍ) أَيْ مُؤَقِّتٍ يَعْرِفُ سَيْرَ الْقَمَرِ لَا فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِشَرْطِهِ] : أَيْ وَهُوَ أَنْ يَنْقُلَ عَنْ كُلِّ عَدْلٍ عَدْلَانِ. قَوْلُهُ: [وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ إنْ نَقَلَ] إلَخْ: الْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةٌ: نَقْلٌ عَنْ حَاكِمٍ، أَوْ عَنْ الْمُسْتَفِيضَةِ، أَوْ عَنْ الْعَدْلَيْنِ؛ فَالتَّعَدُّدُ شَرْطٌ فِي الْأَخِيرَيْنِ دُونَ. الْأَوَّلِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّقْلِ عَنْ الْحَاكِمِ: مَا يَشْمَلُ النَّقْلَ لِحُكْمِهِ أَوْ لِمُجَرَّدِ الثُّبُوتِ عِنْدَهُ. قَوْلُهُ: [وَيَجِبُ عَلَى الْعَدْلِ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا الْفَاسِقُ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ الرَّفْعُ لِيَفْتَحَ بَابَ الشَّهَادَةِ لِغَيْرِهِ. [تَنْبِيه تَلْفِيق شَهَادَة رُؤْيَة هِلَال رَمَضَان وَحُكْم مِنْ لَمْ تمكنه رُؤْيَته] قَوْلُهُ: [فَالْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَلَوْ تَأَوَّلَ] إلَخْ: أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ. وَأَمَّا لَوْ أَفْطَرَ مَنْ لَا اعْتِنَاءَ لَهُمْ بِأَمْرِ الْهِلَالِ مَعَ ثُبُوتِ رُؤْيَةِ الْمُنْفَرِدِ لَهُ فَعَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ اتِّفَاقًا وَلَوْ تَأَوَّلُوا، لِأَنَّ الْعَدْلَ فِي حَقِّهِمْ كَالْعَدْلَيْنِ. قَوْلُهُ: [يَعْرِفُ سَيْرَ الْقَمَرِ] : أَيْ يَحْسِبُ قَوْسَ الْهِلَالِ هَلْ يَظْهَرُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَمْ لَا؟ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِ وَلَوْ وَقَعَ فِي الْقَلْبِ صِدْقُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ.

حَقِّ نَفْسِهِ وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَنَاطَ الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ وَالْحَجَّ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَا بِوُجُودِهِ إنْ فُرِضَ صِحَّةُ قَوْلِهِ. وَقَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِنَا: " فَإِنْ أَفْطَرَهُ " إلَخْ، أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ انْفَرَدَ بِرُؤْيَةِ رَمَضَانَ الصَّوْمُ وَإِظْهَارُهُ. (وَلَا يَجُوزُ فِطْرُ) أَيْ إظْهَارُ فِطْرِ شَخْصٍ (مُنْفَرِدٍ بِشَوَّالٍ) أَيْ بِرُؤْيَتِهِ؛ لِئَلَّا يُتَّهَمَ بِأَنَّهُ ادَّعَى ذَلِكَ كَذِبًا لِيُفْطِرَ. وَأَمَّا نِيَّةُ الْفِطْرِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ (إلَّا بِمُبِيحٍ) لِلْفِطْرِ فِي الظَّاهِرِ كَسَفَرٍ وَحَيْضٍ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْتَذِرَ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَفْطَرَ لِذَلِكَ. (وَإِنْ غَيَّمَتْ) السَّمَاءُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ (وَلَمْ يَرَ) الْهِلَالَ (فَصَبِيحَتُهُ) أَيْ الْغَيْمِ (يَوْمُ شَكٍّ) ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً لَمْ يَكُنْ يَوْمَ شَكٍّ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَثْبُتْ رُؤْيَتُهُ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ جَزْمًا. وَاعْتُرِضَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» أَيْ كَمِّلُوا عِدَّةَ مَا قَبْلَهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَبِيحَةَ الْغَيْمِ مِنْ شَعْبَانَ، فَالْوَجْهُ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQخِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّنَا مَأْمُورُونَ بِتَكْذِيبِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الطُّرُقِ الشَّرْعِيَّةِ. تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: لَا يُلَفِّقُ شَاهِدٌ شَهِدَ بِالرُّؤْيَةِ أَوَّلَ الشَّهْرِ وَلَمْ يَثْبُتْ بِهِ الصَّوْمُ لِآخَرَ شَهِدَ بِرُؤْيَةِ شَوَّالٍ أَخَّرَهُ عَلَى الرَّاجِحِ، فَشَهَادَةُ كُلٍّ لَاغِيَةٌ. الثَّانِي: مَنْ لَا تُمْكِنُهُ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ وَلَا غَيْرُهَا كَأَسِيرٍ وَمَسْجُونٍ كَمَّلَ الشُّهُورُ الَّتِي قَبْلَ رَمَضَانَ وَصَامَ رَمَضَانَ أَيْضًا كَامِلًا، وَهَذَا إذَا لَمْ تَلْتَبِسْ عَلَيْهِ الشُّهُورُ. وَأَمَّا إنْ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَعْرِفْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِهَا، فَإِنْ ظَنَّ شَهْرًا أَنَّهُ رَمَضَانُ صَامَهُ وَإِنْ تَفَاوَتَ عِنْدَهُ الِاحْتِمَالَاتُ تَخَيَّرَ شَهْرًا وَصَامَهُ، فَإِنْ فَعَلَ مَا طُلِبَ مِنْهُ فَلَهُ أَحْوَالٌ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ: مُصَادَفَتُهُ فَيُجْزِئُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ التَّرَدُّدِ فِي خَلِيلٍ. الثَّانِي: تَبَيَّنَ أَنَّ مَا صَامَهُ بَعْدَهُ فَيُجْزِئُهُ أَيْضًا فَإِنْ كَانَ شَوَّالًا قَضَى يَوْمًا بَدَلًا عَنْ الْعِيدِ حَيْثُ كَانَا كَامِلَيْنِ أَوْ نَاقِصَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْكَامِلُ رَمَضَانَ قَضَى يَوْمَهُ، وَإِنْ كَانَ شَوَّالًا لَا قَضَاءَ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا صَامَهُ ذُو الْحِجَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِالْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ. الثَّالِثُ: تَبَيَّنَ أَنَّ مَا صَامَهُ قَبْلَهُ كَشَعْبَانَ فَلَا يُجْزِئُهُ قَوْلًا وَاحِدًا. الرَّابِعُ: بَقَاؤُهُ عَلَى شَكِّهِ فَلَا يُجْزِئُهُ عَلَى مَا قَالَ خَلِيلٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ: يُجْزِئُهُ لِأَنَّ فَرْضَهُ الِاجْتِهَادُ، وَقَدْ فَعَلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَى الْجَوَازِ حَتَّى يَنْكَشِفَ خِلَافُهُ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ فَتَدَبَّرْ قَوْلُهُ: [كَالْوَجْهِ] : حَاصِلُهُ: أَنَّ يَوْمَ الشَّكِّ صَبِيحَةُ الثَّلَاثِينَ إذَا كَانَتْ

تَكُونَ صَبِيحَةُ يَوْمِ الشَّكِّ مَا تَكَلَّمَ فِيهِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. (وَكُرِهَ صِيَامُهُ لِلِاحْتِيَاطِ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ اكْتَفَى بِهِ (وَلَا يُجْزِئُهُ) صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْهُ وَقِيلَ يَحْرُمُ صَوْمُهُ لِذَلِكَ. (وَصِيمَ) أَيْ جَازَ صَوْمُهُ (عَادَةً) أَيْ لِأَجْلِ الْعَادَةِ الَّتِي اعْتَادَهَا بِأَنْ كَانَ عَادَتُهُ سَرْدَ الصَّوْمِ تَطَوُّعًا أَوْ كَانَ عَادَتُهُ صَوْمَ يَوْمٍ كَخَمِيسٍ فَصَادَفَ يَوْمَ الشَّكِّ (وَتَطَوُّعًا) بِلَا اعْتِيَادٍ (وَقَضَاءً) عَنْ رَمَضَانَ قَبْلَهُ (وَكَفَّارَةً) عَنْ يَمِينٍ أَوْ غَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّمَاءُ صَحْوًا أَوْ غَيْمًا وَتَحَدَّثَ فِيهَا بِالرُّؤْيَةِ مَنْ لَا يَثْبُتُ بِهِ كَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِنْ غَيَّمَتْ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ وَلَمْ تُرَ فَصَبِيحَتُهُ يَوْمُ الشَّكِّ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ الْهِلَالِ وَأَنَّ الشَّهْرَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَإِنْ كُنَّا مَأْمُورِينَ بِإِكْمَالِ الْعَدَدِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الشَّكُّ أَنْ يَشِيعَ عَلَى أَلْسِنَةِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ وَلَمْ يَثْبُتْ، وَرُدَّ بِأَنَّ كَلَامَهُمْ لَغْوٌ وَإِنْ اسْتَقَرَّ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْإِنْصَافُ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا شَكًّا (اهـ.) قَوْلُهُ: [وَلَا يُجْزِئُهُ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ] : أَيْ لِعَدَمِ جَزْمِ النِّيَّةِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ يَحْرُمُ صَوْمُهُ لِذَلِكَ] : أَيْ أَخْذًا مِنْ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ: «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ الزَّجْرُ لَا التَّحْرِيمُ. قَوْلُهُ: [وَتَطَوُّعًا] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِابْنِ مَسْلَمَةَ الْقَائِلِ بِكَرَاهَةِ صَوْمِهِ تَطَوُّعًا. وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ " تَطَوُّعًا " جَوَازُ التَّطَوُّعِ بِالصَّوْمِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ شَعْبَانَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِالْكَرَاهَةِ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ: «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ» أَيْ فَيَسْتَمِرَّ فِيهِ

(وَلِنَذْرٍ صَادَفَ) كَمَا لَوْ نَذَرَ يَوْمًا مُعَيَّنًا أَوْ يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ فَصَادَفَ يَوْمَ الشَّكِّ. (فَإِنْ تَبَيَّنَ) بَعْدَ صَوْمِهِ لِمَا ذُكِرَ (أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَجْزِهِ) عَنْ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْقَضَاءِ وَمَا بَعْدَهُ. (وَقَضَاهُمَا) : أَيْ رَمَضَانَ الْحَاضِرَ وَالْقَضَاء أَوْ الْكَفَّارَةَ (إلَّا الْأَخِيرَ) أَيْ النَّذْرَ الْمُصَادِفَ. (فَرَمَضَانُ) يَقْضِيهِ (فَقَطْ) دُونَ النَّذْرِ لِتَعَيُّنِ وَقْتِهِ وَقَدْ فَاتَ. (وَنُدِبَ إمْسَاكُهُ) : أَيْ يَوْمَ الشَّكِّ أَيْ الْكَفُّ فِيهِ عَنْ الْمُفْطِرِ (لِيَتَحَقَّقَ) الْحَالَ. (فَإِنْ ثَبَتَ) رَمَضَانُ (وَجَبَ) الْإِمْسَاكُ لِحُرْمَةِ الشَّهْرِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَمْسَكَ أَوَّلًا (وَكَفَّرَ) : أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ مَعَ الْقَضَاءِ (إنْ انْتَهَكَ) حُرْمَتَهُ بِأَنْ أَفْطَرَ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ. وَوُجُوبُ الْإِمْسَاكِ وَمَفْهُومُ " انْتَهَكَ " أَنَّهُ إذَا تَنَاوَلَ الْفِطْرَ مُتَأَوِّلًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. (وَ) نُدِبَ (إمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ لِمَنْ أَسْلَمَ) فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مَا كَانَ. وَأَجَابَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِأَنَّ النَّهْيَ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّقْدِيمِ بِقَصْدِ تَعْظِيمِ الشَّهْرِ. قَوْلُهُ: [وَلِنَذْرٍ صَادَفَ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ نَذَرَ صَوْمَهُ تَعْيِينًا بِأَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَوْمُ شَكٍّ فَإِنَّهُ لَا يَصُومُهُ لِأَنَّهُ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ - اُنْظُرْ (ح) . وَقَالَ شَيْخُ الْمَشَايِخِ الْعَدَوِيُّ: الْحَقُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَوْمُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَادَةً لَهُ؟ قَوْلُهُ: [لِيَتَحَقَّقَ الْحَالُ] : أَيْ لَا لِتَزْكِيَةِ شَاهِدَيْنِ كَمَا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَاحْتَاجَ الْأَمْرُ إلَى تَزْكِيَتِهِمَا، فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْإِمْسَاكُ لِأَجْلِ التَّزْكِيَةِ إذَا كَانَ فِي الِانْتِظَارِ طُولٌ، وَأَمَّا إنْ كَانَ ذَلِكَ قَرِيبًا فَاسْتِحْبَابُ الْإِمْسَاكِ مُتَعَيَّنٌ بَلْ هُوَ آكَدُ مِنْ الْإِمْسَاكِ فِي الشَّكِّ. قَوْلُهُ: [فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ] : أَيْ لِأَنَّهُ مِنْ التَّأْوِيلِ الْقَرِيبِ.

[مندوبات الصوم]

(وَ) نُدِبَ لَهُ (قَضَاؤُهُ) وَلَمْ يَجِبْ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ. (بِخِلَافِ مَنْ زَالَ عُذْرُهُ الْمُبِيحُ) : أَيْ الَّذِي يُبِيحُ (لَهُ الْفِطْرَ مَعَ الْعِلْمِ بِرَمَضَانَ؛ كَصَبِيٍّ بَلَغَ) بَعْدَ الْفَجْرِ (وَمَرِيضٍ صَحَّ وَمُسَافِرٍ قَدِمَ) نَهَارًا وَحَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ طَهُرَتَا نَهَارًا، وَمَجْنُونٍ أَفَاقَ وَمُضْطَرٍّ لِفِطْرٍ عَنْ عَطَشٍ أَوْ جُوعٍ؛ فَلَا يُنْدَبُ لَهُ الْإِمْسَاكُ بَقِيَّةَ الْيَوْمِ وَحِينَئِذٍ (فَيَطَأُ) الْوَاحِدُ مِنْهُمْ (امْرَأَةً) لَهُ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ (كَذَلِكَ) : أَيْ زَالَ عُذْرُهَا الْمُبِيحُ لَهَا الْفِطْرَ مَعَ الْعِلْمِ بِرَمَضَانَ بِأَنْ قَدِمَتْ مَعَهُ مِنْ السَّفَرِ أَوْ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ بَلَغَتْ نَهَارًا أَوْ أَفَاقَتْ مِنْ جُنُونٍ. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: " مَعَ الْعِلْمِ بِرَمَضَانَ " عَنْ النَّاسِي، وَمَنْ أَفْطَرَ يَوْمَ الشَّكِّ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْإِمْسَاكُ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ، لَكِنْ يَرِدُ الْمُكْرَهُ؛ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ بِرَمَضَانَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ؟ وَيُجَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُبِيحِ اخْتِيَارًا وَلَا اخْتِيَارَ لِلْمُكْرَهِ. وَيَرِدُ عَلَى مَفْهُومِهِ الْمَجْنُونُ؛ فَإِنَّهُ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ كَالنَّاسِي، وَلَا يُنْدَبُ لَهُ الْإِمْسَاكُ إذَا أَفَاقَ. (وَ) نُدِبَ لِمَنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ رَمَضَانَ (تَعْجِيلُ الْقَضَاءِ وَ) نُدِبَ (تَتَابُعُهُ) أَيْ الْقَضَاءِ (كَكُلِّ صَوْمٍ لَا يَجِبُ تَتَابُعُهُ) : كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالتَّمَتُّعِ وَصِيَامِ جَزَاءِ الصَّيْدِ، فَيُنْدَبُ تَتَابُعُهُ (وَ) نُدِبَ لِلصَّائِمِ (كَفُّ لِسَانٍ وَجَوَارِحَ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ (عَنْ فُضُولٍ) مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الَّتِي لَا إثْمَ فِيهَا. (وَ) نُدِبَ (تَعْجِيلُ فِطْرٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَنْدُوبَات الصَّوْمِ] قَوْلُهُ: [وَيَرِدُ عَلَى مَفْهُومِهِ الْمَجْنُونُ] : وَأُجِيبَ بِجَوَابٍ آخَرَ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْمُكْرَهِ وَالْمَجْنُونِ: بِأَنْ فَعَلَهُمَا قَبْلَ زَوَالِ الْعُذْرِ لَا يَتَّصِفُ بِإِبَاحَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، فَلَا يَدْخُلَانِ فِي مَنْطُوقٍ وَلَا مَفْهُومٍ. قَوْلُهُ: [كَفُّ لِسَانٍ وَجَوَارِحَ] : أَيْ يَتَأَكَّدُ أَكْثَرُ مِنْ الْمُفْطِرِ، وَمِمَّا يُنْسَبُ لِابْنِ عَطِيَّةَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ: لَا تَجْعَلَنْ رَمَضَانَ شَهْرَ فُكَاهَةٍ ... كَيْمَا تُقَضِّيَ بِالْقَبِيحِ فَنُونَهُ وَاعْلَمْ بِأَنَّك لَنْ تَفُوزَ بِأَجْرِهِ ... وَتَصُومَهُ حَتَّى تَكُونَ تَصُونَهُ قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ تَعْجِيلُ فِطْرٍ] : أَيْ وَيُنْدَبُ أَنْ يَقُولَ: «اللَّهُمَّ لَك صُمْت

قَبْلَ الصَّلَاةِ بَعْدَ تَحْقِيقِ الْغُرُوبِ، وَنُدِبَ كَوْنُهُ عَلَى رُطَبَاتٍ فَتَمَرَاتٍ وِتْرًا وَإِلَّا حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ. (وَ) نُدِبَ لِلصَّائِمِ (السُّحُورُ) لِلتَّقَوِّي بِهِ عَلَى الصَّوْمِ. (وَ) نُدِبَ (تَأْخِيرُهُ) لِآخِرِ اللَّيْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْت» ، وَفِي حَدِيثٍ: «اللَّهُمَّ لَك صُمْت وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ» ، وَفِي رِوَايَةٍ يَقُولُ قَبْلَ وَضْعِ اللُّقْمَةِ فِي الْفَمِ: «يَا عَظِيمُ ثَلَاثًا أَنْتَ إلَهِي لَا إلَهَ غَيْرُك اغْفِرْ لِي الذَّنْبَ الْعَظِيمَ فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذَّنْبَ الْعَظِيمَ إلَّا الْعَظِيمُ» . قَوْلُهُ: [قَبْلَ الصَّلَاةِ] : أَيْ الْمَغْرِبِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْقَلْبِ بِهِ يَشْغَلُ عَنْ الصَّلَاةِ لِحَدِيثِ: «إذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ» ، وَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى الْأَكْلِ الْخَفِيفِ الَّذِي لَا يُخْرِجُ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا. قَوْلُهُ: [فَتَمَرَاتٌ وِتْرًا] : أَيْ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ حَلَوِيَّاتٍ، فَالسُّكْرُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَاءِ الْقَرَاحِ. وَقَوْلُهُ: [حَسَوَاتٍ] جَمْعُ حُسْوَةٍ كَمُدْيَةٍ وَمُدْيَاتٍ. وَالْفَتْحُ فِي الْجَمْعِ لُغَةٌ، وَالْحُسْوَةُ مِلْءُ الْفَمِ مِنْ الْمَاءِ. قَوْلُهُ: [السُّحُورُ] : هُوَ بِالضَّمِّ الْفِعْلُ، وَبِالْفَتْحِ مَا يُؤْكَلُ آخِرَ اللَّيْلِ. وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ لِقَرْنِهِ بِالْفِطْرِ، وَلِأَنَّهُ الْمَوْصُوفُ بِالتَّأْخِيرِ وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِالنِّصْفِ الْأَخِيرِ، وَكُلَّمَا تَأَخَّرَ كَانَ أَفْضَلَ، فَقَدْ وَرَدَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُؤَخِّرُهُ حَتَّى يَبْقَى عَلَى الْفَجْرِ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ الْقَارِئُ خَمْسِينَ آيَةً»

(وَ) نُدِبَ (صَوْمٌ بِسَفَرٍ) قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] وَلَا يَجِبُ (وَإِنْ عَلِمَ الدُّخُولَ) لِوَطَنِهِ (بَعْدَ الْفَجْرِ) وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ الْإِمْسَاكُ بَعْدَ دُخُولِهِ أَيْ إنْ بَيَّتَ الْفِطْرَ. (وَ) نُدِبَ (صَوْمُ) يَوْمِ (عَرَفَةَ لِغَيْرِ حَاجٍّ) ، وَكُرِهَ لِحَاجٍّ؛ أَيْ لِأَنَّ الْفِطْرَ يُقَوِّيهِ عَلَى الْوُقُوفِ بِهَا. (وَ) نُدِبَ صَوْمُ (الثَّمَانِيَةِ) الْأَيَّامِ (قَبْلَهُ) أَيْ عَرَفَةَ (وَ) صَوْمُ (عَاشُورَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَنُدِبَ صَوْمٌ بِسَفَرٍ] : أَيْ يُنْدَبُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَصُومَ فِي سَفَرِهِ الْمُبِيحِ لَهُ لِلْفِطْرِ وَسَتَأْتِي شُرُوطُهُ، وَيُكْرَهُ لَهُ الْفِطْرُ لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَأَمَّا قَصْرُ الصَّلَاةِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ إتْمَامِهَا وَذَلِكَ لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ بِالْقَصْرِ وَعَدَمِ بَرَاءَتِهَا بِالْفِطْرِ. فَإِنْ قُلْت مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ نَدْبِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَظَاهِرُ الْآيَةِ يُعَارِضُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» . أُجِيبَ بِحَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى صَوْمِ النَّفْلِ أَوْ الْفَرْضِ إذَا شَقَّ، وَيُرْوَى الْحَدِيثُ بِأَلْ وَأَمْ عَلَى لُغَةِ حِمْيَرَ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ] : لِمَا وَرَدَ أَنَّهُ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ وَالْمُرَادُ بِنَدْبِ الصَّوْمِ تَأَكُّدُهُ وَإِلَّا فَالصَّوْمُ مُطْلَقًا مَنْدُوبٌ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ صَوْمُ الثَّمَانِيَةِ الْأَيَّامِ قَبْلَهُ] : وَاخْتُلِفَ فِي صِيَامِ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا، فَقِيلَ يَعْدِلُ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ سَنَةً. قَوْلُهُ: [عَاشُورَاءَ] : هُوَ عَاشِرُ الْمُحَرَّمِ وَتَاسُوعَاءُ تَاسِعُهُ وَهُمَا بِالْمَدِّ، وَقَدَّمَ عَاشُورَاءَ مَعَ أَنَّ تَاسُوعَاءَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فِي الْوُجُودِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ تَاسُوعَاءَ. وَيُنْدَبُ فِي عَاشُورَاءَ التَّوْسِعَةُ عَلَى الْأَهْلِ وَالْأَقَارِبِ، بَلْ يُنْدَبُ فِيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ خَصْلَةً جَمَعَهَا بَعْضُهُمْ مَا عَدَا عِيَادَةَ الْمَرِيضِ فِي قَوْلِهِ: صُمْ صَلِّ صِلْ زُرْ عَالِمًا ثُمَّ اغْتَسِلْ ... رَأْسَ الْيَتِيمِ امْسَحْ تَصَدَّقْ وَاكْتَحِلْ وَسِّعْ عَلَى الْعِيَالِ قَلِّمْ ظُفْرًا ... وَسُورَةَ الْإِخْلَاصِ قُلْ أَلْفًا تَصِلْ

وَتَاسُوعَاءُ وَالثَّمَانِيَةِ قَبْلَهُ) أَيْ تَاسُوعَاءَ (وَبَقِيَّةِ الْمُحَرَّمِ وَ) صَوْمُ (رَجَبٍ وَشَعْبَانَ، وَ) نُدِبَ صَوْمُ (الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ) ، (وَ) نُدِبَ صَوْمُ يَوْمِ (النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ) لِمَنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ. وَالنَّصُّ عَلَى الْأَيَّامِ الْمَذْكُورَةِ - مَعَ دُخُولِهَا فِي شَهْرِهَا - لِبَيَانِ عِظَمِ شَأْنِهَا وَأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الْبَقِيَّةِ؛ فَيَوْمُ عَرَفَةَ أَفْضَلُ مِمَّا قَبْلَهُ، وَعَاشُورَاءُ أَفْضَلُ مِنْ تَاسُوعَاءَ، وَهُمَا أَفْضَلُ مِمَّا قَبْلَهُمَا، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْبَقِيَّةِ. (وَ) نُدِبَ صَوْمُ (ثَلَاثَةٍ) مِنْ الْأَيَّامِ (مِنْ كُلِّ شَهْرٍ) . (وَكُرِهَ تَعْيِينُ) الثَّلَاثَةِ (الْبِيضِ) الثَّالِثَ عَشَرَ وَتَالِيَاهُ فِرَارًا مِنْ التَّحْدِيدِ (كَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ إنْ وَصَلَهَا) بِالْعِيدِ (مُظْهِرًا) لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَصَوْمُ رَجَبٍ] : أَيْ فَيَتَأَكَّدُ صَوْمُهُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَتْ أَحَادِيثُهُ ضَعِيفَةً لِأَنَّهُ يُعْمَلُ بِهَا فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ صَوْمُ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْأَيَّامِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ] : وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا فَلِذَلِكَ كَانَ مَالِكٌ يَصُومُ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْهُ وَحَادِيَ عَشَرَهُ وَحَادِيَ عَشَرَيْهِ. قَوْلُهُ: [الثَّلَاثَةُ الْبِيضُ] : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِبَيَاضِ اللَّيَالِيِ بِالْقَمَرِ. قَوْلُهُ: [كَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ] : قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إذَا أَظْهَرَهَا مُقْتَدًى بِهِ لِئَلَّا يَعْتَقِدَ وُجُوبَهَا أَوْ اعْتَقَدَ سُنِّيَّتَهَا لِرَمَضَانَ، كَالنَّفْلِ الْبَعْدِيِّ لِلصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا سِرُّ حَدِيثِهَا أَنَّ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَالسِّتَّةَ بِشَهْرَيْنِ فَكَأَنَّهُ صَامَ الْعَامَ. وَتَخْصِيصُ شَوَّالٍ قِيلَ تَرْخِيصٌ لِلتَّمَرُّنِ عَلَى الصَّوْمِ حَتَّى إنَّهَا بَعْدَهُ أَفْضَلُ لِأَنَّهَا أَشَقُّ، وَلَا شَكَّ أَنَّهَا فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ

[مكروهات الصوم]

لَا إنْ فَرَّقَهَا أَوْ أَخَّرَهَا أَوْ صَامَهَا فِي نَفْسِهِ خُفْيَةً فَلَا يُكْرَهُ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ اعْتِقَادِ الْوُجُوبِ. (وَ) كُرِهَ لِلصَّائِمِ (ذَوْقُ) شَيْءٍ لَهُ طَعْمٌ (كَمِلْحٍ) وَعَسَلٍ وَخَلٍّ لِيَنْظُرَ وَلَوْ لِصَانِعِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَسْبِقَ لِحَلْقِهِ شَيْءٌ مِنْهُ (وَمَضْغُ عِلْكٍ) : أَيْ مَا يُعْلَكُ أَيْ يُمْضَغُ كَلِبَانٍ وَتَمْرَةٍ لِطِفْلٍ، فَإِنْ سَبَقَهُ مِنْهُ شَيْءٌ لِحَلْقِهِ فَالْقَضَاءُ. (وَ) كُرِهَ (نَذْرُ) صَوْمِ (يَوْمٍ مُكَرَّرٍ) كَكُلِّ خَمِيسٍ وَأَوْلَى نَذْرُ صَوْمِ الدَّهْرِ لِأَنَّ النَّفْسَ إذَا لَزِمَهَا شَيْءٌ مُتَكَرِّرٌ أَوْ دَائِمٌ أَتَتْ بِهِ عَلَى ثِقَلٍ وَتَنَدُّمٍ، فَيَكُونُ لِغَيْرِ الطَّاعَةِ أَقْرَبَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَفْضَلُ فَلْيُتَأَمَّلْ (اهـ.) قَوْلُهُ: [لَا إنْ فَرَّقَهَا] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ الْكَرَاهَةَ مُقَيَّدَةٌ بِخَمْسَةِ أُمُورٍ تُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَالْمَجْمُوعِ، فَإِنْ انْتَفَى قَيْدٌ مِنْهَا فَلَا كَرَاهَةَ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ الْحَدِيثُ وَهِيَ أَنْ يُوصِلَهَا فِي نَفْسِهَا وَبِالْعِيدِ مُظْهِرًا لَهَا مُقْتَدًى بِهِ مُعْتَقِدًا سُنِّيَّتَهَا لِرَمَضَانَ كَالرَّوَاتِبِ الْبَعْدِيَّةَ. [مَكْرُوهَات الصَّوْمِ] قَوْلُهُ: [وَمَضْغُ عِلْكٍ] : اسْمٌ يَعُمُّ كُلَّ مَا يُعْلَكُ أَيْ يُمْضَغُ. جَمْعُهُ عُلُوكٌ، وَبَائِعُهُ عَلَّاكٌ، وَقَدْ عَلَكَ يَعْلُكُ - بِضَمِّ اللَّامِ - عَلْكًا بِفَتْحِ الْعَيْنِ؛ أَيْ مَضَغَهُ وَلَاكَهُ. [تَنْبِيه كَرَاهَة صَوْمِ يَوْم المولد] قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ نَذْرُ صَوْمِ يَوْمٍ مُكَرَّرٍ] : أَيْ وَمِثْلُهُ الْأُسْبُوعُ كَقَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أُسْبُوعٍ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ. تَنْبِيهٌ: مِنْ جُمْلَةِ الْمَكْرُوهِ - كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ - صَوْمُ يَوْمِ الْمَوْلِدِ الْمُحَمَّدِيِّ إلْحَاقًا لَهُ بِالْأَعْيَادِ، وَكَذَا صَوْمُ الضَّيْفِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْمَنْزِلِ، وَمِنْ جُمْلَةِ الْمَكْرُوهِ أَيْضًا مُدَاوَاةُ الْإِنْسَانِ نَهَارًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَبْتَلِعْ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنْ ابْتَلَعَ مِنْهُ شَيْئًا غَلَبَةً قَضَى، وَإِنْ تَعَمَّدَ كَفَّرَ أَيْضًا، إلَّا لِخَوْفِ ضَرَرٍ فِي تَأْخِيرِ الدَّوَاءِ لِلَّيْلِ لِحُدُوثِ مَرَضِهِ أَوْ زِيَادَتِهِ أَوْ شِدَّةِ تَأَلُّمٍ فَلَا يُكْرَهُ، بَلْ يَجِبُ إنْ خَافَ هَلَاكًا أَوْ شَدِيدَ أَذًى. وَمِنْ الْمَكْرُوهِ غَزْلُ الْكَتَّانِ لِلنِّسَاءِ مَا لَمْ تَضْطَرَّ الْمَرْأَةُ لِذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ، وَهَذَا إذَا كَانَ لَهُ طَعْمٌ يَتَحَلَّلُ كَاَلَّذِي يَعْطَنُ فِي الْمُبِلَّاتِ، وَأَمَّا مَا يَعْطَنُ فِي الْبَحْرِ فَيَجُوزُ مُطْلَقًا كَمَا فِي (ح) وَغَيْرِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ حَصَادُ الزَّرْعِ إذَا كَانَ يُؤَدِّي لِلْفِطْرِ مَا لَمْ يَضْطَرَّ الْحَصَادُ لِذَلِكَ، وَأَمَّا رَبُّ الزَّرْعِ فَلَهُ الِاشْتِغَالُ بِهِ وَلَوْ أَدَّى إلَى الْفِطْرِ، لِأَنَّ رَبَّ

(وَ) كُرِهَ لَهُ (مُقَدِّمَةُ جِمَاعٍ وَلَوْ فِكْرًا أَوْ نَظَرًا) : لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَدَّاهُ لِلْفِطْرِ بِالْمَذْيِ أَوْ الْمَنِيِّ وَهَذَا (إنْ عُلِمَتْ السَّلَامَةُ) مِنْ ذَلِكَ وَإِلَّا حَرُمَ. (وَ) كُرِهَ لَهُ (تَطَوُّعٌ) بِصَوْمٍ (قَبْلَ) صَوْمٍ (وَاجِبٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ) كَقَضَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَالِ مُضْطَرٌّ لِحِفْظِهِ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ عَنْ الْبُرْزُلِيِّ (اهـ بْن مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ لَهُ مُقَدِّمَةُ جِمَاعٍ] : أَيْ لِأَيِّ شَخْصٍ؛ شَابٍّ أَوْ شَيْخٍ، رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا إنْ عُلِمَتْ السَّلَامَةُ] : ظَاهِرُهُ كَرَاهَةُ الْفِكْرِ وَالنَّظَرِ إذَا عُلِمَتْ السَّلَامَةُ، وَلَوْ كَانَا غَيْرَ مُسْتَدَامَيْنِ. لَكِنْ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْمِسْنَاوِيّ: إذَا عُلِمَتْ السَّلَامَةُ لَا كَرَاهَةَ إلَّا إذَا اسْتَدَامَ فِيهِمَا، ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ كَرَاهَةِ مَا ذُكِرَ إذَا كَانَ لِقَصْدِ لَذَّةٍ لَا إنْ كَانَ بِدُونِ قَصْدٍ كَقُبْلَةِ وَدَاعٍ أَوْ رَحْمَةٍ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ. ثُمَّ إنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ كَرَاهَةُ الْمُقَدَّمَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ حَصَلَ إنْعَاظٌ، وَهُوَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَمِثْلُ عِلْمِ السَّلَامَةِ: ظَنُّهَا. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا حَرُمَ] : أَيْ بِأَنْ عَلِمَ عَدَمَهَا أَوْ ظَنَّ أَوْ شَكَّ. فَإِنْ أَمْذَى بِالْمُقَدِّمَاتِ فِي حَالَةِ الْكَرَاهَةِ أَوْ الْحُرْمَةِ فَالْقَضَاءُ اتِّفَاقًا. وَإِنْ أَمْنَى، فَفِي حَالَةِ الْحُرْمَةِ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ اتِّفَاقًا وَفِي حَالَةِ الْكَرَاهَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: قَوْلُ أَشْهَبَ إنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إلَّا إنْ تَابَعَ حَتَّى أَنْزَلَ. وَالثَّانِي: قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ مُطْلَقًا، وَالثَّالِثُ: الْفَرْقُ بَيْنَ اللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَبَيْنَ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ؛ فَالْإِنْزَالُ - بِالثَّلَاثَةِ - الْأَوَّلُ: مُوجِبُ لِلْكَفَّارَةِ مُطْلَقًا. وَبِالْأَخِيرَيْنِ: لَا كَفَّارَةَ فِيهِ إلَّا أَنْ يُتَابِعَ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَإِنْ شَكَّ فِي الْخَارِجِ مِنْهُ فِي حَالَةِ الْعَمْدِ أَمْذَى أَمْ أَمْنَى فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجْرِي عَلَى الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مِنْ قَبِيلِ الْحُدُودِ فَتُدْرَأُ بِالشَّكِّ، خُصُوصًا وَالشَّافِعِيُّ لَا يَرَاهَا فِي غَيْرِ مَغِيبِ الْحَشَفَةِ كَمَا هُوَ أَصْلُ نَصِّهَا - كَذَا. فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ تَطَوُّعٌ بِصَوْمٍ] : حَاصِلُهُ: أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ بِالصَّوْمِ لِمَنْ عَلَيْهِ صَوْمٌ وَاجِبٌ - كَالْمَنْذُورِ وَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ - وَذَلِكَ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ تَأْخِيرِ الْوَاجِبِ وَعَدَمِ فَوْرِيَّتِهِ. وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ صَوْمُ التَّطَوُّعِ مُؤَكَّدًا - كَعَاشُورَاءَ وَتَاسُوعَاءَ - أَوْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ.

[أركان الصوم]

رَمَضَانَ وَكَفَّارَةٍ، فَإِنْ كَانَ مُعَيِّنًا بِيَوْمٍ كَنَذْرٍ مُعَيَّنٍ حَرُمَ التَّطَوُّع فِيهِ (وَ) كُرِهَ (تَطَيُّبٌ نَهَارًا وَ) كُرِهَ (شَمُّهُ) أَيْ الطِّيبِ وَلَوْ مُذَكَّرًا نَهَارًا. (وَرُكْنُهُ) أَيْ الصَّوْمُ أَمْرَانِ: أَوَّلُهُمَا: (النِّيَّةُ) : اعْلَمْ أَنَّهُمْ عَرَّفُوا الصَّوْمَ بِأَنَّهُ الْكَفُّ عَنْ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِغُرُوبِ الشَّمْسِ بِنِيَّةٍ؛ فَالنِّيَّةُ رُكْنٌ وَالْإِمْسَاكُ عَمَّا ذُكِرَ رُكْنٌ ثَانٍ. وَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَسَمَّحَ فَجَعَلَ كُلًّا مِنْهُمَا شَرْطَ صِحَّةٍ، وَالشَّرْطُ مَا كَانَ خَارِجَ الْمَاهِيَةِ، وَالرُّكْنُ مَا كَانَ جُزْءًا مِنْهَا، فَإِذَا كَانَا شَرْطَيْنِ كَانَا خَارِجَيْنِ عَنْ الْمَاهِيَّةِ مَعَ أَنَّهُمَا نَفْسُهَا، فَالنِّيَّةُ رُكْنٌ. (وَشَرْطُهَا) : أَيْ شَرْطُ صِحَّتِهَا (اللَّيْلُ) : أَيْ إيقَاعُهَا فِيهِ مِنْ الْغُرُوبِ إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ، (أَوْ) إيقَاعُهَا (مَعَ) طُلُوعِ (الْفَجْرِ) . وَلَا يَضُرُّ مَا حَدَثَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ لِمَنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ؛ فَقِيلَ إنَّ صَوْمَهُ قَضَاءً أَفْضَلُ وَصَوْمَهُ تَطَوُّعًا مَكْرُوهٌ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ. وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَرْجَحُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْفَرْضَ وَالتَّطَوُّعَ حَصَلَ ثَوَابُهُمَا كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْجَنَابَةِ وَكَصَلَاةِ الْفَرْضِ وَالتَّحِيَّةِ. قَوْلُهُ: [حَرُمَ التَّطَوُّعُ فِيهِ] : أَيْ لِتَعْيِينِ الزَّمَانِ الْمَنْذُورِ، فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ. قَالَ الشَّيْخُ سَالِمٌ: وَانْظُرْ هَلْ تَطَوُّعُهُ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ لِتَعَيُّنِ الزَّمَنِ لِغَيْرِهِ، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ لِصَلَاحِيَّةِ الزَّمَنِ فِي ذَاتِهِ لِلْعِبَادَةِ بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ فِي رَمَضَانَ لِأَنَّ مَا عَيَّنَهُ الشَّارِعُ أَقْوَى مِمَّا عَيَّنَهُ الشَّخْصُ. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ تَطَيُّبٌ] إلَخْ: إنَّمَا كُرِهَ شَمُّ الطِّيبِ وَاسْتِعْمَالُهُ نَهَارًا لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ شَهْوَةِ الْأَنْفِ الَّذِي يَقُومُ مَقَامَ الْفَمِ، وَأَيْضًا الطِّيبُ مُحَرِّكٌ لِشَهْوَةِ الْفَرْجِ. [أَرْكَان الصَّوْمِ] قَوْلُهُ: [مَعَ أَنَّهُمَا نَفْسُهَا] : وَلَكِنْ أُجِيبَ عَنْ الشَّيْخِ خَلِيلٍ: بِأَنَّهُ الْتَفَتَ إلَى مَعْنَاهَا وَهُوَ الْقَصْدُ إلَى الشَّيْءِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقَصْدَ إلَى الشَّيْءِ خَارِجٌ عَنْ مَاهِيَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَلَكِنَّ هَذَا الْجَوَابَ مُخَلِّصٌ بِالنِّسْبَةِ لِلنِّيَّةِ، وَأَمَّا الْكَفُّ فَلَا وَجْهَ لِعَدِّهِ شَرْطًا فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُرَادَ بِالشَّرْطِ مَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ] : الْمُرَادُ وُقُوعُهَا فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ الَّذِي يَعْقُبُهُ طُلُوعُ الْفَجْرِ، وَإِنَّمَا كَفَتْ النِّيَّةُ الْمُصَاحِبَةُ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّيَّةِ

بَعْدَهَا مِنْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ أَوْ نَوْمٍ؛ بِخِلَافِ رَفْعِهَا فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، وَبِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ إنْ اسْتَمَرَّ لِلْفَجْرِ، فَإِنْ رَفَعَهَا ثُمَّ عَاوَدَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ أَفَاقَ قَبْلَهُ لَمْ تَبْطُلْ عَلَى مَا سَيَأْتِي. وَمَفْهُومُ اللَّيْلِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى نَهَارًا قَبْلَ الْغُرُوبِ لِلْيَوْمِ الْمُسْتَقْبَلِ أَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ لِلْيَوْمِ الَّذِي هُوَ فِيهِ لَمْ تَنْعَقِدْ وَلَوْ بِنَفْلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُقَارَنَةُ لِلْمَنْوِيِّ، وَلَكِنْ فِي الصَّوْمِ جَوَّزُوا تَقَدُّمَهَا عَلَيْهِ حَيْثُ قَالُوا يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِالْغُرُوبِ لِمَشَقَّةِ الْمُقَارَنَةِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُقَارَنَةِ أَوْ التَّقَدُّمِ الْيَسِيرِ عَلَى مَا مَرَّ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كِفَايَةِ الْمُقَارَنَةِ لِلْفَجْرِ هُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَصَوَّبَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَتَقْدِيمُهَا عَلَى الْفَجْرِ أَوْلَى لِلِاحْتِيَاطِ وَالضَّبْطِ. قَوْلُهُ: [لَمْ تَنْعَقِدْ] : أَيْ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَأَصْلُهُ لِابْنِ بَشِيرٍ. وَنَصُّهُ: لَا خِلَافَ عِنْدَنَا أَنَّ الصَّوْمَ لَا يُجْزِئُ إلَّا إذَا تَقَدَّمَتْ النِّيَّةُ عَلَى سَائِرِ أَجْزَائِهِ. فَإِنْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَلَمْ يَنْوِهِ لَمْ يُجْزِهِ فِي سَائِرِ أَنْوَاعِ الصِّيَامِ، إلَّا يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَفِيهِ قَوْلَانِ: الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ كَالْأَوَّلِ وَالشَّاذُّ: اخْتِصَاصُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِصِحَّةِ الصَّوْمِ، كَذَا فِي (بْن) نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ: تَصِحُّ نِيَّةُ النَّافِلَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَعَنْ أَحْمَدَ: تَصِحُّ نِيَّةُ النَّافِلَةِ فِي النَّهَارِ مُطْلَقًا لِحَدِيثِ: «إنِّي إذًا صَائِمٌ بَعْدَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ غَدَاءٍ» ، وَلِلشَّافِعِيِّ: الْغَدَاءُ مَا يُؤْكَلُ قَبْلَ الزَّوَالِ. وَأَجَابَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّهُ مُضْطَرِبٌ وَلَنَا عُمُومُ حَدِيثِ أَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعِ: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ فَلَا صِيَامَ لَهُ» وَالْأَصْلُ تَسَاوِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فِي النِّيَّةِ كَالصَّلَاةِ.

لَمْ يَتَنَاوَلْ فِيهِ قَبْلَهَا مُفْطِرًا وَهُوَ كَذَلِكَ. (وَكَفَتْ نِيَّةٌ) وَاحِدَةٌ (لِمَا) : أَيْ لِكُلِّ صَوْمٍ (يَجِبُ تَتَابُعُهُ) كَرَمَضَانَ وَكَفَّارَتِهِ وَكَفَّارَةِ قَتْلٍ أَوْ ظِهَارٍ، وَكَالنَّذْرِ الْمُتَتَابِعِ؛ كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ أَوْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ (إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ) تَتَابُعُ الصَّوْمِ (بِكَسَفَرٍ) وَمَرَضٍ مِمَّا يَقْطَعُ وُجُوبَ التَّتَابُعِ دُونَ صِحَّةِ الصَّوْمِ. فَإِنْ انْقَطَعَ بِهِ لَمْ تَكْفِ النِّيَّةُ الْوَاحِدَةُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَلْبِيَتِهَا كُلَّمَا أَرَادَهُ، (وَلَوْ تَمَادَى عَلَى الصَّوْمِ) فِي سَفَرِهِ أَوْ مَرَضِهِ. (أَوْ كَحَيْضٍ) وَنِفَاسٍ وَجُنُونٍ وَمِمَّا يُوجِبُ عَدَمَ صِحَّتِهِ فَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إعَادَتِهَا وَلَوْ حَصَلَ الْمَانِعُ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَزَالَ قَبْلَ الْفَجْرِ. (وَنُدِبَتْ كُلَّ لَيْلَةٍ) فِيمَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ الْوَاحِدَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَمْ نَتَنَاوَلْ فِيهِ قَبْلَهَا] : فِيهِ رَدٌّ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [يَجِبُ تَتَابُعُهُ] : خَرَجَ بِذَلِكَ مَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ؛ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَصِيَامِهِ فِي السَّفَرِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَلَا بُدَّ الْأَذَى وَنَقْصُ الْحَجِّ فَلَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ الْوَاحِدَةُ، بَلْ مِنْ التَّبْيِيتِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْمُصَنِّفِ. وَمَا مَشْي عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ كِفَايَةِ النِّيَّةِ الْوَاحِدَةِ فِي وَاجِبِ التَّتَابُعِ هُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ لِكُلِّ يَوْمٍ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ كَالْعِبَادَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ مِنْ حَيْثُ عَدَمِ فَسَادِ بَعْضِ الْأَيَّامِ بِفَسَادِ بَعْضِهَا، وَالْقَوْلُ الْمَشْهُورُ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ كَالْعِبَادَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ حَيْثُ ارْتِبَاطِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَعَدَمِ جَوَازِ التَّفْرِيقِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ تَمَادَى عَلَى الصَّوْمِ] : هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الْعُتْبِيَّةِ خِلَافًا لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ: مِنْ أَنَّ الْمَرِيضَ أَوْ الْمُسَافِرَ إذَا اسْتَمَرَّ صَائِمًا فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِتَجْدِيدِ نِيَّةٍ. وَمَنْ أَفْسَدَ صَوْمَهُ عَامِدًا فَاسْتَظْهَرَ (ح) تَجْدِيدَ النِّيَّةِ أَيْضًا؛ كَمَنْ بَيَّتَ الْفِطْرَ وَلَوْ نِسْيَانًا لَا إنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا وَهُوَ مُبَيِّتٌ لِلصَّوْمِ فَلَا يَنْقَطِعُ تَتَابُعُهُ، وَمِثْلُهُ مَنْ أَفْطَرَ مُكْرَهًا عِنْدَ اللَّخْمِيِّ وَعِنْدَ ابْنِ يُونُسَ حُكْمُ مَنْ أَفْطَرَ لِمَرَضٍ - كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [لَا بُدَّ مِنْ إعَادَتِهَا] : أَيْ وَتَكْفِي النِّيَّةُ الْوَاحِدَةُ فِي جَمِيعِ مَا بَقِيَ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَتْ كُلَّ لَيْلَةٍ] : أَيْ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِوُجُوبِ التَّبْيِيتِ وَمِنْ الْوَرَعِ

(وَ) الرُّكْنُ الثَّانِي: (كَفٌّ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِلْغُرُوبِ عَنْ جِمَاعِ مُطِيقٍ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ؛ أَيْ الْكَفُّ عَنْ إدْخَالِ حَشَفَتِهِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا فِي فَرْجِ شَخْصٍ مُطِيقٍ لِلْجِمَاعِ، (وَإِنْ) كَانَ الْمُطِيقُ لَهُ (مَيِّتًا أَوْ بَهِيمَةً) ، وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَمَّا لَوْ أَدْخَلَ ذَكَرَهُ بَيْنَ الْأَلْيَتَيْنِ أَوَالْفَخِذَيْنِ أَوْ فِي فَرْجِ صَغِيرٍ لَا يُطِيقُ فَلَا يَبْطُلُ الصَّوْمُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ. (وَ) كَفٌّ (عَنْ إخْرَاجِ مَنِيٍّ أَوْ مَذْيٍ) : بِمُقَدِّمَاتِ جِمَاعٍ وَلَوْ نَظَرًا أَوْ تَفَكُّرًا وَاحْتَرَزَ " بِإِخْرَاجٍ " عَنْ خُرُوجِ أَحَدِهِمَا بِنَفْسِهِ أَوْ لَذَّةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ فَلَا يُبْطِلُهُ. (أَوْ) عَنْ إخْرَاجِ (قَيْءٍ) فَلَا يَضُرُّ خُرُوجُهُ بِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يَزْدَرِدْ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِلَّا فَالْقَضَاءُ. (وَ) كَفٌّ (عَنْ وُصُولِ مَائِعٍ) مِنْ شَرَابٍ أَوْ دُهْنٍ أَوْ نَحْوِهِمَا (لِحَلْقٍ) وَإِنْ لَمْ يَصِلْ لِلْمَعِدَةِ وَلَوْ وَصَلَ سَهْوًا أَوْ غَلَبَهُ فَإِنَّهُ مُفْسِدٌ لِلصَّوْمِ، وَلِذَا عَبَّرَ " بِوُصُولٍ " لَا بِإِيصَالٍ. وَاحْتُرِزَ بِالْمَائِعِ عَنْ غَيْرِهِ كَحَصَاةٍ وَدِرْهَمٍ فَوُصُولُهُ لِلْحَلْقِ لَا يُفْسِدُ بَلْ لِلْمَعِدَةِ. (وَإِنْ) كَانَ وُصُولُ الْمَائِعِ لِلْحَلْقِ (مِنْ غَيْرِ فَمٍ كَعَيْنٍ) وَأَنْفٍ وَأُذُنٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُرَاعَاةُ الْخِلَافِ. قَوْلُهُ: [عَنْ جِمَاعِ مُطِيقٍ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْفَرْجُ قُبُلًا أَوْ دُبُرًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُغَيَّبُ فِيهِ مُسْتَيْقِظًا أَوْ نَائِمًا. قَوْلُهُ: [فَلَا يُبْطِلُهُ] : وَمِثْلُهُ لَوْ حَصَلَتْ لَذَّةٌ مُعْتَادَةٌ مِنْ غَيْرِ خُرُوجِ شَيْءٍ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَالْقَضَاءُ] : أَيْ وَلَا كَفَّارَةَ إنْ كَانَ ازْدَرَدَهُ غَلَبَةً أَوْ نِسْيَانًا هَذَا فِي الْفَرْضِ، وَأَمَّا فِي النَّفْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مَعَ الْغَلَبَةِ وَالنِّسْيَانِ. قَوْلُهُ: [عَنْ وُصُولِ مَائِعٍ] : فَإِنْ وَصَلَ الْمَائِعُ لِلْمَعِدَةِ مِنْ مَنْفَذٍ عَالٍ أَوْ سَافِلٍ فَسَدَ الصَّوْمُ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ. وَهَذَا فِي غَيْرِ مَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ مِنْ أَثَرِ طَعَامِ اللَّيْلِ، وَأَمَّا هُوَ فَلَا يَضُرُّ. وَلَوْ ابْتَلَعَهُ عَمْدًا وَإِنْ لَمْ يَصِلْ لِلْمَعِدَةِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ مَا لَمْ يَصِلْ لِلْحَلْقِ مِنْ الْعَالِي كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [وَلِذَا عَبَّرَ بِوُصُولِ] : أَيْ لِأَنَّ لَفْظَةَ وُصُولِ لَا تَسْتَلْزِمُ الْقَصْدَ بِخِلَافِ إيصَالٍ. قَوْلُهُ: [كَعَيْنٍ وَأَنْفٍ وَأُذُنٍ] : أَيْ وَمَسَامِّ رَأْسٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَتِهِ، وَأَشْعَرَ

فَمَنْ اكْتَحَلَ نَهَارًا أَوْ اسْتَنْشَقَ بِشَيْءٍ فَوَصَلَ أَثَرُهُ لِلْحَلْقِ أَفْسَدَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِلْحَلْقِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اكْتَحَلَ لَيْلًا أَوْ وَضَعَ شَيْئًا فِي أُذُنِهِ أَوْ أَنْفِهِ، أَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ لَيْلًا فَهَبَطَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِحَلْقِهِ نَهَارًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (أَوْ) وُصُولُ مَائِعٍ (لِمَعِدَةٍ) وَهِيَ الْكِرْشَةُ الَّتِي فَوْقَ السُّرَّةِ لِلصَّدْرِ بِمَنْزِلَةِ الْحَوْصَلَةِ لِلطَّيْرِ؛ إذَا وَصَلَ الْمَائِعُ لَهَا بِحُقْنَةٍ (مِنْ) مَنْفَذٍ مُتَّسَعٍ (كَدُبُرٍ) أَوْ قُبُلٍ - لَا إحْلِيلٍ: أَيْ ثُقْبِ ذَكَرٍ - (كَلَهَا) أَيْ الْمَعِدَةِ أَيْ كَوُصُولِ شَيْءٍ لَهَا (بِغَيْرِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْمَائِعِ (مِنْ فَمٍ) ، فَإِنَّهُ مُفْطِرٌ بِخِلَافِ وُصُولِهِ لِلْحَلْقِ فَقَطْ أَوْ مِنْ مَنْفَذٍ أَسْفَلَ لِلْمَعِدَةِ فَلَا يَضُرُّ وَلَوْ فَتَائِلَ عَلَيْهَا دُهْنٌ. وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ وُصُولَ الْمَاءِ لِلْحَلْقِ مِنْ مَنْفَذٍ أَعْلَى وَلَوْ غَيْرَ الْفَمِ مُفْطِرٌ كَوُصُولِهِ لِلْمَعِدَةِ مِنْ مَنْفَذٍ أَسْفَلَ إنْ اتَّسَعَ كَالدُّبُرِ وَقُبُلِ الْمَرْأَةِ، لَا إنْ لَمْ يَصِلْ لَهَا وَلَا مِنْ إحْلِيلٍ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمَائِعِ فَلَا يُفْطِرُ إلَّا إذَا وَصَلَ لِلْمَعِدَةِ مِنْ الْفَمِ. وَلَكِنْ نَقَلَ الْحَطَّابُ وَغَيْرُهُ عَنْ التَّلْقِينِ: أَنَّ مَا وَصَلَ لِلْحَلْقِ مُفْطِرٌ مُطْلَقًا مِنْ مَائِعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ. وَمِنْ حُكْمِ الْمَائِعِ الْبَخُورُ وَنَحْوُهُ فَإِنَّ وُصُولَهُ لِلْحَلْقِ مُفْطِرٌ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (أَوْ) كَفٌّ عَنْ وُصُولِ (بَخُورٍ) تَتَكَيَّفُ بِهِ النَّفْسُ كَبَخُورِ عُودٍ أَوْ مَصْطِكِي ـــــــــــــــــــــــــــــQكَلَامُهُ أَنَّ مَا يَصِلُ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمَنَافِذِ لَا شَيْءَ فِيهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ لَيْلًا] : أَيْ وَأَمَّا مَنْ دَهَنَ رَأْسَهُ نَهَارًا وَوَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ، أَوْ وَضَعَ حِنَّاءً فِي رَأْسِهِ نَهَارًا فَاسْتَطْعَمَهَا فِي حَلْقِهِ، فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ. بِخِلَافِ مَنْ حَكَّ رِجْلَهُ بِحَنْظَلٍ فَوَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَوْ قَبَضَ بِيَدِهِ عَلَى ثَلْجٍ فَوَجَدَ الْبُرُودَةَ فِي جَوْفِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ: الْوَاصِلُ مِنْ الْعَيْنِ لَا يُفَطِّرُ فَيَجُوزُ الْكُحْلُ عِنْدَهُمْ نَهَارًا. وَمِثْلُهَا الرَّأْسُ، فَيَجُوزُ الِادِّهَانُ نَهَارًا. قَوْلُهُ: [أَوْ قُبُلٍ] : أَيْ فَرْجِ امْرَأَةٍ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ كَالْإِحْلِيلِ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَلَوْ غَيْرَ الْفَمِ] : أَيْ كَالْأُذُنِ وَالْعَيْنِ وَالْأَنْفِ وَالرَّأْسِ. قَوْلُهُ: [وَلَا مِنْ إحْلِيلٍ] : وَمِثْلُ الْإِحْلِيلِ الثُّقْبَةُ الضَّيِّقَةُ فِي الْمَعِدَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَكِنْ نَقَلَ الْحَطَّابُ] إلَخْ: وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى لِلْبِسَاطِيِّ وَكَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ وَهِيَ الْأَظْهَرُ.

أَوْ جَاوِي أَوْ نَحْوِهَا، (أَوْ بُخَارِ قِدْرٍ) لِطَعَامٍ فَمَتَى وَصَلَ لِلْحَلْقِ أَفْسَدَ الصَّوْمَ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ، وَمِنْ ذَلِكَ الدُّخَانُ الَّذِي يُشْرَبُ أَيْ يُمَصُّ بِنَحْوِ قَصَبَةٍ بِخِلَافِ دُخَانِ الْحَطَبِ وَنَحْوِهِ وَغُبَارِ الطَّرِيقِ. (أَوْ) عَنْ وُصُولِ (قَيْءٍ) أَوْ قَلْسٍ (أَمْكَنَ طَرْحُهُ) بِخُرُوجِهِ مِنْ الْحَلْقِ إلَى الْفَمِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ طَرْحُهُ - بِأَنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْحَلْقَ - فَلَا شَيْءَ فِيهِ. وَأَمَّا الْبَلْغَمُ الْمُمْكِنُ طَرْحُهُ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ ابْتِلَاعَهُ لَا يَضُرُّ وَلَوْ وَصَلَ لِطَرَفِ اللِّسَانِ وَأَوْلَى الْبُصَاقُ، خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ. وَمَتَى وَصَلَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا لِحَلْقٍ أَوْ مَعِدَةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَفْطَرَ (وَلَوْ) وَصَلَ (غَلَبَةً أَوْ سَهْوًا فِي الْجَمِيعِ) الْمَائِعِ وَمَا بَعْدَهُ (أَوْ) عَنْ وُصُولِ (غَالِبٍ مِنْ مَضْمَضَةٍ) لِوُضُوءٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ سِوَاكٍ) فَأَوْلَى غَيْرُ الْغَالِبِ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي قَوْلِنَا " وَكَفٌّ عَنْ وُصُولٍ " إلَخْ مُسَامَحَةً لِأَنَّ الْكَفَّ عَنْ الشَّيْءِ يَقْتَضِي الْقَصْدَ. وَالْوُصُولُ - وَلَوْ غَلَبَةً أَوْ سَهْوًا - قَدْ يَقْتَضِي عَدَمَهُ؛ ارْتَكَبْنَاهُ مُجَارَاةً لِقَوْلِهِمْ: حَقِيقَةُ الصَّوْمِ الْإِمْسَاكُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَخْ عَنْ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ، وَالْإِمْسَاكُ هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ بُخَارِ قَدْرٍ] : أَيْ فَمَتَى وَصَلَ دُخَانُ الْبَخُورِ وَبُخَارُ الْقَدْرِ لِلْحَلْقِ وَجَبَ الْقَضَاءُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جِسْمٌ يَتَكَيَّفُ بِهِ. وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْقَضَاءِ فِي ذَلِكَ إذَا وَصَلَ بِاسْتِنْشَاقٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَنْشِقُ صَانِعَهُ أَوْ غَيْرَهُ، وَأَمَّا لَوْ وَصَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَا قَضَاءَ صَانِعًا أَوْ غَيْرَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: [الَّذِي يَشْرَبُ] : وَمِثْلُهُ النُّشُوقُ فَهُوَ مُفْطِرٌ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ دُخَانِ الْحَطَبِ] : فَلَا قَضَاءَ فِي وُصُولِهِ لِلْحَلْقِ، وَلَوْ تَعَمَّدَ اسْتِنْشَاقَهُ، وَإِمَّا رَائِحَةٌ كَالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَالزُّبْدِ فَلَا تُفْطِرُ وَلَوْ اسْتَنْشَقَهَا لِأَنَّهَا لَا جِسْمَ لَهَا، إنَّمَا يُكْرَهُ فَقَطْ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ وَصَلَ لِطَرَفِ اللِّسَانِ] : قَالَ (عب) : وَلَا شَيْءَ عَلَى الصَّائِمِ فِي ابْتِلَاعِ رِيقِهِ إلَّا بَعْدَ اجْتِمَاعِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ. وَهَذَا قَوْلُ سَحْنُونَ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَسْقُطُ مُطْلَقًا وَهُوَ الرَّاجِحُ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [غَالِبٌ مِنْ مَضْمَضَةٍ] : هَذَا فِي الْفَرْضِ وَأَمَّا وُصُولُ أَثَرِ الْمَضْمَضَةِ أَوْ السِّوَاكِ لِلْحَلْقِ فِي صَوْمِ النَّفْلِ غَلَبَةً فَلَا يُفْسِدُهُ.

[شروط صحة الصوم]

الْكَفُّ عَمَّا ذُكِرَ، ثُمَّ بَيَّنُوهُ بِمَا ذَكَرْنَا وَالْمُرَادُ عَدَمُ الْوُصُولِ. وَيَرُدُّ عَلَيْهِ: أَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ وَالْعَدَمُ لَيْسَ بِفِعْلٍ. (وَصِحَّتُهُ) : أَيْ وَشَرْطُ صِحَّةِ الصَّوْمِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا مُصَوَّرَةٌ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: (بِنَقَاءٍ مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ. وَوَجَبَ) صَوْمُ رَمَضَانَ عَلَيْهَا أَوْ غَيْرِهِ كَكَفَّارَةٍ أَوْ صَوْمِ اعْتِكَافٍ أَوْ نَذْرٍ فِي أَيَّامٍ مُعَيَّنَةٍ. (إنْ طَهُرَتْ) بِقَصَّةٍ أَوْ جُفُوفٍ (قَبْلَ الْفَجْرِ وَإِنْ بِلَصْقِهِ) : أَيْ الْفَجْرِ وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ وَهَذَا أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِهِ: " وَإِنْ بِلَحْظَةٍ ". (وَ) يَجِبُ الصَّوْمُ (مَعَ الْقَضَاءِ) أَيْضًا (إنْ شَكَّتْ) : هَلْ طُهْرُهَا قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ؟ فَتَنْوِي الصَّوْمَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ قَبْلَهُ، وَتَقْضِي لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ بَعْدَهُ. (وَبِغَيْرِ عِيدٍ) أَيْ وَصِحَّتُهُ بِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ عِيدٍ فَلَا يَصِحُّ فِيهِ. (وَبِعَقْلٍ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ وَلَا مِنْ مُغْمًى عَلَيْهِ. (فَإِنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ مَعَ الْفَجْرِ فَالْقَضَاءُ) لِعَدَمِ صِحَّةِ صَوْمِهِ لِزَوَالِ عَقْلِهِ وَقْتَ النِّيَّةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَيَرِدُ عَلَيْهِ] : أَيْ عَلَى تَفْسِيرِ الْكَفِّ بِمَا ذُكِرَ. وَهَذَا الْبَحْثُ يُقَوِّي مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ حَصْرَ التَّكْلِيفِ فِي الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ الْإِثْمِ؛ وَأَمَّا الصِّحَّةُ أَوْ الْفَسَادُ فَهِيَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فَيَتَعَلَّقُ بِالسَّاهِي وَالنَّائِمِ وَالْمُكْرَهِ قَوْلُهُ: [فَتَنْوِي الصَّوْمَ] إلَخْ: قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا إنْ لَمْ تُمْسِكْ، وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا لَا تُؤْمَرُ بِفِعْلِ مَا شَكَّتْ فِي وَقْتِهِ هَلْ كَانَ الطُّهْرُ فِيهِ أَمْ لَا، وَإِنْ شَكَّتْ بَعْدَ الْفَجْرِ هَلْ طَهُرَتْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِشَاءُ، وَاسْتُشْكِلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْحَيْضَ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي كُلٍّ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالشَّكِّ فِيهِ مَوْجُودٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، فَلِمَ وَجَبَ الْأَدَاءُ فِي الصَّوْمِ دُونَ الصَّلَاةِ؟ وَالْمُرَادُ بِشَكِّهَا فِي الْفَجْرِ: مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ. [شُرُوطُ صِحَّةِ الصَّوْمِ] قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ فِيهِ] : أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّوْمِ قَبُولَ الزَّمَنِ لِلْعِبَادَةِ، وَالْعِيدُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ وَمِثْلُهُ ثَانِي النَّحْرِ وَثَالِثُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعْرَاضًا عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُمَا يُسْتَثْنَيَانِ لِمَنْ عَلَيْهِ نَقْصٌ فِي حَجٍّ. قَوْلُهُ: [فَالْقَضَاءُ] : هَذَا إذَا جُنَّ يَوْمًا وَاحِدًا بَلْ وَلَوْ سِنِينَ كَثِيرَةً، سَوَاءٌ كَانَ الْجُنُونُ طَارِئًا بَعْدَ الْبُلُوغِ أَوْ قَبْلَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ

[ما يترتب على الإفطار]

مَجْنُونًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ قَبْلَهُ وَأَفَاقَ وَقْتَ الْفَجْرِ فَلَا قَضَاءَ لِسَلَامَتِهِ وَقْتَهَا، (كَبَعْدِهِ) أَيْ كَمَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَجْرِ، (جُلَّ يَوْمٍ) وَأَوْلَى كُلُّهُ (لَا) إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَجْرِ (نِصْفُهُ) فَأَقَلَّ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الصَّوْمِ وَشُرُوطِهِ ذَكَرَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِفْطَارِ وَهِيَ خَمْسَةٌ: الْقَضَاءُ، وَالْإِمْسَاكُ، وَالْكَفَّارَةُ، وَالْإِطْعَامُ، وَقَطْعُ التَّتَابُعِ؛ فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمُدَوَّنَةِ، خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ وَالْمَدَنِيِّينَ، قَالُوا: إنْ كَثُرَتْ كَالْعَشَرَةِ فَلَا قَضَاءَ. وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ: لَا قَضَاءَ عَلَى الْمَجْنُونِ. لَنَا أَنَّ الْجُنُونَ مَرَضٌ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] . قَوْلُهُ: [نِصْفَهُ فَأَقَلَّ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ مَتَى أُغْمِيَ عَلَيْهِ كُلَّ الْيَوْمِ مِنْ الْفَجْرِ لِلْغُرُوبِ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جُلَّهُ، سَوَاءٌ سَلِمَ أَوَّلَهُ أَمْ لَا، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ نِصْفَهُ أَوْ أَقَلَّهُ وَلَمْ يَسْلَمْ أَوَّلَهُ فِيهِمَا؛ فَالْقَضَاءُ فِي هَذِهِ الْخَمْسِ. فَإِذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ، وَاسْتَمَرَّ بَعْدَهَا وَلَوْ بِلَحْظَةٍ، وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ نِصْفَ الْيَوْمِ أَوْ أَقَلَّهُ، وَسَلِمَ أَوَّلُهُ فَلَا قَضَاءَ فِيهِمَا؛ فَالصُّوَرُ سَبْعٌ يَجِبُ الْقَضَاءُ فِي خَمْسٍ، وَعَدَمُهُ فِي اثْنَتَيْنِ. وَمَا قِيلَ فِي الْإِغْمَاءِ يُقَالُ فِي الْجُنُونِ، وَمِثْلُهُمَا السُّكْرُ كَانَ بِحَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الْعَلَّامَةُ النَّفْرَاوِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، وَتَبِعَهُ (بْن) خِلَافًا لِلْخَرَشِيِّ وَ (عب) حَيْثُ تَبِعَا الْأُجْهُورِيَّ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، فَجَعَلَا الْحَرَامَ كَالْإِغْمَاءِ، وَالْحَلَالَ كَالنَّوْمِ - كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. [مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِفْطَارِ] قَوْلُهُ: [وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الصَّوْمِ] : أَيْ مِنْ جِهَةِ حَقِيقَتِهِ وَمَا يَثْبُتُ بِهِ. قَوْلُهُ: [مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِفْطَارِ] : أَيْ فِي مَجْمُوعَةِ صُوَرِهِ فَإِنَّ هَذِهِ الْخَمْسَةَ لَا تَحْصُلُ دَفْعَةً وَاحِدَةً كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ خَمْسَةٌ] : بَلْ سِتَّةٌ وَالسَّادِسُ التَّأْدِيبُ. قَوْلُهُ: [الْقَضَاءُ وَالْإِمْسَاكُ] : أَيْ وَكُلٌّ إمَّا وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ اُنْظُرْ (المج) . قَوْلُهُ: [وَالْكَفَّارَةُ] : أَيْ الْكُبْرَى وَلَا تَكُونُ إلَّا وَاجِبَةً. قَوْلُهُ: [وَالْإِطْعَامُ] : وَهُوَ الْكَفَّارَةُ الصُّغْرَى، وَيَكُونُ مَنْدُوبًا وَوَاجِبًا.

إذَا عُلِمَتْ حَقِيقَةُ الصَّوْمِ (فَإِنْ حَصَلَ) لِلصَّائِمِ (عُذْرٌ) اقْتَضَى فِطْرَهُ بِالْفِعْلِ؛ كَمَرَضٍ، أَوْ اقْتَضَى عَدَمَ صِحَّتِهِ؛ كَحَيْضٍ (أَوْ اخْتَلَّ رُكْنٌ) مِنْ رُكْنَيْهِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ غَلَبَةً (كَرَفْعِ النِّيَّةِ) نَهَارًا أَوْ لَيْلًا بِأَنْ نَوَى عَدَمَ صَوْمِ الْغَدِ، وَاسْتَمَرَّ رَافِعًا لَهَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ (أَوْ) اخْتَلَّ (بِصَبِّ) شَيْءٍ (مَائِعٍ فِي حَلْقِ) صَائِمٍ (نَائِمٍ أَوْ) اخْتَلَّ (بِجِمَاعِهِ) أَيْ النَّائِمِ - مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ - (أَوْ بِكَأَكْلِهِ) مِنْ إضَافَتِهِ لِفَاعِلِهِ أَيْ أَوْ اخْتَلَّ بِتَنَاوُلِهِ مُفْطِرًا مِنْ أَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ. حَالَ كَوْنِهِ (شَاكًّا فِي) طُلُوعِ (الْفَجْرِ أَوْ) فِي (الْغُرُوبِ أَوْ بِطُرُوِّهِ) بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ الْمَكْسُورَةِ، أَيْ الشَّكِّ - بِأَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ مُعْتَقِدًا بَقَاءَ اللَّيْلِ أَوْ غُرُوبَ الشَّمْسِ - ثُمَّ طَرَأَ لَهُ الشَّكُّ هَلْ حَصَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الْفَجْرِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَ الْغُرُوبِ أَوْ قَبْلَهُ؛ فَطُرُوُّ الشَّكِّ مُخِلٌّ بِرُكْنِ الْإِمْسَاكِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ. فَالصَّوْمُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا. فَإِنْ كَانَ فَرْضًا: (فَالْقَضَاءُ) لَازِمٌ بِحُصُولِ الْعُذْرِ أَوْ اخْتِلَالِ الرُّكْنِ (فِي الْفَرْضِ مُطْلَقًا) : أَفْطَرَ عَمْدًا، أَوْ سَهْوًا، أَوْ غَلَبَةً، جَوَازًا كَمُسَافِرٍ، أَوْ حَرَامًا كَمُنْتَهَكٍ، أَوْ وُجُوبًا كَمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ؛ كَانَ الْفَرْضُ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرَهُ كَالْكَفَّارَاتِ وَصَوْمِ تَمَتُّعٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (إلَّا النَّذْرَ الْمُعَيَّنَ) كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ أَوْ أَيَّامٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [اقْتَضَى فِطْرَهُ] : أَيْ جَوَازَ فِطْرِهِ وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ صَحِيحًا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ اقْتَضَى عَدَمَ صِحَّتِهِ] : أَيْ وَيَكُونُ الصَّوْمُ حَرَامًا. قَوْلُهُ: [أَوْ اخْتَلَّ رُكْنٌ] : أَيْ بِحُصُولِ مُفْسِدٍ كَانَ عَلَيْهِ فِيهِ إثْم أَمْ لَا، فَإِنَّ السَّهْوَ وَالْغَلَبَةَ وَالصَّبَّ فِي حَلْقِ النَّائِمِ، وَطُرُوُّ الشَّكِّ بَعْدَ الْأَكْلِ لَا إثْمَ فِيهِ، وَهُوَ مُفْسِدٌ لِلصَّوْمِ وَمُوجِبٌ لِلْقَضَاءِ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالنَّاسِي وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ تَكْلِيفُ حَالَةِ الْفَسَادِ، وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ جَوَابَنَا الْمُتَقَدِّمَ عَنْ إشْكَالِ الشَّارِحِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [أَوْ غَلَبَةً] : أَيْ أَوْ إكْرَاهًا أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [أَوْ حَرَامًا كَمُنْتَهِكٍ] : أَيْ بِأَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ مُقْتَضٍ.

وَأَفْطَرَ فِيهِ (لِمَرَضٍ) لَمْ يَقْدِرْ مَعَهُ عَلَى صَوْمِهِ لِخَوْفِهِ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ هَلَاكًا أَوْ شِدَّةَ ضَرَرٍ أَوْ زِيَادَتَهُ أَوْ تَأَخُّرَ بُرْءٍ، (أَوْ) أَفْطَرَ فِيهِ لِعُذْرٍ مَانِعٍ مِنْ صِحَّتِهِ (كَحَيْضٍ) وَنِفَاسٍ وَإِغْمَاءٍ وَجُنُونٍ، فَلَا يَقْضِي لِفَوَاتِ وَقْتِهِ. فَإِنْ زَالَ عُذْرُهُ وَبَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ وَجَبَ صَوْمُهُ. (بِخِلَافِ) فِطْرِ (النِّسْيَانِ وَالْإِكْرَاهِ وَخَطَأِ الْوَقْتِ) : كَصَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ يَظُنُّهُ الْخَمِيسَ الْمَنْذُورَ؛ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْقَضَاءَ مَعَ إمْسَاكِ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ. وَاحْتُرِزَ " بِالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ " مِنْ الْمَضْمُونِ إذَا أَفْطَرَ فِيهِ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ قَضَائِهِ لِعَدَمِ تَعْيِينِ وَقْتِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْإِطْلَاقِ الْمُتَقَدِّمِ. (وَ) إنْ كَانَ الصَّوْمُ نَفْلًا (قَضَى فِي النَّفْلِ بِالْعَمْدِ) أَيْ بِالْفِطْرِ الْعَمْدِ (الْحَرَامِ) . (وَإِنْ) حَلَفَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ (بِطَلَاقٍ بَتٍّ) فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، وَإِنْ أَفْطَرَ قَضَى. وَأَوْلَى. إذَا كَانَ رَجْعِيًّا أَوْ لَمْ يَحْلِفْ عَلَيْهِ أَحَدٌ. (لَا غَيْرَهُ) : أَيْ غَيْرَ الْعَمْدِ الْحَرَامِ بِأَنْ أَفْطَرَ فِيهِ نَاسِيًا أَوْ غَلَبَةً أَوْ مُكْرَهًا أَوْ عَمْدًا لَكِنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ (كَأَمْرِ وَالِدٍ) أَبٍ أَوْ أُمٍّ لَهُ بِالْفِطْرِ شَفَقَةً، (وَ) أَمْرِ (شَيْخٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِخِلَافِ فِطْرِ النِّسْيَانِ وَالْإِكْرَاهِ] : أَمَّا النِّسْيَانُ فَلِأَنَّ عِنْدَهُ نَوْعًا مِنْ التَّفْرِيطِ، وَأَمَّا الْمُكْرَهُ فَهُوَ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الطِّرَازِ، وَقَالَ (ح) إنَّهُ الْمَشْهُورُ. وَفِي الْخَرَشِيِّ لَا قَضَاءَ فِي الْإِكْرَاهِ، وَمَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ قَائِلًا إنَّ الْمُكْرَهَ أَوْلَى مِنْ الْمَرِيضِ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْقَضَاءَ] : أَيْ حَيْثُ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فِي الْخَمِيسِ. وَلَمْ يَذْكُرْ إلَّا فِي أَثْنَائِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إمْسَاكُهُ وَقَضَاؤُهُ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ حَلَفَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ] إلَخْ: رَدٌّ بِالْمُبَالَغَةِ عَلَى مَنْ قَالَ: إذَا حَلَفَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ جَازَ لَهُ الْفِطْرُ، وَلَا قَضَاءَ، وَمِثْلُ الثَّلَاثِ: إذَا كَانَتْ مَعَهُ عَلَى طَلْقَةٍ وَحَلَفَ بِهَا. وَمَحَلُّ عَدَمِ جَوَازِ الْفِطْرِ إلَّا لِوَجْهٍ؛ كَتَعَلُّقِ قَلْبِ الْحَالِفِ بِمَنْ. حَلَفَ بِطَلَاقِهَا، بِحَيْثُ يَخْشَى أَنْ لَا يَتْرُكَهَا إنْ حَنِثَ فَيَجُوزُ، وَلَا قَضَاءَ. وَهُوَ حِينَئِذٍ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ بَعْدُ لَا غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [أَبٍ أَوْ أُمٍّ] : أَيْ لَا جَدٍّ أَوْ جَدَّةٍ. وَالْمُرَادُ الْأَبَوَانِ الْمُسْلِمَانِ، لَا إنْ كَانَا كَافِرَيْنِ فَلَا يُطِيعُهُمَا إلْحَاقًا لِلصَّوْمِ بِالْجِهَادِ، بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الدِّينِيَّاتِ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ.

[ما يجب فيه الإمساك إذا أفطر وما لا يجب]

صَالِحٍ أَخَذَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَهْدَ أَنْ لَا يُخَالِفَهُ، وَمِثْلُهُ شَيْخُ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ (وَ) أَمْرِ (سَيِّدٍ) لَهُ بِالْفِطْرِ؛ فَإِذَا أَفْطَرَ امْتِثَالًا لَهُمْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَضَاءُ النَّفْلِ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَا يُقْضَى وَمَا لَا يُقْضَى مِنْ الصَّوْمِ، شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْإِمْسَاكُ إذَا أَفْطَرَ وَمَا لَا يَجِبُ فَقَالَ: (وَوَجَبَ) عَلَى الْمُفْطِرِ فِي صَوْمِهِ (إمْسَاكُ غَيْرِ مَعْذُورٍ) بَقِيَّةَ يَوْمِهِ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ (بِلَا إكْرَاهٍ) وَغَيْرُ الْمَعْذُورِ: وَهُوَ مَنْ أَفْطَرَ عَمْدًا أَوْ غَلَبَةً أَوْ نِسْيَانًا، وَالْمَعْذُورُ مَنْ أَفْطَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَخَذَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَهْدَ] إلَخْ: اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْعَهْدَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الطَّاعَاتِ وَإِفْسَادُ الصَّوْمِ حَرَامٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إفْسَادِ صَوْمِ النَّفْلِ قُدِّمَ فِيهِ نَظَرُ الشَّيْخِ، أَلَا تَرَى الشَّافِعِيَّةَ يَقُولُونَ بِجَوَازِ إفْسَادِهِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ: " الصَّائِمُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ ". قَوْلُهُ: [وَمِثْلُهُ شَيْخُ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ] : أَيْ وَكَذَا آلَاتُهُ. [مَا يَجِبُ فِيهِ الْإِمْسَاكُ إذَا أَفْطَرَ وَمَا لَا يَجِبُ] قَوْلُهُ: [مَا يَجِبُ فِيهِ الْإِمْسَاكُ] إلَخْ: حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْإِمْسَاكِ بَعْدَ الْفِطْرِ: أَنَّ الْإِمْسَاكَ فِي الْفَرْضِ الْمُعَيَّنِ سَوَاءٌ كَانَ رَمَضَانَ أَوْ نَذْرًا وَاجِبٌ، سَوَاءٌ أَفْطَرَ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ غَلَبَةً بِغَيْرِ إكْرَاهٍ، أَوْ إكْرَاهٍ. وَفِي الْمَضْمُونِ فِي الذِّمَّةِ - وَهُوَ كُلُّ صَوْمٍ لَا يَجِبُ تَتَابُعُهُ؛ كَالنَّذْرِ الْغَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَصِيَامِ الْجَزَاءِ وَالتَّمَتُّعِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَقَضَاءِ رَمَضَانَ - جَائِزٌ لَا وَاجِبٌ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَعَدَمِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْفِطْرُ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ غَلَبَةً أَوْ إكْرَاهًا، وَفِي النَّفْلِ وَاجِبٌ فِي النِّسْيَانِ وَغَيْرُ وَاجِبٍ فِي الْعَمْدِ الْحَرَامِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَأَمَّا مَا وَجَبَ فِيهِ التَّابِعُ مِنْ الصَّوْمِ وَكَانَ فَرْضًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ؛ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ، فَإِنْ كَانَ الْفِطْرُ عَمْدًا فَلَا إمْسَاكَ لِفَسَادِهِ وَإِنْ كَانَ غَلَبَةً أَوْ سَهْوًا وَجَبَ الْإِمْسَاكُ. وَكَمُلَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ اُسْتُحِبَّ الْإِمْسَاكُ فَقَطْ. قَوْلَهُ: [وَالْمَعْذُورُ مَنْ أَفْطَرَ] : مُرَادُهُ بَيَانُ أَنَّ الْمَعْذُورَ: هُوَ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ مَعَ الْعِلْمِ بِرَمَضَانَ، وَغَيْرُ الْمَعْذُورِ ضِدُّهُ. وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا الْمَجْنُونُ وَالْمُكْرَهُ، فَإِنَّ

[كفارة الإفطار في رمضان]

لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ جُنُونٍ، ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ. وَلَمَّا دَخَلَ فِي الْمَعْذُورِ الْمُكْرَهُ - مَعَ أَنَّهُ إذَا زَالَ عُذْرُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ - أَخْرَجَهُ بِقَوْلِهِ: " بِلَا إكْرَاهٍ " أَيْ مَعْذُورٌ بِغَيْرِ إكْرَاهٍ. فَقَوْلُهُ: " بِلَا إكْرَاهٍ " نَعْتُ مَعْذُورٍ. إنْ أَفْطَرَ (بِفَرْضٍ مُعَيَّنٍ) وَقْتُهُ (كَرَمَضَانَ، وَالنَّذْرُ) الْمُعَيَّنُ، وَالْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ (مُطْلَقًا) : أَفْطَرَ عَمْدًا أَمْ لَا. (أَوْ) لَمْ يَتَعَيَّنْ وَقْتُهُ، وَلَكِنْ (وَجَبَ تَتَابُعُهُ) كَكَفَّارَةِ رَمَضَانَ وَالْقَتْلِ وَالظِّهَارِ، (وَلَمْ يَتَعَمَّدْ) الْفِطْرَ. فَإِنْ أَفْطَرَ غَلَبَةً أَوْ نَاسِيًا فَيَجِبُ الْإِمْسَاكُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ غَيْرَ الْعَمْدِ لَا يُفْسِدُ صَوْمَهُ. فَإِنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ لِفَسَادِ جَمِيعِ صَوْمِهِ الَّذِي فَعَلَهُ وَلَوْ آخِرَ يَوْمٍ مِنْهُ، فَلَا فَائِدَةَ فِي إمْسَاكِهِ حِينَئِذٍ. وَكَذَا لَوْ أَفْطَرَ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إمْسَاكٌ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ إذْ هُوَ يَجِبُ قَضَاؤُهُ، وَلَا يُؤَدِّي إفْطَارُهُ لِفَسَادِ شَيْءٍ. نَعَمْ يُنْدَبُ فِيهِ الْإِمْسَاكُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا: (فِي غَيْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ) إذْ مَعْنَاهُ: يَجِبُ الْإِمْسَاكُ فِي الْمُتَتَابِعِ إذَا أَفْطَرَ نَاسِيًا أَوْ غَلَبَةً فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ نَاسِيًا فِيهِ لَمْ يَجِبْ الْإِمْسَاكُ. (كَتَطَوُّعٍ) : تَشْبِيهٌ فِي وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ إذَا أَفْطَرَ فِيهِ بِلَا تَعَمُّدٍ. فَإِنْ تَعَمَّدَ لَمْ يَجِبْ الْإِمْسَاكُ عَلَى التَّحْقِيقِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ مَعَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ. وَفُهِمَ مِنْهُ: أَنَّ الْفَرْضَ إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ، وَلَمْ يَجِبْ تَتَابُعُهُ - كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَالنَّذْرِ الْمَضْمُونِ، وَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ، وَفِدْيَةِ الْأَذَى - لَا يَجِبُ فِيهِ الْإِمْسَاكُ مُطْلَقًا أَفْطَرَ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ غَلَبَةً فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْإِمْسَاكِ وَعَدَمِهِ. وَمَسْأَلَةُ الْإِمْسَاكِ مِمَّا زِدْنَاهُ عَلَى الْمُصَنِّفِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْكَفَّارَةِ وَأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِرَمَضَانَ فَقَالَ: (وَالْكَفَّارَةُ) وَاجِبَةٌ (بِرَمَضَانَ) أَيْ بِالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ (فَقَطْ) دُونَ غَيْرِهِ (إنْ أَفْطَرَ) فِيهِ. (مُنْتَهِكًا لِحُرْمَتِهِ) أَيْ غَيْرَ مُبَالٍ بِهَا بِأَنْ تَعَمَّدَهَا اخْتِيَارًا بِلَا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَعَلَهُمَا لَا يُوصَفُ بِإِبَاحَةٍ وَلَا عَدَمِهَا كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: [أَفْطَرَ عَمْدًا أَمْ لَا] : صَادِقٌ بِالْفِطْرِ نِسْيَانًا أَوْ غَلَبَةً أَوْ إكْرَاهًا. [كَفَّارَة الْإِفْطَارِ فِي رَمَضَان] قَوْلُهُ: [بِلَا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ] : أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ تَأْوِيلٌ أَصْلًا أَوْ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ

احْتِرَازًا مِنْ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ وَالْمُتَأَوِّلِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمْ كَمَا يَأْتِي. (بِجِمَاعٍ) أَيْ إدْخَالِ حَشَفَتِهِ فِي فَرْجِ مُطِيقٍ وَلَوْ بَهِيمَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ وَتَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ إنْ بَلَغَتْ. (وَإِخْرَاجِ مَنِيٍّ) بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، (وَإِنْ بِإِدَامَةِ فِكْرٍ أَوْ نَظَرٍ) إنْ كَانَ عَادَتُهُ الْإِنْزَالَ مِنْ اسْتِدَامَتِهِمَا وَلَوْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ (إلَّا أَنْ) يَكُونَ عَادَتُهُ عَدَمَ الْإِنْزَالِ مِنْ اسْتِدَامَتِهِمَا وَ (يُخَالِفَ عَادَتَهُ) فَيُنْزِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا يَأْتِي، ثُمَّ إنَّ الِانْتِهَاكَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ حَيْثُ لَمْ يَتَبَيَّنْ خِلَافُهُ، فَمَنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مُنْتَهِكًا لِلْحُرْمَةِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ يَوْمُ الْعِيدِ فَلَا كَفَّارَةَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ آثِمًا عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْجَرَاءَةِ، وَمِثْلُهُ مَنْ تَعَمَّدَ الْأَكْلَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ أَكْلَهُ بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ تُفْطِرُ مُتَعَمِّدَةً ثُمَّ يَظْهَرُ حَيْضُهَا قَبْلَ فِطْرِهَا وَهَكَذَا. قَوْلُهُ: [وَالْجَاهِلُ] : حَاصِلُهُ أَنَّ أَقْسَامَ الْجَاهِلِ ثَلَاثَةٌ: جَاهِلٌ حُرْمَةِ الْوَطْءِ مَثَلًا، وَجَاهِلُ رَمَضَانَ، وَجَاهِلُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِحُرْمَةِ الْفِعْلِ. فَالْأَوَّلَانِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا، وَالْأَخِيرُ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، فَتَحَصَّلَ أَنَّ شُرُوطَ الْكَفَّارَةِ لِلْمُكَلَّفِ خَمْسَةٌ كَمَا فِي الْأَصْلِ: أَوَّلُهَا: الْعَمْدُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى نَاسٍ. الثَّانِي: الِاخْتِيَارُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى مُكْرَهٍ أَوْ مَنْ أَفْطَرَ غَلَبَةً. الثَّالِثُ: الِانْتِهَاكُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى مُتَأَوِّلٍ تَأْوِيلًا قَرِيبًا. الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ، فَجَاهِلُهَا - كَحَدِيثِ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ - ظَنَّ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَحْرُمُ مَعَهُ الْجِمَاعُ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. خَامِسُهَا: أَنْ يَكُونَ فِي رَمَضَانَ فَقَطْ لَا فِي قَضَائِهِ وَلَا فِي كَفَّارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (اهـ.) وَيُزَادُ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ: أَنْ يَكُونَ بِالْفَمِ فَقَطْ، وَأَنْ يَصِلَ لِلْمَعِدَةِ. وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى نَاذِرِ الدَّهْرِ إنْ أَفْطَرَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَقِيلَ: إنَّ نَاذِرَ الدَّهْرِ يُكَفِّرُ عَنْ فِطْرِهِ عَمْدًا، وَعَلَيْهِ فَقِيلَ: كَفَّارَةٌ صُغْرَى، وَقِيلَ: كُبْرَى. وَعَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ تَعَيُّنُ غَيْرِ الصَّوْمِ، فَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى نَاذِرِ الدَّهْرِ كَفَّارَةٌ لِرَمَضَانَ. وَعَجَزَ عَنْ غَيْرِ الصَّوْمِ. رَفَعَ لَهَا نِيَّةَ النَّذْرِ كَالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ تَوَابِعِ رَمَضَانَ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ نَاذِرَ الْخَمِيسِ وَالِاثْنَيْنِ مَثَلًا إذَا أَفْطَرَ عَامِدًا يَقْضِي بَعْدَ ذَلِكَ فَقَطْ. وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَجْرَى فِيهِ (ح) الْخِلَافَ السَّابِقَ

بَعْدَ اسْتِدَامَتِهِمَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَقِيلَ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ مُطْلَقًا. وَمَفْهُومُ " إدَامَةِ " أَنَّهُ لَوْ أَمْنَى بِمُجَرَّدِ فِكْرٍ أَوْ نَظَرٍ فِيهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. (أَوْ) أَفْطَرَ بِسَبَبِ (رَفْعِ نِيَّةٍ) لِصَوْمِهِ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا، وَيَسْتَمِرُّ نَاوِيًا عَدَمَهُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَالْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ إبْطَالِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فِي الْأَثْنَاءِ مُعْتَبَرَةٌ بِخِلَافِ رَفْضِهِمَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَقِيلَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ مُطْلَقًا] : اعْلَمْ أَنَّ فِي مُقَدَّمَاتِ الْجِمَاعِ الْمَكْرُوهَةِ إذَا أَنْزَلَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ حَكَاهَا فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْبَيَانِ. الْأَوَّلُ: لَمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ مُطْلَقًا. وَالثَّانِي: لِأَشْهَبَ الْقَضَاءُ فَقَطْ إلَّا أَنْ يُتَابِعَ. وَالثَّالِثُ: لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ عَنْ نَظَرٍ أَوْ فِكْرٍ غَيْرِ مُسْتَدَامَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ تِلْكَ الْعِبَارَةُ. فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَشَارِحُنَا غَيْرُ مُوَافِقٍ لِطَرِيقَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ وَإِنَّمَا هِيَ طَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ كَذَلِكَ] : أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: [رَفْعِ نِيَّةٍ لِصَوْمِهِ نَهَارًا] : بِأَنْ قَالَ فِي النَّهَارِ وَهُوَ صَائِمٌ: رَفَعْت نِيَّةَ صَوْمِي أَوْ رَفَعْت نِيَّتِي عَلَيْهِ، أَمَّا مَنْ عَزَمَ عَلَى الْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ ثُمَّ تَرَكَ مَا عَزَمَ عَلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ رَفْعًا لِلنِّيَّةِ، وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ مُسَافِرٍ صَامَ فِي رَمَضَانَ فَعَطِشَ فَقُرِّبَتْ لَهُ سُفْرَتُهُ لِيُفْطِرَ وَأَهْوَى بِيَدِهِ لِيَشْرَبَ فَقِيلَ لَهُ لَا مَاءَ مَعَك فَكَفَّ، فَقَالَ: أُحِبُّ لَهُ الْقَضَاءَ، وَصَوَّبَ اللَّخْمِيُّ سُقُوطَهُ، وَقَالَ: إنَّهُ غَالِبُ الرِّوَايَةِ عَنْ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَمَعْنَى رَفْعِ النِّيَّةِ: الْفِطْرُ بِالنِّيَّةِ لَا نِيَّةُ الْفِطْرِ، فَلَا يَضُرُّ إذَا لَمْ يُفْطِرْ بِالْفِعْلِ كَمَا فِي (ر) ، وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي غَيْرِهِ: إنَّمَا يَضُرُّ الرَّفْضُ الْمُطْلَقُ، أَمَّا الْمُقَيِّدُ بِأَكْلِ شَيْءٍ فَلَمْ يُوجَدْ فَلَا. وَمِنْهُ مَنْ نَوَى الْحَدَثَ فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ فَلَمْ يُحْدِثْ؛ لَيْسَ رَافِضًا. وَانْظُرْ: لَوْ نَوَى أَنْ يَأْكُلَ فِي الصَّلَاةِ مَثَلًا فَلَمْ يَفْعَلْ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ ظَنَّ الْغُرُوبَ خَطَأً: اللَّهُمَّ لَك صُمْت وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت، فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ الرَّفْضُ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى عَلَى رِزْقِك أُفْطِرُ عَلَى حَدِّ: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ) فَإِنَّ الرِّزْقَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بَعْدُ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ رَفْضِهِمَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُمَا] : أَيْ فَلَا يَضُرُّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ

وَبِخِلَافِ رَفْضِ الْحَجِّ الْعُمْرَةِ مُطْلَقًا. (أَوْ) أَفْطَرَ بِسَبَبِ (إيصَالِ مُفْطِرٍ) مِنْ مَائِعٍ أَوْ غَيْرِهِ (لِمَعِدَةٍ مِنْ فَمٍ فَقَطْ) : رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ، أَوْ مُفْطِرٍ - لَا غَيْرِهِ - كَبَلْغَمٍ لِمَعِدَةٍ فَقَطْ لَا لِحَلْقٍ، وَإِنْ وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْمَائِعِ. وَقِيلَ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ أَيْضًا مِنْ (فَمٍ فَقَطْ) لَا مِنْ غَيْرِهِ كَأَنْفٍ أَوْ دُبُرٍ لِأَنَّهَا مُعَلَّلَةٌ بِالِانْتِهَاكِ الَّذِي هُوَ أَخَصُّ مِنْ الْعَمْدِ. ثُمَّ ذَكَرَ مُحْتَرَزَ الِانْتِهَاكِ بِقَوْلِهِ: (لَا) إنْ أَفْطَرَ (بِنِسْيَانٍ) لِكَوْنِهِ صَائِمًا. أَوْ (جَهِلَ) لِرَمَضَانَ بِأَنْ ظَنَّ أَنَّهُ شَعْبَانُ، أَوْ مِنْهُ كَيَوْمِ الشَّكِّ، أَوْ جَهِلَ حُرْمَةَ الْفِطْرِ بِرَمَضَانَ لِقُرْبِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، وَأَمَّا جَهْلُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِحُرْمَةِ الْفِطْرِ فَلَا يَنْفَعُهُ. (أَوْ غَلَبَةٍ) بِأَنْ سَبَقَهُ الْمَاءُ مَثَلًا أَوْ أُكْرِهَ عَلَى تَنَاوُلِ الْمُفْطِرِ فَلَا كَفَّارَةَ لِعَدَمِ الِانْتِهَاكِ. وَاسْتَثْنَى مِنْ الْغَلَبَةِ مَسْأَلَتَيْنِ بِقَوْلِهِ: (إلَّا إذَا تَعَمَّدَ قَيْئًا) : أَيْ إخْرَاجَهُ فَابْتَلَعَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ، وَلَوْ غَلَبَةً فَيَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ (أَوْ) إلَّا إذَا تَعَمَّدَ (اسْتِيَاكًا بِجَوْزَاءَ نَهَارًا) وَابْتَلَعَهَا وَلَوْ غَلَبَةً؛ فَالْكَفَّارَةُ. بِخِلَافِ مَا لَوْ ابْتَلَعَهَا نِسْيَانًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلَيْنِ مُرَجَّحَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَبِخِلَافِ رَفْضِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ] : أَيْ فَلَا يَضُرُّ لِأَنَّهُمَا عَمَلٌ مَالِيٌّ وَبَدَنِيٌّ فَرَفْضُهُمَا حَرَجٌ فِي الدِّينِ وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] . قَوْلُهُ: [الَّذِي هُوَ أَخُصُّ مِنْ الْعَمْدِ] : أَيْ لِأَنَّ الْعَمْدَ مَوْجُودٌ فِي الْوَاصِلِ مِنْ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ وَالْعَيْنِ وَلَيْسَ هُنَاكَ انْتِهَاكٌ؛ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الِانْتِهَاكَ عَدَمُ الْمُبَالَاةِ بِالْحُرْمَةِ وَهُوَ مُتَأَتٍّ مِنْ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ وَالْعَيْنِ، وَلِذَا عَلَّلَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ هَذَا لَا تَتَشَوَّفُ إلَيْهِ النُّفُوسُ، وَأَصْلُ الْكَفَّارَةِ إنَّمَا شُرِعَتْ لِزَجْرِ النَّفْسِ عَمَّا تَتَشَوَّفُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ غَلَبَةً فَيَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ] : مَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ الْعَمْدِ، فَالتَّكْفِيرُ فِي صُورَتَيْنِ: الْعَمْدُ وَالْغَلَبَةُ، لَا إنْ ابْتَلَعَهُ نَاسِيًا. قَوْلُهُ: [اسْتِيَاكًا بِجَوْزَاءَ] : أَيْ وَصَلَ لِلْجَوْفِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ تَعَمُّدِ الِاسْتِيَاكِ بِهَا.

فَالْقَضَاءُ فَقَطْ، وَالْجَوْزَاءُ قِشْرٌ يُتَّخَذُ مِنْ أُصُولِ شَجَرِ الْجَوْزِ يَسْتَعْمِلُهُ بَعْضُ نِسَاءِ أَهْلِ الْمَغْرِبِ. (وَلَا) إنْ أَفْطَرَ (بِتَأْوِيلٍ قَرِيبٍ) فَلَا كَفَّارَةَ، وَالتَّأْوِيلُ: حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ لِمُوجِبٍ، وَقَرِيبُهُ مَا ظَهَرَ مُوجِبُهُ، وَبَعِيدُهُ مَا خَفِيَ مُوجِبُهُ أَيْ دَلِيلُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الظَّنُّ، أَيْ ظَنُّ إبَاحَةِ الْفِطْرِ، وَقَرِيبُهُ مَا اسْتَنَدَ إلَى أَمْرٍ مُحَقَّقٍ مَوْجُودٍ، وَبَعِيدُهُ: مَا اسْتَنَدَ إلَى أَمْرٍ مَوْهُومٍ غَيْرِ مُحَقَّقٍ. وَمَثَّلَ لِلْقَرِيبِ بِقَوْلِهِ: (كَمَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا) : فَظَنَّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ لِفَسَادِ صَوْمِهِ فَأَفْطَرَ، وَقَوْلُهُ: (عَلَى الْأَظْهَرِ) رَاجِعٌ لِلْمُكْرَهِ؛ فَلَا كَفَّارَةَ. لِأَنَّ ظَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى فِطْرِهِ أَوَّلًا، نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا. (أَوْ) كَمَنْ (قَدِمَ) مِنْ سَفَرِهِ (قَبْلَ الْفَجْرِ) فَظَنَّ إبَاحَةَ فِطْرِهِ صَبِيحَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَأَفْطَرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَاصِلُ الْفِقْهِ: أَنَّهُ إنْ تَعَمَّدَ الِاسْتِيَاكَ بِهَا نَهَارًا كَفَّرَ فِي صُورَتَيْنِ وَهُمَا: إذْ ابْتَلَعَهَا عَمْدًا أَوْ غَلَبَةً لَا نِسْيَانًا وَإِنْ اسْتَاك بِهَا نَهَارًا نِسْيَانًا وَوَصَلَ شَيْءٌ مِنْهَا لِلْجَوْفِ فَلَا يُكَفِّرُ إلَّا إذَا ابْتَلَعَهَا عَمْدًا - لَا غَلَبَةً أَوْ نِسْيَانًا - فَالْقَضَاءُ فَقَطْ، وَمِثْلُهُ إذَا تَعَمَّدَ الِاسْتِيَاكَ بِهَا لَيْلًا، وَهَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِ فِي الْأَصْلِ تَبَعًا لِ (عب) قَالَ (بْن) : وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَمْ يَذْكُرْهَا التَّوْضِيحُ إلَّا عَنْ ابْنِ لُبَابَةَ وَهُوَ قَيَّدَهَا بِالِاسْتِعْمَالِ نَهَارًا لَا لَيْلًا، وَإِلَّا فَالْقَضَاءُ فَقَطْ، وَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَالْمَوَّاقُ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ - كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ، وَلِذَلِكَ شَارِحُنَا قَيَّدَ بِالنَّهَارِ وَقَدْ اسْتَظْهَرَ فِي الْمَجْمُوعِ مَا يُوَافِقُ الْأَصْلَ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ ظَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى فِطْرِهِ أَوَّلًا نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا] : أَيْ فَالنِّسْيَانُ أَوْ الْإِكْرَاهُ شُبْهَةٌ لِمَا فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ، فَقَدْ اسْتَنَدَ لِأَمْرٍ مُحَقَّقٍ وَقَدْ صُرِفَ اللَّفْظُ عَنْ ظَاهِرِهِ، لِأَنَّ أَصْلَ مَعْنَى اللَّفْظِ رَفْعُ إثْمِ الْجَرَاءَةِ، وَجَوَازُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ خِلَافُ ظَاهِرِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ كَمَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ] : أَيْ فَقَدْ اسْتَنَدَ إلَى أَمْرٍ مَوْجُودٍ وَهُوَ

(أَوْ سَافَرَ دُونَ) مَسَافَةِ (الْقَصْرِ) فَظَنَّ إبَاحَةَ الْفِطْرِ فَأَفْطَرَ. (أَوْ رَأَى شَوَّالًا نَهَارًا) يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَظَنَّ أَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ فَأَفْطَرَ. (أَوْ) أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ لَيْلًا فَأَصْبَحَ جُنُبًا (لَمْ يَغْتَسِلْ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ) فَظَنَّ إبَاحَةَ الْفِطْرِ فَأَفْطَرَ. (أَوْ احْتَجَمَ) نَهَارًا فَظَنَّ إبَاحَةَ الْفِطْرِ فَأَفْطَرَ. (أَوْ ثَبَتَ رَمَضَانُ) يَوْمَ الشَّكِّ (نَهَارًا) فَظَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ فَأَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» وَهَذَا هُوَ مُسْتَنَدُ مَنْ سَافَرَ دُونَ الْقَصْرِ أَيْضًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلًّا صَرَفَ اللَّفْظَ عَنْ ظَاهِرِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ رَأَى شَوَّالًا نَهَارًا] : وَشُبْهَتُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» . قَوْلُهُ: [فَأَصْبَحَ جُنُبًا] : وَشُبْهَتُهُ مَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَمَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَسَادُ الصَّوْمِ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [أَوْ احْتَجَمَ نَهَارًا] إلَخْ: مُسْتَنِدًا لِحَدِيثِ: " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمُحْتَجِمُ ". قَوْلُهُ: [فَظَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ] : وَشُبْهَتُهُ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالرُّؤْيَةِ لَيْلًا،

فَقَوْلُهُ: (فَظَنُّوا الْإِبَاحَةَ) : أَيْ إبَاحَةُ الْفِطْرِ (فَأَفْطَرُوا) رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ، فَإِنْ عَلِمُوا الْحُرْمَةَ أَوْ شَكُّوا فِيهَا فَالْكَفَّارَةُ. (بِخِلَافِ) التَّأْوِيلِ (الْبَعِيدِ) فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ (كِرَاءٍ) لِهِلَالِ رَمَضَانَ، (لَمْ يُقْبَلْ) عِنْدَ الْحَاكِمِ فَرَدَّ شَهَادَتَهُ، فَظَنَّ إبَاحَةَ الْفِطْرِ فَأَفْطَرَ. (أَوْ) أَفْطَرَ (لِحُمَّى أَوْ لِحَيْضٍ) ظَنَّ أَنَّهَا تَقَعُ لَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَعَجَّلَ الْفِطْرَ قَبْلَ الْحُصُولِ فَالْكَفَّارَةُ (وَلَوْ حَصَلَا) . (أَوْ) أَفْطَرَ (لِغِيبَةٍ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ صَدَرَتْ مِنْهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَظَنَّ الْفِطْرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفَوَاتُ مَحَلِّ النِّيَّةِ فَهُوَ أَقْوَى شُبْهَةً مِمَّنْ أَفْطَرَ نِسْيَانًا. قَوْلُهُ: [فَظَنُّوا الْإِبَاحَةَ] : أَيْ هَؤُلَاءِ الثَّمَانِيَةُ وَالْعَدَدُ لَيْسَ بِحَاصِرٍ، بَلْ يُقَاسُ عَلَيْهِ كُلُّ ذِي شُبْهَةٍ قَوِيَّةٍ، وَمِنْ ذَلِكَ فِطْرُ مَنْ لَمْ يُكَذِّبْ الْعَدْلَيْنِ بَعْدَ ثَلَاثِينَ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ بِهِ، وَمَنْ تَسَحَّرَ بِلَصْقِ الْفَجْرِ فَظَنَّ بُطْلَانَ الصَّوْمِ فَأَفْطَرَ. قَوْلُهُ: [أَوْ شَكُّوا فِيهَا] : إنَّمَا كَانَتْ الْكَفَّارَةُ مَعَ الشَّكِّ لِضَعْفِ الشُّبْهَةِ. قَوْلُهُ: [كِرَاءٍ] : إنَّمَا كَانَ تَأْوِيلُهُ بَعِيدًا لِمُخَالَفَتِهِ نَصَّ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ، وَهُمَا قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ لَهُ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ. قَوْلُهُ: [فَالْكَفَّارَةُ وَلَوْ حَصَلَا] : هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا كَفَّارَةَ فِيهِمَا، وَرَآهُ مِنْ التَّأْوِيلِ الْقَرِيبِ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَفْطَرَ لِغِيبَةٍ] : وَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ الْآيَةُ وَالْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِي ذَلِكَ مِنْ الشُّبْهَةِ الْقَوِيَّةِ فَيَكُونُ تَأْوِيلًا قَرِيبًا لِبُعْدِ حَمْلِ الْأَكْلِ فِي الْآيَةِ، وَالْفِطْرِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ.

(أَوْ) أَفْطَرَ (لِعَزْمٍ عَلَى سَفَرٍ) فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ (وَلَمْ يُسَافِرْ) فِيهِ فَالْكَفَّارَةُ (وَإِلَّا) بِأَنْ سَافَرَ فِيهِ (فَقَرِيبٌ) فَلَا كَفَّارَةَ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ مَسْأَلَةِ السَّفَرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَهِيَ) : أَيْ الْكَفَّارَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ عَلَى التَّخْيِيرِ: إمَّا (إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْفَقِيرَ، (لِكُلٍّ مُدٌّ) بِمُدِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أَكْثَرَ وَلَا أَقَلَّ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُدَّ مِلْءُ الْيَدَيْنِ الْمُتَوَسِّطَتَيْنِ وَهُوَ الْأَفْضَلُ. (أَوْ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) بِالْهِلَالِ إنْ ابْتَدَأَهَا أَوَّلَ شَهْرٍ، فَإِنْ ابْتَدَأَهَا أَثْنَاءَ شَهْرٍ صَامَ الَّذِي بَعْدَهُ بِالْهِلَالِ كَامِلًا أَوْ نَاقِصًا، وَكَمَّلَ الْأَوَّلَ مِنْ الثَّالِثِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَإِنْ أَفْطَرَ فِي يَوْمٍ عَمْدًا بَطَلَ جَمِيعُ مَا صَامَهُ وَاسْتَأْنَفَهُ. (أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فِيهَا شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ (مُؤْمِنَةٍ) فَلَا تُجْزِئُ كَافِرَةٌ، (سَالِمَةٍ مِنْ الْعَيْبِ) كَالظِّهَارِ فَلَا تُجْزِئُ عَوْرَاءُ وَلَا بَكْمَاءُ وَلَا شَلَّاءُ وَلَا نَحْوُ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَقَرِيبٌ] : أَيْ الِاسْتِنَادَةُ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [إمَّا إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا] : مُرَادُهُ التَّمْلِيكُ سَوَاءٌ أَكَلَهُ أَوْ بَاعَهُ. قَوْلُهُ: [الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْفَقِيرَ] : أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ لَنَا مِنْ أَنَّهُمَا إذَا افْتَرَقَا اجْتَمَعَا. قَوْلُهُ: [لِكُلٍّ مُدٌّ] : أَيْ وَلَا يُجْزِئُ غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، وَتَعَدَّدَتْ بِتَعَدُّدِ الْأَيَّامِ لَا فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ، وَلَوْ حَصَلَ الْمُوجِبُ الثَّانِي بَعْدَ الْإِخْرَاجِ، أَوْ كَانَ الْمُوجِبُ الثَّانِي مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ الْأَفْضَلُ] : أَيْ وَلَوْ لِلْخَلِيفَةِ خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَمِيرَ الْأَنْدَلُسِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ مِنْ تَكْفِيرِهِ بِالصَّوْمِ بِحَضْرَةِ الْعُلَمَاءِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لِئَلَّا يَتَسَاهَلَ فَيَعُودَ ثَانِيًا، وَإِنَّمَا كَانَ الْإِطْعَامُ أَفْضَلَ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ نَفْعًا لِتَعَدِّيهِ لِأَفْرَادٍ كَثِيرَةٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعِتْقَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّوْمِ لِأَنَّ نَفْعَهُ مُتَعَدٍّ لِلْغَيْرِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ أَفْطَرَ فِي يَوْمٍ عَمْدًا] : أَيْ لَا غَلَبَةً أَوْ نِسْيَانًا فَلَا يَبْطُلُ مَا صَامَهُ بَلْ يَبْنِي. قَوْلُهُ: [كَالظِّهَارِ] : أَحَالَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ لِشُهْرَتِهِ فِي الْمَذْهَبِ.

التَّخْيِيرُ بَيِّنٌ فِي الْحُرِّ الرَّشِيدِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِنَّمَا يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ بِالْإِطْعَامِ، وَأَمَّا السَّفِيهُ فَيَأْمُرُهُ وَلِيُّهُ بِالصَّوْمِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ كَفَّرَ عَنْهُ وَلِيُّهُ بِأَدْنَى النَّوْعَيْنِ. (وَكَفَّرَ) السَّيِّدُ (عَنْ أَمَتِهِ إنْ وَطِئَهَا) وَلَوْ أَطَاعَتْهُ. (وَ) كَفَّرَ الرَّجُلُ (عَنْ غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ أَمَتِهِ كَزَوْجَةٍ أَوْ امْرَأَةٍ زَنَى بِهَا (إنْ أَكْرَهَهَا لِنَفْسِهِ) ، لَا إنْ أَطَاعَتْهُ وَلَا إنْ أَكْرَهَهَا لِغَيْرِهِ، فَعَلَيْهَا إنْ طَاوَعَتْ لَا إنْ أُكْرِهَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالتَّخْيِيرُ بَيِّنٌ] : أَيْ فِي الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ فَأَوْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِلتَّخْيِيرِ، وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ أَنْوَاعَ الْكَفَّارَاتِ بِقَوْلِهِ: ظِهَارًا وَقَتْلًا رَتَّبُوا وَتَمَتُّعًا ... كَمَا خَيَّرُوا فِي الصَّوْمِ وَالصَّيْدِ وَالْأَذَى وَفِي حَلِفٍ بِاَللَّهِ خَيِّرْ وَرَتِّبْنَ ... فَدُونَك سَبْعًا إنْ حَفِظْت فَحَبَّذَا قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ بِالْإِطْعَامِ] : أَيْ فَيُجْزِئُهُ بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَلَا يُجْزِئُهُ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ. قَوْلُهُ: [بِأَدْنَى النَّوْعَيْنِ] : الْمُرَادُ كَفَّرَ عَنْهُ بِأَقَلِّهِمَا قِيمَةً، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّقِيقِ أَقَلَّ كَفَّرَ عَنْهُ بِالْعِتْقِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الطَّعَامِ أَقَلَّ كَفَّرَ عَنْهُ بِالْإِطْعَامِ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ يُحْتَمَلُ بَقَاؤُهُمَا فِي ذِمَّتِهِ إنْ أَبَى الصَّوْمَ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهَذَا أَبْيَنُ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُجْبِرُهُ عَلَى الصَّوْمِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ أَطَاعَتْهُ] : أَيْ لِأَنَّ طَوْعَهَا إكْرَاهٌ وَهَذَا مَا لَمْ تَطْلُبْهُ وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ تَتَزَيَّنَ لَهُ فَتَلْزَمَهَا وَتَصُومَ مَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهَا فِي الْإِطْعَامِ. قَوْلُهُ: [إنْ أَكْرَهَهَا لِنَفْسِهِ] : وَالْإِكْرَاهُ يَكُونُ بِخَوْفٍ مُؤْلِمٍ كَضَرْبٍ فَأَعْلَى كَإِكْرَاهِ الطَّلَاقِ فَقَدْ ذُكِرَ (ر) أَنَّ الْإِكْرَاهَ فِي الْعِبَادَاتِ يَكُونُ بِمَا ذُكِرَ، كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ (بْن) ، وَمَحَلُّ تَكْفِيرِهِ عَنْهَا إنْ كَانَتْ بَالِغَةً مُسْلِمَةً عَاقِلَةً وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: [فَعَلَيْهَا إنْ طَاوَعَتْ لَا إنْ أُكْرِهَتْ] : لَعَلَّ صَوَابَهُ فَعَلَيْهِ إنْ طَاوَعَ لَا إنْ أُكْرِهَ أَيْ فَكَفَّارَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى الشَّخْصِ الَّذِي أُكْرِهَتْ لَهُ إنْ طَاوَعَ هُوَ بِالْجِمَاعِ، لَا إنْ أُكْرِهَ أَيْضًا، فَكَفَّارَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى الْمُكْرِهِ لَهَا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ أَكْرَهَ الرَّجُلَ نَظَرًا لِانْتِشَارِهِ، وَلَا عَلَى الْمُكْرَهِ بِالْفَتْحِ نَظَرًا لِلْإِكْرَاهِ، وَفِي (بْن) عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَى مُكْرَهٍ عَلَى أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ امْرَأَةٍ عَلَى وَطْءٍ. فَانْظُرْ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ.

[أمور تجوز للصائم]

(نِيَابَةً) عَنْهُمَا فَيَكُونُ التَّكْفِيرُ عَنْهُمَا (بِلَا صَوْمٍ) ، إذْ الصَّوْمُ عَمَلٌ بَدَنِيٌّ لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ، (وَبِلَا عِتْقٍ فِي الْأَمَةِ) الْمَوْطُوءَةِ إذْ لَا يَصِحُّ مِنْهَا الْعِتْقُ حَتَّى يَنُوبَ عَنْهَا فِيهِ، فَيَتَعَيَّنُ الْإِطْعَامُ فِيهَا، وَجَازَ الْعِتْقُ عَنْ الْحُرَّةِ كَالْإِطْعَامِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا لَا قَضَاءَ فِيهِ مِمَّا قَدْ يُتَوَهَّمُ فِيهِ الْقَضَاءُ، فَقَالَ: (وَلَا قَضَاءَ بِخُرُوجِ قَيْءٍ غَلَبَهُ) إذَا لَمْ يَزْدَرِدْ مِنْهُ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَ، بِخِلَافِ خُرُوجِهِ بِاخْتِيَارِهِ فَيَقْضِي كَمَا تَقَدَّمَ. (أَوْ غَالِبِ ذُبَابٍ) : عَطْفٌ عَلَى خُرُوجِ، (أَوْ) غَالِبِ (غُبَارِ طَرِيقٍ، أَوْ) غَالِبِ (كَدَقِيقٍ) نَحْوِ جِبْسٍ لِصَانِعِهِ، (أَوْ) غُبَارِ (كَيْلٍ لِصَانِعِهِ) مِنْ طَحَّانٍ وَنَاخِلٍ وَمُغَرْبِلٍ وَحَامِلٍ - بِخِلَافِ غَيْرِ الصَّانِعِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ - وَمِنْ الصَّانِعِ مَنْ يَتَوَلَّى أُمُورَ نَفْسِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، أَوْ مِنْ حَفْرِ أَرْضٍ لِحَاجَةٍ كَقَبْرٍ أَوْ نَقْلِ تُرَابٍ لِغَرَضٍ. (أَوْ) فِي (حُقْنَةٍ مِنْ إحْلِيلٍ) أَيْ ثُقْبِ الذَّكَرِ وَلَوْ بِمَائِعٍ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ عَادَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إذْ لَا يَصِحُّ مِنْهَا الْعِتْقُ] : أَيْ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يُحَرِّرُ غَيْرَهُ. تَنْبِيهٌ: إنْ أَكْرَهَ الْعَبْدُ زَوْجَتَهُ فَجِنَايَةٌ وَلَيْسَ لَهَا حِينَئِذٍ أَنْ تُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ، وَتَأْخُذَهُ وَأَيْضًا إنَّمَا تُكَفِّرُ نِيَابَةً عَنْ الْعَبْدِ فِي الْكَفَّارَةِ وَهُوَ لَا يُكَفِّرُ عَنْهَا بِالصَّوْمِ، فَإِنْ أَكْرَهَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ عَلَى مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ حَتَّى أَنْزَلَتْ فَفِي تَكْفِيرِهِ عَنْهَا قَوْلَانِ. [أُمُور تَجُوزُ لِلصَّائِمِ] قَوْلُهُ: [بِخُرُوجِ قَيْءٍ] : وَأَوْلَى الْقَلْسُ. قَوْلُهُ: [فَيَقْضِي كَمَا تَقَدَّمَ] : أَيْ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَزْدَرِدْ مِنْهُ شَيْئًا عَمْدًا أَوْ غَلَبَةً. قَوْلُهُ: [لِصَانِعِهِ] : رَاجِعٌ لِمَا بَعْدَ الْكَافِ، وَاغْتُفِرَ لِلصَّانِعِ لِلضَّرُورَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُغْتَفَرُ. وَأَمَّا غَيْرُ الصَّانِعِ فَلَا يُغْتَفَرُ اتِّفَاقًا إنْ تَعَرَّضَ لَهُ. قَوْلُهُ: [مِنْ إحْلِيلٍ] : أَيْ وَأَمَّا مِنْ الدُّبُرِ أَوْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فَتُوجِبُ الْقَضَاءَ إذَا كَانَتْ بِمَائِعٍ هَكَذَا قَالَ شُرَّاحُ خَلِيلٍ، وَاعْتَرَضَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْمِسْنَاوِيّ: بِأَنَّ فَرْجَ الْمَرْأَةِ لَيْسَ مُتَّصِلًا بِالْجَوْفِ فَلَا يَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَيْهِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ كَرِهَ مَالِكٌ الْحُقْنَةَ لِلصَّائِمِ، فَإِنْ احْتَقَنَ فِي فَرْجٍ بِشَيْءٍ يَصِلُ إلَى جَوْفِهِ، فَالْقَضَاءُ وَلَا يُكَفِّرُ، وَفِي (ح) عَنْ

لِلْمَعِدَةِ (أَوْ) فِي (دُهْنِ جَائِفَةٍ) وَهِيَ الْجُرْحُ فِي الْبَطْنِ أَوْ الْجَنْبِ الْوَاصِلُ لِلْجَوْفِ يُوضَعُ عَلَيْهِ الدُّهْنُ لِلدَّوَاءِ، وَهُوَ لَا يَصِلُ لَمَحِلِّ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَإِلَّا لَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ. (أَوْ) فِي (نَزْعِ مَأْكُولٍ) ، أَوْ مَشْرُوبٍ، (أَوْ) نَزْعِ (فَرْجٍ طُلُوعَ الْفَجْرِ) أَيْ مَبْدَأَ طُلُوعِهِ فَلَا قَضَاءَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ نَزْعَ الذَّكَرِ لَا يُعَدُّ وَطْئًا، وَإِلَّا كَانَ وَاطِئًا نَهَارًا. (فَإِنْ ظَنَّ) هَذَا النَّازِعُ (الْإِبَاحَةَ) أَيْ إبَاحَةَ الْفِطْرِ (فَأَفْطَرَ) : أَيْ فَأَصْبَحَ مُفْطِرًا (فَتَأْوِيلٌ قَرِيبٌ) لِأَنَّهُ اسْتَنَدَ فِيهِ لِأَمْرٍ مُحَقَّقٍ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أُمُورٍ تَجُوزُ لِلصَّائِمِ وَأَرَادَ بِالْجَوَازِ: الْإِذْنَ الْمُقَابِلَ لِلْمَنْعِ، فَيَشْمَلُ مَا اسْتَوَى طَرَفَاهُ، وَمَا هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَمَا هُوَ مَكْرُوهٌ فَقَالَ: (وَجَازَ) لِلصَّائِمِ (سِوَاكٌ كُلَّ النَّهَارِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّهَايَةِ: أَنَّ الْإِحْلِيلَ يَقَعُ عَلَى ذَكَرِ الرَّجُلِ وَفَرْجِ الْمَرْأَةِ (اهـ. بْن - نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ) فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُ شَارِحِنَا: " أَيْ ثُقْبَةِ الذَّكَرِ " لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ مِثْلُهُ فَرْجُ الْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ: [بِنَاءً عَلَى أَنَّ نَزْعَ الذَّكَرِ] إلَخْ: وَنَصَّ ابْنُ شَاسٍ: وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ يُجَامِعُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ إنْ اسْتَدَامَ. فَإِنْ نَزَعَ - أَيْ فِي حَالِ الطُّلُوعِ - فَفِي إثْبَاتِ الْقَضَاءِ وَنَفْيِهِ خِلَافٌ بَيْنَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ الْقَاسِمِ، سَبَبُهُ أَنَّ النَّزْعَ هَلْ يُعَدُّ جِمَاعًا أَمْ لَا. 1 - قَوْلُهُ: [فَيَشْمَلُ مَا اسْتَوَى طَرَفَاهُ] : أَيْ لِأَنَّ مَا يَأْتِي مُتَنَوِّعٌ إلَى مُسْتَوِي

خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يُكْرَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْمُقْتَضَى الشَّرْعِيِّ كَالْوُضُوءِ. (وَمَضْمَضَةٌ لِعَطَشٍ) أَوْ حَرٍّ. (وَإِصْبَاحٌ بِجَنَابَةٍ) : بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّرَفَيْنِ، وَمَنْدُوبٌ وَمَكْرُوهٌ وَخِلَافُ الْأَوْلَى وَسَيَظْهَرُ بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يُكْرَهُ] إلَخْ: وَهُوَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ عِنْدَ اللَّهِ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» ، وَالْخُلُوفُ بِالضَّمِّ: مَا يَحْدُثُ مِنْ خُلُوِّ الْمَعِدَةِ مِنْ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ فِي الْفَمِ، وَشَأْنُ ذَلِكَ يَكُونُ بَعْدَ الزَّوَالِ، فَإِذَا اسْتَاك زَالَ ذَلِكَ الْمُسْتَطَابُ عِنْدَ اللَّهِ، فَلِذَا كَانَ مَكْرُوهًا، وَحُجَّتُنَا أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ مَدْحِ الصَّوْمِ وَإِنْ لَمْ تَبْقَ حَقِيقَةُ الْخُلُوفِ، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ كَثِيرُ الرَّمَادِ أَيْ كَرِيمٌ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدُ رَمَادٌ، وَهَذَا كَمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: خَيْرٌ مِمَّا قِيلَ إنَّ السِّوَاكَ لَا يُزِيلُ الْخُلُوفَ، لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعِدَةِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ: وَإِنْ لَمْ يُزِلْهُ يُضْعِفْهُ وَالْمَقْصُودُ تَقْوِيَةُ رَائِحَتِهِ. لَكِنْ فِي الصَّحِيحِ مَا يُقَوِّي مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، مِنْ «أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَوَجَدَ خُلُوفًا فَاسْتَاكَ مِنْهُ، فَأُمِرَ بِالْعَشْرِ كَفَّارَةً» لِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} [الأعراف: 142] قَالُوا: سَبَبُ الْعَشْرِ الِاسْتِيَاكُ. وَأَجَابَ فِي الْمَجْمُوعِ بِقَوْلِهِ: وَلَعَلَّهُ لِمَعْنًى يَخُصُّهُ، أَوْ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي شَرِيعَتِنَا بِعُمُومِ أَحَادِيثِ السِّوَاكِ، فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّيْسِيرِ بِخِلَافِ الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ. قَوْلُهُ: [وَمَضْمَضَةٌ لِعَطَشٍ] : أَيْ فَهُوَ جَائِزٌ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، أَوْ مَطْلُوبٌ إنْ تَوَقَّفَ زَوَالُ الْعَطَشِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَضْمَضَةُ لِغَيْرِ مُوجِبٍ فَمَكْرُوهَةٌ. قَوْلُهُ: [بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى] : أَيْ إذَا تَقَصَّدَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ.

(وَ) جَازَ (فِطْرٌ بِسَفَرِ قَصْرٍ) بِمَعْنَى يُكْرَهُ. (أُبِيحَ) مُرَادُهُ بِالْمُبَاحِ: مَا قَابَلَ الْمَمْنُوعَ؛ كَالسَّفَرِ لِقَطْعِ طَرِيقٍ، أَوْ لِسَرِقَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ. وَمَحَلُّ الْجَوَازِ: (إنْ بَيَّتَهُ) أَيْ الْفِطْرَ (فِيهِ) أَيْ فِي السَّفَرِ أَيْ فِي أَثْنَاءِ الْمَسَافَةِ فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْهُ بَلْ (وَإِنْ بِأَوَّلِ يَوْمٍ) ، أَيْ وَإِنْ كَانَ تَبْيِيتُ الْفِطْرِ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ سَفَرِهِ، بِأَنْ وَصَلَ لَمَحَلِّ بَدْءِ قَصْرِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْفَجْرِ كَأَنْ يُعَدِّيَ الْبَسَاتِينَ الْمَسْكُونَةَ قَبْلَهُ، فَيَنْوِيَ الْفِطْرَ حِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: (إنْ شَرَعَ) فِي سَفَرِهِ (قَبْلَ الْفَجْرِ) تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا مِمَّا قَبْلَهُ زِيَادَةً فِي الْإِيضَاحِ، لِأَنَّهُ إذَا بَيَّتَ الْفِطْرَ فِي السَّفَرِ لَزِمَ أَنَّهُ شَرَعَ فِي سَفَرِهِ الَّذِي أَوَّلُهُ مَحَلُّ قَصْرِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْفَجْرِ. فَعُلِمَ أَنَّ لِجَوَازِ الْفِطْرِ بِرَمَضَانَ أَرْبَعَةَ شُرُوطٍ: أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ سَفَرَ قَصْرٍ، وَأَنْ يَكُونَ مُبَاحًا، وَأَنْ يَشْرَعَ قَبْلَ الْفَجْرِ إذَا كَانَ أَوَّلَ يَوْمٍ، وَأَنْ يُبَيِّتَ الْفِطْرَ. فَإِنْ تَوَفَّرَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ جَازَ الْفِطْرُ (وَإِلَّا) - بِأَنْ انْخَرَمَ شَرْطٌ مِنْهَا - (فَلَا) يَجُوزُ. وَيَبْقَى الْكَلَامُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْكَفَّارَةِ وَعَدَمِهَا إذَا أَفْطَرَ فِيهِ؛ فَبَيَّنَ أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ بِقَوْلِهِ: (وَكَفَّرَ إنْ بَيَّتَهُ) أَيْ الْفِطْرَ (بِحَضَرٍ) بِأَنْ نَوَاهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ. (وَلَمْ يَشْرَعْ) فِي السَّفَرِ (قَبْلَ الْفَجْرِ) ، بَلْ بَعْدَهُ وَأَوْلَى إذَا لَمْ يُسَافِرْ أَصْلًا، وَلَا يُعْذَرُ بِتَأْوِيلٍ لِأَنَّهُ حَاضِرٌ بَيَّتَ الْفِطْرَ، فَإِنْ سَافَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ بِأَنْ عَدَّى الْبَسَاتِينَ الْمَسْكُونَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ] : مِنْهَا مَا يَعُمُّ يَوْمَ السَّفَرِ وَمَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ " بِسَفَرِ قَصْرٍ أُبِيحَ "، وَقَوْلُهُ " أَنْ يُبَيِّتَهُ فِيهِ "، وَمِنْهَا مَا يَخُصُّ يَوْمَ السَّفَرِ دُونَ مَا بَعْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ " إنْ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ الْفَجْرِ "، وَيُؤْخَذُ مِنْ تِلْكَ الشُّرُوطِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلصَّائِمِ الْمُسَافِرِ الْفِطْرُ، وَلَوْ أَقَامَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا بِمَحَلٍّ، مَا لَمْ يَنْوِ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ كَقَصْرِ الصَّلَاةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّوَادِرِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. 1 - قَوْلُهُ: [فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ] : أَيْ إجْمَالًا وَتَحْتَ كُلٍّ صُوَرٌ. قَوْلُهُ: [وَأَوْلَى إذَا لَمْ يُسَافِرْ أَصْلًا] : يُشِيرُ إلَى أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَ صُوَرٍ وَهِيَ: سَافَرَ بَعْدَ الْفَجْرِ، أَوْ لَمْ يُسَافِرْ أَصْلًا، تَأَوَّلَ، أَمْ لَا.

قَبْلَهُ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ: (أَوْ) بَيَّتَ (الصَّوْمَ بِسَفَرٍ) بِأَنْ نَوَى الصَّوْمَ وَطَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ نَاوِيهِ، سَوَاءٌ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ أَوْ فِي غَيْرِهِ - ثُمَّ أَفْطَرَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ. وَلَا يُعْذَرُ بِتَأْوِيلٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لَهُ الْفِطْرُ فَاخْتَارَ الصَّوْمَ ثُمَّ أَفْطَرَ، كَانَ مُنْتَهِكًا مُتَلَاعِبًا بِالدِّينِ. وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ مَفْهُومُ قَوْلِهِ: " إنْ بَيَّتَهُ فِيهِ ". وَأَشَارَ لِلْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ - مُشَبِّهًا لَهَا بِمَا قَبْلَهَا لِيَرْجِعَ التَّفْصِيلُ بَعْدَ الْكَافِ - بِقَوْلِهِ: (كَحَضَرٍ) : أَيْ كَمَا لَوْ بَيَّتَ الصَّوْمَ بِحَضَرٍ - كَمَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ - وَلَمْ يُسَافِرْ قَبْلَ الْفَجْرِ وَعَزْمُهُ السَّفَرَ بَعْدَهُ، (وَأَفْطَرَ قَبْلَ الشُّرُوعِ) فِيهِ (بِلَا تَأْوِيلٍ) : فَيَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِانْتِهَاكِهِ الْحُرْمَةَ عِنْدَ عَدَمِ التَّأْوِيلِ. (وَإِلَّا) بِأَنْ تَأَوَّلَ أَيْ ظَنَّ إبَاحَةَ الْفِطْرِ فَأَفْطَرَ أَوْ أَفْطَرَ بَعْدَ الشُّرُوعِ (فَلَا) كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِقُرْبِ تَأْوِيلِهِ، لِاسْتِنَادِهِ إلَى السَّفَرِ حَيْثُ سَافَرَ، وَهَذِهِ أَيْضًا مِنْ مَفْهُومِ: " إنْ بَيَّتَهُ "، فِيهِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ بَيَّتَ الْفِطْرَ فِي السَّفَرِ، وَمَفْهُومُهُ: بَيَّتَ الْفِطْرَ فِي الْحَضَرِ وَهِيَ الْأُولَى، أَوْ بَيَّتَ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ وَهِيَ الثَّانِيَةُ، أَوْ بَيَّتَ الصَّوْمَ فِي الْحَضَرِ وَهِيَ الثَّالِثَةُ، فَالْكَفَّارَةُ فِي الْأُولَيَيْنِ مُطْلَقًا، وَفِي الثَّالِثَةِ إنْ لَمْ يَتَأَوَّلْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ بَيَّتَ الصَّوْمَ بِسَفَرٍ] : فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعُ صُوَرٍ وَهِيَ: كَانَ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ، أَوْ غَيْرِهِ، تَأَوَّلَ، أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ بَيَّتَهُ] : أَيْ مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ بَيَّتَهُ - أَيْ الْفِطْرَ - فِيهِ، أَيْ فِي السَّفَرِ، وَسَيَأْتِي لِلشَّارِحِ تَوْضِيحُ تِلْكَ الْمَفَاهِيمِ. قَوْلُهُ: [وَأَشَارَ لِلْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ] : مَنْطُوقُهَا الَّذِي فِيهِ الْكَفَّارَةُ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ، وَمَفْهُومُهَا الَّذِي لَا كَفَّارَةَ فِيهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَفْطَرَ بَعْدَ الشُّرُوعِ] : أَيْ وَلَوْ لَمْ يَتَأَوَّلْ، فَقَوْلُهُ " لِقُرْبِ تَأْوِيلِهِ ": تَعْلِيلٌ لِفِطْرِهِ مُتَأَوِّلًا قَبْلَ الشُّرُوعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [حَيْثُ سَافَرَ] : مَفْهُومُهُ: لَوْ أَفْطَرَ عَازِمًا عَلَى السَّفَرِ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَلَمْ يُسَافِرْ يَوْمَهُ، لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ. وَلَا يَنْفَعُهُ تَأْوِيلٌ. قَوْلُهُ: [مُطْلَقًا] : تَقَدَّمَ تَحْتَ الْإِطْلَاقِ ثَمَانُ صُوَرٍ فِي كُلٍّ أَرْبَعٌ. قَوْلُهُ: [وَفِي الثَّالِثَةِ إنْ لَمْ يَتَأَوَّلْ] : فَهِيَ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ فِطْرُهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ

وَبَقِيَ مَفْهُومُ " أُبِيحَ " وَفِيهِ الْكَفَّارَةُ مُطْلَقًا لِظُهُورِ الِانْتِهَاكِ فِيهِ، وَلِذَا تَرَكَهُ، وَأَمَّا مَفْهُومُ: " سَفَرُ قَصْرٍ " فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ذِكْرِ التَّأْوِيلِ الْقَرِيبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَ) جَازَ فِطْرٌ (بِمَرَضٍ) : فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى بِسَفَرٍ (إنْ خَافَ) بِالصَّوْمِ (زِيَادَتَهُ) أَيْ الْمَرَضِ (أَوْ) خَافَ (تَمَادِيهِ) وَهُوَ مَعْنَى تَأَخُّرِ الْبُرْءِ، وَأَوْلَى إنْ خَافَ حُدُوثَ مَرَضٍ آخَرَ. (وَوَجَبَ) الْفِطْرُ (إنْ خَافَ) بِالصَّوْمِ (هَلَاكًا أَوْ شَدِيدَ ضَرَرٍ) ، كَتَعْطِيلِ حَاسَّةٍ مِنْ حَوَاسِّهِ. (كَحَامِلٍ أَوْ مُرْضِعٍ لَمْ يُمْكِنْهَا) أَيْ الْمُرْضِعَ (اسْتِئْجَارٌ) لِعَدَمِ مَالٍ أَوْ مُرْضِعَةٍ أَوْ عَدَمِ قَبُولِهِ غَيْرَهَا (وَلَا غَيْرُهُ) - وَهُوَ الرَّضَاعُ مَجَّانًا - (خَافَتَا) بِالصَّوْمِ (عَلَى وَلَدَيْهِمَا) : فَيَجُوزُ إنْ خَافَتَا عَلَيْهِ مَرَضًا أَوْ زِيَادَتَهُ، وَيَجِبُ إنْ خَافَتَا هَلَاكًا أَوْ شِدَّةَ ضَرَرٍ، وَأَمَّا خَوْفُهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: " وَبِمَرَضٍ " إلَخْ إذْ الْحَمْلُ مَرَضٌ، وَالرَّضَاعُ فِي حُكْمِهِ فَإِنْ أَمْكَنَهَا اسْتِئْجَارٌ أَوْ غَيْرُهُ وَجَبَ صَوْمُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِلَا تَأْوِيلٍ، وَمَفْهُومُهَا ثَلَاثٌ قَدْ عَلِمْتهَا. قَوْلُهُ: [وَبَقِيَ مَفْهُومُ أُبِيحَ] إلَخْ: إنَّمَا اُشْتُرِطَتْ الْإِبَاحَةُ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ تَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَكَلَامُ الْأُجْهُورِيِّ فِي فَضَائِلِ رَمَضَانَ: أَنَّ السَّفَرَ بَعْدَ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ مَكْرُوهٌ، وَفِي الْحَطَّابِ فِيمَنْ سَافَرَ لِأَجْلِ الْفِطْرِ: هَلْ يُمْنَعُ - مُعَامَلَةً لَهُ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ - كَمَنْ تَحَيَّلَ فِي الزَّكَاةِ، أَوْ ارْتَدَّ لِإِسْقَاطِ شَيْءٍ؟ وَقَرَّرَ شَيْخُنَا: أَنَّ السَّفَرَ لِذَلِكَ مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ، وَيَجُوزُ الْفِطْرُ فَتَأَمَّلْهُ (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَجَازَ فِطْرٌ بِمَرَضٍ] : أَيْ وَيَجُوزُ لِلصَّائِمِ الْفِطْرُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ. فَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْجَوَازِ هُوَ الْمَشْهُورُ. قَوْلُهُ: [زِيَادَتُهُ أَيْ الْمَرَضِ أَوْ خَافَ تَمَادِيهِ] : وَمِثْلُهُمَا الْجَهْدُ وَالْمَشَقَّةُ بِخِلَافِ جَهْدِ الصَّحِيحِ وَمَشَقَّتِهِ فَلَا يُبِيحُ الْفِطْرَ. قَوْلُهُ: [فَيَجُوزُ إنْ خَافَتَا عَلَيْهِ مَرَضًا] إلَخْ: وَمِثْلُهُمَا الْجَهْدُ وَالْمَشَقَّةُ كَمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [إذْ الْحَمْلُ مَرَضٌ] : أَيْ وَلِذَلِكَ كَانَتْ الْحَامِلُ لَا إطْعَامَ عَلَيْهَا،

(وَالْأُجْرَةُ) أَيْ أُجْرَةُ الرَّضَاعِ (فِي مَالِ الْوَلَدِ) إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، (ثُمَّ الْأَبِ) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ. (وَ) وَجَبَ (إطْعَامُ مُدِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُفَرِّطٍ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ لِمِثْلِهِ) أَيْ إلَى أَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ الثَّانِي وَلَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْأَمْثَالِ (عَنْ كُلِّ يَوْمٍ) أَيْ إطْعَامُ مُدِّهِ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ (لِمِسْكِينٍ إنْ أَمْكَنَ الْقَضَاءُ بِشَعْبَانَ) ، بِأَنْ يَبْقَى مِنْهُ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ. (لَا) يَجِبُ عَلَى الْمُفَرِّطِ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ إطْعَامٌ (إنْ اتَّصَلَ عُذْرُهُ) مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ، (بِقَدْرِ مَا) أَيْ الْأَيَّامِ الَّتِي (عَلَيْهِ) ، إلَى تَمَامِ شَعْبَانَ؛ فَمَنْ عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ مَثَلًا وَحَصَلَ لَهُ عُذْرٌ قَبْلَ رَمَضَانَ الثَّانِي بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ فَلَا إطْعَامَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ طُولَ عَامِهِ خَالِيًا مِنْ الْأَعْذَارِ، وَإِنْ حَصَلَ الْعُذْرُ لَهُ فِي يَوْمَيْنِ فَقَطْ وَجَبَ عَلَيْهِ إطْعَامُ ثَلَاثَةِ أَمْدَادٍ، لِأَنَّهُمَا أَيَّامُ التَّفْرِيطِ دُونَ أَيَّامِ الْعُذْرِ، فَقَوْلُهُ " عُذْرُهُ " أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ مَرَضُهُ. وَقَوْلُنَا: " بِقَدْرٍ " إلَخْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ الْمُرْضِعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَرَضًا حَقِيقِيًّا لَهَا. قَوْلُهُ: [ثُمَّ الْأَبُ] : هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، وَقِيلَ عَلَى الْأُمِّ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهَا الرَّضَاعُ بِأَنْ كَانَتْ غَيْرَ عَلِيَّةِ الْقَدْرِ وَغَيْرَ مُطَلَّقَةٍ طَلَاقًا بَائِنًا، وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا اتِّفَاقًا. 1 - قَوْلُهُ: [وَإِنْ أَمْكَنَ الْقَضَاءُ بِشَعْبَانَ] إلَخْ: حَاصِلُهُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُفَرِّطَ إطْعَامُ الْمُدِّ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ لِمِسْكِينٍ إذَا كَانَ يُمْكِنُ قَضَاءَ مَا عَلَيْهِ فِي شَعْبَانَ، وَذَلِكَ بِأَنْ صَارَ الْبَاقِي مِنْ شَعْبَانَ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ خَالٍ مِنْ الْأَعْذَارِ، وَلَمْ يَقْضِ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ، وَانْظُرْ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا، ثُمَّ صَامَ مِنْ أَوَّلِ شَعْبَانَ ظَانًّا كَمَالَهُ، فَإِذَا هُوَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا هَلْ عَلَيْهِ إطْعَامُ يَوْمٍ أَوْ لَا وَالظَّاهِرُ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ فِي الْقَضَاءِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ، ثُمَّ إنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي التَّفْرِيطِ وَعَدَمِهِ شَعْبَانُ الْأَوَّلُ، فَإِنْ حَصَلَ فِيهِ عُذْرٌ ثُمَّ تَرَاخَى فِي شَعْبَانَ الثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ إطْعَامٌ، قَالَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ وَلَيْسَ مِنْ الْعُذْرِ الْجَهْلُ بِوُجُوبِ تَقْدِيمِ الْقَضَاءِ عَلَى رَمَضَانَ الثَّانِي، وَقِيلَ إنَّهُ عُذْرٌ وَالْخِلَافُ جَارٍ فِي النِّسْيَانِ، وَالسَّفَرِ وَفِي الْمَجْمُوعِ وَلَيْسَ السَّفَرُ وَالنِّسْيَانُ عُذْرًا هُنَا بَلْ الْإِكْرَاهُ.

قَيْدٌ زَائِدٌ عَلَى كَلَامِهِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ اتِّصَالِ الْعُذْرِ مِنْ رَمَضَانَ لِرَمَضَانَ، أَوْ فِي جَمِيعِ شَعْبَانَ (مَعَ الْقَضَاءِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِطْعَامٍ أَوْ بِمَحْذُوفٍ: أَنْ يُطْعِمَ مَعَ الْقَضَاءِ نَدْبًا أَيْ يُنْدَبُ إطْعَامُ الْمُدِّ أَيْ إخْرَاجُهُ مَعَ كُلِّ يَوْمٍ يَقْتَضِيهِ مِنْ الْعَامِ الثَّانِي (أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ تَمَامِ كُلِّ يَوْمٍ أَوْ بَعْدَ تَمَامِ جَمِيعِ أَيَّامِ الْقَضَاءِ، يُخْرِجُ جَمِيعَ الْأَمْدَادِ. فَإِنْ أَطْعَمَ بَعْدَ الْوُجُوبِ بِدُخُولِ رَمَضَانَ وَقَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْقَضَاءِ أَجْزَأَ وَخَالَفَ الْمَنْدُوبَ. (وَ) وَجَبَ الْإِطْعَامُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ (لِمُرْضِعٍ) أَيْ عَلَى مُرْضِعٍ (أَفْطَرَتْ) خَوْفًا عَلَى وَلَدِهَا، بِخِلَافِ الْحَامِلِ تَخَافُ عَلَى حَمْلِهَا. (وَ) وَجَبَ (رَابِعُ النَّحْرِ) أَيْ صَوْمُهُ (لِنَاذِرِهِ) إنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ بِأَنْ نَذَرَ صَوْمَ كُلِّ خَمِيسٍ فَصَادَفَ رَابِعَ النَّحْرِ أَوْ نَذَرَ السُّنَّةِ، فَيَجِبُ صَوْمُهُ (بَلْ وَإِنْ عَيَّنَهُ) كَعَلَيَّ صَوْمُ رَابِعِ النَّحْرِ. (وَكُرِهَ) تَعْيِينُهُ بِالنَّذْرِ (كَصَوْمِهِ تَطَوُّعًا) يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ. (وَحَرُمَ صَوْمُ سَابِقَيْهِ) أَيْ الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ بَعْدَ يَوْمِ الْعِيدِ وَلَوْ نَذَرَهُمَا (إلَّا لِكَمُتَمَتِّعٍ) : أَيْ إلَّا لِمُتَمَتِّعٍ وَنَحْوِهِ كَقَارِنٍ وَكُلِّ مَنْ لَزِمَهُ هَدْيٌ لِنَقْصٍ فِي حَجٍّ وَ (لَمْ يَجِدْ هَدْيًا) فَيَجُوزُ لَهُ صَوْمُهُمَا بِمِنًى ثُمَّ السَّبْعَةَ إذَا رَجَعَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَجْزَأَ] إلَخْ: أَيْ كَمَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ لَا تُفَرِّقُ الْكَفَّارَةُ الصُّغْرَى قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْقَضَاءِ، بِحَمْلِ النَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ " بَعْدَ الْوُجُوبِ " أَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَ قَبْلَ الْوُجُوبِ فَلَا يُجْزِئُ. 1 - قَوْلُهُ: [بِأَنْ نَذَرَ صَوْمَ كُلِّ خَمِيسٍ] : أَيْ أَوْ نَذَرَ الْحَجَّةَ. قَوْلُهُ: [بَلْ وَإِنْ عَيَّنَهُ] : أَتَى بِالْمُبَالَغَةِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ عَدَمِ لُزُومِهِ، لِأَنَّ نَذْرَهُ بِعَيْنِهِ تَقَصُّدٌ لِلْمَكْرُوهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِهِ مَا نُدِبَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَخَلَ فِي جُمْلَةِ الْأَيَّامِ فَلَا يُتَوَهَّمُ تَقَصُّدُ الْمَكْرُوهِ. قَوْلُهُ: [يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ] : وَلِذَلِكَ لَزِمَ النَّاذِرَ نَظَرًا لِذَاتِ الْعِبَادَةِ، فَإِنَّهَا مَنْدُوبَةٌ، وَالْكَرَاهَةُ لِذَاتِ الْوَقْتِ، وَقَوْلُهُمْ الْمَكْرُوهُ لَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ إذَا كَانَتْ كَرَاهَتُهُ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَجِدْ هَدْيًا] : وَمِثْلُهُ الْفِدْيَةُ عَلَى مَا عَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِلْمُدَوَّنَةِ،

(وَإِنْ نَوَى) صَائِمٌ (بِرَمَضَانَ) أَيْ فِيهِ (وَإِنْ بِسَفَرِهِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فِيهِ (غَيْرَهُ) مَفْعُولُ نَوَى - أَيْ نَوَى بِصِيَامِهِ غَيْرَ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ - كَتَطَوُّعٍ وَنَذْرٍ وَصَوْمِ تَمَتُّعٍ وَقَضَاءِ رَمَضَانَ السَّابِقِ - (أَوْ نَوَاهُ وَغَيْرَهُ) أَيْ بِصَوْمِهِ رَمَضَانَ الْحَاضِرَ وَغَيْرَهُ (لَمْ يُجْزِهِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ لَا عَنْ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ. (وَلَيْسَ لِامْرَأَةٍ يَحْتَاجُ لَهَا) أَيْ لِجِمَاعِهَا (زَوْجُهَا) أَوْ سَيِّدُهَا (تَطَوُّعٌ) بِصَوْمٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (أَوْ نَذْرٍ) لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، (بِلَا إذْنٍ) مِنْ زَوْجِهَا أَوْ سَيِّدِهَا، (وَلَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ إذَا تَطَوَّعَتْ بِلَا إذْنٍ (إفْسَادُهُ بِجِمَاعٍ) لَا بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ، (لَا إنْ أَذِنَ) لَهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. (وَمَنْ قَامَ رَمَضَانَ) أَيْ وَأَحْيَا لَيَالِيَهُ بِصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ أَوْ غَيْرِهَا بِالذِّكْرِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ (إيمَانًا) أَيْ تَصْدِيقًا بِمَا وَعَدَهُ اللَّهُ بِهِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْأَجْرِ، (وَاحْتِسَابًا) أَيْ مُحْتَسِبًا وَمُدَّخِرًا أَجْرَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى لَا غَيْرِهِ بِخُلُوصِ عَمَلِهِ لِلَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ فِيمَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ أَوْ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ أَيَّامِ مِنًى. قَوْلُهُ: [لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا] : حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الصُّوَرَ سِتَّ عَشْرَةَ، وَهِيَ: أَنْ يَنْوِيَ بِرَمَضَانَ الْحَاضِرِ تَطَوُّعًا، أَوْ نَذْرًا، أَوْ كَفَّارَةً، أَوْ قَضَاءَ الْخَارِجِ؛ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ تُضْرَبُ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ بِثَمَانٍ كُلُّهَا لَا تُجْزِئُ إلَّا إذَا نَوَى بِرَمَضَانَ الْحَاضِرِ قَضَاءَ الْخَارِجِ. فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِالْإِجْزَاءِ، وَصَحَّحَ. أَوْ يَنْوِي رَمَضَانَ الْحَاضِرَ مَعَ الْخَارِجِ، أَوْ هُوَ وَنَذْرًا، أَوْ هُوَ وَكَفَّارَةً، أَوْ هُوَ وَتَطَوُّعًا؛ فَهَذِهِ أَرْبَعٌ تُضْرَبُ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ بِثَمَانٍ أَيْضًا رَجَّحَ فِيهِ الْإِجْزَاءَ عَنْ الْحَاضِرِ كَمَا فِي (عب) وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْوَقْتِ. وَفِي بَاقِي مَسَائِلِ الْحَضَرِ الَّذِي لَمْ يَجُزْ فِيهَا رَمَضَانُ الْحَاضِرُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إنْ لَمْ يَتَأَوَّلْ. قَوْلُهُ: [إفْسَادُهُ بِجِمَاعٍ] : أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّطَوُّعِ وَالنَّذْرِ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ لِأَنَّهَا مُعْتَدِيَةٌ فَكَأَنَّهَا أَفْطَرَتْ عَمْدًا حَرَامًا. قَوْلُهُ: [لَا بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ] : أَيْ لِأَنَّ احْتِيَاجَهُ إلَيْهَا الْمُوجِبُ لِتَفْطِيرِهَا مِنْ جِهَةِ الْوَطْءِ فَلَا وَجْهَ لِإِفْسَادِهِ عَلَيْهَا بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، بَقِيَ لَوْ أَرَادَتْ تَعْجِيلَ قَضَاءِ رَمَضَانَ، هَلْ لَهُ مَنْعُهَا؟ كَالتَّطَوُّعِ وَالنَّذْرِ، وَقَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ: لَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَقَدْ يُقَالُ: لَهُ مَنْعُهَا بِالْأَوْلَى مِنْ فَرْضٍ اتَّسَعَ وَقْتُهُ. 1 -

لَمْ يُشْرِكْ بِهِ غَيْرَهُ. (غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) أَيْ غَيْرُ حُقُوقِ الْعِبَادِ. وَأَمَّا هِيَ: فَتَتَوَقَّفُ عَلَى إبْرَاءِ الذِّمَّةِ وَلَوْ عُمُومًا، أَوْ غُرْمِ مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ؛ الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ، وَالْقِيمَةُ فِي الْمُقَوَّمِ، أَوْ وَرَدِّهِ بِعَيْنِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ] : ظَاهِرُهُ حَتَّى الْكَبَائِرُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مُتَعَلِّقَةً بِالْعِبَادِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَفَضْلُ اللَّهِ لَا يَتَقَيَّدُ خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهَا بِالصَّغَائِرِ فَإِنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلْعَامِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ. خَاتِمَةٌ: مَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ، وَمِثْلُهُ مَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا فِي كُلِّ وَاجِبٍ. وَلَوْ كَانَ فِطْرُهُ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَفَاهُ الْحَدُّ وَقِيلَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ. وَاخْتُلِفَ: هَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْقَضَاءِ فَيَقْضِي يَوْمَيْنِ: يَوْمًا عَنْ الْأَصْلِ، وَيَوْمًا عَنْ الْقَضَاءِ؟ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْأَصْلُ؟ وَهُوَ الْأَرْجَحُ، وَأَمَّا إنْ أَفْطَرَ سَهْوًا أَوْ لِعُذْرٍ فَلَا يَقْضِي اتِّفَاقًا. وَاخْتُلِفَ: هَلْ يُؤَدَّبُ الْمُفْطِرُ عَمْدًا فِي النَّفْلِ لِغَيْرِ وَجْهٍ أَوْ لَا يُؤَدَّبُ لِلْخِلَافِ فِيهِ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِلْبُنَانِيِّ، وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَسَائِلَ النَّذْرِ اتِّكَالًا عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ، وَذَكَرَهَا هُنَا خَلِيلٌ اسْتِطْرَادًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب في الاعتكاف]

بَابٌ فِي الِاعْتِكَافِ (الِاعْتِكَافُ نَافِلَةٌ) مِنْ نَوَافِلِ الْخَيْرِ، (مُرَغَّبٌ فِيهِ) شَرْعًا. (وَهُوَ) فِي الْأَصْلِ: مُطْلَقُ اللُّزُومِ لِشَيْءٍ، وَشَرْعًا: (لُزُومُ مُسْلِمٍ مُمَيِّزٍ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ؛ فَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ وَلَا مِنْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ. (مَسْجِدًا) مَفْعُولُ الْمَصْدَرِ فَلَا يَصِحُّ فِي غَيْرِهِ مِنْ بَيْتٍ أَوْ خَلْوَةٍ، (مُبَاحًا) لِلنَّاسِ فَلَا يَصِحُّ فِي مَسْجِدِ الْبُيُوتِ الْمَحْجُورَةِ. (بِصَوْمٍ) : أَيُّ صَوْمٍ كَانَ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، رَمَضَانَ أَوْ غَيْرَهُ (كَافًّا) - حَالٌ مِنْ مُسْلِمٍ - (عَنْ الْجِمَاعِ وَمُقَدِّمَاتِهِ) لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ وَإِلَّا فَسَدَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الِاعْتِكَافِ] [حُكْم الِاعْتِكَافِ وَمُبْطِلَاته] بَابٌ: لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مَا أَرَادَهُ مِنْ فُرُوعِ الصَّوْمِ، وَكَانَ مِنْ حِكْمَةِ مَشْرُوعِيَّتِهِ تَصْفِيَةُ مِرْآةِ الْعَقْلِ وَالتَّشَبُّهُ بِالْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ فِي وَقْتِهِ، أَتْبَعَهُ بِالْكَلَامِ عَلَى الِاعْتِكَافِ التَّامِّ الشَّبَهِ بِهِمْ فِي اسْتِغْرَاقِ الْأَوْقَاتِ فِي الْعِبَادَاتِ، وَحَبْسِ النَّفْسِ عَنْ الشَّهَوَاتِ، وَكَفِّ اللِّسَانِ عَمَّا لَا يَنْبَغِي. وَيُقَالُ: عَكَفَ يَعْكُفُ - بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ - عَكْفًا وَعُكُوفًا: أَقْبَلَ عَلَى الشَّيْءِ مُوَاظِبًا، وَاعْتَكَفَ وَانْعَكَفَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقِيلَ اعْتَكَفَ عَلَى الْخَيْرِ وَانْعَكَفَ عَلَى الشَّرِّ (اهـ. خَرَشِيٌّ) . قَوْلُهُ: [نَافِلَةٌ] : صَادِقٌ بِالنَّدْبِ وَالسُّنِّيَّةِ؛ وَهُمَا قَوْلَانِ. قَوْلُهُ: [مُطْلَقُ اللُّزُومِ] : أَيْ لِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] قَوْلُهُ: مُمَيِّزٌ: هُوَ الَّذِي يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ وَلَا يَنْضَبِطُ بِسِنٍّ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، وَيُخَاطَبُ الْمُمَيِّزُ غَيْرُ الْبَالِغِ بِالصَّوْمِ تَبَعًا لِلِاعْتِكَافِ لِأَنَّهُ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهِ، وَتَقَدَّمَ كَرَاهَةُ الصَّوْمِ لَهُ اسْتِقْلَالًا. قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ فِي مَسْجِدِ الْبُيُوتِ] : أَيْ وَلَوْ لِلنِّسَاءِ، وَلَا فِي الْكَعْبَةِ، وَلَا فِي

(يَوْمًا بِلَيْلَتِهِ) أَيْ لَيْلَةِ الْيَوْمِ وَهِيَ السَّابِقَةُ عَلَيْهِ كَلَيْلَةِ الْخَمِيسِ وَيَوْمِهِ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَقَلِّهِ، (فَأَكْثَرَ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ، وَأَحَبُّهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَقَوْلُهُ: " يَوْمًا " ظَرْفٌ " لِلُّزُومِ ". (لِلْعِبَادَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِلُزُومٍ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ أَفْضَلِهَا. (بِنِيَّةٍ) : الْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ أَوْ بِمَعْنَى مَعَ، مُتَعَلِّقَةٌ بِ (لُزُومٍ) - إذْ هُوَ عِبَادَةٌ، وَكُلُّ عِبَادَةٍ تَفْتَقِرُ لِنِيَّةٍ. (وَمَنْ فَرْضُهُ الْجُمُعَةُ) : وَهُوَ الذَّكَرُ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْمُقِيمُ، (وَ) نَذَرَ أَوْ أَرَادَ اعْتِكَافًا (تَجِبُ) الْجُمُعَةُ (بِهِ) أَيْ فِيهِ - أَيْ فِي زَمَنِهِ - كَسَبْعَةِ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَالْجُمُعَةُ فِي أَثْنَائِهِ؛ كَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوَّلُهَا الْخَمِيسُ، (فَالْجَامِعُ) مُتَعَيَّنٌ فِي حَقِّهِ. (وَإِلَّا) يَعْتَكِفْ فِي الْجَامِعِ، بَلْ اعْتَكَفَ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِهِ (خَرَجَ) لِلْجُمُعَةِ وُجُوبًا (وَبَطَلَ) اعْتِكَافُهُ بِمُجَرَّدِ خُرُوجِهِ بِرِجْلَيْهِ مَعًا (وَيَقْضِيهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَقَامِ وَلِيٍّ حَيْثُ كَانَ مَحْجُورًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ غَيْرَ مَحْجُورٍ وَجُعِلَ مَسْجِدًا كَمَقَامِ الْحُسَيْنِ وَالشَّافِعِيِّ وَالسَّيِّدِ الْبَدَوِيِّ فَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيهِ، وَلَا يَصِحُّ فِي رَحْبَتِهِ وَلَا فِي الطُّرُقِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ، إذْ لَا يُقَالُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسْجِدٌ، وَلَا يَصِحُّ فِي بَيْتِ الْقَنَادِيلِ وَالسِّقَايَةِ وَالسَّطْحِ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَقَلِّهِ] : أَيْ الَّذِي يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ كَقَوْلِهِ: نَذَرْت الِاعْتِكَافَ أَوْ اعْتِكَافًا. قَوْلُهُ: [أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ] : أَيْ مِنْ جِهَةِ الصِّحَّةِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [وَأَحَبُّهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ] : أَيْ وَمُنْتَهَى الْمَنْدُوبِ شَهْرٌ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهَذَا زُبْدَةُ خِلَافٍ كَثِيرٍ، وَكُرِهَ الْأَقَلُّ عَنْ الْعَشَرَةِ وَالزَّائِدُ عَنْ الشَّهْرِ. قَوْلُهُ: [لِلْعِبَادَةِ] : أَيْ لِأَجْلِ الْعِبَادَةِ فِيهِ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْهَا. قَوْلُهُ: [وَسَيَأْتِي بَيَانُ أَفْضَلِهَا] : أَيْ وَهُوَ اشْتِغَالُهُ بِذِكْرٍ نَحْوِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاسْتِغْفَارٍ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَالصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ مَجْمَعُ الذِّكْرِ وَالْقُرْآنِ. قَوْلُهُ: [خَرَجَ لِلْجُمُعَةِ وُجُوبًا] : أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ يَجْهَلُ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْهُ مُبْطِلٌ كَحَدِيثِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ فَيُعْذَرُ وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِخُرُوجِهِ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَقَيَّدَهُ أَيْضًا بِمَا إذَا نَذَرَ أَوْ نَوَى أَيَّامًا تَأْخُذُهُ فِيهَا الْجُمُعَةُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، وَأَمَّا

وُجُوبًا. وَشَبَّهَ فِي وُجُوبِ الْخُرُوجِ وَالْبُطْلَانِ وَالْقَضَاءِ قَوْلُهُ: (كَمَرَضِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ) : دَنِيَّةً، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ لِبِرِّهِ بِعِيَادَتِهِ (أَوْ جِنَازَتِهِ) أَيْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، (وَالْآخَرُ) مِنْهُمَا (حَيٌّ) فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ لَهَا جَبْرًا لِلْحَيِّ مِنْهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الثَّانِي حَيًّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ، وَالْوَاوُ فِي كَلَامِهِ لِلْحَالِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ نَذَرَ أَيَّامًا لَا تَأْخُذُهُ فِيهَا الْجُمُعَةُ فَمَرِضَ فِيهَا بَعْدَ أَنْ شَرَعَ، ثُمَّ خَرَجَ ثُمَّ رَجَعَ يُتِمُّ وَصَادَفَ الْجُمُعَةَ، قَالَ فَلَا خَوْفَ، أَنَّ هَذَا يَخْرُجُ إلَيْهَا وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ، وَلَكِنْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هَذَا التَّفْصِيلُ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَمِثْلُهُ لِابْنِ عَرَفَةَ. وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ مَنْ اعْتَكَفَ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ، وَهُوَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ، وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَهُوَ فِي مُعْتَكَفِهِ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ لَهَا وَقْتَ وُجُوبِ السَّعْيِ لَهَا، وَفِي بُطْلَانِ اعْتِكَافِهِ بِذَلِكَ الْخُرُوجِ وَعَدَمِ بُطْلَانِهِ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ: الْبُطْلَانُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَعَدَمُهُ مُطْلَقًا وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْجَهْمِ عَنْ مَالِكٍ، وَالتَّفْصِيلُ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي حَاشِيهِ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ (بْن) . وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: " خَرَجَ " أَنَّهُ إنْ ارْتَكَبَ النَّهْيَ وَلَمْ يَخْرُجْ لَمْ يَبْطُلْ عَلَى الظَّاهِرِ إذَا لَمْ يَرْتَكِبْ كَبِيرَةً، وَإِنَّمَا ارْتَكَبَ صَغِيرَةً لِأَنَّ تَرْكَ الْجُمُعَةِ لَا يَكُونُ كَبِيرَةً إلَّا إذَا كَانَ ثَلَاثًا مُتَوَالِيَةً، فَإِذَا حَصَلَ التَّرْكُ فِي ثَلَاثٍ جَرَى - عَلَى الْخِلَافِ فِي الْكَبَائِر - هَلْ تُبْطِلُ الِاعْتِكَافَ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [كَمَرَضِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ] : أَيْ مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ. وَقَوْلُهُ: [دَنِيَّةً] : خَرَجَ الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ فَلَا يَجِبُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمُعْتَكَفِ لِعِيَادَتِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ جَرَى فِي اعْتِكَافِهِ التَّأْوِيلَانِ فِي الْبُطْلَانِ بِالْكَبَائِرِ، لِأَنَّ الْعُقُوقَ مِنْ جُمْلَتِهَا، وَحَيْثُ وَجَبَ الْخُرُوجُ لِعِيَادَةِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَأَحْرَى عِيَادَتُهُمَا مَعًا. قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الثَّانِي حَيًّا لَمْ يَجِبْ] : بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ خِلَافًا لِلْجُزُولِيِّ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ خُرُوجِهِ لِجِنَازَتِهِمَا، كَمَا يَجِبُ خُرُوجُهُ لِعِيَادَتِهِمَا وَقَيَّدَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا إذَا لَمْ يَتَوَقَّفْ التَّجْهِيزُ عَلَى خُرُوجِهِ، وَإِلَّا وَجَبَ اتِّفَاقًا وَبَطَلَ اعْتِكَافُهُ. قَوْلُهُ: [وَالْوَاوُ فِي كَلَامِهِ لِلْحَالِ] : أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْجِنَازَةِ لِأَنَّ عَدَمَ الْخُرُوجِ

(وَكَخُرُوجِهِ) : عَطْفٌ عَلَى كَمَرَضٍ إلَّا أَنَّ التَّشْبِيهَ فِيهِ فِي الْبُطْلَانِ، وَالْقَضَاءِ فَقَطْ دُونَ وُجُوبِ الْخُرُوجِ أَيْ أَنَّ خُرُوجَ الْمُعْتَكِفِ مِنْ الْمَسْجِدِ (لِغَيْرِ ضَرُورَتِهِ) مُبْطِلٌ لِاعْتِكَافِهِ، بِخِلَافِ خُرُوجِهِ لِضَرُورَتِهِ مِنْ اشْتِرَاءِ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ، أَوْ لِطَهَارَةٍ أَوْ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ. (أَوْ تَعَمُّدِ فِطْرٍ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِلْمَفْعُولِ، فَإِنَّهُ مُبْطِلٌ لِلِاعْتِكَافِ، بِخِلَافِ السَّهْوِ وَالْإِكْرَاهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا نَهَارًا. (أَوْ) تَعَمُّدِ شُرْبِ (مُسْكِرٍ لَيْلًا) فَأَوْلَى نَهَارًا وَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ. (وَ) بَطَلَ (بِوَطْءٍ وَقُبْلَةٍ بِشَهْوَةٍ) لَيْلًا، (وَلَمْسٍ) كَذَلِكَ (وَإِنْ) وَقَعَ مَا ذُكِرَ (لِحَائِضٍ مُعْتَكِفَةٍ) ، وَخَرَجَتْ مِنْ الْمَسْجِدِ لِنَذْرِهَا فَوَقَعَ مِنْهَا ذَلِكَ (سَهْوًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَظِنَّةُ الْعُقُوقِ لِلْحَيِّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ انْتَقَلَا جَمِيعًا لِلدَّارِ الْآخِرَةِ فَيَرْضَيَانِ بِطَاعَتِهِ لِرَبِّهِ عَلَى أَيِّ حَالٍ لِزَوَالِ الْحُظُوظِ النَّفْسَانِيَّةِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ خُرُوجِهِ لِضَرُورَاتِهِ] : أَيْ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى قَدْرِ الضَّرُورَةِ وَإِلَّا بَطَلَ. قَوْلُهُ: [مُسْكِرٍ] : مِثْلُهُ كُلُّ مُغَيِّبٍ كَالْحَشِيشَةِ حَيْثُ غَيَّبَتْ عَقْلَهُ، وَمَفْهُومُ تَعَمُّدِ إنْ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ الْمُسْكِرَ فَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ، بَلْ يَجْرِي عَلَى تَفْصِيلِ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي الصَّوْمِ. 1 - تَنْبِيهٌ: اُخْتُلِفَ فِي فِعْلِهِ الْكَبَائِرَ غَيْرَ الْمُسْكِرِ كَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ وَالْعُقُوقِ، فَيَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِذَلِكَ وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ. قَوْلُهُ: [وَبَطَلَ بِوَطْءٍ] : أَيْ فَإِنْ وَطِئَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَاسْتَأْنَفَهُ مِنْ أَوَّلِهِ، وَيَفْسُدُ عَلَى الْمَوْطُوءِ وَلَوْ نَائِمًا، وَالْوَطْءُ الْمَذْكُورُ مُفْسِدٌ وَإِنْ لِغَيْرِ مُطِيقَةٍ، لِأَنَّ أَدْنَاهُ أَنْ يَكُونَ كَلَمْسِ الشَّهْوَةِ، بِخِلَافِ الِاحْتِلَامِ وَمَحَلُّ اشْتِرَاطِ الشَّهْوَةِ فِي اللَّمْسِ فِي غَيْرِ الْقُبْلَةِ فِي الْفَمِ، وَأَمَّا هِيَ فَلَا يُشْتَرَطُ، وَبِالْجُمْلَةِ فَاللَّمْسُ هُنَا يَجْرِي عَلَى الْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ وَقَعَ مَا ذُكِرَ لِحَائِضٍ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُعْتَكِفَةَ إذَا حَاضَتْ وَخَرَجَتْ وَعَلَيْهَا حُرْمَةُ الِاعْتِكَافِ، فَحَصَلَ مِنْهَا مَا ذُكِرَ نَاسِيَةً لِاعْتِكَافِهَا فَإِنَّهُ يَبْطُلُ، وَتَسْتَأْنِفُهُ مِنْ أَوَّلِهِ، وَمِثْلُ الْحَائِضِ غَيْرُهَا مِنْ بَقِيَّةِ أَرْبَابِ الْأَعْذَارِ الْمَانِعَةِ مِنْ الصَّوْمِ

[ما يلزم المعتكف]

عَنْ كَوْنِهَا مُعْتَكِفَةً فَيَبْطُلُ اعْتِكَافُهَا، وَتَبْتَدِيهِ، فَأَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا أَوْ مِنْهَا عَمْدًا. (وَلَزِمَ) الْمُعْتَكِفَ (يَوْمٌ بِلَيْلَتِهِ) الْمَنْذُورَةِ (وَإِنْ نَذَرَ لَيْلَةً) فَقَطْ. فَإِنْ نَذَرَ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ لَزِمَهُ لَيْلَتُهُ وَصَبِيحَتُهَا: وَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ لَزِمَهُ لَيْلَةٌ مَعَ صَبِيحَتِهَا؛ أَيُّ لَيْلَةٍ كَانَتْ لِأَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الصَّوْمُ الَّذِي هُوَ مِنْ أَرْكَانِهِ إلَّا بِالْيَوْمِ. وَأَوْلَى إذَا نَذَرَ يَوْمًا (لَا) إنْ نَذَرَ (بَعْضَ يَوْمٍ) فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إذْ لَا يُصَامُ بَعْضُ يَوْمٍ. (وَ) لَزِمَ (تَتَابُعُهُ) أَيْ الِاعْتِكَافِ (فِي) نَذْرِ (مُطْلِقِهِ) : أَيْ الَّذِي لَمْ يُقَيِّدْهُ بِتَتَابُعٍ وَلَا عَدَمِهِ، فَإِنْ قَيَّدَ بِشَيْءٍ عَمِلَ بِهِ؛ وَهَذَا فِي الْمَنْذُورِ. (وَ) أَمَّا غَيْرُهُ فَيَلْزَمُهُ (مَا نَوَاهُ) قَلَّ أَوْ كَثُرَ (بِدُخُولِهِ) مُعْتَكَفِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْعِيدِ، أَوْ مِنْ الصَّوْمِ وَالْمَسْجِدِ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَإِنْ مَنْ كَحَائِضٍ، كَانَ أَوْلَى. [مَا يَلْزَم الْمُعْتَكِف] قَوْلُهُ: [وَأَوْلَى إذَا نَذَرَ يَوْمًا] : فَمَنْ نَذَرَ يَوْمًا مَا لَزِمَهُ لَيْلَةً زِيَادَةً عَلَى الْيَوْمِ الَّذِي نَذَرَهُ، وَاللَّيْلَةُ الَّتِي تَلْزَمُهُ هِيَ لَيْلَةُ الْيَوْمِ الَّذِي نَذَرَهُ لَا اللَّيْلَةُ الَّتِي بَعْدَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا لِابْنِ يُونُسَ وَغَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ دُخُولُهُ الْمُعْتَكَفَ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَوْ مَعَهُ، وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ] : أَيْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ، وَمَحَلُّ عَدَمِ اللُّزُومِ مَا لَمْ يَنْوِ الْجَوَازَ، وَإِلَّا لَزِمَهُ مَا نَذَرَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ لُزُومِ شَيْءٍ هُوَ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ. وَاخْتَلَفَا فِيمَنْ نَذَرَ طَاعَةً نَاقِصَةً غَيْرَ اعْتِكَافٍ؛ كَصَلَاةِ رَكْعَةٍ وَصَوْمِ بَعْضِ يَوْمٍ، فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ النَّذْرُ صَحِيحٌ، وَيَلْزَمُهُ كَمَالُهُ، وَعِنْدَ سَحْنُونَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاعْتِكَافِ وَغَيْرِهِ ضَعْفُ أَمْرِ الِاعْتِكَافِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَإِنَّهُمَا مِنْ دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: [وَلَزِمَ تَتَابُعُهُ] إلَخْ: أَيْ فَإِنْ نَذْر اعْتِكَافَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمُتَابَعَةٍ وَلَا تَفَرُّقٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ تَتَابُعُهَا، لِأَنَّ طَرِيقَةَ الِاعْتِكَافِ وَشَأْنَهُ التَّتَابُعُ. قَوْلُهُ: [بِدُخُولِهِ مُعْتَكَفَهُ] : أَيْ لِأَنَّ النَّفَلَ يَلْزَمُ كَمَالُهُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، فَإِنْ

[مندوبات الاعتكاف]

(وَ) لَزِمَ (دُخُولُهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَوْ مَعَهُ) لِيَتَحَقَّقَ لَهُ كَمَالُ اللَّيْلَةِ. (وَ) لَزِمَ (خُرُوجُهُ) مِنْ مُعْتَكَفِهِ (بَعْدَهُ) ، أَيْ بَعْدَ الْغُرُوبِ لِيَتَحَقَّقَ لَهُ كَمَالُ النَّهَارِ. (وَنُدِبَ مُكْثُهُ) أَيْ الْمُعْتَكِفِ (لَيْلَةَ الْعِيدِ) إذَا اتَّصَلَ اعْتِكَافُهُ بِهَا، لِيَخْرُجَ مِنْهُ إلَى الْمُصَلَّى فَيُوصِلَ عِبَادَةً بِعِبَادَةٍ. (وَ) نُدِبَ مُكْثُهُ (بِآخِرِ الْمَسْجِدِ) لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ النَّاسِ. (وَ) نُدِبَ اعْتِكَافُهُ (بِرَمَضَانَ) لِأَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِ الشُّهُورِ، وَفِيهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَدْخُلْ مُعْتَكَفَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ مَا نَوَاهُ. قَوْلُهُ: [وَلَزِمَ دُخُولُهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ] : قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَمَنْ دَخَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ اعْتَدَّ بِيَوْمِهِ، وَبَعْدَ الْفَجْرِ لَا يَعْتَدُّ بِهِ، وَفِيمَا بَيْنَهُمَا قَوْلَانِ: الْمَشْهُورُ الِاعْتِدَادُ، وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يَعْتَدُّ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ سَحْنُونَ عَلَى النَّذْرِ، وَالْقَوْلَيْنِ بِالِاعْتِدَادِ عَلَى النَّفْلِ، وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ الِاعْتِدَادُ مُطْلَقًا نَفْلًا أَوْ نَذْرًا. وَاعْلَمْ أَنَّ مَبْنَى الْقَوْلَيْنِ الْخِلَافُ فِي أَقَلِّ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الِاعْتِكَافُ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ إذَا دَخَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ لَا يُجْزِي مَا لَمْ يَضُمَّ لَهُ لَيْلَةً فِي الْمُسْتَقْبَلِ، سَوَاءٌ كَانَ مَنْوِيًّا أَوْ مَنْذُورًا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ فَقَطْ إذَا دَخَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ، أَجْزَأَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلَوْ كَانَ نَذْرًا. [مَنْدُوبَات الِاعْتِكَافِ] قَوْلُهُ: [إذَا اتَّصَلَ اعْتِكَافُهُ بِهَا] : أَشْعَرَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ اعْتِكَافُهُ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ أَوْ الْأَوْسَطِ لَمْ يُنْدَبْ لَهُ مَبِيتُ اللَّيْلَةِ الَّتِي تَلِي ذَلِكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: [بِآخِرِ الْمَسْجِدِ] : أَيْ عَجُزِهِ الْمُقَابِلِ لِصَدْرِهِ. [تَنْبِيه الْتِمَاس لَيْلَة الْقَدْر] قَوْلُهُ: [وَفِيهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ] : أَيْ غَالِبًا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ هَلْ هِيَ دَائِرَةٌ بِالْعَامِ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ حَيْثُ قَالَ: وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ أَوْلَى الْأَقَاوِيلِ، أَوْ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ الَّذِي شَهَرَهُ ابْنُ غَلَّابٍ، وَعَلَى كُلٍّ فَالْغَالِبُ كَوْنُهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، سَوَاءٌ عَلِمَ الْقَائِمُ لَهَا بِأَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ أَوْ لَا. وَلَهَا عَلَامَاتٌ ذَكَرَهَا الْعُلَمَاءُ مِنْهَا: طُلُوعُ الشَّمْسِ صَبِيحَةَ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا، وَلَيْلَتُهَا تَكُونُ السَّمَاءُ صَحْوًا لَا غَيْمَ فِيهَا، وَالْوَقْتُ لَا حَارٌّ وَلَا بَارِدٌ، قَالَ شَيْخُنَا الْمُؤَلِّفُ وَمَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا يَرَى كُلَّ شَيْءٍ

الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQسَاجِدًا لِلَّهِ، يَسْمَعُ مِنْهُ الذِّكْرَ بِلِسَانِ الْمَقَالِ، وَيُشَاهِدُ أُمُورًا لَا تُحِيطُ بِهَا الْعِبَارَةُ، وَيُنْدَبُ لِمَنْ رَآهَا أَنْ يَكْتُمَهَا فَلَا يُحَدِّثَ بِهَا، لِأَنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهَا مِنْ السِّرِّ الْمَكْتُومِ، وَمَنْ بَاحَ بِالسِّرِّ ضَيَّعَهُ؛ وَلِمُحْيِي الدِّينِ بْنِ الْعَرَبِيِّ قَاعِدَةٌ لِإِدْرَاكِهَا حَاصِلُهَا: أَنَّهُ إنْ كَانَ مَبْدَأُ الشَّهْرِ الْجُمُعَةَ كَانَتْ لَيْلَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، وَإِنْ كَانَ السَّبْتُ كَانَتْ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَإِنْ كَانَ الْأَحَدُ كَانَتْ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَإِنْ كَانَ الِاثْنَيْنِ كَانَتْ لَيْلَةَ تَاسِعَ عَشْرَةَ، وَإِنْ كَانَ الثُّلَاثَاءُ كَانَتْ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَإِنْ كَانَ الْأَرْبِعَاءُ كَانَتْ لَيْلَةَ سَابِعَ عَشْرَةَ، وَإِنْ كَانَ الْخَمِيسُ كَانَتْ لَيْلَةً عَشْرِيَّةً فَاحْفَظْ تِلْكَ الْقَاعِدَةَ. وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ إمَّا لِتَقْدِيرِ الْبَرَكَاتِ وَالْخَيْرَاتِ فِيهَا لِأَنَّ جَمِيعَ مُكَوَّنَاتِ الْعَالَمِ تُقَدَّرُ فِيهَا، أَيْ تَظْهَرُ لِلْمَلَائِكَةِ، أَوْ لِعِظَمِ قَدْرِهَا. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ أَوْ السَّابِعَةِ أَوْ الْخَامِسَةِ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» ، مَا بَقِيَ مِنْ الْعَشْرِ لَا مَا مَضَى، فَالتَّاسِعَةُ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَالسَّابِعَةُ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَالْخَامِسَةُ لَيْلَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، إنْ كَانَ الشَّهْرُ نَاقِصًا وَإِلَّا فَالتَّاسِعَةُ لَيْلَةُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ، وَالسَّابِعَةُ لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، وَالْخَامِسَةُ لَيْلَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ فَتَأَمَّلْ، وَقِيلَ الْعَدَدُ مِنْ أَوَّلِ الْعَشْرِ، فَالتَّاسِعَةُ لَيْلَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، وَالسَّابِعَةُ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَالْخَامِسَةُ لَيْلَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَيُحْتَاطُ فِي الْعَشْرِ كَمَا قَالُوا لِاحْتِمَالِ كَمَالِ الشَّهْرِ وَنُقْصَانِهِ. قَوْلُهُ: [الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ] : أَيْ كَمَا نَطَقَتْ بِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ.

(وَ) نُدِبَ كَوْنُهُ (بِالْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْهُ) لِأَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِيهِ أَرْجَى. (وَ) نُدِبَ (إعْدَادُهُ ثَوْبًا آخَرَ) غَيْرَ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُصِيبَ مَا عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ أَوْ وَسَخٌ أَوْ قَمْلٌ، فَيَلْبَسَ مَا أَعَدَّهُ. (وَ) نُدِبَ (اشْتِغَالُهُ) حَالَ اعْتِكَافِهِ (بِذِكْرٍ) نَحْوِ: " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " وَمِنْهُ الِاسْتِغْفَارُ، (وَتِلَاوَةِ) الْقُرْآنِ (وَصَلَاةٍ) وَهِيَ مَجْمَعُ الذِّكْرِ وَالْخَيْرِ. (وَكُرِهَ أَكْلُهُ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ أَوْ رَحْبَتِهِ) : الَّتِي زِيدَتْ لِتَوْسِعَتِهِ، فَإِنْ أَكَلَ خَارِجَ ذَلِكَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَالْمَطْلُوبُ أَنْ يَأْكُلَ فِيهِ عَلَى حِدَةٍ. (وَ) كُرِهَ لِقَادِرٍ عَلَى الْكِفَايَةِ (اعْتِكَافُهُ غَيْرَ مَكْفِيٍّ) - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْكَافِ - اسْمُ مَفْعُولٍ كَمَرْمِيٍّ أَصْلُهُ مَرْمَوِيٌّ، لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ لِخُرُوجِهِ إلَى شِرَاءِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، فَيَنْدُبُ أَنْ يَعْتَكِفَ مُحَصِّلًا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ وَمَلْبَسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَبَبُهَا أَنَّهُ «ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل حَمَلَ السِّلَاحَ عَلَى عَاتِقِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى أَلْفَ شَهْرٍ، وَهِيَ ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَتَعَجَّبَ لِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَجَبًا شَدِيدًا، وَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أُمَّتِهِ، فَقَالَ يَا رَبِّ جَعَلْت أُمَّتِي أَقْصَرَ الْأُمَمِ أَعْمَارًا وَأَقَلَّهَا أَعْمَالًا، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَقَالَ: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] » ، أَيْ الَّتِي حَمَلَ فِيهَا الْإِسْرَائِيلِيُّ السِّلَاحَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، لَك وَلِأُمَّتِك مِنْ بَعْدِك إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي كُلِّ رَمَضَانَ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ اشْتِغَالُهُ] : أَيْ فَالْأَفْضَلُ فِي عِبَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ، لِأَنَّ اشْتِغَالَهُ بِغَيْرِهَا مَكْرُوهٌ وَإِنْ كَانَ عِلْمًا، كَمَا يَأْتِي، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَا يُسْرِعُ بِهَضْمِ النَّفْسِ. قَوْلُهُ: [أَصْلُهُ مَرْمَوِيٌّ] : اجْتَمَعَتْ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسُبِقَتْ إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ، قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ الْيَاءُ فِي الْيَاءِ، وَقُلِبَتْ الضَّمَّةُ كَسْرَةً وَمَكْفِيٌّ يُقَالُ فِيهِ هَكَذَا.

فَإِنْ اعْتَكَفَ غَيْرَ مَكْفِيٍّ، جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ لِشِرَاءِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَلَا يَتَجَاوَزُ أَقْرَبَ مَكَان أَمْكَنَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَسَدَ اعْتِكَافُهُ. (وَ) كُرِهَ لَهُ - إذَا خَرَجَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ - (دُخُولُهُ بِمَنْزِلٍ بِهِ أَهْلُهُ) أَيْ زَوْجَتُهُ أَوْ سُرِّيَّتُهُ لِئَلَّا يَطْرَأَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا مَا يُفْسِدُ اعْتِكَافَهُ. (وَ) كُرِهَ (اشْتِغَالُهُ) أَيْ الْمُعْتَكِفُ (بِعِلْمٍ) وَلَوْ شَرْعِيًّا تَعْلِيمًا أَوْ تَعَلُّمًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاعْتِكَافِ صَفَاءُ الْقَلْبِ بِمُرَاقَبَةِ الرَّبِّ، وَهُوَ إنَّمَا يَحْصُلُ غَالِبًا بِالذِّكْرِ وَعَدَمِ الِاشْتِغَالِ بِالنَّاسِ، (وَكِتَابَةٍ، وَإِنْ) كَانَ الْمَكْتُوبُ (مُصْحَفًا) لِمَا فِيهَا مِنْ نَوْعِ اشْتِغَالٍ عَنْ مُلَاحَظَةِ الرَّبِّ تَعَالَى. وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ الِاعْتِكَافِ كَثْرَةُ الثَّوَابِ، بَلْ صَفَاءُ مِرْآةِ الْقَلْبِ الَّذِي بِهِ سَعَادَةُ الدَّارَيْنِ. وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ مَا ذُكِرَ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ وَالْكِتَابَةِ، (إنْ كَثُرَ) لَا إنْ قَلَّ وَعَطَفَ عَامًّا عَلَى خَاصٍّ بِقَوْلِهِ: (وَ) كُرِهَ اشْتِغَالُهُ بِكُلِّ (فِعْلٍ غَيْرِ ذِكْرٍ وَتِلَاوَةٍ وَصَلَاةٍ) : وَأَمَّا فِعْلُ هَذِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ اعْتَكَفَ غَيْرَ مَكْفِيٍّ] : أَيْ مُرْتَكِبًا لِلْكَرَاهَةِ. قَوْلُهُ: [دُخُولُهُ بِمَنْزِلٍ بِهِ أَهْلُهُ] إلَخْ: أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ مُقَيَّدَةٌ بِكَوْنِ الْمَنْزِلِ فِيهِ أَهْلُهُ، مَخَافَةَ أَنْ يَشْتَغِلَ بِهِمْ عَنْ اعْتِكَافِهِ. وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ جَوَازُ مَجِيءِ زَوْجَتِهِ إلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَانِعٌ مِنْ الْجِمَاعِ وَمُقَدِّمَاتِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَنْزِلُ قَرِيبًا فَلَوْ كَانَ بَعِيدًا وَذَهَبَ إلَيْهِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْمَنْزِلِ أَهْلُهُ فَلَا كَرَاهَةَ، أَوْ بِأَنْ دَخَلَ فِي أَسْفَلِ الْبَيْتِ وَأَهْلُهُ بِأَعْلَاهُ. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ اشْتِغَالُهُ بِعِلْمٍ] إلَخْ: أَيْ غَيْرِ عَيْنِيٍّ وَإِلَّا لَمْ يُكْرَهْ، وَكَرَاهَةُ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ الْغَيْرِ الْعَيْنِيِّ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّ الِاعْتِكَافَ يَخْتَصُّ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ بِذِكْرِ اللَّهِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَالصَّلَاةِ وَأَمَّا عَنْ مَذْهَبِ ابْنِ وَهْبٍ مِنْ أَنَّهُ يُبَاحُ لِلْمُعْتَكِفِ جَمِيعُ أَعْمَالِ الْبِرِّ فَيَجُوزُ لَهُ مُدَارَسَةُ الْعِلْمِ وَكِتَابَتُهُ. قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ الِاعْتِكَافِ] إلَخْ: فِيهِ رَدٌّ عَلَى ابْنِ وَهْبٍ. قَوْلُهُ: [الَّذِي بِهِ] : أَيْ بِالصَّفَاءِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى اعْتَنَتْ الصُّوفِيَّةُ بِالْخَلْوَةِ الْمَشْهُورَةِ بِشُرُوطِهَا، فَإِنَّ فِيهِ تَشْدِيدًا أَكْثَرَ مِنْ الِاعْتِكَافِ، وَلِذَلِكَ لَا يُحْسِنُهَا إلَّا مَنْ سَبَقَتْ لَهُمْ الْعِنَايَةُ.

الثَّلَاثَةِ فَمَنْدُوبٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَمِنْ الذِّكْرِ: الْفِكْرُ الْقَلْبِيُّ فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَدَقَائِقِ الْحُكْمِ، وَالِاسْتِغْفَارُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ. وَمَثَّلَ لِفِعْلِ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ: (كَعِيَادَةِ مَرِيضٍ) : بِالْمَسْجِدِ إنْ انْتَقَلَ لَهُ فِيهِ، لَا إنْ كَانَ بِلَصْقِهِ. (وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ وَلَوْ لَاصَقَتْ) الْمُعْتَكَفَ، بِأَنْ وُضِعَتْ بِقُرْبِهِ وَانْتَهَى زِحَامُهَا إلَيْهِ. (وَصُعُودِهِ لِأَذَانٍ بِمَنَارٍ أَوْ سَطْحٍ) لِلْمَسْجِدِ لَا بِمَكَانِهِ أَوْ صَحْنِهِ. (وَإِقَامَتِهِ) لِلصَّلَاةِ. وَالسَّلَامِ عَلَى الْغَيْرِ إنْ بَعُدَ. (وَجَازَ سَلَامُهُ عَلَى مَنْ بِقُرْبِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الْفِكْرُ الْقَلْبِيُّ] : بَلْ هُوَ أَعْظَمُ الذِّكْرِ لِقَوْلِ أَبِي الْحَسَنِ الشَّاذِلِيِّ: ذَرَّةٌ مِنْ عَمَلِ الْقُلُوبِ خَيْرٌ مِنْ مَثَاقِيلِ الْجِبَالِ مِنْ عَمَلِ الْأَبَدَانِ، وَقَالَ الْعَارِفُونَ: إنَّ تَفْجِيرَ يَنَابِعِ الْحِكَمِ مِنْ الْقَلْبِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْفِكْرِ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ عِبَادَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الْبَعْثَةِ الْفِكْرَ عِنْدَ أَهْلِ التَّحْقِيقِ. قَوْلُهُ: [وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ] : أَيْ لِأَنَّ فِيهِمَا ذِكْرٌ وَزِيَادَةٌ، وَهُوَ الْقِيَامُ بِبَعْضِ حُقُوقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِذَلِكَ قَالُوا: هِيَ شَيْخُ مَنْ لَا شَيْخَ لَهُ. قَوْلُهُ: [لَا إنْ كَانَ بِلَصْقِهِ] : أَيْ فَلَا كَرَاهَةَ بَلْ هُوَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَفِيهِ الثَّوَابُ. قَوْلُهُ: [وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُصَلَّى عَلَيْهِ جَارًا أَوْ صَالِحًا مَا لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَإِقَامَتُهُ لِلصَّلَاةِ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ، وَأَمَّا إمَامَتُهُ فَلَا بَأْسَ بِهَا بَلْ مُسْتَحَبَّةٌ وَلَوْ مُرَتَّبًا، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْتَكِفُ وَيُصَلِّي إمَامًا خِلَافًا لِعَدِّ خَلِيلٍ لَهَا فِي الْمَكْرُوهَاتِ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ سَلَامُهُ عَلَى مَنْ بِقُرْبِهِ] : الْمُرَادُ سُؤَالُهُ عَنْ حَالِهِ كَقَوْلِهِ: كَيْفَ حَالُك، كَيْفَ أَصْبَحْت مَثَلًا، مِنْ غَيْرِ انْتِقَالٍ عَنْ مَجْلِسِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الذِّكْرِ، كَذَا فِي الْأَصْلِ.

[ما يجوز في الاعتكاف]

(وَ) جَازَ (تَطَيُّبُهُ) بِأَنْوَاعِ الطِّيبِ وَإِنْ كُرِهَ لِلصَّائِمِ غَيْرِ الْمُعْتَكِفِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَكِفَ مَعَهُ مَانِعٌ يَمْنَعُهُ مِمَّا يُفْسِدُ اعْتِكَافَهُ وَهُوَ بِالْمَسْجِدِ بِخِلَافِ الصَّائِمِ. (وَ) جَازَ لَهُ (أَنْ: يَنْكِحَ) : بِفَتْحِ الْيَاءِ: أَيْ يَعْقِدَ لِنَفْسِهِ، (وَ) أَنْ (يُنْكِحَ) بِضَمِّهَا أَيْ يُزَوِّجَ مَنْ لَهُ عَلَيْهَا وِلَايَةٌ إذَا لَمْ يَنْتَقِلْ مِنْ مَجْلِسِهِ وَلَمْ يَطُلْ الزَّمَنُ، وَإِلَّا كُرِهَ. (وَ) جَازَ (أَخْذُهُ إذَا خَرَجَ) مِنْ الْمَسْجِدِ (لِكَغُسْلٍ) لِجَنَابَةٍ أَوْ جُمُعَةٍ أَوْ عِيدٍ (ظُفْرًا أَوْ شَارِبًا أَوْ عَانَةً) . (وَ) وَكُرِهَ حَلْقُ الرَّأْسِ. (وَ) جَازَ إذَا خَرَجَ لِغَسْلِ ثَوْبِهِ مِنْ نَجَاسَةٍ (انْتِظَارُ غَسْلِ ثَوْبِهِ وَتَجْفِيفِهِ) إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ وَإِلَّا كُرِهَ. (وَمُطْلَقُ الْجِوَارِ) مُبْتَدَأٌ (اعْتِكَافٌ) خَبَرُهُ: يَعْنِي أَنَّ مَنْ نَذَرَ جِوَارًا بِمَسْجِدٍ مُبَاحٍ أَوْ نَوَاهُ، وَأَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِلَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ، وَلَا فِطْرٍ كَأَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا يَجُوز فِي الِاعْتِكَاف] قَوْلُهُ: [وَجَازَ تَطَيُّبُهُ] : أَيْ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، خِلَافًا لِحَمْدِيسٍ الْقَائِلِ بِكَرَاهَتِهِ لِلصَّائِمِ وَلَوْ مُعْتَكِفًا. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا كُرِهَ] : أَيْ حَيْثُ حَصَلَ انْتِقَالٌ أَوْ طُولٌ، وَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا لَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لَبَطَلَ اعْتِكَافُهُ. قَوْلُهُ: [لِكَغُسْلٍ لِجَنَابَةٍ] إلَخْ: وَلَوْ لِحَرٍّ أَصَابَهُ، وَمِثْلُهُ لَوْ خَرَجَ لِضَرُورَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْغُسْلِ. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ حَلْقُ الرَّأْسِ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجَهُ، خِلَافًا لِمَا فِي الْخَرَشِيِّ مِنْ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ لِكَغُسْلٍ الْجُمُعَةِ جَازَ لَهُ حَلْقُ الرَّأْسِ، وَلَا يَخْرُجُ لِحَلْقِهِ اسْتِقْلَالًا، لَكِنْ وَافَقَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى ذَلِكَ، وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ حَلْقِهِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ عَلَى الْقَوْلِ بِمَا لَمْ يَتَضَرَّرْ لِذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: [إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ] : أَيْ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَنِيبُهُ فَالْجَوَازُ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ. قَوْلُهُ: [بِمَسْجِدٍ مُبَاحٍ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ نَذَرَ جِوَارًا بِغَيْرِ مَسْجِدٍ، أَوْ مَسْجِدٍ غَيْرِ مُبَاحٍ كَمَسَاجِدِ الْبُيُوتِ الْمَحْجُورَةِ، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ.

قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ مُجَاوَرَةُ هَذَا الْمَسْجِدِ، أَوْ نَوَيْت الْجِوَارَ بِهِ، فَهُوَ اعْتِكَافٌ بِلَفْظِ جِوَارٍ، فَيَجْرِي فِيهِ جَمِيعُ أَحْكَامِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ صِحَّةِ بُطْلَانٍ وَجَوَازٍ وَنَدْبٍ وَكَرَاهَةٍ. وَيَلْزَمُهُ فِي النَّذْرِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ كَمَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ اعْتِكَافٌ. وَإِذَا لَمْ يَنْذُرْهُ يَلْزَمُهُ بِالدُّخُولِ مَا ذُكِرَ، وَأَمَّا إذْ قَيَّدَ بِشَيْءٍ فَإِنْ قَيَّدَ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَأَكْثَرَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِفِطْرٍ، فَظَاهِرٌ أَنَّهُ اعْتِكَافٌ وَيَلْزَمُهُ مَا نَذَرَ وَبِالدُّخُولِ مَا نَوَاهُ. (فَإِنْ قَيَّدَهُ بِنَهَارٍ) فَقَطْ كَهَذَا النَّهَارِ أَوْ نَهَارِ الْخَمِيسِ، (أَوْ لَيْلٍ) فَقَطْ (لَزِمَ مَا نَذَرَهُ لَا مَا نَوَاهُ) فَلَهُ الْخُرُوجُ مَتَى شَاءَ، (وَلَا صَوْمَ) عَلَيْهِ فِيهِمَا (كَأَنْ قَيَّدَ بِالْفِطْرِ) فَلَا يَلْزَمُهُ مَا نَوَاهُ بِالدُّخُولِ وَلَا الصَّوْمِ، (فَلَهُ الْخُرُوجُ) مِنْ الْمَسْجِدِ (إنْ نَوَى شَيْئًا) مِنْ الْيَوْمِ أَوْ الْأَيَّامِ (مَتَى شَاءَ وَلَوْ أَوَّلَ يَوْمٍ) فِيمَا إذَا نَوَى أَيَّامًا أَوْ أَوَّلَ سَاعَةٍ مِنْ الْيَوْمِ، فِيمَا إذَا نَوَى يَوْمًا أَوْ بَعْضَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَ فَيَلْزَمُهُ مَا نَذَرَهُ وَلَا صَوْمَ لِالْتِزَامِهِ الْفِطْرَ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْجِوَارِ الْمُقَيَّدِ بِزَمَنٍ وَلَوْ قَلَّ - كَيَوْمٍ أَوْ بَعْضِهِ - وَلَوْ سَاعَةً لَطِيفَةً أَوْ بِفِطْرٍ فَضْلًا كَثِيرًا؛ فَمَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا لِأَمْرٍ مَا، وَنَوَى الْجِوَارَ بِهِ أَثَابَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ مَا دَامَ مَاكِثًا بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ قَيَّدَهُ بِنَهَارٍ] إلَخْ: الْحَاصِلُ أَنَّ الْجِوَارَ إمَّا مُطْلَقٌ أَوْ مُقَيَّدٌ بِلَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، فَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا وَلَمْ يَنْوِ فِيهِ فِطْرًا لَزِمَ بِالنَّذْرِ إذَا نَذَرَهُ، وَبِالدُّخُولِ إذَا نَوَاهُ، وَإِنْ قَيَّدَهُ بِالْفِطْرِ لَفْظًا أَوْ نِيَّةً فَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِالنَّذْرِ وَلَا يَلْزَمُ بِالدُّخُولِ إذَا نَوَاهُ، وَأَمَّا الْمُقَيَّدُ بِلَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِالنَّذْرِ، وَلَا يَلْزَمُ بِالدُّخُولِ كَالْمُقَيَّدِ بِالْفِطْرِ. قَوْلُهُ: [كَأَنْ قَيَّدَ بِالْفِطْرِ] : أَيْ لَفْظًا أَوْ نِيَّةً. قَوْلُهُ: [وَلَوْ أَوَّلَ يَوْمٍ] : أَيْ وَهُوَ الْأَرْجَحُ مِنْ تَأْوِيلَيْنِ ذَكَرَهُمَا خَلِيلٌ. قَوْلُهُ: [فَضْلًا كَثِيرًا] : أَيْ وَلِذَلِكَ يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ. قَوْلُهُ: [مَا دَامَ مَاكِثًا بِهِ] : لِمَا وَرَدَ: «إنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ، تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ» ، وَوَرَدَ أَيْضًا: «إنَّهُ فِي صَلَاةٍ

وَلَمَّا كَانَتْ مُبْطِلَاتُ الِاعْتِكَافِ قِسْمَيْنِ. الْأَوَّلُ: مَا يَبْطُلُ مَا فَعَلَ مِنْهُ، وَيُوجِبُ اسْتِئْنَافَهُ - وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: " وَإِلَّا خَرَجَ وَبَطَلَ " إلَخْ - وَالثَّانِي: مَا يَخُصُّ زَمَنَهُ وَلَا يَبْطُلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِمُنَافٍ لِلِاعْتِكَافِ؛ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مَا يَمْنَعُ الصَّوْمَ فَقَطْ، وَمَا يَمْنَعُ الْمُكْثَ بِالْمَسْجِدِ فَقَطْ، وَمَا يَمْنَعُهَا مَعًا، أَشَارَ لِأَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَخْرُجُ) الْمُعْتَكِفُ: أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ (لِمَانِعٍ مِنْ الصَّوْمِ فَقَطْ) دُونَ الْمَسْجِدِ، (كَالْعِيدِ وَمَرَضٍ خَفِيفٍ) يَسْتَطِيعُ الْمُكْثَ مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ دُونَ الصَّوْمِ، كَمَنْ نَذَرَ شَهْرَ ذِي الْحِجَّةِ، أَوْ نَوَاهُ عِنْدَ دُخُولِهِ فَلَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْأَضْحَى، وَإِلَّا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ مِنْ أَصْلِهِ، وَكَذَا الْمَرَضُ الْخَفِيفُ، نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَالْخُرُوجُ - أَيْ جَوَازُهُ - مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ» ، وَوَرَدَ أَيْضًا: «إنَّهُ فِي ضَمَانِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ لِمَنْزِلِهِ» ، وَكَفَانَا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} [التوبة: 18] الْآيَةَ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْأَضْحَى] إلَخْ: أَيْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي الرَّجْرَاجِيِّ وَالْمَوَّاقِ، وَقِيلَ إنَّهُ يَجُوزُ الْخُرُوجُ وَمِثْلُ يَوْمِ الْأَضْحَى تَالِيَاهُ لِأَنَّهُمَا مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي جَوَازِ الْخُرُوجِ لِلْعُذْرِ الْمَانِعِ مِنْ الصَّوْمِ فَقَطْ وَعَدَمِ جَوَازِهِ قَوْلَيْنِ، فَرُوِيَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: يَخْرُجُ، وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَا يَخْرُجُ، هَكَذَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ نَاجِي وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْخُرُوجُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَكَذَا عَزَاهُ اللَّخْمِيُّ أَيْضًا لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا نَقَلَهُ (ح) . وَأَمَّا مَا قَرَّرَ الْأُجْهُورِيُّ مِنْ وُجُوبِ الْبَقَاءِ فِي الْمَسْجِدِ فَهُوَ الَّذِي شَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَوَّبَهُ اللَّخْمِيُّ كَمَا فِي (ح) اُنْظُرْ (بْن) كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْأُجْهُورِيُّ الَّذِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ لَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي: " إلَّا لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ "، لِأَنَّهُ كَلَامٌ عَلَى عَدَمِ بُطْلَانِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ الْوَاجِبِ لِعُذْرٍ مَانِعٍ لَهُ مِنْ الصَّوْمِ وَالْمَسْجِدِ، فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ بَقَائِهِ هُنَا لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ مِنْ أَصْلِهِ] : أَيْ وَيَبْتَدِئُهُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ.

وَأَشَارَ لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ بِقَوْلِهِ: (بِخِلَافِ الْمَانِعِ مِنْ الْمَسْجِدِ) سَوَاءٌ مَنَعَ الصَّوْمَ أَيْضًا - (كَالْحَيْضِ) وَالنِّفَاسِ - أَوْ لَا؛ كَسَلَسِ بَوْلٍ وَإِسَالَةِ جُرْحٍ أَوْ دُمَّلٍ يُخْشَى مَعَهُ تَلَوُّثُ الْمَسْجِدِ (فَيَخْرُجُ) مِنْهُ وُجُوبًا (وَعَلَيْهِ حُرْمَتُهُ) أَيْ الِاعْتِكَافِ، وَالْوَاوُ لِلْحَالِ، فَلَا يَفْعَلُ مَا لَا يَفْعَلُهُ الْمُعْتَكِفُ مِنْ جِمَاعٍ وَمُقَدِّمَاتِهِ. وَتَعَاطِي مُسْكِرٍ. وَإِلَّا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ مِنْ أَصْلِهِ. (وَبَنَى) وُجُوبًا (فَوْرًا بِزَوَالِهِ) : أَيْ بِمُجَرَّدِ زَوَالِ عُذْرِهِ الْمَانِعِ مِنْ الْمَسْجِدِ كَالْحَيْضِ وَالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ وَالْمَرَضِ الشَّدِيدِ وَالسَّلَسِ، بِأَنْ يَرْجِعَ لِلْمَسْجِدِ لِقَضَاءِ مَا حَصَلَ فِيهِ الْمَانِعُ، وَتَكْمِيلِ مَا نَذَرَهُ. وَلَوْ انْقَضَى زَمَنُهُ إذَا كَانَ مُعَيِّنًا كَالْعَشَرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ رَمَضَانَ، فَيَقْضِي مَا فَاتَهُ أَيَّامَ الْعُذْرِ. وَيَأْتِي بِمَا أَدْرَكَهُ مِنْهَا وَلَوْ بَعْدَ الْعِيدِ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَيِّنِ فَيَأْتِي بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا نَوَاهُ بِدُخُولِهِ تَطَوُّعًا فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ أَتَى بِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَلَا قَضَاءَ لِمَا فَاتَهُ بِالْعُذْرِ. (فَإِنْ أَخَّرَهُ) : أَيْ الرُّجُوعَ لِلْمَسْجِدِ - وَلَوْ لِنِسْيَانٍ أَوْ إكْرَاهٍ - (بَطَلَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَبَنَى وُجُوبًا فَوْرًا بِزَوَالِهِ] : قَدْ أَجْمَلَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْمَقَامِ. وَحَاصِلُ إيضَاحِهِ أَنْ تَقُولَ: الْعُذْرُ: إمَّا إغْمَاءٌ، أَوْ جُنُونٌ، أَوْ حَيْضٌ، أَوْ نِفَاسٌ، أَوْ مَرَضٌ، وَالِاعْتِكَافُ: إمَّا نَذْرٌ مُعَيَّنٌ مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ نَذْرٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، أَوْ تَطَوُّعٌ مُعَيَّنٌ بِالْمُلَاحَظَةِ، أَوْ غَيْرُهُ؛ فَهَذِهِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ ضَرْبِ خَمْسَةٍ فِي مِثْلِهَا. وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَطْرَأَ الْعُذْرُ قَبْلَ الِاعْتِكَافِ، أَوْ مُقَارِنًا لَهُ، أَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ؛ فَصَارَ خَمْسًا وَسَبْعِينَ. فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَوَانِعُ فِي الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ الْمُطْلَقِ أَوْ الْمُعَيَّنِ مِنْ رَمَضَانَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبِنَاءِ بَعْدَ زَوَالِهَا، سَوَاءٌ طَرَأَتْ قَبْلَ الِاعْتِكَافِ وَقَارَنَتْ، أَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَهَذِهِ ثَلَاثُونَ. وَإِنْ كَانَ نَذْرًا مُعَيَّنًا مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ، فَإِنْ طَرَأَتْ خَمْسَةُ الْأَعْذَارِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الِاعْتِكَافِ، أَوْ مُقَارَنَةً فَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ، وَإِنْ طَرَأَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَالْقَضَاءُ مُتَّصِلًا؛ فَصُوَرُهُ خَمْسَةَ عَشْرَ: خَمْسَةٌ يَقْضِي فِيهَا، وَعَشْرَةٌ لَا قَضَاءَ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَلَا قَضَاءَ، سَوَاءٌ طَرَأَتْ خَمْسَةُ الْأَعْذَارِ قَبْلَ الشُّرُوعِ أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ مُقَارِنَةً لَهُ، فَصُوَرُهُ ثَلَاثُونَ فَالْجُمْلَةُ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ صُورَةً. وَبَقِيَ حُكْمُ مَا إذَا أَفْطَرَ نَاسِيًا؛ وَالْحُكْمُ أَنَّهُ يَقْضِي سَوَاءٌ كَانَ الِاعْتِكَافُ نَذْرًا مُعَيَّنًا مِنْ رَمَضَانَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ كَانَ نَذْرًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، أَوْ كَانَ

[تنبيه المعتكف إذا اجتمعت عليه عبادات متضادة الأماكن]

اعْتِكَافُهُ وَاسْتَأْنَفَهُ (إلَّا) إذَا أَخَّرَهُ (لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ) فَلَا يَبْطُلُ لِعَدَمِ صِحَّةِ صَوْمِهِ لِأَحَدٍ، بِخِلَافِ حَائِضٍ طَهُرَتْ أَوْ مَرِيضٍ صَحَّ لِصِحَّةِ الصَّوْمِ مِنْ غَيْرِهِمَا فِي غَيْرِ الْعِيدِ، (أَوْ) لِلتَّأَخُّرِ (لِخَوْفٍ مِنْ كَلِصٍّ) وَسَبُعٍ فِي طَرِيقِهِ. (وَ) لَوْ شَرَطَ الْمُعْتَكِفُ لِنَفْسِهِ سُقُوطَ الْقَضَاءِ عَنْهُ عَلَى فَرْضِ حُصُولِ عُذْرٍ أَوْ مُبْطِلٍ (لَا يَنْفَعُهُ اشْتِرَاطُ سُقُوطِ الْقَضَاءِ) : وَشَرْطُهُ لَغْوٌ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إنْ حَصَلَ مُوجِبُهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَطَوُّعًا مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعِينٍ فَصُوَرُهُ خَمْسٌ فَجُمْلَةُ الصُّوَرِ ثَمَانُونَ. قَوْلُهُ: [بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَاسْتَأْنَفَهُ] : أَيْ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ الَّتِي يُؤْمَرُ فِيهَا بِالْبِنَاءِ الْمَعْلُومَةِ مِمَّا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [لِعَدَمِ صِحَّةِ صَوْمِهِ لِأَحَدٍ] : جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِيدِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ؟ مَعَ أَنَّ الْجَمِيعَ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الصَّوْمُ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي طَهُرَتْ فِيهِ الْحَائِضُ، وَصَحَّ فِيهِ الْمَرِيضُ، يَصِحُّ صَوْمُهُ لِغَيْرِهِمَا، بِخِلَافِ يَوْمِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ لِأَحَدٍ. [تَنْبِيه الْمُعْتَكِف إذَا اجتمعت عَلَيْهِ عِبَادَات مُتَضَادَّة الْأُمَّاكُنَّ] قَوْلُهُ: [وَلَوْ شَرَطَ الْمُعْتَكِفُ] إلَخْ: حَاصِلُهُ: أَنَّ الْمُعْتَكِفَ إذَا شَرَطَ أَيْ عَزَمَ فِي نَفْسِهِ - سَوَاءٌ كَانَ عَزْمُهُ قَبْلَ دُخُولِ الْمُعْتَكَفِ أَوْ بَعْدَهُ - عَلَى أَنَّهُ إنْ حَصَلَ لَهُ مُوجِبٌ لِلْقَضَاءِ لَا يَقْضِي، أَوْ أَنَّهُ يُجَامِعُ زَوْجَتَهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، أَوْ أَنَّهُ لَا يَصُومُ، لَمْ يُفْدِهِ شَرْطُهُ، أَيْ فَشَرْطُهُ بَاطِلٌ، وَاعْتِكَافُهُ صَحِيحٌ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ عَلَى مُقْتَضَى مَا أَمَرَ الشَّارِعُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ اعْتِكَافٌ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ الشَّرْطُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الِاعْتِكَافِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ بَطَلَ الشَّرْطُ. تَنْبِيهٌ: إنْ اجْتَمَعَ عَلَى امْرَأَةٍ عِبَادَاتٌ مُتَضَادَّةُ الْأَمْكِنَةِ: كَعِدَّةٍ وَإِحْرَامٍ وَاعْتِكَافٍ فَإِنْ سَبَقَ الِاعْتِكَافُ الْعِدَّةَ - كَمَا لَوْ طَلُقَتْ أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَهِيَ مُعْتَكِفَةٌ - أَوْ عَكْسُهُ، أَتَمَّتْ السَّابِقَ فَتَسْتَمِرُّ فِي مُعْتَكَفِهَا فِي الْأَوَّلِ، وَفِي مَنْزِلِ عِدَّتِهَا فِي الثَّانِي حَتَّى تُتِمَّهَا، ثُمَّ تَفْعَلَ الِاعْتِكَافَ إنْ كَانَ مَضْمُونًا أَوْ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُعَيَّنِ إنْ بَقِيَ مِنْ زَمَنِهِ شَيْءٌ. وَأَمَّا إنْ تَعَارَضَ إحْرَامٌ وَعِدَّةٌ فَتُتِمُّ الْإِحْرَامَ، تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ، وَيَبْطُلُ مَبِيتُهَا فِي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِدَّةِ فَهَذِهِ أَرْبَعٌ، وَبَقِيَ صُورَتَانِ طُرُوُّ اعْتِكَافٍ عَلَى إحْرَامٍ وَعَكْسُهُ، فَتُتِمُّ السَّابِقَ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ تَخْشَى فِي الثَّانِيَةِ " فَوَاتَ الْحَجِّ فَتُقَدِّمَهُ إنْ كَانَا فَرْضَيْنِ أَوْ نَفَلَيْنِ، أَوْ الْإِحْرَامُ فَرْضًا وَالِاعْتِكَافُ نَفْلًا، فَإِنْ كَانَ الِاعْتِكَافُ فَرْضًا وَالْإِحْرَامُ نَفْلًا أَتَمَّتْ الِاعْتِكَافَ، وَهَاتَانِ الصُّورَتَانِ لَا تَخُصَّانِ الْمَرْأَةَ. خَاتِمَةٌ: قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلِلْمُكَاتَبِ اعْتِكَافُ الْيَسِيرِ، وَلِلْمُبَعَّضِ مُطْلَقُهُ وَلَوْ كَثِيرًا فِي زَمَنِ نَفْسِهِ، وَلِلسَّيِّدِ مَنْعُ غَيْرِ ذَلِكَ؛ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ فِي نَذْرٍ مُعَيَّنٍ فَيُنْذَرَ، أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ تَطَوُّعًا فَيَدْخُلَ. فَإِنْ نَذَرَ بِغَيْرِ إذْنٍ فَمُنِعَ فَعَلَيْهِ إنْ عَتَقَ، وَقِيَاسُهُ إذَا تَأَيَّمَتْ الْمَرْأَةُ؛ عَلَيْهَا حَيْثُ مُنِعَتْ مَا لَمْ يَفُتْ زَمَنُ الْمُعَيَّنِ (اهـ) وَالتَّفْصِيلُ الَّذِي قِيلَ فِي الِاعْتِكَافِ يُقَالُ فِي الصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ. وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

[باب الحج والعمرة]

فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَأَرْكَانِهِمَا، وَوَاجِبَاتِهِمَا وَسُنَنِهِمَا، وَمُبْطِلَاتِهِمَا، وَمُهِمَّاتِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ] [فرضية الْحَجّ وَحَقِيقَته وَسُنِّيَّة الْعُمْرَة] بَابْ: لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ: الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالصَّوْمُ

(فُرِضَ الْحَجُّ) عَيْنًا (وَسُنَّتْ الْعُمْرَةُ) كَذَلِكَ (فَوْرًا) : إذَا تَوَفَّرَتْ الشُّرُوطُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَا يَلْحَقُ بِهَا، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الدِّعَامَةِ الرَّابِعَةِ وَهِيَ الْحَجُّ: بِفَتْحِ الْحَاءِ - وَهُوَ الْقِيَاسُ - وَالْكَسْرُ أَكْثَرُ سَمَاعًا، وَكَذَا اللُّغَتَانِ فِي الْحَجَّةِ، وَقِيلَ: الْحَجُّ بِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ، وَبِالْكَسْرِ، الِاسْمُ، وَقِيلَ: الِاسْمُ بِهِمَا. الْجَوْهَرِيُّ: الْحَجُّ الْقَصْدُ وَرَجُلٌ مَحْجُوجٌ: أَيْ مَقْصُودٌ، وَهَذَا الْأَصْلُ. ثُمَّ تُعُورِفَ فِي اسْتِعْمَالِهِ فِي الْقَصْدِ إلَى مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ لِلنُّسُكِ تَقُولُ: حَجَجْت الْبَيْتَ أَحُجُّهُ حَجًّا فَأَنَا حَاجٌّ. وَرُبَّمَا أَظْهَرُوا التَّضْعِيفَ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ قَالَ الرَّاجِزُ بِكُلِّ شَيْخٍ عَامِرٍ أَوْ حَاجِجْ وَإِنَّمَا أُضِيفَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ لِلَّهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَلَمْ تُضَفْ بَقِيَّةُ الْعِبَادَةِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَكْثُرُ الرِّيَاءُ فِيهَا جِدًّا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الِاسْتِقْرَاءُ، حَتَّى إنَّ كَثِيرًا مِنْ الْحُجَّاجِ لَا يَكَادُ يَسْمَعُ حَدِيثًا فِي شَيْءٍ إلَّا ذَكَرَ مَا اتَّفَقَ لَهُ فِي حَجِّهِ، فَلَمَّا كَانَ مَظِنَّةَ الرِّيَاءِ قِيلَ فِيهِمَا: " لِلَّهِ " اعْتِنَاءً بِالْإِخْلَاصِ (اهـ خَرَشِيٌّ) . وَمَعْنَى الْحَجِّ اصْطِلَاحًا سَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ. وَمَعْنَى الْعُمْرَةِ لُغَةً: الزِّيَارَةُ، وَاصْطِلَاحًا سَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [فُرِضَ الْحَجُّ] : أَيْ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ. قَوْلُهُ: [وَسُنَّتْ الْعُمْرَةُ] : أَيْ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ أَيْضًا، وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ، وَمَا زَادَ عَلَى الْمَرَّةِ فِي كُلٍّ مَنْدُوبٍ. وَيُنْدَبُ لِلْحَاجِّ أَنْ يَقْصِدَ إقَامَةَ الْمَوْسِمِ لِيَقَعَ الْحَجُّ

الْآتِيَةُ عَلَى أَرْجَحِ الْقَوْلَيْنِ، وَالثَّانِي: يَجِبُ، وَتُسَنُّ عَلَى التَّرَاخِي إلَى ظَنِّ الْفَوَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَرْضَ كِفَايَةٍ، وَالْعُمْرَةُ سُنَّةُ كِفَايَةٍ، وَهِيَ آكَدُ مِنْ الْوِتْرِ، وَقِيلَ هِيَ فَرْضٌ كَالْحَجِّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقِيلَ: فَرْضٌ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ. وَهَلْ فَرْضٌ قَبْلَ الْهِجْرَةِ أَوْ بَعْدَهَا سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ؟ وَصَحَّحَهُ الشَّافِعِيُّ، أَوْ ثَمَانً أَوْ تِسْعٍ وَصَحَّحَهُ فِي الْإِكْمَالِ؛ أَقْوَالٌ، وَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] سَنَةَ سَبْعٍ، وَقِيلَ سَنَةَ عَشْرٍ فَتَكُونُ مُؤَكَّدَةً عَلَى أَكْثَرِ الْأَقْوَالِ. «وَحَجَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَجَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ، وَاعْتَمَرَ أَرْبَعًا: عُمْرَتُهُ الَّتِي صَدَّهُ فِيهَا الْمُشْرِكُونَ عَنْ الْبَيْتِ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ، وَعُمْرَتُهُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ حِينَ صَالَحُوهُ، وَعُمْرَتُهُ حِينَ قَسَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ مِنْ الْجِعْرَانَةِ - وَكُلٌّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَقِيلَ إنَّ عُمْرَةَ الْجِعْرَانَةِ كَانَتْ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ شَوَّالٍ - وَعُمْرَتُهُ مَعَ حَجِّهِ» . قَوْلُهُ: [عَلَى أَرْجَحِ الْقَوْلَيْنِ] : وَهُوَ رِوَايَةُ الْعِرَاقِيِّينَ، وَالْقَوْلُ بِالتَّرَاخِي لِخَوْفِ الْفَوَاتِ رِوَايَةُ الْمَغَارِبَةِ، وَالْغَالِبُ تَقْدِيمُهُمْ بَعْدَ الْمِصْرِيِّينَ كَابْنِ الْقَاسِم، لَكِنْ هُنَا رَجَحَتْ رِوَايَةُ الْعِرَاقِيِّينَ، وَمَحِلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ الْمُفْسِدِ، وَأَمَّا هُوَ فَاتُّفِقَ عَلَى فَوْرِيَّةِ الْقَضَاءِ فِيهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ (ح) : وَانْظُرْ هَلْ يَجْرِي الْخِلَافُ فِي الْعُمْرَةِ؟ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ (اهـ) . وَلَكِنْ صَرِيحُ شَارِحِنَا أَنَّهَا مِثْلُهُ وَهُوَ مُفَادُ الْجَلَّابِ وَابْنِ شَاسٍ. قَوْلُهُ: [إلَى ظَنِّ الْفَوَاتِ] : أَيْ إلَى وَقْتٍ يَخَافُ فِيهِ فَوَاتَهُ: بِالتَّأْخِيرِ إلَيْهِ،

(عَلَى الْحُرِّ) : فَلَا يَجِبُ حَجٌّ وَلَا تُسَنُّ عُمْرَةٌ عَلَى رَقِيقٍ وَلَوْ بِشَائِبَةِ حُرِّيَّةٍ. (الْمُكَلَّفِ) لَا عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ. (الْمُسْتَطِيعِ) أَيْ الْقَادِرِ عَلَى الْوُصُولِ لَا عَلَى غَيْرِهِ؛ مِنْ مُكْرَهٍ وَفَقِيرٍ وَخَائِفٍ مِنْ كَلِصٍّ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ. (مَرَّةً) فِي الْعُمْرِ. فَشُرُوطُ وُجُوبِهِ أَرْبَعَةٌ: الْحُرِّيَّةُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْعَقْلُ، وَالِاسْتِطَاعَةُ. وَسَيَأْتِي أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطُ صِحَّةٍ. (وَهُوَ) : أَيْ الْحَجُّ؛ أَيْ حَقِيقَتُهُ (حُضُورُ جُزْءٍ) : أَيَّ جُزْءٍ كَانَ (بِعَرَفَةَ) : أَيْ فِيهَا. وَالتَّعْبِيرُ بِ " حُضُورُ " أَعَمُّ مِنْ الْوُقُوفِ لِشُمُولِهِ الْمَارَّ وَالْجَالِسَ وَالْمُضْطَجِعَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، (سَاعَةً) زَمَانِيَّةً - وَلَوْ كَالْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ - لَا فَلَكِيَّةً، (مِنْ) سَاعَاتِ (لَيْلَةِ) يَوْمِ (النَّحْرِ، وَطَوَافٌ بِالْبَيْتِ) الْعَتِيقِ (سَبْعًا) أَيْ سَبْعَ مَرَّاتٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَالْأَزْمَانِ. قَوْلُهُ: [لَا عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ] : أَيْ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا كَالرَّقِيقِ، وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ مِنْ الْجَمِيعِ، وَالْعِبْرَةُ بِكَوْنِهِ حُرًّا مُكَلَّفًا وَقْتَ الْإِحْرَامِ كَمَا يَأْتِي؛ فَمَنْ يَكُنْ حُرًّا أَوْ مُكَلَّفًا وَقْتَهُ لَمْ يَقَعْ فَرْضًا، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ إذَا عَتَقَ أَوْ بَلَغَ أَوْ أَفَاقَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِحَجَّةٍ أُخْرَى. قَوْلُهُ: [عَلَى غَيْرِهِ] : أَيْ لَا عَلَى غَيْرِ الْقَادِرِ، فَإِنْ تَكَلَّفَهُ سَقَطَ الْفَرْضُ. قَوْلُهُ: [فَشُرُوطُ وُجُوبِهِ أَرْبَعَةٌ] : لَكِنْ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ - كَمَا أَنَّهَا شُرُوطٌ فِي الْوُجُوبِ - شُرُوطٌ فِي وُقُوعِهِ فَرْضًا، وَالرَّابِعُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ فَقَطْ. وَلِذَلِكَ لَوْ تَكَلَّفَهُ غَيْرُ الْمُسْتَطِيعِ سَقَطَ الْفَرْضُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَسَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ فِي الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [وَسَيَأْتِي أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطُ صِحَّةٍ] : فَشَرْطُ الصِّحَّةِ وَاحِدٌ الَّذِي هُوَ الْإِسْلَامُ. قَوْلُهُ: [مِنْ سَاعَاتِ لَيْلَةِ يَوْمِ النَّحْرِ] : وَيُجْتَزَأُ بِهَا فِي أَيْ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ، وَأَمَّا الْوُقُوفُ نَهَارًا فَوَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ مِنْ يَدِ الْجَبَابِرَةِ، فَلَا يَصُولُ عَلَيْهِ جَبَّارٌ إلَّا وَيُهْلِكُهُ اللَّهُ، أَوْ لِكَوْنِهِ قَدِيمًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 96]

[شروط صحة الحج والعمرة]

(وَسَعْيٌ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كَذَلِكَ) أَيْ سَبْعَ مَرَّاتٍ. (بِإِحْرَامٍ) . أَيْ حَالَ كَوْنِ الْحُضُورِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مُتَلَبِّسًا بِإِحْرَامٍ؛ أَيْ نِيَّةٍ. فَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ كَمَا يَأْتِي، وَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانُهَا وَبَيَانُ مَا يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ رُكْنٍ مِنْهَا. (وَهِيَ) : أَيْ الْعُمْرَةُ؛ أَيْ حَقِيقَتُهَا (طَوَافٌ وَسَعْيٌ كَذَلِكَ) : رَاجِعٌ لَهُمَا؛ أَيْ طَوَافٌ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَسَعْيٌ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا (بِإِحْرَامٍ) . فَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ كَمَا سَيَأْتِي مَعَ بَيَانِهَا وَبَيَانِ مَا يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ رُكْنٍ مِنْهَا، فَالْعُمْرَةُ لَا وُقُوفَ فِيهَا بِعَرَفَةَ. (وَصِحَّتُهُمَا) : أَيْ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ: (بِإِسْلَامٍ) : فَلَا يَصِحُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ كَافِرٍ يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. (فَيُحْرِمُ الْوَلِيُّ) : أَيْ وَلِيُّ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ؛ أَبٌ أَوْ غَيْرُهُ نَدْبًا إذَا كَانَ مَعَهُ (عَنْ كَرَضِيعٍ) أَيْ رَضِيعٍ وَنَحْوِهِ مِنْ فَطِيمٍ لَمْ يَبْلُغْ التَّمْيِيزَ، فَزِيَادَتُنَا الْكَافَ لِيَشْمَلَهُ، (وَ) عَنْ مَجْنُونٍ (مُطْبَقٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ: وَهُوَ مَنْ لَا يَفْهَمُ الْخِطَابَ، وَلَا يُحْسِنُ رَدَّ الْجَوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآيَةَ. قَوْلُهُ: [مَعَ بَيَانِهَا] : أَيْ الْأَرْكَانِ؛ أَيْ التَّصْرِيحِ بِهَا. وَقَوْلُهُ: [وَبَيَانِ مَا تَعَلَّقَ بِكُلِّ رُكْنٍ] : أَيْ مِنْ جِهَةِ شُرُوطِهِ. قَوْلُهُ: [لَا وُقُوفَ فِيهَا بِعَرَفَةَ] : وَلِذَلِكَ كَانَ وَقْتُهَا السَّنَةُ كُلُّهَا مَا لَمْ يَكُنْ مُتَلَبِّسًا بِحَجٍّ كَمَا يَأْتِي. [شُرُوط صِحَّة الْحَجّ وَالْعُمْرَة] [تَنْبِيه مَا يَتَرَتَّب عَلَى الصَّبِيّ مِنْ هَدْي وفدية] قَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرُهُ نَدْبًا] : أَيْ لَا وُجُوبًا لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ يَجُوزُ إدْخَالُهُ الْحَرَمَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ. وَغَيْرُ الْأَبِ يَشْمَلُ الْوَصِيَّ وَمُقَدَّمَ الْقَاضِي وَالْأُمَّ وَالْعَاصِبَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَظَرٌ فِي الْمَالِ كَمَا نَقَلَهُ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ - كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ، وَمَعْنَى إحْرَامِهِ عَنْهُ نِيَّةُ إدْخَالِهِ فِي الْإِحْرَامِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ مُتَلَبِّسًا بِالْإِحْرَامِ عَنْ نَفْسِهِ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [وَعَنْ مَجْنُونٍ مُطْبَقٍ] : وَهُوَ مَنْ لَا تُرْجَى إفَاقَتُهُ أَصْلًا.

(وَ) إذَا أَحْرَمَ الْوَلِيُّ عَنْهُمَا (جُرِّدَا) أَيْ جَرَّدَهُمَا عَنْ الْمِخْيَطِ وُجُوبًا (قُرْبَ الْحَرَمِ) تَنَازَعَهُ كُلٌّ مِنْ " يُحْرِمُ " " وَجُرِّدَا "؛ فَلَا يُحْرِمُ عَنْهُمَا مِنْ الْمِيقَاتِ وَيُؤَخِّرُ التَّجْرِيدَ لِقُرْبِ الْحَرَمِ، كَمَا قِيلَ. فَالذَّاهِبُ مِنْ جِهَةِ رَابِغٍ يُؤَخِّرُ مَا ذُكِرَ لِقُرْبِ التَّنْعِيمِ؛ أَيْ مَسَاجِدِ عَائِشَةَ: وَلَا دَمَ بِتَعْدِيَتِهِمَا لِلْمِيقَاتِ. (وَانْتُظِرَ مَنْ) : أَيْ مَجْنُونٌ (تُرْجَى إفَاقَتُهُ) وُجُوبًا، وَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ إحْرَامُ وَلِيِّهِ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الْفَوَاتَ، (فَإِنْ خِيفَ) عَلَيْهِ (الْفَوَاتُ) بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ - وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِعَادَتِهِ أَوْ بِإِخْبَارِ طَبِيبٍ عَارِفٍ - (فَكَالْمُطْبَقِ) يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ نَدْبًا. فَإِنْ أَفَاقَ فِي زَمَنٍ يُدْرِكُ فِيهِ الْحَجَّ أَحْرَمَ لِنَفْسِهِ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِي تَعَدِّي الْمِيقَاتِ لِعُذْرِهِ. (لَا مُغْمًى) : عَلَيْهِ (فَلَا يَصِحُّ إحْرَامٌ) مِنْ أَحَدٍ (عَنْهُ وَلَوْ خِيفَ الْفَوَاتُ) ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ عَدَمِ الطَّوْلِ، بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ. (وَأَحْرَمَ) صَبِيٌّ (مُمَيِّزٌ بِإِذْنِهِ) أَيْ الْوَلِيِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [قُرْبَ الْحَرَمِ] : أَيْ إنْ لَمْ يَخْشَ عَلَيْهِمَا ضَرَرًا، وَإِلَّا فَالْفِدْيَةُ وَلَا يُجَرِّدُهُمَا. قَوْلُهُ: [كَمَا قِيلَ] : قَائِلُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَوَافَقَهُ الْبِسَاطِيُّ وَهُوَ غَيْرُ صَوَابٍ - قَالَهُ الْبُنَانِيُّ. قَوْلُهُ: [لِقُرْبِ التَّنْعِيمِ] : كَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَرَمِ حَقِيقَتُهُ. وَلَكِنْ فِي الْأَصْلِ فَسَّرَ الْحَرَمَ بِمَكَّةَ نَفْسِهَا فَقَطْ. وَفِي الْمَجْمُوعِ صَرَّحَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَرَمِ مَكَّةُ وَكَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. تَنْبِيهٌ: كُلُّ مَا تَرَتَّبَ عَلَى الصَّبِيِّ بِالْإِحْرَامِ مِنْ هَدْيٍ وَفِدْيَةٍ وَجَزَاءِ صَيْدٍ فَعَلَى وَلِيِّهِ مُطْلَقًا، خَشِيَ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ أَمْ لَا، إذْ لَا ضَرُورَةَ فِي إدْخَالِهِ فِي الْإِحْرَامِ، كَزِيَادَةِ نَفَقَةِ السَّفَرِ، وَجَزَاءِ صَيْدٍ صَادَهُ فِي الْحَرَمِ إنْ كَانَ غَيْرَ مُحْرِمٍ إنْ لَمْ يَخَفْ ضَيَاعَهُ بِعَدَمِ سَفَرِهِ مَعَهُ، فَإِنْ خَافَ ضَيَاعَهُ فَزِيَادَةُ النَّفَقَةِ فِي السَّفَرِ. وَجَزَاءُ صَيْدِ الْحَرَمِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ كَأَصْلِ النَّفَقَةِ الْمُسَاوِي لِنَفَقَةِ الْحَضَرِيِّ، فَإِنَّهُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: [مَغْمِيٌّ عَلَيْهِ] إلَخْ: ثُمَّ إنْ أَفَاقَ هُوَ فِي زَمَنٍ يُدْرِكُ الْوُقُوفَ فِيهِ أَحْرَمَ وَأَدْرَكَهُ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِي تَعَدِّي الْمِيقَاتِ لِعُذْرِهِ، كَالْمَجْنُونِ الَّذِي تُرْجَى إفَاقَتُهُ،

(كَعَبْدٍ) أَيْ رَقِيقٍ (وَامْرَأَةٍ) ذَاتِ زَوْجٍ، فَلَا تُحْرِمُ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا. (وَإِلَّا) - بِأَنْ أَحْرَمَ الْمُمَيِّزُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ، أَوْ الرَّقِيقِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، أَوْ الزَّوْجَةِ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا - (فَلَهُ) : أَيْ لِمَنْ ذُكِرَ (التَّحْلِيلُ) لِمَنْ ذُكِرَ بِالنِّيَّةِ، وَالْحِلَاقِ أَوْ التَّقْصِيرِ إذَا لَمْ تُحْرِمْ الزَّوْجَةُ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا. (وَلَا قَضَاءَ) عَلَى الْمُمَيِّزِ إذَا بَلَغَ. (بِخِلَافِ الْعَبْدِ) إذَا عَتَقَ (وَالْمَرْأَةِ) إذَا تَأَيَّمَتْ فَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ إذَا حَلَّلَا، وَعَلَيْهِمَا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ أَيْضًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ لَمْ يُفِقْ مِنْ إغْمَائِهِ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ، وَلَا عِبْرَةَ بِإِحْرَامِ أَصْحَابِهِ عَنْهُ وَوُقُوفِهِمْ بِهِ فِي عَرَفَةَ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِذَلِكَ الْفَوَاتِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْإِحْرَامِ. قَوْلُهُ: [بِإِذْنِ زَوْجِهَا] إلَخْ: فَإِنْ أَذِنَ لِمَنْ ذُكِرَ وَأَرَادَ الْمَنْعَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْإِحْرَامِ، فَفِي الشَّامِلِ لَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ، وَلِأَبِي الْحَسَنِ لَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لَا بَعْدَهُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ - كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. وَمِثْلُ الْمُمَيِّزِ فِي كَوْنِ لَا يَحْرُمُ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ: السَّفِيهُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَجُّ وَاجِبًا عَلَيْهِ - كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [فَلَهُ أَيْ لِمَنْ ذُكِرَ التَّحْلِيلُ] : أَيْ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً، وَإِنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي إبْقَائِهِ أَبْقَاهُ عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ اسْتَوَتْ خُيِّرَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّحْلِيلَ وَاجِبٌ عِنْدَ تَعَيُّنِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ، وَفِي ضِدِّهِ يَحْرُمُ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ: " فَلَهُ التَّحْلِيلُ " لِلِاخْتِصَاصِ. وَمِثْلُ الصَّبِيِّ الْمُحْرِمُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ: السَّفِيهُ الْبَالِغُ إذَا أَحْرَمَ بِغَيْرِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، فَلَهُ تَحْلِيلُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إذَا حَلَّلَهُ. قَوْلُهُ: [بِالنِّيَّةِ] : أَيْ بِأَنْ يَنْوِيَ إخْرَاجَهُ مِنْ حُرُمَاتِ الْحَجِّ، وَتَصْيِيرَهُ حَلَالًا، ثُمَّ يَحْلِقُ لَهُ رَأْسَهُ وَلَا يَكْفِي فِي إحْلَالِهِ رَفْضُهُ نِيَّةَ الْحَجِّ بَلْ لَا بُدَّ مِمَّا ذُكِرَ. قَوْلُهُ [فَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ] : وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحَجْرُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ لِحَقِّ أَنْفُسِهِمَا سَقَطَ الْقَضَاءُ، وَأَمَّا الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ فَلِحَقِّ السَّيِّدِ وَالزَّوْجِ، فَلَمْ يَسْقُطْ الْقَضَاءُ لِضَعْفِهِ. قَوْلُهُ: [وَعَلَيْهِمَا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ أَيْضًا] : أَيْ وَيُقَدِّمَانِ الْقَضَاءَ عَلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ قَدَّمَا حَجَّةَ الْإِسْلَامِ صَحَّتْ.

(وَأَمَرَهُ) الْوَلِيُّ (مَقْدُورَهُ) : أَيْ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الصَّبِيُّ مِنْ أَقْوَالِ الْحَجِّ وَأَفْعَالِهِ؛ فَيُلَقِّنُهُ التَّلْبِيَةَ إنْ قَبِلَهَا، (وَإِلَّا) يَقْدِرَ - بِأَنْ عَجَزَ عَنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ عَنْ الْجَمِيعِ؛ كَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْمُطْبَقِ - (نَابَ) الْوَلِيُّ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْعَاجِزِ (إنْ قَبِلَهَا) أَيْ قَبِلَ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ النِّيَابَةَ، وَلَا يَكُونُ إلَّا فِعْلًا (كَرَمْيٍ) لِجِمَارٍ، (وَذَبْحٍ) لِهَدْيٍ أَوْ فِدْيَةٍ، وَمَشْيٍ فِي طَوَافٍ وَسَعْيٍ، (لَا) إنْ لَمْ يَقْبَلْ النِّيَابَةَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ (كَتَلْبِيَةٍ وَرُكُوعٍ) : أَيْ صَلَاةٍ وَغُسْلٍ، فَتَسْقُطُ حَيْثُ عَجَزَ. (وَأَحْضَرَهُمْ) : أَيْ أَحْضَرَ الْوَلِيُّ الرَّضِيعَ وَالْمُطْبَقَ وَالصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ (الْمَشَاهِدَ) الْمَطْلُوبَ حُضُورُهَا شَرْعًا؛ وَهِيَ عَرَفَةُ وَمُزْدَلِفَةُ وَالْمَشْعَرُ الْحَرَامُ وَمِنًى. (وَإِنَّمَا يَقَعُ) الْحَجُّ (فَرْضًا، إذَا كَانَ) الْمُحْرِمُ بِهِ (وَقْتَ الْإِحْرَامِ حُرًّا مُكَلَّفًا) : أَيْ بَالِغًا عَاقِلًا، (وَلَمْ يَنْوِ) الْحُرُّ الْمُكَلَّفُ بِحَجِّهِ (نَفْلًا) الْوَاوُ لِلْحَالِ: أَيْ حَالَ كَوْنِهِ غَيْرَنَا وَبِحَجِّهِ نَفْلًا، بِأَنْ نَوَى بِهِ الْفَرْضَ، أَوْ أَطْلَقَ فَيَنْصَرِفُ لِلْفَرْضِ. فَإِنْ كَانَ وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِهِ رَقِيقًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا نَوَى عَنْهُ وَلِيُّهُ، أَوْ حُرًّا مُكَلَّفًا وَنَوَى بِهِ النَّفَلَ، لَمْ يَقَعْ فَرْضًا وَلَوْ عَتَقَ الرَّقِيقُ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ إثْرَ ذَلِكَ وَلَا يُرْتَفَضُ إحْرَامُهُ وَلَا يُرْدَفُ عَلَيْهِ آخَرُ، وَحَجَّةُ الْإِسْلَامِ بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ. (وَالِاسْتِطَاعَةُ) - الَّتِي هِيَ أَحَدُ شُرُوطِ الْوُجُوبِ - أَمْرَانِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَمَرَهُ] : أَيْ الْوَلِيُّ مَقْدُورَهُ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: [وَأَحْرَمَ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ بِإِذْنِهِ] . قَوْلُهُ: [فَتَسْقُطُ حَيْثُ عَجَزَ] : أَيْ وَلَا دَمَ. قَوْلُهُ: [وَأَحْضَرَهُمْ] : أَيْ وُجُوبًا فِي الْوَاجِبِ وَنَدْبًا فِي الْمَنْدُوبِ. قَوْلُهُ: [أَوْ مَجْنُونًا نَوَى عَنْهُ وَلِيُّهُ] : أَيْ مُطْبَقًا. قَوْلُهُ: [لَمْ يَقَعْ فَرْضًا] : أَيْ وَإِنَّمَا يَقَعُ نَفْلًا وَلَوْ نَوَى بِهِ الْفَرْضَ، بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ لَكِنْ لَوْ صَلَّوْهَا وَقَعَتْ مِنْهُمْ فَرْضًا. وَالْعِبْرَةُ بِكَوْنِهِ وَقْتَ الْإِحْرَامِ حُرًّا مُكَلَّفًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَمَنْ ظَهَرَ لَهُ حُرِّيَّتُهُ أَوْ تَكْلِيفُهُ وَقْتَ الْإِحْرَامِ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ، إنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى النَّفْلِيَّةَ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُرْتَفَضُ إحْرَامَهُ] . . . إلَخْ أَيْ لَوْ رَفَضَ ذَلِكَ الْإِحْرَامَ الْحَاصِلَ قَبْلَ الْعِتْقِ أَوْ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَأَحْرَمَ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ، كَانَ إحْرَامُهُ الثَّانِي بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ.

الْأَوَّلُ: (إمْكَانُ الْوُصُولِ) لِمَكَّةَ إمْكَانًا عَادِيًّا بِمَشْيٍ أَوْ رُكُوبٍ بِبَرٍّ أَوْ بَحْرٍ (بِلَا مَشَقَّةٍ فَادِحَةٍ) أَيْ عَظِيمَةٍ خَارِجَةٍ عَنْ الْعَادَةِ، وَإِلَّا فَالْمَشَقَّةُ لَا بُدَّ مِنْهَا؛ إذَا السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ. (وَ) الثَّانِي: (أَمِنَ عَلَى نَفْسٍ وَمَالٍ) : مِنْ مُحَارِبٍ وَغَاصِبٍ لَا سَارِقٍ (لَهُ بَالٌ) : بِالنِّسْبَةِ لِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ؛ فَقَدْ يَكُونُ الدِّينَارُ لَهُ بَالٌ بِالنِّسْبَةِ لِشَخْصٍ، وَلَا بَالَ لَهُ بِالنِّسْبَةِ لِآخَرَ (لَا إنْ قَلَّ) الْمَالُ الْمَأْخُوذُ، بِأَنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِصَاحِبِهِ فَلَا يَسْقُطُ الْحَجُّ بِخَوْفِ أَخْذِهِ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ، وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ (إلَّا أَنْ يَنْكُثَ ظَالِمٌ) : أَيْ يَرْجِعَ لِلْأَخْذِ ثَانِيًا بَعْدَ الْأَوَّلِ؛ فَإِنْ خِيفَ مِنْهُ ذَلِكَ سَقَطَ وُجُوبُهُ بِاتِّفَاقِ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ قَلَّ الْمَجْمُوعُ. فَإِذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ وَجَبَ الْحَجُّ (وَلَوْ بِلَا زَادٍ وَ) بِلَا (رَاحِلَةٍ) يَرْكَبُهَا (لِذِي صَنْعَةٍ تَقُومُ بِهِ وَقَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ) : يَعْنِي أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى زَادٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إمْكَانًا عَادِيًّا] : فَلَا يَجِبُ بِنَحْوِ طَيَرَانٍ إنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، لَكِنْ إنْ وَقَعَ أَجْزَأَ. وَتَرَدَّدَ زَرُّوقٌ فِي الْوُجُوبِ بِذَلِكَ، وَمُقْتَضَى شَارِحِنَا: عَدَمُ الْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَالْمَشَقَّةُ لَا بُدَّ مِنْهَا] . . . إلَخْ وَالْمَشَقَّةُ الْمُسْقِطَةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ. وَفِي (ح) التَّشْنِيعِ عَلَى مَنْ أَطْلَقَ فِي سُقُوطِ الْحَجِّ عَنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ، بَلْ النَّظَرُ بِحَسَبِ الْحَالِ وَالزَّمَانِ فِي أَهْلِ الْمَغْرِبِ وَغَيْرِهِمْ. وَمَنْ عَدِمَ الِاسْتِطَاعَةَ: سُلْطَانٌ يَخْشَى مِنْ سَفَرِهِ الْعَدُوَّ أَوْ اخْتِلَالَ الرَّعِيَّةِ أَوْ ضَرَرًا عَظِيمًا يَلْحَقُهُ بِعَزْلِهِ مَثَلًا لَا مُجَرَّدُ الْعَزْلِ فِيمَا يَظْهَرُ - كَذَا قَالَ الْأَشْيَاخُ. قَوْلُهُ: [مِنْ مُحَارِبٍ وَغَاصِبٍ] : يُحْتَرَزُ بِذَلِكَ عَنْ أَخْذِ الدَّالِّ عَلَى الطَّرِيقِ أُجْرَةً مِنْ الْمُسَافِرِينَ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَلَيْسَ فِيهِ تَفْصِيلُ الظَّالِمِ، وَيَكُونُ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ الْمُسَافِرِينَ دُونَ أَمْتِعَتِهِمْ، إذْ مَنْ مَعَهُ دَوَابُّ وَلَوْ كَثُرَتْ كَالْمُتَجَرِّدِ فِي انْتِفَاعِهِمَا بِهِ. وَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُ عَدَدِ رُءُوسٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَالْمَتْبُوعِينَ فَقَطْ، وَإِذَا جَرَى عُرْفٌ بِشَيْءٍ عُمِلَ بِهِ لِأَنَّهُ كَالشَّرْطِ - كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ (عب) . قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِلَا زَادٍ] : رَدَّ: ب (لَوْ) عَلَى سَحْنُونَ وَمَنْ وَافَقَهُ مِمَّنْ قَالَ بِاشْتِرَاطِ مُصَاحَبَةِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ لَهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ صَنْعَةٌ أَوْ قُدْرَةٌ عَلَى الْمَشْيِ. قَوْلُهُ: [وَقَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ] : ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَشْيُ غَيْرَ مُعْتَادٍ لَهُ، وَاشْتَرَطَ

وَلَا مَرْكُوبٍ؛ بَلْ يَقُومُ مَقَامَ الزَّادِ الصَّنْعَةُ الْكَافِيَةُ، كَبَيْطَرَةٍ وَحِلَاقَةٍ وَخِيَاطَةٍ وَخِدْمَةٍ بِأُجْرَةٍ، وَيَقُومُ مَقَامَ الرَّاحِلَةِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَشْيِ اجْتِمَاعًا أَمْ انْفِرَادًا. (وَلَوْ) كَانَ الْقَادِرُ عَلَى الْمَشْيِ (أَعْمَى) يَهْتَدِي بِنَفْسِهِ أَوْ بِقَائِدٍ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ قَدَرَ عَلَيْهَا. (أَوْ) قَدَرَ عَلَى الْوُصُولِ (بِمَا) أَيْ بِثَمَنِ شَيْءٍ (يُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ) : مِنْ مَاشِيَةٍ وَعَقَارٍ وَثِيَابٍ وَكُتُبِ عِلْمٍ يَحْتَاجُ لَهَا، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ (أَوْ بِافْتِقَارِهِ) : أَيْ وَلَوْ مَعَ افْتِقَارِهِ أَيْ صَيْرُورَتِهِ فَقِيرًا بَعْدَ حَجِّهِ. (وَ) مَعَ (تَرْكِ وَلَدِهِ) وَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ (لِلصَّدَقَةِ) مِنْ النَّاسِ (إنْ لَمْ يَخْشَ) عَلَيْهِمْ (ضَيَاعًا) ، وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْهَلَاكِ، بِأَنْ كَانَ الشَّأْنُ عَدَمَ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ أَوْ عَدَمَ مَنْ يَحْفَظُهُمْ. (أَوْ) قَدَرَ عَلَى الْوُصُولِ (بِسُؤَالٍ) مِنْ النَّاسِ، لَكِنْ بِشَرْطَيْنِ: أَفَادَهُمَا بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَالْبَاجِيُّ اعْتِيَادَهُ، لَا إنْ كَانَ غَيْرَ مُعْتَادٍ لَهُ وَيَزْرِي بِهِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ. الْحَجُّ وَمَا قِيلَ فِيهِ يُقَالُ فِي الصَّنْعَةِ. قَوْلُهُ: [يَهْتَدِي بِنَفْسِهِ] : أَيْ وَكَانَ مَعَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يُوَصِّلُهُ. قَوْلُهُ: [قَدَرَ عَلَيْهَا] : أَيْ وَجَدَهَا وَلَا تُجْحِفُ بِهِ وَمَحِلُّ الْوُجُوبِ عَلَى الْأَعْمَى إذَا اهْتَدَى أَوْ وَجَدَ قَائِدًا، إذَا كَانَ رَجُلًا لَا امْرَأَةً، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهَا وَلَوْ قَدَرَتْ عَلَى الْمَشْيِ مَعَ قَائِدٍ بَلْ يُكْرَهُ لَهَا ذَلِكَ. كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [يُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ] : أَيْ وَلَوْ ثَمَنُ وَلَدِ زِنًا، قَالَ (ح) : ثَمَنُ وَلَدِ الزِّنَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَإِثْمُ وَلَدِ الزِّنَا عَلَى أَبَوَيْهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ بِافْتِقَارِهِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَوْلَادِهِ إلَّا مِقْدَارُ مَا يُوَصِّلُهُ فَقَطْ، وَلَا يُرَاعَى مَا يَئُولُ أَمْرُهُ وَأَمْرُ أَوْلَادِهِ إلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَوْكُولٌ لِلَّهِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى فَوْرِيَّةِ الْحَجِّ. وَأَمَّا عَلَى التَّرَاخِي فَلَا إشْكَالَ فِي تَبْدِئَةِ نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ وَالْأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الشَّخْصَ التَّكَسُّبُ وَجَمْعُ الْمَالِ لِأَجْلِ أَنْ يَحْصُلَ مَا يَحُجُّ بِهِ، وَلَا أَنْ يَجْمَعَ مَا فَضَلَ عَنْ كَسْبِهِ مَثَلًا كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى يَصِيرَ مُسْتَطِيعًا، بَلْ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ وَالْمُعْتَبَرُ الِاسْتِطَاعَةُ الْحَالِيَّةُ - كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ.

(إنْ كَانَ عَادَتُهُ) السُّؤَالَ، (وَظَنَّ الْإِعْطَاءَ) وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ. (وَاعْتُبِرَ) فِي الِاسْتِطَاعَةِ زِيَادَةٌ عَلَى إمْكَانِ الْوُصُولِ (مَا يُرَدُّ بِهِ) مِنْ الْمَالِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ إلَى وَطَنِهِ، أَوْ أَقْرَبِ مَكَان يَعِيشُ بِهِ إذَا لَمْ تُمْكِنْهُ الْإِقَامَةُ بِمَكَّةَ وَإِلَّا فَلَا. (وَزِيدَ) عَلَى الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ أَوْ الْمَالِ (فِي) حَقِّ (الْمَرْأَةِ: زَوْجٌ) يُسَافِرُ مَعَهَا، (أَوْ مَحْرَمٌ) بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، (أَوْ رُفْقَةٍ أُمِنَتْ) وَلَوْ رِجَالًا فَقَطْ، أَوْ نِسَاءً فَقَطْ، كَانَ الْحَجُّ عَلَيْهَا فَرْضًا؛ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ الْمَحْرَمِ، وَإِلَّا سَقَطَ بَلْ يُمْنَعُ عَلَيْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إنْ كَانَ عَادَتُهُ السُّؤَالَ] : أَيْ فِي الْحَضَرِ، وَأَمَّا فَقِيرٌ غَيْرُ سَائِلٍ فِي الْحَضَرِ، وَقَادِرٌ عَلَى سُؤَالِ كِفَايَتِهِ فِي السَّفَرِ، فَلَا يَجِبُ. وَفِي إبَاحَتِهِ أَوْ كَرَاهَتِهِ رِوَايَتَا ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ الْقَاسِمِ. قَوْلُهُ: [وَزِيدَ عَلَى الْأَمْنِ] : حَاصِلُهُ: أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ - الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ عِبَارَةٌ عَنْ إمْكَانِ الْوُصُولِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ عَظُمَتْ مَعَ الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ، وَيُزَادُ عَلَى ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ أَنْ تَجِدَ مَحْرَمًا مِنْ مَحَارِمِهَا يُسَافِرُ مَعَهَا، أَوْ زَوْجًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ يَوْمًا وَلَيْلَةً إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» ، وَأَطْلَقَ فِي الْمَحْرَمِ فَيَعُمُّ الَّذِي مِنْ النَّسَبِ وَالصِّهْرِ وَالرَّضَاعِ. وَقَوْلُهُ: " لِامْرَأَةٍ " نَكِرَةٍ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ؛ فَيَعُمُّ الْمُتَجَالَّةَ وَالشَّابَّةَ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ هِيَ وَالْمَحْرَمُ مُتَرَافِقَيْنِ، فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي أَوَّلِ الْمَرْكَبِ وَالثَّانِي فِي آخِرِهِ بِحَيْثُ إذَا احْتَاجَتْ إلَيْهِ أَمْكَنَهَا الْوُصُولُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ كَفَى عَلَى الظَّاهِرِ - كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَحْرَمِ الْبُلُوغُ، بَلْ الْمَدَارُ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَوُجُودُ الْكِفَايَةِ.

(وَلَا تَصِحُّ نِيَابَةٌ) مِنْ أَحَدٍ (عَنْ) شَخْصٍ (مُسْتَطِيعٍ فِي) حَجِّ (فَرْضٍ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَلْ عَبْدُ الْمَرْأَةِ مَحْرَمٌ مُطْلَقًا نَظَرًا لِكَوْنِهِ لَا يَتَزَوَّجُهَا فَتُسَافِرُ مَعَهُ؟ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ أَوَّلًا مُطْلَقًا؟ وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْفُرَاتِ، أَوْ إنْ كَانَ وَغْدًا فَمَحْرَمٌ تُسَافِرُ مَعَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَعَزَاهُ ابْنُ الْقَطَّانِ لِمَالِكٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ الْقَصَّارِ، وَيَقُومُ مَقَامَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ فِي سَفَرِ الْفَرْضِ فَقَطْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الشَّارِحِ. تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: يُزَادُ فِي الْمَرْأَةِ أَنَّهَا لَا يَلْزَمُهَا الْمَشْيُ الْبَعِيدُ. وَيَخْتَلِفُ الْبُعْدُ بِأَحْوَالِ النِّسَاءِ، وَلَا تَرْكَبُ صَغِيرَ السُّفُنِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهَا الْمُبَالَغَةُ فِي السِّتْرِ عِنْدَ كَالنَّوْمِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَحَيْثُ وَجَدَتْ الِاسْتِطَاعَةَ بِشُرُوطِهَا، فَالْبَحْرُ كَالْبَرِّ إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ لَا إنْ سَاوَتْ الْعَطَبَ، وَقِيلَ لَا يَجِبُ بِالْبَحْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27] وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَحْرَ، فَرَدَّ بِأَنَّ الِانْتِهَاءَ لِمَكَّةَ لَا يَكُونُ إلَّا بِرًّا لِبُعْدِ الْبَحْرِ مِنْهَا. وَمَحِلُّ الْوُجُوبِ بِالْبَحْرِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَضِيعَ رُكْنُ صَلَاةٍ لِكَدَوْخَةٍ. وَأَمَّا عَدَمُ مَاءِ الْوُضُوءِ فَسَبَقَ جَوَازُ السَّفَرِ مَعَ التَّيَمُّمِ، نَعَمْ لَا بُدَّ مِنْ مَاءِ الشُّرْبِ حَيْثُ تَضُرُّ بِهِمْ قِلَّتُهُ، وَفِي الْخَرَشِيِّ وَغَيْرِهِ لَا يَحُجُّ إنْ لَزِمَ صَلَاتُهُ بِالنَّجَاسَةِ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَدْ يُنَاقَشُ بِالْخِلَافِ فِيهَا. الثَّانِي: لَا يَجِبُ الْحَجُّ بِاسْتِطَاعَتِهِ بِالدَّيْنِ وَلَوْ مِنْ وَلَدِهِ إذَا لَمْ يَرْجُ الْوَفَاءَ، أَوْ بِعَطِيَّةٍ مِنْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَادًا لِذَلِكَ، وَيَصِحُّ بِالْمَالِ الْحَرَامِ مَعَ الْعِصْيَانِ. فَائِدَةٌ: الْحَجُّ وَلَوْ تَطَوُّعًا أَفْضَلُ مِنْ الْغَزْوِ إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ لِفَجْءِ الْعَدُوِّ، أَوْ بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ، أَوْ بِكَثْرَةِ الْخَوْفِ، فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ وَلَوْ فَرْضًا وَالْأَفْضَلُ فِي سَفَرِ الْحَجِّ الرُّكُوبُ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْقَتَبِ رَحْلٌ صَغِيرٌ لِلسُّنَّةِ وَالْبُعْدِ عَنْ الْكِبْرِ. قَوْلُهُ: [عَنْ شَخْصٍ مُسْتَطِيعٍ] إلَخْ: لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ " مُسْتَطِيعٍ فِي فَرْضٍ "، بَلْ الِاسْتِنَابَةُ فَاسِدَةٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْمَحْجُوجُ عَنْهُ مُسْتَطِيعًا أَوْ لَا، فِي فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ إنْ كَانَ حَيًّا كَمَا سَيَأْتِي اعْتِمَادُهُ فِي الشَّارِحِ.

بِأُجْرَةٍ أَوْ لَا؛ فَالْإِجَارَةُ فِيهِ فَاسِدَةٌ. لِأَنَّهُ عَمَلٌ بَدَنِيٌّ لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، فَالْفَرْضُ بَاقٍ عَلَى الْمُسْتَنِيبِ. (وَإِلَّا) تَكُنْ فِي فَرْضٍ - بَلْ فِي نَفْلٍ أَوْ فِي عُمْرَةٍ كُرِهَتْ النِّيَابَةُ، وَصَحَّتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا ذُكِرَ، وَلِلْمُسْتَنِيبِ أَجْرُ الدُّعَاءِ وَالنَّفَقَةِ، وَحَمْلُ النَّائِبِ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ. هَذَا هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الشَّيْخُ فِي التَّوْضِيحِ، وَفِي الْمُخْتَصَرِ، وَضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ: وَقَالَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ النِّيَابَةَ عَنْ الْحَيِّ لَا تَجُوزُ، وَلَا تَصِحُّ مُطْلَقًا إلَّا عَنْ مَيِّتٍ أَوْصَى بِهِ فَتَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ. وَشُبِّهَ فِي الْكَرَاهَةِ قَوْلُهُ: (كَبَدْءٍ لِلْمُسْتَطِيعِ) : أَيْ كَمَا يُكْرَهُ لِلْمُسْتَطِيعِ الَّذِي عَلَيْهِ حَجَّةُ الْفَرْضِ أَنْ يَبْدَأَ (بِهِ) : أَيْ بِالْحَجِّ (عَنْ غَيْرِهِ) قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى التَّرَاخِي، وَإِلَّا مُنِعَ. وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ اعْتِمَادِ بَعْضِهِمْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا حَجَّ عَنْ مَيِّتٍ أَوْصَى بِهِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ. (وَ) كَكَرَاهَةِ (إجَارَةِ نَفْسِهِ) : أَيْ الْإِنْسَانِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (فِي عَمَلٍ لِلَّهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ] : أَيْ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَائِدَةٌ - مِنْ الْعِبَادَةِ مَا لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ بِإِجْمَاعٍ كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ، وَمِنْهَا مَا يَقْبَلُهَا إجْمَاعًا كَالدُّعَاءِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَرَدِّ الدُّيُونِ وَالْوَدَائِعِ. وَاخْتُلِفَ فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ النِّيَابَةَ (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ] : الْمُرَادُ بِهِ (ر) قَائِلًا الْمُعْتَمَدُ مَنْعُ النِّيَابَةِ عَنْ الْحَيِّ مُطْلَقًا صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا كَانَتْ النِّيَابَةُ فِي فَرْضٍ أَوْ فِي نَفْلٍ كَانَتْ بِأُجْرَةٍ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ اعْتِمَادِ بَعْضِهِمْ] : الَّذِي هُوَ (ر) كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ] : أَيْ مُطْلَقًا كَانَتْ النِّيَابَةُ فِي فَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ حَيْثُ كَانَتْ عَنْ حَيٍّ. قَوْلُهُ: [وَكَكَرَاهَةِ إجَارَةِ نَفْسِهِ] إلَخْ: أَيْ لِقَوْلِ مَالِكٍ: لَأَنْ يُؤَاجِرَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ فِي عَمَلِ اللَّبِنِ وَقَطْعِ الْحَطَبِ وَسَوْقِ الْإِبِلِ، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا لِلَّهِ بِأُجْرَةٍ.

[أركان الحج]

تَعَالَى؛ حَجًّا أَوْ غَيْرَهُ، كَقِرَاءَةٍ وَإِمَامَةٍ وَتَعْلِيمِ عِلْمٍ إلَّا تَعْلِيمَ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. (وَنَفَذَتْ) إنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ، أَيْ صَحَّتْ. وَمَحِلُّ الْكَرَاهَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ الْأُجْرَةُ مِنْ وَقْفٍ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَا كَرَاهَةَ. (وَأَرْكَانُهُ) أَيْ الْحَجِّ (أَرْبَعَةٌ) أَوَّلُهَا: (الْإِحْرَامُ) وَهُوَ نِيَّةٌ مَعَ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ مُتَعَلِّقَيْنِ بِهِ؛ كَالتَّلْبِيَةِ وَالتَّجَرُّدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَتَعْلِيمِ عِلْمٍ] : قَالَ الشَّيْخُ فِي تَقْرِيرَةِ: يُسْتَثْنَى مِنْهُ عِلْمُ الْحِسَابِ، فَإِنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي تَعْلِيمِهِ بِأُجْرَةٍ، لِأَنَّهُ صَنْعَةٌ يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [إلَّا تَعْلِيمَ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى] : أَيْ وَمِثْلُهُ الْأَذَانُ وَإِنْ مَعَ الصَّلَاةِ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْأُجْرَةُ مِنْ وَقْفٍ، وَلَا مِنْ بَيْتِ مَالٍ، وَفِي الْحَدِيثِ: «إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى» ، وَذَكَرَ الْأَشْيَاخُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ أَنَّ الْعِلْمَ لَوْ جَازَتْ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ لَأَدَّى لِضَيَاعِ الشَّرِيعَةِ مَعَ أَنَّ مَعْرِفَةَ أَحْكَامِ الدِّينِ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ فَرْضُ عَيْنٍ سِوَى الْفَاتِحَةِ؛ فَلِذَلِكَ رُخِّصَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ فِيهِ دُونَ الْعِلْمِ. قَوْلُهُ: [وَنَفَذَتْ إنْ آجَرَ نَفْسَهُ] إلَخْ: أَيْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا، وَإِنَّمَا نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهِ، مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ بِجَوَازِ النِّيَابَةِ، وَهُنَا كَلَامٌ طَوِيلٌ فِي خَلِيلٍ وَشُرَّاحِهِ تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ اتِّكَالًا عَلَى مَعْرِفَتِهِ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ وَالْوَصَايَا، وَلِكَوْنِ إجَارَةِ الْحَجِّ مَكْرُوهَةً فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ، وَفَاسِدَةٌ فِي بَعْضِهَا، لَمْ يَعْتَنِ بِتَفْصِيلِهَا وَقَدْ أَجَابَ بِذَلِكَ هُوَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. [أَرْكَان الْحَجّ] [الرُّكْن الْأَوَّل الْإِحْرَام] قَوْلُهُ: [وَأَرْكَانُهُ أَيْ الْحَجِّ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ الرُّكْنَ هُوَ مَا لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ،

فَلَا يَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِهَا. (وَوَقْتُهُ) الْمَأْذُونُ فِيهِ شَرْعًا (لِلْحَجِّ) إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ: أَيْ ابْتِدَاءُ وَقْتِهِ لَهُ: (شَوَّالٌ) مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةِ عِيدِ الْفِطْرِ، وَيَمْتَدُّ (لِفَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ) بِإِخْرَاجِ الْغَايَةِ؛ فَمَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ فَجْرِهِ بِلَحْظَةٍ وَهُوَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَبَقِيَ عَلَيْهِ الْإِفَاضَةُ وَالسَّعْيُ بَعْدَهَا لِأَنَّ الرُّكْنَ عِنْدَنَا الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ لَيْلًا، وَقَدْ حَصَلَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ دَمٌ وَلَا غَيْرُهُ وَهِيَ: الْإِحْرَامُ، وَالطَّوَافُ، وَالسَّعْيُ، وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ. وَهَذِهِ الْأَرْكَانُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَفُوتُ الْحَجُّ بِتَرْكِهِ وَلَا يُؤْمَرُ بِشَيْءٍ: وَهُوَ الْإِحْرَامُ. وَقِسْمٌ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ وَيُؤْمَرُ بِالتَّحَلُّلِ بِعُمْرَةٍ وَبِالْقَضَاءِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ وَهُوَ الْوُقُوفُ، وَقِسْمٌ لَا يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ وَلَا يَتَحَلَّلُ مِنْ الْإِحْرَامِ وَلَوْ وَصَلَ لِأَقْصَى الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ رَجَعَ لِمَكَّةَ لِيَفْعَلَ: وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيِ وَالثَّلَاثَةُ غَيْرُ السَّعْيِ مُتَّفَقٌ عَلَى رُكْنِيَّتِهَا، وَأَمَّا السَّعْيُ فَقِيلَ بِعَدَمِ رُكْنِيَّتِهِ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَزَادَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْأَرْكَانِ: الْوُقُوفَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَرَمْيَ الْعَقَبَةِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُمَا غَيْرُ رُكْنَيْنِ، بَلْ الْأَوَّلُ مُسْتَحَبٌّ وَالثَّانِي وَاجِبٌ يُجْبَرُ بِالدَّمِ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلًا بِرُكْنِيَّةِ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ وَاجِبٌ يُجْبَرُ بِالدَّمِ. وَاخْتُلِفَ فِي اثْنَيْنِ خَارِجِ الْمَذْهَبِ وَهُمَا: النُّزُولُ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَالْحِلَاقِ. وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ يُجْبَرَانِ بِالدَّمِ فَهِيَ تِسْعَةٌ بَيْنَ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفٍ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ وَخَارِجِهِ. قَالَ (ح) : يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ إذَا أَتَى بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنْ يَنْوِيَ الرُّكْنِيَّةَ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ، وَلِيَكْثُرَ الثَّوَابُ - أَشَارَ لَهُ الشَّبِيبِيُّ (اهـ بْن نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِهَا] : أَيْ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ فِي تَرْكِ التَّلْبِيَةِ وَالتَّجَرُّدِ حِينَ النِّيَّةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ. قَوْلُهُ: [وَوَقْتُهُ الْمَأْذُونُ فِيهِ] : أَيْ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [فَمَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ فَجْرِهِ بِلَحْظَةٍ] : أَيْ فَالْمُرَادُ أَنَّ الزَّمَنَ الَّذِي ذَكَرَهُ ظَرْفٌ مُتَّسَعٌ لِلْإِحْرَامِ فِيهِ إلَى أَنْ يَبْقَى عَلَى فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لَحْظَةٌ يُدْرِكُ بِهَا الْإِحْرَامَ فَيَصِيرُ مَضِيقًا.

[بيان الميقات المكاني للإحرام]

(وَكُرِهَ) الْإِحْرَامُ لَهُ (قَبْلَهُ) : أَيْ قَبْلَ شَوَّالٍ، وَانْعَقَدَ. (كَمَكَانِهِ) أَيْ كَمَا يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ قَبْلَ مَكَانِهِ الْآتِي بَيَانُهُ. (وَ) وَقْتُ الْإِحْرَامِ (لِلْعُمْرَةِ أَبَدًا) أَيْ فِي أَيِّ وَقْتٍ مِنْ الْعَامِ (إلَّا لِمُحْرِمٍ بِحَجٍّ) : فَلَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِعُمْرَةٍ، إلَّا إذَا فَرَغَ مِنْ جَمِيعِ أَفْعَالِهِ مِنْ طَوَافٍ وَسَعْيٍ وَرَمْيٍ لِجَمِيعِ الْجَمَرَاتِ إنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ، وَبِقَدْرِ رَمْيِهَا مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ بَعْدَ الزَّوَالِ إنْ تَعَجَّلَ. فَقَوْلُهُ: (فَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ رَمْيِ) الْيَوْمِ (الرَّابِعِ) بِالْفِعْلِ إنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ أَوْ بِقَدْرِهِ إذَا تَعَجَّلَ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ قَدَّمَ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ. (وَكُرِهَ) الْإِحْرَامُ بِهَا (بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ رَمْيِهِ الْيَوْمَ الرَّابِعَ (لِلْغُرُوبِ) مِنْهُ، (فَإِنْ أَحْرَمَ) بِهَا بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ صَحَّ إحْرَامُهُ (وَأَخَّرَ) وُجُوبًا (طَوَافَهَا) وَسَعْيَهَا (بَعْدَهُ) : أَيْ الْغُرُوبِ، وَإِلَّا لَمْ يُعْتَدَّ بِفِعْلِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَأَعَادَهُمَا بَعْدَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ أَبَدًا. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ لِلْإِحْرَامِ بِقَوْلِهِ: (وَمَكَانُهُ) : أَيْ الْإِحْرَامُ (لَهُ) : أَيْ لِلْحَجِّ غَيْرِ الْقِرَانِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي، يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحَاجِّينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَانْعَقَدَ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ وَقْتُ كَمَالٍ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَفْسُدُ قَبْلَ وَقْتِهَا، لِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلصِّحَّةِ وَالْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: [كَمَكَانِهِ] : أَيْ وَلَكِنْ يَنْعَقِدُ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [إلَّا لِمُحْرِمٍ بِحَجٍّ] : أَيْ وَمِثْلُهُ مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ فَلَا تَنْعَقِدُ عُمْرَةٌ عَلَى حَجٍّ، وَلَا عَلَى عُمْرَةِ الْمُحْرِمِ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي ذَلِكَ فَلَوْ قَالَ إلَّا لِمُحْرِمٍ بِنُسْكٍ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا لَمْ يُعْتَدَّ بِفِعْلِهِ] : أَيْ إنْ فَعَلَ بِهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ شَيْئًا مِنْ طَوَافٍ أَوْ سَعْيٍ - وَمِنْهُ الدُّخُولُ لِلْحَرَمِ بِسَبَبِهَا - فَيُعِيدُ جَمِيعَ مَا فَعَلَهُ. فَإِنْ تَحَلَّلَ مِنْهَا بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ قَبْلَ غُرُوبِ الرَّابِعِ، وَوَطِئَ أَفْسَدَ عُمْرَتَهُ فَيُتِمُّهَا وُجُوبًا وَيَقْضِيهَا وَيُهْدِي وَيَفْتَدِي لِكَالْحَلْقِ. [بَيَان الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ لِلْإِحْرَامِ] قَوْلُهُ: [غَيْرُ الْقِرَانِ] : شَمِلَ كَلَامُهُ الْمُفْرِدَ الَّذِي لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَالْمُتَمَتِّعَ الَّذِي تَحَلَّلَ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَحْرَمَ بِحَجٍّ مُفْرِدًا.

فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ (لِمَنْ بِمَكَّةَ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا أَمْ لَا، وَلَوْ أَقَامَ بِهَا إقَامَةً لَا تَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ (مَكَّةَ) أَيْ: الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مَكَّةَ فِي أَيِّ مَكَان مِنْهَا، وَمِثْلُهَا مِنْ مَنْزِلِهِ فِي الْحَرَمِ خَارِجَهَا. (وَنُدِبَ) إحْرَامُهُ (بِالْمَسْجِدِ) الْحَرَامِ أَيْ فِيهِ مَوْضِعُ صَلَاتِهِ، وَيُلَبِّي وَهُوَ جَالِسٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ مِنْ مُصَلَّاهُ وَلَا أَنْ يَتَقَدَّمَ جِهَةَ الْبَيْتِ. (وَ) نُدِبَ خُرُوجُ الْآفَاقِيِّ الْمُقِيمِ بِهَا (ذِي النَّفْسِ) : أَيْ الَّذِي مَعَهُ نَفْسٌ: أَيْ سَعَةُ زَمَنٍ يُمْكِنُ الْخُرُوجُ فِيهِ لِمِيقَاتِهِ، وَإِدْرَاكُ الْحَجِّ (لِمِيقَاتِهِ) لِيُحْرِمَ مِنْهُ؛ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (وَ) مَكَانُهُ (لَهَا) : أَيْ لِلْعُمْرَةِ لِمَنْ بِمَكَّةَ (وَلِلْقِرَانِ) أَيْ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مَعًا (الْحِلُّ) لِيَجْمَعَ فِي إحْرَامِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ إذْ هُوَ شَرْطٌ فِي كُلِّ إحْرَامٍ، (وَصَحَّ) الْإِحْرَامُ لَهَا وَلِلْقِرَانِ (بِالْحَرَمِ) وَإِنْ لَمْ يَجُزْ ابْتِدَاءً، (وَخَرَجَ) وُجُوبًا لِلْحِلِّ لِلْجَمْعِ فِي إحْرَامِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، (وَإِلَّا) يَخْرُجْ لِلْحِلِّ - وَقَدْ طَافَ لَهَا وَسَعَى (أَعَادَ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ) لِفَسَادِهِمَا (بَعْدَهُ) ، أَيْ بَعْدَ الْخُرُوجِ لِلْحِلِّ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ حَلَقَ قَبْلَ خُرُوجِهِ، (وَافْتَدَى إنْ حَلَقَ قَبْلَهُ) : أَيْ الْخُرُوجِ لِأَنَّ حَلْقَهُ وَقَعَ حَالَ إحْرَامِهِ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ قَبْلَ الْخُرُوجِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدَّمَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ قَبْلَ خُرُوجِهِ طَافَ وَسَعَى لِلْعُمْرَةِ بَعْدَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَقَوْلُهُ: " وَإِلَّا أَعَادَ " إلَخْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمِثْلُهُ مِنْ مَنْزِلِهِ فِي الْحَرَمِ خَارِجَهَا] : أَيْ كَأَهْلِ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ. قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ مِنْ مُصَلَّاهُ] : أَيْ ثُمَّ يُلَبِّي بَعْدَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ خُرُوجُ الْآفَاقِيِّ] إلَخْ: أَيْ كَمِصْرِيٍّ مُجَاوِرٍ بِمَكَّةَ فَيُنْدَبُ لَهُ إنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ وَمَعَهُ سَعَةٌ مِنْ الزَّمَنِ؛ إذَا وَصَلَ لِمِيقَاتِهِ الْجُحْفَةِ وَرَجَعَ، يُدْرِكُ الْوُقُوفَ. وَيُشْتَرَطُ الْأَمْنُ أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا يُنْدَبُ لَهُ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ رُجُوعُهُ لِمِيقَاتِهِ حَرَامًا. قَوْلُهُ: [فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ] : أَيْ لِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْمَنْدُوبِ لَا تُوجِبُ شَيْئًا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَمَكَانُهُ لَهَا] إلَخْ: وَالْجِعْرَانَةُ أَوْلَى ثُمَّ التَّنْعِيمُ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْعُمْرَةِ. وَأَمَّا الْقِرَانُ فَلَا يُطْلَبُ لَهُ مَكَانٌ مُعَيَّنٌ مِنْ الْحِلِّ بَلْ الْحِلُّ فِيهِ مُسْتَوٍ. قَوْلُهُ: [وَافْتَدَى إنْ حَلَقَ قَبْلَهُ] : فَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ الْحِلَاقِ فَسَدَتْ وَلَزِمَهُ

ظَاهِرٌ فِي الْعُمْرَةِ فَقَطْ، وَأَمَّا الْقَارِنُ فَلَا يُعِيدُ بَعْدَ خُرُوجِهِ لِأَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيِ بَعْدَ الْوُقُوفِ يَنْدَرِجُ فِيهَا طَوَافُ وَسَعْيُ الْعُمْرَةِ. (وَ) مَكَانُهُ (لِغَيْرِهِ) : أَيْ لِغَيْرِ مَنْ بِمَكَّةَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ (لَهُمَا) أَيْ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ: (ذُو الْحُلَيْفَةِ) تَصْغِيرُ حَلْفَةٍ - بِالنِّسْبَةِ (لِمَدَنِيٍّ) ، وَمَنْ وَرَاءَهُ مِمَّنْ يَأْتِي عَلَى الْمَدِينَةِ، (وَالْجُحْفَةِ لِكَالْمَصْرِيِّ) : كَأَهْلِ الْمَغْرِبِ وَالسُّودَانِ وَالرُّومِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإتْمَامُهَا، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْقَارِنُ فَلَا يُعِيدُ] إلَخْ: أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَوْ طَافَ وَسَعَى، وَإِنْ كَانَ لَغْوًا كَمَا قَرَّرَهُ مُؤَلِّفُهُ. وَقَوْلُهُ: بَعْدَ خُرُوجِهِ أَيْ لِلْحِلِّ قَبْلَ خُرُوجِهِ لِعَرَفَةَ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ لِلْحِلِّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَ الْخُرُوجِ لِعَرَفَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ حَصَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ بِخُرُوجِهِ لِعَرَفَةَ، غَايَةُ مَا هُنَاكَ خَالَفَ الْوَاجِبَ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ (شب) لَا دَمَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [ذُو الْحُلَيْفَةِ] إلَخْ: وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ تِلْكَ الْمَوَاقِيتَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْآفَاقِيِّ فِي قَوْلِهِ: عِرْقُ الْعِرَاقِ يَلَمْلَمُ الْيَمَنُ ... وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ يُحْرِمُ الْمَدَنِيُّ وَالشَّامُ جُحْفَةٌ إنْ مَرَرْت بِهَا ... وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ فَاسْتَبِنْ وَذُو الْحُلَيْفَةِ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ عَلَى عَشْرِ أَوْ تِسْعِ مَرَاحِلَ مِنْهَا، وَمِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى سَبْعَةِ أَوْ سِتَّةِ أَوْ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ، وَبِهَا بِئْرٌ يُسَمِّيهَا الْعَوَامُّ بِئْرَ عَلِيٍّ تَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتَلَ بِهَا الْجِنَّ، قَالَ الْخَرَشِيُّ: وَهَذِهِ النِّسْبَةُ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ. وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحْرِمُ مِنْ مَسْجِدِهَا. قَوْلُهُ: [مِمَّنْ يَأْتِي عَلَى الْمَدِينَةِ] : أَيْ كَأَهْلِ الشَّامِ الْآنَ فَإِنَّهُمْ يَمُرُّونَ بِهَا ذَهَابًا وَإِيَابًا. قَوْلُهُ: [وَالْجُحْفَةُ لِكَالْمَصْرِيِّ] : هِيَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْفَاءِ: قَرْيَةٌ خَرِبَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ أَصْلُهَا لِلْيَهُودِ عَلَى خَمْسِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ، وَثَمَانٍ مِنْ الْمَدِينَةِ. قَالَ بَعْضٌ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ السَّيْلَ أَجْحَفَهَا وَسَبَّبَ خَرَابَهَا،

وَالشَّامِ، (وَيَلَمْلَمُ لِلْيَمَنِ وَالْهِنْدِ، وَقَرْنٌ) - بِسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ (لِنَجْدٍ، وَذَاتُ عِرْقٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ - (لِلْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَنَحْوِهِمَا) كَفَارِسَ وَالْمَشْرِقِ وَمَنْ وَرَاءَهُمْ أَيْ لِأَهْلِ مَا ذُكِرَ. (وَ) مَكَانُهُ لَهُمَا (مَسْكَنٌ) مِنْ أَيِّ جِهَةٍ بِالنِّسْبَةِ لِسَاكِنٍ، (دُونَهَا) : أَيْ دُونَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ؛ بِأَنْ كَانَ الْمَسْكَنُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ، وَكَانَ خَارِجَ الْحَرَمِ أَوْ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQنُقِلَ حِمَى الْمَدِينَةِ إلَيْهَا بِدَعْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَمِنْ حُكْمِ الْجُحْفَةِ رَابِغٌ الَّذِي يُحْرِمُونَ مِنْهُ الْآنَ عَلَى الرَّاجِحِ. قَوْلُهُ: [وَالشَّامُ] : أَيْ إنْ أَتَوْا عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: [وَيَلَمْلَمُ لِلْيَمَنِ] : هِيَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَاللَّامِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَبَيْنَهُمَا مِيمٌ سَاكِنَةٌ وَآخِرُهُ مِيمٌ، وَيُقَالُ بِهَمْزَةٍ بَدَلِ الْيَاءِ وَبِرَاءَيْنِ بَدَلِ اللَّامَيْنِ: جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: إنْ أُرِيدَ بِهَا الْجَبَلَ فَمُنْصَرِفَةٌ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الْبُقْعَةَ فَغَيْرُ مُنْصَرِفَةٍ، بِخِلَافِ قَرْنٍ فَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ إرَادَةِ الْبُقْعَةِ يَجُوزُ صَرْفُهُ لِأَجْلِ سُكُونِ وَسَطِهِ. قَوْلُهُ: [وَقَرْنٌ] إلَخْ: وَيُقَالُ قَرْنُ الْمَنَازِلِ وَهِيَ تِلْقَاءَ مَكَّةَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ قَالُوا وَهِيَ أَقْرَبُ الْمَوَاقِيتِ لِمَكَّةَ. قَوْلُهُ: [وَذَاتُ عِرْقٍ] : هِيَ قَرْيَةٌ خَرِبَةٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ، يُقَالُ إنَّ بِنَاءَهَا تَحَوَّلَ إلَى جِهَةِ مَكَّةَ، فَتُتَحَرَّى الْقَرْيَةُ الْقَدِيمَةُ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ: مِنْ عَلَامَاتِهَا الْمَقَابِرُ الْقَدِيمَةُ. قَوْلُهُ: [وَكَانَ خَارِجَ الْحَرَمِ] : أَيْ كَقُدَيْدٍ وَعُسْفَانَ وَمَرِّ الظَّهْرَانِ الْمُسَمَّى الْآنَ بِوَادِي فَاطِمَةَ، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: فَإِنْ سَافَرَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ مِنْ مَسْكَنِهِ دُونَهَا إلَى وَرَاءِ الْمِيقَاتِ، ثُمَّ رَجَعَ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ فَكَمِصْرِيٍّ يَمُرُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ

الْحَرَمِ وَأَفْرَدَ. فَإِنْ قَرَنَ أَوْ اعْتَمَرَ خَرَجَ مِنْهُ إلَى الْحِلِّ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ كُلَّ إحْرَامٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَالْمُفْرِدُ يَقِفُ بِعَرَفَةَ وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ. (وَ) مَكَانُهُ لَهُمَا أَيْضًا (حَيْثُ حَاذَى) أَيْ قَابَلَ الْمَارُّ (وَاحِدًا مِنْهَا) ، أَيْ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ كَرَابِغٍ فَإِنَّهَا تُحَاذِي الْجُحْفَةَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ (أَوْ مَرَّ بِهِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ؛ (وَلَوْ) كَانَ الْمُحَاذِي (بِبَحْرٍ) كَالْمُسَافِرِ مِنْ جِهَةِ مِصْرَ بِبَحْرِ السُّوَيْسِ؛ فَإِنَّهُ يُحَاذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَنْزِلِهِ وَيُحْرِمُ مِنْهُ، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ إحْرَامُهُ مِنْ الَّذِي مَرَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَ الْمُحَاذِي بِبَحْرٍ] : قَيَّدَهُ سَنَدٌ بِالْقُلْزُمِ وَهُوَ بَحْرُ السُّوَيْسِ. أَمَّا عَيْذَابُ وَهُوَ بَحْرُ الْيَمَنِ وَالْهِنْدِ - فَلَا يُحْرِمُ حَتَّى يَخْرُجَ إلَى الْبَرِّ، لِأَنَّ الرِّيحَ تَرِدُ فِيهِ كَثِيرًا، وَرَجَحَ بِخِلَافِ بَحْرِ السُّوَيْسِ فَلَا مَشَقَّةَ فِيهِ إذَا رَدَّتْهُ الرِّيحُ، لِأَنَّ السَّيْرَ فِيهِ مَعَ السَّاحِلِ فَيُمْكِنُهُ إذَا خَرَجَتْ عَلَيْهِ الرِّيحُ النُّزُولُ إلَى الْبَرِّ، فَلِذَا تَعَيَّنَ إحْرَامُهُ

الْجُحْفَةَ قَبْلَ وُصُولِهِ جُدَّةَ فَيُحْرِمُ فِي الْبَحْرِ حِينَ الْمُحَاذَاةِ، (إلَّا كَمِصْرِيٍّ) مِنْ كُلِّ مَنْ مِيقَاتُهُ الْجُحْفَةُ (يَمُرُّ) ابْتِدَاءً (بِالْحُلَيْفَةِ) مِيقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ (فَيُنْدَبُ) لَهُ الْإِحْرَامُ (مِنْهَا) ، وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ يَمُرُّ عَلَى مِيقَاتِهِ الْجُحْفَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَلِذَا لَوْ أَرَادَ الْمِصْرِيُّ أَنْ يَمُرَّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى غَيْرِ طَرِيقِ الْجُحْفَةِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ كَغَيْرِهِ. (وَإِنْ) كَانَ الْمِصْرِيُّ الَّذِي مَرَّ بِالْحُلَيْفَةِ (حَائِضًا) أَوْ نُفَسَاءَ وَظَنَّتْ الطُّهْرَ قَبْلَ الْوُصُولِ لِلْجُحْفَةِ، فَيُنْدَبُ لَهَا الْإِحْرَامُ مِنْ الْحُلَيْفَةِ، وَلَا تُؤَخِّرُ لِلْجُحْفَةِ وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى إحْرَامِهَا بِلَا صَلَاةٍ لِأَنَّ إقَامَتَهَا بِالْعِبَادَةِ أَيَّامًا قَبْلَ الْجُحْفَةِ أَفْضَلُ مِنْ تَأْخِيرِهَا لِأَجْلِ الصَّلَاةِ. (وَمَنْ مَرَّ) بِمِيقَاتٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ، أَوْ حَاذَاهُ حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ قَاصِدٍ مَكَّةَ) أَيْ دُخُولَهَا، بِأَنْ قَصَدَ مَكَانًا دُونَهَا أَوْ فِي جِهَةٍ أُخْرَى، وَلَوْ كَانَ مِمَّنْ يُخَاطَبُ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ، (أَوْ) قَاصِدًا مَكَّةَ وَكَانَ (غَيْرَ مُخَاطَبٍ بِهِ) أَيْ بِالْإِحْرَامِ - كَعَبْدٍ وَصَبِيٍّ، (أَوْ قَصَدَهَا) عَطْفٌ عَلَى مَرَّ، فَهُوَ فِي غَيْرِ الْمَارِّ (مُتَرَدِّدًا) : أَيْ مُقَدِّرًا التَّرَدُّدَ لِدُخُولِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْمَكَانِ الَّذِي يُحَاذِي فِيهِ الْمِيقَاتَ، قَالَ مُحَشِّي الْأَصْلِ: وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ النُّزُولُ إلَى الْبَرِّ، لَكِنْ فِيهِ مَضَرَّةٌ بِمُفَارَقَةِ رَحْلِهِ، فَلِذَا قِيلَ إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي حَاذَى فِيهِ الْمِيقَاتَ، بَلْ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامَهُ حَتَّى يَصِلَ لِلْبَرِّ فَتَأَمَّلْهُ (اهـ) . وَلَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ الَّذِي إذَا خَرَجَ فِيهِ إلَى الْبَرِّ لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسٍ وَلَا عَلَى مَالٍ. قَوْلُهُ: [إلَّا كَمِصْرِيٍّ] إلَخْ: قَالَ الْخَرَشِيُّ لَمَّا أَوْجَبَ الْجُمْهُورُ إحْرَامَ مَنْ مَرَّ بِغَيْرِ مِيقَاتِهِ مِنْهُ عُمُومًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ» اسْتَثْنَى أَهْلُ الْمَذْهَبِ مَنْ مِيقَاتُهُ الْجُحْفَةِ يَمُرُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَلَا يَجِبُ إحْرَامُهُ مِنْهَا لِمُرُورِهِ عَلَى مِيقَاتِهِ. قَوْلُهُ: [أَيْ مُقَدِّرًا التَّرَدُّدَ] : إشَارَةٌ إلَى أَنَّ (مُتَرَدِّدًا) حَالٌ مَنْوِيَّةٌ؛ عَلَى

كَالْمُتَرَدِّدِينَ لَهَا لِبَيْعِ الْفَوَاكِهِ وَالْحَطَبِ وَنَحْوِهِمَا (أَوْ عَادَ لَهَا) أَيْ لِمَكَّةَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا (مِنْ) مَكَان (قَرِيبٍ) دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، (فَلَا إحْرَامَ عَلَيْهِ) ، أَيْ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إحْرَامٌ فِي الْأَرْبَعِ صُوَرٍ. (وَإِلَّا) - بِأَنْ قَصَدَ دُخُولَ مَكَّةَ لِنُسُكٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَكَانَ مِمَّنْ يُخَاطَبُ بِالْإِحْرَامِ وُجُوبًا، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُتَرَدِّدِينَ لِنَحْوِ بَيْعِ الْفَوَاكِهِ، أَوْ عَادَ لَهَا مِنْ بَعِيدٍ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ (وَجَبَ) عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ. وَضَابِطُ ذَلِكَ: أَنَّ كُلَّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ فَلَا يَدْخُلُهَا إلَّا بِإِحْرَامٍ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ وُجُوبًا وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَعَدِّي الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُتَرَدِّدِينَ، أَوْ يَعُودُ لَهَا بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا مِنْ مَكَان قَرِيبٍ لَمْ يَمْكُثْ فِيهِ كَثِيرًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَالْعَبْدِ وَغَيْرِ الْمُكَلَّفِ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ. (وَ) مَتَى تَعَدَّى الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ (رَجَعَ لَهُ) : أَيْ لِلْمِيقَاتِ وُجُوبًا لِيُحْرِمَ مِنْهُ (وَإِنْ دَخَلَ مَكَّةَ مَا لَمْ يُحْرِمْ) بَعْدَ تَعَدِّي الْمِيقَاتِ. فَإِنْ أَحْرَمَ لَمْ يَلْزَمْهُ الرُّجُوعُ وَعَلَيْهِ الدَّمُ لِتَعَدِّيهِ الْمِيقَاتَ حَلَالًا وَلَا يُسْقِطُهُ عَنْهُ رُجُوعُهُ لَهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ كَمَا يَأْتِي ـــــــــــــــــــــــــــــQحَدِّ قَوْله تَعَالَى {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73] . قَوْلُهُ: [كَالْمُتَرَدَّدِينَ لَهَا] إلَخْ: كَانُوا مُخَاطَبِينَ بِالْحَجِّ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [مِنْ مَكَان قَرِيبٍ] : أَيْ لَمْ يَمْكُثْ فِيهِ كَثِيرًا بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي، وَسَوَاءٌ كَانَ مُخَاطَبًا أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [فِي الْأَرْبَعِ صُوَرٍ] : أَيْ إجْمَالًا وَإِلَّا فَهِيَ سَبْعٌ تَفْصِيلًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: " وَمَنْ مَرَّ غَيْرَ قَاصِدٍ مَكَّةَ " تَحْتَهُ صُورَتَانِ: وَهُمَا مُخَاطَبٌ، أَمْ لَا. وَقَوْلُهُ: " أَوْ غَيْرَ مُخَاطَبٍ بِهِ " صُورَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَوْلُهُ: " أَوْ قَصَدَهَا مُتَرَدِّدًا ": صُورَتَانِ: مُخَاطَبٌ، أَمْ لَا، وَقَوْلُهُ: (أَوْ عَادَ لَهَا - مِنْ قَرِيبٍ) صُورَتَانِ أَيْضًا: مُخَاطَبٌ، أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [كَالْعَبْدِ] : تَشْبِيهٌ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَجَمِيعُ الَّتِي لَا يَجِبُ فِيهَا الْإِحْرَامُ لَا دَمَ عَلَيْهِ فِيهَا بِمُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ حَلَالًا وَلَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ ضَرُورَةً مُسْتَطِيعًا عَلَى الرَّاجِحِ.

[نية الإحرام]

قَرِيبًا. (وَلَا دَمَ عَلَيْهِ) إذَا رَجَعَ لِلْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ مِنْهُ إذَا لَمْ يُحْرِمْ بَعْدَ تَعَدِّيهِ، فَقَوْلُهُ: " وَلَا دَمَ " مُرْتَبِطٌ بِالْمَنْطُوقِ: أَيْ وَرَجَعَ الْمُتَعَدِّي لِلْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ مُدَّةَ كَوْنِهِ لَمْ يُحْرِمْ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَحْرَمَ فَالدَّمُ، وَلَا يَنْفَعُهُ رُجُوعُهُ (إلَّا لِعُذْرٍ) مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ " وَرَجَعَ "، أَيْ وَيَجِبُ الرُّجُوعُ إلَّا لِعُذْرٍ (كَخَوْفِ فَوَاتٍ) لِحَجِّهِ لَوْ رَجَعَ، أَوْ فَوَاتِ رُفْقَةٍ أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَوْ عَدَمِ قُدْرَةٍ عَلَى الرُّجُوعِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ (فَالدَّمُ) وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِتَعَدِّيهِ الْمِيقَاتَ حَلَالًا، (كَرَاجِعٍ) لَهُ (بَعْدَ إحْرَامِهِ) عَلَيْهِ الدَّمُ، وَلَا يَنْفَعُهُ الرُّجُوعُ بَعْدَهُ فَأَوْلَى إذَا لَمْ يَرْجِعْ. فَمُتَعَدِّي الْمِيقَاتِ حَلَالًا إذَا لَمْ يَرْجِعْ لَهُ قَبْلَ إحْرَامِهِ يَلْزَمُهُ الدَّمُ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ؛ وَلَوْ فَسَدَ حَجُّهُ أَوْ كَانَ عَدَمُ الرُّجُوعِ لِعُذْرٍ. (إلَّا أَنْ يَفُوتَهُ) الْحَجُّ بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ قَبْلَ وُصُولٍ بِعَرَفَةَ، (فَتَحَلَّلَ) مِنْهُ (بِعُمْرَةٍ) بِأَنْ نَوَى التَّحَلُّلَ مِنْهُ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ، وَطَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ بِنِيَّتِهَا، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِلتَّعَدِّي، فَإِنْ لَمْ يَتَحَلَّلْ بِالْعُمْرَةِ وَبَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ لِقَابِلٍ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ. (وَهُوَ) : أَيْ الْإِحْرَامُ (نِيَّةُ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ) : أَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَأَصْلُ النُّسُكُ: الْعِبَادَةُ (أَوْ هُمَا) أَيْ نِيَّتُهُمَا مَعًا، فَإِنْ نَوَى الْحَجَّ فَمُفْرِدٌ، وَإِنْ نَوَى الْعُمْرَةَ فَمُعْتَمِرٌ. وَإِنْ نَوَاهُمَا فَقَارِنٌ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى ضَمِيمَةِ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ كَتَلْبِيَةٍ وَتَجَرُّدٍ عَلَى الْأَرْجَحِ. (أَوْ أَبْهَمَ) عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ: أَيْ عَيَّنَ نِيَّتَهُ فِي أَحَدِهِمَا أَوْ فِيهِمَا أَوْ أَبْهَمَ فِي إحْرَامِهِ أَيْ نِيَّتَهُ، بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا - بِأَنْ نَوَى النُّسُكَ لِلَّهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ أَحْرَمَ فَالدَّمُ] : أَيْ وَلَوْ أَفْسَدَهُ لِوُجُوبِ إتْمَامِهِ. قَوْلُهُ: [فَالدَّمُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ] : أَيْ وَيُحْرِمُ مِنْ مَكَانِهِ. [نِيَّة الْإِحْرَام] قَوْلُهُ: [وَأَصِلُ النُّسُكُ الْعِبَادَةِ] : أَيْ مُطْلَقًا حَجًّا أَوْ غَيْرَهُ، ثُمَّ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى ضَمِيمَةِ قَوْلٍ] إلَخْ: أَيْ افْتِقَارًا تَتَوَقَّفُ الصِّحَّةُ عَلَيْهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ غَيْرُ شَرْطٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.

مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ هُمَا، فَيَنْعَقِدُ وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ بَعْدُ. (وَنُدِبَ) إنْ أَبْهَمَ (صَرْفُهُ) : أَيْ تَعَيُّنُهُ (لِحَجٍّ) فَيَكُونُ مُفْرِدًا. (وَالْقِيَاسُ) صَرْفُهُ (لِقِرَانٍ) : لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى النُّسُكَيْنِ كَالنَّاسِي. (وَإِنْ نَسِيَ) مَا عَيَّنَهُ؛ أَهُوَ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ أَوْهَمَا (فَقِرَانٌ) فَيُهْدِي لَهُ، (وَنَوَى الْحَجَّ) : أَيْ جَدَّدَ نِيَّتَهُ وُجُوبًا لِأَنَّهُ إنْ كَانَ نَوَاهُ أَوَّلًا فَهَذَا تَأْكِيدٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ نَوَى الْعُمْرَةَ فَقَدْ أَرْدَفَ الْحَجَّ عَلَيْهَا، فَيَكُونُ قَارِنًا وَإِنْ كَانَ نَوَى الْقِرَانَ لَمْ يَضُرَّهُ تَجْدِيدُ نِيَّةِ الْحَجِّ؛ فَعَلَى كُلِّ حَالٍ هُوَ قَارِنٌ أَيْ يَعْمَلُ عَمَلَهُ وَيُهْدِي لَهُ. (وَبَرِئَ مِنْهُ فَقَطْ) لَا مِنْ الْعُمْرَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ نَوَى أَوَّلًا الْحَجَّ، وَالثَّانِيَةُ تَأْكِيدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ حَجٍّ] إلَخْ: أَيْ بِأَنْ يَقُولَ: " أَحْرَمْت لِلَّهِ، فَقَطْ. قَوْلُهُ: [وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ بَعْدُ] : وَحِينَئِذٍ فَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا إلَّا بَعْدَ التَّعْيِينِ. قَوْلُهُ: [أَيْ تَعْيِينَهُ لِحَجٍّ] : أَيْ إنْ وَقَعَ الصَّرْفُ قَبْلَ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَقَدْ أَحْرَمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَإِنْ كَانَ قَبْلَهَا صَرَفَهُ نَدْبًا لِعُمْرَةٍ، وَكُرِهَ لِحَجٍّ. فَإِنْ طَافَ صَرَفَهُ لِلْإِفْرَادِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَمْ لَا. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا وَلَمْ يُعَيِّنْ حَتَّى طَافَ، فَالصَّوَابُ أَنْ يَجْعَلَهُ حَجًّا وَيَكُونَ هَذَا طَوَافَ الْقُدُومِ لِأَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ لَيْسَ رُكْنًا فِي الْحَجِّ، وَالطَّوَافُ رُكْنٌ فِي الْعُمْرَةِ، وَقَدْ وَقَعَ قَبْلَ تَعْيِينِهِمَا (اهـ بْن نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَالْقِيَاسُ صَرْفُهُ لِقِرَانٍ] إلَخْ: أَيْ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلنَّصِّ. قَوْلُهُ: [وَنَوَى الْحَجَّ] إلَخْ: قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ: الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ مَنْ نَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ لَزِمَهُ عَمَلُ الْقِرَانِ؛ سَوَاءٌ نَوَى الْحَجَّ - أَيْ أَحْدَثَ نِيَّتَهُ - أَمْ لَا. وَبَرَاءَتُهُ مِنْ الْحَجِّ إنَّمَا تَكُونُ إذَا أَحْدَثَ نِيَّتَهُ؛ فَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ مِنْ عُهْدَةِ الْحَجِّ، وَلَا مِنْ الْعُمْرَةِ إذْ لَيْسَ مُحَقَّقًا عِنْدَهُ حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ. وَمَحِلُّ نِيَّةِ الْحَجِّ إذَا حَصَلَ شَكُّهُ فِي وَقْتٍ يَصِحُّ فِيهِ الْإِرْدَافُ؛ كَمَا لَوْ وَقَعَ قَبْلَ الطَّوَافِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ. وَأَمَّا لَوْ حَصَلَ بَعْدَ الرُّكُوعِ أَوْ فِي أَثْنَاءِ السَّعْيِ فَلَا يَنْوِي الْحَجَّ، إذَا لَا يَصِحُّ إرْدَافُهُ عَلَى الْعُمْرَةِ حِينَئِذٍ، بَلْ يَلْزَمُهُ عُمْرَةٌ وَيَسْتَمِرُّ عَلَى مَا هُوَ

(وَلَا يَضُرُّهُ) : أَيْ النَّاوِيَ لِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ (مُخَالَفَةُ لَفْظِهِ) لِنِيَّتِهِ - كَأَنْ نَوَى الْحَجَّ فَتَلَفَّظَ بِالْعُمْرَةِ إذْ الْعِبْرَةُ بِالْقَصْدِ لَا اللَّفْظِ، (وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ) : أَيْ اللَّفْظِ بِأَنْ يَقْتَصِر عَلَى مَا فِي الْقَلْبِ؛ (كَالصَّلَاةِ) لَا يَضُرُّهَا مُخَالَفَةُ اللَّفْظِ لِمَا نَوَاهُ، وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ. (وَلَا) يَضُرُّ (رَفْضُهُ) : أَيْ رَفْضُ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ، وَإِنْ رَفَضَهُ - أَيْ أَلْغَاهُ - بِخِلَافِ رَفْضِ الصَّلَاةِ أَوْ الصَّوْمِ فَمُبْطِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِيهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ. فَإِذَا فَرَغَ مِنْ السَّعْيِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَكَانَ مُتَمَتِّعًا إنْ كَانَتْ الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ (اهـ) . وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ حَتَّى يُتِمَّ أَفْعَالَ الْحَجِّ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَنْسِيَّ حَجٌّ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَأْخِيرِ الْحِلَاقِ، لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَنْوِيَّ ابْتِدَاءُ عُمْرَةٍ - تَأَمَّلْ. قَوْلَهُ: [مُخَالَفَةُ لَفْظِهِ] : أَيْ وَلَوْ عَمْدًا فَلَيْسَ كَالصَّلَاةِ، وَلَا دَمَ لِهَذِهِ الْمُخَالَفَةِ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ. وَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ: أَنَّ عَلَيْهِ الدَّمَ وَوَافَقَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، لَكِنْ خَلِيلٌ فِي مَنْسَكِهِ الْأَوَّلِ أَقْيَسُ. قَوْلُهُ: [كَالصَّلَاةِ] : تَشْبِيهٌ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ، وَلَيْسَ بِتَامٍّ لِأَنَّ تَعَمُّدَ الْمُخَالَفَةِ فِي الصَّلَاةِ مُبْطِلٌ لَهَا بِخِلَافِ الْحَجِّ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَضُرُّ رَفْضُهُ] : أَيْ وَلَوْ حَصَلَ فِي أَثْنَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ، فَإِذَا رَفَضَ إحْرَامَهُ فِي أَثْنَائِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِبَاقِي أَفْعَالِهِ الْمَطْلُوبَةِ كَالسَّعْيِ وَالطَّوَافِ ثُمَّ أَتَى بِهَا، فَصَحِيحَةٌ. بِخِلَافِ رَفْضِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ إذَا وَقَعَ فِي أَثْنَائِهِمَا، فَيُرْتَفَضُ كُلٌّ، وَيَكُونُ كَالتَّارِكِ لَهُ فَيُطْلَبُ بِغَيْرِهِ وَأَصْلُ الْإِحْرَامِ لَمْ يُرْتَفَضْ، وَنَصُّ عَبْدِ الْحَقِّ: فَإِذَا رَفَضَ إحْرَامَهُ ثُمَّ عَادَ لِلْمَوَاضِعِ الَّتِي يُخَاطَبُ بِهَا فَفَعَلَهَا لَمْ يَحْصُلْ لِرَفْضِهِ حُكْمٌ، وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي حِينِ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِ نَوَى الرَّفْضَ وَفَعَلَهَا بِغَيْرِ نِيَّةٍ - كَالطَّوَافِ وَنَحْوِهِ - فَإِنَّهُ يُعَدُّ كَالتَّارِكِ لِذَلِكَ - كَذَا فِي (بْن) . (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . تَنْبِيهٌ: فِي جَوَازِ إحْرَامِ الشَّخْصِ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ وَعَدَمِهِ قَوْلَانِ: فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يُحْرِمْ لَزِمَهُ هُوَ الْإِحْرَامُ وَيَكُونُ مُطْلَقًا يُخَيَّرُ فِي صَرْفِهِ لِمَا شَاءَ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ زَيْدٌ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ مَا أَحْرَمَ بِهِ أَوْ وَجَدَهُ مُحْرِمًا بِالْإِطْلَاقِ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ كَذَا فِي الْأَصْلِ.

[واجبات الإحرام]

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ وَاجِبَاتِ الْإِحْرَامِ وَسُنَنِهِ وَمَنْدُوبَاتِهِ فَقَالَ: (وَوَجَبَ) بِالْإِحْرَامِ (تَجَرُّدُ ذَكَرٍ مِنْ مُخَيَّطٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الذَّكَرُ مُكَلَّفًا أَمْ لَا. وَالْخِطَابُ يَتَعَلَّقُ بِوَلِيِّ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُخَيَّطُ بِخِيَاطَةٍ كَالْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ أَمْ لَا كَنَسْجٍ أَوْ صِبَاغَةٍ، أَوْ بِنَفْسِهِ كَجِلْدٍ سُلِخَ بِلَا شَقٍّ. وَمَفْهُومُ " ذَكَرٍ " أَنَّ الْأُنْثَى لَا يَجِبُ عَلَيْهَا التَّجَرُّدُ وَهُوَ كَذَلِكَ، إلَّا فِي نَحْوِ أَسَاوِرَ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مُفَصَّلَةٌ إنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى فِي فَصْلِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَاجِبَ - فِي بَابِ الْحَجِّ - غَيْرُ الْفَرْضِ؛ إذْ الْفَرْضُ هُنَا هُوَ الرُّكْنُ وَهُوَ: مَا لَا تَحْصُلُ حَقِيقَةُ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ إلَّا بِهِ، وَالْوَاجِبُ: مَا يَحْرُمُ تَرْكُهُ اخْتِيَارًا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلَا يَفْسُدُ النُّسْكُ: بِتَرْكِهِ وَيَنْجَبِرُ بِالدَّمِ. (وَ) وَجَبَ عَلَى الْمُحْرِمِ الْمُكَلَّفِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى: (تَلْبِيَةٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [وَاجِبَات الْإِحْرَام] قَوْلُهُ: [وَوَجَبَ بِالْإِحْرَامِ تَجَرُّدُ ذَكَرٍ] : ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَا رَدًّا عَلَى الْقَائِلِ بِأَنَّ التَّجَرُّدَ مِمَّا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْإِحْرَامِ عَلَيْهِ، فَبَيَّنَ أَنَّهُ وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ كَالتَّلْبِيَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: [مُكَلَّفًا أَمْ لَا] : لَكِنْ مَحَلُّ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ بِتَجَرُّدِ الصَّغِيرِ إنْ كَانَ مُطِيقًا لِذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا يُؤْمَرُ وَلِيُّهُ بِتَجْرِيدِهِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فَيُحْرِمُ الْوَلِيُّ عَنْ كَرَضِيعٍ وَمُطِيقٍ وَجُرِّدَا قُرْبَ الْحَرَمِ. قَوْلُهُ: [وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَاجِبَ] إلَخْ: هَذَا اصْطِلَاحٌ لِلْفُقَهَاءِ مَخْصُوصٌ بِبَابِ الْحَجِّ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَالْوَاجِبُ وَالْفَرْضُ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ. قَوْلُهُ: [وَوَجَبَ عَلَى الْمُحْرِمِ الْمُكَلَّفِ] : أَيْ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَلَا يُطَالَبُ بِهَا وَلِيُّهُ إنْ عَجَزَ عَنْهَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهَا الصَّبِيُّ لَا يَجِبُ عَلَى وَلِيِّهِ أَمْرُهُ بِهَا، وَلَا يَكُونُ فِي تَرْكِهَا دَمٌ، مَعَ أَنَّ الْأَصِيلِيَّ. قَالَ عِنْدَ قَوْلِ خَلِيلٍ: " وَأَمْرُهُ مَقْدُورُهُ " أَيْ وُجُوبًا، لِأَنَّهُ كَأَرْكَانِ النَّافِلَةِ تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَ الصَّبِيُّ التَّلْبِيَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ يَكُونُ عَلَيْهِ الدَّمُ، فَلَا يَظْهَرُ تَقْيِيدُهُ بِالْمُكَلَّفِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَمَّمَ هُنَا كَمَا عُمِّمَ فِي التَّجَرُّدِ.

(وَ) وَجَبَ (وَصْلُهَا بِهِ) : أَيْ بِالْإِحْرَامِ، فَمَنْ تَرَكَهَا رَأْسًا أَوْ فَصَلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ بِفَصْلٍ طَوِيلٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَبَقِيَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ كَشْفُ الرَّأْسِ لِلذَّكَرِ. (وَسُنَّ) لِلْإِحْرَامِ (غُسْلٌ مُتَّصِلٌ) بِهِ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ كَالْجُمُعَةِ. فَإِنْ تَأَخَّرَ إحْرَامُهُ كَثِيرًا أَعَادَ، وَلَا يَضُرُّ فَصْلٌ بِشَدِّ رِحَالِهِ، وَإِصْلَاحِ حَالٍ. (وَ) سُنَّ (لُبْسُ إزَارٍ) بِوَسَطِهِ، (وَرِدَاءٍ) عَلَى كَتِفَيْهِ، (وَنَعْلَيْنِ) فِي رِجْلَيْهِ كَنِعَالِ التَّكْرُورِ، وَغَالِبِ أَهْلِ الْحِجَازِ أَيْ إنَّ السُّنَّةَ مَجْمُوعُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ التَّجَرُّدَ مِنْ الْمُخَيَّطِ وَاجِبٌ، فَلَوْ الْتَحَفَ بِرِدَاءٍ أَوْ كِسَاءٍ أَجْزَأَ وَخَالَفَ السُّنَّةَ. (وَ) سُنَّ (رَكْعَتَانِ) بَعْدَ الْغُسْلِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ، (وَأَجْزَأَ) عَنْهُمَا (الْفَرْضُ) وَحَصَلَ بِهِ السُّنَّةُ، وَفَاتَهُ الْأَفْضَلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ فَصَلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ بِفَصْلٍ طَوِيلٍ] : أَيْ وَأَمَّا اتِّصَالُهَا بِالْإِحْرَامِ حَقِيقَةً فَسُنَّةٌ لَا شَيْءَ فِي تَرْكِهَا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ عَطْفُ خَلِيلٍ لَهَا عَلَى السُّنَنِ. قَوْلُهُ: [مُتَّصِلٌ بِهِ] : وَاخْتُلِفَ هَلْ هَذَا الِاتِّصَالُ مِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ؟ فَإِذَا اغْتَسَلَ غَدْوَةَ وَأَخَّرَ الْإِحْرَامَ لِلظُّهْرِ لَمْ يُجْزِهِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: الِاتِّصَالُ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، فَلَوْ تَرَكَهُ أَتَى بِسُنَّةِ الْغُسْلِ وَفَاتَتْهُ سُنَّةُ الِاتِّصَالِ. قَوْلُهُ: [أَعَادَهُ] : أَيْ عَلَى قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ طَلَبِ الِاتِّصَالِ مَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَيُرِيدُ الْإِحْرَامَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ الْغُسْلُ بِالْمَدِينَةِ، وَيَأْتِي لَابِسًا لِثِيَابِهِ، فَإِذَا وَصَلَ لِذِي الْحُلَيْفَةِ تَجَرَّدَ وَأَحْرَمَ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ خَلِيلٍ: " وَنُدِبَ بِالْمَدِينَةِ لِلْحُلَيْفَى ". قَوْلُهُ: [وَسُنَّ رَكْعَتَانِ] : أَيْ فَأَكْثَرُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ ظَاهِرَهُ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ رَكْعَتَانِ فَقَطْ، بَلْ بَيَانٌ لِأَقَلَّ مَا تَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ. ثُمَّ مَحَلُّ سُنِّيَّتِهِمَا إنْ كَانَ وَقْتَ جَوَازٍ وَإِلَّا انْتَظَرَهُ بِالْإِحْرَامِ مَا لَمْ يَكُنْ مُرَاهِقًا، وَإِلَّا أَحْرَمَ وَتَرَكَهُمَا، كَمَا أَنَّ الْمَعْذُورَ مِثْلَ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ يَتْرُكُهُمَا. قَوْلُهُ: [وَحَصَلَ بِهِ السُّنَّةُ] : الْحَاصِلُ أَنَّ السُّنَّةَ تَحْصُلُ بِإِيقَاعِ الْإِحْرَامِ عَقِبَ

وَلَا دَمَ فِي تَرْكِ السُّنَنِ، وَبِخِلَافِ الْوَاجِبِ، فَإِذَا اغْتَسَلَ وَلَبِسَ مَا ذُكِرَ وَصَلَّى. (يُحْرِمُ الرَّاكِبُ) نَدْبًا (إذَا اسْتَوَى) عَلَى ظَهْرِ دَابَّتِهِ. (وَ) يُحْرِمُ (الْمَاشِي إذَا مَشَى) أَيْ شَرَعَ فِيهِ. (وَنُدِبَ) لِلْمُحْرِمِ (إزَالَةُ شَعَثِهِ) قَبْلَ الْغُسْلِ؛ بِأَنْ يَقُصَّ أَظْفَارَهُ وَشَارِبَهُ وَيَحْلِقَ عَانَتَهُ؛ وَيَنْتِفَ شَعْرَ إبِطِهِ، وَيُرَجِّلَ شَعْرَ رَأْسِهِ أَوْ يَحْلِقَهُ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحِلَاقِ لِيَسْتَرِيحَ بِذَلِكَ مِنْ ضَرَرِهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ. (وَ) نُدِبَ (الِاقْتِصَارُ عَلَى تَلْبِيَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) وَهِيَ: " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَلَاةٍ وَلَوْ فَرْضًا، لَكِنْ إنْ كَانَتْ نَفْلًا فَقَدْ أَتَى بِسُنَّةٍ وَمَنْدُوبٍ، وَإِنْ فَعَلَهُ بَعْدَ فَرْضٍ فَقَدْ أَتَى بِسُنَّةٍ فَقَطْ. وَانْظُرْ هَلْ أَرَادَ بِالْفَرْضِ خُصُوصَ الْعَيْنِيِّ؟ أَوْ وَلَوْ جِنَازَةً وَهُوَ مَنْذُورُ النَّوَافِلِ، كَالْفَرْضِ الْأَصْلِيِّ أَمْ لَا؟ وَبَقِيَ مِنْ سُنَنِ الْإِحْرَامِ الْإِشْعَارُ وَالتَّقْلِيدُ لِلْهَدْيِ إنْ كَانَ مَعَهُ، وَيَكُونَانِ بَعْدَ الرُّكُوعِ. قَوْلُهُ: [وَصَلَّى] : أَيْ وَأَشْعَرَ وَقَلَّدَ إنْ كَانَ مَعَهُ مَا يُشْعَرُ أَوْ يُقَلَّدُ. قَوْلُهُ: [إذَا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِ دَابَّتِهِ] : أَيْ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَشْيِهَا وَإِحْرَامُ الرَّاكِبِ إذَا اسْتَوَى، وَالْمَاشِي إذَا مَشَى عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَوِيَّةِ، فَلَوْ أَحْرَمَ الرَّاكِبُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى دَابَّتِهِ، وَالْمَاشِي قَبْلَ مَشْيِهِ كَفَاهُ ذَلِكَ مَعَ الْكَرَاهَةِ. قَوْلُهُ: [وَيُرَجِّلُ شَعْرَ رَأْسِهِ] إلَخْ: هَذَا خِلَافُ مَا قَالَهُ الْخَرَشِيُّ وَالْمَجْمُوعُ، فَإِنَّ الْخَرَشِيَّ قَالَ فِي حِلِّ قَوْلِ خَلِيلٍ " وَإِزَالَةُ شَعَثِهِ ": أَيْ مَا عَدَا الرَّأْسَ، فَإِنَّ الْأَفْضَلَ بَقَاءُ شَعَثِهِ فِي الْحَجِّ - ابْنُ بَشِيرٍ - وَيُلَبِّدُهُ بِصَمْغٍ أَوْ غَاسُولٍ لِيَلْتَصِقَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَيَقِلُّ دَوَابَّهُ (اهـ) . قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: قَدْ وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبَّدَ رَأْسَهُ بِالْعَسَلِ كَمَا فِي أَبِي دَاوُد، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْعَسَلُ بِمُهْمَلَتَيْنِ صَمْغُ الْعُرْفُطِ بِالضَّمِّ: شَجَرُ الْعِضَاهِ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ لَبَّيْكَ] : مَعْنَاهُ إجَابَةٌ بَعْدَ إجَابَةٍ، أَيْ أَجَبْتُك الْآنَ كَمَا أَجَبْتُك

إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك. (وَ) نُدِبَ (تَجْدِيدُهَا لِتَغَيُّرِ حَالٍ) : كَقِيَامٍ وَقُعُودٍ وَصُعُودٍ وَهُبُوطٍ وَرَحِيلٍ وَحَطٍّ وَيَقَظَةٍ مِنْ نَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ (وَخَلْفِ صَلَاةٍ) وَلَوْ نَافِلَةً، (وَ) عِنْدَ (مُلَاقَاةِ رِفَاقٍ) أَوْ رُفْقَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحِينَ أَذَّنَ إبْرَاهِيمُ بِهِ فِي النَّاسِ، وَكَمَا أَجَبْتُك أَوَّلًا حِينَ خَاطَبْت الْأَرْوَاحَ بِ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172] كَذَا وَقِيلَ الْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَعْنَى لَبَّيْكَ إجَابَةٌ لَك بَعْدَ إجَابَةٍ فِي جَمِيعِ أَمْرِك وَكُلِّ خِطَابَاتِك. قَوْلُهُ: [إنَّ الْحَمْدَ] : يُرْوَى بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَبِفَتْحِهَا عَلَى التَّعْلِيلِ، وَالْكَسْرُ أَجْوَدُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: لِأَنَّ مَنْ كَسَرَ جَعَلَ مَعْنَاهُ إنَّ الْحَمْدَ لَك عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَمَنْ فَتْح جَعَلَ مَعْنَاهُ لَبَّيْكَ لِهَذَا السَّبَبِ. تَنْبِيهٌ: كَانَ عُمَرُ يَزِيدُ: " لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ الْحَسَنِ، لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ مَرْهُوبًا مِنْك وَمَرْغُوبًا إلَيْك "، وَزَادَ ابْنُهُ: " لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك، لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك "، وَهَذِهِ النِّيَّةُ تُكْرَهُ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ لِقَوْلِ التَّهْذِيبِ: كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُلَبِّيَ بِهَا مَنْ لَا يُرِيدُ الْحَجَّ، وَرَآهُ سَخَافَةَ عَقْلٍ. وَأَمَّا إجَابَةُ الصَّحَابَةِ لِلنَّبِيِّ بِالتَّلْبِيَةِ فَهِيَ مِنْ خَصَائِصِهِ - كَذَا فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ (بْن) : وَهُوَ غَيْرُ مُسْلِمٍ، وَالظَّاهِرُ - كَمَا قَالَ ابْنُ هَارُونَ: إنَّ الَّذِي كَرِهَهُ الْإِمَامُ إنَّمَا هُوَ اسْتِعْمَالُ تَلْبِيَةِ الْحَجِّ فِي غَيْرِهِ، كَاِتِّخَاذِهَا وِرْدًا كَبَقِيَّةِ الْأَذْكَارِ لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْعِبَادَةِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَتْ لَهُ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِمَنْ نَادَاهُ: لَبَّيْكَ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، بَلْ هُوَ أَحْسَنُ أَدَبًا وَفِي الشِّفَاءِ عَنْ عَائِشَةَ: «مَا نَادَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا أَهْلِ مِلَّتِهِ إلَّا قَالَ: لَبَّيْكَ» ، وَبِهِ يُرَدُّ قَوْلُ ابْنِ أَبِي جَمْرَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مَعَهُمْ. (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَعِنْدَ مُلَاقَاةِ رِفَاقٍ] : أَيْ فَتَكُونُ شِعَارَهُمْ تُغْنِي عَنْ التَّحِيَّةِ، وَلِذَلِكَ

(وَ) نُدِبَ (تَوَسُّطٌ فِي عُلُوِّ صَوْتِهِ) فَلَا يُسِرُّهَا، وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ جِدًّا حَتَّى يُعْقِرَهُ. (وَ) نُدِبَ تَوَسُّطٌ (فِيهَا) أَيْ فِي ذِكْرِهَا؛ فَلَا يَتْرُكُ حَتَّى تَفُوتَهُ الشَّعِيرَةُ وَلَا يُوَالِيَ حَتَّى يَلْحَقَهُ الضَّجَرُ. (فَإِنْ تُرِكَتْ) التَّلْبِيَةُ (أَوَّلَهُ) : أَيْ الْإِحْرَامِ (وَطَالَ) الزَّمَنُ طُولًا كَثِيرًا؛ كَأَنْ يُحْرِمَ أَوَّلَ النَّهَارِ وَيُلَبِّيَ وَسَطَهُ (فَدَمٌ) ، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ وَصْلَهَا بِالْعُرْفِ وَاجِبٌ. وَقَوْلُهُ: (لِلطَّوَافِ) غَايَةٌ لِقَوْلِهِ: " وَتَجْدِيدٌ " إلَى آخِرِهِ: أَيْ يَنْدُبُ تَجْدِيدُهَا وَإِعَادَتُهَا إلَى أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَيَشْرَعَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، فَيَتْرُكَهَا (حَتَّى) : أَيْ إلَى أَنْ (يَطُوفَ) لِلْقُدُومِ، (وَيَسْعَى) بَعْدَهُ، وَقِيلَ: يَتْرُكَهَا بِدُخُولِهِ مَكَّةَ حَتَّى يَطُوفَ وَيَسْعَى، (فَيُعَاوِدَهَا) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ السَّعْيِ مَا دَامَ بِمَكَّةَ. (وَإِنْ بِالْمَسْجِدِ) الْحَرَامِ: أَيْ فِيهِ وَيَسْتَمِرُّ عَلَى ذَلِكَ (لِرَوَاحٍ) : أَيْ وُصُولِ (مُصَلَّى) أَيْ مَسْجِدِ (عَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِهِ) أَيْ يَوْمِ عَرَفَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالُوا: يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُلَبِّي. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ تَوَسُّطٌ فِيهَا] إلَخْ: وَيُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي تَكْبِيرِ الْعِيدِ وَكُلِّ مَنْدُوبٍ مُرَغَّبٍ فِيهِ مِنْ الْأَذْكَارِ، لِأَنَّ خَيْرَ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا. قَوْلُهُ: [فَإِنْ تَرَكْت التَّلْبِيَةَ أَوَّلَهُ] : وَمِثْلُ التَّرْكِ وَالطَّوْلِ فِي الدَّمِ مَا لَوْ تَرَكَهَا رَأْسًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَفْهُومُ الظَّرْفِ أَنَّهُ إذَا تَرَكَهَا فِي أَثْنَائِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ، وَصَرَّحَ بِهِ عَبْدُ الْحَقِّ وَالتُّونُسِيُّ وَصَاحِبُ التَّلْقِينِ وَابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ، قَالُوا أَقَلُّهَا مَرَّةٌ وَإِنْ قَالَهَا ثُمَّ تَرَكَ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، قَالَ (ح) : وَشَهَّرَ ابْنُ عَرَفَةَ وُجُوبَ الدَّمِ. وَنَصُّهُ: فَإِنْ لَبَّى حِينَ أَحْرَمَ وَتَرَكَ فَفِي لُزُومِ الدَّمِ ثَالِثُهَا إنْ لَمْ يُعَوِّضْهَا بِتَكْبِيرٍ وَتَهْلِيلٍ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَإِنْ ابْتَدَأَ بِهَا وَلَمْ يُعِدْهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ فِي أَقْوَى الْقَوْلَيْنِ؛ فَتَحَصَّلَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالًا ثَلَاثَةً. قَوْلُهُ: [فَيُعَاوِدُهَا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ السَّعْيِ] : أَيْ اسْتِحْبَابًا كَمَا قِيلَ، وَفِي الْمَجْمُوعِ: وَعَاوَدَهَا وُجُوبًا بَعْدَ سَعْيٍ، فَإِنْ لَمْ يُعَاوِدْهَا أَصْلًا فَدَمٌ عَلَى الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ. (اهـ) . وَتَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ. قَوْلُهُ: [أَيْ مَسْجِدُ عَرَفَةَ] : بِالْفَاءِ لِأَنَّهُ كَائِنٌ فِيهَا، وَيُقَالُ أَيْضًا عُرَنَةُ بِالنُّونِ مَكَانٌ غَيْرُ عَرَفَةَ، وَأُضِيفَ الْمَسْجِدُ لَهُ لِمُجَاوَرَتِهِ لَهَا لِأَنَّ حَائِطَهُ الْقِبْلِيَّ يَلْصَقُهَا.

فَغَايَةُ التَّلْبِيَةِ مُقَيَّدَةٌ بِقَيْدَيْنِ: الْوُصُولُ لِمَسْجِدِ عَرَفَهُ. وَكَوْنُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ. فَإِنْ وَصَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ لَبَّى إلَى الزَّوَالِ، وَإِنْ زَالَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ الْوُصُولِ لَبَّى إلَى الْوُصُولِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ إنْ وَصَلَ عَرَفَةَ قَبْلَ يَوْمِهَا - كَمَا يَفْعَلُ غَالِبُ النَّاسِ الْآنَ - فَإِنَّهُ يَسْتَمِرُّ عَلَى التَّلْبِيَةِ حَتَّى يُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعَ تَقْدِيمٍ يَوْمَهَا، فَإِذَا صَلَّاهُمَا قَطَعَهَا وَتَوَجَّهَ لِلْوُقُوفِ مَعَ النَّاسِ مُتَضَرِّعًا مُبْتَهِلًا بِالدُّعَاءِ، وَجِلًا خَائِفًا مِنْ اللَّهِ، رَاجِيًا مِنْهُ الْقَبُولَ، وَلَا يُلَبِّي كَمَا يَفْعَلُهُ غَالِبُ النَّاسِ الْآنَ. هَذَا فِيمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ. وَلَمْ يَفُتْهُ الْحَجُّ؛ وَأَمَّا الْمُعْتَمِرُ وَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ، أَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ. فَأَشَارَ لَهُمْ بِقَوْلِهِ: (وَمُحْرِمُ مَكَّةَ) : أَيْ وَالْمُحْرِمُ مِنْهَا - لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ مُقِيمًا بِهَا - وَلَا يَكُونُ إلَّا بِحَجٍّ مُفْرِدًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُعْتَمِرًا أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ - (يُلَبِّي بِالْمَسْجِدِ مَكَانَهُ) : أَيْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ. وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ سَعْيَهُ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ إذْ لَا قُدُومَ عَلَيْهِ وَيَسْتَمِرُّ يُلَبِّي إلَى رَوَاحِ مُصَلَّى عَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ كَمَا تَقَدَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَغَايَةُ التَّلْبِيَةِ مُقَيَّدَةٌ] إلَخْ: أَيْ فَمَتَى وُجِدَ الْقَيْدَانِ تَمَّتْ التَّلْبِيَةُ وَلَا يُعَاوِدُهَا أَصْلًا، هَذَا هُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَالْمَرْجُوعُ عَنْهُ: أَنَّهُ يَسْتَمِرُّ يُلَبِّي إلَى أَنْ يَصِلَ لِمَحِلِّ الْوُقُوفِ، وَلَا يَقْطَعُ إذَا وَصَلَ لِمُصَلَّى عَرَفَةَ، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: لَوْ أَحْرَمَ مِنْ مُصَلَّى عَرَفَةَ فَإِنَّهُ يُلَبِّي إلَى أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إذَا كَانَ إحْرَامُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ. فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْهَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يُلَبِّي لِلزَّوَالِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ غَيْرِهَا (اهـ) . فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَتَكُونُ الْقُيُودُ ثَلَاثَةً. قَوْلُهُ: [إنْ وَصَلَ عَرَفَةَ قَبْلَ يَوْمِهَا] : أَيْ وَخَالَفَ الْمَشْرُوعَ مِنْ كَوْنِهِ يَخْرُجُ يَوْمَ الثَّامِنِ إلَى مِنًى قَدْرَ مَا يُدْرِكُ بِهَا الظُّهْرَ، فَيُصَلِّي بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَيَبِيتُ بِهَا حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ، ثُمَّ يَرْتَحِلُ يَوْمَهَا لِعَرَفَةَ فَإِنَّ هَذَا مَتْرُوكٌ الْآنَ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُلَبِّي] إلَخْ: أَيْ فَيَنْهَى عَنْ التَّلْبِيَةِ حَيْثُ كَانَ مَالِكِيًّا، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مَذْهَبُهُ يَرَى ذَلِكَ فَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُ. قَوْلُهُ: [هَذَا فِيمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ] : أَيْ مُفْرَدًا أَوْ قَارِنًا.

[أفضلية الإفراد بالحج فالقران فالتمتع]

(وَمُعْتَمِرُ الْمِيقَاتِ) : مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ (وَفَائِتُ الْحَجِّ) : أَيْ الْمُعْتَمِرُ الَّذِي فَاتَهُ الْحَجُّ - بِأَنْ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِحَجٍّ فَفَاتَهُ بِحَصْرٍ أَوْ مَرَضٍ، فَتَحَلَّلَ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ كُلٌّ مِنْهُمَا يُلَبِّي (لِلْحَرَمِ) ، وَلَا يَتَمَادَى لِلْبُيُوتِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْحَرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِالْحَجِّ وَلَوْ قَارِنًا يُلَبِّي لِلْبُيُوتِ أَوْ لِلطَّوَافِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَالْمُعْتَمِرُ مِنْهُ لِلْحَرَمِ. (وَ) الْمُعْتَمِرُ (مِنْ) دُونِ الْمِيقَاتِ - (كَالْجِعْرَانَةِ) وَالتَّنْعِيمِ - يُلَبِّي (لِلْبُيُوتِ) لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ، فَالتَّلْبِيَةُ فِي الْعُمْرَةِ أَقَلُّ مِنْهَا فِي الْحَجِّ. (وَالْإِفْرَادُ) بِالْحَجِّ (أَفْضَلُ) مِنْ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ هَدْيٌ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ مُفْرِدًا عَلَى الْأَصَحِّ. (فَالْقِرَانُ) يَلِي الْإِفْرَادَ فِي الْفَضْلِ، وَفَسَّرَهُ بِصُورَتَيْنِ أَشَارَ لِلْأُولَى بِقَوْلِهِ: (بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا) : أَيْ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مَعًا بِأَنْ يَنْوِيَ الْقِرَانَ أَوْ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ. (وَقَدَّمَهَا) : أَيْ الْعُمْرَةَ فِي النِّيَّةِ وَالْمُلَاحَظَةَ وُجُوبًا إنْ رَتَّبَ، وَنَدْبًا فِي اللَّفْظِ إنْ تَلَفَّظَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا يَتَمَادَى لِلْبُيُوتِ] : أَيْ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ، وَالْمُرَادُ بِالْحَرَمِ: الْحَرَمُ الْعَامُّ لَا خُصُوصُ الْمَسْجِدِ، خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ - كَمَا هُوَ تَقْرِيرُ مُؤَلَّفِهِ وَسِيَاقِهِ هُنَا. قَوْلُهُ: [أَقَلُّ مِنْهَا فِي الْحَجِّ] : أَيْ لِأَنَّهُ يَتْرُكُهَا فِي الْعُمْرَةِ عِنْدَ الْحَرَمِ تَارَةً، وَعِنْدَ رُؤْيَةِ الْبُيُوتِ تَارَةً، وَلَا يُعَاوِدُهَا بِخِلَافِهَا فِي الْحَجِّ الَّذِي لَمْ يَفُتْهُ، فَإِنَّهُ يَسْتَمِرُّ لِلطَّوَافِ وَيُعَاوِدُهَا عَقِبَ السَّعْيِ. [أَفْضَلِيَّة الْإِفْرَاد بِالْحَجِّ فَالْقِرَان فَالتَّمَتُّع] قَوْلُهُ: [وَالْإِفْرَادُ بِالْحَجِّ أَفْضَلُ] إلَخْ: قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَعَدَّهُ ابْنُ تُرْكِيٍّ فِي الْأُمُورِ الَّتِي فِي تَرْكِهَا دَمٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ (اهـ) . وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَفْضَلِيَّتُهُ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ سَعَةٌ مِنْ الْوَقْتِ، خِلَافًا لِمَا رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ: أَنَّ مَنْ قَدِمَ مَكَّةَ مُرَاهِقًا فَالْإِفْرَادُ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ، وَأَمَّا مَنْ قَدِمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ طُولِ زَمَانٍ فَالتَّمَتُّعُ أَوْلَى لَهُ وَخِلَافًا لِمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ، وَلِمَا قَالَهُ أَشْهَبُ وَأَبُو حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ، لِأَنَّ عِبَادَتَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةٍ. قَوْلُهُ: [فَالْقِرَانُ يَلِي الْإِفْرَادَ] : أَيْ وَإِنْ كَانَ الْقِرَانُ يَسْقُطُ بِهِ طَلَبُ النُّسُكَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْمَفْضُولِ مَا لَا يَكُونُ فِي الْفَاضِلِ.

الثَّانِيَةُ: أَنْ يَنْوِيَ الْعُمْرَةَ، ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فَيُرْدِفَ الْحَجَّ عَلَيْهَا، وَلَا يَصِحُّ إرْدَافُ عُمْرَةٍ عَلَى حَجٍّ لِقُوَّتِهِ فَلَا يَقْبَلُ غَيْرَهُ، وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (أَوْ يُرْدِفُهُ) : أَيْ الْحَجَّ (عَلَيْهَا) : أَيْ الْعُمْرَةِ، بِأَنْ يَنْوِيَهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِهَا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي طَوَافِهَا أَوْ (بِطَوَافِهَا) قَبْلَ تَمَامِهِ. وَمَحِلُّ صِحَّةِ إرْدَافِهِ: (إنْ صَحَّتْ) الْعُمْرَةُ لِوَقْتِ الْإِرْدَافِ، فَإِنْ فَسَدَتْ بِجِمَاعٍ أَوْ إنْزَالٍ قَبْلَ الْإِرْدَافِ، لَمْ يَصِحَّ. وَوَجَبَ إتْمَامُهَا فَاسِدَةً، ثُمَّ يَقْضِيهَا وَعَلَيْهِ دَمٌ. (وَكَمَّلَهُ) أَيْ الطَّوَافَ الَّذِي أَرْدَفَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فِيهِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْهِ وُجُوبًا، (وَ) لَكِنْ (لَا يَسْعَى) لِهَذِهِ الْعُمْرَةِ (حِينَئِذٍ) : أَيْ حِينَ أَرْدَفَهُ عَلَيْهَا بِطَوَافِهَا، لِأَنَّهُ صَارَ غَيْرَ وَاجِبٍ لِانْدِرَاجِ الْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ؛ فَالطَّوَافُ الْفَرْضُ لَهُمَا هُوَ الْإِفَاضَةُ وَلَا قُدُومَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ، حَيْثُ جَدَّدَ نِيَّةَ الْحَجِّ فِيهَا. وَالسَّعْيُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ طَوَافٍ وَاجِبٍ، وَحِينَئِذٍ فَيُؤَخِّرُهُ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ، وَانْدَرَجَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ فِي الصُّورَتَيْنِ، فَيَكُونُ الْعَمَلُ لَهُمَا وَاحِدًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا يَقْبَلُ غَيْرَهُ] : أَيْ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَا يَرْتَدِفُ عَلَيْهِ حَجٌّ آخَرُ وَلَا عُمْرَةٌ كَمَا قَالَ خَلِيلٌ: " وَلَغَا عُمْرَةً عَلَيْهِ كَالثَّانِي فِي حُجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ ". قَوْلُهُ: [أَوْ بِطَوَافِهَا قَبْلَ تَمَامِهِ] : أَيْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، خِلَافًا لِأَشْهَبَ الْقَائِلِ إذَا شَرَعَ فِي الطَّوَافِ فَاتَ الْإِرْدَافُ. قَوْلُهُ: [لَمْ يَصِحَّ] : أَيْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيهِ قَالَهُ سَنَدٌ. وَهُوَ بَاقٍ عَلَى عُمْرَتِهِ، وَلَا يَحْتَجُّ حَتَّى يَقْضِيَهَا، فَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ تَمَامِهَا وَقَبْلَ قَضَائِهَا صَحَّ حَجُّهُ وَلَوْ فَسَدَتْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَمُتَمَتِّعٌ، وَحَجُّهُ تَامٌّ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ عُمْرَتِهِ، كَذَا فِي الْأُجْهُورِيِّ (اهـ) مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَالسَّعْيُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ طَوَافٍ وَاجِبٍ] : أَيْ وُجُوبًا غَيْرَ شَرْطٍ كَمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ شَرْطَ صِحَّتِهِ تَقَدُّمُ طَوَافٍ، وَكَوْنُ الطَّوَافِ وَاجِبًا غَيْرَ شَرْطٍ. قَوْلُهُ: [فَيُؤَخِّرُهُ بَعْدَ الْإِضَافَةِ] : أَيْ وُجُوبًا، فَإِنْ قَدَّمَهُ أَجْزَأَ وَيُؤْمَرُ بِإِعَادَتِهِ بَعْدَ طَوَافٍ يَنْوِ فَرْضِيَّتَهُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، فَإِنْ تَبَاعَدَ عَنْهَا لَزِمَهُ دَمٌ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [فَيَكُونُ الْعَمَلُ لَهُمَا وَاحِدًا] : خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي إيجَابِهِ عَلَى الْقَارِنِ

(وَكُرِهَ) الْإِرْدَافُ (بَعْدَهُ) : أَيْ الطَّوَافِ، وَصَحَّ قَبْلَ الرُّكُوعِ، بَلْ (وَلَوْ بِالرُّكُوعِ) أَيْ فِيهِ (لَا بَعْدَهُ) فَلَا يَصِحُّ لِتَمَامِ غَالِبِ أَرْكَانِهَا إذْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنْهَا إلَّا السَّعْيُ. (فَالتَّمَتُّعُ) يَلِي الْقِرَانَ فِي الْفَضْلِ، وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: (بِأَنْ يَحِلَّ مِنْهَا) : أَيْ مِنْ الْعُمْرَةِ (فِي أَشْهُرِهِ) : أَيْ الْحَجِّ، وَهَذَا صَادِقٌ بِمَا إذَا كَانَ أَحْرَمَ بِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ قَبْلَهَا، وَأَتَمَّهَا فِيهَا وَلَوْ بِبَعْضِ الرُّكْنِ الْأَخِيرِ مِنْهَا؛ كَمَنْ أَحْرَمَ بِهَا فِي رَمَضَانَ، وَتَمَّمَ سَعْيَهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ مِنْ لَيْلَةِ شَوَّالٍ (ثُمَّ يَحُجُّ مِنْ عَامِهِ) الَّذِي اعْتَمَرَ فِيهِ، (وَإِنْ) كَانَ حَجُّهُ مُلْتَبِسًا (بِقِرَانٍ) فَحَقِيقَةُ التَّمَتُّعِ حَجُّ مُعْتَمِرٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ، وَعَلَيْهِ هَدْيٌ لِتَمَتُّعِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQطَوَافَيْنِ وَسَعْيَيْنِ، بَلْ لَا يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ الْقَارِنَ أَنْ يَسْتَحْضِرَ عِنْدَ إتْيَانِهِ بِالْأَفْعَالِ الْمُشْتَرَكَةِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنَّهَا لَهُمَا، بَلْ لَوْ لَمْ يَسْتَشْعِرْ الْعُمْرَةَ أَجْزَأَ. قَوْلُهُ: [لَا بَعْدَهُ فَلَا يَصِحُّ] : أَيْ وَيَكُونُ لَاغِيًا وَأَمَّا بَعْدَ السَّعْيِ وَقَبْلَ الْحِلَاقِ فَحَجٌّ مُؤْتَنَفٌ بَعْدَ عُمْرَةٍ تَمَّتْ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ الْقُدُومُ عَلَى ذَلِكَ لِاسْتِلْزَامِ تَأْخِيرِ حَقِّ الْعُمْرَةِ لِلتَّحَلُّلِ مِنْ الْحَجِّ، وَيَلْزَمُهُ هَدْيٌ لِلتَّأْخِيرِ، فَلَوْ حَلَقَ بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَقَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ أَفْعَالِهِ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ وَهَدْيٌ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْوَاجِبَ أَصَالَةُ تَرْكِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ حَتَّى يَحْلِقَ لِلْعُمْرَةِ، فَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ الْوَاجِبَ وَأَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ حِلَاقِهَا وَبَعْدَ سَعْيِهَا صَحَّ وَلَزِمَهُ تَأْخِيرُ الْحَلْقِ لِلْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ وَأَهْدَى لِتَرْكِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ، فَإِنْ قَدَّمَ الْحَلْقَ قَبْلَ الْفَرَاغِ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ لِإِزَالَةِ الْأَذَى وَهُوَ مُحْرِمٌ وَهَدْيٌ، لِعَدَمِ تَعْجِيلِ الْحَلْقِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ. قَوْلُهُ: [فَالتَّمَتُّعُ يَلِي الْقِرَانَ] : سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ تَمَتَّعَ بِإِسْقَاطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ. وَقِيلَ لِأَنَّهُ تَمَتَّعَ مِنْ عُمْرَتِهِ بِالنِّسَاءِ وَالطِّيبِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَأَحَلَّ مِنْهُ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ لِأَنَّ عِلَّةَ التَّسْمِيَةِ لَا تَقْتَضِي التَّسْمِيَةَ، وَلَا يَرِدُ عَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَحَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَجَلَسَ حَتَّى أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِإِسْقَاطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ - كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. وَالتَّمَتُّعُ - وَإِنْ كَانَ يَلِي الْقِرَانَ فِي الْفَضْلِ - أَفْضَلُ مِنْ الْإِطْلَاقِ لِأَنَّ أَوْجُهَ الْإِحْرَامِ أَرْبَعَةٌ، إفْرَادٌ وَقِرَانٌ وَتَمَتُّعٌ وَإِطْلَاقٌ، وَهِيَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ حَجُّهُ مُلْتَبِسًا بِقِرَانٍ] : أَيْ وَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا قَارِنًا وَيَلْزَمُهُ

{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] ، وَقِيسَ الْقِرَانُ عَلَيْهِ. (وَشَرْطُ دَمِهِمَا) : أَيْ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ (عَدَمُ إقَامَةٍ) لِلْمُتَمَتِّعِ أَوْ الْقَارِنِ (بِمَكَّةَ، أَوْ ذِي طُوًى) مُثَلَّثُ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ: مَكَانٌ مَعْرُوفٌ بِقُرْبِ مَكَّةَ (وَقْتَ فِعْلِهِمَا) : أَيْ وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِهِمَا قَالَ تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] وَاسْمُ الْإِشَارَةِ عَائِدٌ عَلَى الْهَدْيِ؛ فَغَيْرُ الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ أَوْ ذِي طُوًى يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ (وَإِنْ) كَانَ أَصْلُهُ مِنْ مَكَّةَ وَ (انْقَطَعَ بِغَيْرِهَا) . كَمَا أَنَّ مَنْ انْقَطَعَ بِمَكَّةَ أَيْ أَقَامَ بِهَا بِنِيَّةِ الدَّوَامِ بِهَا وَأَصْلُهُ مِنْ غَيْرِهَا، لَا دَمَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَنْ نِيَّتُهُ الِانْتِقَالُ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ. (وَنُدِبَ) الْهَدْيُ (لِذِي أَهْلَيْنِ) : أَهْلٌ بِمَكَّةَ وَأَهْلٌ بِغَيْرِهَا، وَلَوْ كَانَتْ إقَامَتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَدْيَانِ لِتَمَتُّعِهِ وَقِرَانِهِ. قَوْلُهُ: [وَقِيسَ الْقِرَانُ عَلَيْهِ] : أَيْ فَأَوْجَبُوا فِيهِ الدَّمَ، بِجَامِعِ أَنَّ الْقَارِنَ وَالْمُتَمَتِّعَ أَسْقَطَ عَنْ نَفْسِهِ أَحَدَ السَّفَرَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَشَرْطُ دَمِهِمَا] إلَخْ: ظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ شُرُوطًا فِي التَّسْمِيَةِ، بَلْ فِي لُزُومِ الدَّمِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَقِيلَ: إنَّهَا شُرُوطٌ فِي التَّسْمِيَةِ وَالدَّمِ مَعًا، وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ أَوْ قَارِنٌ وَلَمْ يَسْتَوْفِ الشُّرُوطَ. قَوْلُهُ: [مَكَانٌ مَعْرُوفٌ] : أَيْ بَيْنَ الطَّرِيقِ الَّتِي يَهْبِطُ مِنْهَا إلَى مَقْبَرَةِ مَكَّةَ الْمُسَمَّاةِ بِالْمُعَلَّا، وَالطَّرِيقِ الْأُخْرَى الَّتِي هِيَ جِهَةُ الذَّاهِبِ وَتُسَمَّى عِنْدَ أَهْلِ مَكَّةَ بَيْنَ الْحَجُونَيْنِ، وَسَيَأْتِي وَصْفُهَا فِي الشَّارِحِ، وَأَمَّا الَّتِي فِي الْقُرْآنِ فَبِضَمِّ الطَّاءِ وَكَسْرِهَا، وَقُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَلَيْسَتْ هِيَ الَّتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ فِي مَوْضِعِ مُكَالَمَةِ مُوسَى بِطُورِ سَيْنَاءَ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِذِي طُوًى بِذَلِكَ، بَلْ الْمُرَادُ كُلُّ مَكَان فِي حُكْمِ مَكَّةَ مِمَّا لَا يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ مِنْهَا حَتَّى يُجَاوِزَهَا. قَوْلُهُ: [أَيْ وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِهِمَا] : الْمُرَادُ وَقْتُ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ فِيهِمَا، فَلَوْ قَدِمَ آفَاقِيٌّ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَنِيَّتُهُ السُّكْنَى بِمَكَّةَ أَوْ بِمَا فِي حُكْمِهَا، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ هَدْيُ التَّمَتُّعِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ الْهَدْيُ لِذِي أَهْلَيْنِ] : أَيْ هَدْيُ التَّمَتُّعِ أَوْ الْقِرَانِ.

بِهَا أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا عَلَى الْأَرْجَحِ. (وَ) شَرْطُ دَمِهِمَا: (حَجٌّ مِنْ عَامِهِ) فِيهِمَا فَمَنْ أَحَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ قَبْلَ دُخُولِ شَوَّالٍ، ثُمَّ حَجّ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ. وَكَذَا إذَا فَاتَ الْقَارِنَ الْحَجُّ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِقِرَانِهِ. (وَ) شَرْطٌ (لِلتَّمَتُّعِ) زِيَادَةُ الشَّرْطَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ: (عَدَمُ عَوْدِهِ) : أَيْ رُجُوعِهِ بَعْدَ أَنْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ (لِبَلَدِهِ أَوْ مِثْلُهُ) فِي الْبُعْدِ (وَلَوْ) كَانَ بَلَدُهُ أَوْ مِثْلُهُ (بِالْحِجَازِ) كَالْمَدِينَةِ مَثَلًا. فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَلَى الْأَرْجَحِ] : أَيْ وَهُوَ قَوْلُ التُّونُسِيِّ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ دُخُولِ شَوَّالٍ ثُمَّ حَجَّ] : وَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ أَحَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفَاتَهُ الْحَجُّ فِي عَامِهِ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ بِهِ وَلَمْ يَحُجَّ إلَّا مِنْ قَابِلٍ، أَوْ تَحَلَّلَ مِنْهُ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ، وَلَعَلَّ هَذَا الْمِثَالَ أُقْعَدُ مِنْ مِثَالِ الشَّارِحِ لِأَنَّ مِثَالَهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ أَصْلًا. قَوْلُهُ: [وَكَذَا إذَا تَمَتَّعَ فَاتَ الْقَارِنُ الْحَجَّ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ بَقِيَ الْقَارِنُ عَلَى إحْرَامِهِ لِقَابِلٍ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الدَّمُ - هَكَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَ بَلَدُهُ أَوْ مِثْلُهُ بِالْحِجَازِ] : تَبِعَ التَّتَّائِيُّ فِي رُجُوعِ الْمُبَالَغَةِ لِكُلٍّ مِنْ بَلَدِهِ وَمِثْلِهِ، وَمِثْلُهُ لِبَهْرَامَ وَاعْتَرَضَهُ (ح) : بِأَنَّ صَوَابَ الْمُبَالَغَةِ فِي الرُّجُوعِ لِمِثْلِ الْبَلَدِ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْخِلَافِ، وَأَمَّا إذَا رَجَعَ لِبَلَدِهِ فَلَا دَمَ اتِّفَاقًا كَانَتْ بِالْحِجَازِ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنَّ الْمَرْدُودَ عَلَيْهِ - الَّذِي هُوَ ابْنُ الْمَوَّازِ - قَالَ: إذَا عَادَ لِمِثْلِ بَلَدِهِ فِي الْحِجَازِ فَلَا يَسْقُطُ الدَّمُ. وَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِعَوْدِهِ لِبَلَدِهِ أَوْ لِمِثْلِهِ. وَخَرَجَ عَنْ أَرْضِ الْحِجَازِ بِالْكُلِّيَّةِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. وَمَحِلُّ اشْتِرَاطِ رُجُوعِهِ لِبَلْدَةِ أَوْ مِثْلِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ بَلَدُهُ بَعِيدًا جِدًّا كَالْمَغْرِبِيِّ فَيَكْفِي رُجُوعُهُ لِنَحْوِ مِصْرَ كَمَا قَرَّرَ مُؤَلِّفُهُ. (تَنْبِيهَانِ) : الْأَوَّلُ: زِيدَ شَرْطٌ أَيْضًا عَلَى أَحَدِ التَّرَدُّدَيْنِ فِي خَلِيلٍ: وَهُوَ كَوْنُهُمَا عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ، فَلَوْ كَانَا عَنْ اثْنَيْنِ - كَأَنْ اعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ وَحَجّ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ عَكْسُهُ، أَوْ اعْتَمَرَ عَنْ زَيْدٍ وَحَجَّ عَنْ بَكْرٍ - فَلَا دَمَ. وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا عَنْ وَاحِدٍ، قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَهُوَ الرَّاجِحُ. الثَّانِي: يَجِبُ دَمُ التَّمَتُّعِ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ وُجُوبًا مُوَسَّعًا بِحَيْثُ لَوْ طَرَأَ لَهُ مُسْقِطٌ كَمَوْتِ الشَّخْصِ سَقَطَ، وَيَتَحَتَّمُ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَيُؤْخَذُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ لَوْ مَاتَ بَعْدَهَا حَيْثُ رَمَاهَا أَوْ فَاتَ وَقْتُ رَمْيِهَا.

[الركن الثاني من أركان الحج السعي بين الصفا والمروة]

مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَرَابِغٍ، وَاعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ رَجَعَ لِبَلَدِهِ بَعْدَ أَنْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ لِمَكَّةَ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ. (وَ) شَرْطٌ لِلتَّمَتُّعِ أَيْضًا: (فِعْلُ بَعْضِ رُكْنِهَا) : أَيْ أَنْ يَفْعَلَ وَلَوْ بَعْضَ رُكْنٍ مِنْ الْعُمْرَةِ (فِي وَقْتِهِ) : أَيْ الْحَجِّ بِدُخُولِ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ رَمَضَانَ، فَإِنْ تَمَّ سَعْيُهُ مِنْهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، وَإِنْ غَرَبَتْ قَبْلَ تَمَامِهِ كَانَ مُتَمَتِّعًا. الرُّكْنُ (الثَّانِي) مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ: (السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) أَشْوَاطًا (سَبْعًا مِنْهُ) : أَيْ الصَّفَا (الْبَدْءُ مَرَّةً وَالْعَوْدُ) إلَيْهِ مِنْ الْمَرْوَةِ مَرَّةً (أُخْرَى) ، فَيَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ. فَإِنْ ابْتَدَأَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الرُّكْن الثَّانِي مِنْ أَرْكَان الْحَجّ السَّعْي بَيْن الصفا وَالْمَرْوَة] قَوْلُهُ: [الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ: السَّعْيُ] : ذَكَرَ الْأُجْهُورِيُّ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْوُقُوفِ لِقُرْبِهِ مِنْ الْبَيْتِ وَتَبَعِيَّتِهِ لِلطَّوَافِ الْأَفْضَلِ مِنْ الْوُقُوفِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْبَيْتِ الْمَقْصُودِ بِالْحَجِّ، وَحَدِيثُ: «الْحَجُّ عَرَفَةَ» ، إنَّمَا هُوَ لِفَوَاتِ الْحَجِّ بِفَوَاتِهِ، وَلَكِنْ يَبْعُدُ مَا قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ مَا سَبَقَ مِنْ الْخِلَافِ فِي رُكْنِيَّةِ السَّعْيِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَتَقَرَّرْ التَّطَوُّعُ بِتَكْرَارِهِ بِخِلَافِ الطَّوَافِ - كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ [الْبَدْءُ] : مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ (مِنْهُ) وَقَوْلُهُ (مَرَّةً) حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي مُتَعَلِّقِ الْخَبَرِ أَيْ الْبَدْءِ كَائِنٌ مِنْهُ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ الْبَدْءِ مَرَّةً، وَالصَّفَا مُذَكَّرٌ لِأَنَّ أَلِفَه ثَالِثَةٌ كَأَلِفِ فَتًى، وَأَلِفُ التَّأْنِيثِ لَا تَكُونُ ثَالِثَةً. قَوْلُهُ: [وَالْعَوْدُ إلَيْهِ] : (الْعَوْدُ) مُبْتَدَأٌ وَ (إلَيْهِ) خَبَرٌ، وَمَرَّةً حَالٌ مِنْ مُتَعَلِّقِ الْخَبَرِ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ وَ (أُخْرَى) صِفَةٌ لِ (مَرَّةً) . قَوْلُهُ: [فَيَبْدَأُ بِالصَّفَا] : أَيْ كَمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ وَفِي الْحَدِيثِ:: «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ» ، وَقِيلَ لِعَائِشَةَ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] يُفِيدُ عَدَمَ وُجُوبِهِ فَقَالَتْ: لَوْ كَانَ

الْمَرْوَةِ لَمْ يُحْتَسَبْ بِهِ. (وَصِحَّتُهُ: بِتَقْدِيمِ طَوَافٍ صَحَّ) : أَيْ شَرْطُ صِحَّتِهِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ طَوَافٌ صَحِيحٌ، (مُطْلَقًا) : سَوَاءٌ كَانَ نَفْلًا أَوْ وَاجِبًا كَالْقُدُومِ، أَوْ رُكْنًا كَالْإِفَاضَةِ. فَإِنْ سَعَى مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمِ طَوَافٍ صَحِيحٍ عَلَيْهِ، لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ. (وَوَجَبَ) السَّعْيُ (بَعْدَ) طَوَافٍ (وَاجِبٍ) كَالْقُدُومِ وَالْإِفَاضَةِ. (وَ) وَجَبَ (تَقْدِيمُهُ عَلَى الْوُقُوفِ) : بِعَرَفَةَ بِأَنْ يُوقِعَهُ عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ (إنْ وَجَبَ) عَلَيْهِ (طَوَافُ الْقُدُومِ) ، وَإِلَّا أَخَّرَهُ عَقِبَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ كَمَا سَيَقُولُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَلِكَ لَقِيلَ أَنْ لَا يَطُوفَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِتَحَرُّجِهِمْ مِنْهُمَا لَمَّا كَانَا مَحَلَّ الْأَصْنَامِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ فِي الْآيَةِ تَصْرِيحٌ بِالْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا الْوُجُوبُ مَأْخُوذٌ مِنْ السُّنَّةِ. قَوْلُهُ: [وَصِحَّتُهُ بِتَقَدُّمِ طَوَافٍ] : وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُهُ بِهِ بَلْ يُغْتَفَرُ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ بَيْنَ أَشْوَاطِهِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا أَخَّرَهُ عَقِبَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ] : أَيْ وَإِلَّا يَجِبُ عَلَيْهِ طَوَافُ

وَإِنَّمَا يَجِبُ طَوَافُ الْقُدُومِ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ: (بِأَنَّ أَحْرَمَ) بِالْحَجِّ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا (مِنْ الْحِلِّ) إذَا كَانَ دَارُهُ خَارِجَ الْحَرَمِ، أَوْ كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ، وَخَرَجَ لِلْحِلِّ لِقِرَانِهِ أَوْ لِمِيقَاتِهِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقُدُومُ. (وَلَمْ يُرَاهِقْ) بِكَسْرِ الْهَاءِ: أَيْ يُقَارِبْ الْوَقْتَ بِحَيْثُ يَخْشَى فَوَاتَ الْحَجِّ، إنْ اشْتَغَلَ بِالْقُدُومِ. وَبِفَتْحِهَا: أَيْ لَمْ يُزَاحِمْهُ الْوَقْتُ، فَإِنْ زَاحَمَهُ وَخَشِيَ فَوَاتَ الْحَجِّ لَوْ اشْتَغَلَ بِهِ سَقَطَ الْقُدُومُ. بَلْ يَجِبُ تَرْكُهُ لِإِدْرَاكِ الْحَجِّ. وَمِثْلُ الْمُرَاهِقِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونُ، وَإِذَا اسْتَمَرَّ عُذْرُهُمْ حَتَّى لَا يُمْكِنُهُمْ الْإِتْيَانُ بِالْقُدُومِ. (وَلَمْ يُرْدِفْ) الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ بِحَرَمٍ. (وَإِلَّا) بِأَنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَلَا قُدُومَ عَلَيْهِ؛ (فَ) يَجِبُ عَلَيْهِ تَأْخِيرُ سَعْيِهِ (بَعْدَ الْإِفَاضَةِ) لِيَقَعَ بَعْدَ طَوَافٍ وَاجِبٍ. (فَإِنْ قَدَّمَهُ) عَلَى طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَعْدَ نَفْلٍ (أَعَادَهُ) وُجُوبًا بَعْدَهُ، (وَأَعَادَ لَهُ الْإِفَاضَةَ) إنْ لَمْ يَسْعَ بَعْدَهَا وَطَالَ الزَّمَنُ (مَا دَامَ بِمَكَّةَ، فَإِنْ تَبَاعَدَ عَنْهَا فَدَمٌ) يَلْزَمُهُ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ لِبَلَدِهِ. وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ رُكْنًا. (وَنُدِبَ لِدَاخِلِ مَكَّةَ نُزُولٌ بِطُوًى) : بَطْحَاءُ مُتَّسَعَةٌ يَكْتَنِفُهَا جِبَالٌ قُرْبَ مَكَّةَ فِي وَسَطِهَا بِئْرٌ. (وَ) نُدِبَ (غُسْلٌ بِهَا) : أَيْ فِيهَا (لِغَيْرِ حَائِضٍ) وَنُفَسَاءَ، لِأَنَّهُ لِلطَّوَافِ وَهِيَ لَا يُمْكِنُهَا الطَّوَافُ وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقُدُومِ أَخَّرَهُ وُجُوبًا وَعَقِبَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ كَمَا سَيَقُولُ. قَوْلُهُ: [حَتَّى لَا يُمْكِنَهُمْ الْإِتْيَانُ بِالْقُدُومِ] : أَيْ مَعَ إدْرَاكِ الْوُقُوفِ. قَوْلُهُ: [وَطَالَ الزَّمَنُ] : مَفْهُومُهُ لَوْ كَانَ الزَّمَنُ قَرِيبًا بَعْدَ الْإِفَاضَةِ، فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالسَّعْيِ، وَلَا يُعِيدُ الْإِفَاضَةَ لِأَنَّ الْفَصْلَ الْيَسِيرَ مُغْتَفَرٌ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ رُكْنًا] : أَيْ لِكَوْنِهِ أَتَى بِأَصْلِ الرُّكْنِ وَهُوَ السَّعْيُ بَعْدَ طَوَافٍ غَيْرِ وَاجِبٍ. وَإِنَّمَا فَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ وَاجِبًا يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ حَيْثُ بَعُدَ عَنْ مَكَّةَ وَمَا دَامَ بِهَا لَا يُجْبِرُهُ الدَّمُ بَلْ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ غُسْلٌ بِهَا] : أَيْ فَهُوَ نَفْسُهُ مَنْدُوبٌ. وَكَوْنُهُ بِهَذَا الْمَكَانِ مَنْدُوبٌ ثَانٍ.

(وَ) نُدِبَ (دُخُولُهُ) مَكَّةَ (نَهَارًا) . (وَ) نُدِبَ دُخُولُهُ (مِنْ كَدَاءٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ آخِرُهُ هَمْزَةٌ مَحْدُودًا اسْمٌ لِطَرِيقٍ بَيْن جَبَلَيْنِ فِيهَا صُعُودٌ يَهْبِطُ مِنْهَا عَلَى الْمَقْبَرَةِ الَّتِي بِهَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. (وَ) نُدِبَ (دُخُولُ الْمَسْجِدِ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) الْمَعْرُوفُ الْآنَ بِبَابِ السَّلَامِ. (وَ) نُدِبَ (خُرُوجُهُ) بَعْدَ انْقِضَاءِ نُسُكِهِ (مِنْ كُدًى) بِضَمِّ الْكَافِ مَقْصُورًا اسْمٌ لِطَرِيقٍ يَمُرُّونَ مِنْهَا عَلَى الشَّيْخِ مَحْمُودٍ. وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ (فَيَبْدَأُ بِالْقُدُومِ) أَيْ بِطَوَافِهِ (وَنَوَى وُجُوبَهُ) لِيَقَعَ وَاجِبًا. (فَإِنْ نَوَى) بِطَوَافِهِ (نَفْلًا أَعَادَهُ) بِنِيَّةِ الْوُجُوبِ. وَفِي التَّعْبِيرِ بِالْإِعَادَةِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْوَاجِبِ مِنْ أَصْلِهِ كَمَنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ وَاجِبَةٌ وَصَلَّى نَفْلًا، فَالْوَاجِبُ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ، (وَأَعَادَ السَّعْيَ) الَّذِي سَعَاهُ بَعْدَ النَّفْلِ لِيَقَعَ بَعْدَ وَاجِبٍ (مَا لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [نَهَارًا] : فَإِنْ قَدِمَ بِهَا لَيْلًا بَاتَ بِذِي طُوًى. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ دُخُولُهُ مِنْ كَدَاءٍ] : أَيْ إلَّا لِزَحْمَةٍ. قَوْلُهُ؛ [اسْمٌ لِطَرِيقٍ] : وَيُعْرَفُ الْآنَ بِبَابِ الْمُعَلَّاةِ وَالدُّخُولُ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ مَنْدُوبٌ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ مِنْ جِهَةِ الْمَدِينَةِ خِلَافًا لِخَلِيلٍ، فَإِنْ الْعِلَّةَ أَذَانُ إبْرَاهِيمَ بِالْحَجِّ فِيهِ وَهِيَ عَامَّةٌ - كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ [الْمَعْرُوفُ الْآنَ بِبَابِ السَّلَامِ] : وَفِي الْحَقِيقَةِ بَابُ السَّلَامِ الْمَعْرُوفُ الْآنَ مُوصِلٌ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ الْآنَ قَوْصَرَّةٌ بِوَسَطِ صَحْنِ الْحَرَمِ يَمُرُّ مِنْهَا الدَّاخِلُ مِنْ بَابِ السَّلَامِ الْقَاصِدُ لِلْكَعْبَةِ، فَلَوْ دَخَلَ شَخْصٌ مِنْ أَيِّ بَابٍ وَتَوَصَّلَ لِلْكَعْبَةِ مِنْ تِلْكَ الْقَوْصَرَّةِ فَقَدْ أَتَى بِالْمَنْدُوبِ. قَوْلُهُ: [مِنْ كُدًى بِضَمِّ الْكَافِ] إلَخْ: أَبْدَى بَعْضُهُمْ الْحِكْمَةَ فِي الدُّخُولِ مِنْ الْمَفْتُوحِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَضْمُومِ وَهِيَ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّهُ يَدْخُلُ طَالِبًا الْفَتْحَ وَمُلْتَمِسًا الْعَطَايَا، فَإِذَا خَرَجَ يَضُمُّ مَا حَازَهُ وَيَكْتُمُ أَمْرَهُ وَلَا يَشِيعُ سِرُّهُ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ نَوَى بِطَوَافِهِ نَفْلًا] : أَيْ بِأَنْ اعْتَقَدَ عَدَمَ وُجُوبِهِ كَمَا يَقَعُ لِبَعْضِ الْجَهَلَةِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَنْوِ وُجُوبَهُ وَهُوَ يَعْتَقِدُ لُزُومَهُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ.

[واجبات الطواف]

يَخَفْ فَوْتًا) لَحِجِّهِ إنْ اشْتَغَلَ بِالْإِعَادَةِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ خَافَ الْفَوَاتَ تَرَكَ الْإِعَادَةَ لِطَوَافِهِ وَسَعْيِهِ، وَ (أَعَادَهُ) : أَيْ السَّعْيَ (بَعْدَ الْإِفَاضَةِ وَعَلَيْهِ دَمٌ) لِفَوَاتِ الْقُدُومِ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ بَعْدَهَا أَعَادَ لَهُ الْإِفَاضَةُ، وَأَعَادَهُ بَعْدَهَا مَا دَامَ بِمَكَّةَ، فَإِنْ تَبَاعَدَ فَدَمٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ قُدُومٌ إذَا قَدَّمَ سَعْيَهُ. (وَوَجَبَ لِلطَّوَافِ مُطْلَقًا) - وَاجِبًا أَوْ نَفْلًا - (رَكْعَتَانِ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ (يَقْرَأُ فِيهِمَا) نَدْبًا (بِالْكَافِرُونَ) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، (فَالْإِخْلَاصِ) فِي الثَّانِيَةِ. (وَنَدْبًا) أَيْ إيقَاعُهُمَا (بِالْمَقَامِ) أَيْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ. (وَ) نُدِبَ (دُعَاءٌ) بَعْدَ تَمَامِ طَوَافِهِ وَقَبْلَ رَكْعَتَيْهِ (بِالْمُلْتَزَمِ) : حَائِطِ الْبَيْتِ بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَبَابِ الْبَيْتِ: يَضَعُ صَدْرَهُ عَلَيْهِ، وَيَفْرِشُ ذِرَاعَيْهِ عَلَيْهِ وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ وَيُسَمَّى الْحَطِيمُ أَيْضًا. (وَ) نُدِبَ (كَثْرَةُ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ) لِأَنَّهُ بَرَكَةٌ (بِنِيَّةٍ حَسَنَةٍ) فَقَدْ وَرَدَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى نَوَى الْوُجُوبَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَلَكِنْ اعْتَقَدَ وُجُوبَهُ فَلَا إعَادَةَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَكَانَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ عَدَمَ لُزُومِهِ؛ أَوْ اعْتَقَدَ الْوُجُوبَ وَنَوَى بِهِ النَّفْلِيَّةَ فَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ. [وَاجِبَات الطَّوَاف] قَوْلُهُ: [وَوَجَبَ لِلطَّوَافِ مُطْلَقًا] : أَيْ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَالْآخَرُ أَنَّهُمَا تَابِعَانِ لِلطَّوَافِ. قَوْلُهُ: [يَقْرَأُ فِيهِمَا نَدْبًا بِالْكَافِرِينَ] إلَخْ: الْكَافِرُونَ مَجْرُورٌ بِالْحِكَايَةِ، وَإِنَّمَا خَصَّ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى التَّوْحِيدِ فِي مَقَامِ التَّجْرِيدِ. قَوْلُهُ: [الْمَقَامِ] : أَيْ خَلْفَهُ بِحَيْثُ يَكُونُ الْمَقَامُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ فِعْلُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ، لِأَنَّ الْمَقَامَ وَسَطُهُ، فَلَوْ صَلَّاهُمَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ أَجْزَأَ وَأَعَادَهُمَا مَا دَامَ عَلَى وُضُوءٍ. قَوْلُهُ: [وَيُسَمَّى الْحَطِيمُ أَيْضًا] : أَيْ لِأَنَّهُ يُحَطِّمُ الذُّنُوبَ وَمَا دُعِيَ فِيهِ عَلَى ظَالِمٍ إلَّا وَحُطِّمَ. وَقِيلَ الْمُلْتَزَمُ اسْمٌ لِلْمَكَانِ الْكَائِنِ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَزَمْزَمَ، فَعَلَى هَذَا يَكْفِي الدُّعَاءُ فِي أَيِّ بُقْعَةٍ مِنْهُ.

«مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» أَيْ مِنْ عِلْمٍ أَوْ عَمَلٍ أَوْ عَافِيَةٍ أَوْ سَعَةِ رِزْقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (وَ) نُدِبَ (نَقْلُهُ) إلَى بَلَدِهِ وَأَهْلِهِ لِلتَّبَرُّكِ بِهِ. (وَشَرْطُ صِحَّةِ الطَّوَافِ) فَرْضًا أَوْ نَفْلًا: (الطَّهَارَتَانِ) : طَهَارَةُ الْحَدَثِ، وَطَهَارَةُ الْخَبَثِ كَالصَّلَاةِ (وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ) كَالصَّلَاةِ فِي حَقِّ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. (وَجَعْلُ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ) حَالَ طَوَافِهِ لَا عَنْ يَمِينِهِ وَلَا تُجَاهَ وَجْهِهِ أَوْ ظَهْرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» : أَيْ فَيَحْصُلُ مَا قَصَدَهُ بِالنِّيَّةِ الْحَسَنَةِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ نَقْلُهُ] : أَيْ وَخَاصِّيَّتُهُ بَاقِيَةٌ خِلَافًا لِمَنْ يَزْعُمُ زَوَالَ خَاصِّيَّتِهِ. قَوْلُهُ: [كَالصَّلَاةِ] : فَإِنْ شَكَّ فِي الْأَثْنَاءِ ثُمَّ بَانَ الطُّهْرُ لَمْ يُعِدْ. قَوْلُهُ: [فِي حَقِّ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى] : قَالَ بَعْضٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ طَوَافِ الْحُرَّةِ إذَا كَانَتْ بَادِيَةَ الْأَطْرَافِ، وَتُعِيدُ اسْتِحْبَابًا مَا دَامَتْ بِمَكَّةَ أَوْ حَيْثُ يُمْكِنُهَا الْإِعَادَةُ وَقِيلَ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَجَعَلَ الْبَيْتَ مِنْ يَسَارِهِ] : الْمُرَادُ عَنْ يَسَارِهِ وَهُوَ مَاشٍ مُسْتَقِيمًا جِهَةَ إمَامِهِ، فَلَوْ جَعَلَهُ عَنْ يَسَارِهِ إلَّا أَنَّهُ رَجَعَ الْقَهْقَرَى مِنْ الْأَسْوَدِ إلَى الْيَمَانِيِّ لَمْ يُجْزِهِ، قَالَ الْحَطَّابُ حِكْمَةُ جَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ لِيَكُونَ قَلْبُهُ إلَى جِهَةِ الْبَيْتِ، وَوَجْهُهُ إلَى وَجْهِ الْبَيْتِ، إذْ بَابُ الْبَيْتِ هُوَ وَجْهُهُ، فَلَوْ جَعَلَ الطَّائِفُ الْبَيْتَ عَنْ يَمِينِهِ لَأَعْرَضَ عَنْ بَابِ الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ وَجْهُهُ، وَلَا يَلِيقُ بِالْأَدَبِ الْإِعْرَاضُ عَنْ وُجُوهِ الْأَمْثَالِ.

(وَخُرُوجُ كُلِّ الْبَدَنِ) : أَيْ بَدَنِ الطَّائِفِ (عَنْ الشَّاذَرْوَانِ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ: بِنَاءٌ لَطِيفٌ مِنْ حَجَرٍ أَصْفَرَ يَمِيلُ إلَى الْبَيَاضِ مُلْصَقٌ بِحَائِطِ الْكَعْبَةِ مُحْدَوْدَبٌ طُولُهُ أَقَلُّ مِنْ ذِرَاعٍ فَوْقَهُ حَلَقٌ مِنْ نُحَاسٍ أَصْفَرَ دَائِرٌ بِالْبَيْتِ، يُرْبَطُ بِهَا أَسْتَارُ الْكَعْبَةِ يَلْعَبُ بِهَا بَعْضُ جَهَلَةِ الْعَوَامّ كَأَنَّهُمْ يَعُدُّونَهَا فَيَفْسُدُ طَوَافُهُمْ. (وَ) خُرُوجُ كُلِّ الْبَدَنِ أَيْضًا عَنْ (الْحِجْرِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ: أَيْ حِجْرِ إسْمَاعِيلَ لِأَنَّ أَصْلَهُ مِنْ الْبَيْتِ وَهُوَ الْآنَ مَحُوطٌ بِبِنَاءٍ مِنْ حَجَرٍ أَصْفَرَ يَمِيلُ إلَى الْبَيَاضِ عَلَى شَكْلِ الْقَوْسِ، تَحْتَ مِيزَابِ الرَّحْمَةِ مِنْ الرُّكْنِ الْعِرَاقِيِّ الَّذِي يَلِي بَابَ الْكَعْبَةِ إلَى الرُّكْنِ الشَّامِيِّ طُولُهُ نَحْوُ ذِرَاعَيْنِ، لَيْسَ مُلْتَصِقًا بِالْكَعْبَةِ، بَلْ لَهُ بَابٌ مِنْ عِنْدِ الْعِرَاقِيّ، وَبَابٌ مِنْ عِنْدِ الشَّامِيِّ يَدْخُلُ الدَّاخِلُ مِنْ هَذَا وَيَخْرُجُ مِنْ الْآخَرِ، وَالْمَطَافُ خَارِجُ الْحِجْرِ مُبَلَّطٌ بِرُخَامٍ نَفِيسٍ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. وَإِذَا كَانَ خُرُوجُ كُلِّ الْبَدَنِ شَرْطَ صِحَّةٍ (فَيَنْصِبُ الْمُقَبِّلُ) لِلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ] إلَخْ: أَيْ كَمَا ضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ. قَوْلُهُ: [فَيَفْسُدُ طَوَافُهُمْ] : أَيْ لِدُخُولِ بَعْضِ الْبَدَنِ فِي هَوَاءِ الْبَيْتِ، وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ، قَالَ الْحَطَّابُ: وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ كَثُرَ الِاضْطِرَابُ فِي الشَّاذَرْوَانِ، فَيَجِبُ عَلَى الشَّخْصِ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فِي طَوَافِهِ ابْتِدَاءً، فَإِنْ طَافَ وَبَعْضُ بَدَنِهِ فِي هَوَائِهِ أَعَادَ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ حَتَّى بَعُدَ عَنْ مَكَّةَ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ - كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ، وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ هَدْيٌ كَمَا قَرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ. قَوْلُهُ: [وَخُرُوجُ كُلِّ الْبَدَنِ أَيْضًا عَنْ الْحِجْرِ] : أَيْ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يُعْتَدُّ بِالطَّوَافِ دَاخِلَ الْحِجْرِ، خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ مِنْ تَخْصِيصِهِ بِسِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ خِلَافُ نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ أَصْلَهُ مِنْ الْبَيْتِ] : أَيْ وَلِذَلِكَ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: صَلِّي فِي الْحِجْرِ إنْ أَرَدْت دُخُولَ الْبَيْتِ فَإِنَّمَا هُوَ قِطْعَةٌ مِنْ الْبَيْتِ،

(قَامَتَهُ) : بِأَنْ يَعْتَدِلَ بَعْدَ التَّقْبِيلِ قَائِمًا، ثُمَّ يَطُوفَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ مُطَأْطِئًا كَانَ بَعْضُ بَدَنِهِ فِي الْبَيْتِ فَلَا يَصِحُّ طَوَافُهُ. (وَ) شَرْطُ صِحَّةِ الطَّوَافِ: (كَوْنُهُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) مِنْ الْحَجَرِ لِلْحَجَرِ فَلَا يُجْزِئُ أَقَلُّ. وَكَوْنُهُ (دَاخِلَ الْمَسْجِدِ) فَلَا يُجْزِئُ خَارِجَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَكِنَّ قَوْمَك اسْتَقْصَرُوهُ حِينَ بَنَوْا الْكَعْبَةَ فَأَخْرَجُوهُ مِنْ الْبَيْتِ» . قَوْلُهُ: [فَلَا يُجْزِئُ أَقَلُّ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ زَادَ فَقَالَ الْبَاجِيُّ: وَمَنْ سَهَا فِي طَوَافِهِ فَبَلَغَ ثَمَانِيَةً أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ لِلْأُسْبُوعِ الْكَامِلِ، وَيُلْغِي مَا زَادَ عَلَيْهِ وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ. وَهَكَذَا حُكْمُ الْعَامِدِ، فِي ذَلِكَ اُنْظُرْ الْحَطَّابَ. وَبِهَذَا تَعْلَمُ مَا فِي (عب) وَالْخَرَشِيِّ مِنْ بُطْلَانِ الطَّوَافِ بِزِيَادَةِ مِثْلِهِ سَهْوًا، وَبِمُطْلَقِ الزِّيَادَةِ عَمْدًا كَالصَّلَاةِ مِنْ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ، وَقِيَاسُهُمَا لَهُ عَلَى الصَّلَاةِ مَرْدُودٌ بِوُجُودِ الْفَارِقِ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا بِسَلَامٍ، بِخِلَافِ الطَّوَافِ فَالزِّيَادَةُ بَعْدَ تَمَامِهِ لَغْوٌ - كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ، وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ شَارِحُنَا عَلَى عَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِي الْأَقَلِّ وَسَكَتَ عَنْ الزِّيَادَةِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُجْزِئُ خَارِجَهُ] : أَيْ وَلَا فَوْقَ سَطْحِهِ، وَأَمَّا بِالسَّقَائِفِ الْقَدِيمَةِ وَهِيَ مَحَلُّ الْقِبَابِ الْمَعْقُودَةِ الْآنَ وَوَرَاءَ زَمْزَمَ وَقُبَّةِ الشَّرَابِ فَيَجُوزُ لِلزَّحْمَةِ لَا لِكَحَرٍّ وَبَرْدٍ فَيُعِيدُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، وَإِلَّا فَدَمٌ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ، فَلَوْ طَافَ فِي السَّقَائِفِ لِزَحْمَةٍ ثُمَّ زَالَتْ الزَّحْمَةُ فِي الْأَثْنَاءِ وَجَبَ كَمَالُهُ فِي الْمَحِلِّ الْمُعْتَادِ كَانَ الْبَاقِي قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا. فَلَوْ كَمَّلَهُ فِي مَحَلِّ السَّقَائِفِ فَهَلْ يُطَالَبُ بِإِعَادَةِ مَا فَعَلَهُ بَعْدَ زَوَالِ الزَّحْمَةِ، أَوْ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الطَّوَافِ كُلِّهِ؟ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ.

وَكَوْنُهُ مُتَوَالِيًا (بِلَا كَثِيرِ فَصْلٍ، وَإِلَّا) بِأَنْ فَصَلَ كَثِيرًا لِحَاجَةٍ أَوْ لِغَيْرِهَا (ابْتَدَأَهُ) مِنْ أَوَّلِهِ، وَبَطَلَ مَا فَعَلَهُ. (وَقَطَعَ) طَوَافَهُ وُجُوبًا وَلَوْ رُكْنًا (لِإِقَامَةِ) صَلَاةِ (فَرِيضَةٍ) لِرَاتِبٍ، إذَا لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا، أَوْ صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا وَهِيَ مِمَّا تُعَادُ. وَالْمُرَادُ بِالرَّاتِبِ: إمَامُ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْآنَ بِمَقَامِ الشَّافِعِيِّ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَقْطَعُ لَهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِ الرَّاتِبِ، كَذَا قِيلَ. (وَ) إذَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ أَثْنَاءَ شَوْطٍ (نُدِبَ) لَهُ (كَمَالُ الشَّوْطِ) الَّذِي هُوَ فِيهِ، بِأَنْ يَنْتَهِيَ لِلْحَجَرِ لِيَبْنِيَ عَلَى طَوَافِهِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ أَوَّلِ الشَّوْطِ، فَإِنْ لَمْ يُكْمِلْهُ ابْتَدَأَ فِي مَوْضِعِ خُرُوجِهِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ ذَلِكَ الشَّوْطَ؛ (وَبَنَى) عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْ طَوَافِهِ بَعْدَ سَلَامِهِ، وَقَبْلَ تَنَفُّلِهِ فَعُلِمَ أَنَّ الْفَصْلَ بِصَلَاةِ الْفَرِيضَةِ لَا يُبْطِلُهُ، بِخِلَافِ النَّافِلَةِ وَالْجِنَازَةِ. وَكَذَا لَا يُبْطِلُهُ الْفَصْلُ لِعُذْرٍ كَرُعَافٍ؛ وَلِذَا شَبَّهَ فِي الْبِنَاءِ قَوْلَهُ: (كَأَنْ رَعَفَ) فَإِنَّهُ يَبْنِي بَعْدَ غَسْلِ الدَّمِ بِالشُّرُوطِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي الصَّلَاةِ؛ مِنْ كَوْنِهِ لَا يَتَعَدَّى مَوْضِعًا قَرِيبًا لِأَبْعَدَ مِنْهُ، وَأَنْ لَا يَبْعُدَ الْمَكَانُ فِي نَفْسِهِ؛ وَأَنْ لَا يَطَأَ نَجَاسَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ سَقَائِفُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بَدَّلَهَا بَعْضُ السَّلَاطِينِ مِنْ بَنِي عُثْمَانَ بِقِبَابٍ مَعْقُودَةٍ، وَأَمَّا السَّقَائِفُ الْمَوْجُودَةُ الْآنَ خَلْفَ الْقِبَابِ فَالطَّوَافُ بِهَا بَاطِلٌ لِخُرُوجِهَا عَنْ الْمَسْجِد. قَوْلُهُ: [بِأَنْ فَصَلَ كَثِيرًا] : أَيْ وَلَوْ كَانَ الْفَصْلُ لِصَلَاةِ جِنَازَةٍ، بَلْ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ مُبْطِلٌ لِلطَّوَافِ وَلَوْ قَلَّ الْفَصْلُ، لِأَنَّهَا فِعْلٌ آخَرُ غَيْرُ مَا هُوَ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ لَهَا اتِّفَاقًا. قَالَ فِي الْأَصْلِ: مَا لَمْ تَتَعَيَّنْ، فَإِنْ تَعَيَّنَتْ وَجَبَ الْقَطْعُ إنْ خَشِيَ تَغَيُّرَهَا وَإِلَّا فَلَا يَقْطَعُ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْقَطْعِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَبْنِي كَالْفَرِيضَةِ كَذَا قَالُوا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (اهـ) . وَأَمَّا لَوْ قَطَعَ لِنَفَقَةٍ نَسِيَهَا، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ بَنَى، وَإِلَّا ابْتَدَأَهُ. قَوْلُهُ: [كَذَا قِيلَ] : تَقَدَّمَ فِي الْجَمَاعَةِ الْخِلَافُ فِيهِ فَانْظُرْهُ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ النَّافِلَةِ] إلَخْ: أَيْ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ الْفَصْلُ بِهَا وَلَوْ يَسِيرًا لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ أُخْرَى. وَتَقَدَّمَ التَّفْصِيلُ فِي الْجِنَازَةِ. قَوْلُهُ: [كَأَنْ رَعَفَ فَإِنَّهُ يَبْنِي] : أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلِمَ بِنَجَسٍ أَوْ سَقَطَتْ

[سنن الطواف]

(وَ) بَنَى (عَلَى الْأَقَلِّ إنْ شَكَّ) هَلْ طَافَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ أَوْ أَرْبَعَةً مَثَلًا إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكِحًا، إلَّا بَنَى عَلَى الْأَكْثَرِ. (وَوَجَبَ) لِلطَّوَافِ (ابْتِدَاؤُهُ مِنْ الْحَجَرِ) : الْأَسْوَدِ. (وَ) وَجَبَ لَهُ (مَشْيٌ لِقَادِرٍ) عَلَيْهِ (كَالسَّعْيِ) : أَيْ كَمَا يَجِبُ الْمَشْيُ لِلسَّعْيِ عَلَى الْقَادِرِ. (وَإِلَّا) يَمْشِ - بِأَنْ رَكِبَ أَوْ حُمِلَ - (فَدَمٌ) يَلْزَمُهُ (إنْ لَمْ يُعِدْهُ) وَقَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ. فَإِنْ أَعَادَهُ مَاشِيًا بَعْدَ رُجُوعِهِ لَهُ مِنْ بَلَدِهِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ. فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ فَهُوَ مَطْلُوبٌ بِإِعَادَتِهِ مَاشِيًا. وَلَوْ طَالَ الزَّمَنُ، وَلَا يَجْزِيهِ الدَّمُ وَالسَّعْيُ كَالطَّوَافِ فِيمَا ذُكِرَ. وَمَفْهُومُ: " لِقَادِرٍ " أَنَّ الْعَاجِزَ لَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَا إعَادَةَ. وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ مِنْ أَنَّ الْمَشْيَ سُنَّةٌ فِيهِ مُسَامَحَةٌ. (وَسُنَّ) لِلطَّوَافِ (تَقْبِيلُ حَجَرٍ بِلَا صَوْتٍ) نَدْبًا (أَوَّلُهُ) أَيْ فِي أَوَّلِهِ قَبْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ. فَإِنَّهُ لَا يَبْنِي بَلْ يَبْطُلُ وَيَبْتَدِيهِ، خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالنَّجَسِ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُعِيدُ رَكْعَتَيْهِ إنْ كَانَ الْأَمْرُ قَرِيبًا وَلَمَّا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ، فَإِنْ طَالَ أَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِخُرُوجِ وَقْتِ الْفَرَاغِ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: [وَبَنَى عَلَى الْأَقَلِّ] إلَخْ: أَيْ وَيَعْمَلُ بِإِخْبَارِ غَيْرِهِ وَلَوْ وَاحِدٌ. قَوْلُهُ: [وَوَجَبَ لِلطَّوَافِ ابْتِدَاؤُهُ] إلَخْ: فَإِنْ ابْتَدَأَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يُعِدْهُ لَزِمَهُ دَمٌ. قَوْلُهُ: [فِيهِ مُسَامَحَةٌ] : أَيْ لِحُكْمِهِ بِالدَّمِ فِي تَرْكِهِ؛ وَالدَّمُ لَا يَكُونُ إلَّا لِتَرْكِ وَاجِبٍ وَهَذَا هُوَ مَشْهُورٌ مَذْهَبًا، وَأَمَّا مَذْهَبُ الْغَيْرِ فَلَيْسَ الْمَشْيُ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ بِوَاجِبٍ. [سُنَن الطَّوَاف] قَوْلُهُ: [وَسُنَّ لِلطَّوَافِ تَقْبِيلٌ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ فِي كُلِّ طَوَافٍ سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا، وَهُوَ الَّذِي نَسَبَهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِلتَّلْقِينِ وَظَاهِرُ إطْلَاقِ خَلِيلٍ وَابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ، وَلَكِنْ نَسَبَ الْبُنَانِيُّ لِلْمُدَوَّنَةِ تَخْصِيصَ السُّنِّيَّةِ بِالطَّوَافِ الْوَاجِبِ. قَوْلُهُ: [بِلَا صَوْتٍ] : وَفِي الصَّوْتِ قَوْلَانِ: بِالْكَرَاهَةِ، وَالْإِبَاحَةِ وَهُوَ الْأَرْجَحُ. وَكَرِهَ مَالِكٌ السُّجُودَ وَتَمْرِيغَ الْوَجْهِ عَلَيْهِ.

الشُّرُوعِ فِيهِ إذَا لَمْ تَكُنْ زَحْمَةً، (وَلِلزَّحْمَةِ لَمْسٌ بِيَدٍ) إنْ قَدَرَ، (ثُمَّ عُودٍ) إنْ لَمْ يَقْدِرْ بِالْيَدِ. (وَوُضِعَا) : أَيْ الْيَدُ أَوْ الْعُودُ (عَلَى فِيهِ) بَعْدَ اللَّمْسِ بِأَحَدِهِمَا بِلَا صَوْتٍ، (وَكَبَّرَ) نَدْبًا (مَعَ كُلٍّ) مِنْ التَّقْبِيلِ وَوَضْعِ الْيَدِ أَوْ الْعُودِ عَلَى الْفَمِ. (وَإِلَّا) يَقْدِرْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ (كَبَّرَ فَقَطْ) إذَا حَاذَاهُ، وَاسْتَمَرَّ فِي طَوَافِهِ. (وَ) سُنَّ (اسْتِلَامُ) الرُّكْنِ (الْيَمَانِيِّ) أَوَّلَ شَوْطٍ بِأَنْ يَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَيْهِ، وَيَضَعَهَا عَلَى فِيهِ. (وَ) سُنَّ (رَمَلُ ذَكَرٍ) وَلَوْ غَيْرَ بَالِغٍ فَهُوَ أَشْمَلُ مِنْ قَوْلِهِ: " رَجُلٍ "، فَلَيْسَ مُرَادُهُ خُصُوصَ الْبَالِغِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: " وَلَوْ مَرِيضًا وَصَبِيًّا حُمِلَا " أَيْ: فَيَرْمُلُ الْحَامِلُ لَهُمَا بِهِمَا. وَالرَّمَلُ: الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْيِ دُونَ الْخَبَبِ (فِي) الْأَشْوَاطِ (الثَّلَاثَةِ الْأَوَّلِ) فَقَطْ. وَمَحِلُّ اسْتِنَانِ الرَّمَلِ فِيهَا: (إنْ أَحْرَمَ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا (مِنْ الْمِيقَاتِ) ، بِأَنْ كَانَ آفَاقِيًّا أَوْ مِنْ أَهْلِهِ، وَإِلَّا نُدِبَ كَمَا سَيَأْتِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَكَبَّرَ نَدْبًا مَعَ كُلٍّ] : أَيْ خِلَافًا لِظَاهِرِ خَلِيلٍ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يُكَبِّرُ إذَا تَعَذَّرَ اللَّمْسُ بِالْيَدِ وَالْعَوْدُ فَهِمَهُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَاعْتَرَضَ بِهِ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ مِنْ التَّكْبِير، فِي كُلِّ مُرَتَّبَةٍ، وَالصَّوَابُ مَا لِابْنِ الْحَاجِبِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ شَارِحُنَا. قَوْلُهُ: [كَبَّرَ فَقَطْ إذَا حَاذَاهُ] : أَيْ جَاءَ قُبَالَتَهُ وَلَا يُشِيرُ بِيَدِهِ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى التَّكْبِيرِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذِهِ الْمَرَاتِبِ بَيْنَ الشَّوْطِ الْأَوَّلِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [وَيَضَعُهَا عَلَى فِيهِ] : أَيْ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ. وَأَمَّا تَقْبِيلُ الْحَجَرِ وَاسْتِلَامُ الْيَمَانِي فِي بَاقِي الْأَشْوَاطِ فَمَنْدُوبٌ كَمَا يَأْتِي. وَأَمَّا الشَّامِيُّ وَالْعِرَاقِيُّ فَيُكْرَهُ اسْتِلَامُهُمَا فِي سَائِرِ الْأَشْوَاطِ. قَوْلُهُ: [وَسُنَّ رَمَلُ ذَكَرٍ] : أَيْ وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَا رَمَلَ عَلَيْهِنَّ، وَالظَّاهِرُ كَرَاهَتُهُ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَالطَّائِفُ مِنْ الرِّجَالِ عَنْهُنَّ حُكْمُهُنَّ. قَوْلُهُ: [إنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ سُنَّةَ الرَّمَلِ إنَّمَا هِيَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَطَوَافِ الْقُدُومِ، وَهَذَا الرَّمَلُ مِمَّا زَالَ سَبَبُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ، فَإِنَّ سَبَبَهُ رَفْعُ التُّهْمَةِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَدِمُوا مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ، فَكَانَ كُفَّارُ

[سنن السعي]

(إلَّا لِازْدِحَامٍ فَالطَّاقَةُ) ، وَلَا يُكَلَّفُ مَا فَوْقَهَا. (وَ) سُنَّ لِلطَّائِفِ (الدُّعَاءُ) بِمَا يُحِبُّ مِنْ طَلَبِ عَافِيَةٍ وَعِلْمٍ وَتَوْفِيقٍ وَسَعَةِ رِزْقٍ، (بِلَا حَدٍّ) مَحْدُودٍ فِي ذَلِكَ، بَلْ بِمَا يُفْتَحُ عَلَيْهِ. الْأَوْلَى أَنَّهُ يَدْعُو بِمَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ نَحْوَ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] وَنَحْوَ: «اللَّهُمَّ إنِّي آمَنْت بِكِتَابِك الَّذِي أَنْزَلْت، وَبِنَبِيِّك الَّذِي أَرْسَلْت، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْت» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. ثُمَّ شَرَعَ فِي سُنَنِ السَّعْيِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ فَقَالَ: (وَ) سُنَّ (لِلسَّعْيِ) بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ: (تَقْبِيلُ الْحَجَرِ) الْأَسْوَدِ قَبْلَ الْخُرُوجِ لَهُ، وَ (بَعْدَ) صَلَاةِ (الرَّكْعَتَيْنِ) لِلطَّوَافِ. (وَ) سُنَّ (رُقِيُّ رَجُلٍ) : أَيْ صُعُودُهُ (عَلَيْهِمَا) : أَيْ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَكَّةَ يَظُنُّونَ فِيهِمْ الضَّعْفَ بِسَبَبِ حُمَّى الْمَدِينَةِ، فَكَانُوا يَقُولُونَ قَدْ أَوْهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ فَأُمِرُوا بِالرَّمَلِ فِي ابْتِدَاءِ الْأَشْوَاطِ لِمَنْعِ تُهْمَةِ الضَّعْفِ. قَوْلُهُ: [بِلَا حَدٍّ مَحْدُودٍ فِي ذَلِكَ] : أَيْ وَالتَّحْدِيدُ رَآهُ مَالِكٌ مِنْ الْبِدَعِ. [سُنَن السَّعْي] قَوْلُهُ: [بَعْدَ صَلَاةِ الرَّكْعَتَيْنِ] : وَنُدِبَ أَنْ يَمُرَّ بِزَمْزَمَ فَيَشْرَبَ مِنْهَا ثُمَّ يُقَبِّلَ الْحَجَرَ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، ثُمَّ يَخْرُجَ لِلسَّعْيِ مِنْ بَابِ الصَّفَا نَدْبًا. قَوْلُهُ: [وَسُنَّ رُقِيُّ رَجُلٍ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ السُّنَّةَ تَحْصُلُ بِمُطْلَقِ الرُّقِيِّ وَلَوْ عَلَى سُلَّمٍ وَاحِدٍ، وَالرُّقِيُّ عَلَى الْأَعْلَى مَنْدُوبٌ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَالْمُرَادُ الرُّقِيُّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا

(كَامْرَأَةٍ) يُسَنُّ لَهَا الصُّعُودُ (إنْ خَلَا) الْمَوْضِعُ مِنْ الرِّجَالِ، وَإِلَّا وَقَفَتْ أَسْفَلَهُمَا (وَ) سُنَّ (إسْرَاعٌ بَيْنَ) الْعَمُودَيْنِ (الْأَخْضَرَيْنِ) الْمُلَاصِقَيْنِ لِجِدَارِ الْمَسْجِدِ (فَوْقَ الرَّمَلِ) وَدُونَ الْجَرْيِ، وَذَلِكَ فِي ذَهَابِهِ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ، وَكَذَا فِي عَوْدِهِ إلَى الصَّفَا أَيْضًا. (وَ) سُنَّ (الدُّعَاءُ بِهِمَا) : أَيْ عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ رَقَى أَمْ لَا انْتَصَبَ قَائِمًا أَمْ جَلَسَ. (وَنُدِبَ لَهُ) : أَيْ لِلسَّعْيِ (شُرُوطُ الصَّلَاةِ) : مِنْ طَهَارَةٍ، وَسَتْرِ عَوْرَةٍ، وَنُدِبَ وُقُوفٌ عَلَيْهِمَا، وَالْجُلُوسُ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى. (وَ) نُدِبَ (لِلطَّوَافِ: رَمَلٌ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ لِمُحْرِمٍ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، (مِنْ) دُونِ الْمَوَاقِيتِ (كَالتَّنْعِيمِ) وَالْجِعْرَانَةِ، (أَوْ بِالْإِفَاضَةِ) : أَيْ فِي طَوَافِهَا (لِمَنْ لَمْ يَطُفْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي كُلِّ مَرَّةٍ، فَالْجَمِيعُ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَمَنْ رَقَى مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَقَطْ، فَقَدْ أَتَى بِبَعْضِ السُّنَّةِ كَذَا فِي (بْن اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَإِلَّا وَقَفْت أَسْفَلَهُمَا] : أَيْ وَلَا يَجُوزُ لَهَا مُزَاحَمَةُ الرِّجَالِ. قَوْلُهُ: [الْعَمُودَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ] : أَوَّلُهُمَا فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ تَحْتَ مَنَارَةِ بَابِ عَلِيٍّ عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ إلَى الْمَرْوَةِ، وَالثَّانِي بَعْدَهُ قُبَالَةَ رِبَاطِ الْعَبَّاسِ، وَهُنَاكَ عَمُودَانِ آخَرَانِ عَلَى يَمِينِ الذَّاهِبِ إلَى الْمَرْوَةِ فِي مُقَابَلَتِهِمَا. قَوْلُهُ: [وَكَذَا فِي عَوْدِهِ إلَى الصَّفَا] : أَيْ كَمَا ارْتَضَاهُ (بْن) وَأَيَّدَهُ بِالنُّقُولِ خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ سَنَدٍ وَالْمَوَّاقِ مِنْ أَنَّ الْإِسْرَاعَ خَاصٌّ بِالذَّهَابِ لِلْمَرْوَةِ، وَلَا يَكُونُ فِي حَالِ الْعَوْدِ لِلصَّفَا. قَوْلُهُ: [وَسُنَّ الدُّعَاءُ بِهِمَا] : أَيْ بِلَا حَدٍّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّوَافِ، بَلْ السُّنَّةُ الدُّعَاءُ لِمَنْ يَسْعَى مُطْلَقًا فِي حَالِ رُقِيِّهِ وَسَعْيِهِ. وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالرُّقِيِّ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ غَالِبِ الْعِبَارَاتِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّفْرَاوِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [مِنْ طَهَارَةٍ] : أَيْ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ، فَإِنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ أَوْ تَذَكَّرَ حَدَثًا أَوْ أَصَابَهُ حَقْنٌ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِيَ. فَإِنْ أَتَمَّ سَعْيَهُ كَذَلِكَ أَجْزَأَهُ. فَاسْتَخَفَّ مَالِكٌ اشْتِغَالَهُ بِالْوُضُوءِ وَلَمْ يَرَهُ مُخِلًّا بِالْمُوَالَاةِ الْوَاجِبَةِ فِي السَّعْيِ لِيَسَارَتِهِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ وُقُوفٌ عَلَيْهِمَا] : وَعَنْ ابْنِ فَرْحُونٍ أَنَّ الْوُقُوفَ سُنَّةٌ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ لِلطَّوَافِ رَمَلٌ] : تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ هُمَا مِنْ

الْقُدُومَ) لِعُذْرٍ أَوْ نِسْيَانٍ. (وَ) نُدِبَ (تَقْبِيلُ الْحَجَرِ) الْأَسْوَدِ (وَاسْتِلَامُ) الرُّكْنِ (الْيَمَانِيِّ فِي غَيْرِ) الشَّوْطِ (الْأَوَّلِ) ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُمَا فِي الْأَوَّلِ سُنَّةٌ. وَشَبَّهَ فِي النَّدْبِ قَوْلَ: (كَالْخُرُوجِ) مِنْ مَكَّةَ (لِمِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) ، وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ (بَعْدَ الزَّوَالِ) قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ (بِقَدْرِ مَا) أَيْ زَمَنٍ (يُدْرِكُ بِهَا) : أَيْ بِمِنًى (الظُّهْرَ) فِيهِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ قَصْرًا لِلسُّنَّةِ. (وَبَيَاتِهِ بِهَا) أَيْ بِمِنًى لَيْلَةَ التَّاسِعِ، فَإِنَّهُ مَنْدُوبٌ (وَسَيْرُهُ لِعَرَفَةَ بَعْدَ الطُّلُوعِ) لِلشَّمْسِ: فَإِنَّهُ مَنْدُوبٌ. (وَنُزُولُهُ بِنَمِرَةَ) : وَادٍ دُونَ عَرَفَةَ يَلْصَقُهَا، مُنْتَهَاهَا الْعَلَمَانِ الْمَعْرُوفَانِ. وَهَذَا إذَا وَصَلَهَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَيَنْزِلُ بِهَا حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، فَإِذَا زَالَتْ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ قَصْرًا جَمْعَ تَقْدِيمٍ مَعَ الْإِمَامِ بِمَسْجِدِهَا ثُمَّ يَنْفِرُوا إلَى عَرَفَةَ لِلْوُقُوفِ بِجَبَلِ الرَّحْمَةِ لِلْغُرُوبِ عَلَى مَا سَيَأْتِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوَاقِيتِ يُسَنُّ فِي حَقِّهِ الرَّمَلُ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ الْعُمْرَةِ، وَذَكَرَ هُنَا الْمَوَاضِعَ الَّتِي يُنْدَبُ فِيهَا الرَّمَلُ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَلَا رَمَلَ فِيهِ. قَوْلُهُ: [كَالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ لِمِنًى] : أَيْ وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ يُنْدَبُ لِلْإِمَامِ خُطْبَةٌ بَعْدَ ظُهْرِهِ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ النَّاسَ فِيهَا بِالْمَنَاسِكِ الَّتِي تُفْعَلُ مِنْ وَقْتِهَا إلَى الْخُطْبَةِ الَّتِي بِعَرَفَةَ. قَوْلُهُ: [بِقَدْرِ مَا يُدْرِكُ بِهَا الظُّهْرَ] : أَيْ وَلَوْ وَافَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَيْ لِلْمُسَافِرِينَ، وَأَمَّا الْمُقِيمُونَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَجَّ كَانُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ بِمَكَّةَ قَبْلَ الذَّهَابِ. قَوْلُهُ: [وَبَيَاتُهُ بِهَا] : أَيْ فَيُصَلِّي بِهَا حِينَئِذٍ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَصُبْحَ التَّاسِعِ وَهَذِهِ السُّنَّةُ مَتْرُوكَةٌ الْآنَ. قَوْلُهُ: [صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ] : أَيْ بَعْدَ الْخُطْبَتَيْنِ الْآتِيَتَيْنِ. قَوْلُهُ: [جَمْعَ تَقْدِيمٍ] : أَيْ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ لِكُلٍّ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ بِغَيْرِ تَنَفُّلٍ بَيْنَهُمَا، وَمَنْ فَاتَهُ الْجَمْعُ مَعَ الْإِمَامِ جَمَعَ وَحْدَهُ فِي أَيِّ مَكَان بِعَرَفَةَ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ يَنْفِرُوا] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ مِنْ غَيْرِ نُونٍ وَلَعَلَّهَا سَبْقُ قَلَمٍ.

[الركن الثالث من أركان الحج الحضور بعرفة ليلة النحر]

الرُّكْنُ (الثَّالِثُ) مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ: (الْحُضُورُ بِعَرَفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ) : عَلَى أَيِّ حَالَةٍ كَانَتْ، (وَلَوْ بِالْمُرُورِ) بِهَا (إنْ عَلِمَهُ) : أَيْ عَلِمَ أَنَّهُ عَرَفَةَ، (وَنَوَاهُ) : أَيْ نَوَى الْحُضُورَ الرُّكْنَ، وَهَذَانِ شَرْطَانِ فِي الْمَارِّ فَقَطْ (أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ) . وَيَكْفِي الْحُضُورُ (فِي أَيِّ جُزْءٍ) مِنْهُ؛ وَهُوَ جَبَلٌ مُتَّسِعٌ جِدًّا. وَالْحُضُورُ أَعَمُّ مِنْ الْوُقُوفِ، فَالْوُقُوفُ، لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَقَوْلُهُ: " لَيْلَةَ النَّحْرِ " هُوَ شَرْطٌ عِنْدَنَا، فَلَا يَكْفِي الْوُقُوفُ نَهَارًا بَلْ هُوَ وَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا. (وَأَجْزَأَ) الْوُقُوفُ (بِعَاشِرٍ) : أَيْ يَوْمَ الْعَاشِرِ لَيْلَةَ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إنْ (أَخْطَئُوا) : أَيْ أَهْلُ الْمَوْقِفِ، بِأَنْ لَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ لِعُذْرٍ مِنْ غَيْمٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَأَتَمُّوا عِدَّةَ ذِي الْقَعْدَةِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَوَفَّقُوا يَوْمَ التَّاسِعِ فِي اعْتِقَادِهِمْ، فَثَبَتَ أَنَّهُ يَوْمُ الْعَاشِرِ بِنُقْصَانِ ذِي الْقَعْدَةِ فَيُجْزِئُهُمْ، بِخِلَافِ التَّعَمُّدِ وَبِخِلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الرُّكْن الثَّالِث مِنْ أَرْكَان الْحَجّ الْحُضُورُ بِعَرَفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ] قَوْلُهُ: [الْحُضُورُ بِعَرَفَةَ] : وَلَا بُدَّ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْأَرْضِ أَوْ مَا اتَّصَلَ بِهَا كَالسُّجُودِ، فَلَا يَكْفِي أَنْ يَقِفَ فِي الْهَوَاءِ. قَوْلُهُ: [وَهَذَانِ شَرْطَانِ فِي الْمَارِّ فَقَطْ] : أَيْ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ اسْتِقْرَارٌ وَطُمَأْنِينَةٌ، وَأَمَّا مَنْ اسْتَقَرَّ وَاطْمَأَنَّ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْهَا فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ وَلَا النِّيَّةُ. قَوْلُهُ: [أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ] : هُوَ فِي حَيِّزِ لَوْ، وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْعِلْمُ وَلَا النِّيَّةُ فَلَا بُدَّ مِنْ الطُّمَأْنِينَةِ. وَأَوْلَى مِنْ الْإِغْمَاءِ النَّوْمُ أَيْ وَحَصَلَ ذَلِكَ النَّوْمُ أَوْ الْإِغْمَاءُ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَاسْتَمَرَّ حَتَّى نَزَلَ مِنْ عَرَفَةَ، وَأَمَّا لَوْ حَصَلَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَالْإِجْزَاءُ بِاتِّفَاقٍ. قَالَ بَعْضٌ: وَانْظُرْ لَوْ شَرِبَ مُسْكِرًا حَتَّى غَابَ وَفَاتَ الْوُقُوفُ قَالَ الْخَرَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ اخْتِيَارٌ فَهُوَ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ اخْتِيَارٌ فَلَا يُجْزِيهِ. قَوْلُهُ: [إنْ أَخْطَئُوا] : أَيْ وَتَبَيَّنَ ذَلِكَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِالْفِعْلِ لَا إنْ تَبَيَّنَ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَلَا يَجْزِيهِمْ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا يُفِيدُهُ نَقْلُ الشَّيْخِ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ التَّعَمُّدِ] إلَخْ: وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ أَخْطَئُوا فِي الْعَدَدِ بِأَنْ عَلِمُوا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ الشَّهْرِ، ثُمَّ نَسُوهُ فَوَقَفُوا فِي الْعَاشِرِ فَإِنَّهُ لَا يَجْزِيهِمْ. وَأَمَّا مَنْ رَأَى

خَطَئِهِمْ بِثَامِنٍ أَوْ حَادِيَ عَشَرَ، أَوْ خَطَأِ بَعْضِهِمْ فَلَا يُجْزِئُ. (وَوَجَبَ) فِي الْوُقُوفِ الرُّكْنِ: (طُمَأْنِينَةُ) : أَيْ اسْتِقْرَارٌ بِقَدْرِ الْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَائِمًا أَوْ جَالِسًا أَوْ رَاكِبًا فَإِذَا نَفَرُوا قَبْلَ الْغُرُوبِ - كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ - وَجَبَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ عَرَفَةَ اسْتِقْرَارٌ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَإِلَّا فَدَمٌ إنْ لَمْ يَتَدَارَكْهُ (كَالْوُقُوفِ نَهَارًا بَعْدَ الزَّوَالِ) : فَإِنَّهُ وَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ وَلَا يَكْفِي قَبْلَ الزَّوَالِ. وَذَهَبَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ كَالشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّ الرُّكْنَ الْوُقُوفُ إمَّا نَهَارًا أَوْ لَيْلًا. (وَسُنَّ خُطْبَتَانِ) كَالْجُمُعَةِ (بَعْدَ الزَّوَالِ) بِمَسْجِدِ عَرَفَةَ. وَيُقَالُ مَسْجِدُ نَمِرَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَقْصُورَتَهُ الْغَرْبِيَّةَ الَّتِي بِهَا الْمِحْرَابُ فِي نَمِرَةَ وَبَاقِيهِ فِي عَرَفَةَ، وَهُوَ مَسْجِدٌ عَظِيمُ الشَّأْنِ مَتِينُ الْبُنْيَانِ أَكْثَرُ الْحُجَّاجِ الْآنَ لَا يَعْرِفُهُ وَلَا يَهْتَدِي إلَيْهِ حَتَّى طَلَبَةُ الْعِلْمِ، سِوَى أَهْلِ مَكَّةَ وَغَالِبُ أَهْلِ الرُّومِ؛ فَلَهُمْ اعْتِنَاءٌ بِإِقَامَةِ الشَّعَائِرِ. (يُعَلِّمُهُمْ) الْخَطِيبُ (بِهِمَا) : أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ بَعْدَ الْحَمْدِ وَالشَّهَادَتَيْنِ (مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الْمَنَاسِكِ) قَبْلَ الْأَذَانِ لِلظُّهْرِ، بِأَنْ يَذْكُرَ لَهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ، وَأَنْ يَقْصُرُوهُمَا لِلسُّنَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْهِلَالَ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوُقُوفُ فِي وَقْتِهِ كَالصَّوْمِ. قَوْلُهُ: [اسْتِقْرَارٌ بَعْدَ الْغُرُوبِ] : أَيْ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. قَوْلُهُ: [إنْ لَمْ يَتَدَارَكْهُ] : أَيْ بِأَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ طُمَأْنِينَةٌ بِعَرَفَةَ لَيْلًا. قَوْلُهُ: [وَذَهَبَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ كَالشَّافِعِيِّ] إلَخْ: أَيْ فَمَنْ وَقَفَ نَهَارًا فَقَطْ كَفَى عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَمَنْ وَقَفَ لَيْلًا فَقَطْ كَفَى عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَلَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ مَالِكٍ لِفَوَاتِ النَّهَارِ. قَوْلُهُ: [بَعْدَ الزَّوَالِ] : فَلَوْ خَطَبَ قَبْلَهُ وَصَلَّى بَعْدَهُ أَوْ صَلَّى بِغَيْرِ خُطْبَةٍ أَجْزَأَهُ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ: [وَيُقَالُ مَسْجِدُ نَمِرَةَ أَيْضًا] : وَيُقَالُ مَسْجِدُ عُرَنَةَ بِالنُّونِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَأَنْ يَقْصُرُوهُمَا لِلسُّنَّةِ] : أَيْ فَإِنَّ السُّنَّةَ جَاءَتْ بِالْقَصْرِ فِي تِلْكَ الْأَمَاكِنِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمَسَافَةُ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ، فَلِذَلِكَ يُسَنُّ لِأَهْلِ مَكَّةَ الْقَصْرُ فِي

إلَّا أَهْلَ عَرَفَةَ فَيُتِمُّونَ، وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُمَا يَنْفِرُونَ إلَى جَبَلِ الرَّحْمَةِ وَاقِفِينَ أَوْ رَاكِبِينَ بِطَهَارَةٍ، مُسْتَقْبِلِينَ الْبَيْتَ وَهُوَ جِهَةُ الْمَغْرِبِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ بِعَرَفَةَ دَاعِينَ مُتَضَرِّعِينَ لِلْغُرُوبِ. ثُمَّ يُدْفَعُونَ بِدَفْعِ الْإِمَامِ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ، فَإِذَا وَصَلْتُمْ لِمُزْدَلِفَةَ فَاجْمَعُوا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ جَمْعَ تَأْخِيرٍ تَقْصُرُونَ الْعِشَاءَ إلَّا أَهْلَ مُزْدَلِفَةَ فَيُتِمُّونَ. وَتَلْتَقِطُونَ مِنْهَا الْجَمَرَاتِ تَبِيتُونَ بِهَا وَتُصَلُّونَ بِهَا الصُّبْحَ، ثُمَّ تَنْفِرُونَ إلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فَتَقِفُونَ بِهِ إلَى قُرْبِ طُلُوعِ الشَّمْسِ، ثُمَّ تَسِيرُونَ لِمِنًى لِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَتُسْرِعُونَ بِبَطْنِ مُحَسِّرٍ، فَإِذَا رَمَيْتُمْ الْجِمَارَ فَاحْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا وَاذْبَحُوا أَوْ انْحَرُوا هَدَايَاكُمْ وَقَدْ حَلَّ لَكُمْ مَا عَدَا النِّسَاءَ وَالصَّيْدَ، ثُمَّ امْضُوا مِنْ يَوْمِكُمْ (إلَى) طَوَافِ (الْإِفَاضَةِ) وَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى النِّسَاءُ وَالصَّيْدُ. (ثُمَّ أُذِّنَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (وَأُقِيمَ) : أَيْ ثُمَّ يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ (بَعْدَ الْفَرَاغِ) مِنْ خُطْبَتِهِ (وَهُوَ) : أَيْ الْإِمَامُ (جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ) . (وَ) سُنَّ (جَمْعُ الظُّهْرَيْنِ) جَمْعَ تَقْدِيمٍ حَتَّى لِأَهْلِ عَرَفَةَ. (وَ) سُنَّ (قَصْرُهُمَا) إلَّا لِأَهْلِ عَرَفَةَ بِأَذَانٍ ثَانٍ وَإِقَامَةٍ لِلْعَصْرِ مِنْ غَيْرِ تَنَفُّلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَرَفَةَ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ أَهْلِ تِلْكَ الْأَمَاكِنِ يَقْصُرُونَ فِي غَيْرِ وَطَنِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي يُصَرِّحُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَهْلَ عَرَفَةَ فَيُتِمُّونَ] : وَيُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ. قَوْلُهُ: [وَتَلْتَقِطُونَ مِنْهَا الْجَمَرَاتِ] : يَعْنِي حَصَيَاتِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لَا كُلَّ الْجَمَرَاتِ، فَإِنَّ بَاقِيَهَا تُلْتَقَطُ مِنْ مِنًى كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [ثُمَّ تَبِيتُونَ بِهَا] : أَيْ نَدْبًا لِأَنَّ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ الَّتِي بَيَّنَهَا بَعْضُهَا وَاجِبٌ وَبَعْضُهَا سُنَّةٌ وَبَعْضُهَا مَنْدُوبٌ، وَسَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ مُفَصَّلًا. قَوْلُهُ: [وَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى النِّسَاءُ] إلَخْ: أَيْ فَهُوَ التَّحَلُّلُ الْأَكْبَرُ. وَمَا قَبْلَهُ تَحَلُّلٌ أَصْغَرُ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [بِأَذَانٍ ثَانٍ] : أَيْ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي الْجَلَّابِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ وَقِيلَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ الْمَوَّازِ.

بَيْنَهُمَا. وَمَنْ فَاتَهُ الْجَمْعُ مَعَ الْإِمَامِ جَمَعَ فِي رَحْلِهِ. وَهَذِهِ الشَّعَائِرُ وَالْخُطْبَةُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي مَرَّ مَقَامُهُ - بِفَضْلِ اللَّهِ - فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ كَمَا شَاهَدْنَا ذَلِكَ يُقِيمُهَا أَهْلُ مَكَّةَ وَغَالِبُ الْأَعَاجِمِ مِنْ الْأَرْوَامِ وَالْبَرَابِرَةِ وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَلَا، وَلَوْ حَجَّ مِرَارًا كَثِيرَةً، حَتَّى أَمِيرُ الْحَجِّ الْمِصْرِيُّ أَوْ الشَّامِيُّ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ بِعَرَفَةَ مَسْجِدًا مِنْ أَصْلِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ شَأْنَ الْحَجِّ النُّزُولُ بِقُرْبِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ شَرْقِيَّ عَرَفَةَ وَمَسْجِدُهَا فِي جِهَتِهَا الْغَرْبِيَّةِ، وَبَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ وَفِيهَا أَشْجَارٌ وَكَلَأٌ، فَقَلَّ أَنْ يَتَنَبَّهَ الْغَافِلُ لِرُؤْيَةِ الْمَسْجِدِ، إلَّا أَنَّهُمْ يُتِمُّونَ الصَّلَاةَ لِكَوْنِ الْإِمَامِ حَنَفِيًّا. وَأَمْرُ الْحَرَمَيْنِ مَنُوطٌ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ وَهُوَ حَنَفِيٌّ. (وَنُدِبَ وُقُوفٌ) بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرَيْنِ (بِجَبَلِ الرَّحْمَةِ) : مَكَانٌ مَعْلُومٌ شَرْقِيَّ عَرَفَةَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْعِظَامِ، وَهُنَاكَ قُبَّةٌ يُسَمِّيهَا الْعَوَامُّ قُبَّةُ أَبِينَا آدَمَ (مُتَوَضِّئًا) لِأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمَشَاهِدِ وَلَيْسَ الْوُضُوءُ بِوَاجِبٍ لِلْمَشَقَّةِ. (وَ) نُدِبَ الْوُقُوفُ (مَعَ النَّاسِ) : لِأَنَّ فِي جَمْعِهِمْ مَزِيدَ الرَّحْمَةِ وَالْقَبُولِ (وَ) نُدِبَ (رُكُوبُهُ بِهِ) : أَيْ الْوُقُوفِ؛ أَيْ فِي حَالَةِ وُقُوفِهِ (فَقِيَامٌ) عَلَى قَدَمَيْهِ، (إلَّا لِتَعَبٍ) فَيَجْلِسُ. (وَ) نُدِبَ (دُعَاءٌ) بِمَا أَحَبَّ مِنْ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (وَتَضَرُّعٌ) : أَيْ خُشُوعٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [جَمَعَ فِي رَحْلِهِ] : فَإِنْ تَرَكَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ عَلَيْهِ دَمٌ حَكَاهُ فِي اللُّمَعِ وَاسْتَبْعَدَهُ الْقَرَافِيُّ. قَوْلُهُ: [وَهُنَاكَ قُبَّةٌ] إلَخْ: قِيلَ هِيَ مَحَلُّ الْتِقَاءِ آدَمَ مَعَ حَوَّاءَ بَعْدَ هُبُوطِهِمَا مِنْ الْجَنَّةِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ عَرَفَاتٌ لِتَعَارُفِهِمَا فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ رُكُوبُهُ بِهِ] : أَيْ لِوُقُوفِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَذَلِكَ، وَلِكَوْنِهِ أَعْوَنَ عَلَى مُوَاصَلَةِ الدُّعَاءِ وَأَقْوَى عَلَى الطَّاعَةِ، وَيُحْمَلُ النَّهْيُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تَتَّخِذُوا ظُهُورَ الدَّوَابِّ كَرَاسِيَّ» ، عَلَى مَا إذَا حَصَلَ مَشَقَّةٌ أَوْ هُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ النَّهْيِ. قَوْلُهُ: [دُعَاءٌ بِمَا أَحَبَّ] : أَيْ بِأَيِّ دُعَاءٍ كَانَ وَيُنْدَبُ ابْتِدَاؤُهُ بِالْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ، ثُمَّ أَفْضَلُهُ دَعَوَاتُ الْقُرْآنِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ مِنْ الدَّعَوَاتِ النَّبَوِيَّةِ وَالدَّعَوَاتِ الْمَأْثُورَةِ عَنْ السَّلَفِ وَأَهْلِ الْعِرْفَانِ.

وَابْتِهَالٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْإِجَابَةِ (لِلْغُرُوبِ) . فَيُدْفَعُونَ إلَى مُزْدَلِفَةَ. (وَسُنَّ جَمْعُ الْعِشَاءَيْنِ بِمُزْدَلِفَةَ) بِأَنْ تُؤَخَّرَ الْمَغْرِبُ لِبَعْدِ مَغِيبِ الشَّفَقِ فَتُصَلَّى مَعَ الْعِشَاءِ فِيهَا، وَهَذَا إنْ وَقَفَ مَعَ النَّاسِ وَدُفِعَ مَعَهُمْ وَإِلَّا فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ. (وَ) سُنَّ (قَصْرٌ) لِلْعِشَاءِ لِجَمِيعِ الْحُجَّاجِ (إلَّا أَهْلَهَا) فَيُتِمُّونَهَا (كَمِنًى وَعَرَفَةَ) أَيْ كَأَهْلِهِمَا فِي مَحِلِّهِمَا فَيُتِمُّونَ وَيَقْصُرُ غَيْرُهُمْ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ أَهْلَ كُلِّ مَحَلٍّ مِنْ مَكَّةَ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَعَرَفَةَ يُتِمُّ فِي مَحَلِّهِ وَيَقْصُرُ غَيْرُهُمْ. (وَإِنْ قُدِّمَتَا) : أَيْ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ عَنْهَا أَيْ عَنْ الْمُزْدَلِفَةِ (أَعَادَهُمَا بِهَا) أَيْ الْمُزْدَلِفَةِ نَدْبًا (إلَّا الْمَعْذُورَ) أَيْ الْمُتَأَخِّرَ عَنْ النَّاسِ لِعُذْرٍ بِهِ أَوْ بِدَابَّتِهِ (فَبَعْدَ الشَّفَقِ) يُصَلِّيهِمَا جَمْعًا (فِي أَيِّ مَحَلٍّ) كَانَ هُوَ فِيهِ. وَهَذَا (إنْ وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ بِعَرَفَةَ) ، وَإِلَّا انْفَرَدَ بِوُقُوفِهِ عَنْهُمْ، (فَكُلٌّ) مِنْ الْفَرْضَيْنِ يُصَلِّيهِ (لِوَقْتِهِ) الْمَغْرِبُ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَالْعِشَاءُ بَعْدَ الشَّفَقِ قَصْرًا. (وَوَجَبَ نُزُولُهُ بِهَا) : أَيْ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِقَدْرِ حَطِّ الرِّحَالِ وَصَلَاةِ الْعِشَاءَيْنِ، وَتَنَاوُلِ شَيْءٍ مِنْ أَكْلٍ فِيهَا أَوْ شُرْبٍ. فَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ فَدَمٌ. (وَنُدِبَ بَيَاتُهُ) بِهَا (وَارْتِحَالُهُ) مِنْهَا (بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ) فِيهَا (بِغَلَسٍ) . قَبْلَ أَنْ تَتَعَارَفَ الْوُجُوهُ. (وَ) نُدِبَ (وُقُوفُهُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) : مَحَلٍّ يَلِي مُزْدَلِفَةَ جِهَةَ مِنًى (مُسْتَقْبِلًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [جَمَعَ الْعِشَاءَيْنِ بِمُزْدَلِفَةَ] : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَخْذِهَا مِنْ الِازْدِلَافِ وَهُوَ التَّقَرُّبُ؛ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ إذَا أَفَاضُوا مِنْ عَرَفَاتٍ تَقَرَّبُوا بِالْمُضِيِّ إلَيْهَا - قَالَهُ النَّوَوِيُّ. قَوْلُهُ: [يُتِمُّ فِي مَحِلِّهِ وَيَقْصُرُ غَيْرُهُمْ] : أَيْ وَأَمَّا الْجَمْعُ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ فَهُوَ سُنَّةٌ لِلْجَمِيعِ. قَوْلُهُ: [بِقَدْرِ حَطِّ الرِّحَالِ] إلَخْ: أَيْ فَالْمَدَارُ عَلَى مُضِيِّ قَدْرِ مَا ذَكَرَهُ. وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وُقُوفُهُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ] : تَبِعَ فِي النَّدْبِ خَلِيلًا، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْوُقُوفَ بِالْمَشْعَرِ سُنَّةٌ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَشَهَّرَهُ الْقَلْشَانِيُّ. بَلْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنَّ الْوُقُوفَ بِهِ فَرِيضَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [مَحَلٌّ يَلِي مُزْدَلِفَةَ] : أَيْ وَهُوَ الْمَسْجِدُ الَّذِي عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ لِمِنًى

لِلْبَيْتِ جِهَةَ الْمَغْرِبِ: لِأَنَّ هَذِهِ الْأَمَاكِنَ كُلَّهَا شَرْقِيَّةُ مَكَّةَ بَيْنَ جِبَالٍ شَوَاهِقَ يَقِفُونَ بِهِ (لِلدُّعَاءِ) بِالْمَغْفِرَةِ وَغَيْرِهَا، (وَالثَّنَاءِ) عَلَى اللَّهِ تَعَالَى (لِلْإِسْفَارِ) . (وَ) نُدِبَ (إسْرَاعٌ) دُونَ الْجَرْيِ يُهَرْوِلُ الْمَاشِي وَيُحَرِّكُ الرَّاكِبُ دَابَّتَهُ (بِبَطْنِ مُحَسِّرٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ مُشَدَّدَةً: وَادٍ بَيْنَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَمِنًى بِقَدْرِ رَمْيَةِ الْحَجَرِ بِالْمِقْلَاعِ مِنْ قَوِيٍّ. (وَ) نُدِبَ (رَمْيُهُ الْعَقَبَةِ) : أَيْ جَمْرَتَهَا (حِينَ وُصُولِهِ) لَهَا عَلَى أَيِّ حَالَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يَلْتَقِطُهَا مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ، (وَإِنْ رَاكِبًا) وَلَا يَصْبِرُ لِلنُّزُولِ. (وَ) نُدِبَ (مَشْيُهُ) : أَيْ الرَّامِي (فِي غَيْرِهَا) : أَيْ غَيْرِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ. فَيَشْمَلُ الْعَقَبَةَ فِي غَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ. (وَحَلَّ بِهَا) أَيْ بِالْعَقَبَةِ أَيْ بِرَمْيِ جَمْرَتِهَا كُلُّ شَيْءٍ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ (غَيْرَ نِسَاءٍ وَصَيْدٍ، وَكُرِهَ) لَهُ (الطِّيبُ) حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ. وَهَذَا هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي بَيْنَ جَبَلِ الْمُزْدَلِفَةَ وَالْجَبَلِ الْمُسَمَّى بِقُزَحٍ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ مَشْعَرًا لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّعَائِرِ أَيْ الطَّاعَاتِ وَمَعَالِمِ الدِّينِ وَمَعْنَى الْحَرَامِ أَيْ الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ الصَّيْدُ وَغَيْرُهُ كَقَطْعِ الْأَشْجَارِ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَرَمِ. قَوْلُهُ: [لِلْإِسْفَارِ] : أَيْ فَقَطْ، وَيُكْرَهُ الْوُقُوفُ لِلطُّلُوعِ. قَوْلُهُ: [بِبَطْنِ مُحَسِّرٍ] : قِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِحَسْرِ أَصْحَابِ الْفِيلِ فِيهِ، وَالْحَقُّ أَنَّ قَضِيَّةَ الْفِيلِ لَمْ يَكُنْ بِوَادِي مُحَسِّرٍ بَلْ كَانَتْ خَارِجَ الْحَرَمِ كَمَا أَفَادَهُ أَشْيَاخُنَا. فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَانْظُرْ مَا حِكْمَةُ الْإِسْرَاعِ. قَوْلُهُ: [حِينَ وُصُولِهِ لَهَا] : هَذَا هُوَ مَصَبُّ النَّدْبِ، وَأَمَّا رَمْيُهَا فِي حَدِّ ذَاتِهِ فَوَاجِبٌ. وَمَحِلُّ نَدْبِ رَمْيِهَا حِينَ الْوُصُولِ إذَا وَصَلَ لَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَإِنْ وَصَلَ قَبْلَ الطُّلُوعِ انْتَظَرَ طُلُوعَ الْفَجْرِ وُجُوبًا، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، لِأَنَّ وَقْتَ رَمْيِهَا يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَيَمْتَدُّ إلَى الْغُرُوبِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [يَلْتَقِطُهَا مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ] : أَيْ كَمَا هُوَ النَّدْبُ، فَلَوْ الْتَقَطَهَا مِنْ مِنًى كَفَاهُ. قَوْلُهُ: [غَيْرُ نِسَاءٍ] : هَذَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَيُقَالُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ غَيْرُ رِجَالٍ وَصَيْدٍ.

التَّحَلُّلُ الْأَصْغَرُ. (وَ) نُدِبَ (تَكْبِيرُهُ) بِأَنْ يَقُولَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ " (مَعَ) رَمْيِ (كُلِّ حَصَاةٍ) مِنْ الْعَقَبَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ بَاقِي الْأَيَّامِ. (وَ) نُدِبَ (تَتَابُعُهَا) : أَيْ الْحَصَيَاتِ بِالرَّمْيِ؛ فَلَا يَفْصِلُ بَيْنَهَا بِمُشْغِلٍ مِنْ كَلَامٍ أَوْ غَيْرِهِ. (وَ) نُدِبَ (لَقْطُهَا) بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَيِّ مَحَلٍّ إلَّا الْعَقَبَةَ فَمِنْ الْمُزْدَلِفَةِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَكْسِرَ حَجَرًا كَبِيرًا، كَرَمْيٍ بِمَا رَمَى بِهِ. (وَ) نُدِبَ (ذَبْحٌ) لِهَدْيٍ (وَحَلْقٌ قَبْلَ الزَّوَالِ) إنْ أَمْكَنَ، وَهَذَا مَحَطُّ النَّدْبِ وَإِلَّا فَكُلٌّ مِنْهُمَا وَاجِبٌ. (وَ) نُدِبَ (تَأْخِيرُهُ) أَيْ الْحَلْقِ (عَنْ الذَّبْحِ وَالتَّقْصِيرِ) لِشَعْرِ الرَّأْسِ (مُجْزٍ) لِلذَّكَرِ عَنْ الْحَلْقِ. (وَهُوَ) : أَيْ التَّقْصِيرُ (لِلْمَرْأَةِ) : أَيْ سُنَّتُهَا؛ وَلَا يَجُوزُ لَهَا الْحَلْقُ إنْ كَانَتْ كَبِيرَةً لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ فِي حَقِّهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَنُدِبَ تَأْخِيرُهُ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى مَطْلُوبِيَّةِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي تُفْعَلُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَهِيَ الرَّمْيُ، ثُمَّ النَّحْرُ، ثُمَّ الْحَلْقُ، ثُمَّ الْإِفَاضَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، إلَّا أَنَّ ابْنِ الْجَهْمِ مِنْ أَئِمَّتِنَا اسْتَثْنَى الْقَارِنَ فَقَالَ: لَا يَحْلِقُ حَتَّى يَطُوفَ، لَاحِظْ عَمَلَ الْعُمْرَةِ، وَالْعُمْرَةُ يَتَأَخَّرُ فِيهَا الْحَلْقُ عَنْ الطَّوَافِ. وَمَطْلُوبِيَّةُ الْحَلْقِ وَلَوْ فِي حَقِّ مَنْ لَا شَعْرَ لَهُ أَصْلًا فَيَجْرِي الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالشَّعْرِ فَتَنْتَقِلُ لِلْبَشَرَةِ عِنْدَ عَدَمِهِ كَالْمَسْحِ فِي الْوُضُوءِ، وَمَنْ بِرَأْسِهِ وَجَعٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْحِلَاقِ أَهْدَى. قَالَ بَعْضُهُمْ: فَإِنْ صَحَّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَلْقُ، وَالْحَلْقُ يُجْزِئُ وَلَوْ بِالنُّورَةِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ. قَوْلُهُ: [وَالتَّقْصِيرُ لِشَعْرِ الرَّأْسِ] : أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَبَّدَ شَعْرَهُ وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْحَلْقُ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ ضَفَّرَ أَوْ عَقَصَ أَوْ لَبَّدَ فَعَلَيْهِ الْحِلَاقُ، وَمِثْلُهُ فِي الْمُوَطَّإِ، وَعَلَّلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ بِعَدَمِ إمْكَانِ التَّقْصِيرِ، وَرَدَّهُ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَغْسِلَهُ ثُمَّ يُقَصِّرَ. وَإِنَّمَا عَلَّلَ عُلَمَاؤُنَا تَعَيُّنَ الْحَلْقِ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ بِالسُّنَّةِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ.

[الركن الرابع من أركان الحج طواف الإفاضة]

(تَأْخُذُ) الْمَرْأَةُ أَيْ تَقُصُّ (مِنْ جَمِيعِ شَعْرِهَا نَحْوَ) أَيْ قَدْرَ (الْأُنْمُلَةِ) مِنْ الْأُصْبُع. (وَ) يَأْخُذُ (الرَّجُلُ) إنْ قَصَّرَ (مِنْ قُرْبٍ أَصْلَهُ) أَيْ الشَّعْرَ، (وَأَجْزَأَهُ الْأَخْذُ مِنْ الْأَطْرَافِ) لِجَمِيعِ الشَّعْرِ نَحْوَ الْأُنْمُلَةِ وَأَخْطَأَ (لَا) يُجْزِئُ (حَلْقُ الْبَعْضِ) مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ لِلذَّكَرِ، وَلَا تَقْصِيرُ الْبَعْضِ لِلْأُنْثَى وَهُوَ مُجْزٍ عِنْدَ غَيْرِنَا كَالْمَسْحِ فِي الْوُضُوءِ. فَإِذَا رَمَى الْعَقَبَةَ وَنَحَرَ وَحَلَقَ أَوْ قَصَّرَ نَزَلَ مِنْ مِنًى لِمَكَّةَ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ. وَلَا تُسَنُّ لَهُ صَلَاةُ الْعِيدِ بِمِنًى وَلَا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لِأَنَّ الْحَاجَّ لَا عِيدَ عَلَيْهِ. وَمَا يَقَعُ الْآنَ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بَعْدَ رَمْيِهِمْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَعَلَى غَيْرِ مَذْهَبِنَا. (الرُّكْنُ الرَّابِعُ) مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ: (طَوَافُ الْإِفَاضَةِ) : سَبْعَةُ أَشْوَاطٍ بِالْبَيْتِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ. (وَحَلَّ بِهِ مَا بَقِيَ) مِنْ نِسَاءٍ وَصَيْدٍ وَطِيبٍ، وَهَذَا هُوَ التَّحَلُّلُ الْأَكْبَرُ. فَيَجُوزُ لَهُ وَطْءُ حَلِيلَتِهِ بِمِنًى أَيَّامَ التَّشْرِيقِ (إنْ حَلَقَ) أَوْ قَصَّرَ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ أَوْ بَعْدَهَا (وَقَدَّمَ سَعْيَهُ) عَقِبَ الْقُدُومِ. فَإِنْ لَمْ يُقَدِّمْهُ عَقِبَهُ أَوْ كَانَ لَا قُدُومَ عَلَيْهِ فَلَا يَحِلُّ مَا بَقِيَ إلَّا بِالسَّعْيِ. فَإِنْ وَطِئَ أَوْ اصْطَادَ قَبْلَهُ: فَالدَّمُ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْلِقْ فَالدَّمُ فِي الْوَطْءِ لَا الصَّيْدِ. (وَوَقْتُهُ) : أَيْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ (مِنْ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ) فَلَا يَصِحُّ قَبْلَهُ (كَالْعَقَبَةِ) أَيْ رَمْيِ جَمْرَتِهَا، فَلَا يَصِحُّ قَبْلَهُ. (وَوَجَبَ تَقْدِيمُ الرَّمْيِ) لِلْعَقَبَةِ (عَلَى الْحَلْقِ) ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْمِهَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الرُّكْن الرَّابِع مِنْ أَرْكَان الْحَجّ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ] قَوْلُهُ: [عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ] : أَيْ مِنْ الشُّرُوطِ وَالْآدَابِ. قَوْلُهُ: [إنْ حَلَقَ] : أَيْ وَكَانَ قَدْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ. أَوْ فَاتَ وَقْتُهَا. قَوْلُهُ: [فَالدَّمُ] : أَيْ هَدْيًا فِي الْوَطْءِ، وَجَزَاءً فِي الصَّيْدِ، وَقَوْلُنَا: " وَكَانَ قَدْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ أَوْ فَاتَ وَقْتُهَا ": احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا أَفَاضَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا وَطِئَ عَلَيْهِ هَدْيٌ.

تَحَلُّلٌ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ حَلْقٌ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ. (وَ) وَجَبَ تَقْدِيمُ الرَّمْيِ أَيْضًا عَلَى طَوَافِ (الْإِفَاضَةِ) ، فَإِنْ قَدَّمَ وَاحِدًا مِنْهُمَا عَلَيْهِ: فَدَمٌ، كَمَا يَأْتِي، بِخِلَافِ تَقْدِيمِ النَّحْرِ أَوْ الْحَلْقِ عَلَى الْإِفَاضَةِ أَوْ الرَّمْيِ عَلَى النَّحْرِ، فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ مَنْدُوبٌ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي يُفْعَلُ يَوْمَ النَّحْرِ أَرْبَعَةٌ: الرَّمْيُ، فَالنَّحْرُ، فَالْحَلْقُ، فَالْإِفَاضَةُ. فَتَقْدِيمُ الرَّمْيِ عَلَى الْحَلْقِ وَعَلَى الْإِفَاضَةِ وَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ، وَتَقْدِيمُ الرَّمْيِ عَلَى النَّحْرِ، وَتَقْدِيمُ النَّحْرِ عَلَى الْحَلْقِ وَتَقْدِيمُهُمَا عَلَى الْإِفَاضَةِ مَنْدُوبٌ، فَإِنْ نَحَرَ قَبْلَ الرَّمْيِ أَوْ أَفَاضَ قَبْلَ النَّحْرِ أَوْ قَبْلَ الْحَلْقِ أَوْ قَبْلَهُمَا مَعًا أَوْ قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى النَّحْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْخَمْسَةِ وَهُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ: «مَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ أَوْ أُخِّرَ يَوْمَ النَّحْرِ إلَّا قَالَ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ» . (وَنُدِبَ فِعْلُهُ) أَيْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ (فِي ثَوْبَيْ إحْرَامِهِ) لِيَكُونَ جَمِيعُ أَرْكَانِ الْحَجِّ بِهِمَا. (وَ) نُدِبَ فِعْلُهُ (عَقِبَ حَلْقِهِ) بِلَا تَأْخِيرٍ إلَّا بِقَدْرِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ. (فَإِنْ وَطِئَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ (وَقَبْلَ الْحَلْقِ: فَدَمٌ) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ مَا بَقِيَ إلَّا إذَا حَلَقَ وَسَعَى قَبْلَ الْإِفَاضَةِ أَوْ بَعْدَهَا، (بِخِلَافِ الصَّيْدِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا يَجُوزُ لَهُ حَلْقٌ] : فَلَوْ حَلَقَ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ كَمَا يَأْتِي، وَلَا يَجْزِيهِ ذَلِكَ الْحِلَاقُ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ] : أَيْ هَذِهِ الصُّوَرُ الْخَمْسُ يُحْمَلُ عَلَيْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «افْعَلْ وَلَا حَرَجَ» ، وَلَا يُحْمَلُ الْحَدِيثُ شَامِلًا لِتَقْدِيمِ الْحَلْقِ أَوْ الْإِفَاضَةِ عَلَى الرَّمْيِ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَفْيُ الْحَرَجِ عَنْهُمَا. قَوْلُهُ: [فِي ثَوْبَيْ إحْرَامِهِ] : أَيْ وَهُمَا الْإِزَارُ وَالرِّدَاءُ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الصَّيْدِ] : أَيْ وَأَوْلَى الطِّيبُ وَإِنَّمَا كَانَ أَمْرُهُمَا خَفِيفًا بِالنِّسْبَةِ

قَبْلَ الْحَلْقِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِخِفَّتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَطْءِ، وَهَذَا إنْ كَانَ سَعَى، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الدَّمُ فِي الصَّيْدِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّ السَّعْيَ رُكْنٌ. (كَأَنْ قَدَّمَ الْإِفَاضَةَ أَوْ الْحَلْقَ عَلَى الرَّمْيِ) : تَشْبِيهٌ فِي وُجُوبِ الدَّمِ؛ فَفِي تَقْدِيمِ الْإِفَاضَةِ عَلَى الرَّمْيِ دَمٌ أَيْ هَدْيٌ، وَفِي تَقْدِيمِ الْحَلْقِ عَلَى الرَّمْيِ دَمٌ أَيْ فِدْيَةٌ، لِأَنَّهُ مِنْ إزَالَةِ الْأَذَى أَوْ التَّرَفُّهِ قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ، فَإِنْ قَدَّمَهُمَا مَعًا عَلَى الرَّمْيِ فَهَدْيٌ وَفِدْيَةٌ (وَأَعَادَ الْإِفَاضَةَ) - مَا دَامَ بِمَكَّةَ تَدَارُكًا لِلْوَاجِبِ، وَسَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ إنْ أَعَادَهُ قَبْلَ الْمَحْرَمِ. (لَا) دَمَ عَلَيْهِ (إنْ خَالَفَ) عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا (فِي غَيْرٍ) : أَيْ الصُّورَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ؛ كَأَنْ قَدَّمَ النَّحْرَ عَلَى الرَّمْيِ أَوْ الْحَلْقِ عَلَى الذَّبْحِ أَوْ الْإِفَاضَةِ عَلَيْهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ. (وَكَتَأْخِيرِهِ الْحَلْقَ) وَلَوْ سَهْوًا (لِبَلَدِهِ) وَلَوْ قَرُبَتْ: فَدَمٌ. (أَوْ) تَأْخِيرِهِ الْحَلْقَ (لِخُرُوجِ أَيَّامِ الرَّمْيِ) الثَّلَاثَةِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ: فَدَمٌ، إلَّا أَنَّ هَذَا حَكَاهُ فِي التَّوْضِيحِ: بِ " قِيلَ " - بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ الدَّمَ فِي تَأْخِيرِهِ لِبَلَدِهِ - " عَنْ الْمُدَوَّنَةِ " وَذَكَرَ عَنْ التُّونُسِيِّ أَوْ بَعْدَ طُولٍ، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ إنْ أَخَّرَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ. (أَوْ تَأْخِيرِ) طَوَافِ (الْإِفَاضَةِ لِلْمُحْرِمِ) : فَدَمٌ لِفِعْلِ الرُّكْنِ فِي غَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْوَطْءِ، لِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْ مُفْسِدَاتِ الْحَجِّ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الدَّمُ فِي الصَّيْدِ أَيْضًا] : مُرَادُهُ جَزَاءٌ، وَأَمَّا الطِّيبُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ. قَوْلُهُ: [لَا دَمَ عَلَيْهِ إنْ خَالَفَ] إلَخْ: أَيْ لِكَوْنِهِ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَكَتَأْخِيرِهِ الْحَلْقَ وَلَوْ سَهْوًا لِبَلَدِهِ] : نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: وَالْحِلَاقُ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبُّ إلَيَّ وَأَفْضَلُ، وَإِنْ حَلَقَ بِمَكَّةَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ حَلَقَ فِي الْحِلِّ فِي أَيَّامِ مِنًى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَخَّرَ الْحِلَاقَ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ وَأَهْدَى - كَذَا فِي الْبُنَانِيِّ نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ قَرُبَتْ] : أَيْ كَمَا فِي سِيَاقِ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَهَا بِالْبُعْدِ. قَوْلُهُ: [لِفِعْلِ الرُّكْنِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ] : أَيْ الَّتِي هِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ.

أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَكَذَا تَأْخِيرُ السَّعْيِ لَهُ. (أَوْ) تَأْخِيرُ (رَمْيِ حَصَاةٍ فَأَكْثَرَ) مِنْ الْجِمَارِ (اللَّيْلِ) لِخُرُوجِ وَقْتِ الْأَدَاءِ وَهُوَ النَّهَارُ، الْوَاجِبُ فِيهِ الرَّمْيُ وَدُخُولُ وَقْتِ الْقَضَاءِ وَهُوَ اللَّيْلُ، فَأَوْلَى إذَا أَخَّرَ لِيَوْمٍ بَعْدَهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ فِي تَأْخِيرِ حَصَاةٍ فَأَكْثَرَ. (وَفَاتَ) الرَّمْيُ لِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ جِمَارِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ، (بِالْغُرُوبِ مِنْ) الْيَوْمِ (الرَّابِعِ، فَقَضَاءُ كُلِّ) تَفْرِيعٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ؛ أَيْ فَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: " أَوْ رَمْيِ حَصَاةٍ " إلَخْ. أَنَّ قَضَاءَ كُلٍّ مِنْ الْعَقَبَةِ وَغَيْرِهَا إنْ أَخَّرَهُ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ يَنْتَهِي (إلَيْهِ) أَيْ إلَى غُرُوبِ الرَّابِعِ. (وَاللَّيْلِ) عَقِبَ كُلِّ يَوْمٍ (قَضَاءً) لِمَا فَاتَهُ بِالنَّهَارِ يَجِبُ بِهِ الدَّمُ. (وَحُمِلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (مُطِيقٌ) لِلرَّمْيِ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا إنْ كَانَ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْمَشْيِ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَرَمْيٌ) بِنَفْسِهِ وُجُوبًا وَلَا يَسْتَنِيبُ وَلَا يَرْمِي الْحَصَاةَ فِي كَفِّ غَيْرِهِ لِيَرْمِيَ عَنْهُ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِهِ. (وَاسْتَنَابَ الْعَاجِزُ) عَنْ الرَّمْيِ عَنْهُ؛ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ بِرَمْيِ النَّائِبِ. وَفَائِدَتُهَا سُقُوطُ الْإِثْمِ. وَرَمَى عَنْ صَغِيرٍ لَا يُحْسِنُ الرَّمْيَ أَوْ مَجْنُونٍ وَلِيُّهُ، فَإِنْ أَخَّرَ لِوَقْتِ الْقَضَاءِ: فَالدَّمُ عَلَى الْوَلِيِّ. وَإِذَا اسْتَنَابَ الْعَاجِزُ (فَيَتَحَرَّى الرَّمْيَ) : أَيُّ وَقْتٍ رَمَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَاسْتَنَابَ الْعَاجِزُ] : حَاصِلُ الْفِقْهِ: أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ الرَّمْيِ يُؤْمَرُ بِالِاسْتِنَابَةِ. فَإِذَا اسْتَنَابَ سَقَطَ عَنْهُ الْإِثْمُ، وَالدَّمُ لَازِمٌ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، لَكِنْ إنْ كَانَ تَأْخِيرُ النَّائِبِ عَنْ وَقْتِ الْأَدَاءِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، كَانَ الدَّمُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَانَ عَلَى الْعَاجِزِ. قَوْلُهُ: [وَرَمَى عَنْ صَغِيرٍ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَا يُحْسِنُ الرَّمْيَ وَالْمَجْنُونَ يَرْمِي عَنْهُمَا مَنْ أَحَجَّهُمَا، كَمَا أَنَّهُ يَطُوفُ عَنْهُمَا، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَوَّلَ الْبَابِ. فَإِنْ لَمْ يَرْمِ عَنْهُمَا إلَى أَنْ دَخَلَ وَقْتُ الْقَضَاءِ فَالدَّمُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ رَمَى عَنْهُمَا فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ فَلَا دَمَ أَصْلًا، بِخِلَافِ رَمْيِ النَّائِبِ عَنْ الْعَاجِزِ فَإِنَّ فِيهِ الدَّمَ، وَلَوْ رَمَى عَنْهُ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ إلَّا أَنْ يَصِحَّ الْعَاجِزُ، وَيَرْمِي عَنْ نَفْسِهِ وَقْتَ الْأَدَاءِ، وَأَمَّا الصَّغِيرُ الَّذِي يُحْسِنُ الرَّمْيَ فَإِنْ يَرْمِي عَنْ نَفْسِهِ. فَإِنْ لَمْ يَرْمِ حَتَّى فَاتَ وَقْتُ الْأَدَاءِ لَزِمَهُ الدَّمُ.

نَائِبُهُ عَنْهُ، (وَكَبَّرَ) لِكُلِّ حَصَاةٍ، وَأَعَادَ الرَّمْيَ بِنَفْسِهِ إنْ صَحَّ قَبْلَ الْفَوَاتِ بِالْغُرُوبِ مِنْ الرَّابِعِ. (ثُمَّ) بَعْدَ إفَاضَتِهِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ (رَجَعَ) وُجُوبًا (لِلْمَبِيتِ بِمِنًى) ، أَيْ فِيهَا. وَنُدِبَ - الْفَوْرُ وَلَوْ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَلَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ بِمَكَّةَ - (فَوْقَ الْعَقَبَةِ) : لَا دُونَهَا فَلَا يُجْزِئُ. وَالْعَقَبَةُ: صَخْرَةٌ عَظِيمَةٌ هِيَ أَوَّلُ مِنًى بِالنِّسْبَةِ لِلْآتِي مِنْ مَكَّةَ، يَلِيهَا بِنَاءٌ لَطِيفٌ يُرْمَى عَلَيْهِ الْحَصَيَاتُ هُوَ الْمُسَمَّى بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ. وَهِيَ آخِرُ مِنًى بِالنِّسْبَةِ لِلْآتِي مِنْ مُزْدَلِفَةَ، وَمِنًى: بَطْحَاءُ مُتَّسَعَةٌ يَنْزِلُ بِهَا الْحُجَّاجُ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ، فَقَوْلُ " فَوْقَ الْعَقَبَةِ " أَيْ فِي الْبَطْحَاءِ الَّتِي مَبْدَؤُهَا الْعَقَبَةُ احْتِرَازًا عَنْ الْبَيَاتِ دُونَهَا مِمَّا يَلِي مَكَّةَ، (ثَلَاثًا) مِنْ اللَّيَالِي إنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ (أَوْ لَيْلَتَيْنِ إنْ تَعَجَّلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ) الْيَوْمِ (الثَّانِي) مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ. (وَإِنْ تَرَكَ جُلَّ لَيْلَةٍ) وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْغُرُوبِ لِلْفَجْرِ، (فَدَمٌ) يَلْزَمُهُ. (وَلَوْ غَرَبَتْ) الشَّمْسُ مِنْ الثَّانِي (وَهُوَ بِمِنًى لَزِمَهُ) الْمَبِيتُ بِهَا، (وَرَمْيُ) الْيَوْمِ (الثَّالِثِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَعَادَ الرَّمْيَ بِنَفْسِهِ] : وَفَائِدَةُ الْإِعَادَةِ نَفْيُ الدَّمِ عَمَّنْ لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُهُ، فَإِنْ لَمْ يُعِدْ أَثِمَ وَاسْتَمَرَّ الدَّمُ بَاقِيًا. قَوْلُهُ: [أَوْ لَيْلَتَيْنِ إنْ تَعَجَّلَ] : أَيْ وَالتَّعْجِيلُ جَائِزٌ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ لَا مُسْتَحَبٌّ وَلَا خِلَافُ الْأَوْلَى. كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ، لَكِنْ فِي حَقِّ غَيْرِ الْإِمَامِ، وَأَمَّا هُوَ فَيُكْرَهُ لَهُ التَّعْجِيلُ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ تَرَكَ جُلَّ لَيْلَةٍ] : الْمُرَادُ أَنَّ غَيْرَ الْمُتَعَجِّلَ يَلْزَمُهُ الدَّمُ لِتَرْكِ جُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ، وَالْمُتَعَجِّلُ لِتَرْكِهِ مِنْ اللَّيْلَتَيْنِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ جُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ أَيِّ لَيْلَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ لِلْمُتَعَجِّلِ وَغَيْرِهِ، إذْ الْمُتَعَجِّلُ لَا يَلْزَمُهُ بَيَاتُ الثَّالِثَةِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِوُجُوبِ بَيَاتِ الثَّالِثَةِ وَعَدَمِ وُجُوبِهِ قَصْدُ التَّعْجِيلِ وَعَدَمُهُ، فَإِنْ قَصَدَ التَّعْجِيلَ فَلَا يَلْزَمُهُ بَيَاتٌ وَلَا دَمٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ يَلْزَمُهُ الْبَيَاتُ وَالدَّمُ، إنْ تَرَكَ اللَّيْلَةَ كُلَّهَا أَوْ جُلَّهَا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ] : أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ شَرْطَ جَوَازِ التَّعْجِيلِ أَنْ يُجَاوِزَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ، فَإِنْ

وَإِذَا رَجَعَ لِلْمَبِيتِ بِمِنًى - وَتَعَجَّلَ أَوْ لَمْ يَتَعَجَّلْ - (فَيَرْمِي كُلَّ يَوْمٍ) بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ الْجَمَرَاتِ (الثَّلَاثَ) : الْأُوَلَ وَالْوُسْطَى وَجَمْرَةُ الْعَقَبَةِ (بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ) فَجَمِيعُهَا إحْدَى وَعِشْرِينَ حَصَاةً، فِي كُلِّ يَوْمٍ غَيْرَ يَوْمِ النَّحْرِ، فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ طُلُوعَ الشَّمْسِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ فَقَطْ. (يَبْدَأُ بِاَلَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى) وَهِيَ الْأُولَى، وَيُثَنِّي بِالْوُسْطَى (وَيَخْتِمُ بِالْعَقَبَةِ) : أَيْ يَرْمِي جَمْرَتَهَا. وَوَقْتُ أَدَاءِ الرَّمْيِ (مِنْ الزَّوَالِ لِلْغُرُوبِ) ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ اللَّيْلَ قَضَاءٌ فَإِنْ قَدَّمَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يُجَاوِزْهَا إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ لَزِمَهُ الْمَبِيتُ بِمِنًى وَرَمْيُ الثَّالِثِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ - نَقْلًا عَنْ كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ - مَا ذُكِرَ مِنْ شَرْطِ التَّعْجِيلِ، إنْ كَانَ الْمُتَعَجِّلُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا يُشْتَرَطُ خُرُوجُهُ مِنْ مِنًى قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْخُرُوجِ قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ الثَّانِي، ثُمَّ إنَّ مَنْ تَعَجَّلَ وَأَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ هَلْ يُتِمُّ أَوْ لَا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَالْإِتْمَامُ أَحْوَطُ. وَأَمَّا مَنْ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ مِنْ الْحُجَّاجِ وَهُوَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النُّسُكِ كَالرُّعَاةِ إذَا رَمَوْا الْعَقَبَةَ وَتَوَجَّهُوا لِلرَّعْيِ، فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الْحُجَّاجِ (اهـ) . تَنْبِيهٌ: رَخَّصَ مَالِكٌ جَوَازًا لِرَاعِي الْإِبِلِ فَقَطْ بَعْدَ رَمْيِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى رَعْيِهِ، وَيَتْرُكَ الْمَبِيتَ لَيْلَةَ الْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ، وَيَأْتِي الْيَوْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ فَيَرْمِي فِيهِ لِلْيَوْمَيْنِ، الْيَوْمِ الثَّانِي الَّذِي فَاتَهُ وَهُوَ فِي رَعْيِهِ، وَالثَّالِثِ الَّذِي حَضَرَ فِيهِ، ثُمَّ إنْ شَاءَ تَعَجَّلَ وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ لِرَمْيِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ. وَكَذَا رَخَّصَ لِصَاحِبِ السِّقَايَةِ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ خَاصَّةً، فَلَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ نَهَارًا لِلرَّمْيِ، ثُمَّ يَنْصَرِفَ، لِأَنَّ ذَا السِّقَايَةِ يَنْزِعُ الْمَاءَ مِنْ زَمْزَمَ لَيْلًا، وَيُفْرِغُهُ فِي الْحِيَاضِ كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [فَجَمِيعُهَا إحْدَى وَعِشْرِينَ] : هَكَذَا مُسْوَدَّةُ الشَّارِحِ بِالْيَاءِ، وَلَعَلَّ الْمُنَاسِبَ عِشْرُونَ بِالْوَاوِ. وَجُمْلَةُ الْحَصَيَاتِ سَبْعُونَ لِغَيْرِ الْمُتَعَجِّلِ وَتِسْعٌ وَأَرْبَعُونَ لِلْمُتَعَجِّلِ. قَوْلُهُ: [يَبْدَأُ] : أَيْ وَهَذَا التَّرْتِيبُ وَاجِبٌ شَرْطٌ فَهُوَ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَقْتَ أَدَاءِ الرَّمْيِ] إلَخْ: أَيْ لِجَمِيعِ الْجِمَارِ غَيْرَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ

عَلَى الزَّوَالِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ شُرُوطِ صِحَّةِ الرَّمْيِ بِقَوْلِهِ: (وَصِحَّتُهُ) أَيْ شَرْطُ صِحَّةِ الرَّمْيِ مُطْلَقًا: أَنْ يَكُونَ (بِحَجَرٍ) ، فَلَا يَصِحُّ بِطِينٍ وَلَا بِمَعْدِنٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ طَهَارَتُهُ. وَأَنْ يَكُونَ الْحَصَى (كَحَصَى الْخَذْفِ) يَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِالْمُعْجَمَتَيْنِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: وَهُوَ رَمْيُ الْحَصَى بِالسِّبَابَتَيْنِ، بِأَنْ تَكُونَ الْحَصَاةُ قَدْرَ الْفُولَةِ أَوْ النَّوَاةِ، (وَلَا يُجْزِئُ صَغِيرٌ جِدًّا) كَالْحِمَّصَةِ، (وَكُرِهَ كَبِيرٌ) وَأَجْزَأَ. (وَرَمْيٌ) عَطْفٌ عَلَى حَجَرٍ: أَيْ وَصِحَّتُهُ بِرَمْيٍ؛ أَيْ دَفْعٍ بِالْيَدِ. فَلَا يُجْزِئُ الْوَضْعُ أَوْ الطَّرْحُ (عَلَى الْجَمْرَةِ) : وَهِيَ الْبِنَاءُ وَمَا حَوْلَهُ مِنْ مَوْضِعِ الْحَصَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّحْرِ، فَإِنَّ وَقْتَهَا يَدْخُلُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الشَّمْسِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [أَنْ يَكُونَ بِحَجَرٍ] : أَيْ كَوْنُ الرَّمْيِ بِهِ مِنْ جِنْسِ مَا يُسَمَّى حَجَرًا سَوَاءٌ كَانَ زَلَطًا أَوْ رُخَامًا أَوْ صَوَّانًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُشْتَرَطُ طَهَارَتُهُ] : أَيْ بَلْ يُنْدَبُ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ رَمْيُ الْحَصَى بِالسِّبَابَتَيْنِ] : بَيَانٌ لِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَرْمِي بِهَا فِي الصِّغَرِ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ تَجْعَلُهَا بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ مِنْ الْيُسْرَى، ثُمَّ تَقْذِفُهَا بِسَبَّابَةِ الْيُمْنَى أَوْ تَجْعَلُهَا بَيْنَ سَبَّابَتَيْهَا، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْهَيْئَةُ مَطْلُوبَةً فِي الرَّمْيِ، وَإِنَّمَا الْمَطْلُوبُ أَخْذُهَا بِسَبَّابَتِهِ وَإِبْهَامِهِ مِنْ الْيَدِ الْيُمْنَى وَرَمْيُهَا. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ كَبِيرٌ] : أَيْ لِئَلَّا يُؤْذِيَ النَّاسَ. قَوْلُهُ: [أَيْ وَصِحَّتُهُ بِرَمْيٍ] : اعْتَرَضَ بِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ شَرْطًا لِنَفْسِهِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الرَّمْيَ الْمَشْرُوطَ فِيهِ الْمُرَادُ مِنْهُ الْإِيصَالُ لِلْجَمْرَةِ. وَالرَّمْيُ الَّذِي اُعْتُبِرَ شَرْطًا بِمَعْنَى الِانْدِفَاعِ، فَالْمَعْنَى حِينَئِذٍ شَرْطُ صِحَّةِ الْإِيصَالِ لِلْجَمْرَةِ الِانْدِفَاعُ، فَلَا يُجْزِئُ وَضْعُ الْحَصَاةِ بِيَدِهِ عَلَى الْجَمْرَةِ، وَلَا طَرْحُهَا عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ انْدِفَاعٍ، وَهَذَا الْجَوَابُ يُؤْخَذُ مِنْ الشَّارِحِ. وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الرَّمْيُ مُبَاشَرَةً لَا بِقَوْسٍ أَوْ رِجْلِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِانْفِرَادِهَا، فَلَوْ رَمَى السَّبْعَةَ دُفْعَةً وَاحِدَةً حُسِبَتْ وَاحِدَةً. قَوْلُهُ: [وَهِيَ الْبِنَاءُ وَمَا حَوْلَهُ] : وَقِيلَ إنَّ الْجَمْرَةَ اسْمٌ لِلْمَكَانِ الَّذِي حَوْلَ

وَهُوَ أَوْلَى، فَإِنْ وَقَعَتْ الْحَصَاةُ فِي شِقٍّ مِنْ الْبِنَاءِ أَجْزَأَتْ عَلَى التَّحْقِيقِ لَا إنْ جَاوَزَتْهَا وَوَقَعَتْ خَلْفَهَا بَعْدُ، (أَوْ وَقَعَتْ دُونَهَا) : أَيْ دُونَ الْجَمْرَةِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الرَّمْيِ، (وَلَمْ تَصِلْ) الْحَصَاةُ إلَيْهَا، فَإِنْ وَصَلَتْ أَجْزَأَتْ. (وَ) صِحَّتُهُ (بِتَرَتُّبِهِنَّ) : أَيْ الْجَمَرَاتِ بِأَنْ يَبْتَدِئَ بِالْأُولَى الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى، ثُمَّ الْوُسْطَى، ثُمَّ الْعَقَبَةُ (لَا إنْ نَكَسَ) بِأَنْ قَدَّمَ الْعَقَبَةَ أَوْ الْوُسْطَى، (أَوْ تَرَكَ بَعْضًا) مِنْهَا حَصَاةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الْجَمِيعِ أَوْ مِنْ بَعْضِهِنَّ (وَلَوْ سَهْوًا) لَمْ يُجْزِهِ. (فَلَوْ رَمَى كُلًّا) مِنْ الْجَمَرَاتِ (بِخَمْسٍ) مِنْ الْحَصَيَاتِ (اُعْتُدَّ بِالْخَمْسِ الْأُوَلِ) مِنْ الْجَمْرَةِ الْأُولَى، وَكَمَّلَهَا بِحَصَاتَيْنِ وَأَعَادَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ مِنْ أَصْلِهِمَا لِلتَّرْتِيبِ. (وَإِنْ لَمْ يَدْرِ مَوْضِعَ حَصَاةٍ) تَرَكَهَا مِنْهُنَّ تَحْقِيقًا أَوْ شَكَّ أَهِيَ مِنْ الْأُولَى أَوْ مِنْ غَيْرِهَا (اعْتَدَّ بِسِتٍّ مِنْ) الْجَمْرَةِ (الْأُولَى) بِنَاءً عَلَى الْيَقِينِ، (وَأَعَادَ مَا بَعْدَهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبِنَاءِ فَقَطْ مَحَلُّ اجْتِمَاعِ الْحَصَى، وَعَلَيْهِ فَلَا يُجْزِئُ مَا وَقَفَ فِي الْبِنَاءِ، وَلَكِنَّ التَّحْقِيقَ الْإِجْزَاءُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ وَصَلَتْ أَجْزَأْت] : هَكَذَا فِي التَّوْضِيحِ عَنْ سَنَدٍ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ يَبْدَأَ بِالْأُولَى] : أَيْ وَهِيَ الْكُبْرَى. قَوْلُهُ: [ثُمَّ بِالْوُسْطَى] : أَيْ الَّتِي فِي السُّوقِ، وَيُرْمَيَانِ مِنْ أَعْلَى مِنْ جِهَةِ مِنًى كَمَا فِي التَّتَّائِيِّ. وَقَوْلُهُ: [ثُمَّ بِالْعَقَبَةِ] : أَيْ يَخْتِمُ بِهَا وَيَرْمِيهَا مِنْ أَسْفَلَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ تَأَخَّرَ يَوْمٌ لِآخَرَ فَفِي (ح) تَقْدِيمِ الْقَضَاءِ، وَلَوْ ضَاقَ كَيَسِيرِ الْفَوَائِتِ، وَظَاهِرُ اتِّحَادِ الدَّمِ قَالَ إلَّا أَنْ يَضِيقَ الْيَوْمُ الْآخَرُ: السَّنْهُورِيُّ - قِيَاسًا عَلَى الِاخْتِصَاصِ بِالْأَخِيرَةِ عِنْدَ الضِّيقِ - الْأُجْهُورِيُّ: إذَا ضَاقَ عَنْ كُلِّ الْقَضَاءِ أَتَى بِبَعْضِهِ لِحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ بِمَا اسْتَطَعْتُمْ» اهـ. قَوْلُهُ: [اعْتَدَّ بِالْخَمْسِ الْأُوَلِ] : أَيْ سَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ شَرْطُ صِحَّةٍ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، وَأَمَّا تَتَابُعُ الرَّمْيَاتِ أَوْ الْجَمَرَاتِ فَمَنْدُوبٌ فَقَطْ، فَلِذَلِكَ اُعْتُدَّ بِالْخَمْسِ الْأُوَلِ لِعَدَمِ وُجُوبِ تَتَابُعِ الرَّمَيَاتِ، وَبَطَلَ مَا بَعْدَهَا لِاشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ يَدْرِ مَوْضِعَ حَصَاةٍ] إلَخْ: حَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ،

مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وُجُوبًا لِلتَّرْتِيبِ. وَلَا هَدْيَ إنْ ذَكَرَ فِي يَوْمِهِ وَلَوْ نَكَسَ أَعَادَ الْمُنَكَّسَ، فَلَوْ رَمَى الْأُولَى ابْتِدَاءً فَالْعَقَبَةُ فَالْوُسْطَى، أَعَادَ الْعَقَبَةَ، لِأَنَّ رَمْيَهَا كَانَ بَاطِلًا لِعَدَمِ التَّرْتِيبِ، وَلَا دَمَ إنْ تَذَكَّرَ فِي يَوْمِهِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الرَّمْيَ لَا يَفُوتُ إلَّا بِغُرُوبِ الرَّابِعِ. (وَنُدِبَ رَمْيُ) جَمْرَةِ (الْعَقَبَةِ أَوَّلَ يَوْمٍ) وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ (طُلُوعِ الشَّمْسِ) إلَى الزَّوَالِ، وَكُرِهَ تَأْخِيرُهُ لِلزَّوَالِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَمَحَطُّ النَّدْبِ قَوْلُهُ: " طُلُوعِ " إلَخْ. (وَ) نُدِبَ رَمْيُ (غَيْرِهَا) مِنْ بَاقِي الْأَيَّامِ (إثْرَ الزَّوَالِ قَبْلَ) صَلَاةِ (الظُّهْرِ) مُتَوَضِّئًا، وَتَقَدَّمَ أَنَّ دُخُولَ الزَّوَالِ شَرْطُ صِحَّةٍ لِلرَّمْيِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ، فَمَحَطُّ النَّدْبِ التَّعْجِيلُ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ. (وَ) نُدِبَ (وُقُوفُهُ) : أَيْ مُكْثُهُ وَلَوْ جَالِسًا (إثْرَ) الْجَمْرَتَيْنِ (الْأَوَّلِيَّيْنِ) أَيْ الْأُولَى وَالْوُسْطَى (لِلدُّعَاءِ) وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ حَالَ كَوْنِهِ (مُسْتَقْبِلًا) لِلْبَيْتِ (قَدْرَ) ظَرْفٌ لِلْوُقُوفِ، أَيْ يَقِفُ زَمَنًا قَدْرَ (إسْرَاعِ) قِرَاءَةِ سُورَةِ (الْبَقَرَةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ تَرَكَ حَصَاةً مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيُّهَا تَرَكَهَا أَوْ شَكَّ فِي تَرْكِ حَصَاةٍ - وَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيُّهَا - فَإِنَّهُ يُعْتَدُّ بِسِتٍّ مِنْ الْجَمْرَةِ الْأُولَى لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا مِنْهَا فَيُكْمِلُهَا بِحَصَاةٍ، ثُمَّ يَرْمِي الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ بِسَبْعٍ سَبْعٍ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ إنْ كَمَّلَ الْأُولَى وَفَعَلَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فِي يَوْمِهِ، فَإِنْ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فِي يَوْمَيْنِ وَحَصَلَ الشَّكُّ فِي تَرْكِ حَصَاةٍ وَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيِّ الْجِمَارِ. وَهَلْ هِيَ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي فَإِنَّهُ يَعْتَدُّ بِسِتٍّ مِنْ الْأُولَى فِي كِلَا الْيَوْمَيْنِ، وَيُكْمِلُ عَلَيْهَا وَيُعِيدُ مَا بَعْدَهَا، وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَأْخِيرِ رَمْيِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِوَقْتِ الْقَضَاءِ، وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: " مَوْضِعُ حَصَاةٍ "، بَلْ مِثْلُهُ مَوْضِعُ حَصَاتَيْنِ مَثَلًا وَهَكَذَا، كُلَّمَا زَادَ الشَّكُّ اعْتَدَّ بِغَيْرِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ، وَهَذَا أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى نَدْبِ تَتَابُعِ الرَّمَيَاتِ وَالْجَمَرَاتِ. قَوْلُهُ: [لِغَيْرِ عُذْرٍ] : أَيْ وَأَمَّا إذَا كَانَ لِمَرَضٍ أَوْ نِسْيَانٍ فَلَا كَرَاهَةَ فِي فِعْلِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ. قَوْلُهُ [فَمَحَطُّ النَّدْبِ التَّعْجِيلُ] إلَخْ: أَيْ فَلَا يُنَافِي أَنَّ كَوْنَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ شَرْطَ صِحَّةٍ فِيهِ.

(وَ) نُدِبَ (تَيَاسُرُهُ فِي) الْجَمْرَةِ (الثَّانِيَةِ) أَيْ الْوُسْطَى؛ بِأَنْ يَقِفَ عَلَى يَسَارِهَا كَمَا فِي النَّقْلِ (مُتَقَدِّمًا عَلَيْهَا) جِهَةَ الْبَيْتِ، لَا أَنَّهُ يُحَاذِيهَا جِهَةَ يَسَارِهَا. (وَ) نُدِبَ حَالَ وُقُوفِهِ لِلدُّعَاءِ بِقَدْرِ رَمْيِ الْأُولَى، (جَعْلُ الْأُولَى خَلْفَهُ) وَأَمَّا جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا وَيَنْصَرِفُ، وَلَا يَقِفُ لِضِيقِ مَحِلِّهَا، وَإِذَا اسْتَقْبَلَهَا لِلرَّمْيِ كَانَتْ مَكَّةُ جِهَةَ يَسَارِهِ وَمِنًى جِهَةَ يَمِينِهِ. (وَ) نُدِبَ (نُزُولُ غَيْرِ الْمُتَعَجِّلِ) بَعْدَ رَمْيِ جِمَارِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ (بِالْمُحَصَّبِ) : اسْمٌ لِبَطْحَاءَ خَارِجَ مَكَّةَ. (لِيُصَلِّيَ بِهِ) أَيْ فِيهِ (أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ) الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا الْمُتَعَجِّلُ فَلَا يُنْدَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَنُدِبَ تَيَاسُرُهُ] : أَيْ وُقُوفُهُ جِهَةَ يَسَارِهَا فَتَكُونُ هِيَ عَنْ يَمِينِهِ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ جِهَةَ يَسَارِهَا أَنْ تَكُونَ هِيَ جِهَةَ يَمِينِهِ. قَوْلُهُ: [كَمَا فِي النَّقْلِ] : فَفِي عِبَارَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ: يَرْمِي الْوُسْطَى وَيَنْصَرِفُ مِنْهَا إلَى الشِّمَالِ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ، فَيَقِفُ أَمَامَهَا مِمَّا يَلِي يَسَارَهَا. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يُحَاذِيَهَا] إلَخْ: أَيْ بَلْ تَكُونُ خَلْفَهُ كَالْجَمْرَةِ الْأُولَى غَيْرَ أَنَّهُ فِي يَسَارِهَا. قَوْلُهُ: [لِضِيقِ مَحِلِّهَا] : أَيْ فَلَوْ أَمَرْت النَّاسَ بِالْوُقُوفِ لَحَصَلَ مَزِيدُ الضَّرَرِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ نُزُولُ غَيْرِ الْمُتَعَجِّلِ] : أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ رُجُوعُهُ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَإِلَّا فَلَا يُنْدَبُ التَّحْصِيبُ. وَمَحِلُّ نَدْبِ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِهِ إذَا وَصَلَهُ قَبْلَ ضِيقِ وَقْتِهَا، أَمَّا لَوْ ضَاقَ وَقْتُهَا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ حَيْثُ أَدْرَكَهُ، وَلَا يُؤَخِّرُهَا لِلْمُحَصَّبِ. وَهَذَا التَّحْصِيبُ مَنْدُوبٌ فِي حَقِّ الرَّاجِعِ مِنْ مِنًى بِشَرْطِهِ، سَوَاءٌ كَانَ آفَاقِيًّا أَوْ مَكِّيًّا، وَيَقْصُرُ الْمَكِّيُّ الصَّلَاةَ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْمَنَاسِكِ وَأَوْلَى الْآفَاقِيُّ. قَوْلُهُ: [اسْمٌ لِبَطْحَاءَ خَارِجَ مَكَّةَ] : أَيْ مُحَاذِيَةً لِلْمَقْبَرَةِ. قَوْلُهُ: [كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] إلَخْ: أَيْ شُكْرًا لِلَّهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُحَصَّبَ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَحَالَفَتْ فِيهِ قُرَيْشٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُبَايِعُونَ بَنِي هَاشِمٍ، وَلَا يُنَاكِحُونَهُمْ. وَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُمْ، وَلَا يُعْطُونَهُمْ إلَّا أَنْ يُسَلِّمُوا لَهُمْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَتَبُوا بِذَلِكَ صَحِيفَةً وَوَضَعُوهَا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ فَخَيَّبَهُمْ اللَّهُ فِي ذَلِكَ، وَبَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ كُلَّ الْمَقَاصِدِ فِيهِمْ وَفِي غَيْرِهِمْ.

لَهُ ذَلِكَ. (وَ) نُدِبَ (طَوَافُ الْوَدَاعِ لِخَارِجٍ) أَيْ لِكُلِّ مَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْحُجَّاجِ أَوْ غَيْرِهِمْ (لِكَمِيقَاتٍ) مِنْ الْمَوَاقِيتِ، أَوْ لِمَا حَاذَاهُ، أَوْ لِلطَّائِفِ، وَأَوْلَى لِأَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ خَرَجَ لِحَاجَةٍ أَمْ لَا أَرَادَ الْعَوْدَ أَمْ لَا، (لَا) إنْ خَرَجَ (لِكَجِعْرَانَةَ) وَالتَّنْعِيمِ مِمَّا دُونَ الْمَوَاقِيتِ فَلَا وَدَاعَ عَلَيْهِ، (إلَّا) أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ لِمَا دُونَ الْمَوَاقِيتِ، خَرَجَ (لِتَوَطُّنٍ) بِهِ فَيُنْدَبُ لَهُ الْوَدَاعُ، (وَتَأَدَّى) طَوَافُ الْوَدَاعِ (بِالْإِفَاضَةِ، وَ) طَوَافُ (الْعُمْرَةِ) ، وَحَصَلَ لَهُ ثَوَابُهُ إنْ نَوَاهُ بِهِمَا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ تُؤَدَّى بِالْفَرْضِ، وَيَحْصُلُ ثَوَابُهَا إنْ نَوَاهَا بِهِ. (وَبَطَلَ) الْوَدَاعُ أَيْ بَطَلَ الِاكْتِفَاءُ بِهِ لَا الثَّوَابُ (بِإِقَامَتِهِ) بِمَكَّةَ (بَعْضَ يَوْمٍ) لَهُ بَالٌ فَيُعِيدُهُ، (لَا) يَبْطُلُ بِإِقَامَتِهِ (بِشُغْلٍ) أَيْ بِسَبَبِ شُغْلٍ (خَفَّ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا يَطْلُبُ بِإِعَادَتِهِ. (وَ) إذَا بَطَلَ أَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ مِنْ أَصْلِهِ (رَجَعَ لَهُ) أَيْ لِفِعْلِهِ (إنْ لَمْ يَخَفْ) بِالرُّجُوعِ (فَوَاتَ رُفْقَةٍ) وَلَا لِصًّا أَوْ سَارِقًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَإِلَّا لَمْ يَرْجِعْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَنُدِبَ طَوَافُ الْوَدَاعِ] : أَيْ لِغَيْرِ الْمُتَرَدِّدِ بِفَاكِهَةٍ وَنَحْوِهَا. وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ مَكَّةَ إذَا قَصَدَ التَّرَدُّدَ لَهَا فَلَا وَدَاعَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَصَلَ الْمِيقَاتَ أَمْ لَا، وَإِنْ قَصَدَ مَسْكَنًا أَوْ الْإِقَامَةَ طَوِيلًا فَعَلَيْهِ الْوَدَاعُ مُطْلَقًا. وَإِنْ خَرَجَ لِاقْتِضَاءِ دَيْنٍ أَوْ زِيَارَةِ أَهْلٍ نُظِرَ؛ فَإِنْ خَرَجَ لِنَحْوِ الْمَوَاقِيتِ طُلِبَ بِالْوَدَاعِ مُطْلَقًا، وَإِنْ خَرَجَ لِدُونِهَا كَالتَّنْعِيمِ فَلَا وَدَاعَ عَلَيْهِ، هَذَا مُحَصَّلُ كَلَامِ الْحَطَّابِ. قَوْلُهُ: [وَتَأَدَّى طَوَافُ الْوَدَاعِ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ، بَلْ لِيَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِ مِنْ الْبَيْتِ الطَّوَافُ، وَلَا يَكُونُ السَّعْيُ بَعْدَهُ طُولًا حَيْثُ لَمْ يَقُمْ بَعْدَهُ إقَامَةً تَقْطَعُ حُكْمَ التَّوْدِيعِ. تَنْبِيهٌ: يُحْبَسُ الْكَرِيُّ وَالْوَلِيُّ - مِنْ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ - لِأَجْلِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ مَنَعَ الْمَرْأَةَ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ حَتَّى يَزُولَ الْمَانِعُ، وَتَطُوفُ بِشَرْطِ أَمْنِ الطَّرِيقِ حَالَ الرُّجُوعِ بَعْدَ طَوَافِهَا، فَإِنْ لَمْ يُؤْمَنْ - كَمَا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ - فُسِخَ الْكِرَاءُ اتِّفَاقًا، وَلَا يُحْبَسُ مِنْ ذُكِرَ مَعَهَا وَمَكَثَتْ بِمَكَّةَ وَحْدَهَا إنْ أَمْكَنَهَا، وَإِلَّا رَجَعَتْ لِبَلَدِهَا وَهِيَ عَلَى

(وَ) نُدِبَ (زِيَارَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإحْرَامِهَا، ثُمَّ تَعُودُ فِي الْقَابِلِ لِلْإِفَاضَةِ وَالْأَسْهَلُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ تَقْلِيدُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِي صِحَّةِ طَوَافِهَا بِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ] : قَالَ الْعَلَّامَةُ السَّمْهُودِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُؤَلَّفُ فِي زِيَارَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَمِنْ خَصَائِصِهَا - أَيْ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ - وُجُوبُ زِيَارَتِهَا كَمَا فِي حَدِيثِ الطَّبَرَانِيُّ، وَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ زِيَارَتُهَا، فَالرِّحْلَةُ إلَيْهَا مَأْمُورٌ بِهَا وَاجِبَةٌ أَيْ مُتَأَكِّدَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِ الْمُسْتَطِيعِ لَهُ سَبِيلًا، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَنْ حَجَّ فَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ مَوْتِي كَانَ كَمَنْ زَارَنِي فِي حَيَاتِي» ، وَأَخْرَجَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: «مَنْ حَجَّ فَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ مَوْتِي كَانَ كَمَنْ زَارَنِي فِي حَيَاتِي» ، وَلِابْنِ عَدِيٍّ وَالطَّبَرَانِيِّ: «مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي» ، وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ زَارَنِي مَيِّتًا فَكَأَنَّمَا زَارَنِي حَيًّا، وَمَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أُمَّتِي لَهُ سَعَةٌ ثُمَّ لَمْ يَزُرْنِي فَلَيْسَ لَهُ عُذْرٌ» ، وَعَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ زَارَنِي فِي مَمَاتِي كَمَنْ زَارَنِي فِي حَيَاتِي، وَمَنْ زَارَنِي حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى قَبْرِي كُنْت لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَهِيدًا» أَوْ قَالَ " شَفِيعًا " (اهـ) . قَالَ بَعْضُهُمْ السَّلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَبْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عِنْدَهُ لِلْأَخْبَارِ الْكَثِيرَةِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ؛ مِنْهَا: «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» . وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: " إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي " أَيْ مِنْ حَضْرَةِ الشُّهُودِ إلَى رَدِّ جَوَابِ الْمُسَلِّمِ، وَلِأَنَّ شِعَارَ اللِّقَاءِ التَّحِيَّةُ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ: إنَّ الزَّائِرَ يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ وَيَخْتِمُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْأَفْضَلُ فِي الزِّيَارَةِ الْقُرْبُ مِنْ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ، بِحَيْثُ يَكُونُ النَّبِيُّ يَسْمَعُ قَوْلَهُ عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ، وَيَلْزَمُ فِي تِلْكَ الْحَضْرَةِ الْأَدَبُ الظَّاهِرِيُّ وَالْبَاطِنِيُّ لِيَظْفَرَ بِالْمُنَى.

(وَ) نُدِبَ (الْإِكْثَارُ مِنْ الطَّوَافِ) بِالْبَيْتِ لَيْلًا وَنَهَارًا مَا اسْتَطَاعَ، (وَ) إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بَعْدَ الْوَدَاعِ أَوْ غَيْرِهِ (لَا يَرْجِعُ الْقَهْقَرَى) بِأَنْ يَرْجِعَ بِظَهْرِهِ وَوَجْهُهُ لِلْبَيْتِ، أَيْ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْأَعَاجِمِ لَا مِنْ السُّنَّةِ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَرْكَانِ الْحَجِّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَرْكَانِ الْعُمْرَةِ فَقَالَ: (وَأَرْكَانُ الْعُمْرَةِ ثَلَاثَةٌ) ؛ بِإِسْقَاطِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ: (إحْرَامٌ) مِنْهُ الْمَوَاقِيتُ أَوْ مِنْ الْحِلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِمَّا يَتَأَكَّدُ عِنْدَ دُخُولِ الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ الْغُسْلُ وَالتَّطَيُّبُ وَتَجْدِيدُ التَّوْبَةِ، وَحِين يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الشَّرِيفَ يَأْتِي الرَّوْضَةَ فَيُصَلِّي بِهَا رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ يَأْتِي قُبَالَةَ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ وَيَقُولُ: " السَّلَامُ عَلَيْك يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك يَا سَيِّدِي يَا حَبِيبَ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك يَا سَيِّدِي يَا أَشْرَفَ رُسُلِ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك يَا إمَامَ الْمُتَّقِينَ، السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، أَشْهَدُ أَنَّك رَسُولُ اللَّهِ بَلَّغَتْ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّيْت الْأَمَانَةَ، وَنَصَحْت الْأُمَّةَ، وَكَشَفْت الْغُمَّةَ، وَجَلَيْت الظُّلْمَةَ، وَنَطَقْت بِالْحِكْمَةِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك، وَعَلَى آلِكَ وَأَصْحَابِك أَجْمَعِينَ ". ثُمَّ يَتَوَسَّلُ بِهِ فِي جَمِيعِ مَطْلُوبَاتِهِ. ثُمَّ يَنْتَقِلُ قُبَالَةَ قَبْرِ أَبِي بَكْرٍ وَيَقُولُ: " السَّلَامُ عَلَيْك يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك يَا صِدِّيقَ رَسُولِ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّك جَاهَدْت فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، جَزَاك اللَّهُ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ خَيْرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْك وَأَرْضَاك، وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مُتَقَلَّبَك وَمَثْوَاك، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ كُلِّ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ يَتَوَسَّلُ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ. ثُمَّ يَنْتَقِلُ قُبَالَةَ قَبْرِ عُمَرَ وَيَقُولُ: " السَّلَامُ عَلَيْك يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ الْفَارُوقَ، أَشْهَدُ أَنَّك جَاهَدْت فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، جَزَاك اللَّهُ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ خَيْرًا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْك وَأَرْضَاك، وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مُتَقَلَّبَك وَمَثْوَاك، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ كُلِّ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ ". ثُمَّ يَتَوَسَّلُ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ. ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الْبَقِيعِ فَيُسَلِّمُ عَلَى أَهْلِهِ هَكَذَا، وَيَتَوَسَّلُ بِهِمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ فَلْتَحْفَظْ تِلْكَ الْآدَابَ فَإِنَّ مَنْ فَعَلَهَا مَعَ الشَّوْقِ وَفَرَاغِ الْقَلْبِ مِنْ الْأَغْيَارِ بَلَغَ كُلَّ مَا يَتَمَنَّى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ الْإِكْثَارُ مِنْ الطَّوَافِ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَفْقُودَةٌ لَهُ فِي غَيْرِهِ

(وَطَوَافٌ) بِالْبَيْتِ سَبْعًا. (وَسَعْيٌ) بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا (عَلَى مَا) : أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي (مَرَّ) بَيَانُهُ فِي الْحَجِّ، سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ. فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِلْحِلِّ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ كُلَّ إحْرَامٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَلَا يَصِحُّ طَوَافُهُ وَسَعْيُهُ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ لِلْحِلِّ. (ثُمَّ) بَعْدَ سَعْيِهِ (بِحَلْقِ) رَأْسِهِ وُجُوبًا عَلَى مَا مَرَّ أَيْضًا، فَقَدْ حَذَفَهُ مِنْ الْأَخِيرِ لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ. (وَكُرِهَ) لِلْمُكَلَّفِ (تَكْرَارُهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ (بِالْعَامِ) الْوَاحِدِ. وَإِنَّمَا يُطْلَبُ كَثْرَةُ الطَّوَافِ، وَأَوَّلُ الْعَامِ الْمُحَرَّمُ، فَإِنْ اعْتَمَرَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَأَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ الْمُحَرَّمِ لَمْ يُكْرَهْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَكُرِهَ لِلْمُكَلَّفِ تَكْرَارُهَا] : أَيْ وَمَا وَرَدَ عَنْ السَّلَفِ مِنْ تَكْرَارِهَا، فَلَمْ يُؤْخَذْ بِهِ مَالِكٌ وَلَا مَفْهُومَ لِلْمُكَلَّفِ، بَلْ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْكَرَاهَةُ أَيْضًا. تَتِمَّةٌ: لَوْ طَافَ حَامِلُ شَخْصٍ وَقَصَدَ بِطَوَافِهِ نَفْسَهُ وَعَنْ مَحْمُولِهِ لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِأَنَّ الطَّوَافَ صَلَاةٌ وَهِيَ لَا تَكُونُ عَنْ اثْنَيْنِ، وَأَجْزَأَ السَّعْيُ عَنْهُمَا لِخِفَّةِ أَمْرِ السَّعْيِ، إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ طَهَارَةٌ فَلَيْسَ كَالصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ يُجْزِئُ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ عَنْ مَحْمُولَيْنِ لَهُ، حَيْثُ لَمْ يُدْخِلْ نَفْسَهُ مَعَهُمْ كَانَ الْمَحْمُولُ مَعْذُورًا أَمْ لَا. لَكِنْ عَلَى غَيْرِ الْمَعْذُورِ الدَّمُ إنْ لَمْ يُعِدْهُ - كَذَا فِي الْأَصْلِ

[فصل في بيان محرمات الإحرام]

[فَصَلِّ فِي بَيَان محرمات الْإِحْرَام] [مَا يحرم لبسه] ِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (يَحْرُمُ عَلَى الْأُنْثَى) : حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ كَبِيرَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ؛ وَيَتَعَلَّقُ الْخِطَابُ بِوَلِيِّهَا. (بِالْإِحْرَامِ) : أَيْ بِسَبَبِ تَلَبُّسِهَا بِالْإِحْرَامِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ: (لُبْسُ مُحِيطٍ) بِضَمِّ اللَّامِ (بِكَفٍّ) لَا بَدَنٍ وَرِجْلٍ؛ كَقُفَّازٍ وَكِيسٍ تُدْخِلُهُ فِي كَفِّهَا، (أَوْ إصْبَعٍ) مِنْ أَصَابِعِ يَدِهَا (إلَّا الْخَاتَمَ) فَيُغْتَفَرُ لَهَا دُونَ الرَّجُلِ كَمَا يَأْتِي، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَدْخَلَتْ يَدَهَا فِي كُمِّهَا أَوْ قِنَاعِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [أَرْكَان الْعُمْرَة] [تَنْبِيه الطَّوَاف والسعي حَامِلًا شَخْصًا] فَصْلٌ لَمَّا فَرَغَ الْمُؤَلِّفُ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَمَا انْضَافَ إلَى كُلِّ رُكْنٍ مَنْدُوبٍ وَمَسْنُونٍ. تَكَلَّمَ عَلَى مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، وَأَخَّرَهَا لِأَنَّهَا طَارِئَةٌ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بَعْدَ كَمَالِهَا. وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ: مُفْسِدٌ وَغَيْرُ مُفْسِدٍ. وَمُتَعَلِّقُهُمَا: أَفْعَالُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، فَبَدَأَ بِغَيْرِ الْمُفْسِدِ، وَبِالْمَرْأَةِ، كَمَا صَنَعَ خَلِيلٌ عَكْسَ صَنِيعِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِيهِمَا. قِيلَ: وَلَعَلَّهُ إنَّمَا بَدَأَ بِالْمَرْأَةِ - وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى الْبُدَاءَةُ بِالرَّجُلِ كَمَا وَرَدَ بِذَلِكَ الْقُرْآنُ فِي آيٍ كَثِيرَةٍ - وَالسُّنَّةُ لِقِلَّةِ الْكَلَامِ عَلَى مَا يَخْتَصُّ بِهَا. قَوْلُهُ: [عَلَى الْأُنْثَى] : أَيْ وَالْخُنْثَى وَيُحْتَاطُ فِيهِ. قَوْلُهُ: [حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ] إلَخْ: قَالَ (عب) : وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى، وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ مُقْتَضَى الِاحْتِيَاطِ إلْحَاقُ الْخُنْثَى بِالرَّجُلِ لَا بِالْمَرْأَةِ، لِأَنَّ كُلَّ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ دُونَ الْعَكْسِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ احْتِمَالُ الْأُنُوثَةِ يَقْتَضِي الِاحْتِيَاطَ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَحِينَئِذٍ فَالِاحْتِيَاطُ سَتْرُهُ كَالْمَرْأَةِ، وَيَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ. قَوْلُهُ: [أَيْ بِسَبَبِ تَلَبُّسِهَا] : أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْبَاءَ لِلسَّبَبِيَّةِ وَيَصِحُّ جَعْلُهَا لِلظَّرْفِيَّةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُفِيدُ أَنَّ مَبْدَأَ الْحُرْمَةِ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ، أَمَّا إفَادَةُ السَّبَبِيَّةِ ذَلِكَ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إفَادَةُ الظَّرْفِيَّةِ ذَلِكَ فَلِأَنَّ الْمَعْنَى حَرُمَ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ فَيُفِيدُ أَنَّ مَبْدَأَهَا مِنْ الْإِحْرَامِ.

(وَ) حَرُمَ عَلَيْهَا (سَتْرُ وَجْهِهَا) أَوْ بَعْضِهِ وَلَوْ بِخِمَارٍ أَوْ مِنْدِيلٍ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: إحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا فَقَطْ، وَحُرْمَةُ سَتْرِ وَجْهِهَا. (إلَّا لِفِتْنَةٍ) : أَيْ تَعَلُّقِ قُلُوبِ الرِّجَالِ بِهَا، فَلَا يَحْرُمُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُهُ إنْ ظَنَّتْ الْفِتْنَةَ بِهَا (بِلَا غَرْزٍ) لِلسَّاتِرِ بِإِبْرَةٍ وَنَحْوِهَا، (وَ) بِلَا (رَبْطٍ) لَهُ بِرَأْسِهَا كَالْبُرْقُعِ تَرْبِطُ أَطْرَافَهُ بِعُقْدَةٍ، بَلْ الْمَطْلُوبُ سَدْلُهُ عَلَى رَأْسِهَا وَوَجْهِهَا، أَوْ تَجْعَلُهُ كَاللِّثَامِ وَتُلْقِي طَرَفَيْهِ عَلَى رَأْسِهَا بِلَا غَرْزٍ وَلَا رَبْطٍ. (وَإِلَّا) بِأَنْ لَبِسَتْ مِخْيَطًا بِكَفِّهَا أَوْ بِأُصْبُعٍ غَيْرَ خَاتَمٍ أَوْ سَتَرَتْ وَجْهَهَا بِلَا عُذْرٍ، أَوْ لِعُذْرٍ وَلَكِنْ غَرَزَتْهُ بِنَحْوِ إبْرَةٍ أَوْ رَبَطَتْهُ (فَفِدْيَةٌ) تَلْزَمُهَا. (وَ) يَحْرُمُ (عَلَى الذَّكَرِ) : وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ، وَيَتَعَلَّقُ الْخِطَابُ بِوَلِيِّهِ: (مُحِيطٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْمُهْمَلَةِ (بِأَيِّ عُضْوٍ) مِنْ أَعْضَائِهِ؛ كَيَدٍ وَرِجْلٍ وَأُصْبُعٍ مُطْلَقًا، وَرَأْسٍ وَأَوْلَى جَمِيعُ الْبَدَنِ إذَا كَانَ مُحِيطًا بِنَسْجٍ أَوْ خِيَاطَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، بَلْ (وَإِنْ) كَانَ مُحِيطًا (بِعُقَدٍ أَوْ زِرٍّ) كَأَنْ يَعْقِدَ طَرَفَيْ إزَارِهِ، أَوْ يَجْعَلَ أَزْرَارًا أَوْ يَرْبِطَهُ بِحِزَامٍ، (أَوْ خِلَالٍ) بِعُودٍ وَنَحْوِهِ (كَخَاتَمٍ) وَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ بَعْضُهُ] : أَيْ عَلَى الْأَرْجَحِ مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ وَوَجْهُ الرَّجُلِ كَالْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ: [بَلْ يَجِبُ] إلَخْ: حَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ أَنَّهَا مَتَى أَرَادَتْ السَّتْرَ عَنْ أَعْيُنِ الرِّجَالِ جَازَ لَهَا ذَلِكَ مُطْلَقًا عَلِمَتْ أَوْ ظَنَّتْ الْفِتْنَةَ بِهَا أَمْ لَا، نَعَمْ إذَا عَلِمَتْ أَوْ ظَنَّتْ الْفِتْنَةَ بِهَا وَجَبَ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، قَالَ (عب) : وَانْظُرْ إذَا خُشِيَ الْفِتْنَةُ مِنْ وَجْهِ الذَّكَرِ هَلْ يَجِبُ سَتْرُهُ فِي الْإِحْرَامِ كَالْمَرْأَةِ أَمْ لَا، قَالَ الْبُنَانِيُّ: وَلَا وَجْهَ لِهَذَا التَّنْظِيرِ لِمَا ذَكَرُوا فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْأَمْرَدَ لَا يَلْزَمُهُ سَتْرُ وَجْهِهِ، وَإِنْ كَانَ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ بِقَصْدِ اللَّذَّةِ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ سَتْرُ وَجْهِهِ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ، فَفِي الْإِحْرَامِ أَوْلَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (اهـ) . قَوْلُهُ: [فَفِدْيَةٌ تَلْزَمُهَا] : أَيْ إنْ فَعَلَتْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَحَصَلَ طُولٌ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَحْصُلْ طُولٌ بِأَنْ أَزَالَتْهُ بِالْقُرْبِ فَلَا فِدْيَةَ، لِأَنَّ شَرْطَهَا فِي اللُّبْسِ انْتِفَاعٌ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ. قَوْلُهُ: أَوْ (صِيَاغَةٍ) : أَيْ كَالْأَسَاوِرِ وَالْخَاتَمِ.

بِأُصْبُعِ رِجْلٍ وَحِزَامٍ بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ. (وَقَبَاءٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ مَمْدُودًا وَقَدْ يُقْصَرُ: هُوَ الْفَرْجِيَّةُ مِنْ جُوخٍ أَوْ غَيْرِهِ، (وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَهُ بِكُمِّهِ) بَلْ أَلْقَاهُ عَلَى كَتِفَيْهِ مُخْرِجًا يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِهِ وَهَذَا إنْ جَعَلَ أَعْلَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ عَلَى الْعَادَةِ، وَأَمَّا لَوْ نَكَسَهُ بِأَنْ جَعَلَ ذَيْلَهُ عَلَى كَتِفَيْهِ، أَوْ لَفَّ بِهِ وَسَطَهُ، كَالْمِئْزَرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَلْقَى قَمِيصًا عَلَى كَتِفَيْهِ أَوْ لَفَّ بِهِ وَسَطَهُ أَوْ تَلَفَّعَ بِبُرْدَةٍ مُرَقَّعَةٍ، أَوْ ذَاتِ فَلَقَتَيْنِ بِلَا رَبْطٍ، وَلَا غَرْزٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. (وَ) حَرُمَ عَلَى الذَّكَرِ (سَتْرُ وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ) : بِأَيِّ شَيْءٍ يُعَدُّ سَاتِرًا (وَإِنْ بِكَطِينٍ) كَعَجِينٍ وَصَمْغٍ، فَالْوَجْهُ وَالرَّأْسُ يُخَالِفَانِ غَيْرَهُمَا مِنْ سَائِرِ الْبَدَنِ، لِأَنَّهُ يَحْرُمُ سِتْرُهُمَا بِكُلِّ مَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ سَاتِرًا وَغَيْرُهُمَا، وَغَيْرُهُمَا إنَّمَا يَحْرُمُ بِنَوْعٍ خَاصٍّ وَهُوَ الْمُحِيطُ. ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ حُرْمَةِ الْمُحِيطِ أَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ وَثَانِيهِمَا بِوَاحِدٍ، فَقَالَ: (إلَّا الْخُفَّ وَنَحْوَهُ) مِمَّا يُلْبَسُ فِي الرِّجْلِ كَالْجُرْمُوقِ وَالْجَوْرَبِ، فَإِنَّهُ مُحِيطٌ وَلَا يَحْرُمُ عَلَى الذَّكَرِ لُبْسُهُ (لَفَقْدِ نَعْلٍ أَوْ غُلُوِّهِ فَاحِشًا) : إنْ زَادَ ثَمَنُهُ عَلَى قِيمَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِنْ بِأُصْبُعِ رِجْلٍ] : أَيْ هَذَا إذَا كَانَ الْخَاتَمُ بِأُصْبُعِ يَدٍ، بَلْ وَإِنْ كَانَ بِأُصْبُعِ رِجْلٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ فَلَا يُغْتَفَرُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِخِلَافِهِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، فَيَجُوزُ لَهَا الْخَوَاتِمُ وَالْأَسَاوِرُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا لَوْ نَكَسَهُ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ فِي كُمَّيْهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِ الْفِدْيَةُ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: [بِأَيِّ شَيْءٍ يُعَدُّ سَاتِرًا] : إنْ أُرِيدَ السَّاتِرُ لُغَةً كَانَ قَوْلُهُ: " وَإِنْ بِكَطِينٍ " تَمْثِيلًا، وَإِنْ أُرِيدَ السَّاتِرُ عُرْفًا كَانَ تَشْبِيهًا، وَدَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ الدَّقِيقُ أَوْ الْجِيرُ يَجْعَلُهُ عَلَى وَجْهِهِ أَوْ رَأْسِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ جِسْمٌ يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ. قَوْلُهُ: [لِفَقْدِ نَعْلٍ] : فَلَوْ لَمْ يَفْقِدْهُ وَلَكِنْ احْتَاجَ إلَى لُبْسِ الْخُفَّيْنِ لِضَرُورَةٍ اقْتَضَتْ ذَلِكَ كَشُقُوقٍ بِرِجْلَيْهِ فَقَطَعَهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَلَبِسَهُمَا فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَقَدْ يُقَالُ وُجُودُ النَّعْلِ حِينَئِذٍ

[ما يجوز ويتوهم فيه عدم الجواز]

عَادَةً أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى الْقَيْدِ الْأَوَّلِ؛ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلًا أَوْ وَجَدَهُ غَالِيًا غُلُوًّا فَاحِشًا جَازَ لَهُ لُبْسُ الْخُفِّ وَلَا فِدْيَةَ. وَأَشَارَ الْقَيْدَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ: (إنْ قَطَعَ أَسْفَلَ مِنْ كَعْبِ) كَمَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ، سَوَاءٌ كَانَ الْقَاطِعُ لَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ، أَوْ كَانَ مِنْ أَصْلِ صَنْعَتِهِ كَالْبَابُورْجِ بِلُغَةِ الْمَغَارِبَةِ، (وَإِلَّا الِاحْتِزَامَ) بِثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ (لِعَمَلٍ) أَيْ لِأَجْلِهِ، فَلَا يَحْرُمُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ فَرَغَ عَمَلُهُ وَجَبَ نَزْعُهُ. (وَإِلَّا) : بِأَنْ لَبِسَ الْخُفَّ مَعَ وُجُودِ النَّعْلِ بِلَا غُلُوٍّ أَوْ احْتِزَامٍ لِغَيْرِ عَمَلٍ (فَفِدْيَةٌ) . ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ مِمَّا قَدْ يُتَوَهَّمُ فِيهِ عَدَمُ الْجَوَازِ فَقَالَ: (وَجَازَ) لِلْمُحْرِمِ (تَظَلُّلٌ بِبِنَاءٍ) كَحَائِطٍ وَسَقِيفَةٍ، (وَخِبَاءٍ) خَيْمَةٍ (وَشَجَرٍ وَمَحَارَةٍ) : أَيْ مَحْمَلٍ وَمِحَفَّةٍ وَلَوْ مَكَثَ فِيهَا - سَاتِرًا أَوْ نَازِلًا - لِأَنَّ مَا عَلَيْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQكَعَدَمِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ إضَافَةِ الْغُلُوِّ إلَى النَّعْلِ عَدَمُ النَّظَرِ إلَى قِلَّةِ مَالِ الْمُشْتَرِي وَكَثْرَتِهِ، أَيْ أَنْ يَكُونَ الْغُلُوُّ فِي حَدِّ ذَاتِهِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ] : ظَاهِرُهُ أَنَّ الثُّلُثَ مِنْ حَيِّزِ الْيَسِيرِ وَفِي (بْن) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ الثُّلُثَ كَثِيرٌ. قَوْلُهُ: [إنْ قَطَعَ أَسْفَلَ مِنْ كَعْبٍ] : قَالَ الْخَرَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ الْقَطْعِ لَوْ ثَنَى أَسْفَلَ الْكَعْبِ. قَوْلُهُ [بِثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ] : هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُحْرِمُ لَا يَحْتَزِمُ بِحَبْلٍ أَوْ خَيْطٍ إذَا لَمْ يُرِدْ الْعَمَلَ، فَإِنْ فَعَلَ افْتَدَى وَإِنْ أَرَادَ الْعَمَلَ فَجَائِزٌ لَهُ أَنْ يَحْتَزِمَ (اهـ) . فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الثَّوْبِ وَغَيْرِهِ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهَا أَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ عَرَفَةَ خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَ الِاحْتِزَامَ بِالثَّوْبِ فَقَطْ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِعِمَامَةٍ أَوْ حَبْلٍ فَفِيهِ الْفِدْيَةُ، وَلَوْ لِعَمَلٍ، وَقَيَّدَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ الِاحْتِزَامَ بِكَوْنِهِ بِلَا عُقَدٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ (ح) . وَحِينَئِذٍ فَنَفْيُ الْفِدْيَةِ عَنْ الِاحْتِزَامِ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ لِعَمَلٍ وَأَنْ يَكُونَ بِلَا عُقَدٍ، وَمِثْلُ الِاحْتِزَامِ الِاسْتِثْفَارُ: وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَ إزَارَهُ بَيْنَ فَخِذَيْهِ مَلْوِيًّا كَمَا فِي الْقَامُوسِ. [مَا يَجُوز ويتوهم فِيهِ عدم الْجَوَاز] قَوْلُهُ: [وَلَوْ مَكَثَ فِيهَا] إلَخْ: هَذَا التَّعْمِيمُ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَمَا وَقَعَ فِي خَلِيلٍ

مِنْ السَّاتِرِ مُسَمَّرٌ أَوْ مَشْدُودٌ عَلَيْهَا بِحِبَالٍ فَهِيَ كَالْخِبَاءِ. (وَ) جَازَ لَهُ (اتِّقَاءُ شَمْسٍ أَوْ) اتِّقَاءُ (رِيحٍ) عَنْ وَجْهِهِ أَوْ رَأْسِهِ (بِيَدٍ بِلَا لُصُوقٍ) لِلْيَدِ عَلَى مَا ذُكِرَ، لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاتِرًا عُرْفًا، بِخِلَافِ لُصُوقِ الْيَدِ فَإِنَّهُ يُعَدُّ سَاتِرًا. (وَ) جَازَ اتِّقَاءُ (مَطَرٍ) أَوْ بَرْدٍ عَنْ رَأْسِهِ (بِمُرْتَفِعٍ) عَنْهُ بِلَا لُصُوقٍ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَوْلَى الْيَدُ. وَأَمَّا الدُّخُولُ فِي الْخَيْمَةِ وَنَحْوِهَا فَجَائِزٌ وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ. وَأَمَّا التَّظَلُّلُ الْمُرْتَفِعُ غَيْرُ الْيَدِ فَلَا يَجُوزُ كَثَوْبٍ يُرْفَعُ عَلَى عَصًا، وَلَوْ نَازِلًا عِنْدَ مَالِكٍ. وَفِي الْفِدْيَةِ قَوْلَانِ: بِالْوُجُوبِ، وَالنَّدْبِ. وَمِنْ ذَلِكَ: الْمِسْطَحُ يُجْعَلُ فِيهِ أَعْوَادٌ وَيُسْدَلُ عَلَيْهَا ثَوْبٌ، وَنَحْوُهُ لِلتَّظَلُّلِ. (وَ) جَازَ لِمُحْرِمٍ (حَمْلٌ) لِشَيْءٍ كَحَشِيشٍ وَقُفَّةٍ وَغِرَارَةٍ (عَلَى رَأْسٍ لِحَاجَةٍ) تَتَعَلَّقُ بِهِ، أَوْ بِدَوَابِّهِ كَالْعَلَفِ، (أَوْ فَقْرٍ) فَيَحْمِلُ شَيْئًا لِغَيْرِهِ بِأُجْرَةٍ لِمَعَاشِهِ (بِلَا تَجْرٍ) وَإِلَّا مُنِعَ وَافْتَدَى. (وَ) جَازَ (شَدُّ مِنْطَقَةِ) بِوَسَطِهِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الطَّاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ التَّفْصِيلِ فَهُوَ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ لُصُوقِ الْيَدِ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَفْتَدِي فِي الْيَدِ إذَا الْتَصَقَتْ وَفِي ابْنِ عَاشِرٍ يَجُوزُ الْإِنْقَاءُ بِالْيَدِ وَلَا فِدْيَةَ بِحَالٍ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ سَاتِرًا. قَوْلُهُ: [وَيُسْدَلُ عَلَيْهِ ثَوْبٌ] : أَيْ غَيْرُ مُسَمَّرٍ وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُسَمَّرًا أَوْ يُرْبَطُ عَلَى الدَّوَامِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ. قَوْلُهُ: [لِحَاجَةٍ] : أَيْ إذَا كَانَتْ الْحَاجَةُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَحْمِلُهُ لَهُ، أَوْ وَجَدَ بِأُجْرَةٍ يَحْتَاجُ لَهَا، أَمَّا لَوْ وَجَدَ مَنْ يَحْمِلُهُ مَجَّانًا أَوْ بِأُجْرَةٍ لَا يَحْتَاجُ لَهَا فَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَيَفْتَدِي إنْ حَمَلَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَاجَةُ لِغَيْرِهِ وَحَمَلَهَا لَهُ عَلَى رَأْسِهِ بِلَا أُجْرَةٍ أَوْ بِأُجْرَةٍ عَلَى وَجْهِ التَّجْرِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّمَعُّشِ افْتَدَى أَيْضًا. قَوْلُهُ: [وَجَازَ شَدُّ مِنْطَقَةٍ] : الْمُرَادُ بِالشَّدِّ إدْخَالُ سُيُورِهَا أَوْ خُيُوطِهَا فِي أَثْنَائِهَا أَوْ فِي الْكُلَّابِ أَوْ الْإِبْزِيمِ مَثَلًا، وَأَمَّا لَوْ عَقَدَهَا عَلَى جِلْدِهِ افْتَدَى كَمَا

وَالْمُرَادُ بِهَا حِزَامٌ يُجْعَلُ كَالْكِيسِ يُوضَعُ فِيهِ الدَّرَاهِمُ، يُسَمَّى بِالنُّوَارِ بِضَمِّ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ مِنْ الْمُحِيطِ كَالْخُفِّ بِقُيُودِهِ وَالِاحْتِزَامِ لِعَمَلٍ، فَكَانَ الْأَوْلَى إدْرَاجَهُ فِي سِلْكِهَا. وَجَوَازُ شَدِّهَا بِوَسَطِهِ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ: أَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: إنْ كَانَ (لِنَفَقَتِهِ) الَّتِي يُنْفِقُهَا عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَدَوَابِّهِ لَا لِنَفَقَةِ غَيْرِهِ وَلَا لِتِجَارَةٍ. وَلِلثَّانِي بِقَوْلِهِ: وَكَانَ الشَّدُّ (عَلَى جِلْدِهِ) لَا عَلَى إزَارِهِ أَوْ ثَوْبِهِ. (وَ) جَازَ حِينَئِذٍ (إضَافَةُ نَفَقَةِ غَيْرِهِ لَهَا) : أَيْ لِنَفَقَتِهِ تَبَعًا (وَإِلَّا) بِأَنْ شَدَّهَا لَا لِنَفَقَتِهِ بَلْ لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِغَيْرِهِ، أَوْ فَارِغَةً أَوْ لَا عَلَى جِلْدِهِ بَلْ عَلَى إزَارِهِ (فَالْفِدْيَةُ) . (وَ) جَازَ لِلْمُحْرِمِ (إبْدَالُ ثَوْبِهِ) الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ بِثَوْبٍ آخَرَ وَلَوْ لِقَمْلٍ فِي الْأَوَّلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ شَدَّهَا فَوْقَ الْإِزَارِ. قَوْلُهُ: [وَالْمُرَادُ بِهَا حِزَامٌ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِلْدٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [إدْرَاجُهُ فِي سِلْكِهَا] : أَيْ عَدُّهُ الْمُسْتَثْنَيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَلَكِنْ أَفْرَدَ هُنَا تَبَعًا لِخَلِيلٍ. قَوْلُهُ: [لَا عَلَى إزَارِهِ أَوْ ثَوْبِهِ] : أَيْ فَيَفْتَدِي وَلَوْ لَمْ يَعْقِدْهُ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ حِينَئِذٍ إضَافَةُ نَفَقَةِ غَيْرِهِ] : ظَاهِرُهُ جَوَازُ إضَافَةِ نَفَقَةِ الْغَيْرِ لِنَفَقَتِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْإِضَافَةُ بِمُوَاطَأَةٍ وَهُوَ مَا اسْتَظْهَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَظَاهِرُ الْجَلَّابِ وَاللَّخْمِيِّ وَالطِّرَازِ كَمَا فِي (ح) ، فَتَقْيِيدُ (عب) جَوَازَ الْإِضَافَةِ بِمَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ مُوَاطَأَةٍ فِيهِ نَظَرٌ، وَأَجَابَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ عَنْ (عب) بِقَوْلِهِ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمُوَاطَأَةَ الْمَمْنُوعَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْحَامِلُ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى شَدِّ الْمِنْطَقَةِ نَفَقَةَ الْغَيْرِ، وَالْجَائِزَةُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْحَامِلُ عَلَى شَدِّهَا نَفَقَتَهُ، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْغَيْرِ فَبِطَرِيقِ التَّبَعِ وَحِينَئِذٍ فَالْخُلْفُ لَفْظِيٌّ. قَوْلُهُ: [إبْدَالُ ثَوْبِهِ] : أَيْ مَلْبُوسِهِ كَانَ إزَارًا أَوْ غَيْرَهُ.

(وَ) جَازَ لَهُ (بَيْعُهُ) وَلَوْ لِقَمْلٍ بِهِ. (وَ) جَازَ لَهُ (غَسْلُهُ لِنَجَاسَةٍ بِالْمَاءِ) الطَّهُورِ (فَقَطْ) دُونَ صَابُونٍ وَنَحْوِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ لَوْ قَتَلَ شَيْئًا مِنْ قَمْلَةٍ أَوْ بُرْغُوثَةٌ. (وَإِلَّا) بِأَنْ غَسَلَهُ - لَا لِنَجَاسَةٍ - أَوْ لِنَجَاسَةٍ وَلَكِنْ بِنَحْوِ صَابُونٍ - (فَلَا) يَجُوزُ، فَإِنْ قَتَلَ شَيْئًا أَخْرَجَ مَا فِيهِ (إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ عَدَمَ دَوَابِّهِ) فَلَا يَحْرُمُ غَسْلُهُ، بَلْ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَلَوْ تَرَفُّهًا أَوْ لِوَسَخٍ. (وَ) جَازَ لَهُ (بَطُّ) : أَيْ فَجْرُ (جُرْحٍ) وَدُمَّلٍ لِإِخْرَاجِ مَا فِيهِ مِنْ نَحْوِ قَيْحٍ. (وَ) جَازَ لَهُ (حَكُّ مَا خَفِيَ) مِنْ بَدَنِهِ كَرَأْسِهِ وَظَهْرِهِ (بِرِفْقٍ) خَوْفًا مِنْ قَتْلِ قَمْلَةٍ وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا مَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ بَدَنِهِ فَيَجُوزُ حَكُّهُ مُطْلَقًا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ قَمْلَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ لِقَمْلٍ بِهِ] : بَالَغَ عَلَى ذَلِكَ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّ الْإِبْدَالَ فِيهِ يُعْطِي حُكْمَ قَتْلِ الْقَمْلِ، فَأَفَادَك أَنَّ الْمَشْهُورَ جَوَازُ الْإِبْدَالِ وَلَوْ لِإِذَايَةِ الْقَمْلِ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ لَهُ غَسْلُهُ لِنَجَاسَةٍ] إلَخْ: حَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْأَحْوَالَ ثَلَاثَةٌ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْغَسْلُ تَرَفُّهًا، أَوْ لِوَسَخٍ، أَوْ لِنَجَاسَةٍ. وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ وُجُودُ الدَّوَابِّ أَوْ عَدَمُهُ أَوْ يَشُكُّ. وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يُغْسَلَ بِالْمَاءِ فَقَطْ، أَوْ مَعَ غَيْرِهِ كَصَابُونٍ، فَهَذِهِ ثَمَانِ عَشْرَةَ صُورَةً؛ فَإِنْ تَحَقَّقَ نَفْيُ الدَّوَابِّ جَازَ مُطْلَقًا كَانَ الْغَسْلُ تَرَفُّهًا أَوْ لِوَسَخٍ أَوْ لِنَجَاسَةٍ بِالْمَاءِ فَقَطْ، أَوْ مَعَ غَيْرِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْغَسْلُ لِنَجَاسَةٍ بِالْمَاءِ فَقَطْ، وَتَحَقَّقَ وُجُودُ الْقَمْلِ أَوْ شَكَّ فِيهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْغَسْلُ تَرَفُّهًا أَوْ لِوَسَخٍ وَتَحَقَّقَ وُجُودُ الْقَمْلِ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ الْغَسْلُ كَانَ بِالْمَاءِ فَقَطْ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ، وَمِثْلُهَا إذَا كَانَ الْغَسْلُ لِنَجَاسَةٍ وَكَانَ بِالْمَاءِ مَعَ غَيْرِهِ مَعَ تَحَقُّقِ وُجُودِ الْقَمْلِ أَوْ الشَّكِّ فِيهِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ لَهُ بَطُّ] إلَخْ: أَيْ إنْ احْتَاجَ لِذَلِكَ لِأَجْلِ إخْرَاجِ مَا فِيهِ بِعَصْرِهِ أَوْ بِوَضْعِ لَزْقَةٍ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَحْتَجْ لِبَطِّهِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ قِيَاسًا عَلَى الْقَصْدِ بِغَيْرِ حَاجَةٍ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [بِرِفْقٍ] : أَيْ وَأَمَّا بِشِدَّةٍ فَمَكْرُوهٌ.

(وَ) جَازَ (فَصْدٌ) لِحَاجَةٍ (إنْ لَمْ يَعْصِبْهُ) : بِكَسْرِ الصَّادِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ، (وَإِلَّا) بِأَنْ عَصَبَهُ بِعِصَابَةٍ وَلَوْ لِضَرُورَةٍ (افْتَدَى) ، وَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ لِلضَّرُورَةِ. (كَعَصْبِ جُرْحِهِ) أَوْ دُمَّلِهِ (أَوْ رَأْسِهِ) فَفِيهِ الْفِدْيَةُ، وَلَوْ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ جَازَ لِلضَّرُورَةِ. (أَوْ لَصْقِ خِرْقَةٍ) عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ (كَبُرَتْ) أَيْ إنْ كَانَتْ كَبِيرَةً، (كَدِرْهَمٍ) بَغْلِيٍّ فَأَعْلَى لَا إنْ صَغُرَتْ. (أَوْ لَفَّهَا) أَيْ الْخِرْقَةَ (عَلَى ذَكَرٍ) لِمَذْيٍ أَوْ بَوْلٍ فَفِيهِ الْفِدْيَةُ، بِخِلَافِ وَضْعِهَا عَلَيْهِ عِنْدَ النَّوْمِ بِلَا لَفٍّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَجَازَ فَصْدٌ لِحَاجَةٍ] : أَيْ وَلِغَيْرِهَا مَكْرُوهٌ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ يَحْرُمْ لِلضَّرُورَةِ] : أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْفِدْيَةِ الْحُرْمَةُ كَمَا هُنَا، كَمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُرْمَةِ الْفِدْيَةُ كَمَنْ تَقَلَّدَ بِسَيْفٍ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ مَا لَمْ تَكُنْ عِلَاقَتُهُ عَرِيضَةً أَوْ مُتَعَدِّدَةً وَإِلَّا افْتَدَى. قَوْلُهُ: [كَعَصْبِ جَرْحِهِ] : ظَاهِرُهُ لُزُومُ الْفِدْيَةِ بِالْعَصْبِ مُطْلَقًا؛ كَانَتْ الْخِرْقَةُ الَّتِي عَصَبَ بِهَا صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِابْنِ الْمَوَّازِ حَيْثُ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ، وَجَعَلَ الْفِدْيَةَ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى. قَوْلُهُ: [أَوْ لَصْقِ خِرْقَةٍ] : قَالَ ابْنُ عَاشِرٍ: هَذَا خَاصٌّ بِجِرَاحِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ، فَلَصْقُ الْخِرْقَةِ عَلَى الْجُرْحِ فِي غَيْرِهِمَا لَا شَيْءَ فِيهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَجْهَ وَالرَّأْسَ هُمَا اللَّذَانِ يَجِبُ كَشْفُهُمَا دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ بَقِيَّةِ الْجَسَدِ اُنْظُرْ (بْن) فَقَيَّدَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [كَبُرَتْ] إلَخْ: أَمَّا لَصْقُ الْخِرْقَةِ الصَّغِيرَةِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ. وَقَوْلُهُ: [كَدِرْهَمٍ بَغْلِيٍّ] : يَعْنِي بِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا لَوْ تَعَدَّدَتْ الصَّغِيرَةُ بِمَوَاضِعَ بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَتْ كَانَتْ دِرْهَمًا، فَظَاهِرُ التَّوْضِيحِ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [لِمَذْيٍ أَوْ بَوْلٍ] : أَيْ لِلتَّحَفُّظِ مِنْ إصَابَتِهِمَا، وَقَوْلُهُ فَفِيهِ الْفِدْيَةُ ظَاهِرُهُ كَانَتْ الْخِرْقَةُ كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً.

[بعض المكروهات]

(أَوْ قُطْنَةٍ) وَضَعَهَا (بِأُذُنِهِ) وَلَوْ أَصْغَرَ مِنْ دِرْهَمٍ لِأَنَّهَا لِنَفْعِ الْأُذُنِ نَزَلَتْ مَنْزِلَةَ الْكَبِيرَةِ. (أَوْ قِرْطَاسٍ) وَضَعَهُ (بِصُدْغِهِ) وَإِنْ لِضَرُورَةٍ فِيهِ الْفِدْيَةُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ بَعْضِ مَكْرُوهَاتٍ - وَلَا فِدْيَةَ فِيهَا فَقَالَ: (وَكُرِهَ شَدُّ نَفَقَةٍ) أَيْ رَبْطُ شَيْءٍ فِيهِ نَفَقَةٌ (بِعَضُدٍ أَوْ فَخِذٍ) وَتَقَدَّمَ جَوَازُهُ بِوَسَطِهِ عَلَى الْجِلْدِ. (وَ) كُرِهَ (كَبُّ) أَيْ وَضْعُ (وَجْهٍ عَلَى وِسَادَةٍ) وَنَحْوِهَا لَا وَضْعُ خَدِّهِ عَلَيْهَا. (وَ) كُرِهَ (شَمُّ طِيبٍ) مُذَكَّرٍ: وَهُوَ مَا خَفِيَ أَثَرُهُ، (كَرَيْحَانٍ) وَيَاسَمِينٍ وَوَرْدٍ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الرَّيَاحِينِ، لَا مُجَرَّدُ مَسِّهِ فَلَا يُكْرَهُ، وَلَا مُكْثٍ بِمَكَانٍ فِيهِ ذَلِكَ وَلَا اسْتِصْحَابَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ قِرْطَاسٍ وَضَعَهُ بِصُدْغِهِ] : يَعْنِي أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا جَعَلَ عَلَى صُدْغِهِ قِرْطَاسًا لِضَرُورَةٍ كَصُدَاعٍ أَوْ لِغَيْرِهَا فَإِنَّهُ يَفْتَدِي، وَإِنْ كَانَ لَا إثْمَ مَعَ الضَّرُورَةِ، وَظَاهِرُهُ لُزُومُ الْفِدْيَةِ فِي لَصْقِ الْقِرْطَاسِ لِلصُّدْغِ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا فَهُوَ كَقُطْنَةِ الْأُذُنِ، بِخِلَافِ الْخِرْقَةِ الَّتِي تُلْصَقُ عَلَى الْجُرْحِ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهَا مُقَيَّدٌ بِالْكَبِيرَةِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّخْصَ لَمَّا كَانَ يَنْتَفِعُ بِالْقِرْطَاسِ الصَّغِيرِ أَشْبَهَ الْكَبِيرَ، بِخِلَافِ الْخِرْقَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِالصَّغِيرَةِ عَادَةً. [بَعْض الْمَكْرُوهَات] قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ شَدُّ نَفَقَةٍ] : أَيْ فَلَمْ يُوَسِّعْ مَالِكٌ إلَّا فِي شَدِّ النَّفَقَةِ فِي الْوَسَطِ تَحْتَ الْمِئْزَرِ. وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ فِي الشَّدِّ عَلَى الْعَضُدِ أَوْ الْفَخِذِ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَادَةَ الْقَوْمِ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ كَبُّ] إلَخْ: يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلشَّخْصِ الْمُحْرِمِ وَكَذَا غَيْرُهُ أَنْ يَنَامَ عَلَى وَجْهِهِ، وَلَيْسَتْ الْكَرَاهَةُ خَاصَّةً بِالْمُحْرِمِ كَمَا ذَكَرَهُ شُرَّاحُ خَلِيلٍ لِقَوْلِ الْجُزُولِيِّ: النَّوْمُ عَلَى الْوَجْهِ نَوْمُ الْكُفَّارِ وَأَهْلِ النَّارِ وَالشَّيَاطِينِ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ مَا خَفِيَ أَثَرُهُ] : أَيْ تَعَلُّقُهُ بِالْمَاسِّ لَهُ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ جَسَدٍ. قَوْلُهُ: [كَرَيْحَانٍ] إلَخْ: أَيْ وَمِثْلُهَا مَا يُعْصَرُ مِنْهَا فَلَيْسَتْ مِنْ قَبِيلِ الْمُؤَنَّثِ بَلْ تُكْرَهُ فَقَطْ كَأَصْلِهَا، كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الطِّرَازِ. قَالَ (ح) : وَهُوَ الْجَارِي

(وَ) كُرِهَ (مُكْثٌ بِمَكَانٍ بِهِ طِيبٌ) مُؤَنَّثٌ. كَمِسْكٍ وَعِطْرٍ وَزَعْفَرَانٍ (وَ) كُرِهَ (اسْتِصْحَابُهُ) : أَيْ الْمُؤَنَّثِ فِي خُرْجِهِ أَوْ صُنْدُوقِهِ. (وَ) كُرِهَ: (شَمُّهُ بِلَا مَسٍّ) لَهُ وَإِلَّا حَرُمَ كَمَا يَأْتِي، فَأَقْسَامُ كُلِّ أَرْبَعَةٍ عَلِمْت أَحْكَامَهَا. (وَ) كُرِهَ (حِجَامَةٌ بِلَا عُذْرٍ إنْ لَمْ يُبِنْ) أَيْ يُزِلْ (شَعْرًا) وَإِلَّا حَرُمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْقَوَاعِدِ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: فِيهِ الْفِدْيَةُ لِأَنَّ أَثَرَهُ يَقِرُّ فِي الْبَدَنِ، وَاعْتَمَدَهُ (ر) مُعْتَرِضًا عَلَى الْحَطَّابِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، إذْ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ صَرِيحٌ فِي كَرَاهَتِهِ فَقَطْ، وَحِينَئِذٍ فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ، وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ اعْتِرَاضَ (ر) عَلَى (ح) غَيْرُ صَوَابٍ (اهـ) . بْن مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ شَمُّهُ بِلَا مَسٍّ] : هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ، وَعَزَا الْبَاجِيُّ لِلْمَذْهَبِ الْمَنْعَ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: [فَأَقْسَامٌ كُلُّ أَرْبَعَةٍ عَلِمْت أَحْكَامَهَا] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُذَكَّرَ يُكْرَهُ فِي صُورَةٍ وَهِيَ الشَّمُّ، وَيَجُوزُ فِي ثَلَاثٍ وَهِيَ: الْمَسُّ، وَالِاسْتِصْحَابُ، وَالْمُكْثُ بِمَكَانٍ فِيهِ ذَلِكَ. وَلَكِنْ عَوَّلَ (بْن) عَلَى كَرَاهَةِ مَسِّهِ أَيْضًا، وَالْمُؤَنَّثُ يَحْرُمُ فِي صُورَةٍ وَهِيَ الْمَسُّ، وَيُكْرَهُ فِي الثَّلَاثِ الْبَاقِيَةِ، قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ: وَيُقَيَّدُ الْمُذَكَّرُ بِغَيْرِ الْحِنَّاءِ، وَأَمَّا هِيَ فَاسْتِعْمَالُهَا حَرَامٌ، قَالَ فِي شَرْحِ التَّوْضِيحِ: وَالْمُذَكَّرُ قِسْمَانِ قِسْمٌ مَكْرُوهٌ وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ كَالرَّيْحَانِ، وَقِسْمٌ مُحَرَّمٌ فِيهِ الْفِدْيَةُ وَهُوَ الْحِنَّاءُ (اهـ. بْن) . وَالْمُرَادُ بِاسْتِعْمَالِ الْحِنَّاءِ الَّذِي يُوجِبُ الْفِدْيَةَ الطِّلَاءُ بِهَا كَمَا يَأْتِي، وَأَمَّا ثَمَرُ الْحِنَّاءِ الْمَعْرُوفِ فَهُوَ كَسَائِرِ الرَّيَاحِينِ بِلَا شَكٍّ. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ حِجَامَةٌ بِلَا عُذْرٍ] إلَخْ: تَفْصِيلُ الشَّارِحِ أَحْسَنُ مِمَّا قَالَ (ح) وَنَصُّهُ أَنَّ الْحِجَامَةَ بِلَا عُذْرٍ تُكْرَهُ مُطْلَقًا خَشِيَ قَتْلَ الدَّوَابِّ أَمْ لَا، زَالَ بِسَبَبِهَا شَعْرٌ أَمْ لَا، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَأَمَّا لِعُذْرٍ فَتَجُوزُ مُطْلَقًا، وَهَذَا الْحُكْمُ ابْتِدَاءٌ، وَأَمَّا الْفِدْيَةُ فَتَجِبُ إنْ أَزَالَ شَعْرًا أَوْ قَتَلَ قَمْلًا كَثِيرًا. وَأَمَّا الْقَلِيلُ فَفِيهِ الْإِطْعَامُ، وَسَوَاءٌ احْتَجَمَ فِي ذَلِكَ لِعُذْرٍ أَمْ لَا (اهـ.) وَلِذَلِكَ عَوَّلَ (بْن) عَلَى مَا قَالَهُ شَارِحُنَا وَاعْتَرَضَ عَلَى الْحَطَّابِ.

[ما يحرم من الطيب ونحوه]

لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَافْتَدَى مُطْلَقًا أَبَانَهُ لِعُذْرٍ أَمْ لَا. (وَ) كُرِهَ (غَمْسُ رَأْسٍ) فِي مَاءٍ خِيفَةَ قَتْلِ الدَّوَابِّ (لِغَيْرِ غُسْلٍ طُلِبَ) وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا أَوْ اسْتِنَانًا. (وَ) كُرِهَ (تَجْفِيفُهُ) أَيْ الرَّأْسِ (بِقُوَّةٍ) خَوْفَ قَتْلِ الدَّوَابِّ، لَا بِخِفَّةٍ فَيَجُوزُ. (وَ) كُرِهَ (نَظَرٌ بِمِرْآةٍ) أَيْ فِيهَا مَخَافَةُ أَنْ يَرَى شَعَثًا فَيُزِيلَهُ. وَعَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ: " يَحْرُمُ عَلَى الْأُنْثَى " إلَخْ قَوْلَهُ: (وَحَرُمَ عَلَيْهِمَا) : أَيْ عَلَى الْأُنْثَى وَالذَّكَرِ بِالْإِحْرَامِ (دَهْنُ شَعْرٍ) لِرَأْسٍ أَوْ لِحْيَةٍ، (أَوْ) دَهْنُ (جَسَدٍ لِغَيْرِ عِلَّةٍ) وَإِلَّا جَازَ، لِأَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ، (وَإِنْ) كَانَ الِادِّهَانُ (بِغَيْرِ مُطَيَّبٍ) أَيْ بِدُهْنٍ غَيْرِ مُطَيَّبٍ فَأَوْلَى بِالْمُطَيَّبِ. (وَافْتَدَى فِي) ادِّهَانِهِ بِالدُّهْنِ (الْمُطَيَّبِ مُطْلَقًا) وَلَوْ لِعِلَّةٍ أَوْ بِبَطْنِ كَفٍّ أَوْ رِجْلٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِغَيْرِ عُذْرٍ] : أَيْ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ فَالتَّصْرِيحُ بِهِ غَيْرُ ضَرُورِيٍّ. قَوْلُهُ: [كُرِهَ غَمْسُ رَأْسٍ] : أَيْ إنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ نَفْيُ الدَّوَابِّ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ، فَإِنْ فَعَلَ الْمَكْرُوهَ أَطْعَمَ شَيْئًا مِنْ طَعَامٍ كَمَا هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْإِطْعَامِ الْمَذْكُورِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ وَاجِبٌ وَحَمَلَ كَرَاهَةَ غَمْسِ الرَّأْسِ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَاسْتَظْهَرَهُ لِعَدَمِ ذِكْرِ الْإِطْعَامِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ كَالْحِجَامَةِ وَتَجْفِيفِ الرَّأْسِ بِشِدَّةِ، وَحَمَلَهَا سَنَدٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، وَجَعَلَ الْإِطْعَامَ مُسْتَحَبًّا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: [لِغَيْرِ غَسْلٍ طُلِبَ] : أَيْ وَأَمَّا لِلْغَسْلِ فَلَا كَرَاهَةَ وَلَا شَيْءَ فِيهِ وَلَوْ قَتَلَ قَمْلًا، لِأَنَّ قَتْلَ الْقَمْلِ فِيهِ كَتَسَاقُطِ الشَّعْرِ وَالْجَمِيعُ مُغْتَفَرٌ. قَوْلُهُ: [مَخَافَةَ أَنْ يَرَى شَعَثًا] إلَخْ: أَيْ وَالْمَطْلُوبُ إبْقَاءُ الشَّعَثِ مَا دَامَ مُحْرِمًا. [مَا يحرم مِنْ الطَّيِّب وَنَحْوه] قَوْلُهُ: [دَهْنُ شَعْرٍ لِرَأْسٍ] إلَخْ: فَإِنْ كَانَ الرَّأْسُ أَصْلَعَ فَيَحْرُمُ أَيْضًا دَهْنُهُ لِدُخُولِهِ فِي الْجَسَدِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُبَالِغْ عَلَيْهَا كَمَا فَعَلَ خَلِيلٌ. قَوْلُهُ: [وَافْتَدَى فِي ادِّهَانِهِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الصُّوَرَ ثَمَانٍ تُؤْخَذُ أَحْكَامُهَا مِنْ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ بِإِيضَاحٍ، لِأَنَّك تَقُولُ الِادِّهَانُ إمَّا لِعِلَّةٍ أَوْ لِغَيْرِهَا، وَفِي كُلٍّ إمَّا

(وَ) افْتَدَى (فِي) دَهْنِهِ لِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ أَوْ شَعْرِهِ بِدَهْنٍ (غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُطَيَّبِ (لِغَيْرِ عِلَّةٍ) ، أَيْ ضَرُورَةٍ وَلَوْ بِبَطْنِ كَفٍّ أَوْ رِجْلٍ (لَا لَهَا) أَيْ لِلْعِلَّةِ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ (إنْ كَانَ) الِادِّهَانُ لِلْعِلَّةِ (بِبَطْنِ كَفٍّ أَوْ) بَطْنِ (رِجْلٍ) . (وَإِلَّا) يَكُنْ بِبَدَنِهِمَا، بِأَنْ ادَّهَنَ بِغَيْرِ الْمُطَيَّبِ فِيمَا عَدَا بَاطِنَ كَفِّهِ وَقَدَمِهِ (فَقَوْلَانِ) بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَعَدَمِهِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ غَيْرَ الْمُطَيَّبِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فِيهِ الْفِدْيَةُ حَتَّى فِي بَاطِنِ الْكَفِّ وَالْقَدَمِ، وَلِلضَّرُورَةِ فَلَا فِدْيَةَ إنْ كَانَ بِبَطْنِهَا اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ بِجَسَدِهِ وَمِنْهُ ظُهُورُهُمَا فَقَوْلَانِ. (وَ) حَرُمَ عَلَيْهِمَا (إبَانَةُ) : أَيْ إزَالَةُ (ظُفْرٍ) مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ (لِغَيْرِ عُذْرٍ، أَوْ) إبَانَةُ (شَعْرٍ) مِنْ سَائِرِ جَسَدِهِ بِحَلْقٍ أَوْ قَصٍّ أَوْ نَتْفٍ، (أَوْ) إبَانَةُ (وَسَخٍ) مِنْ سَائِرِ بَدَنِهِ. (إلَّا مَا تَحْتَ أَظْفَارِهِ، أَوْ) إلَّا (غَسْلَ يَدَيْهِ بِمُزِيلِهِ) أَيْ الْوَسَخِ كَالْأُشْنَانِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمُطَيَّبٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَفِي كُلٍّ إمَّا بِالْجَسَدِ أَوْ بِبَاطِنِ الْكَفِّ وَالْقَدَمِ. قَوْلُهُ: [وَحَرُمَ عَلَيْهِمَا إبَانَةُ] إلَخْ: فَإِنْ فَعَلَ فَسَيَأْتِي أَنَّ فِيهِ حَفْنَةً إنْ لَمْ يَكُنْ لِإِمَاطَةِ الْأَذَى، وَإِلَّا فَفِدْيَةٌ إنْ كَانَ الظُّفْرُ وَاحِدًا، أَوْ إنْ زَادَ عَلَيْهِ فَفِدْيَةٌ مُطْلَقًا وَهَذَا فِي ظُفْرِ نَفْسِهِ، وَأَمَّا تَقْلِيمُ ظُفْرِ غَيْرِهِ فَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [أَوْ إبَانَةُ شَعْرٍ] إلَخْ: لَكِنْ إنْ كَانَ يَسِيرًا بِأَنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى الْعَشَرَةِ فَفِيهِ حَفْنَةٌ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا بِأَنْ زَادَ عَلَيْهَا فَفِدْيَةٌ. قَوْلُهُ: [أَوْ إبَانَةُ وَسَخٍ] إلَخْ: يَعْنِي أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً إزَالَةُ الْوَسَخِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَكُونَ شَعَثًا، فَإِنْ أَزَالَهُ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ إلَّا مَا كَانَ تَحْتَ الْأَظَافِرِ فَلَا تَحْرُمُ إزَالَتُهُ، بَلْ يُؤْمَرُ بِهَا وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مَنْعُ إزَالَةِ الْوَسَخِ وَفِيهِ الْفِدْيَةُ وَلَوْ كَانَ بِهِ رَوَائِحُ كَرِيهَةٌ، كَاَلَّذِي بِهِ دَاءُ الصُّنَانِ فِي إبْطَيْهِ، وَانْظُرْ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [غَسْلَ يَدَيْهِ بِمُزِيلِهِ] : أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ مُطَيَّبًا وَإِلَّا حَرُمَ غَسْلُ الْيَدَيْنِ بِهِ وَفِيهِ الْفِدْيَةُ.

(أَوْ) إلَّا (تَسَاقَطَ شَعْرٌ) مِنْ لِحْيَةٍ أَوْ رَأْسٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (لِوُضُوءٍ) أَوْ غُسْلٍ. (أَوْ) لِأَجْلِ (رُكُوبٍ) لِدَابَّةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (وَ) حَرُمَ عَلَيْهِمَا (مَسُّ طِيبٍ) مُؤَنَّثٍ: كَوَرْسٍ أَوْ دُهْنٍ مُطَيَّبٍ بِأَيِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، (وَإِنْ ذَهَبَ رِيحُهُ) : أَيْ الطِّيبِ فَذَهَابُ رِيحِهِ لَا يُسْقِطُ حُرْمَةَ مَسِّهِ، وَإِنْ سَقَطَتْ الْفِدْيَةُ. (أَوْ) كَانَ (فِي طَعَامٍ أَوْ) فِي (كُحْلٍ) أَوْ مَسَّهُ وَ (لَمْ يَعْلَقْ بِهِ) بِفَتْحِ اللَّامِ (إلَّا إذَا) طُبِخَ بِطَعَامٍ و (أَمَاتَهُ الطَّبْخُ) : أَيْ اسْتَهْلَكَهُ بِذَهَابِ عَيْنِهِ فِيهِ وَلَمْ يَبْقَ سِوَى رِيحِهِ أَوْ لَوْنِهِ كَزَعْفَرَانٍ وَوَرْسٍ فَلَا حُرْمَةَ وَلَا فِدْيَةَ، وَلَوْ صَبَغَ الْفَمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِوُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ] : أَيْ وَلَوْ مَنْدُوبَيْنِ بَلْ وَإِنْ كَانَا مُبَاحَيْنِ كَالتَّبَرُّدِ نَعَمْ لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمُبَاحِ قَتْلُ الْقَمْلِ بَلْ إنْ قَتَلَ فِيهِ قَمْلًا أَخْرَجَ مَا فِيهِ. قَوْلُهُ: [كَوَرْسٍ] : دَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ الزَّعْفَرَانُ وَالْمِسْكُ وَالْعِطْرُ وَالْعُودُ، بِاعْتِبَارِ دُخَانِهِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ حِينَ وَضْعِهِ عَلَى النَّارِ. قَوْلُهُ: [لَا يُسْقِطُ حُرْمَةَ مَسِّهِ] : أَيْ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ ثَبَتَتْ لَهُ فِي حَالِ وُجُودِ رِيحِهِ، وَالْأَصْلُ اسْتِصْحَابُهَا. قَوْلُهُ: [وَإِنْ سَقَطَتْ الْفِدْيَةُ] : إنَّمَا سَقَطَتْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِأَنَّهَا تَكُونُ فِيمَا يَتَرَفَّهُ بِهِ، وَعِنْدَ ذَهَابِ الرِّيحِ لَا تَرَفُّهَ. قَوْلُهُ: [أَوْ كَانَ فِي طَعَامٍ] : أَيْ فَفِيهِ الْحُرْمَةُ وَالْفِدْيَةُ وَمِثْلُ الطَّعَامِ الشَّرَابُ إنْ لَمْ يُمِتْهُ الطَّبْخُ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [أَوْ فِي كُحْلٍ] : أَيْ فَفِيهِ الْفِدْيَةُ مِنْ غَيْرِ حُرْمَةٍ إنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ وَإِلَّا فَفِيهِ الْحُرْمَةُ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [أَوْ مَسَّهُ وَلَمْ يَعْلَقْ بِهِ] : أَيْ فَفِيهِ الْحُرْمَةُ وَالْفِدْيَةُ. قَوْلُهُ: [إذَا طُبِخَ بِطَعَامٍ] إلَخْ: هَذَا التَّفْصِيلُ لِلْبِسَاطِيِّ وَاعْتَمَدَهُ (ح) وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ابْنُ بَشِيرٍ الْمَذْهَبُ نَفْيُ الْفِدْيَةِ فِي الْمَطْبُوخِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ أَطْلَقَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُوَطَّإِ وَالْمُخْتَصَرِ الْجَوَازَ فِي الْمَطْبُوخِ وَأَبْقَاهُ الْأَبْهَرِيُّ عَلَى ظَاهِرِهِ وَاعْتَمَدَهُ (ر) وَ (بْن) وَمُصَنِّفُنَا تَبِعَ شُرَّاحَ الْمُخْتَصَرِ.

[فدية الظفر والشعرة والقملة ونحوها]

(أَوْ كَانَ) الطِّيبُ (بِقَارُورَةٍ سُدَّتْ) سَدًّا مُحْكَمًا فَلَا شَيْءَ فِيهِ إنْ حَمَلَهَا لِأَنَّهُ مِنْ الِاسْتِصْحَابِ لَا الْمَسِّ. (أَوْ أَصَابَهُ) الطِّيبُ (مِنْ إلْقَاءِ رِيحٍ أَوْ غَيْرِهِ) عَلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَثُرَ إلَّا أَنْ يَتَرَاخَى فِي نَزْعِهِ. (وَوَجَبَ نَزْعُهُ) وَلَوْ بِإِبْقَاءِ الثَّوْبِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، أَوْ غَسْلِ بَدَنِهِ بِنَحْوِ صَابُونٍ (مُطْلَقًا) قَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (فَإِنْ تَرَاخَى) فِي نَزْعِهِ (فَالْفِدْيَةُ) . (أَوْ أَصَابَهُ مِنْ خَلُوقٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ طِيبِ (الْكَعْبَةِ) الَّذِي يُلْقَى عَلَيْهَا، (وَخُيِّرَ فِي نَزْعِ يَسِيرِهِ) وَلَا يَجِبُ لِلضَّرُورَةِ وَوَجَبَ نَزْعُ كَثِيرِهِ، فَإِنْ تَرَاخَى فِي نَزْعِهِ فَالْفِدْيَةُ وَاَلَّذِي يُفِيدُهُ النَّقْلُ عَدَمَ الْفِدْيَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ نَزْعِهِ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ. (وَفِي) قَلْمِ (الظُّفْرِ الْوَاحِدِ) لَا لِإِمَاطَةِ الْأَذَى بَلْ قَلَمَهُ تَرَفُّهًا أَوْ عَبَثًا حَفْنَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ كَانَ الطِّيبُ بِقَارُورَةٍ] : أَيْ وَكَذَا حَمْلُ فَأْرَةِ الْمِسْكِ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَشْقُوقَةٍ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ عَرَفَةَ قَائِلًا إنَّ: الْفَأْرَةَ نَفْسَهَا طِيبٌ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ مِنْ الِاسْتِصْحَابِ] : أَيْ لِلْمَكْرُوهِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَصَابَهُ الطِّيبُ مِنْ إلْقَاءِ رِيحٍ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا الطِّيبُ الْبَاقِي فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ مِمَّا قَبْلَ إحْرَامِهِ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ نَزْعُهُ إنْ كَانَ يَسِيرًا، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَإِنْ لَمْ يَتَرَاخَ فِي نَزْعِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَجِبُ لِلضَّرُورَةِ] : أَيْ لِأَنَّنَا مَأْمُورُونَ بِالْقُرْبِ مِنْ الْكَعْبَةِ وَهِيَ لَا تَخْلُو مِنْ الطِّيبِ غَالِبًا، وَلِذَلِكَ نَهَى مَالِكٌ عَنْ تَخْلِيقِهَا أَيَّامَ الْحَجِّ، وَيُقَامُ الْعَطَّارُونَ نَدْبًا فِيهَا مِنْ الْمَسْعَى. قَوْلُهُ: [وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ نَزْعِهِ] إلَخْ: قَالَ فِي الْأَصْلِ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ قَالَ النَّصُّ فِي خَلُوقِ الْكَعْبَة التَّخْيِيرُ فِي نَزْعِ يَسِيرِهِ، وَأَمَّا الْكَثِيرُ فَيُؤْمَرُ بِنَزْعِهِ اسْتِحْبَابًا (اهـ) . [فدية الظفر وَالشَّعْرَة وَالْقَمْلَة وَنَحْوهَا] قَوْلُهُ: [وَفِي قَلْمِ الظُّفْرِ الْوَاحِدِ] : حَاصِلُهُ أَنَّ لِلظُّفْرِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: قَلْمُ الْمُنْكَسِرِ لَا شَيْءَ فِيهِ اتَّحَدَ أَوْ تَعَدَّدَ، قَلْمُهُ لَا لِإِمَاطَةِ الْأَذَى حَفْنَةٌ إنْ اتَّحَدَ وَإِلَّا

مِنْ طَعَامٍ إلَّا إذَا انْكَسَرَ، فَأَزَالَ مِنْهُ مَا بِهِ الْأَلَمُ فَلَا شَيْءَ فِيهِ. (وَ) فِي إزَالَةِ (الشَّعْرَةِ وَالشَّعَرَاتِ لِعَشْرَةٍ) لِغَيْرِ إمَاطَةِ الْأَذَى حَفْنَةٌ. (وَ) فِي قَتْلِ (الْقَمْلَةِ وَالْقَمَلَاتِ كَذَلِكَ) أَيْ إلَى الْعَشَرَةِ، (وَ) فِي (طَرْحِهَا) أَيْ الْقَمَلَاتِ بِالْأَرْضِ بِلَا قَتْلٍ (لَا لِإِمَاطَةِ الْأَذَى) : رَاجِعٌ لِلظُّفْرِ وَمَا بَعْدَهُ كَمَا قَدَّرْنَاهُ فِيمَا قَبْلَهُ (حَفْنَةٌ) مِنْ طَعَامٍ يُعْطِيهَا لِفَقِيرٍ. وَهَذَا مُبْتَدَأٌ، خَبَرُهُ: الْجَارُ وَالْمَجْرُورُ قَبْلَهُ، أَيْ قَوْلُهُ " وَفِي الظُّفْرِ " إلَخْ. (وَإِلَّا) بِأَنْ قَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ ظُفْرٍ مُطْلَقًا أَوْ قَلَّمَ وَاحِدًا فَقَطْ لِإِمَاطَةِ الْأَذَى، أَوْ أَزَالَ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ شَعَرَاتٍ مُطْلَقًا، أَوْ قَتَلَ أَوْ طَرَحَ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ قَمَلَاتٍ مُطْلَقًا لِإِمَاطَةِ الْأَذَى أَوْ لَا (فَفِدْيَةٌ) تَلْزَمُهُ. (لَا طَرْحَ كَعَلَقَةٍ وَبُرْغُوثٍ) مِنْ كُلِّ مَا يَعِيشُ بِالْأَرْضِ كَدُودٍ وَنَمْلٍ وَبَعُوضٍ وَقُرَادٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ إذَا لَمْ يَقْتُلْهُ؛ إلَّا إزَالَةَ الْقُرَادِ، وَالْحَلَمِ عَنْ بَعِيرِهِ فَفِيهِ الْحَفْنَةُ وَلَوْ كَثُرَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. (كَدُخُولِ حَمَّامٍ) لَا شَيْءَ فِيهِ وَلَوْ طَالَ مُكْثُهُ فِيهِ حَتَّى عَرِقَ خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَفِدْيَةٌ، قَلْمُهُ لِإِمَاطَةِ الْأَذَى فَفِدْيَةٌ مُطْلَقًا، وَالْمَوْضُوعُ ظُفْرُ نَفْسِهِ، وَأَمَّا لَوْ قَلَّمَ ظُفْرَ غَيْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَلْمِ ظُفْرِ الْحَلَالِ، فَإِنْ قَلَّمَ ظُفْرَ مُحْرِمٌ مِثْلُهُ فَإِنْ كَانَ بِرِضَا الْمَفْعُولِ بِهِ فَالْفِدْيَةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا فَعَلَى الْمُكْرِهِ بِالْكَسْرِ. قَوْلُهُ: [رَاجِعٌ لِلظُّفْرِ وَمَا بَعْدَهُ] : قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ لَيْسَ فِي الْقَمْلَةِ وَالْقَمَلَاتِ إلَّا حَفْنَةٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ لِغَيْرِ إمَاطَةِ الْأَذَى أَوْ لِإِمَاطَتِهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَا يُعْلَمُ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ فِي قَمْلَةٍ أَوْ قَمَلَاتٍ (اهـ. بْن) ، وَمُرَادُهُ بِالْقَمَلَاتِ مَا لَمْ يَبْلُغْ الِاثْنَيْ عَشَرَ، فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ الْفِدْيَةِ فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ فَمَا فَوْقَ مُطْلَقًا فَمُرَادُ شَارِحِنَا بِالزَّائِدِ عَنْ الْعَشَرَةِ بِأَنْ كَانَ اثْنَيْ عَشَرَ فَأَكْثَرَ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الشَّعْرِ فَمُسَلَّمٌ لَا نِزَاعَ فِيهِ. قَوْلُهُ: [إلَّا إزَالَةَ الْقُرَادِ وَالْحَلَمِ] إلَخْ: قَيَّدَهُ الْبِسَاطِيُّ بِمَا إذَا لَمْ يَقْتُلْهُ وَإِلَّا فَالْفِدْيَةُ إنْ كَثُرَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْحَفْنَةُ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ] : أَيْ فَإِنَّهُ قَالَ: مَتَى دَخَلَ الْحَمَّامَ وَجَلَسَ فِيهِ حَتَّى عَرِقَ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ. وَلَكِنْ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى دَاخِلِهِ إذَا دَلَكَ وَأَزَالَ الْوَسَخَ.

[ضابط ما فيه الفدية]

(إلَّا أَنْ يُنَقِّيَ) أَيْ يُزِيلَ عَنْ جَسَدِهِ (الْوَسَخَ) بِدَلْكٍ وَنَحْوِهِ فَالْفِدْيَةُ. ثُمَّ بَيَّنَ ضَابِطَ مَا فِيهِ الْفِدْيَةُ فَقَالَ: (وَالْفِدْيَةُ) وَأَنْوَاعُهَا ثَلَاثَةٌ عَلَى التَّخْيِيرِ كَمَا يَأْتِي؛ بَيْنَهَا جَلَّ وَعَلَا بِقَوْلِهِ: {مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] كَائِنَةٌ وَمُنْحَصِرَةٌ (فِيمَا) : أَيْ فِي كُلِّ شَيْءٍ (يُتَرَفَّهُ) : أَيْ يُتَنَعَّمُ (بِهِ) . (أَوْ) فِيمَا (يُزَالُ بِهِ) عَنْ النَّفْسِ (أَذًى) : أَيْ ضَرُورَةً (مِمَّا حَرُمَ) عَلَى الْمُحْرِمِ (لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ كَحِنَّاءٍ وَكُحْلٍ) فَيَحْرُمَانِ عَلَى الْمُحْرِمِ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَقَدْ يَتَرَفَّهُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ يُزَالُ بِهِمَا ضَرَرٌ، (وَ) كَجَمِيعِ (مَا مَرَّ) ذَكَرَهُ مِنْ أَوَّلِ الْفَصْلِ إلَى هُنَا مِنْ سَتْرِ الْمَرْأَةِ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا بِمُحِيطٍ إلَخْ. (إلَّا فِي تَقْلِيدِ سَيْفٍ، أَوْ) مَسِّ (طِيبٍ) مُؤَنَّثٍ (ذَهَبَ رِيحُهُ) : فَلَا فِدْيَةَ فِيهِمَا، (وَإِنْ حَرُمَ) كُلٌّ مِنْهُمَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ رِيحُهُ فَفِيهِ الْفِدْيَةُ كَمَا تَقَدَّمَ. ثُمَّ الْأَصْلُ تَعَدُّدُ الْفِدْيَةِ بِتَعَدُّدِ مُوجِبِهَا إلَّا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ أَشَارَ لِأَوَّلِهَا بِقَوْلِ: (وَاتَّحَدَتْ) الْفِدْيَةُ (إنْ تَعَدَّدَ مُوجِبُهَا) بِكَسْرِ الْجِيمِ، أَيْ سَبَبُهَا (بِفَوْرٍ) : كَأَنْ يَمَسَّ الطِّيبَ، وَيَلْبَسَ ثَوْبَهُ وَيُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ وَيَحْلِقَ رَأْسَهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِلَا تَرَاخٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [ضَابِط مَا فِيهِ الْفِدْيَة] قَوْلُهُ: [عَلَى التَّخْيِيرِ] : أَيْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظْمِ الْأُجْهُورِيِّ فِي قَوْلِهِ: كَمَا خَيَّرُوا فِي الصَّوْمِ وَالصَّيْدِ وَالْأَذَى فَأَوْ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ لِلتَّخْيِيرِ. قَوْلُهُ: [كَائِنَةٌ وَمُنْحَصِرَةٌ] : أَيْ مِنْ حَصْرِ الْمُسَبِّبِ فِي السَّبَبِ. قَوْلُهُ: [وَقَدْ يَتَرَفَّهُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا] : أَيْ كَفِعْلِهِمَا لِلزِّينَةِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ يُزَالُ بِهِمَا ضَرَرٌ أَيْ كَالتَّدَاوِي بِكُلٍّ. [تعدد الْفِدْيَة بِتَعَدُّد مُوجِبهَا] قَوْلُهُ: [إلَّا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ] : أَيْ فَإِنَّ الْفِدْيَةَ فِيهَا تَتَّحِدُ وَإِنْ تَعَدَّدَ مُوجِبُهَا. قَوْلُهُ: [بِلَا تَرَاخٍ] : أَيْ فَالْمُرَادُ بِالْفَوْرِ حَقِيقَتُهُ وَهَذَا مَا يُفِيدُهُ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَقَرَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ التَّتَّائِيُّ مِنْ أَنَّ

فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْجَمِيعِ. وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَفْعَلُهُ مَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى إدَامَةِ التَّجَرُّدِ فَيَنْوِي الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ، ثُمَّ يَلْبَسُ قُمْصَانَهُ وَعِمَامَتَهُ وَسَرَاوِيلَهُ بِفَوْرٍ، فَإِنْ تَرَاخَى تَعَدَّدَتْ. وَأَشَارَ لِثَانِيهَا بِقَوْلِ: (أَوْ) تَرَاخَى مَا بَيْنَ الْمُوجِبَاتِ، لَكِنْ (نَوَى) عِنْدَ فِعْلِ الْأَوَّلِ (التَّكْرَارَ) : كَأَنْ يَنْوِيَ فِعْلَ كُلَّ مَا احْتَاجَ لَهُ مِنْ مُوجِبَاتِ الْكَفَّارَةِ، أَوْ مُتَعَدِّدًا مُعَيَّنًا فَفَعَلَ فِي الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَلِثَالِثِهَا بِقَوْلِ: (أَوْ) لَمْ يَنْوِ التَّكْرَارَ، وَلَكِنْ (قَدَّمَ) فِي الْفِعْلِ (مَا نَفْعُهُ أَعَمُّ؛ كَثَوْبٍ) قَدَّمَهُ فِي اللُّبْسِ (عَلَى سَرَاوِيلَ) ، أَوْ غِلَالَةٍ أَوْ حِزَامٍ فَتَتَّحِدُ؛ بِخِلَافِ الْعَكْسِ. وَهَذَا (مَا لَمْ يُخْرِجْ لِلْأَوَّلِ) كَفَّارَتَهُ (قَبْلَ) فِعْلِ (الثَّانِي) وَإِلَّا أَخْرَجَ لِلثَّانِي أَيْضًا. وَأَشَارَ لِلرَّابِعِ بِقَوْلِ: (أَوْ ظَنَّ) الَّذِي ارْتَكَبَ مُوجِبَاتٍ مُتَعَدِّدَةً (الْإِبَاحَةَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيَوْمَ فَوْرٌ وَأَنَّ التَّرَاخِيَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لَا أَقَلُّ. قَوْلُهُ: [فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ] : أَيْ لَوْ اخْتَلَفَ الْمُوجِبُ كَاللُّبْسِ مَعَ الطِّيبِ وَالتَّدَاوِي لِقُرُوحٍ مَثَلًا، وَنِيَّةُ التَّكْرَارِ تَصْدُقُ بِثَلَاثِ صُوَرٍ: أَنْ يَنْوِيَ فِعْلَ كُلِّ مَا أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ فَيَفْعَلُ الْجَمِيعَ أَوْ بَعْضًا مِنْهُ، أَوْ يَنْوِيَ فِعْلَ كُلِّ مَا احْتَاجَ إلَيْهِ مِنْهَا، أَوْ يَنْوِيَ مُتَعَدِّدًا مُعَيَّنًا فَفِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [مَا نَفْعُهُ أَعَمُّ] : أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْخَاصِّ الَّذِي أَخَّرَهُ زِيَادَةُ نَفْعٍ عَلَى الْعَامِّ كَمَا إذَا أَطَالَ السَّرَاوِيلَ طُولًا لَهُ بَالٌ يَحْصُلُ بِهِ انْتِفَاعٌ أَوْ دَفْعُ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ فَتَتَعَدَّدُ. قَوْلُهُ: [أَوْ غِلَالَةٍ] : وَالْمُرَادُ بِهِ الصَّدِيرِيّ الْمَعْلُومُ قَالَ الشَّاعِرُ: لَا تَعْجَبُوا مِنْ بَلْيِ غِلَالَتِهِ ... قَدْ زَرَّرَ أَزْرَارَهُ عَلَى الْقَمَرِ قَوْلُهُ: [هَذَا مَا لَمْ يَخْرُجْ لِلْأَوَّلِ] إلَخْ: هَذَا التَّقْيِيدُ رَاجِحٌ لِمَا إذَا نَوَى لِلتَّكْرَارِ، وَتَرَاخَى مَا بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ كَمَا قَيَّدَ بِهِ فِي الْأَصْلِ، وَقَيَّدَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ أَيْضًا وَلَا يَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ لِتَقْدِيمِ الْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ، فَإِنَّ الْأَخَصَّ لَا شَيْءَ فِيهِ مُطْلَقًا فَالْمُنَاسِبُ لِلْمُصَنِّفِ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ.

لَهَا أَيْ ظَنَّ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ فِعْلُهَا فَفَعَلَهَا، لَكِنْ لَا مُطْلَقًا - كَمَا يَتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ - بَلْ (بِظَنِّ) : أَيْ بِسَبَبِ ظَنِّ (خُرُوجِهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْإِحْرَامِ؛ كَمَنْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ أَوْ لِلْعُمْرَةِ بِلَا وُضُوءٍ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مُتَوَضِّئٌ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ بِالسَّعْيِ بَعْدَهُمَا فِي اعْتِقَادِهِ فِعْلَ مُوجِبَاتِ الْكَفَّارَةِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ فَسَادَهُمَا وَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ؛ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَكَذَا مَنْ رَفَضَ حَجَّهُ أَوْ عُمْرَتَهُ أَوْ أَفْسَدَهُمَا بِوَطْءٍ فَظَنَّ خُرُوجَهُ مِنْهُ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إتْمَامُ الْمُفْسَدِ أَوْ الْمَرْفُوضِ فَارْتَكَبَ مُوجِبَاتٍ مُتَعَدِّدَةً، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ فَقَطْ. وَأَمَّا مُحْرِمٌ جَاهِلٌ ظَنَّ إبَاحَةَ أَشْيَاءَ تَحْرُمُ بِالْإِحْرَامِ فَفَعَلَهَا - إلَّا فِي فَوْرٍ - فَعَلَيْهِ لِكُلٍّ فِدْيَةٌ وَلَا يَنْفَعُهُ جَهْلُهُ. وَكَذَا مَنْ عَلِمَ الْحُرْمَةَ وَظَنَّ أَنَّ الْمُوجِبَاتِ تَتَدَاخَلُ وَأَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا فِدْيَةٌ فَقَطْ لِمُوجِبَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ لَمْ يَنْفَعْهُ ظَنُّهُ. (وَشَرْطُهَا) : أَيْ الْكَفَّارَةِ - أَيْ شَرْطُ وُجُوبِهَا - (فِي اللُّبْسِ) لِثَوْبٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَمَا يَتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ] : أَيْ فَيَتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ أَنَّ ظَنَّ الْإِبَاحَةِ نَافِعٌ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَفْرُوضٌ فِيمَا مَثَّلَ بِهِ شَارِحُنَا. قَوْلُهُ: [فِعْلَ مُوجِبَاتِ الْكَفَّارَةِ] : أَيْ الْفِدْيَةِ أَيْ فِعْلِ أُمُورٍ مُتَعَدِّدَةٍ كُلٍّ مِنْهَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ بِنَفْسِهِ، كَلُبْسِ مُحِيطٍ وَدَهْنٍ بِمُطَيَّبٍ، وَتَقْلِيمِ أَظْفَارٍ وَحَلْقِ شَعْرٍ كَثِيرٍ لَكِنْ اُعْتُرِضَ تَمْثِيلُهُ بِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ، فَإِنَّهُ فِي فَسَادِ الْإِفَاضَةِ يَرْجِعُ حَلَالًا يَفْعَلُ كُلَّ مَا يَفْعَلُهُ الْحَلَالُ إلَّا النِّسَاءَ وَالصَّيْدَ، فَإِذَا فَعَلَ غَيْرَهُمَا فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ اتَّحَدَ أَوْ تَعَدَّدَ. وَأُجِيبُ بِحَمْلِ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى مَا إذَا خَالَفَ الْوَاجِبَ وَطَافَ لِلْإِفَاضَةِ قَبْلَ الرَّمْيِ، وَكَانَ طَوَافُهُ بِغَيْرِ وُضُوءٍ مُعْتَقِدًا الطَّهَارَةَ، ثُمَّ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ فَعَلَ أُمُورًا كُلٌّ مِنْهَا يُوجِبُ الْفِدْيَةِ. قَوْلُ: [فَارْتَكَبَ مُوجِبَاتِ] إلَخْ: أَيْ ظَانًّا إبَاحَةَ فِعْلِهَا، أَوْ مُعْتَقِدًا ذَلِكَ. وَأَمَّا الشَّكُّ فِي الْإِبَاحَةِ فَلَا يَنْفِي التَّعَدُّدَ، وَيَتَأَتَّى لَهُ الشَّكُّ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ، وَأَمَّا هُوَ فَلَا يَتَأَتَّى لَهُ شَكٌّ فِي الْإِبَاحَةِ بَلْ يَعْتَقِدُهَا أَوْ يَظُنُّهَا.

[شرط وجوب الكفارة]

(الِانْتِفَاعُ) بِمَا لَبِسَهُ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ بِأَنْ يَلْبَسَهُ مُدَّةً هِيَ مَظِنَّةٌ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ (لَا إنْ نَزَعَهُ بِقُرْبٍ) فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ. وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَى مَنْ لَبَسَهُ فِي صَلَاةٍ وَلَوْ رُبَاعِيَّةً إذَا لَمْ يُطَوِّلْ فِيهَا، وَإِلَّا فَالْفِدْيَةُ. وَأَمَّا غَيْرُ اللُّبْسِ كَالطِّيبِ فَالْفِدْيَةُ بِمُجَرَّدِهِ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا مُنْتَفِعًا بِهِ. (وَهِيَ) أَيْ الْفِدْيَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: الْأَوَّلُ (شَاةٌ) مِنْ ضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ (فَأَعْلَى) لَحْمًا وَفَضْلًا مِنْ بَقَرٍ وَإِبِلٍ كَالْهَدَايَا، وَقِيلَ: الشَّاةُ أَفْضَلُ، فَالْبَقَرُ، فَالْإِبِلُ كَالضَّحَايَا، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا مِنْ السِّنِّ وَغَيْرِهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْهَدْيِ وَالضَّحِيَّةِ. وَالثَّانِي ذَكَرَ بِقَوْلِهِ: (أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ) : مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْمَحِلِّ الَّذِي أَخْرَجَهَا فِيهِ (لِكُلٍّ) أَيْ لِكُلِّ مِسْكِينٍ (مُدَّانِ) بِمُدِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQ [شَرْط وُجُوب الْكَفَّارَة] قَوْلُهُ: [الِانْتِفَاعُ] : أَيْ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ الْعَامَّةِ لَا بِاعْتِبَارِ عَادَةِ بَعْضِ الْأَشْخَاصِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ] إلَخْ: أَيْ مِنْ قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا خَلِيلٌ، وَفِي (ح) عَنْ سَنَدٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: فَرَأَى مَرَّةً حُصُولَ الْمَنْفَعَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَنَظَرَ مَرَّةً إلَى التَّرَفُّهِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالطُّولِ. قَالَ (ح) : وَهَذَا هُوَ التَّوْجِيهُ الظَّاهِرُ لَا مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ هَلْ تُعَدُّ طُولًا أَوْ لَا، وَتَبِعَهُ التَّتَّائِيُّ وَالْمَوَّاقُ وَغَيْرُهُمَا، إذْ لَيْسَتْ الصَّلَاةُ بِطُولٍ لِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الطُّولَ كَالْيَوْمِ كَمَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ وَغَيْرِهِمَا، وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ جَارِيَانِ سَوَاءٌ طَوَّلَ فِي الصَّلَاةِ أَمْ لَا، خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ شَارِحُنَا تَبَعًا لعب وَالْخَرَشِيِّ اُنْظُرْ (بْن) . [أَنْوَاع الْفِدْيَة] قَوْلُهُ: [وَهِيَ أَيْ الْفِدْيَةُ] إلَخْ: أَيْ الْوَاجِبَةُ لِإِلْقَاءِ التَّفَثِ وَطَلَبِ الرَّفَاهِيَةِ. قَوْلُهُ: [فَأَعْلَى لَحْمًا وَفَضْلًا] : هَذَا هُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي مَنَاسِكِهِ كَمَا فِي (ح) قَوْلُهُ: [وَقِيلَ الشَّاةُ أَفْضَلُ] إلَخْ: هَذَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْخَرَشِيُّ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ: [وَيُشْتَرَطُ فِيهَا مِنْ السِّنِّ] إلَخْ: أَيْ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا ذَبْحُهَا بِنِيَّةِ الْفِدْيَةِ فَلَا يَكْفِي إخْرَاجُهَا غَيْرَ مَذْبُوحَةٍ أَوْ مَذْبُوحَةً بِغَيْرِ نِيَّةِ الْفِدْيَةِ.

[لا تختص الفدية بأنواعها بزمان أو مكان]

فَالْجُمْلَةُ ثَلَاثَةُ آصُعَ. وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ: (أَوْ صِيَامُ ثَلَاثِهِ أَيَّامٍ) مُطْلَقًا (وَلَوْ أَيَّامَ مِنًى) أَيْ ثَانِي يَوْمِ النَّحْرِ وَتَالِيَيْهِ، وَقِيلَ: يُمْنَعُ فِيهَا. (وَلَا تَخْتَصُّ) الْفِدْيَةُ بِأَنْوَاعِهَا الثَّلَاثَةِ (بِمَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ) ، فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهَا لِبَلَدِهِ أَوْ غَيْرِهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ، بِخِلَافِ الْهَدْيِ فَإِنَّ مَحِلَّهُ مِنًى أَوْ مَكَّةَ عَلَى مَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَ) حَرُمَ عَلَيْهِمَا (الْجِمَاعُ) وَالْإِنْزَالُ (وَمُقَدِّمَاتُهُ) وَلَوْ عَلِمَ السَّلَامَةَ مِنْ مَنِيٍّ وَمَذْيٍ. (وَأَفْسَدَ) الْجِمَاعُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ (مُطْلَقًا) أَنْزَلَ أَمْ لَا، عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا، فِي آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، بَالِغًا أَمْ لَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَالْجُمْلَةُ ثَلَاثَةُ آصُعَ] : أَيْ وَكُلُّ صَاعٍ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، وَأَجْزَأَ غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ لِكُلِّ مِسْكِينٍ حَيْثُ بَلَغَ الْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ الْمُدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّانِ أَفْضَلَ، وَمِثْلُ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ الْغَدَاءَانِ وَالْعَشَاءَانِ. [لَا تَخْتَصّ الْفِدْيَة بِأَنْوَاعِهَا بِزَمَان أَوْ مَكَان] قَوْلُهُ: [فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ] : أَيْ فَيَجُوزُ الصَّوْمُ أَوْ الْإِطْعَامُ أَوْ الذَّبْحُ فِي أَيِّ مَكَان أَوْ زَمَانٍ شَاءَ فَلَا تَخْتَصُّ بِزَمَانٍ كَأَيَّامِ مِنًى، وَلَا بِمَكَانٍ كَمَكَّةَ أَوْ مِنًى، بِخِلَافِ الْهَدْيِ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِمَا، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالذِّبْحِ بِكَسْرِ الذَّالِ بِمَعْنَى الْمَذْبُوحِ الْهَدْيَ، بِأَنْ يُقَلِّدَهُ أَوْ يُشْعِرَهُ فِيمَا يُقَلَّدُ أَوْ يُشْعَرُ، بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ كَافٍ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ تَقْلِيدٌ وَلَا إشْعَارٌ، فَيَخْتَصُّ بِمِنًى إنْ وَقَفَ بِهِ بِعَرَفَةَ، وَإِلَّا فَمَكَّةُ وَالْجَمْعُ فِيهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَتَرْتِيبُهُ بِأَنْ لَا يَنْتَقِلَ لِلصَّوْمِ أَوْ الْإِطْعَامِ إلَّا بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ الذَّبْحِ، وَأَفْضَلِيَّةُ الْأَكْثَرِ لَحْمًا كَذَا فِي الْأَصْلِ. [مَا يحرم مِنْ الْجِمَاع وَمُقَدَّمَاته] قَوْلُهُ: [لَوْ عَلِمَ السَّلَامَةَ] : الَّذِي اسْتَظْهَرَهُ الْأُجْهُورِيُّ كَرَاهَةَ الْمُقَدِّمَاتِ إذَا عَلِمْت السَّلَامَةَ كَالصَّوْمِ، لَكِنْ يُقَيَّدُ بِمَا إذَا قُلْت. قَوْلُهُ: [مُطْلَقًا] : أَيْ حَيْثُ أَوْجَبَ الْغُسْلَ. فَخَرَجَ جِمَاعُ الصَّبِيِّ أَوْ الْبَالِغِ فِي غَيْرِ مُطِيقَةٍ أَوْ فِي هَوَى الْفَرْجِ، أَوْ مَعَ لَفٍّ مِنْ خِرْقَةٍ كَثِيفَةٍ عَلَى الذَّكَرِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ فَلَا فَسَادَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَقَوْلُ الْأَصْلِ: بَالِغًا أَمْ لَا، تَبِعَ فِيهِ (عب)

(كَاسْتِدْعَاءِ مَنِيٍّ) كَمَا يَأْتِي: أَيْ أَنَّ إنْزَالَ الْمَنِيِّ مُفْسِدٌ مُطْلَقًا (وَإِنْ) اسْتَدْعَاهُ (بِنَظَرٍ أَوْ فِكْرٍ) مُسْتَدِيمَيْنِ لَا بِمُجَرَّدِهِمَا، بِخِلَافِ الْإِنْزَالِ بِغَيْرِهِمَا فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِدَامَةُ. وَمَحِلُّ إفْسَادِ الْجِمَاعِ أَوْ الْإِنْزَالِ (إنْ وَقَعَ) مَا ذُكِرَ بَعْدَ إحْرَامِهِ (قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ) الصَّادِقِ ذَلِكَ بِيَوْمِ عَرَفَةَ وَلَيْلَتِهَا إلَى طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ. (أَوْ) وَقَعَ (فِيهِ) : أَيْ فِي يَوْمِ النَّحْرِ (قَبْلَ رَمْيِ) جِمَارِ (عَقَبَةٍ، وَ) طَوَافِ (إفَاضَةٍ) . (أَوْ) وَقَعَ الْجِمَاعُ أَوْ الْإِنْزَالُ فِي إحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ (قَبْلَ تَمَامِ سَعْيِ الْعُمْرَةِ) . (وَإِلَّا) بِأَنْ وَقَعَ مَا ذَكَرَ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ قَبْلَهُمَا أَوْ بَعْدَ أَحَدِهِمَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ، أَوْ بَعْدَ تَمَامِ سَعْيِ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْحَلْقِ، (فَهَدْيٌ) يَلْزَمُهُ وَلَا فَسَادَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ غَيْرُ صَوَابٍ، بَلْ لَا يُفْسِدُهُ إلَّا الْجِمَاعَ الْمُوجِبَ لِلْغُسْلِ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [كَاسْتِدْعَاءِ مَنِيٍّ] : تَشْبِيهٌ فِي قَوْلِهِ: (وَأَفْسَدَ) : أَيْ كَمَا يَفْسُدُ الْحَجُّ بِالْجِمَاعِ، يَفْسُدُ بِاسْتِدْعَاءِ الْمَنِيِّ إلَخْ، كَانَ الِاسْتِدْعَاءُ الْمَذْكُورُ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا لِلْإِحْرَامِ. قَوْلُهُ: [لَا بِمُجَرَّدِهِمَا] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا اسْتَدْعَاهُ بِالْفِكْرِ أَوْ النَّظَرِ فَحَصَلَ وَلَمْ يَدُمْ الِاسْتِدْعَاءُ أَهْدَى وَلَا فَسَادَ، وَأَمَّا إنْ اسْتَدْعَاهُ بِغَيْرِهِمَا كَقُبْلَةٍ وَجَسٍّ وَمُلَاعَبَةٍ فَحَصَلَ فَالْفَسَادُ، وَإِنْ لَمْ يَدُمْ الِاسْتِدْعَاءُ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [إنْ وَقَعَ مَا ذُكِرَ بَعْدَ إحْرَامِهِ] : أَيْ سَوَاءٌ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ أَوْ لَا، بَلْ لَوْ وَقَعَ مَقْرُونًا بِالْإِحْرَامِ يَكُونُ فَاسِدًا، وَيَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ. قَوْلُهُ: [وَقَبْلَ الْحَلْقِ فَهَدْيٌ يَلْزَمُهُ] : أَيْ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَعَ الْهَدْيِ عُمْرَةٌ يَأْتِي بِهَا بَعْدَ أَيَّامِ مِنًى، إنْ وَقَعَ الْوَطْءُ قَبْلَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، وَهُوَ صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ: وُقُوعُهُ قَبْلَ الطَّوَافِ أَوْ بَعْدَهُ - وَقَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَإِنَّمَا أُمِرَ بِعُمْرَةٍ لِيَأْتِيَ بِطَوَافٍ لَا ثَلْمَ فِيهِ، وَلِذَا لَوْ وَقَعَ الْوَطْءُ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ وَقَبْلَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَهَدْيٌ فَقَطْ، لِسَلَامَةِ طَوَافِهِ كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [فَهَدْيٌ يَلْزَمُهُ وَلَا فَسَادَ] : أَيْ وَلَوْ قَصَدَ بِهِمَا اللَّذَّةَ.

[وجوب إتمام المفسد إن لم يفته الوقوف]

(كَإِنْزَالٍ بِمُجَرَّدِ نَظَرٍ أَوْ) بِمُجَرَّدِ (فِكْرٍ) مِنْ غَيْرِ اسْتِدَامَةٍ فَهَدْيٌ يَلْزَمُهُ وَلَا فَسَادَ. (وَإِمْذَاؤُهُ) بِلَا إنْزَالٍ (وَقُبْلَةٍ بِفَمٍ) وَإِنْ لَمْ يُمْذِ فَالْهَدْيُ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ قُبْلَةٍ بِخَدٍّ أَوْ غَيْرِهِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُلَامَسَةِ. (وَوَجَبَ) بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (إتْمَامُ الْمُفْسَدِ) مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَيَسْتَمِرُّ عَلَى أَفْعَالِهِ كَالصَّحِيحِ حَتَّى يُتِمَّهُ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْهَدْيُ فِي قَابِلٍ، وَلَا يَتَحَلَّلُ فِي الْحَجِّ بِعُمْرَةٍ لِيُدْرِكَ الْحَجَّ مِنْ عَامِهِ. وَهَذَا (إنْ لَمْ يَفُتْهُ الْوُقُوفُ) بِعَرَفَةَ إمَّا لِوُقُوعِ الْفَسَادِ بَعْدَهُ فِي عَرَفَةَ، أَوْ مُزْدَلِفَةَ، أَوْ مِنًى قَبْلَ الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ، وَإِمَّا لِوُقُوعِهِ قَبْلَهُ وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُهُ مِنْ الْوُقُوفِ. فَإِنْ مَنَعَهُ مِنْهُ مَانِعٌ - مِنْ سِجْنٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ صَدٍّ - حَتَّى فَاتَهُ الْوُقُوفُ، وَجَبَ عَلَيْهِ تَحَلُّلُهُ مِنْهُ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ؛ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَإِلَّا) : بِأَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ (تَحَلَّلَ) مِنْ الْفَاسِدِ (بِعُمْرَةٍ) ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْبَقَاءُ عَلَى إحْرَامِهِ لِلْعَامِ الْقَابِلِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّمَادِي عَلَى فَاسِدٍ مَعَ إمْكَانِ التَّخَلُّصِ مِنْهُ؛ وَقَوْلُهُمْ: " مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ يُنْدَبُ لَهُ التَّحَلُّلُ بِعُمْرَةٍ وَيَجُوزُ لَهُ الْبَقَاءُ لِقَابِلٍ " فِي غَيْرِ مَنْ فَسَدَ حَجُّهُ. (فَإِنَّهُ لَمْ يُتِمَّهُ) أَيْ الْمُفْسَدَ بِجِمَاعٍ أَوْ إنْزَالٍ - سَوَاءٌ ظَنَّ إبَاحَةَ قَطْعِهِ لِفَسَادِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِمْذَائِهِ بِلَا إنْزَالٍ] : أَيْ فَلَيْسَ فِي الْمَذْيِ إلَّا الْهَدْيُ، سَوَاءٌ خَرَجَ ابْتِدَاءً أَوْ مَعَ اسْتِدَامَةٍ وَلَوْ بِقُبْلَةٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ. وَلَا فَسَادَ بِوَجْهٍ فِي الْمَذْيِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، كَمَا قَالَ الشَّيْخُ سَالِمٌ، وَيَشْهَدُ لَهُ عُمُومُ كَلَامِ الْبَاجِيِّ الَّذِي نَقَلَهُ (ح) خِلَافًا لِقَوْلِ بَهْرَامَ: إنَّ مَا يُوجِبُ الْهَدْيَ فِي الْحَجِّ لَا يُوجِبُ فِي الْعُمْرَةِ شَيْئًا لِأَنَّ أَمْرَهَا أَخَفُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَيْسَتْ فَرْضًا قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ وَيَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ النَّقْلِ خِلَافَهُ. قَوْلُهُ: [وَقُبْلَةٌ بِفَمٍ] : أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ لِوَدَاعٍ أَوْ رَحْمَةٍ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ فِيهَا. قَوْلُهُ: [فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ] : أَيْ مَا لَمْ يُمْذِ أَوْ تَكْثُرْ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. [وُجُوب إتْمَام الْمُفْسِد إِن لَمْ يفته الْوُقُوف] قَوْلُهُ: [بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ] : أَيْ خِلَافًا لِدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ. قَوْلُهُ: [إمَّا لِوُقُوعِ الْفَسَادِ] : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ تَنْوِيعٌ فِي عَدَمِ فَوَاتِ الْوُقُوفِ.

أَمْ لَا - (فَهُوَ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ) أَبَدًا مَا عَاشَ. (فَإِنْ أَحْرَمَ) : أَيْ جَدَّدَ إحْرَامًا بَعْدَ حُصُولِ الْفَسَادِ لِظَنِّهِ بُطْلَانَ مَا كَانَ فِيهِ وَاسْتَأْنَفَ غَيْرَهُ (فَلَغْوٌ) : أَيْ فَإِحْرَامُهُ الْمُجَدَّدُ عَدَمٌ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ حَتَّى يُتِمَّهُ فَاسِدًا وَلَوْ أَحْرَمَ فِي ثَانِي عَامٍ يَظُنُّ أَنَّهُ قَضَاءٌ عَنْ الْأَوَّلِ، وَيَكُونُ فِعْلُهُ فِي الْقَابِلِ إتْمَامًا لِلْفَاسِدِ وَلَا يَقَعُ قَضَاؤُهُ إلَّا فِي ثَالِثِ عَامٍ. (وَ) وَجَبَ (قَضَاؤُهُ) : أَيْ الْمُفْسَدُ بَعْدَ إتْمَامِهِ. فَإِنْ كَانَ عُمْرَةً فَفِي أَيِّ وَقْتٍ، وَإِنْ كَانَ حَجًّا فَفِي الْعَامِ الْقَابِلِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُفْسَدُ فَرْضًا أَوْ تَطَوُّعًا. (وَ) وَجَبَ (فَوْرِيَّتُهُ) أَيْ الْقَضَاءِ حَتَّى عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ التَّرَاخِي فِي الْحَجِّ. (وَ) وَجَبَ (قَضَاءُ الْقَضَاءِ) إذَا أُفْسِدَ أَيْضًا. وَلَوْ تَسَلْسَلَ فَيَأْتِي بِحَجَّتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا يَقَعُ قَضَاؤُهُ إلَّا فِي ثَالِثِ عَامٍ] : أَيْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُتِمَّهُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ أُخْرِجَ مِنْهُ بِفَسَادِهِ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْقَضَاءِ فِي سَنَةٍ أُخْرَى، وَقُلْنَا إنَّهُ بَاقٍ عَلَى الْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ مَا أَحْرَمَ بِهِ قَضَاءً، بَلْ مَا فَعَلَهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ تَتْمِيمًا لَهُ وَلَا يَتَأَتَّى لَهُ الْقَضَاءُ إلَّا فِي سَنَةٍ ثَالِثَةٍ، كَمَا قَالَ الشَّارِحُ: إنْ كَانَ الْفَاسِدُ حَجًّا أَوْ فِي مَرَّةٍ ثَالِثَةٍ إنْ كَانَ عُمْرَةً. وَاعْلَمْ أَنَّ حَجَّةَ الْقَضَاءِ تَنُوبُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إذَا كَانَ الْمُفْسَدُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ سَالِمٌ، وَذَكَرَ الْأُجْهُورِيُّ أَنَّ مَنْ أَفْسَدَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ يَجِبُ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا وَقَضَاؤُهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ بَعْدَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْحَجِّ الْفَائِتِ الَّذِي تَحَلَّلَ مِنْهُ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ، فَقَضَاؤُهُ كَافٍ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَاعْتَمَدَ بَعْضُ شُيُوخِنَا مَا قَالَهُ الشَّيْخُ سَالِمٌ. قَوْلُهُ: [وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُفْسَدُ فَرْضًا أَوْ تَطَوُّعًا] : تَعْمِيمٌ فِي وُجُوبِ الْإِتْمَامِ وَالْقَضَاءِ. قَوْلُهُ: [وَوَجَبَ فَوْرِيَّتُهُ] إلَخْ: أَيْ بَعْدَ إتْمَامِ الْمُفْسَدِ إنْ كَانَ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ عَامَ الْفَسَادِ أَوْ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْفَاسِدِ إنْ لَمْ يُدْرِكْ الْوُقُوفَ عَامَهُ. قَوْلُهُ: [وَوَجَبَ قَضَاءُ الْقَضَاءِ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ قَضَاءً عَمَّا أَفْسَدَهُ، ثُمَّ أَفْسَدَ الْقَضَاءَ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ حَجَّتَيْنِ،

إحْدَاهُمَا قَضَاءٌ عَنْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ قَضَاءٌ عَنْ الثَّانِيَةِ، وَعَلَيْهِ هَدْيَانِ. (وَ) وَجَبَ (هَدْيٌ لَهُ) أَيْ الْفَسَادِ. (وَ) وَجَبَ (تَأْخِيرُهُ لِلْقَضَاءِ) وَلَا يُقَدِّمُهُ فِي عَامِ الْفَسَادِ. (وَأَجْزَأَ إنْ قَدَّمَ فِي عَامِ الْفَسَادِ وَاتَّحَدَ) هَدْيُ الْفَسَادِ (وَإِنْ تَكَرَّرَ مُوجِبُهُ) مِنْ الْجِمَاعِ أَوْ الِاسْتِمْنَاءِ (بِنِسَاءٍ) ، وَلَا يَكُونُ تَعَدُّدُ الْجِمَاعِ أَوْ النِّسَاءِ مُوجِبًا لَتُعَدِّدهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإحْدَاهُمَا عَنْ الْأَصْلِ، وَالْأُخْرَى عَنْ الْقَضَاءِ الَّذِي أَفْسَدَهُ، لِأَنَّهُ أَفْسَدَ حَجَّهُ أَوَّلًا وَثَانِيًا، بِخِلَافِ قَضَاءِ الْقَضَاءِ فِي الصَّوْمِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ، قَالَ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالصَّوْمِ أَنَّ الْحَجَّ كُلْفَتُهُ شَدِيدَةٌ فَشَدَّدَ فِيهِ بِقَضَاءِ الْقَضَاءِ، سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ لِئَلَّا يُتَهَاوَنَ فِيهِ، وَأَمَّا مَنْ أَفْسَدَ قَضَاءَ صَلَاةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ قَوْلًا وَاحِدًا، وَهَلْ لَهُ تَقْدِيمُ الْقَضَاءِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ أَمْ لَا؟ وَكَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَعَلَيْهِ هَدْيَانِ] : أَيْ لِكُلِّ فَاسِدٍ هَدْيٌ، وَلَكِنْ يَجِبُ تَأْخِيرُ كُلٍّ لِلْقَضَاءِ وَأَجْزَأَ لَهُ إنْ قَدَّمَ عَامَ الْفَسَادِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَكُونُ تَعَدَّدَ الْجِمَاعُ] إلَخْ: أَيْ بِخِلَافِ الصَّيْدِ وَالْفِدْيَةِ فِي غَيْرِ مَسَائِلِ اتِّحَادِهَا، فَيَتَعَدَّدُ كُلٌّ بِتَعَدُّدِ مُوجِبِهِ. تَنْبِيهٌ: يَجِبُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ هَدَايَا إنْ أَفْسَدَ إحْرَامَهُ قَارِنًا ثُمَّ فَاتَهُ، وَأَوْلَى إنْ فَاتَهُ ثُمَّ أَفْسَدَهُ، وَعَلَى كُلٍّ قَضَاهُ قَارِنًا: هَدْيٌ لِلْفَسَادِ، وَهَدْيٌ لِلْفَوَاتِ، وَهَدْيٌ لِلْقِرَانِ الْقَضَاءِ. وَيَسْقُطُ هَدْيُ الْقِرَانِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ. مَسْأَلَةٌ: يَجِبُ عَلَيْهِ إحْجَاجُ مُكْرَهَتِهِ وَإِنْ طَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ وَيُجْبَرُ الزَّوْجُ الثَّانِي عَلَى الْإِذْنِ لَهَا وَوَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَحُجَّ إنْ عُدِمَ، وَرَجَعَتْ عَلَيْهِ إنْ أَيْسَرَ بِالْأَقَلِّ مِنْ كِرَاءِ الْمِثْلِ، وَمِمَّا اكْتَرَتْ بِهِ إنْ اكْتَرَتْ، أَوْ بِالْأَقَلِّ مِمَّا أَنْفَقَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا، وَمِنْ نَفَقَةِ مِثْلِهَا فِي السَّفَرِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ السَّرَفِ إنْ لَمْ تَكْتَرِ، وَفِي الْفِدْيَةِ بِالْأَقَلِّ مِنْ النُّسُكِ، وَكَيْلِ الطَّعَامِ أَوْ ثَمَنِهِ وَفِي الْهَدْيِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ ثَمَنِهِ إنْ اشْتَرَتْهُ، وَإِنْ صَامَتْ لَمْ تَرْجِعْ بِشَيْءٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ مُفَارَقَةُ مَنْ أَفْسَدَ مَعَهَا مِنْ حِينِ إحْرَامِهِ بِالْقَضَاءِ لِتَحَلُّلِهِ خَوْفًا مِنْ عَوْدِهِ لِمِثْلِ مَا مَضَى، وَلَا يُرَاعِي فِي الْقَضَاءِ زَمَنَ إحْرَامِهِ بِالْمُفْسَدِ، فَلِمَنْ أَحْرَمَ فِي الْمُفْسَدِ مِنْ شَوَّالٍ أَنْ يُحْرِمَ بِالْقَضَاءِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ،

[قضاء المفسد]

(وَأَجْزَأَ تَمَتُّعٌ) قَضَاءً (عَنْ إفْرَادٍ) فَسَدَ، (وَعَكْسُهُ) ؛ وَهُوَ إفْرَادٌ عَنْ تَمَتُّعٍ: أَيْ عَنْ الْحَجِّ الَّذِي قَدِمَ عَلَيْهِ فِي أَشْهُرِهِ عُمْرَةٌ (لَا قِرَانٌ) فَلَا يُجْزِئُ (عَنْ إفْرَادٍ أَوْ تَمَتُّعٍ) . (وَلَا) يُجْزِئُ (عَكْسُهُ) وَهُوَ إفْرَادٌ وَتَمَتُّعٌ عَنْ قِرَانٍ. (وَحَرُمَ بِهِ) : أَيْ بِالْإِحْرَامِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْحَرَمِ (وَ) حَرُمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ، إنْ شَرَعَ فَإِنَّهُ يُرَاعَى فَمَنْ أَحْرَمَ بِالْمُفْسَدِ مِنْ الْجُحْفَةِ مَثَلًا تَعَيَّنَ إحْرَامُهُ بِالْقَضَاءِ مِنْهَا. بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَشْرَعْ بِأَنْ أَحْرَمَ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الْمَوَاقِيتِ فَلَا يَجِبُ الْإِحْرَامُ فِي الْقَضَاءِ إلَّا مِنْهَا، فَإِنْ تَعَدَّى الْمِيقَاتَ الْمَشْرُوعَ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ أَوْ لَا فَدَمٌ، وَلَوْ تَعَدَّاهُ بِوَجْهٍ جَائِزٍ كَمَا لَوْ اسْتَمَرَّ بَعْدَ الْفَسَادِ بِمَكَّةَ إلَى قَابِلٍ، وَأَحْرَمَ بِالْقَضَاءِ مِنْهَا، وَأَمَّا لَوْ تَعَدَّاهُ فِي عَامِ الْفَسَادِ فَلَا يَتَعَدَّاهُ فِي عَامِ الْقَضَاءِ (اهـ. مِنْ الْأَصْلِ) . [قَضَاء الْمُفْسِد] [تَنْبِيه مَتَى يَجِب عَلَيْهِ ثَلَاثَة هَدَايَا وَنِيَّة قَضَاء التَّطَوُّع عَنْ وَاجِب] قَوْلُ: [وَعَكْسُهُ] : مِثْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ النَّوَادِرِ وَالْعُتْبِيَّةِ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ إفْرَادٌ عَنْ تَمَتُّعٍ] : أَيْ بِأَنْ يَقَعَ الْإِفْسَادُ فِي الْحَجِّ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ بَعْدَ أَنْ فَرَغَتْ الْعُمْرَةُ، فَإِذَا قَضَاهُ مُفْرِدًا فَإِنَّهُ يَجْزِيهِ، فَفِي الْحَقِيقَةِ أَجْزَأَ إفْرَادٌ عَنْ إفْرَادٍ، وَعَلَيْهِ هَدْيَانِ هَدْيٌ لِلتَّمَتُّعِ يُعَجِّلُهُ وَهَدْيٌ لِلْفَسَادِ يُؤَخِّرُهُ عَامَ الْقَضَاءِ. قَوْلُهُ: [لَا قِرَانَ] إلَخْ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرَهُ سِتُّ صُوَرٍ: اثْنَتَانِ مُجْزِئَتَانِ، وَأَرْبَعٌ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ، وَأَصْلُ الصُّوَرِ تِسْعٌ أَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُمَا ثَلَاثَةً وَهِيَ قَضَاءُ الشَّيْءِ بِمِثْلِهِ لِظُهُورِهِ. تَنْبِيهٌ: لَا يَنُوبُ قَضَاءُ التَّطَوُّعِ عَنْ وَاجِبٍ، بِخِلَافِ قَضَاءِ الْوَاجِبِ فَيُجْزِئُ عَنْهُ وِفَاقًا لِلشَّيْخِ سَالِمٍ، وَخِلَافًا لِتِلْمِيذِهِ الْأُجْهُورِيِّ، كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ. [مَا يحرم بِالْإِحْرَامِ] [تَنْبِيه إيدَاع الْحَيَوَان عِنْد محرم] قَوْلُهُ: [وَحَرُمَ بِهِ] إلَخْ: الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَفِي قَوْلِهِ وَ: " بِالْحَرَمِ " لِلظَّرْفِيَّةِ. فَائِدَةٌ: الْحَرَمُ مِنْ جِهَةِ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ أَوْ خَمْسَةٌ مَبْدَؤُهَا مِنْ الْكَعْبَةِ مُنْتَهِيَةٌ لِلتَّنْعِيمِ، وَمِنْ جِهَةِ الْعِرَاقِ ثَمَانِيَةٌ مِنْ الْمَقْطَعِ بِفَتْحِ الْمِيم مُخَفَّفًا وَضَمِّهَا مُثَقَّلًا مَكَانٌ فِي الطَّرِيقِ، وَمِنْ جِهَةِ عَرَفَةَ تِسْعَةٌ وَيَنْتَهِي لِعَرَفَةَ، وَمِنْ جِهَةِ الْجِعْرَانَةِ تِسْعَةٌ

(بِالْحَرَمِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا (تَعَرُّضٌ لِحَيَوَانٍ بَرِّيٍّ) بِفَتْحِ الْبَاءِ نِسْبَةً لِلْبَرِّ ضِدُّ الْبَحْرِ، وَيُبَاحُ الْبَحْرِيُّ، وَيَدْخُلُ فِي الْبَرِّيِّ: الضِّفْدَعُ وَالسُّلَحْفَاةُ الْبَرِّيَّانِ، وَالْجَرَادُ وَطَيْرُ الْمَاءِ لَا الْكَلْبُ الْإِنْسِيُّ. (وَ) تَعَرَّضَ (لِبَيْضِهِ) مَا دَامَ وَحْشِيًّا بَلْ (وَإِنْ تَأَنَّسَ) كَالْغَزَالِ وَالطُّيُورِ الَّتِي تَأْلَفُ الْبُيُوتَ وَالنَّاسَ، (أَوْ لَمْ يُؤْكَلْ) كَالْخِنْزِيرِ وَالْقِرْدِ عَلَى الْقَوْلِ بِحُرْمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا لِأَحَدٍ وَيَقُومُ عَلَى تَقْدِيرِ جَوَازِ بَيْعِهِ. (وَزَالَ بِهِ) أَيْ بِالْإِحْرَامِ أَوْ بِالْحَرَمِ (مِلْكُهُ عَنْهُ) : أَيْ عَنْ الْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْضًا وَيَنْتَهِي إلَى مَوْضِعٍ يُسَمَّى بِشَعْبِ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، وَمِنْ جِهَةِ جُدَّةَ - بِضَمِّ الْجِيمِ - لِآخَرِ الْحُدَيْبِيَةِ عَشَرَةٌ مِنْ جِهَةِ الْيَمَنِ إلَى مَكَان يُسَمَّى أَضَاةَ - عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ وَعَلَامَتُهُ وُقُوفُ سَيْلِ الْحِلِّ دُونَهُ إذَا جَرَى لِجِهَتِهِ، وَلَا يَدْخُلُهُ لِعُلُوِّهِ عَنْ الْحِلِّ (اهـ. مِنْ الْمَجْمُوعِ) . قَوْلُهُ: [تَعَرُّضٌ لِحَيَوَانٍ بَرِّيٍّ] : أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ مُتَوَحِّشُ الْأَصْلِ فَلَا يَجُوزُ اصْطِيَادُهُ وَلَا التَّسَبُّبُ فِي اصْطِيَادِهِ وَخَرَجَ بِذَلِكَ الْإِوَزُّ وَالدَّجَاجُ، وَلَمْ يَقُلْ: " وَجُزْئِهِ " كَمَا قَالَ خَلِيلٌ لِأَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ بِالْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ إنْ فَرَضَ مُتَّصِلًا فَالتَّعَرُّضُ لَهُ تَعَرُّضٌ لِلْكُلِّ، وَإِنْ فَرَضَ مُنْفَصِلًا فَإِمَّا مَيْتَةٌ بِأَنْ كَانَ ذَكَّاهُ مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ فِي حَرَمٍ، أَوْ كَانَ بِلَا ذَكَاةٍ فَهَذَا يَأْتِي، وَأَمَّا أَنْ لَا يَكُونَ مَيْتَةً بِأَنْ ذَكَّاهُ حَلَالٌ فِي الْحِلِّ فَلَا يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ بِنَحْوِ الْأَكْلِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَيُبَاحُ الْبَحْرِيُّ] : أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: 96] . قَوْلُهُ: [وَيَدْخُلُ فِي الْبَرِّيِّ الضِّفْدَعُ] إلَخْ: أَيْ فَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِمَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: [لَا الْكَلْبُ الْإِنْسِيُّ] : أَيْ لِأَنَّهُ - وَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا بَرِّيًّا - لَكِنْ لَيْسَ مِمَّا يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ لَا عَلَى الْمُحْرِمِ لَا فِي الْحَرَمِ، لِأَنَّ قَتْلَهُ جَائِزٌ بَلْ يُنْدَبُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ وَحْشِيَّ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [أَوْ لَمْ يُؤْكَلْ] : فِيهِ رَدٌّ عَلَى الشَّافِعِيِّ الْقَائِلِ إنَّمَا يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِلْمَأْكُولِ.

إنْ كَانَ يَمْلِكُهُ قَبْلَ إحْرَامِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَيُرْسِلُهُ) وُجُوبًا. وَمَحِلُّ زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ وَوُجُوبِ إرْسَالِهِ: (إنْ كَانَ مَعَهُ) حِينَ الْإِحْرَامِ أَوْ دُخُولِهِ الْحَرَمَ؛ أَيْ مُصَاحِبًا لَهُ فِي قَفَصٍ أَوْ بِيَدِ غُلَامِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، (لَا) إنْ كَانَ حِينَ الْإِحْرَامِ (بِبَيْتِهِ) فَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ وَلَا يُرْسِلُهُ (وَلَوْ أَحْرَمَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ بَيْتِهِ. وَقَوْلُهُ: (فَلَا يَسْتَجِدَّ مِلْكَهُ) : مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ: " فَيُرْسِلُهُ " إلَخْ، وَعَلَى قَوْلِهِ: " وَحَرُمَ بِهِ وَبِالْحَرَمِ تَعَرُّضٌ " إلَخْ أَيْ أَنَّهُ إذَا حَرُمَ تَعَرَّضَ الْمُحْرِمُ لِلْبَرِّيِّ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ مَا دَامَ مُحْرِمًا أَنْ يَسْتَجِدَّ مِلْكَ بَرِّيٍّ بِشِرَاءٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إقَالَةٍ، وَإِذَا أَرْسَلَهُ حَيْثُ كَانَ مَعَهُ فَلَحِقَهُ إنْسَانٌ، وَلَوْ قَبْلَ لُحُوقِهِ بِالْوَحْشِ وَأَخَذَهُ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّهِ عَلَيْهِ كَلَامٌ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ قَبُولُهُ مِنْهُ بِهِبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ حُرْمَةِ التَّعَرُّضِ لِلْبَرِّيِّ. قَوْلَهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَيُرْسِلُهُ وُجُوبًا] : جَعَلَهُ الشَّارِحُ جَوَابًا لِسُؤَالٍ مُقَدَّرٍ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ أَحْرَمَ مِنْهُ] : أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْتِ وَالْقَفَصِ أَنَّ الْقَفَصَ حَامِلٌ لَهُ وَيَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِهِ وَالْبَيْتَ مُرْتَحِلٌ عَنْهُ وَغَيْرُ مُصَاحِبٍ لَهُ. قَوْلُهُ: [مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ فَيُرْسِلُهُ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْأَمْرِ بِإِرْسَالٍ وَمِنْ حُرْمَةِ التَّعَرُّضِ عَدَمُ جَوَازِ تَجَدُّدِ الْمِلْكِ. قَوْلُهُ: [أَنْ يَسْتَجِدَّ مِلْكُ بَرِّيٍّ بِشِرَاءٍ] : أَيْ وَأَمَّا دُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ جَبْرًا كَالْمِيرَاثِ وَالْمَرْدُودِ بِعَيْبٍ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: (فَيُرْسِلُهُ إنْ كَانَ مَعَهُ) ، وَهَلْ إذَا جَدَّدَ مِلْكَهُ بِشِرَاءٍ يَكُونُ شِرَاؤُهُ صَحِيحًا حَيْثُ اشْتَرَاهُ مِنْ حَلَالٍ، وَيُؤْمَرُ بِإِرْسَالِهِ وَيَضْمَنُ ثَمَنَهُ لِلْبَائِعِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ فَلَوْ رَدَّهُ لِصَاحِبِهِ لَزِمَهُ جَزَاؤُهُ، أَوْ فَاسِدًا وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ لِلْبَائِعِ، وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ قَوْلَانِ. تَنْبِيهٌ: لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْبَلَهُ وَدِيعَةً مِنْ الْغَيْرِ. فَإِنْ قَبِلَهُ رَدَّهُ لِصَاحِبِهِ إنْ كَانَ حَاضِرًا وَإِلَّا أَوْدَعَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ إنْ أَمْكَنَ، إلَّا أَرْسَلَهُ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ هَذَا إذَا قَبِلَ الْوَدِيعَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَأَمَّا إنْ كَانَ مُودَعًا عِنْدَهُ وَهُوَ حَلَالٌ وَطَرَأَ لَهُ الْإِحْرَامُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ لِرَبِّهِ إنْ وَجَدَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ أَوْدَعَهُ عِنْدَ حَلَالٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ بَقِيَ بِيَدِهِ وَلَا يُرْسِلُهُ لِأَنَّهُ قَبِلَهُ فِي وَقْتٍ يَجُوزُ لَهُ، فَإِنْ أَرْسَلَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ (اهـ. مِنْ الْأَصْلِ) .

(إلَّا الْفَأْرَةَ) بِالْهَمْزَةِ وَتَاؤُهُ لِلْوَحْدَةِ لَا التَّأْنِيثِ، وَيَلْحَقُ بِهَا ابْنُ عِرْسٍ وَكُلُّ مَا يَقْرِضُ الثِّيَابَ مِنْ الدَّوَابِّ (وَ) إلَّا (الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ) ، وَيَلْحَقُ بِهَا الزُّنْبُورُ أَيْ ذَكَرُ النَّحْلِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا. (وَ) إلَّا (الْحِدَأَةَ) بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ بِوَزْنِ عِنَبَةٍ، (وَالْغُرَابَ) فَلَا يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِمَا ذُكِرَ. (كَعَادِي سَبُعٍ) : مِنْ أَسَدٍ وَذِئْبٍ وَنِمْرٍ وَفَهْدٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا الْفَأْرَةَ] إلَخْ: أَيْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الْحَرَمِ، وَلِلْمُحْرِمِ إنْ قَتَلَ بِقَصْدِ دَفْعِ الْإِذَايَةِ، أَمَّا لَوْ قَتَلَ بِقَصْدِ الذَّكَاةِ فَلَا يَجُوزُ وَلَا يُؤْكَلُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ كَذَا فِي الْخَرَشِيِّ، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ نَقْلًا عَنْ بَعْضِهِمْ: وَهُوَ بَيِّنٌ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهَا فَهِيَ صَيْدٌ يُؤَثِّرُ؛ فِيهَا الذَّكَاةُ وَيَطْهُرُ جِلْدُهَا، وَالْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَكَاةِ الصَّيْدِ وَمِنْ قَتْلِهِ (اهـ) . وَاسْتَثْنَاهَا الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِيهَا. قَوْلُهُ: [بِالْهَمْزَةِ] : أَيْ وَقَدْ تُسَهَّلُ. قَوْلُهُ: [وَالْغُرَابَ] : وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَبْقَعِ وَغَيْرِهِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: هَلْ لَفْظُ الْغُرَابِ عَامٌّ؟ يَعْنِي فِي الْحَدِيثِ؛ فَالْأَبْقَعُ فَرْدٌ لَا يُخَصَّصُ أَوْ مُطْلَقٌ، فَالْأَبْقَعُ مُبَيِّنٌ لَهُ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَعَلَيْهِ غَالِبُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ (اهـ.) وَالْأَبْقَعُ: هُوَ الَّذِي فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ. قَوْلُ: [وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ] : أَيْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي عُتَيْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ: «اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِك» ، فَعَدَا عَلَيْهِ السَّبُعُ فَقَتَلَهُ.

فَيَجُوزُ التَّعَرُّضُ لَهُ (إنْ كَبِرَ) بِكَسْرِ الْبَاءِ بِحَيْثُ بَلَغَ حَدَّ الْإِيذَاءِ، لَا إنْ صَغُرَ. (وَطَيْرٍ) غَيْرِ حِدَأَةٍ وَغُرَابٍ (خِيفَ مِنْهُ) عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، وَلَا يَنْدَفِعُ (إلَّا بِقَتْلِهِ) . فَيَجُوزُ قَتْلُهُ. (وَوَزَغٍ) يَجُوزُ قَتْلُهُ (لِحِلٍّ بِحَرَمٍ) لَا لِمُحْرِمٍ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ. (وَلَا شَيْءَ فِي الْجَرَادِ) بِقَيْدَيْنِ: (إنْ عَمَّ) أَيْ كَثُرَ، (وَاجْتَهَدَ) الْمُحْرِمُ فِي التَّحَفُّظِ مِنْ قَتْلِهِ، فَأَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا لَا عَنْ قَصْدِ، (وَإِلَّا) - بِأَنْ لَمْ يَعُمَّ أَوْ عَمَّ وَلَمْ يَجْتَهِدْ فِي التَّحَفُّظِ مِنْهُ - (فَقِيمَتُهُ طَعَامًا بِالِاجْتِهَادِ) بِمَا يَقُولُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ، هَذَا (إنْ كَثُرَ) بِأَنْ زَادَ عَلَى عَشَرَةٍ، (وَفِي) قَتْلِ (الْوَاحِدَةِ لِعَشَرَةٍ حَفْنَةٌ) مِنْ الطَّعَامِ مِلْءُ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ. (كَتَقْرِيدِ الْبَعِيرِ) فَفِيهِ حَفْنَةٌ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ. (وَفِي) قَتْلِ (الدُّودِ وَالنَّمْلِ وَنَحْوِهِمَا) - كَالذُّبَابِ وَالذَّرِّ (قَبْضَةٌ) مِنْ طَعَامٍ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إنْ كَبِرَ] : شَرْطٌ فِي كُلِّ عَادٍ. قَوْلُهُ: [لَا إنْ صَغُرَ] : أَيْ فَيُكْرَهُ قَتْلُهُ وَلَا جَزَاءَ عَلَى الْمَشْهُورِ. قَوْلُهُ: [فَيَجُوزُ قَتْلُهُ] : أَيْ إذَا كَانَ لِدَفْعِ شَرِّهِ لَا بِقَصْدِ ذَكَاتِهِ فَلَا يَجُوزُ وَفِيهِ الْجَزَاءُ. قَوْلُهُ: [لَا لِمُحْرِمٍ بِهِ] : أَيْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ أَيْ يَحْرُمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، وَقِيلَ مَكْرُوهٌ فَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا قَتَلَهَا أَطْعَمَ وُجُوبًا كَسَائِرِ الْهَوَامِّ، وَعَلَى الثَّانِي أَطْعَمَ اسْتِحْبَابًا. قَوْلُهُ: [فَقِيمَتُهُ طَعَامًا] إلَخْ: قَالَ الْبَاجِيُّ لَوْ شَاءَ الصِّيَامَ لَحُكِمَ عَلَيْهِ بِصَوْمِ يَوْمٍ كَذَا فِي (ر) (اهـ. بْن) . قَوْلُهُ: [قَبْضَةٌ] : بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَهِيَ دُونَ الْحَفْنَةِ كَمَا أَفَادَهُ (ر) كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ.

(وَالْجَزَاءُ) وَاجِبٌ (بِقَتْلِهِ) أَيْ الْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ (مُطْلَقًا) قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ نَاسِيًا كَوْنَهُ مُحْرِمًا أَوْ بِالْحَرَمِ، أَوْ لِمَجَاعَةٍ تُبِيحُ أَكْلَ الْمَيْتَةِ، أَوْ لِجَهْلِ الْحُكْمِ أَوْ كَوْنَهُ صَيْدًا. (وَلَوْ) قَتَلَهُ (بِرَمْيٍ) بِحَجَرٍ أَوْ سَهْمٍ (مِنْ الْحَرَمِ) فَأَصَابَهُ فِي الْحِلِّ. (أَوْ) رَمْيٍ مِنْ الْحِلِّ (لَهُ) أَيْ لِلْحَرَمِ، (أَوْ) قَتَلَهُ بِسَبَبِ (مُرُورِ سَهْمٍ) مَثَلًا (بِالْحَرَمِ) : أَيْ فِيهِ؛ رَمَاهُ مَنْ بِالْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ بِالْحِلِّ. (أَوْ) مُرُورِ (كَلْبٍ) أَرْسَلَهُ حِلٌّ بِحِلٍّ عَلَى صَيْدٍ بِحِلٍّ (تَعَيَّنَ) الْحَرَمُ (طَرِيقَهُ) : أَيْ طَرِيقًا لِلْكَلْبِ فَقَتَلَهُ، فَالْجَزَاءُ. فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْحَرَمُ طَرِيقًا لِلْكَلْبِ، وَلَكِنَّ الْكَلْبَ عَدَلَ إلَى الْحَرَمِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ إذَا لَمْ يَظُنَّ الصَّائِدُ سُلُوكَ الْكَلْبِ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْجَزَاءُ وَاجِبٌ بِقَتْلِهِ] : جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا جَوَابًا لِسُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ وَإِنْ تَعَرَّضَ لِلْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ مَاذَا يَلْزَمُهُ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ تَارَةً يَقْتُلُهُ وَتَارَةً لَا يَقْتُلُهُ، فَإِنْ قَتَلَهُ فَالْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ لِجَهْلِ الْحُكْمِ] إلَخْ: أَيْ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ حَيْثُ قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ الْعَمْدِ، وَلَا فِيمَا تَكَرَّرَ (اهـ.) وَلَا يَلْزَمُ مِنْ لُزُومِ الْجَزَاءِ فِي غَيْرِ الْعَمْدِ لُزُومُ الْإِثْمِ، فَإِنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي الْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ وَالْمَجَاعَةِ، وَيَتَكَرَّرُ الْجَزَاءُ بِتَكَرُّرِ قَتْلِ الصَّيْدِ، فَإِنْ أَرْسَلَ سَهْمَهُ أَوْ بَازَهُ فَقَتَلَ صَيُودًا كَثِيرَةً لَزِمَهُ جَزَاءُ الْجَمِيعِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُ: [بِسَبَبِ مُرُورِ سَهْمٍ] : هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ، فَأَشْهَبُ يَقُولُ: يُؤْكَلُ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَعَبْدُ الْمَلِكِ يُوَافِقُ أَشْهَبَ عَلَى الْأَكْلِ وَعَدَمِ الْجَزَاءِ بِشَرْطِ الْبُعْدِ، وَالْمُرَادُ بِالْبُعْدِ: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْحَرَمِ مَسَافَةٌ لَا يَقْطَعُهَا السَّهْمُ غَالِبًا فَتَخَلَّفَ الْغَالِبُ وَقَطَعَهَا. قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْحَرَمُ طَرِيقًا] : أَيْ لِأَنَّ لِلْكَلْبِ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا، فَعُدُولُهُ لِلْحَرَمِ مِنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ السَّهْمِ فَمِنْ الرَّامِي عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَلِذَلِكَ جَعَلَ الْقَيْدَ مَخْصُوصًا بِالْكَلْبِ وَهَذَا التَّقْيِيدُ لِخَلِيلٍ وَابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَيْضًا.

(أَوْ) قَتَلَهُ بِسَبَبِ (إرْسَالِهِ) : أَيْ الْكَلْبِ (بِقُرْبِهِ) أَيْ الْحَرَمِ، (فَأَدْخَلَهُ) فِي الْحَرَمِ وَأَخْرَجَهُ مِنْهُ، (وَقَتَلَهُ خَارِجَهُ) فَالْجَزَاءُ. وَلَا يُؤْكَلُ فِي الْجَمِيعِ، فَلَوْ قَتَلَهُ خَارِجَ الْحَرَمِ قَبْلَ إدْخَالِهِ فِيهِ فَلَا جَزَاءَ وَأَكَلَ، وَأَمَّا لَوْ أَرْسَلَهُ عَلَيْهِ بِبُعْدٍ مِنْ الْحَرَمِ بِحَيْثُ يَظُنُّ أَخْذَهُ خَارِجَهُ فَأَدْخَلَهُ فِيهِ وَقَتَلَهُ فِيهِ، أَوْ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ فَلَا جَزَاءَ، وَلَكِنَّهُ مَيْتَةٌ لَا يُؤْكَلُ. (أَوْ) بِسَبَبِ إرْسَالِ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ (عَلَى كَسَبُعٍ) مِمَّا يَجُوزُ قَتْلُهُ فَأَخَذَ مَا لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ كَحِمَارِ وَحْشٍ فَالْجَزَاءُ. وَكَذَا إنْ أَرْسَلَهُ عَلَى سَبُعٍ فِي ظَنِّهِ، فَإِذَا هُوَ حِمَارُ وَحْشٍ مَثَلًا. (أَوْ) قَتَلَهُ بِسَبَبِ (نَصْبِ شَرَكٍ) بِفَتْحَتَيْنِ (لَهُ) أَيْ لِلسَّبُعِ وَنَحْوِهِ؛ أَيْ نَصَبَهُ لِلسَّبُعِ فَوَقَعَ فِيهِ مَا لَا يَجُوزُ صَيْدُهُ فَالْجَزَاءُ. (وَبِتَعْرِيضِهِ) عَطَفَ عَلَى " بِقَتْلِهِ ": أَيْ وَالْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ وَبِتَعْرِيضِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ قَتَلَهُ بِسَبَبِ إرْسَالِهِ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الِاصْطِيَادِ قُرْبَ الْحَرَمِ، فَقَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ مُبَاحٌ إذَا سَلِمَ مِنْ قَتْلِهِ فِي الْحَرَمِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، إمَّا مَنْعًا أَوْ كَرَاهَةً بِحَسَبِ فَهْمِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَالرَّاتِعِ يَرْتَعُ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» ، قَالَ (ح) وَالظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ. قَوْلُهُ: [فَالْجَزَاءُ وَلَا يُؤْكَلُ فِي الْجَمِيعِ] : رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ قَتَلَهُ بِرَمْيٍ بِحَجَرٍ إلَى هُنَا، وَمَا قَالَ شَارِحُنَا طَرِيقَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَوْلُ: [فَوَقَعَ فِيهِ مَا لَا يَجُوزُ صَيْدُهُ] : أَيْ فَفِيهِ الْجَزَاءُ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ، وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا جَزَاءَ فِيهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ كَانَ الْمَحِلُّ يُتَخَوَّفُ فِيهِ عَلَى الصَّيْدِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الشَّرَكِ وَدَّاهُ: أَيْ أَخْرَجَ جَزَاءَهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَبِتَعْرِيضِهِ] : أَيْ تَعْرِيضِ مَا يَحْرُمُ صَيْدُهُ.

(لِلتَّلَفِ) ، كَنَتْفِ رِيشِهِ وَجَرْحِهِ وَتَعْطِيلِهِ، (وَلَمْ تَتَحَقَّقْ سَلَامَتُهُ) : فَإِنْ تَحَقَّقَتْ أَيْ غَلَبَتْ عَلَى الظَّنِّ سَلَامَتُهُ وَلَوْ عَلَى نَقْصٍ فَلَا جَزَاءَ. (وَ) الْجَزَاءُ (بِقَتْلِ غُلَامٍ) لِصَيْدٍ (أُمِرَ) : أَيْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ (بِإِفْلَاتِهِ فَظَنَّ) الْغُلَامُ (الْقَتْلَ) : أَيْ ظَنَّ أَنَّهُ أُمِرَ بِقَتْلِهِ فَقَتَلَهُ. وَالْجَزَاءُ عَلَى السَّيِّدِ وَلَوْ لَمْ يَتَسَبَّبْ فِي اصْطِيَادِهِ عَلَى أَرْجَحِ التَّأْوِيلَيْنِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا أَوْ بِالْحَرَمِ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ أَمَرَهُ السَّيِّدُ بِالْقَتْلِ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ جَزَاءَانِ إنْ كَانَا مُحْرِمَيْنِ وَوَاحِدًا إنْ كَانَ الْمُحْرِمُ أَحَدَهُمَا. (وَ) الْجَزَاءُ (بِسَبَبِهِ) : أَيْ بِسَبَبِ الْإِتْلَافِ (كَحَفْرِ بِئْرٍ لَهُ) أَيْ لِلصَّيْدِ، فَوَقَعَ فِيهَا فَهَلَكَ، أَوْ نَصْبِ شَرَكٍ لَهُ بِالْأَوْلَى مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ نَصَبَ شَرَكًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَنَتْفِ رِيشِهِ] : أَيْ الَّذِي لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الطَّيَرَانِ وَإِلَّا فَلَا جَزَاءَ، كَمَا أَنْ لَوْ نَتَفَ رِيشَهُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الطَّيَرَانِ إلَّا بِهِ وَأَمْسَكَهُ عِنْدَهُ حَتَّى نَبَتَ بَدَلُهُ وَأَطْلَقَهُ فَلَا جَزَاءَ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ عَلَى نَقْصٍ] : مُبَالَغَةٌ فِي الْمَفْهُومِ أَيْ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ حَيْثُ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ سَلَامَتُهُ وَلَوْ بِنَقْصٍ، خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ الْقَائِلِ يَلْزَمُهُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، أَيْ وَهُوَ أَرْشُ النَّقْصِ كَمَا لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ سَلِيمًا ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ، وَمَعِيبًا مُدَّيْنِ فَيَلْزَمُهُ مُدٌّ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. قَوْلُهُ: [أَيْ أَمَرَ سَيِّدُهُ] : أَيْ بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْإِشَارَةِ. قَوْلُهُ: [فَظَنَّ الْغُلَامُ الْقَتْلَ] : مَفْهُومُهُ لَوْ شَكَّ فِي أَمْرِهِ لَهُ بِالْقَتْلِ ثُمَّ قَتَلَهُ كَانَ الْجَزَاءُ عَلَى الْعَبْدِ وَحْدَهُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [عَلَى أَرْجَحِ التَّأْوِيلَيْنِ] : هُوَ مُشْكِلٌ، وَلَكِنْ الْفِقْهُ مُسَلَّمٌ. قَوْلُهُ: [فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ أَيْضًا] : أَيْ وَلَا يَنْفَعُهُ خَطَؤُهُ، وَحِينَئِذٍ فَإِمَّا أَنْ يَصُومَ الْعَبْدُ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِمَّا أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ سَيِّدُهُ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ أَمَرَهُ بِهِ مِنْ مَالِهِ. وَكَذَا يُقَالُ فِي الْهَدْيِ؛ فَإِمَّا أَنْ يُهْدِيَ عَنْهُ السَّيِّدُ أَوْ يَأْمُرَهُ بِذَلِكَ مِنْ مَالِهِ كَمَا قَالَ سَنَدٌ. قَوْلُهُ: [بِسَبَبِهِ] : عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " بِقَتْلِهِ " أَيْ وَالْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ مُبَاشَرَةً أَوْ بِتَسَبُّبِهِ هَذَا إذَا كَانَ السَّبَبُ مَقْصُودًا، بَلْ وَلَوْ كَانَ اتِّفَاقِيًّا.

أَوْ حَفَرَ بِئْرًا لِسَبُعٍ فَوَقَعَ فِيهِ صَيْدٌ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَفُهِمَ مِنْهُ هَذَا، بِالْأَوْلَى، وَقَدْ يُقَالُ: هَذَا أَعَمُّ، لِأَنَّ الْمُرَادَ السَّبَبُ بِأَيِّ وَجْهٍ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ (أَوْ طَرْدِهِ فَسَقَطَ) فَمَاتَ. (أَوْ فَزَعِهِ) مَصْدَرٌ مَجْرُورٌ بِالْكَافِ الْمُقَدَّرَةِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ (مِنْهُ) ، أَيْ مِنْ الْمُحْرِمِ فَسَقَطَ الصَّيْدُ (فَمَاتَ) قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا جَزَاءَ فِي هَذَا وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ، وَاسْتَظْهَرَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ. " وَالْأَظْهَرُ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ ". (لَا) جَزَاءَ بِسَبَبِ (حَفْرِ بِئْرٍ لِكَمَاءٍ) أَيْ لِإِخْرَاجِ مَاءٍ وَنَحْوِهِ، فَتَرَدَّى فِيهِ صَيْدٌ فَمَاتَ. (أَوْ دَلَالَةٍ) مِنْ مُحْرِمٍ عَلَى صَيْدٍ بِحِلٍّ أَوْ حَرَمٍ، فَلَا جَزَاءَ عَلَى الدَّالِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَقَدْ يُقَالُ هَذَا أَعَمُّ] : أَيْ فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ لَأَنْ أَزِيدَ فَائِدَةً. قَوْلُهُ: [وَاسْتَظْهَرَ] : أَيْ لِأَنَّ ابْنَ يُونُسَ رَجَّحَهُ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ خَلِيلٌ مِنْ أَنَّهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ. قَوْلُهُ: [حَفَرَ بِئْرًا لِكَمَاءٍ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْحَفْرُ فِي مَحَلٍّ يَجُوزُ لَهُ فِيهِ أَمْ لَا، كَالطَّرِيقِ فَلَيْسَ مَا هُنَا كَالدِّيَاتِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الصَّيْدَ لَيْسَ شَأْنُهُ لُزُومَ طَرِيقٍ مُعَيَّنٍ. قَوْلُهُ: [فَلَا جَزَاءَ عَلَى الدَّالِّ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمَدْلُولُ حَلَالًا أَوْ مُحْرِمًا.

[تعدد الجزاء بتعدد الصيد]

(أَوْ رَمْيٍ) مِنْ حَلَالٍ (لَهُ) أَيْ لِلصَّيْدِ وَهُوَ (عَلَى فَرْعٍ) أَيْ غُصْنٍ فِي الْحِلِّ (أَصْلُهُ) أَيْ أَصْلُ ذَلِكَ الْفَرْعِ (بِالْحَرَمِ) فَلَا جَزَاءَ، وَيُؤْكَلُ نَظَرًا لِمَحِلِّهِ، وَلِذَا لَوْ كَانَ الْفَرْعُ فِي الْحَرَمِ وَأَصْلُهُ فِي الْحِلِّ لَكَانَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِلَا نِزَاعٍ. (أَوْ) رَمْيٍ مِنْ حَلَالٍ (بِحِلٍّ) أَيْ فِيهِ فَأَصَابَهُ فِيهِ، (فَتَحَامَلَ) الصَّيْدُ بَعْدَ الْإِصَابَةِ وَدَخَلَ الْحَرَمَ (وَمَاتَ فِيهِ) فَلَا جَزَاءَ، وَيُؤْكَلُ نَظَرًا لِوَقْتِ الْإِصَابَةِ لَا لِوَقْتِ الْمَوْتِ، وَلَوْ لَمْ يَنْفُذْ مَقْتَلُهُ فِي الْحِلِّ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ. (وَتَعَدَّدَ) الْجَزَاءُ (بِتَعَدُّدِهِ) : أَيْ الصَّيْدِ وَلَوْ فِي رَمْيَةٍ وَاحِدَةٍ. (أَوْ) بِسَبَبِ (تَعَدُّدِ الشُّرَكَاءِ فِيهِ) : أَيْ فِي قَتْلِهِ، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاءٌ. (وَلَوْ أَخْرَجَ) الْجَزَاءَ (لِشَكٍّ) فِي مَوْتِ صَيْدٍ جَرَحَهُ أَوْ ضَرَبَهُ (فَتَبَيَّنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا دَلَّ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ أَوْ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ، فَلَا جَزَاءَ عَلَى ذَلِكَ الْمُحْرِمِ الدَّالِ؛ فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ، وَكَذَا إذَا دَلَّ حِلٌّ مُحْرِمًا عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ أَوْ فِي الْحَرَمِ، أَوْ دَلَّ حَلَالًا عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ فَلَا جَزَاءَ عَلَى ذَلِكَ الدَّالِ، فَهَذِهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ فَالْجُمْلَةُ سُبْعُ الْجَزَاءِ فِيهَا عَلَى الْمَدْلُولِ. قَوْلُهُ: [فَلَا جَزَاءَ وَيُؤْكَلُ نَظَرًا لِمَحِلِّهِ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. قَوْلُهُ: [عِنْدَ اللَّخْمِيِّ] : وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ ثَلَاثَةٍ: الْأَوَّلُ لِلتُّونِسِيِّ يَلْزَمُ الْجَزَاءُ وَلَا يُؤْكَلُ، وَالثَّانِي قَوْلُ أَصْبَغَ بِعَدَمِ الْجَزَاءِ وَلَا يُؤْكَلُ، وَالثَّالِثُ قَوْلُ أَشْهَبَ الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ. [تعدد الْجَزَاء بِتَعَدُّدِ الصَّيْدِ] قَوْلُهُ: [أَوْ بِسَبَبِ تَعَدُّدِ الشُّرَكَاءِ فِيهِ] : أَيْ حَيْثُ كَانُوا حِلًّا فِي الْحَرَمِ أَوْ مُحْرِمِينَ وَلَوْ بِغَيْرِهِ، وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَكَ حِلٌّ لَيْسَ بِالْحَرَمِ مَعَ مُحْرِمٍ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ كَانَ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ فَقَطْ، قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَمَفْهُومُ الشُّرَكَاءِ أَنَّهُ لَوْ تَمَالَأَ جَمَاعَةٌ عَلَى قَتْلِهِ فَقَتَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَجَزَاؤُهُ عَلَى قَاتِلِهِ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ أَخْرَجَ الْجَزَاءَ لِشَكٍّ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا رَمَى صَيْدًا فَشَكَّ فِي مَوْتِهِ فَأَخْرَجَ جَزَاءَهُ فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى شَكِّهِ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ مَوْتَهُ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِخْرَاجُ ثَانِيًا، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ مَوْتَهُ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ وَأَوْلَى التَّحَقُّقِ لَزِمَهُ إخْرَاجُ الْجَزَاءِ ثَانِيًا.

[وليس الدجاج والإوز ونحوهما بصيد]

مَوْتُهُ بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ (لَمْ يُجْزِهِ) ، وَعَلَيْهِ جَزَاءٌ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ إخْرَاجُهُ قَبْلَ وُجُوبِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَبَيَّنَ مَوْتُهُ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ. (وَلَيْسَ الدَّجَاجُ وَالْإِوَزُّ بِصَيْدٍ) : فَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ وَمَنْ فِي الْحَرَمِ ذَبْحُهَا وَأَكْلُهَا. (بِخِلَافِ الْحَمَامِ) : وَلَوْ الَّذِي يُتَّخَذُ فِي الْبُيُوتِ لِلْفِرَاخِ فَإِنَّهُ صَيْدٌ لِأَنَّهُ مِنْ أَصْلِ مَا يَطِيرُ فِي الْخَلَاءِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ ذَبْحُهُ فَإِنْ ذَبَحَهُ أَوْ أَمَرَ بِذَبْحِهِ فَمَيْتَةٌ. (وَمَا صَادَهُ مُحْرِمٌ) أَوْ مَنْ فِي الْحَرَمِ بِسَهْمِهِ أَوْ بِكَلْبِهِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، (أَوْ صِيدَ لَهُ) أَيْ صَادَهُ حَلَالٌ لِأَجْلِهِ، فَمَاتَ بِسَبَبِ اصْطِيَادِهِ، (أَوْ ذَبَحَهُ) الْمُحْرِمُ حَالَ إحْرَامِهِ وَإِنْ اصْطَادَهُ حَلَالٌ لِنَفْسِهِ أَوْ بَعْدَ أَنْ صَادَهُ هُوَ أَوْ صِيدَ لَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [وَلَيْسَ الدَّجَاج وَالْإِوَزّ وَنَحْوهمَا بِصَيْد] قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ الدَّجَاجُ وَالْإِوَزُّ بِصَيْدٍ] : أَيْ إذَا كَانَ بَلَدِيًّا وَأَمَّا الْإِوَزُّ الْمُسَمَّى بِالْعِرَاقِيِّ فَهُوَ صَيْدٌ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ الَّذِي يُتَّخَذُ فِي الْبُيُوتِ لِلْفِرَاخِ] : أَيْ لِلطَّيَرَانِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْحَمَامِ الْبَيْتِيِّ. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَمْسَكَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا وَهُوَ عَازِمٌ عَلَى إرْسَالِهِ فَقَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ أَوْ حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ فَلَا جَزَاءَ عَلَى الْمُمْسِكِ، بَلْ عَلَى الْقَاتِلِ. وَأَمَّا لَوْ قَتَلَهُ حَلَالٌ بِالْحِلِّ فَجَزَاؤُهُ عَلَى الْمُحْرِمِ الَّذِي أَمْسَكَهُ وَغَرِمَ الْحِلُّ لَهُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الصَّيْدِ طَعَامًا وَجَزَاءَهُ إنْ لَمْ يَصُمْ، فَإِنْ صَامَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْحَلَالِ بِشَيْءٍ. وَأَمَّا لَوْ أَمْسَكَهُ الْمُحْرِمُ وَهُوَ عَازِمٌ عَلَى قَتْلِهِ فَقَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ، أَوْ فِي الْحَرَمِ فَهُمَا شَرِيكَانِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا جَزَاءٌ كَامِلٌ. وَأَمَّا لَوْ قَتَلَهُ حَلَالٌ فِي الْحِلِّ فَجَزَاؤُهُ عَلَى الْمُحْرِمِ الَّذِي أَمْسَكَهُ، وَيَغْرَمُ لَهُ الْحَلَالُ كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ. [تَنْبِيه أمسك الْمُحْرِم صَيْدًا وقتله محرم آخِر] قَوْلُهُ: [أَيْ صَادَهُ حَلَالٌ لِأَجْلِهِ] : كَانَ الْمُحْرِمُ الَّذِي صِيدَ لِأَجْلِهِ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، سَوَاءٌ أُرِيدَ بَيْعُهُ لَهُ أَوْ إهْدَاؤُهُ أَوْ تَضْيِيفُهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ حَالَ إحْرَامِهِ] : أَيْ سَوَاءٌ أَكَلَ الْمُحْرِمُ مِنْهُ شَيْئًا أَمْ لَا، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ ذَبَحَ صَيْدَ الْمُحْرِمِ وَلَوْ بِلَا إذْنِهِ حَلَالٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ، وَلَا يُؤْكَلُ،

(أَوْ أَمَرَ بِذَبْحِهِ أَوْ صَيْدِهِ) فَمَاتَ بِالِاصْطِيَادِ، أَوْ ذَبَحَهُ حَلَالٌ لِيُضَيِّفَهُ بِهِ، (أَوْ دَلَّ) الْمُحْرِمُ (عَلَيْهِ) حَلَالًا فَصَادَهُ فَمَاتَ بِذَلِكَ، (فَمَيْتَةٌ) لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ تَنَاوُلُهُ وَجِلْدُهُ نَجَسٌ كَسَائِرِ أَجْزَائِهِ. (كَبَيْضِهِ) مِنْ سَائِرِ الطُّيُورِ سِوَى الْإِوَزِّ وَالدَّجَاجِ مَيْتَةٌ إذَا كَسَرَهُ أَوْ شَوَاهُ مُحْرِمٌ، أَوْ أَمَرَ حَلَالًا بِذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَكْلُهُ، وَقِشْرُهُ نَجِسٌ كَسَائِرِ أَجْزَائِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQخِلَافًا لِمَا فِي (عب) ، وَوَافَقَهُ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُحْرِمِ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ، فَإِنَّهُ غَيْرُ صَوَابٍ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَجْمُوعِ فِي حَاشِيَةِ (عب) . قَوْلُهُ: [أَوْ ذَبَحَهُ حَلَالٌ لِيُضَيِّفَهُ بِهِ] : أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ ذَلِكَ الْحَلَالَ لَمْ يَصُدَّهُ وَإِلَّا كَانَ مُكَرَّرًا مَعَ مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [أَوْ دَلَّ الْمُحْرِمُ] : أَيْ بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْإِشَارَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [فَمَيْتَةٌ] : خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ وَمَا صَادَهُ مُحْرِمٌ إلَخْ، وَقَرَنَهُ بِالْفَاءِ لِمَا فِي الْمُبْتَدَأِ مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ. قَوْلُهُ: [لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ تَنَاوُلُهُ] : أَيْ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ لِحَلَالٍ وَلَا لِمُحْرِمٍ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ. قَوْلُ: [كَبَيْضِهِ] : أَيْ لِأَنَّ الْبَيْضَ بِمَنْزِلَةِ الْجَنِينِ أَيْ جَنِينِ الصَّيْدِ، لِكَوْنِهِ نَشَأَ عَنْهُ، فَلَمَّا كَانَ الْجَنِينُ نَاشِئًا عَنْ الْبَيْضِ نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ. قَوْلُهُ: [وَقِشْرُهُ نَجَسٌ] : أَيْ لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَزَّلُوا الْبَيْضَ مَنْزِلَةَ الْجَنِينِ حَكَمُوا عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْمَيْتَةِ فَصَارَ حُكْمُ قِشْرِهِ النَّجَاسَةَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْضِ الْمَذَرِ أَوْ مَا خَرَجَ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَإِذَا عَلِمْت السَّبَبَ فِي نَجَاسَةِ الْبَيْضِ تَعْلَمُ أَنَّ بَحْثَ سَنَدٍ خِلَافُ الْمَذْهَبِ حَيْثُ قَالَ: أَمَّا مَنْعُ الْمُحْرِمِ مِنْ الْبَيْضِ فَبَيِّنٌ، وَأَمَّا مَنْعُ غَيْرِهِ فَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْبَيْضَ لَا يَفْتَقِرُ لِذَكَاةٍ حَتَّى يَكُونَ بِفِعْلِ الْمُحْرِمِ مَيْتَةً وَلَا يَزِيدُ فِعْلُ الْمُحْرِمِ فِيهِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ عَلَى فِعْلِ الْمَجُوسِيِّ، وَهُوَ إذَا شَوَى بَيْضًا أَوْ كَسَرَهُ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْمُسْلِمِ، بِخِلَافِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ يَفْتَقِرُ لِذَكَاةٍ مَشْرُوعَةٍ وَالْمُحْرِمُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا انْتَهَى.

[حكم الحيوان المصيد]

(وَجَازَ) لِلْمُحْرِمِ (أَكْلُ مَا) أَيْ صَيْدٍ (صَادَهُ حِلٌّ لِحِلٍّ) : لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، بِخِلَافِ مَا صَادَهُ لِمُحْرِمٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وَشَبَّهَ فِي جَوَازِ الْأَكْلِ قَوْلَهُ: (كَإِدْخَالِهِ) : أَيْ الصَّيْدِ (الْحَرَمَ وَذَبْحِهِ بِهِ إنْ كَانَ) الصَّائِدُ (مِنْ سَاكِنِيهِ) : أَيْ الْحَرَمِ؛ أَيْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِسُكَّانِ الْحَرَمِ أَنْ يَخْرُجُوا لِلْحِلِّ فَيَصْطَادُوا وَيَدْخُلُوا بِالصَّيْدِ الْحَرَمَ فَيَذْبَحُوهُ بِهِ، وَهُوَ يَجُوزُ أَكْلُهُ لِكُلِّ أَحَدٍ. بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ إذَا اصْطَادُوا بِالْحِلِّ صَيْدًا، وَدَخَلُوا بِهِ الْحَرَمَ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ إرْسَالُهُ، فَإِنْ ذَبَحُوهُ بِهِ فَمَيْتَةٌ. (وَحَرُمَ) عَلَى الْمُكَلَّفِ (بِهِ) : أَيْ بِالْحَرَمِ لِمُحْرِمٍ وَغَيْرِهِ (قَطْعُ) أَوْ قَلْعُ (مَا يَنْبُتُ) مِنْ الْأَرْضِ (بِنَفْسِهِ) : كَشَجَرِ الطَّرْفَاءِ وَالسَّلَمِ وَالْبَقْلِ الْبَرِّيِّ. (إلَّا الْإِذْخِرَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [حُكْم الْحَيَوَان المصيد] قَوْلُهُ: [صَادَهُ حِلٌّ] : أَيْ فِي الْحِلِّ، وَأَمَّا مَا صَادَهُ مُحْرِمٌ فِي الْحِلِّ أَوْ حِلٌّ فِي الْحَرَمِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَكْلُهُ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ ذَبَحُوهُ بِهِ فَمَيْتَةٌ] : أَيْ وَفِيهِ الْجَزَاءُ، وَكَذَا إنْ أَبْقَاهُ عِنْدَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ وَذَبَحَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ فَيَلْزَمُهُ جَزَاؤُهُ، سَوَاءٌ كَانَ حِينَ دُخُولِهِ الْحَرَمَ بِالصَّيْدِ مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا. أَمَّا الْمُحْرِمُ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا الْحَلَالُ فَلِأَنَّهُ لَمَّا أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ صَارَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ كَذَا قِيلَ، وَفِيهِ إنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يَجْرِي فِي الْحَلَالِ الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ مَعَ أَنَّ صَيْدَهُمْ جَائِزٌ، وَقَدْ يُقَالُ خُفِّفَ لِسُكَّانِهَا لِلضَّرُورَةِ. [مَا يحرم مِنْ قطع النَّبَات وَنَحْوه] قَوْلُهُ: [لِمُحْرِمٍ وَغَيْرِهِ] : أَيْ آفَاقِيًّا أَوْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَقَوْلُهُ قَطْعُ أَوْ قَلْعُ مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ أَيْ وَلَوْ كَانَ قَطْعُهُ لِإِطْعَامِ الدَّوَابِّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَخْضَرِ وَالْيَابِسِ. وَالْمُرَادُ إنَّ جِنْسَهُ يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ عِلَاجٍ فَحُرْمَتُهُ وَلَوْ اسْتَنْبَتَ نَظَرًا لِجِنْسِهِ، وَلِذَلِكَ لَوْ كَانَ جِنْسُهُ يَسْتَنْبِتُ جَازَ قَطْعُهُ، وَلَوْ نَبَتَ بِنَفْسِهِ كَخَسٍّ وَحِنْطَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [كَشَجَرِ الطُّرَفَاءِ] : أَيْ وَكَذَا شَجَرُ الْغِيلَانِ: قَوْلُهُ: [نَبْتٌ مَعْرُوفٌ] : كَالْحَلْفَاءِ طَيِّبِ الرَّائِحَةِ وَاحِدُهُ إذْخِرَةٌ وَجَمْعُهُ إذْخَرُ

[صيد حرم المدينة وشجرها]

(وَالسَّنَا) بِالْقَصْرِ (وَالسِّوَاكِ وَالْعَصَا وَمَا قُصِدَ السُّكْنَى بِمَوْضِعِهِ) لِلضَّرُورَةِ (أَوْ إصْلَاحِ الْحَوَائِطِ) أَيْ مَا قُطِعَ لِإِصْلَاحِهَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ. (وَلَا جَزَاءَ) فِيمَا حَرُمَ قَطْعُهُ. (كَصَيْدِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ) الْمُنَوَّرَةِ: فَإِنَّهُ يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ وَلَا جَزَاءَ فِيهِ إنْ قَتَلَهُ، وَيَحْرُمُ أَكْلُهُ (وَهُوَ مَا بَيْنَ الْحِرَارِ) الْأَرْبَعِ؛ جَمْعُ حِرَّةٍ بِكَسْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَذَاخِرُ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: " إلَّا الْإِذْخِرَ وَالسَّنَا " إلَخْ أَيْ لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ اسْتِثْنَاءُ الْإِذْخِرِ. وَالْمُلْحَقَاتُ بِهِ سِتَّةٌ: السَّنَا، وَالْهَشُّ أَيْ قَطْعُ وَرَقِ الشَّجَرِ بِالْمِحْجَنِ وَالْعَصَا، وَالسِّوَاكُ، وَقَطْعُ الشَّجَرِ لِلْبِنَاءِ، وَالسُّكْنَى بِمَوْضِعِهِ، وَقَطْعُهُ لِإِصْلَاحِ الْحَوَائِطِ وَالْبَسَاتِينِ. وَالْمِحْجَنُ الْمَذْكُورُ: هُوَ الْعَصَا الْمُعْوَجَّةُ مِنْ الطَّرْفِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وِزَانُ: مِقْوَدٍ، وَالْجَمْعُ مَحَاجِنُ، بِأَنْ يَضَعَهُ عَلَى الْغُصْنِ وَيُحَرِّكَهُ لِيَقَعَ الْوَرَقُ؛ وَأَمَّا خَبْطُ الْعَصَا عَلَى الشَّجَرِ لِيَقَعَ وَرَقُهُ فَهُوَ حَرَامٌ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. [صَيْد حرم الْمَدِينَة وَشَجَرهَا] قَوْلُهُ: [وَلَا جَزَاءَ فِيمَا حَرُمَ قَطْعُهُ] : أَيْ لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي صَيْدِ الْحَرَمِ أَوْ الْمُحْرِمِ. قَوْلُهُ: [كَصَيْدِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ] : التَّشْبِيهُ فِي تَحْرِيمِ قَطْعِ شَجَرِ حَرَمِ مَكَّةَ وَعَدَمِ الْجَزَاءِ فِيهِ. قَوْلُهُ: [وَلَا جَزَاءَ فِيهِ إنْ قَتَلَهُ] : وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْجَزَاءِ خِفَّةُ الْحُرْمَةِ فِيهِ، بَلْ الْمَدِينَةُ أَشَدُّ لِأَنَّ صَيْدَهَا كَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ الَّذِي لَا كَفَّارَةَ لَهُ كَذَا قِيلَ. لَكِنْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا صَادَ صَيْدًا فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ فِيهِ الْجَزَاءَ كَحَرَمِ مَكَّةَ سَوَاءٌ، وَبِذَلِكَ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ الصَّيْدَ فِيهَا أَخَفُّ مِنْ الصَّيْدِ فِي حَرَمِ مَكَّةَ، فَلَمْ يَرَ عَلَى مَنْ صَادَ فِي حَرَمِهَا إلَّا الِاسْتِغْفَارَ وَالزَّجْرَ مِنْ الْإِمَامِ، فَقِيلَ لَهُ: هَلْ يُؤْكَلُ الصَّيْدُ الَّذِي يُصَادُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ؟ فَقَالَ: مَا هُوَ مِثْلُ مَا يُصَادُ فِي حَرَمِ مَكَّةَ، وَإِنِّي لَأَكْرَهُهُ، فَرُوجِعَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي. (انْتَهَى) فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ عَدَمَ الْجَزَاءِ فِي صَيْدِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ صَيْدِ حَرَمِ مَكَّةَ، فَقَوْلُ شَارِحِنَا: وَيَحْرُمُ أَكْلُهُ تَبِعَ فِيهِ الْخَرَشِيَّ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [وَهُوَ مَا بَيْنَ الْحِرَارِ الْأَرْبَعِ] : فِيهِ شَيْءٌ إنَّمَا ذَكَرَ حِرَّتَيْنِ، وَالْجَوَابُ

[أنواع جزاء الصيد]

الْمُهْمَلَةِ: أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ نَخِرَةٍ كَأَنَّهَا أُحْرِقَتْ بِالنَّارِ. (وَ) قَطْعُ (شَجَرِهَا) : فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي شَجَرِ حَرَمِ مَكَّةَ. وَالْحَرَمُ بِالنِّسْبَةِ لَهُ (بَرِيدٌ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ) مِنْ جِهَاتِهَا مِنْ طَرَفِ آخِرِ الْبُيُوتِ الَّتِي كَانَتْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَسُوَرُهَا الْآنَ هُوَ طَرَفُهَا فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَيَحْرُمُ قَطْعُ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ فِي الْبُيُوتِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ وَذَاتُ الْمَدِينَةِ خَارِجَةٌ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَحْرُمُ قَطْعُ الشَّجَرِ الَّذِي بِهَا. (وَالْجَزَاءُ) أَيْ جَزَاءُ الصَّيْدِ (أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ عَلَى التَّخْيِيرِ كَالْفِدْيَةِ) ، فَإِنَّهَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ عَلَى التَّخْيِيرِ بِخِلَافِ الْهَدْيِ. (يَحْكُمُ بِهِ) : عَلَى مَنْ أَتْلَفَ الصَّيْدَ أَوْ تَسَبَّبَ فِي إتْلَافِهِ، (ذَوَا عَدْلٍ) ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ، وَلَا تَكْفِي الْفَتْوَى، وَلَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ فَلَا يَكْفِي وَاحِدٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِمَا غَيْرَهُ، فَلَا يَكْفِي أَنْ يَكُونَ الصَّائِدُ أَحَدَهُمَا، وَلَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْ الْعَدَالَةِ فَلَا يَكْفِي حُكْمُ كَافِرٍ وَلَا رَقِيقٍ وَلَا فَاسِقٍ وَلَا مُرْتَكِبِ مَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِكُلِّ حِرَّةٍ طَرَفَانِ اعْتَبَرَ كُلَّ طَرَفٍ حِرَّةً. قَوْلُهُ: [عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي شَجَرِ حَرَمِ مَكَّةَ] : أَيْ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ وَمَا يُسْتَثْنَى هُنَاكَ يُسْتَثْنَى هُنَا. قَوْلُهُ: [وَالْحَرَمُ بِالنِّسْبَةِ لَهُ] : أَيْ لِقَطْعِ الشَّجَرِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلصَّيْدِ فَالْمَدِينَةُ دَاخِلَةٌ، فَكَمَا يَحْرُمُ صَيْدُ خَارِجِهَا يَحْرُمُ صَيْدُ دَاخِلِهَا. قَوْلُهُ: [بَرِيدٌ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ] : أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ خَلِيلٍ بَرِيدٌ فِي بَرِيدٍ، فَلِذَلِكَ اعْتَرَضُوهُ بِأَنَّ الْبَرِيدَ فِي الْبَرِيدِ وَاحِدٌ فَيَكُونُ الْحَرَمُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ رُبْعُ بَرِيدٍ لَا بَرِيدًا، وَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ فِي بِمَعْنَى مَعَ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى: {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} [الأعراف: 38] وَالْمَعْنَى بَرِيدٌ مُصَاحِبٌ لِبَرِيدٍ حَتَّى تُسْتَوْفَى جَمِيعُ جِهَاتِهَا. [أَنْوَاع جَزَاء الصَّيْد] قَوْلُهُ: [فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ] : ظَاهِرُهُ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ الْحُكْمِ فِي كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ: الْهَدْيِ وَالْإِطْعَامِ وَالصَّوْمِ، خِلَافًا لِابْنِ عَرَفَةَ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِي الصَّوْمِ. قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَانْظُرْ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْعَدْلَيْنِ أَنْ لَا يَكُونَا مُتَأَكِّدَيْ الْقَرَابَةِ؟ (اهـ.) قَوْلُهُ: [فَلَا يَكْفِي حُكْمُ كَافِرٍ] إلَخْ أَيْ وَلَا صَبِيٌّ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ تَسْتَلْزِمُ تِلْكَ الشُّرُوطَ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ فِيهِمَا الْعَدَالَةَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:

وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِمَا (فَقِيهَيْنِ بِهِ) : أَيْ عَالِمَيْنِ بِالْحُكْمِ فِي الصَّيْدِ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ وَلِيَ أَمْرًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَا وَلِيَ فِيهِ. فَلَا يَكْفِي جَاهِلٌ بِذَلِكَ. النَّوْعُ الْأَوَّلُ: أَفَادَهُ بِقَوْلِ (مِثْلُهُ) : أَيْ مِثْلُ الصَّيْدِ الَّذِي قَتَلَهُ (مِنْ النَّعَمِ) : الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، أَيْ مِثْلُهُ فِي الْقَدْرِ وَالصُّورَةِ أَوْ الْقَدْرِ وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ. (يُجْزِئُ أُضْحِيَّةٌ) : أَيْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِمَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ سِنًّا وَسَلَامَةً فَلَا يُجْزِئُ صَغِيرًا وَلَا مَعِيبًا، وَإِنْ كَانَ الصَّيْدُ صَغِيرًا أَوْ مَعِيبًا. (وَ) إذَا اخْتَارَ الْمِثْلَ مِنْ النَّعَمِ فَ (مَحِلُّهُ) الَّذِي يُذْبَحُ أَوْ يُنْحَرُ فِيهِ (مِنًى أَوْ مَكَّةَ) ، وَلَا يُجْزِئُ فِي غَيْرِهِمَا (لِأَنَّهُ هَدْيٌ) أَيْ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْهَدْيِ الْآتِي بَيَانُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] . وَأَشَارَ لِلنَّوْعِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: (أَوْ قِيمَتُهُ) أَيْ الصَّيْدِ (طَعَامًا) بِأَنْ يُقَوَّمَ بِطَعَامٍ مِنْ غَالِبِ طَعَامِ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ. وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَالْإِخْرَاجُ (يَوْمَ التَّلَفِ بِمَحِلِّهِ) : أَيْ مَحَلِّ التَّلَفِ لَا يَوْمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] . قَوْلُهُ: [أَيْ عَالِمَيْنِ بِالْحُكْمِ فِي الصَّيْدِ] : أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَا عَالِمَيْنِ بِجَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ. قَوْلُهُ: [فِي الْقَدْرِ وَالصُّورَةِ] أَيْ إنْ كَانَ يُمَاثِلُ الْأَنْعَامَ فِيهِمَا. وَقَوْلُهُ: [أَوْ الْقَدْرِ] : أَيْ إنْ تَعَذَّرَ مُمَاثَلَةُ الصُّورَةِ. قَوْلَةُ: [فَلَا يُجْزِئُ صَغِيرًا وَلَا مَعِيبًا] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ بِالنَّصْبِ، وَهُمَا مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ يُجْزِئُ، تَقْدِيرُهُ فَلَا يُجْزِئُ هُوَ أَيْ الْمِثْلُ مِنْ النَّعَمِ حَالَ كَوْنِهِ صَغِيرًا أَوْ مَعِيبًا. قَوْلُهُ: [مِنًى] : أَيْ بِالشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ الْآتِيَةِ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ مَكَّةَ] : أَيْ إنْ لَمْ تُوجَدْ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ. قَوْلُهُ: [وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَالْإِخْرَاجُ يَوْمَ التَّلَفِ] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَخْرَجَ الْجَزَاءَ

تَقْوِيمِ الْحُكْمَيْنِ، وَلَا يَوْمَ التَّعَدِّي، وَلَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِمَحِلٍّ آخَرَ غَيْرِ مَحَلِّ التَّلَفِ، وَلَا يُقَوَّمُ بِدَرَاهِمَ. وَيَشْتَرِي بِهَا طَعَامًا يُعْطَى (لِكُلِّ مِسْكِينٍ) مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ (مُدٌّ) بِمُدِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا يُجْزِئُ أَكْثَرُ مِنْ مُدٍّ وَلَا أَقَلُّ. وَمَحِلُّ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَالْإِخْرَاجِ بِمَحِلِّ التَّلَفِ (إنْ وَجَدَ) الْمُتْلِفُ (بِهِ) أَيْ فِي مَحَلِّ التَّلَفِ (مِسْكِينًا، وَ) وَجَدَ (لَهُ) أَيْ لِلصَّيْدِ (قِيمَةً) فِيهِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ بِهِ مَسَاكِينُ يُعْطِي إلَيْهِمْ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّيْدِ فِيهِ قِيمَةٌ، (فَأَقْرَبُ مَكَان) لَهُ يُعْتَبَرُ مَا ذُكِرَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فِي نَفْسِهِ. (وَلَا يُجْزِئُ) تَقْوِيمٌ أَوْ إطْعَامٌ (بِغَيْرِهِ) : أَيْ بِغَيْرِ مَحَلِّ التَّلَفِ إنْ أَمْكَنَ، أَوْ أَقْرَبُ مَكَان إلَيْهِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ فِيهِ. وَأَشَارَ لِلنَّوْعِ الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ) الطَّعَامِ (صِيَامًا) لِكُلِّ مُدٍّ صَوْمُ يَوْمٍ (فِي أَيِّ مَكَان) شَاءَ مَكَّةَ أَوْ غَيْرَهَا، (وَ) فِي أَيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَدْيًا اخْتَصَّ بِالْحَرَمِ، وَإِنْ أَرَادَ الصِّيَامَ صَامَ حَيْثُ شَاءَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ طَعَامًا فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فِي مَحَلِّ التَّلَفِ، وَإِنْ كَانَ التَّقْوِيمُ بِغَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِ ذَلِكَ الطَّعَامِ لِفُقَرَاء ذَلِكَ الْمَحَلِّ. قَوْلُهُ: [لَا يَوْمَ تَقْوِيمِ الْحَكَمَيْنِ] : أَيْ أَنَّهُ قَدْ لَا يَتَأَخَّرُ، وَتَخْتَلِفُ الْقِيمَةُ، وَقَوْلُهُ وَلَا يَوْمَ التَّعَدِّي أَيْ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَقَدَّمُ عَلَى يَوْمِ التَّلَفِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُقَوَّمُ بِدَرَاهِمَ وَيَشْتَرِي بِهَا طَعَامًا] : فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَجْزَأَ، وَأَمَّا لَوْ قَوَّمَهُ بِدَرَاهِمَ أَوْ عَرَضٍ وَأَخْرَجَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ، وَيَرْجِعُ بِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَبَيَّنَ أَنَّهُ جَزَاءٌ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُجْزِئُ أَكْثَرُ مِنْ مُدٍّ وَلَا أَقَلُّ] : فَلَوْ أَعْطَى أَكْثَرَ مِنْ مُدٍّ فَلَهُ نَزْعُ الزَّائِدِ إنْ بَيَّنَ، وَوَجَدَهُ بَاقِيًا، وَفِي النَّاقِصِ يُكْمِلُهُ، فَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ عَشَرَةُ أَمْدَادٍ فَرَّقَهَا عَلَى عِشْرِينَ كَمَّلَ لِعَشَرَةٍ وَنَزَعَ مِنْ عَشَرَةٍ بِالْقُرْعَةِ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَبَيَّنَ. قَوْلُهُ: [يُعْتَبَرُ مَا ذُكِرَ فِيهِ] : أَيْ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي بِقُرْبِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُجْزِئُ تَقْوِيمٌ] إلَخْ: أَيْ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ وَلَا الْإِطْعَامُ بِغَيْرِهِ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ، وَهَذَا لَا يُنَافِي جَوَازَ التَّقْوِيمِ بِغَيْرِهِ مَعَ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فِيهِ.

(زَمَانٍ) شَاءَ. وَلَا يَتَقَيَّدُ بِكَوْنِهِ فِي الْحَجِّ أَوْ بَعْدَ رُجُوعِهِ. (وَ) لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ بَعْضُ مُدِّ (كَمَّلَ لِكَسْرِهِ) وُجُوبًا فِي الصَّوْمِ؛ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ صَوْمُ بَعْضِ يَوْمٍ. وَنَدْبًا فِي الْإِطْعَامِ؛ (فَفِي) تَلَفِ (النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ) لِلْمُقَارَبَةِ فِي الْقَدْرِ وَالصُّورَةِ فِي الْجُمْلَةِ. (وَ) فِي (الْفِيلِ) بَدَنَةٌ خُرَاسَانِيَّةٌ (بِذَاتِ سَنَامَيْنِ، وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ وَبَقَرَةٍ بَقَرَةٌ، وَفِي الضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ شَاةٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَمَّلَ لِكَسْرِهِ] إلَخْ: فَإِذَا قِيلَ مَا قِيمَةُ هَذَا الظَّبْيِ: فَقِيلَ خَمْسَةُ أَمْدَادٍ وَنِصْفٌ فَإِنْ أَرَادَ الصَّوْمَ أَلْزَمَهُ الْحَكَمَانِ سِتَّةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ أَرَادَ الْإِطْعَامَ أَلْزَمَاهُ خَمْسَةَ أَمْدَادٍ وَنِصْفًا وَنُدِبَ لَهُ إكْمَالُ الْمُدِّ السَّادِسِ. قَوْلُهُ: [فَفِي تَلَفِ النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ] : أَيْ حَيْثُ أَرَادَ إخْرَاجَ الْمِثْلِ الْمُخَيَّرِ فِيهِ، وَالصِّيَامُ وَفِي الْإِطْعَامِ، فَالْمُجْزِي فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ. وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [وَالنَّعَامَةُ] : بِفَتْحِ النُّونِ تَذَّكَّرُ وَتُؤَنَّثُ، وَالنَّعَامُ اسْمُ جِنْسٍ مِثْلُ حَمَامٍ وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: " فَفِي النَّعَامَةِ " لِلسَّبَبِيَّةِ مُسَبَّبٌ عَلَى قَوْلِهِ: " مِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ ". وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الصَّيْدَ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلُ سَوَاءٌ كَانَ مُقَرَّرًا عَنْ الصَّحَابَةِ أَمْ لَا فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ الْمِثْلِ وَالْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ. وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ لِصِغَرِهِ فَقِيمَتُهُ طَعَامًا أَوْ عَدْلُهُ صِيَامًا عَلَى التَّخْيِيرِ. هَذَا حَاصِلُ مَا قَرَّرَ بِهِ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ، وَالشَّيْخُ سَالِمٌ: وَتَبِعَهُمَا شَارِحُنَا. وَقَالَ الْأُجْهُورِيُّ: الَّذِي يُفِيدُهُ النَّقْلُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ مِنْ الْأَنْعَامِ مِثْلُهُ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَعَدْلُهُ طَعَامًا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ صَامَ لِكُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. قَالَ (ر) : وَمَا قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ خَطَأٌ فَاحِشٌ خَرَجَ بِهِ عَنْ أَقْوَالِ الْمَالِكِيَّةِ كُلِّهَا، وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ شَيْخُهُ الْبَدْرُ. قَوْلُهُ: [وَفِي الْفِيلِ بَدَنَةٌ] إلَخْ: ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا نَصَّ فِي الْفِيلِ، وَقَالَ ابْنُ مُيَسَّرٍ: بَدَنَةٌ خُرَاسَانِيَّةٌ ذَاتُ سَنَامَيْنِ، وَقَالَ الْقَرَوِيُّونَ: الْقِيمَةُ طَعَامًا، وَقِيلَ وَزْنُهُ طَعَامًا لِغُلُوِّ عَظْمِهِ. وَكَيْفِيَّةُ وَزْنِهِ أَنْ يُجْعَلَ فِي سَفِينَةٍ وَيُنْظَرُ إلَى حَيْثُ تَنْزِلُ فِي الْمَاءِ ثُمَّ يَخْرُج مِنْهَا وَيُمْلَأُ بِالطَّعَامِ حَتَّى تَنْزِلَ فِي الْمَاءِ ذَلِكَ الْقَدْرَ. قَوْلُهُ: [وَفِي الضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ شَاةٌ] : يَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا إذَا قَتَلَهُمَا مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ مِنْهُمَا، أَمَّا إذَا لَمْ يَنْجُ مِنْهُمَا إلَّا بِقَتْلِهِمَا فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ

(كَحَمَامِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ وَيَمَامِهِ) أَيْ الْحَرَمِ فِيهِ شَاةٌ (بِلَا حُكْمٍ) ، بَلْ الْمَدَارُ عَلَى أَنَّهَا تُجْزِئُ ضَحِيَّةٌ لِخُرُوجِهَا عَنْ الِاجْتِهَادِ؛ لِمَا بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْجَزَاءِ مِنْ الْبُعْدِ فِي التَّفَاوُتِ، وَشَدَّدُوا فِيهِمَا لِإِلْفِهِمَا لِلنَّاسِ كَثِيرًا، فَرُبَّمَا تَسَارَعَ النَّاسُ لِقَتْلِهِمَا. (وَ) الْحَمَامِ وَالْيَمَامِ (فِي الْحِلِّ وَجَمِيعِ الطَّيْرِ) غَيْرِهِمَا كَالْعَصَافِيرِ وَالْكُرْكِيِّ وَالْإِوَزِّ الْعِرَاقِيِّ وَالْهُدْهُدِ وَلَوْ بِالْحَرَمِ (قِيمَتُهُ طَعَامًا) كُلُّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ (كَضَبٍّ وَأَرْنَبٍ وَيَرْبُوعٍ) فِيهَا قِيمَتُهَا طَعَامًا إذْ لَيْسَ لَهَا مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ، (أَوْ عَدْلُهَا) : أَيْ عَدْلُ قِيمَتِهَا مِنْ الطَّعَامِ (صِيَامًا) لِكُلِّ مُدٍّ صَوْمُ يَوْمٍ، وَكَمَّلَ الْمُنْكَسِرَ. وَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ طَعَامًا وَالصَّوْمِ، إلَّا حَمَامَ وَيَمَامَ الْحَرَمِ يَتَعَيَّنُ فِيهِمَا الشَّاةُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا فَصِيَامُ عَشْرَةِ أَيَّامٍ. (وَالصَّغِيرُ وَالْمَرِيضُ وَالْأُنْثَى) مِنْ الصَّيْدِ (كَغَيْرِهَا) مِنْ الْكَبِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصْلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي التَّلْقِينِ. وَنُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيمَنْ عَدَتْ عَلَيْهِ سِبَاعُ الطَّيْرِ أَوْ غَيْرُهَا فَقَتَلَهَا انْتَهَى (بْن) . قَوْلُهُ: [كَحَمَامِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ] إلَخْ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الشَّاةَ صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي. وَاعْلَمْ أَنَّ حَمَامَ الْحَرَمِ الْقَاطِنَ بِهِ، إذَا خَرَجَ لِلْحِلِّ وَصَادَهُ حَلَالٌ مِنْ الْحِلِّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ اصْطِيَادُهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَفْرَاخٌ فِي الْحَرَمِ ابْنُ نَاجِي: إنْ كَانَ لَهُ أَفْرَاخٌ فَالصَّوَاب تَحْرِيمُ صَيْدِهِ لِتَعْذِيبِهِ فِرَاخَهُ حَتَّى يَمُوتُوا قَالَهُ (ح) . قَوْلُهُ: [قِيمَتُهُ طَعَامًا كُلُّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ] إلَخْ: الْحَاصِلُ أَنَّ الصَّيْدَ إمَّا طَيْرٌ أَوْ غَيْرُهُ، وَالطَّيْرُ إمَّا حَمَامُ الْحَرَمِ وَيَمَامُهُ وَإِمَّا غَيْرُهُمَا. فَإِنْ كَانَ الصَّيْدُ حَمَامَ الْحَرَمِ وَيَمَامَهُ تَعَيَّنَ فِيهِ شَاةٌ تُجْزِئُ، ضَحِيَّةٌ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَإِنْ كَانَ الطَّيْرُ غَيْرَ مَا ذُكِرَ، خُيِّرَ بَيْنَ الْقِيمَةِ طَعَامًا وَعَدْلِهِ صِيَامًا، وَإِنْ كَانَ الصَّيْدُ غَيْرَ طَيْرٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ يَجْزِي ضَحِيَّةً أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ خُيِّرَ بَيْنَ الْمِثْلِ وَالْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَرَّرٌ أَمْ لَا، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ يَجْزِي ضَحِيَّةً خُيِّرَ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالصَّوْمِ فَقَطْ. هَذَا حَاصِلُ الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَالصَّحِيحِ وَالذَّكَرِ فِي الْجَزَاءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَإِذَا اخْتَارَ الْمِثْلَ فَلَا بُدَّ مِنْ مِثْلٍ يُجْزِئُ ضَحِيَّةً، وَلَا يَكْفِي فِي الْمَعِيبِ مَعِيبٌ. وَالصَّغِيرِ صَغِيرٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ قَدْ تَخْتَلِفُ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ وَلِذَا اُحْتِيجَ لِحُكْمِ الْعُدُولِ الْعَارِفِينَ، وَإِنْ وَرَدَ شَيْءٌ مِنْ الشَّارِعِ فِي ذَلِكَ الصَّيْدِ. (وَلَهُ) : أَيْ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ (الِانْتِقَالُ) إلَى غَيْرِهِ (بَعْدَ الْحُكْمِ، وَلَوْ الْتَزَمَهُ) : فَلَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْمِثْلِ إلَى اخْتِيَارِ الْإِطْعَامِ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا بُدَّ مِنْ مِثْلٍ يُجْزِئُ ضَحِيَّةً] : فَالنَّعَامَةُ الصَّغِيرَةُ أَوْ الْمَعِيبَةُ أَوْ الْمَرِيضَةُ إذَا قَتَلَهَا الْمُحْرِمُ وَاخْتَارَ مِثْلَهَا مِنْ الْأَنْعَامِ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِبَدَنَةٍ كَبِيرَةٍ سَلِيمَةٍ صَحِيحَةٍ، وَكَذَا يُقَالُ فِي غَيْرِهَا. فَإِنْ اخْتَارَ قِيمَتَهَا طَعَامًا فَإِنَّهَا تُقَوَّمُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ أَيْضًا، وَيُقْطَعُ النَّظَرُ عَمَّا فِيهَا مِنْ وَصْفِ الصِّغَرِ وَالْعَيْبِ وَالْمَرَضِ، بِخِلَافِ لَوْ قُوِّمَتْ لِرَبِّهَا فَتُقَوَّمُ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي هِيَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَلِذَا اُحْتِيجَ لِحُكْمِ الْعُدُولِ الْعَارِفِينَ] إلَخْ: الْحَاصِلُ أَنَّ الصَّيْدَ إنْ كَانَ لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ عَنْ النَّبِيِّ وَلَا عَنْ السَّلَفِ كَالدُّبِّ وَالْقِرْدِ وَالْخِنْزِيرِ، فَإِنَّ الْحَكَمَيْنِ يَجْتَهِدَانِ فِي الْوَاجِبِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَرَّرٌ عَنْ الشَّارِعِ كَالنَّعَامَةِ وَالْفِيلِ. فَإِنَّهُ وَرَدَ فِي الْأُولَى بَدَنَةٌ ذَاتُ سَنَامٍ، وَفِي الثَّانِي بَدَنَةٌ ذَاتُ سَنَامَيْنِ، فَالِاجْتِهَادُ فِي أَحْوَالِ ذَلِكَ الْمُقَرَّرِ مِنْ سِمَنٍ وَسِنٍّ وَهُزَالٍ بِأَنْ يَرَيَا أَنَّ هَذِهِ النَّعَامَةَ الْمَقْتُولَةَ بَدَنَةٌ سَمِينَةٌ أَوْ هَزِيلَةٌ مَثَلًا لِكَوْنِ النَّعَامَةِ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: [الِانْتِقَالُ إلَى غَيْرِهِ] : أَيْ فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ غَيْرَ مَا حَكَمَا عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ أَنَّهُمَا لَا يَحْكُمَانِ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُخَيِّرَاهُ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، فَإِنْ اخْتَارَ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَحَكَمَا عَلَيْهِ بِهِ فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ غَيْرَهُ وَيَحْكُمَانِ بِهِ عَلَيْهِ، كَمَا إذَا انْتَقَلَ مِنْ الْمِثْلِ لِلْإِطْعَامِ أَوْ الصَّوْمِ. وَأَمَّا لَوْ انْتَقَلَ مِنْ الْإِطْعَامِ لِلصَّوْمِ فَلَا يَحْتَاجُ لِحُكْمٍ، لِأَنَّ صَوْمَهُ عِوَضٌ عَنْ الْإِطْعَامِ لَا عِوَضٌ عَنْ الصَّيْدِ أَوْ مِثْلُهُ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ الْتَزَمَهُ] : أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَمَحَلُّهُمَا إذَا عَلِمَ مَا حَكَمَا بِهِ

الصِّيَامِ وَعَكْسُهُ، وَقِيلَ: إنْ الْتَزَمَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ الِانْتِقَالُ عَنْهُ. (وَنُقِضَ) الْحُكْمُ وُجُوبًا (إنْ ظَهَرَ الْخَطَأُ) فِيهِ ظُهُورًا بَيِّنًا. (وَنُدِبَ كَوْنُهُمَا) : أَيْ الْعَدْلَيْنِ (بِمَجْلِسٍ) وَاحِدٍ لِمَزِيدِ التَّثَبُّتِ وَالضَّبْطِ، (وَفِي الْجَنِينِ) : كَمَا إذَا فَعَلَ شَيْئًا بِصَيْدٍ حَامِلٍ فَأَلْقَى جَنِينًا، (وَ) فِي (الْبَيْضِ) إذَا كَسَرَهُ أَوْ شَوَاهُ الْمُحْرِمُ أَيْ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ (عُشْرُ دِيَةِ الْأُمِّ) ، فَإِذَا كَانَ جَزَاءُ الْأُمِّ عَشَرَةَ أَمْدَادٍ فَفِي جَنِينِهَا أَوْ بَيْضَتِهَا مُدٌّ، (وَلَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْتَزَمَهُ، لَا إنْ الْتَزَمَهُ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَالِالْتِزَامُ يَكُونُ بِاللَّفْظِ بِأَنْ يَقُولَ الْتَزَمْت ذَلِكَ لَا بِالْجَزْمِ الْقَلْبِيِّ وَحْدَهُ. قَوْلُهُ: [ظُهُورًا بَيِّنًا] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْخَطَأُ غَيْرَ بَيِّنٍ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَضُ؛ كَمَا لَوْ حَكَمَا فِي الضَّبُعِ بِعَنْزٍ ابْنِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُمَا، لِأَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ يَرَى ذَلِكَ، وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُنْقَضُ إذَا وَقَعَ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ. لَكِنْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مَتَى تَبَيَّنَ الْخَطَأُ فِي الْحُكْمِ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ، سَوَاءٌ كَانَ وَاضِحًا أَوْ غَيْرَ وَاضِحٍ خِلَافًا لِلشَّارِحِ إذْ لَا بُدَّ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ مِنْ كَوْنِهِ يُجْزِئُ ضَحِيَّةً كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ (ر) كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. تَنْبِيهٌ: إنْ اخْتَلَفَ الْحَكَمَانِ فِي قَدْرِ مَا حَكَمَا بِهِ عَلَيْهِ أَوْ نَوْعِهِ اُبْتُدِئَ الْحَكَمُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا مَعَ غَيْرِ صَاحِبِهِ. قَوْلُهُ: [لِمَزِيدِ التَّثَبُّتِ وَالضَّبْطِ] : أَيْ لِأَنَّ كُلًّا يَطَّلِعُ عَلَى حُكْمِ صَاحِبِهِ وَرَأْيِهِ. قَوْلُهُ: [إذَا كَسَرَهُ أَوْ شَوَاهُ الْمُحْرِمُ] : وَمِثْلُهُ مَنْ فِي الْحَرَمِ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْبَيْضِ الْمَذَرِ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ فَرْخٌ، وَلَا يَضُرُّ نُقْطَةُ دَمٍ، وَالظَّاهِرُ الرُّجُوعُ فِيمَا إذَا اخْتَلَطَ بَيَاضُهُ وَصُفَارُهُ لِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، فَإِنْ قَالُوا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ فَرْخٌ كَانَ فِيهِ عُشْرُ الدِّيَةِ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: [فَفِي جَنِينِهَا أَوْ بَيْضَتِهَا مُدٌّ] : أَيْ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِدِيَتِهَا قِيمَتُهَا طَعَامًا أَوْ عَدْلُهُ صِيَامًا فِيمَا فِي جَزَائِهِ طَعَامٌ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي الْجَنِينِ وَالْبَيْضِ بَيْنَ عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ مِنْ الطَّعَامِ، وَبَيْنَ عَدْلِ ذَلِكَ مِنْ الصِّيَامِ، إلَّا بَيْضَ حَمَامِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ وَجَنِينُهُمَا فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ الشَّاةِ طَعَامًا، فَإِنْ تَعَذَّرَ صَامَ يَوْمًا كَذَا فِي (ح) نَقَلَهُ (بْن) . وَمَحَلُّ لُزُومِهِ لِلْجَنِينِ إذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ مَا لَمْ تَمُتْ أُمُّهُ مَعَهُ وَإِلَّا فَيَنْدَرِجُ فِي دِيَةِ أُمِّهِ.

[الهدي]

تَحَرَّكَ) الْجَنِينُ بَعْدَ سُقُوطِهِ وَلَمْ يَسْتَهِلَّ. (وَ) فِيهِ (دِيَتُهَا) أَيْ دِيَةُ أُمِّهِ كَامِلًا (إذَا اسْتَهَلَّ) صَارِخًا، فَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ أَيْضًا فَدِيَتَانِ. وَلَمَّا كَانَتْ دِمَاءُ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ ثَلَاثَةً: الْفِدْيَةَ، وَجَزَاءَ الصَّيْدِ، وَالْهَدْيَ وَقَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ أَشَارَ لِلثَّالِثِ بِقَوْلِهِ: (وَغَيْرُ الْفِدْيَةِ وَ) غَيْرُ (جَزَاءِ الصَّيْدِ: هَدْيٌ) مُرَتَّبٌ (وَهُوَ) : أَيْ الْهَدْيُ (مَا وَجَبَ لِتَمَتُّعٍ) قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] . (أَوْ لِقِرَانٍ) بِالْقِيَاسِ عَلَى التَّمَتُّعِ (أَوْ) وَجَبَ (لِتَرْكِ وَاجِبٍ) فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ، كَتَرْكِ التَّلْبِيَةِ، أَوْ طَوَافِ الْقُدُومِ، أَوْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ نَهَارًا، أَوْ النُّزُولِ بِالْمُزْدَلِفَةِ، أَوْ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ أَوْ غَيْرِهَا. أَوْ الْمَبِيتِ بِمِنًى أَيَّامَ النَّحْرِ، أَوْ الْحَلْقِ (أَوْ) مَا وَجَبَ (لِجِمَاعٍ) مُفْسِدٍ أَوْ غَيْرِ مُفْسِدٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، (أَوْ) وَجَبَ (لِنَحْوِهِ) كَمَذْيٍ وَقُبْلَةٍ بِفَمٍ، أَوْ وَجَبَ لِنَذْرٍ عَيَّنَهُ لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ أَطْلَقَ أَوْ مَا كَانَ تَطَوُّعًا. وَ (نُدِبَ) فِيهِ مَا كَانَ كَثِيرَ اللَّحْمِ (إبِلٌ فَبَقَرٌ فَضَأْنٌ) فَمَعْزٌ، وَيُقَدَّمُ الذَّكَرُ مِنْ كُلٍّ عَلَى الْأُنْثَى وَالْأَسْمَنُ عَلَى غَيْرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إذَا اسْتَهَلَّ] : الِاسْتِهْلَالُ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ تَحَقُّقِ الْحَيَاةِ. [الْهَدْي] قَوْلُهُ: [هَدْيٌ مُرَتَّبٌ] : خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ (وَغَيْرُ الْفِدْيَةِ) . وَمُرَتَّبٌ صِفَتُهُ. قَوْلُهُ: [بِالْقِيَاسِ عَلَى التَّمَتُّعِ] : أَيْ وَكَذَلِكَ مَا بَعْدَهُ مِنْ تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ جِمَاعٍ أَوْ نَحْوِهِ، لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ إلَّا فِي التَّمَتُّعِ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَطْلَقَ مَا كَانَ تَطَوُّعًا] : أَيْ فَكُلُّهُ مُرَتَّبٌ لَا يَنْتَقِلُ لِلصَّوْمِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأَنْعَامِ. قَوْلُهُ: [إبِلٌ فَبَقَرٌ] : أَيْ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَكْثَرُ هَدَايَاهُ الْإِبِلَ، نَحَرَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِائَةً بَاشَرَ مِنْهَا ثَلَاثًا وَسِتِّينَ، وَنَحَرَ عَلِيٌّ سَبْعًا وَثَلَاثِينَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مُبَاشَرَةَ النَّحْرِ بِيَدِهِ أَفْضَلُ، إلَّا لِلضَّرُورَةِ، فَيَسْتَنِيبُ

[شروط نحر الهدي بمنى]

(وَ) نُدِبَ (وُقُوفُهُ بِهِ الْمَشَاعِرَ) : أَيْ عَرَفَةَ وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَمِنًى. (وَوَجَبَ) الْهَدْيُ: أَيْ نَحْرُهُ (بِمِنًى) بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ: (إنْ سِيقَ) الْهَدْيُ (بِحَجٍّ) : أَيْ فِي إحْرَامِهِ بِهِ وَإِنْ كَانَ مُوجِبُهُ نَقْصًا بِعُمْرَةٍ أَوْ حَجٍّ غَيْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، أَوْ كَانَ تَطَوُّعًا. (وَوَقَفَ بِهِ) هُوَ (أَوْ نَائِبُهُ بِعَرَفَةَ كَهُوَ) : أَيْ كَوُقُوفِهِ هُوَ بِهِ فِي كَوْنِهِ جُزْءًا مِنْ اللَّيْلِ، وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَكَانَ أَحْسَنَ بِأَنْ يَقُولَ: وَوَقَفَ بِهِ أَوْ نَائِبُهُ بِعَرَفَةَ جُزْءًا إلَخْ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: " أَوْ نَائِبُهُ " مِنْ وُقُوفِ التُّجَّارِ بِهِ جُزْءًا مِنْ اللَّيْلِ لِلْبَيْعِ، فَلَا يَكْفِي إذَا اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ صَبِيحَةِ عَرَفَةَ، نَعَمْ إذَا اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ بِهَا وَأَمَرَهُمْ بِالْوُقُوفِ بِهِ لَيْلًا بِهَا كَفَى، لِأَنَّهُمْ نَائِبُونَ حِينَئِذٍ عَنْهُ. (بِأَيَّامِ النَّحْرِ) وَهَذَا إشَارَةٌ لِلشَّرْطِ الثَّالِثِ، أَيْ وَكَانَ النَّحْرُ فِي أَيَّامِهِ. (وَإِلَّا) بِأَنْ انْتَفَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ أَوْ بَعْضُهَا بِأَنْ لَمْ يَقِفْ بِهِ بِعَرَفَةَ أَوْ لَمْ يُسَقْ فِي حَجٍّ، بِأَنْ سِيقَ فِي عُمْرَةٍ أَوْ خَرَجَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ (فَمَكَّةُ) هِيَ مَحِلُّهُ لَا يُجْزِئُ فِي غَيْرِهَا، فَعُلِمَ أَنَّ مَحِلَّهُ إمَّا مِنًى بِالشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ وَإِمَّا مَكَّةُ لَا غَيْرُ عِنْدَ فَقْدِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ نَدْبُ النَّحْرِ بِمِنًى عِنْدَ وُجُودِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ الْوُجُوبُ كَمَا ذَكَرْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسْلِمُ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْقُرَبِ عَكْسُ الضَّحَايَا، فَإِنَّ الْأَفْضَلَ فِيهَا الضَّأْنُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ وُقُوفُهُ بِهِ الْمَشَاعِرَ] : هَذَا فِيمَا يُنْحَرُ أَوْ يُذْبَحُ بِمِنًى، وَأَمَّا مَا يُنْحَرُ أَوْ يُذْبَحُ بِمَكَّةَ فَالشَّرْطُ فِيهِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَيَكْفِي وُقُوفُهُ بِهِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ الْحِلِّ، وَفِي أَيِّ وَقْتٍ كَمَا يَأْتِي. [شُرُوط نحر الْهَدْي بِمَنَى] قَوْلُهُ: [كَهُوَ] : الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: [فَمَكَّةُ] : أَيْ لَا مَا يَلِيهَا مِنْ مَنَازِلِ النَّاسِ. قَوْلُهُ: [وَالْمُعْتَمَدُ الْوُجُوبُ] : وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ لَكِنْ غَيْرُ شَرْطٍ، لِأَنَّهُ إنْ نَحَرَهُ بِمَكَّةَ مَعَ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ صَحَّ مَعَ مُخَالَفَةِ الْوَاجِبِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَالْأَفْضَلُ فِيمَا ذُبِحَ بِمِنًى أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْأُولَى. وَلَوْ ذُبِحَ فِي أَيِّ مَوْقِعٍ مِنْهَا كَفَى وَخَالَفَ الْأَفْضَلَ.

[شروط صحة الهدي وسننه]

ثُمَّ ذَكَرَ شُرُوطَ صِحَّةِ الْهَدْيِ بِقَوْلِهِ: (صِحَّتُهُ) : أَيْ وَشَرْطُ صِحَّتِهِ: (بِالْجَمْعِ) فِيهِ (بَيْنَ حِلٍّ وَحَرَمٍ) فَلَا يُجْزِئُ مَا اشْتَرَاهُ بِمِنًى أَيَّامَ النَّحْرِ وَذَبَحَهُ بِهَا، كَمَا يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْعَوَامّ، بِخِلَافِ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ عَرَفَةَ لِأَنَّهَا مِنْ الْحِلِّ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ فِي الْحَرَمِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ لِلْحِلِّ عَرَفَةَ أَوْ غَيْرَهَا سَوَاءٌ خَرَجَ بِهِ هُوَ أَوْ نَائِبُهُ مُحْرِمًا أَمْ لَا، كَانَ الْهَدْيُ وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا. (وَنَحَرَهُ نَهَارًا) بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، (وَلَوْ قَبْلَ) نَحْرِ (الْإِمَامِ وَ) قَبْلَ طُلُوعِ (الشَّمْسِ) فَلَا يُجْزِئُ مَا نَحَرَ لَيْلًا. (وَ) الْمَسُوقُ (فِي الْعُمْرَةِ) كَانَ لِنَقْصٍ فِيهَا أَوْ فِي حَجٍّ أَوْ تَطَوُّعًا (بَعْدَ) تَمَامِ (سَعْيِهَا) فَلَا يُجْزِئُ قَبْلَهُ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحِلَّهُ مَكَّةَ لِعَدَمِ الْوُقُوفِ بِهِ بِعَرَفَةَ، (ثُمَّ حَلَقَ) أَوْ قَصَّرَ وَحَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ، فَإِنْ قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى النَّحْرِ فَلَا ضَرَرَ. (وَنُدِبَ) النَّحْرُ (بِالْمَرْوَةِ) . وَمَكَّةُ كُلُّهَا مَحَلٌّ لِلنَّحْرِ. (وَسِنُّهُ وَعَيْبُهُ كَالْأُضْحِيَّةِ) الْآتِي بَيَانُهَا فَلَا يُجْزِئُ مِنْ الْغَنَمِ مَا لَا يُوَفِّي سَنَةً، وَلَا مَعِيبٌ كَأَعْوَرَ. (وَالْمُعْتَبَرُ) فِي السِّنِّ وَالْعَيْبِ (وَقْتُ تَعْيِينِهِ) لِلْهَدْيِ بِالتَّقْلِيدِ فِيمَا يُقَلَّدُ، أَوْ التَّمْيِيزِ عَنْ غَيْرِهِ بِكَوْنِهِ هَدْيًا فِي غَيْرِهِ كَالْغَنَمِ، فَلَا يُجْزِئُ مُقَلَّدٌ مَعِيبٌ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ السِّنَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [شُرُوط صِحَّة الْهَدْي وَسُنَنه] قَوْلُهُ: [فَلَا يُجْزِئُ مَا اشْتَرَاهُ بِمِنًى] : أَيْ بِخِلَافِ الْفِدْيَةِ فَتُجْزِئُ مَا لَمْ تُجْعَلْ هَدْيًا فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ شَرْطِهِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [عَرَفَةَ أَوْ غَيْرِهَا] : لَكِنْ إنْ كَانَ غَيْرَ عَرَفَةَ فَلَا يَذْبَحُ إلَّا بِمَكَّةَ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُجْزِئُ مَا نَحَرَ لَيْلًا] : أَيْ بِخِلَافِ الْفِدْيَةِ إنْ لَمْ تُجْعَلْ هَدْيًا. قَوْلُهُ: [فَلَا يُجْزِئُ قَبْلَهُ] : أَيْ لِأَنَّهُمْ نَزَّلُوا سَعْيَهَا مَنْزِلَةَ الْوُقُوفِ فِي هَدْيِ الْحَجِّ فِي أَنْ لَا يَنْحَرَ إلَّا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [فَلَا ضَرَرَ] : أَيْ لِأَنَّ تَقْدِيمَ النَّحْرِ عَلَى الْحَلْقِ مَنْدُوبٌ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ النَّحْرُ بِالْمَرْوَةِ] إلَخْ: أَيْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهَا: «هَذَا الْمَنْحَرُ وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ» أَيْ طُرُقِهَا " مَنْحَرٌ "، فَإِنْ نَحَرَ خَارِجًا عَنْ بُيُوتِهَا إلَّا أَنَّهُ مِنْ لَوَاحِقِهَا فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُجْزِئُ مُقَلَّدٌ مَعِيبٌ] : مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَ " الْمُعْتَبَرُ " إلَخْ.

وَلَوْ صَحَّ أَوْ بَلَغَ السِّنَّ قَبْلَ نَحْرِهِ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ بِأَنَّ قَلَّدَهُ أَوْ عَيَّنَهُ سَلِيمًا ثُمَّ تَعَيَّبَ قَبْلَ ذَبْحِهِ فَيُجْزِئُ، لَا فَرْقَ بَيْنَ تَطَوُّعٍ وَوَاجِبٍ. (وَسُنَّ تَقْلِيدُ إبِلٍ وَبَقَرٍ) : أَيْ جَعْلُ قِلَادَةٍ أَيْ حَبْلٌ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ بِعُنُقِهَا لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهَا هَدْيٌ. (وَ) سُنَّ (إشْعَارُ) : أَيْ شَقُّ (إبِلٍ بِسَنَامِهَا) أَيْ فِيهِ بِسِكِّينٍ (مِنْ) الشِّقِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ صَحَّ أَوْ بَلَغَ السِّنَّ قَبْلَ نَحْرِهِ] : أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ هَدْيَ تَطَوُّعٍ أَوْ مَنْذُورًا مُعَيَّنًا فَيُجْزِئُ إنْ صَحَّ أَوْ بَلَغَ السِّنَّ قَبْلَ ذَبْحِهِ، قَالَ فِي الْأَصْلِ: ثُمَّ يَجِبُ إنْفَاذُ مَا قَلَّدَ مَعِيبًا لِوُجُوبِهِ بِالتَّقْلِيدِ وَإِنْ لَمْ يُجْزِئْهُ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْعَكْسِ] : أَيْ فَمَحَلُّ إجْزَائِهِ إذَا كَانَ تَعَيُّبُهُ مِنْ غَيْرِ تَعَدِّيهِ وَلَا تَفْرِيطِهِ، فَإِنْ كَانَ بِتَعَدِّيهِ أَوْ تَفْرِيطِهِ ضَمِنَ كَمَا فِي (ح) عَنْ الطِّرَازِ. وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ يَمْنَعْ التَّعْيِيبَ بُلُوغُ الْمَحَلِّ، فَلَوْ مَنَعَهُ كَعَطَبٍ أَوْ سَرِقَةٍ لَمْ يُجْزِئْهُ الْهَدْيُ الْوَاجِبُ، وَالنَّذْرُ الْمَضْمُونُ كَمَا يَأْتِي كَذَا فِي بْن نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ تَنْبِيهٌ: أَرْشُ الْهَدْيِ الْمَرْجُوعُ بِهِ عَلَى بَائِعِهِ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ أَمْ لَا؟ الْمُطَّلَعُ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ الْمُفِيتِينَ لِرَدِّهِ وَثَمَنِهِ الْمَرْجُوعِ بِهِ لِاسْتِحْقَاقِهِ يُجْعَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي هَدْيٍ إنْ بَلَغَ ذَلِكَ ثَمَنَ هَدْيٍ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ وُجُوبًا إنْ كَانَ هَدْيَ تَطَوُّعٍ أَوْ مَنْذُورًا بِعَيْنِهِ؛ إذْ لَا يَلْزَمُهُ بَدَلُهُمَا لِعَدَمِ شَغْلِ ذِمَّتِهِ بِهِ، وَأَمَّا الْهَدْيُ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ أَوْ الْمَنْذُورُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَلَا يَتَصَدَّقُ بِالْأَرْشِ وَالثَّمَنِ إنْ لَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ هَدْيٍ، بَلْ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي هَدْيٍ آخَرَ إنْ كَانَ الْعَيْبُ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ لِوُجُوبِ الْبَدَلِ عَلَيْهِ لِاشْتِغَالِ ذِمَّتِهِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ الْإِجْزَاءِ تَصَدَّقَ بِهِ إنْ لَمْ يَبْلُغْ هَدْيًا كَالتَّطَوُّعِ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [أَيْ شَقُّ إبِلٍ بِسَنَامِهَا] : هَذَا ظَاهِرٌ إنْ كَانَ لَهَا سَنَامٌ، فَإِنْ كَانَتْ لَا سَنَامَ لَهَا فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تُشَعَّرُ وَهُوَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ، وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّ الْإِبِلَ يُسَنُّ إشْعَارُهَا مُطْلَقًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سَنَامٌ، فَإِنْ كَانَ لَهَا سَنَامَانِ سُنَّ إشْعَارُهَا فِي وَاحِدٍ فَقَطْ. وَأَمَّا الْبَقَرُ فَتَقْلِيدٌ وَلَا تُشَعَّرُ، إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهَا أَسْنِمَةٌ فَتُشَعَّرُ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ، وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ لَهَا أَنَّ الْبَقَرَ لَا تُشَعَّرُ مُطْلَقًا، وَتَعَقَّبَهُ الرَّمَاصِيُّ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِإِشْعَارِهَا حَيْثُ كَانَ لَهَا سَنَامٌ؛ هَلْ تُجَلَّلُ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ.

[من لزمه هدي ولم يجد]

(الْأَيْسَرِ) نَدْبًا، وَقِيلَ مِنْ الْأَيْمَنِ، وَقِيلَ هُمَا سَوَاءٌ مِنْ جِهَةِ الرَّقَبَةِ لِلْمُؤَخَّرِ قَدْرَ أُنْمُلَتَيْنِ حَتَّى يَسِيلَ الدَّمُ، لِيُعْلَمَ أَنَّهَا هَدْيٌ. وَ (نُدِبَ تَسْمِيَةٌ) عِنْدَ إشْعَارِهَا بِأَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ. (وَ) نُدِبَ (نَعْلَانِ) : أَيْ تَعْلِيقُهُمَا (بِنَبَاتِ الْأَرْضِ) أَيْ بِحَبْلٍ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ كَحَلْفَاءَ، إلَّا مِنْ صُوفٍ أَوْ وَبَرٍ خَشْيَةَ تَعَلُّقِهِ بِشَيْءٍ مِنْ شَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيُؤْذِيَهُ. (وَ) نُدِبَ (تَجْلِيلُهَا) : أَيْ الْإِبِلِ أَيْ وَضْعُ جِلَالٍ عَلَيْهَا بِكَسْرِ الْجِيمِ جَمْعُ جُلٍّ بِضَمِّهَا. (وَ) نُدِبَ (شَقُّهَا) : أَيْ الْجِلَالِ يَدْخُلُ السَّنَامُ فِيهَا فَيَظْهَرُ الْإِشْعَارُ، وَتُمْسِكُ بِالسَّنَامِ فَلَا تَسْقُطُ بِالْأَرْضِ. (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) مَنْ لَزِمَهُ الْهَدْيُ لِتَمَتُّعٍ أَوْ غَيْرِهِ هَدْيًا (فَصِيَامُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ) فِي الْحَجِّ، وَذَلِكَ (مِنْ حِينِ إحْرَامِهِ) بِهِ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ. (وَ) لَوْ فَاتَهُ صَوْمُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَقِيلَ مِنْ الْأَيْمَنِ] : فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَفِي أَوْلَوِيَّتِهِ أَيْ الْإِشْعَارِ فِي الشِّقِّ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ، ثَالِثُهَا أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْأَيْسَرِ، رَابِعُهَا هُمَا سَوَاءٌ انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: يُنْدَبُ تَقْدِيمُ التَّقْلِيدِ عَلَى الْإِشْعَارِ خَوْفًا مِنْ نِفَارِهَا لَوْ أُشْعِرَتْ أَوْ لَا، وَفِعْلُهُمَا بِمَكَانٍ وَاحِدٍ أَوْلَى. وَفَائِدَةُ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ إعْلَامُ الْمَسَاكِينِ أَنَّ هَذَا هَدْيٌ فَيَجْتَمِعُونَ لَهُ، وَقِيلَ لِئَلَّا يَضِيعَ فَيُعْلَمَ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيُرَدَّ. قَوْلُهُ: [أَيْ الْإِبِلِ] : أَيْ وَأَمَّا الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ فَلَا يُوضَعُ عَلَيْهَا الْجِلَالُ اتِّفَاقًا فِي الْغَنَمِ، وَفِي الْبَقَرِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سَنَامٌ. [مِنْ لَزِمَهُ هَدْي وَلَمْ يَجِد] قَوْلُهُ: [فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ] : وَيُنْدَبُ فِيهِ التَّتَابُعُ كَمَا يُنْدَبُ فِي السَّبْعَةِ الْبَاقِيَةِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [وَذَلِكَ مِنْ حِينِ إحْرَامِهِ بِهِ] : أَيْ وَأَوَّلُ وَقْتِهَا مِنْ حِينِ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ فَلَا يُجْزِئُ قَبْلَ إحْرَامِهِ. قَوْلُهُ [وَلَوْ فَاتَهُ صَوْمُهَا] : أَيْ وَيُكْرَهُ لَهُ تَأْخِيرُهَا لِأَيَّامِ مِنًى فَتَقْدِيمُهَا عَلَيْهَا مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ عَرَفَةَ، فَمَا وَقَعَ ل (عب) تَبَعًا لِلْأُجْهُورِيِّ وَالشَّيْخِ أَحْمَدَ مِنْ أَنَّ صِيَامَهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَاجِبٌ وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا

قَبْلَ أَيَّامِ مِنًى (صَامَ أَيَّامَ مِنًى) الثَّلَاثَةَ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، إذْ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ، فَإِنْ صَامَ بَعْضَهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ كَمَّلَهَا بَعْدَهُ أَيَّامَ مِنًى. (وَ) هَذَا (إنْ تَقَدَّمَ الْمُوجِبُ) لِلْهَدْيِ (عَلَى الْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ كَتَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ وَتَعَدِّي مِيقَاتٍ وَتَرْكِ تَلْبِيَةٍ وَمَذْيٍ وَقُبْلَةٍ بِفَمٍ، (وَإِلَّا) يَتَقَدَّمُ الْمُوجِبُ، بِأَنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْوُقُوفِ كَتَرْكِ نُزُولٍ بِمُزْدَلِفَةَ أَوْ رَمْيٍ أَوْ حَلْقٍ أَوْ جِمَاعٍ بَعْدَ رَمْيِ الْعَقَبَةِ وَقَبْلَ الْإِفَاضَةِ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ قَبْلَهُمَا بَعْدَهُ (صَامَهَا مَتَى شَاءَ كَهَدْيِ الْعُمْرَةِ) ، إذَا لَمْ يَجِدْهُ صَامَ الثَّلَاثَةَ مَعَ السَّبْعَةِ مَتَى شَاءَ لِعَدَمِ وُقُوفٍ فِيهَا. (وَ) صِيَامُ (سَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى) فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] أَيْ مِنْ مِنًى بَعْدَ أَيَّامِهَا، سَوَاءٌ مَكَّةُ وَغَيْرُهَا، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: إذَا رَجَعْتُمْ إلَى أَهْلِكُمْ، فَأَهْلُ مَكَّةَ يَصُومُونَهَا فِيهَا وَغَيْرُهُمْ بِبِلَادِهِمْ، وَيُنْدَبُ تَأْخِيرُهَا لِلْآفَاقِيِّ حَتَّى يَرْجِعَ لِأَهْلِهِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ. (وَلَا تُجْزِئُ) السَّبْعَةُ (إنْ قَدَّمَهَا عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِلَا عُذْرٍ ضَعِيفٍ كَذَا فِي (بْن) نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا إنْ تَقَدَّمَ الْمُوجِبُ] : أَيْ فَتَقَدُّمُ الْمُوجِبِ شَرْطٌ فِي أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا كَوْنُ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ مِنْ إحْرَامِهِ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ، وَالثَّانِي كَوْنُهُ إذَا فَاتَ صَامَ أَيَّامَ مِنًى. قَوْلُهُ: [صَامَهَا مَتَى شَاءَ] : أَيْ بَعْدَ أَيَّامِ مِنًى الثَّلَاثَةِ، فَلَوْ صَامَهَا أَيَّامَ مِنًى لَمْ يُجْزِئْهُ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَصِيَامُ سَبْعَةٍ] : أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ سَبْعَةً بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، أَيْ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْ الْهَدْيِ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى وَإِنْ لَمْ يَصِلْهَا بِالرُّجُوعِ. قَوْلُهُ: [لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ] : أَيْ الْوَاقِعِ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] فَإِذَا أَخَّرَهَا لِبَلَدِهِ أَتَى بِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَلَا تُجْزِئُ السَّبْعَةُ إنْ قَدَّمَهَا عَلَيْهِ] : أَيْ وَلَا يُجْزِئُ أَيْضًا تَقْدِيمُهَا عَلَى رُجُوعِهِ مِنْ مِنًى. وَاخْتُلِفَ هَلْ يَجْتَزِئُ مِنْهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ لَا؟ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، قَالَ مَالِكٌ:

(كَصَوْمٍ) : أَيْ كَمَا لَا يُجْزِئُ صَوْمٌ عَنْ الْهَدْيِ إذَا (أَيْسَرَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ، (وَلَوْ) كَانَ إيسَارُهُ (بِسَلَفٍ) وَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ إيَّاهُ (لِمَالٍ) لَهُ (بِبَلَدِهِ) ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مُسَلِّفًا أَوْ وَجَدَ وَلَا مَالَ لَهُ بِبَلَدِهِ صَامَ. (وَنُدِبَ الرُّجُوعُ لِلْهَدْيِ) إنْ أَيْسَرَ (قَبْلَ كَمَالِ) صَوْمِ الْيَوْمِ (الثَّالِثِ) ، وَإِنْ وَجَبَ إتْمَامُهُ إنْ شَرَعَ فِيهِ، وَكَلَامُهُ صَادِقٌ بِمَا إذَا أَيْسَرَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الثَّالِثِ أَوْ الثَّانِي أَوْ بَعْدَهُ، وَكَذَا لَوْ أَيْسَرَ قَبْلَ إكْمَالِ الْأَوَّلِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْمُدَوَّنَةِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُمْنَعُ الْأَكْلُ مِنْهُ وَمَا يَجُوزُ مِنْ دِمَاءِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ الثَّلَاثَةِ: الْهَدْيُ، وَالْفِدْيَةُ، وَجَزَاءُ الصَّيْدِ. فَقَالَ: (وَلَا يُؤْكَلُ) : أَيْ يَحْرُمُ عَلَى رَبِّ الْهَدْيِ أَنْ يَأْكُلَ (مِنْ نَذْرِ مَسَاكِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ نَسِيَ الثَّلَاثَةَ حَتَّى صَامَ السَّبْعَةَ، فَإِنْ وَجَدَ هَدْيًا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُهْدِيَ وَإِلَّا صَامَ (اهـ.) فَهِمَ التُّونُسِيُّ مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا عَلِمْت. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: يُكْتَفَى مِنْهَا بِثَلَاثَةٍ، وَأَمَّا لَوْ صَامَ الْعَشَرَةَ قَبْلَ رُجُوعِهِ فَإِنَّهُ يَجْتَزِئُ مِنْهَا بِثَلَاثَةٍ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّبْعَةِ أَنَّ الثَّلَاثَةَ جُزْءُ الْعَشَرَةِ فَتَنْدَرِجُ فِيهَا، وَقَسِيمَةُ السَّبْعَةِ فَلَا تَنْدَرِجُ فِيهَا كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [لِمَالٍ لَهُ بِبَلَدِهِ] : اللَّامُ بِمَعْنَى مَعَ مُتَعَلِّقٌ بِوَجَدَ، أَيْ وَإِنْ وَجَدَ مُسَلِّفًا مَعَ مَالٍ، وَقَوْلُهُ بِبَلَدِهِ إمَّا صِفَةٌ لِمَالٍ أَيْ مَالٍ كَائِنٍ بِبَلَدِهِ، أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ وَيَصْبِرُ لِيَأْخُذَهُ بِبَلَدِهِ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ كَمَالِ صَوْمِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ] : أَيْ وَأَمَّا بَعْدَ كَمَالِ الثَّالِثِ فَلَا يُطَالَبُ بِالرُّجُوعِ، لِأَنَّهَا قَسِيمَةُ السَّبْعَةِ فِي الْعَشَرَةِ فَكَانَتْ كَالنِّصْفِ، وَقَوْلُنَا: " لَا يُطَالَبُ بِالرُّجُوعِ " لَا يُنَافِي أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ لَصَحَّ. وَلِذَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ وَجَدَ الْهَدْيَ بَعْدَ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ (اهـ.) وَاعْلَمْ أَنَّ اتِّصَالَ الثَّلَاثَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَاتِّصَالَ السَّبْعَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَاتِّصَالَ السَّبْعَةِ بِالثَّلَاثَةِ مُسْتَحَبٌّ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [الْهَدْيُ] : أَيْ الصَّادِقُ بِمَا سِيقَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ تَطَوُّعًا أَوْ نَذْرًا. قَوْلُهُ: [مِنْ نَذْرِ مَسَاكِينَ] : أَيْ مِنْ هَدْيٍ مَنْذُورٍ لِلْمَسَاكِينِ بِعَيْنِهِ، سَوَاءٌ عَيَّنَ الْمَسَاكِينَ أَيْضًا أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ التَّعْيِينُ بِاللَّفْظِ وَالنِّيَّةِ أَوْ النِّيَّةِ فَقَطْ.

عُيِّنَ) لَهُمْ، فَلَا تَجُوزُ لَهُ مُشَارَكَتُهُمْ فِيهِ، (وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ الْمَحِلَّ) : مِنًى بِشُرُوطِهِ أَوْ مَكَّةَ بِأَنْ عَطِبَ قَبْلَ الْمَحِلِّ فَنَحَرَهُ. (كَهَدْيِ تَطَوُّعٍ نَوَاهُ لَهُمْ) : أَيْ لِلْمَسَاكِينِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَكْلُهُ مِنْهُ بَلَغَ مَحِلَّهُ أَمْ لَا، (وَفِدْيَةٍ) لِتَرَفُّهٍ أَوْ إزَالَةِ أَذًى لَمْ يَنْوِ بِهَا الْهَدْيَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا مُطْلَقًا أَيْ ذُبِحَتْ بِمَكَّةَ، أَوْ غَيْرِهَا. (كَنَذْرٍ لَمْ يُعَيَّنْ) : بِأَنْ كَانَ مَضْمُونًا وَسَمَّاهُ لِلْمَسَاكِينِ، كَ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرُ بَدَنَةٍ لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ نَوَاهُ لَهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِشُرُوطِهِ] : أَيْ الثَّلَاثَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ: إنْ سِيقَ بِحَجٍّ وَوَقْفٍ بِهِ هُوَ أَوْ نَائِبُهُ بِعَرَفَةَ، كَهُوَ بِأَيَّامِ النَّحْرِ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ مَكَّةَ] : أَيْ عِنْدَ فَقْدِ بَعْضِ الشُّرُوطِ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ عَطِبَ قَبْلَ الْمَحَلِّ فَنَحَرَهُ] : أَمَّا عَدَمُ الْأَكْلِ مِنْهُ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْمَحَلَّ فَلِكَوْنِهِ غَيْرَ مَضْمُونٍ فِيهِمْ عَلَى إتْلَافِهِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْمَحَلِّ فَلِأَنَّهُ قَدْ عَيَّنَهُ لِلْمَسَاكِينِ فَلَا يَجُوزُ مُشَارَكَتُهُمْ فِيهِ، وَمِنْ أَجْلِ كَوْنِهِ غَيْرَ مَضْمُونٍ إذَا ضَلَّ أَوْ سُرِقَ قَبْلَ الْمَحَلِّ لَا يَلْزَمُ رَبَّهُ بَدَلُهُ. فَلَا يَجُوزُ مُشَارَكَتُهُمْ فِيهِ، وَمِنْ أَجْلِ كَوْنِهِ غَيْرَ مَضْمُونٍ إذَا ضَلَّ أَوْ سُرِقَ قَبْلَ الْمَحَلِّ لَا يَلْزَمُ رَبَّهُ بَدَلُهُ. قَوْلُهُ: [كَهَدْيٍ أَوْ تَطَوُّعٍ نَوَاهُ لَهُمْ] : أَيْ سَوَاءٌ لَفَظَ مَعَ النِّيَّةِ أَوْ لَا عُيِّنَتْ الْمَسَاكِينُ أَوَّلًا. قَوْلُهُ: [وَفِدْيَةٍ لِتَرَفُّهٍ] إلَخْ: أَيْ فَهَذِهِ الثَّلَاثُ يَحْرُمُ الْأَكْلُ مِنْهَا مُطْلَقًا كَمَا عَلِمْت. أَمَّا حُرْمَةُ الْأَكْلِ مِنْ نَذْرِ الْمَسَاكِينِ فَقَدْ عَلِمْت وَجْهَهُ، وَأَمَّا حُرْمَةُ الْأَكْلِ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ الَّذِي جُعِلَ لِلْمَسَاكِينِ بِاللَّفْظِ أَوْ النِّيَّةِ فَلِإِلْحَاقِهِ بِنَذْرِ الْمَسَاكِينِ. وَأَمَّا الْفِدْيَةُ الَّتِي لَمْ تُجْعَلْ هَدْيًا فَحُرْمَةُ الْأَكْلِ مِنْهَا مُطْلَقًا، لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ التَّرَفُّهِ، فَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَكْلِ مِنْهَا وَالتَّرَفُّهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ. وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: " إذَا لَمْ يَنْوِ بِهَا الْهَدْيَ " عَمَّا إذَا نَوَى بِهَا الْهَدْيَ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا بَعْدَ الْمَحَلِّ، وَيَأْكُلُ مِنْهَا إذَا عَطِبَتْ قَبْلَهُ كَمَا سَيَأْتِي ذَلِكَ لِلْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [ذُبِحَتْ بِمَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا] : أَيْ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِمَكَانٍ وَلَا زَمَانٍ كَمَا تَقَدَّمَ.

(وَجَزَاءِ صَيْدٍ وَفِدْيَةٍ نَوَى بِهَا الْهَدْيَ) : فَإِذَا اخْتَارَ النُّسُكَ وَنَوَى بِهِ الْهَدْيَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَهُ بِمِنًى بِشُرُوطِهِ، أَوْ مَكَّةَ، وَقَوْلُنَا فِيمَا تَقَدَّمَ: لَا " تَتَقَيَّدُ بِمَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ ": أَيْ إذَا لَمْ يَنْوِ بِهَا الْهَدْيَ. فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الَّتِي بَعْدَ الْكَافِ الثَّانِيَةِ لَا يَأْكُلُ مِنْهَا (بَعْدَ) بُلُوغِ (الْمَحِلِّ) مِنًى أَوْ مَكَّةَ، وَيَأْكُلُ مِنْهَا قَبْلَهُ لِأَنَّ عَلَيْهِ بَدَلُهَا لِكَوْنِهَا لَمْ تُجْزِهِ قَبْلَ مَحِلِّهَا. (وَهَدْيِ تَطَوُّعٍ) لَمْ يَجْعَلْهُ لِلْمَسَاكِينِ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ إذَا (عَطِبَ قَبْلَهُ) فَقَطْ، أَيْ قَبْلَ الْمَحِلِّ بِأَنْ عَطِبَ فَنَحَرَهُ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى أَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي عَطَبِهِ لِيَأْكُلَ مِنْهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ. وَمِثْلُهُ نَذْرٌ مُعَيَّنٌ لَمْ يَجْعَلْهُ لِلْمَسَاكِينِ بِلَفْظٍ وَلَا نِيَّةٍ. فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ: لَا يَأْكُلُ مِنْهُ مُطْلَقًا. الثَّانِي: لَا يَأْكُلُ مِنْهُ بَعْدَ الْمَحِلِّ، الثَّالِثُ: لَا يَأْكُلُ مِنْهُ قَبْلَهُ وَيَأْكُلُ مِنْهُ بَعْدَهُ. وَبَقِيَ رَابِعٌ يَأْكُلُ مِنْهُ مُطْلَقًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَيَأْكُلُ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ) الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ (مُطْلَقًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِأَنَّ عَلَيْهِ بَدَلَهَا] : أَيْ يَبْعَثُهُ إلَى الْمَحَلِّ فَلَا تُهْمَةَ فِي أَكْلِهِ مِنْهَا وَلَا مَظْلَمَةَ لِلْمَسَاكِينِ. قَوْلُهُ: [الْأَوَّلُ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ مُطْلَقًا] : وَتَحْتَهُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ لِلْمَسَاكِينِ، وَهَدْيُ التَّطَوُّعِ لِلْمَسَاكِينِ، وَفِدْيَةٌ لَمْ تُجْعَلْ هَدْيًا. قَوْلُهُ: [الثَّانِي لَا يَأْكُلُ مِنْهُ بَعْدَ الْمَحَلِّ] : وَتَحْتَهُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَيْضًا نَذْرٌ لِلْمَسَاكِينِ لَمْ يُعَيَّنْ، وَجَزَاءُ الصَّيْدِ، وَفِدْيَةٌ جُعِلَتْ هَدْيًا. قَوْلُهُ: [الثَّالِثُ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ قَبْلَهُ] : وَتَحْتَهُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَيْضًا: هَدْيُ التَّطَوُّعِ الَّذِي لَمْ يُجْعَلْ لِلْمَسَاكِينِ، عُيِّنَ أَمْ لَا، وَنَذْرٌ مُعَيَّنٌ لَمْ يُجْعَلْ لِلْمَسَاكِينِ فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: [الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ] : أَيْ الَّتِي احْتَوَتْ تَفْصِيلًا عَلَى تِسْعَةِ أَشْيَاءَ، أَيْ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ غَيْرِهَا وَيَتَزَوَّدَ وَيُطْعِمَ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ وَالْكَافِرَ وَالْمُسْلِمَ، سَوَاءٌ بَلَغَتْ الْمَحَلَّ أَوْ عَطِبَتْ قَبْلَهُ كَمَا يَأْتِي.

قَبْلَ الْمَحِلِّ وَبَعْدَهُ؛ وَهُوَ كُلُّ هَدْيٍ وَجَبَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، كَهَدْيِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَتَعَدِّي الْمِيقَاتِ، وَتَرْكِ طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ الْحَلْقِ، أَوْ مَبِيتٍ بِمِنًى أَوْ نُزُولٍ بِمُزْدَلِفَةَ، أَوْ وَجَبَ لِمَذْيٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ نَذْرٍ مَضْمُونٍ لِغَيْرِ الْمَسَاكِينِ. (وَلَهُ) حِينَئِذٍ (إطْعَامُ الْغَنِيِّ) مِنْهُ (وَالْقَرِيبِ) وَأَوْلَى ضِدُّهُمَا (وَرَسُولُهُ كَهُوَ) : أَيْ إنَّ رَسُولَ رَبِّ الْهَدْيِ بِالْهَدْيِ كَرَبِّهِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَكْلِ وَعَدَمِهِ. (وَالْخِطَامُ وَالْجِلَالُ كَاللَّحْمِ) فِي الْمَنْعِ وَالْجَوَازِ فَيَجْرِي فِيهِمَا مَا جَرَى فِي اللَّحْمِ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ مَا جَازَ لَهُ تَنَاوُلُهُ كَالضَّحِيَّةِ. (فَإِنْ أَكَلَ رَبُّهُ) شَيْئًا (مِنْ مَمْنُوعٍ) أَكَلَهُ مِنْهُ، (أَوْ أَمَرَ) بِالْأَكْلِ إنْسَانًا (غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ) كَأَنْ يَأْمُرَ غَنِيًّا فِي نَذْرِ الْمَسَاكِينِ (ضَمِنَ) هَدْيًا (بَدَلَهُ، إلَّا نَذْرَ مَسَاكِينَ عُيِّنَ) لَهُمْ كَهَذِهِ الْبَدَنَةِ، (فَقَدْرُ أَكْلِهِ) فَقَطْ عَلَى الْأَرْجَحِ مِنْ الْخِلَافِ، وَمُقَابِلُهُ يَضْمَنُ هَدْيًا كَامِلًا كَغَيْرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَكْلِ وَعَدَمِهِ] : أَيْ فَمَا جَازَ لِرَبِّهِ يَجُوزُ لِرَسُولِهِ، وَمَا مُنِعَ مِنْهُ رَبُّهُ يُمْنَعُ مِنْهُ الرَّسُولُ، هَذَا إذَا كَانَ الرَّسُولُ غَيْرَ فَقِيرٍ، أَمَّا لَوْ كَانَ فَقِيرًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِمَّا لَا يَجُوزُ لِرَبِّهِ الْأَكْلُ مِنْهُ كَمَا قَالَ سَنَدٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ وَلَوْ كَانَ فَقِيرًا مِثْلَ رَبِّهِ، (ر) هَذَا هُوَ النَّقْلُ. قَوْلُهُ: [فَيَجْرِي فِيهِمَا مَا جَرَى فِي اللَّحْمِ] : لَكِنَّهُ فِي الْخِطَامِ وَالْجِلَالِ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ فَقَطْ لَا فَرْقَ بَيْنَ رَبِّهِ وَرَسُولِهِ فَتُدْفَعُ لِلْمَسَاكِينِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ أَكَلَ رَبُّهُ شَيْئًا] إلَخْ: الْحَاصِلُ أَنَّ رَبَّ الْهَدْيِ الْمَمْنُوعَ مِنْ الْأَكْلِ مِنْهُ، إنْ أَكَلَ لَزِمَهُ هَدْيٌ كَامِلٌ إلَّا فِي نَذْرِ الْمَسَاكِينِ الْمُعَيَّنِ إذَا أَكَلَ مِنْهُ فَقَوْلَانِ فِي قَدْرِ اللَّازِمِ لَهُ. وَإِنْ أَمَرَ أَحَدًا بِالْأَكْلِ؛ فَإِنْ أَمَرَ غَنِيًّا لَزِمَهُ هَدْيٌ كَامِلٌ إلَّا فِي نَذْرِ الْمَسَاكِينِ الْمُعَيَّنِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا قَدْرَ أَكْلِهِ فَقَطْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ الْقَوْلَانِ الْجَارِيَانِ فِي أَكْلِهِ هُوَ. وَأَمَّا الرَّسُولُ فَإِنْ أَمَرَ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ أَوْ أَكَلَ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قَدْرَ مَا أَمَرَ بِهِ، أَوْ أَكَلَهُ فَقَطْ فِي جَمِيعِ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ. هَذَا هُوَ الصَّوَابُ اُنْظُرْ (بْن) نَقَلَهُ مِحَشِّي الْأَصْل.

(وَلَا يَشْتَرِكُ فِي هَدْيٍ وَلَوْ تَطَوُّعًا) أَيْ لَا يَصِحُّ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ. (وَأَجْزَأَ) الْهَدْيُ عَنْ رَبِّهِ (إنْ ذَبَحَهُ غَيْرُهُ) حَالَ كَوْنِ الْهَدْيِ (مُقَلَّدًا وَلَوْ نَوَاهُ) الذَّابِحُ (عَنْ نَفْسِهِ إنْ غَلِطَ) بِآنِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ هَدْيُهُ، لَا إنْ لَمْ يَغْلَطْ، أَوْ كَانَ غَيْرَ مُقَلَّدٍ (أَوْ سُرِقَ بَعْدَ نَحْرِهِ) فَيُجْزِئُ لِأَنَّهُ بَلَغَ مَحِلَّهُ. (لَا) إنْ سُرِقَ (قَبْلَهُ) : أَيْ الذَّبْحِ فَلَا يُجْزِئُ، (كَأَنْ ضَلَّ) وَلَمْ يَجِدْهُ فَلَا يُجْزِئُ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَدَلِهِ، (فَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ نَحْرِ بَدَلِهِ نَحَرَهُ) أَيْضًا (إنْ قَلَّدَ) لِتَعَيُّنِهِ بِالتَّقْلِيدِ، (وَ) إنْ وَجَدَ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ نَحْرِ بَدَلِهِ (نُحِرَا) مَعًا (إنْ قُلِّدَا) مَعًا لِتَعْيِينِ كُلٍّ بِهِ (وَإِلَّا) يُقَلَّدَا مَعًا، إنْ كَانَ الْمُقَلَّدُ أَحَدَهُمَا أَوْ لَا تَقْلِيدَ أَصْلًا، (تَعَيَّنَ) لِلنَّحْرِ (مَا قُلِّدَ) مِنْهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَقْلِيدٌ تَخَيَّرَ فِي نَحْرِ أَيِّهِمَا شَاءَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ لَا يَصِحُّ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ] : وَلَوْ كَانَ الَّذِي شَرِكَهُ قَرِيبًا لَهُ وَسَكَنَ مَعَهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ كَالضَّحِيَّةِ فِي هَذَا، وَمِثْلُ الْهَدْيِ الْفِدْيَةُ وَالْجَزَاءُ. قَوْلُهُ: [لَا إنْ لَمْ يَغْلَطْ] : أَيْ بِأَنْ تَعَمَّدَ فَلَا يَجْزِيهِ عَنْ رَبِّهِ وَلَا عَنْ نَفْسِهِ وَلِرَبِّهِ أَخْذُ الْقِيمَةِ مِنْهُ بِخِلَافِ الضَّحِيَّةِ إذَا ذَبَحَهَا الْغَيْرُ عَنْ نَفْسِهِ عَمْدًا، فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ رَبِّهَا حَيْثُ وَكَّلَهُ رَبُّهَا، فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْغَلَطَ فِي الْهَدْيِ يُجْزِئُ عَنْ رَبِّهِ حَيْثُ كَانَ مُقَلِّدًا أَنَابَهُ أَمْ لَا، وَأَنَّ الضَّحِيَّةَ تُجْزِئُ فِي الْغَلَطِ وَالْعَمْدِ إنْ أَنَابَهُ وَإِلَّا فَلَا فِيهِمَا. تَتِمَّةٌ: يَجِبُ حَمْلُ الْوَلَدِ الْحَاصِلِ بَعْدَ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ إلَى مَكَّةَ، وَيُنْدَبُ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ أُمِّهِ، ثُمَّ إنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا حُمِلَ عَلَيْهَا إنْ قَوِيَتْ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ تَرَكَهُ لِيَشْتَدَّ، ثُمَّ يَبْعَثُهُ إلَى مَحَلِّهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَرَكَهُ عِنْدَ أَمِينٍ فَكَالتَّطَوُّعِ يَعْطَبُ قَبْلَ مَحَلِّهِ فَيَنْحَرُهُ وَيُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ. وَيَحْرُمُ الشُّرْبُ مِنْ لَبَنِ الْهَدْيِ بَعْدَ التَّقْلِيدِ إنْ لَمْ يَفْضُلْ مِنْ فَصِيلِهَا، وَإِلَّا كُرِهَ. فَإِنْ أَضَرَّ بِشُرْبِهِ الْأُمَّ أَوْ الْوَلَدَ ضَمِنَ مُوجِبَ فِعْلِهِ. وَيُكْرَهُ لَهُ رُكُوبُ الْهَدْيِ بِغَيْرِ عُذْرٍ (اهـ. مِنْ الْأَصْلِ) .

[فصل فوات الحج والمناسك للعذر والإحصار]

فَصْلُ فَوَاتِ الْحَجِّ وَالْمَنَاسِكِ لِلْعُذْرِ وَالْإِحْصَارِ (فَصْلٌ) : فِي بَيَانِ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ لِعُذْرٍ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْبَيْتِ فَقَطْ، أَوْ مِنْهُ وَمِنْ عَرَفَةَ مَعًا. وَكَيْفَ مَا يَصْنَعُ. وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ: (مَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ) لَيْلَةَ النَّحْرِ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ مُفْرَدًا أَوْ قَارِنًا لِعُذْرٍ مَنَعَهُ مِنْهُ - كَأَنْ يَفُوتَهُ الْوُقُوفُ (بِمَرَضٍ) : أَيْ بِسَبَبِهِ (وَنَحْوِهِ) ؛ كَعَدُوٍّ مَنَعَهُ أَوْ حَبْسٍ وَلَوْ بِحَقٍّ أَوْ خَطَأِ عَدَدٍ، (فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ) لِأَنَّ الْحَجَّ عَرَفَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصَلِّ فَوَات الْحَجّ وَالْمَنَاسِك لِلْعُذْرِ وَالْإِحْصَار] [مِنْ فَاتَهُ الْوُقُوف بعرفة لِمَرَض أَوْ نَحْوه] هَذَا الْفَصْلُ يَتَعَلَّقُ بِمَوَانِعِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَيُقَالُ لِلْمَمْنُوعِ مَحْصُورٌ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ كَمَا هُوَ سِيَاقُ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ - وَالْحَالُ أَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْبَيْتِ - فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالتَّحَلُّلِ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ، وَيُكْرَهُ لَهُ الْبَقَاءُ عَلَى الْإِحْرَامِ لِقَابِلٍ إنْ قَارَبَ مَكَّةَ أَوْ دَخَلَهَا. وَأَمَّا إنْ لَمْ يُقَارِبْ مَكَّةَ كَانَ لَهُ الْبَقَاءُ عَلَى إحْرَامِهِ لِقَابِلٍ حَتَّى يُتِمَّ حَجَّهُ وَلَا كَرَاهَةَ. وَمَحَلُّ جَوَازِ التَّحَلُّلِ مَا لَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْحَجِّ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ، وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ إتْمَامُهُ، فَإِنْ خَالَفَ وَتَحَلَّلَ بِالْعُمْرَةِ فَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الْآتِيَةُ فِي الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [مُفْرِدًا] : مُرَادُهُ مَا قَابَلَ الْقَارِنَ فَيَشْمَلُ الْمُتَمَتِّعَ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْحَجَّ عَرَفَةَ] : إشَارَةٌ لِحَدِيثٍ هَذَا لَفْظُهُ، وَلَا يَقْتَضِي أَنَّهُ أَعْظَمُ أَرْكَانِ الْحَجِّ، بَلْ أَعْظَمُ أَرْكَانِهِ الطَّوَافُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا أَسْنَدَ الْحَجَّ لَهُ

(وَسَقَطَ عَنْهُ عَمَلُ مَا بَقِيَ) بَعْدَهُ (مِنْ الْمَنَاسِكِ) : كَالنُّزُولِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَالْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ. وَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ بِمِنًى. (وَنُدِبَ) لَهُ (أَنْ يَتَحَلَّلَ) مِنْ إحْرَامِهِ بِذَلِكَ الْحَجِّ (بِعُمْرَةٍ) . وَفَسَّرَ التَّحَلُّلَ بِالْعُمْرَةِ بِقَوْلِهِ: (بِأَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى وَيَحْلِقَ بِنِيَّتِهَا) : أَيْ الْعُمْرَةَ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ إحْرَامٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ، بَلْ يَنْوِيَ التَّحَلُّلَ مِنْ إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ بِمَا ذَكَرَ. (ثُمَّ قَضَاهُ قَابِلًا، وَأَهْدَى) وُجُوبًا لِلْفَوَاتِ، وَلَا يَجْزِيهِ لِلْفَوَاتِ هَدْيُهُ السَّابِقُ الَّذِي سَاقَهُ فِي حَجَّةِ الْفَوَاتِ (وَخَرَجَ) الْمُتَحَلِّلُ بِعُمْرَةٍ (لِلْحِلِّ) لِيَجْمَعَ فِي إحْرَامِهِ الْمُتَحَلِّلِ مِنْهُ بِالْعُمْرَةِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَامِ، (إنْ أَحْرَمَ أَوَّلًا) قَبْلَ الْفَوَاتِ لِحَجَّةٍ (بِحَرَمٍ أَوْ أَرْدَفَ) حَجَّهُ عَلَى إحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ (فِيهِ) : أَيْ فِي الْحَرَمِ. (وَلَا يَكْفِي) عَنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَسَعْيِهَا الْمَطْلُوبَيْنِ لِلتَّحَلُّلِ (قُدُومُهُ) : أَيْ طَوَافُ قُدُومِهِ (وَسَعْيُهُ بَعْدَهُ) الْوَاقِعَانِ أَوَّلًا قَبْلَ الْفَوَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ يَفُوتُ بِفَوَاتِ وَقْتِهِ، وَالْمِزْيَةُ لَا تَقْتَضِي الْأَفْضَلِيَّةَ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ. قَوْلُهُ: [وَسَقَطَ عَنْهُ عَمَلُ مَا بَقِيَ] : أَيْ فَلَا يُؤْمَرُ بِهَا وَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِهَا. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ] إلَخْ: مَحَلُّ نَدْبِ تَحَلُّلِهِ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ مَا لَمْ يَفُتْهُ الْوُقُوفُ وَهُوَ بِمَكَانٍ بَعِيدٍ عَنْ مَكَّةَ جِدًّا، وَإِلَّا فَلَهُ التَّحَلُّلُ بِالنِّيَّةِ كَالْمَحْصُورِ عَنْ الْبَيْتِ وَالْوُقُوفِ مَعًا بَعْدُ. وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [الَّذِي سَاقَهُ فِي حَجَّةِ الْفَوَاتِ] : أَيْ سَاقَهُ تَطَوُّعًا أَوْ لِنَقْصٍ حَصَلَ مِنْهُ فِيهَا، وَسَوَاءٌ بَعَثَهُ إلَى مَكَّةَ أَوْ أَبْقَاهُ حَتَّى أَخَذَهُ مَعَهُ لِأَنَّهُ بِالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ وَجَبَ لِغَيْرِ الْفَوَاتِ فَلَا يُجْزِئُ عَنْ الْفَوَاتِ، بَلْ عَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ. قَوْلُهُ: [إنْ أَحْرَمَ أَوَّلًا] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا لَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ أَوَّلًا مِنْ الْحِلِّ فَلَا يَحْتَاجُ لِلْخُرُوجِ ثَانِيًا إلَى الْحِلِّ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَكْفِي عَنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ] إلَخْ: قَالَ الْخَرَشِيُّ: لَعَلَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ إحْرَامَهُ لَا يَنْقَلِبُ عُمْرَةً مِنْ أَوَّلِهِ، بَلْ مِنْ وَقْتِ نِيَّةِ فِعْلِ الْعُمْرَةِ. وَقَدْ ذَكَرَ (ح) الْخِلَافَ فِي هَذَا فَقَالَ: قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ أَتَى عَرَفَةَ

(وَلَهُ) : أَيْ لِمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ (الْبَقَاءُ عَلَى إحْرَامِهِ) مُتَجَرِّدًا مُجْتَنَبًا لِلطِّيبِ وَالصَّيْدِ وَالنِّسَاءِ، (لِقَابِلٍ حَتَّى يُتِمَّ حَجَّهُ) وَيُهْدِيَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ تَمَّ بِوُقُوفِهِ فِي الْقَابِلِ مَعَ عَمَلِ مَا بَعْدَ الْوُقُوفِ مِنْ الْمَنَاسِكِ، وَمَحَلُّ جَوَازِ الْبَقَاءِ عَلَى الْإِحْرَامِ لِعَامٍ قَابِلٍ إذَا لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ أَوْ يُقَارِبْهَا. (وَكُرِهَ) لَهُ الْبَقَاءُ (إنْ قَارَبَ مَكَّةَ أَوْ دَخَلَهَا) ، بَلْ يَتَأَكَّدُ فِي حَقِّهِ التَّحَلُّلُ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ لِمَا فِي الْبَقَاءِ عَلَى الْإِحْرَامِ مِنْ مَزِيدِ الْمَشَقَّةِ، وَالْخَطَرِ مَعَ إمْكَانِ الْخُلُوصِ مِنْهُ. (وَلَا تَحَلُّلَ) : أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ (إنْ) اسْتَمَرَّ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى (دَخَلَ وَقْتُهُ) ، أَيْ الْحَجِّ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ بِدُخُولِ شَوَّالٍ، بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ إتْمَامُهُ. (فَإِنْ) خَالَفَ وَ (تَحَلَّلَ) بِعُمْرَةٍ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ (فَثَالِثُهَا) ، أَيْ الْأَقْوَالِ: (يَمْضِي) تَحَلُّلُهُ. (فَإِنْ حَجَّ) أَيْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ بِالْعُمْرَةِ (فَمُتَمَتِّعٌ) : لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ الْفَجْرِ فَلْيَرْجِعْ إلَى مَكَّةَ وَيَطُفْ وَيَسْعَ وَيَحْلِقْ وَيَنْوِ بِهَا عُمْرَةً، وَهَلْ يَنْقَلِبُ عُمْرَةً مِنْ أَصْلِ الْإِحْرَامِ أَوْ مِنْ وَقْتِ نِيَّةِ فِعْلِ الْعُمْرَةِ؟ مُخْتَلَفٌ فِيهِ (اهـ.) قَوْلُهُ: [أَوْ دَخَلَهَا] : مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ إنْ قَارَبَ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ دَفَعَ تَوَهُّمَ حُرْمَةِ الْبَقَاءِ عِنْدَ الدُّخُولِ. تَنْبِيهٌ: مَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ وَتَمَكَّنَ مِنْ الْبَيْتِ - وَقُلْتُمْ يَتَحَلَّلُ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ وَكَانَ مَعَهُ هَدْيٌ - فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَخَاف عَلَيْهِ الْعَطَبَ إذَا أَبْقَاهُ عِنْدَهُ حَتَّى يَصِلَ إلَى مَكَّةَ أَوْ لَا؛ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ حَبَسَهُ مَعَهُ حَتَّى يَأْتِيَ مَكَّةَ، وَهَذَا فِي الْمَرِيضِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِ كَالْحَبْسِ بِحَقٍّ. وَأَمَّا الْمَمْنُوعُ ظُلْمًا فَمَتَى قَدَرَ عَلَى إرْسَالِهِ أَرْسَلَهُ كَأَنْ يَخَافَ عَلَيْهِ الْعَطَبَ أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُرْسِلُهُ مَعَهُ ذَبَحَهُ فِي أَيِّ مَحَلٍّ. قَوْلُهُ: [بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ إتْمَامَهُ] : أَيْ حَيْثُ تَمَكَّنَ مِنْ إتْمَامِهِ، قَارَبَ مَكَّةَ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [فَمُتَمَتِّعٌ] : أَيْ بِاعْتِبَارِ الْعُمْرَةِ الَّتِي وَقَعَ بِهَا الْإِحْلَالُ.

[الإحصار عن البيت بعد الوقوف بعرفه]

حَجَّ بَعْدَ عُمْرَتِهِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ، فَعَلَيْهِ هَدْيٌ لِلتَّمَتُّعِ وَأَوَّلُهَا يَمْضِي تَحَلُّلُهُ، وَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ انْتَقَلَ مِنْ حَجٍّ إلَى حَجٍّ إذْ عُمْرَتُهُ كَلَا عُمْرَةٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا أَوَّلًا وَثَانِيهَا لَا يَمْضِي وَهُوَ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ، وَمَا فَعَلَهُ مِنْ التَّحَلُّلِ لَغْوٌ لِأَنَّ إبْقَاءَهُ لِدُخُولِ وَقْتِهِ كَإِنْشَائِهِ فِيهِ. وَذَكَرَ الْقِسْمَ الثَّانِيَ - وَهُوَ صَدُّهُ عَنْ الْبَيْتِ فَقَطْ - بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ وَقَفَ) بِعَرَفَةَ (وَحُصِرَ عَنْ الْبَيْتِ) : بِعَدُوٍّ أَوْ مَرَضٍ أَوْ حَبْسٍ وَلَوْ بِحَقٍّ (فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَلَا يَحِلُّ بِالْإِفَاضَةِ وَلَوْ بَعْدَ سِنِينَ) . وَذَكَرَ الثَّالِثَ وَهُوَ مَا إذَا حُصِرَ عَنْ الْبَيْتِ وَعَرَفَةَ مَعًا بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ حُصِرَ عَنْهُمَا بِعَدُوٍّ) صَدَّهُ عَنْهُمَا مَعًا، (أَوْ حَبْسٍ) لَا بِحَقٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَوَّلُهَا يَمْضِي تَحَلُّلُهُ] : أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّوَامَ لَيْسَ كَالِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ الَّتِي آلَ إلَيْهَا الْأَمْرُ فِي التَّحَلُّلِ لَيْسَتْ كَإِنْشَاءِ عُمْرَةٍ ابْتِدَائِيَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ عَلَى الْحَجِّ، وَإِلَّا كَانَتْ لَاغِيَةً لِمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ: " وَلَغَا عُمْرَةٌ عَلَيْهِ " فَلِذَا قِيلَ: إنَّ تَحَلُّلَهُ بِفِعْلِ الْعُمْرَةِ يَمْضِي. قَوْلُهُ: [وَثَانِيًا لَا يَمْضِي] : أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّوَامَ كَالِابْتِدَاءِ أَيْ عَلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ الَّتِي آلَ إلَيْهَا الْأَمْرُ كَإِنْشَاءِ عُمْرَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ إنْشَاءَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ لَغْوٌ، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ فِيهَا ثَلَاثًا إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهَا ثَلَاثًا فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ. [الْإِحْصَار عَنْ الْبَيْت بَعْد الْوُقُوف بعرفه] قَوْلُهُ: [وَهُوَ صَدُّهُ عَنْ الْبَيْتِ فَقَطْ] : ظَاهِرٌ أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ غَيْرِهِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: " فَقَطْ "، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ وَحُصِرَ عَنْ الْبَيْتِ، سَوَاءٌ حُصِرَ عَمَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ أَيْضًا أَمْ لَا، وَلِذَلِكَ قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ وَقَفَ وَحُصِرَ عَنْ الْبَيْتِ فَحَجُّهُ تَمَّ. وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالْإِفَاضَةِ. وَعَلَيْهِ لِلرَّمْيِ وَمَبِيتِ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ هَدْيٌ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالْإِفَاضَةِ] : هَذَا إذَا كَانَ قَدَّمَ السَّعْيَ عِنْدَ الْقُدُومِ، ثُمَّ حُصِرَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ قَدَّمَ السَّعْيَ فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيِ. [الْإِحْصَار عَنْ الْبَيْت وعن عَرَفَةَ] قَوْلُهُ: [أَوْ حَبْسٍ لَا بِحَقٍّ] إلَخْ: اعْتِبَارُ كَوْنِ الْحَبْسِ ظُلْمًا بِالنِّيَّةِ لِحَالِ الشَّخْصِ فِي نَفْسِهِ، لِأَنَّ الْإِحْلَالَ وَالْإِحْرَامَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ

بَلْ (ظُلْمًا فَلَهُ التَّحَلُّلُ مَتَى شَاءَ) وَهُوَ الْأَفْضَلُ (بِالنِّيَّةِ، وَلَوْ دَخَلَ مَكَّةَ) أَوْ قَارَبَهَا. وَلَيْسَ عَلَيْهِ التَّحَلُّلُ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ، وَلَهُ الْبَقَاءُ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ الْبَيْتِ فَيَحِلُّ بِعُمْرَةٍ أَوْ لِقَابِلٍ حَتَّى يَقِفَ وَيُتِمَّ حَجَّهُ. وَمِثْلُ مَنْ صُدَّ عَنْهُمَا مَعًا بِمَا ذَكَرَ مَنْ صُدَّ عَنْ الْوُقُوفِ فَقَطْ، بِمَكَانٍ بَعِيدٍ عَنْ مَكَّةَ أَيْ فَلَهُ التَّحَلُّلُ بِالنِّيَّةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. (وَنَحَرَ) عِنْدَ تَحَلُّلِهِ بِالنِّيَّةِ (هَدْيَهُ) الَّذِي كَانَ مَعَهُ، (وَحَلَقَ) أَوْ قَصَّرَ بِشَرْطَيْنِ: أَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْمَانِعِ) حِينَ إرَادَةِ إحْرَامِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَظَاهِرُ الطِّرَازِ يُوَافِقُهُ كَذَا فِي (بْن) نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ. وَذَكَرَ فِي الْحَاشِيَةِ: أَنَّ الرِّيحَ إذَا تَعَذَّرَ عَلَى أَصْحَابِ السُّفُنِ لَا يَكُونُ كَحِصَارِ الْعَدُوِّ، بَلْ هُوَ مِثْلُ الْمَرَضِ لِأَنَّهُمْ يَقْتَدِرُونَ عَلَى الْخُرُوجِ فَيَمْشُونَ (اهـ.) وَقَدْ يُقَالُ كَلَامُهُ فِي الْحَاشِيَةِ ظَاهِرٌ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ مَعَ الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: " ظُلْمًا " أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَبْسُهُ بِحَقٍّ لَا يُبَاحُ لَهُ التَّحَلُّلُ بِالنِّيَّةِ، بَلْ يَدْفَعُ مَا عَلَيْهِ وَيُتِمُّ نُسُكَهُ، وَأَمَّا مَنْ يُحْبَسُ فِي تَغْرِيبِ الزِّنَا فَهُوَ كَالْمَرِيضِ لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِعُمْرَةٍ حَيْثُ فَاتَهُ الْحَجُّ. قَوْلُهُ: [فَلَهُ التَّحَلُّلُ مَتَى شَاءَ] : أَيْ مِمَّا هُوَ مُحْرِمٌ بِهِ وَقَوْلُهُ: " بِالنِّيَّةِ " هُوَ الْمَشْهُورُ. خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِنَحْرِ الْهَدْيِ وَالْحَلْقِ، بَلْ الْحَلْقُ سُنَّةٌ وَلَيْسَ الْهَدْيُ بِوَاجِبٍ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، وَمَا ذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْ أَفْضَلِيَّةِ التَّحَلُّلِ عَنْ الْبَقَاءِ عَلَى إحْرَامِهِ مُطْلَقًا قَارَبَ مَكَّةَ أَوْ لَا، دَخَلَهَا أَوْ لَا، هُوَ الصَّوَابُ كَمَا يَأْتِي، وَأَمَّا قَوْلُ الْخَرَشِيِّ: فَلَهُ الْبَقَاءُ لِقَابِلٍ إنْ كَانَ عَلَى بُعْدٍ، وَيُكْرَهُ لَهُ إنْ قَارَبَ مَكَّةَ أَوْ دَخَلَهَا، فَغَيْرُ صَوَابٍ، لِأَنَّ مَا قَالَهُ الْخَرَشِيُّ إنَّمَا هُوَ فِي الَّذِي لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِفِعْلِ عُمْرَةٍ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْبَيْتِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ عَلَيْهِ التَّحَلُّلُ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ] : أَيْ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْبَيْتِ وَعَرَفَةَ مَعًا فَلَا يُكَلَّفُ بِمَا لَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ، غَايَةُ مَا هُنَاكَ يُخَيَّرُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْمَانِعِ] : وَمِثْلُهُ مَا لَوْ عَلِمَ، وَظَنَّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ فَمَنَعَهُ فَلَهُ

وَلِلثَّانِي بِقَوْلِهِ: (وَأَيِسَ) وَقْتَ حُصُولِهِ (مِنْ زَوَالِهِ قَبْلَ فَوَاتِهِ) : أَيْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَزُولُ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَيَتَحَلَّلُ قَبْلَ الْوُقُوفِ. لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَ الْأَشْيَاخِ أَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِحَيْثُ لَوْ سَارَ إلَى عَرَفَةَ مِنْ مَكَانِهِ لَمْ يُدْرِكْ الْوُقُوفَ، أَوْ زَالَ الْمَانِعُ، فَإِنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَوْ شَكَّ أَنَّهُ يَزُولُ قَبْلَهُ فَلَا يَتَحَلَّلُ حَتَّى يَفُوتَ، فَإِنْ فَاتَ فَيَفْعَلُ عُمْرَةً كَمَا لَوْ أَحْرَمَ عَالِمًا بِالْمَانِعِ أَوْ حُبِسَ بِحَقٍّ أَوْ مُنِعَ لِمَرَضٍ أَوْ خَطَأِ عَدَدٍ. (وَلَا دَمَ) عَلَى الْمَحْصُورِ بِمَا ذُكِرَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: عَلَيْهِ دَمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] . (وَعَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْمُتَحَلِّلِ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ أَوْ بِالنِّيَّةِ (حَجَّةُ الْفَرِيضَةِ) وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِالتَّحَلُّلِ الْمَذْكُورِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَتَحَلَّلَ بِالنِّيَّةِ أَيْضًا كَمَا وَقَعَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَإِنَّهُ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَهُوَ عَالَمٌ بِالْعَدُوِّ ظَانًّا أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ، فَلَمَّا مَنَعَهُ تَحَلَّلَ بِالنِّيَّةِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ فِي مَفْهُومِهِ تَفْصِيلٌ. قَوْلُهُ: [لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَ الْأَشْيَاخِ] : أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ وَقْتَ إحْرَامِهِ كَانَ يُدْرِكُ الْوُقُوفَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ، وَأَمَّا لَوْ أَحْرَمَ بِوَقْتٍ لَا يُدْرِكُ فِيهِ الْحَجَّ وُجِدَ مَانِعٌ أَمْ لَا، فَلَيْسَ لَهُ التَّحَلُّلُ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ عَلَى الْبَقَاءِ عَلَى إحْرَامِهِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ فَاتَ فَيَفْعَلُ عُمْرَةً] : أَيْ بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ عَنْ الْبَيْتِ. قَوْلُهُ: [كَمَا لَوْ أَحْرَمَ عَالِمًا بِالْمَانِعِ] : تَشْبِيهٌ فِي كَوْنِهِ لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِفِعْلِ عُمْرَةٍ. قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: 196] إلَخْ: وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْهَدْيَ فِي الْآيَةِ

(كَأَنْ أُحْصِرَ عَنْ الْبَيْتِ) ، بِمَا ذُكِرَ بِالشَّرْطَيْنِ: أَنْ لَا يَعْلَمَ بِالْمَانِعِ وَأَنْ لَا يَتَمَكَّنَ مِنْ الْبَيْتِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ، (فِي الْعُمْرَةِ) فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِالنِّيَّةِ مَتَى شَاءَ وَحَلَقَ وَنَحَرَ هَدْيَهُ إنْ كَانَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ سُنَّةُ الْعُمْرَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ الْحَصْرِ، وَإِنَّمَا سَاقَهُ بَعْضُهُمْ تَطَوُّعًا فَأَمَرَ بِذَبْحِهِ فَلَا دَلِيلَ فِيهَا عَلَى الْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: [وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِالتَّحَلُّلِ الْمَذْكُورِ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ الْحَصْرُ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ مِنْ حَبْسٍ ظُلْمًا بِخِلَافِ حَجَّةِ التَّطَوُّعِ، فَيَقْضِيهَا إذَا كَانَ لِمَرَضٍ أَوْ خَطَإِ عَدَدٍ أَوْ حَبْسٍ بِحَقٍّ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ لِعَدُوٍّ أَوْ فِتْنَةٍ أَوْ حَبْسٍ ظُلْمًا فَلَا يُطَالَبُ بِالْقَضَاءِ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِالنِّيَّةِ مَتَى شَاءَ] : أَيْ كَمَا وَقَعَ لِرَسُولِ اللَّهِ وَأَصْحَابِهِ فِي الْحُدَيْبِيَةِ. تَتِمَّةٌ: لَا يَلْزَمُ الْمَحْصُورَ طَرِيقٌ مَخُوفٌ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ بِخِلَافِ الْمَأْمُونَةِ فَيَلْزَمُ سُلُوكُهَا، وَإِنْ بَعُدَتْ مَا لَمْ تَعْظُمْ مَشَقَّتُهَا. وَاخْتَلَفَ الْأَشْيَاخُ: هَلْ يَجُوزُ دَفْعُ الْمَالِ لِتَخْلِيَةِ الطَّرِيقِ إنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ لَهُ كَافِرًا أَمْ لَا؟ اسْتَظْهَرَ ابْنُ عَرَفَةَ جَوَازَ الدَّفْعِ لِأَنَّ ذِلَّةَ الرُّجُوعِ بِصَدِّهِ أَشَدُّ مِنْ إعْطَائِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَانِعُ مُسْلِمًا فَيَجُوزُ الدَّفْعُ لَهُ بِاتِّفَاقٍ، وَيَجِبُ إنْ قَلَّ وَلَا يَنْكُثْ، وَهَذَا مَا لَمْ يُمْكِنْ قِتَالُهُ وَإِلَّا جَازَ قِتَالُهُ مُطْلَقًا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا بِاتِّفَاقٍ حَيْثُ كَانَ بِغَيْرِ الْحَرَمِ. وَإِنْ كَانَ بِالْحَرَمِ فَقَوْلَانِ: إنْ لَمْ يَبْدَأْ بِالْقِتَالِ، وَإِلَّا قُوتِلَ قَطْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب في بيان الأضحية وأحكامها]

بَابٌ فِي بَيَانِ الْأُضْحِيَّةِ وَأَحْكَامِهَا وَذَكَرَهَا عَقِبَ الْحَجِّ لِمُنَاسَبَةِ ذِكْرِ الْهَدْيِ فِيهِ، وَهِيَ بِهِ أَشْبَهُ. (سُنَّ) وَتَأَكَّدَ عَيْنًا (لِحُرٍّ) لَا رَقِيقٍ وَلَوْ بِشَائِبَةٍ. (غَيْرِ حَاجٍّ) ، لَا لِحَاجٍّ لِأَنَّ سُنَّتَهُ الْهَدْيُ. (وَ) غَيْرِ (فَقِيرٍ) فَلَا تُسَنُّ عَلَى فَقِيرٍ لَا يَمْلِكُ قُوتَ عَامِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي بَيَانِ الْأُضْحِيَّةِ وَأَحْكَامِهَا] [سُنَن الْأُضْحِيَّة] بَابٌ لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الرُّبْعِ الْأَوَّلِ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الرُّبْعِ الثَّانِي. وَالْأُضْحِيَّةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ فِيهِمَا، وَيُقَالُ ضَحِيَّةٌ كَمَا سَيَأْتِي فَلُغَاتُهَا ثَلَاثٌ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِذَبْحِهَا يَوْمَ الْأَضْحَى وَوَقْتَ الضُّحَى. قَوْلُهُ: [وَذَكَرَهَا عَقِبَ الْحَجِّ] إلَخْ: جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ وَارِدٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ: لِمَاذَا خَالَفْت أَصْلَك؟ فَإِنَّهُ قَدَّمَ الزَّكَاةَ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ فَأَجَابَ بِمَا ذَكَرَ. قَوْلُهُ: [سُنَّ وَتَأَكَّدَ عَيْنًا] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقِيلَ: إنَّهَا وَاجِبَةٌ. قَوْلُهُ: [عَيْنًا] : أَيْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ مِمَّنْ اسْتَوْفَى الشُّرُوطَ الْآتِيَةَ. وَتَحْصُلُ تِلْكَ السُّنَّةُ بِفِعْلِهِ مِنْ مَالِهِ أَوْ بِفِعْلِ الْغَيْرِ نِيَابَةً إنْ تَرَكَهُ مَعَهُ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ، أَوْ نَوَى عَنْهُ اسْتِقْلَالًا كَمَا يَأْتِي لِأَنَّ فِعْلَ الْغَيْرِ نِيَابَةً مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ فِعْلِهِ هُوَ لِقَبُولِهَا النِّيَابَةَ. قَوْلُهُ: [لَا رَقِيقٌ] : أَيْ لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ تَامٍّ فَهُوَ فَقِيرٌ حُكْمًا وَلَوْ بِيَدِهِ الْمَالُ. قَوْلُهُ: [لَا لِحَاجٍّ] : أَيْ فَلَا يُطَالَبُ بِضَحِيَّةٍ كَانَ بِمِنًى أَوْ غَيْرِهَا، وَغَيْرُ الْحَاجِّ الْمُسْتَوْفِي لِلشُّرُوطِ تُسَنُّ فِي حَقِّهِ كَانَ بِمِنًى أَوْ غَيْرِهَا، خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ خَلِيلٌ. وَغَيْرُ الْحَاجِّ يَشْمَلُ الْمُعْتَمِرَ، وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَتَحَلَّلَ مِنْهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ. قَوْلُهُ: [فَلَا تُسَنُّ عَلَى فَقِيرٍ] إلَخْ: هُوَ مَعْنَى قَوْلِ خَلِيلٍ: " لَا تُجْحِفُ " قَالَ شُرَّاحُهُ: أَيْ لَا تُجْحِفُ بِمَالِ الْمُضَحِّي. بِأَنْ لَا يَحْتَاجَ لِثَمَنِهَا فِي ضَرُورِيَّاتِهِ فِي عَامِهِ، فَإِنْ احْتَاجَ فَهُوَ فَقِيرٌ.

(وَلَوْ) كَانَ الْحُرُّ الْمَذْكُورُ (يَتِيمًا) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَالْمُخَاطَبُ بِفِعْلِهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ مِنْ مَالِهِ: (ضَحِيَّةٌ) نَائِبُ فَاعِلِ سُنَّ (مِنْ) ثَنِيِّ (غَنَمٍ) ضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ (أَوْ بَقَرٍ أَوْ إبِلٍ) لَا غَيْرُ، وَشَمِلَ الْبَقَرُ الْجَوَامِيسَ وَالْإِبِلَ الْبُخْتَ. (دَخَلَ فِي) السَّنَةِ (الثَّانِيَةِ) : رَاجِعٌ لِلْغَنَمِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الْمَعْزِ أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا دُخُولًا بَيِّنًا كَالشَّهْرِ بِخِلَافِ الضَّأْنِ، فَيَكْفِي مُجَرَّدُ دُخُولٍ، فَلَوْ وُلِدَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَجْزَأَ ضَحِيَّةً فِي الْعَامِ الْقَابِلِ، (وَ) فِي السَّنَةِ (الرَّابِعَةِ) رَاجِعٌ لِلْبَقَرِ (وَ) فِي السَّنَةِ (السَّادِسَةِ) فِي الْإِبِلِ. وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا الَّذِي لَا تُجْزِئُ قَبْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْمُخَاطَبُ بِفِعْلِهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ] : أَيْ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ كَمَا يُقْبَلُ فِي زَكَاةِ مَالِهِ قَوْلُهُ: [ضَحِيَّةٌ] . أَيْ ذَبْحُهَا إذْ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ، وَسُنِّيَّةُ تِلْكَ الضَّحِيَّةِ عَنْ نَفْسِ الْحُرِّ الْمَذْكُورِ، وَعَنْ أَبَوَيْهِ الْفَقِيرَيْنِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَبْلُغَ الذَّكَرُ، وَيَدْخُلَ بِالْأُنْثَى زَوْجُهَا، لَا عَنْ زَوْجَةٍ لِأَنَّهَا غَيْرُ تَابِعَةٍ لِلنَّفَقَةِ، بِخِلَافِ زَكَاةِ فِطْرِهَا فَتَجِبُ عَلَيْهِ لِتَبَعِيَّتِهَا لَهَا، كَذَا فِي الْأَصْلِ، قَالَ مُحَشِّيهِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُخَاطَبُ بِهَا فَقِيرٌ قَدَرَ عَلَيْهَا فِي أَيَّامِهَا، وَكَذَا يُخَاطَبُ بِهَا عَمَّنْ وُلِدَ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، لَا عَمَّنْ فِي الْبَطْنِ، وَكَذَا يُخَاطَبُ بِهَا مَنْ أَسْلَمَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَهُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِبَقَاءِ وَقْتِ الْخِطَابِ بِالتَّضْحِيَةِ، بِخِلَافِ زَكَاةِ الْفِطْرِ نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ (اهـ.) . قَوْلُهُ: [مِنْ ثَنِيِّ غَنَمٍ] إلَخْ: جَارٌّ وَمَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٌ لِضَحِيَّةٍ. قَوْلُهُ: [دَخَلَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ] : الْمُرَادُ بِالسَّنَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَهِيَ ثَلَثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا، لَا الْقِبْطِيَّةِ وَهِيَ ثَلَثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ أَوْ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا كَمَا يُفِيدُهُ الشَّارِحُ فِي قَوْلِهِ: فَلَوْ وُلِدَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَجْزَأَ ضَحِيَّةٌ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالسَّنَةِ الْقِبْطِيَّةِ لَكَانَتْ السَّنَةُ نَاقِصَةً حِينَئِذٍ اثْنَيْ عَشَرَ أَوْ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ عِلْمِ الْفَلَكِ. قَوْلُهُ: [وَفِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ] : أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الدُّخُولُ بَيِّنًا فِي جَمِيعِ الْمَوَاشِي إلَّا فِي الْمَعْزِ.

[وقت الأضحية]

(مِنْ ذَبْحِ الْإِمَامِ) : أَيْ إمَامِ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الْخَلِيفَةُ أَوْ نَائِبُهُ. (بَعْدَ صَلَاتِهِ وَالْخُطْبَةِ) فَلَا تَجْزِيهِ هُوَ إنْ قَدَّمَهَا عَلَى الْخُطْبَةِ فَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِالنِّسْبَةِ لَهُ بِفَرَاغِهِ مِنْهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَبِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ بِفَرَاغِهِ مِنْ ذَبْحِهِ بَعْدَمَا ذُكِرَ (لِآخِرِ) الْيَوْمِ (الثَّالِثِ) مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْهُ، وَلَا تُقْضَى بَعْدَهُ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْفِطْرِ فَتُقْضَى لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ ذَبْحِ الْإِمَامِ إلَخْ قَوْلَهُ: (فَلَا تُجْزِئُ إنْ سَبَقَهُ) : أَيْ سَبَقَ ذَبْحَ الْإِمَامِ وَلَوْ أَتَمَّ بَعْدَهُ. وَكَذَا إنْ سَاوَاهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَوْ خَتَمَ بَعْدَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ابْتَدَأَ بَعْدَهُ وَخَتَمَ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ لَا قَبْلَهُ قِيَاسًا عَلَى سَلَامِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ، (إلَّا إذَا لَمْ يُبْرِزْهَا) الْإِمَامُ إلَى الْمُصَلِّي (وَتَحَرَّى) ذَبْحَهُ وَذَبَحَ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ سَبَقَهُ، فَتُجْزِئُ لِعُذْرِهِ بِبَذْلِ وُسْعِهِ. (فَإِنْ تَوَانَى) الْإِمَامُ: أَيْ تَرَاخَى عَنْ الذَّبْحِ (بِلَا عُذْرٍ انْتَظَرَ قَدْرَهُ) : أَيْ قَدْرَ ذَبْحِهِ، وَكَذَا إذَا عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا يُضَحِّي وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْتَظِرْ قَدْرَهُ لَمْ يَجُزْ. (وَ) إنْ تَوَانَى (لَهُ) أَيْ لِعُذْرٍ (فَلِقُرْبِ الزَّوَالِ) بِحَيْثُ يَبْقَى لِلزَّوَالِ بِقَدْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ] قَوْلُهُ: [أَيْ إمَامِ صَلَاةِ الْعِيدِ] : هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الرَّاجِحُ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْخَلِيفَةُ] : أَيْ وَهُوَ السُّلْطَانُ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ نَائِبُهُ] أَيْ كَالْبَاشَا فِي بَلَدٍ لَيْسَ بِهِ سُلْطَانٌ، قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَمَحَلُّ الْقَوْلَيْنِ مَا لَمْ يُخْرِجْ إمَامُ الطَّاعَةِ أُضْحِيَّتَهُ لِلْمُصَلِّي وَإِلَّا اُعْتُبِرَ هُوَ قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ: [فَلَا تُجْزِئُ إنْ سَبَقَهُ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الصُّوَرَ تِسْعٌ وَهِيَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي الْإِحْرَامِ، وَالسَّلَامُ الْمُجْزِئُ مِنْهَا صُورَتَانِ هُنَا وَهُنَاكَ، وَحَيْثُ لَمْ تَجُزْ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ كَانَتْ شَاةَ لَحْمٍ يَصْنَعُ بِهَا مَا شَاءَ غَيْرَ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: [فَتُجْزِئُ لِعُذْرِهِ] : مَفْهُومُهُ أَنَّ التَّحَرِّيَ لِذَبْحِ الْإِمَامِ مَعَ الْإِبْرَازِ لَا يَنْفَعُ لِتَفْرِيطِهِ بِسَبَبِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْعِلْمِ. قَوْلُهُ: [انْتَظَرَ قَدْرَهُ] : فَإِنْ انْتَظَرَ قَدْرَ ذَبْحِهِ وَذَبَحَ فَعَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ تَوَانَى لَهُ] إلَخْ: أَيْ كَقِتَالِ عَدُوٍّ مَثَلًا، وَهَلْ مِنْ الْعُذْرِ طَلَبُ

[الأفضل في الأضحية]

الذَّبْحِ لِئَلَّا يَفُوتَ الْوَقْتُ الْأَفْضَلُ، لَكِنَّ الِانْتِظَارَ لِقُرْبِ الزَّوَالِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ مَنْدُوبٌ، وَالشَّرْطُ الِانْتِظَارُ بِقَدْرِ ذَبْحِهِ. (وَمَنْ لَا إمَامَ لَهُ) بِبَلَدِهِ أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ (تَحَرَّى) بِذَبْحِهِ (أَقْرَبَ إمَامٍ) لَهُ مِنْ الْبِلَادِ، بِقَدْرِ صَلَاتِهِ وَخُطْبَتِهِ وَذَبْحِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ تَبَيَّنَ سَبْقَهُ. (وَالْأَفْضَلُ) فِي الضَّحَايَا: (الضَّأْنُ فَالْمَعْزُ فَالْبَقَرُ فَالْإِبِلُ) لِأَنَّ الْأَفْضَلَ فِيهَا طَيِّبُ اللَّحْمِ بِخِلَافِ الْهَدَايَا، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا كَثْرَتُهُ. (وَ) الْأَفْضَلُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ (الذَّكَرُ) عَلَى أُنْثَاهُ. (وَالْفَحْلُ) عَلَى الْخَصِيِّ (إنْ لَمْ يَكُنْ الْخَصِيُّ أَسْمَنَ) ، وَإِلَّا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ الْفَحْلِ. (وَ) الْأَفْضَلُ لِلْمُضَحِّي (الْجَمْعُ بَيْنَ أَكْلٍ) مِنْهَا (وَإِهْدَاءٍ) لِنَحْوِ جَارٍ (وَصَدَقَةٍ) عَلَى فَقِيرٍ مُسْلِمٍ (بِلَا حَدٍّ) فِي الثَّلَاثَةِ بِثُلُثٍ أَوْ غَيْرِهِ. (وَ) الْأَفْضَلُ مِنْ الْأَيَّامِ لِذَبْحِهَا (الْيَوْمُ الْأَوَّلُ) لِلْغُرُوبِ، وَأَفْضَلُهُ أَوَّلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِمَامِ الْأُضْحِيَّةَ بِشِرَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ لَا؟ اُنْظُرْ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَالشَّرْطُ الِانْتِظَارُ بِقَدْرِ ذَبْحِهِ] : أَيْ شَرْطُ الصِّحَّةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّوَانِي لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَلَا تُنْدَبُ الزِّيَادَةُ فِي الِانْتِظَارِ لِقُرْبِ الزَّوَالِ إلَّا فِي الْعُذْرِ. قَوْلُهُ: [وَمَنْ لَا إمَامَ لَهُ بِبَلَدِهِ] : أَيْ وَلَا عَلَى كَفَرْسَخٍ، بِأَنْ كَانَ الْإِمَامُ خَارِجًا عَنْ كَفَرْسَخٍ، فَالتَّحَرِّي إنَّمَا يَكُونُ لِلْإِمَامِ الْخَارِجِ عَنْ كَفَرْسَخٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ فِي دَاخِلٍ كَفَرْسَخٍ، فَإِنَّهُ كَإِمَامِ الْبَلَدِ فَلَا يَكْفِي التَّحَرِّي حَيْثُ أَبْرَزَ الْإِمَامُ أُضْحِيَّتَهُ. [الْأَفْضَل فِي الْأُضْحِيَّة] قَوْلُهُ: [وَالْأَفْضَلُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ الذَّكَرُ عَلَى أُنْثَاهُ] إلَخْ: يُشِيرُ إلَى الْمَرَاتِبِ الْمَشْهُورَةِ وَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ مَرْتَبَةً مِنْ ضَرْبِ أَرْبَعَةٍ فِي مِثْلِهَا، وَذَلِكَ أَنْ يُقَالَ فَحْلُ الضَّأْنِ فَخَصِيُّهُ فَخُنْثَاهُ فَأُنْثَاهُ، ثُمَّ فَحْلُ الْمَعْزِ فَخَصِيُّهُ فَخُنْثَاهُ فَأُنْثَاهُ، ثُمَّ فَحْلُ الْبَقَرِ عَلَى الْأَظْهَرِ فَخَصِيُّهُ فَخُنْثَاهُ فَأُنْثَاهُ، ثُمَّ فَحْلُ الْإِبِلِ فَخَصِيُّهُ فَخُنْثَاهُ فَأُنْثَاهُ، فَأَعْلَاهَا فُحُولُ الضَّأْنِ وَأَدْنَاهَا إنَاثُ الْإِبِلِ. قَوْلُهُ: [وَالْأَفْضَلُ لِلْمُضَحِّي] : أَيْ أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِجَمِيعِهَا وَإِنْ كَانَ أَشَقَّ عَلَى النَّفْسِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَحَدِيثُ: «أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ أَحْمَزُهَا» لَيْسَ كُلِّيًّا.

[شروط صحة الأضحية]

لِلزَّوَالِ، (فَأَوَّلُ) الْيَوْمِ (الثَّانِي) لِلزَّوَالِ، (فَأَوَّلُ) الْيَوْمِ (الثَّالِثِ) لِلزَّوَالِ، (فَآخِرُ الثَّانِي) ، فَمَنْ فَاتَهُ أَوَّلُ الثَّانِي نُدِبَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ لِأَوَّلِ الثَّالِثِ، وَقِيلَ: بَلْ آخِرُ الثَّانِي أَفْضَلُ مِنْ أَوَّلِ الثَّالِثِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ شُرُوطِ صِحَّتِهَا بِقَوْلِهِ. (وَشَرْطُهُمَا) أَيْ شُرُوطُ صِحَّتِهَا أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ (النَّهَارُ) فَلَا تَصِحُّ بِلَيْلٍ، وَالنَّهَارُ (بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فِي غَيْرِ) الْيَوْمِ (الْأَوَّلِ) ، وَأَمَّا الْيَوْمُ الْأَوَّلُ فَالشَّرْطُ لِلْإِمَامِ صَلَاتُهُ وَخُطْبَتُهُ بَعْدَ حِلِّ النَّافِلَةِ وَلِغَيْرِهِ ذَبْحُ إمَامِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) الثَّانِي: (إسْلَامُ ذَابِحِهَا) فَلَا تَصِحُّ بِذَبْحِ كَافِرٍ أَنَابَهُ رَبُّهَا فِيهِ وَلَوْ كِتَابِيًّا وَإِنْ جَازَ أَكْلُهَا. (وَ) الثَّالِثُ (السَّلَامَةُ مِنْ الشِّرْكِ) أَيْ الِاشْتِرَاكُ فِيهَا؛ فَإِنْ اشْتَرَكُوا فِيهَا بِالثَّمَنِ أَوْ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فَذَبَحُوهَا ضَحِيَّةً عَنْهُمْ لَمْ تُجْزِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ فِي الْأَرْيَافِ أَنْ يَكُونَ جَمَاعَةٌ - كَإِخْوَةٍ - شُرَكَاءَ فِي الْمَالِ، فَيُخْرِجُوا أُضْحِيَّةً عَنْ الْجَمِيعِ فَهَذِهِ لَا تُجْزِئُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، إلَّا أَنْ يَفْصِلَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: يُنْدَبُ تَرْكُ حَلْقِ الشَّعْرِ مِنْ سَائِرِ الْبَدَنِ وَتَرْكُ قَلْمِ الْأَظْفَارِ فِي التِّسْعَةِ الْأَيَّامِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ لِمَنْ يُرِيدُ الضَّحِيَّةَ وَلَوْ بِتَضْحِيَةِ الْغَيْرِ عَنْهُ، وَالضَّحِيَّةُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَتَالِيَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ، وَالْعِتْقُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ لِكَوْنِهَا سُنَّةً وَشَعِيرَةً مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ زَادَتْ الصَّدَقَةُ وَالْعِتْقُ أَضْعَافًا. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ بَلْ آخِرُ الثَّانِي أَفْضَلُ] : هَذَا ضَعِيفٌ وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ. [شُرُوط صِحَّة الْأُضْحِيَّة] قَوْلُهُ: [فَلَا تَصِحُّ بِلَيْلٍ] : أَيْ لِأَنَّ الضَّحَايَا كَالْهَدَايَا فَلَا يُجْزِئُ مَا وَقَعَ مِنْهُمَا لَيْلًا. قَوْلُهُ: [فَلَا تَصِحُّ بِذَبْحِ كَافِرٍ] : أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ جَازَ أَكْلُهَا] : أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ الْكَافِرَ كِتَابِيٌّ وَإِلَّا فَالْمَجُوسِيُّ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ. قَوْلُهُ: [لَمْ تَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ] : قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مِثْلُ مَا إذَا ذَبَحَ مَعِيبًا جَهْلًا.

وَاحِدٌ مِنْهُمْ لِنَفْسِهِ، وَيَغْرَمَ لَهُمْ مَا عَلَيْهِ مِنْ ثَمَنِهَا وَيَذْبَحَهَا عَنْ نَفْسِهِ. (إلَّا) التَّشْرِيكَ (فِي الْأَجْرِ قَبْلَ الذَّبْحِ) لَا بَعْدَهُ، فَيَجُوزُ - (وَإِنْ) شَرَّكَ فِي الْأَجْرِ (أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ) مِنْ الْأَنْفَارِ - بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا لَهُ كَابْنِهِ وَأَخِيهِ وَابْنِ عَمِّهِ، وَيَلْحَقُ بِهِ الزَّوْجَةُ، وَأَنْ يَكُونَ فِي نَفَقَتِهِ. وَأَنْ يَكُونَ سَاكِنًا مَعَهُ بِدَارٍ وَاحِدَةٍ؛ كَانَتْ النَّفَقَةُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ - كَالْأَخِ وَابْنِ الْعَمِّ - أَوْ وَاجِبَةً كَأَبٍ وَابْنٍ فَقِيرَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ النُّقُولِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَيَغْرَمُ لَهُمْ مَا عَلَيْهِ] : وَمِثْلُهُ لَوْ أَسْقَطُوا حَقَّهُمْ فِيهَا لَهُ قَبْلَ الذَّبْحِ. قَوْلُهُ: [فَيَجُوزُ] : أَيْ وَيَسْقُطُ طَلَبُهَا عَنْهُ وَعَنْ كُلِّ مَنْ أَدْخَلَهُ مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ الدَّاخِلُ مَعَهُ غَنِيًّا كَمَا يَأْتِي. وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي سُقُوطِ الطَّلَبِ عَمَّنْ أَشْرَكَهُمْ مَعَهُ إعْلَامُهُمْ بِالتَّشْرِيكِ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ الْبَاجِيُّ وَعِنْدِي: أَنَّهُ يَصِحُّ لَهُ التَّشْرِيكُ وَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُمْ بِذَلِكَ وَلِذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهَا صِغَارُ وَلَدِهِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ مِنْهُمْ قَصْدُ الْقُرْبَةِ. قَوْلُهُ: [بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ] : فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْهَا فَلَا تُجْزِئُ عَنْ الْمُشْرِكِ بِالْكَسْرِ، وَلَا عَنْ الْمُشْرَكِ بِالْفَتْحِ، قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ: وَالظَّاهِرُ عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِهَا كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا لَهُ] : أَيْ بِأَيِّ وَجْهٍ مِنْ أَوْجُهِ الْقَرَابَةِ، وَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ بَعِيدَ الْقَرَابَةِ عَلَى قَرِيبِهَا. قَوْلُهُ: [وَيُلْحِقُ بِهِ الزَّوْجَةَ] : قَالَ فِي الْبَيَانِ أَهْلُ بَيْتِ الرَّجُلِ الَّذِينَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُدْخِلَهُمْ مَعَهُ فِي أُضْحِيَّتِهِ أَزْوَاجُهُ وَمَنْ فِي عِيَالِهِ مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ، كَانُوا مِمَّنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ أَوْ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ. قَوْلُهُ: [وَأَنْ يَكُونَ سَاكِنًا مَعَهُ] : هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْبَاجِيِّ وَاللَّخْمِيِّ. وَخَالَفَ ابْنُ بَشِيرٍ فَجَعَلَ الْمُسَاكَنَةَ لَغْوًا - كَذَا فِي (بْن) نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [كَمَا هُوَ ظَاهِرُ النُّقُولِ] : رَدٌّ بِذَلِكَ عَلَى الْأَصْلِ وَ (عب) وَالْخَرَشِيِّ حَيْثُ قَالُوا: لَا تُشْتَرَطُ السُّكْنَى إلَّا إنْ كَانَ الْإِنْفَاقُ تَبَرُّعًا فَإِنْ (بْن) قَالَ: اُنْظُرْ مِنْ أَيْنَ لَهُمْ هَذَا الْقَيْدُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ غَيْرَ مَا نَقَلَهُ الطِّخِّيخِيُّ مُسْتَدِلًّا بِكَلَامِ

وَإِلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (إنْ قَرُبَ) الْمُشَرَّكُ بِالْفَتْحِ (لَهُ) : أَيْ لِرَبِّ الضَّحِيَّةِ الْمُشَرِّكُ بِالْكَسْرِ، (وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ) وُجُوبًا: كَالْأَبِ وَالِابْنِ الْفَقِيرَيْنِ، بَلْ (وَلَوْ) كَانَ الْإِنْفَاقُ عَلَى ذَلِكَ الْقَرِيبِ (تَبَرُّعًا) كَالْأَخِ (إنْ سَكَنَ مَعَهُ) بِدَارٍ وَاحِدَةٍ. وَحِينَئِذٍ (فَتَسْقُطُ) الضَّحِيَّةُ (عَنْ الْمُشَرَّكِ) بِالْفَتْحِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: هَذِهِ الشُّرُوطُ فِيمَا إذَا أَدْخَلَ غَيْرَهُ مَعَهُ، وَأَمَّا لَوْ ضَحَّى عَنْ جَمَاعَةٍ لَمْ يُدْخِلْ نَفْسَهُ مَعَهُمْ فَجَائِزٌ مُطْلَقًا حَصَلَتْ الشُّرُوطُ أَوْ بَعْضُهَا أَمْ لَا. (وَ) الشَّرْطُ الرَّابِعُ: (السَّلَامَةُ) مِنْ الْعُيُوبِ الْبَيِّنَةِ؛ وَبَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ: (مِنْ عَوَرٍ) : فَلَا تُجْزِئُ عَوْرَاءُ وَلَوْ كَانَتْ صُورَةُ الْعَيْنِ قَائِمَةً. (وَفَقْدِ جُزْءٍ) : كَيَدٍ أَوْ رِجْلٍ وَلَوْ خِلْقَةً (غَيْرِ خُصْيَةٍ) بِضَمِّ الْعُجْمَةِ وَكَسْرِهَا وَهِيَ الْبَيْضَةُ، وَأَمَّا فَائِتُهَا أَيْ الْخَصِيُّ فَيَجْزِي إذَا لَمْ يَكُنْ بِهَا مِنْهُ مَرَضٌ بَيِّنٌ، وَإِنَّمَا أَجْزَأَ لِأَنَّ الْخِصَاءَ يَعُودُ عَلَى اللَّحْمِ بِسَمْنٍ وَمَنْفَعَةٍ. (وَبَكَمٍ وَبَخَرٍ وَصَمَمٍ) ، فَلَا تَجْزِي الْبَكْمَاءُ وَهِيَ فَاقِدَةُ الصَّوْتِ. وَلَا الْبَخْرَاءُ وَهِيَ مُنْتِنَةُ رَائِحَةِ الْفَمِ، وَلَا الصَّمَّاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا سَمْعَ لَهَا. (وَصَمَعٍ وَعَجَفٍ وَبَتَرٍ) فَلَا تُجْزِي الصَّمْعَاءُ بِالْمَدِّ: وَهِيَ صَغِيرَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ حَبِيبٍ الَّذِي فِي الْمَوَّاقِ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ أَصْلًا. وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَالْبَاجِيِّ وَاللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ السُّكْنَى مَعَهُ شَرْطٌ مُطْلَقًا (اهـ.) كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [بِدَارٍ وَاحِدَةٍ] : أَيْ بِحَيْثُ يُغْلَقُ عَلَيْهِ مَعَهُ بَابٌ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ جِهَاتُ تِلْكَ الدَّارِ. قَوْلُهُ: [وَحِينَئِذٍ فَتَسْقُطُ الضَّحِيَّةُ عَنْ الْمُشْرِكِ] : أَيْ فَتَسْقُطُ عَنْهُ سُنَّتُهَا إنْ كَانَ غَنِيًّا. قَوْلُهُ: [وَقَالَ اللَّخْمِيُّ] إلَخْ: قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَهِيَ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ. قَوْلُهُ: [فَلَا تُجْزِئُ عَوْرَاءُ] : وَهِيَ الَّتِي ذَهَبَ بَصَرُ إحْدَى عَيْنَيْهَا، وَكَذَا ذَهَابُ أَكْثَرِهِ، فَإِنْ كَانَ بِعَيْنِهَا بَيَاضٌ لَا يَمْنَعُهَا النَّظَرَ أَجْزَأَتْ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا فَائِتُهَا أَيْ الْخَصِيُّ فَيُجْزِي] إلَخْ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ خِلْقَةً أَوْ بِقَطْعٍ.

الْأُذُنَيْنِ جِدًّا، وَلَا عَجْفَاءُ: وَهِيَ الَّتِي لَا مُخَّ فِي عِظَامِهَا لِهُزَالِهَا، وَلَا بَتْرَاءُ: وَهِيَ الَّتِي لَا ذَنَبَ لَهَا. (وَكَسْرِ قَرْنٍ يُدْمِي) أَيْ لَمْ يَبْرَأْ، فَإِنْ بَرِئَ أَجْزَأَتْ. (وَيُبْسِ ضَرْعٍ) حَتَّى لَا يَنْزِلَ مِنْهَا لَبَنٌ، فَإِنْ أَرْضَعَتْ وَلَوْ بِالْبَعْضِ أَجْزَأَتْ. (وَذَهَابِ ثُلُثِ ذَنَبٍ) فَأَكْثَرَ لَا أَقَلَّ فَيُجْزِئُ. (وَبَيِّنِ مَرَضٍ، وَجَرَبٍ. وَبَشَمٍ) أَيْ تُخَمَةٍ (وَجُنُونٍ) ، وَهِيَ فَاقِدَةُ التَّمْيِيزِ، (وَعَرَجٍ) فَالْخَفِيفُ فِي الْجَمِيعِ لَا يَضُرُّ. (وَفَقْدِ أَكْثَرِ مِنْ سِنٍّ لِغَيْرِ إثْغَارٍ أَوْ كِبَرٍ) ، فَفَقْدُ السِّنِّ الْوَاحِدِ لَا يَضُرُّ مُطْلَقًا، وَكَذَا الْأَكْثَرُ لِإِثْغَارٍ أَوْ كِبَرٍ، وَأَمَّا لِغَيْرِهِمَا بِضَرْبٍ أَوْ مَرَضٍ فَمُضِرٌّ؛ (وَأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ أُذُنٍ كَشَقِّهَا) أَيْ الْأُذُنِ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ، بِخِلَافِ فَقْدٍ أَوْ شَقِّ الثُّلُثِ فَلَا يَضُرُّ فِي الْأُذُنِ، بِخِلَافِ الذَّنَبِ كَمَا تَقَدَّمَ فَالسَّلَامَةُ مِنْ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ شَرْطُ صِحَّةٍ. (وَنُدِبَ سَلَامَتُهَا مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَا يَمْنَعُ) الْإِجْزَاءَ: (كَمَرَضٍ خَفِيفٍ، وَكَسْرِ قَرْنٍ لَا يُدْمِي) بَلْ بَرِئَ. (وَ) نُدِبَ (غَيْرُ خَرْقَاءَ وَشَرْقَاءَ) وَغَيْرُ (مُقَابِلَةٍ وَمُدَابِرَةٍ) الْخَرْقَاءُ: هِيَ الَّتِي فِي أُذُنِهَا خَرْقٌ مُسْتَدِيرٌ، وَالشَّرْقَاءُ: مَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ، وَالْمُقَابِلَةُ: مَا قُطِعَ مِنْ أُذُنِهَا مِنْ جِهَةِ وَجْهِهَا وَتُرِكَ مُعَلَّقًا، وَالْمُدَابِرَةُ: مَا قُطِعَ مِنْ أُذُنِهَا مِنْ جِهَةِ خَلْفِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا ذَنَبَ لَهَا] : أَيْ خِلْقَةً أَوْ عُرُوضًا. قَوْلُهُ: [أَيْ لَمْ يَبْرَأْ] : تَفْسِيرٌ مُرَادٌ لِلْإِدْمَاءِ أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِدْمَاءِ حَقِيقَتَهُ، بَلْ عَدَمَ بُرْئِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَمٌ. قَوْلُهُ: [وَجُنُونٍ] : أَيْ إنْ كَانَ دَائِمًا لَا إنْ لَمْ يَدُمْ فَلَا يَضُرُّ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الذَّنَبِ] : وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ قَطْعَ الذَّنَبِ يُشَوِّهُهَا زِيَادَةً عَلَى قَطْعِ الْأُذُنِ، لِأَنَّهُ عَصَبٌ وَلَحْمٌ بِخِلَافِ الْأُذُنِ فَهِيَ جِلْدٌ. قَوْلُهُ: [شَرْطُ صِحَّةٍ] : أَيْ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ الرَّابِعُ.

[مندوبات الأضحية ومكروهاتها]

وَتُرِكَ مُعَلَّقًا (وَ) نُدِبَ (سِمَنُهَا) أَيْ كَوْنُهَا سَمِينَةً (وَاسْتِحْسَانُهَا) أَيْ كَوْنُهَا حَسَنَةً فِي نَوْعِهَا. (وَ) نُدِبَ (إبْرَازُهَا لِلْمُصَلَّى) لِنَحْرِهَا، فِيهِ وَتَأَكَّدَ عَلَى الْإِمَامِ ذَلِكَ لِيُعْلِمَ النَّاسَ ذَبْحَهُ. وَكُرِهَ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ عَدَمُ إبْرَازِهَا. (وَ) نُدِبَ لِلْمُضَحِّي - وَلَوْ امْرَأَةً (ذَبْحُهَا بِيَدِهِ) . (وَكُرِهَ) لَهُ (نِيَابَةٌ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ) . (وَأَجْزَأَتْ) النِّيَابَةُ عَنْ رَبِّهَا. (وَإِنْ نَوَى) النَّائِبُ ذَبْحَهَا (عَنْ نَفْسِهِ) . وَشَبَّهَ فِي الْإِجْزَاءِ قَوْلُهُ: (كَذَبْحِ قَرِيبٍ) لِلْمُضَحِّي كَصَدِيقِهِ وَعَبْدِهِ (اعْتَادَهُ) أَيْ الذَّبْحَ لَهُ. (لَا) ذَبْحَ (أَجْنَبِيٍّ لَمْ يَعْتَدْهُ) ، فَلَا يُجْزِي عَنْ الْمُضَحِّي وَعَلَيْهِ بَذْلُهَا (كَغَالِطٍ) اعْتَقَدَ أَنَّهَا لَهُ، فَإِذَا هِيَ لِغَيْرِهِ (فَلَا تُجْزِئُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَفِي) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَنْدُوبَات الْأُضْحِيَّة وَمَكْرُوهَاتهَا] قَوْلُهُ: [وَتَأَكَّدَ عَلَى الْإِمَامِ ذَلِكَ] : أَيْ إنْ كَانَ الْبَلَدُ كَبِيرًا. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ] إلَخْ: أَيْ فَعَدَمُ إبْرَازِهَا فِي الْبَلَدِ الْكَبِيرِ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ آحَادِ النَّاسِ، وَإِنْ كَانَ ابْتِدَاءً يَنْدُبُ لِلْجَمِيعِ إبْرَازُ ضَحَايَاهُمْ لِأَجْلِ إظْهَارِ الشَّعِيرَةِ. قَوْلُهُ: [وَأَجْزَأَتْ النِّيَابَةُ عَنْ رَبِّهَا] إلَخْ: أَيْ إنْ كَانَ النَّائِبُ مُسْلِمًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْله وَإِنْ نَوَى النَّائِبُ ذَبْحَهَا إلَخْ أَيْ وَلَوْ مُتَعَمِّدًا بِخِلَافِ الْهَدْيِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [كَغَالِطٍ] : أَيْ وَمِنْ بَابِ أَوْلَى الْمُتَعَمِّدُ. قَوْلُهُ: [فَلَا تُجْزِئُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا] : ثُمَّ إنْ أَخَذَ الْمَالِكُ قِيمَتَهَا مِمَّنْ ذَبَحَهَا غَلَطًا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ لِلذَّابِحِ فِي اللَّحْمِ إلَّا الْأَكْلُ أَوْ الصَّدَقَةُ، لِأَنَّ ذَبْحَهُ عَلَى وَجْهِ الضَّحِيَّةِ وَإِنْ أَخَذَ الْمَالِكُ اللَّحْمَ، فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْبَحْهُ عَلَى وَجْهِ التَّضْحِيَةِ بِهِ. قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَمَحَلُّ كَوْنِهَا لَا تُجْزِئُ عَنْ وَاحِدٍ إذَا ذَكَّاهَا الْغَيْرُ غَلَطًا مَا لَمْ يَكُنْ رَبُّهَا نَاذِرًا لَهَا وَإِلَّا أَجْزَأَتْ عَنْ نَذْرِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً (اهـ) بَقِيَ مَا إذَا ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ عَمْدًا عَنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ

إجْزَاءِ ذَبْحِ (أَجْنَبِيٍّ اعْتَادَ) الذَّبْحَ وَلَوْ مَرَّةً عَنْ غَيْرِهِ، فَذَبَحَ، فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ بِلَا نِيَابَةٍ مُعْتَمِدًا عَلَى عَادَتِهِ (قَوْلَانِ) : بِالْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ، وَأَمَّا قَرِيبٌ لَمْ يَعْتَدْهُ فَالْأَظْهَرُ مِنْ التَّرَدُّدِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ. (وَ) كُرِهَ (قَوْلُهُ) أَيْ الْمُضَحِّي (عِنْدَ التَّسْمِيَةِ) لِلذَّبْحِ: (اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك) ، لِأَنَّهُ لَمْ يَصْحَبْهُ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. (وَ) كُرِهَ لِلْمُضَحِّي (شُرْبُ لَبَنِهَا) لِأَنَّهُ نَوَاهَا لِلَّهِ. (وَ) كُرِهَ (جَزُّ صُوفِهَا قَبْلَ الذَّبْحِ) . وَكُرِهَ (بَيْعُهُ) أَيْ الصُّوفِ إنْ جَزَّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِنَابَةٍ وَفِيهَا تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ رَبُّهَا نَذَرَهَا وَكَانَتْ مُعَيَّنَةً أَجْزَأَتْهُ وَسَقَطَ النَّذْرُ، وَإِنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً فَالنَّذْرُ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ رَبُّهَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ نَذْرٌ فَلَا تُجْزِئُ عَنْ وَاحِدٍ كَمَا تَقَدَّمَ بِالْأَوْلَى مِنْ الْغَالِطِ. وَلَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ مُحْرِزٍ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ إجْزَاءَهَا عَنْ الذَّابِحِ، وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِرَبِّهَا، وَالْفَرْقُ عَلَى هَذَا بَيْنَ الْعَامِدِ وَالْغَائِطِ أَنَّ الْعَامِدَ دَاخِلٌ عَلَى ضَمَانِهَا فَكَأَنَّهُ مَلَكَهَا قَبْلَ الذَّبْحِ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ لَمْ يَصْحَبْهُ عَمَلُ أَهْل الْمَدِينَةِ] : جَوَابٌ عَنْ سُؤَالِ قَائِلٍ: كَيْف يُكْرَهُ ذَلِكَ وَالنَّبِيُّ قَالَهُ، فَأَجَابَ بِمَا ذَكَرَ. قَوْلُهُ: [شُرْبُ لَبَنِهَا] : أَيْ وَلَوْ نَوَاهُ حِينَ الْأَخْذِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ نَوَاهَا لِلَّهِ] : أَيْ وَالْإِنْسَانُ لَا يَعُودُ فِي قُرْبَتِهِ. قَوْلُهُ: [جَزَّ صُوفَهَا] : أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ نَقْصِ جَمَالِهَا وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ جَزِّ الصُّوفِ إنْ لَمْ يَكُنْ الزَّمَانُ مُتَّسِعًا بِحَيْثُ يَنْبُتُ مِثْلُهُ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ قَبْلَ الذَّبْحِ، وَلَمْ يَنْوِ الْجَزَّ حِينَ أَخَذَهَا وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ.

[ما يمنع من بيع شيء من الأضحية أو البدل له]

(وَ) كُرِهَ (إطْعَامُ كَافِرٍ مِنْهَا) . (وَ) كُرِهَ (فِعْلُهَا عَنْ مَيِّتٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ النَّاسِ. (وَمُنِعَ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا) مِنْ جِلْدٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ عَظْمٍ أَوْ لَحْمٍ، وَلَا يُعْطِي الْجَزَّارَ شَيْئًا مِنْ لَحْمِهَا فِي نَظِيرِ جِزَارَتِهِ هَذَا إنْ أَجْزَأَتْهُ ضَحِيَّةٌ، بَلْ (وَإِنْ) لَمْ تُجِزْ كَأَنْ (سَبَقَ الْإِمَامَ) بِذَبْحِهَا، (أَوْ تَعَيَّبَتْ حَالَ الذَّبْحِ) قَبْلَ تَمَامِهِ، (أَوْ قَبْلَهُ أَوْ ذَبَحَ الْمَعِيبَ جَهْلًا) بِالْعَيْبِ أَوْ بِكَوْنِهِ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ لِلَّهِ تَعَالَى. (وَ) مُنِعَ (الْبَدَلُ) لَهَا أَوْ لِشَيْءٍ مِنْهَا (بَعْدَهُ) أَيْ الذَّبْحِ بِشَيْءٍ مُجَانِسٍ لِلْمُبْدَلِ مِنْهُ، وَإِلَّا كَانَ بَيْعًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ، (إلَّا لِمُتَصَدِّقٍ) عَلَيْهِ، (وَمَوْهُوبٍ) لَهُ فَيَجُوزُ لَهُمَا بَيْعُ مَا تَصَدَّقَ أَوْ وُهِبَ لَهُمَا، وَلَوْ عَلِمَ رَبُّهَا بِذَلِكَ. (وَ) إذَا وَقَعَ بَيْعٌ مِنْ رَبِّهَا أَوْ إبْدَالٌ (فُسِخَ) إنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا لَمْ يَفُتْ، (فَإِنْ فَاتَ) الْمَبِيعُ بِأَكْلٍ وَنَحْوِهِ (وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِالْعِوَضِ) إنْ كَانَ قَائِمًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَكُرِهَ إطْعَامُ كَافِرٍ مِنْهَا] : ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يُرْسِلْ لَهُ فِي بَيْتِهِ وَأَكَلَ فِي عِيَالِهِ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَفَصَلَ ابْنُ رُشْدٍ فَجَعَلَ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ إنْ أَرْسَلَ لَهُ فِي بَيْتِهِ، وَأَمَّا فِي عِيَالِهِ فَلَا كَرَاهَةَ، وَاسْتَظْهَرَ فِي الْأَصْلِ كَلَامَ ابْنِ حَبِيبٍ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ هُنَا. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ فِعْلُهَا عَنْ مَيِّتٍ] : أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَيَّنَهَا قَبْلَ مَوْتِهِ، وَإِلَّا فَيَنْدُبُ لِلْوَارِثِ إنْفَاذُهَا، وَكَذَا يُكْرَهُ التَّغَالِي فِي ثَمَنِهَا زِيَادَةً عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَظِنَّةُ الْمُبَاهَاةِ، وَتُكْرَهُ أَيْضًا الْعَتِيرَةُ - كَجَبِيرَةٍ - وَهِيَ: شَاةٌ كَانَتْ تُذْبَحُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِرَجَبٍ، وَكَانَتْ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالضَّحِيَّةِ. [مَا يَمْنَع مِنْ بَيْع شَيْء مِنْ الْأُضْحِيَّة أَوْ الْبَدَل لَهُ] قَوْلُهُ: [أَوْ تَعَيَّبَتْ حَالَ الذَّبْحِ] إلَخْ: أَيْ وَذَبَحَهَا بِالْفِعْلِ، وَإِلَّا فَلَوْ أَبْقَاهَا حَيَّةً جَازَ لَهُ فِيهَا الْبَيْعُ وَغَيْرُهُ، لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ إلَّا بِالذَّبْحِ. قَوْلُهُ: [بَعْدَهُ] : أَيْ الذَّبْحِ أَيْ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَيْسَ الْإِبْدَالُ بِمَمْنُوعٍ مَا لَمْ تَكُنْ مَنْذُورَةً بِعَيْنِهَا.

(مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمُضَحِّي أَوْ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ أَوْ لَا، (فَإِنْ فَاتَ) الْعِوَضُ أَيْضًا بِصَرْفٍ فِي لَوَازِمِهِ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ بِضَيَاعِهِ أَوْ تَلَفِهِ (فَبِمِثْلِهِ) يَتَصَدَّقُ وُجُوبًا. (إلَّا أَنْ يَتَوَلَّاهُ) أَيْ الْبَيْعَ (غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْمُضَحِّي كَوَكِيلِهِ أَوْ صَدِيقِهِ أَوْ قَرِيبِهِ (بِلَا إذْنٍ) مِنْهُ فِي بَيْعِهِ (وَصَرْفِهِ) الْغَيْرَ (فِيمَا لَا يَلْزَمُهُ) مِنْ نَفَقَةِ عِيَالٍ أَوْ وَفَاءِ دَيْنٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، بِأَنْ صَرَفَهُ فِي تَوْسِعَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِمِثْلِهِ حِينَئِذٍ. وَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ لَوْ صَرَفَهُ غَيْرُهُ فِيمَا يَلْزَمُهُ لَوَجَبَ التَّصَدُّقُ بِمِثْلِهِ كَمَا لَوْ تَوَلَّاهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ بِإِذْنِ صَرْفٍ فِيمَا يَلْزَمُهُ أَوَّلًا، وَهُوَ مَا قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ. (كَأَرْشِ عَيْبٍ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ) وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ ذَبْحِهَا؛ فَالْأَرْشُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْبَائِعِ فِي نَظِيرِهِ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ وَلَا يَتَمَلَّكُهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ، كَالْعَوَرِ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِأَرْشِهِ لِأَنَّ عَلَيْهِ بَدَلَهَا لِعَدَمِ إجْزَائِهَا. وَ (إنَّمَا تَتَعَيَّنُ) ضَحِيَّةٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَحْكَامُهَا (بِالذَّبْحِ) لَا بِالنَّذْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمُضَحِّي أَوْ غَيْرَهُ] إلَخْ: تَفْسِيرٌ لِلْإِطْلَاقِ فَتَحْتَهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ فَاتَ الْعِوَضُ] : أَيْ كَمَا فَاتَ الْمَبِيعُ. قَوْلُهُ: [فَبِمِثْلِهِ يَتَصَدَّقُ] : أَيْ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَإِلَّا فَبِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا. قَوْلُهُ: [فَلَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِمِثْلِهِ حِينَئِذٍ] : حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ فَوَاتِ الْعِوَضِ أَنَّ الصُّوَرَ سِتٌّ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ الْعِوَضِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَقِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا فِي خَمْسٍ وَهِيَ مَا إذَا تَوَلَّى الْبَيْعَ الْمُضَحِّي أَوْ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ، سَوَاءٌ صَرَفَ فِيمَا يَلْزَمُ الْمُضَحِّي أَمْ لَا، أَوْ تَوَلَّاهُ الْغَيْرُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَصَرَفَهُ فِيمَا يَلْزَمُ الْمُضَحِّيَ وَأَمَّا لَوْ تَوَلَّاهُ الْغَيْرُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَصَرَفَهُ فِيمَا لَا يَلْزَمُ الْمُضَحِّيَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُضَحِّي. قَوْلُهُ: [لَا بِالنَّذْرِ] : أَيْ لِقَوْلِ الْمُقَدِّمَاتِ: لَا تَجِبُ الْأُضْحِيَّةُ إلَّا بِالذَّبْحِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ (اهـ) . وَهَذَا فِي الْوُجُوبِ الَّذِي يُلْغِي طُرُوُّ الْعَيْبِ بَعْدَهُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَأَفَادَهُ الشَّارِحُ، فَإِنْ نَذَرَهَا ثُمَّ أَصَابَهَا عَيْبٌ قَبْلَ الذَّبْحِ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُ كَمَا قَالَ عَبْدُ السَّلَامِ، لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمُكَلَّفِ وَالْتِزَامَهُ لَا يَرْفَعُ مَا طَلَبَ

وَلَا بِالنِّيَّةِ وَلَا بِالتَّمْيِيزِ لَهَا، فَإِنْ حَصَلَ لَهَا عَيْبٌ بَعْدَمَا ذُكِرَ لَمْ تَجُزْ ضَحِيَّةً وَلَمْ تُعَيَّنْ لِلذَّبْحِ، فَلَهُ أَنْ يَصْنَعَ بِهَا مَا شَاءَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَتَعَيَّبْ فَيَجِبُ ذَبْحُهَا بِنَذْرِهَا. وَقِيلَ: تَتَعَيَّنُ بِالنَّذْرِ، فَإِنْ تَعَيَّنَتْ بَعْدَهُ تَعَيَّنَ ذَبْحُهَا ضَحِيَّةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُ الشَّارِعُ فِعْلَهُ يَوْمَ الْأَضْحَى مِنْ ذَبْحِ شَاةٍ سَلِيمَةٍ مِنْ الْعُيُوبِ. بِخِلَافِ طُرُوُّ الْعَيْبِ فِي الْهَدْيِ بَعْدَ التَّقْلِيدِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ ذَبْحُهُ وَإِنْ كَانَ مَعِيبًا هَذَا هُوَ الْمُرَادُ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ عَدَمَ وُجُوبِ الضَّحِيَّةِ بِالنَّذْرِ مُطْلَقًا بَلْ نَذْرُهَا يُوجِبُ ذَبْحَهَا وَيَمْنَعُ بَيْعَهَا وَبَدَلَهَا. قَوْلُهُ: [فَلَهُ أَنْ يَصْنَعَ بِهَا مَا شَاءَ] : أَيْ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ عِوَضٌ حَيْثُ كَانَتْ مُعَيَّنَةً، غَايَةُ مَا هُنَاكَ يُطَالَبُ بِسُنَّةِ الضَّحِيَّةِ إنْ كَانَ غَنِيًّا. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ: تَتَعَيَّنُ بِالنَّذْرِ] : أَيْ فَيَكُونُ نَذْرُهَا كَتَعْيِينِ الْهَدْيِ بِالتَّقْلِيدِ. تَتِمَّةٌ: يَجُوزُ إبْدَالُ الضَّحِيَّةِ بِدُونِهَا وَبِمُسَاوِيهَا هَذَا إذَا كَانَ الْإِبْدَالُ اخْتِيَارِيًّا، بَلْ وَإِنْ كَانَ اضْطِرَارِيًّا كَاخْتِلَاطٍ لَهَا مَعَ غَيْرِهَا. لَكِنْ يُكْرَهُ لَهُ تَرْكُ الْأَفْضَلِ لِصَاحِبِهِ إلَّا بِقُرْعَةٍ فَلَا يُكْرَهُ؛ لَكِنْ يُنْدَبُ لَهُ ذَبْحُ أُخْرَى أَفْضَلَ مِنْهَا. وَيُكْرَهُ لَهُ ذَبْحُهَا. فَإِنْ أَخَذَ الدُّونَ بِلَا قُرْعَةٍ وَذَبَحَهُ فَفِيهِ كَرَاهَتَانِ، وَيَجُوزُ أَيْضًا أَخْذُ عِوَضِ الضَّحِيَّةِ إنْ اخْتَلَطَتْ بَعْدَ الذَّبْحِ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، قَالَ: لِأَنَّ هَذَا لَا يُقْصَدُ. بِهِ الْمُعَاوَضَةُ وَلِأَنَّهَا شَرِكَةٌ ضَرُورِيَّةٌ، فَأَشْبَهَتْ شَرِكَةَ الْوَرَثَةِ فِي لَحْمِ أُضْحِيَّةِ مُوَرِّثِهِمْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَرَثَةِ قَسْمُهَا عَلَى حَسَبِ الْمَوَارِيثِ، وَلَوْ ذُبِحَتْ لَكِنْ بَعْدَ الذَّبْحِ بِالْقُرْعَةِ لِأَنَّهَا تَمْيِيزُ حَقٍّ بِالتَّرَاضِي، لِأَنَّهَا بَيْعٌ، وَيَجُوزُ بَيْعُهَا فِي دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ مَا لَمْ تُذْبَحْ.

[فصل في العقيقة وأحكامها]

فَصْلٌ: فِي الْعَقِيقَةِ وَأَحْكَامِهَا وَهِيَ مَا تُذْبَحُ مِنْ النَّعَمِ فِي سَابِعِ وِلَادَةِ الْمَوْلُودِ، وَبَدَأَ بِبَيَانِ حُكْمِهَا الْأَصْلِيِّ بِقَوْلِهِ: (الْعَقِيقَةُ مَنْدُوبَةٌ) عَلَى الْحُرِّ الْقَادِرِ. (وَهِيَ كَالضَّحِيَّةِ) فِي السِّنِّ وَفِيمَا يُجْزِئُ وَفِيمَا لَا يُجْزِي وَفِي كَوْنِهَا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ. تُذْبَحُ (فِي سَابِعِ الْوِلَادَةِ نَهَارًا) مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا تُجْزِي لَيْلًا. (وَأُلْغِيَ يَوْمُهَا) أَيْ الْوِلَادَةِ (إنْ وُلِدَ نَهَارًا) بَعْدَ الْفَجْرِ فَلَا يُعَدُّ مِنْ السَّبْعَةِ. فَإِنْ وُلِدَ قَبْلَهُ أَوْ مَعَهُ حُسِبَ مِنْهَا (وَتَسْقُطُ بِغُرُوبِهِ) أَيْ السَّابِعِ كَمَا تَسْقُطُ الْأُضْحِيَّةُ بِغُرُوبِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ. (وَتَعَدَّدَتْ) الْعَقِيقَةُ (بِتَعَدُّدِهِ) : أَيْ الْمَوْلُودِ. فَلِكُلِّ مَوْلُودٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى عَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصَلِّ فِي الْعَقِيقَة وَأَحْكَامهَا] [مَنْدُوبَات الْعَقِيقَة وَمَكْرُوهَاتهَا] قَوْلُهُ: [مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ] : جَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ الْوَقْتَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: مُسْتَحَبًّا وَهُوَ مِنْ الصَّحْوَةِ لِلزَّوَالِ، وَمَكْرُوهًا وَهُوَ بَعْدَ الزَّوَالِ لِلْغُرُوبِ وَبَعْدَ الْفَجْرِ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ، وَمَمْنُوعًا وَهُوَ اللَّيْلُ فَلَا تُجْزِئُ إذَا ذُبِحَتْ فِيهِ. قَوْلُهُ: [وَتَسْقُطُ بِغُرُوبِهِ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا فِيهِ، وَقِيلَ: لَا تَفُوتُ بِفَوَاتِ الْأُسْبُوعِ الْأَوَّلِ، بَلْ تُفْعَلُ يَوْمَ الْأُسْبُوعِ الثَّانِي، فَإِنْ لَمْ تُفْعَلْ فَفِي الْأُسْبُوعِ الثَّالِثِ، وَلَا تُفْعَلُ بَعْدَهُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَا تَسْقُطُ أَصْلًا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهَا أَبُوهُ طُولِبَ بِهَا هُوَ بَعْدَ الْبُلُوغِ. قَوْلُهُ: [عَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ] : خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: يَعُقُّ عَنْ الْأُنْثَى بِوَاحِدَةٍ، وَعَنْ الذَّكَرِ بِاثْنَتَيْنِ، فَلَوْ وُلِدَ تَوْأَمَانِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ عَقَّ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدَةً.

[الختان والخفاض]

(وَنُدِبَ ذَبْحُهَا بَعْدَ) طُلُوعِ (الشَّمْسِ) . (وَ) نُدِبَ (حَلْقُ رَأْسِهِ) يَوْمَهَا. (وَ) نُدِبَ (التَّصَدُّقُ بِزِنَةِ شَعْرِهِ) أَيْ الْمَوْلُودِ (ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً) . (وَ) نُدِبَ (تَسْمِيَةُ) أَيْ الْمَوْلُودِ (يَوْمَهَا) أَيْ الْعَقِيقَةِ وَخَيْرُ الْأَسْمَاءِ مَا عُبِّدَ أَوْ حُمِّدَ فَإِنْ، لَمْ يَعُقَّ عَنْهُ سُمِّيَ فِي أَيِّ يَوْمٍ شَاءَ. (وَكُرِهَ خِتَانُهُ فِيهِ) : أَيْ فِي السَّابِعِ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْيَهُودِ. (وَ) كُرِهَ (لَطْخُهُ بِدَمِهَا) لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ. (وَ) كُرِهَ (عَمَلُهَا وَلِيمَةً) بِأَنْ يَجْمَعَ عَلَيْهَا النَّاسَ كَوَلِيمَةِ الْعُرْسِ، بَلْ يَتَصَدَّقَ مِنْهَا وَيُطْعِمَ مِنْهَا الْجَارَ فِي بَيْتِهِ، وَيُهْدِيَ مِنْهَا وَيَأْكُلَ كَالضَّحِيَّةِ. (وَجَازَ كَسْرُ عِظَامِهَا) خِلَافًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ. (وَ) جَازَ (تَلْطِيخُهُ) أَيْ الْمَوْلُودِ (بِخَلُوقٍ) أَيْ طِيبٍ بَدَلًا عَنْ الدَّمِ الَّذِي كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْجَاهِلِيَّةُ. (وَالْخِتَانُ) لِلذَّكَرِ (سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَاجِبٌ. (وَالْخِفَاضُ فِي الْأُنْثَى مَنْدُوبٌ كَعَدَمِ النَّهْكِ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ تَخْفِضُ الْإِنَاثَ: اخْفِضِي وَلَا تُنْهِكِي» أَيْ لَا تَجُورِي فِي قَطْعِ اللَّحْمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَنُدِبَ حَلْقُ رَأْسِهِ] إلَخْ: أَيْ وَلِذَا قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: فِي سَابِعِ الْمَوْلُودِ نَدْبًا يَفْعَلُ ... عَقِيقَةً وَحَلْقَ رَأْسِ أَوَّلُ وَوَزْنُهُ نَقْدًا تَصَدَّقَنْ بِهِ ... وَسَمِّهِ وَإِنْ يَمُتْ مِنْ قَبْلِهِ إنْ عَنْهُ قَدْ عَقَّ وَإِلَّا سُمِّي ... فِي أَيِّ يَوْمٍ شَاءَهُ الْمُسَمِّي وَكُلُّ ذَا فِي سَابِعٍ وَالْخَتْنُ فِي ... زَمَانِ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ فَاعْرِفْ [الْخِتَان وَالْخِفَاض] قَوْلُهُ: [لِمَنْ تَخْفِضْ الْإِنَاثَ] : أَيْ وَهِيَ أُمُّ عَطِيَّةَ فَإِنَّهُ قَالَ لَهَا: «اخْفِضِي وَلَا تَنْهِكِي فَإِنَّهُ أَسْرَى لِلْوَجْهِ وَأَحْظَى عِنْدَ الزَّوْجِ» أَيْ لَا تُبَالِغِي، وَأَسْرَى أَيْ أَشْرَفُ لِلَوْنِهِ، وَأَحْظَى أَيْ أَلَذُّ عِنْدَ الْجِمَاعِ، لِأَنَّ الْجِلْدَةَ تَشْتَدُّ مَعَ الذَّكَرِ عِنْدَ كَمَالِهَا فَتَقْوَى الشَّهْوَةُ لِذَلِكَ، قَالَ الْخَرَشِيُّ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْبِقَ إلَى جَوْفِ الْمَوْلُودِ الْحَلَاوَةُ

النَّاتِئَةِ بَيْنَ الشَّفْرَيْنِ فَوْقَ الْفَرْجِ، فَإِنَّهُ يُضْعِفُ بَرِيقَ الْوَجْهِ وَلَذَّةَ الْجِمَاعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا وَالْعَقِيقَةِ وَكَانَ يُتَوَصَّلُ لِحِلِّ أَكْلِهَا بِالذَّكَاةِ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا فَعَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَلْحَةَ. تَتِمَّةٌ: إنْ بَلَغَ الشَّخْصُ قَبْلَ الْخِتَانِ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْخِتَانِ فَهَلْ يَتْرُكُهُ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا التَّرْكُ، لِأَنَّ بَعْضَ الْوَاجِبَاتِ يَسْقُطُ بِخَوْفِ الْهَلَاكِ، فَالسُّنَّةُ أَحْرَى وَلَا يَجُوزُ لِلْبَالِغِ أَنْ يَكْشِفَ عَوْرَتَهُ لِغَيْرِهِ لِأَجْلِ الْخِتَانِ، بَلْ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْفِعْلُ بِنَفْسِهِ سَقَطَتْ السُّنَّةُ، وَسُقُوطُهَا عَنْ الْأُنْثَى أَوْلَى بِذَلِكَ، فَإِنْ وُلِدَ مَخْتُونًا فَقِيلَ يَمُرُّ الْمُوسَى، فَإِنْ بَقِيَ مَا يُقْطَعُ قَطَعَ، وَقِيلَ قَدْ كَفَى الْمُؤْنَةَ وَاسْتَظْهَرَ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ.

[باب في بيان حقيقة الذكاة]

بَابٌ فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الذَّكَاةِ وَأَنْوَاعِهَا وَشُرُوطِهَا وَمَنْ تَصِحُّ مِنْهُ وَمَنْ لَا تَصِحُّ مِنْهُ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ (الذَّكَاةُ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ: " أَنْوَاعٌ " خَبَرُهُ اعْتَرَضَ بَيْنَهُمَا بِبَيَانِ حَقِيقَتِهَا بِقَوْلِهِ: (وَهِيَ السَّبَبُ الْمُوَصِّلُ لِحِلِّ أَكْلِ الْحَيَوَانِ) الْبَرِّيِّ؛ إذْ الْبَحْرِيُّ لَا يَحْتَاجُ لَهَا كَمَا يَأْتِي (اخْتِيَارًا) أَيْ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ ضِدِّ الِاضْطِرَارِ. (أَنْوَاعٌ) أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ (ذَبْحٌ) فِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالطُّيُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَاب فِي بَيَان حَقِيقَة الذَّكَاة] [الذَّبْح] بَابٌ هِيَ لُغَةً التَّمَامُ، يُقَالُ ذَكَّيْت الذَّبِيحَةَ إذَا أَتْمَمْت ذَبْحَهَا، وَالنَّارُ إذَا أَتْمَمْت إيقَادَهَا، وَرَجُلٌ ذَكِيٌّ تَامُّ الْفَهْمِ، وَشَرْعًا: هُوَ حَقِيقَتُهَا الَّتِي قَالَهَا الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [وَأَنْوَاعُهَا] : سَيَأْتِي أَنَّهَا أَرْبَعَةٌ. قَوْلُهُ: [وَشُرُوطُهَا] : أَيْ السَّبْعَةُ الَّتِي سَيَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ: (مُمَيِّزٌ) إلَى قَوْلِهِ: (بِنِيَّةٍ) . قَوْلُهُ: [وَمَنْ تَصِحُّ مِنْهُ] : وَهُوَ مَنْ اسْتَوْفَى الشُّرُوطَ. وَقَوْلُهُ: [وَمَنْ لَا تَصِحُّ مِنْهُ] : أَيْ وَهُوَ مَنْ اخْتَلَّ مِنْهُ الشُّرُوطُ أَوْ بَعْضُهَا. قَوْلُهُ: [الذَّكَاةُ مُبْتَدَأٌ] : أَرَادَ بِهَا الْجِنْسَ فَلِذَلِكَ أَخْبَرَ عَنْهَا بِقَوْلِهِ: (أَنْوَاعٌ) . قَوْلُهُ: [وَهِيَ السَّبَبُ] : أَيْ الشَّرْعِيُّ لَا الْعَادِيُّ وَلَا الْعَقْلِيُّ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ تَعَبَّدَنَا بِهِ الشَّارِعُ، وَإِنْ لَمْ نَعْقِلْ لَهُ مَعْنًى. قَوْلُهُ: [الْبَرِّيُّ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ كَالْجَرَادِ فَإِنَّهُ يُفْتَقَرُ فِي حِلِّ أَكْلِهِ لَهَا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [أَيْ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ] : أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ اخْتِيَارًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ الْأَكْلِ يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ حَالَةِ الِاضْطِرَارِ، فَلَا يَتَوَقَّفُ الْحِلُّ عَلَى ذَلِكَ السَّبَبِ. قَوْلُهُ: [فِي الْبَقَرِ] : مُرَادُهُ مَا يَشْمَلُ الْجَامُوسَ، فَالْأَصْلُ فِيهَا الذَّبْحُ،

وَالْوُحُوشِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهَا مَا عَدَا الزَّرَافَةَ. (وَهُوَ) : أَيْ الذَّبْحُ أَيْ حَقِيقَتُهُ: (قَطْعُ مُمَيِّزٍ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ، خَرَجَ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ، فَلَا يَصِحُّ ذَبْحُهُ لِعَدَمِ الْقَصْدِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا. (مُسْلِمٍ أَوْ) كَافِرٍ (كِتَابِيٍّ) خَرَجَ الْكَافِرُ غَيْرُ الْكِتَابِيِّ كَالْمَجُوسِيِّ وَالْمُشْرِكِ وَالدَّهْرِيِّ وَالْمُرْتَدِّ، فَلَا تَصِحُّ ذَكَاتُهُمْ، وَشَمِلَ الْكِتَابِيُّ النَّصْرَانِيَّ وَالْيَهُودِيَّ، فَتَصِحُّ مِنْهُمْ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ: (جَمِيعَ الْحُلْقُومِ) : وَهُوَ الْقَصَبَةُ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا النَّفَسُ بِفَتْحِ الْفَاءِ فَلَا يَكْفِي بَعْضُهُ وَلَا الْمُغَلْصِمَةُ. كَمَا يَأْتِي. (وَ) جَمِيعِ (الْوَدَجَيْنِ) وَهُمَا عِرْقَانِ فِي صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ يَتَّصِلُ بِهِمَا أَكْثَرُ عُرُوقِ الْبَدَنِ، وَيَتَّصِلَانِ بِالدِّمَاغِ فَهُمَا مِنْ الْمَقَاتِلِ، فَلَوْ قُطِعَ أَحَدُهُمَا وَأُبْقِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَجُوزُ فِيهَا النَّحْرُ بِكُرْهٍ وَلَوْ وَحْشِيَّةً، وَأَمَّا الْغَنَمُ وَالطُّيُورُ وَالْوُحُوشُ غَيْرَ الْبَقَرِ فَيَتَعَيَّنُ فِيهَا الذَّبْحُ. قَوْلُهُ: [الْمَقْدُورُ عَلَيْهَا] : يُحْتَرَزُ عَنْ غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهَا فَيَكْفِي فِيهَا الْعَقْرُ وَهُوَ أَحَدُ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ. قَوْلُهُ: [مَا عَدَا الزَّرَافَةَ] : أَيْ وَالْفِيلَ فَإِنَّهُمَا يُنْحَرَانِ كَالْإِبِلِ. قَوْلُهُ: [الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا] : أَيْ وَهُوَ قَصْدُ الذَّكَاةِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ حِلَّهَا، وَهَذَا هُوَ النِّيَّةُ الْآتِيَةُ. قَوْلُهُ: [مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ كِتَابِيٌّ] : هُوَ مَعْنَى قَوْلِ خَلِيلٍ: " يُنَاكَحُ " كَمَا حَلَّ بِهِ شُرَّاحُهُ، وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَوْضَحُ مِنْ عِبَارَةِ خَلِيلٍ. قَوْلُهُ: [بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ] : أَيْ وَهِيَ قَوْلُهُ أَنْ يُذْبَحَ مَا يَحِلُّ لَهُ بِشَرْعِنَا إلَخْ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا تَصِحُّ مِنْ الْكِتَابِيِّ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ مَجُوسِيًّا وَتَهَوَّدَ، أَوْ يَهُودِيًّا بَدَّلَ وَغَيَّرَ كَالسَّامِرِيَّةِ فِرْقَةٌ مِنْ الْيَهُودِ، وَلَا الصَّابِئِينَ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُمْ نَصَارَى، لَكِنْ لِعِظَمِ مُخَالَفَتِهِمْ لِلنَّصَارَى أُلْحِقُوا بِالْمَجُوسِ، كَذَا قَالَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ: [كَمَا يَأْتِي] : رَاجِعٌ لِقَطْعِ بَعْضِ الْحُلْقُومِ وَالْمُغَلْصَمَةِ.

الْآخَرُ أَوْ بَعْضُهُ لَمْ تُؤْكَلْ. وَلَا يُشْتَرَطُ قَطْعُ الْمَرِيءِ الْمُسَمَّى بِالْبُلْعُومِ وَهُوَ عِرْقٌ أَحْمَرُ تَحْتَ الْحُلْقُومِ مُتَّصِلٌ بِالْفَمِ وَرَأْسِ الْمَعِدَةِ يَجْرِي فِيهِ الطَّعَامُ إلَيْهَا، وَاشْتَرَطَهُ الشَّافِعِيُّ. (مِنْ الْمُقَدَّمِ) : مُتَعَلِّقٌ بِقَطْعٍ؛ فَلَا يُجْزِئُ الْقَطْعُ مِنْ الْقَفَا، لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ بِهِ النُّخَاعُ الْمُتَّصِلُ بِالرَّقَبَةِ وَسِلْسِلَةِ الظَّهْرِ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ، فَتَكُونُ مَيْتَةً. وَأَمَّا لَوْ ابْتَدَأَ مِنْ صَفْحَةِ الْعُنُقِ وَمَالَ بِالسِّكِّينِ إلَى الصَّفْحَةِ الثَّانِيَةِ فَتُؤْكَلُ إذَا لَمْ يَنْخَعْهَا ابْتِدَاءً. فَإِذَا لَمْ تُسَاعِدْهُ السِّكِّينُ عَلَى قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ فَقَلَبَهَا وَأَدْخَلَهَا تَحْتَ الْأَوْدَاجِ وَالْحُلْقُومِ وَقَطَعَهَا، فَقَالَ سَحْنُونَ وَغَيْرُهُ: لَمْ تُؤْكَلْ كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا فِي ذَبْحِ الطُّيُورِ مِنْ الْجَهَلَةِ. (بِمُحَدِّدٍ) : مُتَعَلِّقٌ ب " قَطَعَ "، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُحَدِّدُ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ كَزُجَاجٍ وَحَجَرٍ لَهُ حَدٌّ وَبُوصٌ؛ احْتِرَازًا مِنْ الدَّقِّ بِحَجَرٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ النَّهْشِ أَوْ الْقَطْعِ بِالْيَدِ فَلَا يَكْفِي. (بِلَا رَفْعٍ) لِلْآلَةِ (قَبْلَ التَّمَامِ) ، أَيْ تَمَامِ الذَّبْحِ. (بِنِيَّةِ) الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ: أَيْ قَطْعٍ مُصَاحِبٍ لِنِيَّةٍ وَقَصْدٍ لِإِحْلَالِهَا؛ احْتِرَازًا عَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَبْقَى الْآخَرَ أَوْ بَعْضَهُ لَمْ تُؤْكَلْ] : أَيْ بِاتِّفَاقٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُشْتَرَطُ قَطْعُ الْمَرِيءِ] : بِوَزْنِ أَمِيرٍ. قَوْلُهُ: [وَاشْتَرَطَهُ الشَّافِعِيُّ] : فَيَجِبُ عَلَى الْمَالِكِيِّ إنْ بَاعَ الذَّبِيحَةَ الَّتِي لَمْ يَقْطَعْ فِيهَا الْمَرِيءَ لِشَافِعِيٍّ الْبَيَانُ وَكَذَا لَوْ ضَيَّفَهُ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: [فَلَا يُجْزِئُ الْقَطْعُ مِنْ الْقَفَا] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْقَطْعُ فِي ضَوْءٍ أَوْ ظَلَامٍ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَوْ ذَبَحَ مِنْ الْقَفَا فِي ظَلَامٍ وَظَنَّ أَنَّهُ أَصَابَ وَجْهَ الذَّبْحِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُ ذَلِكَ لَمْ تُؤْكَلْ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ يَقْطَعُ بِهِ النُّخَاعَ] : هُوَ مُخٌّ أَبْيَضُ فِي فَقَارِ الْعُنُقِ وَالظَّهْرِ. قَوْلُهُ: [فَإِذَا لَمْ تُسَاعِدْهُ السِّكِّينُ] : لَا مَفْهُومَ لَهُ، بَلْ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً مَعَ كَوْنِ السِّكِّينِ حَادَّةً لَمْ تُؤْكَلْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِمُخَالَفَةِ سُنَّةِ الذَّبْحِ. قَوْلُهُ: [أَوْ مِنْ غَيْرِهِ] : أَيْ مَا عَدَّا السِّنَّ وَالْعَظْمَ وَسَيَأْتِي فِيهِمَا الْخِلَافُ. قَوْلُهُ: [وَقَصْدٌ لِإِحْلَالِهَا] : ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلنِّيَّةِ وَقَدْ تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْخَرَشِيَّ وَهُوَ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ، بَلْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ مَعْنَاهَا قَصْدُ التَّذْكِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ تَحْلِيلَهَا بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ حَاصِلٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ وَذِكْرُهُ لِلْمُحْتَرِزَاتِ يُفِيدُ الْمُعْتَمَدَ،

لَوْ قَصَدَ مُجَرَّدَ مَوْتِهَا، أَوْ قَصَدَ ضَرْبَهَا فَأَصَابَ مَحَلَّ الذَّبْحِ، أَوْ كَانَ الْقَاطِعُ لِلْمَحَلِّ غَيْرَ مُمَيِّزٍ فَلَا تُؤْكَلُ، فَإِنْ رَفَعَ يَدَهُ قَبْلَ التَّمَامِ وَطَالَ عُرْفًا ثُمَّ عَادَ وَتَمَّمَ الذَّبْحُ لَمْ تُؤْكَلْ إنْ كَانَ أَنْفَذَ بَعْضَ مَقَاتِلِهَا، بِأَنْ قَطَعَ وَدَجًا أَوْ بَعْضَ الْوَدَجَيْنِ. (وَلَا يَضُرُّ يَسِيرُ فَصْلٍ) ، أَيْ كَمَا لَوْ رَفَعَ يَدَهُ لِعَدَمِ حَدِّ السِّكِّينِ وَأَخَذَ غَيْرَهَا أَوْ سَنَّهَا وَلَمْ يُطِلْ الْفَصْلَ، (وَلَوْ رَفَعَهَا اخْتِيَارًا) : وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ طَالَ الْفَصْلُ ضَرَّ مُطْلَقًا رَفَعَ اخْتِيَارًا أَوْ اضْطِرَارًا وَإِنْ لَمْ يَطُلْ لَمْ يَضُرَّ مُطْلَقًا. وَالطُّولُ مُعْتَبَرٌ بِالْعُرْفِ؛ وَهَذَا إذَا أَنْفَذَ بَعْضَ مَقَاتِلِهَا، وَإِلَّا فَلَا يَضُرُّ مُطْلَقًا فِي الْأَرْبَعِ صُوَرٍ، لِأَنَّ الثَّانِيَةَ حِينَئِذٍ ذَكَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، لَكِنْ تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَتَسْمِيَةٍ إنْ طَالَ، لَا إنْ لَمْ يَطُلْ وَقَطْعُ الْحُلْقُومِ لَيْسَ مِنْ الْمَقَاتِلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَيَأْتِي يُصَرِّحُ بِذَلِكَ الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: [وَالطُّولُ مُعْتَبَرٌ بِالْعُرْفِ] : أَيْ وَلَا يُحَدُّ بِثَلَثِمِائَةِ بَاعٍ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ - أَخْذًا مِنْ فَتْوَى ابْنِ قَدَّاحٍ - فِي ثَوْرٍ أَضْجَعَهُ الْجَزَّارُ وَجَرَحَهُ فَقَامَ هَارِبًا وَالْجَزَّارُ وَرَاءَهُ، ثُمَّ أَضْجَعَهُ ثَانِيًا وَكَمَّلَ ذَبْحَهُ فَأَفْتَى ابْنُ قَدَّاحٍ بِأَكْلِهِ، وَكَانَتْ مَسَافَةُ الْهُرُوبِ ثَلَثَمِائَةِ بَاعٍ، لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ: هَذَا التَّحْدِيدُ لَا يُوَافِقُهُ عَقْلٌ وَلَا نَقْلٌ، عَلَى أَنَّ فَتْوَى ابْنِ قَدَّاحٍ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى التَّحْدِيدِ بِمَسَافَةِ الْقُرْبِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الذَّبِيحَةَ لَمْ تَكُنْ مَنْفُوذَةَ الْمَقَاتِلِ، وَسَيَأْتِي أَنَّهَا تُؤْكَلُ مُطْلَقًا عَادَ عَنْ قُرْبٍ أَوْ بُعْدٍ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَلَا يَضُرُّ مُطْلَقًا فِي الْأَرْبَعِ صُوَرٍ] : ظَاهِرُ الشَّارِحِ أَنَّ الصُّوَرَ ثَمَانٍ؛ أَرْبَعٌ فِي مَنْفُوذِ الْمَقَاتِلِ، وَأَرْبَعٌ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ. وَلَك أَنْ تَجْعَلَهَا سِتَّةَ عَشَرَ بِأَنْ تَقُولَ: إذَا عَادَ عَنْ قُرْبٍ أُكِلَتْ مُطْلَقًا؛ أَنَفَذَتْ الْمَقَاتِلُ أَمْ لَا، رُفِعَ اخْتِيَارًا أَوْ اضْطِرَارًا، كَانَ الْعَائِدُ الْأَوَّلَ أَوْ غَيْرَهُ، فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ. وَأَمَّا إنْ عَادَ عَنْ بُعْدٍ فَإِنْ لَمْ تَنْفُذْ الْمَقَاتِلُ أُكِلَتْ مُطْلَقًا رُفِعَ اخْتِيَارًا أَوْ اضْطِرَارًا كَانَ الْعَائِدُ الْأَوَّلَ أَوْ غَيْرَهُ؛ فَهَذِهِ أَرْبَعٌ إذَا نَفَذَتْ لَمْ تُؤْكَلْ مُطْلَقًا، رُفِعَ اخْتِيَارًا أَوْ اضْطِرَارًا، كَانَ الْعَائِدُ الْأَوَّلَ أَوْ غَيْرَهُ؛ فَهَذِهِ أَرْبَعٌ فَتُؤْكَلُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ وَلَا تُؤْكَلُ فِي أَرْبَعٍ. قَوْلُهُ: [لَكِنْ تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَتَسْمِيَةٍ إنْ طَالَ] : هَذَا إذَا كَانَ الْعَائِدُ لِلذَّبْحِ هُوَ الْأَوَّلُ، وَأَمَّا لَوْ عَادَ لِلذَّبْحِ غَيْرُ الْأَوَّلِ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ وَتَسْمِيَةٍ مُطْلَقًا طَالَ أَمْ لَا.

[من أنواع الذكاة النحر]

وَإِذَا عَلِمْت أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ جَمِيعِ الْحُلْقُومِ (فَلَا تُجْزِئُ مُغَلْصِمَةٌ) : وَهِيَ مَا انْحَازَتْ الْجَوْزَةُ فِيهَا لِجِهَةِ الْبَدَنِ، لِأَنَّ الْقَطْعَ حِينَئِذٍ صَارَ فَوْقَ الْحُلْقُومِ؛ فَالشَّرْطُ أَنْ يُبْقِيَ الْجَوْزَةَ أَوْ بَعْضَهَا كَدَائِرَةِ حَلْقَةِ الْخَاتَمِ جِهَةَ الرَّأْسِ حَتَّى يَصْدُقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَطَعَ الْحُلْقُومَ. وَقَطْعُ الْحُلْقُومِ شَرْطٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا فَالْمُغَلْصِمَةُ لَا تُجْزِئُ عِنْدَهُمْ أَيْضًا؛ خِلَافًا لِمَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ أَنَّهَا تُؤْكَلُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَصَارَ النَّاسُ يُقَلِّدُونَهُ إنْ نَزَلَتْ بِهِمْ هَذِهِ النَّازِلَةُ وَهُوَ نَقْلٌ خَطَأٌ لَا أَصْلَ لَهُ. نَعَمْ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تُؤْكَلُ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ قَطْعِ الْحُلْقُومِ عِنْدَهُمْ. (وَلَا) يُجْزِئُ (نِصْفُ الْحُلْقُومِ) : أَيْ قَطْعُهُ (عَلَى الْأَصَحِّ) مِنْ الْخِلَافِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ بَقِيَ قَدْرُ نِصْفِ الدَّائِرَةِ مِنْ الْجَوْزَةِ لِجِهَةِ الرَّأْسِ، بِأَنْ كَانَ الْمُنْحَازُ لِجِهَةِ الرَّأْسِ مِثْلَ الْقَوْسِ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي عَلَى الْأَصَحِّ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ قَطَعَ جَمِيعَ الْوَدَجَيْنِ وَإِلَّا فَلَا يَكْفِي قَطْعًا. (وَ) النَّوْعُ الثَّانِي (نَحْرٌ) لِإِبِلٍ وَزَرَافَةٍ وَيَجُوزُ بِكُرْهٍ فِي بَقَرٍ كَمَا يَأْتِي. (وَهُوَ) أَيْ النَّحْرُ (طَعْنُهُ) : أَيْ لِلْمُمَيَّزِ الْمُسْلِمِ بِمُسِنٍّ (بِلَبَّةٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ: وَهِيَ النَّقْرَةُ الَّتِي فَوْقَ التَّرْقُوَةِ وَتَحْتَ الرَّقَبَةِ؛ فَلَا رَفْعَ قَبْلَ التَّمَامِ وَلَا يَضُرُّ يَسِيرُ فَصْلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَنْ يُبْقِيَ الْجَوْزَةَ] : ظَاهِرُهُ أَنْ يَتَأَتَّى انْحِيَازُهَا كُلُّهَا لِجِهَةِ الرَّأْسِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُشَاهَدِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَا يَتَأَتَّى انْحِيَازُهَا كُلُّهَا لِلرَّأْسِ. وَقَدْ يُقَالُ: كَلَامُ شَارِحِنَا فِي انْحِيَازِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَهُوَ مُتَأَتٍّ بِأَنْ يَجْعَلَ الْقَطْعَ مِنْ أَسْفَلِ الْعُنُقِ. قَوْلُهُ: [كَدَائِرَةِ حَلَقَةِ الْخَاتَمِ] : أَيْ وَلَوْ دُقَّتْ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَا يَكْفِي عَلَى الْأَصَحِّ] : أَيْ وَهُوَ مَذْهَبُ سَحْنُونَ وَالرِّسَالَةِ، وَالْقَوْلُ بِالْإِجْزَاءِ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَلَا يَكْفِي قَطْعًا] : أَيْ بِاتِّفَاقِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ. [مِنْ أَنْوَاعِ الذَّكَاةِ النَّحْر] قَوْلُهُ: [لِإِبِلٍ وَزَرَافَةٍ] : أَيْ وَقِيلَ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [أَيْ لِلْمُمَيِّزِ الْمُسْلِمِ] : أَيْ وَلِكِتَابِيٍّ بِشُرُوطِهِ. قَوْلُهُ: [فَوْقَ التَّرْقُوَةِ] : وَجَمْعُهَا تَرَاقٍ قَالَ الْجَلَالُ فِي تَفْسِيرِ عِظَامِ الْحَلْقِ.

[شرط ذبح الكتابي]

وَلَوْ رَفَعَ اخْتِيَارًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الذَّبْحِ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ. (وَشَرْطُ) ذَبْحِ (الْكِتَابِيِّ: أَنْ يَذْبَحَ مَا يَحِلَّ لَهُ بِشَرْعِنَا) مِنْ غَنَمٍ وَبَقَرٍ وَغَيْرِهِمَا، (وَأَنْ لَا يُهِلَّ بِهِ) بِأَنْ يَجْعَلَهُ قُرْبَةً (لِغَيْرِ اللَّهِ) بِأَنْ يَذْكُرَ عَلَيْهِ اسْمَ غَيْرِ اللَّهِ فَإِنْ أَهَلَّ بِهِ (لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى) : بِأَنْ قَالَ: بِاسْمِ الْمَسِيحِ أَوْ الْعَذْرَاءِ لَمْ يُؤْكَلْ وَأَوْلَى لَوْ قَالَ بِاسْمِ الصَّنَمِ، (وَلَوْ اسْتَحَلَّ الْمَيْتَةَ) أَيْ أَكْلَهَا. (فَالشَّرْطُ) فِي جَوَازِ أَكْلِ ذَبِيحَتِهِ: (أَنْ لَا يَغِيبَ) حَالَ ذَبْحِهَا عَنَّا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ مُسْلِمٍ عَارِفٍ بِالذَّكَاةِ الشَّرْعِيَّةِ خَوْفًا مِنْ كَوْنِهِ قَتَلَهَا أَوْ نَخَعَهَا أَوْ سَمَّى عَلَيْهَا غَيْرَ اللَّهِ (لَا تَسْمِيَتُهُ) فَلَا تُشْتَرَطُ، بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ فَتُشْتَرَطُ كَمَا يَأْتِي، فَعَلِمَ أَنَّ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ بِشَرْعِنَا لَمْ يُؤْكَلْ إنْ ذَبَحَهُ أَوْ نَحَرَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَطْعُ] إلَخْ: أَيْ وَلَا يُؤْمَرُ بِذَلِكَ. [شَرْط ذبح الْكِتَابِيّ] قَوْلُهُ: [بِأَنْ يَجْعَلَهُ قُرْبَةً لِغَيْرِ اللَّهِ] : أَيْ وَأَمَّا مَا ذَبَحُوهُ بِقَصْدِ أَكْلِهِمْ مِنْهُ وَلَوْ فِي أَعْيَادِهِمْ، وَلَكِنْ سَمَّى عَلَيْهِ اسْمَ عِيسَى أَوْ الصَّنَمِ تَبَرُّكًا فَهَذَا يُكْرَهُ أَكْلُهُ كَمَا يَأْتِي. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ ذَبْحَ أَهْلِ الْكِتَابِ إنْ ذَبَحُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ بِقَصْدِ أَكْلِهِمْ وَلَوْ فِي أَعْيَادِهِمْ وَأَفْرَاحِهِمْ، فَيُؤْكَلُ مَعَ الْكَرَاهَةِ تَبَرَّكُوا فِيهِ بِاسْمِ عِيسَى أَوْ الصَّنَمِ - كَمَا يَتَبَرَّكُ أَحَدُنَا بِذِكْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ - وَسَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ فِي الشَّرْحِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: مَا ذَبَحُوهُ لِعِيسَى وَصَلِيبٍ وَصَنَمٍ إنْ ذَكَرُوا عَلَيْهِ اسْمَ اللَّهِ أُكِلَ، وَلَوْ قَدَّمُوا غَيْرَهُ لِأَنَّهُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَإِنْ قَصَدُوا إهْدَاءَ الثَّوَابِ مِنْ اللَّهِ فَكَذَلِكَ يُؤْكَلُ بِمَنْزِلَةِ الذَّبْحِ لِوَلِيٍّ، وَإِنْ قَصَدُوا التَّقْرِيبَ وَالتَّبَرُّكَ بِالْأُلُوهِيَّةِ أَوْ تَحْلِيلِهَا بِذَلِكَ حَرُمَ أَكْلُهَا (اهـ.) قَوْلُهُ: [بِأَنْ قَالَ بِاسْمِ الْمَسِيحِ أَوْ الْعَذْرَاءِ لَمْ يُؤْكَلْ] : أَيْ حَيْثُ لَمْ يَجْمَعْ مَعَهُ ذِكْرَ اللَّهِ، وَإِلَّا أُكِلَ كَمَا عَلِمْت مِنْ عِبَارَةِ الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [أَنْ لَا يَغِيبَ حَالَ ذَبْحِهَا عَنَّا] : فَإِنْ غَابَ عَنَّا لَمْ تُؤْكَلْ وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْقِيَاسُ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَسْتَحِلُّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ أَنَّهُ لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ، وَلَوْ لَمْ يَغِبْ عَلَيْهَا لِأَنَّ الذَّكَاةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ، وَإِذَا اسْتَحَلَّ الْمَيْتَةَ فَكَيْفَ يَنْوِي الذَّكَاةَ وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ نَوَاهَا فَكَيْفَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ، وَقَبِلَهُ ابْنُ نَاجِي وَابْنُ عَرَفَةَ اهـ.

وَهُوَ كُلُّ ذِي ظُفْرٍ إذَا ذَبَحَهُ يَهُودِيٌّ أَوْ نَحَرَهُ. وَالْمُرَادُ بِذِي الظُّفْرِ: مَا لَهُ جِلْدَةٌ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَالْإِوَزِّ وَالْإِبِلِ، بِخِلَافِ الدَّجَاجِ وَنَحْوِهِ. (وَكُرِهَ) لَنَا (مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ بِشَرْعِهِ) إذَا ذَبَحَهُ بِأَنْ أَخْبَرَنَا بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِي شَرْعِهِ الدَّجَاجُ مَثَلًا. (وَ) كُرِهَ لَنَا (شِرَاءُ ذِبْحِهِ) بِالْكَسْرِ: أَيْ مَذْبُوحِهِ أَيْ مَا ذَبَحَهُ لِنَفْسِهِ مِمَّا يُبَاحُ لَهُ أَكْلُهُ عِنْدَنَا. (وَ) كُرِهَ (جِزَارَتُهُ) : أَيْ جَعْلُهُ جَزَّارًا فِي الْأَسْوَاقِ، أَوْ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ الْمُسْلِمِينَ لِعَدَمِ نُصْحِهِ لَهُمْ. (كَبَيْعٍ) لِطَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَإِجَارَةٍ) لِدَابَّةٍ أَوْ سَفِينَةٍ أَوْ حَانُوتٍ أَوْ بَيْتٍ (لِكَعَبْدِهِ) مِمَّا يَعْظُمُ بِهِ شَأْنُهُ، فَيُكْرَهُ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ إعَانَتِهِمْ عَلَى الضَّلَالِ وَإِشْهَارِ أَدْيَانِهِمْ. (وَ) كُرِهَ لَنَا (شَحْمُ يَهُودِيٍّ) أَيْ أَكْلُهُ مِنْ بَقَرٍ وَغَنَمٍ ذَبَحَهَا لِنَفْسِهِ، أَيْ الشَّحْمُ الْخَالِصُ لَا الْمُخْتَلِطُ بِالْعَظْمِ وَلَا مَا حَمَلَتْهُ ظُهُورُهُمَا وَلَا مَا حَمَلَتْهُ الْحَوَايَا أَيْ الْأَمْعَاءُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَثْنَى ذَلِكَ فَهِيَ كَاللَّحْمِ، فَيَجُوزُ أَكْلُهَا وَيُكْرَهُ شِرَاؤُهَا كَاللَّحْمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَالْإِوَزِّ وَالْإِبِل] : أَيْ وَكَذَا حِمَارُ الْوَحْشِ وَالنَّعَامُ وَكُلُّ مَا كَانَ لَيْسَ بِمَشْقُوقِ الْخُفِّ وَلَا مَفْتُوحِ الْأَصَابِعِ، قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ كُلُّ ذِي ظُفْرٍ أَيْ كُلُّ ذِي مِخْلَبٍ وَحَافِرٍ، وَيُسَمَّى الْحَافِرُ ظُفْرًا مَجَازًا، وَلِذَلِكَ دَخَلَتْ حُمْرُ الْوَحْشِ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [الدَّجَاجُ مَثَلًا] : أَيْ وَكَالطَّرِيفَةِ وَهِيَ أَنْ تُوجَدَ الشَّاةُ بَعْدَ الذَّبْحِ فَاسِدَةَ الرِّئَةِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ بِحُرْمَتِهَا عِنْدَهُمَا. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ إعَانَتِهِمْ عَلَى الضَّلَالِ] : أَيْ وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ أَنْ يَقْصِدَ الْمُسْلِمُ الْإِعَانَةَ وَالْإِشْهَارَ وَإِلَّا حُرِّمَ، بَلْ رُبَّمَا كَفَرَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَثْنَى ذَلِكَ] : أَيْ حَيْثُ قَالَ: {إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} [الأنعام: 146] الْآيَةُ.

[العقر]

(وَ) كُرِهَ (ذِبْحٌ) بِالْكَسْرِ: أَيْ مَذْبُوحٍ (لِعِيسَى) - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَيْ لِأَجْلِهِ (أَوْ) لِأَجْلِ (الصَّلِيبِ) : أَيْ لِلتَّقَرُّبِ بِهِ لَهُمَا كَمَا يَتَقَرَّبُ الْمُسْلِمُ بِذِبْحٍ لِنَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ لِقَصْدِ الثَّوَابِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ؛ وَإِنَّمَا يَضُرُّ تَسْمِيَةُ عِيسَى أَوْ الصَّلِيبِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: وَلَوْ ذَكَرَ فِي هَذَا اسْمَ الصَّلِيبِ فَلَا يَضُرُّ، وَإِنَّمَا الْمُضِرُّ إخْرَاجُهُ قُرْبَةً لِذَاتٍ غَيْرِ اللَّهِ لِأَنَّهُ الَّذِي أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ. (وَ) كُرِهَ (ذَكَاةُ خُنْثَى وَخَصِيٍّ) وَمَجْبُوبٍ (وَفَاسِقٍ) : لِنُفُورِ النَّفْسِ مِنْ أَفْعَالِهِمْ غَالِبًا. بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالْكِتَابِيِّ إنْ ذَبَحَ لِنَفْسِهِ مَا يَحِلُّ لَهُ بِشَرْعِنَا وَبِشَرْعِهِ، وَأَمَّا ذَبْحُهُ لِمُسْلِمٍ وَكَّلَهُ عَلَى ذَبْحِهِ فَفِي جَوَازِ أَكْلِهِ وَعَدَمِهِ قَوْلَانِ، وَالرَّاجِحُ الْكَرَاهَةُ. (وَ) النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ أَنْوَاعِ الذَّكَاةِ: (عَقْرٌ: وَهُوَ جَرْحُ مُسْلِمٍ مُمَيِّزٍ) لَا غَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَقِيلَ وَلَوْ ذَكَرَ] إلَخْ: قَائِلُهُ (بْن) . قَوْلُهُ: [وَفَاسِقٍ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ لِجَارِحَةٍ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ أَوْ بِالِاعْتِقَادِ كَبِدْعِيٍّ لَمْ يَكْفُرْ بِبِدْعَتِهِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ] : مَا ذَكَرَهُ مِنْ جَوَازِ ذَكَاتِهِمَا، قَالَ (ح) : هُوَ الْمَشْهُورُ. وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ كَرَاهَةُ ذَبْحِهِمَا، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ، فَهُمَا قَوْلَانِ. وَمِثْلُ الْمَرْأَةِ الْأَغْلَفُ فَلَا تُكْرَهُ ذَكَاتُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ (ح) وَقِيلَ: تُكْرَهُ. قَوْلُهُ: [وَالرَّاجِحُ الْكَرَاهَةُ] : اعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ جَارٍ فِي ذَبْحِ الْكِتَابِيِّ مَا يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ بِتَمَامِهِ أَوْ شَرِكَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكِتَابِيِّ الذَّابِحِ. وَأَمَّا ذَبْحُ الْكِتَابِيِّ لِكِتَابِيٍّ آخَرَ فَحُكْمُهُ أَنَّهُ إنْ ذَبَحَ مَا لَا يَحِلُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اُتُّفِقَ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ ذَبْحِهِ، وَإِنْ ذَبَحَ مَا يَحِلُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اُتُّفِقَ عَلَى صِحَّةِ ذَبْحِهِ وَجَازَ أَكْلُ الْمُسْلِمِ مِنْهُ، وَإِنْ ذَبَحَ مَا يَحِلُّ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُ حَالِ الذَّابِحِ. [العقر] قَوْلُهُ: [جَرْحُ مُسْلِمٍ] إلَخْ: أَيْ إدْمَاؤُهُ وَلَوْ بِأُذُنٍ، وَالْحَالُ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ أَوْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ إدْمَاءٌ لَمْ يُؤْكَلْ وَلَوْ شَقَّ الْجِلْدَ؛ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُسْلِمُ الْجَارِحُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى بَالِغًا أَوْ غَيْرَهُ. وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا مُمَيِّزًا حَالَ إرْسَالِ السَّهْمِ أَوْ الْحَيَوَانِ، وَحَالَ الْإِصَابَةِ فَلَوْ تَخَلَّفَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بَعْدَ الْإِرْسَالِ وَقَبْلَ

كَسَكْرَانَ وَمَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ حَيَوَانًا (وَحْشِيًّا غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ إلَّا بِعُسْرٍ) خَرَجَ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ بِسُهُولَةٍ، فَلَا يُؤْكَلُ بِالْعَقْرِ، قَالَ فِيهَا: مَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَثْخَنَهُ حَتَّى صَارَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْفِرَارِ ثُمَّ رَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ (اهـ) ، أَيْ لِأَنَّهُ صَارَ أَسِيرًا مَقْدُورًا عَلَيْهِ. (لَا كَافِرٍ وَلَوْ كِتَابِيًّا) فَلَا يُؤْكِلُ صَيْدُهُ وَلَوْ سَمَّى اللَّهَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الصَّيْدَ رُخْصَةٌ وَالْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَهَذَا مُحْتَرَزُ " مُسْلِمٍ ". وَذَكَرَ مُحْتَرَزَ " وَحْشِيًّا " بِقَوْلِهِ: (وَلَا إنْسِيًّا) مِنْ بَقَرٍ أَوْ إبِلٍ أَوْ أَوِزٍّ أَوْ دَجَاجٍ (شَرَدَ) فَلَمْ يَقْدِر عَلَيْهِ فَلَا يُؤْكَلُ بِالْعُقْرِ، (أَوْ تَرَدَّى) أَيْ سَقَطَ (بِحُفْرَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِصَابَةِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِمْ فِي الْجِنَايَةِ: مَعْصُومٌ مِنْ حِينِ الرَّمْيِ لِلْإِصَابَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِأَكْلِهِ لِأَنَّ مَا هُنَا أَخَفُّ، أَلَا تَرَى الْخِلَافَ هُنَا فِي اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ أَشْهَبَ وَابْنَ وَهْبٍ لَا يَشْتَرِطَانِ الْإِسْلَامَ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ إلَّا بِعُسْرٍ] : أَيْ عَجَزَ عَنْ تَحْصِيلِهِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي حَالِ الْعُسْرِ وَالْمَشَقَّةِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْوَحْشُ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ تَأَنَّسَ ثُمَّ تَوَحَّشَ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ صَارَ أَسِيرًا] إلَخْ: أَيْ وَحِينَئِذٍ فَيَضْمَنُ هَذَا الَّذِي رَمَاهُ قِيمَتَهُ لِلْأَوَّلِ مَجْرُوحًا. قَوْلُهُ: [وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا] : أَيْ وَسِيَاقُ الْآيَةِ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [وَلَا إنْسِيًّا] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ جَمِيعَ الْحَيَوَانَاتِ الْمُسْتَأْنَسَةِ إذَا شَرَدَتْ وَتَوَحَّشَتْ فَإِنَّهَا لَا تُؤْكَلُ بِالْعَقْرِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ حَبِيبٍ إنْ تَوَحَّشَ غَيْرُ الْبَقَرِ لَمْ يُؤْكَلْ بِالْعَقْرِ، وَإِنْ تَوَحَّشَ الْبَقَرُ جَازَ أَكْلُهُ بِالْعَقْرِ، لِأَنَّ الْبَقَرَ لَهَا أَصْلٌ فِي التَّوَحُّشِ تَرْجِعُ إلَيْهِ أَيْ لِشَبَهِهَا بِبَقَرِ الْوَحْشِ. قَوْلُهُ: [أَوْ إوَزٍّ أَوْ دَجَاجٍ] : أَيْ وَأَمَّا الْحَمَامُ الْبَيْتِيُّ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ الْحَجِّ أَنَّ الْحَمَامَ كُلَّهُ صَيْدٌ، وَحِينَئِذٍ إذَا تَوَحَّشَ أُكِلَ بِالْعَقْرِ بِخِلَافِ النِّعَمِ

فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَبْحِهِ أَوْ نَحْرِهِ فَلَا يُؤْكَلُ بِالْعَقْرِ. (بِمُحَدَّدٍ) : مُتَعَلِّقٌ ب " جُرْحٍ "، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُحَدَّدُ سِلَاحًا أَوْ غَيْرَهُ - كَحَجَرٍ لَهُ سِنٌّ فَهُوَ - أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ: " بِسِلَاحٍ مُحَدَّدٍ ". وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْعَصَا وَالْحَجَرِ الَّذِي لَا حَدَّ لَهُ، وَالْبُنْدُقُ: أَيْ الْبِرَامِ الَّذِي يَرْمِي بِالْقَوْسِ فَلَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إذَا مَاتَ مِنْهُ أَوْ أَنْفَذَ مَقْتَلَهُ. وَأَمَّا صَيْدُهُ بِالرَّصَاصِ فَيُؤْكَلُ بِهِ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ السِّلَاحِ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ، وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُهُمْ. (أَوْ حَيَوَانٍ) : عَطْفٌ عَلَى " مُحَدَّدٍ ": أَيْ جَرَحَهُ بِمُحَدَّدٍ أَوْ بِحَيَوَانٍ (عُلِّمَ) بِالْفِعْلِ كَيْفِيَّةَ الِاصْطِيَادِ، وَالْمَعْنَى: هُوَ الَّذِي إذَا أُرْسِلَ أَطَاعَ وَإِذَا زُجِرَ انْزَجَرَ وَلَوْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ عَادَةً كَالنَّمِرِ (مِنْ طَيْرٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهَا لَا تُؤْكَلُ بِالْعَقْرِ، وَلَوْ تَوَحَّشَتْ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهَا وَقَدْ نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ (اهـ بْن) . قَوْلُهُ: [فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَبْحِهِ أَوْ نَحْرِهِ فَلَا يُؤْكَلُ] إلَخْ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ أَكْلِ الْمُتَرَدِّي بِالْعَقْرِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُؤْكَلُ الْمُتَرَدِّي الْمَعْجُوزُ عَنْ ذَكَاتِهِ مُطْلَقًا بَقَرًا أَوْ غَيْرَهُ بِالْعَقْرِ صِيَانَةً لِلْأَمْوَالِ. قَوْلُهُ: [وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُهُمْ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الصَّيْدَ بِبُنْدُقِ الرَّصَاصِ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ نَصٌّ لِلْمُتَقَدِّمِينَ لِحُدُوثِ الرَّمْيِ بِهِ بِحُدُوثِ الْبَارُودِ فِي وَسَطِ الْمِائَةِ الثَّامِنَةِ؛ وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْمَنْعِ قِيَاسًا عَلَى بُنْدُقِ الطِّينِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ كَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْقَرَوِيِّ وَابْنِ غَازِي وَسَيِّدِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفَاسِيِّ، لِمَا فِيهِ مِنْ إنْهَارِ الدَّمِ وَالْإِجْهَازِ بِسُرْعَةِ الَّذِي شُرِعَتْ الذَّكَاةُ لِأَجْلِهِ، ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ الِاحْتِرَازِ عَنْ الْعِصِيِّ وَبُنْدُقِ الطِّينِ إذَا لَمْ يُؤْخَذْ الصَّيْدُ حَيًّا غَيْرَ مَنْفُوذِ الْمَقْتَلِ، وَإِلَّا ذُكِّيَ وَأُكِلَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَأَمَّا إذَا أَخَذَ مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ فَلَا يُؤْكَلُ عِنْدَنَا وَلَوْ أُدْرِكَ حَيًّا ذُكِّيَ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَا أُدْرِكَ حَيًّا وَلَوْ مَنْفُوذَ جَمِيعِ الْمَقَاتِلِ وَذُكِّيَ يُؤْكَلُ، فَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي عَدَمِ أَكْلِ مَا مَاتَ بِبُنْدُقِ الطِّينِ، وَفِي أَكْلِ الَّذِي لَمْ يَنْفُذْ مَقْتَلُهُ حَيْثُ أُدْرِكَ حَيًّا وَذُكِّيَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا أُدْرِكَ حَيًّا مَنْفُوذَ الْمَقْتَلِ وَذُكِّيَ، فَعِنْدَهُمْ يُؤْكَلُ وَعِنْدَنَا لَا. قَوْلُهُ: [وَإِذَا زُجِرَ انْزَجَرَ] : قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ هَذَا الشَّرْطُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ

كَبَازٍ (أَوْ غَيْرِهِ) كَكَلْبٍ (فَمَاتَ) أَوْ نَفَذَ مَقْتَلُهُ (قَبْلَ إدْرَاكِهِ) حَيًّا فَيُبَاحُ أَكْلُهُ بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ إذَا جَعَلْنَا مَوْتَهُ قَبْلَ إدْرَاكِهِ مِنْ الْمَوْضُوعِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِهِ، وَإِلَّا كَانَتْ خَمْسَةً؛ إذْ لَوْ أُدْرِكَ حَيًّا غَيْرَ مَنْفُوذِ الْمَقْتَلِ لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا بِالذَّبْحِ أَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (إنْ أَرْسَلَهُ) الصَّائِدُ الْمُسْلِمُ (مِنْ يَدِهِ) بِنِيَّةٍ وَتَسْمِيَةٍ، (أَوْ) مِنْ (يَدِ غُلَامِهِ) وَكَفَتْ نِيَّةُ الْآمِرِ وَتَسْمِيَتُهُ، نَظَرًا إلَى أَنَّ يَدَ غُلَامِهِ كَيَدِهِ، وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ مِمَّا لَوْ كَانَ الْجَارِحُ سَائِبًا فَذَهَبَ لِلصَّيْدِ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِإِغْرَاءِ رَبِّهِ فَلَا يُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ. وَأَشَارَ لِلثَّانِي بِقَوْلِهِ: (وَلَمْ يَشْتَغِلْ) الْجَارِحُ حَالَ إرْسَالِهِ (بِغَيْرِهِ) أَيْ الصَّيْدِ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ اصْطِيَادِهِ، فَإِنْ اشْتَغَلَ بِشَيْءٍ كَأَكْلِ جِيفَةٍ أَوْ صَيْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْبَازِ، لِأَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ بَلْ رَجَّحَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ اعْتِبَارِ الِانْزِجَارِ فِي جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ، لِأَنَّ الْجَارِحَ لَا يَرْجِعُ بَعْدَ إشْلَائِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ عِصْيَانَ الْمُعَلَّمِ مَرَّةً لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا كَمَا لَا يَكُونُ مُعَلَّمًا بِطَاعَتِهِ مَرَّةً، بَلْ الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ الْعُرْفُ. قَوْلُهُ: [الصَّائِدُ الْمُسْلِمُ] : أَيْ الْمُمَيِّزُ. قَوْلُهُ: [مِنْ يَدِهِ] : الْمُرَادُ بِالْيَدِ حَقِيقَتُهَا وَمِثْلُهَا إرْسَالُهَا مِنْ حِزَامِهِ أَوْ مِنْ تَحْتِ قَدَمِهِ لَا الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ أَوْ الْمِلْكُ فَقَطْ، ثُمَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِرْسَالِ مِنْ يَدِهِ وَنَحْوِهَا، فَإِنْ كَانَ مَفْلُوتًا فَأَرْسَلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ، وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا يُؤْكَلُ وَلَوْ أَرْسَلَهُ مِنْ غَيْرِ يَدِهِ وَمَا فِي حُكْمِهَا، وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَالْقَوْلَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَاخْتَارَ غَيْرُ وَاحِدٍ كَاللَّخْمِيِّ مَا أَخَذَهُ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَيَّدَهُ (بْن) . قَوْلُهُ: [أَوْ مِنْ يَدِ غُلَامِهِ] : وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ مُسْلِمًا حِينَئِذٍ لِأَنَّ النَّاوِيَ وَالْمُسَمِّيَ هُوَ سَيِّدُهُ، فَالْإِرْسَالُ مِنْهُ حُكْمًا. قَوْلُهُ: [أَوْ بِإِغْرَاءِ رَبِّهِ] إلَخْ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ أَوَّلًا بِهِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ اشْتَغَلَ بِشَيْءٍ] : لَا فَرْقَ بَيْنَ كَثِيرِ التَّشَاغُلِ وَقَلِيلِهِ، وَرَأَى اللَّخْمِيُّ أَنَّ قَلِيلَ التَّشَاغُلِ لَا يَضُرُّ.

[الصيد بالحيوان وشرطه]

آخَرَ، ثُمَّ انْطَلَقَ فَقَتَلَ الصَّيْدَ لَمْ يُؤْكَلْ. وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ: (وَأَدْمَاهُ) : أَيْ إنَّ شَرْطَ أَكْلِهِ بِصَيْدِ الْجَارِحِ أَنْ يُدْمِيَهُ الْجَارِحُ بِنَابِهِ أَوْ ظُفْرِهِ فِي عُضْوٍ (وَلَوْ بِأُذُنٍ) ، فَلَوْ صَدَمَهُ فَمَاتَ الصَّيْدُ لَمْ يُؤْكَلْ، وَلَوْ شَقَّ جِلْدَهُ حَيْثُ لَمْ يَنْزِلْ مِنْهُ دَمٌ. وَأَشَارَ لِلرَّابِعِ بِقَوْلِهِ: (وَعَلِمَهُ) الصَّائِدُ حِينَ إرْسَالِ الْجَارِحِ عَلَيْهِ (مِنْ الْمُبَاحِ) : كَالْغَزَالِ وَحِمَارِ الْوَحْشِ وَبَقَرِهِ، (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ نَوْعَهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُبَاحِ؟ بِأَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ مِنْ الْمُبَاحِ وَتَرَدَّدَ: هَلْ هُوَ حِمَارُ وَحْشٍ أَوْ بَقَرٌ أَوْ ظَبْيٌ؟ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ. (وَإِنْ تَعَدَّدَ مِصْيَدُهُ) : أَيْ الْجَارِحِ (إنْ) أَرْسَلَهُ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْوَحْشِ، وَ (نَوَى الْجَمِيعُ؛ وَإِلَّا) يَنْوِي الْجَمِيعَ بِأَنْ نَوَى وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ (فَمَا نَوَاهُ) يُؤْكَلُ بِقَتْلِ الْجَارِحِ لَهُ حَيْثُ أَدْمَاهُ (إنْ صَادَهُ) الْجَارِحُ أَيْ صَادَ الْمَنْوِيَّ (أَوَّلًا) قَبْلَ غَيْرِهِ، فَإِنْ صَادَ غَيْرَ الْمَنْوِيِّ قَبْلَ الْمَنْوِيِّ لَمْ يُؤْكَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا بِذَكَاةٍ، لِتَشَاغُلِهِ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ الْمَنْوِيِّ فِي الْمَنْوِيِّ وَبِعَدَمِ النِّيَّةِ فِي غَيْرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ] : أَيْ حَيْثُ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُبَاحِ الَّتِي تُؤْكَلُ بِالْعَقْرِ، فَإِنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ مُبَاحٌ وَتَرَدَّدَ هَلْ هُوَ مِنْ نَعَمِ الْإِنْسِ أَوْ حِمَارُ وَحْشٍ مَثَلًا لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُبَاحُ بِالْعَقْرِ، وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ بَعْدَ نُفُوذِ مَقْتَلِهِ أَنَّهُ حِمَارُ وَحْشٍ. [الصَّيْد بِالْحَيَوَانِ وَشَرْطه] قَوْلُهُ: [إنْ أَرْسَلَهُ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْوَحْشِ] : أَيْ مُعَيَّنَةٍ وَالْقَوْلُ بِأَكْلِ الْجَمِيعِ إنْ تَعَدَّدَ مُصِيدُهُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا يُؤْكَلُ إلَّا الْأَوَّلُ فَذَلِكَ رَدٌّ بِالْمُبَالَغَةِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [فَمَا نَرَاهُ يُؤْكَلُ] : قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فِي وَاحِدٍ وَلَا فِي الْجَمِيعِ لَمْ يُؤْكَلْ شَيْءٌ، وَقَالَ جَدُّ الْأُجْهُورِيِّ: يُؤْكَلُ جَمِيعُ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذَا أَيْضًا حَيْثُ كَانَتْ الصُّيُودُ مُعَيَّنَةً حِينَ الْإِرْسَالِ، فَلَوْ نَوَى وَاحِدًا بِعَيْنِهِ لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا هُوَ إنْ عُرِفَ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا الْأَوَّلُ، وَلَوْ شَكَّ فِي أَوَّلِيَّتِهِ لَمْ يُؤْكَلْ شَيْءٌ كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ تَبَعًا لِ (بْن) . قَوْلُهُ: [فَإِنْ صَادَ غَيْرَ الْمَنْوِيِّ] : أَيْ تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا أَوْ شَكًّا. قَوْلُهُ: [فِي الْمَنْوِيِّ] : فِي بِمَعْنَى عَنْ. قَوْلُهُ: [وَبِعَدَمِ النِّيَّةِ فِي غَيْرِهِ] : أَيْ الَّذِي اشْتَغَلَ بِهِ عَنْ الْمَنْوِيِّ.

(لَا) يَحِلُّ أَكْلُهُ (إنْ تَرَدَّدَ) بِأَنْ شَكَّ أَوْ ظَنَّ أَوْ تَوَهَّمَ (فِي حُرْمَتِهِ) كَخِنْزِيرٍ، فَإِذَا هُوَ حَلَالٌ لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ. (أَوْ) تَرَدَّدَ (فِي الْمُبِيحِ) لِأَكْلِهِ (إنْ شَارَكَهُ) أَيْ الْجَارِحَ (غَيْرُهُ) فِي قَتْلِهِ (كَكَلْبِ كَافِرٍ) أَرْسَلَهُ رَبُّهُ الْكَافِرُ عَلَى الصَّيْدِ، فَشَارَكَ كَلْبَ الْمُسْلِمِ فِي قَتْلِهِ فَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ الَّذِي قَتَلَهُ كَلْبُ الْمُسْلِمِ أَوْ الْكَافِرِ، وَكَذَا لَوْ رَمَى الْمُسْلِمُ سَهْمَهُ وَرَمَى الْكَافِرُ سَهْمَهُ فَأَصَابَاهُ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُؤْكَلُ لِلتَّرَدُّدِ فِي الْمُبِيحِ. (أَوْ) كَلْبٍ (غَيْرِ مُعَلَّمٍ) بِالْجَرِّ وَالْعَطْفِ عَلَى كَلْبِ كَافِرٍ، أَيْ أَوْ شَارَكَ كَلْبَ الْمُسْلِمِ الْمُعَلَّمِ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ فِي قَتْلِهِ فَلَا يُؤْكَلُ لِلشَّكِّ فِي الْمُبِيحِ، وَكَذَا لَوْ رَمَاهُ الْمُسْلِمُ الْمُمَيِّزُ فَسَقَطَ فِي مَاءٍ وَمَاتَ فَلَا يُؤْكَلُ لِلشَّكِّ فِي الْمُبِيحِ هَلْ مَاتَ مِنْ السَّهْمِ فَيُؤْكَلُ، أَوْ مِنْ الْمَاءِ فَلَا يُؤْكَلُ، أَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ مِنْ السُّمِّ الْغَيْرِ الْمُبِيحِ لَا مِنْ السَّهْمِ الْمُبِيحِ. (أَوْ تَرَاخَى) الصَّائِدُ (فِي اتِّبَاعِهِ) : أَيْ الصَّيْدِ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا فَلَا يُؤْكَلُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَوْ جَدَّ فِي طَلَبِهِ لَأَدْرَكَ ذَكَاتَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، (إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ) لَوْ جَدَّ (لَا يَلْحَقُهُ) حَيًّا. (أَوْ حَمَلَ الْآلَةَ) : أَيْ آلَةَ الذَّبْحِ كَالسِّكِّينِ (مَعَ غَيْرِهِ) كَغُلَامِهِ وَشَأْنُهُ أَنْ يَسْبِقَ الْغُلَامَ فَسَبَقَهُ، وَأَدْرَكَ الصَّيْدَ حَيًّا فَمَا جَاءَ حَامِلُ الْآلَةِ إلَّا وَقَدْ مَاتَ الصَّيْدُ فَلَا يُؤْكَلُ لِتَفْرِيطِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِأَنْ شَكَّ] إلَخْ: تَفْسِيرٌ لِلتَّرَدُّدِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّرَدُّدِ اسْتِوَاءَ الطَّرَفَيْنِ، بَلْ مَا طَرَقَهُ الِاحْتِمَالُ فَلِذَلِكَ فَسَّرَهُ بِالشَّكِّ وَالظَّنِّ وَالْوَهْمِ. قَوْلُهُ: [فَإِذَا هُوَ حَلَالٌ] : أَيْ كَغَزَالٍ. قَوْلُهُ: [كَكَلْبِ كَافِرٍ] : الْمُرَادُ كَلْبٌ أَرْسَلَهُ كَافِرٌ كَانَ رَبُّهُ أَمْ لَا فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ رَبُّهُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي كَلْبِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَأْتِي لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ. قَوْلُهُ: [كَلْبَ] : بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ لِشَارَكَ، وَقَوْلُهُ: (الْمُعَلَّمَ) بِالْفَتْحِ نَعْتٌ. وَقَوْلُهُ: (كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ) : فَاعِلٌ. قَوْلُهُ: [وَشَأْنُهُ أَنْ يَسْبِقَ الْغُلَامَ] : مَفْهُومُهُ لَوْ كَانَ الْغُلَامُ هُوَ الَّذِي يَسْبِقُ، أَوْ الِاسْتِوَاءُ فَتَخَلَّفَ مَجِيءُ الْغُلَامِ حَتَّى مَاتَ، فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ.

(أَوْ) وَضَعَ الْآلَةَ (بِخُرْجِهِ) وَنَحْوِهِ مِمَّا يَسْتَدْعِي طَوْلًا فِي إخْرَاجِهَا فَأَدْرَكَهُ حَيًّا فَمَا أَخْرَجَ الْآلَةَ مِنْ الْخُرْجِ إلَّا وَمَاتَ فَلَا يُؤْكَلُ لِلتَّفْرِيطِ بِوَضْعِهَا فِي الْخُرْجِ دُونَ مَسْكِهَا بِيَدِهِ، أَوْ جَعَلَهَا فِي حِزَامِهِ. (أَوْ بَاتَ) الصَّيْدُ عَنْ الصَّائِدِ فَوَجَدَهُ بِالْغَدِ مَيِّتًا؛ لَمْ يُؤْكَلْ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِشَيْءٍ آخَرَ كَالْهَوَامِّ، (أَوْ صَدَمَهُ) الْجَارِحُ فَمَاتَ بِلَا جُرْحٍ، (أَوْ عَضَّهُ) فَمَاتَ (بِلَا جُرْحٍ) فَلَا يُؤْكَلُ، لِمَا عَلِمْت أَنَّ شَرْطَ أَكْلِهِ إدْمَاؤُهُ وَلَوْ بِأُذُنٍ (أَوْ اضْطَرَبَ) الْجَارِحُ لِرُؤْيَتِهِ صَيْدًا (فَأَرْسَلَهُ) الصَّائِدُ (بِلَا رُؤْيَةٍ) مِنْهُ لَهُ فَصَادَ صَيْدًا؛ لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا بِذَكَاةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ اصْطَادَ غَيْرَ مَا اضْطَرَبَ عَلَيْهِ، وَلِذَا لَوْ نَوَى الْمُضْطَرِبَ عَلَيْهِ وَغَيْرَهُ لَأُكِلَ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ، وَالثَّانِي: لَا يُؤْكَلُ مُطْلَقًا إذْ شَرْطُ حِلِّ أَكْلِهِ الرُّؤْيَةُ وَهُوَ لَمْ يَرَ. (وَدُونَ نِصْفٍ) كَيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ جَنَاحٍ (أُبِينَ) - أَيْ انْفَصَلَ مِنْ الصَّيْدِ، أَيْ أَبَانَهُ الْجَارِحُ أَوْ السَّهْمُ وَلَوْ حُكْمًا كَمَا لَوْ تَعَلَّقَ بِيَسِيرِ جِلْدٍ - (مَيْتَةٌ) لَا يُؤْكَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَأَدْرَكَهُ حَيًّا] : أَيْ غَيْرَ مَنْفُوذِ الْمَقَاتِلِ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا، وَأَمَّا مَنْفُوذُ الْمَقَاتِلِ فَيُؤْكَلُ وَلَا يَضُرُّهُ التَّفْرِيطُ فِي حَمْلِ الْآلَةِ مَعَ الْغُلَامِ أَوْ وَضْعِهَا فِي الْخُرْجِ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ الْآلَةُ مَعَهُ حِينَئِذٍ لَمْ تَجِبْ ذَكَاتُهُ قَوْلُهُ: [فَوَجَدَهُ بِالْغَدِ مَيِّتًا] : لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ مُدَّةً مِنْ اللَّيْلِ فِيهَا طُولٌ بِحَيْثُ يَلْتَبِسُ الْحَالُ، وَلَا يَدْرِي هَلْ مَاتَ مِنْ الْجَارِحِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْهَوَامِّ الَّتِي تَظْهَرُ فِي اللَّيْلِ. وَمَفْهُومُ الْمَبِيتِ أَنَّهُ لَوْ رَمَاهُ نَهَارًا وَغَابَ عَلَيْهِ، ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ حَيْثُ لَمْ يَتَرَاخَ فِي اتِّبَاعِهِ، وَلَوْ غَابَ عَلَيْهِ يَوْمًا كَامِلًا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَنَّ اللَّيْلَ تَكْثُرُ فِيهِ الْهَوَامُّ دُونَ النَّهَارِ، فَإِذَا غَابَ لَيْلًا احْتَمَلَ مُشَارَكَةَ الْهَوَامِّ. قَوْلُهُ: [إذْ شَرْطُ حِلِّ أَكْلِهِ الرُّؤْيَةُ] : أَيْ رُؤْيَةُ الصَّيْدِ وَقْتَ الْإِرْسَالِ أَوْ كَوْنِ الْمَكَانِ مَحْصُورًا وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: [دُونَ نِصْفٍ] إلَخْ: الصَّوَابُ أَنَّ (دُونَ) هُنَا لِلْمَكَانِ الْمَجَازِيِّ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ، فَإِنْ رُفِعَ كَانَ مُبْتَدَأً، وَإِنْ نُصِبَ كَانَ صِلَةً لِمَوْصُوفٍ مُقَدَّرٍ. وَمَفْهُومُ الظَّرْفِ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ الْجَارِحُ الصَّيْدَ نِصْفَيْنِ مِنْ وَسَطِهِ أُكِلَ لِأَنَّ

وَأُكِلَ مَا سِوَاهُ (إلَّا أَنْ يَحْصُلَ بِهِ) : أَيْ بِذَلِكَ الدُّونِ أَيْ بِإِبَانَتِهِ (إنْفَاذُ مَقْتَلٍ كَالرَّأْسِ) فَلَيْسَ بِمَيْتَةٍ فَيُؤْكَلُ كَالْبَاقِي. (وَمَتَى أُدْرِكَ) الصَّيْدُ (حَيًّا غَيْرَ مَنْفُوذِ مَقْتَلٍ، لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا بِذَكَاةٍ) بِخِلَافِ مَا أُدْرِكَ مَنْفُوذُ مَقْتَلٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِعْلَهُ كَذَلِكَ فِيهِ إنْفَاذُ مَقْتَلِهِ - كَذَا قَالُوا، وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ الْأَكْلُ مِنْ النِّصْفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نِصْفٌ، بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ إنْفَاذِ مَقْتَلٍ، فَالْمَدَارُ عَلَى إنْفَاذِ الْمَقْتَلِ فَلَوْ أَبَانَ الْجَارِحُ أَوْ السَّهْمُ ثُلُثًا ثُمَّ سُدُسًا فَهَلْ يُؤْكَلَانِ أَوْ الْأَخِيرُ أَوْ يُطْرَحَانِ؟ لَا نَصَّ. وَقَدْ يُقَالُ الَّذِي نَفَذَ بِهِ الْمَقْتَلُ يُؤْكَلُ وَإِلَّا فَلَا، ثُمَّ إنَّ هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ، أَمَّا الْجَرَادُ مَثَلًا إذَا قَطَعَ جَنَاحَهُ فَمَاتَ أُكِلَ الْجَمِيعُ لِأَنَّ هَذَا ذَكَاتُهُ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [كَالرَّأْسِ] ؛ أَيْ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ وَنِصْفُ الرَّأْسِ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ مَا أَدْرَكَ مَنْفُوذَ مَقْتَلٍ] : أَيْ فَتَنْدُبُ ذَكَاتُهُ فَقَطْ حَيْثُ وُجِدَ حَيًّا. تَنْبِيهٌ: يُقْضَى بِالصَّيْدِ لِلسَّابِقِ لَهُ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ أَوْ حَوْزِهِ لَهُ فِي دَارِهِ أَوْ كَسْرِ رِجْلِهِ، وَإِنْ رَآهُ غَيْرُهُ قَبْلَهُ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ سَبَقَ لِمُبَاحٍ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ تَدَافَعَ جَمَاعَةٌ عَلَيْهِ فَبَيْنَهُمْ، وَلَوْ دَفَعَ أَحَدُهُمْ الْآخَرَ وَوَقَعَ عَلَيْهِ إذْ لَيْسَ وَضْعُ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ مِنْ الْمُبَادَرَةِ بِخِلَافِ الْمُسَابَقَةِ بِلَا تَدَافُعٍ، فَلَوْ جَاءَ غَيْرُ الْمُتَدَافِعَيْنِ حَالَ التَّدَافُعِ وَأَخَذَهُ اخْتَصَّ بِهِ، وَإِنْ شَرَدَ الصَّيْدُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ صَاحِبِهِ وَلَوْ مِنْ مُشْتَرٍ فَاصْطَادَهُ آخَرُ فَهُوَ لَهُ، وَلَوْ لَمْ يُلْتَحَقْ بِالْوَحْشِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ تَأَنَّسَ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَتَوَحَّشْ عِنْدَ شُرُودِهِ وَإِلَّا لَكَانَ لِصَاحِبِهِ الَّذِي شَرَدَ مِنْ يَدِهِ وَلِلصَّائِدِ لَهُ أُجْرَةُ تَحْصِيلِهِ فَقَطْ، وَاشْتَرَكَ طَارِدٌ لِلصَّيْدِ مِنْ ذِي شَبَكَةٍ أَوْ فَخٍّ بِحَسَبٍ فَعَلَيْهِمَا حَيْثُ تَوَقَّفَ وُقُوعُهُ عَلَى الطَّارِدِ وَالشَّبَكَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الطَّارِدُ الشَّبَكَةَ وَعَجَزَ عَنْهُ فَوَقَعَ فِيهَا فَلِرَبِّهَا، وَإِنْ كَانَ مُحَقَّقًا أَخْذُهُ بِدُونِهَا فَلَهُ دُونَ رَبِّهَا كَمَنْ طَرَدَ صَيْدَ الدَّارِ فَأَدْخَلَهُ فِيهَا، فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِ وَلَا شَيْءَ لِرَبِّ الدَّارِ أَمْكَنَهُ أَخْذُهُ بِدُونِهَا أَمْ لَا إذْ لَيْسَتْ مُعَدَّةً لِلصَّيْدِ إلَّا أَنْ يَطْرُدَهُ لِغَيْرِ الدَّارِ فَدَخَلَ فِي الدَّارِ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ فَلِمَالِكِ الدَّارِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَسْكُونَةً أَوْ خَالِيَةً، فَإِنْ كَانَ مُحَقَّقًا أَخْذُهُ بِغَيْرِهَا فَهُوَ لَهُ (اهـ بِالْمَعْنَى مِنْ الْأَصْلِ) .

[تنبيه ذكاة غير الراعي]

(وَضَمِنَ) الصَّيْدَ لِرَبِّهِ: أَيْ ضَمِنَ قِيمَتَهُ مَجْرُوحًا شَخْصٌ (مَارٌّ) عَلَيْهِ حَيًّا (أَمْكَنَتْهُ ذَكَاتُهُ وَتَرَكَ) ذَكَاتَهُ حَتَّى مَاتَ. وَإِمْكَانُهَا بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا بِوُجُودِ آلَةٍ وَهُوَ مِمَّنْ تَصِحُّ ذَكَاتُهُ، بِأَنْ كَانَ مُمَيِّزًا وَلَوْ كِتَابِيًّا أَوْ صَبِيًّا لِتَقْوِيَتِهِ عَلَى رَبِّهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [تَنْبِيه ذكاة غَيْر الرَّاعِي] قَوْلُهُ: [وَضَمِنَ الصَّيْدَ] إلَخْ: أَيْ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِهِ بِالشَّرْطِ الْآتِي، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّرْكَ فِعْلٌ. وَقِيلَ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّرْكَ لَيْسَ بِفِعْلٍ وَعَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ فَيَأْكُلُهُ رَبُّهُ، وَلَيْسَ بِمَيْتَةٍ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ: لَا يَأْكُلُهُ رَبُّهُ وَهُوَ مَيْتَةٌ وَلَا يَنْتَفِي الضَّمَانُ عَنْ الْمَارِّ، وَلَوْ أَكَلَهُ رَبُّهُ غَفْلَةً عَنْ كَوْنِهِ مَيْتَةً أَوْ عَمْدًا أَوْ ضِيَافَةً لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَأَوَّلٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكَلَ إنْسَانٌ مَا لَهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ ضِيَافَةً، لَا يَضْمَنُهُ الْغَاصِبُ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الْأُجْهُورِيُّ. وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ مَشَايِخِ الشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيُّ عَدَمَ ضَمَانِ الْمَارِّ إذَا أَكَلَهُ رَبُّهُ، وَاعْتَمَدَ الْأَوَّلَ اللَّقَانِيُّ - كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [أَمْكَنَتْهُ ذَكَاتُهُ] : أَنَّثَ الْفِعْلَ وَجَعَلَ الْفَاعِلَ الذَّكَاةَ، وَضَمِيرَ الْمَارِّ مَفْعُولًا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ إذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ الْإِسْنَادِ لِلْمَعْنَى وَلِلذَّاتِ فَالْإِسْنَادُ لِلْمَعْنَى أَوْلَى، فَيُقَالُ أَمْكَنَنِي السَّفَرُ دُونَ أَمْكَنْت السَّفَرَ كَمَا ذَكَرَهُ الْأُشْمُونِيُّ. تَنْبِيهٌ: غَيْرُ الرَّاعِي إنْ ذَكَّى غَيْرَ الصَّيْدِ فَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ خَافَ مَوْتَهُ، بَلْ يَتْرُكُهُ وَلَا يَضْمَنُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ قَرِينَةٍ فَيُصَدَّقُ، وَيَأْتِي تَصْدِيقُ الرَّاعِي فِي الْإِجَارَةِ - كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [بِوُجُودِ آلَةٍ] : فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَعَهُ إلَّا السِّنَّ أَوْ الظُّفْرَ، وَأَمْكَنَهُ بِذَلِكَ وَتَرَكَ، ضَمِنَ اتِّفَاقًا وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ جَوَازِ التَّذْكِيَةِ بِهِمَا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كِتَابِيًّا] : أَيْ فَالْكِتَابِيُّ كَالْمُسْلِمِ فِي وُجُوبِ ذَكَاةِ مَا ذَكَرَ، لِأَنَّهَا ذَكَاةٌ لَا عَقْرٌ وَلَا يَتَأَتَّى الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي ذَبْحِ الْكِتَابِيِّ لِلْمُسْلِمِ، لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ حِفْظِ مَالِ الْغَيْرِ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ يَضْمَنُهُ بِتَفْوِيتِهِ عَلَى رَبِّهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ صَبِيًّا] : أَيْ لِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ التَّرْكَ سَبَبًا فِي الضَّمَانِ، فَيَتَنَاوَلُ الْبَالِغَ وَغَيْرَهُ.

وَشَبَّهَ فِي الضَّمَانِ قَوْلَهُ: (كَتَرْكِ تَخْلِيصِ) شَيْءٍ (مُسْتَهْلَكٍ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ) قَدَرَ عَلَى تَخْلِيصِهِ بِيَدِهِ أَوْ جَاهِهِ أَوْ مَالِهِ. وَيَغْرَمُ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ، وَفِي الْمَالِ الْقِيمَةَ أَوْ الْمِثْلَ، وَأَوْلَى فِي الضَّمَانِ: لَوْ تَسَبَّبَ فِي الْإِتْلَافِ؛ كَدَالٍّ سَارِقٍ أَوْ ظَالِمٍ، وَحَافِرِ حُفْرَةٍ، وَوَاضِعِ مَزْلَقٍ لِوُقُوعِ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، وَانْظُرْ تَفْصِيلَ الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ وَشُرَّاحِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مُسْتَهْلَكٌ] : أَيْ مُتَوَقَّعٌ هَلَاكُهُ، وَلَوْ كَانَ التَّارِكُ لِلتَّخْلِيصِ صَبِيًّا لِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ كَمَا عَلِمْت. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ تَخْلِيصُ الْمُسْتَهْلَكِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَوْ بِدَفْعِ مَالٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى رَبِّهِ حَيْثُ تَوَقَّفَ الْخَلَاصُ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ، وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّهُ فِي الدَّفْعِ وَهُوَ مِنْ إفْرَادِ قَوْلِ خَلِيلٍ الْآتِي. وَالْأَحْسَنُ فِي الْمُفْدِي مِنْ لِصٍّ أَخَذَهُ بِالْفِدَاءِ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ مَنْ دَفَعَ غَرَامَةً عَنْ إنْسَانٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَانَ لِلدَّافِعِ الرُّجُوعُ بِمَا دَفَعَهُ عَنْهُ إنْ حَمَى بِتِلْكَ الْغَرَامَةِ مَالَ الْمَدْفُوعِ عَنْهُ أَوْ نَفْسَهُ - كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَيَغْرَمُ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ] : أَيْ إذَا تَرَكَ تَخْلِيصَ النَّفْسِ حَتَّى قُتِلَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ التَّرْكُ عَمْدًا بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا. وَلَا يُقْتَلُ بِهِ وَلَوْ تَرَكَ التَّخْلِيصَ عَمْدًا عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ فِي الْعَمْدِ وَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ: أَنَّهُ خَرَّجَ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ تَعَمَّدَ شَهَادَةَ الزُّورِ حَتَّى قَتَلَ بِهَا الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَقَدْ قِيلَ: يُقْتَلُ الشَّاهِدُ. وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ لَا قَتْلَ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: يَضْمَنُ أَيْضًا مَنْ أَمْسَكَ وَثِيقَةً أَوْ قَطَعَهَا حَيْثُ كَانَ شَاهِدُهَا لَا يَشْهَدُ إلَّا بِهَا وَلَزِمَ عَلَى إمْسَاكِهَا ضَيَاعُ الْحَقِّ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا سِجِلٌّ يَتَيَسَّرُ إخْرَاجُ نَظِيرِهَا مِنْهُ. وَإِلَّا فَيَضْمَنُ مَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ السِّجِلِّ فَقَطْ. وَأَمَّا مَنْ قَتَلَ شَاهِدَيْ حَقٍّ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَضَاعَ الْحَقُّ فَفِي ضَمَانِهِ لِذَلِكَ الْحَقِّ تَرَدُّدٌ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِقَتْلِهِمَا ضَيَاعَ الْحَقِّ، وَإِلَّا ضَمِنَهُ قَطْعًا، قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَالْأَظْهَرُ مِنْ التَّرَدُّدِ ضَمَانُ الْمَالِ، وَمِثْلُ قَتْلِهِمَا قَتْلُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ عِنْدَ ابْنِ مُحْرِزٍ. قَوْلُهُ: [وَانْظُرْ تَفْصِيلَ الْمَسْأَلَةِ] إلَخْ: مِنْ تَفَاصِيلِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ لَك فِي أَثْنَاءِ الْحَلِّ وَمِنْهَا تَرْكُ مُوَاسَاةٍ بِخَيْطٍ أَوْ دَوَاءٍ لِجُرْحٍ، وَتَرْكُ زَائِدِ طَعَامٍ وَشَرَابٍ

[ما يموت به ما ليس له نفس سائلة]

(وَ) النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ أَنْوَاعِ الذَّكَاةِ: (مَا يَمُوتُ بِهِ) : أَيْ كُلُّ فِعْلٍ يَمُوتُ بِهِ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ، (نَحْوُ الْجَرَادِ) وَالدُّودِ وَخُشَاشِ الْأَرْضِ، إذَا عَجَّلَ ذَلِكَ الْفِعْلُ مَوْتَهُ بَلْ (وَلَوْ لَمْ يُعَجِّلْ) مَوْتَهُ (كَقَطْعِ جَنَاحٍ) أَوْ رِجْلٍ (أَوْ إلْقَاءٍ بِمَاءٍ) حَارٍّ فَأَوْلَى قَطْعُ رَأْسٍ. وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ، وَتَسْمِيَةٍ كَمَا قَالَ: (وَوَجَبَ) وُجُوبَ شَرْطٍ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الذَّكَاةِ: (نِيَّتُهَا) : أَيْ قَصْدُهَا وَلَوْ لَمْ يَسْتَحْضِرْ حِلَّ الْأَكْلِ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ نِيَّةٌ كَالْمَجْنُونِ لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ، وَكَذَا مَنْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْفِعْلِ إزْهَاقَ رُوحِهَا وَمَوْتَهَا دُونَ الذَّكَاةِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا، كَمَنْ ضَرَبَ الْحَيَوَانَ لِدَفْعِ شَرِّهِ مَثَلًا بِسَيْفٍ فَقَطَعَ حُلْقُومَهُ وَأَوْدَاجَهُ (وَ) وَجَبَ عِنْدَ التَّزْكِيَةِ (ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ) بِأَيِّ صِيغَةٍ مِنْ تَسْمِيَةٍ أَوْ تَهْلِيلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمُضْطَرٍّ حَتَّى مَاتَ الْمَجْرُوحُ أَوْ الْمُضْطَرُّ، فَيَضْمَنُ دِيَةَ خَطَأٍ إنْ تَأَوَّلَ وَإِلَّا اُقْتُصَّ مِنْهُ كَمَا يَأْتِي فِي الْجِرَاحِ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَمِنْهَا مَنْ طُلِبَ مِنْهُ عُمُدٌ أَوْ خَشَبٌ لِيُسَدَّ بِهِ كَجِدَارٍ، فَامْتَنَعَ حَتَّى وَقَعَ الْجِدَارُ فَيَضْمَنُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَائِلًا وَمَهْدُومًا وَيَقْضِي لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْمُوَاسَاةُ بِالثَّمَنِ أَيْ عَلَى الْمُوَاسِي إنْ وُجِدَ مَعَ الْمُضْطَرِّ وَنَحْوِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا بِبَلَدِهِ، أَوْ تَيَسَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ شَيْءٌ. وَالْمُرَادُ بِالثَّمَنِ: مَا يَشْمَلُ الْأُجْرَةَ فِي الْعُمُدِ وَالْخَشَبِ، هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الْأَصْلِ وَشُرَّاحِهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِتَفَاصِيلِهَا ذُكِرَتْ هُنَا اسْتِطْرَادًا لِمُنَاسَبَةِ قَوْلِهِ: وَضَمِنَ مَارٌّ إلَخْ. [مَا يموت بِهِ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْس سَائِلَة] قَوْلُهُ: [وَالدُّودُ] : أَيْ غَيْرُ دُودِ نَحْوِ الْفَاكِهَةِ مِنْ كُلِّ مَا تَخَلَّقَ فِي الطَّعَامِ كَدُودِ الْمِشِّ وَسُوسِ نَحْوِ الْفُولِ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَفْتَقِرُ لِذَكَاةٍ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي بَابِ الْمُبَاحِ. قَوْلُهُ: [بَلْ وَلَوْ لَمْ يُعَجِّلْ مَوْتَهُ] : أَيْ شَأْنُهُ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ الْمَوْتِ بِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَكَاةُ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً بِمَا يَمُوتُ بِهِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ» ؛ فَمُرَادُهُ بِحِلِّ الْمَيْتَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَرَادِ عَدَمُ ضَبْطِ ذَكَاتِهِ كَغَيْرِهِ مِمَّا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ اسْتِوَاءَهُ مَعَ السَّمَكِ. [النِّيَّة وَالتَّسْمِيَة فِي كُلّ أَنْوَاع الذَّكَاة] قَوْلُهُ: [وَوَجَبَ وُجُوبَ شَرْطٍ] : أَيْ مُطْلَقًا كَمَا يَأْتِي.

أَوْ تَسْبِيحٍ أَوْ تَكْبِيرٍ. لَكِنْ (لِمُسْلِمٍ) لَا كِتَابِيٍّ؛ فَلَا يَجِبُ عِنْدَ ذَبْحِهِ ذِكْرُ اللَّهِ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَذْكُرَ اسْمَ غَيْرِهِ مِمَّا يَعْتَقِدُ أُلُوهِيَّتَهُ. (إنْ ذَكَرَ) الْمُسْلِمُ عِنْدَ الذَّبْحِ لَا إنْ نَسِيَ فَتُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ. (وَقَدَرَ) : لَا إنْ عَجَزَ كَالْأَخْرَسِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ الْقُيُودُ فِي ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ خَاصَّةً، وَأَمَّا النِّيَّةُ فَوَاجِبَةٌ مُطْلَقًا وَلَوْ مِنْ كَافِرٍ بِدُونِ قَيْدِ ذِكْرٍ أَوْ قُدْرَةٍ. (وَالْأَفْضَلُ) فِي ذِكْرِ اللَّهِ أَنْ يَقُولَ الذَّابِحُ: (بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) . (وَهُمَا) أَيْ النِّيَّةُ وَذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ (فِي الصَّيْدِ) يَكُونَانِ (حَالَ الْإِرْسَالِ) لِلْكَلْبِ وَنَحْوِهِ أَوْ السَّهْمِ لَا حَالَ الْإِصَابَةِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُذْبَحُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَمَا يُنْحَرُ فَقَالَ: (وَ) وَجَبَ (نَحْرُ إبِلٍ وَزَرَافَةٍ) : وَهِيَ حَيَوَانٌ طَوِيلَةُ الْعُنُقِ كَالْإِبِلِ يَدَاهَا أَطْوَلُ مِنْ رِجْلَيْهَا، فَإِذَا ذُبِحَتْ لَمْ تُؤْكَلْ. (وَ) وَجَبَ (ذَبْحُ غَيْرِهِمَا) : مِنْ الْأَنْعَامِ وَالْوُحُوشِ وَالطُّيُورِ، فَإِنْ نُحِرَتْ لَمْ تُؤْكَلْ. (إلَّا لِضَرُورَةٍ كَعَدَمِ آلَةٍ) صَالِحَةٍ لِلذَّبْحِ وَكَوُقُوعٍ فِي حُفْرَةٍ بِحَيْثُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا إنْ نَسِيَ] : أَيْ وَحِينَئِذٍ فَيُفِيدُ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] بِمَا إذَا تُرِكَتْ عَمْدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا لَا نِسْيَانًا أَوْ عَجْزًا وَالْجَاهِلُ بِالْحُكْمِ كَالْعَامِدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَيْسَتْ التَّسْمِيَةُ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الذَّكَاةِ، وَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] لَا تَأْكُلُوا الْمَيْتَةَ الَّتِي لَمْ يَقْصِدْ ذَكَاتَهَا لِأَنَّهَا فِسْقٌ وَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 118] : كُلُوا مِمَّا قُصِدَتْ ذَكَاتُهُ فَكَنَّى عَزَّ وَجَلَّ عَنْ التَّذْكِيَةِ بِذِكْرِ اسْمِهِ، فَالْآيَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ التَّسْمِيَةِ فِي الذَّكَاةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ غَيْرُنَا بِسُنِّيَّتِهَا. قَوْلُهُ: [حَالَ الْإِرْسَالِ لِلْكَلْبِ] : مِنْ ذَلِكَ طَلْقُ بُنْدُقِ الرَّصَاصِ، فَالْعِبْرَةُ بِحَالِ رَفْعِ الزِّنَادِ.

[بيان ما يذبح من الحيوان وما ينحر]

لَا يُمْكِنُ مَا يَجِبُ (فَيَجُوزُ الْعَكْسُ) فِي الْأَمْرَيْنِ؛ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ ذَبْحُ الْإِبِلِ وَنَحْرُ غَيْرِهَا. وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ. " وَذَبْحُ غَيْرِهَا " قَوْلُهُ: (إلَّا الْبَقَرَ فَالْأَفْضَلُ فِيهَا الذَّبْحُ) ، وَيَجُوزُ نَحْرُهَا. وَشَبَّهَ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ قَوْلَهُ: (كَالْحَدِيدِ) فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ فِي الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ كَزُجَاجٍ مَسْنُونٍ وَحَجَرٍ كَذَلِكَ وَقَصَبٍ وَعَظْمٍ كَذَلِكَ. (وَسَنِّهِ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ: أَيْ كَسَنِّ الْحَدِيدِ عِنْدَ الذَّبْحِ، فَإِنَّهُ أَفْضَلُ أَيْ مَنْدُوبٌ لِلتَّسْهِيلِ عَلَى الْحَيَوَانِ. (وَقِيَامُ إبِلٍ) فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ تَبْرِيكِهَا حَالَ النَّحْرِ حَالَ كَوْنِهَا (مُقَيَّدَةً أَوْ مَعْقُولَةَ) الرِّجْلِ (الْيُسْرَى) مُسْتَقْبِلَةً يَقِفُ النَّاحِرُ بِجَنْبِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى غَيْرِ الْمَعْقُولَةِ مَاسِكًا مِشْفَرَهَا الْأَعْلَى بِيَدِهِ الْيُسْرَى، وَيَطْعَنُهَا فِي لَبَّتِهَا بِيَدِهِ الْيُمْنَى، مُسَمِّيًا هَكَذَا صِفَةُ النَّحْرِ. (وَضَجْعُ ذِبْحٍ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مَذْبُوحٍ (بِرِفْقٍ) أَفْضَلُ مِنْ رَمْيِهِ بِقُوَّةٍ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ. (وَتَوْجِيهُهُ) أَيْ الْمَذْبُوحِ أَوْ الْمَنْحُورِ (لِلْقِبْلَةِ) لِأَنَّهَا أَفْضَلُ الْجِهَاتِ. (وَإِيضَاحُ الْمَحَلِّ) أَيْ مَحَلُّ الذَّبْحِ مِنْ صُوفٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ رِيشٍ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّفْقِ وَالسُّهُولَةِ. (وَكُرِهَ ذَبْحٌ بِدُونِ حُفْرَةٍ) : كَمَا يَقَعُ لِلْجَزَّارِينَ بِالْمَذَابِحِ السُّلْطَانِيَّةِ لِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَيَان مَا يذبح مِنْ الْحَيَوَان وَمَا يَنْحَر] قَوْلُهُ: [فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ ذَبْحُ الْإِبِلِ] : أَيْ فِي مَحَلِّ الذَّبْحِ وَهُوَ الْوَدَجَانِ وَالْحُلْقُومُ وَنَحْرُ غَيْرِهَا فِي مَحَلِّ النَّحْرِ وَهُوَ اللَّبَّةُ. قَوْلُهُ: [إلَّا الْبَقَرَ] : وَمِنْهُ الْجَامُوسُ وَبَقَرُ الْوَحْشِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ الْبَقَرِ فِي جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ وَنَدْبِ الذَّبْحِ مَا أَشْبَهَهُ مِنْ حِمَارِ الْوَحْشِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ الْوَحْشِيَّةِ. [مَنْدُوبَات الذَّبْح وَمَكْرُوهَاته] قَوْلُهُ: [كَزُجَاجٍ مَسْنُونٍ] : أَيْ مُحَدَّدٍ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ] : أَيْ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

فِيهِ مِنْ رُؤْيَةِ الذَّبَائِحِ بَعْضِهَا بَعْضًا وَهُوَ مِنْ تَعْذِيبِهَا لِأَنَّ لَهَا تَمْيِيزًا وَإِشْعَارًا وَلِمَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ الِاسْتِقْبَالِ لِأَكْثَرِهَا. (وَ) كُرِهَ (سَلْخٌ) لِجِلْدِهَا (أَوْ قَطْعٌ) لِعُضْوٍ مِنْهَا (قَبْلَ الْمَوْتِ) أَيْ قَبْلَ تَمَامِ خُرُوجِ رُوحِهَا، وَبَعْدَ تَمَامِ الذَّبْحِ أَوْ النَّحْرِ، وَأَمَّا قَبْلَ التَّمَامِ فَمَيْتَةٌ كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا لِبَعْضِ الْفُقَرَاءِ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ؛ يَقَعُ الْحَمَلُ فَيَشْرَعُ إنْسَانٌ فِي نَحْرِهِ فَيَأْتِي آخَرُ وَيَقْطَعُ مِنْهُ قِطْعَةَ لَحْمٍ قَبْلَ تَمَامِ النَّحْرِ فَلَا يُؤْكَلُ مَا قَطَعَ. (وَ) كُرِهَ (تَعَمُّدُ إبَانَةِ الرَّأْسِ) ابْتِدَاءً بِأَنْ نَوَى أَنَّهُ يَقْطَعُ لِحُلْقُومٍ وَالْوَدَجَيْنِ، وَيَسْتَمِرُّ حَتَّى يُبَيِّنَ الرَّأْسَ مِنْ الْجُثَّةِ، وَتُؤْكَلُ إنْ أَبَانَهَا وَهَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ إنْ قَصَدَهَا ابْتِدَاءً لَمْ تُؤْكَلْ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا قَصَدَهُ بَعْدَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ، أَوْ لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ» . قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ سَلْخٌ لِجِلْدِهَا أَوْ قَطْعٌ] : أَيْ وَكَذَا حَرْقٌ بِالنَّارِ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ الْمَوْتِ] : أَيْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّعْذِيبِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُتْرَكَ حَتَّى تَبْرُدَ إلَّا السَّمَكَ فَيَجُوزُ تَقْطِيعُهُ وَإِلْقَاؤُهُ فِي النَّارِ قَبْلَ مَوْتِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يَحْتَاجُ لِذَكَاةٍ صَارَ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ الْإِلْقَاءِ، وَمَا مَعَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا وَقَعَ فِي غَيْرِهِ بَعْدَ تَمَامِ ذَكَاتِهِ (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) ، وَقَدْ يُقَالُ: عِلَّةُ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ مَوْجُودَةٌ فَلَا أَقَلَّ مِنْ الْكَرَاهَةِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا] : حَاصِلُهُ إذَا تَعَمَّدَ إبَانَةَ الرَّأْسِ وَأَبَانَهَا فَهَلْ تُؤْكَلُ تِلْكَ الذَّبِيحَةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِذَلِكَ الْفِعْلِ أَوْ لَا تُؤْكَلُ أَصْلًا؟ قَوْلَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَوَّلُهُمَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنَّمَا حَكَمَ بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ لِأَنَّ إبَانَةَ الرَّأْسِ بَعْدَ تَمَامِ الذَّكَاةِ بِمَثَابَةِ قَطْعِ عُضْوٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ الذَّبْحِ وَقَبْلَ الْمَوْتِ فَهَذَا مَكْرُوهٌ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِمَالِكٍ؛ وَاخْتَلَفَ الْأَشْيَاخُ هَلْ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ خِلَافٌ أَوْ وِفَاقٌ؟ فَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ،

[بيان ما تعمل فيه الذكاة مما يتوهم خلافه]

يَقْصِدْ أَصْلًا وَإِنَّمَا غَلَبَتْهُ السِّكِّينُ حَتَّى قَطَعَتْ الرَّأْسَ فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ مِمَّا يُتَوَهَّمُ خِلَافُهُ وَمَا لَا تَعْمَلُ فِيهِ فَقَالَ: (وَأَكْلُ الْمُذَكِّي وَإِنْ أَيِسَ) قَبْلَ تَذْكِيَةٍ (مِنْ حَيَاتِهِ) لَا بِإِنْفَاذِ مَقْتَلِهِ، بَلْ (بِإِضْنَاءِ مَرَضٍ) أَيْ بِسَبَبِ ذَلِكَ (أَوْ) بِسَبَبِ (انْتِفَاخٍ) لَهَا (بِعُشْبٍ) كَبِرْسِيمٍ (أَوْ) بِسَبَبِ (دَقِّ عُنُقٍ) أَوْ سُقُوطٍ مِنْ شَاهِقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي قَرِيبًا إذَا لَمْ يَنْفُذْ بِذَلِكَ مَقْتَلٌ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ بَعْدَهُ. (بِقُوَّةِ حَرَكَةٍ) الْبَاءُ لِلْمَعِيَّةِ: أَيْ أَنَّ مَحَلَّ أَكْلِ مَا أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ بِالذَّكَاةِ أَنْ يَصْحَبَهَا قُوَّةُ حَرَكَةٍ عَقِبَ الذَّبْحِ كَمَدِّ رِجْلٍ وَضَمِّهَا لَا مُجَرَّدُ مَدٍّ أَوْ ضَمٍّ أَوْ ارْتِعَاشٍ أَوْ فَتْحِ عَيْنٍ أَوْ ضَمِّهَا، فَلَا يَكْفِي. وَقِيلَ: إنَّ مَدَّ الرِّجْلِ فَقَطْ أَوْ ضَمَّهَا فَقَطْ كَافٍ فِي حَلِّهَا لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى حَيَاتِهَا حَالَ الذَّبْحِ. (أَوْ شَخْبِ دَمٍ) مِنْهَا وَإِنْ لَمْ تَتَحَرَّكْ. وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ سَيَلَانِهِ بِخِلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْوِفَاقِ. وَرَدَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِقَوْلِ مَالِكٍ فَحَمَلَهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ الْإِبَانَةَ ابْتِدَاءً، بَلْ تَعَمَّدَهَا بَعْدَ الذَّكَاةِ. وَأَمَّا لَوْ تَعَمَّدَهَا ابْتِدَاءً فَلَا تُؤْكَلُ كَمَا يَقُولُ مَالِكٌ: فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: (وَتَعَمَّدَ إبَانَةَ الرَّأْسِ) هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ: (وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا) هَذَا إشَارَةٌ إلَى الْقَوْلِ بِالْوِفَاقِ. [بَيَان مَا تعمل فِيهِ الذَّكَاة مِمَّا يتوهم خِلَافه] قَوْلُهُ: [وَإِنْ أَيِسَ قَبْلَ تَذْكِيَتِهِ مِنْ حَيَاتِهِ] : دَخَلَ فِيمَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ: مُحَقَّقُ الْحَيَاةِ وَمَرْجُوُّهَا وَمَشْكُوكُهَا، وَرَدَّ بِالْمُبَالَغَةِ قَوْلَ مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ: لَا تَصِحُّ ذَكَاةَ الْمَيْئُوسِ مِنْ حَيَاتِهِ. قَوْلُهُ: [بِقُوَّةِ حَرَكَةٍ] : سَوَاءٌ كَانَ التَّحَرُّكُ مِنْ الْأَعَالِي أَوْ الْأَسَافِلِ سَالَ الدَّمُ أَوْ لَا كَانَ مَعَ الذَّبْحِ أَوْ بَعْدَهُ كَانَتْ صَحِيحَةً أَوْ مَرِيضَةً. قَوْلُهُ: [فَلَا يَكْفِي] : سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا سَيَلَانُ دَمٍ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ إنْ مَدَّ الرِّجْلَ] إلَخْ: مُقَابِلٌ لِلْمَشْهُورِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَظْهَرُ. قَوْلُهُ: [أَوْ شَخْبِ دَمٍ] : أَيْ خُرُوجُهُ بِقُوَّةٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ سَيَلَانِهِ] : أَيْ سَيَلَانِهِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الشَّخْبِ وَعَنْ التَّحَرُّكِ الْقَوِيِّ.

غَيْرِ الْمَيْئُوسِ مِنْ حَيَاتِهَا وَهِيَ الصَّحِيحَةُ، فَيَكْفِي فِيهَا سَيَلَانُهُ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (كَسَيْلِهِ) أَيْ الدَّمِ وَلَوْ بِلَا شَخْبٍ (فِي صَحِيحَةٍ) لَمْ يُضْنِهَا الْمَرَضُ وَلَمْ يُصِبْهَا شَيْءٌ مِمَّا مَرَّ فَإِنَّهُ يَكْفِي فِي حِلِّهَا مُجَرَّدُ السَّيَلَانِ. ثُمَّ قَيَّدَ جَوَازَ أَكْلِ الْمُذَكِّي الْمَيْئُوسِ مِنْ حَيَاتِهِ بِقَوْلِهِ: (إنْ لَمْ يَنْفُذْ) قَبْلَ الذَّبْحِ (مَقْتَلُهَا) : فَإِنْ نَفَذَ لَمْ تَعْمَلْ فِيهَا الذَّكَاةُ وَكَانَتْ مَيْتَةً كَمَا سَيُصَرِّحُ. وَنَفَاذُ الْمَقْتَلِ وَاحِدٌ مِنْ خَمْسَةِ أُمُورٍ بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ: (بِقَطْعِ نُخَاعٍ) مُثَلَّثُ النُّونِ: الْمُخُّ الَّذِي فِي فَقَارِ الظَّهْرِ أَوْ الْعُنُقِ مَتَى قُطِعَ لَا يَعِيشُ، وَأَمَّا كَسْرُ الصُّلْبِ بِدُونِ قَطْعِ النُّخَاعِ فَلَيْسَ بِقَتْلٍ. (أَوْ) قَطْعِ (وَدَجٍ) وَأَوْلَى الِاثْنَيْنِ، وَأَمَّا شَقُّهُ بِلَا قَطْعٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَقْتَلٍ تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ. (وَنَثْرِ دِمَاغٍ) وَهُوَ مَا تَحْوِيهِ الْجُمْجُمَةُ، وَأَمَّا شَرْخُ الرَّأْسِ أَوْ خَرْقُ خَرِيطَةِ الدِّمَاغِ بِلَا انْتِشَارٍ فَلَيْسَ بِمَقْتَلٍ. (أَوْ) نَثْرُ (حُشْوَةٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ: وَهِيَ مَا حَوَتْهُ الْبَطْنُ مِنْ قَلْبٍ وَكَبِدٍ وَطِحَالٍ وَكُلْوَةٍ وَأَمْعَاءٍ؛ أَيْ إزَالَةُ مَا ذُكِرَ عَنْ مَوْضِعِهِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ عَادَةً رَدُّهُ لِمَوْضِعِهِ. (وَثَقْبِ) أَيْ خَرْقِ (مُصْرَانٍ) وَأَوْلَى قَطْعُهُ وَأَمَّا ثَقْبُ الْكَرِشِ فَلَيْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَكْفِي فِي حِلِّهَا مُجَرَّدُ السَّيَلَانِ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ تَتَحَرَّكْ أَصْلًا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ كُلًّا مِنْ التَّحَرُّكِ الْقَوِيِّ وَشَخْبِ الدَّمِ يَكْفِي فِي الضَّحِيَّةِ وَالْمَرِيضَةِ وَلَوْ كَانَ مَيْئُوسًا حَيَاتُهَا، وَالْحَالُ أَنَّهَا غَيْرُ مَنْفُوذَةِ الْمَقَاتِلِ، وَأَمَّا سَيَلَانُ الدَّمِ وَالتَّحَرُّكُ الْغَيْرُ الْقَوِيُّ فَلَا يَكْفِي اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا إلَّا فِي غَيْرِ الْمَيْئُوسِ مِنْهَا، وَلَا يَكْفِي فِي الْمَيْئُوسِ مِنْهَا. قَوْلُهُ: [الَّذِي فِي فَقَارِ الظَّهْرِ] : بِفَتْحِ الْفَاءِ جَمْعُ فَقَرَةٍ. قَوْلُهُ: [وَثَقْبٍ] : أَيْ خَرْقَ مُصْرَانٍ خِلَافًا لِمَا فِي الْمَوَّاقِ مِنْ أَنَّ ثَقْبَ الْمُصْرَانِ وَشَقَّهُ لَيْسَ بِمَقْتَلٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَلْتَئِمُ، وَإِنَّمَا الْمَقْتَلُ فِيهِ قَطْعُهُ وَانْتِشَارُهُ، وَمُصْرَانٌ بِضَمِّ الْمِيمِ: جَمْعُ مَصِيرٍ، كَرَغِيفٍ وَرُغْفَانٌ، وَجَمْعُ الْجَمْعِ مَصَارِينُ كَسُلْطَانٍ وَسَلَاطِينَ،

بِمَقْتَلٍ، فَالْبَهِيمَةُ الْمُنْتَفِخَةُ إذَا ذُكِّيَتْ فَوُجِدَتْ مُتَقَوِّبَةَ الْكَرِشِ تُؤْكَلُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَنُفُوذُ الْمَقْتَلِ إمَّا (بِخَنْقٍ) : أَيْ بِسَبَبِهِ، (أَوْ) بِسَبَبِ (وَقْذٍ) : أَيْ ضَرْبٍ بِحَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ، (أَوْ) بِسَبَبِ (تَرَدٍّ) أَيْ سُقُوطٍ (مِنْ) ذِي (عُلُوٍّ، أَوْ) بِسَبَبِ (نَطْحٍ) لَهَا مِنْ غَيْرِهَا، (أَوْ) بِسَبَبِ (أَكْلِ سَبُعٍ) لِبَعْضِهَا، (أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) مِنْ كُلِّ مَا يَنْفُذُ مَقْتَلًا لَهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ نَفَذَ مَقْتَلٌ مِنْهَا - فَهَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: " إنْ لَمْ يَنْفُذْ " إلَخْ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (لَمْ تَعْمَلْ) أَيْ لَمْ تُفِدْ (فِيهَا ذَكَاةٌ) لِأَنَّهَا صَارَتْ مَيْتَةً حُكْمًا. وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: تَعْمَلُ فِيهَا الذَّكَاةُ كَغَيْرِهَا، فَالْعِبْرَةُ فِي حِلِّ أَكْلِهَا ذَبْحُهَا وَهِيَ حَيَّةٌ، نَفَذَتْ مَقَاتِلُهَا أَوْ لَا. وَحَاصِلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] إلَى قَوْلِهِ: {وَالْمُنْخَنِقَةُ} [المائدة: 3] إلَى قَوْلِهِ: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] مَعْنَاهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَّا مَا أَدْرَكْتُمُوهُ بِالذَّكَاةِ مِنْهَا وَهِيَ حَيَّةٌ مُطْلَقًا، وَقَالَ مَالِكٌ: مَا لَمْ يَنْفُذْ مَقْتَلُهَا لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مَيْتَةٌ حُكْمًا فَلَا تَعْمَلُ فِيهَا ذَكَاةٌ. (كَمُحَرَّمِ الْأَكْلِ) لَا تَعْمَلُ: أَيْ لَا تُفِيدُ فِيهِ ذَكَاةٌ وَهُوَ مَيْتَةٌ نَجَسٌ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مَا عَدَا الشَّعْرِ وَزَغَبِ الرِّيشِ، لِأَنَّهُ لَا تَحِلُّ فِيهِ الْحَيَاةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجَمْعُهُ بِاعْتِبَارِ طَيَّاتِهِ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْمُنَاسِبُ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْمُفْرَدِ. قَوْلُهُ: [إمَّا بِخَنْقٍ] إلَخْ: صَرَّحَ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي فِي الْآيَةِ تَبَرُّكًا بِهَا وَلِتَبْيِينِ مَعَانِيهَا، وَلَمَّا كَانَ إنْفَاذُ الْمَقَاتِلِ لَيْسَ مَحْصُورًا فِي الْأَسْبَابِ الَّتِي فِي الْآيَةِ قَالَ: وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [مَعْنَاهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَّا مَا أَدْرَكْتُمُوهُ] إلَخْ: أَيْ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْآيَةِ مُتَّصِلًا. قَوْلُهُ: [وَقَالَ مَالِكٌ: مَا لَمْ يَنْفُذْ مَقْتَلُهَا] : وَعَلَيْهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا أَيْ إلَّا مَا كَانَتْ ذَكَاتُكُمْ عَامِلَةً فِيهِ مِنْهَا حَيْثُ لَمْ تَنْفُذْ مَقَاتِلُهُ، وَأَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا وَالْمَعْنَى: لَكِنْ مَا ذَكَّيْتُمْ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا يُحَرَّمُ عَلَيْكُمْ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ لَيْسَ مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ. قَوْلُهُ: [وَزَغَبَ الرِّيشِ] : يُفْرَضُ ذَلِكَ فِي طَيْرٍ نَتَجَ مِنْ مُحَرَّمِ الْأَكْلِ.

[ذكاة الجنين]

وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (مِنْ خِنْزِيرٍ) إجْمَاعًا، (وَحُمُرٍ أَهْلِيَّةٍ وَإِنْ بَعْدَ تَوَحُّشٍ) مِنْهَا بِأَنْ نَفَرَتْ وَلَحِقَتْ بِالْوَحْشِ نَظَرًا لِأَصْلِهَا، وَأَمَّا الْحُمُرُ الْوَحْشِيَّةُ أَصَالَةً فَتَعْمَلُ فِيهَا الذَّكَاةُ لِأَنَّهَا صَيْدٌ (وَبَغْلٍ وَفَرَسٍ) لَا تَعْمَلُ فِيهِمَا ذَكَاةٌ. (وَذَكَاةُ الْجَنِينِ) الْحَيِّ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَمَاتَ بَعْدَ ذَكَاةِ أُمِّهِ هِيَ (ذَكَاةُ أُمِّهِ) : فَيُؤْكَلُ بِسَبَبِهَا. وَتُحِلُّهُ الطَّهَارَةُ بِشَرْطَيْنِ أَفَادَهُمَا بِقَوْلِهِ: (إنْ تَمَّ خَلْقُهُ) أَيْ اسْتَوَى وَلَوْ كَانَ نَاقِصَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ خِلْقَةً، (وَنَبَتَ شَعْرُهُ) أَيْ شَعْرُ جَسَدِهِ وَلَوْ لَمْ يَتَكَامَلْ وَلَا يَكْفِي شَعْرُ رَأْسِهِ أَوْ عَيْنِهِ. وَكَذَا الْبَيْضُ يَكُونُ طَاهِرًا يُؤْكَلُ إنْ أُخْرِجَ بَعْدَ ذَكَاةِ أُمِّهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَتْ بِلَا ذَكَاةٍ. (فَإِنْ خَرَجَ) الْجَنِينُ بَعْدَ ذَبْحِ أُمِّهِ (حَيًّا) حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً (لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا بِذَكَاةٍ إلَّا أَنْ يُبَادَرَ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ إلَّا أَنْ يُسَارِعَ إلَيْهِ بِالذَّكَاةِ، (فَيَفُوتَ) بِالْمَوْتِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ حَيَاتَهُ حِينَئِذٍ كَلَا حَيَاةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَبَغْلٍ وَفَرَسٍ] إلَخْ: أَيْ مَا لَمْ تَكُنْ وَحْشِيَّةً وَإِلَّا عَمِلَتْ فِيهَا اتِّفَاقًا، وَعَدَمُ عَمَلِ الذَّكَاةِ فِي الْبِغَالِ وَالْخَيْلِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ فِي الْبِغَالِ وَالْخَيْلِ وَالْإِبَاحَةِ فِي الْخَيْلِ فَتَعْمَلُ فِيهَا الذَّكَاةُ. [ذكاة الْجَنِين] قَوْلُهُ: [فَيُؤْكَلُ بِسَبَبِهَا] : وَاخْتُلِفَ فِي الْمَشِيمَةِ وِعَائِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: قِيلَ: لَا تُؤْكَلُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: تُؤْكَلُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: تَبَعٌ لِلْوَلَدِ إنْ أُكِلَ أُكِلَتْ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: [وَنَبْتُ شَعْرِهِ] : عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَادَةً مِنْ خَلْقِهِ نَبَاتُ شَعْرِهِ أَوْ مُسَبَّبٍ عَلَى سَبَبٍ. قَوْلُهُ: [بَعْدَ ذَكَاةِ أُمِّهِ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَكَامَلْ فَلَيْسَ كَالْجَنِينِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَتْ بِلَا ذَكَاةٍ] : أَيْ فَلَا يُؤْكَلُ بَيْضُهَا وَلَوْ كَانَ مُتَكَامِلًا. قَوْلُهُ: [حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً] : أَيْ مُحَقَّقَةً أَوْ مَشْكُوكًا فِيهَا.

وَكَأَنَّهُ خَرَجَ مَيِّتًا بِذَكَاةِ أُمِّهِ. (وَذُكِّيَ) الْجَنِينُ (الْمُزْلَقُ) : أَيْ الْمُسْقَطُ فَلَا يُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ (إنْ تَحَقَّقَتْ حَيَاتُهُ) بَعْدَ إسْقَاطِهِ وَقَبْلَ ذَبْحِهِ، (وَتَمَّ) خَلْقُهُ (بِشَعْرٍ) لِجَسَدِهِ. (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ حَيَاتُهُ أَوْ تَحَقَّقَتْ وَلَكِنْ لَمْ يَتِمَّ خَلْقُهُ (أَوْ لَمْ يَنْبُتْ) شَعْرُهُ (لَمْ تَعْمَلْ) الذَّكَاةُ (فِيهِ) فَيَكُونُ مَيْتَةً نَجَسًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَمَّا كَانَتْ الذَّكَاةُ سَبَبًا فِي إبَاحَةِ أَكْلِ الْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ سَائِرَ الْمُبَاحَاتِ بَعْدَهَا قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجَنِينَ إذَا خَرَجَ حَيًّا بَعْدَ ذَكَاةِ أُمِّهِ؛ إمَّا أَنْ تَكُونَ حَيَاتُهُ مَرْجُوًّا بَقَاؤُهَا، أَوْ مَشْكُوكًا فِي بَقَائِهَا، أَوْ مَيْئُوسًا مِنْ بَقَائِهَا. فَفِي الْأَوَّلَيْنِ: تَجِبُ ذَكَاتُهُ وَلَا يُؤْكَلُ إذَا مَاتَ بِدُونِهَا، وَفِي الثَّالِثِ: تَنْدُبُ ذَكَاتُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: (إلَّا أَنْ يُبَادِرَ فَيَفُوتَ) خَاصٌّ بِالْمَيْئُوسِ مِنْهُ، فَتَعَجُّلُ مَوْتِهِ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: [إنْ تَحَقَّقَتْ حَيَاتُهُ] : أَيْ أَوْ ظُنَّتْ لَا الْمَشْكُوكُ فِيهَا فَهِيَ كَالْعَدَمِ فَلَا يُؤْكَلُ وَلَوْ ذُكِّيَ. تَتِمَّةٌ: اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الذَّبْحِ بِالظُّفْرِ وَالسِّنِّ وَعَدَمِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلِ: يَجُوزُ مُطْلَقًا اتَّصَلَا أَوْ انْفَصَلَا، الثَّانِي: يَجُوزُ إنْ انْفَصَلَا، الثَّالِثِ: يَجُوزُ بِالظُّفْرِ مُطْلَقًا لَا بِالسِّنِّ مُطْلَقًا فَلَا يَجُوزُ يَعْنِي يُكْرَهُ كَمَا هُوَ الْمَنْقُولُ، الرَّابِعِ: يُمْنَعُ بِهِمَا مُطْلَقًا فَلَا يُؤْكَلُ مَا ذُبِحَ بِهِمَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. وَمَحَلُّ تِلْكَ الْأَقْوَالِ إنْ وُجِدَتْ آلَةٌ غَيْرُ الْحَدِيدِ فَإِنْ وُجِدَ الْحَدِيدُ تَعَيَّنَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُمَا جَازَ بِهِمَا جَزْمًا كَذَا قِيلَ. (اهـ مِنْ الْأَصْلِ) . خَاتِمَةٌ: يَحْرُمُ اصْطِيَادُ مَأْكُولٍ مِنْ طَيْرٍ أَوْ غَيْرِهِ بِنِيَّةِ حَبْسِهِ أَوْ الْفُرْجَةِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا بِنِيَّةِ الْقَنِيَّةِ أَوْ الذَّكَاةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. وَكُرِهَ لِلَهْوٍ، وَجَازَ لِتَوْسِعَةٍ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ، وَنُدِبَ لِتَوْسِعَةٍ مُعْتَادَةٍ أَوْ سَدِّ خُلَّةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ، وَوَجَبَ لِسَدِّ خُلَّةٍ وَاجِبَةٍ فَتَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ. وَأَمَّا صَيْدُ نَحْوِ الْخِنْزِيرِ؛ إذَا كَانَ بِنِيَّةِ قَتْلِهِ فَجَائِزٌ، وَأَمَّا بِنِيَّةِ حَبْسِهِ أَوْ الْفُرْجَةِ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ. فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اصْطِيَادُ الْقِرْدِ أَوْ الدُّبِّ لِأَجْلِ التَّفَرُّجِ عَلَيْهِ وَالتَّمَعُّشِ بِهِ، لِإِمْكَانِ التَّمْعِيشِ بِغَيْرِهِ، وَيَحْرُمُ التَّفَرُّجُ عَلَيْهِ نَعَمْ يَجُوزُ صَيْدُهُ لِلتَّذْكِيَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ أَكْلِهِ. (اهـ مِنْ الْأَصْلِ) وَفِي (ح) اغْتِفَارِ اللَّعِبِ الْيَسِيرِ لِحَدِيثِ أَبِي عُمَيْرٍ - كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ.

[باب المباح]

بَابُ الْمُبَاحِ (الْمُبَاحُ) : حَالَ الِاخْتِيَارِ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا: (مَا عَمِلَتْ فِيهِ الذَّكَاةُ) : أَيْ كُلُّ مَا ذُكِّيَ بِمَا تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ. وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الطَّاهِرِ أَوَّلَ الْكِتَابِ لِمُنَاسَبَةِ ذِكْرِ الطَّهَارَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الطَّهَارَةِ الْإِبَاحَةُ وَلَا الْعَكْسُ؛ فَإِنَّ الْجَرَادَ وَنَحْوَهُ مِيتَتُهُ طَاهِرَةٌ وَلَا يُبَاحُ أَكْلُهُ إلَّا بِذَكَاةٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا السُّمُّ وَالْمُخَدَّرُ وَكُلُّ طَاهِرٍ غَيْرُ مُبَاحٍ، وَقَدْ يُبَاحُ النَّجَسُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا يَأْتِي. ثُمَّ بَيَّنَ مَا تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ بِقَوْلِهِ: (مِنْ نِعَمٍ) بَقَرٍ وَغَنَمٍ وَإِبِلٍ، (وَطَيْرٍ) بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ (وَلَوْ) كَانَ كُلٌّ مِنْ النِّعَمِ وَالطَّيْرِ (جَلَّالَةً) : أَيْ تَسْتَعْمِلُ النَّجَاسَاتِ، (وَ) لَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَاب الْمُبَاح] [تَعْرِيف الْمُبَاح وَبَيَان مَا تعمل فِيهِ الذَّكَاة] بَابٌ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ الْمُبَاحَ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ وَالْمَكْرُوهَ مِنْهَا وَالْمُحَرَّمَ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: الْمُبَاحُ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا إلَخْ لِشَرَفِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الطَّهَارَةِ الْإِبَاحَةُ] إلَخْ: وَلِذَلِكَ كَانَ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ يَجْتَمِعَانِ فِي الْخُبْزِ مَثَلًا، وَيَنْفَرِدُ الطَّاهِرُ فِي السُّمِّ وَالْجَرَادِ الْمَيْتَةِ، وَيَنْفَرِدُ الْمُبَاحُ فِي النَّجِسِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ. قَوْلُهُ: [وَالْمُخَدِّرُ] : أَيْ مَا غَيَّبَ الْعَقْلَ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَائِعَاتِ كَالْأَفْيُونِ وَالْحَشِيشَةِ. قَوْلُهُ: [وَقَدْ يُبَاحُ النَّجِسُ] : أَيْ كَمَيْتَةِ مَا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُضْطَرِّ وَالْخَمْرِ لِلْغُصَّةِ. قَوْلُهُ: [بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ] : أَيْ إلَّا الْوَطْوَاطَ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [جَلَّالَةً] : الْجَلَّالَةُ لُغَةً: الْبَقَرَةُ الَّتِي تَتْبَعُ النَّجَاسَاتِ، ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ

(ذَا مِخْلَبٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ كَالْبَازِ وَالْعُقَابِ وَالرَّخَمِ، وَهُوَ لِلطَّائِرِ وَالسَّبُعِ كَالظُّفْرِ لِلْإِنْسَانِ (وَوَحْشٍ) عُطِفَ عَلَى " نِعَمٍ " أَيْ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ (كَحِمَارٍ) وَبَقَرٍ وَحْشِيَّيْنِ وَزَرَافَةٍ (وَغَزَالٍ) وَأَرْنَبٍ (وَيَرْبُوعٍ) : دُوَيْبَّةٌ قَدْرُ بِنْتِ عُرْسٍ وَأَكْبَرُ مِنْ الْفَأْرَةِ، (وَفَأْرٍ) بِالْهَمْزِ مَعْرُوفٌ (وَوَبْرٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَقَدْ تُفْتَحُ: فَوْقَ الْيَرْبُوعِ وَدُونَ السِّنَّوْرِ (وَقُنْفُذٍ) - بِضَمِّ الْقَافِ وَالْفَاءِ بَيْنَهُمَا نُونٌ سَاكِنَةٌ وَآخِرُهُ ذَالٌ مُعْجَمَةٌ: أَكْبَرُ مِنْ الْفَأْرِ كُلُّهُ شَوْكٌ إلَّا رَأْسَهُ وَبَطْنَهُ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ (وَحَيَّةٍ أَمِنَ سُمَّهَا) وَإِلَّا لَمْ تُبَحْ، (وَجَرَادٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْفُقَهَاءُ يَسْتَعْمِلُونَهَا فِي كُلِّ حَيَوَانٍ يَسْتَعْمِلُ النَّجَاسَةَ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ ذَا مِخْلَبٍ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَمُقَابِلُهُ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ لَا يُؤْكَلُ كُلُّ ذِي مِخْلَبٍ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا يُؤْكَلُ الْمَنْعُ قَالَهُ فِي الْإِكْمَالِ. قَوْلُهُ: [وَوَحْشٍ] : أَيْ إلَّا الْمُفْتَرِسَ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [كَحِمَارٍ] : وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ الْبَغْلَ وَالْفَرَسَ الْوَحْشِيَّيْنِ. قَوْلُهُ: [وَفَأْرٍ] : أَيْ مَا لَمْ يَصِلْ لِلنَّجَاسَةِ تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا، وَإِلَّا كُرِهَ أَكْلُهُ، فَإِنْ شَكَّ فِي وُصُولِهِ لَمْ يُكْرَهْ وَلَكِنْ فَضْلَتُهُ نَجِسَةٌ. قَوْلُهُ: [وَدُونَ السِّنَّوْرِ] : السِّنَّوْرُ هُوَ الْهِرُّ وَالْأُنْثَى سِنَّوْرَةٌ، وَالْوَبَرُ دَابَّةٌ مِنْ دَوَابِّ الْحِجَازِ، قَالَ الْخَرَشِيُّ: طَحْلَاءُ اللَّوْنِ حَسَنَةُ الْعَيْنَيْنِ شَدِيدَةُ الْحَيَاءِ لَا ذَنَبَ لَهَا تُوجَدُ فِي الْبُيُوتِ وَجَمْعُهَا وُبُرٌ بِضَمِّ الْوَاوِ وَالْبَاءِ وَوِبَارٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَطَحْلَاءُ اللَّوْنِ هُوَ لَوْنٌ بَيْنَ الْبَيَاضِ وَالْغَبَرَةِ اهـ. قَوْلُهُ: [وَالْفَاءِ] : أَيْ وَتُفْتَحُ أَيْضًا وَيُقَالُ لِلْأُنْثَى قُنْفُذَةٌ، وَيُقَالُ لِلذَّكَرِ شَيْهَمٌ. قَوْلُهُ: [أَمِنَ سُمَّهَا] : أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمُسْتَعْمِلِهَا فَيَجُوزُ أَكْلُهَا بِسُمِّهَا لِمَنْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ لِمَرَضِهِ، وَإِنَّمَا يُؤْمَنُ سُمُّهَا لِمَنْ يُؤْذِيهِ السُّمُّ بِذَكَاتِهَا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَهْلُ الطِّبِّ بِالْمَارَسْتَانِ، بِأَنْ تَكُونَ فِي حَلْقِهَا وَفِي قَدْرٍ خَاصٍّ مِنْ ذَنَبِهَا بِأَنْ يَتْرُكَ قَدْرَ أَرْبَعَةِ قَرَارِيطَ مِنْ ذَنَبِهَا وَرَأْسِهَا. وَلَا بُدَّ أَنْ تُطْرَحَ عَلَى ظَهْرِهَا، وَأَمَّا لَوْ طُرِحَتْ عَلَى بَطْنِهَا وَقَطَعَ مِنْ الْقَفَا فَلَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الذَّكَاةِ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُقَدَّمِ فَلَيْسَتْ بِطَاهِرَةٍ حِينَئِذٍ، وَإِنْ أَمِنَ سُمَّهَا. وَالسُّمُّ مُثَلَّثُ السِّينِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ

ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ الطَّيْرِ وَالْوَحْشِ قَوْلَهُ: (إلَّا الْمُفْتَرِسَ) مِنْ الْوَحْشِ، (وَ) إلَّا (الْوَطْوَاطَ) مِنْ الطَّيْرِ فَلَيْسَا مِنْ الْمُبَاحِ، بَلْ مِنْ الْمَكْرُوهِ كَمَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ (وَخَشَاشِ أَرْضٍ) عُطِفَ عَلَى " نِعَمٍ "؛ فَالذَّكَاةُ تَعْمَلُ فِيهِ بِمَا يَمُوتُ بِهِ قِيَاسًا عَلَى الْجَرَادِ بِجَامِعِ عَدَمِ النَّفْسِ السَّائِلَةِ فِي كُلٍّ، فَيَكُونُ مُبَاحَ الْأَكْلِ وَهُوَ بِتَثْلِيثِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ (كَعَقْرَبٍ وَخُنْفُسَاءَ) بِالْمَدِّ، (وَجُنْدُبٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ، (وَبَنَاتِ وَرْدَانٍ) قَرِيبَةٌ مِنْ الْجُنْدُبِ فِي الْخِلْقَةِ، (وَنَمْلٍ وَدُودٍ) وَسُوسٍ. (فَإِنْ مَاتَ) الدُّودُ وَنَحْوُهُ (بِطَعَامٍ) : لَبَنٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَمُيِّزَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الطَّعَامِ (أُخْرِجَ) مِنْهُ وُجُوبًا وَلَا يُؤْكَلُ مَعَ الطَّعَامِ (لِعَدَمِ ذَكَاتِهِ) وَلَا يَدْطَرِحُ الطَّعَامُ لِطَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّ مِيتَتَهُ طَاهِرَةٌ (وَإِنْ لَمْ يَمُتْ) فِي الطَّعَامِ (جَازَ أَكْلُهُ) مَعَ الطَّعَامِ لَكِنْ (بِنِيَّتِهَا) : أَيْ الذَّكَاةِ بِأَنْ يَنْوِيَ بِمَضْغِهِ ذَكَاتَهُ مَعَ ذِكْرِ اللَّهِ، (وَإِنْ لَمْ يُمَيَّزْ) الدُّودُ وَنَحْوُهُ عَنْ الطَّعَامِ بِأَنْ اخْتَلَطَ فِيهِ وَتَهَرَّى (طُرِحَ) الطَّعَامُ لِعَدَمِ إبَاحَةِ نَحْوِ الدُّودِ الْمَيِّتِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا فَيُلْقَى لِكَلْبٍ أَوْ هِرٍّ أَوْ دَابَّةٍ (إلَّا إذَا كَانَ) الدُّودُ وَنَحْوُهُ غَيْرَ الْمُتَمَيِّزِ (أَقَلَّ) مِنْ الطَّعَامِ، بِأَنْ كَانَ الثُّلُثَ فَدُونَ فَيَجُوزُ أَكْلُهُ مَعَهُ لِيَسَارَتِهِ - كَذَا قِيلَ. (وَأَكْلِ دُودٍ) : أَيْ وَجَازَ كُلُّ مَا تَوَلَّدَ فِي (الْفَاكِهَةِ) وَالْحُبُوبِ وَالتَّمْرِ مِنْ الدُّودِ وَالسُّوسِ (مَعَهَا) أَيْ مَعَ الْفَاكِهَةِ وَنَحْوِهَا (مُطْلَقًا) قَلَّ أَوْ كَثُرَ، مَاتَ فِيهَا أَوْ لَا مُيِّزَ أَوْ لَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجَمْعُهُ سِمَامٌ وَسُمُومٌ. قَوْلُهُ: [وَخُشَاشِ أَرْضٍ] : أُضِيفَ لَهَا لِأَنَّهُ يُخَشُّ أَيْ يَدْخُلُ فِيهَا وَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا بِمُخْرِجٍ وَيُبَادِرُ بِرُجُوعِهِ إلَيْهَا. قَوْلُهُ: [جَازَ أَكْلُهُ] : أَيْ إنْ قَبِلَتْهُ طَبِيعَتُهُ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ حَيْثُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ، لِأَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لِلطَّاهِرِ الْمُبَاحِ مَا يَمْنَعُ أَكْلَهُ كَالْمَرِيضِ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِهِ نَوْعٌ مِنْ الطَّعَامِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ. قَوْلُهُ: [مَعَ ذِكْرِ اللَّهِ] : أَيْ وُجُوبًا مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ. قَوْلُهُ: [أَيْ مَعَ فَاكِهَةٍ] : ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا انْفَرَدَ عَنْهَا لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ إلَّا بِذَكَاةٍ

[المباح البحري]

(وَالْبَحْرِيُّ) بِالرَّفْعِ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا عَمِلَتْ فِيهِ الذَّكَاةُ: أَيْ وَالْمُبَاحُ الْبَحْرِيُّ مُطْلَقًا، (وَإِنْ مَيِّتًا أَوْ كَلْبًا أَوْ خِنْزِيرًا) أَوْ تِمْسَاحًا أَوْ سُلَحْفَاةً وَلَا يَفْتَقِرُ لِذَكَاةٍ. (وَ) الْمُبَاحُ (مَا طَهُرَ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ) وَمَثَّلَ لِلطَّعَامِ الطَّاهِرِ بِقَوْلِهِ: (كَنَبَاتٍ) لَا يُغَيِّرُ عَقْلًا وَلَا يَضُرُّ بِجِسْمٍ فَيَشْمَلُ الْحُبُوبَ وَالْبُقُولَ وَغَيْرَهُمَا، وَيُخْرِجُ السَّيْكَرَانَ وَنَحْوَهُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي الِاسْتِثْنَاءِ. (وَلَبَنٍ) لِمُبَاحٍ خَرَجَ حَالَ الْحَيَاةِ أَوْ بَعْدَ الذَّكَاةِ وَإِلَّا فَنَجِسٌ يَدْخُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَغَيْرِهِ مِمَّا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً، وَانْظُرْ فِي ذَلِكَ. [الْمُبَاح الْبَحْرِيّ] قَوْلُهُ: [وَإِنْ مَيِّتًا] : رَدٌّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ. وَاعْلَمْ أَنَّ مِيتَةَ الْبَحْرِ طَاهِرَةٌ وَلَوْ تَغَيَّرَتْ بِنُتُونَةٍ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ ضَرَرُهَا فَيَحْرُمُ أَكْلُهَا لِذَلِكَ لَا لِنَجَاسَتِهَا، وَكَذَا الْمُذَكَّى ذَكَاةً شَرْعِيَّةً طَاهِرٌ، وَلَوْ تَغَيَّرَ بِنُتُونَةٍ، وَيُؤْكَلُ مَا لَمْ يَخَفْ الضَّرَرَ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ نَقْلًا عَنْ الْأُجْهُورِيِّ، وَسَوَاءٌ وُجِدَ ذَلِكَ الْمَيِّتُ رَاسِيًا فِي الْمَاءِ أَوْ طَافِيًا أَوْ فِي بَطْنِ حُوتٍ أَوْ طَيْرٍ، سَوَاءٌ ابْتَلَعَهُ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا وَمَاتَ فِي بَطْنِهِ، وَيُغْسَلُ وَيُؤْكَلُ وَسَوَاءٌ صَادَهُ مُسْلِمٌ أَوْ مَجُوسِيٌّ. قَوْلُهُ: [أَوْ كَلْبًا أَوْ خِنْزِيرًا] : وَكَذَلِكَ الْآدَمِيُّ خِلَافًا لِلتَّتَّائِيِّ الْقَائِلِ بِمَنْعِ أَكْلِ الْآدَمِيِّ وَكَرَاهَةِ أَكْلِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، وَقِيلَ بِتَحْرِيمِهِمَا. قَوْلُهُ: [أَوْ سُلَحْفَاةً] : وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالتُّرْسِ. [الْأَطْعِمَة وَالْأَشْرِبَة الطَّاهِرَة] قَوْلُهُ: [كَنَبَاتٍ لَا يُغَيِّرُ عَقْلًا] إلَخْ: وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْقَهْوَةُ وَالدُّخَانُ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَتَجُوزُ الْقَهْوَةُ لِذَاتِهَا، وَفِي الدُّخَانِ خِلَافٌ فَالْوَرَعُ تَرْكُهُ خُصُوصًا الْآنَ فَقَدْ كَادَ دَرْءُ الْمَفَاسِدِ أَنْ يُحَرِّمَهُ، وَإِنْ قَالَ سَيِّدِي عَلِيٌّ الْأُجْهُورِيُّ فِي رِسَالَتِهِ (غَايَةُ الْبَيَانِ لِحِلِّ شُرْبِ مَا لَا يُغَيِّبُ الْعَقْلَ مِنْ الدُّخَانِ) مَا نَصُّهُ: لَا يَسَعُ عَاقِلًا أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ حَرَامٌ لِذَاتِهِ إلَّا إذَا كَانَ جَاهِلًا بِكَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَوْ مُكَابِرًا مُعَانِدًا (اهـ) . وَيَعْرِضُ لِكُلِّ حُكْمٍ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ كَمَا رَأَيْتُهُ فِي فَتْوَى مَشَايِخِ الْعَصْرِ. (اهـ. كَلَامُ الْمَجْمُوعِ) . قَوْلُهُ: [وَلَبَنٍ لِمُبَاحٍ] : أَيْ وَأَمَّا لَبَنُ الْآدَمِيِّ فَطَاهِرٌ مُبَاحٌ مُطْلَقًا خَرَجَ فِي الْحَيَاةِ أَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَلَبَنُ مَكْرُوهِ الْأَكْلِ مَكْرُوهٌ إنْ خَرَجَ فِي الْحَيَاةِ أَوْ بَعْدَ

[ما سد الرمق للضرورة من المحرم]

فِي النَّجِسِ الْآتِي، (وَبَيْضٍ) كَذَلِكَ. وَمَثَّلَ لِلشَّرَابِ بِقَوْلِهِ: (وَعَصِيرٍ) لِعِنَبٍ (وَفُقَّاعٍ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ شَرَابٌ يُتَّخَذُ مِنْ الْقَمْحِ وَالتَّمْرِ، وَمِنْ ذَلِكَ الشَّرَابُ الْمُسَمَّى بِالْمَرِيسَةِ (وَسُوبْيَا) : شَرَابٌ يُتَّخَذُ مِنْ الْأُرْزِ أَوْ الْقَمْحِ يُضَافُ إلَيْهِ عَسَلٌ أَوْ سُكَّرٌ، (إلَّا مَا أَفْسَدَ الْعَقْلَ) مِمَّا ذُكِرَ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ تَنَاوُلُهُ كَمَا يَأْتِي. وَمَا أَفْسَدَ الْعَقْلَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ يُسَمَّى مُسْكِرًا وَهُوَ نَجِسٌ، وَيُحَدُّ شَارِبُهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَأَمَّا مَا أَفْسَدَ الْعَقْلَ مِنْ النَّبَاتِ: (كَحَشِيشَةٍ وَأَفْيُونٍ) وَسَيْكَرَانٍ وَدَاتُورَةٍ أَوْ مِنْ الْمُرَكَّبَاتِ كَبَعْضِ الْمَعَاجِينِ فَيُسَمَّى مُفْسِدًا وَمُخَدِّرًا وَمُرَقِّدًا؛ وَهُوَ طَاهِرٌ لَا يُحَدُّ مُسْتَعْمِلُهُ، بَلْ يُؤَدَّبُ وَلَا يَحْرُمُ الْقَلِيلُ مِنْهُ الَّذِي لَا أَثَرَ لَهُ. (أَوْ) إلَّا مَا أَفْسَدَ (الْبَدَنَ كَذَوَاتِ السَّمُومِ) فَيَحْرُمُ. (وَ) الْمُبَاحُ (مَا سَدَّ الرَّمَقَ) أَيْ حَفِظَ الْحَيَاةَ (مِنْ) كُلِّ (مُحَرَّمٍ) : مَيْتَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (لِلضَّرُورَةِ) ؛ وَهِيَ حِفْظُ النُّفُوسِ مِنْ الْهَلَاكِ أَوْ شِدَّةِ الضَّرَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالذَّكَاةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ الطَّاهِرِ. قَوْلُهُ: [وَبَيْضٍ كَذَلِكَ] : أَيْ يَجْرِي فِيهِ تَفْصِيلُ اللَّبَنِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَلَوْ مِنْ حَشَرَاتٍ. قَوْلُهُ: [مِنْ الْقَمْحِ وَالتَّمْرِ] : وَقِيلَ مَا جُعِلَ فِيهِ زَبِيبٌ وَنَحْوُهُ. قَوْلُهُ: [يُسَمَّى مُسْكِرًا] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّخَذًا مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ الْمُسَمَّى بِالْخَمْرِ، بَلْ الْحُكْمُ وَاحِدٌ فِي الْأَحْكَامِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي قَالَهَا الشَّارِحُ، وَهِيَ نَجَاسَتُهُ وَالْحَدُّ فِيهِ وَحُرْمَةُ تَعَاطِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، خِلَافًا لِمَنْ فَصَلَ بَيْنَ مَاءِ الْعِنَبِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [فَيُسَمَّى مُفْسِدًا وَمُخَدِّرًا] : أَيْ كَالْحَشِيشَةِ فَإِنَّهَا تُغَيِّبُ الْعَقْلَ دُونَ الْحَوَاسِّ لَا مَعَ نَشْوَةٍ وَطَرَبٍ، وَقَوْلُهُ: وَمُرَقِّدًا أَيْ كَالْأَفْيُونِ وَمَا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يُغَيِّبُ الْعَقْلَ وَالْحَوَاسَّ مَعًا، وَأَمَّا السُّكْرُ فَهُوَ مَا غَيَّبَ الْعَقْلَ دُونَ الْحَوَاسِّ مَعَ نَشْوَةٍ وَطَرَبٍ، وَتَقَدَّمَ لَك الْفَرْقُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ فِي بَابِ الطَّاهِرِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَحْرُمُ الْقَلِيلُ مِنْهُ] : بَلْ يُكْرَهُ. [مَا سَدّ الرمق لِلضَّرُورَةِ مِنْ الْمُحْرِم] قَوْلُهُ: [أَيْ حَفِظَ الْحَيَاةَ] : فَالْمُرَادُ بِالرَّمَقِ الْحَيَاةُ وَسَدِّهَا حِفْظُهَا وَلَكِنْ

[المضطر]

إذْ الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ. (إلَّا الْآدَمِيَّ) فَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّ مِيتَتَهُ سُمٌّ فَلَا تُزِيلُ الضَّرُورَةَ وَكَذَا الْخَمْرُ لَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهُ لِضَرُورَةِ عَطَشٍ لِأَنَّهُ مِمَّا يَزِيدُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (وَ) الْمُبَاحُ (خَمْرٌ تَعَيَّنَ لِغُصَّةٍ) أَيْ لِإِزَالَتِهَا لَا إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَلَا لِغَيْرِ غُصَّةٍ. (وَجَازَ) لِلْمُضْطَرِّ (الشِّبَعُ) مِنْ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا عَلَى الْأَصَحِّ (كَالتَّزَوُّدِ) : أَيْ كَمَا يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّدُ مِنْهَا (إلَى أَنْ يُسْتَغْنَى) عَنْهَا، فَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا وَجَبَ طَرْحُهَا. (وَ) إذَا وَجَدَ مِنْ الْمُحَرَّمِ مَيْتَةً وَخِنْزِيرًا وَصَيْدًا صَادَهُ مُحْرِمٌ (قَدَّمَ الْمَيْتَةَ عَلَى خِنْزِيرٍ وَصَيْدٍ مُحَرِّمٍ) حَيٍّ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَأَوْلَى الِاصْطِيَادُ، (لَا) يُقَدَّمُ (عَلَى لَحْمِهِ) أَيْ لَحْمِ الصَّيْدِ إذَا وَجَدَهُ مَقْتُولًا أَوْ مَذْبُوحًا، بَلْ يُقَدَّمُ لَحْمُ الصَّيْدِ عَلَى الْمَيْتَةِ أَيْ أَنَّ الْمُضْطَرَّ إذَا وَجَدَ مَيْتَةً وَصَيْدَ الْمُحْرِمِ حَيًّا قَدَّمَ الْمَيْتَةَ عَلَى ذَبْحِ الصَّيْدِ، فَإِنْ وَجَدَهُ مَذْبُوحًا قَدَّمَهُ عَلَى الْمَيْتَةِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ عَارِضَةٌ لِلْمُحْرِمِ، وَحُرْمَةَ الْمَيْتَةِ أَصْلِيَّةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ الْمُرَادُ مَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ مِنْ خُصُوصِ حِفْظِ الْحَيَاةِ، بَلْ يَجُوزُ لَهُ الشِّبَعُ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ: [الْآدَمِيَّ] : أَيْ فَلَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهُ سَوَاءٌ كَانَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا وَلَوْ مَاتَ الْمُضْطَرُّ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَبَعْضُهُمْ صَحَّحَ أَكْلَهُ لِلْمُضْطَرِّ إذَا كَانَ مَيِّتًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ شَرَفُهُ لَا عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ صَيْرُورَتُهُ سُمًّا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُزِيلُ الضَّرُورَةَ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [تَعَيَّنَ لِغُصَّةٍ] : أَيْ حَيْثُ خَشِيَ مِنْهَا الْهَلَاكَ وَيُصَدَّقُ الْمَأْمُونُ وَيَعْمَلُ بِالْقَرَائِنِ. [الْمُضْطَرّ] قَوْلُهُ: [عَلَى الْأَصَحِّ] : وَنَصُّ الْمُوَطَّإِ: وَمِنْ أَحْسَنِ مَا سَمِعْت فِي الرَّجُلِ يُضْطَرُّ إلَى الْمَيْتَةِ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهُ حَتَّى يَشْبَعَ وَيَتَزَوَّدَ مِنْهَا فَإِنْ وَجَدَ عَنْهَا غِنًى طَرَحَهَا (اهـ) . قَوْلُهُ: [عَارِضَةٌ لِلْمُحْرِمِ] : أَيْ خَاصَّةً بِهِ حَالَ الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الْمَيْتَةِ فَحُرْمَتُهَا

(وَ) قَدَّمَ (الصَّيْدَ) لِلْمُحْرِمِ (عَلَى الْخِنْزِيرِ) لِأَنَّ حُرْمَتَهُ ذَاتِيَّةٌ وَحُرْمَةَ صَيْدِ الْمُحْرِمِ عَرَضِيَّةٌ، (وَ) قَدَّمَ (مُخْتَلَفًا فِيهِ) بَيْنَ الْعُلَمَاءِ (عَلَى مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ) كَالْخَيْلِ تُقَدَّمُ عَلَى الْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ، (وَ) قَدَّمَ (طَعَامَ الْغَيْرِ) : أَيْ غَيْرَ الْمُضْطَرِّ (عَلَى مَا ذُكِرَ) مِنْ الْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَلَحْمِ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ بِغَصْبٍ، (إلَّا لِخَوْفٍ كَقَطْعٍ) لِيَدٍ وَكَذَا خَوْفُ الضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ فَأَوْلَى الْقَتْلُ، فَإِنْ خَافَ ذَلِكَ قَدَّمَ الْمَيْتَةَ أَوْ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ. (وَقَاتَلَ) الْمُضْطَرُّ جَوَازًا (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ صَاحِبِهِ لَكِنْ (بَعْدَ الْإِنْذَارِ) بِأَنْ يُعْلِمَهُ أَنَّهُ مُضْطَرٌّ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ قَاتَلَهُ فَإِنْ قُتِلَ صَاحِبُهُ فَهَدَرٌ لِوُجُوبِ بَذْلِهِ لِلْمُضْطَرِّ، وَإِنْ قُتِلَ الْمُضْطَرُّ فَالْقِصَاصُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQدَائِمَةٌ. قَوْلُهُ: [كَالْخَيْلِ] : أَيْ فَإِنَّ مَشْهُورَ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ حِلُّ أَكْلِهَا، فَعَلَى مَذْهَبِهِ تَعْمَلُ فِيهَا الذَّكَاةُ فَيُقَدِّمُهَا عَلَى الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَفِي مَذْهَبِنَا قَوْلٌ بِالْإِبَاحَةِ أَيْضًا، وَتَقَدَّمَ لَنَا قَوْلٌ عَنْ مَالِكٍ بِكَرَاهَةِ أَكْلِ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، فَتُقَدَّمُ إنْ كَانَتْ حَيَّةً وَتُذَكَّى عَلَى الْمَيْتَةِ. قَوْلُهُ: [كَقَطْعٍ لِيَدٍ] : أَيْ كَالسَّرِقَةِ مِنْ تَمْرِ الْجَرِينِ وَغَنَمِ الْمَرَاحِ وَكُلِّ مَا كَانَ فِي حِرْزِ صَاحِبِهِ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا خَوْفُ الضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ] : أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي سَرِقَتِهِ قَطْعٌ. إنْ قُلْت: الْمُضْطَرُّ إذَا ثَبَتَ اضْطِرَارُهُ لَا يَجُوزُ قَطْعُهُ وَلَا ضَرْبُهُ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مَيْتَةٌ فَكَيْفَ يَخَافُ الْقَطْعَ؟ أُجِيبُ بِأَنَّ الْقَطْعَ قَدْ يَكُونُ بِالتَّغْلِيبِ وَالظُّلْمِ وَتَقْدِيمِ طَعَامِ الْغَيْرِ بِشَرْطِهِ عَلَى الْمَيْتَةِ مَنْدُوبٌ، وَأَمَّا عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَيَتَعَيَّنُ مَا وَجَدَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ عَدَمِ خَوْفِ الْقَطْعِ إنَّمَا هُوَ إذَا وَجَدَ الْمَيْتَةَ أَوْ الْخِنْزِيرَ أَوْ لَحْمَ الْمُحَرَّمِ، وَإِلَّا أَكَلَ وَلَوْ خَافَ الْقَطْعَ كَمَا فِي الْأُجْهُورِيِّ، لِأَنَّ حِفْظَ النُّفُوسِ مُقَدَّمٌ عَلَى خَوْفِ الْقَطْعِ وَالضَّرْبِ، وَحَيْثُ أَكَلَ الطَّعَامَ بِالْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ثَمَنٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذِمَّتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَقَاتَلَ الْمُضْطَرُّ جَوَازًا] : بَلْ إذَا خَشِيَ الْهَلَاكَ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ قَاتَلَ وُجُوبًا لِأَنَّ حِفْظَ النُّفُوسِ وَاجِبٌ.

[المكروه من الطعام والشراب]

ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْمَكْرُوهِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ بِقَوْلِهِ: (وَالْمَكْرُوهُ: الْوَطْوَاطُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَهُوَ الْخُفَّاشُ جَنَاحُهُ مِنْ لَحْمٍ، (وَ) الْحَيَوَانُ (الْمُفْتَرِسُ؛ كَسَبُعٍ وَذِئْبٍ وَضَبُعٍ وَثَعْلَبٍ وَفَهْدٍ) بِكَسْرِ الْفَاءِ، (وَنِمْرٍ وَنِمْسٍ وَقِرْدٍ وَدُبٍّ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، (وَهِرٍّ، وَإِنْ) كَانَ (وَحْشِيًّا) وَالْمُفْتَرِسُ مَا افْتَرَسَ الْآدَمِيَّ أَوْ غَيْرَهُ، وَأَمَّا الْعَادِيُّ فَمَخْصُوصٌ بِالْآدَمِيِّ، (وَكَلْبٍ) إنْسِيٍّ: وَقِيلَ بِالْحُرْمَةِ فِي الْجَمِيعِ، وَرُدَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] إلَخْ، وَلَمْ يَرِدْ فِي السُّنَّةِ مَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ. (وَ) كُرِهَ (شَرَابُ خَلِيطَيْنِ) أَيْ شُرْبُ شَرَابٍ مَخْلُوطَيْنِ كَزَبِيبٍ وَتَمْرٍ أَوْ تِينٍ أَوْ مِشْمِشٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ خُلِطَا عِنْدَ الِانْتِبَاذِ أَوْ عِنْدَ الشُّرْبِ، وَمِنْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ السُّوبْيَا وَالْفُقَّاعِ وَالْمَرِيسَةِ وَمِنْهُ مَا يُعْمَلُ لِلْمَرْضَى، وَمَا يُعْمَلُ فِي الْقَاهِرَةِ فِي رَمَضَانَ يُسَمُّونَهُ الْخُشَافُ؛ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ (إنْ أَمْكَنَ الْإِسْكَارُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْمَكْرُوه مِنْ الطَّعَام وَالشَّرَاب] قَوْلُهُ: [وَقِيلَ بِالْحُرْمَةِ فِي الْجَمِيعِ] : رَوَى الْمَدَنِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ تَحْرِيمَ كُلِّ مَا يَعْدُو مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَالْأَسَدِ أَوْ النَّمِرِ وَالثَّعْلَبِ وَالْكَلْبِ، وَمَا لَا يَعْدُو يُكْرَهُ أَكْلُهُ وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ الْأَوَّلُ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ شَارِحُنَا، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ فِي الْكَلْبِ الْإِنْسِيِّ قَوْلَيْنِ بِالْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ، وَصَحَّحَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ التَّحْرِيمَ قَالَ (ح) وَلَمْ أَرَ فِي الْمَذْهَبِ مَنْ نَقَلَ إبَاحَةِ أَكْلِ الْكِلَابِ. قَوْلُهُ: [أَيْ شُرْبُ شَرَابِ مَخْلُوطَيْنِ] : إنَّمَا قَدَّرَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ. قَوْلُهُ: [وَسَوَاءٌ خُلِطَا عِنْدَ الِانْتِبَاذِ أَوْ عِنْدَ الشُّرْبِ] : وَمَفْهُومُ الِانْتِبَاذِ أَنَّ التَّخْلِيلَ لَا كَرَاهَةَ فِي جَمْعِهِمَا فِيهِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ: [وَالْمَرِيسَةِ] : أَيْ الْبُوظَةِ. قَوْلُهُ: [بَلْ إنْ أَمْكَنَ الْإِسْكَارُ] : هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ احْتِمَالُ الْإِسْكَارِ بِمُخَالَطَةِ الْآخَرِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ ظَاهِرُ الْمُوَطَّإِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ هَذَا تَعَبُّدِيٌّ لَا لِعِلَّةٍ، وَعَلَيْهِ فَيُكْرَهُ شَرَابُ الْخَلِيطَيْنِ، سَوَاءٌ أَمْكَنَ إسْكَارُهُ أَمْ لَا، وَلَكِنْ اسْتَظْهَرَ فِي الْحَاشِيَةِ الْقَوْلَ وَلِذَلِكَ مَشَى عَلَيْهِ شَارِحُنَا وَإِنْ اسْتَصْوَبَ بْنُ الثَّانِيَ. تَنْبِيهٌ إذَا طَرَحَ الشَّيْءَ فِي نَبِيذِ نَفْسِهِ كَطَرْحِ الْعَسَلِ فِي نَبِيذِ نَفْسِهِ وَالتَّمْرِ فِي نَبِيذِ نَفْسِهِ كَانَ شُرْبُهُ جَائِزًا، كَمَا أَنَّ اللَّبَنَ الْمَخْلُوطَ بِالْعَسَلِ كَذَلِكَ.

[المحرم من الأطعمة والأشربة]

بِأَنْ طَالَ زَمَنُ النَّبْذِ كَالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَأَعْلَى، لَا إنْ قَرُبَ الزَّمَنُ فَمُبَاحٌ وَلَا إنْ دَخَلَهُ الْإِسْكَارُ وَلَوْ ظَنًّا فَحَرَامٌ نَجَسٌ. (وَ) كُرِهَ (نَبْذٌ) لِشَيْءٍ مِنْ الْفَوَاكِهِ وَلَوْ مُفْرَدًا كَزَبِيبٍ فَقَطْ (بِدُبَّاءٍ) : وَهُوَ الْقَرْعُ (وَحَنْتَمٍ) : وَهِيَ الْأَوَانِي الْمَطْلِيَّةُ بِالزُّجَاجِ الْأَخْضَرِ أَوْ الْأَصْفَرِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ كُلِّ مَا دُهِنَ بِزُجَاجٍ مُلَوَّنٍ (وَمُقَيَّرٍ) : أَيْ مَطْلِيٌّ بِالْقَارِ أَيْ الزِّفْتِ (وَنَقِيرٍ) أَيْ مَنْقُورٍ: وَهُوَ مَا نُقِرَ مِنْ الْأَوَانِي مِنْ جُذُوعِ النَّخْلِ. وَإِنَّمَا كُرِهَ النَّبْذُ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ شَأْنَهَا تَعْجِيلُ الْإِسْكَارِ لِمَا نُبِذَ فِيهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْأَوَانِي. (وَالْمُحَرَّمُ) مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ: (مَا أَفْسَدَ الْعَقْلَ) مِنْ مَائِعٍ كَخَمْرٍ أَوْ جَامِدٍ كَحَشِيشَةٍ وَأَفْيُونٍ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ حِفْظَ الْعَقْلِ وَاجِبٌ، (أَوْ) أَفْسَدَ (الْبَدَنَ) كَالسُّمَيَّاتِ (وَالنَّجَسِ) كَدَمٍ وَبَوْلٍ وَغَائِطٍ وَمَيْتَةِ حَيَوَانٍ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ إلَّا مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَخِنْزِيرٌ وَحِمَارٌ) إنْسِيٌّ أَصَالَةً بَلْ (وَلَوْ) كَانَ (وَحْشِيًّا دُجِّنَ) أَيْ تَأَنَّسَ وَلَا يَنْظُرُ حِينَئِذٍ لِأَصْلِهِ، فَإِنْ تَوَحَّشَ بَعْدَ ذَلِكَ أُكِلَ وَصَارَتْ فَضْلَتُهُ طَاهِرَةً (وَبَغْلٌ وَفَرَسٌ وَمَيْتَةٌ) مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ (كَجَرَادٍ) وَخُشَاشِ أَرْضٍ، وَإِنْ كَانَتْ مِيتَتُهُ طَاهِرَةً إذْ لَا يُبَاحُ إلَّا بِذَكَاةٍ كَمَا تَقَدَّمَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَكُرِهَ نَبْذٌ لِشَيْءٍ] إلَخْ: إنَّمَا خَصَّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ النَّبْذِ فِيهَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْوَارِدِ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ. [الْمُحْرِم مِنْ الْأَطْعِمَة وَالْأَشْرِبَة] قَوْلُهُ: [إنْسِيٌّ أَصَالَةً] : أَيْ فَيَحْرُمُ أَكْلُهُ وَلَوْ تَوَحَّشَ اسْتِصْحَابًا لِأَصْلِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُنْظَرُ حِينَئِذٍ لِأَصْلِهِ] : أَيْ حَيْثُ تَأَنَّسَ الْوَحْشِيُّ فَيَحْرُمُ أَكْلُهُ، وَاعْتَدَّ بِالْعَارِضِ احْتِيَاطًا لِلتَّحْرِيمِ. قَوْلُهُ: [وَبَغْلٌ وَفَرَسٌ] : أَيْ إنْسِيَّيْنِ وَلَوْ تَوَحَّشَا فَمَا قِيلَ فِي الْحِمَارِ يُقَالُ فِيهِمَا. تَتِمَّةٌ يَحْرُمُ أَكْلُ ابْنِ عُرْسٍ لِعَمَى آكِلِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَيَحْرُمُ الطِّينُ وَالتُّرَابُ لِلضَّرَرِ وَقِيلَ يُكْرَهَانِ. وَيَحْرُمُ الْوَزَغُ لِلسُّمِّ، وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ مُبَاحٍ وَلَدَهُ مُحَرَّمٌ كَشَاةٍ مِنْ أَتَانٍ وَلَا عَكْسُهُ كَأَتَانٍ مِنْ شَاةٍ. وَأَمَّا نَسْلُ ذَلِكَ الْمُبَاحِ الَّذِي وَلَدَهُ الْمُحَرَّمُ فَيُؤْكَلُ حَيْثُ كَانَ مُبَاحًا لِبُعْدِهِ كَمَا أَفَادَهُ الْمَجْمُوعُ وَالْحَاشِيَةُ.

[باب في حقيقة اليمين وأحكامه]

بَابٌ فِي حَقِيقَةِ الْيَمِينِ وَأَحْكَامِهِ الْيَمِينُ فِي الْعُرْفِ: الْحَلِفُ، وَهُوَ قِسْمَانِ الْيَمِينُ: الْأَوَّلُ: تَعْلِيقُ طَاعَةٍ أَوْ طَلَاقٍ عَلَى وَجْهِ قَصْدِ الِامْتِنَاعِ مِنْ فِعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَاب فِي حَقِيقَة الْيَمِين وَأَحْكَامه] [تَعْرِيف الْيَمِين وَأَقْسَامه] بَابٌ لَمَّا كَانَتْ الْيَمِينُ تَشْتَمِلُ عَلَى بِرٍّ تَارَةً وَحِنْثٍ أُخْرَى نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَهَا عَقِبَ بَابِ الْمُبَاحِ وَالْمُحَرَّمِ، وَهُوَ بَابٌ يَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهِ لِكَثْرَةِ وَقَائِعِهِ وَتَشَعُّبِ فُرُوعِهِ. وَالْيَمِينُ وَالْحَلِفُ وَالْإِيلَاءُ وَالْقَسَمُ: أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ اقْتَطَعَ مَالَ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ، فَقِيلَ لَهُ وَلَوْ شَيْئًا قَلِيلًا؟ قَالَ وَلَوْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» . وَتُجْمَعُ عَلَى أَيْمَانٍ وَعَلَى أَيْمُنٍ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْيَمِينِ الَّذِي هُوَ الْعُضْوُ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَحَالَفُوا وَضَعَ أَحَدُهُمْ يَمِينَهُ فِي يَمِينِ صَاحِبِهِ، فَسُمِيَّ الْحَلِفُ يَمِينًا لِذَلِكَ، وَقِيلَ الْيَمِينُ: الْقُوَّةُ، وَيُسَمَّى الْعُضْوُ يَمِينًا لِوُفُورِ قُوَّتِهِ عَلَى الْيَسَارِ؛ وَلَمَّا كَانَ الْحَلِفُ يُقَوِّي الْخَبَرَ عَلَى الْوُجُودِ أَوْ الْعَدَمِ سُمِّيَ يَمِينًا. فَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ تَكُونُ الِالْتِزَامَاتُ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهِمَا دَاخِلَةً فِي الْيَمِينِ، وَعَلَى هَذَا مَشَى الْمُصَنِّفُ فَأَدْخَلَهَا وَصَدَّرَ بِهَا بِخِلَافِهَا عَلَى الْأَوَّلِ، وَالْمُرَادُ بِحَقِيقَةِ الْيَمِينِ تَعْرِيفُهُ. وَالْمُرَادُ بِأَحْكَامِهِ: مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ كَفَّارَةٍ وَغَيْرِهَا، وَتَذْكِيرُ الْمُصَنِّفِ الضَّمَائِرِ الْعَائِدَةِ عَلَى الْيَمِينِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ وَهُوَ الْحَلِفُ وَإِلَّا فَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ كَمَا عَلِمْت فِي الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: [فِي الْعُرْفِ] : أَيْ وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ قِسْمَانِ] : بَلْ ثَلَاثَةٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُتَنَوِّعٌ إلَى قِسْمَيْنِ، وَهَذَا هُوَ رَأْيُ ابْنِ عَرَفَةَ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَجْعَلَ الْتِزَامَ الطَّاعَةِ مِنْ قَبِيلِ النَّذْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاصِدَ

أَوْ الْحَضِّ عَلَى فِعْلِهِ، نَحْوَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَوْ إنْ لَمْ أَدْخُلْهَا فَطَالِقٌ؛ وَالْأَوَّلُ يَمِينُ بِرٍّ، وَالثَّانِي يَمِينُ حِنْثٍ. وَالثَّانِي قَسَمٌ بِاَللَّهِ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ. وَأَشَارَ لِلْقِسْمِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (تَعْلِيقُ مُسْلِمٍ) لَا كَافِرٍ - وَلَوْ كِتَابِيًّا - فَلَا يُعْتَبَرُ تَعْلِيقُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ إنْ حَنِثَ شَيْءٌ وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ التَّعْلِيقِ. (مُكَلَّفٍ) لَا غَيْرِهِ: كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُكْرَهٍ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِتَعْلِيقِهِ. (قُرْبَةً) مَفْعُولُ تَعْلِيقِ الْمُضَافِ لِفَاعِلِهِ: أَيْ أَنْ يُعَلِّقَ الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفُ قُرْبَةً كَصَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ مَشْيٍ لِمَكَّةَ أَوْ عِتْقِ عَبْدٍ. (أَوْ) تَعْلِيقِ (حِلِّ عِصْمَةٍ) كَطَلَاقٍ حَقِيقَةً: كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَعَبْدِي حُرٌّ، أَوْ فَهِيَ طَالِقٌ، بَلْ (وَلَوْ) كَانَ التَّعْلِيقُ (حُكْمًا) نَحْوَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ لَا يَدْخُلُهَا، فَإِنَّهُ فِي قُوَّةِ: إنْ دَخَلَهَا فَهِيَ طَالِقٌ، وَنَحْوَ: عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّقَرُّبِ كَمَا سَيَأْتِي فِي النَّذْرِ، وَيُسَمَّى حِينَئِذٍ بِنَذْرِ اللَّجَاجِ. قَوْلُهُ: [نَحْوَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ] : مِثَالٌ لِقَصْدِ الِامْتِنَاعِ، وَقَوْلُهُ أَوْ إنْ لَمْ أَدْخُلْهَا مِثَالٌ لِلْحَضِّ فَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ. قَوْلُهُ: [يَمِينُ بِرٍّ] : أَيْ لِأَنَّهُ عَلَى بِرٍّ حَتَّى يَفْعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ الثَّانِي: يَمِينُ حِنْثٍ: أَيْ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ يَكُونُ حَانِثًا وَسَيَأْتِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [قَسَمٌ بِاَللَّهِ] : أَيْ بِاسْمٍ دَالٍّ عَلَى ذَاتِهِ الْعَلِيَّةِ كَانَ لَفْظَ الْجَلَالَةِ أَوْ غَيْرَهُ، وَقَوْلُهُ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ أَيْ غَيْرِ الْفِعْلِيَّةِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُعْتَبَرُ تَعْلِيقُهُ] : أَيْ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الِالْتِزَامَاتِ الْإِسْلَامَ، وَلَوْ قُلْنَا: إنَّ الْكَافِرَ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِتَعْلِيقِهِ] : الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى غَيْرِ الْمُكَلَّفِ الشَّامِلِ لِلصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُكْرَهِ، وَنَفْيِ اللُّزُومِ كَمَنْ ذُكِرَ وَلَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ زَالَ الْإِكْرَاهُ قَبْلَ حُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ نَظِيرَ مَا قَالَهُ فِي الْكَافِرِ، لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ التَّكْلِيفُ كَالْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: [فَعَبْدِي حُرٌّ] : مِثَالٌ لِتَعْلِيقِ الْقُرْبَةِ، وَقَوْلُهُ: فَهِيَ طَالِقٌ مِثَالٌ لِتَعْلِيقِ حَلِّ الْعِصْمَةِ.

لَأَدْخُلَنَّ، فَإِنَّهُ فِي قُوَّةِ وَقَوْلِهِ إنْ لَمْ أَدْخُلْ فَهِيَ طَالِقٌ، فَالْأُولَى صِيغَةُ بِرٍّ، وَالثَّانِيَةُ صِيغَةُ حِنْثٍ بِالْقُوَّةِ لَا بِالتَّصْرِيحِ. (عَلَى) حُصُولِ (أَمْرٍ) : كَدُخُولِ دَارٍ أَوْ لُبْسِ ثَوْبٍ نَحْوَ إنْ دَخَلْت أَوْ لَبِسْت، (أَوْ) عَلَى (نَفْيِهِ) نَحْوَ: إنْ لَمْ أَدْخُلْ، أَوْ: إنْ لَمْ أَلْبَسْ هَذَا الثَّوْبَ فَهِيَ طَالِقٌ، وَهَذِهِ صِيغَةُ حِنْثٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالدُّخُولِ أَوْ اللُّبْسِ، وَمَا قَبْلَهَا صِيغَةُ بِرٍّ؛ لِأَنَّهُ عَلَى بِرٍّ حَتَّى يَفْعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ. أَيْ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ - غَيْرَ مَعْصِيَةٍ كَدُخُولِ الدَّارِ، بَلْ (وَلَوْ) كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ (مَعْصِيَةً) كَشُرْبِ خَمْرٍ نَحْوَ: إنْ شَرِبْت الْخَمْرَ فَهِيَ طَالِقٌ أَوْ فَعَبْدُهُ حُرٌّ، فَإِنْ شَرِبَهُ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ. فَعَلِمَ أَنَّ الْمُعَلَّقَ وَهُوَ الْمَحْلُوفُ بِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً أَوْ حَلَّ عِصْمَةٍ، وَأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا أَوْ مُحَرَّمًا شَرْعًا أَوْ وَاجِبًا شَرْعًا أَوْ عَادَةً أَوْ عَقْلًا أَوْ مُسْتَحِيلًا، وَسَيَأْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ - حُكْمُ مَا إذَا عَلَّقَ عَلَى الْوَاجِبِ أَوْ الْمُسْتَحِيلِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِلَّا حَنِثَ بِفَوَاتِ مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ وَلَوْ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ " إلَخْ. وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ " قُرْبَةً " إلَخْ: أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ جَائِزًا غَيْرَ حِلِّ الْعِصْمَةِ أَوْ عَلَّقَ مَعْصِيَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِالْقُوَّةِ لَا بِالتَّصْرِيحِ] : رَاجِعٌ لِصِيغَةِ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ. قَوْلُهُ: [وَهَذِهِ صِيغَةُ حِنْثٍ] : أَيْ الْجُمْلَةُ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَى مِثَالِ النَّفْيِ، وَالْمِثَالَانِ صَرِيحَانِ فِي الْحِنْثِ. قَوْلُهُ: [وَمَا قَبْلَهَا صِيغَةُ بِرٍّ] : أَيْ الْمِثَالَانِ اللَّذَانِ مَثَّلَ بِهِمَا لِحُصُولِ أَمْرٍ، وَهُمَا صَرِيحَانِ فِي الْبِرِّ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ عَلَى بِرٍّ] : أَيْ عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ. قَوْلُهُ: [لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً] : أَيْ كَتَعْلِيقِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْمَشْيِ لِمَكَّةَ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [إثْبَاتًا] : أَيْ وَهُوَ صِيغَةُ الْبِرِّ، وَقَوْلُهُ: أَوْ نَفْيًا أَيْ الَّذِي هُوَ صِيغَةُ الْحِنْثِ، وَقَوْلُهُ جَائِزًا أَيْ كَالدُّخُولِ وَاللُّبْسِ فِي صِيغَتَيْ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ مُحَرَّمًا شَرْعًا أَيْ كَشُرْبِ الْخَمْرِ.

عَلَى أَمْرٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ نَحْوَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَعَلَيَّ أَوْ فَيَلْزَمُنِي الْمَشْيُ فِي السُّوقِ، أَوْ إلَى بَلَدِ كَذَا أَوْ شُرْبُ الْخَمْرِ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمَعْصِيَةُ كَشُرْبِ الْخَمْرِ. وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ: " قُرْبَةً " أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُتَعَيِّنَةٍ وَإِلَّا فَهِيَ لَازِمَةٌ أَصَالَةً كَصَلَاةِ الظُّهْرِ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ تَطَوُّعٍ أَوْ فَرْضِ كِفَايَةٍ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَيَلْزَمُهُ إنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ. (قَصَدَ) الْمُعَلِّقُ بِتَعْلِيقِهِ الْمَذْكُورِ (الِامْتِنَاعَ مِنْهُ) : أَيْ مِنْ فِعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فِي صِيغَةِ الْبِرِّ، فَنَحْوَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ يَلْزَمُنِي الطَّلَاقُ، قَصْدُهُ بِهِ الِامْتِنَاعُ مِنْ دُخُولِهَا. (أَوْ الْحَثُّ) : أَيْ الْحَضُّ (عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْأَمْرِ الْمَنْفِيِّ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ، فَنَحْوَ: إنْ لَمْ أَدْخُلْهَا فَهِيَ طَالِقٌ، قَصْدُهُ بِذَلِكَ الدُّخُولُ، وَالْحَثُّ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ، فَقَوْلُهُ: " قَصَدَ " هُوَ فِعْلٌ مَاضٍ، وَالْمَعْنَى تَعْلِيقُهُ عَلَى وَجْهِ قَصْدِ الِامْتِنَاعِ فِي الْبِرِّ، وَطَلَبِ الْفِعْلِ فِي الْحَثِّ، وَخَرَجَ بِهِ النَّذْرُ نَحْوَ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ صَدَقَةُ كَذَا؛ فَهَذَا لَيْسَ بِيَمِينٍ لِعَدَمِ قَصْدِ امْتِنَاعٍ مِنْ شَيْءٍ وَلَا طَلَبٍ لِفِعْلِهِ. (أَوْ) قَصَدَ (تَحَقُّقَهُ) أَيْ تَحَقُّقَ ذَلِكَ الْأَمْرِ أَيْ حُصُولَهُ نَحْوَ: عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، أَوْ عِتْقُ عَبْدِهِ لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ أَوْ إنَّهُ لَمْ يَقُمْ؛ فَلَيْسَ هُنَا قَصْدُ امْتِنَاعٍ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ إلَى بَلَدِ كَذَا] : مِثَالٌ لِلْجَائِزِ، وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ الْمَشْيَ لِلْبَلَدِ الَّذِي سَمَّاهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ بِخِلَافِ لَوْ عَلَّقَ الْمَشْيَ لِمَكَّةَ فَإِنَّهُ قُرْبَةٌ. قَوْلُهُ: [أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُتَعَيِّنَةٍ] : أَيْ وَأَمَّا الْتِزَامُ الْمُتَعَيَّنِ فَهُوَ تَحْصِيلُ حَاصِلٍ وَحَقِيقَةُ الْيَمِينِ هُوَ تَحْقِيقُ مَا لَمْ يَجِبْ، فَالْوَاجِبُ الشَّرْعِيُّ وَالْعَقْلِيُّ وَالْعَادِيُّ لَا يَتَأَتَّى تَجْدِيدُ تَحْصِيلِهِ لِحُصُولِهِ. قَوْلُهُ: [فَهَذَا لَيْسَ بِيَمِينٍ] : أَيْ بِاتِّفَاقِ ابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [أَيْ حُصُولُهُ] : أَيْ ثُبُوتُ مَا نُسِبَ لِذَلِكَ الْأَمْرِ مِنْ نِسْبَةِ الْوُجُودِ أَوْ الْعَدَمِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ جَائِزًا أَوْ مُحَرَّمًا شَرْعًا، أَوْ وَاجِبًا شَرْعًا أَوْ عَادَةً أَوْ عَقْلًا أَوْ مُسْتَحِيلًا، وَتَمْثِيلُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ: لَقَدْ قَامَ إلَخْ فَرْضُ مِثَالٍ وَالْمِثَالُ لَا يُخَصَّصُ.

شَيْءٍ وَلَا حَثٍّ عَلَى فِعْلِهِ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ تَحَقُّقُ قِيَامِهِ فِي الْأَوَّلِ وَتَحَقُّقُ عَدَمِهِ فِي الثَّانِي. ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ أَمْثِلَةَ مَا قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ: (كَ: إنْ فَعَلْت) كَذَا فَعَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ، أَوْ: فَأَنْتَ يَا عَبْدِي حُرٌّ، أَوْ: فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَهَذَا فِي صِيغَةِ الْبِرِّ لِأَنَّهُ عَلَى بِرٍّ حَتَّى يَقَعَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ. وَيَجُوزُ ضَمُّ التَّاءِ مِنْ فَعَلْت وَفَتْحُهَا وَكَسْرُهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (أَوْ) نَحْوَ: (إنْ لَمْ أَفْعَلْ) أَنَا أَوْ: إنْ لَمْ تَفْعَلِي يَا هِنْدُ أَوْ: إنْ لَمْ تَفْعَلْ يَا زَيْدُ (كَذَا) - كَلُبْسِ ثَوْبٍ - (فَعَلَيَّ صَوْمُ كَذَا) كَشَهْرٍ وَالصَّوْمُ قُرْبَةٌ، (أَوْ: فَأَنْتَ) يَا عَبْدِي (حُرٌّ) وَتَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ مِنْ الْقُرَبِ، (أَوْ: فَأَنْتِ) يَا زَوْجَتِي (طَالِقٌ) وَالطَّلَاقُ حَلُّ عِصْمَةِ النِّكَاحِ، وَهَذَا فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ الْحِنْثُ وَلَا يَبَرُّ إلَّا بِفِعْلِ مَدْخُولِ النَّفْيِ. وَالتَّعْلِيقُ فِي الْقِسْمَيْنِ صَرِيحٌ. وَأَشَارَ لِمِثَالِ التَّعْلِيقِ الْحُكْمِيِّ بِقَوْلِهِ: (وَكَ: عَلَيَّ) الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ أَوْ: عَلَيَّ صَدَقَةٌ بِدِينَارٍ أَوْ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ، لَأَدْخُلَنَّ الدَّارَ أَوْ لَتَدْخُلَنَّهَا أَنْتِ. (أَوْ: يَلْزَمُنِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِنَّمَا مُرَادُهُ تَحْقِيقُ قِيَامِهِ] : أَيْ تَقْوِيَتُهُ وَتَأْكِيدُهُ، وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ: إنَّ الْيَمِينَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُؤَكِّدَاتِ قَوْلُهُ: [ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ أَمْثِلَةِ مَا قَدَّمَهُ] : أَيْ عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ. قَوْلُهُ: [وَيَجُوزُ ضَمُّ التَّاءِ] إلَخْ: فَالضَّمُّ لِلْمُتَكَلِّمِ وَالْفَتْحُ لِلْمُخَاطَبِ وَالْكَسْرُ لِلْمُخَاطَبَةِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّعْلِيقِ عَلَى فِعْلِهِ أَوْ فِعْلِ الْغَيْرِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. قَوْلُهُ: [وَهَذَا فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ] : اسْمُ الْإِشَارَةِ عَائِدٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ نَحْوَ إنْ لَمْ أَفْعَلْ إلَخْ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ الْحِنْثُ] : أَيْ لِقِيَامِ سَبَبِ الْحِنْثِ بِهِ فَلِذَلِكَ يُؤْمَرُ بِالتَّخَلُّصِ مِنْهُ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [فِي الْقِسْمَيْنِ] : أَيْ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ. قَوْلُهُ: [لَأَدْخُلَنَّ الدَّارَ] : أَيْ فِي حَلِفِهِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ لَتَدْخُلُنَّهَا بِنُونِ التَّوْكِيدِ إمَّا خِطَابٌ لِمُذَكَّرٍ أَوْ لِمُؤَنَّثٍ فِي حَلِفِهِ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ، وَقَدَّرَ الشَّارِحُ هُنَا هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ إشَارَةً إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ الْآتِي لَأَفْعَلَن أَوْ لَتَفْعَلَنَّ مُقَدَّرٌ هُنَا أَيْضًا.

الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ أَوْ:) يَلْزَمُنِي (التَّصَدُّقُ بِدِينَارٍ أَوْ:) يَلْزَمُنِي (الطَّلَاقُ لَأَفْعَلَنَّ) كَذَا أَوْ لَأَدْخُلَنَّ الدَّارَ مَثَلًا، (أَوْ لَتَفْعَلَنَّ) يَا زَيْدُ كَذَا، فَإِنَّ ذَلِكَ تَعْلِيقٌ ضِمْنِيٌّ فِي قُوَّةِ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا، أَوْ إنْ لَمْ تَفْعَلْ فَعَلَيَّ مَا ذُكِرَ، أَوْ فَيَلْزَمُنِي مَا ذُكِرَ، فَيَلْزَمُهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ فِي قُوَّةِ صِيغَةِ الْحِنْثِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا فِعْلُ الشَّيْءِ. وَسَكَتَ عَنْ التَّعْلِيقِ الضِّمْنِيِّ لِصِيغَةِ الْبِرِّ الْمَقْصُودِ مِنْهَا عَدَمُ فِعْلِ الشَّيْءِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ الْمُقَايَسَةِ، وَلِلْإِشَارَةِ إلَيْهِ بِمَا يَأْتِي فِي التَّعْلِيلِ، وَمِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ: يَلْزَمُنِي أَوْ عَلَيَّ الطَّلَاقُ مَثَلًا لَا أَفْعَلُ كَذَا أَوْ لَا تَفْعَلِي كَذَا بِإِدْخَالِ حُرُوفِ النَّفْيِ عَلَى الْفِعْلِ؛ فَإِنَّهُ فِي قُوَّةِ: إنْ فَعَلْته أَوْ إنْ فَعَلْتِيهِ فَالطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي، وَهُوَ عَلَى بِرٍّ حَتَّى يَقَعَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ. وَأَشَارَ لِلضِّمْنِيِّ الْمَقْصُودِ مِنْهُ تَحَقُّقُ الْحُصُولِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ:) عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ يَلْزَمُنِي الطَّلَاقُ أَوْ عِتْقُ عَبْدِي (لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ أَوْ: لَمْ يَقُمْ) ، أَوْ: لَزَيْدٌ فِي الدَّارِ، أَوْ: لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ. فَالْأَوَّلُ الْمُثْبَتُ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ: إنْ لَمْ يَكُنْ قَامَ زَيْدٌ، أَوْ: إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ فَهِيَ طَالِقٌ، أَوْ: فَعَبْدِي حُرٌّ، وَهُوَ صِيغَةُ حِنْثٍ قَصَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلِلْإِشَارَةِ إلَيْهِ فِيمَا يَأْتِي فِي التَّعْلِيلِ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّهُ فِي قُوَّةِ إنْ لَمْ أَفْعَلْ أَوْ إنْ فَعَلْت، فَإِنَّ قَوْلَهُ أَوْ إنْ فَعَلْت تَعْلِيلٌ لِمَا سَكَتَ عَنْهُ مِنْ التَّعْلِيلِ الضِّمْنِيِّ فِي الْبِرِّ كَمَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [وَمِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ يَلْزَمُنِي أَوْ عَلَيَّ الطَّلَاقُ] : كُلُّ مَنْ يَلْزَمُنِي وَعَلَى تَنَازُعٍ فِيهِ الطَّلَاقِ، وَهَذَا مِثَالٌ لِحَلِّ الْعِصْمَةِ، وَأَشَارَ لِمِثَالِ الْتِزَامِ الْقُرْبَةِ فِي الْبِرِّ بِقَوْلِهِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: [فَإِنَّ فِي قُوَّةِ إنْ فَعَلْته أَوْ فَعَلْتِيهِ] إلَخْ: أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ يَلْزَمُنِي أَوْ عَلَيَّ فِي قُوَّةِ التَّصْرِيحِ بِمَا قَالَ الشَّارِحُ، وَمِثَالُ تَعْلِيقِ الْقُرْبَةِ الضِّمْنِيِّ فِي الْبِرِّ أَنْ تَقُولَ: يَلْزَمُنِي أَوْ: عَلَيَّ عِتْقُ عَبْدِي مَثَلًا لَا أَفْعَلُ كَذَا، أَوْ لَا تَفْعَلِي كَذَا بِإِدْخَالِ حَرْفِ النَّفْيِ عَلَى الْفِعْلِ إلَى آخِرِ مَا قَالَ الشَّارِحُ، فَإِنَّهُ فِي قُوَّةِ: إنْ فَعَلْته أَوْ: فَعَلْتِيهِ فَالْعِتْقُ يَلْزَمُهُ. قَوْلُهُ: [فَالْأَوَّلُ] : أَيْ فَالْمِثَالُ الْأَوَّلُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ وَالْمَتْنُ الْمُثْبِتُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ) ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَلَزَيْدٌ فِي الدَّارِ.

بِهَا تَحَقُّقَ الْقِيَامِ، وَالْكَوْنَ فِي الدَّارِ، وَالثَّانِي: الْمَنْفِيُّ فِي الْمِثَالَيْنِ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ: إنْ كَانَ زَيْدٌ قَامَ، أَوْ فِي الدَّارِ أَحَدٌ فَهِيَ طَالِقٌ أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ، وَهُوَ صِيغَةُ حِنْثٍ قَصَدَ بِهَا تَحَقُّقَ الْقِيَامِ، أَوْ عَدَمَ كَوْنِ أَحَدٍ فِي الدَّارِ. وَقَوْلُهُ: " فَإِنَّهُ فِي قُوَّةِ " قَوْلِهِ: " إنْ لَمْ أَفْعَلْ " أَوْ " فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ: إنْ فَعَلْت " تَعْلِيلٌ لِبَيَانِ أَنَّهُ تَعْلِيقٌ ضِمْنِيٌّ وَهُوَ مَا بَالَغَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ آنِفًا، وَلَوْ حُكْمًا. لَكِنَّ قَوْلَهُ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ رَاجِعٌ لِمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: " وَكَعَلَيَّ أَوْ يَلْزَمُنِي " إلَى قَوْلِهِ: " لَأَفْعَلَنَّ أَوْ لَتَفْعَلَنَّ "، وَفِي كَلَامِهِ هُنَا حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: أَوْ إنْ لَمْ تَفْعَلْ يَا زَيْدُ، فَقَوْلُنَا: " إنْ لَمْ أَفْعَلْ " نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ: " لَأَفْعَلَنَّ "، وَالْمُقَدَّرُ نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ: لَتَفْعَلَنَّ، وَهُمَا صِيغَتَا حِنْثٍ، وَقَوْلُهُ: " أَوْ إنْ فَعَلْت " تَعْلِيلٌ لِمَا سَكَتَ عَنْهُ مِنْ التَّعْلِيقِ الضِّمْنِيِّ فِي الْبِرِّ كَمَا أَشَرْنَا لِذَلِكَ فِي الشَّرْحِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ " إلَخْ فَلَمْ يَذْكُرْ تَعْلِيلَهُ هُنَا، وَتَقَدَّمَ لَك بَيَانُهُ " وَهُوَ أَنَّ لَقَدْ قَامَ فِي قُوَّةِ صِيغَةِ حِنْثٍ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ فِي قُوَّةِ صِيغَةِ بِرٍّ ". وَهَذَا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْيَمِينِ بِجَمِيعِ صُوَرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: [وَالثَّانِي الْمَنْفِيُّ] : أَيْ الْمِثَالُ الْمَنْفِيُّ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ، وَالْمَتْنِ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: (أَوْ لَمْ يَقُمْ أَوْ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ) فَتَأَمَّلْ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَهُوَ صِيغَةُ حِنْثٍ إلَخْ الْوَاقِعُ بَعْدَ مِثَالِ النَّفْيِ سَبْقُ قَلَمٍ، بَلْ هِيَ صِيغَةُ بِرٍّ وَسَيَأْتِي يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ صِيغَةُ بِرٍّ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يَقُمْ فِي قُوَّةِ صِيغَةِ الْبِرِّ. قَوْلُهُ: [وَفِي كَلَامِهِ هُنَا حَذْفٌ] : أَيْ فِي التَّعْلِيلِ. قَوْلُهُ: [وَتَقَدَّمَ لَك بَيَانُهُ] : أَيْ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: [لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ] إلَخْ. قَوْلُهُ: [بِجَمِيعِ صُوَرِهِ] : وَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ تُؤْخَذُ مِنْ الشَّرْحِ. حَاصِلُهَا: أَنْ تَقُولَ: الْمُعَلَّقُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْتِزَامَ قُرْبَةٍ أَوْ حَلَّ عِصْمَةٍ، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا أَوْ ضِمْنًا. وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ قَصْدَ امْتِنَاعٍ أَوْ حَثٍّ عَلَيْهِ، فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ، وَبَقِيَ مَا إذَا قَصَدَ تَحَقُّقَ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَتَحْتَهُ ثَمَانِيَةٌ أَيْضًا، وَهِيَ أَنْ تَقُولَ الْمُعَلَّقُ: إمَّا الْتِزَامُ قُرْبَةٍ أَوْ حَلُّ عِصْمَةٍ، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا أَوْ ضِمْنًا، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ الَّذِي قَصَدَ تَحَقُّقَهُ مُثْبَتًا أَوْ مَنْفِيًّا، وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ. وَأَمَّا إذَا الْتَفَتَ إلَى الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَائِزٌ أَوْ مُمْتَنِعٌ شَرْعًا أَوْ وَاجِبٌ شَرْعًا أَوْ عَادَةً أَوْ عَقْلًا أَوْ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً أَوْ عَقْلًا، فَتَكْثُرُ الصُّوَرُ

[يمين الحنث]

لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ. وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ " الْيَمِينُ تَحْقِيقُ مَا لَمْ يَجِبْ " إلَخْ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ الْأَوَّلَ لَا تُفِيدُ فِيهِ كَفَّارَةٌ وَلَا إنْشَاءٌ بِخِلَافِ الثَّانِي كَمَا يَأْتِي. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: (أَوْ قَسَمٌ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَ " أَوْ " فِيهِ لِلتَّنْوِيعِ أَيْ التَّقْسِيمُ وَلَا يَضُرُّ ذِكْرُهَا فِي الْحُدُودِ أَيْ: أَوْ حَلَفَ. (عَلَى أَمْرٍ كَذَلِكَ) : أَيْ إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا بِقَصْدِ الِامْتِنَاعِ مِنْ الشَّيْءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQجِدًّا فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: [لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ] : أَيْ لَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّيْخُ خَلِيلٌ لِتَعْرِيفِهِ وَضَابِطُهُ كَمَا تَعَرَّضَ مُصَنِّفُنَا، وَإِلَّا فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَحْكَامِهِ فِي أَثْنَاءِ هَذَا الْبَابِ وَالنَّذْرِ وَالطَّلَاقِ وَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا فَجَزَى اللَّهُ الْجَمِيعَ خَيْرًا وَنَفَعَنَا بِهِمْ. [يَمِين الحنث] قَوْلُهُ: [لَا تُفِيدُ فِيهِ كَفَّارَةٌ وَلَا إنْشَاءٌ] : أَمَّا عَدَمُ كَوْنِهِ إنْشَاءً فَلِكَوْنِهِ تَعْلِيقًا وَالتَّعْلِيقُ غَيْرُ الْإِنْشَاءِ، وَأَمَّا عَدَمُ الْكَفَّارَةِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُكَفَّرُ، بَلْ إمَّا لُزُومُ الْمُعَلَّقِ أَوْ عَدَمُهُ فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَضُرُّ ذِكْرُهَا فِي الْحُدُودِ] : وَإِنَّمَا الْمَمْنُوعُ ذِكْرُ (أَوْ) الَّتِي لِلشَّكِّ. قَوْلُهُ: [عَلَى أَمْرٍ] : كَلَامُهُ صَادِقٌ بِالْوَاجِبِ الْعَقْلِيِّ وَالْعَادِيِّ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ: (وَهِيَ الَّتِي تُكَفَّرُ) يُخْرِجُ الْوَاجِبَ الْعَقْلِيَّ وَالْعَادِيَّ، فَيَدْخُلُ الْمُمْكِنُ عَادَةً وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا أَوْ مُمْتَنِعًا شَرْعًا نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَأَدْخُلَنَّ الدَّارَ، أَوْ: لَا أَدْخُلُهَا أَوْ: لَأُصَلِّيَنَّ الصُّبْحَ، أَوْ: لَا أُصَلِّيهَا أَوْ: لَأَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ، أَوْ: لَا أَشْرَبُهَا، وَالْمُمْكِنُ عَقْلًا وَلَوْ امْتَنَعَ عَادَةً نَحْوَ: لَأَشْرَبَنَّ الْبَحْرَ، أَوْ: لَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ. وَيَحْنَثُ فِي هَذَا بِمُجَرَّدِ الْيَمِينِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ هُنَا الْعَزْمُ عَلَى الضِّدِّ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْفِعْلِ، وَدَخَلَ الْمُمْتَنِعُ عَقْلًا نَحْوَ: لَأَجْمَعَنَّ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، وَلْأَقْتُلَن زَيْدًا الْمَيِّتَ بِمَعْنَى إزْهَاقِ رُوحِهِ، وَيَحْنَثُ فِي هَذَا أَيْضًا بِمُجَرَّدِ الْيَمِينِ لِمَا مَرَّ، فَالْمُمْتَنِعُ عَقْلًا أَوْ عَادَةً إنَّمَا يَأْتِي فِيهِ صِيغَةُ الْحِنْثِ كَمَا مَثَّلْنَا، وَأَمَّا صِيغَةُ الْبِرِّ نَحْوَ: لَا أَشْرَبُ الْبَحْرَ وَلَا أَجْمَعُ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، فَهُوَ عَلَى بِرٍّ دَائِمًا ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْفِعْلُ. وَخَرَجَ الْوَاجِبُ الْعَادِيُّ وَالْعَقْلِيُّ

الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ الْحَثِّ عَلَى فِعْلِهِ أَوْ تَحَقُّقِ وُقُوعِ شَيْءٍ أَوْ عَدَمِهِ نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ زَيْدًا أَوْ لَا أَضْرِبُهُ أَوْ لَتَضْرِبَنَّهُ أَوْ لَا تَضْرِبُهُ أَنْتَ، وَنَحْوَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ، وَتَحَيُّزِ الْجُرْمِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ إنَّ الْجُرْمَ مُتَحَيِّزٌ فَهُوَ صَادِقٌ؛ وَإِنْ قَالَ: لَيْسَ بِمُتَحَيِّزٍ فَهِيَ غَمُوسٌ، وَإِنَّمَا خَرَجَ هَذَانِ الْقِسْمَانِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الَّتِي تُكَفَّرُ كَذَا فِي الْأَصْلِ، وَسَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [نَحْوَ وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَن زَيْدًا] : لَمْ يَأْتِ بِالْأَمْثِلَةِ عَلَى التَّرْتِيبِ كَمَا هُوَ

قَامَ زَيْدٌ أَوْ لَمْ يَقُمْ. (بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ) : مُتَعَلِّقٌ بِقِسْمٍ وَشَمِلَ الِاسْمُ كُلَّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: (أَوْ) بِذِكْرِ (صِفَتِهِ) أَيْ كُلَّ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ، أَيْ الْقَائِمَةِ بِذَاتِهِ أَوْ السَّلْبِيَّةِ لَا الْفِعْلِيَّةِ الَّتِي هِيَ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ بِالْمَقْدُورَاتِ كَالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرٌ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ إثْبَاتًا بِقَصْدِ الْحَثِّ عَلَى الْفِعْلِ، أَوْ نَفْيًا بِقَصْدِ الِامْتِنَاعِ مِنْ الشَّيْءِ، أَوْ تَحَقَّقْ وُقُوعُ شَيْءٍ أَوْ عَدَمُهُ نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَن أَوْ لَتَضْرِبَن زَيْدًا أَوْ لَا أَضْرِبُهُ أَوْ لَا تَضْرِبُهُ أَنْتَ وَنَحْوَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ أَوْ لَمْ يَقُمْ. قَوْلُهُ: [كُلَّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ] : أَيْ لِأَنَّ اسْمَ فِي كَلَامِهِ مُفْرَدٌ مُضَافٌ يَعُمُّ، وَأَرَادَ بِالِاسْمِ مَا دَلَّ عَلَى الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ سَوَاءٌ دَلَّ عَلَيْهَا وَحْدَهَا كَالْجَلَالَةِ، أَوْ مَعَ صِفَةٍ كَالْخَلْقِ وَالْقَادِرِ وَالرَّازِقِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ النَّاسِ. وَالِاسْمُ الْأَعْظَمُ: وَاسْمُ اللَّهِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالْأَوَّلِ غَيْرَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَلَيْسَ يَمِينًا لِأَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ بِهِ شَبَهَ الشَّفَاعَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْهَاءِ. وَالْمَدُّ قَبْلَهَا طَبِيعِيًّا، وَفِي اشْتِرَاطِ الْعَرَبِيَّةِ خِلَافٌ كَذَا فِي (المج) . قَوْلُهُ: [أَيْ الْقَائِمَةِ بِذَاتِهِ] : أَيْ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَبَاقِي صِفَاتِ الْمَعَانِي. قَوْلُهُ: [أَوْ السَّلْبِيَّةِ] : أَيْ كَالْقِدَمِ وَالْبَقَاءِ وَالْوَحْدَانِيَّةِ وَبَاقِي صِفَاتِ السُّلُوبِ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْحَاشِيَةِ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بِمُخَالَفَتِهِ لِلْحَوَادِثِ لَا مُخَالَفَةِ الْحَوَادِثِ لَهُ عَلَى الظَّاهِرِ وَإِنْ تَلَازَمَا، وَيَشْمَلُ أَيْضًا الْمَعْنَوِيَّةَ وَهِيَ كَوْنُهُ قَادِرًا وَمُرِيدًا إلَى آخِرِهَا وَالنَّفْسِيَّةُ كَمَا يَأْتِي فِي الْأَمْثِلَةِ بِخِلَافِ الِاسْمِ الدَّالِّ عَلَيْهَا كَالْوُجُودِ، وَيَدْخُلُ الصِّفَةُ الْجَامِعَةُ كَجَلَالِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ كَمَا يَأْتِي، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَذَكَرَ بَعْضُ شُيُوخِنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَالْعِلْمِ الشَّرِيفِ - وَيُرِيدُ عِلْمَ الشَّرِيعَةِ - فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: صَوْمُ الْعَامِ يَلْزَمُنِي، بِخِلَافِ: إنْ كَلَّمْته فَعَلَيَّ صَوْمُ الْعَامِ، فَإِنَّهُ الْتِزَامٌ وَهُوَ يَمِينٌ (اهـ) . قَوْلُهُ: [لَا الْفِعْلِيَّةِ] : أَيْ عَلَى مَذْهَبِ الْأَشَاعِرَةِ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْمَاتُرِيدِيَّةِ فَيَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا قَدِيمَةٌ عِنْدَهُمْ، وَيُسَمُّونَهَا بِالتَّكْوِينِ.

(وَهِيَ الَّتِي تُكَفَّرُ) إذَا حَنِثَ أَوْ قَصَدَ الْحِنْثَ إذَا لَمْ تَكُنْ غَمُوسًا وَلَا لَغْوًا (كَ بِاَللَّهِ وَتَاللَّهِ) لَا أَفْعَلُ كَذَا أَوْ لَأَفْعَلَنَّهُ، (وَهَا لِلَّهِ) بِإِقَامَةِ هَا التَّنْبِيهِ مَقَامَ حَرْفِ الْقَسَمِ. وَالْأَصْلُ فِي حُرُوفِ الْقَسَمِ الْوَاوُ لِدُخُولِهَا عَلَى جَمِيعِ الْمُقْسَمِ بِهِ بِخِلَافِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ فَإِنَّهَا خَاصَّةٌ بِاَللَّهِ، وَقَدْ تَدْخُلُ عَلَى الرَّحْمَنِ قَلِيلًا. وَكَذَا الْبَاءُ الْمُوَحَّدَةُ دُخُولُهَا عَلَى غَيْرِ اللَّهِ قَلِيلٌ وَنَحْوَ: (وَالرَّحْمَنِ وَأَيْمُنِ اللَّهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إذَا حَنِثَ] : أَيْ فِيمَا إذَا كَانَتْ الصِّيغَةُ صِيغَةَ بِرٍّ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ قَصَدَ الْحِنْثَ] : أَيْ فِيمَا إذَا كَانَتْ صِيغَةَ حِنْثٍ. قَوْلُهُ: [إذَا لَمْ تَكُنْ غَمُوسًا وَلَا لَغْوًا] : أَيْ وَأَمَّا الْغَمُوسُ وَاللَّغْوُ فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِمَا، بَلْ يَأْتِي حُكْمُهُمَا. قَوْلُهُ: [كَ بِاَللَّهِ وَتَاللَّهِ] : وَأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِالْوَاوِ، وَقَالَ الْخَرَشِيُّ: وَمِثْلُهُ الِاسْمُ الْمُجَرَّدُ مِنْ حَرْفِ الْقَسَمِ، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: كَذَا فِي التَّلْقِينِ وَالْجَوَاهِرِ، لَكِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْهُ هَلْ هُوَ مَجْرُورٌ أَوْ مَنْصُوبٌ أَوْ مَرْفُوعٌ؟ أَمَّا الْجَرُّ وَالنَّصْبُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ فَظَاهِرَانِ، وَأَمَّا الرَّفْعُ فَلَحْنٌ كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ. وَلَعَلَّ الْحُكْمَ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ، فَإِذَا قَالَ الْحَالِفُ: اللَّهَ لَأَفْعَلَنَّ نَصْبًا أَوْ جَرًّا انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ، وَقَالَ التُّونُسِيُّ إنْ نَوَى حَرْفَ الْقَسَمِ وَنَصَبَهُ بِحَذْفِهِ كَ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَن فَيَمِينٌ، وَإِنْ كَانَ خَبَرًا فَلَا، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْيَمِينَ (اهـ) . قَوْلُهُ: [مَقَامَ حَرْفِ الْقَسَمِ] : وَالْمُرَادُ بِحَرْفِ الْقَسَمِ الَّتِي قَامَتْ مَقَامَهُ هُوَ الْوَاوُ، لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي حُرُوفِ الْقَسَمِ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا الْبَاءُ الْمُوَحَّدَةُ] إلَخْ: فَقِلَّتُهَا فِي غَيْرِ اللَّهِ بِالنِّسْبَةِ لِاسْتِعْمَالِ الْقَسَمِ. قَوْلُهُ: [وَأَيْمُنِ اللَّهِ] : قَالَ الْأُشْمُونِيُّ: وَأَمَّا أَيْمُنُ الْمَخْصُوصُ بِالْقَسَمِ فَأَلِفُهُ بِالْوَصْلِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، وَالْقَطْعِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ، لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ جَمْعُ يَمِينٍ، وَعِنْدَ سِيبَوَيْهِ اسْمٌ مُفْرَدٌ مِنْ الْيَمِينِ وَهُوَ الْبَرَكَةُ، فَلَمَّا حُذِفَتْ نُونُهُ فَقِيلَ: أَيْمُ اللَّهِ أَعَاضُوهُ الْهَمْزَةَ فِي أَوَّلِهِ وَلَمْ يَحْذِفُوهَا لَمَّا أَعَادُوا النُّونَ، لِأَنَّهَا بِصَدَدِ الْحَذْفِ كَمَا قُلْنَا فِي امْرِئٍ. وَفِيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ لُغَةً جَمَعَهَا النَّاظِمُ فِي هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ بِقَوْلِهِ: هَمْزُ آيُمَّ أَيْمُنُ فَافْتَحْ وَاكْسِرَا وَأَمْ قُلْ ... أَوْ قُلْ م أَوْ مِنْ بِالتَّثْلِيثِ قَدْ شَكَلَا

أَيْ بَرَكَتِهِ، وَقَدْ تُحْذَفُ نُونُهُ فَيُقَالُ: وَأَيْمُ اللَّهِ (وَرَبِّ الْكَعْبَةِ) أَوْ الْبَيْتِ أَوْ الْعَالَمِينَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، (وَالْخَالِقِ وَالْعَزِيزِ) وَالرَّازِقِ مِنْ كُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَى صِفَةِ فِعْلٍ، فَأَوْلَى مَا يَدُلُّ عَلَى صِفَةِ ذَاتٍ كَالْقَادِرِ، (وَحَقِّهِ) أَيْ اللَّهُ وَمَرْجِعُهُ لِلْعَظَمَةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ. فَإِنْ قَصَدَ الْحَالِفُ بِهِ الْحَقَّ الَّذِي عَلَى الْعِبَادِ مِنْ التَّكَالِيفِ وَالْعِبَادَةِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ شَرْعًا، (وَوُجُودِهِ) صِفَةٌ نَفْسِيَّةٌ، (وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ) وَكِبْرِيَائِهِ، وَيَرْجِعَانِ لِلْعَظَمَةِ الرَّاجِعَةِ لِلْأُلُوهِيَّةِ، وَأَمَّا الْجَمَالُ فَمَرْجِعُهُ لِلتَّقْدِيسِ عَنْ النَّقَائِصِ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ، (وَقِدَمِهِ وَبَقَائِهِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ) صِفَاتٌ سَلْبِيَّةٌ، (وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ) مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِي فَكَذَا بَقِيَّتُهَا، (وَالْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ) لِأَنَّهُ كَلَامُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَيْمُنِ اخْتِمْ بِهِ وَاَللَّهِ كَلَا أَضِفْ ... إلَيْهِ فِي قَسَمٍ تَسْتَوْفِ مَا نَقَلَا وَاعْلَمْ أَنَّ أَيْمُنَ اللَّهِ قَسَمٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ ذُكِرَ مَعَهُ حَرْفُ الْقَسَمِ وَهُوَ الْوَاوُ أَوْ لَا، بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا إذَا ذُكِرَ مَعَهُ حَرْفُ الْقَسَمِ، لِأَنَّ أَيْمُنَ اللَّهِ تُعُورِفَ فِي الْيَمِينِ، بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ قَالَهُ بَعْضُهُمْ: وَلَكِنْ اسْتَظْهَرَ (بْن) أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ وَأَيْمُنِ اللَّهِ فِي جَوَازِ إثْبَاتِ الْوَاوِ وَحَذْفِهَا فَتَكُونُ مُقَدَّرَةً. قَوْلُهُ: [أَيْ بَرَكَتِهِ] : أَرَادَ بِالْبَرَكَةِ الْمَعْنَى الْقَدِيمَ الْمُقْتَضِيَ لِتَعْظِيمِ الْمَوْصُوفِ كَأَوْصَافِهِ تَعَالَى الثُّبُوتِيَّةِ أَوْ السَّلْبِيَّةِ، فَإِنْ أَرَادَ الْمَعْنَى الْحَادِثَ كَنُمُوِّ الرِّزْقِ وَاتِّسَاعِهِ، لَمْ يَكُنْ يَمِينًا. وَانْظُرْ: إذَا لَمْ يُرِدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا؟ وَفِي كَلَامِ الْأَبِيِّ مَا يُفِيدُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى الْقَدِيمِ. قَوْلُهُ: [مِنْ كُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَى صِفَةِ فِعْلٍ] : أَيْ مِنْ كُلِّ اسْمٍ دَالٍّ عَلَى صِفَةِ الْفِعْلِ، بِخِلَافِ صِفَةِ الْفِعْلِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ. قَوْلُهُ: [وَالْأُلُوهِيَّةُ] : أَيْ اسْتِحْقَاقُهُ لَهَا أَيْ كَوْنُهُ لَهَا مَعْبُودًا بِحَقٍّ، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: ثُمَّ لَا يَخْفَى الِاسْتِحْقَاقُ وَصْفَ اعْتِبَارِيٍّ أَزَلِيٍّ إلَّا أَنَّ مَرْجِعَهُ الصِّفَاتُ الْجَامِعَةُ فَهُوَ كَجَلَالِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ قَصَدَ الْحَالِفُ] إلَخْ: وَأَمَّا إنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَعْنَى الْقَدِيمِ وَيَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ. قَوْلُهُ: [فَكَذَا بَقِيَّتُهَا] : أَيْ بَقِيَّةُ صِفَاتِ الْمَعَانِي وَمِثْلُهَا الْمَعْنَوِيَّةُ وَكَذَلِكَ بَاقِي السَّلْبِيَّةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ.

الْقَدِيمُ وَهُوَ صِفَةٌ مَعْنَى مَا لَمْ يُرِدْ بِالْمُصْحَفِ النُّقُوشَ وَالْوَرَقَ، (وَسُورَةِ الْبَقَرَةِ) ، مَثَلًا، (وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ) مَثَلًا (وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ) لِأَنَّ الْكُلَّ يَرْجِعُ لِكَلَامِهِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ ذَاتِهِ، (وَكَعِزَّةِ اللَّهِ) لَا أَفْعَلُ كَذَا (وَأَمَانَتِهِ وَعَهْدِهِ وَمِيثَاقِهِ وَعَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ) لَأَفْعَلَنَّ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ) بِشَيْءٍ مِمَّا بَعْدَ الْكَافِ (الْمَخْلُوقَ) كَالْعِزَّةِ الَّتِي فِي الْمُلُوكِ وَنَحْوِهِمْ الْمُشَارِ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: [سُبْحَانَ رَبِّك رَبِّ الْعِزَّةِ] وَالْأَمَانَةُ التَّكَالِيفُ أَيْ الْمُكَلَّفُ بِهَا كَالْإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ، وَكَذَا الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ بِأَنْ يُرِيدَ الَّذِي وَاثَقَنَا اللَّهُ بِهِ مِنْ التَّكَالِيفِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِهَا حِينَئِذٍ يَمِينٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَطْلَقَ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ لِكَلَامِهِ الْقَدِيمِ كَالْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ. (وَكَأَحْلِفُ) مَا فَعَلْت كَذَا أَوْ لَأَفْعَلَنَّ، (وَأُقْسِمُ وَأُشْهِدُ) بِضَمِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مَا لَمْ يُرِدْ بِالْمُصْحَفِ النُّقُوشَ] إلَخْ: أَيْ بِأَنْ أَرَادَ الْمَعْنَى الْقَدِيمَ أَوْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا، وَإِنَّمَا انْعَقَدَ بِهِ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ يُسَمَّى قُرْآنًا. وَكَلَامُ اللَّهِ عَلَى التَّحْقِيقِ، فَلِذَلِكَ يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْنَى عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. قَوْلُهُ: [وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ] : أَيْ بَلْ أَيُّ كَلِمَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ مِثْلُهُ. قَوْلُهُ: [وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ] إلَخْ: أَيْ مَا لَمْ يَقْصِدْ الْمَعْنَى الْحَادِثَ كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: [كَالْعِزَّةِ الَّتِي فِي الْمُلُوكِ] : أَيْ الْهَيْبَةِ وَالْمَنْعَةِ وَالْقُوَّةِ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ فِي السَّلَاطِينِ وَالْجَبَابِرَةِ، أَوْ يُرَادُ بِالْعِزَّةِ حَيَّةٌ عَظِيمَةٌ مُحِيطَةٌ بِالْعَرْشِ أَوْ بِجَبَلِ قَافٍ فَلَا يَنْعَقِدُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ يَمِينٌ. قَوْلُهُ: [التَّكَالِيفُ] : أَيْ الْمُشَارُ لَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ} [الأحزاب: 72] الْآيَةَ فَإِنَّهُمْ فَسَرُّوا الْأَمَانَةَ بِالتَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنْ أُرِيدَ الْإِلْزَامَاتِ نَحْوَ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ؛ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ لِكَلَامِهِ الْقَدِيمِ فَيَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ، وَإِنْ أُرِيدَ نَفْسَ أَفْعَالِ الْعِبَادِ أَوْ الشَّهْوَةِ كَمَا هُوَ أَحَدُ التَّفَاسِيرِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ. قَوْلُهُ: [بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ] : أَيْ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ بِهَا الَّذِي هُوَ أَفْعَالُ الْعِبَادِ الِاخْتِيَارِيَّةُ.

الْهَمْزَةِ فِيهِمَا (إنْ نَوَى بِاَللَّهِ) وَأَوْلَى إنْ تَلَفَّظَ بِهِ فِي الثَّلَاثَةِ، (وَأَعْزِمُ إنْ قَالَ) أَيْ لَفَظَ (بِاَللَّهِ) بِأَنْ قَالَ: أَعْزِمُ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، فَيَمِينٌ لَا إنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَلَوْ نَوَى بِاَللَّهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَقْصِدُ وَأَهْتَمُّ، فَإِذَا قَالَ بِاَللَّهِ اقْتَضَى أَنَّ الْمَعْنَى أُقْسِمُ. (لَا) يَكُونُ لِيَمِينٍ (بِنَحْوِ الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ) مِنْ كُلِّ صِفَةِ فِعْلٍ كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهَا أُمُورٌ اعْتِبَارِيَّةٌ تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الْمَقْدُورِ وَلِذَا قَالَ الْأَشَاعِرَةُ: صِفَاتُ الْأَفْعَالِ حَادِثَةٌ، (وَلَا بِأُعَاهِدُ اللَّهَ) مَا فَعَلْت كَذَا أَوْ لَأَفْعَلَنَّ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ مُعَاهَدَتَهُ تَعَالَى لَيْسَتْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، (أَوْ لَك عَلَيَّ عَهْدٌ أَوْ أُعْطِيَك عَهْدًا) لَأَفْعَلَنَّ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، (أَوْ عَزَمْت عَلَيْك بِاَللَّهِ) لَتَفْعَلَنَّ كَذَا فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، بِخِلَافِ عَزَمْت بِاَللَّهِ أَوْ أَعْزِمُ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إنْ نَوَى بِاَللَّهِ] : الْمُرَادُ بِالنِّيَّةِ التَّقْدِيرُ وَالْمُلَاحَظَةُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُلَاحِظْ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَقْصِدُ وَأَهْتَمُّ] : تَعْلِيلٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِهِ: أَعْزِمُ وَمَا قَبْلَهُ. حَاصِلُهُ: أَنَّ أَعْزِمَ لَمَّا كَانَ مَعْنَاهُ أَقْصِدُ وَأَهْتَمُّ كَانَ غَيْرَ مَوْضُوعٍ لِلْقَسَمِ فَاحْتَاجَ إلَى التَّصْرِيحِ بِلَفْظِ الْجَلَالَةِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَوْضُوعًا لِلْقَسَمِ كَانَتْ الْمُلَاحَظَةُ كَافِيَةً. قَوْلُهُ: [وَلِذَا قَالَ الْأَشَاعِرَةُ] إلَخْ: أَيْ مِنْ أَجْلِ تَجَدُّدِهَا قَالُوا: إنَّهَا حَادِثَةٌ، لِأَنَّ كُلَّ مُتَجَدِّدٍ حَادِثٌ. خِلَافًا لِلْمَاتُرِيدِيَّةِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: صِفَةُ الْفِعْلِ وَاحِدَةٌ وَهِيَ قَدِيمَةٌ يُسَمُّونَهَا التَّكْوِينَ كَمَا تَقَدَّمَ، فَهُوَ مَعْنًى قَائِمٌ بِذَاتِهِ تَعَالَى، وَسُبْحَانَ مَنْ لَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ غَيْرُهُ وَلَا يَبْلُغُ الْوَاصِفُونَ صِفَتَهُ. قَوْلُهُ: [لَيْسَتْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ] : أَيْ بَلْ هِيَ مِنْ صِفَاتِ الْعَبْدِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ عَزَمْت بِاَللَّهِ] إلَخْ: الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَزَمْت عَلَيْك بِاَللَّهِ التَّصْرِيحُ بِعَلَيْك وَعَدَمُهُ، فَالْإِتْيَانُ بِعَلَيْك صَيَّرَهُ غَيْرَ يَمِينٍ، وَمِثْلُهُ فِي عَدَمِ الْيَمِينِ قَوْلُ الشَّخْصِ يَعْلَمُ اللَّهُ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا يَلْزَمُهُ إثْمُ الْكَذِبِ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَقَوْلُ الْعَامَّةِ: مَنْ أَشْهَدَ اللَّهَ بَاطِلًا كَفَرَ لَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ أَنَّهُ يَخْفَى عَلَيْهِ الْوَاقِعُ، وَأَوْلَى فِي عَدَمِ لُزُومِ الْيَمِينِ اللَّهُ رَاعٍ أَوْ حَفِيظٌ وَمَعَاذَ اللَّهَ، وَحَاشَى لِلَّهِ

[أقسام اليمين بالله منعقدة وغير منعقدة]

فَيَمِينٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا أَقْسَمْت عَلَيْك بِاَللَّهِ، (وَلَا بِنَحْوِ النَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ) مِنْ كُلِّ مَا عَظَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَنْعَقِدُ بِهِ يَمِينٌ، وَفِي حُرْمَةِ الْحَلِفِ بِذَلِكَ وَكَرَاهَتِهِ قَوْلَانِ. (وَإِنْ قَصَدَ) بِحَلِفِهِ (بِكَالْعُزَّى) مِنْ كُلِّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ (التَّعْظِيمَ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَعْبُودٌ (فَكُفْرٌ) وَارْتِدَادٌ عَنْ دَيْنِ الْإِسْلَامِ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ فَحَرَامٌ قَطْعًا بِلَا رِدَّةٍ. (وَمُنِعَ) الْحَلِفُ (بِنَحْوِ رَأْسِ السُّلْطَانِ أَوْ) رَأْسِ (فُلَانٍ) كَأَبِي وَعَمِّي، وَشَيْخِ الْعَرَبِ وَتُرْبَةِ مَنْ ذُكِرَ. (كَهُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ مُرْتَدٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا) فَيُمْنَعُ وَلَا يَرْتَدُّ إنْ فَعَلَهُ، (وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ) مُطْلَقًا فَعَلَهُ أَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ ذَنْبًا. (وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ) أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قِسْمَانِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّمَا تَرَكَ التَّمْثِيلَ بِهَا الْمُصَنِّفُ لِوُضُوحِهَا وَإِنْ ذَكَرَهَا خَلِيلٌ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا أَقْسَمْت عَلَيْك بِاَللَّهِ] : تَشْبِيهٌ فِي انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِهِ، وَإِنَّمَا انْعَقَدَتْ بِهِ الْيَمِينُ مَعَ وُجُودِ لَفْظِ عَلَيْك لِلتَّصْرِيحِ بِفِعْلِ الْقَسَمِ. قَوْلُهُ: [قَوْلَانِ] : الْمُعْتَمَدُ مِنْهُمَا الْكَرَاهَةُ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ فَحَرَامٌ قَطْعًا] : وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَصَدَ بِهِ السُّخْرِيَةَ. قَوْلُهُ: [وَمَنَعَ الْحَلِفَ] : إنَّمَا نَهَى عَنْ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ الْحَلِفُ فَتَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ بِحَسَبِ مَا يُحْدِثُونَ مِنْ الْفُجُورِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَرْتَدُّ إنْ فَعَلَهُ] : وَكَذَا إنْ غَرَّ بِهَذَا الْقَوْلِ يَهُودِيَّةً لِيَتَزَوَّجَهَا فَلَا يُعَدُّ مُرْتَدًّا، وَأَمَّا إنْ قَصَدَ الْإِخْبَارَ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ فَرِدَّةٌ وَلَوْ هَزْلًا، وَأَمَّا لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلَ كَذَا يَكُونُ دَاخِلًا عَلَى أَهْلِهِ زَانِيًا، فَمِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، وَاسْتَظْهَرَ الثَّلَاثَ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ] : أَيْ يَتُبْ إلَى اللَّهِ. [أَقْسَام الْيَمِين بِاللَّهِ مُنْعَقِدَة وَغَيْر مُنْعَقِدَة] قَوْلُهُ: [وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ] إلَخْ: أَيْ مِنْ حَيْثُ هِيَ تَعَلَّقَتْ بِمُمْكِنٍ أَوْ غَيْرِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: مُنْعَقِدَةٌ وَغَيْرُهَا.

(مُنْعَقِدَةٌ) وَهِيَ مَا فِيهَا الْكَفَّارَةُ، (وَغَيْرُهَا) أَيْ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ (وَهِيَ مَا لَا كَفَّارَةَ فِيهَا) (وَهِيَ) : أَيْ غَيْرُ الْمُنْعَقِدَةِ قِسْمَانِ أَيْضًا: الْأَوَّلُ (الْغَمُوسُ) سُمِّيَتْ غَمُوسًا: لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي النَّارِ أَيْ سَبَبُ غَمْسِهِ فِيهَا وَلِذَا لَا تُفِيدُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ، بَلْ الْوَاجِبُ فِيهَا التَّوْبَةُ. وَفَسَّرَهَا بِقَوْلِهِ: (بِأَنْ حَلَفَ) بِاَللَّهِ عَلَى شَيْءٍ (مَعَ شَكٍّ) مِنْهُ فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، (أَوْ) مَعَ (ظَنٍّ) فِيهِ، وَأَوْلَى إنْ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ. وَمَحَلُّ عَدَمِ الْكَفَّارَةِ فِيهَا: (إنْ تَعَلَّقَتْ بِمَاضٍ) نَحْوَ: وَاَللَّهِ مَا فَعَلْت كَذَا أَوْ لَمْ يَفْعَلْ زَيْدٌ كَذَا أَوْ لَمْ يَقَعْ كَذَا، مَعَ شَكِّهِ أَوْ ظَنِّهِ فِي ذَلِكَ أَوْ تَعَمُّدِهِ الْكَذِبَ. فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِمُسْتَقْبَلٍ وَلَمْ يَحْصُلْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ كُفِّرَتْ، نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَآتِيَنَّكَ غَدًا أَوْ لَأَقْضِيَنَّك حَقَّك غَدًا وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَهُوَ جَازِمٌ بِعَدَمِ ذَلِكَ أَوْ مُتَرَدِّدٌ. فَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُوفِ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ لِمَانِعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَالْكَفَّارَةُ، وَإِنْ حُرِّمَ عَلَيْهِ الْحَلِفُ مَعَ حَزْمِهِ أَوْ تَرَدُّدِهِ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا تُكَفَّرُ إنْ تَعَلَّقَتْ بِالْحَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بَلْ الْوَاجِبُ فِيهَا التَّوْبَةُ] : أَيْ وَلَوْ كُفِّرَتْ كَمَا إذَا تَعَلَّقَتْ بِغَيْرِ مَاضٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ مَعَ ظَنٍّ] : أَيْ غَيْرِ قَوِيٍّ وَإِلَّا كَانَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ. قَوْلُهُ: [كُفِّرَتْ] : أَيْ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ تُسَمَّى غَمُوسًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغَمُوسَ تُطْلَقُ عَلَى مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، سَوَاءٌ وَجَبَتْ فِيهَا الْكَفَّارَةُ أَمْ لَا، كَمَا أَنَّ اللَّغْوَ يُطْلَقُ عَلَى مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، سَوَاءٌ وَجَبَتْ فِيهَا الْكَفَّارَةُ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [وَهُوَ جَازِمٌ] إلَخْ: أَيْ عِنْدَ الْحَلِفِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ جَازِمًا بِالْإِتْيَانِ أَوْ الْقَضَاءِ عِنْدَ الْحَلِفِ، ثُمَّ طَرَأَ خُلْفُ الْوَعْدِ فَلَا يُقَالُ لَهُ غَمُوسٌ، بَلْ مِنْ اللَّغْوِ كَمَا يَأْتِي، فَمِنْ الْغَمُوسِ الْحَلِفُ عَلَى حُصُولِ أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُحْتَمِلِ الْحُصُولِ وَعَدَمِهِ، إلَّا أَنْ يَصْحَبَهُ غَلَبَةُ ظَنٍّ فَيَكُونَ مِنْ اللَّغْوِ. قَوْلُهُ: [يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ] : أَيْ وَتَنْتَفِي عَنْهُ الْكَفَّارَةُ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ حُرِّمَ عَلَيْهِ] إلَخْ: أَيْ فَإِثْمُ الْجَرَاءَةِ بَاقٍ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. قَوْلُهُ: [إنْ تَعَلَّقَتْ بِالْحَالِ] : أَيْ إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ مُطَابَقَةَ حَلِفِهِ لِلْوَاقِعِ وَإِلَّا فَلَا كَفَّارَةَ، وَلَكِنْ إثْمُ الْجَرَاءَةِ لَا يُزِيلُهُ إلَّا التَّوْبَةُ أَوْ عَفْوُ اللَّهِ.

نَحْوَ: وَاَللَّهِ إنَّ زَيْدًا لَمُنْطَلِقٌ أَوْ مَرِيضٌ أَوْ مَعْذُورٌ، أَيْ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ فِي ذَلِكَ أَوْ جَازِمٌ بِعَدَمِ ذَلِكَ. (وَ) الثَّانِي (اللَّغْوُ) وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: (بِأَنْ حَلَفَ عَلَى مَا) أَيْ عَلَى شَيْءٍ (يَعْتَقِدُهُ) : أَيْ يَعْتَقِدُ حُصُولَهُ أَوْ عَدَمَ حُصُولِهِ (فَظَهَرَ خِلَافُهُ) فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا لِعُذْرِهِ، قَالَ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] . وَمَحَلُّ عَدَمِ الْكَفَّارَةِ فِيهَا: (إنْ تَعَلَّقَتْ بِغَيْرِ مُسْتَقْبَلٍ) بِأَنْ تَعَلَّقَتْ بِمَاضٍ نَحْوَ: وَاَللَّهِ مَا زَيْدٌ فَعَلَ كَذَا، أَوْ لَقَدْ فَعَلَ كَذَا، مُعْتَقِدًا حُصُولَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ أَوْ بِحَالٍ نَحْوَ: إنَّهُ لَمُنْطَلِقٌ. فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِمُسْتَقْبَلٍ نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فِي غَدٍ - مَعَ الْجَزْمِ بِفِعْلِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ - كُفِّرَتْ. (فَلَا) أَيْ فَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا (كَفَّارَةَ فِي مَاضِيَةٍ) : أَيْ فِي يَمِينٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِمَاضٍ (مُطْلَقًا) غَمُوسًا أَوْ لَغْوًا أَوْ غَيْرَهُمَا لِأَنَّهَا إمَّا صَادِقَةٌ - وَظَاهِرٌ أَنَّهَا لَا كَفَّارَةَ فِيهَا - وَإِمَّا غَمُوسٌ - وَلَا كَفَّارَةَ لَهَا إلَّا الْغَمْسُ فِي جَهَنَّمَ أَوْ التَّوْبَةُ أَوْ عَفْوُ اللَّهِ - وَإِمَّا لَغْوٌ - وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا لِمَا مَرَّ. (عَكْسُ) الْيَمِينِ (الْمُسْتَقْبَلَةِ) : أَيْ الْمُتَعَلِّقَةُ بِمُسْتَقْبَلٍ فَإِنَّهَا تُكَفَّرُ مُطْلَقًا إذَا حَنِثَ غَمُوسًا أَوْ لَغْوًا، وَبَقِيَ التَّفْصِيلُ فِي الْمُتَعَلِّقَةِ بِحَالٍ، فَإِنْ كَانَتْ غَمُوسًا كُفِّرَتْ وَإِلَّا فَلَا. وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ فِي بَيْتٍ مُفْرَدٍ بِقَوْلِهِ: كَفِّرْ غَمُوسًا بِلَا مَاضٍ تَكُونُ كَذَا ... لَغْوًا بِمُسْتَقْبَلٍ لَا غَيْرُ فَامْتَثِلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِمَا مَرَّ] : أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا إنْ تَعَلَّقَتْ بِغَيْرِ مُسْتَقْبَلٍ، وَعَدَمِ الْإِثْمِ لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ. قَوْلُهُ: [بِلَا مَاضٍ] : مُتَعَلِّقٌ بِتَكَوُّنٍ وَهُوَ بِمَعْنَى تُوجَدُ، فَهِيَ تَامَّةٌ، وَقَوْلُهُ: (كَذَا) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَ (لَغْوٌ) مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وَنُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ بِنَصْبِ لَغْوٍ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِكَفَّرَ مَحْذُوفًا، وَفِيهِ كُلْفَةٌ وَالْأَسْهَلُ الْأَوَّلُ، وَبِمُسْتَقْبَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ نَعْتٌ لِلَغْوٍ، وَقَوْلُهُ: لَا غَيْرُ لَا نَافِيَةٌ لِلْجِنْسِ، وَغَيْرُ اسْمُهَا مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ لِحَذْفِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَنِيَّةِ مَعْنَاهُ، وَيَصِحُّ نَصْبُ غَيْرِ عَلَى تَقْدِيرِ نِيَّةِ اللَّفْظِ عَلَى حَدِّ مَا قِيلَ فِي قَبْلُ وَبَعْدُ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَقَوْلُهُ فَامْتَثِلَا الْأَلِفُ بَدَلٌ مِنْ نُونِ التَّوْكِيدِ الْخَفِيَّةِ.

(وَلَا يُفِيدُ) : أَيْ اللَّغْوُ (فِي غَيْرِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ) وَهُوَ التَّعْلِيقُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ، فَمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ مَشْيٍ لِمَكَّةَ: لَقَدْ فَعَلَ زَيْدٌ كَذَا، أَوْ: إنَّ هَذَا الشَّيْءَ لِفُلَانٍ مُعْتَقِدًا ذَلِكَ، فَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ لَمْ يُفِدْهُ اعْتِقَادُهُ وَلَزِمَهُ مَا حَلَفَ بِهِ. (كَالِاسْتِثْنَاءِ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ) : فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ وَلَا يَنْفَعُ فِي غَيْرِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ، فَمَنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَعَبْدِي حُرٌّ، أَوْ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، أَوْ فَعَلَيَّ الْمَشْيُ لِمَكَّةَ، أَوْ صَدَقَةٌ بِدِينَارٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَكَلَّمَهُ لَزِمَهُ مَا ذُكِرَ وَلَا يُفِيدُهُ الِاسْتِثْنَاءُ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ (أَوْ) بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يَشَاءَ) اللَّهُ (أَوْ) إلَّا أَنْ (يُرِيدَ) اللَّهُ (أَوْ) إلَّا أَنْ (يَقْضِيَ) اللَّهُ. وَيُفِيدُ ذَلِكَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ إذَا تَعَلَّقَتْ بِمُسْتَقْبَلٍ نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا أَوْ لَأَفْعَلَنَّهُ، وَمَعْنَى الْإِفَادَةِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ: ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (إنْ قَصَدَهُ) : أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ أَيْ حَلَّ الْيَمِينُ بِلَفْظٍ مِمَّا ذُكِرَ لَا إنْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ بِلَا قَصْدٍ، وَلَا إنْ قَصَدَ بِهِ التَّبَرُّكَ فَلَا يُفِيدُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فِي غَيْرِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ] : أَيْ وَمِثْلُهَا النَّذْرُ الْمُبْهَمُ وَكُلُّ مَا فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَمَحَلُّ عَدَمِ إفَادَتِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مَا لَمْ يُقَيِّدْ فِي يَمِينِهِ، بِأَنْ يَقُولَ: فِي ظَنِّي أَوْ اعْتِقَادِي وَإِلَّا نَفَعَهُ حَتَّى فِي الطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: [وَلَزِمَهُ مَا حَلَفَ بِهِ] : أَيْ مَا لَمْ يُقَيِّدْ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَنْفَعُ فِي غَيْرِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ] : أَيْ غَيْرِ النَّذْرِ الْمُبْهَمِ وَمَا فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَإِفَادَةُ الْمَشِيئَةِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ. حَاصِلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْيَمِينُ غَمُوسًا، وَفَائِدَتُهُ رَفْعُ الْإِثْمِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ، وَتَسْمِيَةُ الْمَشِيئَةِ اسْتِثْنَاءً حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ وَإِنْ كَانَ مَجَازًا فِي الْأَصْلِ، لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ شَرْطٌ لَا اسْتِثْنَاءٌ. قَوْلُهُ: [أَيْ حَلُّ الْيَمِينِ] : وَاخْتَلَفَ هَلْ مَعْنَى حَلِّهَا لِلْيَمِينِ جَعْلُهَا كَالْعَدَمِ أَوْ رَفْعُ الْكَفَّارَةِ؟ وَعَلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ وَكَانَ حَلَفَ وَاسْتَثْنَى فَيَحْنَثُ عَلَى الثَّانِي مَا لَمْ يَقْصِدْ لَمْ أَحْلِفْ يَمِينًا أَحْنَثُ فِيهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا أَوْ يَقْصِدُ لَمْ أَتَلَفَّظْ بِصِيغَةِ يَمِينٍ أَصْلًا فَيَحْنَثُ بِاتِّفَاقٍ، بَلْ يَكُونُ غَمُوسًا.

(وَاتَّصَلَ) الِاسْتِثْنَاءُ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَإِنْ انْفَصَلَ لَمْ يُفِدْهُ وَلَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ (إلَّا لِعَارِضٍ) لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ كَسُعَالٍ أَوْ عُطَاسٍ أَوْ تَثَاؤُبٍ أَوْ انْقِطَاعِ نَفَسٍ لَا لِتَذَكُّرٍ وَرَدِّ سَلَامٍ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يُفِيدُ. (وَنُطْقٍ بِهِ وَإِنْ) سِرًّا (بِحَرَكَةِ لِسَانٍ) لَا إنْ أَجْرَاهُ عَلَى قَلْبِهِ بِلَا نُطْقٍ فَلَا يُفِيدُهُ. وَأَشَارَ لِلشَّرْطِ الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ: (وَحَلَفَ) : أَيْ وَكَانَ حَلِفُهُ الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءَ (فِي غَيْرِ تَوَثُّقٍ بِحَقٍّ) ، فَإِنْ كَانَ فِي تَوَثُّقٍ بِحَقٍّ - كَمَا لَوْ شُرِطَ عَلَيْهِ فِي عَقْدِ نِكَاحٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ دَيْنٍ شُرُوطٌ - كَأَنْ لَا يَضْرِبَهَا فِي عِشْرَةٍ أَوْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا أَوْ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِالثَّمَنِ أَوْ الدَّيْنِ فِي وَقْتِ كَذَا وَطَلَبَ مِنْهُ يَمِينًا عَلَى ذَلِكَ فَحَلَفَ وَاسْتَثْنَى - لَمْ يُفِدْهُ، لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْمُحَلِّفِ لَا الْحَالِفِ. (بِخِلَافِهِ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (بِإِلَّا وَنَحْوِهَا) أَيْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا: وَهِيَ غَيْرُ وَسِوَى وَسَوَاءٌ وَلَيْسَ وَلَا يَكُونُ وَمَا عَدَا وَحَاشَا (فَيُفِيدُ فِي الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ الْأَيْمَانِ كَانَتْ بِاَللَّهِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ، نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَا آكُلُ سَمْنًا إلَّا فِي الشِّتَاءِ وَإِنْ أَكَلْته فَهُنَّ طَوَالِقُ أَوْ أَحْرَارٌ إلَّا فُلَانَةَ وَإنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ إلَّا أَنْ يُكَلِّمَنِي ابْتِدَاءً، أَوْ فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ مَا عَدَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِنْ سِرًّا] : أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُ نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْمُحَلِّفِ] : أَيْ وَلَوْ لَمْ يَسْتَحْلِفْهُ وَهَذَا أَقْرَبُ الْأَقْوَالِ خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ مِنْ اشْتِرَاطِ الِاسْتِحْلَافِ. وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ يَنْفَعُ بِشُرُوطِهِ، وَلَوْ بِتَذْكِيرِ غَيْرِهِ كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا، يَقُولُ شَخْصٌ لِلْحَالِفِ: قُلْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ فَيُوصَلُ النُّطْقُ بِهَا عَقِبَ فَرَاغِهِ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ فَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَمَا عَدَا وَحَاشَا] : أَيْ وَمَا فِي مَعْنَى تِلْكَ الْأَدَوَاتِ مِنْ شَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ غَايَةٍ قَوْلُهُ: [أَيْ جَمِيعِ الْأَيْمَانِ] : أَيْ وَجَمِيعِ مُتَعَلِّقَاتِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ مُسْتَقْبَلَةٌ أَوْ مَاضِيَةٌ كَانَتْ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً أَوْ غَمُوسًا، كَمَنْ حَلَفَ أَنْ يَشْرَبَ الْبَحْرَ ثُمَّ اسْتَثْنَى بِقَوْلِهِ: إلَّا أَكْثَرَهُ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ.

زَيْدًا، أَوْ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِكَذَا عَلَى فُقَرَاءِ بَنِي فُلَانٍ غَيْرِ زَيْدٍ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ الْقَصْدِ، وَمَا بَعْدَهُ. وَشَبَّهَ فِي مُطْلَقِ الْإِفَادَةِ قَوْلَهُ: (كَعَزْلِ) أَيْ إخْرَاجٍ (الزَّوْجَةِ) فِي نِيَّتِهِ (أَوَّلًا) قَبْلَ تَمَامِ النُّطْقِ بِالْيَمِينِ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إلَى اسْتِثْنَاءٍ (فِي) يَمِينِهِ بِقَوْلِهِ: (الْحَلَالُ أَوْ: كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ) إنْ فَعَلْتُ كَذَا وَفَعَلَهُ (فَلَا شَيْءَ) عَلَيْهِ (فِيهَا) : أَيْ فِي الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهَا عَنْ يَمِينِهِ فِي قَصْدِهِ ابْتِدَاءً، وَمَا قَصَدَ إلَّا غَيْرُهَا. (كَغَيْرِهَا) : أَيْ الزَّوْجَةِ؛ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ وَهُوَ حَلَالٌ لَهُ، لِأَنَّ مَنْ حَرَّمَ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ فِي غَيْرِ الزَّوْجَةِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: " أَوَّلًا " عَمَّا طَرَأَتْ نِيَّةُ عَزْلِهَا بَعْدَ النُّطْقِ فَلَا يُفِيدُ إلَّا الِاسْتِثْنَاءُ بِالنُّطْقِ بِشُرُوطِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [غَيْرَ زَيْدٍ] : وَمِثْلُهُ سِوَى وَسَوَاءٌ وَلَيْسَ وَلَا يَكُونُ وَمَا عَدَا وَحَاشَا، وَمِثَالُ الشَّرْطِ أَنْ يَقُولَ الشَّخْصُ فِي حَلِفِهِ: لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا إنْ لَمْ يَأْتِنِي مَثَلًا، وَمِثَالُ الصِّفَةِ: لَا أُكَلِّمُهُ وَهُوَ رَاكِبٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّفَةِ مَا يَشْمَلُ الْحَالَ، وَمِثَالُ الْغَايَةِ: لَا أُكَلِّمُهُ حَتَّى يَأْتِيَ الْوَقْتُ الْفُلَانِيُّ مَثَلًا. قَوْلُهُ: [حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إلَى اسْتِثْنَاءٍ] : أَيْ إلَى النُّطْقِ بِهِ بَلْ تَكْفِيهِ النِّيَّةُ وَلَوْ عِنْدَ الْقَاضِي كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا] : أَيْ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ، بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ إخْرَاجٌ لِمَا دَخَلَ فِي الْيَمِينِ أَوَّلًا، فَهُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ، وَالْعَامِّ الْمَخْصُوصِ - كَمَا قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ - أَنَّ الْأَوَّلَ عُمُومُهُ لَمْ يَكُنْ مُرَادًا تَنَاوُلًا وَلَا حُكْمًا، بَلْ هُوَ كُلِّيٌّ اُسْتُعْمِلَ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَلِهَذَا كَانَ مَجَازًا قَطْعًا فَصُورَةُ الْمُحَاشَاةِ مِنْ ذَلِكَ، وَالثَّانِي عُمُومُهُ مُرَادٌ تَنَاوُلًا حُكْمًا لِقَرِينَةِ التَّخْصِيصِ بِأَدَوَاتِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَالْقَوْمُ مِنْ قَوْلِك: قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ حَتَّى زَيْدٍ، وَالْحُكْمُ بِالْقِيَامِ مُتَعَلِّقٌ بِمَا عَدَا زَيْدًا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [كَغَيْرِهَا] : أَيْ وَلَوْ أَمَةً مَا لَمْ يَقْصِدْ بِالتَّحْرِيمِ عِتْقَهَا.

[اليمين المنعقدة]

الْمُتَقَدِّمَةِ، (وَهِيَ) - أَيْ مَسْأَلَةُ عَزْلِ الزَّوْجَةِ ابْتِدَاءً - (الْمُحَاشَاةُ) : أَيْ الْمُسَمَّاةُ بِمَسْأَلَةِ الْمُحَاشَاةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِمُحَاشَاةِ الزَّوْجَةِ فِيهَا أَوَّلًا وَإِيقَاعُ الْيَمِينِ عَلَى مَا سِوَاهَا، وَيَصْدُقُ فِي دَعْوَاهُ حَتَّى فِي الْقَضَاءِ. (وَالْمُنْعَقِدَةُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ: " فِيهَا الْكَفَّارَةُ ": أَيْ أَنَّ الْيَمِينَ الْمُنْعَقِدَةَ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ انْعَقَدَتْ (عَلَى بِرٍّ) : وَهِيَ مَا دَخَلَ فِيهَا حَرْفُ النَّفْيِ (كَ: لَا فَعَلْت) بِمَعْنَى: لَا أَفْعَلُ - لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِمَاضٍ - (أَوْ:) وَاَللَّهِ (لَا أَفْعَلُ) كَذَا، (أَوْ:) وَاَللَّهِ (إنْ فَعَلْت) كَذَا أَيْ مَا أَفْعَلُهُ؛ فَ " إنْ " نَافِيَةٌ بِمَعْنَى مَا، وَسُمِّيَتْ يَمِينُ بِرٍّ: لِأَنَّ الْحَالِفَ بِهَا عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ حَتَّى يَحْنَثَ. (أَوْ) انْعَقَدَتْ عَلَى (حِنْثٍ) وَلَهَا صِيغَتَانِ مِثْلُهُمَا بِقَوْلِهِ: (كَ: لَأَفْعَلَنَّ) كَذَا (أَوْ) وَاَللَّهِ (إنْ لَمْ أَفْعَلْ) كَذَا مَا فَعَلْت كَذَا؛ نَحْوَ: إنْ لَمْ أَدْخُلْ دَارَك مَا أَكَلْت لَك خُبْزًا. وَسُمِّيَتْ يَمِينُ حِنْثٍ: لِأَنَّ الْحَالِفَ بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الْمُحَاشَاةُ] : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُحَاشَاةَ خَاصَّةٌ بِمَسْأَلَةِ الْحَلَالِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَبِهِ قَالَ (ر) وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِإِطْلَاقِهِمْ فِي أَنَّ النِّيَّةَ الْمُخَصَّصَةَ لَا تُقْبَلُ مَعَ الْمُرَافَعَةِ، وَقَالُوا فِي الْحَلَالِ عَلَيَّ الْحَرَامُ تُقْبَلُ الْمُحَاشَاةُ وَلَوْ فِي الْمُرَافَعَةِ. قَوْلُهُ: [وَيَصْدُقُ فِي دَعْوَاهُ] إلَخْ: وَهَلْ يَحْلِفُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْعَزْلِ أَوْ لَا يَحْلِفُ وَيَصْدُقُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ الْعَزْلَ قَوْلَانِ قَوْلُهُ: [وَهِيَ مَا دَخَلَ فِيهِ حَرْفُ النَّفْيِ] : أَيْ وَلَمْ يُنْتَقَضْ وَإِلَّا كَانَتْ حِنْثًا. [الْيَمِين الْمُنْعَقِدَة] قَوْلُهُ: [حَتَّى يَحْنَثَ] : وَحِنْثُهُ فِيهَا بِالْفِعْلِ بِخِلَافِ صِيغَةِ الْحِنْثِ فَحِنْثُهُ فِيهَا بِالتَّرْكِ. قَوْلُهُ: [أَوْ وَاَللَّهِ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا] إلَخْ: ظَاهِرُهُ أَنَّ إنْ شَرْطِيَّةٌ بِدَلِيلِ ذِكْرِ الْجَوَابِ لَهَا وَلَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إنْ نَافِيَةً وَلَا يُذْكَرُ لَهَا جَوَابٌ وَهُوَ الْأَوْلَى لِبُعْدِهِ عَنْ التَّكَلُّفِ نَحْوَ: وَاَللَّهِ إنْ لَمْ أُكَلِّمْ زَيْدًا، وَمَعْنَاهَا حِينَئِذٍ: لَا كَلَّمْته، لِأَنَّ إنْ نَافِيَةٌ وَلَمْ نَافِيَةٌ وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، فَسَاوَتْ الصِّيغَةَ الَّتِي قَبْلَهَا وَالْفِعْلُ فِي الصِّيغَتَيْنِ مُسْتَقْبَلٌ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبِلَاتِ وَالْإِنْشَاءُ يَصْرِفُ الْمَاضِيَ لِلِاسْتِقْبَالِ. قَوْلُهُ: [نَحْوَ إنْ لَمْ أَدْخُلْ دَارَك مَا أَكَلْت لَك خُبْزًا] : هَذَا الْمِثَالُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ

عَلَى حِنْثٍ حَتَّى يَفْعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ. (فِيهَا الْكَفَّارَةُ) بِالْحِنْثِ. وَشَبَّهَ فِي الْمُنْعَقِدَةِ أُمُورًا ثَلَاثَةً يَجِبُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ بِقَوْلِهِ: (كَالنَّذْرِ الْمُبْهَمِ) أَيْ الَّذِي لَمْ يُسَمِّ لَهُ مَخْرَجًا: (كَ: عَلَيَّ نَذْرٌ) أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ (أَوْ: إنْ فَعَلْت كَذَا) ، أَوْ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ نَذْرٌ، أَوْ فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ؛ فَأَمْثِلَتُهُ أَرْبَعَةٌ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَسَيَأْتِي أَنَّ مَا سَمَّى لَهُ مَخْرَجًا نَحْو: عَلَيَّ نَذْرُ دِينَارٍ، لَزِمَهُ مَا سَمَّاهُ. (أَوْ الْيَمِينِ) : أَيْ وَكَالْيَمِينِ، أَيْ: فِي الْتِزَامِهِ وَنَذْرِهِ كَفَّارَةٌ، (وَالْكَفَّارَةُ) : أَيْ فِي الْتِزَامِهَا وَنَذْرِهَا كَفَّارَةٌ؛ وَمَثَّلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ: (كَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ) أَوْ: فَلِلَّهِ عَلَيَّ (يَمِينٌ) ثُمَّ فَعَلَهُ فَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، (أَوْ) إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ أَوْ فَلِلَّهِ عَلَيَّ (كَفَّارَةٌ) ، ثُمَّ فَعَلَهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَهَذَا تَعْلِيقٌ فِيهِمَا. وَمَثَّلَ لِمَا لَا تَعْلِيقَ فِيهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ) يَقُولَ: (لِلَّهِ عَلَيَّ) يَمِينٌ فَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ كَفَّارَةٌ فَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ أَوْ قَالَ: عَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ: عَلَيَّ كَفَّارَةٌ بِقَصْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ عَلَى بِرٍّ. قَوْلُهُ: [فِيهَا الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ] : هُوَ بِالْفِعْلِ فِي صِيغَةِ الْبِرِّ وَالْعَزْمِ عَلَى الضِّدِّ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ إنْ لَمْ يَضْرِبْ لِيَمِينِهِ أَجَلًا، فَإِنْ أَجَّلَ نَحْوَ: لَأَفْعَلَن كَذَا فِي هَذَا الشَّهْرِ، أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْهُ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَهُوَ عَلَى بِرٍّ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ، وَلَا مَانِعَ مِنْ الْفِعْلِ، أَوْ هُنَاكَ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ أَوْ عَادِيٌّ لَا عَقْلِيٌّ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [فَأَمْثِلَتُهُ أَرْبَعَةٌ] : أَيْ وَهِيَ إمَّا مُعَلَّقٌ أَوْ لَا، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ أَوْ لَا، وَإِذَا نَظَرْت لِكَوْنِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فِعْلُهُ أَوْ فِعْلُ غَيْرِهِ تَكُونُ سِتَّةً، وَهَذِهِ الصُّوَرُ بِعَيْنِهَا تَجْرِي فِي الْيَمِينِ وَالْكَفَّارَةِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [وَالْيَمِينُ] إلَخْ: مَحَلُّ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ فِي إلْزَامِ الْيَمِينِ مَا لَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ فِي الْيَمِينِ الطَّلَاقَ وَإِلَّا لَزِمَهُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ كَمَا فِي بْنِ عَنْ الْوَنْشَرِيسِيِّ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِعُرْفِ الْبُلْدَانِ الَّذِينَ تَعَارَفُوهُ فِي الطَّلَاقِ، فَإِنْ كَانَ عُرْفُهُمْ الْبَتَاتَ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ، وَإِنْ كَانَ عُرْفُهُمْ اسْتِعْمَالَهُ فِي الطَّلَاقِ فَقَطْ حُمِلَ

[أنواع الكفارة]

الْإِنْشَاءِ لَا الْإِخْبَارِ، وَحَذَفَ لَفْظَ لِلَّهِ فَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. فَأَمْثِلَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا أَرْبَعَةٌ كَالنَّذْرِ الْمُبْهَمِ. (وَهِيَ) أَيْ الْكَفَّارَةُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ عَلَى التَّخْيِيرِ وَالرَّابِعُ عَلَى التَّرْتِيبِ، أَيْ لَا يَجْزِي إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْأَوَّلِ. النَّوْعُ الْأَوَّلُ: (إطْعَامُ) أَيْ تَمْلِيكُ (عَشْرَةِ مَسَاكِينَ) ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْفَقِيرَ. (أَحْرَارٍ) فَلَا تَصِحُّ لِرَقِيقٍ. (مُسْلِمِينَ) ، فَلَا تَصِحُّ لِكَافِرٍ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ الْفَقِيرُ فِي نَفَقَتِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ هَاشِمِيٍّ، بَلْ تَصِحُّ لِلْهَاشِمِيِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الرَّجْعِيِّ. وَعُرْفُ مِصْرَ إذَا قَالَ يَمِينَ سَفَهٍ كَانَ طَلَاقًا فَلَوْ جَمَعَ الْأَيْمَانَ كَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَيْمَانٌ تَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ، وَفِي الْمَوَّاقِ نَقْلًا عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَقَوْلٌ بِاتِّحَادِهَا كَتَكَرُّرِ صِيغَةِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: عَلَيَّ أَيْمَانٌ يَمِينًا وَاحِدَةً لَمْ يُقْبَلْ لِأَنَّ الْجَمْعَ نَصٌّ، وَإِنْ أَرَادَ اثْنَتَيْنِ فَتَرَدَّدَ بِاعْتِبَارِ أَقَلِّ الْجَمْعِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [لَا الْإِخْبَارُ] : أَيْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَسَائِلِ التَّعْلِيقِ، وَأَمَّا مَسَائِلُ التَّعْلِيقِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا دَعْوَى الْإِخْبَارِ. [أَنْوَاع الْكَفَّارَة] [أولامن كَفَّارَة الْيَمِين الْإِطْعَام] قَوْلُهُ: [الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ عَلَى التَّخْيِيرِ] إلَخْ: أَيْ كَمَا أَفَادَهُ الْأُجْهُورِيُّ فِي نَظْمِهِ بِقَوْلِهِ: وَفِي حَلِفٍ بِاَللَّهِ خُيِّرَ وَرُتِّبْنَ إلَخْ أَيْ خُيِّرَ ابْتِدَاءً فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَرُتِّبَ انْتِهَاءً أَيْ فِي الرَّابِعِ الَّذِي هُوَ الصِّيَامُ فَلَا يَكْفِي إلَّا بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ. قَوْلُهُ: [أَيْ تَمْلِيكُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ] : أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمْ مِنْ مَحَلِّ الْحِنْثِ، وَقَدْ نَظَرَ فِي ذَلِكَ الْأُجْهُورِيُّ. قَوْلُهُ: [أَنْ لَا يَكُونَ الْفَقِيرُ فِي نَفَقَتِهِ] : أَيْ مِمَّنْ تَلْزَمُ الْمُخْرِجَ نَفَقَتُهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ مِنْهَا لِزَوْجَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ أَبَوَيْهِ الْفُقَرَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَدْفَعَ الزَّوْجَةُ مِنْهَا لِزَوْجِهَا وَأَوْلَادِهَا الْفُقَرَاءِ. قَوْلُهُ: [بَلْ تَصِحُّ لِلْهَاشِمِيِّ] : أَيْ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ أَوْسَاخًا، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ

(مِنْ أَوْسَطِ طَعَامِ الْأَهْلِ) أَيْ غَالِبَهُ لَا مِنْ الْأَدْنَى وَلَا الْأَعْلَى وَإِنْ انْفَرَدَ هُوَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ أَخْرَجَ الْأَدْنَى لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ أَخْرَجَ الْأَعْلَى أَجْزَأَ. (لِكُلٍّ) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَشَرَةِ (مُدٌّ) بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أَقَلَّ كَمَا يَأْتِي. (وَنُدِبَ بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ) الْمُنَوَّرَةِ (زِيَادَةٌ) عَلَى الْمُدِّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ (بِالِاجْتِهَادِ) أَيْ فَلَا يُحَدُّ نَدْبُ الزِّيَادَةِ بِحَدٍّ، وَقِيلَ: يُحَدُّ بِثُلُثِ مُدٍّ، وَقِيلَ: بِنِصْفِهِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّيْخِ عَلَيْهِ بِحَمْلِ " أَوْ " عَلَى التَّخْيِيرِ، وَالْكَلَامُ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ التَّحْدِيدِ، كَأَنَّهُ قَالَ: زِيَادَةُ ثُلُثِهِ أَوْ نِصْفِهِ لَا تَحْدِيدَ عَلَيْك، فَيُصَدَّقُ بِالْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ. (أَوْ) لِكُلٍّ (رِطْلَانِ خُبْزًا) مِنْ الْأَوْسَطِ بِالْبَغْدَادِيِّ؛ وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهَا أَوْسَاخُ الْأَمْوَالِ وَالْأَبْدَانِ هَكَذَا قِيلَ. قَوْلُهُ: [مِنْ أَوْسَطِ طَعَامِ الْأَهْلِ] إلَخْ: فَمَا يُجْزِئُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ يُجْزِئُ هُنَا. قَوْلُهُ: [فَإِنْ أَخْرَجَ الْأَدْنَى لَمْ يُجِزْهُ] : ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ اقْتِيَاتُهُ لِفَقْرٍ مَعَ أَنَّهُ يُجْزِئُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ إذَا اقْتَاتَهُ لِفَقْرٍ وَانْظُرْ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: [مِنْ الْعَشَرَةِ مُدٌّ] : ظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ الْمُدِّ فِي أَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُخْرَجَاتِ وَهِيَ طَرِيقَةٌ لِبَعْضِهِمْ، وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْمُدَّ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا أُخْرِجَ مِنْ الْبِرِّ، وَأَمَّا مِنْ غَيْرِهِ فَيُخْرِجُ وَسَطَ الشِّبَعِ مِنْهُ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ: أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ هِيَ الْمَذْهَبُ. بَقِيَ لَوْ انْتَهَبَ الْعَشَرَةُ مَسَاكِينَ الْعَشَرَةَ الْأَمْدَادَ فَيُقَالُ: إنْ عَلِمَ مَا أَخَذَ كُلٌّ فَظَاهِرٌ وَإِلَّا فَلَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ. قَوْلُهُ: [بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ] : أَيْ وَأَمَّا أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَلَا تَنْدُبُ لَهُمْ الزِّيَادَةُ قِيلَ لِقِلَّةِ الْأَقْوَاتِ فِيهَا، وَقِيلَ لِقَنَاعَةِ أَهْلِهَا وَغَيْرِ الْمَدِينَةِ شَامِلٌ لِمَكَّةَ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ، لِأَنَّهُمْ لَا يَبْلُغُونَ الْمَدِينَةَ فِي الْقَنْعِ وَالْقِلَّةِ. قَوْلُهُ: [وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ] : أَيْ لِأَنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْقَائِلُ بِالثُّلُثِ أَشْهَبُ وَبِالنِّصْفِ ابْنُ وَهْبٍ. قَوْلُهُ: [وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّيْخِ عَلَيْهِ] : أَيْ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الِاجْتِهَادُ فِي الزِّيَادَةِ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ حِكَايَةَ قَوْلِ أَشْهَبَ وَلَا ابْنِ وَهْبٍ.

[ثانيا من كفارة اليمين الكسوة]

رَطْلِ مِصْرَ بِيَسِيرٍ. (وَنُدِبَ) أَنْ يَكُونَا (بِإِدَامٍ) مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ لَحْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. (وَأَجْزَأَ) عَنْ إخْرَاجِ الْعَشَرَةِ الْأَمْدَادِ (شِبَعُهُمْ) أَيْ الْعَشْرُ مَسَاكِينَ (مَرَّتَيْنِ كَغَدَاءٍ وَعَشَاءٍ) فِي يَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ كَغَدَاءَيْنِ أَوْ عَشَاءَيْنِ مُجْتَمِعَيْنِ أَوْ مُتَفَرِّقَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْأَكْلِ أَوْ مُتَفَاوِتَيْنِ، وَالْمُرَادُ الشِّبَعُ الْوَسَطُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، (وَلَوْ) كَانُوا (أَطْفَالًا اسْتَغْنَوْا) بِالطَّعَامِ (عَنْ اللَّبَنِ) فَلَا يَكْفِي إشْبَاعُهُمْ مَرَّتَيْنِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْمُدِّ كَامِلًا أَوْ مِنْ الرَّطْلَيْنِ وَهَذِهِ الْمُبَالَغَةُ رَاجِعَةٌ لِمَا قِيلَ، وَأَجْزَأَ فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهَا عَلَيْهِ. وَأَشَارَ لِلنَّوْعِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: (أَوْ كِسْوَتُهُمْ) أَيْ الْعَشَرَةِ مَسَاكِينَ (لِلرَّجُلِ ثَوْبٌ) يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ إلَى كَعْبِهِ أَوْ قَرِيبٍ مِنْهُ لَا إزَارَ وَعِمَامَةَ (وَلِلْمَرْأَةِ دِرْعٌ سَابِغٌ وَخِمَارٌ) . (وَلَوْ) كَسَاهُمْ (مِنْ غَيْرِ وَسَطِ) كِسْوَةِ (أَهْلِهِ) أَيْ أَهْلِ مَحَلِّهِ، فَإِنَّهُ كَافٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا السَّتْرُ لَا الزِّينَةُ، وَيُعْطِي الصَّغِيرَ كِسْوَةَ كَبِيرٍ وَلَا يَكْفِي مَا يَسْتُرُهُ خَاصَّةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَأَشَارَ لِلنَّوْعِ الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ سَلِيمَةٍ) مِنْ الْعُيُوبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مُتَسَاوِينَ فِي الْأُكُلِ] إلَخْ: وَاشْتِرَاطُ التُّونُسِيِّ تَقَارُبِهِمْ فِي الْأُكُلِ لَا تَسَاوِيهِمْ فِيهِ، خِلَافًا لِمَا فِي (عب) . قَوْلُهُ: [فَلَا يَكْفِي إشْبَاعُهُمْ مَرَّتَيْنِ] : أَيْ لِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَلَا يُجْزِئُ أَنْ يُغَدِّيَ الصِّغَارَ وَيُعَشِّيَهُمْ، وَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ يُعْطِي الرَّضِيعَ فِي الْكَفَّارَةِ إذَا كَانَ قَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ بِقَدْرِ مَا يُعْطِيَ الْكَبِيرَ (اهـ) وَالْقَوْلُ الثَّانِي مُقَابِلُ الْمُدَوَّنَةِ حَكَاهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ يُعْطِي مَا يَكْفِيهِ خَاصَّةً إنْ اسْتَغْنَى عَنْ الطَّعَامِ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَنْكَرَهُ. [ثَانِيًا مِنْ كَفَّارَة الْيَمِين الْكِسْوَة] قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَسَاهُمْ مِنْ غَيْرِ وَسَطِ] إلَخْ: أَيْ وَلِأَنَّ الْآيَةَ لَمْ تُضِفْ الْوَسَطَ إلَّا لِلطَّعَامِ فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا السَّتْرُ] : أَيْ وَلَوْ عَتِيقًا لَا جِدًّا. قَوْلُهُ: [عَلَى الْمُعْتَمَدِ] : أَيْ فَلِذَلِكَ عَزَاهُ فِي التَّوْضِيحِ لِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُحَمَّدٍ، وَمُقَابِلُ الْمُعْتَمَدِ يُعْطِي ثَوْبًا بِقَدْرِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ.

[رابعا من كفارة اليمين الصيام]

(كَالظِّهَارِ) فَلَا يُجْزِئُ مَقْطُوعُ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ أُصْبُعٍ أَوْ أَعْمَى أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ أَبْكَمُ أَوْ أَصَمُّ إلَى آخِرِ مَا سَيَأْتِي هُنَاكَ. [رَابِعًا مِنْ كَفَّارَة الْيَمِين الصِّيَام] وَأَشَارَ لِلنَّوْعِ الرَّابِع - الَّذِي لَا يُجْزِئُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الثَّلَاثَةِ الَّتِي عَلَى التَّخْيِيرِ وَلِذَا أَتَى فِيهِ بِ " ثُمَّ " الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّرْتِيبِ - بِقَوْلِهِ: (ثُمَّ) إذَا عَجَزَ وَقْتَ الْإِخْرَاجِ عَنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ، بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ لَزِمَهُ (صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) . وَنُدِبَ تَتَابُعُهَا. وَجَازَ تَفْرِيقُهَا. وَمَنْ وَجَدَ طَعَامًا قَبْلَ تَمَامِهَا رَجَعَ لِلْإِطْعَامِ، وَمَنْ وَجَدَ مُسَلِّفًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَفَاءِ فَلَيْسَ بِعَاجِزٍ. (وَلَا يُجْزِئُ) فِيهَا (تَلْفِيقٌ مِنْ نَوْعَيْنِ) كَإِطْعَامِ خَمْسَةٍ وَكِسْوَةِ خَمْسَةٍ، وَأَمَّا مِنْ صِنْفَيْ نَوْعٍ فَيُجْزِئُ؛ كَخَمْسَةِ أَمْدَادٍ لِخَمْسَةِ مَسَاكِينَ، وَرَطْلَيْنِ لِكُلٍّ مِنْ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ أَوْ يُشْبِعُهُمْ مَرَّتَيْنِ. (وَلَا) يُجْزِئُ (نَاقِصَةٌ) عَنْ الْمُدِّ لِلْمَسَاكِينِ، وَإِنْ كَانَتْ كَامِلَةً فِي نَفْسِهَا (كَعِشْرِينَ) مِسْكِينًا (لِكُلٍّ) مِنْهُمْ (نِصْفٌ) مِنْ الْأَمْدَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [ثَالِثًا مِنْ كَفَّارَة الْيَمِين الْعِتْق] قَوْلُهُ: [وَقْتَ الْإِخْرَاجِ] : أَيْ فَالْعِبْرَةُ بِالْعَجْزِ وَقْتَهُ لَا وَقْتَ الْيَمِينِ وَلَا وَقْتَ الْحِنْثِ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ تَفْرِيقُهَا] : أَيْ أَجْزَأَ تَفْرِيقُهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ وَهَذَا لَا يُنَافِي وُجُوبَ الْفَوْرِيَّةِ فِي أَصْلِ الْكَفَّارَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ. وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ الْأَرْبَعَةُ فِي حَقِّ الْحُرِّ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَكَفَّارَتُهُ بِالصِّيَامِ مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْإِطْعَامِ أَوْ الْكِسْوَةِ وَلَا يُجْزِئُهُ الْعِتْقُ بِوَجْهٍ. قَوْلُهُ: [وَمَنْ وَجَدَ طَعَامًا] : أَيْ أَوْ كِسْوَةً أَوْ عِتْقًا، وَظَاهِرُهُ وُجُوبُ الرُّجُوعِ وَلَوْ كَانَ الِاسْتِغْنَاءُ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْهَا. [مَالًا يُجْزِئ فِي كَفَّارَة الْيَمِين] قَوْلُهُ: [كَإِطْعَامِ خَمْسَةٍ] إلَخْ: أَيْ فَلَا تُجْزِئُ مِنْ حَيْثُ التَّلْفِيقُ وَإِنْ صَحَّ التَّكْمِيلُ عَلَى أَحَدِهِمَا كَمَا يَأْتِي، وَمَحَلُّ هَذَا كُلِّهِ إذَا كَانَتْ كَفَّارَةً وَاحِدَةً. وَأَمَّا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ مَثَلًا فَأَطْعَمَ عَشَرَةً، وَكَسَا عَشَرَةً، وَأَعْتَقَ رَقَبَةً، وَقَصَدَ كُلَّ نَوْعٍ مِنْهَا عَنْ وَاحِدَةٍ فَيُجْزِئُ، سَوَاءٌ عَيَّنَ لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةً أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ. وَالْمُضِرُّ التَّشْرِيكُ بِأَنْ يَجْعَلَ الْعِتْقَ وَالْإِطْعَامَ وَالْكِسْوَةَ عَنْ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا مِنْ صِنْفَيْ نَوْعٍ فَيُجْزِئُ] : أَيْ فِي الطَّعَامِ خَاصَّةً، لِأَنَّ غَيْرَ الطَّعَامِ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ أَصْنَافٌ.

(وَلَا) يُجْزِئُ (تَكْرَارٌ) مِنْ أَمْدَادِ الطَّعَامِ أَوْ مِنْ الْكِسْوَةِ (كَخَمْسَةٍ لِكُلٍّ) مِنْهُمْ (مُدَّانِ) أَوْ كِسْوَتَانِ وَلَوْ فِي أَزْمِنَةٍ مُتَبَاعِدَةٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ غَيْرَ نَفْسِهِ أَمْسِ أَيْ بِاعْتِبَارِ وَصْفِهِ بِالْفَقْرِ. (إلَّا أَنْ يُكْمِلَ) فِي التَّلْفِيقِ مِنْ نَوْعَيْنِ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَاغِيًا لِلْآخَرِ، وَفِي النَّاقِصَةِ لِعَشَرَةٍ مِنْ الْعِشْرِينَ لَاغِيًا لِمَا أَخَذَتْهُ الْعَشَرَةُ الْبَاقِيَةُ. وَفِي التَّكْرَارِ لِخَمْسَةٍ بِإِعْطَاءِ خَمْسَةٍ أُخْرَى تَارِكًا لِلْخَمْسَةِ الْأُولَى مَا زَادَ (وَلَهُ نَزْعُ مَا زَادَ) بَعْدَ التَّكْمِيلِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ؛ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْخَمْسَةِ الْأُخْرَى مَا مَعَهَا فِي التَّلْفِيقِ، وَمِنْ الْعَشَرَةِ الْبَاقِيَةِ مَا مَعَهَا فِي النَّقْصِ، وَمِنْ الْخَمْسَةِ الْأُولَى الْمُدُّ الزَّائِدُ بِشَرْطَيْنِ أَفَادَهُمَا بِقَوْلِهِ: (إنْ بَقِيَ) هَذَا الزَّائِدُ بِيَدِ الْفَقِيرِ (وَبَيَّنَ) لَهُ حِينَ الْإِعْطَاءِ أَنَّهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ بِأَنْ تَصَرَّفَ الْفَقِيرُ فِيهِ بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ كَانَ بَاقِيًا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ أَنَّهُ كَفَّارَةٌ فَلَيْسَ لَهُ نَزْعُهُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (بِالْقُرْعَةِ) خَاصٌّ بِمَسْأَلَةِ النَّقْصِ؛ إذْ النَّزْعُ مِنْ عَشَرَةٍ لَيْسَ بِالْأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ التَّكْرَارِ فَمَحَلُّ النَّزْعِ فِيهَا مُتَعَيَّنٌ. وَمَسْأَلَةُ التَّلْفِيقِ الْأَمْرُ فِيهَا مَوْكُولٌ لِاخْتِيَارِهِ، فَإِذَا اخْتَارَ تَكْمِيلَ الْإِطْعَامِ كَانَ لَهُ نَزْعُ الْكِسْوَةِ، وَأَمَّا الْعِتْقُ لَوْ لُفِّقَ بِهِ فَلَا رَدَّ فِيهِ بِحَالٍ، بَلْ إمَّا أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً أُخْرَى - وَلَهُ نَزْعُ الْإِطْعَامِ مَثَلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا يُجْزِئُ تَكْرَارٌ] : أَيْ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ غَيْرَ أَبِي حَنِيفَةَ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ غَيْرَ نَفْسِهِ أَمْسِ] : أَيْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا عِنْدَهُ سَدُّ الْخُلَّةِ لَا مَحَلِّهَا، فَمَتَى سَدَّ عَشَرَ خُلَّاتٍ وَلَوْ فِي وَاحِدٍ فَقَدْ أَتَى بِالْمَطْلُوبِ. قَوْلُهُ: [إنْ بَقِيَ هَذَا الزَّائِدُ] إلَخْ: اشْتِرَاطُ الْبَقَاءِ فِي النَّزْعِ، وَأَمَّا فِي التَّكْمِيلِ فَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْمَدْفُوعِ أَوَّلًا، وَاشْتَرَطَ الْبَيَانَ فِي النَّزْعِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ كَانَ مُتَبَرِّعًا. قَوْلُهُ: [بَلْ إمَّا أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً أُخْرَى] : أَيْ وَلَا يُجْزِئُهُ تَكْمِيلُ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ شَرْطَهَا أَنْ تَكُونَ كَامِلَةً مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ، فَالتَّجَزُّؤُ، يُفْسِدُ كَوْنَهَا كَفَّارَةً، وَإِنْ كَانَ الْعِتْقُ لَازِمًا لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ. قَوْلُهُ: [وَلَهُ نَزْعُ الْإِطْعَامِ مَثَلًا] : أَيْ إنْ كَانَ مُلَفَّقًا مِنْ الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ، أَوْ

[ما تجب به كفارة اليمين وتكرارها]

بِالشَّرْطَيْنِ - أَوْ يُكْمِلَ الْإِطْعَامَ، وَلَا رَدَّ فِي الْعِتْقِ. (وَتَجِبُ) الْكَفَّارَةُ عَلَى الْحَالِفِ: أَيْ تَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ (بِالْحِنْثِ) وَهُوَ فِي صِيغَةِ الْبِرِّ بِفِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ، وَفِي الْحِنْثِ بِالتَّرْكِ. (وَتُجْزِئُ قَبْلَهُ) : أَيْ الْحِنْثِ إذَا قَصَدَهُ (إلَّا أَنْ يُكْرَهَ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْحِنْثِ (فِي) صِيغَةِ (الْبِرِّ) نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا، أَوْ: لَا أَفْعَلُهُ فِي هَذَا الشَّهْرِ مَثَلًا، فَأُكْرِهَ عَلَى الْفِعْلِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ طَائِعًا بَعْدَ الْإِكْرَاهِ، بِخِلَافِ الْحِنْثِ نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، فَمُنِعَ مِنْ فِعْلِهِ كُرْهًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ يَمِينَهُ وَقَعَتْ عَلَى حِنْثٍ فَأَوْلَى إنْ تَرَكَ طَائِعًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُقَالُ لَهُ نَزْعُ الْكِسْوَةِ إنْ كَانَ مُلَفَّقًا مِنْ الْعِتْقِ وَالْكِسْوَةِ. [مَا تجب بِهِ كَفَّارَة الْيَمِين وَتَكْرَارهَا] قَوْلُهُ: [وَتُجْزِئُ قَبْلَهُ] إلَخْ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ حَلِفُهُ بِالْيَمِينِ أَوْ بِالنَّذْرِ الْمُبْهَمِ أَوْ بِالْكَفَّارَةِ كَانَتْ الصِّيغَةُ صِيغَةَ بِرٍّ أَوْ حِنْثٍ. قَالَ الْخَرَشِيُّ: وَهَذَا فِي غَيْرِ يَمِينِ الْحِنْثِ الْمُؤَجَّلِ، أَمَّا هُوَ فَلَا يُكَفِّرُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الْحِنْثَ الْمُقَيَّدَ بِأَجَلٍ قَبْلَ ضِيقِ الْأَجَلِ يَكُونُ صَاحِبُهُ عَلَى بِرٍّ، فَإِذَا ضَاقَ تَعَيَّنَ لِلْحِنْثِ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ، وَكِلَاهُمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ. وَلِذَا حَاوَلَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ التَّهْذِيبِ أَنْ قَالَ هَذَا مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ مِنْ عَدَمِ التَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ، كَمَا فِي الْبَدْرِ الْقَرَافِيِّ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ لَا يُكَفِّرُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ، أَيْ عَلَى وَجْهِ الْأَحْبِيَةِ كَالْمُنْعَقِدَةِ عَلَى بِرٍّ؛ لِأَنَّ الْأَحَبَّ فِيهَا عِنْدَ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُ إلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ، وَإِنْ أَجْزَأَ قَبْلَهُ، بِخِلَافِ الْمُنْعَقِدَةِ عَلَى الْحِنْثِ، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ كَفَّرَ وَلَمْ يَفْعَلْ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ، إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَمَا قَالَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ يُوَافِقُ إطْلَاقَ شَارِحِنَا. قَوْلُهُ: [فِي صِيغَةِ الْبِرِّ] : أَيْ الْمُطْلَقِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْبِرُّ مُقَيَّدًا كَأَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت زَيْدًا فِي هَذَا الْيَوْمِ فَبِرُّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِكْرَاهِ، بَلْ يَحْصُلُ حَتَّى بِفَوَاتِ الزَّمَنِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ. [فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ] . أَيْ بِقُيُودٍ سِتَّةٍ تُؤْخَذُ مِنْ الْأَصْلِ: أَنْ لَا يَعْلَمَ أَنَّهُ يُكْرَهُ عَلَى الْفِعْلِ، وَأَنْ لَا يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِإِكْرَاهِهِ لَهُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْإِكْرَاهُ شَرْعِيًّا، وَأَنْ لَا يَفْعَلَ ثَانِيًا طَوْعًا بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْحَالِفُ عَلَى شَخْصٍ بِأَنَّهُ

(وَتَكَرَّرَتْ) الْكَفَّارَةُ عَلَى الْحَالِفِ (إنْ قَصَدَ) فِي صِيغَةِ الْبِرِّ (تَكْرَارَ الْحِنْثِ) كُلَّمَا فَعَلَ، نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا، وَقَصَدَ أَنَّهُ كُلَّمَا كَلَّمَهُ فَعَلَيْهِ يَمِينٌ. (أَوْ كَرَّرَ الْيَمِينَ) نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ، أَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا آكُلُ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ (وَنَوَى كَفَّارَاتٍ) : أَيْ نَوَى لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ فَتَتَكَرَّرُ لَا إنْ لَمْ يَنْوِ. (أَوْ اقْتَضَاهُ) أَيْ التَّكْرَارَ (الْعُرْفُ) بِأَنْ كَانَ تَكْرَارُ الْحِنْثِ يُسْتَفَادُ مِنْ حَالِ الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ لَا مِنْ مُجَرَّدِ اللَّفْظِ (كَ: لَا أَشْرَبُ لَك مَاءً) ، فَإِنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي أَنَّهُ كُلَّمَا شَرِبَ لَهُ مَاءً حَنِثَ. وَمِثْلُهُ: لَا آكُلُ لَك خُبْزًا، وَلَا أُقْرِئُك سَلَامًا، وَلَا أَجْلِسُ مَعَك فِي مَجْلِسٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ، (وَ) نَحْوَ: وَاَللَّهِ (لَا أَتْرُكُ الْوِتْرَ) فَإِنَّهُ يَحْنَثُ كُلَّمَا تَرَكَهُ، لِأَنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي لَوْمَ نَفْسِهِ وَالتَّشْدِيدَ عَلَيْهَا، فَكُلَّمَا تَرَكَهُ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ. (أَوْ) حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا وَ (حَلَفَ أَنْ لَا يَحْنَثَ) ثُمَّ حَنِثَ، كَأَنْ: قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَاَللَّهِ لَا أَحْنَثُ، فَكَلَّمَهُ. فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ كَفَّارَةٌ لِيَمِينِهِ الْأَصْلِيِّ وَكَفَّارَةٌ لِلْحِنْثِ فِيهِ (أَوْ اشْتَمَلَ لَفْظُهُ عَلَى جَمْعٍ) لِلْكَفَّارَةِ أَوْ الْيَمِينِ، نَحْوَ: إنْ كَلَّمْته فَعَلَيَّ كَفَّارَاتٌ، أَوْ فَعَلَيَّ أَيْمَانٌ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَيْمَانٌ أَوْ كَفَّارَاتٌ، فَإِذَا كَلَّمَهُ لَزِمَهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ. وَكَذَا فِي غَيْرِ التَّعْلِيقِ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ، فَلَوْ سَمَّى شَيْئًا لَزِمَهُ نَحْوَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَعَلَيَّ عَشْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَفْعَلُ كَذَا هُوَ الْمُكْرِهُ لَهُ عَلَى فِعْلِهِ، وَأَنْ لَا تَكُونَ يَمِينُهُ لَا أَفْعَلُهُ طَائِعًا وَلَا مُكْرَهًا. وَإِلَّا حَنِثَ. قَوْلُهُ: [إنْ قَصَدَ فِي صِيغَةِ الْبِرِّ تَكْرَارَ الْحِنْثِ] : أَيْ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي] إلَخْ: أَيْ إذَا كَانَ حَلِفُهُ بِسَبَبِ مَنٍّ أَوْ فَخْرٍ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَى طَعَامِهِ أَوْ شَرَابِهِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: [وَكَذَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَيْمَانٌ] إلَخْ: أَيْ فِي جَوَابِ التَّعْلِيقِ أَيْضًا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ فَصُوَرُ التَّعْلِيقِ أَرْبَعٌ وَتَجْرِي تِلْكَ الصُّوَرُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ وَكَذَا فِي غَيْرِ التَّعْلِيقِ.

كَفَّارَاتٍ لَزِمَهُ الْعَشَرَةُ، فِي الْأَوَّلِ أَوْ إنْ كَلَّمَهُ فِي الثَّانِي، (وَ) اشْتَمَلَتْ (أَدَاتُهُ) أَيْ دَلَّتْ وَضْعًا عَلَى جَمْعٍ (نَحْوَ: كُلَّمَا أَوْ مَهْمَا) كَمَا لَوْ قَالَ: كُلَّمَا كَلَّمْته فَعَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ كَفَّارَةٌ، وَمَهْمَا دَخَلْت الدَّارَ فَعَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ كَفَّارَةٌ، فَتَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ. (لَا مَتَى مَا) فَلَيْسَتْ مِنْ صِيَغِ التَّكْرَارِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِذَا قَالَ: مَتَى مَا كَلَّمْته فَعَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ كَفَّارَةٌ فَلَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ إلَّا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، وَأَمَّا مَتَى بِدُونِ مَا فَلَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ قَطْعًا كَإِنْ وَإِذَا. (وَلَا) إنْ قَالَ: (وَاَللَّهِ ثُمَّ وَاَللَّهِ) لَا أَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَهُ فَلَا تُكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ، بَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إلَّا إذَا قَصَدَ تَكْرَارَهَا. (أَوْ) قَالَ: (وَالْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ وَالْكِتَابِ) لَا أَفْعَلُ كَذَا، (أَوْ) قَالَ: (وَالْفُرْقَانِ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) لَا أَفْعَلُ كَذَا؛ (أَوْ) قَالَ: (وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ) لَا أَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ (إذَا لَمْ يَنْوِ كَفَّارَاتٍ) فِي الْجَمِيعِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ مَا نَوَاهُ وَكُلُّ هَذَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ كَمَا عَلِمْت. (وَإِنْ عَلَّقَ قُرْبَةً) كَأَنْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَعَلَيَّ عِتْقُ عَبْدٍ وَصَوْمُ عَامٍ وَصَدَقَةٌ بِدِينَارٍ، أَوْ نَوَى ذَلِكَ، (أَوْ) عَلَّقَ (طَلَاقًا) كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَيْسَتْ مِنْ صِيَغِ التَّكْرَارِ] : أَيْ بَلْ مِنْ صِيَغِ التَّعْلِيقِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّكْرَارَ فَتُعَدَّدُ عَلَى حَسَبِ مَا نَوَى. قَوْلُهُ: [فَلَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ قَطْعًا] : أَيْ بَلْ هِيَ وَمَا بَعْدَهَا أَدَوَاتُ تَعْلِيقٍ لَا غَيْرُ بِاتِّفَاقٍ. قَوْلُهُ: [فَلَا تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ] : أَيْ وَلَوْ قَصَدَ بِتَكَرُّرِ الْيَمِينِ التَّأْسِيسَ لِتَدَاخُلِ الْأَسْبَابِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمُوجِبِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَيَتَعَدَّدُ بِالتَّكْرَارِ إنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّأْكِيدَ احْتِيَاطًا فِي الْفُرُوجِ. قَوْلُهُ: [وَكُلُّ هَذَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ] : أَيْ وَمِثْلُهُ النَّذْرُ الْمُبْهَمُ وَالْكَفَّارَةُ، وَأَمَّا الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ فَيَتَكَرَّرُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّأْكِيدَ، أَمَّا الطَّلَاقُ فَلِلِاحْتِيَاطِ فِي الْفُرُوجِ كَمَا عَلِمْت، وَأَمَّا الْعِتْقُ فَلِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ عَلَّقَ قُرْبَةً] : أَيْ عَلَى وَجْهِ التَّشْدِيدِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ الْفِعْلِ،

دَخَلْت فَعَلَيَّ طَلَاقُ فُلَانَة وَفُلَانَة أَوْ جَمِيعِ زَوْجَاتِي، أَوْ بِالثَّلَاثِ أَوْ طَلْقَتَيْنِ أَوْ نَوَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ (لَزِمَ مَا سَمَّاهُ أَوْ نَوَاهُ) . وَفِي قَوْلِهِ: (أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ) تَلْزَمُنِي إنْ فَعَلْت كَذَا فَفَعَلَهُ يَلْزَمُهُ (بَتُّ مَنْ يَمْلِكُ) عِصْمَتَهَا (وَعِتْقُهُ) أَيْ عِتْقُ مَنْ يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ مِنْ الرَّقِيقِ، (وَصَدَقَةٌ بِثُلُثِ مَالِهِ) مِنْ عَرَضٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ عَقَارٍ حِينَ يَمِينُهُ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ فَثُلُثُ مَا بَقِيَ، (وَمَشْيٌ بِحَجٍّ) لَا عُمْرَةٍ، (وَصَوْمُ عَامٍ وَكَفَّارَةٌ) لِيَمِينٍ، وَهَذَا (إنْ اُعْتِيدَ حَلِفٌ بِمَا ذُكِرَ) مِنْ الْبَتِّ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْأَيْمَانَ تَجْرِي عَلَى عُرْفِ النَّاسِ وَعَادَتِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ يَمِينٌ، وَأَمَّا التَّعْلِيقُ عَلَى وَجْهِ الْمَحَبَّةِ كَقَوْلِهِ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ كَذَا فَلَا يُقَالُ لَهُ يَمِينٌ، بَلْ نَذْرٌ وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِيهِ. قَوْلُهُ: [لَزِمَ مَا سَمَّاهُ أَوْ نَوَاهُ] : أَيْ فَالْعِبْرَةُ بِالتَّسْمِيَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ تَقْتَضِي التَّعَدُّدَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ نِيَّةٌ تَقْتَضِي التَّعَدُّدَ عَمِلَ بِهَا، وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ يَقْتَضِي الِاتِّحَادَ. قَوْلُهُ: [يَلْزَمُهُ بَتُّ مَنْ يَمْلِكُ] : أَيْ وَاحِدَةً أَوْ مُتَعَدِّدَةً. قَوْلُهُ: [أَيْ عِتْقُ مَنْ يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ] : ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَقِيقٌ حَالَ الْيَمِينِ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقٌ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ - وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ - وَقَالَ الْبَاجِيُّ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَقِيقٌ حِينَ الْيَمِينِ لَزِمَهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ هَكَذَا قَالَ (بْنُ) . قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَنْقُصَ] : أَيْ بِأَنْ يَصِيرَ مَا لَهُ وَقْتَ الْحِنْثِ نَاقِصًا عَنْ وَقْتِ الْحَلِفِ، فَاللَّازِمُ لَهُ التَّصَدُّقُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ النَّقْصُ بِفِعْلٍ اخْتِيَارِيٍّ مِنْ صَاحِبِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: [لَا عُمْرَةٍ] : أَيْ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْأَيْمَانِ أَتَمُّهَا، وَلِذَلِكَ جَعَلَ عَلَيْهِ الْحَجَّ مَاشِيًا دُونَ الْعُمْرَةِ، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. وَذَكَرَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَشْيِ حِينَ الْيَمِينِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا إنْ اُعْتِيدَ حَلِفٌ بِمَا ذَكَرَ] : قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَفِي ابْنِ نَاجِي عَلَى الرِّسَالَةِ: أَنَّ الطُّرْطُوشِيَّ قَالَ فِي الْأَيْمَانِ بِثَلَاثِ كَفَّارَاتٍ، وَكَذَا ابْنُ الْعَرَبِيِّ

(وَإِلَّا) تَجْرِ عَادَةٌ بِالْحَلِفِ بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ، بَلْ بِبَعْضِهِ (فَالْمُعْتَادُ) بَيْنَ النَّاسِ مِنْ الْأَيْمَانِ هُوَ الَّذِي يَلْزَمُ الْحَالِفَ. وَالْمُعْتَادُ بَيْنَ أَهْلِ مِصْرَ الْآنَ أَنْ يَحْلِفُوا بِاَللَّهِ وَبِالطَّلَاقِ، وَأَمَّا الْعِتْقُ وَالْمَشْيُ لِمَكَّةَ وَصَوْمُ الْعَامِ وَالصَّدَقَةُ بِالْمَالِ فَلَا يَكَادُ يَحْلِفُ بِهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَحِينَئِذٍ فَاللَّازِمُ فِي أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُنِي كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَبَتُّ مَنْ فِي عِصْمَتِهِ فَقَطْ. (وَتَحْرِيمُ، الْحَلَالِ فِي غَيْرِ الزَّوْجَةِ لَغْوٌ) لَا يَقْتَضِي شَيْئًا فَمَنْ قَالَ: كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ اللَّحْمُ أَوْ الْقَمْحُ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ فَعَلْت كَذَا فَفَعَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، إلَّا فِي الزَّوْجَةِ إذَا قَالَ إنْ فَعَلْته فَزَوْجَتِي عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالسُّهَيْلِيُّ وَالْأَبْهَرِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا يَلْزَمُ إلَّا الِاسْتِغْفَارُ، وَعَنْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَأَلْغَاهُ الشَّافِعِيَّةُ، فَلَوْ نَوَى طَلَاقًا فَخِلَافٌ عِنْدَهُمْ أَصْلُ الْمَذْهَبِ إلْغَاؤُهُ وَمِمَّا يَنْبَغِي تَجَنُّبُهُ قَوْلُهُمْ: يَلْزَمُنِي مَا يَلْزَمُنِي وَعَلَيَّ مَا عَلَيَّ لِأَنَّهُ صَالِحٌ، لِأَنَّ الْمَعْنَى يَلْزَمُنِي جَمِيعَ مَا صَحَّ إلْزَامُهُ لِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْبَلَ الْآنَ عَدَمَ الْيَمِينِ مِنْ الْعَوَامّ لِأَنَّهُ شَاعَ عِنْدَهُمْ عَلَيَّ مَا عَلَيَّ مِنْ اللِّبَاسِ مَثَلًا وَيَلْزَمُنِي مَا يَلْزَمُنِي كَالصَّلَاةِ اهـ. تَنْبِيهٌ: مِثْلُ مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْيَمِينِ مَا عَدَا صَوْمِ الْعَامِ قَوْلُ الْحَالِفِ: عَلَيَّ أَشَدُّ مَا أَخَذَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، أَوْ أَشَقُّ أَوْ أَعْظَمُ، وَمِثْلُهُ أَيْضًا مَنْ حَلَفَ وَلَمْ يَدْرِ بِمَا حَلَفَ أَكَانَ بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ مَشْيٍ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُطَلِّقَ نِسَاءَهُ أَلْبَتَّةَ، وَأَنْ يُعْتِقَ عَبِيدَهُ وَأَنْ يَتَصَدَّقَ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَأَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ فِي حَجٍّ، وَأَنْ يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ - كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَحِينَئِذٍ فَاللَّازِمُ] إلَخْ: أَيْ حِينَ إذَا كَانَ عُرْفُ مِصْرَ هَكَذَا فَيُفْتِي بِلُزُومِ ذَلِكَ لِأَهْلِ مِصْرَ، وَكُلِّ مَنْ وَافَقَهُمْ فِي ذَلِكَ الْعُرْفِ، وَهَذَا مَا لَمْ يَقْصِدْ الْحَالِفُ الْأُمُورَ الَّتِي تُرَتَّبُ عَلَى أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَصْلِ الْمَذْهَبِ، وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ مَا قَصَدَ، فَإِنَّ النِّيَّةَ تُقَدَّمُ عَلَى الْعُرْفِ كَمَا يَأْتِي، وَإِنَّمَا الْحَمْلُ عَلَى الْعُرْفِ عِنْدَ عَدَمِهَا فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: [فِي غَيْرِ الزَّوْجَةِ] : دَخَلَ فِي الْغَيْرِ: الْأَمَةُ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِتَحْرِيمِهَا عِتْقَهَا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَغْوًا، هَذَا مَذْهَبُنَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ: إنَّ مَنْ حَرَّمَ الْحَلَالَ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. قَوْلُهُ: [إذَا قَالَ إنْ فَعَلْته] إلَخْ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ وَالْأَصْلُ كَمَا إذَا قَالَ فَتَدَبَّرْ.

[بيان ما يخصص اليمين أو يقيدها]

فَعَلَيَّ الْحَرَامُ فَيَلْزَمُهُ بَتُّ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَطَلْقَةٌ فِي غَيْرِهَا مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ، وَلَوْ قَالَ: كُلٌّ عَلَيَّ حَرَامٌ فَإِنْ حَاشَى الزَّوْجَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِلَّا لَزِمَهُ فِيهَا ذِكْرٌ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُخَصِّصُ الْيَمِينَ أَوْ يُقَيِّدُهَا وَهُوَ أَرْبَعَةٌ: النِّيَّةُ، وَالْبِسَاطُ، وَالْعُرْفُ الْقَوْلِيُّ، وَالْقَصْدُ الشَّرْعِيُّ. وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ: (وَخَصَّصَتْ نِيَّةُ الْحَالِفِ) لَفْظَهُ الْعَامَّ فَيَعْمَلُ بِمُقْتَضَى التَّخْصِيصِ. وَالْعَامُّ: لَفْظٌ يَسْتَغْرِقُ الصَّالِحَ لَهُ بِلَا حَصْرٍ، وَالتَّخْصِيصُ: قَصْرُهُ عَلَى بَعْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَيَلْزَمُهُ بَتُّ الْمَدْخُولِ بِهَا] : هَذَا هُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ كَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ قَالَ كُلٌّ عَلَيَّ حَرَامٌ] : بِالتَّنْوِينِ مَعَ حَذْفِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَعْنَاهُ لَوْ قَالَ كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ مُحَاشِيًا لِلزَّوْجَةِ فَهُوَ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ فِي تِلْكَ الصِّيغَةِ. [بَيَان مَا يخصص الْيَمِين أَوْ يقيدها] [مِمَّا يُخَصِّصُ الْيَمِينَ نِيَّةُ الْحَالِفِ] قَوْلُهُ: [ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُخَصِّصُ الْيَمِينَ] إلَخْ: لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى حَدِّ الْيَمِينِ وَصِيَغِهَا وَالْمُوجِبِ لِلْكَفَّارَةِ مِنْهَا، وَأَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ وَتَكْرَارِهَا وَاتِّحَادِهَا، أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْكَلَامِ عَلَى مُقْتَضَيَاتِ الْحِنْثِ وَالْبِرِّ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ أَرْبَعَةٌ] : بَلْ خَمْسَةٌ وَالْخَامِسُ الْعُرْفُ الْفِعْلِيُّ عَلَى مَا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ خِلَافًا لِلْقَرَافِيِّ فِي عَدَمِ اعْتِبَارِهِ، وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا الْمَقْصِدُ اللُّغَوِيُّ فَلَا يُعَدُّ مِنْ الْمُخَصَّصَاتِ، بَلْ أَصْلُ الْحَمْلِ يَكُونُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُخَصِّصٌ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ. قَوْلُهُ: [وَخَصَّصَتْ نِيَّةُ الْحَالِفِ] إلَخْ: أَيْ إنْ كَانَ بِهَا تَخْصِيصٌ أَوْ تَقْيِيدٌ أَوْ بَيَانٌ، وَقَدْ تُفِيدُ التَّعْمِيمَ كَأَنْ يَحْلِفَ لَا آكُلُ لِفُلَانٍ طَعَامًا، وَيَنْوِيَ قَطْعَ كُلِّ مَا جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ لِمِنَّةٍ فَلَيْسَتْ دَائِمًا مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [يَسْتَغْرِقُ الصَّالِحَ لَهُ] : أَيْ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأَفْرَادِ الصَّالِحِ لَهَا ذَلِكَ اللَّفْظُ دَفْعَةً. وَبِهَذَا يَخْرُجُ الْمُطْلَقُ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ مَا يَصْلُحُ لَهُ دَفْعَةً، بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، فَعُمُومُ الْعَامِّ شُمُولِيٌّ، وَعُمُومُ الْمُطْلَقِ بَدَلِيٌّ وَصَلَاحِيَةُ اللَّفْظِ لِتِلْكَ الْأَفْرَادِ مِنْ جِهَةِ انْدِرَاجِهَا فِي مَعْنَاهُ الْمَوْضُوعِ فَتَكُونُ دَلَالَةُ الْعَامِّ عَلَى أَفْرَادِهِ دَلَالَةَ كُلِّيٍّ عَلَى جُزْئِيَّاتٍ، مَعْنَاهُ لَا دَلَالَةَ عَلَى أَجْزَاءِ مَعْنَاهُ. قَوْلُهُ: [بِلَا حَصْرٍ] : أَيْ حَالَ كَوْنِ الْأَفْرَادِ الصَّالِحِ لَهَا ذَلِكَ اللَّفْظُ غَيْرَ مَحْصُورَةٍ.

أَفْرَادِهِ. وَالتَّعْمِيمُ يَكُونُ فِي مَدْلُولِ اللَّفْظِ وَقَدْ يَكُونُ فِي الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَالْأَحْوَالِ كَمَا سَيَظْهَرُ مِنْ الْأَمْثِلَةِ، (وَقَيَّدَتْ) الْمُطْلَقَ، وَالْمُطْلَقُ: مَا دَلَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ كَاسْمِ الْجِنْسِ وَهُوَ فِي الْمَعْنَى كَالْعَامِّ وَتَقْيِيدُهُ كَالتَّخْصِيصِ، فَيَعْمَلُ بِمُقْتَضَى التَّقْيِيدِ، (وَبَيَّنَتْ) الْمُجْمَلَ، وَالْمُجْمَلُ: مَا لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ، وَبَيَانُهُ: إخْرَاجُهُ إلَى حَيِّزِ الِاتِّضَاحِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قَالَ: نَوَيْت بِهِ كَذَا عَمِلَ بِنِيَّتِهِ؛ فَإِذَا حَلَفَ لَا أَلْبَسُ الْجَوْنَ بِفَتْحِ الْجِيمِ: يُطْلَقُ عَلَى الْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ، وَقَالَ: أَرَدْت الْأَبْيَضَ كَانَ لَهُ لُبْسُ الْأَسْوَدِ. ثُمَّ لَا يَخْلُو الْحَالُ إمَّا أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مُسَاوِيَةً لِظَاهِرِ اللَّفْظِ، أَيْ تَحْتَمِلُ إرَادَةَ ظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَتَحْتَمِلُ إرَادَتَهَا عَلَى السَّوَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَقَدْ يَكُونُ فِي الْمَكَانِ] إلَخْ: كَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ عُمُومَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْأَحْوَالِ لَيْسَ مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ قَوْلُهُمْ فِي تَعْرِيفِ الْعَامِّ لَفْظٌ يَسْتَغْرِقُ الصَّالِحَ لَهُ بِلَا حَصْرٍ؛ تَعْرِيفُ الْعَامِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَانَ مَدْلُولُهُ زَمَانًا أَوْ مَكَانًا أَوْ حَالًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: [بِلَا قَيْدٍ] : أَيْ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ لِتَحَقُّقِهَا فِي فَرْدٍ مُبْهَمٍ أَوْ مُعَيَّنٍ، فَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ: كَاسْمِ الْجِنْسِ، بِخِلَافِ النَّكِرَةِ فَإِنَّهُ مَا دَلَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ الشَّائِعَةِ، أَيْ بِقَيْدِ وُجُودِهَا فِي فَرْدٍ مُبْهَمٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّفْظَ فِي الْمُطْلَقِ وَالنَّكِرَةِ وَاحِدٌ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِالِاعْتِبَارِ، فَإِنْ اُعْتُبِرَ فِي اللَّفْظِ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ فَهُوَ الْمُطْلَقُ، وَاسْمُ الْجِنْسِ وَإِنْ اُعْتُبِرَ مَعَ قَيْدِ الْوَحْدَةِ الشَّائِعَةِ سُمِّيَ نَكِرَةً كَمَا قَالَهُ ابْنُ السُّبْكِيّ. (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَهُوَ فِي الْمَعْنَى كَالْعَامِّ] : أَيْ مِنْ حَيْثُ الشُّمُولُ، لَكِنَّ شُمُولَهُ بَدَلِيٌّ أَيْ يَتَنَاوَلُ أَفْرَادَهُ كُلَّهَا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِيَّةِ لَا دَفْعَةً بِخِلَافِ الْعَامِّ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [مَا لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ] : أَيْ لَمْ يَتَعَيَّنْ السَّامِعُ مَدْلُولَهُ. قَوْلُهُ: [فَإِذَا حَلَفَ لَا أَلْبَسُ الْجَوْنَ] إلَخْ: هَذَا مِثَالٌ لِلْمُجْمَلِ، وَمَثَّلَ لَهُ فِي الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ: زَيْنَبُ طَالِقٌ وَلَهُ زَوْجَتَانِ اسْمُ كُلٍّ زَيْنَبُ، وَقَالَ: أَرَدْت بِنْتَ فُلَانٍ وَكُلٌّ صَحِيحٌ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ لَا يَخْلُو الْحَالُ] : دُخُولٌ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي بَعْدُ. قَوْلُهُ: [مُسَاوِيَةً لِظَاهِرِ اللَّفْظِ] : أَيْ شَأْنُهَا أَنْ تُقْصَدَ مِنْ اللَّفْظِ، وَلَيْسَ

بِلَا تَرْجِيحٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ إرَادَةُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ أَقْرَبَ فِي الِاسْتِعْمَالِ مِنْ إرَادَةِ النِّيَّةِ الْمُخَالِفَةِ لِظَاهِرِهِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ إرَادَةُ النِّيَّةِ بَعِيدَةً عَنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ شَأْنُهَا عَدَمُ الْقَصْدِ. (فَإِنْ سَاوَتْ) نِيَّتُهُ (ظَاهِرَ لَفْظِهِ) بِأَنْ احْتَمَلَ إرَادَتَهَا وَعَدَمَ إرَادَتِهَا عَلَى السَّوَاءِ بِلَا تَرْجِيحٍ لِظَاهِرِ لَفْظِهِ عَلَيْهَا (صَدَقَ مُطْلَقًا فِي) الْيَمِينِ (بِاَللَّهِ وَغَيْرِهَا) مِنْ التَّعَالِيقِ (فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ) ، وَهُوَ تَفْسِيرُ الْإِطْلَاقِ؛ (كَحَلِفِهِ لِزَوْجَتِهِ إنْ تَزَوَّجَ حَيَاتَهَا) : أَيْ فِي حَيَاتِهَا (فَهِيَ) : أَيْ الَّتِي يَتَزَوَّجُهَا (طَالِقٌ أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ أَوْ كُلُّ عَبْدٍ يَمْلِكُهُ) أَيْ مَمْلُوكٌ لَهُ حُرٌّ، (أَوْ: فَعَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ، فَتَزَوَّجَ بَعْدَ طَلَاقِهَا وَقَالَ: نَوَيْت حَيَاتَهَا فِي عِصْمَتِي) وَهِيَ الْآنَ لَيْسَتْ فِي عِصْمَتِي، وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ حَلَفَ بِمَا ذَكَرَ أَوْ بِاَللَّهِ لَا آكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمَ طَيْرٍ، وَقَالَ: أَرَدْت غَيْرَ الطَّيْرِ فَيُصَدَّقُ مُطْلَقًا لِمُسَاوَاةِ إرَادَةِ نِيَّتِهِ لِظَاهِرِ لَفْظِهِ. (وَإِنْ لَمْ تُسَاوِ) ظَاهِرَ اللَّفْظِ - بِأَنْ كَانَ ظَاهِرُ لَفْظِهِ الْعَامِّ أَوْ الْمُطْلَقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُرَادُ أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِذَلِكَ الْمَنْوِيِّ بِعَيْنِهِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ تَخْصِيصٌ وَلَا تَقْيِيدٌ وَلَا بَيَانٌ. قَوْلُهُ: [بِلَا تَرْجِيحٍ لِأَحَدِهِمَا] إلَخْ: أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْعُرْفِ، بِأَنْ يَكُونَ احْتِمَالُ لَفْظِ الْحَالِفِ لِمَا نَوَاهُ وَلِغَيْرِ مُسَاوِيَيْنِ عُرْفًا. قَوْلُهُ: [فَإِنْ سَاوَتْ نِيَّتُهُ] إلَخْ: أَيْ عُرْفًا كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [وَهُوَ تَفْسِيرُ الْإِطْلَاقِ] : أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ بِاَللَّهِ إلَى هُنَا. قَوْلُهُ: [إنْ تَزَوَّجَ حَيَاتَهَا] : هَذَا مِثَالٌ لِلْعَامِّ الَّذِي خُصِّصَ بِالنِّيَّةِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ حَيَاتَهَا مُفْرَدٌ مُضَافٌ يَعُمُّ كُلَّ وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ حَيَاتِهَا الشَّامِلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَوْنُهَا مَعَهُ فِي عِصْمَتِهِ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ أَرَادَ بِحَيَاتِهَا كَوْنَهَا مَعَهُ فِي عِصْمَتِهِ كَانَ قَصْرًا لِلْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَهُوَ تَخْصِيصٌ لَهُ. قَوْلُهُ: [وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ حَلَفَ] إلَخْ: لَكِنَّ التَّمْثِيلَ فِيهِ لِتَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّ لَفْظَ لَحْمٍ يَصْدُقُ بِأَيِّ نَوْعٍ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ وَقَصْرُهُ عَلَى غَيْرِ لَحْمِ الطَّيْرِ تَقْيِيدٌ لَهُ فَتَدَبَّرْ.

أَرْجَحَ - (فَإِنْ قَرُبَتْ) فِي نَفْسِهَا لِلْمُسَاوَاةِ - وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً بِالنِّسْبَةِ لِظَاهِرِ لَفْظِهِ - (قُبِلَ) الْحَالِفُ: أَيْ قُبِلَتْ دَعْوَاهُ النِّيَّةَ مُطْلَقًا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَغَيْرِهِ. (إلَّا فِي) أَمْرَيْنِ: (الطَّلَاقِ، وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ) كَعَبْدِي زَيْدٌ (فِي الْقَضَاءِ) : أَيْ فِيمَا إذَا رُفِعَ لِلْقَاضِي وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَوْ أَقَرَّ، فَلَا يُقْبَلُ وَيَتَعَيَّنُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ لِذَلِكَ الْعَبْدِ (كَلَحْمِ بَقَرٍ) أَيْ كَنِيَّتِهِ أَيْ دَعْوَى نِيَّتِهِ بِيَمِينِهِ لَحْمَ بَقَرٍ، (وَسَمْنِ ضَأْنٍ فِي) حَلِفِهِ: (لَا آكُلُ لَحْمًا أَوْ:) لَا آكُلُ (سَمْنًا) فَأَكَلَ لَحْمَ الضَّأْنِ وَسَمْنَ الْبَقَرِ، فَإِذَا رُفِعَ لِلْقَاضِي فَقَالَ: نَوَيْت لَا آكُلُ لَحْمَ بَقَرٍ وَأَنَا قَدْ أَكَلْت لَحْمَ ضَأْنٍ، أَوْ نَوَيْت لَا آكُلُ سَمْنَ ضَأْنٍ وَأَنَا قَدْ أَكَلْت سَمْنَ بَقَرٍ، فَلَا يُقْبَلُ. وَيُقْبَلُ فِي الْفَتْوَى مُطْلَقًا فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَفِي غَيْرِهِمَا، لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنْ الْمُسَاوَاةِ، (وَكَشَهْرٍ) : أَيْ وَكُنْيَةِ (شَهْرٍ أَوْ) نِيَّةٍ: (فِي الْمَسْجِدِ فِي) يَمِينِهِ بِ (نَحْوِ) نِيَّةٍ: (لَا أُكَلِّمُهُ) أَوْ لَا أَدْخُلُ دَارِهِ ثُمَّ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَقَالَ: نَوَيْت لَا أُكَلِّمُهُ فِي شَهْرٍ أَوْ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَسَمْنُ ضَأْنٍ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا وَقَالَ: أَرَدْت سَمْنَ الضَّأْنِ كَانَتْ تِلْكَ النِّيَّةُ مُخَصِّصَةً لِيَمِينِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ غَيْرِهِ سَوَاءٌ لَاحَظَ إخْرَاجَ غَيْرِ الضَّأْنِ أَوْ لَا، بِأَنْ يَنْوِيَ إبَاحَةَ مَا عَدَا سَمْنِ الضَّأْنِ أَوْ لَمْ يُلَاحِظْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِنِيَّةِ الضَّأْنِ إلَّا إخْرَاجُ غَيْرِهِ، وَهَذَا مَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ، وَمَا قِيلَ فِي مِثَالِ السَّمْنِ يُقَالُ فِي مِثَالِ اللَّحْمِ، وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: إنَّ نِيَّةَ سَمْنِ الضَّأْنِ لَا تَكُونُ مُخَصِّصَةً لِقَوْلِهِ: لَا آكُلُ سَمْنًا إلَّا إذَا نَوَى إخْرَاجَ غَيْرِهِ أَوْ لَا، بِأَنْ نَوَى إبَاحَةَ مَا عَدَا سَمْنِ الضَّأْنِ. وَأَمَّا لَوْ نَوَى عَدَمَ أَكْلِ سَمْنِ الضَّأْنِ فَقَطْ فِي لَا آكُلُ سَمْنًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ إخْرَاجِ غَيْرِهِ أَوْ لَا، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ السَّمْنِ، لِأَنَّ ذِكْرَ فَرْدِ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ لَا يُخَصِّصُهُ لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِ لَهُ، وَلَكِنْ مَا لِابْنِ يُونُسَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا فِي (ر) وَ (بْنُ) ، وَهُوَ مُقْتَضَى شَارِحِنَا. قَوْلُهُ: [وَكَشَهْرٍ] إلَخْ: هُوَ مِثَالٌ أَيْضًا لِلْقَرِيبِ مِنْ الْمُسَاوَاةِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَكَتَوْكِيلِهِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ فِي جَمِيعِ الْأَيْمَانِ حَتَّى عِنْدَ الْقَاضِي إلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ. قَوْلُهُ: [وَقَالَ نَوَيْت لَا أُكَلِّمُهُ] إلَخْ: رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ

الْمَسْجِدِ، (وَكَتَوْكِيلِهِ) فِي حَلِفِهِ: (لَا يَبِيعُهُ أَوْ) : لَا (يَضْرِبُهُ) ، فَبَاعَهُ لَهُ الْوَكِيلُ أَوْ ضَرَبَهُ، وَقَالَ: نَوَيْت أَنْ لَا أَبِيعَهُ بِنَفْسِي أَوْ لَا أَضْرِبَهُ بِنَفْسِي فَيُقْبَلُ فِي الْفَتْوَى لِقُرْبِ هَذِهِ النِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ تُسَاوِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الْقَضَاءِ فِي طَلَاقٍ وَلَا عِتْقٍ مُعَيَّنٍ. (وَإِنْ بَعُدَتْ) النِّيَّةُ عَنْ الْمُسَاوَاةِ (لَمْ يُقْبَلْ مُطْلَقًا) لَا فِي الْفَتْوَى وَلَا الْقَضَاءِ فِي طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا؛ (كَإِرَادَةِ) زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ (مَيِّتَةٍ فِي) حَلِفِهِ: إنْ دَخَلَتْ دَارَ زَيْدٍ مَثَلًا فَزَوْجَتُهُ (طَالِقٌ) أَوْ أَمَتُهُ (حُرَّةٌ) ، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ: نَوَيْت زَوْجَتِي أَوْ أَمَتِي الْمَيِّتَةَ، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ لِبُعْدِ نِيَّتِهِ عَنْ الْمُسَاوَاةِ بُعْدًا بَيِّنًا لِظُهُورِ أَنَّ الطَّلَاقَ أَوْ الْحُرِّيَّةَ لَا يُقْصَدُ بِهِمَا الْمَيِّتُ. (أَوْ) إرَادَةُ (كَذِبٍ) فِي حَلِفِهِ أَنَّهَا (حَرَامٌ) ، فَلَمَّا وَقَعَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَالَ: أَرَدْت أَنَّ كَذِبَهَا حَرَامٌ لَا هِيَ نَفْسَهَا، فَلَا يُصَدَّقُ مُطْلَقًا. وَ (إنَّمَا تُعْتَبَرُ) النِّيَّةُ فِي التَّخْصِيصِ أَوْ التَّقْيِيدِ: أَيْ يُعْتَبَرُ تَخْصِيصُهَا أَوْ تَقْيِيدُهَا (إذَا لَمْ يَسْتَحْلِفْ) الْحَالِفُ فِي حَقٍّ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ اُسْتُحْلِفَ فِي حَقٍّ (فَالْعِبْرَةُ بِنِيَّةِ الْمُحَلِّفِ) ، سَوَاءٌ كَانَ مَالِيًّا - كَدَيْنٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا أَدْخُلُ دَارِهِ فَلَمْ يُتْمِمْ مِثَالَهُ وَلَوْ تَمَّمَهُ لَقَالَ أَوْ دَخَلَ الدَّارَ بَعْدَ شَهْرٍ وَقَالَ: نَوَيْت لَا أَدْخُلُ مُدَّةَ شَهْرٍ فَتَدَبَّرْ. تَنْبِيهٌ: نُكْتَةُ تَعْدَادِ الْمِثَالِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْمُطْلَقِ وَالْمُجْمَلِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: كَلَحْمِ بَقَرٍ وَسَمْنِ ضَأْنٍ مِثَالٌ لِلْمُطْلَقِ، وَقَوْلُهُ: لَا أُكَلِّمُهُ مِثَالٌ لِلْعَامِّ، وَقَوْلُهُ: وَكَتَوْكِيلِهِ إلَخْ مِثَالٌ لِلْمُجْمَلِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [لَمْ يُقْبَلْ مُطْلَقًا] : إلَّا لِقَرِينَةٍ تُصَدِّقُ دَعْوَاهُ فِي إرَادَةِ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْعَمَلِ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ بَلْ بِهَا وَبِالْقَرِينَةِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَصْدُقُ مُطْلَقًا] : أَيْ إلَّا لِقَرِينَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَظَاهِرُ تَقْيِيدِهِمْ بِالْقَرِينَةِ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَلَيْهَا. وَلَوْ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ عِنْدَ الْقَاضِي. قَوْلُهُ: [فَالْعِبْرَةُ بِنِيَّةِ الْمُحَلِّفِ] : أَيْ فَلَا يَنْفَعُ تَخْصِيصُهُ حِينَئِذٍ وَلَوْ لَمْ يَسْتَحْلِفْهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ، بَلْ حَلَفَ مُتَبَرِّعًا وَهَذَا أَقْرَبُ الْأَقْوَالِ كَمَا فِي المج، فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ

[مما يخصص اليمين بساط النية]

وَسَرِقَةٍ - أَمْ لَا. فَمَنْ حَلَّفَهُ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ: لَقَدْ وَفَّاهُ وَأَنَّهُ مَا سَرَقَ أَوْ مَا غَصَبَ فَحَلَفَ، وَقَالَ نَوَيْت مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ أَوْ مِنْ عَرَضٍ وَاَلَّذِي عَلَيَّ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَمْ يُفِدْهُ وَلَزِمَهُ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ وَبِغَيْرِهِ، أَوْ حَلَفَ مَا سَرَقْت وَقَالَ: نَوَيْت مِنْ الصُّنْدُوقِ وَسَرِقَتِي كَانَتْ مِنْ الْخِزَانَةِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يُفِدْهُ. وَكَذَا لَوْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ الزَّوْجَةُ عِنْدَ الْعَقْدِ أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا أَوْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَحَلَّفَتْهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ أَخْرَجَهَا فَاَلَّتِي يَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ أَوْ فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا، فَحَلَفَ ثُمَّ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَادَّعَى نِيَّةَ شَيْءٍ لَمْ تُفِدْهُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِنِيَّةِ الْمُحَلِّفِ لِأَنَّهُ اعْتَاضَ هَذَا الْيَمِينَ مِنْ حَقِّهِ فَصَارَتْ الْعِبْرَةُ بِنِيَّتِهِ دُونَ الْحَالِفِ. (ثُمَّ) إذَا عُدِمَتْ النِّيَّةُ الصَّرِيحَةُ اُعْتُبِرَ (بِسَاطُ يَمِينِهِ) فِي التَّخْصِيصِ وَالتَّقْيِيدِ. (وَ) الْبِسَاطُ: (هُوَ) السَّبَبُ (الْحَامِلُ عَلَيْهَا) : أَيْ عَلَى الْيَمِينِ إذْ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَارِحِنَا بِأَنْ اُسْتُحْلِفَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا طَرِيقَتَانِ: الْأُولَى الَّتِي قَالَهَا شَارِحُنَا عَدَمُ قَبُولِ نِيَّتِهِ إذَا اسْتَحْلَفَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ، وَالثَّانِيَةُ: لَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ مَتَى حَلَفَ وَإِنْ طَاعَ بِهَا وَهِيَ الَّتِي اعْتَمَدَهَا فِي الْمَجْمُوعِ وَحَاشِيَةِ الْأَصْلِ وَالْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ اعْتَاضَ هَذَا الْيَمِينَ مِنْ حَقِّهِ] : أَيْ كَأَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ عِوَضٌ عَنْ حَقِّهِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ وَحَلَّفَهُ فَالْعِبْرَةُ بِنِيَّةِ الْحَالِفِ، قَالَ الْخَرَشِيُّ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ اتِّفَاقًا، وَفِي غَيْرِهَا عَلَى أَحَدِ أَقْوَالٍ سِتَّةٍ. قَوْلُهُ: [النِّيَّةُ الصَّرِيحَةُ] : تَقْيِيدُهُ بِالصَّرِيحَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْبِسَاطَ نِيَّةٌ حُكْمِيَّةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: هُوَ نِيَّةٌ حُكْمِيَّةٌ. قَوْلُهُ: [فِي التَّخْصِيصِ] : لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ مِثْلُهُ التَّعْمِيمُ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لِفُلَانٍ طَعَامًا، وَكَانَ السَّبَبُ الْحَامِلُ لَهُ دَفْعَ الْمَنِّ فَيَحْنَثُ بِكُلِّ مَا انْتَفَعَ بِهِ مِنْهُ كَمَا يَأْتِي. [مِمَّا يُخَصِّصُ الْيَمِينَ بِسَاط النِّيَّة] قَوْلُهُ: [هُوَ السَّبَبُ الْحَامِلُ عَلَيْهَا] : هَذَا تَعْرِيفٌ لَهُ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي بِالْمَقَامِ وَقَرِينَةِ السِّيَاقِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ سَبَبًا كَمَا فِي بَعْضِ الْأَمْثِلَةِ الْآتِيَةِ، كَذَا فِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْبِسَاطَ يَجْرِي فِي جَمِيعِ الْأَيْمَانِ

هُوَ مَظِنَّتُهَا، فَلَيْسَ فِيهِ انْتِفَاءُ النِّيَّةِ بَلْ هُوَ مُتَضَمِّنٌ لَهَا. وَضَابِطُهُ صِحَّةُ تَقْيِيدِ يَمِينِهِ بِقَوْلِهِ؛ مَا دَامَ هَذَا الشَّيْءُ أَيْ الْحَامِلُ عَلَى الْيَمِينِ مَوْجُودًا (كَلَا) أَيْ كَحَلِفِهِ: لَا (أَشْتَرِي لَحْمًا أَوْ لَا أَبِيعُ فِي السُّوقِ لِزَحْمَةٍ) أَيْ لِأَجْلِ وُجُودِ زَحْمَةٍ، (أَوْ) وُجُودِ (ظَالِمٍ) حَمَلَهُ عَلَى الْحَلِفِ لِصِحَّةِ تَقْيِيدِ يَمِينِهِ بِقَوْلِهِ: مَا دَامَتْ هَذِهِ الزَّحْمَةُ أَوْ الظَّالِمُ مَوْجُودًا، وَكَمَا لَوْ كَانَ خَادِمُ الْمَسْجِدِ أَوْ الْحَمَّامِ يُؤْذِي إنْسَانًا كُلَّمَا دَخَلَهُ فَقَالَ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ: وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ أَوْ هَذَا الْحَمَّامَ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَيَّدَ بِقَوْلِهِ: مَا دَامَ هَذَا الْخَادِمُ مَوْجُودًا، فَإِنْ زَالَ هَذَا الْخَادِمُ جَازَ لَهُ الدُّخُولُ وَإِلَّا حَنِثَ. وَكَمَا لَوْ كَانَ فِي طَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ ظَالِمٌ يُؤْذِي الْمَارِّينَ بِهَا فَقَالَ شَخْصٌ: وَاَللَّهِ لَا أَمُرُّ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ، أَيْ مَا دَامَ هَذَا الظَّالِمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَوَاءِ كَانَتْ بِاَللَّهِ أَوْ بِطَلَاقٍ أَوْ بِعِتْقٍ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجْرِي الْبِسَاطُ فِي جَمِيعِ الْحَلِفِ ... وَهُوَ الْمُثِيرُ لِلْيَمِينِ فَاعْرِفْ إنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى وَزَالَ السَّبَبُ ... وَلَبْسَ ذَا لِحَالِفٍ يَنْتَسِبُ فَقَوْلُهُ: فِي النَّظْمِ: وَهُوَ الْمُثِيرُ أَيْ السَّبَبُ الْحَامِلُ عَلَيْهَا، وَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى أَيْ وَأَمَّا لَوْ نَوَى شَيْئًا فَالْعِبْرَةُ بِنِيَّتِهِ، وَقَوْلُهُ وَزَالَ السَّبَبُ، أَمَّا إنْ لَمْ يَزُلْ فَلَا يَنْفَعُهُ وَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ ذَا لِحَالِفٍ يَنْتَسِبُ أَيْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي نَفْعِ الْبِسَاطِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْحَالِفِ مَدْخَلٌ فِي السَّبَبِ الْحَامِلِ عَلَى الْيَمِينِ، كَمَا لَوْ تَنَازَعَ مَعَ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ عَلَى مَنْ تَنَازَعَ مَعَهُ دَارًا مَثَلًا، ثُمَّ زَالَ النِّزَاعُ وَاصْطَلَحَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ لَهُ مَدْخَلٌ فِي السَّبَبِ، فَالْبِسَاطُ هُنَا غَيْرُ نَافِعٍ كَمَا أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ فِيمَا نُجِّزَ بِالْفِعْلِ، كَمَا لَوْ تَشَاجَرَتْ زَوْجَتُهُ مَعَ أَخِيهِ مَثَلًا فَطَلَّقَهَا ثُمَّ مَاتَ أَخُوهُ فَلَا يَرْتَفِعُ الطَّلَاقُ، لِأَنَّ رَفْعَ الْوَاقِعِ مُحَالٌ كَذَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ الْبُلَيْدِيُّ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ دَخَلَ عَلَى زَوْجَتِهِ مَثَلًا فَوَجَدَهَا أَفْسَدَتْ شَيْئًا فِي اعْتِقَادِهِ فَنَجَّزَ طَلَاقَهَا، فَتَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَفْسُدْ فَلَيْسَ هُنَا بِسَاطٌ وَلْيَقِسْ. قَوْلُهُ: [بَلْ هُوَ مُتَضَمِّنٌ لَهَا] : أَيْ لِأَنَّهُ نِيَّةٌ حُكْمِيَّةٌ مَحْفُوفَةٌ بِالْقَرَائِنِ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَقْوَى مِنْ النِّيَّةِ الصَّرِيحَةِ.

[مما يخصص اليمين العرف القولي]

فِيهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ فَاسِقٌ بِمَكَانٍ فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ دَخَلْت هَذَا الْمَكَانَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِذَا زَالَ الْفَاسِقُ مِنْهُ وَدَخَلَتْ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ: مَا دَامَ هَذَا الْفَاسِقُ مَوْجُودًا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ. بِخِلَافِ مَا لَوْ سَبَّكَ إنْسَانٌ فَحَلَفَ: لَا أُكَلِّمُهُ. أَوْ تَشَاجَرَ مَعَ جَارِهِ فَحَلَفَ: لَا يَدْخُلُ بَيْتَهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ بِسَاطٌ. (فَعُرْفٌ قَوْلِيٌّ) : أَيْ ثُمَّ إذَا لَمْ يُوجَدْ بِسَاطٌ اُعْتُبِرَ تَخْصِيصٌ أَوْ تَقْيِيدُ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ: أَيْ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْقَوْلُ؛ أَيْ اللَّفْظُ فِي عُرْفِهِمْ فَالْمُرَادُ الْعُرْفُ الْخَاصُّ: كَمَا لَوْ كَانَ عُرْفُهُمْ اسْتِعْمَالَ الدَّابَّةِ فِي الْحِمَارِ، وَالْمَمْلُوكِ فِي الْأَبْيَضِ، وَالثَّوْبِ فِيمَا يَسْلُكُ فِي الْعُنُقِ، فَحَلَفَ حَالِفٌ: أَنْ لَا يَشْتَرِيَ دَابَّةً وَلَا مَمْلُوكًا وَلَا ثَوْبًا، وَلَا نِيَّةَ لَهُ، فَلَا يَحْنَثُ بِشِرَاءِ فَرَسٍ وَلَا زِنْجِيٍّ وَلَا عِمَامَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَيْسَ فِيهِ بِسَاطٌ] : أَيْ لِمَا عَلِمْت مِنْ شَرْحِ النَّظْمِ. تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ أَمْثِلَةِ الْبِسَاطِ: مَنْ حَلَفَ لَيَشْتَرِيَن دَارَ فُلَانٍ فَلَمْ يَرْضَ بِثَمَنِ مِثْلِهَا، فَأَقْوَى الْقَوْلَيْنِ عَدَمُ الْحِنْثِ كَمَا فِي (ح) وَكَذَا لَيَبِيعَن فَأَعْطَى دُونَ ثَمَنِ الْمِثْلِ (اهـ) . وَمِنْ ذَلِكَ مَنْ سَمِعَ الطَّبِيبَ يَقُولُ: لَحْمُ الْبَقَرِ دَاءٌ فَحَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَلَا يَحْنَثُ بِلَحْمِ الضَّأْنِ، وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ قِيلَ لَهُ: أَنْتَ تُزَكِّي الشُّهُودَ لِأَجْلِ شَيْءٍ تَأْخُذُهُ مِنْهُمْ، فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ إنَّهُ لَا يُزَكِّي وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَلَا يَحْنَثُ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ مَالِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا إذَا حَلَفَ أَنَّ زَوْجَتَهُ لَا تُعْتِقُ أَمَتَهَا وَكَانَتْ أَعْتَقَتْهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ لَمْ يَحْلِفْ كَمَا فِي الْبَدْرِ. وَمِنْهَا مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ يَنْطِقُ بِمِثْلِ مَا تَنْطِقُ بِهِ زَوْجَتُهُ فَقَالَتْ أَنْتَ طَالِقٌ فَلَا يُحَاكِيهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ حَلَفَتْ زَوْجَةُ أَمِيرٍ أَنَّهَا لَا تَسْكُنُ بَعْدَ مَوْتِهِ دَارَ الْإِمَارَةِ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ أَمِيرًا آخَرَ فَأَسْكَنَهَا بِهَا لَمْ تَحْنَثْ لِأَنَّ بِسَاطَ يَمِينِهَا انْحِطَاطُ دَرَجَتِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ، وَمِنْهُ لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا ثُمَّ وَجَدَ فِي حِجْرِ زَوْجَتِهِ شَيْئًا مَسْتُورًا فَقَالَتْ لَا أُرِيكَهُ حَتَّى تَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ لَتَأْكُلَن مِنْهُ، فَحَلَفَ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ الَّذِي فِي حِجْرِهَا بَيْضًا وَلَا يَلْزَمُهُ الْأَكْلُ مِنْهُ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) وَالْعَالِمُ بِالْقَوَاعِدِ يَقِيسُ. [مِمَّا يُخَصِّصُ الْيَمِينَ العرف الْقَوْلِيّ] قَوْلُهُ: [فَعُرْفٌ قَوْلِيٌّ] : اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْفِعْلِيِّ، فَإِنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ، فَقَالَ

[مما يخصص اليمين العرف الشرعي]

(فَشَرْعِيٌّ) : أَيْ فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ نِيَّةٌ وَلَا بِسَاطٌ وَلَا عُرْفٌ قَوْلِيٌّ، فَالْعُرْفُ الشَّرْعِيُّ إنْ كَانَ الْحَالِفُ مِنْ أَهْلِ الشَّرْعِ. فَمَنْ حَلَفَ: لَا يُصَلِّي فِي هَذَا الْوَقْتِ أَوْ لَا يَصُومُ أَوْ لَا يَتَوَضَّأُ أَوْ لَا يَتَطَهَّرُ أَوْ لَا يَتَيَمَّمُ حَنِثَ بِالشَّرْعِيِّ مِنْ ذَلِكَ دُونَ اللُّغَوِيِّ. (وَإِلَّا) يُوجَدُ شَيْءٌ مِنْ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ (حَنِثَ) فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ، وَهِيَ: لَأَفْعَلَنَّ، أَوْ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ، (بِفَوَاتِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ) : أَيْ يَتَعَذَّرُ فِعْلُهُ نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَأَدْخُلَنَّ الدَّارَ وَلَأَطَأَنَّ الزَّوْجَةَ وَلَأَلْبَسَنَّ الثَّوْبَ، وَنَحْوَ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ مَا ذُكِرَ فَعَلَيَّ كَذَا، فَتَعَذَّرَ فِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (وَلَوْ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ كَحَيْضٍ) لِمَنْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّهَا اللَّيْلَةَ، (أَوْ) مَانِعٍ (عَادِيٍّ كَسَرِقَةٍ) لِثَوْبٍ حَلَفَ لَيَلْبِسَنَّهُ، أَوْ حَيَوَانٍ حَلَفَ لَأَذْبَحَنَّهُ، أَوْ طَعَامٍ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَرَافِيُّ: لَا يُعْتَبَرُ تَخْصِيصُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِاعْتِبَارِهِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا وَكَانَ بَلَدُ الْحَالِفِ لَا يَأْكُلُونَ إلَّا خُبْزَ الشَّعِيرِ فَأَكْلُ الشَّعِيرِ عِنْدَهُمْ عُرْفٌ فِعْلِيٌّ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ خُبْزِ الْقَمْحِ عَلَى مَا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَيَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ. [مِمَّا يُخَصِّصُ الْيَمِينَ العرف الشَّرْعِيّ] قَوْلُهُ: [فَشَرْعِيٌّ] : أَيْ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمَقْصِدِ اللُّغَوِيِّ عَلَى الرَّاجِحِ كَمَا فِي نَقْلِ الْمَوَّاقِ عَنْ سَحْنُونَ، خِلَافًا لِخَلِيلٍ حَيْثُ قَدَّمَ اللُّغَوِيَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [دُونَ اللُّغَوِيِّ] : أَيْ فَلَا يَحْنَثُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا بِغُسْلِ الْيَدَيْنِ إلَى الْكُوعَيْنِ مَثَلًا. [عِنْد فَقَدْ مَا يخصص الْيَمِين أَوْ يقيدها يحنث بِفَوَاتِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ] قَوْلُهُ: [مِنْ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ] : أَيْ أَوْ الْخَمْسَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْفِعْلِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ اللُّغَوِيَّ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ وَضْعِ اللَّفْظِ، فَلَيْسَ فِيهِ تَخْصِيصٌ وَلَا تَعْمِيمٌ فَالْحَمْلُ عَلَيْهِ أَصْلٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَنْ الْمُخَصِّصَاتِ وَعَدَمِ الْقَرَائِنِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ] : أَيْ هَذَا إذَا كَانَ الْفَوَاتُ لِغَيْرِ مَانِعٍ بِأَنْ تَرَكَهُ اخْتِيَارًا، بَلْ وَلَوْ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ إلَخْ، وَرَدَّ (لَوْ) فِي الشَّرْعِيِّ عَلَى ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَيْضِ، وَعَلَى سَحْنُونَ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ حَلَفَ لَيَطَأَن أَمَتَهُ فَبَاعَهَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِ لِفَلَسِهِ، وَفِي الْعَادِي عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ أَشْهَبَ مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ.

وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ لَا نِيَّةَ وَلَا بِسَاطَ. (لَا) يَحْنَثُ بِمَانِعٍ (عَقْلِيٍّ: كَمَوْتٍ) لِحَيَوَانٍ (فِي) حَلِفِهِ: (لَيَذْبَحَنَّهُ) ، وَخَرْقِ ثَوْبٍ فِي لَأَلْبَسَنَّهُ. وَمَحَلُّ عَدَمِ الْحِنْثِ فِي الْعَقْلِيِّ: (إنْ لَمْ يُفَرِّطْ) بِأَنْ بَادَرَ فَحَصَلَ الْمَانِعُ قَبْلَ الْإِمْكَانِ. فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْفِعْلُ وَفَرَّطَ حَتَّى حَصَلَ الْمَانِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ لَا نِيَّةَ وَلَا بِسَاطَ] : أَيْ وَلَا تَقْيِيدَ بِأَنْ أَطْلَقَ فِي يَمِينِهِ. وَلَمْ يُقَيِّدْ بِإِمْكَانِ الْفِعْلِ وَلَا بِعَدَمِهِ، وَأَوْلَى لَوْ قَالَ: لَأَفْعَلَنهُ قَدَرَتْ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ لَا، أَمَّا إنْ قَيَّدَ بِإِمْكَانِ الْفِعْلِ فَلَا حِنْثَ بِفَوَاتِهِ فِي الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ وَالْعَادِيِّ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [لَا يَحْنَثُ بِمَانِعٍ عَقْلِيٍّ] : مِنْ جُمْلَةِ أَمْثِلَتِهِ مَا إذَا حَلَفَ ضَيْفٌ عَلَى رَبِّ مَنْزِلٍ أَنَّهُ لَا يَذْبَحُ لَهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ ذَبَحَ لَهُ، أَوْ حَلَفَ الرَّجُلُ لَيَفْتَضَّنَّ زَوْجَتَهُ بِذَكَرِهِ مَثَلًا فَوَجَدَ عُذْرَتَهَا سَقَطَتْ، فَلَا حِنْثَ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْوَاقِعِ وَتَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ عَقْلًا كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْفِعْلُ] إلَخْ: الْحَاصِلُ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إذَا فَاتَ بِمَانِعٍ عَقْلِيٍّ، إمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ عَيَّنَ وَقْتًا لِفِعْلِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ وَقَّتَ وَفَاتَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَحْنَثْ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَلَوْ فَرَّطَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤَقِّتْ فَلَا حِنْثَ إنْ حَصَلَ الْمَانِعُ عَقِبَهُ، أَوْ تَأَخَّرَ بِلَا تَفْرِيطٍ، فَإِنْ فَرَّطَ مَعَ التَّأْخِيرِ حَنِثَ وَقَدْ نَظَّمَ الْأُجْهُورِيُّ هَذَا الْمَبْحَثَ بِقَوْلِهِ: إذَا فَاتَ مَحْلُوفٌ عَلَيْهِ ... لِمَانِعٍ فَإِنْ كَانَ شَرْعِيًّا فَحِنْثُهُ مُطْلَقَا كَعَقْلِيٍّ أَوْ عَادِيٍّ إنْ يَتَأَخَّرَا ... وَفَرَّطَ حَتَّى فَاتَ دَامَ لَك الْبَقَا وَإِنْ أَقَّتَ أَوْ كَانَ مِنْهُ تَبَادُرٌ ... فَحِنْثُهُ بِالْعَادِيِّ لَا غَيْرُ مُطْلَقَا وَإِنْ كَانَ كُلٌّ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُمَا ... فَلَا حِنْثَ فِي حَالٍ فَخُذْهُ مُحَقَّقَا قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَقَامِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً، وَذَلِكَ أَنَّك تَقُولُ: يَحْنَثُ بِالْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ، أَقَّتَ أَمْ لَا، فَرَّطَ أَمْ لَا، فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ وَلَا حِنْثَ بِالْمَانِعِ الْعَقْلِيِّ إذَا تَقَدَّمَ أَقَّتَ أَمْ لَا فَرَّطَ أَمْ لَا فَهَذِهِ أَرْبَعٌ، وَأَمَّا إذَا تَأَخَّرَ فَلَا حِنْثَ فِي ثَلَاثٍ: وَهِيَ مَا إذَا أَقَّتَ فَرَّطَ أَمْ لَا، أَوْ لَمْ يُؤَقِّتْ وَلَمْ يُفَرِّطْ، فَإِذَا لَمْ يُؤَقِّتْ وَفَرَّطَ فَيَحْنَثُ؛ وَأَمَّا الْمَانِعُ الْعَادِيُّ فَلَا حِنْثَ بِالْمُتَقَدِّمِ فَرَّطَ أَمْ لَا أَقَّتَ

حَنِثَ. (وَ) حَنِثَ (بِالْعَزْمِ عَلَى الضِّدِّ) : أَيْ تَرَكَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ بِأَنْ عَزَمَ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ أَوْ الْوَطْءِ أَوْ اللُّبْسِ فِي الْأَمْثِلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ، وَلَا يَنْفَعُهُ فِعْلُهُ وَيَلْزَمُهُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مِنْ طَلَاقٍ وَنَحْوِهِ، وَلَا يَنْفَعُهُ الْفِعْلُ بَعْدَ الْعَزْمِ عَلَى التَّرْكِ؛ وَهَذَا فِي الْحِنْثِ الْمُطْلَقِ. وَأَمَّا الْمُقَيَّدُ بِزَمَنٍ نَحْوَ: لَأَدْخُلَنَّ الدَّارَ فِي هَذَا الشَّهْرِ، أَوْ: إنْ لَمْ أَدْخُلْهَا فِي شَهْرِ كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ فَلَا يَحْنَثُ بِالْعَزْمِ عَلَى الضِّدِّ. (وَ) حَنِثَ فِي صِيغَةِ الْبِرِّ نَحْوَ: لَا أَفْعَلُ كَذَا (بِالنِّسْيَانِ) أَيْ بِفِعْلِهِ نَاسِيًا لِحَلِفِهِ، (وَالْخَطَأِ) كَمَا لَوْ فَعَلَهُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَيَحْنَثُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمْ لَا؛ فَهَذِهِ أَرْبَعٌ، وَيَحْنَثُ بِالْمُتَأَخِّرِ أَقَّتَ أَمْ لَا فَرَّطَ أَمْ لَا، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا التَّقْسِيمِ مِنْ التَّسَامُحِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَنْعُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْيَمِينِ فَلَا يَتَأَتَّى تَفْرِيطٌ (اهـ) . قَوْلُهُ: [حَنِثَ] : ظَاهِرُهُ أَقَّتَ أَمْ لَا وَهُوَ وَجِيهٌ وَلَكِنْ تَقَدَّمَ عَنْ الْحَاشِيَةِ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُؤَقِّتًا. قَوْلُهُ: [وَحَنِثَ بِالْعَزْمِ عَلَى الضِّدِّ] : ظَاهِرُهُ تَحَتُّمُ الْحِنْثِ بِذَلِكَ وَهُوَ طَرِيقَةُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَالْقَرَافِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: غَايَةُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْحَالِفَ بِصِيغَةِ الْحِنْثِ الْمُطْلَقِ لَهُ تَحْنِيثُ نَفْسِهِ بِالْعَزْمِ عَلَى الضِّدِّ وَيُكَفِّرُ وَلَا يَتَحَتَّمُ الْحِنْثُ إلَّا بِفَوَاتِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ لِحَلِفِهِ وَيُبْطِلَ الْعَزْمَ كَمَا إذَا قَالَ: إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ فَعَلَيَّ كَذَا، ثُمَّ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الزَّوَاجِ فَلَهُ الرُّجُوعُ لِلزَّوَاجِ وَإِبْطَالُ عَزْمِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِمَّا حَلَفَ بِهِ، وَاخْتَارَ (ر) هَذِهِ الطَّرِيقَةَ نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ، لَكِنَّ بْنَ رَدَّ قَوْلَ (ر) كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي تَقْرِيرِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَنْفَعُهُ فِعْلُهُ بَعْدُ] : أَيْ خِلَافًا لِمَا اخْتَارَهُ (ر) كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [فَلَا يَحْنَثُ بِالْعَزْمِ عَلَى الضِّدِّ] : أَيْ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِعَدَمِ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إذَا فَاتَ الْأَجَلُ. قَوْلُهُ: [بِالنِّسْيَانِ] : أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَالسُّيُورِيِّ وَجَمْعٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ حَيْثُ قَالُوا بِعَدَمِ الْحِنْثِ بِالنِّسْيَانِ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ. قَوْلُهُ: [وَالْخَطَأُ كَمَا لَوْ فَعَلَهُ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَهَا مُعْتَقِدًا أَنَّهَا غَيْرُهَا، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْخَطَأِ

وَهَذَا (إنْ أَطْلَقَ) فِي يَمِينِهِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِعَمْدٍ وَلَا تَذْكَارٍ. فَإِنْ قَيَّدَ بِأَنْ قَالَ: لَا أَفْعَلُهُ مَا لَمْ أَنْسَ أَوْ عَامِدًا مُخْتَارًا أَوْ مُتَذَكِّرًا فَلَا حِنْثَ بِالنِّسْيَانِ أَوْ الْخَطَأِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا حِنْثَ فِي الْإِكْرَاهِ فِي الْبِرِّ. (وَ) حَنِثَ فِي الْبِرِّ (بِالْبَعْضِ) أَيْ بِفِعْلِ بَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَى تَرْكِهِ، فَمَنْ حَلَفَ لَا آكُلُ الرَّغِيفَ أَوْ هَذَا الطَّعَامَ فَأَكَلَ بَعْضَهُ وَلَوْ لُقْمَةً حَنِثَ. وَأَمَّا صِيغَةُ الْحِنْثِ نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَآكُلَن هَذَا الطَّعَامَ أَوْ الرَّغِيفَ، أَوْ إنْ لَمْ آكُلْهُ فَهِيَ طَالِقٌ، فَلَا يَبَرُّ بِفِعْلِ الْبَعْضِ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: (عَكْسُ الْبِرِّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْضًا مَا إذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ مِنْهُ دَرَاهِمَ فَتَنَاوَلَ مِنْهُ ثَوْبًا: تَبَيَّنَ أَنَّ فِيهِ دَرَاهِمَ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَقِيلَ بِعَدَمِ الْحِنْثِ وَقِيلَ بِالْحِنْثِ إنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّ فِيهِ دَرَاهِمَ قِيَاسًا عَلَى السَّرِقَةِ وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ، وَأَمَّا الْغَلَطُ اللِّسَانِيُّ فَالصَّوَابُ عَدَمُ الْحِنْثِ بِهِ كَحَلِفِهِ: لَا أَذْكُرُ فُلَانًا فَسَبَقَ لِسَانُهُ بِهِ، وَمَا وَقَعَ فِي كَلَامِهِمْ مِنْ الْحِنْثِ بِالْغَلَطِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْغَلَطُ الْجَنَانِيُّ الَّذِي هُوَ الْخَطَأُ كَذَا فِي (بْنِ) . قَوْلُهُ: [فَلَا حِنْثَ بِالنِّسْيَانِ وَالْخَطَأِ] : أَيْ اتِّفَاقًا وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَا أَفْعَلُهُ عَمْدًا وَلَا نِسْيَانًا، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ اتِّفَاقًا، فَإِذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ فِي غَدٍ فَأَكَلَ فِيهِ نِسْيَانًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَلَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَصُومَن غَدًا فَأَصْبَحَ صَائِمًا ثُمَّ أَكَلَ نَاسِيًا فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ كَمَا فِي سَمَاعِ عِيسَى، لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى الصَّوْمِ وَقَدْ وُجِدَ وَاَلَّذِي فَعَلَهُ نِسْيَانًا هُوَ الْأَكْلُ، وَهَذَا الْأَكْلُ غَيْرُ مُبْطِلٍ لِصَوْمِهِ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ فِي التَّطَوُّعِ لَا يُبْطِلُهُ وَهَذَا الصَّوْمُ كَتَطَوُّعٍ بِحَسَبِ الْأَصْلِ، فَلَمَّا لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ لَمْ يَحْنَثْ (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [فَأَكَلَ بَعْضَهُ وَلَوْ لُقْمَةً حَنِثَ] : قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَوْ قَيَّدَ بِالْكُلِّ (اهـ.) أَيْ بِأَنْ قَالَ: لَا آكُلُ كُلَّ الرَّغِيفِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ مُحَشِّيهِ: وَاسْتُشْكِلَ هَذَا بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ إفَادَةَ كُلٍّ لِلْكُلِّيَّةِ مَحَلُّهُ مَا لَمْ تَقَعْ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ، وَإِلَّا لَمْ يَسْتَغْرِقْ غَالِبًا بَلْ يَكُونُ الْمَقْصُودُ نَفْيَ الْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الصَّادِقَةِ بِالْبَعْضِ كَقَوْلِهِ: مَا كُلُّ مَا يَتَمَنَّى الْمَرْءُ يُدْرِكُهُ ... تَجْرِي الرِّيَاحُ بِمَا لَا تَشْتَهِي السُّفُنُ وَمَا هُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ اسْتِغْرَاقُهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 23] فَتَأَمَّلْهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: رُوعِيَ فِي هَذَا الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ الْوَجْهُ الْقَلِيلُ

أَيْ لَا يَبَرُّ بِالْبَعْضِ أَيْ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ،. (وَ) حَنِثَ (بِالسَّوِيقِ أَوْ اللَّبَنِ) أَيْ بِشُرْبِهِمَا (فِي) حَلِفِهِ: (لَا آكُلُ) طَعَامًا لِأَنَّ شُرْبَهُمَا أَكْلٌ شَرْعًا وَلُغَةً، وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ لَا نِيَّةَ وَلَا بِسَاطَ،. (وَ) حَنِثَ (بِلَحْمِ حُوتٍ أَوْ) لَحْمِ (طَيْرٍ أَوْ) أَكْلِ (شَحْمٍ فِي: لَحْمٍ) أَيْ فِي حَلِفِهِ لَا آكُلُ لَحْمًا. (وَ) حَنِثَ (بِوُجُودِ أَكْثَرَ) مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ (فِي) حَلِفِهِ: (لَيْسَ مَعِي غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ هَذَا الْقَدْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (لِسَائِلٍ) سَأَلَهُ أَنْ يُسَلِّفَهُ أَوْ يَقْضِيَهُ حَقَّهُ أَوْ يَهَبَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَيْثُ لَا نِيَّةَ وَلَا بِسَاطَ، لِأَنَّ الْحِنْثَ يَقَعُ بِأَدْنَى وَجْهٍ فَتَأَمَّلْ (اهـ) وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْحِنْثِ بِالْبَعْضِ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ هَذَا الثَّوْبَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِإِدْخَالِ طَوْقِهِ فِي عُنُقِهِ وَمَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي حَنِثَ بِالْإِحْرَامِ، وَمَنْ حَلَفَ لَا يَصُومُ حَنِثَ بِالْإِصْبَاحِ نَاوِيًا وَلَوْ أَفْسَدَ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِمَا، بَلْ فِي (ح) إنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَنِثَ بِوَضْعِ رِجْلِهِ فِي الرِّكَابِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَى الدَّابَّةِ حَيْثُ اسْتَقَلَّ عَنْ الْأَرْضِ، وَإِنْ عَلَّقَ يَمِينَهُ عَلَى وَضْعِ مَا فِي الْبَطْنِ فَوَضَعَتْ وَاحِدًا وَبَقِيَ وَاحِدٌ حَنِثَ بِوَضْعِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَطَؤُهَا حَنِثَ بِمَغِيبِ الْحَشَفَةِ، وَقِيلَ بِالْإِنْزَالِ، وَلَا يَحْنَثُ بِبَعْضِ الْحَشَفَةِ لِتَعْوِيلِ. الشَّارِعِ فِي أَحْكَامِ الْوَطْءِ عَلَى مَغِيبِ الْحَشَفَةِ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ الدَّارَ لَمْ يَحْنَثْ بِإِدْخَالِ رَأْسِهِ بِخِلَافِ رِجْلِهِ وَالْأَظْهَرُ إنْ اعْتَمَدَ عَلَيْهَا اُنْظُرْ الْبَدْرَ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) قَوْلُهُ: [أَيْ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ] : أَيْ إذَا كَانَتْ الصِّيغَةُ صِيغَةَ حِنْثٍ وَحَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ ذِي أَجْزَاءٍ فَلَا يَبَرُّ بِفِعْلِ الْبَعْضِ؛ وَذَكَرَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَيْهِ بِالْأَكْلِ، فَإِنْ كَانَ فِي آخِرِ الْأَكْلِ فَلَا يَبَرُّ الْحَالِفُ إلَّا بِأَكْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ثَلَاثَ لُقَمٍ فَأَكْثَرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي آخِرِ الْأَكْلِ فَلَا يَبَرُّ إلَّا بِشِبَعٍ مِثْلُهُ. قَوْلُهُ: [أَيْ بِشُرْبِهِمَا] : أَيْ لَا بِشُرْبِ الْمَاءِ وَلَوْ مَاءَ زَمْزَمَ فَلَا يَحْنَثُ إذْ هُوَ لَيْسَ بِطَعَامٍ عُرْفًا، وَإِنْ كَانَ مَاءُ زَمْزَمَ طَعَامًا شَرْعًا وَالْعُرْفُ مُقَدَّمٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَحَلُّ حِنْثِهِ بِشُرْبِ اللَّبَنِ وَالسَّوِيقِ إنْ قَصَدَ التَّضْيِيقَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنْ لَا يُدْخِلَ فِي بَطْنِهِ طَعَامًا إذْ هُمَا مِنْ الطَّعَامِ فَإِنْ قَصَدَ الْأَكْلَ دُونَ الشُّرْبِ فَلَا حِنْثَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ لَا نِيَّةَ وَلَا بِسَاطَ. قَوْلُهُ: [وَحَنِثَ بِلَحْمِ حُوتٍ] إلَخْ: أَيْ لِصِدْقِ اللَّحْمِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَالَ

كَذَا فَحَلَفَ: لَيْسَ مَعِي إلَّا عَشَرَةٌ لَا غَيْرُ، فَإِذَا مَعَهُ أَكْثَرُ. وَإِنَّمَا يَحْنَثُ (فِيمَا لَا لَغْوَ فِيهِ) مِنْ الْأَيْمَانِ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، وَأَمَّا مَا فِيهِ لَغْوٌ - وَهِيَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ - فَلَا حِنْثَ كَمَا تَقَدَّمَ. (لَا) بِوُجُودِ (أَقَلَّ) مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَلَا حِنْثَ لِظُهُورِ أَنَّ الْمُرَادَ: لَيْسَ مَعِي مَا يَزِيدُ عَلَى مَا حَلَفْت عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ مَعِي أَزْيَدَ لَأَعْطَيْتُك مَا سَأَلْت فَمَقْصُودُهُ بِالْيَمِينِ نَفْيُ الْأَكْثَرِ لَا الْأَقَلِّ. (وَ) حَنِثَ (بِدَوَامِ رُكُوبِهِ أَوْ) دَوَامِ (لُبْسِهِ فِي) حَلِفِهِ: (لَا أَرْكَبُ) هَذِهِ الدَّابَّةَ، (وَ) : لَا (أَلْبَسُ) هَذَا الثَّوْبَ؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ كَالِابْتِدَاءِ، (وَ) حَنِثَ (بِدَابَّةٍ) أَيْ بِرُكُوبِ دَابَّةِ (عَبْدِهِ) : أَيْ عَبْدِ زَيْدٍ مَثَلًا (فِي) حَلِفِهِ عَلَى رُكُوبِ (دَابَّتِهِ) أَيْ زَيْدٍ؛ لِأَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ. وَالْمَوْضُوعُ - كَمَا تَقَدَّمَ - عَدَمُ النِّيَّةِ وَالْبِسَاطِ. (وَ) حَنِثَ (بِجَمْعِ الْأَسْوَاطِ) الْعَشَرَةِ مَثَلًا (فِي) حَلِفِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَالَى: {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: 14] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة: 21] وَشُمُولُ اللَّحْمِ لِلشَّحْمِ ظَاهِرٌ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحِنْثِ بِلَحْمِ الْحُوتِ وَمَا بَعْدَهُ فِي حَلِفِهِ لَا آكُلُ لَحْمًا عُرْفٌ مَضَى، وَأَمَّا عُرْفُ زَمَانِنَا خُصُوصًا بِمِصْرَ فَلَا يَحْنَثُ بِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا عُرْفًا وَالْعُرْفُ الْقَوْلِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَقْصِدِ الشَّرْعِيِّ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ. قَوْلُهُ: [فِي حَلِفِهِ لَا أَرْكَبُ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا لَوْ حَلَفَ لَأَرْكَبَن أَوْ أَلْبَسَن بَرَّ بِدَوَامِ الرُّكُوبِ، وَاللُّبْسِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يَظُنُّ الرُّكُوبَ وَاللُّبْسَ فِيهَا، فَإِذَا كَانَ مُسَافِرًا مَسَافَةَ يَوْمَيْنِ وَقَالَ: وَاَللَّهِ لَأَرْكَبَن الدَّابَّةَ وَالْحَالُ أَنَّهُ رَاكِبٌ لَهَا فَلَا يَبَرُّ إلَّا إذَا رَكِبَهَا بَاقِي الْمَسَافَةِ وَلَا يَضُرُّ نُزُولُهُ فِي مُقْتَضَيَاتِ النُّزُولِ وَكَذَا يُقَالُ فِي حَلِفِهِ لَأَلْبَسَن. قَوْلُهُ: [أَيْ بِرُكُوبِ دَابَّةِ عَبْدِهِ] : وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ مُكَاتَبًا، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ نَظَرًا لِلُحُوقِ الْمِنَّةِ بِهَا كَلُحُوقِهَا بِدَابَّةِ سَيِّدِهِ، وَقَالَ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ: لَا يَحْنَثُ بِدَابَّةِ مُكَاتَبِهِ فَهُمَا قَوْلَانِ، وَمَفْهُومُ (عَبْدِهِ) أَنْ لَا يَحْنَثَ بِدَابَّةِ وَلَدِهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ

(لَأَضْرِبَنَّهُ كَذَا) أَيْ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ وَضَرَبَهُ بِالْعَشَرَةِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَبَرُّ وَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الضَّرْبَ بِهَا مَجْمُوعَةً لَا يُؤْلِمُهُ كَالْمُفَرَّقَةِ. (وَ) حَنِثَ (بِفِرَارِ الْغَرِيمِ) مِنْهُ (فِي) حَلِفِهِ لِغَرِيمِهِ: (لَا فَارَقْتُك) أَيُّهَا الْغَرِيمُ (أَوْ لَا فَارَقْتنِي حَتَّى يَقْضِيَنِي حَقِّي) فَفَرَّ مِنْهُ، (وَلَوْ لَمْ يُفَرِّطْ) بِأَنْ انْفَلَتَ مِنْهُ كُرْهًا عَلَيْهِ (أَوْ) أَنَّ الْغَرِيمَ (أَحَالَهُ) : أَيْ أَحَالَ الْحَالِفَ عَلَى مَدِينٍ لَهُ فَرَضِيَ الْحَالِفُ بِالْحَوَالَةِ وَتَرَكَ سَبِيلَهُ فَيَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى: إلَّا أَنْ تَقْضِيَنِي بِنَفْسِك، إلَّا لِنِيَّةٍ أَوْ بِسَاطٍ. (وَ) حَنِثَ (بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِ بَيْتًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ (مَيِّتًا) ، (أَوْ) دَخَلَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاعْتِصَارُهَا. وَرَجَّحَ بَعْضُهُمْ الْحِنْثَ بِدَابَّةِ وَلَدِهِ حَيْثُ كَانَ لَهُ اعْتِصَارُهَا لِتَحَقُّقِ الْمِنَّةِ بِهَا فَتَأَمَّلْ، لَكِنْ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: إنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ مَوْجُودٌ فِي دَابَّةِ الْوَلَدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ اعْتِصَارُهَا. قَوْلُهُ: [وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَبَرُّ] : أَيْ أَنَّ الصِّيغَةَ صِيغَةُ حِنْثٍ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْفِعْلِ لَا بِالتَّرْكِ، وَلَا يَحْتَسِبُ بِالضَّرْبَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ جَمِيعِهَا حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ بِهَا إيلَامٌ كَالْمُنْفَرِدَةِ، وَإِلَّا حُسِبَتْ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ مُنْفَرِدًا عَنْ الْآخَرِ فِيمَا عَدَا مَحَلِّ مَسْكَنِهِ، وَيَحْصُلُ بِكُلِّ إيلَامٍ مُنْفَرِدٍ أَوْ قَرِيبٍ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَحْتَسِبُ بِذَلِكَ فَلَوْ ضَرَبَهُ الْعَدَدَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ كَمِائَةِ سَوْطٍ بِسَوْطٍ لَهُ رَأْسَانِ خَمْسِينَ ضَرْبَةً، فَإِنَّهُ يَجْتَزِئُ بِذَلِكَ (اهـ.) . قَوْلُهُ: [وَحَنِثَ بِفِرَارِ الْغَرِيمِ] : لَا يُقَالُ الْفِرَارُ إكْرَاهٌ وَهَذِهِ الصِّيغَةُ صِيغَةُ بِرٍّ؛ لِأَنَّنَا نَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْفِرَارَ إكْرَاهٌ، سَلَّمْنَا أَنَّهُ إكْرَاهٌ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الصِّيغَةَ صِيغَةُ بِرٍّ، بَلْ صِيغَةُ حِنْثٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَأُلْزِمَنك - اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ (اهـ. بْن مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [أَوْ أَنَّ الْغَرِيمَ أَحَالَهُ] : أَيْ فَبِمُجَرَّدِ قَبُولِ الْحَوَالَةِ يَحْنَثُ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ مُفَارَقَةٌ مِنْ الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُفَارَقَةِ، وَلَوْ قَبَضَ الْحَقَّ بِحَضْرَةِ الْغَرِيمِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْحِنْثِ بِالْحَوَالَةِ خِلَافُ عُرْفِ مِصْرَ الْآنَ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ. قَوْلُهُ: [فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَيِّتًا] : أَيْ قَبْلَ الدَّفْنِ، وَأَمَّا لَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتًا دُفِنَ فِيهِ فَلَا حِنْثَ.

(فِي بَيْتِ شَعْرٍ، أَوْ) دَخَلَ عَلَيْهِ فِي (سِجْنٍ بِحَقٍّ) كَأَنْ سُجِنَ لِدَيْنٍ أَوْ نَحْوِهِ، لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ الشَّرْعِيَّ كَلَا إكْرَاهَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سُجِنَ ظُلْمًا فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ، وَلَا حِنْثَ فِي الْإِكْرَاهِ كَمَا تَقَدَّمَ (فِي) حَلِفِهِ فِي الْجَمِيعِ: (لَا أَدْخُلُ عَلَيْهِ بَيْتًا. لَا) يَحْنَثُ (بِدُخُولِ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ) عَلَى الْحَالِفِ وَلَوْ اسْتَمَرَّ الْحَالِفُ جَالِسًا (إنْ لَمْ يَنْوِ) الْحَالِفُ بِقَوْلِهِ: لَا أَدْخُلُ عَلَيْهِ بَيْتًا (الْمُجَامَعَةَ) : أَيْ الِاجْتِمَاعَ مَعَهُ فِي مَكَان، وَإِلَّا حَنِثَ،. (وَ) حَنِثَ (بِتَكْفِينِهِ) أَيْ إدْرَاجِهِ فِي الْكَفَنِ أَوْ تَغْسِيلِهِ (فِي) حَلِفِهِ: (لَا يَنْفَعُهُ حَيَاتَهُ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَعَلُّقَاتِ الْحَيَاةِ. (وَ) حَنِثَ (بِالْكِتَابِ) الَّذِي كَتَبَهُ أَوْ أَمَرَ بِكَتْبِهِ (إنْ وَصَلَ) لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَازِمًا حِينَ كِتَابَتِهِ أَوْ إمْلَائِهِ أَوْ الْأَمْرِ بِكِتَابَتِهِ أَمْ لَا، لَا إنْ لَمْ يَصِلْ وَلَوْ كَانَ عَازِمًا عَلَيْهِ حِينَ الْكِتَابَةِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فِي بَيْتِ شِعْرٍ] : الْعُرْفُ الْآنَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحِنْثِ فِيهِ إذْ لَا يُقَالُ لِلشِّعْرِ فِي الْعُرْفِ بَيْتٌ إلَّا إذَا كَانَ الْحَالِفُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ اسْتَمَرَّ الْحَالِفُ جَالِسًا] إلَخْ: أَيْ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ حَيْثُ قَالَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَجْلِسُ بَعْدَ دُخُولِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَإِنْ جَلَسَ وَتَرَاخَى حَنِثَ وَيَصِيرُ كَابْتِدَاءِ دُخُولِهِ هُوَ عَلَيْهِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَإِلَّا حَنِثَ] : أَيْ بِاتِّفَاقٍ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ جُلُوسٌ. قَوْلُهُ: [بِتَكْفِينِهِ] إلَخْ: أَيْ خِلَافًا لِمَا اسْتَظْهَرَهُ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ بِإِدْرَاجِهِ فِي الْكَفَنِ، وَأَوْلَى مِنْ الْإِدْرَاجِ فِي الْحِنْثِ شِرَاءُ الْكَفَنِ لَهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مِنْ عِنْدِهِ، لِأَنَّهُ نَفْعٌ فِي الْجُمْلَةِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَعَلُّقَاتِ الْحَيَاةِ] : أَيْ فَيَشْمَلُ بَاقِي مُؤَنِ التَّجْهِيزِ فَيَحْنَثُ بِهَا عَلَى مَا اخْتَارَ بْن خِلَافًا لعب حَيْثُ قَالَ: لَا يَحْنَثُ: بِبَاقِي مُؤَنِ التَّجْهِيزِ قَوْلُهُ: [إنْ وَصَلَ] : أَيْ وَكَانَ الْوُصُولُ بِأَمْرِ الْحَالِفِ، وَأَمَّا لَوْ دَفَعَهُ الْحَالِفُ لِلرَّسُولِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ نَهَاهُ عَنْ إيصَالِهِ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَعَصَاهُ وَأَوْصَلَهُ فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ لَا بِإِيصَالِهِ وَلَا بِقِرَاءَتِهِ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ..

الْكِتَابَةِ عَازِمًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَسْتَقِلُّ بِهِ الزَّوْجُ بِلَا مُشَافَهَةٍ بِخِلَافِ الْكَلَامِ. (أَوْ) بِإِرْسَالِ (رَسُولٍ) بِكَلَامٍ إنْ بَلَغَ (فِي) حَلِفِهِ: (لَا أُكَلِّمُهُ وَقُبِلَتْ نِيَّتُهُ إنْ ادَّعَى) الْحَالِفُ (الْمُشَافَهَةَ) ، بِأَنْ قَالَ: أَنَا نَوَيْت أَنْ لَا أُكَلِّمَهُ مُشَافَهَةً وَوُصُولُ الْكِتَابِ وَإِبْلَاغُ الرَّسُولِ لَيْسَ فِيهِمَا مُشَافَهَةٌ، فَتُقْبَلُ نِيَّتُهُ مُطْلَقًا فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ، (إلَّا فِي) وُصُولِ (الْكِتَابِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ) فِيمَا إذَا حَلَفَ: إنْ كَلَّمْته فَهِيَ طَالِقٌ، أَوْ: فَعَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ، فَأَرْسَلَ لَهُ كِتَابًا وَوَصَلَهُ فَادَّعَى الْمُشَافَهَةَ: لَمْ يُقْبَلْ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِحَقِّ الْعَبْدِ وَالزَّوْجَةِ، وَلِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ فِي الْأَوَّلِ وَالِاحْتِيَاطِ فِي الْفُرُوجِ فِي الثَّانِي. (وَ) حَنِثَ فِي حَلِفِهِ: لَا كَلَّمَهُ، (بِالْإِشَارَةِ) لَهُ (وَبِكَلَامٍ لَمْ يَسْمَعْهُ) الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (لِنَوْمٍ أَوْ صَمَمٍ) أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَانِعٍ لَوْ فُرِضَ عَدَمُهُ لَسَمِعَهُ عَادَةً، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَلَّمَهُ مِنْ بُعْدٍ لَا يُمْكِنُ سَمَاعُهُ مِنْهُ عَادَةً فَلَا يَحْنَثُ. (وَ) حَنِثَ (بِسَلَامٍ عَلَيْهِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُهُ، أَوْ) كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [يَسْتَقِلُّ بِهِ الزَّوْجُ] إلَخْ: أَيْ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حُضُورِ الزَّوْجَةِ وَلَا عَلَى مُشَافَهَتِهَا بِخِلَافِ الْكَلَامِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى حُضُورِ الْمُخَاطَبِ وَمُشَافَهَتِهِ. قَوْلُهُ: [إنْ بَلَغَ] : أَيْ وَأَمَّا مُجَرَّدُ وُصُولِ الرَّسُولِ مِنْ غَيْرِ تَبْلِيغٍ فَلَا يُوجِبُ الْحِنْثَ. قَوْلُهُ: [إلَّا فِي وُصُولِ الْكِتَابِ] إلَخْ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكِتَابِ وَالرَّسُولِ أَنَّ الْكِتَابَةَ يُقَالُ لَهَا كَلَامُ الْحَالِفِ لُغَةً بِخِلَافِ كَلَامِ الرَّسُولِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ لِلْحَالِفِ لَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا فَلِذَلِكَ قُبِلَتْ نِيَّتُهُ فِيهِ حَتَّى فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: [بِالْإِشَارَةِ] إلَخْ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ سَمِيعًا أَوْ أَصَمَّ أَوْ أَخْرَسَ أَوْ نَائِمًا، لَكِنَّ الَّذِي فِي (ح) : أَنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ الْحِنْثِ بِهَا مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي حِنْثِهِ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ ثَالِثُهَا فِي الَّتِي يَفْهَمُ بِهَا عَنْهُ؛ الْأَوَّلُ لِابْنِ رُشْدٍ عَنْ أَصْبَغَ مَعَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَالثَّانِي لِسَمَاعِ عِيسَى بْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ رُشْدٍ مَعَ ظَاهِرِ إيلَائِهَا، وَالثَّالِثُ لِابْنِ عَبْدُوسٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ (اهـ بْن. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [لَمْ يَسْمَعْهُ] : أَيْ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى لَوْ سَمِعَهُ. قَوْلُهُ: [وَحَنِثَ بِسَلَامٍ عَلَيْهِ] : أَيْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ كَمَا يَأْتِي. وَقَوْلُهُ: [مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُهُ] : أَيْ جَازِمًا أَنَّهُ غَيْرُهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ هُوَ لَا يُقَالُ هَذَا

جَمَاعَةٍ) سَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ (إلَّا أَنْ يُحَاشِيَهُ) : أَيْ يُخْرِجَهُ بِقَلْبِهِ مِنْهُمْ قَبْلَ نُطِقْهُ بِالسَّلَامِ، ثُمَّ يَقْصِدَ بِسَلَامِهِ عَلَيْهِمْ مَنْ سِوَاهُ فَلَا يَحْنَثُ (لَا) إنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ (بِصَلَاةٍ) وَلَوْ كَانَ عَلَى يَسَارِهِ (أَوْ) وُصُولِ (كِتَابِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَهُ) أَيْ الْحَالِفِ (وَلَوْ قَرَأَهُ) الْحَالِفُ فَلَا يَحْنَثُ عَلَى الْأَصَحِّ، (وَ) حَنِثَ (بِفَتْحٍ عَلَيْهِ) ، فِي قِرَاءَةٍ بِأَنْ وَقَفَ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ غَيْرِهِ فَأَرْشَدَهُ لِلصَّوَابِ لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ: قُلْ كَذَا،. (وَ) حَنِثَ (بِخُرُوجِهَا بِلَا عِلْمِهَا بِإِذْنِهِ) لَهَا فِي الْخُرُوجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ اللَّغْوِ وَلَا يَحْنَثُ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ اللَّغْوُ، لِأَنَّنَا نَقُولُ: اللَّغْوُ الْحَلِفُ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ فَيَظْهَرُ نَفْيُهُ، وَالِاعْتِقَادُ هُنَا لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ لَغْوًا بَلْ بِغَيْرِهِ بَلْ هَذَا مِنْ بَابِ الْخَطَأِ وَتَقَدَّمَ الْحِنْثُ بِهِ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يُحَاشِيَهُ] حَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّهُ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْجَمَاعَةِ قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْإِخْرَاجُ بِالنِّيَّةِ أَوْ بِاللَّفْظِ، فَإِنْ حَدَثَتْ الْمُحَاشَاةُ بَعْدَ السَّلَامِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ فَلَا يَنْفَعُهُ إلَّا الْإِخْرَاجُ بِاللَّفْظِ لَا بِالنِّيَّةِ هَكَذَا قِيلَ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْإِخْرَاجَ بِالنِّيَّةِ حَالَ السَّلَامِ يَنْفَعُ. قَوْلُهُ: [لَا إنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ بِصَلَاةٍ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَلَامًا عُرْفًا، بِخِلَافِ السَّلَامِ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مَطْلُوبًا. قَوْلُهُ [فَلَا يَحْنَثُ عَلَى الْأَصَحِّ] : أَيْ عَلَى مَا صَوَّبَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُمَا الْحِنْثُ وَعَدَمُهُ. قَوْلُهُ: [بِفَتْحٍ عَلَيْهِ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ أَوْ فِيهَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْفَتْحُ وَاجِبًا بِأَنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ إمَامًا وَفَتَحَ عَلَيْهِ فِي الْفَاتِحَةِ. إنْ قُلْت: إذَا لَمْ يَحْنَثْ بِسَلَامِ الرَّدِّ فِي الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهُ مَطْلُوبُ اسْتِنَانًا فَأَوْلَى أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالْفَتْحِ عَلَى إمَامِهِ إذَا وَجَبَ؟ أُجِيبُ: بِأَنَّ الْفَتْحَ فِي مَعْنَى الْمُكَالَمَةِ إذْ هُوَ فِي مَعْنَى: قُلْ كَذَا أَوْ اقْرَأْ كَذَا، بِخِلَافِ سَلَامِ الصَّلَاةِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحِنْثِ بِالْفَتْحِ مُطْلَقًا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّهُ يَحْنَثُ بِالْفَتْحِ فِي السُّورَةِ، وَلَا يَحْنَثُ بِالْفَتْحِ عَلَيْهِ بِالْفَاتِحَةِ وَالْفِقْهُ مُسَلَّمٌ وَإِلَّا فَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْفَتْحَ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ كَلَامًا عُرْفًا كَمَا قَالُوا فِي سَلَامِهَا. قَوْلُهُ: [فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ غَيْرِهِ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ وَالْمُنَاسِبُ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا.

(فِي) حَلِفِهِ عَلَى زَوْجَتِهِ: (لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي) وَلَا يَنْفَعُهُ دَعْوَى أَنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِهِ، لِأَنَّ حَلِفَهُ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ إلَّا بِسَبَبِ إذْنِي وَخُرُوجُهَا لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ إذْنِهِ. (وَ) حَنِثَ (بِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ) عَلَى مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ (فِي) حَلِفِهِ: (لَا أَعَارَهُ) شَيْئًا (وَبِالْعَكْسِ) كَأَنْ حَلَفَ لَا وَهَبَهُ شَيْئًا أَوْ لَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَأَعَارَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَنْفَعُهُ بِشَيْءٍ وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ. فَوَهَبَهُ أَوْ عَكْسَهُ الْحِنْثُ بِالْأَوْلَى. (وَنَوَى) : أَيْ قُبِلَتْ نِيَّتُهُ فِي ذَلِكَ إنْ ادَّعَى نِيَّةً حَتَّى فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ لَدَى حَاكِمٍ لِمُسَاوَاةِ نِيَّتِهِ لِظَاهِرِ لَفْظِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) حَنِثَ (بِالْبَقَاءِ) فِي الدَّارِ (وَلَوْ لَيْلًا) وَلَا يُبْرِئُهُ إلَّا الِارْتِحَالُ بِأَثَرِ حَلِفِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فِي حَلِفِهِ عَلَى زَوْجَتِهِ] إلَخْ: صُورَتُهَا حَلَفَ رَجُلٌ عَلَى زَوْجَتِهِ بِالطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ، فَأَذِنَ لَهَا وَخَرَجَتْ بَعْدَ إذْنِهِ لَكِنْ قَبْلَ عِلْمِهَا بِالْإِذْنِ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهَا وَهُوَ حَاضِرٌ أَوْ فِي حَالِ سَفَرِهِ أَشْهَدَ عَلَى الْإِذْنِ أَوْ لَا، بَقِيَ لَوْ أَذِنَ لَهَا وَعَلِمَتْ بِالْإِذْنِ ثُمَّ رَجَعَ فِي إذْنِهِ فَخَرَجَتْ فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَحْنَثُ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَحْنَثُ. قَوْلُهُ: [وَحَنِثَ بِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ] إلَخْ: حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الصُّوَرَ سِتَّةٌ وَهِيَ مَا إذَا حَلَفَ لَا أَعَارَهُ فَوَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ وَبِالْعَكْسِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ، أَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ فَتَصَدَّقَ وَبِالْعَكْسِ فَهَاتَانِ صُورَتَانِ. وَظَاهِرُ شَارِحِنَا أَنَّهُ يَحْنَثُ فِي الْجَمِيعِ مَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَتُقْبَلُ حَتَّى عِنْدَ الْقَاضِي فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ وَفِي الْمَجْمُوعِ مِنْ التَّفْصِيلِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا أَعَارَهُ فَتَصَدَّقَ أَوْ وَهَبَ أَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ فَتَصَدَّقَ، فَإِنْ يَنْوِيَ عِنْدَ الْمُفْتِي مُطْلَقًا وَعِنْدَ الْقَاضِي فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ، وَأَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ أَوْ لَا يَهَبُ فَأَعَارَ أَوْ حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ فَوَهَبَ فَيَنْوِي مُطْلَقًا عِنْدَ الْمُفْتِي وَالْقَاضِي، حَتَّى فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُبْرِئُهُ إلَّا الِارْتِحَالُ بِأَثَرِ حَلِفِهِ] إلَخْ: هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ أَشْهَبَ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُكْمِلَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَقَوْلُ أَصْبَغَ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَزِيدَ

(أَوْ بِإِبْقَاءِ شَيْءٍ) مِنْ مَتَاعِهِ فِيهَا، (إلَّا) مَا لَا بَالَ لَهُ عُرْفًا (كَمِسْمَارٍ) وَوَتَدٍ وَخِرْقَةٍ مِنْ كُلِّ مَا لَا تَلْتَفِتُ النَّفْسُ لَهُ (فِي) حَلِفِهِ: (لَا سَكَنْت) هَذِهِ الدَّارَ، إلَّا أَنْ يَخَافَ مِنْ ظَالِمٍ أَوْ لِصٍّ أَوْ سَبُعٍ إذَا ارْتَحَلَ بِاللَّيْلِ؛ وَلَا يَضُرُّهُ التَّعْزِيلُ فِي يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لِكَثْرَةِ مَتَاعِهِ. وَلَيْسَ مِنْ الْعُذْرِ وُجُودُ بَيْتٍ لَا يُنَاسِبُهُ أَوْ كَثِيرُ الْأُجْرَةِ بَلْ يَنْتَقِلُ وَلَوْ فِي بَيْتِ شَعْرٍ. ثُمَّ إذَا خَرَجَ لَا يَعُودُ وَإِلَّا يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ الْعَوْدِ، بِخِلَافِ: لَأَنْتَقِلَن (لَا) يَحْنَثُ (بِخَزْنٍ) فِيهَا بَعْدَ الِانْتِقَالِ، لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سُكْنَى فِي الْعُرْفِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْقَى فِيهَا شَيْئًا مَخْزُونًا حِينَ الِانْتِقَالِ، (وَلَا) يَحْنَثُ بِالْبَقَاءِ فِيهَا (فِي) حَلِفِهِ: (لَأَنْتَقِلَن) مِنْ هَذِهِ الدَّارِ. وَيُمْنَعُ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ إنْ كَانَ يَمِينُهُ بِالطَّلَاقِ، وَمِنْ بَيْعِ الْعَبْدِ إنْ كَانَ يَمِينُهُ بِالْعِتْقِ حَتَّى يَنْتَقِلَ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهَا يَمِينُ حِنْثٍ. (إلَّا أَنْ يُقَيَّدَ بِزَمَنٍ) كَ: لَأَنْتَقِلَن فِي هَذَا الشَّهْرِ (فَبِمُضِيِّهِ) يَحْنَثُ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِمَا، وَفِي الْأُجْهُورِيِّ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ، وَمَنْ رَاعَى الْعُرْفَ وَالْعَادَةَ أَمْهَلَهُ حَتَّى يُصْبِحَ فَيَنْتَقِلَ لِمَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ مِثْلُهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ بِإِبْقَاءِ شَيْءٍ] : مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالْبَقَاءِ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ حَنِثَ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَخَافَ مِنْ ظَالِمٍ] إلَخْ: أَيْ فَلَا يَحْنَثُ بِبَقَائِهِ لِأَجْلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى الْبَقَاءِ وَيَمِينُهُ صِيغَةُ بِرٍّ وَلَا حِنْثَ فِيهَا بِالْإِكْرَاهِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ لَأَنْتَقِلَن] : أَيْ فَيَجُوزُ لَهُ الْعَوْدُ فِي الدَّارِ بَعْدَ الِانْتِقَالِ بِشَرْطِهِ الْآتِي، وَمِثْلُ: لَأَنْتَقِلَن لَا بَقِيت أَوْ: لَا أَقَمْت، عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَقِيلَ: مِثْلُ: لَا سَكَنْت كَذَا فِي (بْن) فَعَلَى الْمُعْتَمَدِ يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ نِصْفِ شَهْرٍ، إذَا حَلَفَ لَا بَقِيت فِي هَذِهِ الدَّارِ أَوْ لَا أَقَمْت فِيهَا. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْقَى فِيهَا شَيْئًا] إلَخْ: أَيْ لَهُ بَالٌ يَحْمِلُهُ عَلَى الرُّجُوعِ. قَوْلُهُ: [وَيُمْنَعُ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ] : فَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ وَرَافَعَتْهُ الزَّوْجَةُ ضَرَبَ لَهُ أَجَلَ الْإِيلَاءِ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ. قَوْلُهُ: [فَبِمُضِيِّهِ يَحْنَثُ] : أَيْ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ إلَّا إذَا ضَاقَ الْأَجَلُ.

لَمْ يَنْتَقِلْ فِيهِ، وَجَازَ لَهُ الْعَوْدُ بَعْدَ الِانْتِقَالِ لَكِنْ بَعْدَ مُدَّةٍ أَقَلُّهَا نِصْفُ شَهْرٍ، وَنُدِبَ لَهُ كَمَالِهِ وَإِلَّا لَمْ يَبَرَّ إذَا أَبْقَى مَا لَهُ بَالٌ لَا كَمِسْمَارٍ. (وَ) حَنِثَ الْحَالِفُ (بِاسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الدَّيْنِ) الَّذِي وَفَّاهُ لِغَرِيمِهِ الْمَحْلُوفِ لَهُ وَأَوْلَى اسْتِحْقَاقُ الْكُلِّ (أَوْ ظُهُورِ عَيْبِهِ) : أَيْ الدَّيْنِ (بَعْدَ) مُضِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَكِنْ بَعْدَ مُدَّةٍ] إلَخْ: أَيْ مَا لَمْ يُعَيِّنْ مُدَّةً أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَتُعْتَبَرُ. تَنْبِيهٌ: مَنْ حَلَفَ لَا سَاكَنَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ مَثَلًا كَفَى فِي بَرِّهِ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ الْحَالَةِ الَّتِي كَانَا عَلَيْهَا، بِحَيْثُ يَزُولُ عَنْهُمَا اسْمُ الْمُسَاكَنَةِ عُرْفًا وَلَوْ بِضَرْبِ جِدَارٍ بَيْنَهُمَا، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ وَثِيقًا بَلْ يَكْفِي وَلَوْ جَرِيدًا وَيَحْنَثُ بِالزِّيَارَةِ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ قَصَدَ التَّنَحِّيَ. وَأَمَّا إنْ كَانَ الْحَامِلُ لَهُ أُمُورُ الْعِيَالِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يُكْثِرَ الزِّيَارَةَ أَوْ يَبِيتَ بِغَيْرِ عُذْرٍ، بَقِيَ مَا لَوْ حَلَفَ عَلَى عَدَمِ الْمُسَاكَنَةِ وَكَانَا بِحَارَةٍ أَوْ بِحَارَتَيْنِ، أَوْ فِي قَرْيَةٍ أَوْ مَدِينَةٍ، وَالْحُكْمُ أَنَّهُمَا إذَا كَانَا بِحَارَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الِانْتِقَالِ مِنْهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ يَمِينُهُ لَا سَاكَنَهُ أَوْ فِي هَذِهِ الْحَارَّةِ وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ لَا سَاكَنَهُ بِبَلْدَةٍ، أَوْ فِي هَذَا الْبَلَدِ، فَيَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ لِبَلَدٍ لَا يَلْزَمُ أَهْلَهَا السَّعْيُ لِجُمُعَةِ الْأُخْرَى، بِأَنْ يَنْتَقِلَ لِبَلَدٍ عَلَى كَفَرْسَخٍ. وَإِنْ حَلَفَ لَأُسَاكِنُهُ وَالْحَالُ أَنَّهُمَا بِحَارَتَيْنِ لَزِمَهُ الِانْتِقَالُ لِبَلَدٍ آخَرَ عَلَى كَفَرْسَخٍ إنْ صَغُرَتْ الْبَلَدُ الَّتِي هُمَا بِهَا. وَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ كَبِيرًا فَلَا يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ وَيَلْزَمُهُ الْمُبَاعَدَةُ عَنْهُ، وَعَدَمُ سُكْنَاهُ مَعَهُ فَإِنْ سَكَنَ مَعَهُ حَنِثَ كَذَا قِيلَ وَاَلَّذِي فِي (ح) عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ انْتِقَالُهُ لِقَرْيَةٍ أُخْرَى، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ كَبِيرَةٍ وَصَغِيرَةٍ. وَمَنْ حَلَفَ لَأُسَافِرَن فَلَا يَبَرُّ إلَّا بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ حَمْلًا عَلَى الْقَصْدِ الشَّرْعِيِّ دُونَ اللُّغَوِيِّ، وَلَزِمَهُ مُكْثٌ فِي مُنْتَهَى سَفَرِهِ خَارِجًا عَنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ نِصْفَ شَهْرٍ فَلَا يَرْجِعُ لِمَكَانٍ دُونَ الْمَسَافَةِ قَبْلَهُ وَيَنْدُبُ لَهُ كَمَالُ الشَّهْرِ. قَوْلُهُ: [بِاسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الدَّيْنِ] إلَخْ: أَيْ وَقَامَ رَبُّ الدَّيْنِ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَالِاسْتِحْقَاقُ مِثْلُ ظُهُورِ الْعَيْبِ إذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ صَاحِبُهُ لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِاسْتِحْقَاقِ الْبَعْضِ وَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ الْبَاقِي يَفِي بِالدَّيْنِ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ فِي حَقِّهِ إلَّا بِالْكُلِّ، فَلَمَّا ذَهَبَ الْبَعْضُ انْتَقَضَ الرِّضَا، وَظَاهِرُهُ وَأَيْضًا الْحِنْثُ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَلَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحَقُّ أَخَذَ رَبُّ الْحَقِّ ذَلِكَ الشَّيْءَ الْمَقْضِيَّ بِهِ الدَّيْنُ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ وَاخْتَارَ اتِّبَاعَ ذِمَّةِ الدَّافِعِ.

(الْأَجَلِ) الَّذِي حَلَفَ لِيَقْضِهِ فِيهِ أَيْ ظَهَرَ فِيهِ بَعْدَ الْأَجَلِ أَنَّ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا يُوجِبُ الرَّدَّ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ وَاجِدُهُ، (وَ) حَنِثَ (بِهِبَتِهِ) أَيْ الدَّيْنِ (لَهُ) : أَيْ لِلْمَدِينِ الْحَالِفِ فَقَبِلَ، (أَوْ دَفْعِ قَرِيبٍ) مَثَلًا (عَنْهُ) : أَيْ عَنْ الْحَالِفِ بِلَا إذْنِهِ، (وَإِنْ) دَفَعَ الْقَرِيبُ مَثَلًا (مِنْ مَالِهِ) أَيْ مَالِ الْحَالِفِ فَلَا يَبَرُّ، (أَوْ شَهَادَةِ بَيِّنَةٍ) لِلْحَالِفِ (بِالْقَضَاءِ) بَعْدَ أَنْ حَلَفَ فَيَحْنَثُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ (فِي) حَلِفِهِ لِرَبِّ الدَّيْنِ: (لَأَقْضِيَنك) حَقَّك (لِأَجَلِ كَذَا) : أَيْ فِي أَجَلِ كَذَا كَشَهْرِ رَمَضَانَ، فَلَمَّا قَضَاهُ دَيْنَهُ فِيهِ اُسْتُحِقَّ الدَّيْنَ مِنْ يَدِهِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا أَوْ ظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ يُوجِبُ الرَّدَّ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهُ لَهُ وَهَبَهُ رَبُّهُ لِلْمَدِينِ الْحَالِفِ وَقَبِلَ، فَبِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ يَحْنَثُ وَلَا يَنْفَعُهُ إقْبَاضُهُ لَهُ بَعْدَ الْقَبُولِ، أَوْ وَفَّاهُ عَنْهُ قَرِيبٌ لَهُ أَوْ صَدِيقٌ وَأَوْلَى أَجْنَبِيٌّ أَوْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِالْقَضَاءِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ ظَهَرَ فِيهِ بَعْدَ الْأَجَلِ] إلَخْ: فَعَلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْحِنْثَ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ: أَنْ يَقُومَ رَبُّ الدَّيْنِ بِهِ، وَأَنْ يَكُونَ قِيَامُهُ بَعْدَ الْأَجَلِ وَفِي مَسْأَلَةِ ظُهُورِ الْعَيْبِ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ ثَلَاثَةٍ هَذَانِ الْقَيْدَانِ، وَكَوْنُ الْعَيْبِ مُوجِبًا لِلرَّدِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلرَّدِّ أَوْ لَمْ يَقُمْ رَبُّ الدَّيْنِ بِهِ، بَلْ سَامَحَ أَوْ قَامَ قَبْلَ الْأَجَلِ فَأَجَازَهُ أَوْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ. قَوْلُهُ: [وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ] إلَخْ: وَلَمْ يُعَوِّلُوا هُنَا عَلَى الْبِسَاطِ وَإِلَّا فَمُقْتَضَاهُ لَا حِنْثَ حِينَئِذٍ، وَحَيْثُ قُلْتُمْ، بِدَفْعِهِ ثُمَّ أَخْذِهِ فَإِنْ أَبَى الْمَحْلُوفُ لَهُ مِنْ الْأَخْذِ، وَقَالَ: لَا حَقَّ لِي لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبْضِهِ، وَيَقَعُ الْحِنْثُ كَذَا قِيلَ وَلَكِنْ اسْتَظْهَرَ الْأُجْهُورِيُّ جَبْرَهُ عَلَى الْقَبُولِ إنْ أَبَى مِنْهُ لِأَجْلِ أَنْ يَبَرَّ الْحَالِفُ وَهُوَ وَجِيهٌ. تَنْبِيهٌ: مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَن فُلَانًا حَقَّهُ إلَى أَجَلِ كَذَا فَجُنَّ أَوْ أُسِرَ أَوْ حُبِسَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الدَّفْعُ، وَدَفَعَ الْحَاكِمُ عَنْهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ مِنْ مَالِهِ أَوْ مَالِ الْحَاكِمِ فَيَبَرُّ، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ الْحَاكِمُ عَنْهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ بَلْ بَعْدَهُ فَقَوْلَانِ بِالْحِنْثِ وَعَدَمِهِ. مَسْأَلَةٌ: مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَن فُلَانًا حَقَّهُ إلَى أَجَلِ كَذَا فَلَا يَبَرُّ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ مُتَّفِقٍ عَلَى فَسَادِهِ قَاصَصَهُ بِثَمَنِهِ مِنْ حَقِّهِ حَيْثُ فَاتَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَلَمْ تَفِ الْقِيمَةُ بِالدَّيْنِ، فَإِنْ وَفَتْ الْقِيمَةُ بِالثَّمَنِ حِينَئِذٍ أَوْ كَمَّلَ لَهُ عَلَيْهَا قَبْلَ الْأَجَلِ بَرَّ، وَكَذَا إنْ فَاتَ بَعْدَهُ وَوَفَتْ الْقِيمَةُ عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا لَوْ كَانَ مُخْتَلِفًا فِي فَسَادِهِ لِمُضِيِّهِ بِالثَّمَنِ.

ثُمَّ يَأْخُذُهُ إنْ شَاءَ، نَعَمْ إنْ عَلِمَ الْحَالِفُ فِي مَسْأَلَةِ دَفْعِ الْقَرِيبِ عَنْهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ، وَرَضِيَ بِدَفْعِهِ عَنْهُ بَرَّ، لِأَنَّ عِلْمَهُ وَرِضَاهُ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ دَفْعِهِ،. (وَ) حَنِثَ (بِعَدَمِ قَضَاءٍ، لِلدَّيْنِ فِي غَدٍ فِي) حَلِفِهِ: (لَأَقْضِيَنك) حَقَّك (غَدًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَيْسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) وَإِنَّمَا اعْتَقَدَ الْحَالِفُ أَنَّهُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ غَلَطًا لِتَعَلُّقِ الْحِنْثِ بِالْغَدِ لَا بِتَسْمِيَتِهِ يَوْمَ جُمُعَةٍ. (وَلَهُ) : أَيْ لِلْحَالِفِ (لَيْلَةٌ وَيَوْمٌ) مِنْ الشَّهْرِ يَقْضِي فِيهِ دَيْنَهُ، فَإِنْ أَخَّرَ عَنْ الْيَوْمِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ حَنِثَ (فِي) حَلِفِهِ: لَأَقْضِيَنك حَقَّك (فِي رَأْسِ الشَّهْرِ) الْفُلَانِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِعَدَمِ قَضَاءٍ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا إنْ قَضَاهُ قَبْلَهُ فَلَا حِنْثَ لِأَنَّ قَصْدَهُ عَدَمُ الْمَطْلِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِالتَّأْخِيرِ إلَى غَدٍ الْمَطْلَ، فَيَحْنَثُ بِالتَّعْجِيلِ وَهَذَا بِخِلَافِ حَلِفِهِ عَلَى أَكْلِهِ الطَّعَامَ، كَمَنْ حَلَفَ لَيَأْكُلَن الطَّعَامَ الْفُلَانِيَّ غَدًا فَأَكَلَهُ قَبْلَهُ فَيَحْنَثُ لِأَنَّ الطَّعَامَ قَدْ يُقْصَدُ بِهِ الْيَوْمَ. مَسْأَلَةٌ: مَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَدَفَعَ فِي نَظِيرِهِ عَرَضًا بَرَّ وَلَوْ بِغَبْنٍ، كَمَا لَوْ دَفَعَ عَرَضًا يُسَاوِي عَشَرَةً فِي مِائَةٍ. مَسْأَلَةٌ: أُخْرَى: لَوْ غَابَ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ بَرَّ الْحَالِفُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِدَفْعٍ لِوَكِيلِ التَّقَاضِي أَوْ التَّفْوِيضِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَكِيلٌ لِلتَّقَاضِي أَوْ التَّفْوِيضِ فَالْحَاكِمُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ فَوَكِيلُ ضَيْعَةٍ وَقِيلَ هُوَ مَعَ الْحَاكِمِ فِي رُتْبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِمَّا ذُكِرَ فَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ يُشْهِدُهُمْ عَلَى إحْضَارِ الْحَقِّ وَعَدَدِهِ وَوَزْنِهِ وَصِفَتِهِ وَأَنَّهُ اجْتَهَدَ فِي الطَّلَبِ فَلَمْ يَجِدْهُ، ثُمَّ يَتْرُكُ الْمَالَ عِنْدَ عَدْلٍ مِنْهُمْ أَوْ يُبْقِيهِ عِنْدَ نَفْسِهِ حَتَّى يَأْتِيَ رَبُّهُ وَلَا يَبَرُّ بِلَا إشْهَادٍ، فَالدَّفْعُ لِأَحَدِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ مَانِعٌ مِنْ الْحِنْثِ وَبَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ إنَّمَا تَكُونُ إذَا دَفَعَهُ لِوَكِيلِ التَّقَاضِي أَوْ التَّفْوِيضِ أَوْ الْحَاكِمِ إنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ جَوْرُهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [لَيْلَةٌ وَيَوْمٌ] : أَيْ فَاللَّيْلَةُ مُقَدَّمَةٌ لِأَنَّ لَيْلَةَ كُلِّ يَوْمٍ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [مِنْ الشَّهْرِ] : أَيْ الْمُسَمَّى فِي الْيَمِينِ كَرَمَضَانَ. فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ: لَأَقْضِيَنك حَقَّك فِي رَأْسِ رَمَضَانَ أَوْ عِنْدَ رَأْسِهِ أَوْ إذَا اسْتَهَلَّ أَوْ عِنْدَ انْسِلَاخِهِ، أَوْ إذَا انْسَلَخَ أَوْ لِاسْتِهْلَالِهِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا فَاتَهُ لَيْلَةٌ وَيَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ، وَلَمْ يَقْضِ الْحَقَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَتَى بِإِلَى، فَيَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ فَرَاغِ شَعْبَانَ وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ بِسَاطٌ كَمَا تَقَدَّمَ.

(أَوْ عِنْدَ رَأْسِهِ أَوْ إذَا اسْتَهَلَّ أَوْ عِنْدَ انْسِلَاخِهِ أَوْ إذَا انْسَلَخَ أَوْ لِاسْتِهْلَالِهِ) بِجَرِّهِ بِاللَّامِ عَلَى الْأَرْجَحِ، وَجَعَلَهُ الشَّيْخُ مِثْلَ الْمَجْرُورِ بِ: " إلَى ". (وَ) لَوْ حَلَفَ لَهُ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ (إلَى رَمَضَانَ أَوْ إلَى اسْتِهْلَالِهِ) بِجَرِّهِ بِ: " إلَى " (فَشَعْبَانُ) فَقَطْ، وَلَيْسَ لَهُ لَيْلَةٌ وَيَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ، فَإِنْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ حَنِثَ. (وَ) حَنِثَ (بِجَعْلِ الثَّوْبِ) الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (قَبَاءً) بِالْمَدِّ: وَهُوَ الثَّوْبُ الْمُفْرَجُ (أَوْ عِمَامَةً أَوْ اتَّزَرَ بِهِ، أَوْ) ارْتَدَى بِهِ (عَلَى كَتِفِهِ فِي) حَلِفِهِ (لَا أَلْبَسُهُ) أَيْ الثَّوْبَ لِأَنَّ الْجَمِيعَ يُسَمَّى لُبْسًا عُرْفًا. (وَ) حَنِثَ (بِدُخُولِهِ مِنْ بَابٍ غُيِّرَ) عَنْ حَالَتِهِ الْأُولَى بِتَوَسُّعٍ أَوْ عُلُوٍّ مَعَ بَقَائِهِ فِي مَكَانِهِ الْأَوَّلِ، (فِي) حَلِفِهِ: (لَا أَدْخُلُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ هَذَا الْبَابِ، (إنْ لَمْ يُكْرَهْ ضِيقُهُ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى الْيَمِينِ كَرَاهَةُ ضِيقِهِ وَإِلَّا لَمْ يَحْنَثْ إذَا وُسِّعَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ عِنْدَ انْسِلَاخِهِ] إلَخْ: الْمُرَادُ بِالِانْسِلَاخِ الِانْكِشَافُ وَالظُّهُورُ، فَلِذَلِكَ كَانَ بِمَعْنَى الِاسْتِهْلَالِ؛ لِأَنَّ الِانْسِلَاخَ يُفَسَّرُ تَارَةً بِالظُّهُورِ وَالِانْكِشَافِ كَمَا هُنَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ سَلَخْت الْجِلْدَ أَيْ كَشَفْته وَأَظْهَرْت بَاطِنَهُ، وَتَارَةً بِالْإِزَالَةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} [يس: 37] بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: {فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} [يس: 37] ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ الْكَشْفَ لَقَالَ: فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَعَانِي. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلَوْ نَوَى الْحَالِفُ الْمَعْنَى الثَّانِيَ أَوْ غَلَبَ الْعُرْفُ بِهِ فَالْعِبْرَةُ بِفَرَاغِ الشَّهْرِ الَّذِي سَمَّاهُ، لَا بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ أَوَّلِهِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَحَنِثَ بِجَعْلِ الثَّوْبِ] إلَخْ: أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ كَرِهَهُ لِضِيقِهِ فَجَعَلَهُ قَبَاءً أَوْ عِمَامَةً وَلَبِسَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مِثْلَ قَمِيصٍ. وَأَمَّا إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُلْبَسُ بِوَجْهٍ مِثْلَ شُقَّةٍ، فَإِذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُهَا ثُمَّ قَطَعَهَا وَلَبِسَهَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهُ كَرِهَهَا لِضِيقِهَا. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْجَمِيعَ يُسَمَّى لُبْسًا عُرْفًا] : أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا وَضَعَهُ عَلَى فَرْجِهِ أَوْ كَتِفِهِ مَثَلًا مِنْ غَيْرِ لَفٍّ وَلَا إدَارَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ. قَوْلُهُ: [كَرَاهَةُ ضِيقِهِ] : أَيْ أَوْ نَحْوَهُ كَمُرُورِهِ عَلَى مَنْ لَا يُحِبُّ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ.

[تنبيه في حلفه لا يدخل على فلان بيته]

(وَ) حَنِثَ (بِأَكْلِهِ مِنْ) طَعَامٍ (مَدْفُوعٍ لِوَلَدِهِ) الصَّغِيرِ، (أَوْ عَبْدِهِ فِي) حَلِفِهِ: (لَا آكُلُ لَهُ) أَيْ لِفُلَانٍ (طَعَامًا. إنْ كَانَتْ نَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَبِيهِ الْحَالِفِ، وَكَانَ الْمَدْفُوعُ لَهُ يَسِيرًا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَدْفُوعُ لِلْوَلَدِ كَثِيرًا؛ إذْ لَيْسَ لِأَبِيهِ رَدُّ الْمَالِ الْكَثِيرِ، وَيَحْنَثُ فِي الْعَبْدِ مُطْلَقًا. (وَ) حَنِثَ (بِ) قَوْلِهِ لَهَا: (اذْهَبِي إثْرَ) حَلِفِهِ: (لَا كَلَّمْتُك حَتَّى تَفْعَلِي) كَذَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَهَا: اذْهَبِي. كَلَامٌ مِنْهُ لَهَا قَبْلَ الْفِعْلِ. (وَ) حَنِثَ (بِالْإِقَالَةِ فِي) حَلِفِ الْبَائِعِ حِينَ طَلَبَ مِنْهُ الْمُشْتَرِي أَنْ يَحُطَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتَهُ حَنِثَ بِقِيَامِهِ عَلَى ظَهْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الْبَيْتُ بِالْكِرَاءِ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ يُنْسَبُ لِسَاكِنِهِ، وَأَمَّا مَنْ حَلَفَ لَيَدْخُلَن عَلَى فُلَانٍ بَيْتَهُ فَلَا يَبَرُّ بِاسْتِعْلَائِهِ عَلَى ظَهْرِهِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ، لِأَنَّ الْحِنْثَ يَقَعُ بِأَدْنَى سَبَبٍ وَالْبِرُّ يُحْتَاطُ فِيهِ. [تَنْبِيه فِي حلفه لَا يَدْخُل عَلَى فُلَان بَيْته] قَوْلُهُ: [إذْ لَيْسَ لِأَبِيهِ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِي رَدِّهِ، بِخِلَافِ الْيَسِيرِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ وَلَدِي عَلَيَّ فَلَا حَاجَةَ لَهُ بِهَذَا الشَّيْءِ. قَوْلُهُ: [وَيَحْنَثُ فِي الْعَبْدِ مُطْلَقًا] : أَيْ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْعَبْدِ فِي حُكْمِ تَمْلِيكِ السَّيِّدِ وَنَفَقَةَ الْعَبْدِ عَلَى السَّيِّدِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَالِدَيْنِ اللَّذَيْنِ تَجِبُ نَفَقَتُهُمَا عَلَى الْوَلَدِ الْحَالِفِ؛ فَلَا يَحْنَثُ بِالْأَكْلِ مِمَّا دَفَعَ لَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّ الْوَالِدَيْنِ لَيْسَ مَحْجُورًا عَلَيْهِمَا لِلْوَلَدِ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ الْعِلَّةُ الْجَارِيَةُ فِي إعْطَاءِ الْيَسِيرِ لِلْوَلَدِ الْفَقِيرِ تُجْرَى فِي إعْطَاءِ الْيَسِيرِ لِلْوَالِدَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ، وَمِثْلُ الْوَالِدَيْنِ وَلَدُ الْوَلَدِ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ لِعَدَمِ وُجُوبِ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَحَنِثَ بِقَوْلِهِ لَهَا اذْهَبِي] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ كِنَانَةَ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. وَمِثْلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَا إذَا حَلَفَ لَا كَلَّمْتِينِي حَتَّى تَقُولِي: أُحِبُّك فَقَالَتْ لَهُ عَفَا اللَّهُ عَنْك إنِّي أُحِبُّك فَيَحْنَثُ بِقَوْلِهَا عَفَا اللَّهُ عَنْك لِأَنَّهُ كَلَامٌ صَدَرَ مِنْهَا قَبْلَ قَوْلِهَا أُحِبُّك، وَأَمَّا لَوْ قَالَ شَخْصٌ فِي يَمِينِهِ لَا كَلَّمْتُك حَتَّى تَبْدَأَنِي فَقَالَ لَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ: لَا أُبَالِي بِك فَلَا يُعَدُّ بُدَاءَةً لِلِاحْتِيَاطِ فِي جَانِبِ الْبِرِّ. قَوْلُهُ: [وَحَنِثَ بِالْإِقَالَةِ] : أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهَا حَلٌّ

عَنْهُ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ (لَا أَتْرُكُ مِنْ حَقِّهِ شَيْئًا) فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي: أَقِلْنِي مِنْ هَذِهِ السِّلْعَةِ، فَأَقَالَهُ فَيَحْنَثُ الْبَائِعُ. (إنْ لَمْ تَفِ) السِّلْعَةُ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ جَمِيعَ حَقِّهِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ تَفِي بِالثَّمَنِ فَلَا حِنْثَ وَهُوَ كَذَلِكَ. (وَ) حَنِثَ الزَّوْجُ (بِتَرْكِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (عَالِمًا) بِخُرُوجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَأَوْلَى إنْ لَمْ يَعْلَمْ (فِي) حَلِفِهِ: (لَا خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي) . لِأَنَّ مُجَرَّدَ عِلْمِهِ لَا يُعَدُّ إذْنًا فَإِنْ أَذِنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ فَالْعِبْرَةُ بِعِلْمِهَا. فَإِنْ عَلِمَتْ بِالْإِذْنِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَّا حَنِثَ كَمَا تَقَدَّمَ، (وَ) حَنِثَ (بِالزِّيَادَةِ) مِنْهَا (عَلَى مَا أَذِنَ لَهَا فِيهِ) بِأَنْ قَالَ لَهَا: أَذِنْت لَك فِي الْخُرُوجِ لِبَيْتِ أَبِيك، فَزَادَتْ عَلَى ذَلِكَ إذْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا إلَّا فِي شَيْءٍ خَاصٍّ لَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ بِالزِّيَادَةِ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ، وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْإِذْنَ قَدْ حَصَلَ وَلَا دَخْلَ لِلزِّيَادَةِ فِي الْحِنْثِ وَلَا فِي عَدَمِهِ. (بِخِلَافِ) حَلِفِهِ (لَا يَأْذَنُ لَهَا إلَّا فِي كَذَا، فَأَذِنَ) لَهَا (فِيهِ فَزَادَتْ) عَلَيْهِ (بِلَا عِلْمٍ) مِنْهُ فَلَا يَحْنَثُ، فَإِنْ عَلِمَ بِزِيَادَتِهَا حَالَ الزِّيَادَةِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ بِهَا حَالَهَا إذْنٌ مِنْهُ بِهَا، وَهُوَ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا إلَّا فِي شَيْءٍ خَاصٍّ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْمَبِيعِ فَلَا حِنْثَ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَتْ الْقِيمَةُ حِينَ الْإِقَالَةِ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي حَصَلَ بِهِ الْبَيْعُ، لِأَنَّ بِسَاطَ يَمِينِهِ إنْ ثَبَتَ فِي حَقٍّ فَلَا أَتْرُكُ مِنْهُ شَيْئًا وَحَيْثُ انْحَلَّ الْبَيْعُ فَلَا حَقَّ لِلْبَائِعِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي. قَوْلُهُ: [فَلَا حِنْثَ] : وَكَذَلِكَ لَوْ الْتَزَمَ لَهُ النَّقْصَ (قَوْلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ) ، وَإِنَّمَا كَرَّرَهَا لِيُرَتِّبَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ وَحَنِثَ بِالزِّيَادَةِ إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا] : أَيْ عَلِمَ بِالزِّيَادَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا خَرَجَتْ ابْتِدَاءً لِمَا أَذِنَ لَهَا فِيهِ، وَأَمَّا لَوْ ذَهَبَتْ لِغَيْرِ مَا أَذِنَ لَهَا فِيهِ ابْتِدَاءً ثُمَّ ذَهَبَتْ لِمَا أَذِنَ لَهَا فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ اتِّفَاقًا سَلَّمَ بِالزِّيَادَةِ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [إذْنٌ مِنْهُ] : أَيْ احْتِيَاطًا فِي جَانِبِ الْحِنْثِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي فَخَرَجَتْ بِحُضُورِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهَا فَلَا يُعَدُّ عِلْمُهُ وَحُضُورُهُ إذْنًا لِلِاحْتِيَاطِ فِي جَانِبِ الْبِرِّ، فَاحْتِيطَ فِي كُلٍّ بِمَا يُنَاسِبُهُ.

[ما تحمل عليه السنين والأيام]

(وَ) حَنِثَ بَائِعٌ (بِالْبَيْعِ لِلْوَكِيلِ) : أَيْ لِوَكِيلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (فِي) حَلِفِهِ: (لَا بِعْت مِنْهُ) : أَيْ مِنْ زَيْدٍ (أَوْ لَهُ) سِلْعَةً أَوْ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ، فَوَكَّلَ زَيْدٌ وَكِيلًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ فَبَاعَهُ الْحَالِفُ سِلْعَةً فَيَحْنَثُ. (وَإِنْ قَالَ) الْبَائِعُ: (أَنَا حَلَفْت) أَنْ لَا أَبِيعَ لِزَيْدٍ وَأَخَافُ أَنْ تَشْتَرِيَ لَهُ فَتُوقِعَنِي فِي الْحِنْثِ، (فَقَالَ) لَهُ الْوَكِيلُ: لَا بَلْ (هُوَ لِي، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ) : أَيْ الشِّرَاءَ (لِلْمُوَكِّلِ) وَلَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ (وَلَزِمَ الْبَيْعُ) وَلَا كَلَامَ لِلْحَالِفِ اللَّهُمَّ (إلَّا أَنْ يَقُولَ) الْحَالِفُ لِلْوَكِيلِ: (إنْ اشْتَرَيْت لَهُ) أَيْ لِزَيْدٍ (فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا) فَلَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ وَلَا يَحْنَثُ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لِلْمُوَكِّلِ. قَالَهُ التُّونُسِيُّ وَاللَّخْمِيُّ؛ لَكِنْ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَرَدَّ بِهِ ابْنُ نَاجِي عَلَيْهِمَا: أَنَّهُ يَلْزَمُ وَيَحْنَثُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا تَحْمِل عَلَيْهِ السِّنِينَ وَالْأَيَّام] قَوْلُهُ: [بِالْبَيْعِ لِلْوَكِيلِ] : أَيْ حَيْثُ عَلِمَ أَنَّهُ وَكِيلٌ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ نَاحِيَتِهِ أَوْ كَانَ مِنْ نَاحِيَتِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ وَكِيلُهُ. قَوْلُهُ: [فَتَبَيَّنَ] : أَيْ بِالْبَيِّنَةِ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ قَالَ الْوَكِيلُ: اشْتَرَيْت لِنَفْسِي ثُمَّ بَعْدَ الشِّرَاءِ قَالَ: اشْتَرَيْته لِفُلَانٍ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ الْحَالِفُ بِذَلِكَ لِكَوْنِ الْوَكِيلِ غَيْرَ مُصَدَّقٍ فِيمَا يَدَّعِيهِ كَذَا فِي الْخَرَشِيِّ (وعب) وَمِثْلُهُ مَا إذَا حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ بِالطَّلَاقِ أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ حَمَّامًا مَثَلًا فَقَالَتْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ دَخَلْته وَلَمْ يَثْبُتْ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا تُصَدَّقُ وَلَا يَحْنَثُ. قَوْلُهُ: [لَكِنْ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ] إلَخْ: وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهَا أَيْضًا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ إنْ لَمْ تَأْتِ بِالثَّمَنِ إلَى أَجَلِ كَذَا فَلَا بَيْعَ بَيْنِي وَبَيْنَك كَانَ الْبَيْعُ مَاضِيًا وَالشَّرْطُ بَاطِلًا. خَاتِمَةٌ مَنْ يَحْلِفُ لَا أُكَلِّمُهُ سِنِينَ أَوْ شُهُورًا أَوْ أَيَّامًا حُمِلَ عَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ، وَأَمَّا لَوْ أَتَى بِ " أَلْ " فَالْأَبَدُ حَمْلًا لِ " أَلْ "، عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ احْتِيَاطًا، وَمَنْ قَالَ: لَا هَجَرْته حُمِلَ عَلَى الْهَجْرِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ عَلَى الرَّاجِحِ، وَقِيلَ: عَلَى الْعُرْفِيِّ وَهُوَ شَهْرٌ وَلَزِمَهُ فِي الْحِينِ سَنَةٌ عَرَّفَ أَوْ نَكَّرَ، وَهَلْ مِثْلُهُ الزَّمَانِيُّ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَفِي الْقَرْنِ مِائَةُ سَنَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَفِي عَصْرٍ وَدَهْرٍ: سَنَةٌ، وَإِنْ عَرَّفَ فَالْأَبَدُ، وَمَنْ حَلَفَ لَأَتَزَوَّجَن فَلَا يَبَرُّ إلَّا بِعَقْدٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ فَاتَ بِالدُّخُولِ عَلَى مَنْ تُشْبِهُ نِسَاءَهُ، فَإِنْ قَصَدَ كَيْدَ زَوْجَتِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ تُشْبِهَهَا. وَمَنْ حَلَفَ لَا أَتَكَفَّلُ مَالًا حَنِثَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِضَمَانِ الْوَجْهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَدَمَ الْغُرْمِ، وَكَذَا يَحْنَثُ بِالْوَجْهِ مَنْ حَلَفَ عَلَى ضَمَانِ الطَّلَبِ، وَيَحْنَثُ بِضَمَانِ الْمَالِ فِي حَلِفِهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ مِنْ أَوْجُهِ الْكَفَالَةِ، وَيَحْنَثُ بِضَمَانِهِ لِوَكِيلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إنْ عَلِمَ الْوَكَالَةَ، أَوْ كَانَ كَصَدِيقِهِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْحَالِفِ بِكَالصَّدَاقَةِ؟ قَوْلَانِ وَمَنْ حَلَفَ لَيَكْتُمَن فَأَخْبَرَ شَخْصًا أَسَرَّهُ بِهِ حَنِثَ بِقَوْلِهِ لِمُخْبِرٍ مَا ظَنَنْت غَيْرِي عَرَفَهُ أَوْ مَا ظَنَنْته قَالَهُ لِغَيْرِي. وَمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَطَأَن زَوْجَتَهُ اللَّيْلَةَ فَوَطِئَهَا حَائِضًا أَوْ صَائِمًا أَوْ مُحْرِمَةً فَهَلْ يَبَرُّ بِذَلِكَ حَمْلًا لِلَّفْظِ عَلَى مَدْلُولِهِ اللُّغَوِيِّ أَوْ لَا يَبَرُّ حَمْلًا لَهُ عَلَى مَدْلُولِهِ الشَّرْعِيِّ؟ وَالْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا - قَوْلَانِ، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ لَتَأْكُلَن قِطْعَةَ لَحْمٍ فَخَطَفَتْهَا هِرَّةٌ عِنْدَ مُنَاوَلَتِهِ إيَّاهَا وَابْتَلَعَتْهَا فَشَقَّ جَوْفَهَا عَاجِلًا وَأُخْرِجَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَحَلَّلَ فِي جَوْفِهَا مِنْهَا شَيْءٌ وَأَكَلَتْهَا الْمَرْأَةُ فَهَلْ يَبَرُّ بِذَلِكَ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ، وَمِثْلُ خَطْفِ الْهِرَّةِ: لَوْ تَرَكَتْهَا الْمَرْأَةُ حَتَّى فَسَدَتْ ثُمَّ أَكَلَتْهُ (اهـ خَلِيلٌ وَشُرَّاحُهُ) .

[فصل في بيان النذر وأحكامه]

فَصْلٌ فِي بَيَانِ النَّذْرِ وَأَحْكَامِهِ (النَّذْرُ الْتِزَامُ مُسْلِمٍ) لَا كَافِرٍ (مُكَلَّفٍ) لَا صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَمُكْرَهٍ (قُرْبَةً) مَقْصُودًا بِهَا التَّقَرُّبُ بِلَا تَعْلِيقٍ نَحْوُ: لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ عَبْدٍ أَوْ صَوْمُ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ، بَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصَلِّ فِي بَيَان النَّذْر وَأَحْكَامه] [تَعْرِيف النَّذْر] فَصْلٌ: النَّذْرُ يُجْمَعُ عَلَى نُذُورٍ وَعَلَى نُذُرٍ بِضَمَّتَيْنِ يُقَالُ: نَذَرْت أُنْذِرُ بِفَتْحِ الذَّالِ فِي الْمَاضِي وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا فِي الْمُضَارِعِ، وَمَعْنَاهُ لُغَةً: الِالْتِزَامُ، وَاصْطِلَاحًا: هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِ الْتِزَامُ مُسْلِمٍ إلَخْ. وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: الشَّخْصُ الْمُلْتَزِمُ وَأَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: الْتِزَامُ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ، وَالشَّيْءُ الْمُلْتَزَمُ وَأَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: قُرْبَةً، وَالصِّيغَةُ وَأَفَادَهَا بِقَوْلِهِ: كَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ عَلَيَّ ضَحِيَّةٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: [لَا كَافِرٍ] : أَيْ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَلَوْ أَسْلَمَ بِهِ لَكِنْ يُنْدَبُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: [لَا صَغِيرٍ] : وَلَكِنْ: يُنْدَبُ الْوَفَاءُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَشَمَلَ الْمُكَلَّفُ الرَّقِيقَ فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ مِمَّا أَنْذَرَهُ مَالًا أَوْ غَيْرَهُ إنْ عَتَقَ. وَحَاصِلُ مَا لِابْنِ عَرَفَةَ فِي الرَّقِيقِ: أَنَّهُ إذَا نَذَرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِجَسَدِهِ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ، فَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِالسَّيِّدِ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ تَعْجِيلِهِ، وَإِنْ أَضَرَّ بِهِ فَلَهُ الْمَنْعُ وَيَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ نَذَرَ مَالًا كَانَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ الْوَفَاءَ بِهِ مَا دَامَ رَقِيقًا، فَإِنْ عَتَقَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا نَذَرَ، فَإِنْ رَدَّهُ السَّيِّدُ وَأَبْطَلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ كَمَا فِي كِتَابِ الْعِتْقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِمَا فِي كِتَابِ الِاعْتِكَافِ مِنْهَا (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . وَشَمَلَ الْمُكَلَّفُ أَيْضًا السَّفِيهَ فَيَلْزَمُهُ غَيْرُ الْمَالِ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلِلْوَلِيِّ إبْطَالُهُ لِأَنَّ رَدَّ فِعْلِ السَّفِيهِ إبْطَالٌ كَالسَّيِّدِ فِي عَبْدِهِ. وَشَمَلَ أَيْضًا الزَّوْجَةَ وَالْمَرِيضَ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الْوَفَاءُ بِمَا نَذَرَاهُ إذَا كَانَ غَيْرَ مَالٍ أَوْ مَالًا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الثُّلُثِ، فَإِنْ زَادَ كَانَ لِلزَّوْجِ رَدُّ الْجَمِيعِ وَلِلْوَارِثِ رَدُّ مَا زَادَ. وَاخْتُلِفَ فِي رَدِّ الزَّوْجِ فَقِيلَ: رَدُّ إبْطَالٍ، وَقِيلَ رَدُّ إيقَافٍ، وَأَمَّا رَدُّ الْوَارِثِ فَهُوَ رَدُّ إيقَافٍ كَالْغَرِيمِ، وَرَدُّ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ مَنْ نَابَ عَنْهُ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْمَعْنَى فِي بَيْتَيْنِ فَقَالَ:

(وَلَوْ بِالتَّعْلِيقِ) عَلَى مَعْصِيَةٍ (أَوْ غَضْبَانَ) فَأَوْلَى عَلَى غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَغَيْرِ غَضْبَانَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَمِينِ ذَاتِ التَّعْلِيقِ: أَنَّ النَّذْرَ يُقْصَدُ بِهِ التَّقَرُّبُ وَالْيَمِينَ يُقْصَدُ بِهِ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ أَوْ الْحَثِّ عَلَى فِعْلِهِ أَوْ تَحَقُّقِ وُقُوعِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، بِخِلَافِ النَّذْرِ. وَلِذَا يَصِحُّ فِي الْيَمِينِ إنْ تَقَدَّمَ قَسَمًا بِاَللَّهِ؛ فَتَقُولُ فِي الْبِرِّ: وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ الدَّارَ وَإِنْ دَخَلْتُهَا يَلْزَمُنِي كَذَا، وَالْمَقْصُودُ الِامْتِنَاعُ مِنْ دُخُولِهَا، وَتَقُولُ فِي الْحِنْثِ: وَاَللَّهِ لَأَدْخُلَنَّ الدَّارَ وَإِنْ لَمْ أَدْخُلْ يَلْزَمُنِي كَذَا، وَالْمَقْصُودُ طَلَبُ الدُّخُولِ، وَتَقُولُ فِي بَيَانِ تَحَقُّقِ الشَّيْءِ: وَاَللَّهِ لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَامَ يَلْزَمُنِي كَذَا، بِخِلَافِ قَوْلِك: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ كَذَا، فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِتَقْدِيمِ يَمِينٍ إلَّا عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّكِ أَوْ تَوْكِيدِ الْكَلَامِ فَتَأَمَّلْ. وَمَثَّلَ لِمَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ وَهُوَ مَا لَا تَعْلِيقَ فِيهِ بِقَوْلِهِ: (كَ: لِلَّهِ عَلَيَّ) ضَحِيَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQأُبْطِلَ صَنِيعُ الْعَبْدِ وَالسَّفِيهِ ... بِرَدِّ مَوْلَاهُ وَمَنْ يَلِيهِ وَأُوقِفْنَ فِعْلُ الْغَرِيمِ وَاخْتُلِفَ ... فِي الزَّوْجِ وَالْقَاضِي كَمُبْدَلٍ عُرِفَ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ مُفَصَّلًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ: [بَلْ وَلَوْ بِالتَّعْلِيقِ عَلَى مَعْصِيَةٍ] : أَيْ فَالْمَدَارُ عَلَى أَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ قُرْبَةٌ كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ قُرْبَةً أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [أَوْ غَضْبَانَ] : وَمِنْهُ نَذْرُ اللَّجَاجِ؛ وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ مَنْعَ نَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ وَمُعَاقَبَتَهَا نَحْوُ: لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَهَذَا مِنْ أَقْسَامِ الْيَمِينِ عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَلْزَمُهُ مَا لَزِمَهُ، فَالْحَلِفُ لَفْظِيٌّ خِلَافًا لِلَّيْثِ وَجَمَاعَةِ الْقَائِلِينَ إنَّ فِيهِ وَفِي اللَّجَاجِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، وَقَدْ أَفْتَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَدَهُ عَبْدَ الصَّمَدِ بِهَذَا الْقَوْلِ وَكَانَ حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ، فَحَنِثَ وَقَالَ لَهُ: إنِّي أَفْتَيْتُك بِقَوْلِ اللَّيْثِ، فَإِنْ عُدْت لَمْ أُفْتِك إلَّا بِقَوْلِ مَالِكٍ. قَوْلُهُ: [وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ] إلَخْ: هَذَا الْفَرْقُ الَّذِي قَالَهُ الشَّارِحُ يُؤَيِّدُ أَنَّ نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ مِنْ الْيَمِينِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ عَدَّهُ مِنْ أَقْسَامِ الْيَمِينِ فَمُبَالَغَتُهُ عَلَيْهِ هُنَا، وَإِدْخَالُهُ فِي النَّذْرِ تَكَلُّفٌ وَتَنَاقُضٌ لِاخْتِيَارِهِ أَوَّلًا طَرِيقَةَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَهُنَا طَرِيقَةَ غَيْرِهِ، فَتَدَبَّرْ، وَسَيَأْتِي لَهُ الِاسْتِدْرَاكُ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [كَ: لِلَّهِ عَلَيَّ ضَحِيَّةٌ] : أَتَى بِكَافِ التَّمْثِيلِ إشَارَةً إلَى عَدَمِ انْحِصَارِ

[المندوب والمكروه والمحرم من النذر]

أَوْ صَوْمُ يَوْمٍ (أَوْ عَلَيَّ ضَحِيَّةٌ) أَوْ صَوْمُ يَوْمٍ بِحَذْفِ " لِلَّهِ "، وَالْقَصْدُ الْإِنْشَاءُ لَا الْإِخْبَارُ. وَمَثَّلَ لِمَا بَعْدَ لَوْ وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِقَوْلِهِ: (أَوْ: إنْ حَجَجْت) فَعَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ أَوْ شَهْرِ كَذَا وَحَصَلَ الْحَجُّ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ طَاعَةٌ، (أَوْ) : إنْ (شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي) فَعَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ، الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فَعَلَيَّ لِلَّهِ، (أَوْ) إنْ (جَاءَنِي زَيْدٌ) فَعَلَيَّ الصَّوْمُ شَهْرُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فِعْلُ الْعَبْدِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ، (أَوْ) إنْ (قَتَلْتُهُ فَعَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ أَوْ شَهْرِ كَذَا فَحَصَلَ) الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ الْمُعَلَّقُ، وَالْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فِي هَذَا مَعْصِيَةٌ يَرْغَبُ فِي حُصُولِهَا، فَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ الِامْتِنَاعَ مِنْهُ فِيمَنْ لَا نَذْرَ كَمَا عَلِمْت. وَمَا صَدَرَ مِنْ الْغَضْبَانِ جَعَلَهُ الشَّيْخُ مِنْ النَّذْرِ وَجَعَلَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْيَمِينِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. (وَنُدِبَ) النَّذْرُ (الْمُطْلَقُ) وَهُوَ مَا لَمْ يُعَلَّقْ عَلَى شَيْءٍ وَلَمْ يُكَرَّرْ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ، وَسَوَاءٌ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ: عَلَيَّ كَذَا، تَلَفَّظَ بِنَذْرٍ فِيهِمَا أَوْ لَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالصِّيغَةِ، بَلْ يَلْزَمُ بِكُلِّ لَفْظٍ فِيهِ الْتِزَامٌ مَنْدُوبٌ، وَمَثَّلَ بِقَوْلِهِ [ضَحِيَّةٌ] رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُولُ: إنَّ الضَّحِيَّةَ لَا تَجِبُ بِالنَّذْرِ، قَالَ (بْن) : الْحَقُّ أَنَّ الضَّحِيَّةَ تَجِبُ بِالنَّذْرِ فِي الشَّاةِ الْمُعَيَّنَةِ وَغَيْرِهَا، لَكِنَّ مَعْنَى وُجُوبِهَا بِالنَّذْرِ فِي الْمُعَيَّنَةِ مَنْعُ الْبَيْعِ وَالْبَدَلِ فِيهَا بَعْدَهُ لَا أَنَّ الْوُجُوبَ بِاعْتِبَارِ الْعَيْبِ الطَّارِئِ بَعْدَ النَّذْرِ، لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ فِيهَا، وَقَوْلُهُمْ: إنَّهَا لَا تَجِبُ بِالنَّذْرِ الْمَنْفِيِّ وُجُوبَ تَعْيِينٍ يُؤَدِّي إلَى إلْغَاءِ الْعَيْبِ الطَّارِئِ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ الضَّحِيَّةِ مُبَيَّنًا. قَوْلُهُ: [أَوْ صَوْمُ يَوْمٍ] : وَمِثْلُهُ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ بَعْضِ يَوْمٍ، قَالَ فِي الشَّامِلِ: إنَّ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ بَعْضِ يَوْمٍ لَزِمَهُ يَوْمٌ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَكَأَنَّهُ لِعِلْمِ كُلِّ أَحَدٍ بِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا يَصِحُّ يَوْمًا، فَكَأَنَّ هَذَا مُتَلَاعِبٌ فَشَدَّدَ عَلَيْهِ، قَالُوا: وَلَوْ نَذَرَ رَكْعَةً لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ، أَوْ صَدَقَةً فَأَقَلَّ مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ، وَسَبَقَ فِي الِاعْتِكَافِ وَلَزِمَ يَوْمٌ إنْ نَذَرَ لَيْلَةً لَا بَعْضَ يَوْمٍ، وَإِطْعَامُ مِسْكِينٍ وَأَطْلَقَ، فَإِنَّ عَلَيْهِ شَرْعًا مُدًّا أَوْ بَدَلَهُ (اهـ) . [الْمَنْدُوب وَالْمَكْرُوه والمحرم مِنْ النَّذْر] قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ النَّذْرُ الْمُطْلَقُ] : أَيْ نُدِبَ الْقُدُومُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ] : فِيهِ إشَارَةٌ لِقَوْلِ تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77] وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: (وَنُدِبَ الْمُطْلَقُ) .

[التزام الناذر ما أسماه وسقوط المعجوز عنه]

(وَكُرِهَ الْمُكَرَّرُ) كَنَذْرِ صَوْمِ كُلِّ خَمِيسٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الثِّقَلِ عَلَى النَّفْسِ، فَيَكُونُ إلَى غَيْرِ الطَّاعَةِ أَقْرَبُ. [الْتِزَام الناذر مَا أسماه وَسُقُوط الْمَعْجُوز عَنْهُ] (وَ) كُرِهَ (الْمُعَلَّقُ عَلَى غَيْرِ مَعْصِيَةٍ) نَحْوُ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ قَدِمَ زَيْدٌ مِنْ سَفَرِهِ فَعَلَيَّ صَدَقَةُ كَذَا لِأَنَّهُ كَالْمُجَازَاةِ وَالْمُعَارَضَةِ لَا الْقُرْبَةِ الْمَحْضَةِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ طَاعَةً نَحْوُ: إنْ حَجَجْت فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا وَهُوَ ظَاهِرُ التَّعْلِيلِ أَيْضًا لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ إنْ أَقْدَرَنِي اللَّهُ عَلَى الْحَجِّ لِأُجَازِيَنَّهُ بِكَذَا، وَلَا شَكَّ فِي كَرَاهَةِ ذَلِكَ وَلَا عِبْرَةَ بِمُخَالَفَةِ الْمُخَالِفِ. (وَإِلَّا) بِأَنْ عَلَّقَ الْقُرْبَةَ عَلَى مَعْصِيَةٍ (حَرُمَ) وَوَجَبَ تَرْكُهَا، (فَإِنْ فَعَلَهَا أَثِمَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَكُرِهَ الْمُعَلَّقُ] : أَيْ عَلَى مَا لِلْبَاجِيِّ وَابْنِ شَاسٍ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ، بِالْإِبَاحَةِ وَفِي (ح) عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ عَدَمُ إجْزَاءِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَيْءٍ بَعْدَ حُصُولِ بَعْضِهِ وَقَبْلَ تَمَامِهِ، فَلَيْسَ كَالْيَمِينِ يَحْصُلُ الْحِنْثُ فِيهَا بِالْبَعْضِ، كَمَا إذَا قَالَ: إنْ رُزِقْت ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ فَعَلَيَّ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَرُزِقَ دِينَارَيْنِ فَصَامَ الثَّلَاثَةَ. وَفِي سَمَاعِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ الْإِجْزَاءُ إنْ بَقِيَ يَسِيرٌ جِدًّا وَيَقُومُ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ اللُّزُومُ بِحَسَبِ مَا حَصَلَ فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ (اهـ مِنْ الْمَجْمُوعِ) . تَنْبِيهٌ: يَلْزَمُ النَّاذِرَ مَا الْتَزَمَهُ وَلَا يَنْفَعُ فِيهِ إنْشَاءٌ وَلَا تَعْلِيقٌ كَمَا قَالَ خَلِيلٌ. وَلَوْ قَالَ: إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ أَرَى خَيْرًا مِنْهُ، مَا لَمْ يَرْجِعْ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي " لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَقَطْ، كَمَا يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ لَا لِلْمُعَلَّقِ وَلَا لَهُمَا أَوْ أُطْلِقَ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت بِضَمِّ التَّاءِ نَفَعَهُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ مَعْهُودٌ فِي الطَّلَاقِ كَثِيرًا بِخِلَافِ النَّذْرِ. وَقَاسَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ النَّذْرَ عَلَيْهِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَأَمَّا لَوْ عَلَّقَ عَلَى مَشِيئَةِ فُلَانٍ فَالْعِبْرَةُ بِمَشِيئَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فِي النَّذْرِ وَالطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ كَالْمُجَازَاةُ] إلَخْ: أَيْ فَلَمْ يَجْعَلْهُ خَالِصًا لِوَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ. وَأَمَّا لَوْ نَذَرَ شَيْئًا عَلَى نِعْمَةٍ حَصَلَتْ بِالْفِعْلِ كَمَا إذَا شَفَى اللَّهُ مَرِيضَهُ بِالْفِعْلِ فَنَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ مِنْ شُكْرِ النِّعْمَةِ الَّتِي حَصَلَتْ، وَشُكْرُ النِّعْمَةِ مَأْمُورٌ بِهِ وَالْمَذْمُومُ التَّعْلِيقُ عَلَى أَمْرٍ مُتَرَقَّبٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا عِبْرَةَ بِمُخَالَفَةِ الْمُخَالِفِ] : أَيْ الَّذِي هُوَ ابْنُ رُشْدٍ.

(وَلَزِمَ مَا سَمَّاهُ) مِنْ الْقُرْبَةِ فِي الْمُعَلَّقِ وَغَيْرِهِ نَحْوُ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ صَدَقَةُ مِائَةِ دِينَارٍ أَوْ عِشْرِينَ بَدَنَةً أَوْ نِصْفُ مَالِي، (وَلَوْ) كَانَ الْمُسَمَّى (مُعَيَّنًا) كَحَائِطِي الْفُلَانِيِّ وَعَبْدِي فُلَانٍ وَهَذِهِ الْفَرَسِ (أَتَى عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ، كَصَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ) نَذَرَ فِعْلَهُمَا (بِثَغْرٍ) مِنْ الْإِسْلَامِ كَإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الذَّهَابُ إلَيْهِ وَالْأَوْلَى نَذْرُ الرِّبَاطِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الثَّغْرِ فَلَا يَلْزَمُهُ الذَّهَابُ إلَيْهِ لِمَا ذُكِرَ، بَلْ يَفْعَلُهُ فِي مَحَلِّهِ. (وَ) إنْ نَذَرَ شَيْئًا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ (سَقَطَ مَا عَجَزَ عَنْهُ) وَأَتَى بِمَقْدُورِهِ، (إلَّا الْبَدَنَةَ) : وَهِيَ الْوَاحِدَةُ مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، فَتَاؤُهَا لِلْوَحْدَةِ لَا لِلتَّأْنِيثِ إذَا نَذَرَهَا وَعَجَزَ عَنْهَا، (فَبَقَرَةٌ) تَلْزَمُهُ بَدَلُهَا، (ثُمَّ) إنْ عَجَزَ عَنْ الْبَقَرِ لَزِمَهُ (سَبْعُ شِيَاهٍ) بَدَلَ الْبَقَرَةِ كُلُّ شَاةٍ تُجْزِئُ تَضْحِيَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَزِمَ مَا سَمَّاهُ] إلَخْ: كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [أَتَى عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، مِنْ أَنَّهُ إذَا سَمَّى مُعَيَّنًا وَأَتَى عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا ثُلُثُ مَالِهِ. وَلِمَا حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ سَحْنُونَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا لَا يُجْحَفُ بِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ صَلَاةٍ] : أَيْ يُمْكِنُ مَعَهَا الرِّبَاطُ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الذَّهَابُ إلَيْهِ] : أَيْ وَإِنْ كَانَ النَّاذِرُ قَاطِنًا بِمَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ وَيَأْتِي وَلَوْ رَاكِبًا وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ غَيْرِ الثَّغْرِ] : أَيْ وَغَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، وَإِلَّا فَالْمَسَاجِدُ الثَّلَاثَةُ يَلْزَمُ لَهَا كُلُّ مَا نَذَرَهُ مِنْ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ اعْتِكَافٍ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إذَا نَذَرَ الرِّبَاطَ أَوْ الصَّوْمَ بِثَغْرٍ لَزِمَهُ، وَكَذَا إذَا نَذَرَ صَلَاةً يُمْكِنُ مَعَهَا الْحِرَاسَةُ. وَإِنْ نَذَرَ صَلَاةً فَقَطْ ثُمَّ يَعُودُ مِنْ غَيْرِ رِبَاطٍ فَلَا يَلْزَمُهُ إتْيَانُهُ، بَلْ يُصَلِّي بِمَوْضِعِهِ وَلِذَلِكَ لَوْ نَذَرَ بِالثُّغُورِ اعْتِكَافًا لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ يُنَافِي الرِّبَاطَ، بِخِلَافِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَيَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ لَهَا سَوَاءٌ نَذَرَ صَوْمًا أَوْ صَلَاةً أَوْ اعْتِكَافًا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [لَزِمَهُ سَبْعُ شِيَاهٍ] : فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْغَنَمِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لَا صِيَامُ وَلَا غَيْرُهُ، بَلْ يَصِيرُ لِوُجُودٍ أَوْ بَدَلِهِ أَوْ بَدَلِ بَدَلِهِ، فَلَوْ قَدَرَ عَلَى دُونِ السَّبْعَةِ مِنْ الْغَنَمِ فَلَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَلْزَمُهُ ثُمَّ يُكْمِلُ مَتَى أَيْسَرَ،

(وَ) لَزِمَهُ (ثُلُثُ مَالِهِ) الْمَوْجُودِ (حِينَ النَّذْرِ) أَوْ الْيَمِينُ لَا مَا زَادَ بَعْدَهُ (إلَّا أَنْ يَنْقُصَ) ، الْمَوْجُودُ حِينَ النَّذْرِ (فَمَا بَقِيَ) يَلْزَمُهُ ثُلُثُهُ (بِمَالِي) : أَيْ بِقَوْلِهِ فِي نَذْرٍ أَوْ يَمِينٍ: مَالِي أَوْ كُلُّ مَالِي أَوْ جَمِيعُهُ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَوْ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ أَوْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ. (وَ) سَبِيلُ اللَّهِ (هُوَ الْجِهَادُ) يَشْتَرِي مِنْهُ خَيْلًا وَسِلَاحًا وَيُعْطَى مِنْهُ لِلْمُجَاهِدِينَ (وَالرِّبَاطُ) فِي الثُّغُورِ فَلَا يُعْطَى مِنْهُ غَيْرُ مُرَابِطٍ وَمُجَاهِدٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ (وَ) لَوْ حَمَلَ إلَيْهِمْ (أَنْفَقَ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الثُّلُثِ الْمُحَوَّلِ لِلْمُجَاهِدِينَ وَالْمُرَابِطِينَ (مِنْ غَيْرِهِ) مِنْ مَالِهِ الْخَاصِّ لَا مِنْهُ، (بِخِلَافِ ثُلُثِهِ) أَيْ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: ثُلُثُ مَالِي أَوْ رُبْعُهُ أَوْ نِصْفُهُ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ، (فَمِنْهُ) أُجْرَةُ حَمْلِهِ. (فَإِنْ قَالَ) فِي نَذْرٍ أَوْ يَمِينٍ: مَالِي أَوْ كُلُّ مَالِي (لِزَيْدٍ) أَوْ لِجَمَاعَةٍ مَخْصُوصَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ الْخَرَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا كُلِّهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. وَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: (بَدَنَةٌ) لَوْ نَذَرَ بَقَرَةً ثُمَّ عَجَزَ عَنْهَا هَلْ يَلْزَمُهُ سَبْعُ شِيَاهٍ كَمَا هُنَا؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ، أَوْ يُجْزِئُهُ دُونَ ذَلِكَ؟ لِأَنَّ الْبَقَرَةَ الَّتِي تَقُومُ مَقَامَهَا الشِّيَاهُ السَّبْعُ هِيَ الَّتِي وَقَعَتْ عِوَضًا عَنْ الْبَدَنَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ النَّذْرُ عَلَى الْبَقَرَةِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [الْمَوْجُودُ حِينَ النَّذْرِ] : أَيْ مِنْ عَيْنٍ وَعَدَدِ دَيْنٍ حَالٍّ وَقِيمَةِ مُؤَجَّلٍ مَرْجُوَّيْنِ وَقِيمَةِ عَرْضٍ وَكِتَابَةِ مُكَاتَبٍ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَنْقُصَ الْمَوْجُودُ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ النَّقْصُ بِإِنْفَاقٍ أَوْ تَلِفَ بِتَفْرِيطِهِ. قَوْلُهُ: [بِمَالِيِّ] إلَخْ: لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى جَوَازِ الْقُدُومِ عَلَى ذَلِكَ وَفِيهِ خِلَافٌ، فَقِيلَ: يَجُوزُ، وَهُوَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ، لِقَوْلِ الْعُتْبِيَّةِ: مَنْ تَصَدَّقَ بِكُلِّ مَالِهِ وَلَمْ يَبْقَ مَا يَكْفِيهِ رُدَّتْ صَدَقَتُهُ. وَاعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَ الثَّانِي، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يُبْقِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا. قَوْلُهُ: [فَلَا يُعْطِي مِنْهُ لِغَيْرِ مُرَابِطٍ] : أَيْ مِنْ كُلِّ مَنْ فُقِدَتْ مِنْهُ شُرُوطُ الْجِهَادِ كَمُقْعَدٍ وَأَعْمَى وَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ وَأَقْطَعَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [فَمِنْهُ أُجْرَةُ حَمْلِهِ] : أَيْ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثِ أُجْرَةُ حَمْلِهِ الَّتِي تُوصِلُهُ لِلْمُجَاهِدِينَ وَالْمُرَابِطِينَ.

[تنبيه نذر المشي لمكان ما ثم مشى وفرق الطريق والمعتقب]

كَخَدَمَةِ مَسْجِدٍ (فَالْجَمِيعُ) أَيْ جَمِيعُ مَالِهِ يَلْزَمُهُ حِينَ الْيَمِينِ، فَإِنْ نَقَصَ فَالْبَاقِي. (وَ) لَزِمَ (مَشْيٌ لِمَسْجِدِ مَكَّةَ) إنْ نَذَرَهُ أَوْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ، هَذَا إذَا نَذَرَ الْمَشْيَ لَهُ لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، بَلْ (وَلَوْ) نَذَرَهُ (لِصَلَاةٍ) فِيهِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا (كَمَكَّةَ) : تَشْبِيهٌ فِي لُزُومِ الْمَشْيِ، أَيْ أَنَّ مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَكَّةَ أَوْ حَلَفَ بِهِ فَحَنِثَ، (أَوْ) إلَى (الْبَيْتِ) أَوْ نَذَرَ (أَوْ) حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى (جُزْئِهِ) أَيْ الْبَيْتِ: أَيْ الْمُتَّصِلِ بِهِ كَالرُّكْنِ وَالْحَجَرِ وَالْحَطِيمِ وَالشَّاذَرْوَانِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ (كَغَيْرِهِ) أَيْ كَمَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إذَا سَمَّى غَيْرَ جُزْئِهِ كَزَمْزَمَ وَقُبَّةِ الشَّرَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ جَمِيعُ مَالِهِ يَلْزَمُهُ] : أَيْ وَيُتْرَكُ لَهُ مَا يُتْرَكُ لِلْمُفْلِسِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَكَرَّرَ نَاذِرُ الصَّدَقَةِ بِجَمِيعِ مَالِهِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ الْحَالِفُ بِذَلِكَ إخْرَاجَ الثُّلُثِ لِكُلِّ يَمِينٍ فَيُخْرِجُ الثُّلُثَ لِلْيَمِينِ الْأُولَى، ثُمَّ ثُلُثَ الْبَاقِي وَهَكَذَا إنْ أَخْرَجَ الثُّلُثَ الْأَوَّلَ لِلْيَمِينِ الْأُولَى بَعْدَ لُزُومِهِ وَقَبْلَ إنْشَاءِ الثَّانِيَةِ، وَشَمَلَ اللُّزُومُ النَّذْرَ وَالْيَمِينَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّذْرَ يَلْزَمُ اللَّفْظَ وَالْيَمِينَ بِالْحِنْثِ فِيهَا، وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يُخْرِجْ الْأَوَّلَ حَتَّى أَنْشَأَ الثَّانِيَ نَذْرًا أَوْ يَمِينًا فَتَحْتَ الْيَمِينِ صُورَتَانِ: مَا إذَا أَنْشَأَ الثَّانِيَةَ قَبْلَ الْحِنْثِ فِي الْأُولَى أَوْ بَعْدَهَا، فَقَوْلَانِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ بِالتَّكْرَارِ وَعَدَمِهِ، بِأَنْ يَكْفِيَ ثُلُثٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِ الْأَيْمَانِ (اهـ) وَقَالَ فِي الْأَصْلِ أَيْضًا: وَلَزِمَ بَعْثُ فَرَسٍ وَسِلَاحٍ نَذَرَهُمَا أَوْ حَلَفَ بِهِمَا وَحَنِثَ لِمَحَلِّ الْجِهَادِ إنْ أَمْكَنَ وُصُولُهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بَيْعٌ وَعِوَضٌ بِثَمَنِهِ مِثْلُهُ مِنْ خَيْلٍ أَوْ سِلَاحٍ فَإِنْ جُعِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَيْسَ بِفَرَسٍ وَلَا سِلَاحٍ كَقَوْلِهِ: عَبْدِي أَوْ ثَوْبِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بِيعَ وَدُفِعَ ثَمَنُهُ لِمَنْ يَغْزُو بِهِ (اهـ) . [تَنْبِيه نَذْر الْمَشْي لِمَكَانِ مَا ثُمَّ مشى وفرق الطَّرِيق وَالْمُعْتَقَب] قَوْلُهُ: [بَلْ وَلَوْ نَذَرَهُ لِصَلَاةٍ] : رُدَّ بِالْمُبَالَغَةِ عَلَى الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ الْقَائِلِ: إنَّ مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِلصَّلَاةِ لَا لِلنُّسُكِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَيَرْكَبُ إنْ شَاءَ، وَقَدْ اعْتَمَدَهُ ابْنُ يُونُسَ وَلَكِنْ اعْتَمَدَ الْأَشْيَاخُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [وَالْحَجَرِ] : أَيْ الْأَسْوَدِ وَأَمَّا الْحَجْرُ بِسُكُونِ الْجِيمِ فَقِيلَ كَالْأَجْزَاءِ الْمُنْفَصِلَةِ لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إلَّا إنْ نَوَى نُسُكًا وَقِيلَ كَالْمُتَّصِلِ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ] إلَخْ: أَيْ وَلَوْ كَانَ النَّاذِرُ قَاطِنًا بِهَا فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ وَيَأْتِي بِعُمْرَةٍ مَاشِيًا فِي رُجُوعِهِ، وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ خَرَجَ لِلْحِلِّ وَلَوْ رَاكِبًا وَمَشَى مِنْهُ.

وَالْمَقَامِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (إنْ نَوَى نُسُكًا) حَجًّا أَوْ عُمْرَةً، فَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. وَإِذَا لَزِمَهُ الْمَشْيُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مَشَى (مِنْ حَيْثُ نَوَى) الْمَشْيَ مِنْهُ مِنْ بَرَكَةِ الْحَجِّ أَوْ الْعَقَبَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، (وَإِلَّا) يَنْوِ مَحَلًّا مَخْصُوصًا، (فَمِنْ) الْمَكَانِ (الْمُعْتَادِ) لِمَشْيِ الْحَالِفِينَ بِالْمَشْيِ (وَإِلَّا) يَكُنْ مَكَانًا مُعْتَادًا لِلْحَالِفِينَ (فَمِنْ حَيْثُ حَلَفَ أَوْ نَذَرَ وَأَجْزَأَ) الْمَشْيُ (مِنْ مِثْلِهِ فِي الْمَسَافَةِ، وَجَازَ) لَهُ (رُكُوبٌ بِمَنْهَلٍ) أَيْ مَحَلِّ النُّزُولِ كَانَ بِهِ مَاءٌ أَوْ لَا، (وَ) رُكُوبٌ (لِحَاجَةٍ) وَلَوْ فِي غَيْرِ الْمَنْهَلِ كَأَنْ يَرْجِعَ لِشَيْءٍ نَسِيَهُ أَوْ احْتَاجَ إلَيْهِ (كَبَحْرٍ) ، أَيْ كَمَا يَجُوزُ لَهُ رُكُوبٌ فِي الطَّرِيقِ لِبَحْرٍ (اُعْتِيدَ) رُكُوبُهُ (لِلْحَالِفِينَ، أَوْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ) أَيْ إلَى رُكُوبِهِ، وَيَسْتَمِرُّ مَاشِيًا (لِتَمَامِ) طَوَافِ (الْإِفَاضَةِ أَوْ) تَمَامِ (السَّعْيِ) إنْ كَانَ سَعْيُهُ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ، (وَ) لَزِمَ (الرُّجُوعُ) فِي عَامٍ قَابِلٍ لِمَنْ رَكِبَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إنْ نَوَى نُسُكًا] إلَخْ: قَيَّدَ فِي الْغَيْرِ. قَوْلُهُ: (فَمِنْ الْمَكَانِ الْمُعْتَادِ لِمَشْيِ الْحَالِفِينَ) : أَيْ سَوَاءٌ اُعْتِيدَ لِغَيْرِهِمْ أَمْ لَا، وَأَمَّا الْمُعْتَادُ لِغَيْرِهِمْ فَقَطْ فَلَا يَمْشِي مِنْهُ. قَوْلُهُ: [مِنْ مِثْلِهِ فِي الْمَسَافَةِ] : أَيْ لَا فِي الصُّعُوبَةِ وَالسُّهُولَةِ. قَوْلُهُ: [رُكُوبٌ بِمَنْهَلٍ] : أَيْ يَرْكَبُ فِي حَوَائِجِهِ ثُمَّ إذَا قَضَى حَاجَتَهُ يَرْجِعُ لِمَكَانِ نُزُولِهِ وَيَبْتَدِئُ الْمَشْيَ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [اُعْتِيدَ رُكُوبُهُ لِلْحَالِفِينَ] : أَيْ سَوَاءٌ اُعْتِيدَ لِغَيْرِهِمْ مَعَهُمْ أَمْ لَا، وَأَمَّا لَوْ اُعْتِيدَ لِغَيْرِ الْحَالِفِينَ فَلَا يَرْكَبُهُ، وَمِثْلُهُ طَرِيقُ قُرْبَى اُعْتِيدَتْ لِلْحَالِفِينَ سَوَاءٌ اُعْتِيدَتْ لِغَيْرِهِمْ أَمْ لَا، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَانْظُرْ إذَا مَشَى فِي الْقُرْبَى الَّتِي لَمْ تُعْتَدْ هَلْ يَأْتِي بِالْمَشْيِ مَرَّةً أُخْرَى أَوْ يَنْظُرُ فِيمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاوُتِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَا رَكِبَ وَيُفَصِّلُ فِيهِ تَفْصِيلَهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَظْهَرُ اهـ. قَوْلُهُ: [لِتَمَامِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ] إلَخْ: أَيْ فَحِينَئِذٍ يَرْكَبُ فِي رُجُوعِهِ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى، وَفِي رَمْيِ الْجِمَارِ الَّتِي بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَهَذَا إنْ قَدَّمَ الْإِفَاضَةَ، وَأَمَّا إنْ أَخَّرَهَا عَنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ فَإِنَّهُ يَمْشِي فِي رَمْيِ الْجِمَارِ لِكَوْنِ الْمَشْيِ يَنْتَهِي بِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَهُوَ لَمْ يَحْصُلْ. قَوْلُهُ: [وَلَزِمَ الرُّجُوعُ] إلَخْ: أَيْ بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ تُؤْخَذُ مِنْ الْمُصَنِّفِ: الْأَوَّلُ أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ إنْ رَكِبَ كَثِيرًا بِحَسَبِ الْمَسَافَةِ أَوْ الْمَنَاسِكِ. الثَّانِي: أَنْ لَا يَبْعُدَ جِدًّا بِأَنْ

عَامِ الْمَشْيِ (إنْ رَكِبَ كَثِيرًا بِحَسَبِ الْمَسَافَةِ) طُولًا وَقِصَرًا وَصُعُوبَةً وَسُهُولَةً، (أَوْ) رَكِبَ (الْمَنَاسِكَ) مِنْ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ لِعَرَفَةَ وَرُجُوعِهِ مِنْهَا لِمِنًى وَلِمَكَّةَ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ، لِأَنَّ الرُّكُوبَ فِيهَا وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فِي نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ كَثِيرٌ فِي الْمَعْنَى، لِأَنَّ الْمَنَاسِكَ هِيَ الْمَقْصُودَةُ بِالذَّاتِ. (لِنَحْوِ الْمِصْرِيِّ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: " وَالرُّجُوعُ ": أَيْ يَلْزَمُ الرُّجُوعُ لِلْمِصْرِيِّ وَنَحْوِهِ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ إذَا بُعِّضَ الْمَشْيُ وَرَكِبَ كَثِيرًا، أَوْ رَكِبَ الْمَنَاسِكَ وَأَوْلَى مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ. وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْقَلِيلِ أَوْ الْبَعِيدِ جِدًّا، وَإِذَا لَزِمَهُ الرُّجُوعُ (فَيَمْشِي مَا رَكِبَ) فِيهِ (إنْ عَلِمَهُ وَإِلَّا) يَعْلَمْهُ، (فَالْجَمِيعَ) أَيْ فَيَجِبُ مَشْيُ جَمِيعِ الْمَسَافَةِ (فِي مِثْلِ مَا عَيَّنَ أَوَّلًا) : أَيْ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ الَّذِي بَعَّضَ الْمَشْيَ فِيهِ. فَإِنْ كَانَ عَيَّنَ مَشْيَهُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ قِرَانٍ بِاللَّفْظِ أَوْ النِّيَّةِ لَزِمَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي مِثْلِ مَا عَيَّنَهُ، (وَإِلَّا) يُعَيِّنْ أَوَّلًا شَيْئًا (فَلَهُ الْمُخَالَفَةُ) فِي عَامِ الرُّجُوعِ، وَيَمْشِي فِي عُمْرَةٍ وَلَوْ كَانَ صَرَفَ مَشْيَهُ الْأَوَّلَ فِي حَجٍّ وَعَكْسُهُ. وَمَحَلُّ لُزُومِ الرُّجُوعِ لِمَنْ رَكِبَ كَثِيرًا (إنْ ظَنَّ الْقُدْرَةَ) عَلَى مَشْيِ جَمِيعِ الطَّرِيقِ (حِينَ خُرُوجِهِ) أَوَّلَ عَامٍ وَلَوْ فِي عَامَيْنِ (وَإِلَّا) يَظُنَّ الْقُدْرَةَ حِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَتْ الْمَسَافَةُ مُتَوَسِّطَةً أَوْ قَرِيبَةً جِدًّا، وَأَفَادَهُ بِقَوْلِهِ لِنَحْوِ الْمِصْرِيِّ، فَلَوْ بَعُدَ جِدًّا كَالْإِفْرِيقِيِّ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ فَقَطْ كَمَا يَأْتِي. الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَكُونَ الْعَامُ مُعَيَّنًا وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ هَدْيٌ فَقَطْ، الرَّابِعُ: أَنْ يَظُنَّ الْقُدْرَةَ حِينَ خُرُوجِهِ أَوَّلَ عَامٍ. الْخَامِسُ: أَنْ لَا يَطْرَأَ عَلَيْهِ الْعَجْزُ حِينَ يُؤْمَرُ بِالرُّجُوعِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ هَدْيٌ فَقَطْ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْقَلِيلِ] إلَخْ: أَيْ وَهُوَ لُزُومُ هَدْيٍ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [فِي مِثْلِ مَا عَيَّنَ أَوَّلًا] : أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ الْعَامَّ غَيْرُ مُعَيَّنٍ كَمَا عَلِمْت مِنْ الشُّرُوطِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ رُجُوعٌ، بَلْ عَلَيْهِ هَدْيٌ فِي تَبْعِيضِ الْمَشْيِ. قَوْلُهُ: [إنْ ظَنَّ الْقُدْرَةَ] إلَخْ: أَيْ وَأَوْلَى لَوْ جَزَمَ بِذَلِكَ فَهَاتَانِ صُورَتَانِ يُضْرَبَانِ فِي خَمْسَةٍ حَالَ الْيَمِينِ أَوْ النَّذْرِ، وَهِيَ مَا إذَا اعْتَقَدَ الْقُدْرَةَ أَوْ ظَنَّهَا أَوْ شَكَّهَا أَوْ تَوَهَّمَهَا أَوْ جَزَمَ بِعَدَمِهَا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ فِي عَامَيْنِ] : أَيْ لَا ثَلَاثَةِ فَأَكْثَرَ فَلَا رُجُوعَ، وَتَعَيَّنَ الْهَدْيُ، وَأَمَّا إذَا رَجَعَ يَمْشِي أَمَاكِنَ رُكُوبِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ ظَنِّ الْقُدْرَةِ عَلَى مَشْيِهِ أَمَاكِنَ رُكُوبِهِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ.

خُرُوجِهِ عَلَى مَشْيِ الْجَمِيعِ بِأَنْ عَلِمَ بِعَجْزِ نَفْسِهِ أَوْ ظَنَّهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ (مَشَى مَقْدُورَهُ فَقَطْ) ، وَلَوْ مِيلًا وَرَكِبَ مَعْجُوزَهُ وَأَهْدَى. وَأَمَّا مَنْ ظَنَّ الْعَجْزَ حِينَ يَمِينِهِ أَوْ شَكَّ فِيهِ أَوْ نَوَى أَنْ لَا يَمْشِيَ إلَّا مَقْدُورَهُ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ أَوَّلَ عَامٍ وَيَمْشِي مَا اسْتَطَاعَ وَيَرْكَبُ مَا لَا يَسْتَطِيعُ وَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ وَلَا هَدْيَ (لَا إنْ قَلَّ) الرُّكُوبُ فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَفْهُومُ إنْ رَكِبَ كَثِيرًا، بَلْ عَلَيْهِ الْهَدْيُ فَقَطْ (أَوْ بَعُدَ) الْحَالِفُ (جِدًّا؛ كَأَفْرِيقِيٍّ) فَلَا رُجُوعَ إنْ رَكِبَ كَثِيرًا وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ، وَهَذَا قَسِيمُ قَوْلِهِ: " لِنَحْوِ مِصْرِيٍّ "، (كَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) عَلَى الْمَشْيِ أَصْلًا فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ. (وَ) لَزِمَ (هَدْيٌ فِي الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ مَنْ ذُكِرَ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ، وَمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَكَالْمِصْرِيِّ إنْ رَكِبَ كَثِيرًا وَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِيَمْشِيَ مَا رَكِبَهُ إنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِأَنْ عَلِمَ بِعَجْزِ نَفْسِهِ أَوْ ظَنَّهُ أَوْ شَكَّ] : أَيْ فَهَذِهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ تُضْرَبُ فِي حَالَتَيْنِ وَهُمَا مَا إذَا عَلِمَ الْقُدْرَةَ حِينَ الْيَمِينِ أَوْ ظَنَّهَا فَهَذِهِ سِتٌّ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي اثْنَيْنِ بِمَشْيِ مَقْدُورِهِ فَقَطْ إلَى آخِرِ مَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا مَنْ ظَنَّ الْعَجْزَ حِينَ يَمِينِهِ] إلَخْ: أَيْ وَأَوْلَى لَوْ اعْتَقَدَهُ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ مَضْرُوبَةٌ فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالِ الْخُرُوجِ، وَهِيَ ظَنُّ الْعَجْزِ أَوْ اعْتِقَادُهُ أَوْ الشَّكُّ فِيهِ فَهَذِهِ تِسْعٌ يَمْشِي أَوَّلَ عَامِ مَقْدُورَهُ وَلَا رُجُوعَ وَلَا هَدْيَ، فَجُمْلَةُ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مِنْ ضَرْبِ خَمْسَةِ الْخُرُوجِ فِي خَمْسَةِ الْحَلِفِ؛ الْعَشَرَةُ الْأُولَى يَرْجِعُ فِيهَا لِمَشْيِ مَا رَكِبَهُ وَيُهْدِي، وَالسِّتَّةُ الَّتِي بَعْدَهَا لَا رُجُوعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ هَدْيٌ وَالتِّسْعُ الْبَاقِيَةُ لَا رُجُوعَ وَلَا هَدْيَ. قَوْلُهُ: [أَوْ بَعُدَ الْحَالِفُ جِدًّا] : بَقِيَ الْكَلَامُ فِي الْمُتَوَسِّطِ بَيْنَ مِصْرِيٍّ وَأَفْرِيقِيٍّ. وَالْحُكْمُ: أَنَّهُ إنْ قَارَبَ الْمِصْرِيَّ يُعْطَى حُكْمَهُ، وَإِنْ قَارَبَ الْأَفْرِيقِيَّ يُعْطَى حُكْمَهُ. قَوْلُهُ: [كَأَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَشْيِ] : أَيْ عِنْدَ إرَادَةِ الْعَوْدِ. تَنْبِيهٌ: مَنْ مَشَى الطَّرِيقَ كُلَّهَا وَلَكِنْ فَرَّقَهَا تَفْرِيقًا غَيْرَ مُعْتَادٍ وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ فَيُجْزِئُهُ وَيُهْدِي وَلَا يُؤْمَرُ بِالْعَوْدِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ نَقْلًا عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ. وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ يَمْشِي عَقَبَةَ وَيَرْكَبُ أُخْرَى: هَلْ فِي عَامِ عَوْدِهِ يُؤْمَرُ بِمَشْيِ الْجَمِيعِ نَظَرًا لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الرَّاحَةِ بِالرُّكُوبِ الْمُعَادِلِ لِلْمَشْيِ. فَكَأَنَّهُ لَمْ يَمْشِ أَصْلًا، أَوْ يَمْشِي أَمَاكِنَ رُكُوبِهِ فَقَطْ؟ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، قَوْلَانِ مَحَلُّهُمَا إذَا عَرَفَ أَمَاكِنَ رُكُوبِهِ وَإِلَّا

ظَنَّ الْقُدْرَةَ وَوَجَبَ عَلَيْهِ هَدْيٌ، وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْجَمِيعِ مَشَى مَقْدُورَهُ وَرَكِبَ مَعْجُوزَهُ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ. وَإِنْ رَكِبَ قَلِيلًا فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ هَدْيٌ كَالْبَعِيدِ جِدًّا وَمَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْمَشْيِ أَصْلًا، (إلَّا فِيمَنْ رَكِبَ الْمَنَاسِكَ أَوْ) رَكِبَ (الْإِفَاضَةَ) أَيْ فِي حَالِ نُزُولِهِ مِنْ مِنًى لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ، (فَمَنْدُوبٌ) فِي حَقِّهِ الْهَدْيُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ وَإِنْ كَانَ الَّذِي رَكِبَ الْمَنَاسِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ، وَاَلَّذِي رَكِبَ الْإِفَاضَةَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ رُجُوعٌ. وَشَبَّهَ فِي النَّدْبِ قَوْلَهُ: (كَتَأْخِيرِهِ) : أَيْ كَمَا يُنْدَبُ تَأْخِيرُ الْهَدْيِ (لِرُجُوعِهِ) أَيْ أَنَّ مَنْ رَكِبَ كَثِيرًا وَوَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِيَمْشِيَ مَا رَكِبَ، يُنْدَبُ لَهُ تَأْخِيرُ الْهَدْيِ لِعَامِ رُجُوعِهِ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْجَابِرِ النُّسُكِيِّ وَالْمِثَالِيِّ، فَإِنْ قَدَّمَهُ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ أَجْزَأَهُ، (وَلَا يُفِيدُهُ) فِي سُقُوطِ الْهَدْيِ عَنْهُ (مَشَى الْجَمِيعَ) : أَيْ جَمِيعَ الْمَسَافَةِ فِي عَامِ الرُّجُوعِ. (فَإِنْ أَفْسَدَ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَشْيُ مَا أَحْرَمَ بِهِ ابْتِدَاءً مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِوَطْءٍ أَوْ إنْزَالٍ (أَتَمَّهُ) فَاسِدًا كَمَا تَقَدَّمَ، (وَمَشَى) وُجُوبًا (فِي قَضَائِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ) الشَّرْعِيِّ كَالْجُحْفَةِ فَقَطْ، وَلَا يَمْشِي جَمِيعَ الْمَسَافَةِ وَلَا يَرْكَبُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَإِنْ مَشَى فِيهِ فِي عَامِ الْفَسَادِ، (وَإِنْ فَاتَهُ) الْحَجُّ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ وَقَدْ كَانَ نَذَرَ مَشْيًا مُطْلَقًا، أَوْ حَنِثَ بِهِ أَيْ لَمْ يُعَيِّنْ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً وَلَكِنَّهُ جَعَلَ مَشْيَهُ فِي حَجٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَشَى الْجَمِيعَ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْجَمِيعِ] إلَخْ: أَيْ فِي الصُّوَرِ السِّتِّ. قَوْلُهُ: [أَتَمَّهُ فَاسِدًا] : أَيْ وَلَوْ رَاكِبًا لِأَنَّ إتْمَامَهُ لَيْسَ مِنْ النَّذْرِ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا هُوَ لِإِتْمَامِ الْحَجِّ. قَوْلُهُ: [وَمَشَى وُجُوبًا فِي قَضَائِهِ الْمِيقَاتَ] إلَخْ: أَيْ إنْ كَانَ أَحْرَمَ مِنْهُ عَامَ الْفَسَادِ: وَأَمَّا لَوْ كَانَ أَحْرَمَ فِي الْفَاسِدِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ مَشَى فِي قَضَائِهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ لِتَسَلُّطِ الْفَسَادِ عَلَى مَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَإِنْ كَانَ يُؤْمَرُ بِتَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ عَامَ الْقَضَاءِ لِلْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ هَكَذَا قِيلَ، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِحْرَامِ وَالْمَشْيِ يُؤَخَّرُ فِي عَامِ الْقَضَاءِ لِلَّهِ لِلْمِيقَاتِ، لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا، وَالْإِحْرَامَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. قَوْلُهُ: [أَيْ لَمْ يُعَيِّنْ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً] : مَفْهُومُهُ لَوْ عَيَّنَ الْحَجَّ فِي نَذْرِهِ مَاشِيًا

فَفَاتَهُ (تَحَلَّلَ) مِنْهُ (بِعُمْرَةٍ) ، وَقَضَى فِي قَابِلٍ (وَرَكِبَ) الْمَسَافَةَ (فِي قَضَائِهِ) أَيْ جَازَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ نَذْرَهُ قَدْ انْقَضَى وَهَذَا الْقَضَاءُ لِلْفَوَاتِ، (وَعَلَى الصَّرُورَةِ) وُجُوبًا وَهُوَ مَنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ (إنْ أَطْلَقَ) فِي نَذْرِهِ الْمَشْيَ أَوْ فِي يَمِينِهِ، وَحَنِثَ بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْ مَشْيَهُ بِحَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ (جَعَلَهُ) أَيْ جَعَلَ مَشْيَهُ (فِي عُمْرَةٍ) لِيَنْقَضِيَ بِهَا نَذْرَهُ، (ثُمَّ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ) حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لِيَنْقَضِيَ فَرْضُهُ وَيَكُونَ مُتَمَتِّعًا إنْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَمَفْهُومُ: " إنْ أَطْلَقَ " أَنَّهُ إنْ قَيَّدَ فَإِنْ قَيَّدَ، بِعُمْرَةٍ مَشَى فِيهَا وَحَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ مَنْ عَلَيْهِ كَالْمُطْلَقِ، وَإِنْ قَيَّدَ بِحَجٍّ صَرَفَهُ فِيهِ وَحَجَّ لِلضَّرُورَةِ، فِي قَابِلٍ، فَإِنْ نَوَى بِهِ نَذْرَهُ وَحَجَّةَ الْإِسْلَامِ مَعًا أَجْزَأَ عَنْ نَذْرِهِ فَقَطْ، وَقِيلَ: لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُمَا التَّأْوِيلَانِ فِي كَلَامِهِ. وَأَمَّا الْمُطْلَقُ إذَا نَوَاهُمَا مَعًا أَجْزَأَ عَنْ نَذْرِهِ فَقَطْ اتِّفَاقًا. (وَوَجَبَ) عَلَى النَّاذِرِ أَوْ الْحَانِثِ فِي يَمِينِهِ (تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ) بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي قَيَّدَ بِهِ أَوْ الْمَكَانِ الَّذِي قَيَّدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفَاتَهُ فَإِنَّهُ يَرْكَبُ فِي قَضَائِهِ إلَّا فِي الْمَنَاسِكِ فَإِنَّهُ يَمْشِيهَا وَالْمُرَادُ بِالْمَنَاسِكِ مَا زَادَ عَلَى السَّعْيِ الْوَاقِعِ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [تَحَلَّلَ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ] : أَيْ وَيَمْشِي لِتَمَامِ سَعْيِهَا لِيَخْلُصَ مِنْ نَذْرِ الْمَشْيِ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمَّا فَاتَهُ الْحَجُّ وَجَعَلَهُ فِي عُمْرَةٍ فَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ فِيهَا ابْتِدَاءً، وَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [أَيْ جَازَ لَهُ ذَلِكَ] : اُخْتُلِفَ هَلْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي الْمَنَاسِكِ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ. قَوْلُهُ: [وَعَلَى الصَّرُورَةِ وُجُوبًا] : أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَكَلَامُ أَبِي الْحَسَنِ وَالْجَلَّابِ يُفِيدُ الِاسْتِحْبَابَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي، وَمَفْهُومُ الصَّرُورَةِ أَنَّ غَيْرَهُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ جَعَلَ مَشْيَهُ الَّذِي يُؤَدِّي بِهِ النَّذْرَ فِي عُمْرَةٍ وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ فِي حَجٍّ. قَوْلُهُ: [أَجْزَأَ عَنْ نَذْرِهِ فَقَطْ اتِّفَاقًا] : إنَّمَا اُتُّفِقَ عَلَى الْإِجْزَاءِ فِي الْمُطْلَقِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُقَيَّدِ مَعَ أَنَّ التَّشْرِيكَ مَوْجُودٌ حَالَ الْإِطْلَاقِ لِقُوَّةِ النَّذْرِ بِالتَّقْيِيدِ، فَشَابَهَ الْفَرْضَ الْأَصْلِيَّ فَلِذَلِكَ قِيلَ فِيهِ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ لِعَدَمِ تَخْصِيصِهِ بِالنِّيَّةِ. قَوْلُهُ: [مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي قَيَّدَ بِهِ] إلَخْ: أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْشِئَ الْإِحْرَامَ

بِهِ (فِي) قَوْلِهِ: (أَنَا مُحْرِمٌ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ، (أَوْ أُحْرِمُ) بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ (إنْ قَيَّدَ) لَفْظًا أَوْ نِيَّةً (بِوَقْتٍ) كَرَجَبٍ، (أَوْ مَكَان) كَبِرْكَةِ الْحَجِّ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الصَّبْرُ لِلْمِيقَاتِ الزَّمَانِيِّ أَوْ الْمَكَانِيِّ. وَحَاصِلُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ: أَنَّ مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَكَّةَ أَوْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ أَوْ قَالَ: فَعَلَيَّ الْإِحْرَامُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَهَذَا لَا يُحْرِمُ إلَّا فِي الْمِيقَاتِ الزَّمَانِيِّ أَوْ الْمَكَانِيِّ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنَّ أُحْرِمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَإِنِّي مُحْرِمٌ أَوْ فَأَنَا مُحْرِمٌ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ أُحْرِمُ فِي شَهْرِ رَجَبٍ أَوْ مِنْ بِرْكَةِ الْحَجِّ لَزِمَهُ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ فِي رَجَبٍ فِي الْأَوَّلِ، وَمِنْ بِرْكَةِ الْحَجِّ فِي الثَّانِي وَمِنْهُمَا إنْ قَيَّدَ بِهِمَا مَعًا: وَمَفْهُومُ: " قَيَّدَ "، إلَخْ أَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ فَلَمْ يُقَيِّدْ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان، فَإِنْ كَانَ الْمَنْذُورُ أَوْ الَّذِي حَنِثَ فِيهِ عُمْرَةً كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَأَنَا مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ، أَوْ فَأَنَا أُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ، فَكَلَّمَهُ، أَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُحْرِمَ أَوْ أَنِّي مُحْرِمٌ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان فَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّعْجِيلُ مِنْ وَقْتِ النَّذْرِ أَوْ الْحِنْثِ فِي أَيِّ مَكَان كَانَ بِشَرْطِ أَنْ يَجِدَ رُفْقَةً يَسِيرُ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِلَّا أَخَّرَ حَتَّى يَجِدَ رُفْقَةً. وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (كَالْعُمْرَةِ) يَجِبُ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ بِهَا مِنْ وَقْتِ الْحِنْثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَوَاءٌ وَجَدَ رُفْقَةً يَسِيرُ مَعَهُمْ أَمْ لَا، وَلَا يُؤَخَّرُ لِلْمِيقَاتِ وَلَا لِوُجُودِ رُفْقَةٍ لِأَنَّ الْقَيْدَ قَرِينَةٌ عَلَى الْفَوْرِيَّةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ] : أَيْ بِالْمَشْيِ. قَوْلُهُ: [أَوْ قَالَ فَعَلَيَّ الْإِحْرَامُ] إلَخْ: أَيْ فِي صِيغَةِ نَذْرٍ أَوْ يَمِينٍ. قَوْلُهُ: [لَا يُحْرِمُ إلَّا فِي الْمِيقَاتِ] إلَخْ: أَيْ وَيُكْرَهُ لَهُ التَّعْجِيلُ قَبْلَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [لَزِمَهُ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ وَاسْمَ الْفَاعِلِ يَحْتَمِلَانِ الْحَالَ وَالِاسْتِقْبَالَ فَحُمِلَا عَلَى الْحَالِ احْتِيَاطًا. قَوْلُهُ: [فَلَمْ يُقَيَّدْ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان] : أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ أُتِيَ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ أَوْ اسْمِ الْفَاعِلِ. قَوْلُهُ: [فِي أَيِّ مَكَان] : أَيْ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ الْعَامُ كُلُّهُ وَقْتٌ لَهَا فَلَا يَتَوَقَّفُ إحْرَامُهُ إلَّا عَلَى الرُّفْقَةِ الَّذِينَ يَسِيرُ مَعَهُمْ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا أَخَّرَ] : أَيْ لِأَنَّ بِسَاطَ يَمِينِهِ ذَلِكَ وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ.

[مالا يلزم من النذر المباح والمكروه]

أَوْ النَّذْرِ فِي مَكَانِهِ، (إنْ أَطْلَقَ وَوَجَدَ رُفْقَةً) ، وَإِنْ كَانَ الْمَنْذُورُ أَوْ الَّذِي حَنِثَ فِيهِ حَجًّا فَلَا يُعَجِّلُ الْإِحْرَامَ بِهِ مِنْ وَقْتِهِ، بَلْ يُؤَخِّرُهُ لِأَشْهُرِهِ ثُمَّ يُحْرِمُ مِنْ مَكَانِهِ تَعْجِيلًا إنْ كَانَ يَصِلُ فِي عَامِهِ كَالْمِصْرِيِّ، وَإِلَّا فَفِي الْوَقْتِ الَّذِي إذَا خَرَجَ مِنْهُ وَصَلَ فِي عَامِهِ لِمَكَّةَ. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (لَا الْحَجِّ) فَلَا يُعَجِّلُهُ وَقْتَ النَّذْرِ أَوْ الْحِنْثِ إنْ أَطْلَقَ وَإِذَا لَمْ يُعَجِّلْهُ (فَلِأَشْهُرِهِ) أَيْ الْحَجِّ الَّتِي مَبْدَؤُهَا شَوَّالٌ فَلْيُعَجِّلْهُ أَوَّلَهَا فِي مَكَان، (إنْ كَانَ يَصِلُ) لِمَكَّةَ مِنْ عَامِهِ كَالْمِصْرِيِّ (وَإِلَّا) يَصِلْ بِأَنْ كَانَ بَعِيدًا (فَالْوَقْتُ) : أَيْ فَيُحْرِمُ مِنْ الْوَقْتِ (الَّذِي) إذَا خَرَجَ فِيهِ (يَصِلُ فِيهِ) مِنْ لِمَكَّةَ عَامَهُ، (وَأَخَّرَهُ) أَيْ الْإِحْرَامَ (فِي) نَذْرِ (الْمَشْيِ) أَوْ الْحِنْثِ بِهِ (لِلْمِيقَاتِ) الْمَكَانِيِّ وَالزَّمَانِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ صَدْرَ الْحَاصِلِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا لَا يَلْزَمُ مِنْ النَّذْرِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَلْزَمُ) النَّذْرُ (بِمُبَاحٍ) نَحْوُ: لِلَّهِ عَلَيَّ لَآكُلَن هَذَا الرَّغِيفَ أَوْ لَيَطَأَن زَوْجَتَهُ. (أَوْ مَكْرُوهٍ) : نَحْوُ: لِلَّهِ عَلَيَّ، أَوْ: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا لِأُصَلِّيَن رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ فَرْضِ الْعَصْرِ أَوْ الصُّبْحِ، أَوْ لَأَقْرَأَن فِي السِّرِّيَّةِ بِالْجَهْرِ أَوْ الْعَكْسُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِهِ مَا نُدِبَ. وَنَذْرُ الْحَرَامِ حَرَامٌ قَطْعًا وَكَذَا الْمُبَاحُ وَالْمَكْرُوهُ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَقِيلَ. يُكْرَهُ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ هُوَ غَيْرُ لَازِمٍ وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ. (وَلَا) يَلْزَمُ النَّذْرُ (بِمَا لِي فِي الْكَعْبَةِ أَوْ بَابِهَا) أَوْ رُكْنِهَا، (أَوْ) نَذْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [ثُمَّ يُحْرِمُ مِنْ مَكَانِهِ تَعْجِيلًا] : أَيْ إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ السَّفَرُ بِأَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَوَجَدَ الرُّفْقَةَ هَكَذَا. يَنْبَغِي لِأَنَّهُ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . قَوْلُهُ: [وَأَخَّرَهُ أَيْ الْإِحْرَامَ] إلَخْ: أَيْ فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ قَدْ عُلِمَتْ مِنْ الشَّارِحِ. [مَالًا يَلْزَم مِنْ النَّذْر الْمُبَاح وَالْمَكْرُوه] قَوْلُهُ: [وَكَذَا الْمُبَاحُ وَالْمَكْرُوهُ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ] : أَيْ لِأَنَّ فِيهِ تَغْيِيرًا لِمَعَالِمِ الشَّرِيعَةِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ يُكْرَهُ] : وَبَقِيَ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ تَبَعِيَّتُهُ لِلْمَنْذُورِ حُرْمَةً وَكَرَاهَةً وَإِبَاحَةً. قَوْلُهُ: [وَلَا يَلْزَمُهُ النَّذْرُ بِمَالِيٍّ] إلَخْ: أَيْ حَيْثُ أَرَادَ صَرْفَهُ فِي بِنَائِهَا أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ لُزُومِ كَفَّارَةِ يَمِينٍ. وَإِنَّمَا كَانَ النَّذْرُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ لَا قُرْبَةَ فِيهِ لِأَنَّهَا لَا تُنْقَضُ فَتُبْنَى كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَأَمَّا إنْ

(هَدْيٍ) بِلَفْظِهِ أَوْ بَدَنَةٍ بِلَفْظِهَا (لِغَيْرِ مَكَّةَ) كَالْمَدِينَةِ وَقَبْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَا ذَبْحُهُ بِمَحِلِّهِ؛ لِأَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ لِغَيْرِ مَكَّةَ مِنْ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ مَعَالِمِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ. فَلَوْ نَذَرَ حَيَوَانًا بِغَيْرِ تَسْمِيَةِ هَدْيٍ وَلَا بَدَنَةٍ لِنَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ فَلَا يَبْعَثُهُ وَلْيَذْبَحْهُ بِمَوْضِعِهِ. وَلَوْ نَذَرَ جِنْسَ مَا لَا يُهْدَى كَالدَّرَاهِمِ وَالثِّيَابِ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْفُقَرَاءَ الْمُلَازِمِينَ بِذَلِكَ الْمَحِلِّ لَزِمَ بَعْثُهُ وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ. (أَوْ) نَذْرِ (مَالِ فُلَانٍ) فَلَا يَلْزَمُ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ: إنْ مَلَكْتُهُ) ، فَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَرَادَ صَرْفَهُ فِي كِسْوَتِهَا وَطِيبِهَا لَزِمَهُ ثُلُثُ مَالِهِ لِلْحَجَبَةِ يَصْرِفُونَهُ فِيهَا إنْ احْتَاجَتْ، فَإِنْ لَمْ تَحْتَجْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ حَيْثُ شَاءَ. وَأَمَّا لَوْ قَالَ: كُلُّ مَا أَكْتَسِبُهُ فِي الْكَعْبَةِ أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لِلْفُقَرَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِلْمَشَقَّةِ الْحَاصِلَةِ بِتَشْدِيدِهِ عَلَى نَفْسِهِ، كَمَنْ عَمَّمَ فِي الطَّلَاقِ وَهَذَا إذَا لَمْ يُقَيَّدْ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان، وَأَمَّا إذَا قُيِّدَ بِأَنْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَكُلُّ مَا أَكْتَسِبُهُ أَوْ أَسْتَفِيدُهُ فِي مُدَّةِ كَذَا وَفِي بَلَدِ كَذَا فِي كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ مَثَلًا، أَوْ صَدَقَةٍ عَلَى الْفُقَرَاء أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَفَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، فَقَوْلَانِ. قِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهُوَ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ، وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ جَمِيعِ مَا يَكْتَسِبُهُ أَوْ يَسْتَفِيدُهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ أَوْ هَذَا الْبَلَدِ وَهُوَ الرَّاجِحُ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ هُوَ الْقِيَاسُ، وَلِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ إنَّهُ الصَّوَابُ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الصِّيغَةُ يَمِينًا، فَإِنْ كَانَتْ نَذْرًا بِأَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ التَّصَدُّقُ بِكُلِّ مَا أَكْتَسِبُهُ أَوْ أَسْتَفِيدُهُ، فَإِنْ لَمْ يُقَيَّدْ بِزَمَنٍ أَوْ بَلَدٍ لَزِمَهُ ثُلُثُ جَمِيعِ مَا يَكْتَسِبُهُ بَعْدُ، وَهَذَا مَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمَدْفُوعَ لَهُ، وَأَمَّا إنْ عَيَّنَهُ كَ لِلَّهِ عَلَيَّ التَّصَدُّقُ عَلَى فُلَانٍ بِكُلِّ مَا أَكْتَسِبُهُ أَوْ إنْ فَعَلْت فَكُلُّ مَا أَكْتَسِبُهُ لِفُلَانٍ لَزِمَهُ جَمِيعُ مَا يَكْتَسِبُهُ عَيَّنَ زَمَانًا أَوْ مَكَانًا أَوْ لَا، كَانَتْ الصِّيغَةُ نَذْرًا أَوْ يَمِينًا (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [مِنْ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ] : هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ لِقَوْلِهَا سَوْقُ الْهَدَايَا لِغَيْرِ مَكَّةَ ضَلَالٌ وَمُقَابِلُهُ لِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ، جَوَازُ ذَلِكَ لِأَنَّ إطْعَامَ الْمَسَاكِينِ بِأَيِّ بَلَدٍ طَاعَةٌ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَبْعَثُهُ وَلْيَذْبَحْهُ بِمَوْضِعِهِ] : وَأَمَّا نَحْوُ الشَّمْعِ لِلْأَوْلِيَاءِ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا أَنْ يُقْصَدَ بِهِ الِاسْتِصْبَاحُ لِمَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ بِهَا، وَلَا يَلْزَمُ نَذْرُ كِسْوَةِ الْقُبُورِ وَهُوَ

نَوَى ذَلِكَ لَزِمَهُ إذَا مَلَكَهُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ (كَعَلَيَّ نَحْرُ فُلَانٍ) لَمْ يَلْزَمْ بِهِ شَيْءٌ، (إنْ لَمْ يَلْفِظْ بِالْهَدْيِ أَوْ يَنْوِهِ أَوْ يَذْكُرْ) حَالَ قَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَحْرُ فُلَانٍ (مَقَامَ إبْرَاهِيمَ) ، أَيْ قِصَّتُهُ مَعَ وَلَدِهِ، فَإِنْ تَلَفَّظَ بِالْهَدْيِ: كَعَلَيَّ هَدْيُ فُلَانٍ أَوْ ابْنِي أَوْ نَوَى الْهَدْيَ أَوْ ذَكَرَ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (فَهَدْيٌ) يَلْزَمُهُ. (وَلَا) يَلْزَمُ نَذْرُ (الْحَفَاءِ أَوْ الْحَبْوِ) كَأَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ حَافِيًا أَوْ حَبْوًا (بَلْ يَمْشِي) إلَيْهَا (مُنْتَعِلًا وَنُدِبَ) لَهُ (هَدْيٌ، وَلَغَا) بِالْفَتْحِ فِعْلٌ لَازِمٌ يَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ: أَيْ بَطَلَ قَوْلُهُ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَسِيرُ أَوْ الذَّهَابُ أَوْ الرُّكُوبُ لِمَكَّةَ (إنْ لَمْ يَقْصِدْ) بِذَلِكَ (نُسُكًا) حَجًّا أَوْ عُمْرَةً، (فَ) يَلْزَمُهُ مَا نَوَاهُ وَ (يَرْكَبُ) جَوَازًا (وَ) لَغَا (مُطْلَقُ الْمَشْيِ) إنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِمَكَّةَ وَلَا الْبَيْتِ وَنَحْوِهِمَا لَفْظًا وَلَا نِيَّةً كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ مَشْيٌ، أَوْ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَعَلَيَّ مَشْيٌ (كَعَلَيَّ مَشْيٌ لِمَسْجِدٍ) سَمَّاهُ غَيْرَ الثَّلَاثَةِ كَالْأَزْهَرِ، فَإِنَّهُ يُلْغَى وَلَا يَلْزَمُهُ مَشْيٌ لِصَلَاةٍ أَوْ اعْتِكَافٍ (إلَّا الْقَرِيبَ جِدًّا) بِأَنْ يَكُونَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ فَدُونٍ (فَقَوْلَانِ) بِلُزُومِ الْإِتْيَانِ إلَيْهِ لِصَلَاةٍ أَوْ اعْتِكَافٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْبِدَعِ وَضَيَاعِ الْمَالِ فِيمَا لَا يَعْنِي خُصُوصًا لَطْخُ الْفِضَّةِ عَلَى الْأَبْوَابِ، قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَلَا يَضُرُّ قَصْدُ زِيَارَةِ وَلِيٍّ وَاسْتِصْحَابُ شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ مَعَهُ لِيُذْبَحَ هُنَاكَ لِلتَّوْسِعَةِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى فُقَرَاءِ الْمَحَلِّ مِنْ غَيْرِ نَذْرٍ وَلَا تَعْيِينٍ فِيمَا يَظْهَرُ (اهـ) . قَوْلُهُ: [أَيْ قِصَّتُهُ مَعَ وَلَدِهِ] : هَكَذَا قِيلَ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِمَقَامِ إبْرَاهِيمَ مَقَامُ الصَّلَاةِ وَهُوَ عِنْدَ الْحِجْرِ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ فِي بِنَاءِ الْبَيْتِ، وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ يَشْهَدُ لِمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [فَهَدْيٌ يَلْزَمُهُ] : مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مَحِلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَنْذُورُ نَحْرُهُ حُرًّا وَأَمَّا لَوْ كَانَ رَقِيقًا فَإِنْ كَانَ مَلَكَهُ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ، وَعَبْدُ الْغَيْرِ دَاخِلٌ فِي مَالِ الْغَيْرِ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ أَنَّ الْحُرَّ لَا يُمْلَكُ فَلَا عِوَضَ لَهُ بِخِلَافِ الْقِنِّ فَيَخْرُجُ عِوَضُهُ. قَوْلُهُ: [وَلَغَا] إلَخْ: إنَّمَا أَلْغَى لِأَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا وَرَدَتْ بِالْمَشْيِ. قَوْلُهُ: [وَلَغَا مُطْلَقُ الْمَشْيِ] : أَيْ لِأَنَّ الْمَشْيَ بِانْفِرَادِهِ لَا طَاعَةَ فِيهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَأَلْزَمَهُ أَشْهَبُ الْمَشْيَ لِمَكَّةَ. قَوْلُهُ: [غَيْرَ الثَّلَاثَةِ] : أَيْ لِخَبَرِ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ

وَعَدَمِ لُزُومِهِ (أَوْ لِلْمَدِينَةِ) فَيُلْغِي نَذْرَ الْمَشْيِ أَوْ الْإِتْيَانَ إلَيْهَا، (أَوْ) الْمَشْيُ أَوْ الْإِتْيَانُ إلَى (أَيْلَةَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ. وَيُقَالُ: إيلِيَاءُ بِالْمَدِّ، وَقَدْ يُقْصَرُ: بَيْتُ الْمَقْدِسِ فَيُلْغَى (إنْ لَمْ يَنْوِ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا) أَوْ اعْتِكَافًا (بِمَسْجِدَيْهِمَا أَوْ يُسَمِّيهِمَا) أَيْ الْمَسْجِدَيْنِ كَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ أَوْ سَمَّى الْمَسْجِدَ لَزِمَهُ الذَّهَابُ وَحِينَئِذٍ (فَيَرْكَبُ) وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ لِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَسْجِدِ مَكَّةَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ بِالْأَفْضَلِ) مِنْ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، أَوْ أَمْكِنَتِهَا وَنَذَرَ الْإِتْيَانَ لِلْمَفْضُولِ فَلَا يَلْزَمُهُ. (وَالْمَدِينَةُ أَفْضَلُ) مِنْ مَكَّةَ وَمَسْجِدُهَا أَفْضَلُ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ، (فَمَكَّةُ) تَلِيهَا فِي الْفَضْلِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ مَفْضُولٌ بِالنِّسْبَةِ لَهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَالْمَسْجِدُ الْأَقْصَى» . قَوْلُهُ: [أَيْ الْمَسْجِدَيْنِ] : أَيْ لَا الْبَلَدَيْنِ وَأَمَّا تَسْمِيَةُ الْبَلَدَيْنِ أَوْ نِيَّةُ الصَّلَاةِ فِي الْبَلَدَيْنِ دُونَ الْمَسْجِدَيْنِ فَلَا تَلْزَمُ. قَوْلُهُ: [وَالْمَدِينَةُ أَفْضَلُ] : لِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: «الْمَدِينَةُ خَيْرٌ مِنْ مَكَّةَ» ، وَلِمَا وَرَدَ فِي دُعَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ كَمَا أَخْرَجَتْنِي مِنْ أَحَبِّ الْبِلَادِ إلَيَّ فَأَسْكِنِّي فِي أَحَبِّ الْبِلَادِ إلَيْك» ؛ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رَمَضَانُ بِالْمَدِينَةِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ رَمَضَانَ فِيمَا سِوَاهَا مِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبُلْدَانِ، وَجُمُعَةٌ بِالْمَدِينَةِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ جُمُعَةٍ فِيمَا سِوَاهَا مِنْ الْبُلْدَانِ» (اهـ. مِنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: إنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ؛ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي غَيْرِ الْبُقْعَةِ الَّتِي ضَمَّتْ أَعْضَاءَ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا هِيَ فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ بِقَاعِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ حَتَّى الْكَعْبَةِ وَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَاللَّوْحِ وَالْقَلَمِ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَيَلِيهَا الْكَعْبَةُ، فَالْكَعْبَةُ أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَدِينَةِ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا الْمَسْجِدَانِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْكَعْبَةِ وَالْقَبْرِ الشَّرِيفِ فَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ وَمَا زِيدَ فِي مَسْجِدِهِ الشَّرِيفِ حُكْمُ مَسْجِدِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِلنَّوَوِيِّ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. خَاتِمَةٌ: عَدَمُ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ، قَالَ مَالِكٌ: الْقُفُولُ أَيْ الرُّجُوعُ أَفْضَلُ مِنْ الْجِوَارِ، وَأَمَّا الْمَدِينَةُ فَالْمُجَاوَرَةُ بِهَا مِنْ أَعْظَمِ الْقُرَبِ، فَلِذَلِكَ اخْتَارَ مَالِكٌ التَّوَطُّنَ بِهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى.

[باب في الجهاد وأحكامه]

بَابٌ فِي الْجِهَادِ وَأَحْكَامِهِ (الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى (كُلَّ سَنَةٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْجِهَادِ وَأَحْكَامِهِ] بَابٌ: لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى النَّذْرِ وَكَانَ هُوَ أَحَدُ الْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ الْمُعَيَّنَةِ لِلْجِهَادِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: " وَتَعَيَّنَ بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ وَبِفَجْءِ الْعَدُوِّ " أَعْقَبَهُ بِالْكَلَامِ عَلَيْهِ وَهُوَ لُغَةً: التَّعَبُ وَالْمَشَقَّةُ. وَاصْطِلَاحًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قِتَالُ مُسْلِمٍ كَافِرًا غَيْرَ ذِي عَهْدٍ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ حُضُورِهِ لَهُ أَوْ دُخُولِهِ أَرْضَهُ (اهـ) . وَاعْتَرَضَ قَوْلَهُ فِي التَّعْرِيفِ: لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ قَاتَلَ لِلْغَنِيمَةِ أَوْ لِإِظْهَارِ الشُّجَاعَةِ مَثَلًا لَا يُعَدُّ مُجَاهِدًا فَلَا يَسْتَحِقُّ الْغَنِيمَةَ حَيْثُ أَظْهَرَ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَنَاوُلُهَا حَيْثُ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: هَذَا بَعِيدٌ، وَالظَّاهِرُ بَلْ الْمُتَعَيَّنُ أَنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعُدُّوا مِنْ شُرُوطِ مَنْ يُسْهَمُ لَهُ كَوْنُهُ مُقَاتِلًا لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْجِهَادِ الْكَامِلِ، وَإِنَّمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الْجِهَادُ إلَّا لِلَّهِ لَا لِشَيْءٍ آخَرَ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ فَتَدَبَّرْ (اهـ. بِتَصَرُّفٍ) . وَاعْلَمْ أَنَّ الْجِهَادَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ كَانَ حَرَامًا، ثُمَّ أُذِنَ فِيهِ لِمَنْ قَاتَلَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أُذِنَ فِيهِ مُطْلَقًا فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، ثُمَّ أُذِنَ فِيهِ مُطْلَقًا (اهـ. مِنْ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ) وَأَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْجِهَادِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39] قَوْلُهُ: [لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ] : بَيَانٌ لِأَعْلَى الْمَقَاصِدِ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [كُلَّ سَنَةٍ] : أَيْ بِأَنْ يُوَجِّهَ الْإِمَامُ كُلَّ سَنَةٍ طَائِفَةً، وَيَخْرُجَ بِنَفْسِهِ مَعَهَا أَوْ يُخْرِجَ بَدَلَهُ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ.

فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ سَنَةً (كَإِقَامَةِ الْمَوْسِمِ) بِعَرَفَةَ وَالْبَيْتِ وَبَقِيَّةِ الْمُشَاهَدِ كُلَّ سَنَةٍ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) إذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِي. (عَلَى الْمُكَلَّفِ) مُتَعَلِّقٌ بِفَرْضِ (الْحُرِّ) دُونَ الرَّقِيقِ (الذَّكَرِ) لَا الْأُنْثَى (الْقَادِرِ) لَا الْعَاجِزِ عَنْ ذَلِكَ بِفَقْدِ قُدْرَةٍ أَوْ مَالٍ. (كَالْقِيَامِ بِعُلُومِ الشَّرِيعَةِ) فَإِنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، أَيْ غَيْرُ مَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مِنْهَا، وَهِيَ: فَنُّ الْكَلَامِ وَالْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ، لِأَنَّ فِي الْقِيَامِ بِهَا صَوْنًا لِلدِّينِ، وَالْمُرَادُ بِالْقِيَامِ بِهَا: قِرَاءَتُهَا وَحِفْظُهَا وَتَدْوِينُهَا وَتَهْذِيبُهَا وَتَحْقِيقُهَا، وَيُلْحَقُ بِذَلِكَ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ نَحْوٍ وَمَعَانٍ وَبَيَانٍ، لَا عُرُوضٍ وَبَدِيعٍ، وَلَا هَيْئَةٍ وَمَنْطِقٍ. (وَالْفَتْوَى) وَهِيَ الْإِخْبَارُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ فَرْضُ كِفَايَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ سَنَةً] : ظَاهِرُهُ مَعَ الْأَمْنِ وَالْخَوْفِ. وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الْجُزُولِيُّ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ وَإِذْلَالِ الْكَفَرَةِ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ مَعَ الْخَوْفِ، وَنَافِلَةٌ مَعَ الْأَمْنِ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَقْوَى وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ كَمَا عَلِمْت. وَيَكُونُ فِي أَهَمِّ جِهَةٍ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، فَإِنْ اسْتَوَتْ الْجِهَاتُ فِي الضَّرَرِ خُيِّرَ الْإِمَامُ فِي الْجِهَةِ الَّتِي يُرْسِلُ إلَيْهَا، إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُسْلِمِينَ كِفَايَةٌ لِجَمِيعِ الْجِهَاتِ وَإِلَّا وَجَبَ فِي الْجَمِيعِ. قَوْلُهُ: [كَإِقَامَةِ الْمَوْسِمِ] : وَتَحْصُلُ إقَامَتُهُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الشَّعِيرَةِ، وَإِنْ لَمْ يُلَاحِظُوا فَرْضَ الْكِفَايَةِ، نَعَمْ ثَوَابُ الْفَرْضِ يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّتِهِ. قَوْلُهُ: [فَرْضُ كِفَايَةٍ] : أَيْ وَلَوْ مَعَ وَالٍ جَائِرٍ فِي أَحْكَامِهِ ظَالِمٍ فِي رَعِيَّتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَادِرًا يَنْقُضُ الْعُهُودَ فَلَا يَجِبُ مَعَهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [عَلَى الْمُكَلَّفِ] إلَخْ: يَشْمَلُ الْكَافِرَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ. وَثَمَرَةُ وُجُوبِهِ عَلَيْهِمْ مَعَ أَنَّنَا لَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ وَلَا نَسْتَعِينُ بِهِمْ أَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَلَى تَرْكِهِ عَذَابًا زَائِدًا عَلَى عَذَابِ الْكُفْرِ، كَمَا يُعَذَّبُونَ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ. قَوْلُهُ: [وَلَا هَيْئَةٍ وَمَنْطِقٍ] : أَيْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ تَعَلُّمِ الْمَنْطِقِ لِتَوَقُّفِ الْعَقَائِدِ عَلَيْهِ، وَرَدَّ ذَلِكَ الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ عَقَائِدِ الدِّينِ إلَّا الْعَقِيدَةَ الَّتِي يُشَارِكُ فِيهَا الْعَوَامُّ، وَإِنَّمَا يَتَمَيَّزُ عَنْهُمْ بِصِفَةِ الْمُجَادَلَةِ، فَالْعَقَائِدُ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ عَلَيْنَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى مَنْطِقٍ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ، وَالدَّلِيلُ التَّفْصِيلِيُّ لَا يَنْحَصِرُ فِي التَّرَاكِيبِ الْمَنْطِقِيَّةِ لِأَنَّهَا اصْطِلَاحُ حَدَثٍ كَمَا هُوَ الْحَقُّ.

(وَالْقَضَاءِ) وَهُوَ الْإِخْبَارُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، (وَالْإِمَامَةِ) الْعُظْمَى أَيْ الْخِلَافَةِ مِنْ عَالِمٍ عَدْلٍ فَطِنٍ ذِي هِمَّةٍ قُرَشِيٍّ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَلَا يُعْزَلُ إنْ زَالَ وَصْفُهُ مَا لَمْ يَعْزِلْ نَفْسَهُ، بِخِلَافِ مَنْ وَلِيَ أَمْرًا مِنْ الْأُمُورِ وَخَانَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ. (وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ) وَأَهْلِ الذِّمَّةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ. (وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ) وَهُوَ مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ طَلَبًا جَازِمًا كَالصَّلَاةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ. (وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ) وَهُوَ مَا نَهَى عَنْهُ الشَّارِعُ جَزْمًا فَرْضُ كِفَايَةٍ. (وَالشَّهَادَةُ) تَحَمُّلًا وَأَدَاءً فَرْضُ كِفَايَةٍ، (وَالْحِرَفِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ جَمْعُ حِرْفَةٍ وَهِيَ الصَّنْعَةُ (الْمُهِمَّةِ) الَّتِي بِهَا صَلَاحُ النَّاسِ؛ كَالْقِيَانَةِ وَالْحِيَاكَةِ وَالنِّجَارَةِ، لَا كَقَصْرِ الثِّيَابِ وَالطَّرْزِ وَالنَّقْشِ. (وَتَجْهِيزِ مَيِّتٍ) مِنْ غُسْلٍ وَكَفَنٍ وَمُوَارَاةٍ، فَرْضُ كِفَايَةٍ، (وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ) فَرْضُ كِفَايَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَهِيَ الْإِخْبَارُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ] : لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْقِيَامِ بِعُلُومِ الشَّرْعِ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ كَالْقَضَاءِ. قَوْلُهُ: [وَالْإِمَامَةِ الْعُظْمَى] : سَيَأْتِي بَقِيَّةُ شُرُوطِهَا فِي بَابِ الْقَضَاءِ. قَوْلُهُ: [وَأَهْلِ الذِّمَّةِ] : أَيْ لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْنَا أَمْوَالَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ مَا دَامُوا تَحْتَ ذِمَّتِنَا. قَوْلُهُ: [وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ] : أَيْ بِشَرْطِ مَعْرِفَةِ الْآمِرِ وَالنَّاهِي، وَأَنْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى ارْتِكَابِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ مَفْسَدَةً، وَأَنْ يَظُنَّ الْإِفَادَةَ. وَالْأَوَّلَانِ شَرْطَانِ لِلْجَوَازِ، وَيَحْرُمُ عِنْدَ فَقْدِهِمَا، وَالثَّالِثُ شَرْطُ الْوُجُوبِ فَيَسْقُطُ عِنْدَ عَدَمِ ظَنِّ الْإِفَادَةِ. وَيُشْتَرَطُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ وَمُرْتَكِبُهُ يَرَى تَحْرِيمَهُ، لَا إنْ كَانَ يَرَى حِلَّهُ أَوْ يُقَلِّدَ مَنْ يَقُولُ بِالْحِلِّ. قَوْلُهُ: [تَحَمُّلًا] : أَيْ إنْ اُحْتِيجَ لِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَأَدَاءً] : أَيْ إنْ كَثُرَ الْمُتَحَمِّلُونَ وَهَلْ تَتَعَيَّنُ بِالطَّلَبِ حِينَئِذٍ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَآيَةُ: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] . قَوْلُهُ: [كَالْقِيَانَةِ] : بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ: وَهِيَ الْحِدَادَةُ كَمَا هُوَ نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ.

[تعين الجهاد متى يفرض الجهاد على المسلمين]

(وَفَكِّ الْأَسِيرِ) مِنْ الْحَرْبِيِّينَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يُفَكُّ مِنْهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَلَوْ أَتَى عَلَى جَمِيعِ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ. وَسَيَأْتِي رَدُّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ آخِرَ الْكِتَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَتَعَيَّنَ) الْجِهَادُ (بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ) لِشَخْصٍ وَلَوْ عَبْدًا وَامْرَأَةً. (وَ) تَعَيَّنَ أَيْضًا (بِفَجْءِ الْعَدُوِّ مَحَلَّةَ قَوْمٍ) . (وَ) تَعَيَّنَ (عَلَى مَنْ بِقُرْبِهِمْ إنْ عَجَزُوا) عَنْ دَفْعِ الْعَدُوِّ بِأَنْفُسِهِمْ، (وَإِنْ) كَانَ مَنْ فُجِئَ أَوْ مَنْ بِقُرْبِهِ (امْرَأَةً أَوْ رَقِيقًا) . وَتَعَيَّنَ أَيْضًا بِالنَّذْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ] : ظَاهِرُهُ أَنَّ مَالَهُ مُقَدَّمٌ عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَهِيَ طَرِيقَةٌ لِبَعْضِهِمْ، وَالطَّرِيقَةُ الْمَشْهُورَةُ أَنَّهُ يَفْدِي أَوَّلًا بِالْفَيْءِ ثُمَّ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ مَالِهِ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْبَابِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ أَتَى عَلَى جَمِيعِ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ] : أَيْ وَلَا يَتْبَعُ بِشَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ وَمَحَلُّ بَذْلِ جَمِيعِ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ إنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ ضَرَرٌ بِذَلِكَ، وَإِلَّا ارْتَكَبَ أَخَفَّ الضَّرَرَيْنِ. [تعين الْجِهَاد مَتَى يُفْرَض الْجِهَاد عَلَى الْمُسْلِمِينَ] قَوْلُهُ: [وَلَوْ عَبْدًا وَامْرَأَةً] : وَمِثْلُ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ: الصَّبِيُّ الْمُطِيقُ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ، وَيَخْرُجُونَ وَلَوْ مَنَعَهُمْ الْوَلِيُّ وَالزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ وَرَبُّ الدَّيْنِ إنْ كَانَ مَدِينًا، وَالْمُرَادُ بِتَعَيُّنِهِ عَلَى الصَّبِيِّ: جَبْرُهُ عَلَيْهِ كَمَا يُجْبَرُ عَلَى مَا بِهِ مَصَالِحُهُ لَا عِقَابُهُ عَلَى تَرْكِهِ. قَوْلُهُ: [عَلَى مَنْ بِقُرْبِهِمْ] : مَحَلٌّ فِي ذَلِكَ إنْ لَمْ يَخْشَوْا عَلَى نِسَائِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ مِنْ عَدُوٍّ يَهْجُمُهُمْ وَإِلَّا فَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ: [امْرَأَةً أَوْ رَقِيقًا] : أَيْ أَوْ غَيْرَهَا مِمَّنْ لَمْ يُسْهَمْ لَهُ فِي الْجِهَادِ الْكِفَائِيِّ. قَوْلُهُ: [وَتَعَيَّنَ أَيْضًا بِالنَّذْرِ] : أَيْ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: لِلْوَالِدَيْنِ مَنْعُ الْوَلَدِ مِنْ السَّفَرِ لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَلَوْ عِلْمًا فَلَا يَخْرُجُ لَهُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا حَيْثُ كَانَ فِي بَلَدِهِ مَنْ يُفِيدُهُ، وَإِلَّا خَرَجَ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا إنْ كَانَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ. وَلَهُمَا الْمَنْعُ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَلَوْ كَانَا كَافِرَيْنِ فِي غَيْرِ الْجِهَادِ. وَأَمَّا الْجِهَادُ فَلَيْسَ لِلْكَافِرِينَ الْمَنْعُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ قَصْدِ تَوْهِينِ الْإِسْلَامِ إلَّا لِقَرِينَةٍ تُفِيدُ الشَّفَقَةَ وَنَحْوَهَا. وَلَيْسَ لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَحِلُّ فِي سَفَرِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَدَائِهِ أَنْ

[الدعوة أولا للإسلام]

(وَدَعُوا) أَوَّلًا وُجُوبًا (لِلْإِسْلَامِ) وَلَوْ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يُبَادُونَا لِلْقِتَالِ، (وَإِلَّا) قُوتِلُوا بِلَا دَعْوَةٍ. فَإِنْ أَجَابُوا لِلْإِسْلَامِ وَأَسْلَمُوا تُرِكُوا بِمَحَلِّ أَمْنٍ، وَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْهُ (فَالْجِزْيَةُ) تُطْلَبُ مِنْهُمْ. فَإِنْ أَجَابُوا تُرِكُوا وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ (بِمَحَلِّ أَمْنٍ) : أَيْ مَأْمُونٍ بِحَيْثُ تَنَالُهُمْ أَحْكَامُنَا فِيهِ، إمَّا بِالرَّحِيلِ إلَى بِلَادِنَا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُمْ نَقْدِرُ عَلَيْهِمْ فِيهِ وَلَا نَخْشَى فِيهِ غَائِلَتَهُمْ. (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُجِيبُوا لِلْإِسْلَامِ أَوْ الْجِزْيَةِ أَوْ أَجَابُوا وَلَكِنْ كَانَ الْمَحَلُّ الَّذِي هُمْ فِيهِ غَيْرَ مَأْمُونٍ وَلَمْ يَرْتَحِلُوا إلَى بِلَادِنَا - (قُوتِلُوا وَقُتِلُوا) . (إلَّا الْمَرْأَةَ وَالصَّبِيَّ) فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُمَا لِأَنَّهُمَا مِنْ الْأَمْوَالِ، (إلَّا إذَا قَاتَلَا قِتَالَ الرِّجَالِ) بِالسِّلَاحِ وَنَحْوِهِ لَا بِرَمْيِ حَجَرٍ وَنَحْوِهِ (أَوْ قَتَلَا) أَحَدًا مِنْ الْجَيْشِ فَيَجُوزُ قَتْلُهُمَا. (وَ) إلَّا (الزَّمِنَ) أَيْ الْعَاجِزَ (وَالْأَعْمَى وَالْمَعْتُوهَ) أَيْ ضَعِيفَ الْعَقْلِ وَأَوْلَى الْمَجْنُونُ. (وَ) الشَّيْخَ (الْفَانِيَ) أَيْ الْهَرِمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُسَافِرَ لِجِهَادٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ رَبُّ الدَّيْنِ. [الدَّعْوَة أَوَّلًا لِلْإِسْلَامِ] قَوْلُهُ: [وَلَوْ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] : هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: لَا يَدْعُو لِلْإِسْلَامِ أَوَّلًا إلَّا إذَا لَمْ تَبْلُغْهُمْ دَعْوَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ: [مَا لَمْ يُبَادِرُونَا لِلْقِتَالِ] : أَيْ وَمِثْلُ ذَلِكَ إذَا قَلَّ جَيْشُ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ ذَلِكَ كَانَتْ إغَارَةُ سَرَايَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قَوْلُهُ: [قُوتِلُوا] : أَيْ شُرِعَ فِي قِتَالِهِمْ وَقَوْلُهُ وَقُتِلُوا أَيْ جَازَ قَتْلُهُمْ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِمْ. [القتال وَمنْ لَا يَجُوز قتله فِي الْجِهَاد] قَوْلُهُ: [إلَّا إذَا قَاتَلَا قِتَالَ الرِّجَالِ] : اعْلَمْ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ ثَمَانِيَةَ أَحْوَالٍ: لِأَنَّهُمَا: إمَّا أَنْ يَقْتُلَا أَحَدًا أَوْ لَا. وَفِي كُلٍّ: إمَّا بِسِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يُؤْسَرَا أَوْ لَا. فَإِنْ قَتَلَا أَحَدًا جَازَ قَتْلُهُمَا سَوَاءٌ قَاتَلَا بِسِلَاحٍ أَوْ لَا، أَسَرَا أَوْ لَا، وَإِنْ لَمْ يَقْتُلَا أَحَدًا فَإِنْ قَاتَلَا بِسِلَاحٍ جَازَ قَتْلُهُمَا أَيْضًا أَسَرَا أَوْ لَا، وَإِنْ قَاتَلَا بِغَيْرِ سِلَاحٍ فَلَا يَقْتُلَا بَعْدَ الْأَسْرِ اتِّفَاقًا وَلَا فِي حَالِ الْمُقَاتَلَةِ عَلَى الرَّاجِحِ فَتَدَبَّرْ.

(وَ) إلَّا (الرَّاهِبَ الْمُنْعَزِلَ) عَنْ النَّاسِ (بِلَا رَأْيٍ) أَيْ تَدْبِيرٍ لِلْحُرُوبِ فَلَا يَجُوزُ قَتْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَإِنْ كَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ تَدْبِيرٌ وَرَأْيٌ لِلْحَرْبِيِّينَ جَازَ قَتْلُهُ، فَقَوْلُهُ بِلَا رَأْيٍ رَاجِعٌ لِلزَّمِنِ وَمَا بَعْدَهُ. (وَ) إذَا لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُمْ فَإِنْ تَعَدَّى أَحَدٌ عَلَى قَتْلِهِمْ (اسْتَغْفَرَ قَاتِلُهُمْ) لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ ذَنْبًا وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ وَلَا قِيمَةَ وَلَا كَفَّارَةَ. (وَ) إذَا لَمْ يَجُزْ قَتْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (تَرَكَ لَهُمْ الْكِفَايَةَ) أَيْ مَا يَكْفِيهِمْ (وَلَوْ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ) وَقَدَّمَ مَالَهُمْ عَلَى مَالِ غَيْرِهِمْ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ زِيَادَةٌ عَلَى كِفَايَتِهِمْ جَازَ أَخْذُهَا وَتُخَمَّسُ. (وَإِنْ حِيزُوا) فِي الْمَغْنَمِ لِأَنَّهُمْ - وَإِنْ لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُمْ يَجُوزُ أَسْرُهُمْ - إلَّا الرَّاهِبُ وَالرَّاهِبَةُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمَا وَلَا أَسْرُهُمَا بِشَرْطِ الْعُزْلَةِ وَعَدَمِ الرَّأْيِ - (فَقِيمَتُهُمْ) عَلَى قَاتِلِهِمْ بَعْدَ الْحَوْزِ يَجْعَلُهَا الْإِمَامُ فِي الْغَنِيمَةِ. (وَالرَّاهِبُ وَالرَّاهِبَةُ) الْمُنْعَزِلَانِ بِلَا رَأْيٍ (حُرَّانِ) لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمَا وَلَا أَسْرُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الْمُنْعَزِلَ عَنْ النَّاسِ] : يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ رُهْبَانِ الْكَنَائِسِ الْمُخَالِطِينَ لَهُمْ فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ. وَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى اسْتِثْنَاءِ تِلْكَ السَّبْعَةِ يُفِيدُ قَتْلَ الْأُجَرَاءِ وَالْحَرَّاثِينَ وَأَرْبَابِ الصَّنَائِعِ مِنْهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُقْتَلُونَ بَلْ يُؤْسَرُونَ، قَالَ (بْن) : وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ فِي حَالٍ، وَأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْمَصْلَحَةِ بِنَظَرِ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ: [وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ وَلَا قِيمَةَ] إلَخْ: أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّاهِبِ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي (ر) . وَمَا فِي الْخَرَشِيِّ مِنْ أَنَّ الرَّاهِبَ وَالرَّاهِبَةَ يَلْزَمُ دِيَتُهُمَا لِأَنَّهُمَا حُرَّانِ فَهُوَ خِلَافُ النَّقْلِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [تَرَكَ لَهُمْ الْكِفَايَةَ] : هَذَا فِيمَنْ لَا يُقْتَلُ وَلَا يُؤْسَرُ، سَوَاءٌ كَانَ لَا يَجُوزُ أَسْرُهُ كَالرَّاهِبِ وَالرَّاهِبَةِ أَوْ يَجُوزُ أَسْرُهُ وَلَكِنْ تُرِكَ مِنْ غَيْرِ أَسْرٍ كَالْبَاقِي، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يَتْرُكُ لَهُمْ الْكِفَايَةَ فَقَطْ لَا كُلَّ مَا لَهُمْ هُوَ الْأَشْهَرُ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقِيلَ يَتْرُكُ لَهُمْ أَمْوَالَهُمْ كُلَّهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: [جَازَ أَخْذُهَا] : أَيْ عَلَى مَا شَهَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ.

[ما يحرم في الجهاد والأخذ من الغنيمة]

وَإِنْ كَانَ لَا دِيَةَ وَلَا قِيمَةَ عَلَى قَاتِلِهِمَا. (بِآلَةٍ) : مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: " قُوتِلُوا ". وَالْمُرَادُ بِالْآلَةِ: جَمِيعُ أَنْوَاعِ السِّلَاحِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ كَمِقْلَاعٍ وَمَنْجَنِيقٍ، (وَقَطْعِ مَاءٍ) عَنْهُمْ أَوْ عَلَيْهِمْ لِيَغْرَقُوا، (وَبِنَارٍ) لِيُحْرَقُوا. لَكِنْ (إنْ لَمْ يُمْكِنْ غَيْرُهَا) وَإِلَّا لَمْ يُقَاتِلُوا بِهَا (وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُسْلِمٌ) وَإِلَّا لَمْ يُقَاتِلُوا بِهَا مَخَافَةَ حَرْقِ الْمُسْلِمِ (إلَّا) أَنْ يَكُونُوا (بِالْحِصْنِ مَعَ ذُرِّيَّةٍ وَنِسَاءٍ فَبِغَيْرِهِمَا) أَيْ فَيُقَاتِلُونَ بِغَيْرِ التَّغْرِيقِ بِالْمَاءِ وَالتَّحْرِيقِ بِالنَّارِ نَظَرًا لِحَقِّ الْغَانِمِينَ لِمَا لَهُمْ فِي الذَّرَارِيِّ وَالنِّسَاءِ مِنْ حَقٍّ. (فَإِنْ تَتَرَّسُوا بِهِمْ) أَيْ الذُّرِّيَّةِ وَالنِّسَاءِ (تُرِكُوا) بِلَا قِتَالٍ؛ لِحَقِّ الْغَانِمِينَ (إلَّا لِشِدَّةِ خَوْفٍ) عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيُقَاتَلُونَ مُطْلَقًا بِكُلِّ شَيْءٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ (وَ) إنْ تَتَرَّسُوا (بِمُسْلِمٍ) قُوتِلُوا (وَقَصَدَ غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ التُّرْسِ الْمُسْلِمُ بِالرَّمْيِ، وَلَا يَجُوزُ رَمْيُ التُّرْسِ وَلَوْ خِفْنَا عَلَى بَعْضِ الْمُغَازِينَ، (إلَّا لِخَوْفٍ عَلَى أَكْثَرِ الْمُسْلِمِينَ) فَتَسْقُطُ حُرْمَةُ التُّرْسِ وَيُرْمَى عَلَى الْجَمِيعِ. (وَحَرُمَ فِرَارٌ) مِنْ الْعَدُوِّ (إنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ) مِنْ عَدَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ لَا دِيَةَ وَلَا قِيمَةَ] إلَخْ: أَيْ خِلَافًا لِلْخَرَشِيِّ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا لَمْ يُقَاتِلُوا بِهَا] : مَا لَمْ يُخَفْ مِنْهُمْ وَإِلَّا تَعَيَّنَتْ الْمُقَاتَلَةُ بِهَا. قَوْلُهُ: [مَخَافَةَ حَرْقِ الْمُسْلِمِ] : أَيْ وَلَوْ خِفْنَا مِنْهُمْ كَمَا لِابْنِ الْحَاجِبِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ (اهـ) وَلَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَعْظُمْ الضَّرَرُ فَيَرْتَكِبُ أَخَفَّ الضَّرَرَيْنِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الشَّارِحِ فِيمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمٍ قُوتِلُوا] : أَيْ وَأَوْلَى إنْ تَتَرَّسُوا بِأَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ. قَوْلُهُ: [وَيُرْمَى عَلَى الْجَمِيعِ] : ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ حِينَئِذٍ رَمْيُ التُّرْسِ وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ الْمُتَتَرَّسُ بِهِمْ أَكْثَرَ مِنْ الْمُجَاهِدِينَ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. [مَا يحرم فِي الْجِهَاد والأخذ مِنْ الْغَنِيمَة] قَوْلُهُ: [وَحَرُمَ فِرَارٌ] : أَيْ فِي الْجِهَادِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ كِفَائِيًّا أَوْ عَيْنِيًّا؛ لِأَنَّ الْكِفَائِيَّ يَتَعَيَّنُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ. قَوْلُهُ: [إنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ] : أَيْ مَا لَمْ يَنْفَرِدْ الْكُفَّارُ بِالْمَدَدِ وَإِلَّا فَلَا يَحْرُمُ الْفِرَارُ.

الْكُفَّارِ؛ فَلَا يَفِرُّ وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ، وَلَا عَشَرَةٌ مِنْ عِشْرِينَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: 66] الْآيَةُ (وَلَمْ يَبْلُغُوا) أَيْ الْمُسْلِمُونَ (اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا) ، فَإِنْ بَلَغُوهَا حَرُمَ الْفِرَارُ وَلَوْ كَثُرَ الْكُفَّارُ جِدًّا. (إلَّا) شَخْصًا (مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ) : أَيْ أَظْهَرَ مِنْ نَفْسِهِ الْهَزِيمَةَ لِيَتْبَعَهُ الْكَافِرُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ فَيَقْتُلُهُ، فَاللَّامُ فِي الْقِتَالِ لِلْعِلَّةِ (أَوْ) شَخْصًا (مُتَحَيِّزًا لِفِئَةٍ) أَيْ لِطَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِيَتَقَوَّى بِهِمْ، وَهَذَا (إنْ خَافَ) الْمُتَحَيِّزُ مِنْ الْعَدُوِّ خَوْفًا بَيِّنًا وَقَرُبَ الْمُنْحَازُ إلَيْهِ. وَ (حَرُمَ الْمُثْلَةُ) : أَيْ التَّمْثِيلُ بِالْكَافِرِ بِقَطْعِ أَنْفِهِ أَوْ أُذُنِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ مَا لَمْ يَقَعْ مِنْهُمْ تَمْثِيلٌ بِالْمُسْلِمِينَ، وَإِلَّا جَازَ. (وَ) حَرُمَ (حَمْلُ رَأْسٍ) مِنْ كَافِرٍ (لِبَلَدٍ) آخَرَ غَيْرِ الَّتِي وَقَعَ بِهِ الْقِتَالُ، (أَوْ) حَمَلَهُ إلَى (وَالٍ) أَيْ أَمِيرِ جَيْشٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ بَلَغُوهَا حَرُمَ الْفِرَارُ] : أَيْ مَا لَمْ تَخْتَلِفْ كَلِمَتُهُمْ، أَوْ يَنْفَرِدْ الْكُفَّارُ بِالْمَدَدِ. فَإِنْ لَمْ يَنْفَرِدْ الْكُفَّارُ بِالْمَدَدِ وَلَمْ تَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ وَفَرَّ وَاحِدٌ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ كَانَ فِرَارُهُ مِنْ الْكَبَائِرِ يُغْفَرُ لَهُ بِالتَّوْبَةِ أَوْ عَفْوِ اللَّهِ، وَأَمَّا لَوْ فَرَّ بَعْدَ نَقْصِ الْعَدَدِ وَاحِدٌ فَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [مُتَحَيِّزًا لِفِئَةٍ] : مَحَلُّ جَوَازِ التَّحَيُّزِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُتَحَيِّزُ الْأَمِيرَ، وَأَمَّا هُوَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنَّ شَجَاعَةَ الْأَمِيرِ فِي الثَّبَاتِ. وَشَجَاعَةَ الْجُنْدِ فِي الْوَثَبَاتِ. قَوْلُهُ: [أَيْ التَّمْثِيلُ بِالْكَافِرِ] : أَيْ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا جَازَ] : أَيْ التَّمْثِيلُ بِهِمْ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ: [أَوْ حَمْلُهُ إلَى وَالٍ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ فِي بَلَدِ الْقِتَالِ، وَأَمَّا حَمْلُهَا فِي الْبَلَدِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُنْقَلَ إلَى وَالٍ فَجَائِزٌ، بِخِلَافِ الْبُغَاةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: الظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ حُرْمَةِ حَمْلِ الرَّأْسِ لِبَلَدٍ ثَانٍ مَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ شَرْعِيَّةٌ ، كَاطْمِئْنَانِ قُلُوبِ الْمُجَاهِدِينَ وَالْجَزْمِ بِعَيْنِ الْمَقْتُولِ مَثَلًا وَإِلَّا جَازَ. فَقَدْ حُمِلَ

(وَ) حَرُمَ (سَفَرٌ بِمُصْحَفٍ لِأَرْضِهِمْ) وَلَوْ فِي جَيْشِ أَمْنٍ، خَوْفَ إهَانَتِهِ بِسُقُوطِهِ وَاسْتِيلَاءِ أَيْدِيهِمْ عَلَيْهِ. (كَامْرَأَةٍ) يَحْرُمُ السَّفَرُ بِهَا لِأَرْضِهِمْ (إلَّا فِي جَيْشِ أَمْنٍ) . (وَ) حَرُمَ (خِيَانَةُ أَسِيرٍ) عِنْدَهُمْ (ائْتُمِنَ طَائِعًا) أَيْ ائْتَمَنُوهُ فِي حَالِ طَوْعِهِ، (وَلَوْ) ائْتُمِنَ طَائِعًا (عَلَى نَفْسِهِ) بِأَنْ قَالُوا لَهُ: أَمَّنَّاك عَلَى مَالِنَا أَوْ عَلَى أَنْفُسِنَا أَوْ عَلَى نَفْسِك فَرَضِيَ بِذَلِكَ طَائِعًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْهَرَبُ وَلَا أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِمْ، وَلَا قَتْلُ أَحَدٍ مِنْهُمْ، فَإِنْ لَمْ يُؤَمِّنُوهُ أَوْ أَمَّنُوهُ كُرْهًا جَازَ لَهُ ذَلِكَ إنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ وَحَلَّ لَهُ كُلُّ مَا أَخَذَهُ حَتَّى النِّسَاءُ، وَجَازَ وَطْؤُهَا إنْ خَرَجَ بِهَا مِنْ بِلَادِهِمْ. (وَ) حَرُمَ (الْغُلُولُ) بِالضَّمِّ: أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ حَوْزِهَا، وَلَوْ قَلَّ (وَأُدِّبَ) بِالِاجْتِهَادِ (إنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ) لَا إنْ جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ الْقَسْمِ وَتَفَرَّقَ الْجَيْشُ. وَرَدَّ مَا أَخَذَ لِلْغَنِيمَةِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بِتَفْرِيقِ الْجَيْشِ رَدَّ خُمُسَهُ لِلْإِمَامِ وَتَصَدَّقَ بِالْبَاقِي عَنْهُمْ وَلَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأْسُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ مِنْ خَيْبَرَ لِلْمَدِينَةِ. قَوْلُهُ: [إلَّا فِي جَيْشِ أَمْنٍ] : الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ لِمَا بَعْدَ الْكَافِ فَقَطْ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُنَبِّهُ عَنْ نَفْسِهَا عِنْدَ فَوَاتِهَا وَالْمُصْحَفُ قَدْ يَسْقُطُ وَلَا يُشْعَرُ بِهِ. قَوْلُهُ: [وَحَرُمَ خِيَانَةُ أَسِيرٍ] : أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْخِيَانَةُ فِيمَا أَمَّنَ عَلَيْهِ خَاصَّةً. وَسَوَاءٌ كَانَ الِائْتِمَانُ مُصَرَّحًا بِهِ مِثْلُ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَمَّنَّاك عَلَى مَالِنَا أَوْ عَلَى كَذَا. أَوْ كَانَ غَيْرَ مُصَرَّحٍ بِهِ كَمَا إذَا أَعْطَى الْأَسِيرَ شَيْئًا يَصْنَعُهُ. قَوْلُهُ: [ائْتُمِنَ طَائِعًا] : إنْ قُلْت: الْفَرْضُ أَنَّهُ أَسِيرٌ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى مِنْهُ طَوْعٌ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيمَنْ أُسِرَ ابْتِدَاءً، فَلَمَّا وَصَلَ لِبِلَادِهِمْ أَحَبُّوهُ وَأَطْلَقُوهُ وَعَامَلُوهُ مُعَامَلَةَ الْحَبِيبِ الْمُؤْتَمَنِ. قَوْلُهُ: [جَازَ لَهُ ذَلِكَ إنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ] : فَإِنْ تَنَازَعَ الْأَسِيرُ وَمَنْ أَمَّنَهُ فَقَالَ الْأَسِيرُ: كُنْت مُكْرَهًا، وَقَالَ الْكَافِرُ: طَائِعًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَسِيرِ - قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ قَوْلُهُ: [لَا إنْ جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ الْقَسْمِ وَتَفَرَّقَ الْجَيْشُ] : أَيْ فَلَا يُؤَدَّبُ بِخِلَافِ

(وَحُدَّ زَانٍ) بِحَرْبِيَّةٍ أَوْ جَارِيَةٍ مِنْ جِوَارِي السَّبْيِ رَجْمًا أَوْ جَلْدًا، (أَوْ سَارِقٌ) لِنِصَابٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ بِقَطْعِ يَدِهِ (إنْ حِيزَ الْمَغْنَمُ) وَلَمْ يَجْعَلُوا كَوْنَهُ مِنْ الْغَانِمِينَ الَّذِينَ لَهُمْ حَقٌّ فِي الْغَنِيمَةِ شُبْهَةً تَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ الزَّانِيَ لَا يُحَدُّ وَأَنَّ السَّارِقَ لَا يُحَدُّ إلَّا إذَا سَرَقَ فَوْقَ مَنَابِهِ نِصَابًا. (وَجَازَ أَخْذُ مُحْتَاجٍ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ، أَيْ يَجُوزُ لِلْمُحْتَاجِ مِنْهُمْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْغَنِيمَةِ لَا عَلَى وَجْهِ الْغُلُولِ، (نَعْلًا) يَنْتَعِلُ بِهِ (وَحِزَامًا) يَشُدُّ بِهِ ظَهْرَهُ (وَطَعَامًا) يَأْكُلُهُ (وَنَحْوَهَا) كَعَلَفٍ لِدَابَّتِهِ وَإِبْرَةٍ وَمِخْيَاطٍ وَخَيْطٍ وَقَصْعَةٍ وَدَلْوٍ (وَإِنْ نَعَمًا) يَذْبَحُهُ لِيَأْكُلَهُ، أَوْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ مَتَاعًا وَيَرُدَّ جِلْدَهُ لِلْغَنِيمَةِ إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ (كَثَوْبٍ) يَجُوزُ أَخْذُهُ إنْ احْتَاجَ لِلُبْسِهِ أَوْ لِيَتَغَطَّى بِهِ، (وَسِلَاحٍ) يُقَاتِلُ بِهِ إنْ احْتَاجَ، (وَدَابَّةٍ) يَرْكَبُهَا أَوْ يُقَاتِلُ عَلَيْهَا أَوْ يَحْمِلُ عَلَيْهَا مَتَاعًا إنْ احْتَاجَ. وَمَحَلُّ جَوَازِ أَخْذِ الثَّوْبِ وَمَا بَعْدَهُ لِلْمُحْتَاجِ، (إنْ قَصَدَ الرَّدَّ) لَهَا بَعْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ لَا إنْ قَصَدَ التَّمَلُّكَ فَلَا يَجُوزُ. (وَرَدَّ) وُجُوبًا (مَا فَضَلَ) عَنْ حَاجَتِهِ مِنْ كُلِّ مَا أَخَذَهُ مِمَّا قَبْلَ الْكَافِ وَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَجِيئِهِ بَعْدَ تَفَرُّقِ الْجَيْشِ، فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ. وَمَنْ تَابَ بَعْدَ الْقَسْمِ وَافْتِرَاقِ الْجَيْشِ أُدِّبَ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ قِيَاسًا عَلَى الشَّاهِدِ يَرْجِعُ بَعْدَ الْحُكْمِ لِأَنَّ افْتِرَاقَ الْجَيْشِ كَنُفُوذِ الْحُكْمِ بَلْ هُوَ أَشَدُّ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْغُرْمِ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ فِي الْجَيْشِ (اهـ. بْن مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَحُدَّ زَانٍ بِحَرْبِيَّةٍ] : أَيْ فِي بِلَادِهِمْ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ جَارِيَةٍ] إلَخْ: أَيْ بَعْدَ حِيَازَةِ الْمَغْنَمِ فَصَارَ يُحَدُّ لِلزِّنَا مُطْلَقًا قَبْلَ حِيَازَةِ الْمَغْنَمِ أَوْ بَعْدَهَا. قَوْلُهُ: [إنْ حِيزَ الْمَغْنَمُ] : قَيْدٌ فِي الثَّانِي فَقَطْ، وَأَمَّا السَّرِقَةُ قَبْلَ الْحِيَازَةِ فَلَا حَدَّ فِيهَا لِأَنَّ مَالَ الْحَرْبِيِّ يَجُوزُ لَنَا تَنَاوُلُهُ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ. قَوْلُهُ: [أَنَّ الزَّانِيَ لَا يُحَدُّ] : أَيْ الزَّانِي بِأَمَةِ السَّبْيِ حَيْثُ كَانَ مِنْ الْغَانِمِينَ نَظَرًا لِلشُّبْهَةِ، وَأَمَّا الزَّانِي بِالْحَرْبِيَّةِ فَيُحَدُّ بِاتِّفَاقٍ حَيْثُ زَنَى بِهَا فِي مَحَلٍّ يَعْجِزُ عَنْ تَمَلُّكِهَا فِيهِ.

[حكم التخريب والإتلاف لديار العدو وغير ذلك]

بَعْدَهَا (إنْ كَثُرَ) : بِأَنْ سَاوَى دِرْهَمًا فَأَعْلَى لَا إنْ كَانَ تَافِهًا، (فَإِنْ تَعَذَّرَ) رَدُّهُ (تَصَدَّقَ بِهِ) كُلِّهِ عَنْ الْجَيْشِ وُجُوبًا بَعْدَ إخْرَاجِ خُمُسِهِ، وَلَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ (وَ) جَازَ (الْمُبَادَلَةُ فِيهِ) : أَيْ فِيمَا أَخَذَهُ الْمُحْتَاجُ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقَسْمِ، (وَإِنْ بِطَعَامٍ رِبَوِيٍّ) فَلِمَنْ أَخَذَ لَحْمًا أَوْ شَعِيرًا أَوْ قَمْحًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لِحَاجَتِهِ فَاسْتَغْنَى عَنْهُ، أَوْ عَنْ بَعْضِهِ أَنْ يُبَدِّلَهُ مِمَّنْ أَخَذَ لِحَاجَتِهِ غَيْرَهُ بِذَلِكَ الْغَيْرِ، وَلَوْ بِتَفَاضُلٍ فِي رِبَوِيٍّ مُتَّحِدِ الْجِنْسِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا أَخَذَ لِلْحَاجَةِ وَيَرُدُّ مَا فَضَلَ، وَلِذَا لَا يَجُوزُ مُبَادَلَةٌ بَعْدَ الْقَسْمِ إلَّا إذَا خَلَا عَنْ الرِّبَا وَالْمَوَانِعِ الشَّرْعِيَّةِ. (وَ) جَازَ (التَّخْرِيبُ) لِدِيَارِهِمْ بِالْهَدْمِ وَالْإِتْلَافِ (وَالْحَرْقِ وَقَطْعِ النَّخْلِ) مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، لِأَنَّهُمَا مِنْ التَّخْرِيبِ خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِتَوَهُّمِ مَنْعِهِمَا، (وَذَبْحُ حَيَوَانٍ) لَهُمْ (وَعَرْقَبَتُهُ وَإِتْلَافُ أَمْتِعَةٍ) مِنْ غَرَضٍ أَوْ طَعَامٍ، (عَجَزَ عَنْ حَمْلِهَا) أَوْ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا (إنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بَعْدَ إخْرَاجِ خُمُسِهِ] إلَخْ: الَّذِي فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِهِ وَلِابْنِ الْمَوَّازِ يَتَصَدَّقُ مِنْهُ حَتَّى يَبْقَى الْيَسِيرُ، فَإِذَا صَارَ الْبَاقِي يَسِيرًا جَازَ لِذَلِكَ الْآخِذِ أَكْلُهُ كَمَا لَوْ كَانَ الْبَاقِي يَسِيرًا مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ، فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ أَرْجَحُهَا مَا قَالَهُ شَارِحُنَا. قَوْلُهُ: [وَجَازَ الْمُبَادَلَةُ فِيهِ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ خِلَافًا لِظَاهِرِ خَلِيلٍ مِنْ كَرَاهَتِهَا ابْتِدَاءً، وَمُضِيِّهَا بَعْدَ الْوُقُوعِ وَعَلَيْهِ مَشَى التَّتَّائِيُّ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِتَفَاضُلٍ فِي رِبَوِيٍّ] : قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَالظَّاهِرُ جَوَازُ اجْتِمَاعِ رِبَا الْفَضْلِ وَالنِّسَاءِ هُنَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُعَاوَضَةً حَقِيقِيَّةً، ثُمَّ إنَّ جَوَازَ التَّفَاضُلِ بَيْنَ الْغُزَاةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا اُسْتُغْنِيَ عَنْهُ وَاحْتِيجَ لِغَيْرِهِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ إلَّا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ رِبًا بَلْ يُمْنَعُ وَبِهَذَا قَيَّدَ الْجَوَازَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ. [حُكْم التَّخْرِيب وَالْإِتْلَاف لِدِيَارِ الْعَدُوّ وَغَيْر ذَلِكَ] قَوْلُهُ: [وَذَبْحُ حَيَوَانٍ] إلَخْ: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا عَجَزَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ حَمْلِ مَالِ الْكُفَّارِ أَوْ عَنْ حَمْلِ بَعْضِ مَتَاعِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يُتْلِفُونَهُ لِئَلَّا يَنْتَفِعَ بِهِ الْعَدُوُّ، وَسَوَاءٌ الْحَيَوَانُ وَغَيْرُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ الْمَعْرُوفِ. وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَاخْتُلِفَ مَاذَا يَتْلَفُ بِهِ الْحَيَوَانُ فَقَالَ الْمِصْرِيُّونَ: تُعَرْقَبُ أَوْ تُذْبَحُ أَوْ يُجْهَزُ عَلَيْهَا، وَقَالَ الْمَدَنِيُّونَ

أَنْكَى) ذَلِكَ: أَيْ أَغَاظَ الْعَدُوَّ (أَوْ لَمْ تُرْجَ) لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ أَنْكَى وَلَمْ تُرْجَ نُدِبَ التَّخْرِيبُ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَعِنْدَ غَيْرِهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَإِنْ رُجِيَتْ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَمْ تُنْكَ حَرُمَ التَّخْرِيبُ وَتَعَيَّنَ الْإِبْقَاءُ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْأَفْضَلُ الْإِبْقَاءُ فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ. (وَ) جَازَ (وَطْءُ أَسِيرٍ) فِي أَيْدِيهِمْ (حَلِيلَتَهُ) مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ. وَمَحَلُّهُ (إنْ عَلِمَ) الْأَسِيرُ (سَلَامَتَهَا) مِنْ وَطْءِ الْحَرْبِيِّ. (وَ) جَازَ (الِاحْتِجَاجُ عَلَيْهِمْ بِقُرْآنٍ) نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ} [آل عمران: 64] الْآيَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُجْهَزُ عَلَيْهَا وَكَرِهُوا أَنْ تُعَرْقَبَ أَوْ تُذْبَحَ. وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ دَرَجَ عَلَى قَوْلِ الْمِصْرِيِّينَ، وَأَنَّ (الْوَاوَ) فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى (أَوْ) إذْ لَا يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُ الذَّبْحِ وَالْعَرْقَبَةُ مَعًا، بَلْ أَحَدُهُمَا كَافٍ وَحَيْثُ تَلِفَ الْحَيَوَانُ بِالْمَوْتِ، وَكَانَ يَظُنُّ رُجُوعَهُمْ إلَيْهِ قَبْلَ فَسَادِهِ وَيَنْتَفِعُونَ بِهِ وَجَبَ التَّحْرِيقُ لِأَنَّ الْقَصْدَ عَدَمُ انْتِفَاعِهِمْ بِهِ كَالْأَمْتِعَةِ الَّتِي عَجَزَ عَنْ حَمْلِهَا. قَوْلُهُ: [فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ] : حَاصِلُهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي صُورَتَيْنِ، وَيُنْدَبُ فِي صُورَةٍ، وَيَحْرُمُ أَوْ يُكْرَهُ فِي صُورَةٍ. أَمَّا الْجَوَازُ. فَفِيمَا إذَا أَنْكَتْ وَرُجِيَتْ، وَعَكْسُهُ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ تُنْكَ وَلَمْ تُرْجَ؛ وَالنَّدْبُ فِيمَا إذَا أَنْكَتْ وَلَمْ تُرْجَ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ فِيهَا بِالْوُجُوبِ، وَاعْتَمَدُوهُ وَالْحُرْمَةُ أَوْ الْكَرَاهَةُ فِيمَا إذَا لَمْ تُنْكَ وَرُجِيَتْ. تَنْبِيهٌ: إتْلَافُ النَّحْلِ فِيهِ صُوَرٌ أَرْبَعٌ: إنْ قُصِدَ بِإِتْلَافِهَا أَخْذُ عَسَلِهَا كَانَ جَائِزًا اتِّفَاقًا قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ، وَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ أَخْذُ عَسَلِهَا فَإِنْ قَلَّتْ كُرِهَ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَثُرَتْ فَرِوَايَتَانِ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهِيَةِ قَوْلُهُ: [وَجَازَ وَطْءُ أَسِيرٍ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ سَبْيَهُمْ لَا يَهْدِمُ نِكَاحَنَا وَلَا يُبْطِلُ مِلْكَنَا، وَأَرَادَ بِالْجَوَازِ عَدَمَ الْحُرْمَةِ وَإِلَّا فَهُوَ مَكْرُوهٌ خَوْفًا مِنْ بَقَاءِ ذُرِّيَّتِهِ بِأَرْضِ الْحَرْبِ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ الِاحْتِجَاجُ عَلَيْهِمْ بِقُرْآنٍ] : أَيْ كَمَا أَرْسَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُ كَانَ يُخَاطِبُهُمْ بِالْآيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ، وَمِثْلُ الْقُرْآنِ الْأَحَادِيثُ.

[حكم الأمان للكافر والمعاهدات الإسلامية]

(وَ) جَازَ (بَعْثُ كِتَابٍ) إلَيْهِمْ (فِيهِ كَالْآيَةِ) وَالْآيَتَيْنِ مِنْ الْقُرْآنِ إنْ أُمِنَ الِامْتِهَانُ وَالسَّبُّ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. (وَ) جَازَ (إقْدَامُ الرَّجُلِ) الْمُسْلِمِ (عَلَى كَثِيرٍ) مِنْ الْكُفَّارِ بِقَصْدِ نَشْرِ دِينِ اللَّهِ حَيْثُ عُلِمَ تَأْثِيرُهُ فِيهِمْ. (وَ) جَازَ (انْتِقَالٌ مِنْ سَبَبِ مَوْتٍ لِآخَرَ) : أَيْ لِسَبَبِ مَوْتٍ آخَرَ، كَأَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ ضَرْبٍ مَثَلًا لِلسُّقُوطِ فِي بِئْرٍ أَوْ بَحْرٍ، (وَوَجَبَ) الِانْتِقَالُ (إنْ رَجَا) بِهِ (حَيَاةً أَوْ طُولَهَا) وَلَوْ مَعَ ضِيقٍ. (وَ) جَازَ (لِلْإِمَامِ) أَوْ نَائِبِهِ (الْأَمَانُ) لِلْكَافِرِينَ بِأَنْ يُعْطِيَهُمْ الْأَمَانَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَلَى كَثِيرٍ] : مُرَادُهُ أَكْثَرُ مِنْ مِثْلَيْهِ، لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى مِثْلَيْهِ وَاجِبٌ وَالْفِرَارُ مِنْهُ كَبِيرَةٌ، وَالْجَوَازُ الْمَذْكُورُ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قَصْدُ نَصْرِ دِينِ اللَّهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ قَصْدُهُ إظْهَارَ شَجَاعَةٍ وَلَا طَمَعًا فِي غَنِيمَةٍ، ثَانِيهمَا: أَنْ يَعْلَمَ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ نِكَايَتُهُ لَهُمْ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ مَاتَ يَكُونُ عَاصِيًا وَإِنْ كَانَ شَهِيدًا ظَاهِرًا. قَوْلُهُ: [مِنْ سَبَبِ مَوْتٍ] : إنَّمَا عَبَّرَ بِالسَّبَبِ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا تَعَدُّدَ فِيهِ وَالتَّعَدُّدُ إنَّمَا هُوَ فِي أَسْبَابِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَمَنْ لَمْ يَمُتْ بِالسَّيْفِ مَاتَ بِغَيْرِهِ ... تَعَدَّدَتْ الْأَسْبَابُ وَالْمَوْتُ وَاحِدُ فَيَجُوزُ لَهُ الِانْتِقَالُ بِطَرْحِ نَفْسِهِ فِي الْبَحْرِ مَثَلًا هُرُوبًا مِنْ النَّارِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمُقَابِلُهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ، وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ اسْتِوَاءُ الْأَمْرَيْنِ بِأَنْ عَلِمَ إنْ اسْتَمَرَّ فِي النَّارِ مَاتَ حَالًا، وَإِنْ رَمَى بِنَفْسِهِ فِي الْبَحْرِ مَاتَ حَالًا. قَوْلُهُ: [وَوَجَبَ الِانْتِقَالُ إنْ رَجَا] : مُرَادُهُ بِالرَّجَاءِ مَا يَشْمَلُ الشَّكَّ. [حُكْم الأمان لِلْكَافِرِ وَالْمُعَاهَدَات الْإِسْلَامِيَّة] قَوْلُهُ: [الْأَمَانُ لِلْكَافِرِينَ] : عَرَّفَ ابْنُ عَرَفَةَ الْأَمَانَ بِقَوْلِهِ: رَفْعُ اسْتِبَاحَةِ دَمِ

أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ (لِمَصْلَحَةٍ) اقْتَضَتْهُ تَعُودُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَا لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ (مُطْلَقًا) إقْلِيمًا أَوْ غَيْرَهُ لِخَاصٍّ أَوْ عَامٍّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَرْبِيِّ وَرِقِّهِ وَمَالِهِ حِينَ قِتَالِهِ أَوْ الْعَزْمِ عَلَيْهِ مَعَ اسْتِقْرَارِهِ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ مُدَّةً مَا. فَقَوْلُهُ: رَفْعُ: مَصْدَرٌ مُنَاسِبٌ لِلْأَمَانِ، لِأَنَّهُ اسْمُ مَصْدَرٍ، وَقَوْلُهُ: اسْتِبَاحَةُ إلَخْ اُحْتُرِزَ بِهِ مِنْ رَفْعِ اسْتِبَاحَةِ دَمِ غَيْرِهِ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقَاتِلِ، وَقَوْلُهُ: وَرِقِّهِ أَخْرَجَ بِهِ الْمُعَاهَدَ، وَقَوْلُهُ: حِينَ قِتَالِهِ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الصُّلْحِ وَالْمُهَادَنَةِ وَالِاسْتِئْمَانِ - كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [إقْلِيمًا] : أَيْ عَدَدًا غَيْرَ مَحْصُورٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْأَقَالِيمِ السَّبْعَةِ الْآتِي

(كَغَيْرِهِ) ، أَيْ الْإِمَامِ يَجُوزُ لَهُ الْأَمَانُ لِمَصْلَحَةٍ (إنْ كَانَ) غَيْرُ الْإِمَامِ (مُمَيِّزًا) : يَصِحُّ أَمَانُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ كَصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَكْرَانَ (طَائِعًا) لَا مُكْرَهًا، فَلَا يَصِحُّ تَأْمِينُهُ (مُسْلِمًا) : فَلَا يَمْضِي تَأْمِينُ كَافِرٍ ذِمِّيٍّ لِأَنَّ كُفْرَهُ يَحْمِلُهُ عَلَى سُوءِ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِينَ، (وَلَوْ) كَانَ الْمُؤْمِنُ الْمُمَيِّزُ الْمُسْلِمُ (صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً أَوْ رَقِيقًا أَوْ خَارِجًا عَلَى الْإِمَامِ) ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَمْضِي، وَقَبْلَ الصَّبِيِّ وَمَا بَعْدَهُ لَا يَجُوزُ أَمَانُهُ، وَلَكِنْ إنْ وَقَعَ مَضَى إنْ أَمْضَاهُ الْإِمَامُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ. (وَأَمَّنَ) غَيْرُ الْإِمَامِ (دُونَ: إقْلِيمٍ) بِأَنْ أَمَّنَ عَدَدًا مَحْصُورًا وَكَانَ أَمَانُ غَيْرِ الْإِمَامِ (قَبْلَ الْفَتْحِ) أَيْ اسْتِيلَاءِ الْجَيْشِ عَلَى الْمَدِينَةِ وَالظُّفْرِ بِهَا. (وَإِلَّا) بِأَنْ أَمَّنَ غَيْرُ الْإِمَامِ إقْلِيمًا أَيْ عَدَدًا غَيْرَ مَحْصُورٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُ أَقَالِيمِ الدُّنْيَا أَوْ أَمَّنَ عَدَدًا مَحْصُورًا بَعْدَ فَتْحِ الْبَلَدِ، (نَظَرَ الْإِمَامُ) فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ صَوَابًا أَبْقَاهُ وَإِلَّا رَدَّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيَانُهَا. قَوْلُهُ: [إنْ كَانَ غَيْرُ الْإِمَامِ مُمَيِّزًا] : حَاصِلُهُ: أَنَّ مَنْ كَمُلَتْ فِيهِ تِسْعَةُ شُرُوطٍ وَهِيَ: الْإِسْلَامُ، وَالْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالذُّكُورَةُ، وَالطَّوْعُ، وَلَمْ يَكُنْ خَارِجًا عَلَى الْإِمَامِ، وَأَمْنٌ دُونَ إقْلِيمٍ، وَكَانَ تَأْمِينُهُ قَبْلَ الْفَتْحِ إذَا أَعْطَى أَمَانًا؛ كَانَ كَأَمَانِ الْإِمَامِ اتِّفَاقًا. وَأَمَّا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ، وَالْمَرْأَةُ وَالرَّقِيقُ، وَالْخَارِجُ عَنْ الْإِمَامِ إذَا أَمِنَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ دُونَ إقْلِيمٍ قَبْلَ الْفَتْحِ فَفِيهِ خِلَافٌ، فَقِيلَ: يَجُوزُ وَيَمْضِي، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً، وَيُخَيَّرُ فِيهِ الْإِمَامُ إنْ وَقَعَ إنْ شَاءَ أَمْضَاهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَغَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَلَا يَمْضِي اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [أَوْ خَارِجًا عَلَى الْإِمَامِ] : ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنْ مَوْضُوعِ الْخِلَافِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ مُسْلِمًا عَاقِلًا بَالِغًا حُرًّا ذَكَرًا وَأَمِنَ دُونَ إقْلِيمٍ قَبْلَ الْفَتْحِ يَجُوزُ وَيَمْضِي بِاتِّفَاقٍ مَشَى عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [أَحَدُ أَقَالِيمِ الدُّنْيَا] : وَهِيَ سَبْعَةٌ: الْهِنْدُ، وَالْحِجَازُ، وَمِصْرُ، وَبَابِلُ، وَالرُّومُ، وَالتُّرْكُ مَعَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَالصِّينِ. وَأَمَّا الْمَغْرِبُ، وَالشَّامُ، وَالْعِرَاقُ، فَمِنْ مِصْرَ بِدَلِيلِ اتِّحَادِ الدِّيَةِ، وَالْمِيقَاتِ وَالْيَمَنُ وَالْحَبَشَةُ مِنْ الْحِجَازِ.

(وَ) إذَا وَقَعَ الْأَمَانُ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِشُرُوطِهِ (وَجَبَ) عَلَى الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا (الْوَفَاءُ بِهِ) ، فَلَا يَجُوزُ أَسْرُهُمْ وَلَا أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِمْ إلَّا بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ وَلَا أَذِيَّتُهُمْ بِغَيْرِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ. (وَسَقَطَ بِهِ) : أَيْ بِالْأَمَانِ، (الْقَتْلُ وَإِنْ) وَقَعَ (مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ بَعْدَ الْفَتْحِ) : فَأَوْلَى إنْ وَقَعَ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْقَتْلِ مِنْ جِزْيَةٍ أَوْ اسْتِرْقَاقٍ أَوْ فِدَاءٍ فَلَا يَسْقُطُ إنْ وَقَعَ الْأَمَانُ بَعْدَ الْفَتْحِ؛ فَلَا يَسْقُطُ الْأَمَانُ بَعْدَهُ إلَّا الْقَتْلُ خَاصَّةً. فَلِذَا قَالَ: (فَيَنْظُرُ) الْإِمَامُ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْقَتْلِ مِنْ أَسْرٍ أَوْ مَنٍّ أَوْ فِدَاءٍ أَوْ ضَرْبِ جِزْيَةٍ. ثُمَّ الْأَمَانُ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ يَكُونُ (بِلَفْظٍ) دَالٍّ عَلَيْهِ نَحْوُ: أَمَّنَّاكَ (أَوْ إشَارَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكُلُّ إقْلِيمٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقَالِيمِ سَبْعُمِائَةِ فَرْسَخٍ فِي مِثْلِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْسَبَ مِنْ ذَلِكَ جَبَلٌ وَلَا وَادٍ. وَالْبَحْرُ الْأَعْظَمُ مُحِيطٌ بِذَلِكَ وَيُحِيطُ بِهِ جَبَلُ قَافٍ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ بَعْدَ الْفَتْحِ] : وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَوَّازِ، وَرَدَّ الْمُصَنِّفُ بِالْمُبَالَغَةِ عَلَى مَا قَالَهُ سَحْنُونَ: لَا يَجُوزُ لِمُؤَمِّنِهِ قَتْلُهُ وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ عَدَمُ صِحَّةِ أَمَانِهِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ مُؤَمِّنِهِ. فَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي سُقُوطِ الْقَتْلِ بِالتَّأْمِينِ بَعْدَ الْفَتْحِ، إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمُؤَمِّنِ، وَأَمَّا هُوَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَتْلُ اتِّفَاقًا - كَذَا فِي التَّوْضِيحِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا غَيْرُ الْقَتْلِ مِنْ جِزْيَةٍ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ مِنْ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ: [مِنْ أَسْرٍ] : أَيْ اسْتِرْقَاقٌ وَيَكُونُونَ غَنِيمَةً. قَوْلُهُ: [أَوْ مَنٍّ] : أَيْ بِأَنْ يَتْرُكَ سَبِيلَهُ وَيَحْسِبَهُ مِنْ الْخُمُسِ. قَوْلُهُ: [أَوْ فِدَاءٍ] : أَيْ مِنْ الْخُمُسِ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ بِالْأُسَارَى الَّذِينَ عِنْدَهُمْ أَوْ بِمَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ. قَوْلُهُ: [أَوْ ضَرْبِ جِزْيَةٍ] : أَيْ عَلَيْهِمْ، وَيُحْسَبُ الْمَضْرُوبُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْخُمُسِ أَيْضًا، وَهَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلرِّجَالِ الْمُقَاتِلَةِ، وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالذَّرَارِيُّ فَلَيْسَ فِيهِمْ إلَّا الِاسْتِرْقَاقُ أَوْ الْفِدَاءُ. قَوْلُهُ: [بِلَفْظٍ دَالٍّ عَلَيْهِ] : أَيْ عَرَبِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ.

مُفْهِمَةٍ) بِرَأْسٍ أَوْ يَدٍ. (وَلَوْ ظَنَّهُ) : أَيْ الْأَمَانَ (حَرْبِيٌّ) - وَالْحَالُ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَمْ يُؤَمِّنْهُ وَإِنَّمَا خَاطَبَ غَيْرَهُ أَوْ خَاطَبَهُ بِكَلَامٍ لَمْ يَفْهَمْهُ - (فَظَنَّ) أَنَّهُ أَمَّنَّهُ (فَجَاءَ) إلَيْنَا مُعْتَمِدًا عَلَى ظَنِّهِ. (أَوْ نَهَى الْإِمَامُ النَّاسَ عَنْهُ) : أَيْ عَنْ الْأَمَانِ (فَعَصَوْا) وَأَمَّنُوا وَاحِدًا أَوْ طَائِفَةً. (أَوْ نَسَوْا) أَنَّ الْإِمَامَ نَهَى عَنْهُ فَأَمَّنُوا (أَوْ جَهِلُوا) نَهْيَهُ أَيْ لَمْ يَعْلَمُوا بِهِ فَأَمَّنُوا، (أَوْ) أَمَّنَهُ ذِمِّيٌّ وَ (ظَنَّ) الْحَرْبِيُّ (إسْلَامَهُ) فَجَاءَ إلَيْنَا مُعْتَمِدًا عَلَى ذَلِكَ (أَمْضَى) الْأَمَانَ فِي الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ: أَيْ أَمْضَاهُ الْإِمَامُ إنْ شَاءَ، (أَوْ رَدَّ) الْحَرْبِيَّ (لِمَأْمَنِهِ) ، وَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ وَلَا أَسْرُهُ وَلَا سَلْبُ مَالِهِ. (كَأَنْ) : أَيْ كَمَا يُرَدُّ لِمَأْمَنِهِ إنْ (أُخِذَ) حَالَ كَوْنِهِ (مُقْبِلًا) إلَيْنَا (بِأَرْضِهِمْ فَقَالَ: جِئْت لِأَطْلُبَ الْأَمَانَ) مِنْكُمْ، (أَوْ) أُخِذَ (بِأَرْضِنَا وَقَالَ: ظَنَنْت أَنَّكُمْ لَا تَتَعَرَّضُونَ لِتَاجِرٍ) وَمَعَهُ تِجَارَةٌ، (أَوْ) أُخِذَ (بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ أَرْضِنَا وَأَرْضِهِمْ وَقَالَ مَا ذُكِرَ فَيُرَدُّ لِمَأْمَنِهِ. (إلَّا لِقَرِينَةِ كَذِبِ) فَلَا يُرَدُّ، وَيَرَى الْإِمَامُ فِيهِ مَا يَرَاهُ فِي الْأَسْرَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مُفْهِمَةٍ] : أَيْ يَفْهَمُ الْحَرْبِيُّ مِنْهَا الْأَمَانَ، وَإِنْ قَصَدَ الْمُسْلِمُ بِهَا ضِدَّهُ. وَيَثْبُتُ الْأَمَانُ مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ بِبَيِّنَةٍ لَا بِقَوْلِ الْمُؤَمِّنِ كُنْت أَمَّنْتُهُ، بِخِلَافِ الْإِمَامِ فَقَوْلُهُ مَقْبُولٌ. قَوْلُهُ: [أَوْ رَدَّ الْحَرْبِيَّ لِمَأْمَنِهِ] : أَوْ لِلتَّخْيِيرِ أَيْ أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إمْضَائِهِ أَوْ رَدِّهِ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي كَانَ فِيهِ قَبْلَ التَّأْمِينِ، سَوَاءٌ كَانَ يَأْمَنُ فِيهِ أَوْ يَخَافُ فِيهِ فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ فِي حَالِ مُكْثِهِ عِنْدَنَا وَلَوْ طَالَتْ إقَامَتُهُ، أَوَّلًا فِي حَالِ تَوَجُّهِهِ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي كَانَ فِيهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَخَذَ بَيْنَهُمَا] : مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ يَرِدُ فِي هَذِهِ لِمَأْمَنِهِ أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَقِيلَ: إنَّهُ يُخَيَّرُ فِيهِ الْإِمَامُ وَيَرَى فِيهِ رَأْيَهُ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا أُخِذَ بِحِدْثَانِ مَجِيئِهِ وَإِلَّا خُيِّرَ فِيهِ الْإِمَامُ بِاتِّفَاقٍ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ. قَوْلُهُ: [إلَّا لِقَرِينَةٍ كَذِبٍ] : أَيْ كَوُجُودِ آلَةِ الْحَرْبِ مَعَهُ. تَنْبِيهٌ: إنْ رُدَّ الْمُؤَمَّنُ بِرِيحٍ قَبْلَ وُصُولِهِ لِمَأْمَنِهِ فَهُوَ عَلَى أَمَانِهِ السَّابِقِ حَتَّى يَصِلَ إلَى

[مال المستأمن]

كَمَا إذَا لَمْ يَدَّعِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ. (وَإِنْ مَاتَ) الْمُؤَمَّنُ (عِنْدَنَا فَمَالُهُ لِوَارِثِهِ إنْ كَانَ مَعَهُ) وَارِثُهُ عِنْدَنَا - دَخَلَ عَلَى التَّجْهِيزِ أَمْ لَا (وَإِلَّا) يَكُنْ مَعَهُ وَارِثَةٌ (أُرْسِلَ) الْمَالُ (لَهُ) أَيْ لِوَارِثِهِ بِأَرْضِهِمْ (إنْ دَخَلَ) عِنْدَنَا (عَلَى التَّجْهِيزِ) : لِقَضَاءِ مَصَالِحِهِ مِنْ تِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، لَا عَلَى الْإِقَامَةِ عِنْدَنَا، (وَلَمْ تَطُلْ إقَامَتُهُ) عِنْدَنَا (وَإِلَّا) بِأَنْ دَخَلَ عَلَى الْإِقَامَةِ أَوْ عَلَى التَّجْهِيزِ، وَلَكِنْ طَالَتْ إقَامَتُهُ عِنْدَنَا (فَفَيْءٌ) مَحَلُّهُ بَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. (وَانْتُزِعَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ (مَا سُرِقَ) : أَيْ مَا سَرَقَهُ مِنَّا مُعَاهَدٌ زَمَنَ عَهْدِهِ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ، (ثُمَّ عِيدَ) أَيْ رَجَعَ (بِهِ) إلَيْنَا وَيُقْطَعُ إنْ كَانَ هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَأْمَنِهِ، فَإِذَا قَامَ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إلْزَامُهُ الذَّهَابَ لِأَنَّهُ عَلَى الْأَمَانِ، وَمِثْلُ الرَّدِّ بِالرِّيحِ رُجُوعُهُ قَبْلَ الْوُصُولِ، وَلَوْ اخْتِيَارًا عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ. وَأَمَّا إنْ رَجَعَ بَعْدَ بُلُوغِهِ مَأْمَنَهُ بِرِيحٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَقِيلَ: الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَنْزَلَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَقِيلَ: هُوَ حِلٌّ، وَقِيلَ: إنْ رَدَّ غَلَبَةَ فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ وَإِنْ رُدَّ اخْتِيَارًا فَهُوَ حِلٌّ. [مَال الْمُسْتَأْمَن] قَوْلُهُ: [وَإِنْ مَاتَ الْمُؤَمَّنُ عِنْدَنَا] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ الْأَحْوَالَ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ الْمُؤَمَّنَ: إمَّا أَنْ يَمُوتَ عِنْدَنَا، وَإِمَّا أَنْ يَمُوتَ فِي بَلَدِهِ وَيَكُونَ لَهُ مَالٌ عِنْدَنَا نَحْوُ وَدِيعَةٍ، وَإِمَّا أَنْ يُؤْسَرَ، وَإِمَّا أَنْ يُقْتَلَ فِي الْمَعْرَكَةِ، فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى بِقَوْلِهِ: [وَإِنْ مَاتَ عِنْدَنَا فَمَالُهُ لِوَارِثِهِ] إلَخْ، وَلَمْ يَسْتَوْفِ الْأَحْوَالَ الْأَرْبَعَةَ، بَلْ بَيَّنَ حُكْمَ الْحَالَةِ الْأُولَى فَقَطْ، وَنَحْنُ نُبَيِّنُهَا فَنَقُولُ: أَمَّا الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ مَا إذَا مَاتَ فِي بَلَدِهِ وَكَانَ لَهُ عِنْدَنَا نَحْوُ وَدِيعَةٍ، فَإِنَّهَا تُرْسَلُ لِوَارِثِهِ، وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: وَهِيَ أَسْرُهُ وَقَتْلُهُ، فَمَالُهُ لِمَنْ أَسَرَهُ وَقَتَلَهُ حَيْثُ حَارَبَ فَأُسِرَ ثُمَّ قُتِلَ، وَأَمَّا الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ: وَهِيَ مَا إذَا قُتِلَ فِي مَعْرَكَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ أَسْرٍ، فَفِي مَالِهِ قَوْلَانِ، قِيلَ، يُرْسَلُ لِوَارِثِهِ، وَقِيلَ: فَيْءٌ. وَمَحَلُّهُمَا: إذَا دَخَلَ عَلَى التَّجْهِيزِ، أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ ذَلِكَ وَلَمْ تَطُلْ إقَامَتُهُ. فَإِنْ طَالَتْ إقَامَتُهُ وَقُتِلَ فِي مَعْرَكَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ مَالُهُ وَلَوْ وَدِيعَةً فَيْئًا قَوْلًا وَاحِدًا.

السَّارِقَ، وَلَوْ شَرَطَ عِنْدَ الْأَمَانِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ إنْ سَرَقَ، وَلَا يُوفِي لَهُ بِشَرْطِهِ، بِخِلَافِ مَا أَغَارُوا عَلَيْهِ وَسَلَبُوهُ مِنَّا مِنْ الْأَمْوَالِ أَوْ سَرَقُوهُ فِي غَيْرِ زَمَنِ عَهْدِهِمْ، فَلَا يُنْزَعُ مِنْهُمْ إنْ دَخَلُوا بِهِ عِنْدَنَا بِأَمَانٍ إلَّا الْحُرَّ الْمُسْلِمَ، فَإِنَّهُ يُنْزَعُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِالْقِيمَةِ، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ مِنْ عَدَمِ النَّزْعِ ضَعِيفٌ وَلِذَا قِيلَ: (وَ) اُنْتُزِعَ مِنْ الْمُعَاهَدِ (الْأَحْرَارُ الْمُسْلِمُونَ) الَّذِينَ قَدِمَ بِهِمْ بَعْدَ أَسْرِهِمْ أَوْ سَرِقَتِهِمْ بِالْقِيمَةِ عَلَى فَرْضِ كَوْنِهِمْ أَرِقَّاءً، وَأَمَّا مَا سَرَقَهُ زَمَنَ عَهْدِهِ فَيُنْزَعُ مِنْهُ بِلَا قِيمَةٍ قَوْلًا وَاحِدًا. (وَمَلَكَ) حَرْبِيٌّ دَخَلَ عِنْدَنَا بِأَمَانٍ أَوْ لَا (بِإِسْلَامِهِ) جَمِيعَ مَا بِيَدِهِ مِنْ أَمْوَالِنَا وَغَيْرَهَا كَذِمِّيٍّ وَمَالِهِ (غَيْرَهُمَا) : أَيْ غَيْرَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَمَا سَرَقَهُ مِنَّا أَيَّامَ عَهْدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا يُنْزَعُ مِنْهُمْ إنْ دَخَلُوا بِهِ عِنْدَنَا بِأَمَانٍ] : أَيْ وَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ فِيهِ، غَايَةُ مَا فِيهِ يُكْرَهُ لِغَيْرِ مَالِكِهِ اشْتِرَاؤُهُ مِنْهُمْ لِأَنَّ فِيهِ تَسْلِيطًا لَهُمْ عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَشِرَاؤُهَا يُفَوِّتُهَا عَلَى الْمَالِكِ. وَأَمَّا لَوْ قَدِمَ الْحَرْبِيُّ عِنْدَنَا قَهْرًا كَالدَّوْلَةِ الفرنساوية فَإِذَا نَهَبُوا أَمْتِعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَأَرَادُوا بَيْعَهَا فَلَا يَجُوزُ الشِّرَاءُ مِنْهَا وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ أَرْبَابِهَا، فَلَهُمْ أَخْذُهَا مِمَّنْ اشْتَرَاهَا بِقَصْدِ التَّمَلُّكِ مَجَّانًا. وَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهَا بِقَصْدِ الْفِدَاءِ لِرَبِّهَا فَالْأَحْسَنُ أَخْذُهَا بِالْفِدَاءِ، لِأَنَّ بِلَادَ الْإِسْلَامِ لَا تَصِيرُ دَارَ حَرْبٍ بِأَخْذِ الْكُفَّارِ لَهَا بِالْقَهْرِ مَا دَامَتْ شَعَائِرُ الْإِسْلَامِ قَائِمَةً بِهَا. كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ مَا وَهَبَهُ الفرنساوية مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَمْلِكُهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَلَا يَفُوتُ عَلَى مَالِكِهِ بِالْهِبَةِ. بِخِلَافِ مَنْ دَخَلَ بِلَادَنَا بِأَمَانٍ وَبِيَدِهِ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ أَخَذَهَا مِنْهُمْ وَهُوَ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ إمَّا لِأَنَّ الْأَمَانَ يُحَقِّقُ مِلْكَهُ أَوْ لِأَنَّهُ بِالْعَهْدِ صَارَ لَهُ حُرْمَةٌ لَيْسَتْ لَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ. بِخِلَافِ مَا بَاعُوهُ أَوْ وَهَبُوهُ فِي دِيَارِهِمْ فَإِنَّ لِرَبِّهِ أَخْذَهُ بِالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَمَجَّانًا فِي الْهِبَةِ. قَوْلُهُ: [إلَّا الْحُرُّ الْمُسْلِمُ] : أَيْ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. قَوْلُهُ: [وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ] إلَخْ: هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ لِابْنِ الْقَاسِمِ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: أَنَّهُ يُنْتَزَعُ مِنْهُمْ الْإِنَاثُ دُونَ الذُّكُورِ فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ قَدْ عَلِمْتهَا.

[وقف الأرض غير الموات من أرض الزراعة والدور بمجرد الاستيلاء عليها]

فَلَا يَمْلِكُهُمَا وَيُنْزَعَانِ مِنْهُ (وَوُقِفَتْ الْأَرْضُ غَيْرُ الْمَوَاتِ) : مِنْ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ وَالدُّورِ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا، وَلَا يَحْتَاجُ وَقْفُهَا لِصِيغَةٍ مِنْ الْإِمَامِ، وَلَا لِتَطْيِيبِ أَنْفُسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا يَمْلِكُهَا] إلَخْ: أَيْ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ حِينَئِذٍ، وَمِثْلُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الدَّيْنُ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ، الْوَدِيعَةُ وَمَا اسْتَأْجَرَهُ مِنَّا حَالَ كُفْرِهِ. تَنْبِيهٌ: يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: (غَيْرُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ) : أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُعْتَقُ لِأَجَلٍ وَالْمُكَاتَبُ. لَكِنَّهُ يَجِبُ فِدَاءُ أُمِّ الْوَلَدِ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ لِشَبَهِهَا بِالْحُرَّةِ، وَاتَّبَعَتْ ذِمَّةَ سَيِّدِهَا إنْ أَعْسَرَ وَيَمْلِكُ مِنْ الْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ مَا يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ مِنْهُمَا، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ الْمُدَبَّرُ وَالْمُعْتَقُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، فَإِنْ حَمَلَ بَعْضَهُ رُقَّ بَاقِيهِ لِمَنْ أَسْلَمَ عَلَيْهِ وَلَا خِيَارَ لِلْوَارِثِ فِي الْمُدَبَّرِ إذَا مَاتَ سَيِّدُهُ وَرُقَّ بَعْضُهُ، بَلْ الْحَقُّ فِيهِ لِمَنْ أَسْلَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَمْ يَكُنْ لَهُ انْتِزَاعُهُ مِمَّنْ أَسْلَمَ، فَكَذَا وَارِثُهُ. بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْجَانِي وَالْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ يَصِيرُ حُرًّا بِفَرَاغِ الْأَجَلِ. وَالْمُكَاتَبِ يُعْتَقُ إذَا أَدَّى مَا عَلَيْهِ لَهُ، وَإِنْ عَجَزَ رُقَّ لَهُ، وَلَا شَيْءَ لِسَيِّدِهِ وَالْوَلَاءُ فِي الْجَمِيعِ لِمَنْ عَقَدَ الْحُرِّيَّةَ. [وَقَفَ الْأَرْض غَيْرُ الْمَوَاتِ مِنْ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ وَالدُّورِ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا] قَوْلُهُ: [بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ] إلَخْ: قَالَ (ر) : لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ: إنَّهَا تَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا، إذْ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ فِيمَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ فِيهَا - هَلْ يَقْسِمُهَا كَغَيْرِهَا

الْمُجَاهِدِينَ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَالِ، وَلَا يُؤْخَذُ لِلدُّورِ كِرَاءٌ، بِخِلَافِ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ. وَفَائِدَةُ وَقْفِ الدُّورِ أَنَّهَا لَا تُبَاعُ وَلَا يُتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ، وَهَذَا مَا دَامَتْ بَاقِيَةً بِأَبْنِيَتِهَا الَّتِي فُتِحَتْ عَلَيْهَا، فَإِنْ تَهَدَّمَتْ وَجُدِّدَ فِيهَا بِنَاءٌ جَازَ بَيْعُهَا وَهِبَتُهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ يَتْرُكُهَا لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ؟ وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى وَقْفِهَا تَرْكُهَا غَيْرَ مَقْسُومَةٍ لَا الْوَقْفُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْحَبْسُ وَأَقَرَّهُ (بْن) ، وَقَدْ يُقَالُ: هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ: تَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ، فَإِنَّهَا تُتْرَكُ لِلْمَصَالِحِ وَلَا مَعْنَى لِلْوَقْفِ وَالتَّحْبِيسِ إلَّا ذَلِكَ. وَهَذَا الْوَقْفُ لَا يَحْتَاجُ لِصِيغَةٍ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ - كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُؤْخَذُ لِلدُّورِ كِرَاءٌ] : أَيْ هِيَ كَالْمَسَاجِدِ يُقْضَى فِيهَا لِلسَّابِقِ، وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْأَشْيَاخِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ لِلدُّورِ كِرَاءٌ وَيَكُونَ فِي الْمَصَالِحِ كَخَرَاجِ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ

[قسم الغنائم والنظر في الأسرى ومصارف بيت المال وموارده]

وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ كَمَا هُوَ الْآنَ بِمِصْرَ وَمَكَّةَ وَغَيْرِهِمَا. وَأَمَّا الْمَوَاتُ فَلَا كَلَامَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا، وَمَنْ أَحْيَا مِنْهَا شَيْئًا فَهُوَ لَهُ مِلْكٌ. (كَ) أَرْضِ (مِصْرَ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ) : مِنْ كُلِّ مَا فُتِحَتْ عَنْوَةً. (وَخُمِّسَ غَيْرُهَا) أَيْ غَيْرُ الْأَرْضِ مِنْ سَائِرِ الْأَمْوَالِ قَالَ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] الْآيَةُ. (فَخَرَاجُهَا) : أَيْ الْأَرْضِ، (وَالْخُمُسُ) الْمَذْكُورُ، (وَالْجِزْيَةُ وَعُشْرُ) تِجَارَةِ (أَهْلِ الذِّمَّةِ) ، وَكَذَا عُشْرُ الْحَرْبِيِّينَ إذَا دَخَلُوا عِنْدَنَا بِأَمَانٍ، (وَمَا) : أَيْ وَكُلُّ مَالٍ (جُهِلَتْ أَرْبَابُهُ) وَمَالُ الْمُرْتَدِّ إذَا قُتِلَ لِرِدَّتِهِ (وَتَرِكَةُ مَيِّتٍ لَا وَارِثَ لَهُ) ، مَا أَخَذَهُ الْإِمَامُ فِي نَظِيرِ مَعْدِنٍ أَوْ إقْطَاعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا كَلَامَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا] : أَيْ وَلَوْ السُّلْطَانَ. [قَسَمَ الْغَنَائِم وَالنَّظَر فِي الْأَسْرَى ومصارف بَيْت الْمَال وَمَوَارِده] . قَوْلُهُ: [فَخَرَاجُهَا] : أَيْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ، وَمِثْلُهَا: خَرَاجُ أَرْضِ الصُّلْحِ وَلَا تُورَثُ أَرْضُ الْعَنْوَةِ لِأَنَّهَا لَا تُمْلَكُ، قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الْفَلَّاحِينَ وَلَهُ وَرَثَةٌ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ الذُّكُورَ تَخْتَصُّ بِالْأَرْضِ دُونَ الْإِنَاثِ كَمَا فِي بَعْضِ قُرَى الصَّعِيدِ - فَإِنَّهُ يَجِبُ إجْرَاؤُهُمْ عَلَى عَادَاتِهِمْ عَلَى مَا يَظْهَرُ، لِأَنَّ هَذِهِ الْعَادَةَ وَالْعُرْفَ صَارَتْ كَإِذْنٍ مِنْ السُّلْطَانِ فِي ذَلِكَ. وَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلسُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يَمْنَعَ الْوَرَثَةَ مِنْ وَضْعِ أَيْدِيهِمْ عَلَيْهَا وَيُعْطِيهَا لِمَنْ يَشَاءُ. وَقَدْ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ فَتْحِ بَابٍ يُؤَدِّي إلَى الْهَرَجِ وَالْفَسَادِ، وَلِأَنَّ لِمُوَرِّثِهِمْ نَوْعَ اسْتِحْقَاقٍ، وَأَيْضًا الْعَادَةُ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ حُكْمِ السَّلَاطِينِ الْمُتَقَدِّمِينَ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ بِيَدِهِ شَيْءٌ فَهُوَ لِوَارِثِهِ أَوْ لِأَوْلَادِهِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ رِعَايَةً لِحَقِّ الْمَصْلَحَةِ، نَعَمْ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَالْأَمْرُ لِلْمُلْتَزِمِ. وَمَا اُشْتُهِرَ مِنْ فَتَاوَى مَعْزُوَّةٍ لِبَعْضِ أَئِمَّتِنَا كَالشَّيْخِ الْخَرَشِيِّ وَالشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي وَالشَّيْخِ يَحْيَى الشَّاوِيِّ وَغَيْرِهِمْ، مِنْ أَنَّ أَرْضَ الزِّرَاعَةِ تُورَثُ، فَهِيَ فَتْوَى بَاطِلَةٌ لِمُنَافَاتِهَا مَا تَقَدَّمَ، وَغَالِبُهُمْ قَدْ شَرَحَ هَذَا الْمُخْتَصَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِرْثَ وَلَا بِالْإِشَارَةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْفَتَاوَى مَكْذُوبَةٌ عَلَيْهِمْ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا (اهـ. بِحُرُوفِهِ) . قَوْلُهُ: [وَالْجِزْيَةُ] : أَيْ عَنْوِيَّةً أَوْ صُلْحِيَّةً.

كُلُّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ بَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ يُصْرَفُ (لِآلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) بِقَدْرِ كِفَايَةِ سَنَةٍ أَوْ مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ، وَيُنَفَّلُونَ عَنْ غَيْرِهِمْ لِمَنْعِهِمْ مِنْ؛ الزَّكَاةِ وَهُمْ: بَنُو هَاشِمٍ فَقَطْ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ غَيْرِنَا بَنُو هَاشِمٍ وَالْمُطَّلَبِ. (وَلِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ جِهَادٍ) يُشْتَرَى خَيْلٌ وَسِلَاحٌ وَيُعْطَى لِلْعَسْكَرِ مَا يُنْفِقُونَهُ فِي سَفَرِهِمْ أَوْ رِبَاطِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ، (وَ) مِنْ (قَضَاءِ دَيْنِ مُعْسِرٍ وَتَجْهِيزِ مَيِّتٍ) لَا مَالَ لَهُ، (وَإِعَانَةِ مُحْتَاجٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ) وَهُمْ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ لَا سِيَّمَا الْمُنْقَطِعِينَ لِقِرَاءَتِهِ وَتَدْوِينِهِ، وَلِلْإِفْتَاءِ وَالْقَضَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَغَيْرِهِمْ) مِنْ كُلِّ مُحْتَاجٍ وَيَتِيمٍ وَأَرْمَلَ، وَتَزْوِيجِ أَعْزَبَ وَإِعَانَةِ حَاجٍّ، (وَ) مِنْ (مَسَاجِدَ وَقَنَاطِرَ وَنَحْوِهَا) كَحِصْنٍ، وَسُورٍ، وَسُفُنٍ، وَعَقْلِ جِرَاحٍ، وَعِمَارَةِ ثُغُورٍ. (وَالنَّظَرُ) فِي ذَلِكَ كُلِّهِ (لِلْإِمَامِ) بِالْمَصْلَحَةِ وَالْمَعْرُوفِ. (وَلَهُ) أَيْ لِلْإِمَامِ (النَّفَقَةُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (عَلَى) نَفْسِهِ وَ (عِيَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ) لَا بِالْإِسْرَافِ. (وَبُدِئَ) وُجُوبًا بِالْإِعْطَاءِ (بِمَنْ) : أَيْ الْمُسْتَحَقِّينَ مِنْ آلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمْ الَّذِينَ جُبِيَ (فِيهِمْ الْمَالُ) الْخَرَاجُ أَوْ الْجِزْيَةُ أَوْ الْخُمُسُ أَوْ غَيْرُهَا، فَيُعْطَوْنَ كِفَايَةَ سَنَةٍ إنْ أَمْكَنَ، ثُمَّ يُنْقَلُ الْبَاقِي لِغَيْرِهِمْ الْأَحْوَجُ فَالْأَحْوَجُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كُلُّ ذَلِكَ] : أَيْ جَمِيعُ الْعَشَرَةِ التِّسْعَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَالْعَاشِرُ إخْرَاجُ أَرْضِ الصُّلْحِ. وَلَا تُضَمُّ لَهَا الزَّكَاةُ بَلْ تُصْرَفُ لِلْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، وَلَوْ تَوَلَّاهَا السُّلْطَانُ. قَوْلُهُ: [وَعِنْدَ غَيْرِنَا] : أَيْ الشَّافِعِيِّ فَقَطْ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَهُمْ فِرَقٌ خَمْسَةٌ: آلُ عَلِيٍّ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ الْحَارِثِ، وَآلُ الْعَبَّاسِ، وَآلُ عَقِيلٍ، وَهَؤُلَاءِ أَقَلُّ أَفْرَادًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ. قَوْلُهُ: [بِالْمَعْرُوفِ] : أَيْ وَلَوْ اُسْتُغْرِقَ الْجَمِيعُ كَمَا قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ. وَاخْتُلِفَ هَلْ يَبْدَأُ الْإِمَامُ بِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ؟ وَبِهِ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ. أَوْ لَا يُبْدَأُ بِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ؟ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ. قَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرُهَا] : أَيْ مِنْ بَاقِي الْعَشَرَةِ. قَوْلُهُ: [وَالْأَحْوَجُ فَالْأَحْوَجُ] : أَيْ يَنْقُلُ الْإِمَامُ مِمَّنْ فِيهِمْ الْمَالُ لِغَيْرِهِمْ الْأَكْثَرَ

(وَنَظَرَ) الْإِمَامُ أَيْ لَهُ النَّظَرُ بِالْمَصْلَحَةِ (فِي الْأَسْرَى) غَيْرِ النِّسَاءِ بِأَحَدِ أُمُورٍ خَمْسَةٍ: (بِمَنٍّ) أَيْ عِتْقٍ. (أَوْ فِدَاءٍ) بِمَالٍ مِنْهُمْ. (أَوْ) ضَرْبِ (جِزْيَةٍ) (أَوْ قَتْلٍ) . (أَوْ اسْتِرْقَاقٍ) وَيُحْسَبُ غَيْرُ الِاسْتِرْقَاقِ مِنْ الْخُمُسِ. (وَنَفَّلَ) الْإِمَامُ (مِنْ الْخُمُسِ) أَيْ لَهُ ذَلِكَ (لِمَصْلَحَةٍ) كَكَوْنِ الْمُنَفَّلِ شُجَاعًا أَوْ ذَا تَدْبِيرٍ وَرَأْيٍ فِي الْحُرُوبِ، أَوْ خُصُوصِيَّةٍ لَمْ تَكُنْ فِي غَيْرِهِ زِيَادَةً عَلَى مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ. (وَلَا يَجُوزُ) لِلْإِمَامِ (قَبْلَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ) أَنْ يَقُولَ: (مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ) بِفَتْحِ اللَّامِ لِأَنَّهُ يَصْرِفُ نِيَّتَهُمْ لِقِتَالِ الدُّنْيَا، وَلِذَا جَازَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ أَحْوَجَ مِنْهُ قَوْلُهُ: [غَيْرَ النِّسَاءِ] أَيْ الصِّبْيَانِ فَهَذِهِ الْوُجُوهُ بِالنِّسْبَةِ لِلرِّجَالِ الْمُقَاتِلِينَ، وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالذَّرَارِيُّ فَلَيْسَ فِيهِمْ إلَّا الِاسْتِرْقَاقُ وَالْفِدَاءُ. قَوْلُهُ: [وَيُحْسَبُ غَيْرُ الِاسْتِرْقَاقِ مِنْ الْخُمُسِ] : أَيْ فَيَكُونُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ بِخِلَافِ الِاسْتِرْقَاقِ فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ أَخْمَاسًا لِلْمُجَاهِدِينَ وَبَيْتِ الْمَالِ. قَوْلُهُ: [وَنَفَّلَ الْإِمَامُ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ النَّفَلَ مَا يُعْطِيهِ الْإِمَامُ مِنْ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ لِمُسْتَحِقِّهَا لِمَصْلَحَةٍ، وَهُوَ جُزْئِيٌّ وَكُلِّيٌّ، فَالْأَوَّلُ مَا يُعْطِيهِ بِالْفِعْلِ كَأَنْ يَقُولَ خُذْ يَا فُلَانُ هَذَا الدِّينَارَ أَوْ الْبَعِيرَ مَثَلًا، وَالثَّانِي مَا ثَبَتَ بِقَوْلِهِ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» . قَوْلُهُ: [وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ] : أَيْ يُكْرَهُ لَهُ أَوْ يَحْرُمُ، وَظَاهِرُ صَنِيعِ عب اعْتِمَادُ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، لِأَنَّ الْقِتَالَ لِأَجْلِ الْغَنِيمَةِ لَيْسَ حَرَامًا، بَلْ خِلَافُ الْأَكْمَلِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ] : أَيْ مَا يُسْلَبُ مِنْ الْمَقْتُولِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْفِعْلِ الْمَاضِي الْمُسْتَقْبَلُ لِأَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ، فَمَعْنَى مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا مَنْ يَقْتُلُ قَتِيلًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَهُ الْإِمَامُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ فَلَا تَجُوزُ فِيهِ، بَلْ هُوَ مَاضِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، لِأَنَّ الْمَعْنَى مَنْ كَانَ قَتَلَ مِنْكُمْ قَتِيلًا.

(وَ) إنْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ (مَضَى) وَعَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ، (إنْ لَمْ يُبْطِلْهُ قَبْلَ حَوْزِ الْمَغْنَمِ) بِأَنْ لَمْ يُبْطِلْهُ أَصْلًا أَوْ أَبْطَلَهُ بَعْدَ الْحَوْزِ فَإِنْ أَبْطَلَهُ قَبْلَ حَوْزِهِ بَطَلَ وَاعْتُبِرَ إبْطَالُهُ فِيمَا بَعْدَ الْإِبْطَالِ لَا فِيمَا قَبْلَهُ. (وَ) إذَا قُلْنَا بِمُضِيِّهِ أَوْ قَالَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ فَيَكُونُ (لِمُسْلِمٍ فَقَطْ) لَا ذِمِّيٍّ (سَلَبٌ) : وَهُوَ مَا يُسْلَبُ مِنْ الْحَرْبِيِّ الْمَقْتُولِ (اُعْتِيدَ) مِنْ ثِيَابٍ وَفَرَسٍ يَرْكَبُهَا، وَمِنْطَقَةٍ وَسِلَاحٍ وَدِرْعٍ وَسَرْجٍ وَلِجَامٍ، لَا سِوَارٍ وَصَلِيبٍ وَعَيْنٍ وَدَابَّةٍ غَيْرِ مَرْكُوبَةٍ، وَلَا مَمْسُوكَةٍ لَهُ لِلرُّكُوبِ، بَلْ جَنِيبٍ يُقَادُ أَمَامَهُ لِلِافْتِخَارِ، لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ الْمُعْتَادِ وَيَكُونُ لَهُ الْمُعْتَادُ. (وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ) مُنَادَاةَ الْإِمَامِ: " مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ " (أَوْ تَعَدَّدَ) مَقْتُولُهُ فَلَهُ سَلَبُ الْجَمِيعِ (إنْ لَمْ يُعَيِّنْ) الْإِمَامُ (قَاتِلًا) . (وَإِلَّا) : بِأَنْ عَيَّنَ قَاتِلًا كَأَنْ قَالَ: إنْ قَتَلْت يَا فُلَانُ قَتِيلًا فَلَكَ سَلَبُهُ فَقَتَلَ قَتْلَى (فَالْأَوَّلُ) مِنْهُمْ لَهُ سَلَبُهُ دُونَ مَنْ بَعْدَهُ. (وَلَمْ يَكُنْ) السَّلَبُ (لِكَامْرَأَةٍ) عَطْفٌ عَلَى اُعْتِيدَ، فَإِنْ كَانَ لِامْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا فِيمَا قَبْلَهُ] : أَيْ فَمَنْ كَانَ قَتَلَ قَتِيلًا قَبْلَ إبْطَالِ الْإِمَامِ اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ. قَوْلُهُ: [لَا ذِمِّيٍّ] : أَيْ مَا لَمْ يَنْفُذْهُ لَهُ الْإِمَامُ وَإِلَّا فَيَمْضِي، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ. قَوْلُهُ: [اُعْتِيدَ] : أَيْ وُجُودُهُ مَعَ الْمَقْتُولِ، وَيَثْبُتُ كَوْنُهُ قَتِيلًا بِعَدْلَيْنِ إنْ شَرَطَ الْإِمَامُ الْبَيِّنَةَ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ. قَوْلُهُ: [فَالْأَوَّلُ مِنْهُمْ] : أَيْ إنْ عُلِمَ وَإِلَّا فَنِصْفُ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ قَتَلَهُمَا مَعًا، وَقِيلَ لَهُ الْأَقَلُّ فِي الْفَرْعِ الْأَوَّلِ وَالْأَكْثَرُ فِي الثَّانِي، وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ قَوْلِهِ: إنْ قَتَلْت يَا فُلَانُ قَتِيلًا وَبَيْنَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا مُشْكِلٌ، إذْ فِي كِلَيْهِمَا النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ وَهِيَ تَعُمُّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا عَيَّنَ الْإِمَامُ الْفَاعِلَ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا عَلَى اتِّسَاعِ الْعَطَاءِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْعَطَاءُ، وَهُوَ يَتَحَقَّقُ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا، فَإِنَّ الْعُمُومَ يُقَوِّي الْعُمُومَ - كَذَا قَرَّرَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ.

أَوْ شَيْخٍ فَانٍ أَوْ لِرَاهِبٍ مُنْعَزِلٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَلَبُهُمْ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ (إلَّا إنْ قَاتَلَتْ) مُقَاتَلَةَ الرِّجَالِ بِالسِّلَاحِ، أَوْ قَتَلَتْ إنْسَانًا فَيَكُونُ لِقَاتِلِهَا سَلَبُهَا لِجَوَازِ قَتْلِهَا حِينَئِذٍ، وَكَذَا مَنْ ذُكِرَ مَعَهَا الدَّاخِلُ تَحْتَ الْكَافِ. (كَالْإِمَامِ) : لَهُ سَلَبٌ اُعْتِيدَ، وَلَمْ يَكُنْ لِكَامْرَأَةٍ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ، (إنْ لَمْ يَقُلْ) : مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا (مِنْكُمْ) ، وَإِلَّا فَلَا سَلَبَ لَهُ لِأَنَّهُ خَصَّ غَيْرَهُ (وَلَمْ يَخُصَّ نَفْسَهُ) ، بِأَنْ قَالَ: إنْ قَتَلْت أَنَا قَتِيلًا فَلِي سَلَبُهُ فَلَا سَلَبَ لَهُ لِأَنَّهُ حَابَى نَفْسَهُ. (وَقَسَّمَ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ) الْبَاقِيَةَ عَلَى الْجَيْشِ (لِذَكَرٍ) لَا أُنْثَى، (مُسْلِمٍ) لَا ذِمِّيٍّ، (حُرٍّ) لَا رَقِيقٍ، (عَاقِلٍ) لَا مَجْنُونٍ، (حَاضِرٍ) لِلْقِتَالِ لَا غَائِبٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ غِيَابُهُ لِتَعَلُّقِهِ بِأَمْرِ الْجَيْشِ كَمَا يَأْتِي. (كَتَاجِرٍ وَأَجِيرٍ) يُقْسَمُ لَهُمَا (إنْ قَاتَلَا) بِالْفِعْلِ، (أَوْ خَرَجَا) مَعَ الْجَيْشِ (بِنِيَّتِهِ) أَيْ الْقِتَالِ، وَإِلَّا فَلَا يُسْهَمُ لَهُمَا. (وَصَبِيٍّ) يُسْهَمُ لَهُ (إنْ أَطَاقَهُ) أَيْ الْقِتَالَ، (وَأُجِيزَ) أَيْ أَجَازَهُ الْإِمَامُ، (وَقَاتَلَ) بِالْفِعْلِ وَإِلَّا فَلَا. لَكِنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ - وَشَهَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهُ مُطْلَقًا (لَا ضِدَّهُمْ) مِنْ أُنْثَى وَذِمِّيٍّ وَرَقِيقٍ إلَخْ فَلَا يُسْهَمُ لَهُمْ، وَلَوْ قَاتَلُوا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا أُنْثَى] : أَيْ فَلَا يُسْهَمُ لَهَا، وَلَوْ قَاتَلَتْ إلَّا إذَا تَعَيَّنَ الْجِهَادُ عَلَيْهَا بِفَجْءِ الْعَدُوِّ، وَإِلَّا أُسْهِمَ لَهَا كَمَا قَالَ الْجُزُولِيُّ وَمِثْلُهَا الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ. قَوْلُهُ: [حَاضِرٍ لِلْقِتَالِ] : أَيْ وَلَوْ لَمْ يُقَاتِلْ بِالْفِعْلِ. قَوْلُهُ: [إنْ قَاتَلَا بِالْفِعْلِ] : وَقِيلَ يَكْفِي فِي الْإِسْهَامِ لَهُمَا شُهُودُ الْقِتَالِ، وَقِيلَ بِعَدَمِ الْإِسْهَامِ لِلْأَجِيرِ مُطْلَقًا وَلَوْ قَاتَلَ؛ فَفِي الْأَجِيرِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، وَفِي التَّاجِرِ قَوْلَانِ، حَيْثُ كَانَ خُرُوجُهُمَا بِقَصْدِ التِّجَارَةِ وَالْخِدْمَةِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ خُرُوجُهُمَا لِلْغَزْوِ ثُمَّ طَرَأَتْ التِّجَارَةُ وَالْخِدْمَةُ، فَإِنَّهُ يُسْهَمُ لَهُمَا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ: [أَوْ خَرَجَا مَعَ الْجَيْشِ بِنِيَّتِهِ] : ظَاهِرُهُ كَانَتْ نِيَّةُ الْغَزْوِ تَابِعَةً أَوْ مَتْبُوعَةً، وَاَلَّذِي فِي التَّوْضِيحِ اعْتِمَادُ تَوَقُّفِ الْإِسْهَامِ عَلَى كَوْنِهَا غَيْرَ تَابِعَةٍ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُسْهَمُ لَهُمْ وَلَوْ قَاتَلُوا] : الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْجَمَاعَةِ الَّذِينَ شَمَلَهُمْ

(كَمَيِّتٍ قَبْلَ اللِّقَاءِ) مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ فَرَسٍ لَا يُسْهَمُ لَهُ: (وَأَعْمَى وَأَعْرَجَ وَأَشَلَّ وَأَقْطَعَ) لَا يُسْهَمُ لَهُمْ (إلَّا لِتَدْبِيرٍ) وَرَأْيٍ مِنْهُمْ فِي الْحَرْبِ فَيُسْهَمُ لَهُمْ. (وَمُتَخَلِّفٍ) عَنْ الْجَيْشِ (لِحَاجَةٍ) لَا يُسْهَمُ لَهُ (إلَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ) الْحَاجَةُ (بِالْجَيْشِ) مِنْ كَزَادٍ وَمَاءٍ وَمَدَدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (بِخِلَافِ ضَالٍّ) عَنْ الْجَيْشِ فَيُسْهَمُ لَهُ (وَإِنْ) ضَلَّ (بِأَرْضِنَا) خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ. (وَمَرِيضٍ شَهِدَ) الْقِتَالَ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ بِالْفِعْلِ، فَإِنْ مَنَعَهُ مَرَضُهُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَفْظُ الضِّدِّ وَالْمُبَالَغَةُ رَاجِعَةٌ لِغَيْرِ ضِدِّ الْحَاضِرِ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْقِتَالُ مَعَ الْغَيْبَةِ وَرُدَّ بِالْمُبَالَغَةِ عَلَى مَنْ قَالَ بِالْإِسْهَامِ لَهُمْ حِينَئِذٍ، فَالْخِلَافُ مَوْجُودٌ حَتَّى فِي الذِّمِّيِّ إذَا قَاتَلَ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ. تَنْبِيهٌ: كَمَا لَا يُسْهَمُ لِتِلْكَ الْأَضْدَادِ لَا يُرْضَخُ لَهُمْ. وَالرَّضْخُ: مَالٌ مَوْكُولٌ تَقْدِيرُهُ لِلْإِمَامِ مَحَلُّهُ الْخُمُسُ كَالنَّفْلِ. قَوْلُهُ: [كَمَيِّتٍ قَبْلَ اللِّقَاءِ] : أَيْ الْقِتَالِ فَلَا يُسْهَمُ لَهُ وَلَا يُرْضَخُ لَهُ. قَوْلُهُ: [وَأَعْرَجَ] : قَالَ فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ أَيْ رَاكِبًا أَوْ رَاجِلًا، فَيُسْهَمُ لَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ خِلَافًا لِمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ التَّتَّائِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لِلْأَعْرَجِ مُطْلَقًا، وَلَوْ قَاتَلَ. قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ وَيَنْبَغِي جَرَيَانُ الْقَيْدِ فِي الْأَعْمَى أَيْضًا. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ الْحَاجَةُ بِالْجَيْشِ] : أَيْ أَوْ بِأَمِيرِهِ كَتَخَلُّفِهِ لِأَجْلِ تَمْرِيضِ ابْنِ الْأَمِيرِ مَثَلًا لِقَضِيَّةِ «عُثْمَانَ حِينَ أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرُّجُوعِ لِتَجْهِيزِ زَوْجَتِهِ بِنْتِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَأَسْهَمَ لَهُ» . قَوْلُهُ: [وَإِنْ ضَلَّ بِأَرْضِنَا] : وَمِثْلُهُ مَنْ رَدَّتْهُ الرِّيحُ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ، قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ رَدَّتْهُمْ الرِّيحُ لِبَلَدِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يُسْهَمُ لَهُمْ مَعَ أَصْحَابِهِمْ الَّذِينَ وَصَلُوا وَغَنِمُوا، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا: وَلَوْ ضَلَّ رَجُلٌ مِنْ الْعَسْكَرِ فَلَمْ يَرْجِعْ حَتَّى غَنِمُوا فَلَهُ سَهْمُهُ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الَّذِينَ رَدَّتْهُمْ الرِّيحُ (اهـ.) قَوْلُهُ: [وَمَرِيضٍ شَهِدَ الْقِتَالَ] : أَيْ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مَرَضُهُ كَمَا هُوَ السِّيَاقُ سَوَاءٌ

حُضُورِ الْقِتَالِ لَمْ يُسْهَمْ لَهُ. (كَفَرَسٍ رَهِيصٍ) يُسْهَمُ لَهُ، وَالرَّهْصُ، مَرَضٌ بِبَاطِنِ قَدَمِ الْفَرَسِ لِأَنَّهُ بِصِفَةِ الصَّحِيحِ. (وَ) يُسْهَمُ (لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ) وَلِرَاكِبِهِ بِشُرُوطِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ سَهْمٌ وَاحِدٌ، (وَإِنْ لَمْ يُسْهَمْ لِرَاكِبِهِ) لِفَقْدِ شُرُوطِهِ (كَعَبْدٍ) وَذِمِّيٍّ، (وَإِنْ) كَانَ الْقِتَالُ (بِسَفِينَةٍ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْخَيْلِ إرْهَابُ الْعَدُوِّ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَدَرَ الْخُرُوجَ مِنْ السَّفِينَةِ لَقُوتِلَ عَلَيْهَا. (أَوْ) كَانَ الْفَرَسُ (بِرْذَوْنًا) وَهُوَ الْعَظِيمُ الْخِلْقَةِ الْغَلِيظُ الْأَعْضَاءِ، (وَهَجِينًا) وَهُوَ مَا كَانَ أَبُوهُ عَرَبِيًّا وَأُمُّهُ نَبَطِيَّةً أَيْ رَدِيئَةً، وَعَكْسُ الْهَجِينِ - وَهُوَ مَا أُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ وَأَبُوهُ نَبَطِيٌّ - كَذَلِكَ سَهْمَانِ؛ وَيُسَمَّى مُقْرِفًا بِالْفَاءِ اسْمِ فَاعِلٍ مِنْ أَقْرَفَ، (وَصَغِيرًا يَقْدِرُ بِهَا) أَيْ بِالثَّلَاثَةِ (عَلَى الْكَرِّ) عَلَى الْعَدُوِّ (وَالْفَرِّ) مِنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ الْمَرَضُ حَصَلَ بَعْدَ الْإِشْرَافِ عَلَى الْغَنِيمَةِ أَوْ حَصَلَ لَهُ فِي ابْتِدَاءِ الْقِتَالِ، وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى هُزِمَ الْعَدُوُّ، فَفِي الْأُولَى يُسْهَمُ لَهُ اتِّفَاقًا، وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَى الرَّاجِحِ. قَوْلُهُ: [كَفَرَسٍ رَهِيصٍ] : أَيْ وَمِثْلُهُ الْفَرَسُ الْمَرِيضُ إذَا رُجِيَ بُرْؤُهُ يُسْهَمُ لَهُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ، خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ. وَلَوْ لَمْ يَشْهَدْ الْقِتَالَ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا مَنَعَهُ الْمَرَضُ مِنْ الْقِتَالِ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ الْقِتَالُ عَلَيْهِ بِالْفِعْلِ فَإِنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ بِلَا خِلَافٍ. قَوْلُهُ: [وَهَجِينًا] : أَيْ مِنْ الْخَيْلِ لَا الْإِبِلِ إذْ لَا يُسْهَمُ لَهَا وَلَوْ قُوتِلَ عَلَيْهَا بِالْفِعْلِ. تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: إذَا كَانَ الْفَرَسُ مُحْبَسًا فَسَهْمَاهُ لِلْمُقَاتِلِ عَلَيْهِ لَا لِلْمُحْبِسِ، وَلَا فِي مَصَالِحِهِ كَعَلَفٍ وَنَحْوِهِ، وَالْمَغْصُوبُ سَهْمَاهُ لِلْمُقَاتِلِ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مِنْ آحَادِ الْمُجَاهِدِينَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ وَإِلَّا فَسَهْمَاهُ لِرَبِّهِ. الثَّانِي: لَا يُسْهَمُ لِلْفَرَسِ الْأَعْجَفِ وَهُوَ الْهَزِيلُ الَّذِي لَا نَفْعَ بِهِ، وَلَا الْكَبِيرِ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَلَا الْبَغْلِ وَالْفَرَسِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ سَهْمَاهُ لِلْمُقَاتِلِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ حِصَّةِ الشَّرِيكِ كَثُرَتْ أَوْ قَلَّتْ.

(وَ) الْغَازِي (الْمُسْتَنَدُ لِلْجَيْشِ) وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ؛ بِأَنْ كَانَ فِي حَالِ انْفِرَادِهِ عَنْهُ سَائِرًا تَحْتَ ظِلِّهِ وَأَمَانِهِ وَلَا اسْتِقْلَالَ لَهُ بِنَفْسِهِ (كَالْجَيْشِ) فِيمَا غَنِمَهُ فِي انْفِرَادِهِ عَنْهُ، فَيُقْسَمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الْجَيْشِ. كَمَا أَنَّ مَا غَنِمَهُ الْجَيْشُ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُسْتَنَدُ لَهُ إذَا كَانَ الْمُسْتَنَدُ مِمَّنْ يُقْسَمُ. فَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا اخْتَصَّ بِهِ الْجَيْشُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ قُوَّةٌ تُكَافِئُ قُوَّةَ الْجَيْشِ أَوْ تَزِيدُ، فَيُقْسَمُ مَا غَنِمَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَيْشِ نِصْفَيْنِ، ثُمَّ يُخَمِّسُ الْجَيْشُ نَصِيبَهُ مِنْهُ. (وَإِلَّا) يَسْتَنِدْ الْمُنْعَزِلُ لِلْجَيْشِ بِأَنْ كَانَ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ، (فَلَهُ مَا غَنِمَهُ) وَلَا دَخْلَ لِلْجَيْشِ فِيهِ. (وَخَمَّسَ مُسْلِمٌ وَلَوْ عَبْدًا) عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّيْخِ (لَا ذِمِّيٌّ) فَلَا يُخَمَّسُ وَاخْتُصَّ بِجَمِيعِ مَا غَنِمَهُ. (وَالشَّأْنُ) الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ السَّلَفِ (الْقَسْمُ بِبَلَدِهِمْ) لِأَنَّهُ أَسْرٌ لِلْغَانِمِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَيُقْسَمُ مَا غَنِمَهُ بَيْنَهُ] إلَخْ: أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَنَدُ طَائِفَةً قَلِيلَةً. قَوْلُهُ: [وَلَوْ عَبْدًا] : رَدَّ بِ (لَوْ) عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُخَمَّسُ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ إلَّا إذَا كَانَ حُرًّا. وَمَحَلُّ تَخْمِيسِ الْمُسْلِمِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَخَذَهُ عَلَى وَجْهِ التَّلَصُّصِ؛ وَإِلَّا فَلَا تَخْمِيسَ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ [الْقَسْمُ بِبَلَدِهِمْ] وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهُ لِبَلَدِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْغَانِمُونَ جَيْشًا وَأَمِنُوا مِنْ كَرِّ الْعَدُوِّ، فَإِنْ خَافُوا كَرَّ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ أَوْ كَانُوا سَرِيَّةً أَخَّرُوا

[الاسترداد من الغنيمة]

وَأَغْيَظُ لِلْكَافِرِينَ (وَأَخَذَ) شَخْصٌ (مُعَيَّنٌ) أَيْ مَعْرُوفٌ بِعَيْنِهِ حَاضِرٌ - (وَإِنْ) كَانَ (ذِمِّيًّا - مَا عُرِفَ لَهُ) فِي الْغَنِيمَةِ كَفَرَسٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْقَسْمِ (مَجَّانًا) لَا فِي نَظِيرِ شَيْءٍ (وَحُمِلَ لَهُ) إذَا كَانَ غَائِبًا (إنْ كَانَ) حَمْلُهُ (أَحْسَنَ) لَهُ وَإِلَّا بِيعَ لَهُ وَحُمِلَ لَهُ ثَمَنُهُ. (وَحَلَفَ) الْمُعَيَّنُ الَّذِي عُرِفَ لَهُ مَتَاعُهُ سَوَاءٌ كَانَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا (أَنَّهُ) بَاقٍ (عَلَى مِلْكِهِ) لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ بِنَاقِلٍ شَرْعِيٍّ، فَإِنْ حَلَفَ أَخَذَهُ وَإِلَّا كَانَ مِنْ الْغَنِيمَةِ. (وَ) لَوْ قَسَمَ مَا عُرِفَ رَبُّهُ قَبْلَ الْقَسْمِ (لَا يَمْضِي قَسْمَهُ) فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ مَجَّانًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَسْمَ حَتَّى يَعُودُوا لِمَحَلِّ الْأَمْنِ وَلِلْجَيْشِ. [الِاسْتِرْدَاد مِنْ الْغَنِيمَة] قَوْلُهُ: [وَإِلَّا بِيعَ لَهُ] : أَيْ لِأَجْلِ رَبِّهِ فَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ لَا صِلَةَ بِيعَ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُبَاعُ لِمَالِكِهِ، وَلَوْ جُعِلَتْ اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى كَانَ أَوْلَى لِإِفَادَةِ لُزُومِ الْبَيْعِ حَيْثُ حَصَلَ فَلَيْسَ لِرَبِّهِ نَقْضُهُ بَعْدَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [سَوَاءٌ كَانَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا] : تَبِعَ الشَّارِحُ فِي هَذَا التَّعْمِيمِ (عب) التَّابِعُ لِلْبِسَاطِيِّ، قَالَ (بْن) : وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ النَّقْلُ أَنَّ الْغَائِبَ الَّذِي يُحْمَلُ لَهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ لِأَنَّ حَمْلَهُ لَهُ إنَّمَا هُوَ بِرِضَا الْجَيْشِ، بِخِلَافِ الْحَاضِرِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ لِمُنَازَعَةِ الْجَيْشِ لَهُ (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَلَوْ قَسَمَ مَا عُرِفَ رَبُّهُ] إلَخْ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ حَاضِرًا حِينَ الْقَسْمِ كَمَا فَرَضَهُ ابْنُ بَشِيرٍ أَوْ غَائِبًا كَمَا فَرَضَهُ ابْنُ يُونُسَ. قَوْلُهُ: [لَا يَمْضِي قَسْمُهُ] : أَيْ إلَّا لِتَأْوِيلٍ عَلَى الْأَحْسَنِ كَمَا قَالَ خَلِيلٌ، قَالَ الْخَرَشِيُّ: وَإِذَا قَسَمَ الْإِمَامُ مَا تَعَيَّنَ مَالِكُهُ عَلَى الْمُجَاهِدِينَ لَمْ يَمْضِ قَسْمُهُ جَهْلًا أَوْ عَمْدًا، وَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ بِلَا ثَمَنٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ قَسَمَ ذَلِكَ الْمَتَاعَ، مُتَأَوِّلًا بِأَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ: إنَّ الْكَافِرَ يَمْلِكُ مَالَ الْمُسْلِمِ فَيَمْضِي عَلَى صَاحِبِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ إلَّا بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ حَكَمَ بِمَا اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ، فَلَا يُنْتَقَضُ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ (اهـ) . قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ يَمْضِي مُطْلَقًا فَلَا يَأْخُذُهُ رَبُّهُ إلَّا بِالثَّمَنِ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ، قَالَ لِأَنَّهُ حُكْمٌ وَافَقَ اخْتِلَافًا بَيْنَ النَّاسِ، وَقِيلَ:

(وَ) إنْ عُرِفَ مَا لِمُعَيَّنٍ (بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ الْقَسْمِ، أَخَذَهُ رَبُّهُ مِمَّنْ وَقَعَ بِيَدِهِ (بِقِيمَتِهِ) إنْ قُسِمَتْ الْأَعْيَانُ (أَوْ ثَمَنِهِ) الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ إنْ بِيعَ وَقُسِمَتْ الْأَثْمَانُ، (وَ) أَخَذَهُ (بِالْأَوَّلِ) مِنْ الْأَثْمَانِ (إنْ تَعَدَّدَ) الْبَيْعُ. (فَإِنْ جُهِلَ) رَبُّهُ - وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لِمُسْلِمٍ كَمُصْحَفٍ وَكِتَابِ فِقْهٍ أَوْ حَدِيثٍ - (قُسِمَ) ، وَلَا يُوقَفُ حَتَّى يَعْلَمَ رَبَّهُ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ. (وَعَلَى الْآخِذِ) لِشَيْءٍ مِنْ الْمَغَانِمِ فِي سَهْمِهِ - (إنْ عَلِمَ بِرَبِّهِ - تَرْكُ تَصَرُّفٍ) فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ إهْدَاءٍ أَوْ وَطْءٍ إنْ كَانَ جَارِيَةً (لِيُخَيِّرَهُ) : أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَمْضِي مُطْلَقًا وَيَأْخُذُهُ رَبُّهُ بِلَا شَيْءٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ حَبِيبٍ (اهـ) . فَلِذَلِكَ اخْتَارَ شَارِحُنَا هَذَا الْأَخِيرَ. قَوْلُهُ: [وَأَخَذَهُ بِالْأَوَّلِ] إلَخْ: وَالْفَرْقُ عَلَى هَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّفِيعِ يَأْخُذُ بِمَا شَاءَ مِنْ الْأَثْمَانِ: أَنَّهُ هُنَا إذَا امْتَنَعَ مِنْ أَخْذِهِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، فَقَدْ سَلَّمَ صِحَّةَ مِلْكِ آخِذِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَسَقَطَ حَقُّهُ، وَالشَّفِيعُ إذَا سَلَّمَ لِلْأَوَّلِ صَارَا شَرِيكَيْنِ، وَكُلُّ شَرِيكٍ بَاعَ حَظَّهُ فَلِشَرِيكِهِ عَلَيْهِ الشُّفْعَةُ فَلِذَلِكَ يَأْخُذُ بِمَا شَاءَ. قَوْلُهُ: [قُسِمَ] : أَيْ بَيْنَ الْمُجَاهِدِينَ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ الْمَوَّازِ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ مِنْ أَنَّهُ يُوقَفُ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ، فَقَوْلُهُ: وَلَا يُوقَفُ رُدَّ بِهِ عَلَى ابْنِ الْمَوَّازِ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ قِسْمَةِ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ صَاحِبُهُ إذَا كَانَ غَيْرَ لُقَطَةٍ، وَأَمَّا اللُّقَطَةُ تُوجَدُ مَكْتُوبًا عَلَيْهَا فَإِنَّهَا لَا تُقْسَمُ بَلْ تُوقَفُ اتِّفَاقًا، ثُمَّ إنْ عُرِفَ رَبُّهَا حُمِلَتْ لَهُ إنْ كَانَ خَيْرًا وَلَوْ وُجِدَ فِي الْغَنِيمَةِ مُعْتَقٌ لِأَجَلٍ وَمُدَبَّرٌ وَمُكَاتَبٌ عُرِفَ أَنَّهُ لِمُسْلِمٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، بِيعَتْ خِدْمَةُ الْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ، وَخِدْمَةُ الْمُدَبَّرِ وَكِتَابَةُ الْمُكَاتَبِ، ثُمَّ إنْ جَاءَ السَّيِّدُ فَلَهُ الْفِدَاءُ بِالثَّمَنِ، وَلَهُ التَّرْكُ فَيَصِيرُ حَقُّ الْمُشْتَرِي فِي الْخِدْمَةِ وَفِي الْكِتَابَةِ، فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ رُقَّ لَهُ وَإِنْ أَدَّى عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ إنْ عَلِمَ، وَإِلَّا فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا لَوْ وَجَدَ أُمَّ وَلَدٍ لِمُسْلِمٍ جُهِلَ رَبُّهَا فَلَا تُبَاعُ هِيَ وَلَا خِدْمَتُهَا إذْ لَيْسَ لِسَيِّدِهَا فِيهَا إلَّا الِاسْتِمَاعُ، وَيَسِيرُ الْخِدْمَةِ وَهُوَ لَغْوٌ فَيُنْجَزُ عِتْقُهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْعِتْقِ لِأَجَلٍ، وَمَا بَعْدَهُ بِالْبَيِّنَةِ وَكَيْفِيَّتُهَا مَعَ عَدَمِ مَعْرِفَةِ السَّيِّدِ أَنْ تَقُولَ: أَشْهَدَنَا قَوْمٌ يُسَمُّونَهُمْ أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ لِأَجَلٍ مَثَلًا، وَلَمْ نَسْأَلْهُمْ عَنْ اسْمِ سَيِّدِهِ أَوْ سَمَّوْهُ وَنَسَبْنَاهُ

لِيُخَيِّرَ رَبَّهُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِثَمَنِهِ أَوْ قِيمَتِهِ أَوْ بِتَرْكِهِ لَهُ، وَهَذَا فِيمَا عَلِمَ بَعْدَ الْقَسْمِ، وَأَمَّا مَا عَلِمَ بِهِ قَبْلَهُ فَلَا يَمْضِي وَيَأْخُذُهُ رَبُّهُ مَجَّانًا كَمَا تَقَدَّمَ. (فَإِنْ تَصَرَّفَ) بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ. وَإِنْ تَصَرَّفَ (بِكَاسْتِيلَادٍ) أَوْ تَدْبِيرٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ عِتْقٍ لِأَجَلٍ - وَأَوْلَى بِعِتْقٍ نَاجِزٍ - (مَضَى) ، وَلَيْسَ لِرَبِّهِ أَخْذُهُ. (كَالْمُشْتَرِي مِنْ حَرْبِيٍّ) بِدَارِ الْحَرْبِ - وَقَدِمَ بِهِ الْمُشْتَرِي وَعَرَفَ رَبَّهُ - فَعَلَيْهِ تَرْكُ التَّصَرُّفِ حَتَّى يُخْبِرَ رَبَّهُ بِذَلِكَ. فَإِنْ تَصَرَّفَ بِكَاسْتِيلَادٍ مَضَى، وَكَذَا إنْ تَصَرَّفَ بِبَيْعٍ فَإِنَّهُ يَمْضِي بِخِلَافِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْغَنِيمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَحَلُّ مُضِيِّ الِاسْتِيلَادِ وَنَحْوِهِ فِي الْمَأْخُوذِ مِنْ الْغَنِيمَةِ (إنْ لَمْ يَأْخُذْهُ عَلَى أَنْ يُرَدَّ لَهُ) : أَيْ لِرَبِّهِ بِأَنْ أَخَذَهُ نَاوِيًا لِتَمَلُّكِهِ، أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ. فَإِنْ أَخَذَهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّهُ لِرَبِّهِ فَلَا يَمْضِي تَصَرُّفُهُ فِيهِ، وَلِرَبِّهِ رَدُّ عِتْقِهِ وَأَخْذُهُ عَلَى الرَّاجِحِ، وَقِيلَ بِالْمُضِيِّ أَيْضًا. (وَلِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَخْذُ مَا وَهَبُوهُ) : الْحَرْبِيُّونَ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ (بِدَارِهِمْ) فَقَدِمَ بِهِ عَرَفَهُ رَبُّهُ (مَجَّانًا) بِلَا عِوَضٍ، مَعْمُولُ " أَخَذَ " أَيْ يَأْخُذُهُ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَجَّانًا. (وَمَا عَاوَضُوا عَلَيْهِ) : بِأَنْ بَذَلُوهُ عَنَّا بِدَارِهِمْ فِي نَظِيرِ شَيْءٍ يَأْخُذُهُ رَبُّهُ الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ، (بِالْعِوَضِ) أَيْ بِمِثْلِ الَّذِي أَخَذَ بِهِ مُقَوَّمًا أَوْ مِثْلِيًّا، (إنْ لَمْ يُبَعْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQاهـ. مِنْ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَهَذَا فِيمَا عُلِمَ بَعْدَ الْقَسْمِ] : أَيْ عُلِمَ أَنَّهُ مِلْكُ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ بَعْدَ الْقَسْمِ سَوَاءٌ كَانَ حِينَ الْقَسْمِ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهَا سِلْعَةُ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، أَوْ كَانَ يُعْلَمُ أَنَّهَا سِلْعَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَكِنْ لَمْ يُعْلَمْ عَنْهُ إلَّا بَعْدَ الْقَسْمِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْغَنِيمَةِ] إلَخْ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ: أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْمُقَاسِمِ قَدْ أُخِذَ مِنْ الْعَدُوِّ عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، فَكَانَ أَقْوَى فِي رَدِّهِ لِرَبِّهِ، وَالْمُشْتَرِي مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إنَّمَا دَفَعَهُ الْحَرْبِيُّ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ طَوْعًا، وَلَوْ شَاءَ مَا دَفَعَهُ فَهُوَ أَقْوَى فِي إمْضَاءِ مَا فَعَلَ بِهِ. قَوْلُهُ: [بِدَارِهِمْ] : أَيْ وَكَذَا بِدَارِنَا قَبْلَ تَأْمِينِهِمْ، وَأَمَّا مَا بَاعُوهُ أَوْ وَهَبُوهُ بِدَارِنَا بَعْدَ تَأْمِينِهِمْ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَفُوتُ عَلَى رَبِّهِ. قَوْلُهُ: [مُقَوَّمًا أَوْ مِثْلِيًّا] : الَّذِي فِي التَّوْضِيحِ (وح) أَنَّ الْوَاجِبَ مِثْلُ الْعَرْضِ

أَيْ إنْ لَمْ يَبِعْهُ آخِذُهُ مِنْهُمْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. (وَإِلَّا) - بِأَنْ بَاعَهُ - (مَضَى) الْبَيْعُ وَلَيْسَ لِرَبِّهِ كَلَامٌ فِي أَخْذِهِ، (وَ) لَكِنْ (لِرَبِّهِ الثَّمَنُ) الَّذِي بِيعَ بِهِ فِيمَا إذَا وَهَبُوهُ مَجَّانًا (أَوْ الرِّبْحُ) فِي مَسْأَلَةِ الْمُعَارَضَةِ، فَإِذَا اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ بِمِائَةٍ وَبَاعَهُ بِمِائَتَيْنِ أَخَذَ رَبُّهُ مِنْ الْبَائِعِ الْمِائَةَ الَّتِي رَبِحَهَا. وَمَا أَخَذَهُ لُصُوصُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ فَهُوَ لَهُمْ حَلَالٌ وَلَا يُخَمَّسُ عَلَى التَّحْقِيقِ، وَلِرَبِّهِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ إنْ عَرَفَهُ أَخْذُهُ مِنْهُمْ بِقِيمَتِهِ، وَأَمَّا مَا أَخَذَهُ اللُّصُوصُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَيَجِبُ رَدُّهُ عَلَى رَبِّهِ. وَلَوْ فَدَاهُ إنْسَانٌ مِنْهُمْ بِمَالٍ، فَهَلْ يَأْخُذُهُ رَبُّهُ مِنْ الْفَادِي مَجَّانًا - وَيُقَالُ لَهُ: اتَّبِعْ اللِّصَّ - أَوْ بِمَا فَدَاهُ بِهِ؟ الْأَرْجَحُ الثَّانِي. وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَمَا فُدِيَ) بِمَالٍ (مِنْ كَلِصٍّ) مِنْ كُلِّ ظَالِمٍ لَا قُدْرَةَ عَلَى التَّلْخِيص مِنْهُ إلَّا بِمَالٍ يُدْفَعُ لَهُ كَغَاصِبٍ وَسَارِقٍ، وَمَكَّاسٍ وَجُنْدٍ أَخَذَهُ رَبُّهُ مِنْ الْفَادِي (بِالْفِدَاءِ) الَّذِي بَذَلَهُ فِي تَخْلِيصِهِ مِنْ الظَّالِمِ بِشَرْطَيْنِ: أَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (إنْ لَمْ يَأْخُذْهُ) الْفَادِي مِنْ الظَّالِمِ بِالْفِدَاءِ، (لِيَتَمَلَّكَهُ) وَإِلَّا أَخَذَهُ رَبُّهُ مِنْهُ مَجَّانًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مَحَلِّهِ وَلَوْ كَانَ مُقَوَّمًا كَمَنْ اسْتَلَفَ عَرْضًا فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا مِثْلُهُ فِي مَوْضِعِ السَّلَفِ، نَعَمْ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْمِثْلِ فِي مَحَلِّهِ اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ فِي الْعِوَضِ وَلَوْ كَانَ مِثْلِيًّا. قَوْلُهُ: [فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ] : أَيْ مَسْأَلَةِ الْهِبَةِ وَالْمُعَاوَضَةِ. قَوْلُهُ: [أَخَذَهُ مِنْهُمْ بِقِيمَتِهِ] : وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا عُرِفَ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقَسْمِ، أَنَّ الْمَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْغَنِيمَةِ حَاصِلٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِخِلَافِ مَا هُنَا. قَوْلُهُ: [الْأَرْجَحُ الثَّانِي] : أَيْ مِنْ قَوْلَيْنِ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قِيَاسًا عَلَى مَا فُدِيَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ رَبُّهُ مِمَّنْ فَدَاهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ مَعَ كَثْرَةِ اللُّصُوصِ لَسَدَّ هَذَا الْبَابَ مَعَ كَثْرَةِ حَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ ابْنُ نَاجِي وَبِهِ كَانَ يُفْتِي شَيْخُنَا الشَّبِيبِيُّ. قَوْلُهُ: [لِيَمْتَلِكَهُ] : هَذَا الْقَيْدُ لِابْنِ هَارُونَ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الْأُجْرَةِ لِلْفَادِي إنْ كَانَ دَفْعُ الْفِدَاءِ مِنْ عِنْدِهِ لِأَنَّهُ سَلَفٌ وَإِجَارَةٌ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الدَّافِعُ لِلْفِدَاءِ غَيْرَهُ فَفِي جَوَازِ دَفْعِ الْأُجْرَةِ لَهُ نَظَرٌ كَذَا فِي (بْن) . وَانْظُرْ لَوْ تَنَازَعَ رَبُّ الشَّيْءِ وَالْفَادِي فِي نِيَّةِ التَّمَلُّكِ وَعَدَمِهَا، هَلْ الْقَوْلُ لِلْفَادِي بِيَمِينِهِ - لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ

وَإِلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ: (وَلَمْ يُمْكِنْ خَلَاصُهُ) أَيْ تَخْلِيصُهُ مِنْ الظَّالِمِ (إلَّا بِهِ) أَيْ بِالْفِدَاءِ، فَإِنْ أَمْكَنَ خَلَاصُهُ مَجَّانًا أُخِذَ مِنْهُ مَجَّانًا، وَإِنْ أَمْكَنَ بِأَقَلَّ مِمَّا فَدَاهُ أَخَذَهُ رَبُّهُ بِالْأَقَلِّ (وَعَبْدُ الْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ) دُونَ سَيِّدِهِ (حُرٌّ إنْ فَرَّ إلَيْنَا أَوْ بَقِيَ) بِدَارِ الْحَرْبِ (حَتَّى غَنِمَ قَبْلَ إسْلَامِ سَيِّدِهِ) . (وَإِلَّا) بِأَنْ فَرَّ إلَيْنَا بَعْدَ إسْلَامِ سَيِّدِهِ أَوْ لَمْ يَفِرَّ وَأَسْلَمَ سَيِّدُهُ (فَرِقٌّ لَهُ) أَيْ لِسَيِّدِهِ. (وَهَدَمَ السَّبْيُ) مِنَّا لِزَوْجَيْنِ حَرْبِيَّيْنِ (نِكَاحَهُمْ) ، وَجَازَ لِمَنْ سَبَاهَا أَوْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمَغْنَمِ وَطْؤُهَا. (وَعَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةٍ) لِأَنَّهَا أَمَةٌ. (إلَّا أَنْ تُسْبَى وَتُسْلِمَ بَعْدَ إسْلَامِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا مِنْهُ - إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ؟ وَلَوْ تَنَازَعَا فِي قَدْرِ مَا فُدِيَ بِهِ فَهَلْ الْقَوْلُ لِلْفَادِي إنْ أَشْبَهَ؟ كَمَا إذْ تَنَازَعَا فِي أَصْلِ الْفِدَاءِ. قَوْلُهُ: [وَعَبْدُ الْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ] إلَخْ: الْحَاصِلُ: أَنَّ عَبْدَ الْحَرْبِيِّ إذَا فَرَّ إلَيْنَا قَبْلَ إسْلَامِ سَيِّدِهِ كَانَ حُرًّا لِأَنَّهُ غَنِمَ نَفْسَهُ، سَوَاءٌ أَسْلَمَ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِرَارُهُ قَبْلَ نُزُولِ الْجَيْشِ فِي بِلَادِهِمْ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَا وَلَاءَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ لَهُ إنْ أَسْلَمَ، وَكَذَا يَكُونُ حُرًّا إنْ أَسْلَمَ أَوْ بَقِيَ حَتَّى غَنِمَ قَبْلَ إسْلَامِ سَيِّدِهِ. وَأَمَّا إذَا فَرَّ إلَيْنَا بَعْدَ إسْلَامِ سَيِّدِهِ أَوْ مُصَاحِبًا لِإِسْلَامِهِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِرِقِّهِ لِسَيِّدِهِ، إذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ الشَّارِحِ يُسْلِمُ، وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ أَوْ بَقِيَ حَتَّى غَنِمَ. قَوْلُهُ: [وَهَدَمَ السَّبْيُ] إلَخْ: بِالْمُعْجَمَةِ بِمَعْنَى قَطَعَ وَبِالْمُهْمَلَةِ بِمَعْنَى أَسْقَطَ، وَسَوَاءٌ سُبِيَا مَعًا أَوْ مُتَرَتِّبَيْنِ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ تُسْبَى وَتُسْلِمَ] : أَيْ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ أَيْ غَيْرَ مَسْبِيٍّ بِأَنْ جَاءَنَا مُسْلِمًا أَوْ دَخَلَ بِلَادَنَا بِأَمَانٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ، وَأَمَّا لَوْ أَسْلَمَ قَبْلَهَا بَعْدَ سَبْيِهِ ثُمَّ سُبِيَتْ وَأَسْلَمَتْ بَعْدَهُ فَيَنْهَدِمُ نِكَاحُهَا أَيْضًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا إذَا سُبِيَا مَعًا أَوْ مُتَرَتِّبَيْنِ يَنْهَدِمُ نِكَاحُهُمَا سَوَاءٌ حَصَلَ إسْلَامٌ

الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلَيْنِ أَيْ أَنَّهَا إذَا سُبِيَتْ بَعْدَ إسْلَامِ زَوْجِهَا وَأَسْلَمَتْ لَمْ يَنْهَدِمْ نِكَاحُهُمَا، وَتَبْقَى أَمَةً مُسْلِمَةً تَحْتَ حُرٍّ مُسْلِمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَحَدِهِمَا بَيْنَ سَبْيِهِمَا أَوْ حَصَلَ بَعْدَهُمَا، فَالْأَوَّلُ: كَمَا لَوْ سُبِيَ هُوَ وَأَسْلَمَ ثُمَّ سُبِيَتْ هِيَ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَأَسْلَمَتْ، أَوْ بِالْعَكْسِ، وَالثَّانِي: كَمَا لَوْ سُبِيَ أَوَّلًا وَبَقِيَ عَلَى كُفْرِهِ ثُمَّ سُبِيَتْ وَأَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ بِالْعَكْسِ فَيَنْهَدِمُ النِّكَاحُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. قَوْلُهُ: [الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلَيْنِ] : أَيْ لَفْظُ بَعْدَ تَنَازَعَ فِيهِ الْفِعْلَانِ فَهُمَا طَالِبَانِ لَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ أَحَدَهُمَا. قَوْلُهُ: [وَتَبْقَى أَمَةً مُسْلِمَةً تَحْتَ حُرٍّ مُسْلِمٍ] : أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي إقْرَارِهِ عَلَيْهَا مَا اُشْتُرِطَ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ مِنْ عَدَمِ الطُّولِ وَخَوْفِ الْعَنَتِ، لِأَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ فِي الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامُ لَيْسَ كَالِابْتِدَاءِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. خَاتِمَةٌ: الْحَرْبِيُّ الَّذِي أَسْلَمَ وَفَرَّ إلَيْنَا أَوْ بَقِيَ حَتَّى غَزَا الْمُسْلِمُونَ بَلَدَهُ: وَلَدُهُ فَيْءٌ إنْ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ قَبْلَ إسْلَامِ أَبِيهِ وَمَالُهُ وَزَوْجَتُهُ الَّتِي أُسِرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَأَقَرَّ عَلَيْهَا إنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ حَيْضَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا أَوْلَادُ الْكِتَابِيَّةِ وَالْمُسْلِمَةِ إذَا سَبَاهُمَا حَرْبِيٌّ وَأَوْلَدَهُمَا ثُمَّ غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ الْكِتَابِيَّةَ وَالْمُسْلِمَةَ: وَأَوْلَادُهُمَا الصِّغَارُ أَحْرَارٌ تَبَعًا لِأُمِّهِمْ. وَأَمَّا الْكِبَارُ فَرِقٌّ إنْ كَانُوا مِنْ كِتَابِيَّةٍ قَاتَلُونَا أَمْ لَا، وَهَلْ كِبَارُ أَوْلَادِ الْمُسْلِمَةِ كَأَوْلَادِ الْكِتَابِيَّةِ رِقٌّ مُطْلَقًا أَوْ إنْ قَاتَلُونَا؟ قَوْلَانِ. وَأَمَّا وَلَدُ الْأَمَةِ الَّتِي سَبَاهَا الْحَرْبِيُّونَ مِنَّا فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ فَهُوَ لِمَالِكِهَا صِغَارًا أَوْ كِبَارًا مِنْ زَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ.

[فصل في الجزية وبعض أحكامها]

فَصْلٌ فِي الْجِزْيَةِ وَبَعْضِ أَحْكَامِهَا (الْجِزْيَةُ مَالٌ يَضْرِبُهُ) : أَيْ يَجْعَلُهُ (الْإِمَامُ) (عَلَى كَافِرٍ) كِتَابِيٍّ أَوْ مُشْرِكٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَلَوْ قُرَشِيًّا. (ذَكَرٍ حُرٍّ) لَا أُنْثَى وَلَا رَقِيقٍ. (مُكَلَّفٍ) لَا صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْجِزْيَةِ وَبَعْضِ أَحْكَامِهَا] [تَعْرِيف الْجِزْيَةَ] فَصْلٌ: لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى قِتَالِ الْكُفَّارِ أَتْبَعَهُ بِمَا يَنْشَأُ عَنْهُ جِزْيَةٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ، وَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الْجِزْيَةِ لِأَنَّهَا الْأَمْرُ الثَّانِي الْمَانِعُ مِنْ الْقِتَالِ كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ وَدُعُوا لِلْإِسْلَامِ فَالْجِزْيَةِ. وَالْجِزْيَةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ لُغَةً مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُجَازَاةِ لِأَنَّهَا جَزَاءٌ لِكَفِّنَا عَنْهُمْ وَتَمْكِينِهِمْ مِنْ سُكْنَى دَارِنَا، وَقِيلَ: مِنْ جَزَى يَجْزِي إذَا قَضَى قَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي} [البقرة: 48] أَيْ لَا تَقْضِي، وَجَمْعُهَا الْجِزَى بِكَسْرِ الْجِيمِ مِثْلُ لِحْيَةٍ وَلِحًى. وَشُرِعَتْ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ وَقِيلَ التَّاسِعَةُ مِنْ الْهِجْرَةِ. وَاصْطِلَاحًا: مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: " مَالٌ " إلَخْ. قَوْلُهُ: [أَيْ يَجْعَلُهُ الْإِمَامُ] : فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، إلَّا أَنَّهُ إنْ وَقَعَ يُمْنَعُ الْقَتْلُ وَالْأَسْرُ، وَحِينَئِذٍ فَيُرَدُّ لِمَأْمَنِهِ حَتَّى يَعْقِدَهَا مَعَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ قُرَشِيًّا] : أَيْ فَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْهُ عَلَى الرَّاجِحِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ رُشْدٍ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ إجْمَاعًا، إمَّا لِمَكَانَتِهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ لِأَنَّ قُرَيْشًا أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ، فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُمْ كَافِرٌ فَمُرْتَدٌّ، وَإِذَا ثَبَتَتْ الرِّدَّةُ فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ بَلْ يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهَا. قَوْلُهُ: [لَا صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ] : فَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ، أَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ، أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ، أُخِذَتْ مِنْهُمْ وَلَا يُنْتَظَرُ حَوْلٌ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ الْإِفَاقَةِ، وَمَحَلُّ أَخْذِهَا

(قَادِرٍ) عَلَى الْأَدَاءِ لَا فَقِيرٍ. (مُخَالِطٍ) لِأَهْلِ دِينِهِ وَلَوْ مُنْعَزِلًا بِكَنِيسَةٍ، لَا رَاهِبٍ مُنْعَزِلٍ بِدَيْرٍ وَنَحْوِهِ فَلَا تُضْرَبُ عَلَيْهِ. (يَصِحُّ سِبَاؤُهُ) خَرَجَ الْمُرْتَدُّ وَالْمُعَاهَدُ زَمَنَ عَهْدِهِ. (لَمْ يُعْتِقْهُ مُسْلِمٌ) بِأَنْ لَمْ يُعْتِقْهُ أَحَدٌ أَبَدًا أَوْ أَعْتَقَهُ كَافِرٌ. فَإِنْ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ لَمْ تُضْرَبْ عَلَيْهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ سَبْيِهِ، فَلَوْ أَعْتَقَهُ بِبِلَادِ الْحَرْبِ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ لِصِحَّةِ سَبْيِهِ فَالْعِبْرَةُ بِصِحَّةِ السَّبْيِ، فَلَوْ حُذِفَ قَوْلُهُ: [لَمْ يُعْتِقْهُ] إلَخْ مَا ضَرَّ. (لِاسْتِقْرَارِهِ) عِلَّةً لِقَوْلِهِ: يَضْرِبُهُ أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يَسْتَقِرَّ (آمِنًا) عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ (بِغَيْرِ الْحِجَازِ وَالْيَمَنِ) مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ مِنْ الْحِجَازِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُمْ إنْ تَقَدَّمَ لِضَرْبِهَا عَلَى كِبَارِهِمْ الْأَحْرَارِ الذُّكُورِ الْعُقَلَاءِ حَوْلٌ فَأَكْثَرُ، وَتَقَدَّمَ لَهُ هُوَ عِنْدَنَا حَوْلٌ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ مَجْنُونًا. قَوْلُهُ: [قَادِرٍ عَلَى الْأَدَاءِ] : أَيْ وَلَوْ بَعْضًا فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إلَّا مَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْقَيْدُ لَا يُلْتَفَتُ لَهُ إلَّا عِنْدَ الْأَخْذِ لَا عِنْدَ الضَّرْبِ، فَالْأَوْلَى حَذْفُهُ مِنْ هُنَا وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَنَحْوُهُ] : أَيْ كَشَيْخٍ فَانٍ أَوْ زَمِنٍ أَوْ أَعْمَى. وَالْمُرَادُ بِالرَّاهِبِ: الَّذِي لَا رَأْيَ لَهُ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُتْرَكُ وَإِلَّا قُتِلَ وَلَا يَبْقَى؛ فَالرَّاهِبُ لَا تُضْرَبُ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ مُطْلَقًا، بَلْ إمَّا أَنْ يُقْتَلَ إنْ كَانَ لَهُ رَأْيٌ مَعَهُمْ أَوْ يَبْقَى بِغَيْرِ جِزْيَةٍ. قَوْلُهُ: [يَصِحُّ سِبَاؤُهُ] : بِالْمَدِّ أَيْ أَسْرُهُ. قَوْلُهُ: [لِعَدَمِ صِحَّةِ سَبْيِهِ] : هَذَا التَّعْلِيلُ فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ مَتَى نُقِضَ الْعَهْدُ وَقَاتَلْنَا صَحَّ سِبَاؤُهُ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ فَلَوْ حُذِفَ قَوْلُهُ لَمْ يُعْتِقْهُ إلَخْ مَا ضَرَّ لَا يُسَلَّمُ، بَلْ الْحَقُّ مَعَ الْمَتْنِ، وَالْقَيْدُ لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ وَشُرَّاحُهُ، فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يَصِحُّ سِبَاؤُهُ تُضْرَبُ عَلَيْهِ بَلْ تَنْخَرِمُ الْقَاعِدَةُ فِي عَبْدِ الْمُسْلِمِ الْمَعْتُوقِ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ] إلَخْ: مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْجَزْرِ وَهُوَ الْقَطْعُ سُمِّيَتْ بِهِ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ مِنْ وَسَطِهَا إلَى أَجْنَابِهَا بَحْرُ الْقُلْزُمِ مِنْ نَاحِيَةِ الْغَرْبِ، وَبَحْرُ

[قدر الجزية على من فتحت بلاده عنوة]

وَالْيَمَنِ، فَلَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نُؤَمِّنَهُ عَلَى السُّكْنَى فِيهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ» . (وَلَهُمْ الِاجْتِيَازُ) فِيهَا فِي سَفَرِهِمْ لِتِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا، (وَإِقَامَةُ الْأَيَّامِ) كَالثَّلَاثَةِ (لِمَصَالِحِهِمْ) إنْ دَخَلُوهَا لِمَصْلَحَةٍ كَبَيْعِ طَعَامٍ وَنَحْوِهِ (عَلَى الْعَنْوِيِّ) ، مُتَعَلِّقٌ بِ (يَضْرِبُهُ) أَيْ يَجْعَلُ عَلَى الْعَنْوِيِّ: وَهُوَ مَنْ فُتِحَتْ بَلَدُهُ قَهْرًا (أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ) شَرْعِيَّةً إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَارِسٍ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّرْقِ، وَبَحْرُ الْهِنْدِ مِنْ الْجَنُوبِ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: هِيَ مَا بَيْنَ أَقْصَى عَدَنَ إلَى رِيفِ الْعِرَاقِ طُولًا، وَمِنْ جُدَّةَ وَمَا وَالَاهَا مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ إلَى أَطْرَافِ الشَّامِ عَرْضًا. قَوْلُهُ: [وَإِقَامَةُ الْأَيَّامِ كَالثَّلَاثَةِ] : أَيْ فَلَيْسَتْ الثَّلَاثَةُ قَيْدًا، بَلْ الْمَدَارُ عَلَى الْإِقَامَةِ لِلْمَصَالِحِ، وَالْمَمْنُوعُ الْإِقَامَةُ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ لَهُمْ الْمُرُورَ وَلَوْ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ. [قَدْرَ الْجِزْيَةَ عَلَى مِنْ فتحت بِلَاده عِنْوَة] قَوْلُهُ: [مُتَعَلِّقٌ بِيَضْرِبَهُ] : يَلْزَمُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ مُتَّحِدَيْ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بِعَامِلٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: عَلَى كَافِرٍ مُتَعَلِّقٌ بِيَضْرِبُهُ أَيْضًا، فَالْمُنَاسِبُ جَعْلُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ خَبَرًا مُقَدَّمًا، وَأَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ إلَخْ مُبْتَدَأً مُؤَخَّرًا، وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ: كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ: أَنْتَ ذَكَرْت الْمَالَ فَمَا مِقْدَارُهُ، فَقَالَ: عَلَى الْعَنْوِيِّ كَذَا إلَخْ، وَعَلَى الصُّلْحِيِّ مَا شَرَطَهُ: وَالْعَنَوِيُّ مَنْسُوبٌ لِلْعَنْوَةِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَهُوَ الْقَهْرُ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمَالِ الْمَضْرُوبِ، قِيلَ: شَرْطٌ وَقِيلَ: رُكْنٌ، وَمُقْتَضَى الْمُصَنِّفِ الثَّانِي لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الْجِزْيَةِ بِأَنَّهَا مَالٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ أَقَرَّهُمْ بِغَيْرِ مَالٍ أَخْطَأَ، وَيُخَيَّرُونَ بَيْنَ الْجِزْيَةِ وَالرَّدِّ لِمَأْمَنِهِمْ فَعَقْدُ الذِّمَّةِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْمَالِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ قِيلَ إنَّهُ رُكْنٌ أَوْ شَرْطٌ. قَوْلُهُ: [أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ شَرْعِيَّةً] : أَيْ وَهِيَ أَكْبَرُ مِنْ دَنَانِيرِ مِصْرَ، لِأَنَّ الدِّينَارَ

[قدر الجزية على من فتحت بلاده صلحا]

(أَوْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَرِقِ، (كُلَّ سَنَةٍ) مِنْ السِّنِينَ الْقَمَرِيَّةِ (تُؤْخَذُ) مِنْهُ (آخِرَهَا) لَا أَوَّلَهَا. (وَلَا يُزَادُ) أَيْ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ، (وَالْفَقِيرُ) يُضْرَبُ عَلَيْهِ (بِوُسْعِهِ) : أَيْ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ إنْ كَانَ لَهُ طَاقَةٌ، وَإِلَّا سَقَطَتْ عَنْهُ. فَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدُ لَمْ يُحَاسَبْ بِمَا مَضَى لِسُقُوطِهِ عَنْهُ. (وَ) يُضْرَبُ (عَلَى الصُّلْحِيِّ مَا شُرِطَ) عَلَيْهِ (مِمَّا رَضِيَ بِهِ الْإِمَامُ) قَلَّ أَوْ كَثُرَ. (وَإِنْ أَطْلَقَ) الصُّلْحِيَّ فِي صُلْحِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرًا مَعْلُومًا (فَكَالْعَنْوِيِّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّرْعِيَّ إحْدَى وَعِشْرُونَ حَبَّةَ خَرُّوبٍ وَسُبْعُ حَبَّةٍ وَنِصْفُ سُبْعِ حَبَّةٍ، وَأَمَّا الدِّينَارُ الْمِصْرِيُّ فَثَمَانِي عَشْرَةَ حَبَّةً فَتَكُونُ الْأَرْبَعَةُ الدَّنَانِيرُ الشَّرْعِيَّةُ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ مِصْرِيَّةً وَثُلُثَا دِينَارٍ وَسِتَّةَ أَسْبَاعِ حَبَّةِ خَرُّوبٍ، لَكِنَّ الثَّمَانِ عَشْرَةَ خَرُّوبَةً الْآنَ لَمْ تُعْهَدْ إلَّا فِي الْبُنْدُقِيِّ وَالْفُنْدُقْلِيِّ، وَأَمَّا الْمُسَمَّى بِالْمَحْبُوبِ فَهُوَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ خَرُّوبَةً وَنِصْفٌ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا] : أَيْ شَرْعِيَّةً وَهِيَ أَقَلُّ مِنْ دَرَاهِمِ مِصْرَ، لِأَنَّ الدِّرْهَمَ الشَّرْعِيَّ أَرْبَعَ عَشْرَةَ خَرُّوبَةً وَثَمَانِيَةَ أَعْشَارِ خَرُّوبَةٍ وَنِصْفُ عُشْرِ خَرُّوبَةٍ، وَالْمِصْرِيُّ سِتَّ عَشْرَةَ خَرُّوبَةً، فَزِيَادَةُ الْأَرْبَعِينَ الْمِصْرِيَّةِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ الشَّرْعِيَّةِ سِتُّ خَرُّوبَاتٍ. قَوْلُهُ: [مِنْ السِّنِينَ الْقَمَرِيَّةِ] : أَيْ لَا الشَّمْسِيَّةِ لِئَلَّا تَضِيعَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَنَةٌ فِي كُلِّ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً. قَوْلُهُ: [لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ] : أَيْ لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ضَرَبَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا "، وَمَا وَرَدَ مِنْ زِيَادَةِ عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ مَنَعَهُ مَالِكٌ لِكَثْرَةِ الظُّلْمِ الْآنَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ قَوْلُهُ: [وَالْفَقِيرُ يُضْرَبُ عَلَيْهِ بِوُسْعِهِ] : الْمُنَاسِبُ يُؤْخَذُ مِنْهُ بِوُسْعِهِ، وَأَمَّا الضَّرْبُ فَتُضْرَبُ عَلَيْهِ كَامِلَةً كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ وَغَيْرِهَا، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِلْحَاشِيَةِ فَتُضْرَبُ كَامِلَةً فَإِنْ عَجَزَ خُفِّفَ عَنْهُ عِنْدَ الْأَخْذِ. [قَدْرَ الْجِزْيَةَ عَلَى مِنْ فتحت بِلَاده صلحا] قَوْلُهُ: [وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرًا مَعْلُومًا] : أَيْ بِأَنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الْجِزْيَةِ مُبْهَمَةً.

[سقوط الجزية بالإسلام]

أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ عَلَى كُلِّ ذَكَرٍ أَوْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. (مَعَ الْإِهَانَةِ وَالصَّغَارِ) أَيْ الْمَذَلَّةِ حِينَ أَخْذِهَا مِنْهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] وَلَا تُقْبَلُ مِنْ نَائِبٍ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ لِيَذُوقَ الْمَذَلَّةَ بِصَفْعِهِ عَلَى قَفَاهُ، لَعَلَّهُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ ذَلِكَ بِدُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامِ. [سُقُوط الْجِزْيَةَ بالإسلام] (وَسَقَطَتَا) : أَيْ الْجِزْيَةُ الْعَنْوِيَّةُ وَالصُّلْحِيَّةُ (بِالْإِسْلَامِ) وَبِالْمَوْتِ وَلَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِمَامَ تَارَةً يُصَالِحُ عَلَى الْجِزْيَةِ مُبْهَمَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ قَدْرَهَا، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَلْزَمُهُ قَبُولُ جِزْيَةِ الْعَنْوِيِّ إذَا بَذَلُوهَا، وَتَارَةً يَتَرَاضَى مَعَهُمْ عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ فَيَلْزَمُهُمْ مَا تَرَاضَوْا مَعَهُ عَلَيْهِ، وَتَارَةً لَا يَتَرَاضَوْنَ مَعَهُ عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ وَلَا عَلَى جِزْيَةٍ مُبْهَمَةٍ. وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ اُخْتُلِفَ إذَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ الْعَنْوِيَّةَ هَلْ يَلْزَمُهُ قَبُولُهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ مُقَاتَلَتُهُمْ حِينَئِذٍ، أَوْ لَا يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ، وَيَجُوزُ لَهُ مُقَاتَلَتُهُمْ حَتَّى يَرْضَوْنَهُ، قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: لِابْنِ رُشْدٍ وَرَجَّحَهُ بْن، وَالثَّانِي: لِابْنِ حَبِيبٍ وَرَجَّحَهُ الْقَرَافِيُّ. قَوْلُهُ: [وَسَقَطَتَا] إلَخْ: وَفِي سُقُوطِهِمَا بِالتَّرَهُّبِ الطَّارِئِ وَعَدَمِ سُقُوطِهِمَا قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْأَخَوَيْنِ قَالَ ابْنُ شَاسٍ نَقْلًا عَنْ الْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ: وَمَنْ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ جِزْيَةُ سِنِينَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِفِرَارِهِ بِهَا أُخِذَتْ مِنْهُ لِمَا مَضَى، وَإِنْ كَانَ لِعُسْرٍ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ، وَلَا يُطَالَبُ بِهَا بَعْدَ غِنَاهُ. تَنْبِيهٌ: مِمَّا أَسْقَطَهُ مَالِكٌ عَنْهُمْ أَيْضًا أَرْزَاقُ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي قَدَّرَهَا عَلَيْهِمْ الْفَارُوقُ مَعَ الْجِزْيَةِ، وَهِيَ عَلَى مَنْ بِالشَّامِ وَالْحِيرَةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مُدْيَانِ مِنْ الْحِنْطَةِ - تَثْنِيَةُ مُدْيٍ - وَهُوَ مِكْيَالٌ يَسَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَنِصْفًا كَمَا فِي بْن نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ، وَثَلَاثَةُ أَقْسَاطِ زَيْتٍ، وَالْقِسْطُ ثَلَاثَةُ أَرْطَالٍ، وَعَلَى مَنْ بِمِصْرَ كُلَّ شَهْرٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ إرْدَبُّ حِنْطَةٍ، قَالَ مَالِكٌ: وَلَا أَدْرِي كَمْ مِنْ الْوَدَكِ وَالْعَسَلِ وَالْكِسْوَةِ، وَعَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا مِنْ التَّمْرِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَعَ كِسْوَةٍ كَانَ يَكْسُوهَا عُمَرُ لِلنَّاسِ، قَالَ مَالِكٌ: لَا أَدْرِي مَا هِيَ؟ وَإِضَافَةُ الْمُجْتَازِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثًا مِنْ الْأَيَّامِ، وَإِنَّمَا أَسْقَطَهَا مَالِكٌ عَنْهُمْ لِلظُّلْمِ الْحَادِثِ عَلَيْهِمْ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ.

[أرض العنوي والصلحي]

مُتَجَمِّدَةً مِنْ سِنِينَ مَضَتْ، بِخِلَافِ خَرَاجِ الْأَرْضِ الْعَنْوِيَّةِ فَلَا يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ بَلْ هُوَ عَلَى الزَّارِعِ وَلَوْ مُسْلِمًا كَمَا يَأْتِي فِيمَا بَعْدَهُ. (وَالْعَنَوِيُّ حُرٌّ) أَحْرَزَ بِضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ نَفْسَهُ وَمَالَهُ، وَعَلَى قَاتِلِهِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَلَهُ هِبَةُ مَالِهِ، وَالْوَصِيَّةُ بِهِ وَلَوْ بِجَمِيعِهِ. (وَإِنْ مَاتَ أَوْ أَسْلَمَ فَالْأَرْضُ) الْمَوْقُوفَةُ بِالْفَتْحِ (فَقَطْ) دُونَ مَالِهِ (لِلْمُسْلِمِينَ) لَا لِوَارِثَةٍ، يُعْطِيهَا السُّلْطَانُ لِمَنْ يَشَاءُ، وَخَرَاجُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ. (كَمَالِهِ) يَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ (إنْ) مَاتَ، وَ (لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ) فِي دِينِهِمْ وَإِلَّا فَلِوَارِثِهِ هَذَا حُكْمُ أَرْضِ الْعَنْوِيِّ. (وَأَرْضُ الصُّلْحِيِّ لَهُ مِلْكًا) كَمَالِهِ (وَلَوْ أَسْلَمَ، فَإِنْ مَاتَ) كَافِرًا (وَرِثُوهَا) عَلَى حُكْمِ دِينِهِمْ، (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) لَهُ (وَارِثٌ) عِنْدَهُمْ (فَلَهُمْ) وَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ فِيهَا. وَهَذَا (إنْ أُجْمِلَتْ جِزْيَتُهُمْ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْأَرْضِ (وَعَلَى الرِّقَابِ) كَأَنْ يَجْعَلَ الْإِمَامُ عَلَيْهِمْ كُلَّ سَنَةٍ أَلْفَ دِينَارٍ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، عَلَى مَا يَخُصُّ كُلَّ شَخْصٍ وَمَا يَخُصُّ كُلَّ فَدَّانٍ (كَبَقِيَّةِ مَا لَهُمْ) يَكُونُ لِوَارِثِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ تُرِكَ لَهُمْ يَفْعَلُونَ فِيهِ رَأْيَهُمْ، وَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ فِيهِ وَلَهُمْ الْوَصِيَّةُ وَلَوْ بِجَمِيعِ مَالِهِمْ. (وَإِلَّا) تُجْمَلْ عَلَيْهِمَا مَعًا بِأَنْ فُرِّقَتْ عَلَى الرِّقَابِ، كَكُلِّ رَقَبَةٍ كَذَا أُجْمِلَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَعَلَى قَاتِلِهِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ] : أَيْ إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ ذَكَرًا كِتَابِيًّا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِجَمِيعِهِ] : أَيْ إنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ فِي دِينِهِ وَإِلَّا فَوَصِيَّتُهُ فِي الثُّلُثِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي. [أَرْض العنوي وَالصُّلْحِيّ] قَوْلُهُ: [لِلْمُسْلِمِينَ] : أَيْ لِأَنَّهَا صَارَتْ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الْفَتْحِ، وَإِنَّمَا أُقِرَّتْ تَحْتَ يَدِهِ لِأَجْلِ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا إعَانَةً عَلَى الْجِزْيَةِ. قَوْلُهُ: [لَا لِوَارِثِهِ] : أَيْ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ تَقْتَضِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَلِوَارِثِهِ] : أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَالِ الَّذِي اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْفَتْحِ أَوْ قَبْلَهُ كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ حَبِيبٍ. [إذَا لَمْ تجمل الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلهَا] قَوْلُهُ: [وَإِلَّا تُجْمَلْ عَلَيْهِمَا مَعًا] : تَحْتَهُ خَمْسُ صُوَرٍ مَأْخُوذَةٍ مِنْ الشَّارِحِ، فَجُمْلَةُ الصُّوَرِ سِتٌّ بِالصُّورَةِ الَّتِي قَبْلَ إلَّا.

[إحداث الكنائس ورمها]

عَلَى الْأَرْضِ - أَوْ سُكِتَ عَنْهَا أَوْ فُصِّلَتْ عَلَيْهَا أَيْضًا كَكُلِّ فَدَّانٍ كَذَا، أَوْ فُرِّقَتْ عَلَى الْأَرْضِ فَقَطْ سَوَاءٌ أُجْمِلَتْ عَلَى الرِّقَابِ أَوْ سُكِتَ، فَإِنْ مَاتَ مِنْهُمْ شَخْصٌ وَلَا وَارِثَ لَهُ عِنْدَهُمْ (فَلِلْمُسْلِمِينَ) أَرْضُهُ وَمَالُهُ. (وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ حَصَلَ تَفْصِيلٌ وَمَاتَ بِلَا وَارِثٍ (فَوَصِيَّتُهُمْ) إنَّمَا تَنْفُذُ (فِي الثُّلُثِ) فَقَطْ، لِأَنَّ لَنَا فِي مَالِهِمْ حَقًّا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْبَاقِيَ لَنَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أُجْمِلَتْ أَوْ فُرِّقَتْ وَلَهُ وَارِثٌ فَلَا كَلَامَ لَنَا مَعَهُمْ. (وَلَيْسَ لِعَنْوِيٍّ إحْدَاثُ كَنِيسَةٍ) بِبَلَدِ الْعَنْوَةِ، (وَلَا رَمُّ مُنْهَدِمٍ إلَّا إنْ شَرَطَ) الْإِحْدَاثَ عِنْدَ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ، أَيْ إنْ سَأَلَ مِنْ الْإِمَامِ (وَرَضِيَ الْإِمَامُ) بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَقْهُورٌ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ شَرْطٌ. وَهَذَا الَّذِي أَثْبَتْنَاهُ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَأَقَرَّهُ أَبُو الْحَسَنِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا شَرَطَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَى الرَّاجِحِ، فَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ: مَالِكٌ: وَلَيْسَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يُحْدِثُوا بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ كَنَائِسَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ أَمْنٌ أَعْطَوْهُ، ابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُحْدِثُوا الْكَنَائِسَ فِي بِلَادِ الْعَنْوَةِ لِأَنَّهَا فَيْءٌ لَا تُورَثُ عَنْهُمْ، وَإِنْ أَسْلَمُوا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهَا شَيْءٌ (اهـ.) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلِلْمُسْلِمِينَ أَرْضُهُ وَمَالُهُ] : أَيْ فِي الصُّوَرِ الْخَمْسِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ مَا لَوْ أُجْمِلَتْ] : أَيْ عَلَى الْأَرْضِ وَالرِّقَابِ. قَوْلُهُ: [وَلَهُ وَارِثٌ] : قَيَّدَ فِي قَوْلِهِ أَوْ فُرِّقَتْ. [إحْدَاث الْكَنَائِس ورمها] قَوْلُهُ: [بِبَلَدِ الْعَنْوَةِ] : أَيْ الَّتِي أُقِرَّ بِهِ ذَلِكَ الْعَنْوِيُّ، سَوَاءٌ كَانَ بِهِ مُسْلِمُونَ أَمْ لَا. وَمَفْهُومُ إحْدَاثِ أَنَّ الْقَدِيمَ يَبْقَى وَلَوْ بِلَا شَرْطٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَوْ أَكَلَ الْبَحْرُ كَنِيسَتَهُمْ فَهَلْ لَهُمْ أَنْ يَنْقُلُوهَا أَوْ يُفَصَّلُ بَيْنَ كَوْنِهِمْ شَرَطُوا ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ نَقْلًا عَنْ كَبِيرٍ الْخَرَشِيِّ. قَوْلُهُ: [خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ] : أَيْ وَهُوَ الْبِسَاطِيُّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَنْوِيَّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْإِحْدَاثِ فِي بَلَدِ الْعَنْوَةِ، سَوَاءٌ كَانَ أَهْلُهَا كُلُّهُمْ كُفَّارًا، أَوْ سَكَنَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُمْ فِيهَا إلَّا بِاسْتِئْذَانٍ مِنْ الْإِمَامِ وَقْتَ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ، وَكَذَا رَمُّ الْمُنْهَدِمِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.

[ما يمنع منه الذمي وأحكامه]

(وَلِلصُّلْحِيِّ ذَلِكَ) : أَيْ الْإِحْدَاثُ وَالتَّرْمِيمُ فِي أَرْضِهِ مُطْلَقًا شَرَطَ أَوْ لَا (فِي غَيْرِ مَا اخْتَطَّهُ الْمُسْلِمُونَ) كَالْقَاهِرَةِ، فَلَيْسَ لِعَنْوِيٍّ وَلَا صُلْحِيٍّ إحْدَاثُ كَنِيسَةٍ فِيهَا قَطْعًا، وَلَا تَرْمِيمُ مُنْهَدِمٍ فِيمَا أَحْدَثُوهُ بِهَا، بَلْ يَجِبُ هَدْمُهَا (إلَّا لِمَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ) مِنْ الْإِحْدَاثِ فَلَا يُمْنَعُ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، وَمُلُوكُ مِصْرَ لِضَعْفِ إيمَانِهِمْ قَدْ مَكَّنُوهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَالِمٌ عَلَى الْإِنْكَارِ إلَّا بِقَلْبِهِ أَوْ بِلِسَانِهِ لَا بِيَدِهِ. وَزَادَ أُمَرَاءُ الزَّمَانِ أَنْ أَعَزُّوهُمْ، وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ رَفَعُوهُمْ، وَيَا لَيْتَ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَهُمْ كَمِعْشَارِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَتَرَى الْمُسْلِمِينَ كَثِيرًا مَا يَقُولُونَ: لَيْتَ الْأُمَرَاءَ يَضْرِبُونَ عَلَيْنَا الْجِزْيَةَ كَالنَّصَارَى وَالْيَهُودِ، وَيَتْرُكُونَا بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا تَرَكُوهُمْ، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] . (وَمُنِعَ) ذِمِّيٌّ (رُكُوبَ خَيْلٍ وَبِغَالٍ، وَ) رُكُوبَ (سُرُوجٍ) أَيْ عَلَيْهَا (وَبَرَاذِعَ نَفِيسَةٍ) وَلَوْ عَلَى حَمِيرٍ، (وَ) مَشْيٍ فِي (جَادَّةٍ) أَيْ وَسَطِ (طَرِيقٍ) بَلْ يَمْشِي بِجَانِبِهَا (إلَّا لِخُلُوِّهَا) فَيَمْشِي وَسَطَهَا (وَأُلْزِمَ) قَهْرًا عَنْهُ (بِلُبْسٍ يُمَيِّزُهُ) عَنْ الْمُسْلِمِينَ كَزُنَّارٍ وَطُرْطُورٍ وَبُرْنِيطَةٍ وَعِمَامَةٍ زَرْقَاءَ. (وَعُزِّرَ لِإِظْهَارِ السُّكْرِ) التَّعْزِيرَ اللَّائِقَ بِهِ، (وَ) عُزِّرَ لِإِظْهَارِ (مُعْتَقَدِهِ) أَيْ الَّذِي كَفَرَ بِهِ مِمَّا لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، (وَ) عَلَى (بَسْطِ) أَيْ إطْلَاقِ (لِسَانِهِ) بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. (وَأُرِيقَتْ الْخَمْرُ وَكُسِرَ النَّاقُوسُ) إنْ أَظْهَرَهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فِي غَيْرِ مَا اخْتَطَّهُ الْمُسْلِمُونَ] : أَيْ أَنْشَأَهُ الْمُسْلِمُونَ اسْتِقْلَالًا، فَإِنَّ الْقَاهِرَةَ أَنْشَأَهَا الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ الْفَتْحِ بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ، وَمَا قِيلَ فِي الْقَاهِرَةِ يُقَالُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي اخْتَطَّهَا الْمُسْلِمُونَ. [مَا يَمْنَع مِنْهُ الذِّمِّيّ وَأَحْكَامه] قَوْلُهُ: [وَأُرِيقَتْ الْخَمْرُ] : ظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تُكْسَرُ أَوَانِيهَا، وَفِي ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهَا تُكْسَرُ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمَوَّاقُ وَالْبَرْزَلِيُّ وَإِنَّمَا أُرِيقَتْ الْخَمْرُ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ لِأَنَّ النَّفْسَ تَشْتَهِيهَا، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ لَهُ إرَاقَتُهَا وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْحَاكِمِ، وَمِثْلُ إظْهَارِ الْخَمْرِ وَالنَّاقُوسِ حَمْلُهُمَا مِنْ بَلَدٍ لِآخَرَ، فَإِنْ لَمْ يُظْهِرْهُمَا وَأَتْلَفَهُمَا عَلَيْهِ مُسْلِمٌ ضَمِنَ لَهُ قِيمَتَهَا لِتَعَدِّيهِ وَكَذَا يُكْسَرُ صَلِيبُهُ إنْ أَظْهَرهُ.

(وَانْتَقَضَ عَهْدُهُ) فَيَكُونُ هُوَ وَمَالُهُ فَيْئًا (بِقِتَالٍ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ) : أَيْ عَلَى وَجْهٍ يَقْتَضِي الْخُرُوجَ عَلَيْهِمْ. (وَمَنْعِ الْجِزْيَةِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمِنَ فِي نَظِيرِ دَفْعِهَا، (وَتَمَرُّدٍ عَلَى الْأَحْكَامِ) الشَّرْعِيَّةِ بِإِظْهَارِ عَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِهَا. (وَغَصْبِ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ) لَا كَافِرَةٍ وَلَا رَقِيقٍ؛ أَيْ عَلَى أَنْ يَزْنِيَ بِهَا أَوْ زَنَى بِالْفِعْلِ وَإِلَّا لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ (وَغُرُورِهَا) أَيْ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَتَزَوَّجَهَا وَوَطِئَهَا. (وَتَطَلُّعِهِ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ) بِأَنْ يَكُونَ جَاسُوسًا يُطْلِعُ الْحَرْبِيِّينَ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ بِنَفْسِهِ أَوْ رَسُولِهِ أَوْ كِتَابِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْعَوْرَاتِ الْمَحِلَّاتُ الْخَالِيَةُ عَنْ الْحَرَسِ وَالرِّبَاطِ. (وَسَبِّ نَبِيٍّ بِمَا لَمْ يَكْفُرْ بِهِ) : أَيْ بِمَا لَمْ نُقِرَّهُمْ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرِهِمْ لَا بِمَا أُقِرَّ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ] : أَيْ غَيْرِ مُخْتَصٍّ بِوَاحِدٍ. قَوْلُهُ: [وَمَنْعِ الْجِزْيَةِ] : يُقَيَّدُ كَمَا قَالَ الْبَدْرُ بِمَنْعِهَا تَمَرُّدًا وَنَبْذًا لِلْعَهْدِ لَا لِمُجَرَّدِ بُخْلٍ فَيُجْبَرُ عَلَيْهَا وَلَا يُعَدُّ نَاقِضًا. قَوْلُهُ: [وَغَصْبِ حُرَّةٍ] : أَيْ وَأَمَّا زِنَاهُ بِهَا طَائِعَةً فَإِنَّمَا يُوجِبُ تَعْزِيرَهُ وَحُدَّتْ هِيَ. قَوْلُهُ: [لَا كَافِرَةٍ وَلَا رَقِيقٍ] : فَلَوْ زَنَى بِأَمَةٍ مُسْلِمَةٍ أَوْ بِحُرَّةٍ كَافِرَةٍ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا لِعَهْدِهِ وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ. قَوْلُهُ: [وَتَزَوَّجَهَا وَوَطِئَهَا] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ تَزَوَّجَهَا مَعَ عِلْمِهَا بِكُفْرِهِ مِنْ غَيْرِ غُرُورِ فَلَا يَكُونُ نَقْضًا لِعَهْدِهِ وَيُعَزَّرُ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ يَكُونَ جَاسُوسًا] إلَخْ: فَفِي الْمَوَّاقِ عَنْ سَحْنُونَ إنْ وَجَدْنَا فِي أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ ذِمِّيًّا كَاتِبًا لِأَهْلِ الشِّرْكِ بِعَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ قُتِلَ لِيَكُونَ نَكَالًا لِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [وَسَبِّ نَبِيٍّ] : أَيْ مُجْمَعٍ عَلَى نُبُوَّتِهِ عِنْدَنَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ أَنْكَرَهَا الْيَهُودُ كَنُبُوَّةِ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ. وَأَمَّا سَبُّهُ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ عِنْدَنَا كَالْخَضِرِ وَلُقْمَانَ فَلَا يُنْتَقَضُ بِهِ عَهْدُهُ وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ. قَوْلُهُ: [أَيْ بِمَا لَمْ نُقِرَّهُمْ عَلَيْهِ] : مِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِ نَصَارَى مِصْرَ كَمَا

نَحْوِ عِيسَى ابْنُ اللَّهِ، أَوْ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، أَوْ مُحَمَّدٌ لَمْ يُرْسَلْ إلَيْنَا وَإِنَّمَا أُرْسِلَ لِلْعَرَبِ، (كَلَيْسَ) : أَيْ كَقَوْلِهِ لَيْسَ (بِنَبِيٍّ) أَصْلًا (أَوْ لَمْ يُرْسَلْ أَوْ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ قُرْآنٌ أَوْ تَقَوَّلَهُ) مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ. (وَتَعَيَّنَ قَتْلُهُ فِي السَّبِّ) بِمَا لَمْ يُقَرَّ عَلَيْهِ (إنْ لَمْ يُسْلِمْ) ، وَحَكَى بَعْضُهُمْ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا غَصْبُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ وَغُرُورُهَا فَيُخَيَّرُ فِيهِ الْإِمَامُ عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا فِي مَنْعِهِ الْجِزْيَةَ، وَمُقَاتَلَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. (وَإِنْ خَرَجَ لِدَارِ الْحَرْبِ نَاقِضًا) لِلْعَهْدِ (وَأُخِذَ اُسْتُرِقَّ) ، وَرَأَى الْإِمَامُ فِيهِ رَأْيَهُ (إنْ لَمْ يُظْلَمْ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ خُرُوجُهُ لِظُلْمٍ لِحَقِّهِ وَإِلَّا رُدَّ لِجِزْيَتِهِ، وَصُدِّقَ إنْ ادَّعَى الظُّلْمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَكَاهُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: مِسْكِينٌ مُحَمَّدٌ يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ، مَا لَهُ لَمْ يَنْفَعْ نَفْسَهُ حِينَ أَكَلَتْهُ الْكِلَابُ؟ فَأَرْسَلَ لِمَالِكٍ الِاسْتِفْتَاءَ فِيهِ فَقَالَ: أَرَى أَنْ يُضْرَبَ عُنُقُهُ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ اُكْتُبْ وَيُحْرَقُ بِالنَّارِ، فَقَالَ: إنَّهُ لَحَقِيقٌ بِذَلِكَ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَكَتَبْتهَا وَنَفَذَتْ الصَّحِيفَةُ بِذَلِكَ فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ، قَالَ عِيَاضٌ: وَيَجُوزُ إحْرَاقُ السَّابِّ بِالنَّارِ حَيًّا وَمَيِّتًا. قَوْلُهُ: [وَتَعَيَّنَ قَتْلُهُ فِي السَّبِّ] : أَيْ وَيَجُوزُ حَرْقُهُ حَيًّا وَمَيِّتًا كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [فَيُخَيَّرُ فِيهِ الْإِمَامُ عَلَى الْمُخْتَارِ] : وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ قَتْلُهُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ كَالسَّبِّ. تَتْمِيمٌ: لِلْإِمَامِ الْمُهَادَنَةُ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ بِالْمَصْلَحَةِ مُدَّةً بِاجْتِهَادِهِ، وَنُدِبَ أَنْ لَا تُجَاوِزَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ، وَلَا يَجُوزُ شَرْطٌ فَاسِدٌ كَإِبْقَاءِ مُسْلِمٍ عِنْدَهُمْ، أَوْ إخْلَاءِ قَرْيَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ، أَوْ دَفْعِ مَالٍ مَثَلًا لَهُمْ، أَوْ رَدِّ مُسْلِمَةٍ إلَّا لِخَوْفٍ أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخُنْثَى لَيْسَ كَالْأُنْثَى هُنَا لِأَنَّ الشَّأْنَ عَدَمُ وَطْئِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. فَإِنْ عَقَدَ مَعَهُمْ صُلْحًا بِشَرْطٍ ثُمَّ اسْتَشْعَرَ خِيَانَتَهُمْ نَبَذَهُ وَأَنْذَرَهُمْ، وَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ وَأَنْ يَرُدَّ رَهَائِنَ وَلَوْ أَسْلَمُوا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ بَقَاءُ مُسْلِمٍ عِنْدَهُمْ بَلْ يَجِبُ عَلَيْنَا فِدَاؤُهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَكُلِّ أَسِيرٍ بِالْفَيْءِ، ثُمَّ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَالْأَسِيرُ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ إنْ تَعَذَّرَ مَالُ الْمُسْلِمِينَ فَمَالُهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ وَفَدَاهُ إنْسَانٌ مِنْ عِنْدِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَقْصِدْ صَدَقَةً، وَهَلْ بِجَمِيعِ مَا دَفَعَ؟ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. أَوْ بِمَا

[أخذ العشر من الذميين والحربيين]

[أَخَذَ الْعَشْر مِنْ الذِّمِّيِّينَ وَالْحَرْبِيِّينَ] (وَأُخِذَ مِنْ تُجَّارِهِمْ) أَيْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، (وَلَوْ) كَانُوا (أَرِقَّاءَ أَوْ صِبْيَةً عُشْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُمْكِنُ الْخَلَاصُ بِدُونِهِ؟ وَهُوَ الْوَجِيهُ - خِلَافٌ. وَمَحَلُّ رُجُوعِ الْفَادِي عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُفْدَى مَحْرَمًا أَوْ زَوْجًا إنْ عَرَفَهُ أَوْ كَانَ الْمَحْرَمُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ مَا لَمْ يَأْمُرْ الْمَحْرَمُ أَوْ الزَّوْجُ الْفَادِيَ بِالْفِدَاءِ أَوْ يَلْتَزِمُهُ، وَإِلَّا فَيُرْجَعُ بِهِ عَلَيْهِ. وَيُفَضُّ الْفِدَاءُ عَلَى عَدَدِ الْمُفْدَيْنَ إنْ جَهِلَ الْكُفَّارُ قَدْرَ الْأُسَارَى مِنْ غِنًى وَفَقْرٍ وَشَرَفٍ وَوَضَاعَةٍ، فَإِنْ عَلِمُوا قَدْرَهُمْ فُضَّ عَلَى قَدْرِ مَا يُفْدَى بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ عَادَتِهِمْ، وَلَوْ تَنَازَعَ الْأَسِيرُ وَالْفَادِي، فَالْقَوْلُ لِلْأَسِيرِ فِي إنْكَارِ الْفِدَاءِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ قَدْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الْأَسِيرُ بِيَدِ الْفَادِي. وَيَجُوزُ فِدَاءُ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ بِأُسَارَى الْكُفَّارِ الَّذِينَ عِنْدَنَا وَلَوْ كَانُوا شُجْعَانًا إذَا لَمْ يَرْضَوْا إلَّا بِذَلِكَ لِأَنَّ قِتَالَهُمْ لَنَا مُتَرَقَّبٌ، وَخَلَاصُ الْأُسَارَى مُحَقَّقٌ، وَقَيَّدَهُ اللَّخْمِيُّ بِمَا إذَا لَمْ يُخْشَ مِنْهُمْ وَإِلَّا حَرُمَ. وَيَجُوزُ أَيْضًا بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ عَلَى الْأَحْسَنِ، وَصِفَةُ مَا يُفْعَلُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ أَهْلَ الذِّمَّةِ بِدَفْعِ ذَلِكَ لِلْعَدُوِّ وَيُحَاسِبَهُمْ بِقِيمَةِ ذَلِكَ مِمَّا عَلَيْهِمْ مِنْ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ جَازَ شِرَاؤُهُ لِلضَّرُورَةِ. وَلَوْ فَدَى مُسْلِمٌ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِهِ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ اشْتَرَاهُ. وَفِي جَوَازِ فِدَاءِ الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ بِالْخَيْلِ وَآلَةِ الْحَرْبِ قَوْلَانِ: إذَا لَمْ يُخْشَ مِنْ الْفِدَاءِ بِهِمَا الظَّفَرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَإِلَّا مُنِعَ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [وَأُخِذَ مِنْ تُجَّارِهِمْ] إلَخْ: سَبَبُ ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ: وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا عَلَى الْمَجُوسِ فِي نَخِيلِهِمْ وَلَا كُرُومِهِمْ وَلَا زَرْعِهِمْ وَلَا عَلَى مَوَاشِيهِمْ صَدَقَةٌ، لِأَنَّ الصَّدَقَةَ إنَّمَا وُضِعَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ تَطْهِيرًا لَهُمْ وَرَدًّا عَلَى فُقَرَائِهِمْ، وَوُضِعَتْ الْجِزْيَةُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ صَغَارًا لَهُمْ فَهُمْ وَإِنْ كَانُوا بِبَلَدِهِمْ الَّذِي صَالَحُوا عَلَيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ سِوَى الْجِزْيَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، إلَّا أَنْ يَتَّجِرُوا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَيَخْتَلِفُوا فِيهَا. فَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْعُشْرُ فِيمَا يُدِيرُونَ مِنْ التِّجَارَاتِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إنَّمَا وُضِعَتْ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ وَصَالَحُوا عَلَيْهَا عَلَى أَنْ يُقَرُّوا بِبِلَادِهِمْ، وَيُقَاتَلَ عَنْهُمْ عَدُوُّهُمْ. فَمَنْ خَرَجَ مِنْ بِلَادِهِ مِنْهُمْ إلَى غَيْرِهَا يَتَّجِرُ فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ مَنْ تَجَرَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ إلَى الشَّامِ، أَوْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ إلَى الْعِرَاقِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ إلَى الْمَدِينَةِ، أَوْ إلَى الْيَمَنِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْبِلَاد فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ وَلَا صَدَقَةَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمَجُوسِ فِي شَيْءٍ مِنْ مَوَاشِيهِمْ وَلَا ثِمَارِهِمْ وَلَا زُرُوعِهِمْ مَضَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ، وَيُقَرُّونَ عَلَى دِينِهِمْ وَيَكُونُونَ

ثَمَنِ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ (مَا بَاعُوهُ) مِنْ الْعُرُوضِ وَالْأَطْعِمَةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَإِذَا لَمْ يَبِيعُوا شَيْئًا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ شَيْءٌ، وَقِيلَ: يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عُشْرُ مَا جَلَبُوهُ كَالْحَرْبِيِّينَ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ وَلَوْ لَمْ يَبِيعُوهُ (مِمَّا) أَيْ مِنْ عَرَضٍ أَوْ طَعَامٍ (قَدِمُوا بِهِ مِنْ أُفُقٍ) أَيْ قُطْرٍ وَإِقْلِيمٍ (إلَى) أُفُقٍ (آخَرَ) كَمِصْرِ وَالشَّامِ وَالرُّومِ وَالْمَغْرِبِ، فَإِذَا قَدِمَ مِنْ إقْلِيمٍ إلَى إقْلِيمٍ آخَرَ أُخِذَ مِنْهُ مَا ذُكِرَ، وَمَا دَامَ فِي إقْلِيمِهِ كَالْمِصْرِيِّ يَنْتَقِلُ بِتِجَارَتِهِ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّة إلَى الْقَاهِرَةِ مَثَلًا، لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ كَمَا سَيُنَصُّ عَلَيْهِ. (وَ) أُخِذَ مِنْهُمْ (عُشْرُ عَرَضٍ) أَوْ حَيَوَانٍ (اشْتَرَوْهُ) فِي غَيْرِ إقْلِيمِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مِرَارًا إلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِمْ كُلَّمَا اخْتَلَفُوا الْعُشْرُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا صَالَحُوا عَلَيْهِ، وَلَا مِمَّا شُرِطَ لَهُمْ وَهَذَا الَّذِي أَدْرَكْت عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا. قَوْلُهُ: [عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] : أَيْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. قَوْلُهُ: [فَإِذَا لَمْ يَبِيعُوا شَيْئًا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ شَيْءٌ] : أَيْ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي نَظِيرِ النَّفْعِ لَا فِي دُخُولِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُمْ مُكِّنُوا مِنْهَا بِالْجِزْيَةِ. قَوْلُهُ: [مِنْ إقْلِيمٍ إلَى إقْلِيمٍ آخَرَ] : مُرَادُهُ بِالْإِقْلِيمِ الْقُطْرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْأَقَالِيمِ السَّبْعَةِ الَّتِي تَقَدَّمَ بَيَانُهَا بِدَلِيلِ الْأَخْذِ مِمَّنْ أَخَذَ سِلَعًا مِنْ الشَّامِ، وَبَاعَهَا بِمِصْرَ أَوْ عَكْسُهُ، فَالْعِبْرَةُ بِهَا لَا بِالسَّلَاطِينِ إذْ لَا يَجُوزُ تَعَدُّدُ السُّلْطَانِ كَمَا قَالَهُ التَّتَّائِيُّ، وَقِيلَ يَجُوزُ عِنْدَ تَبَاعُدِ الْأَقْطَارِ. قَوْلُهُ: [وَأُخِذَ مِنْهُمْ عُشْرُ عَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ] إلَخْ: اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِ الْعَلَّامَةِ الْعَدَوِيِّ فِي حَاشِيَةِ أَبِي الْحَسَنِ. الْحَاصِلُ أَنَّهُمْ إنْ قَدِمُوا مِنْ أُفُقٍ إلَى أُفُقٍ آخَرَ بِعَرْضٍ وَبَاعُوهُ بِعَيْنٍ أُخِذَ مِنْهُمْ عُشْرُ الثَّمَنِ، وَإِنْ قَدِمُوا بِعَيْنٍ وَاشْتَرَوْا بِهِ عَرْضًا أُخِذَ مِنْهُمْ عُشْرُ الْعَرْضِ عَلَى الْمَشْهُورِ، لَا عُشْرُ قِيمَتِهِ. وَإِنْ قَدِمُوا بِعَرْضٍ وَاشْتَرَوْا بِهِ عَرْضًا آخَرَ فَعَلَيْهِمْ عُشْرُ قِيمَةِ مَا اشْتَرَوْا لَا عُشْرُ عَيْنِ مَا قَدِمُوا بِهِ. وَلَا يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِمْ الْأَخْذُ بِتَكَرُّرِ بَيْعِهِمْ وَشِرَائِهِمْ مَا دَامُوا بِأُفُقٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ بَاعُوا بِأُفُقٍ كَالشَّامِ أَوْ الْعِرَاقِ، وَاشْتَرَوْا بِآخَرَ كَمِصْرِ أُخِذَ مِنْهُمْ عُشْرٌ فِي الْأَوَّلِ وَعُشْرٌ فِي الثَّانِي. كَمَا أَنَّهُ يَتَكَرَّرُ الْأَخْذُ مِنْهُمْ إنْ قَدِمُوا بَعْدَ ذَهَابِهِمْ لِبَلَدِهِمْ، وَلَوْ مِرَارًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ (اهـ) فَإِنَّ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ مُخَالَفَةً لَا تَخْفَى.

(بِعَيْنٍ أَوْ عُرُوضٍ قَدِمُوا بِهَا) مِنْ بِلَادِهِمْ لَا بِثَمَنِ مَا بَاعُوهُ، لِأَنَّهُ قَدْ أُخِذَ مِنْهُمْ عُشْرُهُ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مِمَّا اشْتَرَوْهُ بِالْبَاقِي شَيْءٌ. وَبَالَغَ عَلَى أَخْذِ عُشْرِ الثَّمَنِ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ اخْتَلَفُوا) أَيْ تَرَدَّدُوا إلَى غَيْرِ إقْلِيمِهِمْ (فِي السَّنَةِ مِرَارًا) لِفِعْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ الِانْتِفَاعُ، وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي الْحَوْلِ إلَّا مَرَّةً كَالزَّكَاةِ، وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ: لَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ شَيْءٌ كَالْمُسْلِمِ. وَفَرَّعَ عَلَى مَا قَدَّمَهُ قَوْلَهُ: (فَلَوْ اشْتَرَوْا) سِلَعًا (بِإِقْلِيمٍ) غَيْرِ إقْلِيمِهِمْ (وَبَاعُوا) مَا اشْتَرَوْهُ (بِآخَرَ) أَيْ بِإِقْلِيمٍ آخَرَ كَأَنْ يَشْتَرِيَ مِصْرِيٌّ سِلَعًا فِي الشَّامِ وَيَبِيعَهَا بِالرُّومِ (أُخِذَ مِنْهُمْ) الْعُشْرُ (عِنْدَ كُلٍّ) مِنْ الْإِقْلِيمَيْنِ فَأَكْثَرَ. لَكِنَّ الَّذِي اشْتَرَوْا فِيهِ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِيهِ عُشْرُ السِّلَعِ الْمُشْتَرَاةِ، وَاَلَّذِي بَاعُوا فِيهِ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِيهِ عُشْرُ ثَمَنِ مَا بَاعُوهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (إلَّا) إذَا بَاعُوا أَوْ اشْتَرَوْا (بِإِقْلِيمِهِمْ) وَلَوْ بِانْتِقَالِهِمْ مِنْ بَلَدٍ لِآخَرَ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ وَلَوْ تَبَاعَدَ مَا بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ. ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: " أُخِذَ عُشْرُ ثَمَنِ " إلَخْ قَوْلَهُ (إلَّا) إذَا جَلَبُوا (الطَّعَامَ بِالْحَرَمَيْنِ فَقَطْ) ، أَيْ إلَيْهِمَا وَالْمُرَادُ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَمَا أُلْحِقَ بِهِمَا مِنْ الْبِلَادِ، وَمُرَادُهُ بِالطَّعَامِ كُلُّ مَا يُقْتَاتُ بِهِ أَوْ يَجْرِي مَجْرَاهُ فَيَشْمَلُ جَمِيعَ الْحُبُوبِ وَالزُّيُوتِ وَالْأَدْهَانِ وَمَا أُلْحِقَ بِذَلِكَ كَمِلْحٍ وَبَصَلٍ وَتَابِلٍ، (فَنِصْفُ عُشْرِ ثَمَنِهِ) أَيْ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ. وَإِنَّمَا خُفِّفَ عَنْهُمْ فِي الطَّعَامِ فِي الْبَلَدَيْنِ لِشِدَّةِ حَاجَةِ أَهْلِهِمَا لَهُ فَيَكْثُرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ] إلَخْ: إنَّمَا اسْتَثْنَى ذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ: " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ الْقِبْطِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ نِصْفَ الْعُشْرِ، يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَكْثُرَ الْحَمْلُ إلَى الْمَدِينَةِ ". قَوْلُهُ: [لِشِدَّةِ حَاجَةِ أَهْلِهِمَا] : وَقِيلَ لِفَضْلِهِمَا، وَفِي ابْنِ نَاجِي ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي صَاحِبَ الرِّسَالَةِ أَنَّ قُرَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لَيْسَتْ كَهُمَا وَأَلْحَقَهَا ابْنُ الْجَلَّابِ بِهِمَا (اهـ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: [تَجْرِي فِي الْحَرْبِيِّينَ] : قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَهَلْ الْحَرْبِيُّونَ مِثْلُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَإِنْ نَظَرْنَا إلَى الْعِلَّةِ فَالْعِلَّةُ جَارِيَةٌ فِي الْجَمِيعِ، قَالَ الشَّيْخُ الْعَدَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ أَبِي الْحَسَنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ مِثْلُهُمْ.

جَلْبُهُ إلَيْهِمَا. وَهَذِهِ الْعِلَّةُ كَمَا تَجْرِي فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ تَجْرِي فِي الْحَرْبِيِّينَ إذَا دَخَلُوهُمَا بِأَمَانٍ. (وَأُخِذَ مِنْ تُجَّارِ الْحَرْبِيِّينَ النَّازِلِينَ) عِنْدَنَا (بِأَمَانٍ عُشْرُ مَا قَدِمُوا بِهِ) لِلتِّجَارَةِ مِنْ عُرُوضٍ وَطَعَامٍ بَاعُوا أَوْ لَمْ يَبِيعُوا. وَاَلَّذِي لَهُ الْأَخْذُ مِنْهُمْ عَامِلُ أَوَّلِ قُطْرٍ دَخَلُوهُ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ إذَا انْتَقَلُوا لِآخَرَ مَا دَامُوا فِي بِلَادِنَا حَتَّى يَذْهَبُوا لِبِلَادِهِمْ وَيَنْقَلِبُوا إلَيْنَا مَرَّةً أُخْرَى، لِأَنَّ جَمِيعَ بِلَادِ الْإِسْلَامِ كَالْبَلَدِ الْوَاحِدِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ. وَأَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ فَعِلَّةُ الْأَخْذِ مِنْهُمْ الِانْتِفَاعُ وَهُمْ غَيْرُ مَمْنُوعِينَ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَكُلَّمَا تَكَرَّرَ نَفْعُهُمْ تَكَرَّرَ الْأَخْذُ مِنْهُمْ، (إلَّا لِشَرْطٍ) فَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَا وَقَعَ الِاشْتِرَاطُ عَلَيْهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَلَوْ قَدِمُوا بِعَيْنٍ لِلتِّجَارَةِ أُخِذَ عُشْرُ قِيمَةِ مَا اشْتَرَوْهُ بِهَا، وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ بَيْعِ خَمْرٍ إلَّا إذَا حَمَلُوهُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ فَيُمَكَّنُونَ مِنْ بَيْعِهِ لَهُمْ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ عُشْرُ ثَمَنِ مَا بَاعُوهُ مِنْهُ. (وَلَا يُعَادُ) الْأَخْذُ مِنْهُمْ (إنْ رَحَلُوا) مِنْ أُفُقٍ (لِأُفُقٍ آخَرَ) لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ جَمِيعَ بِلَادِ الْإِسْلَامِ كَالْبَلَدِ الْوَاحِدِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ، فَمَا دَامُوا فِيهَا لَمْ يَتَكَرَّرْ الْأَخْذُ مِنْهُمْ حَتَّى يَذْهَبُوا لِبِلَادِهِمْ، ثُمَّ يَرْجِعُوا بِأَمَانٍ آخَرَ وَلَوْ تَكَرَّرَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا؛ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَرَّةً فَقَطْ فِي الْعَامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ] : أَيْ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْحَرْبِيِّينَ. قَوْلُهُ: [قَلَّ أَوْ كَثُرَ] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ قَبْلَ نُزُولِهِمْ يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَ مَعَهُمْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْعُشْرِ وَإِنْ بِأَضْعَافٍ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ النُّزُولِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ إلَّا الْعُشْرُ كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ الْعَدَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ أَبِي الْحَسَنِ. قَوْلُهُ: [فَيُمَكَّنُونَ مِنْ بَيْعِهِ لَهُمْ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَمُقَابِلُهُ لَا يُمَكَّنُونَ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَكْلِيفِهِمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ أَوْ لَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ. قَوْلُهُ: [وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ] إلَخْ: هَذَا فِي الْحَرْبِيِّينَ. وَمِثْلُهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَهُمْ كَالْمُسْلِمِينَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ.

[أخذ العشر من المسلمين]

(وَالْإِجْمَاعُ عَلَى حُرْمَةِ الْأَخْذِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَ) عَلَى (كُفْرِ مُسْتَحِلِّهِ) لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَلَا يَرُدُّنَا عَلَيْنَا أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ جَوَّزُوا لِلْعَشَّارِ أَخْذَ رُبْعِ الْعُشْرِ كُلَّ عَامٍ مِنْ تُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّا نَقُولُ: كَلَامُهُمْ فِي ذَلِكَ مَحْمُولٌ عِنْدَهُمْ عَلَى الزَّكَاةِ، وَلِذَلِكَ قَالُوا: يَجُوزُ رُبْعُ الْعُشْرِ لَا أَكْثَرُ فِي كُلِّ حَوْلٍ مَا لَمْ يَدَّعِ التَّاجِرُ أَنَّهُ دَفَعَهُ لِفَقِيرٍ أَوْ مِسْكِينٍ، فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ وَأَخَذَهُ الْعَشَّارُ حَسِبَهُ رَبُّ الْمَالِ مِنْ الزَّكَاةِ. وَقَوْلُنَا: " وَالْإِجْمَاعُ " إلَخْ ظَاهِرٌ فِي أَخْذِ الْعُشْرِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ظُلْمًا كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ الْآنَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [أَخَذَ الْعَشْر مِنْ الْمُسْلِمِينَ] قَوْلُهُ: [وَعَلَى كُفْرِ مُسْتَحِلِّهِ] : أَيْ وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ جُمْلَةُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْمَكَّاسِ. مِنْهَا: «إذَا رَأَيْتُمْ مَكَّاسًا فَاقْتُلُوهُ» وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: [حَسِبَهُ رَبُّ الْمَالِ إلَخْ] : أَيْ عَلَى قَاعِدَةِ مَذْهَبِهِمْ.

[باب المسابقة]

بَابُ الْمُسَابَقَةِ (الْمُسَابَقَةُ) : مُفَاعَلَةٌ: مِنْ السَّبْقِ بِسُكُونِ الْبَاءِ مَصْدَرُ سَبَقَ إذَا تَقَدَّمَ، وَبِفَتْحِهَا: الْجُعْلُ الَّذِي يُجْعَلُ بَيْنَ أَهْلِ السِّبَاقِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا الْمَنْعُ لِمَا فِيهَا مِنْ اللَّعِبِ وَالْقِمَارِ - بِكَسْرِ الْقَافِ وَهِيَ الْمُغَالَبَةُ وَالتَّحَيُّلُ عَلَى أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَلِحُصُولِ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ لِشَخْصٍ لِأَنَّ السَّابِقَ هُوَ الَّذِي قَدْ يَأْخُذُ الْجُعْلَ. وَلَكِنْ أَجَازَهَا الشَّارِعُ لِلتَّدْرِيبِ عَلَى الْجِهَادِ وَمَنْعِ الصَّائِلِ، فَلَوْ كَانَتْ لِمُجَرَّدِ اللَّهْوِ لَمْ تَجُزْ. (جَائِزَةٌ بِجُعْلٍ) فِي أَرْبَعَةِ أُمُورٍ: (فِي الْخَيْلِ) مِنْ الْجَانِبَيْنِ. (وَ) فِي (الْإِبِلِ) كَذَلِكَ. (وَبَيْنَهُمَا) خَيْلٌ مِنْ جَانِبٍ وَإِبِلٌ مِنْ جَانِبٍ. (وَفِي السَّهْمِ) لِإِصَابَةِ الْغَرَضِ أَوْ بُعْدُ الرَّمْيَةِ وَبَيَّنَ شُرُوطَ جَوَازِهَا بِالْجُعْلِ بِقَوْلِهِ: (إنْ صَحَّ بَيْعُهُ) : أَيْ بَيْعُ الْجُعْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْمُسَابَقَةِ] [تَعْرِيف الْمُسَابَقَةِ] بَابٌ: لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى أَحْكَامِ الْجِهَادِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا يَتَقَوَّى بِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُسَابَقَةُ. قَوْلُهُ: [مِنْ السَّبْقِ] : أَيْ فَهِيَ لُغَةً مُشْتَقَّةٌ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَبِفَتْحِهَا الْجُعْلُ] : أَيْ الْمَالُ الَّذِي يُوضَعُ وَيُهَيَّأُ لِلسَّابِقِ لِيَأْخُذَهُ. قَوْلُهُ: [وَالْأَصْلُ فِيهَا الْمَنْعُ] : وَلِذَلِكَ قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَالْمُسَابَقَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ ثَلَاثِ قَوَاعِدَ: الْقِمَارُ بِكَسْرِ الْقَافِ، وَتَعْذِيبُ الْحَيَوَانِ بِغَيْرِ مَأْكَلَةٍ، وَحُصُولُ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ (اهـ) . قَوْلُهُ: [جَائِزَةٌ بِجُعْلٍ] : أَيْ وَمِنْ بَابٍ أَوْلَى بِغَيْرِهِ فِي تِلْكَ الْأُمُورِ. قَوْلُهُ: [فِي الْخَيْلِ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا غَيْرُ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ كَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ

بِأَنْ كَانَ طَاهِرًا مَعْلُومًا مُنْتَفَعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ لَا بِنَجِسٍ وَلَا بِمَجْهُولٍ، وَلَا خَمْرٍ وَلَا خِنْزِيرٍ وَلَا بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ كَجِلْدِ أُضْحِيَّةٍ. (وَ) إنْ (عُيِّنَ الْمَبْدَأُ) فِي الْمُسَابَقَةِ بِالْحَيَوَانِ أَوْ بِالسَّهْمِ. (وَالْغَايَةُ) الَّتِي يُنْتَهَى إلَيْهَا. (وَالْمَرْكَبُ) أَيْ مَا يُرْكَبُ مِنْ خَيْلٍ أَوْ إبِلٍ كَهَذَا الْفَرَسِ وَهَذَا الْبَعِيرِ. (وَ) عُيِّنَ (الرَّامِي) فِي الرَّمْيِ كَزَيْدٍ أَوْ هَذَا الرَّجُلِ. (وَ) عُيِّنَ (عَدَدُ الْإِصَابَةِ) بِمَرَّةٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ. (وَ) عُيِّنَ (نَوْعُهَا) أَيْ الْإِصَابَةِ مِنْ خَزْقٍ بِخَاءٍ وَزَايٍ مُعْجَمَتَيْنِ: وَهُوَ ثَقْبُ الْغَرَضِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ السَّهْمُ فِيهِ، وَخَسْقٍ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ وَقَافٍ: وَهُوَ ثَقْبُهُ وَسُكُونُ السَّهْمِ فِيهِ، وَخَرْمٍ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَسُكُونِ الرَّاءِ: وَهُوَ إصَابَةُ طَرَفِ الْغَرَضِ فَيَخْدِشُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَجُوزُ بِالْجُعْلِ، وَأَمَّا بِغَيْرِهِ فَتَجُوزُ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَلَا بِمَجْهُولٍ] : أَيْ كَاَلَّذِي فِي الْجَيْبِ أَوْ الصُّنْدُوقِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ قَدْرُهُ أَوْ جِنْسُهُ، فَلَوْ وَقَعَتْ الْمُسَابَقَةُ بِمَمْنُوعٍ مِمَّا ذُكِرَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهَا، لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ الْجَاعِلُ بِشَيْءٍ حَتَّى يُقَالَ عَلَيْهِ جَعْلُ الْمِثْلِ خِلَافًا لِلْبَدْرِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ عُيِّنَ الْمَبْدَأُ] : قَدَّرَ الشَّارِحُ إنْ لِكَوْنِهِ مَعْطُوفًا عَلَى صَحَّ وَهُوَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ التَّعْيِينُ مِنْهُمَا بِتَصْرِيحٍ أَوْ بِعَادَةٍ، وَالْمُرَادُ بِالْمَبْدَأِ الْمَحَلُّ الَّذِي يُبْدَأُ مِنْهُ مِنْ رِمَاحَةٍ أَوْ رَمْيٍ بِالسَّهْمِ وَالْمُرَادُ بِالْغَايَةِ الْمَحَلُّ الَّذِي يُنْتَهَى إلَيْهِ، وَلَا تُشْتَرَطُ الْمُسَاوَاةُ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: [كَهَذَا الْفَرَسِ] : أَيْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ بِالْإِشَارَةِ الْحِسِّيَّةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا، بِأَنْ يَقُولَ: أُسَابِقُك عَلَى فَرَسِي هَذِهِ أَوْ بَعِيرِي هَذَا، وَأَنْتَ عَلَى فَرَسِك هَذِهِ أَوْ بَعِيرِك هَذَا، أَوْ فَرَسِك وَفَرَسِي وَكَانَا مَعْهُودَيْنِ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَكْتَفِي بِالتَّعْيِينِ بِالْوَصْفِ كَأُسَابِقُك عَلَى فَرَسٍ أَوْ بَعِيرٍ صِفَتُهُ كَذَا، وَهَذَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ: مِنْ شُرُوطِ السَّبْقِ مَعْرِفَةُ أَعْيَانِ السِّبَاقِ (اهـ) . وَلَا بُدَّ أَنْ لَا يُقْطَعَ بِسَبْقِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، فَيُشْتَرَطُ جَهْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَسَابِقَيْنِ سَبْقَ فَرَسِهِ. قَوْلُهُ: [وَعُيِّنَ الرَّامِي] : أَيْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ شَخْصِهِ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو،

[المسابقة بالجعل]

(وَلَزِمَتْ) الْمُسَابَقَةُ (بِالْعَقْدِ) كَالْإِجَارَةِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا حَلُّهَا إلَّا بِرِضَاهُمَا مَعًا. (وَأَخْرَجَهُ) عَطْفٌ عَلَى صَحَّ: أَيْ إنْ صَحَّ بَيْعُهُ وَإِنْ أَخْرَجَهُ أَيْ الْجُعْلَ (مُتَبَرِّعٌ) بِهِ غَيْرُ الْمُتَسَابِقَيْنِ، (لِيَأْخُذَهُ السَّابِقُ أَوْ أَخْرَجَهُ أَحَدُهُمَا) : أَيْ الْمُتَسَابِقَيْنِ (فَإِنْ سَبَقَهُ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ إنْ سَبَقَهُ (غَيْرُهُ أَخَذَهُ) ذَلِكَ الْغَيْرُ (وَإِلَّا) يَسْبِقْهُ غَيْرُهُ، (فَلِمَنْ حَضَرَ) وَلَا يَرْجِعُ لِرَبِّهِ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْعَقْدِ، بَلْ إنْ سَكَتَا صَحَّ الْعَقْدُ وَحُمِلَ عَلَى مَا ذُكِرَ، بِخِلَافِ لَوْ اشْتَرَطَ مَخْرَجَهُ أَنَّهُ إنْ سَبَقَ عَادَ إلَيْهِ فَفَاسِدٌ. (لَا) تَصِحُّ (إنْ أَخْرَجَا) أَيْ أَخْرَجَ كُلٌّ مِنْهُمَا جُعْلًا (لِيَأْخُذَهُ السَّابِقُ) مِنْهُمَا، لِأَنَّهُ مِنْ الْقِمَارِ الْمَحْضِ، وَهُوَ لِرَبِّهِ سَبَقَ أَوْ لَمْ يَسْبِقْ. وَبَالَغَ عَلَى الْمَنْعِ بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ) وَقَعَ ذَلِكَ (بِمُحَلِّلٍ) : أَيْ مَعَ ثَالِثٍ لَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا إنْ (أَمْكَنَ سَبْقُهُ) لِقُوَّةِ فَرَسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ سَبَقَ أَخَذَ الْجُعْلَيْنِ مَعًا، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا أَخَذَهُمَا مَعًا. وَعِلَّةُ الْمَنْعِ جَوَازُ رُجُوعِ الْجُعْلِ لِمُخْرِجِهِ. وَأَوْلَى فِي الْمَنْعِ إنْ قَطَعَ بِعَدَمِ سَبْقِ الْمُحَلِّلِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْعَدَمِ. وَسُمِّيَ مُحَلِّلًا مَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى مُسَابَقَةِ شَخْصَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لَمْ يَجُزْ. [الْمُسَابَقَةِ بالجعل] قَوْلُهُ: [كَالْإِجَارَةِ] : أَيْ فِي غَيْرِ الْمُتَسَابِقَيْنِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنْ فِيهِ تَشْبِيهَ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، لِأَنَّ عَقْدَ الْمُسَابَقَةِ مِنْ الْإِجَارَةِ أَوْ أَنَّهُ مِنْ تَشْبِيهِ الْجُزْئِيِّ بِالْكُلِّيِّ. قَوْلُهُ: [غَيْرُ الْمُتَسَابِقَيْنِ] : هَذِهِ جَائِزَةٌ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَهِيَ إخْرَاجُ أَحَدِ الْمُتَسَابِقَيْنِ فَعَلَى الْمَشْهُورِ. قَوْلُهُ: [لِيَأْخُذَهُ السَّابِقُ مِنْهُمَا] : أَيْ لِيَأْخُذَ السَّابِقُ الْجُعْلَ الَّذِي أَخْرَجَهُ غَيْرُهُ مَعَ بَقَاءِ جُعْلِهِ لَهُ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ مِنْ الْقِمَارِ الْمَحْضِ] : أَيْ الْخَالِصِ الَّذِي لَا رُخْصَةَ فِيهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ حَدِّ الرُّخْصَةِ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ لِرَبِّهِ] : أَيْ وَجُعْلُ كُلٍّ لِرَبِّهِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ بِمُحَلِّلٍ] : رَدَّ بِلَوْ عَلَى مَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ مَعَ الْمُحَلِّلِ وَهُوَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَقَالَ بِهِ مَالِكٌ مَرَّةً. وَوَجْهُهُ: أَنَّهُمَا مَعَ الْمُحَلِّلِ صَارَا كَاثْنَيْنِ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ.

[ما يجوز في المسابقة]

أَنَّهُ لَا تَحْلِيلَ بِهِ نَظَرًا لِمَنْ يَرَى الْجَوَازَ بِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ مُحَلِّلٌ حَقِيقَةً. (وَإِنْ عَرَضَ لِلسَّهْمِ عَارِضٌ) فِي ذَهَابِهِ عَطَّلَ سَيْرَهُ، (أَوْ انْكَسَرَ) السَّهْمُ، (أَوْ) عَرَضَ (لِلْفَرَسِ ضَرْبٌ بِوَجْهٍ) مَثَلًا (فَعَاقَهُ، أَوْ) عَرَضَ لِصَاحِبِهِ (نَزْعُ سَوْطِهِ) مِنْ يَدِهِ فَقَلَّ جَرْيُ الْفَرَسِ أَوْ الْبَعِيرِ (لَمْ يَكُنْ مَسْبُوقًا) لِعُذْرِهِ بِمَا ذُكِرَ. (بِخِلَافِ ضَيَاعِهِ) أَيْ السَّوْطِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِسَبَبِهِ مَسْبُوقًا لِتَفْرِيطِهِ، (أَوْ قَطْعِ لِجَامٍ أَوْ حَرْنِ الْفَرَسِ) فَإِنَّهُ يُعَدُّ مَسْبُوقًا. (وَجَازَتْ) الْمُسَابَقَةُ (بِغَيْرِهِ) أَيْ بِغَيْرِ الْجُعْلِ، بِأَنْ تَكُونَ مَجَّانًا (مُطْلَقًا) فِي الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَغَيْرِهَا كَالْجَرْيِ عَلَى الْأَقْدَامِ وَبِالسُّفُنِ وَالْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ، وَالرَّمْيِ بِالْأَحْجَارِ وَالْجَرِيدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُتَدَرَّبُ بِهِ عَلَى قِتَالِ الْعَدُوِّ (إنْ صَحَّ الْقَصْدُ) بِأَنْ وَافَقَ الشَّرْعَ. فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ بِأَنْ كَانَ لِمُجَرَّدِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ كَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْفُسُوقِ لَمْ تَجُزْ، وَلَا سِيَّمَا إنْ حَصَلَ بِلَعِبِهِمْ الْإِيذَاءُ بِضَرْبٍ وَغَيْرِهِ. [مَا يَجُوز فِي المسابقة] (وَ) جَازَ (عِنْدَ الرَّمْيِ افْتِخَارٌ) : أَيْ ذِكْرُ الْمَفَاخِرِ بِالِانْتِسَابِ إلَى أَبٍ أَوْ قَبِيلَةٍ. (وَ) جَازَ (رَجَزٌ) أَيْ ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ الشِّعْرِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الِافْتِخَارِ (وَتَسْمِيَةُ نَفْسِهِ) كَأَنَا فُلَانٌ أَوْ أَبُو فُلَانٍ، (وَصِيَاحٌ) بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [نَظَرًا لِمَنْ يَرَى الْجَوَازَ بِهِ] : أَيْ وَهُوَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكٌ كَمَا تَقَدَّمَ. [إذَا عَرَضَ لِلسَّهْمِ أَوْ الفارس عارض فِي ذَهَابه] قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ ضَيَاعِهِ] : أَيْ كَمَا لَوْ نَسِيَهُ قَبْلَ رُكُوبِهِ أَوْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ وَهُوَ رَاكِبٌ قَوْلُهُ: [لَمْ يَجُزْ] : أَيْ يَحْرُمُ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَقَدْ حَكَى الزَّنَاتِيُّ قَوْلَيْنِ بِالْكَرَاهَةِ وَالْحُرْمَةِ فِيمَنْ تَطَوَّعَ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ لِلْمُتَصَارِعَيْنِ أَوْ الْمُتَسَابِقَيْنِ عَلَى أَرْجُلِهِمَا أَوْ عَلَى حِمَارَيْهِمَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصُّ السُّنَّةِ. [المسابقة بِغَيْرِ الجعل] قَوْلُهُ: [وَجَازَ عِنْدَ الرَّمْيِ افْتِخَارٌ] : أَيْ بِالْقَوْلِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ أَوْ بِالْفِعْلِ كَمَا وَرَدَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَخْتَالُ فِي مَشَيْته بَيْنَ الصُّفُوفِ، فَقَالَ إنَّهَا لَمِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ إلَّا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَكَانِ» ، أَوْ مَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ.

[باب في النكاح وذكر مهمات مسائله وما يتعلق به]

(كَالْحَرْبِ) أَيْ كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي حَالِ الْحَرْبِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ (وَالْأَحَبُّ) مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ (ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى) مِنْ تَسْبِيحٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَهْلِيلٍ، وَنَحْوُ يَا دَائِمُ يَا وَاحِدُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10] . وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مَسَائِلِ الْجِهَادِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ] : أَيْ لِوُرُودِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَحَيْثُ قَالَ: «أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبَ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ» . [بَابٌ فِي النِّكَاحِ وَذِكْرُ مُهِمَّاتِ مَسَائِلِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ] [حُكْم النِّكَاحُ وَتَعْرِيفه وَأَرْكَانُهُ] قَوْلُهُ: [انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى النِّكَاحِ] : أَيْ لِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ لَوَازِمِهِ الْجَهْدُ وَالْمَشَقَّةُ الَّتِي هِيَ مَعْنَى الْجِهَادِ لُغَةً، لِخَبَرِ: «إنَّ مِنْ الذُّنُوبِ ذُنُوبًا لَا يُكَفِّرُهَا صَلَاةٌ وَلَا صَوْمٌ وَلَا جِهَادٌ إلَّا السَّعْيُ عَلَى الْعِيَالِ» ، أَوْ كَمَا قَالَ، وَقَدْ أَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ هُنَا فَصْلَ الْخَصَائِصِ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَحْكَامِهَا قَدْ انْقَضَى بِوَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

بَابٌ فِي النِّكَاحِ وَذِكْرُ مُهِمَّاتِ مَسَائِلِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ طَلَاقٍ وَظِهَارٍ وَلِعَانٍ وَنَفَقَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ بَابٌ مُهِمٌّ يَنْبَغِي زِيَادَةُ الِاعْتِنَاءِ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابٌ: قَوْلُهُ: [وَغَيْرِ ذَلِكَ] : أَيْ كَالرَّجْعَةِ وَالْإِيلَاءِ وَالْعِدَّةِ وَالرَّضَاعِ وَالْحَضَانَةِ.

وَالْأَصْلُ فِيهِ النَّدْبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْأَصْلُ فِيهِ النَّدْبُ] : أَيْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَنَاكَحُوا تَنَاسَلُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ

لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنَاسُلِ وَبَقَاءِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ، وَكَفِّ النَّفْسِ عَنْ الزِّنَا الَّذِي هُوَ مِنْ الْمُوبِقَاتِ وَلِذَا قَالَ: (نُدِبَ النِّكَاحُ) وَقَدْ يَجِبُ إنْ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الزِّنَا، وَقَدْ يَحْرُمُ إنْ لَمْ يَخْشَ الزِّنَا وَأَدَّى إلَى حَرَامٍ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ إضْرَارٍ أَوْ إلَى تَرْكِ وَاجِبٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنَاسُلِ] إلَخْ: بَيَانٌ لِحِكْمَتِهِ. قَوْلُهُ: [وَقَدْ يَجِبُ إنْ خَشِيَ] إلَخْ: أَيْ وَإِنْ أَدَّى إلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مِنْ حَرَامٍ أَوْ أَذًى إلَى عَدَمِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا. وَالظَّاهِرُ - كَمَا قَالَهُ الْخَرَشِيُّ - وُجُوبُ إعْلَامِهَا بِذَلِكَ، وَلَكِنْ اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْخَائِفَ مِنْ الزِّنَا مُكَلَّفٌ بِتَرْكِ الزِّنَا، لِأَنَّهُ فِي طَوْقِهِ كَمَا أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِتَرْكِ التَّزَوُّجِ الْحَرَامِ، فَلَا يَفْعَلُ مُحَرَّمًا لِدَفْعِ مُحَرَّمٍ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إذَا خَافَ الزِّنَا وَجَبَ النِّكَاحُ، وَلَوْ أَدَّى الْإِنْفَاقَ مِنْ حَرَامٍ، وَقَدْ يُقَالُ إذَا اسْتَحْكَمَ الْأَمْرُ فَالْقَاعِدَةُ ارْتِكَابُ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا لَمْ تَجِدْ مَا يَسُدُّ رَمَقَهَا إلَّا بِالزِّنَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهَا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [أَوْ إلَى تَرْكِ وَاجِبٍ] : أَيْ كَتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ أَوْقَاتِهَا لِاشْتِغَالِهِ بِتَحْصِيلِ نَفَقَتِهَا. وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَقَامِ أَنَّ الشَّخْصَ إمَّا رَاغِبٌ فِي النِّكَاحِ أَوْ لَا، وَالرَّاغِبُ إمَّا أَنْ يَخْشَى الْعَنَتَ أَوْ لَا، فَالرَّاغِبُ إنْ خَشِيَ الْعَنَتَ وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَوْ مَعَ إنْفَاقٍ عَلَيْهَا مِنْ حَرَامٍ، أَوْ مَعَ وُجُودِ مُقْتَضَى التَّحْرِيمِ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَخْشَ نُدِبَ لَهُ رَجَا النَّسْلَ أَمْ لَا، وَلَوْ قَطَعَهُ عَنْ عِبَادَةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ. وَغَيْرُ الرَّاغِبِ إنْ خَافَ بِهِ قَطْعَهُ عَنْ عِبَادَةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ كُرِهَ، رَجَا النَّسْلَ أَمْ لَا، وَإِنْ لَمْ يَخْشَ وَرَجَا النَّسْلَ نُدِبَ، فَإِنْ لَمْ يَرْجُ أُبِيحَ. وَاعْلَمْ أَنَّ كُلًّا مِنْ قِسْمِ الْمَنْدُوبِ وَالْجَائِزِ وَالْمَكْرُوهِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبَ التَّحْرِيمِ، وَالْمَرْأَةُ مُسَاوِيَةٌ لِلرَّجُلِ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ إلَّا فِي التَّسَرِّي.

(وَهُوَ) : أَيْ النِّكَاحُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ: (عَقْدٌ لِحِلِّ تَمَتُّعٍ) : أَيْ اسْتِمْتَاعٍ وَانْتِفَاعٍ وَتَلَذُّذٍ (بِأُنْثَى) وَطْئًا وَمُبَاشَرَةً وَتَقْبِيلًا وَضَمًّا وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: " لِحِلِّ " إلَخْ: عِلَّةٌ بَاعِثَةٌ عَلَى الْعَقْدِ، وَخَرَجَ بِهِ سَائِرُ الْعُقُودِ مَا عَدَا الْمَحْدُودَ وَالشِّرَاءَ لِلْأَمَةِ وَإِنْ لِمُسْتَوْلِدِهَا؛ إذْ لَيْسَ الْأَصْلُ فِيهِ حِلُّ التَّمَتُّعِ بَلْ الِانْتِفَاعُ الْعَامُّ وَمِلْكُ الذَّاتِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْحُدُودِ. وَوَصَفَ الْأُنْثَى بِقَوْلِهِ: (غَيْرِ مَحْرَمٍ) بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرٍ فَلَا يَصِحُّ عَلَى مَحْرَمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فِي عُرْفِ الشَّرْعِ عَقْدٌ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حَيْثُ قَالَ: اُخْتُلِفَ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ أَوْ فِي إحْدَاهُمَا وَمَا هُوَ مَحَلُّ الْحَقِيقَةِ؟ قَالَ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ لُغَةً فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ، وَفِي الشَّرْعِ عَلَى الْعَكْسِ إلَخْ. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ هَلْ تَحْرُمُ عَلَى ابْنِهِ وَأَبِيهِ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ أَمْ لَا تَحْرُمُ عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ. إنْ قُلْت مُقْتَضَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِي الْعَقْدِ حِلُّ الْمَبْتُوتَةِ بِمُجَرَّدِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْآيَةَ خُصِّصَتْ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» إلَخْ وَالْإِجْمَاعُ مُوَافِقٌ لِلْحَدِيثِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [إذْ لَيْسَ الْأَصْلُ فِيهِ حِلَّ التَّمَتُّعِ] : أَيْ بِخُصُوصِهِ بَلْ الْأَصْلُ فِيهِ مِلْكُ الذَّاتِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ وَالتَّمَتُّعُ مِنْ تَوَابِعِ مِلْكِ الذَّاتِ، بِخِلَافِ عَقْدِ النِّكَاحِ فَلَا يَمْلِكُ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَّا الِانْتِفَاعَ لَا الذَّاتَ وَلَا الْمَنْفَعَةَ، فَلِذَلِكَ كَانَ لَهُ مِنْهَا الِانْتِفَاعُ بِنَفْسِهِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [بِنَسَبٍ] إلَخْ: مُحَرَّمُ النَّسَبِ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْله تَعَالَى:

(وَ) غَيْرِ (مَجُوسِيَّةٍ) إذْ لَا يَصِحُّ عَقْدٌ عَلَى مَجُوسِيَّةٍ وَلَوْ حُرَّةً. (وَ) غَيْرِ (أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ) مَمْلُوكَةٍ لَهُمْ أَمْ لَا، إذْ لَا يَصِحُّ عَقْدٌ عَلَى الْأَمَةِ الْمَذْكُورَةِ، بِخِلَافِ الْحُرَّةِ الْكِتَابِيَّةِ، وَالْحَدُّ شَامِلٌ لَهَا. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: بِأُنْثَى خَالِيَةٍ مِنْ مَانِعٍ شَرْعِيٍّ فَتَخْرُجُ الْمَحْرَمُ وَالْمَجُوسِيَّةُ وَالْأَمَةُ الْكِتَابِيَّةُ، وَيَخْرُجُ أَيْضًا الْمُلَاعَنَةُ وَالْمَبْتُوتَةُ وَالْمُعْتَدَّةُ مِنْ غَيْرِهِ وَالْمُحْرِمَةُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ قَصَدَ بِمَا ذَكَرَهُ إخْرَاجَ مَنْ قَامَ بِهَا مَانِعٌ أَصْلِيٌّ، وَأَمَّا الْمُلَاعَنَةُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا فَمَانِعُهُنَّ عَرَضِيٌّ طَارِئٌ بَعْدَ الْحِلِّ، بِخِلَافِ " الْمَحْرَمِ " وَمَا بَعْدَهَا. وَسَيُذْكَرُ الْعَرَضِيُّ فِي الشُّرُوطِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] الْآيَةَ وَمُحَرَّمُ الرَّضَاعِ مِثْلُهُ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» ، وَمَحْرَمُ الصِّهْرِ أُمَّهَاتُ الزَّوْجَةِ وَبَنَاتُهَا وَزَوْجَاتُ الْأُصُولِ، وَزَوْجَاتُ الْفُرُوعِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ مُفَصَّلًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ: [إذْ لَا يَصِحُّ عَقْدٌ عَلَى مَجُوسِيَّةٍ] إلَخْ: وَلِذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ مَجُوسِيَّةٌ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ نِكَاحُهَا، وَلَا يُقَرُّ عَلَيْهَا بِحَالٍ مَا دَامَتْ مَجُوسِيَّةً كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [إذْ لَا يَصِحُّ عَقْدٌ عَلَى الْأَمَةِ الْمَذْكُورَةِ] : أَيْ وَلَوْ خَشِيَ الْعَنَتَ وَلَمْ يَجِدْ لِلْحَرَائِرِ طَوْلًا وَلَا يُقَرُّ عَلَيْهَا إنْ أَسْلَمَ، وَهِيَ تَحْتَهُ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ فَلَهُ نِكَاحُهَا بِالشَّرْطَيْنِ وَيُقَرُّ عَلَيْهَا إنْ أَسْلَمَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطَانِ. قَوْلُهُ: [فَتَخْرُجُ الْمَحْرَمُ وَالْمَجُوسِيَّةُ] إلَخْ: أَيْ وَيَكُونُ الْحَدُّ جَامِعًا مَانِعًا. قَوْلُهُ: [فَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَصَدَ بِمَا ذَكَرَهُ] إلَخْ: مُحَصَّلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْحَدَّ مَا كَانَ بِالذَّاتِيَّاتِ لَا بِالْعَرَضِيَّاتِ، إذْ لَا يُلْتَفَتُ لَهَا فِي الْحُدُودِ فَلِذَلِكَ اُلْتُفِتَ لِلْمَانِعِ الْأَصْلِيِّ

(بِصِيغَةٍ) : مُتَعَلِّقٌ بِعَقْدٍ فَهُوَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا. (لِقَادِرٍ) عَلَى مَا يَتَحَصَّلُ بِهِ النِّكَاحُ مِنْ صَدَاقٍ وَنَفَقَةٍ (مُحْتَاجٍ) لَهُ إمَّا لِكَسْرِ شَهْوَتِهِ أَوْ لِإِصْلَاحِ مَنْزِلِهِ وَإِنْ لَمْ يَرْجُ نَسْلًا (أَوْ رَاجٍ نَسْلًا) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا. وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: " نُدِبَ النِّكَاحُ " وَلَيْسَ مِنْ الْحَدِّ، وَإِنَّمَا اعْتَرَضَ بِذِكْرِ الْحَدِّ بَيْنَ الْعَامِلِ وَالْمَعْمُولِ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى ذِكْرِ التَّعْرِيفِ قَوْلَهُ: (فَرُكْنُهُ) مُفْرَدٌ مُضَافٌ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَرْكَانِ: أَيْ إذَا عَلِمْت أَنَّهُ عَقْدٌ إلَخْ فَتَكُونُ أَرْكَانُهُ ثَلَاثَةً؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَحْصُلُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ عَلَى حِلِّ شَيْءٍ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَطْ، لِأَنَّ الْحُدُودَ لِبَيَانِ الْحَقَائِقِ صَحِيحَةٌ أَوْ فَاسِدَةٌ لِعَارِضٍ، فَلِذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا إخْرَاجُ الْعَرَضِيَّاتِ فَحَيْثُ كَانَ التَّعْرِيفُ جَامِعًا مَانِعًا مِنْ حَيْثُ الذَّاتِيَّاتِ كَفَى، وَلَا يُلْتَفَتُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَانِعٍ مِنْ حَيْثُ الْعَرَضِيَّاتِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ. قَوْلُهُ: [فَهُوَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ] : أَيْ لِأَنَّهَا أَحَدُ الْأَرْكَانِ فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ ذَاتِيَّاتِ الْمَاهِيَّةِ. قَوْلُهُ: [وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا] : أَيْ فِي قَوْلِهِ وَالصِّيغَةُ هِيَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ كَأَنْكَحْتُ وَزَوَّجْت إلَخْ. قَوْلُهُ: [لِقَادِرٍ] : أَيْ وَأَمَّا غَيْرُ الْقَادِرِ فَلَا يُنْدَبُ لَهُ بَلْ هُوَ حَرَامٌ إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [مُحْتَاجٍ] إلَخْ: تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي الْحَاصِلِ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى ذِكْرِ التَّعْرِيفِ] : إنَّمَا فَرَّعَ الْأَرْكَانَ عَلَى التَّعْرِيفِ لِتَضَمُّنِهِ لَهَا فَهُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الشَّيْءِ مُجْمَلًا ثُمَّ مُفَصَّلًا فَيَكُونُ أَوْقَعَ فِي النَّفْسِ. قَوْلُهُ: [مُفْرَدٌ مُضَافٌ] إلَخْ: جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ وَارِدٍ وَهُوَ أَنَّ الرُّكْنَ مُبْتَدَأٌ وَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَأَخْبَرَ عَنْهُ بِمُتَعَدِّدٍ فَأَجَابَ بِمَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَحْصُلُ] إلَخْ: بَيَانٌ لِحَصْرِ الْأَرْكَانِ فِي الثَّلَاثَةِ. وَلِمَاهِيَّةِ الْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ هِيَ سَوَاءٌ كَانَ عَقْدَ نِكَاحٍ أَوْ بَيْعٍ مَثَلًا، فَالِاثْنَانِ فِي النِّكَاحِ الزَّوْجُ وَوَلِيُّ الزَّوْجَةِ، وَفِي الْبَيْعِ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي، وَقَوْلُهُ عَلَى حِلِّ شَيْءٍ كِنَايَةٌ عَنْ

[شروط صحة النكاح]

الْأَوَّلُ: (وَلِيٌّ) يَحْصُلُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ كَزَوْجٍ أَوْ وَكِيلِهِ الْعَقْدُ. (وَ) الثَّانِي: (مَحَلٌّ) زَوْجٌ وَزَوْجَةٌ. (وَ) الثَّالِثُ: (صِيغَةٌ) بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ. وَأَمَّا الصَّدَاقُ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ بِدَلِيلِ صِحَّةِ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْهُ فَيَكُونُ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ وَكَذَا الشُّهُودُ، فَلِذَا جَعَلَهُمَا مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ فَقَالَ: (وَصِحَّتُهُ) : أَيْ وَشُرُوطُ صِحَّةِ النِّكَاحِ: أَنْ يَكُونَ (بِصَدَاقٍ) وَلَوْ لَمْ يُذْكَرْ حَالَ الْعَقْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ عِنْدَ الدُّخُولِ، أَوْ تَقَرَّرَ صَدَاقُ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. (وَ) صِحَّتُهُ أَيْضًا: (بِشَهَادَةِ) رَجُلَيْنِ (عَدْلَيْنِ غَيْرِ الْوَلِيِّ) فَلَا يَصِحُّ بِلَا شَهَادَةٍ، أَوْ شَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَلَا بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ، وَلَا بِعَدْلَيْنِ أَحَدُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ زَوْجَةً أَمْ غَيْرَهَا. وَقَوْلُهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كِنَايَةٌ عَنْ الصِّيغَةِ الَّتِي بِهَا الْعَقْدُ وَهِيَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ. قَوْلُهُ: [يَحْصُلُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ] : أَيْ فَالْعَقْدُ لَا يَتَحَصَّلُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا فِي النِّكَاحِ وَلِيُّ الزَّوْجَةِ وَالْآخَرُ الزَّوْجُ أَوْ وَكِيلُهُ. قَوْلُهُ: [وَالثَّانِي] : أَيْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ. فَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ، فَكَمَا أَنَّهُ لَا يُحَالُ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ وَالْمُثَمَّنُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا بِالْعَقْدِ لَا يَحِلُّ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ لِلرَّجُلِ إلَّا بِهِ. قَوْلُهُ: [بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ] : الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ أَيْ مُصَوَّرَةٌ بِإِيجَابٍ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَقَبُولٍ مِنْ الْآخَرِ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي. [شُرُوطُ صِحَّةِ النِّكَاحِ] قَوْلُهُ: [فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ] : أَيْ فَهُوَ مِنْ الْعَرَضِيَّاتِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ لَمْ يُذْكَرْ حَالَ الْعَقْدِ] إلَخْ: أَيْ فَالْمُضْمَرُ اشْتِرَاطُ عَدَمِهِ. قَوْلُهُ: [غَيْرُ الْوَلِيِّ] إلَخْ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ مَنْ يُبَاشِرُ الْعَقْدَ، بَلْ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ النِّكَاحِ وَلَوْ تَوَلَّى الْعَقْدَ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ، وَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ الْمُتَوَلِّي أَيْضًا لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ النَّفْسِ. قَوْلُهُ: [وَلَا بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ] : وَمِثْلُهُمَا مَسْتُورَا الْحَالِ فَإِنْ عُدِمَ الْعُدُولُ

الْوَلِيُّ، (وَإِنْ) حَصَلَتْ الشَّهَادَةُ بِهِمَا (بَعْدَ الْعَقْدِ) وَقَبْلَ الدُّخُولِ. وَبَعْضُهُمْ عَدَّهُمَا مِنْ الْأَرْكَانِ نَظَرًا إلَى التَّوَقُّفِ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ صَحَّ الْعَقْدُ فِي نَفْسِهِ بِدُونِ ذِكْرِ صَدَاقٍ وَإِحْضَارِ شَاهِدَيْنِ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الرِّسَالَةِ: وَلَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَصَدَاقٍ وَشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ، وَالشَّيْخُ - عَمَّتْ بَرَكَاتُهُ - جَعَلَ الصَّدَاقَ رُكْنًا نَظَرًا إلَى أَنَّهُ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالثَّمَنِ، وَلَمْ يَجْعَلْ الشَّهَادَةَ مِنْ الْأَرْكَانِ أَيْ بَلْ هِيَ شَرْطٌ لِقَوْلِهِ: " وَفُسِخَ إنْ دَخَلَا بِلَاهُ "، وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ سَهْلٌ إذْ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ وَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْوَطْءِ مَجَازٌ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَإِذَا كَانَ الْإِشْهَادُ شَرْطَ صِحَّةٍ (فَيُفْسَخُ) النِّكَاحُ: أَيْ يَتَعَيَّنُ فَسْخُهُ بِطَلْقَةٍ - لِصِحَّتِهِ - بَائِنَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَكْفِي مَسْتُورَا الْحَالِ، وَقِيلَ يَسْتَكْثِرُ مِنْ الشُّهُودِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ. قَوْلُهُ: [نَظَرًا إلَى أَنَّهُ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ] إلَخْ: الْمُنَاسِبُ نَظَرًا لِتَوَقُّفِ الصِّحَّةِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَحَلُّ لَا غَيْرَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّعْرِيفِ، وَلَوْ كَانَ الصَّدَاقُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَمَّا وُجِدَ الْعَقْدُ بِدُونِهِ، وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِهِ الْآتِي الصَّدَاقُ كَالثَّمَنِ، لِأَنَّ ذَاكَ مِنْ جِهَةِ شُرُوطِهِ. قَوْلُهُ: [إذْ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ] : أَيْ فَمَنْ نَظَرَ إلَى الْحَقِيقَةِ جَعَلَ الْأَرْكَانَ ثَلَاثَةً كَمَا عَلِمْت، وَمَنْ نَظَرَ إلَى تَوَقُّفِ الصِّحَّةِ عَلَى الشَّيْءِ عَدَّ الصَّدَاقَ رُكْنًا وَنَاقَشُوهُ بِأَنَّ مُقْتَضَى هَذَا النَّظَرِ عَدُّ الشُّهُودِ أَيْضًا وَالْفَرْقُ تَحَكُّمٌ. قَوْلُهُ: [وَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى] : أَيْ بَلْ فِي الِاصْطِلَاحِ وَالْعِبَارَةِ وَالْفِقْهِ وَاحِدٌ. قَوْلُهُ: [وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ النِّكَاحَ] : أَيْ مِنْ تَصْدِيرِهِ فِي التَّعْرِيفِ بِقَوْلِهِ عَقْدٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ] : أَيْ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ثَمَرَةِ الْخِلَافِ. قَوْلُهُ: [لِصِحَّتِهِ] : أَيْ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ عِنْدَنَا، بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ حَالَةَ الْعَقْدِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [بَائِنَةٌ] : بِالرَّفْعِ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَهِيَ بَائِنَةٌ لَا بِالْجَرِّ صِفَةٌ

لِأَنَّهُ جَبْرِيٌّ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ (إنْ دَخَلَا) أَيْ الزَّوْجَانِ (بِلَاهُ) : أَيْ بِلَا إشْهَادٍ. (وَحُدَّا) مَعًا حَدَّ الزِّنَا جَلْدًا أَوْ رَجْمًا (إنْ وَطِئَ) وَأَقَرَّا بِهِ أَوْ ثَبَتَ بِأَرْبَعَةٍ كَالزِّنَا، وَلَا يُعْذَرَانِ بِجَهْلٍ. (لَا إنْ فَشَا) النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا فَلَا يُحَدَّانِ لِلشُّبْهَةِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» ، وَفَشْوُهُ: أَيْ ظُهُورُهُ يَكُونُ (بِكَدُفٍّ) : أَيْ بِضَرْبِ الدُّفِّ أَيْ الطَّارِّ الَّذِي يَكُونُ فِي الْأَعْرَاسِ، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ: الْوَلِيمَةَ وَالشَّاهِدَيْنِ الْفَاسِقَيْنِ فَلَا حَدَّ (وَلَوْ عَلِمَا) أَنَّ الْإِشْهَادَ وَاجِبٌ قَبْلَ الدُّخُولِ وَحُرْمَةُ الدُّخُولِ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ. وَمِثْلُ الْفَشْوِ: الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ غَيْرُ الْوَلِيِّ فَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ فَشْوٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِطَلْقَةٍ، لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَقُولُ طَلَّقْتهَا عَلَيْك وَلَا يَقُولُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى إذَا قَالَ الْحَاكِمُ طَلَّقْتهَا عَلَيْك تَصِيرُ تِلْكَ الطَّلْقَةُ بَائِنَةً. وَإِنَّمَا كَانَ بِطَلَاقٍ لِأَنَّهُ عَقْدٌ صَحِيحٌ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ جَبْرِيٌّ] : أَيْ وَلِذَلِكَ كَانَ كُلُّ طَلَاقٍ أَوْقَعَهُ الْحَاكِمُ يَكُونُ بَائِنًا إلَّا الْمُولِي وَالْمُعْسِرُ بِالنَّفَقَةِ. وَأَيْضًا لَا يَتَأَتَّى هُنَا أَنْ يَكُونَ رَجْعِيًّا لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الرَّجْعِيِّ تَقَدُّمُ وَطْءٍ صَحِيحٍ وَلَمْ يَحْصُلْ، وَلِذَلِكَ كَانَ الطَّلَاقُ هُنَا بَائِنًا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ أَمْ لَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ. فَالْأَوْلَى لِشَارِحِنَا أَنْ يُعَلَّلَ بِمَا ذُكِرَ فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: [وَحُدَّا مَعًا] إلَخْ: أَيْ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ لِأَنَّهُ مَحْضٌ لِانْعِدَامِ شَرْطِ الصِّحَّةِ، فَالْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا. قَوْلُهُ: [إلَّا إنْ فَشَا] : جَعَلَ الشَّارِحُ فَاعِلَ الْفَشْوِ النِّكَاحَ وَهُوَ مَا لِابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. وَجَعَلَ عب الدُّخُولَ وَالْكُلُّ صَحِيحٌ. قَوْلُهُ: [وَالشَّاهِدَيْنِ الْفَاسِقَيْنِ] : وَمِنْ بَابٍ أَوْلَى مَسْتُورَا الْحَالِ. قَوْلُهُ: [مِثْلُ الْفَشْوِ الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ] : أَيْ كَمَا نَقَلَهُ (ح) وَاعْتَمَدَهُ الْأُجْهُورِيُّ.

[الخطبة عند العقد ومندوبات النكاح]

وَرَدَّ بِ " لَوْ " قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ: الْفَشْوُ مَعَ الْعِلْمِ لَا يُسْقِطُ الْحَدَّ. (وَنُدِبَ خُطْبَةٌ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ كَلَامٌ مُسَجَّعٌ مَبْدُوءٌ بِالْحَمْدِ وَالشَّهَادَتَيْنِ مُشْتَمِلٌ عَلَى آيَةٍ فِيهَا أَمْرُ التَّقْوَى وَعَلَى ذِكْرِ الْمَقْصُودِ (بِخِطْبَةٍ) بِكَسْرِهَا: الْتِمَاسُ النِّكَاحِ؛ أَيْ عِنْدَ الْتِمَاسِ النِّكَاحِ. (وَ) خُطْبَةٌ عِنْدَ (عَقْدٍ) لَكِنْ الْبَادِيَ عِنْدَ الْخِطْبَةِ هُوَ الزَّوْجُ. وَيَقُولُ بَعْدَ الثَّنَاءِ وَالشَّهَادَتَيْنِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّا قَدْ قَصَدْنَا الِانْضِمَامَ إلَيْكُمْ وَمُصَاهَرَتَكُمْ وَالدُّخُولَ فِي حَوْمَتِكُمْ، وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ. فَيَقُولُ الْوَلِيُّ بَعْدَ الثَّنَاءِ: أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ قَبِلْنَاك وَرَضِينَا أَنْ تَكُونَ مِنَّا وَفِينَا وَمَا فِي مَعْنَاهُ، وَالْبَادِي عِنْدَ الْعَقْدِ الْوَلِيُّ بِأَنْ يَقُولَ بَعْدَ مَا ذُكِرَ: أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَنْكَحْتُك بِنْتِي أَوْ مُجْبَرَتِي فُلَانَةَ أَوْ مُوَكِّلَتِي فُلَانَةَ عَلَى صَدَاقٍ قَدْرُهُ كَذَا، فَيَقُولُ الزَّوْجُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ: قَدْ قَبِلْت نِكَاحَهَا لِنَفْسِي، وَيَقُولُ وَكِيلُهُ قَدْ قَبِلْت نِكَاحَهَا لِمُوَكِّلِي وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ. (وَ) نُدِبَ (تَقْلِيلُهَا) : أَيْ الْخُطْبَةِ فِي الْحَالَتَيْنِ إذْ الْكَثْرَةُ تُوجِبُ السَّآمَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَرَدَّ بِلَوْ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ] : أَيْ فَهُوَ ضَعِيفٌ لِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ الَّتِي تَدْرَأُ الْحَدَّ قَوْلُهُ: [بَعْدَ الثَّنَاءِ وَالشَّهَادَتَيْنِ] : أَيْ وَبَعْدَ آيَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] . {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70] . الْآيَةَ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْبَسْمَلَةِ عَلَى الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ. [الْخُطْبَة عِنْد الْعَقْد وَمَنْدُوبَات النِّكَاح] قَوْلُهُ: [وَالْبَادِي عِنْدَ الْعَقْدِ الْوَلِيُّ] : أَيْ وَهُوَ الْأَفْضَلُ وَلَوْ بَدَأَ الزَّوْجُ لَكَفَى، وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِالْخُطْبَةِ، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا بِالسُّكُوتِ قَدْرُهَا كَذَلِكَ فَجُمْلَةُ الْخُطَبِ أَرْبَعٌ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ تَقْلِيلُهَا] : قَالَ الْأُجْهُورِيُّ ذَكَرَ بَعْضُ الْأَكَابِرِ أَنَّ أَقَلَّهَا أَنْ يَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ زَوَّجْتُك بِنْتِي

(وَ) نُدِبَ (إعْلَانُهُ) أَيْ النِّكَاحِ أَيْ إظْهَارُهُ بَيْنَ النَّاسِ لِبُعْدِ تُهْمَةِ الزِّنَا. (وَ) نُدِبَ (تَفْوِيضُ الْوَلِيِّ الْعَقْدَ لِفَاضِلٍ) رَجَاءَ بَرَكَتِهِ، وَيَقُولُ أَنْكَحْتُك فُلَانَةَ بِنْتَ مُوَكِّلِي مَثَلًا. (وَ) نُدِبَ (تَهْنِئَةٌ) لِلزَّوْجَيْنِ، نَحْوُ: مُبَارَكَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَيَوْمٌ مُبَارَكٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ. (وَ) نُدِبَ (دُعَاءٌ لَهُمَا) بِالْبَرَكَةِ وَالسَّعَةِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ. (وَ) نُدِبَ (الْإِشْهَادُ عِنْدَ الْعَقْدِ) لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ؛ إذْ كَثِيرٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ لَا يَرَى صِحَّتَهُ إلَّا بِالشَّهَادَةِ حَالَ الْعَقْدِ. وَنَحْنُ نَرَى وُقُوعَهُ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ الشَّهَادَةُ حَالَ الْعَقْدِ كَالْبَيْعِ، وَلَكِنْ لَا تَتَقَرَّرُ صِحَّتُهُ وَلَا تَتَرَتَّبُ ثَمَرَتُهُ مِنْ حِلِّ التَّمَتُّعِ إلَّا بِحُصُولِهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ، فَجَازَ أَنْ يُعْقَدَ فِيمَا بَيْنَهُمَا سِرًّا ثُمَّ يُخْبِرَا بِهِ عَدْلَيْنِ كَأَنْ يَقُولَا لَهُمَا: قَدْ حَصَلَ مِنَّا الْعَقْدُ فُلَانٌ عَلَى فُلَانَةَ أَوْ أَنَّ الْوَلِيَّ يُخْبِرُ عَدْلَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَثَلًا بِكَذَا، وَيَقُولُ الزَّوْجُ أَوْ وَكِيلُهُ بَعْدَمَا مَرَّ مِنْ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ: أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ قَبِلْت نِكَاحَهَا لِنَفْسِي أَوْ لِمُوَكِّلِي بِالصَّدَاقِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ إعْلَانُهُ] : أَيْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَفْشُوا النِّكَاحَ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفِّ» ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْخِطْبَةِ فَيَنْبَغِي إخْفَاؤُهَا. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ تَفْوِيضُ الْوَلِيِّ الْعَقْدَ لِفَاضِلٍ] : أَيْ فَيُنْدَبُ لِوَلِيِّ الْمَرْأَةِ وَمِثْلُهُ الزَّوْجُ تَفْوِيضُ الْعَقْدِ لِمَنْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ، وَأَمَّا تَفْوِيضُ الْعَقْدِ لِغَيْرِ فَاضِلٍ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ تَهْنِئَةٌ] : بِالْهَمْزِ أَيْ لِلْعَرُوسِ الشَّامِلِ لِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ أَيْ إدْخَالُ السُّرُورِ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْعَقْدِ وَعِنْدَ الْبِنَاءِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ الْإِشْهَادُ عِنْدَ الْعَقْدِ] : حَاصِلُهُ أَنَّ أَصْلَ الْإِشْهَادِ عَلَى النِّكَاحِ وَاجِبٌ، وَإِحْضَارُهُمَا عِنْدَ الْعَقْدِ مَنْدُوبٌ. فَإِنْ حَصَلَ عِنْدَ الْعَقْدِ فَقَدْ وُجِدَ الْأَمْرَانِ الْوُجُوبُ وَالنَّدْبُ. وَإِنْ فُقِدَ وَقْتَ الْعَقْدِ وَوُجِدَ عِنْدَ الدُّخُولِ فَقَدْ حَصَلَ الْوَاجِبُ وَفَاتَ الْمَنْدُوبُ. وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إشْهَادٌ عِنْدَ الدُّخُولِ وَالْعَقْدِ وَلَكِنْ وُجِدَتْ الشُّهُودُ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالصِّحَّةُ قَطْعًا. وَيَأْثَمُ أَوْلِيَاءُ النِّكَاحِ لِعَدَمِ طَلَبِ الشُّهُودِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شُهُودٌ أَصْلًا فَالْفَسَادُ قَطْعًا كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ بِتَصَرُّفٍ.

وَالزَّوْجُ يُخْبِرُ عَدْلَيْنِ غَيْرَهُمَا، وَلَا يَكْفِي أَنْ يُخْبِرَ أَحَدُهُمَا عَدْلًا وَالثَّانِي يُخْبِرُ عَدْلًا غَيْرَهُ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ الْوَاحِدِ. (وَ) نُدِبَ (ذِكْرُ الصَّدَاقِ) : أَيْ تَسْمِيَتُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ لِمَا فِيهِ مِنْ اطْمِئْنَانِ النَّفْسِ، وَدَفْعِ تَوَهُّمِ الِاخْتِلَافِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. (وَ) نُدِبَ (حُلُولُهُ) كُلُّهُ بِلَا تَأْجِيلٍ لِبَعْضِهِ. (وَ) نُدِبَ (نَظَرُ وَجْهِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (وَكَفَّيْهَا) خَاصَّةً (قَبْلَهُ) : أَيْ قَبْلَ الْعَقْدِ لِيَعْلَمَ بِذَلِكَ حَقِيقَةَ أَمْرِهَا (بِعِلْمٍ) مِنْهَا أَوْ مِنْ وَلِيِّهَا، وَيُكْرَهُ اسْتِغْفَالُهَا. وَالنَّظَرُ يَكُونُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ التَّلَذُّذِ بِهَا، وَإِلَّا مُنِعَ. كَمَا يُمْنَعُ مَا زَادَ عَلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ وَكَّلَ امْرَأَةً فَيَجُوزُ لَهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا امْرَأَةٌ. ثُمَّ جَعَلَ النَّظَرَ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ تَبِعَ فِيهِ ابْنَ الْقَطَّانِ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ لَا مَنْدُوبٌ، فَالْأَحَقُّ ذِكْرُهُ فِي الْجَائِزَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَنُدِبَ ذِكْرُ الصَّدَاقِ] : أَيْ وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهِ وَمَحَلُّ نَدْبِهِ إنْ كَانَتْ الصِّيغَةُ أَنْكَحْت وَزَوَّجْت لَا وَهَبْت، فَيَجِبُ ذِكْرُهُ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ حُلُولُهُ كُلُّهُ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقْبَضْ كُلُّهُ وَتَأْجِيلُهُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا خِلَافُ الْأَوْلَى حَيْثُ أُجِّلَ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [قَبْلَهُ] : أَيْ حِينَ الْخُطْبَةِ. قَوْلُهُ: [وَيُكْرَهُ اسْتِغْفَالُهَا] : أَيْ لِئَلَّا يَتَطَرَّقَ أَهْلُ الْفَسَادِ لِلنَّظَرِ لِلنِّسَاءِ. وَيَقُولُونَ نَحْنُ خُطَّابٌ وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ الِاسْتِغْفَالِ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ سَأَلَهَا فِي النَّظَرِ تُجِيبُهُ إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ، أَوْ إذَا سَأَلَ وَلِيَّهَا يُجِيبُهُ إنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً، أَوْ جَهِلَ الْحَالَ، وَأَمَّا إنْ عَلِمَ عَدَمَ الْإِجَابَةِ حَرُمَ النَّظَرُ إنْ خَشِيَ الْفِتْنَةَ وَإِلَّا كُرِهَ، وَإِنْ كَانَ نَظَرُ وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَكَفَّيْهَا جَائِزًا لِأَنَّ نَظَرَهُمَا فِي مَعْرِضِ النِّكَاحِ مَظِنَّةُ قَصْدِ اللَّذَّةِ. قَوْلُهُ: [وَعَامَّةُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ] : قَالَ بَعْضُهُمْ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْجَوَازِ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَى الْإِذْنِ الصَّادِقِ بِالْمَنْدُوبِ. تَنْبِيهٌ: مِثْلُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةُ يُنْدَبُ لَهَا نَظَرُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مِنْ الزَّوْجِ، وَإِنَّمَا أُذِنَ لِلْخَاطِبِ فِي نَظَرِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ لِأَنَّ الْوَجْهَ يَدُلُّ عَلَى الْجَمَالِ وَعَدَمِهِ، وَالْيَدَيْنِ تَدُلَّانِ عَلَى صَلَابَةِ الْبَدَنِ وَطَرَاوَتِهِ.

[ما يحل بعقد النكاح]

(وَ) نُدِبَ (نِكَاحُ بِكْرٍ) لِأَنَّهَا أَقْرَبُ لِحُسْنِ الْعِشْرَةِ. (وَحَلَّ لَهُمَا) : أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ النَّظَرُ لِسَائِرِ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ (حَتَّى نَظَرَ الْفَرْجِ) مِنْ صَاحِبِهِ وَحَدِيثُ: «إذَا جَامَعَ أَحَدُكُمْ زَوْجَتَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ فَلَا يَنْظُرْ إلَى فَرْجِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الْعَمَى» ، حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَصَرَّحَ بِوَضْعِهِ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ، لَكِنْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا يَنْبَغِي النَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ لِأَنَّهُ يُورِثُ ضَعْفَ الْبَصَرِ طِبًّا وَيُورِثُ قِلَّةَ الْحَيَاءِ فِي الْوَلَدِ. (كَالْمِلْكِ) لِلْأُنْثَى يَحِلُّ بِهِ حَتَّى نَظَرُ الْفَرْجِ مِنْ كُلٍّ. (وَ) حَلَّ بِالنِّكَاحِ وَالْمِلْكِ لِلْأُنْثَى (تَمَتُّعٌ بِغَيْرِ) وَطْءِ (دُبُرٍ) ، وَأَمَّا الْإِيلَاجُ فِيهِ فَمَمْنُوعٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَنُدِبَ نِكَاحُ بِكْرٍ] : أَيْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا، وَأَنْتَقُ أَرْحَامًا وَأَسْخَنُ أَقْبَالًا وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ مِنْ الْعَمَلِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ فَإِنَّهُنَّ أَنْتَقُ أَرْحَامًا، وَأَعْذَبُ أَفْوَاهًا. وَأَقَلُّ خِبًّا وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ» ، وَخِبًّا بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ وَبَاءٍ مُشَدَّدَةٍ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ: أَيْ خِدَاعًا. [مَا يَحِلّ بعقد النِّكَاح] قَوْلُهُ: [لَكِنْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ] : هُوَ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ. قَوْلُهُ: [كَالْمِلْكِ] : أَيْ التَّامُّ الْمُسْتَقِلُّ بِهِ دُونَ مَانِعٍ، بِخِلَافِ الْمُعْتَقَةِ لِأَجَلٍ وَالْمُبَعَّضَةِ وَالْمُشْتَرَكَةِ وَالْمَحْرَمِ. وَالذَّكَرُ الْمَمْلُوكُ وَالْخُنْثَى وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُتَزَوِّجَةُ بِالْغَيْرِ. [مَا يَحِلّ بالنكاح] قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْإِيلَاجُ فِيهِ] : أَيْ وَأَمَّا التَّمَتُّعُ بِظَاهِرِهِ وَلَوْ بِوَضْعِ الذَّكَرِ عَلَيْهِ فَجَائِزٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ قَائِلًا: وَوَجْهُهُ عِنْدِي أَنَّهُ كَسَائِرِ جَسَدِ الْمَرْأَةِ، وَجَمِيعُهُ مُبَاحٌ مَا عَدَا الْإِيلَاجَ فِي بَاطِنِهِ، وَاعْتَمَدَهُ ح وَاللَّقَانِيُّ خِلَافًا لِلتَّتَّائِيِّ وَالْبِسَاطِيِّ وَالْأَقْفَهْسِيِّ، حَيْثُ قَالُوا: لَا يَجُوزُ التَّمَتُّعُ بِالدُّبُرِ لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا.

[خطبة الراكنة والمعتدة والموطوءة]

(وَحَرُمَ) (خِطْبَةُ) بِكَسْرِ الْخَاءِ: أَيْ الْتِمَاسُ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ (الرَّاكِنَةِ) هِيَ - إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا - رَشِيدَةً، أَوْ وَلِيَّهَا إنْ كَانَتْ بِخِلَافِهَا (لِغَيْرِ فَاسِقٍ) وَهُوَ الصَّالِحُ أَوْ الْمَسْتُورُ الْحَالِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْخَاطِبُ الثَّانِي صَالِحًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ مَسْتُورًا. فَإِنْ رَكَنَتْ لِفَاسِقٍ لَمْ يَحْرُمْ إنْ كَانَ الثَّانِي صَالِحًا أَوْ مَجْهُولًا، إذْ لَا حُرْمَةَ لِلْفَاسِقِ، بَلْ فِي نِكَاحِهَا تَخْلِيصٌ لَهَا مِنْ فِسْقِهِ، وَظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ كَانَ فَاسِقًا بِجَارِحَةٍ أَوْ عَقِيدَةٍ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَاسِقًا مِثْلَهُ حَرُمَ أَيْضًا، وَظَاهِرُهُ قَدَّرَ صَدَاقًا أَمْ لَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [خِطْبَة الرَّاكِنَة وَالْمُعْتَدَّة وَالْمَوْطُوءَة] قَوْلُهُ: [وَحَرُمَ خِطْبَةُ] إلَخْ: حَاصِلُ هَذَا الْمَبْحَثِ أَنَّ صُوَرَهُ تِسْعٌ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي مِثْلِهَا يَحْرُمُ مِنْهَا سَبْعٌ وَيَجُوزُ اثْنَانِ، هَذَا مَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَلَك أَنْ تَجْعَلَهَا سِتَّةَ عَشَرَ بِزِيَادَةِ الذِّمِّيِّ حَيْثُ كَانَتْ الْمَخْطُوبَةُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَيَصِيرُ الْمَضْرُوبُ أَرْبَعَةً فِي مِثْلِهَا مَتَى كَانَ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ صَالِحًا أَوْ مَجْهُولَ حَالٍ، أَوْ ذِمِّيًّا يَحْرُمُ مُطْلَقًا كَانَ الثَّانِي صَالِحًا أَوْ مَجْهُولَ حَالٍ أَوْ فَاسِقًا أَوْ ذِمِّيًّا، وَكَذَا إنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَاسِقًا وَالثَّانِي فَاسِقًا فَالْحُرْمَةُ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَالْجَوَازُ فِي ثَلَاثَةٍ. إنْ قُلْت إنَّ الذِّمِّيَّ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْفَاسِقِ، فَكَانَ مُقْتَضَاهُ لَا تَحْرُمُ الْخِطْبَةُ عَلَيْهِ كَالْفَاسِقِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَهُ دِينٌ يُقَرُّ عَلَيْهِ، وَالْفَاسِقُ لَا يُقَرُّ عَلَى فِسْقِهِ فَكَانَ بِهَذَا الْمَعْنَى أَسْوَأَ حَالًا مِنْهُ. قَوْلُهُ: [إنْ كَانَتْ بِخِلَافِهَا] : أَيْ بِأَنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً أَوْ سَفِيهَةً، فَإِذَا رَدَّتْ الْمُجْبَرَةُ وَمَنْ فِي حُكْمِهَا الْخَاطِبَ لَمْ تَحْرُمْ خِطْبَتُهَا لِغَيْرِهِ، وَكَذَا إذَا رَدَّتْ غَيْرُ الْمُجْبَرَةِ خِطْبَةَ الْأَوَّلِ لَمْ تَحْرُمْ خِطْبَةُ غَيْرِهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ رُكُونُ الْمُجْبَرَةِ مَعَ رَدِّ مُجْبِرِهَا وَلَا رَدُّهَا مَعَ رُكُونِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ رُكُونُ أُمِّهَا أَوْ وَلِيِّهَا غَيْرِ الْمُجْبِرِ مَعَ رَدِّهَا. وَلَا رَدُّ أُمِّهَا أَوْ وَلِيِّهَا غَيْرِ الْمُجْبِرِ مَعَ رِضَاهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ رَدَّ الْمَرْأَةِ أَوْ وَلِيِّهَا بَعْدَ الرُّكُونِ لِلْخَاطِبِ لَا يَحْرُمُ مَا لَمْ يَكُنْ الرَّدُّ لِأَجْلِ خِطْبَةِ الثَّانِي، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ الْخَاطِبَ الثَّانِيَ وَادَّعَتْ هِيَ أَوْ مُجْبِرُهَا أَنَّهَا كَانَتْ رَجَعَتْ عَنْ الرُّكُونِ لِلْأَوَّلِ قَبْلَ خِطْبَةِ الثَّانِي وَادَّعَى الْأَوَّلُ أَنَّ الرُّجُوعَ بِسَبَبِ خِطْبَةِ الثَّانِي وَلَا قَرِينَةَ لِأَحَدِهِمَا، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأُجْهُورِيُّ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِقَوْلِهَا أَوْ بِقَوْلِ مُجْبِرِهَا، لِأَنَّ هَذَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمَا، وَلِأَنَّ دَعْوَاهُ تُوجِبُ الْفَسَادَ وَدَعْوَاهُمَا تُوجِبُ الصِّحَّةَ وَالْأَصْلُ فِي الْعُقُودِ الصِّحَّةُ.

وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ إذْ الْعِبْرَةُ بِالرُّكُونِ وَالرِّضَا بِالْخَاطِبِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا بُدَّ فِي اعْتِبَارِ الرُّكُونِ مِنْ تَقْدِيرِ الصَّدَاقِ (كَالسَّوْمِ بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ الرُّكُونِ لِمُشْتَرٍ أَوَّلٍ يَحْرُمُ أَيْضًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِهِ» . (وَفَسْخُ) عَقْدِ الثَّانِي (قَبْلَ الدُّخُولِ) بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ، قِيلَ وُجُوبًا؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا رُفِعَتْ الْحَادِثَةُ لِحَاكِمٍ وَثَبَتَ عِنْدَهُ الْعَقْدُ بَعْدَ الرُّكُونِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ وَجَبَ عَلَيْهِ فَسْخُهُ، وَقِيلَ: اسْتِحْبَابًا وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. فَإِنْ بَنَى بِهَا لَمْ يُفْسَخْ وَلَوْ لَمْ يَطَأْ. (وَ) حَرُمَ (صَرِيحُ خِطْبَةِ) امْرَأَةٍ (مُعْتَدَّةٍ) عِدَّةَ وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ مِنْ غَيْرِهِ لَا مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ] : أَيْ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُوَطَّإِ. قَوْلُهُ: [وَقَالَ بَعْضُهُمْ] إلَخْ: أَيْ وَهُوَ ابْنُ نَافِعٍ، وَفِي الْمَوَّاقِ مُقْتَضَى نَقْلِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ مَشْهُورٌ. قَوْلُهُ: [وَفُسِخَ عَقْدُ الثَّانِي] إلَخْ: هَذَا أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ وَحَاصِلُهَا الْفَسْخُ مُطْلَقًا بَنَى أَوْ لَا وَعَدَمُهُ مُطْلَقًا وَالْفَسْخُ إنْ لَمْ يَبْنِ لَا إنْ بَنَى، وَشَهَرَ أَبُو عِمْرَانَ الْفَسْخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَكِنْ قَيَّدَهُ بِالِاسْتِحْبَابِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ اسْتِحْبَابًا] إلَخْ: فَعَلَيْهِ إنَّمَا يَكُونُ الْفَسْخُ عِنْدَ عَدَمِ مُسَامَحَةِ الْأَوَّلِ لَهُ؛ فَإِنْ سَامَحَهُ فَلَا فَسْخَ، وَمَحَلُّ الْفَسْخِ الْمَذْكُورِ مَا لَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ الثَّانِي، وَإِلَّا لَمْ يُفْسَخْ، كَالْحَنَفِيِّ؛ فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّ النَّهْيَ فِي الْحَدِيثِ لِلْكَرَاهَةِ. قَوْلُهُ: [وَحَرُمَ صَرِيحُ خِطْبَةِ] إلَخْ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً. قَوْلُهُ: [أَوْ طَلَاقٍ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ رَجْعِيًّا.

[تأبد تحريم المعتدة]

عِدَّتِهَا مِنْهُ، فَيَجُوزُ إذْ لَمْ يَكُنْ بَتًّا. (وَ) حَرُمَ (مُوَاعَدَتُهَا) أَيْ الْمُعْتَدَّةِ أَيْ الْمُوَاعَدَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِأَنْ يَعِدَهَا بِالتَّزْوِيجِ بَعْدَ الْعِدَّةِ وَهِيَ تَعِدُهُ. وَأَمَّا الْعِدَةُ مِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَمَكْرُوهٌ كَمَا يَأْتِي. (كَوَلِيِّهَا) أَيْ يَحْرُمُ صَرِيحُ الْخِطْبَةِ لَهُ وَمُوَاعَدَتُهُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ؛ أَيْ بِأَنْ كَانَ مُجْبَرًا، وَيُكْرَهُ مُوَاعَدَةُ غَيْرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. (كَمُسْتَبْرَأَةٍ) مِنْ وَطْءِ مَالِكِهَا أَوْ مِنْ غَلَطٍ بِشُبْهَةِ نِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ أَوْ مِنْ غَصْبٍ، بَلْ (وَإِنْ مِنْ زِنًا) وَلَوْ مِنْهُ لِأَنَّ مَاءَ الزَّانِي فَاسِدٌ، وَلِذَا لَا يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ، أَيْ يَحْرُمُ صَرِيحُ خِطْبَتِهَا وَمُوَاعَدَتُهَا كَوَلِيِّهَا. ثُمَّ إنْ عَقَدَ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ أَوْ الْمُسْتَبْرَأَةِ وَوَطِئَهَا أَوْ تَلَذَّذَ بِهَا تَأَبَّدَ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ؛ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَتَأَبَّدَ تَحْرِيمُهَا) : أَيْ الْمُعْتَدَّةِ بِنَوْعَيْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَيَجُوزُ] : أَيْ التَّصْرِيحُ لَهَا بِالْخِطْبَةِ فِي الْعِدَّةِ بَلْ لَهُ تَزْوِيجُهَا قَوْلُهُ: [وَهِيَ تَعِدُهُ] : أَيْ إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِوَعْدِ وَلِيِّهَا كَمَا يَأْتِي. [تأبد تَحْرِيم الْمُعْتَدَّةِ] . قَوْلُهُ: [لِأَنَّ مَاءَ الزَّانِي فَاسِدٌ وَلِذَا لَا يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ] إلَخْ: هَذَا التَّعْلِيلُ يَشْمَلُ الْغَصْبَ أَيْضًا وَلَا يَشْمَلُ الْمُسْتَبْرَأَةَ مِنْ شُبْهَةِ النِّكَاحِ أَوْ الْمِلْكِ، أَوْ شُبْهَتِهِ، فَيَقْتَضِي جَوَازَ الْخِطْبَةِ لِصَاحِبِ الْمَاءِ زَمَنَ الِاسْتِبْرَاءِ، لِأَنَّ الْمَاءَ غَيْرُ فَاسِدٍ لِلُحُوقِ الْمَوْلُودِ بِهِ وَانْظُرْ فِي ذَلِكَ. قَوْلَهُ: [أَيْ الْمُعْتَدَّةِ بِنَوْعَيْهَا] : أَيْ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ، وَلَا يَتَأَبَّدُ فِي الطَّلَاقِ إلَّا إنْ كَانَ بَائِنًا، وَأَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَلَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ لِمُطَلِّقِهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، فَكَأَنَّ الْعَاقِدَ إذَا وَطِئَ زَنَى بِزَوْجَةِ الْغَيْرِ وَلَا يَحْرُمُ بِالزِّنَى حَلَالٌ، وَهَلْ يُحَدُّ الْوَاطِئُ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ زَانٍ أَوْ لَا؟ وَكَلَامُهُمْ فِي بَابِ الْحَدِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُحَدُّ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. وَاخْتُلِفَ فِي الرَّجُلِ يُفْسِدُ الْمَرْأَةَ عَلَى زَوْجِهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا مِنْهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجَ بِهَا بَعْدَ وَفَاءِ عِدَّتِهَا مِنْهُ، فَقِيلَ يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا، وَقِيلَ لَا يَتَأَبَّدُ، وَإِنَّمَا يُفْسَخُ نِكَاحُهُ، فَإِذَا عَادَتْ لِزَوْجِهَا وَطَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا جَازَ لِذَلِكَ الْمُفْسِدِ نِكَاحُهَا، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ كَذَا فِي (بْن) .

أَوْ الْمُسْتَبْرَأَةِ بِأَنْوَاعِهَا عَلَيْهِ (بِوَطْءِ نِكَاحٍ) : أَيْ بِسَبَبِ وَطْءٍ مُسْتَنِدٍ لِعَقْدٍ لَا بِمُجَرَّدِ أَحَدِهِمَا، (وَلَوْ) وَقَعَ الْوَطْءُ الْمُسْتَنِدُ لِنِكَاحٍ (بَعْدَهُمَا) : أَيْ بَعْدَ فَرَاغِ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ (أَوْ مُقَدِّمَتُهُ) : أَيْ الْوَطْءِ؛ مِنْ قُبْلَةٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ حَيْثُ اسْتَنَدَتْ لِعَقْدٍ إنْ وَقَعَتْ مِنْهُ فِي الْعِدَّةِ أَوْ الِاسْتِبْرَاءِ لَا بَعْدَهُمَا. (أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ) : أَيْ وَتَأَبَّدَ تَحْرِيمُ الْمُعْتَدَّةِ أَوْ الْمُسْتَبْرَأَةِ بِوَطْءٍ حَصَلَ غَلَطًا بِشُبْهَةِ النِّكَاحِ، بِأَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ. (فِيهِمَا) : أَيْ إنْ حَصَلَ كُلٌّ مِنْ مُقَدِّمَتِهِ أَوْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ فِي زَمَنِ الْعِدَّةِ أَوْ الِاسْتِبْرَاءِ، فَقَوْلُهُ " فِيهِمَا " رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ، وَضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ يَعُودُ عَلَى الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ الْمُسْتَبْرَأَةُ بِأَنْوَاعِهَا] : أَيْ الْخَمْسَةِ وَهِيَ شُبْهَةُ النِّكَاحِ وَالْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ وَالزِّنَا وَالْغَصْبِ. قَوْلُهُ: [بِوَطْءِ نِكَاحٍ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الصُّوَرَ هُنَا سِتٌّ وَثَلَاثُونَ صُورَةً مِنْ ضَرْبِ سِتَّةٍ فِي مِثْلِهَا، لِأَنَّ الْمَحْبُوسَةَ إمَّا فِي عِدَّةٍ فِي نِكَاحٍ أَوْ اسْتِبْرَاءٍ مِنْ شُبْهَةٍ أَوْ مِنْ مِلْكٍ أَوْ شُبْهَتِهِ، أَوْ مِنْ زِنًا أَوْ غَصْبٍ، وَالطَّارِئُ وَاحِدٌ مِنْ تِلْكَ السِّتَّةِ يَتَأَبَّدُ التَّحْرِيمُ. فِي سِتَّةَ عَشْرَ صُورَةً: وَهِيَ مَا إذَا طَرَأَ نِكَاحٌ أَوْ شُبْهَتُهُ عَلَى السِّتَّةِ فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً، أَوْ طَرَأَ مِلْكٌ أَوْ شُبْهَتُهُ عَلَى نِكَاحٍ أَوْ شُبْهَتِهِ فَهَذِهِ أَرْبَعٌ تُضَمُّ لَهَا، أَفَادَهَا كُلَّهَا بِقَوْلِهِ: وَتَأَبَّدَ تَحْرِيمُهَا بِوَطْءٍ إلَى قَوْلِهِ: " إنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ أَوْ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ غَيْرِهِ "، وَأَمَّا طُرُوُّ زِنًا أَوْ غَصْبٍ عَلَى السِّتَّةِ أَوْ طُرُوُّ مِلْكٍ أَوْ شُبْهَتِهِ عَلَى مَالِكٍ أَوْ شُبْهَتِهِ أَوْ زِنًا أَوْ غَصْبٍ فَهَذِهِ عِشْرُونَ، لَا يَتَأَبَّدُ بِهَا التَّحْرِيمُ، وَهَذِهِ قَدْ أَفَادَهَا بِقَوْلِهِ أَوْ الزِّنَا أَوْ وَطْءٍ، مِلْكٍ أَوْ شُبْهَتِهِ فِي اسْتِبْرَاءٍ. قَوْلُهُ: [لَا بِمُجَرَّدِ أَحَدِهِمَا] : أَيْ الَّذِي هُوَ الْعَقْدُ فَقَطْ أَوْ الْوَطْءُ فَقَطْ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْوَطْءُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، أَمَّا إذَا كَانَ وَطْءَ زِنًا أَوْ غَصْبٍ فَلَا يَضُرُّ طُرُّوهُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَكَذَلِكَ وَطْءُ الْمِلْكِ أَوْ شُبْهَتِهِ إنْ طَرَأَ عَلَى مِلْكٍ أَوْ شُبْهَتِهِ أَوْ زِنًا، أَوْ غَصْبٍ وَأَمَّا وَطْءُ شُبْهَةِ النِّكَاحِ فَيَضُرُّ فِي الْجَمِيعِ وَمِثْلُهُ وَطْءُ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ إنْ طَرَأَ عَلَى النِّكَاحِ وَشُبْهَتِهِ فَقَدْ عَلِمْت الْإِجْمَالَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلَهُ: [يَعُودُ عَلَى الْعِدَّةِ] : أَيْ بِنَوْعَيْهَا وَقَوْلُهُ: وَالِاسْتِبْرَاءِ أَيْ بِأَنْوَاعِهِ.

(أَوْ بِوَطْءِ مِلْكٍ) بِأَنْ وَطِئَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ (أَوْ شُبْهَتِهِ) أَيْ شُبْهَةِ الْمِلْكِ، بِأَنْ وَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ غَلَطًا يَظُنُّهَا أَمَتَهُ (فِيهَا) : أَيْ فِي عِدَّتِهَا مِنْ نِكَاحٍ أَوْ شُبْهَتِهِ، بِخِلَافِ وَطْءِ مَالِكِهَا أَوْ غَيْرِهِ يَظُنُّهَا أَمَتَهُ وَهِيَ مُسْتَبْرَأَةٌ، فَلَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي. فَتَحَصَّلَ أَنَّ مَنْ عَقَدَ عَلَى مُعْتَدَّةٍ أَوْ مُسْتَبْرَأَةٍ وَوَطِئَهَا وَإِنْ بَعْدَهُمَا تَأَبَّدَ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا. وَأَمَّا مُقَدِّمَاتُ الْوَطْءِ فَقَطْ فَتُؤَبِّدُ التَّحْرِيمَ إنْ وَقَعَتْ فِي الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ، لَا بَعْدَهُمَا، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَحْصُلْ عَقْدٌ فَلَا أَثَرَ لِمُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ مُطْلَقًا بِشُبْهَةٍ أَوْ لَا. وَأَمَّا الْوَطْءُ فَيُؤَبِّدُ إنْ كَانَ بِشُبْهَةِ نِكَاحٍ فِي الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ أَوْ الْمِلْكِ، أَوْ شُبْهَتِهِ فِي الْعِدَّةِ فَقَطْ دُونَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَهَذَا: (إنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ أَوْ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ فِي عِدَّتِهَا مِنْ نِكَاحٍ أَوْ شُبْهَتِهِ] : تَسْمِيَةُ الْمَحْبُوسَةِ مِنْ شُبْهَةِ النِّكَاحِ مُعْتَدَّةٌ فِيهِ تَجَوُّزٌ. قَوْلُهُ: [أَنَّ مَنْ عَقَدَ عَلَى مُعْتَدَّةٍ] : أَيْ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ وَفَاةٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ مُسْتَبْرَأَةٌ صَادِقٌ بِأَنْوَاعِ الِاسْتِبْرَاءِ الْخَمْسَةِ، فَهَذِهِ سِتُّ صُوَرٍ أَخْبَرَ عَنْهَا بِقَوْلِهِ: " تَأَبَّدَ تَحْرِيمُهَا "، فَهَذِهِ مَسَائِلُ طُرُوُّ النِّكَاحِ عَلَى السِّتَّةِ، وَإِنْ نَظَرْت لِقَوْلِهِ: " وَإِنْ بَعْدَهُمَا " كَانَتْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا مُقَدِّمَاتُ الْوَطْءِ] إلَخْ: أَيْ فَيَكُونُ تَأْبِيدُ التَّحْرِيمِ فِي سِتِّ صُوَرٍ فَقَطْ، بِخِلَافِ الْوَطْءِ فَفِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، فَصُوَرُ الْمُقَدِّمَاتِ وَالسِّتِّ الَّتِي زَادَتْ بِالتَّعْمِيمِ خَارِجَةٌ عَنْ أَصْلِ السِّتِّ وَالثَّلَاثِينَ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْوَطْءُ فَيُؤَبَّدُ] إلَخْ: تَحْتَهُ سِتٌّ، وَقَوْلُهُ أَوْ بِمِلْكٍ أَوْ شُبْهَتِهِ أَيْ طُرُوُّ مِلْكٍ أَوْ شُبْهَتِهِ عَلَى نِكَاحٍ أَوْ شُبْهَتِهِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ تَأَبَّدَ فِيهَا التَّحْرِيمُ تُضَمُّ لِمَا قَبْلَهَا، فَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي الْعِدَّةِ فَقَطْ أَيْ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ شُبْهَتِهِ، وَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ فَقَطْ وَصَرَّحَ بِهِمَا مَا ضَرَّ، فَصَارَتْ صُوَرُ التَّأْبِيدِ ثَمَانِيًا وَعِشْرِينَ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [دُونَ الِاسْتِبْرَاءِ] : أَيْ مِنْ غَيْرِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ لِمَا عَلِمْت أَنَّ شُبْهَةَ النِّكَاحِ مُلْحَقَةٌ بِالْعِدَّةِ.

وَلَوْ مِنْ طَلَاقِ ثَلَاثٍ - أَوْ كَانَ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْهُ بِسَبَبِ زِنًا أَوْ غَصْبٍ أَوْ غَلَطٍ (فَلَا) يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ وَطِئَهَا مُسْتَنِدًا لِعَقْدٍ أَوْ شُبْهَةٍ. (كَالْعَقْدِ) مُجَرَّدًا عَنْ وَطْءٍ: لَا يُؤَبَّدُ تَحْرِيمُهَا. (أَوْ الزِّنَا) الْمَحْضِ وَهُوَ مَا لَمْ يَسْتَنِدْ لِعَقْدٍ وَلَا شُبْهَةٍ: لَا يُؤَبَّدُ. (أَوْ وَطْءٍ بِمِلْكٍ أَوْ شُبْهَتِهِ فِي اسْتِبْرَاءٍ) : بِأَنْ وَطِئَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ الْمُسْتَبْرَأَةَ مِنْ زِنًا أَوْ مِنْ بَائِعِهَا لَهُ أَوْ مِنْ غَصْبٍ أَوْ شُبْهَةِ مِلْكٍ أَوْ وَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ يَظُنُّهَا أَمَتَهُ: لَمْ يَتَأَبَّدْ التَّحْرِيمُ، بِخِلَافِ وَطْءِ مَالِكِهَا أَوْ غَيْرِهِ يَظُنُّهَا أَمَتَهُ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ فَيَتَأَبَّدُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ تَأَبُّدَ التَّحْرِيمِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَمْ يَقُلْ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَلَا الشَّافِعِيَّةُ، لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ مِنْ طَلَاقِ ثَلَاثٍ] : أَيْ فَلَا يُؤَبَّدُ التَّحْرِيمُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ حَرَامًا، وَيُحَدُّ إنْ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَهَا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، وَلَا يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ إنْ كَانَ ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا غَيْرَ عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ كَمَا إذَا اسْتَنَدَ لِقَوْلِ مُفْتٍ يَعْتَقِدُ صِدْقَهُ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ، وَإِنْ كَانَ يَجِبُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا مَتَى اطَّلَعَ عَلَيْهِمَا، وَأَمَّا لَوْ أَقَرَّ بَعْدَ النِّكَاحِ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَهُ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِإِقْرَارِهِ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ ذَلِكَ، وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الَّتِي يَجْتَمِعُ فِيهَا الْحَدُّ مَعَ لُحُوقِ الْوَلَدِ. قَوْلُهُ: [أَوْ الزِّنَا الْمَحْضِ] : مُرَادُهُ مَا يَشْمَلُ الْغَصْبَ فَيَدْخُلُ فِيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً، وَهُوَ طُرُوُّ زِنًا أَوْ غَصْبٍ عَلَى نِكَاحٍ أَوْ شُبْهَتِهِ، أَوْ مِلْكٍ أَوْ شُبْهَتِهِ، أَوْ زِنًا أَوْ غَصْبٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ وَطْءٍ بِمِلْكٍ أَوْ شُبْهَتِهِ] : تَحْتَهُ ثَمَانٍ وَهِيَ: أَنْ يُقَالَ طَرَأَ مِلْكٌ أَوْ شُبْهَتُهُ عَلَى اسْتِبْرَاءٍ مِنْ مِلْكٍ أَوْ شُبْهَتِهِ، أَوْ زِنًا أَوْ غَصْبٍ، فَإِنَّ قَوْلَهُ فِي اسْتِبْرَاءٍ بَيَانٌ لِلْمَطْرُوِّ عَلَيْهِ، وَمُرَادُهُ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ خُصُوصِ الْمِلْكِ أَوْ شُبْهَتِهِ، أَوْ الزِّنَا أَوْ الْغَصْبِ لَا مِنْ شُبْهَةِ النِّكَاحِ، فَإِنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ عِدَّةِ النِّكَاحِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَهَذِهِ هِيَ الْعِشْرُونَ الَّتِي لَا تَأْبِيدَ، وَيُزَادُ عَلَيْهَا الْعَقْدُ الْمُجَرَّدُ وَتَحْتَهُ سِتُّ صُوَرٍ فَجُمْلَةُ الصُّوَرِ أَرْبَعٌ وَخَمْسُونَ تُؤْخَذُ مِنْ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ] : وَمِثْلُهُ شُبْهَتُهُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [لَمْ يَقُلْ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَلَا الشَّافِعِيَّةُ] : أَيْ فَلَوْ رُفِعَتْ الْمَسْأَلَةُ لِشَافِعِيٍّ أَوْ حَنَفِيٍّ،

[ما يجوز في الخطبة]

خِلَافُ الْأَصْلِ، وَلَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عِنْدَهُمْ. (وَجَازَ التَّعْرِيضُ) لِلْمُعْتَدَّةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] كَأَنْ يَقُولَ لَهَا: إنِّي الْيَوْمَ فِيك رَاغِبٌ أَوْ مُحِبٌّ أَوْ مُعْجَبٌ. أَوْ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَكُونُ خَيْرًا. وَهُوَ ضِدُّ التَّصْرِيحِ، وَهُوَ أَنْ يُظْهِرَ فِي كَلَامِهِ مَا يَصْلُحُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَقْصُودِهِ، وَيُسَمَّى تَلْوِيحًا لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْكَلَامَ فِي مَعْنَاهُ وَلَوَّحَ بِهِ إلَى إرَادَةٍ لَازِمَةٍ. (وَ) جَازَ (الْإِهْدَاءُ فِيهَا) : أَيْ فِي الْعِدَّةِ كَالْخُضَرِ وَالْفَوَاكِهِ وَغَيْرِهِمَا، لَا النَّفَقَةُ. فَلَوْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ. وَكَذَا لَوْ أَهْدَى أَوْ أَنْفَقَ لِمَخْطُوبَةٍ غَيْرِ مُعْتَدَّةٍ، ثُمَّ رَجَعَتْ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ الرُّجُوعُ مِنْ جِهَتِهَا إلَّا لِعُرْفٍ أَوْ شَرْطٍ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ الرُّجُوعُ مِنْ جِهَتِهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ فِي نَظِيرِ شَيْءٍ لَمْ يَتِمَّ، وَاسْتُظْهِرَ. (وَ) جَازَ (ذِكْرُ الْمَسَاوِئِ) : أَيْ الْعُيُوبِ فِي أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِيَحْذَرَ عَمَّنْ هِيَ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَكَمَ بِعَدَمِ تَأْبِيدِ التَّحْرِيمِ لَرُفِعَ الْخِلَافُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ. [مَا يَجُوز فِي الْخُطْبَة] قَوْلُهُ: [وَجَازَ التَّعْرِيضُ] : هُوَ لَفْظٌ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ لِيُلَوِّحَ بِهِ لِغَيْرِهِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ أَبَدًا وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهَا التَّعْبِيرُ عَنْ الْمَلْزُومِ بِاسْمِ اللَّازِمِ كَقَوْلِنَا فِي وَصْفِ شَخْصٍ بِالْكَرَمِ إنَّهُ كَثِيرُ الرَّمَادِ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ ضِدُّ التَّصْرِيحِ] : جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ التَّعْرِيضِ وَتَفْسِيرِهِ. قَوْلُهُ: [لَا النَّفَقَةُ] : أَيْ فَلَا يَجُوزُ إجْرَاءُ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ بَلْ يَحْرُمُ. قَوْلُهُ: [وَاسْتُظْهِرَ] : أَيْ اسْتَظْهَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ الشَّمْسُ اللَّقَانِيُّ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ ذِكْرُ الْمَسَاوِئِ] : أَيْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ اسْتَشَارَهُ الزَّوْجُ فِي التَّزَوُّجِ بِفُلَانَةَ أَنْ يَذْكُرَ لَهُ مَا يَعْلَمُهُ فِيهَا مِنْ الْعُيُوبِ لِيُحَذِّرَهُ مِنْهَا، وَيَجُوزُ لِمَنْ اسْتَشَارَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي التَّزَوُّجِ بِفُلَانٍ أَنْ يَذْكُرَ لَهَا مَا يَعْلَمُهُ فِيهِ مِنْ الْعُيُوبِ لِتَتَحَذَّرَ مِنْهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ ذِكْرِ الْمَسَاوِئِ لِلْمُسْتَشَارِ إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَعْرِفُ حَالَ

(وَكُرِهَ عِدَةٌ مِنْ أَحَدِهِمَا) : أَيْ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ فِي الْعِدَّةِ كَأَنْ يَقُولَ لَهَا: أَتَزَوَّجُك بَعْدَ الْعِدَّةِ أَوْ عَكْسُهُ، فَيَسْكُتُ الْمُخَاطَبُ مِنْهُمَا، وَأَمَّا الْمُوَاعَدَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَحَرَامٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ الْكَرَاهَةُ إذَا كَانَ الْمُتَكَلِّمُ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُخَاطَبَ لَا يُجِيبُهُ بِشَيْءٍ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لَهَا. (وَ) كُرِهَ (تَزَوُّجُ) امْرَأَةٍ (زَانِيَةٍ) : أَيْ مَشْهُورَةٍ بِذَلِكَ وَلَوْ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ. وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهَا بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ. (وَ) كُرِهَ تَزَوُّجُ امْرَأَةٍ (مُصَرَّحٍ لَهَا بِالْخِطْبَةِ فِيهَا) : أَيْ فِي الْعِدَّةِ، أَيْ يُكْرَهُ لَهُ تَزَوُّجُهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ إنْ صَرَّحَ لَهَا بِالْخِطْبَةِ فِيهَا. (وَنُدِبَ فِرَاقُهَا) أَيْ مَنْ ذُكِرَ مِنْ الزَّانِيَةِ وَالْمُصَرَّحِ لَهَا بِالْخِطْبَةِ إنْ وَقَعَ التَّزَوُّجُ بِهَا. ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْأَرْكَانِ وَشُرُوطِهَا، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، وَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الصِّيغَةِ لِقِلَّةِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا فَيَتَفَرَّغُ مِنْهَا لِغَيْرِهَا فَقَالَ: (وَالصِّيغَةُ) الَّتِي هِيَ أَحَدُ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ أَوْ الْخَمْسَةِ هِيَ (اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى النِّكَاحِ، أَيْ عَلَى حُصُولِهِ وَتَحَقُّقِهِ إيجَابًا وَقَبُولًا. وَمَثَّلَ لِلْإِيجَابِ الصَّرِيحِ بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَسْئُولِ عَنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ الْمُسْتَشَارُ، وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْبَيَانُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّصِيحَةِ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْجُزُولِيِّ، وَهُنَاكَ طَرِيقَةٌ أُخْرَى تُوجِبُ عَلَيْهِ ذِكْرَ الْمَسَاوِئِ مُطْلَقًا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَعْرِفُ تِلْكَ الْمَسَاوِئَ غَيْرُهُ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهَا] : أَيْ هَذَا إذَا ثَبَتَ عَلَيْهَا بِالْبَيِّنَةِ، بَلْ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ، وَأَمَّا مَنْ يَتَكَلَّمُ فِيهَا وَلَيْسَتْ مَشْهُورَةً بِذَلِكَ فَلَا كَرَاهَةَ فِي زَوَاجِهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ تَزَوُّجِ الْمَرْأَةِ الَّتِي اُشْتُهِرَتْ بِالزِّنَا إذَا لَمْ تُحَدَّ، أَمَّا إذَا حُدَّتْ فَلَا كَرَاهَةَ فِي زَوَاجِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحُدُودَ جَوَابِرُ، هَكَذَا قِيلَ وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ وَلَا يُقَالُ إنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: 3] يُفِيدُ حُرْمَةَ نِكَاحِهَا لِأَنَّهُ يُقَالُ الْمُرَادُ لَا يَنْكِحُهَا فِي حَالِ زِنَاهَا، أَوْ أَنَّهُ بَيَانٌ لِلَّائِقِ بِهَا أَوْ أَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ. قَوْلُهُ: [أَيْ مَنْ ذُكِرَ مِنْ الزَّانِيَةِ] إلَخْ: أَيْ وَإِذْ فَارَقَ الزَّانِيَةَ الْمُبِيحَةَ فَرْجَهَا

[أركان النكاح وشروطها وما يتعلق بها]

(كَ: أَنْكَحْت وَزَوَّجْت) أَيْ كَقَوْلِ الْوَلِيِّ: أَنْكَحْتُكَ بِنْتِي فُلَانَةَ، أَوْ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي أَوْ مُوَكِّلَتِي فُلَانَةَ، وَلَوْ لَمْ يُسَمِّ صَدَاقًا كَمَا يَأْتِي فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ: وَهَبْتُكَ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ صَدَاقٍ وَإِلَّا لَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ. وَالْمُضَارِعُ نَحْوُ: أُزَوِّجُكَ، إنْ قَامَتْ الْقَرِينَةُ عَلَى الْإِنْشَاءِ لَا الْوَعْدِ كَالْمَاضِي. وَمَثَّلَ لِلْقَبُولِ بِقَوْلِهِ: (وَكَ: - قَبِلْتُ) وَرَضِيتُ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ وَكِيلِهِ، وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ. وَصَحَّ تَقْدِيمُ الْقَبُولِ مِنْ الزَّوْجِ كَأَنْ يَقُولَ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ، فَيَقُولُ الْوَلِيُّ: زَوَّجْتُكَ إيَّاهَا فَيَنْعَقِدُ. وَلَا تَكْفِي الْإِشَارَةُ وَلَا الْكِتَابَةُ إلَّا لِضَرُورَةِ خَرَسٍ. (وَلَزِمَ) النِّكَاحُ بِمُجَرَّدِ الصِّيغَةِ لِأَنَّهُ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ بِلَا خِيَارٍ (وَلَوْ بِالْهَزْلِ) : ضِدُّ الْجِدِّ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالرَّجْعَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْغَيْرِ فَلَا صَدَاقَ لَهَا حَيْثُ تَزَوَّجَ بِهَا غَيْرَ عَالِمٍ بِذَلِكَ. [أَرْكَان النِّكَاح وَشُرُوطِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا] [الرُّكْن الْأَوَّل الصِّيغَة] قَوْلُهُ: [فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ صَدَاقٍ] : أَيْ حَقِيقَةً بِأَنْ يَقُولَ: وَهَبْتهَا لَك بِصَدَاقٍ قَدْرُهُ كَذَا، أَوْ حُكْمًا كَأَنْ يَقُولَ: وَهَبْتهَا لَك تَفْوِيضًا. قَوْلُهُ: [وَالْمُضَارِعُ] إلَخْ: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَمُضَارِعُهُمَا كَمَاضِيهِمَا وَاعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ قَائِلًا فِيهِ نَظَرٌ، إذْ الْعُقُودُ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي دُونَ الْمُضَارِعِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْوَعْدُ وَفِي الْمَاضِي اللُّزُومُ (اهـ) فَمِنْ أَجْلِ هَذِهِ الْمُنَاقَشَةِ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ قَيَّدَ شَارِحُنَا الْمُضَارِعَ بِقَوْلِهِ: " إنْ قَامَتْ الْقَرِينَةُ " إلَخْ. قَوْلُهُ: [كَالْمَاضِي] : وَمِنْ بَابٍ أَوْلَى صِيغَةُ الْأَمْرِ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْإِنْشَاءِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ] : تَقَدَّمَ أَنَّهُ الْخُطْبَةُ أَوْ قَدْرُهَا. قَوْلُهُ: [كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ] إلَخْ: أَيْ فَقَدْ وَرَدَ: «ثَلَاثَةٌ هَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: " وَالرَّجْعَةُ " بَدَلُ الْعِتْقِ.

[الركن الثاني من أركان النكاح الولي]

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الرُّكْنِ الثَّانِي: وَهُوَ الْوَلِيُّ، مُقَسِّمًا لَهُ إلَى مُجْبِرٍ وَغَيْرِهِ فَقَالَ: (وَالْوَلِيُّ) قِسْمَانِ: (مُجْبِرٌ وَغَيْرُهُ) . (فَالْمُجْبِرُ) أَحَدُ ثَلَاثَةٍ: الْأَوَّلُ: (الْمَالِكُ) لِأَمَةٍ أَوْ عَبْدٍ لَهُ جَبْرُهُ عَلَى النِّكَاحِ (وَلَوْ) كَانَ الْمَالِكُ (أُنْثَى) ؛ فَلَهَا جَبْرُ أَمَتِهَا أَوْ عَبْدِهَا عَلَى النِّكَاحِ، وَلَكِنْ تُوَكِّلُ فِي الْعَقْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: اُخْتُلِفَ فِي كُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي الْبَقَاءَ مُدَّةَ الْحَيَاةِ، كَبِعْتُ أَوْ مَلَّكْت أَوْ أَحْلَلْت أَوْ أَعْطَيْت أَوْ مَنَحْت، وَهَلْ هِيَ كَوَهَبْتُ يَنْعَقِدُ بِهَا النِّكَاحُ إنْ سَمَّى صَدَاقًا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا؟ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَصَّارِ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ وَالْبَاجِيِّ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ، أَوْ لَا يَنْعَقِدُ بِهَا وَلَوْ سَمَّى صَدَاقًا؟ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ كَكُلِّ لَفْظٍ لَا يَقْتَضِي الْبَقَاءَ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ اتِّفَاقًا كَالْحَبْسِ وَالْوَقْفِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْعُمْرَى، فَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأَقْسَامَ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ: يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ سَمَّى صَدَاقًا أَمْ لَا، وَهُوَ أَنْكَحْت وَزَوَّجْت. وَالثَّانِي: يَنْعَقِدُ إنْ سَمَّى صَدَاقًا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَهُوَ وَهَبْت فَقَطْ. وَالثَّالِثُ: مَا فِيهِ الْخِلَافُ وَهُوَ كُلُّ لَفْظٍ يَقْتَضِي الْبَقَاءَ مُدَّةَ الْحَيَاةِ. وَالرَّابِعُ: مَا لَا يَنْعَقِدُ بِهِ مُطْلَقًا اتِّفَاقًا وَهُوَ كُلُّ لَفْظٍ لَا يَقْتَضِي الْبَقَاءَ مُدَّةَ الْحَيَاةِ. الثَّانِي: يَلْزَمُ النِّكَاحُ بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْآخَرُ، وَلَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِ الْهَزْلِ، لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْخِيَارُ إلَّا خِيَارُ الْمَجْلِسِ، فَهُوَ مَعْمُولٌ بِهِ عِنْدَنَا فِي خُصُوصِ النِّكَاحِ إذَا اُشْتُرِطَ. [الرُّكْن الثَّانِي مِنْ أَرْكَان النِّكَاح الْوَلِيّ] [الْأَوَّل مِنْ الْوَلِيّ المجبر الْمَالِك لِأَمَةٍ أَوْ عَبْد] قَوْلُهُ: [الْأَوَّلُ الْمَالِكُ] : قَدَّمَهُ لِقُوَّةِ تَصَرُّفِهِ لِأَنَّهُ يُزَوِّجُ الْأَمَةَ مَعَ وُجُودِ أَبِيهَا وَلَهُ جَبْرُ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ وَالْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، لِأَنَّهُمَا مَالٌ مِنْ أَمْوَالِهِ وَلَهُ أَنْ يُصْلِحَ مَالَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ. قَوْلُهُ: [وَلَكِنْ تُوَكِّلُ فِي الْعَقْدِ] : أَيْ عَلَى الْأَمَةِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَلَهَا الْعَقْدُ بِنَفْسِهَا، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَالِكِ الْمُجْبِرِ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالرُّشْدُ، فَإِنَّ الْكَافِرَ لَا نَتَعَرَّضُ لَهُ فِي مَمْلُوكِهِ الْكَافِرِ، فَإِنْ كَانَ مَمْلُوكُهُ مُسْلِمًا فَلَا يُقَرُّ تَحْتَ يَدِهِ، بَلْ يُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهِ مِنْ يَدِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمَالِكُ عَبْدًا فَالْجَبْرُ لِمَالِكِهِ مَا لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ الْمَالِكُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ، أَوْ مُكَاتَبًا فَإِنَّهُ يُجْبِرُ رَقِيقَهُ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ لَا يَتَوَلَّى الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ

وُجُوبًا (إلَّا لِضَرَرٍ) يَلْحَقُ الْمَمْلُوكَ فِي النِّكَاحِ، كَالتَّزْوِيجِ مِنْ ذِي عَاهَةٍ فَلَا جَبْرَ لِلْمَالِكِ وَيُفْسَخُ وَلَوْ طَالَ. وَلِلْمَالِكِ الْجَبْرُ (وَلَوْ) كَانَ الْمَمْلُوكُ عَبْدًا (مُدَبَّرًا أَوْ مُعْتَقًا لِأَجَلٍ، مَا لَمْ يَمْرَضْ السَّيِّدُ) فِي الْمُدَبَّرِ (أَوْ يَقْرُبْ الْأَجَلُ) فِي الْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ. وَأَمَّا الْأُنْثَى الْمُدَبَّرَةُ أَوْ الْمَعْتُوقَةُ لِأَجَلٍ فَالْأَصَحُّ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ عَدَمُ الْجَبْرِ مُطْلَقًا، (وَإِلَّا) - بِأَنْ مَرِضَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ أَوْ قَرُبَ أَجَلُ الْعِتْقِ كَالثَّلَاثَةِ الْأَشْهُرِ فَدُونَ - (فَلَا) جَبْرَ لِمَالِكِهِ. (كَمُكَاتَبٍ وَمُبَعَّضٍ) لَا جَبْرَ لِسَيِّدِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ وَالْبَعْضُ تَعَلَّقَتْ بِهِ الْحُرِّيَّةُ. (وَكُرِهَ) لِسَيِّدٍ (جَبْرُ أُمِّ وَلَدِهِ) بَعْدَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا عَلَى النِّكَاحِ، فَإِنْ جَبَرَهَا صَحَّ (عَلَى الْأَصَحِّ) وَقِيلَ: لَا جَبْرَ لَهُ عَلَيْهَا، فَإِنْ جَبَرَهَا لَمْ يَمْضِ. فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْأُنْثَى بِشَائِبَةٍ لَا تُجْبَرُ - عَلَى الْأَصَحِّ - إلَّا أُمُّ الْوَلَدِ فَتُجْبَرُ عَلَى الْأَصَحِّ بِكُرْهٍ، وَأَنَّ الذَّكَرَ بِشَائِبَةٍ لَا يُجْبَرُ، إلَّا الْمُدَبَّرُ وَالْمُعْتَقُ لِأَجَلٍ إذَا لَمْ يَمْرَضْ السَّيِّدُ وَلَمْ يَقْرُبْ الْأَجَلُ. (وَجَبْرُ الشُّرَكَاءِ) مَمْلُوكَهُمْ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (إنْ اتَّفَقُوا) عَلَى تَزْوِيجِهِ، لَا إنْ خَالَفَ بَعْضُهُمْ، فَلَيْسَ لِلْآخَرِ جَبْرٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي تَزْوِيجِ الْأَمَةِ فَهُوَ كَالْمَرْأَةِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ سَفِيهًا فَالْجَبْرُ لِوَلِيِّهِ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ جَبْرُ سَيِّدِهِمَا عَلَى التَّزْوِيجِ لَهُمَا، وَلَوْ حَصَلَ لَهُمَا الضَّرَرُ بِعَدَمِهِ، بَلْ وَلَوْ قَصَدَ إضْرَارَهُمَا بِعَدَمِهِ، وَلَا يُؤْمَرُ بِبَيْعٍ وَلَا تَزْوِيجٍ، لِأَنَّ الضَّرَرَ إنَّمَا يَجِبُ رَفْعُهُ إذَا كَانَ فِيهِ مِثْلُ حَقٍّ وَاجِبٍ، وَلَا حَقَّ لَهُمَا فِي النِّكَاحِ، وَمَا فِي التَّوْضِيحِ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ بِمَنْعِهِمَا الضَّرَرَ أُمِرَ بِالْبَيْعِ أَوْ التَّزْوِيجِ ضَعِيفٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ح. قَوْلُهُ: [فَإِنْ جَبَرَهَا لَمْ يَمْضِ] : أَيْ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ الْجَبْرِ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ، وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ وَهُوَ رِوَايَةُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَوْلُهُ: [فَلَيْسَ لِلْآخَرِ جَبْرٌ] : أَيْ بَلْ إنَّ عَقْدَ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ كَانَ لِلْآخَرِ الْإِجَازَةُ، وَالرَّدُّ إنْ كَانَ فِيهَا بَعْضُ حُرِّيَّةٍ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَبْعِيضٌ تَحَتَّمَ الرَّدُّ كَذَا فِي (ر) وَاَلَّذِي فِي (ح) أَنَّهُ يَتَحَتَّمُ الرَّدُّ مُطْلَقًا لَوْ فِيهَا بَعْضُ

[الثاني من الولي المجبر الأب]

الثَّانِي مِنْ الْوَلِيِّ الْمُجْبِرِ: الْأَبُ. وَرُتْبَتُهُ بَعْدَ رُتْبَةِ السَّيِّدِ فَلَا كَلَامَ لِأَبٍ مَعَ وُجُودِ سَيِّدِ ابْنَتِهِ، وَلِذَا أَتَى بِالْفَاءِ الْمُشْعِرَةِ بِتَأَخُّرِ رُتْبَتِهِ فَقَالَ: (فَأَبٌ) : لَهُ الْجَبْرُ وَلَوْ بِدُونِ صَدَاقِ الْمِثْلِ وَلَوْ لِأَقَلِّ حَالٍ مِنْهَا أَوْ لِقَبِيحِ مَنْظَرٍ لِثَلَاثَةٍ مِنْ بَنَاتِهِ. أَشَارَ لِلْأُولَى بِقَوْلِهِ: (لِبِكْرٍ) مَا دَامَتْ بِكْرًا (وَلَوْ عَانِسًا) بَلَغَتْ مِنْ الْعُمْرِ سِتِّينَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ. (إلَّا إذَا رَشَّدَهَا) الْأَبُ: أَيْ جَعَلَهَا رَشِيدَةً أَوْ أَطْلَقَ الْحَجْرَ عَنْهَا لِمَا قَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــQحُرِّيَّتِهِ وَاخْتَارَهُ بْن [الثَّانِي مِنْ الْوَلِيّ المجبر الْأَب] قَوْلُهُ: [فَأَبٌ] : أَيْ رَشِيدٌ وَإِلَّا فَالْكَلَامُ لِوَلِيِّهِ هَكَذَا فِي الْأَصْلِ تَبَعًا لِ (عب) وَالْخَرَشِيِّ، وَلَكِنْ قَالَ بْن فِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ السَّفِيهَ ذَا الرَّأْيِ أَيْ الْعَقْلِ وَالدِّينِ لَهُ جَبْرُ بِنْتِهِ وَإِنْ كَانَ نَاقِصَ التَّمْيِيزِ، خُصَّ وَلِيُّهُ بِالنَّظَرِ فِي تَعْيِينِ الزَّوْجِ. وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ يَلِي الْعَقْدَ هَلْ الْوَلِيُّ. أَوْ الْأَبُ، فَلِذَلِكَ أَطْلَقَ شَارِحُنَا وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالرُّشْدِ اتِّكَالًا عَلَى مَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [بَلَغَتْ مِنْ الْعُمْرِ سِتِّينَ سَنَةً] : الْمُرَادُ أَنَّهَا طَالَتْ إقَامَتُهَا عِنْدَ أَبِيهَا وَعَرَفَتْ مَصَالِحَ نَفْسِهَا قَبْلَ الزَّوَاجِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ جَبْرِ الْبِكْرِ وَلَوْ عَانِسًا هُوَ الْمَشْهُورُ، خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ حَيْثُ قَالَ لِلْأَبِ جَبْرُ الْبِكْرِ مَا لَمْ تَكُنْ عَانِسًا، لِأَنَّهَا لَمَّا عَنَسَتْ صَارَتْ كَالثَّيِّبِ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ الْعِلَّةُ فِي الْجَبْرِ الْبَكَارَةُ أَوْ الْجَهْلُ بِمَصَالِحِ النِّسَاءِ، فَالْمَشْهُورُ نَاظِرٌ لِلْأَوَّلِ وَابْنُ وَهْبٍ نَاظِرٌ لِلثَّانِيَّ. قَوْلُهُ: [إلَّا إذَا رَشَّدَهَا الْأَبُ] : أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهَا بَالِغَةٌ إذْ الصَّغِيرَةُ لَا تُرَشَّدُ، ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ جَبْرِ الْمُرَشَّدَةِ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَهُ جَبْرُهَا، وَكَمَا لَا يَجْبُرُهَا الْأَبُ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا حَجْرَ لَهُ عَلَيْهَا فِي الْمُعَامَلَةِ، وَمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَ (عب) مِنْ بَقَاءِ الْحَجْرِ عَلَيْهَا فِي الْمُعَامَلَةِ غَيْرُ صَوَابٍ، إذْ التَّرْشِيدُ لَا يَتَبَعَّضُ فَلَا يَكُونُ فِي أَمْرٍ دُونَ آخَرَ كَذَا فِي بْن. وَمِثْلُ الْبِكْرِ الَّتِي رَشَّدَهَا الْأَبُ الْبِكْرُ الَّتِي رَشَّدَهَا الْوَصِيُّ، وَفِي بَقَاءِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهَا قَوْلَانِ الرَّاجِحُ بَقَاؤُهَا كَمَا هُوَ، نَقَلَ الْمُتَيْطِيُّ عَنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَكِنْ لَا يُزَوِّجُهَا إلَّا بِرِضَاهَا، وَأَمَّا لَوْ رَشَّدَ الْوَصِيُّ الثَّيِّبَ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَالْوِلَايَةُ لِأَقَارِبِهَا.

بِهَا مِنْ حُسْنِ التَّصَرُّفِ فَلَا جَبْرَ لَهُ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ. وَلَا بُدَّ أَنْ تَأْذَنَ بِالْقَوْلِ كَمَا يَأْتِي: (أَوْ أَقَامَتْ) بَعْدَ أَنْ دَخَلَ بِهَا زَوْجٌ (سَنَةً) فَأَكْثَرَ (بِبَيْتِ زَوْجِهَا) ، ثُمَّ تَأَيَّمَتْ وَهِيَ بِكْرٌ فَلَا جَبْرَ لَهُ عَلَيْهَا تَنْزِيلًا لِإِقَامَتِهَا بِبَيْتِ الزَّوْجِ سَنَةً مَنْزِلَةَ الثُّيُوبَةِ. وَأَشَارَ لِلثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ: (وَثَيِّبٍ) عَطْفٌ عَلَى بِكْرٍ، (صَغُرَتْ) بِأَنْ لَمْ تَبْلُغْ فَتَأَيَّمَتْ بَعْدَ أَنْ أَزَالَ الزَّوْجُ بَكَارَتَهَا؛ فَلَهُ جَبْرُهَا لِصِغَرِهَا إذْ لَا عِبْرَةَ بِثُيُوبَتِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. (أَوْ) كَبِرَتْ بِأَنْ بَلَغَتْ وَزَالَتْ بَكَارَتُهَا (بِزِنًا وَلَوْ تَكَرَّرَ) مِنْهَا الزِّنَا حَتَّى زَالَ جِلْبَابُ الْحَيَاءِ عَنْ وَجْهِهَا، (أَوْ وَلَدَتْ) مِنْهُ فَلَهُ جَبْرُهَا وَلَا حَقَّ لِوِلَادَتِهَا مِنْ الزِّنَا مَعَهُ. (أَوْ) زَالَتْ بَكَارَتُهَا (بِعَارِضٍ) كَوَثْبَةٍ أَوْ ضَرْبَةٍ أَوْ بِعُودٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَهُ جَبْرُهَا وَلَوْ عَانِسًا (لَا) إنْ زَالَتْ (بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ) وَلَوْ مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ فَلَيْسَ لَهُ جَبْرُهَا (إنْ دَرَأَ) أَيْ مَنَعَ (الْحَدَّ) لِشُبْهَةٍ، وَإِلَّا فَلَهُ جَبْرُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَهِيَ بِكْرٌ] : أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهَا تَدَّعِي الْبَكَارَةَ وَأَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَمَسَّهَا مَعَ ثُبُوتِ الْخَلْوَةِ بَيْنَهُمَا، وَسَوَاءٌ كَذَّبَهَا الزَّوْجُ أَوْ وَافَقَهَا، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى إذَا جُهِلَتْ الْخَلْوَةُ، وَأَمَّا لَوْ عُلِمَ عَدَمُ الْخَلْوَةِ بَيْنَهُمَا وَعَدَمُ الْوُصُولِ إلَيْهَا فَإِجْبَارُ الْأَبِ بَاقٍ، وَلَوْ أَقَامَتْ عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ. قَوْلُهُ: [فَلَهُ جَبْرُهَا لِصِغَرِهَا] : ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَجْبُرُهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ، فَإِنْ ثُيِّبَتْ وَتَأَيَّمَتْ قَبْلَ الْبُلُوغِ ثُمَّ بَلَغَتْ قَبْلَ النِّكَاحِ فَلَا تُجْبَرُ، وَهُوَ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَمُقَابِلُهُ مَا لِسَحْنُونٍ مِنْ الْجَبْرِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: [أَوْ بِزِنًا] : أَوْ حَرْفُ عَطْفٍ وَالْمَعْطُوفُ مَحْذُوفٌ قَدَّرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ كَبِرَتْ، وَبِزِنًا مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ قَدَّرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَزَالَتْ بَكَارَتُهَا، وَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ صَغُرَتْ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ تَكَرَّرَ مِنْهَا الزِّنَا] : أَيْ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ إنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ مِنْهَا الزِّنَا وَإِلَّا فَلَا يَجْبُرُهَا. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَلَهُ جَبْرُهَا] : أَيْ لِأَنَّهُ زِنًا.

[الثالث من الولي المجبر وصي الأب]

وَأَشَارَ لِلثَّالِثَةِ بِقَوْلِهِ: (وَ) لِأَبٍ جَبْرُ (مَجْنُونَةٍ) بَالِغًا ثَيِّبًا لِعَدَمِ تَمْيِيزِهَا. وَلَا كَلَامَ لِوَلَدِهَا مَعَهُ إنْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ رَشِيدٌ، (إلَّا مَنْ تُفِيقُ) مِنْ جُنُونِهَا أَحْيَانًا (فَتُنْتَظَرُ) إفَاقَتُهَا لِتُسْتَأْذَنَ وَلَا تُجْبَرَ. وَمَحَلُّ جَبْرِ الْأَبِ فِي الثَّلَاثَةِ إذْ لَمْ يَلْزَمْ عَلَى تَزْوِيجِهَا ضَرَرٌ عَادَةً، كَتَزْوِيجِهَا مِنْ خَصِيٍّ أَوْ ذِي عَاهَةٍ؛ كَجُنُونٍ وَبَرَصٍ وَجُذَامٍ مِمَّا يُرَدُّ الزَّوْجُ بِهِ شَرْعًا وَإِلَّا فَلَا جَبْرَ لَهُ. الثَّالِثُ مِنْ الْوَلِيِّ الْمُجْبِرِ: وَصِيُّ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (فَوَصِيُّهُ) : أَيْ الْأَبِ، لَهُ الْجَبْرُ فِيمَا لِلْأَبِ فِيهِ جَبْرٌ. وَمَحَلُّهُ (إنْ عَيَّنَ لَهُ) الْأَبُ (الزَّوْجَ) بِأَنْ قَالَ لَهُ: زَوِّجْهَا مِنْ فُلَانٍ، فَلَهُ جَبْرُهَا عَلَيْهِ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِ إنْ بَذَلَ مَهْرَ الْمِثْلِ، بِخِلَافِ الْأَبِ لَهُ جَبْرُهَا مُطْلَقًا. (أَوْ أَمَرَهُ) الْأَبُ (بِهِ) : أَيْ بِالْجَبْرِ بِأَنْ قَالَ: اُجْبُرْهَا، وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَلَوْ ضِمْنًا، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: زَوِّجْهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ أَوْ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ شِئْت. (أَوْ) أَمَرَهُ (بِالنِّكَاحِ) وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الزَّوْجَ وَلَا الْإِجْبَارَ بِأَنْ قَالَ لَهُ: زَوِّجْهَا أَوْ أَنْكِحْهَا أَوْ زَوِّجْهَا مِمَّنْ أَحْبَبْت أَوْ لِمَنْ تَرْضَاهُ؛ فَلَهُ الْجَبْرُ، وَمُقَابِلُهُ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. ثُمَّ شَبَّهَ فِي الْجَبْرِ قَوْلَهُ: (كَأَنْتَ وَصِيِّي عَلَيْهَا) : أَيْ عَلَى بِنْتِي أَوْ بَنَاتِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بَالِغًا ثَيِّبًا] : أَيْ وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ أَوْ الْبِكْرُ فَلَهُ جَبْرُهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ مَجْنُونَةً أَوْ عَاقِلَةً. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَلَا جَبْرَ لَهُ] : أَيْ لِمَا فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ» قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْأَبِ لَهُ جَبْرُهَا مُطْلَقًا] : أَيْ وَلَوْ عَلَى دُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ مَا لَمْ يَكُنْ ذَا عَاهَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يُزَوِّجُ إلَّا بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ، لَا يُعَارِضُهُ مَا يَأْتِي فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ الرِّضَا بِدُونِهِ لِلْوَصِيِّ، قِيلَ لِأَنَّ مَا هُنَا قَبْلَ الْعَقْدِ وَمَا يَأْتِي بَعْدَهُ لِمَصْلَحَةِ عَدَمِ الْفِرَاقِ. [الثَّالِث مِنْ الْوَلِيّ المجبر وَصِيّ الْأَب] قَوْلُهُ: [كَأَنْتَ وَصِيِّي عَلَيْهَا] : حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْأَبَ إذَا قَالَ لِلْوَصِيِّ: أَنْتَ وَصِيِّي عَلَى بُضْعِ بَنَاتِي، أَوْ عَلَى نِكَاحِ بَنَاتِي أَوْ عَلَى تَزْوِيجِهِنَّ، أَوْ وَصِيِّي عَلَى بِنْتِي تُزَوِّجُهَا مِمَّنْ أَحْبَبْت، لَهُ الْجَبْرُ عَلَى الرَّاجِحِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ النِّكَاحِ أَوْ

أَوْ عَلَى بَعْضِهَا أَوْ بَعْضِهِنَّ فَلَهُ الْجَبْرُ (عَلَى الْأَرْجَحِ) عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: النَّقْلُ يُفِيدُ أَرْجَحِيَّةَ عَدَمِ الْجَبْرِ لِقَوْلِ أَبِي الْحَسَنِ: بِخِلَافِ وَصِيِّي فَقَطْ أَوْ وَصِيِّي عَلَى بُضْعِ بَنَاتِي أَوْ عَلَى تَزْوِيجِهِنَّ فَلَا جَبْرَ. وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهَا إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَهُ الْجَبْرُ. (وَهُوَ) : أَيْ الْوَصِيُّ (فِي الثَّيِّبِ) الْبَالِغَةِ - إذَا أَمَرَهُ الْأَبُ بِتَزْوِيجِهَا، أَوْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ وَصِيِّي عَلَى إنْكَاحِهَا - (كَأَبٍ) مَرْتَبَتُهُ بَعْدَ الِابْنِ. وَلَا جَبْرَ؛ فَإِنْ زَوَّجَهَا مَعَ وُجُودِ الِابْنِ جَازَ عَلَى الِابْنِ، وَإِنْ زَوَّجَهَا الْأَخُ بِرِضَاهَا جَازَ عَلَى الْوَصِيِّ لِصِحَّةِ عَقْدِ الْأَبْعَدِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ. (ثُمَّ) بَعْدَ السَّيِّدِ وَالْأَبِ وَوَصِيِّهِ فِي الْبِكْرِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ (لَا جَبْرَ) لِأَحَدٍ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى أُنْثَى صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ جَبْرٌ (فَإِنَّمَا تُزَوَّجُ بَالِغٌ) لَا صَغِيرَةٌ (بِإِذْنِهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّزْوِيجِ أَوْ الْبُضْعِ فَالرَّاجِحُ عَدَمُ الْجَبْرِ، كَمَا إذَا قَالَ: أَنْتَ وَصِيِّي عَلَى بَنَاتِي أَوْ عَلَى بَعْضِ بَنَاتِي أَوْ عَلَى بِنْتِي فُلَانَةَ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ: أَنْتَ وَصِيِّي فَقَطْ أَوْ عَلَى مَالِي أَوْ بَيْعِ تَرِكَتِي أَوْ قَبْضِ دَيْنِي، فَلَا جَبْرَ اتِّفَاقًا، فَلَوْ زَوَّجَ جَبْرًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَاسْتَظْهَرَ الْأُجْهُورِيُّ الْإِمْضَاءَ وَتَوَقَّفَ فِيهِ النَّفْرَاوِيُّ، وَأَمَّا إنْ زَوَّجَ بِلَا جَبْرٍ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ، هَذَا هُوَ تَحْرِيرُ الْمَسْأَلَةِ فَلْيُحْفَظْ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ فِي هَذَا الْمَقَامِ غَيْرُ وَاضِحٍ. وَقَوْلُهُ: [جَازَ عَلَى الِابْنِ] : أَيْ مَضَى بَعْدَ الْوُقُوعِ وَإِلَّا فَالِابْنُ مُقَدَّمٌ كَمَا أَنَّ الْوَصِيَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَخِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. تَنْبِيهٌ: اسْتَثْنَى الْعُلَمَاءُ مِنْ وُجُوبِ الْفَوْرِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَسْأَلَةً نَصَّ عَلَيْهَا أَصْبَغُ، وَهِيَ: أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ إنْ مِتّ فَقَدْ زَوَّجْت ابْنَتِي فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ، فَهَذَا يَصِحُّ طَالَ الْأَمْرُ أَوْ لَا، قَبِلَ الزَّوْجُ النِّكَاحَ بِقُرْبِ الْمَوْتِ أَوْ بَعْدَ الطُّولِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَيَّدَ سَحْنُونَ الصِّحَّةَ بِمَا إذَا قَبِلَ الزَّوْجُ النِّكَاحَ بِقُرْبِ مَوْتِ الْأَبِ، لِأَنَّ الْعُقُودَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ بِقُرْبِهَا وَلَا سِيَّمَا عَقْدُ النِّكَاحِ، فَإِنَّ الْفُرُوجَ يُحْتَاطُ فِيهَا، وَإِنَّمَا اُسْتُثْنِيَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لِأَنَّهَا مِنْ وَصَايَا الْمُسْلِمِينَ، فَيَجِبُ إنْفَاذُهَا حَيْثُ وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ كَانَ الْمَرَضُ مَخُوفًا أَمْ لَا فَتَدَبَّرْ.

وَرِضَاهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ الْبَالِغُ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا. وَسَيَأْتِي أَنَّ إذْنَ الْبِكْرِ صُمَاتُهَا، وَأَنَّ الثَّيِّبَ تُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهَا. وَمَصَبُّ الْحَصْرِ كِلَا الْأَمْرَيْنِ: أَيْ لَا تُزَوَّجُ إلَّا بَالِغٌ، وَلَا تُزَوَّجُ إلَّا بِإِذْنِهَا؛ فَمَتَى فُقِدَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ فَسَدَ النِّكَاحُ وَفَسَدَ أَبَدًا عَلَى مَا شَهَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي الصَّغِيرَةِ، وَشَهَرَ الْمُتَيْطِيُّ فِيهَا أَنَّهُ يُفْسَخُ مَا لَمْ يَطُلْ. ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ مَفْهُومِ: " بَالِغٌ " قَوْلَهُ: (إلَّا) صَغِيرَةً (يَتِيمَةً) وَالتَّصْرِيحُ بِ " يَتِيمَةٍ " مِنْ التَّصْرِيحِ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُجْبَرَةِ مَتَى كَانَتْ صَغِيرَةً كَانَتْ يَتِيمَةً إذْ لَوْ كَانَ لَهَا أَبٌ لَكَانَ مُجْبِرًا لَهَا. فَمَحَطُّ الِاسْتِثْنَاءِ قَوْلُهُ: (خِيفَ عَلَيْهَا) إمَّا لِفَسَادِهَا فِي الدِّينِ بِأَنْ يَتَرَدَّدَ عَلَيْهَا أَهْلُ الْفُسُوقِ، أَوْ تَتَرَدَّدُ هِيَ عَلَيْهِمْ، أَوْ تَكُونَ بِجِوَارِهِمْ حَتَّى تَتَطَبَّعَ بِطِبَاعِهِمْ وَتَمِيلَ إلَى الْهَوَى، وَإِمَّا لِضَيَاعِهَا فِي الدُّنْيَا لِفَقْرِهَا وَقِلَّةِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا أَوْ لِخَوْفِ ضَيَاعِ مَالِهَا. فَقَوْلُنَا " خِيفَ عَلَيْهَا " ظَاهِرٌ فِي شُمُولِ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ " خِيفَ فَسَادُهَا ". (وَبَلَغَتْ عَشْرًا) مِنْ السِّنِينَ لِأَنَّهَا صَارَتْ فِي سِنِّ مَنْ تُوطَأُ. (وَشُووِرَ الْقَاضِي) بِسُكُونِ الْوَاوِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ: مِنْ الْمُشَاوَرَةِ لِيَثْبُتَ عِنْدَهُ مَا ذُكِرَ، وَأَنَّهَا خَلِيَّةٌ مِنْ زَوْجٍ وَعِدَّةٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَوَانِعِ الشَّرْعِيَّةِ، وَرِضَاهَا بِالزَّوْجِ وَأَنَّهُ كُفْؤُهَا فِي الدِّينِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْحَالِ وَأَنَّ الْمَهْرَ مَهْرُ مِثْلِهَا، (فَيَأْذَنُ لِوَلِيِّهَا) فِي الْعَقْدِ، وَلَا يَتَوَلَّى الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّ مُشَاوَرَةَ الْقَاضِي شَرْطُ صِحَّةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَأَثْبَتَهُ فِي مُخْتَصَرِهِ وَتَبِعْنَاهُ فِيهِ، وَالْحَقُّ خِلَافُهُ إذْ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَسَيَأْتِي أَنَّ إذْنَ الْبِكْرِ صُمَاتُهَا] : أَيْ إلَّا مَا اسْتَثْنَى مِنْ الْأَبْكَارِ السِّتَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِنَّ بِالْقَوْلِ. قَوْلُهُ: [كَانَتْ يَتِيمَةً] : أَيْ وَلَا سَيِّدَ لَهَا وَلَا وَصِيَّ. قَوْلُهُ: [إذْ لَوْ كَانَ لَهَا أَبٌ] أَيْ أَوْ سَيِّدٌ أَوْ وَصِيٌّ. قَوْلُهُ: [وَالْحَقُّ خِلَافُهُ] أَيْ كَمَا قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ الْمُعْتَمَدُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ

غَيْرُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ الْأَئِمَّةِ. وَعَلَيْهِ فَإِذَا زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ غَيْرِ مُشَاوَرَةٍ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا قَطْعًا، نَعَمْ تُسْتَحْسَنُ الْمُشَاوَرَةُ لِثُبُوتِ الْوَاجِبَاتِ وَرَفْعِ الْمُنَازَعَاتِ. وَالْحَقُّ أَنَّ إذْنَهَا صَمْتُهَا كَغَيْرِهَا، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا بُدَّ أَنْ تَأْذَنَ بِالْقَوْلِ. (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا فَسَادًا وَلَا ضَيْعَةً أَوْ لَمْ تَبْلُغْ عَشْرًا وَزُوِّجَتْ (فُسِخَ) نِكَاحُهَا. (إلَّا إذَا دَخَلَ) الزَّوْجُ بِهَا (وَطَالَ) الزَّمَنُ بَعْدَ الدُّخُولِ وَالْبُلُوغِ فَلَا يُفْسَخُ. وَفَسَّرَ الطُّولَ (بِالسِّنِينَ) كَالثَّلَاثَةِ بَعْدَ دُخُولِهَا وَبُلُوغِهَا، (أَوْ) وِلَادَةِ (الْأَوْلَادِ) كَاثْنَيْنِ فِي بَطْنَيْنِ، وَشَهَرَ هَذَا الْمُتَيْطِيُّ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: الْمَشْهُورُ الْفَسْخُ أَبَدًا فَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ فِي التَّشْهِيرِ كَمَا أَشَرْنَا لِذَلِكَ فِي صَدْرِ الْعِبَارَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا ارْتَضَاهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى خِيفَةِ الْفَسَادِ مَتَى خِيفَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ فِي مَآلِهَا، أَوْ فِي حَالِهَا زُوِّجَتْ بَلَغَتْ عَشْرًا أَوْ لَا، رَضِيَتْ بِالنِّكَاحِ أَمْ لَا، فَيُجْبِرُهَا وَلِيُّهَا عَلَى التَّزْوِيجِ، وَوَجَبَ مُشَاوَرَةُ الْقَاضِي فِي تَزْوِيجِهَا، فَإِنْ زُوِّجَتْ مِنْ غَيْرِ مُشَاوَرَتِهِ صَحَّ النِّكَاحُ إنْ دَخَلَ، وَإِنْ لَمْ يَطُلْ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا الْفَسَادَ وَزُوِّجَتْ صَحَّ إنْ دَخَلَ وَطَالَ (اهـ) . فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْمَدَارُ عَلَى خُلُوِّهَا مِنْ الْمَوَانِعِ الشَّرْعِيَّةِ، أَمَّا رِضَاهُمَا بِالزَّوْجِ وَأَنَّهُ كُفْؤُهَا فِي الدِّينِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْحَالِ، وَأَنَّ الْمَهْرَ مَهْرُ مِثْلِهَا، وَأَنَّ الْجِهَازَ الَّذِي جُهِّزَتْ بِهِ مُنَاسِبٌ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ عَلَى التَّحْقِيقِ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ قَاضٍ يُشَاوَرُ لِعَدَمِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ ظَالِمًا كَفَى جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ. قَوْلُهُ: [بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ] : قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى خِلَافِ الْفَسَادِ وَالْخُلُوِّ مِنْ الْمَوَانِعِ الشَّرْعِيَّةِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [أَوْ لَمْ تَبْلُغْ عَشْرًا] : ظَاهِرُهُ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَبْلُغْ عَشْرًا وَزُوِّجَتْ مَعَ خَوْفِ الْفَسَادِ يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالطُّولِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ صَحِيحٌ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا تَقَدَّمَ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، وَلَا يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالطُّولِ إلَّا إذَا زُوِّجَتْ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ فَسَادٍ. قَوْلُهُ: [فَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ فِي التَّشْهِيرِ] : وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَوْلٌ ثَالِثٌ بَعْدَ

[الولي الغير المجبر في النكاح]

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْوَلِيِّ الْغَيْرِ الْمُجْبِرِ، وَمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالتَّقْدِيمِ عِنْدَ وُجُودِ مُتَعَدِّدٍ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ فَقَالَ: (وَالْأَوْلَى) عِنْدَ وُجُودِ مُتَعَدِّدٍ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ (تَقْدِيمُ ابْنٍ) لِلْمَرْأَةِ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهَا بِرِضَاهَا، (فَابْنِهِ) عَلَى الْأَبِ، فَلَوْ عَقَدَ الْأَبُ مَعَ وُجُودِ الِابْنِ أَوْ ابْنِهِ جَازَ عَلَى الِابْنِ، وَلَا ضَرَرَ كَمَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ. (فَأَبٌ) لِلْمَرْأَةِ فَمَرْتَبَتُهُ بَعْدَ الِابْنِ وَابْنِهِ، (فَأَخٌ) لِلْأَبِ (فَابْنُهُ) وَإِنْ سَفَلَ، (فَجَدٌّ) لِأَبٍ فَمَرْتَبَتُهُ بَعْدَ الْأَخِ وَابْنِهِ، كَالْوَلَاءِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ، بِخِلَافِ الْفَرَائِضِ (فَعَمٌّ) لِأَبٍ (فَابْنُهُ، فَجَدُّ أَبٍ فَعَمُّهُ) : أَيْ عَمُّ الْأَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَسْخِ أَصْلًا. [الْوَلِيِّ الْغَيْرِ الْمُجْبِرِ فِي النِّكَاح] قَوْلُهُ: [وَالْأَوْلَى عِنْدَ وُجُودِ مُتَعَدِّدٍ] إلَخْ: الرَّاجِحُ أَنَّ هَذَا التَّقْدِيمَ وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ، وَقِيلَ مَنْدُوبٌ وَهُوَ الَّذِي دَرَجَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [تَقْدِيمُ ابْنِ] : أَيْ وَلَوْ مِنْ زِنًا كَمَا إذَا ثُيِّبَتْ بِنِكَاحٍ ثُمَّ زَنَتْ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْأَبِ، وَأَمَّا إذَا ثُيِّبَتْ بِزِنًا وَأَتَتْ مِنْهُ بِوَلَدٍ فَإِنَّ الْأَبَ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مُجْبَرَةٌ لِلْأَبِ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا مَرَّ. قَوْلُهُ: [فَأَبٌ] : أَيْ شَرْعِيٌّ، وَأَمَّا أَبُو الزِّنَا فَلَا عِبْرَةَ بِهِ. قَوْلُهُ: [فَأَخٌ لِلْأَبِ] : صَادِقٌ بِأَنْ يَكُونَ شَقِيقًا أَوْ لِأَبٍ فَقَطْ وَخَرَجَ الْأَخُ لِلْأُمِّ فَإِنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ خَاصَّةً، وَإِنْ كَانَ لَهُ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ. قَوْلُهُ: [فَابْنُهُ] : مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَخِ وَابْنِهِ عَلَى الْجَدِّ هُنَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمُقَابِلُهُ أَنَّ الْجَدَّ وَإِنْ عَلَا يُقَدَّمُ عَلَى الْأَخِ وَابْنِهِ. قَوْلُهُ: [كَالْوَلَاءِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ] : أَيْ وَالْغُسْلِ وَالْإِيصَاءِ وَالْعَقْلِ كَمَا قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: بِغُسْلٍ وَإِيصَاءٍ وَلَاءٍ جِنَازَةٍ ... نِكَاحٍ أَخًا وَابْنًا عَلَى الْجَدِّ قَدِّمْ وَعَقْلٍ وَوَسِّطْهُ بِبَابِ حَضَانَةٍ ... وَسَوِّهِ مَعَ الْآبَاءِ فِي الْإِرْثِ وَالدَّمِ قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْفَرَائِضِ] : أَيْ الْمَوَارِيثِ فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى ابْنِ الْأَخِ. قَوْلُهُ: [فَجَدُّ أَبٍ] : أَيْ وَهَكَذَا يُقَدَّمُ الْأَصْلُ عَلَى فَرْعِهِ، وَفَرْعُهُ عَلَى أَصْلِ أَصْلِهِ، وَقِيلَ إنَّ الْجَدَّ وَإِنْ عَلَا يُقَدَّمُ عَلَى الْعَمِّ.

(فَابْنُهُ) . (وَ) الْأَوْلَى (تَقْدِيمُ الشَّقِيقِ) مِنْ كُلِّ صِنْفٍ عَلَى الَّذِي لِلْأَبِ، (وَ) الْأَوْلَى تَقْدِيمُ (الْأَفْضَلِ) عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الرُّتْبَةِ. (وَإِنْ تَنَازَعَ مُتَسَاوُونَ) فِي الرُّتْبَةِ وَالْفَضْلِ كَإِخْوَةٍ كُلُّهُمْ عُلَمَاءُ (نَظَرَ الْحَاكِمُ) فِيمَنْ يُقَدِّمُهُ (إنْ كَانَ) حَاكِمٌ، (وَإِلَّا) يَكُنْ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمْ. (فَمَوْلَى أَعْلَى) وَهُوَ مَنْ أَعْتَقَ الْمَرْأَةَ؛ يَلِي مَرْتَبَةَ عَصَبَةِ النَّسَبِ (فَعُصْبَتُهُ، فَمَوْلَاهُ) وَهُوَ مَنْ أَعْتَقَ مُعْتِقَهَا وَإِنْ عَلَا. (فَمَوْلَى أَبِيهَا) كَذَلِكَ (فَمَوْلَى جَدِّهَا كَذَلِكَ) وَإِنْ عَلَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: " فَمَوْلَاهُ " وَلَا حَقَّ لِلْمَوْلَى الْأَسْفَلِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: لِأَنَّهَا إنَّمَا تَسْتَحِقُّ بِالتَّعْصِيبِ. (فَكَافِلٌ) لَهَا غَيْرُ عَاصِبٍ: أَيْ قَائِمٍ بِتَرْبِيَتِهَا حَتَّى بَلَغَتْ عِنْدَهُ، أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ الشَّقِيقِ] : أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ ابْنِ بَشِيرٍ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ، وَمُقَابِلُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الشَّقِيقَ وَغَيْرَهُ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَقْتَرِعَانِ عِنْدَ التَّنَازُعِ. قَوْلُهُ: [أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ] : وَقِيلَ يَعْقِدُونَ مَعًا. قَوْلُهُ: [فَعَصَبَتُهُ] : أَيْ الْمُتَعَصِّبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَنْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقَهَا، أَوْ أَعْتَقَ أَبَاهَا لِأَنَّ الْكُلَّ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَوْلًى أَعْلَى، وَتَرْتِيبُ عُصْبَةِ كُلِّ الْمُتَعَصِّبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ كَتَرْتِيبِ عُصْبَتِهَا. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهَا إنَّمَا تَسْتَحِقُّ بِالتَّعْصِيبِ] أَيْ وَالْعَتِيقُ لَيْسَ مِنْ عَصَبَتِهَا. قَوْلُهُ: [فَكَافِلٌ لَهَا] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْبِنْتَ إذَا مَاتَ أَبُوهَا أَوْ غَابَ وَكَفَلَهَا رَجُلٌ - أَيْ قَامَ بِأُمُورِهَا حَتَّى بَلَغَتْ عِنْدَهُ - أَوْ خِيفَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِحَضَانَتِهَا شَرْعًا، أَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهَا وَيُزَوِّجُهَا بِإِذْنِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَصَبَةٌ، وَهَلْ ذَاكَ خَاصٌّ بِالدَّنِيئَةِ؟ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، فَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ، أَوْ حَتَّى فِي الشَّرِيفَةِ؟ خِلَافٌ. فَإِنْ زَوَّجَهَا أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ فَهَلْ تَعُودُ الْوِلَايَةُ لَهُ أَوْ لَا؟ ثَالِثُهَا: تَعُودُ إنْ كَانَ فَاضِلًا، رَابِعُهَا: تَعُودُ إنْ عَادَتْ الْمَرْأَةُ لِكَفَالَتِهِ، وَأَشْعَرَ إتْيَانُ الْمُصَنِّفِ بِالْوَصْفِ مُذَكَّرًا أَنَّ الْمَرْأَةَ الْكَافِلَةَ لَا وِلَايَةَ لَهَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: لَهَا وِلَايَةٌ وَلَكِنَّهَا لَا تُبَاشِرُ الْعَقْدَ بَلْ تُوَكِّلُ كَالْمُعْتَقَةِ.

[النكاح بالولاية العامة]

بَلَغَتْ عَشْرًا بِشُرُوطِهَا (إنْ كَانَتْ) الْمَكْفُولَةُ (دَنِيئَةً) لَا شَرِيفَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَإِلَّا فَوَلِيُّهَا الْحَاكِمُ، (وَكَفَلَ مَا) : أَيْ زَمَنًا (يُشْفِقُ فِيهِ) : أَيْ تَحْصُلُ فِيهِ الشَّفَقَةُ وَالْحَنَانُ عَلَيْهَا عَادَةً، وَلَا يُحَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ وَلَا بِعَشَرَةٍ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَلَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِ الشَّفَقَةِ عَلَيْهَا مِنْهُ بِالْفِعْلِ، وَإِلَّا فَالْحَاكِمُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى عَقْدَ نِكَاحِهَا. (فَالْحَاكِمُ) يَلِي مَنْ ذُكِرَ. (فَعَامَّةُ مُسْلِمٍ) : أَيْ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِمَّنْ ذُكِرَ تَوَلَّى عَقْدَ نِكَاحِهَا أَيُّ رَجُلٍ مِنْ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْ ذَلِكَ الْخَالُ وَالْجَدُّ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ وَالْأَخُ لِأُمٍّ، فَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ بِإِذْنِهَا وَرِضَاهَا. (وَصَحَّ) النِّكَاحُ (بِالْعَامَّةِ) أَيْ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ (فِي) امْرَأَةٍ (دَنِيئَةٍ مَعَ وُجُودِ) وَلِيٍّ (خَاصٍّ) كَأَبٍ وَابْنٍ وَعَمٍّ، (لَمْ يَجْبُرْ) لِكَوْنِهَا بَالِغًا ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا لَا أَبَ لَهَا وَلَا وَصِيَّ لَهَا، وَلَا يُفْسَخُ بِحَالٍ طَالَ زَمَنُ الْعَقْدِ أَوْ لَا دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، لِكَوْنِهَا - لِدَنَاءَتِهَا وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَيْهَا - لَا يَلْحَقُهَا بِذَلِكَ مَعَرَّةٌ. وَالدَّنِيئَةُ: هِيَ الْخَالِيَةُ مِنْ الْجَمَالِ وَالْمَالِ وَالْحَسَبِ وَالنَّسَبِ؛ فَالْخَالِيَةُ مِنْ النَّسَبِ: بِنْتُ الزِّنَا أَوْ الشُّبْهَةِ أَوْ الْمَعْتُوقَةُ مِنْ الْجَوَارِي، وَالْحَسَبُ: هُوَ الْأَخْلَاقُ الْكَرِيمَةُ كَالْعِلْمِ وَالْحِلْمِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكَرَمِ وَنَحْوِهَا مِنْ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ، فَالْغَنِيَّةُ ذَاتُ الْجَمَالِ لَيْسَتْ بِدَنِيئَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَسَبٌ وَلَا نَسَبٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ بَلَغَتْ عَشْرًا بِشُرُوطِهَا] : قَدْ عَلِمْت الشُّرُوطَ الْمُتَقَدِّمَةَ فِي الْيَتِيمَةِ وَتَحْقِيقَهَا فَلَا حَاجَةَ لِلْإِعَادَةِ. قَوْلُهُ: [أَيْ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِمَّنْ ذُكِرَ] : أَيْ لَمْ يُوجَدْ لَهَا عَاصِبٌ وَلَا مَوْلًى أَعْلَى وَلَا كَافِلٌ وَلَا حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ قَوْلُهُ: [وَصَحَّ النِّكَاحُ] إلَخْ أَيْ وَأَمَّا الْجَوَازُ ابْتِدَاءً فَسَيَأْتِي أَنَّ فِيهِ خِلَافًا وَالْحَقُّ الْجَوَازُ، لِأَنَّهُ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ. [النِّكَاح بِالْوِلَايَةِ العامة] قَوْلُهُ: [لَمْ يُجْبِرْ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ عَقَدَ النِّكَاحَ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ مَعَ وُجُودِ الْمُجْبِرِ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا، وَيُفْسَخُ أَبَدًا وَلَوْ أَجَازَهُ الْمُجْبِرُ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَسَبٌ وَلَا نَسَبٌ] : أَيْ كَالْمَعْتُوقَةِ الْبَيْضَاءِ الْجَمِيلَةِ.

وَالنَّسِيبَةُ - وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً أَوْ قَبِيحَةً - لَيْسَتْ بِدَنِيئَةٍ بَلْ كُلُّ مَنْ اتَّصَفَتْ بِصِفَتَيْنِ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْأَرْبَعِ فَشَرِيفَةٌ، بَلْ وَبِصِفَةٍ فَقَطْ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ. نَعَمْ الْوَقْفَةُ فِي قَوْمٍ فُقَرَاءَ شَأْنُهُمْ أَنْ يَكُونُوا خِدْمَةً لِلنَّاسِ وَلَا دِيَانَةَ عِنْدَهُمْ وَلَا صِيَانَةَ، فَهُمْ - وَإِنْ عُرِفَ نَسَبُهُمْ - إلَّا أَنَّهُمْ لِعَدَمِ دِيَانَتِهِمْ وَصِيَانَتِهِمْ وَكَوْنِهِمْ مُسَخَّرِينَ تَحْتَ أَيْدِي النَّاسِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِمْ، وَالظَّاهِرُ دَنَاءَتُهُمْ. وَبَقِيَ الْكَلَامُ فِي الْجَوَازِ: هَلْ لَا يَجُوزُ لِمُطْلَقِ مُسْلِمٍ أَنْ يَتَوَلَّى عَقْدَ نِكَاحِ الدَّنِيئَةِ مَعَ وُجُودِ كَأَبِيهَا؟ وَنَصَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَرَجَّحَ قَوْلَ الشَّيْخِ وَلَمْ يَجُزْ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا، أَوْ يَجُوزُ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ فَتُّوحٍ وَغَيْرِهِمْ، وَجَعَلَهُ الْمَذْهَبَ. ثُمَّ شَبَّهَ فِي الصِّحَّةِ قَوْلَهُ: (كَشَرِيفَةٍ) : أَيْ كَمَا يَصِحُّ نِكَاحُ شَرِيفَةٍ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ مَعَ وُجُودِ خَاصٍّ غَيْرِ مُجْبِرٍ، (إنْ دَخَلَ) الزَّوْجُ بِهَا (وَطَالَ) طُولًا (كَالْمُتَقَدِّمِ) : أَيْ كَالطُّولِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا إذَا زُوِّجَتْ مَعَ فَقْدِ الشُّرُوطِ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالنَّسِيبَةُ] أَيْ ذَاتُ النَّسَبِ الْعَالِي وَهِيَ الَّتِي اتَّصَفَتْ بِالْحَسَبِ وَالنَّسَبِ لَا ذَاتِ النَّسَبِ فَقَطْ، بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [بَلْ وَبِصِفَةٍ فَقَطْ] إلَخْ: الظَّاهِرُ أَنَّ الصِّفَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَكْفِي بِدَلِيلِ اسْتِظْهَارِهِ الْآتِي. قَوْلُهُ: [فَهُمْ وَإِنْ عُرِفَ نَسَبُهُمْ] : أَيْ عُرِفَ أُصُولُهَا وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ زِنًا وَلَا مَجْهُولَةَ النَّسَبِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّسَبِ عُلُوُّهُ لِأَنَّ النَّسَبَ يَرْجِعُ لِمَعْنَى الْحَسَبِ. قَوْلُهُ: [وَالظَّاهِرُ دَنَاءَتُهُمْ] : وَحَيْثُ كَانَ انْفِرَادُ النَّسَبِ لَا يَكْفِي فِي الشَّرَفِ فَأَوْلَى انْفِرَادُ غَيْرِهِ مِنْ الصِّفَاتِ. قَوْلُهُ: [كَشَرِيفَةٍ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا عَقَدَ لِلشَّرِيفَةِ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ مَعَ وُجُودِ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ غَيْرِ الْمُجْبِرِ، وَطَالَ الزَّمَانُ بَعْدَ الدُّخُولِ - وَالطُّولُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - فَإِنَّهُ يَمْضِي اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً، وَأَمَّا إنْ طَالَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ يَتَحَتَّمُ الْفَسْخُ أَوْ لَا يَتَحَتَّمُ، وَيُخَيَّرُ الْوَلِيُّ بَيْنَ الْإِجَازَةِ وَالرَّدِّ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِتَحَتُّمِ الْفَسْخِ هَلْ بِطَلَاقٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ أَوْ بِغَيْرِهِ خِلَافٌ، أَمَّا إنْ لَمْ يَحْصُلْ طُولٌ فَيُخَيَّرُ الْوَلِيُّ بَيْنَ الْإِجَازَةِ وَالرَّدِّ اتِّفَاقًا حَصَلَ دُخُولٌ أَمْ لَا.

بَعْضِهَا، وَهُوَ أَنْ يَمْضِيَ زَمَنٌ تَلِدُ فِيهِ الْأَوْلَادَ كَثَلَاثٍ سِنِينَ. (وَلَمْ يَجُزْ) لِمَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ الْعَامَّةُ أَنْ يَتَوَلَّى عَقْدَ نِكَاحِ امْرَأَةٍ شَرِيفَةٍ مَعَ وُجُودِ خَاصٍّ فَقَوْلُهُ: " وَلَمْ يَجُزْ " رَاجِعٌ لِمَا بَعْدَ الْكَافِ. وَأَمَّا الدَّنِيئَةُ فَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْجَوَازُ، وَلِذَا لَمْ يُفْسَخْ بِحَالٍ فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذِكْرُهُ هُنَا. (وَإِلَّا) بِأَنْ دَخَلَ وَلَمْ يُطِلْ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ - طَالَ أَمْ لَا (فَلِلْأَقْرَبِ) مِنْ الْأَوْلِيَاءِ عِنْدَ وُجُودِ أَقْرَبُ وَأَبْعَدُ لِلْبَعِيدِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِيبِ (أَوْ الْحَاكِمِ - إنْ غَابَ) الْأَقْرَبُ غَيْبَةً بَعِيدَةً عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ - (الرَّدُّ) لِلنِّكَاحِ، وَلَهُ الْإِمْضَاءُ؛ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الثَّلَاثِ صُوَرٍ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ. فَإِنْ أَجَازَهُ ثَبَتَ. وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ الْفَسْخُ إذَا لَمْ يَدْخُلْ، وَطَالَ الزَّمَنُ وَهُوَ أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ فِي كَلَامِهِ. وَعَلَيْهِ فَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ إنْ طَالَ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ إنْ طَالَ، فَإِنْ قَرُبَ فِيهِمَا خُيِّرَ الْوَلِيُّ الْخَاصُّ فِي فَسْخِهِ وَإِمْضَائِهِ، فَالتَّخْيِيرُ فِي صُورَتَيْنِ. (وَ) صَحَّ النِّكَاحُ (بِأَبْعَدَ) مِنْ الْأَوْلِيَاءِ كَعَمٍّ وَابْنِهِ (مَعَ) وُجُودِ (أَقْرَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَطَالَ الزَّمَنُ] : أَيْ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ مِنْهُ دُخُولٌ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَقُولُ أَحَدُهُمْ بِتَحَتُّمِ الْفَسْخِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْقَوْلُ الْفَسْخُ جَارٍ فِيمَا إذَا حَصَلَ طُولٌ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَقَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَوْ حَصَلَ دُخُولٌ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [فَالتَّخْيِيرُ فِي صُورَتَيْنِ] : أَيْ اتِّفَاقًا وَتَحَتَّمَ الْفَسْخُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي صُورَةٍ وَوُجُوبُ الْإِمْضَاءِ فِي صُورَةٍ. قَوْلُهُ: [وَصَحَّ النِّكَاحُ] : أَيْ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِنَدْبِ التَّرْتِيبِ الْمُتَقَدِّمِ، أَوْ أَنَّ الْوُجُوبَ غَيْرُ شَرْطِيٍّ. وَقَوْلُهُ: [بِأَبْعَدَ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ الْأَبْعَدُ الْحَاكِمَ مَعَ وُجُودِ أَخَصِّ الْأَوْلِيَاءِ، فَإِذَا لَمْ تَرْضَ الْمَرْأَةُ بِحُضُورِ أَحَدٍ مِنْ أَقَارِبِهَا وَزَوَّجَهَا الْحَاكِمُ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا، وَأَمَّا لَوْ وَكَّلَتْ أَجْنَبِيًّا غَيْرَ الْحَاكِمِ مَعَ حُضُورِ أَحَدٍ مِنْ أَقَارِبِهَا جَرَى فِيهَا قَوْلُهُ السَّابِقُ: " وَصَحَّ بِالْعَامَّةِ فِي دَنِيئَةٍ " إلَخْ، ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِالْأَبْعَدِ: الْمُؤَخَّرُ فِي الْمَرْتَبَةِ، وَبِالْأَقْرَبِ الْمُتَقَدِّمُ فِيهَا وَلَوْ كَانَتْ جِهَتُهُمَا مُتَّحِدَةً فَيَشْمَلُ

لَا يُجْبِرُ) كَأَبٍ وَابْنٍ فِي شَرِيفَةٍ وَغَيْرِهَا فَلَا يُفْسَخُ بِحَالٍ، (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ الْوَلِيُّ مُجْبِرًا - كَسَيِّدٍ وَكَأَبٍ أَوْ وَصِيِّهِ فِي بِكْرٍ أَوْ صَغِيرَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ - (فَلَا) يَصِحُّ النِّكَاحُ بِالْأَبْعَدِ مَعَ وُجُودِهِ فِي شَرِيفَةٍ لَا دَنِيئَةٍ. (وَفُسِخَ أَبَدًا) مَتَى اُطُّلِعَ عَلَيْهِ وَلَوْ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ. وَبَقِيَ الْكَلَامُ فِي تُوَلِّي الْأَبْعَدِ الْعَقْدَ مَعَ وُجُودِ أَقْرَبَ غَيْرِ مُجْبِرٍ، هَلْ يَجُوزُ أَوْ لَا؟ قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: " وَلَمْ يَجُزْ " وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: " وَقُدِّمَ ابْنُ فَابْنُهُ " إلَخْ؛ مَعْنَاهُ: عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ الْغَيْرِ الشَّرْطِيِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ يَجُوزُ ابْتِدَاءً غَايَتُهُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَرُجِّحَ. وَهُوَ الَّذِي دَرَجْنَا عَلَيْهِ بِقَوْلِنَا: " وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ ابْنٍ " إلَخْ. وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: " وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ " قَوْلَهُ: (إلَّا أَنْ يُجِيزَ) : الْمُجْبِرُ (عَقْدَ مَنْ فَوَّضَ) الْمُجْبِرُ (لَهُ أُمُورَهُ) مِنْ الْأَوْلِيَاءِ كَابْنٍ وَأَخٍ وَجَدٍّ وَغَيْرِهِمْ وَثَبَتَ التَّفْوِيضُ لَهُ، (بِبَيِّنَةٍ) لَا بِمُجَرَّدِ دَعْوَى وَلَا بِإِقْرَارٍ مِنْ الْمُجْبِرِ بَعْدَ الْعَقْدِ، (فَيُمْضِيَ) ذَلِكَ الْعَقْدَ وَلَا يُفْسَخُ (إنْ لَمْ يَبْعُدْ) بِأَنْ قَرُبَ مَا بَيْنَ الْعَقْدِ مِنْ الْمُفَوَّضِ لَهُ وَالْإِجَازَةُ مِنْ الْمُجْبِرِ (عَلَى الْأَوْجَهِ) مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ، لِأَنَّ عَقْدَ الْمُفَوَّضِ مَعَ وُجُودِ الْمُجْبِرِ خِلَافُ الْأَصْلِ. وَالطُّولُ مِمَّا يَزِيدُ ضَعْفًا فَلَا يَمْضِي مَعَهُ وَيَمْضِي مَعَ الْقُرْبِ، وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: يَمْضِي مُطْلَقًا. (فَإِنْ فُقِدَ) الْمُجْبِرُ (أَوْ أُسِرَ، فَكَمَوْتِهِ) يُنْقَلُ الْحَقُّ لِلْوَلِيِّ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَزْوِيجَ الْأَخِ لِلْأَبِ مَعَ وُجُودِ الشَّقِيقِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْقُرْبِ وَالْبَعْدِ فِي خُصُوصِ الْجِهَةِ. قَوْلُهُ: [وَفُسِخَ أَبَدًا] : أَيْ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّتِهِ حَاكِمٌ كَالْحَنَفِيِّ. قَوْلُهُ: [وَغَيْرُهُمْ] : أَيْ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَدْخُلُ سَائِرُ الْأَوْلِيَاءِ إذَا قَامُوا هَذَا الْمَقَامَ، قَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَابْنُ مُحْرِزٍ: وَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ تَفْوِيضَ الْمُجْبِرِ فَلَا فَرْقَ. قَوْلُهُ: [وَثَبَتَ التَّفْوِيضُ لَهُ بِبَيِّنَةٍ] : أَيْ تَشْهَدُ عَلَى أَنَّ الْمُجْبِرَ نَصَّ لَهُ عَلَى التَّفْوِيضِ، بِأَنْ قَالَ لَهُ فَوَّضْت لَك جَمِيعَ أُمُورِي، أَوْ أَقَمْتُك مَقَامِي فِي جَمِيعِ أُمُورِي، أَوْ تَشْهَدُ أَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ الْمُفَوَّضِ لَهُ.

[فقد وغيبة الولي المجبر]

دُونَ الْحَاكِمِ، أَيْ فَلَا كَلَامَ لِلْحَاكِمِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ. وَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْمُتَيْطِيَّ، وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ كَذِي الْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ دُونَ غَيْرِهِ فَيَكُونُ هُوَ الْمَذْهَبَ. (وَإِنْ غَابَ) الْمُجْبِرُ (غَيْبَةً بَعِيدَةً - كَإِفْرِيقِيَّةَ مِنْ مِصْرَ) - وَلَمْ يُرْجَ قُدُومُهُ، (فَالْحَاكِمُ) هُوَ الَّذِي يُزَوِّجُهَا بِإِذْنِهَا - وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا - دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ (وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْطِنْ) : أَيْ لَمْ تَكُنْ نِيَّتُهُ الِاسْتِيطَانَ بِهَا (عَلَى الْأَصَحِّ) وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا عَلَى الِاسْتِيطَانِ. وَإِنَّمَا كَانَ الْأَمْرُ لِلْحَاكِمِ دُونَ غَيْرِهِ، لِأَنَّ الْحَاكِمَ وَلِيُّ الْغَائِبِ وَهُوَ مُجْبِرٌ لَا كَلَامَ لِغَيْرِهِ مَعَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَقَدْ وغيبة الْوَلِيّ المجبر] قَوْلُهُ: [وَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْمُتَيْطِيَّ] : قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: الْمَشْهُورُ مَا قَالَهُ الْمُتَيْطِيُّ وَذَلِكَ لِتَنْزِيلِ الْأَسْرِ وَالْفَقْدِ مَنْزِلَةَ الْمَوْتِ، بِخِلَافِ بَعِيدِ الْغَيْبَةِ فَإِنَّ حَيَاتَهُ مَعْلُومَةٌ. قَوْلُهُ: [فَيَكُونُ هُوَ الْمَذْهَبَ] : أَيْ وَلِذَلِكَ صَوَّبَهُ بَعْضُ الْمُوَثِّقِينَ قَائِلًا: أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْفَقْدِ وَالْأَسْرِ وَبُعْدِ الْغَيْبَةِ؟ قَوْلُهُ: [مِنْ مِصْرَ] : أَيْ مَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ كَانَ بِهَا وَبَيْنَهُمَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَقَالَ الْأَكْثَرُ مِنْ الْمَدِينَةِ لِأَنَّ مَالِكًا كَانَ بِهَا وَبَيْنَهُمَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يُرْجَ قُدُومُهُ] : أَيْ عَنْ قُرْبٍ. قَوْلُهُ: [فَالْحَاكِمُ هُوَ الَّذِي يُزَوِّجُهَا] : أَيْ إذَا كَانَتْ بَالِغًا أَوْ خِيفَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا عَلَى الِاسْتِيطَانِ] : أَيْ بِالْفِعْلِ لَا يَكْفِي مَظِنَّتُهُ. فَعَلَيْهِ مَنْ خَرَجَ لِتِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا وَنِيَّتُهُ الْعَوْدُ فَلَا يُزَوِّجُ الْحَاكِمُ ابْنَتَهُ، وَلَوْ طَالَتْ إقَامَتُهُ إلَّا إذَا خِيفَ فَسَادُهَا أَوْ قَصَدَ بِغَيْبَتِهِ الْإِضْرَارَ بِهَا، فَإِنْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ كَتَبَ لَهُ الْحَاكِمُ، إمَّا أَنْ تَحْضُرَ تُزَوِّجَهَا أَوْ تُوَكِّلَ وَكِيلًا يُزَوِّجُهَا وَإِلَّا زَوَّجْنَاهَا عَلَيْك، فَإِنْ لَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ وَلَا فَسْخَ كَمَا قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ.

[إذن البكر والثيب والافتيات عليهما]

فَإِنْ كَانَ مَرْجُوَّ الْقُدُومِ كَالتُّجَّارِ فَلَا يُزَوِّجُهَا حَاكِمٌ وَلَا غَيْرُهُ (كَغَيْبَةِ) الْوَلِيِّ (الْأَقْرَبِ) غَيْرِ الْمُجْبِرِ (الثَّلَاثَ) فَفَوْقَ، فَيُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ دُونَ الْأَبْعَدِ الْحَاضِرِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْأَقَلِّ مِنْ الثَّلَاثِ كَتَبَ لَهُ؛ إمَّا أَنْ يَحْضُرَ أَوْ يُوَكِّلَ، وَإِلَّا زَوَّجَ الْحَاكِمُ لِأَنَّهُ وَكِيلُ الْغَائِبِ، فَإِنْ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ صَحَّ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُجْبَرَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ غَابَ) الْمُجْبِرُ غَيْبَةً قَرِيبَةً (كَعَشْرٍ) أَوْ عِشْرِينَ يَوْمًا مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ وَسُلُوكِهَا (لَمْ يُزَوِّجْ) الْمُجْبَرَةَ (حَاكِمٌ أَوْ غَيْرُهُ) لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ، لِإِمْكَانِ إيصَالِ الْخَبَرِ إلَيْهِ بِلَا كَبِيرِ مَشَقَّةٍ (وَفُسِخَ) أَبَدًا إنْ وَقَعَ. (إلَّا إذَا خِيفَتْ الطَّرِيقُ) بِأَنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ سُلُوكُهَا لِعَدَمِ الْأَمْنِ (وَخِيفَ عَلَيْهَا) ضَيَاعٌ أَوْ فَسَادٌ (فَكَالْبَعِيدَةِ) ، يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ دُونَ غَيْرِهِ وَإِلَّا فُسِخَ. [إِذْن الْبِكْر وَالثَّيِّب وَالِافْتِيَات عَلَيْهِمَا] (وَإِذْنُ الْبِكْرِ) الْغَيْرِ الْمُجْبَرَةِ (صَمْتُهَا) أَيْ إنَّ صَمْتَهَا إذَا سُئِلَتْ: هَلْ تَرْضَيْنَ بِأَنْ نُزَوِّجُك مِنْ فُلَانٍ عَلَى مَهْرٍ قَدْرُهُ كَذَا، عَلَى أَنَّ الَّذِي يَتَوَلَّى الْعَقْدَ فُلَانٌ؟ رِضًا مِنْهَا وَإِذْنٌ فِي ذَلِكَ فَلَا تُكَلَّفُ النُّطْقَ بِذَلِكَ. (وَنُدِبَ إعْلَامُهَا بِهِ) أَيْ بِأَنَّ سُكُوتَهَا رِضًا وَإِذْنٌ مِنْهَا، (فَلَا تُزَوَّجُ إنْ مَنَعَتْ) بِأَنْ قَالَتْ: لَا أَتَزَوَّجُ أَوْ لَا أَرْضَى أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ، (أَوْ نَفَرَتْ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَغَيْبَةِ الْوَلِيِّ الْأَقْرَبِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْوَلِيَّ الْأَقْرَبَ غَيْرُ الْمُجْبِرِ إذَا غَابَ غَيْبَةً مَسَافَتُهَا مِنْ بَلَدِ الْمَرْأَةِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَنَحْوُهَا، وَأَرَادَتْ التَّزْوِيجَ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُزَوِّجُهَا لَا الْأَبْعَدَ، وَلَوْ زَوَّجَهَا الْأَبْعَدُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَحَّ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَبِأَبْعَدَ مَعَ أَقْرَبَ. قَوْلُهُ: [فَلَا تُكَلَّفُ النُّطْقَ بِذَلِكَ] : أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الرِّضَا بِالزَّوْجِ وَالْمَهْرِ وَالْوَلِيِّ وَظَاهِرُهُ كَانَتْ حَاضِرَةً أَوْ غَائِبَةً. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ إعْلَامُهَا بِهِ] : فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِذَلِكَ وَادَّعَتْ الْجَهْلَ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهَا، وَتَمَّ النِّكَاحُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَقَالَ الْأَقَلُّ تُقْبَلُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ إعْلَامِهَا بِهِ، وَقَالَ حَمْدِيسٌ: إنْ عُرِفَتْ بِالْبَلَهِ وَقِلَّةِ الْمَعْرِفَةِ قُبِلَتْ دَعْوَاهَا الْجَهْلَ وَإِلَّا فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهَا، فَالْمَسْأَلَةُ ذَاتُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ. قَوْلُهُ: [فَلَا تُزَوَّجُ إنْ مَنَعَتْ] إلَخْ: فَإِنْ زُوِّجَتْ فُسِخَ نِكَاحُهَا أَبَدًا وَلَوْ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَالطُّولِ، وَلَوْ أَجَازَتْهُ وَهِيَ أَوْلَى مِنْ الْمُفْتَاتِ عَلَيْهَا.

لِأَنَّ النُّفُورَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الرِّضَا، (لَا إنْ ضَحِكَتْ أَوْ بَكَتْ) فَتَزْوِيجٌ لِأَنَّ بُكَاءَهَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِفَقْدِ أَبِيهَا الَّذِي يَتَوَلَّى عَقْدَهَا. (وَالثَّيِّبُ) وَلَوْ سَفِيهَةً (تُعْرِبُ) عَمَّا فِي ضَمِيرِهَا مِنْ رِضًا أَوْ مَنْعٍ، وَلَا يَكْتَفِي مِنْهَا بِالصَّمْتِ. وَيُشَارِكُهَا فِي ذَلِكَ أَبْكَارٌ سِتَّةٌ لَا يَكْتَفِي مِنْهُنَّ بِالصَّمْتِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ بِالْقَوْلِ كَالثَّيِّبِ أَشَارَ لَهُنَّ مُشَبِّهًا لَهُنَّ بِالثَّيِّبِ فَقَالَ: (كَبِكْرٍ رُشِّدَتْ) : أَيْ رَشَّدَهَا أَبُوهَا بِأَنْ أَطْلَقَ الْحَجْرَ عَنْهَا فِي التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ وَهِيَ بَالِغٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِهَا بِالْقَوْلِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا جَبْرَ لِأَبِيهَا عَلَيْهَا، وَذَكَرَ هُنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهَا عِنْدَ اسْتِئْذَانِهَا. (أَوْ) بِكْرٍ (عُضِلَتْ) : أَيْ مُنِعَتْ أَيْ مَنَعَهَا وَلِيُّهَا مِنْ النِّكَاحِ، فَرَفَعَتْ أَمْرَهَا أَمَرَهَا لِلْحَاكِمِ فَزَوَّجَهَا الْحَاكِمُ فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِهَا بِالْقَوْلِ. فَإِنْ أَمَرَ أَبَاهَا بِالْعَقْدِ، فَأَجَابَ وَزَوَّجَهَا لَمْ يَحْتَجَّ لِإِذْنٍ لِأَنَّهُ مُجْبِرٌ. (أَوْ) بِكْرٍ مُهْمَلَةٍ لَا أَبَ لَهَا وَلَا وَصِيَّ (زُوِّجَتْ بِعَرْضٍ) وَهِيَ مِنْ قَوْمٍ لَا يُزَوِّجُونَ بِالْعُرُوضِ، أَوْ يُزَوِّجُونَ بِعَرْضٍ مَعْلُومٍ فَزَوَّجَهَا وَلِيُّهَا بِغَيْرِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهَا بِأَنْ تَقُولَ: رَضِيت بِهِ، وَلَا تَكْفِي الْإِشَارَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا إنْ ضَحِكَتْ أَوْ بَكَتْ] إلَخْ: أَيْ مَا لَمْ تَقُمْ الْقَرَائِنُ عَلَى أَنَّ ضَحِكَهَا اسْتِهْزَاءٌ أَوْ بُكَاهَا امْتِنَاعٌ وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ رِضًا. قَوْلُهُ: [وَلَا يَكْتَفِي مِنْهَا بِالصَّمْتِ] : ظَاهِرُهُ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهَا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَكْفِي صَمْتُ الثَّيِّبِ فِي الْإِذْنِ لِلْوَلِيِّ حَضَرَتْ أَوْ غَابَتْ، فَهِيَ كَالْبِكْرِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي تَعْيِينِ الزَّوْجِ وَالصَّدَاقِ، فَفِي الْبِكْرِ يَكْفِي الصَّمْتُ، وَالثَّيِّبِ لَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ بَالِغٌ] : أَيْ لِأَنَّ الرُّشْدَ لَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: [زُوِّجَتْ بِعَرْضٍ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ كُلَّ الصَّدَاقِ أَوْ بَعْضَهُ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ تَقُولَ رَضِيت بِهِ] : أَيْ بِذَلِكَ الْمَهْرِ الْعَرْضِ، وَأَمَّا الزَّوْجُ فَيَكْفِي فِي الرِّضَا بِهِ صَمْتُهَا كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ.

(أَوْ) بِكْرٍ وَلَوْ مُجْبَرَةٍ زُوِّجَتْ (بِرِقٍّ) : أَيْ رَقِيقٍ فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِهَا بِالْقَوْلِ، لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِكُفْءٍ لِلْحُرَّةِ. (أَوْ) زُوِّجَتْ (لِذِي عَيْبٍ) كَجُذَامٍ وَبَرَصٍ وَجُنُونٍ وَخِصَاءٍ فَلَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهَا بِأَنْ تَقُولَ: رَضِيت بِهِ مَثَلًا. (أَوْ) بِكْرٍ غَيْرِ مُجْبَرَةٍ (اُفْتِيتَ عَلَيْهَا) ، الِافْتِيَاتُ: التَّعَدِّي، أَيْ تَعَدَّى عَلَيْهَا وَلِيُّهَا غَيْرُ الْمُجْبِرِ، فَعَقَدَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا ثُمَّ أَنْهَى إلَيْهَا الْخَبَرَ، فَرَضِيَتْ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهَا بِالْقَوْلِ، فَهَذِهِ سِتَّةُ أَبْكَارٍ. وَأَمَّا الْيَتِيمَةُ الَّتِي بَلَغَتْ عَشْرًا وَخِيفَ عَلَيْهَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكْفِي صَمْتُهَا. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الِافْتِيَاتَ مُطْلَقًا يَصِحُّ إنْ وَقَعَ بِشُرُوطٍ بِقَوْلِهِ: (وَصَحَّ الِافْتِيَاتُ) عَلَى الْمَرْأَةِ مُطْلَقًا بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا، بَلْ (وَلَوْ عَلَى الزَّوْجِ) بِشُرُوطٍ سِتَّةٍ أَفَادَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ: (إنْ قَرُبَ الرِّضَا) مِنْ الْعَقْدِ كَأَنْ يَكُونَ بِالْمَسْجِدِ مَثَلًا، وَيُنْهِي إلَيْهَا الْخَبَرَ مِنْ وَقْتِهِ. وَالْيَوْمُ بُعْدٌ لَا يَصِحُّ مَعَهُ الرِّضَا، وَقِيلَ الْيَوْمَانِ قُرْبٌ وَقِيلَ الْبُعْدُ مَا فَوْقَ الثَّلَاثَةِ. وَالثَّانِي بِقَوْلِهِ: وَكَانَ الرِّضَا (بِالْقَوْلِ) فَلَا يَكْفِي الصَّمْتُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبِكْرِ، وَكَذَا غَيْرُهَا بِالْأَوْلَى. وَالثَّالِثُ بِقَوْلِهِ: (بِلَا رَدٍّ) لِلنِّكَاحِ (قَبْلَهُ) : أَيْ قَبْلَ الرِّضَا مِمَّنْ اُفْتِيتَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا، فَإِنْ رَدَّ مَنْ اُفْتِيتَ عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ رِضًا بَعْدَ ذَلِكَ. وَالرَّابِعُ بِقَوْلِهِ: (وَبِالْبَلَدِ) : أَيْ وَأَنْ يَكُونَ مَنْ اُفْتِيتَ عَلَيْهَا بِالْبَلَدِ حَالَ الِافْتِيَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [زُوِّجَتْ بِرِقٍّ] : أَيْ أَرَادَ وَلِيُّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا لِرَقِيقٍ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهَا بِهِ بِالْقَوْلِ، وَلَوْ كَانَ عَبْدَ أَبِيهَا وَالْمُزَوِّجَ لَهَا أَبُوهَا لِمَا فِي تَزْوِيجِهَا بِهِ مِنْ زِيَادَةِ الْمَعَرَّةِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِكُفْءٍ لِلْحُرَّةِ] : ظَاهِرُهُ وَلَوْ أَبْيَضَ. قَوْلُهُ: [فَعَقَدَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا] : أَيْ وَلَوْ رَضِيَتْ بِهِ وَقْتَ الْخِطْبَةِ فَلَا بُدَّ عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ اسْتِئْذَانِهَا فِي الْعَقْدِ، لِأَنَّ الْخِطْبَةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ فَلَا تُغْنِي عَنْ اسْتِئْذَانِهَا فِي الْعَقْدِ وَتَعْيِينِ الصَّدَاقِ. قَوْلُهُ: [وَبِالْبَلَدِ] : أَيْ وَلَوْ بَعُدَ طَرَفَاهُ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ وَاحِدًا نَزَلَ بُعْدُ

[شروط صحة الولي]

وَالرِّضَا، فَإِنْ كَانَ بِآخَرَ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ قَرُبَتَا وَأَنْهَى الْخَبَرَ مِنْ سَاعَتِهِ. وَالْخَامِسُ بِقَوْلِهِ: (وَلَمْ يُقِرَّ) الْوَلِيُّ (بِهِ) : أَيْ بِالِافْتِيَاتِ (حَالَ الْعَقْدِ) بِأَنْ سَكَتَ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مَأْذُونٌ، فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لَمْ يَصِحَّ. وَأَفَادَ السَّادِسَ بِقَوْلِهِ: (وَلَمْ يَكُنْ) الِافْتِيَاتُ (عَلَيْهِمَا مَعًا) فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمَا مَعًا لَمْ يَصِحَّ، وَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِهِ. وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْوَلِيِّ وَتَقْسِيمِهِ إلَى مُجْبِرٍ وَغَيْرِهِ، وَغَيْرِ الْمُجْبِرِ إلَى خَاصٍّ وَعَامٍّ، وَعَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ، شَرَعَ فِي بَيَانِ شُرُوطِهِ فَقَالَ: (وَشَرْطُهُ) أَيْ شَرْطُ صِحَّةِ الْوَلِيِّ الَّذِي يَتَوَلَّى الْعَقْدَ لِلزَّوْجَةِ سِتَّةٌ: (الذُّكُورَةُ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ أُنْثَى وَلَوْ مَالِكَةً. (وَالْحُرِّيَّةُ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ عَبْدٍ وَلَوْ بِشَائِبَةٍ. (وَوَكَّلَتْ مَالِكَةٌ) لِأَمَةٍ، (وَوَصِيَّةٍ) عَلَى أُنْثَى، (وَمُعْتِقَةٍ) لِأَمَةٍ لَمْ يُوجَدْ مَعَهَا عَاصِبُ نَسَبٍ مَنْ يَتَوَلَّى الْعَقْدَ عَنْهُنَّ مِنْ الذُّكُورَةِ الْمُسْتَوْفِيَةِ لِلشُّرُوطِ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ أُنْثَى، (وَإِنْ) كَانَ وَكِيلُ كُلٍّ (أَجْنَبِيًّا) مِنْهَا فِي الثَّلَاثَةِ مَعَ حُضُورِ وَلِيِّهَا، (كَعَبْدٍ أَوْ صَبِيٍّ) عَلَى نِكَاحِ أُنْثَى فَإِنَّهُ يُوَكِّلُ مَنْ يَتَوَلَّى عَقْدَهَا، وَلَوْ أَجْنَبِيًّا لِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّرَفَيْنِ مَنْزِلَةَ الْقُرْبِ، بِخِلَافِ الْبَلَدَيْنِ وَلَوْ تَقَارَبَا فَإِنَّ شَأْنَهُمَا بُعْدُ الْمَسَافَةِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. [شُرُوط صِحَّة الْوَلِيّ] قَوْلُهُ: [وَوَكَّلَتْ مَالِكَةً لِأَمَةٍ] : أَيْ وَلَوْ وُجِدَ مَعَهَا عَاصِبُ نَسَبٍ وَمِثْلُهَا الْوَصِيَّةُ. قَوْلُهُ: [لَمْ يُوجَدْ مَعَهَا عَاصِبُ نَسَبٍ] : رَاجِعٌ لِخُصُوصِ الْمُعْتِقَةِ. قَوْلُهُ: [أَجْنَبِيًّا مِنْهَا فِي الثَّلَاثَةِ] : أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُوَكِّلَةِ، وَبِالنِّسْبَةِ لِلْمُوَكَّلِ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ الْمُعْتِقَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ أَجْنَبِيًّا] : أَيْ مِنْهَا أَوْ مِنْهُ، وَمِثْلُ كَوْنِهِ مُوصٍ الْمُكَاتَبُ فِي أَمَتِهِ إذَا طَلَبَ فَضْلًا فِي مَهْرِهَا، بِأَنْ كَانَ يَزِيدُ عَلَى مَا يُجِيزُ عَيْبُ التَّزْوِيجِ عَلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا فِي تَزْوِيجِهَا، وَيُوَكِّلُ حُرًّا مُسْتَوْفِيًا لِلشُّرُوطِ، وَإِنْ كَرِهَ سَيِّدُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ مَعَ عَدَمِ تَبْذِيرِهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي تَزْوِيجِهَا فَضْلٌ فَالْأَمْرُ لِسَيِّدِهِ وَتَوْكِيلُهُ بِدُونِ إذْنِهِ بَاطِلٌ، فَلَوْ جَهِلَ الْأَمْرَ وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ

عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ عَبْدٍ، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُوَكِّلْ كُلٌّ مِمَّنْ ذُكِرَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ، وَتَوَلَّى الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ (فُسِخَ أَبَدًا) قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ. (وَالْبُلُوغُ) عَطْفٌ عَلَى الذُّكُورَةِ فَهُوَ الشَّرْطُ الثَّالِثُ فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ مِنْ صَبِيٍّ. (وَالْعَقْلُ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ وَمَعْتُوهٍ وَسَكَرَانٍ. (وَالْإِسْلَامُ فِي) الْمَرْأَةِ (الْمُسْلِمَةِ) فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَوَلَّى عَقْدَ نِكَاحِهَا كَافِرٌ وَلَوْ كَانَ أَبَاهَا، وَأَمَّا الْكَافِرَةُ الْكِتَابِيَّةُ يَتَزَوَّجُهَا مُسْلِمٌ فَيَجُوزُ لِأَبِيهَا الْكَافِرِ أَنْ يَعْقِدَ لَهَا عَلَيْهِ. (وَالْخُلُوُّ) أَيْ خُلُوُّ الْوَلِيِّ (مِنْ الْإِحْرَامِ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَالْمُحْرِمُ بِأَحَدِهِمَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ تُوَلِّي عَقْدِ النِّكَاحِ. وَبَقِيَ شَرْطٌ سَابِعٌ: وَهُوَ عَدَمُ الْإِكْرَاهِ فَلَا يَصِحُّ مِنْ مُكْرَهٍ إلَّا أَنَّ عَدَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQطَلَبَ بِزَوَاجِهَا فَضْلًا أَمْ لَا؟ حَمَلَ عَلَى طَالِبِ الْفَضْلِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ خِلَافُهُ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ] : أَيْ وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ لَكِنْ لَا يَتَأَبَّدُ بِهِ التَّحْرِيمُ وَفَسْخُهُ بِطَلَاقٍ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَوَلَّى عَقْدَ نِكَاحِهَا كَافِرٌ] : أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] . قَوْلُهُ: [فَيَجُوزُ لِأَبِيهَا الْكَافِرِ] إلَخْ: أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] . وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُمْنَعُ تَوْلِيَةُ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمَةِ وَعَكْسُهُ، فَلَا يَكُونُ الْمُسْلِمُ وَلِيًّا لِلْكَافِرَةِ إلَّا لِأَمَةٍ لَهُ كَافِرَةٍ فَيُزَوِّجُهَا لِكَافِرٍ فَقَطْ، أَوْ مَعْتُوقَتُهُ الْكَافِرَةُ إنْ أَعْتَقَهَا وَهُوَ مُسْلِمٌ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَيُزَوِّجُهَا، وَلَوْ لِمُسْلِمٍ حَيْثُ كَانَتْ كِتَابِيَّةً. قَوْلُهُ: [فَالْمُحْرِمُ بِأَحَدِهِمَا لَا يَصِحُّ] إلَخْ: فَإِنْ عَقَدَ فُسِخَ أَبَدًا وَمِثْلُهُ إحْرَامُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ.

الْإِكْرَاهِ، لَا يَخْتَصُّ بِوَلِيِّ عَقْدِ النِّكَاحِ، بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ. (لَا الْعَدَالَةُ) : فَلَا تُشْتَرَطُ فِي الْوَلِيِّ إذْ فِسْقُهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْوِلَايَةِ، فَيَتَوَلَّى غَيْرُ الْعَدْلِ عَقْدَ نِكَاحِ ابْنَتِهِ أَوْ ابْنَةِ أَخِيهِ أَوْ مَعْتُوقَتِهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ لَهَا عَاصِبُ نَسَبٍ. (وَ) لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ (الرُّشْدُ، فَيُزَوِّجُ السَّفِيهُ ذُو الرَّأْيِ) احْتِرَازًا مِنْ الْمَعْتُوهِ (مُجْبَرَتَهُ) وَغَيْرَهَا بِإِذْنِهَا (بِإِذْنِ وَلِيِّهِ) اسْتِحْبَابًا لَا شَرْطًا (وَإِلَّا) بِأَنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ مَثَلًا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ (نَظَرَ الْوَلِيُّ) نَدْبًا لِمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ، فَإِنْ كَانَ صَوَابًا أَبْقَاهُ وَإِلَّا رَدَّهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْظُرْ فَهُوَ مَاضٍ. (بِخِلَافِ) السَّفِيهِ (الْمَعْتُوهِ) أَيْ ضَعِيفِ الْعَقْلِ، فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهُ وَيُفْسَخُ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْمَجْنُونِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ السَّفَهَ لَا يَمْنَعُ الْوِلَايَةَ، وَالْعَتَهُ مَانِعٌ مِنْهَا، فَقَوْلُهُمْ: ذُو الرَّأْيِ، لَيْسَ فِي ذِكْرِهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ، لِأَنَّ الْمَعْتُوهَ غَيْرَ السَّفِيهِ فَتَقْيِيدُهُ بِذِي الرَّأْيِ لِإِخْرَاجِ الْمَعْتُوهِ لَا حَاجَةَ لَهُ. (وَ) يُزَوِّجُ (الْكَافِرُ) فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى السَّفِيهِ إلَّا أَنَّ التَّفْرِيعَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ الْعَطْفِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: " وَالْإِسْلَامُ فِي الْمُسْلِمَةِ "، أَيْ إنَّ الْإِسْلَامَ إذَا كَانَ شَرْطًا فِي تَزْوِيجِ الْمُسْلِمَةِ فَقَطْ، فَالْكَافِرُ يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ الْكَافِرَةَ (لِمُسْلِمٍ) كَمَا أَشَرْنَا لَهُ سَابِقًا بِقَوْلِنَا: " وَأَمَّا الْكَافِرَةُ الْكِتَابِيَّةُ يَتَزَوَّجُهَا مُسْلِمٌ فَيَجُوزُ " إلَخْ. (وَإِنْ زَوَّجَ مُسْلِمٌ) ابْنَتَهُ (الْكَافِرَةَ) مَثَلًا أَيْ عَقَدَ عَلَيْهَا (لِكَافِرٍ، تُرِكَ) : أَيْ لَا نَتَعَرَّضُ لِفَسْخِهِ وَقَدْ ظَلَمَ الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا يَخْتَصُّ بِوَلِيٍّ عَقَدَ النِّكَاحَ] : أَيْ وَلَا يُعَدُّ مِنْ شُرُوطِ الشَّيْءِ إلَّا مَا كَانَ خَاصًّا بِهِ هَكَذَا أَجَابَ الشَّارِحُ، وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَا عَدَا الْخُلُوَّ مِنْ الْإِحْرَامِ لَيْسَ خَاصًّا بِالنِّكَاحِ. قَوْلُهُ: [ذُو الرَّأْيِ] : أَيْ الْعَقْلِ وَالْفِطْنَةِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْمَعْتُوهَ غَيْرُ السَّفِيهِ] : أَيْ وَلَيْسَ السَّفِيهُ أَعَمُّ كَمَا تُوهِمُ عِبَارَتُهُمْ، فَعَلَى كَلَامِ شَارِحِنَا السَّفِيهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَا رَأْيٍ، وَالْمَعْتُوهُ مُبَايِنٌ لَهُ فَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ السَّفِيهَ لَا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِي أُمُورِ دُنْيَاهُ. قَوْلُهُ: [أَيْ لَا نَتَعَرَّضُ لِفَسْخِهِ] إلَخْ: أَيْ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا لَوْ

[الركن الثالث من أركان النكاح المحل وشروطه وأحكامه]

وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا فَقَدَ الذُّكُورَةَ أَوْ الْحُرِّيَّةَ، كَالْمَالِكَةِ وَالْوَصِيَّةِ، وَالْعَبْدِ الْمُوصَى عَلَى أُنْثَى لَا بُدَّ أَنْ يُوَكِّلَ ذَكَرًا حُرًّا مُسْتَوْفِيًا لِلشُّرُوطِ، بَيَّنَ أَنَّهُ يَصِحُّ لِلزَّوْجِ إذَا وَكَّلَ مَنْ يَعْقِدُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ جَمِيعَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَحُرٍّ وَرَقِيقٍ وَبَالِغٍ وَصَبِيٍّ وَمُسْلِمٍ وَكَافِرٍ بِقَوْلِهِ: (وَصَحَّ تَوْكِيلُ زَوْجٍ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ، وَقَوْلُهُ (الْجَمِيعَ) مَفْعُولُهُ، أَيْ جَمِيعَ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهَذِهِ عِبَارَةُ الشَّيْخِ بِلَفْظِهَا، لَكِنَّهَا عَامَّةٌ فَتَشْمَلُ الْمُحْرِمَ وَالْمَعْتُوهَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ تَوْكِيلُهُمَا فَاسْتَثْنَاهُمَا بِقَوْلِهِ: (إلَّا الْمُحْرِمَ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، (وَ) إلَّا (الْمَعْتُوهَ) : أَيْ ضَعِيفَ الْعَقْلِ، فَأَوْلَى الْمَجْنُونُ فَلَا يَصِحُّ لِلزَّوْجِ تَوْكِيلُهُمَا لِمَانِعٍ الْإِحْرَامِ وَعَدَمِ الْعَقْلِ. (لَا) يَصِحُّ (تَوْكِيلُ وَلِيِّ امْرَأَةٍ) لِمَنْ يَتَوَلَّى عَقْدَ نِكَاحِهَا نِيَابَةً عَنْهُ (إلَّا مِثْلَهُ) فِي اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ. [الرُّكْن الثَّالِث مِنْ أَرْكَان النِّكَاح المحل وَشُرُوطه وَأَحْكَامه] ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَحَلُّ وَشُرُوطُهُ وَأَحْكَامُهُ بِقَوْلِهِ: (وَالْمَحَلُّ) هُوَ (الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ) مَعًا. وَلَهُ شُرُوطٌ تَكُونُ فِيهِمَا مَعًا، وَشُرُوطٌ تَخُصُّ الزَّوْجَ، وَشُرُوطٌ تَخُصُّ الزَّوْجَةَ. أَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (وَشَرْطُهُمَا) أَيْ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ مَعًا أَيْ شَرْطُ صِحَّةِ نِكَاحِهِمَا: (عَدَمُ الْإِكْرَاهِ) ، فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ مُكْرَهٍ أَوْ مُكْرَهَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَقَدَ لِكِتَابِيَّةٍ عَلَى مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ أَبَدًا. [التوكيل فِي النِّكَاح] قَوْلُهُ: [وَصَحَّ تَوْكِيلُ زَوْجٍ] : أَيْ وَيَجُوزُ ابْتِدَاءً، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالصِّحَّةِ لِأَجْلِ الْإِخْرَاجِ بِقَوْلِهِ: لَا تَوْكِيلُ وَلِيِّ امْرَأَةٍ. قَوْلُهُ: [وَشُرُوطُهُ] : جَمِيعُ تِلْكَ الشُّرُوطِ مِمَّا زَادَهُ عَلَى خَلِيلٍ فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ وَلَا مِنْ شُرَّاحِهِ إلَّا مُفَرَّقَةً فَجَزَاهُ اللَّهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا. قَوْلُهُ: [تَكُونُ فِيهِمَا مَعًا] : سَيَأْتِي يُصَرِّحُ بِأَنَّهَا خَمْسَةً. قَوْلُهُ: [تَخُصُّ الزَّوْجَ] : سَيَأْتِي أَنَّهَا اثْنَانِ فَمُرَادُهُ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ أَوْ الْمُرَادُ جِنْسُ الشُّرُوطِ. قَوْلُهُ: [تَخُصُّ الزَّوْجَةَ] : سَيَأْتِي أَنَّهَا أَرْبَعَةٌ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ مُكْرَهٍ] إلَخْ: أَيْ إنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ غَيْرَ شَرْعِيٍّ

وَيُفْسَخُ أَبَدًا. (وَ) عَدَمُ (الْمَرَضِ) فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ مَرِيضٍ أَوْ مَرِيضَةٍ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ الْفَسْخِ وَغَيْرِهِ. (وَ) عَدَمُ (الْمَحْرَمِيَّةِ) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرٍ فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْمَحْرَمِ. (وَ) عَدَمُ (الْإِشْكَالِ) فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ عَلَى أَنَّهُ زَوْجٌ أَوْ زَوْجَةٌ. (وَ) عَدَمُ (الْإِحْرَامِ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ؛ فَلَا يَصِحُّ مِنْ الزَّوْجِ الْمُحْرِمِ وَلَا مِنْ الزَّوْجَةِ الْمُحْرِمَةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ شَرْطَ الْوَلِيِّ أَنْ لَا يَكُونَ مُحْرِمًا أَيْضًا وَحِينَئِذٍ (فَهُوَ) أَيْ الْإِحْرَامُ (مَانِعٌ) لِلنِّكَاحِ (مِنْ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ) : الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَوَلِيِّهَا، لِأَنَّ الشَّرْطَ عَدَمُهُ فِيهِمْ وَضِدُّ الشَّرْطِ مَانِعٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ يَكُونُ بِخَوْفِ مُؤْلِمٍ مِنْ قَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ سَجْنٍ أَوْ صَفْعٍ لِذِي مُرُوءَةٍ بِمَلَإٍ، أَوْ خَوْفِ قَتْلِ وَلَدٍ أَوْ أَخْذِهِ مَالَهُ مِنْ كُلِّ مَا يُعَدُّ إكْرَاهًا فِي الطَّلَاقِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَيُفْسَخُ أَبَدًا] : أَيْ وَلَوْ أُجِيزَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ عَقْدٍ وَاسْتِبْرَاءٍ مِنْ الْمَاءِ الْفَاسِدِ إنْ حَصَلَ دُخُولٌ. قَوْلُهُ: [مِنْ الْفَسْخِ وَغَيْرِهِ] : أَيْ كَالصَّدَاقِ وَالْمِيرَاثِ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُفْسَخُ مَا لَمْ يَصِحَّ الْمَرِيضُ مِنْهُمَا، وَلَا مِيرَاثَ إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْفَسْخِ، وَلِلْمَرِيضَةِ بِالدُّخُولِ أَوْ الْمَوْتِ الْمُسَمَّى، وَعَلَى الْمَرِيضِ إنْ مَاتَ قَبْلَ الْفَسْخِ الْأَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ وَالْمُسَمَّى، وَصَدَاقِ الْمِثْلِ وَلَهَا بِالدُّخُولِ الْمُسَمَّى مِنْ الثُّلُثِ مُبْتَدَأً. قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْمَحْرَمِ] : أَيْ بِالْإِجْمَاعِ وَيُفْسَخُ أَبَدًا وَيُحَدَّانِ إنْ عَلِمَا وَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ] : لِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ زَوْجًا وَلَا زَوْجَةً وَلَا أَبًا وَلَا أُمًّا وَلَا جَدًّا وَلَا جَدَّةً. قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ مِنْ الزَّوْجِ الْمُحْرِمِ] إلَخْ: أَيْ وَيُفْسَخُ أَبَدًا إلَّا فِيمَنْ قَدَّمَ سَعْيَهُ وَأَفَاضَ وَنَسِيَ الرَّكْعَتَيْنِ وَتَزَوَّجَ، فَإِنْ كَانَ بِالْقُرْبِ فُسِخَ وَإِنْ تَبَاعَدَ جَازَ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَقَالَ الْقُرْبُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْجِعَ فَيَبْتَدِئَ طَوَافَهُ. قَوْلُهُ: [وَوَلِيُّهَا] : أَيْ الزَّوْجَةِ وَكَذَا وَلِيُّهُ أَيْضًا لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَرْكَانِ انْتَهَى

[شروط الزوج والزوجة]

ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ الزَّوْجُ مِنْ الشُّرُوطِ بِقَوْلِهِ: (وَشَرْطُهُ) : أَيْ الزَّوْجِ (الْإِسْلَامُ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ كِتَابِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ. (وَخُلُوٌّ) لَهُ (مِنْ أَرْبَعٍ) مِنْ الزَّوْجَاتِ فَلَا يَصِحُّ مِنْ ذِي أَرْبَعٍ نِكَاحٌ. (وَشَرْطُهَا) : أَيْ الزَّوْجَةِ (الْخُلُوُّ) لَهَا (مِنْ زَوْجٍ) فَلَا يَصِحُّ عَقْدٌ عَلَى مُتَزَوِّجَةٍ. (وَ) خُلُوٍّ (مِنْ عِدَّةِ غَيْرِهِ) : فَلَا يَصِحُّ عَقْدٌ عَلَى مُعْتَدَّةٍ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ، وَأَمَّا مُعْتَدَّةٌ مِنْهُ فَيَصِحُّ إذَا لَمْ تَكُنْ مَبْتُوتَةً. (وَ) أَنْ تَكُونَ (غَيْرَ مَجُوسِيَّةٍ) فَلَا يَصِحُّ عَقْدٌ عَلَى مَجُوسِيَّةٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا: غَيْرُ الْكِتَابِيَّةِ. (وَ) غَيْرُ (أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ) : فَلَا يَصِحُّ عَقْدٌ عَلَى أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِرْقَاقِ وَلَدِهَا لِسَيِّدِهَا الْكَافِرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَقْرِيرُ مُؤَلِّفِهِ قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ كَافِرَةً لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ أَنْكِحَتَهُمْ فَاسِدَةٌ، وَإِنَّمَا أُقِرُّوا عَلَيْهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ تَأْلِيفًا لَهُمْ، وَأَمَّا الْأُنْثَى فَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ نِكَاحِهَا إسْلَامُهَا، بَلْ مَتَى كَانَتْ حُرَّةً كِتَابِيَّةً صَحَّ نِكَاحُهَا لِلْمُسْلِمِ. [شُرُوط الزَّوْج وَالزَّوْجَة] قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ مِنْ ذِي أَرْبَعٍ] إلَخْ: أَيْ وَلَوْ كَانَتْ إحْدَى الْأَرْبَعِ مُطَلَّقَةً طَلَاقًا رَجْعِيًّا، فَلَا يَصِحُّ عَقْدٌ عَلَى غَيْرِهَا حَتَّى يَبِينَهَا، أَوْ تَخْرُجُ مِنْ الْعِدَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] الْآيَةَ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ عَقْدٌ عَلَى مُتَزَوِّجَةٍ] : أَيْ إلَّا فِي بَعْضِ مَسَائِلَ سَيَأْتِي بَيَانُهَا مِنْهَا: ذَاتُ الْوَلِيَّيْنِ، وَالْمَنْعِيُّ لَهَا زَوْجُهَا فِي الْمَفْقُودِ وَنَحْوِهَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ عَلَى مُتَزَوِّجَةٍ أَوْ مُطَلَّقَةٍ طَلَاقًا رَجْعِيًّا يُفْسَخُ وَلَا يَتَأَبَّدُ بِهِ التَّحْرِيمُ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ عَقْدٌ عَلَى مُعْتَدَّةٍ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ] إلَخْ: تَقَدَّمَتْ أَحْكَامُ ذَلِكَ مُفَصَّلَةً. قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ عَقْدٌ عَلَى مَجُوسِيَّةٍ] : أَيْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ عَقْدٌ عَلَى أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ] : أَيْ وَإِنَّمَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا بِالْمِلْكِ لَا غَيْرُ. قَوْله: [لِمَا يَلْزَمُ] إلَخْ: ظَاهِرٌ فِي الْكَافِرِ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَلِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا لِكَافِرٍ فَهُوَ مُعَرَّضٌ لِاسْتِرْقَاقِ وَلَدِهِ لِلْكَافِرِ.

[عضل الولي]

فَالشُّرُوطُ إحْدَى عَشْرَةَ: خَمْسَةٌ مِنْهَا عَامَّةٌ فِيهِمَا، وَيَخْتَصُّ الزَّوْجُ بِشَرْطَيْنِ، وَالزَّوْجَةُ بِأَرْبَعَةٍ. وَبَقِيَ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: أَنْ لَا يَتَّفِقَا عَلَى كِتْمَانِهِ، وَأَنْ لَا تَكُونَ مَبْتُوتَةً لِلزَّوْجِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ تَحْتَهُ مَا يَحْرُمُ جَمْعُهَا مَعَهَا، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا وَعَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهَا مِنْ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ مُفَصَّلًا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا اخْتَلَّ شَرْطٌ فَتَارَةً يَكُونُ مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ، وَتَارَةً يَكُونُ مُخْتَلَفًا فِيهِ. وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ تَارَةً يُفْسَخُ أَبَدًا وَتَارَةً يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَقَطْ، وَتَارَةً يُفْسَخُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ مَا لَمْ يَطُلْ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَعَلَى الْوَلِيِّ) وُجُوبًا (الْإِجَابَةُ لِكُفْءٍ رَضِيَتْ بِهِ) الزَّوْجَةُ الْغَيْرُ الْمُجْبَرَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَبَقِيَ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ] إلَخْ: الْأَوَّلُ مِنْهَا عَامٌّ فِيهِمَا، وَالثَّانِي خَاصٌّ بِالزَّوْجَةِ، وَالثَّالِثُ خَاصٌّ بِالزَّوْجِ، فَتَكُونُ جُمْلَةُ الشُّرُوطِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، سِتَّةٌ عَامَّةٌ، وَثَلَاثَةٌ خَاصَّةٌ بِالزَّوْجِ، وَخَمْسَةٌ خَاصَّةٌ بِالزَّوْجَةِ. قَوْلُهُ: [أَنْ لَا يَتَّفِقَا عَلَى كِتْمَانِهِ] : أَيْ لِمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَفُسِخَ نِكَاحُ السِّرِّ إنْ لَمْ يَدْخُلْ وَبَطَلَ إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَأَنْ لَا يَكُونَ تَحْتَهُ مَا يَحْرُمُ جَمْعُهَا] إلَخْ: أَيْ كَالْمَرْأَةِ وَأُخْتِهَا أَوْ عَمَّتِهَا لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ كُلَّ اثْنَتَيْنِ لَوْ قُدِّرَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا ذَكَرًا وَالْأُخْرَى أُنْثَى حَرُمَ وَطْؤُهَا لَهَا يَحْرُمُ جَمِيعُهُمَا فِي عِصْمَةٍ. قَوْلُهُ: [مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ] : أَيْ كَنِكَاحِ الْخَامِسَةِ وَالْمَحْرَمِ. قَوْلُهُ: [مُخْتَلِفًا فِيهِ] : أَيْ كَنِكَاحِ الْمُحْرِمِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَالْمَرِيضِ إنْ تَحَصَّلَ صِحَّةٌ. قَوْلُهُ: [يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَقَطْ] : وَهُوَ كُلُّ نِكَاحٍ فَسَدَ لِصَدَاقِهِ. قَوْلُهُ: [مَا لَمْ يَطُلْ] : أَيْ وَهُوَ نِكَاحُ السِّرِّ. قَوْلُهُ: [وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ] : أَيْ الشُّرُوطِ وَمُحْتَرِزَاتِهَا مَعَ زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ. [عضل الْوَلِيّ] قَوْلُهُ: [رَضِيَتْ بِهِ] إلَخْ: أَيْ سَوَاءٌ طَلَبَتْهُ لِلتَّزَوُّجِ بِهِ أَوْ لَمْ تَطْلُبْهُ، بِأَنْ خَطَبَهَا وَرَضِيَتْ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ لِذَلِكَ مَعَ كَوْنِهَا مُتَوَقِّفَةً عَلَى عَقْدِهِ، كَانَ ذَلِكَ ضَرَرًا لَهَا، وَمَفْهُومُ غَيْرِ الْمُجْبَرَةِ أَنَّ الْمُجْبَرَةَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ لِكُفْئِهَا لِأَنَّهُ يُجْبِرُهَا

(وَإِلَّا) بِأَنْ امْتَنَعَ مِنْ كُفْءٍ رَضِيَتْ الزَّوْجَةُ بِهِ (كَانَ عَاضِلًا) بِمُجَرَّدِ الِامْتِنَاعِ، (فَيَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ) إنْ رَفَعَتْ لَهُ بِتَزْوِيجِهَا، (ثُمَّ) - إنْ امْتَنَعَ - (زَوَّجَ) الْحَاكِمُ، وَلَا يَنْتَقِلُ الْحَقُّ لِمَنْ بَعْدَ الْعَاضِلِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ. (إلَّا) أَنْ يَكُونَ امْتِنَاعُهُ (لِوَجْهٍ) صَحِيحٍ، فَلَا يُزَوِّجُ الْحَاكِمُ وَلَا يَكُونُ الْوَلِيُّ عَاضِلًا. (وَلَا يَعْضُلُ أَبٌ) لِمُجْبَرَةٍ أَيْ لَا يَكُونُ عَاضِلًا (أَوْ وَصِيٌّ) لَهُ بِالْإِجْبَارِ (بِرَدٍّ) لِلْأَزْوَاجِ (مُتَكَرِّرٍ) : لِأَنَّ الْأَبَ الْمُجْبِرَ - وَكَذَا وَصِيُّهُ - أَدْرَى بِأَحْوَالِ الْمُجْبَرَةِ مِنْهَا وَمِنْ غَيْرِهَا، (حَتَّى يَتَحَقَّقَ) ، الْعَضْلُ، فَيَأْمُرَهُ الْحَاكِمُ حِينَئِذٍ بِتَزْوِيجِهَا، فَإِنْ أَجَابَ؛ وَإِلَّا زَوَّجَ الْحَاكِمُ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِهَا بِالْقَوْلِ. (وَإِنْ وَكَّلَتْهُ) الْمَرْأَةُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهَا (مِمَّنْ أَحَبَّ) الْوَكِيلُ، وَأَحَبَّ إنْسَانًا (عَيَّنَ) لَهَا قَبْلَ الْعَقْدِ وُجُوبًا مَنْ أَحَبَّهُ لَهَا لِاخْتِلَافِ أَغْرَاضِ النِّسَاءِ فِي الرِّجَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ لِغَيْرِ كُفْءٍ إلَّا لِمَا فِيهِ ضَرَرٌ كَخَصِيٍّ، وَمَحَلُّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا لَمْ تَكُنْ كِتَابِيَّةً وَتَدْعُو الْمُسْلِمَ، وَيَمْتَنِعُ وَلِيُّهَا الْكَافِرُ، وَإِلَّا فَلَا تُجَابُ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ غَيْرُ كُفْءٍ لَهَا عِنْدَهُمْ، فَلَا يُجْبَرُونَ عَلَى تَزْوِيجِهَا لَهُ قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ إنْ امْتَنَعَ زَوَّجَ الْحَاكِمُ] إلَخْ: حَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ الْوَلِيُّ غَيْرُ الْمُجْبِرِ مِنْ تَزْوِيجِهَا بِالْكُفْءِ الَّذِي رَضِيَتْ بِهِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَسْأَلُهُ عَنْ وَجْهِ امْتِنَاعِهِ، فَإِنْ أَبْدَى وَجْهًا وَرَآهُ صَوَابًا رَدَّهَا إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُبْدِ وَجْهًا صَحِيحًا أَمَرَهُ بِتَزْوِيجِهَا، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِهَا زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ، وَلَا يَنْتَقِلُ الْحَقُّ لِلْأَبْعَدِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُتَيْطِيُّ وَغَيْرُهُ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَقَالَ: إنَّمَا يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلِيِّ غَيْرِ الْعَاضِلِ، وَأَمَّا عِنْدَ وُجُودِهِ فَيَنْتَقِلُ الْحَقُّ لَهُ، لِأَنَّ عَضْلَ الْأَقْرَبِ صَيَّرَهُ بِمَنْزِلِهِ الْعَدَمِ، فَيَنْتَقِلُ الْحَقُّ لِلْأَبْعَدِ، وَأَمَّا الْحَاكِمُ فَلَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ وَكِيلًا لَهُ إلَّا إذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ امْتِنَاعٌ كَمَا لَوْ كَانَ غَائِبًا مَثَلًا، إذَا عَلِمَتْ ذَلِكَ فَمَا قَالَهُ شَارِحُنَا تَابَعَ فِيهِ التَّوْضِيحَ، وَاسْتَصْوَبَهُ بْن وَاسْتَصْوَبَ فِي الْحَاشِيَةِ مَا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. قَوْلُهُ: [حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْعَضْلُ] : أَيْ وَلَوْ بِمَرَّةٍ. قَوْلُهُ: [عَيَّنَ لَهَا] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا.

(وَإِلَّا) يُعَيِّنْ لَهَا وَزَوَّجَهَا مِمَّنْ أَحَبَّ (فَلَهَا الرَّدُّ) أَيْ رَدُّ النِّكَاحِ (وَلَوْ بَعُدَ) مَا بَيْنَ الْعَقْدِ وَاطِّلَاعِهَا عَلَيْهِ، (بِخِلَافِ الزَّوْجِ) يُوَكِّلُ مَنْ يُزَوِّجُهُ مِمَّنْ أَحَبَّ فَزَوَّجَهُ (فَيَلْزَمُهُ) وَلَيْسَ لَهُ رَدٌّ. فَإِنْ طَلَّقَ لَزِمَهُ نِصْفُ الْمَهْرِ. (وَلَهُ) : أَيْ لِلْوَلِيِّ - وَلَوْ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ - إذَا طَلَبَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِمَنْ لَهُ عَلَيْهَا الْوِلَايَةُ (تَزْوِيجُهَا مِنْ نَفْسِهِ إنْ عَيَّنَ) لَهَا أَنَّهُ الزَّوْجُ (وَرَضِيَتْ) بِهِ، وَإِذْنُهَا صَمْتُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَهَا الرَّدُّ] : أَيْ وَالْإِجَازَةُ وَسَوَاءٌ زَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَفِيهَا لِابْنِ قَاسِمٍ إنْ زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ لَزِمَهَا وَمِنْ نَفْسِهِ خُيِّرَتْ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بَعُدَ] : ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُبَالَغَةَ رَاجِعَةٌ لِلرَّدِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هِيَ رَاجِعَةٌ لِلْإِجَازَةِ الَّتِي طَوَاهَا فَقَطْ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِيهَا وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْبُعْدُ جِدًّا، وَقَدْ رَدَّ بِالْمُبَالَغَةِ عَلَى ابْنِ حَبِيبٍ الْقَائِلِ إنَّهُ يَتَحَتَّمُ الرَّدُّ فِي حَالَةِ الْبُعْدِ إنَّمَا كَانَ لَهَا الْإِجَازَةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي حَالَةِ الْبُعْدِ، لِأَنَّهَا وَكَّلَتْ بِخِلَافِ الْمُفْتَاتِ عَلَيْهَا، فَإِنَّهَا لَمَّا لَمْ تُوَكِّلْ اُشْتُرِطَ قُرْبُ رِضَاهَا وَإِجَازَتِهَا. تَنْبِيهٌ: تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى حُكْمِ مَا إذَا وَكَّلَتْهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهَا مِمَّنْ أَحَبَّ، وَسَكَتَ عَنْ حُكْمِ مَا إذَا وَكَّلَتْهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهَا مِمَّنْ أَحَبَّتْ، فَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ مِنْهَا لَهُ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَالْحُكْمُ أَنَّهَا كَالْمُفْتَاتِ عَلَيْهَا فَيَصِحُّ النِّكَاحُ إنْ قَرُبَ رِضَاهَا بِالْبَلَدِ وَلَمْ يُقِرَّ بِهِ حَالَ الْعَقْدَ إلَى آخِرِ الشُّرُوطِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ كَالْمُفْتَاتِ عَلَيْهَا لِاسْتِنَادِهَا لِمَحَبَّتِهَا لَهُ وَهِيَ خَفِيَّةٌ عَلَى الْوَكِيلِ مَعَ كَوْنِهَا لَمْ تُعَيِّنْهُ. قَوْلُهُ: [فَيَلْزَمُهُ وَلَيْسَ لَهُ رَدٌّ] : ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ لَائِقَةٍ بِهِ، وَلَكِنْ قَالَ فِي الْأَصْلِ إذَا كَانَتْ مِمَّنْ تَلِيقُ بِهِ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ لِأَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَرِهَ النِّكَاحَ قَدَرَ عَلَى حَلِّهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِهِ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ، وَلَا عِبْرَةَ بِضَيَاعِ الْمَالِ انْتَهَى. قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَلِيقُ بِهِ أَنَّهُ إنْ زَوَّجَهُ مَنْ لَا تَلِيقُ بِهِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهَا لَهُ قَبْلَ الْعَقْدِ فَإِنَّ النِّكَاحَ لَا يَلْزَمُ. قَوْلُهُ: [إنْ عَيَّنَ لَهَا] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ الْوَكِيلَ عَلَى شَيْءٍ لَا يَسُوغُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ مَعَ نَفْسِهِ إلَّا بِإِذْنٍ خَاصٍّ، فَلَيْسَ لِمَنْ وُكِّلَ عَلَى بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَنْ يَبِيعَ أَوْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ إلَّا بِتَعْيِينٍ فَالنِّكَاحُ أَوْلَى.

[ذات الوليين في النكاح]

إنْ كَانَتْ بِكْرًا، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ (وَتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ) الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ وَهُوَ بِكَسْرِ اللَّامِ، أَيْ وَلَهُ تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ، فَلَا يَحْتَاجُ لِوَلِيٍّ غَيْرِهِ يَتَوَلَّى مَعَهُ الْعَقْدَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ وَلِيٍّ غَيْرِهِ مَعَهُ. وَأَشَارَ لِتَصْوِيرِ التَّزْوِيجِ لِنَفْسِهِ وَتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ بِقَوْلِهِ: (بِتَزَوَّجْتُكِ بِكَذَا) مِنْ الْمَهْرِ، وَلَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ عَلَى ذَلِكَ. وَلَمَّا كَانَ مِنْ تَعَلُّقَاتِ هَذَا الْمَبْحَثِ مَسْأَلَةُ ذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ أَذِنَتْ) غَيْرُ الْمُجْبَرَةِ فِي تَزْوِيجِهَا (لِوَلِيَّيْنِ) مَعًا أَوْ مُرَتَّبِينَ بِأَنْ قَالَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِتَزَوَّجْتُكِ بِكَذَا] : أَيْ وَلَا يَحْتَاجُ لِقَوْلِهِ: قَبِلْت نِكَاحَك لِنَفْسِي بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: تَزَوَّجْتُك مُتَضَمِّنٌ لِلْقَبُولِ، كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ سَالِمٌ وَبَهْرَامُ فِي كَبِيرِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ] إلَخْ: أَيْ يَحْضُرَانِ الْعَقْدَ أَوْ يُشْهِدُهُمَا بَعْدَهُ وَقَبْلَ الدُّخُولِ. تَنْبِيهٌ: إنْ أَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ الْعَقْدَ بَعْدَ التَّوْكِيلِ بِأَنْ قَالَتْ لِوَلِيِّهَا: لَمْ يَحْصُلْ مِنْك عَقْدٌ، وَقَالَ: بَلْ عَقَدْتُ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ إنْ ادَّعَاهُ الزَّوْجُ، لِأَنَّهَا مُقَرِّرَةٌ بِالْإِذْنِ وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَهَا، فَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ الزَّوْجُ صُدِّقَتْ، فَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ إنْ شَاءَتْ، وَإِنْ تَنَازَعَ الْأَوْلِيَاءُ الْمُتَسَاوُونَ فِي تَعْيِينِ الزَّوْجِ بِأَنْ يُرِيدَ كُلٌّ مِنْهُمْ تَزْوِيجَهَا لِغَيْرِ مَا يُرِيدُهُ الْآخَرُ، وَلَمْ تُعَيِّنْ الْمَرْأَةُ وَاحِدًا نَظَرَ الْحَاكِمُ فِيمَنْ يُزَوِّجُهَا لَهُ، وَاَلَّذِي يُبَاشِرُ الْعَقْدَ أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ. [ذَات الْوَلِيَّيْنِ فِي النِّكَاح] قَوْلُهُ: [لِوَلِيَّيْنِ] : هَذَا فَرْضُ مِثَالٍ إذْ لَوْ أَذِنَتْ لِأَكْثَرَ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَأَمَّا لَوْ أَذِنَتْ لِوَلِيٍّ وَاحِدٍ فِي أَنْ يُزَوِّجَهَا فَعَقَدَ لَهَا عَلَى اثْنَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِ نِكَاحِ الثَّانِي، وَلَوْ دَخَلَ بِهَا غَيْرَ عَالِمٍ، وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ شَامِلٌ لِمَا إذَا أَذِنَتْ لَهُمَا مَعًا أَوْ مَرَّتَيْنِ، أَوْ يُحْمَلُ هَذَا التَّفْصِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا عَيَّنَ لَهَا الثَّانِيَ كَانَتْ نَاسِيَةً لِلْأَوَّلِ، أَوْ اتَّحَدَ اسْمُ الزَّوْجَيْنِ أَوْ اعْتَقَدَتْ أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْأَوَّلُ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يُتَصَوَّرُ لِأَنَّ أَشْهَرَ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُعَيِّنَ لَهَا الزَّوْجَ، وَإِلَّا فَلَهَا الْخِيَارُ، فَإِنْ عَيَّنَ كُلٌّ مِنْ الْوَلِيَّيْنِ الزَّوْجَ فَلَا يُتَصَوَّرُ هَذَا التَّفْصِيلُ، وَتَكُونُ لِلْأَوَّلِ مُطْلَقًا لِعِلْمِهَا بِالثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ كُلٌّ مِنْهُمَا الزَّوْجَ فَلَهَا الْبَقَاءُ عَلَى مَنْ

وَكَّلْتُك فِي أَنْ تُزَوِّجَنِي أَوْ قَالَتْ لَهُمَا مَعًا: وَكَّلْتُكُمَا فِي تَزْوِيجِي (فَعَقَدَا) لَهَا بِأَنْ عَقَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى رَجُلٍ مَعَ التَّرْتِيبِ، وَعَلِمَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا وَالثَّانِي أَخَذَا مِمَّا سَيَأْتِي (فَلِلْأَوَّلِ) مِنْهُمَا يَقْضِي لَهُ بِهَا، وَإِنْ تَأَخَّرَ فِي الْإِذْنِ لَهُ دُونَ الثَّانِي فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ تَزَوَّجَ ذَاتَ زَوْجٍ. وَمَحَلُّ كَوْنِهَا لِلْأَوَّلِ (إنْ لَمْ يَتَلَذَّذْ بِهَا الثَّانِي) حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ عَالِمٍ) بِعَقْدِ غَيْرِهِ عَلَيْهَا قَبْلَهُ، وَهَذَا صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ: أَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْ الثَّانِي تَلَذُّذٌ أَصْلًا أَوْ حَصَلَ مِنْهُ تَلَذُّذٌ بِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ ثَانٍ؛ تَكُونُ لِلْأَوَّلِ فِيهِمَا، وَيُفْسَخُ الثَّانِي بِلَا طَلَاقٍ. (وَإِلَّا؛ بِأَنْ تَلَذَّذَ الثَّانِي بِوَطْءٍ) أَوْ مُقَدِّمَاتِهِ بِلَا عِلْمٍ مِنْهُ بِأَنَّهُ ثَانٍ، (فَهِيَ لَهُ) : أَيْ لِلثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ. وَمَحَلُّ كَوْنِهَا لِلثَّانِي: (إنْ لَمْ يَكُنْ) عَقْدُهُ عَلَيْهَا، (فِي عِدَّةِ وَفَاةِ الْأَوَّلِ) بِأَنْ عَقَدَ عَلَيْهَا بَعْدَ مَوْتِهِ، (وَلَمْ يَتَلَذَّذْ بِهَا الْأَوَّلُ قَبْلَهُ) : أَيْ قَبْلَ تَلَذُّذِ الثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQاخْتَارَتْ الْبَقَاءَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْأَوَّلَ أَوْ الثَّانِيَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَتَدَبَّرْهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ ذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَعْقِدَا لَهَا بِزَمَنَيْنِ وَيُعْلَمَ السَّابِقُ أَوْ يُجْهَلَ، أَوْ بِزَمَنٍ وَاحِدٍ، فَفِي الْأَوَّلِ تَكُونُ لِلْأَوَّلِ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَيُفْسَخُ نِكَاحُ الِاثْنَيْنِ مَعًا فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ] : أَيْ لِأَنَّ السَّالِبَةَ تَصْدُقُ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ. قَوْلُهُ: [بِلَا طَلَاقٍ] : وَقَالَ الْقُورِيُّ: بِطَلَاقٍ، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ الْقُورِيِّ هُوَ الظَّاهِرُ، وَعَلَيْهِ فَلَا حَدَّ بِدُخُولِهِ عَالِمًا بِالْأَوَّلِ كَمَا فِي الْمِعْيَارِ انْتَهَى. قَوْلُهُ: [تَلَذَّذَ] : الْمُرَادُ بِالتَّلَذُّذِ إرْخَاءُ السُّتُورِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلُ مُقَدِّمَاتٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِهِمْ، خِلَافًا لِلشَّارِحِ التَّابِعِ لِلْخَرَشِيِّ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [أَيْ لِلثَّانِي] إلَخْ: أَيْ وَلَوْ طَلَّقَهَا، وَيَلْزَمُهُ مَا أَوْقَعَهُ مِنْ الطَّلَاقِ وَيُفْسَخُ نِكَاحُ الْأَوَّلِ بِطَلَاقٍ، لِأَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ يَقُولُ: لَا تَفُوتُ عَلَى الْأَوَّلِ بِحَالٍ. قَوْلُهُ: [فِي عِدَّةِ وَفَاةِ الْأَوَّلِ] : بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ لَا لِلِاحْتِرَازِ، إذْ لَا تَكُونُ الْعِدَّةُ هُنَا إلَّا مِنْ وَفَاةٍ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْوَاقِعَ مِنْ الْأَوَّلِ إنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْمُطَلَّقَةُ قَبْلَهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَلَا يُتَصَوَّرُ دُخُولُ الْأَوَّلِ بِهَا وَتَكُونُ لِلثَّانِي فَتَأَمَّلْ.

فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَقَدَ عَلَيْهَا فِي عِدَّةِ الْأَوَّلِ كَانَتْ لِلْأَوَّلِ جَزْمًا فَتُرَدُّ لِعِدَّتِهَا مِنْهُ وَتَرِثُهُ، وَتَأْخُذُ الصَّدَاقَ. وَكَذَا إنْ ثَبَتَ تَلَذُّذُ الْأَوَّلِ بِهَا قَبْلَ تَلَذُّذِ الثَّانِي كَانَتْ لِلْأَوَّلِ بِلَا رَيْبٍ، سَوَاءٌ مَاتَ أَوْ كَانَ حَيًّا. فَتَحَصَّلَ أَنَّ شُرُوطَ كَوْنِهَا لِلثَّانِي ثَلَاثَةٌ: أَنْ يَتَلَذَّذَ بِهَا غَيْرَ عَالِمٍ بِأَنَّهُ ثَانٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ عَقْدُ الثَّانِي فِي عِدَّةِ الْأَوَّلِ، وَأَنْ لَا يَسْبِقَهُ الْأَوَّلُ بِالتَّلَذُّذِ بِهَا، وَقَوْلُنَا: " عَقَدَ عَلَيْهَا فِي عِدَّةِ الْأَوَّلِ " قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَا إنْ عَقَدَ عَلَيْهَا فِي حَيَاةِ الْأَوَّلِ وَدَخَلَ بِهَا غَيْرَ عَالِمٍ فِي عِدَّتِهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: " وَلَوْ تَقَدَّمَ الْعَقْدُ عَلَى الْأَظْهَرِ "، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يُقَرُّ الثَّانِي عَلَى نِكَاحِهَا، ثُمَّ إنْ حَصَلَ الْعَقْدُ فِي الْعِدَّةِ وَتَلَذُّذُ الثَّانِي بِهَا فِيهَا، أَوْ حَصَلَ مِنْهُ وَطْءٌ وَلَوْ بَعْدَهَا تَأَبَّدَ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ قَبْلَهَا وَتَلَذَّذَ بِهَا فِيهَا فَعَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا دُونَ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ. (وَفُسِخَ) نِكَاحُهُمَا مَعًا (بِلَا طَلَاقٍ إنْ عَقَدَا بِزَمَنٍ) وَاحِدٍ تَحْقِيقًا أَوْ شَكَّا دَخَلَا أَحَدُهُمَا أَوَّلًا، (كَنِكَاحِ الثَّانِي) تَشْبِيهٌ فِي الْفَسْخِ بِلَا طَلَاقٍ: أَيْ كَمَا يُفْسَخُ نِكَاحُ الثَّانِي بِلَا طَلَاقٍ، (بِبَيِّنَةٍ) شَهِدَتْ (عَلَى إقْرَارِهِ قَبْلَ دُخُولِهِ) بِهَا (أَنَّهُ ثَانٍ) : أَيْ إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى الثَّانِي أَنَّهُ قَبْلَ دُخُولِهِ عَلَيْهَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ ثَانٍ؛ فَإِنَّ نِكَاحَهُ يُفْسَخُ بِلَا طَلَاقٍ وَتَكُونُ لِلْأَوَّلِ كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ تَلَذَّذَ بِهَا عَالِمًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَتَرِثُهُ] إلَخْ: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ تَتَزَوَّجُ بَعْدَ ضَرْبِ الْأَجَلِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَيَدْخُلُ بِهَا زَوْجُهَا فَيَنْكَشِفُ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ قَبْلَ وَفَاةِ الْمَفْقُودِ وَدَخَلَ بِهَا فِي الْعِدَّةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَقَدْ جَزَمُوا بِتَأْبِيدِ حُرْمَتِهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ انْتَهَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْوَفَاةِ فَتَأْبِيدُ حُرْمَتِهَا بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ وَفَاةِ الْأَوَّلِ فَتَأْبِيدُ حُرْمَتِهَا عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ نَظَرًا لِوُقُوعِ الْوَطْءِ فِي الْعِدَّةِ، لَا عِنْدَ ابْنِ الْمَوَّازِ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ زَوْجٍ كَمَا يَأْتِي فِي الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [كَنِكَاحِ الثَّانِي] إلَخْ: أَيْ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ بِلَا طَلَاقٍ وَبَحَثَ فِيهِ بِأَنَّهُ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: إنَّهَا لِلثَّانِي وَلَوْ مَعَ عِلْمِهِ بِالْأَوَّلِ فَقَضِيَّةُ

(لَا) إنْ أَقَرَّ (بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ الدُّخُولِ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا عَالِمًا بِأَنَّهُ ثَانٍ، (فَبِطَلَاقٍ) : أَيْ فَيُفْسَخُ بِطَلَاقٍ (كَجَهْلِ الزَّمَنِ) مَعَ الْعِلْمِ بِوُقُوعِهِمَا فِي زَمَنَيْنِ وَجَهِلَ الْمُتَقَدِّمُ مِنْهُمَا فَيُفْسَخُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِطَلَاقٍ إنْ لَمْ يَدْخُلَا، أَوْ دَخَلَا مَعًا وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُتَقَدِّمُ مِنْهُمَا فِي الدُّخُولِ أَيْضًا. فَإِنْ دَخَلَ أَحَدُهُمَا فَهِيَ لَهُ، كَمَا لَوْ دَخَلَا وَعُلِمَ الْمُتَقَدِّمُ. وَلَوْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ الْأَحَقُّ بِهَا لِسَبْقِيَّةِ نِكَاحِهِ لِلْآخَرِ، تَسَاقَطَا لِتَعَارُضِهِمَا، وَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَعْدَلُ مِنْ الْأُخْرَى. (وَأَعْدَلِيَّةُ) بَيِّنَتَيْنِ (مُتَنَاقِضَتَيْنِ) مُلْغَاةٌ هُنَا أَيْ فِي النِّكَاحِ (وَإِنْ صَدَّقَتْهَا هِيَ) أَيْ الْمَرْأَةُ لِتَنْزِيلِ الزِّيَادَةِ مَنْزِلَةَ شَاهِدٍ وَهُوَ سَاقِطٌ فِي النِّكَاحِ، بِخِلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْفَسْخُ بِطَلَاقٍ. قَوْلُهُ: [لَا إنْ أَقَرَّ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَتَحْتَهُ صُورَتَانِ: الْأُولَى أَنْ يُقِرَّ فَيَقُولَ عَقَدْت وَأَنَا عَالِمٌ بِالْأَوَّلِ ثُمَّ دَخَلْت، الثَّانِيَةُ أَنْ يَقُولَ دَخَلْت وَأَنَا عَالِمٌ بِالْأَوَّلِ، وَحُكْمُهَا وَاحِدٌ. قَوْلُهُ: [فَيُفْسَخُ بِطَلَاقٍ] : أَيْ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ فِي دَعْوَاهُ الْعِلْمَ بِالْأَوَّلِ وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ كَامِلًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْ الزَّوْجِ الثَّانِي أَوْ الزَّوْجَةِ أَوْ الْوَلِيِّ بَعْدَ التَّلَذُّذِ أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ قَبْلَهُ بِأَنَّهُ ثَانٍ، فَإِنَّهُ يُفْسَخُ النِّكَاحُ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ، وَتَكُونُ لِلْأَوَّلِ إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ الْعِلْمُ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى مِنْ الزَّوْجَةِ أَوْ الْوَلِيِّ فَلَا أَثَرَ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الزَّوْجِ فَيُفْسَخُ نِكَاحُ كُلٍّ بِطَلَاقٍ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِاحْتِمَالِ كَذِبِ الثَّانِي، وَأَمَّا الثَّانِي فَعَمَلًا بِإِقْرَارِهِ. قَوْلُهُ: [مَعَ الْعِلْمِ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا مَعَ اتِّحَادِ زَمَنِهِمَا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: " إنْ عَقَدَا بِزَمَنٍ " فَالْفَسْخُ لِلنِّكَاحَيْنِ بِلَا طَلَاقٍ. قَوْلُهُ: [إنْ لَمْ يَدْخُلَا] إلَخْ: هَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الشَّيْخِ سَالِمٍ وَ (شب) وَ (ح) ، خِلَافًا لِ (عب) مِنْ فَسْخِ النِّكَاحَيْنِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَعْدَلَ مِنْ الْأُخْرَى] : أَيْ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْعَدَالَةِ كَغَيْرِهَا مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ الْآتِيَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ هُنَا. وَقَوْلُهُ: [وَإِنْ صَدَّقَتْهَا هِيَ] : رَدَّ بِالْمُبَالَغَةِ قَوْلَ أَشْهَبَ مِنْ اعْتِبَارِهَا إذَا

[نكاح السر]

غَيْرِهِ كَالْبَيْعِ وَالْوَلَاءِ. (وَفُسِخَ نِكَاحُ السِّرِّ) : أَيْ الِاسْتِكْتَامُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: نِكَاحُ السِّرِّ بَاطِلٌ، وَالْمَشْهُورُ: أَنَّهُ مَا أُمِرَ الشُّهُودُ حِينَ الْعَقْدِ بِكَتْمِهِ (اهـ.) (إنْ لَمْ يَدْخُلْ) الزَّوْجُ. (وَبَطَلَ) صَادِقٌ بِمَا إذَا لَمْ يَدْخُلْ طَالَ أَمْ لَا، وَبِمَا إذَا دَخَلَ وَلَمْ يَطُلْ فَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَدَّقَتْهَا الْمَرْأَةُ، وَإِنَّمَا أُلْغِيَتْ زِيَادَةُ الْعَدَالَةِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ شَاهِدٍ وَهُوَ سَاقِطٌ فِي النِّكَاحِ دُونَ غَيْرِهِ، فَلِذَلِكَ تَسْقُطُ الْبَيِّنَتَانِ لِتَنَاقُضِهِمَا وَعَدَمِ اعْتِبَارِ الْمُرَجِّحِ، وَحِينَئِذٍ فَيُقَيِّدُ مَا يَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ اعْتِبَارِ الْمُرَجِّحَاتِ بِغَيْرِ النِّكَاحِ. تَنْبِيهٌ: إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَجُهِلَ الْأَحَقُّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فَالْأَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا إرْثَ وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الصَّدَاقِ مَا زَادَ عَلَى إرْثِهِ، عَلَى فَرْضِ لَوْ وَرِثَ، وَقِيلَ يَشْتَرِكَانِ فِي نَصِيبِ زَوْجٍ وَاحِدٍ، فَعَلَى كُلٍّ الصَّدَاقُ كَامِلًا، وَأَمَّا إنْ مَاتَ الزَّوْجَانِ فَلَا إرْثَ وَلَا صَدَاقَ لَهَا عَلَى وَاحِدٍ، وَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ إنْ كَانَ يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ لَا بِغَيْرِهِ فَتَسْتَبْرِئُ بِالدُّخُولِ حَصَلَ مَوْتٌ أَمْ لَا كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. [نِكَاحُ السِّرِّ] قَوْلُهُ: [وَفُسِخَ نِكَاحُ السِّرِّ] إلَخْ: مَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ خَوْفِ ظَالِمٍ أَوْ سَاحِرٍ وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ وَلَا فَسْخَ. قَوْلُهُ: [وَالْمَشْهُورُ] إلَخْ: الْحَاصِلُ أَنَّ فِي نِكَاحِ السِّرِّ طَرِيقَتَيْنِ: طَرِيقَةُ الْبَاجِيِّ تَقُولُ: اسْتِكْتَامُ غَيْرِ الشُّهُودِ نِكَاحُ سِرٍّ أَيْضًا، كَمَا لَوْ تَوَاصَى الزَّوْجَانِ وَالْوَلِيُّ عَلَى كَتْمِهِ وَلَمْ يُوصُوا الشُّهُودَ بِذَلِكَ وَرَجَّحَهَا الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ و (بْن) ، وَطَرِيقَةُ ابْنِ عَرَفَةَ، وَرَجَّحَهَا الْمُؤَلِّفُ تَبَعًا لِ (ح) : أَنَّ نِكَاحَ السِّرِّ مَا أُوصِيَ الشُّهُودُ عَلَى كَتْمِهِ، أُوصِيَ غَيْرُهُمْ أَيْضًا عَلَى كَتْمِهِ أَمْ لَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُوصِي الزَّوْجَ انْضَمَّ لَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ كَالزَّوْجَةِ أَوْ وَلِيِّهَا أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [حِينَ الْعَقْدِ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ الْإِيصَاءُ بَعْدَهُ فَلَا يَضُرُّ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ. قَوْلُهُ: [إنْ لَمْ يَدْخُلْ وَبَطَلَ] : أَيْ فَفِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَبَا حَنِيفَةَ يَرَيَانِ جَوَازَهُ، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ.

طَالَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَمْ يُفْسَخْ. وَالطُّولُ فِيهِ (بِالْعُرْفِ) لَا بِوِلَادَةٍ الْأَوْلَادِ كَمَا فِي الْيَتِيمَةِ، وَكَمَا فِي الشَّرِيفَةِ يُزَوِّجُهَا وَلِيٌّ عَامٌّ مَعَ وُجُودِ خَاصٍّ لَمْ يُجْبِرْ، وَالْعُرْفُ بِاشْتِهَارِهِ بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ. (وَهُوَ مَا أَوْصَى الزَّوْجُ فِيهِ الشُّهُودَ بِكَتْمِهِ) وَأَوْلَى: إنْ تَوَافَقَ مَعَهُ الْوَلِيُّ وَالزَّوْجَةُ، بَلْ نَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْبَاجِيِّ: إنْ اتَّفَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى كَتْمِهِ وَلَمْ يَعْلَمُوا الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ فَهُوَ نِكَاحُ سِرٍّ، وَالْإِيصَاءُ بِالْكَتْمِ عَنْ جَمَاعَةٍ أَوْ عَنْ رَجُلٍ، بَلْ (وَإِنْ) أَوْصَى بِكَتْمِهِ (مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ أَيَّامًا) مُعَيَّنَةٍ كَثَلَاثَةٍ فَأَكْثَرَ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ الْيَوْمَانِ كَالْأَيَّامِ. (وَعُوقِبَا) أَيْ الزَّوْجَانِ إذَا تَوَاطَآ عَلَى الْكَتْمِ (وَالشُّهُودُ) يُعَاقَبَانِ مَا لَمْ يَجْهَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُعَاقَبُ الشَّاهِدَانِ إنْ جَهِلَا، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ يُعَاقَبُ عَامِدٌ فَعَلَهُ مِنْهُمْ (إنْ دَخَلَا) ، فَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَمْ يُفْسَخْ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ حَيْثُ قَالَ: يُفْسَخُ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَلَوْ طَالَ. قَوْلُهُ: [كَمَا فِي الْيَتِيمَةِ] إلَخْ: رَاجِعٌ لِلْمَنْفِيِّ فَإِنَّ الْيَتِيمَةَ وَمَنْ مَعَهَا الطُّولُ فِيهِمَا بِوِلَادَةِ الْأَوْلَادِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [فَهُوَ نِكَاحُ سِرٍّ] : أَيْ فَعَلَى طَرِيقَةِ الْبَاجِيِّ يُفْسَخُ النِّكَاحُ مَا لَمْ يَدْخُلْ وَيَطُلْ حَيْثُ تَوَافَقَ الزَّوْجَانِ وَالْوَلِيُّ عَلَى الْكَتْمِ، وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ الشُّهُودُ بِالْكَتْمِ. قَوْلُهُ: [مِنْ امْرَأَةٍ] : ظَاهِرُهُ امْرَأَةُ الزَّوْجِ أَوْ غَيْرُهَا وَهُوَ مَا حَكَاهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ تَخْصِيصُهُ بِامْرَأَةِ الزَّوْجِ. قَوْلُهُ: [وَقَالَ اللَّخْمِيُّ] إلَخْ: الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ. قَوْلُهُ: [وَالشُّهُودَ] : الْأَرْجَحُ فِيهِ النَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ لِضَعْفِ الْعَطْفِ هُنَا، لِأَنَّ فِيهِ الْعَطْفَ عَلَى ضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَّصِلٍ مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ. قَوْلُهُ: [لَا يُعَاقَبُ الشَّاهِدَانِ إنْ جَهِلَا] : أَيْ وَمِثْلُهُمَا الزَّوْجَانِ، وَمَحَلُّ مُعَاقَبَةِ الزَّوْجَيْنِ إنْ لَمْ يُعْذَرَا بِالْجَهْلِ إنْ كَانَا غَيْرَ مُجْبَرَيْنِ، أَمَّا إنْ كَانَا مُجْبَرَيْنِ فَاَلَّذِي يُعَاقَبُ وَلِيُّهُمَا إنْ لَمْ يُعْذَرَا بِالْجَهْلِ.

[أقسام النكاح الفاسد بالنسبة لفسخه]

ظَهَرَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ فَلَا عِقَابَ نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ، وَعُلِمَ مِنْ هُنَا أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ النِّكَاحِ عَدَمَ التَّوَاطُؤِ عَلَى كَتْمِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ بِالنِّسْبَةِ لِفَسْخِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ: مَا يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ مَا لَمْ يَطُلْ؛ وَذَلِكَ فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ: مَسْأَلَةِ الصَّغِيرَةِ الْيَتِيمَةِ إذَا زُوِّجَتْ مَعَ فَقْدِ شُرُوطِهَا، وَمَسْأَلَةِ الشَّرِيفَةِ تُزَوَّجُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ مَعَ وُجُودِ خَاصٍّ غَيْرِ مُجْبِرٍ، وَمَسْأَلَةِ نِكَاحِ السِّرِّ لَكِنَّ الطُّولَ فِيهَا غَيْرُهُ فِيهَا وَتَقَدَّمَ. الْقَسَمُ الثَّانِي: مَا يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا بَعْدَهُ. الثَّالِثُ: مَا يُفْسَخُ أَبَدًا وَهُوَ الْأَصْلُ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْقِسْمَيْنِ الْأَخِيرِينَ فَقَالَ: (وَ) فُسِخَ النِّكَاحُ (قَبْلَهُ) : أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ (فَقَطْ) لَا بَعْدَهُ إنْ تَزَوَّجَهَا (عَلَى) شَرْطِ (أَنْ لَا تَأْتِيَهُ) الزَّوْجَةُ، أَوْ أَنْ لَا يَأْتِيهَا هُوَ (إلَّا نَهَارًا) فَقَطْ، (أَوْ لَيْلًا) فَقَطْ، لِأَنَّهُ مِمَّا يُنَاقِضُ مُقْتَضَى النِّكَاحِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْخَلَلِ فِي الصَّدَاقِ، وَلِذَا كَانَ يَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ لِأَنَّ الصَّدَاقَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ بِالنِّسْبَةِ لِهَذَا الشَّرْطِ. (أَوْ) وَقَعَ النِّكَاحُ (بِخِيَارٍ) يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ (لِأَحَدِهِمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ أَوَّلهمَا مَعًا (أَوْ غَيْرٍ) أَجْنَبِيٍّ لِيَتَرَوَّى فِي ذَلِكَ فَيُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِالْمُسَمَّى إنْ كَانَ، وَإِلَّا فَبِصَدَاقِ الْمِثْلِ (إلَّا خِيَارَ الْمَجْلِسِ) فَلَا يُفْسَخُ لِجَوَازِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِيهِ دُونَ الْبَيْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ] : أَيْ كَمَا قَالَ ابْنُ نَاجِي إنَّ الْمُعَاقَبَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فَسْخٌ بِأَنْ طَالَ الزَّمَنُ. قَوْلُهُ: [وَعُلِمَ مِنْ هُنَا] : أَيْ فَلِذَلِكَ عَدَّهُ فِي الشُّرُوطِ فِيمَا تَقَدَّمَ. [أَقْسَام النِّكَاح الْفَاسِد بِالنِّسْبَةِ لفسخه] [الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّل وَالثَّانِي مَا يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ مَا لَمْ يَطُلْ وَفُسِخَ النِّكَاحُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَقَطْ] قَوْلُهُ: [وَلِذَا كَانَ يَثْبُتُ بَعْدَهُ] : أَيْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يُفْسَخُ وَلَوْ دَخَلَ. قَوْلُهُ: [بِصَدَاقِ الْمِثْلِ] : أَيْ لَا بِالْمُسَمَّى وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا لِعَقْدِهِ، وَقَوْلُهُمْ: فِي الْقَاعِدَةِ إنَّ مَا فَسَدَ لِعَقْدِهِ يَلْزَمُ بِالدُّخُولِ الْمُسَمَّى مَحَلُّهُ مَا لَمْ يُؤْثِرْ خَلَلًا فِي الصَّدَاقِ كَمَا هُنَا، وَإِلَّا مَضَى بِصَدَاقِ الْمِثْلِ كَالْفَاسِدِ لِصَدَاقِهِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [إلَّا خِيَارَ الْمَجْلِسِ] إلَخْ: فَإِنَّهُ هُنَا جَائِزٌ إذَا اُشْتُرِطَ، وَإِنْ بَحَثَ

(أَوْ) وَقَعَ (عَلَى) شَرْطِ أَنَّهُ (إنْ لَمْ يَأْتِ بِالصَّدَاقِ لِكَذَا) أَيْ لِوَقْتِ كَذَا (فَلَا نِكَاحَ) بَيْنَنَا؛ فَيُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَقَطْ (إنْ جَاءَ بِهِ) فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ فُسِخَ أَبَدًا. (وَوَجْهُ الشِّغَارِ) : فَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ. وَسَيَأْتِي أَنَّهُ: مَا وَقَعَ عَلَى أَنْ: تُزَوِّجُنِي بِنْتَك مَثَلًا بِكَذَا عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك بِنْتِي بِكَذَا. (كَكُلِّ مَا) أَيْ نِكَاحٍ (فَسَدَ لِصَدَاقِهِ) : أَيْ لِخَلَلٍ فِيهِ، كَكَوْنِهِ لَا يُمْلَكُ شَرْعًا كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ. أَوْ لِكَوْنِهِ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ. أَوْ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ. أَوْ مَجْهُولًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَقَطْ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا يَأْتِي. وَكُلُّ مَا (وَقَعَ عَلَى شَرْطٍ يُنَاقِضُ) الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ؛ (كَأَنْ) وَقَعَ عَلَى شَرْطِ أَنْ (لَا يَقْسِمُ) بَيْنَهَا وَبَيْنَ ضَرَّتِهَا فِي الْمَبِيتِ. (أَوْ) عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ فِي الْبَيْعِ يُفْسِدُهُ فَأَوْلَى النِّكَاحُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ النِّكَاحَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُكَارَمَةِ فَتُسُومِحَ فِيهِ مَا لَمْ يُتَسَامَحْ فِي غَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: لَا إرْثَ فِي النِّكَاحِ بِخِيَارٍ إذَا حَصَلَ الْمَوْتُ قَبْلَ الدُّخُولِ، بِخِلَافِ الْمُفْتَاتِ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا تَرِثُهُ وَإِنْ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ، لِأَنَّ الْخِيَارَ لَهَا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ لَا مِنْ جِهَةِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَمَا هُنَا ذَكَرَهُ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ. قَوْلُهُ: [إنْ جَاءَ بِهِ] : أَيْ وَأَمَّا إنْ وَهِبَته لَهُ وَقَبِلَهُ فَاسْتَظْهَرَ فِي الْحَاشِيَةِ أَنَّهُ حُكْمُ مَا إذَا أَتَى بِهِ فِي التَّفْصِيلِ قَوْلُهُ: [يُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ] : أَيْ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِيهِ. وَإِنَّمَا كَانَ الْمُنَاقِضُ لِلْمَقْصُودِ فِيهِ صَدَاقَ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ، لِأَنَّهُ تَارَةً يَقْتَضِي الزِّيَادَةَ فِي الْمَهْرِ. وَتَارَةً يَقْتَضِي النَّقْصَ، فَفِيهِ خَلَلٌ فِي الْمَهْرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَاحْتُرِزَ بِالشَّرْطِ الْمُنَاقِضِ لِلْمَقْصُودِ عَنْ الْمَكْرُوهِ، وَهُوَ مَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فَلَا يُنَافِيهِ كَأَنْ لَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا أَوْ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا أَوْ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ مَكَانِ كَذَا أَوْ مِنْ بَلَدِهَا فَلَا يُفْسَخُ قَبْلَ وَلَا بَعْدَ وَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ مَا لَمْ يَكُنْ الْتَزَمَهَا لَهَا فِي يَمِينٍ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْجِيرِ. وَعَنْ الْجَائِزِ وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ كَحُسْنِ الْعِشْرَةِ وَإِجْرَاءِ النَّفَقَةِ، فَإِنَّ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ. قَوْلُهُ: [كَأَنْ وَقَعَ عَلَى شَرْطِ أَنْ لَا يَقْسِمَ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ

[القسم الثالث فسخ مطلقا قبل الدخول وبعده وإن طال]

شَرْطِ أَنْ (يُؤْثِرَ عَلَيْهَا) ضَرَّتَهَا بِأَنْ يَجْعَلَ لِضَرَّتِهَا جُمُعَةً أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ تَسْتَقِلُّ بِهَا عَنْهَا. (أَوْ) شَرَطَتْ (أَنَّ نَفَقَةَ) زَوْجِهَا (الْمَحْجُورِ) لِصِغَرِهِ أَوْ لِرِقِّهِ؛ أَيْ شَرَطَتْ عِنْدَ تَزْوِيجِهَا بِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَنَّ نَفَقَتَهَا تَكُونُ (عَلَى وَلِيِّهِ) أَبِيهِ أَوْ سَيِّدِهِ، فَإِنَّهُ شَرْطٌ مُنَاقِضٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا، فَشَرْطُ خِلَافِهِ مُضِرٌّ. (أَوْ عَلَيْهَا) : أَيْ شَرَطَ الزَّوْجُ أَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ شَرْطٌ مُخِلٌّ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَتْ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى وَلَدِهَا أَوْ عَلَى أَبِيهَا أَوْ عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهَا مَتَى أَحَبَّتْ فَيُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الْجَمِيعِ، وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ. (وَأُلْغِيَ) الشَّرْطُ الْمُنَاقِضُ فَلَا يُعْمَلُ بِهِ. وَأَشَارَ لِلْقِسْمِ الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ: (وَ) (فُسِخَ مُطْلَقًا) قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَإِنْ طَالَ (فِي غَيْرِ مَا مَرَّ) مِنْ الْقِسْمَيْنِ؛ كَمَا لَوْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الْوَلِيِّ أَوْ الزَّوْجَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ اخْتَلَّ رُكْنُ كَمَا لَوْ زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا بِلَا وَلِيٍّ، أَوْ لَمْ تَقَعْ الصِّيغَةُ بِقَوْلٍ بَلْ بِكِتَابَةٍ أَوْ إشَارَةٍ، أَوْ بِقَوْلٍ غَيْرِ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا، وَأَوْلَى إنْ لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بِالِاشْتِرَاطِ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَأَمَّا إنْ حَصَلَ مِنْهَا شَيْءٌ بَعْدَ الْعَقْدِ وَهِيَ فِي الْعِصْمَةِ فَلَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ، فَلَهَا أَنْ تُسْقِطَ حَقَّهَا فِي الْقِسْمَةِ، وَلَهَا أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ، وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى أَوْلَادِهَا مِنْ غَيْرِهِ وَأَبِيهَا وَمَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ لَا تَضُرُّ. قَوْلُهُ: [وَأُلْغِيَ الشَّرْطُ الْمُنَاقِضُ] : أَيْ لِأَنَّ كُلَّ شَرْطٍ خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ فَهُوَ لَاغٍ وَبَاطِلٌ. [الْقِسْمِ الثَّالِثِ فُسِخَ مُطْلَقًا قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَإِنْ طَالَ] قَوْلُهُ: [كَمَا لَوْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الْوَلِيِّ] : إلَخْ هُوَ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ اخْتِلَالِ بَعْضِ شُرُوطِ الزَّوْجَيْنِ، فَإِنَّ اتِّفَاقَ الزَّوْجَيْنِ مَعَ الشُّهُودِ عَلَى الْكَتْمِ لَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ فِيهِ أَبَدًا بَلْ إذَا لَمْ يَدْخُلْ وَيَطُلْ، وَقَدْ يُقَالُ اتَّكَلَ فِي هَذَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [بَلْ بِكِتَابَةٍ أَوْ إشَارَةٍ] : أَيْ لِغَيْرِ الْأَخْرَسِ، وَأَمَّا هُوَ فَيَكْفِي. قَوْلُهُ: [أَوْ بِقَوْلِ غَيْرٍ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا] : أَيْ بِصِيغَةٍ لَيْسَ فِيهَا زَوَّجْت وَلَا أَنْكَحْت وَلَا وَهَبْت مَقْرُونًا بِصَدَاقٍ، وَلَا مَا يَقْتَضِي الْبَقَاءَ مُدَّةَ الْحَيَاةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، كَمَا إذَا وَقَعَ بِلَفْظِ الْعَارِيَّةِ أَوْ الْحَبْسِ مَثَلًا:

[فسخ النكاح بالطلاق وغيره]

تَقَعْ أَصْلًا كَالْمُعَاطَاةِ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ شُهُودٌ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ وَقَعَ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ بِفَاسِقَيْنِ. وَ (كَالنِّكَاحِ لِأَجْلٍ) : وَهُوَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ عُيِّنَ الْأَجَلُ أَمْ لَا، وَيُعَاقَبُ فِيهِ الزَّوْجَانِ وَلَا يُحَدَّانِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيُفْسَخُ بِلَا طَلَاقٍ، وَالْمُضِرُّ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ لِلْمَرْأَةِ أَوْ وَلِيِّهَا، وَأَمَّا لَوْ أَضْمَرَ الزَّوْجُ فِي نَفْسِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مَا دَامَ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ أَوْ مُدَّةَ سَنَةٍ ثُمَّ يُفَارِقُهَا فَلَا يَضُرُّ، وَلَوْ فَهِمَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ حَالِهِ ذَلِكَ. وَلَمَّا دَخَلَ فِي غَيْرِ مَا مَرَّ النِّكَاحُ فِي الْمَرَضِ وَكَانَ حُكْمُهُ مُخَالِفًا لِغَيْرِهِ اسْتَثْنَاهُ بِقَوْلِهِ: (إلَّا) النِّكَاحَ (بِمَرَضٍ) مِنْ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ (فَ) يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ، لَكِنْ (لِلصِّحَّةِ) ، فَإِنْ صَحَّ الْمَرِيضُ لَمْ يُفْسَخْ. ثُمَّ الْفَسْخُ تَارَةً يَكُونُ بِطَلَاقٍ وَتَارَةً بِغَيْرِهِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى كُلٍّ أَحْكَامٌ أَشَارَ لِذَلِكَ كُلِّهِ بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ) أَيْ الْفَسْخُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ (طَلَاقٌ) ، فَإِنْ أَعَادَ الْعَقْدَ بَعْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عُيِّنَ الْأَجَلُ أَمْ لَا] : فَمِثَالُ تَعْيِينِ الْأَجَلِ كَقَوْلِهِ: زَوِّجْنِي بِنْتَك عَشْرَ سِنِينَ بِكَذَا، وَعَدَمُ تَعْيِينِهِ كَقَوْلِهِ: زَوِّجْنِي بِنْتَك مُدَّةَ إقَامَتِي فِي هَذَا الْبَلَدِ فَإِذَا سَافَرَتْ فَارَقْتهَا. قَوْلُهُ: [وَيُعَاقَبُ فِيهِ الزَّوْجَانِ] إلَخْ: أَيْ وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ. قَوْلُهُ: [وَيُفْسَخُ بِلَا طَلَاقٍ] : أَيْ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى مَنْعِهِ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إلَّا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ وَفِيهِ الْمُسَمَّى إنْ دَخَلَا، لِأَنَّ فَسَادَهُ لِعَقْدِهِ، وَقِيلَ صَدَاقُ الْمِثْلِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَجَلِ أَثَّرَ خَلَلًا فِي الصَّدَاقِ وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ الْأَوَّلَ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا لَوْ أَضْمَرَ] إلَخْ: قَالَ بَعْضُهُمْ وَهِيَ فَائِدَةٌ تَنْفَعُ الْمُتَغَرِّبَ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ إذَا أَجَّلَهُ بِأَجَلٍ لَا يَبْلُغُهُ عُمْرُهُمَا كَمِائَةِ سَنَةٍ، فَقِيلَ يَنْفَسِخُ لِأَنَّهُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَقِيلَ لَا كَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلُ لِابْنِ عَرَفَةَ وَالثَّانِي لِأَبِي الْحَسَنِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ فَهِمَتْ] : أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ اقْتِصَارِ الْأُجْهُورِيِّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ أَضْمَرَهُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ تَفْهَمْهُ الْمَرْأَةُ وَلَا وَلِيُّهَا فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا. [فَسْخ النِّكَاح بِالطَّلَاقِ وَغَيْره] قَوْلُهُ: [طَلَاقٌ] : أَيْ بَائِنٌ سَوَاءٌ أَوْقَعَهُ الْحَاكِمُ أَوْ الزَّوْجُ لَفَظَ فِيهِ بِالطَّلَاقِ أَوْ لَا.

صَحِيحًا كَانَتْ مَعَهُ بِطَلْقَتَيْنِ، وَإِنْ أَعَادَهُ صَحِيحًا قَبْلَهُ اسْتَمَرَّ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ أَعَادَهُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ غَيْرِهِ: (إنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ) بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَلَوْ خَارِجَ الْمَذْهَبِ، وَلَوْ فِي مَذْهَبٍ انْقَرَضَ كَغَيْرِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَوْ أُجْمِعَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْقُدُومِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً؛ كَالشِّغَارِ فَإِنَّهُ لَا قَائِلَ بِجَوَازِهِ، وَإِنَّمَا قِيلَ بِصِحَّتِهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ. وَمَا ذَكَرَهُ إشَارَةً إلَى قَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ وَهِيَ: كُلُّ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ فَفَسْخُهُ بِطَلَاقٍ (كَشِغَارٍ) أَيْ صَرِيحِهِ يُفْسَخُ أَبَدًا بِطَلَاقٍ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ، (وَإِنْكَاحِ) وَلِيٍّ فَقَدَ شَرْطًا مِمَّا تَقَدَّمَ (كَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ) وَالْمُحْرِمِ يَتَوَلَّى عَقْدَ نِكَاحِ امْرَأَةٍ، فَإِنَّهُ يُفْسَخُ أَبَدًا بِطَلَاقٍ. وَأَشَارَ إلَى قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ: أَنَّ كُلَّ مُخْتَلَفٍ فِيهِ فَالتَّحْرِيمُ بِهِ لِلْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ كَالصَّحِيحِ، بِقَوْلِهِ: (وَالتَّحْرِيمُ بِهِ) : أَيْ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ (كَالصَّحِيحِ) أَيْ كَالتَّحْرِيمِ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ، فَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ يُحَرِّمُهَا عَلَى أُصُولِهِ وَفُصُولِهِ، وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِ أُصُولَهَا لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْبَنَاتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّهَاتِ لَا فُصُولَهَا، لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْأُمَّهَاتِ لَا يُحَرِّمُ الْبَنَاتَ، فَإِذَا دَخَلَ بِالْأُمِّ حَرُمَتْ الْبِنْتُ أَيْضًا، (وَفِيهِ) : أَيْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ (الْإِرْثُ) بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْفَسْخِ، وَهَذَا إشَارَةٌ لِقَاعِدَةٍ ثَالِثَةٍ يَجْمَعُ الثَّلَاثَةَ قَاعِدَةٌ وَاحِدَةٌ: كُلُّ مُخْتَلَفٍ فِيهِ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ فِي التَّحْرِيمِ وَالْإِرْثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [اسْتَمَرَّ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ] : أَيْ فَالْعِصْمَةُ كَامِلَةٌ. قَوْلُهُ: [فَفَسْخُهُ بِطَلَاقٍ] : أَيْ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ كَالصَّحِيحِ فَيُعْطَى حُكْمُهُ. قَوْلُهُ: [لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ] : أَيْ فَإِنَّهُ قِيلَ بِصِحَّتِهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ. قَوْلُهُ: [كَالْعَبْدِ] : اعْتَرَضَ التَّمْثِيلَ بِهِ بِقَوْلِ التَّوْضِيحِ لَا أَعْلَمُ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ كَوْنِ الْعَبْدِ وَلِيًّا وَقَالَ أَيْضًا فِي نَقْلِهِ عَنْ أَصْبَغَ: وَلَا مِيرَاثَ فِي النِّكَاحِ الَّذِي تَوَلَّى الْعَبْدُ عُقْدَتَهُ، وَإِنْ فُسِخَ بِطَلْقَةٍ لِضَعْفِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ (اهـ) . وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِصِحَّةِ عَقْدِهَا عَلَى نَفْسِهَا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ تَوْلِيَةُ الْعَبْدِ نِكَاحَ امْرَأَةٍ وَعَقْدُ الْمَرْأَةِ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ امْرَأَةٍ غَيْرِهَا يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْأُمَّهَاتِ] إلَخْ: أَيْ وَلَوْ مُتَّفَقًا عَلَى صِحَّتِهِ.

وَفَسْخُهُ بِطَلَاقٍ. وَاسْتَثْنَى مِنْ ثُبُوتِ الْإِرْثِ مَسْأَلَةَ الْمَرِيضِ بِقَوْلِهِ: (إلَّا نِكَاحَ الْمَرِيضِ) ، فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَلَا إرْثَ فِيهِ، سَوَاءٌ مَاتَ الْمَرِيضُ أَوْ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ عِلَّةَ فَسَادِهِ إدْخَالُ وَارِثٍ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ. (بِخِلَافِ الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ) فَفَسْخُهُ بِلَا طَلَاقٍ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، وَلَا يَحْتَاجُ الْفَسْخُ فِيهِ لِحُكْمٍ لِعَدَمِ انْعِقَادِهِ مِنْ أَصْلِهِ، بِخِلَافِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ حَيْثُ امْتَنَعَ الزَّوْجُ مِنْ فَسْخِهِ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ الْفَسْخُ فِيهِ لِحُكْمِ حَاكِمٍ، فَلَوْ عَقَدَ عَلَيْهَا غَيْرُهُ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِالْفَسْخِ وَقَبْلَ رِضَا الزَّوْجِ بِفَسْخِهِ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهُ، لِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَى ذَات زَوْجٍ وَلَا إرْثَ فِيهِ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ فَسْخِهِ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ بِوَجْهٍ (كَالْخَامِسَةِ) : فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى فَسَادِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِمُخَالَفَةِ الظَّاهِرِيَّةِ لِخُرُوجِهِمْ عَنْ إجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، وَأَوْلَى أُصُولُهُ وَفُصُولُهُ، وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ وَأُمٍّ زَوْجَتُهُ وَمَبْتُوتَةُ قَبْلَ الزَّوْجِ. (وَالتَّحْرِيمُ فِيهِ) ، أَيْ فِي الْمُجْمَعِ عَلَى فَسَادِهِ عَلَى أُصُولِ زَوْجَتِهِ وَفُرُوعِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا نِكَاحَ الْمَرِيضِ] : أَيْ فَقَطْ خِلَافًا لِأَصْبَغَ فَإِنَّهُ جَعَلَ نِكَاحَ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: [فَلَوْ عَقَدَ عَلَيْهَا غَيْرُهُ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا عَقْدُهُ هُوَ فَتَقَدَّمَ أَنَّهُ صَحِيحٌ، وَتَكُونُ بِعِصْمَةٍ كَامِلَةٍ فَلِذَلِكَ كَانَ طَلَبُ الْفَسْخِ فِي الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ عَقْدِ الْغَيْرِ وَانْقِطَاعِ حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ عَنْهُ. قَوْلُهُ: [وَلَا إرْثَ فِيهِ] : مِنْ تَتِمَّةِ الْكَلَامِ عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَا عِبْرَةَ بِمُخَالَفَةِ الظَّاهِرِيَّةِ] : أَيْ فَإِنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ لِلرَّجُلِ تِسْعًا مُسْتَدِلِّينَ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] الْآيَةَ جَاعِلِينَ الْوَاوَ عَلَى بَابِهَا. قَوْلُهُ: [لِخُرُوجِهِمْ عَنْ إجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ] : أَيْ لِأَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْوَاوَ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى أَوْ. قَوْلُهُ: [وَأَوْلَى أُصُولُهُ وَفُصُولُهُ] : أَيْ مَا لَمْ تَكُنْ فُصُولُهُ مِنْ مَاءِ الزِّنَا فَلَيْسَ بِمُتَّفَقٍ عَلَى فَسَادِهِ، بَلْ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ بِجَوَازِهِ.

[حكم صداق النكاح الفاسد]

وَتَحْرِيمُ زَوْجَتِهِ عَلَى أُصُولِهِ وَفُصُولِهِ (بِالتَّلَذُّذِ) بِهَا بِالْوَطْءِ، أَوْ مُقَدَّمَاتِهِ لَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ عَدَمٌ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى حُكْمِ صَدَاقِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِقَوْلِهِ: (وَمَا) : أَيْ وَكُلُّ نِكَاحٍ (فُسِخَ بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَوْ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ فَسَادُهُ إلَّا لِعَقْدِهِ فَقَطْ أَوْ لِعَقْدِهِ وَصَدَاقِهِ مَعًا، (فَفِيهِ الْمُسَمَّى) مِنْ الصَّدَاقِ (إنْ كَانَ) ، ثَمَّ مُسَمًّى مَعْلُومٌ. (وَحَلَّ) : أَيْ كَانَ حَلَالًا. (وَإِلَّا) : بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى - أَوْ كَانَ وَلَكِنَّهُ كَانَ حَرَامًا لِذَاتِهِ كَخَمْرٍ - أَوْ لِوَصْفِهِ كَجَهْلِهِ أَوْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَآبِقٍ - (فَصَدَاقُ الْمِثْلِ) . (وَلَا شَيْءَ) مِنْ الصَّدَاقِ (بِالْفَسْخِ قَبْلَهُ) ، أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ، سَوَاءٌ الْمُخْتَلَفُ فِي فَسَادِهِ وَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ (إلَّا فِي نِكَاحِ الدِّرْهَمَيْنِ) ، وَالْمُرَادُ بِهِ: مَا قَلَّ مِنْ الصَّدَاقِ الشَّرْعِيِّ إذَا امْتَنَعَ الزَّوْجُ مِنْ إتْمَامِهِ، فَفُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَفِيهِ نِصْفُهُمَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَقِيلَ لَا شَيْءَ فِيهِ كَغَيْرِهِ. (أَوْ) إلَّا فِي (دَعْوَاهُ) : أَيْ الزَّوْجِ (الرَّضَاعَ) مَعَ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، (فَأَنْكَرَتْ) فَفُسِخَ لِإِقْرَارِهِ بِالرَّضَاعِ فَيَلْزَمُهُ نِصْفُ الْمُسَمَّى لِاتِّهَامِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [حُكْمِ صَدَاقِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ] قَوْلُهُ: [سَوَاءٌ الْمُخْتَلَفُ فِي فَسَادِهِ] إلَخْ: كَانَ فَسَادُهُ لِعَقْدِهِ أَوْ لِصَدَاقِهِ أَوْ لَهُمَا فَلَيْسَ الْفَسْخُ قَبْلَ الدُّخُولِ مِثْلُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ لَا شَيْءَ فِيهِ] : مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي نَقَلَهُ الْجَلَّابُ، وَصَوَّبَ الْقَابِسِيُّ الْأَوَّلَ، وَابْنُ الْكَاتِبِ الثَّانِيَ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْأَوَّلِ لِقَوْلِ الْمُتَيْطِيِّ إنَّهُ قَالَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ. قَوْلُهُ: [أَوْ إلَّا فِي دَعْوَاهُ] إلَخْ: وَمِثْلُ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فُرْقَةُ الْمُلَاعَنَيْنِ قَبْلَ الْبِنَاءِ لِقَوْلِهِمْ كُلُّ نِكَاحٍ فُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ إلَّا نِكَاحَ الدِّرْهَمَيْنِ، وَفُرْقَةُ الْمُتَرَاضِعَيْنِ وَفُرْقَةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ نِصْفُ الْمُسَمَّى فِي الْمُتَلَاعِنِينَ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْمُتَرَاضِعَيْنِ، وَلِذَلِكَ لَوْ ثَبَتَ الرَّضَاعُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِهِمَا أَوْ ثَبَتَ الزِّنَا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ. قَوْلُهُ: [فَأَنْكَرَتْ] : أَيْ أَوْ أَقَرَّتْ وَكَانَتْ غَيْرَ رَشِيدَةٍ.

عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ فِرَاقَهَا بِلَا شَيْءٍ. (وَطَلَاقُهُ) أَيْ الزَّوْجِ (كَالْفَسْخِ) ، فَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ وَقَعَ طَلَاقًا وَإِنْ كَانَ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ فَهُوَ مُجَرَّدُ فِرَاقٍ، وَلَا يَحْتَاجُ لِرَفْعٍ بَعْدَهُ فَإِنْ دَخَلَ فَالْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ الْفَسْخِ أَوْ الطَّلَاقِ وَلَهَا الْمُسَمَّى إنْ كَانَ وَإِلَّا فَصَدَاقُ الْمِثْلِ، وَلَا شَيْءَ لَهَا إنْ طَلَّقَ قَبْلَهُ إلَّا نِكَاحَ الدِّرْهَمَيْنِ فَنِصْفُهُمَا. (وَتُعَاضُ) الْمَرْأَةُ (الْمُتَلَذَّذُ بِهَا) فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِلَا وَطْءٍ - بَلْ بِقِبْلَةٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ تُعَاضُ بِشَيْءٍ فِي نَظِيرِ تَلَذُّذِهِ بِهَا بِالِاجْتِهَادِ، وَلَا صَدَاقَ لَهَا فِي الْفَسْخِ وَالطَّلَاقِ، سَوَاءٌ كَانَ مُخْتَلِفًا فِيهِ أَوْ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ. (وَلِوَلِيٍّ صَغِيرٍ) تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ (فَسْخُ عَقْدِهِ) إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ؛ (فَلَا مَهْرَ) لَهَا (وَلَا عِدَّةَ) عَلَيْهَا إنْ وَطِئَهَا وَلَوْ أَزَالَ بَكَارَتَهَا؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ كَالْعَدَمِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا فِي الْبَكَرِ أَرْشُ مَا شَانَهَا، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ فَلَمْ يَقُلْ: وَيَنْبَغِي. وَفَسْخُهُ بِطَلَاقٍ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ صَحِيحٌ غَايَتُهُ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِالِاجْتِهَادِ] : أَيْ فَإِنَّهَا تُعْطَى شَيْئًا وُجُوبًا بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ أَوْ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ عَلَى مَا لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ اجْتِهَادُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي قَدْرِهِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ، أَوْ يَكْفِي وَلَوْ كَانَ مَوْجُودًا وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَلِوَلِيٍّ صَغِيرٍ] إلَخْ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِذَا لَمْ يَرُدُّ الْوَلِيُّ نِكَاحَ الصَّبِيِّ وَالْحَالُ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي رَدِّهِ حَتَّى كَبِرَ وَخَرَجَ عَنْ وِلَايَتِهِ جَازَ النِّكَاحُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِلَ النَّظَرُ إلَيْهِ فَيُمْضِيَ أَوْ يَرُدَّ كَذَا فِي (بْن اهـ) . فَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ لَا لِلتَّخْيِيرِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ إنْ وَجَدَ الْمَصْلَحَةَ فِي إبْقَائِهِ تَعَيَّنَ وَإِنْ وَجَدَهَا فِي رَدِّهِ تَعَيَّنَ وَإِنْ اسْتَوَتْ خُيِّرَ. قَوْلُهُ: [وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا] إلَخْ: أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْفَسْخِ فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ. قَوْلُهُ: [وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ] : وَمِثْلُهُ فِي نَقْلِ الْمَوَّاقِ إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الصَّغِيرِ لِأَنَّ تَسْلِيطَهَا لَهُ كَالْعَدَمِ، وَأَمَّا الْكَبِيرَةُ فَكَأَنَّهُمْ نَظَرُوا إلَى أَنَّهَا إنَّمَا سَلَّطَتْهُ فِي نَظِيرِ الْمَهْرِ وَلَمْ يَتِمَّ فَرَجَعَ لِلْأَرْشِ.

[رد السيد نكاح عبده]

(وَلِلسَّيِّدِ رَدُّ نِكَاحِ عَبْدِهِ) الْقِنِّ أَوْ مَنْ فِيهِ شَائِبَةٌ كَمُكَاتَبٍ إذَا تَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ (بِطَلْقَةٍ فَقَطْ) لَا أَكْثَرَ، فَإِنْ أَوْقَعَ أَكْثَرَ لَمْ يَلْزَمْ الْعَبْدَ إلَّا وَاحِدَةٌ (وَهِيَ) طَلْقَةٌ (بَائِنَةٌ) لِمَا يَأْتِي أَنَّ الرَّجْعِيَّ إنَّمَا يَكُونُ فِي نِكَاحٍ لَازِمٍ حَلَّ وَطْؤُهُ، وَهَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ وَلَهُ إمْضَاؤُهُ. وَمَحِلُّ تَخْيِيرِهِ بِالرَّدِّ وَالْإِمْضَاءِ (إنْ لَمْ يَبِعْهُ أَوْ يُعْتِقْهُ) ، فَإِنْ بَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ فَلَا كَلَامَ لَهُ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ، وَلَيْسَ لِمُشْتَرِيهِ فَسْخُ نِكَاحِهِ وَكَذَا إنْ وَهَبَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: وَإِنْ زَوَّجَ الْوَلِيُّ الصَّغِيرُ بِشُرُوطٍ - وَكَانَتْ تَلْزَمُ إنْ وَقَعَتْ مِنْ مُكَلَّفٍ - كَأَنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ تَسَرَّى فَهِيَ أَوْ الَّتِي يَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ، وَالْتَزَمَ الْوَلِيُّ تِلْكَ الشُّرُوطَ أَوْ زَوَّجَ الْوَلَدُ نَفْسَهُ عَلَى تِلْكَ الشُّرُوطِ، ثُمَّ بَلَغَ وَكَرِهَ بَعْدَ بُلُوغِهِ تِلْكَ الشُّرُوطَ وَطَلَبَتْهَا الْمَرْأَةُ، فَإِنَّ النِّكَاحَ يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ جَبْرًا حَيْثُ لَمْ تَرْضَ بِإِسْقَاطِ الشُّرُوطِ، وَلَمْ يَدْخُلْ بَعْدَ بُلُوغِهِ عَالِمًا بِهَا، وَإِلَّا لَزِمَتْهُ وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَإِلَّا سَقَطَتْ عَنْهُ، وَلَوْ دَخَلَ عَالِمًا لِأَنَّهَا مَكَّنَتْ مِنْ نَفْسِهَا مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الشُّرُوطُ. وَاخْتُلِفَ إذَا وَقَعَ الْفَسْخُ قَبْلَ الدُّخُولِ هَلْ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ - وَرُجِّحَ - أَوْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؟ قَوْلَانِ عُمِلَ بِهِمَا وَإِنْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَقْتَ الْعَقْدِ وَالشُّرُوطِ كَانَ كَبِيرًا وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا فَالْقَوْلُ لَهَا أَوْ لِوَلِيِّهَا بِيَمِينٍ وَيَلْزَمُهُ الشُّرُوطُ كَذَا فِي الْأَصْلِ. [رد السَّيِّد نِكَاح عَبْده] قَوْلُهُ: [وَلِلسَّيِّدِ] إلَخْ: اللَّامُ هُنَا لِلتَّخْيِيرِ أَيْ فَلَهُ الرَّدُّ وَلَوْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الْإِجَازَةِ، لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ الْمَصْلَحَةُ مَعَ عَبْدِهِ، بِخِلَافِ وَلِيِّ الصَّغِيرِ كَمَا يَأْتِي وَمَحَلُّ كَوْنِ السَّيِّدِ مُخَيَّرًا مَا لَمْ يَكُنْ الْمُتَزَوِّجُ أُنْثَى وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْفَسْخُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَلَهُ إمْضَاؤُهُ] : أَيْ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ بَعْدَ عِلْمِهِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ بَاعَهُ] : أَيْ عَالِمًا بِتَزْوِيجِهِ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ لِمُشْتَرِيهِ] إلَخْ: أَيْ بَلْ يُقَالُ لَهُ: إنْ كُنْت عَلِمْت بِالتَّزْوِيجِ قَبْلَ الشِّرَاءِ فَهُوَ عَيْبٌ دَخَلْت عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَكَ رَدُّ الْعَبْدِ لِبَائِعِهِ، وَلَك التَّمَسُّكُ بِهِ وَلَيْسَ لَك رَدُّ نِكَاحِهِ. وَلَوْ اخْتَلَفَتْ وَرَثَةُ الْمُشْتَرِي فِي الرَّدِّ وَعَدَمِهِ وَالْحَالُ

(وَلَهَا) أَيْ لِزَوْجَةِ الْعَبْدِ إنْ رَدَّ سَيِّدُهُ نِكَاحَهُ (رُبْعُ دِينَارٍ إنْ دَخَلَ بِهَا) وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهَا، وَتَرُدُّ الزَّائِدَ إنْ قَبَضَتْهُ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً، (وَأُتْبِعَ) الْعَبْدُ (بِمَا بَقِيَ) بَعْدَ رُبْعِ الدِّينَارِ فِي ذِمَّتِهِ تَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ إنْ عَتَقَ (إنْ غَرَّ) زَوْجَتَهُ حَالَ التَّزْوِيجِ بِأَنَّهُ حُرٌّ، لَا إنْ لَمْ يَغُرَّهَا فَلَا تَتْبَعُهُ بِشَيْءٍ وَمَحِلُّ إتْبَاعِهِ إنْ غَرَّهَا (مَا لَمْ يُبْطِلْهُ) عَنْهُ قَبْلَ عِتْقِهِ (سَيِّدٌ أَوْ حَاكِمٌ) إنْ غَابَ سَيِّدُهُ، فَإِنْ أَبْطَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ طَلَبٌ. (فَلَوْ امْتَنَعَ) السَّيِّدُ مِنْ إجَازَةِ نِكَاحِ عَبْدِهِ ابْتِدَاءً حِينَ سُئِلَ عَنْهَا وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ رَدٌّ وَلَا فَسْخٌ، وَإِنَّمَا قَالَا: لَا أُجِيزُ (فَلَهُ الْإِجَازَةُ) بَعْدَ ذَلِكَ (إنْ قَرُبَ) الْأَمْرُ كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ لَا أَكْثَرَ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ امْتِنَاعٌ فَلَهُ الْإِجَازَةُ، وَلَوْ طَالَ الزَّمَنُ (وَلَمْ يُرِدْ) بِامْتِنَاعِهِ (الْفَسْخَ) وَإِلَّا كَانَ فَسْخًا (أَوْ) لَمْ (يَشُكَّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ مُورِثَهُمْ مَاتَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِتَزْوِيجِهِ، أَوْ بَعْدَ أَنْ عَلِمَ وَقَبْلَ أَنْ يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ، فَالْقَوْلُ لِمَنْ طَلَبَ الرَّدَّ وَمَحَلُّ عَدَمِ رَدِّ السَّيِّدِ الْأَوَّلِ لِنِكَاحِهِ إنْ بَاعَهُ مَا لَمْ يُرَدَّ لَهُ بِعَيْبِ التَّزْوِيجِ، وَإِلَّا فَلَهُ رَدُّ نِكَاحِهِ إنْ كَانَ بَاعَهُ غَيْرَ عَالِمٍ، وَمَفْهُومُ قَوْلِنَا: مَا لَمْ يُرَدَّ لَهُ بِعَيْبِ التَّزْوِيجِ، أَنَّهُ لَوْ رُدَّ لَهُ بِعَيْبٍ آخَرَ بِأَنْ لَمْ يَطَّلِعْ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبِ التَّزْوِيجِ وَرَدَّهُ بِغَيْرِهِ كَانَ لِلْبَائِعِ رَدُّ نِكَاحِهِ أَيْضًا، وَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِ التَّزْوِيجِ وَرَضِيَهُ وَرَدَّهُ بِغَيْرِهِ فَقَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْبَائِعَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِأَرْشِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ بِهِ فَكَأَنَّهُ حَدَثَ عِنْدَهُ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ رَدُّ نِكَاحِهِ لِأَخْذِهِ أَرْشَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَالْآخَرُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِأَرْشِهِ وَلَهُ رَدُّ النِّكَاحِ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ ابْتِدَاءُ بَيْعٍ، وَالثَّانِي عَلَى أَنَّهُ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: [لَا إنْ لَمْ يَغُرَّهَا] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقِيلَ، إنَّهَا تَتْبَعُهُ بِبَاقِي الْمُسَمَّى مُطْلَقًا غَرَّ أَوْ لَا وَالْقَوْلَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. قَوْلُهُ: [لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ طَلَبٌ] : أَيْ لِأَنَّ الدَّيْنَ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ عَيْبٌ يَجُوزُ لَهُ إبْطَالُهُ وَالْحَاكِمُ يَقُومُ مَقَامَهُ. قَوْلُهُ: [لَا أَكْثَرَ] : أَيْ فَالثَّلَاثَةُ طُولٌ لَا تَصِحُّ الْإِجَازَةُ بَعْدَهَا. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يُرِدْ بِامْتِنَاعِهِ الْفَسْخَ] إلَخْ: الْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسَائِلَ ثَلَاثٌ:

[رد نكاح السفيه]

السَّيِّدُ (فِي إرَادَتِهِ) بِالِامْتِنَاعِ هَلْ قَصَدَ بِهِ الْفَسْخَ أَوْ لَا، فَإِنْ شَكَّ حَمَلَ عَلَى الْفَسْخِ وَلَا إجَازَةَ لَهُ؛ فَيَشُكُّ بِفَتْحِ الْيَاءِ، مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ. (وَلِوَلِيِّ سَفِيهٍ) تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ (رَدُّ نِكَاحِهِ كَذَلِكَ) أَيْ بِطَلْقَةٍ فَقَطْ بَائِنَةٍ كَالْعَبْدِ (إنْ لَمْ يَرْشُدْ) : أَيْ يَحْصُلْ لَهُ رُشْدٌ، فَإِنْ رَشَدَ فَلَا كَلَامَ لِوَلِيِّهِ. (وَلَهَا) إنْ فَسَخَهُ وَلِيُّهُ (رُبْعُ دِينَارٍ إنْ دَخَلَ) السَّفِيهُ بِهَا، (وَلَا يُتْبَعُ) إنْ رَشَدَ (بِالْبَاقِي) . (وَتَعَيَّنَ) الْفَسْخُ (إنْ مَاتَ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِهِ (فَلَا مَهْرَ) لَهَا (وَلَا إرْثَ) ، وَالْمُرَادُ أَنْ يَتَعَيَّنَ الْفَسْخُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَلَا مَهْرَ وَلَا إرْثَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْوَلِيِّ فَسْخُهُ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا كَلَامَ لَهُ. (وَلِلْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ) لَهُ فِي التِّجَارَةِ (تَسَرٍّ وَإِنْ بِلَا إذْنٍ) مِنْ سَيِّدِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُولَى: رَدُّهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ امْتِنَاعٍ، وَالثَّانِيَةُ: إجَازَتُهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ سَبْقِ امْتِنَاعٍ، وَالثَّالِثَةُ: إجَازَتُهُ بَعْدَ الِامْتِنَاعِ إمَّا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ سَبْقِ سُؤَالٍ أَوْ بَعْدَ سُؤَالٍ مِنْ غَيْرِ رَدٍّ فِيهَا، وَهَذِهِ الثَّالِثَةُ هِيَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: " فَلَوْ امْتَنَعَ فَلَهُ الْإِجَازَةُ إنْ قَرُبَ ". وَالْمَسْأَلَتَانِ الْأُولَيَانِ هُمَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ: " وَلِلسَّيِّدِ رَدُّ نِكَاحِ عَبْدِهِ " إلَخْ. [رد نِكَاح السَّفِيه] قَوْلُهُ: [وَلِوَلِيِّ سَفِيهٍ] : اللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فِعْلُ الْمَصْلَحَةِ. قَوْلُهُ: [فَلَا كَلَامَ لِوَلِيِّهِ] : أَيْ وَلَا يَنْتَقِلُ لَهُ إذَا رَشَدَ مَا كَانَ لِوَلِيِّهِ، بَلْ يَثْبُتُ النِّكَاحُ وَلَا خِيَارَ لَهُ، وَقِيلَ يَنْتَقِلُ لَهُ مَا كَانَ لِوَلِيِّهِ. قَوْلُهُ: [وَتَعَيَّنَ الْفَسْخُ إنْ مَاتَ] : أَيْ وَأَمَّا إنْ مَاتَتْ فَمَا زَالَ النَّظَرُ لِلْوَلِيِّ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إذْ قَدْ يَكُونُ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الصَّدَاقِ أَكْثَرَ مِمَّا لَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ يَقُولُ: إنَّ نَظَرَ الْوَلِيِّ يَفُوتُ بِالْمَوْتِ وَيَتَوَارَثَانِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلسَّفِيهِ وَلِيٌّ فَفِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي فِي الْحَجْرِ هَلْ تَصَرُّفُهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِجَازَةِ أَوْ الرَّدِّ؟ خِلَافٌ بَيْنَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ. [تسري الْمُكَاتَب وَالْمَأْذُون وَنَفَقَة زَوْجَة الْعَبْد] قَوْلُهُ: [وَإِنْ بِلَا إذْنٍ] : بَالَغَ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ فِي الْمُكَاتَبِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ خَوْفَ عَجْزِهِ كَالتَّزْوِيجِ وَفِي الْمَأْذُونِ لِأَنَّهُ فِي مَالِهِ كَالْوَكِيلِ.

(وَنَفَقَةُ زَوْجَةِ الْعَبْدِ) غَيْرِ الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ - فَيَشْمَلُ الْمُدَبَّرَ وَالْمُعْتَقَ لِأَجَلٍ - إذَا تَزَوَّجَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ بِهَا أَوْ أَمْضَى نِكَاحَهُ تَكُونُ (مِنْ غَيْرِ خَرَاجِهِ وَكَسْبِهِ) ، وَالْخَرَاجُ: مَا يُقَاطِعُهُ سَيِّدُهُ عَلَيْهِ؛ كَأَنْ يُقَاطِعَهُ عَلَى دِرْهَمٍ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ عَلَى دِينَارٍ كُلَّ شَهْرٍ، وَالْكَسْبُ: مَا يَنْشَأُ عَنْ عَمَلِهِ. فَإِنْ جَعَلَ عَلَيْهِ خَرَاجًا أَنْفَقَ عَلَى زَوْجَتِهِ مِمَّا فَاضَ لَهُ بَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ خَرَاجًا أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ حَبْسٍ، أَوْ مِمَّا أَذِنَ لَهُ فِيهِ سَيِّدُهُ. وَالْمُكَاتَبُ كَحُرٍّ، وَالْمَأْذُونُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ وَرِبْحِهِ الَّذِي بِيَدِهِ لَا مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ وَرِبْحِهِ. الْمُبَعَّضُ فِي يَوْمِهِ كَالْحُرِّ وَفِي يَوْمِ سَيِّدِهِ كَالْقِنِّ. (إلَّا لِعُرْفٍ) جَارٍ بِأَنَّ الْعَبْدَ يُنْفِقُ مِنْ خَرَاجِهِ وَكَسْبِهِ فَيَعْمَلُ بِهِ (كَالْمَهْرِ) فَإِنَّهُ مِنْ غَيْرِ خَرَاجِهِ وَكَسْبِهِ إلَّا لِعُرْفٍ، (وَلَا يَضْمَنُهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ (سَيِّدُهُ بِإِذْنِ التَّزْوِيجِ) لِعَبْدِهِ وَإِنْ بَاشَرَ الْعَقْدَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ لَهُ جَبْرُ الذَّكَرِ عَلَى النِّكَاحِ بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَنَفَقَةُ زَوْجَةِ الْعَبْدِ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ فَعَلَى سَيِّدِ أُمِّهِمْ إنْ كَانَتْ رَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ إنْ أَمْكَنَ الْوُصُولُ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَعَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالسَّيِّدُ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ. قَوْلُهُ: [وَالْمُكَاتَبُ كَحُرٍّ] : أَيْ لِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ. قَوْلُهُ: [وَالْمَأْذُونُ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُوَافِقُ غَيْرَ الْمَأْذُونِ فِي أَنَّ نَفَقَةَ زَوْجَتِهِ لَا تَكُونُ فِي غَلَّتِهِ، وَيُخَالِفُهُ، فِي أَنَّ نَفَقَةَ زَوْجَتِهِ فِي الْمَالِ الَّذِي بِيَدِهِ وَرِبْحِهِ، وَقَوْلُهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِمَا ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ يَعُودُ عَلَى الزَّوْجَةِ وَالسَّرِيَّةِ. قَوْلُهُ: [إلَّا لِعُرْفٍ] إلَخْ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ وَلَمْ يَجِدْ مِنْ أَيْنَ يُنْفِقُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ تَرْضَى بِالْمُقَامِ مَعَهُ بِلَا نَفَقَةٍ أَوْ يَتَطَوَّعُ بِهَا مُتَطَوِّعٌ، وَلَا يُبَاعُ الْعَبْدُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَضْمَنُهُ] إلَخْ: أَيْ بَلْ هُمَا عَلَى الْعَبْدِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُمَا عَلَى السَّيِّدِ فَلَيْسَ السَّيِّدُ كَالْأَبِ، فَإِنَّ الْأَبَ إذَا جَبَرَ وَلَدَهُ عَلَى النِّكَاحِ كَانَ الصَّدَاقُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْوَلَدُ مُعْدِمًا حِينَ الْعَقْدِ، بَلْ كَالْوَصِيِّ وَالْحَاكِمُ فَإِنَّهُمَا وَإِنْ جَبَرَا

[من له جبر الذكر على النكاح]

(وَجَبَرَ) أَبٌ وَوَصِيٌّ وَحَاكِمٌ لَا غَيْرُهُمْ ذَكَرًا (مَجْنُونًا) مُطْبَقًا فَإِنْ كَانَ يُفِيقُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ اُنْتُظِرَتْ إفَاقَتُهُ. (وَصَغِيرًا لِمَصْلَحَةٍ) اقْتَضَتْ تَزْوِيجَهُمَا بِأَنْ خِيفَ الزِّنَا عَلَى الْمَجْنُونِ أَوْ الضَّرَرُ، فَتَحْفَظُهُ الزَّوْجَةُ. وَمَصْلَحَةُ الصَّبِيِّ تَزْوِيجُهُ مِنْ غَنِيَّةٍ أَوْ شَرِيفَةٍ أَوْ ابْنَةِ عَمٍّ، أَوْ لِمَنْ تَحْفَظُ مَالَهُ وَلَا جَبْرَ لِلْحَاكِمِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْأَوَّلِينَ، إلَّا إذَا بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ فَالْكَلَامُ لِلْحَاكِمِ. (وَالصَّدَاقُ عَلَى الْأَبِ) إذَا جَبَرَ ابْنَهُ الْمَجْنُونَ أَوْ الصَّغِيرَ، (وَإِنْ مَاتَ) الْأَبُ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَ ذِمَّتَهُ بِجَبْرِهِ لَهُمَا فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَهَذَا (إنْ أَعْدَمَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَلْزَمُهُمَا صَدَاقٌ إلَّا بِالشَّرْطِ. [مَنْ لَهُ جَبْرُ الذَّكَرِ عَلَى النِّكَاحِ] قَوْلُهُ: [لَا غَيْرُهُمْ] : أَيْ كَأَخٍ وَعَمٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ بَاقِي الْأَوْلِيَاءِ، فَلَا يُجْبِرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ صَغِيرًا وَلَا مَجْنُونًا عَلَى الْمَشْهُورِ، فَإِنْ حَصَلَ مِنْهُمْ جَبْرٌ فَقِيلَ يُفْسَخُ النِّكَاحُ مُطْلَقًا وَلَوْ دَخَلَ وَطَالَ وَقِيلَ مَا لَمْ يَدْخُلْ وَيَطُلْ وَإِلَّا ثَبَتَ. تَنْبِيهٌ: لِلْوَصِيِّ جَبْرُ الذَّكَرِ لِلْمَصْلَحَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جَبْرُ الْأُنْثَى كَمَا إذَا قَالَ لَهُ: أَنْتَ وَصِيِّي عَلَى وَلَدِي كَمَا فِي (ر) ، وَفِي (عب) تَبَعًا لِ (ح) تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ لَهُ جَبْرُ الْأُنْثَى قَالَ بْن وَفِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ: [ذَكَرًا مَجْنُونًا] : أَيْ وَأَمَّا الْأُنْثَى فَلَا يَجْبُرُهَا إلَّا الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ عَلَى تَفْصِيلٍ تَقَدَّمَ، وَأَمَّا الْحَاكِمُ فَلَا يَجْبُرُهَا. قَوْلُهُ: [لِمَصْلَحَةٍ] إلَخْ: أَيْ لَا لِغَيْرِهَا فَلَا جَبْرَ وَلَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهَا فِي الْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ، وَأَمَّا الْأَبُ فَمَحْمُولٌ عَلَيْهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَيْدُ الْمَصْلَحَةِ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ يَكُونُ الصَّدَاقُ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ وَإِلَّا فَلَا يُعْتَبَرُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ. قَوْلُهُ: [إلَّا إذَا بَلَغَ] : الْأَوْلَى إلَّا إذَا رَشَدَ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ لَزِمَ ذِمَّتَهُ] : أَيْ وَلَا يُقَالُ إنَّهَا صَدَقَةٌ لَمْ تُقْبَضْ، بَلْ هِيَ مُعَاوَضَةٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَبَ إذَا جَبَرَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ أَوْ الْمَجْنُونَ فَالصَّدَاقُ عَلَيْهِ إنْ كَانَا مُعْدِمَيْنِ حِينَ الْعَقْدِ، وَلَوْ مَاتَ الْأَبُ وَلَوْ أَيْسَرَا بَعْدَ الْعَقْدِ، وَلَوْ اشْتَرَطَ الْأَبُ أَنَّ الصَّدَاقَ عَلَيْهِمَا، وَأَمَّا إنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ حِينَ الْعَقْدِ فَعَلَيْهِمَا، وَلَوْ أَعْدَمَا

بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَالٌ (حَالَ الْعَقْدِ) وَلَوْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، (وَلَوْ شَرَطَ) الْأَبُ (خِلَافَهُ) بِأَنْ قَالَ: وَلَا يَلْزَمُنِي صَدَاقٌ بَلْ الصَّدَاقُ عَلَى الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ؛ فَلَا يُعْمَلُ بِشَرْطِهِ، (وَإِلَّا) يَعْدَمَا حَالَ الْعَقْدِ - بِأَنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ بِهِ أَوْ بِبَعْضِهِ وَإِنْ أَعْدَمَا بَعْدَهُ - (فَعَلَيْهِمَا) مَا أَيْسَرَا بِهِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا لَا عَلَى الْأَبِ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْوَصِيَّ وَلَا الْحَاكِمَ مُطْلَقًا (إلَّا لِشَرْطٍ) مِنْ وَلِيِّ الزَّوْجَةِ عَلَى الْأَبِ أَوْ عَلَى الْوَصِيِّ أَوْ عَلَى الْحَاكِمِ، فَيُعْمَلُ بِهِ. وَسَكَتَ عَنْ السَّفِيهِ: هَلْ يَجْبُرُهُ مَنْ ذُكِرَ؟ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَفِي السَّفِيهِ خِلَافٌ، لَكِنَّهُ صَحَّحَ فِي التَّوْضِيحِ الْقَوْلَ بِعَدَمِ جَبْرِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ. (وَإِنْ) عَقَدَ أَبٌ لِابْنٍ رَشِيدٍ بِإِذْنِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَوْنَ الصَّدَاقِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى ابْنِهِ، وَ (تَطَارَحَهُ) ابْنٌ (رَشِيدٌ وَأَبٌ) تَوَلَّى الْعَقْدَ؛ بِأَنْ قَالَ الِابْنُ لِأَبِيهِ: أَنْتَ الْتَزَمْت الصَّدَاقَ وَمَا رَضِيت إلَّا أَنَّهُ عَلَيْك، وَقَالَ الْأَبُ: بَلْ مَا قَصَدْت إلَّا أَنَّهُ عَلَى ابْنِي، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ (فُسِخَ وَلَا مَهْرَ) عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا (إنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ الْعَقْدِ إلَّا الشَّرْطُ عَلَى الْأَبِ فَيُعْمَلُ بِهِ. قَوْلُهُ: [كَمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْوَصِيَّ وَلَا الْحَاكِمَ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْحَاكِمَ وَالْوَصِيَّ صَدَاقُ الْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ، سَوَاءٌ كَانَا مُعْدِمَيْنِ أَوْ مُوسِرَيْنِ، لَكِنْ إنْ كَانَا مُعْدِمَيْنِ اُتُّبِعَا بِهِ وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَى الْوَصِيِّ، أَوْ الْحَاكِمِ وَإِلَّا عُمِلَ بِهِ. قَوْلُهُ: [لَكِنَّهُ صَحَّحَ فِي التَّوْضِيحِ] إلَخْ: فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْجَبْرِ يَجْرِي فِي الصَّدَاقِ مَا جَرَى فِي صَدَاقِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ. قَوْلُهُ: [وَتَطَارَحَهُ ابْنٌ رَشِيدٌ] إلَخْ: مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ تَطَارَحَهُ سَفِيهٌ وَأَبٌ فَفِيهِ تَفْصِيلُ وَهُوَ إنْ كَانَ الْوَلَدُ مَلِيًّا حِينَ الْعَقْدِ لَزِمَهُ الصَّدَاقُ وَإِلَّا فُسِخَ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَلْزَمُهُ الصَّدَاقُ فِي حَالَةِ جَبْرِ الْأَبِ لَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ فَأَوْلَى، فِي حَالَةِ عَدَمِ الْجَبْرِ، وَإِنْ كَانَ مُعْدِمًا حَالَةَ الْعَقْدِ، فَقَدْ مَرَّ أَنَّ الصَّدَاقَ عَلَى الْأَبِ عَلَى الْقَوْلِ بِجَبْرِهِ، وَهَلْ كَذَلِكَ فِي حَالَةِ عَدَمِ الْجَبْرِ أَمْ لَا؟ قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [فُسِخَ وَلَا مَهْرَ] : أَيْ وَلَا تَتَوَجَّهُ يَمِينٌ أَصْلًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَقِيلَ

لَمْ يَلْتَزِمْهُ أَحَدُهُمَا) وَإِلَّا لَزِمَ مَنْ الْتَزَمَهُ وَلَا فَسْخَ، (وَ) إنْ تَطَارَحَاهُ (بَعْدَ الدُّخُولِ حَلَفَ الْأَبُ) أَنَّهُ مَا قَصَدَ بِهِ الصَّدَاقَ إلَّا عَلَى ابْنِهِ، (وَبَرِئَ وَلَزِمَ الزَّوْجَ صَدَاقُ الْمِثْلِ) ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَدْرَ الْمُسَمَّى أَوْ أَكْثَرَ (وَحَلَفَ إنْ كَانَ) صَدَاقُ الْمِثْلِ (أَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى) لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ غُرْمَ الزَّائِدِ، قَالَهُ اللَّخْمِيُّ. (وَرَجَعَ لِأَبٍ) زَوَّجَ وَلَدَهُ وَضَمِنَ لَهُ الصَّدَاقَ، (وَ) رَجَعَ لِشَخْصٍ (ذِي قَدْرٍ) بَيْنَ النَّاسِ (زَوَّجَ غَيْرَهُ) وَالْتَزَمَ صَدَاقَهُ، (وَ) رَجَعَ لِأَبٍ (ضَامِنٍ لِابْنَتِهِ صَدَاقَهَا) : أَيْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ لِشَخْصٍ بِصَدَاقٍ وَالْتَزَمَ لِابْنَتِهِ الصَّدَاقَ (النِّصْفُ) فَاعِلُ " رَجَعَ " فِي الثَّلَاثِ: أَيْ رَجَعَ لِكُلٍّ نِصْفُ الصَّدَاقِ (بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ) ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ فِيهِ حَقٌّ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الثَّلَاثَةِ إنَّمَا الْتَزَمَهُ عَلَى أَنَّهُ صَدَاقٌ وَلَمْ يَتِمَّ، فَيَرْجِعُ لَهُ، وَالنِّصْفُ الثَّانِي لِلزَّوْجَةِ. (وَ) رَجَعَ (جَمِيعُهُ) أَيْ الصَّدَاقُ لِمَنْ ذُكِرَ (بِالْفَسَادِ) : أَيْ بِالْفَسْخِ قَبْلَ الدُّخُولِ لِفَسَادِهِ، فَإِنْ دَخَلَ فَلَهَا الْمُسَمَّى (وَلَا رُجُوعَ لَهُمْ) : أَيْ لِلْأَبِ وَذِي الْقَدْرِ وَالضَّامِنِ لِابْنَتِهِ صَدَاقُهَا (عَلَى الزَّوْجِ) بِمَا اسْتَحَقَّتْهُ الزَّوْجَةُ مِنْ النِّصْفِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ الْكُلِّ بَعْدَهُ، لِأَنَّهُمْ إنَّمَا الْتَزَمُوهُ لِيَكُونَ عَلَيْهِمْ تَبَرُّعًا مِنْهُمْ لِلزَّوْجِ (إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ) الْوَاحِدُ مِنْهُمْ (بِالْحَمَالَةِ) كَ: عَلَيَّ حَمَالَةُ الصَّدَاقِ، لِأَنَّ لَفْظَ الْحَمَالَةِ يُؤْذِنُ بِمُجَرَّدِ التَّحَمُّلِ دُونَ الْتِزَامِهِ فِي الذِّمَّةِ (مُطْلَقًا) كَانَ قَبْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَسْخُ وَعَدَمُ الْمَهْرِ مُقَيَّدٌ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ بِحَلِفِهِمَا مَعًا، فَإِنْ نَكَلَا مَعًا لَزِمَهُمَا الصَّدَاقُ بِالسَّوِيَّةِ، وَيُقْضَى لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ، وَيُبْدَأُ فِي الْحَلِفِ بِالْأَبِ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ، وَقِيلَ يُقْرَعُ فِيمَنْ يَبْدَأُ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ زَوَّجَ ابْنَهُ الْبَالِغَ الْمَالِكَ لِأَمْرِ نَفْسِهِ وَهُوَ حَاضِرٌ صَامِتٌ، فَلَمَّا فَرَغَ الْأَبُ مِنْ النِّكَاحِ قَالَ الِابْنُ: مَا أَمَرْته وَلَا أَرْضَى صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَ الِابْنُ غَائِبًا فَأَنْكَرَ حِينَ بَلَغَهُ سَقَطَ النِّكَاحُ وَالصَّدَاقُ عَنْهُ، وَعَنْ الْأَبِ وَالِابْنِ وَالْأَجْنَبِيِّ فِي هَذَا سَوَاءٌ (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَلَزِمَ الزَّوْجَ صَدَاقُ الْمِثْلِ] : إنَّمَا غَرِمَ صَدَاقَ الْمِثْلِ مَعَ أَنَّهُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْمُسَمَّى أُلْغِيَ لِأَجْلِ الْمُطَارَحَةِ، وَصَارَ الْمُعْتَبَرُ قِيمَةُ مَا اسْتَوْفَاهُ الزَّوْجُ فَلَا يُقَالُ لِأَيِّ شَيْءٍ دُفِعَ لِلزَّوْجَةِ غَيْرُ مَا تَدَّعِيهِ.

[رجوع نصف الصداق بالطلاق قبل الدخول أو رجوعه بالفسخ]

الْعَقْدِ أَوْ أَوْ بَعْدَهُ (أَوْ يَضْمَنُ) الْوَاحِدُ مِنْهُمْ (بَعْدَ الْعَقْدِ) فَيَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ لَا قَبْلَهُ أَوْ مَعَهُ، (إلَّا لِقَرِينَةٍ أَوْ عُرْفٍ) فَيَعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُمَا كَالشَّرْطِ. ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْكَفَاءَةِ الْمَطْلُوبَةِ فِي النِّكَاحِ فَقَالَ: (وَالْكَفَاءَةُ) وَهِيَ لُغَةً: الْمُمَاثَلَةُ وَالْمُقَارَبَةُ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْمُمَاثَلَةُ فِي ثَلَاثَةِ أُمُورٍ عَلَى الْمَذْهَبِ: الْحَالِ، وَالدِّينِ، وَالْحُرِّيَّةِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ: النَّسَبَ، وَالْحَسَبَ احْتِرَازًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [رُجُوع نصف الصَّدَاق بِالطَّلَاقِ قَبْل الدُّخُول أَوْ رُجُوعه بِالْفَسْخِ] قَوْلُهُ: [فَيَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الدَّافِعَ إمَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِلَفْظِ الْحَمَالَةِ أَوْ الْحَمْلِ أَوْ الضَّمَانِ، وَفِي كُلٍّ إمَّا قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ فِيهِ، فَالتَّصْرِيحُ بِالْحَمَالَةِ يَرْجِعُ بِهِ مُطْلَقًا وَالتَّصْرِيحُ بِالضَّمَانِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ فِيهِ لَمْ يَرْجِعْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ رَجَعَ، وَأَمَّا الْحَمْلُ فَيَلْزَمُهُ مُطْلَقًا وَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَمِثْلُ الْحَمْلِ مَا إذَا قَالَ لَهُ: أَنَا أَدْفَعُ صَدَاقَك أَوْ أَدْفَعُ الصَّدَاقَ عَنْك، وَقَدْ نَظَمَ أَبُو عَلِيٍّ الْمِسْنَاوِيّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ: انْفِ رُجُوعًا عِنْدَ حَمْلٍ مُطْلَقًا ... حَمَالَةً بِعَكْسِ ذَا مُحَقِّقًا لَفْظُ ضَمَانٍ عِنْدَ عَقْدٍ لَا ارْتِجَاعِ ... وَبَعْدَهُ حَمَالَةٌ بِلَا نِزَاعِ وَكُلُّ مَا اُلْتُزِمَ بَعْدَ عَقْدٍ ... فَشَرْطُهُ الْحَوْزُ فَافْهَمْ قَصْدِي (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: إنْ لَمْ يَدْفَعْ الصَّدَاقَ الْمُلْتَزِمَ لَهُ فَلَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ الدُّخُولِ وَالْوَطْءِ بَعْدَهُ حَتَّى تَأْخُذَ الْحَالَّ أَصَالَةً أَوْ بَعْدَ أَجَلِهِ، وَلِلزَّوْجِ التَّرْكُ بِأَنْ يُطَلِّقَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ أَوْ فِي نِكَاحِ التَّسْمِيَةِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ الْمُتَحَمِّلُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ، وَأَمَّا مَا فِيهِ رُجُوعٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا إذَا صَرَّحَ بِالْحَمَالَةِ مُطْلَقًا أَوْ كَانَ بِلَفْظِ الضَّمَانِ وَوَقَعَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ إنْ أَطْلَقَ غَرِمَ لَهَا نِصْفَ الصَّدَاقِ وَإِنْ دَخَلَ غَرِمَ الْجَمِيعَ. الثَّانِي: يَبْطُلُ الضَّمَانُ عَلَى وَجْهِ الْحَمْلِ إنْ تَحَمَّلَ فِي مَرَضِهِ الْمَخُوفِ عَنْ وَارِثٍ، لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ أَوْ عَطِيَّةٌ فِي الْمَرَضِ لَا إنْ تَحَمَّلَ عَنْ زَوْجِ ابْنَةِ غَيْرِ وَارِثٍ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ وَارِثٍ لَهُ فَيَجُوزُ فِي الثُّلُثِ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُجِزْهُ الْوَارِثُ خُيِّرَ الزَّوْجُ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَهُ مِنْ مَالِهِ أَوْ يَتْرُكَ النِّكَاحَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (اهـ مِنْ الْأَصْلِ) .

[الكفاءة المطلوبة في النكاح]

مِنْ الْمَوَالِي وَنَحْوِهِمْ، وَالْمَالَ احْتِرَازًا مِنْ الْفَقِيرِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ لَا تُعْتَبَرُ فِيهَا، وَلِذَا قَالَ: (الدِّينُ) : أَيْ التَّدَيُّنُ أَيْ كَوْنُهُ ذَا دِيَانَةٍ احْتِرَازًا مِنْ أَهْلِ الْفُسُوقِ كَالزُّنَاةِ وَالشِّرِّيبِينَ وَنَحْوِهِمْ. (وَالْحَالُ) : أَيْ السَّلَامَةُ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُوجِبَةِ لِلرَّدِّ، لَا بِمَعْنَى الْحَسَبِ وَالنَّسَبِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي بَعْدَهُ. (كَالْحُرِّيَّةِ عَلَى الْأَوْجَهِ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُغِيرَةِ وَسَحْنُونٍ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَرَجَّحَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ لِخَبَرِ بَرِيرَةَ حِينَ عَتَقَتْ فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَبِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْعَبْدِ يَتَزَوَّجُ الْحُرَّةَ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهَا أَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ يُوجِبُ الرَّدَّ، وَالْمُقَابِلُ لَهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ لَكِنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَلَيْسَ بِنَصٍّ فِي ذَلِكَ، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ كَلَامَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْمُغِيرَةِ، فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّيْخِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهِ وَلَا يَذْكُرَ التَّأْوِيلَيْنِ فِيهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَكَرَ التَّأْوِيلَيْنِ لِكَوْنِ الْمُقَابِلِ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِلَّا فَهُوَ مَرْجُوحٌ فِي الْغَايَةِ، وَقَوْلُنَا: " عَلَى الْأَوْجَهِ " فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُقَابِلَ لَهُ وَجْهٌ. وَلَا وَجْهَ لَهُ وَغَايَةُ؛ مَا يُجَابُ: أَنَّ هَذِهِ صِيغَةٌ قُصِدَ بِهَا التَّرْجِيحُ لَا التَّفَاضُلُ. (وَلَهَا) : أَيْ لِلزَّوْجَةِ (وَلِلْوَلِيِّ تَرْكُهَا) : أَيْ الْكَفَاءَةِ وَالرِّضَا بِعَدَمِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْكَفَاءَةِ الْمَطْلُوبَةِ فِي النِّكَاحِ] قَوْلُهُ: [وَالرَّاجِحُ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ] إلَخْ: الْحَاصِلُ أَنَّ الْأَوْصَافَ الَّتِي اعْتَبَرُوهَا وِفَاقًا وَخِلَافًا سِتَّةٌ أَشَارَ لَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: نَسَبٌ وَدِينٌ صَنْعَةٌ حُرِّيَّةٌ ... فَقْدُ الْعُيُوبِ وَفِي الْيَسَارِ تَرَدُّدُ (اهـ) . فَإِنْ سَاوَاهَا الرَّجُلُ فِي تِلْكَ السِّتَّةِ فَلَا خِلَافَ فِي كَفَاءَتِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهَا وَهِيَ الْمُمَاثَلَةُ فِي الدِّينِ وَالْحَالِ وَالْحُرِّيَّةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَمَتَى سَاوَاهَا الرَّجُلُ فِي تِلْكَ الثَّلَاثَةِ كَانَ كُفْئًا. قَوْلُهُ: [لَا بِمَعْنَى الْحَسَبِ] إلَخْ: الْحَسَبُ مَا يُعَدُّ مِنْ مَفَاخِرِ الْآبَاءِ كَالْكَرَمِ وَالْعِلْمِ. قَوْلُهُ: [لِخَبَرِ بَرِيرَةَ] : وَهِيَ جَارِيَةُ عَائِشَةَ وَكَانَتْ مُتَزَوِّجَةً بِمُغِيثٍ وَكَانَ عَبْدًا. قَوْلُهُ: [حِينَ عَتَقَتْ] : أَيْ أَعْتَقَتْهَا عَائِشَةُ وَالْحَالُ أَنَّ زَوْجَهَا بَاقٍ عَلَى الرِّقِّ.

وَالتَّزْوِيجُ بِفَاسِقٍ أَوْ مَعْيُوبٍ أَوْ عَبْدٍ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا مَعًا فَالْقَوْلُ لِمَنْ امْتَنَعَ مِنْهُمَا وَعَلَى الْحَاكِمِ مَنْعُ مَنْ رَضِيَ مِنْهُمَا. وَلَيْسَ لِلْأَبِ جَبْرُ الْبِكْرِ عَلَى فَاسِقٍ أَوْ ذِي عَيْبٍ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا الْفَاسِقُ أَوْ ذُو الْعَيْبِ أَوْ الْعَبْدُ فَلَهَا وَلِلْوَلِيِّ الرَّدُّ وَالْفَسْخُ. وَقِيلَ: إنَّ تَزْوِيجَ الْفَاسِقِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَيَتَعَيَّنُ فَسْخُهُ وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: لَيْسَ الْعَبْدُ كُفْءً وَيُفْسَخُ النِّكَاحُ. وَإِذَا عَلِمْت أَنَّ الْكَفَاءَةَ مَجْمُوعُ الثَّلَاثَةِ فَقَطْ، (فَالْمَوْلَى) : أَيْ الْعَتِيقُ وَمَجْهُولُ النَّسَبِ، (وَغَيْرُ الشَّرِيفِ) وَهُوَ الدَّنِيءُ فِي نَفْسِهِ كالمسلماني أَوْ فِي حِرْفَتِهِ كَالزَّبَّالِ وَالْحَمَّارِ وَالْحَلَّاقِ، (وَالْأَقَلِّ جَاهًا) أَيْ قَدْرًا كَالْجَاهِلِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَالِمِ أَوْ الْمَأْمُورِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَمِيرِ وَكَذَا الْفَقِيرُ (كُفْءٌ) لِلْحُرَّةِ أَصَالَةً الشَّرِيفَةِ ذَاتِ الْجَاهِ، الْغَنِيَّةِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ النَّسَبِ وَالْحَسَبِ وَالْمَالِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَلَيْسَ لِلْأُمِّ كَلَامٌ) مَعَ الْأَبِ، هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَلَوْ فَرَّعَهُ بِالْفَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالتَّزْوِيجُ بِفَاسِقٍ] : أَيْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا فِي الْكَفَاءَةِ، فَإِذَا أَسْقَطَا حَقَّهُمَا مِنْهَا وَزُوِّجَهَا فَاسِقٌ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ إنَّ تَزْوِيجَ الْفَاسِقِ غَيْرُ صَحِيحٍ] : حَاصِلُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ ظَاهِرَ مَا نَقَلَهُ (ح) وَغَيْرُهُ وَاسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ مَنْعُ تَزْوِيجِهَا مِنْ الْفَاسِقِ ابْتِدَاءً، وَإِنْ كَانَ يُؤْمَنُ عَلَيْهَا مِنْهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا وَلِلْوَلِيِّ الرِّضَا بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْفَاسِقِ مَمْنُوعَةٌ وَهَجْرُهُ وَاجِبٌ شَرْعًا، فَكَيْفَ بِخُلْطَةِ النِّكَاحِ، فَإِذَا وَقَعَ وَتَزَوَّجَهَا فَفِي الْعَقْدِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: لُزُومُ فَسْخِهِ بِفَسَادِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ، الثَّانِي: أَنَّهُ صَحِيحٌ وَشَهَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ، الثَّالِثُ لِأَصْبَغَ: إنْ كَانَ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ، رَدَّهُ الْإِمَامُ، وَإِنْ رَضِيَتْ بِهِ وَظَاهِرُ ابْنِ غَازِيٍّ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ هُوَ الرَّاجِحُ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ، وَاَلَّذِي قَرَّرَهُ فِي الْحَاشِيَةِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ الَّذِي شَهَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ. قَوْلُهُ: [لَيْسَ الْعَبْدُ كُفْئًا وَيُفْسَخُ النِّكَاحُ] : أَيْ إنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ بِهِ رَاضِيَةً عَالِمَةً هِيَ وَوَلِيُّهَا، وَإِلَّا فَلَا فَسْخَ. قَوْلُهُ: [لِلْحُرَّةِ أَصَالَةً] إلَخْ: رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: فَالْمَوْلَى وَغَيْرُ الشَّرِيفِ إلَخْ عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ تَأَمَّلْ.

[بيان من يحرم نكاحه أصالة]

لَكَانَ أَبَيْنَ (فِي تَزْوِيجِ الْأَبِ ابْنَتَهُ الْمُوسِرَةَ الْمَرْغُوبَ فِيهَا مِنْ فَقِيرٍ) لَا مَالَ لَهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَزْوِيجِ، (إلَّا لِضَرَرٍ بَيِّنٍ) : كَأَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ ذِي عَيْبٍ أَوْ فَاسِقٍ أَوْ عَبْدٍ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، فَلَيْسَ لَهُ جَبْرُهَا فَيَكُونُ لَهَا حِينَئِذٍ كَلَامٌ بِأَنْ تَرْفَعَ لِلْحَاكِمِ لِيَمْنَعَهُ مِنْ تَزْوِيجِهَا مِنْهُمْ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَرُوِيَ أَنَّ لَهَا كَلَامًا مُطْلَقًا وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكَفَاءَةَ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْمَالُ كَالْحَالِ وَالدِّينِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ يَحْرُمُ نِكَاحُهُ أَصَالَةً فَقَالَ (وَحَرُمَ) عَلَى الشَّخْصِ إجْمَاعًا (الْأَصْلُ) : وَهُوَ كُلُّ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ وِلَادَةٌ وَإِنْ عَلَا، (وَالْفَرْعُ، وَإِنْ) كَانَ (مِنْ زِنًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مِنْ فَقِيرٍ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ابْنَ أَخٍ لَهُ أَوْ غَيْرَهُ كَانَتْ الْأُمُّ مُطَلَّقَةً أَوْ فِي الْعِصْمَةِ، وَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ فِي الرِّوَايَةِ ابْنَ الْأَخِ وَالْأُمُّ مُطَلَّقَةٌ لِأَنَّهُ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ مُخَرَّجٌ عَلَى سُؤَالِ سَائِلٍ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ. وَمِثْلُ الْفَقِيرِ مَنْ يُغَرِّبُهَا عَنْ أُمِّهَا مَسَافَةَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ، فَالْحَقُّ أَنَّ الْأُمَّ لَا تَكَلُّمَ لَهَا إلَّا فِي الضَّرَرِ الْبَيِّنِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَأَصْلُ هَذَا قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ: أَتَتْ امْرَأَةٌ مُطَلَّقَةٌ إلَى مَالِكٍ فَقَالَتْ: إنَّ لِي ابْنَةً فِي حِجْرِي مُوسِرَةً مَرْغُوبًا فِيهَا، فَأَرَادَ أَبُوهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ ابْنِ أَخٍ لَهُ فَقِيرٍ، أَفَتَرَى لِي فِي ذَلِكَ مُتَكَلَّمًا؟ قَالَ: نَعَمْ إنِّي لَأَرَى لَك مُتَكَلَّمًا (اهـ) . رُوِيَ قَوْلُهُ لَأَرَى لَك بِالْإِثْبَاتِ وَبِالنَّفْيِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ وَأَنَا أَرَاهُ مَاضِيًا أَيْ فَلَا تَكَلُّمَ لَهَا إلَّا لِضَرَرٍ بَيِّنٍ. وَاخْتُلِفَ فِي جَوَابِ ابْنِ الْقَاسِمِ هَلْ هُوَ وِفَاقٌ أَوْ خِلَافٌ؟ فَقِيلَ وِفَاقٌ بِتَقْيِيدِ كَلَامِ الْإِمَامِ بِعَدَمِ الضَّرَرِ عَلَى رِوَايَةِ النَّفْيِ أَوْ الضَّرَرِ عَلَى رِوَايَةِ الْإِثْبَاتِ، فَوَافَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقِيلَ خِلَافٌ بِحَمْلِ كَلَامِ الْإِمَامِ عَلَى إطْلَاقِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ بِالْإِثْبَاتِ أَوْ النَّفْيِ كَانَ هُنَاكَ ضَرَرٌ أَمْ لَا، وَابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ الضَّرَرِ الْبَيِّنِ وَعَدَمِهِ (اهـ مِنْ الْأَصْلِ) . [بَيَانِ مَنْ يَحْرُمُ نِكَاحُهُ أَصَالَةً] قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ مِنْ زِنًا] : رَدَّ بِالْمُبَالَغَةِ عَلَى ابْنِ الْمَاجِشُونِ حَيْثُ قَالَ: لَا تَحْرُمُ الْبِنْتُ الَّتِي خُلِقَتْ مِنْ الْمَاءِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْعَقْدِ وَمَا يُشْبِهُهُ مِنْ الشُّبْهَةِ عَلَى صَاحِبِ الْمَاءِ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِنْتًا لَوَرِثَتْهُ وَوَرِثَهَا وَجَازَ لَهُ الْخَلْوَةُ بِهَا وَإِجْبَارُهَا عَلَى النِّكَاحِ،

(وَ) حَرُمَ (زَوْجُهُمَا) : أَيْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، فَيَحْرُمُ عَلَيْك زَوْجَةُ أَبِيك وَزَوْجَةُ جَدِّك وَإِنْ عَلَا، وَزَوْجَةُ ابْنِك وَإِنْ سَفَلَ. وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ زَوْجُ أُمِّهَا أَوْ جَدَّتِهَا وَإِنْ عَلَتْ، وَزَوْجُ بِنْتِهَا وَإِنْ سَفَلَتْ. (وَ) حَرُمَ (فُصُولُ أَوَّلِ أَصْلٍ) وَهُمْ: الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ وَأَوْلَادُهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا، (وَأَوَّلُ فَصْلٍ) فَقَطْ (مِنْ كُلِّ أَصْلٍ) مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ كَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ، وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ، وَعَمِّ الْأَبِ أَوْ عَمَّتِهِ وَإِنْ عَلَا، وَخَالِ الْأُمِّ أَوْ خَالَتِهَا وَإِنْ عَلَتْ، دُونَ بَنِيهِمْ فَتَحِلُّ بِنْتُ الْعَمِّ أَوْ الْعَمَّةِ وَبِنْتُ الْخَالِ أَوْ الْخَالَةِ. (وَ) حَرُمَ (أُصُولُ زَوْجَتِهِ) : أُمُّهَا وَأُمُّ أُمِّهَا وَإِنْ عَلَتْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ تَلَذُّذٌ بِالزَّوْجَةِ، لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْدِ عَلَى الْبَنَاتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّهَاتِ، (وَفُصُولُهَا) : أَيْ فُصُولُ الزَّوْجَةِ كَبِنْتِهَا وَبِنْتِ بِنْتِهَا، وَهَكَذَا (إنْ تَلَذَّذَ بِهَا) : أَيْ بِزَوْجَتِهِ الَّتِي هِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَلِكَ كُلُّهُ مُنْتَفٍ عِنْدَنَا، وَمِثْلُ مَنْ خُلِقَتْ مِنْ مَاءِ الزِّنَا مَنْ شَرِبَتْ مِنْ لَبَنِ امْرَأَةٍ زَنَى بِهَا إنْسَانٌ فَتَحْرُمُ تِلْكَ الْبِنْتُ عَلَى ذَلِكَ الزَّانِي الَّذِي شَرِبَتْ مِنْ مَائِهِ وَهَذَا مَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَوْلُهُ: [وَحَرُمَ زَوْجُهُمَا] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ تَزَوَّجَ الرَّجُلُ بِأُمِّ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَابْنَةِ زَوْجَةِ أَبِيهِ مِنْ غَيْرِهِ إذَا وَلَدَتْهَا أُمُّهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ بِأَبِيهِ فَتَحِلُّ إجْمَاعًا، وَأَمَّا إذَا وَلَدَتْهَا أُمُّهَا بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَتْ بِأَبِيهِ وَفَارَقَتْ فَقِيلَ بِحِلِّهَا وَقِيلَ بِحُرْمَتِهَا وَقِيلَ يُكْرَهُ نِكَاحُهَا. قَوْلُهُ: [فَيَحْرُمُ عَلَيْك زَوْجَةُ أَبِيك] : أَيْ وَلَوْ مِنْ زِنَا وَكَذَا يُقَالُ فِي زَوْجَةِ الْجَدِّ وَالِابْنِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْدِ] : أَيْ الصَّحِيحِ وَمِثْلُهُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ كَانَ الْعَقْدُ لِكَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ، لِأَنَّ عَقْدَ الصَّغِيرِ مُحَرِّمٌ لِلْأُصُولِ بِخِلَافِ وَطْئِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ الْفُرُوعَ عَلَى الرَّاجِحِ وَلَوْ كَانَ مُرَاهِقًا بِخِلَافِ الصَّبِيَّةِ فَإِنَّ بِالتَّلَذُّذِ بِهَا يُحَرِّمُ فُرُوعُهَا - كَمَا يَأْتِي. وَأَمَّا عَقْدُ الرَّقِيقِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ إذَا رَدَّهُ السَّيِّدُ فَلَا يُحَرِّمُ لِأَنَّهُ ارْتَفَعَ مِنْ أَصْلِهِ بِالرَّدِّ، وَانْظُرْ هَلْ مِثْلُهُ عَقْدُ الصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ لِكَوْنِهِ غَيْرَ لَازِمٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَلَيْسَ هَذَا كَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَف فِيهِ لِأَنَّ الْفَاسِدَ الْمُخْتَلَفَ

الْأُمُّ؛ فَلَا يُحَرِّمُ الْبَنَاتِ إلَّا الدُّخُولُ بِالْأُمَّهَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] الْمُرَادُ بِنْتُ الزَّوْجَةِ {مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] وَالْمُرَادُ بِالدُّخُولِ: مُطْلَقُ التَّلَذُّذِ وَلَوْ بِغَيْرِ جِمَاعٍ، (وَإِنْ) كَانَ التَّلَذُّذُ بِالْأُمِّ (بَعْدَ مَوْتِهَا، وَلَوْ) تَلَذَّذَ (بِنَظَرٍ لِغَيْرِ وَجْهٍ وَكَفَّيْنِ) كَشَعْرِهَا وَبَدَنِهَا وَسَاقَيْهَا، وَأَمَّا التَّلَذُّذُ بِالْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ فَمُحَرِّمٌ مُطْلَقًا؛ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي النَّظَرِ، قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: النَّظَرُ لِلْوَجْهِ لَغْوٌ اتِّفَاقًا. وَلِغَيْرِهِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُحَرِّمُ، (كَالْمِلْكِ) تَشْبِيهٌ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ لَكِنَّ الْمُحَرِّمَ فِيهِ التَّلَذُّذُ لَا مُجَرَّدُ الْمِلْكِ، فَقَوْلُهُ: " كَالْمِلْكِ " أَيْ التَّلَذُّذُ بِهِ فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ أُصُولَهَا وَفُصُولَهَا، وَتَحْرُمُ هِيَ بِهِ عَلَى أُصُولِهِ وَفُصُولِهِ لَا إنْ لَمْ يَتَلَذَّذْ بِهَا. وَمِثْلُ الْمِلْكِ شُبْهَتُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ لَازِمٌ عِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ فَهُوَ غَيْرُ مُتَّفَقٍ عَلَى حِلِّهِ، بِخِلَافِ نِكَاحِ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالسَّفِيهِ فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى حِلِّهِ، وَقِيلَ إنَّهُ مُحَرِّمٌ لِأَنَّهُ عَقْدٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَقْدِ الْمُحَرَّمِ كَوْنُهُ لَازِمًا كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ، وَاَلَّذِي صَوَّبَهُ (بْن) هَذَا الْأَخِيرُ وَذَكَرَ أَنَّهُ نَصَّ فِي التَّهْذِيبِ عَلَى تَحْرِيمِ عَقْدِ الرَّقِيقِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَانْظُرْهُ (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [مُطْلَقُ التَّلَذُّذِ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ قَصَدَ وَلَمْ يَتَلَذَّذْ فَلَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ عَلَى الصَّحِيحِ، كَمَا أَنَّ اللِّوَاطَ بِابْنِ الزَّوْجَةِ لَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ. قَوْلُهُ: [وَتُحَرَّمُ هِيَ بِهِ عَلَى أُصُولِهِ وَفُصُولِهِ] إلَخْ: فَلَوْ وَرِثَ جَارِيَةَ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ وَطِئَهَا أَمْ لَا فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا تَحِلُّ، وَبِهِ الْعَمَلُ وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ فِي الْعُلْيَةِ، وَقَالَ: يُنْدَبُ التَّبَاعُدُ فِي الْوَخْشِ وَلَا تَحْرُمُ الْإِصَابَةُ، وَكَذَا إنْ بَاعَهَا الْأَبُ لِابْنِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ ثُمَّ غَابَ الْبَائِعُ أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ فَلَا تَحِلُّ مُطْلَقًا، أَوْ إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ فَلَوْ أَخْبَرَ الْبَائِعُ مِنْهُمَا الْآخَرَ بِعَدَمِ الْإِصَابَةِ صُدِّقَ فَإِنْ بَاعَهَا الْأَبُ لِأَجْنَبِيٍّ وَالْأَجْنَبِيُّ بَاعَهَا لِلْوَلَدِ، وَالْحَالُ أَنَّ الْأَبَ أَخْبَرَ الْأَجْنَبِيَّ بِعَدَمِ إصَابَتِهَا وَالْأَجْنَبِيُّ أَخْبَرَ الْوَلَدَ بِذَلِكَ فَهَلْ يُصَدَّقُ أَوْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْأَجْنَبِيَّ إنْ كَانَ شَأْنُهُ الصِّدْقَ فِي إخْبَارِهِ صُدِّقَ وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ.

وَلَا بُدَّ مِنْ بُلُوغِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهَا فَتَلَذُّذُ الْبَالِغِ بِالصَّغِيرَةِ مُحَرِّمٌ. (وَلَا يُحَرِّمُ الزِّنَا عَلَى الْأَرْجَحِ) مِنْ الْخِلَافِ، فَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ جَازَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُصُولِهَا وَفُصُولِهَا وَجَازَتْ هِيَ لِأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، وَلَوْ زَنَى بِبِنْتِ امْرَأَتِهِ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَبِالْعَكْسِ. وَالْمُقَابِلُ يَقُولُ: إنَّهُ يُحَرِّمُ. (وَمِنْهُ) : أَيْ مِنْ الزِّنَا الَّذِي لَا يُحَرِّمُ نِكَاحًا (مُجْمَعٌ) عَلَى فَسَادِهِ (لَمْ يَدْرَأْ الْحَدَّ) كَنِكَاحِ مُعْتَدَّةٍ وَخَامِسَةٍ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يُحَدَّ وَحَرَّمَ، وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِي فَسَادِهِ فَعَقْدُهُ مُحَرِّمٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُجْمَعَ عَلَى فَسَادِهِ إنْ دَرَأَ الْحَدَّ حَرَّمَ وَطْؤُهُ وَالتَّلَذُّذُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَدْرَأْ الْحَدَّ فَهُوَ مِنْ الزِّنَا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ نَشْرِهِ الْحُرْمَةَ. (بِخِلَافِ) شُبْهَةِ النِّكَاحِ أَوْ الْمِلْكِ مِثْلُ (مَنْ حَاوَلَ) : أَيْ قَصَدَ وَأَرَادَ (تَلَذُّذًا بِحَلِيلَتِهِ) مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ (فَالْتَذَّ بِابْنَتِهَا أَوْ أُمِّهَا) غَلَطًا فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ الْحَلِيلَةَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. (وَ) حَرُمَتْ (خَامِسَةٌ) لِلْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَجَازَ لِلْعَبْدِ الْأَرْبَعَةُ كَالْحُرِّ، وَلَوْ جَمَعَ الْخَمْسَةَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لَكَانَ عَقْدًا فَاسِدًا اتِّفَاقًا. (وَ) حَرُمَ (جَمْعُ اثْنَتَيْنِ) لَوْ قُدِّرَتْ (كُلٌّ) مِنْهُمَا (ذَكَرًا حَرُمَ) عَلَى الْأُخْرَى كَالْأُخْتَيْنِ وَالْعَمَّةِ وَبِنْتِ أَخِيهَا وَالْخَالَةِ مَعَ بِنْتِ أُخْتِهَا، فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّك لَوْ قَدَّرْت إحْدَى الْأُخْتَيْنِ ذَكَرًا لَحَرُمَ نِكَاحُهُ أُخْتَهُ، وَلَوْ قُدِّرَتْ الْعَمَّةُ ذَكَرًا لَحَرُمَ عَلَيْهِ بِنْتُ أَخِيهِ وَكَذَا الْعَكْسُ، وَلَوْ قُدِّرَتْ الْخَالَةُ ذَكَرًا لَكَانَ خَالًا، وَلَوْ قُدِّرَتْ بِنْتُ الْأُخْتِ ذَكَرًا لَحَرُمَ عَلَيْهِ خَالَتُهُ. فَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ وَبِنْتُ زَوْجِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْمُقَابِلُ يَقُولُ] إلَخْ: أَيْ بِخِلَافِ اللِّوَاطِ بِابْنِ امْرَأَتِهِ فَلَا يُحَرِّمُهَا بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [فَالْتَذَّ بِابْنَتِهَا] إلَخْ: أَيْ لَا بِابْنِهَا فَالْغَلَطُ فِيهِ لَا يُحَرِّمُ قَوْلُهُ: [فَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ وَبِنْتُ زَوْجِهَا] إلَخْ: وَلِذَلِكَ قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَجَمَعَ مَرْأَةً وَأُمَّ الْبَعْلِ أَوْ بِنْتَه أَوْ رِقَّهَا ذُو حِلٍّ.

أَوْ أُمُّهُ، وَالْمَرْأَةُ وَأَمَتُهَا فَيَجُوزُ جَمْعُهُمَا، فَإِنَّك لَوْ قَدَّرْت الْمَالِكَةَ ذَكَرًا جَازَ لَهُ وَطْءُ أَمَتِهِ. (كَوَطْئِهِمَا) : أَيْ الثِّنْتَيْنِ اللَّتَيْنِ لَوْ قَدَّرْت كُلًّا مِنْهُمَا ذَكَرًا حَرُمَ عَلَى الْأُخْرَى (بِالْمِلْكِ) ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بِخِلَافِ جَمْعِهِمَا بِالْمِلْكِ بِلَا وَطْءٍ وَلَا تَلَذُّذٍ بِهِمَا فَلَا يَحْرُمُ، وَكَذَا لَوْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا وَتَرَكَ الْأُخْرَى لِلْخِدْمَةِ مَثَلًا لَمْ يَحْرُمْ. (وَفُسِخَ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ) مِنْ مُحَرَّمَتَيْ الْجَمْعِ (بِلَا طَلَاقٍ) لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى فَسَادِهِ، (وَلَا مَهْرَ) لَهَا إذَا فُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ لِفَسْخِهِ بِلَا طَلَاقٍ أَيْ لَيْسَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ (إنْ صَدَّقَتْهُ) أَيْ الزَّوْجَ عَلَى أَنَّهَا الثَّانِيَةُ لِإِقْرَارِهَا، بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا وَأَوْلَى إنْ شَهِدَتْ عَلَيْهَا بَيِّنَةٌ بِأَنَّهَا الثَّانِيَةُ، (وَإِلَّا) تُصَدِّقْهُ بَلْ ادَّعَتْ أَنَّهَا الْأُولَى وَلَا بَيِّنَةَ (حَلَفَ) إنَّهَا الثَّانِيَةُ لِسُقُوطِ الْمَهْرِ عَنْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينٍ، وَيُفْسَخُ حِينَئِذٍ بِطَلَاقٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا الْأُولَى، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَاسْتَحَقَّتْهُ، فَإِنْ دَخَلَ فَلَهَا الْمَهْرُ بِالدُّخُولِ صَدَّقَتْهُ أَوْ لَمْ تُصَدِّقْهُ. (وَإِنْ جَمَعَهُمَا بِعَقْدٍ) وَاحِدٍ (فُسِخَ) بِلَا طَلَاقٍ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى فَسْخِهِ. (وَتَأَبَّدَ) عَلَيْهِ (تَحْرِيمُ الْأُمِّ وَبِنْتِهَا إنْ دَخَلَ بِهِمَا) مَعًا لِاسْتِنَادِ التَّلَذُّذِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنَّك لَوْ قَدَّرْت الْمَالِكَةَ ذَكَرًا] : أَيْ كَذَا لَوْ قَدَّرْنَا امْرَأَةَ الرَّجُلِ لَمْ يَحْرُمْ وَطْءُ أُمِّ زَوْجِهَا وَلِابْنَتِهِ بِنِكَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ، لِأَنَّهَا أُمُّ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ. قَوْلُهُ: [لِفَسْخِهِ بِلَا طَلَاقٍ] : الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِأَنَّ كُلَّ مَا فُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا شَيْءَ فِيهِ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ، سَوَاءٌ كَانَ الْفَسْخُ بِطَلَاقٍ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا تُصَدِّقْهُ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهَا إذَا لَمْ تُصَدِّقْهُ بِأَنْ قَالَتْ: أَنَا الْأُولَى، أَوْ لَا عِلْمَ عِنْدِي فَإِنْ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ فُسِخَ بِطَلَاقٍ وَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ، وَحَلَفَ هُوَ أَنَّهَا ثَانِيَةً لِأَجْلِ إسْقَاطِ النِّصْفِ الْوَاجِبِ لَهَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَسِيسِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهَا الْأُولَى، وَأَنَّ نِكَاحَهَا صَحِيحٌ فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ لَهَا النِّصْفَ بِمُجَرَّدِ نُكُولِهِ إنْ قَالَتْ لَا عِلْمَ عِنْدِي، لِأَنَّهَا تُشْبِهُ دَعْوَى الِاتِّهَامِ، وَبَعْدَ يَمِينِهَا إنْ قَالَتْ أَنَا الْأُولَى فَإِنْ نَكَلَتْ فَلَا شَيْءَ لَهَا وَإِنْ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ فُسِخَ النِّكَاحُ بِطَلَاقٍ أَيْضًا وَكَانَ لَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا بِالْبِنَاءِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا وَبَقِيَ عَلَى نِكَاحِ الْأُولَى بِدَعْوَاهُ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدٍ.

[تنبيه في أرث من تزوج خمسا وصداقهن]

بِهِمَا لِنِكَاحٍ وَإِنْ أُجْمِعَ عَلَى فَسَادِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ دَرَأَ الْحَدَّ، فَإِنْ لَمْ يَدْرَأْهُ حَرَّمَ أَيْضًا إنْ قُلْنَا إنَّ الزِّنَا يُحَرِّمُ. (وَلَا إرْثَ) بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى فَسَادِهِ. (وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ) مِنْهُمَا (حَلَّتَا) لِأَنَّ عَقْدَهُ عَدَمٌ (وَإِنْ دَخَلَ) بِوَاحِدَةٍ دُونَ الْأُخْرَى (حَرُمَتْ الْأُخْرَى) الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَيْ تَأَبَّدَ تَحْرِيمُهَا لِتَلَذُّذِهِ بِأُمِّهَا أَوْ بِنْتِهَا، وَأَمَّا الَّتِي دَخَلَ بِهَا فَتَحِلُّ لَهُ بَعْدَ فَسْخِ الْأَوَّلِ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ جَمَعَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. (وَحَلَّتْ الثَّانِيَةُ مِنْ) كُلِّ مُحَرَّمَتَيْ الْجَمْعِ (كَأُخْتَيْنِ) إذَا كَانَ تَحْتَهُ إحْدَاهُمَا بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ وَتَلَذُّذٍ بِهَا، وَأَرَادَ وَطْءَ الثَّانِيَةِ بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ حَلَّتْ لَهُ (بِبَيْنُونَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ دَرَأَ الْحَدَّ] : أَيْ بِأَنْ كَانَ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ كَحَدِيثِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ يَعْتَقِدُ حِلَّ نِكَاحِ الْأُمِّ وَابْنَتِهَا، أَوْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْقَرَابَةِ مِنْ أَصْلِهَا. قَوْلُهُ: [لِلْإِجْمَاعِ عَلَى فَسَادِهِ] : أَيْ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُجْمَعَ عَلَى فَسَادِهِ لَا يُوجِبُ الْمِيرَاثَ، وَلَوْ حَصَلَ الْمَوْتُ قَبْلَ الْفَسْخِ. [تَنْبِيه فِي أرث مِنْ تَزَوَّجَ خمسا وَصَدَاقهنَّ] قَوْلُهُ: [وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ جَمَعَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ جَمَعَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ مُتَرَتِّبَيْنِ وَدَخَلَ بِوَاحِدَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الَّتِي دَخَلَ بِهَا الْأُولَى ثَبَتَ عَلَيْهَا بِلَا خِلَافٍ إنْ كَانَتْ الْبِنْتَ، وَفُسِخَ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ وَتَأَبَّدَتْ وَإِنْ كَانَ الْمَدْخُولُ بِهَا الْأُمَّ فَكَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: إنَّهُمَا يَحْرُمَانِ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْبِنْتِ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ وَلَوْ كَانَ فَاسِدًا، وَإِنْ دَخَلَ بِالثَّانِيَةِ وَكَانَتْ الْبِنْتَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ، وَكَانَ لَهَا صَدَاقُهَا، وَلَهُ تَزْوِيجُهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُمَّ حَرُمَتَا أَبَدًا، أَمَّا الْأُمُّ فَلِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْبَنَاتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّهَاتِ، وَأَمَّا الْبِنْتُ فَلِأَنَّ الدُّخُولَ بِالْأُمَّهَاتِ يُحَرِّمُ الْبَنَاتِ وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا كَمَا هُنَا وَلَا مِيرَاثَ، وَهَذَا كُلُّهُ إنْ تَرَتَّبَتَا وَعُلِمَتْ السَّابِقَةُ، وَأَمَّا إنْ تَرَتَّبَتَا وَلَمْ تُعْلَمْ السَّابِقَةُ وَمَاتَ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهِمَا، وَالْإِرْثُ بَيْنَهُمَا لِوُجُودِ سَبَبِهِ وَجَهْلِ مُسْتَحِقِّهِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ صَدَاقِهَا الْمُسَمَّى لَهَا لِأَنَّ الْمَوْتَ كَمَّلَهُ فَكُلٌّ تَدَّعِيهِ وَالْوَارِثُ يُنَاكِرُهَا، فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا وَمَا قِيلَ فِي الْأُمِّ وَابْنَتِهَا يُقَالُ فِي كُلِّ مُحَرَّمَتَيْ الْجَمْعِ مَا عَدَا تَأْبِيدَ التَّحْرِيمِ. تَنْبِيهٌ: مَنْ تَزَوَّجَ خَمْسًا فِي عُقُودٍ أَوْ أَرْبَعًا فِي عَقْدٍ وَأَفْرَدَ الْخَامِسَةَ وَلَمْ تَعْلَمْ

الْأُولَى) بِخُلْعٍ أَوْ بَتٍّ أَوْ بِانْقِضَاءِ عِدَّةِ رَجْعِيٍّ. (أَوْ زَوَالِ مِلْكِهَا بِعِتْقٍ وَإِنْ لِأَجَلٍ أَوْ كِتَابَةٍ) لَا تَدْبِيرٍ لِجَوَازِ وَطْئِهَا (أَوْ نِكَاحٍ) : أَيْ عَقْدٍ (لَزِمَ) وَلَا يَكُونُ إلَّا صَحِيحًا أَيْ بِتَزْوِيجِهَا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ لَازِمٍ وَلَوْ لَزِمَ بِالدُّخُولِ (أَوْ أَسْرٍ) لَهَا لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْيَأْسِ (أَوْ إبَاقِ إيَاسٍ) لَا يُرْجَى مِنْهُ عَوْدُهَا وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا فِي الْمَوْطُوءَةِ بِمِلْكٍ فَيَحِلُّ لَهُ وَطْءُ مَنْ يَحْرُمُ جَمْعُهُ مَعَهَا بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَامِسَةُ فَالْإِرْثُ بَيْنَهُنَّ أَخْمَاسًا وَلِمَنْ مَسَّهَا مِنْهُنَّ صَدَاقُهَا، فَإِذَا دَخَلَ بِالْجَمِيعِ فَلَهُنَّ خَمْسَةُ أَصْدِقَةٍ أَوْ بِأَرْبَعٍ فَلِكُلٍّ صَدَاقُهَا، وَاَلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا نِصْفُ صَدَاقِهَا لِأَنَّهَا تَدَّعِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِخَامِسَةٍ، وَالْوَارِثُ يُكَذِّبُهَا فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا، وَبِثَلَاثٍ فَلِكُلٍّ صَدَاقُهَا، وَلِلْبَاقِي صَدَاقٌ وَنِصْفٌ يَكُونُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ صَدَاقِهَا بِنِسْبَةِ قَسْمِ صَدَاقٍ وَنِصْفٍ عَلَيْهِمَا، وَبِاثْنَتَيْنِ فَلِلْبَاقِي صَدَاقَانِ وَنِصْفٌ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقٌ إلَّا سُدُسًا، وَبِوَاحِدَةٍ فَلِلْبَاقِي ثَلَاثَةُ أَصْدِقَةٍ وَنِصْفٌ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقٌ إلَّا ثُمُنًا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ فَأَرْبَعَةُ أَصْدِقَةٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ صَدَاقٌ إلَّا خُمُسًا كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [أَوْ بِانْقِضَاءِ عِدَّةِ رَجْعِيٍّ] : أَيْ وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي عَدَمِ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ عَلَى فَرْجِهَا، فَإِنْ ادَّعَتْ احْتِبَاسَ الدَّمِ صُدِّقَتْ بِيَمِينٍ لِأَجْلِ النَّفَقَةِ لِانْقِضَاءِ سَنَةٍ، فَإِنْ ادَّعَتْ بَعْدَهَا تَحَرُّكًا نَظَرَهَا النِّسَاءُ، فَإِنْ صَدَّقْنَهَا تَرَبَّصَتْ لِأَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ تَرَبُّصٌ، وَهَلْ مَنْعُ الرَّجُلِ مِنْ نِكَاحِ كَالْأُخْتِ فِي مُدَّةِ عِدَّةِ تِلْكَ الْمُطَلَّقَةِ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ يُسَمَّى عِدَّةً أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهِيَ إحْدَى الْمَسَائِلِ الَّتِي يَعْتَدُّ فِيهَا الرَّجُلُ. ثَانِيهَا: مَنْ تَحْتَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً، وَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَاحِدَةً فَلَا بُدَّ مِنْ تَرَبُّصِهِ حَتَّى تَخْرُجَ الْأُولَى مِنْ الْعِدَّةِ إنْ كَانَ طَلَاقُهَا رَجْعِيًّا. ثَالِثُهَا: إذَا مَاتَ رَبِيبُهُ وَادَّعَى أَنَّ زَوْجَتَهُ حَامِلٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِبَ زَوْجَتَهُ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ لِيَنْظُرَ هَلْ هِيَ حَامِلٌ فَيَرِثُ حَمْلُهَا أَوْ لَا؟ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ قَدْ يَجْتَنِبُهَا فِي غَيْرِ هَذَا كَالِاسْتِبْرَاءِ مِنْ فَاسِدٍ، لِأَنَّ الْمُرَادَ التَّجَنُّبُ لِغَيْرِ مَعْنًى طَرَأَ عَلَى الْبُضْعِ.

وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَلَا تَحِلُّ أُخْتُهَا إلَّا إذَا بَتَّهَا أَوْ عَلِمَ بِمَوْتِهَا. (أَوْ بَيْعٍ) لِمَنْ تَلَذَّذَ بِهَا، (وَلَوْ دَلَّسَ فِيهِ) فَتَحِلُّ أُخْتُهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَطَّلِعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَيْبِ الَّذِي كَتَمَهُ الْبَائِعُ أَوْ يَرْضَى بِهِ (لَا بِفَاسِدٍ) ، أَيْ لَا تَحِلُّ الثَّانِيَةُ بِبَيْعِ مَنْ تَلَذَّذَ بِهَا بَيْعًا فَاسِدًا (لَمْ يَفُتْ) : أَيْ قَبْلَ فَوَاتِهِ بِحَوَالَةِ سُوقٍ فَأَعْلَى، فَإِنْ فَاتَ وَلَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الْقِيمَةُ أَوْ الثَّمَنُ حَلَّتْ الثَّانِيَةُ، وَكَذَا إذَا زَوَّجَهَا بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا نِكَاحًا فَاسِدًا وَلَمْ يَفُتْ بِالدُّخُولِ فَإِنْ فَاتَ حَلَّتْ. (وَلَا) تَحِلُّ الثَّانِيَةُ بِطُرُوِّ (حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ) لِمَنْ تَلَذَّذَ بِهَا (وَ) لَا (اسْتِبْرَاءٍ مِنْ غَيْرِهِ) بِوَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ زِنًا، (وَ) لَا (مُوَاضَعَةٍ وَ) لَا (خِيَارٍ) وَلَوْ كَانَ لِغَيْرِ بَائِعِهَا لِأَنَّ ضَمَانَهَا فِي مُدَّةِ الْمُوَاضَعَةِ وَالْخِيَارِ مِنْ الْبَائِعِ، (وَ) لَا (إحْرَامٍ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، (وَ) لَا (هِبَةٍ لِمَنْ يَعْتَصِرُهَا مِنْهُ) مَجَّانًا كَوَلَدِهِ قَبْلَ حُصُولِ مُفَوِّتِ وَعِيدِهِ، بَلْ (وَإِنْ) كَانَ الِاعْتِصَارُ (بِشِرَاءٍ) كَيَتِيمِهِ الَّذِي تَحْتَ حَجْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا تَحِلُّ أُخْتُهَا] : الْأُولَى كَأُخْتِهَا وَالْمَعْنَى فَلَا يَحِلُّ مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ مَعَهَا بِأَسْرِهَا أَوْ إبَاقِهَا، فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي حَالِ أَسْرِهَا طَلَاقًا بَائِنًا حَلَّ مَنْ يَحْرُمُ جَمْعُهُ مَعَهَا، وَأَمَّا مَنْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا لَمْ يَحِلَّ مَنْ يَحْرُمُ جَمْعُهُ مَعَهَا إلَّا بِمُضِيِّ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ أَسْرِهَا لِاحْتِمَالِ حَمْلِهَا وَتَأَخُّرِهَا أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ، وَثَلَاثُ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ طَلَاقِهَا لِاحْتِمَالِ رَبِيبَتِهَا وَحَيْضِهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، هَذَا إذَا كَانَ يُحْتَمَلُ حَمْلُهَا مِنْهُ وَإِلَّا حَلَّتْ بِمُضِيِّ ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ طَلَاقِهَا، كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ دَلَّسَ فِيهِ] : إنَّمَا بَالَغَ عَلَى ذَلِكَ لِلرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ. قَوْلُهُ: [بِوَطْءِ شُبْهَةٍ] : أَيْ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَبَسَهَا مِنْ عِدَّةِ نِكَاحٍ لَكَانَ النِّكَاحُ وَحْدَهُ مُحَرِّمًا وَالْعِدَّةُ مِنْ تَوَابِعِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَا مُوَاضَعَةٍ] إلَخْ: أَيْ وَلَا عُهْدَةِ ثَلَاثٍ. قَوْلُهُ: [فِي مُدَّةِ الْمُوَاضَعَةِ] إلَخْ: أَيْ وَالْعُهْدَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَا هِبَةٍ لِمَنْ يَعْتَصِرُهَا] إلَخْ: الْمُرَادُ بِالْهِبَةِ هُنَا هِبَةُ غَيْرِ الثَّوَابِ بِدَلِيلِ الِاعْتِصَارِ، لِأَنَّ هِبَةَ الثَّوَابِ بَيْعٌ وَلَا اعْتِصَارَ فِيهِ. قَوْلُهُ: [كَوَلَدِهِ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا.

[تنبيه دعوى المبتوتة الطارئة من بلد بعيد]

فَلَا تَحِلُّ الثَّانِيَةُ (كَصَدَقَةٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ يَعْتَصِرُهَا مِنْهُ فَلَا تَحِلُّ بِهَا الثَّانِيَةُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا لَمْ تُحَزْ الصَّدَقَةُ لِلصَّغِيرِ أَوْ لَمْ يَحُزْهَا الْكَبِيرُ. وَأَمَّا إنْ حِيزَتْ فَقَالَ الشَّيْخُ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: بِخِلَافِ صَدَقَةٍ عَلَيْهِ إنْ حِيزَتْ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ، الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي وَلَهُ انْتِزَاعُهَا بِالْبَيْعِ كَمَا فِي حَقِّ الْيَتِيمِ انْتَهَى، فَإِطْلَاقُنَا فِي الْمَتْنِ تَبَعًا لِمَا لِابْنِ فَرْحُونٍ. (وَإِنْ تَلَذَّذَ بِهِمَا) بِوَطْءٍ أَوْ مُقَدِّمَاتِهِ (وُقِفَ) عَنْهُمَا مَعًا وُجُوبًا (لِيُحَرِّمَ) وَاحِدَةً مِنْهُمَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ السَّابِقَةِ: (فَإِنْ أَبْقَى) لِنَفْسِهِ (الثَّانِيَةَ اسْتَبْرَأَهَا) بِحَيْضَةٍ مِنْ مَائِهِ الْفَاسِدِ قَبْلَ الْإِيقَافِ، وَإِنْ أَبْقَى الْأُولَى فَلَا اسْتِبْرَاءَ إلَّا أَنْ يَطَأَهَا بَعْدَ وَطْءِ الثَّانِيَةِ أَوْ زَمَنِ الْإِيقَافِ. (وَإِنْ عَقَدَ) عَلَى امْرَأَةٍ (أَوْ تَلَذَّذَ) بِوَطْءٍ أَوْ مُقَدِّمَاتِهِ (بِمِلْكٍ) : أَيْ بِسَبَبِ مِلْكِهِ لَهَا (فَاشْتَرَى مَنْ) يَحْرُمُ جَمْعُهُ مَعَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ، أَوْ التَّلَذُّذِ بِالْمِلْكِ بِالْأُولَى، (فَالْأُولَى) الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا أَوْ تَلَذَّذَ بِهَا هِيَ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ دُونَ الْمُشْتَرَاةِ، فَإِنْ قَرَبَ الْمُشْتَرَاةَ وُقِفَ لِيُحَرِّمَ. (وَ) حَرُمَتْ (الْمَبْتُوتَةُ) وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا فِي مَرَّاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَهُ انْتِزَاعُهَا بِالْبَيْعِ] : لَا يُقَالُ إنَّ شِرَاءَ الْوَلِيِّ مَالَ مَحْجُورِهِ لَا يَجُوزُ فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ نَزْعُهَا بِالْبَيْعِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ شِرَاءُ مَالِ الْمَحْجُورِ الَّذِي لَمْ يَهَبْهُ لَهُ، وَأَمَّا مَا وَهَبَهُ لَهُ فَيُكْرَهُ لَهُ شِرَاؤُهُ وَلَا يَكُونُ مَمْنُوعًا مَنْعَ تَحْرِيمٍ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. تَنْبِيهٌ: مِمَّا يَحِلُّ كَالْأُخْتِ إخْدَامُ الْمَوْطُوءَةِ سِنِينَ كَثِيرَةً أَرْبَعَةً فَأَكْثَرَ، وَمِثْلُ الْكَثِيرَةِ حَيَاةُ الْمُخْدِمِ، وَإِنَّمَا حَلَّ وَطْءُ كَأُخْتِهَا بِالْإِخْدَامِ لِأَنَّ مَنْ أَخْدَمَ أَمَةً حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا قَلَّ زَمَنُ الْخِدْمَةِ أَوْ كَثُرَ، إلَّا أَنَّهُ لَا تَحِلُّ كَالْأُخْتِ إلَّا إذَا كَثُرَ زَمَنُ الْخِدْمَةِ لَا إنْ قَلَّ فَلَا يُوجِبُ حِلَّ كَأُخْتِهَا، لِأَنَّهُ كَالْإِحْرَامِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ أَبْقَى لِنَفْسِهِ الثَّانِيَةَ اسْتَبْرَأَهَا] : أَيْ لِفَسَادِ مَائِهِ الْحَاصِلِ قَبْلَ التَّحْرِيمِ، وَإِنْ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ قَرَبَ الْمُشْتَرَاةَ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ وَطْءِ كَالْأُخْتَيْنِ. [تَنْبِيه دعوى الْمَبْتُوتَة الطَّارِئَة مِنْ بَلَد بعيد] قَوْلُهُ: [وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا] إلَخْ: أَيْ وَلَوْ عَلَّقَهُ عَلَى فِعْلِهَا فَأَحْنَثَتْهُ قَصْدًا

أَوْ مَرَّةٍ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا. أَنْتِ طَالِقٌ بِالثَّلَاثِ، أَوْ نَوَى الثَّلَاثَ، أَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ - أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِالنِّسْبَةِ لِلْحُرِّ، أَوْ اثْنَتَيْنِ لِلْعَبْدِ (حَتَّى تَنْكِحَ) زَوْجًا (غَيْرَهُ) لَا بِوَطْءِ مَالِكِهَا بَعْدَ بَتِّهَا. (نِكَاحًا صَحِيحًا) لَا بِفَاسِدٍ كَمَا يَأْتِي. (لَازِمًا) لِلزَّوْجَيْنِ وَلَوْ بَعْدَ الْإِجَازَةِ مِنْ سَيِّدٍ أَوْ وَلِيٍّ لَا غَيْرَ لَازِمٍ، كَنِكَاحٍ مَحْجُورٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ وَلِيِّهِ إلَّا بِوَطْءٍ بَعْدَ الْإِذْنِ، وَكَنِكَاحِ ذِي عَيْبٍ إلَّا بِوَطْءٍ بَعْدَ الرِّضَا. (وَيُولِجُ) الزَّوْجُ: أَيْ يُدْخِلُ، فَلَا تَحِلُّ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَا بِالتَّلَذُّذِ بَعْدَهُ بِدُونِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَهُوَ فَاسِدٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَشْهَبَ فِي الْأَوَّلِ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الثَّانِي. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ مَثَلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَدَخَلَتْهَا قَاصِدَةً حِنْثَهُ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، خِلَافًا لِأَشْهَبَ الْقَائِلِ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ مُعَامَلَةً لَهَا بِنَقِيضِ مَقْصُودِهَا، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ: وَهَذَا الْقَوْلُ شَاذٌّ وَالْمَشْهُورُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ مِثْلَهُ، وَقَوْلُنَا أَوْ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ وَهُوَ فَاسِدٌ عِنْدَنَا أَيْ كَنِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَالشِّغَارِ، وَإِنْكَاحِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَنْكِحَةَ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهَا وَفَسَادِهَا، وَمَذْهَبُنَا فَسَادُهَا فَإِذَا طَلَّقَ الزَّوْجُ فِي هَذِهِ الْأَنْكِحَةِ ثَلَاثًا حَرُمَتْ عَلَيْهِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ الْقَائِلِ إنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ نَظَرًا لِصِحَّةِ النِّكَاحِ عَلَى مَذْهَبِ الْغَيْرِ، وَلَا يَتَزَوَّجُهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ فَلَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ لَمْ يُفْسَخْ نِكَاحُهُ نَظَرًا لِمَذْهَبِهِ مِنْ فَسَادِ النِّكَاحِ وَعَدَمِ لُزُومِ الطَّلَاقِ، فَيَكُونُ، هَذَا النِّكَاحُ الثَّانِي صَحِيحًا. قَوْلُهُ: [أَوْ مَرَّةً] : خِلَافًا لِمَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَوْ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ مَرَّةً وَاحِدَةً يَكُونُ رَجْعِيًّا وَيَنْسِبُهُ لِأَشْهَبَ قَالَ أَشْيَاخُنَا هِيَ نِسْبَةٌ بَاطِلَةٌ وَأَشْهَبُ بَرِيءٌ مِنْهَا. قَوْلُهُ: [بِالنِّسْبَةِ لِلْحُرِّ] : أَيْ وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَمَةً، وَقَوْلُهُ، أَوْ اثْنَتَيْنِ لِلْعَبْدِ أَيْ وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ حُرَّةً. -

وَطْءٍ حَالَ كَوْنِهِ (بَالِغًا) لَا صَبِيًّا (حَشَفَتَهُ) كُلَّهَا بَعْدِ صِحَّةِ الْعَقْدِ وَلُزُومِهِ (بِانْتِشَارٍ) أَيْ مَعَ انْتِصَابِ ذَكَرِهِ لَا بِدُونِهِ (فِي الْقُبُلِ) ، وَلَوْ بَعْدَ الْإِيلَاجِ لَا الدُّبُرِ وَلَا الْفَخِذَيْنِ وَلَا خَارِجَهُ بَيْنَ الشَّفْرَيْنِ. (بِلَا مَانِعٍ) شَرْعِيٍّ كَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَإِحْرَامٍ وَصَوْمٍ وَاعْتِكَافٍ. (وَلَا نَكِرَةَ فِيهِ) : أَيْ فِي الْإِيلَاجِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ بِأَنْ أَقَرَّا بِهِ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُمَا إقْرَارٌ وَلَا إنْكَارٌ، فَإِنْ أَنْكَرَا أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ تَحِلَّ. (مَعَ عِلْمِ خَلْوَةٍ) بَيْنَهُمَا (وَلَوْ بِامْرَأَتَيْنِ) لَا إنْ لَمْ تُعْلَمْ، وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ تَصَادُقِهِمَا عَلَيْهَا، (وَ) مَعَ عِلْمِ (زَوْجَةٍ فَقَطْ) بِالْوَطْءِ احْتِرَازًا مِنْ النَّائِمَةِ وَالْمُغْمَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [حَالَ كَوْنِهَا بَالِغًا] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، فَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا عَبْدٌ وَلَوْ مِلْكًا لِلزَّوْجِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَكَانَ بَالِغًا وَأَوْلَجَ فِيهَا حَشَفَتَهُ فَقَدْ حَلَّتْ، فَلَوْ كَانَ مِلْكًا لِلزَّوْجِ وَوَهَبَهُ لَهَا بَعْدَ الْإِيلَاجِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَكَانَ لِمُطَلَّقِهَا الْعَقْدُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ. قَوْلُهُ: [لَا صَبِيًّا] إلَخْ: وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَكْفِي، وَمِنْ هُنَا الْمُلَفَّقَةُ وَاحْتِيَاجُهَا لِقَاضِيَيْنِ بِعَقْدِ الشَّافِعِيِّ، وَيُطَلِّقُ مَالِكِيٌّ الْمُصْلِحَةَ لِرَفْعِ الْخِلَافِ وَإِلَّا فَالتَّلْفِيقُ كَافٍ بِدُونِهِمَا، لَكِنَّهَا لَا تُنَاسِبُ الِاحْتِيَاطَ فِي الْفُرُوجِ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَسَمِعْت مِنْ أَشْيَاخِنَا قَدِيمًا التَّشْنِيعُ عَلَى مَنْ يَفْعَلُهَا. قَوْلُهُ: [وَصَوْمٍ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: الْوَطْءُ فِي الْحَيْضِ وَالْإِحْرَامِ وَالصِّيَامِ يُحِلُّهَا، وَقِيلَ إنَّ مَحَلَّ الْمَنْعِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ، وَأَمَّا الْوَطْءُ فِيمَا عَدَاهُمَا كَصِيَامِ التَّطَوُّعِ وَالْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، فَإِنَّهُ يُحِلُّهَا اتِّفَاقًا وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ كَذَا فِي التَّوْضِيحِ نَقَلَهُ الْبُنَانِيّ، قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ: وَوَجْهُ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ أَنَّ الصِّيَامَ يَفْسُدُ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ فَبَقِيَّةُ الْوَطْءِ لَا مَنْعَ فِيهِ، بِخِلَافِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّ لِلزَّمَنِ الْمُعَيَّنِ حُرْمَةً (اهـ) . قَوْلُهُ: [فَإِنْ أَنْكَرَا أَوْ أَحَدُهُمَا] إلَخْ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ بَعْدَ طُولٍ مَا لَمْ يَحْصُلْ تَصَادُقٌ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِنْكَارِ، وَإِلَّا فَلَا عِبْرَةَ بِالْإِنْكَارِ كَمَا لَا عِبْرَةَ بِتَصَادُقِهِمَا بَعْدَ الْإِنْكَارِ.

عَلَيْهَا وَالْمَجْنُونَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الزَّوْجِ كَمَجْنُونٍ، (لَا) تَحِلُّ الْمَبْتُوتَةُ (بِفَاسِدٍ) أَيْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ (إنْ لَمْ يَثْبُتْ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَتَحِلُّ (بِوَطْءٍ ثَانٍ) بَعْدَ الْأَوَّلِ الَّذِي حَصَلَ بِهِ الثُّبُوتُ. وَمَثَّلَ لِلْفَاسِدِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ بِالدُّخُولِ بِقَوْلِهِ: (كَمُحَلِّلٍ) : وَهُوَ مِنْ تَزَوَّجَهَا بِقَصْدِ تَحْلِيلِهَا لِغَيْرِهِ إذَا نَوَى مُفَارَقَتَهَا بَعْدَ وَطْئِهَا، أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ، بَلْ (وَإِنْ نَوَى الْإِمْسَاكَ) : أَيْ إمْسَاكَهَا وَعَدَمَ فَرَاغِهَا عَلَى تَقْدِيرِ (إنْ أَعْجَبَتْهُ) ، فَلَا يَحِلُّهَا وَهُوَ نِكَاحٌ فَاسِدٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَيُفْسَخُ أَبَدًا بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الزَّوْجِ] : أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: [فَتَحِلُّ بِوَطْءٍ ثَانٍ] : أَيْ وَفِي حِلِّهَا بِالْوَطْءِ الْأَوَّلِ الَّذِي حَصَلَ بِهِ الثُّبُوتُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّزْعَ وَطْءٌ، وَعَدَمُ حِلِّهَا بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَطْءٍ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ هُنَا تَرَدَّدَ الْأَشْيَاخُ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُحِلُّهَا] : أَيْ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُ يُحِلُّهَا عِنْدَهُمْ وَيُثَابُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ اُشْتُرِطَ التَّحْلِيلُ عَلَيْهِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ لَا يَضُرُّ إلَّا الشَّرْطُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، فَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَقْدِ لَا يَضُرُّ. قَوْلُهُ: [وَيُفْسَخُ أَبَدًا] : أَيْ وَلَهَا الْمُسَمَّى بِالدُّخُولِ، وَقِيلَ مَهْرُ الْمِثْلِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى وَجْهِ التَّحْلِيلِ أَثَّرَ خَلَلًا فِي الصَّدَاقِ، وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِلْقَوَاعِدِ كَمَا قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ. قَوْلُهُ: [بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ] : اعْلَمْ أَنَّهُ إنْ تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ أَوْ بِغَيْرِ شَرْطٍ لَكِنَّهُ أَقَرَّ بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَالْفَسْخُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَهُ فَالْفَسْخُ بِطَلَاقٍ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ، وَابْنِ عَرَفَةَ، قَالَ الْبَاجِيُّ: عِنْدِي أَنَّهُ يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، هَلْ بِطَلَاقٍ أَمْ لَا؟ وَهُوَ تَخْرِيجٌ ظَاهِرٌ كَذَا فِي (بْن) وَمَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ هُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ. تَنْبِيهٌ: تُقْبَلُ دَعْوَى الْمَبْتُوتَةِ الطَّارِئَةِ مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ يَعْسُرُ عَلَيْهَا إثْبَاتُ دَعْوَاهَا التَّزَوُّجَ لِلْمَشَقَّةِ الَّتِي تَلْحَقُهَا فِي الْإِثْبَاتِ بِالْبَيِّنَةِ كَالْحَاضِرَةِ بِالْبَلَدِ الْمَأْمُونِ إنْ بَعُدَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَعْوَاهَا التَّزَوُّجَ بِحَيْثُ يُمْكِنُ مَوْتُ الشُّهُودِ، وَانْدِرَاسِ الْعِلْمِ، وَفِي قَبُولِ قَوْلِ غَيْرِ الْمَأْمُونَةِ مَعَ الْبُعْدِ قَوْلَانِ كَذَا فِي الْأَصْلِ.

[تنبيه تزوج العبد أبنة سيده]

وَلَا يَضُرُّ إلَّا نِيَّةُ الزَّوْجِ الْمُحَلِّلِ. (وَنِيَّتُهَا) : أَيْ الْمَرْأَةِ التَّحْلِيلَ لِلْأَوَّلِ - (كَالْمُطَلَّقِ) لَهَا - وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهَا تَتَزَوَّجُ بِزَيْدٍ لِيُحَلِّلَهَا - (لَغْوٌ) لَا أَثَرَ لَهَا؛ فَلَا تَضُرُّ فِي التَّحْلِيلِ إذَا لَمْ يَقْصِدْهَا الْمُحَلِّلُ. (وَ) حَرُمَ عَلَى الْمَالِكِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (مِلْكُهُ) : أَيْ تَزْوِيجُهُ فَلَا يَتَزَوَّجُ الذَّكَرُ أَمَتَهُ وَلَا الْأُنْثَى عَبْدَهَا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ وَالْمِلْكَ لَا يَجْتَمِعَانِ لِتَنَافِي الْحُقُوقِ إذْ الْأَمَةُ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ وَلَا فِي الْقِسْمَةِ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ وَلَيْسَتْ نَفَقَتُهَا كَالزَّوْجَةِ وَلَا الْخِدْمَةُ كَالزَّوْجَةِ. (أَوْ مِلْكُ فَرْعِهِ) فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مَمْلُوكَ وَلَدِهِ الذَّكَرِ أَوْ الْأُنْثَى وَإِنْ سَفَلَ. (وَفُسِخَ) أَبَدًا إنْ وَقَعَ، (وَإِنْ طَرَأَ) مِلْكُهُ أَوْ مِلْكُ فَرْعِهِ بَعْدَ التَّزْوِيجِ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ إرْثٍ؛ كَمَا لَوْ اشْتَرَى الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ أَوْ الزَّوْجَةُ زَوْجَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [تَنْبِيه تَزَوَّجَ الْعَبْد أبنة سِيدَهْ] قَوْلُهُ: [وَحَرُمَ عَلَى الْمَالِكِ] : لَمَّا كَانَ مِنْ مَوَانِعِ النِّكَاحِ الرِّقُّ وَهُوَ قِسْمَانِ مَا يَمْنَعُ مُطْلَقًا وَمَا يَمْنَعُ مِنْ جِهَةٍ شَرَعَ فِي ذَلِكَ وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: [لِتَنَافِي الْحُقُوقِ] : أَيْ لِأَنَّهَا تُطَالِبُهُ بِحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ وَهُوَ يُطَالِبُهَا بِحُقُوقِ الرِّقِّيَّةِ، فَيَصِيرُ عَائِلًا وَمَعُولًا وَآمِرًا وَمَأْمُورًا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ ذَكَرٍ] إلَخْ: أَيْ لِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ الَّتِي لِلْأَصْلِ فِي مَالِ فَرْعِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْأَصْلُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْعِ مَا يَشْمَلُ وَلَدَ الْبِنْتِ وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْأُجْهُورِيِّ وَالْقَلْشَانِيِّ وَزَرُّوقٍ، وَصَوَّبَهُ (بْن) خِلَافًا (لعب) مِنْ أَنَّ الْحُرْمَةَ مَقْصُورَةٌ عَلَى غَيْرِ وَلَدِ الْبِنْتِ، لِأَنَّهُ ابْنُ رَجُلٍ آخَرَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا ... بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ وَنَحْوُهُ لِلتَّتَّائِيِّ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [أَوْ الزَّوْجَةُ زَوْجَهَا] : أَيْ وَلَوْ كَانَ طُرُوُّ مِلْكِهَا لِزَوْجِهَا بِدَفْعِ مَالٍ مِنْهَا لِسَيِّدِهِ فَيُعْتِقُهُ عَنْهَا، وَمِثْلُ دَفْعِ الْمَالِ مَا لَوْ سَأَلَتْهُ أَوْ رَغَّبَتْهُ فِي أَنْ يُعْتِقَهُ عَنْهَا فَفَعَلَ، فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ دُخُولُهُ فِي مِلْكِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَأَلَتْهُ أَوْ رَغَّبَتْهُ فِي

أَوْ اشْتَرَاهَا أَوْ اشْتَرَاهُ فَرْعُ كُلٍّ - (بِلَا طَلَاقٍ) لِأَنَّهُ مِنْ الْمُجْمَعِ عَلَى فَسَادِهِ (وَمِلْكُ أَبٍ) وَإِنْ عَلَا (أَمَةَ وَلَدِهِ) الذَّكَرِ أَوْ الْأُنْثَى (بِتَلَذُّذِهِ) أَيْ الْأَبِ بِهَا بِوَطْءٍ أَوْ مُقَدِّمَاتِهِ (بِالْقِيمَةِ) يَوْمَ التَّلَذُّذِ، وَيُتْبَعُ بِهَا فِي ذِمَّتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِتْقِهِ مِنْ غَيْرِ دَفْعِ مَالٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ عَنْ نَفْسِهَا فَأَعْتَقَهُ وَلَوْ عَنْهَا فَلَا يَنْفَسِخُ، وَمِثْلُهُ فِي عَدَمِ الْفَسْخِ لَوْ اشْتَرَتْ أَمَةَ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، فَرَدَّ السَّيِّدُ ذَلِكَ أَوْ قَصَدَ سَيِّدُ الْعَبْدِ وَالزَّوْجَةُ الْحُرَّةُ أَوْ الْأَمَةُ الْمَمْلُوكَةُ لِسَيِّدِ الزَّوْجِ بِبَيْعِ زَوْجِهَا، لَهَا الْفَسْخُ لِنِكَاحِهِ، فَلَا يَنْفَسِخُ مُعَامَلَةً بِنَقِيضِ الْقَصْدِ، وَكَذَا لَوْ قَصَدَ ذَلِكَ سَيِّدُهُ فَقَطْ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ السَّيِّدُ زَوْجَةً مَمْلُوكَةً لَهُ بِقَصْدِ أَنْ يَنْزِعَهَا مِنْهُ وَلَمْ يَقْبَلْ الْهِبَةَ الْعَبْدُ، فَإِنَّ الْهِبَةَ لَا تَتِمُّ مَعَ الْقَصْدِ الْمَذْكُورِ، وَلَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [بِلَا طَلَاقٍ] : أَيْ وَهَلْ لَهُ بَعْدَ فَسْخِ النِّكَاحِ وَطْؤُهَا بِالْمِلْكِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ قَبْلَ وَطْئِهَا؟ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ مَا يَأْتِي أَنَّهَا هَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِالْحَمْلِ السَّابِقِ عَلَى الشِّرَاءِ أَوْ لَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ؟ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِبْرَاءِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَحِينَئِذٍ فَتَحْتَاجُ لِلِاسْتِبْرَاءِ. قَوْلُهُ: [وَمِلْكُ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْأَبَ وَإِنْ عَلَا يَمْلِكُ جَارِيَةَ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى حُرًّا أَوْ عَبْدًا بِمُجَرَّدِ تَلَذُّذِهِ بِهَا بِجِمَاعٍ أَوْ مُقَدِّمَاتِهِ لِشُبْهَةِ الْأَبِ فِي مَالِ الْوَلَدِ، لَكِنْ لَا مَجَّانًا بَلْ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ التَّلَذُّذِ وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ عَبْدًا كَانَتْ الْقِيمَةُ جِنَايَةً فِي رَقَبَتِهِ يُخَيَّرُ سَيِّدُهُ فِي إسْلَامِهِ لِوَلَدِهِ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ فِي إسْلَامِهِ لِوَلَدِهِ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ أَوْ فِدَائِهِ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ لِوَلَدِهِ مِنْ عِنْدِهِ، وَإِذَا أَسْلَمَهُ سَيِّدُهُ لِوَلَدِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ وَلَا حَدَّ عَلَى الْأَبِ فِي وَطْئِهِ لِلشُّبْهَةِ فِي مَالِ الْوَلَدِ، وَحَيْثُ مَلَكَهَا الْأَبُ بِتَلَذُّذِهِ فَلَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا مِنْ مَائِهِ الْفَاسِدِ، إنْ لَمْ يَكُنْ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ وَطْئِهِ الْفَاسِدِ خَوْفًا مِنْ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَأَمَّا لَوْ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ وَطْئِهِ الْفَاسِدِ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِ ثَانِيًا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَتَلَذَّذْ الِابْنُ بِهَا قَبْلَ الْأَبِ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لِلْأَبِ وَطْؤُهَا مُطْلَقًا اسْتَبْرَأَهَا أَوْ لَا لِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِمَا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ.

إنْ أَعْدَمَ وَتُبَاعُ عَلَيْهِ فِي عُدْمِهِ إنْ لَمْ تَحْمِلْ. (وَحَرُمَتْ عَلَيْهِمَا) مَعًا (إنْ وَطِئَاهَا) مَعًا بِأَنْ وَطِئَهَا الِابْنُ قَبْلَ وَطْءِ أَبِيهِ وَكَذَا أَوْ بَعْدَهُ، التَّلَذُّذُ بِدُونِ وَطْءٍ، فَإِنْ لَمْ يَتَلَذَّذْ بِهَا الِابْنُ حَرُمَتْ عَلَيْهِ فَقَطْ. (وَعَتَقَتْ) نَاجِزًا (عَلَى مَنْ أَوْلَدَهَا مِنْهُمَا) ، لِأَنَّ كُلَّ أُمِّ وَلَدٍ حَرُمَ وَطْؤُهَا نَجَزَ عِتْقُهَا. (وَ) حَرُمَ (أَمَةُ غَيْرِ أَصْلِهِ) : أَيْ يَحْرُمُ عَلَى الذَّكَرِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَمَةٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ لِآبَائِهِ وَلَا أُمَّهَاتِهِ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ خَشْيَةَ رِقِّيَّةِ وَلَدِهِ لِمَالِكِ أُمِّهِ، وَلِذَا لَوْ كَانَ أَمَةُ أَبِيهِ أَوْ أَمَةُ جَدِّهِ أَوْ جَدَّتِهِ لَمْ يَحْرُمْ، لَتَخَلُّقِ وَلَدِهِ عَلَى الْحُرِّيَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: [وَتُبَاعُ عَلَيْهِ فِي عَدَمِهِ إنْ لَمْ تَحْمِلْ] : أَيْ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَبَقِيَتْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ، وَحَيْثُ جَازَ بَيْعُهَا إنْ لَمْ تَحْمِلْ فَلِلِابْنِ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهَا، فَإِنْ بَاعَهَا الْأَبُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَزَادَ الثَّمَنُ عَلَى الْقِيمَةِ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لِلْأَبِ، وَإِنْ نَقَصَ الثَّمَنُ عَنْهَا كَانَ النَّقْصُ عَلَيْهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجَارِيَةَ إذَا لَمْ تَحْمِلْ إنْ كَانَ الْأَبُ مَلِيًّا تَعَيَّنَ أَخْذُ الْقِيمَةِ مِنْهُ وَلَيْسَ لِلْوَلَدِ أَخْذُهَا، وَإِنْ كَانَ مُعْدِمًا خُيِّرَ بَيْنَ أَخْذِهَا فِي الْقِيمَةِ وَتَبَيَّنَ اتِّبَاعُهُ بِهَا فَتُبَاعُ عَلَيْهِ فِيهَا، فَالزَّائِدُ لَهُ وَالنَّقْصُ عَلَيْهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. قَوْلُهُ: [وَحَرُمَتْ عَلَيْهِمَا مَعًا] : أَيْ حَيْثُ وَطِئَاهَا وَكَانَ الِابْنُ بَالِغًا وَإِلَّا فَلَا تَحْرُمُ عَلَى الْأَبِ لِأَنَّ وَطْءَ الصَّغِيرِ لَا يُحَرِّمُ، بِخِلَافِ عَقْدِ نِكَاحِهِ فَإِنَّهُ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ. قَوْلُهُ: [وَعَتَقَتْ نَاجِزًا عَلَى مَنْ أَوْلَدَهَا] إلَخْ: فَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ كُلٍّ عَتَقَتْ عَلَى السَّابِقِ مِنْهُمَا، فَإِنْ وَطِئَاهَا بِطُهْرٍ وَلَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ تُعَيِّنُ أُلْحِقَ بِهِمَا وَعَتَقَتْ عَلَيْهِمَا كَمَا لَوْ أَلْحَقَتْهُ بِهِمَا. تَنْبِيهٌ: يُكْرَهُ لِلْعَبْدِ تَزَوُّجُ ابْنَةِ سَيِّدِهِ إذْ هُوَ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، فَلَرُبَّمَا مَاتَ السَّيِّدُ فَتَرِثُهُ فَيُفْسَخُ النِّكَاحُ، كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ] : أَيْ وَهِيَ كَوْنُهُ حُرًّا وَيُولَدُ لَهُ وَلَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ وَوَجَدَ لِلْحَرَائِرِ طَوْلًا. قَوْلُهُ: [لَمْ يَحْرُمْ] : أَيْ حَيْثُ كَانَ أَصْلُهُ الْمَالِكُ لَهَا حُرًّا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رَقِيقًا

وَإِنَّمَا يَحْرُمُ عَلَى الذَّكَرِ تَزْوِيجُ أَمَةِ غَيْرِ أَصْلِهِ (إنْ كَانَ حُرًّا يُولَدُ لَهُ مِنْهَا) وَأَمَّا الْعَبْدُ فَيَحِلُّ لَهُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ مُطْلَقًا، كَانَتْ لِسَيِّدِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ أَمْ لَا، كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَمْ لَا، فَالْخِطَابُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: 25] إلَخْ لِلْأَحْرَارِ، وَمَفْهُومُ: " يُولَدُ لَهُ ": أَنَّ الْحُرَّ الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ كَخَصِيٍّ وَمَجْبُوبٍ وَعَقِيمٍ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُ الْأَمَةِ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ اسْتِرْقَاقِ وَلَدِهِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلَمَّا كَانَ نَاقِصًا بِالرِّقِّ فَلَا عَارَ عَلَيْهِ فِي اسْتِرْقَاقِ وَلَدِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ رِقِّ نَفْسِهِ، فَجَازَ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالْحُرُّ لِحُرْمَتِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ، وَقَوْلُهُ: " مِنْهَا "، احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا كَانَ لَا يُولَدُ لَهُ مِنْهَا لِعُقْمِهَا مَثَلًا فَيَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ يُولَدُ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا. (إلَّا إذَا خَشِيَ) عَلَى نَفْسِهِ (الْعَنَتَ) أَيْ الزِّنَا فِيهَا أَوْ فِي غَيْرِهَا. (وَلَمْ يَجِدْ لِحُرَّةٍ وَلَا كِتَابِيَّةٍ طَوْلًا) أَيْ مَا يَنْكِحُهَا بِهِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ. وَالشَّرْطُ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: 25] وَالْأَوَّلُ هُوَ الثَّانِي فِي الْآيَةِ فِي قَوْله تَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25] ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا لِلسَّيِّدِ الْأَعْلَى. قَوْلُهُ: [إلَّا إذَا خَشِيَ] : ظَاهِرُهُ وَلَوْ تَوَهُّمًا لِأَنَّ الْخَشْيَةَ تَصْدُقُ بِالْوَهْمِ، وَلَكِنْ قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الشَّكُّ فَمَا فَوْقَهُ وَهُوَ الظَّنُّ وَالْجَزْمُ لِمَا يَلْزَمُهُ عَلَى تَزْوِيجِ الْأَمَةِ مِنْ رِقِّيَّةِ الْوَلَدِ فَلَا يَقْدُمُ عَلَيْهِ بِالْأَمْرِ الْوَهْمِيِّ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَجِدْ لِحُرَّةٍ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ أَصْبَغَ قَالَ: الطَّوْلُ هُوَ الْمَالُ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى نِكَاحِ الْأَحْرَارِ بِهِ، وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِنَّ مِنْهُ، وَهُوَ خِلَافُ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى النَّفَقَةِ لَا تُعْتَبَرُ، وَالرَّاجِحُ كَلَامُ أَصْبَغَ وَيَتَبَادَرُ مِنْ شَارِحِنَا رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ. قَوْلُهُ: [مِنْ عَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ] : أَيْ أَوْ دَيْنٍ عَلَى مَلِيءٍ وَكِتَابَةٍ وَأُجْرَةِ خِدْمَةِ مُعْتَقٍ لِأَجَلٍ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْعَرْضِ دَارُ السُّكْنَى فَلَيْسَتْ طَوْلًا وَلَوْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ عَنْ حَاجَتِهِ كَمَا قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ، وَدَخَلَ فِي الْعَرْضِ دَابَّةُ الرُّكُوبِ وَكُتُبُ الْفِقْهِ الْمُحْتَاجِ لَهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ دَارِ السُّكْنَى أَنَّ الْحَاجَةَ لِدَارِ السُّكْنَى أَشَدُّ مِنْ الْحَاجَةِ لِلدَّابَّةِ وَالْكُتُبِ.

فَقَوْلُهُ: " وَلَمْ يَجِدْ " تَفْسِيرٌ لِ " مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ " وَقَوْلُهُ: " لِحُرَّةٍ " إلَخْ تَفْسِيرٌ لِلْمُحْصَنَاتِ، وَقَوْلُهُ: (وَهِيَ مُسْلِمَةٌ) تَفْسِيرٌ لِلْمُؤْمِنَاتِ احْتِرَازًا مِنْ الْكَافِرَةِ فَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا. (وَخُيِّرَتْ) زَوْجَةٌ (حُرَّةٌ) لَا أَمَةٌ (مَعَ) زَوْجٍ (حُرٍّ) لَا عَبْدٍ (أَلْفَتْ) : أَيْ وَجَدَتْ الْحُرَّةُ مَعَ زَوْجِهَا الْحُرَّ زَوْجَةً (أَمَةً) تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْحُرَّةِ بِوَجْهٍ جَائِزٍ، وَلَمْ تَعْلَمْ بِهَا الْحُرَّةُ حِينَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا أَوْ عَلِمَتْ (بِوَاحِدَةٍ) مِنْ الْإِمَاءِ، (فَوَجَدَتْ) مَعَهُ (أَكْثَرَ، فِي نَفْسِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِخُيِّرَتْ: أَيْ تُخَيَّرُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا (بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ) ، فَإِنْ وَقَعَتْ أَكْثَرَ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا وَاحِدَةٌ أَوْ تَرْضَى بِالْمَقَامِ مَعَهُ فَلَا خِيَارَ لَهَا بَعْدُ. (كَتَزْوِيجِ أَمَةٍ عَلَيْهَا) : أَيْ عَلَى الْحُرَّةِ فَهِيَ عَكْسُ مَا قَبْلَهَا، أَوْ عَلَى أَمَةٍ رَضِيَتْ بِهَا الْحُرَّةُ أَوْ لَا فَلَهَا الْخِيَارُ الْمَذْكُورُ. (وَلَا تُبَوَّأُ أَمَةٌ) مَنْزِلًا: أَيْ لَيْسَ لَهَا وَلَا لِزَوْجِهَا إفْرَادُهَا عَنْ سَيِّدِهَا بِمَنْزِلٍ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ سَيِّدِهَا مِنْ الْخِدْمَةِ، أَوْ غَالِبِهَا، بَلْ يَأْتِيهَا زَوْجُهَا بِبَيْتِ سَيِّدِهَا لِقَضَاءِ وَطَرِهِ (بِلَا شَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ) ، وَإِلَّا فَيُقْضَى بِهِ وَلَا كَلَامَ لِسَيِّدِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [تَفْسِيرٌ لِلْمُحْصَنَاتِ] : أَيْ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ؛ فَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا الْحُرِّيَّةُ، وَقَدْ يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْعِفَّةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] وَيُطْلَقُ بِمَعْنَى التَّزَوُّجِ بِالشُّرُوطِ الَّذِي هُوَ الْإِحْصَانُ الْمُشْتَرَطُ فِي رَجْمِ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا] : أَيْ لِأَنَّ الْأَمَةَ الْكَافِرَةَ لَا تُوطَأُ إلَّا بِالْمِلْكِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ تَزَوَّجَ الْأَمَةَ بِشَرْطِهَا ثُمَّ زَالَ الْمُبِيحُ لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهُ، وَكَذَا إذَا طَلَّقَهَا وَوَجَدَ مَهْرَ الْحُرَّةِ فَلَهُ رَجْعَتُهَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ، مِنْ أَنَّ تِلْكَ الشُّرُوطَ فِي الِابْتِدَاءِ فَقَطْ، وَقِيلَ إنَّهَا شُرُوطٌ فِي الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ، وَعَلَيْهِ إذَا تَزَوَّجَ الْأَمَةَ بِشُرُوطِهَا ثُمَّ زَالَ الْمُبِيحُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ. قَوْلُهُ: [لَا عَبْدٍ] : أَيْ فَإِنَّ الْحُرَّةَ مَعَهُ لَا خِيَارَ لَهَا لِأَنَّ الْأَمَةَ مِنْ نِسَاءِ الْعَبْدِ. قَوْلُهُ: [فَلَهَا الْخِيَارُ الْمَذْكُورُ] : فِي نَفْسِهَا وَإِنْ سَبَقَتْهَا الْحُرَّةُ خُيِّرَتْ فِي الْأَمَةِ.

[تنبيه جمع حرة وأمة في عقد واحد]

(وَلِلسَّيِّدِ السَّفَرُ) وَالْبَيْعُ لِمَنْ يُسَافِرُ (بِمَنْ لَمْ تُبَوَّأْ) ، وَإِنْ طَالَ السَّفَرُ، وَيُقَالُ لِزَوْجِهَا: سَافِرْ مَعَهَا إنْ شِئْت (إلَّا لِشَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ) ، كَمَا أَنَّ الْمُبَوَّأَةَ لَيْسَ لِسَيِّدِهَا سَفَرٌ بِهَا إلَّا لِشَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ فَيُعْمَلُ بِهِ. (وَ) لِلسَّيِّدِ (أَنْ يَضَعَ صَدَاقَهَا) عَنْ الزَّوْجِ قَبْلَ الدُّخُولِ، (إلَّا رُبْعَ دِينَارٍ) فَلَا يَصِحُّ إسْقَاطُهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ لَا تَحِلُّ الْفُرُوجُ إلَّا بِهِ، وَأَمَّا بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهُ إسْقَاطُ الْجَمِيعِ. (وَ) لَهُ (أَخْذُهُ) أَيْ صَدَاقِ أَمَتِهِ (لِنَفْسِهِ) وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ، (وَإِنْ قَتَلَهَا) السَّيِّدُ؛ إذْ لَا يُتَّهَمُ عَلَى أَنَّهُ قَتَلَهَا لِذَلِكَ، (أَوْ بَاعَهَا) لِشَخْصٍ (بِمَكَانٍ بَعِيدٍ) يَشُقُّ عَلَى زَوْجِهَا الْوُصُولُ إلَيْهِ، فَلِسَيِّدِهَا صَدَاقُهَا (إلَّا) أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ (لِظَالِمٍ) لَا يَتَمَكَّنُ زَوْجُهَا مَعَهُ مِنْ الْوُصُولِ لَهَا، فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ صَدَاقٌ وَرَدَّهُ السَّيِّدُ إنْ أَخَذَهُ. (وَسَقَطَ) الصَّدَاقُ عَنْ زَوْجِ الْأَمَةِ (بِبَيْعِهَا لَهُ) أَيْ لِزَوْجِهَا (قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَلَوْ) كَانَ الْبَيْعُ لَهُ (مِنْ حَاكِمٍ لِفَلَسٍ) قَامَ بِسَيِّدِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [تَنْبِيه جَمْعِ حرة وأمة فِي عَقْدِ وَاحِد] قَوْلُهُ: [وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَضَعَ صَدَاقَهَا] : أَيْ إنْ لَمْ يَمْنَعْهُ دَيْنُهَا الْمُحِيطُ بِالصَّدَاقِ بِأَنْ يَكُونَ أَذِنَ لَهَا فِي تَدَايُنِهِ فَتَحَصَّلَ أَنَّ لَهُ الْوَضْعَ بِشَرْطَيْنِ الْأَوَّلُ لِحَقِّ اللَّهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ رُبْعِ دِينَارٍ، وَالثَّانِي أَنْ لَا يَمْنَعَهُ دَيْنَهَا الَّذِي أَذِنَ لَهَا فِي تَدَايُنِهِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ قَتَلَهَا السَّيِّدُ] : أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ قَتَلَهَا فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِأَخْذِهِ صَدَاقِهَا مِنْ زَوْجِهَا بَنَى بِهَا أَمْ لَا، وَيَتَكَمَّلُ عَلَيْهِ الصَّدَاقُ بِالْقَتْلِ. قَوْلُهُ: [عَلَى أَنَّهُ قَتَلَهَا لِذَلِكَ] : أَيْ لِأَجْلِ أَخْذِ صَدَاقِهَا لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ قِيمَتَهَا أَكْثَرُ مِنْ صَدَاقِهَا. قَوْلُهُ: [وَسَقَطَ الصَّدَاقُ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ السَّيِّدَ إذَا بَاعَ الْأَمَةَ الْمُتَزَوِّجَةَ لِزَوْجِهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ، فَإِنَّ الزَّوْجَ يُسْقِطُ عَنْهُ صَدَاقَهَا، وَإِنْ قَبَضَهُ السَّيِّدُ رَدَّهُ بِمَعْنَى أَنَّ الزَّوْجَ يَحْسِبُهُ مِنْ الثَّمَنِ، فَلَوْ بَاعَهَا السُّلْطَانُ لِزَوْجِهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ لِفَلَسِ السَّيِّدِ فَهَلْ كَذَلِكَ يَسْقُطُ عَنْ الزَّوْجِ الصَّدَاقُ؟ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَاخْتَارَهُ شَارِحُنَا أَوْ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ وَهُوَ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ.

[مسألة إخراج المني من الرحم]

(وَلِزَوْجِهَا) أَيْ الْأَمَةِ (الْعَزْلُ) عَنْهَا: بِأَنْ يُمْنِي خَارِجَ الْفَرْجِ (إنْ أَذِنَتْ هِيَ وَسَيِّدُهَا) لَهُ فِي الْعَزْلِ، أَيْ رَضِيَا بِهِ وَهَذَا (إنْ تَوَقَّعَ حَمْلَهَا؛ وَإِلَّا) يَتَوَقَّعْ حَمْلَهَا، لِصِغَرِهَا أَوْ إيَاسِهَا أَوْ عُقْمِهَا، (فَالْعِبْرَةُ بِإِذْنِهَا فَقَطْ) ، فَإِنْ أَذِنَتْ جَازَ وَإِلَّا فَلَا. (كَالْحُرَّةِ) الْعِبْرَةُ بِإِذْنِهَا فَقَطْ دُونَ وَلِيِّهَا. (وَ) حَرُمَتْ (الْكَافِرَةُ) : أَيْ وَطْؤُهَا حُرَّةً أَوْ أَمَةً بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ. (إلَّا الْحُرَّةَ الْكِتَابِيَّةَ) فَيَحِلُّ نِكَاحُهَا (بِكُرْهٍ) عِنْدَ الْإِمَامِ، وَجَوَّزَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ (وَتَأَكَّدَ) الْكُرْهُ أَيْ الْكَرَاهَةُ إنْ تَزَوَّجَهَا (بِدَارِ الْحَرْبِ) ، لِأَنَّ لَهَا قُوَّةً بِهَا لَمْ تَكُنْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ، فَرُبَّمَا رَبَّتْ وَلَدَهُ عَلَى دِينِهَا وَلَمْ تُبَالِ بِاطِّلَاعِ أَبِيهِ عَلَى ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: لَوْ جَمَعَ حُرَّةً وَأَمَةً فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ - وَالْحَالُ أَنَّهُ فَاقِدٌ شُرُوطَ زَوَاجِ الْأَمَةِ - بَطَلَ عَقْدُ الْأَمَةِ فَقَطْ دُونَ الْحُرَّةِ، وَلَا يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ الصَّفْقَةُ إذَا جَمَعَتْ حَلَالًا وَحَرَامًا بَطَلَتْ كُلُّهَا، لِأَنَّهُ فِي الْحَرَامِ بِكُلِّ حَالٍ وَالْأَمَةُ يَجُوزُ نِكَاحُهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَلِذَلِكَ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْخَمْسِ فِي عَقْدٍ أَوْ الْمَرْأَةِ وَمَحْرَمِهَا فَسَدَ الْجَمِيعُ فَتَدَبَّرْ. [مَسْأَلَة إخْرَاج المني مِنْ الرحم] قَوْلُهُ: [وَلِزَوْجِهَا أَيْ الْأَمَةِ الْعَزْلُ] : أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِجَوَازِ عَزْلِ مَالِكِ الْأَمَةِ عَنْهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ. مَسْأَلَةٌ: لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْمَنِيِّ الْمُتَكَوِّنُ فِي الرَّحِمِ وَلَوْ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَإِذَا نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ حَرُمَ إجْمَاعًا. [أَنْكِحَة غَيْر الْمُسْلِمِينَ] [صَدَاق الْكُفَّارِ الْفَاسِد] قَوْلُهُ: [إلَّا الْحُرَّةَ الْكِتَابِيَّةَ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً، بَلْ وَلَوْ انْتَقَلَتْ الْيَهُودِيَّةُ لِلنَّصْرَانِيَّةِ وَبِالْعَكْسِ، وَأَمَّا لَوْ انْتَقَلَتْ الْيَهُودِيَّةُ أَوْ النَّصْرَانِيَّةُ لِلْمَجُوسِيَّةِ أَوْ الدَّهْرِيَّةِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا، وَأَمَّا لَوْ انْتَقَلَتْ الْمَجُوسِيَّةُ لِلْيَهُودِيَّةِ أَوْ النَّصْرَانِيَّةِ فَاسْتَظْهَرَ الْبِسَاطِيُّ وَ (ح) حَلَّ نِكَاحٍ بَعْدَ الِانْتِقَالِ. قَوْلُهُ: [وَجَوَّزَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ] : أَيْ وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَإِنَّمَا حَكَمَ مَالِكٌ بِالْكَرَاهَةِ فِي بَلَدِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّهَا تَتَغَذَّى بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَتُغَذِّي وَلَدَهَا بِهِ وَزَوْجُهَا يُقَبِّلُهَا وَيُضَاجِعُهَا، وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ التَّغَذِّي، وَلَوْ تَضَرَّرَ بِرَائِحَتِهِ وَلَا مِنْ الذَّهَابِ لِلْكَنِيسَةِ، وَقَدْ تَمُوتُ وَهِيَ حَامِلٌ فَتُدْفَنُ فِي مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ

(وَ) إلَّا (الْأَمَةُ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَيَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا (بِالْمُلْكِ فَقَطْ) ، لَا بِنِكَاحٍ فَلَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ، وَلَوْ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الزِّنَا أَوْ كَانَ عَبْدًا وَلَوْ كَانَ مَالِكُهَا مُسْلِمًا. (وَقُرِّرَ) زَوْجُهَا الْكَافِرُ أَيْ قُرِّرَ نِكَاحُهُ (إنْ أَسْلَمَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْحُرَّةِ الْكِتَابِيَّةِ، فَتَكُونُ حُرَّةً كِتَابِيَّةً تَحْتَ مُسْلِمٍ، (وَ) قُرِّرَ إنْ أَسْلَمَ (عَلَى الْأَمَةِ) الْكِتَابِيَّةِ (إنْ عَتَقَتْ) ، فَتَكُونُ حُرَّةً كِتَابِيَّةً تَحْتَ مُسْلِمٍ أَيْضًا (أَوْ أَسْلَمَتْ) مَعَهُ فَتَكُونُ أَمَةً مُسْلِمَةً تَحْتَ مُسْلِمٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ شُرُوطِ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّوَامَ لَيْسَ كَالِابْتِدَاءِ. (كَمَجُوسِيَّةٍ) أَيْ كَمَا يُقَرَّرُ نِكَاحُ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَجُوسِيَّةٍ (أَسْلَمَتْ) بَعْدَهُ (إنْ قَرُبَ إسْلَامُهَا) ، مِنْ إسْلَامِهِ (كَالشَّهْرِ) وَمَا قَرُبَ مِنْهُ، فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ وُقِفَتْ وَعُرِضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ فَأَبَتْهُ ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَهُوَ أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهِيَ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا الْأَمَةَ مِنْهُمْ] : أَيْ الْمُخْتَصَّةَ بِالْكِتَابِيِّينَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا عَلَى دِينِهِمْ، فَإِنَّ نِسَاءَ غَيْرِهِمْ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهُنَّ بِمِلْكٍ وَلَا نِكَاحٍ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَيَجُوزُ وَطْءُ حَرَائِرِهِمْ بِالنِّكَاحِ وَإِمَائِهِمْ بِالْمِلْكِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَ مَالِكُهَا مُسْلِمًا] : أَيْ لِأَنَّهَا مُعَرَّضَةٌ لِمِلْكِ الْكَافِرِ فَيُسْتَرَقُّ وَلَدُهُ لِلْكَافِرِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَقُرِّرَ زَوْجُهَا الْكَافِرُ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا. قَوْلُهُ: [بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّوَامَ] إلَخْ: أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَدَارَ فِي الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ عَلَى عِتْقِهَا أَوْ إسْلَامِهَا، فَإِنْ عَتَقَتْ وَأَسْلَمَتْ صَارَتْ حُرَّةً مُسْلِمَةً تَحْتَ مُسْلِمٍ، وَإِنْ عَتَقَتْ فَقَطْ صَارَتْ حُرَّةً كِتَابِيَّةً تَحْتَ مُسْلِمٍ، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ مِنْ غَيْرِ عِتْقٍ صَارَتْ أَمَةً مُسْلِمَةً تَحْتَ حُرٍّ مُسْلِمٍ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ أَيْضًا، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّوَامَ لَيْسَ كَالِابْتِدَاءِ. قَوْلُهُ: [كَمَجُوسِيَّةٍ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَدَارَ فِي الْمَجُوسِيَّةِ عَلَى إسْلَامِهَا عَتَقَتْ أَمْ لَا، فَإِنْ أَسْلَمَتْ وَعَتَقَتْ مَا زَادَتْ إلَّا كَمَالًا. قَوْلُهُ: [وَمَا قَرُبَ مِنْهُ] : أَيْ بِأَنْ لَا يَبْلُغَ شَهْرَيْنِ.

وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ إنْ عَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَأَبَتْهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَلَا يُقَرَّرُ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ إنْ أَسْلَمَتْ، كَمَا لَوْ بَعُدَ مَا بَيْنَ إسْلَامِهِمَا هَذَا حُكْمُ مَا إذَا أَسْلَمَ قَبْلَهَا. وَأَفَادَ حُكْمَ مَا إذَا أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ أَوْ أَسْلَمَا مَعًا بِقَوْلِهِ: (أَوْ أَسْلَمَتْ) قَبْلَهُ، (فَأَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا أَوْ أَسْلَمَا مَعًا) فَيُقَرَّرُ عَلَيْهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ بِبَعِيدٍ أَوْ أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ، وَأَسْلَمَ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ الْعِدَّةِ (بَانَتْ) ، أَيْ انْفَصَلَتْ مِنْهُ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا (بِلَا طَلَاقٍ لِفَسَادِ أَنْكِحَتِهِمْ) ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهِيَ بِعِصْمَةٍ جَدِيدَةٍ كَامِلَةٍ. (كَطَلَاقِهِمْ) : فَإِنَّهُ فَاسِدٌ لَا يَقَعُ فَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَأَبَانَهَا عَنْهُ وَأَسْلَمَ (فَيَعْقِدُ) عَلَيْهَا إنْ شَاءَ (إنْ أَبَانَهَا) عَنْهُ فِي حَالِ كُفْرِهِ (بَعْدَ) إيقَاعِ الطَّلَاقِ (الثَّلَاثِ وَأَسْلَمَ) بَعْدَ ذَلِكَ (بِلَا مُحَلِّلٍ) وَتَكُونُ مَعَهُ بِعِصْمَةٍ جَدِيدَةٍ، كَمَا لَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِهَا أَصْلًا، لِمَا عَلِمْت مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ طَلَاقِهِمْ وَجَرَى خِلَافٌ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا حَالَ كُفْرِهِ، ثُمَّ تَرَافَعَا إلَيْنَا رَاضِيَيْنِ بِحُكْمِنَا، فَهَلْ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِلُزُومِ الثَّلَاثِ وَيُلْزِمُهُمْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَسْلَمَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ إلَّا أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ؟ أَوْ مَحَلُّ الْحُكْمِ بِلُزُومِ الثَّلَاثِ إنْ كَانَ صَحِيحًا فِي الْإِسْلَامِ بِاسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ؟ أَوْ لَا يُلْزِمُهُ الْحَاكِمُ الثَّلَاثَ وَإِنَّمَا يُلْزِمُهُ الْفِرَاقَ مُجْمَلًا؟ أَوْ لَا يُلْزِمُهُ شَيْئًا أَصْلًا وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ؟ تَأْوِيلَاتٌ أَرْبَعَةٌ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَأَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا] : يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ هُنَاكَ دُخُولًا لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَحْصُلْ دُخُولٌ فَلَا يُقَرُّ عَلَيْهَا إلَّا إذَا أَسْلَمَا مَعًا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ جَاءَانَا مُسْلِمَيْنِ. قَوْلُهُ: [إنْ أَبَانَهَا عَنْهُ] : أَيْ أَخْرَجَهَا مِنْ حَوْزِهِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ حَوْزِهِ وَأَسْلَمَ فَإِنَّهُ يُقَرُّ عَلَيْهَا، وَلَا حَاجَةَ لِلْعَقْدِ، وَلَوْ تَلَفَّظَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ حَالَ الْكُفْرِ وَفِي ذَلِكَ مَا حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ شب بِقَوْلِهِ: وَمَا وَاطِئٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ تُجِيزُهُ بِلَا رَجْعَةٍ مِنْهُ وَذُو الْوَطْءِ مُسْلِمٌ وَأُصَافِ لَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عِنْدَ عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى مُحَلِّلٍ مَعَ الْبَيْنُونَةِ قَوْلَهُ: وَزَوْجَةُ شَخْصٍ قَدْ أَبَانَ ثَلَاثَةً وَلَيْسَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ زَوْجٍ تُحَرَّمُ قَوْلُهُ: [تَأْوِيلَاتٌ أَرْبَعَةٌ] : الْأَوَّلُ مِنْهَا لِابْنِ شَبْلُونٍ، وَالثَّانِي لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ، وَالثَّالِثُ لِلْقَابِسِيِّ، وَالرَّابِعُ لِابْنِ الْكَاتِبِ، وَاسْتَظْهَرَهُ عِيَاضٌ وَمَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ إذَا تَرَافَعُوا

لَكِنْ إذَا قُلْنَا: إنَّ أَنْكِحَتَهُمْ فَاسِدَةٌ كَطَلَاقِهِمْ (فَالْحُكْمُ بِالطَّلَاقِ إنْ تَرَافَعَا إلَيْنَا) حَالَ كُفْرِهِمَا، بِحَيْثُ لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، بَعْدَ الْإِسْلَامِ (مُشْكِلٌ) إذْ كَيْفَ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ مَا هُوَ فَاسِدٌ حَتَّى تَتَرَتَّبَ ثَمَرَةُ الصِّحَّةِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ؟ وَهَلْ يُصْلِحُ الْعَطَّارُ مَا أَفْسَدَ الدَّهْرُ وَرِضَاهُمْ بِحُكْمِنَا لَا يُؤَثِّرُ شَيْئًا. وقَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] مَحِلُّهُ فِيمَا لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ كَالْجِنَايَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَيْنَا، وَقَالُوا لَنَا اُحْكُمُوا بَيْنَنَا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ، أَوْ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ فِي وَعَلَى عَلَى الصَّوَابِ، أَوْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ، أَوْ فِي أَهْلِ الْكُفْرِ، وَأَمَّا لَوْ قَالُوا اُحْكُمُوا بَيْنَنَا بِحُكْمِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي طَلَاقِ الْكُفْرِ، أَوْ بِمَا يَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ عِنْدَكُمْ، حُكِمَ بِعَدَمِ لُزُومِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ طَلَاقُ الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا لَوْ قَالُوا اُحْكُمُوا بَيْنَنَا بِحُكْمِ الطَّلَاقِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حُكِمَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَيُمْنَعُ مِنْ مُرَاجَعَتِهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ: اُحْكُمُوا بَيْنَنَا بِمَا يَجِبُ فِي دِينِنَا أَوْ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ فَإِنَّنَا نَطْرُدُهُمْ وَلَا نَحْكُمُ بَيْنَهُمْ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَهَلْ يُصْلِحُ الْعَطَّارُ] إلَخْ: هَذَا عَجُزُ بَيْتٍ مِنْ بَحْرِ الطَّوِيلِ، وَأَجْزَاؤُهُ فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ أَرْبَعُ مَرَّاتٍ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ أَبْيَاتٍ قَالَهَا بَعْضُهُمْ وَهِيَ: عَجُوزٌ تَمَنَّتْ أَنْ تَكُونَ فِتْيَةً ... وَقَدْ يَبِسَ الْجَنْبَانِ وَاحْدَوْدَبَ الظَّهْرُ تَرُوحُ إلَى الْعَطَّارِ تَبْغِي شَبَابَهَا ... وَهَلْ يُصْلِحُ الْعَطَّارُ مَا أَفْسَدَ الدَّهْرُ بَنَيْت بِهَا قَبْلَ الْمَحَاقِ بِلَيْلَةٍ ... فَكَانَ مُحَاقًا كُلَّهُ ذَلِكَ الشَّهْرُ وَمَا غَرَّنِي إلَّا الْخِضَابُ بِكَفِّهَا ... وَحُمْرَةُ خَدَّيْهَا وَأَثْوَابُهَا الصُّفْرُ تَنْبِيهٌ: يَمْضِي صَدَاقُ الْكُفَّارِ الْفَاسِدِ إنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى إسْقَاطِ الْمَهْرِ إنْ قُبِضَ الْفَاسِدُ، وَحَصَلَ دُخُولٌ فِيهِمَا وَيُقَرَّانِ إذَا أَسْلَمَا لِأَنَّ الزَّوْجَةَ مَكَّنَتْ مِنْ نَفْسِهَا فِي وَقْتٍ يَجُوزُ لَهَا فِي زَعْمِهَا، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَحْصُلْ قَبْضٌ وَلَا دُخُولٌ قَبْلَ إسْلَامِهِمَا فَكَالتَّفْوِيضِ، فَيُخَيَّرُ الزَّوْجُ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ لَهَا صَدَاقَ الْمِثْلِ وَيُلْزِمُهَا النِّكَاحَ،

[أسلم كافر وتحته نساء كثيرة أو من يحرم جمعهن]

(وَ) لَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ وَتَحْتَهُ نِسَاءٌ كَثِيرَةٌ أَوْ مَنْ يَحْرُمُ جَمْعُهُنَّ (اخْتَارَ أَرْبَعًا) ، أَيْ لَهُ اخْتِيَارُ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ (إنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ) مِنْ أَرْبَعٍ، (وَإِنْ كُنَّ) أَيْ الْمُخْتَارَاتُ (أَوَاخِرَ) فِي الْعَقْدِ، أَوْ عَقَدَ عَلَى الْجَمِيعِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ بَنَى بِهِنَّ أَوْ لَا وَإِنْ شَاءَ اخْتَارَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعٍ أَوْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا. (وَ) اخْتَارَ (إحْدَى كَأُخْتَيْنِ) أَوْ إحْدَى كَأَخَوَاتٍ مِنْ كُلِّ مُحَرَّمَتَيْ الْجَمْعِ (مُطْلَقًا) مُتَأَخِّرَةً أَوْ مُتَقَدِّمَةً عَقَدَ عَلَيْهِمَا مَعًا أَوْ مُتَرَتِّبَتَيْنِ دَخَلَ بِهِمَا أَوْ بِإِحْدَاهُمَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، فَالطَّلَاقُ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ. (وَ) اخْتَارَ (أُمًّا أَوْ ابْنَتَهَا) وَفَارَقَ الْأُخْرَى (إنْ لَمْ يَمَسَّهُمَا) أَيْ لَمْ يَتَلَذَّذْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، تَقَدَّمَتْ الْمُخْتَارَةُ فِي الْعَقْدِ أَوْ تَأَخَّرَتْ أَوْ كَانَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، (وَإِلَّا) بِأَنْ مَسَّهُمَا مَعًا (حَرُمَتَا، وَإِنْ مَسَّ إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَتْ) لِلْإِبْقَاءِ إنْ شَاءَ (وَحَرُمَتْ الْأُخْرَى) أَبَدًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَيْنَ أَنْ لَا يَدْفَعَهُ فَتَقَعَ الْفُرْقَةُ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ تَرْضَ بِمَا فَرَضَ، وَهَلْ مَحَلُّ مُضِيِّ صَدَاقِهِمْ الْفَاسِدِ أَوْ الْإِسْقَاطِ إذَا اسْتَحَلُّوهُ فِي دِينِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَحِلُّوهُ لَمْ يَمْضِ أَوْ يَمْضِي مُطْلَقًا؟ تَأْوِيلَانِ. [أَسْلَمَ كَافِرٌ وَتَحْتَهُ نِسَاءٌ كَثِيرَةٌ أَوْ مَنْ يَحْرُمُ جَمْعُهُنَّ] [اخْتَارَ أَرْبَعًا فظهر أَنَّهُنَّ أَخَوَات] قَوْلُهُ: [وَلَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ] إلَخْ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ إسْلَامِهِ كِتَابِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا وَالْحَالُ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَخْتَارُ لَهُ وَلِيُّهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ اخْتَارَ لَهُ الْحَاكِمُ سُلْطَانًا أَوْ قَاضِيًا. قَوْلُهُ: [اخْتَارَ أَرْبَعًا] : أَيْ وَلَوْ كَانَ فِي حَالِ اخْتِيَارِهِ مَرِيضًا أَوْ مُحْرِمًا وَلَوْ كَانَتْ الْمُخْتَارَةُ أَمَةً وَهُوَ وَاجِدٌ لِلْحَرَائِرِ طَوْلًا لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ كَرَجْعَةٍ. قَوْلُهُ: [أَوَاخِرَ فِي الْعَقْدِ] : أَيْ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ بِتَعَيُّنِ اخْتِيَارِ الْأَوَائِلِ دُونَ الْأَوَاخِرِ، وَمَحِلُّ الِاخْتِيَارِ الْمَذْكُورِ إنْ كُنَّ أَسْلَمْنَ مَعَهُ أَوْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ، وَأَمَّا الْمَجُوسِيَّاتُ الْبَاقِيَاتُ عَلَى كُفْرِهِنَّ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِنَّ اخْتِيَارٌ، بَلْ هُنَّ عَدَمٌ. قَوْلُهُ: [مِنْ كُلِّ مُحَرَّمَتَيْ الْجَمْعِ] : أَيْ غَيْرِ الْأُمِّ وَابْنَتِهَا كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَحَرُمَتْ الْأُخْرَى أَبَدًا] : فَإِنْ كَانَتْ الْمَمْسُوسَةُ الْبِنْتَ تَعَيَّنَ بَقَاؤُهَا وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ الْأُمُّ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَتْ الْمَمْسُوسَةُ الْأُمَّ تَعَيَّنَ بَقَاؤُهَا وَحَرُمَتْ الْبِنْتُ

(وَالِاخْتِيَارُ) فِيمَا ذُكِرَ يَكُونُ (بِصَرِيحِ لَفْظٍ) كَاخْتَرْتُ فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ، (أَوْ بِطَلَاقٍ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى زَوْجَةٍ، فَإِذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً مُعَيَّنَةً كَانَ لَهُ اخْتِيَارُ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْبَوَاقِي، وَإِنْ طَلَّقَ أَرْبَعًا لَمْ يَكُنْ لَهُ اخْتِيَارُ شَيْءٍ مِنْ الْبَوَاقِي (أَوْ ظِهَارٍ) فَإِنْ قَالَ: فُلَانَةُ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ لَهُ اخْتِيَارُ ثَلَاثَةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (أَوْ إيلَاءٍ) لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي زَوْجَةٍ، فَإِذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَانَ مُخْتَارًا لَهَا، (أَوْ وَطْءٍ) فَإِذَا وَطِئَ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ مُخْتَارَةً، فَإِنْ وَطِئَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ فَالْعِبْرَةُ بِالْأُوَلِ (لَا بِ: فَسَخْت نِكَاحَهَا) ، فَلَا يُعَدُّ اخْتِيَارًا (فَيَخْتَارُ غَيْرَهَا) أَيْ فَلَهُ اخْتِيَارُ غَيْرِ مَنْ فَسَخَ نِكَاحَهَا، فَإِذَا كُنَّ عَشْرَةً - فَسَخَ نِكَاحَ سِتَّةٍ مِنْهُنَّ - كَانَ لَهُ اخْتِيَارُ الْأَرْبَعَةِ الْبَوَاقِي. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي زَوْجَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ بِفَاسِدٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَأَمَّا الْفَسْخُ فَيَكُونُ فِي الْفَاسِدِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ مَسُّ الْأُمِّ كَلَا مَسٍّ. تَنْبِيهٌ: لَا يَتَزَوَّجُ فَرْعُهُ وَلَا أَصْلُهُ مَنْ فَارَقَهَا حَيْثُ مَسَّهَا لِأَنَّ مَسَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ، وَالْعَقْدُ الصَّحِيحُ يُحَرِّمُهَا عَلَى أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ بِطَلَاقٍ] : فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ بَائِنًا لِأَنَّ النِّكَاحَ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا بِحَسَبِ الْأَصْلِ لَكِنْ صَحَّحَهُ إسْلَامُهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ عُمِلَ بِمُقْتَضَاهُ مِنْ كَوْنِهِ رَجْعِيًّا أَوْ غَيْرَهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ ظِهَارٍ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ الظِّهَارَ وَالْإِيلَاءَ لَا يَكُونَانِ إلَّا فِي الزَّوْجَةِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْإِيلَاءِ هَلْ هُوَ اخْتِيَارٌ مُطْلَقًا؟ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، أَوْ إنَّمَا هُوَ إنْ أَقَّتَ كَوَاللَّهِ لَا أَطَؤُك إلَّا بَعْدَ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ مَثَلًا، أَوْ قَيَّدَ بِمَحَلٍّ كَلَا أَطَؤُك إلَّا فِي بَلَدِ كَذَا وَإِلَّا فَلَا يُعَدُّ اخْتِيَارًا لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ؟ قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ اللِّعَانَ مِنْ الرَّجُلِ فَقَطْ يُعَدُّ اخْتِيَارًا وَمِنْ الْمَرْأَةِ لَا يُعَدُّ اخْتِيَارًا، وَأَمَّا لِعَانُهُمَا مَعًا فَيَكُونُ فَسْخًا لِلنِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ اخْتِيَارًا. قَوْلُهُ: [أَوْ وَطْءٍ] : هَذَا مُسْتَفَادٌ مِمَّا قَبْلَهُ بِالْأُولَى لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَا يَقْطَعُ الْعِصْمَةَ يَحْصُلُ بِهِ الِاخْتِيَارُ فَأَوْلَى الْوَطْءُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى وُجُودِهَا، وَسَوَاءٌ نَوَى بِذَلِكَ الْوَطْءِ الِاخْتِيَارَ أَمْ لَا، لِأَنَّهُ إنْ نَوَى بِهِ الِاخْتِيَارَ فَظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ لَوْ لَمْ

[نكاح المريض]

(وَلَا شَيْءَ) مِنْ الصَّدَاقِ (لِغَيْرِ مُخْتَارَةٍ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا) ، وَلِمَنْ دَخَلَ بِهَا جَمِيعُ صَدَاقِهَا لِلْمَسِيسِ اخْتَارَهَا أَمْ لَا، وَمَنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ اخْتِيَارٌ. وَلَوْ طَلَّقَ الْعَشَرَةَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَكَانَ لَهُنَّ أَرْبَعَةُ أَنْصَافِ أَصْدِقَةٍ بِصَدَاقَيْنِ، وَكَذَا إذَا فَارَقَهُنَّ بِلَا اخْتِيَارٍ، إذْ فِي عِصْمَتِهِ شَرْعًا أَرْبَعَةُ نِسْوَةٍ يُفَضُّ عَلَى الْعَشَرَةِ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ. وَإِذَا قُسِمَ اثْنَانِ عَلَى عَشْرَةٍ نَابَ كُلَّ وَاحِدَةٍ خُمْسُ صَدَاقِهَا. (وَمَنَعَ) النِّكَاحَ (مَرَضٌ مَخُوفٌ) يُتَوَقَّعُ مِنْهُ الْمَوْتُ عَادَةً (بِأَحَدِهِمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ وَأَوْلَى بِهِمَا مَعًا (وَإِنْ احْتَاجَ) الْمَرِيضُ مِنْهُمَا إلَى الزَّوَاجِ لِإِنْفَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ، (أَوْ أَذِنَ الْوَارِثُ) لِلْمَرِيضِ مِنْهُمَا فِي التَّزْوِيجِ، وَقِيلَ: إنْ احْتَاجَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَصْرِفْهُ لِجَانِبِ الِاخْتِيَارِ لِتَعَيُّنِ صَرْفِهِ لِجَانِبِ الزِّنَا وَفِي الْحَدِيثِ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» . تَنْبِيهٌ: إنْ اخْتَارَ أَرْبَعًا فَظَهَرَ أَنَّهُنَّ أَخَوَاتٌ فَلَهُ اخْتِيَارُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَيُكْمِلُ الْأَرْبَعَةَ مِمَّنْ بَقِيَ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْنَ وَيَتَلَذَّذْ بِهِنَّ الثَّانِي غَيْرَ عَالِمٍ، بِأَنَّ مَنْ فَارَقَهَا لَهُ اخْتِيَارُهَا بِظُهُورِ أَنَّ مَنْ اخْتَارَهُنَّ أَخَوَاتٍ قِيَاسًا عَلَى ذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَتَلَذَّذْ أَصْلًا أَوْ تَلَذَّذَ عَالِمًا بِمَا ذُكِرَ فَلَا يَفُوتُ اخْتِيَارُهُ لَهَا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَلَا شَيْءَ مِنْ الصَّدَاقِ لِغَيْرِ مُخْتَارَةٍ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ نِكَاحَهُ فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا إذَا فَارَقَهُنَّ] : أَيْ قَبْلَ الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ إذَا فَارَقَهُنَّ بَعْدَ الْبِنَاءِ كَانَ لِكُلٍّ صَدَاقُهَا كَامِلًا، وَأَمَّا إنْ مَاتَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا مِنْهُنَّ فَلَهُنَّ أَرْبَعَةُ أَصْدِقَةٍ تُقْسَمُ بَيْنَهُنَّ، فَإِذَا كُنَّ عَشَرَةً فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ خُمُسَا صَدَاقِهَا بِنِسْبَةِ قَسْمِ أَرْبَعَةٍ عَلَى عَشَرَةٍ، وَإِذَا كُنَّ سِتًّا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثُلُثَا صَدَاقِهَا وَلَا إرْثَ لِمَنْ أَسْلَمَتْ مِنْهُنَّ إنْ مَاتَ مُسْلِمًا قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ، وَتَخَلَّفَ أَرْبَعُ كِتَابِيَّاتِ حَرَائِرُ عَنْ الْإِسْلَامِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ يَخْتَارُهُنَّ، فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي سَبَبِ الْإِرْثِ، وَلَا إرْثَ مَعَ الشَّكِّ فَلَوْ تَخَلَّفَ عَنْ الْإِسْلَامِ دُونَهُنَّ فَالْإِرْثُ لِلْمُسْلِمَاتِ، لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيمَنْ اعْتَادَ الْأَرْبَعَ فَأَكْثَرَ أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى أَقَلَّ. [نِكَاح الْمَرِيض] قَوْلُهُ: [أَوْ أَذِنَ الْوَارِثُ] : أَيْ لِاحْتِمَالِ مَوْتِ ذَلِكَ الْوَارِثِ، وَيَكُونُ الْوَارِثُ

الْمَرِيضُ أَوْ أَذِنَ لَهُ الْوَارِثُ جَازَ. وَعِلَّةُ الْمَنْعِ: أَنَّ فِيهِ إدْخَالُ وَارِثٍ، فَإِنْ وَقَعَ فَسْخٌ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ مَا لَمْ يَصِحَّ الْمَرِيضُ كَمَا يَأْتِي، وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ هُنَا لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (وَلِلْمَرِيضَةِ) الْمُتَزَوِّجَةِ فِي مَرَضِهَا (بِالدُّخُولِ) عَلَيْهَا (الْمُسَمَّى) إذَا فُسِخَ بَعْدَهُ، لِأَنَّهُ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ. وَفَسْخٌ لِعَقْدِهِ وَلَمْ يُؤَثِّرْ خَلَلًا فِي الصَّدَاقِ، وَمِثْلُ فَسْخِهِ بَعْدَ الْبِنَاءِ: مَوْتُهُ أَوْ مَوْتُهَا قَبْلَهُ فَلَهَا الْمُسَمَّى، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا إرْثَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ لِأَنَّ عِلَّةَ فَسَادِهِ إدْخَالُ الْوَارِثِ. (وَعَلَى الْمَرِيضِ) الْمُتَزَوِّجِ فِي مَرَضِهِ الْمَخُوفِ إنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ قَبْلَ فَسْخِهِ (الْأَقَلُّ مِنْ ثُلُثِهِ) أَيْ ثُلُثِ مَالِهِ، (وَ) مِنْ (الْمُسَمَّى، وَ) مِنْ (صَدَاقِ الْمِثْلِ) ؛ فَإِذَا مَاتَ عَنْ ثَلَاثِينَ وَالْمُسَمَّى أَحَدَ عَشَرَ وَصَدَاقُ مِثْلِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ كَانَ لَهَا عَشْرَةٌ، وَلَوْ كَانَ الْمُسَمَّى أَوْ صَدَاقُ الْمِثْلِ ثَمَانِيَةً كَانَ لَهَا الثَّمَانِيَةُ، وَلَوْ كَانَ الْمُسَمَّى وَصَدَاقُ الْمِثْلِ عَشَرَةً لَاسْتَوَى الْجَمِيعُ وَكَانَ لَهَا عَشَرَةٌ، فَإِنْ فُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَعُجِّلَ بِالْفَسْخِ) مَتَى اُطُّلِعَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرَهُ فَلِذَلِكَ كَانَ إذْنُهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ. قَوْلُهُ: [وَعَلَى الْمَرِيضِ] إلَخْ: أَيْ وَلَوْ كَانَتْ هِيَ مَرِيضَةً أَيْضًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَرَضِهَا فَقَطْ وَمَرَضِهِ، حَيْثُ قُلْتُمْ فِي الْأَوَّلِ بِلُزُومِ الْمُسَمَّى مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَقُلْتُمْ فِي الثَّانِي بِلُزُومِ الْأَقَلِّ أَنَّ الزَّوْجَ فِي الْأَوَّلِ صَحِيحٌ فَتَبَرُّعُهُ مُعْتَبَرٌ، بِخِلَافِ الثَّانِي فَلِذَلِكَ كَانَ فِي الثُّلُثِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الصِّحَّةِ عَلَى بَيِّنَةِ الْمَرَضِ أَوْ الْعَكْسُ أَوْ الْأَعْدَلُ مِنْهُمَا؟ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ. ذَكَرَهَا فِي الْمِعْيَارِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ فَسْخِهِ] : أَيْ سَوَاءٌ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ. وَأَمَّا إنْ فُسِخَ بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ مَاتَ أَوْ صَحَّ كَانَ لَهَا الْمُسَمَّى تَأْخُذُهُ مِنْ ثُلُثِهِ مَبْدَأً إنْ مَاتَ، وَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ، إنْ صَحَّ. قَوْلُهُ: [وَعُجِّلَ بِالْفَسْخِ] : أَيْ وُجُوبًا بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ فَسَادِهِ مُطْلَقًا وَإِنْ احْتَاجَ أَوْ أَذِنَ الْوَارِثُ.

[الصداق تعريفه وشروطه وأحكامه]

(إلَّا أَنْ يَصِحَّ الْمَرِيضُ مِنْهُمَا) فَلَا يُفْسَخُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا. (وَمَنَعَ) الْمَرَضُ (نِكَاحَهُ) أَيْ الْمَرِيضِ (الْكِتَابِيَّةَ) نَصْرَانِيَّةً أَوْ يَهُودِيَّةً فَهُوَ أَشْمَلُ مِنْ قَوْلِهِ: " النَّصْرَانِيَّةَ "، (وَ) مَنَعَ نِكَاحَهُ (الْأَمَةَ عَلَى الْأَصَحِّ) لِجَوَازِ إسْلَامِ الْكِتَابِيَّةِ، وَعِتْقِ الْأَمَةِ فَيَصِيرَانِ مِنْ أَهْلِ الْإِرْثِ وَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ مَا لَمْ يَصِحَّ، وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ عَدَمَ الْمَنْعِ لِنَدُورَ الْإِسْلَامِ وَالْعِتْقِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الصَّدَاقِ وَشُرُوطِهِ وَأَحْكَامِهِ فَقَالَ (وَالصَّدَاقُ) بِفَتْحِ الصَّادِ - وَقَدْ تُكْسَرُ - وَيُسَمَّى مَهْرًا أَيْضًا: وَهُوَ مَا يُجْعَلُ لِلزَّوْجَةِ فِي نَظِيرِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى إسْقَاطِهِ مُفْسِدٌ الْعَقْدَ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطٌ الثَّمَنُ مِنْ كَوْنِهِ مُتَمَوِّلًا طَاهِرًا مُنْتَفَعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ مَعْلُومًا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (كَالثَّمَنِ) إلَّا أَنَّهُ لِبِنَائِهِ عَلَى الْمُكَارَمَةِ قَدْ يُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الثَّمَنِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَأَقَلُّهُ رُبْعُ دِينَارٍ) ذَهَبًا شَرْعِيًّا (أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ) فِضَّةً (خَالِصَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَصِحَّ الْمَرِيضُ] إلَخْ: أَيْ أَوْ يَحْكُمَ حَاكِمٌ يَرَى الصِّحَّةَ. قَوْلُهُ: [وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ] إلَخْ: هُوَ ضَعِيفٌ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ. [الصَّدَاقُ تَعْرِيفهُ وَشُرُوطِهِ وَأَحْكَامِهِ] [مَا يَجُوز صَدَاقًا وَمَالًا يَجُوز] قَوْلُهُ: [ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الصَّدَاقِ] : لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى أَرْكَانِ النِّكَاحِ الثَّلَاثِ الْوَلِيِّ وَالْمَحَلِّ وَالصِّيغَةِ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الصَّدَاقُ، مَأْخُوذٌ مِنْ الصِّدْقِ ضِدِّ الْكَذِبِ لِأَنَّ دُخُولَهُ بَيْنَهُمَا دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِمَا فِي مُوَافَقَةِ الشَّرْعِ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ رُكْنًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ إسْقَاطِهِ لَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَسْمِيَتُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ، فَلَا يَرُدُّ صِحَّةَ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ وَلَمَّا كَانَ الصَّدَاقُ مِنْ تَمَامِ الْأَرْكَانِ قَدَّمَهُ عَلَى فَصْلِ الْخِيَارِ مُخَالِفًا لِلشَّيْخِ خَلِيلٍ، لِأَنَّ الْخِيَارَ حُكْمٌ يَطْرَأُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْأَرْكَانِ فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْجَمِيعِ وَعَنَّا بِهِمْ. قَوْلُهُ: [بِفَتْحِ الصَّادِ] : أَيْ وَهُوَ الْأَفْصَحُ. قَوْلُهُ: [قَدْ يُغْتَفَرُ فِيهِ] : أَيْ لِأَنَّ الْغَرَرَ فِي هَذَا الْبَابِ أَوْسَعُ مِنْ الْغَرَرِ فِي الْبَيْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ النِّكَاحُ عَلَى الشَّوْرَةِ، أَوْ عَلَى عَدَدٍ مِنْ رَقِيقٍ، أَوْ عَلَى أَنْ يُجَهِّزَهَا جِهَازَ مِثْلِهَا فَالتَّشْبِيهُ فِي الْجُمْلَةِ.

مِنْ الْغِشِّ، فَلَا يُجْزِئُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرُهُ لَا حَدَّ لَهُ (أَوْ مُقَوَّمٌ بِهَا) أَوْ عَرْضٌ مُقَوَّمٌ بِرُبْعِ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَيْ قِيمَتُهُ ذَلِكَ، ثُمَّ بَيَّنَ مَا يُقَوَّمُ بِهِمَا بِقَوْلِهِ: (مِنْ كُلِّ مُتَمَوِّلٍ) شَرْعًا مِنْ عَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ عَقَارٍ (طَاهِرٍ) لَا نَجَسٍ إذْ لَا يَقَعُ بِهِ تَقْوِيمٌ شَرْعًا (مُنْتَفَعٍ بِهِ) إذْ غَيْرُهُ - كَعَبْدٍ أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ - لَا يَقَعُ بِهِ تَقْوِيمٌ، وَكَآلَةِ لَهْوٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ شَرْعًا أَيْ مَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ، (مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ) لِلزَّوْجَةِ، (مَعْلُومٍ) قَدْرًا وَصِنْفًا وَأَجَلًا. (لَا) إنْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَوِّلًا (كَقِصَاصٍ) وَجَبَ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا فَتَزَوَّجَهَا عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا يُجْزِئُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ] : خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِإِجْزَائِهِ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» ، وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: أَقَلُّهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. قَوْلُهُ: [وَأَكْثَرُهُ لَا حَدَّ لَهُ] : أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النساء: 20] قَوْلُهُ: [أَيْ قِيمَتُهُ ذَلِكَ] : أَيْ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مُسَاوِيَةً أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ، وَإِنْ لَمْ تُسَاوِ الْآخَرَ لِاخْتِلَافِ صَرْفِ الْوَقْتِ، فَالْمُضِرُّ النَّقْصُ عَنْهُمَا مَعًا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [كَعَبْدٍ أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ] : ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَا دَفْعُهُ صَدَاقًا وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ فِي السِّيَاقِ، وَلَكِنْ سَيَأْتِي أَنْ الْمُعْتَمَدَ جَوَازُ بَيْعِهِ وَدَفْعِهِ صَدَاقًا إنْ لَمْ يَأْخُذْ فِي السِّيَاقِ، وَقَوْلُ خَلِيلٍ لَا كَمُحَرَّمٍ أَشْرَفُ فِي مُحْتَرَزَاتِ شُرُوطِ الْبَيْعِ يَأْتِي أَنَّهُ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: [وَكَآلَةِ لَهْوٍ] : أَيْ فَلَا يَصِحُّ دَفْعُهَا صَدَاقًا إنْ لَمْ يَكُنْ جَوْهَرُهَا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهَا لِلَّهْوِ يُسَاوِي أَقَلَّ الصَّدَاقِ وَإِلَّا أَجْزَأَ.

تَرْكِهِ فَيُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنْ دَخَلَ ثَبَتَ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ وَيَرْجِعُ لِلدِّيَةِ وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ الْحِرَ، وَتُرَابًا لَا بَالَ لَهُ، وَالسَّمْسَرَةَ كَأَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِيَكُونَ سِمْسَارًا فِي بَيْعِ سِلْعَةٍ لَهَا. (وَ) لَا مَا لَا يُمْلَكُ شَرْعًا (كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ) مَعَ مَا فِي الْخَمْرِ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَلَا نَجَسٍ كَرَوْثِ دَوَابَّ. (وَ) لَا غَيْرِ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ (كَآبِقٍ) ، وَلَا بِمَا فِيهِ غَرَرٌ كَعَبْدِ فُلَانٍ وَجَنِينٍ (وَثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا عَلَى التَّبْقِيَةِ) لِلطِّيبِ، وَأَمَّا عَلَى أَخْذِهَا مِنْ هَذَا الْوَقْتِ فَيُغْتَفَرُ وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَلَا مَجْهُولٍ كَشَيْءٍ أَوْ ثَوْبٍ لَمْ يُوصَفْ، أَوْ دَنَانِيرَ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَهَا، أَوْ بَيَّنَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْأَجَلَ، أَوْ عَلَى عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ يَخْتَارُهُ هُوَ لَا هِيَ لِاحْتِمَالِ اخْتِيَارِهِ الْأَدْنَى أَوْ الْأَعْلَى. وَمَثَّلَ لِمَا يَجُوزُ الصَّدَاقُ بِهِ بِقَوْلِهِ: (كَعَبْدٍ) مِنْ عَبِيدِهِ الْمَعْلُومِينَ (تَخْتَارُهُ هِيَ) لِلدُّخُولِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَخْتَارُ إلَّا الْأَحْسَنَ فَلَا غَرَرَ، (لَا هُوَ) فَلَا يَجُوزُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى هَلْ يَخْتَارُ الْأَحْسَنَ أَوْ الْأَدْنَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَيَرْجِعُ لِلدِّيَةِ] : أَيْ لِلُزُومِ الْعَفْوِ بِمُجَرَّدِ التَّرَاضِي عَلَى جَعْلِهِ صَدَاقًا قَوْلُهُ: [لِيَكُونَ سِمْسَارًا] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا لَوْ جَعَلَتْ لَهُ شَيْئًا يُسَاوِي رُبْعَ دِينَارٍ فِي نَظِيرِ السَّمْسَرَةِ فَاسْتَحَقَّهُ فَلَهُ جَعْلُهُ صَدَاقًا. قَوْلُهُ: [فَيُغْتَفَرُ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ شُرُوطُ الْبَيْعِ الَّتِي اُشْتُرِطَتْ فِي بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ إنْ نَفَعَ وَاضْطُرَّ لَهُ وَلَمْ يَتَمَالَئُوا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ بَيَّنَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْأَجَلَ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ بَيَّنَهُ وَالْأَجَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ السِّكَّةَ، وَكَانَتْ السِّكَّةُ مُتَعَدِّدَةً فَإِنَّهَا تُعْطَى مِنْ السِّكَّةِ الْغَالِيَةِ يَوْمَ الْعَقْدِ، فَإِنْ تَسَاوَتْ أَخَذَتْ مِنْ جَمِيعِهَا بِالسَّوِيَّةِ كَمُتَزَوِّجٍ بِرَقِيقٍ لَمْ يَذْكُرْ أَحْمَرَ وَلَا أَسْوَدَ. قَوْلُهُ: [تَخْتَارُهُ هِيَ] : أَيْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَهَا أَتَزَوَّجُك بِعَبْدٍ تَخْتَارِينَهُ إذَا كَانَ لِذَلِكَ الزَّوْجِ عَبِيدٌ مَمْلُوكَةٌ لَهُ، وَكَانَتْ مُعَيَّنَةً حَاضِرَةً أَوْ غَائِبَةً، وَوُصِفَتْ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لِلْمُشْتَرِي أَبِيعُك عَلَى الْبَتِّ عَبْدًا تَخْتَارُهُ أَنْتَ بِكَذَا بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى] : أَيْ وَلَا يُقَالُ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَخْتَارَ الْأَدْنَى لِجَوَازِ أَنْ

(وَجَازَ) الصَّدَاقُ بِمَا فِيهِ يَسِيرُ غَرَرٍ أَوْ جَهَالَةٍ لِبِنَائِهِ عَلَى الْمُكَارَمَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ كَمَا لَوْ وَقَعَ بِثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا عَلَى الْجَدْوِ (بِشَوْرَةٍ) بِفَتْحِ الشَّيْنِ الْمُعْجَمَةِ: مَتَاعُ الْبَيْتِ (مَعْرُوفَةٍ) عِنْدَهُمْ: أَيْ جِهَازٍ مَعْلُومٍ بَيْنَهُمْ. (وَ) جَازَ عَلَى (عَدَدٍ) مَعْلُومٍ كَعَشَرَةٍ (مِنْ كَإِبِلٍ وَرَقِيقٍ) . (وَ) جَازَ عَلَى (صَدَاقِ مِثْلٍ) أَيْ: يَتَزَوَّجُهَا بِصَدَاقِ مِثْلِهَا. (وَلَهَا) إنْ وَقَعَ بِمَا ذُكِرَ (الْوَسَطُ) مِنْ الشَّوْرَةِ وَالْعَدَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَخْتَارَ الْأَعْلَى لِعُلُوِّ هِمَّتِهِ مَثَلًا فَجَاءَ الْغَرَرُ. إنْ قُلْت إنَّ الْغَرَرَ مَوْجُودٌ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ، وَالْغَالِبُ أَنَّ كُلًّا يَخْتَارُ الْأَحَظَّ لِنَفْسِهِ فَهِيَ تَخْتَارُ الْأَعْلَى وَهُوَ يَخْتَارُ الْأَدْنَى، فَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا تَحَكُّمٌ وَلَكِنَّ الْفِقْهَ مُسَلَّمٌ. قَوْلُهُ: [كَمَا لَوْ وَقَعَ بِثَمَرَةٍ] إلَخْ: أَيْ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ شُرُوطُ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: [بِفَتْحِ الشِّينِ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا بِضَمِّهَا فَهِيَ الْجَمَالُ، فَإِذَا قَالَ لَهَا أَتَزَوَّجُك بِالشَّوَارِ فَيُنْظِرُهَا لَهَا إنْ كَانَتْ حَضَرِيَّةً أَوْ بَدَوِيَّةً، وَيَقْضِي بِشَوَارِ مِثْلِهَا لِمِثْلِهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الشَّوْرَةُ ثَمَنًا. قَوْلُهُ: [كَعَشَرَةٍ مِنْ كَإِبِلٍ] : أَيْ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى عَدَدٍ مِنْ الْإِبِلِ فِي الذِّمَّةِ غَيْرِ مَوْصُوفٍ وَعَلَى عَدَدٍ مِنْ الْبَقَرِ أَوْ الْغَنَمِ أَوْ الرَّقِيقِ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ الشَّجَرِ فَلَا يَجُوزُ النِّكَاحُ عَلَى عَدَدٍ مِنْهُ وَلَوْ وُصِفَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، قَالَ الْأَشْيَاخُ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَالشَّجَرِ أَنَّ الشَّجَرَ فِي الذِّمَّةِ يَقْتَضِي وَصْفَهَا نَصًّا أَوْ عُرْفًا، وَوَصْفُهَا يَسْتَدْعِي وَصْفَ مَكَانِهَا فَيُؤَدِّي إلَى السَّلَمِ فِي مُعَيَّنٍ. قَوْلُهُ: [الْوَسَطُ مِنْ الشَّوْرَةِ وَالْعَدَدِ] : أَيْ وَسَطُ مَا يَتَنَاكَحُ بِهِ النَّاسُ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى كَسْبِ الْبَلَدِ، وَقِيلَ وَسَطٌ مِنْ الْأَسْنَانِ مِنْ كَسْبِ الْبَلَدِ، وَرَجَّحَهُ جَدُّ الْأُجْهُورِيِّ ثُمَّ وَسَطُ الْأَسْنَانِ يَكُونُ مِنْ الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْمُتَوَسِّطِ، فَيُرَاعَى الْوَسَطُ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ لَهَا وَسَطُ الْوَسَطِ مِنْ الْأَسْنَانِ لَا أَعْلَى الْوَسَطِ وَلَا أَدْنَاهُ وَيُعْلَمُ ذَلِكَ بِالْقِيمَةِ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْعَقْدِ. فَإِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ بِيضٌ وَحَبَشٌ وَسُودٌ يُؤْخَذُ مِنْ الْأَغْلَبِ، ثُمَّ يُعْتَبَرُ الْوَسَطُ فِي السِّنِّ وَفِي الْجُودَةِ وَالرَّدَاءَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَغْلَبُ أُخِذَ مِنْ جَمِيعِهَا بِالسَّوِيَّةِ، وَيُعْتَبَرُ السِّنُّ وَالْجُودَةُ وَالرَّدَاءَةُ، وَيُؤْخَذُ وَسَطُ الْوَسَطِ، وَالْإِبِلُ إنْ كَانَتْ نَوْعًا فِي الْمَوْضِعِ كَبُخْتٍ أَوْ عِرَابٍ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ،

[تعجيل الصداق وتأجيله]

وَصَدَاقِ الْمِثْلِ. (وَ) جَازَ (تَأْجِيلُهُ) : أَيْ الصَّدَاقِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا (لِلدُّخُولِ إنْ عُلِمَ) وَقْتُ الدُّخُولِ عِنْدَهُمْ كَالنِّيلِ أَوْ الصَّيْفِ لَا إنْ لَمْ يُعْلَمْ فَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ. (وَ) جَازَ تَأْجِيلُهُ (إلَى الْمَيْسَرَةِ إنْ كَانَ) الزَّوْجُ (مَلِيًّا) بِأَنْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ كَانَتْ نَوْعَيْنِ كَبُخْتٍ وَعِرَابٍ فَيَجْرِي فِيهِمَا مَا جَرَى فِي الرَّقِيقِ إذَا كَانَ مِنْ نَوْعَيْنِ، فَيُؤْخَذُ الْأَغْلَبُ وَإِلَّا فَمِنْ كُلٍّ وَيُعْتَبَرُ الْوَسَطُ فِي السِّنِّ وَالْجُودَةِ، وَالرَّدَاءَةِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. [تَعْجِيل الصَّدَاق وَتَأْجِيله] قَوْلُهُ: [وَصَدَاقُ الْمِثْلِ] : الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَشْيَاخُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَسَطِ بِالنِّسْبَةِ لَهُ عَلَى حَسَبِ الرَّغْبَةِ فِي الْأَوْصَافِ الَّتِي تُعْتَبَرُ فِي صَدَاقِ الْمِثْلِ مِنْ الْجَمَالِ وَالْحَسَبِ. تَنْبِيهٌ: هَلْ يُشْتَرَطُ بَيَانُ صِنْفِ الرَّقِيقِ تَقْلِيلًا لِلْغَرَرِ كَحَبَشِيٍّ مَثَلًا؟ فَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ فُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ، وَقِيلَ بِالْوَسَطِ مِنْ ذَلِكَ الصِّنْفِ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الصِّنْفِ مِنْهُ وَتُعْطَى مِنْ الْوَسَطِ الْأَغْلَبِ إنْ كَانَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَغْلَبُ وَثَمَّ صِنْفَانِ أُعْطِيت مِنْ وَسَطِ كُلِّ صِنْفٍ نِصْفُهُ، فَإِنْ كَانَتْ الْأَصْنَافُ الثَّلَاثَةُ فَثُلُثُهُ وَهَكَذَا؟ قَوْلَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَأَمَّا غَيْرُ الرَّقِيقِ مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ الْمُعْتَمَدُ مِنْهَا عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذِكْرِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرَّقِيقِ وَغَيْرِهِ كَثْرَةُ الِاخْتِلَافِ فِي أَصْنَافِ الرَّقِيقِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَيُقْضَى لِلْمَرْأَةِ بِالْإِنَاثِ مِنْ الرَّقِيقِ إنْ أَطْلَقَ الْعَدَدَ وَلَمْ يُبَيِّنْ ذُكُورًا وَلَا إنَاثًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَلَا يُقْضَى لَهَا بِالْإِنَاثِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَلَا عُهْدَةَ فِي هَذَا الرَّقِيقِ الْمَجْعُولِ صَدَاقًا كَمَا يَأْتِي مَعَ نَظَائِرِهِ فِي بَابِ الْخِيَارِ، فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا عُهْدَةَ فِيهَا مَعَ جَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهَا مَا لَمْ تُشْتَرَطْ. وَأَمَّا عُهْدَةُ الْإِسْلَامِ وَهِيَ دَرْكُ الْمَبِيعِ مِنْ عَيْبٍ أَوْ اسْتِحْقَاقٍ فَلَا بُدَّ مِنْهَا. قَوْلُهُ: [فَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَمُقَابِلُهُ جَوَازُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتُ الدُّخُولِ مَعْلُومًا، لِأَنَّ الدُّخُولَ بِيَدِ الْمَرْأَةِ فَهُوَ كَالْحَالِّ مَتَى شَاءَتْ أَخَذَتْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ. قَوْلُهُ: [إلَى الْمَيْسَرَةِ] : أَيْ بِالْفِعْلِ، وَقَوْلُهُ: إنْ كَانَ مَلِيًّا أَيْ بِالْقُوَّةِ

لَهُ سِلَعٌ يَرْصُدُ بِهَا الْأَسْوَاقَ، أَوْ لَهُ مَعْلُومٌ فِي وَقْفٍ أَوْ وَظِيفَةٍ لَا إنْ كَانَ مُعْدِمًا وَيُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ لِمَزِيدِ الْجَهَالَةِ. (وَ) جَازَ (عَلَى هِبَةِ الْعَبْدِ) الَّذِي يَمْلِكُهُ (لِفُلَانٍ) . (وَ) جَازَ عَلَى (عِتْقِ) مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهَا (كَأَبِيهَا) وَأَخِيهَا (عَنْهَا) وَالْوَلَاءُ لَهَا، (أَوْ) عِتْقِهِ (عَنْ نَفْسِهِ) : أَيْ الزَّوْجِ وَالْوَلَاءُ لَهُ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ دُخُولُهُ فِي مِلْكِهَا، ثُمَّ هِبَتُهُ أَوْ عِتْقُهُ. (وَوَجَبَ) عَلَى الزَّوْجِ (تَسْلِيمُهُ) عَاجِلًا لَهَا أَوْ لِوَلِيِّهَا (إنْ تَعَيَّنَ) كَعَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ، إنْ طَلَبَتْ الزَّوْجَةُ تَعْجِيلَهُ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا وَالزَّوْجَةُ غَيْرُ مُطِيقَةٍ وَيُمْنَعُ تَأْخِيرُهُ كَمُعَيَّنٍ بِتَأَخُّرِ قَبْضِهِ فِي الْبَيْعِ وَيَفْسُدُ إنْ دَخَلَا عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQفَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ فِي كَلَامِهِ تَنَاقُضًا لِأَنَّ التَّأْجِيلَ لِلْمَيْسَرَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ غَيْرُ مَلِيءٍ. تَنْبِيهٌ: إذَا تَزَوَّجَهَا بِالصَّدَاقِ وَأَجَّلَهُ إلَى أَنْ تَطْلُبَهُ الْمَرْأَةُ مِنْهُ فَهَلْ هُوَ كَتَأْجِيلِهِ لِلْمَيْسَرَةِ فَيَكُونُ جَائِزًا أَوْ كَتَأْجِيلِهِ بِمَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ فَيَكُونُ مَمْنُوعًا؟ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَالثَّانِي لِابْنِ الْمَاجِشُونِ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ عَلَى هِبَةِ الْعَبْدِ] إلَخْ: فَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ رَجَعَ بِنِصْفِ الْعَبْدِ وَصَارَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ، وَإِنْ فَاتَ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ تَبِعَهُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ، وَلَا يَتْبَعُ الْمَرْأَةَ بِشَيْءٍ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ يُقَدِّرُ دُخُولَهُ] إلَخْ: أَيْ لِأَجْلِ صِحَّةِ النِّكَاحِ فَلَيْسَ فِيهِ دُخُولٌ عَلَى إسْقَاطِهِ. إنْ قُلْت إذَا تَزَوَّجَهَا بِعِتْقِ أَبِيهَا عَنْهَا كَيْفَ يُقَدِّرُ مِلْكَهَا لَهُ مَعَ أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ تَقْدِيرَ مِلْكِهِ فَرْضِيٌّ لَا يُوجِبُ الْعِتْقَ حَتَّى يَتَعَطَّلَ تَمَلُّكُهَا لَهُ. قَوْلُهُ: [وَوَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ] إلَخْ: هَذَا إذَا كَانَ الصَّدَاقُ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَمَا فِي حُكْمِهِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْغَائِبِ. قَوْلُهُ: [كَمُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ] : أَيْ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ تَسْلِيمِ الْمُعَيَّنِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ لِمَا يَلْحَقُ ذَلِكَ مِنْ الْغَرَرِ، لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَيْفَ يَقْدُمُ لِإِمْكَانِ هَلَاكِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَمَحَلُّ امْتِنَاعِ التَّأْخِيرِ إذَا كَانَ بِشَرْطٍ وَإِلَّا فَلَا، كَمَا فِي بْن وَيُفِيدُهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [وَيَفْسُدُ إنْ دَخَلَا] إلَخْ: هَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي أَنَّ التَّعْجِيلَ حَقٌّ لِلَّهِ،

تَأْجِيلِهِ، إلَّا أَنْ يَقْرُبَ الْأَجَلُ (أَوْ حَلَّ) أَيْ كَانَ حَالًّا. (وَإِلَّا) يُسَلِّمْ لَهَا الْمُعَيَّنَ أَوْ حَالَّ الصَّدَاقِ الْمَضْمُونَ، (فَلَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا مِنْ الدُّخُولِ) حَتَّى يُسَلِّمَهُ لَهَا، (وَ) لَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا مِنْ (الْوَطْءِ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الدُّخُولِ، (وَ) لَهَا الْمَنْعُ مِنْ (السَّفَرِ مَعَهُ) قَبْلَ الدُّخُولِ (إلَى تَسْلِيمِ) أَيْ أَنْ يُسَلِّمَهَا (مَا حَلَّ) مِنْ الْمَهْرِ أَصَالَةً، أَوْ بَعْدَ التَّأْجِيلِ هَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَحْصُلْ وَطْءٌ وَلَا تَمْكِينٌ مِنْهُ. (لَا بَعْدَ الْوَطْءِ) أَوْ التَّمْكِينِ مِنْهُ، فَإِنْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا لَهُ - وَطِئَ أَوْ لَمْ يَطَأْ - فَلَيْسَ لَهَا مَنْعٌ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ وَطْءٍ وَلَا سَفَرٍ مَعَهُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، وَإِنَّمَا لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ فَقَطْ وَرَفْعُهُ لِلْحَاكِمِ كَالْمَدِينِ. (إلَّا أَنْ يُسْتَحَقَّ) الصَّدَاقُ مِنْ يَدِهَا بَعْدَ الْوَطْءِ فَلَهَا الْمَنْعُ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَنْ يَفْسُدَ الْعَقْدُ بِالتَّأْخِيرِ وَهَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ بِشَرْطِ التَّأْخِيرِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ فَالْحَقُّ لَهَا فِي تَعْجِيلِ الْمُعَيَّنِ وَلَهَا التَّأْخِيرُ إذْ لَا مَحْظُورَ فِيهِ لِدُخُولِهِ فِي ضَمَانِهَا بِالْعَقْدِ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ قَالَهُ (ر) . وَحَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الصَّدَاقَ إذَا كَانَ مِنْ الْعُرُوضِ أَوْ الرَّقِيقِ أَوْ الْحَيَوَانِ أَوْ الْأُصُولِ فَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ بَلَدِ الْعَقْدِ صَحَّ النِّكَاحُ إنْ أَجَّلَ قَبْضَهُ بِأَجَلٍ قَرِيبٍ بِحَيْثُ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ غَالِبًا وَإِلَّا فَسَدَ النِّكَاحُ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ وَجَبَ تَسْلِيمُهُ لَهَا أَوْ لِوَلِيِّهَا يَوْمَ الْعَقْدِ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ وَلَوْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ حَيْثُ اشْتَرَطَ التَّأْخِيرَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ كَانَ تَعْجِيلُهُ مِنْ حَقِّهَا، وَإِنْ رَضِيَتْ بِالتَّأْخِيرِ جَازَ (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [فَلَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا مِنْ الدُّخُولِ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهَا بَائِعَةٌ وَالْبَائِعُ لَهُ مَنْعُ سِلْعَتِهِ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ. قَوْلُهُ: [أَوْ التَّمْكِينُ مِنْهُ] : أَيْ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَاَلَّذِي ارْتَضَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّهُ لَا يُسْقِطُ مَنْعَهَا إلَّا الْوَطْءُ بِالْفِعْلِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [فَلَيْسَ لَهَا مَنْعٌ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ.

[الإجبار لمن بادر بما عليه من الصداق]

وَقَبْلَ تَمْكِينِهَا بَعْدَهُ حَتَّى يُسَلِّمَهَا بَدَلَهُ إنْ غَرَّهَا بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ، بَلْ (وَلَوْ لَمْ يَغُرَّ) لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِأَنْ وَرِثَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ. (وَمَنْ بَادَرَ) مِنْهُمَا بِبَذْلِ مَا عِنْدَهُ (أُجْبِرَ لَهُ الْآخَرُ) إنْ امْتَنَعَ أَوْ مَاطَلَ، وَهَذَا (إنْ بَلَغَ) الزَّوْجُ (وَأَمْكَنَ وَطْؤُهَا) : أَيْ الزَّوْجَةِ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ لَمْ تُجْبَرْ لَهُ الزَّوْجَةُ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ وَطْؤُهَا لِصِغَرِهَا لَمْ يُجْبَرْ الزَّوْجُ بِدَفْعِ مَا حَلَّ مِنْ الصَّدَاقِ. (وَتُمْهَلُ) : أَيْ وَإِذَا كَانَتْ مُطِيقَةً وَدَفَعَ الزَّوْجُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَاقِ. وَقُلْنَا (بِجَبْرِهَا لَهُ) فَإِنَّهَا تُمْهَلُ زَمَنًا (قَدْرَ مَا يُهَيِّئُ مِثْلُهَا) فَاعِلُ يُهَيِّئُ: أَيْ بِقَدْرِ مَا يُحَصِّلُ مِثْلُهَا (أَمْرَهَا) مِنْ الْجِهَازِ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَالزَّمَنِ (إلَّا لِيَمِينٍ مِنْهُ) لَيَدْخُلَنَّ عَلَيْهَا اللَّيْلَةَ مَثَلًا، فَإِنَّهُ يُجَابُ لِذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَقَبْلَ تَمْكِينِهَا بَعْدَهُ] : أَيْ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ، فَإِنْ مَكَّنَتْهُ بَعْدَهُ فَلَيْسَ لَهَا الْمَنْعُ. [الْإِجْبَار لِمَنْ بَادَرَ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَاق] قَوْلُهُ [بِبَذْلِ مَا عِنْدَهُ] : أَيْ بِأَنْ دَفَعَ الزَّوْجُ مَا حَلَّ مِنْ الصَّدَاقِ وَطَلَبَ الدُّخُولَ فَامْتَنَعَتْ، وَكَانَتْ مُطِيقَةً لِلْوَطْءِ وَالزَّوْجُ بَالِغٌ فَإِنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا، وَكَذَا لَوْ بَادَرَتْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ نَفْسِهَا وَهِيَ مُطِيقَةٌ لِلْوَطْءِ، وَأَبِي الزَّوْجُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا وَامْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الصَّدَاقِ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا، وَهُوَ بَالِغٌ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ لَهَا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الصَّدَاقُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، أَمَّا لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا فَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغٌ وَلَا إطَاقَةٌ، بَلْ يَجِبُ تَعْجِيلُهُ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهَا تُمْهَلُ زَمَنًا] إلَخْ: أَيْ وَكَذَا يُمْهَلُ هُوَ بِقَدْرِ مَا يُهَيِّئُ مِثْلُهُ أَمْرَهُ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي مُدَّةِ التَّهْيِئَةِ، وَمَا يُكْتَبُ فِي وَثَائِقِ النِّكَاحِ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِمْ وَفُرِضَ لَهَا فِي نَظِيرِ نَفَقَتِهَا كُلَّ يَوْمٍ كَذَا مِنْ يَوْمِ تَارِيخِهِ لَا عِبْرَةَ بِهِ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ مَنْ يَرَاهُ. قَوْلُهُ: [إلَّا لِيَمِينٍ مِنْهُ] إلَخْ: فَلَوْ حَلَفَ لِيَدْخُلَن اللَّيْلَةَ وَحَلَفَتْ هِيَ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ حَتَّى تُهَيِّئَ أَمْرَهَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ الزَّوْجُ لِأَنَّهَا حَلَفَتْ عَلَى حَقِّهَا، وَإِنْ كَانَ هُوَ أَيْضًا صَاحِبَ حَقٍّ لَكِنْ حَقُّهَا أَصْلِيٌّ (اهـ تَقْرِيرُ الْعَلَّامَةِ الْعَدَوِيِّ) . تَنْبِيهٌ: تُجَابُ الزَّوْجَةُ لِلْإِمْهَالِ وَلِدَفْعِ الزَّوْجِ مَا عَلَيْهِ سَنَةً إنْ اشْتَرَطَتْ عِنْدَ الْعَقْدِ عَلَى الزَّوْجِ لِتَغْرِبَةٍ أَوْ صِغَرٍ يُمْكِنُ مَعَهُ الْوَطْءُ، وَأَمَّا إنْ اشْتَرَطَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ

وَيُقْضَى عَلَيْهَا بِالدُّخُولِ فِيهَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ يَمِينًا بِاَللَّهِ يُمْكِنُ تَكْفِيرُهُ (لَا) تُمْهَلُ (لِحَيْضٍ وَنِفَاسٍ) ، أَيْ لَا يُقْضَى لَهَا بِالتَّأْخِيرِ لِانْقِطَاعِ دَمِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ، بَلْ يُقْضَى عَلَيْهَا بِالدُّخُولِ حَالَ تَلَبُّسِهَا بِأَحَدِهِمَا لِجَوَازِ اسْتِمْتَاعِهِ بِمَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ. (وَإِنْ) طَالَبَتْهُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ التَّمْكِينِ بِحَالِّ الصَّدَاقِ الْمَضْمُونِ، فَ (ادَّعَى) الزَّوْجُ (الْعُسْرَ) وَلَا مَالَ لَهُ ظَاهِرٌ وَلَا بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بِعُسْرِهِ (أُجِّلَ لِإِثْبَاتِهِ) أَيْ الْعُسْرِ (ثَلَاثَةَ أَسَابِيعَ) . قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَيْسَ هَذَا تَحْدِيدًا لَازِمًا بَلْ هُوَ اسْتِحْسَانٌ لِاتِّفَاقِ قُضَاةِ قُرْطُبَةَ وَغَيْرِهِمْ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَوْكُولٌ لِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ انْتَهَى. (فَإِنْ أَثْبَتَهُ) : أَيْ الْعُسْرَ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ بَعْدَ تَمَامِهَا وَحَلَفَ (تُلُوِّمَ لَهُ) بَعْدَ إثْبَاتِهِ (بِالنَّظَرِ) مِنْ الْحَاكِمِ (وَلَوْ لَمْ يُرْجَ) لَهُ مَالٌ، (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ كَانَ لَا لِتَغْرِبَةٍ أَوْ صِغَرٍ يُمْكِنُ، بَطَلَ الشَّرْطُ كَمَا إذَا اُشْتُرِطَ أَكْثَرُ مِنْ سَنَةِ كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [أُجِّلَ لِإِثْبَاتِهِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهَا إذَا طَلَبَتْهُ بِالْمَضْمُونِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَادَّعَى الْعَدَمَ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُؤَجِّلُهُ لِإِثْبَاتِ عُسْرَتِهِ، ثُمَّ يَتَلَوَّمُ لَهُ لَعَلَّهُ يَحْصُلُ لَهُ يَسَارٌ، ثُمَّ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ: أَنْ لَا تُصَدِّقَهُ فِي دَعْوَاهُ الْعَدَمَ، وَأَنْ لَا يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى صِدْقِهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ، وَأَنْ لَا يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ عُسْرُهُ، وَأَنْ يُجْرِيَ النَّفَقَةَ عَلَيْهَا مِنْ يَوْمِ دُعَائِهِ لِلدُّخُولِ، فَإِنْ صَدَّقَتْهُ فِي دَعْوَاهُ الْعَدَمَ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِهِ، فَإِنَّهُ يُتَلَوَّمُ لَهُ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ بِالنَّظَرِ، وَلَا يُؤَجَّلُ لِإِثْبَاتِ عُسْرِهِ، وَكَذَا إنْ كَانَ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ عُسْرُهُ كَالْبَقَّالِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ أُخِذَ مِنْهُ حَالًّا، وَإِنْ لَمْ يُجْرِ النَّفَقَةَ عَلَيْهَا مِنْ يَوْمِ دُعَائِهِ لِلدُّخُولِ فَلَهَا الْفَسْخُ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ مَعَ عَدَمِ الصَّدَاقِ عَلَى الرَّاجِحِ قَوْلُهُ: [ثَلَاثَةَ أَسَابِيعَ] : سِتَّةً فَسِتَّةً فَسِتَّةً فَثَلَاثَةً، لِأَنَّ الْأَسْوَاقَ تَتَعَدَّدُ فِي غَالِبِ الْبِلَادِ مَرَّتَيْنِ فِي كُلِّ سِتَّةِ أَيَّامٍ فَرُبَّمَا اتَّجَرَ بِسُوقَيْنِ فَرَبِحَ بِقَدْرِ الْمَهْرِ، كَذَا فِي الْأَصْلِ تَبَعًا لِلتَّوْضِيحِ، وَاَلَّذِي فِي الْمُتَيْطِيِّ وَابْنِ عَرَفَةَ ثَمَانِيَةً ثُمَّ سِتَّةً ثُمَّ أَرْبَعَةً ثُمَّ ثَلَاثَةً كَمَا فِي (ح) .

[أحوال سقوط الصداق وتشطيره وتكميله]

(طُلِّقَ عَلَيْهِ) إذَا لَمْ تَرْضَ بِالْمَقَامِ مِنْهُ وَانْتِظَارِهِ. (وَوَجَبَ) عَلَيْهِ (نِصْفُهُ) أَيْ الصَّدَاقِ فِي ذِمَّتِهِ لِكَوْنِهِ قَبْلَ إذْ لَا طَلَاقَ بَعْدَ الدُّخُولِ بِعُسْرِ صَدَاقٍ، (بِخِلَافِ الْعَيْبِ) بِهَا أَوْ بِهِ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ أُخِذَ مِنْهُ كَالْمُعَيَّنِ، فَإِنْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِعُسْرِهِ حَالَ دَعْوَاهُ الْعُسْرَ تُلُوِّمَ لَهُ بِالنَّظَرِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ، فَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ الْمَلَاءِ حُبِسَ حَتَّى يَثْبُتَ عُسْرُهُ. وَلَمَّا كَانَ لِلصَّدَاقِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ؛ يَسْقُطُ تَارَةً كَمَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَكَمَا فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ إذَا طَلَّقَ أَوْ مَاتَ قَبْلَهُ، وَيَتَشَطَّرُ تَارَةً وَسَيَأْتِي، وَيَتَكَمَّلُ تَارَةً وَذَلِكَ فِي ثَلَاثِ حَالَاتٍ أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ: (وَتَكَمَّلَ) الصَّدَاقُ الْمُسَمَّى أَوْ صَدَاقُ الْمِثْلِ (بِوَطْءٍ وَإِنْ حَرُمَ) كَمَا لَوْ وَطِئَهَا فِي زَمَنِ حَيْضٍ أَوْ اعْتِكَافٍ أَوْ إحْرَامٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فِي ذِمَّتِهِ] : أَيْ فَيُتَّبَعُ بِهِ إذَا أَيْسَرَ لِتَقَرُّرِهِ فِي ذِمَّتِهِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْعَيْبِ] : أَيْ إذَا رَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ بِعَيْبٍ مِنْ الْعُيُوبِ الْآتِيَةِ فِي الْخِيَارِ، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ إذَا كَانَ الرَّدُّ قَبْلَ الْبِنَاءِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [حُبِسَ حَتَّى يَثْبُتَ عُسْرُهُ] : أَيْ حَيْثُ لَمْ يَسْأَلْ الصَّبْرَ بِحَمِيلٍ وَلَوْ بِالْوَجْهِ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْمِدْيَانِ أَنَّهُ يُحْبَسُ لِثُبُوتِ عُسْرِهِ إنْ جُهِلَ حَالُهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ الصَّبْرَ بِحَمِيلِ بِالْوَجْهِ، وَيَخْرُجُ الْمَجْهُولُ إنْ طَالَ حَبْسُهُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَالشَّخْصِ فَيَجْرِي مِثْلُهُ هُنَا كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. [أحوال سُقُوط الصَّدَاق وَتَشْطِيره وَتَكْمِيله] قَوْلُهُ (وَتَكَمَّلَ الصَّدَاقُ) إلَخْ: إنَّمَا عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: وَتَكَمَّلَ وَلَمْ يَقُلْ وَتَقَرَّرَ كَمَا قَالَ خَلِيلٌ اقْتِصَارًا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهَا تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ النِّصْفَ، وَقَوْلُهُ: بِوَطْءٍ أَيْ وَلَوْ حُكْمًا كَدُخُولِ الْعِنِّينِ وَالْمَجْبُوبِ وَالْمُعْتَرَضِ. وَقَوْلُهُ: {أَوْ إحْرَامٍ} : وَمِثْلُهُ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ وَلَوْ بَقِيَتْ بَكَارَتُهَا حِينَئِذٍ فَلَوْ أَزَالَ الْبَكَارَةَ بِأُصْبُعِهِ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ مَعَ أَرْشِ الْبَكَارَةِ وَبَعْدَهُ لَهَا الصَّدَاقُ فَقَطْ وَيَنْدَرِجُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ فِي الصَّدَاقِ كَذَا فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَاَلَّذِي فِي سَمَاعِ عِيسَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِافْتِضَائِهِ إيَّاهَا

(وَ) بِسَبَبِ (إقَامَةِ سَنَةٍ) بِبَيْتِ الزَّوْجِ وَلَوْ لَمْ يَطَأْهَا وَلَا تَلَذَّذَ بِهَا (إنْ بَلَغَ وَأَطَاقَتْ) الْوَطْءَ، وَإِلَّا فَلَا؛ تَنْزِيلًا لِإِقَامَتِهَا السَّنَةَ عِنْدَهُ بِشَرْطِهَا مَنْزِلَةَ الْوَطْءِ. (وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) : أَيْ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ (إنْ سَمَّى) صَدَاقًا بِخِلَافِ التَّفْوِيضِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْبِنَاءِ. (وَ) لَوْ تَنَازَعَا فِي الْوَطْءِ - فَادَّعَى عَدَمَهُ وَخَالَفَتْهُ - (صُدِّقَتْ) بِيَمِينٍ (فِي خَلْوَةِ الِاهْتِدَاءِ) ، لِأَنَّهُ قَلَّ أَنْ يَخْلُوَ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ الْوَطْءِ، (وَإِنْ) كَانَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأُصْبُعِهِ كُلُّ الْمَهْرِ وَفِي {ح} نَقْلًا عَنْ النَّوَادِرِ إذَا افْتَضَّ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ فَمَاتَتْ، رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: إنْ عُلِمَ أَنَّهَا مَاتَتْ مِنْهُ فَعَلَيْهِ دِيَتُهَا وَهُوَ كَالْخَطَأِ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً، وَعَلَيْهِ فِي الصَّغِيرَةِ الْأَدَبُ إنْ لَمْ تَكُنْ بَلَغَتْ حَدَّ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا دِيَةَ عَلَيْهِ فِي الْكَبِيرَةِ وَدِيَةُ الصَّغِيرَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَيُؤَدَّبُ فِي الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَبِسَبَبِ إقَامَةِ سَنَةٍ] : ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا، وَقَالَ بَعْضُ أَشْيَاخِ الْأُجْهُورِيِّ: يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْعَبْدِ إقَامَةُ نِصْفِ سَنَةٍ وَلَا وَجْهَ لَهُ إذَا لَيْسَ لِهَذَا شَبَهٌ بِالْحُدُودِ أَصْلًا. قَوْلُهُ: [وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا] إلَخْ: ظَاهِرُهُ كَانَ الْمَوْتُ مُتَيَقَّنًا أَوْ بِحُكْمِ الشَّرْعِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا نَقَلَهُ الْجِيزِيُّ فِي وَثَائِقِهِ عَنْ مَالِكٍ، وَهَذَا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَفِي الْفَاسِدِ لِعَقْدِهِ إذَا لَمْ يُؤَثِّرْ خَلَلًا فِي الصَّدَاقِ، وَكَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَنِكَاحِ الْمُحْرِمِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَشَمَلَ قَوْلُهُ مَوْتُ أَحَدِهِمَا مَنْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا كُرْهًا فِي زَوْجِهَا أَوْ قَتَلَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ الْمُتَزَوِّجَةَ فَلَا يَسْقُطُ الصَّدَاقُ عَنْ زَوْجِهَا، وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي قَتْلِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا هَلْ تُعَامَلُ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهَا، وَلَا يَتَكَمَّلُ صَدَاقُهَا أَوْ يَتَكَمَّلُ، وَاسْتَظْهَرَ فِي الْحَاشِيَةِ أَنْ لَا يَتَكَمَّلَ لَهَا لِاتِّهَامِهَا، وَلِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً لِقَتْلِ النِّسَاءِ أَزْوَاجَهُنَّ. قَوْلُهُ: [فَلَا شَيْءَ فِيهِ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْبِنَاءِ] : أَيْ قَبْلَ الْفَرْضِ، وَأَمَّا إذَا مَاتَ وَاحِدٌ بَعْدَ الْفَرْضِ فَهُوَ كَنِكَاحِ التَّسْمِيَةِ. قَوْلُهُ: [فِي خَلْوَةِ الِاهْتِدَاءِ] : مِنْ الْهُدُوءِ وَالسُّكُونِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ

مُتَلَبِّسَةً (بِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ) كَحَيْضٍ وَإِحْرَامٍ، (أَوْ) كَانَتْ (صَغِيرَةً أَوْ أَمَةً) فَأَوْلَى الْكَبِيرَةُ وَالْحُرَّةُ. فَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَ الزَّوْجُ لِرَدِّ دَعْوَاهَا وَلَزِمَهُ النِّصْفُ إنْ طَلَّقَ، وَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ الْجَمِيعَ. فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً فَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهَا يَمِينٌ وَحَلَفَ هُوَ وَغَرِمَ النِّصْفَ، فَإِذَا بَلَغَتْ حَلَفَتْ عَلَى طِبْقِ دَعْوَاهَا وَأَخَذَتْ النِّصْفَ الْبَاقِيَ، فَإِنْ نَكَلَتْ فَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْهُ. وَتَثْبُتُ الْخَلْوَةُ وَلَوْ بِامْرَأَتَيْنِ أَوْ بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهَا. (وَ) إنْ زَارَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَتَنَازَعَا فِي الْوَطْءِ صُدِّقَ (الزَّائِرُ مِنْهُمَا) بِيَمِينٍ، فَإِنْ زَارَتْهُ صُدِّقَتْ أَنَّهُ وَطِئَهَا وَلَا عِبْرَةَ بِإِنْكَارِهِ، وَإِنْ زَارَهَا صُدِّقَ فِي نَفْيِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِدَعْوَاهَا الْوَطْءَ، لِأَنَّ لَهُ جَرَاءَةً عَلَيْهَا فِي بَيْتِهِ دُونَ بَيْتِهَا؛ فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الزَّائِرَ يُصَدَّقُ مُطْلَقًا فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، بَلْ الْمُرَادُ مَا عَلِمْت، فَإِنْ كَانَا مَعًا زَائِرَيْنِ صُدِّقَ فِي نَفْيِهِ كَمَا يُرْشِدُ لَهُ التَّعْلِيلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQسَكَنَ لِلْآخَرِ وَاطْمَأَنَّ إلَيْهِ، وَخَلْوَةُ الِاهْتِدَاءِ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَهُمْ بِإِرْخَاءِ السُّتُورِ، كَانَ هُنَاكَ إرْخَاءُ سُتُورٍ، أَوْ غَلْقُ بَابٍ أَوْ غَيْرُهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا اخْتَلَى بِزَوْجَتِهِ خَلْوَةَ اهْتِدَاءٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَتَنَازَعَا فِي الْمَسِيسِ، فَقَالَ الزَّوْجُ: مَا أَصَبْتهَا، وَقَالَتْ هِيَ: بَلْ أَصَابَنِي: فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ بِيَمِينٍ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا، كَانَ الزَّوْجُ صَالِحًا أَوْ لَا، وَهَذَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى الْخَلْوَةِ أَوْ ثَبَتَتْ وَلَوْ بِامْرَأَتَيْنِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، وَأَمَّا إنْ اخْتَلَفَا فِيهَا فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إنْ أَنْكَرَهَا صُدِّقَ بِيَمِينٍ، فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ جَمِيعَ. الصَّدَاقِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ الْجَمِيعَ] : أَيْ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدٍ وَنُكُولُهُ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدٍ آخَرَ. قَوْلُهُ: [وَحَلَفَ هُوَ غَرِمَ النِّصْفَ] : فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ جَمِيعَ الصَّدَاقِ وَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُهَا إذَا بَلَغَتْ. قَوْلُهُ: [حَلَفَ عَلَى طِبْقِ دَعْوَاهَا] : فَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَرِثَ عَنْهَا وَحَلَفَ وَارِثُهَا مَا كَانَتْ تَحْلِفُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْخَرَشِيُّ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ كَانَا مَعًا زَائِرَيْنِ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا لَوْ اخْتَلَيَا فِي بَيْتٍ أَوْ فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا زَائِرًا فَتُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ فِي دَعْوَاهَا الْوَطْءَ لِأَنَّ الرَّجُلَ يَنْشَطُ فِيهِ.

[الحكم إذا فقدت شروط الصداق أو بعضها من فسخ وعدمه وما يترتب على ذلك]

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ مَا إذَا فُقِدَتْ شُرُوطُ الصَّدَاقِ أَوْ بَعْضُهَا مِنْ فَسْخٍ وَعَدَمِهِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ (وَفَسَدَ) النِّكَاحُ (إنْ نَقَصَ) الصَّدَاقُ (عَمَّا ذُكِرَ) مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ شَرْعِيٍّ، أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ شَرْعِيَّةٍ خَالِصَةٍ مِنْ غِشٍّ، أَوْ مَا يُقَوَّمُ بِأَحَدِهِمَا، وَإِنْ نَقَصَ عَنْ قِيمَةِ الْآخَرِ. وَلَمَّا كَانَ الْفَسَادُ يُوهِمُ وُجُوبَ الْفَسْخِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَوْ أَتَمَّهُ، وَيُوجِبُ صَدَاقَ الْمِثْلِ بَعْدَهُ - كَمَا هُوَ قَاعِدَةُ الْفَاسِدِ لِصَدَاقِهِ - وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ إنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، مَعَ أَنَّ فِيهِ نِصْفَ الْمُسَمَّى، بَيَّنَ الْمُرَادَ: وَأَنَّ إطْلَاقَ الْفَاسِدِ عَلَى مَا نَقَصَ عَمَّا ذُكِرَ فِيهِ تَسَمُّحٌ بِقَوْلِهِ: (وَأَتَمَّهُ إنْ دَخَلَ) : أَيْ أَنَّهُ إذَا غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى دَخَلَ لَزِمَهُ إتْمَامُهُ رُبْعَ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ مَا قِيمَتُهُ ذَلِكَ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ، وَلَا يَلْزَمُهُ صَدَاقُ الْمِثْلِ عَلَى الْقَاعِدَةِ. (وَإِلَّا) يَدْخُلْ بِأَنْ عَثَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدُّخُولِ (فُسِخَ إنْ لَمْ يُتِمَّهُ) فَإِنْ أَتَمَّهُ فَلَا فَسْخَ وَإِنْ أَبَى مِنْ إتْمَامِهِ فُسِخَ، (وَلَهَا نِصْفُهُ) أَيْ نِصْفُ مَا سَمَّاهُ؛ فَإِنْ سَمَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: إنْ أَقَرَّ بِالْوَطْءِ فَقَطْ أَخَذَ بِهِ إنْ كَانَتْ غَيْرَ رَشِيدَةٍ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الصَّدَاقِ، وَهَلْ كَذَلِكَ الرَّشِيدَةُ، فَيُؤَاخَذُ بِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِإِنْكَارِهَا، أَوْ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الرَّشِيدَةِ إلَّا إنْ أَكْذَبَتْ نَفْسَهَا وَرَجَعَتْ لِقَوْلِهِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى إقْرَارِهِ؟ قَوْلَانِ. [الْحُكْمِ إذَا فقدت شُرُوط الصَّدَاق أَوْ بَعْضُهَا مِنْ فَسْخٍ وَعَدَمِهِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ] قَوْلُهُ: [شُرُوطُ الصَّدَاقِ] : أَيْ الْخَمْسَةُ وَهِيَ كَوْنُهُ طَاهِرًا مُنْتَفَعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ مَعْلُومًا مُتَمَوَّلًا. قَوْلُهُ: [إنْ نَقَصَ الصَّدَاقُ عَمَّا ذُكِرَ] : اعْلَمْ أَنَّ أَقَلَّ الصَّدَاقِ عَلَى الْمَشْهُورِ رُبْعُ دِينَارٍ، أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ خَالِصَةٍ مِنْ الْفِضَّةِ، أَوْ مَا يُسَاوِي أَحَدِهِمَا مِنْ الْعُرُوضِ وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ مَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ مِنْ إجَازَتِهِ بِدِرْهَمٍ، وَنُقِلَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ. قَوْلُهُ: [خَالِصَةٍ مِنْ غِشٍّ] : أَيْ فَلَا تُجْزِي الْمَغْشُوشَةُ وَلَوْ رَاجَتْ رَوَاجَ الْكَامِلَةِ. قَوْلُهُ: [فُسِخَ إنْ لَمْ يُتِمَّهُ] : أَيْ تَعَرَّضَ لِلْفَسْخِ وَلَيْسَ فَاسِدًا بِالْفِعْلِ وَإِلَّا احْتَاجَ لِتَجْدِيدِ عَبْدٍ آخَرَ كَمَنْ تَزَوَّجَ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ

لَهَا دِرْهَمَيْنِ فَلَهَا دِرْهَمٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ دَخَلَ لَزِمَهُ إتْمَامُهُ وَلَا سَبِيلَ لِفَسْخِهِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ قِيلَ لَهُ: إمَّا أَنْ تُتِمَّهُ رُبْعَ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ، وَإِلَّا فَسَخْنَاهُ بِطَلَاقٍ وَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى. (أَوْ) وَقَعَ (بِمَا لَا يُمْلَكُ) شَرْعًا (كَخَمْرٍ) وَخِنْزِيرٍ، (وَ) إنْسَانٍ (حُرٍّ) فَيُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ مَتَى عُثِرَ عَلَيْهِ، وَلَا شَيْءَ فِيهِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ فَلَا سَبِيلَ لِفَسْخِهِ. (أَوْ) وَقَعَ الْعَقْدُ (بِإِسْقَاطِهِ) : أَيْ الصَّدَاقِ؛ أَيْ عَلَى شَرْطِ إسْقَاطِهِ فَيَكُونُ فَاسِدًا يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ. (أَوْ) وَقَعَ بِغَيْرِ مُتَمَوَّلٍ (كَقِصَاصٍ) ثَبَتَ لَهُ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى وَلِيِّهَا مَثَلًا فَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُسْقِطَ لَهَا حَقَّهُ فِي الْقِصَاصِ، فَفَاسِدٌ يُفْسَخُ قَبْلَهُ، وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ لِلدِّيَةِ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَتِمَّ لَهُ شَرْعًا، وَسَقَطَ الْقِصَاصُ. (أَوْ) تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى تَسْلِيمِهِ لَهَا فِي الْحَالِ كَآبِقٍ أَوْ شَارِدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ] : أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ الَّتِي تَزَوَّجَهَا بِالْخَمْرِ أَوْ الْخِنْزِيرِ كِتَابِيَّةً، وَلَوْ قَبَضَتْ ذَلِكَ وَاسْتَهْلَكَتْهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَشْهَبَ: لَهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ رُبْعُ دِينَارٍ، اللَّخْمِيُّ وَهُوَ أَحْسَنُ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي الصَّدَاقِ سَقَطَ بِقَبْضِهَا لِأَنَّهَا اسْتَحَلَّتْهُ، وَبَقِيَ حَقُّ اللَّهِ. كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [كَقِصَاصٍ] : أَدْخَلَتْ الْكَافُ مَا أَشْبَهَهُ مِمَّا هُوَ غَيْرُ مُتَمَوَّلٍ كَتَزْوِيجِهِ بِأَمَةٍ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، وَمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا» فَهُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ، أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَصْحَبْهُ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَهُ الرُّجُوعُ لِلدِّيَةِ] : أَيْ لِدِيَةِ الْعَمْدِ وَسَوَاءٌ فُسِخَ النِّكَاحُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ دَخَلَ وَلَهُ الْعَفْوُ مَجَّانًا وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ لِلْقِصَاصِ بِحَالٍ.

أَوْ (دَارِ فُلَانٍ) أَوْ عَبْدِهِ مَثَلًا، وَيُفْسَخُ قَبْلُ وَيَثْبُتُ بَعْدُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ أَيْ عَلَى أَنَّهُ يَشْتَرِي لَهَا دَارَ فُلَانٍ وَيَجْعَلُهَا صَدَاقًا إذْ قَدْ لَا يَبِيعُهَا لَهُ. (أَوْ) بِصَدَاقٍ (بَعْضُهُ) أُجِّلَ (لِأَجَلٍ مَجْهُولٍ) كَمَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ أَوْ قُدُومِ زَيْدٍ وَلَا يُعْلَمُ وَقْتُ قُدُومِهِ فَفَاسِدٌ يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِالْأَكْثَرِ مِنْ الْمُسَمَّى الْحَلَالِ وَصَدَاقِ الْمِثْلِ، وَلَا يُلْتَفَتُ لِلْمُسَمَّى الْحَرَامِ فَيُلْغَى، وَمَا أُجِّلَ بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ حَرَامٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشِّغَارِ. (أَوْ لَمْ يُقَيَّدْ لِأَجَلٍ) بِزَمَنٍ بِأَنْ قِيلَ: الْمُعَجَّلُ كَذَا وَالْمُؤَجَّلُ كَذَا. وَلَمْ يُبَيَّنْ الْأَجَلُ وَلَمْ يَكُنْ عُرْفٌ بِالتَّأْجِيلِ وَإِلَّا كَانَ صَحِيحًا. وَحُمِلَ عَلَيْهِ. وَإِذَا لَمْ يُبَيَّنْ وَلَمْ يَكُنْ عُرْفٌ فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَثَبَتَ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ. وَأَمَّا لَوْ قَالَ: مَتَى شِئْت، أَوْ: إلَى أَنْ تَطْلُبِيهِ، فَالْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَلِيًّا جَازَ كَإِلَى الْمَيْسَرَةِ، وَأَمَّا لَوْ ذُكِرَ الصَّدَاقُ وَلَمْ يُذْكَرْ حُلُولٌ وَلَا أَجَلٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْحُلُولِ وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ دَارِ فُلَانٍ] : أَيْ أَوْ سَمْسَرَتُهَا بِأَنْ يَتَزَوَّجَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا دَارَ فُلَانٍ مِنْ مَالِهَا، وَيَجْعَلَ سَمْسَرَتَهُ فِيهَا صَدَاقًا لَهَا، وَإِنَّمَا مَنَعَ النِّكَاحَ بِمَا ذَكَرَ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَبِيعُهَا رَبُّهَا أَمْ لَا، وَهَلْ تُبَاعُ فِي يَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَمَحَلُّ الْفَسَادِ فِيهَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِالسَّمْسَرَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَصَحِيحٌ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ ثَبَتَ لَهُ عَلَيْهَا حَيْثُ كَانَ يُسَاوِي رُبْعَ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ، كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [أَوْ بِصَدَاقٍ بَعْضُهُ أُجِّلَ] إلَخْ: أَيْ وَبَعْضُهُ الْآخَرُ حَالٌّ أَوْ أُجِّلَ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ وَمَحَلُّ الْفَسَادِ فِي صُورَةِ الْمُصَنِّفِ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّتِهِ حَاكِمٌ يَرَى ذَلِكَ كَالْحَنَفِيِّ، وَإِلَّا كَانَ صَحِيحًا لِأَنَّ تَأْجِيلَهُ عِنْدَهُ بِالْمَوْتِ أَوْ الْفِرَاقِ مَعْمُولٌ بِهِ. قَوْلُهُ: [بِصَدَاقِ الْمِثْلِ] : صَوَابُهُ بِالْأَكْثَرِ مِنْ الْمُسَمَّى الْحَلَالِ وَصَدَقَ الْمِثْلُ. قَوْلُهُ: [مَتَى شِئْت] : بِكَسْرِ التَّاءِ لَا بِضَمِّهَا فَلَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ: [فَالْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ] : أَيْ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فَلِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ. قَوْلُهُ: [فَيُحْمَلُ عَلَى الْحُلُولِ] إلَخْ: نَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِأَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ.

[ضمان الزوجة الصداق في النكاح الفاسد بالقبض]

(أَوْ) قُيِّدَ بِأَجَلٍ بَعِيدٍ جِدًّا كَمَا لَوْ قُيِّدَ (بِخَمْسِينَ سَنَةً) فَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِلدُّخُولِ عَلَى إسْقَاطِ الصَّدَاقِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ الْعِلَّةُ تُفِيدُ أَنَّ مَحَلَّ الْفَسَادِ إذَا أُجِّلَ كُلُّهُ. أَوْ عُجِّلَ مِنْهُ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ؛ وَأَمَّا لَوْ عُجِّلَ مِنْهُ رُبْعُ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرُ فَصَحِيحٌ فَانْظُرْهُ (انْتَهَى) . (أَوْ) وَقَعَ الصَّدَاقُ (بِمُعَيَّنٍ) عَقَارٍ أَوْ غَيْرِهِ (بَعِيدٍ) جِدًّا (كَخُرَاسَانَ) مَدِينَةٍ بِالْعَجَمِ فِي أَقْصَى الْمَشْرِقِ (مِنْ الْأَنْدَلُسِ) بِأَقْصَى الْمَغْرِبِ، لِأَنَّ الشَّأْنَ أَنْ لَا يُدْرَكَ الْمُعَيَّنُ عَلَى حَالِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ فَيَكُونُ مِنْ الْغَرَرِ. (وَجَازَ) بِمُعَيَّنٍ غَائِبٍ عَلَى مَسَافَةٍ مُتَوَسِّطَةٍ (كَمِصْرِ مِنْ الْمَدِينَةِ) الْمُنَوَّرَةِ، وَمَحِلُّ الْجَوَازِ (إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ الدُّخُولُ بِالزَّوْجَةِ قَبْلَهُ) : أَيْ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَإِنْ شُرِطَ الدُّخُولُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُعَيَّنِ فَسَدَ وَفُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَثَبَتَ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْعَقَارِ. وَأَمَّا الْعَقَارُ فَلَا يَضُرُّ فِيهِ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ لِأَنَّ الشَّأْنَ بَقَاؤُهُ عَلَى هَيْئَتِهِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمُعَيَّنَ الْقَرِيبَ جِدًّا يَجُوزُ مُطْلَقًا شُرِطَ الدُّخُولُ قَبْلَهُ أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ. (وَضَمِنَتْهُ) الزَّوْجَةُ أَيْ ضَمِنَتْ الصَّدَاقَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ (بِالْقَبْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [قَالَ بَعْضُهُمْ] إلَخْ: مُرَادُهُ بِهِ بْن، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ التَّأْجِيلَ بِخَمْسِينَ مُفْسِدٌ وَلَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ يَبْلُغُهُ عُمْرُهَا، فَإِنْ نَقَصَ الْأَجَلُ عَنْ الْخَمْسِينَ لَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَلَوْ كَانَ النَّقْصُ يَسِيرًا جِدًّا أَوْ طَعَنَا فِي السِّنِّ جِدًّا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [أَوْ وَقَعَ الصَّدَاقُ بِمُعَيَّنٍ] : الْأَوْلَى أَوْ وَقَعَ النِّكَاحُ بِصَدَاقٍ مُعَيَّنٍ أَيْ بِالْوَصْفِ، أَوْ بِرُؤْيَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى الْعَقْدِ، وَأَوْلَى إذَا كَانَ ذَلِكَ الْغَائِبُ لَمْ يُرَ وَلَمْ يُوصَفْ. قَوْلُهُ: [الْقَرِيبُ جِدًّا] : أَيْ كَالْخَمْسَةِ الْأَيَّامِ فَدُونَ، وَمَحَلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْجَوَازِ فِي الْمُتَوَسِّطَةِ الْقَرِيبَةِ إذَا كَانَ الصَّدَاقُ مُعَيَّنًا بِرُؤْيَةٍ سَابِقَةٍ أَوْ بِوَصْفٍ، وَإِلَّا كَانَ فَاسِدًا، وَأَمَّا الْبَعِيدُ جِدًّا فَالْفَسَادُ فِيهِ مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ خِلَافًا لِمَا فِي الْخَرَشِيِّ عَنْ الْجِيزِيِّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْوَصْفِ أَوْ بِرُؤْيَةٍ يَتَغَيَّرُ بَعْدَهَا. [ضَمَانُ الزَّوْجَةِ الصَّدَاقَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِالْقَبْضِ] قَوْلُهُ: [فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ] : أَيْ فِي هَذِهِ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ لِأَجْلِ الصَّدَاقِ كَالنِّكَاحِ لِأَجْلٍ مَجْهُولٍ، وَبِالْآبِقِ وَبِالْبَعِيرِ الشَّارِدِ أَوْ لِأَجْلِ الْعَقْدِ، وَكَانَ فِيهِ

إنْ فَاتَ) بِيَدِهَا بِمَا يَفُوتُ بِهِ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ، فَتَرُدُّ قِيمَتَهُ لِلزَّوْجِ وَتَرْجِعُ عَلَيْهِ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ إنْ دَخَلَ، فَإِنْ لَمْ يَفُتْ رَدَّتْهُ بِعَيْنِهِ وَإِنْ دَخَلَ فِي الْفَاسِدِ لِعَقْدِهِ مَضَى بِالْمُسَمَّى. (أَوْ) أَيْ وَفَسَدَ النِّكَاحُ إنْ وَقَعَ صَدَاقُهُ (بِمَغْصُوبٍ) أَوْ مَسْرُوقٍ (عَلِمَاهُ) مَعًا فَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَيَثْبُتُ بَعْدُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ (لَا) إنْ عَلِمَ بِغَصْبِهِ (أَحَدُهُمَا) فَقَطْ فَلَا يُفْسَخُ، وَتَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْمُقَوَّمِ وَمِثْلِ الْمِثْلِيِّ. (أَوْ) وَقَعَ (بِاجْتِمَاعِهِ مَعَ بَيْعٍ) فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ كَ: بِعْتُك هَذِهِ السِّلْعَةَ وَزَوَّجْتُك بِنْتِي بِمِائَةٍ، أَوْ دَفَعَ الزَّوْجُ لَهَا سِلْعَةً كَدَارٍ صَدَاقًا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مِائَةً، أَوْ دَفَعَتْ لِلزَّوْجِ دَارًا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ لَهَا مِائَةً فِي نَظِيرِ الصَّدَاقِ وَالدَّارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQصَدَاقُ الْمِثْلِ كَنِكَاحِ الْمُحَلِّلِ، أَوْ كَانَ فِيهِ الْمُسَمَّى وَحَصَلَ الضَّمَانُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ كَمَا إذَا قَبَضَتْ الصَّدَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَهَلَكَ بِيَدِهَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ فَسَادُهُ لِعَقْدِهِ وَكَانَ فِيهِ الْمُسَمَّى وَدَخَلَ كَانَ ضَمَانُهَا لِلصَّدَاقِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ كَالصَّحِيحِ، سَوَاءٌ قَبَضَتْهُ أَوْ كَانَ بِيَدِ الزَّوْجِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْأُجْهُورِيِّ. قَوْلُهُ: [مَضَى بِالْمُسَمَّى] : أَيْ سَوَاءٌ قَبَضَتْهُ أَمْ لَا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْأُجْهُورِيِّ. قَوْلُهُ: [عِلْمَاهُ مَعًا] : إنَّمَا يُعْتَبَرُ عِلْمُهُمَا إذَا كَانَا رَشِيدَيْنِ وَإِلَّا فَالْمُعْتَبَرُ عِلْمُ وَلِيِّهِمَا. قَوْلُهُ: [وَتَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْمُقَوَّمِ] إلَخْ: وَإِنَّمَا لَمْ تَرْجِعْ عَلَيْهِ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ لِدُخُولِهَا عَلَى الْعِوَضِ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ، وَدُخُولُهُ عَلَى ذَلِكَ حَيْثُ عَلِمَ دُونَهَا، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ قِيمَةَ الْمُقَوَّمِ وَمِثْلُ الْمِثْلِيِّ يَقُومَانِ مَقَامَهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ وَقَعَ بِاجْتِمَاعِهِ مَعَ بَيْعٍ] : الْمَشْهُورُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ لِصَدَاقِهِ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ، فَإِذَا ثَبَتَ النِّكَاحُ بِالدُّخُولِ ثَبَتَ مَا مَعَهُ مِنْ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ مُفَوِّتٌ وَيُرْجَعُ فِي الْبَيْعِ وَمَا مَعَهُ لِقِيمَةِ الْمَبِيعِ، وَبِهِ يُلْغَزُ فَيُقَالُ: لَنَا بَيْعٌ فَاسِدٌ يَمْضِي بِالْقِيمَةِ مَعَ عَدَمِ مُفَوِّتٍ فِي الْبَيْعِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي نِكَاحِ التَّسْمِيَةِ، وَأَمَّا فِي التَّفْوِيضِ فَيَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ مَا ارْتَضَاهُ بْن رَادًّا عَلَى (ر)

وَمِثْلُ الْبَيْعِ الْقِرَاضُ وَالْقَرْضُ وَالشَّرِكَةُ وَالصَّرْفُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالْجَعَالَةُ لَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهَا مَعَ النِّكَاحِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. (أَوْ وُهِبَتْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَ (نَفْسُهَا) نَائِبُ فَاعِلٍ: يَعْنِي أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا وَهَبَ بِنْتَه لِرَجُلٍ عَلَى أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا بِلَا صَدَاقٍ، أَوْ أَنَّ الْمَرْأَةَ قَالَتْ لِرَجُلٍ: وَهَبْتُك نَفْسِي، وَقَالَ الْوَلِيُّ: أَمْضَيْت ذَلِكَ، وَشَهِدَتْ الشُّهُودُ عَلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ فَاسِدًا يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ. (وَثَبَتَ بَعْدَ الْبِنَاءِ بِالْمِثْلِ) : أَيْ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ؛ لِلدُّخُولِ عَلَى إسْقَاطِ الْمَهْرِ، نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ: وَاعْتَرَضَهُ الْبَاجِيُّ وَقَالَ: بَلْ يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَهُوَ زِنًا يُحَدَّانِ فِيهِ، وَيَنْتَفِي عَنْهُ الْوَلَدُ (اهـ) . أَيْ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الذَّاتِ مُنَافٍ لِلنِّكَاحِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ؟ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ عَلَى إسْقَاطِ الصَّدَاقِ، وَقَرَّ بِهِ لَهُ شُهُودُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْهِبَةِ فَتَأَمَّلْ. (أَوْ تَضَمَّنَ إثْبَاتُهُ) أَيْ الْعَقْدِ (رَفْعَهُ) : أَيْ إبْطَالَهُ (كَدَفْعِ الْعَبْدِ) الَّذِي زَوَّجَهُ سَيِّدُهُ بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ (فِي صَدَاقِهِ) ، بِأَنْ جَعَلَهُ صَدَاقًا لَهَا، أَوْ سَمَّى لَهَا عَبْدًا وَجَعَلَ الزَّوْجَ الْمُسَمَّى فَثُبُوتُ النِّكَاحِ يَتَضَمَّنُ مِلْكَ الصَّدَاقِ الَّذِي هُوَ الزَّوْجُ وَمِلْكُ الزَّوْجِ يَتَضَمَّنُ رَفْعَ النِّكَاحِ فَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَا شَيْءَ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [لَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهَا] إلَخْ: أَيْ لِتَنَافُرِ الْأَحْكَامِ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ النِّكَاحَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُكَارَمَةِ وَالْبَيْعُ، وَمَا مَعَهُ عَلَى الْمُشَاحَّةِ. قَوْلُهُ: [وَقَالَ الْوَلِيُّ أَمْضَيْت ذَلِكَ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ، فَإِنَّهُ يُفْسَخُ النِّكَاحُ أَبَدًا بِاتِّفَاقٍ بِالْأَوْلَى مِمَّنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِدُونِ وَلِيٍّ بِمَهْرٍ. قَوْلُهُ: [وَقُرْبُهُ] : أَيْ قُرْبُ حُكْمِ الْهِبَةِ كَانَتْ مِنْ الْوَلِيِّ أَوْ مِنْ الزَّوْجَةِ بِإِذْنِهِ، وَقَوْلُهُ لَهُ أَيْ لِلنِّكَاحِ عَلَى إسْقَاطِ الصَّدَاقِ. قَوْلُهُ: [أَوْ سَمَّى لَهَا عَبْدًا] : أَيْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُحْتَمِلٌ لِلصُّورَتَيْنِ. قَوْلُهُ: [يَتَضَمَّنُ رَفْعَ النِّكَاحِ] إلَخْ: إذْ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِعَبْدِهَا لِأَنَّ أَحْكَامَ الْمِلْكِ تُنَافِي أَحْكَامَ الزَّوْجِيَّةِ.

[نكاح الشغار]

(وَ) إنْ دَخَلَ (مَلَكْته بِالدُّخُولِ) لِأَنَّهُ مِنْ الْفَاسِدِ لِعَقْدِهِ فَيُمْلَكُ فِيهِ الْمُسَمَّى بِالدُّخُولِ، وَإِنْ كَانَ لَا ثَبَاتَ لَهُ. (أَوْ كَانَ) النِّكَاحُ (شِغَارًا) فَإِنَّهُ يَكُونُ فَاسِدًا بِأَنْوَاعِهِ الثَّلَاثَةِ، أَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (كَزَوِّجْنِي) بِنْتَكَ مَثَلًا (بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك) ابْنَتِي (بِمِائَةٍ) مَثَلًا فَمَدَارُ الْفَسَادِ عَلَى تَوَقُّفِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، تَسَاوَى الْمَهْرَانِ أَمْ لَا، وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ عَلَى سَبِيلِ الِاتِّفَاقِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ لَجَازَ؛ (وَهُوَ) : أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ: " زَوِّجْنِي " إلَخْ، (وَجْهُهُ) : أَيْ وَجْهُ الشِّغَارِ؛ يُفْسَخُ قَبْلُ، وَيَثْبُتُ بَعْدُ بِالْأَكْثَرِ مِنْ الْمُسَمَّى وَصَدَاقِ الْمِثْلِ. (وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ) لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا (فَصَرِيحُهُ) : أَيْ الشِّغَارِ، (وَإِنْ سَمَّى لِوَاحِدَةٍ) دُونَ الْأُخْرَى (فَمُرَكَّبٌ) مِنْهُمَا. (وَفُسِخَ الصَّرِيحُ وَإِنْ فِي وَاحِدَةٍ أَبَدًا) قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، (وَفِيهِ) : أَيْ الصَّرِيحِ وَإِنْ فِي وَاحِدَةٍ (بِالدُّخُولِ صَدَاقُ الْمِثْلِ) ، وَلَا شَيْءَ فِيهِ قَبْلَهُ كَكُلِّ فَاسِدٍ مُطْلَقًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ لَا ثَبَاتَ لَهُ] : أَيْ لِكَوْنِهِ يُفْسَخُ أَبَدًا وَإِنْ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ، وَيُدْرَأُ الْحَدُّ. [نِكَاح الشِّغَار] قَوْلُهُ: [أَوْ كَانَ النِّكَاحُ شِغَارًا] : الشِّغَارُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ رَفْعُ الْكَلْبِ رِجْلَهُ عِنْدَ الْبَوْلِ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ لُغَةً فِيمَا يُشْبِهُهُ مِنْ رَفْعِ رِجْلِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْجِمَاعِ، ثُمَّ نَقَلَهُ الْفُقَهَاءُ فَاسْتَعْمَلُوهُ فِي رَفْعِ الْمَهْرِ مِنْ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: [وَجْهُهُ] : إنَّمَا سُمِّيَ وَجْهًا لِأَنَّهُ شِغَارٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَمَّى لِكُلٍّ مِنْهُمَا صَدَاقًا فَلَيْسَ بِشِغَارٍ لِعَدَمِ خُلُوِّ الْعَقْدِ عَنْ الصَّدَاقِ، وَمِنْ حَيْثُ تُوقَفُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَشِغَارٌ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ فِيهِمَا كَلَا تَسْمِيَةٍ، وَأَمَّا تَسْمِيَةُ الْقِسْمِ الثَّانِي: صَرِيحَةً فَوَاضِحٌ لِلْخُلُوِّ عَنْ الصَّدَاقِ. وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ وَجْهَ الشِّغَارِ اعْتِنَاءً بِالرَّدِّ عَلَى مَنْ أَجَازَهُ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ صِحَّةُ نِكَاحِ الشِّغَارِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: [كَكُلِّ فَاسِدٍ مُطْلَقًا] : أَيْ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ

(وَثَبَتَ بِهِ) أَيْ بِالدُّخُولِ (الْوَجْهُ) أَيْ وَجْهُ الشِّغَارِ، وَإِنْ فِي وَاحِدَةٍ وَيُفْسَخُ قَبْلَهُ. (وَلَهَا فِيهِ) : أَيْ فِي الْوَجْهِ (بِهِ) أَيْ بِالدُّخُولِ؛ (وَ) لَهَا فِي (مِائَةٍ وَ) شَيْءٍ حَرَامٍ (كَخَمْرٍ أَوْ مِائَةٍ) مَعَ الْمِائَةِ الْحَالَّةِ مُؤَجَّلَةٍ (لِمَجْهُولٍ كَمَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ الْأَكْثَرُ مِنْ الْمُسَمَّى) لِلْمَدْخُولِ بِهَا. (وَصَدَاقُ الْمِثْلِ وَلَوْ زَادَ) صَدَاقُ الْمِثْلِ (عَلَى الْجَمِيعِ) أَيْ الْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ كَمَا لَوْ كَانَ صَدَاقُ الْمِثْلِ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَلَوْ كَانَ مِائَتَيْنِ أَخَذَتْهُمَا لِأَنَّهُمَا أَكْثَرُ مِنْ الْمُسَمَّى الْحَلَالِ وَهُوَ مِائَةٌ وَلَوْ كَانَ صَدَاقُ الْمِثْلِ تِسْعِينَ أَخَذَتْ الْمُسَمَّى وَهُوَ الْمِائَةُ الْحَلَالُ. (وَ) لَوْ كَانَ فِي الْمَهْرِ مَا هُوَ حَالٌّ كَمِائَةٍ حَالَّةٍ وَمَا هُوَ مُؤَجَّلٌ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ كَمِائَةٍ إلَى سَنَةٍ، وَمَا هُوَ مُؤَجَّلٌ بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ كَمَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ فَالْمَجْمُوعُ ثَلَثُمِائَةٍ (قُدِّرَ) صَدَاقُ الْمِثْلِ (بِالْمُؤَجَّلِ الْمَعْلُومِ إنْ كَانَ فِيهِ) مُؤَجَّلٌ مَعْلُومٌ كَمَا مَثَّلْنَا (وَأُلْغِيَ الْمَجْهُولُ) ، لِأَنَّهُ حَرَامٌ، ثُمَّ يُقَالُ: مَا صَدَاقُ مِثْلِهَا عَلَى أَنَّ فِيهِ مِائَةً حَالَّةً وَمِائَةً مُؤَجَّلَةً لِسَنَةٍ؟ فَإِنْ قِيلَ: مِائَتَانِ، فَقَدْ اسْتَوَى الْمُسَمَّى الْحَلَالُ وَصَدَاقُ الْمِثْلِ، وَتَأْخُذُ الْمِائَتَيْنِ مِائَةً حَالَّةً وَمِائَةً مُؤَجَّلَةً لِسَنَةٍ، وَإِنْ قِيلَ: مِائَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا عَدَا الْمُتَرَاضِعَيْنِ وَالْمُتَلَاعِنِينَ وَالدِّرْهَمَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ فِي وَاحِدَةٍ] : أَيْ فَالْمُرَكَّبُ مِنْهُمَا الْمُسَمَّى لَهَا تُعْطِي حُكْمَ وَجْهٍ يَفْسَخُ نِكَاحَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَلَا شَيْءَ لَهَا وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِالْأَكْثَرِ مِنْ الْمُسَمَّى وَصَدَاقِ الْمِثْلِ، وَاَلَّتِي لَمْ يُسَمِّ لَهَا تُعْطَى حُكْمُ صَرِيحِهِ يَفْسَخُ نِكَاحُهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ، وَلَهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ صَدَاقُ الْمِثْلِ وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَيُدْرَأُ الْحَدُّ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ زَادَ صَدَاقُ الْمِثْلِ] إلَخْ: رَدَّ بِلَوْ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ الْقَائِلِ إنَّ لَهَا الْأَكْثَرَ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ وَالْمُسَمَّى الْحَلَالِ إنْ لَمْ يَزِدْ صَدَاقُ الْمِثْلِ عَلَى جَمِيعِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، فَإِنْ زَادَ صَدَاقُ الْمِثْلِ عَلَيْهِمَا فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْجَمِيعُ تَأْخُذُهُ حَالًّا. قَوْلُهُ: [قُدِّرَ صَدَاقُ الْمِثْلِ بِالْمُؤَجَّلِ الْمَعْلُومِ] : اُسْتُشْكِلَ هَذَا بِأَنَّ صَدَاقَ الْمِثْلِ إنَّمَا يُنْظَرُ فِيهِ لِأَوْصَافِ الْمَرْأَةِ مِنْ مَالٍ وَجَمَالٍ وَحَسَبٍ وَنَسَبٍ، وَلَا يُنْظَرُ لِحُلُولٍ وَلَا تَأْجِيلٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّظَرَ لِلْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ عِنْدَ جَهْلِ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ.

[نكاح المتعة]

وَخَمْسُونَ، أَخَذَتْ الْمُسَمَّى وَهُوَ الْمِائَتَانِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ، وَإِنْ قِيلَ: ثَلَثُمِائَةٍ، أَخَذَتْ مِائَتَيْنِ حَالَّتَيْنِ وَمِائَةً مُؤَجَّلَةً لِسَنَةٍ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّدَاقِ مُؤَجَّلٌ مَعْلُومٌ اُعْتُبِرَ الْحَالُّ فَقَطْ وَأُلْغِيَ الْمَجْهُولُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. (وَمَضَى) النِّكَاحُ إنْ وَقَعَ (بِمَنْفَعَةٍ كَدَارٍ) بِالْإِضَافَةِ: أَيْ مَنْفَعَةِ مِثْلِ دَارٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ، (أَوْ تَعْلِيمِهَا قُرْآنًا) كَسُورَةٍ مِنْهُ، (وَإِحْجَاجِهَا، وَلَا فَسْخَ) لِلنِّكَاحِ عَلَى الْمَشْهُورِ، قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي كَوْنِهِ مَنَافِعَ كَخِدْمَتِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً أَوْ تَعْلِيمِهَا قُرْآنًا مَنَعَهُ مَالِكٌ، وَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَجَازَهُ أَصْبَغُ، وَإِنْ وَقَعَ مَضَى الْمَشْهُورُ - انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ: وَإِنْ وَقَعَ مَضَى عَلَى الْمَشْهُورِ، تَفْرِيعٌ عَلَى مَا نَسَبَهُ لِمَالِكٍ مِنْ الْمَنْعِ، وَأَمَّا عَلَى الْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ فَلَا يُخْتَلَفُ فِي الْإِمْضَاءِ، وَإِنَّمَا مَضَى عَلَى الْمَشْهُورِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ. وَمَا شَهَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ - انْتَهَى، وَقِيلَ: الْإِمْضَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [نِكَاح الْمُتْعَة] قَوْلُهُ: [أَيْ مَنْفَعَةِ مِثْلِ دَارٍ] إلَخْ: أَيْ كَأَنْ يَقُولَ: أَتَزَوَّجُك بِمَنَافِعِ دَارِي أَوْ دَابَّتِي أَوْ عَبْدِي سَنَةً، وَيَجْعَلُ تِلْكَ الْمَنَافِعَ صَدَاقَهَا، وَكَأَنْ يَجْعَلُ صَدَاقَهَا خِدْمَتَهُ لَهَا فِي زَرْعٍ أَوْ بِنَاءِ دَارٍ أَوْ سَفَرِ الْحَجِّ مَثَلًا. قَوْلُهُ: [أَوْ تَعْلِيمِهَا قُرْآنًا] إلَخْ: أَيْ وَمِثْلُهُ تَزَوَّجَهَا بِقِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ لَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [تَفْرِيعٌ عَلَى مَا نَسَبَهُ لِمَالِكٍ] إلَخْ: أَيْ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ الْفَسَادِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَنْعِ الْفَسَادُ فَأَفَادَك أَنَّهُ مَمْنُوعٌ وَلَيْسَ بِفَاسِدٍ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ الْإِمْضَاءُ] إلَخْ: ضَعِيفٌ، وَلِذَلِكَ اعْتَرَضَ عَلَى خَلِيلٍ وَقَالُوا الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ، وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ عَمَلِهِ، وَأَمَّا الْجُعْلُ فَقَالَ الْخَرَشِيُّ لَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِ كَأَنْ يَقُولَ لَهَا أَتَزَوَّجُك وَأَجْعَلُ مَهْرَك إتْيَانِي لَك بِعَبْدِك الْآبِقِ، فَالْجَاعِلُ الزَّوْجَةُ وَالْمَجْعُولُ لَهُ هُوَ ذَلِكَ الزَّوْجُ فَهُوَ نِكَاحٌ عَلَى خِيَارٍ وَهُوَ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَا بَعْدَهُ. تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: يُكْرَهُ التَّغَالِي فِي الصَّدَاقِ، وَتَخْتَلِفُ أَحْوَالُ النَّاسِ فِيهِ، فَرُبَّ امْرَأَةٍ يَكُونُ الصَّدَاقُ بِالنِّسْبَةِ لَهَا قَلِيلًا، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ كَثِيرًا وَبِالْعَكْسِ،

[نكاح التفويض ونكاح التحكم والصداق فيهما]

مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِالْكَرَاهَةِ، وَأَمَّا عَلَى الْمَنْعِ فَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِقِيمَةِ الْأُجْرَةِ لِوَقْتِ فَسْخِ الْإِجَارَةِ وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ. (وَجَازَ نِكَاحُ التَّفْوِيضِ) وَالْأَحَبُّ نِكَاحُ التَّسْمِيَةِ. وَنِكَاحُ التَّفْوِيضِ: (عَقْدٌ بِلَا ذِكْرِ) أَيْ تَسْمِيَةِ (مَهْرٍ وَلَا) دُخُولَ عَلَى (إسْقَاطِهِ) ، فَإِنْ دَخَلَا عَلَى إسْقَاطِهِ فَلَيْسَ مِنْ التَّفْوِيضِ بَلْ نِكَاحٌ فَاسِدٌ كَمَا تَقَدَّمَ، (وَلَا صَرْفِهِ) أَيْ الصَّدَاقِ (لِحُكْمِ أَحَدٍ) . (فَإِنْ صُرِفَ) : أَيْ الصَّدَاقُ (لَهُ) أَيْ لِحُكْمِ أَحَدٍ (فَتَحْكِيمٌ) : أَيْ فَهُوَ نِكَاحُ تَحْكِيمٍ وَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا. (وَلَزِمَهَا) : أَيْ الزَّوْجَةَ فِي التَّفْوِيضِ وَكَذَا فِي التَّحْكِيمِ (إنْ فَرَضَ) الزَّوْجُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَا الرِّجَالُ فَالْمُغَالَاةُ مَنْظُورٌ فِيهَا لِحَالِ الزَّوْجَيْنِ، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ الْأَجَلُ فِي الصَّدَاقِ وَلَوْ بِبَعْضِهِ لِئَلَّا يَتَذَرَّعَ النَّاسُ إلَى النِّكَاحِ بِغَيْرِ صَدَاقٍ، وَيُظْهِرُونَ أَنَّ هُنَاكَ صَدَاقًا وَلِمُخَالَفَةِ السَّلَفِ. الثَّانِي: لَوْ أَمَرَ الزَّوْجُ الْوَكِيلَ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ بِأَلْفٍ فَزَوَّجَهُ بِأَلْفَيْنِ، فَإِنْ دَخَلَ فَعَلَيْهِ أَلْفٌ وَغَرِمَ الْوَكِيلُ الْأَلْفَ الثَّانِيَةَ، إنْ ثَبَتَ تَعَدِّيهِ وَإِلَّا حَلَفَ الزَّوْجُ مَا أَمَرَهُ إلَّا بِأَلْفٍ، ثُمَّ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ أَنَّهُ مَا تَعَدَّى وَضَاعَتْ الْأَلْفُ الثَّانِيَةُ عَلَيْهَا، وَمَنْ نَكَلَ غَرِمَ وَتُرَدُّ الْيَمِينُ فِي دَعْوَى التَّحْقِيقِ عَلَى الْقَاعِدَةِ، وَالْمُتَّهَمُ يَغْرَمُ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَرَضِيَ أَحَدُهُمَا بِمَا قَالَ الْآخَرُ لَزِمَ وَإِلَّا يَرْضَ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ مَا أَمَرَهُ إلَّا بِأَلْفٍ، حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا مَا رَضِيَتْ بِهَا، وَإِنْ قَامَتْ لَهَا بَيِّنَةٌ أَنَّهَا مَا رَضِيَتْ بِأَلْفٍ حَلَفَ أَنَّهُ رَضِيَ بِأَلْفَيْنِ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حَلَفَا وَبُدِئَ بِالزَّوْجِ، ثُمَّ يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ وَإِنْ عَلِمَتْ الزَّوْجَةُ بِتَعَدِّي الْوَكِيلِ فَقَطْ، فَيَثْبُتُ النِّكَاحُ بِأَلْفٍ وَبِالْعَكْسِ أَلْفَانِ، وَإِنْ عَلِمَ كُلٌّ بِتَعَدِّي الْوَكِيلِ وَعَلِمَ بِعِلْمِ الْآخَرِ أَوْ انْتَفَى الْعِلْمُ عَنْهُمَا مَعًا فَأَلْفَانِ تَغْلِيبًا لِعِلْمِهِ عَلَى عِلْمِهَا، وَإِنْ عَلِمَ كُلٌّ بِالتَّعَدِّي وَعَلِمَ بِعِلْمِهَا فَقَطْ، وَلَمْ تَعْلَمْ هِيَ بِعِلْمِهِ فَأَلْفٌ وَبِالْعَكْسِ أَلْفَانِ فَمَجْمُوعُ الصُّوَرِ سِتٌّ لَهَا فِي صُورَتَيْنِ أَلْفٌ وَفِي أَرْبَعٍ أَلْفَانِ كَذَا فِي خَلِيلٍ وَشُرَّاحِهِ. [نِكَاح التَّفْوِيض وَنِكَاح التَّحَكُّم وَالصَّدَاق فِيهِمَا] قَوْلُهُ: [وَجَازَ نِكَاحُ التَّفْوِيضِ] : أَيْ يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ فِي ذَلِكَ.

[مهر المثل]

(صَدَاقُ الْمِثْلِ) ، وَلَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ. (وَلَا يَلْزَمُهُ) : أَيْ الزَّوْجَ أَنْ يَفْرِضَ صَدَاقَ الْمِثْلِ بَلْ لَهُ أَنْ يَفْرِضَ أَقَلَّ مِنْهُ، فَإِنْ رَضِيَتْ بِهِ؛ وَإِلَّا قِيلَ لَهُ: إمَّا أَنْ تَزِيدَ وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ الْفَرْضِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَا يَلْزَمُهُ مَا فَرَضَهُ الْمُحَكَّمُ إنْ كَانَ غَيْرَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ فَرْضُ صَدَاقِ الْمِثْلِ إنْ كَانَ هُوَ الْمُحَكَّمَ وَلَهَا طَلَبُ الْفَرْضِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَكُرِهَ تَمْكِينُهَا مِنْ نَفْسِهَا قَبْلَ الْفَرْضِ. (وَ) لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ الْفَرْضِ (اسْتَحَقَّتْهُ) : أَيْ صَدَاقَ الْمِثْلِ (بِالْوَطْءِ) إنْ كَانَ بَالِغًا وَهِيَ مُطِيقَةٌ، وَلَوْ مَعَ مَانِعٍ شَرْعِيٍّ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: لَا أَفْرِضُ إلَّا أَقَلَّ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ. (لَا بِمَوْتٍ) قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَإِنْ ثَبَتَ بِهِ الْإِرْثُ، (أَوْ طَلَاقٍ) قَبْلَهُ (إلَّا أَنْ يَفْرِضَ) لَهَا شَيْئًا (وَتَرْضَى) بِهِ وَلَوْ رُبْعَ دِينَارٍ، فَلَهَا نِصْفُهُ إنْ طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَجَمِيعُهُ إنْ مَاتَ أَوْ مَاتَتْ فَقَوْلُهُ: " إلَّا " إلَخْ رَاجِعٌ لِلْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ، فَإِنْ لَمْ تَرْضَ فَلَا شَيْءَ لَهَا. (وَ) لَوْ فَرَضَ لَهَا الْأَقَلَّ فَمَاتَ أَوْ طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَادَّعَتْ الرِّضَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ الْفَرْضِ] : أَيْ فَلِلزَّوْجِ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ بَعْدَ الْعَقْدِ أَحْوَالٌ، إنْ شَاءَ فَرَضَ صَدَاقَ الْمِثْلِ وَيَلْزَمُهَا ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ فَرَضَ أَقَلَّ مِنْهُ وَلَهَا الْخِيَارُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ الْفَرْضِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا لَا يَلْزَمُهُ مَا فَرَضَهُ الْمُحَكَّمُ] : أَيْ وَلَوْ دُونَ صَدَاقِ الْمِثْلِ، وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ غَيْرَهُ أَيْ غَيْرَ الزَّوْجِ صَادِقٌ بِالْأَجْنَبِيِّ وَالزَّوْجَةِ. [مَهْر الْمِثْل] [تَنْبِيه صَدَاق الْمُهْمَلَة] قَوْلُهُ: [اسْتَحَقَّتْهُ أَيْ صَدَاقَ الْمِثْلِ بِالْوَطْءِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَسْتَحِقُّ صَدَاقَ مِثْلِهَا فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ إلَّا بِالْوَطْءِ وَلَوْ حَرَامًا لَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ كَانَ لَهَا الْمِيرَاثُ وَلَا بِطَلَاقٍ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَوْ بَعْدَ إقَامَتِهَا سَنَةً فَأَكْثَرَ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا إنْ لَمْ يَحْصُلْ فَرْضٌ وَتَرْضَى بِهِ، وَانْظُرْ فِي نِكَاحِ التَّحْكِيمِ هَلْ تَسْتَحِقُّ فِيهِ صَدَاقَ الْمِثْلِ بِالْوَطْءِ أَوْ لَا تَسْتَحِقُّ إلَّا مَا حَكَمَ بِهِ الْمُحَكَّمُ، وَلَوْ حَكَمَ بِهِ بَعْدَ مَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ فَإِنْ تَعَذَّرَ حُكْمُهُ بِكُلِّ حَالٍ كَانَ فِيهِ صَدَاقُ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ تَرْضَ فَلَا شَيْءَ لَهَا] : الْحَاصِلُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الرِّضَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَفْرُوضُ لَهَا أَقَلَّ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَفْرُوضُ

لِتَأْخُذَهُ فِي الْمَوْتِ وَنِصْفَهُ فِي الطَّلَاقِ وَنَازَعَهَا الْوَارِثُ أَوْ الزَّوْجُ، (لَا تُصَدَّقُ فِيهِ) أَيْ فِي الرِّضَا (بَعْدَهُمَا) أَيْ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهَا. (وَلِلرَّشِيدَةِ الرِّضَا بِدُونِهِ) : أَيْ بِدُونِ صَدَاقِ الْمِثْلِ بَعْدُ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ وَالتَّسْمِيَةِ وَلَوْ بِرُبْعِ دِينَارٍ، (وَلِلْأَبِ) فِي مُجْبَرَتِهِ (وَالسَّيِّدِ) فِي أَمَتِهِ الرِّضَا بِدُونِهِ (وَلَوْ بَعْدَ دُخُولٍ) رَاجِعٌ لَهُمَا، (وَلِلْوَصِيِّ) الرِّضَا بِدُونِهِ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا بَعْدَهُ، لِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ لَهَا بِالدُّخُولِ فَإِسْقَاطُ بَعْضِهِ بَعْدَهُ لَيْسَ مِنْ النَّظَرِ، بِخِلَافِ الْأَبِ وَالسَّيِّدِ لِقُوَّةِ تَصَرُّفِهِمَا دُونَ الْوَصِيِّ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: " وَلِلْوَصِيِّ قَبْلَهُ ": وَلَوْ لَمْ تَرْضَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رِضَاهَا بِهِ وَاعْتَمَدَهُ أَبُو الْحَسَنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهَا صَدَاقَ الْمِثْلِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى رِضَاهَا إذْ هُوَ لَازِمٌ لَهَا تَسْتَحِقُّهُ بِالْمَوْتِ وَيَتَشَطَّرُ بِالطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: [لَا تُصَدَّقُ فِيهِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ فَرَضَ لِزَوْجَتِهِ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَمْ يَثْبُتْ رِضَاهَا بِهِ حَتَّى طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ فَبَعْدَ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ ادَّعَتْ أَنَّهَا كَانَتْ رَضِيَتْ بِمَا فَرَضَهُ لَهَا مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ دَعْوَاهَا بِذَلِكَ لَا تُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ فَرَضَ لَهَا صَدَاقَ الْمِثْلِ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ، وَلَمْ يَثْبُتْ رِضَاهَا بِهِ، فَلَمَّا مَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا ادَّعَتْ أَنَّهَا كَانَتْ رَضِيَتْ بِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ كَانَ لَهَا الْجَمِيعُ فِي الْمَوْتِ، وَالنِّصْفُ فِي الطَّلَاقِ، لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ إذَا فَرَضَ لَهَا صَدَاقَ الْمِثْلِ لَزِمَهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهَا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ فَرَضَ لَهَا شَيْئًا قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ، وَإِنَّمَا إذَا ادَّعَتْ ذَلِكَ بَعْدَهُمَا فَلَا تُصَدَّقُ، سَوَاءٌ ادَّعَتْ أَنَّهُ فَرَضَ لَهَا صَدَاقَ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ. قَوْلُهُ: [فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ وَالتَّسْمِيَةِ] : هَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَأَمَّا قَوْلُ الْخَرَشِيِّ أَنَّهُ خَاصٌّ بِنِكَاحِ التَّفْوِيضِ، وَأَمَّا نِكَاحُ التَّسْمِيَةِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الرِّضَا بِدُونِ صَدَاقِ الْمِثْلِ لَا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَا بَعْدَهُ إلَّا لِلْأَبِ فَقَطْ، فَهُوَ غَيْرُ صَوَابٍ بَلْ الرَّشِيدَةُ لَهَا هِبَةُ الصَّدَاقِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَقَبْلَهُ، فَأَحْرَى رِضَاهَا بِدُونِ صَدَاقِ الْمِثْلِ (اهـ بْن نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَلِلْوَصِيِّ الرِّضَا بِدُونِهِ] : أَيْ فِي مَحْجُورَتِهِ السَّفِيهَةِ الْمُوَلَّى عَلَيْهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ مُجْبِرًا أَوْ لَا وَأَرَادَ بِالْوَصِيِّ مَا عَدَا الْأَبَ وَالسَّيِّدَ فَيَشْمَلُ الْوَصِيَّ حَقِيقَةً،

(فَإِنْ فَرَضَ) الزَّوْجُ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ لَهَا شَيْئًا (فِي مَرَضِهِ) قَبْلَ الدُّخُولِ (فَوَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ) فَتَكُونُ بَاطِلَةً، فَإِنْ أَجَازَهَا الْوَارِثُ فَعَطِيَّةٌ مِنْهُ، (وَ) لَوْ فَرَضَ لَهَا أَزْيَدَ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا وَهُوَ مَرِيضٌ (رَدَّتْ) لِلْوَارِثِ (زَائِدَ) مَهْرِ (الْمِثْلِ إنْ وَطِئَ) فِي مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ، لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ وَاسْتَحَقَّتْ بِالْوَطْءِ مَهْرَ الْمِثْلِ، (فَإِنْ صَحَّ) مِنْ مَرَضِهِ (لَزِمَ) الزَّوْجَ جَمِيعُ (مَا فَرَضَهُ) وَلَوْ أَضْعَافَ صَدَاقِ الْمِثْلِ. (وَمَهْرُ الْمِثْلِ) : هُوَ (مَا يَرْغَبُ بِهِ مِثْلُهُ) : أَيْ الزَّوْجِ (فِيهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (بِاعْتِبَارِ دِينٍ) : أَيْ تَدَيُّنٍ مِنْ مُحَافَظَةٍ عَلَى أَرْكَانِ الدِّينِ، وَالْعِفَّةِ وَالصِّيَانَةِ مِنْ حِفْظِ نَفْسِهَا، وَمَالِهَا وَمَالِهِ (وَمَالٍ وَجَمَالٍ وَحَسَبٍ) وَهُوَ مَا يُعَدُّ مِنْ مَفَاخِرِ الْآبَاءِ مِنْ كَرَمٍ وَعِلْمٍ وَحِلْمٍ وَنَجْدَةٍ وَصَلَاحٍ وَإِمَارَةٍ وَنَحْوِهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ النَّسَبِ أَيْضًا هُنَا، (وَبَلَدٍ) فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ الْبِلَادُ؛ فَمَتَى وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَظُمَ مَهْرُهَا. وَمَتَى فُقِدَتْ أَوْ بَعْضُهَا قَلَّ مَهْرُ مِثْلِهَا. فَاَلَّتِي لَا يُعْرَفُ لَهَا أَبٌ وَلَا هِيَ ذَاتُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمُقَدَّمُ الْقَاضِي وَهَذَا حَيْثُ كَانَ فِيهِ نَظَرٌ، وَمَصْلَحَةٌ لَهَا فَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ نَظَرٍ فَلَا يَمْضِي، فَإِنْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ نَظَرٍ بِخِلَافِ الْأَبِ فَإِنَّ فِعَالَهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّظَرِ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُهُ. تَنْبِيهٌ: الْمُهْمَلَةُ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا وَلَا وَصِيَّ وَلَا مُقَدَّمَ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي وَلَمْ يُعْلَمْ حَالُهَا بِرُشْدٍ وَلَا بِسَفَهٍ لَا يَجُوزُ رِضَاهَا بِدُونِ صَدَاقِ الْمِثْلِ وَلَا يَلْزَمُهَا، فَلَوْ كَانَتْ مَعْلُومَةَ السَّفَهِ فَيُتَّفَقُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا الرِّضَا - كَذَا فِي الْخَرَشِيِّ -. قَوْلُهُ: [فَوَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ] : هَذَا ظَاهِرٌ إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً مُسْلِمَةً، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ أَمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً فَقَوْلَانِ: فَقِيلَ يَصِحُّ ذَلِكَ وَيَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ وَارِثٍ فَتُحَاصِصْ بِهِ أَهْلَ الْوَصَايَا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ، أَوْ يَبْطُلُ لِأَنَّهُ إنَّمَا فَرَضَ لِأَجْلِ الْوَطْءِ وَلَمْ يَحْصُلْ فَلَيْسَ مَا وَقَعَ مِنْهُ وَصِيَّةً بَلْ صَدَاقٌ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يُونُسَ وَهُوَ أَحْسَنُ. قَوْلُهُ: [بِاعْتِبَارِ دِينٍ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ اعْتِبَارَ اتِّصَافِهَا بِالْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ إذَا كَانَتْ مُسْلِمَةً حُرَّةً، وَأَمَّا الذِّمِّيَّةُ أَوْ الْأَمَةُ فَلَا يُعْتَبَرُ اتِّصَافُهَا بِالدِّينِ وَلَا بِالنَّسَبِ كَكَوْنِهَا قُرَشِيَّةً، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْمَالُ وَالْجَمَالُ وَالْبَلَدُ.

مَالٍ وَلَا جَمَالٍ وَلَا دِيَانَةٍ وَلَا صِيَانَةٍ، فَمَهْرُ مِثْلِهَا رُبْعُ دِينَارٍ. وَالْمُتَّصِفَةُ بِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ فَمَهْرُ مِثْلِهَا الْأُلُوفُ، وَالْمُتَّصِفَةُ بِبَعْضِهَا بِحَسَبِهِ. وَقَوْلُهُ: " مِثْلُهُ " إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الزَّوْجَ يُعْتَبَرُ حَالُهُ بِالنِّسْبَةِ لِصَدَاقِ الْمِثْلِ أَيْضًا، فَقَدْ يَرْغَبُ فِي تَزْوِيجِ فَقِيرٍ لِقَرَابَةٍ أَوْ صَلَاحٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ حِلْمٍ، وَفِي تَزَوُّجِ أَجْنَبِيٍّ لِمَالٍ أَوْ جَاهٍ. وَيَخْتَلِفُ الْمَهْرُ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ تُعْتَبَرُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ يَوْمَ الْعَقْدِ. (وَاعْتُبِرَتْ) هَذِهِ الْأَوْصَافُ (فِي) النِّكَاحِ (الْفَاسِدِ يَوْمَ الْوَطْءِ) لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَقَرَّرُ بِهِ صَدَاقُ الْمِثْلِ فِي الْفَاسِدِ (كَالشُّبْهَةِ) أَيْ كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ صَدَاقُ الْمِثْلِ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْأَوْصَافِ يَوْمَ الْوَطْءِ. (وَاتَّحَدَ) صَدَاقُ الْمِثْلِ فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ مِرَارًا (إنْ اتَّحَدَتْ الشُّبْهَةُ) وَلَوْ بِالنَّوْعِ وَذَلِكَ (كَالْغَالِطِ بِغَيْرِ عَالِمَةٍ) مِرَارًا وَظَنَّهَا فِي الْأُولَى زَوْجَتَهُ هِنْدًا وَفِي الثَّانِيَةِ دَعْدَ فَلَهَا مَهْرٌ وَاحِدٌ. وَأَوْلَى لَوْ ظَنَّهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَنَّهَا هِنْدٌ وَكَذَا إنْ ظَنَّهَا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى أَمَتَهُ فُلَانَةَ، وَفِي الثَّانِيَةِ أَمَتَهُ الْأُخْرَى، وَأَوْلَى إنْ ظَنَّهَا الْأُولَى، وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ غَيْرُ عَالِمَةٍ لِنَوْمٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ لِظَنِّهَا أَنَّهُ زَوْجُهَا أَوْ سَيِّدُهَا. وَأَمَّا الْعَالِمَةُ بِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ فَزَانِيَةٌ لَا مَهْرَ لَهَا وَتُحَدُّ. (وَإِلَّا) تَتَّحِدْ الشُّبْهَةُ بِأَنْ تَعَدَّدَتْ - كَأَنْ يَطَأَ غَيْرَ الْعَالِمَةِ يَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ ثُمَّ وَطِئَهَا يَظُنُّهَا أَمَتَهُ - (تَعَدَّدَ) الْمَهْرُ بِتَعَدُّدِ الْوَطْءِ وَالظُّنُونِ. (كَالزِّنَا بِهَا) : أَيْ بِغَيْرِ الْعَالِمَةِ يَتَعَدَّدُ الْمَهْرُ عَلَيْهِ بِتَعَدُّدِ الْوَطْءِ لِعُذْرِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [تُعْتَبَرُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ يَوْمَ الْعَقْدِ] : مَا ذَكَرَهُ مِنْ اعْتِبَارِ يَوْمِ الْعَقْدِ فِي الصَّحِيحِ مُطْلَقًا وَلَوْ تَفْوِيضًا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ اتِّصَافُهَا بِالْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ يَوْمَ الْبِنَاءِ إنْ دَخَلَ، وَيَوْمَ الْحُكْمِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ، إذْ لَوْ شَاءَ لَطَلَّقَ قَبْلَ ذَلِكَ وَنَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ عِيَاضٍ. قَوْلُهُ: [الْفَاسِدُ يَوْمَ الْوَطْءِ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِالنَّوْعِ] : الْبَاء لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ إنْ اتَّحَدَتْ الشُّبْهَةُ بِسَبَبِ اتِّحَادِ النَّوْعِ أَوْ الشَّخْصِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَا تَكُونُ مُتَّحِدَةً إلَّا إذَا اتَّحَدَ النَّوْعُ أَوْ الشَّخْصُ فَمَا كَانَ بِالتَّزْوِيجِ نَوْعٌ وَمَا كَانَ بِالْمِلْكِ نَوْعٌ.

[تشطر الصداق وضمانه والهدايا قبل العقد وبعده]

بِعَدَمِ الْعِلْمِ. وَسَمَّاهُ زِنًا بِالنِّسْبَةِ لَهُ لَا لَهَا، (أَوْ) الزِّنَا (بِالْمُكْرَهَةِ) يَتَعَدَّدُ لَهَا الْمَهْرُ بِتَعَدُّدِ الْوَطْءِ عَلَى الْوَاطِئِ وَلَوْ كَانَ الْمُكْرِهُ لَهَا غَيْرَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَالِمَةَ الْمُخْتَارَةَ لَا مَهْرَ لَهَا وَعَلَيْهَا الْحَدُّ لِأَنَّهَا زَانِيَةٌ، بِخِلَافِ الْمُكْرَهَةِ وَغَيْرِ الْعَالِمَةِ فَلَهَا الْمَهْرُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: عِلْمُهُمَا مَعًا وَهُوَ زِنًا مِنْ الطَّرَفَيْنِ، عِلْمُهَا دُونَهُ، وَهُوَ زِنًا مِنْهَا لَا شَيْءَ لَهَا وَتُحَدُّ، جَهْلُهُمَا مَعًا وَفِيهِ الْمَهْرُ وَيَتَعَدَّدُ إنْ تَعَدَّدَتْ الشُّبْهَةُ لَا إنْ اتَّحَدَتْ، عِلْمُهُ دُونَهَا فَهُوَ زَانٍ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْوَطْءِ. وَالْمُرَادُ بِالْوَطْءِ: إيلَاجُ الْحَشَفَةِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى تَشَطُّرِ الصَّدَاقِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ بِالطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَقَالَ: (وَتَشَطَّرَ هُوَ) : أَيْ الصَّدَاقُ فِي نِكَاحِ التَّسْمِيَةِ أَوْ التَّفْوِيضِ إذَا فَرَضَ صَدَاقَ الْمِثْلِ أَوْ مَا رَضِيَتْ بِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَمَعْنَى تَشَطَّرَ: تَنَصَّفَ (وَ) تَشَطَّرَ (مَزِيدٌ) لَهَا عَلَى الصَّدَاقِ، وَأَبْرَزَ الضَّمِيرَ بِقَوْلِهِ: " هُوَ " لِأَجْلِ عَطْفِ مَزِيدٍ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَهُوَ زِنًا مِنْ الطَّرَفَيْنِ] : أَيْ حَيْثُ كَانَتْ مُخْتَارَةً وَإِلَّا لَزِمَهُ الْمَهْرُ وَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: [عِلْمُهَا دُونَهُ] : هَذَا وَمَا قَبْلَهُ يُفْهَمَانِ مِنْ قَوْلِهِ كَالْغَالِطِ بِغَيْرِ عَالِمَةٍ. قَوْلُهُ: [جَهْلُهُمَا مَعًا] : هُوَ مَنْطُوقُ قَوْلِهِ كَالْغَالِطِ بِغَيْرِ عَالِمَةٍ. قَوْلُهُ: [عِلْمُهُ دُونَهَا] : مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ كَالزِّنَا بِهَا، فَالْأَرْبَعَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ كَلَامِهِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا. وَاعْلَمْ أَنَّ اتِّحَادَ الشُّبْهَةِ وَتَعَدُّدَهَا إنَّمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمَا بِغَيْرِ يَمِينٍ. قَوْلُهُ: [إيلَاجُ الْحَشَفَةِ] إلَخْ: أَيْ خِلَافًا لِ (عب) حَيْثُ قَالَ وَالظَّاهِرُ تَبَعًا لَهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَطْءِ مَا فِيهِ إنْزَالٌ فَإِنَّهُ غَيْرُ صَوَابٍ كَمَا فِي (بْن) . [تشطر الصَّدَاق وَضَمَانه وَالْهَدَايَا قَبْل الْعَقْد وبعده] قَوْلُهُ: [وَتَشَطَّرَ هُوَ] إلَخْ: أَيْ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ كَمَا يَأْتِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] ثُمَّ إنْ تَشَطَّرَ الصَّدَاقُ بِالطَّلَاقِ ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ كُلَّ الصَّدَاقِ، وَكَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ شَيْئًا لِأَنَّ التَّشْطِيرَ إمَّا مِنْ مِلْكِهَا أَوْ مِنْ مِلْكِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ

الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ فِي " تَشَطَّرَ ". قَالَ فِي الْأَلْفِيَّةِ: وَإِنْ عَلَى ضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَّصِلْ عَطَفْت فَافْصِلْ بِالضَّمِيرِ الْمُنْفَصِلْ. إلَى آخِرِهِ (لَهُ) : أَيْ لِأَجْلِ الصَّدَاقِ (بَعْدَ الْعَقْدِ) مُتَعَلِّقٌ بِ " مَزِيدٍ "، أَيْ أَنَّ مَا يَزِيدُ عَلَى الصَّدَاقِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الصَّدَاقِ، فَإِنَّهُ يَتَشَطَّرُ كَالصَّدَاقِ. وَمَعْنَى زِيَادَتِهِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الصَّدَاقِ بِأَنْ يُقَالَ لَهُ: مَا جَعَلْته مِنْ الصَّدَاقِ وَوَقَعَ عَلَيْهِ التَّرَاضِي هُوَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ لِلزَّوْجَةِ، أَوْ تَقُومُ قَرِينَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَيَزِيدُهَا شَيْئًا عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَانَ مُؤَجَّلًا بِأَجَلِهِ أَمْ لَا. وَإِذَا كَانَ الْمَزِيدُ بَعْدَ الْعَقْدِ يَتَشَطَّرُ فَأَوْلَى الْمَزِيدُ فِي الْعَقْدِ أَوْ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَدَاقٍ. وَأَشْعَرَ لَفْظُ " مَزِيدٍ " أَنَّهُ مِنْ الصَّدَاقِ لِأَنَّ الْمَزِيدَ عَلَى الشَّيْءِ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَقَوْلُهُ لَهُ: " أَيْ لِأَجْلِ الصَّدَاقِ " زِيَادَةُ تَوْكِيدٍ فِي الْبَيَانِ. فَالْمَزِيدُ غَيْرُ الْهَدِيَّةِ، وَأَمَّا الْهَدِيَّةُ مِنْ نَحْوِ فَوَاكِهَ وَحَلْوَى وَسُكَّرٍ وَبُنٍّ وَخِمَارٍ وَعِمَامَةٍ، فَإِنْ وَقَعَتْ حَالَ الْعَقْدِ أَوْ قَبْلَهُ تَشَطَّرَتْ، سَوَاءٌ كَانَتْ لَهَا أَوْ لِوَلِيِّهَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا كَأُمِّهَا وَأُخْتِهَا وَخَالِهَا، وَمِنْ ذَلِكَ الْخَاتَمُ الَّذِي يُرْسِلُهُ لَهَا قَبْلَ الْعَقْدِ وَبَعْدَ الْخِطْبَةِ، وَسَوَاءٌ اشْتَرَطَتْ أَوْ لَمْ تَشْتَرِطْ. خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ الشَّيْخِ، وَإِنْ وَقَعَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهَا اخْتَصَّ بِهَا ذَلِكَ الْغَيْرُ وَلَا تَشْطِيرَ لِأَنَّهَا صَارَتْ صِلَةً مَحْضَةً، وَإِنْ كَانَتْ لَهَا اخْتَصَّتْ بِهَا وَإِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَ) تَشَطَّرَتْ (هَدِيَّةٌ لَهَا) أَيْ لِلزَّوْجَةِ (أَوْ لِكَوَلِيِّهَا قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ حَالَ الْعَقْدِ، وَلَوْ لَمْ تَشْتَرِطْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّصْفَ فَالتَّشْطِيرُ فِي الطَّلَاقِ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ مُتَشَطِّرٌ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَعْنَى تَحَتَّمَ تَشْطِيرُهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُعَرَّضًا لِتَكْمِيلِهِ. قَوْلُهُ: [الْمُتَّصِلُ فِي تَشَطَّرَ] : أَيْ الْمُسْتَتِرُ فِيهِ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ وَزِيَادَةٌ. قَوْلُهُ: [فِي الْعَقْدِ] : أَيْ فِي مَجْلِسِهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ قَبْلَهُ أَيْ كَوَقْتِ الْخِطْبَةِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْهَدِيَّةُ] إلَخْ: حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ الْهَدِيَّةَ مَتَى كَانَتْ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ حِينَهُ فَإِنَّهَا تَتَشَطَّرُ، سَوَاءٌ اُشْتُرِطَتْ أَوْ لَا كَانَتْ لَهَا أَوْ لِغَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَا يَتَأَتَّى اشْتِرَاطُهَا، فَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهَا فَلَا تَتَشَطَّرُ، وَإِنْ كَانَتْ لَهَا اقْتَضَتْ بِهَا وَلَا تَتَشَطَّرُ عَلَى الرَّاجِحِ.

(وَلَهَا) أَيْ وَلِلزَّوْجَةِ إذَا تَشَطَّرَ مَا أُهْدِيَ لِوَلِيِّهَا وَنَحْوِهِ (أَخْذُهَا) أَيْ الْهَدِيَّةِ (مِنْهُ) : أَيْ مِنْ الْوَلِيِّ وَنَحْوِهِ أَيْ لَهَا أَخْذُ نِصْفِهَا، وَلِلزَّوْجِ أَخْذُ نِصْفِهَا الْآخَرِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تَأْخُذُ الْجَمِيعَ ثُمَّ يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ إذْ الْإِهْدَاءُ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا (بِخِلَافِ مَا أُهْدِيَ لَهُ) أَيْ لِلْوَلِيِّ وَنَحْوِهِ، (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْعَقْدِ، فَلَيْسَ لَهَا أَخْذُهُ مِنْهُ وَيَخْتَصُّ بِهِ الْمُهْدَى لَهُ: (بِالطَّلَاقِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ " تَشَطَّرَ ": أَيْ يَتَشَطَّرُ بِطَلَاقِهَا، (قَبْلَ الْوَطْءِ) وَمِثْلُ الْوَطْءِ إقَامَةُ سَنَةٍ بِبَيْتِ زَوْجِهَا، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ تَشَطَّرَ وَبَعْدَ تَمَامِهَا تَقَرَّرَ كُلُّهُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ. (لَا مَا أَهْدَى) عَطْفٌ عَلَى مَزِيدٍ: أَيْ لَا يَتَشَطَّرُ مَا أَهْدَى لِلزَّوْجَةِ أَوْ غَيْرِهَا (بَعْدَ الْعَقْدِ) وَقَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، (وَإِنْ) كَانَ مَا أَهْدَى لَهَا قَائِمًا بِيَدِهَا (لَمْ يَفُتْ) فَأَوْلَى إنْ فَاتَ. (إلَّا أَنْ) يَكُونَ النِّكَاحُ فَاسِدًا، وَ (يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَيَأْخُذُ) الزَّوْجُ (الْقَائِمُ مِنْهَا) : أَيْ مِنْ الْهَدِيَّةِ لَا مَا فَاتَ إلَّا أَنْ يُفْسَخَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْهَا، (أَوْ) إلَّا أَنْ (يَجْرِيَ بِهَا أَيْ) : بِالْهَدِيَّةِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْبِنَاءِ (الْعُرْفُ) ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَخْذُهَا أَيْ الْهَدِيَّةِ مِنْهُ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا طَلُقَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَتَشَطَّرَ مَا أَخَذَهُ وَلِيُّهَا مِنْ الْهَدِيَّةِ حِينَ الْعَقْدِ أَوْ قَبْلَهُ، فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَى وَلِيِّهَا وَتَأْخُذَ مِنْهُ النِّصْفَ الَّذِي بَقِيَ بَعْدَ التَّشْطِيرِ، وَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ الْآخَرُ يَأْخُذُهُ مِنْ الْوَلِيِّ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مُطَالَبَتُهَا بِالنِّصْفِ الَّذِي أَخَذَهُ الْوَلِيُّ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ لِلْوَلِيِّ لَيْسَ مِنْهَا، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الزَّوْجِ وَحِينَئِذٍ فَيَتَّبِعُهُ بِهِ. قَوْلُهُ: [وَيَخْتَصُّ بِهِ الْمُهْدَى لَهُ] : أَيْ لِأَنَّهُ مَحْضُ عَطِيَّةٍ مِنْ الزَّوْجِ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ النِّكَاحِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [كَمَا تَقَدَّمَ] : أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَتَكَمَّلُ بِالْوَطْءِ أَوْ بِإِقَامَةِ سَنَةٍ بِبَيْتِ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ أَوْ بِالْمَوْتِ. قَوْلُهُ: [فَيَأْخُذُ الزَّوْجُ الْقَائِمُ مِنْهَا] : أَيْ وَلَوْ كَانَ مُتَغَيِّرًا لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ عَلَى الْفِرَاقِ. قَوْلُهُ: [فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْهَا] : أَيْ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى سِلْعَتَهَا.

فَإِنَّهُ يَتَشَطَّرُ كَالْمَهْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُقْضَى بِهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ نَظَرًا لِلْعُرْفِ وَيَتَكَمَّلُ بِالْمَوْتِ، وَقِيلَ لَا يُقْضَى بِهِ فَيَكُونُ كَالْمُتَطَوِّعِ بِهِ لَا يَتَشَطَّرُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَرْجَحِ. وَإِلَى هَذَا الْخِلَافِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَفِي الْقَضَاءِ بِهِ) : أَيْ بِمَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ مِنْ الْهَدِيَّةِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَ الْعَقْدِ (قَوْلَانِ) : قِيلَ يُقْضَى بِهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ نَظَرًا لِلْعُرْفِ، وَقِيلَ لَا يُقْضَى بِهِ. (وَضَمَانُهُ) : أَيْ الصَّدَاقِ (إنْ هَلَكَ) بَعْدَ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ مَاتَ أَوْ حَرَقَ أَوْ سَرَقَ أَوْ تَلِفَ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطِ أَحَدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ، وَثَبَتَ هَلَاكُهُ (بِبَيِّنَةٍ) أَوْ بِإِقْرَارِهِمَا عَلَيْهِ؛ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَمْ لَا. كَانَ بِيَدِ الزَّوْجَةِ أَوْ الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِمَا، (أَوْ) لَمْ تَقُمْ عَلَى هَلَاكِهِ بَيِّنَةٌ وَ (كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ) كَالْحَوَائِطِ وَالزَّرْعِ وَالْحَيَوَانِ (مِنْهُمَا) مَعًا إذَا طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ؛ فَلَا رُجُوعَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ. وَيَحْلِفُ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ أَنَّهُ مَا فَرَّطَ إنْ اُتُّهِمَ. (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَمْ تَقُمْ عَلَى هَلَاكِهِ بَيِّنَةٌ، (فَمِنْ الَّذِي بِيَدِهِ) ضَمَانٌ فَيَغْرَمُ النِّصْفَ لِصَاحِبِهِ. (وَتَعَيَّنَ) لِلتَّشْطِيرِ (مَا اشْتَرَتْهُ) بِالْمَهْرِ (لِلْجِهَازِ) مِنْ فُرُشٍ وَغِطَاءٍ وَوَسَائِدَ وَأَوَانٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جِهَازَ أَمْثَالِهَا، وَسَوَاءٌ اشْتَرَتْهُ مِنْ زَوْجِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا يُجَابُ لِقِسْمَةِ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ الَّتِي دَفَعَهَا لَهَا، نَمَا مَا اشْتَرَتْهُ أَوْ نَقَصَ، وَاذَا طَلَبَتْ هِيَ قِسْمَةَ الْأَصْلِ لَا تُجَابُ لِذَلِكَ إلَّا بِرِضَاهُمَا مَعًا. وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَتْ مَا لَا يَصْلُحُ لِلْجِهَازِ، كَعَبْدٍ وَدَارٍ وَفَرَسٍ، (فَإِنْ اشْتَرَتْهُ مِنْ غَيْرِ زَوْجِهَا فَلَا يَتَعَيَّنُ قِسْمَتُهُ) ، وَالْكَلَامُ لِمَنْ أَرَادَ قِسْمَةَ الْأَصْلِ، وَإِنْ اشْتَرَتْهُ مِنْ زَوْجِهَا تَعَيَّنَ التَّشْطِيرُ كَالْجِهَازِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (كَلِغَيْرِهِ مِنْ زَوْجِهَا) : أَيْ كَمَا يَتَعَيَّنُ مَا اشْتَرَتْهُ لِغَيْرِ الْجِهَازِ إذَا كَانَ مِنْ زَوْجِهَا، وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَيَتَعَيَّنُ مَا اشْتَرَتْهُ مِنْ الزَّوْجِ بِهِ مِنْ عَبْدٍ أَوْ دَارٍ أَوْ غَيْرِهِ نَمَا أَوْ نَقَصَ أَوْ تَلِفَ وَكَأَنَّهُ أَصْدَقَهَا إيَّاهُ (اهـ) . وَأَصْلُهُ لِلْمُدَوَّنَةِ وَأَبْقَاهَا أَكْثَرُهُمْ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ عَلَى مَا إذَا قَصَدَتْ بِشِرَاءِ مَا ذُكِرَ مِنْ زَوْجِهَا الرِّفْقَ وَالتَّخْفِيفَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ تَقْصِدْ ذَلِكَ فَلَا يَتَعَيَّنُ لِلتَّشْطِيرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[التزام الزوجة التجهيز]

وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَهَلْ مُطْلَقًا؟ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَوْ إنْ قَصَدَتْ التَّخْفِيفَ؟ تَأْوِيلَانِ) . (1) (وَسَقَطَ الْمَزِيدُ بَعْدَ الْعَقْدِ) عَنْ الزَّوْجِ (بِكَالْمَوْتِ) : أَيْ بِمَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ فَلَسِهِ، (قَبْلَ الْقَبْضِ) : أَيْ قَبْلَ قَبْضِ الزَّوْجَةِ لَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، فَإِنْ بَنَى بِهَا اسْتَحَقَّتْهُ، وَأَمَّا مَوْتُ الزَّوْجَةِ قَبْلُ فَلَا يُسْقِطُ الْمَزِيدَ بَعْدَ الْعَقْدَ. وَمَفْهُومُ " مَزِيدٍ بَعْدَ الْعَقْدِ " أَنَّ الْمَزِيدَ قَبْلَهُ لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ قَبْلُ كَأَصْلِ الْمَهْرِ، بَلْ يَتَقَرَّرُ بِهِ كَأَصْلِهِ. (وَلَزِمَهَا) أَيْ الزَّوْجَةَ (التَّجْهِيزُ بِمَا قَبَضَتْهُ) مِنْ الْمَهْرِ (قَبْلَ الْبِنَاءِ) كَانَ حَالًّا أَصَالَةً أَوْ حَلَّ بَعْدَ أَجَلِهِ، فَإِنْ لَمْ تَقْتَضِ شَيْئًا قَبْلَ الْبِنَاءِ مِنْ الْحَالِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَسْأَلَةٌ: ذَكَرَ ابْنُ سَلْمُونَ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَى الْمَرْأَةِ بِكِسْوَةِ الرَّجُلِ عِنْدَ الدُّخُولِ إذَا جَرَى بِهَا عُرْفٌ أَوْ اُشْتُرِطَتْ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْفَائِقِ عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ لَكِنْ قَالَ فِي التُّحْفَةِ: وَشَرْطُ كِسْوَةٍ مِنْ الْمَحْظُورِ لِلزَّوْجِ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَلَّلُوهُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، وَقَالَ ابْنُ النَّاظِمِ فِي شَرْحِ التُّحْفَةِ مَا لِابْنِ سَلَمُونَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَلَكِنْ جَرَى بِهِ الْعَمَلُ (اهـ بْن نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ) . تَنْبِيهٌ: صَحَّ الْقَضَاءُ عَلَى الزَّوْجِ بِالْوَلِيمَةِ وَهِيَ طَعَامُ الْعُرْسِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَسَيَأْتِي نَدْبُهَا وَهُوَ الرَّاجِحُ فَلَا يُقْضَى بِهَا مَا لَمْ تُشْتَرَطْ أَوْ يَجْرِي بِهَا عُرْفٌ كَمَا أَنَّ أُجْرَةَ النَّاشِطَةَ وَالدُّفِّ وَالْكَبَرِ وَالْحَمَّامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا يُقْضَى بِهِ إلَّا لِعُرْفٍ أَوْ شَرْطٍ. (2) قَوْلُهُ: [وَسَقَطَ الْمَزِيدُ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ هِبَةٌ لَمْ تُحَزْ فَتَسْقُطُ بِمَوْتِ الْوَاهِبِ أَوْ فَلَسِهِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَسْقُطُ الْمَزِيدُ بَعْدَ الْعَقْدِ] : أَيْ بَلْ يَتَكَمَّلُ بِالْمَوْتِ كَمَا يَتَشَطَّرُ بِالطَّلَاقِ فَلَيْسَ عَطِيَّةً مَحْضَةً. قَوْلُهُ: [لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ] : أَيْ مَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ فَلَسِهِ. [الْتِزَام الزَّوْجَة التَّجْهِيز] قَوْلُهُ: [كَانَ حَالًّا أَصَالَةً] إلَخْ: هَذَا قَوْلُ ابْنِ زَرْبٍ وَشَهَرَهُ الْمُتَيْطِيُّ، وَقَالَ ابْنُ فَتْحُونٍ: إنَّمَا يَلْزَمُهَا التَّجْهِيزُ بِمَا قَبَضَتْهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ إنْ كَانَ حَالًّا،

أَوْ مِمَّا حَلَّ لَمْ يَلْزَمْهَا تَجْهِيزٌ وَتَصْنَعُ بِهِ إذَا قَبَضَتْهُ مَا شَاءَتْ إلَّا لِشَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ، وَقَوْلُهُ: (عَلَى الْعَادَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِ " التَّجْهِيزِ " أَيْ: يَلْزَمُهَا التَّجْهِيزُ عَلَى عَادَةِ أَمْثَالِهَا فِي الْبَلَدِ. وَلَا يَلْزَمُهَا تَجْهِيزٌ بِأَكْثَرَ مِمَّا قَبَضَتْهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ إلَّا لِشَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ، وَإِذَا دَعَاهَا لِقَبْضِ الْحَالِّ قَبْلَ الْبِنَاءِ لِتَتَجَهَّزَ بِهِ وَامْتَنَعَتْ قَضَى لَهُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ. (وَلَا تَقْضِي) مِمَّا قَبَضَتْهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ (دَيْنًا) : أَيْ لَا يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ لِمَا عَلِمْت أَنَّ عَلَيْهَا التَّجْهِيزَ بِهِ، (وَلَا تُنْفِقُ) عَلَى نَفْسِهَا (مِنْهُ إلَّا الْمُحْتَاجَةَ) فَتُنْفِقُ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ بِالْمَعْرُوفِ، (وَ) إلَّا الدَّيْنَ الْقَلِيلَ (كَالدِّينَارِ) مِنْ مَهْرٍ كَثِيرٍ فَيَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ، ثُمَّ إنْ طَلُقَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ حَسَبَ عَلَيْهَا مَا أَنْفَقَتْ أَوْ مَا قَبَضَتْ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا إنْ كَانَ مُؤَجَّلًا وَحَلَّ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا حَقَّ لِلزَّوْجِ فِي التَّجْهِيزِ بِهِ، وَلِغُرَمَائِهَا أَخْذُهُ فِي دُيُونِهِمْ مِثْلُ مَا قُبِضَ بَعْدَ الْبِنَاءِ. وَحَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّ الزَّوْجَةَ الرَّشِيدَةَ الَّتِي لَهَا قَبْضُ صَدَاقِهَا إذَا قَبَضَتْ الْحَالَّ مِنْ صَدَاقِهَا قَبْلَ بِنَاءِ الزَّوْجِ بِهَا، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا أَنْ تَتَجَهَّزَ بِهِ عَلَى الْعَادَةِ مِنْ حَضَرٍ أَوْ بَدْوٍ حَتَّى لَوْ كَانَ الْعُرْفُ شِرَاءَ خَادِمٍ أَوْ دَارٍ لَزِمَهَا ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَتَجَهَّزَ بِأَزْيَدَ مِنْهُ إلَّا لِشَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ، وَمِثْلُ حَالِّ الصَّدَاقِ إذَا عَجَّلَ لَهَا الْمُؤَجَّلَ وَكَانَ نَقْدًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُهَا قَبُولُهُ لِأَنَّ مَا يَقَعُ فِي مُقَابَلَةِ الْعِصْمَةِ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَنِ إذَا كَانَ نَقْدًا، وَعَجَّلَهُ الْمُشْتَرِي أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِهِ وَلَا يُجَابُ لِتَأْخِيرِهِ لِأَجَلِهِ. قَوْلُهُ: [لَمْ يَلْزَمْهَا تَجْهِيزٌ] إلَخْ: مِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ الصَّدَاقُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ حَيَوَانًا أَوْ عُرُوضًا أَوْ عَقَارًا، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ بَيْعُهُ لِتَتَجَهَّزَ بِهِ كَمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَرَوَاهُ ابْنُ سَهْلٍ عَنْ ابْنِ زَرْبٍ، وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: يَجِبُ بَيْعُهُ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ يَقْصِدْ الزَّوْجُ تَجْهِيزَهَا بِهِ، وَإِلَّا وَجَبَ الْبَيْعُ، وَفِي جَوَازِ بَيْعِهَا الْعَقَارَ الْمَدْفُوعَ فِي صَدَاقِهَا قَوْلَانِ مَحَلُّهُمَا حَيْثُ لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِالْبَيْعِ أَوْ بِعَدَمِهِ وَإِلَّا عُمِلَ بِهِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ بَيْعِهِ يَأْتِي الزَّوْجُ بِالْغِطَاءِ وَالْوِطَاءِ الْمُنَاسِبَيْنِ. قَوْلُهُ: [قَضَى لَهُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا دَعَا زَوْجَتَهُ لِقَبْضِ مَا اتَّصَفَ بِالْحُلُولِ مِنْ صَدَاقِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ حَالًّا فِي الْأَصْلِ أَوْ حَلَّ بَعْدَ مُضِيِّ أَجَلِهِ لِأَجْلِ أَنْ تَتَجَهَّزَ بِهِ، وَامْتَنَعَتْ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهَا بِقَبْضِ ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ.

ذَلِكَ مِنْ أَصْلِ مَا يَخُصُّهَا مِنْ النِّصْفِ. (2) (و) لَوْ ادَّعَى الْأَبُ أَوْ غَيْرُهُ أَنَّ بَعْضَ الْجِهَازِ لَهُ وَخَالَفَتْهُ الْبِنْتُ أَوْ الزَّوْجُ (قُبِلَ دَعْوَى الْأَبِ فَقَطْ) لَا الْأُمِّ وَالْجَدِّ وَالْجَدَّةِ (فِي إعَارَتِهِ لَهَا) إنْ كَانَتْ دَعْوَاهُ (فِي السَّنَةِ) مِنْ يَوْمِ الْبِنَاءِ، وَكَانَتْ الْبِنْتُ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا وَهِيَ فِي وِلَايَتِهِ قِيَاسًا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَسْأَلَةٌ: لَوْ طَالَبَ أَوْلِيَاءُ الْمَرْأَةِ الزَّوْجَ بِمِيرَاثِهِمْ مِنْ صَدَاقِهَا لِمَوْتِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَدْ كَانَ اشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ تَجْهِيزَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ صَدَاقِهَا، أَوْ جَرَى عُرْفٌ بِذَلِكَ فَطَالَبَهُمْ بِإِبْرَازِ جِهَازِهَا لِيَنْظُرَ قَدْرَ مِيرَاثِهِ مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إبْرَازُهُ عِنْدَ الْمَازِرِيِّ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: يَلْزَمُهُمْ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ جَمِيعُ مَا سَمَّى مِنْ الصَّدَاقِ، بَلْ صَدَاقُ مِثْلِهَا عَلَى أَنَّهَا تُجَهَّزُ بِمَا يُقْبَضُ قَبْلَ الْبِنَاءِ جِهَازَ مِثْلِهَا، وَيُحِيط عَنْهُ مَا زَادَ لِأَجْلِ جِهَازِهَا الْمُشْتَرَطِ أَوْ الْمُعْتَادِ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ دَعْوَى الْأَبِ] إلَخْ: حَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهَا إمَّا رَشِيدَةً أَوْ غَيْرَ رَشِيدَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ رَشِيدَةً فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى مُدَّعٍ إعَارَتَهَا لَا فِي السَّنَةِ وَلَا بَعْدَهَا حَيْثُ خَالَفَتْ الْمُدَّعِي وَلَمْ تُصَدِّقْهُ كَانَ الْمُدَّعِي أَبًا أَوْ غَيْرَهُ، مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ الْمُدَّعَى بِهِ لِلْمُدَّعِي وَإِلَّا قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينٍ، وَلَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا أَوْ يَشْهَدُ عَلَى الْإِعَارَةِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تُخَالِفْ الْمُدَّعِي بَلْ صَدَّقَتْهُ أَوْ أَخَذَتْ بِإِقْرَارِهَا كَانَتْ الدَّعْوَى بَعْدَ السَّنَةِ أَوْ قَبْلَهَا كَانَ الْمُدَّعِي أَبًا أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا وَأَمَّا إنْ كَانَتْ غَيْرَ رَشِيدَةٍ بِأَنْ كَانَتْ مُوَلًّى عَلَيْهَا بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا سَفِيهَةً، وَهَذِهِ هِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى غَيْرِ الْأَبِ عَلَيْهَا، سَوَاءٌ صَدَّقَتْهُ أَوْ خَالَفَتْهُ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَصْلُ ذَلِكَ الْمُدَّعَى بِهِ لِلْمُدَّعِي، وَإِلَّا قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينٍ وَأَخَذَهُ وَلَوْ بَعْدَ السَّنَةِ، وَأَمَّا الْأَبُ فَتُقْبَلُ دَعْوَاهُ عَلَيْهَا فِي السَّنَةِ إذَا كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ الْمُدَّعَى بِهِ يُوَفِّي بِالْجِهَازِ الْمُشْتَرَطِ أَوْ الْمُعْتَادِ، فَإِنْ ادَّعَى بَعْدَ السَّنَةِ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ مَا لَمْ يُعْرَفْ أَنَّ أَصْلَ الْمُدَّعَى بِهِ لَهُ أَوْ يَشْهَدْ عَلَى الْعَارِيَّةِ. قَوْلُهُ: [لَا الْأُمِّ وَالْجَدِّ] إلَخْ: أَيْ وَغَيْرِهِمْ، سَوَاءٌ كَانَتْ دَعْوَاهُمْ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا مَا لَمْ يَثْبُتْ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ الْمُبْتَاعِ الْمُدَّعَى أَنَّهُ عَارِيَّةٌ لَهُمْ، وَإِلَّا حَلَفَ مُدَّعِيهِ وَأَخَذَهُ وَلَوْ بَعْدَ السَّنَةِ. قَوْلُهُ: [إنْ كَانَتْ دَعْوَاهُ فِي السَّنَةِ] إلَخْ: شُرُوعٌ فِي شُرُوطِ قَبُولِ دَعْوَى الْأَبِ.

عَلَى الْبِكْرِ، بِخِلَافِ ثَيِّبٍ لَيْسَتْ فِي وِلَايَتِهِ وَكَانَ مَا بَقِيَ مِنْ الْجِهَازِ بَعْدَمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْعَارِيَّةِ يَفِي بِجِهَازِهَا الْمُعْتَادِ أَوْ الْمُشْتَرَطِ، وَإِنْ زَادَ عَلَى الصَّدَاقِ فَالشُّرُوطُ ثَلَاثَةٌ، وَمِثْلُ الْأَبِ وَصِيُّهُ فَيُقْضَى لَهُ بِهِ، (وَإِنْ خَالَفَتْهُ ابْنَتُهُ، لَا بَعْدَهَا) : أَيْ السَّنَةِ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ. (إلَّا أَنْ يَشْهَدَ) عِنْدَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ بِقُرْبٍ أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ عَارِيَّةٌ عِنْدَ بِنْتِي فَيُقْضَى لَهُ بِهِ وَلَوْ طَالَ الزَّمَنُ. (وَإِنْ صَدَّقَتْهُ) ابْنَتُهُ الرَّشِيدَةُ فِي دَعْوَاهُ بَعْدَ السَّنَةِ وَلَمْ يَشْهَدْ (فَفِي ثُلُثِهَا) ، وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَلِلزَّوْجِ رَدُّهُ. (وَ) لَوْ جَهَّزَ رَجُلٌ ابْنَتَهُ بِشَيْءٍ زَائِدٍ عَلَى صَدَاقِهَا وَمَاتَ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ (اخْتَصَّتْ بِهِ) الْبِنْتُ (عَنْ) بَقِيَّةِ (الْوَرَثَةِ إنْ أُورِدَ) الْجِهَازُ (بِبَيْتِهَا) الَّذِي دَخَلَتْ فِيهِ، (أَوْ أَشْهَدَ لَهَا الْأَبُ) بِذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَلَا يَضُرُّ إبْقَاؤُهُ تَحْتَ يَدِهِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ، وَلِتَنْزِيلِ الْإِشْهَادِ مَنْزِلَةَ الْحِيَازَةِ (أَوْ اشْتَرَاهُ) الْأَبُ (لَهَا وَوَضَعَهُ عِنْدَ) غَيْرِهِ (كَأُمِّهَا) ، أَوْ عِنْدَهَا هِيَ فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِهِ، إنْ سَمَّاهُ لَهَا وَأَقَرَّتْ الْوَرَثَةُ بِالتَّسْمِيَةِ لَهَا، أَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِالتَّسْمِيَةِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى أَنَّهُ لَهَا. (وَإِنْ وَهَبَتْ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (الصَّدَاقَ) - مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ - (قَبْلَ قَبْضِهِ) مِنْ الزَّوْجِ (رَشِيدَةٌ) - فَاعِلٌ مُؤَخَّرٌ - وَقَبْلَ الْبِنَاءِ، (أَوْ) وَهَبَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَالشُّرُوطُ ثَلَاثَةٌ] : أَيْ وَهِيَ كَوْنُ الدَّعْوَى فِي السَّنَةِ وَكَوْنُهَا فِي وِلَايَتِهِ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا سَفِيهَةً، وَأَنْ يَبْقَى بَعْدَ الْمُدَّعَى بِهِ مَا يَفِي بِجِهَازِهَا الْمُعْتَادِ أَوْ الْمَشْرُوطِ. قَوْلُهُ: [فَفِي ثُلُثِهَا] : أَيْ فَهُوَ نَافِذٌ فِي ثُلُثِهَا. قَوْلُهُ: [عَنْ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ] : أَيْ وَرَثَةِ أَبِيهَا. قَوْلُهُ: [أَوْ أَشْهَدَ لَهَا الْأَبُ] : أَيْ بِأَنَّ ذَلِكَ الْجِهَازَ الزَّائِدَ عَلَى مَهْرِهَا مِلْكٌ لَهَا. قَوْلُهُ: [وَلِتَنْزِيلِ الْإِشْهَادِ] إلَخْ: عَطْفُ عِلَّةٍ عَلَى مَعْلُولٍ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى أَنَّهُ لَهَا] : أَيْ لِأَنَّ حِيَازَةَ كَالْأُمِّ لَهَا تُغْنِي عَنْ الْإِشْهَادِ.

[هبة الزوج الصداق]

لَهُ (مَا) أَيْ مَا لَا (يُصَدِّقُهَا بِهِ) قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ (جُبِرَ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (عَلَى دَفْعِ أَقَلِّهِ) رُبْعِ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ مَا قِيمَتُهُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَخْلُوَ النِّكَاحُ مِنْ صَدَاقٍ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَيَدْفَعُ لَهَا مَا وَهَبَتْهُ لَهُ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ رُبْعَ دِينَارٍ، وَقَوْلُهُ: " قَبْلَ قَبْضِهِ "، وَكَذَا بَعْدَهُ؛ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، وَلَوْ قَالَ: " بَدَلَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ " كَانَ أَتَمَّ. وَأَظُنُّ أَنَّهُ سَبَقَنِي الْقَلَمُ فِيهِ؛ أَرَدْت كِتَابَةَ: الْبِنَاءِ فَسَبَقَنِي إلَى كِتَابَةِ: قَبْضِهِ، وَمَا مَنَعَنِي مِنْ إصْلَاحِهَا إلَّا كَثْرَةُ النُّسَخِ. فَلَوْ وَهَبَتْ بَعْضَهُ نَظَرَ لِلْبَاقِي، فَإِنْ كَانَ رُبْعَ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ صَحَّ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ جُبِرَ عَلَى إتْمَامِهِ، فَلَوْ طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَخَذَتْ جَمِيعَ مَا وَهِبَته فِي الثَّانِيَةِ إذَا لَمْ يَدْفَعْ لَهَا أَقَلَّ الصَّدَاقِ وَإِلَّا تَشَطَّرَ. (وَجَازَ بَعْدَ الْبِنَاءِ) أَنْ تَهَبَهُ جَمِيعَ الصَّدَاقِ الَّذِي تَقَرَّرَ بِهِ النِّكَاحُ لِأَنَّهَا مَلَكَتْهُ وَتَقَرَّرَ بِالْوَطْءِ، سَوَاءٌ قَبَضَتْهُ مِنْهُ أَمْ لَمْ تَقْبِضْهُ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] . (وَإِنْ وَهَبَتْهُ) أَيْ الصَّدَاقَ بَعْدَ الْبِنَاءِ أَوْ مَا عَدَا أَقَلَّهُ قَبْلَهُ، (أَوْ أَعْطَتْهُ) الرَّشِيدَةُ (مَالًا) مِنْ عِنْدِهَا (لِدَوَامِ الْعِشْرَةِ) أَيْ اسْتِمْرَارِهَا مَعَهُ، (أَوْ حُسْنِهَا) أَيْ لِأَجْلِ حُسْنِ عَشْرَتِهِ مَعَهَا، (فَفُسِخَ) النِّكَاحُ لِفَسَادِهِ، (أَوْ طَلَّقَ عَنْ قُرْبٍ رَجَعَتْ) عَلَيْهِ بِمَا وَهَبَتْهُ مِنْ الصَّدَاقِ وَبِمَا أَعْطَتْهُ مِنْ مَالِهَا لِعَدَمِ تَمَامِ غَرَضِهَا، وَقَوْلُهُ: " عَنْ قُرْبٍ مَفْهُومُهُ "، أَنَّهُ لَوْ تَبَاعَدَ الطَّلَاقُ لَمْ تَرْجِعْ. ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ فِيمَا إذَا أَسْقَطَتْهُ مِنْ مَهْرِهَا، أَوْ أَعْطَتْهُ مَالًا عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQ [هِبَة الزَّوْج الصَّدَاق] قَوْلُهُ: [فَلَا مَفْهُومَ لَهُ] : أَيْ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ اعْتِبَارَ الْمَفْهُومِ، وَجَعَلَ الْقَبْضَ قَبْلَ الْبِنَاءِ مِثْلَ الْقَبْضِ بَعْدَهُ فِي كَوْنِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ أَقَلِّهِ. قَوْلُهُ: [جُبِرَ عَلَى إتْمَامِهِ] : أَيْ إنْ أَرَادَ الدُّخُولَ بِدَلِيلِ مَا بَعْدِهِ. قَوْلُهُ: [وَأَخَذَتْ جَمِيعَ مَا وَهَبَتْهُ فِي الثَّانِيَةِ] : أَيْ لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ مُعَلَّقَةٌ عَلَى كَوْنِهَا صَدَاقًا وَلَمْ يَتِمَّ فَلَهَا الرُّجُوعُ فِيهَا كَكُلِّ عَطِيَّةٍ مُعَلَّقَةٍ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَتِمَّ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا تَشَطَّرَ] : أَيْ الَّذِي دَفَعَهُ مِنْ عِنْدِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ طَلَّقَ عَنْ قُرْبٍ] : أَيْ بِأَنْ كَانَتْ الْمُفَارَقَةُ قَبْلَ تَمَامِ سَنَتَيْنِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ بَعْدَ سَنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فَلَا رُجُوعَ.

[بيان من يتولى قبض المهر وما يترتب على ذلك]

أَنْ يُمْسِكَهَا أَوْ لَا يَتَزَوَّجَ أَوْ لَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَفَارَقَ أَوْ طَلَّقَ، وَأَمَّا لَوْ تَسَرَّى أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَلَهَا الرُّجُوعُ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ أَوْ بِالْبُعْدِ. (وَرَجَعَتْ) الزَّوْجَةُ عَلَى زَوْجِهَا (بِمَا أَنْفَقَتْ عَلَى) حَيَوَانٍ جُعِلَ صَدَاقًا لَهَا (كَعَبْدٍ، أَوْ) أَنْفَقَتْ عَلَى (ثَمَرَةٍ) أَصْدَقَهَا لَهَا (إنْ فُسِخَ) النِّكَاحُ (قَبْلَهُ) أَيْ الْبِنَاءِ، (وَ) رَجَعَتْ (بِنِصْفِهِ) أَيْ نِصْفِ مَا أَنْفَقَتْ (إنْ طَلَّقَ قَبْلَهُ) فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ. (وَإِنْ أَعْطَتْهُ سَفِيهَةٌ مَا يَنْكِحُهَا بِهِ) فَتَزَوَّجَهَا بِهِ (ثَبَتَ النِّكَاحُ) فَلَا سَبِيلَ إلَى فَسْخِهِ، (وَأَعْطَاهَا) مِنْ خَالِصِ مَالِهِ جَبْرًا عَلَيْهِ (مِثْلَهُ) : أَيْ مِثْلَ مَا أَعْطَتْهُ، إنْ كَانَ مِثْلَ مَهْرِهَا فَأَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا أَعْطَاهَا مِنْ مَالِهِ قَدْرَ مَهْرِ مِثْلِهَا. [بَيَانِ مَنْ يَتَوَلَّى قَبْضَ الْمَهْرِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ] ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ يَتَوَلَّى قَبْضَ الْمَهْرِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: (وَقَبَضَهُ) : أَيْ الْمَهْرَ (مُجْبِرٌ) أَبٌ أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ سَيِّدٌ (أَوْ وَلِيُّ سَفِيهَةٍ) إنْ كَانَ أَوْ حَاكِمٌ أَوْ مُقَدِّمُهُ مِنْ عَاصِبٍ أَوْ غَيْرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَهَا الرُّجُوعُ] إلَخْ: أَيْ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيُّ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ وَابْنِ فَتْحُونٍ. قَوْلُهُ: [وَرَجَعَتْ بِنِصْفِهِ] : أَيْ إنْ كَانَ الْإِنْفَاقُ مِنْهَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْإِنْفَاقُ مِنْ الزَّوْجِ فَيَرْجِعُ بِنِصْفِ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا حَيْثُ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ. تَنْبِيهٌ: إنْ وَهَبَتْ الرَّشِيدَةُ صَدَاقَهَا لِأَجْنَبِيٍّ وَقَبَضَهُ مِنْهَا أَوْ مِنْ الزَّوْجِ، ثُمَّ طَلَّقَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبِنَاءِ اتَّبَعَهَا بِنِصْفِهِ وَلَمْ تَرْجِعْ الزَّوْجَةُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِمَا غَرِمَتْهُ لِلزَّوْجِ، إذَا لَمْ تُبَيِّنْ أَنَّ الْمَوْهُوبَ صَدَاقٌ أَوْ يَعْلَمْ هُوَ بِذَلِكَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِمَا غَرِمَتْهُ لِلزَّوْجِ، وَأَمَّا النِّصْفُ الَّذِي مَلَكَته بِالطَّلَاقِ فَلَا تَرْجِعُ بِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ الثُّلُثُ يَحْمِلُ جَمِيعَ مَا وَهَبَتْهُ وَإِلَّا بَطَلَ جَمِيعُهُ، إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الزَّوْجُ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَطَلُقَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ أُجْبِرَتْ عَلَى إمْضَاءِ الْهِبَةِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ كَانَتْ يَوْمَ الْهِبَةِ أَوْ الطَّلَاقِ مُعْسِرَةً أَوْ مُوسِرَةً، وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ فِي مَالِهَا اُنْظُرْ الْأَصْلَ قَوْلُهُ: [أَوْ حَاكِمٌ] : أَيْ أَنْ لَمْ يَكُنْ لِلسَّفِيهَةِ وَلِيٌّ وَلَا مُجْبِرٌ فَلَا يَقْبِضُ صَدَاقَهَا

(وَصُدِّقَا فِي ضَيَاعِهِ) بِلَا تَفْرِيطٍ (بِيَمِينٍ) وَمُصِيبَتُهُ عَلَى الزَّوْجَةِ، فَلَا رُجُوعَ لَهَا عَلَى وَلِيٍّ وَلَا زَوْجٍ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَهُوَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَمْ تَقُمْ عَلَى هَلَاكِهِ بَيِّنَةٌ رَجَعَ عَلَيْهَا إنْ أَيْسَرَتْ يَوْمَ الدَّفْعِ لِوَلِيِّهَا، وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ لَهُ وَلَوْ أَيْسَرَتْ بَعْدُ. (وَإِنَّمَا يَبْرِيهِمَا) : أَيْ الْمُجْبِرَ وَوَلِيَّ السَّفِيهَةِ مِنْ مَقْبُوضِ الصَّدَاقِ أَحَدُ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: (شِرَاءُ جِهَازٍ) يَصْلُحُ لَهَا (تَشْهَدُ بَيِّنَةٌ بِدَفْعِهِ لَهَا) ، أَيْ لِلزَّوْجَةِ، وَمُعَايَنَةُ قَبْضِهَا لَهُ، (أَوْ إحْضَارُهُ بَيْتَ الْبِنَاءِ) وَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ بِحُضُورِهِ فِيهِ، (أَوْ تَوَجُّهِهِ إلَيْهِ) : أَيْ إلَى بَيْتِ الْبِنَاءِ وَإِنْ لَمْ تَشْهَدْ بِوُصُولِهِ إلَيْهِ فَلَا تُسْمَعُ حِينَئِذٍ دَعْوَى الزَّوْجِ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُبَرِّئُ مَنْ لَهُ قَبْضُهُ دَفْعُهُ عَيْنًا لِلزَّوْجَةِ وَلَا مُجَرَّدُ دَعْوَى أَنَّهُ دَفَعَ لَهَا الْجِهَازَ، أَوْ أَنَّهُ وَصَلَ لِبَيْتِ الْبِنَاءِ. (وَإِلَّا) يَكُنْ مُجْبِرٌ وَلَا وَلِيُّ سَفِيهَةٍ مِنْ حَاكِمٍ أَوْ مُقَدَّمٍ عَلَيْهَا مِنْهُ، (فَالْمَرْأَةُ) الرَّشِيدَةُ هِيَ الَّتِي تَقْبِضُهُ لَا مَنْ يَتَوَلَّى عَقْدَهَا إلَّا بِتَوْكِيلٍ مِنْهَا فِي قَبْضِهِ، فَإِنْ ادَّعَتْ ضَيَاعَهُ بِلَا تَفْرِيطٍ صُدِّقَتْ بِيَمِينٍ وَلَا يَلْزَمُهَا تَجْهِيزٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا الْحَاكِمُ، فَإِنْ شَاءَ قَبَضَهُ وَاشْتَرَى لَهَا بِهِ جِهَازًا وَإِنْ شَاءَ عَيَّنَ لَهَا مَنْ يَقْبِضُهُ وَيَصْرِفُهُ فِيمَا يَأْمُرُهُ بِهِ مِمَّا يَجِبُ لَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ الرَّفْعُ إلَيْهِ أَوْ خِيفَ عَلَى الصَّدَاقِ مِنْهُ حَضَرَ الزَّوْجُ وَالْوَلِيُّ وَالشُّهُودُ فَيَشْتَرُونَ لَهَا بِصَدَاقِهَا جِهَازًا، وَيُدْخِلُونَهُ فِي بَيْتِ الْبِنَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ الْحَاجِّ فِي نَوَازِلِهِ عَازِيًا ذَلِكَ لِمَالِكٍ نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ عَنْ بْن. قَوْلُهُ: [وَصُدِّقَا فِي ضَيَاعِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ] : أَيْ كَمَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ قَوْلُهُ: [وَإِنَّمَا يَبْرِيهِمَا] : أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِدَفْعِ الصَّدَاقِ لَهَا فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُمَا إذَا ادَّعَيَا تَلَفَهُ أَوْ ضَيَاعَهُ صُدِّقَا بِيَمِينٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ نَقْلًا عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: لِلزَّوْجِ سُؤَالُ الْوَلِيِّ فِيمَا صَرَفَ نَقْدَهُ فِيهِ مِنْ الْجِهَازِ وَعَلَى الْوَلِيِّ تَفْسِيرُ ذَلِكَ وَحَلَّفَهُ إنْ اتَّهَمَهُ. قَوْلُهُ: [بِدَفْعِهِ لَهَا] : أَيْ فِي بَيْتِ الْبِنَاءِ أَوْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [وَمُعَايَنَةِ قَبْضِهَا] : عَطْفُ تَفْسِيرٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَلْزَمُهَا تَجْهِيزٌ] : أَيْ بِغَيْرِهِ فَتَصْدِيقُهَا بِالنَّظَرِ لِعَدَمِ لُزُومِ التَّجْهِيزِ

(فَإِنْ قَبَضَهُ غَيْرُهُمْ) أَيْ غَيْرُ الْمُجْبِرِ وَوَلِيِّ السَّفِيهَةِ وَالْمَرْأَةِ الرَّشِيدَةِ (بِلَا تَوْكِيلٍ) مِمَّنْ لَهُ الْقَبْضُ، فَضَاعَ وَلَوْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ كَانَ ضَامِنًا لَهُ لِتَعَدِّيهِ بِقَبْضِهِ، وَ (اتَّبَعَتْهُ) الزَّوْجَةُ (أَوْ) اتَّبَعَتْ (الزَّوْجَ) لِتَعَدِّيهِ بِدَفْعِهِ لِغَيْرِ مَنْ لَهُ قَبْضُهُ، فَإِنْ دَفَعَهُ لَهَا الْقَابِضُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ دَفَعَهُ لَهَا الزَّوْجُ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْقَابِضِ فَقَرَارُ الْغُرْمِ عَلَيْهِ. (وَأُجْرَةُ الْحَمْلِ) أَيْ حَمْلِ الْجِهَازِ مِنْ بَيْتِ الزَّوْجَةِ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الزَّوْجَةِ، (إلَّا لِشَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ) فَيُعْمَلُ بِهِ. (وَلَوْ قَالَ مَنْ لَهُ الْقَبْضُ) مِنْ مُجْبِرٍ أَوْ امْرَأَةٍ (بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهِ) أَيْ بِالْقَبْضِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَوْ غَيْرِهِ: (لَمْ أَقْبِضْهُ) ، وَإِنَّمَا قُلْت ذَلِكَ لِتَوَثُّقِي بِالزَّوْجِ وَظَنِّي فِيهِ الْخَيْرَ، (لَمْ يَفْدِهِ) لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ، (وَلَهُ تَحْلِيفُ الزَّوْجِ) عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَقْبَضَهُ لِلْمُجْبِرِ أَوْ مَنْ مَعَهُ إنْ كَانَ الْأَمْرُ قَرِيبًا، (فِي كَعَشَرَةِ أَيَّامٍ) مِنْ يَوْمِ الْإِقْرَارِ بِالْقَبْضِ، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ الْخَمْسَةَ الْأَيَّامَ، فَإِنْ زَادَ الزَّمَنُ عَلَى نِصْفِ شَهْرٍ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُهُ. (وَجَازَ عَفْوُ الْمُجْبِرِ) دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ (عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ) الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQبِبَدَلِهِ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ لِرُجُوعِ الزَّوْجِ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ إذَا طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا تُصَدَّقُ فِيمَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ تَقُمْ عَلَى هَلَاكِهِ بَيِّنَةٌ وَإِلَّا كَانَ الضَّمَانُ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: [وَلَهُ تَحْلِيفُ الزَّوْجِ] إلَخْ: فَإِنْ نَكَلَ الزَّوْجُ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْوَلِيِّ إنْ كَانَتْ دَعْوَى تَحْقِيقٍ، فَإِنْ نَكَلَ الْوَلِيُّ أَيْضًا فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَإِنْ حَلَفَ أَخَذَهُ مِنْ الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَتْ دَعْوَى اتِّهَامٍ غَرِمَ الزَّوْجُ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ عَلَى الْقَاعِدَةِ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ عَفْوُ الْمُجْبِرِ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُجْبَرَةُ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا صَغُرَتْ، كَمَا يُشِيرُ لِذَلِكَ تَعْمِيمُ الْمُصَنِّفِ فَهُوَ أَشْمَلُ مِنْ قَوْلِ خَلِيلٍ: عَفْوُ أَبِي الْبِكْرِ، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ شُمُولُ الْوَصِيِّ الْمُجْبِرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ خُصُوصُ الْأَبِ دُونَ غَيْرِهِ وَكَانَ وَصِيًّا مُجْبِرًا، وَخُصَّ الْأَبُ بِذَلِكَ لِشِدَّةِ شَفَقَتِهِ فَلَا تُهْمَةَ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَجَازَ عَفْوُ أَبٍ مُجْبِرٍ لَكَانَ جَامِعًا مَانِعًا. قَوْلُهُ: [عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ] : أَيْ وَأَوْلَى عَنْ أَقَلَّ مِنْهُ.

تَرَتَّبَ لِمُجْبَرَتِهِ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ، (بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ، لَا) يَجُوزُ الْعَفْوُ (قَبْلَهُ) : أَيْ قَبْلَ الطَّلَاقِ، قَالَهُ الْإِمَامُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: (إلَّا لِمَصْلَحَةٍ) تَقْتَضِي الْعَفْوَ قَبْلَهُ فَيَجُوزُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [قَبْلَ الْبِنَاءِ] : أَيْ لَا بَعْدَهُ فَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الصَّدَاقِ إنْ رَشَدَتْ، بَلْ وَإِنْ كَانَتْ سَفِيهَةً أَوْ صَغِيرَةً خِلَافًا لِلْخَرَشِيِّ و (عب) ، حَيْثُ قَالَا لَهُ الْعَفْوُ إنْ كَانَتْ سَفِيهَةً أَوْ صَغِيرَةً إذَا الْحَقُّ أَنَّهُ لَا عَفْوَ بَعْدَ الدُّخُولِ سَوَاءٌ كَانَتْ رَشِيدَةً أَوْ لَا، فَفِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ الصَّغِيرَةَ إذَا دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ وَافْتَضَّهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الصَّدَاقِ، لَا مِنْ الْأَبِ وَلَا مِنْهَا، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ كَمَا قَالَ لِأَنَّهُ إذَا دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ وَافْتَضَّهَا، فَقَدْ وَجَبَ لَهَا جَمِيعُ صَدَاقِهَا بِالْمَسِيسِ، وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَضَعَ حَقًّا قَدْ وَجَبَ لَهَا إلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أُذِنَ لَهُ فِيهِ، وَهُوَ قَبْلَ الْمَسِيسِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] ، الْآيَةَ (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) ، وَقَدْ يُقَالُ كَلَامُ الْخَرَشِيِّ و (عب) ، يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الْفَوَاتِ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي بَابِ الْخُلْعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[فصل في خيار أحد الزوجين]

فَصْلٌ فِي خِيَارِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إذَا وَجَدَ عَيْبًا بِصَاحِبِهِ؛ وَبَيَانِ الْعُيُوبِ الَّتِي تُوجِبُ الْخِيَارَ فِي الرَّدِّ (الْخِيَارُ) مُبْتَدَأٌ (لِلزَّوْجَيْنِ) أَيْ: لِأَحَدِهِمَا مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ: " بِبَرَصٍ " إلَخْ: أَيْ يَثْبُتُ بِسَبَبِ وُجُودِ عَيْبٍ بِصَاحِبِهِ. (إذَا لَمْ يَسْبِقْ عِلْمٌ) بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْعَقْدِ، فَإِنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَا خِيَارَ لَهُ، (وَلَمْ يَرْضَ) بِالْعَيْبِ حَالَ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَضِيَ بِهِ صَرِيحًا أَوْ ضِمْنًا بِأَنْ تَلَذَّذَ بِصَاحِبِهِ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ فَلَا خِيَارَ لَهُ. (وَ) لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْعِلْمَ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ الرِّضَا بِهِ بَعْدَهُ (حَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ) ، فَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ لَمْ يَرْضَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصَلِّ فِي خِيَار أَحَد الزَّوْجَيْنِ] [مَا لِلزَّوْجَيْنِ الْخِيَار بِهِ] فَصْلٌ لَمَّا اسْتَوْفَى الْكَلَامَ عَلَى الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ، وَكَانَ حُصُولُ الْخِيَارِ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فِي صَاحِبِهِ عَيْبًا يَثْبُتُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ ذَكَرَهُ هُنَا بَعْدَ تَمَامِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا، وَهَذَا حُسْنُ صَنِيعٍ مِنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَوْلُهُ: [وَبَيَانِ الْعُيُوبِ الَّتِي تُوجِبُ الْخِيَارَ] : أَيْ: بِغَيْرِ شَرْطٍ أَوْ بِهِ. قَوْلُهُ: [صَرِيحًا] : أَيْ بِأَنْ كَانَ الرِّضَا بِالْقَوْلِ كَرَضِيت، وَقَوْلُهُ بِأَنْ تَلَذَّذَ بِصَاحِبِهِ تَصْوِيرٌ لِلضِّمْنِيِّ. قَوْلُهُ: [حَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ] إلَخْ: صُورَتُهَا أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَنْ يَرُدَّ صَاحِبَهُ بِالْعَيْبِ الَّذِي وَجَدَهُ بِهِ، فَقَالَ الْمَعِيبُ لِلسَّلِيمِ: أَنْتَ عَلِمْت بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَدَخَلْت عَلَيْهِ، أَوْ عَلِمْت بِهِ فِي الْعَقْدِ وَرَضِيت بِهِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا بَيِّنَةَ لِذَلِكَ الْمُدَّعِي بِمَا ادَّعَاهُ، وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الرِّضَا، أَوْ الْعِلْمَ وَأَرَادَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، أَوْ الرِّضَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَحْلِفَ وَيَثْبُتَ لَهُ الْخِيَارُ، وَمَحَلُّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَيْبُ ظَاهِرًا أَوْ يَدَّعِي عِلْمَهُ بِهِ بَعْدَ الْبِنَاءِ، أَوْ يَطُلْ الْأَمْرُ كَشَهْرٍ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَعِيبِ بِيَمِينِهِ.

وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى طِبْقِ دَعْوَاهُ وَانْتَفَى الْخِيَارُ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ وَجَدَ بِصَاحِبِهِ عَيْبًا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَلَمْ يَرْضَ فَلَهُ الْخِيَارُ، وَلَوْ كَانَ هُوَ مَعِيبًا، لَكِنْ إنْ كَانَ مَعِيبًا بِغَيْرِ مَا قَامَ بِهِ فَظَاهِرٌ. وَإِنْ كَانَ مَعِيبًا بِمِثْلِهِ - كَجُذَامٍ وَجُذَامٍ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ لَهُ الْقِيَامُ دُونَهَا لِأَنَّهُ بَذَلَ صَدَاقًا لِسَالِمَةٍ فَوَجَدَ مَا يَكُونُ صَدَاقُهَا دُونَ ذَلِكَ (اهـ) . وَهُوَ دَقِيقٌ. (بِبَرَصٍ) أَيْ: ثَابِتٌ بِسَبَبِ وُجُودِ بَرَصٍ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْعُيُوبَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ عَيْبًا، يَشْتَرِكَانِ فِي أَرْبَعَةٍ: الْجُنُونُ، وَالْجُذَامُ، وَالْبَرَصُ، وَالْعَذْيْطَةُ، وَيَخْتَصُّ الرَّجُلُ بِأَرْبَعَةٍ: الْخِصَاءُ، وَالْجَبُّ، وَالْعُنَّةُ، وَالِاعْتِرَاضُ، وَتَخْتَصُّ الْمَرْأَةُ بِخَمْسَةٍ: الرَّتَقُ، وَالْقَرْنُ، وَالْعَفَلُ، وَالْإِفْضَاءُ، وَالْبَخَرُ، فَمَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا أَطْلَقَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: " لِلزَّوْجَيْنِ "، وَمَا كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ أَضَافَهُ لِضَمِيرِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: " وَلَهَا "، وَمَا كَانَ مُخْتَصًّا بِهَا أَضَافَهُ لِضَمِيرِهَا بَعْدَ قَوْلِهِ: " وَلَهُ ". فَقَالَ: الْخِيَارُ لِلزَّوْجَيْنِ بِبَرَصٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَبْيَضِهِ وَأَسْوَدِهِ؛ الْأَرْدَأُ مِنْ الْأَبْيَضِ، لِأَنَّهُ مُقَدِّمَةُ الْجُذَامِ، وَعَلَامَةُ الْأَسْوَدِ التَّقْشِيرُ وَالتَّفْلِيسُ، أَيْ يَكُونُ لَهُ قِشْرٌ مُدَوَّرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي] إلَخْ: هَذَا إذَا كَانَتْ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ دَعْوَى تَحْقِيقٍ، أَمَّا إذَا كَانَتْ دَعْوَى اتِّهَامٍ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ عَلَى الْقَاعِدَةِ. قَوْلُهُ: [فَقَالَ اللَّخْمِيُّ] : وَنَصُّهُ وَإِنْ اطَّلَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى عَيْبٍ فِي صَاحِبِهِ مُخَالِفٍ لِعَيْبِهِ، بِأَنْ تَبَيَّنَ أَنَّ بِهَا جُنُونًا، وَبِهِ هُوَ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ، كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقِيَامُ، وَأَمَّا إنْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَجُذَامٍ أَوْ بَرَصٍ، أَوْ جُنُونِ صَرَعٍ، فَإِنَّ لَهُ الْقِيَامَ دُونَهَا لِأَنَّهُ بَذَلَ الصَّدَاقَ لِسَالِمَةٍ فَوَجَدَهَا مِمَّنْ يَكُونُ صَدَاقُهَا أَقَلَّ (اهـ) . وَلَكِنْ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْحَاشِيَةِ اسْتِظْهَارُ أَنَّ لِكُلٍّ الْقِيَامَ مُطْلَقًا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْآخَرِ أَمْ لَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّجْرَاجِيُّ وَ (ح) وَظَاهِرُ إطْلَاقِ ابْنِ عَرَفَةَ لِأَنَّ الْمُدْرَكَ الضَّرَرُ وَاجْتِمَاعُ الْمَرَضِ عَلَى الْمَرَضِ يُورِثُ زِيَادَةً. قَوْلُهُ: [وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْعُيُوبَ] إلَخْ: أَيْ الَّتِي يُرَدُّ فِيهَا بِغَيْرِ شَرْطٍ، وَأَمَّا الَّتِي يُرَدُّ فِيهَا بِالشَّرْطِ فَهِيَ كَثِيرَةٌ وَسَيَأْتِي بَعْضُهَا.

يُشْبِهُ الْفُلُوسَ وَيُشْبِهُ قِشْرَ بَعْضِ السَّمَكِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ اتِّفَاقًا فِي الْمَرْأَةِ، وَعَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي يَسِيرِ الرَّجُلِ. (وَعَذْيَطَةٍ) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَوْ كَسْرِهَا، وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ، فَطَاءٍ مُهْمَلَةٍ - خُرُوجُ الْغَائِطِ عِنْدَ الْجِمَاعِ، وَيُقَالُ لِلْمَرْأَةِ عِذْيَوْطَةٌ وَهِيَ الَّتِي تُحْدِثُ عِنْدَ الْجِمَاعِ وَالرَّجُلِ عِذْيَوْطٌ، وَمِثْلُ الْغَائِطِ الْبَوْلُ عِنْدَ الْجِمَاعِ؛ لَا فِي الْفُرُشِ وَلَا فِي الرِّيحِ. (وَجُذَامٍ) مُحَقَّقٍ وَلَوْ قَلَّ لَا مَشْكُوكٍ فِيهِ. (وَجُنُونٍ) بِطَبْعٍ أَوْ صَرَعٍ أَوْ وَسْوَاسٍ، (وَإِنْ) وَقَعَ (مَرَّةً فِي الشَّهْرِ) لِنُفُورِ النَّفْسِ مِنْهُ. (وَلَهَا) أَيْ لِلزَّوْجَةِ الْخِيَارُ (بِخِصَائِهِ) : قَطْعِ الذَّكَرِ دُونَ الْأُنْثَيَيْنِ، وَأَمَّا قَطْعُ الْأُنْثَيَيْنِ دُونَ الذَّكَرِ فَلَا رَدَّ بِهِ إلَّا إذَا كَانَ لَا يُمْنِي، وَمِثْلُ قَطْعِ الذَّكَرِ قَطْعُ الْحَشَفَةِ عَلَى الْأَرْجَحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَعَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي يَسِيرِ الرَّجُلِ] : هَذَا كُلُّهُ فِي بَرَصٍ قَدِيمٍ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَأَمَّا الْحَادِثُ بَعْدَهُ فَلَا رَدَّ بِالْيَسِيرِ اتِّفَاقًا، وَفِي الْكَثِيرِ خِلَافٌ وَهَذَا فِيمَا حَدَثَ بِالرَّجُلِ، وَأَمَّا بِالْمَرْأَةِ فَمُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ كَمَا قَالَ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ وَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [بِفَتْحِ الْعَيْنِ] : أَيْ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَقَوْلُهُ أَوْ كَسْرِهَا أَيْ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِذِي الْعَيْبِ وَالْمُنَاسِبُ لِعَدِّهِ مِنْ الْعُيُوبِ الْفَتْحُ وَلِذَلِكَ قَدَّمَهُ. قَوْلُهُ: [عِذْيَوْطَةٌ] : بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَكَذَا عِذْيَوْطٌ. قَوْلُهُ: [لَا مَشْكُوكٍ] : أَيْ بِأَنْ كَانَ غَيْرَ بَيِّنٍ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ وَقَعَ مَرَّةً] : أَيْ هَذَا إذَا اسْتَغْرَقَ كُلَّ الْأَوْقَاتِ أَوْ غَالِبَهَا، بَلْ وَإِنْ حَصَلَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً وَيُفِيقُ فِيمَا سِوَاهَا وَظَاهِرُهُ إذَا كَانَ يَأْتِي بَعْدَ كُلِّ شَهْرَيْنِ فَلَا رَدَّ بِهِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا كِنَايَةً عَنْ الْقِلَّةِ وَمَحَلُّ الرَّدِّ بِمَا ذُكِرَ إذَا كَانَ يَحْصُلُ مِنْهُ إضْرَارٌ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ إفْسَادِ شَيْءٍ أَمَّا الَّذِي يُطْرَحُ بِالْأَرْضِ وَيُفِيقُ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ فَلَا رَدَّ بِهِ كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ، وَلَكِنْ ظَاهِرُ شَارِحِنَا الْإِطْلَاقُ.

[ما للزوجة الخيار به]

(وَجَبِّهِ) قَطْعِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِمَّا قَبْلَهُ، وَالْقَصْدُ النَّصُّ عَلَى أَعْيَانِ الْمَسَائِلِ الْوَارِدَةِ. (وَعُنَّتِهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ: صِغَرِ الذَّكَرِ جِدًّا. (وَاعْتِرَاضِهِ) : عَدَمِ الِانْتِشَارِ. (وَلَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ الْخِيَارُ (بِقَرْنِهَا) بِفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْبُرُوزِ، وَأَمَّا بِسُكُونِهَا: فَهُوَ شَيْءٌ يَبْرُزُ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ يُشْبِهُ قَرْنَ الشَّاةِ يَكُونُ لَحْمًا غَالِبًا فَيُمْكِنُ عِلَاجُهُ، وَتَارَةً يَكُونُ عَظْمًا فَلَا يُمْكِنُ عِلَاجُهُ. (وَرَتَقِهَا) - بِفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ - وَهُوَ انْسِدَادُ مَسْلَكِ الذَّكَرِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْجِمَاعُ مَعَهُ إلَّا أَنَّهُ إنْ انْسَدَّ بِلَحْمٍ أَمْكَنَ عِلَاجُهُ لَا بِعَظْمٍ. (وَبَخَرِ فَرْجِهَا) أَيْ نُتُونَتِهِ لِأَنَّهُ مُنَفِّرٌ جِدًّا، بِخِلَافِ نَتْنِ الْفَمِ فَلَا رَدَّ بِهِ. (وَعَفَلِهَا) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ: لَحْمٌ يَبْرُزُ فِي قُبُلِهَا يُشْبِهُ الْأُدْرَةَ وَلَا يَخْلُو عَنْ رَشْحٍ، وَقِيلَ رَغْوَةٌ تَحْدُثُ فِي الْفَرْجِ عِنْدَ الْجِمَاعِ. (وَإِفْضَائِهَا) وَهُوَ اخْتِلَاطُ مَسْلَكِ الْبَوْلِ وَالذَّكَرِ. وَمَحَلُّ الرَّدِّ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ: (إنْ كَانَتْ) أَيْ وُجِدَتْ: أَيْ كَانَتْ مَوْجُودَةً (حَالَ الْعَقْدِ) ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا مَا حَدَثَ مِنْهَا بَعْدَ الْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَ بِالزَّوْجَةِ فَلَا رَدَّ لِلزَّوْجِ بِهِ وَهُوَ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ بِالزَّوْجِ فَلَهَا رَدُّهُ بِبَرَصٍ وَجُذَامٍ وَجُنُونٍ لِشِدَّةِ الْإِيذَاءِ بِهَا، وَعَدَمِ الصَّبْرِ عَلَيْهَا وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا لِلزَّوْجَةِ الْخِيَار بِهِ] قَوْلُهُ: [فَلَا رَدَّ بِهِ] : أَيْ وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ النَّسْلِ كَالْعُقُمِ قَوْلُهُ: [صِغَرُ الذَّكَرِ جِدًّا] إلَخْ: مِثْلُ الصِّغَرِ فِي كَوْنِهِ مُوجِبًا لِلرَّدِّ الْغِلَظُ الْمَانِعُ مِنْ الْإِيلَاجِ، وَأَمَّا الطُّولُ فَيُلْوَى شَيْءٌ عَلَى مَا يَسْتَطِيعُ إيلَاجُهُ مِنْ جِهَةِ عَانَتِهِ، وَلَا يُرَدُّ الزَّوْجُ بِوُجُودِهِ خُنْثَى مُتَّضِحَ الذُّكُورَةِ، كَمَا فِي الْبَدْرِ الْقَرَافِيِّ وَ (ح) ، وَانْظُرْ السَّيِّدَ الْبَلِيدِيَّ فِي وُجُودِ الزَّوْجَةِ خُنْثَى مُتَّضِحَةَ الْأُنُوثَةِ. [مَا لِلزَّوْجِ الْخِيَار بِهِ] قَوْلُهُ: [يُشْبِهُ الْأُدْرَةَ] إلَخْ: اسْمٌ لِنَفْخِ الْخُصْيَةِ. إنْ قُلْت إنَّ عُيُوبَ الْفَرْجِ إنَّمَا تُدْرَكُ بِالْوَطْءِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَيَنْتَفِي الْخِيَارُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى الرِّضَا هُوَ الْوَطْءُ الْحَاصِلُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمُوجِبِ الْخِيَارِ لَا الْحَاصِلُ قَبْلَهُ أَوْ بِهِ قَوْلُهُ: [وَهُوَ اخْتِلَاطُ مَسْلَكِ الْبَوْلِ] : أَيْ أَوْلَى مَسْلَكِ الْبَوْلِ مَعَ الْغَائِطِ

[محل الرد بالعيوب في النكاح]

(وَلَهَا) أَيْ لِلزَّوْجَةِ (فَقَطْ) دُونَ الزَّوْجِ (رَدٌّ) لِزَوْجِهَا (بِجُذَامٍ بَيِّنٍ) : أَيْ مُحَقَّقٍ وَلَوْ يَسِيرًا لَا مَشْكُوكٍ، (وَبَرَصٍ مُضِرٍّ) : أَيْ فَاحِشٍ لَا يَسِيرٍ (وَجُنُونٍ حَدَثَتْ) هَذِهِ الْأَدْوَاءُ الثَّلَاثَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ، بَلْ (وَإِنْ) حَدَثَتْ بِالزَّوْجِ (بَعْدَ الدُّخُولِ) لِعَدَمِ صَبْرِهَا عَلَيْهَا، وَلَيْسَتْ الْعِصْمَةُ بِيَدِهَا بِخِلَافِ الزَّوْجِ لَيْسَ لَهُ رَدٌّ بِهَا إنْ حَدَثَتْ بِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ، وَهِيَ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَرْضَى، وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ، إذْ الْعِصْمَةُ بِيَدِهِ. وَقِيلَ: حُدُوثُ الْجُنُونِ بِالزَّوْجَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ، كَحُدُوثِهِ بِالزَّوْجِ فَلَهُ الْخِيَارُ، وَنُقِلَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ. وَذَهَبَ اللَّخْمِيُّ وَالْمُتَيْطِيُّ إلَى إلْغَاءِ مَا حَدَثَ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَذَهَبَ أَشْهَبُ إلَى إلْغَاءِ الْحَادِثِ مُطْلَقًا، وَالرَّاجِحُ مَا ذَكَرْنَاهُ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مَا حَدَثَ بِالْمَرْأَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ نَازِلَةٌ بِالزَّوْجِ. (لَا) رَدَّ لِزَوْجَةٍ (بِكَجَبِّهِ) وَاعْتِرَاضِهِ وَخِصَائِهِ إنْ حَصَلَ لَهُ بَعْدَ وَطْئِهَا وَلَوْ مَرَّةً، وَهِيَ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ وَطْءٌ فَلَهَا الْقِيَامُ بِحَقِّهَا وَفَسْخُ النِّكَاحِ. ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ لَا يُسْتَعْجَلُ بِالْفَسْخِ لِمَنْ أَرَادَ الرَّدَّ مِنْهُمَا فِي الْأَدْوَاءِ الَّتِي يُرْجَى بُرْؤُهَا فَقَالَ: (وَأُجِّلَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ؛ أَيْ مَنْ قَامَ بِهِ الدَّاءُ مِنْهُمَا (فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْأَدْوَاءِ الثَّلَاثَةِ: الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ (سَنَةً) كَامِلَةً (لِلْحُرِّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَحِلّ الرد بِالْعُيُوبِ فِي النِّكَاح] قَوْلُهُ: [بَلْ وَإِنْ حَدَثَتْ بِالزَّوْجِ بَعْدَ الدُّخُولِ] : أَيْ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيُّ فِي مَسَائِلِهِ، فَالْحَادِثُ عِنْدَهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ كَالْحَادِثِ قَبْلَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ أَنَّ الْجُذَامَ إذَا كَانَ مُحَقَّقًا رُدَّ بِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَالْبَرَصُ يُرَدُّ بِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فَاحِشًا لَا يَسِيرًا. قَوْلُهُ: [وَلَيْسَتْ الْعِصْمَةُ بِيَدِهَا] : هَذَا رُوحُ الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ. قَوْلُهُ: [وَالرَّاجِحُ مَا ذَكَرْنَاهُ] : أَيْ الَّذِي هُوَ كَلَامُ أَبِي الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيِّ وَالْقَرَافِيِّ. [تأجيل فَسْخ النِّكَاح بالعيب لِلتَّدَاوِي] قَوْلُهُ: [وَأُجِّلَا] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ الْأَدْوَاءَ الْمُشْتَرَكَةَ وَالْمُخْتَصَّةَ بِالرَّجُلِ إذَا رُجِيَ بُرْؤُهَا فَإِنَّهُ يُؤَجَّلُ فِيهَا الْحُرُّ سَنَةً وَالْعَبْدُ نِصْفَهَا وَأَمَّا الْأَدْوَاءُ الْمُخْتَصَّةُ بِالْمَرْأَةِ فَالتَّأْجِيلُ فِيهَا إنْ رُجِيَ الْبُرْءُ بِالِاجْتِهَادِ. قَوْلُهُ: [أَيْ فِي هَذِهِ الْأَدْوَاءِ الثَّلَاثَةِ] : قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهَا بَلْ بَاقِي الْمُشْتَرَكَةِ كَذَلِكَ حَيْثُ رُجِيَ بُرْءُ الدَّاءِ.

[لا خيار بغير عيوب النكاح المعروفة إلا بشرط]

وَنِصْفَهَا لِلرِّقِّ لِلتَّدَاوِي (إنْ رُجِيَ بُرْؤُهَا) وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّأْجِيلِ. (وَلَهَا) أَيْ لِلزَّوْجَةِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْأَجَلِ (النَّفَقَةُ) عَلَى زَوْجِهَا دُونَ أُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَالدَّوَاءِ، أَيْ إنْ دَخَلَ بِهَا لَا إنْ لَمْ يَدْخُلْ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا لَمْ يَدْخُلْ الْمَجْنُونُ فَلَا نَفَقَةَ لِزَوْجَتِهِ فِي الْأَجَلِ، وَمِثْلُهُ الْأَبْرَصُ وَالْمَجْذُومُ. (وَلَا خِيَارَ بِغَيْرِهَا) : أَيْ بِغَيْرِ الْعُيُوبِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ سَوَادٍ وَقَرَعٍ وَعَمًى وَعَوَرٍ وَعَرَجٍ وَشَلَلٍ، وَقَطْعِ عُضْوٍ، وَكَثْرَةِ أَكْلٍ، وَنَحْوِهَا مِمَّا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ عَيْبًا، (إلَّا بِشَرْطٍ) فَيُعْمَلُ بِهِ وَلَهُ الرَّدُّ (وَلَوْ بِوَصْفِ الْوَلِيِّ) لَهَا (عِنْدَ الْخِطْبَةِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ كَأَنْ يَقُولَ هِيَ سَلِيمَةُ الْعَيْنَيْنِ طَوِيلَةُ الشَّعْرِ لَا عَيْبَ بِهَا، فَتُوجَدُ بِخِلَافِهِ فَلَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ وَصْفَهُ لَهَا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ، وَكَذَا وَصْفُ غَيْرِ كَأُمِّهَا بِحُضُورِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ. (وَلَا بِخُلْفِ الظَّنِّ) كَالْقَرَعِ مِنْ قَوْمٍ ذَوِي شُعُورٍ، (وَالثُّيُوبَةِ) مَعَ ظَنِّهَا بِكْرًا، (وَالسَّوَادِ مِنْ بِيضٍ) فَلَا رَدَّ بِهِ. (وَنَتَنِ فَمٍ) لَا رَدَّ بِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَخَرِ نَتْنُ الْفَرْجِ كَمَا تَقَدَّمَ (إلَّا أَنْ يَجِدَهُ الْحُرُّ) مِنْهُمَا أَيْ يَجِدَ صَاحِبَهُ (رَقِيقًا) ، بِأَنْ يَتَزَوَّجَ الْحُرُّ امْرَأَةً يَظُنُّهَا حُرَّةً فَيَجِدَهَا رَقِيقًا أَوْ تَتَزَوَّجَ الْحُرَّةُ رَجُلًا فَتَجِدَهُ عَبْدًا فَلِلْحُرِّ الْخِيَارُ فِي رَدِّ صَاحِبِهِ، لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَيْسَ بِكُفْءٍ لِلْحُرِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَائِدَةٌ: قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي تَقْرِيرِهِ نَقْلًا عَنْ بَعْضِهِمْ: إذَا نُقِعَتْ الْحِنَّاءُ فِي مَاءٍ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَسُقِيَ رَائِقُ مَائِهَا لِلْمَجْذُومِ، فَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ فَلَا دَوَاءَ لَهُ قَوْلُهُ: [وَنِصْفَهَا لِلرِّقِّ] : أَيْ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ، وَسَيَأْتِي مُقَابِلُهُ لِلَّخْمِيِّ أَنَّهُ كَالْحُرِّ. [لَا خِيَارَ بِغَيْرِ عُيُوب النِّكَاح الْمَعْرُوفَة إلَّا بِشَرْطِ] قَوْلُهُ: [وَالثُّيُوبَةِ] : حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً يَظُنُّهَا بِكْرًا فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرَطَ فَلَا رَدَّ مُطْلَقًا عَلِمَ الْوَلِيُّ بِثُيُوبَتِهَا أَمْ لَا، وَإِنْ شَرَطَ الْعِذَارَةَ فَلَهُ الرَّدُّ مُطْلَقًا أَوْ الْبَكَارَةَ وَكَانَ زَوَالُهَا بِنِكَاحٍ، وَإِنْ شَرَطَ الْبَكَارَةَ وَكَانَ زَوَالُهَا تَوَثُّبَةً أَوْ زِنًا، فَإِنْ عَلِمَ الْوَلِيُّ وَكَتَمَ عَلَى الزَّوْجِ كَانَ لَهُ الرَّدُّ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْوَلِيُّ فَفِيهِ يُرْدَدُ قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَيْسَ بِكُفْءٍ لِلْحُرِّ] : أَيْ عَلَى الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ مَعَ الْأَمَةِ يَظُنُّ أَحَدُهُمَا حُرِّيَّةَ الْآخَرِ، وَالْمُسْلِمُ مَعَ النَّصْرَانِيَّةِ يَظُنُّهَا مُسْلِمَةً فَتَبَيَّنَ خِلَافُ ظَنِّهِ فَلَا خِيَارَ لِاسْتِوَائِهِمَا رِقًّا وَحُرِّيَّةً، إلَّا أَنْ يُغَرَّ

(وَأُجِّلَ الْمُعْتَرَضُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ مَنْ اتَّصَفَ بِالِاعْتِرَاضِ أَيْ عَدَمُ انْتِشَارِ الذَّكَرِ (الْحُرُّ سَنَةً) إذَا كَانَ لَهَا خِيَارٌ بِأَنْ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ فِيهَا وَطْءٌ وَلَوْ مَرَّةً، وَإِلَّا فَلَا خِيَارَ لَهَا. (وَ) أُجِّلَ (الْعَبْدُ) الْمُعْتَرَضُ (نِصْفَهَا) أَيْ نِصْفَ سَنَةٍ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَبِهِ الْحُكْمُ، وَنُقِلَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ يُؤَجَّلُ سَنَةً كَالْحُرِّ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَهُوَ أَبْيَنُ لِأَنَّ السَّنَةَ جُعِلَتْ لِيُخْتَبَرَ فِي الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ فَقَدْ يَنْفَعُ الدَّوَاءُ فِي فَصْلٍ دُونَ فَصْلٍ وَهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ (اهـ) . وَمِثْلُهُ يُجْرَى فِي الْأَبْرَصِ وَالْأَجْذَمِ وَالْمَجْنُونِ (مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ) لَا مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَقَدَّمُ عَلَى يَوْمِ الْحُكْمِ (بَعْدَ الصِّحَّةِ) مِنْ الْمَرَضِ (إنْ كَانَ مَرِيضًا) بِمَرَضٍ غَيْرِ الِاعْتِرَاضِ. (وَلَهَا النَّفَقَةُ) عَلَى زَوْجِهَا فِي السَّنَةِ أَوْ نِصْفِهَا خِلَافًا لِاسْتِظْهَارِ الشَّيْخِ. (وَصُدِّقَ) الزَّوْجُ (إنْ ادَّعَى الْوَطْءَ فِيهِ) : أَيْ فِي الْأَجَلِ (بِيَمِينٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنْ يَقُولَ الرَّقِيقُ: أَنَا حُرٌّ، وَالنَّصْرَانِيَّةُ، أَنَا مُسْلِمَةٌ، وَعَكْسُهُ، وَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ مُرْتَدًّا فَالْخِيَارُ فِي الْأَرْبَعِ صُوَرٍ. قَوْلُهُ: [بِفَتْحِ الرَّاءِ] : أَيْ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ مَفْعُولٍ، وَمَعْنَى اتِّصَافِهِ بِالِاعْتِرَاضِ قِيَامُ مَانِعِ الْوَطْءِ بِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لِعَارِضٍ كَسِحْرٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ مَرَضٍ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ فِيهَا وَطْءٌ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ اعْتِرَاضُهُ قَدِيمًا أَوْ حَادِثًا. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَلَا خِيَارَ لَهَا] : أَيْ مَا لَمْ يُدْخِلْهُ عَلَى نَفْسِهِ كَمَنْ فَعَلَ بِنَفْسِهِ فِعْلًا مُنِعَ بِهِ الِانْتِشَارُ كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ. قَوْلُهُ: [قَالَ اللَّخْمِيُّ وَهُوَ أَبْيَنُ] : لَكِنْ أَيَّدَ فِي الْمَجْمُوعِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: هَكَذَا الْفِقْهُ، وَإِنْ كَانَتْ حِكْمَةُ الْفُصُولِ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ. قَوْلُهُ: [بَعْدَ الصِّحَّةِ] : أَيْ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ حَيْثُ كَانَ الْمَرَضُ شَدِيدًا، وَأَمَّا إنْ مَرِضَ بَعْدَ الْحُكْمِ جَمِيعَ السَّنَةِ أَوْ بَعْضَهَا كَأَنْ يَقْدِرَ، فِي مَرَضِهِ هَذَا عَلَى عِلَاجٍ أَوْ لَا فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا، بَلْ يُطَلَّقُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَلَهَا النَّفَقَةُ عَلَى زَوْجِهَا] : أَيْ لِأَنَّهَا فِي نَظِيرِ الِاسْتِمْتَاعِ وَهِيَ مُمَكِّنَةٌ لَهُ فِي ذَلِكَ فَتَدَبَّرْ.

فَإِنْ نَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ (حَلَفَتْ) الزَّوْجَةُ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ شَاءَتْ. (وَإِلَّا) تَحْلِفَ بِأَنْ نَكَلَتْ كَمَا نَكَلَ، (بَقِيَتْ) إلَى تَمَامِ الْأَجَلِ. (وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ) : أَيْ الْوَطْءَ بَعْدَ الْأَجَلِ (طَلَّقَهَا) زَوْجُهَا (إنْ طَلَبَتْهُ) : أَيْ الطَّلَاقَ، أَيْ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِطَلَاقِهَا، فَإِنْ طَلَّقَ فَوَاضِحٌ. (وَإِلَّا) يُطَلِّقْهَا، وَامْتَنَعَ (فَهَلْ يُطَلِّقُ الْحَاكِمُ؟) بِأَنْ يَقُولَ: طَلَّقْتهَا عَلَيْك، أَوْ هِيَ طَالِقٌ مِنْك أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ - وَهُوَ الْمَشْهُورُ، فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ (أَوْ يَأْمُرُهَا) الْحَاكِمُ (بِهِ) أَيْ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ؛ بِأَنْ تَقُولَ: طَلَّقْت نَفْسِي مِنْهُ أَوْ نَحْوَهُ، (ثُمَّ يَحْكُمُ) بِهِ الْحَاكِمُ؟ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ - (قَوْلَانِ) : قَالَ بَعْضُهُمْ: أَيْ يَشْهَدُ بِهِ، قَالَ ابْنُ عَاتٍ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ مِنْ الْحُكْمِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنْ يَقُولَ لَهَا الْحَاكِمُ بَعْدَ تَمَامِ نَظَرِهِ مِمَّا يَجِبُ: طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْت وَإِنْ شِئْت التَّرَبُّصَ عَلَيْهِ، فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ (اهـ) ذَكَرَهُ الْمُحَشِّي. (وَلَهَا) أَيْ لِزَوْجَةِ الْمُعْتَرَضِ (الْفِرَاقُ بَعْدَ الرِّضَا بِمُدَّةٍ) : أَيْ بِإِقَامَتِهَا مَعَهُ مُدَّةً عَيَّنَتْهَا، كَقَوْلِهَا: رَضِيت بِالْمُقَامِ مَعَهُ سَنَةً أَيْضًا أَوْ سَنَتَيْنِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالظَّاهِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ] : هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، خِلَافًا لِمَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا نَكَلَ يَبْقَى لِتَمَامِ السَّنَةِ، ثُمَّ يُطْلَبُ بِالْحَلِفِ وَلَا يَكُونُ نُكُولُهُ أَوَّلًا مَانِعًا مِنْ حَلِفِهِ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ، فَإِنْ نَكَلَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ] : أَيْ بِأَنْ وَافَقَهَا عَلَى عَدَمِهِ أَوْ سَكَتَ وَلَمْ يَدَّعِ وَطْئًا وَلَا عَدَمَهُ. قَوْلُهُ: [أَيْ لِزَوْجَةِ الْمُعْتَرَضِ الْفِرَاقُ] : حَاصِلُهُ أَنَّهَا إذَا رَضِيَتْ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ الَّتِي ضُرِبَتْ لَهَا بِالْإِقَامَةِ مُدَّةً لِتَتَرَوَّى وَتَنْظُرُ فِي أَمْرِهَا، أَوْ رَضِيَتْ رِضًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ بِمُدَّةٍ، ثُمَّ رَجَعَتْ عَنْ ذَلِكَ الرِّضَا فَلَهَا ذَلِكَ، وَلَا تَحْتَاجُ إلَى ضَرْبِ أَجَلٍ ثَانٍ، لِأَنَّ الْأَجَلَ قَدْ ضُرِبَ أَوَّلًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَضِيَتْ ابْتِدَاءً بِالْإِقَامَةِ مَعَهُ لِتَتَرَوَّى فِي أَمْرِهَا بِلَا ضَرْبِ أَجَلٍ، ثُمَّ قَامَتْ فَلَا بُدَّ مِنْ ضَرْبِ الْأَجَلِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي زَوْجَةِ الْمُعْتَرَضِ كَمَا عَلِمْت، وَأَمَّا زَوْجَةُ الْمَجْذُومِ إذَا طَلَبَتْ فِرَاقَهُ فَأَجَّلَ لِرَجَاءِ بُرْئِهِ وَبَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ مَعَهُ، ثُمَّ أَرَادَتْ الرُّجُوعَ فَإِنْ

أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ، بَلْ لَوْ قَالَتْ: رَضِيت بِالْمُقَامِ مَعَهُ، ثُمَّ أَرَادَتْ الْفِرَاقَ فَلَهَا ذَلِكَ، (بِلَا ضَرْبِ أَجَلٍ) ثَانٍ لِأَنَّهُ قَدْ ضُرِبَ أَوَّلًا، وَهَذَا كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ أَوَّلَ الْفَصْلِ وَلَمْ يَرْضَ. (وَلَهَا الصَّدَاقُ) كَامِلًا (بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ الْأَجَلِ لِأَنَّهَا مَكَّنَتْ مِنْ نَفْسِهَا وَطَالَ مُقَامُهَا مَعَهُ وَتَلَذَّذَ بِهَا، فَإِنْ طَلَّقَ قَبْلَ السَّنَةِ فَلَهَا نِصْفُهُ، قَالَ الْحَطَّابُ: إذَا لَمْ يَطُلْ مُقَامُهَا مَعَهُ فَإِنْ طَالَ فَلَهَا الصَّدَاقُ، وَإِذَا كَانَ لَهَا النِّصْفُ تُعَاضُ الْمُتَلَذَّذُ بِهَا. (كَطَلَاقِ الْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ اخْتِيَارًا بَعْدَ الدُّخُولِ) : فِيهِ الصَّدَاقُ كَامِلًا، فَلَوْ طَلَّقَ عَلَيْهِمَا لِعَيْبِهِمَا فَسَيَأْتِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَيَّدَتْ رِضَاهَا بِالْمُقَامِ مَعَهُ أَجَّلَا لِتَتَرَوَّى كَانَ لَهَا الْفِرَاقُ مِنْ غَيْرِ ضَرْبِ أَجَلٍ ثَانٍ، وَإِنْ لَمْ تُقَيِّدْ بَلْ رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ مَعَهُ أَبَدًا ثُمَّ أَرَادَتْ الْفِرَاقَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَزِيدَ الْجُذَامُ، وَقَالَ أَشْهَبُ: لَهَا ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَزِدْ، وَحَكَى فِي الْبَيَانِ قَوْلًا ثَالِثًا لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ، وَإِنْ زَادَ قَالَ بْن: وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِتَقْيِيدِ الْخِيَارِ فِيمَا سَبَقَ بِعَدَمِ الرِّضَا. قَوْلُهُ: [وَتَلَذَّذَ بِهَا] : أَيْ بِالْمُقَدِّمَاتِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ طَلَّقَ قَبْلَ السَّنَةِ] إلَخْ: أَيْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَأَمَّا إنْ طَلَّقَ بِاخْتِيَارِهِ فَعَلَيْهِ الصَّدَاقُ كَامِلًا بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ أَوْلَى مِنْ الْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ وَالْخَصِيِّ. قَوْلُهُ: [تُعَاضُ الْمُتَلَذَّذُ بِهَا] : أَيْ زِيَادَةً عَلَى النِّصْفِ بِمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ أَوْ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ إنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ. قَوْلُهُ: [فَلَوْ طُلِّقَ عَلَيْهِمَا لِعَيْبِهِمَا فَسَيَأْتِي] : لَمْ يَأْتِ لَهُ ذَلِكَ فِي هَذَا الشَّرْحِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ. وَحَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا رَدَّتْ زَوْجَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِسَبَبِ عَيْبِهِ يَجِبُ لَهَا الْمُسَمَّى إذَا كَانَ يُتَصَوَّرُ وَطْؤُهُ كَمَجْنُونٍ وَمَجْذُومٍ وَأَبْرَصَ، فَإِنْ كَانَ لَا يُتَصَوَّرُ وَطْؤُهُ كَالْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ وَالْخَصِيِّ مَقْطُوعِ الذَّكَرِ، فَإِنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا عَلَى مَنْ ذُكِرَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْعِنِّينَ وَالْمَجْبُوبَ وَالْخَصِيَّ مَقْطُوعَ الذَّكَرِ إذَا طَلَّقُوا بَعْدَ الدُّخُولِ بِاخْتِيَارِهِمْ عَلَيْهِمْ الصَّدَاقُ كَامِلًا، وَإِنْ رُدُّوا بِعَيْبِهِمْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ.

(وَأُجِلَّتْ الرَّتْقَاءُ لِلدَّوَاءِ) حَيْثُ رُجِيَ زَوَالُهُ بِالدَّوَاءِ (بِالِاجْتِهَادِ) بِلَا تَحْدِيدٍ بَلْ بِمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالطِّبِّ، (وَلَا تُجْبَرُ) الزَّوْجَةُ (عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى التَّدَاوِي (إنْ كَانَ) الرَّتَقُ (خِلْقَةً) : أَيْ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ، لَا إنْ كَانَ بِعَمَلٍ كَمَا يَقَعُ لِبَعْضِ السُّودَانِ حِينَ الْخِفَاضِ مِنْ الْتِحَامِ الشُّفْرَيْنِ فَتُجْبَرُ. (وَجُسَّ عَلَى ثَوْبِ مُنْكِرِ الْجَبِّ وَنَحْوِهِ) كَخِصَاءٍ وَعُنَّةٍ (بِظَاهِرِ الْيَدِ) لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ بَاطِنِهَا، وَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ. (وَصُدِّقَا) : أَيْ الزَّوْجَانِ (فِي نَفْيِ دَاءِ الْفَرْجِ) : كَالِاعْتِرَاضِ وَالْبَرَصِ وَالْجُذَامِ الْقَائِمِ بِهِ إنْ ادَّعَاهُ الْآخَرُ (بِيَمِينٍ) ، وَلَا يَجُوزُ نَظَرُ النِّسَاءِ لَهَا، كَمَا لَا يَجُوزُ نَظَرُ الرِّجَالِ لَهُ. (وَصُدِّقَتْ فِي بَكَارَتِهَا وَ) صُدِّقَتْ فِي (حُدُوثِهِ) : أَيْ الْعَيْبِ (بَعْدَ الْعَقْدِ) إذَا ادَّعَتْهُ وَادَّعَى هُوَ أَنَّهُ قَدِيمٌ، وَتَحْلِفُ إنْ كَانَتْ رَشِيدَةً (وَحَلَفَ أَبُوهَا إنْ كَانَتْ سَفِيهَةً أَوْ صَغِيرَةً) ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَالْأَخُ كَالْأَبِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِمْ، بَلْ الْيَمِينُ عَلَيْهَا أَيْ السَّفِيهَةِ وَيُصْبَرُ لِبُلُوغِ الصَّغِيرَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأُجِلَّتْ الرَّتْقَاءُ] إلَخْ: لَا مَفْهُومَ لَهُ، بَلْ جَمِيعُ الْأَدْوَاءِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْمَرْأَةِ إنْ رُجِيَ بُرْؤُهَا كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: [بِلَا تَحْدِيدٍ] : هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ يُضْرَبُ لَهَا شَهْرَانِ. قَوْلُهُ: [إنْ كَانَ الرَّتْقُ خِلْقَةً] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ يَحْصُلُ بَعْدَهُ عَيْبٌ فِي الْإِصَابَةِ أَمْ لَا، وَهَذَا إنْ طَلَبَهُ الزَّوْجُ وَامْتَنَعَتْ، وَأَمَّا إنْ طَلَبَتْهُ هِيَ وَأَبَى الزَّوْجُ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ خِلْقَةٌ فَإِنَّهَا تُجَابُ لِذَلِكَ، وَلَا كَلَامَ لِلزَّوْجِ إذَا كَانَ لَا يَحْصُلُ بَعْدَهُ عَيْبٌ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ. قَوْلُهُ: [وَجُسَّ عَلَى ثَوْبِ مُنْكِرِ الْجَبِّ] إلَخْ: أَيْ، وَأَمَّا مُنْكِرُ الِاعْتِرَاضِ بِأَنْ ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ مُعْتَرَضٌ وَأَكْذَبَهَا، فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْجَسَّ، وَحِينَئِذٍ فَيُصَدَّقُ فِي نَفْيِهِ بِيَمِينٍ لِأَنَّ إنْعَاظَهُ وَيُجَسُّ عَلَيْهِ لَا يَحْصُلُ مِنْ ذَوِي الْمُرُوءَاتِ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ لِفُحْشِهِ. قَوْلُهُ: [وَحَلَفَ أَبُوهَا إنْ كَانَتْ سَفِيهَةً] إلَخْ: إنْ قُلْت كَيْفَ يَحْلِفُ الْأَبُ لِيَسْتَحِقَّ الْغَيْرُ مَعَ أَنَّ الشَّأْنَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَحْلِفُ لِيَسْتَحِقَّ هُوَ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ

[بيان ما يترتب على الرد قبل البناء وبعده من الصداق]

(وَلَا يَنْظُرُهَا النِّسَاءُ) إذَا كَانَ الْعَيْبُ بِالْفَرْجِ كَالْبَكَارَةِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ. (وَإِنْ شَهِدَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ قُبِلَتَا) ، وَلَا يَكُونُ نَظَرُهُمَا لِفَرْجِهَا جُرْحَةً نَظَرًا لِقَوْلِ سَحْنُونَ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى بَيَانِ الْعُيُوبِ وَمَا يُوجِبُ الرَّدَّ وَمَا لَا يُوجِبُهُ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الرَّدِّ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ مِنْ الصَّدَاقِ فَقَالَ: (وَلَا صَدَاقَ فِي الرَّدِّ قَبْلَ الْبِنَاءِ) : وَلَوْ وَقَعَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ، لِأَنَّ الْعَيْبَ إذَا كَانَ بِهِ فَقَدْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ سِلْعَتِهَا، وَإِنْ كَانَ بِهَا فَغَارَّةٌ مُدَلِّسَةٌ. (وَإِنْ رَدَّتْهُ) الزَّوْجَةُ (بَعْدَهُ) أَيْ الْبِنَاءِ لِعَيْبِهِ (فَلَهَا الْمُسَمَّى) لِتَدْلِيسِهِ. (وَإِنْ رَدَّهَا) الزَّوْجُ بَعْدَهُ لِعَيْبِهَا (رَجَعَ بِهِ) الزَّوْجُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُرَادَ بِالْحَلِفِ لِكَوْنِهِ مُقَصِّرًا بِعَدَمِ الْإِشْهَادِ عَلَى أَنَّ وَلِيَّتَهُ سَالِمَةٌ حِينَ الْعَقْدِ، فَالْغُرْمُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وَالْحَلِفُ لِرَدِّ الْغُرْمِ عَنْ نَفْسِهِ لَا لِاسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَنْظُرُهَا النِّسَاءُ] : أَيْ كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَابْنِ حَبِيبٍ، وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ مَالِكٍ وَكُلِّ أَصْحَابِهِ غَيْرَ سَحْنُونَ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ شَهِدَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ] : أَيْ أَوْ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ وَهَذَا كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ تَصْدِيقِ الْمَرْأَةِ فِي دَاءِ فَرْجِهَا، كَأَنَّهُ قِيلَ مَحَلُّ تَصْدِيقِ الْمَرْأَةِ مَا لَمْ يَأْتِ الرَّجُلُ بِامْرَأَتَيْنِ يَشْهَدَانِ لَهُ، فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِشَهَادَتِهِمَا، وَلَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ حَصَلَتْ الشَّهَادَةُ بَعْدَ حَلِفِهَا عَلَى مَا ادَّعَتْ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. [بَيَان مَا يَتَرَتَّب عَلَى الرد قَبْل الْبِنَاء وَبَعْدَهُ مِنْ الصَّدَاقِ] قَوْلُهُ: [وَلَوْ وَقَعَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ] : هَذَا ظَاهِرٌ فِي رَدِّهَا لَهُ بِعَيْبِهِ، وَأَمَّا فِي رَدِّهِ لَهَا بِعَيْبِهَا فَمَحَلُّ كَوْنِهِ لَا صَدَاقَ لَهَا إنْ رَدَّهَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ، فَإِنْ رَدَّهَا بِهِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ نَقْلًا عَنْ الْأُجْهُورِيِّ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ الرَّدُّ بِعَيْبٍ يُوجِبُ الرَّدَّ بِغَيْرِ شَرْطٍ أَوْ بِعَيْبٍ لَا يُوجِبُهُ إلَّا بِشَرْطٍ وَحَصَلَ ذَلِكَ الشَّرْطُ. قَوْلُهُ: [فَلَهَا الْمُسَمَّى] إلَخْ: أَيْ إذَا كَانَ يُتَصَوَّرُ وَطْؤُهُ كَمَجْنُونٍ وَمُجَذَّمٍ وَمُبَرَّصٍ، فَإِنْ كَانَ لَا يُتَصَوَّرُ وَطْؤُهُ كَالْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ وَالْخَصِيِّ مَقْطُوعِ الذَّكَرِ، فَإِنَّهُ لَا مَهْرَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [رَجَعَ بِهِ] : أَيْ بِالْمُسَمَّى إنْ كَانَ الرَّدُّ بِعَيْبٍ يُرَدُّ فِيهِ بِغَيْرِ شَرْطٍ،

(عَلَى وَلِيٍّ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ حَالُهَا كَأَبٍ وَأَخٍ) وَابْنٍ لِتَدْلِيسِهِ بِالْكِتْمَانِ، (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا) مِنْ الصَّدَاقِ الَّذِي أَخَذَتْهُ فَلَا رُجُوعَ لِلْوَلِيِّ وَلَا لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا إذَا كَانَتْ غَائِبَةً عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ. (وَ) رَجَعَ الزَّوْجُ (عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْوَلِيِّ الْمَذْكُورِ، (أَوْ عَلَيْهَا) فَهُوَ بِالْخِيَارِ (إنْ حَضَرَتْ مَجْلِسَ الْعَقْدِ) لِتَدْلِيسِهِمَا بِالْكِتْمَانِ، (ثُمَّ) يَرْجِعُ (الْوَلِيُّ عَلَيْهَا إنْ أَخَذَهُ) الزَّوْجُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْوَلِيِّ فَقَرَارُ الْغُرْمِ عَلَيْهَا، وَهَذَا فِي الْعَيْبِ الظَّاهِرِ كَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ، وَأَمَّا مَا لَا يَظْهَرُ إلَّا بَعْدَ الْبِنَاءِ أَوْ بِالْوَطْءِ كَالرَّتَقِ فَالْوَلِيُّ الْقَرِيبُ فِيهِ كَالْبَعِيدِ كَمَا يَأْتِي. (وَ) رَجَعَ (عَلَيْهَا فَقَطْ فِي) وَلِيٍّ (بَعِيدٍ) شَأْنُهُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهَا حَالُهَا (كَابْنِ عَمٍّ) وَحَاكِمٍ (إلَّا رُبْعَ دِينَارٍ) لِئَلَّا يَخْلُوَ الْبَضْعُ عَنْ مَهْرٍ فَيُشْبِهَ وَطْؤُهَا الزِّنَا، (أَوْ) وَلِيٍّ (قَرِيبٍ فِيمَا) أَيْ فِي عَيْبٍ (لَا يُعْلَمُ قَبْلَ الْبِنَاءِ كَعَفَلٍ) وَرَتَقٍ وَبَخَرٍ. (فَإِنْ عَلِمَ) الْوَلِيُّ (الْبَعِيدُ) بِالْعَيْبِ وَكَتَمَهُ (فَكَالْقَرِيبِ) فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ كَانَ يُرَدُّ فِيهِ بِالشَّرْطِ رَجَعَ بِمَا زَادَهُ الْمُسَمَّى عَنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا مُتَّصِفَةً بِذَلِكَ الْعَيْبِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [عَلَى وَلِيٍّ] : أَيْ تَوَلَّى الْعَقْدَ وَقَوْلُهُ: لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ حَالُهَا أَيْ لِكَوْنِهِ مُخَالِطًا، وَإِنَّمَا رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُخَالِطًا لَهَا وَعَالِمًا بِعُيُوبِهَا وَأَخْفَاهَا عَلَى الزَّوْجِ صَارَ غَارًّا لَهُ وَمُدَلِّسًا عَلَيْهِ، فَلِذَلِكَ كَانَتْ الْغَرَامَةُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ غَائِبَةً عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: [فَقَرَارُ الْغُرْمِ عَلَيْهَا] : أَيْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. قَوْلُهُ: [فَالْوَلِيُّ الْقَرِيبُ فِيهِ كَالْبَعِيدِ] : أَيْ فِي عَدَمِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [شَأْنُهُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ حَالُهَا] : أَيْ لِكَوْنِهِ لَمْ يَكُنْ مُخَالِطًا لَهَا. قَوْلُهُ: [كَابْنِ عَمٍّ وَحَاكِمٍ] : أَيْ وَكَذَا شَدِيدُ الْقَرَابَةِ إنْ كَانَ غَيْرَ مُخَالِطٍ لَهَا؛ فَفِي الْحَقِيقَةِ الْمَدَارُ عَلَى الْمُخَالَطَةِ وَعَدَمِهَا وَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ لِلْقَرَائِنِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [إلَّا رُبْعَ دِينَارٍ] : أَيْ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَيَتْرُكُ لَهَا أَيْضًا رُبْعَ دِينَارٍ فِي الْغُرُورِ بِالْعِدَّةِ حَيْثُ قَالَتْ: أَنَا خَرَجْت مِنْ الْعِدَّةِ وَعَقَدَ عَلَيْهَا وَدَخَلَ بِهَا مُعْتَمِدًا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ ظَهَرَ كَذِبُهَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْغُرُورُ مِنْ الْوَلِيِّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِكُلِّ الصَّدَاقِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ.

بِجَمِيعِهِ إنْ كَانَتْ غَائِبَةً عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ. وَعَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا إنْ زَوَّجَهَا بِحُضُورِهَا كَاتِمَيْنِ. (وَحَلَّفَهُ الزَّوْجُ) أَيْ: حَلَّفَ الزَّوْجُ الْوَلِيَّ الْبَعِيدَ (إنْ ادَّعَى) عَلَيْهِ (عِلْمَهُ) بِالْعَيْبِ، (فَإِنْ نَكَلَ) الْوَلِيُّ (حَلَفَ) الزَّوْجُ (أَنَّهُ غَرَّهُ، وَرَجَعَ عَلَيْهِ. وَإِلَّا) يَحْلِفْ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) ، فَلَوْ حَلَفَ الْوَلِيُّ بِأَنَّهُ: لَا عِلْمَ عِنْدِي، رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا. هَذَا مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّيْخِ مِنْ النَّظَرِ، وَنَصُّ اللَّخْمِيِّ فِي التَّبْصِرَةِ: وَاخْتُلِفَ أَيْضًا إذَا كَانَ الْوَلِيُّ عَمًّا أَوْ ابْنَ عَمٍّ أَوْ مِنْ الْعَشِيرَةِ أَوْ السُّلْطَانِ، فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ عَلِمَ وَغَرَّهُ وَأَنْكَرَ الْوَلِيُّ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْلِفُ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الزَّوْجُ أَنَّهُ عَلِمَ وَغَرَّهُ، فَإِنْ نَكَلَ الزَّوْجُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْوَلِيِّ وَلَا عَلَى الزَّوْجَةِ، وَقَدْ سَقَطَتْ تِبَاعَتُهُ عَلَى الزَّوْجَةِ بِدَعْوَاهُ عَلَى الْوَلِيِّ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ حَلَفَ الْوَلِيُّ رَجَعَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَهُوَ أَصْوَبُ (اهـ) . (وَ) رَجَعَ الزَّوْجُ (عَلَى غَارٍّ) لَهُ بِأَنَّهَا سَلِيمَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ (غَيْرِ وَلِيٍّ) خَاصٍّ (إنْ تَوَلَّى) ذَلِكَ الْغَارُّ (الْعَقْدَ) بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ أَوْ بِتَوْكِيلٍ مِنْ الْخَاصِّ (وَلَمْ يُخْبِرْ بِأَنَّهُ غَيْرُ وَلِيٍّ) - وَلَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ - بِذَلِكَ بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ فَإِنْ أَخْبَرَهُ الْغَارُّ بِأَنَّهُ غَيْرُ وَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّيْخِ] إلَخْ: أَيْ حَيْثُ قَالَ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ أَنَّهُ غَرَّهُ وَرَجَعَ عَلَيْهِ، فَإِنْ نَكَلَ رَجَعَ عَلَى الزَّوْجَةِ عَلَى الْمُخْتَارِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَهُوَ أَصْوَبُ] : أَيْ فَهَذَا مَصَبُّ اخْتِيَارِ اللَّخْمِيِّ وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْوَلِيَّ الْبَعِيدَ إذْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَغُرَّ الزَّوْجَ لَمْ يَرْجِعْ الزَّوْجُ عَلَى الزَّوْجَةِ لِإِقْرَارِهِ أَنَّ الْوَلِيَّ غَرَّهُ، وَلَا عَلَى الْوَلِيِّ لِحَلِفِهِ، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى حَلَفَ الْوَلِيُّ أَوْ نَكَلَ الزَّوْجُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي دَعْوَى التَّحْقِيقِ لَا غُرْمَ عَلَى أَحَدٍ لَا عَلَى الْوَلِيِّ وَلَا عَلَى الزَّوْجَةِ، وَإِنَّمَا الرُّجُوعُ فِي صُورَتَيْنِ عَلَى الْوَلِيِّ إحْدَاهُمَا أَنْ يَنْكُلَ، وَالدَّعْوَى دَعْوَى اتِّهَامٍ يَغْرَمُ فِيهَا بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَحْلِفَ الزَّوْجُ بَعْدَ نُكُولِ الْوَلِيِّ فِي دَعْوَى التَّحْقِيقِ فَيَغْرَمَ الْوَلِيُّ أَيْضًا (اهـ) . قَوْلُهُ: [إنْ تَوَلَّى ذَلِكَ الْغَارُّ الْعَقْدَ] : أَيْ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَتَوَلَّ الْعَقْدَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ غُرُورٌ قَوْلِيٌّ. قَوْلُهُ: [بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ] : مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ رَجَعَ.

[غره غير الولي بأنها حرة فتزوجها]

لَهُ عَلَيْهِ رُجُوعٌ وَلَا عَلَى الزَّوْجَةِ أَيْضًا، وَكَذَا إنْ عَلِمَ الزَّوْجُ بِأَنَّهُ غَيْرُ وَلِيٍّ لِتَفْرِيطِهِ. وَلَوْ غَرَّهُ غَيْرُ الْوَلِيِّ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ فَتَزَوَّجَهَا، فَإِذَا هِيَ أَمَةٌ فَرَدَّهَا لِذَلِكَ غَرِمَ لِلسَّيِّدِ الْمُسَمَّى وَقِيمَةَ وَلَدِهِ مِنْهَا، لِأَنَّهُ حُرٌّ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِرِقِّهَا حِينَ الْوَطْءِ، وَرَجَعَ عَلَى الْغَارِّ بِالْمُسَمَّى الَّذِي غَرِمَهُ لِسَيِّدِهَا (لَا بِقِيمَةِ الْوَلَدِ) لِأَنَّ الْغُرُورَ سَبَبٌ فِي إتْلَافِ الصَّدَاقِ فَقَطْ وَهُوَ - وَإِنْ كَانَ سَبَبًا لِلْوَطْءِ - إلَّا أَنَّ الْوَطْءَ قَدْ لَا يَنْشَأُ عَنْهُ وَلَدٌ، فَإِنْ أَخْبَرَ الْغَارُّ بِأَنَّهُ غَيْرُ وَلِيٍّ أَوْ لَمْ يَتَوَلَّ الْعَقْدَ فَلَا رُجُوعَ لِلزَّوْجِ بِشَيْءٍ. (وَوَلَدُ) الزَّوْجِ (الْمَغْرُورِ بِحُرِّيَّتِهَا - الْحُرِّ فَقَطْ) - لَا غَيْرِ الْمَغْرُورِ، وَلَا مَغْرُورِ عَبْدٍ (حُرٌّ) بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَهُوَ كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ قَاعِدَةِ " كُلُّ وَلَدٍ فَهُوَ تَابِعٌ لِأُمِّهِ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ ". (وَعَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْمَغْرُورِ (إنْ رَدَّهَا) بِالْغُرُورِ مِنْهَا أَوْ مِنْ سَيِّدِهَا (الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَصَدَاقِ الْمِثْلِ) ، فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهَا بَلْ تَمَسَّكَ بِهَا فَصَدَاقُ الْمِثْلِ. (وَ) عَلَيْهِ أَيْضًا (قِيمَةُ الْوَلَدِ مُطْلَقًا) رَدَّهَا أَوْ أَمْسَكَهَا كَانَ الْغُرُورُ مِنْهَا أَوْ مِنْ سَيِّدِهَا أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لِأَنَّهُ حُرٌّ كَمَا تَقَدَّمَ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَغْرُورِ فَوَلَدُهُ رِقٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِتَفْرِيطِهِ] : عِلَّةٌ لِعَدَمِ رُجُوعِهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. [غره غَيْر الْوَلِيّ بِأَنَّهَا حرة فتزوجها] قَوْلُهُ: [وَرَجَعَ عَلَى الْغَارِّ بِالْمُسَمَّى] : أَيْ بِشَرْطَيْنِ وَهُمَا إنْ تَوَلَّى الْعَقْدَ وَلَمْ يُخْبِرْ بِأَنَّهُ غَيْرُ وَلِيٍّ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [فَلَا رُجُوعَ لِلزَّوْجِ بِشَيْءٍ] : أَيْ لِتَفْرِيطِهِ. قَوْلُهُ: [الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ مِنْ حُجَّةِ الزَّوْجِ أَنْ يَقُولَ إذَا كَانَ الْمُسَمَّى أَقَلَّ قَدْ رَضِيت بِهِ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَرِضَاهَا بِهِ عَلَى أَنَّهَا رِقٌّ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ صَدَاقُ الْمِثْلِ أَقَلَّ فَمَنْ حُجَّتُهُ أَنْ يَقُولَ لَمْ أَدْفَعْ الْمُسَمَّى إلَّا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ؛ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحُرَّةِ الْغَارَّةِ وَالْأَمَةِ الْغَارَّةِ، أَنَّ الْأَمَةَ الْغَارَّةَ قَدْ حَدَثَ فِيهَا عَيْبٌ يَعُودُ ضَرَرُهُ عَلَى السَّيِّدِ فَلَزِمَ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَصَدَاقِ الْمِثْلِ، بِخِلَافِ الْحُرَّةِ الْغَارَّةِ فَلِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ إلَّا رُبْعُ دِينَارٍ. قَوْلُهُ: [فَصَدَاقُ الْمِثْلِ] : أَيْ إذَا أَرَادَ إبْقَاءَهَا فِي عِصْمَتِهِ لَزِمَهُ صَدَاقُ الْمِثْلِ كَذَا قَالَ الشَّارِحُ، وَاَلَّذِي فِي (عب) وَالْمَجْمُوعِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ إبْقَاءَهَا فِي عِصْمَتِهِ لَزِمَهُ الْمُسَمَّى كَاسْتِحْقَاقِ مَا لَيْسَ وَجْهَ الصَّفْقَةِ كَمَا أَفَادَهُ الْقَرَافِيُّ.

(دُونَ مَالِهِ) : أَيْ الْوَلَدِ فَلَا يَكُونُ لِسَيِّدِ أُمِّهِ. وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ (يَوْمَ الْحُكْمِ) لَا يَوْمَ الْوِلَادَةِ، (إلَّا أَنْ يُعْتَقَ) الْوَلَدُ (عَلَى سَيِّدِ أُمِّهِ) بِأَنْ يَكُونَ سَيِّدُ أُمِّهِ جَدًّا أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا لِلْمَغْرُورِ فَلَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِعِتْقِهِ عَلَى سَيِّدِ الْأُمِّ، وَلَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ لِتَخَلُّقِهِ عَلَى الْحُرِّيَّةِ. (وَلِعَدَمِهِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ: أَيْ وَعِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ بِعُسْرٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ فَقْدٍ (تُؤْخَذُ) الْقِيمَةُ (مِنْ) نَفْسِ (الْوَلَدِ) إنْ أَيْسَرَ، وَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى أَبِيهِ كَمَا لَا يَرْجِعُ أَبُوهُ بِهَا عَلَيْهِ إنْ غَرِمَهَا، فَإِنْ أَعْسَرَ أُخِذَتْ مِنْ أَوَّلِهِمَا يَسَارًا وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْآخَرِ. (وَ) لَوْ عَدِمَ الْأَبُ وَقُلْنَا تُؤْخَذُ مِنْ الْوَلَدِ وَكَانَ الْوَلَدُ مُتَعَدِّدًا (لَا يُؤْخَذُ) مِنْ كُلِّ (وَلَدٍ إلَّا قِسْطُهُ) : أَيْ قِيمَتُهُ فَقَطْ، وَلَا يُؤْخَذُ مَلِيءٌ عَنْ مُعْدِمٍ، وَلَا حَاضِرٌ عَنْ غَائِبٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يُعْتَقَ الْوَلَدُ عَلَى سَيِّدِ أُمِّهِ] : أَيْ فَإِذَا غَرَّتْهُ أَمَةٌ كَأَبِيهِ بِالْحُرِّيَّةِ فَتَزَوَّجَهَا وَأَوْلَدَهَا ثُمَّ عَلِمَ بِرِقِّهَا، فَإِنَّ الْوَلَدَ يُعْتَقُ عَلَى سَيِّدِ أُمِّهِ وَلَا قِيمَةَ فِيهِ، وَيَلْزَمُ الزَّوْجَ لِلْأَمَةِ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَصَدَاقِ الْمِثْلِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [لِتَخَلُّقِهِ عَلَى الْحُرِّيَّةِ] : أَيْ فَلَيْسَ لِسَيِّدِ أُمِّهِ فِيهِ إنْشَاءُ عِتْقٍ حَتَّى يَكُونَ لَهُ الْوَلَاءُ. قَوْلُهُ: [إلَّا قِسْطَهُ] : اعْتَرَضَ بِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِقِيمَتِهِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَظْهَرُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ بِقِسْطِهِ لِأَجْلِ أَنْ يَشْمَلَ مَا إذَا دَفَعَ الْأَبُ بَعْضًا مِنْ قِيمَتِهِمْ وَأَعْسَرَ بِالْبَاقِي فَلَا إشْكَالَ أَنَّ الْبَاقِيَ يُقَسَّطُ عَلَى كُلٍّ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ. تَنْبِيهٌ: إذَا كَانَتْ الْغَارَّةُ أُمَّ وَلَدٍ يَلْزَمُ الزَّوْجَ قِيمَةُ وَلَدِهَا عَلَى الْغَرَرِ، فَيَقُومُ يَوْمَ الْحُكْمِ عَلَى غَرَرِهِ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِ أُمِّهِ، فَيَكُونُ رَقِيقًا أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَكُونُ حُرًّا، وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ يَقُومُ عَلَى غَرَرِهِ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ فَيَكُونُ رَقِيقًا أَوْ بَعْدَهُ فَيَحْمِلُهُ الثُّلُثُ فَحُرٌّ، أَوْ يَحْمِلُ بَعْضَهُ أَوْ لَا يَحْمِلُ مِنْهُ شَيْئًا فَيَرِقُّ مَا لَا يَحْمِلُهُ، فَاحْتِمَالُ الرِّقِّ فِي وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَلَوْ قُتِلَ وَلَدُ الْأَمَةِ الْغَارَّةِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِتَقْوِيمِهِ وَأَخْذِ الْأَبِ دِيَتَهُ لَزِمَ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَدِيَتُهُ لِسَيِّدِ أُمِّهِ. فَإِنْ اُقْتُصَّ أَوْ هَرَبَ الْقَاتِلُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ كَمَوْتِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ تَعُودُ عَلَى أَبِيهِ، وَكَذَا لَوْ ضَرَبَ شَخْصٌ بَطْنَ الْأَمَةِ وَهِيَ

(وَقُبِلَ قَوْلُ الزَّوْجِ إنَّهُ غُرَّ بِيَمِينٍ) إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ الْعِلْمَ فَلَهُ الرَّدُّ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَبَعْدَهُ وَيَغْرَمُ قِيمَةَ الْوَلَدِ عَلَى مَا مَرَّ. (وَلَوْ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَا) مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا (فَاطُّلِعَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (عَلَى مُوجِبِ خِيَارٍ) مِنْ جُذَامٍ أَوْ بَرَصٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فِي أَحَدِهِمَا، (فَكَالْعَدَمِ) فَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا فِي الْمَوْتِ مُطْلَقًا وَفِي الطَّلَاقِ إنْ دَخَلَ وَنِصْفُهُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ وَالْإِرْثُ ثَابِتٌ بَيْنَهُمَا. (وَلِلْوَلِيِّ كَتْمُ الْعَمَى وَنَحْوِهِ) مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَا يُوجِبُ الْخِيَارَ إلَّا بِشَرْطٍ، أَيْ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الزَّوْجُ السَّلَامَةَ مِنْهُ، لِأَنَّ النِّكَاحَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُكَارَمَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ بَيَانُ كُلِّ مَا يَكْرَهُهُ الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا مَا يُوجِبُ الْخِيَارَ فَعَلَيْهِ بَيَانُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَامِلٌ فَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا، وَأَخَذَ الْأَبُ عُشْرَ دِيَةِ حُرَّةٍ فَيَلْزَمُهُ لِسَيِّدِ الْأُمِّ الْأَقَلُّ مِنْ عُشْرِ دِيَةِ الْحُرَّةِ، وَمِنْ قِيمَةِ الْأُمِّ يَوْمَ الضَّرْبِ، وَكَذَا لَوْ جَرَحَ الْوَلَدَ شَخْصٌ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ فَيَلْزَمُ أَبَاهُ لِسَيِّدِ أُمِّهِ الْأَقَلُّ مِمَّا نَقَصَتْهُ قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا عَنْ قِيمَتِهِ سَالِمًا يَوْمَ الْجَرْحِ، وَمِمَّا أَخَذَهُ مِنْ الْجَانِي فِي نَظِيرِ الْجُرْحِ، ثُمَّ يَوْمَ الْحُكْمِ يَدْفَعُ لَهُ قِيمَتَهُ نَاقِصًا كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ الْأَصْلِ فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: [وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ] : أَيْ حَيْثُ حَلَفَ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ طَلَّقَهَا] إلَخْ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ أَخَذَهُ مِنْهَا وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَلَى أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إمْضَاؤُهُ وَفَسْخُهُ إذَا خَالَعَهَا الزَّوْجُ عَلَى مَالٍ أَخَذَهُ مِنْهَا، فَالطَّلَاقُ يَلْزَمُهُ وَيَحِلُّ لَهُ مَا أَخَذَهُ مِنْهَا وَلَا عِبْرَةَ بِمَا ظَهَرَ بِهِ مِنْ الْعَيْبِ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ ظُهُورِ الْعَيْبِ بِالزَّوْجَةِ أَوْ بِالزَّوْجِ، فَالْخُلْعُ مَاضٍ عَلَى كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إذَا ظَهَرَ الْعَيْبُ بِالزَّوْجِ رَدَّ مَا أَخَذَهُ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَالِكَةً لِفِرَاقِهِ، وَقَدْ اقْتَصَرَ خَلِيلٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي بَابِ الْخُلْعِ وَاعْتَمَدَهُ الْأُجْهُورِيُّ، وَصَوَّبَ بَعْضُهُمْ كَمَا قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. قَوْلُهُ: [وَنَحْوِهِ] : أَيْ كَالْقَرَعِ وَالسَّوَادِ وَالشَّلَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ تَكْرَهُهُ النُّفُوسُ غَيْرِ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ عَيْبًا قَوْلُهُ: [وَأَمَّا مَا يُوجِبُ الْخِيَارَ] : أَيْ بِغَيْرِ شَرْطٍ.

(وَ) يَجِبُ (عَلَيْهِ كَتْمُ الْخَنَى) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ الْفَوَاحِشِ الَّتِي تُوجِبُ الْعَارَ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ. (وَمُنِعَ أَجْذَمُ وَأَبْرَصُ مِنْ وَطْءِ إمَائِهِ) لِأَنَّهُ ضَرَرٌ، فَالزَّوْجَةُ أَوْلَى، لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِي الرَّقِيقِ أَقْوَى مِنْ تَصَرُّفِهِ فِي الزَّوْجَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمُنِعَ أَجْذَمُ] إلَخْ: الْمُرَادُ بِالْمَنْعِ الْحَيْلُولَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ مِنْ الْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِهِنَّ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ.

[فصل في خيار من تعتق وهي في عصمة عبد]

فَصْلٌ فِي خِيَارِ مَنْ تُعْتَقُ وَهِيَ فِي عِصْمَةِ عَبْدٍ (لِمَنْ كَمُلَ عِتْقُهَا) مِنْ الْإِمَاءِ وَهِيَ (تَحْتَ عَبْدٍ) وَلَوْ بِشَائِبَةٍ (فِرَاقُهُ) فَيُحَالُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ حَتَّى تَخْتَارَ (بِطَلْقَةٍ) ، وَقَوْلُهُ: (فَقَطْ) رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ أَيْ كَمُلَ عِتْقُهَا لَا إنْ لَمْ يَكْمُلْ تَحْتَ عَبْدٍ لَا حُرٍّ بِطَلْقَةٍ لَا أَكْثَرَ، سَوَاءٌ بَيَّنَتْ أَوْ أَبْهَمَتْ؛ كَأَنْ قَالَتْ: طَلَّقْت نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي، (بَائِنَةٍ) خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَهِيَ بَائِنَةٌ، وَبِالْجَرِّ عَلَى النَّعْتِ، وَالْمَعْنَى صِفَتُهَا الْبَيْنُونَةُ وَلَا إيهَامَ فِيهِ، فَإِنْ أَوْقَعَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي خِيَارِ مَنْ تُعْتَقُ وَهِيَ فِي عِصْمَةِ عَبْدٍ] فَصْلٌ قَوْلُهُ: [لِمَنْ كَمُلَ عِتْقُهَا] : أَيْ فِي مَرَّةٍ أَوْ مَرَّاتٍ بِأَنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ جَمِيعَهَا إنْ كَانَتْ كَامِلَةَ الرِّقِّ أَوْ بَاقِيهَا إنْ كَانَتْ مُبَعَّضَةً، أَوْ عَتَقَتْ بِأَدَاءِ كِتَابَتِهَا، أَوْ كَانَتْ مُدَبَّرَةً وَعَتَقَتْ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ عَتَقَتْ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ تَحْتَ عَبْدٍ] : قَالَ ابْنُ رُشْدٍ عِلَّةُ تَخْيِيرِهَا نَقْصُ زَوْجِهَا لَا جَبْرُهَا عَلَى النِّكَاحِ، وَلِذَا قُلْنَا لَا خِيَارَ لَهَا إذَا كَمُلَ عِتْقُهَا وَهِيَ تَحْتَ الْحُرِّ، وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ أَنَّ عِلَّتَهُ جَبْرُهَا عَلَى النِّكَاحِ لَهَا الْخِيَارُ إذَا كَمُلَ عِتْقُهَا تَحْتَ الْحُرِّ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [لَا إنْ لَمْ يَكْمُلْ] : أَيْ كَمَا إذَا حَصَلَ لَهَا شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ كَتَدْبِيرٍ أَوْ عِتْقٍ لِأَجَلٍ أَوْ عِتْقِ بَعْضٍ أَوْ إيلَادٍ مِنْ سَيِّدٍ، كَمَا لَوْ غَابَ الزَّوْجُ فَاسْتَبْرَأَهَا السَّيِّدُ مِنْ مَاءِ الزَّوْجِ، وَارْتَكَبَ الْمَحْظُورَ وَوَطِئَهَا فَوَلَدَتْ فَلَا يَحْصُلُ لَهَا الْخِيَارُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ] إلَخْ: قَالَ (بْن) فِيهِ نَظَرٌ إذْ قَطْعُ النَّعْتِ هُنَا عَنْ التَّبَعِيَّةِ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِمْ إنَّ نَعْتَ النَّكِرَةِ لَا يُقْطَعُ إلَّا إذَا وُصِفَتْ بِنَعْتٍ آخَرَ، وَذَلِكَ مَفْقُودٌ هُنَا وَزَعْمُهُمْ أَنَّ فِي الْجَرِّ إيهَامًا غَيْرُ صَحِيحٍ تَأَمَّلْ (اهـ) . فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الثَّانِي.

طَلْقَتَيْنِ فَلَهُ رَدُّ الثَّانِيَةِ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ. (وَلَا شَيْءَ لَهَا) مِنْ الصَّدَاقِ إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا (قَبْلَ الْبِنَاءِ) . (وَلَهَا) بَعْدَهُ أَيْ الْبِنَاءِ (الْمُسَمَّى) ، لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ لَهَا بِالْوَطْءِ (إلَّا أَنْ تُعْتَقَ قَبْلَهُ) أَيْ الْبِنَاءِ، وَلَمْ تَعْلَمْ بِعِتْقِهَا (فَيَطَؤُهَا غَيْرَ عَالِمَةٍ، فَالْأَكْثَرُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُسَمَّى (وَمِنْ صَدَاقِ) الْمِثْلِ. (وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُهُ) أَيْ الصَّدَاقِ (إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ) السَّيِّدُ لِنَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ قَبَضَتْهُ مِنْ زَوْجِهَا، (أَوْ يَأْخُذَهُ) السَّيِّدُ مِنْ الزَّوْجِ (قَبْلَ الْعِتْقِ) فَيَكُونَ لِلسَّيِّدِ فِي الصُّورَتَيْنِ. وَاسْتُثْنِيَ مِنْ قَوْلِهِ " لِمَنْ كَمُلَ عِتْقُهَا " إلَخْ، قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ تُسْقِطَهُ) : أَيْ إلَّا أَنْ تُسْقِطَ خِيَارَهَا بِقَوْلِهَا: اخْتَرْت زَوْجِي وَنَحْوَهُ، أَوْ تَقُولُ: أَسْقَطْت خِيَارِي فَلَا خِيَارَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ. (أَوْ تُمَكِّنُهُ) مِنْ نَفْسِهَا (طَائِعَةً) وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا بِالْفِعْلِ (بَعْدَ الْعِلْمِ) مِنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَهُ رَدُّ الثَّانِيَةِ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ] : أَيْ لِقَوْلِ مَالِكٍ لَا تُخْتَارُ إلَّا وَاحِدَةً بَائِنَةً، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ وَلِلْأَمَةِ إذَا عَتَقَتْ أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا بِالْبَتَاتِ وَبَتَاتُهَا اثْنَتَانِ إذْ هُمَا بَتَاتُ الْعَبْدِ. قَوْلُهُ: [فَالْأَكْثَرُ مِنْهُ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى أَكْثَرَ فَقَدْ رَضِيَ بِهِ عَلَى أَنَّهَا أَمَةٌ فَرِضَاهُ بِهِ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ صَدَاقُ مِثْلِهَا أَكْثَرَ دَفَعَهُ لَهُ وُجُوبًا لِأَنَّهُ قِيمَةُ بُضْعِهَا، وَمَحَلُّ لُزُومِهِ الْأَكْثَرُ مِنْهُمَا إذَا كَانَ نِكَاحُهُ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا لِعَقْدِهِ، فَإِنْ كَانَ فَاسِدًا لِصَدَاقِهِ وَجَبَ لَهَا بِالدُّخُولِ مَهْرُ الْمِثْلِ اتِّفَاقًا قَالَهُ (ح) . قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ تُسْقِطَهُ] : أَيْ وَلَوْ صَغِيرَةً أَوْ سَفِيهَةً إذَا كَانَ الْإِسْقَاطُ حَسَنٌ نُظِرَ لَهَا، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَظَرَ لَهَا السُّلْطَانُ، خِلَافًا لِقَوْلِ أَشْهَبَ يَلْزَمُهَا الْإِسْقَاطُ مُطْلَقًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ حَسَنٌ نُظِرَ. قَوْلُهُ: [أَوْ تُمَكِّنُهُ مِنْ نَفْسِهَا] : يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا إذَا تَلَذَّذَتْ بِالزَّوْجِ لِأَنَّ تَلَذُّذَهُ بِهَا مَعَ مُحَاوَلَتِهِ لَهَا يَكُونُ مُسْقِطًا فَأَحْرَى إذَا تَلَذَّذَتْ بِهِ دُونَ مُحَاوَلَةٍ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [بَعْدَ الْعِلْمِ مِنْهَا بِعِتْقِهَا] : فَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهَا الْعِلْمَ وَخَالَفَتْهُ كَانَ الْقَوْلُ

[لا خيار للزوجة إذا عتق زوجها ولم تعلم]

بِعِتْقِهَا، فَلَا خِيَارَ لَهَا، (وَلَوْ جَهِلَتْ الْحُكْمَ بِأَنَّ لَهَا الْخِيَارَ) أَوْ بِأَنَّ تَمْكِينَهَا طَائِعَةً مُسْقِطٌ لِخِيَارِهَا. (أَوْ يُبِينَهَا) : أَيْ يُطَلِّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا فَلَا خِيَارَ لَهَا لِفَوَاتِهِ بِفَوَاتِ مَحَلِّ الطَّلَاقِ. (أَوْ يَعْتِقَ) زَوْجُهَا (قَبْلَ اخْتِيَارِهَا) فَلَا خِيَارَ لَهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ حُرَّةً تَحْتَ حُرٍّ، (إلَّا) أَنْ يَحْصُلَ عِتْقُهُ قَبْلَ اخْتِيَارِهَا (لِتَأْخِيرٍ) لِلِاخْتِيَارِ مِنْهَا (لِحَيْضٍ) ، فَلَا يَسْقُطُ اخْتِيَارُهَا لِجَبْرِهَا شَرْعًا عَلَى التَّأْخِيرِ إذْ لَا يَجُوزُ طَلَاقٌ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ، فَإِنْ أَوْقَعَتْ الطَّلَاقَ زَمَنَهُ لَزِمَ. (وَلَهَا) أَوْ لِمَنْ كَمُلَ عِتْقُهَا (إنْ أَوْقَفَهَا) زَوْجُهَا عِنْدَ حَاكِمٍ بِحَضْرَةِ عِتْقِهَا، وَقَالَ لَهَا: إمَّا أَنْ تَخْتَارِي الْفِرَاقَ أَوْ تَخْتَارِي الْبَقَاءَ مَعِي، (تَأْخِيرٌ) إنْ طَلَبَتْهُ تَتَرَوَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلَهَا بِلَا يَمِينٍ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ جَهِلَتْ الْحُكْمَ] إلَخْ: هَذَا الْإِطْلَاقُ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ شَهَرَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَالْقَرَافِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: إنَّمَا أَسْقَطَ مَالِكٌ خِيَارَهَا حَيْثُ اُشْتُهِرَ الْحُكْمُ وَلَمْ يُمْكِنْ جَهْلُ الْأَمَةِ بِهِ، وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ جَهْلُهَا فَلَا. [لَا خِيَار لِلزَّوْجَةِ إذَا عِتْق زَوْجهَا وَلَمْ تَعْلَم] قَوْلُهُ: [فَلَا خِيَارَ لَهَا] : أَيْ وَلَوْ كَانَ تَأْخِيرُهَا الِاخْتِيَارَ لِحَيْضٍ، فَقَوْلُهُ الْآتِي: إلَّا لِتَأْخِيرٍ لِحَيْضٍ مَحَلَّهُ حَيْثُ لَمْ يُبِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَبَانَهَا قَبْلَ اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَلَا يَدْخُلُ هَذَا تَحْتَ قَوْلِهِ وَلَا شَيْءَ لَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ قَبْلَ طَلَاقِهَا. قَوْلُهُ: [بِفَوَاتِ مَحَلِّ الطَّلَاقِ] : أَيْ وَهُوَ الْعِصْمَةُ، فَإِذَا أَبَانَهَا وَاخْتَارَتْ الطَّلَاقَ بَعْدَهُ كَانَ ذَلِكَ الطَّلَاقُ لَا مَحَلَّ لَهُ لِزَوَالِ مَحَلِّهِ بِالْبَيْنُونَةِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَسْقُطُ اخْتِيَارُهَا] : مَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ يُمْكِنُهَا أَنْ تَخْتَارَ فِيهَا فَلَمْ تَخْتَرْ حَتَّى جَاءَ الْحَيْضُ وَإِلَّا فَلَا خِيَارَ لَهَا. قَوْلُهُ: [إنْ أَوْقَفَهَا زَوْجُهَا] إلَخْ: فَلَوْ عَتَقَ فِي زَمَنِ الْإِيقَافِ بَطَلَ خِيَارُهَا وَرَجَعَتْ زَوْجَةً وَلَيْسَ ذَلِكَ مِثْلَ عِتْقِهِ فِي زَمَنِ تَأْخِيرِهَا لِأَجْلِ حَيْضٍ. قَوْلُهُ: [إنْ طَلَبَتْهُ] : أَيْ بِأَنْ قَالَتْ أَمْهِلُونِي أَنْظُرُ وَأَسْتَشِيرُ فِي ذَلِكَ،

فِيهِ (بِالنَّظَرِ) مِنْ الْحَاكِمِ أَيْ بِالِاجْتِهَادِ مِنْهُ (تَنْظُرُ) أَيْ تَتَرَوَّى (فِيهِ وَإِلَّا) تُوقَفُ بِأَنْ غَفَلَ عَنْهَا أَوْ غَابَ زَوْجُهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْحُكْمَ (صُدِّقَتْ أَنَّهَا مَا رَضِيَتْ بِهِ) أَيْ بِزَوْجِهَا أَيْ بِالْمُقَامِ مَعَهُ إذَا لَمْ تُمَكِّنْهُ طَائِعَةً (وَإِنْ بَعْدَ سَنَةٍ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِي مُدَّةِ التَّأْخِيرِ لِأَنَّ الْمَنْعَ جَاءَ مِنْهَا. تَتِمَّةٌ: إنْ اخْتَارَتْ الْفِرَاقَ مَنْ عَتَقَ زَوْجُهَا بَعْدَ عِتْقِهَا وَلَمْ تَعْلَمْ بِعِتْقِهِ حَتَّى تَزَوَّجَتْ بِثَانٍ، فَأَتَتْ بِدُخُولِ ذَلِكَ الثَّانِي إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِعِتْقِ الْأَوَّلِ، سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا ذَلِكَ الْأَوَّلُ أَمْ لَا كَذَا فِي الْأَصْلِ.

[فصل في بيان أحكام تنازع الزوجين]

فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ تَنَازُعِ الزَّوْجَيْنِ (إنْ تَنَازَعَا فِي الزَّوْجِيَّةِ) بِأَنْ ادَّعَاهَا أَحَدُهُمَا وَأَنْكَرَهَا الْآخَرُ (ثَبَتَتْ وَلَوْ بِبَيِّنَةِ سَمَاعٍ) تَشْهَدُ بِأَنَّا لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ فُلَانًا زَوْجٌ لِفُلَانَةَ أَوْ تَزَوَّجَ بِفُلَانَةَ، وَلَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِمَا بَعْدَ التَّنَازُعِ. (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَثْبُتْ بِبَيِّنَةِ قَطْعٍ أَوْ سَمَاعٍ (فَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ) لِلزَّوْجِيَّةِ مِنْهُمَا، لِأَنَّ كُلَّ دَعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا عَلَى الْمُنْكِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ تَنَازُعِ الزَّوْجَيْنِ] [إنْكَار الزَّوْجِيَّة] فَصْلٌ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ حُكْمَ تَنَازُعِ الزَّوْجَيْنِ فِي أَصْلِ النِّكَاحِ أَوْ الصَّدَاقِ قَدْرًا أَوْ جِنْسًا أَوْ صِفَةً أَوْ اقْتِضَاءً أَوْ مَتَاعَ الْبَيْتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِبَيِّنَةِ سَمَاعٍ] : اعْلَمْ أَنَّ بَيِّنَةَ السَّمَاعِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُفَصَّلَةً كَبَيِّنَةِ الْقَطْعِ بِأَنْ تَقُولَ: سَمَّى لَهَا كَذَا النَّقْدُ مِنْهُ كَذَا وَالْمُؤَجَّلُ كَذَا، وَعَقَدَ لَهَا وَلِيُّهَا فُلَانٌ كَمَا فِي عِبَارَةِ الْمُتَيْطِيِّ فَلَا يَكْفِي الْإِجْمَالُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ ذَلِكَ، وَرَدَّ الْمُصَنِّفُ بِلَوْ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ، إنَّمَا تَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ إذَا اتَّفَقَا عَلَى الزَّوْجِيَّةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا إذْ تَنَازَعَا فِي أَصْلِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ الْمُعَايَنَةُ لِلْعَقْدِ إذَا فَصَّلَتْ اتِّفَاقًا، وَهَلْ يَثْبُتُ بِبَيِّنَةِ السَّمَاعِ أَوْ لَا؟ فَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ لَا يَثْبُتُ، وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ يَثْبُتُ بِبَيِّنَةِ السَّمَاعِ بِالدُّفِّ وَالدُّخَانِ، وَعَلَى هَذَا مَشَى الْمُصَنِّفُ كَخَلِيلٍ، وَرَدَّ بِلَوْ عَلَى أَبِي عِمْرَانَ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِمَا بَعْدَ التَّنَازُعِ] : أَيْ وَلَوْ كَانَا طَارِئَيْنِ عَلَى الرَّاجِحِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ لِلزَّوْجِيَّةِ] إلَخْ: أَيْ وَلَوْ كَانَا طَارِئَيْنِ عَلَى الرَّاجِحِ، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ، وَنَصَّ ابْنُ رُشْدٍ لَوْ لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ تَحْتَ زَوْجٍ، وَادَّعَى رَجُلٌ نِكَاحَهَا وَهُمَا طَارِئَانِ، وَعَجَزَ عَنْ إثْبَاتِ ذَلِكَ لَزِمَهَا الْيَمِينُ، لِأَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ مِنْ النِّكَاحِ كَانَا زَوْجَيْنِ، وَقِيلَ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا لَوْ

الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، بَلْ (وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا) يَشْهَدُ لَهُ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي تَوَجُّهِهَا عَلَى الْمُنْكِرِ لِأَنَّهُ لَوْ نَكَلَ لَمْ يُقْضَ بِالشَّاهِدِ وَالنُّكُولِ، (لَكِنْ يَحْلِفُ مَعَهُ) أَيْ مَعَ شَاهِدِهِ إذَا مَاتَ الْمُنْكِرُ. (وَيَرِثُ) : لِأَنَّ الدَّعْوَى آلَتْ إلَى مَالٍ. (وَلَا صَدَاقَ) لَهَا، لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيَاةِ. (وَأُمِرَتْ) الْمَرْأَةُ الْمُنْكِرَةُ (بِانْتِظَارِهِ) : أَيْ الزَّوْجِ الْمُدَّعِي (لِبَيِّنَةٍ ادَّعَى قُرْبَهَا) لَا ضَرَرَ عَلَيْهَا فِي انْتِظَارِهَا، فَلَا تَتَزَوَّجُ، فَإِنْ أَتَى بِهَا قُضِيَ لَهُ بِهَا، (ثُمَّ) إذَا أُمِرَتْ بِالِانْتِظَارِ وَلَمْ يَأْتِ بِهَا، أَوْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ بَعِيدَةً (لَمْ تُسْمَعْ لَهُ بَيِّنَةٌ) بَعْدَ ذَلِكَ (إنْ عَجَّزَهُ) أَيْ حَكَمَ بِعَجْزِهِ (الْحَاكِمُ) ، لَا إنْ لَمْ يَحْكُمْ بِذَلِكَ فَتُسْمَعُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQنَكَلَتْ عَنْ الْيَمِينِ لَمْ يَلْزَمْهَا النِّكَاحُ (اهـ) . وَعَزَا الثَّانِيَ ابْنُ عَرَفَةَ لِمَعْرُوفِ الْمَذْهَبِ وَالْأَوَّلُ لِسَحْنُونٍ كَذَا فِي (بْن) ، وَمَا قَالَهُ سَحْنُونَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الطَّارِئَيْنِ يَثْبُتُ نِكَاحُهُمَا بِإِقْرَارِهِمَا بِالزَّوْجِيَّةِ مُطْلَقًا وَالْمَشْهُورُ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ نِزَاعٌ فِي أَصْلِ الزَّوْجِيَّةِ. قَوْلُهُ: [بَلْ وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا] : أَيْ خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَحْلِفُ الْمُنْكِرُ لِرَدِّ شَهَادَةِ ذَلِكَ الشَّاهِدِ. قَوْلُهُ: [وَيَرِثُ] : أَيْ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّ دَعْوَى الزَّوْجِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا إلَّا الْمَالُ، وَكُلُّ دَعْوَى مَالٍ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا مِيرَاثَ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ فَرْعُ الزَّوْجِيَّةِ وَهِيَ لَا تَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيَاةِ] : أَيْ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ التَّمَتُّعِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَلَمْ تَثْبُتْ الزَّوْجِيَّةُ حَالَ الْحَيَاةِ. قَوْلُهُ: [لَمْ تُسْمَعْ لَهُ بَيِّنَةٌ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَنْظَرَهُ الْحَاكِمُ لِيَأْتِيَ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي ادَّعَى قُرْبَهَا ثُمَّ لَمْ يَأْتِ بِهَا تَارَةً وَيَعْتَرِفُ بِالْعَجْزِ، وَتَارَةً يَقُولُ لِي بَيِّنَةٌ وَسَآتِي بِهَا، فَإِنْ عَجَّزَهُ الْقَاضِي ثُمَّ أَتَى بِهَا لَمْ تُقْبَلْ، وَهَذَا هُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ لَمْ تُسْمَعْ لَهُ بَيِّنَةٌ إلَخْ، أَيْ فِي حَالِ كَوْنِهِ مُدَّعِيًا حُجَّةً وَإِنْ لَمْ يُعَجِّزْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَأَتَى بِهَا قُبِلَتْ، وَالْمُعْتَرِفُ بِالْعَجْزِ إذَا عَجَّزَهُ وَأَتَى بِهَا فَقَوْلَانِ بِقَبُولِهَا وَعَدَمِهِ

[ادعى الزوجية رجلان]

(وَلَيْسَ إنْكَارُهُ) لِلزَّوْجِيَّةِ (طَلَاقًا) ، فَإِذَا أَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِهَا فَيَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ وَيَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، (إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ) : أَيْ الطَّلَاقَ (بِهِ) أَيْ بِالْإِنْكَارِ فَيَكُونَ طَلَاقًا. (وَلَوْ حَكَمَ عَلَيْهِ بِهَا) : أَيْ بِالزَّوْجِيَّةِ حِينَ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ (جَدَّدَ عَقْدًا) لِتَحِلَّ لَهُ (إنْ عَلِمَ) مِنْ نَفْسِهِ (أَنَّهَا غَيْرُ زَوْجَةٍ) فِي الْوَاقِعِ، وَأَنَّ الْبَيِّنَةَ زُورٌ. (وَلَوْ ادَّعَاهَا) أَيْ الْمَرْأَةَ (رَجُلَانِ) فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: هِيَ زَوْجَتِي (أَقَامَ كُلٌّ) مِنْهُمَا (بَيِّنَةً) تَشْهَدُ لَهُ، وَسَوَاءٌ صَدَّقَتْهُمَا أَوْ كَذَّبَتْهُمَا أَوْ صَدَّقَتْ أَحَدَهُمَا (فَسَخَا) : أَيْ نِكَاحَهُمَا بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ، لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِمَا مَعَ عَدَمِ عِلْمِ السَّابِقِ مِنْهُمَا (كَذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ) إذَا جُهِلَ زَمَنُ الْعَقْدَيْنِ، وَلَا يُنْظَرُ لِدُخُولِ أَحَدِهِمَا بِهَا، وَلَا يُنْظَرُ لِأَعْدَلِيَّةِ إحْدَاهُمَا وَلَا لِغَيْرِهَا مِنْ الْمُرَجَّحَاتِ إلَّا التَّارِيخَ، فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِالسَّابِقَةِ فِي التَّارِيخِ، وَلَوْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ بَطَلَتْ كَعَدَمِ التَّأْرِيخِ بِالْمَرَّةِ عَلَى الْأَرْجَحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالرَّاجِحُ عَدَمُ الْقَبُولِ. قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ إنْكَارُهُ لِلزَّوْجَةِ طَلَاقًا] : وَذَلِكَ لِأَنَّ إنْكَارَهُ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً، فَحَيْثُ أَثْبَتَتْهَا لَزِمَهُ الْبِنَاءُ وَالنَّفَقَةُ، وَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ أَيْ الطَّلَاقَ] إلَخْ: أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهَا قَدْ أَثْبَتَتْ الزَّوْجِيَّةَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تُثْبِتْ الزَّوْجِيَّةَ فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا، وَلَوْ قَصَدَهُ، لِأَنَّهُ طَلَاقٌ فِي أَجْنَبِيَّةٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ إنْكَارَهُ إنَّمَا يَكُونُ طَلَاقًا إذَا نَوَى ذَلِكَ وَأَثْبَتَتْ الزَّوْجِيَّةَ عَلَيْهِ، فَإِذَا وُجِدَ الْأَمْرَانِ لَزِمَتْهُ طَلْقَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَكْثَرَ. [ادَّعَى الزَّوْجِيَّة رَجُلَانِ] قَوْلُهُ: [وَلَا يُنْظَرُ لِدُخُولِ أَحَدِهِمَا بِهَا] : أَيْ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ الدَّاخِلُ أَوْلَى، وَلَا بُدَّ مِنْ الْفَسْخِ كَذَا قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ، خِلَافًا لِابْنِ لُبَابَةَ وَابْنِ غَالِبٍ حَيْثُ قَالَا إنْ دَخَلَ بِهَا أَحَدُهُمَا كَانَتْ لَهُ كَذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ إذَا اخْتَلَفَ زَمَنُ عَقْدِهِمَا وَعُلِمَ السَّابِقُ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِالسَّابِقَةِ] : أَيْ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ بِالْعَقْدِ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: [كَعَدَمِ التَّأْرِيخِ بِالْمَرَّةِ] : وَكَذَا إنْ لَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ أَوْ أُرِّخَتَا مَعًا فِي

[تنازع الزوجان في قدر المهر]

(وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا) أَيْ بِالزَّوْجِيَّةِ (طَارِئَانِ) عَلَى مَحَلِّهِ (تَوَارَثَا لِثُبُوتِ النِّكَاحِ) بِإِقْرَارِهِمَا وَهُمْ طَارِئَانِ، (كَأَبَوَيْ صَبِيَّيْنِ) أَقَرَّا بِنِكَاحِ وَلَدَيْهِمَا، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ التَّوَارُثُ، (وَإِلَّا) يَكُونَا طَارِئَيْنِ وَلَا أَبَوَيْ صَبِيَّيْنِ، بِأَنْ كَانَا بَلَدِيَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَأَقَرَّا بِالزَّوْجِيَّةِ أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ غَيْرِ ثُبُوتٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِقْرَارُ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ (فَخِلَافٌ) فِي التَّوَارُثِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا. (وَ) إنْ تَنَازَعَا (فِي قَدْرِ الْمَهْرِ) كَأَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ: عَشَرَةٌ وَتَقُولَ هِيَ: بَلْ خَمْسَةَ عَشَرَ، (أَوْ) فِي (صِفَتِهِ) بِأَنْ قَالَتْ: بِدَنَانِيرَ مُحَمَّدِيَّةٍ، وَقَالَ: بَلْ يَزِيدِيَّةٍ وَكَانَ اخْتِلَافُهُمَا (قَبْلَ الْبِنَاءِ، فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْأَشْبَهِ بِيَمِينِهِ) ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْآخَرُ وَثَبَتَ النِّكَاحُ وَلَا فَسْخَ. (وَإِلَّا) يُشْبِهَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَوْ أَشْبَهَا مَعًا (حَلَفَا) إنْ كَانَا رَشِيدَيْنِ، وَإِلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقْتٍ وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا يَكُونَا طَارِئَيْنِ إلَخْ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ إذَا كَانَا بَلَدِيَّيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا بَلَدِيًّا وَالْآخَرُ طَارِئًا وَأَقَرَّا بِأَنَّهُمَا زَوْجَانِ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَهَلْ يَرِثُهُ الْآخَرُ أَوْ لَا يَرِثُهُ؟ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ، فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَتَوَارَثَانِ لِمُؤَاخَذَةِ الْمُكَلَّفِ الرَّشِيدِ بِإِقْرَارِهِ بِالْمَالِ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَتَوَارَثَانِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ لَا تَثْبُتُ بَتَقَارُرِ غَيْرِ الطَّارِئَيْنِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ طَالَ زَمَنُ الْإِقْرَارِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَارِثٌ ثَابِتُ النَّسَبِ حَائِزٌ لِجَمِيعِ الْمَالِ، وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ التَّوَارُثُ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِقْرَارُ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ] : أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ، فَقَدْ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَمَنْ اُحْتُضِرَ فَقَالَ لِي امْرَأَةٌ بِمَكَّةَ سَمَّاهَا ثُمَّ مَاتَ، فَطَلَبَتْ مِيرَاثَهَا مِنْهُ فَذَلِكَ لَهَا، وَلَوْ قَالَتْ زَوْجِي فُلَانٌ بِمَكَّةَ فَأَتَى بَعْدَ مَوْتِهَا وَرِثَهَا بِإِقْرَارِهَا بِذَلِكَ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْأُجْهُورِيُّ، قَالَ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا وَقَعَ الْإِقْرَارُ فِي الصِّحَّةِ وَإِلَّا فَلَا إرْثَ اتِّفَاقًا، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ فِي الْمَرَضِ كَإِنْشَائِهِ فِيهِ، وَإِنْشَاؤُهُ فِيهِ وَلَوْ بَيْنَ الطَّارِئَيْنِ مَانِعٌ مِنْ الْمِيرَاثِ (اهـ) وَرَدَّهُ بِالنَّقْلِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ الْجَوَاهِرِ. [تُنَازِع الزَّوْجَانِ فِي قَدْرَ الْمَهْر] قَوْلُهُ: [وَكَانَ اخْتِلَافُهُمَا قَبْلَ الْبِنَاءِ] أَيْ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى ثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مَوْتٌ وَلَا طَلَاقٌ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَفُسِخَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا] : أَيْ وَيَتَوَقَّفُ الْفَسْخُ عَلَى الْحُكْمِ وَيَقَعُ الْفَسْخُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَمَا يَأْتِي

فَوَلِيُّ غَيْرِ الرَّشِيدِ كُلٌّ عَلَى طِبْقِ دَعْوَاهُ، وَنَفْي دَعْوَى الْآخَرِ، وَفُسِخَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا وَنُكُولُهُمَا كَحَلِفِهِمَا، (وَبَدَأَتْ) الزَّوْجَةُ بِالْحَلِفِ لِأَنَّهَا كَالْبَائِعِ، (وَقُضِيَ لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ) . (وَفُسِخَ) إنْ اخْتَلَفَا (فِي الْجِنْسِ) قَبْلَ الْبِنَاءِ، كَذَهَبٍ وَثَوْبٍ وَكَعَبْدٍ وَفَرَسٍ أَوْ بَعِيرٍ (مُطْلَقًا) أَشْبَهَا مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ لَمْ يُشْبِهَا، (إنْ لَمْ يَرْضَ أَحَدُهُمَا بِقَوْلِ الْآخَرِ) ، وَإِلَّا فَلَا فَسْخَ. (وَ) إنْ اخْتَلَفَا (بَعْدَ الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ: لِلزَّوْجِ (بِيَمِينٍ) ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَكَانَ الْقَوْلُ لَهَا (فِي الْقَدْرِ أَوْ الصِّفَةِ، وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ) كَمَا لَوْ أَشْبَهَ بِالْأَوْلَى (كَالطَّلَاقِ) أَيْ: كَمَا أَنَّ الْقَوْلَ لِلزَّوْجِ بِيَمِينٍ إنْ اخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ أَوْ الصِّفَةِ قَبْلَ الْبِنَاءِ بَعْدَ الطَّلَاقِ، (وَالْمَوْتِ) أَشْبَهَ أَوْ لَمْ يُشْبِهْ؛ فَلَا يُرَاعَى الشَّبَهُ وَعَدَمُهُ إلَّا قَبْلَ الْبِنَاءِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ وَمَوْتٍ. (فَإِنْ نَكَلَ) الزَّوْجُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ (حَلَفَتْ) الزَّوْجَةُ وَكَانَ الْقَوْلُ لَهَا فِيمَا إذَا تَنَازَعَا بَعْدَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَ الطَّلَاقِ، (أَوْ) تَحْلِفُ (وَرَثَتُهَا) فِيمَا إذَا مَاتَتْ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْمَوْتَ وَالْبِنَاءَ بِمَنْزِلَةِ فَوَاتِ السِّلْعَةِ فِي الْبَيْعِ، فَالْقَوْلُ فِيهِ بَعْدَ الْفَوَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مُطْلَقًا] : أَيْ كَمَا هُوَ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَالْمُتَيْطِيِّ وَغَيْرِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي قَوْلُهُ: [إنْ لَمْ يَرْضَ أَحَدُهُمَا] إلَخْ: حَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمَا إذَا تَنَازَعَا فِي جِنْسِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ فُسِخَ مُطْلَقًا حَلَفَا أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ نَكَلَا أَشْبَهَا أَوْ لَمْ يُشْبِهَا، أَوْ أَشْبَهَ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ تَنَازَعَا فِيهِ بَعْدَ الْبِنَاءِ رُدَّ الزَّوْجُ لِصَدَاقِ الْمِثْلِ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى دَعْوَاهَا أَوْ يَنْقُصُ عَنْ دَعْوَاهُ وَإِنْ تَنَازَعَا فِي قَدْرِهِ أَوْ فِي صِفَتِهِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْبِنَاءِ صُدِّقَ بِيَمِينٍ مِنْ انْفِرَادٍ بِالشَّبَهِ وَإِنْ أَشْبَهَا أَوْ لَمْ يُشْبِهَا، فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا فُسِخَ النِّكَاحُ مَا لَمْ يَرْضَ أَحَدُهُمَا بِقَوْلِ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ التَّنَازُعُ فِيهِمَا بَعْدَ الْبِنَاءِ صُدِّقَ الزَّوْجُ بِيَمِينٍ، وَقَدْ فَصَّلَ الشَّارِحُ ذَلِكَ وَأَوْضَحَهُ غَايَةَ الْإِيضَاحِ.

لِلْمُشْتَرِي إنْ أَشْبَهَ، وَهُنَا الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ مُطْلَقًا أَشْبَهَ أَمْ لَا. وَأَمَّا قَبْلَ الْبِنَاءِ فَيُرَاعَى قَوْلُ مَنْ أَشْبَهَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قِيَامِ السِّلْعَةِ فِي الْبَيْعِ، يُرَاعَى فِيهِ قَوْلُ مَنْ أَشْبَهَ وَيَبْدَأُ الْبَائِعُ بِالْيَمِينِ، وَالْمَرْأَةُ هُنَا كَالْبَائِعِ هَذَا فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ. وَأَمَّا فِي الْجِنْسِ فَأَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَرُدَّ) الزَّوْجُ (لِصَدَاقِ الْمِثْلِ) إنْ تَنَازَعَا بَعْدَ الْبِنَاءِ (فِي الْجِنْسِ) ، وَالْمُرَادُ بِهِ: مَا يَشْمَلُ النَّوْعَ كَعَبْدٍ وَفَرَسٍ أَوْ بَعِيرٍ، إذْ الْمُرَادُ الْجِنْسُ اللُّغَوِيُّ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ كَانَ التَّنَازُعُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَمْ يَرْضَ أَحَدُهُمَا بِمَا ادَّعَاهُ الْآخَرُ فَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِهِ، أَيْ بَعْدَ حَلِفِهِمَا أَوْ نُكُولِهِمَا مَعًا، وَلَا شَيْءَ فِيهِ لِلْمَرْأَةِ. فَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يُرَدُّ لِصَدَاقِ الْمِثْلِ (مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى مَا ادَّعَتْهُ) الْمَرْأَةُ، فَإِنْ زَادَ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا مَا ادَّعَتْهُ إذْ لَا يُعْطَى مُدَّعٍ أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَى (أَوْ يَنْقُصُ عَنْ دَعْوَاهُ) ، فَإِنْ نَقَصَ صَدَاقُ الْمِثْلِ عَنْ دَعْوَاهُ؛ كَمَا لَوْ قَالَ: أَصْدَقْتهَا بَقَرَةً، وَكَانَ صَدَاقُ مِثْلِهَا شَاةً فَإِنَّهَا تُعْطَى الْبَقَرَةَ، إذْ مَنْ أَقَرَّ بِشَاةٍ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِأَقَلَّ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ، وَمَتَى قُلْنَا هُنَا بِالْفَسْخِ احْتَاجَ لِحُكْمٍ وَكَانَ بِطَلَاقٍ. وَقَوْلُهُ: (وَثَبَتَ النِّكَاحُ وَلَا فَسْخَ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: " وَبَعْدَ الْبِنَاءِ " إلَخْ، وَلِقَوْلِهِ: " فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي " إلَخْ، وَلِقَوْلِهِ: " وَقُضِيَ لِلْحَالِفِ ". وَلِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: " إنْ لَمْ يَرْضَ "، فَتَحَصَّلَ أَنَّهُ إنْ كَانَ تَنَازَعَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَمْ يَحْصُلْ طَلَاقٌ وَلَا مَوْتٌ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْأَشْبَهِ بِيَمِينِهِ، وَلَا فَسْخَ فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ. فَإِنْ أَشْبَهَا مَعًا أَوْ لَمْ يُشْبِهَا تَحَالَفَا وَفُسِخَ إنْ لَمْ يَرْضَ أَحَدُهُمَا بِقَوْلِ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ التَّنَازُعُ قَبْلَهُ فِي الْجِنْسِ حَلَفَا وَفُسِخَ مُطْلَقًا وَلَا يُنْظَرُ لِشَبَهٍ وَلَا عَدَمِهِ مَا لَمْ يَرْضَ أَحَدُهُمَا بِقَوْلِ الْآخَرِ. وَإِنْ حَصَلَ التَّنَازُعُ بَعْدَ الْبِنَاءِ أَوْ قَبْلَهُ بَعْدَ طَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ بِيَمِينِهِ وَلَا فَسْخَ فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ، وَأَمَّا فِي الْجِنْسِ فَيُرَدُّ لِصَدَاقِ الْمِثْلِ بَعْدَ حَلِفِهِمَا أَوْ نُكُولِهِمَا مَعًا وَلَا سَبِيلَ لِلْفَسْخِ وَلَا يُرَاعَى شَبَهٌ لَهُمَا وَلَا لِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ قُضِيَ لَهُ بِمَا ادَّعَى، وَلَا فَسْخَ أَيْضًا. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ بِنَاءٌ فَلَا فَسْخَ مُطْلَقًا كَانَ التَّنَازُعُ فِي الْقَدْرِ أَوْ الصِّفَةِ أَوْ الْجِنْسِ أَشْبَهَا أَوْ لَمْ يُشْبِهَا، أَوْ أَشْبَهَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، إلَّا أَنَّهُ فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ إنْ حَلَفَ، وَإِلَّا حَلَفَتْ وَكَانَ الْقَوْلُ لَهَا، وَفِي الْجِنْسِ يُرَدُّ لِصَدَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[ادعى الزوج أنه تزوجها تفويضا]

الْمِثْلِ إنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا، فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا فَالْقَوْلُ لَهُ وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَحْصُلْ بِنَاءٌ فَتَارَةً يُفْسَخُ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا تَحَالَفَا أَوْ تَنَاكَلَا مَعًا فِي اخْتِلَافِهِمَا فِي الْجِنْسِ مُطْلَقًا أَوْ فِي الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ، إذَا لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا بِالشَّبَهِ. وَصُوَرُ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ؛ لِأَنَّ التَّنَازُعَ إمَّا فِي الْقَدْرِ أَوْ الصِّفَةِ أَوْ الْجِنْسِ، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يُشْبِهَا مَعًا أَوْ لَمْ يَحْصُلْ شَبَهٌ أَوْ يُشْبِهُ الزَّوْجُ فَقَطْ أَوْ هِيَ فَقَطْ، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَبْنِيَ بِهَا أَوْ لَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الِاخْتِلَافِ فِي الْجِنْسِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَرَّرَهُ فِي تَوْضِيحِهِ، وَنَقَلَهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَالْمُتَيْطِيِّ وَغَيْرِهِمْ. (وَلَوْ ادَّعَى) الزَّوْجُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا (تَفْوِيضًا عِنْدَ مُعْتَادِيهِ) : أَيْ التَّفْوِيضِ، وَادَّعَتْ هِيَ تَسْمِيَةً (فَكَذَلِكَ) : أَيْ فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينٍ، وَلَوْ بَعْدَ الْفَوَاتِ بِدُخُولٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا صَدَاقَ الْمِثْلِ بَعْدَ الْبِنَاءِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ قَبْلَ الْبِنَاءِ، فَإِنْ اعْتَادُوا التَّسْمِيَةَ خَاصَّةً فَالْقَوْلُ لَهَا بِيَمِينٍ وَثَبَتَ النِّكَاحُ. (وَلَا كَلَامَ لِمَحْجُورٍ) : لِسَفَهٍ أَوْ صِبًا مِنْ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ فِي التَّنَازُعِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، بَلْ الْكَلَامُ لِوَلِيِّهِ وَالْيَمِينُ عَلَيْهِ. (وَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ) لَهَا: (أَصْدَقْتُك أَبَاك) : أَوْ غَيْرَهُ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [ادَّعَى الزَّوْج أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا تَفْوِيضًا] قَوْلُهُ: [عِنْدَ مُعْتَادِيهِ] : أَيْ إذَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ يَتَنَاكَحُونَ عَلَى التَّفْوِيضِ فَقَطْ، أَوْ هُوَ الْغَالِبُ عِنْدَهُمْ أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَى التَّسْمِيَةِ سَوِيَّةً لِصِدْقِ الِاعْتِيَادِ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ اعْتَادُوا التَّسْمِيَةَ خَاصَّةً] : أَيْ أَوَّلًا عَادَةً لَهُمْ بِشَيْءٍ، أَوْ كَانَتْ هِيَ الْغَالِبَةُ فَيُقْبَلُ قَوْلُ كُلٍّ فِي ثَلَاثِ حَالَاتٍ. تَنْبِيهٌ: لَوْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا مَرَّتَيْنِ بِصَدَاقَيْنِ، وَأَكْذَبَهَا الرَّجُلُ وَأَقَامَتْ بِكُلٍّ بَيِّنَةً لَزِمَهُ نِصْفُهُمَا وَقُدِّرَ طَلَاقٌ بَيْنَهُمَا، لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُنْكِرَ الرَّجُلُ النِّكَاحَ رَأْسًا أَوْ يُنْكِرَ أَحَدُهُمَا، وَكُلِّفَتْ بَيِّنَةَ أَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الْبِنَاءِ لِيَتَكَمَّلَ الصَّدَاقُ الْأَوَّلُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَيُنْظَرُ فِيهِ لِحَالَتِهِ الْحَاصِلَةِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ لَزِمَهُ جَمِيعُهُ وَإِلَّا فَنِصْفُهُ إنْ طَلَّقَ.

[ادعى الزوج أنه جعل حرية أباها صداقا]

(فَقَالَتْ) : بَلْ أَصَدَقْتنِي (أُمِّي) وَغَيْرَهَا مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهَا أَيْضًا، وَكَانَ التَّنَازُعُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِدَلِيلِ التَّفْصِيلِ الْآتِي فَصُوَرُهَا أَرْبَعٌ: إمَّا أَنْ يَحْلِفَا أَوْ يَنْكُلَا، أَوْ يَحْلِفَ الزَّوْجُ دُونَهَا أَوْ عَكْسُهُ أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ: (حَلَفَتْ) أَيْ ابْتَدَأَتْ بِالْيَمِينِ بِأَنَّهُ أَصْدَقَهَا أُمَّهَا لَا أَبَاهَا، ثُمَّ قِيلَ لَهُ احْلِفْ لِرَدِّ دَعْوَاهَا، (فَإِنْ حَلَفَ) كَمَا حَلَفَتْ بِأَنَّهُ مَا أَصْدَقَهَا إلَّا أَبَاهَا لَا أُمَّهَا (فُسِخَ) النِّكَاحُ بِطَلَاقٍ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّزَاعَ قَبْلَ الْبِنَاءِ إذْ بَعْدَهُ لَا يَتَأَتَّى فَسْخٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الصِّفَةِ. (وَعَتَقَ الْأَبُ) لِإِقْرَارِهِ بِحُرِّيَّتِهِ وَوَلَاؤُهُ لَهَا كَمَا يَأْتِي، (كَأَنْ نَكَلَا) مَعًا فَإِنَّهُ يُفْسَخُ وَيُعْتَقُ الْأَبُ فَقَطْ، (وَإِنْ نَكَلَ) بَعْدَ حَلِفِهَا (عَتَقَا مَعًا) : الْأَبُ لِإِقْرَارِهِ بِحُرِّيَّتِهِ وَالْأُمُّ لِحَلِفِهَا وَنُكُولِهِ، (وَثَبَتَ) النِّكَاحُ (بِهَا) أَيْ بِالْأُمِّ، فَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهَا (وَوَلَاؤُهُمَا لَهَا، وَإِنْ حَلَفَ فَقَطْ) دُونَهَا (ثَبَتَ) النِّكَاحُ (بِهِ) أَيْ بِالْأَبِ وَالْأُمُّ رَقِيقَةٌ. فَفِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ يُعْتَقُ الْأَبُ، وَفِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ تُعْتَقُ الْأُمُّ مَعَهُ، وَهِيَ صُورَةُ نُكُولِهِ وَحَلِفِهَا وَهِيَ الَّتِي يَثْبُتُ النِّكَاحُ بِهَا وَتَرِقُّ فِي الثَّلَاثَةِ وَالْوَلَاءُ لَهَا فِي الْأَرْبَعِ صُوَرٍ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا، فَلَوْ كَانَ النِّزَاعُ بَعْدَ الْبِنَاءِ لَثَبَتَ النِّكَاحُ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ، وَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ بِيَمِينٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [ادَّعَى الزَّوْج أَنَّهُ جَعَلَ حرية أَبَاهَا صَدَاقًا] قَوْلُهُ: [مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهَا] : أَيْ وَهُمْ الْأُصُولُ وَالْفُصُولُ وَالْحَوَاشِي الْقَرِيبَةُ قَوْلُهُ: [وَهَذَا مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الصِّفَةِ] : أَيْ وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ تَارَةً يُعْتَقُ الْأَبُ وَتَارَةً يُعْتَقَانِ مَعًا. قَوْلُهُ: [وَوَلَاؤُهُ لَهَا] : أَيْ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ صَدَاقُهَا فَيَكْمُلُ الْعِتْقُ خُصُوصًا، وَقَدْ قِيلَ إنَّهَا تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ الْكُلَّ وَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنْ قِيمَتِهِ. قَوْلُهُ: [اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا] : فَالِاجْتِمَاعُ عِتْقُهُمَا مَعًا وَهُوَ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالِانْفِرَادُ عِتْقُ الْأَبِ فَقَطْ وَهُوَ فِي ثَلَاثٍ. قَوْلُهُ: [فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ] : الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ لَا بَعْدَ الْبِنَاءِ لَا يَتَأَتَّى إلَّا ثَلَاثُ صُوَرٍ: حَلِفُهُ. حَلِفُهَا بَعْدَ نُكُولِهِ. نُكُولُهُمَا مَعًا وَلَا يَتَأَتَّى حَلِفُهُمَا مَعًا لِقَوْلِ الشَّارِحِ، وَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ بِيَمِينٍ فَتَكُونُ الصُّوَرُ سَبْعًا أَرْبَعًا قَبْلَ الدُّخُولِ وَثَلَاثًا بَعْدَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَبَ إذَا مَاتَ بَعْدَ عِتْقِهِ لِإِقْرَارِ الزَّوْجِ وَتَرَكَ مَالًا فَإِنَّ الزَّوْجَ يَأْخُذُ

[التنازع في قبض المهر]

فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَعَتَقَا مَعًا، فَإِنْ نَكَلَتْ أَيْضًا عَتَقَ الْأَبُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِهِ النِّكَاحُ وَلَا رُجُوعَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ. (وَ) إنْ تَنَازَعَا (فِي قَبْضِ مَا حَلَّ) مِنْ الصَّدَاقِ فَقَالَ الزَّوْجُ: دَفَعْته لَك، وَقَالَتْ: لَمْ تَدْفَعْهُ بَلْ هُوَ بَاقٍ عِنْدَك، (فَقَبْلَ الْبِنَاءِ) الْقَوْلُ (قَوْلُهَا، وَ) إنْ كَانَ التَّنَازُعُ (بَعْدَهُ) فَالْقَوْلُ (قَوْلُهُ بِيَمِينٍ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، لَكِنْ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ فِي الثَّانِيَةِ، أَفَادَ الْأَوَّلُ بِقَوْلِهِ: (إنْ لَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ تَأْخِيرَهُ) : أَيْ تَأْخِيرَ مَا حَلَّ مِنْ الصَّدَاقِ، بِأَنْ كَانَ عُرْفُهُمْ تَقْدِيمَهُ أَوْ لَا عُرْفَ لَهُمْ، فَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ تَأْخِيرَهُ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بَلْ قَوْلَهَا، وَالثَّانِي بِقَوْلِهِ: (وَلَمْ يَكُنْ مَعَهَا رَهْنٌ) وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لَهَا لَا لَهُ، وَالثَّالِثُ بِقَوْلِهِ: (وَلَمْ يَكُنْ) الصَّدَاقُ مَكْتُوبًا (بِكِتَابٍ) أَيْ وَثِيقَةٍ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لَهَا، وَالرَّابِعُ بِقَوْلِهِ: (وَادَّعَى) بَعْدَ الْبِنَاءِ (دَفْعَهُ) لَهَا (قَبْلَ الْبِنَاءِ) فَإِنْ ادَّعَى دَفْعَهُ بَعْدَهُ فَقَوْلُهَا وَعَلَيْهِ الْبَيَانُ. وَأَمَّا التَّنَازُعُ فِي مُؤَجَّلِ الصَّدَاقِ فَالْقَوْلُ لَهَا كَسَائِرِ الدُّيُونِ مِنْ أَنَّ مَنْ ادَّعَى الدَّفْعَ فَلَا يُبَرِّئُهُ إلَّا الْبَيِّنَةُ أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ. (وَ) إنْ تَنَازَعَا (فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ) : أَيْ مَا فِيهِ (فَلِلْمَرْأَةِ الْمُعْتَادُ لِلنِّسَاءِ فَقَطْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُ قِيمَتَهُ نَظَرًا لِإِقْرَارِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَالْبَاقِي لِلزَّوْجَةِ نِصْفُهُ بِالْإِرْثِ وَنِصْفُهُ بِالْوَلَاءِ، لَا كُلُّهُ بِالْوَلَاءِ كَمَا قِيلَ اُنْظُرْ (عب) . [التَّنَازُع فِي قبض الْمَهْر] قَوْلُهُ: [الْقَوْلُ قَوْلُهَا] : أَيْ أَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْ إنْ كَانَتْ رَشِيدَةً وَإِلَّا فَوَلِيُّهَا هُوَ الَّذِي يَحْلِفُ، فَإِنْ نَكَلَ وَلِيُّهَا غَرِمَ لَهَا لِإِضَاعَتِهِ بِنُكُولِهِ مَا حَلَّ مِنْ الصَّدَاقِ. قَوْلُهُ: [أَوْ لَا عُرْفَ لَهُمْ] : أَيْ كَمَا إذَا اسْتَوَى الْحَالُ. قَوْلُهُ: [بَلْ قَوْلُهَا] : أَيْ بِيَمِينٍ أَيْضًا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقَالَ سَحْنُونَ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا التَّنَازُعُ فِي مُؤَجَّلِ الصَّدَاقِ] إلَخْ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ التَّنَازُعُ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا فِي (بْن) . [التَّنَازُع فِي مَتَاع الْبَيْت] قَوْلُهُ: [وَإِنْ تَنَازَعَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ مَثَلَ الزَّوْجَيْنِ الْقَرِيبَانِ

كَالْحُلِيِّ وَالْأَخْمِرَةِ وَمَا يُنَاسِبُ النِّسَاءَ مِنْ الْمَلَابِسِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي حَوْزِهِ الْخَاصِّ بِهِ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينٍ وَلَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ مَعْرُوفَةً بِالْفَقْرِ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لَهُ. إلَّا مَا يُنَاسِبُ جِهَازَهَا. (وَإِلَّا) يَكُنْ مَا فِي الْبَيْتِ مُعْتَادًا لِلنِّسَاءِ فَقَطْ بَلْ لِلرِّجَالِ فَقَطْ كَالسَّيْفِ وَنَحْوِهِ وَالْفَرَسِ وَنَحْوِهَا، وَالْمُصْحَفِ وَكُتُبِ الْعِلْمِ وَسِلَعِ التِّجَارَةِ، أَوْ مُعْتَادًا لَهُمَا كَالْأَوَانِي (فَلَهُ) الْقَوْلُ (بِيَمِينٍ) لِأَنَّ الشَّأْنَ أَنَّ مَا فِي الْبُيُوتِ لِلرِّجَالِ. (وَلَهَا الْغَزْلُ) إذَا تَنَازَعَا فِيهِ (إلَّا أَنْ يُثْبِتَ) الزَّوْجُ (أَنَّ الْكَتَّانَ لَهُ فَشَرِيكَانِ) هُوَ بِقِيمَةِ كَتَّانِهِ وَهِيَ بِقِيمَةِ غَزْلِهَا. (وَإِنْ نَسَجَتْ) الْمَرْأَةُ شُقَّةً وَادَّعَاهَا الزَّوْجُ (كُلِّفَتْ) هِيَ (بَيَانَ أَنَّ الْغَزْلَ لَهَا) وَاخْتُصَّتْ بِهِ، قَالَهُ مَالِكٌ، (وَإِلَّا) تُبَيِّنَ أَنَّ لَهَا الْغَزْلَ (لَزِمَهُ) لَهَا (الْأُجْرَةُ) وَاخْتُصَّ بِهَا، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: النَّسْجُ لِلْمَرْأَةِ وَعَلَى الزَّوْجِ بَيَانُ أَنَّ الْكَتَّانَ وَالْغَزْلَ لَهُ، فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ كَانَتْ شَرِيكَةً لَهُ فِيهَا بِقَدْرِ قِيمَةِ نَسْجِهَا وَهُوَ بِقِيمَةِ كَتَّانِهِ وَغَزْلِهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ مَسْأَلَةِ كَوْنِ الْغَزْلِ لَهَا. (وَإِنْ اشْتَرَى) الزَّوْجُ (مَا هُوَ) : أَيْ شَيْئًا شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ (لَهَا) كَالْحُلِيِّ (فَادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ) ، وَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ لَهَا مِنْ مَالِهَا، وَادَّعَى هُوَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَرَجُلٍ سَاكِنٍ مَعَ مَحْرَمِهِ أَوْ مَعَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، وَتَنَازَعَ مَعَهَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا فَحُكْمُهُمَا حُكْمُ الزَّوْجَيْنِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [فَلَهُ الْقَوْلُ بِيَمِينٍ] : أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَوْزِهَا الْخَاصِّ بِهَا، أَوْ يَكُونُ فَقِيرًا لَا يُشْبِهُهُ لِفَقْرِهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَهَا الْغَزْلُ] : أَيْ بِيَمِينِهَا إذَا تَنَازَعَا فِيهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا، وَإِنَّمَا قُضِيَ لَهَا بِهِ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ النِّسَاءِ غَالِبًا وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ يُشْبِهُهُ أَيْضًا كَكَوْنِهِ مِنْ الْحَاكَّةِ، وَإِلَّا كَانَ لَهُ خَاصَّةً بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ فِيهِ يُغَلَّبُ جَانِبُ الرَّجُلِ وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ فِي حَوْزِ أَحَدِهِمَا الْخَاصِّ بِهِ. قَوْلُهُ: [كُلِّفَتْ هِيَ بَيَانَ أَنَّ الْغَزْلَ لَهَا] : اُعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ قَوْلَهُ كُلِّفَتْ هِيَ بَيَانَ إلَخْ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ قَبْلُ وَلَهَا الْغَزْلُ لِأَنَّهُ فِيمَا مَرَّ ادَّعَتْ أَنَّ الْغَزْلَ

مَالِهِ (حَلَفَ وَقُضِيَ لَهُ بِهِ) ، فَإِنْ حَلَفَتْ وَقُضِيَ لَهَا بِهِ (كَالْعَكْسِ) ، وَهُوَ أَنَّهَا اشْتَرَتْ شَيْئًا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لِلرِّجَالِ كَالسَّيْفِ وَادَّعَتْ أَنَّهَا اشْتَرَتْهُ مِنْ مَالِهَا، وَقَالَ هُوَ: بَلْ مِنْ مَالِي اشْتَرَتْهُ لِي حَلَفَتْ وَقَضَى لَهَا بِهِ، فَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَ وَأَخَذَهُ وَقِيلَ: لَا يَمِينَ عَلَيْهَا أَيْ يُقْضَى لَهَا بِهِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي فِي الْبَيْتِ لَهَا فَقُبِلَ قَوْلُهَا، وَهُنَا ادَّعَتْ ذَلِكَ فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَنْ صَنْعَتُهَا الْغَزْلُ وَهُنَا عَلَى مَنْ صَنْعَتُهَا النَّسْجُ فَقَطْ. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ مَا مَرَّ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَا هُنَا قَوْلُ مَالِكٍ. قَوْلُهُ: [حَلَفَ] إلَخْ: مَحَلُّ حَلِفِهِ إذَا كَانَ اشْتَرَاهُ مِنْ غَيْرِهَا كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ لَا مِنْهَا، وَإِلَّا فَلَا يَمِينَ وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَمِينَ أَيْضًا، وَمَا قِيلَ فِيمَا اشْتَرَاهُ الرَّجُلُ يُقَالُ فِيمَا اشْتَرَتْهُ الْمَرْأَةُ.

[فصل في الوليمة وأحكامها]

فَصْلٌ فِي الْوَلِيمَةِ وَأَحْكَامِهَا (الْوَلِيمَةُ وَهِيَ طَعَامُ الْعُرْسِ) - بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (مَنْدُوبَةٌ) لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا وَلَوْ قَبْلَ الْبِنَاءِ سَفَرًا وَحَضَرًا فَلَا يُقْضَى بِهَا، وَقِيلَ: وَاجِبَةٌ فَيُقْضَى بِهَا (كَكَوْنِهَا) : أَيْ كَمَا يُنْدَبُ كَوْنُهَا (بَعْدَ الْبِنَاءِ) فَهُوَ مَنْدُوبٌ ثَانٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَقِيلَ: إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْبِنَاءِ، فَإِنْ قَدَّمَهَا لَمْ يَكُنْ آتِيًا بِالْمَنْدُوبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْوَلِيمَةِ وَأَحْكَامِهَا] فَصْلٌ الْوَلِيمَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْوَلْمِ: وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ لِاجْتِمَاعِ الزَّوْجَيْنِ وَالنَّاسِ فِيهَا، وَمِنْهَا أَوْلَمَ الْغُلَامُ إذَا اجْتَمَعَ عَقْلُهُ وَخُلُقُهُ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ طَعَامُ الْعُرْسِ] : أَيْ خَاصَّةً وَلَا تَقَعُ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا بِقَيْدٍ، بِأَنْ تَقُولَ وَلِيمَةُ الْخِتَانِ مَثَلًا. وَاعْلَمْ أَنَّ طَعَامَ الْخِتَانِ يُقَالُ لَهُ إعْذَارٌ، وَطَعَامُ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ يُقَالُ لَهُ نَقِيعَةٌ، وَطَعَامُ النِّفَاسِ يُقَالُ لَهُ خُرْسٌ بِضَمِّ الْخَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَالطَّعَامُ الَّذِي يَعْمَلُهُ الْجِيرَانُ وَالْأَصْحَابُ لِأَجْلِ الْمَوَدَّةِ يُقَالُ لَهُ مَأْدُبَةٌ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا، وَطَعَامُ بِنَاءِ الدُّورِ يُقَالُ لَهُ وَكِيرَةٌ، وَالطَّعَامُ الَّذِي يُصْنَعُ فِي سَابِعِ الْوِلَادَةِ يُقَالُ لَهُ عَقِيقَةٌ، وَالطَّعَامُ الَّذِي يُصْنَعُ عِنْدَ حِفْظِ الْقُرْآنِ يُقَالُ لَهُ حَذَاقَةٌ، وَوُجُوبُ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ وَالْحُضُورِ إنَّمَا هُوَ لِوَلِيمَةِ الْعُرْسِ، وَأَمَّا مَا عَدَاهَا فَحُضُورُهُ مَكْرُوهٌ إلَّا الْعَقِيقَةَ فَمَنْدُوبٌ كَذَا فِي الشَّامِلِ، وَاَلَّذِي لِابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: أَنَّ حُضُورَ الْكُلِّ مُبَاحٌ إلَّا وَلِيمَةَ الْعُرْسِ فَوَاجِبٌ، وَإِلَّا الْعَقِيقَةَ فَمَنْدُوبٌ، وَالْمَأْدُبَةُ إذَا فُعِلَتْ لِإِينَاسِ الْجَارِ وَمَوَدَّتِهِ فَمَنْدُوبَةٌ أَيْضًا، وَأَمَّا إذَا فُعِلَتْ لِلْفَخَارِ وَالْمَحْمَدَةِ فَحُضُورُهَا مَكْرُوهٌ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْبِنَاءِ] : أَيْ وَقِيلَ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَفْضَلُ، وَكَلَامُ مَالِكٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ لِمَنْ فَاتَتْهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ لِأَنَّ الْوَلِيمَةَ لِإِشْهَارِ النِّكَاحِ، وَإِشْهَارُهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَفْضَلُ كَذَا فِي (بْن) ، قَالَ الْبَدْرِيُّ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ غَايَتَهَا لِلسَّابِعِ بَعْدَ الْبِنَاءِ، فَمَنْ أَخَّرَهَا لِلسَّابِعِ كَانَتْ الْإِجَابَةُ مَنْدُوبَةً

[كان المدعو للوليمة صائما]

(تَجِبُ إجَابَةُ مَنْ عُيِّنَ لَهَا) بِالشَّخْصِ صَرِيحًا أَوْ ضِمْنًا وَلَوْ بِكِتَابٍ أَوْ رَسُولٍ ثِقَةٍ، يَقُولُ لَهُ رَبُّهَا: اُدْعُ فُلَانًا وَفُلَانًا وَكَذَا اُدْعُ مَحَلَّةَ كَذَا أَوْ الْعُلَمَاءَ أَوْ الْمُدَرِّسِينَ وَهُمْ مَحْصُورُونَ، لَا إنْ لَمْ يُحْصَرُوا، وَلَا إنْ قَالَ لَهُ: اُدْعُ مَنْ لَقِيتَهُ؛ فَلَا تَجِبُ. كَمَا لَا تَجِبُ دَعْوَةٌ لِطَعَامِ خِتَانٍ، أَوْ قُدُومٍ مِنْ سَفَرٍ، أَوْ لِبِنَاءِ دَارٍ، أَوْ لِصِرْفَةِ صَبِيٍّ، أَوْ لِخَتْمِ كِتَابٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (وَإِنْ) كَانَ الْمَدْعُوّ (صَائِمًا) فَيُجِبْ (لَا الْأَكْلَ) وَإِنْ لِمُفْطِرٍ فَلَا يُجِبْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا وَاجِبَةً. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِكِتَابٍ] : أَيْ هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَةُ مُبَاشَرَةً بِأَنْ خَاطَبَهُ صَاحِبُ الْعُرْسِ بِنَفْسِهِ، بَلْ وَإِنْ أَرْسَلَ لَهُ كِتَابًا. قَوْلُهُ: [وَنَحْوِ ذَلِكَ] : أَيْ مِنْ بَاقِي السَّبْعَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا لَك. [كَانَ المدعو لِلْوَلِيمَةِ صَائِمًا] قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ الْمَدْعُوُّ صَائِمًا] : مَحَلُّ وُجُوبِ إجَابَةِ الصَّائِمِ مَا لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ وَقْتَ الدَّعْوَةِ أَنَّهُ صَائِمٌ، وَكَانَ وَقْتُ الِاجْتِمَاعِ وَالِانْصِرَافِ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَإِلَّا فَلَا تَجِبُ إجَابَتُهُ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ لِمُفْطِرٍ فَلَا يُجِبْ] : أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ لِرِوَايَةِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُجِيبُ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ، وَلِقَوْلِ الرِّسَالَةِ وَأَنْتَ فِي الْكُلِّ بِالْخِيَارِ وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ دُعِيَ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْأَكْلُ مُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» ، أَيْ يَدْعُ، فَحَمَلَ مَالِكٌ الْأَمْرَ عَلَى النَّدْبِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، لِأَنَّ إعْمَالَ الْحَدِيثَيْنِ أَوْلَى مِنْ طَرْحِ أَحَدِهِمَا.

(إنْ لَمْ يَكُنْ) فِي الْمَجْلِسِ (مَنْ يُتَأَذَّى) مِنْهُ لِأَمْرٍ دِينِيٍّ، كَمَنْ شَأْنُهُ الْخَوْضُ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ أَوْ مَنْ يُؤْذِيهِ (أَوْ مُنْكَرٌ كَفُرُشِ حَرِيرٍ) يَجْلِسُ عَلَيْهِ، هُوَ أَوْ غَيْرُهُ بِحَضْرَتِهِ (وَآنِيَةِ نَقْدٍ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ تَبْخِيرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَعْمِلُ غَيْرَهُ بِحَضْرَتِهِ، (وَسَمَاعِ غَانِيَةٍ) وَرَقْصِ نِسَاءٍ (وَآلَةِ لَهْوٍ) غَيْرِ دُفٍّ وَزَمَّارَةٍ وَبُوقٍ، (وَصُوَرِ حَيَوَانٍ) كَامِلَةٍ (لَهَا ظِلٌّ) لَا مَنْقُوشَةٍ بِحَائِطٍ أَوْ فُرُشٍ، إذَا كَانَتْ تَدُومُ كَخَشَبٍ وَطِينٍ، بَلْ (وَإِنْ لَمْ تَدُمْ) كَمَا لَوْ كَانَتْ مِنْ نَحْوِ قِشْرِ بِطِّيخٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَصَاوِيرَ الْحَيَوَانَاتِ تَحْرُمُ إجْمَاعًا إنْ كَانَتْ كَامِلَةً لَهَا ظِلٌّ مِمَّا يَطُولُ اسْتِمْرَارُهُ، بِخِلَافِ نَاقِصِ عُضْوٍ لَا يَعِيشُ بِهِ لَوْ كَانَ حَيَوَانًا، وَبِخِلَافِ مَا لَا ظِلَّ لَهُ كَنَقْشٍ فِي وَرَقٍ أَوْ جِدَارٍ. وَفِيمَا لَا يَطُولُ اسْتِمْرَارُهُ خِلَافٌ، وَالصَّحِيحُ حُرْمَتُهُ وَالنَّظَرُ إلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ، وَمَا تَصْوِيرُ غَيْرِ الْحَيَوَانِ كَالسُّفُنِ وَالْأَشْجَارِ فَلَا حُرْمَةَ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَسَمَاعِ غَانِيَّةٍ] : بِمَعْنَى مُغَنِّيَةٍ إذَا كَانَ غِنَاؤُهَا يُثِيرُ شَهْوَةً، أَوْ كَانَ بِكَلَامٍ قَبِيحٍ، أَوْ كَانَ بِآلَةٍ مِنْ ذَوَاتِ الْأَوْتَارِ، لِأَنَّ سَمَاعَ الْغِنَاءِ إنَّمَا يَحْرُمُ إذَا وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَإِلَّا كَانَ مَكْرُوهًا إنْ كَانَ مِنْ النِّسَاءِ لَا مِنْ الرِّجَالِ فَلَا كَرَاهَةَ مَا لَمْ يَكُونُوا مُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ، وَإِلَّا كَانَ حَرَامًا. قَوْلُهُ: [وَصُوَرِ حَيَوَانٍ] : فِي عب نَقْلًا عَنْ (ح) أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ الْمُحَرَّمِ تَصْوِيرُ لُعْبَةٍ عَلَى هَيْئَةِ بِنْتٍ صَغِيرَةٍ تَلْعَبُ بِهَا الْبَنَاتُ الصِّغَارُ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَيَجُوزُ بَيْعُهَا وَشِرَاؤُهَا لِتَدْرِيبِ الْبَنَاتِ عَلَى تَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ تَصْوِيرُهَا وَاللَّعِبُ بِهَا لِلْبَنَاتِ، وَبَيْعُهَا وَشِرَاؤُهَا وَإِنْ كَانَتْ كَامِلَةَ الْخِلْقَةِ فَانْظُرْهُ، مَعَ قَوْلِ الشَّارِحِ تَحْرُمُ إجْمَاعًا إنْ كَانَتْ كَامِلَةً. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ نَاقِصِ عُضْوٍ] : مِثْلُهُ مَا إذَا كَانَ مَخْرُوقَ الْبَطْنِ، وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ الصُّوَرُ لِمَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُصَوِّرِينَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا كُنْتُمْ تُصَوِّرُونَ. قَوْلُهُ: [وَالنَّظَرُ إلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ] : أَيْ كَمَشْيٍ عَلَى حَبْلٍ وَكَالنَّطِّ مِنْ الطَّارَّةِ وَاللَّعِبِ بِالسَّيْفِ لِلْخَطَرِ وَالْغَرَرِ فِي السَّلَامَةِ، وَفِي (بْن) عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ عَمَلَ ذَلِكَ وَحُضُورَهُ جَائِزٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ،

[ما يحرم وما يكره في الوليمة]

وَلَيْسَ مِنْ الْمُنْكَرِ سَتْرُ الْجُدْرَانِ بِحَرِيرٍ إذَا لَمْ يَسْتَنِدْ إلَيْهِ. (أَوْ كَثْرَةُ زِحَامٍ) فَإِنَّهَا مُسْقِطَةٌ لِوُجُوبِ الدَّعْوَةِ (أَوْ إغْلَاقُ) بَابٍ دُونَهُ (إذَا قَدِمَ، وَإِنْ لِمُشَاوَرَةٍ أَوْ) لَمْ يَكُنْ (عُذْرٌ يُبِيحُ الْجُمُعَةَ) أَيْ التَّخَلُّفَ عَنْهَا مِنْ كَثْرَةِ مَطَرٍ أَوْ وَحْلٍ أَوْ خَوْفٍ عَلَى مَالٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ تَمْرِيضِ قَرِيبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (وَحَرُمَ ذَهَابُ غَيْرِ) مَدْعُوٍّ (وَ) حَرُمَ (أَكْلُهُ) إنْ ذَهَبَ وَيُسَمَّى الطُّفَيْلِيَّ (إلَّا بِإِذْنٍ) مِنْ رَبِّ الطَّعَامِ فَيَجُوزُ أَكْلُهُ. (وَكُرِهَ نَثْرُ اللَّوْزِ وَالسُّكَّرِ) وَنَحْوِهِمَا فِي الْمَجْلِسِ (لِلنُّهْبَةِ) ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ النَّاسِ. وَأَمَّا وَضْعُ ذَلِكَ لِلْأَكْلِ عَلَى الْعَادَةِ فَجَائِزٌ. (وَ) كُرِهَ (الزَّمَّارَةُ وَالْبُوقُ) الْمُسَمَّى عِنْدَنَا بِالنَّفِيرِ إذَا لَمْ يَكْثُرْ جِدًّا حَتَّى يُلْهِيَ كُلَّ اللَّهْوِ، وَإِلَّا حَرُمَ كَآلَاتِ الْمَلَاهِي ذَوَاتِ الْأَوْتَارِ، وَالْغِنَاءِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى فُحْشِ الْقَوْلِ أَوْ الْهَذَيَانِ (لَا الْغِرْبَالِ) ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: هُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَنَا بِالْبَنْدِيرِ، وَيُسَمَّى فِي عُرْفِ مِصْرَ بِالطَّارِ، أَيْ فَلَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِذِي الْهَيْئَةِ أَنْ يَحْضُرَ اللَّعِبَ (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [أَوْ كَثْرَةُ زِحَامٍ] : مِثْلُهُ مَا إذَا كَانَ الدَّاعِي امْرَأَةً غَيْرَ مَحْرَمٍ، أَوْ كَانَتْ الْوَلِيمَةُ لِغَيْرِ مُسْلِمٍ، وَلَوْ كَانَ الدَّاعِي مُسْلِمًا وَكَذَا إنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ عَقُورٌ، أَوْ كَانَ فِي الطَّعَامِ شُبْهَةٌ كَطَعَامِ الْمِكَاسِ، أَوْ خُصَّ بِالدَّعْوَةِ الْأَغْنِيَاءُ، أَوْ كَانَتْ الطَّرِيقُ فِيهَا نِسَاءٌ وَاقِفَاتٌ يَتَعَرَّضْنَ لِلدَّاخِلِ. قَوْلُهُ: [وَنَحْوُ ذَلِكَ] : أَيْ مِنْ بَاقِي أَعْذَارِ الْجُمُعَةِ الْمَشْهُورَةِ. [مَا يحرم وَمَا يَكْرَه فِي الْوَلِيمَة] قَوْلُهُ: [إلَّا بِإِذْنٍ مِنْ رَبِّ الطَّعَامِ] : أَيْ فِي الدُّخُولِ، وَالْأَكْلِ وَجَوَازُ الْأَكْلِ حِينَئِذٍ لَا يُنَافِي حُرْمَةَ الذَّهَابِ ابْتِدَاءً، وَمَحَلُّ حُرْمَةِ مَجِيئِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ مَا لَمْ يَكُنْ تَابِعًا لِذِي قَدْرٍ مَعْرُوفٍ بِعَدَمِ مَجِيئِهِ وَحْدَهُ، فَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [لِلنُّهْبَةِ] : أَيْ لِأَجَلِ الِانْتِهَابِ، فَإِنْ صَارَ أَحَدُهُمْ يَأْخُذُ مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ فَحَرَامٌ. قَوْلُهُ: [ذَوَاتِ الْأَوْتَارِ] : أَيْ الْخُيُوطِ كَالرَّبَابَةِ وَالْعُودِ وَالْقَانُونِ. قَوْلُهُ: [أَيْ فَلَا يُكْرَهُ] : أَيْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ

فِيهِ صَرَاصِيرُ، وَإِلَّا حَرُمَ. (وَالْكَبَرُ) فَلَا يُكْرَهُ: وَهُوَ الطَّبْلُ الْكَبِيرُ الْمُدَوَّرُ الْمُغَشَّى مِنْ الْجِهَتَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفِّ» (اهـ) . وَأَمَّا غَيْرُ النِّكَاحِ كَالْخِتَانِ وَالْوِلَادَةِ فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ جَوَازِ ضَرْبِهِ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ جَوَازُهُ فِي كُلِّ فَرَحٍ لِلْمُسْلِمِينَ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ الطَّبْلُ الْكَبِيرُ] : وَقِيلَ طَبْلٌ صَغِيرٌ طَوِيلُ الْعُنُقِ مُجَلَّدٌ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِالدَّرَبُكَّةِ، وَفِي تَقْرِيرٍ لِشَيْخِ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيِّ أَنَّ الطَّبْلَ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ يَجُوزُ فِي النِّكَاحِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ صَرَاصِيرُ فَفِيهِ خِلَافٌ. تَتِمَّةٌ: قَالَ الْإِمَامُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ هَوًى مِنْ مُبَاحٍ كَعِشْقِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ فَسَمَاعُهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَمَنْ قَالَ: لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي شَيْئًا فَالسَّمَاعُ فِي حَقِّهِ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ، وَقَالَ السُّهْرَوَرْدِيّ: الْمُنْكِرُ لِلسَّمَاعِ إمَّا جَاهِلٌ بِالسُّنَنِ وَالْآثَارِ، وَإِمَّا مُغْتَرٌّ بِمَا حُرِمَهُ مِنْ أَحْوَالِ الْأَخْيَارِ، وَإِمَّا جَامِدُ الطَّبْعِ لَا ذَوْقَ لَهُ فَيُصِرُّ عَلَى الْإِنْكَارِ. قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: السَّمَاعُ لِمَا سُمِعَ لَهُ؛ كَمَاءِ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْعُودِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ مِنْ الْآلَاتِ الْمَعْرُوفَةِ ذَوَاتِ الْأَوْتَارِ؛ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّ الضَّرْبَ بِهِ وَسَمَاعَهُ حَرَامٌ، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى جَوَازِهِ وَنُقِلَ سَمَاعُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْ جُمْلَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَمِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الَّذِينَ ذَهَبُوا إلَى تَحْرِيمِهِ، فَقِيلَ: كَبِيرَةٌ وَقِيلَ: صَغِيرَةٌ، وَالْأَصَحُّ الثَّانِي، وَحَكَى الْمَازِرِيُّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَ فِي عُرْسٍ أَوْ صَنِيعٍ فَلَا تُرَدُّ بِهِ شَهَادَةٌ. وَأَمَّا الرَّقْصُ فَاخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ، فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى الْكَرَاهَةِ، وَطَائِفَةٌ إلَى الْإِبَاحَةِ، وَطَائِفَةٌ إلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ أَرْبَابِ الْأَحْوَالِ وَغَيْرِهِمْ فَيَجُوزُ لِأَرْبَابِ الْأَحْوَالِ، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِمْ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمُرْتَضَى، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ الْمُسَوِّغِينَ لِسَمَاعِ الْغِنَاءِ، وَهُوَ مَذْهَبُ السَّادَةِ الصُّوفِيَّةِ، قَالَ الْإِمَامُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ ارْتَكَبَ أَمْرًا فِيهِ خِلَافٌ لَا يُعَزَّرُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بُعِثْت بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ» ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] أَيْ ضِيقٍ، وَفِي هَذَا الْقَدْرِ كِفَايَةٌ، فَإِنْ أَرَدْت الزِّيَادَةَ مِنْ ذَلِكَ فَانْظُرْ حَاشِيَةَ شَيْخِنَا الْأَمِيرِ عَلَى (عب) فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَإِنَّ فِيهَا الْعَجَبَ الْعُجَابَ.

[فصل في القسم بين الزوجات وما يلحق به]

فَصْلٌ فِي الْقَسْمُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ وَمَا يَلْحَقُ بِهِ (إنَّمَا يَجِبُ الْقَسْمُ) عَلَى الزَّوْجِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ وَلَوْ مَجْبُوبًا أَوْ مَرِيضًا مَرَضًا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَيْهِ، (لِلزَّوْجَاتِ) لَا لِلْإِمَاءِ، وَلَا لِزَوْجَةٍ مَعَ أَمَةٍ (فِي الْمَبِيتِ) لَا فِي غَيْرِهِ كَالْوَطْءِ وَالْكِسْوَةِ وَالنَّفَقَةِ، (وَإِنْ) كَانَتْ الزَّوْجَاتُ (إمَاءً) كُلَّهُنَّ أَوْ بَعْضَهُنَّ، أَوْ كِتَابِيَّاتٍ كَذَلِكَ. (أَوْ) وَإِنْ (امْتَنَعَ الْوَطْءُ شَرْعًا أَوْ عَادَةً أَوْ طَبْعًا؛ كَمُحْرِمَةٍ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، (أَوْ مُظَاهَرٍ مِنْهَا) مِثَالَانِ لِلْمُمْتَنِعِ شَرْعًا، وَالِامْتِنَاعُ فِي الْأَوَّلِ مِنْ جِهَتِهَا، وَالثَّانِي مِنْ جِهَتِهِ، (وَرَتْقَاءَ) مِثَالٌ لِلْمُمْتَنِعِ عَادَةً، (وَجَذْمَاءَ) مِثَالٌ لِلْمُمْتَنِعِ طَبْعًا. (لَا) يَجِبُ الْقَسْمُ (فِي الْوَطْءِ إلَّا لِضَرَرٍ) ، أَيْ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِتَرْكِهِ ضَرَرًا فَيُمْنَعَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ الضَّرَرِ (كَكَفِّهِ) عَنْ وَطْءِ وَاحِدَةٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، (لِتَتَوَفَّرَ لَذَّتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْقَسْمُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ وَمَا يَلْحَقُ بِهِ] [وُجُوب الْقَسْم بَيْنَ الزَّوْجَاتِ] فَصْلٌ قَوْلُهُ: [وَمَا يَلْحَقُ بِهِ] : أَيْ وَهِيَ أَحْكَامُ النُّشُوزِ. قَوْلُهُ: [لِلزَّوْجَاتِ] : هَذَا هُوَ الْمَحْصُورُ فِيهِ، فَالْمَعْنَى لَا يَجِبُ الْقَسْمُ لِأَحَدٍ فِي شَيْءٍ إلَّا لِلزَّوْجَاتِ فِي الْمَبِيتِ عَلَى حَدِّ لَا مَحَبَّةَ لِي فِي شَيْءٍ إلَّا فِي اللَّهِ. قَوْلُهُ: [لَا لِلْإِمَاءِ] إلَخْ: أَيْ كَمَا قَالَ ابْنُ شَاسٍ لَا يَجِبُ الْقَسْمُ بَيْنَ الْمُسْتَوْلَدَاتِ وَبَيْنَ الْإِمَاءِ، وَلَا بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الْمَنْكُوحَاتِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [كَالْوَطْءِ] إلَخْ: أَدْخَلَتْ الْكَافُ الْمَيْلَ الْقَلْبِيَّ، بَلْ سَيَأْتِي أَنَّ الْوَطْءَ يُوَكَّلُ فِيهِ لِطَبِيعَتِهِ مَا لَمْ يَمْتَنِعْ لِتَوْفِيرِ لَذَّتِهِ لِأُخْرَى فَيَحْرُمُ، وَنَفَقَةُ كُلٍّ وَكِسْوَتُهَا عَلَى قَدْرِ حَالِهَا، وَلَهُ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ زِيَادَةً عَلَى مَا يَلِيقُ بِمِثْلِهَا، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ابْنُ رُشْدٍ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، أَنَّهُ إنْ قَامَ لِكُلٍّ بِمَا يَجِبُ لَهَا بِقَدْرِ حَالِهَا فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ بِمَا شَاءَ. قَوْلُهُ: [وَالِامْتِنَاعُ فِي الْأَوَّلِ] إلَخْ: أَيْ فَلِذَلِكَ عَدَّدَ الْمِثَالَ.

[ما يندب في القسم بين الزوجات]

لِلْأُخْرَى) ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ. (وَفَاتَ) الْقَسْمُ (بِفَوَاتِ زَمَنِهِ) ، سَوَاءٌ فَاتَهُ لِعُذْرٍ أَمْ لَا فَلَا يُقْضَى، فَلَيْسَ لِلَّتِي فَاتَتْ لَيْلَتُهَا لَيْلَةٌ بَدَلَهَا. (وَإِنْ ظَلَمَ) فَلَا مُحَاسَبَةَ لِلْمَظْلُومَةِ بِمَا مَكَّنَهُ عِنْدَ ضَرَّتِهَا لِفَوَاتِ زَمَنِهِ، (كَخِدْمَةِ) عَبْدٍ (مُعْتَقٍ بَعْضُهُ) يَأْبَقُ زَمَنَ نَوْبَةِ سَيِّدِ بَعْضِهِ، (أَوْ) عَبْدٍ (مُشْتَرَكٍ) بَيْنَ اثْنَيْنِ مَثَلًا، (يَأْبَقُ) ، فَإِذَا رَجَعَ بَعْدَ شَهْرٍ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَفُوتُ عَلَى مَالِكِ بَعْضِهِ، أَوْ عَلَى أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مَا أَبَقَ فِي زَمَنِهِ، وَلَا يُحَاسَبُ الْعَبْدُ بِمَا أَبَقَ زَمَنَهُ، وَلَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ صَاحِبَهُ إلَّا أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ شَخْصٌ أَيَّامَ إبَاقِهِ، فَلِسَيِّدِ بَعْضِهِ وَلِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الرُّجُوعُ عَلَى مَنْ اسْتَخْدَمَهُ بِمَنَابِهِ. (يَوْمًا وَلَيْلَةً) مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ: " يَجِبُ الْقَسْمُ ": أَيْ إذَا لَمْ يَرْضَيْنَ بِشَيْءٍ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا سَيَأْتِي. وَنُدِبَ الِابْتِدَاءُ بِاللَّيْلِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِيوَاءِ، (كَالْبَيَاتِ عِنْدَ) الزَّوْجَةِ (الْوَاحِدَةِ) الَّتِي لَا ضَرَّةَ لَهَا، فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لِمَا فِيهِ مِنْ حُسْنِ الْعِشْرَةِ مَا لَمْ تَقْتَضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ] : رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ إلَّا لِضَرَرٍ، وَضَابِطُ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ صِحَّةُ حُلُولِ لَكِنْ مَحَلَّهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ، لَكِنْ مَحَلُّ عَدَمِ وُجُوبِ الْقَسْمِ فِي الْوَطْءِ إنْ لَمْ يَكُنْ ضَرَرٌ، وَإِلَّا فَيَجِبُ وَمَا قِيلَ فِي الْوَطْءِ يُقَالُ فِي الْكِسْوَةِ وَالنَّفَقَةِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ ظَلَمَ] : أَيْ بِأَنْ بَاتَ عِنْدَ إحْدَى الضَّرَّتَيْنِ لَيْلَتَيْنِ لَيْلَتَهُ وَلَيْلَةَ ضَرَّتِهَا، وَكَذَا إذَا بَاتَ عِنْدَ إحْدَى الضَّرَّتَيْنِ لَيْلَتَهَا وَبَاتَ لَيْلَةَ الْأُخْرَى فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ عُذْرٍ. قَوْلُهُ: [فَلَا مُحَاسَبَةَ لِلْمَظْلُومَةِ] : أَيْ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْقَسْمِ دَفْعُ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ فِي الْحَالِ، وَذَلِكَ يَفُوتُ بِفَوَاتِ زَمَنِهِ، وَلَوْ قُلْنَا بِالْقَضَاءِ لِظُلْمِ صَاحِبَةِ اللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: [كَخِدْمَةِ عَبْدٍ مُعْتَقٍ بَعْضُهُ] إلَخْ: أَيْ وَكَانَتْ خِدْمَتُهُ مَقْسُومَةً بِالْجُمُعَةِ مَثَلًا. [مَا يَنْدُب فِي الْقَسْم بَيْن الزَّوْجَات] قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ الِابْتِدَاءُ بِاللَّيْلِ] : أَيْ مَا لَمْ يَقْدَمْ مِنْ سَفَرٍ، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ فِي النُّزُولِ عِنْدَ أَيَّتِهِمَا شَاءَ فِي وَقْتِ قُدُومِهِ وَلَا يَتَعَيَّنُ النُّزُولُ عِنْدَ مَنْ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ فَقَطْ لِأَجْلِ أَنْ يُكْمِلَ لَهَا يَوْمَهَا.

[ما يجوز في القسم بين الزوجات]

الْحَاجَةُ خِلَافَهُ فَإِنْ شَكَتْ الْوَحْدَةَ ضُمَّتْ لِمَنْ يُؤَانِسُهَا أَوْ أَتَى لَهَا بِمَنْ يُؤَانِسُهَا. (وَجَازَ بِرِضَاهُنَّ الزِّيَادَةُ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَالنَّقْصُ) لِأَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ لَهُنَّ. (وَ) جَازَ (اسْتِدْعَاؤُهُنَّ لِمَحَلِّهِ) بِأَنْ يَكُونَ لَهُ مَحَلٌّ بِخُصُوصِهِ يَدْعُو كُلَّ مَنْ كَانَتْ نَوْبَتُهَا أَنْ تَأْتِيَ إلَيْهِ فِيهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَذْهَبَ إلَيْهَا بِمَحَلِّهَا لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. (كَجَمْعِهِمَا بِمَنْزِلَيْنِ بِدَارٍ) وَاحِدَةٍ فَيَجُوزُ، (وَلَوْ) جَبْرًا (بِغَيْرِ رِضَاهُمَا) ، وَاعْتَرَضَ سَيِّدِي أَحْمَدُ بَابَا عَلَى الشَّيْخِ: بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّقْيِيدِ فِيهَا بِالرِّضَا فَلَا نَصَّ فِي كَلَامِهِمْ يُوَافِقُهُ، بَلْ نُصُوصُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ جَبْرَهُنَّ عَلَى ذَلِكَ. (وَ) جَازَ (الْأَثَرَةُ) - بِفَتَحَاتٍ كَدَرَجَةٍ، وَبِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ كَجُحْفَةٍ - أَيْ أَنْ يُؤْثِرَ ضَرَّتَهَا (عَلَيْهَا بِرِضَاهَا بِشَيْءٍ) : أَيْ فِي نَظِيرِ شَيْءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ شَكَتْ الْوَحْدَةَ] : أَيْ فِي اللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْأَظْهَرُ وُجُوبُ الْبَيَاتِ عِنْدَ الْوَاحِدَةِ، أَوْ يَأْتِي لَهَا بِامْرَأَةٍ تَرْضَى بِبَيَاتِهَا عِنْدَهَا لِأَنَّ تَرْكَهَا وَحْدَهَا ضَرَرٌ، وَرُبَّمَا تَعَيَّنَ زَمَنَ خَوْفِ الْمُحَارِبِ، قَالَ بَعْضُهُمْ وَالْأَظْهَرُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهَا ثَبَاتٌ بِحَيْثُ لَا يُخْشَى عَلَيْهَا فِي بَيَاتِهَا وَحْدَهَا فَلَا يَجِبُ الْبَيَاتُ وَلَا الْأَنِيسَةُ، وَإِلَّا فَيَجِبُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ. [مَا يَجُوز فِي الْقَسْم بَيْن الزَّوْجَات] قَوْلُهُ: [وَجَازَ بِرِضَاهُنَّ الزِّيَادَةُ] إلَخْ: أَيْ فَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا وَجَبَ الْقَسْمُ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَمَحَلُّ هَذَا إذَا كَانَتَا بِبَلَدٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي بَلَدَيْنِ فِي حُكْمِ الْوَاحِدِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتَا بِبَلَدَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِالْقَسْمِ بِالْجُمُعَةِ أَوْ الشَّهْرِ مِمَّا لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ. قَوْلُهُ: [بَلْ نُصُوصُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ] إلَخْ: أَيْ حَيْثُ كَانَ كُلُّ مَنْزِلٍ مُسْتَقِلًّا بِمَنَافِعِهِ، وَالْجَوَازُ بِالرِّضَا إنَّمَا هُوَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ كُلُّ مَنْزِلٍ مُسْتَقِلًّا بِأَنْ كَانَ الْمَنْزِلَانِ بِمِرْحَاضٍ وَاحِدٍ وَمَطْبَخٍ وَاحِدٍ، بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ مَا إذَا أَرَادَ سُكْنَاهُمَا بِمَنْزِلٍ وَاحِدٍ وَقَدْ ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَإِنْ رَضِيَتَا وَاعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ بَابَا، أَيْضًا بِأَنَّ النُّصُوصَ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ سُكْنَاهُمَا بِمَنْزِلٍ وَاحِدٍ إنْ رَضِيَتَا، وَلَا يُقَالُ جَمْعُهُمَا فِي مَنْزِلٍ يَسْتَلْزِمُ وَطْءَ إحْدَاهُمَا بِحَضْرَةِ الْأُخْرَى، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَطَأَهَا فِي غَيْبَةِ الْأُخْرَى قَالَهُ (بْن) . تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ أَنَّهَا لَا تُجَابُ بَعْدَ رِضَاهَا بِسُكْنَاهَا مَعَ

تَأْخُذُهُ مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ (وَبِغَيْرِهِ) أَيْ بِغَيْرِ شَيْءٍ بَلْ مَجَّانًا، وَفِيهِ نَوْعُ تَكْرَارٍ مَعَ قَوْلِهِ: " وَجَازَ بِرِضَاهُنَّ الزِّيَادَةُ " إلَخْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَثَرَةِ التَّفْضِيلُ فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ إذْ لَا يَجِبُ قَسْمٌ فِي ذَلِكَ. (كَعَطِيَّةٍ) مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا لِزَوْجِهَا - كَانَتْ ضَرَّةً أَوْ لَا - (عَلَى إمْسَاكِهَا) فِي عِصْمَتِهِ وَعَدَمِ طَلَاقِهَا فَيَجُوزُ، وَلَيْسَ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ. (وَ) جَازَ (شِرَاءُ يَوْمِهَا) مِنْهَا بِمَالٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ، وَهَذَا مِنْ بَابِ إسْقَاطِ حَقٍّ وَجَبَ فِي نَظِيرِ شَيْءٍ لَا بَيْعٍ حَقِيقِيٍّ. (وَ) جَازَ (وَطْءُ ضَرَّتِهَا) فِي يَوْمِهَا (بِإِذْنِهَا) لَا بِغَيْرِهِ. (وَ) جَازَ لَهُ (سَلَامُهُ عَلَيْهَا) ، وَسُؤَالُهُ عَنْ حَالِهَا (بِالْبَابِ) مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ عَلَيْهَا وَإِلَّا مُنِعَ. (وَجَازَ لَهُ الْبَيَاتُ عِنْدَ ضَرَّتِهَا إنْ أَغْلَقَتْ الْبَابَ دُونَهُ) حَالَ دُخُولِهِ لَهَا أَوْ قَبْلَهُ وَلَمْ تَفْتَحْ لَهُ (إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْبَيَاتِ بِحُجْرَتِهَا) لِخَوْفٍ مِنْ لِصٍّ أَوْ غَيْرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQضَرَّتِهَا أَوْ مَعَ أَهْلِهِ فِي دَارٍ لِسُكْنَاهَا وَحْدَهَا (اهـ) . وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُحْدِثْ مُقْتَضٍ. قَوْلُهُ: [وَفِيهِ نَوْعُ تَكْرَارٍ] : أَيْ لِعُمُومِ قَوْلِهِ الزِّيَادَةُ، فَإِنَّهَا صَادِقَةٌ وَلَوْ لِبَعْضِهِنَّ، وَلَكِنَّ الْمُتَبَادَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ الزِّيَادَةُ عَنْ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَعَ التَّسْوِيَةِ لِلْكُلِّ، أَوْ النَّقْصُ مَعَ التَّسْوِيَةِ لِكُلٍّ فَلَا تَكْرَارَ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [لِزَوْجِهَا] : أَيْ وَيَجُوزُ الْعَكْسُ بِأَنْ يُعْطِيَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ تُحْسِنَ عِشْرَتَهُ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ شِرَاءُ يَوْمِهَا مِنْهَا] : أَيْ لِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: اُخْتُلِفَ فِي بَيْعِهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ، وَالْأَقْرَبُ الْجَوَازُ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ الْكَرَاهَةُ قَوْلُهُ: [لَا بَيْعٍ حَقِيقِيٍّ] : أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَمَوَّلًا. قَوْلُهُ: [وَجَازَ لَهُ الْبَيَاتُ عِنْدَ ضَرَّتِهَا] إلَخْ: وَهَلْ يَجُوزُ وَطْءُ مَنْ بَاتَ عِنْدَهَا حِينَئِذٍ؟ وَهُوَ مَا اعْتَمَدَهُ الْأُجْهُورِيُّ أَوْ لَا يَجُوزُ اقْتِصَارًا عَلَى قَدْرِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ مَا لِغَيْرِهِ.

[ما يمنع في القسم بين الزوجات]

فَإِنْ قَدَرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْبَيَاتُ عِنْدَ ضَرَّتِهَا. (وَإِنْ وَهَبَتْ) امْرَأَةٌ (نَوْبَتَهَا مِنْ ضَرَّةٍ) : أَيْ وَهَبَتْهَا لِضَرَّتِهَا هِنْدٍ (فَالْكَلَامُ لَهُ) : أَيْ لِلزَّوْجِ (لَا لَهَا) : أَيْ هِنْدٍ الْمَوْهُوبَةِ، فَلَهُ أَنْ يَرْضَى وَأَنْ لَا يَرْضَى إذْ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي الْوَاهِبَةِ دُونَ هِنْدٍ الْمَوْهُوبَةِ، (فَإِنْ رَضِيَ اخْتَصَّتْ الْمَوْهُوبَةُ) وَهِيَ هِنْدٌ بِتِلْكَ اللَّيْلَةِ، (بِخِلَافِ هِبَتِهَا) لَيْلَتَهَا (لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (فَتُقَدَّرُ الْوَاهِبَةُ عَدَمًا) : أَيْ كَأَنَّهَا مَعْدُومَةٌ فَيَسْتَحِقُّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَنْ يَلِيهَا فِي الْقَسْمِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا لِمَنْ يَشَاءُ (لَا إنْ اشْتَرَى) الزَّوْجُ لَيْلَةً مِنْ ضَرَّةٍ، (فَيَخُصُّ) بِهَا (مَنْ يَشَاءُ. وَلَهَا) : أَيْ لِلْوَاهِبَةِ لِزَوْجِهَا أَوْ لِضَرَّتِهَا لَيْلَتَهَا (الرُّجُوعُ) فِيمَا وَهَبَتْ لِمَا يَلْحَقُهَا مِنْ الْغَيْرَةِ فَلَا قُدْرَةَ لَهَا عَلَى الْوَفَاءِ. (وَمُنِعَ) أَيْ حَرُمَ عَلَيْهِ (دُخُولُهُ) أَيْ الزَّوْجِ (عَلَى ضَرَّتِهَا فِي يَوْمِهَا) بِلَا إذْنِهَا (إلَّا لِحَاجَةٍ) ، فَيَجُوزُ الدُّخُولُ بِقَدْرِ زَمَنِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ (بِلَا مُكْثٍ) بَعْدَ تَمَامِهَا. (وَ) مُنِعَ دُخُولُهُ (حَمَّامًا بِهِمَا) مَعًا وَلَوْ بِرِضَاهُمَا لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ كَشْفِ الْعَوْرَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ قَدَرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْبَيَاتُ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ كَانَتْ ظَالِمَةً أَوْ مَظْلُومَةً وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: [فَلَهُ أَنْ يَرْضَى وَأَنْ لَا يَرْضَى] : قَالَ (عب) : اُنْظُرْ مَفْهُومَ الْهِبَةِ كَالشِّرَاءِ، هَلْ هُوَ كَذَلِكَ لَهُ الْمَنْعُ أَوْ لَا لِضَرُورَةِ الْعِوَضِيَّةِ؟ قَالَ (بْن) وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ الْمَنْعَ فِي الشِّرَاءِ كَالْهِبَةِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ. قَوْلُهُ: [فَيَخُصُّ بِهَا مَنْ يَشَاءُ] : أَيْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ. قَوْلُهُ: [الرُّجُوعُ فِيمَا وَهَبَتْ] : أَيْ سَوَاءٌ قَيَّدَتْ بِوَقْتٍ أَوْ لَا، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَتْ نَوْبَتَهَا لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ. [مَا يَمْنَع فِي الْقَسْم بَيْن الزَّوْجَات] قَوْلُهُ: [لِأَنَّ مَظِنَّةَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ] : لَا يُقَالُ هَذَا يَقْتَضِي مَنْعَ دُخُولِ النِّسَاءِ الْحَمَّامَ مُؤْتَزِرَاتٍ بَعْضُهُنَّ مَعَ بَعْضٍ، لِأَنَّهُ يُقَالُ الْمَرْأَةُ يَحْصُلُ مِنْهَا التَّسَاهُلُ فِي كَشْفِ عَوْرَتِهَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا حَاضِرًا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فَلَا يَحْصُلُ عِنْدَهَا التَّسَاهُلُ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: ثُمَّ إنَّ مُقْتَضَى الْعِلَّةِ جَوَازُ الدُّخُولِ بِالزَّوْجَاتِ وَكَذَا الْإِمَاءُ إذَا اتَّصَفَ كُلٌّ بِالْعَمَى (اهـ) .

وَكَذَا جَمْعُ الْإِمَاءِ فِيهِ بِخِلَافِ دُخُولِهِ بِوَاحِدَةٍ فَيَجُوزُ. (وَ) مُنِعَ (جَمْعُهُمَا مَعَهُ فِي فِرَاشٍ) وَاحِدٍ (وَإِنْ بِلَا وَطْءٍ، كَأَمَتَيْنِ) يَحْرُمُ جَمْعُهُمَا فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ وَإِنْ بِلَا وَطْءٍ، لَكِنْ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ وَطْءٌ. (وَ) لَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ بِضَرَّةٍ (قُضِيَ) عَلَيْهِ (لِلْبِكْرِ بِسَبْعٍ) مِنْ اللَّيَالِي مُتَوَالِيَاتٍ تَخْتَصُّ بِهَا عَنْهُنَّ، (وَلِلثَّيِّبِ بِثَلَاثٍ) ، ثُمَّ يَقْسِمُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْبُدَاءَةِ بِمَا شَاءَ. (وَلَا تُجَابُ) الْبِكْرُ أَوْ الثَّيِّبُ (لِأَكْثَرَ) مِمَّا جَعَلَهُ لَهَا الشَّرْعُ إنْ طَلَبَتْهُ. (وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ مَرِيضٌ) عَلَى الْقَسْمِ لِشِدَّةِ مَرَضِهِ، (فَعِنْدَ مَنْ شَاءَ) مِنْهُنَّ بِلَا تَعْيِينٍ. (وَإِنْ سَافَرَ) زَوْجُ ضَرَائِرَ أَيْ أَرَادَ سَفَرًا (اخْتَارَ) مِنْهُنَّ لِلسَّفَرِ مَعَهُ مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَكِنْ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ] : أَيْ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ يُكْرَهُ فِي الزَّوْجَاتِ، وَيُبَاحُ فِي الْإِمَاءِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: [قُضِيَ عَلَيْهِ لِلْبِكْرِ بِسَبْعٍ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمُقَابِلُهُ أَنَّ الْبِكْرَ يُقْضَى لَهَا بِسَبْعٍ وَلِلثَّيِّبِ بِثَلَاثٍ مُطْلَقًا تَزَوَّجَهَا عَلَى غَيْرِهَا أَمْ لَا، وَإِنَّمَا قُضِيَ لِلْبِكْرِ بِسَبْعٍ إزَالَةً لِلْوَحْشَةِ فَتَحْتَاجُ لِإِمْهَالٍ وَتَأَنٍّ، وَالثَّيِّبُ قَدْ جَرَّبَتْ الرِّجَالَ إلَّا أَنَّهَا اسْتَحْدَثَتْ الصُّحْبَةَ فَأُكْرِمَتْ بِزِيَادَةِ الْوَصْلَةِ وَهِيَ الثَّلَاثَةُ، فَلَوْ زُفَّتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فِي لَيْلَةٍ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ الْحَقُّ لِلزَّوْجِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ دُونَ قُرْعَةٍ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا بِالدُّعَاءِ لِلْبِنَاءِ قُدِّمَتْ وَإِلَّا فَسَابِقَةُ الْعَقْدِ، وَإِنْ عَقَدَتَا مَعًا فَالْقُرْعَةُ، وَإِذَا أَوْجَبَتْ الْقُرْعَةُ تَقْدِيمَ إحْدَاهُمَا فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ بِمَا يُقْضَى لَهَا بِهِ مِنْ سَبْعٍ إنْ كَانَتْ بِكْرًا، أَوْ ثَلَاثٍ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، ثُمَّ يُقْضَى لِلْأُخْرَى. قَوْلُهُ: [بِمَا شَاءَ] : أَوْقَعَ مَا عَلَى مَنْ يَعْقِلُ اقْتِدَاءً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: 3] ، وَلِمَا فِيهِنَّ مِنْ نَقْصِ الْعَقْلِ. قَوْلُهُ: [وَلَا تُجَابُ الْبِكْرُ أَوْ الثَّيِّبُ لِأَكْثَرَ] : ظَاهِرُهُ وَلَوْ شَرَطَتْ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ.

[السفر بالزوجات]

شَاءَ (إلَّا) إذَا أَرَادَ السَّفَرَ (فِي قُرْبَةٍ) أَيْ لِعِبَادَةٍ كَحَجٍّ وَغَزْوٍ (فَيُقْرِعُ) بَيْنَهُمَا أَوْ بَيْنَهُنَّ، فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهَا أَخَذَهَا مَعَهُ لِأَنَّ الرَّغَبَاتِ تَعْظُمُ فِي الْعِبَادَاتِ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى أَحْكَامِ الْقَسْمِ، أَخَذَ يَتَكَلَّمُ عَلَى أَحْكَامِ النُّشُوزِ فَقَالَ: (وَوَعَظَ) الزَّوْجُ (مَنْ نَشَزَتْ) : أَيْ خَرَجَتْ عَنْ طَاعَتِهِ بِمَنْعِهَا التَّمَتُّعَ بِهَا أَوْ خُرُوجِهَا بِلَا إذْنٍ لِمَكَانٍ لَا يَجِبُ خُرُوجُهَا لَهُ، أَوْ تَرَكَتْ حُقُوقَ اللَّهِ كَالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ، أَوْ أَغْلَقَتْ الْبَابَ دُونَهُ أَوْ خَانَتْهُ فِي نَفْسِهَا أَوْ مَالِهِ. الْوَعْظُ: ذِكْرُ مَا يَقْتَضِي رُجُوعَهَا عَمَّا ارْتَكَبَتْهُ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِرِفْقٍ. وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ النَّاشِزِ: وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْمُتَيْطِيُّ وَوَقَعَ بِهِ الْحُكْمُ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - أَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى رَدِّهَا وَلَوْ بِالْحُكْمِ مِنْ الْحَاكِمِ، وَلَمْ يَفْعَلْ فَلَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ لِحَمِيَّةِ قَوْمِهَا، وَكَانَتْ مِمَّنْ لَا تَنْفُذُ فِيهِمْ الْأَحْكَامُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا. (ثُمَّ) إنْ لَمْ يُفِدْ فِيهَا الْوَعْظُ (هَجَرَهَا) فِي الْمَضَاجِعِ فَلَا يَنَامُ مَعَهَا فِي فُرُشٍ، وَلَا يُبَاشِرُهَا لَعَلَّهَا تَرْجِعُ عَنْ نُشُوزِهَا. (ثُمَّ) إنْ لَمْ يُفِدْ الْهَجْرُ (ضَرَبَهَا) ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ. وَلَا يَجُوزُ الضَّرْبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [السَّفَرُ بِالزَّوْجَاتِ] قَوْلُهُ: [إلَّا إذَا أَرَادَ السَّفَرَ فِي قُرْبَةٍ] : أَيْ وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ أَقْوَالٍ أَرْبَعَةٍ، وَهِيَ الِاخْتِيَارُ مُطْلَقًا، الْقُرْعَةُ مُطْلَقًا، الْقُرْعَةُ فِي الْحَجِّ وَالْغَزْوِ فَقَطْ، الْقُرْعَةُ فِي الْغَزْوِ فَقَطْ. [أَحْكَامِ النُّشُوزِ] قَوْلُهُ: [وَوَعَظَ الزَّوْجُ مَنْ نَشَزَتْ] : أَيْ إذَا لَمْ يَبْلُغْ نُشُوزُهَا الْإِمَامَ أَوْ بَلَغَهُ وَرُجِيَ صَلَاحُهَا عَلَى يَدِ زَوْجِهَا وَإِلَّا وَعَظَهَا الْإِمَامُ. قَوْلُهُ: [ذَكَرَ مَا يَقْتَضِي رُجُوعَهَا] : أَيْ بِمَا يُلَيِّنُ الْقَلْبَ مِنْ الْوَعْدِ بِالثَّوَابِ وَالتَّخْوِيفِ بِالْعِقَابِ، الْمُتَرَتِّبَيْنِ عَلَى طَاعَةِ الزَّوْجِ وَمُخَالَفَتِهِ. قَوْلُهُ: [هَجَرَهَا فِي الْمَضَاجِعِ] : وَغَايَةُ الْهَجْرِ الْمُسْتَحْسَنِ شَهْرٌ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. قَوْلُهُ: [غَيْرَ مُبَرِّحٍ] بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ. اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ بَرَّحَ بِهِ الضَّرْبُ تَبْرِيحًا: شَقَّ عَلَيْهِ، فَالْمُبَرِّحُ هُوَ الشَّاقُّ، وَإِنْ ضَرَبَهُ فَادَّعَتْ الْعَدَاءَ وَادَّعَى الْأَدَبَ، فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِالصَّلَاحِ وَإِلَّا قُبِلَ قَوْلُهُ.

الْمُبَرِّحُ وَهُوَ الَّذِي يَكْسِرُ عَظْمًا أَوْ يَشِينُ لَحْمًا، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ عَمَّا هِيَ فِيهِ إلَّا بِهِ، فَإِنْ وَقَعَ فَهُوَ جَانٍ فَلَهَا التَّطْلِيقُ وَالْقِصَاصُ. وَمَحَلُّ جَوَازِ الضَّرْبِ (إنْ ظَنَّ إفَادَتَهُ) وَإِلَّا فَلَا يَضْرِبُ، فَهَذَا قَيْدٌ فِي الضَّرْبِ دُونَ مَا قَبْلَهُ لِشِدَّتِهِ. (وَبِتَعَدِّيهِ) أَيْ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ بِضَرْبٍ لِغَيْرِ مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ، أَوْ سَبٍّ كَلَعْنٍ وَنَحْوِهِ، وَثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ (زَجَرَهُ الْحَاكِمُ بِوَعْظٍ فَتَهْدِيدٍ) إنْ لَمْ يَنْزَجِرْ بِالْوَعْظِ، (فَضَرْبٍ إنْ أَفَادَ) الضَّرْبُ أَيْ ظَنَّ إفَادَتَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا إنْ اخْتَارَتْ الْبَقَاءَ مَعَهُ. (وَلَهَا التَّطْلِيقُ) بِالتَّعَدِّي إذَا ثَبَتَ (وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ) التَّعَدِّي مِنْهُ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ مِنْ الضَّرَرِ مَنْعُهَا مِنْ الْحَمَّامِ وَالنَّزَاهَةِ وَضَرْبَهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، بِخِلَافِ الْمُبَرِّحِ كَمَا تَقَدَّمَ، (وَإِنْ) كَانَتْ (صَغِيرَةً وَسَفِيهَةً) وَلَا كَلَامَ لِوَلِيِّهَا فِي ذَلِكَ. (وَإِنْ أَشْكَلَ) الْأَمْرُ - فَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ الضَّرَرُ مِنْهَا أَوْ مِنْهُ - بِأَنْ ادَّعَتْ الضَّرَرَ وَتَكَرَّرَتْ شَكْوَاهَا، وَلَمْ تُثْبِتْ ذَلِكَ أَوْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا الضَّرَرَ، وَتَكَرَّرَتْ مِنْهُ الشَّكْوَى وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ (أَسْكَنَهَا) الْحَاكِمُ: أَيْ أَمَرَ بِسُكْنَاهَا (بَيْنَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [دُونَ مَا قَبْلَهُ] : أَيْ وَهُوَ الْوَعْظُ وَالْهَجْرُ، فَإِنَّهُ يَفْعَلُهُ وَلَوْ لَمْ يَظُنَّ الْإِفَادَةَ، وَلَا يُقَالُ هُمَا مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، فَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا ظَنُّ الْإِفَادَةِ، لِأَنَّهُ يُقَالُ بَلْ هُمَا مِنْ بَابِ رَفْعِ الشَّخْصِ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّ فِي الْآيَةِ تَقْدِيرُ مُضَافٍ وَهُوَ: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [النساء: 34] ، أَيْ ضَرَرَ نُشُوزِهِنَّ، وَالْخَوْفُ يَصْدُقُ وَلَوْ بِالشَّكِّ. قَوْلُهُ: [فَضَرْبٌ إنْ أَفَادَ] : أَيْ عَلَى طِبْقِ مَا تَقَدَّمَ فِي وَعَظَ الزَّوْجِ لَهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَعِظُهُ أَوَّلًا إذَا جَزَمَ بِالْإِفَادَةِ أَوْ ظَنَّهَا، أَوْ شَكَّ فِيهَا، فَإِنْ لَمْ يُفِدْ ذَلِكَ هَدَّدَهُ بِالضَّرْبِ، فَإِنْ لَمْ يُفِدْ ذَلِكَ ضَرَبَهُ إنْ جَزَمَ بِالْإِفَادَةِ أَوْ ظَنَّهَا. قَوْلُهُ: [وَلَا كَلَامَ لِوَلِيِّهَا] : قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي تَقْرِيرِهِ: هَذَا ظَاهِرٌ فِي السَّفِيهَةِ فَهُوَ رَاجِعٌ لَهَا دُونَ الصَّغِيرَةِ فَالْكَلَامُ لِوَلِيِّهَا (اهـ) .

[بعث حكمين من أهل الزوجين]

قَوْمٍ (صَالِحِينَ إنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمْ) لِيَظْهَرَ لَهُمْ الْحَالُ، فَيُخْبِرُوا الْحَاكِمَ بِذِي الضَّرَرِ. (ثُمَّ) إنْ اسْتَمَرَّ الْإِشْكَالُ وَالنِّزَاعُ (بَعَثَ) الْحَاكِمُ (حَكَمَيْنِ مِنْ أَهْلِهِمَا) : أَيْ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا (إنْ أَمْكَنَ) ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَأَجْنَبِيَّيْنِ. (وَنُدِبَ كَوْنُهُمَا جَارَيْنِ) لِأَنَّ الْجَارَ أَدْرَى بِحَالِ الْجَارِ. (وَصِحَّتَهُمَا) أَيْ الْحَكَمَيْنِ: أَيْ شُرِطَ صِحَّتُهُمَا (بِالْعَدَالَةِ) فَلَا يَصِحُّ حُكْمُ غَيْرِ الْعَدْلِ، سَوَاءٌ حَكَمَ بِطَلَاقٍ أَوْ إبْقَاءٍ أَوْ بِمَالٍ، وَغَيْرُ الْعَدْلِ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ فَاسِقٌ، (وَالذُّكُورَةِ) فَلَا يَصِحُّ حُكْمُ النِّسَاءِ (وَالرُّشْدِ) فَلَا يَصِحُّ حُكْمُ سَفِيهٍ، (وَالْفِقْهِ بِذَلِكَ) فَلَا يَصِحُّ حُكْمُ جَاهِلٍ بِمَا وُلِّيَ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَعَثَ حكمين مِنْ أَهْل الزَّوْجَيْنِ] قَوْلُهُ: [حَكَمَيْنِ مِنْ أَهْلِهِمَا] : أَيْ لِأَنَّ الْأَقَارِبَ أَعْرَفُ بِبَوَاطِنِ الْأَحْوَالِ، وَأَطْيَبُ لِلْإِصْلَاحِ، وَنُفُوسُ الزَّوْجَيْنِ أَسْكَنُ إلَيْهِمَا، فَيُبْرِزَانِ مَا فِي ضَمَائِرِهِمَا مِنْ الْحُبِّ وَالْبُغْضِ، وَإِرَادَةِ الْفُرْقَةِ أَوْ الصُّحْبَةِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَأَجْنَبِيَّيْنِ] : فَإِنْ بَعَثَ أَجْنَبِيَّيْنِ مَعَ الْإِمْكَانِ فَفِي نَقْضِ حُكْمِهِمَا تَرَدُّدٌ، وَالظَّاهِرُ نَقْضُهُ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ أَنَّ كَوْنَهُمَا مِنْ أَهْلِهِمَا وَاجِبٌ شُرِطَ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ. قَوْلُهُ: [سَوَاءٌ حَكَمَ بِطَلَاقٍ] : أَيْ بِغَيْرِ مَالٍ، وَقَوْلُهُ: أَوْ بِمَالٍ أَيْ فِي خُلْعٍ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ حُكْمُ النِّسَاءِ] : لِأَنَّ الْحَكَمَ حَاكِمٌ وَإِمَامٌ مُقْتَدًى بِهِ، وَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ مِنْ النِّسَاءِ وَلَا الِاقْتِدَاءُ بِهِنَّ لِنَقْصِهِنَّ فِي الْعَقْلِ وَالدِّينِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ حُكْمُ سَفِيهٍ] : اعْلَمْ أَنَّ السَّفِيهَ إذَا كَانَ مُوَلًّى عَلَيْهِ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ، وَإِنْ كَانَ أَصْلَحَ أَهْلِ زَمَانِهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْعَدْلِ أَنْ لَا يَكُونَ مُوَلًّى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مُهْمَلًا فَإِنْ اتَّصَفَ بِمَا اُعْتُبِرَ فِي الْعَدْلِ فَعَدْلٌ وَإِلَّا فَلَا؛ فَقَوْلُ الشَّارِحِ فَلَا يَصِحُّ حُكْمُ سَفِيهٍ أَيْ حَيْثُ كَانَ مُوَلًّى عَلَيْهِ أَوْ مُهْمَلًا غَيْرَ عَدْلٍ. قَوْلُهُ: [وَالْفِقْهُ بِذَلِكَ] : أَيْ فَغَيْرُ الْفَقِيهِ لَا يَصِحُّ حُكْمُهُ مَا لَمْ يُشَاوِرْ الْعُلَمَاءَ بِمَا يَحْكُمُ بِهِ، فَإِنْ حَكَمَ بِمَا أَشَارُوا عَلَيْهِ بِهِ كَانَ حُكْمُهُ نَافِذًا.

(وَ) يَجِبُ (عَلَيْهِمَا الْإِصْلَاحُ) مَا اسْتَطَاعَا: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35] ، (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْإِصْلَاحُ (طَلَّقَا) أَيْ حَكَمَا بِالطَّلَاقِ، (وَنَفَذَ) حُكْمُهُمَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، (وَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا) : أَيْ الزَّوْجَانِ بِحُكْمِهِمَا، (أَوْ) لَمْ يَرْضَ (الْحَاكِمُ بِهِ) . (وَلَوْ كَانَا) أَيْ الْحَكَمَانِ مُقَامَيْنِ (مِنْ جِهَتِهِمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ فَهُوَ نَافِذٌ، وَلَوْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الزَّوْجَانِ أَوْ الْحَاكِمُ فَأَوْلَى إذَا أَقَامَهُمَا الْحَاكِمُ، (بِوَاحِدَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِطَلَّقَا. (وَلَا يَلْزَمُ) الزَّوْجَ (مَا زَادَ) عَلَى الْوَاحِدَةِ (إنْ أَوْقَعَا أَكْثَرَ) مِنْ وَاحِدَةٍ. (وَطَلَّقَا) بِمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ فَيُطَلَّقَانِ (بِلَا خُلْعٍ) ، أَيْ بِلَا مَالٍ يَأْخُذَانِهِ مِنْهَا لِلزَّوْجِ (إنْ أَسَاءَ) الزَّوْجُ، أَيْ إنْ كَانَتْ الْإِسَاءَةُ مِنْهُ، (وَبِهِ) أَيْ بِالْخُلْعِ (إنْ أَسَاءَتْ) أَيْ كَانَتْ الْإِسَاءَةُ مِنْهَا، (أَوْ يَأْتَمِنَاهُ عَلَيْهَا) بِلَا طَلَاقٍ، بِأَنْ يَأْمُرَاهُ بِالصَّبْرِ عَلَيْهَا وَعَدَمِ مُعَامَلَتِهَا بِالضَّرَرِ الْوَاقِعِ مِنْهَا إنْ اقْتَضَى النَّظَرُ وَالْمَصْلَحَةُ ذَلِكَ. (وَإِنْ أَسَاءَا مَعًا) أَيْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَضُرُّ بِصَاحِبِهِ (تَعَيَّنَ) الطَّلَاقُ بِلَا خُلْعٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِ إذَا لَمْ تَرْضَ بِالْمُقَامِ مَعَهُ. (وَجَازَ) الطَّلَاقُ (بِهِ) أَيْ بِالْخُلْعِ (بِالنَّظَرِ عِنْدَ غَيْرِهِمْ) أَيْ الْأَكْثَرِ وَهُمْ الْأَقَلُّ هَكَذَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ. وَاعْتُرِضَ عَلَى كَلَامِ الشَّيْخِ الَّذِي مُقْتَضَاهُ عَكْسُ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الزَّوْجَانِ أَوْ الْحَاكِمُ] : أَيْ أَوْ كَانَ الْحُكْمُ الَّذِي أَوْقَعَاهُ مُخَالِفًا لِمَذْهَبِهِ، إذْ لَا يُشْتَرَطُ مُوَافَقَتُهُمَا لَهُ فِي الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ مَا زَادَ] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمَا ابْتِدَاءُ إيقَاعِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، فَإِذَا أَوْقَعَاهُ فَلَا يَنْعَقِدُ مِنْهُ إلَّا وَاحِدَةٌ، لِأَنَّ الزَّائِدَ خَارِجٌ عَنْ مَعْنَى الْإِصْلَاحِ. قَوْلُهُ: [وَطَلَّقَا بِمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ] : إنْ قُلْت إنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يُفِيدُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَكَمَيْنِ الطَّلَاقُ ابْتِدَاءً وَهُوَ يُعَارِضُ مَا يَأْتِي لَهُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ مِنْ أَنَّ الْمُحَكَّمَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ فِي الطَّلَاقِ ابْتِدَاءً، فَإِنْ حَكَمَ مَضَى حُكْمُهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَا هُنَا الطَّلَاقُ لَيْسَ مَقْصُودًا بِالذَّاتِ مِنْ التَّحْكِيمِ، بَلْ أَمْرٌ جَرَّ إلَيْهِ الْحَالُ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ الْإِصْلَاحُ، فَلِذَا جَازَ لَهُمْ ابْتِدَاءُ الطَّلَاقِ، وَمَا يَأْتِي

اُنْظُرْ شَرْحَ الشَّبْرَخِيتِيِّ. (وَأَتَيَا الْحَاكِمَ) بَعْدَ حُكْمِهِمَا بِمَا اقْتَضَاهُ النَّظَرُ (فَأَخْبَرَاهُ وَنَفَّذَهُ) أَيْ نَفَّذَ حُكْمَهُمَا وُجُوبًا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَعَقُّبُهُ وَلَا نَقْضُهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ خَالَفَ مَذْهَبَهُ، وَفَائِدَتُهُ جَمْعُ الْكَلِمَةِ وَعَدَمُ الِاخْتِلَافِ. (وَلِلزَّوْجَيْنِ إقَامَةُ) حَكَمٍ (وَاحِدٍ) يَرْضَيَانِهِ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ لِلْحَاكِمِ (عَلَى الصِّفَةِ) الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ كَوْنِهِ عَدْلًا رَشِيدًا ذَكَرًا عَالِمًا بِذَلِكَ، وَيَنْفُذُ حُكْمُهُ وَلَوْ لَمْ يَرْضَيَا بِهِ فَأَوْلَى أَنَّ لَهُمَا إقَامَةَ حَكَمَيْنِ، بِخِلَافِ الْحَاكِمِ إذَا رَفَعَا إلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَعْثِ حَكَمَيْنِ إذَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ قَرِيبٌ مِنْ أَهْلِهِ، وَالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تُفِيدُ ذَلِكَ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: [فَابْعَثُوا] إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ الرَّفْعِ، وَأَنَّهُمَا إذَا رَضِيَا بِإِقَامَةِ وَاحِدٍ بِلَا رَفْعٍ كَفَى. (كَالْحَاكِمِ) لَهُ إقَامَةُ الْوَاحِدِ (وَالْوَلِيَّيْنِ) أَيْ وَلِيِّ الزَّوْجِ وَوَلِيِّ الزَّوْجَةِ حَيْثُ كَانَ الزَّوْجَانِ مَحْجُورَيْنِ لَهُمَا إقَامَةُ الْوَاحِدِ بِلَا رَفْعٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، (إنْ كَانَ) الْمُقَامُ (أَجْنَبِيًّا) مِنْ الزَّوْجَيْنِ، وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ إذَا كَانَ قَرِيبًا لَهُمَا مَعًا قَرَابَةً مُسْتَوِيَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ مِنْ التَّحْكِيمِ الطَّلَاقُ، فَلِذَا لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِ الْقَاضِي الْحُكْمُ فِيهِ ابْتِدَاءً. قَوْلُهُ: [اُنْظُرْ شَرْحَ الشَّبْرَخِيتِيِّ] : أَيْ فَإِنَّهُ قَالَ عِنْدَ قَوْلِ خَلِيلٍ: وَإِنْ أَسَاءَ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ الطَّلَاقُ بِلَا خُلْعٍ أَوْ لَهُمَا أَنْ يُخَالِعَا بِالنَّظَرِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ؟ تَأْوِيلَانِ لَمْ نَرَ فِي كَلَامِهِمْ رُجُوعًا، قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ لِلثَّانِي فَعَلَى الْمُصَنِّفِ تَقْدِيمُهُ لِأَوَّلِ التَّأْوِيلَيْنِ. قَوْلُهُ: [أَيْ نَفَّذَ حُكْمَهُمَا] بِأَنْ يَقُولَ حَكَمْت بِمَا حَكَمْتُمَا بِهِ، وَأَمَّا إنْ قَالَ نَفَّذْت مَا حَكَمْتُمَا بِهِ، فَلَا يُرْفَعُ الْخِلَافُ. قَوْلُهُ: [إقَامَةُ حَكَمٍ وَاحِدٍ] : أَيْ إنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُمَا مُسْتَوِي الْقَرَابَةِ أَوْ أَجْنَبِيًّا مِنْهُمَا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ] : ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي إقَامَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَالْحَاكِمِ، وَأَمَّا إقَامَةُ الزَّوْجَيْنِ مُحَكَّمًا فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِ الْخِلَافُ أَيْضًا كَمَا فِي الْبَدْرِ الْقَرَافِيِّ، وَلَكِنْ عَدَمُ الْجَوَازِ بِالنِّسْبَةِ لِلزَّوْجَيْنِ ضَعِيفٌ رَأَى الْمُصَنِّفُ ضَعْفَهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ لَهُ.

كَابْنِ عَمٍّ لَهُمَا أَوْ عَمٍّ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ وَلَا لِلْوَلِيَّيْنِ إقَامَةُ الْوَاحِدِ مُطْلَقًا. (وَلَهُمَا) أَيْ لِلزَّوْجَيْنِ (الْإِقْلَاعُ عَنْهُمَا) أَيْ عَنْ الْحَكَمَيْنِ، وَعَدَمُ الرِّضَا بِحُكْمِهِمَا، إنْ أَقَامَا حَكَمَيْنِ، أَوْ الْإِقْلَاعُ عَنْ الْوَاحِدِ إنْ أَقَامَا وَاحِدًا وَمَحَلُّ جَوَازِ الْإِقْلَاعِ (إنْ أَقَامَاهُمَا) مِنْ أَنْفُسِهِمَا بِلَا رَفْعٍ لِلْحَاكِمِ، (مَا لَمْ) : أَيْ مُدَّةَ كَوْنِ الْحَكَمَيْنِ الْمُقَامَيْنِ مِنْهُمَا لَمْ (يَسْتَوْعِبَا الْكَشْفَ) عَنْ حَالِهِمَا، (وَيَعْزِمَا عَلَى الْحُكْمِ) وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُمَا الْإِقْلَاعُ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ رَضِيَا بَعْدَ الْعَزْمِ عَلَى الْحُكْمِ بِالطَّلَاقِ بِالْبَقَاءِ وَالصُّلْحِ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: يَنْبَغِي إذَا رَضِيَا مَعًا بِالْبَقَاءِ أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَمَفْهُومُ إنْ أَقَامَاهُمَا أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مُوَجَّهَيْنِ مِنْ الْحَاكِمِ فَلَيْسَ لَهُمَا الْإِقْلَاعُ، وَلَوْ لَمْ يَسْتَوْعِبَا الْكَشْفَ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِعَدَمِ اخْتِيَارِهِمَا فِي إقَامَتِهِمَا. (وَإِنْ) حَكَمَا بِالطَّلَاقِ وَ (اخْتَلَفَا) أَيْ الْحَكَمَانِ (فِي الْمَالِ) أَيْ الْعِوَضِ. فَقَالَ أَحَدُهُمَا: بِعِوَضٍ، وَقَالَ الْآخَرُ: مَجَّانًا (فَإِنْ الْتَزَمَتْهُ) الْمَرْأَةُ فَظَاهِرٌ (وَإِلَّا) تَلْتَزِمَهُ (فَلَا طَلَاقَ) يَلْزَمُ الزَّوْجَ وَيَرْجِعُ الْحَالُ لِمَا كَانَ، لِأَنَّ الزَّوْجَ يَدَّعِي أَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَتِمَّ لِأَنَّ مَجْمُوعَ الْحَكَمَيْنِ بِمَنْزِلَةِ حَاكِمٍ وَاحِدٍ، وَلَا وُجُودَ لِلْمَجْمُوعِ عِنْدَ انْتِفَاءِ بَعْضِهِ فَقَوْلُهُ وَاخْتَلَفَا فِي الْمَالِ أَيْ فِي أَصْلِهِ، وَأَمَّا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ أَوْ صِفَتِهِ أَوْ نَوْعِهِ فَيَنْبَغِي الرُّجُوعُ إلَى خُلْعِ الْمِثْلِ، وَقَدْ تَمَّ الْخُلْعُ مَا لَمْ يَزِدْ خُلْعُ الْمِثْلِ عَلَى دَعْوَاهُمَا جَمِيعًا أَوْ يَنْقُصْ عَنْ دَعْوَى أَقَلِّهِمَا ذَكَرَهُ الْأُجْهُورِيُّ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى النِّكَاحِ، شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الطَّلَاقِ، وَبَدَأَ بِالْخُلْعِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ فِي النُّشُوزِ وَلِأَنَّ لَهُ أَحْكَامًا تَخُصُّهُ وَهِيَ قَلِيلَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِأَحْكَامِ غَيْرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ، فَقَدَّمَهَا لِيَتَفَرَّغَ مِنْهَا لِذِكْرِ أَحْكَامِ غَيْرِهِ فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ] إلَخْ: قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ وَمُفَادُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ اعْتِمَادُهُ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ] إلَخْ: أَيْ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: طَلَّقْت بِعَشَرَةٍ، وَقَالَ الْآخَرُ: بِثَمَانِيَةٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ صِفَتُهُ، أَيْ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: بِمَقْطَعٍ هِنْدِيٍّ، وَقَالَ الْآخَرُ: بِبَلَدِيٍّ، وَقَوْلُهُ أَوْ نَوْعُهُ أَيْ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: بِفَرَسٍ وَالْآخَرُ: بِبَعِيرٍ فَالْحُكْمُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ.

[فصل في الكلام على الخلع وما يتعلق به]

فَصْلٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْخُلْعِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَمَعْنَاهُ لُغَةً الْإِزَالَةُ وَالْإِعَانَةُ مِنْ خَلَعَ الرَّجُلُ ثَوْبَهُ أَزَالَهُ وَأَبَانَهُ، وَالزَّوْجَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا لِبَاسٌ لِصَاحِبِهِ قَالَ تَعَالَى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187] فَإِذَا فَارَقَهَا كَأَنَّهُ نَزَعَهَا مِنْهُ، وَلَمَّا كَانَ فِي نَظِيرِ عِوَضٍ نَاسَبَهُ أَنْ يُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ. وَحُكْمُهُ الْأَصْلِيُّ الْجَوَازُ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: (وَيَجُوزُ الْخُلْعُ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْخُلْعِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ] [مَعْنَى الخلع] فَصْلٌ وَأَرْكَانُهُ خَمْسَةٌ: الْقَابِلُ، وَالْمُوجِبُ، وَالْعِوَضُ، وَالْمُعَوَّضُ، وَالصِّيغَةُ؛ فَالْقَابِلُ: الْمُلْتَزَمُ لِلْعِوَضِ. وَالْمُوجِبُ: الزَّوْجُ أَوْ وَلِيُّهُ، وَالْعِوَضُ: الشَّيْءُ الْمُخَالَعُ بِهِ، وَالْمُعَوَّضُ: بُضْعُ الزَّوْجَةِ، وَالصِّيغَةُ: كَاخْتَلَعَتْ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ، فَالْمُرَادُ مِنْ الْخُلْعِ حَقِيقَتُهُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِتِلْكَ الْأَرْكَانِ. قَوْلُهُ: [وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ] : أَيْ وَهِيَ فُرُوعُهُ الْآتِيَةُ. قَوْلُهُ: قَالَ تَعَالَى {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ} [البقرة: 187] : تَسْمِيَةُ كُلٍّ لِبَاسًا لِصَاحِبِهِ فِيهِ اسْتِعَارَةٌ مُصَرِّحَةٌ، بِأَنْ شَبَّهَ السَّاتِرَ الْمَعْنَوِيَّ بِالسَّاتِرِ الْحِسِّيِّ، وَاسْتُعِيرَ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ اللِّبَاسُ، لِلْمُشَبَّهِ وَهُوَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ الْمُصَرِّحَةِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا مَانِعٌ لِلْقُبْحِ أَوْ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ الْمَلْزُومِ وَهُوَ اللِّبَاسُ، وَإِرَادَةِ اللَّازِمِ وَهُوَ السِّتْرُ. [حُكْمُ الْخُلْع] قَوْلُهُ: [يَجُوزُ الْخُلْعُ] : أَيْ جَوَازًا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ يُكْرَهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَصَّارِ، وَالْخِلَافُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْمُعَاوَضَةِ عَلَى الْعِصْمَةِ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ طَلَاقًا فَهُوَ مَكْرُوهٌ بِالنَّظَرِ لِأَصْلِهِ، أَوْ خِلَافِ الْأَوْلَى لِقَوْلِهِ

[أنواع الخلع]

وَهُوَ الطَّلَاقُ بِعِوَضٍ) : أَيْ فِي نَظِيرِ عِوَضٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَلَوْ زَادَ عَلَى الصَّدَاقِ بِأَضْعَافٍ إنْ كَانَ الْعِوَضُ مِنْهَا، بَلْ (وَإِنْ) كَانَ (مِنْ غَيْرِهَا) مِنْ وَلِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ. (أَوْ بِلَفْظِهِ) أَيْ الْخُلْعِ، وَ " أَوْ " لِلتَّنْوِيعِ: أَيْ أَنَّهُ نَوْعَانِ: الْأَوَّلُ وَهُوَ الْغَالِبُ مَا كَانَ فِي نَظِيرِ عِوَضٍ. وَالثَّانِي: مَا وَقَعَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي نَظِيرِ شَيْءٍ، كَأَنْ يَقُولَ لَهَا: خَالَعْتُكِ، أَوْ أَنْتِ مُخَالَعَةٌ. (وَهُوَ) : أَيْ الْخُلْعُ بِنَوْعَيْهِ طَلَاقٌ (بَائِنٌ لَا رَجْعَةَ فِيهِ) ، بَلْ لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ بِشُرُوطِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ، (وَإِنْ قَالَ) الزَّوْجُ حِينَ دَفَعَ الْعِوَضَ أَوْ حِينَ تَلَفَّظَ بِالْخُلْعِ طَلَّقْتُك طَلْقَةً (رَجْعِيَّةً) فَلَا يُفِيدُهُ وَيَقَعُ بَائِنًا، وَمِنْ لَوَازِمِ الْبَيْنُونَةِ سُقُوطُ النَّفَقَةِ وَالْإِرْثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» ، كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَهُوَ الطَّلَاقُ بِعِوَضٍ] : يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ بِعِوَضٍ أَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فَلَا يَحْتَاجُ لِحَوْزٍ كَالْعَطَايَا فَلَوْ أَحَالَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ فَمَاتَتْ أَوْ فَلَّسَتْ أَخَذَ مِنْ تَرِكَتِهَا وَأُتْبِعَتْ بِهِ. قَوْلُهُ: [بَلْ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا] : ظَاهِرُهُ جَوَازُهُ بِعِوَضٍ مِنْ غَيْرِهَا وَلَوْ قَصَدَ ذَلِكَ الْغَيْرُ إسْقَاطَ نَفَقَتِهَا عَنْ الزَّوْجِ فِي الْعِدَّةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَرُدُّ الْعِوَضَ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بَائِنًا، وَتَسْقُطُ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ، وَقِيلَ يُعَامَلُ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ فَيُرَدُّ الْعِوَضُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: طَلِّقْ امْرَأَتَك وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَفَعَلَ لَزِمَ الْأَلْفُ ذَلِكَ الرَّجُلَ. [أَنْوَاع الْخُلْع] قَوْلُهُ: [بِشُرُوطِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ] : أَيْ وَأَرْكَانِهِ وَالْمُرَادُ شُرُوطُ النِّكَاحِ وَأَرْكَانُهُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ.

[شرط باذل الخلع]

(وَشَرْطُ بَاذِلِهِ) : أَيْ الْعِوَضِ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (الرُّشْدُ) : فَلَا يَصِحُّ مِنْ سَفِيهٍ أَوْ صَغِيرٍ أَوْ رِقٍّ. (وَإِلَّا) بِأَنْ بَذَلَهُ غَيْرُ رَشِيدٍ (رَدَّ) الزَّوْجُ (الْمَالَ) الْمَبْذُولَ، (وَبَانَتْ) مِنْهُ (مَا لَمْ يُعَلِّقْ بِكَ: إنْ تَمَّ لِي) هَذَا الْمَالُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، (أَوْ) إنْ (صَحَّتْ بَرَاءَتُك فَطَالِقٌ) ، فَإِذَا رَدَّ الْوَلِيُّ أَوْ الْحَاكِمُ الْمَالَ مِنْ الزَّوْجِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَهُ لِرَشِيدَةٍ أَوْ رَشِيدٍ أَوْ قَالَهُ بَعْدَ صُدُورِ الطَّلَاقِ فَلَا يَنْفَعُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [شَرْط بَاذِل الخلع] قَوْلُهُ: [وَشَرْطُ بَاذِلِهِ] : أَيْ شَرْطُ صِحَّتِهِ بِدَلِيلِ التَّفْرِيعِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ مِنْ سَفِيهٍ] إلَخْ: الْمُنَاسِبُ فَلَا يَلْزَمُ، لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَنْظُرُ فِي فِعْلِ مَحْجُورِهِ فَإِنْ وَجَدَ فِيهِ الْمَصْلَحَةَ أَمْضَاهُ فَمُقْتَضَى نَظَرِهِ فِيهِ أَنَّهُ صَحِيحٌ غَيْرُ لَازِمٍ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَجْمُوعِ وَمِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ وَالْخَرَشِيِّ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ خَالَعَ مَحْجُورًا عَلَيْهَا سَفِيهَةً أَوْ غَيْرَهَا نَظَرَ الْوَلِيُّ (اهـ) . وَاخْتُلِفَ فِي لُزُومِ الْعِوَضِ لِلسَّفِيهَةِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا، وَلَوْ أَقَامَتْ أَعْوَامًا عِنْدَ زَوْجِهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّغِيرَةَ وَالسَّفِيهَةَ وَذَاتَ الرِّقِّ إنْ أَذِنَ لَهُنَّ الْوَلِيُّ وَالسَّيِّدُ لَزِمَ الْعِوَضُ وَلَا يَرُدُّهُ الزَّوْجُ إذَا قَبَضَهُ، وَأَمَّا إنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ بِدُونِ إذْنٍ فَلِلْوَلِيِّ وَالسَّيِّدِ رَدُّهُ، وَلَا تُتْبَعُ إنْ عَتَقَتْ وَبَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا، وَهَذَا فِي ذَاتِ الرِّقِّ الَّتِي يُنْتَزَعُ مَالُهَا أَمَّا غَيْرُهَا كَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فِي مَرَضِ السَّيِّدِ إذَا خَالَعَا وُقِفَ الْمَالُ، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ مَضَى الْخُلْعُ، وَإِنْ صَحَّ فَلَهُ إبْطَالُهُ وَرَدُّ الْمَالِ. وَتَبِينُ مِنْ زَوْجِهَا وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ إذَا خَالَعَتْ بِالْكَثِيرِ فَيُرَدُّ إنْ اُطُّلِعَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَدَائِهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِعَجْزِهَا، وَأَمَّا بِالْيَسِيرِ فَيُوقَفُ مَا خَالَعَتْ بِهِ، فَإِنْ عَجَزَتْ فَلَهُ إبْطَالُهُ وَرَدُّ الْمَالِ وَبَانَتْ، وَإِنْ أَدَّتْ صَحَّ وَلَزِمَ، وَأَمَّا الْمُعْتَقَةُ لِأَجَلٍ فَخُلْعُهَا صَحِيحٌ لَازِمٌ إنْ قَرُبَ الْأَجَلُ لَا إنْ بَعُدَ فَيَنْظُرُ فِيهِ السَّيِّدُ، وَأَمَّا الْمُبَعَّضَةُ فَإِنْ كَانَ بِمَالِهَا الَّذِي مَلَكَتْهُ بِبَعْضِهَا الْحُرِّ فَصَحِيحٌ لَازِمٌ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [أَوْ قَالَهُ بَعْدَ صُدُورِ الطَّلَاقِ] : أَيْ لِصَغِيرَةٍ أَوْ سَفِيهَةٍ أَوْ ذَاتِ رِقٍّ فَلَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلْبَرْزَلِيِّ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَنْفَعُهُ] : هَذَا ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِصُدُورِهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَهُ لِرَشِيدَةٍ فَقَدْ يَنْفَعُ كَمَا إذَا كَانَ مُضَارِرًا لَهَا، فَافْتَدَتْ مِنْهُ لِيُطَلِّقَهَا وَأَضْمَرَتْ أَنَّهَا

[ما يجوز به الخلع ونفقة المخالعة]

(وَجَازَ) الْخُلْعُ (مِنْ الْمُجْبِرِ) أَيًّا كَانَ، أَوْ سَيِّدًا أَوْ وَصِيًّا عَنْ مُجْبَرَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَلَوْ بِجَمِيعِ مَهْرِهَا، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ قَبْلَ الدُّخُولِ وَكَذَا بَعْدَهُ فِي السَّيِّدِ مُطْلَقًا. وَفِي الْأَبِ وَالْوَصِيِّ إذَا كَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ تَأَيَّمَتْ بِطَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ كَانَتْ مُجْبَرَةً لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ. وَجَعَلْنَا الْمُجْبِرَ شَامِلًا لِلْوَصِيِّ تَبَعًا لِبَعْضِهِمْ، لَكِنْ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ خُلْعُ الْوَصِيِّ إلَّا بِرِضَاهَا لِقَوْلِهِ فِيهَا: يَجُوزُ خُلْعُ الْوَصِيِّ عَنْ الْبِكْرِ بِرِضَاهَا، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُ الشَّيْخِ: " بِخِلَافِ الْوَصِيِّ " أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ خُلْعُهُ عَنْهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا صَحِيحٌ، وَاعْتِرَاضُ الشُّرَّاحِ عَلَيْهِ لَا يُسَلَّمُ فَتَأَمَّلْ. (لَا) يَجُوزُ الْخُلْعُ (مِنْ غَيْرِهِ) : أَيْ الْمُجْبِرِ مِنْ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ (إلَّا بِإِذْنٍ) مِنْهَا لَهُ فِيهِ. (وَفِي كَوْنِ السَّفِيهَةِ) ذَاتِ الْأَبِ الثَّيِّبِ الْبَالِغِ (كَالْمُجْبَرَةِ) يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يُخَالِعَ عَنْهَا مِنْ مَالِهَا بِدُونِ إذْنِهَا، أَوْ لَيْسَتْ كَالْمُجْبَرَةِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (خِلَافٌ) ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ: أَنَّ الْأَرْجَحَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَاهَا. (وَ) جَازَ الْخُلْعُ (بِالْغَرَرِ كَجَنِينٍ) بِبَطْنِ أَمَتِهَا أَوْ بَقَرَتِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQتُثْبِتُ الضَّرَرَ وَتَعُودُ عَلَيْهِ، فَلَوْ عَلَّقَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ حِينَئِذٍ، وَأَمَّا طَلَاقُ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ لِلضَّرَرِ فَحُكْمٌ آخَرُ. قَوْلُهُ: [وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ] إلَخْ: نَصُّ التَّوْضِيحِ فِي خُلْعِ الْأَبِ عَنْ السَّفِيهَةِ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ لِابْنِ الْعَطَّارِ وَابْنِ الْهِنْدِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُوَثَّقِينَ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِهَا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَابْنُ لُبَابَةَ جَرَتْ الْفَتْوَى مِنْ الشُّيُوخِ بِجَوَازِ ذَلِكَ، وَرَأَوْهَا بِمَنْزِلَةِ الْبِكْرِ مَا دَامَتْ فِي وِلَايَةِ الْأَبِ عَلَى الْمَشْهُورِ، اللَّخْمِيُّ وَهُوَ الْجَارِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ رَاشِدٍ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ، ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ أَصْلُ الْمَذْهَبِ (اهـ) . وَفِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا اُخْتُلِفَ فِي خُلْعِ الْوَصِيِّ عَنْهَا بِرِضَاهَا فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَالْقِيَاسُ الْمَنْعُ فِي الْجَمِيعِ (اهـ) مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. [مَا يَجُوز بِهِ الخلع وَنَفَقَة الْمُخَالَعَة] قَوْلُهُ: [كَجَنِينٍ] : فَإِذَا أَعْتَقَ الزَّوْجُ الْجَنِينَ الْمُخَالَعَ بِهِ شَرْعًا صَارَ حُرًّا بِبَطْنِ أُمِّهِ.

فَإِنْ انْفَشَّ الْحَمْلُ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَبَانَتْ، كَمَا لَوْ كَانَ الْجَنِينُ فِي مِلْكِ غَيْرِهَا، (وَآبِقٍ) فَإِنْ لَمْ يَظْفَرْ بِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَبَانَتْ (وَغَيْرِ مَوْصُوفٍ) مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ عَرْضٍ وَثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا، (وَلَهُ الْوَسَطُ مِنْهُ) : أَيْ مِنْ غَيْرِ الْمَوْصُوفِ لَا الْجَيِّدِ، وَلَا الدَّنِيءِ مِنْ جِنْسِ مَا خَالَعَتْهُ بِهِ، فَإِذَا وَقَعَ عَلَى عَبْدٍ أَوْ بَعِيرٍ فَلَهُ الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ. (وَ) جَازَ الْخُلْعُ (بِنَفَقَةِ حَمْلٍ) : أَيْ بِنَفَقَتِهَا عَلَى نَفْسِهَا مُدَّةَ حَمْلِهَا (إنْ كَانَ) حَمْلٌ: أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ، وَأَوْلَى الْحَمْلُ الظَّاهِرُ (وَبِالْإِنْفَاقِ عَلَى وَلَدِهَا) مِنْهُ (أَوْ مَا تَلِدُهُ) مِنْ الْحَمْلِ (مُدَّةَ الرَّضَاعِ) عَامَيْنِ (وَأَكْثَرَ) . (وَلَا تَسْقُطُ بِهِ) أَيْ بِخُلْعِهَا عَلَى نَفَقَةِ مَا تَلِدُهُ مِنْ الْحَمْلِ (نَفَقَةُ الْحَمْلِ عَلَى الْأَصَحِّ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: لَهَا نَفَقَةُ الْحَمْلِ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ أَسْقَطَتْ أَحَدَهُمَا عَنْهُ فِي نَظِيرِ الْخُلْعِ فَيَبْقَى الْآخَرُ، وَقَالَ الْإِمَامُ: إذَا خَالَعَهَا بِنَفَقَةِ مَا تَلِدُهُ اسْتَلْزَمَ ذَلِكَ سُقُوطَ نَفَقَةِ الْحَمْلِ، وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ فَلَا نَفَقَةَ لِلْحَمْلِ، وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ. (كَالْعَكْسِ) أَيْ إذَا خَالَعَهَا عَلَى إسْقَاطِ نَفَقَةِ الْحَمْلِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ نَفَقَةُ الرَّضَاعِ، (أَوْ) بِالْإِنْفَاقِ (عَلَى الزَّوْجِ) الْمُخَالِعِ لَهَا (أَوْ) عَلَى (غَيْرِهِ) قَرِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ مُنْفَرِدَةً عَنْ نَفَقَةِ رَضَاعٍ بَلْ (وَإِنْ) كَانَتْ (مَعَ) نَفَقَةِ (الْإِرْضَاعِ) لِوَلَدِهَا مِنْهُ مُدَّةَ الرَّضَاعِ أَوْ أَكْثَرَ. (فَإِنْ مَاتَتْ) الْمَرْأَةُ (أَوْ انْقَطَعَ لَبَنُهَا أَوْ وَلَدَتْ أَكْثَرَ مِنْ وَلَدٍ) فِي بَطْنٍ (فَعَلَيْهَا) النَّفَقَةُ، وَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهَا فِي مَوْتِهَا. (وَإِنْ أَعْسَرَتْ) الْمَرْأَةُ (أَنْفَقَ الْأَبُ) عَلَى وَلَدِهِ الْمُدَّةَ الْمُشْتَرَطَةَ، (وَرَجَعَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَمَا كَانَ الْجَنِينُ] إلَخْ: تَشْبِيهٌ فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ وَلَا شَيْءَ لَهُ وَظَاهِرُهُ كَانَ عَالِمًا أَنَّهُ مِلْكٌ لِلْغَيْرِ أَوْ لَا وَلَكِنَّهُ يَجْرِي عَلَى مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَغَيْرُ مَوْصُوفٍ] : وَيَدْخُلُ فِيهِ اللُّؤْلُؤُ. قَوْلُهُ: [أَيْ بِنَفَقَتِهَا عَلَى نَفْسِهَا] : فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ نَفَقَةُ الْحَمْلِ أَيْ نَفَقَةُ أُمِّ الْحَمْلِ. قَوْلُهُ: [وَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهَا فِي مَوْتِهَا] : أَيْ يُؤْخَذُ مَا يَفِي بِرَضَاعِهِ فِي بَقِيَّةِ الْحَوْلَيْنِ وَلَوْ اسْتَغْرَقَ جَمِيعَ التَّرِكَةِ، فَإِنَّ الدَّيْنَ يُقَدَّمُ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ.

عَلَيْهَا إذَا أَيْسَرَتْ. (وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ أَوْ غَيْرُهُ) مِنْ زَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ (رَجَعَ الْوَارِثُ عَلَيْهَا) : أَيْ عَلَى الْمَرْأَةِ (بِبَقِيَّةِ) نَفَقَةِ (الْمُدَّةِ) الْمُشْتَرَطَةِ (إلَّا لِعُرْفٍ) أَوْ شَرْطٍ فَيُعْمَلُ بِهِ. (وَ) جَازَ الْخُلْعُ (بِإِسْقَاطِ حَضَانَتِهَا) لِوَلَدِهِ وَيَنْتَقِلُ الْمُحَقُّ لَهُ وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا غَيْرُهُ قَبْلَهُ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَلَكِنَّ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ وَبِهِ الْفَتْوَى انْتِقَالُهَا لِمَنْ يَلِيهَا فِي الرُّتْبَةِ. (وَ) جَازَ الْخُلْعُ (مَعَ الْبَيْعِ) كَأَنْ تَدْفَعَ لَهُ عَبْدًا عَلَى أَنْ يُخَالِعَهَا وَيَدْفَعَ لَهَا عَشَرَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا لِعُرْفٍ أَوْ شَرْطٍ] : أَيْ يُقَدَّمُ الشَّرْطُ عَلَى الْعُرْفِ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا. قَوْلُهُ: [وَيَنْتَقِلُ الْحَقُّ لَهُ] : هَذَا مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يُخْشَى عَلَى الْمَحْضُونِ ضَرَرٌ. إمَّا لِعُلُوقِ قَلْبِهِ بِأُمِّهِ، أَوْ لِكَوْنِ مَكَانِ الْأَبِ غَيْرَ حَصِينٍ وَإِلَّا فَلَا تَسْقُطُ الْحَضَانَةُ اتِّفَاقًا وَيَقَعُ الطَّلَاقُ، وَإِذَا خَالَعَتْهُ عَلَى إسْقَاطِ الْحَضَانَةِ وَمَاتَ الْأَبُ، فَهَلْ تَعُودُ الْحَضَانَةُ لِلْأُمِّ؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ تَنْتَقِلُ لِمَنْ بَعْدَهَا لِإِسْقَاطِ حَقِّهَا؟ وَانْظُرْ إذَا مَاتَتْ الْأُمُّ أَوْ تَلَبَّسَتْ بِمَانِعٍ، هَلْ تَعُودُ الْحَضَانَةُ لِمَنْ بَعْدَهَا قِيَاسًا عَلَى مَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي وَقْفٍ لِأَجْنَبِيٍّ، ثُمَّ مَاتَ فَيَعُودُ لِمَنْ بَعْدَهُ مِمَّنْ رَتَّبَهُ الْوَاقِفُ، أَوْ تَسْتَمِرُّ لِلْأَبِ؟ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمْعٍ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا ثَبَتَتْ لَهُ بِوَجْهٍ جَائِزٍ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَكِنَّ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ] إلَخْ: هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ أَصْلُهُ لِ (بْن) ، وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافٍ آخَرَ؛ حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ تَرَكَ حَقَّهُ فِي الْحَضَانَةِ إلَى مَنْ هُوَ فِي ثَالِثِ دَرَجَةٍ مَثَلًا، هَلْ لِلثَّانِي قِيَامٌ أَوْ لَا قِيَامَ لَهُ؟ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ لَهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُسْقِطِ، وَشَمِلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ؛ وَبِإِسْقَاطِ حَضَانَتِهَا لِوَلَدِهِ الْوَلَدَ الْحَاصِلَ، وَمَنْ سَيَحْصُلُ فَيَلْزَمُهَا خُلْعُهَا عَلَى إسْقَاطِ حَضَانَتِهَا لِحَمْلٍ بِهَا كَمَا قَالَهُ (ح) ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ إسْقَاطِ الشَّيْءِ قَبْلَ وُجُوبِهِ لِجَرَيَانِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْحَمْلُ. قَوْلُهُ: [عَلَى أَنْ يُخَالِعَهَا وَيَدْفَعَ لَهَا عَشْرَةً] : أَيْ فَالْعَبْدُ نِصْفُهُ فِي مُقَابَلَةِ الْعَشَرَةِ وَهُوَ بَيْعٌ، وَنِصْفُهُ فِي مُقَابَلَةِ الْعِصْمَةِ وَهُوَ خُلْعٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ

[رد الرديء واستحقاق المال في الخلع]

(وَ) لَوْ خَالَعَتْهُ بِمَالٍ لِأَجَلٍ مَجْهُولٍ (عَجَّلَ الْمُؤَجَّلَ بِمَجْهُولٍ) فَيَأْخُذُهُ مِنْهَا حَالًّا، وَالْخُلْعُ صَحِيحٌ. (وَلَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (رَدُّ) شَيْءٍ (رَدِيءٍ) وَجَدَهُ فِي الْمَالِ الَّذِي خَالَعَتْهُ بِهِ لِيَأْخُذَ بَدَلَهُ مِنْهَا، سَوَاءٌ كَانَ دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرَهَا (إلَّا لِشَرْطٍ) بِأَنْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ عَدَمَ رَدِّ الرَّدِيءِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ عَمَلًا بِالشَّرْطِ. (وَإِنْ اُسْتُحِقَّ) مِنْ يَدِ الزَّوْجِ (مُقَوَّمٌ مُعَيَّنٌ) خَالَعَتْهُ بِهِ كَثَوْبٍ مُعَيَّنٍ أَوْ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ (فَقِيمَتُهُ) يَرْجِعُ بِهَا عَلَيْهَا. (وَإِلَّا) بِأَنْ خَالَعَتْهُ بِمِثْلِيٍّ أَوْ مُقَوَّمٍ مَوْصُوفٍ كَثَوْبٍ صِفَتُهُ كَذَا فَاسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ، (فَمِثْلُهُ) يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهَا. (إلَّا أَنْ يَعْلَمَ) الزَّوْجُ حِينَ الْخُلْعِ بِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ مَا خَالَعَتْهُ بِهِ وَخَالَعَهَا عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQتَزِيدُ عَلَى مَا دَفَعَهُ الزَّوْجُ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ تُسَاوِي أَوْ تَنْقُصُ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بَائِنًا لِأَنَّهُ طَلَاقٌ قَارَنَهُ عِوَضٌ فِي الْجُمْلَةِ وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ، وَبِهِ الْقَضَاءُ كَمَا قَالَ الْمُتَيْطِيُّ لَا رَجْعِيًّا كَمَنْ طَلَّقَ وَأَعْطَى خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ. [رد الرَّدِيء وَاسْتِحْقَاق الْمَال فِي الخلع] قَوْلُهُ: [وَلَوْ خَالَعَتْهُ بِمَالٍ] إلَخْ: أَيْ فَالْمَالُ مَعْلُومٌ قَدْرُهُ وَالْأَجَلُ مَجْهُولٌ كَمَا إذَا خَالَعَتْهُ عَلَى عَشْرَةٍ دَفَعَهَا لَهُ يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ، وَكَانَ يَوْمَ قُدُومِهِ مَجْهُولًا، فَالْخُلْعُ لَازِمٌ وَيَلْزَمُهَا أَنْ تُعَجِّلَ لَهُ الْعَشَرَةَ حَالًّا، وَتُؤُوِّلَتْ الْمُدَوَّنَةُ أَيْضًا عَلَى تَعْجِيلِ قِيمَةِ ذَلِكَ الْمَجْهُولِ، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ إذْ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، لِأَنَّ الْمَالَ فِي نَفْسِهِ حَلَالٌ، وَكَوْنُهُ لِأَجَلٍ مَجْهُولٍ حَرَامٌ، فَيَبْطُلُ الْحَرَامُ وَيُعَجَّلُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ كَقِيمَةِ السِّلْعَةِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الزَّوْجُ] إلَخْ: حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الصُّوَرَ ثَمَانٍ وَهُوَ مَا إذَا عَلِمَا مَعًا أَنَّهُ مِلْكٌ لِلْغَيْرِ، أَوْ جَهِلَا مَعًا، أَوْ عَلِمَتْ هِيَ دُونَهُ، أَوْ عَلِمَ هُوَ دُونَهَا، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَا اسْتَحَقَّ مُعَيَّنًا أَوْ مَوْصُوفًا، وَيَلْحَقُ بِهِ الْمِثْلِيُّ، فَإِنْ عَلِمَا مَعًا أَوْ عَلِمَ دُونَهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ وَبَانَتْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ مُعَيَّنًا أَوْ مَوْصُوفًا، وَإِنْ جَهِلَا مَعًا رَجَعَ بِالْقِيمَةِ فِي الْمُقَوَّمِ وَبِالْمِثْلِ فِي الْمَوْصُوفِ وَالْمِثْلِيِّ، وَإِنْ عَلِمَتْ دُونَهُ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فَلَا خُلْعَ، وَإِنْ كَانَ مَوْصُوفًا رَجَعَ بِمِثْلِهِ كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ بْن، وَبِهَذَا تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْإِجْمَالِ.

(فَلَا شَيْءَ لَهُ) وَبَانَتْ. (كَالْحَرَامِ) : فَإِنَّهُ يُرَدُّ أَنَّهُ إذَا خَالَعَهَا بِشَيْءٍ حَرَامٍ (مِنْ كَخَمْرٍ) وَخِنْزِيرٍ وَمَغْصُوبٍ وَمَسْرُوقٍ عَلِمَ بِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا وَبَانَتْ، (وَأُرِيقَ) الْخَمْرُ وَقُتِلَ الْخِنْزِيرُ وَيُرَدُّ الْمَغْصُوبُ أَوْ الْمَسْرُوقُ لِرَبِّهِ. (وَكَتَأْخِيرِهَا دَيْنًا عَلَيْهِ) فِي نَطِرْ خُلْعِهَا، وَقَدْ حَلَّ أَجَلُهُ، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْحَالِ سَلَفٌ وَقَدْ جَرَّ لَهَا نَفْعًا وَهُوَ خَلَاصُ عِصْمَتِهَا مِنْهُ، وَتَأْخُذُ مِنْهُ الدَّيْنَ حَالًّا. (أَوْ تَعْجِيلِ مَا) أَيْ دَيْنٍ لَهَا عَلَيْهِ لِأَجَلٍ (لَمْ يَجِبْ) عَلَيْهَا (قَبُولُهُ) قَبْلَ أَجَلِهِ، بِأَنْ كَانَ طَعَامًا أَوْ عَرْضًا مِنْ بَيْعٍ فَيُرَدُّ التَّعْجِيلُ، وَيَبْقَى إلَى أَجَلِهِ وَبَانَتْ لِمَا فِيهِ مِنْ حَطِّ الضَّمَانِ عَنْهُ عَلَى أَنْ زَادَهَا حَلَّ الْعِصْمَةِ. (أَوْ) خَالَعَهَا عَلَى (خُرُوجِهَا مِنْ الْمَسْكَنِ) الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ فَيُرَدُّ بِرُجُوعِهَا لَهُ، لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ لَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأُرِيقَ الْخَمْرُ] : وَلَا تُكْسَرُ أَوَانِيهِ لِأَنَّهَا تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ. قَوْلُهُ: [وَقُتِلَ الْخِنْزِيرُ] : أَيْ عَلَى مَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقِيلَ إنَّهُ يُسَرَّحُ. قَوْلُهُ: [وَيُرَدُّ الْمَغْصُوبُ أَوْ الْمَسْرُوقُ لِرَبِّهِ] : أَيْ وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَةَ شَيْءٌ بَدَلَ ذَلِكَ كُلِّهِ إذَا كَانَ الزَّوْجُ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ عَلِمَتْ هِيَ أَمْ لَا، أَمَّا لَوْ عَلِمَتْ هِيَ بِالْحُرْمَةِ دُونَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْخُلْعُ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ جَهِلَا مَعًا الْحُرْمَةَ فَفِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ وَتَبِينُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْمَغْصُوبُ وَالْمَسْرُوقُ فَكَالْمُسْتَحَقِّ يُرْجَعُ عَلَيْهَا بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا وَبِمِثْلِهِ إنْ كَانَ مَوْصُوفًا أَوْ مِثْلِيًّا. قَوْلُهُ: [وَكَتَأْخِيرِهَا دَيْنًا عَلَيْهِ] : وَمِثْلُهُ تَعْجِيلُهَا دَيْنًا عَلَيْهَا لَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَبُولٌ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْحَالِ سَلَفٌ] : أَيْ لِأَنَّ مَنْ أَخَّرَ مَا عَجَّلَ يُعَدُّ مُسَلِّفًا. قَوْلُهُ: [مِنْ بَيْعٍ] : يُحْتَرَزُ عَمَّا إذَا كَانَ الطَّعَامُ أَوْ الْعَرْضُ مِنْ قَرْضٍ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا قَبُولُهَا قَبْلَ الْأَجَلِ كَالْعَيْنِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْأَجَلَ فِيهَا مِنْ حَقِّ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الرِّبَوِيَّاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(وَبَانَتْ) رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا. (كَإِعْطَائِهِ) أَيْ الزَّوْجِ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ أَيْ أَعْطَتْهُ هِيَ أَوْ غَيْرُهَا (مَالًا فِي عِدَّةِ) الطَّلَاقِ (الرَّجْعِيِّ عَلَى نَفْيِهَا) : أَيْ الرَّجْعَةِ، (فَقَبِلَ) الزَّوْجُ ذَلِكَ الْمَالَ عَلَى ذَلِكَ فَيَقَعُ عَلَيْهِ طَلْقَةٌ أُخْرَى بَائِنَةٌ اتِّفَاقًا، إنْ كَانَ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَعَلَى الْمَشْهُورِ إنْ كَانَ عَلَى أَنْ لَا يَرْتَجِعَهَا، وَقَالَ أَشْهَبُ: لَهُ رَجْعَتُهَا وَرَدُّ الْمَالِ ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي كُلٍّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ. وَبِالْجُمْلَةِ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى وُقُوعِ طَلْقَةٍ أُخْرَى بَائِنَةٍ. (وَكَبَيْعِهَا أَوْ تَزْوِيجِهَا) فَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَيْ: إنَّ مَنْ بَاعَ زَوْجَتَهُ أَوْ زَوْجَهَا لِغَيْرِهِ فِي زَمَنِ مَجَاعَةٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ بَائِنًا إذَا كَانَ جِدًّا لَا هَزْلًا قَالَهُ - الْمُتَيْطِيُّ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ بَاعَ امْرَأَتَهُ أَوْ زَوْجَهَا هَازِلًا فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي كُلٍّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ] : هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِمَا عَلِمْت مِنْ الْعِبَارَةِ الْأُولَى. قَوْلُهُ: [وَبِالْجُمْلَةِ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ] : وَذَلِكَ لِأَنَّ عَدَمَ الِارْتِجَاعِ الَّذِي قَبِلَ الْمَالَ لِأَجْلِهِ مَلْزُومٌ لِلطَّلَاقِ الْبَائِنِ، فَالطَّلَاقُ الَّذِي أَنْشَأَهُ الْآنَ بِقَبُولِ الْمَالِ غَيْرُ الطَّلَاقِ الَّذِي حَصَلَ مِنْهُ أَوَّلًا، إذْ الْحَاصِلُ أَوَّلًا رَجْعِيٌّ وَهَذَا الَّذِي أَنْشَأَهُ بِقَبُولِ الْمَالِ بَائِنٌ، وَعَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهَا تَبِينُ بِالْأُولَى فَتَنْقَلِبُ الْأُولَى بَائِنًا، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَلْزَمُهُ بِقَبُولِ الْمَالِ شَيْءٌ وَلَهُ الرَّجْعَةُ وَيَرُدُّ مَالَهَا، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ. إنْ قُلْت هُوَ ظَاهِرٌ إنْ وَقَعَ الْقَبُولُ بِاللَّفْظِ، بِأَنْ قَالَ قَبِلْت هَذَا الْمَالَ عَلَى عَدَمِ الرَّجْعَةِ، وَأَمَّا الْقَبُولُ بِغَيْرِ اللَّفْظِ بِأَنْ أَخَذَ الْمَالَ وَسَكَتَ فَهُوَ مُشْكِلٌ إذْ كَيْفَ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ اللَّفْظِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَا يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْقَبُولِ كَالسُّكُوتِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ اللَّفْظِ، وَسَيَأْتِي أَنَّهَا تَكْفِي الْمُعْطَاةَ إنْ قَصَدَ بِهَا ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [إذَا كَانَ جِدًّا] : أَيْ لَوْ كَانَ جَاهِلًا بِالْحُكْمِ وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ، وَمِثْلُ بَيْعِهِ لَهَا وَتَزْوِيجِهِ مَا لَوْ بَاعَهَا إنْسَانٌ أَوْ زَوَّجَهَا بِحَضْرَةِ الزَّوْجِ وَهُوَ سَاكِتٌ، فَإِنَّهَا تَبِينُ أَيْضًا، وَأَمَّا إنْ أَنْكَرَ فَلَا تَبِينُ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ.

[موجب الخلع]

شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ. فَقَوْلُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ: " وَلَوْ هَازِلًا " ضَعِيفٌ. (وَ) يَقَعُ الطَّلَاقُ بَائِنًا (بِكُلِّ طَلَاقٍ حُكِمَ بِهِ) : أَيْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ، (إلَّا) إذَا حُكِمَ بِهِ (لِإِيلَاءٍ أَوْ عُسْرٍ بِنَفَقَةٍ) فَرَجْعِيٌّ، فَإِنْ أَيْسَرَ فِي الْعِدَّةِ فَلَهُ رَجْعَتُهَا. كَمَا أَنَّ الْمَوْلَى لَهُ رَجْعَتُهَا وَوَطْؤُهَا فِي الْعِدَّةِ. (لَا إنْ طَلَّقَ) زَوْجَتَهُ (وَأَعْطَى) لَهَا مَالًا مِنْ عِنْدِهِ فَلَيْسَ بِخُلْعٍ، بَلْ هُوَ رَجْعِيٌّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ طَلَّقَ وَأَعْطَى لِزَوْجَتِهِ الْمُتْعَةَ، (أَوْ شُرِطَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَيَشْمَلُ الشَّرْطَ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا، أَيْ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ رَجْعِيًّا وَشُرِطَ عَلَيْهِ (نَفْيُ الرَّجْعَةِ) مِنْ غَيْرِ إعْطَاءِ مَالٍ فَإِنَّهُ يَسْتَمِرُّ عَلَى أَنَّهُ رَجْعِيٌّ، وَلَا تَبِينُ بِذَلِكَ. [مُوجِب الخلع] (وَمُوجِبُهُ) بِكَسْرِ الْجِيمِ: أَيْ مُوقِعُهُ وَمُثْبِتُهُ (زَوْجٌ) لَا غَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا عَنْهُ (مُكَلَّفٌ) ، لَا صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ، (وَلَوْ) كَانَ الزَّوْجُ (سَفِيهًا) أَوْ عَبْدًا لِأَنَّ الْعِصْمَةَ بِيَدِهِ، وَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فِيهِ. (أَوْ وَلِيُّ غَيْرِهِ) : أَيْ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ مِنْ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا لِلزَّوْجَةِ، أَوْ سَيِّدًا أَوْ وَصِيًّا أَوْ حَاكِمًا أَوْ مُقَامًا مِنْ جِهَتِهِ، إذَا كَانَ الْخُلْعُ مِنْهُ (لِنَظَرٍ) : أَيْ مَصْلَحَةٍ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يُطَلِّقَ الْوَلِيُّ عَلَيْهِمَا بِلَا عِوَضٍ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَصْلَحَةٍ إذْ قَدْ يَكُونُ فِي بَقَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [ضَعِيفٌ] : أَيْ لِقَوْلِ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ إذَا كَانَ هَازِلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا بَاعَهَا أَوْ زَوَّجَهَا غَيْرَ هَازِلٍ وَحَيْثُ قُلْتُمْ بِبَيْنُونَتِهَا فِي الْبَيْعِ وَالتَّزْوِيجِ فَيَنْكُلُ فَاعِلُ ذَلِكَ نَكَالًا شَدِيدًا، وَلَا يُمْكِنُ مَنْ تَزَوَّجَهَا وَلَا مَنْ تَزَوَّجَ غَيْرَهَا حَتَّى تُعْرَفَ تَوْبَتُهُ مَخَافَةَ أَنْ يَعُودَ ثَانِيًا. [وُقُوع الطَّلَاق الْبَائِن بالخلع] قَوْلُهُ: [وَمُوجِبُهُ] إلَخْ: أَيْ طَلَاقِ الْخُلْعِ وَلَيْسَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا لِلْعِوَضِ، لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يُوجِبُ الْعِوَضَ وَإِنَّمَا الَّذِي يُوجِبُهُ مُلْتَزَمُهُ زَوْجَةً أَوْ غَيْرَهَا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ سَفِيهًا] : رُدَّ بِلَوْ عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ طَلَاقِ الْخُلْعِ مِنْ السَّفِيهِ. قَوْلُهُ: [إذَا كَانَ الْخُلْعُ مِنْهُ] : الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْوَلِيِّ فَهُوَ قَيْدٌ فِيهِ. قَوْلُهُ: [وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ.

[خلع المريض]

الْعِصْمَةِ فَسَادٌ لِأَمْرٍ ظَهَرَ أَوْ حَدَثٍ. (لَا أَبُ سَفِيهٍ) فَلَا يُخَالِعُ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، (وَ) لَا (سَيِّدُ) عَبْدٍ (بَالِغٍ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِ الزَّوْجِ الْمُكَلَّفِ وَلَوْ سَفِيهًا أَوْ عَبْدًا، لَا بِيَدِ الْأَبِ وَالسَّيِّدِ فَأَوْلَى غَيْرُهُمَا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ كَالْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ. (وَنَفَذَ خُلْعُ الْمَرِيضِ) مَرَضًا مَخُوفًا وَهُوَ مَا الشَّأْنُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا فِي الْمَوْتِ، لَا نَحْوَ رَمَدٍ أَوْ خَفِيفِ صُدَاعٍ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَنَفَذَ " إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إخْرَاجِ وَارِثٍ. (وَتَرِثُهُ) زَوْجَتُهُ الْمُخَالَعَةُ فِي مَرَضِهِ إنْ مَاتَ مِنْهُ، وَلَوْ خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ وَتَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ (دُونَهَا) : أَيْ فَلَا يَرِثُهَا هُوَ إنْ مَاتَتْ فِي مَرَضِهِ قَبْلَهُ، وَلَوْ كَانَتْ مَرِيضَةً حَالَ الْخُلْعِ أَيْضًا لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَسْقَطَ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ، (كَكُلِّ مُطَلَّقَةٍ بِمَرَضِ مَوْتٍ) : أَيْ مَخُوفٍ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ إنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ دُونَ أَنْ يَرِثَهَا، وَلَوْ كَانَتْ مَرِيضَةً أَيْضًا، (وَلَوْ أَحْنَثَتْهُ فِيهِ) : أَيْ فِي الْمَرَضِ تَعَمُّدًا مِنْهَا كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَدَخَلَتْهَا قَاصِدَةً حِنْثَهُ فَتَرِثُهُ دُونَهَا. (أَوْ) وَلَوْ (أَسْلَمَتْ) زَوْجَتُهُ الْكِتَابِيَّةُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، (أَوْ عَتَقَتْ) زَوْجَتُهُ الْأَمَةُ (فِيهِ) : أَيْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، فَإِنَّهَا تَرِثُهُ دُونَهَا، (أَوْ) وَلَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بَالِغٍ] : حَذَفَهُ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ بِدَلِيلِ تَعْلِيلِ الشَّارِحِ. [خُلْعُ الْمَرِيضِ] قَوْلُهُ: [وَتَرِثُهُ زَوْجَتُهُ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَمُقَابِلُهُ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ عَدَمِ إرْثِهَا لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ لِكَوْنِهَا طَالِبَةً لِلْفِرَاقِ. قَوْلُهُ: [أَيْ فَلَا يَرِثُهَا هُوَ] : أَيْ وَلَوْ مَاتَتْ يَوْمَ الْخُلْعِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَائِنٌ. قَوْلُهُ: [دُونَ أَنْ يَرِثَهَا] : أَيْ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ أَوْ الرَّجْعِيِّ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْهُ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ أَحْنَثَتْهُ فِيهِ] : أَيْ فَلَا يَرِثُهَا فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ أَوْ الرَّجْعِيِّ إنْ مَاتَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَوْ كَانَ تَعْلِيقُهُ الطَّلَاقَ فِي الصِّحَّةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ وَلَوْ أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ الْكِتَابِيَّةُ] إلَخْ: أَيْ الْمُطَلَّقَةُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْمَرَضِ أَوْ الْمُحْنِثَةُ لَهُ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ.

خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ وَ (تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ) وَلَوْ أَزْوَاجًا (وَوَرِثَتْ أَزْوَاجًا) كَثِيرَةً كُلٌّ مِنْهُمْ طَلَّقَهَا بِمَرَضِ مَوْتِهِ. (وَالْإِقْرَارُ بِهِ) أَيْ بِالطَّلَاقِ (فِيهِ) : أَيْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ بِأَنْ أَخْبَرَ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ كَانَ طَلَّقَهَا سَابِقًا (كَإِنْشَائِهِ) فِي مَرَضِهِ فَتَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا إنْ كَانَ طَلَّقَهَا بَائِنًا عَلَى دَعْوَاهُ، أَوْ رَجْعِيًّا وَخَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ عَلَى دَعْوَاهُ، وَإِلَّا وَرِثَهَا أَيْضًا، وَلَا عِبْرَةَ بِإِسْنَادِهِ الطَّلَاقَ لِزَمَنِ صِحَّتِهِ. (وَالْعِدَّةُ) تَبْدَأُ (مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ) بِالطَّلَاقِ لَا مِنْ الْيَوْمِ الَّذِي أُسْنِدَ إلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ بِمُقْتَضَى إقْرَارِهِ، وَإِلَّا عُمِلَ بِهَا، وَالْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ أَرَّخَتْهُ الْبَيِّنَةُ وَلَا إرْثَ إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ عَلَى مُقْتَضَى تَارِيخِهَا أَوْ كَانَ بَائِنًا (وَإِنَّمَا يَنْقَطِعُ إرْثُهَا مِنْهُ بِصِحَّةٍ) مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ (بِبَيِّنَةٍ) أَيْ ظَاهِرَةٍ. (وَلَا يَجُوزُ خُلْعُ) الزَّوْجَةِ (الْمَرِيضَةِ) مَرَضًا مَخُوفًا أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا أَنْ تُخَالِعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ وَلَوْ خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ] : مُبَالَغَةٌ فِي إرْثِهَا. قَوْلُهُ: [وَوَرِثَتْ أَزْوَاجًا كَثِيرَةً] : مِنْ ذَلِكَ اللُّغْزِ الْمَشْهُورِ، امْرَأَةٌ وَرِثَتْ ثَلَاثَةَ أَزْوَاجٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَطِئَهَا اثْنَانِ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَتُصَوَّرُ بِمَرْأَةٍ كَانَتْ فِي عِصْمَةِ مَرِيضٍ فَطَلَّقَهَا فِي الْمَرَضِ، فَوَفَّتْ الْعِدَّةَ قَبْلَ مَوْتِهِ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِآخَرَ فَحَمَلَتْ مِنْهُ، فَفِي يَوْمِ وَضْعِ حَمْلِهَا وَطِئَهَا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْوَضْعِ، فَوَضَعَتْ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَعَقَدَ عَلَيْهَا شَخْصٌ فِيهِ وَوَطِئَهَا وَمَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ هُوَ وَالْمَرِيضُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا مَا لَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ] : أَيْ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ طَلَّقَهَا مُنْذُ سَنَةٍ أَوْ شَهْرٍ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَيُعْمَلُ عَلَى مَا أَرَّخَتْ، وَأَمَّا لَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمَرِيضِ بِأَنَّهُ طَلَّقَ فِي زَمَانٍ سَابِقٍ عَلَى مَرَضِهِ بِحَيْثُ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا وَهُوَ يُنْكِرُ ذَلِكَ، فَكَإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ لَا يُعْتَبَرُ تَارِيخُ الْبَيِّنَةِ فَتَرِثُهُ إنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ، وَلَوْ طَالَ وَتَزَوَّجَتْ أَزْوَاجًا، وَابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ مِنْ يَوْمِ الشَّهَادَةِ، وَقِيلَ مِنْ تَارِيخِ الْبَيِّنَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: [بِصِحَّةٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ] إلَخْ: أَيْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، أَوْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَإِنْ لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ.

زَوْجَهَا، وَكَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ لِإِعَانَتِهِ لَهَا عَلَى الْحَرَامِ، وَيَنْفُذُ الطَّلَاقُ وَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ الزَّوْجُ صَحِيحًا، وَلَوْ مَاتَتْ فِي عِدَّتِهَا، وَمَحَلُّ الْمَنْعِ (إنْ زَادَ) الْخُلْعُ (عَلَى إرْثِهِ مِنْهَا) لَوْ مَاتَتْ بِأَنْ كَانَ إرْثُهُ مِنْهَا عَشَرَةً وَخَالَعَتْهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، وَأَوْلَى لَوْ خَالَعَتْهُ بِجَمِيعِ مَالِهَا، فَإِنْ خَالَعَتْهُ بِقَدْرِ إرْثِهِ فَأَقَلَّ جَازَ وَلَا يَتَوَارَثَانِ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ فِي مَرَضِهَا وَهُوَ صَحِيحٌ بِجَمِيعِ مَالِهَا لَمْ يَجُزْ وَلَا يَرِثُهَا، وَظَاهِرٌ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُخَالِفُهُ كَمَا قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَشْيَاخِ. (وَرُدَّ الزَّائِدُ) عَلَى إرْثِهِ مِنْهَا (وَاعْتُبِرَ) الزَّائِدُ عَلَى إرْثِهِ (يَوْمَ مَوْتِهَا) لَا يَوْمَ الْخُلْعِ، وَحِينَئِذٍ فَيُوقَفُ جَمِيعُ الْمَالِ الْمُخَالَعِ بِهِ إلَى يَوْمِ الْمَوْتِ، فَإِنْ كَانَ قَدْرَ إرْثِهِ فَأَقَلَّ اسْتَقَلَّ بِهِ الزَّوْجُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ رَدَّ مَا زَادَ عَلَى إرْثِهِ، فَإِنْ صَحَّتْ مِنْ مَرَضِهَا تَمَّ الْخُلْعُ وَأَخَذَ جَمِيعَ مَا خَالَعَتْهُ بِهِ، وَلَوْ أَتَى عَلَى جَمِيعِ مَالِهَا (وَلَا تَوَارُثَ) بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ. (وَإِنْ) وَكَّلَ الزَّوْجُ وَكِيلًا عَلَى خُلْعِهَا وَ (نَقَصَ وَكِيلُهُ عَمَّا سَمَّاهُ) لَهُ بِأَنْ قَالَ لَهُ: وَكَّلْتُك عَلَى أَنْ تُخَالِعَهَا بِعَشْرَةٍ فَخَالَعَهَا بِخَمْسَةٍ، (أَوْ) نَقَصَ (عَنْ خُلْعِ الْمِثْلِ إنْ أَطْلَقَ) الزَّوْجُ (لَهُ) أَيْ لِلْوَكِيلِ بِأَنْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ شَيْئًا (أَوْ) أَطْلَقَ (لَهَا) أَيْ لِلزَّوْجَةِ بِأَنْ قَالَ لَهَا: إنْ أَتَيْتِينِي بِمَالٍ أَوْ بِمَا أُخَالِعُك بِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ (لَمْ يَلْزَمْهُ) الْخُلْعُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ. (إلَّا أَنْ يُتِمَّ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - أَيْ إلَّا أَنْ يُتِمَّ الْوَكِيلُ فِي الْأُولَى مَا سَمَّاهُ لَهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ خُلْعَ الْمِثْلِ، وَتُتَمِّمُ الزَّوْجَةُ فِي الثَّالِثَةِ خُلْعَ الْمِثْلِ. وَلَوْ زَادَ الْوَكِيلُ عَلَى مَا سَمَّاهُ لَهُ أَوْ عَلَى خُلْعِ الْمِثْلِ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ لَهُ فَاللُّزُومُ ظَاهِرٌ بِالْأَوْلَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَظَاهِرٌ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُخَالِفُهُ] : أَيْ لِأَنَّ كَلَامَ مَالِكٍ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ خَالَعَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ إرْثِهِ مِنْهَا وَهَذَا بِعَيْنِهِ تَقْيِيدُ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَوْلُهُ: [يَوْمَ مَوْتِهَا] : أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ. قَوْلُهُ: [رَدَّ مَا زَادَ عَلَى إرْثِهِ] : أَيْ كَمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ خِلَافًا لِابْنِ رُشْدٍ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ أَصْلًا حَيْثُ كَانَ زَائِدًا. قَوْلُهُ: [وَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ] : أَيْ مَاتَتْ قَبْلَ الصِّحَّةِ أَوْ بَعْدَهَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ أَمْ لَا، لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَائِنٌ.

[رد مال الخلع]

(وَإِنْ) وَكَّلَتْ الزَّوْجَةُ وَكِيلًا لِيُخَالِعَهَا وَسَمَّتْ لَهُ شَيْئًا أَوْ أَطْلَقَتْ وَ (زَادَ وَكِيلُهَا) عَلَى مَا سَمَّتْ أَوْ عَلَى خُلْعِ الْمِثْلِ إنْ أَطْلَقَتْ (فَعَلَيْهِ الزِّيَادَةُ) عَلَى مَا سَمَّتْ، أَوْ عَلَى خُلْعِ الْمِثْلِ إنْ أَطْلَقَتْ، وَلَا يَلْزَمُهَا إلَّا دَفْعُ مَا سَمَّتْ أَوْ خُلْعُ الْمِثْلِ، وَلَزِمَ الطَّلَاقُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. [رد مَال الخلع] (وَلَهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ - حَيْثُ خَالَعَتْ زَوْجَهَا بِمَالٍ وَادَّعَتْ أَنَّهَا إنَّمَا خَالَعَتْهُ لِضَرَرٍ مِنْهُ يَجُوزُ التَّطْلِيقُ بِهِ - (رَدُّ الْمَالِ) الَّذِي أَخَذَهُ الزَّوْجُ مِنْهَا أَيْ أَخَذَهُ مِنْهُ (إنْ شَهِدَتْ) : أَيْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهَا (عَلَى الضَّرَرِ وَلَوْ بِسَمَاعٍ) ، بِأَنْ تَقُولَ: لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ أَنَّهُ يُضَارِرُهَا (أَوْ بِيَمِينٍ مَعَ شَاهِدٍ أَوْ) مَعَ (امْرَأَتَيْنِ) شَهِدَتَا بِرُؤْيَةِ الضَّرَرِ مِنْهُ وَلَوْ مَرَّةً هَذَا إذَا لَمْ تُسْقِطْ قِيَامَهَا بَيِّنَةُ الضَّرَرِ بَلْ، (وَإِنْ أَسْقَطَتْ الْقِيَامَ بِهَا) بِأَنْ قَالَ لَهَا: أَنَا أُخَالِعُك بِشَرْطِ أَنْ تُسْقِطِي حَقَّك مِنْ الْقِيَامِ بِبَيِّنَةِ الضَّرَرِ، فَوَافَقَتْهُ، فَلَهَا أَنْ تُقِيمَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ وَتَأْخُذَ مِنْهُ الْمَالَ الَّذِي دَفَعَتْهُ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ، لِأَنَّ الضَّرَرَ يَحْمِلُهَا عَلَى ذَلِكَ قَهْرًا فَلَا يُعْمَلُ بِالْتِزَامِهَا لِذَلِكَ، وَبَانَتْ مِنْهُ. (وَ) رُدَّ الْمَالُ الَّذِي خَالَعَهَا بِهِ أَيْضًا (بِكَوْنِهَا بَائِنًا) : أَيْ بِثُبُوتِ كَوْنِهَا وَقْتَ الْخُلْعِ كَانَتْ مُطَلَّقَةً طَلَاقًا بَائِنًا إذْ الْخُلْعُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا حَالَةَ الْبَيْنُونَةِ مِنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [التوكيل فِي الخلع] قَوْلُهُ: [رَدُّ الْمَالِ] إلَخْ: صُورَتُهَا ادَّعَتْ امْرَأَةٌ بَعْدَ الْمُخَالَعَةِ بِدَفْعِ الْمَالِ لِزَوْجِهَا أَنَّهَا مَا خَالَعَتْهُ إلَّا عَنْ ضَرَرٍ، وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى الضَّرَرِ، فَإِنَّ الزَّوْجَ يَرُدُّ لَهَا مَا خَالَعَهَا بِهِ وَبَانَتْ مِنْهُ، هَذَا إذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ شَهِدَتْ بِمُعَايَنَةِ الضَّرَرِ، بَلْ وَإِنْ قَالَتْ لَمْ نَزَلِ نَسْمَعُ أَنَّهُ يُضَارِرُهَا. قَوْلُهُ: [أَوْ بِيَمِينٍ مَعَ شَاهِدٍ] إلَخْ: مَحَلُّ كِفَايَةِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ أَوْ مَعَ الْمَرْأَتَيْنِ إنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ بِمُعَايَنَةِ الضَّرَرِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ لَا بِالسَّمَاعِ، فَلَا بُدَّ مِنْ رَجُلَيْنِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُعْمَلُ بِالْتِزَامِهَا لِذَلِكَ] : أَيْ وَلَوْ أَشْهَدَ عَلَيْهَا بَيِّنَةً. قَوْلُهُ: [وَبَانَتْ مِنْهُ] : أَيْ مَا لَمْ يُعَلِّقْ طَلَاقَهَا عَلَى تَمَامِ الْمَالِ أَوْ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [أَيْ بِثُبُوتِ كَوْنِهَا قَبْلَ الْخُلْعِ مُطَلَّقَةً] إلَخْ: أَيْ كَمَا لَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ طَلَاقٌ بَائِنٌ، وَاسْتَمَرَّ مُعَاشِرًا لَهَا مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدٍ.

[المعاطاة في الخلع]

(لَا) إنْ خَالَعَهَا فِي حَالِ كَوْنِهَا مُطَلَّقَةً طَلَاقًا (رَجْعِيًّا) لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهُ فَلَا يَرُدُّ الْمَالَ، وَصَحَّ الْخُلْعُ وَلَزِمَهُ طَلْقَةٌ أُخْرَى بَائِنَةٌ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا، (كَأَنْ قَالَ) لَهَا: (إنْ خَالَعْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا) ثُمَّ خَالَعَهَا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا وَرَدَّ لَهَا مَا أَخَذَهُ مِنْهَا، لِأَنَّ الْخُلْعَ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا لِوُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهِ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَوَجْهُهُ: أَنَّ الْمُعَلِّقَ وَالْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ يَقَعَانِ فِي آنٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُعَلِّقَ لَا يَقَعُ إلَّا بَعْدَ حُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْخُلْعُ. وَإِذَا حَصَلَ الْخُلْعُ كَانَتْ غَيْرَ زَوْجَةٍ فَلَمْ يَقَعْ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، فَلَا تَرُدُّ مِنْهُ الْمَالَ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَهُوَ دَقِيقٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْفَتْوَى بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. فَإِنْ لَمْ يَقُلْ: ثَلَاثًا، بَلْ قَالَ: إنْ خَالَعْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَأَطْلَقَ، لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ وَلَمْ يُرَدَّ الْمَالُ، فَإِنْ قَيَّدَ بِاثْنَتَيْنِ لَمْ يُرَدَّ الْمَالُ وَلَزِمَهُ الثَّلَاثُ وَكُلُّ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ. (وَكَفَتْ الْمُعَاطَاةُ) فِي الْخُلْعِ عَنْ النُّطْقِ بِالطَّلَاقِ، (إنْ جَرَى بِهَا) : أَيْ بِالْمُعَاطَاةِ (عُرْفٌ) كَأَنْ يَجْرِيَ عُرْفُهُمْ بِأَنَّهَا مَتَى دَفَعَتْ لَهُ أَسْوِرَتَهَا أَوْ عِقْدَهَا فَأَخَذَهُ وَانْصَرَفَتْ، كَانَ ذَلِكَ خُلْعًا. وَمِثْلُهُ قِيَامُ الْقَرِينَةِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ قَصَدَ الصُّلْحَ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مَتَاعَهُ وَسَلَّمَ لَهَا مَتَاعَهَا فَهُوَ خُلْعٌ لَازِمٌ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ أَنْتِ طَالِقٌ (اهـ.) . (وَإِنْ عَلَّقَ) الْخُلْعَ (بِالْإِقْبَاضِ أَوْ الْأَدَاءِ) نَحْوُ: إنْ أَقَبَضْتنِي أَوْ أَدَّيْتنِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَهُوَ دَقِيقٌ] : أَيْ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي نَقْلِهِ مِنْ أَشْهَبَ إذَا خَالَعَهَا لَا يَرُدُّ عَلَى الزَّوْجَةِ شَيْئًا مِمَّا أَخَذَهُ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي النَّظَرِ، لِأَنَّهُ جَعَلَ الْخُلْعَ شَرْطًا فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، وَالْمَشْرُوطُ إنَّمَا يَكُونُ تَابِعًا لِلشَّرْطِ، وَحَيْثُ كَانَ تَابِعًا لَهُ فَيَبْطُلُ لِوُقُوعِهِ بَعْدَ الْخُلْعِ فِي غَيْرِ زَوْجَةٍ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَرُدُّ مَا أَخَذَهُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَكُلُّ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ] : أَيْ وَأَمَّا عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَشْهَبُ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا طَلَاقُ الْخُلْعِ، وَيُقْضَى لَهُ بِالْمَالِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ. [الْمُعَاطَاة فِي الخلع] قَوْلُهُ: [إنْ قَصَدَ الصُّلْحَ] : أَيْ قَطْعَ النِّزَاعِ بِالْمُفَارَقَةِ، وَقَوْلُهُ، فَهُوَ خُلْعٌ، أَيْ حَيْثُ دَفَعَتْ لَهُ شَيْئًا مِنْ عِنْدِهَا.

[لزوم ما خولع عليه]

عَشَرَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ فَقَدْ خَالَعْتُكِ، (لَمْ يَخْتَصَّ) الْإِقْبَاضُ (بِالْمَجْلِسِ) الَّذِي عُلِّقَ بِهِ، بَلْ مَتَى أَعْطَتْهُ مَا طَلَبَهُ لَزِمَهُ الْخُلْعُ مَا لَمْ يَطُلْ الزَّمَنُ، بِحَيْثُ يَقْضِي الْعُرْفُ أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَقْصِدْ التَّمْلِيكَ إلَيْهِ (إلَّا لِقَرِينَةٍ) تَقْتَضِي أَنَّهُ أَرَادَ الْإِقْبَاضَ بِالْمَجْلِسِ، فَيُعْمَلُ بِهَا. (وَلَزِمَ فِي) الْخُلْعِ عَلَى (أَلْفٍ) عُيِّنَ نَوْعُهَا كَأَلْفِ دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ شَاةٍ، وَفِي الْبَلَدِ مُحَمَّدِيَّةٌ وَيَزِيدِيَّةٌ، أَوْ ضَأْنٌ وَمَعْزٌ (الْغَالِبُ) فِي الْبَلَدِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَالِبٌ أَخَذَ مِنْ كُلِّ الْمُتَسَاوِيَيْنِ نِصْفَهُ، وَمِنْ الثَّلَاثَةِ الْمُتَسَاوِيَةِ ثُلُثَ كُلٍّ. (وَ) لَزِمَ (الْبَيْنُونَةُ) أَيْ الطَّلَاقُ الْبَائِنُ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ (بِهَذَا) الثَّوْبِ (الْهَرَوِيُّ) بِفَتْحِ الرَّاءِ نِسْبَةَ هَرَاةَ، بَلْدَةٌ مِنْ خُرَاسَانَ، وَأَشَارَ لِثَوْبٍ حَاضِرٍ فَدَفَعَتْهُ لَهُ (فَإِذَا هُوَ) ثَوْبٌ (مَرْوِيٌّ) بِسُكُونِ الرَّاءِ نِسْبَةً لَمَرْوَ بَلْدَةٍ مِنْ خُرَاسَانَ أَيْضًا، فَتَبِينَ مِنْهُ وَيَلْزَمُ الثَّوْبُ الْمُشَارُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمَّا عَيَّنَهُ بِالْإِشَارَةِ كَانَ الْمَقْصُودُ ذَاتَه، سَوَاءٌ كَانَ الثَّانِي أَدْنَى أَوْ أَجْوَدَ، (أَوْ) قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ (بِمَا فِي يَدِك، فَإِذَا هُوَ غَيْرُ مُتَمَوَّلٍ) كَتُرَابٍ، (أَوْ) كَانَتْ يَدُهَا (فَارِغَةً) فَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بَائِنًا عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: " عَلَى الْأَحْسَنِ "، لِأَنَّهُ أَبَانَهَا مُجَوِّزًا لِذَلِكَ كَالْجَنِينِ فَيَنْفَشُّ الْحَمْلُ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ. (لَا إنْ خَالَعَتْهُ بِمُعَيَّنٍ لَا شُبْهَةَ لَهَا فِيهِ) لِعِلْمِهَا بِأَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِهَا (وَلَمْ يَعْلَمْ) الزَّوْجُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ خَالَعَهَا بِشَيْءٍ لَمْ يَتِمَّ لَهُ، وَغَيْرُ الْمُعَيَّنِ يَلْزَمُهُ بِهِ الْخُلْعُ وَيَلْزَمُهَا مِثْلُهُ، وَبِمُعَيَّنٍ لَهَا فِيهِ شُبْهَةٌ بِأَنْ اعْتَقَدَتْ أَنَّهُ مِلْكَهَا فَاسْتُحِقَّ مِنْهُ لَزِمَ الطَّلَاقُ وَلَزِمَهَا مِثْلُ الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةُ غَيْرِهِ، فَلَوْ عَلِمَ لَزِمَ الطَّلَاقُ وَلَا شَيْءَ كَمَا تَقَدَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَمْ يَخْتَصَّ الْإِقْبَاضُ] إلَخْ: أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الزَّوْجَةِ لِلتَّعْلِيقِ عَقِبَ حُصُولِهِ مِنْ الزَّوْجِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ مِنْهَا الْأَدَاءُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ وَقَبْلَ الطَّوْلِ لَزِمَ الْخُلْعُ مُطْلَقًا عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِتَقَدُّمِ الْقَبُولِ مِنْهَا فِي الْمَجْلِسِ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْ. [لُزُوم مَا خولع عَلَيْهِ] قَوْلُهُ: [لَا إنْ خَالَعَتْهُ بِمُعَيَّنٍ] إلَخْ: تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْمَقَامِ صُوَرٌ ثَمَانِيَةٌ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ مُقَوَّمٌ مُعَيَّنٌ إلَخْ فَلَا حَاجَةَ لِلْإِعَادَةِ.

(أَوْ) خَالَعَتْهُ (بِدُونِ خُلْعِ الْمِثْلِ فِي) قَوْلِهِ لَهَا: إنْ دَفَعْت لِي (مَا أُخَالِعُك بِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ) لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ، لِأَنَّ مَا أُخَالِعُك بِهِ مُنْصَرِفٌ لِخُلْعِ الْمِثْلِ، فَإِنْ دَفَعَتْ خُلْعَ الْمِثْلِ بَانَتْ وَإِلَّا فَلَا. (وَإِنْ) اتَّفَقَا عَلَى الطَّلَاقِ وَ (تَنَازَعَا فِي الْمَالِ) فَقَالَ الزَّوْجُ: طَلَّقْتُك عَلَى مَالٍ، وَقَالَتْ: بَلْ بِلَا عِوَضٍ (أَوْ) اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَتَنَازَعَا فِي (قَدْرِهِ) فَقَالَ: بِعَشَرَةٍ، قَالَتْ: بَلْ بِخَمْسَةٍ، (أَوْ) فِي (جِنْسِهِ) فَقَالَ: بِعَبْدٍ، وَقَالَتْ: بِثَوْبٍ (حَلَفَتْ) عَلَى طِبْقِ دَعْوَاهَا وَنَفْي دَعْوَى الزَّوْجِ وَكَانَ الْقَوْلُ لَهَا بِيَمِينٍ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ، (وَبَانَتْ) عَلَى مُقْتَضَى دَعْوَاهُ فِي الْأُولَى. (فَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَ) الزَّوْجُ وَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ (وَإِلَّا) يَحْلِفْ بِأَنْ نَكَلَ كَمَا نَكَلَتْ، (فَقَوْلُهَا) : أَيْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا. (وَ) إنْ تَنَازَعَا (فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ) فَقَالَ: طَلَّقْتهَا وَاحِدَةً، وَقَالَتْ: بَلْ ثَلَاثًا وَلَا بَيِّنَةَ، (فَقَوْلُهُ بِيَمِينٍ) فَلَهُ تَزَوُّجُهَا قَبْلَ زَوْجٍ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ كَانَتْ مَعَهُ بِطَلْقَتَيْنِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ، هَذَا هُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْقَوَاعِدُ مِنْ الْعَمَلِ بِالْأَصْلِ؛ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الطَّلَاقِ، وَقَدْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ خِلَافَ الْأَصْلِ فَعَلَيْهَا الْبَيَانُ. (كَدَعْوَاهُ) : أَيْ الزَّوْجِ (مَوْتَ) عَبْدٍ مَثَلًا (غَائِبٍ) خَالَعَتْهُ بِهِ قَبْلَ الْخُلْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ] : أَيْ وَهِيَ التَّنَازُعُ فِي أَصْلِ الْمَالِ أَوْ الْقَدْرِ أَوْ الْجِنْسِ. قَوْلُهُ: [وَبَانَتْ عَلَى مُقْتَضَى دَعْوَاهُ فِي الْأَوْلَى] : أَيْ فَيُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ مِنْ جِهَةِ الْبَيْنُونَةِ احْتِيَاطًا فِي الْفُرُوجِ، وَلَا يَرِثُهَا إنْ مَاتَتْ، وَإِنْ لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ وَعَلَيَّ النَّفَقَةِ عَلَى مُقْتَضَى دَعْوَاهَا، وَتَرِثُهُ إنْ لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ. قَوْلُهُ [فَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَ الزَّوْجُ] : أَيْ لِأَنَّهَا دَعْوَى تَحْقِيقٍ تُرَدُّ فِيهَا الْيَمِينُ. قَوْلُهُ: [فَقَوْلُهُ بِيَمِينٍ] : وَقِيلَ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَوَجْهُهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى مَا قَالَهُ الزَّوْجُ هِيَ مُدَّعِيَةٌ لَهُ، وَكُلُّ دَعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ نَكَلَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ، فَإِنْ طَالَ دَيْنٌ، وَلَا يُقَالُ تَحْلِفُ وَيُثْبِتُ مَا تَدَّعِيهِ،

وَادَّعَتْ مَوْتَهُ بَعْدَهُ، (أَوْ) ادَّعَى حِينَ ظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ أَنَّ (عَيْبَهُ قَبْلَهُ) : أَيْ قَبْلَ الْخُلْعِ، وَادَّعَتْ أَنَّهُ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالضَّمَانُ مِنْهَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ انْتِقَالِ الضَّمَانِ إلَيْهِ فَعَلَيْهَا الْبَيَانُ. (فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ) : أَيْ الْمَوْتَ أَوْ الْعَيْبَ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْخُلْعِ (فَضَمَانُهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الزَّوْجِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَثْبُتُ بِالنُّكُولِ مَعَ الْحَلِفِ، وَتَبِينُ مِنْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، إذَا اتَّفَقَا عَلَى الْخُلْعِ أَوْ ادَّعَاهُ الزَّوْجُ. وَفَائِدَةُ كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَهُ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا تَكُونُ عَلَى تَطْلِيقَتَيْنِ اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِهِ طَلَّقْت وَاحِدَةً إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ بَيْنُونَتِهَا لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ بِتَزَوُّجِهَا قَبْلَ زَوْجٍ كَمَا فِي سَمَاعِ عِيسَى، وَأَقَرَّهُ ابْنُ رُشْدٍ، فَإِنْ تَزَوَّجَتْهُ قَبْلَ زَوْجٍ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ ادَّعَتْ ذَلِكَ وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا فَأَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ قَبْلَ زَوْجٍ، وَقَالَتْ: كُنْت كَاذِبَةً وَأَرَدْت الرَّاحَةَ مِنْهُ صُدِّقَتْ. فِي ذَلِكَ، وَلَمْ تُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ تَذْكُرْ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَانَتْ مِنْهُ (اهـ) كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ (بْن) .

[فصل في بيان أحكام الطلاق وأركانه وما يتعلق بذلك]

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الطَّلَاقِ وَأَرْكَانِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] [حُكْم الطَّلَاق] َ وَافْتَتَحَهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» ) . وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الطَّلَاقَ - وَإِنْ كَانَ حَلَالًا - إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى عَدَمُ ارْتِكَابِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ الْأُلْفَةِ إلَّا لِعَارِضٍ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ أَيْ أَحْكَامُ الْقُدُومِ عَلَيْهِ، فَتَارَةً يَكُونُ وَاجِبًا، وَتَارَةً يَكُونُ حَرَامًا، وَتَارَةً يَكُونُ مَنْدُوبًا، وَتَارَةً يَكُونُ مَكْرُوهًا؛ فَكَمَا أَنَّ تِلْكَ الْأَحْكَامَ تُعْرَضُ عَلَى النِّكَاحِ تُعْرَضُ عَلَى الطَّلَاقِ إلَّا أَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّكَاحِ النَّدْبُ، وَفِي الطَّلَاقِ - خِلَافُ الْأَوْلَى - أَوْ الْكَرَاهَةُ وَسَيُفَصَّلُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَأَرْكَانِهِ] : أَيْ الْأَرْبَعَةِ الْآتِيَةِ فِي قَوْلِهِ: " وَرُكْنُهُ أَهْلٌ وَقَصْدٌ وَمَحَلٌّ وَلَفْظٌ ". قَوْلُهُ: [وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] : أَيْ مِنْ شُرُوطٍ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: [وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الطَّلَاقَ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّهُ اسْتَشْكَلَ هَذَا الْحَدِيثُ بِأَنَّ الْمُبَاحَ مَا اسْتَوَى طَرَفَاهُ، وَلَيْسَ مِنْهُ مَبْغُوضٌ وَلَا أَشَدُّ مَبْغُوضِيَّةً، وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي ذَلِكَ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ بَعْضُ مَا يُضَافُ إلَيْهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى أَقْرَبُ الْحَلَالِ لِلْبُغْضِ الطَّلَاقُ، فَالْمُبَاحُ لَا يُبْغَضُ بِالْفِعْلِ، لَكِنْ قَدْ يُقَرِّبُ لَهُ إذَا خَالَفَ الْأَوْلَى، وَالطَّلَاقُ مِنْ أَشَدِّ أَفْرَادِ خِلَافِ الْأَوْلَى، وَهَذَا مَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ حَلَالًا، إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى عَدَمُ ارْتِكَابِهِ. وَأُجِيبَ بِجَوَابٍ آخَرَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَلَالِ مَا اسْتَوَى طَرَفَاهُ، بَلْ لَيْسَ بِحَرَامٍ فَيَصْدُقُ بِالْمَكْرُوهِ، وَخِلَافِ الْأَوْلَى، فَخِلَافُ

(وَقَدْ يُنْدَبُ) لِعَارِضٍ كَمَا لَوْ كَانَتْ بَذِيَّةَ اللِّسَانِ يُخَافُ مِنْهَا الْوُقُوعُ فِي الْحَرَامِ لَوْ اسْتَمَرَّتْ عِنْدَهُ، كَأَنْ يَضْرِبَهَا ضَرْبًا مُبَرِّحًا، أَوْ يَسُبَّهَا وَيَسُبَّ وَالِدَيْهَا، أَوْ كَانَتْ قَلِيلَةَ الْحَيَاءِ تَتَبَرَّجُ إلَى الرِّجَالِ، وَأَكْثَرُهُنَّ يَسُبُّ أُمَّ الزَّوْجِ إذَا كَانَتْ عِنْدَ ابْنِهَا وَغَيْرَ ذَلِكَ. (أَوْ) قَدْ (يَجِبُ) لِعَارِضٍ؛ كَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ بَقَاءَهَا يُوقِعُهُ فِي مُحَرَّمٍ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. وَقَدْ يَحْرُمُ كَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ طَلَّقَهَا وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالزِّنَا وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى زَوَاجِ غَيْرِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوْلَى مَبْغُوضٌ وَالْمَكْرُوهُ أَشَدُّ مَبْغُوضِيَّةً، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْبُغْضِ مَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، بَلْ الْمُرَادُ كَوْنُهُ لَيْسَ مَرْغُوبًا فِيهِ لِأَنَّ فِيهِ اللَّوْمَ، وَيَكُونُ التَّعْبِيرُ بِالْأَبْغَضِيَّةِ قَصْدَ التَّنْفِيرِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْجَوَابَ الثَّانِيَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ الْأَصْلِيِّ الْكَرَاهَةُ، لَا عَلَى أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى الَّذِي مَشْي عَلَيْهِ الشَّارِحُ، فَالْأَظْهَرُ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ، وَأَمَّا حَمْلُهُ عَلَى سَبَبِ الطَّلَاقِ مِنْ سُوءِ الْعِشْرَةِ فَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْحَلَالِ، وَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ بَعْضُ مَا يُضَافُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: [يَخَافُ مِنْهَا الْوُقُوعَ فِي الْحَرَامِ] : أَيْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْوُقُوعَ فِي ذَلِكَ، أَوْ يَخَافُ عَلَيْهَا بِدَلِيلِ تَمْثِيلِ الشَّارِحِ، فَإِنَّ ضَرْبَهُ فِيهَا الضَّرْبَ الْمُبَرِّحَ وَسَبَّهَا وَسَبَّ وَالِدَيْهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ، وَتَبَرُّجَهَا لِلرِّجَالِ وَسَبَّهَا أُمَّ الزَّوْجِ حَرَامٌ عَلَيْهَا، وَالْمُرَادُ بِالْخَوْفِ الشَّكُّ الظَّنُّ لَا الْعِلْمُ، وَإِلَّا لَوَجَبَ الطَّلَاقُ كَمَا فِي الْقِسْمِ الَّذِي يَلِيهِ. قَوْلُهُ: [مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا] : أَيْ كَمَا إذَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ حَرَامٍ، وَغَيْرُ النَّفَقَةِ كَالضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ أَوْ السَّبِّ الْمُتَحَقَّقِ وُقُوعُهُ بِالْفِعْلِ، وَمَحَلُّ وُجُوبِ طَلَاقِهَا عِنْدَ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مِنْ حَرَامٍ مَا لَمْ يَخْشَ بِفِرَاقِهَا الزِّنَا، وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ وَيَقْتَصِدُ مَهْمَا أَمْكَنَ. قَوْلُهُ: [كَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ طَلَّقَهَا] إلَخْ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَزِمَ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهَا مِنْ حَرَامٍ كَمَا عَلِمْت، بَقِيَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ إذَا طَلَّقَهَا قُطِعَ عَنْ عِبَادَةٍ مَنْدُوبَةٍ كَكَوْنِهَا مُعِينَةً لَهُ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ الْمَنْدُوبِ.

[الطلاق قسمان سني وبدعي]

وَالطَّلَاقُ مِنْ حَيْثُ هُوَ قِسْمَانِ: سُنِّيٌّ وَبِدْعِيٌّ. (وَالسُّنِّيُّ) : مَا اسْتَوْفَى شُرُوطًا خَمْسَةً أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ: (وَاحِدَةٌ) لَا أَكْثَرُ. (كَامِلَةٌ) لَا بَعْضُ طَلْقَةٍ كَنِصْفِ طَلْقَةٍ. (بِطُهْرٍ) لَا فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ. (لَمْ يَمَسَّ) أَيْ لَمْ يَطَأْهَا (فِيهِ) : أَيْ فِي الطُّهْرِ الَّذِي طَلَّقَ فِيهِ (بِلَا عِدَّةٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوقِعَهُ عَلَيْهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْ رَجْعِيٍّ قَبْلَ هَذَا. وَبَقِيَ شَرْطٌ سَادِسٌ: وَهُوَ أَنْ يُوقِعَهُ عَلَى جُمْلَةِ الْمَرْأَةِ لَا عَلَى بَعْضِهَا كَيَدِهَا. (وَإِلَّا) بِأَنْ انْتَفَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ أَوْ بَعْضُهَا بِأَنْ أَوْقَعَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، أَوْ بَعْضَ طَلْقَةٍ أَوْ فِي حَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ أَوْ فِي طُهْرٍ مَسَّهَا فِيهِ، أَوْ أَرْدَفَ أُخْرَى فِي عِدَّةِ رَجْعِيٍّ (فَبِدْعِيٌّ) كَمَا لَوْ أَوْقَعَهَا عَلَى بَعْضِ الْمَرْأَةِ. وَالْبِدْعِيُّ إمَّا مَكْرُوهٌ وَإِمَّا حَرَامٌ كَمَا قَالَ: (وَكُرِهَ) الْبِدْعِيُّ (إنْ كَانَ) وُقُوعُهُ (بِغَيْرِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ) ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَوْقَعَ ثَلَاثًا، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إيقَاعُ اثْنَتَيْنِ مَكْرُوهٌ، وَثَلَاثَةٍ مَمْنُوعٌ وَنَحْوُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَعَبَّرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِالْكَرَاهَةِ، لَكِنْ قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: مُرَادُهُ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ. وَالْإِجْمَاعُ عَلَى لُزُومِ الثَّلَاثِ إذَا أَوْقَعَهَا فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضِ الْمُبْتَدِعَةِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الطَّلَاقُ قِسْمَانِ سُنِّيٌّ وَبِدْعِيٌّ] قَوْلُهُ: [سُنِّيٌّ] : أَيْ أَذِنَتْ السُّنَّةُ فِي فِعْلِهِ، سَوَاءٌ كَانَ رَاجِحًا أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى أَوْ حَرَامًا لَا رَاجِحَ الْفِعْلِ فَقَطْ، كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ إضَافَتِهِ لِلسُّنَّةِ، فَلِذَلِكَ كَانَتْ تَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ، وَإِنْ كَانَ سُنِّيًّا. قَوْلُهُ: [بِأَنْ انْتَفَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ] : لَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ دَفْعَةً لِأَنَّ الْبِدْعِيَّ يَكُونُ فِي الْحَيْضِ، وَفِي طُهْرٍ مَسَّهَا فِيهِ، وَمَحَلُّ اجْتِمَاعِهِمَا، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ بَعْضُهَا. [حُكْم الثَّلَاث طلقات فِي طلقة وَاحِدَة] قَوْلُهُ: [وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَوْقَع ثَلَاثًا] : ظَاهِرُهُ أَيْضًا وَلَوْ أَوْقَعَهَا عَلَى جُزْءِ الْمَرْأَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ حَرَامٌ كَالْوَاقِعِ فِي الْحَيْضِ بِدَلِيلِ تَأْدِيبِهِ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي.

عَنْ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، قَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ: ابْنُ تَيْمِيَّةَ ضَالٌّ مُضِلٌّ، أَيْ لِأَنَّهُ خَرَقَ الْإِجْمَاعَ وَسَلَكَ مَسَالِكَ الِابْتِدَاعِ، وَبَعْضُ الْفَسَقَةِ نَسَبَهُ إلَى الْإِمَامِ أَشْهَبَ، فَيَضِلُّ بِهِ النَّاسُ، وَقَدْ كَذَبَ وَافْتَرَى عَلَى هَذَا الْإِمَامِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ - وَهُوَ الْإِمَامُ الْمُحِيطُ - نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى لُزُومِ الثَّلَاثِ، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ نَقَلَ لُزُومَ الْوَاحِدَةِ عَنْ بَعْضِ الْمُبْتَدِعَةِ. (وَإِلَّا) - بِأَنْ طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ - (مُنِعَ وَوَقَعَ، وَإِنْ طَلَبَتْهُ) الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا فِي حَيْضِهَا أَوْ نِفَاسِهَا، (أَوْ خَالَعَتْ) زَوْجَهَا فِيهِ. (وَأُجْبِرَ) الزَّوْجُ (عَلَى الرَّجْعَةِ) إذَا كَانَ رَجْعِيًّا وَيَسْتَمِرُّ الْجَبْرُ (لِآخِرِ الْعِدَّةِ) فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ بَانَتْ، وَقَالَ أَشْهَبُ: يُجْبَرُ مَا لَمْ تَطْهُرْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَبَاحَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ طَلَاقَهَا فَلَا مَعْنَى لِإِجْبَارِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَالْأَمْرُ بِارْتِجَاعِهَا حَقٌّ لِلَّهِ فَيُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ، (وَإِنْ لَمْ تَقُمْ) الْمَرْأَةُ (بِحَقِّهَا) فِي الرَّجْعَةِ. (فَإِنْ أَبَى) مِنْ الرَّجْعَةِ (هُدِّدَ بِالسَّجْنِ، ثُمَّ) إنْ أَبَى (سُجِنَ) بِالْفِعْلِ، (ثُمَّ) إنْ أَبَى هُدِّدَ (بِالضَّرْبِ، ثُمَّ) إنْ أَبَى (ضُرِبَ) بِالْفِعْلِ يُفْعَلُ ذَلِكَ كُلُّهُ (بِمَجْلِسٍ) وَاحِدٍ، (فَإِنْ أَبَى) الِارْتِجَاعَ (ارْتَجَعَ الْحَاكِمُ) بِأَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مُنِعَ] : أَيْ إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَهِيَ غَيْرُ حَامِلٍ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [إذَا كَانَ رَجْعِيًّا] : أَيْ لَا بَائِنًا وَلَوْ طَلْقَةً وَاحِدَةً كَمَا إذَا كَانَتْ فِي خُلْعٍ. قَوْلُهُ: [أَبَاحَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ طَلَاقَهَا] : أَيْ طَلَاقَ الْمَرْأَةِ الَّتِي طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فِي الْحَيْضِ. قَوْلُهُ: [ضُرِبَ بِالْفِعْلِ] : يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ الضَّرْبَ بِظَنِّ الْإِفَادَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي ضَرْبِهَا عِنْدَ النُّشُوزِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ أَبَى الِارْتِجَاعَ ارْتَجَعَ الْحَاكِمُ] : فَإِنْ ارْتَجَعَ الْحَاكِمُ قَبْلَ فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ صَحَّ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَرْتَجِعُ مِنْ فِعْلِهَا، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ التَّرْتِيبِ، وَأَنَّهُ إنْ فَعَلَهَا كُلَّهَا مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ ثُمَّ ارْتَجَعَ مَعَ إبَاءِ الْمُطَلِّقِ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ قَطْعًا.

يَقُولَ: ارْتَجَعْتهَا لَك. (وَجَازَ بِهِ) : أَيْ بِارْتِجَاعِ الْحَاكِمِ (الْوَطْءُ وَالتَّوَارُثُ) وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا الزَّوْجُ لِأَنَّ نِيَّةَ الْحَاكِمِ قَائِمَةٌ مَقَامَ نِيَّتِهِ. (وَالْأَحَبُّ) لِمَنْ رَاجَعَ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْحَيْضِ طَوْعًا أَوْ كُرْهًا وَأَرَادَ مُفَارَقَتَهَا (إمْسَاكُهَا حَتَّى تَطْهُرَ) فَيَطَأَهَا (فَتَحِيضُ فَتَطْهُرُ) بَعْدَهُ، (ثُمَّ إنْ شَاءَ طَلَّقَ) قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا لِيَكُونَ سُنِّيًّا، وَإِنَّمَا طُلِبَ مِنْهُ عَدَمُ طَلَاقِهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَ الَّذِي طَلَّقَ فِيهِ، لِأَنَّ الِارْتِجَاعَ جُعِلَ لِلصُّلْحِ، وَهُوَ إنَّمَا يَتِمُّ بِالْوَطْءِ بَعْدَ الْحَيْضِ، فَقَدْ مَسَّهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ، فَإِذَا حَاضَتْ مُنِعَ الطَّلَاقُ، فَإِذَا طَهُرَتْ فَلَهُ الطَّلَاقُ قَبْلَ الْوَطْءِ. وَمَنْعُ طَلَاقِ الْحَائِضِ قِيلَ: تَعَبُّدِيٌّ، أَيْ غَيْرُ مُعَلَّلٍ بِعِلَّةٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُعَلَّلٌ بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ أَوَّلَهَا يَبْتَدِئُ مِنْ الطُّهْرِ بَعْدَ الْحَيْضِ، فَأَيَّامُ الْحَيْضِ الَّذِي طَلَّقَ فِيهِ لَغْوٌ لَمْ تُحْسَبْ مِنْ الْعِدَّةِ، فَلَيْسَتْ هِيَ فِيهَا زَوْجَةً وَلَا مُعْتَدَّةً، وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَجَازَ طَلَاقُ الْحَامِلِ) فِي الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا وَضْعُ حَمْلِهَا فَلَا تَطْوِيلَ فِيهَا. (وَ) جَازَ طَلَاقُ (غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فِيهِ) : أَيْ فِي الْحَيْضِ لِعَدَمِ الْعِدَّةِ مِنْ أَصْلِهَا. (وَصُدِّقَتْ) الْمَرْأَةُ (إنْ ادَّعَتْهُ) : أَيْ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ لِيُجْبَرَ عَلَى رَجْعَتِهَا وَلَا يَنْظُرُهَا النِّسَاءُ (إلَّا أَنْ يَتَرَافَعَا) لِلْحَاكِمِ حَالَ كَوْنِهَا (طَاهِرًا) ، فَالْقَوْلُ لَهُ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْأَحَبُّ لِمَنْ رَاجَعَ الْمُطَلَّقَةَ] : الِاسْتِحْبَابُ مُنْصَبٌّ عَلَى الْمَجْمُوعِ فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ الْإِمْسَاكِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ. قَوْلُهُ: [وَإِنَّمَا طُلِبَ مِنْهُ عَدَمُ طَلَاقِهَا] إلَخْ: أَيْ فَطَلَاقُهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ مَكْرُوهٌ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ، سَوَاءٌ مَسَّهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [قِيلَ تَعَبُّدِيٌّ] : أَيْ لِمَنْعِ الْخُلْعِ وَعَدَمِ الْجَوَازِ، وَإِنْ رَضِيَتْ وَجَبَرَهُ عَلَى الرَّجْعَةِ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ كَمَا قَالَ خَلِيلٌ. قَوْلُهُ: [وَصُدِّقَتْ الْمَرْأَةُ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فَقَالَتْ طَلَّقَنِي فِي حَالِ حَيْضِي، وَقَالَ الزَّوْجُ: طَلَّقْتهَا فِي حَالِ طُهْرِهَا وَتَرَافَعَا، فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ بِيَمِينٍ وَلَا يَنْظُرُهَا النِّسَاءُ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ عَلَى فَرْجِهَا خِلَافًا لِمَا فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ

(وَعُجِّلَ فَسْخُ الْفَاسِدِ فِي) زَمَنِ (الْحَيْضِ) ، وَلَا يُؤَخَّرُ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْهُ إذْ التَّأْخِيرُ عَلَى الْفَسَادِ أَقْبَحُ مِنْ الْفَسْخِ فِي الْحَيْضِ. (وَ) عُجِّلَ (الطَّلَاقُ عَلَى الْمُولِي) فِي الْحَيْضِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ بِكِتَابِ اللَّهِ، (ثُمَّ أُجْبِرَ عَلَى الرَّجْعَةِ) بَعْدَهُ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (بِخِلَافِ الْمُعْسِرِ بِالنَّفَقَةِ) إذَا حَلَّ أَجَلُ التَّلَوُّمِ فَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ فِي الْحَيْضِ، بَلْ حَتَّى تَطْهُرَ (أَوْ الْعَيْبِ) : كَجُذَامٍ أَوْ بَرَصٍ أَوْ جُنُونٍ يَجِدُهُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَنَّ النِّسَاءَ يَنْظُرْنَ لِمَحَلِّ الدَّمِ، مِنْ فَرْجِهَا وَلَا تُكَلَّفُ أَيْضًا بِإِدْخَالِ خِرْقَةٍ فِي فَرْجِهَا، وَيَنْظُرُ إلَيْهَا النِّسَاءُ خِلَافًا لِابْنِ يُونُسَ، وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ يَتَرَافَعَا وَهِيَ طَاهِرَةٌ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَانْظُرْ هَلْ بِيَمِينٍ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [وَعُجِّلَ الطَّلَاقُ عَلَى الْمُولِي] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُولِيَ إذَا حَلَّ أَجَلُ الْإِيلَاءِ فِي زَمَنِ حَيْضِ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يَفِئْ بِأَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ يَمِينِهِ وَيُكَفِّرْ عَنْهُ، فَالْمَشْهُورُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُطَلَّقُ عَلَيْهِ وَيُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ، لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ. وَاسْتَشْكَلَ تَعْجِيلُ الطَّلَاقِ عَلَى الْمُولِي فِي الْحَيْضِ بِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ طَلَبِهَا الْفَيْئَةَ وَطَلَبُهَا حَالَ الْحَيْضِ مُمْتَنِعٌ، فَإِنْ وَقَعَ لَا يُعْتَبَرُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي. وَأُجِيبَ بِحَمْلِ هَذَا عَلَى مَا إذَا وَقَعَ مِنْهَا طَلَبُ الْفَيْئَةِ قَبْلَ الْحَيْضِ وَتَأَخَّرَ الْحُكْمُ بِالطَّلَاقِ حَتَّى حَاضَتْ. قَوْلُهُ: [بِكِتَابِ اللَّهِ] : أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] إلَى {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227] وَقَوْلُهُ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، أَيْ «لِقَضِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حِينَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا النِّسَاءَ»

[أركان الطلاق وشروطه موقعه وقصده وما يتعلق بذلك]

الْآخَرِ فَلَا يُعَجَّلُ الْفَسْخُ فِي الْحَيْضِ، بَلْ حَتَّى تَطْهُرَ، (أَوْ مَا) : أَيْ نِكَاحٍ (لِلْوَلِيِّ) أَيْ أَبٍ أَوْ سَيِّدٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (فَسْخُهُ) ، وَعَدَمُ فَسْخِهِ كَأَنْ يَتَزَوَّجَ عَبْدٌ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ صَغِيرٌ أَوْ سَفِيهٌ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ فَلَا يُعَجَّلُ فَسْخُهُ فِي الْحَيْضِ، وَاللِّعَانُ لَا يُعَجَّلُ فِي الْحَيْضِ إذَا أَرَادَ مُلَاعَنَتَهَا فِيهِ، بَلْ حَتَّى تَطْهُرَ. ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى أَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فَقَالَ: (وَرُكْنُهُ) : أَيْ الطَّلَاقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ سُنِّيًّا أَوْ بِدْعِيًّا بِعِوَضٍ أَمْ لَا، وَهُوَ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ جَمِيعَ الْأَرْكَانِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ: (أَهْلٌ) وَالْمُرَادُ بِهِ: مُوقِعُهُ مِنْ زَوْجٍ أَوْ نَائِبِهِ أَوْ وَلِيِّهِ إنْ كَانَ صَغِيرًا، وَلَا يَرِدُ الْفُضُولِيُّ لِأَنَّ مُوقِعَهُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الزَّوْجُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ يَوْمِ الْإِجَازَةِ لَا الْإِيقَاعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ ابْنُ عُمَرَ حُسِبَتْ عَلَيَّ تَطْلِيقَةٌ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُعَجِّلُ الْفَسْخَ فِي الْحَيْضِ] إلَخْ: فَإِنْ عَجَّلَ فِيهِ وَقَعَ بَائِنًا إنْ أَوْقَعَهُ الْحَاكِمُ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ كَذَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يَقَعُ رَجْعِيًّا وَيُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ إلَّا فِي الْعِنِّينِ، فَإِنَّهُ بَائِنٌ، فَإِنْ أَوْقَعَهُ الزَّوْجُ مِنْ غَيْرِ حَاكِمٍ فَرَجْعِيٌّ اتِّفَاقًا وَيُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ إلَّا فِي الْعِنِّينِ، فَإِنَّهُ بَائِنٌ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ قَبْلَ الدُّخُولِ. قَوْلُهُ: [لِلْوَلِيِّ أَيْ أَبٍ أَوْ سَيِّدٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَسْخُهُ] : أَيْ فَلَيْسَ لَهُمْ فَسْخُهُ فِي الْحَيْضِ إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا قَبْلَهُ فَلَهُمْ الْفَسْخُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ حِينَئِذٍ جَائِزٌ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُعَجِّلُ فَسْخَهُ فِي الْحَيْضِ] : هَذَا ظَاهِرُ فِي غَيْرِ الصَّغِيرِ فَتَأَمَّلْ. [أَرْكَان الطَّلَاق وَشُرُوطه موقعه وقصده وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] قَوْلُهُ: [وَرُكْنُهُ] : الْوَاوُ لِلِاسْتِئْنَافِ. قَوْلُهُ: [أَوْ نَائِبُهُ] : الْمُرَادُ بِهِ الْحَاكِمُ وَالْوَكِيلُ، وَمِنْهُ الزَّوْجَةُ إذَا جَعَلَهُ بِيَدِهَا. قَوْلُهُ: [إنْ كَانَ صَغِيرًا] : أَيْ وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ إذَا كَانَ لَا يُفِيقُ.

[طلاق السكران والهازل والمكره]

(وَقَصْدٌ) : أَيْ قَصْدُ النُّطْقِ بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ أَوْ الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ، وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ حَلَّ الْعِصْمَةَ وَقَصَدَ حَلَّهَا فِي الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ سَبْقِ اللِّسَانِ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَعَدَمِ قَصْدِ حِلِّهَا فِي الثَّالِثِ. (وَمَحَلٌّ) : أَيْ عِصْمَةٌ مَمْلُوكَةٌ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا كَمَا يَأْتِي. (وَلَفْظٌ) : صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ خَفِيَّةٌ، أَيْ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَالْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ، لَا بِمُجَرَّدِ نِيَّةٍ وَلَا بِفِعْلٍ إلَّا لِعُرْفٍ. وَالْمُرَادُ بِالرُّكْنِ: مَا تُحَقَّقُ بِهِ الْمَاهِيَّةُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ جُزْءًا مِنْهَا حَقِيقَةً. وَأَشَارَ لِشُرُوطِ صِحَّتِهِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ بِقَوْلِهِ: (وَإِنَّمَا يَصِحُّ مِنْ مُسْلِمٍ) لَا مِنْ كَافِرٍ (مُكَلَّفٍ) وَلَوْ سَفِيهًا، لَا مِنْ صَبِيٍّ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ قَصْدُ النُّطْقِ] : أَيْ وَلِذَلِكَ كَانَ يَلْزَمُ بِالْهَزْلِ عَلَى الْمَشْهُورِ. تَنْبِيهٌ: يَلْزَمُ طَلَاقُ الْغَضْبَانِ وَلَوْ اشْتَدَّ غَضَبُهُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ وَدَعْوَى أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِكْرَاهِ بَاطِلٌ، وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ يَغِبْ عَقْلُهُ بِحَيْثُ لَا يَشْعُرُ بِمَا صَدَرَ مِنْهُ فَإِنَّهُ كَالْمَجْنُونِ. قَوْلُهُ: [أَوْ تَقْدِيرًا كَمَا يَأْتِي] : أَيْ فِي قَوْلِهِ وَمَحَلُّهُ مَا مَلَكَ مِنْ عِصْمَةٍ وَإِنْ تَعْلِيقًا. قَوْلُهُ: [وَلَفْظٌ صَرِيحٌ] : أَيْ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَلَفْظُهُ الصَّرِيحُ الطَّلَاقُ. قَوْلُهُ: [لَا بِمُجَرَّدِ نِيَّةٍ] : أَيْ عَزْمٍ لَيْسَ مَعَهُ لَفْظٌ وَلَا كَلَامٌ نَفْسِيٌّ. قَوْلُهُ: [وَلَا بِفِعْلٍ] : أَيْ كَنَقْلِ مَتَاعِهَا مَثَلًا. قَوْلُهُ: [وَالْمُرَادُ بِالرُّكْنِ] إلَخْ: بِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ إنَّ الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا رُكْنًا مِنْ الْفِعْلِ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ الْأَهْلُ وَالْمَحَلُّ مِنْ أَرْكَانِ الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ رَفْعُ حِلِّيَّةٌ تَمَتُّعِ الزَّوْجِ بِزَوْجَتِهِ. [طَلَاق السَّكْرَان وَالْهَازِل والمكره] قَوْلُهُ: [لَا مِنْ كَافِرٍ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ زَوْجَتُهُ الَّتِي طَلَّقَهَا كَافِرَةً أَوْ مُسْلِمَةً، فَإِذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْكَافِرَةَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَأَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا كَانَ أَحَقَّ بِهَا مَا لَمْ يُبِنْهَا مِنْ حَوْزِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِذَا أَسْلَمَتْ الْكَافِرَةُ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ وَلَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ أَسْلَمَ فِيهَا لَمْ يُعَدَّ طَلَاقُهُ طَلَاقًا، وَكَانَ عَلَى نِكَاحِهَا وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مَا لَمْ يَكُنْ أَخْرَجَهَا مِنْ حَوْزِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَتَحِلُّ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ.

[طلاق الفضولي]

مَجْنُونٍ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ (وَلَوْ سَكِرَ) الْمُكَلَّفُ سُكْرًا (حَرَامًا) كَمَا لَوْ شَرِبَ خَمْرًا عَمْدًا مُخْتَارًا فَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ مَيَّزَ أَوْ لَمْ يُمَيِّزْ، لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَقِيلَ: إنْ مَيَّزَ، وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ. (كَعِتْقِهِ) فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مَيَّزَ أَوْ لَا، (وَجِنَايَاتُهُ) عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ. (بِخِلَافِ عُقُودِهِ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ نِكَاحٍ، فَلَا تَلْزَمُ وَلَا تَصِحُّ، (وَإِقْرَارُهُ) بِشَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا يَلْزَمُهُ. (وَطَلَاقُ الْفُضُولِيِّ) وَهُوَ مَنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (كَبَيْعِهِ) مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ، فَإِنْ أَجَازَهُ الزَّوْجُ لَزِمَ. (وَالْعِدَّةُ مِنْ) يَوْمِ (الْإِجَازَةِ) لَا مِنْ يَوْمِ إيقَاعِ الْفُضُولِيِّ. (وَلَزِمَ) الطَّلَاقُ (وَلَوْ) وَقَعَ مِنْهُ (هَازِلًا؛ كَالْعِتْقِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ) ، فَإِنَّهَا تَلْزَمُ بِالْهَزْلِ وَالْمِزَاحِ إنْ لَمْ يَقْصِدْ إيقَاعَهَا. (لَا إنْ سَبَقَ لِسَانُهُ) بِأَنْ قَصَدَ النُّطْقَ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ فَزَلَّ لِسَانُهُ فَنَطَقَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [سُكْرًا حَرَامًا] : أَيْ بِأَنْ اسْتَعْمَلَ عَمْدًا مَا يُغَيِّبُ عَقْلَهُ، سَوَاءٌ كَانَ جَازِمًا حِينَ الِاسْتِعْمَالِ بِتَغَيُّبِ عَقْلِهِ بِهَذَا الشَّيْءِ، أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ كَانَ مِمَّا يُسْكِرُ جِنْسُهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ كَلَبَنٍ حَامِضٍ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمُغَيِّبُ مُرَقِّدَا أَوْ مُخَدِّرًا فَمُرَادُهُ بِالْمُسْكِرِ كُلُّ مُغَيِّبٍ، وَرَدَّ الْمُصَنِّفُ بِلَوْ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّ السَّكْرَانَ بِحَرَامٍ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ، سَوَاءٌ مَيَّزَ أَمْ لَا وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: حَرَامًا أَنَّ السَّكْرَانَ بِحَلَالٍ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ إنْ مَيَّزَ] : هَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ. [طَلَاقُ الْفُضُولِيِّ] قَوْلُهُ: [كَبَيْعِهِ] : التَّشْبِيهُ فِي تَوَقُّفِ كُلٍّ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ لَا فِي أَصْلِ الْقُدُومِ، فَإِنَّهُ اتَّفَقَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ قُدُومِ الْفُضُولِيِّ عَلَى الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَقِيلَ بِالْحُرْمَةِ، وَقِيلَ بِالْجَوَازِ، وَقِيلَ بِالِاسْتِحْبَابِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْحُرْمَةُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ أَنَّ النَّاسَ شَأْنُهُمْ يَطْلُبُونَ الْأَرْبَاحَ فِي سِلَعِهِمْ بِالْبَيْعِ بِخِلَافِ النِّسَاءِ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهَا تَلْزَمُ بِالْهَزْلِ] إلَخْ: أَيْ لِمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ: «ثَلَاثَةٌ هَزْلُهُنَّ جِدٌّ:

بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ (فِي الْفَتْوَى) ، وَيَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ (أَوْ لِقِنٍّ أَعْجَمِيٍّ) لَفْظُ الطَّلَاقِ (بِلَا فَهْمٍ) مِنْهُ لِمَعْنَاهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مُطْلَقًا. (أَوْ هَذَى) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ كَرَمَى (لِمَرَضٍ) قَامَ بِهِ، فَطَلَّقَ مِنْ غَيْرِ شُعُورٍ حَيْثُ شَهِدَ الْعُدُولُ بِأَنَّهُ يَهْذِي، وَأَمَّا لَوْ شَهِدُوا بِصِحَّةِ عَقْلِهِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: (أَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الطَّلَاقِ فَلَا يَلْزَمُهُ فِي فَتْوَى وَلَا قَضَاءَ، لِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ» وَفِي رِوَايَةٍ «الرَّجْعَةُ» بَدَلَ الْعِتْقِ. قَوْلُهُ: [وَيَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ] : أَيْ إنْ لَمْ يَثْبُتْ سَبْقُ لِسَانِهِ بِالْبَيِّنَةِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ فِي فَتْوَى وَلَا فِي قَضَاءٍ. قَوْلُهُ: [مُطْلَقًا] : أَيْ لَا فِي الْفَتْوَى وَلَا فِي الْقَضَاءِ لِعَدَمِ قَصْدِ النُّطْقِ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى حَلِّ الْعِصْمَةِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ فِي الطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: [أَوْ هَذَى] : مِنْ الْهَذَيَانِ وَهُوَ الْكَلَامُ الَّذِي لَا مَعْنَى لَهُ. قَوْلُهُ: [مِنْ غَيْرِ شُعُورٍ] : أَيْ مِنْ غَيْرِ شُعُورٍ أَصْلًا، وَأَمَّا لَوْ قَالَ وَقَعَ مِنِّي شَيْءٌ وَلَمْ أَعْقِلْهُ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ، لِأَنَّ شُعُورَهُ بِوُقُوعِ شَيْءٍ مِنْهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عَقَلَهُ، قَالَهُ ابْنُ نَاجِي وَسَلَّمُوهُ لَهُ، قَالَ فِي الْأَصْلِ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ كَثِيرًا مَا يُتَخَيَّلُ لِلْمَرِيضِ خَيَالَاتٌ يَتَكَلَّمُ عَلَى مُقْتَضَاهَا بِكَلَامٍ خَارِجٍ عَنْ قَانُونِ الْعُقَلَاءِ، فَإِذَا أَفَاقَ اسْتَشْعَرَ أَصْلَهُ وَأَخْبَرَ عَنْ الْخَيَالَاتِ الْوَهْمِيَّةِ كَالنَّائِمِ (اهـ) . تَنْبِيهٌ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لَا فِي الْفَتْوَى وَلَا فِي الْقَضَاءِ، لَوْ قَالَ لِمَنْ اسْمُهَا طَالِقٌ يَا طَالِقُ، وَقِيلَ مِنْهُ فِي طَارِقِ الْتِفَاتُ لِسَانِهِ فِي الْفَتْوَى دُونَ الْقَضَاءِ، أَوْ قَالَ يَا حَفْصَةُ فَأَجَابَتْهُ عَمْرَةُ فَقَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ يَظُنُّهَا حَفْصَةَ، فَتَطْلُقُ حَفْصَةُ فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ، وَأَمَّا الْمُجِيبَةُ فَتَطْلُقُ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْفُتْيَا. قَوْلُهُ: [فَلَا يَلْزَمُهُ فِي فَتْوَى] إلَخْ: مَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ قَاصِدًا بِالطَّلَاقِ حَلَّ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ» : أَيْ إكْرَاهٍ، (وَلَوْ تَرَكَ التَّوْرِيَةَ) مَعَ مَعْرِفَتِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، بَلْ لَوْ قِيلَ طَلِّقْهَا فَقَالَ: هِيَ طَالِقٌ بِالثَّلَاثِ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ حَالَ الْإِكْرَاهِ كَالْمَجْنُونِ. (أَوْ) أُكْرِهَ (عَلَى فِعْلِ مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ) الطَّلَاقَ فَلَا يَحْنَثُ كَحَلِفِهِ بِطَلَاقٍ: لَا أَدْخُلُ الدَّارَ، فَأُكْرِهَ عَلَى دُخُولِهَا، أَوْ حُمِلَ كُرْهًا فَأُدْخِلَهَا وَذَلِكَ فِي صِيغَةِ الْبِرِّ. وَأَمَّا صِيغَةُ الْحِنْثِ نَحْوُ: إنْ لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ فَطَالِقٌ، فَأُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ كَمَا يَأْتِي. (إلَّا أَنْ يَعْلَمَ) حَالَ الْحَلِفِ (أَنَّهُ سَيُكْرَهُ) فَأُكْرِهَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ. أَوْ يَكُونُ الْإِكْرَاهُ (شَرْعِيًّا) فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ الشَّرْعِيَّ كَالطَّوْعِ. (كَتَقْوِيمِ جُزْءِ الْعَبْدِ فِي) حَلِفِهِ بِالطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ: (لَا بَاعَهُ) أَيْ هَذَا الْعَبْدَ: أَيْ لَا بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ ذَلِكَ الْعَبْدِ، فَأَعْتَقَ شَرِيكُهُ فِيهِ نَصِيبَهُ مِنْهُ فَقُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ الْحَالِفِ عَلَى عَدَمِ الْبَيْعِ وَكُمِّلَ بِهِ عِتْقُ الشَّرِيكِ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمُكْرِهَ لَهُ الشَّارِعُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِصْمَةِ بَاطِنًا وَإِلَّا وَقَعَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ تَرَكَ التَّوْرِيَةَ] : الْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْإِتْيَانُ بِلَفْظٍ فِيهِ إيهَامٌ عَلَى السَّامِعِ كَأَنْ يَقُولَ هِيَ طَالِقٌ، وَيُرِيدُ مِنْ وَثَاقٍ أَوْ رَجْعَةٍ بِالطَّلْقِ. قَوْلُهُ: [ذَلِكَ فِي صِيغَةِ الْبِرِّ] : أَيْ فَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِشُرُوطٍ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا ثَلَاثَةً وَهِيَ قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ سَيُكْرَهُ، أَوْ يَكُونُ الْإِكْرَاهُ شَرْعِيًّا أَوْ يُفْعَلُ بَعْدَ زَوَالِهِ، وَزِيدَ عَلَيْهَا أَنْ لَا يَأْمُرَ الْحَالِفُ غَيْرَهُ بِالْإِكْرَاهِ، وَأَنْ لَا يُعَمِّمَ فِي يَمِينِهِ بِأَنْ قَالَ: لَا أَفْعَلُ طَائِعًا وَلَا مُكْرَهًا فَتَكُونَ الشُّرُوطُ خَمْسَةً وَالصِّيغَةُ صِيغَةَ بِرٍّ.

(أَوْ) فِي حَلِفِهِ: (لَا اشْتَرَاهُ) فَأَعْتَقَ الْحَالِفُ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ فَقُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكٍ لِتَكْمِيلِ عِتْقِهِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ، وَكَمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ: لَا خَرَجَتْ زَوْجَتُهُ فَأَخْرَجَهَا قَاضٍ لِتَحْلِفَ يَمِينًا وَجَبَتْ عَلَيْهَا. (أَوْ يَفْعَلُ) الشَّيْءَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ (بَعْدَ زَوَالِهِ) أَيْ الْإِكْرَاهِ (فَيَلْزَمُ) الطَّلَاقُ (كَالْحِنْثِ) أَيْ كَمَا يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ مُطْلَقًا، كَمَا لَوْ حَلَفَ: إنْ لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ، فَهَمَّ بِالدُّخُولِ فَمُنِعَ مِنْهُ كُرْهًا، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ كَمَا لَوْ عَزَمَ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ صِيغَةَ الْبِرِّ لَا حِنْثَ فِيهَا بِالْإِكْرَاهِ بِالْقُيُودِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَأَمَّا صِيغَةُ الْحِنْثِ فَلَا يَنْفَعُ فِيهَا الْإِكْرَاهُ لِانْعِقَادِهَا عَلَى حِنْثٍ. ثُمَّ إنَّ الْإِكْرَاهَ الَّذِي لَا حِنْثَ بِهِ فِي صِيغَةِ الْبِرِّ يَكُونُ: (بِخَوْفِ قَتْلٍ) إنْ لَمْ يُطَلِّقْ، (أَوْ ضَرْبٍ مُؤْلِمٍ، أَوْ سَجْنٍ أَوْ قَيْدٍ، كَصَفْعٍ) بِكَفٍّ فِي قَفًا (لِذِي مُرُوءَةٍ بِمَلَأٍ) أَيْ جَمْعٍ مِنْ النَّاسِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُؤْلِمْ فَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْمُرُوءَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَزِمَهُ الطَّلَاقُ] : أَيْ عَلَى الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِلْمُغِيرَةِ حَيْثُ قَالَ بِعَدَمِ لُزُومِ الطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: [وَكَمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ] : أَدْخَلَتْ الْكَافُ كُلَّ مَا كَانَ الْإِكْرَاهُ فِيهِ شَرْعِيًّا، كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ، أَوْ لَا يُطِيعُ أَبَوَيْهِ، أَوْ لَا يَقْضِي دَيْنَ فُلَانٍ الَّذِي عَلَيْهِ، فَإِذَا أَكْرَهَهُ الْقَاضِي، عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ عَلَى الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ: [بِالْقُيُودِ الْمُتَقَدِّمَةِ] : أَيْ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ مَعَ الْقَيْدَيْنِ اللَّذَيْنِ زِدْنَاهُمَا فِيمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [بِخَوْفِ قَتْلٍ] : الْمُرَادُ بِالْخَوْفِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ قَوْلُهُ: [أَوْ سَجْنٍ أَوْ قَيْدٍ] : أَيْ وَلَوْ لَمْ يَطُلْ كُلٌّ مِنْهُمَا وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ مِنْ ذَوِي الْقَدْرِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْ رَعَاعِ النَّاسِ فَلَا يُعَدُّ الْخَوْفُ إكْرَاهًا إلَّا إذَا هُدِّدَ بِطُولِ الْإِقَامَةِ فِي السِّجْنِ أَوْ الْقَيْدِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ، فَعَلَى هَذَا يُعْتَبَرُ الْإِيلَامُ فِي السَّجْنِ وَالْقَيْدِ أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا يَكُونَانِ إكْرَاهًا إلَّا لِذَوِي الْمُرُوءَاتِ. قَوْلُهُ: [أَيْ جَمْعٍ مِنْ النَّاسِ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانُوا أَشْرَافًا أَوْ غَيْرَهُمْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ بِخَلْوَةٍ إلَخْ.

فَظِيعٌ، فَإِنْ كَانَ بِخَلْوَةٍ، أَوْ كَانَ الزَّوْجُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمُرُوءَاتِ لَمْ يَكُنْ إكْرَاهًا مَا لَمْ يَكْثُرْ وَإِلَّا فَإِكْرَاهٌ مُطْلَقًا. (أَوْ) خَوْفِ (أَخْذِ مَالٍ) لَهُ وَظَاهِرُهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَيَنْبَغِي مَا لَمْ يَكُنْ تَافِهًا وَهُوَ لِمَالِكٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنْ كَثُرَ. (أَوْ) خَوْفِ (قَتْلِ وَلَدٍ) إنْ لَمْ يُطَلِّقْ، وَكَذَا بِعُقُوبَتِهِ إنْ كَانَ بَارًّا وَالْوَلَدُ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَإِنْ نَزَلَ. (أَوْ) خَوْفِ قَتْلِ (وَالِدٍ) مِنْ أَبٍ أَوْ أُمٍّ (لَا غَيْرِهِمَا) مِنْ أَخٍ أَوْ عَمٍّ أَوْ خَالٍ أَوْ غَيْرِهِمْ. (وَنُدِبَ الْحَلِفُ) بِالطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ (لِيَسْلَمَ) الْغَيْرُ مِنْ الْقَتْلِ بِحَلِفِهِ، وَإِنْ حَنِثَ هُوَ وَذَلِكَ فِيمَا إذَا قَالَ ظَالِمٌ: إنْ لَمْ تُطَلِّقْ زَوْجَتَك أَوْ إنْ لَمْ تَحْلِفْ بِالطَّلَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَإِكْرَاهٌ مُطْلَقًا] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَلَا أَوْ فِي الْخَلَا لِذِي مُرُوءَةٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [وَيَنْبَغِي مَا لَمْ يَكُنْ تَافِهًا] : اعْلَمْ أَنَّهُ جَرَى فِي التَّخْوِيفِ بِأَخْذِ الْمَالِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قِيلَ إكْرَاهٌ، وَقِيلَ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ، وَقِيلَ إنْ كَثُرَ فَإِكْرَاهٌ وَإِلَّا فَلَا، الْأَوَّلُ لِمَالِكٍ، وَالثَّانِي لِأَصْبَغَ، وَالثَّالِثُ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ، ثُمَّ إنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الثَّالِثَ تَفْسِيرًا لِلْأَوَّلَيْنِ وَذَلِكَ كَابْنِ بَشِيرٍ وَمَنْ تَبِعَهُ وَعَلَيْهِ فَالْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ، وَمِنْهُمْ كَابْنِ الْحَاجِبِ مَنْ جَعَلَ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةً مُتَقَابِلَةً إبْقَاءً لَهَا عَلَى ظَاهِرِهَا، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَيَنْبَغِي مَا لَمْ يَكُنْ تَافِهًا تَقْيِيدٌ لِكَلَامِ مَالِكٍ وَلَيْسَ مِنْ كَلَامِهِ. قَوْلُهُ: [مِنْ أَخٍ أَوْ عَمٍّ] : أَيْ فَإِذَا قَالَ لَهُ ظَالِمٌ: إنْ لَمْ تُطَلِّقْ زَوْجَتَك وَإِلَّا قَتَلْت أَخَاك أَوْ عَمَّك فَطَلَّقَ خَوْفًا عَلَيْهِمَا، فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى الْأَجْنَبِيُّ فَلَيْسَ الْخَوْفُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ إكْرَاهًا شَرْعِيًّا وَإِنْ أُمِرَ بِالْحَلِفِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ الْحَلِفُ] إلَخْ: وَقِيلَ بِالْوُجُوبِ وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ غَمُوسٌ إنْ كَانَتْ بِاَللَّهِ، وَتُكَفَّرُ إنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِمَاضٍ، وَيُثَابُ عَلَيْهَا وَيُقَرُّ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ لَزِمَ.

قَتَلْت فُلَانًا، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ لَمْ يَحْلِفْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَرَجٌ (اهـ) أَيْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَا ضَمَانَ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ: أَنَّ ارْتِكَابَ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ وَاجِبٌ فَتَأَمَّلْهُ. (وَمِثْلُهُ) : أَيْ مِثْلُ الطَّلَاقِ فِي الْإِكْرَاهِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ (الْعِتْقُ وَالنِّكَاحُ وَالْإِقْرَارُ وَالْيَمِينُ) ؛ فَمَنْ أَكْرَهَ غَيْرَهُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ، أَوْ يُزَوِّجَهُ بِنْتَه مَثَلًا، أَوْ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِشَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ، أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ عَلَى أَنْ يَحْلِفَ يَمِينًا بِاَللَّهِ، أَوْ بِعِتْقِ عَبْدِهِ أَوْ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ، أَوْ بِصَوْمِ الْعَامِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى نَذْرِ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ لَمْ يَلْزَمْ الْمُكْرَهَ شَيْءٌ، (وَالْبَيْعُ وَنَحْوُهُ) مِنْ سَائِرِ الْعُقُودِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَنْ أَكْرَهَ غَيْرَهُ عَلَى عَقْدٍ أَوْ حَلٍّ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ يَمِينٍ لَمْ يَلْزَمْ الْمُكْرَهَ شَيْءٌ، وَالْإِكْرَاهُ فِيمَا ذُكِرَ يَكُونُ بِخَوْفٍ أَوْ ضَرْبٍ مُؤْلِمٍ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ. (بِخِلَافِ) الْإِكْرَاهِ عَلَى (الْكُفْرِ: كَالسَّبِّ) لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ لِنَبِيٍّ أَوْ مَلَكٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَا ضَمَانَ] : مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ مِنْهُ مُجَرَّدُ نُكُولٍ فَقَطْ، وَأَمَّا لَوْ دَلَّ الظَّالِمُ عَلَى الْمَظْلُومِ فَيَضْمَنُ قَطْعًا، وَلَا يُعْذَرُ بِالْإِكْرَاهِ. قَوْلُهُ: [وَيُرَدُّ عَلَيْهِ] إلَخْ: هَذَا الْبَحْثُ يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الْحَلِفِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَكِنْ عَدَمُ الضَّمَانِ مُرَاعَاةٌ لِلْقَوْلِ الْآخَرِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْبَحْثَ مَا مَرَّ مِنْ وُجُوبِ تَخْلِيصِ الْمُسْتَهْلِكِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ مَحَلَّ الْوُجُوبِ مَا لَمْ يَتَوَقَّفْ التَّخْلِيصُ عَلَى الْحَلِفِ كَاذِبًا وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ، فَيَكُونُ مُخَصَّصًا لِمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى نَذْرِ شَيْءٍ] إلَخْ: مِثْلُ مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْحَلِفِ بِالْتِزَامِ طَاعَةٍ كَمَا إذَا حَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْمَشْيِ لِمَكَّةَ لَيُصَلِّيَنَّ الظُّهْرَ أَوَّلَ وَقْتِهَا، أَوْ لَا يَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ، فَهَلْ إذَا خَالَفَ يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ وَلَا يُعَدُّ مُكْرَهًا أَوْ لَا يَلْزَمُهُ يَمِينٌ نَظَرًا لِلْإِكْرَاهِ؟ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْأَحْسَنُ عَدَمُ لُزُومِ الْيَمِينِ عَلَى الطَّاعَةِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْكُفْرِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْأُمُورَ الْمُتَقَدِّمَةَ مِنْ طَلَاقٍ وَأَيْمَانٍ لِغَيْرِهِ، وَنِكَاحٍ وَعِتْقٍ وَإِقْرَارٍ وَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَسَائِرِ الْعُقُودِ، يَتَحَقَّقُ فِيهَا الْإِكْرَاهُ بِالْخَوْفِ مِنْ الْقَتْلِ، وَمَا مَعَهُ، وَأَمَّا هَذِهِ الْأُمُورُ وَهِيَ الْكُفْرُ وَمَا مَعَهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا الْإِكْرَاهُ إلَّا بِخَوْفٍ مِنْ الْقَتْلِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [أَوْ لِنَبِيٍّ أَوْ مَلَكٍ] : أَيْ مُجْمَعٌ عَلَى نُبُوَّتِهِ أَوْ مَلَكِيَّتِهِ وَمِثْلُهُمَا الْحُورُ

وَكَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِقَذَرٍ. (وَ) بِخِلَافِ (قَذْفِ الْمُسْلِمِ) بِالزِّنَا، (وَ) بِخِلَافِ (الزِّنَا بِطَائِعَةٍ خَلِيَّةٍ) مِنْ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ (فَلَا يَجُوزُ) الْإِقْدَامُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (إلَّا) إذَا أُكْرِهَ (بِالْقَتْلِ) لَا بِغَيْرِهِ مِنْ قَطْعٍ وَنَحْوِهِ، وَإِلَّا ارْتَدَّ. (وَالصَّبْرُ) عَلَى الْقَتْلِ وَعَدَمِ ارْتِكَابِ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ (أَجْمَلُ) عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَحَبُّ إلَيْهِ. (لَا قَتْلُ الْمُسْلِمِ أَوْ قَطْعُهُ) يَدًا أَوْ رِجْلًا أَوْ أُصْبُعًا، (أَوْ الزِّنَا بِمُكْرَهَةٍ) لَوْ خَلِيَّةً مِنْ زَوْجٍ كَذَاتِ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ وَلَوْ طَائِعَةً، فَلَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ، وَأَمَّا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى فِعْلِ مَعْصِيَةٍ لَا حَقَّ فِيهَا لِمَخْلُوقٍ كَشُرْبِ خَمْرٍ وَأَكْلِ مَيْتَةٍ، فَيَكُونُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ أَيْضًا، وَأَلْحَقَ بِهِ بَعْضُهُمْ الزِّنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَيْنُ، أَمَّا مَنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى نُبُوَّتِهِ كَالْخَضِرِ وَلُقْمَانَ وَذِي الْقَرْنَيْنِ، أَوْ عَلَى مَلَكِيَّتِهِ كَهَارُوتَ وَمَارُوتَ، فَالْإِكْرَاهُ فِيهِمَا يَكُونُ وَلَوْ بِغَيْرِ الْقَتْلِ كَذَا فِي (عب) ، وَبُحِثَ فِيهِ فِي الْحَاشِيَةِ فَقَالَ وَفِيهِ أَنَّ سَبَّ الصَّحَابَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْقَتْلِ فَهُمْ أَوْلَى، فَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمُعَايَنَةِ الْقَتْلِ وَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا ارْتَدَّ] : أَيْ وَإِلَّا يَخَفْ مِنْ الْقَتْلِ بَلْ فَعَلَهُ لِخَوْفِ الضَّرْبِ أَوْ قَتْلِ الْوَلَدِ أَوْ نَهْبِ الْمَالِ، فَإِنَّهُ يُعَدُّ مُرْتَدًّا وَيُحَدُّ فِي قَذْفِ الْمُسْلِمِ وَفِي الزِّنَا. قَوْلُهُ: [أَجْمَلُ عِنْدَ اللَّهِ] : أَيْ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ وَأَكْثَرُ ثَوَابًا كَالْمَرْأَةِ لَا تَجِدُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهَا إلَّا مِمَّنْ يَزْنِي بِهَا، فَيَجُوزُ لَهَا الزِّنَا وَلَكِنْ صَبْرُهَا أَجْمَلُ. قَوْلُهُ: [لَا قَتْلُ الْمُسْلِمِ] إلَخْ: أَيْ لَوْ قَالَ لَك ظَالِمٌ إنْ لَمْ تَقْتُلْ فُلَانًا. أَوْ تُقَطِّعْهُ قَتَلْتُك فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْضَى بِقَتْلِ نَفْسِهِ، وَإِنْ قَتَلَ غَيْرَهُ أَوْ قَطَّعَهُ مِنْ أَجْلِ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ اُقْتُصَّ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ الزِّنَا بِمُكْرَهَةٍ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَك ظَالِمٌ: إنْ لَمْ تَزْنِ بِفُلَانَةَ قَتَلْتُك فَلَا يَجُوزُ الزِّنَا بِهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الرِّضَا بِقَتْلِ نَفْسِهِ إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ مُكْرَهَةً أَوْ طَائِعَةً ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ طَائِعَةً وَلَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ، فَيَجُوزُ بِخَوْفِ الْقَتْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [وَأَلْحَقَ بِهِ بَعْضُهُمْ] : الْمُرَادُ بِهِ سَحْنُونَ.

[محل الطلاق ووقوعه على وجه التعليق واليمين]

بِطَائِعَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ، لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ لَا حَقَّ لِمَخْلُوقٍ فِيهَا، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الزِّنَا أَشَدُّ لِمَا فِيهِ مِنْ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ، وَلِذَا كَانَ الْحَدُّ فِيهِ أَعْظَمَ وَالْقَذْفُ بِهِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْقَتْلِ، (وَإِنْ أَجَازَ) الْمُكْرَهُ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ (غَيْرَ النِّكَاحِ طَائِعًا) بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ (لَزِمَ) عَلَى الْأَحْسَنِ، وَأَمَّا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى النِّكَاحِ ثُمَّ زَالَ الْإِكْرَاهُ فَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِهِ وَلَا تَصِحُّ إجَازَتُهُ. وَلَمَّا كَانَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ بِقَوْلِهِ: (وَمَحَلُّهُ) : أَيْ الطَّلَاقِ (مَا مَلَكَ مِنْ عِصْمَةٍ) بَيَانُ مَعًا، فَمَا وَاقِعَةٌ عَلَى عِصْمَةٍ أَيْ عِصْمَةٍ مَمْلُوكَةٍ حَقِيقَةً أَيْ حَاصِلَةٌ بِالْفِعْلِ، بَلْ (وَإِنْ تَعْلِيقًا) : أَيْ وَإِنْ كَانَ مِلْكُهَا ذَا تَعْلِيقٍ أَيْ مُقَدَّرًا حُصُولُهُ بِالتَّعْلِيقِ. وَذَلِكَ التَّعْلِيقُ: إمَّا أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا كَقَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ - أَيْ غَيْرِ زَوْجَةٍ: إنْ تَزَوَّجْتُك أَوْ تَزَوَّجْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ، فَمَتَى تَزَوَّجَهَا وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَإِمَّا غَيْرُ صَرِيحٍ وَهُوَ قِسْمَانِ: إمَّا (بِنِيَّةٍ أَوْ بِسَاطٍ) الْأَوَّلُ (كَقَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ: إنْ فَعَلْت) كَذَا كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، (وَنَوَى) إنْ فَعَلَتْهُ (بَعْدَ نِكَاحِهَا) فَتَزَوَّجَهَا فَفَعَلَتْهُ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ لِنِيَّةِ التَّعْلِيقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا تَصِحُّ إجَازَتُهُ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ وَلَوْ انْعَقَدَ لَبَطَلَ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ فِيهِ خِيَارٌ. [مَحِلّ الطَّلَاق وَوُقُوعه عَلَى وَجْه التَّعْلِيق وَالْيَمِين] قَوْلُهُ: [الرُّكْنُ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ] : أَيْ وَهُمَا الْمَحَلُّ وَالصِّيغَةُ. قَوْلُهُ: [خُصَّهُمَا بِالذِّكْرِ] : أَيْ عَلَى سَبِيلِ الصَّرَاحَةِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ تَعْلِيقًا] : هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَخِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَلِقَوْلِ مَالِكٍ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ. قَوْلُهُ: [ذَا تَعْلِيقٍ] : يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يُقَالُ فِيهِ مَا قِيلَ فِي زَيْدٌ عَدْلٌ بِأَنْ يُقَالَ فِيهِ سَمَّاهَا تَعْلِيقًا مُبَالَغَةً أَوْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، أَوْ يُؤَوَّلُ الْمَصْدَرُ بِاسْمِ الْمَفْعُولِ. قَوْلُهُ [لِنِيَّةِ التَّعْلِيقِ] : مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ وَالنِّيَّةُ بِمَعْنَى الْمَنْوِيِّ، وَالْمَعْنَى لِلتَّعْلِيقِ الْمَنْوِيِّ أَيْ الْمُقَيَّدِ بِالنِّيَّةِ بِكَوْنِهِ بَعْدَ نِكَاحِهَا فَتَأَمَّلْ.

وَالثَّانِي مَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (أَوْ قَالَ عِنْدَ خِطْبَتِهَا) وَشَدَّدَ الْوَلِيُّ عَلَيْهِ فِي الشُّرُوطِ مَثَلًا: (هِيَ طَالِقٌ) وَلَمْ يَسْتَحْضِرْ نِيَّةً إنْ تَزَوَّجَهَا لَزِمَهُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ بِسَاطَ الْيَمِينِ - أَيْ قَرِينَةَ الْحَالِ - تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إنْ تَزَوَّجَهَا (وَتَطْلُقُ) : بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ اللَّامِ أَيْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ (عَقِبَهُ) : أَيْ عَقِبَ الْفِعْلِ فِي الثَّانِي، وَعَقِبَ الْعَقْدِ فِي الثَّالِثِ كَالْأَوَّلِ، (وَعَلَيْهِ النِّصْفُ) : أَيْ نِصْفُ الصَّدَاقِ لَكِنْ فِي الثَّانِي إنْ فَعَلَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ جَمِيعُ الصَّدَاقِ. (وَتَكَرَّرَ) وُقُوعُ الطَّلَاقِ وَلُزُومُ نِصْفِ الصَّدَاقِ (إنْ) بِصِيغَةٍ تَقْتَضِي التَّكْرَارَ كَأَنْ (قَالَ: كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك) فَأَنْتِ طَالِقٌ (إلَّا بَعْدَ ثَلَاثٍ) مِنْ الْمَرَّاتِ وَهِيَ الرَّابِعَةُ (قَبْلَ زَوْجٍ) ، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَزِمَهُ النِّصْفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، فَإِنْ عَقَدَ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ عَقْدَهُ حِينَئِذٍ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ وَعَادَ الْحِنْثُ وَلُزُومُ النِّصْفِ إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ الْعِصْمَةُ، وَهَكَذَا، لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لَمَّا لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً بِالْفِعْلِ - وَإِنَّمَا عَلَى عِصْمَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ وَهِيَ عَامَّةٌ لَزِمَهُ النِّصْفُ فِي كُلِّ عِصْمَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُتَزَوِّجًا بِهَا وَحَلَفَ بِأَدَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ قَرِينَةَ الْحَالِ] : تَفْسِيرٌ لِلْبِسَاطِ. قَوْلُهُ: [عَقِبَهُ] إلَخْ: هَذَا مَعْلُومٌ مِنْ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ يَحْتَاجُ لِحُكْمِ الْحَاكِمِ بِلُزُومِ التَّعْلِيقِ. قَوْلُهُ: [أَيْ عَقِبَ الْفِعْلِ فِي الثَّانِي] إلَخْ: الْمُرَادُ بِالثَّانِي: النِّيَّةُ، وَبِالثَّالِثِ: الْبِسَاطُ، وَبِالْأَوَّلِ: الصَّرِيحُ، وَانْظُرْ قَوْلَهُ عَقِبَهُ: " مَعَ أَنَّ الْمُعَلِّقَ وَالْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ يَقَعَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ "، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالْعَقِبِ الْمُقَارَنَةُ فِي الزَّمَنِ الْوَاحِدِ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ تَحْقِيقِ الزَّوْجِيَّةِ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُمْ الْمُعَلِّقُ وَالْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ يَقَعَانِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ، أَيْ قَدْ يَقَعَانِ فَلَيْسَ كُلِّيًّا كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. وَاسْتَشْكَلَ أَيْضًا قَوْلُهُ وَمَحَلُّهُ مَا مَلَكَ بِأَنَّهُمْ عَرَّفُوا الْمِلْكَ بِاسْتِحْقَاقِ التَّصَرُّفِ فِي شَيْءٍ بِكُلِّ وَجْهٍ جَائِزٍ، وَهُوَ يَكُونُ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَالزَّوْجُ لَا يَتَصَرَّفُ فِي الزَّوْجَةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ خَاصٌّ مِثْلُ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ فَهُوَ تَصَرُّفٌ فِي الْجُمْلَةِ. قَوْلُهُ: [وَتَكَرَّرَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ] إلَخْ: اعْتَرَضَ بِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْلِ أَنَّ الصِّيغَةَ إذَا كَانَتْ تَقْتَضِي التَّكْرَارَ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا، لِأَنَّ الْوَسِيلَةَ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا

تَكْرَارٍ فَيَخْتَصُّ بِالْعِصْمَةِ الْمَمْلُوكَةِ فَقَطْ كَمَا يَأْتِي، وَقَوْلُهُ: " وَعَلَيْهِ النِّصْفُ ": أَيْ فِي نِكَاحِ التَّسْمِيَةِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (وَلَوْ دَخَلَ) بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ الَّتِي عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى تَزْوِيجِهَا (فَالْمُسَمَّى) يَلْزَمُهُ (فَقَطْ) إنْ كَانَ وَإِلَّا فَصَدَاقُ الْمِثْلِ، وَرَدَّ بِقَوْلِهِ: فَقَطْ، عَلَى مَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ صَدَاقٌ وَنِصْفُ صَدَاقٍ، أَمَّا النِّصْفُ فَلِلُزُومِهِ بِالطَّلَاقِ، وَأَمَّا الصَّدَاقُ كَامِلًا فَلِلْوَطْءِ، وَرَدَّ بِأَنَّ هَذَا الْوَطْءَ مِنْ ثَمَرَاتِ الْعَقْدِ قَبْلَهُ وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ عَالِمَةً بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا، وَإِلَّا كَانَتْ زَانِيَةً. وَاسْتُثْنِيَ مِنْ قَوْلِهِ: " وَإِنْ تَعْلِيقًا "، قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا عَمَّ النِّسَاءَ) فِي تَعْلِيقِهِ، كَأَنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا، أَوْ إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، ثُمَّ دَخَلَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ بِالتَّضْيِيقِ، وَالْأَمْرُ إذَا ضَاقَ اتَّسَعَ، (أَوْ أَبْقَى قَلِيلًا) مِنْ النِّسَاءِ (كَكُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا) فَهِيَ طَالِقٌ، أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ (إلَّا مِنْ قَرْيَةِ كَذَا؛ وَهِيَ) أَيْ الْقَرْيَةُ (صَغِيرَةٌ) ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَالصَّغِيرَةُ هِيَ الَّتِي لَا يَجِدُ فِيهَا مَا يَتَزَوَّجُ بِهَا أَيْ مَا شَأْنُهَا ذَلِكَ لِصِغَرِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَقْصِدُهَا لَمْ تُشْرَعْ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ النِّكَاحِ الْوَطْءُ وَهُوَ غَيْرُ حَاصِلٍ، لِأَنَّهُ كُلَّمَا تَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ صَدَاقٌ، لِأَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ فُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا شَيْءَ فِيهِ، وَطَلَاقُ الْفَاسِدِ مِثْلُ فَسْخِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ طَلَاقُ الْفَاسِدِ مِثْلُ فَسْخِهِ إذَا كَانَ فَاسِدًا لِصَدَاقِهِ كَمَا فِي (بْن) ، وَأَمَّا الْفَاسِدُ لِعَقْدِهِ كَمَا هُنَا، فَفِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ نِصْفُ الْمُسَمَّى. قَوْلُهُ: [فَالْمُسَمَّى يَلْزَمُهُ فَقَطْ] : أَيْ وَلَوْ تَعَدَّدَ الْوَطْءُ وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ عِلْمِهِ حِينَ الْوَطْءِ بِأَنَّهَا هِيَ الْمُعَلَّقُ طَلَاقُهَا عَلَى نِكَاحِهَا، وَإِلَّا تَعَدَّدَ الصَّدَاقُ بِتَعَدُّدِ الْوَطْءِ إنْ لَمْ تَكُنْ عَالِمَةً، وَإِلَّا فَهِيَ زَانِيَةٌ فَلَا يَتَعَدَّدُ لَهَا مَهْرٌ وَلَا يَتَكَمَّلُ لَهَا صَدَاقٌ بِالْوَطْءِ الْأَوَّلِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [عَلَى مَنْ قَالَ] إلَخْ: أَيْ وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ وَهْبٍ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا كَانَتْ زَانِيَةً] : أَيْ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا نِصْفُ الصَّدَاقِ بِالْعَقْدِ وَلَوْ كَانَ الْوَاطِئُ ذَا شُبْهَةٍ.

[تنبيه دخول الزوجة في جنس حلف عليه]

بِخِلَافِ الْكَبِيرَةِ كَالْقَاهِرَةِ. (وَإِلَّا تَفْوِيضًا) ، لِأَنَّ نِكَاحَ التَّفْوِيضِ قَلِيلٌ جِدًّا بِالنِّسْبَةِ لِنِكَاحِ التَّسْمِيَةِ (كَأَنْ ذَكَرَ زَمَنًا لَا يَبْلُغُهُ عُمُرَهُ غَالِبًا) فَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ، كَمَا لَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مُدَّةَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَهِيَ طَالِقٌ، وَكَانَ مَا مَضَى مِنْ عُمُرِهِ أَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسِينَ سَنَةً، إذْ الْغَالِبُ أَنْ لَا يَعِيشَ الثَّمَانِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّعْمِيرَ بِخَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَهُوَ كَمَنْ عَمَّ النِّسَاءَ. وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَوْ أَبْقَى كَثِيرًا مِنْ النِّسَاءِ - وَلَوْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ قَلِيلًا - لَزِمَهُ الطَّلَاقُ. لَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مِنْ مِصْرَ، أَوْ مِنْ الْعَرَبِ، أَوْ مِنْ الْعَجَمِ، أَوْ مِنْ تَمِيمٍ، فَهِيَ طَالِقٌ، فَتَزَوَّجَ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَا إذَا قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا تَفْوِيضًا فَهِيَ طَالِقٌ، أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مُدَّةَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَهِيَ طَالِقٌ، وَكَانَ الْمَاضِي مِنْ عُمُرِهِ عِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ فِي كُلِّ مَنْ تَزَوَّجَهَا فِي مُدَّةِ الْأَرْبَعِينَ لِأَنَّ السَّبْعِينَ يَبْلُغُهَا الشَّخْصُ فِي الْغَالِبِ. وَكَذَا إنْ أَبْقَى لِنَفْسِهِ قَرْيَةً كَبِيرَةً كَالْقَاهِرَةِ فَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ فِيمَا عَدَاهَا. (وَلَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ فِي) قَوْلِهِ: (كُلُّ حُرَّةٍ) أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ، لِأَنَّهُ صَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [تَنْبِيه دُخُول الزَّوْجَة فِي جنس حَلَفَ عَلَيْهِ] قَوْلُهُ: [أَنَّهُ لَوْ أَبْقَى كَثِيرًا] إلَخْ: أَيْ بِتَعْلِيقٍ أَوْ بِدُونِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ] : أَيْ لِغَيْرِ مَنْ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [فَتَزَوَّجَ مِنْ ذَلِكَ] : أَيْ مِنْ الْجِنْسِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [يَبْلُغُهَا الشَّخْصُ فِي الْغَالِبِ] : قَدْ يُقَالُ إنَّهُمْ شَرَطُوا أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُمُرِ الْغَالِبِ مَا يَحْصُلُ لَهُ النَّفْعُ بِالتَّزْوِيجِ، وَمَنْ بَلَغَ سَبْعِينَ سَنَةً انْتَهَى فِي الْعُمُرِ الْغَالِبِ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ مُدَّةٍ بَعْدَ مَا يَبْلُغُهُ عُمُرُهُ ظَاهِرًا يَتَزَوَّجُ فِيهَا، وَيَحْصُلُ لَهُ فِيهَا النَّفْعُ بِالتَّزْوِيجِ، أَمَّا لَوْ كَانَ ابْنَ عِشْرِينَ وَحَلَفَ عَلَى تَرْكِ التَّزْوِيجِ مُدَّةَ خَمْسِينَ سَنَةً فَلَا يَحْنَثُ إذَا تَزَوَّجَ لِأَنَّ السَّبْعِينَ مُدَّةُ الْعُمُرِ الْمُعْتَادِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْتَفَتَ شَارِحُنَا إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مُدَّةَ التَّعْمِيرِ ثَمَانُونَ تَأَمَّلْ. تَنْبِيهٌ: إذَا حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ مِنْ الْجِنْسِ الْفُلَانِيِّ أَوْ الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ وَلَهُ زَوْجَةٌ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ أَوْ الْبَلَدِ فِي عِصْمَتِهِ قَبْلَ الْحَلِفِ فَلَا تَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ، لِأَنَّ الدَّوَامَ لَيْسَ كَالِابْتِدَاءِ. قَوْلُهُ: [وَلَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ] : اعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ إبَاحَةِ نِكَاحِ الْإِمَاءِ لَهُ إذَا خَشِيَ

بِسَبَبِ يَمِينِهِ كَعَادِمِ الطَّوْلِ وَلَوْ مَلِيًّا. (وَلَزِمَ) الْيَمِينُ (فِي الْمِصْرِيَّةِ) مَثَلًا كَمَا لَوْ قَالَ: كُلُّ مِصْرِيَّةٍ أَوْ شَامِيَّةٍ أَوْ مَغْرِبِيَّةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ. (فِيمَنْ أَبُوهَا كَذَلِكَ) : أَيْ مِصْرِيٌّ مَثَلًا، وَلَوْ كَانَتْ أُمُّهَا غَيْرَ مِصْرِيَّةٍ، وَالْأُمُّ تَبَعٌ لِلْأَبِ. (وَ) لَزِمَ (فِي الطَّارِئَةِ) إلَى مِصْرَ وَكَانَتْ شَامِيَّةً مَثَلًا (إنْ تَخَلَّقَتْ بِخُلُقِهِنَّ) أَيْ الْمِصْرِيَّاتِ، بِأَنْ أَقَامَتْ مُدَّةً بِمِصْرَ حَتَّى تَطَبَّعَتْ بِطِبَاعِ الْمِصْرِيَّاتِ، لَا إنْ لَمْ تَتَخَلَّقْ بِخُلُقِهِنَّ وَلَوْ طَالَتْ إقَامَتُهَا بِهَا. (لَا) يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ (فِي) قَوْلِهِ: كُلُّ مَنْ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ (إلَّا أَنْ أَنْظُرَهَا) ، أَوْ حَتَّى أَنْظُرَهَا أَيْ بِبَصَرِي (فَعَمِيَ) لِأَنَّ بِسَاطَ يَمِينِهِ مَا دُمْت بَصِيرًا، فَلَهُ بَعْدَ الْعَمَى تَزَوُّجُ مَنْ شَاءَ. (وَلَا) يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ (فِي الْأَبْكَارِ) إذَا قَالَ: كُلُّ بِكْرٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالزِّنَا مَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّسَرِّي، وَإِلَّا وَجَبَ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ، وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا الْأَمِيرِ عَلَى (عب) أَنَّ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ، وَلَوْ قَدِرَ عَلَى التَّسَرِّي فَإِنْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ الَّتِي تَزَوَّجَ بِهَا، فَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ إنَّ الدَّوَامَ لَيْسَ كَالِابْتِدَاءِ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي فِي عِصْمَتِهِ أَنْ لَا تَطْلُقَ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: [فِيمَنْ أَبُوهَا كَذَلِكَ] : أَيْ وَلَوْ لَمْ تَقُمْ بِمِصْرَ قَوْلُهُ: [وَلَزِمَ فِي الطَّارِئَةِ] إلَخْ: أَيْ الْمَوْضُوعُ أَنَّهُ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ مِصْرِيَّةً. قَوْلُهُ: [فَلَهُ بَعْدَ الْعَمَى تَزَوُّجُ مَنْ شَاءَ] : وَمِثْلُهُ لَوْ قَالَ حَتَّى يَنْظُرَهَا فُلَانٌ، فَعَمِيَ فُلَانٌ أَوْ مَاتَ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَا شَاءَ، وَلَوْ لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا يَتَزَوَّجُ حَتَّى يَخْشَى الزِّنَا وَلَمْ يَجِدْ مَا يَتَسَرَّى بِهِ، وَكُلُّ هَذَا إذَا قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ حَتَّى أَنْظُرَهَا أَوْ يَنْظُرَهَا فُلَانٌ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مِنْ بَلَدِ كَذَا أَوْ مِنْ قَبِيلَةِ كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ حَتَّى أَنْظُرَهَا أَوْ يَنْظُرَهَا فُلَانٌ، فَعَمِيَ، فَإِنَّ الْيَمِينَ لَازِمَةٌ، وَمَتَى تَزَوَّجَ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ أَوْ مِنْ تِلْكَ الْقَبِيلَةِ بَعْدَ الْعَمَى طَلُقَتْ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَدْرِ (اهـ) ، وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ تُفِيدُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ فِي الْأَبْكَارِ] : مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمَشْهُورُ

(بَعْدَ) قَوْلِهِ: (كُلُّ ثَيِّبٍ) أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ (كَالْعَكْسِ) ، أَيْ لَا يَلْزَمُهُ فِي الثَّيِّبَاتِ إذَا قَالَ: كُلُّ ثَيِّبٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ بَعْدَ قَوْلِهِ: كُلُّ بِكْرٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا، لِدَوَرَانِ الْحَرَجِ مَعَ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ، وَيَلْزَمُهُ فِي الثَّيِّبَاتِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَفِي الْأَبْكَارِ فِي الثَّانِيَةِ. (وَلَا) يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ (إنْ خَشِيَ) عَلَى نَفْسِهِ (الْعَنَتَ فِي مُؤَجَّلٍ) بِأَجَلٍ (يَبْلُغُهُ) الْحَالِفُ غَالِبًا، كَقَوْلِهِ: امْرَأَةٌ أَتَزَوَّجُهَا فِي السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، أَوْ مُدَّةَ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثِينَ مَثَلًا، (وَتَعَذَّرَ) عَلَيْهِ (التَّسَرِّي) ، فَإِنْ لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ أَوْ أَمْكَنَهُ التَّسَرِّي حَنِثَ كَمَا مَرَّ، فَهَذَا كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ: " كَأَنْ ذَكَرَ زَمَنًا لَا يَبْلُغُهُ "، أَيْ فَإِنْ كَانَ الزَّمَنُ يَبْلُغُهُ الْحَالِفُ عَادَةً حَنِثَ إلَّا إذَا خَشِيَ إلَخْ. (أَوْ قَالَ: آخِرُ امْرَأَةٍ) : أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ، لَمْ يَلْزَمْهُ فِيمَنْ يَتَزَوَّجُهَا شَيْءٌ عَلَى الرَّاجِحِ، (وَلَا يُوقَفُ) عَنْ وَطْءِ الْأُولَى حَتَّى يَتَزَوَّجَ بِثَانِيَةٍ، فَإِنْ تَزَوَّجَ بِثَانِيَةٍ حَلَّ وَطْءُ الْأُولَى وَوُقِفَ عَنْ الثَّانِيَةِ حَتَّى يَتَزَوَّجَ ثَالِثَةً، فَإِنْ تَزَوَّجَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ، ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: هُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ، وَقَلِيلٌ يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ فِيهِمَا نَظَرًا لِلتَّخْصِيصِ فِيهِمَا، وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ فِيهِمَا وَهَذَا الْقَوْلُ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ. قَوْلُهُ: [حَنِثَ إلَّا إذَا خَشِيَ] إلَخْ: أَيْ فَحِينَئِذٍ لَهُ التَّزَوُّجُ بِحُرَّةٍ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِالْأَمَةِ حَيْثُ أُبِيحَتْ لَهُ الْحُرَّةُ إلَّا إذَا عَدِمَ الطَّوْلَ لِلْحَرَائِرِ. قَوْلُهُ: [عَلَى الرَّاجِحِ] : أَيْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْآخَرَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْمَوْتِ، وَلَا يُطْلَقُ عَلَى مَيِّتٍ، وَلِأَنَّهُ مَا مِنْ وَاحِدَةٍ إلَّا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا الْأَخِيرَةُ فَكَانَ كَمَنْ عَمَّ النِّسَاءَ. قَوْلُهُ: [حَلَّ وَطْءُ الْأُولَى] : أَيْ وَيَرِثُهَا إذَا مَاتَتْ، وَأَمَّا إذَا مَاتَتْ الْمَوْقُوفُ عَنْهَا فَإِنَّهُ يُوقَفُ مِيرَاثُهُ مِنْهَا، فَإِنْ تَزَوَّجَ ثَانِيَةً أَخَذَهُ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ رُدَّ لِوَارِثَتِهَا، وَإِذَا مَاتَ الزَّوْجُ عَمَّنْ وُقِفَ عَنْهَا فَلَا تَرِثُهُ وَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ لِتَبَيُّنِ أَنَّهَا الْمُطَلَّقَةُ، لِأَنَّهَا آخِرُ امْرَأَةٍ لَهُ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَيُلْغَزُ بِهَا فِي مَسْأَلَةِ مَوْتِ

[ولاية الزوج على محل الطلاق حال النفوذ]

وُقِفَ عَنْ الثَّالِثَةِ حَتَّى يَتَزَوَّجَ بِرَابِعَةٍ، وَهَكَذَا وَيُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ فِيمَنْ وُقِفَ عَنْهَا، فَإِنْ مَضَى الْأَجَلُ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ طُلِّقَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ، وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ إلَّا فِي الزَّوْجَةِ الْأُولَى فَلَا يُوقَفُ عَنْهَا، لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ آخِرُ امْرَأَةٍ عَلِمْنَا أَنَّهُ جَعَلَ لِنَفْسِهِ أُولَى لَمْ يُرِدْهَا بِيَمِينِهِ. (وَاعْتُبِرَ فِي وِلَايَتِهِ) : أَيْ الزَّوْجِ (عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْمَحَلِّ الَّذِي هُوَ الْعِصْمَةُ وَالْوِلَايَةُ عَلَيْهِ مِلْكُهُ (حَالُ النُّفُوذِ) : نَائِبُ فَاعِلِ اُعْتُبِرَ، وَحَالُ النُّفُوذِ هُوَ وَقْتُ وُقُوعِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ كَدُخُولِ الدَّارِ؛ أَيْ وَالْمُعْتَبَرُ شَرْعًا فِي مِلْكِ الْعِصْمَةِ هُوَ وَقْتُ وُقُوعِ الْفِعْلِ الَّذِي عُلِّقَ الطَّلَاقُ عَلَيْهِ لَا حَالُ التَّعْلِيقِ، وَفَرَّعَ عَلَى هَذَا قَوْلَهُ: (فَلَوْ فَعَلَتْ) الزَّوْجَةُ الَّتِي حَلَفَ بِطَلَاقِهَا إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ (الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ) بِأَنْ دَخَلَتْ الدَّارَ (حَالَ بَيْنُونَتِهَا) وَلَوْ بِوَاحِدَةٍ - كَخُلْعٍ، أَوْ بِانْقِضَاءِ عِدَّةِ رَجْعِيٍّ - (لَمْ يَلْزَمْ) الطَّلَاقُ، إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى مَحَلِّ الْعِصْمَةِ حَالَ النُّفُوذِ: أَيْ حَالَ وُقُوعِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الدُّخُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ؛ إذْ الْمَحَلُّ مَعْدُومٌ حَالَ النُّفُوذِ وَإِنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ أَيْ الْمِلْكُ حَالَ التَّعْلِيقِ، وَكَذَا مَنْ حَلَفَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّوْجِ فَيُقَالُ: شَخْصٌ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ، نَكَحَهَا بِصَدَاقٍ مُسَمًّى وَأَخَذَتْ نِصْفَهُ وَلَا مِيرَاثَ لَهَا وَلَا عِدَّةَ، وَيُلْغَزُ بِهَا أَيْضًا إذَا مَاتَتْ هِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ فَيُقَالُ: مَاتَتْ امْرَأَةٌ وُقِفَ إرْثُهَا، وَلَيْسَ فِي وَرَثَتِهَا حَمْلٌ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي مَاتَتْ امْرَأَةٌ فِي عِصْمَةِ رَجُلٍ وَلَا يَرِثُهَا إلَّا إذْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: [وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ قَالَ أَوَّلُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ، وَآخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا اتِّفَاقًا وَيَجْرِي فِي آخِرِ امْرَأَةٍ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَوْلُ سَحْنُونَ وَلَا يَجْرِي فِيهَا اخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ فَتَأَمَّلْ. [وِلَايَةُ الزَّوْجِ عَلَى مَحَلِّ الطَّلَاقِ حَالُ النُّفُوذِ] قَوْلُهُ: [أَيْ وَالْمُعْتَبَرُ شَرْعًا] إلَخْ: هَذَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً، فَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُنْعَقِدَةٍ حَالَ التَّعْلِيقِ كَمَا إذَا عَلَّقَ صَبِيٌّ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ فَبَلَغَ وَدَخَلَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ. قَوْلُهُ: [إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ] إلَخْ: أَيْ لَا مِلْكَ لِلزَّوْجِ فِي الْعِصْمَةِ حَالَ النُّفُوذِ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا.

فِعْلِ غَيْرِهَا كَدُخُولِ زَيْدٍ أَوْ دُخُولِهِ هُوَ فَدَخَلَ حَالَ بَيْنُونَتِهَا لَمْ يَلْزَمْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ لِغَرِيمِهِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ وَقْتَ كَذَا، فَقَبْلَ مَجِيءِ الْوَقْتِ طَلَّقَهَا طَلَاقَ الْخُلْعِ لِخَوْفِهِ مِنْ مَجِيءِ الْوَقْتِ وَهُوَ مَعْدُومٌ، أَوْ قَصَدَ عَدَمَ الْقَضَاءِ فِي الْوَقْتِ لَا يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَعْقِدُ عَلَيْهَا بِرِضَاهَا بِرُبْعِ دِينَارٍ، (فَلَوْ نَكَحَهَا) بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ وَكَانَتْ يَمِينُهُ مُطْلَقَةً أَيْ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِزَمَنٍ، أَوْ مُقَيَّدَةً بِزَمَنٍ وَلَمْ يَنْقَضِ (فَفَعَلَتْهُ) بَعْدَ نِكَاحِهَا (حَنِثَ) سَوَاءٌ فَعَلَتْهُ حَالَ الْبَيْنُونَةِ أَيْضًا أَمْ لَا (إنْ بَقِيَ لَهَا مِنْ الْعِصْمَةِ الْمُعَلَّقِ فِيهَا شَيْءٌ) . بِأَنْ كَانَ طَلَاقُهَا دُونَ الْغَايَةِ، وَقَوْلُهُ: " فَلَوْ نَكَحَهَا " أَيْ مُطْلَقًا قَبْلَ زَوْجٍ أَوْ بَعْدَهُ، لِأَنَّ نِكَاحَ الْأَجْنَبِيِّ لَا يَهْدِمُ الْعِصْمَةَ السَّابِقَةَ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: " إنْ بَقِيَ " إلَخْ، عَمَّا لَوْ أَبَانَهَا بِالثَّلَاثِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَفَعَلَتْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّ الْعِصْمَةَ الْمُعَلَّقَ فِيهَا قَدْ زَالَتْ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِأَدَاةِ تَكْرَارٍ. (كَمَحْلُوفٍ لَهَا) بِطَلَاقِ غَيْرِهَا إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَيْهَا أَوْ آثَرَهَا عَلَيْهَا، (كَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا عَلَيْك) طَالِقٌ؛ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَخْتَصُّ بِالْعِصْمَةِ الْمُعَلَّقِ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا كَالْمَحْلُوفِ بِهَا: أَيْ بِطَلَاقِهَا الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا، فَإِذَا طَلَّقَ الْمَحْلُوفَ لَهَا دُونَ الْغَايَةِ ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَهُمْ لِمِلْكِ الْعِصْمَةِ حَالَ النُّفُوذِ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ لِلْحِنْثِ، وَأَمَّا الْبِرُّ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحِنْثَ لَمَّا كَانَ مُوجِبًا لِلطَّلَاقِ اُشْتُرِطَ فِيهِ مِلْكُ الْعِصْمَةِ، وَأَمَّا الْبِرُّ لَمَّا كَانَ مُسْقِطًا لِلْيَمِينِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ مِلْكِ الْعِصْمَةِ فِيهِ، بَلْ فِي أَيْ وَقْتٍ وَقَعَ الْفِعْلُ الَّذِي حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّهُ بَرَّ، فَإِذَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ فَأَبَانَهَا، وَفَعَلَهُ حَالَ بَيْنُونَتِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَإِنْ يَبَرَّ بِفِعْلِهِ حَالَ الْبَيْنُونَةِ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ (عب) مِنْ عَدَمِ الْبَرَاءَةِ كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [إنْ بَقِيَ لَهُ مِنْ الْعِصْمَةِ الْمُعَلَّقِ فِيهَا شَيْءٌ] : هَذَا خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ مَذْهَبَهُ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ: إنْ فَعَلْت أَنَا أَوْ أَنْتِ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ خَالَعَهَا انْحَلَّتْ يَمِينُهُ، فَإِذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بَقِيَ مِنْ الْعِصْمَةِ فِيهَا شَيْءٌ أَمْ لَا، وَهِيَ فُسْحَةٌ عَظِيمَةٌ يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهَا. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَحْنَثْ] : أَيْ بِاتِّفَاقٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ.

تَزَوَّجَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا طَلُقَتْ مَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَيْهَا، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ وَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا لَمْ يَحْنَثْ، خِلَافًا لِقَوْلِ الشَّيْخِ: فَفِيهَا وَغَيْرِهَا. (فَلَوْ بَانَتْ) الْمَحْلُوفُ لَهَا (بِدُونِ الْغَايَةِ فَتَزَوَّجَ) بِأَجْنَبِيَّةٍ، (ثُمَّ تَزَوَّجَهَا) : أَيْ الْمَحْلُوفَ لَهَا الْمُطَلَّقَةَ بِمَا دُونَ الْغَايَةِ (طَلُقَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ) بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، (وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا) : أَيْ عَلَى الْمَحْلُوفِ لَهَا، وَإِنَّمَا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ، (وَإِنْ ادَّعَى نِيَّةً) وَلَا يُعْمَلُ بِنِيَّتِهِ فِي فَتْوَى وَلَا قَضَاءَ لِأَنَّ الْيَمِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [خِلَافًا لِقَوْلِ الشَّيْخِ] إلَخْ: حَاصِلُ مَا لَهُمْ هُنَا أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا مُتَّفَقٌ عَلَى تَعَلُّقِ الْحِنْثِ بِهَا فِي الْعِصْمَةِ الْأُولَى وَغَيْرِهَا كَمَا يَأْتِي فِي الْإِيلَاءِ، وَأَمَّا الْمَحْلُوفُ بِهَا أَيْ بِطَلَاقِهَا فَاتُّفِقَ عَلَى تَعَلُّقِ الْيَمِينِ بِالْعِصْمَةِ الْأُولَى فَقَطْ، وَأَمَّا الْمَحْلُوفُ لَهَا فَهِيَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، فَاَلَّذِي فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا كَالْمَحْلُوفِ بِهَا فِي تَعَلُّقِ الْيَمِينِ بِهَا فِي الْعِصْمَةِ الْأُولَى، وَعَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَائِلًا: أَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ، وَهَذَا الْحُكْمُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَحْلُوفِ بِطَلَاقِهَا لَا فِي الْمَحْلُوفِ لَهَا بِالطَّلَاقِ، وَقَدْ عَوَّلَ شَارِحُنَا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُعْمَلُ بِنِيَّتِهِ فِي فَتْوَى وَلَا قَضَاءٍ] : ظَاهِرُهُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ كَانَتْ الْيَمِينُ حَقًّا لَهَا بِأَنْ اشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، أَوْ تَطَوَّعَ لَهَا بِتِلْكَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ صَارَ حَقًّا لَهَا، وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ فِي التَّطَوُّعِ وَتُقْبَلُ نِيَّتُهُ. وَاسْتَشْكَلَ هَذَا الْفَرْعُ بِأَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ قَبُولِ النِّيَّةِ عِنْدَ الْقَاضِي إنْ كَانَتْ مُخَالِفَةً لِظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَهِيَ هُنَا مُوَافِقَةٌ لَا مُخَالِفَةٌ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ وَلَوْ مَعَ الرَّفْعِ لِلْقَاضِي. وَأُجِيبَ بِأَنَّ يَمِينَهُ مَحْمُولَةٌ شَرْعًا عَلَى عَدَمِ الْجَمْعِ، وَحِينَئِذٍ فَالنِّيَّةُ مُخَالِفَةٌ لِمَدْلُولِ اللَّفْظِ شَرْعًا. مَسْأَلَةٌ: لَوْ عَلَّقَ حُرٌّ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ الْمَمْلُوكَةِ لِأَبِيهِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ عَلَى مَوْتِهِ، بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ مَوْتِ أَبِي أَوْ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَنْفُذْ هَذَا التَّعْلِيقُ؛ لِانْتِقَالِ تَرِكَةِ أَبِيهِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا إلَيْهِ بِمَوْتِهِ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْأَمَةُ فَيَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ فَلَمْ يَجِدْ الطَّلَاقَ عِنْدَ مَوْتِ الْأَبِ مَحَلًّا يَقَعُ عَلَيْهِ، وَجَازَ لَهُ وَطْؤُهَا بِالْمِلْكِ، وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ ثَلَاثًا وَكَذَا نِكَاحُهَا بَعْدَ عِتْقِهَا قَبْلَ زَوْجٍ كَذَا فِي الْأَصْلِ.

[اللفظ الذي يقع به الطلاق]

عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهَا وَنِيَّتُهَا أَنْ لَا يَجْمَعَ مَعَهَا غَيْرَهَا، وَقِيلَ: هَذَا إنْ رَفَعَتْهُ، وَلَوْ جَاءَ مُسْتَفْتِيًا لَقُبِلَتْ نِيَّتُهُ، وَقَدْ أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: " تَأْوِيلَانِ ". (وَلَوْ عَلَّقَ عَبْدٌ) الطَّلَاقَ (الثَّلَاثَ عَلَى فِعْلٍ) مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ كَدُخُولِ دَارٍ، (فَعَتَقَ فَحَصَلَ) الْفِعْلُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ كَالدُّخُولِ (لَزِمَتْ) لِثَلَاثٍ، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالُ النُّفُوذِ لَا حَالُ التَّعْلِيقِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ اثْنَتَانِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ إلَّا اثْنَتَانِ، فَإِنْ دَخَلَتْ قَبْلَ الْعِتْقِ لَزِمَهُ اثْنَتَانِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، وَلَوْ عَتَقَ بَعْدُ (وَ) لَوْ عَلَّقَ الْعَبْدُ (اثْنَتَيْنِ) عَلَى الدُّخُولِ مَثَلًا فَعَتَقَ ثُمَّ دَخَلَتْ لَزِمَهُ الِاثْنَتَانِ، وَ (بَقِيَتْ) عَلَيْهِ (وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ طَلَّقَ) حَالَ رِقِّهِ (وَاحِدَةً فَعَتَقَ) بَقِيَتْ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّهُ كَحُرٍّ طَلَّقَ نِصْفَ طَلَاقِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ اللَّفْظُ بِقَوْلِهِ: (وَلَفْظُهُ الصَّرِيحُ) الَّذِي تَنْحَلُّ بِهِ الْعِصْمَةُ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ حَلَّهَا مَتَى قَصَدَ اللَّفْظَ (الطَّلَاق) كَمَا لَوْ قَالَ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي، أَوْ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ: أَنْتِ الطَّلَاقُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، (وَطَلَاقٌ) بِالتَّنْكِيرِ أَيْ: يَلْزَمُنِي، أَوْ: عَلَيْك، أَوْ: أَنْتِ طَلَاقٌ، أَوْ: عَلَيَّ طَلَاقٌ، وَسَوَاءٌ نَطَقَ بِالْمُبْتَدَأِ كَأَنْتِ أَوْ بِالْخَبَرِ كَعَلَيَّ أَمْ لَا، لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ وَالْمُقَدَّرُ كَالثَّابِتِ، (وَطَلَّقْتُ) بِالْفِعْلِ الْمَاضِي وَالتَّاءُ مَضْمُومَةٌ، (وَتَطَلَّقْتِ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ وَكَسْرِ التَّاءِ أَيْ مِنِّي أَوْ أَنْتِ تَطَلَّقْت، (وَطَالِقٌ) اسْمُ فَاعِلٍ، (وَمُطَلَّقَةٌ) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَاللَّامُ مُشَدَّدَةٌ اسْمُ مَفْعُولٍ نَحْوُ أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ. (لَا مَطْلُوقَةٌ وَمُنْطَلِقَةٌ وَانْطَلِقِي) : أَيْ لَيْسَتْ هِيَ مِنْ صَرِيحِهِ وَلَا مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَبَقِيَتْ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ] : عَلَى بِمَعْنَى اللَّامِ. [اللَّفْظ الَّذِي يَقَع بِهِ الطَّلَاق] قَوْلُهُ: [وَلَفْظُهُ الصَّرِيحُ] إلَخْ: أَيْ فَهُوَ مُنْحَصِرٌ فِي تِلْكَ الْأَلْفَاظِ السِّتَّةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّ الصَّرِيحَ مَا كَانَ فِيهِ الْحُرُوفُ الثَّلَاثَةُ الطَّاءُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ لِشُمُولِهِ نَحْوَ مُنْطَلِقًا وَمُطْلَقَةً وَمَطْلُوقَةً وَانْطَلِقِي، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مِنْ الْكِتَابَةِ الْخَفِيَّةِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [اسْمُ مَفْعُولٍ] : أَيْ لِلْفِعْلِ الْمُضَعَّفِ، وَأَمَّا بِغَيْرِهِ فَتَقَدَّمَ أَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ.

كِنَايَاتِهِ الظَّاهِرَةِ لِاسْتِعْمَالِهَا فِي الْعُرْفِ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ، بَلْ مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ، إنْ قَصَدَ بِهَا الطَّلَاقَ لَزِمَهُ، وَإِلَّا فَلَا. (وَلَزِمَ) فِي صَرِيحِهِ طَلْقَةٌ (وَاحِدَةٌ إلَّا لِنِيَّةِ أَكْثَرَ) فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَاهُ (كَاعْتَدِّي) : أَيْ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: اعْتَدِّي؛ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَكْثَرَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا نَوَاهُ. وَاعْتَدِّي مِنْ الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ وَيَلْزَمُ بِهَا مَا ذُكِرَ. (وَصُدِّقَ فِي) دَعْوَى (نَفْيِهِ) : أَيْ نَفْيِ الطَّلَاقِ مِنْ أَصْلِهِ فِي قَوْلِهِ: اعْتَدِّي (إنْ دَلَّ بِسَاطٌ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى نَفْيِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْخِطَابُ فِي مَقَامِ ذِكْرِ الِاعْتِدَادِ بِشَيْءٍ أَوْ الْعَدِّ، فَقَالَ: اعْتَدِّي، وَقَالَ: نَوَيْته الِاعْتِدَادَ بِكَذَا أَوْ الْعَدَّ فَيُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ. (وَكِنَايَتُهُ الظَّاهِرَةُ: بَتَّةٌ، وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك. وَلَزِمَ بِهِمَا) : أَيْ بِإِحْدَى هَاتَيْنِ الصِّيغَتَيْنِ (الثَّلَاثُ مُطْلَقًا) دَخَلَ بِهَا أَمْ لَا، لِأَنَّ الْبَتَّ الْقَطْعُ وَقَطْعُ الْعِصْمَةِ شَامِلٌ لِلثَّلَاثِ، وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ، وَالْحَبْلُ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِصْمَةِ وَهُوَ إذَا رَمَى الْعِصْمَةَ عَلَى كَتِفِهَا لَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهَا شَيْءٌ مُطْلَقًا. (كَأَنْ اشْتَرَتْ) زَوْجَتُهُ (الْعِصْمَةَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ زَوْجِهَا بِأَنْ قَالَتْ لَهُ: بِعْنِي عِصْمَتَك بِمِائَةٍ، فَبَاعَهَا لَهَا بِهَا فَإِنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ. (وَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى " بَتَّةٌ "، أَيْ: وَمِنْ الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ قَوْلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ] : وَفِي حَلِفِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ وَعَدَمُ حَلِفِهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَالثَّانِي رِوَايَةُ الْمَدَنِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا رَفَعَ لِلْقَاضِي، وَأَمَّا فِي الْفَتْوَى فَلَا يَمِينَ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [وَصُدِّقَ فِي دَعْوَى نَفْيِهِ] : أَيْ بِيَمِينٍ فِي الْقَضَاءِ، وَأَمَّا فِي الْفَتْوَى فَلَا يَحْتَاجُ لِيَمِينٍ. قَوْلُهُ: [وَكِنَايَتُهُ الظَّاهِرَةُ] : لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْكِنَايَةِ اللَّفْظَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ، بَلْ الْمُرَادُ بِهَا: لَفْظٌ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ. قَوْلُهُ: وَالْحَبْلُ: عِبَارَةٌ عَنْ الْعِصْمَةِ أَيْ وَالْغَارِبُ عِبَارَةٌ عَنْ الْكَتِفِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ كَتِفُ الدَّابَّةِ أَوْ مَا انْحَدَرَ عَنْ أَسْفَلِ سَنَمِ الْبَعِيرِ. قَوْلُهُ: [وَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ] : مَحَلُّ مَا قَالَهُ الْمَتْنُ وَالشَّارِحُ إنْ كَانَ عُرْفُ التَّحَالُفِ

لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً بَائِنَةً، نَظَرًا لِقَوْلِهِ: " بَائِنَةً ". وَالْبَيْنُونَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ بِغَيْرِ عِوَضٍ إنَّمَا تَكُونُ ثَلَاثًا؛ فَأَلْزَمَ بِهَا الثَّلَاثَ كَمَا يَأْتِي، وَلَمْ يَنْظُرُوا لِلَفْظِ وَاحِدَةٍ، إمَّا لِكَوْنِ " وَاحِدَةٌ " صِفَةً لِمَرَّةٍ مَحْذُوفًا أَيْ: مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ: " بَائِنَةٌ، وَأَمَّا لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِي الْفُرُوجِ مَا لَا يُحْتَاجُ فِي غَيْرِهَا، فَاعْتُبِرَ لَفْظُ بَائِنَةٍ وَأُلْغِي لَفْظُ وَاحِدَةٍ. (أَوْ نَوَاهَا) : أَيْ الْوَاحِدَةَ الْبَائِنَةَ (بِكَ: اُدْخُلِي وَاذْهَبِي) وَانْطَلِقِي مِنْ سَائِرِ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَوَاحِدَةٌ فَقَطْ فِي غَيْرِهَا مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ، وَأَوْلَى إذَا نَوَى الْوَاحِدَةَ الْبَائِنَةَ بِلَفْظِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ، كَأَنْ يَقُولَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، وَنَوَى الْوَاحِدَةَ الْبَائِنَةَ؛ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا دُونَ غَيْرِهَا، مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْبَيْنُونَةِ كَغَيْرِهَا. وَالْبَيْنُونَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَا لَفْظِ خُلْعٍ ثَلَاثٌ، وَقَبْلَ الدُّخُولِ وَاحِدَةٌ إلَّا لِنِيَّةِ أَكْثَرَ وَلِذَا قَالَ: (وَهِيَ) : أَيْ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ لَفْظًا، أَوْ نِيَّةٌ بِلَفْظِ صَرِيحِهِ أَوْ كِنَايَتِهِ الْخَفِيَّةِ (ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا) وَيَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ فِي غَيْرِهَا مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ. وَأَمَّا نِيَّةُ الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ كَ: خَلَّيْت سَبِيلَك فَلَا أَثَرَ لَهُ، لِأَنَّ الْعِبْرَةَ حِينَئِذٍ بِاللَّفْظِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْبَائِنَةَ مَعْنَاهَا الْمُنْفَصِلَةُ، فَإِنْ كَانَ عُرْفُهُمْ أَنَّ مَعْنَاهَا الظَّاهِرَةُ الَّتِي لَا خَفَاءَ فِيهَا، وَقَصَدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَالظَّاهِرُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَتَكُونُ بَعْدَ الدُّخُولِ رَجْعِيَّةً. قَوْلُهُ: [بِغَيْرِ عِوَضٍ] : أَيْ وَبِغَيْرِ لَفْظِ الْخُلْعِ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا] : أَيْ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، خِلَافًا لِ (عب) حَيْثُ عَمَّمَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا فِي لُزُومِ الثَّلَاثِ. قَوْلُهُ: [وَيَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ فِي غَيْرِهَا] : الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا أَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا تَبِينُ بِالْوَاحِدَةِ، فَإِنْ كَانَ طَلَاقُهُ خُلْعًا اسْتَوَتْ الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُهَا فِي قَبُولِ نِيَّةِ الْوَاحِدَةِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْعِبْرَةَ حِينَئِذٍ بِاللَّفْظِ] : أَيْ وَنِيَّةُ صَرْفِهِ مُبَايِنَةٌ لِوَضْعِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ وَالْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ لَا يَصْرِفُهُمَا عَنْ ظَاهِرِهِمَا إلَى الْأَخَفِّ إلَّا الْبِسَاطُ لَا النِّيَّةُ.

وَمَدْلُولُهُ الثَّلَاثُ عَلَى تَفْصِيلِهَا الْمَعْلُومِ فِيهَا، فَقَوْلُ الشَّيْخِ: بِ خَلَّيْت سَبِيلَك، فِيهِ نَظَرٌ. ثُمَّ شَبَّهَ بِالْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ فِي لُزُومِ الثَّلَاثِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا قَوْلُهُ: (كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ أَوْ الدَّمِ، (وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ) الْوَاوُ بِمَعْنَى " أَوْ " (وَوَهَبْتُك لِأَهْلِك أَوْ رَدَدْتُك) أَوْ: لَا عِصْمَةَ لِي عَلَيْك، وَأَنْتِ حَرَامٌ أَوْ خَلِيَّةٌ لِأَهْلِك أَيْ مِنْ الزَّوْجِ (أَوْ بَرِّيَّةٌ، أَوْ خَالِصَةٌ) : أَيْ مِنِّي لَا عِصْمَةَ لِي عَلَيْك، (أَوْ بَائِنَةٌ، أَوْ أَنَا) بَائِنٌ مِنْك، أَوْ خَلِيٌّ أَوْ بَرِّيٌّ أَوْ خَالِصٌ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا (كَغَيْرِهَا) : أَيْ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا (إنْ لَمْ يَنْوِ أَقَلَّ) ، فَإِنْ نَوَى الْأَقَلَّ لَزِمَهُ مَا نَوَاهُ وَحَلَفَ إنْ أَرَادَ نِكَاحَهَا أَنَّهُ مَا أَرَادَ إلَّا الْأَقَلَّ لَا إنْ لَمْ يُرِدْهُ، فَقَوْلُهُ: " كَغَيْرِهَا " رَاجِعٌ لِمَا بَعْدَ الْكَافِ أَيْ الْمَيْتَةِ، وَمَا بَعْدَهَا. (وَلَزِمَ الثَّلَاثُ مُطْلَقًا) دَخَلَ أَمْ لَا (مَا لَمْ يَنْوِ أَقَلَّ) مِنْ الثَّلَاثِ (فِي) قَوْلِهِ لَهَا: (خَلَّيْت سَبِيلَك) ، فَإِنْ نَوَى الْأَقَلَّ لَزِمَهُ مَا نَوَاهُ. (وَ) لَزِمَهُ الثَّلَاثُ (فِي الْمَدْخُولِ بِهَا) فَقَطْ (فِي) قَوْلِهِ: (وَجْهِي مِنْ وَجْهِك) حَرَامٌ، (أَوْ) وَجْهِي (عَلَى وَجْهِك حَرَامٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ خَالِصَةٌ] : وَمِثْلُهُ لَسْت لِي عَلَى ذِمَّةٍ، وَأَمَّا عَلَيْهِ السُّخَام فَيَلْزَمُهُ فِيهِ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَكْثَرَ، وَأَمَّا نَحْوُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ مِنْ ذِرَاعِهِ أَوْ فَرَسِهِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ، لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْحَلِفِ بِذَلِكَ التَّبَاعُدِ عَنْ الْحَلِفِ بِالزَّوْجَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ لَسْت لِي عَلَى ذِمَّةٍ أَوْ أَنْتِ خَالِصَةٌ لَا نَصَّ فِيهِمَا، وَقَدْ اخْتَلَفَ اسْتِظْهَارُ الْأَشْيَاخِ فِي اللَّازِمِ بِهِمَا، فَاسْتَظْهَرَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ لُزُومَ طَلْقَةٍ بَائِنَةٍ، وَاسْتَظْهَرَ شَيْخُنَا الْمُؤَلِّفُ لُزُومَ الثَّلَاثِ، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ خَالِصَةَ يَمِينُ سَفَهٍ وَلَسْت لِي عَلَى ذِمَّةٍ فِي عُرْفِ مِصْرَ بِمَنْزِلَةِ فَارَقْتُك يَلْزَمُ فِيهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ إلَّا لِنِيَّةِ أَكْثَرَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا، وَأَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [إنْ لَمْ يَنْوِ أَقَلَّ] : أَيْ بِأَنْ نَوَى الثَّلَاثَ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ. إنْ قُلْت إنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِيهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَمَا وَجْهُ كَوْنِ ذَلِكَ فِيهِ الثَّلَاثُ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ عُدُولَهُ عَنْ الصَّرِيحِ أَوْجَبَ رِيبَةً عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ فَشُدِّدَ عَلَيْهِ.

فَلَا فَرْقَ بَيْنَ " مِنْ " وَ " عَلَى "، وَشُبِّهَ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ: (كَ: لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك، أَوْ لَا مِلْكَ لِي) عَلَيْك، (أَوْ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك) فَيَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا فَقَطْ. (إلَّا لِعِتَابٍ) رَاجِعٌ لِمَا بَعْدَ الْكَافِ (وَإِلَّا) : بِأَنْ كَانَ لِعِتَابٍ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) كَمَا لَوْ كَانَتْ تَفْعَلُ أُمُورًا لَا تُوَافِقُ غَرَضَهُ بِلَا إذْنٍ مِنْهُ فَقَالَ لَهَا ذَلِكَ، فَالْعِتَابُ قَرِينَةٌ وَبِسَاطٌ دَالٌّ عَلَى عَدَمِ إرَادَتِهِ الطَّلَاقَ كَمَا يَأْتِي (كَقَوْلِهِ يَا حَرَامُ) وَلَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ، (أَوْ) قَالَ: (الْحَلَالُ حَرَامٌ) بِدُونِ عَلَيَّ، (أَوْ) قَالَ: الْحَلَالُ (حَرَامٌ عَلَيَّ) أَوْ عَلَيَّ حَرَامٌ، (أَوْ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ حَرَامٌ، وَلَمْ يُرِدْ إدْخَالَهَا) : أَيْ الزَّوْجَةَ فِي لَفْظٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَصَدَ إدْخَالَهَا فَثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَفِي غَيْرِهَا إلَّا لِنِيَّةِ أَقَلَّ. (وَ) لَزِمَهُ (وَاحِدَةٌ مُطْلَقًا) دَخَلَ أَمْ لَا (فِي) قَوْلِهِ: (فَارَقْتُك) إلَّا لِنِيَّةِ أَكْثَرَ وَهِيَ رَجْعِيَّةٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مِنْ وَعَلَى] : أَيْ فِي لُزُومِ الثَّلَاثِ وَفِي تَنْوِيَتِهِ فِي الْعَدَدِ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا. قَوْلُهُ: [فَإِنْ قَصَدَ إدْخَالَهَا] : هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الصِّيَغِ الَّتِي قَالَهَا الْمُصَنِّفُ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ عَلَيَّ الْحَرَامُ وَحَنِثَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَلَا يُنَوَّى فِيهَا وَيَلْزَمُهُ فِي غَيْرِهَا أَيْضًا، وَلَكِنَّهُ يُنَوَّى فِي الْعَدَدِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ عَلَيَّ حَرَامٌ وَمَا مَعَهَا، وَبَيْنَ عَلَيَّ الْحَرَامُ، أَنَّ عَلَيَّ الْحَرَامُ اُسْتُعْمِلَ فِي الْعُرْفِ فِي حَلِّ الْعِصْمَةِ، بِخِلَافِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَمَا مَعَهُ، فَمَنْ قَاسَ عَلَيَّ الْحَرَامُ عَلَى بَاقِي الصِّيَغِ فَقَدْ أَخْطَأَ لِوُجُودِ الْفَارِقِ، وَخَالَفَ الْمَنْصُوصَ فِي كَلَامِهِمْ أَفَادَهُ الْأُجْهُورِيُّ: قَالَ (بْن) : وَقَدْ جَرَى الْعَمَلُ بِفَاسَ وَنَوَاحِيهَا بِلُزُومِ طَلْقَةٍ بَائِنَةٍ فِي عَلَيَّ الْحَرَامُ بِالتَّعْرِيفِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ مَدْخُولٍ بِهَا وَغَيْرِهَا. قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ يَعْنِي الْقَوْلَ بِلُزُومِ الثَّلَاثِ، وَالْقَوْلَ بِلُزُومِ طَلْقَةٍ بَائِنَةٍ مُعْتَمَدٌ، وَحَكَى الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ أَقْوَالًا أُخَرَ أَنَّهُ لَغْوٌ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ وَقِيلَ إنَّهُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَقِيلَ يُنَوَّى فِيهِ أَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ لَزِمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.

[أقسام الكناية الظاهرة]

(وَحَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ) : أَيْ الطَّلَاقِ حَيْثُ ادَّعَى عَدَمَ قَصْدِهِ (فِي) قَوْلِهِ: (أَنْتِ سَائِبَةٌ، أَوْ: لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَك حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ؛ فَإِنْ نَكَلَ) لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَ (نُوِّيَ فِي عَدَدِهِ) ، وَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ بِيَمِينِهِ، وَاسْتُشْكِلَ تَنْوِيَتُهُ فِي الْعَدَدِ مَعَ كَوْنِهِ قَدْ أَنْكَرَ قَصْدَ الطَّلَاقِ، وَهُوَ إذَا أَنْكَرَ قَصْدَ الطَّلَاقِ فَلَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا الْفَرْعُ وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، وَلَيْسَ هُوَ لِمَالِكٍ بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِأَصْلِ مَذْهَبِهِ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا ابْنُ شَاسٍ وَلَا ابْنُ عَرَفَةَ، فَعَلَى الْمُصَنِّفِ الدَّرْكُ فِي ذِكْرِهِ (اهـ) . أَيْ فَالْجَارِي عَلَى أَصْلِ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا كَغَيْرِهَا إلَّا إذَا نَوَى أَقَلَّ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْكِنَايَةَ الظَّاهِرَةَ أَقْسَامٌ. الْأَوَّلُ: مَا يَلْزَمُ فِيهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ إلَّا لِنِيَّةِ أَكْثَرَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَهُوَ: اعْتَدَى، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، فَإِنْ قَالَ لَهَا: اعْتَدَى، فَهُوَ مِنْ الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ فِي حَقِّهَا. الثَّانِي: مَا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ مُطْلَقًا وَهُوَ: بَتَّةٌ، وَ: حَبْلُك عَلَى غَارِبِك. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [أَقْسَام الْكِنَايَة الظَّاهِرَة] قَوْلُهُ: [فَهُوَ مِنْ الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ فِي حَقِّهَا] : أَيْ فَلَا يَلْزَمُ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا بِالنِّيَّةِ كَاسْقِنِي الْمَاءَ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ بَتَّةٌ] إلَخْ: لُزُومُ الثَّلَاثِ فِي بَتَّةٍ، وَحَبْلِك عَلَى غَارِبِك، لِكَوْنِهِ مِنْ الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ عَلَى حَسَبِ الْعُرْفِ الْقَدِيمِ، وَأَمَّا عُرْفُنَا الْآنَ فَهُمَا مِنْ الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ، لِأَنَّ أَلْفَاظَ الْأَيْمَانِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ، وَكَذَلِكَ بَاقِي الْأَلْفَاظِ يُنْظَرُ فِيهَا عَلَى حَسَبِ الْعُرْفِ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: فَائِدَةٌ قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي فُرُوقِهِ مَا مَعْنَاهُ: إنَّ نَحْوَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مِنْ بَرِّيَّةٍ وَخَلِيَّةٍ وَحَبْلِك عَلَى غَارِبِك وَرَدَدْتُك، إنَّمَا كَانَ لِعُرْفٍ سَابِقٍ، وَأَمَّا الْآنَ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِهَا إلَّا لِمَنْ عَرَفَ مَعْنَاهَا وَإِلَّا كَانَتْ مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ، فَلَا نَجِدُ أَحَدًا الْيَوْمَ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ بِخَلِيَّةٍ وَلَا بَرِّيَّةٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِالطَّلَاقِ حَتَّى يَعْلَمَ الْعُرْفَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ (اهـ) .

الثَّالِثُ: مَا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَوَاحِدَةٌ فِي غَيْرِهَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ كَوَاحِدَةٍ بَائِنَةٍ؛ نَظَرًا لِبَائِنَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ لَفْظًا أَوْ نِيَّةً بِلَفْظٍ. الرَّابِعُ: مَا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا كَغَيْرِهَا إنْ لَمْ يَنْوِ أَقَلَّ وَهِيَ مَيْتَةٌ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا. الْخَامِسُ: مَا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ مُطْلَقًا مَا لَمْ يَنْوِ أَقَلَّ وَهُوَ: خَلَّيْت سَبِيلَك. السَّادِسُ: مَا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَيُنَوَّى فِي غَيْرِهَا، وَهُوَ: وَجْهِي مِنْ وَجْهِك حَرَامٌ إلَى آخِرِهِ. السَّابِعُ: مَا يَلْزَمُ فِيهِ وَاحِدَةٌ إلَّا لِنِيَّةِ أَكْثَرَ وَهُوَ: فَارَقْتُك. وَكُلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَدُلَّ الْبِسَاطُ وَالْقَرَائِنُ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الطَّلَاقِ، وَأَنَّ الْمُخَاطَبَةَ بِلَفْظٍ مِمَّا ذُكِرَ لَيْسَتْ فِي مَعْرِضِ الطَّلَاقِ بِحَالٍ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَصُدِّقَ فِي نَفْيِهِ) : أَيْ الطَّلَاقِ (إنْ دَلَّ بِسَاطٌ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى النَّفْيِ (فِي الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ. (كَالصَّرِيحِ) : فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي نَفْيِهِ عِنْدَ قِيَامِ الْقَرَائِنِ، كَمَا لَوْ أَخَذَهَا الطَّلْقُ عِنْدَ وِلَادَتِهَا، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إعْلَامًا أَوْ اسْتِعْلَامًا، أَوْ كَانَتْ مَرْبُوطَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَهِيَ مَيْتَةٌ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا] : أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ، وَعَرَفْنَا الْآنَ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الثَّلَاثَةَ مِنْ الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ. قَوْلُهُ: [وَيَنْوِي فِي غَيْرِهَا] : أَيْ فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا لَزِمَتْهُ، أَوْ أَقَلَّ لَزِمَهُ مَا نَوَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَقِيلَ يُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ وَقِيلَ عَلَى الْوَاحِدَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الْقِسْمُ السَّادِسُ مُتَّحِدًا مَعَ الْقِسْمِ الرَّابِعِ فَتَأَمَّلْ، وَسَيَأْتِي يُوَضِّحُ الشَّارِحُ ذَلِكَ فِي آخِرِ عِبَارَتِهِ. قَوْلُهُ: [مَا يَلْزَمُ فِيهِ وَاحِدَةٌ إلَّا لِنِيَّةِ أَكْثَرَ] : أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا فَغَايَرَ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ وَهُوَ اعْتَدَى، فَإِنَّهُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا بِالنِّيَّةِ. قَوْلُهُ: [وَالْقَرَائِنُ] : وَأَعْظَمُ الْقَرَائِنِ الْعُرْفُ. قَوْلُهُ: [كَمَا لَوْ أَخَذَهَا الطَّلْقُ] : مِثَالٌ لِلْبِسَاطِ فِي الصَّرِيحِ. قَوْلُهُ: [إعْلَامًا] : أَيْ لِغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ اسْتِعْلَامًا أَيْ طَالِبًا الْعِلْمَ لِنَفْسِهِ.

[الكناية الخفية في الطلاق]

فَقَالَتْ لَهُ هِيَ أَوْ غَيْرُهَا: أَطْلِقْنِي، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ. وَحَاصِلُ الْقَوْلِ فِي الْكِنَايَةِ أَنَّهَا قِسْمَانِ: ظَاهِرَةٌ وَهِيَ مَا شَأْنُهَا أَنْ تُسْتَعْمَلَ فِي الطَّلَاقِ وَحَلِّ الْعِصْمَةِ، وَخَفِيَّةٌ وَهِيَ مَا شَأْنُهَا أَنْ تُسْتَعْمَلَ فِي غَيْرِهِ. وَالضَّابِطُ فِي الظَّاهِرَةِ عَلَى مَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي غَيْرِ وَاحِدَةٍ بَائِنَةٍ أَنَّ اللَّفْظَ إنْ دَلَّ عَلَى قَطْعِ الْعِصْمَةِ بِالْمَرَّةِ لَزِمَ فِيهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا، وَلَا يُنَوَّى، وَذَلِكَ كَ: بَتَّةٌ، وَ: حَبْلُك عَلَى غَارِبِك، وَمِثْلُهُمَا: قَطَعْت الْعِصْمَةَ بَيْنِي وَبَيْنَك، وَ: عِصْمَتُك عَلَى كَتِفِك أَوْ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ دَلَّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ. وَالْبَيْنُونَةُ لِغَيْرِ خُلْعٍ ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَصَادِقَةٌ بِوَاحِدَةٍ فِي غَيْرِهَا. فَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِيهَا ظُهُورًا رَاجِحًا فَثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا جَزْمًا كَغَيْرِهَا مَا لَمْ يَنْوِ الْأَقَلَّ، كَ: حَرَامٌ، وَ: مَيْتَةٌ، وَ: خَلِيَّةٌ، وَ: بَرِّيَّةٌ، وَ: وَهَبْتُك لِأَهْلِك وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا، وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ ظَاهِرًا فِي الْبَيْنُونَةِ ظُهُورًا مُسَاوِيًا فَثَلَاثٌ مُطْلَقًا إلَّا لِنِيَّةِ أَقَلَّ، كَ: خَلَّيْت سَبِيلَك وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا لَزِمَهُ الْوَاحِدَةُ مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ كَ: فَارَقْتُك. وَأَمَّا: سَائِبَةٌ، أَوْ: لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَك حَرَامٌ وَلَا حَلَالٌ، فَهَذَا مِنْ قَبِيلِ: وَجْهِي مِنْ وَجْهِك حَرَامٌ، وَ: مَا أَنْقَلِبُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلٍ حَرَامٌ وَهُوَ ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَيُنَوَّى فِي غَيْرِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْبَيْنُونَةِ؟ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ: كَالْمَيْتَةِ وَأَنْتِ حَرَامٌ وَبَائِنٌ فَلَا يُحْمَلُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا عَلَى الْأَقَلِّ إلَّا إذَا نَوَاهُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا لِأَصْبَغَ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْوَاحِدَةِ إلَّا لِنِيَّةِ أَكْثَرَ؟ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا كُلُّهُ فِي الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ. وَأَمَّا الْكِنَايَةُ الْخَفِيَّةُ فَأَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ: (وَ) نُوِّيَ (فِيهِ) : أَيْ فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ، (وَفِي عَدَدِهِ فِي) كُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْكِنَايَةُ الْخَفِيَّةُ فِي الطَّلَاق] قَوْلُهُ: [وَهِيَ مَا شَأْنُهَا أَنْ تُسْتَعْمَلَ] : أَيْ عُرْفًا. قَوْلُهُ: [وَذَلِكَ كَبَتَّةٍ] إلَخْ: أَيْ عَلَى حَسَبِ الْعُرْفِ الْمَاضِي. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْكِنَايَةُ الْخَفِيَّةُ] : أَيْ وَهِيَ مَا شَأْنُهَا أَنْ تُسْتَعْمَلَ فِي غَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.

كِنَايَةٍ خَفِيَّةٍ تُوهِمُ قَصْدَ الطَّلَاقِ نَحْوُ: (اذْهَبِي وَانْصَرِفِي) وَانْطَلِقِي، (أَوْ) أَنَا (لَمْ أَتَزَوَّجْ، أَوْ قِيلَ لَهُ: أَلَكَ امْرَأَةٌ؟ فَقَالَ لَا، أَوْ) قَالَ لَهَا: (أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ: مُعْتَقَةٌ أَوْ: الْحَقِي بِأَهْلِك) ، فَإِنْ ادَّعَى عَدَمَ الطَّلَاقِ صُدِّقَ، وَإِنْ ادَّعَى عَدَدًا وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ صُدِّقَ، فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ نَوَى الطَّلَاقَ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا لَزِمَهُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا. (وَعُوقِبَ) الْآتِي بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّلْبِيسِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى النَّاسِ. (وَإِنْ قَصَدَهُ بِكَلِمَةٍ) كَاسْقِنِي (أَوْ صَوْتٍ) سَاذَجٍ (لَزِمَ) وَهَذَا مِنْ الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ. (لَا) يَلْزَمُ (إنْ قَصَدَ التَّلَفُّظَ بِهِ) : أَيْ بِالطَّلَاقِ، (فَعَدَلَ لِغَيْرِهِ غَلَطًا) كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ، فَالْتَفَتَ لِسَانُهُ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ قَائِمَةٌ، قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَ: كُلِي أَوْ اشْرَبِي فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ أَيْ لِعَدَمِ وُجُودِ رُكْنِهِ وَهُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرُهُ مَعَ نِيَّتِهِ، بَلْ أَرَادَ إيقَاعَهُ بِلَفْظِهِ، فَوَقَعَ فِي غَيْرِهِ. (أَوْ أَرَادَ أَنْ يَنْطِقَ بِالثَّلَاثِ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ، وَسَكَتَ) عَنْ التَّلَفُّظِ بِالثَّلَاثِ، فَلَا يَلْزَمُهُ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الثَّلَاثَ: بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَنْطِقَ بِالثَّلَاثِ فَبَدَا لَهُ عَدَمُ الثَّلَاثِ فَسَكَتَ عَنْ النُّطْقِ بِهِ. وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ مِنْ أَرْكَانِهِ اللَّفْظُ، أَفَادَ هُنَا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ اللَّفْظِ لَا غَيْرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عِنْدَ الْفُقَهَاءِ] : أَيْ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ إنَّهُ لَيْسَ بِكِنَايَةٍ وَلَا صَرِيحٍ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمَا عَدَمُ لُزُومِ الطَّلَاقِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ، فَيَلْزَمُ إذَا نَوَاهُ بِالصَّوْتِ السَّاذَجِ أَوْ الْمِزْمَارِ، وَأَمَّا الصَّوْتُ الضَّرْبُ بِالْيَدِ فَمِنْ الْفِعْلِ الَّذِي يَحْتَاجُ لِلْعُرْفِ أَوْ الْقَرَائِنِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَرَادَ يَنْطِقُ بِالثَّلَاثِ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا لَوْ أَرَادَ أَنْ يُنَجِّزَ وَاحِدَةً، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَقِيلَ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَسَحْنُونٍ، وَأَمَّا لَوْ أَرَادَ أَنْ يُعَلِّقَ الثَّلَاثَ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَسَكَتَ وَلَمْ يَأْتِ بِالشَّرْطِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ.

[الطلاق بالإشارة المفهمة]

بَلْ الْمُرَادُ اللَّفْظُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ إشَارَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ فِعْلٍ جَرَتْ بِهِ عَادَةٌ أَوْ كَلَامٌ نَفْسِيٌّ عَلَى قَوْلٍ بِقَوْلِهِ: (وَلَزِمَ) الطَّلَاقُ (بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ) بِيَدٍ أَوْ رَأْسٍ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْأَخْرَسِ، لَا بِغَيْرِ الْمُفْهِمَةِ وَلَوْ فَهِمَتْهَا الزَّوْجَةُ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَفْعَالِ الَّتِي لَا طَلَاقَ بِهَا. وَالْمُفْهِمَةُ: هِيَ الَّتِي يَقْطَعُ مَنْ رَآهَا بِقَصْدِ الطَّلَاقِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ لِبَلَادَتِهَا لَمْ تَفْهَمْ مِنْهَا طَلَاقًا. (وَ) لَزِمَ الطَّلَاقُ (بِمُجَرَّدِ إرْسَالِهِ) : أَيْ الطَّلَاقِ مَعَ رَسُولٍ، أَيْ الْمُجَرَّدُ عَنْ الْوُصُولِ إلَيْهَا، فَمَتَى قَالَ لِلرَّسُولِ: أَخْبِرْهَا بِأَنِّي طَلَّقْتهَا، لَزِمَهُ الطَّلَاقُ. (أَوْ) بِمُجَرَّدِ (كِتَابَتِهِ) الطَّلَاقِ (عَازِمًا) بِطَلَاقِهَا لَا مُتَرَدِّدًا فِيهِ حَتَّى يَبْدُوَ لَهُ فَيَلْزَمَهُ بِمُجَرَّدِ كِتَابَةِ طَالِقٍ، وَإِلَّا يَكُنْ عَازِمًا بِالطَّلَاقِ حَالَ الْكِتَابَةِ، بَلْ كَانَ مُتَرَدِّدًا أَوْ مُسْتَشِيرًا (فَبِإِخْرَاجِهِ) : أَيْ فَيَلْزَمُهُ حِينَئِذٍ إنْ أَخْرَجَهُ (عَازِمًا) وَأَعْطَاهُ لِمَنْ يُوصِلُهُ وَلَوْ لَمْ يَصِلْ، (أَوْ وُصُولِهِ) لَهَا أَوْ لِوَلِيِّهَا إنْ أَخْرَجَهُ غَيْرَ عَازِمٍ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ غَيْرَ عَازِمٍ وَلَمْ يَصِلْ فَقَوْلَانِ: أَقْوَاهُمَا عَدَمُ اللُّزُومِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ. وَتَحْصِيلُ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَتَبَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ كَتَبَهُ مُجْمِعًا عَلَى الطَّلَاقِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ كَتَبَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الطَّلَاقُ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ] قَوْلُهُ: [لَزِمَهُ الطَّلَاقُ] : أَيْ وَلَوْ لَمْ يَصِلْ الْخَبَرُ إلَيْهَا. قَوْلُهُ: [فَيَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ كِتَابَةِ طَالِقٍ] : أَيْ فِي صُوَرٍ سِتٍّ، وَهِيَ مَا إذَا أَخْرَجَهُ عَازِمًا أَوْ مُسْتَشِيرًا أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ، وَفِي كُلِّ وَصْلٍ أَمْ لَا وَالْمُتَرَدِّدُ وَالْمُسْتَشِيرُ شَيْءٌ وَاحِدٌ فِي الْحُكْمِ فَلَا تَتَعَدَّدُ مِنْ أَجَلِهِمَا الصُّوَرُ. قَوْلُهُ: [إنْ أَخْرَجَهُ عَازِمًا] : مِثْلُ الْعَزْمِ فِي الْإِخْرَاجِ عَدَمُ النِّيَّةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: [إنْ أَخْرَجَهُ غَيْرَ عَازِمٍ] : أَيْ بِأَنْ كَانَ مُسْتَشِيرًا أَوْ مُتَرَدِّدًا. قَوْلُهُ: [أَقْوَاهُمَا عَدَمُ اللُّزُومِ] : أَيْ حَيْثُ كَانَ كَتَبَهُ مُسْتَشِيرًا أَوْ مُتَرَدِّدًا وَأَخْرَجَهُ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَتَحْصِيلُ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ] إلَخْ: فَحَاصِلُهُ أَنَّ الصُّوَرَ فِيهَا ثَمَانِيَةَ عَشْرَ، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكْتُبَهُ عَازِمًا أَوْ مُسْتَشِيرًا أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يُخْرِجَهُ عَازِمًا أَوْ مُسْتَشِيرًا أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ تُضْرَبُ فِي مِثْلِهَا بِتِسْعٍ،

عَلَى أَنْ يَسْتَخِيرَ فِيهِ، فَإِنْ رَأَى أَنْ يُنْفِذَهُ نَفَّذَهُ، وَإِنْ رَأَى أَنْ لَا يُنْفِذَهُ لَمْ يُنْفِذْهُ. وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ. فَأَمَّا إذَا كَتَبَهُ مُجْمِعًا عَلَى الطَّلَاقِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَأَمَّا إذَا كَتَبَهُ عَلَى أَنْ يَسْتَخِيرَ فِيهِ وَيَرَى رَأْيَهُ فِي إنْفَاذِهِ فَذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يُخْرِجْ الْكِتَابَ مِنْ يَدِهِ. فَإِنْ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ عَلَى أَنْ يَرُدَّهُ إنْ بَدَا لَهُ فَقِيلَ: إنَّ خُرُوجَ الْكِتَابِ مِنْ يَدِهِ كَالْإِشْهَادِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ، وَهُوَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ، وَقِيلَ: لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ كَتَبَ إلَيْهَا: إنْ وَصَلَك كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إلَّا بِوُصُولِ الْكِتَابِ إلَيْهَا؛ فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهَا طَلُقَتْ مَكَانَهَا أُجْبِرَ عَلَى رَجْعَتِهَا إنْ كَانَتْ حَائِضًا (اهـ.) فَتَحَصَّلَ أَنَّ اللُّزُومَ إمَّا فِي الْكِتَابَةِ عَازِمًا أَوْ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ يَدِهِ عَازِمًا عَلَى الطَّلَاقِ، وَإِمَّا بِالْوُصُولِ إلَيْهَا، وَفِي قَوْلِهِ الثَّالِثِ: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ نِيَّةُ نَظَرٍ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّيَّةِ. وَالْإِنْسَانُ إمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَصِلَ أَمْ لَا هَذِهِ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ، فَإِذَا كَتَبَهُ عَازِمًا الَّذِي هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ مُجْمِعًا حَنِثَ بِصُورَةِ السِّتِّ، وَهِيَ إمَّا أَنْ يُخْرِجَهُ عَازِمًا أَوْ مُسْتَشِيرًا أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَصِلَ أَمْ لَا، وَأَمَّا لَوْ كَتَبَهُ مُسْتَشِيرًا أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ أَخْرَجَهُ عَازِمًا أَوْ مُسْتَشِيرًا أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ فَهَذِهِ سِتٌّ يَحْنَثُ فِيهَا إنْ وَصَلَ اتِّفَاقًا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَصِلَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إلَّا فِي صُورَةٍ وَهِيَ مَا إذَا كَتَبَهُ مُسْتَشِيرًا وَأَخْرَجَهُ كَذَلِكَ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [عَلَى أَنْ يَسْتَخِيرَ] : هُوَ مَعْنَى الِاسْتِشَارَةِ وَالتَّرَدُّدِ. قَوْلُهُ: [فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ] : أَمَّا إنْ كَانَ مُجْمِعًا عَلَى الطَّلَاقِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا، عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ فَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ. قَوْلُهُ: [عَلَى أَنْ يَرُدَّهُ] : هُوَ مَعْنَى إخْرَاجِهِ مُسْتَشِيرًا أَوْ مُتَرَدِّدًا، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي هَذِهِ لَا حِنْثَ إنْ لَمْ يَصِلْ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ. قَوْلُهُ: [فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَقَعُ] إلَخْ: أَيْ وَلَوْ كَانَ عَازِمًا وَقْتَ الْكِتَابَةِ. قَوْلُهُ: [انْتَهَى] : أَيْ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ يَدِهِ عَازِمًا] : مِثْلُهُ عَدَمُ النِّيَّةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ حَالَ الْكِتَابَةِ أَوْ حَالَ الْإِخْرَاجِ.

عَازِمٌ عَلَى الشَّيْءِ، وَإِمَّا لَا عَازِمَ وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَحْمِلَ عَلَى الْعَبَثِ أَوْ السَّهْوِ، وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ كَتَبَ إلَيْهَا: " إنْ وَصَلَك "، إلَى آخِرِ مَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ. (لَا) يَلْزَمُ طَلَاقٌ (بِكَلَامٍ نَفْسِيٍّ) عَلَى أَرْجَحِ الْقَوْلَيْنِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا أَنْشَأَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِهِ بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ. وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ اللُّزُومِ لِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَهُوَ الَّذِي يَنْصُرُهُ أَهْلُ الْمَذْهَبِ - الْقَرَافِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ. (أَوْ فِعْلٍ) كَضَرْبٍ وَفَتْقِ ثَوْبٍ أَوْ تَمْزِيقِهِ، أَوْ قَطْعِ حَبْلٍ لَا يَلْزَمُهُ بِهِ طَلَاقٌ وَلَوْ قَصَدَهُ بِهِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) ذَلِكَ الْفِعْلُ (عَادَتَهُمْ) فِي وُقُوعِهِ فَيَلْزَمُ بِهِ. (وَسُفِّهَ) زَوْجٌ (قَائِلٌ) لِزَوْجَتِهِ: (يَا أُمِّي أَوْ يَا أُخْتِي وَنَحْوَهُ) كَخَالَتِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْعَبَثِ] : هَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَلِذَلِكَ شُدِّدَ عَلَيْهِ وَجُعِلَ عَدَمُ النِّيَّةِ كَالْعَزْمِ عَلَى الطَّلَاقِ فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: [وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ كَتَبَ] إلَخْ: أَيْ كَالْخَرَشِيِّ حَيْثُ عَمَّمَ بِقَوْلِهِ: سَوَاءٌ كَانَ فِي الْكِتَابَةِ إذَا جَاءَك كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ، وَسَوَاءٌ أَخْرَجَهُ وَوَصَلَ إلَيْهَا أَوْ لَمْ يُخْرِجْهُ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا التَّعْمِيمَ خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ: وَإِنْ كَتَبَ لَهَا إنْ وَصَلَك كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ تَوَقَّفَ الطَّلَاقُ عَلَى الْوُصُولِ، وَإِنْ كَتَبَ إذَا وَصَلَ لَك كِتَابِي إلَخْ فَفِي تَوَقُّفِهِ عَلَى الْوُصُولِ خِلَافٌ وَقَوِيَ الْقَوْلُ بِتَوَقُّفِهِ عَلَى الْوُصُولِ لِتَضَمُّنِ إذَا مَعْنَى الشَّرْطِ. قَوْلُهُ: [لِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ] : أَيْ أَمَّا الْقَوْلُ بِاللُّزُومِ فَهُوَ لِمَالِكٍ الْعُتْبِيَّةِ قَالَ فِي الْبَيَانِ وَالْمُقَدِّمَاتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ هُوَ الْأَشْهَرُ، ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكْتَفِي بِالنِّيَّةِ فِي التَّكَالِيفِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْقَلْبِ، لَا فِيمَا بَيْنَ الْآدَمِيِّينَ (اهـ. بْن) ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ إذَا أَنْشَأَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِهِ أَنَّ الْعَزْمَ عَلَى الطَّلَاقِ لَا شَيْءَ فِيهِ، وَكَذَا مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا طَلُقَتْ مِنْهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ عَدَمُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفِعْلُ عَادَتَهُمْ] : تَقَدَّمَ لَهُ فِي الْخُلْعِ أَنَّ قِيَامَ الْقَرِينَةِ مِثْلُ الْعَادَةِ، وَانْظُرْ هَلْ هُوَ مَخْصُوصٌ بِالْخُلْعِ أَوْ يَجْرِي هُنَا.

وَعَمَّتِي مِنْ الْمَحَارِمِ، أَيْ نُسِبَ لِلسَّفَهِ وَلَغْوِ الْحَدِيثِ. (وَإِنْ كَرَّرَهُ) : أَيْ الطَّلَاقَ (بِعَطْفٍ) : بِوَاوٍ أَوْ فَاءٍ أَوْ ثُمَّ (أَوْ بِغَيْرِهِ) نَحْوُ: أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ بِلَا ذِكْرِ مُبْتَدَأٍ فِي الْأَخِيرَيْنِ أَوْ بِذِكْرِهِ، (لَزِمَ) مَا كَرَّرَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا (فِي الْمَدْخُولِ بِهَا) نَسَّقَهُ أَوْ فَصَلَ بِسُكُوتٍ أَوْ كَلَامٍ إذَا لَمْ يَكُنْ خُلْعًا، لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ (كَغَيْرِهَا) ، أَيْ غَيْرِ الْمَدْخُولِ؛ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ بِقَدْرِ التَّكْرَارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، لَكِنْ (إنْ نَسَّقَهُ) وَلَوْ حُكْمًا كَفَصْلٍ بِعُطَاسٍ أَوْ سُعَالٍ، لَا إنْ فَصَلَهُ لِإِبَانَتِهَا بِالْأَوَّلِ فَلَا يَلْحَقُهُ الثَّانِي بَعْدَ الْفَصْلِ كَالتَّكْرَارِ بَعْدَ الْخُلْعِ، (إلَّا لِنِيَّةِ تَأْكِيدٍ فِي غَيْرِ الْعَطْفِ) فَيُصَدَّقُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا، بِخِلَافِ الْعَطْفِ فَلَا تَنْفَعُهُ نِيَّةُ التَّأْكِيدِ مُطْلَقًا، لِأَنَّ الْعَطْفَ يُنَافِي التَّأْكِيدَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مِنْ الْمَحَارِمِ] : لَا مَفْهُومَ لَهُ، بَلْ قَالَ لَهَا يَا سِتِّي أَوْ يَا حَبِيبَتِي، فَإِنَّهُ سَفَهٌ أَيْضًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ، لَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ هُوَ خَفِيفٌ، لِأَنَّ السَّيِّدَةَ تَصْدُقُ بَعْدَ عِتْقِهِ، وَالنِّكَاحُ إذْ ذَاكَ جَائِزٌ عَلَى أَنَّ الْعُرْفَ شَاعَ بِهَا فِي الْوُدِّ وَالتَّعْظِيمِ، وَأَمَّا قَوْلُ نِسَاءِ مِصْرَ لِلزَّوْجِ سَيِّدِي فَلَا بَأْسَ بِهِ لِجَوَازِ الْوَطْءِ بِالْمِلْكِ (اهـ) . وَإِنَّمَا نَسَبَ الْقَائِلُ ذَلِكَ لِلسَّفَهِ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ لِمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ يَا أُخْتِي: " أَأُخْتُك هِيَ "، فَكَرِهَ ذَلِكَ وَأَنْكَرَهُ، وَفِي كَرَاهَتِهِ وَحُرْمَتِهِ قَوْلَانِ. قَوْلُهُ: [إنْ نَسَقَهُ] : الْمُرَادُ بِهِ النَّسَقُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الْمُتَابَعَةُ لَا الِاصْطِلَاحِيُّ، وَهُوَ تَوَسُّطُ أَحَدِ حُرُوفِ الْعَطْفِ التِّسْعَةِ بَيْنَ التَّابِعِ وَالْمَتْبُوعِ. قَوْلُهُ: [كَالتَّكْرَارِ بَعْدَ الْخُلْعِ] : تَشْبِيهٌ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا. قَوْلُهُ: [فَيُصَدَّقُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا] إلَخْ: أَيْ بِيَمِينٍ فِي الْقَضَاءِ وَبِغَيْرِهَا فِي الْفَتْوَى، وَتُقْبَلُ نِيَّةُ التَّأَكُّدِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَلَوْ طَالَ مَا بَيْنَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَنْفَعُهُ فِيهَا التَّأْكِيدُ حَيْثُ لَمْ يَطُلْ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ الثَّانِي وَلَوْ نَوَى بِهِ الْإِنْشَاءَ قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْعَطْفَ يُنَافِي التَّوْكِيدَ] : أَوْ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ.

[تنبيه إن قال طلقتك في كلامك]

(وَلَزِمَ) طَلْقَةٌ (وَاحِدَةٌ فِي) تَعْبِيرِهِ بِجُزْءٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ مَنْطِقٌ أَوْ لَا نَحْوُ: (رُبْعِ) أَوْ ثُمُنِ (طَلْقَةٍ أَوْ ثُلُثَيْ) أَوْ ثُلُثِ أَوْ سُدُسِ (طَلْقَةٍ) ، أَوْ جُزْءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ طَلْقَةٍ، (أَوْ نِصْفَيْ طَلْقَةٍ) لِأَنَّ النِّصْفَيْنِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، (أَوْ ثُلُثِ وَرُبُعِ طَلْقَةٍ) لِأَنَّ الثُّلُثَ وَالرُّبُعَ نِصْفُ طَلْقَةٍ وَسُدُسُ نِصْفِ طَلْقَةٍ فَتَكْمُلُ، (أَوْ رُبُعِ وَنِصْفِ طَلْقَةٍ) لِأَنَّ الرُّبُعَ وَالنِّصْفَ طَلْقَةٌ إلَّا رُبْعًا. (وَ) لَزِمَ (اثْنَتَانِ فِي ثُلُثِ طَلْقَةٍ وَرُبْعِ طَلْقَةٍ، أَوْ رُبْعِ طَلْقَةٍ وَنِصْفِ طَلْقَةٍ) وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا أُضِيفَ فِيهِ الْجُزْءُ الْمَذْكُورُ صَرِيحًا إلَى طَلْقَةٍ، بِأَنْ يَكُونَ كُلُّ كَسْرٍ مُوَافِقٌ أَوْ مُخَالِفٌ مُضَافًا لِطَلْقَةٍ صَرِيحًا، لِأَنَّ كُلَّ كَسْرٍ أُضِيفَ لِطَلْقَةٍ أُخِذَ مُمَيِّزُهُ فَاسْتَقَلَّ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ نِصْفِ وَثُلُثِ طَلْقَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) لَزِمَ اثْنَتَانِ فِي (الطَّلَاقِ كُلِّهِ إلَّا نِصْفَهُ) لِأَنَّهُ اُسْتُثْنِيَ مِنْ الثَّلَاثِ طَلْقَةٌ وَنِصْفُ طَلْقَةٍ يَبْقَى طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ، وَكَمُلَ عَلَيْهِ النِّصْفُ، (وَ) لَزِمَ اثْنَتَانِ فِي (وَاحِدَةٍ) أَيْ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُ طَالِقٌ وَاحِدَةً (فِي اثْنَتَيْنِ) لِأَنَّ الْوَاحِدَ فِي اثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ، وَهَذَا (إنْ قَصَدَ الْحِسَابَ) بِأَنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ، (وَإِلَّا) يَقْصِدْ الْحِسَابَ (فَثَلَاثٌ) لِأَنَّ شَأْنَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْحِسَابَ أَنْ يَقْصِدَ وَاحِدَةً مَعَ اثْنَتَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [تَنْبِيه إِن قَالَ طَلَّقْتُك فِي كَلَامك] قَوْلُهُ: [مُنْطَقٍ أَوْ لَا] : الْمُنْطَقُ مَا لَمْ يُعَبَّرْ فِيهِ بِلَفْظِ الْجُزْئِيَّةِ كَرُبْعٍ وَخُمْسٍ، وَغَيْرُ الْمُنْطَقِ مَا عُبِّرَ فِيهِ بِلَفْظِ الْجُزْئِيَّةِ كَجُزْءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الثُّلُثَ وَالرُّبْعَ نِصْفُ طَلْقَةٍ وَسُدُسُ نِصْفِ طَلْقَةٍ] : أَيْ لِأَنَّك تَأْخُذُ سُدُسًا مِنْ الرُّبْعِ يُوضَعُ عَلَى الثُّلُثِ يُكْمِلُ النِّصْفَ يَبْقَى نِصْفُ سُدُسٍ وَهُوَ سُدُسُ النِّصْفِ، لِأَنَّ الرُّبْعَ سُدُسٌ وَنِصْفُهُ وَالثُّلُثَ سُدُسَانِ. قَوْلُهُ: [أَخَذَ مُمَيِّزُهُ] : أَيْ الَّذِي هُوَ لَفْظُ طَلْقَةٍ. وَقَوْلُهُ فَاسْتَقَلَّ بِنَفْسِهِ أَيْ حَكَمَ بِكَمَالِ الطَّلْقَةِ فِيهِ، فَالْجُزْءُ الْآخَرُ الْمَعْطُوفُ بَعْدَ طَلْقَةٍ أُخْرَى. قَوْلُهُ: [كَمَا تَقَدَّمَ] : أَيْ مِنْ أَنَّهُمَا يُحْسَبَانِ طَلْقَةً وَاحِدَةً لِعَدَمِ أَخْذِ مُمَيِّزِ الْأَوَّلِ مَعَهُ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَزِدْ مَجْمُوعُ الْجُزْأَيْنِ عَلَى طَلْقَةٍ، فَإِنْ زَادَ كَمَا إذَا قَالَ نِصْفٌ وَثُلُثَيْ طَلْقَةٍ بِتَثْنِيَةِ ثُلُثٍ لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ، لِأَنَّ الْأَجْزَاءَ الْمَذْكُورَةَ تَزِيدُ عَلَى طَلْقَةٍ، وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوْ قَالَ ثَلَاثَةُ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ أَوْ أَرْبَعَةُ أَثْلَاثِ طَلْقَةٍ وَقَعَتْ اثْنَتَانِ لِزِيَادَةِ الْأَجْزَاءِ عَلَى وَاحِدَةٍ نَقَلَهُ (ر) .

(كَ: أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ) فَيَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَثْنَى نِصْفَ طَلْقَةٍ، عَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ بِالطَّلَاقِ كُلَّ الطَّلَاقِ، (أَوْ) قَالَ: (كُلَّمَا حِضْت) فَأَنْتِ طَالِقٌ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ، وَيَنْجَرُّ عَلَيْهِ مِنْ الْآنَ وَلَا يَنْتَظِرُ لِوُقُوعِهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُحْتَمَلِ الْغَالِبِ وُقُوعُهُ، وَقَصْدُهُ التَّكْثِيرَ وَهَذَا فِيمَنْ تَحِيضُ أَوْ يُتَوَقَّعُ مِنْهَا الْحَيْضُ، وَأَمَّا الْآيِسَةُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ (أَوْ قَالَ: كُلَّمَا) طَلَّقْتُك (أَوْ: مَتَى مَا طَلَّقْتُك، أَوْ) كُلَّمَا أَوْ مَتَى مَا (وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَطَلَّقَ وَاحِدَةً) فَيَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْفُرُوعِ الْأَرْبَعَةِ، لِأَنَّهُ بِإِيقَاعِ الْوَاحِدَةِ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ فَتَقَعُ الثَّانِيَةُ، وَبِوُقُوعِهَا تَقَعُ الثَّالِثَةُ، لِأَنَّ فَاعِلَ السَّبَبِ فَاعِلُ الْمُسَبَّبِ، (أَوْ) قَالَ: (إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ بِالطَّلَاقِ] إلَخْ: أَيْ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ لَا الطَّلَاقَ الشَّرْعِيَّ، وَإِلَّا كَأَنْ يَقُولَ إلَّا نِصْفَهُ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَزِمَهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا فِيمَنْ تَحِيضُ] : هَذَا نَحْوُ مَا لِابْنِ عَرَفَةَ عَنْ النَّوَادِرِ مُعْتَرِضًا عَلَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، حَيْثُ قَالَ هَذَا فِي غَيْرِ الْيَائِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ، وَأَمَّا الْيَائِسَةُ وَالصَّغِيرَةُ يَقُولُ لِإِحْدَاهُمَا إذَا حِضْت فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ حَتَّى تَرَى دَمَ الْحَيْضِ. قَوْلُهُ: [أَوْ قَالَ كُلَّمَا طَلَّقْتُك] إلَخْ: أَمَّا لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا حَلِيتِي حَرُمْتِي، نُظِرَ لِقَصْدِهِ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ: كُلَّمَا حَلِيتِي لِي بَعْدَ زَوْجٍ حَرُمْتِي تَأَبَّدَ تَحْرِيمُهَا، وَإِنْ أَرَادَ كُلَّمَا: حَلِيتِي لِي بِالرَّجْعَةِ فِي هَذِهِ الْعِصْمَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ حَرُمْتِي حَلَّتْ لَهُ بَعْدَ زَوْجٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ نُظِرَ لِعُرْفِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نُظِرَ لِلْبِسَاطِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَا بِسَاطٌ حُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلتَّأْبِيدِ احْتِيَاطًا، وَمِثْلُ ذَلِكَ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا حَلَّلَكِ شَيْخٌ حَرَّمَك شَيْخٌ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا كُلَّمَا حَلِيتِي حَرُمْتِي، فَإِنْ أَرَادَ الزَّوْجُ الثَّانِي بَعْدَ هَذِهِ الْعِصْمَةِ لَا يُحَلِّلُهَا، فَإِنَّهَا تَحِلُّ لَهُ بَعْدَ زَوْجٍ لِأَنَّ إرَادَتَهُ ذَلِكَ بَاطِلَةٌ شَرْعًا لِأَنَّ اللَّهَ أَحَلَّهَا بَعْدَهُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا إنْ حَلَّتْ لَهُ بَعْدَ زَوْجٍ وَتَزَوَّجَهَا فَهِيَ حَرَامٌ عَلَيْهِ تَأَبَّدَ تَحْرِيمُهَا. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ فَاعِلَ السَّبَبِ] : أَيْ الَّذِي هُوَ الطَّلْقَةُ الْأُولَى، وَالْمُرَادُ بِالْمُسَبَّبِ الطَّلْقَةُ الثَّانِيَةُ، وَإِذَا كَانَ فَاعِلُ السَّبَبِ فَاعِلَ الْمُسَبَّبِ آلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الطَّلْقَةَ

طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا أَوْ اثْنَيْنِ، وَطَلَّقَ) : لَزِمَهُ الثَّلَاثُ فِي الْفَرْعَيْنِ، وَيُلْغِي قَوْلَهُ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ الْأَمْسِ، فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (وَأُدِّبَ الْمُجَزِّئُ) لِلطَّلَاقِ (كَمُطَلِّقِ جُزْءٍ، كَيَدٍ) وَرِجْلٍ وَأُصْبُعٍ وَأُنْمُلَةٍ مِنْ زَوْجَتِهِ، وَلَزِمَهُ الطَّلَاقُ. (وَلَزِمَ) الطَّلَاقُ (بِنَحْوِ شَعْرُك) مِمَّا يُعَدُّ مِنْ مَحَاسِنِ الْمَرْأَةِ كَشَعْرِك أَوْ كَلَامِك أَوْ رِيقِك طَالِقٌ. (لَا) يَلْزَمُ بِمَا لَا يُعَدُّ مِنْ الْمَحَاسِنِ نَحْوُ (بُصَاقٌ وَدَمْعٌ) وَسُعَالٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِيَةَ فِعْلُهُ، فَتُجْعَلُ سَبَبًا لِلثَّالِثَةِ بِمُقْتَضَى أَدَاةِ التَّكْرَارِ. قَوْلُهُ: [وَيُلْغَى قَوْلُهُ قَبْلَهُ] : هَذَا هُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِنَا، وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ إذْ قَالَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ أَصْلًا، وَلَا يَلْحَقُهُ فِيهَا لِلدَّوْرِ الْحُكْمِيِّ، فَإِنَّهُ مَتَى طَلَّقَهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَمَتَى وَقَعَ قَبْلَهُ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا كَانَ طَلَاقُهَا الصَّادِرُ مِنْهُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا، لَكِنْ قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ تَقْلِيدُ ابْنَ سُرَيْجٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ضَلَالٌ مُبِينٌ. قَوْلُهُ: [وَأُدِّبَ الْمُجَزِّئُ] : قَالَ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ. قَوْلُهُ: [مِمَّا يُعَدُّ مِنْ مَحَاسِنِ الْمَرْأَةِ] : أَيْ هُوَ كُلُّ مَا يُلْتَذُّ بِهِ أَوْ يُلْتَذُّ بِالْمَرْأَةِ بِسَبَبِهِ، فَالْأَوَّلُ كَالرِّيقِ وَالثَّانِي كَالْعَقْلِ، لِأَنَّ بِالْعَقْلِ يَصْدُرُ مِنْهَا مَا يُوجِبُ لِلرَّجُلِ الْإِقْبَالَ عَلَيْهَا وَالِالْتِذَاذَ بِهَا، بِخِلَافِ الْعِلْمِ. قَوْلُهُ: [نَحْوُ بُصَاقٌ] : الْفَرْقُ بَيْنَ الرِّيقِ وَالْبُصَاقِ أَنَّ الرِّيقَ هُوَ مَاءُ الْفَمِ مَا دَامَ فِيهِ، فَإِنْ انْفَصَلَ عَنْهُ فَهُوَ بُصَاقٌ وَالْأَوَّلُ يُلْتَذُّ بِهِ بِخِلَافِ الثَّانِي. تَنْبِيهٌ: خَالَفَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، فَقَالَ لَا يَلْزَمُ فِي: " كَلَامِك " شَيْءٌ لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ رُؤْيَةَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَمْ يُحَرِّمْ كَلَامَهُنَّ عَلَى أَحَدٍ، وَرُدَّ بِأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ مُرْتَبِطًا بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ، فَإِنَّ وَجْهَ الْأَجْنَبِيَّةِ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَتَطْلُقُ بِهِ وَفِي الْحَاشِيَةِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، إنْ قَالَ: اسْمُك طَالِقٌ، يَلْزَمُ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُنْفَصِلِ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ كُلَّ حُكْمٍ وَرَدَ عَلَى لَفْظٍ فَهُوَ وَارِدٌ عَلَى مُسَمَّاهُ، وَقَدْ قِيلَ الِاسْمُ عَيْنُ الْمُسَمَّى فَتَأَمَّلْ.

[الاستثناء في الطلاق]

(وَصَحَّ) فِي الطَّلَاقِ (الِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَّا وَأَخَوَاتِهَا وَلَوْ) لَفَظَ بِهِ (سِرًّا) فَإِنَّهُ يَنْفَعُهُ وَيُصَدَّقُ فِيهِ نَحْوُ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً، أَوْ غَيْرَ وَاحِدَةٍ أَوْ سِوَى وَاحِدَةٍ، فَيَلْزَمُهُ اثْنَتَانِ كَمَا يَأْتِي. لَكِنْ صِحَّتُهُ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ: (إنْ اتَّصَلَ) بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَلَوْ حُكْمًا فَلَا يَضُرُّ فَصْلٌ بِعُطَاسٍ أَوْ سُعَالٍ، فَإِنْ انْفَصَلَ اخْتِيَارًا لَمْ يَصِحَّ. (وَ) إنْ (قَصَدَ) الِاسْتِثْنَاءَ: أَيْ الْإِخْرَاجَ لَا إنْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ بِلَا قَصْدٍ فَلَا يُفِيدُ. (وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ) الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ نَحْوُ: طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا وَيَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ وَمِثَالُ غَيْرِ الْمُسْتَغْرِقِ (نَحْوُ) : أَنْتِ طَالِقٌ (ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ) فَيَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا عَلِمْت أَنَّ الْمُسْتَغْرِقَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَأَنَّ غَيْرَهُ صَحِيحٌ. (فَفِي) : طَالِقٌ (ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً) : يَلْزَمُهُ اثْنَتَانِ لِإِلْغَاءِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَغْرِقِ، وَكَانَ الثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الِاسْتِثْنَاء فِي الطَّلَاق] قَوْلُهُ: [وَأَخَوَاتِهَا] : وَهِيَ سِوَى وَخَلَا وَعَدَا وَحَاشَا وَغَيْرُ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ لَفَظَ بِهِ سِرًّا] : مَحَلُّ الِاكْتِفَاءِ بِالسِّرِّ مَا لَمْ يَكُنْ الْحَلِفُ فِي وَثِيقَةِ حَقٍّ وَإِلَّا فَلَا يَنْفَعُهُ إلَّا الْجَهْرُ، لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْمُحَلِّفِ كَمَا مَرَّ فِي الْيَمِينِ. قَوْلُهُ: [إنْ اتَّصَلَ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ] : الْمُرَادُ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَحْلُوفُ بِهِ، فَلَوْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ضَرَّ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ إلَّا اثْنَتَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ إنْ اتَّصَلَ بِالْمَحْلُوفِ بِهِ أَوْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ نَحْوُ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ، وَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ إلَّا اثْنَتَيْنِ وَهُمَا قَوْلَانِ. قَوْلُهُ: [فَفِي طَالِقٍ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً] إلَخْ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ لُزُومِ الِاثْنَتَيْنِ هُوَ مَذْهَبُ خَلِيلٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا ثَلَاثًا مُلْغًى، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا وَاحِدَةٌ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْكَلَامَ بِآخِرِهِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الثَّلَاثَ الَّتِي أَخْرَجَ مِنْهَا الْوَاحِدَةَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَوْلِهِ هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَالْمُسْتَثْنَى مِنْ الثَّلَاثِ اثْنَتَانِ يَبْقَى وَاحِدَةٌ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَهُوَ الْحَقُّ وَعَلَى عَكْسِ الْقَوْلَيْنِ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ، فَعَلَى مَا لِلْمُصَنِّفِ مِنْ إلْغَاءِ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ

[بيان أحكام تعليق الطلاق على مقدر حصوله في المستقبل]

مُخَرَّجًا مِنْ أَصْلِ الْكَلَامِ، (أَوْ) قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ (أَلْبَتَّةَ إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً) يَلْزَمُهُ (اثْنَتَانِ) لِأَنَّ أَلْبَتَّةَ ثَلَاثٌ، وَالِاسْتِنَاءُ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ، وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، فَأَخْرَجَ مِنْ أَلْبَتَّةَ اثْنَتَيْنِ ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْهُمَا وَاحِدَةً تُضَمُّ لِلْوَاحِدَةِ الْأُولَى، (وَاعْتُبِرَ) فِي صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ (مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ) لَفْظًا، وَإِنْ كَانَ لَا حَقِيقَةَ لَهُ شَرْعًا عَلَى أَرْجَحِ الْقَوْلَيْنِ، فَمَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعًا إلَّا اثْنَتَيْنِ لَزِمَهُ اثْنَتَانِ، وَإِنْ قَالَ: إلَّا ثَلَاثًا، لَزِمَهُ وَاحِدَةٌ، وَمَنْ قَالَ: خَمْسًا إلَّا ثَلَاثًا، لَزِمَهُ اثْنَتَانِ، كَمَنْ قَالَ: سِتًّا إلَّا أَرْبَعًا وَقِيلَ لَا يُعْتَبَرُ الزَّائِدُ عَلَى الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ شَرْعًا فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ حِسًّا، فَيَلْزَمُهُ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَاحِدَةٌ، وَفِي الثَّانِي ثَلَاثَةٌ لِأَنَّهُ كَانَ اسْتَثْنَى ثَلَاثًا مِنْ ثَلَاثٍ، فَيُلْغَى الِاسْتِثْنَاءُ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَكَذَا فِي الْمِثَالِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ عَلَى مُقَدِّرِ حُصُولِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، مِنْ حِنْثٍ وَعَدَمِهِ وَتَنْجِيزِ الْحِنْثِ وَعَدَمِهِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إنْ عَلَّقَهُ عَلَى أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ مُحَقَّقِ الْوُقُوعِ، أَوْ غَالِبٍ وُقُوعُهُ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ، وَعَلَى مَا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَرَفَةَ يَلْزَمُهُ اثْنَتَانِ. قَوْلُهُ: [مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ] : أَيْ فِي حَقِّ الْحُرِّ، وَيُقَالُ فِي الْعَبْدِ مَا زَادَ عَلَى اثْنَتَيْنِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ إلَّا اثْنَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْجَمِيعِ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَوَاحِدَةٌ، لِأَنَّهُ أَخْرَجَ اثْنَتَيْنِ مِنْ ثَلَاثٍ وَإِلَّا يَكُنْ مِنْ الْجَمِيعِ، بَلْ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ الثَّانِي أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ فَيَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ. [بَيَانِ أَحْكَامِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ عَلَى مُقَدِّرِ حُصُولِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ] قَوْلُهُ: [أَحْكَامُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ] : اُخْتُلِفَ فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ فَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ مَكْرُوهٌ قَالَ اللَّخْمِيُّ مَمْنُوعٌ. قَوْلُهُ: [عَلَى مُقَدِّرٍ] : مُتَعَلِّقٌ، بِتَعْلِيقِ وَقَوْلُهُ فِي الْمُسْتَقْبِلِ مُتَعَلِّقٌ بِحُصُولِهِ، وَقَوْلُهُ مِنْ حِنْثٍ وَعَدَمِهِ وَتَنْجِيزِ الْحِنْثِ وَعَدَمِهِ، بَيَانٌ لِلْأَحْكَامِ، وَمَعْنَى مُقَدَّرِ الْحُصُولِ مَفْرُوضُ الْحُصُولِ أَيْ وَالْعَدَمُ، فَفِي الْكَلَامِ اكْتِفَاءٌ بِدَلِيلِ تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُمْتَنِعِ. قَوْلُهُ: [مُحَقَّقِ الْوُقُوعِ] : أَيْ لِوُجُوبِهِ عَقْلًا أَوْ عَادَةً أَوْ شَرْعًا كَمَا سَيَذْكُرُ أَمْثِلَتَهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ غَالِبٍ وُقُوعُهُ] : أَيْ كَالْحَيْضِ فِي غَيْرِ الْيَائِسَةِ.

مَشْكُوكٍ فِي حُصُولِهِ فِي الْحَالِ، وَيُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ بَعْدُ أَوْ لَا يُمْكِنُ فَإِنَّهُ يُنْجَزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ عَلَّقَهُ عَلَى مُمْتَنِعٍ فَلَا حِنْثَ، وَإِنْ عَلَّقَهُ بِمُمْكِنِ الْوُقُوعِ مَعَ عَدَمِ حُصُولِهِ وَقْتَ التَّعْلِيقِ، وَلَيْسَ بِغَالِبِ الْوُقُوعِ كَمَدْخُولِ الدَّارِ، فَإِنَّهُ يُنْتَظَرُ. وَإِلَى تَفْصِيلِ ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَنُجِّزَ) الطَّلَاقُ أَيْ وَقَعَ وَلَزِمَ (فِي الْحَالِ إنْ عُلِّقَ بِمُسْتَقْبَلٍ مُحَقَّقٍ) وُقُوعُهُ (عَقْلًا؛ كَإِنْ تَحَيَّزَ الْجِرْمُ) فِي غَدٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، (أَوْ: إنْ لَمْ أَجْمَعْ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ، إذْ الْجَمْعُ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ مُسْتَحِيلٌ عَقْلًا، وَالْأَوَّلُ يَمِينُ بِرٍّ وَالثَّانِي حِنْثٌ. (أَوْ) مُحَقَّقٌ أَيْ وَاجِبٌ (عَادَةً) ، وَإِنْ أَمْكَنَ عَقْلًا وَكَانَ (يَبْلُغُهُ عُمُرُهُمَا) : ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ مَشْكُوكٍ فِي حُصُولِهِ] : أَيْ كَقَوْلٍ لِحَامِلٍ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك غُلَامٌ، أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ إنْ كَانَ فِي هَذِهِ اللَّوْزَةِ قَلْبَانِ إلَخْ. قَوْلُهُ: [أَوْ لَا يُمْكِنُ] : أَيْ كَمَشِيئَةِ اللَّهِ أَوْ الْمَلَائِكَةِ أَوْ الْجِنِّ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ عَلَّقَهُ عَلَى مُمْتَنِعٍ] : أَيْ عَقْلًا كَإِنْ جَمَعْت بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، أَوْ عَادَةً كَإِنْ لَمَسْت السَّمَاءَ أَوْ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يُنْتَظَرُ] : وَسَيَأْتِي يَذْكُرُهُ بِقَوْلِهِ وَلَا حِنْثَ إنْ عَلَّقَهُ بِمُمْكِنٍ غَيْرِ غَالِبٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: [أَيْ وَقَعَ وَلَزِمَ فِي الْحَالِ] : أَيْ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى حُكْمٍ مِنْ الْقَاضِي إلَّا فِي مَسَائِلَ ثَلَاثٍ: مَسْأَلَةُ إنْ لَمْ أَزْنِ مَثَلًا، وَمَسْأَلَةُ إنْ لَمْ تُمْطِرْ السَّمَاءُ، وَمَسْأَلَةُ مَا إذَا عَلَّقَهُ عَلَى مُحْتَمَلٍ وَاجِبٍ شَرْعًا كَإِنْ صَلَّيْت. فَالتَّنْجِيزُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ يَتَوَقَّفُ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ وَمَا عَدَاهَا مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حُكْمٍ. قَوْلُهُ: [وَكَانَ يَبْلُغُهُ عُمُرُهُمَا] : أَيْ وَأَمَّا إنْ كَانَ يُشْبِهُ بُلُوغَ أَحَدِهِمَا إلَيْهِ دُونَ الْآخَرِ فَلَا يُنَجَّزُ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ يَبْلُغُ الْأَجَلَ ظَاهِرًا صَارَ شَبِيهًا بِنِكَاحِ الْمُتْعَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَ يَبْلُغُهُ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَلَا يَأْتِي الْأَجَلُ إلَّا وَالْفُرْقَةُ حَاصِلَةٌ بِالْمَوْتِ فَلَمْ يُشْبِهْ الْمُتْعَةَ حِينَئِذٍ، وَلِذَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: هَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْأَجَلُ مِمَّا يَبْلُغُهُ عُمُرُهُمَا فَهَذَا يَلْزَمُ، أَوْ يَكُونُ مِمَّا لَا يَبْلُغُهُ عُمُرُهُمَا، أَوْ يَبْلُغُهُ عُمُرُهُ أَوْ عُمُرُهَا فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ

أَيْ الزَّوْجَيْنِ مَعًا (عَادَةً) بِأَنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مُدَّةِ التَّعْمِيرِ، وَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ؛ (كَبَعْدِ) : أَيْ كَقَوْلِهِ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ (سَنَةٍ) مَثَلًا، فَبَعْدِيَّةُ السَّنَةِ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ عَادَةً وَيَبْلُغُهُ عُمُرُهُمَا عَادَةً فَيُنْجَزُ عَلَيْهِ مِنْ الْآنَ، بِخِلَافِ بَعْدَ ثَمَانِينَ سَنَةً كَمَا يَأْتِي، (أَوْ) طَالِقٌ (يَوْمَ مَوْتِي أَوْ قَبْلَهُ بِسَاعَةٍ) : أَيُّ لَحْظَةٍ وَأَوْلَى أَكْثَرُ، فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ الْآنَ، بِخِلَافِ بَعْدِ مَوْتِي أَوْ مَوْتِك، أَوْ: إنْ مِتّ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذْ لَا طَلَاقَ بَعْدَ مَوْتٍ، وَأَمَّا: إنْ مَاتَ زَيْدٌ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ، (أَوْ: إنْ أَمْطَرَتْ) السَّمَاءُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، إذْ الْمَطَرُ أَمْرٌ وَاجِبٌ عَادَةً (أَوْ: إنْ لَمْ أَمَسَّ السَّمَاءَ) فَأَنْتِ طَالِقٌ، إذْ عَدَمُ مَسِّهِ لَهَا مُحَقَّقٌ عَادَةً، وَالْأَوَّلُ يَمِينُ بِرٍّ، وَالثَّانِي حِنْثٌ (أَوْ: إنْ قُمْت) أَوْ قَامَ زَيْدٌ أَوْ جَلَسْت أَوْ أَكَلْت أَوْ جَلَسَ أَوْ أَكَلَ زَيْدٌ (مِنْ كُلِّ مَا) أَيْ فِعْلٍ (لَا صَبْرَ) لِلْإِنْسَانِ (عَنْهُ) فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ فِي يَمِينِ الْبِرِّ، بِخِلَافِ الْحِنْثِ نَحْوُ: إنْ لَمْ أَقُمْ وَإِنْ لَمْ آكُلْ فَيُنْتَظَرُ كَمَا يُنْتَظَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهَا إذْ لَا تَطْلُقُ مَيِّتَةٌ وَلَا يُؤْمَرُ مَيِّتٌ بِطَلَاقٍ ابْنِ يُونُسَ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَةً إلَى مِائَةِ سَنَةٍ أَوْ إلَى ثَمَانِينَ سَنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إذَا طَلَّقَهَا إلَى وَقْتٍ لَا يَبْلُغُهُ عُمُرُهَا، أَوْ لَا يَبْلُغُهُ عُمُرُهُ، أَوْ لَا يَبْلُغَانِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ (اهـ. بْن مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ الْآنَ] : أَيْ لِأَنَّهُ رَبَطَ الطَّلَاقَ بِأَمْرٍ مُحَقَّقٍ وُقُوعُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِوُجُوبِهِ عَادَةً، إذْ حُصُولُ الْمَوْتِ لِكُلِّ أَحَدٍ وَاجِبٌ عَادِيٌّ، فَلَوْ بَقِيَ مِنْ غَيْرِ تَنْجِيزِ الطَّلَاقِ كَانَ شَبِيهًا بِنِكَاحِ الْمُتْعَةِ. قَوْلُهُ: [إذْ لَا طَلَاقَ بَعْدَ مَوْتٍ] : أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ مَيِّتٌ بِطَلَاقٍ، وَلَا يُطَلَّقُ عَلَى مَيِّتَةٍ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا إنْ مَاتَ زَيْدٌ] إلَخْ: أَيْ فَلَا فَرْقَ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى مَوْتِ الْأَجْنَبِيِّ بَيْنَ يَوْمٍ، وَإِنْ وَإِذَا وَقَبْلَ وَبَعْدَ، فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فِي الْجَمِيعِ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ التَّعْلِيقُ عَلَى مَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ عَلَى مَوْتِ سَيِّدِ الزَّوْجَةِ إذَا كَانَ أَبًا لِلزَّوْجِ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ فِي يَوْمٍ، وَقَبْلَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي إنْ وَإِذَا وَبَعْدَ كَذَا فِي (بْن) نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ.

فِي الْبِرِّ مِمَّا لِلْإِنْسَانِ الصَّبْرُ عَنْهُ نَحْوُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ. (أَوْ) بِمُحَقَّقٍ أَيْ وَاجِبٍ (شَرْعًا كَ: إنْ صَلَّيْت أَوْ صُمْت رَمَضَانَ) فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ مِنْ الْآنَ، وَسَوَاءٌ صَلَّى الْخَمْسَ أَوْ صَامَ رَمَضَانَ أَمْ لَا لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ شَرْعًا، وَمِثْلُهُ: إنْ صَلَّى زَيْدٌ (أَوْ) عَلَّقَهُ (بِغَالِبِ) وُقُوعِهِ، (كَ: إنْ حِضْت) أَوْ: حَاضَتْ هِنْدٌ، وَقَالَهُ (لِغَيْرِ آيِسَةٍ) مِنْ الْحَيْضِ وَهِيَ مِنْ شَأْنِهَا الْحَيْضُ، أَوْ صَغِيرَةٍ يُتَوَقَّعُ مِنْهَا الْحَيْضُ وَلَوْ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَهُ لِآيِسَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَيْضَ فِي حَقِّهَا مِنْ الْمُمْتَنِعِ عَادَةً، (أَوْ) عَلَّقَهُ (بِمَا لَا يُعْلَمُ حَالًا) أَيْ فِي حَالِ التَّعْلِيقِ بِأَنْ كَانَ مَشْكُوكًا فِي الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ يُعْلَمُ فِي الْمَآلِ (كَقَوْلِهِ لِحَامِلٍ) مُحَقَّقَةِ الْحَمْلِ - كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ: (إنْ كَانَ فِي بَطْنِك غُلَامٌ، أَوْ) إنْ (لَمْ يَكُنْ) فِي بَطْنِك غُلَامٌ - أَيْ ذَكَرٌ - فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْتَظَرُ مَا فِي بَطْنِهَا لِلشَّكِّ حِينَ الْيَمِينِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا صَبْرَ لِلْإِنْسَانِ عَنْهُ] : أَيْ لِأَنَّ مَا لَا صَبْرَ عَلَى تَرْكِهِ كَالْمُحَقَّقِ الْوُقُوعِ، فَكَأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى مُحَقَّقِ الْوُقُوعِ، فَلِذَلِكَ نُجِزَ عَلَيْهِ لِأَنَّ بَقَاءَهُ بِلَا تَنْجِيزٍ يُشْبِهُ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ، وَمَحَلُّ التَّنْجِيزِ الْمَذْكُورِ إنْ أَطْلَقَ فِي يَمِينِهِ أَوْ قَيَّدَ بِمُدَّةٍ يَعْسُرُ فِيهَا تَرْكُ الْقِيَامِ مَثَلًا، وَأَمَّا إنْ عَيَّنَ مُدَّةً لَا يَعْسُرُ تَرْكُ الْقِيَامِ فِيهَا كَمَا إذَا قَالَ إنْ قُمْت فِي مُدَّةِ سَاعَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهُ لَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ بَلْ يُنْتَظَرُ إنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ قِيَامٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَصَلَ مِنْهُ قِيَامٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ، فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ عَلَى أَنْ لَا يَقُومَ كَسِيحًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ زَالَ الْكُسَاحُ بَعْدَ الْيَمِينِ نُجِّزَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [كَإِنْ صَلَّيْت] إلَخْ: أَيْ وَتَنْجِيزُهُ عَلَيْهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى حُكْمٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهِيَ إحْدَى الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَهُ لِآيِسَةٍ] : أَيْ إمَّا لِكِبَرٍ أَوْ شَأْنُهَا عَدَمُ الْحَيْضِ وَهِيَ شَابَّةٌ، وَهِيَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا بَغْلَةٌ فَلَا شَيْءَ فِي التَّعْلِيقِ عَلَيْهَا، فَإِذَا تَخَلَّفَ الْأَمْرُ وَحَاضَتْ الشَّابَّةُ الَّتِي شَأْنُهَا عَدَمُ الْحَيْضِ وَقَعَ الطَّلَاقُ ذَكَرَهُ (ح) ، وَبَحَثَ فِيهِ بِأَنَّهُ إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى أَجَلٍ لَا يَبْلُغُهُ عُمُرُهُمَا مَعًا عَادَةً، فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ وَلَوْ بَلَغَاهُ بِالْفِعْلِ. قَوْلُهُ: [لِلشَّكِّ حِينَ الْيَمِينِ] : إنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ

وَلَا بَقَاءَ عَلَى فَرْجٍ مَشْكُوكٍ (أَوْ) قَالَ لَهَا: (إنْ كَانَ فِي هَذِهِ اللَّوْزَةِ قَلْبَانِ) . أَوْ: إنْ لَمْ يَكُنْ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهُ يُنَجَّزُ عَلَيْهِ لِلشَّكِّ حَالَ الْيَمِينِ، وَنَحْوُ: إنْ كَانَتْ هَذِهِ الْبِطِّيخَةُ حُلْوَةً أَوْ إنْ لَمْ تَكُنْ، (أَوْ) قَالَ: (إنْ كَانَ فُلَانٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) أَوْ: إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ لِلشَّكِّ فِي الْحَالِ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ مَقْطُوعًا بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا كَأَحَدِ الْعَشَرَةِ الْكِرَامِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ وَرَدَ النَّصُّ فِيهِمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ (أَوْ قَالَ - لِغَيْرِ ظَاهِرَةِ الْحَمْلِ إنْ كُنْت حَامِلًا أَوْ إنْ لَمْ تَكُونِي) حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ لِلشَّكِّ فِي الْحَمْلِ وَعَدَمِهِ، (وَحُمِلَتْ) الْمَرْأَةُ (عَلَى الْبَرَاءَةِ) مِنْ الْحَمْلِ إذَا كَانَتْ حَالَ يَمِينِهِ (فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ) ، وَحِينَئِذٍ (فَلَا حِنْثَ) عَلَيْهِ (فِي) يَمِينِ (الْبِرِّ) ، وَهُوَ إنْ كُنْت حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، (بِخِلَافِ) يَمِينِ (الْحِنْثِ) وَهُوَ إنْ لَمْ تَكُونِي إلَخْ فَيَحْنَثُ لِلْعِلْمِ بِعَدَمِ حَمْلِهَا. (أَوْ) عَلَّقَ (بِمَا لَا يُمْكِنُ اطِّلَاعُنَا عَلَيْهِ) حَالًا وَمَآلًا كَمَشِيئَةِ اللَّهِ أَوْ الْمَلَائِكَةِ أَوْ الْجِنِّ، (كَ: إنْ شَاءَ) : أَيْ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ (اللَّهُ، أَوْ) إنْ شَاءَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ دَخَلْت الدَّارَ حَيْثُ حُكِمَ هُنَا بِالتَّنْجِيزِ، وَهُنَاكَ بِعَدَمِهِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مَشْكُوكٌ فِيهِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي مَسْأَلَةِ إنْ دَخَلْت مُحَقَّقٌ عَدَمُ وُقُوعِهِ فِي الْحَالِ لَا أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُحْتَمَلُ الْوُقُوعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُقُوعِهِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك إلَخْ فَالطَّلَاقُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فِي الْحَالِ، هَلْ لَزِمَ أَمْ لَا؟ فَالْبَقَاءُ مَعَهَا بَقَاءٌ عَلَى فَرْجٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ قَالَ إنْ كَانَ فُلَانٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ] : قَالَ (ح) لَيْسَ مِنْ أَمْثِلَةِ مَا يُعْلَمُ حَالًا، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَمْثِلَةِ مَا لَا يُعْلَمُ حَالًا وَلَا مَآلًا كَمَا فِي التَّوْضِيحِ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْأَنْسَبُ لِمُصَنِّفِنَا ذِكْرُهُ هُنَاكَ فَهُوَ كَمَشِيئَةِ اللَّهِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ عِلْمِهِ فِي الْمَآلِ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ مَحَلُّ الْحِنْثِ بِقَوْلِهِ فُلَانٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَا لَمْ يُرِدْ الْعَمَلَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَيَكُونُ هُوَ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ] : أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَسَّهَا وَأَنْزَلَ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ.

[تنبيه في تعليق الطلاق على المشيئة]

(الْجِنُّ) أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إلَخْ فَإِنَّهُ يُنَجَّزُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مَشِيئَةَ مَنْ ذُكِرَ لَا اطِّلَاعَ لَنَا عَلَيْهَا. بِخِلَافِ إنْ شَاءَ زَيْدٌ أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ فَتُنْتَظَرُ مَشِيئَتُهُ. (أَوْ) عَلَّقَ (بِمُحْتَمَلٍ) وُقُوعُهُ أَيْ مُمْكِنٍ (لَيْسَ فِي وُسْعِنَا كَ: إنْ لَمْ تُمْطِرْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [تَنْبِيه فِي تَعْلِيق الطَّلَاق عَلَى المشيئة] قَوْلُهُ: [لِأَنَّ مَشِيئَةَ مَنْ ذُكِرَ] إلَخْ: أَيْ وَلِأَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ لَا تَنْفَعُ فِي غَيْرِ الْيَمِينِ، وَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ خَلِيلًا التَّابِعَ لِابْنِ يُونُسَ فِي تَمْثِيلِ مَا لَمْ يُمْكِنْ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ، لَا حَالًا وَلَا مَآلًا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ التَّمْثِيلَ بِهَذَا لَمَّا لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ، إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى كَلَامِ الْقَدَرِيَّةِ مِنْ أَنَّ بَعْضَ الْأُمُورِ عَلَى خِلَافِ مَشِيئَتِهِ تَعَالَى، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْيَمِينَ لَازِمَةٌ، وَأَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ، أَمَّا إنْ قُلْنَا: كُلُّ مَا فِي الْكَوْنِ بِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى فَالصَّوَابُ أَنَّ هَذَا مِنْ التَّعْلِيقِ عَلَى أَمْرٍ مُحَقَّقٍ، إنْ أَرَادَ إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقَك فِي الْحَالِ، لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ نُطْقِهِ بِالطَّلَاقِ عُلِمَ أَنَّهُ شَاءَ، وَإِنْ أَرَادَ إنْ شَاءَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَهُوَ لَاغٍ لِأَنَّ الشَّرْعَ حَكَمَ بِالطَّلَاقِ فَلَا يُعَلَّقُ بِمُسْتَقْبَلٍ، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ جَعْلَ ذَلِكَ مِثَالًا لِمَا لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ مَنْظُورٌ فِيهِ لِلْمَشِيئَةِ فِي ذَاتِهَا، فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا تُعْلَمُ بِتَحْقِيقِ الْمُشَاءِ فَتَأَمَّلْهُ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. فَمُحَصِّلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَى ذَاتِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَلَا عَلَى تَعَلُّقِ إرَادَتِهِ لِأَنَّ قَدْرَ اللَّهِ لَا اطِّلَاعَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ مَا دَامَتْ الدُّنْيَا. تَنْبِيهٌ: لَوْ صَرَفَ مَشِيئَةَ اللَّهِ أَوْ الْمَلَائِكَةِ أَوْ الْجِنِّ لِمُعَلَّقٍ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَصَرَفَ الْمَشِيئَةَ لِلدُّخُولِ أَيْ إنْ دَخَلْت بِمَشِيئَةِ اللَّهِ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ إنْ وُجِدَ الدُّخُولُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يُنَجَّزُ وَلَوْ حَصَلَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ صَرَفَهَا لِلْمُعَلَّقِ وَهُوَ الطَّلَاقُ أَوْ لَهُمَا، أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَيُنَجَّزُ إنْ وُجِدَ الدُّخُولُ اتِّفَاقًا، بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ مَثَلًا إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي، أَوْ إلَّا أَنْ أَرَى خَيْرًا مِنْهُ، أَوْ إلَّا أَنْ يُغَيِّرَ اللَّهُ مَا فِي خَاطِرِي وَنَوَى صَرْفَهُ لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَقَطْ كَالدُّخُولِ، فَلَا يُنَجَّزُ بَلْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى: إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَبَدَا لِي جَعْلُهُ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِذَا لَمْ يَبْدُ لِي ذَلِكَ فَلَا فَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ مُعَلَّقٌ عَلَى التَّصْمِيمِ وَالتَّصْمِيمُ لَمْ يُوجَدْ حَالَ التَّعْلِيقِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَأَمَّا لَوْ صَرَفَهُ لِلطَّلَاقِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ نَدَمًا وَرَفْعًا لِلْوَاقِعِ.

[المنع في يمين البر والحنث في الطلاق]

السَّمَاءُ فِي هَذَا الشَّهْرِ) ، أَوْ غَدًا أَوْ فِي هَذَا الْيَوْمِ بِأَنْ قَيَّدَ بِزَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْوُجُودُ وَالْعَدَمُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهُ يُنَجَّزُ عَلَيْهِ فِي يَمِينِ الْحِنْثِ كَمَا ذَكَرْنَا، (بِخِلَافِ) يَمِينِ (الْبِرِّ كَ: إنْ أَمْطَرَتْ) السَّمَاءُ (فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الشَّهْرِ مَثَلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَيُنْتَظَرُ) ، فَإِنْ أَمْطَرَتْ فِي الْأَجَلِ الْمَذْكُورِ طَلُقَتْ وَإِلَّا فَلَا (عَلَى الْأَرْجَحِ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَمُقَابِلُهُ يُنَجَّزُ كَالْحِنْثِ. (أَوْ) عَلَّقَهُ (بِمُحَرَّمٍ) بِصِيغَةِ حِنْثٍ (كَ: إنْ لَمْ أَزْنِ) أَوْ أَشْرَبْ الْخَمْرَ فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَإِنَّهُ يُنَجَّزُ عِلِّيّه الطَّلَاقُ لَكِنْ بِحُكْمِ حَاكِمٍ فِي هَذَا الْفَرْعِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ) فِعْلُ الْمُحَرَّمِ (قَبْلَ التَّنْجِيزِ) فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِانْحِلَالِ يَمِينِهِ. (وَلَا حِنْثَ) عَلَيْهِ (إنْ عَلَّقَهُ) أَيْ الطَّلَاقَ (بِمُسْتَقْبَلٍ مُمْتَنِعٍ) وُقُوعُهُ عَقْلًا، كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، أَوْ عَادَةً كَلَمْسِ السَّمَاءِ (كَ: إنْ جَمَعْت بَيْنَ الضِّدَّيْنِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ، (أَوْ: إنْ لَمَسْت السَّمَاءَ) فَطَالِقٌ، أَوْ إنْ (شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ) إذْ لَا مَشِيئَةَ لِلْحَجَرِ فَيَمْتَنِعُ عَادَةً أَنْ تَكُونَ لَهُ مَشِيئَةٌ. (أَوْ) عَلَّقَهُ (بِمَا) أَيْ بِشَيْءٍ (لَا يُشْبِهُ الْبُلُوغَ إلَيْهِ) عَادَةً، بِأَنْ زَادَ أَمَدَهُ عَلَى مُدَّةِ التَّعْمِيرِ، (كَ: بَعْدَ ثَمَانِينَ سَنَةً) أَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ: (إذَا مِتّ) أَنَا (أَوْ مِتّ) أَنْتِ (أَوْ إنْ) مِتّ أَوْ مِتّ (أَوْ مُتِّي) مِتّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمُقَابِلُهُ يُنَجَّزُ كَالْحِنْثِ] : وَهُوَ مَا لِابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ قَائِلًا: إنَّهُ يُنَجَّزُ حَالًا وَلَا يُنْظَرُ، فَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى جَاءَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَقِيلَ يُطَلَّقُ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَا. قَوْلُهُ: [لَكِنْ بِحُكْمِ حَاكِمٍ] : أَيْ وَهِيَ إحْدَى الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الَّتِي تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا، وَحَيْثُ احْتَاجَ لِحُكْمٍ فَلَوْ أَخْبَرَهُ مُفْتٍ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ فَاعْتَدَّتْ زَوْجَتُهُ وَتَزَوَّجَتْ، ثُمَّ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ الْمُحَرَّمَ فَإِنَّ زَوْجَتَهُ تُرَدُّ لِعِصْمَةِ الْأَوَّلِ. [الْمَنْع فِي يَمِين الْبَرّ وَالْحِنْث فِي الطَّلَاق] قَوْلُهُ: [أَوْ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ] : هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، فِي النَّوَادِرِ: يُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ لِهَزْلِهِ وَبِهِ قَالَ سَحْنُونَ، وَذَكَرَهُمَا عَبْدُ الْوَهَّابِ رِوَايَتَيْنِ وَذَكَرَ أَنَّ لُزُومَ الطَّلَاقِ أَصَحُّ.

أَوْ مِتّ أَنْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذْ لَا طَلَاقَ بَعْدَ مَوْتٍ، بِخِلَافِ يَوْمَ مَوْتِي أَوْ قَبْلَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، (أَوْ قَالَ) لِخَلِيَّةٍ مِنْ الْحَمْلِ تَحْقِيقًا لِصِغَرٍ أَوْ إيَاسٍ أَوْ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ: (إنْ وَلَدْت) وَلَدًا (أَوْ إنْ حَمَلْت) فَأَنْتِ طَالِقٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَحَقُّقِ عَدَمِ حَمْلِهَا، وَقَدْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى وُجُودِهِ (إلَّا أَنْ يَطَأَهَا وَلَوْ مَرَّةً، وَهِيَ مُمْكِنَةُ الْحَمْلِ) بَعْدَ يَمِينِهِ بَلْ، (وَإِنْ) وَطِئَهَا (قَبْلَ يَمِينِهِ) وَلَمْ تَحِضْ بَعْدَهُ (فَيُنَجَّزُ) الطَّلَاقُ عَلَيْهِ لِلشَّكِّ. (وَلَا) حِنْثَ إنْ عَلَّقَهُ (بِمُحْتَمَلٍ) وُقُوعُهُ (غَيْرِ غَالِبٍ) كَدُخُولِ دَارٍ، وَأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَرُكُوبٍ وَلُبْسٍ، (وَانْتُظِرَ) حُصُولُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَصَلَ لَزِمَ الطَّلَاقُ وَإِلَّا فَلَا وَيَحْنَثُ فِي يَمِينِ الْحِنْثِ نَحْوُ: إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ فَطَالِقٌ بِالْعَزْمِ عَلَى الضِّدِّ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَيْمَانِ، وَإِذَا قُلْنَا: " لَا حِنْثَ وَيُنْتَظَرُ " فَلَا يَخْلُو الْحَالُ مِنْ أَنْ تَكُونَ يَمِينُهُ مُثْبِتَةً: أَيْ يَمِينَ بِرٍّ، أَوْ نَافِيَةً: أَيْ يَمِينَ حِنْثٍ. وَيَمِينُ الْحِنْثِ إمَّا مُؤَجَّلَةٌ بِأَجَلٍ أَوْ مُطْلَقَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ يَمِينَ بِرٍّ أَوْ حِنْثٍ مُقَيَّدَةٍ بِأَجَلٍ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا وَإِلَّا مُنِعَ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الزَّوْجَةِ (إنْ أَثْبَتَ) فِي يَمِينِهِ بِأَنْ كَانَتْ يَمِينَ بِرٍّ (كَ: إنْ دَخَلْت أَوْ: إنْ قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ: إنْ شَاءَ زَيْدٌ) فَأَنْتِ طَالِقٌ، بَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَيُنَجَّزُ الطَّلَاقُ عَلَيْهِ لِلشَّكِّ] : أَيْ فِي لُزُومِ الْيَمِينِ لَهُ حِينَ الْحَلِفِ إنْ كَانَ الْوَطْءُ مُتَقَدِّمًا أَوْ حِينَ الْوَطْءِ إنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا، وَعُدَّ لُزُومُهُ لَهُ فِي الْبَقَاءِ مَعَ تِلْكَ الْيَمِينِ بَقَاءً عَلَى عِصْمَةٍ مَشْكُوكٍ فِيهَا، وَلَيْسَ لَهُ وَطْؤُهَا خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ حَيْثُ قَالَ: إذَا قَالَ لَهَا إنْ حَمَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ كَانَ لَهُ وَطْؤُهَا فِي كُلِّ طُهْرٍ مَرَّةً إلَى أَنْ تَحْمِلَ أَوْ تَحِيضَ، قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ حَمَلْت فَأَنْتِ حُرَّةٌ، فَإِنَّ لَهُ وَطْأَهَا فِي طُهْرٍ مَرَّةً وَيُمْسِكُ إلَى أَنْ تَحْمِلَ أَوْ تَحِيضَ، وَفَرَّقَ ابْنُ يُونُسَ بِمَنْعِ النِّكَاحِ لِأَجَلٍ وَجَوَازِ الْعِتْقِ لَهُ. قَوْلُهُ: [وَأَكْلٍ وَشُرْبٍ] : أَيْ مُعَيَّنَيْنِ أَوْ خَصَّهُمَا بِزَمَنٍ يُمْكِنُ الصَّبْرُ فِيهِ عَادَةً وَإِلَّا نُجِّزَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الصَّبْرُ عَنْهُ عَادَةً، وَيَجْرِي فِي الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ مَا جَرَى فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. قَوْلُهُ: [مُقَيَّدَةٌ بِأَجَلٍ] : أَيْ مُعَيَّنٍ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي.

لَهُ أَنْ يَسْتَرْسِلَ عَلَيْهَا حَتَّى يَدْخُلَ أَوْ حَتَّى يَشَاءَ زَيْدٌ. فَإِنْ شَاءَ الطَّلَاقَ طَلُقَتْ، وَإِنْ شَاءَ عَدَمَهُ لَمْ تَطْلُقْ كَمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ مَشِيئَتَهُ، كَمَا لَوْ مَاتَ زَيْدٌ قَبْلَ أَنْ يَشَاءَ أَوْ بَعْدَ أَنْ شَاءَ وَلَمْ يَعْلَمْ، وَمِثْلُ إنْ شَاءَ زَيْدٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ. (وَإِنْ نَفَى) بِأَنْ كَانَتْ يَمِينُهُ صِيغَةَ حِنْثٍ نَحْوَ: إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَفِي قُوَّتِهِ: عَلَيْهِ الطَّلَاقُ لَيَدْخُلَنَّ الدَّارَ، فَإِنَّهُ فِي قُوَّةٍ: إنْ لَمْ أَدْخُلْهَا فَهِيَ طَالِقٌ، (وَلَمْ يُؤَجِّلْ) بِأَجَلٍ مُعَيَّنٍ بَلْ أَطْلَقَ فِي يَمِينِهِ - كَمَا مَثَّلْنَا - (مُنِعَ مِنْهَا) : أَيْ مِنْ الزَّوْجَةِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ حَتَّى يَفْعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ. (وَضُرِبَ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ) مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ (إنْ قَامَتْ) الزَّوْجَةُ (عَلَيْهِ) ، بِأَنْ طَلَبَتْ حَقَّهَا مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ، فَإِنْ أَجَّلَ بِأَجَلٍ، نَحْوِ: إنْ لَمْ أَدْخُلْ فِي هَذَا الشَّهْرِ أَوْ شَهْرِ كَذَا فَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا حَتَّى يَضِيقَ الْوَقْتُ بِقَدْرِ مَا يَسَعُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مِنْ آخِرِ الْأَجَلِ، فَيُمْنَعُ حَتَّى يَفْعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَوْ يَحْنَثَ، وَمَحَلُّ مَنْعِهِ إذَا لَمْ يُؤَجِّلْ أَوْ أَجَّلَ وَضَاقَ الْوَقْتُ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ بِرُّهُ فِي وَطْئِهَا، كَمَا لَوْ حَلَفَ (إنْ لَمْ أُحَبِّلْهَا أَوْ) إنْ (لَمْ أَطَأْهَا) فَهِيَ طَالِقٌ فَلَا يُمْنَعُ لِأَنَّ بِرَّهُ فِي وَطْئِهَا، وَمَحَلُّهُ فِي إنْ لَمْ أُحَبِّلْهَا إنْ كَانَ يَتَوَقَّعُ حَمْلَهَا. فَإِنْ أَيِسَ مِنْهُ - وَلَوْ مِنْ جِهَتِهِ - نُجِّزَ طَلَاقُهَا. وَمَحَلُّ ضَرْبِ أَجَلِ الْإِيلَاءِ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ (إنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، كَ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ) كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِلَّا) يَحْلِفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ بَلْ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بَلْ أَطْلَقَ فِي يَمِينِهِ] : أَيْ أَوْ أَجَّلَ بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ كَمَا إذْ قَالَ لَهَا، إنْ لَمْ أَفْعَلْ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ أَوْ قَبْلَ أَنْ تُمْطِرَ السَّمَاءُ مَثَلًا، وَلَمْ يَعْلَمْ وَقْتَ قُدُومِهِ. قَوْلُهُ: [مُنِعَ مِنْهَا] : فَإِنْ تَعَدَّى وَوَطِئَهَا لَمْ يَلْزَمْهَا اسْتِبْرَاءٌ، لِأَنَّ الْمَنْعَ لَيْسَ لِخَلَلٍ فِي مُوجِبِ الْوَطْءِ، وَقَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ. كُلُّ وَطْءٍ فَاسِدٍ لَا يَطَأُ فِيهِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَ يُرِيدُ فَاسِدًا لِسَبَبِ حِلِّيَّتِهِ الَّذِي هُوَ الْعَقْدُ لِخَلَلٍ فِيهِ، أَلَا تَرَى لِوَطْءِ الْمُحْرِمَةِ وَالْمُعْتَكِفَةِ الصَّائِمَةِ فَإِنَّهُ لَا اسْتِبْرَاءَ فِيهِ وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُمْنَعُ لِأَنَّ بِرَّهُ فِي وَطْئِهَا] : فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ وَطْئِهَا كَانَ لَهَا أَنْ تَرْفَعَ أَمْرَهَا لِلْقَاضِي، يَضْرِبُ لَهَا أَجَلَ الْإِيلَاءِ عِنْدَ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ، لَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ، وَعَلَيْهِ إنْ تَضَرَّرَتْ بِتَرْكِ الْوَطْءِ طُلِّقَ عَلَيْهِ بِدُونِ ضَرْبِ أَجَلٍ.

فِعْلِ غَيْرِهِ نَحْوُ: إنْ لَمْ يَدْخُلْ زَيْدٌ أَوْ إنْ لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ (تُلُوِّمَ لَهُ بِالِاجْتِهَادِ) مِنْ الْحَاكِمِ (عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْبِسَاطُ) : أَيْ الْقَرَائِنُ الدَّالَّةُ عَلَى الزَّمَنِ الَّذِي أَرَادَهُ بِيَمِينِهِ، وَلَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ (عَلَى الْأَرْجَحِ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَلِفِهِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ فِعْلِ غَيْرِهِ فِي ضَرْبِ أَجَلِ الْإِيلَاءِ، فَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي أَجَلِ الْإِيلَاءِ، وَأَمَّا الْمَنْعُ مِنْ وَطْئِهَا فَهُوَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ لِنَصِّ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الْوَطْءِ مَعَ التَّلَوُّمِ، فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْمَنْعِ ضَعِيفٌ (وَطُلِّقَ عَلَيْهِ) بَعْدَ أَجَلِ التَّلَوُّمِ وَمَثَّلَ لِفِعْلِ الْغَيْرِ بِقَوْلِهِ: (كَ: إنْ لَمْ تَفْعَلِي) أَوْ إنْ لَمْ يَفْعَلْ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ. (وَلَوْ قَالَ) الْحَالِفُ (إنْ لَمْ أَحُجَّ) فَأَنْتِ طَالِقٌ (وَلَيْسَ) الْوَقْتُ (وَقْتَ سَفَرٍ) لِلْحَجِّ كَمَا لَوْ حَلَفَ الْمِصْرِيُّ بِذَلِكَ فِي شَهْرِ رَجَبٍ، (انْتَظَرَ وَلَا مَنْعَ) مِنْ وَطْئِهَا (حَتَّى يَأْتِيَ الْإِبَّانُ) : أَيْ وَقْتُ السَّفَرِ الْمُعْتَادُ لِلْحَالِفِ وَهُوَ لِلْمِصْرِيِّ شَوَّالٌ، فَإِنْ سَافَرَ لِلْحَجِّ بَرَّ وَإِلَّا حَنِثَ. وَمِثْلُهُ كُلُّ سَفَرٍ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ لَا يُمْكِنُ السَّفَرُ قَبْلَهُ عَادَةً (عَلَى الْأَوْجَهِ) عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ: لِأَنَّ الْأَيْمَانَ إنَّمَا تُحْمَلُ عَلَى الْمَقَاصِدِ، وَلَا يَقْصِدُ أَحَدٌ الْحَجَّ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ، فَإِنْ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي هَذَا الْعَامِ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْهَا إلَّا إذَا جَاءَ وَقْتُ الْخُرُوجِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِلَّا حَنِثَ] : أَيْ مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ وَالْحَالُ أَنَّ الْعَامَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَأَمَّا فِي الْمُعَيَّنِ فَيُنَجَّزُ مَتَى فَاتَ وَقْتُهُ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ لَا يَنْفَعُ. قَوْلُهُ: [وَمِثْلُهُ كُلُّ سَفَرٍ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ] : اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ كَمَا يَجْرِي فِيمَا إذَا كَانَ لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلِهِ قَبْلَهُ عَادَةً، يَجْرِي فِيمَا إذَا كَانَ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ الْخُرُوجِ لِبَلَدٍ، وَكَانَ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَأُسَافِرَنَّ لِمِصْرِ مَثَلًا وَلَمْ يُمْكِنْهُ السَّفَرُ لِفَسَادِ طَرِيقٍ، أَوْ غُلُوِّ كِرَاءٍ، أَوْ قَالَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ لَأَشْتَكِيَنَّ زَيْدًا لِلْحَاكِمِ وَلَمْ يُوجَدْ حَاكِمٌ يَشْتَكِي لَهُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنْ لَا يُمْنَعَ مِنْ الزَّوْجَةِ إلَّا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْفِعْلِ بِأَنْ تَمَكَّنَ مِنْ السَّفَرِ أَوْ تَيَسَّرَ الْحَاكِمُ. قَوْلُهُ: [فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْهَا] : أَيْ وَلَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَلَى بِرٍّ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ.

[الإقرار والإنكار مع اليمين في الطلاق]

(وَإِنْ قَالَ: إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ) نُجِّزَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ هَذَا مِنْ الْعَوَامّ بِلَفْظِ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَأُطَلِّقَنَّك، (أَوْ) قَالَ: (إنْ لَمْ أُطَلِّقْك رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ، أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (الْآنَ، نُجِّزَ عَلَيْهِ) الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ (كَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْآنَ إنْ كَلَّمْته فِي غَدٍ، وَكَلَّمَهُ فِيهِ) : أَيْ فِي الْغَدِ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ حَالَ كَلَامِهِ لَهُ فِي الْغَدِ، وَيُعَدُّ لَفْظُ " الْآنَ " لَغْوًا، فَكَذَلِكَ يُلْغَى لَفْظُ الْآنَ قَبْلَهُ وَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ. وَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ لَمْ أُطَلِّقْك رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ، فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْجِيزِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قَوْلِهِ الْآنَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: أَنْظِرُونِي حَتَّى يَأْتِيَ رَأْسُ الشَّهْرِ لِيَحْصُلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، فَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ قَالَ: لَا أُطَلِّقُك، فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ لِانْعِدَامِ الْمَحْلُوفِ بِهِ بِمُضِيِّهِ، لِأَنَّا نَقُولُ لَا عِبْرَةَ بِالتَّقْيِيدِ بِالزَّمَنِ بِقَوْلِهِ: " الْآنَ " كَمَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ الْآنَ، إنْ كَلَّمْته فِي غَدٍ خِلَافًا، لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. (وَإِنْ أَقَرَّ) مُكَلَّفٌ (بِفِعْلٍ) كَسَرِقَةٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ زِنًا أَوْ سَلَفٍ (ثُمَّ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ: مَا فَعَلْته) - وَقَدْ أَخْبَرْت بِخِلَافِ الْوَاقِعِ - (دُيِّنَ) : أَيْ وُكِلَ إلَى دِينِهِ وَصُدِّقَ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ كَذَبَ فِي إقْرَارِهِ فِي الْقَضَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار مَعَ الْيَمِين فِي الطَّلَاق] قَوْلُهُ: [نُجِّزَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ] : أَيْ لِأَنَّ أَحَدَ الْبَيْنُونَتَيْنِ وَاقِعَةٌ رَأْسَ الشَّهْرِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، إمَّا بِإِيقَاعِهِ ذَلِكَ عَلَيْهَا أَوْ بِمُقْتَضَى التَّعْلِيقِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُؤَخَّرَ لِرَأْسِ الشَّهْرِ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُتْعَةِ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ، فَهُوَ كَمَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ وَهَذَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى أَجَلٍ يَبْلُغُهُ عُمُرُهَا هَذَا ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ، وَيَجْرِي مِثْلُ هَذَا التَّعْلِيلِ فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فِي رَأْسِ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ الْآنَ، أَيْ يُحْكَمُ بِوُقُوعِ مَا عَلَّقَهُ نَاجِزًا إنْ بَائِنًا فَبَائِنًا وَإِنْ رَجْعِيًّا فَرَجْعِيًّا، وَلَوْ مَضَى زَمَنُهُ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْقَائِلِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي هَذَا الْفَرْعِ الْأَخِيرِ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [دُيِّنَ] إلَخْ: وَمِنْ قَبِيلِ ذَلِكَ مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ مَا أَخَذَ مَعْلُومَهُ مِنْ النَّاظِرِ أَوْ دَيْنَهُ مِنْ الْمَدِينِ، فَأَظْهَرَ النَّاظِرُ أَوْ الْمَدِينُ وَرَقَةً بِخَطِّ الْحَالِفِ أَنَّهُ قَبَضَ حَقَّهُ مِنْ النَّاظِرِ أَوْ دَيْنَهُ مِنْ الْمَدِين فَادَّعَى الْحَالِفُ أَنَّهُ كَتَبَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ

وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْوَى. فَإِنْ نَكَلَ طَلَّقَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ. (وَأُخِذَ بِإِقْرَارِهِ إنْ كَانَ) إقْرَارُهُ (بِحَقٍّ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ كَالدَّيْنِ) فَيَغْرَمُهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ (وَالسَّرِقَةِ) حَقٍّ لَهُمَا فَيُقْطَعُ لِحَقِّ اللَّهِ، وَيَغْرَمُ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ (وَالزِّنَا) فَيُحَدُّ لِحَقِّ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ: " بِفِعْلٍ " أَيْ: أَمْرٍ فَيَشْمَلُ الْقَوْلَ وَالدَّيْنَ (إلَّا أَنْ يُقِرَّ) بِفِعْلِهِ (بَعْدَ الْحَلِفِ) بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ مَا فَعَلَهُ (فَيُنَجَّزُ) الطَّلَاقُ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي الْفَتْوَى. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ لَمْ تَشْهَدْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِهِ بَعْدَ الْيَمِينِ، وَعَلِمَ هُوَ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ بَعْدَ يَمِينِهِ حَلَّ لَهُ الْمُقَامُ عَلَيْهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ (انْتَهَى) ، وَقَوْلُهُ: " فَإِنْ لَمْ تَشْهَدْ " إلَخْ: أَيْ بِأَنْ لَمْ يَرْفَعْ لِلْقَاضِي وَعَلِمَ هُوَ مِنْ نَفْسِهِ إلَخْ. (وَأُمِرَ وُجُوبًا بِالْفِرَاقِ) بِكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ بِمُفَارَقَتِهَا (بِلَا جَبْرٍ) عَلَيْهِ (فِي) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ خَطَّهُ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ قَبْلَ يَمِينِهِ لَا بَعْدَهُ لِسَبْقِيَّةِ الْخَطِّ عَلَى الْحَلِفِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ إلَّا بَعْدَ الْحَلِفِ وَلَكِنْ لَا مُطَالَبَةَ لَهُ عَلَى النَّاظِرِ وَلَا عَلَى الْمَدِينِ بِمُقْتَضَى خَطِّهِ وَتَكْذِيبِهِ لِخَطِّهِ إنَّمَا يَنْفَعُهُ فِي عَدَمِ لُزُومِ الطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: [فَيُقْطَعُ لِحَقِّ اللَّهِ] إلَخْ: فِيهِ نَظَرٌ بَلْ حَيْثُ كَذَّبَ نَفْسَهُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَلَا حَدَّ فِي الزِّنَا، وَإِنَّمَا يُؤَاخَذُ بِحَقِّ الْآدَمِيِّ فَقَطْ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحُدُودِ، قَالَ فِي الْأَصْلِ وَإِذَا أَقَرَّ طَائِعًا وَرَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ قَبْلَ رُجُوعِهِ عَنْهُ فَلَا يُحَدُّ، وَكَذَا يُقْبَلُ رُجُوعُ الزَّانِي وَالشَّارِبِ وَالْمُحَارَبِ، وَلَوْ رَجَعَ بِلَا شُبْهَةٍ فِي إقْرَارِهِ أَيْ كَمَا لَوْ رَجَعَ لِشُبْهَةٍ كَأَخَذْت مَالِي الْمَرْهُونَ أَوْ الْمُودَعَ خُفْيَةً فَسَمَّيْته سَرِقَةً، وَيَلْزَمُهُ الْمَالُ إنْ عَيَّنَ صَاحِبَهُ نَحْوُ أَخَذْت دَابَّةَ زَيْدٍ بِخِلَافِ سَرَقْت أَوْ سُرِقَتْ دَابَّةٌ أَيْ وَقَعَ مِنِّي ذَلِكَ انْتَهَى. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يُقِرَّ] : مُسْتَثْنًى مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ دُيِّنَ، أَيْ مَحَلُّ تَصْدِيقِهِ عِنْدَ الْمُفْتِي وَالْقَاضِي مَا لَمْ يُقِرَّ بَعْدَ الْحَلِفِ فَيُصَدَّقُ عِنْدَ الْمُفْتِي لَا عِنْدَ الْقَاضِي. قَوْلُهُ: [وَظَاهِرُ هَذَا] : أَيْ التَّقْيِيدِ بِالْقَضَاءِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ الشَّارِحُ، وَأَشَارَ لَهُ أَخْذًا مِنْ عِبَارَةِ الْمُدَوَّنَةِ الَّتِي بَعْدُ. قَوْلُهُ: [بِلَا جَبْرٍ عَلَيْهِ] : أَيْ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْ كَانَ عَاصِيًا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَعِصْمَتُهُ بَاقِيَةٌ غَيْرُ مُنْحَلَّةٍ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْفِرَاقَ الْمَأْمُورَ بِهِ

تَعْلِيقِهِ عَلَى مَعِيبٍ لَمْ يَعْلَمْ صِدْقَهَا فِيهِ مِنْ عَدَمِهِ نَحْوُ: (إنْ كُنْت تُحِبِّينِي، أَوْ) : إنْ كُنْت (تَبْغُضِينِي) - بِفَتْحِ التَّاءِ مِنْ بَغَضَ كَنَصَرَ - فَأَنْتِ طَالِقٌ (إذَا لَمْ تُجِبْ بِمَا يَقْتَضِي الْحِنْثَ) بِأَنْ أَجَابَتْ بِمَا يَقْتَضِي الْبِرَّ، كَأَنْ قَالَتْ: لَا أُحِبُّك، أَوْ: لَا أَبْغَضُك أَوْ سَكَتَتْ، فَإِنْ أَجَابَتْ بِمَا يَقْتَضِي الْحِنْثَ بِأَنْ قَالَتْ: إنِّي أُحِبُّك أَوْ أَبْغَضُك نُجِّزَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ جَبْرًا وَهَذَا أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ بِلَا جَبْرٍ مُطْلَقًا. وَلَوْ أَجَابَتْ بِمَا يَقْتَضِي الْحِنْثَ وَرُجِّحَ، فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفُ هَذَا الْقَيْدَ. (وَ) أُمِرَ بِالْفِرَاقِ بِلَا جَبْرٍ (فِي قَوْلِهَا) لَهُ: (فَعَلَتْهُ) بَعْدَ: إنْ كُنْت فَعَلْت هَذَا الشَّيْءَ فَأَنْتِ طَالِقٌ (إذَا لَمْ يُصَدِّقْهَا) فِي فِعْلِهِ، فَإِنْ صَدَّقَهَا أُجْبِرَ عَلَى فِرَاقِهَا. (وَ) أُمِرَ الْمُكَلَّفُ بِلَا قَضَاءٍ عَلَيْهِ (بِتَنْفِيذِ مَا شَكَّ فِيهِ مِنْ الْأَيْمَانِ إنْ حَلَفَ) : أَيْ وَحَنِثَ، وَشَكَّ، هَلْ كَانَ حَلِفُهُ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ؟ أُمِرَ بِتَنْفِيذِ الْجَمِيعِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ، وَقَوْلُهُ: " إنْ حَلِفَ ": أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا يُوقِعُهُ بِلَفْظٍ آخَرَ يُنْشِئُهُ لَا أَنَّهُ يَقَعُ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ، إذْ لَوْ وَقَعَ الْفِرَاقُ بِهِ لَانْحَلَّتْ الْعِصْمَةُ بِهِ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِتَنْجِيزِ الْفِرَاقِ، وَالْفَرْضُ بِخِلَافِهِ كَذَا فِي (بْن) نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ، وَحَيْثُ كَانَ يَحْتَاجُ لِإِنْشَاءِ صِيغَةٍ فَلَا تُحْسَبُ عَلَيْهِ هَذِهِ طَلْقَةً ثَانِيَةً، بَلْ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا تَحْقِيقُ مَا كَانَ مَشْكُوكًا فِيهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ] : مَحَلُّهُمَا إنْ أَجَابَتْ بِمَا يَقْتَضِي الْحِنْثَ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْهَا فِيمَا أَجَابَتْ بِهِ وَإِلَّا أُجْبِرَ عَلَى الطَّلَاقِ بِالْقَضَاءِ كَمَا يُفِيدُهُ نَقْلُ (ح) وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفُ هَذَا الْقَيْدِ] : أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ إذَا لَمْ تَجِبْ بِمَا يَقْتَضِي الْحِنْثَ أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْهَا فِيمَا يَقْتَضِي الْحِنْثَ، وَقَدْ يَجِبُ بِأَنَّهُ زَادَهُ لِمَا فِي مَفْهُومِهِ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَإِذَا كَانَ فِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: الْآتِي إذَا لَمْ يُصَدِّقْهَا قَيْدٌ فِي مَفْهُومِ ذَلِكَ كَمَا عَلِمْت مِنْ نَقْلِ (ح) وَغَيْرِهِ.

[حلف على زوجته وشك في حلفه]

تَحَقَّقَ الْحَلِفُ وَشَكَّ فِي الْمَحْلُوفِ بِهِ (وَإِلَّا) يَحْلِفْ: أَيْ يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِأَنْ شَكَّ، هَلْ حَلَفَ أَمْ لَا أَوْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا؟ (فَلَا) شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَلِفِ، وَعَدَمُ الطَّلَاقِ. (كَشَكِّهِ) إذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ غَيْرِهِ (هَلْ حَصَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ) كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى زَيْدٍ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ، وَإِنْ دَخَلَهَا فَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ دَخَلَهَا زَيْدٌ أَمْ لَا؟ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (إلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ) الْحَالِفُ (لِأَمْرٍ) مِنْ الْأُمُورِ فَيَتَقَوَّى حُصُولُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَيُؤْمَرُ بِالطَّلَاقِ. وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ أَوْ لَا؟ تَأْوِيلَانِ وَذَلِكَ (كَرُؤْيَتِهِ شَخْصًا يَفْعَلُهُ) : أَيْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ؛ كَرُؤْيَتِهِ دَاخِلَ الدَّارِ (فَشَكَّ) فِي الدَّاخِلِ (هَلْ هُوَ) زَيْدٌ (الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ) أَوْ غَيْرُهُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ تَحَقُّقُ الدَّاخِلِ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ فِي سَالِمِ الْخَاطِرِ، وَأَمَّا مَنْ اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْ ذِي الْوَسْوَسَةِ كَمَا فِي النَّقْلِ. (وَلَوْ شَكَّ: هَلْ) طَلَّقَ (وَاحِدَةً) مِنْ نِسَائِهِ (أَوْ أَكْثَرَ؟ فَالْجَمِيعُ) يُطَلَّقْنَ عَلَيْهِ لِلِاحْتِيَاطِ، وَنَفْيِ التَّحَكُّمِ (كَأَنْ قَالَ) لِزَوْجَاتِهِ (إحْدَاكُنَّ) طَالِقٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [حَلَفَ عَلَى زَوْجَته وشك فِي حلفه] قَوْلُهُ: [أَيْ يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ] : أُخِذَ هَذَا الْقَيْدُ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا: " إنْ حَلَفَ " أَيْ تَحَقَّقَ الْحَلِفُ. قَوْلُهُ: [فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ] : أَيْ وَأَمَّا الظَّنُّ فَكَالتَّحْقِيقِ، وَأَمَّا لَوْ شَكَّ هَلْ أَعْتَقَ أَوْ لَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ وَبُغْضِهِ لِلطَّلَاقِ، وَلَمْ يَنْظُرُوا لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْفُرُوجِ، وَقَدْ أَتَوْا هُنَا عَلَى الْقَاعِدَةِ مِنْ إلْغَاءِ الشَّكِّ فِي الْمَانِعِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَانِعٌ مِنْ حِلِّيَّةٌ الْوَطْءِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُودِهِ، بِخِلَافِ الشَّكِّ فِي الْحَدَثِ لِسُهُولَةِ الْأَمْرِ فِيهِ. قَوْلُهُ: [إذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ] : وَأَمَّا لَوْ شَكَّ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا وَلَا شَكَّ، هَلْ كَلَّمَهُ أَمْ لَا: فَإِنَّهُ يُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ عَلَى طَرِيقَةِ أَبِي عِمْرَانَ وَابْنِ الْحَاجِبِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يُؤْمَرُ بِالطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ جَبْرٍ إنْ كَانَ شَكُّهُ لِسَبَبٍ قَائِمٍ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا يُؤْمَرُ بِهِ وَعَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَحَكَى عَلَيْهِ الِاتِّفَاقَ.

[مسألة إذا لم يعرف المحلوف عليها بعينها أو شك في عدد الطلقات]

وَلَمْ يَنْوِ مُعَيَّنَةً أَوْ عَيَّنَهَا وَنَسِيَهَا فَالْجَمِيعُ. (وَلَوْ حَلَفَ) مُكَلَّفٌ بِالطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ (عَلَى) شَخْصٍ (غَيْرِهِ: لَتَفْعَلَنَّ كَذَا) نَحْوُ لَتَدْخُلَنَّ الدَّارَ، أَوْ لَتَأْكُلَنَّ مِنْ طَعَامِنَا (فَحَلَفَ) الْآخَرُ بِالطَّلَاقِ مَثَلًا (لَا فَعَلْته) نَحْوُ: لَا دَخَلْت أَوْ لَا أَكَلْت لَك طَعَامًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَسْأَلَة إذَا لَمْ يَعْرِف الْمَحْلُوف عَلَيْهَا بِعَيْنِهَا أَوْ شك فِي عَدَد الطلقات] قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَنْوِ مُعَيَّنَةً] : طَلَاقُ الْجَمِيعِ فِي هَذِهِ هُوَ قَوْلُ الْمِصْرِيِّينَ، وَقَالَ الْمَدَنِيُّونَ: يَخْتَارُ وَاحِدَةً لِلطَّلَاقِ كَالْعِتْقِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَا إذَا عَيَّنَهَا وَنَسِيَهَا فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ يَتَّفِقُ فِيهَا الْمِصْرِيُّونَ وَالْمَدَنِيُّونَ عَلَى طَلَاقِ الْجَمِيعِ، وَكَذَلِكَ فِي الْعِتْقِ إذَا قَالَ أَحَدُ عَبِيدِي حُرٌّ وَنَوَى وَاحِدًا ثُمَّ نَسِيَهُ فَإِنَّهُ يُتَّفَقُ عَلَى عِتْقِ الْجَمِيعِ. مَسْأَلَةٌ: لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ رَأَى إحْدَاهُنَّ مُشْرِفَةً مِنْ شُبَّاكٍ فَقَالَ لَهَا: إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فَصَوَاحِبَاتُك طَوَالِقُ، فَرَدَّتْ رَأْسَهَا وَلَمْ يَعْرِفْهَا بِعَيْنِهَا وَأَنْكَرَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُشْرِفَةُ، فَيَلْزَمُهُ طَلَاقُ الْأَرْبَعِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ، وَالصَّوَابُ مَا أَفْتَى بِهِ تِلْمِيذُهُ الْأَبِيُّ أَنَّ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ وَاحِدَةً وَيَلْزَمُهُ طَلَاقُ مَا عَدَاهَا، لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ الَّتِي أَمْسَكَهَا هِيَ الْمُشْرِفَةُ فَقَدْ طَلَّقَ صَوَاحِبَاتِهَا وَإِنْ كَانَتْ الْمُشْرِفَةُ إحْدَى الثَّلَاثِ اللَّاتِي طَلَّقَهُنَّ فَلَا حِنْثَ فِي الَّتِي تَحْتَهُ - كَذَا فِي (ح) أَمَّا لَوْ قَالَ: الْمُشْرِفَةُ طَالِقٌ وَجُهِلَتْ طَلَّقَ الْأَرْبَعَ قَطْعًا كَمَا فِي الْبَدْرِ الْقَرَافِيِّ. تَنْبِيهٌ: إنْ شَكَّ أَطَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَةً وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا؟ لَمْ تَحِلَّ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ وَطَلَّقَهَا طَلْقَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَلَا تَحِلُّ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَشْكُوكُ فِيهِ اثْنَتَيْنِ وَهَذِهِ ثَالِثَةٌ، ثُمَّ إنْ تَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا لَا تَحِلُّ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَشْكُوكُ فِيهِ وَاحِدَةً وَهَاتَانِ اثْنَتَانِ مُحَقَّقَتَانِ، ثُمَّ إنْ طَلَّقَهَا ثَالِثَةً بَعْدَ زَوْجٍ لَمْ تَحِلَّ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَشْكُوكُ فِيهِ ثَلَاثًا وَقَدْ تَحَقَّقَ بَعْدَهَا ثَلَاثٌ وَهَكَذَا لِغَيْرِ نِهَايَةٍ، إلَّا أَنْ يَبُتَّ طَلَاقَهَا كَأَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ طَلَاقِي عَلَيْك ثَلَاثًا فَقَدْ أَوْقَعْت عَلَيْك تَكْمِلَةَ الثَّلَاثِ، فَيَنْقَطِعُ الدَّوْرُ وَتَحِلُّ لَهُ بَعْدَ زَوْجٍ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الدُّولَابِيَّةُ، لِدَوَرَانِ الشَّكِّ فِيهَا كَمَا فِي خَلِيلٍ وَشُرَّاحِهِ.

[حلف بالطلاق على شخص لتفعلن كذا فحلف الآخر بالطلاق لا فعلته]

(قُضِيَ) بِالْحِنْثِ (عَلَى الْأَوَّلِ) لِحَلِفِهِ عَلَى مَا لَا يَمْلِكُهُ، بِخِلَافِ الثَّانِي. (وَلَوْ) عَلَّقَ الطَّلَاقَ مَثَلًا عَلَى شَرْطَيْنِ، وَيُسَمَّى تَعْلِيقَ التَّعْلِيقِ كَمَا لَوْ (قَالَ: إنْ كَلَّمْت إنْ دَخَلْت) فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ أَوْ فَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ (لَمْ يَحْنَثْ) الْحَالِفُ (إلَّا بِهِمَا) مَعًا، سَوَاءٌ فَعَلَ الْمُتَقَدِّمَ فِي اللَّفْظِ أَوْ لَا أَوْ أَخَّرَ أَوْ فَعَلَهُمَا مَعًا فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الْجَمْعُ فِي آنٍ وَاحِدٍ، وَلَا يُرَدُّ عَلَى هَذَا مَا تَقَدَّمَ فِي الْيَمِينِ مِنْ التَّحْنِيثِ بِالْبَعْضِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ. لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ وَلَا قَوْلُ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ - فِيمَا عَلِمْت - أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَلَّا يَفْعَلَ فِعْلَيْنِ فَفَعَلَ أَحَدَهُمَا، أَوْ لَا يَفْعَلُ فِعْلًا فَفَعَلَ بَعْضَهُ أَنَّهُ حَانِثٌ مِنْ أَجْلِ أَنَّ مَا فَعَلَهُ مِنْ ذَلِكَ قَدْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ إذْ هُوَ بَعْضُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ - انْتَهَى، لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ إمَّا لَا تَعْلِيقَ فِيهِ أَصْلًا كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ - أَوْ فِيهِ تَعْلِيقٌ وَاحِدٌ، وَهُنَا فِيهِ تَعْلِيقُ التَّعْلِيقِ، وَالْمُعَلَّقُ لَا يَقَعُ إلَّا بِوُقُوعِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، وَالْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ هُنَا مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا، كَأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى شَخْصٍ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا فَحَلَفَ الْآخَرُ بِالطَّلَاقِ لَا فَعَلْته] قَوْلُهُ: [قُضِيَ بِالْحِنْثِ عَلَى الْأَوَّلِ] : أَيْ مَا لَمْ يَحْنَثْ الثَّانِي نَفْسُهُ بِالْفِعْلِ طَوْعًا، وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ عَلَى الْأَوَّلِ وَهَذَا مَا لَمْ يُكْرَهْ الثَّانِي عَلَى الْفِعْلِ، وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ عَلَى وَاحِدٍ. [عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى شَرْطَيْنِ وَيُسَمَّى تَعْلِيقَ التَّعْلِيقِ] قَوْلُهُ: [سَوَاءٌ فَعَلَ الْمُتَقَدِّمَ فِي اللَّفْظِ أَوْ لَا] إلَخْ: وَجْهُ هَذَا التَّعْمِيمِ أَنَّ الْجَوَابَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلثَّانِي، وَالثَّانِي وَجَوَابُهُ جَوَابٌ لِلْأَوَّلِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِلْأَوَّلِ وَالْمَجْمُوعُ دَلِيلُ جَوَابِ الثَّانِي، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْأَمْرَيْنِ احْتِيَاطًا فَعَلَهُمَا عَلَى التَّرْتِيبِ فِي التَّعْلِيقِ أَوْ لَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا فَعَلَهُمَا عَلَى عَكْسِ التَّرْتِيبِ فِي التَّعْلِيقِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَأَنْتِ طَالِقٌ جَوَابٌ فِي الْمَعْنَى عَنْ الْأَوَّلِ، فَيَكُونُ فِي النِّيَّةِ إلَى جَانِبِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَجْمُوعُ دَلِيلَ جَوَابِ الثَّانِي، فَيَكُونُ فِي النِّيَّةِ بَعْدَهُ، فَمُحَصِّلُهُ أَنَّهُ جَعَلَ الطَّلَاقَ مُعَلَّقًا عَلَى الْكَلَامِ، وَجَعَلَ الطَّلَاقَ بِالْكَلَامِ مُعَلَّقًا عَلَى الدُّخُولِ، فَلَا بُدَّ فِي الطَّلَاقِ بِالْكَلَامِ مِنْ حُصُولِ الدُّخُولِ أَوَّلًا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ] : أَتَى بِكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِيهِ خِلَافٌ، وَأَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِي الْيَمِينِ عَلَى قَوْلٍ وَهُنَا عَلَى قَوْلٍ، فَأَجَابَ بِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ حَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَى الْحِنْثِ لِمَا تَقَدَّمَ كَمَا قَرَّرَهُ مُؤَلِّفُهُ.

[المطلقة لا تمكن زوجها من نفسها وتقتله عند محاورتها للوطء]

قَالَ: إنْ حَصَلَ الْأَمْرُ فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ نِزَاعٌ طَوِيلٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَالنُّحَاةِ. (وَلَا تُمَكِّنُهُ) الْمُطَلَّقَةُ أَيْ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا (إنْ عَلِمَتْ بَيْنُونَتَهَا) مِنْهُ، (وَلَا بَيِّنَةَ) لَهَا تُقِيمُهَا عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ لِيُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا (وَلَا تَتَزَيَّنُ) : أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الزِّينَةُ (إلَّا) إذَا كَانَتْ (مُكْرَهَةً) بِالْقَتْلِ، (وَتَخَلَّصَتْ مِنْهُ) وُجُوبًا (بِمَا أَمْكَنَ) مِنْ فِدَاءٍ أَوْ هُرُوبٍ. (وَفِي جَوَازِ قَتْلِهَا لَهُ عِنْدَ مُحَاوَرَتِهَا) لِلْوَطْءِ - (إنْ كَانَ لَا يَنْدَفِعُ) عَنْهَا (إلَّا بِهِ) أَيْ بِالْقَتْلِ، فَإِنْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِغَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَعَدَمُ جَوَازِهِ (قَوْلَانِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [نِزَاعٌ طَوِيلٌ] : وَقَدْ أَشَرْنَا لِذَلِكَ فِي حِكَايَةِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. [الْمُطَلَّقَةُ لَا تُمَكِّنُ زَوْجهَا مِنْ نَفْسِهَا وَتَقْتُلُهُ عِنْدَ مُحَاوَرَتِهَا لِلْوَطْءِ] قَوْلُهُ: [إلَّا إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً بِالْقَتْلِ] : أَيْ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الزِّنَا. قَوْلُهُ: [وَفِي جَوَازِ قَتْلِهَا لَهُ] إلَخْ: وَالْقَوْلُ بِالْجَوَازِ وَلَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ لِمُحَمَّدٍ، وَعَدَمِ الْجَوَازِ لِسَحْنُونٍ وَصَوَّبَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ قَائِلًا: إنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى الْقَتْلِ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْوَطْءِ لَا يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ بِوَجْهٍ وَبَعْدَهُ صَارَ حَدًّا وَالْحَدُّ لَيْسَ لَهَا إقَامَتُهُ.

[فصل تفويض الزوج الطلاق لغيره من زوجة أو غيرها]

فَصْلٌ فِي ذِكْرِ تَفْوِيضِ الزَّوْجِ الطَّلَاقَ لِغَيْرِهِ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَالتَّفْوِيضُ كَالْجِنْسِ تَحْتَهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: التَّوْكِيلُ، وَالتَّخْيِيرُ، وَالتَّمْلِيكُ: فَالتَّوْكِيلُ: جَعْلُ إنْشَاءِ الطَّلَاقِ لِغَيْرِهِ، بَاقِيًا مَنْعُ الزَّوْجِ مِنْهُ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: أَيْ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَهُ عَزْلُ وَكِيلِهِ مَتَى شَاءَ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَفْعَلُ مَا وُكِّلَ فِيهِ نِيَابَةً عَنْ مُوَكِّلِهِ. وَالتَّخْيِيرُ: جَعْلُ إنْشَاءِ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا - صَرِيحًا أَوْ حُكْمًا - حَقًّا لِغَيْرِهِ، مِثَالُ الْحُكْمِيِّ: اخْتَارِينِي أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك، وَالتَّمْلِيكُ: جَعْلُ إنْشَائِهِ حَقًّا لِغَيْرِهِ رَاجِحًا فِي الثَّلَاثِ وَمِنْ صِيَغِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ تَفْوِيضِ الزَّوْجِ الطَّلَاقَ لِغَيْرِهِ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا] [التَّفْوِيضُ فِي الطَّلَاقَ أَنْوَاعٍ] فَصْلٌ قَوْلُهُ: [جَعَلَ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ لِغَيْرِهِ] : هَذَا جِنْسٌ يَعُمُّ التَّمْلِيكَ وَالتَّخْيِيرَ، وَقَوْلُهُ بَاقِيًا مَنْعُ الزَّوْجِ مِنْهُ فَصْلٌ يُخْرِجُهُمَا لِأَنَّ لَهُ الْعَزْلَ فِي التَّوْكِيلِ دُونَهُمَا، وَخَرَجَتْ الرِّسَالَةُ بِقَوْلِهِ: جَعَلَ لِأَنَّ الزَّوْجَ. لَمْ يَجْعَلْ لِلرَّسُولِ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ، بَلْ الْإِعْلَامَ بِثُبُوتِهِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَالتَّخْيِيرُ جَعْلُ إنْشَاءِ الطَّلَاقِ] إلَخْ: هَذَا جِنْسٌ أَيْضًا يَعُمُّ التَّوْكِيلَ وَالتَّمْلِيكَ وَيُخْرِجُ الرِّسَالَةَ كَمَا عَلِمْتَ، وَقَوْلُهُ صَرِيحًا أَوْ حُكْمًا أَخْرَجَ بِهِ التَّمْلِيكَ، وَقَوْلُهُ حَقًّا لِغَيْرِهِ أَخْرَجَ التَّوْكِيلَ، لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَجْعَلْ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ حَقًّا لِلتَّوْكِيلِ بَلْ جَعَلَهُ بِيَدِهِ نِيَابَةً عَنْهُ. قَوْلُهُ: [اخْتَارِينِي أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك] : مِثْلُ نَفْسُك أَمْرُك. قَوْلُهُ: [وَالتَّمْلِيكُ جَعْلُ إنْشَائِهِ] : جِنْسٌ أَيْضًا يَعُمُّ التَّوْكِيلَ وَالتَّخْيِيرَ،

جَعَلْتُ أَمْرَك أَوْ طَلَاقَكِ بِيَدِكِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ أَمْرٌ عُرْفِيٌّ لَا دَخْلَ لِلُّغَةِ فِيهِ، فَقَوْلُهُمْ فِي الْمَشْهُورِ الْآتِي: أَنَّ لِلزَّوْجِ الْبَقَاءَ عَلَى الْعِصْمَةِ وَالذَّهَابَ لِمُنَاكَرَةِ الْمُمَلَّكَةِ دُونَ الْمُخَيَّرَةِ، إنَّمَا نَشَأَ مِنْ الْعُرْفِ وَعَلَى هَذَا يَنْعَكِسُ الْحُكْمُ بِانْعِكَاسِ الْعُرْفِ، وَقَالَ الْقَرَافِيُّ مَا حَاصِلُهُ: إنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَنَى ذَلِكَ عَلَى عَادَةٍ كَانَتْ فِي زَمَانِهِ أَوْجَبَتْ نَقْلَ اللَّفْظِ عَنْ مُسَمَّاهُ اللُّغَوِيِّ إلَى هَذَا الْمَفْهُومِ، فَصَارَ صَرِيحًا فِيهِ أَيْ فِي الطَّلَاقِ، أَيْ وَلَيْسَ مِنْ الْكِنَايَاتِ كَمَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ وَهُوَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ بُطْلَانُ هَذَا الْحُكْمِ الْيَوْمَ وَوُجُوبُ الرُّجُوعِ إلَى اللُّغَةِ، وَيَكُونُ كِنَايَةً مَحْضَةً كَمَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، لِأَنَّ الْعُرْفَ قَدْ تَغَيَّرَ حَتَّى لَمْ يَصِرْ أَحَدٌ يَسْتَعْمِلُ هَذَا اللَّفْظَ إلَّا فِي غَايَةِ النُّدُورِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ اللَّفْظَ مَتَى كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ مُسْتَنِدًا لِحُكْمٍ عَادِيٍّ بَطَلَ ذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ بُطْلَانِ تِلْكَ الْعَادَةِ وَتَغَيَّرَ إلَى حُكْمٍ آخَرَ. وَإِلَى بَيَانِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ وَأَحْكَامِهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (لِلزَّوْجِ تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ لَهَا) : أَيْ لِلزَّوْجَةِ (أَوْ لِغَيْرِهَا تَوْكِيلًا) مَنْصُوبٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُخْرِجُ الرِّسَالَةَ وَقَوْلُهُ: " حَقًّا لِغَيْرِهِ " أَخْرَجَ بِهِ التَّوْكِيلَ، وَقَوْلُهُ: " رَاجِحًا فِي الثَّلَاثِ " أَخْرَجَ بِهِ التَّخْيِيرَ. قَوْلُهُ: [جَعَلْتُ أَمْرَكِ] إلَخْ: وَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى جَعْلِ الطَّلَاقِ بِيَدِهَا دُونَ تَخْيِيرٍ، كَطَلِّقِي نَفْسَك أَوْ مَلَّكْتُك أَمْرَكِ أَوْ وَلَّيْتُكِ أَمْرَكِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ فَوَّضَ لَهَا الْبَقَاءَ عَلَى الْعِصْمَةِ أَوْ الذَّهَابَ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ فَهُوَ تَخْيِيرٌ، وَكُلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى جَعْلِ الطَّلَاقِ بِيَدِهَا أَوْ بِيَدِ غَيْرِهَا دُونَ تَخْيِيرٍ فِي أَصْلِ الْعِصْمَةِ بِدَلِيلِ الْمُنَاكَرَةِ فِيهِ كَمَا يَأْتِي فَهُوَ تَمْلِيكٌ. قَوْلُهُ: [غَيْرَ أَنَّهُ] إلَخْ: هَذَا مِنْ كَلَامِ الْقَرَافِيُّ فِي اسْتِدْرَاكٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: [وَوُجُوبُ الرُّجُوعِ إلَى اللُّغَةِ] : أَيْ إنْ لَمْ يَحْدُثْ عُرْفٌ قَوْلِيٌّ وَإِلَّا عُمِلَ عَلَى الْعُرْفِ الْحَادِثِ، لِتَقْدِيمِ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ عَلَى اللُّغَةِ، فَلَوْ كَانَ عُرْفُهُمْ إنْ خَيَّرْتُك كَمَلَّكْتُكِ فِي كَوْنِهِ رَاجِحًا فِي الثَّلَاثِ لَا صَرِيحًا كَانَ حُكْمُ الصِّيغَتَيْنِ وَاحِدًا فِي الْمُنَاكَرَةِ، وَإِنْ بِالْعَكْسِ عُمِلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الصِّيغَتَيْنِ

[أثر التفويض في الطلاق]

عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ بِتَقْدِيرِ الْمُضَافِ، أَيْ تَفْوِيضُ تَوْكِيلٍ (وَتَمْلِيكًا وَتَخْيِيرًا) . (فَإِنْ وَكَّلَ) فِي إنْشَائِهِ (نَحْوَ: وَكَّلْتُك) فِي طَلَاقِك، (أَوْ: جَعَلْته) - أَيْ الطَّلَاقَ - لَك تَوْكِيلًا، (أَوْ فَوَّضْتُهُ لَكِ تَوْكِيلًا، فَلَهُ) أَيْ الزَّوْجُ (الْعَزْلُ) : أَيْ عَزْلُ وَكِيلِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا قَبْلَ إيقَاعِهِ، كَمَا لِكُلِّ مُوَكِّلٍ عَزْلُ وَكِيلِهِ قَبْلَ فِعْلِ مَا وُكِّلَ عَلَيْهِ. (إلَّا لِتَعَلُّقِ حَقِّهَا) فَلَيْسَ لَهُ الْعَزْلُ، كَمَا لَوْ شَرَطَ لَهَا أَنَّهُ: إنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَقَدْ فَوَّضَ لَهَا أَمْرَهَا أَوْ أَمْرَ الدَّاخِلَةِ عَلَيْهَا تَوْكِيلًا، لِأَنَّ الْحَقَّ وَهُوَ رَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهَا قَدْ تَعَلَّقَ لَهَا فَلَيْسَ لَهُ عَزْلُهَا عَنْهُ. (لَا إنْ مَلَّكَ أَوْ خَيَّرَ) فَلَيْسَ لَهُ عَزْلُهَا لِأَنَّهُ فِيهِمَا قَدْ جَعَلَ لَهَا مَا كَانَ يَمْلِكُهُ مِلْكًا لَهَا، بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ فَإِنْ جَعَلَهَا نَائِبَةً عَنْهُ فِي إيقَاعِهِ (وَحِيلَ بَيْنَهُمَا) : أَيْ الزَّوْجَيْنِ وُجُوبًا فِي التَّمْلِيكِ وَالتَّخْيِيرِ كَالتَّوْكِيلِ إنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَهَا فَلَا يَقْرَبُهَا. (وَوُقِفَتْ) الْمُمَلَّكَةُ أَوْ الْمُخَيَّرَةُ أَوْ مَنْ تَعَلَّقَ لَهَا حَقٌّ، أَيْ: أَوْقَفَهَا الْحَاكِمُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مَتَى عَلِمَ (حَتَّى تُجِيبَ) بِمَا يَقْتَضِي رَدًّا أَوْ أَخْذًا بِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَهْجُورًا غَيْرَ مَفْهُومِ الْمَعْنَى بَيْنَهُمْ كَانَ مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَيَكُونُ كِنَايَةً مَحْضَةً فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ] : وَيَصِحُّ نَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ مِنْ (تَفْوِيضُ) ، وَأَمَّا قَوْلُ الْخَرَشِيِّ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنْ الْمَفْعُولِ، كَغَرَسْتُ الْأَرْضَ شَجَرًا فَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُفَوِّضْ لَهَا التَّوْكِيلَ، وَإِنَّمَا فَوَّضَ لَهَا الطَّلَاقَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيلِ. [أثر التَّفْوِيض فِي الطَّلَاق] قَوْلُهُ: [كَمَا لِكُلِّ مُوَكِّلٍ عَزْلُ وَكِيلِهِ] إلَخْ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ [جَواب الزَّوْجَة فِي الطَّلَاق ومناكرة الزَّوْج] قَوْلُهُ: [وَحِيلَ بَيْنَهُمَا] : أَيْ وَلَا نَفَقَةَ لِلزَّوْجَةِ زَمَنَ الْحَيْلُولَةِ، لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ قِبَلِهَا، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا زَمَنَ الْحَيْلُولَةِ قَبْلَ الْإِجَابَةِ فَإِنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ. قَوْلُهُ: [إنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَهَا] : أَيْ كَمَا إذَا قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُ عَلَيْكِ فَأَمْرُكِ أَوْ أَمْرُ الدَّاخِلَةِ بِيَدِكِ تَوْكِيلًا وَتَزَوَّجَ، فَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَحْلُوفِ لَهَا حَتَّى تُجِيبَ. قَوْلُهُ: [أَيْ أَوْقَفَهَا الْحَاكِمُ] : سَوَاءً لَمْ يُسَمِّ أَجَلًا، بَلْ وَلَوْ كَمَا سَمَّى إذَا

يَأْتِي، وَإِلَّا لَزِمَ الِاسْتِمْتَاعُ بِعِصْمَةٍ مَشْكُوكَةٍ، بِخِلَافِ الْمُوَكَّلَةِ فَلَا يُحَالُ بَيْنَهُمَا لِقُدْرَةِ الزَّوْجِ عَلَى عَزْلِهَا، فَلَوْ اسْتَمْتَعَ بِهَا لَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَزْلًا لَهَا وَمَحَلُّ الْحَيْلُولَةِ وَالْإِيقَافِ وَقْتُ الْعِلْمِ إنْ لَمْ يُعَلَّقْ التَّخْيِيرُ أَوْ التَّمْلِيكُ عَلَى أَمْرٍ، كَقُدُومِ زَيْدٍ، فَإِنْ عَلَّقَهُ فَلَا حَيْلُولَةَ حَتَّى يَحْصُلَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَجَابَتْ بِشَيْءٍ عُمِلَ بِهِ. (وَإِلَّا) تُجِبْ (أَسْقَطَهُ الْحَاكِمُ) أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَلَا يُمْهِلُهَا وَإِنْ رَضِيَ الزَّوْجُ بِالْإِمْهَالِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا فِيهِ مِنْ الْبَقَاءِ عَلَى عِصْمَةٍ مَشْكُوكَةٍ. (وَعُمِلَ بِجَوَابِهَا الصَّرِيحِ فِي اخْتِيَارِ الطَّلَاقِ أَوْ رَدِّهِ) ، كَأَنْ تَقُولَ: طَلَّقْتُ نَفْسِي، أَوْ: أَنَا طَالِقٌ مِنْكَ، أَوْ: بَائِنٌ، أَوْ: حَرَامٌ، أَوْ: اخْتَرْتُ نَفْسِي، أَوْ: لَسْتُ لَكَ بِزَوْجَةٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ. وَكَأَنْ تَقُولَ فِي رَدِّ الطَّلَاقِ: اخْتَرْتُكَ زَوْجًا وَرَدَدْتُ لَكَ مَا مَلَّكْتنِي، هَذَا إنْ رَدَّتْ مَا جَعَلَهُ لَهَا مِنْ الطَّلَاقِ بِقَوْلٍ، بَلْ (وَلَوْ) (كَانَ بِفِعْلٍ: كَتَمْكِينِهَا) مِنْ نَفْسِهَا (طَائِعَةً) لَا مُكْرَهَةً (عَالِمَةً) بِالتَّمْلِيكِ أَوْ التَّخْيِيرِ وَإِنْ لَمْ يَطَأْ بِالْفِعْلِ، لَا إنْ كَانَتْ غَيْرَ عَالِمَةٍ بِمَا جَعَلَهُ لَهَا. وَأَمَّا جَهْلُ الْحُكْمِ بِأَنْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ التَّمْكِينَ مُسْقِطٌ لِحَقِّهَا فَلَا يَنْفَعُهَا، وَمِثْلُهَا الْأَجْنَبِيُّ؛ فَلَوْ مَلَّكَ أَوْ خَيَّرَ أَجْنَبِيًّا فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك إلَى سَنَةٍ مَثَلًا، فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِيقَافِ وَالْحَيْلُولَةِ مَتَى عُلِمَ، وَإِلَّا لَزِمَ الْبَقَاءُ عَلَى عِصْمَةٍ مَشْكُوكٍ فِيهَا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ قَوْلُهُ: [وَعُمِلَ بِجَوَابِهَا الصَّرِيحِ] إلَخْ: جَوَابُهَا الصَّرِيحُ الَّذِي يَقْتَضِي الطَّلَاقَ هُوَ صَرِيحُ الطَّلَاقِ أَوْ كِنَايَتُهُ الظَّاهِرَةُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهَا اخْتَرْتُ نَفْسِي فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ هُنَا، وَأَمَّا لَوْ أَجَابَتْ بِالْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مَا بِيَدِهَا، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا أَنَّهَا أَرَادَتْ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ كَمَا نَقَلَهُ (ح) عَنْ ابْنِ يُونُسَ قَوْلُهُ: [عَالِمَةً بِالتَّمْلِيكِ] : فَإِذَا ادَّعَتْ عَدَمَ الْعِلْمِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينٍ، فَإِنْ عَلِمَتْ بِالتَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ وَثَبَتَتْ الْخَلْوَةُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَادَّعَى أَنَّهُ أَصَابَهَا وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضٌ الْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينٍ، وَاسْتَظْهَرَ الْأُجْهُورِيُّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا وَظَاهِرُهُ خَلْوَةُ زِيَارَةٍ أَوْ خَلْوَةُ بِنَاءٍ مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي الرَّجْعَةِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ لَا بُدَّ مِنْ إقْرَارِهِمَا مَعًا فِي خَلْوَةِ الزِّيَارَةِ، وَخَلْوَةِ الْبِنَاءِ، فَإِذَا انْتَفَى إقْرَارُهُمَا، أَوْ ثَبَتَ أَحَدُهُمَا فَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ فَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي كَلَامَ الْأُجْهُورِيِّ.

شَأْنُك بِهَا، أَوْ خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا طَائِعًا فَرَدَّ (كَمُضِيِّ زَمَنِهِ) : أَيْ التَّخْيِيرِ أَوْ التَّمْلِيكِ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: خَيَّرْتُك فِي هَذَا الْيَوْمِ، أَوْ: نِصْفَ هَذَا الْيَوْمِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، فَانْقَضَى زَمَنُ التَّخْيِيرِ فَلَا كَلَامَ لَهَا بَعْدُ، وَهَذَا إذَا لَمْ تُوقَفْ، وَإِلَّا فَإِمَّا أَنْ تُجِيبَ وَلَا تُمْهَلَ، وَإِمَّا أَنْ يُسْقِطَهُ الْحَاكِمُ كَمَا تَقَدَّمَ. (فَإِنْ) أَجَابَتْ بِجَوَابٍ مُجْمَلٍ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَالرَّدَّ لِمَا جَعَلَهُ لَهَا، بِأَنْ (قَالَتْ: قَبِلْتُ، أَوْ قَبِلْتُ أَمْرِي أَوْ مَا مَلَّكْتنِي) فَإِنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِقَبُولِ الطَّلَاقِ، وَقَبُولِ رَدِّهِ قِيلَ لَهَا فِي الْحَضْرَةِ أَفْصَحِي عَمَّا أَرَدْتِ بِهَذَا اللَّفْظِ، فَإِنْ فَسَّرَتْ بِشَيْءٍ (قُبِلَ: تَفْسِيرُهَا بِرَدٍّ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ إبْقَاءٍ) لِمَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ تَمْلِيكٍ أَوْ تَخْيِيرٍ، فَيُحَالُ بَيْنَهُمَا وَتُوقَفُ حَتَّى تُجِيبَ بِصَرِيحٍ وَإِلَّا أَسْقَطَهُ الْحَاكِمُ (وَلَهُ) : أَيْ الزَّوْجِ الْمُخَيِّرِ أَوْ الْمُمَلِّكِ زَوْجَتَهُ (مُنَاكَرَةُ) زَوْجَةٍ (مُخَيَّرَةٍ لَمْ تَدْخُلْ) وَالْمُنَاكَرَةُ: عَدَمُ رِضَا الزَّوْجِ بِمَا أَوْقَعَتْهُ الزَّوْجَةُ مِنْ الطَّلَاقِ، فَالْمُخَيَّرَةُ لَهُ مُنَاكَرَتُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، فَإِنْ دَخَلَ لَزِمَ مَا أَوْقَعَتْهُ مِنْ الثَّلَاثِ وَلَيْسَ لَهُ مُنَاكَرَتُهَا، لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ التَّخْيِيرِ الْبَيْنُونَةُ وَهِيَ لَا تَبِينُ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي غَيْرِ خُلْعٍ إلَّا بِالثَّلَاثِ. (وَ) لَهُ مُنَاكَرَةُ (مُمَلَّكَةٍ مُطْلَقًا) دَخَلَ أَمْ لَا، وَمَحَلُّ الْمُنَاكَرَةِ فِيهِمَا (إنْ زَادَتَا) : أَيْ الْمُخَيَّرَةُ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا وَالْمُمَلَّكَةُ مُطْلَقًا (عَلَى الْوَاحِدَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا طَائِعًا فَرَدَّ] : أَيْ وَلَوْ كَانَتْ هِيَ مُكْرَهَةٌ فَلَا يُعْتَبَرُ كَرَاهَتُهَا. قَوْلُهُ: [الْمُخَيِّرُ أَوْ الْمُمَلِّكُ] : بِالْكَسْرِ اسْمُ فَاعِلٍ وَقَوْلُهُ زَوْجَتَهُ تَنَازَعَهُ كُلًّا مِنْ الْمُخَيَّرِ وَالْمُمَلَّكِ. قَوْلُهُ: [مُنَاكَرَةُ زَوْجَةٍ مُخَيَّرَةٍ] : هَذَا التَّفْصِيلُ فِي التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ الْمُطْلَقَيْنِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي، وَلَوْ قَيَّدَ بِشَيْءٍ لَمْ تَقْضِ إلَّا بِمَا قَيَّدَ بِهِ. قَوْلُهُ: [مِنْ الطَّلَاقِ] : أَيْ مِنْ عَدَدِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [فِي غَيْرِ خُلْعٍ] : أَيْ لَفْظًا أَوْ عِوَضًا كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [إنْ زَادَتَا] إلَخْ: هَذَا مَوْضُوعُ الْمُنَاكَرَةِ الَّتِي هِيَ عَدَمُ رِضَا الزَّوْجِ بِالزَّائِدِ الَّذِي أَوْقَعَتْهُ، وَلَيْسَ هَذَا شَرْطًا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ هُنَا مِنْ جَعْلِ

بِأَنْ أَوْقَعَتْ اثْنَتَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَ، فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا قَصَدْتُ وَاحِدَةً فَقَطْ بِتَخْيِيرِي أَوْ تَمْلِيكِي، وَأَمَّا إنْ أَوْقَعَتْ وَاحِدَةً فَقَطْ فَلَيْسَ لَهُ مُنَاكَرَةٌ بِحَيْثُ يَقُولُ: لَمْ أُرِدْ شَيْئًا، (وَ) إنْ (نَوَى مَا ادَّعَى) : أَيْ نَوَى عِنْدَ التَّفْوِيضِ مَا نَاكَرَ فِيهِ مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَلَا مُنَاكَرَةَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ لِأَنَّ النِّيَّةَ أَمْرٌ خَفِيٌّ، فَإِنْ نَوَى حَالَ التَّفْوِيضِ نَاكَرَ فِي الثَّالِثَةِ (وَ) إنْ (بَادَرَ) بِالْإِنْكَارِ عَقِبَ إيقَاعِهَا الزَّائِدَ وَإِلَّا بَطَلَ حَقُّهُ، (وَ) إنْ (حَلَفَ) عَلَى دَعْوَاهُ بِأَنْ يَقُولَ: مَا أَرَدْتُ بِتَفْوِيضِي إلَّا وَاحِدَةً (إنْ دَخَلَ) بِالْمُمَلَّكَةِ، فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَ مَا أَوْقَعَتْهُ وَلَا تُرَدُّ عَلَيْهَا الْيَمِينُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إنْ دَخَلَ حَلَفَ وَقْتَ الْمُنَاكَرَةِ أَنَّهُ مَا أَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً لِيُحْكَمَ لَهُ بِالرَّجْعَةِ، وَتَثْبُتُ أَحْكَامُهَا، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ الْآنَ، بَلْ عِنْدَ إرَادَةِ تَزَوُّجِهَا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَإِلَّا) يَدْخُلُ (فَعِنْدَ) إرَادَةِ (ارْتِجَاعِهَا) : أَيْ نِكَاحِهَا لَا قَبْلَهُ، إذْ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ: هَبْ أَنِّي لَا أَتَزَوَّجُ بِهَا فَلِأَيِّ شَيْءٍ أَحْلِفُ؟ (وَ) إنْ (لَمْ يُكَرِّرْ) حَالَ التَّفْوِيضِ (قَوْلَهُ: أَمْرُهَا بِيَدِهَا) ، فَإِنْ كَرَّرَهُ فَلَا مُنَاكَرَةَ لَهُ فِيمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالشُّرُوطِ سِتَّةً، فَإِنَّهُ فِي الْأَصْلِ جَعَلَهَا خَمْسَةً وَجَعَلَ هَذَا مَوْضُوعًا وَهُوَ أَظْهَرُ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا إنْ أَوْقَعَتْ وَاحِدَةً فَقَطْ] إلَخْ: أَمَّا الْمُمَلَّكَةُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْمُخَيَّرَةُ فَعَدَمُ الْمُنَاكِرَةِ لِبُطْلَانِ مَا لَهَا مِنْ التَّخْيِيرِ إذَا لَمْ تَقْضِ بِالثَّلَاثِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَةَ الَّتِي لَمْ تَدْخُلْ بِمَنْزِلَةِ الْمُمَلَّكَةِ، قَالَ (ح) : لِأَنَّهَا تَبِينُ بِالْوَاحِدَةِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ بَادَرَ] : هَذَا هُوَ الشَّرْطُ الثَّانِي عَلَى جَعْلِهَا خَمْسَةً، وَالثَّالِثُ عَلَى جَعْلِهَا سِتَّةً. قَوْلُهُ: [مَا أَرَدْت بِتَفْوِيضِي إلَّا وَاحِدَةً] : أَيْ مَثَلًا: قَوْلُهُ: [إنْ دَخَلَ بِالْمُمَلَّكَةِ] : شَرْطٌ فِي مُقَدَّرٍ وَلَيْسَ مَعْدُودًا مِنْ الشُّرُوطِ الْخَمْسَةِ أَوْ السِّتَّةِ، أَيْ وَمَحَلُّ تَعْجِيلِ يَمِينِهِ وَقْتُ الْمُنَاكَرَةِ إنْ دَخَلَ بِالْمَرْأَةِ لِيُحْكَمَ الْآنَ بِالرَّجْعَةِ، وَتَثْبُتُ أَحْكَامُ الرَّجْعَةِ مِنْ نَفَقَةٍ وَغَيْرِهَا كَمَا يُفِيدُ ذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَالْمُرَادُ إلَخْ.

[قيد الزوج في تخييره أو تمليكه بشيء من العدد واحدة أو أكثر]

زَادَتْهُ عَلَى الْوَاحِدَةِ، لِأَنَّ التَّكْرِيرَ يَقْتَضِي إرَادَةَ التَّكْثِيرِ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ) بِتَكْرِيرِهِ (التَّأْكِيدَ) ، فَلَهُ الْمُنَاكَرَةُ (كَتَكْرِيرِهَا هِيَ) حَيْثُ مَلَّكَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ، فَقَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي وَكَرَّرَتْ نَسَقًا، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا كَرَّرَتْ إلَّا لِنِيَّتِهَا التَّأْكِيدَ. وَكَذَا بَعْدَ الْبِنَاءِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ نَسَقًا (وَ) إنْ (لَمْ يَشْتَرِطْ) التَّفْوِيضَ لَهَا (فِي) حَالِ. (الْعَقْدِ) أَيْ عَقْدِ نِكَاحِهَا فَإِنْ اشْتَرَطَ فِيهِ فَلَا مُنَاكَرَةَ لَهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ. (وَلَوْ قَيَّدَ) الزَّوْجُ فِي تَخْيِيرِهِ أَوْ تَمْلِيكِهِ (بِشَيْءٍ) مِنْ الْعَدَدِ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ (لَمْ تَقْضِ) الزَّوْجَةُ (إلَّا بِمَا قَيَّدَ بِهِ) ، وَلَيْسَ لَهَا الزِّيَادَةُ وَلَا النُّقْصَانُ عَمَّا جَعَلَهُ لَهَا. (فَإِنْ زَادَتْ) عَلَى مَا عَيَّنَهُ لَهَا (لَزِمَ مَا قَيَّدَ بِهِ) وَلَهُ رَدُّ الزَّائِدِ، (وَإِنْ نَقَصَتْ) عَنْهُ بِأَنْ جَعَلَ لَهَا الثَّلَاثَ أَوْ اثْنَتَيْنِ فَقَضَتْ بِوَاحِدَةٍ (بَطَلَ مَا قَضَتْ بِهِ فَقَطْ فِي التَّخْيِيرِ) مَعَ اسْتِمْرَارِ مَا جَعَلَهُ لَهَا بِيَدِهَا، (وَصَحَّ فِي التَّمْلِيكِ) بِأَنْ قَالَ لَهَا: مَلَّكْتُكِ طَلْقَتَيْنِ فَقَضَتْ بِوَاحِدَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ. (وَإِنْ أَطْلَقَ) فِي التَّخْيِيرِ أَوْ التَّمْلِيكِ، بِأَنْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِينِي أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك، أَوْ قَالَ: مَلَّكْتُك طَلَاقَكَ أَوْ أَمْرَ نَفْسِك، (فَقَضَتْ بِدُونِ الثَّلَاثِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِتَكْرِيرِهِ التَّأْكِيدَ] : وَهَذِهِ النِّيَّةُ لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا بَعْدَ الْبِنَاءِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ نَسَقًا] : أَيْ لِأَنَّهُ رَجْعِيٌّ فَيَلْحَقُ فِيهِ الطَّلَاقُ مَا دَامَتْ الْعِدَّةُ، وَلَوْ طَالَ فَطَلَاقُهَا كَطَلَاقِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي بَابِ الطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّفْوِيضَ] : هَذَا هُوَ الشَّرْطُ السَّادِسُ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْعَقْدِ سَوَاءً كَانَ مُشْتَرِطًا أَوْ مُتَبَرِّعًا بِهِ حُكْمُهُ وَاحِدٌ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ الْمُنَاكَرَةِ، فَالْأُولَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ تَبَرَّعَ بِهَذَا بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَهُ أَنْ يُنَاكِرَهَا فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ التَّبَرُّعَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ كَالشَّرْطِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ انْتَهَى. [قَيَّدَ الزَّوْجُ فِي تَخْيِيرِهِ أَوْ تَمْلِيكِهِ بِشَيْءٍ مِنْ الْعَدَدِ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ] قَوْلُهُ [مَعَ اسْتِمْرَارِ مَا جَعَلَ لَهَا] : أَيْ وَهُوَ التَّخْيِيرُ فَلَهَا أَنْ تَقْضِيَ ثَانِيًا بِالثَّلَاثِ.

[شروط التفويض في الطلاق]

وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ (بَطَلَ التَّخْيِيرُ) مِنْ أَصْلِهِ، لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَمَّا خَيَّرَهَا فِيهِ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ تَبِينَ، وَأَرَادَتْ هِيَ أَنْ تَبْقَى فِي عِصْمَتِهِ، وَهَذَا (فِي الْمَدْخُولِ بِهَا) وَلَزِمَ فِي غَيْرِهَا كَالْمُمَلَّكَةِ مُطْلَقًا هَذَا إذَا أَفْصَحَتْ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ. (وَلَوْ قَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْتُ الطَّلَاقَ) ، وَلَمْ تُفْصِحْ عَنْ عَدَدٍ، (سُئِلَتْ) عَمَّا أَرَادَتْ مِنْ الْعَدَدِ؛ (فَإِنْ قَالَتْ: أَرَدْت الثَّلَاثَ لَزِمَتْ) الثَّلَاثُ (فِي التَّخْيِيرِ بِمَدْخُولٍ بِهَا) ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّخْيِيرِ الثَّلَاثُ، (وَنَاكَرَ فِي غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا (كَالتَّمْلِيكِ) مُطْلَقًا لَهُ الْمُنَاكَرَةُ فِيهِ عَلَى نَهْجِ مَا تَقَدَّمَ، (وَإِنْ قَالَتْ:) أَرَدْتُ (وَاحِدَةً بَطَلَ التَّخْيِيرُ) فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، (وَلَزِمَتْ) الْوَاحِدَةُ (فِي التَّمْلِيكِ، وَ) فِي (تَخْيِيرِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَإِنْ قَالَتْ: لَمْ أَقْصِدْ شَيْئًا) مِنْ الْعَدَدِ (حُمِلَ عَلَى الثَّلَاثِ) فِي الْجَمِيعِ (عَلَى الْأَرْجَحِ) ، وَلَهُ مُنَاكَرَةُ مُمَلَّكَةٍ أَوْ غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ. (وَشَرْطُ التَّفْوِيضِ) تَوْكِيلًا أَوْ تَخْيِيرًا أَوْ تَمْلِيكًا (لِغَيْرِهَا) أَيْ لِغَيْرِ الزَّوْجَةِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَلَوْ ذِمِّيًّا لَيْسَ مِنْ شَرْعِهِ طَلَاقٌ (حُضُورُهُ) بِالْبَلَدِ، (أَوْ قُرْبُ غَيْبَتِهِ؛ كَالْيَوْمَيْنِ) لَا أَكْثَرَ كَمَا فِي الْمُصَنَّفِ، (فَيُرْسَلُ إلَيْهِ) : إمَّا أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بَطَلَ التَّخْيِيرُ مِنْ أَصْلِهِ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: إنْ كَانَ تَخْيِيرُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، وَأَنْ لَا يَرْضَى الزَّوْجُ بِمَا قَضَتْ بِهِ، وَأَنْ لَا يَتَقَدَّمَ لَهَا مَا يُتَمِّمُ الثَّلَاثَ، فَإِنْ كَانَ التَّخْيِيرُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَضَتْ بِوَاحِدَةٍ لَزِمَتْ، أَوْ كَانَ بَعْدَهُ رَضِيَ بِمَا قَضَتْ، أَوْ تَقَدَّمَ لَهَا مَا يُكْمِلُ الثَّلَاثَ لَزِمَ مَا قَضَتْ بِهِ قَوْلُهُ: [عَلَى نَهْجِ مَا تَقَدَّمَ] : أَيْ حَيْثُ اسْتَوْفَى الشُّرُوطَ. قَوْلُهُ: [بَطَلَ التَّخْيِيرُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا] : أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُقْضَى فِيهِ إلَّا بِالثَّلَاثِ، وَلَا مُنَاكَرَةَ فِيهَا بَلْ يَبْطُلُ التَّخْيِيرُ مِنْ أَصْلِهِ إذَا أَوْقَعَتْ أَقَلَّ. قَوْلُهُ: [وَلَهُ مُنَاكَرَةُ مُمَلَّكَةٍ] : أَيْ مُطْلَقًا [شُرُوط التَّفْوِيض فِي الطَّلَاق] قَوْلُهُ: [لَا أَكْثَرَ] : أَيْ فَالْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ. قَوْلُهُ: [فَيُرْسَلُ إلَيْهِ] إلَخْ: هَذَا فِي الْغَائِبِ قَبْلَ التَّفْوِيضِ، أَمَّا إنْ غَابَ بَعْدَهُ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ وَلَا يَنْتَقِلُ إلَيْهَا النَّظَرُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إذَا غَابَ بَعْدَ التَّفْوِيضِ لَهُ كَانَ ظَالِمًا فَيَسْقُطُ حَقُّهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَائِبًا حَالَ التَّفْوِيضِ فَإِنَّهُ

[تفويض الزوج في الطلاق لأكثر من واحد]

يَحْضُرَ، وَإِمَّا أَنْ يُعْلِمَنَا بِبَيِّنَةٍ بِمَا أَرَادَ. (وَإِلَّا) يَكُنْ حَاضِرًا وَلَا قَرِيبَ الْغَيْبَةِ (انْتَقَلَ) التَّفْوِيضُ (لَهَا) ، وَجَرَى فِيهِ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ. (وَعَلَيْهِ) : أَيْ الْمُفَوَّضُ لَهُ (النَّظَرُ) فِي أَمْرِ الزَّوْجَةِ فَلَا يَفْعَلُ إلَّا مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ وَإِلَّا نَظَرَ الْحَاكِمُ (وَصَارَ كَهِيَ) : أَيْ كَالزَّوْجَةِ فِي التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ وَالتَّوْكِيلِ، فَيَجْرِي فِيهِ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ فِيهَا مِنْ حَيْلُولَةٍ وَإِيقَافٍ وَمُنَاكَرَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. [تفويض الزَّوْج فِي الطَّلَاق لأكثر مِنْ وَاحِد] (وَإِنْ فَوَّضَ) الزَّوْجُ (لِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ) كَأَنْ يُفَوِّضُ طَلَاقَهَا لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (لَمْ تُطْلَقْ) عَلَيْهِ (إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا) : أَيْ الِاثْنَيْنِ الدَّاخِلَيْنِ تَحْتَ قَوْلِهِ لِأَكْثَرَ، أَيْ: أَوْ بِاجْتِمَاعِهِمْ إنْ زَادُوا عَلَى اثْنَيْنِ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ الْوَاحِدِ، كَالْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ. فَإِنْ أَذِنَ لَهُ أَحَدُهُمَا فِي وَطْئِهَا زَالَ مَا بِيَدِهِمَا جَمِيعًا، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ غَابَ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ كَلَامٌ لِانْعِدَامِ الْمَجْمُوعِ بِانْعِدَامِ بَعْضِ أَجْزَائِهِ. (إلَّا أَنْ يَقُولَ) لَهُمَا - مُجْتَمِعَيْنِ أَوْ مُتَفَرِّقَيْنِ: (جَعَلْتُ لِكُلٍّ مِنْكُمَا) ، أَوْ: فَوَّضْتُ لِكُلٍّ مِنْكُمَا (طَلَاقَهَا) ، فَلِكُلٍّ الِاسْتِقْلَالُ. وَلَوْ قَالَ: أَعْلِمَاهَا بِأَنِّي طَلَّقْتُهَا، فَالطَّلَاقُ لَازِمٌ وَإِنْ لَمْ يُعْلِمَاهَا، وَيُسَمَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا ظُلْمَ عِنْدَهُ فَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ، وَيَفْصِلُ فِيهِ بَيْنَ قَرِيبِ الْغَيْبَةِ وَبَعِيدِهَا، وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ، وَأَجْرَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْغَيْبَةَ بَعْدَ التَّفْوِيضِ عَلَى الْغَيْبَةِ قَبْلَهُ فِي التَّفْصِيلِ بَيْنَ قُرْبِ الْغَيْبَةِ وَبُعْدِهَا، وَاخْتَارَهُ فِي التَّوْضِيحِ، فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّرْحِ إجْمَالٌ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا يَكُنْ حَاضِرًا وَلَا قَرِيبَ الْغَيْبَةِ] : أَيْ بِأَنْ كَانَ بَعِيدَ الْغَيْبَةِ قَوْلُهُ: [انْتَقَلَ التَّفْوِيضُ لَهَا] : أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ، وَقِيلَ: يَنْتَقِلُ مَا جَعَلَ لَهُ لِلزَّوْجَةِ فِي الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ مَعًا. قَوْلُهُ: [وَإِنْ فَوَّضَ الزَّوْجُ لِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ] : ظَاهِرُهُ كَانَ التَّفْوِيضُ تَخْيِيرًا أَوْ تَمْلِيكًا أَوْ تَوْكِيلًا. قَوْلُهُ: [فَإِنْ أَذِنَ لَهُ أَحَدُهُمَا] إلَخْ: مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِمْ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا. قَوْلُهُ: [مُجْتَمِعَيْنِ أَوْ مُتَفَرِّقَيْنِ] : إمَّا صِيغَةُ تَثْنِيَةٍ أَوْ جَمْعٍ.

رِسَالَةً فِي عُرْفِهِمْ، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقَاهَا احْتَمَلَ الرِّسَالَةَ وَالتَّمْلِيكَ وَالتَّوْكِيلَ، فَعَلَى الرِّسَالَةِ: يَلْزَمُ إنْ لَمْ يُبْلِغَاهَا، وَعَلَى التَّمْلِيكِ: لَا يَلْزَمُ وَلَا يَقَعُ إلَّا بِهِمَا، وَعَلَى التَّوْكِيلِ: يَلْزَمُ بِتَبْلِيغِ أَحَدِهِمَا وَلَهُ عَزْلُهُ؛ وَهِيَ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ، الْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، أَيْ أَنَّهُ رِسَالَةٌ فَيَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ، وَقَوْلُنَا: " إلَّا أَنْ يَقُولَ " إلَخْ لَيْسَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الشَّيْخِ: " إلَّا أَنْ يَكُونَا رَسُولَيْنِ "، لِأَنَّ مُرَادَهُ بِالرَّسُولَيْنِ فِيمَا إذَا قَالَ: أَعْلِمَاهَا بِطَلَاقِهَا أَوْ قَالَ: طَلِّقَاهَا، وَالْأَوَّلُ يَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ - وَإِنْ لَمْ يُعْلِمَاهَا اتِّفَاقًا - وَالثَّانِي يَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي كَلَامِهِ مُنْقَطِعٌ إذْ لَمْ تَدْخُلْ صُورَةٌ مِنْ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فِي التَّمْلِيكِ قَبْلَهُ، وَتَسْمِيَتُهُمَا رِسَالَةً اصْطِلَاحٌ. فَالْمَعْنَى عَلَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ مَنْ مَلَّكَ رَجُلَيْنِ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الْقَضَاءُ بِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا، إلَّا أَنْ يَقُولَ: أَعْلِمَاهَا أَوْ أَخْبِرَاهَا بِطَلَاقِهَا، فَيَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ لَهُمَا ذَلِكَ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إخْبَارِهَا، أَوْ يَقُولُ: طَلِّقَاهَا وَلَا نِيَّةَ لَهُ، فَكَذَلِكَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقِيلَ: مَحْمَلُهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فِي عُرْفِهِمْ] : بَلْ وَفِي الْعُرْفِ الْعَامِّ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الرَّسُولِ هُوَ الْمَأْمُورُ بِالْإِعْلَامِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ قَالَ طَلِّقَاهَا] : أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ لَا نِيَّةَ لَهُ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَعَلَى التَّوْكِيلِ يَلْزَمُ بِتَبْلِيغِ أَحَدِهِمَا] : أَيْ احْتِيَاطًا لِعَدَمِ النِّيَّةِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَهِيَ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ] : الْأَوَّلُ لِلْمُدَوَّنَةِ، وَالثَّانِي لِسَمَاعِ عِيسَى، وَالثَّالِثُ لِأَصْبَغَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ هُوَ الصَّحِيحُ لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْفُرُوجِ. قَوْلُهُ: [وَالثَّانِي يَلْزَمُ] إلَخْ: أَيْ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. قَوْلُهُ: [إذَا لَمْ تَدْخُلْ صُورَةٌ] إلَخْ: أَمَّا الصُّورَةُ الْأُولَى فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ وَهِيَ طَلِّقَاهَا عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: [وَتَسْمِيَتُهَا رِسَالَةً اصْطِلَاحٌ] : أَمَّا الصُّورَةُ الْأُولَى فَالِاصْطِلَاحُ فِيهَا مُوَافِقٌ لِلُّغَةِ وَالْعُرْفِ الْعَامِّ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَمُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ لِلْفُقَهَاءِ فَقَطْ.

التَّوْكِيلِ بِمَعْنَى أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَى تَبْلِيغِهَا وَلَوْ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَهُ مَنْعُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: فِي غَيْرِهَا، وَقِيلَ: مَحْمَلُهُ التَّمْلِيكُ فَلَا يَقَعُ إلَّا بِهِمَا مَعًا، فَإِنْ نَوَى بِهِ وَاحِدًا مِنْهُمَا عُمِلَ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ] إلَخْ: أَيْ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّوْكِيلِ الَّذِي جُعِلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الِاسْتِقْلَالُ بِهِ احْتِيَاطًا فِي الْفُرُوجِ، وَتَوَسُّطًا بَيْنَ الرِّسَالَةِ وَالتَّمْلِيكِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ نَوَى بِهِ وَاحِدًا مِنْهُمَا] : أَيْ الرِّسَالَةَ وَالتَّمْلِيكَ أَوْ التَّوْكِيلَ، وَقَوْلُهُ عُمِلَ بِهِ أَيْ عُمِلَ عَلَى مُقْتَضَاهُ.

[فصل في الرجعة]

فَصْلٌ فِي الرَّجْعَةِ وَلَمَّا كَانَتْ الرَّجْعَةُ مِنْ تَوَابِعِ الطَّلَاقِ، وَيَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامٌ بَيْنَ حَقِيقَتِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ عَقِبَهُ بِقَوْلِهِ: (الرَّجْعَةُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَقَدْ تُكْسَرُ: (عَوْدُ الزَّوْجَةِ) : أَيْ إعَادَتُهَا (الْمُطَلَّقَةِ) طَلَاقًا (غَيْرَ بَائِنٍ) بِخُلْعٍ أَوْ بَتٍّ، أَوْ بِكَوْنِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنْ كَانَ بَائِنًا فَلَا رَجْعَةَ (لِلْعِصْمَةِ) : أَيْ لِعِصْمَةِ زَوْجِهَا (بِلَا تَجْدِيدِ عَقْدٍ) : بَلْ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ نِيَّةٍ كَمَا يَأْتِي وَالْأَصْلُ فِيهَا الْجَوَازُ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الرَّجْعَةِ] [تَعْرِيف الرَّجْعَةِ وَشُرُوطهَا] فَصْلٌ فَصْلٌ لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الطَّلَاقِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَقَسَّمَهُ إلَى وَاقِعٍ مِنْ الزَّوْجِ، وَمِنْ مُفَوَّضٍ إلَيْهِ ذَكَرَ مَا قَدْ يَكُونُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَهُوَ الرَّجْعَةُ، وَهُوَ لُغَةً الْمَرَّةُ مِنْ الرُّجُوعِ وَشَرْعًا مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [بَيْنَ حَقِيقَتِهَا] : أَيْ تَعْرِيفِهَا. قَوْلُهُ: [طَلَاقًا أَيْ غَيْرَ بَائِنٍ] : يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ عَوْدَ الْبَائِنِ لِلْعِصْمَةِ لَا يُسَمَّى رَجْعَةً وَهُوَ كَذَلِكَ، بَلْ يُسَمَّى مُرَاجَعَةً لِتَوَقُّفِ ذَلِكَ عَلَى رِضَا الزَّوْجَيْنِ، لِأَنَّ الْمُفَاعَلَةَ تَقْتَضِي الْحُصُولَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَالْمُعْتَبَرُ تَحَقُّقُ الطَّلَاقِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا فِي اعْتِقَادِ الْمُرْتَجِعِ، فَمَنْ ارْتَجَعَ زَوْجَتَهُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ أَوْقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقَ لِشَكِّهِ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا؟ فَإِنَّ رَجْعَتَهُ غَيْرُ مُعْتَدٍ بِهَا، فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ الرَّجْعَةِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فَلَا بُدَّ مِنْ رَجْعَةٍ غَيْرِ الَّتِي وَقَعَتْ مِنْهُ، لِأَنَّهَا مُسْتَنِدَةٌ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ بِالشَّكِّ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ، وَلَيْسَتْ مُسْتَنِدَةً لِلطَّلَاقِ الَّذِي تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ، هَكَذَا يَنْبَغِي كَمَا فِي شب انْتَهَى مِنْ الْحَاشِيَة قَوْلُهُ: [بِخُلْعٍ] إلَخْ: تَفْصِيلٌ لِلْبَائِنِ، وَقَوْلُهُ لِلْعِصْمَةِ مُتَعَلِّقٌ بِعَوْدٍ وَبِلَا تَجْدِيدِ عَقْدٍ حَالٌ مِنْ عَوْدٍ. قَوْلُهُ: [وَالْأَصْلُ فِيهَا الْجَوَازُ] : الْمُنَاسِبُ النَّدْبُ فَإِنَّ أَحْكَامَ النِّكَاحِ

(وَلِلْمُكَلَّفِ) : أَيْ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ (وَلَوْ) كَانَ (مُحْرِمًا) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، (أَوْ مَرِيضًا أَوْ) عَبْدًا أَوْ سَفِيهًا (لَمْ يَأْذَنْ لَهُ) فِي الرَّجْعَةِ (وَلِيُّ) السَّيِّدِ فِي الْعَبْدِ أَوْ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي السَّفِيهِ، (ارْتِجَاعُهَا) أَيْ الْمُطَلَّقَةُ غَيْرُ الْبَائِنِ (فِي عِدَّةِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ) لَا إنْ خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ، وَلَا إنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ يُفْسَخُ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَسَوَاءٌ فَسَخَ بَعْدَهُ أَوْ طَلَّقَ فَلَا رَجْعَةَ كَخَامِسَةٍ وَجَمْعٍ كَأُخْتٍ مَعَ أُخْتِهَا، وَلَوْ مَاتَتْ الْأُولَى أَوْ طَلُقَتْ لِعَدَمِ صِحَّةِ النِّكَاحِ (حَلَّ وَطْؤُهُ) : احْتَرَزَ بِهِ عَنْ صَحِيحٍ وَطِئَ فِيهِ وَطْئًا حَرَامًا، إمَّا لِعَدَمِ لُزُومِهِ؛ كَوَطْءِ عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ وَإِمَّا لِعُرُوضِ حُرْمَتِهِ كَحَائِضٍ وَمُحْرِمَةٍ بِحَجٍّ فَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ فِي عِدَّةِ مَنْ ذَكَرَ (بِقَوْلٍ) مُتَعَلِّقٌ " بِارْتِجَاعِهَا ": أَيْ إمَّا بِقَوْلِ وَلَوْ لَمْ يَطَأْ، صَرِيحٌ (كَ رَجَعْتُ) لِزَوْجَتِي، (وَارْتَجَعْتُ) زَوْجَتِي، وَحَذْفُ الْمَعْمُولِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى نِيَّتِهِ ذَكَرَهُ أَوْ حَذَفَهُ، وَيَكُونُ مَعَ النِّيَّةِ رَجْعَةٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، بِخِلَافِ الْهَزْلِ فَإِنَّهُ رَجْعَةٌ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ كَمَا يَأْتِي، وَكَذَا رَاجَعْتُهَا وَرَدَدْتُهَا لِعِصْمَتِي أَوْ لِنِكَاحِي. أَوْ غَيْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعْتَرِيهَا كَمَا وَجَدَهُ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ بِخَطِّ بَعْضِ أَقَارِبِهِ اسْتِظْهَارًا كَمَا فِي الَأُجْهُورِيُّ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ قَوْلُهُ: [وَلِلْمُكَلَّفِ] : خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَارْتِجَاعُهَا مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ قُصِدَ بِهِ الْمُبَالَغَةُ وَالرَّدُّ عَلَى الْمُخَالِفِ. وَالْمُكَلَّفُ مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الطَّلَاقِ فَيَخْرُجُ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ، وَيَدْخُلُ الْمُحْرِمُ وَالْمَرِيضُ، فَالْمَجْنُونُ يَرْتَجِعُ لَهُ وَلِيُّهُ أَوْ الْحَاكِمُ، وَالصَّبِيُّ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ رَجْعَةٌ، لِأَنَّ طَلَاقَ وَلِيِّهِ عَنْهُ بِعِوَضٍ أَوْ بِدُونِهِ بَائِنٌ، لِأَنَّ وَطْأَهُ كَلَا وَطْءٍ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ الرَّجْعَةُ فِي عِدَّةِ مَنْ ذَكَرَ] : أَيْ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا قَوْلُهُ: [كَمَا يَأْتِي] : أَيْ مِنْ أَنَّ الْحَاكِمَ يُلْزِمُهُ بِالنَّفَقَةِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ لَا الْبَاطِن فَلَا يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَلَا مُعَاشَرَتُهَا مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ. قَوْلُهُ: [وَرَدَدْتهَا لِعِصْمَتِي أَوْ لِنِكَاحِي] : أَيْ فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا إلَّا بِذِكْرِ الْمُتَعَلِّقِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ لِعِصْمَتِي أَوْ لِنِكَاحِي، كَمَا يُشِيرُ لَهُ الشَّارِحُ وَإِلَّا كَانَ

صَرِيحٍ كَمَسَكْتُهَا (وَأَمْسَكْتُهَا) إذْ يَحْتَمِلُ أَمْسَكْتُهَا تَعْذِيبًا، (أَوْ بِفِعْلٍ) كَوَطْءٍ وَمُقَدِّمَاتِهِ (مَعَ نِيَّةٍ) ، أَيْ قَصَدَ لِرَجْعَتِهَا (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ لِتَكُونَ رَجْعَةً حَقِيقِيَّةً أَيْ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، فَإِنْ تَجَرَّدَا عَنْ النِّيَّةِ فَفِي صَرِيحِ الْقَوْلِ رَجْعَةٌ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ، وَفِي مُحْتَمِلِهِ وَفِي الْفِعْلِ لَيْسَ بِرَجْعَةٍ أَصْلًا كَمَا سَيُصَرِّحُ بِالْجَمِيعِ. (أَوْ بِنِيَّةٍ فَقَطْ) الْمُرَادُ بِهَا حَدِيثُ النَّفْسِ أَيْ قَوْلُهُ فِي نَفْسِهِ: رَاجَعْتُهَا. وَأَمَّا مُجَرَّدُ قَصْدِ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَلَا يَكُونُ رَجْعَةً اتِّفَاقًا، وَهِيَ بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ: رَجْعَةٌ فِي الْبَاطِنِ فَقَطْ، يَجُوزُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَتَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا لَا فِي الظَّاهِرِ، أَيْ عِنْدَ الْحَاكِمِ إذَا رَفَعَ لِيُمْنَعَ مِنْهَا فَادَّعَى بَعْدَ الْعِدَّةِ أَنَّهُ كَانَ رَاجَعَهَا بِالنِّيَّةِ فَلَا يُحْكَمُ بِالرَّجْعَةِ، لِخَفَاءِ النِّيَّةِ فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا وَلَا يُصَدَّقُ، فِي دَعْوَاهُ (عَلَى الْأَظْهَرِ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ؛ قَاسَاهُ عَلَى اعْتِبَارِ لُزُومِ الطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِهِ بِهَا، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ بِالنِّيَّةِ؛ وَصَحَّحَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ: " وَصَحَّحَ خِلَافَهُ ". (أَوْ بِقَوْلٍ صَرِيحٍ وَلَوْ هَزْلًا) لِأَنَّ الرَّجْعَةَ هَزْلُهَا جَدٌّ، لَكِنَّ الْهَزْلَ رَجْعَةٌ (فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ) ، لِعَدَمِ النِّيَّةِ فَيُلْزِمُهُ الْحَاكِمُ بِالنَّفَقَةِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْمُحْتَمَلِ. قَوْلُهُ: [أَيْ قَصْدٍ لِرَجْعَتِهَا] : أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ النِّيَّةِ حَدِيثُ النَّفْسِ الْآتِي لِأَنَّهُ يَكْفِي وَحْدَهُ عَلَى الْأَظْهَرِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [فَلَا يَكُونُ رَجْعَةً اتِّفَاقًا] : أَيْ بِاتِّفَاقِ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ مَا لَمْ يَصْحَبْهَا قَوْلٌ كَرَاجَعْتُ أَوْ فِعْلٌ كَوَطْءٍ. قَوْلُهُ: [وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ وَصَحَّحَ خِلَافَهُ] : قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَالْأَوَّلُ صَحَّحَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَهُوَ مُخَرَّجٌ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ بِلُزُومِ الطَّلَاقِ وَالْيَمِينِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَرَدَّهُ ابْنُ بَشِيرٍ قَوْلُهُ: [فَلَا يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا] : أَيْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَيْضًا أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مِيرَاثِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ حَيْثُ قُلْتُمْ إنَّ النِّكَاحَ

(لَا) تَصِحُّ لَهُ الرَّجْعَةُ (بِمُحْتَمَلٍ) مِنْ الْقَوْلِ (بِلَا نِيَّةٍ) أَيْ قَصْدٍ لَا فِي الظَّاهِرِ وَلَا فِي الْبَاطِنِ، (كَ أَعَدْتُ الْحِلَّ وَرَفَعْتُ التَّحْرِيمَ) ، إذْ يَحْتَمِلُ الْأَوَّلُ لِي وَلِغَيْرِي، وَيَحْتَمِلُ الثَّانِي عَنِّي وَعَنْ غَيْرِي (أَوْ فَعَلَ) بِلَا نِيَّةٍ لَا تَصِحُّ بِهِ الرَّجْعَةُ،. (كَوَطْءٍ) وَأَوْلَى غَيْرُهُ. (وَلَا صَدَاقَ فِيهِ) : أَيْ فِي هَذَا الْوَطْءِ الْخَالِي عَنْ نِيَّةِ الرَّجْعَةِ، لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ. (إنْ عُلِمَ دُخُولٌ) شَرْطٌ فِي قَوْلِهِ: " وَلِلْمُكَلَّفِ ارْتِجَاعُهَا " ـــــــــــــــــــــــــــــQيَصِحُّ بِالْهَزْلِ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا، وَالرَّجْعَةُ تَصِحُّ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا أَنَّ النِّكَاحَ لَهُ صِيغَةٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، فَكَانَ الْهَزْلُ فِيهِ كَالْعَدَمِ، وَلَمَّا ضَعُفَ أَمْرُ الرَّجْعَةِ لِكَوْنِ صِيغَتِهَا مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ فَقَطْ أَثَّرَ هَزْلُهُ فِيهَا فِي الْبَاطِنِ فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: [بِمُحْتَمَلٍ مِنْ الْقَوْلِ] : أَيْ وَإِمَّا بِقَوْلٍ غَيْرِ مُحْتَمَلٍ لَهَا أَصْلًا مَعَ نِيَّةٍ كَاسْقِنِي الْمَاءَ وَشِبْهِهِ، فَهَلْ تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ أَوْ لَا؟ تَرَدَّدَ فِيهِ الْأُجْهُورِيُّ وَغَيْرُهُ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي كَمَا يُفِيدُهُ ابْنُ عَرَفَةَ، لِأَنَّ إلْحَاقَ الرَّجْعَةِ بِالنِّكَاحِ أَوْلَى مِنْ إلْحَاقِهَا بِالطَّلَاقِ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُحَرِّمُ وَالرَّجْعَةُ تُحَلِّلُ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ فِعْلٍ بِلَا نِيَّةٍ] : حَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّ الْفِعْلَ مَعَ النِّيَّةِ تَحْصُلُ بِهِ الرَّجْعَةُ، وَكَذَا الْقَوْلُ مَعَ النِّيَّةِ، سَوَاءً كَانَ الْقَوْلُ صَرِيحًا أَوْ مُحْتَمَلًا، وَأَمَّا الْفِعْلُ وَحْدَهُ أَوْ الْقَوْلُ الْمُحْتَمِلُ وَحْدَهُ فَلَا تَحْصُلُ بِهِمَا رَجْعَةٌ أَصْلًا، وَالْقَوْلُ الصَّرِيحُ وَحْدَهُ تَحْصُلُ بِهِ الرَّجْعَةُ فِي الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ، وَأَمَّا النِّيَّةُ وَحْدَهَا فَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى الْقَصْدِ فَلَا تَحْصُلُ بِهَا رَجْعَةٌ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ فَقِيلَ تَحْصُلُ بِهَا الرَّجْعَةُ فِي الْبَاطِنِ لَا الظَّاهِرِ، وَقِيلَ لَا تَحْصُلُ بِهَا مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: [وَلَا صَدَاقَ فِيهِ] : أَيْ وَإِنْ كَانَ وَطْؤُهَا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ رَجْعَةٍ حَرَامًا، وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَلَا حَدَّ وَيَسْتَبْرِئُهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ إذَا ارْتَجَعَهَا وَلَا يَرْتَجِعُهَا فِي زَمَنِ الِاسْتِبْرَاءِ بِالْوَطْءِ بَلْ بِغَيْرِهِ، وَمَحَلُّ ارْتِجَاعِهَا فِي زَمَنِ الِاسْتِبْرَاءِ بِغَيْرِ الْوَطْءِ إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ الْأُولَى بَاقِيَةً، فَإِنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ الْأُولَى فَلَا يَنْكِحُهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ بِالْعَقْدِ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الِاسْتِبْرَاءِ، فَإِنْ عَقَدَ عَلَيْهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الِاسْتِبْرَاءِ فُسِخَ وَلَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ الْحَاصِلِ فِي زَمَنِ الِاسْتِبْرَاءِ لِلُحُوقِ الْوَلَدِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا، وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَانِيَةً بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ الْعِدَّةِ لَحِقَهَا طَلَاقُهُ نَظَرًا

(وَلَوْ بِامْرَأَتَيْنِ، وَإِلَّا) يُعْلَمُ الدُّخُولُ بِأَنْ عُلِمَ عَدَمُ الدُّخُولِ، أَوْ لَمْ يُعْلَمْ شَيْءٌ (فَلَا) تَصِحُّ الرَّجْعَةُ، (وَلَوْ تَصَادَقَا عَلَى الْوَطْءِ قَبْلَ الطَّلَاقِ) فَأَوْلَى عَدَمُ الصِّحَّةِ إنْ لَمْ يَتَصَادَقَا أَوْ تَصَادَقَا بَعْدَهُ (إلَّا أَنْ يَظْهَرَ بِهَا حَمْلٌ لَمْ يَنْفِهِ) بِلِعَانٍ فَلَهُ مُرَاجَعَتُهَا مَا دَامَتْ حَامِلًا. (وَأُخِذَا) : أَيْ الزَّوْجَانِ الْمُتَصَادِقَانِ عَلَى الْوَطْءِ قَبْلَ الطَّلَاقِ (بِإِقْرَارِهِمَا) : أَيْ أُخِذَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمُقْتَضَى إقْرَارِهِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الِارْتِجَاعِ، فَيَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِقَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ: إنَّ الْوَطْءَ مُجَرَّدًا عَنْ نِيَّةِ رَجْعَةٍ، فَهُوَ كَمَنْ طَلَّقَ فِي مُخْتَلِفٍ فِيهِ كَمَا فِي عب، قَالَ: وَهَلْ هُوَ رَجْعِيٌّ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ رَجْعَةٌ؟ وَفَائِدَةُ لُزُومِ الطَّلَاقِ بَعْدَهُ وَتَأْتَنِفُ لَهُ عِدَّةً، فَيَلْغُزُ بِهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: رَجْعِيٌّ يُؤْتَنَفُ لَهُ عِدَّةٌ وَلَا رَجْعَةَ مَعَهُ، أَوْ بَائِنٌ انْتَهَى وَجَزَمَ (بْن) بِالثَّانِي كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ قَوْلُهُ: [وَإِلَّا يُعْلَمُ الدُّخُولُ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا إذَا ثَبَتَ النِّكَاحُ بِشَاهِدَيْنِ، وَثَبَتَتْ الْخَلْوَةُ وَلَوْ بِامْرَأَتَيْنِ، وَتَقَارَرَ الزَّوْجَانِ بِالْإِصَابَةِ، فَإِذَا طَلَّقَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ وَلَمْ تُعْلَمْ الْخَلْوَةُ بَيْنَهُمَا وَأَرَادَ رَجْعَتَهَا فَلَا يُمْكِنُ مِنْهَا لِعَدَمِ صِحَّةِ الرَّجْعَةِ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الرَّجْعَةِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بَعْدَ الْوَطْءِ لِلزَّوْجَةِ، وَإِذَا لَمْ تُعْلَمْ الْخَلْوَةُ فَلَا وَطْءَ وَلَا رَجْعَةَ، وَلَوْ تَصَادَقَ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْوَطْءِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَأَوْلَى إذَا تَصَادَقَا بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ الْوَطْءُ قَبْلَ الطَّلَاقِ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ وَطْءٌ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا فَلَوْ ارْتَجَعَهَا لَأَدَّى إلَى ابْتِدَاءِ نِكَاحٍ بِلَا عَقْدٍ وَلَا وَلِيَّ وَلَا صَدَاقَ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ عُلِمَ عَدَمُ الدُّخُولِ] : أَيْ كَمَا إذَا عَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ وَطَلَّقَهَا، وَعُلِمَ عَدَمُ دُخُولِهِ بِهَا لِكَوْنِهَا لَمْ تَأْتِ بَلَدَهُ وَلَمْ يَذْهَبْ هُوَ لِبَلَدِهَا قَوْلُهُ: [أَوْ لَمْ يُعْلَمْ شَيْءٌ] : أَيْ كَمَا إذَا عَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ فِي بَلَدِهَا، وَطَلَّقَهَا وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ دَخَلَ بِهَا أَمْ لَا قَوْلُهُ: [وَأُخِذَا] إلَخْ: يَعْنِي إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ تَصْدِيقِهِمَا فِي دَعْوَى الْوَطْءِ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُؤَاخَذُ بِمُقْتَضَى إقْرَارِهِ بِالْوَطْءِ، وَسَوَاءٌ إقْرَارُهُمَا بِالْوَطْءِ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ قَوْلُهُ: [فَيَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ] إلَخْ: هَذَا مُرَتَّبٌ عَلَى إقْرَارِهِ، وَقَوْلُهُ: وَيَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ

وَالْكِسْوَةُ، وَالسُّكْنَى مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَتَكْمِيلُ الصَّدَاقِ، وَيَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ وَعَدَمُ حِلِّهَا لِغَيْرِهِ، وَلَا يَتَزَوَّجُ بِأُخْتِهَا، وَلَا بِخَامِسَةٍ بِالنِّسْبَةِ لَهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَشَبَّهَ فِي الْحُكْمَيْنِ - أَيْ عَدَمَ صِحَّةِ الرَّجْعَةِ وَالْأَخْذَ بِالْإِقْرَارِ - قَوْلَهُ: (كَدَعْوَاهُ) أَيْ الزَّوْجِ (لَهَا) أَيْ لِلرَّجْعَةِ (بَعْدَهَا) أَيْ الْعِدَّةِ، أَيْ ادَّعَى بَعْدَ الْعِدَّةِ أَنَّهُ قَدْ كَانَ رَاجَعَهَا فِيهَا، فَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهَا، وَأُخِذَا بِإِقْرَارِهِمَا فَيَلْزَمُهُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ دَائِمًا، (إنْ تَمَادَيَا عَلَى التَّصْدِيقِ) : شَرْطٌ فِي الْأَخْذِ بِالْإِقْرَارِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَإِنْ رَجَعَا أَوْ أَحَدُهُمَا عَنْ الْإِقْرَارِ سَقَطَ مُؤَاخَذَةُ الرَّاجِعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَخْ مُرَتَّبٌ عَلَى إقْرَارِهَا، وَالْمُرَادُ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ مِنْهَا بِالْوَطْءِ أُخِذَ بِمُقْتَضَى إقْرَارِهِ، سَوَاءً صَدَّقَهُ الْآخَرُ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [كَدَعْوَاهُ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا ادَّعَى بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَنَّهُ كَانَ رَاجَعَ زَوْجَتَهُ فِي الْعِدَّةِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا مُصَدِّقٍ مِمَّا يَأْتِي، فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ وَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ صَدَّقَتْهُ عَلَى ذَلِكَ، وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ الْخَلْوَةَ عُلِمَتْ بَيْنَهُمَا لَكِنْ يُؤَاخَذُ بِمُقْتَضَى دَعْوَاهُ، وَهِيَ أَنَّهَا زَوْجَةٌ عَلَى الدَّوَامِ فَيَجِبُ لَهَا مَا يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ، وَكَذَا تُؤَاخَذُ بِمُقْتَضَى إقْرَارِهَا إنْ صَدَّقَتْهُ، وَلَا يُمَكَّنُ وَاحِدٌ مِنْهَا مِنْ صَاحِبِهِ، فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ فَلَا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّ لُزُومَ مَا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ مَشْرُوطٌ بِتَصْدِيقِهَا كَمَا يَأْتِي، فَإِنْ كَذَّبَتْهُ لَمْ يُؤَاخَذْ بِذَلِكَ لِإِقْرَارِهَا بِسُقُوطِ ذَلِكَ عَنْهُ، وَأَمَّا زَوَاجُ رَابِعَةٍ بَدَلَهَا أَوْ كَأُخْتِهَا فَلَا يَجُوزُ مَا دَامَ مُقِرًّا وَإِنْ كَذَّبَتْهُ قَوْلُهُ: [شَرْطٌ فِي الْأَخْذِ بِالْإِقْرَارِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ] : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: إذَا لَمْ تُعْلَمْ بَيْنَهُمَا خَلْوَةٌ وَتَصَادَقَا عَلَى الْوَطْءِ قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مَا إذَا ادَّعَى بَعْدَ الْعِدَّةِ الرَّجْعَةَ فِيهَا وَحَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يُؤَاخَذَانِ بِإِقْرَارِهِمَا عِنْدَ الْأُجْهُورِيِّ تَمَادَيَا عَلَى التَّصْدِيقِ أَوْ لَا إنْ اسْتَمَرَّتْ الْعِدَّةُ، فَإِنْ انْقَضَتْ فَلَا يُؤَاخَذَانِ بِإِقْرَارِهِمَا إلَّا إذَا تَمَادَيَا، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ يُؤَاخَذَانِ بِإِقْرَارِهِمَا أَبَدًا إذَا تَمَادَيَا عَلَى الْإِقْرَارِ، فَإِنْ رَجَعَا أَوْ أَحَدُهُمَا سَقَطَتْ مُؤَاخَذَةُ الرَّاجِعِ، وَقَالَ الطِّخِّيخِيُّ وَالشَّيْخُ سَالِمٌ: إنَّ التَّمَادِيَ شَرْطٌ فِيهِمَا.

(وَلَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ الْمُقِرِّ بِالرَّجْعَةِ (جَبْرُهَا) : أَيْ جَبْرُ الْمُصَدَّقَةِ لَهُ، أَوْ جَبْرُ وَلِيِّهَا إنْ كَانَتْ غَيْرَ رَشِيدَةٍ (عَلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ بِرُبُعِ دِينَارٍ) : أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، أَوْ مُقَوَّمٍ بِهِمَا لِتَعُودَ لَهُ، لِأَنَّهَا بِاعْتِبَارِ دَعْوَاهُمَا فِي عِصْمَتِهِ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا، وَيَلْزَمُهَا عَدَمُ الزَّوَاجِ بِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا مَنَعْنَاهُ مِنْهَا وَمَنَعْنَاهَا مِنْهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الظَّاهِرِ. (وَلَمْ تُنْكِرْ الْوَطْءَ) : عَطْفٌ عَلَى " عُلِمَ الدُّخُولُ ": أَيْ شَرْطُ صِحَّةِ ارْتِجَاعِهَا: عِلْمُ الدُّخُولِ وَعَدَمُ إنْكَارِ الْوَطْءِ، فَإِنْ أَنْكَرَتْهُ لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ وَظَاهِرُهُ، سَوَاءً اخْتَلَى بِهَا فِي زِيَارَةٍ أَوْ خَلْوَةِ اهْتِدَاءٍ وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ. الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ فِي خَلْوَةِ الزِّيَارَةِ، أَمَّا خَلْوَةُ الِاهْتِدَاءِ فَلَا عِبْرَةَ بِإِنْكَارِهَا وَتَصِحُّ الرَّجْعَةُ، وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: " وَلَا إنْ أَقَرَّ بِهِ فَقَطْ فِي زِيَارَةٍ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ ". الثَّالِثُ: أَنَّهَا إنْ كَانَتْ الزَّائِرَةُ صُدِّقَ فِي دَعْوَاهُ الْوَطْءَ فَتَصِحُّ الرَّجْعَةُ كَخَلْوَةِ الْبِنَاءِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الزَّائِرُ فَلَا يُصَدَّقُ وَلَا تَصِحُّ رَجْعَتُهُ. (وَصَحَّتْ رَجْعَتُهُ) : أَيْ الْمُطَلِّقِ بَعْدَ الْبِنَاءِ (إنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بَعْدَهَا) : أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَاصِلُ كَلَامِهِمَا أَنَّهُمَا لَا يُؤَاخَذَانِ بِإِقْرَارِهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ إلَّا مُدَّةَ دَوَامِهَا عَلَى التَّصْدِيقِ، وَكَذَلِكَ فِي الْأُولَى كَانَ الْإِقْرَارُ فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا، فَإِنْ رَجَعَا أَوْ أَحَدُهُمَا سَقَطَتْ مُؤَاخَذَةُ الرَّاجِعِ، وَفِي الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأُجْهُورِيِّ وَالشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيِّ: إنَّهُمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يُؤَاخَذَانِ بِإِقْرَارِهِمَا فِي الْعِدَّةِ مُطْلَقًا تَمَادَيَا عَلَى التَّصْدِيقِ أَوْ لَا، وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا يُؤَاخَذَانِ بِإِقْرَارِهِمَا إلَّا مُدَّةَ دَوَامِهِمَا عَلَى التَّصْدِيقِ، فَإِنْ حَصَلَ رُجُوعٌ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا سَقَطَتْ مُؤَاخَذَةُ الرَّاجِعِ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الْمُوَافِقَةُ لِلنَّقْلِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَلَكِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ عِبَارَةِ شَارِحِنَا كَلَامُ الطِّخِّيخِيِّ وَالشَّيْخِ سَالِمٍ. قَوْلُهُ: [أَيْ جَبْرُ الصَّدَقَةِ لَهُ] : أَيْ عَلَى الْوَطْءِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، أَوْ عَلَى الرَّجْعَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ: [أَوْ جَبْرُ وَلِيِّهَا] : فَإِنْ أَبَى الْوَلِيُّ عَقَدَ الْحَاكِمُ وَإِنْ لَمْ تَرْضَ، وَانْظُرْ هَلْ لَهَا جَبْرُهُ عَلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» أَوْ لَا؟ تَأَمَّلْ (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ] : أَيْ ثَلَاثَةٍ، وَذَكَرَ فِي الشَّامِلِ أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْخَلْوَتَيْنِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَبِذَلِكَ صَدَّرَ بِهِ شَارِحُنَا. 1 -

بَعْدَ الْعِدَّةِ، (عَلَى إقْرَارِهِ) أَيْ بِالْوَطْءِ فِي الْعِدَّةِ أَوْ بِمُقَدِّمَاتِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ نَوَى بِهِ الرَّجْعَةَ فَيُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ وَتَصِحُّ رَجْعَتُهُ، (أَوْ) قَامَتْ لَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مُعَايَنَةِ (تَصَرُّفِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (لَهَا) فِي الْعِدَّةِ؛ بِالدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالْإِتْيَانِ بِحَاجَةِ الْمَنْزِلِ، (أَوْ) أَشْهَدَتْ عَلَى (مَبِيتِهِ عِنْدَهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ وَادَّعَى رَجْعَتَهَا (فِيهَا) أَيْ فِي الْعِدَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِكُلٍّ مِنْ إقْرَارِهِ وَتَصَرُّفِهِ وَمَبِيتِهِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إنْ ادَّعَى بَعْدَهَا مُرَاجَعَتَهَا فِي الْعِدَّةِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ أَقَرَّ فِي الْعِدَّةِ بِوَطْئِهَا أَوْ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَتَصَرَّفُ لَهَا التَّصَرُّفَ الْخَاصَّ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ يَبِيتُ عِنْدَهَا فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ وَيُحْكَمُ لَهُ بِصِحَّةِ الرَّجْعَةِ. (أَوْ قَالَ) : أَيْ وَصَحَّتْ رَجْعَتُهُ إنْ قَالَ لَهَا: (ارْتَجَعْتُك) إنْشَاءً لَا إخْبَارًا، (فَقَالَتْ) لَهُ: قَدْ (انْقَضَتْ الْعِدَّةُ) بِرُؤْيَتِي الْحَيْضَةَ الثَّالِثَةَ، أَيْ فَلَمْ تُصَادِفْ رَجْعَتَك مَحَلًّا، (فَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى مَا) : أَيْ عَلَى قَوْلٍ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ (يُكَذِّبُهَا) فِي قَوْلِهَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ، بِأَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ أَنَّهَا قَالَتْ قَبْلَ ذَلِكَ بِنَحْوِ يَوْمَيْنِ أَوْ عَشْرَةِ أَيَّامٍ أَنَّهَا لَمْ تَرَ إلَّا حَيْضَةً فَقَطْ أَوْ حَيْضَتَيْنِ، وَلَمْ يَمْضِ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ رُؤْيَةُ الثَّالِثَةِ، (أَوْ) أَنَّهُ لَمَّا رَاجَعَهَا (سَكَتَتْ) زَمَنًا (طَوِيلًا) كَالْيَوْمِ أَوْ بَعْضِهِ (ثُمَّ قَالَتْ: كَانَتْ انْقَضَتْ) الْعِدَّةُ قَبْلَ الْمُرَاجَعَةِ فَلَا يُفِيدُهَا، وَصَحَّتْ الرَّجْعَةُ وَيُعَدُّ ذَلِكَ مِنْهَا نَدَمًا وَمَفْهُومُ: " سَكَتَتْ "، أَنَّهَا لَوْ بَادَرَتْ لَأَفَادَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بَعْدَهَا] حَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّجُلَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ادَّعَى أَنَّهُ رَاجَعَ زَوْجَتَهُ فِيهَا، وَأَقَامَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْوَطْءِ أَوْ التَّلَذُّذِ بِهَا فِي الْعِدَّةِ، وَادَّعَى أَنَّهُ نَوَى بِهِ الرَّجْعَةَ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ وَتَصِحُّ رَجْعَتُهُ، وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ الْخَلْوَةَ بِهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ قَدْ عُلِمَتْ وَلَوْ بِامْرَأَتَيْنِ، وَحَيْثُ كَانَ تَصِحُّ الرَّجْعَةُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْوَطْءِ، فِي الْعِدَّةِ مَعَ دَعْوَاهُ أَنَّهُ نَوَى بِهِ الرَّجْعَةَ، فَلَوْ دَخَلَ عَلَى مُطَلَّقَةٍ وَبَاتَ عِنْدَهَا فِي الْعِدَّةِ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ الْعِدَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ ارْتَجَعَهَا فَلَا تَثْبُتُ بِذَلِكَ الرَّجْعَةُ، وَلَا تَرِثُهُ وَلَا يَلْزَمُهَا عِدَّةُ وَفَاةٍ فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: [فَأَقَامَ بَيِّنَةً] : أَيْ مِنْ الرِّجَالِ لَا مِنْ النِّسَاءِ لِأَنَّ شَهَادَتَهَا عَلَى إقْرَارِهَا بِعَدَمِ الْحَيْضِ لَا عَلَى رُؤْيَةِ الدَّمِ الَّتِي يَكْفِي فِيهَا النِّسَاءُ.

وَلَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ، وَهُوَ كَذَلِكَ. أَيْ إذَا لَمْ تُقِمْ بَيِّنَةً بِمَا. يُكَذِّبُهَا كَمَا تَقَدَّمَ. (لَا) تَصِحُّ الرَّجْعَةُ (إنْ قَالَ مَنْ يَغِيبُ) : أَيْ مَنْ أَرَادَ الْغَيْبَةَ أَيْ السَّفَرَ، وَكَانَ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَخَافَ أَنْ تَدْخُلَهَا فِي غَيْبَتِهِ فَيَحْنَثُ فَقَالَ: (إنْ حَنَّثَتْنِي) بِدُخُولِ الدَّارِ فِي سَفَرِي (فَقَدْ ارْتَجَعْتهَا) وَلَا يُفِيدُهُ هَذَا التَّعْلِيقُ، لِأَنَّ الرَّجْعَةَ تَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ، (كَأَنْ) قَالَ: إنْ (جَاءَ الْغَدُ فَقَدْ ارْتَجَعْتهَا) فَلَا يُفِيدُهُ، وَلَا تَصِحُّ رَجْعَتُهُ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ ضَرْبٌ مِنْ النِّكَاحِ، فَلَا تَكُونُ لَأَجَلٍ وَلِأَنَّهَا تَحْتَاجُ لِمُقَارَنَةِ نِيَّةٍ. نَعَمْ إنْ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ بَعْدَ الْغَدِ، مُعْتَمِدًا عَلَى تَعْلِيقِهِ الْمُتَقَدِّمِ، صَحَّتْ رَجْعَتُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِعْلٌ قَارَنَهُ نِيَّةٌ لَا بِالتَّعْلِيقِ الْمُتَقَدِّمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا تَكُونُ لِأَجَلٍ] : أَيْ فَكَمَا لَا يَجُوزُ التَّأْجِيلُ فِي النِّكَاحِ كَأَنْ يَقُولَ أَعْقِدُ لَك عَلَى ابْنَتِي الْآنَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَك إلَّا فِي الْغَدِ، لَا يَجُوزُ التَّأْجِيلُ فِي الرَّجْعَةِ. قَوْلُهُ: [بَعْدَ الْغَدِ] : لَا مَفْهُومَ لَهُ (بْن) كَذَلِكَ، لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَهُ تَصِحُّ رَجْعَتُهُ إنْ قَارَنَ الْوَطْءَ نِيَّتُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ صِحَّةِ الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ، وَبَيْنَ عَدَمِ صِحَّةِ الرَّجْعَةِ قَبْلَ الطَّلَاقِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَرَادَ السَّفَرَ أَنَّ الطَّلَاقَ حَقٌّ عَلَى الرَّجُلِ يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ، وَالرَّجْعَةُ حَقٌّ لَهُ وَلِحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ يَلْزَمُ بِالْتِزَامِهِ، وَالْحَقُّ الَّذِي لَهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ وَلَوْ أَشْهَدَ بِهِ فَتَأَمَّلْ. تَنْبِيهٌ: مِثْلُ قَوْلِ: " مَنْ يُغَيِّبُ الْمَذْكُورَ: اخْتِيَارُ الْأَمَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ بِعَبْدِ نَفْسِهَا، أَوْ زَوْجِهَا بِتَقْدِيرِ عِتْقِهَا كَأَنْ تَقُولَ: إنْ عَتَقْتُ فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ اخْتَرْتُ زَوْجِي فَإِنَّهُ لَغْوٌ وَلَوْ أَشْهَدَتْ عَلَى ذَلِكَ وَلَهَا اخْتِيَارُ خِلَافِهِ إنْ عَتَقَتْ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ الَّتِي شَرَطَ لَهَا الزَّوْجُ عِنْدَ الْعَقْدِ أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهَا إنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ تَسَرَّى أَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ بَلَدِهَا أَوْ بَيْتِ أَبِيهَا، تَقُولُ قَبْلَ حُصُولِ مَا ذُكِرَ: إنْ فَعَلَهُ زَوْجِي فَقَدْ فَارَقْتُهُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا وَلَيْسَ لَهَا الِانْتِقَالُ إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَقَامَهَا مَقَامَهُ فِي تَمْلِيكِهِ إيَّاهَا مَا يَمْلِكُهُ، وَهُوَ يَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ، نَحْوَ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَكَذَلِكَ هِيَ وَهَذَا يُفِيدُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لُزُومُ مَا أَوْقَعَهُ مِنْ الطَّلَاقِ

(وَصُدِّقَتْ) الْمُطَلَّقَةُ (فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِلَا يَمِينٍ مَا أَمْكَنَ) الِانْقِضَاءُ، كَثَلَاثِينَ يَوْمًا: أَيْ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ، وَلَوْ خَالَفَتْ عَادَتَهَا أَوْ خَالَفَهَا الزَّوْجُ، وَشَمَلَ كَلَامُهُ انْقِضَاءَهَا بِالْأَقْرَاءِ أَوْ الْوَضْعِ فَلَا تَصِحُّ رَجْعَتُهَا وَقَدْ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ، (وَ) صُدِّقَتْ (فِي أَنَّهَا رَأَتْ أَوَّلَ الدَّمِ) مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، (وَانْقَطَعَ) قَبْلَ اسْتِمْرَارِهِ الْمُعْتَبَرِ وَهُوَ يَوْمٌ أَوْ بَعْضُهُ، فَهِيَ فِي عِدَّتِهَا لَمْ تَخْرُجْ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يُفِيدُهَا ذَلِكَ وَلَا تُصَدَّقُ، وَقَدْ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ وَتَبِعَهُ الشَّيْخُ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ كُلُّهُ عَلَى قَبُولِ قَوْلِهَا أَيْ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ أَنْ قَالُوا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا مَا أَوْقَعَتْهُ بِاخْتِيَارِ زَوْجِهَا، وَقِيلَ إنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ مُسْتَوِيَتَانِ فِي لُزُومِ مَا أَوْقَعَتَاهُ قَبْلَ حُصُولِ سَبَبِ خِيَارِهِمَا، وَهُوَ لِابْنِ حَارِثٍ عَنْ أَصْبَغَ مَعَ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ، وَقِيلَ: مُسْتَوِيَتَانِ فِي عَدَمِ لُزُومِ مَا أَوْقَعَتَاهُ وَهُوَ لِلْبَاجِيِّ، وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ الْأَوَّلُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الَّتِي تُحْكَى عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ سَأَلَ مَالِكًا عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُرَّةِ ذَاتِ الشَّرْطِ وَالْأَمَةِ؟ فَقَالَ لَهُ الْفَرْقُ دَارٌ قُدَامَةَ وَكَانَتْ دَارًا يَلْعَبُ فِيهَا الْأَحْدَاثُ بِالْحَمَّامِ مُعَرِّضًا لَهُ بِقِلَّةِ التَّحْصِيلِ، فِيمَا سَأَلَهُ عَنْهُ وَتَوْبِيخًا لَهُ عَلَى تَرْكِ إعْمَالِ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ حَتَّى إنَّهُ سَأَلَ عَنْ أَمْرٍ غَيْرِ مُشْكِلٍ (اهـ) . وَحَاصِلُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ اخْتِيَارَ الْأَمَةِ قَبْلَ الْعِتْقِ فِعْلٌ لِلشَّيْءِ قَبْلَ وُجُوبِهِ لَهَا بِالشَّرْعِ، وَأَمَّا ذَاتُ الشَّرْطِ فَاخْتِيَارُهَا فِعْلٌ لِلشَّيْءِ بَعْدَ وُجُوبِهِ لَهَا بِالتَّمْلِيكِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [بِلَا يَمِينٍ] : وَقِيلَ بِيَمِينٍ. قَوْلُهُ: [انْقِضَاءَهَا بِالْأَقْرَاءِ] : أَيْ فَإِنْ شَهِدَتْ لَهَا النِّسَاءُ أَنَّهَا تَحِيضُ لِمِثْلِ هَذَا فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ، وَوَجْهُ تَصْدِيقِهَا فِي كَالشَّهْرِ جَوَازُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ وَهِيَ طَاهِرٌ فَيَأْتِيهَا الْحَيْضُ وَيَنْقَطِعُ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَأْتِيهَا لَيْلَةَ السَّادِسَ عَشَرَ وَيَنْقَطِعُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَيْضًا، ثُمَّ يَأْتِيهَا آخِرُ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ بَعْدَ الْغُرُوبِ، لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالطُّهْرِ فِي الْأَيَّامِ. وَلَك أَنْ تُلْغِزَ فَتَقُولَ: مَا امْرَأَةٌ مَدْخُولٌ بِهَا غَيْرُ حَامِلٍ طَلُقَتْ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ وَلَمْ يَفُتْهَا صَوْمٌ وَلَا صَلَاةٌ مِنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى هَذَا اللُّغْزِ فِي بَابِ الْحَيْضِ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ اخْتَلَفُوا] إلَخْ: وَنَصِّ أَبِي الْحَسَنِ عِيَاضٍ وَاخْتَلَفُوا إذَا رَاجَعَهَا عِنْدَ

بِتَصْدِيقِهَا فِيمَا لَوْ رَاجَعَهَا بَعْدَ قَوْلِهَا: قَدْ انْقَطَعَ فَعَاوَدَهَا الدَّمُ عَنْ قُرْبٍ قَبْلَ تَمَامِ طُهْرٍ، حَتَّى لَفَّقَتْ عَادَتَهَا، هَلْ هَذِهِ الرَّجْعَةُ فَاسِدَةٌ؟ لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا حَيْضَةٌ ثَالِثَةٌ صَحِيحَةٌ وَقَعَتْ فِيهَا الرَّجْعَةُ فَتَكُونُ بَاطِلَةً وَهُوَ الصَّحِيحُ أَوْ لَيْسَتْ بِفَاسِدَةٍ بَلْ صَحِيحَةٍ؟ وَعَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ حَمَلَ بَعْضُهُمْ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالشَّيْخِ، أَيْ فَقَوْلُهُمَا لَا يُفِيدُهَا قَوْلُهَا قَدْ انْقَطَعَ أَيْ فِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ، أَيْ إنَّا وَإِنْ صَدَّقْنَاهَا فَرَاجَعَهَا فَعَاوَدَهَا الدَّمُ حَتَّى لَفَّقَتْ عَادَتَهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يُفِيدُ فِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ، بَلْ الرَّجْعَةُ فَاسِدَةٌ. (وَلَا يُلْتَفَتُ لِتَكْذِيبِهَا نَفْسَهَا) حَيْثُ قَالَتْ: كَذَبْتُ فِي قَوْلِي قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي فَلَا تَحِلُّ لِمُطَلِّقِهَا إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، وَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا (وَلَوْ صَدَّقَهَا النِّسَاءُ) فِي تَكْذِيبِهَا نَفْسَهَا؛ بِأَنْ قُلْنَ: نَظَرْنَاهَا حِينَ قَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِنُزُولِ الْحَيْضِ أَوْ الْوَضْعِ فَلَمْ نَرَ بِهَا أَثَرَ حَيْضٍ وَلَا وَضْعٍ، فَلَا يُلْتَفَتُ لِذَلِكَ وَقَدْ بَانَتْ بِقَوْلِهَا: قَدْ انْقَضَتْ. حَيْثُ أَمْكَنَ الِانْقِضَاءُ. (وَ) الزَّوْجَةُ (الرَّجْعِيَّةُ) أَيْ الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا (كَالزَّوْجَةِ) الَّتِي فِي الْعِصْمَةِ فِي لُزُومِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى وَلُحُوقِ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ، (إلَّا فِي الِاسْتِمْتَاعِ وَالْخَلْوَةِ) بِهَا، (وَالْأَكْلِ مَعَهَا) بِلَا نِيَّةِ مُرَاجَعَتِهَا بِذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQانْقِطَاعِ هَذَا الدَّمِ وَعَدَمِ تَمَادِيهِ، ثُمَّ رَجَعَ هَذَا الدَّمُ بِقُرْبٍ هَلْ هِيَ رَجْعَةٌ فَاسِدَةٌ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَبَانَ أَنَّهَا حَيْضَةٌ ثَالِثَةٌ صَحِيحَةٌ وَقَعَتْ الرَّجْعَةُ فِيهَا فَتَبْطُلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ لَا تَبْطُلُ رَجَعَ الدَّمُ عَنْ قُرْبٍ أَوْ بُعْدٍ (اهـ) ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ أَنَّهُ حَكَى الْقَوْلَيْنِ، وَقَالَ بَعْدَهُمَا وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ يَعْنِي التَّفْصِيلَ عِنْدِي أَصْوَبُ (اهـ) ، وَالْقُرْبُ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ طُهْرٌ تَامٌّ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُلْتَفَتُ لِتَكْذِيبِهَا نَفْسَهَا] : الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا حَيْثُ قُلْتُمْ الْمَذْهَبُ قَبُولُ قَبُولِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ دُونَ هَذِهِ أَنَّهَا فِي هَذِهِ صَرَّحَتْ بِتَكْذِيبِ نَفْسِهَا وَلَمْ تَسْتَنِدْ لِمَا تَعَذَّرَ بِهِ بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا.

[نفقة الزوجة الرجعية]

(وَلَوْ مَاتَ زَوْجُهَا) الْمُطَلِّقُ لَهَا (بَعْدَ سَنَةٍ) مِنْ يَوْمِ طَلَاقِهَا (فَقَالَتْ: لَمْ تَنْقَضِ) ، فَأَنَا أَرِثُ (وَهِيَ غَيْرُ مُرْضِعٍ، وَ) غَيْرُ (مَرِيضَةٍ، لَمْ تُصَدَّقْ) فَلَا إرْثَ لَهَا مِنْهُ (إلَّا إذَا كَانَتْ تُظْهِرُهُ) : أَيْ تُظْهِرُ عَدَمَ انْقِضَائِهَا قَبْلَ مَوْتِهِ فَتُصَدَّقُ وَتَرِثُ بِيَمِينٍ إنْ ظَهَرَ لِلنَّاسِ لِضَعْفِ التُّهْمَةِ حِينَئِذٍ، (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَتْ مُرْضِعًا أَوْ مَرِيضَةً (صُدِّقَتْ) لِأَنَّ شَأْنَ الْمُرْضِعِ وَالْمَرِيضَةِ عَدَمُ الْحَيْضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [نَفَقَة الزَّوْجَةُ الرَّجْعِيَّةُ] قَوْلُهُ: [بِذَلِكَ] : اسْمُ الْإِشَارَةِ عَائِدٌ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، أَيْ فَإِنْ نَوَى رَجْعَتَهَا بِأَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ صَحَّتْ قَوْلُهُ: [بَعْدَ سَنَةٍ] إلَخْ: حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ، فَقَالَتْ: لَمْ أَحِضْ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ إلَى الْآنَ أَصْلًا، أَوْ لَمْ أَحِضْ إلَّا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ، وَلَمْ أَدْخُلْ فِي الثَّالِثَةِ فَلَا يَخْلُو حَالُهَا مِنْ أَمْرَيْنِ: تَارَةً يَظْهَرُ فِي حَالِ حَيَاةِ مُطَلِّقِهَا احْتِبَاسُ دَمِهَا لِلنَّاسِ، وَيَتَكَرَّرُ قَوْلُهَا لِلنَّاسِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُقْبَلُ قَوْلُهَا بِيَمِينٍ وَتَرِثُ لِضَعْفِ التُّهْمَةِ حِينَئِذٍ، وَتَارَةً لَمْ تَكُنْ تُظْهِرُهُ فِي حَالِ حَيَاةِ مُطَلِّقِهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا، وَلَا تَرِثُ لِدَعْوَاهَا أَمْرًا نَادِرًا، وَالتُّهْمَةُ حِينَئِذٍ قَوِيَّةٌ، وَمَا ذَكَرَهُ شَارِحُنَا مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ مَنْ تُظْهِرُهُ وَاَلَّتِي لَمْ تَكُنْ تُظْهِرُهُ هُوَ قَوْلُ الْمَوَّازِيَّةِ، وَقَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى إنَّهَا تُصَدَّقُ بِيَمِينٍ مُطْلَقًا كَانَتْ تُظْهِرُهُ أَمْ لَا، وَهَذَا الْخِلَافُ حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ فِيمَا إذَا ادَّعَتْ ذَلِكَ بَعْدَ السَّنَةِ أَوْ بِقُرْبِ انْسِلَاخِهَا، وَأَمَّا لَوْ ادَّعَتْ ذَلِكَ بَعْدَ أَكْثَرِ مِنْ الْعَامِ أَوْ الْعَامَيْنِ لَا يَنْبَغِي أَنَّهَا تُصَدَّقُ إلَّا أَنْ تَكُونَ تُظْهِرُ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ: [صُدِّقَتْ] : أَيْ بِغَيْرِ يَمِينٍ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ شَأْنَ الْمُرْضِعِ وَالْمَرِيضَةِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَرِيضَةً أَوْ مُرْضِعَةً فِي كُلِّ الْمُدَّةِ الَّتِي بَيْنَ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَدَمِ انْقِضَاءِ هَذِهِ الْعِدَّةِ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَلَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ مَرِيضَةً أَوْ مُرْضِعَةً بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَادَّعَتْ عَدَمَ الِانْقِضَاءِ بَعْدَ الْفِطَامِ أَوْ بَعْدَ زَوَالِ الْمَرَضِ، فَفِي الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ حُكْمَ الْمُرْضِعِ بَعْدَ الْفِطَامِ كَاَلَّتِي لَا تُرْضِعُ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ، لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الْحَيْضِ مَعَ الرَّضَاعِ لَيْسَ بِرِيبَةٍ اتِّفَاقًا، وَحِينَئِذٍ فَتُصَدَّقُ بِيَمِينٍ بَعْدَ الْفِطَامِ بِسَنَةٍ فَأَكْثَرَ إذَا كَانَتْ تُظْهِرُهُ فِي حَيَاةِ مُطَلِّقِهَا، وَمِثْلُهَا الْمَرِيضَةُ فَإِنْ كَانَتْ لَا تُظْهِرُهُ فَلَا تُصَدَّقُ وَلَوْ بِيَمِينٍ، وَأَمَّا لَوْ ادَّعَتْ ذَلِكَ بَعْدَ الْفِطَامِ فِي أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ بِيَمِينٍ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ.

[المتعة هي ما يعطيه الزوج لمن طلقها زيادة على الصداق]

(وَحَلَفَتْ) إنَّهَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا (فِيمَا دُونَ الْعَامِ) كَالْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَأَكْثَرَ (إنْ اُتُّهِمَتْ) وَإِلَّا فَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا. (وَنُدِبَ) لِمَنْ رَاجَعَهَا (الْإِشْهَادُ) عَلَى الرَّجْعَةِ لِدَفْعِ إيهَامِ الزِّنَا، وَلَا يَجِبُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ (وَأَصَابَتْ مَنْ مَنَعَتْ) نَفْسَهَا مِنْ زَوْجِهَا (لَهُ) أَيْ لِأَجْلِ الْإِشْهَادِ عَلَى مُرَاجَعَتِهَا، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ رُشْدِهَا، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْإِشْهَادِ غَيْرُ الْوَلِيِّ. (وَشَهَادَةُ الْوَلِيِّ) مِنْ سَيِّدٍ أَوْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ (عَدَمٌ) ، لَا تُفِيدُ وَلَا يَحْصُلُ بِهَا النَّدْبُ. (وَ) نَدْبُ (الْمُتْعَةِ) : وَهِيَ مَا يُعْطِيهِ الزَّوْجُ لِمَنْ طَلَّقَهَا زِيَادَةً عَلَى الصَّدَاقِ لِجَبْرِ خَاطِرِهَا الْمُنْكَسِرِ بِأَلَمِ الْفِرَاقِ، (بِقَدْرِ حَالِهِ) : أَيْ الزَّوْجِ مِنْ فَقْرٍ وَغِنًى بِالْمَعْرُوفِ عَلَى الْمُوسِرِ قَدْرُهُ، وَعَلَى الْمُقَتِّرِ قَدْرُهُ، وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ النَّدْبُ وَقِيلَ بِوُجُوبِهَا، وَالْقُرْآنُ أَظْهَرُ فِي الْوُجُوبِ مِنْ النَّدْبِ، وَلَكِنْ صَرَفَهُ عَنْهُ صَارِفٌ عِنْدَ الْإِمَامِ. وَتَكُونُ الْمُتْعَةُ (بَعْدَ) تَمَامِ (الْعِدَّةِ لِلرَّجْعِيَّةِ) ، لِأَنَّهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ تَرْجُو الْمُرَاجَعَةَ فَلَمْ يَنْكَسِرْ قَلْبُهَا بِأَلَمِ الْفِرَاقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَانَتْ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا كَكُلِّ بَائِنَةٍ، (أَوْ) تُدْفَعُ إلَى (وَرَثَتِهَا) إنْ مَاتَتْ. قَالَ بَعْضُهُمْ: أَيْ بَعْدَ الْعِدَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَحَلَفَتْ إنَّهَا] إلَخْ: الْحَلِفُ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الْمُرْضِعِ وَالْمَرِيضَةِ كَمَا عَلِمْتَ. قَوْلُهُ: [عَدَمٌ] : أَيْ لِاتِّهَامِهِمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَلِيِّ الْمُجْبَرِ وَغَيْرِهِ. [الْمُتْعَةِ هِيَ مَا يُعْطِيهِ الزَّوْجُ لِمَنْ طَلَّقَهَا زِيَادَةً عَلَى الصَّدَاقِ] قَوْلُهُ: [لِجَبْرِ خَاطِرِهَا] إلَخْ: هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّدْبَ مُعَلَّلٌ بِمَا ذُكِرَ، وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الْمُتْعَةَ قَدْ تَزِيدُهَا أَسَفًا عَلَى زَوْجِهَا لِتَذَكُّرِهَا حُسْنَ عِشْرَتِهِ وَكَرِيمَ صُحْبَتِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ لَمْ يُمَتِّعْهَا حَتَّى مَاتَتْ وَرِثَتْ عَنْهَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ بِوُجُوبِهَا] : وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ. قَوْلُهُ: [أَظْهَرُ فِي الْوُجُوبِ] إلَخْ: أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] وَقَالَ أَيْضًا: {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241] وَالْأَصْلُ فِي الْأَمْرِ الْوُجُوبُ خُصُوصًا مَعَ اقْتِرَانِهِ بِحَقِّنَا، قُلْنَا: صَرَفَهُ عَنْهُ قَوْلُهُ: " عَلَى الْمُحْسِنِينَ " وَ " الْمُتَّقِينَ "، لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتَقَيَّدُ بِهِمَا

وَإِلَّا فَلَا، لِمَوْتِهَا قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا مُتْعَةَ لَهَا إنْ مَاتَ أَوْ رَدَّهَا لِعِصْمَتِهِ قَبْلَ دَفْعِهَا لَهَا، رَجْعِيَّةً كَانَتْ أَوْ بَائِنَةً. وَشَبَّهَ فِي الْحُكْمَيْنِ - أَيْ الدَّفْعِ لَهَا أَوْ لِوَرَثَتِهَا عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ - قَوْلَهُ: (كَكُلِّ مُطَلَّقَةٍ فِي نِكَاحٍ لَازِمٍ) : وَيَلْزَمُ مِنْ اللُّزُومِ الصِّحَّةُ وَالْمُرَادُ اللُّزُومُ وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ وَالطَّوْلِ (لَا فَسْخٍ) مُحْتَرَزٌ " مُطَلَّقَةٍ ": أَيْ فِي كُلِّ طَلَاقٍ لَا فَسْخٍ، فَلَا مُتْعَةَ فِيهِ بَعْدَ الْبِنَاءِ، وَأَوْلَى قَبْلَهُ إذَا كَانَ فَسَخَهُ (لِغَيْرِ رَضَاعٍ) ، وَأَمَّا فَسْخُهُ لِرَضَاعٍ فَتُمَتَّعُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَاسْتَثْنَى مِنْ كُلِّ مُطَلَّقَةٍ قَوْلَهُ: (إلَّا الْمُخْتَلِعَةَ) فَلَا مُتْعَةَ لَهَا، لِأَنَّ الطَّلَاقَ جَاءَ مِنْ جِهَتِهَا فَلَا كَسْرَ عِنْدَهَا، وَهَذَا إذَا كَانَ الْخُلْعُ بِعِوَضٍ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا بِرِضَاهَا، لَا إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ بِلَا عِوَضٍ أَوْ بِعِوَضٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُرَادُ بِالْحَقِّ الثَّابِتِ الْمُقَابِلُ لِلْبَاطِلِ، فَيَشْمَلُ الْمَنْدُوبَ بِقَرِينَةِ التَّقْيِيدِ بِالْمُحْسِنِينَ وَالْمُتَّقِينَ كَمَا عَلِمْت، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُقْضَى بِهَا وَلَا تَحَاصَصَ بِهَا الْغُرَمَاءُ، إذْ لَا يُقْضَى بِمَنْدُوبٍ وَلَا يُحَاصِصُ بِهِ الْغُرَمَاءُ. قَوْلُهُ: [وَلَا مُتْعَةَ لَهَا إنْ مَاتَ] : أَيْ فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا، لِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّرِكَةِ إلَّا الْحُقُوقُ الْوَاجِبَةُ. قَوْلُهُ: [كَكُلِّ مُطَلَّقَةٍ] إلَخْ: أَيْ فَتُدْفَعُ لَهَا إنْ كَانَتْ حَيَّةً، أَوْ لِوَرَثَتِهَا إنْ مَاتَتْ، وَالْمُرَادُ كُلُّ مُطَلَّقَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أَوْ حَكَمَ الشَّرْعُ بِطَلَاقِهَا، إلَّا مَا اسْتَثْنَى فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ، كُلُّ مُطَلَّقَةٍ أَيْ طَلَاقًا بَائِنًا فَلَمْ يَتَّحِدْ الْمُشَبَّهُ مَعَ الْمُشَبَّهِ بِهِ. قَوْلُهُ: [فِي نِكَاحٍ لَازِمٍ] : احْتَرَزَ بِهِ عَنْ غَيْرِ اللَّازِمِ وَهُوَ شَيْئَانِ، الْفَاسِدُ الَّذِي لَمْ يَمْضِ بِالدُّخُولِ، وَالصَّحِيحُ الْغَيْرُ اللَّازِمِ كَنِكَاحِ ذَاتِ الْعَيْبِ، فَإِنْ رَدَّتْهُ لِعَيْبِهِ أَوْ رَدَّهَا لِعَيْبِهَا فَلَا مُتْعَةَ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [فَتُمَتَّعُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ] : أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ الْفَسْخَ بَعْدَ الْبِنَاءِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَمْ تَأْخُذْ نِصْفَ الصَّدَاقِ لِكَوْنِهَا صَدَّقَتْهُ أَوْ ثَبَتَ الرَّضَاعُ بِبَيِّنَةٍ. قَوْلُهُ: [إلَّا الْمُخْتَلِعَةَ] إلَخْ: يَلْحَقُ بِتِلْكَ الْمُسْتَثْنَيَاتِ الْمُرْتَدَّةِ، وَلَوْ عَادَتْ لِلْإِسْلَامِ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْمُتْعَةِ أَيْضًا إذَا ارْتَدَّ الزَّوْجُ عَادَ لِلْإِسْلَامِ أَمْ لَا كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ.

مِنْ غَيْرِهَا بِلَا رِضًا مِنْهَا فَتُمَتَّعُ. (وَ) إلَّا (مَنْ طَلُقَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ فِي) نِكَاحٍ (التَّسْمِيَةِ) فَلَا مُتْعَةَ لَهَا، لِأَخْذِهَا نِصْفَ الصَّدَاقِ مَعَ بَقَاءِ سِلْعَتِهَا، بِخِلَافِ التَّفْوِيضِ فَتُمَتَّعُ. (وَ) إلَّا (الْمُفَوَّضُ لَهَا) طَلَاقُهَا تَخْيِيرًا أَوْ تَمْلِيكًا أَوْ تَوْكِيلًا فَلَا مُتْعَةَ لَهَا، (وَ) إلَّا (الْمُخْتَارَةُ) لِنَفْسِهَا (لِعِتْقِهَا) تَحْتَ عَبْدٍ فَلَا مُتْعَةَ، (أَوْ) الْمُخْتَارَةُ لِنَفْسِهَا (لِعَيْبِهِ) بِبَرَصٍ أَوْ جُذَامٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلَا مُتْعَةَ لَهَا وَلَمَّا كَانَ الْإِيلَاءُ قَدْ يَنْشَأُ عَنْهَا الطَّلَاقُ الرَّجْعِيِّ نَاسَبَ ذِكْرَهَا عَقِبَ الرَّجْعَةِ فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِلَّا الْمُفَوَّضَ لَهَا] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَ التَّفْوِيضُ لِغَيْرِهَا فَلَهَا الْمُتْعَةُ. قَوْلُهُ: [لِعَيْبِهِ] : مِثْلُهُ مَا إذَا رَدَّهَا لِعَيْبِهَا لِأَنَّهَا غَارَّةٌ قَوْلُهُ: [نَاسَبَ ذِكْرَهَا عَقِبَ الرَّجْعَةِ] : بَحْثٌ فِيهِ بِأَنَّ تَسَبُّبَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ عَنْهَا يَقْتَضِي تَقَدُّمَهُ عَلَى الرَّجْعَةِ، لِأَنَّ السَّبَبَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْمُسَبَّبِ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ نَاسَبَ جَمْعَهُ مَعَ الرَّجْعَةِ، وَبَعْضُهُمْ وَجَّهَ جَمْعَهُمَا بِقَوْلِهِ: إنَّ كُلًّا مِنْ الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ طَلَاقًا بَائِنًا، وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ كَذَلِكَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا؟ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلِذَا جَمَعَهُمَا مَعًا وَأَتَى بِهِمَا عَقِبَ الطَّلَاقِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الرَّجْعَةَ مِنْ تَوَابِعِ الطَّلَاقِ.:

[فصل في الإيلاء وأحكامه]

فَصْلٌ فِي الْإِيلَاءِ وَأَحْكَامِهَا (الْإِيلَاءُ) شَرْعًا الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] الْآيَةَ: (حَلِفُ الزَّوْجِ) لَا السَّيِّدِ (الْمُسْلِمِ) لَا الْكَافِرِ (الْمُكَلَّفِ) لَا الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ (الْمُمْكِنِ وَطْؤُهُ) ، خَرَجَ الْمَجْبُوبُ وَالْخَصِيُّ: أَيْ مَقْطُوعُ الذَّكَرِ، وَالشَّيْخُ الْفَانِي، فَلَا يَنْعَقِدُ لَهُمْ إيلَاءٌ، وَدَخَلَ فِي الزَّوْجِ الْمَذْكُورِ الْعَبْدُ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْوِقَاعِ وَالسَّكْرَانُ (بِمَا) : مُتَعَلِّقٌ (بِحَلِفُ) أَيْ حَلِفُهُ بِكُلِّ مَا (يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ) الْحُرَّةِ أَوْ الْأَمَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْإِيلَاءِ وَأَحْكَامِهِ] [تَعْرِيف الْإِيلَاء وَمَا يَنْعَقِد بِهِ] فَصْلٌ هِيَ لُغَةً الِامْتِنَاعُ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ فِيمَا كَانَ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ بِيَمِينٍ، وَشَرْعًا عَرَّفَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: حَلِفُ الزَّوْجِ إلَخْ. قَوْلُهُ: [حَلِفُ الزَّوْجِ] : أَيْ بِأَيِّ يَمِينٍ كَانَتْ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [لَا الْكَافِرِ] : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَنْعَقِدُ الْإِيلَاءُ مِنْ الْكَافِرِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] الْآيَةَ فَإِنَّ الْمَوْصُولَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ، وَجَوَابَهُ مَنْعُ بَقَاءِ الْمَوْصُولِ عَلَى عُمُومِهِ بِدَلِيلِ: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] فَإِنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَهُ قُدْرَةُ] إلَخْ: أَيْ فَإِنْ مَنَعَهُ فَلَا إيلَاءَ كَمَا فِي عب، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ مَذْهَبَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ كَالصَّحِيحِ مُطْلَقًا، لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُمْكِنْ وِقَاعُهُ حَالًا يُمْكِنُ مَآلًا كَمَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَمَحَلُّ هَذَا مَا لَمْ يُقَيَّدْ بِمُدَّةِ مَرَضِهِ وَإِلَّا فَلَا إيلَاءَ عَلَيْهِ، سَوَاءً كَانَ الْمَرَضُ مَانِعًا مِنْ الْوَطْءِ أَوْ لَا، وَلَوْ طَالَ الْمَرِيضُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الضَّرَرَ فَيُطَلَّقُ عَلَيْهِ حَالًا لِأَجْلِ قَصْدِ الضَّرَرِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَالسَّكْرَانُ] : أَيْ بِحَرَامٍ، وَأَمَّا بِحَلَالٍ فَلَا إيلَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ.

سَوَاءً كَانَ حَلِفُهُ بِاَللَّهِ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، أَوْ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعِتْقِ، أَوْ بِمَشْيٍ لِمَكَّةَ أَوْ بِالْتِزَامِ قُرْبَةٍ، (غَيْرِ الْمُرْضِعِ) فَلَا إيلَاءَ فِي مُرْضِعٍ لِمَا فِي تَرْكِ وَطْئِهَا مِنْ إصْلَاحِ الْوَلَدِ، (أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) لِلْحُرِّ، (أَوْ) أَكْثَرَ مِنْ (شَهْرَيْنِ لِلْعَبْدِ) وَلَوْ بِشَائِبَةٍ، وَلَا يَنْتَقِلُ لِأَجَلِ الْحُرِّ إنْ عَتَقَ فِي الْأَجَلِ، (تَصْرِيحًا) بِالْأَكْثَرِ (أَوْ احْتِمَالًا) لَهُ وَلِلْأَقَلِّ؛ (قَيَّدَ) بِشَيْءٍ فِي يَمِينِهِ، نَحْوَ: لَا أَطَؤُك فِي هَذِهِ الدَّارِ أَوْ حَتَّى تَسْأَلِينِي، (أَوْ أَطْلَقَ) كَ: وَاَللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا إيلَاءَ فِي مُرْضِعٍ] : أَيْ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَطَأُ زَوْجَتَهُ مَا دَامَتْ تُرْضِعُ، أَوْ حَتَّى تَفْطِمَ وَلَدَهَا، أَوْ مُدَّةَ الرَّضَاعِ فَلَا إيلَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَقَالَ أَصْبَغُ: يَكُونُ مُولِيًا، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَقَوْلُ أَصْبَغَ أَوْفَقُ بِالْقِيَاسِ، لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَصَدَ بِالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ إصْلَاحَ الْوَلَدِ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا وَإِلَّا فَمُولٍ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ] : وَأَمَّا لَوْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَقَطْ، فَلَا يَكُونُ مُولِيًا، وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ أَنَّهُ مُولٍ بِذَلِكَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُنْشَأُ الْخِلَافِ الِاخْتِلَافُ فِي فَهْمِ قَوْله تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] هَلْ الْفَيْئَةُ مَطْلُوبَةٌ خَارِجَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ أَوْ فِيهَا، فَعَلَى الْمَشْهُورِ لَا يُطْلَبُ بِالْفَيْئَةِ إلَّا بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إلَّا بَعْدَهَا، وَحَيْثُ كَانَتْ الْفَيْئَةُ مَطْلُوبَةً بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَلَا يَكُونُ مُولِيًا، بِالْحَلِفِ بِهَا، وَعَلَى مُقَابِلِهِ يُطْلَبُ بِالْفَيْئَةِ فِيهَا، وَيُطَلَّقُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ مُرُورِهَا، وَتَمَسَّكَ مَنْ قَالَ بِالْمَشْهُورِ بِمَا تُعْطِيهِ الْفَاءُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] ، فَإِنَّهَا تَسْتَلْزِمُ تَأَخُّرَ مَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهَا؛ فَتَكُونُ الْفَيْئَةُ مَطْلُوبَةً بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، وَلِأَنَّ إنْ الشَّرْطِيَّةَ يَصِيرُ الْمَاضِي بَعْدَهَا مُسْتَقْبِلًا، فَلَوْ كَانَتْ مَطْلُوبَةً فِي الْأَرْبَعَةِ لَبَقِيَ مَعْنَى الْمَاضِي بَعْدَهَا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ دُخُولِهَا وَهُوَ بَاطِلٌ تَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرَيْنِ لِلْعَبْدِ] : أَيْ لِأَنَّهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ فِي الْحُدُودِ وَهَذَا مِنْهَا. قَوْله: [فِي هَذِهِ الدَّارِ] : أَيْ فَذِكْرُهُ الدَّارَ قَيْدٌ لِلْحَلِفِ عَلَى عَدَمِ الْوَطْءِ،

لَا يَطَؤُهَا، (وَإِنْ تَعْلِيقًا) كَمَا يَكُونُ تَنْجِيزًا، وَمَثَّلَ لِلتَّعْلِيقِ بِقَوْلِهِ: (كَ: إنْ وَطِئْتُهَا فَعَلَيَّ صَوْمٌ) أَوْ صَوْمُ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ، أَوْ عِتْقُ عَبْدٍ أَوْ عَبْدَيْ فُلَانٍ وَمِثَالُ التَّصْرِيحِ بِالْأَكْثَرِ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك حَتَّى تَمْضِيَ خَمْسَةُ أَشْهُرٍ، أَوْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَمِثَالُ الْمُحْتَمِلِ لِلْأَكْثَرِ: لَا أَطَؤُك حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ مِنْ سَفَرِهِ (أَوْ) قَالَ: (وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك حَتَّى تَسْأَلِينِي) وَطْأَكِ هَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لُزُومًا عُرْفِيًّا إذْ شَأْنُ النِّسَاءِ لَا يَسْأَلْنَ الْأَزْوَاجَ الْوَطْءَ لِمَعَرَّةِ ذَلِكَ عَلَيْهِنَّ، وَمَشَقَّتِهِ عَلَيْهِنَّ، وَفِيهِ تَقْيِيدُ التَّرْكِ بِسُؤَالِهَا، (أَوْ) قَالَ: وَاَللَّهِ (لَا أَلْتَقِي مَعَهَا أَوْ لَا أَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ لُزُومًا عَقْلِيًّا فِي الْأَوَّلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ أَوْ حَتَّى تَسْأَلِينِي سُؤَالُهَا قَيْدٌ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ تَعْلِيقًا] : مُبَالَغَةٌ فِي قَوْلِهِ حَلِفُ الزَّوْجِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُبَالَغَةً فِي زَوْجَتِهِ أَوْ فِي تَرْكِ الْوَطْءِ، لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي لُزُومِ الْإِيلَاءِ بَيْنَ كَوْنِ الْيَمِينِ مُنْجِزَةً أَوْ مُعَلِّقَةً، وَلَا بَيْنَ كَوْنِ تَرْكِ الْوَطْءِ مُنْجَزًا أَوْ مُعَلَّقًا. قَوْلُهُ: [أَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ حَتَّى تَسْأَلِينِي] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك حَتَّى تَسْأَلِينِي الْوَطْءَ، أَوْ حَتَّى تَسْأَلِينِي لِلْوَطْءِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا وَيُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ مِنْ يَوْمِ الْحَلِفِ، فَإِنْ فَاءَ فِي الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ بِدُونِ سُؤَالٍ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَإِلَّا طَلُقَتْ عَلَيْهِ، وَمَحَلُّ كَوْنِهِ مُولِيًا مَا لَمْ يَقَعْ مِنْهَا سُؤَالٌ لِلْوَطْءِ، وَإِلَّا فَتَنْحَلُّ الْإِيلَاءُ بِمُجَرَّدِ سُؤَالِهَا إيَّاهُ، سَوَاءً كَانَ سُؤَالُهَا فِي الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَوْنِ مُولِيًا بِحَلِفِهِ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى تَسْأَلَهُ، هُوَ قَوْلُ ابْنِ سَحْنُونَ وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ وَالِدِهِ بِمُولٍ، وَعَابَ قَوْلَ وَلَدِهِ حِينَ عَرَضَهُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا دَرَجَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ قَالَ لَا وَجْهَ لِقَوْلِ سَحْنُونَ، وَاسْتَصْوَبَ مَا قَالَهُ وَلَدُهُ نَظَرًا لِمَشَقَّةِ سُؤَالِ الْوَطْءِ عَلَى النِّسَاءِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَلْتَقِي مَعَهَا] : أَيْ مَا لَمْ يَقْصِدْ نَفْيَ الِالْتِقَاءِ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ، فَلَيْسَ بِمُولٍ وَيُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا، سَوَاءً رَفَعَتْهُ الْبَيِّنَةُ أَوْ لَا كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُهُ: [أَوْ لَا أَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ] : اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَغْتَسِلُ مِنْهَا مِنْ جَنَابَةٍ إنْ قَصَدَ مَعْنَاهُ الصَّرِيحَ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْغُسْلِ، وَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ الْوَطْءِ

وَشَرْعِيًّا فِي الثَّانِي، (أَوْ) قَالَ: (إنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ) فَهُوَ مُولٍ، وَيَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ مَغِيبِ الْحَشَفَةِ، أَيْ يَلْزَمُهُ طَلَاقُهَا بِهِ فَالنَّزْعُ حَرَامٌ (وَ) الْمُخَلِّصُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ غَيَّبَهَا (نَوَى بِبَقِيَّةِ وَطْئِهِ الرَّجْعَةَ، وَإِنْ) كَانَتْ (غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا) لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ مَغِيبِ الْحَشَفَةِ صَارَتْ مَدْخُولًا بِهَا فَتَصِحُّ رَجْعَتُهَا بِمَا ذَكَرَ فَلَوْ كَانَتْ الْأَدَاةُ تَقْتَضِي التَّكْرَارَ نَحْو: كُلَّمَا وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ وَطْئِهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ الثَّلَاثُ أَوْ أَلْبَتَّةَ نَحْوَ: إنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ بِالثَّلَاثِ أَوْ أَلْبَتَّةَ، وَهَلْ يَكُونُ مُولِيًا فَيُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ - فَلَعَلَّهَا أَنْ تَرْضَى بِالْمَقَامِ مَعَهُ بِلَا وَطْءٍ - أَوْ يُنْجِزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ حَيْثُ قَامَتْ بِحَقِّهَا فِي الْوَطْءِ؟ قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَوْفًا مِنْ الْغُسْلِ الْمُوجِبِ لِحِنْثِهِ كَانَ مُولِيًا وَضُرِبَ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ وَالْحُكْمِ، لَا مِنْ يَوْمِ الْحَلِفِ، وَإِنْ أَرَادَ مَعْنَاهُ اللَّازِمَ وَهُوَ عَدَمُ وَطْئِهَا فَالْحِنْثُ بِالْوَطْءِ، وَيَكُونُ مُولِيًا وَيُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ مِنْ يَوْمِ الْحَلِفِ، لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْيَمِينِ الصَّرِيحَةِ فِي تَرْكِ الْوَطْءِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى الصَّرِيحِ أَوْ عَلَى الِالْتِزَامِ؟ احْتِمَالَانِ، وَاسْتَصْوَبَ ابْنُ عَرَفَةَ الثَّانِيَ مِنْهُمَا كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [أَوْ قَالَ إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ وَامْتَنَعَ مِنْ وَطْئِهَا خَوْفًا مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا وَيُضْرَبُ لَهُ الْأَجَلُ مِنْ يَوْمِ الْحَلِفِ، وَيُمَكَّنُ مِنْ وَطْئِهَا، فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْئِهَا حَتَّى انْقَضَى الْأَجَلُ طَلُقَتْ عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى الْإِيلَاءِ، وَإِنْ وَطِئَهَا طَلُقَتْ عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى التَّعْلِيقِ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ، وَحِينَئِذٍ فَالنَّزْعُ حَرَامٌ وَالِاسْتِمْرَارُ حَرَامٌ، فَالْمُخَلِّصُ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ الرَّجْعَةَ بِبَقِيَّةِ وَطْئِهَا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَمَحَلُّ تَمْكِينِهِ مِنْ وَطْئِهَا إنْ نَوَى بِبَقِيَّةِ وَطْئِهِ الرَّجْعَةَ، وَإِلَّا فَلَا يُمَكَّنُ ابْتِدَاءً مِنْ وَطْئِهَا، لِأَنَّ نَزْعَهُ حَرَامٌ وَالْوَسِيلَةُ لِلْحَرَامِ حَرَامٌ كَمَا قَالَ بْن خِلَافًا لِتَعْمِيمِ عب. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا] : قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قِيلٌ مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ بِالْبَعْضِ، وَإِلَّا بَانَتْ لِأَنَّ الدُّخُولَ بِجَمِيعِ مَغِيبِ الْحَشَفَةِ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا لَوْ كَانَ الثَّلَاثُ] إلَخْ: لَا مَفْهُومَ لَهُ، بَلْ الْمَدَارُ عَلَى كَوْنِهِ بَائِنًا.

الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ الْأَحْسَنُ، قَوْلَانِ، (وَكَإِنْ) أَيْ وَكَقَوْلِهِ: إنْ (لَمْ أَدْخُلْ) الدَّارَ (فَأَنْتِ طَالِقٌ) فَامْتَنَعَ مِنْ وَطْئِهَا لِيَبَرَّ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا (لَا) يَكُونُ مُولِيًا (فِي) قَوْلِهِ: (إنْ لَمْ أَطَأْك) ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، لِأَنَّ بِرَّهُ فِي وَطْئِهَا، فَإِنْ امْتَنَعَ وَعَزَمَ عَلَى الضِّدِّ طَلُقَتْ وَإِلَيْهِ رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَصُوِّبَ، وَكَانَ أَوَّلًا لَا يَقُولُ بِأَنَّهُ مُولٍ حَيْثُ وَقَفَ عَنْهَا وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ وَضُعِّفَ بِأَنَّ يَمِينَهُ لَيْسَتْ مَانِعَةً لَهُ مِنْ الْوَطْءِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ نَفْسِهِ ضَرَرًا (وَلَا) إيلَاءَ (فِي) قَوْلِهِ: (لَأَهْجُرَنَّهَا أَوْ لَا كَلَّمْتهَا) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْهَجْرِ وَلَا مِنْ عَدَمِ الْكَلَامِ تَرْكُ الْوَطْءِ، إذْ يَطَؤُهَا وَلَا يُكَلِّمُهَا وَيَطَؤُهَا مَعَ الْهَجْرِ فِي مَضْجَعِهَا وَالْمُكُوثِ مَعَهَا، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَكِنَّهُ مِنْ الضَّرَرِ الَّذِي لَهَا الْقِيَامُ بِهِ وَالتَّطْلِيقُ عَلَيْهِ بِلَا أَجَلٍ، (وَلَا) إيلَاءَ (فِي) حَلِفِهِ (لَأَعْزِلَنَّ) عَنْهَا بِأَنْ يُمْنِي خَارِجَ الْفَرْجِ، (أَوْ) حَلِفِهِ (لَا أَبِيتُ مَعَهَا) فَلَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ، (وَطُلِّقَ عَلَيْهِ) لِأَجْلِ الضَّرَرِ بِذَلِكَ (بِالِاجْتِهَادِ) مِنْ الْحَاكِمِ (بِلَا أَجَلٍ) ، يُضْرَبُ حَيْثُ قَامَتْ بِحَقِّهَا وَشَكَتْ ضَرَرَ الْعَزْلِ أَوْ الْبَيَاتِ مَعَهَا، (كَمَا) يَجْتَهِدُ وَيُطَلِّقُ عَلَيْهِ (لَوْ تَرَكَ الْوَطْءَ) هَذَا إنْ كَانَ حَاضِرًا، بَلْ (وَإِنْ) كَانَ (غَائِبًا) وَيَكْتُبُ لَهُ: إمَّا أَنْ يَحْضُرَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ وَلَمْ يُطَلِّقْ طَلَّقَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ إلَّا أَنْ تَرْضَى بِذَلِكَ كَمَا قَالَ أَصْبَغُ، وَمَعْنَى الِاجْتِهَادِ بِلَا أَجَلٍ: أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ فَوْرًا إنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ مِنْهُ الْعِنَادَ وَالضَّرَرَ، أَوْ يَتَلَوَّمُ لَهُ إنْ رَجَا مِنْهُ تَرْكَ مَا هُوَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ (أَوْ سَرْمَدَ الْعِبَادَةَ) : أَيْ دَاوَمَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الْأَحْسَنُ] : أَيْ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ يُنْجَزُ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ، وَلَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ، وَاسْتَحْسَنَهُ سَحْنُونَ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ضَرْبِ الْأَجَلِ لِحِنْثِهِ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ وَبَاقِي الْوَطْءِ حَرَامٌ. قَوْلُهُ: [أَوْ الْبَيَاتِ مَعَهَا] : الْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ عَدَمَ الْبَيَاتِ قَوْلُهُ: [بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ] : أَيْ وَلَوْ زَادَ عَلَى أَجَلِ الْإِيلَاءِ. تَنْبِيهٌ: لَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ إيلَاءٌ إنْ لَمْ يُلْزِمُهُ بِيَمِينِهِ حُكْمٌ كَقَوْلِهِ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ إنْ وَطِئْتُكِ، أَوْ كُلُّ دِرْهَمٍ أَمْلِكُهُ صَدَقَةً، أَوْ خَصَّ بَلَدًا قُبِلَ مِلْكُهُ مِنْهَا كَقَوْلِهِ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ مِنْ الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ حُرٌّ إنْ وَطِئْتُك، وَلَا يَكُونُ مُولِيًا

بِقِيَامِ اللَّيْلِ وَصَوْمِ النَّهَارِ، وَتَرْكِ زَوْجَتِهِ بِلَا وَطْءٍ فَيُقَالُ لَهُ: إمَّا أَنْ تَأْتِيَهَا أَوْ تُطَلِّقَهَا، أَوْ يُطَلَّقُ عَلَيْك بِلَا ضَرْبِ أَجَلِ إيلَاءٍ، ثُمَّ إنْ ضَرَبَ الْأَجَلَ لِلْمُولِي حَيْثُ قَامَتْ الْمَرْأَةُ بِحَقِّهَا فِي تَرْكِ الْوَطْءِ وَرَفَعَتْهُ لِلْحَاكِمِ (فَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى زَوْجِهَا وَرَفَعَتْهُ (تُرُبِّصَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ) إنْ كَانَ حُرًّا، (أَوْ شَهْرَيْنِ) إنْ كَانَ عَبْدًا وَهَذَا هُوَ الْأَجَلُ. فَالْيَمِينُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ الَّذِي يُضْرَبُ لَهَا الْأَجَلُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ بِتَرْكِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَوْ بِقَلِيلٍ فِي الْحُرِّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرَيْنِ فِي الْعَبْدِ، وَالْأَجَلُ الْمَضْرُوبُ أَرْبَعَةٌ فَقَطْ فِي الْأَوَّلِ وَشَهْرَانِ فَقَطْ فِي الثَّانِي. (وَالْأَجَلُ) الْمَذْكُورُ ابْتِدَاؤُهُ (مِنْ يَوْمِ الْيَمِينِ إنْ دَلَّتْ) يَمِينُهُ (عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ) صَرِيحًا إنْ كَانَتْ صَرِيحَةً فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُهَا أَكْثَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي هَذَا الْأَخِيرِ إلَّا إذَا مَلَكَ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ بِالْفِعْلِ قَبْلَ الْوَطْءِ، وَإِلَّا فَبِالْوَطْءِ يَنْحَلُّ الْإِيلَاءُ، وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ مَا مَلَكَهُ مِنْهَا، أَوْ حَلَفَ لَا أَطَؤُك فِي هَذِهِ السَّنَةِ إلَّا مَرَّتَيْنِ فَلَا يَلْزَمُهُ إيلَاءٌ، لِأَنَّهُ يَتْرُكُ وَطْأَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ يَتْرُكُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ يَطَأُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَهِيَ دُونَ أَجَلِ الْإِيلَاءِ، أَوْ حَلَفَ لَا يَطَأُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً فَلَا يَلْزَمُهُ إيلَاءٌ حَتَّى يَطَأَ، وَتَبْقَى مُدَّةً أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِلْحُرِّ وَشَهْرَيْنِ لِلْعَبْدِ كَذَا فِي الْأَصْلِ قَوْلُهُ: [ثُمَّ إنْ ضَرَبَ الْأَجَلَ] إلَخْ: هَذَا دُخُولٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَلَكِنَّهُ نَاقِصٌ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَرَفَعَتْهُ لِلْحَاكِمِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ قَامَتْ إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا هُوَ الْأَجَلُ] : أَيْ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْآيَةِ بِطَرِيقِ النَّصِّ وَالْقِيَاسِ، فَالنَّصُّ: الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ لِلْحُرِّ، وَالْقِيَاسُ: الشَّهْرَانِ لِلْعَبْدِ. قَوْلُهُ: [ابْتِدَاؤُهُ مِنْ يَوْمِ الْيَمِينِ] : هَذَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا مُطِيقَةً، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُطِيقَةِ فَالْأَجَلُ فِيهَا مِنْ يَوْمِ الْإِطَاقَةِ. قَوْلُهُ: [إنْ دَلَّتْ يَمِينُهُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ صَرِيحًا] : مِنْ هَذَا إلَى قَوْلِهِ وَلَمْ تَحْتَمِلْ أَقَلَّ، وَلَمْ تَكُنْ عَلَى حِنْثٍ هُوَ الْقَسَمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ الْآتِيَةِ، وَتَحْتَهُ صُورَتَانِ: الصَّرَاحَةُ وَالِالْتِزَامُ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ احْتَمَلَتْ يَمِينُهُ أَقَلَّ هَذَا هُوَ الْقَسَمُ

مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ مُدَّةَ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ لَا أَطَؤُهَا أَبَدًا أَوْ حَتَّى أَمُوتَ أَوْ تَمُوتِي، أَوْ أَطْلَقَ كَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك أَيْ لِأَنَّ الْأَبَدِيَّةَ تُلْزِمُهُ الْأَكْثَرِيَّةَ، أَوْ الْتِزَامًا كَ: لَا أَلْتَقِي مَعَهَا أَوْ لَا أَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَمْ تَحْتَمِلْ أَقَلَّ وَلَمْ تَكُنْ عَلَى حِنْثٍ، بَلْ (وَإِنْ احْتَمَلَتْ) (أَقَلَّ) مِنْ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَأَكْثَرَ نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ مِنْ سَفَرِهِ وَلَا يُعْلَمُ وَقْتُ قُدُومِهِ، أَوْ حَتَّى يَمُوتَ زَيْدٌ فَإِنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ لِلْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ، فَالْأَجَلُ وَقْتُ الْيَمِينِ (أَوْ كَانَتْ عَلَى حِنْثٍ) نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَا يَطَؤُهَا إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ. فَإِنْ لَمْ تَدُلَّ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ، وَإِنَّمَا اسْتَلْزَمَتْهُ، وَذَلِكَ فِي يَمِينِ الْحِنْثِ، فَالْأَجَلُ مِنْ يَوْمِ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (إلَّا أَنْ تَسْتَلْزِمَهُ) : أَيْ لَكِنْ إنْ اسْتَلْزَمَتْ يَمِينُهُ تَرْكَ الْوَطْءِ، (وَهِيَ) أَيْ يَمِينُهُ مُنْعَقِدَةٌ (عَلَى حِنْثٍ، فَمِنْ) يَوْمِ (الْحُكْمِ) عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُولٍ يُضْرَبُ لَهُ الْأَجَلُ أَيْ الْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لِلْحُرِّ، أَوْ الشَّهْرَانِ لِلْعَبْدِ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ: (كَ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ) كَذَا نَحْوَ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ (فَأَنْتِ طَالِقٌ) فَهَذِهِ يَمِينُ حِنْثٍ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ تَرْكِ الْوَطْءِ، بَلْ عَلَّقَ فِيهَا الطَّلَاقَ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ، (فَامْتَنَعَ عَنْهَا) أَيْ عَنْ زَوْجَتِهِ أَيْ عَنْ وَطْئِهَا (حَتَّى يَفْعَلَ) الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، بِأَنْ يَدْخُلَ الدَّارَ لِيَبَرَّ فَرَفَعَتْهُ لِلْحَاكِمِ فَأَمَرَهُ لِيَبَرَّ فَلَمْ يُعَجِّلْ الدُّخُولَ، فَيُضْرَبُ لَهُ الْأَجَلُ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، بِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ يَكُونُ مُولِيًا، وَفَائِدَةُ كَوْنِ ضَرْبِ الْأَجَلِ فِي الصَّرِيحِ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ، وَفِي الْمُسْتَلْزِمَةِ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ، أَنَّهَا إنْ رَفَعَتْهُ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِي مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ، وَتَحْتَهُ صُورَتَانِ أَيْضًا: وَهُوَ كَوْنُ الْيَمِينِ صَرِيحَةً فِي تَرْكِ الْوَطْءِ، أَوْ مُسْتَلْزِمَةً وَقَوْلُهُ: أَوْ كَانَتْ عَلَى حِنْثٍ هَذَا هُوَ الْقَسَمُ الثَّالِثُ، وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَسْتَلْزِمَهُ وَهِيَ عَلَى حِنْثٍ هَذَا هُوَ الْقَسَمُ الرَّابِعُ وَسَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [بَلْ وَإِنْ احْتَمَلَتْ يَمِينُهُ أَقَلَّ] : رَدٌّ بِالْمُبَالَغَةِ عَلَى مَنْ يَقُولُ إنَّ الْأَجَلَ فِي هَذِهِ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ، فَأَفَادَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْأَجَلَ فِيهَا مِنْ يَوْمِ الْحَلِفِ كَمَا هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَوْلُهُ: [أَوْ كَانَتْ عَلَى حِنْثٍ] : أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي تَرْكِ الْوَطْءِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَفَائِدَةُ كَوْنِ ضَرْبِ الْأَجَلِ فِي الصَّرِيحِ] : أَيْ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ وَقَوْلُهُ وَفِي

الدَّالَّةِ عَلَى التَّرْكِ صَرِيحًا أَوْ الْتِزَامًا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ لِلْعَبْدِ، لَمْ يَضْرِبْ لَهُ الْأَجَلَ وَإِنَّمَا يَأْمُرُهُ بِالْفَيْئَةِ، أَوْ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ وَإِنْ رَفَعَتْهُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ لِلْحُرِّ أَوْ شَهْرٍ لِلْعَبْدِ ضَرَبَ لَهُ شَهْرَيْنِ، فِي الْحُرِّ وَشَهْرًا لِلْعَبْدِ وَهَكَذَا، وَإِنْ رَفَعَتْهُ فِي الْمُسْتَلْزِمَةِ فَمِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ وَلَوْ تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ وَقْتِ التَّعْلِيقِ زَمَنٌ كَثِيرٌ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْحَالِفَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ يُسَمَّى مُولِيًا مِنْ وَقْتِ يَمِينِهِ، وَالْحَلِفُ عَلَى شَيْءٍ اقْتَضَى التَّرْكَ، فَإِنَّمَا يَكُونُ مُولِيًا مِنْ وَقْتِ الرَّفْعِ أَيْ الْحُكْمِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ هُوَ الْمَنْقُولُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخِ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسْتَلْزِمَةِ الَّتِي عَلَى حِنْثٍ. قَوْلُهُ: [وَالْحَلِفُ عَلَى شَيْءٍ اقْتَضَى التَّرْكَ] : أَيْ فِي مَوْضُوعِ صِيغَةِ الْحِنْثِ. قَوْلُهُ: [وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ] : أَيْ الَّتِي أَفَادَهَا مِنْ قَوْلِهِ وَالْأَجَلُ مِنْ يَوْمِ الْيَمِينِ إلَى هُنَا، فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ: هُوَ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ صَرِيحًا أَوْ الْتِزَامًا، وَالْمُدَّةُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ صَرَاحَةً. وَالْقِسْمُ الثَّانِي: هُوَ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ صَرِيحًا أَوْ الْتِزَامًا، وَالْمُدَّةُ مُحْتَمِلَةٌ لِلْأَكْثَرِ وَالْأَقَلِّ مَوْضُوعُ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ الْبِرُّ، بِخِلَافِ الْأَخِيرَيْنِ فَمَوْضُوعُهُمَا الْحِنْثُ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ يَمِينُهُ عَلَى حِنْثٍ وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي تَرْكِ الْوَطْءِ. وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ وَكَوْنُهَا عَلَى حِنْثٍ وَلَمْ تَكُنْ صَرِيحَةً فِي تَرْكِ الْوَطْءِ، وَإِنَّمَا اسْتَلْزَمَتْهُ فَأَفَادَك أَنَّ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ الْأَجَلُ فِيهَا مِنْ يَوْمِ الْيَمِينِ، وَفِي الْقِسْمِ الرَّابِعِ مِنْ يَوْمِ حَكَمَ الْحَاكِمُ، وَإِذَا تَأَمَّلْت تَجِدَ الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ تَرْجِعُ إلَى صُوَرٍ سِتٍّ، لِأَنَّ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مُشْتَمِلَانِ عَلَى صُوَرٍ أَرْبَعٍ، لِأَنَّ الْيَمِينَ إمَّا صَرِيحَةً فِي تَرْكِ الْوَطْءِ أَوْ مُسْتَلْزِمَةً، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ الْمَحْلُوفُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ صَرَاحَةً أَوْ احْتِمَالًا، وَيُضَمُّ لِتِلْكَ الْأَرْبَعِ الْحِنْثُ بِقِسْمَيْهِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخِ] : أَيْ لِقَوْلِهِ: " لَا إنْ احْتَمَلَتْ مُدَّةُ يَمِينِهِ أَقَلَّ " فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمُحْتَمِلَةَ الْمُدَّةُ الْيَمِينُ فِيهَا مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَفْصِلْ فِيهَا بَيْنَ بِرٍّ وَحِنْثٍ وَقَدْ عَلِمْت التَّفْصِيلَ فِيهَا

وَبَقِيَ مَنْ ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ بِأَنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَامْتَنَعَ مِنْ وَطْئِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، فَرَفَعَتْهُ، هَلْ يُضْرَبُ لَهُ الْأَجَلُ مِنْ يَوْمِ الْيَمِينِ أَيْ الظِّهَارِ؟ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ الْأَرْجَحُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَتْ الْمُدَوَّنَةُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ، وَلِذَا اقْتَصَرْنَا عَلَيْهِ بِقَوْلِنَا: (وَالْمُظَاهِرُ - إنْ قَدَرَ عَلَى التَّكْفِيرِ وَامْتَنَعَ) مِنْهُ فَلَمْ يُكَفِّرْ (كَالْأَوَّلِ) : أَيْ كَاَلَّذِي يَمِينُهُ صَرِيحَةٌ فِي تَرْكِ الْوَطْءِ يُضْرَبُ لَهُ الْأَجَلُ مِنْ وَقْتِ الظِّهَارِ أَوْ كَانَ الثَّانِي يُضْرَبُ لَهُ الْأَجَلُ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ أَوْ مِنْ يَوْمِ تَبَيَّنَ ضَرَرُهُ وَهُوَ يَوْمُ الِامْتِنَاعِ مِنْ التَّكْفِيرِ، وَعَلَيْهِ تُؤُوِّلَتْ أَقْوَالٌ، وَقَوْلُهُ: " إنْ قَدَرَ " إلَخْ مَفْهُومُهُ إنْ عَجَزَ عَنْ التَّكْفِيرِ لَا يَكُونُ مُولِيًا وَهُوَ كَذَلِكَ لِعُذْرِهِ بِالْعَجْزِ، فَيُطَلَّقُ عَلَيْهِ إنْ أَرَادَتْ لِلضَّرَرِ بِلَا ضَرْبِ أَجَلٍ بَلْ الِاجْتِهَادِ. (كَالْعَبْدِ) يُظَاهِرُ مِنْ زَوْجَتِهِ، وَكَفَّارَتِهِ بِالصَّوْمِ فَقَطْ (أَبَى) : أَيْ امْتَنَعَ مِنْ (أَنْ يَصُومَ) وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، (أَوْ مُنِعَ مِنْهُ) : أَيْ مَنَعَهُ السَّيِّدُ مِنْ الصَّوْمِ (بِوَجْهٍ جَائِزٍ) ، بِأَنْ كَانَ صَوْمُهُ يَضُرُّ بِسَيِّدِهِ فِي خِدْمَتِهِ أَوْ خَرَاجِهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَقْوَالٌ] : أَيْ ثَلَاثَةٌ مَحَلُّهَا مَا لَمْ يُعَلِّقْ ظِهَارَهُ عَلَى وَطْئِهَا، وَأَمَّا لَوْ عَلَّقَ ظِهَارَهُ عَلَى وَطْئِهَا بِأَنْ قَالَ لَهَا: إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا وَالْأَجَلُ مِنْ يَوْمِ الْيَمِينِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِذَا تَمَّ الْأَجَلُ فَلَا تُطَالِبُهُ بِالْفَيْئَةِ وَإِنَّمَا يُطْلَبُ مِنْهُ الطَّلَاقُ، أَوْ تَبْقَى بِلَا وَطْءٍ، فَإِنْ تَجَرَّأَ وَوَطِئَ انْحَلَّتْ عَنْهُ الْإِيلَاءُ وَلَزِمَهُ الظِّهَارُ. قَوْلُهُ: [لَا يَكُونُ مُولِيًا] : قَيَّدَهُ اللَّخْمِيُّ بِمَا إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ الْعَجْزُ بَعْدَ عَقْدِ الظِّهَارِ، أَمَّا إنْ عَقَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِالْعَجْزِ فَاخْتُلِفَ، هَلْ يُطَلَّقُ عَلَيْهِ حَالًا لِقَصْدِ الضَّرَرِ بِالظِّهَارِ، أَوْ بَعْدَ ضَرْبِ أَجَلِ الْإِيلَاءِ وَانْقِضَائِهِ رَجَاءَ أَنْ يُحْدِثَ اللَّهُ لَهُ قُدْرَةً عَلَى التَّكْفِيرِ، أَوْ يُحْدِثَ لَهَا رَأْيًا بِالْإِقَامَةِ مَعَهُ بِلَا وَطْءٍ. قَوْلُهُ: [أَيْ امْتَنَعَ مِنْ أَنْ يَصُومَ] إلَخْ: فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ فَكَالْحُرِّ لَا يَدْخُلُهُ إيلَاءٌ وَلَا حُجَّةَ لِزَوْجَتِهِ. قَوْلُهُ: [بِوَجْهٍ جَائِزٍ] إلَخْ: مَفْهُومُهُ لَوْ مَعَهُ بِوَجْهٍ غَيْرِ جَائِزٍ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَرُدُّهُ عَنْهُ.

[ما ينحل الإيلاء به إذا انعقد]

عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ إنْ رَفَعَتْهُ، لَكِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ: " إنْ رَفَعَتْهُ " أَنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا تَنْعَقِدُ بِهِ الْإِيلَاءُ وَمَا لَا تَنْعَقِدُ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا تَنْحَلُّ بِهِ إذَا انْعَقَدَتْ فَقَالَ: (وَانْحَلَّ الْإِيلَاءُ بِزَوَالِ مِلْكِ مَنْ حَلَفَ) عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ (بِعِتْقِهِ) ، بِأَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى الْوَطْءِ، فَإِذَا قَالَ: إنْ وَطِئْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ، فَإِنَّهُ إنْ امْتَنَعَ مِنْ وَطْئِهَا يَكُونُ مُولِيًا وَالْأَجَلُ مِنْ يَوْمِ الْحَلِفِ لِدَلَالَتِهَا عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ، فَإِذَا زَالَ مِلْكُهُ عَنْ الْعَبْدِ بِمَوْتِهِ أَوْ تَنْجِيزِ عِتْقِهِ أَوْ هِبَتِهِ أَوْ بَيْعِهِ، فَإِنَّ الْإِيلَاءَ تَنْحَلُّ عَنْهُ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ وَطْئِهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَمُضَارِرٌ، يُطَلَّقُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَتْ لِلضَّرَرِ بِلَا ضَرْبِ أَجَلٍ (إلَّا أَنْ يَعُودَ) الْعَبْدُ (لَهُ) أَيْ لِمِلْكِهِ (بِغَيْرِ إرْثٍ) ، فَيَعُودُ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ مُطْلَقَةً أَوْ مُقَيَّدَةً بِزَمَنٍ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَلَوْ عَادَ الْعَبْدُ إلَيْهِ بِإِرْثٍ فَلَا تَعُودُ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ، لِأَنَّ الْإِرْثَ يَدْخُلُ بِهِ الْعَبْدُ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ بِالْجَبْرِ. (وَ) انْحَلَّ الْإِيلَاءُ (بِتَعْجِيلِ) مُقْتَضَى (الْحِنْثِ) كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ وَطِئْتُكِ فَزَوْجَتِي فُلَانَةَ طَالِقٌ، أَوْ فَعَلَيَّ عِتْقُ عَبْدِي فُلَانٍ، أَوْ التَّصَدُّقُ بِهَذَا الدِّرْهَمِ، أَوْ هَذَا الْعَبْدِ لِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ عَجَّلَ طَلَاقَ الزَّوْجَةِ الْمَذْكُورَةِ بَائِنًا، أَوْ الصَّدَقَةَ بِالشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ، أَوْ عِتْقَ الْعَبْدِ الْمُعَيَّنِ، فَإِنَّهَا تَنْحَلُّ يَمِينُهُ، فَقَوْلُهُ: " وَبِتَعْجِيلِ الْحِنْثِ " أَيْ تَعْجِيلِ مَا يَقْتَضِيهِ الْحِنْثُ لَوْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ إذْ لَيْسَ فِي تَعْجِيلِ مَا ذَكَرَ حِنْثٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا يَنْحَلُّ الْإِيلَاء بِهِ إذَا انْعَقَدَ] قَوْلُهُ: [بِزَوَالِ مِلْكٍ] : وَسَوَاءً كَانَ زَوَالُهُ اخْتِيَارِيًّا لِلْحَالِفِ أَمْ لَا كَبَيْعِ السُّلْطَانِ لَهُ فِي فَلَسِهِ. قَوْلُهُ: [بِمَوْتِهِ] إلَخْ: مِثْلُهُ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْهُ. قَوْلُهُ: [فَيَعُودُ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ] : أَيْ سَوَاءً كَانَتْ يَمِينُهُ صَرِيحَةً أَوْ مُحْتَمِلَةً عَلَى الْمَذْهَبِ، وَسَوَاءً عَادَ لِمِلْكِهِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا، فَلَوْ عَادَ مِلْكُهُ لِبَعْضِهِ وَقُلْتُمْ بِعَوْدِ الْإِيلَاءِ وَطُولِبَ بِالْفَيْئَةِ، وَوَطِئَ عَتَقَ عَلَيْهِ مَا مَلَكَهُ مِنْهُ وَقُوِّمَ عَلَيْهِ بَاقِيهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا. قَوْلُهُ: [فَلَوْ عَادَ الْعَبْدُ إلَيْهِ بِإِرْثٍ] : أَيْ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ بِالْإِرْثِ فَقَطْ، وَأَمَّا عَوْدٌ بِالْإِرْثِ وَبَعْضُهُ بِغَيْرِهِ فَكَعَوْدِهِ كُلِّهِ بِغَيْرِ إرْثٍ فَيَعُودُ الْإِيلَاءُ. قَوْلُهُ: [أَيْ تَعْجِيلِ مَا يَقْتَضِيهِ الْحِنْثُ] : أَوَ يُرَادُ بِالْحِنْثِ هُنَا

[المطالبة بالفيئة بعد مضي أجل الإيلاء]

لِأَنَّ الْحِنْثَ مُخَالَفَةُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. (وَ) انْحَلَّ الْإِيلَاءُ (بِتَكْفِيرِ مَا يُكَفَّرُ) مِنْ الْأَيْمَانِ وَهُوَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ أَوْ صِفَاتِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا يَطَؤُهَا خَمْسَةَ أَشْهُرٍ فَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ قَبْلَ وَطْئِهِ. (وَإِلَّا) تَنْحَلُّ إيلَاؤُهُ بِوَجْهٍ مِمَّا سَبَقَ بِأَنْ اسْتَمَرَّتْ مُنْعَقِدَةً عَلَيْهِ، (فَلَهَا) : أَيْ الزَّوْجَةِ إنْ كَانَتْ حُرَّةً وَلَوْ صَغِيرَةً مُطِيقَةً لَا لِوَلِيِّهَا، (وَلِسَيِّدِهَا) إنْ كَانَتْ أَمَةً لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْوَلَدِ (الْمُطَالَبَةُ بَعْدَ) مُضِيِّ (الْأَجَلِ بِالْفَيْئَةِ: وَهِيَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي قُبُلٍ) وَلَمَّا كَانَ تَغْيِيبُهَا قَدْ لَا يُزِيلُ الْبَكَارَةَ فِي الْبِكْرِ وَهُوَ غَيْرُ كَافٍ قَالَ: (وَافْتِضَاضُ الْبِكْرِ) فَلَا فَيْئَةَ بِدُونِهِ، وَإِنْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ (إنْ حَلَّ) تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ: أَيْ أَنَّ شَرْطَ الْوَطْءِ الْكَافِي أَنْ يَكُونَ حَلَالًا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يُوجِبُهُ الْحِنْثُ كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ] : أَيْ مِثْلُهُ النَّذْرُ الْمُبْهَمُ كَقَوْلِهِ إنْ وَطِئْتُك فَعَلَيَّ نَذْرٌ. [الْمُطَالَبَةُ بِالْفَيْئَةِ بَعْدَ مُضِيِّ أَجَلِ الْإِيلَاء] قَوْلُهُ: [وَلَوْ صَغِيرَةً] : أَيْ أَوْ سَفِيهَةً أَوْ مَجْنُونَةً فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ حَالَ إفَاقَتِهَا، وَلَا يَثْبُتُ لَهَا طَلَبٌ فِي حَالِ جُنُونِهَا، وَمِثْلُهَا الْمُغْمَى عَلَيْهَا وَلَيْسَ لِوَلِيِّهِمَا كَلَامٌ حَالَ الْإِغْمَاءِ أَوْ الْجُنُونِ، بَلْ تَنْتَظِرُ إفَاقَتَهُمَا. قَوْلُهُ: [وَلِسَيِّدِهَا] : أَيْ وَكَذَا لَهَا لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْوَطْءِ لَهَا وَفِي الْوَلَدِ لِلسَّيِّدِ لِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ الْبَاجِيِّ عَنْ أَصْبَغَ: فَلَوْ تَرَكَ سَيِّدُهَا وَقْفَهُ، فَهَلْ لَهَا وَقْفُهُ؟ وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ لَوْ تَرَكَتْ الْأَمَةُ وَقْفَ زَوْجِهَا الْمَوْلَى كَانَ لِسَيِّدِهَا وَقْفُهُ (اهـ) . وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ يُرْجَى مِنْهَا وَلَدٌ، أَمَّا إنْ كَانَ لَا يُرْجَى كَانَ لَهَا الْحَقُّ خَاصَّةً. قَوْلُهُ: [وَهِيَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ] : أَيْ كُلِّهَا أَوْ قَدْرِهَا مِمَّنْ لَا حَشَفَةَ لَهُ، وَقَوْلُهُ فِي الْقُبُلِ أَيْ فِي مَحَلِّ الْبَكَارَةِ لَا مَحَلِّ الْبَوْلِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ الِانْتِشَارُ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ؟ الْمَأْخُوذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ، قَالَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ: يَنْبَغِي اشْتِرَاطُهُ كَالتَّحْلِيلِ لِعَدَمِ حُصُولِ مَقْصُودِهَا الَّذِي هُوَ إزَالَةُ الضَّرَرِ بِدُونِهِ، وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِالِانْتِشَارِ وَلَوْ دَخَلَ الْفَرْجَ، وَعَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِتَغْيِيبِهَا مَعَ لَفِّ خِرْقَةٍ تَمْنَعُ اللَّذَّةَ أَوْ كَمَالَهَا. قَوْلُهُ: [فِي قُبُلٍ] : أَيْ لَا فِي الدُّبُرِ وَلَا بَيْنَ الْفَخْذَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ] : أَيْ لِأَنَّ الْحِنْثَ يَحْصُلُ بِأَدْنَى سَبَبٍ.

فَلَا يَكْفِي الْحَرَامُ كَمَا فِي الْحَيْضِ وَالْإِحْرَامِ، فَيُطْلَبُ بِالْفَيْئَةِ بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ، وَإِنْ حَنِثَ بِالْحَرَامِ فَيَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَلَا تَنْحَلُّ الْإِيلَاءُ، (وَلَوْ) كَانَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْقُبُلِ وَافْتِضَاضُ الْبِكْرِ (مِنْ مَجْنُونٍ) فَإِنَّهُ كَافٍ فِي انْحِلَالِ الْإِيلَاءِ، بِخِلَافِ جُنُونِهَا. (فَإِنْ امْتَنَعَ) مِنْ وَطْئِهَا بَعْد أَنْ طَلَبَتْهُ هِيَ أَوْ سَيِّدُهَا (طُلِّقَ عَلَيْهِ بِلَا تَلَوُّمٍ) ، بَعْدَ أَنْ يَأْمُرَهُ الْحَاكِمُ بِالطَّلَاقِ فَيَمْتَنِعَ، (وَإِلَّا) يَمْتَنِعَ بِأَنْ وَعَدَ بِالْفَيْئَةِ أَيْ وَلَمْ يَفِ (اُخْتُبِرَ الْمَرَّةَ فَالْمَرَّةَ) إلَى ثَلَاثٍ، (فَإِنْ لَمْ يَفِ أُمِرَ بِالطَّلَاقِ) فَإِنْ طَلَّقَ فَوَاضِحٌ (وَإِلَّا) يُطَلِّقْ (طُلِّقَ عَلَيْهِ) . (وَصُدِّقَ) فِي الْوَطْءِ (إنْ ادَّعَاهُ) وَخَالَفَتْهُ (بِيَمِينٍ) (فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ) أَنَّهُ لَمْ يَفِ (وَبَقِيَتْ عَلَى حَقِّهَا) مِنْ الطَّلَبِ، فَإِنْ لَمْ تَحْلِفْ بَقِيَتْ زَوْجَةً كَمَا لَوْ حَلَفَ، وَمَحَلُّ كَوْنِ الْفَيْئَةِ مَغِيبَ الْحَشَفَةِ فِي الْقُبُلِ مَعَ الِافْتِضَاضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَيَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَلَا تَنْحَلُّ الْإِيلَاءُ] : أَيْ لَا يَلْزَمُ مِنْ حِنْثِهِ وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ لَهُ انْحِلَالُ يَمِينِهِ، لِأَنَّ حِلَّ الْإِيلَاءِ بِالْوَطْءِ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا، فَإِنْ كَانَ الْوَطْءُ حَرَامًا حَصَلَ الْحِنْثُ وَلَا تَنْحَلُّ الْإِيلَاءُ، لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا فَمَا هُنَا يُقَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَتَكْفِيرُ مَا يُكَفَّرُ. قَوْلُهُ: [مِنْ مَجْنُونٍ] : مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ وَطْءَ الْمَجْنُونِ فِي حَالِ جُنُونِهِ فَيْئَةٌ تَنْحَلُّ بِهِ الْإِيلَاءُ هُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَأَصْبَغُ وَابْنُ رُشْدٍ، وَاللَّخْمِيُّ وَعَبْدُ الْحَقِّ خِلَافًا لِابْنِ شَاسٍ ابْنِ الْحَاجِبِ قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ جُنُونِهَا] : أَيْ فَإِنَّ وَطْأَهَا فِي حَالَتِهِ لَغْوٌ لَا تَنْحَلُّ بِهِ الْإِيلَاءُ وَإِنْ حَنِثَ فِي الْيَمِينِ. قَوْلُهُ: [طُلِّقَ عَلَيْهِ بِلَا تَلَوُّمٍ] : أَيْ وَيَجْرِي هُنَا الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي امْرَأَةِ الْمُعْتَرِضِ مِنْ كَوْنِهِ يُطَلِّقُ الْحَاكِمُ أَوْ يَأْمُرُهَا بِهِ، ثُمَّ يَحْكُمُ. قَوْلُهُ: [اُخْتُبِرَ] : أَيْ يُؤَخِّرُهُ الْحَاكِمُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ وَيَكُونُ اخْتِبَارُ الْمَرَّاتِ الثَّلَاثِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: [حَلَفَتْ] : أَيْ إنْ كَانَتْ بَالِغَةً عَاقِلَةً، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ مَجْنُونَةً أَوْ صَغِيرَةً سَقَطَتْ عَنْهَا الْيَمِينُ وَطَلُقَتْ عَلَيْهِ حَالًا.

فِي الْبِكْرِ، إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ الْمَرِيضِ وَالْمَحْبُوسِ وَالْغَائِبِ، وَمَنْ يَمْتَنِعُ وَطْؤُهَا شَرْعًا لِحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَنَحْوِهِمَا. (وَفَيْئَةُ الْمَرِيضِ وَالْمَحْبُوسِ وَنَحْوِهِمَا) إنَّمَا تَكُونُ (بِمَا تَنْحَلُّ بِهِ) الْإِيلَاءُ مِنْ زَوَالِ مِلْكٍ وَتَكْفِيرٍ مَا يُكَفَّرُ، وَتَعْجِيلِ مُقْتَضَى الْحِنْثِ (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنُ انْحِلَالُهَا) بِمَا ذَكَرَ (كَطَلَاقٍ فِيهِ رَجْعَةٌ) وَهُوَ غَيْرُ الْبَائِنِ - (فِيهَا) : أَيْ فِي الْمُولِي مِنْهَا (أَوْ فِي غَيْرِهَا) - كَقَوْلِهِ: إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ، أَوْ إنْ وَطِئْتُكِ فَفُلَانَةُ طَالِقٌ كَذَلِكَ، فَلَا يُمْكِنُ انْحِلَالُهَا بِطَلَاقِهَا رَجْعِيًّا، لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا كَذَلِكَ فَالْيَمِينُ مُنْعَقِدَةٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ يَلْزَمُهُ طَلَاقُهَا طَلْقَةً أُخْرَى فَلَا فَائِدَةَ فِي تَعْجِيلِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَكَذَا إنْ طَلَّقَ ضَرَّتَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ وَطِئَهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي ضَرَّتِهَا طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ، وَمِثْلُ ذَلِكَ أَوْ قَالَ إنْ وَطِئْتُك فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ أَوْ صَدَقَةٌ بِدِينَارٍ، فَلَا يُمْكِنُ انْحِلَالُهَا بِعِتْقِ رَقَبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ بِدِينَارٍ قَبْلَ الْحِنْثِ، إذْ لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا أَوْ تَصَدَّقَ بِدِينَارٍ ثُمَّ وَطِئَ لَزِمَهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ أُخْرَى وَصَدَقَةٌ بِدِينَارٍ آخَرَ، فَالْفَيْئَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ تَكُونُ بِالْوَعْدِ بِالْوَطْءِ إذَا زَالَ مَانِعُ الْمَرَضِ أَوْ السَّجْنِ أَوْ نَحْوِهِمَا، لَا بِالْوَطْءِ لِتَعَذُّرِهِ بِالْمَرَضِ أَوْ السَّجْنِ، وَلَا بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، وَلَا عِتْقِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَلَا الصَّدَقَةِ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ إذْ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَلَزِمَهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَا فَائِدَةَ فِي فِعْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا صَوْمٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ أَوْ صَوْمُ زَمَنٍ مُعَيَّنٍ كَرَجَبٍ وَلَمْ يَأْتِ زَمَنُهُ، فَإِنَّهُ إنْ صَامَ قَبْلَ مَجِيءِ زَمَنِهِ ثُمَّ وَطِئَ لَزِمَهُ صَوْمُهُ إذَا جَاءَ زَمَنُهُ، وَإِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَ) مِثْلُ (صَوْمٍ) مُعَيَّنٍ (لَمْ يَأْتِ زَمَنُهُ، وَعِتْقٍ أَوْ نَحْوِهِ) كَصَدَقَةٍ وَصَوْمٍ وَحَجٍّ (غَيْرِ مُعَيَّنٍ) رَاجِعٍ لِعِتْقٍ وَمَا بَعْدَهُ، وَقَوْلُهُ: (فَالْوَعْدُ) جَوَابُ الشَّرْطِ: أَيْ فَالْفَيْئَةُ فِي ذَلِكَ الْوَعْدِ لَا الْوَطْءُ لِتَعَذُّرِهِ، وَلَا الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ وَمَا بَعْدَهُ لِلُزُومِ آخَرَ، إنْ فَعَلَ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (الْقِيَامُ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى زَوْجِهَا، وَطَلَبُ الْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ إنْ لَمْ يَفِ (إنْ رَضِيَتْ بِهِ) أَيْ بِزَوْجِهَا، أَيْ بِالْمُقَامِ مَعَهُ بِلَا وَطْءٍ بَعْدَ أَنْ حَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ بِالْمُقَامِ مَعَهُ بِلَا وَطْءٍ] : أَيْ حَيْثُ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا مِنْ الْفَيْئَةِ إسْقَاطًا مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِزَمَنٍ، ثُمَّ رَجَعَتْ عَنْ ذَلِكَ الرِّضَا وَطَلَبَتْ الْقِيَامَ بِالْفَيْئَةِ

أَجَلُ الْإِيلَاءِ، ثُمَّ رَجَعَتْ عَنْ ذَلِكَ الرِّضَا وَطَلَبَتْ الْفِرَاقَ أَوْ الْفَيْئَةَ فَلَهَا ذَلِكَ، (بِلَا اسْتِئْنَافِ أَجَلٍ) آخَرَ غَيْرِ الْأَوَّلِ. وَلَا يَلْزَمُهَا الرِّضَا بِهِ أَوَّلًا، لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا صَبْرَ لِلنِّسَاءِ عَلَيْهِ. (وَتَصِحُّ رَجْعَتُهُ) : أَيْ الْمُولِي بَعْدَ أَنْ طُلِّقَ عَلَيْهِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، (إنْ انْحَلَّ) الْإِيلَاءُ عَنْهُ بِوَطْئِهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بِتَكْفِيرِ مَا يُكَفَّرُ فِي الْعِدَّةِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ أَوْ بِتَعْجِيلِ مُقْتَضَى الْحِنْثِ فِي الْعِدَّةِ، كَعِتْقِ الْمُعَيَّنِ وَطَلَاقِ بَائِنٍ وَشِبْهِ ذَلِكَ. (وَإِلَّا) يَنْحَلَّ الْإِيلَاءُ بِوَجْهٍ مِمَّا ذَكَرَ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِوَضْعٍ أَوْ رُؤْيَةِ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، (لَغَتْ) : أَيْ بَطَلَتْ رَجْعَتُهُ الصَّادِرَةُ مِنْهُ فِي الْعِدَّةِ وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَهَا أَنْ تُوقِفَهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ مِنْ غَيْرِ ضَرْبِ أَجَلٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَلَوُّمٍ، فَإِمَّا فَاءَ وَإِمَّا طَلَّقَ، وَأَمَّا لَوْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا إسْقَاطًا مُقَيَّدًا بِمُدَّةٍ، بِأَنْ قَالَتْ بَعْدَ الْأَجَلِ أُقِيمُ مَعَهُ سَنَةً لَعَلَّهُ أَنْ يَفِئْ فَلَيْسَ لَهَا الْعَوْدُ إلَّا بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ. قَوْلُهُ: [وَشِبْهِ ذَلِكَ] : أَيْ كَصَوْمِ مُعَيَّنٍ حَضَرَ وَقْتُهُ أَوْ حَجٍّ مُعَيَّنٍ حَضَرَ وَقْتُهُ. تَتِمَّةٌ: إنْ أَبَى الْفَيْئَةَ فِي قَوْلِهِ لِزَوْجَتَيْهِ: إنْ وَطِئْت إحْدَاكُمَا فَالْأُخْرَى طَالِقٌ، طَلَّقَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ إحْدَاهُمَا بِالْقُرْعَةِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ، وَيُجْبَرُ عَلَى طَلَاقِ أَيَّتُهُمَا أَحَبَّ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَالْمَذْهَبُ مَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ أَنَّهُ مُولٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ رَفَعَتْهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَوْ هُمَا ضُرِبَ لَهُ الْأَجَلُ مِنْ يَوْمِ الْيَمِينِ، ثُمَّ إنْ فَاءَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَلُقَتْ عَلَيْهِ الْأُخْرَى وَإِلَّا طَلُقَتَا مَعًا مَا لَمْ يَرْضَيَا بِالْمُقَامِ مَعَهُ بِلَا وَطْءٍ كَذَا فِي الْأَصْلِ

[باب في الظهار]

بَابٌ فِي الظِّهَارِ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] إلَخْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الظِّهَارِ] [تَعْرِيف الظِّهَار وَمَا يَنْعَقِد بِهِ] بَابٌ لَمَّا كَانَ الظِّهَارُ شَبِيهًا بِالْإِيلَاءِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَمِينٌ تَمْنَعُ الْوَطْءَ، وَيَرْفَعُ ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ - وَإِنْ تَفَارَقَا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ - ذَكَرَهُ عَقِبَ الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارُ مَأْخُوذٌ مِنْ الظَّهْرِ، لِأَنَّ الْوَطْءَ: رُكُوبٌ، وَالرُّكُوبُ غَالِبًا إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الظَّهْرِ، وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا كَرِهَ أَحَدُهُمْ امْرَأَةً وَلَمْ يُرِدْ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ آلَى مِنْهَا، أَوْ ظَاهَرَ فَتَصِيرُ لَا ذَاتَ زَوْجٍ وَلَا خَلِيَّةً فَتَنْكِحُ غَيْرَهُ، وَكَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَوَّلِ الْإِسْلَامِ، حَتَّى «ظَاهَرَ أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ مِنْ امْرَأَتِهِ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ، وَنَزَلَتْ سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ حِينَ جَادَلَتْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ فِي نَصِّ مُجَادَلَتِهَا فَفِي بَعْضِهَا: إنَّهُ أَكَلَ شَبَابِي وَفَرَشْتُ لَهُ بَطْنِي فَلَمَّا كَبُرَ سِنِّي ظَاهَرَ مِنِّي وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ، إنْ ضَمَمْتُهُمْ إلَيْهِ ضَاعُوا وَإِنْ ضَمَمْتُهُمْ إلَيَّ جَاعُوا، وَهُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقُولُ لَهَا: اتَّقِي اللَّهَ فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّك، فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1] إلَخْ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لِيَعْتِقَ رَقَبَةً، قَالَتْ لَا يَجِدُ، قَالَ: فَيَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ، قَالَ: فَيُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَتْ: فَمَا عِنْدَهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ، قَالَ: فَإِنِّي سَأُعِينُهُ بِفَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ،

وَبَيَّنَ حَقِيقَتَهُ بِقَوْلِهِ: (الظِّهَارُ تَشْبِيهُ الْمُسْلِمِ) زَوْجًا أَوْ سَيِّدًا فَلَا ظِهَارَ لِكَافِرٍ، وَلَوْ أَسْلَمَ (الْمُكَلَّفُ) خَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُكْرَهُ (مَنْ تَحِلُّ) مَعْمُولُ تَشْبِيهِ الْمُضَافِ بَيَانٌ لِفَاعِلِهِ (مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ) : لِمَنْ تَحِلُّ؛ وَمُرَادُهُ بِالتَّشْبِيهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنِّي سَأُعِينُهُ بِفَرَقٍ آخَرَ، قَالَ: قَدْ أَحْسَنْتِ فَاذْهَبِي وَأَطْعِمِي سِتِّينَ مِسْكِينًا وَارْجِعِي إلَى ابْنِ عَمِّك» وَالْفَرَقُ بِالتَّحْرِيكِ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا، وَبِالتَّسْكِينِ سَبْعُمِائَةٍ وَعِشْرِينَ رِطْلًا (اهـ) . خَرَشِي، وَهُوَ حَرَامٌ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ حَتَّى صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ، فَمَنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْكَرَاهَةِ فَمُرَادُهُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ. قَوْلُهُ: [زَوْجًا أَوْ سَيِّدًا] : قَالَ ح: وَهَلْ يَلْزَمُ ظِهَارُ الْفُضُولِيِّ إذَا أَمْضَاهُ الزَّوْجُ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ لُزُومُهُ كَالطَّلَاقِ (اهـ) . وَإِتْيَانُ الْمُصَنِّفِ بِالْوَصْفِ مُذَكَّرًا مُخْرِجٌ لِلنِّسَاءِ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ تَظَاهَرَتْ امْرَأَةٌ مِنْ زَوْجِهَا لَمْ يَلْزَمْهَا شَيْءٌ، لَا كَفَّارَةُ ظِهَارٍ وَلَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَلَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فَقَالَتْ: أَنَا عَلَيْكَ كَظَهْرِ أُمِّي لَمْ يَلْزَمْهُ ظِهَارٌ كَمَا فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ، لِأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ لَهَا الْفِرَاقَ أَوْ الْبَقَاءَ بِلَا غُرْمٍ، فَإِنْ قَالَتْ: نَوَيْت بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يُعْمَلْ بِنِيَّتِهَا، وَيَبْطُلُ مَا بِيَدِهَا كَمَا قَالَ الْأُجْهُورِيُّ، خِلَافًا لِلشَّيْخِ سَالِمٍ الْقَائِلِ إذَا قَالَتْ أَرَدْت بِهِ الطَّلَاقَ يَكُونُ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ يُنَاكِرَهَا الزَّوْجُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ. قَوْلُهُ: [فَلَا ظِهَارَ لِكَافِرٍ] : فَلَوْ تَظَاهَرَ الْكُفَّارُ وَتَحَاكَمُوا إلَيْنَا فِي حَالِ كُفْرِهِمْ فَالظَّاهِرُ أَنَّنَا نَطْرُدُهُمْ وَلَا نَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 2] فَالْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَمَةٍ] : هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّ الظِّهَارَ لَا يَلْزَمُ فِي الْإِمَاءِ وَلَا يُعَكَّرُ عَلَى الْمَشْهُورِ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] فَإِنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْإِمَاءَ لِخُرُوجِهَا مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: {مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] .

مَا يَشْمَلُ التَّشْبِيهَ الْبَلِيغَ وَهُوَ مَا حُذِفَتْ أَدَاتُهُ نَحْوَ: أَنْتِ أُمِّي كَمَا يَأْتِي، (أَوْ جُزْأَهَا) : عَطْفٌ عَلَى: " مَنْ "، أَيْ كَيَدِهَا وَرِجْلِهَا، وَشَمَلَ الْجُزْءَ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ كَالشَّعْرِ (بِمُحَرَّمَةٍ) عَلَيْهِ أَصَالَةً، سَوَاءً كَانَتْ مَحْرَمًا أَوْ لَا، فَلَا ظِهَارَ فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ زَوْجَتِي النُّفَسَاءِ أَوْ الْمُحْرِمَةِ بِحَجٍّ، وَشَمَلَ الْمُحَرَّمَةَ أَصَالَةً: أَمَتَهُ الْمُبَعَّضَةَ وَالْمُكَاتَبَةَ، فَالتَّشْبِيهُ بِهِمَا ظِهَارٌ كَالدَّابَّةِ، (أَوْ ظَهْرِ أَجْنَبِيَّةٍ) " أَوْ " لِلتَّنْوِيعِ، وَلَوْ قَالَ: " أَوْ ظَهْرِهَا " كَانَ أَخْصَرَ، وَشَمَلَ قَوْلُهُ: " بِمُحَرَّمَةٍ " الْكُلَّ وَالْجُزْءَ نَحْوَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي، أَوْ كَيَدِ أُمِّي، وَيَدُكِ عَلَيَّ كَيَدِ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي (وَإِنْ تَعْلِيقًا) نَحْوَ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَإِنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، (فَإِنْ عَلَّقَهُ بِمُحَقَّقٍ) نَحْوَ: إنْ جَاءَ رَمَضَانُ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ، أَوْ إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي غَدٍ فَأَنْتِ إلَخْ (تَنَجَّزَ) مِنْ الْآنَ وَمُنِعَ مِنْهَا حَتَّى يُكَفِّرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مَا يَشْمَلُ التَّشْبِيهَ الْبَلِيغَ] : أَيْ عَلَى مَا قَالَ مُحَمَّدٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ أَدَاةِ التَّشْبِيهِ كَلَفْظِ مِثْلَ أَوْ الْكَافِ، وَأَمَّا لَوْ حَذَفَهَا وَقَالَ أَنْتِ أُمِّي لَكَانَ خَارِجًا عَنْ الظِّهَارِ، وَيُرْجَعُ لِكِنَايَتِهِ فِي الطَّلَاقِ، وَسَيَأْتِي إيضَاحُ. ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَالْحُكْمِيُّ كَالشَّعْرِ] : أَمَّا الْحَقِيقِيُّ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ فَمُتَّفَقٌ عَلَى اللُّزُومِ، وَأَمَّا فِي الْحُكْمِيِّ فَاخْتُلِفَ فِيهِ كَالشَّعْرِ وَالْكَلَامِ، وَكُلُّ هَذَا فِي الْأَجْزَاءِ الْمُتَّصِلَةِ، وَأَمَّا الْمُنْفَصِلَةُ كَالْبُصَاقِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ. قَوْلُهُ: [كَظَهْرِ زَوْجَتِي النُّفَسَاءِ] : أَيْ أَوْ الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا. قَوْلُهُ: [كَالدَّابَّةِ] : أَيْ كَتَحْرِيمِ ظَهْرِ الدَّابَّةِ، وَيُكْنَى بِظَهْرِهَا عَنْ الْفَرْجِ وَإِلَّا فَظَهْرُ الدَّابَّةِ لَيْسَ بِحَرَامٍ. قَوْلُهُ: [وَشَمَلَ قَوْلُهُ بِمُحَرَّمَةٍ] إلَخْ: أَيْ فَالْأَقْسَامُ أَرْبَعَةٌ تَشْبِيهُ كُلٍّ بِكُلٍّ، أَوْ جُزْءٍ بِجُزْءٍ، أَوْ عَكْسُهُ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ تَعْلِيقًا] : أَيْ بِإِنْ أَوْ إذَا أَوْ مَهْمَا أَوْ مَتَى. قَوْلُهُ: [نَحْوَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ] : بِضَمِّ التَّاءِ أَوْ كَسْرِهَا خِطَابٌ لَهَا أَوْ تَكَلُّمٌ مِنْهُ.

(وَ) إنْ قَيَّدَهُ (بِوَقْتٍ تَأَبَّدَ) كَالطَّلَاقِ نَحْوَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فِي هَذَا الْيَوْمِ أَوْ الشَّهْرِ فَلَا يَنْحَلُّ إلَّا بِالْكَفَّارَةِ. (وَمُنِعَ) مِنْهَا (فِي) صِيغَةِ (الْحِنْثِ) نَحْوَ: إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، (حَتَّى يَفْعَلَ) بِأَنْ يَدْخُلَ، فَإِنْ عَزَمَ عَلَى الضِّدِّ أَوْ فَاتَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَمُظَاهِرٌ لَا يَقْرَبُهَا بِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، (وَ) إذَا مُنِعَ مِنْهَا حَتَّى يَفْعَلَ فَلَمْ يَفْعَلْ، وَكَانَتْ يَمِينُهُ مُطْلَقَةً (ضُرِبَ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ) مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ، (كَ: إنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي) هَذِهِ صِيغَةُ بِرٍّ إلَّا أَنَّهُ عَلَّقَ الظِّهَارَ فِيهَا عَلَى الْوَطْءِ، فَإِذَا غَيَّبَ الْحَشَفَةَ صَارَ مُظَاهِرًا مِنْهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ النَّزْعُ إذْ هُوَ وَطِئَ، وَقَدْ صَارَ مُظَاهِرًا فَيُمْنَعُ مِنْهَا، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهَا، وَيُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ مِنْ يَوْمِ الْيَمِينِ، فَقَوْلُهُ: " كَ: إنْ وَطِئْتُك " تَشْبِيهٌ فِي الْمَنْعِ مِنْهَا، وَضُرِبَ أَجَلُ الْإِيلَاءِ وَلَا يُمْكِنُهُ هُنَا تَكْفِيرٌ، لِأَنَّ الظِّهَارَ لَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ إلَّا بِالْوَطْءِ وَهُوَ لَا يُمَكَّنُ، كَمَا عَلِمْت فَلَا تَكْفِيرَ قَبْلَ ثُبُوتِهِ، نَعَمْ إنْ تَجَرَّأَ وَوَطِئَ كَانَ مُظَاهِرًا وَطُلِبَتْ مِنْهُ الْكَفَّارَةُ، وَإِنَّمَا ضُرِبَ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ لَعَلَّهَا أَنْ تَرْضَى بِالْمُقَامِ مَعَهُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ، وَهَذَا أَحَدُ أَقْوَالٍ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَالثَّانِي لِعَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ يُغَيِّبُ ثُمَّ يَنْزِعُ فَيَصِيرُ مُظَاهِرًا، وَالنَّزْعُ لَا يُعَدُّ وَطْئًا، وَإِنَّمَا هُوَ تَخَلُّصٌ مِنْ حُرْمَةٍ، وَالثَّالِثُ يَطَأُ وَلَا يُنْزِلُ، وَالرَّابِعُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ أَنْزَلَ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْهَا جُمْلَةً، فَهَلْ يُعَجَّلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَالطَّلَاقِ] : أَيْ يَجْرِي فِي تَعْلِيقِهِ مَا جَرَى فِي الطَّلَاقِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي مَا دُمْتُ مُحْرِمًا أَوْ صَائِمًا أَوْ مُعْتَكِفًا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ظِهَارٌ لِأَنَّهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ كَظَهْرِ أُمِّهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ ظَاهَرَ ثُمَّ ظَاهَرَ؛ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى قَيَّدَ الظِّهَارَ بِمُدَّةِ الْمَانِعِ مِنْ الْوَطْءِ، سَوَاءً كَانَ الْمَانِعُ قَائِمًا بِهَا أَوْ بِهِ كَالْإِحْرَامِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ. قَوْلُهُ: [فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ] : أَيْ الْمُطْلَقِ الَّذِي لَمْ يُقَيَّدْ بِأَجَلٍ مُعَيَّنٍ. قَوْلُهُ: [مِنْ يَوْمِ الْيَمِينِ] : أَيْ لِكَوْنِهَا صَرِيحَةً فِي تَرْكِ الْوَطْءِ. قَوْلُهُ: [نَعَمْ إنْ تَجَرَّأَ وَوَطِئَ] : أَيْ وَلَا يَجِبُ اسْتِبْرَاءٌ لِهَذَا الْوَطْءِ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: [أَنَّهُ يُغَيِّبُ] : أَيْ لِتَنْحَلَّ الْإِيلَاءُ. قَوْلُهُ: [وَالرَّابِعُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ] إلَخْ: الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ

[أركان الظهار]

عَلَيْهِ الطَّلَاقُ - إذْ لَا فَائِدَةَ فِي ضَرْبِ الْأَجَلِ - أَوْ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ لِمَا قَدَّمْنَا؟ وَهُوَ مَا اقْتَصَرْنَا عَلَيْهِ، فَإِنْ ضُرِبَ لَهُ الْأَجَلُ وَرَضِيَتْ بِالْمُقَامِ مَعَهُ بِلَا وَطْءٍ، فَلَهَا تَرْكُ الرِّضَا وَالْقِيَامُ بِحَقِّهَا فِي الطَّلَاقِ بِلَا أَجَلٍ، هَذَا حَاصِلُ مَا فِي كَلَامِهِمْ؛ ثُمَّ إنَّ أَرْكَانَ الظِّهَارِ أَرْبَعَةٌ: مُظَاهِرٌ: وَهُوَ الزَّوْجُ أَوْ السَّيِّدُ، وَشَرْطُهُ الْإِسْلَامُ وَالتَّكْلِيفُ أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ. وَمُظَاهَرٌ مِنْهُ: وَهُوَ الزَّوْجَةُ وَالْأَمَةُ وَلَوْ مُدَبَّرَةً. وَمُشَبَّهٌ بِهِ: وَهُوَ مَنْ حَرُمَ وَطْؤُهُ أَصَالَةً مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ. وَصِيغَةٌ دَالَّةٌ عَلَيْهِ: وَهِيَ إمَّا صَرِيحَةٌ فِيهِ، وَإِمَّا كِنَايَةٌ، وَالْكِنَايَةُ إمَّا ظَاهِرَةٌ لَا تَنْصَرِفُ عَنْهُ إلَّا بِنِيَّةٍ، وَإِمَّا خَفِيَّةٌ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ إلَّا بِنِيَّةٍ. وَإِلَى أَقْسَامِ الصِّيغَةِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَصَرِيحُهُ) : أَيْ الظِّهَارِ، أَيْ صَرِيحُ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ بِالْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ بِلَا احْتِمَالِ غَيْرِهِ (بِظَهْرٍ مُؤَبَّدٍ) بِالْإِضَافَةِ: أَيْ بِلَفْظِ ظَهْرِ امْرَأَةٍ مُؤَبَّدٍ، (تَحْرِيمُهَا) بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرٍ، فَلَا بُدَّ فِي الصَّرِيحِ مِنْ الْأَمْرَيْنِ: أَيْ ذِكْرِ الظَّهْرِ وَمُؤَبَّدَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ قَوْلَ عَبْدِ الْمَلِكِ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ لِحُكْمِ الْإِنْزَالِ بِخِلَافِ هَذَا قَوْلُهُ: [لِمَا قَدَّمْنَا] : أَيْ مِنْ التَّعْلِيلِ وَهُوَ قَوْلُهُ: لَعَلَّهَا أَنْ تَرْضَى بِالْمُقَامِ مَعَهُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ. قَوْلُهُ: [فَلَهَا تَرْكُ الرِّضَا وَالْقِيَامُ] إلَخْ: أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ رِضَاهَا بِالْمُقَامِ فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ كَسَنَةٍ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهَا تَرْكُ الرِّضَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا، وَقَوْلُهُ بِلَا أَجَلٍ أَيْ لَا يُسْتَأْنَفُ لَهَا أَجَلٌ آخَرُ [أَرْكَانَ الظِّهَارِ] قَوْلُهُ: [وَهُوَ الزَّوْجَةُ] : أَيْ وَلَوْ مُطَلَّقَةً طَلَاقًا رَجْعِيًّا، وَقَوْلُهُ: وَالْأَمَةُ أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ مُدَبَّرَةً] : أَيْ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا فَيَصِحُّ الظِّهَارُ مِنْهَا، بِخِلَافِ الْمُبَعَّضَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُشْتَرَكَةِ وَالْمُعْتَقَةِ لِأَجَلٍ، فَلَا يَصِحُّ فِيهِنَّ ظِهَارٌ لِحُرْمَةِ وَطْئِهِنَّ بِالْأَصَالَةِ. قَوْلُهُ: [مِنْ آدَمِيٍّ] : أَيْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَقَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهِ أَيْ كَالْبَهِيمَةِ. [أَقْسَامُ صِيغَةِ الظِّهَارِ] [بَيَان الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ فِي الظِّهَارِ] قَوْلُهُ: [بِنَسَبٍ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا تَشْبِيهُهَا بِظَهْرِ مُؤَبَّدٍ تَحْرِيمُهَا بِلِعَانٍ أَوْ بِنِكَاحٍ

التَّحْرِيمِ كَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّيِّ أَوْ أُخْتِي مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ أُمِّك. (وَلَا يَنْصَرِفُ) صَرِيحُهُ (لِلطَّلَاقِ إنْ نَوَاهُ بِهِ) : أَيْ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ بِصَرِيحِ الظِّهَارِ، لِأَنَّ صَرِيحَ كُلِّ بَابٍ لَا يَنْصَرِفُ لِغَيْرِهِ، وَلَا يُؤَاخَذُ بِالطَّلَاقِ مَعَ الظِّهَارِ لَا فِي الْفَتْوَى وَلَا الْقَضَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَكِنَايَتُهُ) الظَّاهِرَةُ: وَهِيَ مَا سَقَطَ فِيهِ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ؛ أَيْ لَفْظُ ظَهْرٍ أَوْ لَفْظُ مُؤَبَّدَةِ التَّحْرِيمِ؛ فَالْأَوَّلُ: نَحْوَ (أَنْتِ كَأُمِّي، أَوْ) أَنْتِ (أُمِّي) بِحَذْفِ أَدَاةِ التَّشْبِيهِ فَهُوَ ظِهَارٌ (إلَّا لِقَصْدِ كَرَامَةٍ) : أَيْ أَنْتِ مِثْلُهَا فِي الْمَنْزِلَةِ وَالتَّكْرِيمِ عِنْدِي (وَنَحْوِهَا) كَالشَّفَقَةِ وَالْحَنَانِ مِنْهَا، وَكَذَا إنْ كَنَى بِهِ عَنِيَ الْإِهَانَةَ وَالتَّوْبِيخَ فَلَا يَكُونُ ظِهَارًا. الثَّانِي: كَقَوْلِهِ (أَوْ: أَنْتِ كَظَهْرِ ذَكَرٍ) كَزَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو أَوْ كَظَهْرِ أَبِي أَوْ ابْنِي (أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ) يَحِلُّ وَطْؤُهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ، فَالْمُرَادُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ غَيْرُ الْمَحْرَمِ وَالزَّوْجَةُ وَالْأَمَةُ، كَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ فُلَانَةَ وَلَيْسَتْ مَحْرَمًا وَلَا حَلِيلَةً لَهُ. (أَوْ) عَبَّرَ بِجُزْءٍ كَقَوْلِهِ: (يَدُكِ) أَوْ رَأْسُك أَوْ شَعْرُك (كَأُمِّي، أَوْ) مِثْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْعِدَّةِ، فَهُوَ كَالتَّشْبِيهِ بِظَهْرِ أَجْنَبِيَّةٍ فِي كَوْنِهِ مِنْ الْكِنَايَةِ، لَا مِنْ الصَّرِيحِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَابْنِ رُشْدٍ، خِلَافًا لِقَوْلِ عب: بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرٍ أَوْ لِعَانٍ كَذَا فِي بْن. قَوْلُهُ: [كَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي] إلَخْ: أَيْ مِنْ النَّسَبِ، فَفِي الْأَمْثِلَةِ الثَّلَاثَةِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ] : قَالَ النَّاصِرُ: حَاصِلُهُ أَنَّ رِوَايَةَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ صَرِيحَ الظِّهَارِ إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ فِي الْفَتْوَى، وَأَنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِمَا مَعًا فِي الْقَضَاءِ، وَأَنَّ رِوَايَةَ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ ظِهَارٌ فِيهِمَا فَقَطْ، وَأَمَّا الْمُدَوَّنَةُ فَمُؤَوَّلَةٌ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ بِرِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعِنْدَ بَعْضِ الشُّيُوخِ بِرِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ، فَإِذَا الشَّرْح ذَلِكَ فَمُرَادُ الشَّارِحِ بِمَشْهُورِ الْمَذْهَبِ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ قَوْلُهُ: [أَوْ أَنْتِ أُمِّي] إلَخْ: قَدْ نَقَلَ ح أَنَّ رِوَايَةَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ أَنْتِ أُمِّي يَلْزَمُ بِهِ الطَّلَاقُ إنْ نَوَاهُ، وَإِلَّا فَظِهَارٌ، وَذَكَرَ الشَّرْح فِيهَا

(يَدِ أُمِّي) أَوْ رَأْسِهَا أَوْ شَعْرِهَا، وَيَنْوِي فِي الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ بِقِسْمَيْهَا. (فَإِنْ) نَوَى الظِّهَارَ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ فَظِهَارٌ لَا طَلَاقٌ، وَإِنْ (نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ فَالْبَتَاتُ) يَلْزَمُهُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا، (إنْ لَمْ يَنْوِ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَقَلَّ) مِنْ الثَّلَاثِ، فَإِنْ نَوَى الْأَقَلَّ لَزِمَهُ فِيهَا مَا نَوَاهُ بِخِلَافِ الْمَدْخُولِ بِهَا، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فِيهَا الْبَتَاتُ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ نِيَّةُ الْأَقَلِّ. ثُمَّ شَبَّهَ فِي لُزُومِ الْبَتَاتِ قَوْلَهُ: (كَ: أَنْتِ كَفُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ) أَوْ هِيَ أَجْنَبِيَّةٌ إذْ لَفْظُ الْأَجْنَبِيَّةِ لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ لَفْظِهِ كَمَا تَقَدَّمَ مَا يُشِيرُ إلَيْهِ، (أَوْ) أَنْتِ (كَابْنِي أَوْ غُلَامِي) أَوْ غُلَامِ زَيْدٍ، (أَوْ كَكُلِّ شَيْءٍ حَرَّمَهُ الْكِتَابُ) نَحْوَ: أَنْتِ كَالْخَمْرِ أَوْ كَالْمَيْتَةِ أَوْ الدَّمِ أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، فَيَلْزَمُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْبَتَاتُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ فِي غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا الْأَقَلَّ، وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ " ظَهْرٍ " وَلَا " مُؤَبَّدَةِ تَحْرِيمٍ "، وَإِلَّا كَانَ ظِهَارًا إذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ كَمَا تَقَدَّمَ، فَتَكُونُ هَذِهِ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ لَا الظِّهَارِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: صَرِيحُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا رِوَايَةُ عِيسَى هَذِهِ، وَالثَّانِي رِوَايَةُ أَشْهَبَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الطَّلَاقُ الْبَتَاتُ وَلَا يَلْزَمُ بِهِ ظِهَارٌ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ أَنْتِ أُمِّي فِيهَا قَوْلَانِ: قِيلَ يَلْزَمُ بِهَا الظِّهَارُ مَا لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ وَإِلَّا لَزِمَهُ الْبَتَاتُ، وَلَا يَنْوِي فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَمَا لَمْ يَنْوِ الْكَرَامَةَ أَوْ الْإِهَانَةَ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقِيلَ: إنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِهِ ظِهَارٌ أَصْلًا وَيَلْزَمُ بِهِ الْبَتَاتُ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ فَلَيْسَ كِنَايَةً عِنْدَهُ ظَاهِرَةً. قَوْلُهُ: [وَيَنْوِي فِي الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ] : أَيْ تُقْبَلُ نِيَّتُهُ فِي قِسْمَيْ الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ وَهُمَا مَا إذَا أَسْقَطَ لَفْظَ الظَّهْرِ، أَوْ أَسْقَطَ مُؤَبَّدَةَ التَّحْرِيمِ فِي قَصْدِ الطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: [فَالْبَتَاتُ يَلْزَمُهُ] : أَيْ وَلَا يَلْزَمُهُ ظِهَارٌ. قَوْلُهُ: [أَيْ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ] : أَيْ فَالْعِبْرَةُ بِكَوْنِهَا فِي عِلْمِهِ أَجْنَبِيَّةً لَفَظَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ ظَهْرٍ] : أَيْ لَمْ يَذْكُرْهَا مُجْتَمِعَيْنِ وَلَا مُنْفَرِدَيْنِ وَإِلَّا كَانَ ظِهَارًا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ قَوْلُهُ: [فَتَكُونُ هَذِهِ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ] : مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ فَيَلْزَمُهُ فِي

أَنْ يَذْكُرَ الظَّهْرَ فِي ذَاتِ مَحْرَمٍ، وَكِنَايَتُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنْ لَا يَذْكُرَ الظَّهْرَ فِي ذَاتِ مَحْرَمٍ، وَأَنْ يَذْكُرَ الظَّهْرَ فِي غَيْرِ ذَاتِ مَحْرَمٍ، قَالَهُ الْحَطَّابُ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ كَفُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ - وَلَمْ يَذْكُرْ الظَّهْرَ - فَهُوَ الْبَتَاتُ أَيْ مَا لَمْ يَنْوِ بِهِ الظِّهَارَ، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الْفُتْيَا لَا فِي الْقَضَاءِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ يُونُسَ، فَإِنْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَبَتَاتٌ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَلَوْ قَالَ: كَأَبِي أَوْ غُلَامِي وَلَمْ يُسَمِّ الظَّهْرَ لَمْ يَكُنْ ظِهَارًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْهُ، وَتَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ إنْ دَلَّ الْبِسَاطُ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الطَّلَاقِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ: وَهِيَ مَا لَا تَنْصَرِفُ لَهُ أَوْ لِلطَّلَاقِ إلَّا بِالْقَصْدِ فَقَالَ: (وَلَزِمَ) الظِّهَارُ (بِأَيِّ كَلَامٍ نَوَاهُ) أَيْ الظِّهَارَ (بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْكَلَامِ، كَ: انْصَرِفِي وَاذْهَبِي وَكُلِي وَاشْرَبِي، كَمَا أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِهِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: " بِأَيِّ كَلَامٍ " ظَاهِرُهُ وَلَوْ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَهُوَ مَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ: نَوَيْتُ بِهِ الظِّهَارَ لَزِمَهُ الظِّهَارُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ نِيَّتِهِ، وَالطَّلَاقُ بِمَا ظَهَرَ مِنْ لَفْظِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَلْزَمُهُ ظِهَارٌ لِأَنَّ صَرِيحَ كُلِّ بَابٍ لَا يَنْصَرِفُ لِغَيْرِهِ بِالنِّيَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ كُلِّهِ الْبَتَاتُ قَوْلُهُ: [أَنْ لَا يَذْكُرَ الظَّهْرَ فِي ذَاتِ مَحْرَمٍ] : أَيْ بِأَنْ يَذْكُرَ الْمَحْرَمَ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ ظَهْرٍ كَأَنْ يَقُولَ: أَنْتِ كَأُمِّي، وَقَوْلُهُ: وَأَنْ يَذْكُرَ الظَّهْرَ فِي غَيْرِ ذَاتِ مَحْرَمٍ، أَيْ كَقَوْلِهِ، أَنْتِ كَظَهْرِ فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ. قَوْلُهُ: [فِي ذَاتِ مَحْرَمٍ] : أَيْ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرٍ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الْفُتْيَا] : أَيْ فِي لُزُومِ الظِّهَارِ فَقَطْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [فِي الْقَضَاءِ] : أَيْ فَيُؤَاخَذُ بِالظِّهَارِ الْبَتَاتِ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ قَالَ كَأَبِي أَوْ غُلَامِي] : هَذَا مَعْلُومٌ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا سَاقَهُ لِلِاسْتِدْلَالِ. قَوْلُهُ: [أَنَّهُ إنْ دَلَّ الْبِسَاطُ] إلَخْ: أَيْ إذَا قَصَدَ التَّشْبِيهَ فِي التَّعْظِيمِ وَالشَّفَقَةِ. قَوْلُهُ: [وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَلْزَمُهُ ظِهَارٌ] : هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، قَالَ

[ما يحرم على المظاهر وما يجوز]

(وَحُرِّمَ) عَلَى الْمُظَاهِرِ (الِاسْتِمْتَاعُ) بِالْمُظَاهَرِ مِنْهَا بِوَطْءٍ أَوْ مُقَدَّمَاتِهِ (قَبْلَ الْكَفَّارَةِ، وَ) وَجَبَ (عَلَيْهَا مَنْعُهُ) مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا. (وَرَفَعَتْهُ) وُجُوبًا (لِلْحَاكِمِ) لِيَمْنَعَهُ مِنْهَا (إنْ خَافَتْهُ) : أَيْ خَافَتْ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا مِنْ زَوْجِهَا. (وَجَازَ كَوْنُهُ مَعَهَا) فِي بَيْتِ (إنْ أُمِنَ) عَلَيْهَا مِنْهُ، (وَ) جَازَ (النَّظَرُ لِأَطْرَافِهَا) كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ (بِلَا) قَصْدِ (لَذَّةٍ) . (وَسَقَطَ) الظِّهَارُ عَنْ الْمُظَاهِرِ (إنْ تَعَلَّقَ) عَلَى شَيْءٍ كَدُخُولِ دَارٍ (وَلَمْ يَتَنَجَّزْ) ، أَيْ لَمْ يَحْصُلْ عُلِّقَ الظِّهَارُ عَلَيْهِ (بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ) مُتَعَلِّقٌ الشَّرْح: أَيْ سَقَطَ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا أَوْ بِمَا يُتَمِّمُ الثَّلَاثَ، فَمَنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ دَخَلْت الدَّارَ، فَقَبْلَ الدُّخُولِ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ مَا يُكَمِّلُ الثَّلَاثَ، سَقَطَ عَنْهُ الظِّهَارُ، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَدَخَلَتْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ لِذَهَابِ الْعِصْمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإبْرَاهِيمُ الْأَعْرَجُ: مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابٍ لَا يَلْزَمُ بِهِ غَيْرُهُ إذَا نَوَاهُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ مَا حَلَفَ بِهِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ يَمِينٍ بِاَللَّهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الظِّهَارُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَطِئْتُكِ وَطِئْتُ أُمِّي، أَوْ لَا أَعُودُ لِمَسِّكِ حَتَّى أَمَسَّ أُمِّي، أَوْ لَا أُرَاجِعُكِ حَتَّى أُرَاجِعَ أُمِّي، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَيُؤْخَذُ بِمَا نَوَاهُ. [مَا يحرم عَلَى الْمُظَاهِر وَمَا يَجُوز] قَوْلُهُ: [وَحَرُمَ عَلَى الْمُظَاهِرِ] : أَيْ وَلَوْ عَجَزَ عَنْ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ مَسُّهَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ النَّوَادِرِ. قَوْلُهُ: [بِوَطْءٍ أَوْ مُقَدَّمَاتِهِ] : هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَمُقَابَلَةُ حُرْمَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْوَطْءِ؛ وَجَوَازُ الْمُقَدِّمَاتِ وَهُوَ الشَّرْح وَأَصْبَغَ. [سُقُوط الظِّهَارُ] قَوْلُهُ: [وَسَقَطَ الظِّهَارُ] إلَخْ: الْمُرَادُ بِالسُّقُوطِ عَدَمُ اللُّزُومِ أَيْ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُظَاهِرْ أَصْلًا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ، ثُمَّ بَاعَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَإِنَّ الْيَمِينَ تَرْجِعُ عَلَيْهِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ فِي إسْقَاطِ الْيَمِينِ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ بِيعَتْ عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ بَعْدَ أَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا وَاشْتَرَاهَا مِمَّنْ بِيعَتْ مِنْهُ لَمْ تَعُدْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ عَوْدُهَا بَعْدَ بَيْعِ الْغُرَمَاءِ كَعَوْدِهَا لَهُ بَعْدَ بَيْعِهِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، وَيُفْهَمُ مِنْ تَعْلِيلِ عَوْدِ الْيَمِينِ بِالتُّهْمَةِ أَنَّ عَوْدَهَا لَهُ بِإِرْثٍ لَا يُوجِبُ عَوْدَ الظِّهَارِ

الْمُعَلَّقِ فِيهَا، وَهَذِهِ عِصْمَةٌ أُخْرَى. وَأَوْلَى لَوْ دَخَلْت الدَّارَ قَبْلَ عَوْدِهَا لَهُ، فَلَوْ تَنَجَّزَ الظِّهَارُ قَبْلَ انْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ، بِأَنْ دَخَلَتْ وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ أَوْ فِي عِدَّةِ رَجْعِيٍّ، ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَعَادَتْ لَهُ بَعْدَ زَوْجٍ لَمْ يَسْقُطْ، وَلَا يَقْرَبُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ. وَمَفْهُومٌ: " بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ " أَنَّهُ لَوْ أَبَانَهَا بِدُونِ الثَّلَاثِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَدَخَلَتْ لَمْ يَسْقُطْ، فَلَا يَقْرَبُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ (أَوْ تَأَخَّرَ) أَيْ وَسَقَطَ الظِّهَارُ إذَا تَأَخَّرَ الظِّهَارُ (عَنْهُ) ، أَيْ عَنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَفْظًا (كَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا) أَوْ أَلْبَتَّةَ (وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي) لِعَدَمِ وُجُودِ مَحَلِّهِ وَهُوَ الْعِصْمَةُ، وَكَذَا لَوْ تَأَخَّرَ عَنْ الْبَائِنِ دُونَ الثَّلَاثِ، (كَقَوْلِهِ لِغَيْرِ مَدْخُولٍ: بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ: وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي) لِأَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا تَبِينُ بِمُجَرَّدِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا فَلَا يَجِدُ الظِّهَارُ مَحَلًّا، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِمَدْخُولٍ بِهَا: خَالَعْتُكِ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي (لَا) يَسْقُطُ الظِّهَارُ (إنْ تَقَدَّمَ) عَلَى الطَّلَاقِ فِي اللَّفْظِ، كَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَلَا يَقْرَبُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ. (أَوْ صَاحَبَ) الظِّهَارُ الطَّلَاقَ (وُقُوعًا) أَيْ فِي الْوُقُوعِ لَا فِي اللَّفْظِ لِتَعَذُّرِهَا (كَ: إنْ فَعَلْت) كَذَا نَحْوَ: إنْ تَزَوَّجْتُك أَوْ إنْ دَخَلْت أَوْ أَكَلْت بِضَمِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَمْ يَسْقُطْ وَلَا يَقْرَبُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ] : أَيْ فَلَوْ بَقِيَ مُتَبَاعِدًا عَنْهَا لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا أَوْ عَقَدَ عَلَيْهَا وَطَلَّقَهَا مِنْ غَيْرِ مَسٍّ فَلَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَطِئَهَا بَعْدَ الظِّهَارِ، فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ تَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ وَلَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثًا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [فَلَا يَجِدُ الظِّهَارُ مَحَلًّا] : ظَاهِرُهُ عَدَمُ لُزُومِ الظِّهَارِ، وَلَوْ نَسَقَهُ عَقِبَ الطَّلَاقِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا أَوْ الْمَدْخُولِ بِهَا عَلَى وَجْهِ الْخُلْعِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ نَسَقًا، فَإِنَّ الْمَشْهُورَ لُزُومُ الثَّلَاثِ مَعَ أَنَّهَا بَانَتْ بِأَوَّلِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا، وَأَجَابَ أَبُو مُحَمَّدٍ بِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمَّا كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا عُدَّ كَوُقُوعِهِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا كَذَلِكَ الظِّهَارُ وَالطَّلَاقُ قَوْلُهُ: [أَوْ صَاحَبَ الظِّهَارُ الطَّلَاقَ] : ظَاهِرُهُ وَلَوْ عَطَفَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ بِمَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ كَثُمَّ، لِأَنَّ التَّعْلِيقَ أَبْطَلَ مَزِيَّةَ التَّرْتِيبِ قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ، وَقَالَ بْن:

[كفارة الظهار]

التَّاءِ أَوْ فَتْحِهَا أَوْ كَسْرِهَا (فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي) وَعَكْسُهُ بِالْأَوْلَى، فَيَلْزَمُهُ الْأَمْرَانِ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ، وَيَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: إنْ تَزَوَّجْتُكِ إلَخْ بِمُجَرَّدِ عَقْدِهِ عَلَيْهَا، فَإِذَا كَانَ ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ كَفَّرَ، وَإِنَّمَا تَصَاحَبَا فِي الْوُقُوعِ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْمُعَلَّقِ لَا تَرْتِيبَ لَهَا إذَا وُجِدَ سَبَبُهَا وَهُوَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ. (وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ) الْآتِي بَيَانُهَا أَيْ يُتَوَجَّهُ الطَّلَبُ بِهَا (بِالْعَوْدِ وَهُوَ الْعَزْمُ عَلَى وَطْئِهَا) ، وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: هُوَ إرَادَةُ الْوَطْءِ وَالْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، وَفِي أَبِي الْحَسَنِ لَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ هِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَمْ يَلْزَمْهُ ظِهَارٌ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ زَوْجَةٍ لَمَّا وَقَعَ مُرَتَّبًا عَلَى الطَّلَاقِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: إنَّمَا لَزِمَاهُ مَعًا فِي الْوَاوِ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تُرَتِّبُ، وَلَوْ عَطَفَ الظِّهَارَ بِثُمَّ لَمْ يَلْزَمْهُ ظِهَارٌ، لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ زَوْجَةٍ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْمُعَلَّقِ] إلَخْ: وَلِذَلِكَ قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفُرُوقِ إذَا قَالَ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَبْدُهُ حُرٌّ فَدَخَلَتْ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ نَقُولَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ قَبْلَ الْعِتْقِ وَلَا الْعِتْقُ قَبْلَ الطَّلَاقِ. بَلْ وَقَعَا مَعًا مُرَتَّبَيْنِ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ وُجُودُ الدُّخُولِ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ فَلَا يَتَعَيَّنُ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا، فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، لَا نَقُولُ إنَّ الطَّلَاقَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الظِّهَارِ حَتَّى يَمْنَعَهُ. بَلْ الشَّرْطُ اقْتَضَاهُمَا اقْتِضَاءً وَاحِدًا فَلَا تَرْتِيبَ فِي ذَلِكَ (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) [كَفَّارَةُ الظِّهَار] قَوْلُهُ: [وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ] إلَخْ: الْمُرَادُ بِوُجُوبِهَا بِالْعَوْدِ صِحَّتُهَا وَإِجْزَاؤُهَا بِدَلِيلِ سُقُوطِهَا بِمَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ كَمَا يَأْتِي، وَفِي تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِالْوُجُوبِ وَيُرِيدُ الصِّحَّةُ مُخَالِفَةٌ لِاصْطِلَاحِهِمْ تَبِعَ فِيهَا خَلِيلًا، وَلَوْ قَالَ وَتَصِحُّ بِالْعَوْدِ كَانَ أَحْسَنَ، وَحَمَلَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ الْوُجُوبَ عَلَى الْمُوسِعِ أَيْ فَالْوُجُوبُ مُقَيَّدٌ بِدَوَامِ الْمَرْأَةِ فِي عِصْمَتِهِ؛ فَإِذَا طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا سَقَطَ ذَلِكَ الْوُجُوبُ كَسُقُوطِ الظِّهَارِ عَنْ الْمَرْأَةِ بِالْحَيْضِ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ] : أَيْ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّ هَذَا لَفْظُهَا.

(وَلَا تُجْزِئُ قَبْلَهُ) : أَيْ قَبْلَ الْعَوْدِ، لِأَنَّهُ إخْرَاجٌ لَهَا قَبْلَ الْوُجُوبِ وَتَوَجَّهَ الطَّلَبُ، (وَتَتَقَرَّرُ) عَلَيْهِ وَ (بِالْوَطْءِ) : أَيْ تَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ بِهِ بِحَيْثُ لَا تَقْبَلُ السُّقُوطَ بِحَالٍ وَلَوْ وَقَعَ مِنْهُ نَاسِيًا، سَوَاءً بَقِيَتْ بِعِصْمَتِهِ أَوْ طَلَّقَهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ حَقًّا لِلَّهِ. وَإِذَا كَانَتْ تَجِبُ بِالْعَوْدِ وَلَا تَتَقَرَّرُ إلَّا بِالْوَطْءِ: (فَتَسْقُطُ إنْ لَمْ يَطَأْهَا بِطَلَاقِهَا) الْبَائِنِ وَلَوْ دُونَ الْغَايَةِ لَا الرَّجْعِيِّ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِهَا مَا دَامَ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَمَسَّهَا حَتَّى يُكَفِّرَ (وَمَوْتِهَا) : لِأَنَّهَا لَمْ تَتَحَتَّمْ عَلَيْهِ، وَكَذَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ بِخِلَافِ لَوْ وَطِئَ فَلَا تَسْقُطُ بِحَالٍ. (وَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ) ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ إتْمَامِهَا (بَطَلَ) مَا أَخْرَجَهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ اتِّفَاقًا فِي الصَّوْمِ، وَعَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ: فِي الْإِطْعَامِ (وَإِنْ أَتَمَّهَا بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ طَلَاقِهَا الْبَائِنِ. وَعَلَى هَذَا: (فَإِنْ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى يُكَفِّرَ) أَيْ يَبْتَدِئَهَا مِنْ أَصْلِهَا إنْ كَانَ مَا فَعَلَهُ صَوْمًا اتِّفَاقًا، وَكَذَا إنْ كَانَ طَعَامًا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. وَالثَّانِي: حَتَّى يُتَمِّمَ مَا فَعَلَهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَلَا يُجْزِيهِ مَا تَمَّمَ بِهِ بَعْدَهُ، وَقِيلَ: إنْ أَتَمَّهَا بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ فِي الْإِطْعَامِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إنْ تَزَوَّجَهَا. وَإِنْ تَزَوَّجَهَا، قَبْلَ الْإِتْمَامِ بَنَى عَلَى مَا أَخْرَجَهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ. وَأَمَّا الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ، فَإِنْ أَتَمَّهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ، وَإِنْ أَتَمَّهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَدْ عَزَمَ عَلَى رَجْعَتِهَا فَيُجْزِئُ قَطْعًا، وَإِنْ لَمْ يَعْزِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [ثُمَّ طَلَّقَهَا] : أَيْ طَلَاقًا بَائِنًا بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَعَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ] : أَيْ التَّأْوِيلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ خَلِيلٌ. قَوْلُهُ: [أَيْ بَعْدَ طَلَاقِهَا الْبَائِنِ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ أَتَمَّهَا فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ فَتُجْزِئُ فِي الْإِطْعَامِ وَالصَّوْمِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ إنْ أَتَمَّا بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ] : هَذَا هُوَ الْقَوْلُ بِالْكِفَايَةِ مُطْلَقًا الْآتِي، وَأَسْقَطَ الشَّارِحُ الْقَوْلَ الرَّابِعَ هُنَا وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي آخَرِ عِبَارَتِهِ قَوْلُهُ: [فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ] : أَيْ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ مَعَ الْقَوْلِ الرَّابِعِ الْآتِي. قَوْلُهُ: [فَإِنْ رَاجَعَهَا] : أَيْ عَقَدَ عَلَيْهَا، وَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ تَبِينَ مِنْهُ ظَرْفٌ لِلْإِطْعَامِ الْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ: [فَيُجْزِئُ قَطْعًا] : أَيْ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ.

[تنبيه في تخصيص العتق وصيام الكفارة]

عَلَى رَجْعَتِهَا بَطَلَ مَا أَخْرَجَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ لَا مَا أَخْرَجَهُ قَبْلَهُ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ الْعِدَّةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ: أَنَّ مَا أَخْرَجَهُ قَبْلَهُ مِنْ الْإِطْعَامِ لَا يُبْطِلُ، وَإِنَّمَا يُوقَفُ الْأَمْرَ، فَإِنْ رَاجَعَهَا يَوْمًا مَا بَنَى عَلَى مَا أَطْعَمَ قَبْلَ أَنْ تَبِينَ مِنْهُ لِجَوَازِ تَفْرِقَةِ الطَّعَامِ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ، وَأَصَحُّ مَا انْتَهَى إلَيْنَا، وَقَالَ الشَّيْخُ فِي التَّوْضِيحِ إنَّهُ لَا يَبْنِي عَلَى الصَّوْمِ اتِّفَاقًا، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَبْنِي عَلَى الْإِطْعَامِ؟ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ (انْتَهَى) . وَالْأَرْجَحُ الْمَأْخُوذُ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ، أَنَّ الْإِتْمَامَ قَبْلَ تَزْوِيجِهَا لَا يَكْفِي وَبَعْدَهُ يَكْفِي، وَقِيلَ: لَا يَكْفِي مُطْلَقًا، وَقِيلَ: يَكْفِي مُطْلَقًا وَقِيلَ يُنْظَرُ لِمَا أَخْرَجَهُ ابْتِدَاءً فَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ صَحَّ الْبِنَاءُ وَإِلَّا فَلَا (وَهِيَ) أَيْ الْكَفَّارَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ لِلْحُرِّ عَلَى التَّرْتِيبِ كَمَا فِي الْآيَةِ: الْأَوَّلُ (إعْتَاقُ رَقَبَةٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، (مُؤْمِنَةٍ) فَلَا تُجْزِئُ كَافِرَةً (مَعْلُومَةَ السَّلَامَةِ) مِنْ الْعُيُوبِ الْآتِي بَيَانُهَا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: " مَعْلُومَةَ " مِنْ غَائِبٍ انْقَطَعَ خَبَرُهُ فَلَمْ يُعْلَمُ أَهُوَ حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ، وَعَلَى حَيَاتِهِ هَلْ هُوَ سَلِيمٌ أَوْ مَعِيبٌ، فَلَا يُجْزِئُ. فَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ الْعِدَّةِ] : غَايَةٌ فِي عَدَمِ الْبُطْلَانِ، فَإِذَا خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ جَرَى فِيهِ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ. قَوْلُهُ: [إنَّهُ لَا يَبْنِي عَلَى الصَّوْمِ اتِّفَاقًا] : أَيْ سَوَاءً أَتَمَّهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَقَبْلَ إعَادَتِهَا لِلْعِصْمَةِ أَوْ بَعْدَ إعَادَتِهَا لَهُ لِوُجُوبِ مُتَابَعَةِ الصَّوْمِ. قَوْلُهُ: [انْتَهَى] : أَيْ كَلَامُ التَّوْضِيحِ. قَوْلُهُ: [وَالْأَرْجَحُ] إلَخْ: هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْحَاصِلِ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ قَوْلُهُ: [وَبَعْدَهُ يَكْفِي] : أَيْ فَالْمَدَارُ عَلَى إعَادَتِهَا لَعِصْمَته كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ لَا يَكْفِي مُطْلَقًا] : أَيْ بَعْدَ الْعَوْدِ لِعِصْمَتِهِ أَمْ لَا. [تَنْبِيه فِي تَخْصِيص الْعِتْق وَصِيَام الْكَفَّارَة] قَوْلُهُ: [عَلَى التَّرْتِيبِ] : أَيْ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْكِسْوَةِ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [فَلَا تُجْزِئُ كَافِرَةً] : أَيْ لَوْ كَانَ كِتَابِيًّا حَيْثُ كَانَ بَالِغًا لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَجْزَأَ الصَّغِيرُ عَلَى الْأَصَحِّ لِجَبْرِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَفِي الْمَجُوسِيِّ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا خِلَافٌ، بَلْ قِيلَ إنَّ الصَّغِيرَ يُجْزِئُ قَطْعًا لِجَبْرِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ اتِّفَاقًا.

أَعْتَقَهُ ثُمَّ ظَهَرَتْ سَلَامَتُهُ حِينَ الْعِتْقِ أَجْزَأَ (مِنْ قَطْعِ أُصْبُعٍ) فَأَوْلَى أَكْثَرُ، (وَأُذُنٍ) فَأَوْلَى الْأُذُنَانِ (وَ) مِنْ (عَمًى) وَسَيَأْتِي إجْزَاءُ الْأَعْوَرِ، (وَ) مِنْ (بَكَمٍ) أَيْ خَرَسٍ (وَصَمَمٍ) عَدَمِ السَّمْعِ فَأَوْلَى اجْتِمَاعُهَا، (وَ) مِنْ (جُنُونٍ وَلَوْ قَلَّ) بِأَنْ يَأْتِيَهُ فِي الشَّهْرِ مَثَلًا مَرَّةً، (وَمَرَضٍ مُشْرِفٍ) بِضَمٍّ فَكَسْرِ الرَّاءِ مَا بَلَغَ صَاحِبُهُ حَدَّ السِّيَاقِ وَإِلَّا أَجْزَأَ، (وَجُذَامٍ وَبَرَصٍ) وَإِنْ قَلَّا (وَعَرَجٍ وَهَرَمٍ شَدِيدَيْنِ) لَا إنْ خَفَا فَتُجْزِئُ كَمَا يَأْتِي (مُحَرَّرَةٍ لَهُ) : أَيْ لِلظِّهَارِ أَيْ خَالِصَةٍ لِعِتْقِ الظِّهَارِ. (لَا) يَصِحُّ عِتْقُ (مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) بِالشِّرَاءِ لِقَرَابَةٍ أَوْ تَعْلِيقٍ نَحْوَ: إنْ اشْتَرَيْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مُحَرَّرًا لَهُ (بِلَا شَوْبٍ) أَيْ خَلْطٍ (عِوَضٍ) فِي نَظِيرِ الْعِتْقِ وَلَوْ تَقْدِيرًا (لَا مُشْتَرَى لِلْعِتْقِ) : أَيْ لِأَجْلِهِ يَعْنِي اشْتَرَاهُ مِنْ بَائِعِهِ بِشَرْطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مِنْ قَطْعِ أُصْبُعٍ] : أَيْ وَلَوْ زَائِدًا إنْ حَسَّ وَسَاوَى غَيْرَهُ فِي الْإِحْسَاسِ لَا إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ قَطْعُهُ هَكَذَا قَالَ الْأُجْهُورِيُّ، وَقَالَ اللَّقَانِيُّ: الْمُضِرُّ قَطْعُ الْأَصْلِيِّ، وَأَمَّا الزَّائِدُ فَلَا يَضُرُّ قَطْعُهُ وَلَوْ سَاوَى غَيْرَهُ فِي الْإِحْسَاسِ، وَدَرَجَ عَلَيْهِ الْخَرَشِيُّ وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاشِيَةِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ (بِقَطْعِ) يُفِيدُ أَنَّ نَقْصَهُ خِلْقَةٌ لَا يَضُرُّ، وَاسْتَظْهَرَ اللَّقَانِيُّ أَنَّهُ يَضُرُّ وَالتَّقْيِيدُ بِالْأُصْبُعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نَقْصَ مَا دُونَهُ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ، وَلَوْ أُنْمُلَتَيْنِ وَبَعْضَ أُنْمُلَةٍ وَسَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ فِي الْمَفْهُومِ. قَوْلُهُ: [وَأُذُنٍ] : أَيْ إذَا قُطِعَتْ مِنْ أَصْلِهَا وَأَمَّا قَطْعُ أَعْلَاهَا فَقَطْ فَلَا يَضُرُّ، بَلْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ قَطْعَ الْوَاحِدَةِ مِنْ أَصْلِهِ لَا يَضُرُّ وَإِنَّمَا الَّذِي يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ قَطْعُ الْأُذُنَيْنِ كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [وَمِنْ جُنُونٍ وَلَوْ قَلَّ] : أَيْ خِلَافًا لِأَشْهَبَ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَأْتِي فِي كَمَرَّةٍ فِي الشَّهْرِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ الْإِجْزَاءِ. قَوْلُهُ: [وَعَرَجٍ وَهَرَمٍ شَدِيدَيْنِ] : وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ أَيْضًا الْفَلَجُ وَهُوَ يُبْسُ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ، بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْرِيكِ الْعُضْوِ وَلَا التَّصَرُّفِ بِهِ. قَوْلُهُ: [لِقَرَابَةٍ] : أَيْ وَهُمْ الْأُصُولُ وَالْفُصُولُ وَالْحَوَاشِي الْقَرِيبَةُ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ. قَوْلُهُ: [أَوْ خَلْطِ عِوَضٍ] : أَيْ وَلَوْ قَلَّ وَلِذَلِكَ عَبَّرَ بِشَوْبٍ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ تَقْدِيرًا] : أَيْ كَالشِّرَاءِ لِلْعِتْقِ كَمَا يَأْتِي.

الْعِتْقِ فَلَا يُجْزِئُ عِتْقُهُ عَنْ ظِهَارِهِ، لِأَنَّ الْبَائِعَ قَدْ يَضَعُ عَنْهُ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ لِذَلِكَ. فَلَمْ تَخْلُ الرَّقَبَةُ عَنْ شَائِبَةِ عِوَضٍ تَقْدِيرًا. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهَا رَقَبَةٌ غَيْرُ كَامِلَةٍ لَمَّا وَضَعَ لَهُ مِنْ ثَمَنِهَا لِشَرْطِ الْعِتْقِ فِيهَا، (أَوْ عَلَى مَالٍ) : أَيْ وَلَا مُعْتَقَ عَلَى مَالٍ (فِي ذِمَّتِهِ) : أَيْ الْعَبْدِ، فَلَا يُجْزِئُ لِعِتْقِهِ عَنْ ظِهَارِهِ فِي نَظِيرِ عِوَضٍ حَقِيقَةً، وَأَمَّا عِتْقُهُ فِي نَظِيرِ مَالٍ حَاضِرٍ يَأْخُذُ مِنْهُ فَجَائِزٌ لِأَنَّ لَهُ انْتِزَاعَهُ مِنْهُ. (بِخِلَافِ) قَوْلِهِ: (إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ) (حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي) فَإِنَّهُ يُجْزِئُ عَلَى الْأَرْجَحِ مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ، نَقَلَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ لَوْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي فَيُجْزِيهِ، وَقَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ وَهُوَ مُظَاهِرٌ فَلَا يُجْزِيهِ - أَيْ عَنْ ظِهَارِهِ - لَمْ يَقُلْ فِيهِ: فَهُوَ حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي، فَلَيْسَ بَيْنَهُمَا خِلَافٌ، خِلَافًا لِمَنْ حَمَلَ قَوْلَ مَالِكٍ عَلَى الْعُمُومِ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا الْخِلَافَ، فَعُلِمَ أَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ فِي الْخِلَافِ وَالْوِفَاقِ، وَأَنَّ الْأَصَحَّ الْوِفَاقُ. (وَلَا) أَيْ وَبِلَا شَوْبِ (عِتْقٍ لَا مُدَبَّرٍ وَنَحْوِهِ) كَمُكَاتَبٍ وَمُبَعَّضٍ فَلَا يُجْزِئُ. (كَامِلَةٍ) : نَعْتٌ لِرَقَبَةٍ كَامِلَةٍ أَيْ عِتْقِ رَقَبَةٍ (لَا بَعْضًا) مِنْهَا فَلَا يُجْزِئُ. (وَلَوْ كُمِّلَ عَلَيْهِ) بِالْحُكْمِ حِصَّةُ شَرِيكِهِ (أَوْ كَمَّلَهُ) هُوَ بِالسِّرَايَةِ بِأَنْ كَانَتْ الرَّقَبَةُ كُلُّهَا لَهُ فَأَعْتَقَ نِصْفَهَا عَنْ ظِهَارِهِ، وَكُمِّلَ عَلَيْهِ الْبَاقِي، لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّتِهِ عِتْقُ الْجَمِيعِ عَنْهُ فِي دَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ، (أَوْ أَعْتَقَ) رَقَبَتَيْنِ (اثْنَتَيْنِ) مَثَلًا (عَنْ أَكْثَرَ) مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَلَى مَالٍ فِي ذِمَّتِهِ] : أَيْ وَلَوْ قَلَّ. قَوْلُهُ: [خِلَافًا لِمَنْ حَمَلَ قَوْلَهُ مَالِكٌ] إلَخْ: أَيْ وَهُوَ ابْنُ يُونُسَ. قَوْلُهُ: [وَأَنَّ الْأَصَحَّ الْوِفَاقُ] : أَيْ هُوَ تَأْوِيلُ الْبَاجِيِّ قَالَ عِمْرَانُ: وَمَحَلُّ التَّأْوِيلَيْنِ حَيْثُ وَقَعَ مِنْهُ التَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ بَعْدَمَا ظَاهَرَ، أَمَّا إنْ عَلَّقَ ثُمَّ ظَاهَرَ فَيُتَّفَقُ عَلَى الْإِجْزَاءِ، وَخَالَفَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي ذَلِكَ قَائِلًا: الْمَسْأَلَتَانِ سَوَاءٌ فِي التَّأْوِيلَيْنِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [أَوْ كَمَّلَهُ هُوَ بِالسِّرَايَةِ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَمُقَابَلَةُ مَا قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ مِنْ الْإِجْزَاءِ وَمُفَادُ بَهْرَامَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الصُّورَتَيْنِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَعْتَقَ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ نَقَصَ عَدَدُ الرِّقَابِ عَنْ عَدَدِ

ظِهَارَيْنِ كَثَلَاثِ نِسْوَةٍ ظَاهَرَ مِنْهُنَّ، وَكَمَا لَوْ أَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ عَنْ ظِهَارَيْنِ (أَوْ أَرْبَعًا عَنْ أَرْبَعٍ أَوْ ثَلَاثًا) عَنْ ثَلَاثٍ (بِنِيَّةِ التَّشْرِيكِ بَيْنَهُنَّ) فَلَا يُجْزِئُ بِخِلَافِ لَوْ قَصَدَ أَنَّ لِكُلِّ ظِهَارٍ رَقَبَةٌ أَوْ أَطْلَقَ فَيُجْزِئُ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَصَرْفُ عَدَدِ كَفَّارَةٍ لِمِثْلِهِ مِنْ ظِهَارٍ مُجْزِئٌ وَلَوْ دُونَ تَعَيُّنٍ إنْ لَمْ يَقْتَضِ شَرِكَةً فِي رَقَبَةٍ. (وَيُجْزِئُ أَعْوَرُ) أَيْ عِتْقُهُ عَنْ ظِهَارِهِ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ تَقُومُ مَقَامَ الِاثْنَتَيْنِ فِي الرُّؤْيَةِ، وَدِيَتُهَا دِيَةُ الْعَيْنَيْنِ الِاثْنَتَيْنِ أَلْفُ دِينَارٍ، (وَمَغْصُوبٌ) مِنْ الْمُظَاهِرِ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَخْلِيصِهِ مِنْ الْغَاصِبِ، (وَ) رَقِيقٌ (مَرْهُونٌ) عِنْدَ رَبِّ الدَّيْنِ، (وَ) عَبْدٌ (جَانٍ) عَلَى غَيْرِهِ أَيْ يُجْزِئُ عِتْقُهُمَا عَنْ ظِهَارِهِ (إنْ خَلَصَا) بِفَتْحِ اللَّامِ بِدَفْعِ الدَّيْنِ أَوْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ، أَوْ بِإِسْقَاطِ رَبِّ الْحَقِّ حَقَّهُ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ إنْ افْتَدَيَا وَأَخْصَرُ فَإِنْ لَمْ يَخْلُصَا فَلَا يُجْزِئُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِمَا، (وَ) يُجْزِئُ (نَاقِصُ أُنْمُلَةٍ) وَلَوْ مِنْ إبْهَامٍ كَأُنْمُلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِهَا، فَالْعِبْرَةُ بِمَفْهُومِ أُصْبُعٍ فِيمَا مَرَّ، (وَ) يُجْزِئُ (خَفِيفُ مَرَضٍ وَعَرَجٍ، وَ) يُجْزِئُ (خَصِيٌّ) وَكُرِهَ. (وَ) يُجْزِئُ (جَدْعٌ) بِسُكُونِ الدَّالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالظِّهَارِ لَمْ يُجْزِئْ وَإِنْ سَاوَى عَدَدَ الرِّقَابِ عَدَدُ الظِّهَارِ أَجْزَأَ وَلَوْ دُونَ تَعْيِينٍ إنْ لَمْ يَقْصِدْ الشَّرِكَةَ فِي الرِّقَابِ، فَإِنْ قَصَدَ التَّشْرِيكَ فِيهَا مُنِعَ وَلَوْ كَانَ عَدَدُ الرِّقَابِ أَزِيدَ مِنْ عَدَدِ الْمُظَاهَرِ مِنْهُنَّ، كَأَنَّهُ يَعْتِقُ خَمْسَةً مِنْ أَرْبَعَةٍ قَاصِدًا التَّشْرِيكَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّشْرِيكَ كَمَا يُمْنَعُ فِي الرِّقَابِ يُمْنَعُ فِي الصَّوْمِ لِوُجُوبِ تَتَابُعِهِ لَا فِي الْإِطْعَامِ إلَّا فِي حِصَّةِ كُلِّ مِسْكِينٍ. قَوْلُهُ: [وَيُجْزِئُ أَعْوَرُ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْخِلَافُ فِي الْأَنْقَرِ الَّذِي فُقِئَتْ حَبَّةُ عَيْنِهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيُجْزِئُ اتِّفَاقًا كَمَا يُجْزِئُ مَنْ فَقَدَ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ بَعْضَ نَظَرِهَا. قَوْلُهُ: [وَمَغْصُوبٌ] : أَيْ فَيُجْزِئُ وَيَجُوزُ ابْتِدَاءً كَمَا فِي عب قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يُخْلِصَا فَلَا يُجْزِئُ] : أَيْ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ عب مِنْ الْإِجْزَاءِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْإِجْزَاءِ إذَا أَخَذَهُ ذُو الْجِنَايَةِ وَالدَّيْنِ وَبَطَلَ الْعِتْقُ كَذَا فِي بْن قَوْلُهُ: [فَالْعِبْرَةُ بِمَفْهُومِ أُصْبُعٍ] : أَيْ فَلَوْ نَقَصَ أُنْمُلَتَيْنِ وَبَعْضَ أُنْمُلَةٍ لَأَجْزَأَ.

الْمُهْمَلَةِ: أَيْ قُطِعَ (بِأُذُنٍ) لَمْ يَسْتَوْعِبْهَا وَإِلَّا لَمْ يُجْزِئْ كَمَا تَقَدَّمَ، (وَ) يُجْزِئُ (عِتْقُ غَيْرِهِ مِنْهُ) أَيْ غَيْرُ الْمُظَاهِرِ عَنْ الْمُظَاهِرِ بِشَرْطَيْنِ أَفَادَهُمَا بِقَوْلِهِ: (إنْ عَادَ) الْمُظَاهِرُ، بِأَنْ عَزَمَ عَلَى الْوَطْءِ، وَأَوْلَى إنْ وَطِئَ (وَرَضِيَهُ) أَيْ رَضِيَ بِالْعِتْقِ حِينَ بَلَغَهُ وَلَوْ بَعْدَ الْعِتْقِ. وَالنَّوْعُ الثَّانِي: الصَّوْمُ، وَأَشَارَ إلَيْهِ بِثُمَّ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّرْتِيبِ بِقَوْلِهِ: (ثُمَّ لِمُعْسِرٍ عَمَّا) : أَيْ عَنْ مَالٍ (يُحَصِّلُهَا) : أَيْ الرَّقَبَةَ (بِهِ، لَا إنْ قَدَرَ) وَلَمْ يَحْتَجْ لَهُ بَلْ (وَلَوْ احْتَاجَ لَهُ) أَيْ لِمَا يُحَصِّلُهَا بِهِ (وَقْتَ الْأَدَاءِ) مُتَعَلِّقٌ بِمُعْسِرٍ: أَيْ ثُمَّ لِعَاجِزٍ عَنْ الرَّقَبَةِ، أَوْ عَمَّا يُحَصِّلُهَا بِهِ وَقْتَ إخْرَاجِهَا (صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) فَالْقَادِرُ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى مَا يَشْتَرِيهَا بِهِ، وَلَوْ احْتَاجَ لَهُ لِمَنْصِبٍ أَوْ لِمَرَضٍ أَوْ سُكْنَى دَارٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا، وَلَا فَضْلَ فِيهَا، أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ قَطْعٌ بِأُذُنٍ] أَيْ وَكَذَا يُقَالُ لِلْمَقْطُوعِ الْأَنْفِ فَيُجْزِئُ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا لَمْ يُجْزِئْ كَمَا تَقَدَّمَ] : وَلَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْإِجْزَاءُ فِي قَطْعِ الْوَاحِدَةِ. قَوْلُهُ: [وَرَضِيَهُ] : أَيْ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ ابْتِدَاءً خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَمَحَلُّ اشْتِرَاطِ الرِّضَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعِتْقُ عَنْ مَيِّتٍ فَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَحَبُّ تَخْصِيصُ الْعِتْقِ فِي الظِّهَارِ بِمَنْ بَلَغَ سِنَّ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ بِأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ عَرَفَ الْإِسْلَامَ وَعَقَلَ الْعِبَادَةَ. قَوْلُهُ: [لَا إنْ قَدَرَ وَلَوْ احْتَاجَ لَهُ] : جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ صَوْمٌ، وَالْخَبَرِ الَّذِي هُوَ لِمُعْسِرٍ، وَأَصْلُ تَرْكِيبِ الْعِبَارَةِ ثُمَّ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إلَخْ كَائِنٌ لِمُعْسِرٍ عَمَّا يَحْصُلُهَا بِهِ وَقْتَ الْأَدَاءِ لَا إنْ قَدَرَ، وَلَوْ احْتَاجَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ صَوْمٌ. قَوْلُهُ: [وَقْتَ إخْرَاجِهَا] : أَيْ لَا وَقْتَ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْعَوْدُ وَلَا وَقْتَ الظِّهَارِ. قَوْلُهُ: [أَوْ سُكْنَى دَارٍ] : أَيْ فَإِنَّهَا تُبَاعُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تُبَعْ عَلَى الْمُفْلِسِ، وَكَذَلِكَ لَا يُتْرَكُ لَهُ قُوتُهُ وَلَا النَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ لِارْتِكَابِهِ الْمُنْكَرَ وَالزُّورَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ، وَكَذَلِكَ لَا يَكْفِيهِ الصَّوْمُ لَوْ كَانَ قُدْرَتُهُ عَلَى الْعِتْقِ بِمِلْكِ رَقَبَةٍ فَقَطْ ظَاهَرَ مِنْهَا، وَلَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا بِحَيْثُ اتَّحَدَ مَحَلُّ الظِّهَارِ وَتَعَلُّقِ الْكَفَّارَةِ فَيَعْتِقُهَا عَنْ

كَانَ كُتُبَ فِقْهٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ دَابَّةٍ لِرُكُوبِهِ، يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ. وَلَا يُعْذَرُ بِالِاحْتِيَاجِ تَشْدِيدًا عَلَيْهِ حَيْثُ ارْتَكَبَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا. (بِالْهِلَالِ) إنْ ابْتَدَأَ أَوَّلَ شَهْرَيْنِ كَامِلَيْنِ أَوْ نَاقِصَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا، وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التَّتَابُعِ وَنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ ابْتَدَأَ الصَّوْمَ أَثْنَاءَ شَهْرٍ صَامَ الثَّانِيَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ نَقْصٍ أَوْ كَمَالٍ، (وَتَمَّمَ) الْأَوَّلَ (الْمُنْكَسِرَ) الَّذِي صَامَ مِنْ أَثْنَائِهِ (مِنْ الثَّالِثِ) : أَيْ إنْ تَبَيَّنَ نُقْصَانُ الْأَوَّلِ بِيَوْمٍ صَامَهُ مِنْ الثَّالِثِ. (وَتَعَيَّنَ) الصَّوْمُ (لِذِي الرِّقِّ) : أَيْ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا ظَاهَرَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ إذْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْعِتْقُ، وَلَا يَمْلِكُ مِلْكًا تَامًّا حَتَّى يَصِحَّ إطْعَامُهُ، (وَلِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ) : أَيْ مِنْ الصَّوْمِ (إنْ أَضَرَّ) الصَّوْمُ (بِخِدْمَتِهِ أَوْ خَرَاجِهِ) الَّذِي فَرَضَهُ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُضْرَبَ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ إذَا لَمْ تَرْضَ زَوْجَتُهُ بِالْمُقَامِ مَعَهُ بِلَا وَطْءٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQظِهَارِهِ مِنْهَا، وَلَا يَنْتَقِلُ لِلصَّوْمِ فَإِذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ حَلَّتْ لَهُ بِلَا كَفَّارَةٍ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ عِتْقَهَا كَفَّارَةٌ مَشْرُوطٌ بِالْعَزْمِ عَلَى وَطْئِهَا حِينَئِذٍ حَرَامٌ، لِأَنَّهَا بَعْدَ الْكَفَّارَةِ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً مِنْهُ بِالْعِتْقِ فَلَا يَتَأَتَّى الْعَزْمُ عَلَى الْعَوْدِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ حُرْمَةَ الْعَزْمِ عَلَى الْعَوْدِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ عِتْقِهَا بِالْفِعْلِ لِزَوَالِ الْمِلْكِ وَالْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ سَابِقٌ عَلَى الْعِتْقِ، لِأَنَّهُ شَرْطُ الْكَفَّارَةِ وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَهِيَ حَالُ الْعَزْمِ فِي مِلْكِهِ، وَشَرْطُ التَّنَاقُضِ اتِّخَاذُ الزَّمَنِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَمْلِكُ مِلْكًا تَامًّا حَتَّى يَصِحَّ إطْعَامُهُ] : حَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ حَيْثُ قَدَرَ عَلَيْهِ، أَوْ عَجَزَ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ السَّيِّدُ فِي الْإِطْعَامِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ كَفَّرَ بِهِ إنْ أَيِسَ مِنْ قُدْرَتِهِ عَلَى الصَّوْمِ أَوْ مَنَعَهُ السَّيِّدُ مِنْهُ لِإِضْرَارِهِ بِخِدْمَتِهِ كَمَا يَأْتِي. تَنْبِيهٌ: يَتَعَيَّنُ الصَّوْمُ أَيْضًا لِمَنْ طُولِبَ بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَقَدْ الْتَزَمَ قَبْلَ ظِهَارِهِ عِتْقَ مَنْ يَمْلِكُ مُدَّةً كَعَشْرَةِ سِنِينَ مِمَّا يَبْلُغُهُ عُمُرُهُ عَادَةً، وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ فِي حَقِّهِ الصَّوْمُ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عِتْقُهُ فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا عَنْ الْتِزَامٍ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مِنْ شَرْطِ الرَّقَبَةِ أَنْ تَكُونَ مُحَرَّرَةً لِلظِّهَارِ كَذَا فِي الْأَصْلِ.

(وَتَمَادَى) الْمُظَاهِرُ الْحُرُّ الْعَاجِزُ عَنْ الْعِتْقِ عَلَى صَوْمِهِ وُجُوبًا (إنْ أَيْسَرَ فِي) الْيَوْمِ (الرَّابِعِ، إلَّا أَنْ يَفْسُدَ) صَوْمُهُ بِمُفْسِدٍ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ، وَلَوْ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لَا لِلْعِتْقِ وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ حِينَئِذٍ. (وَنُدِبَ الرُّجُوعُ لَهُ) أَيْ لِلْعِتْقِ (إنْ أَيْسَرَ فِي الثَّانِي) : أُدْخِلَتْ الْكَافُ: الثَّالِثَ، (وَوَجَبَ) الرُّجُوعُ لِلْعِتْقِ (إنْ أَيْسَرَ قَبْلَهُ) : أَيْ قَبْلَ الْيَوْمِ الثَّانِي وَهُوَ الْأَوَّلُ وَلَوْ بَعْدَ تَمَامِهِ بِأَنْ أَيْسَرَ فِي لَيْلَةِ الثَّانِي، (وَ) وَجَبَ (إتْمَامُ) صَوْمِ (مَا أَيْسَرَ فِيهِ) مِنْ الْأَيَّامِ الَّتِي يَرْجِعُ فِيهَا لِلْعِتْقِ وُجُوبًا كَالْأَوَّلِ، أَوْ نَدْبًا كَالثَّانِي وَالثَّالِثِ، (وَلَوْ تَكَلَّفَهُ) أَيْ الْعِتْقَ (مُعْسِرٌ) : كَمَا لَوْ تَدَايَنَ وَعَتَقَ (أَجْزَأَ) . ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ بِقَوْلِهِ: (وَانْقَطَعَ تَتَابُعُهُ) : أَيْ الصَّوْمِ (بِوَطْءِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا وَإِنْ لَيْلًا نَاسِيًا) فَأَوْلَى نَهَارًا أَوْ لَيْلًا عَامِدًا (كَبُطْلَانِ الْإِطْعَامِ) بِوَطْءِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا فِي أَثْنَائِهِ وَلَوْ لَمْ يَبْقَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إنْ أَيْسَرَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ] : حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ مَتَى أَيْسَرَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَمَا بَعْدَهُ، وَجَبَ التَّمَادِي عَلَى الصَّوْمِ وَإِنْ أَيْسَرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَوْ بَعْدَ كَمَالِهِ، وَقَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الثَّانِي وَجَبَ الرُّجُوعُ لِلْعِتْقِ وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ، أَوْ بَعْدَ فَرَاغِ الثَّالِثِ وَقَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الرَّابِعِ، نُدِبَ الرُّجُوعُ لِلْعِتْقِ وَوَجَبَ إتْمَامُ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ الْيَسَارُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَمِثْلُ مَا ذَكَرَ فِي التَّفْصِيلِ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الرُّجُوعُ مَتَى أَيْسَرَ بَعْدَ كَمَالِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِخِفَّةِ أَمْرِ الْيَمِينِ، وَغِلَظِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ. قَوْلُهُ: [أَجْزَأَ] : وَنَظِيرُهُ مَنْ فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ فَتَكَلَّفَ الْغُسْلَ أَوْ مَنْ فَرْضُهُ الْجُلُوسُ فِي الصَّلَاةِ فَتَكَلَّفَ الْقِيَامَ فِيهَا، وَإِجْزَاؤُهُ حِينَئِذٍ لَا يَقْتَضِي الْجَوَازَ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ حَرَامًا كَمَا إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ، وَلَا يَعْلَمُ أَرْبَابَهُ بِالْعَجْزِ عَنْهُ وَقَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا كَمَا إذَا كَانَ بِسُؤَالٍ، لِأَنَّ السُّؤَالَ مَكْرُوهٌ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ السُّؤَالُ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [بِوَطْءِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا] : أَيْ وَأَمَّا الْقُبْلَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ لَهَا فَلَا يَقْطَعَانِهِ كَمَا شَهَّرَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَقِيلَ يَقْطَعَانِهِ وَشَهَّرَهُ الزَّنَاتِيُّ

عَلَيْهِ إلَّا مُدٌّ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ وَيَبْتَدِيهِ، وَأَمَّا وَطْءُ غَيْرِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا فَلَا يَضُرُّ فِي صِيَامٍ إنْ وَقَعَ لَيْلًا وَلَا فِي إطْعَامٍ. (وَ) انْقَطَعَ تَتَابُعُهُ (بِفِطْرِ السَّفَرِ) : أَيْ بِفِطْرِهِ فِي سَفَرِهِ وَلَوْ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْهُ وَيَبْتَدِيهِ، (أَوْ) فِطْرِ (مَرَضٍ فِيهِ) : أَيْ فِي السَّفَرِ (هَاجَهُ) : أَيْ حَرَّكَهُ وَأَظْهَرَهُ السَّفَرُ، لَا إنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَمْ يُهِجْهُ السَّفَرُ، بَلْ كَانَ سَبَبُهُ غَيْرَ السَّفَرِ، (وَ) انْقَطَعَ تَتَابُعُهُ (بِالْعِيدِ إنْ عَلِمَهُ) : أَيْ إنْ عَلِمَ أَنَّ الْعِيدَ يَأْتِي فِي أَثْنَاءِ صَوْمِهِ كَمَا لَوْ صَامَ ذَا الْقِعْدَةِ وَذَا الْحِجَّةِ لِظِهَارِهِ عَالِمًا بِيَوْمِ الْأَضْحَى، لَا إنْ جَهِلَهُ (وَصَامَ الْيَوْمَيْنِ بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ الْعِيدِ (إنْ جَهِلَهُ) أَيْ جَهِلَ إتْيَانَ الْعِيدِ فِي أَثْنَاءِ صَوْمِهِ، وَقُلْنَا بِعَدَمِ انْقِطَاعِ التَّتَابُعِ أَيْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ صَوْمُهُمَا، فَإِنْ أَفْطَرَهُمَا انْقَطَعَ تَتَابُعَهُ، وَقِيلَ: بَلْ يَبْنِي وَإِذَا صَامَهُمَا هَلْ يَقْضِيهِمَا؟ قَوْلَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَبْطُلُ وَيَبْتَدِيهِ] : هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ الْوَطْءُ لَا يُبْطِلُ الْإِطْعَامَ الْمُتَقَدِّمَ مُطْلَقًا وَالِاسْتِئْنَافُ أَحَبُّ إلَيَّ لِأَنَّ اللَّهَ إنَّمَا قَالَ: (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) فِي الْعِتْقِ وَالصَّوْمِ وَلَمْ يَقُلْهُ فِي الْإِطْعَامِ. قَوْلُهُ: [وَلَا فِي إطْعَامٍ] : أَيْ وَقَعَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا. قَوْلُهُ: [هَاجَهُ أَيْ حَرَّكَهُ وَأَظْهَرَهُ السَّفَرُ] إلَخْ: هَذَا فَرْضُ مَسْأَلَةٍ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ كَأَكْلِ شَيْءٍ يُعْلَمُ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ يَضُرُّ بِهِ، ثُمَّ أَفْطَرَ وَعَلَى هَذَا فَلَا مَفْهُومَ لِلسَّفَرِ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: [بَلْ كَانَ سَبَبُهُ غَيْرَ السَّفَرِ] : أَيْ غَيْرَ أَمْرٍ لَهُ مَدْخَلٌ فِيهِ. قَوْلُهُ: [لَا إنْ جَهِلَهُ] : أَيْ جَهِلَ مَجِيءَ الْعِيدِ فِي أَثْنَاءِ صَوْمِهِ، وَأَمَّا جَهْلُ حُرْمَةِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ مَعَ عِلْمِهِ أَنْ يَأْتِيَ فِي أَثْنَاءِ صَوْمِهِ فَلَا يَنْفَعُهُ. قَوْلُهُ: [وَصَامَ الْيَوْمَيْنِ بَعْدَهُ] : هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَصَّارِ وَاعْتُمِدَ وَلِذَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ بَلْ يَبْنِي] : أَيْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَا يَصُومُ يَوْمَ الْعِيدِ وَلَا الْيَوْمَيْنِ بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا يَصُومُ الْيَوْمَ الرَّابِعَ. قَوْلُهُ: [هَلْ يَقْضِيهِمَا] هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْكَاتِبِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يَصُومُ يَوْمَ الْعِيدِ

أَرْجَحُهُمَا عَدَمُ الْقَضَاءِ وَالِاكْتِفَاءُ بِهِمَا وَأَمَّا يَوْمُ الْعِيدِ، فَهَلْ يُطْلَبُ بِصَوْمِهِ ثُمَّ يَقْضِيهِ؟ وَالْمُرَادُ بِصَوْمِهِ الْإِمْسَاكُ فِيهِ لِأَنَّ صَوْمَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ أَوْ لَا يُطْلَبُ، بَلْ يَجُوزُ فِطْرُهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ صَامَهُ فَهُوَ مُفْطِرٌ فِي الْوَاقِعِ. وَأَمَّا الْيَوْمُ الرَّابِعُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَصُومُهُ وَإِلَّا انْقَطَعَ تَتَابُعُهُ بِلَا خِلَافٍ، (وَجَهْلُ رَمَضَانَ) أَيْ وَحُكْمُ جَهْلِ رَمَضَانَ كَمَا إذْ ابْتَدَأَ بِشَعْبَانَ يَظُنُّهُ رَجَبًا (كَالْعِيدِ) : أَيْ كَجَهْلِ الْعِيدِ فِي أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ، وَيَبْنِي بَعْدَ يَوْمِ الْعِيدِ. (وَ) يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ (بِفَصْلِ الْقَضَاءِ) الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ عَنْ صِيَامِهِ (وَلَوْ نَاسِيًا) أَيْ نَاسِيًا أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءً لِمَزِيدِ تَفْرِيطِهِ. (لَا) يَنْقَطِعُ تَتَابُعُهُ (بِإِكْرَاهٍ) عَلَى الْفِطْرِ، (وَ) لَا (ظَنِّ غُرُوبٍ) أَوْ بَقَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَالِيَيْهِ وَيَقْضِيهَا كُلَّهَا وَيَبْنِي. قَوْلُهُ: [أَرْجَحُهُمَا عَدَمُ الْقَضَاءِ] : أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَصَّارِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَا يَصُومُ يَوْمَ الْعِيدِ، وَيَصُومُ الْيَوْمَيْنِ بَعْدَهُ وَلَا يَقْضِيهِمَا. قَوْلُهُ: [فَهَلْ يُطْلَبُ بِصَوْمِهِ ثُمَّ يَقْضِيهِ] : أَيْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْكَاتِبِ كَمَا عَلِمْتَ. قَوْلُهُ: [أَوْ لَا يُطْلَبُ بَلْ يَجُوزُ] : هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَصَّارِ قَوْلُهُ: [وَيَبْنِي بَعْدَ يَوْمِ الْعِيدِ] : أَيْ وَيُجْرِي فِي يَوْمِ الْعِيدِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ، وَيَقْضِيهِ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [وَيَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِفَصْلِ الْقَضَاءِ] : أَيْ كَمَا إذَا أَكَلَ نَاسِيًا أَوْ أَفْطَرَ لِمَرَضٍ أَوْ إكْرَاهٍ، أَوْ ظَنِّ غُرُوبٍ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا أَفْطَرَ فِيهِ، وَوَصْلُ الْقَضَاءِ بِصِيَامِهِ، فَإِنْ تَرَكَ وَصْلَ الْقَضَاءِ بِصِيَامِهِ عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا انْقَطَعَ التَّتَابُعُ وَاسْتَأْنَفَ الْكَفَّارَةَ مِنْ أَوَّلِهَا اتِّفَاقًا، وَكَذَا إنْ تَرَكَ وَصْلَهُ نِسْيَانًا أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِتَفْرِيطِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ وَإِنَّمَا لَمْ يُعْذَرْ بِالنِّسْيَانِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ، وَعُذِرَ بِالْأَكْلِ وَنَحْوِهِ نِسْيَانًا فِي أَثْنَاءِ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ، مَعَ أَنَّ الَّذِي أَفْطَرَ نَاسِيًا قَدْ أَتَى فِي خِلَالِ الصَّوْمِ بِيَوْمٍ لَا صَوْمَ فِيهِ، لِأَنَّ مَنْ فَرَّقَ صَوْمَهُ بِانْقِضَاءٍ فَصَلَ بَيْنَ أَجْزَائِهِ بِنِيَّةِ تَرْكِ صَوْمِ مَا هُوَ فِيهِ، بِخِلَافِ مَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا فَإِنَّهُ لَمْ يَنْوِ غَيْرَ مَا هُوَ فِيهِ فَتَأَمَّلْ.

لَيْلٍ، (وَ) لَا (نِسْيَانٍ) لِكَوْنِهِ فِي صِيَامٍ (كَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ) لَا يَقْطَعُ كُلٌّ مِنْهُمَا التَّتَابُعَ فِي كَفَّارَةٍ وَقَتْلٍ أَوْ فِطْرِ رَمَضَانَ. وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ: الْإِطْعَامُ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الصَّوْمَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (ثُمَّ لِآيِسٍ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الصَّوْمِ بِأَنْ لَمْ يُطِقْهُ بِوَجْهٍ (تَمْلِيكُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) : وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْإِطْعَامِ فِي الْآيَةِ، (أَحْرَارًا) فَلَا تُجْزِئُ لِرَقِيقٍ، (مُسْلِمِينَ) فَلَا تُجْزِئُ لِكَافِرٍ، (لِكُلٍّ) مِنْهُمْ (مُدٌّ وَثُلُثَانِ) بِمُدِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَمَجْمُوعُهَا مِائَةُ مُدٍّ وَهِيَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ صَاعًا (بُرًّا) : أَيْ قَمْحًا إنْ اقْتَاتُوهُ فَلَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِكَوْنِهِ فِي صِيَامٍ] : مُتَعَلِّقٌ بِنِسْيَانٍ. تَنْبِيهٌ: مَنْ لَمْ يَدْرِ مَحَلَّ يَوْمَيْنِ مِنْ كَفَّارَتَيْنِ صَامَهُمَا مُتَّصِلَيْنِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَقَضَى شَهْرَيْنِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأُولَى فَبَطَلَتْ بِالدُّخُولِ فِي الثَّانِيَةِ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، وَسَوَاءٌ اجْتِمَاعُهُمَا وَافْتِرَاقُهُمَا كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [سِتِّينَ مِسْكِينًا] : الْمُرَادُ بِالْمِسْكِينِ مَا يَشْمَلُ الْفَقِيرَ. قَوْلُهُ: [أَحْرَارًا] : حَالٌ مِنْ سِتِّينَ لِتَخْصِيصِهِ بِالتَّمْيِيزِ. قَوْلُهُ: [فَلَا تُجْزِئُ لِكَافِرٍ] : أَيْ وَلَوْ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فَلَيْسَتْ كَالزَّكَاةِ. قَوْلُهُ: [لِكُلٍّ مِنْهُمْ مُدٌّ وَثُلُثَانِ] إلَخْ: أَيْ وَهُوَ قَدْرُ مُدِّ هِشَامِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْقُرَشِيِّ الْمَخْزُومِيِّ، كَانَ عَامِلًا عَلَى الْمَدِينَةِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا فِي بْن، فَمَنْ قَالَ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ سِتُّونَ مُدًّا فَالْمُرَادُ مَدُّ هِشَامٍ، لِأَنَّ مَالِكًا ضَبَطَهَا بِهِ، وَأَمَّا بِمُدِّ رَسُولِ اللَّهِ فَهِيَ مِائَةُ مُدٍّ كَمَا عَلِمْتَ، بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الصَّوْمِ فَإِنَّهَا سِتُّونَ مُدًّا بِمُدِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ عَشْرَةٌ بِمُدِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَفَّارَةُ التَّفْرِيطِ فِي رَمَضَانَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ لِمِسْكِينٍ بِمُدِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَلِكَ فِدْيَةُ الْأَذَى إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ فَلْيُفْهَمْ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ صَاعًا] : أَيْ لِأَنَّ الصَّاعَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ. تَتِمَّةٌ: لَا يُجْزِئُ تَشْرِيكُ كَفَّارَتَيْنِ فِي مِسْكِينٍ بِأَنْ يُطْعِمَ مِائَةً وَعِشْرِينَ نَاوِيًا تَشْرِيَك الْكَفَّارَتَيْنِ فِيمَا يَدْفَعُهُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، إلَّا أَنْ يَعْرِفَ أَعْيَانَ الْمَسَاكِينِ فَيُكْمِلُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مُدًّا بِأَنْ يَدْفَعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصْفَ مُدٍّ، وَهَلْ مَحَلُّ الْإِجْزَاءِ

مِنْ شَعِيرٍ أَوْ ذُرَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، (فَإِنْ اقْتَاتُوا غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ الْبُرِّ (فَعَدْلُهُ شِبَعًا) لَا كَيْلًا، خِلَافًا لِلْبَاجِيِّ بِأَنْ يُقَالَ: إذَا شَبِعَ الشَّخْصُ مِنْ مُدِّ حِنْطَةٍ وَثُلُثَيْنِ فَمَا يُشْبِعُهُ مِنْ غَيْرِهَا، فَإِذَا قِيلَ كَذَا أَخْرَجَهُ (وَلَا يُجْزِئُ الْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ) قَالَ الْإِمَامُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنِّي لَا أَظُنُّهُ يَبْلُغُ مُدًّا وَثُلُثَيْنِ. وَلِذَلِكَ لَوْ تَحَقَّقَ بُلُوغُهُمَا ذَلِكَ كَفَى، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ بُلُوغُهُمَا) أَيْ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ (ذَلِكَ) أَيْ الْمُدَّ وَالثُّلُثَيْنِ. (وَلِلْعَبْدِ) إذَا ظَاهَرَ وَعَزَمَ عَلَى الرُّجُوعِ (إخْرَاجُهُ) أَيْ الطَّعَامِ (إنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ) فِيهِ، لَا إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ، (وَقَدْ عَجَزَ) الْوَاوُ لِلْحَالِ: أَيْ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ الصَّوْمِ (أَوْ مَنْعِهِ) سَيِّدُهُ (الصَّوْمَ) لِإِضْرَارِهِ بِخِدْمَتِهِ أَوْ خَرَاجِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ بَقِيَ بِيَدِهِ أَوْ مُطْلَقًا؟ يَجْرِي عَلَى مَا مَرَّ فِي الْيَمِينِ، وَلَا يُجْزِئُ أَيْضًا تَرْكِيبُ صِنْفَيْنِ فِي الْكَفَّارَةِ كَصِيَامِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَإِطْعَامِ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا وَلَوْ نَوَى الْمُظَاهِرُ الَّذِي لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ لِكُلٍّ عَدَدًا مِنْ الْمُخْرَجِ كَمَا لَوْ أَطْعَمَ ثَمَانِينَ وَنَوَى لِكُلٍّ كَفَّارَةَ أَرْبَعِينَ، أَوْ لِوَاحِدَةٍ خَمْسِينَ وَالْأُخْرَى ثَلَاثِينَ، أَوْ أَخْرَجَ الْجُمْلَةَ عَنْ الْجَمِيعِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ تَشْرِيك فِي كُلِّ مِسْكِينٍ أَجْزَأَهُ وَكَمَّلَ عَلَى مَا نَوَاهُ لِكُلٍّ مِنْ الْكَفَّارَتَيْنِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَمَا يَنُوبُ الْجَمِيعُ فِي الثَّانِيَةِ وَسَقَطَ حَظُّ مَنْ مَاتَتْ مِنْ النِّسَاءِ اللَّاتِي ظَاهَرَ مِنْهُنَّ فَلَا يُكْمِلُ لَهَا، وَلَا يَحْسِبُ مَا أَخْرَجَهُ عَنْهَا لِغَيْرِهَا، فَلَوْ نَوَى لِكُلٍّ مِنْ ثَلَاثَةٍ خَمْسِينَ، وَلِلْمَيِّتَةِ ثَلَاثِينَ سَقَطَ حَظُّهَا فَلَا يَنْقُلُهُ لِغَيْرِهَا، وَكَمَّلَ لِكُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ عَشْرَةً دُونَ مَنْ مَاتَتْ، وَلَوْ أَعْتَقَ ثَلَاثًا مِنْ الرِّقَابِ عَنْ ثَلَاثٍ مِنْ أَرْبَعٍ ظَاهَرَ مِنْهُنَّ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَنْ أَعْتَقَ عَنْهَا مِنْهُنَّ لَمْ يَطَأْ وَاحِدَةً مِنْ الْأَرْبَعِ حَتَّى يُخْرِجَ الْكَفَّارَةَ الرَّابِعَةَ، وَلَوْ مَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ طَلُقَتْ قَبْلَ إخْرَاجِ الرَّابِعَةِ لِعَدَمِ تَعْيِينِ مَنْ أَعْتَقَ عَنْهَا، فَلَوْ عَيَّنَ مَنْ أَعْتَقَ عَنْهَا جَازَ وَطْؤُهَا (اهـ. مِنْ الْأَصْلِ) .

[باب في حقيقة اللعان وأحكامه]

بَابٌ فِي حَقِيقَةِ اللِّعَانِ وَأَحْكَامِهِ (اللِّعَانُ) : فِي الْعُرْفِ (حَلِفُ زَوْجٍ) لَا غَيْرِهِ كَسَيِّدٍ وَأَجْنَبِيٍّ (مُسْلِمٍ) : لَا كَافِرٍ (مُكَلَّفٍ) : لَا صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: أَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (عَلَى) رُؤْيَةِ (زِنَا زَوْجَتِهِ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي حَقِيقَةِ اللِّعَانِ وَأَحْكَامِهِ] [اللِّعَان عَلَى رُؤْيَة زنا زَوْجَته أَوْ عَلَى نفي الْوَلَد] بَابٌ لَمَّا كَانَ يَنْشَأُ عَنْ اللِّعَانِ تَحْرِيمُ الْمُلَاعَنَةِ مُؤَبَّدًا كَمَا يَنْشَأُ عَنْ الظِّهَارِ مُعَلَّقًا نَاسَبَ وَصْلَهُ بِهِ. قَوْلُهُ: [فِي الْعُرْفِ] : أَيْ وَأَمَّا لُغَةً فَهُوَ الْإِبْعَادُ، يُقَالُ لَعَنْهُ اللَّهُ أَيْ أَبْعَدَهُ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَطْرُدُ الشِّرِّيرَ الْمُتَمَرِّدَ لِئَلَّا تُؤْخَذَ بِجَرَائِرِهِ وَتُسَمِّيهِ لَعِينًا، وَاشْتُقَّ مِنْ اللَّعْنَةِ فِي خَامِسَةِ الرَّجُلِ، وَلَمْ يُسَمَّ غَضَبًا بِخَامِسَةِ الْمَرْأَةِ تَغْلِيبًا لِلذَّكَرِ، وَلِسَبْقِ لِعَانِهِ وَكَوْنِهِ سَبَبًا فِي لِعَانِهَا، وَمِنْ جَانِبِهِ أَقْوَى مِنْ جَانِبِهَا لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الِائْتِلَافِ دُونَهَا. قَوْلُهُ: [حَلِفُ زَوْجٍ] : سَوَاءً كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا دَخَلَ بِالزَّوْجَةِ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [لَا غَيْرَهُ] : أَيْ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْحَلِفِ عِنْدَ الرَّمْيِ بِالزِّنَا غَيْرُ الزَّوْجِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ حَدُّ الْقَذْفِ إنْ قَذَفَ عَفِيفَةً وَلَمْ يَثْبُتْ، وَسَتَأْتِي شُرُوطُ حَدِّ الْقَذْفِ فِي بَابِهِ، وَيَرُدُّ عَلَى قَوْلِهِ لَا غَيْرِهِ مَا وَقَعَ لِأَبِي عِمْرَانَ أَنَّ اللِّعَانَ يَكُونُ فِي شُبْهَةِ النِّكَاحِ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ الزَّوْجِيَّةُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ الْوَلَدُ لَاحِقًا بِهِ وَدُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُ، كَانَ فِي حُكْمِ الزَّوْجِ كَذَا فِي الْخَرَشِيِّ قَوْلُهُ: [لَا كَافِرٍ] : أَيْ فَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُ فِي قَذْفِهِ لِزَوْجَتِهِ مَا لَمْ يَتَرَافَعَا إلَيْنَا. قَوْلُهُ: [لَا صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ] : أَيْ فَلَا يُعْتَدُّ بِرَمْيِهِمَا لِزَوْجَتَيْهِمَا. قَوْلُهُ: [عَلَى رُؤْيَةِ زِنَا زَوْجَتِهِ] : أَيْ بِرُؤْيَةِ الْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ الزِّنَا مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي وَهُوَ لَا يُرَى، وَاللِّعَانُ فِي الرُّؤْيَةِ يَتَأَتَّى وَلَوْ مِنْ الْمَجْبُوبِ،

فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ، وَلَوْ فَسَدَ نِكَاحُهُ كَمَا يَأْتِي، وَلِلثَّانِي بِقَوْلِهِ: (أَوْ) عَلَى (نَفْيِ حَمْلِهَا مِنْهُ، وَحَلِفُهَا) : أَيْ الزَّوْجَةِ وَلَوْ كِتَابِيَّةً (عَلَى تَكْذِيبِهِ أَرْبَعًا) مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا. (بِصِيغَةِ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ) لَرَأَيْتهَا تَزْنِي، أَوْ لَزَنَتْ، أَوْ مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي، فَتَقُولُ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ مَا زَنَيْتُ كَمَا يَأْتِي. (بِحُكْمِ حَاكِمٍ) يَشْهَدُ الْقَضِيَّةَ، وَبِحُكْمٍ بِالتَّفْرِيقِ، أَوْ يُحَدُّ مَنْ نَكَلَ. وَهَذَا إنْ صَحَّ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا، بَلْ (وَإِنْ فَسَدَ نِكَاحُهُ) : لِثُبُوتِ النَّسَبِ بِهِ. (فَيُلَاعِنُ) الزَّوْجُ - حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا - (إنْ قَذَفَهَا) أَيْ زَوْجَتَهُ وَلَوْ أَمَةً (بِزِنًا وَلَوْ بِدُبُرٍ فِي) زَمَنِ (نِكَاحِهِ، أَوْ) زَمَنِ (عِدَّتِهِ) ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِكُلٍّ مِنْ " قَذَفَهَا "، وَ " بِزِنًا ". (وَإِلَّا) بِأَنْ قَذَفَهَا قَبْلَ نِكَاحِهَا أَوْ بَعْدَهُ بِزِنًا قَبْلَهُ: أَيْ النِّكَاحِ، أَوْ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ عِدَّتِهِ وَلَوْ بِرُؤْيَةِ زِنًا قَبْلَهُ (حُدَّ) وَلَا لِعَانَ. (إنْ تَيَقَّنَهُ) : أَيْ الزِّنَا وَلَوْ أَعْمَى فَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى ظَنٍّ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الرُّؤْيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ نَفْيِ الْحَمْلِ فَلَا يَكُونُ مِنْ الْمَجْبُوبِ كَمَا يَأْتِي، لِأَنَّهُ مَنْفِيٌّ بِغَيْرِ لِعَانٍ وَمِثْلُهُ. الْخَصِيُّ مَقْطُوعُ الْأُنْثَيَيْنِ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ. قَوْلُهُ: [فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ] : أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لِيَشْمَلَ مَسْأَلَةَ أَبِي عِمْرَانَ. قَوْلُهُ: [بَلْ وَإِنْ فَسَدَ نِكَاحُهُ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ، وَلَكِنْ دَرَأَ الْحَدَّ كَمَا إذَا عَقَدَ عَلَى أُخْتِهِ غَيْرُ عَالِمٍ بِأَنَّهَا أُخْتُهُ. قَوْلُهُ: [مُتَعَلِّقٌ بِكُلٍّ] : أَيْ تَنَازَعَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا فَأُعْمِلَ الْأَخِيرُ، وَأُضْمِرَ فِي الْأَوَّلِ وَحُذِفَ لِكَوْنِهِ فَضْلَةً. قَوْلُهُ: [حُدَّ] : أَيْ وَلَا يَمْنَعُهُ كَوْنُهَا زَوْجَةً حَالَ إقَامَةِ الْحَدِّ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُقِمْ بَيِّنَتَهُ. قَوْلُهُ: [بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الرُّؤْيَةِ] إلَخْ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَصِفْهَا كَالْبَيِّنَةِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ لَا يُلَاعِنُ إلَّا إذَا وَصَفَ الرُّؤْيَةَ، بِأَنْ يَقُولَ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ الطَّرِيقَتَيْنِ وَصَدَّرَ بَعْدَهُ الِاشْتِرَاطِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ الْآبِيُّ بِالْمَشْهُورِ

إنْ كَانَ بَصِيرًا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَيَعْتَمِدُ الْأَعْمَى عَلَى حِسٍّ - بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ - أَوْ جَسٍّ بِفَتْحِ الْجِيمِ، أَوْ بِإِخْبَارٍ يُفِيدُهُ ذَلِكَ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ شَرْعًا كَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ. (وَانْتَفَى بِهِ) أَيْ بِلِعَانِ التَّيَقُّنِ بِرُؤْيَةِ الْبَصِيرِ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ (مَا وُلِدَ كَامِلًا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ) فَأَكْثَرَ، مِنْ يَوْمِ الرُّؤْيَةِ، وَتُعْتَبَرُ الْأَشْهُرُ نَاقِصَةً وَلَوْ كَانَتْ كَامِلَةً فِي الْوَاقِعِ. (وَإِلَّا) : بِأَنْ وَلَدَتْهُ كَامِلًا لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الرُّؤْيَةِ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ، (لَحِقَ بِهِ) لِلْجَزْمِ بِوُجُودِهِ فِي رَحِمِهَا وَقْتَ الرُّؤْيَةِ وَاللِّعَانِ، إنَّمَا كَانَ لِلرُّؤْيَةِ لَا لِنَفْيِ الْحَمْلِ (إلَّا لِاسْتِبْرَاءِ قُبُلِهَا) : أَيْ قَبْلَ رُؤْيَتِهِ الزِّنَا فَإِنْ اسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ وَلَمْ يُقِرَّ بِهَا بَعْدَهُ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ. ثُمَّ أَشَارَ لِلسَّبَبِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: (أَوْ) قَذَفَهَا (بِنَفْيِ حَمْلٍ، أَوْ) بِنَفْيِ (وَلَدٍ) فَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ، (وَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَمَا قَالَهُ شَارِحُنَا مُرُورٌ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى، وَمُقْتَضَى اشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ فِي الْبَصِيرِ إنْ تَحَقَّقَهُ بِجَسٍّ أَوْ حِسٍّ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ لَا يَكْفِي وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَمَا فِي (الْخَرَشِيِّ وعب) مِنْ نِسْبَةِ الْكِفَايَةِ لِلْمُدَوَّنَةِ لَا يُسَلَّمُ كَذَا فِي بْن. قَوْلُهُ: [وَتُعْتَبَرُ الْأَشْهُرُ نَاقِصَةً] : أَيْ فَيُعْتَبَرُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ إلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَامِلَةً فِي الْوَاقِعِ، لِأَنَّهُ لَا يَتَوَالَى النَّقْصُ فِي السِّتَّةِ. قَوْلُهُ: [كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ] : أَيْ وَالْأَرْبَعَةِ وَالْخَمْسَةِ وَالسِّتَّةِ إلَّا سِتَّةَ أَيَّامٍ، وَإِنَّمَا جَعَلَ نَقْصَ السِّتَّةِ أَيَّامٍ مُلْحَقًا بِمَا دُونَ الْحَمْلِ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَالَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ عَلَى النَّقْصِ، فَغَايَةُ مَا يَتَوَالَى ثَلَاثَةٌ نَاقِصَةً وَيُحْسَبُ شَهْرَانِ نَاقِصَانِ بَعْدَ الرَّابِعِ، فَيَكُونُ أَقَلُّ أَمَدِ الْحَمْلِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ إلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ لِعَدَمِ تَأَتِّي النَّقْصُ فِي السِّتَّةِ مُتَوَالِيَةٍ. قَوْلُهُ: [لَمْ يَلْحَقْ بِهِ] : أَيْ وَيَنْتَفِي بِذَلِكَ اللِّعَانُ، وَهَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَأَصْبَغُ: إنَّمَا يَنْتَفِي بِلِعَانٍ ثَانٍ، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يَدُلُّ لِلْقَوْلَيْنِ، وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ بَيْنَ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْوِلَادَةِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ إلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ، وَإِلَّا لَحِقَ بِهِ فَتَأَمَّلْ.

[شرط اللعان وكيفيته]

مَاتَ) : الْحَمْلُ أَوْ الْوَلَدُ (أَوْ مَاتَتْ) : الزَّوْجَةُ، وَفَائِدَتُهُ سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ بِالرَّمْيِ. وَأَشَارَ إلَى شَرْطِ اللِّعَانِ لِنَفْيِ الْحَمْلِ أَوْ الْوَلَدِ بِقَوْلِهِ: (إنْ لَمْ يَطَأْهَا) أَصْلًا بَعْدَ الْعَقْدِ، (أَوْ) وَطِئَهَا وَ (أَتَتْ بِهِ) بَعْدَ الْوَطْءِ (لِمُدَّةٍ لَا يَلْتَحِقُ) الْوَلَدُ (فِيهَا بِهِ) : أَيْ بِالزَّوْجِ (لِقِلَّةٍ) كَمَا لَوْ دَخَلَ عَلَيْهَا وَأَتَتْ بِوَلَدٍ كَامِلٍ بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ خَمْسَةٍ مِنْ يَوْمِ الْوَطْءِ، فَيَعْتَمِدُ عَلَى ذَلِكَ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ وَيُلَاعِنُ، (أَوْ كَثْرَةٍ كَخَمْسِ سِنِينَ) بَعْدَ الْوَطْءِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ وَيَعْتَمِدُ عَلَى ذَلِكَ، وَيُلَاعِنُ لِنَفْيِهِ (أَوْ) وَطِئَهَا وَ (اسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ) بَعْدَ الْوَطْءِ، (أَوْ وَضْعٍ) لِحَمْلٍ (وَأَتَتْ بِهِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ) يَوْمِ (الِاسْتِبْرَاءِ) بِالْحَيْضَةِ أَوْ بِالْوَضْعِ، فَيَعْتَمِدُ عَلَى ذَلِكَ وَيُلَاعِنُ لِنَفْيِهِ إذْ هُوَ لَيْسَ مِنْهُ قَطْعًا. (وَلَا يَنْتَفِي) الْحَمْلُ أَوْ الْوَلَدُ (بِغَيْرِهِ) : أَيْ بِغَيْرِ اللِّعَانِ (وَلَوْ تَصَادَقَا) أَيْ الزَّوْجَانِ (عَلَى نَفْيِهِ) : أَيْ عَلَى نَفْيِ الْوَطْءِ أَوْ عَلَى نَفْيِ الْوَلَدِ عَنْ الزَّوْجِ وَيَلْحَقُ بِهِ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ رَمَى غَيْرَ عَفِيفَةٍ، وَتُحَدُّ هِيَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [شَرْط اللِّعَان وَكَيْفِيَّته] [لَا يَنْتَفِي الْحَمْلُ أَوْ الْوَلَدُ بِغَيْرِ اللِّعَانِ] قَوْلُهُ: [إنْ لَمْ يَطَأْهَا] إلَخْ: أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ الرَّجُلِ يُلَاعِنُ لِنَفْيِ الْوَلَدِ أَوْ الْحَمْلِ إذَا اعْتَمَدَ فِي لِعَانِهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ فَإِنْ لَاعَنَ لِنَفْيِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِمَادٍ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا كَانَ اللِّعَانُ بَاطِلًا وَلَمْ يَنْتَفِ نَسَبُ ذَلِكَ الْمُلَاعَنِ مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ اللِّعَانُ لِرُؤْيَةِ الزِّنَا فَلَا يُعْتَمَدُ عَلَى شَيْءٍ غَيْرِ تَيَقُّنِهِ لِلزِّنَا إنْ كَانَ أَعْمَى، وَرُؤْيَتِهِ لَهُ إنْ كَانَ بَصِيرًا كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [مِنْ يَوْمِ الْوَطْءِ] : ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ أَتَتْ بِوَلَدٍ كَامِلٍ، وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ الْعَقْدَ مُتَقَدِّمٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ وَإِلَّا انْتَفَى بِلَا لِعَانٍ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [فَيَعْتَمِدُ عَلَى ذَلِكَ وَيُلَاعِنُ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَدَعْ رُؤْيَةَ الزِّنَا عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا قَالَ عِيَاضٌ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ نَفْيُ الْحَمْلِ وَلَا حَاجَةَ لِلرُّؤْيَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ تَصَادَقَا] : أَيْ الزَّوْجَانِ عَلَى نَفْيِهِ، وَسَوَاءٌ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَتَصَادَقَا عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ الْوَلَدِ وَعَدَمِ لُحُوقِهِ بِالزَّوْجِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْتَفِي لُحُوقُهُ بِالزَّوْجِ إلَّا بِلِعَانٍ مِنْهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَمُقَابِلُهُ إنْ تَصَادَقَا عَلَى نَفْيِهِ وَكَانَتْ وَلَدَتْهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَإِنَّهُ يَنْتَفِي بِلَا لِعَانٍ بِخِلَافِ مَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ.

(إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْعَقْدِ) : كَشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ، فَيَنْتَفِي عَنْهُ حِينَئِذٍ بِغَيْرِ لِعَانٍ لِقِيَامِ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ مِنْ لُحُوقِهِ بِهِ، (أَوْ) تَأْتِيَ بِهِ (وَهُوَ) : أَيْ الزَّوْجُ (صَبِيٌّ أَوْ مَجْبُوبٌ) فَيَنْتَفِي عَنْهُ بِغَيْرِ لِعَانٍ، (أَوْ مَقْطُوعُ) الْبَيْضَةِ (الْيُسْرَى) لِأَنَّهُ لَا يُولَدُ لَهُ كَالْمَجْبُوبِ، (أَوْ تَدْعِيهِ) : أَيْ الْحَمْلَ أَوْ الْوَلَدَ (مِنْ) : أَيْ امْرَأَةٍ (لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُ) أَيْ الزَّوْجِ (عَلَيْهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (عَادَةً كَمَشْرِقِيَّةٍ وَمَغْرِبِيٍّ) ، بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْمَسَافَةِ مَا إنْ قَدِمَ بَعْدَ الْعَقْدِ كَانَ الْبَاقِي لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْوَلَدُ أَوْ الْحَمْلُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ بِهِ. (وَلَا يُعْتَمَدُ فِيهِ) أَيْ فِي اللِّعَانِ (عَلَى ظَنٍّ) ، بَلْ، لَا بُدَّ مِنْ الْيَقِينِ كَمَا تَقَدَّمَ (كَرُؤْيَتِهِمَا مُتَجَرِّدَيْنِ فِي لِحَافٍ) وَاحِدٍ؛ إذْ يُمْكِنُ عَدَمُ وَطْئِهَا أَوْ وَطْؤُهَا، بَيْنَ فَخْذَيْهَا. (وَلَا) يُعْتَمَدُ فِيهِ (عَلَى عَزْلٍ مِنْهُ) بِأَنْ يُمْنِي خَارِجَ الْفَرْجِ لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ يَسْبِقُهُ قَهْرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ] : أَيْ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ سِتَّةٍ إلَّا سِتَّةَ أَيَّامٍ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ أَيْ الزَّوْجُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْبُوبٌ] : أَيْ لِاسْتِحَالَةِ حَمْلِهَا مِنْهُمَا عَادَةً لَا عَقْلًا. قَوْلُهُ: [أَوْ مَقْطُوعُ الْبَيْضَةِ الْيُسْرَى] : هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ فِي الشَّامِلِ: إنَّهُ مَتَى وُجِدَتْ الْبَيْضَةُ الْيُسْرَى وَلَوْ كَانَ مَقْطُوعَ الذَّكَرِ وَأَنْزَلَ فَلَا بُدَّ مِنْ اللِّعَانِ مُطْلَقًا وَإِنْ فُقِدَتْ، وَلَوْ كَانَ قَائِمَ الذَّكَرِ فَلَا لِعَانَ وَلَوْ أَنْزَلَ، وَيَنْتَفِي الْوَلَدُ بِغَيْرِهِ، وَطَرِيقَةُ الْقَرَافِيُّ أَنَّ الْمَجْبُوبَ وَالْخَصِيَّ إنْ لَمْ يُنْزِلَا فَلَا لِعَانَ لِعَدَمِ لُحُوقِ الْوَلَدِ بِهِمَا وَإِنْ أَنْزَلَا لَاعَنَا. قَوْلُهُ: [كَمَشْرِقِيَّةٍ وَمَغْرِبِيٍّ] : أَيْ وَيُفْرَضُ أَنَّهُ تَوَلَّى الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ وَلِيُّهُمَا وَهُمَا فِي مَكَانِهِمَا أَيْ الْمَغْرِبِ وَالْمَشْرِقِ وَعُلِمَ بَقَاءُ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فِي مَحَلِّهِ إلَى أَنْ ظَهَرَ الْحَمْلُ، فَإِنَّهُ يَنْتَفِي عَنْهُ بِغَيْرِ لِعَانٍ لِقِيَامِ الْمَانِعِ الْعَادِي عَلَى نَفْيِهِ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بَقَاءُ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فِي مَحَلِّهِ انْتَفَى عَنْهُ بِالْوَجْهِ الَّذِي قَالَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [عَلَى ظَنٍّ] إلَخْ: الْحَاصِلُ أَنَّهُ ذَكَرَ مَسَائِلَ خَمْسَةٍ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ

(وَلَا) يُعْتَمَدُ فِيهِ عَلَى (مُشَابَهَةٍ) فِي الْوَلَدِ (لِغَيْرِهِ) . (وَلَا) عَلَى (وَطْءٍ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ) دُونَ الْفَرْجِ (إنْ أَنْزَلَ) بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ. (وَلَا) يُعْتَمَدُ فِيهِ (عَلَى عَدَمِ إنْزَالٍ مِنْهُ حَالَ) وَطْئِهَا (إنْ) كَانَ (أَنْزَلَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ وَطْئِهَا، (وَلَمْ يَبُلْ) بَعْدَهُ قَبْلَ وَطْئِهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِي أَصْلِ ذَكَرِهِ بَقِيَّةُ مَنِيٍّ، فَانْصَبَّ فِي رَحِمِهَا حَالَ جِمَاعِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَالَ قَبْلَ وَطْئِهَا وَلَمْ يُنْزِلْ فَلَهُ مُلَاعَنَتُهَا لِأَنَّ الْبَوْلَ يُخْرِجُ بَقَايَا الْمَنِيِّ. (وَحُدَّ) الزَّوْجُ الْمُلَاعِنُ (إنْ اسْتَلْحَقَ الْوَلَدَ) الَّذِي لَاعَنَ فِيهِ لِتَبَيُّنِ قَذْفِهِ إيَّاهَا، (إلَّا أَنْ يَثْبُتَ) بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِهَا (زِنَاهَا، وَلَوْ) زَنَتْ (بَعْدَ اللِّعَانِ) لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَذَفَ غَيْرَ عَفِيفَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، (أَوْ سَمَّى الزَّانِيَ بِهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَعْتَمِدَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَيُلَاعِنَ، فَلَوْ لَاعَنَ لَا يُعْتَبَرُ لِعَانُهُ وَلَكِنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِعُذْرِهِ. قَوْلُهُ: [إنْ كَانَ أَنْزَلَ قَبْلَهُ] : أَيْ كَمَا إذَا لَاعَنَ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ فَأَنْزَلَ ثُمَّ وَطِئَ الزَّوْجَةَ وَلَمْ يُنْزِلْ فِيهَا، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ بَوْلٌ بَيْنَ الْإِنْزَالِ وَالْوَطْءِ الَّذِي لَمْ يُنْزِلْ فِيهِ فَحَمَلَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ، فَلَيْسَ لَهُ نَفْيُهُ وَالْمُلَاعَنَةُ فِيهِ مُعْتَمِدًا عَلَى عَدَمِ إنْزَالِهِ فِيهَا لِاحْتِمَالِ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ مَائِهِ فِي قَصَبَةِ ذَكَرِهِ فَيَخْرُجُ مَعَ الْوَطْءِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْبَوْلَ يُخْرِجُ بَقَايَا الْمَنِيِّ] : تَعْلِيلُهُمْ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ مَجْرَى الْمَنِيِّ وَالْبَوْلِ وَاحِدٌ، خِلَافًا لِمَنْ يَتَوَهَّمُ اخْتِلَافَ الْمَجْرَيَيْنِ. قَوْلُهُ: [إنْ اسْتَلْحَقَ الْوَلَدَ الَّذِي لَاعَنَ فِيهِ] : وَسَوَاءٌ لَاعَنَ لِنَفْيِهِ فَقَطْ، أَوْ لِنَفْيِهِ مَعَ الرُّؤْيَةِ، وَأَمَّا إذَا لَاعَنَ لِلرُّؤْيَةِ فَقَطْ، ثُمَّ اسْتَلْحَقَ مَا وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الرُّؤْيَةِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يُحَدُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْمَوَّاقُ كَذَا فِي بْن نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ، فَلَوْ تَعَدَّدَ الْوَلَدُ الْمَنْفِيُّ بِاللِّعَانِ وَاسْتَلْحَقَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِلْجَمِيعِ حَدًّا وَاحِدًا إلَّا أَنْ يَسْتَلْحِقَ الثَّانِيَ بَعْدَمَا حُدَّ لِلْأَوَّلِ، فَيَتَعَدَّدُ فِيمَا يَظْهَرُ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ سَمَّى الزَّانِيَ بِهَا] : عُورِضَ هَذَا بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ فَسَمَّى الزَّانِيَ بِهَا» ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ هِلَالًا حُدَّ مِنْ أَجْلِهِ؛

فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِقَذْفِهِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ زِنَاهُ وَلَوْ بِغَيْرِهَا فَلَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ قَذَفَ غَيْرَ عَفِيفَةٍ. (وَشَرْطُهُ) : أَيْ اللِّعَانِ (التَّعْجِيلُ) : أَيْ تَعْجِيلُهُ بَعْدَ عِلْمِهِ (فِي الْحَمْلِ أَوْ الْوَلَدِ) . (وَ) شَرْطُهُ: (عَدَمُ الْوَطْءِ) لَهَا (مُطْلَقًا) فِي الْحَمْلِ وَالْوَلَدِ وَالرُّؤْيَةِ، (فَإِنْ وَطِئَ) الْمَرْأَةَ الْمُلَاعَنَةَ (بَعْدَ عِلْمِهِ بِحَمْلٍ) مِنْ غَيْرِهِ (أَوْ وَضْعٍ أَوْ رُؤْيَةٍ) لَهَا تَزْنِي، (أَوْ أَخَّرَ) لِعَانَهَا وَلَوْ يَوْمًا (بِلَا عُذْرٍ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْأَوَّلَيْنِ) أَيْ الْحَمْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَجَابَ الدَّاوُدِيُّ بِأَنَّ مَالِكًا لَمْ يَبْلُغْهُ هَذَا الْحَدِيثُ، وَأَجَابَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ الْمَقْذُوفَ لَمْ يَطْلُبْ حَقَّهُ، وَذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ اعْتَذَرَ عَنْهُ بِأَنَّ شَرِيكًا كَانَ يَهُودِيًّا، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ (اهـ - بْن) . نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِقَذْفِهِ] : أَيْ بَعْدَ إعْلَامِ الْمَقْذُوفِ بِأَنَّ فُلَانًا قَذَفَهُ بِامْرَأَتِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْتَرِفُ أَوْ يَعْفُو لِإِرَادَةِ السِّتْرِ وَلَوْ بَلَغَ الْإِمَامَ. تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: إنْ كَرَّرَ بَعْدَ اللِّعَانِ قَذْفَهَا بِمَا رَمَاهَا بِهِ أَوْ لَا، فَلَا يُحَدُّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَذَفَهَا بِأَمْرٍ آخَرَ أَوْ بِمَا هُوَ أَعْلَمُ فَإِنَّهُ يُحَدُّ. الثَّانِي: حَيْثُ اسْتَلْحَقَ الْأَبُ الْوَلَدَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّ الْمُسْتَلْحَقَ يَرِثُهُ إنْ كَانَ لِذَلِكَ وَلَدٌ حُرٌّ مُسْلِمٌ وَلَوْ بِنْتًا، أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقَلَّ الْمَالُ الَّذِي يَحُوزُهُ الْمُسْتَلْحَقُ، قَالَ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ تُتْبَعَ التُّهْمَةُ فَقَدْ يَكُونُ السُّدُسُ كَثِيرًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَرِثَ، وَلَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَالُ كُلُّهُ يَسِيرًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَرِثَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ، وَمَفْهُومُ قَوْلِنَا: " بَعْدَ الْمَوْتِ " أَنَّهُ لَوْ اسْتَلْحَقَهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ ذَلِكَ الْوَلَدُ، فَإِنَّ الْأَبَ يَرِثُهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَهَذَا التَّفْصِيلُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمِيرَاثِ، وَأَمَّا النَّسَبُ فَثَابِتٌ بِاعْتِرَافِهِ مُطْلَقًا وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِ الِاسْتِلْحَاقِ قَوْلُهُ: [بَعْدَ عِلْمِهِ فِي الْحَمْلِ أَوْ الْوَلَدِ] : أَيْ فَيَجْعَلُ اللِّعَانَ لِنَفْيِ الْحَمْلِ وَالْوَلَدِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَانٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَرْأَةِ فِي الْعِصْمَةِ أَوْ مُطَلَّقَةً كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ أَمْ لَا، كَانَتْ حَيَّةً أَوْ مَيِّتَةً، بِخِلَافِ اللِّعَانِ لِلرُّؤْيَةِ فَإِنَّ شَرْطَهُ أَنْ تَكُونَ فِي الْعِصْمَةِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ، فَمَتَى رَمَاهَا وَهِيَ فِي الْعِصْمَةِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ لَاعَنَ، وَلَوْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَإِنْ ادَّعَى بَعْدَ الْعِدَّةِ أَنَّهُ رَأَى فِيهَا أَوْ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا فَلَا لِعَانَ.

أَوْ الْوَضْعِ، (امْتَنَعَ) لِعَانُهُ لَهَا وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ، فَالْمَانِعُ فِي الرُّؤْيَةِ الْوَطْءُ فَقَطْ لَا التَّأْخِيرُ. (وَ) شَرْطُهُ: (أَشْهَدُ، فِي الْأَرْبَعِ) مَرَّاتِ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا (وَاللَّعْنُ مِنْهُ) فِي الْخَامِسَةِ وَالْغَضَبُ مِنْهَا فِي الْخَامِسَةِ. (وَ) شَرْطُهُ (بَدْؤُهُ) بِالْحَلِفِ (عَلَيْهَا) فَإِنْ بَدَأَتْ بِهِ أَعَادَتْ بَعْدَهُ كَمَا يَأْتِي، وَلَا يَكْفِي مَا وَقَعَ مِنْهَا ابْتِدَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَوْلِ الشَّيْخِ وَفِي إعَادَتِهَا إنْ بَدَأَتْ خِلَافٌ مُعْتَرِضٌ، بِأَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَمْ يُرَجِّحْهُ أَحَدٌ. ثُمَّ بَيَّنَ كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (فَيَقُولُ) الزَّوْجُ: (أَشْهَدُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ (بِاَللَّهِ) ، وَلَا يُشْتَرَطُ زِيَادَةُ " الَّذِي لَا إلَه إلَّا هُوَ "، (لَزَنَتْ) فِي الرُّؤْيَةِ وَنَفْيِ الْحَمْلِ (أَرْبَعًا) مِنْ الْمَرَّاتِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يَقُولُ فِي رُؤْيَتِهَا الزِّنَا: لَرَأَيْتهَا تَزْنِي، وَفِي نَفْيِ الْحَمْلِ: مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي، وَهُوَ أَوْجُهٌ، وَلِذَا مَشَى عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [امْتَنَعَ لِعَانُهُ لَهَا] : وَلَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَبَقِيَتْ زَوْجَةً، سَوَاءً كَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً، وَيُحَدُّ لِلْمُسْلِمَةِ وَلَيْسَ مِنْ الْعُذْرِ تَأْخِيرُهُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ رِيحًا فَيَنْفَشُّ خِلَافًا لِابْنِ الْقَصَّارِ. قَوْلُهُ: [وَشَرْطُهُ أَشْهَدُ فِي الْأَرْبَعِ] : أَيْ بِأَنْ يَقُولَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَرَأَيْتهَا تَزْنِي إلَخْ. قَوْلُهُ: [بِأَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ] إلَخْ: تَصْوِيرٌ لِلِاعْتِرَاضِ أَيْ مَعَ أَنَّ الشَّيْخَ خَلِيلًا قَالَ: وَحَيْثُ قُلْتُ خِلَافٌ فَذَلِكَ لِلِاخْتِلَافِ فِي التَّشْهِيرِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُشْتَرَطُ زِيَادَةُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ] : أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ خِلَافًا لِابْنِ الْمَوَّازِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يَزِيدُهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَثْنَى اللِّعَانُ مِمَّا يَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ أَنَّ الْيَمِينَ فِي كُلِّ حَقٍّ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا زِيَادَةُ الْبَصِيرِ فِي لِعَانِهِ لِلرُّؤْيَةِ أَنْ يَقُولَ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِزِيَادَةِ ذَلِكَ، وَفِي لُزُومِ زِيَادَةٍ وَإِنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ وَعَدَمِ لُزُومِهَا قَوْلَانِ، وَالصَّوَابُ اللُّزُومُ لِوُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ. قَوْلُهُ: [يَقُولُ فِي رُؤْيَتِهَا الزِّنَا لَرَأَيْتهَا تَزْنِي] : أَيْ إذَا كَانَ بَصِيرًا، وَأَمَّا الْأَعْمَى فَيَقُولُ لَعَلِمْتُهَا أَوْ تَيَقَّنْتهَا. قَوْلُهُ: [وَهُوَ أَوْجُهُ] : وَجْهُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَلْزَمَ مِنْ نَفْيِ الْحَمْلِ كَوْنُهَا زَنَتْ، لِأَنَّ

الشَّيْخُ (وَخَمَّسَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ) عَلَيْهَا، (أَوْ إنْ كُنْتُ كَذَبْتُهَا) : أَيْ كَذَبْتُ عَلَيْهَا. (فَتَقُولُ) بَعْدَهُ: (أَشْهَدُ بِاَللَّهِ مَا زَنَيْتُ، أَوْ مَا رَآنِي أَزْنِي، وَتُخَمِّسُ بِغَضَبِ اللَّهِ عَلَيْهَا) : أَيْ تَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: غَضَبُ اللَّهِ أَوْ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا (إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ) فِيمَا رَمَانِي بِهِ، (وَأَعَادَتْ) الزَّوْجَةُ يَمِينَهَا (بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ حَلِفِ زَوْجِهَا (إنْ ابْتَدَأَتْ) بِالْيَمِينِ قَبْلَهُ، قَالَهُ أَشْهَبُ، وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَكْفِي وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. (وَأَشَارَ الْأَخْرَسُ) مِنْهُمَا بِالْيَمِينِ وَتَكْفِيهِ الْإِشَارَةُ (أَوْ كَتَبَ) إنْ كَانَ يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ. (وَ) شَرْطُهُ: (حُضُورُ جَمَاعَةٍ) لِلَعَّانِ (أَقَلُّهَا أَرْبَعَةٌ) مِنْ الْعُدُولِ. (وَنُدِبَ) إيقَاعُهُ (إثْرَ صَلَاةٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ الرَّدْعِ وَالرَّهْبَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَمْلَ قَدْ يَأْتِي مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ إلَّا أَنْ يَتَسَمَّحَ، وَيُرَادَ بِالزِّنَا إصَابَةُ الْغَيْرِ لَهَا. قَوْلُهُ: [أَوْ مَا رَآنِي] إلَخْ: اُلْتُفِتَ لِطَرِيقَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ. قَوْلُهُ: [أَيْ تَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ غَضَبُ اللَّهِ عَلَيْهَا] : يَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي أَوْ بِصِيغَةِ الْمَصْدَرِ، وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ اللَّعْنُ فِي خَامِسَةِ الرَّجُلِ وَالْغَضَبُ فِي خَامِسَةِ الْمَرْأَةِ، لِأَنَّ الرَّجُلَ مُبْعِدٌ لِأَهْلِهِ وَهِيَ الزَّوْجَةُ وَلِوَلَدِهِ الَّذِي نَفَاهُ بِاللِّعَانِ فَنَاسَبَهُ التَّعْبِيرُ بِاللَّعْنَةِ، لِأَنَّ اللَّعْنَ مَعْنَاهُ الْبُعْدُ، وَالْمَرْأَةُ مُغْضِبَةٌ لِزَوْجِهَا وَلِأَهْلِهَا وَلِرَبِّهَا فَنَاسَبَهَا التَّعْبِيرُ بِالْغَضَبِ. قَوْلُهُ: [وَأَشَارَ الْأَخْرَسُ] : أَيْ وَكَرَّرَ الْإِشَارَةَ أَرْبَعًا وَيُخَمِّسُ بِاللَّعْنَةِ. قَوْلُهُ: [بِالْيَمِينِ] : أَيْ الْحَلِفِ فَالْبَاءُ بِمَعْنَى اللَّامِ. قَوْلُهُ: [أَوْ كَتَبَ] : أَيْ وَيُكَرِّرُ الْكِتَابَةَ أَرْبَعًا وَيُخَمِّسُ بِاللَّعْنَةِ. قَوْلُهُ: [وَشَرْطُهُ حُضُورُ جَمَاعَةٍ] : أَيْ لِأَنَّ اللِّعَانَ شَعِيرَةٌ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَخَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِهِ وَمِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ، فَكَانَ أَقَلُّ مَا تَظْهَرُ بِهِ تِلْكَ الشَّعِيرَةُ أَرْبَعَةَ عُدُولٍ، إلَّا أَنَّ حُضُورَ الْجَمَاعَةِ الْمَذْكُورَةِ لِاحْتِمَالِ نُكُولِهِ أَوْ إقْرَارِهَا، لِأَنَّ النُّكُولَ وَالْإِقْرَارَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ اللَّقَانِيُّ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّهُمَا لَا يَثْبُتَانِ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ

(وَ) نُدِبَ (بَعْدَ) صَلَاةِ (الْعَصْرِ) : لِأَنَّهَا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى عَلَى مَا رُجِّحَ. (وَ) نُدِبَ (تَخْوِيفُهُمَا) بِالْوَعْظِ بِأَنْ يُقَالَ لَهُمَا: إنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْحَلِفِ بِاَللَّهِ كَاذِبًا فِيهِ الْوَبَالُ الْأُخْرَوِيُّ وَالدُّنْيَوِيُّ، وَالِاعْتِرَافُ بِالْحَقِّ فِيهِ النَّجَاةُ وَإِنْ لَزِمَهُ الْحَدُّ، لِأَنَّهُ يَكُونُ كَفَّارَةً لَهُ نَحْوَ ذَلِكَ، (وَخُصُوصًا) يُنْدَبُ التَّخْوِيفُ (عِنْدَ الْخَامِسَةِ) . (وَ) نُدِبَ (الْقَوْلُ) لَهُمَا عِنْدَهَا (بِأَنَّهَا الْمُوجِبَةُ لِلْعَذَابِ) بِنُزُولِ اللَّعْنَةِ أَوْ الْغَضَبِ عَلَى الْكَاذِبِ. (وَالْمُسْلِمُ) يُلَاعِنُ وُجُوبًا (بِالْمَسْجِدِ) لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْأَمَاكِنِ فَيُغْلِظُ فِيهِ بِهِ، (وَالذِّمِّيَّةُ) تُلَاعِنُ زَوْجَهَا الْمُسْلِمَ (بِالْكَنِيسَةِ) أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ بَيْعَةَ الْيَهُودِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِأَنَّهَا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى] : فَإِنْ قُلْت: هَذَا التَّرْجِيحُ مَوْجُودٌ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، بَلْ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنَّهَا الصُّبْحُ. أُجِيبُ بِأَنَّ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَقْتُ نَوْمٍ وَلَيْسَ وَقْتَ تَصَرُّفٍ وَلَا اجْتِمَاعٍ وَإِنْ كَانَ فَضْلُهَا عَظِيمًا. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ تَخْوِيفُهُمَا] : أَيْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي اللِّعَانِ عِنْدَ الْأُولَى وَعِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ، وَخُصُوصًا عِنْدَ الْخَامِسَةِ، كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَتَبِعَهُ خَلِيلٌ وَالْمُصَنِّفُ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَا أَعْرِفُ كَوْنَهُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَعَزَاهُ عِيَاضٌ لِلشَّافِعِيِّ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ قَوْلُهُ: [بِنُزُولِ اللَّعْنَةِ أَوْ الْغَضَبِ عَلَى الْكَاذِبِ] : أَيْ فَتَكُونُ خَامِسَةُ الرَّجُلِ مُوجِبَةً لِلْعَذَابِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ كَاذِبًا، وَعَلَيْهَا إنْ كَانَتْ كَاذِبَةً، وَخَامِسَةُ الْمَرْأَةِ كَذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِالْعَذَابِ كَمَا قَالَ الْخَرَشِيُّ: الرَّجْمُ أَوْ الْجَلْدُ عَلَى الْمَرْأَةِ إنْ لَمْ تَحْلِفْ، وَعَلَى الرَّجُلِ إنْ لَمْ يَحْلِفْ (اهـ) . وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ بِالْعَذَابِ عَذَابُ الْآخِرَةِ لَا عَذَابُ الدُّنْيَا أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ. قَوْلُهُ: [بِالْمَسْجِدِ] : أَيْ الْجَامِعِ وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِدُونِهِ وَهُوَ وَاجِبٌ شَرْطًا. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْأَمَاكِنِ] : وَأَصْلُ اللِّعَانِ أَنْ يَكُونَ فِي أَشْرَفِ الْأَمَاكِنِ وَلَوْ بِحَسَبِ زَعْمِ الْحَالِفِ فَلِذَلِكَ تُلَاعِنُ الذِّمِّيَّةُ فِي كَنِيسَتِهَا قَوْلُهُ: [وَالذِّمِّيَّةُ تُلَاعِنُ زَوْجَهَا الْمُسْلِمَ] إلَخْ: وَهَلْ تُجْبَرُ عَلَى الْكَنِيسَةِ كَمَا

(فَإِنْ نَكَلَتْ أُدِّبَتْ) وَلَمْ تُحَدَّ، (وَرُدَّتْ) بَعْدَ تَأْدِيبِهَا (لِأَهْلِ دِينِهَا) لِيَفْعَلُوا بِهَا مَا يَرَوْنَهُ عِنْدَهُمْ، وَشَبَّهَ فِي التَّأْدِيبِ قَوْلَهُ: (كَقَوْلِهِ) أَيْ الزَّوْجِ: (وَجَدْتهَا) أَيْ الزَّوْجَةَ (مَعَ رَجُلٍ فِي لِحَافٍ) أَوْ مُتَجَرِّدَيْنِ، فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ وَلَوْ قَالَهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ لَحُدَّ. (وَإِنْ رَمَاهَا) أَيْ رَمَى الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ (بِغَصْبٍ) بِأَنْ قَالَ لَهَا: غُصِبْتِ عَلَى الزِّنَا، (أَوْ شُبْهَةٍ) بِأَنْ قَالَ: وَطِئَهَا فُلَانٌ أَوْ رَجُلٌ ظَنَّتْهُ إيَّايَ، وَأَنْكَرَتْ أَوْ صَدَّقَتْهُ (فَإِنْ ثَبَتَ) بِبَيِّنَةٍ (أَوْ ظَهَرَ) لِلنَّاسِ (الْتَعَنَ) الزَّوْجُ فَقَطْ دُونَهَا، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَفَائِدَةُ لِعَانِهِ نَفْيُ الْوَلَدِ عَنْهُ. (كَصَغِيرَةٍ تُوطَأُ) : أَيْ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا إذَا رَمَاهَا زَوْجُهَا بِرُؤْيَةِ الزِّنَا بِهَا فَإِنَّهُ يَلْتَعِنُ فَقَطْ، (وَلَا تَفْرِيقَ) بَيْنَهُمَا لِأَنَّ التَّفْرِيقَ إنَّمَا هُوَ بِلِعَانِهِمَا مَعًا. (فَإِنْ أَبَى) فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ مِنْ اللِّعَانِ (لَمْ يُحَدَّ) لِلْقَذْفِ لِفَقْدِ التَّكْلِيفِ فِي الْأَخِيرَةِ وَحَقِيقَةِ الزِّنَا فِي الْأَوَّلَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُجْبَرُ الْمُسْلِمُ عَلَى الْمَسْجِدِ أَوْ لَا تُجْبَرُ؟ خِلَافٌ. قَوْلُهُ: [أُدِّبَتْ وَلَمْ تُحَدَّ] : أَيْ لِأَنَّ الْحُدُودَ شُرُوطُهَا إسْلَامُ الْمَحْدُودِ. قَوْلُهُ: [كَقَوْلِهِ أَيْ الزَّوْجِ] إلَخْ: أَيْ فَيُؤَدَّبُ لِذَلِكَ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا يُلَاعِنُ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ قَالَهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ] إلَخْ: قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: الْفَرْقُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْأَجْنَبِيِّ، أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ يَقْصِدُ الْإِذَايَةَ الْمَحْضَةَ، وَالزَّوْجُ قَدْ يُعْذَرُ بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى صِيَانَةِ النَّسَبِ. وَعَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ حَدِّ الْأَجْنَبِيِّ دُونَ الزَّوْجِ يُلْغَزُ وَيُقَالُ: قَذْفُ الْأَجْنَبِيَّةِ لَا يُحَدُّ فِيهِ الزَّوْجُ وَلَا لِعَانَ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ قَذْفٍ لِأَجْنَبِيَّةٍ لَوْ قَذَفَ بِهِ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ فِيهِ الْحَدُّ إنْ لَمْ يُلَاعِنْ؟ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ غَيْرُ مُطَّرِدَةٍ قَوْلُهُ: [كَصَغِيرَةٍ تُوطَأُ] : احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ تُوطَأُ عَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تُوطَأُ، فَإِنَّ زَوْجَهَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا لِعَانَ لِعَدَمِ لُحُوقِ الْمَعَرَّةِ. قَوْلُهُ: [لِفَقْدِ التَّكْلِيفِ فِي الْأَخِيرَةِ] : أَيْ وَالزِّنَا الْمُوجِبُ لِلْحُدُودِ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ مُكَلَّفٍ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهَا صَبِيَّةٌ هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِهِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ الْخَرَشِيُّ: أَنَّ الصَّغِيرَةَ الَّتِي تُوطَأُ يُلَاعِنُ فِيهَا لِنَفْيِ الْحَدِّ عَنْ نَفْسِهِ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا نَكَلَ عَنْ اللِّعَانِ

[حكم اللعان]

(وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَثْبُتْ مَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الْغَصْبِ أَوْ الشُّبْهَةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ لِلنَّاسِ الْتَعَنَا مَعًا وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا (وَتَقُولُ فِي لِعَانِهَا) : مَا زَنَيْتُ (وَلَقَدْ غُلِبْتُ) هَذَا (إنْ صَدَّقَتْهُ) وَتَقُولُ مَا زَنَيْتُ (وَمَا غُلِبْتُ إنْ أَنْكَرَتْ، وَحُدَّا لَنَا كُلٌّ مِنْهُمَا) فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. (وَحُكْمُهُ) أَيْ اللِّعَانِ أَيْ ثَمَرَتُهُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَيْهِ (رَفْعُ الْحَدِّ) عَنْ الزَّوْجِ إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً مُسْلِمَةً، (أَوْ) رَفْعُ (الْأَدَبِ) عَنْهُ (فِي) الزَّوْجَةِ (الْأَمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحُدَّ فَلَا يَنْتَفِي الْحَدُّ عَنْهُ بِنُكُولِهِ إلَّا إذَا كَانَتْ لَا تُوطَأُ، فَقَوْلُ شَارِحِنَا فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ لَا يَظْهَرُ فِي الْأَخِيرَةِ. قَوْلُهُ: [وَتَقُولُ فِي لِعَانِهَا مَا زَنَيْتُ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ بِالْبَيِّنَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ لِلنَّاسِ فَتُلَاعَنُ الزَّوْجَةِ وَلَوْ صَدَّقَتْهُ عَلَى الْغَصْبِ أَوْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ، وَتَقُولُ فِي لِعَانِهَا: مَا زَنَيْتُ وَلَقَدْ غُلِبْت وَإِنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ، وَتَقُولُ فِي خَامِسَتِهَا: غَضَبُ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ مِنْ الْكَاذِبِينَ، هَذَا إنْ صَدَّقَتْهُ، وَتَقُولُ إنْ كَذَّبَتْهُ: مَا زَنَيْتُ وَمَا غُلِبْتُ وَإِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ، وَتَقُولُهُ فِي خَامِسَتِهَا: غَضَبُ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ، وَيَقُولُ الزَّوْجُ: لَقَدْ غُصِبَتْ أَوْ وُطِئَتْ وَطْءَ شُبْهَةٍ. وَثَمَرَةُ لِعَانِهِ نَفْيُ الْوَلَدِ عَنْهُ، وَثَمَرَةُ لِعَانِهَا نَفْيُ الْحَدِّ عَنْهَا لِأَنَّهَا إنْ نَكَلَتْ حُدَّتْ، سَوَاءً صَدَّقَتْهُ أَوْ كَذَّبَتْهُ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ اعْتَرَفَتْ بِالْوَطْءِ غَصْبًا أَوْ شُبْهَةً، وَمَنْ اعْتَرَفَ بِالزِّنَا عَلَى وَجْهِ الْغَصْبِ أَوْ الشُّبْهَةِ حُدَّ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَحُدَّ النَّاكِلُ مِنْهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ] : حَدُّ الرَّجُلِ لَا يَظْهَرُ إلَّا إذَا كَانَتْ مُكَذِّبَةً لَهُ فِي دَعْوَى الْغَصْبِ أَوْ الشُّبْهَةِ. [حُكْمُ اللِّعَانِ] قَوْلُهُ: [أَيْ ثَمَرَتُهُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَيْهِ] : وَهِيَ سِتَّةٌ: ثَلَاثَةٌ مُرَتَّبَةٌ عَلَى لِعَانِ الزَّوْجِ. الْأَوَّلُ: رَفْعُ الْحَدِّ عَنْهُ إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً مُسْلِمَةً، أَوْ رَفْعُ الْأَدَبِ عَنْهُ فِي الْأَمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ. وَالثَّانِي: إيجَابُ الْحَدِّ أَوْ الْأَدَبِ عَلَى الْمَرْأَةِ إنْ نَكَلَتْ بَعْدَ لِعَانِهِ. وَالثَّالِثُ: قَطْعُ نَسَبِهِ مِنْ حَمْلٍ ظَاهِرٍ أَوْ سَيَظْهَرُ، وَثَلَاثَةٌ مُرَتَّبَةٌ عَلَى لِعَانِهَا: الْأَوَّلُ تَأْبِيدُ حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ وَفَسْخُ النِّكَاحِ وَرَفْعُ الْحَدِّ عَنْهَا. قَوْلُهُ: [إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُسْلِمَةً] : أَيْ مُطِيقَةً لِلْوَطْءِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَالِغَةً، قَوْلُهُ وَإِنْ مَلَكَتْ إلَخْ مُبَالَغَةٌ فِي تَأْبِيدِ حُرْمَتِهَا أَيْ فَبِمُجَرَّدِ تَمَامِ لِعَانِهَا بَعْدَ لِعَانِهِ

وَالذِّمِّيَّةِ، وَإِيجَابُهُ) أَيْ الْحَدِّ (عَلَيْهَا إنْ نَكَلَتْ، وَقَطْعُ النَّسَبِ) بِوَلَدِهَا عَنْهُ. (وَبِلِعَانِهَا) : أَيْ بِتَمَامِهِ (يَجِبُ تَأْبِيدُ حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ وَإِنْ مُلِكَتْ) لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ غَيْرِهِمَا إذَا كَانَتْ أَمَةً، (أَوْ انْفَشَّ حَمْلُهَا) الَّذِي لَاعَنَ لِأَجْلِهِ. (وَإِنْ اسْتَلْحَقَ) الزَّوْجُ الْمُلَاعِنُ (أَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ لَحِقَا) مَعًا وَحُدَّ لِأَنَّهُمَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْوَلَدَيْنِ (سِتَّةٌ) مِنْ الْأَشْهُرِ فَأَكْثَرَ (فَبَطْنَانِ) ، أَيْ لَيْسَا بِتَوْأَمَيْنِ فَاسْتِلْحَاقُ الْأَوَّلِ لَا يَسْتَلْزِمُ اسْتِلْحَاقَ الثَّانِي، وَالثَّانِي مِنْ زِنًا قَطْعًا فَلَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ وَلَا يُحْتَاجُ فِي ذَلِكَ لِسُؤَالِ النِّسَاءِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْعِدَّةِ وَأَحْكَامِهَا فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQتَتَأَبَّدُ حُرْمَتُهَا، وَإِنْ مَلَكَتْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ انْفَشَّ حَمْلُهَا الَّذِي لَاعَنَ لِأَجْلِهِ فَلَا تَحِلُّ أَبَدًا. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُمَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ] : أَيْ حَيْثُ كَانَ بَيْنَ وَضْعَيْهِمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَإِلَّا لَمْ يَكُونَا تَوْأَمَيْنِ. قَوْلُهُ: [سِتَّةٌ مِنْ الْأَشْهُرِ] : أَيْ أَوْ سِتَّةٌ إلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ. قَوْلُهُ: [فَاسْتِلْحَاقُ الْأَوَّلِ لَا يَسْتَلْزِمُ اسْتِلْحَاقَ الثَّانِي] : أَيْ وَالْفُرُوضُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأَوَّلِ وَنَفَى الثَّانِيَ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُحْتَاجُ فِي ذَلِكَ لِسُؤَالِ النِّسَاءِ] : رَدَّ بِذَلِكَ عَلَى خَلِيلٍ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَنَّهُ يُسْأَلُ فِيهِ النِّسَاءُ، وَوَجْهُ عَدَمِ سُؤَالِ النِّسَاءِ أَنَّ السِّتَّةَ حَيْثُ كَانَتْ قَاطِعَةً شَرْعًا لِلثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ، فَلَا مَعْنَى لِلرُّجُوعِ لِلنِّسَاءِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ السِّتَّةَ قَاطِعَةٌ وَمُوجِبَةٌ لِلْحَدِّ مَا لَمْ تُسْأَلْ النِّسَاءُ وَقُلْنَ: يَتَأَخَّرُ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ دُرِئَ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ سُؤَالَهُنَّ شُبْهَةٌ فَمُفَادُ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ النِّسَاءَ لَا يُطْلَبُ سُؤَالُهُنَّ ابْتِدَاءً، بَلْ لَوْ وَقَعَ وَنَزَلَ وَسُئِلَ النِّسَاءُ وَقُلْنَ يَتَأَخَّرُ دُرِئَ الْحَدُّ.

[باب في العدة وأحكامها]

بَابُ فِي الْعِدَّةِ وَأَحْكَامِهَا (الْعِدَّةُ) لِلْمُطَلَّقَةِ أَوْ مَنْ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا: (مُدَّةٌ) مِنْ الزَّمَنِ (مُعِينَةٌ شَرْعًا) أَيْ عَيَّنَهَا الشَّارِعُ، (لِمَنْعِ الْمُطَلَّقَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا) دُونَ غَيْرِهَا، (وَ) لِمَنْعِ (الْمُتَوَفَّى عَنْهَا) أَيْ مَنْ مَاتَ زَوْجُهَا (مِنْ النِّكَاحِ) : مُتَعَلِّقٌ بِمَنْعٍ، أَيْ لِأَجْلِ مَنْعِهَا مِنْ نِكَاحِ غَيْرِهِ؛ فَسَبَبُهَا طَلَاقٌ أَوْ مَوْتٌ. وَأَنْوَاعُهَا ثَلَاثَةٍ: وَضْعُ حَمْلٍ، وَأَقْرَاءٌ، وَأَشْهُرٌ. بَيَّنَهَا فِي قَوْلِهِ: (وَهِيَ) : أَيْ الْعِدَّةُ (لِلْحَامِلِ مُطْلَقًا) : مُطَلَّقَةً أَوْ مُتَوَفًّى عَنْهَا، (وَضْعُ حَمْلِهَا كُلِّهِ) فَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّدًا فَبِانْفِصَالِ الْأَخِيرِ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ فِي الْعِدَّةِ وَأَحْكَامِهَا] [تَعْرِيف الْعِدَّة وأنواعها] بَابٌ لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى النِّكَاحِ وَعَلَى مُحَلِّلَاته مِنْ طَلَاقٍ وَفَسْخٍ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى تَوَابِعِهِ مِنْ عِدَّةٍ وَاسْتِبْرَاءٍ وَنَفَقَةٍ وَسُكْنَى وَغَيْرِهَا، وَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الْعِدَّةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْعَدَدِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ، لِأَنَّهَا آكَدُ تَوَابِعِ النِّكَاحِ. قَوْلُهُ: [الْمَدْخُولُ بِهَا] : أَيْ حَيْثُ كَانَتْ مُطِيقَةً وَالزَّوْجُ بَالِغٌ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَلِمَنْعِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا، بَلْ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ صَبِيًّا. قَوْلُهُ: [وَأَنْوَاعُهَا ثَلَاثَةٌ] : أَيْ وَأَمَّا أَصْحَابُهَا فَمُعْتَادَةٌ وَآيِسَةٌ وَصَغِيرَةٌ وَمُرْتَابَةٌ لِغَيْرِ سَبَبٍ. أَوْ بِهِ مِنْ رَضَاعٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ اسْتِحَاضَةٍ. قَوْلُهُ: [وَضْعُ حَمْلِهَا كُلِّهِ] : أَيْ لَا بَعْضِهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ ثُلُثَيْهِ، خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ الْقَائِلِ: إنَّهَا تَحِلُّ بِوَضْعِ ثُلُثَيْ الْحَمْلِ بِنَاءً عَلَى تَبَعِيَّةِ الْأَقَلِّ لِلْأَكْثَرِ، وَخُولِفَتْ قَاعِدَةُ تَبَعِيَّةِ الْأَقَلِّ لِلْأَكْثَرِ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ لِلِاحْتِيَاطِ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ مَاتَ الْوَلَدُ بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِهِ وَقُطِعَ ذَلِكَ الْبَعْضُ الْخَارِجُ، فَعَلَى الْمُعْتَمَدِ عِدَّتُهَا بَاقِيَةٌ مَا دَامَ فِيهَا عُضْوٌ مِنْهُ، وَعِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ تَحِلُّ

فَبِانْفِصَالِهِ. وَلِزَوْجِهَا مُرَاجَعَتُهَا بَعْدَ بُرُوزِهِ، وَقَبْلَ انْفِصَالِهِ عَنْهَا. فَإِذَا وَضَعَتْهُ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ وَلَوْ بَعْدَ لَحْظَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَوْ الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَضَعَتْ قَبْلَهُمَا وَلَوْ بِلَحْظَةٍ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ لَاحِقًا بِالزَّوْجِ، فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ مِنْ زِنًا فَأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ الْأَشْهُرُ أَوْ الْأَقْرَاءُ أَوْ وَضْعُ الْحَمْلِ، وَتَحْتَسِبُ بِالْأَشْهُرِ مِنْ يَوْمِ الْوَفَاةِ وَبِالْأَقْرَاءِ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ، فَلَوْ حَاضَتْ حَالَ حَمْلِهَا فَلَا تَعْتَدُّ بِهِ. (وَلَوْ) وَضَعَتْ (عَلَقَةً) وَهُوَ دَمٌ اُجْتُمِعَ، وَعَلَامَةُ أَنَّهُ عَلَقَةٌ أَنَّهُ لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ حَارٌّ لَا يَذُوبُ. (وَإِلَّا) تَكُنْ حَامِلًا فَلَا يَخْلُو، إمَّا أَنْ تَكُونَ مُطَلَّقَةً أَوْ مُتَوَفًّى عَنْهَا مِنْ ذَوَاتِ الْحِيَضِ أَوْ لَا، حُرَّةً أَوْ أَمَةً. وَقَدْ أَشَارَ لِبَيَانِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (فَلِلْمُطَلَّقَةِ الْآيِسَةِ) مِنْ الْحَيْضِ كَبِنْتِ سَبْعِينَ سَنَةٍ (أَوْ الَّتِي لَمْ تَرَ الْحَيْضَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا كَانَ الْبَاقِي أَقَلَّ مِنْ الْخَارِجِ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ لَاحِقًا بِالزَّوْجِ] : أَيْ لَاحِقًا بِالْفِعْلِ. أَوْ يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ كَالْمَنْفِيِّ بِلِعَانٍ، فَتَحِلُّ بِوَضْعِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ مِنْ زِنًا] إلَخْ: أَيْ كَمَا لَوْ اسْتَبْرَأَهَا زَوْجُهَا مِنْ وَطْئِهِ بِحَيْضَةٍ ثُمَّ زَنَتْ وَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَمَاتَ زَوْجُهَا أَوْ طَلَّقَهَا، وَوَضَعَتْ، ذَلِكَ الْحَمْلَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْءِ الزِّنَا. قَوْلُهُ: [الْأَشْهُرُ] : أَيْ فِي الْمُطَلَّقَةِ الْآيِسَةِ أَوْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَقَوْلُهُ: أَوْ الْأَقْرَاءُ، أَيْ فِي الْمُطَلَّقَةِ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ: أَوْ وَضْعُ الْحَمْلِ، أَيْ فِي الْمُطَلَّقَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا. قَوْلُهُ: [مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ] : الَّذِي قَالَهُ فِي الْأَصْلِ أَنَّهَا تَعْتَبِرُ الْأَقْرَاءَ مِنْ يَوْمِ الْوَضْعِ، وَيُؤَيِّدُهُ تَفْرِيعُهُ هُنَا بِقَوْلِهِ: فَلَوْ حَاضَتْ إلَخْ، وَتَحْسِبُ الْوَضْعَ قُرْءًا أَوْ كَمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَكُلُّ هَذَا إذَا كَانَ الْحَمْلُ مِنْ زِنًا أَوْ غَصْبٍ، وَأَمَّا مِنْ شُبْهَةٍ فَيَهْدِمُ أَثَرَ نَفْسِهِ وَأَثَرُ الطَّلَاقِ كَمَا يَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ تَدَاخُلِ الْعِدَدِ. قَوْلُهُ: [كَبِنْتِ سَبْعِينَ سَنَةً] : أَيْ وَسُئِلَ النِّسَاءُ فِيمَا بَيْنَ الْخَمْسِينَ وَالسَّبْعِينَ فِي الدَّمِ النَّازِلِ، فَإِنْ قُلْنَ لَيْسَ بِحَيْضٍ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ، وَأَمَّا مَنْ انْقَطَعَ

أَصْلًا لِصِغَرِهَا، أَوْ لِكَوْنِ عَادَتِهَا عَدَمَ الْحَيْضِ، وَتُسَمَّى فِي عُرْفِ بَعْضِ النِّسَاءِ بِالْبَغْلَةِ (ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَلَوْ) كَانَتْ (رَقِيقًا. وَتُمِّمَ الْكَسْرُ مِنْ) الشَّهْرِ (الرَّابِعِ، وَأُلْغِيَ يَوْمُ الطَّلَاقِ) فَلَا يُحْسَبُ مِنْ الْعِدَّةِ؛ فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْفَجْرِ لَمْ يُحْسَبْ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ، فَإِنْ كَانَ مَبْدَأُ الْعِدَّةِ أَوَّلَ شَهْرٍ فَالثَّلَاثَةُ الْأَشْهُرُ، سَوَاءٌ كَانَتْ كَامِلَةً أَوْ نَاقِصَةً، أَوْ بَعْضُهَا وَإِنْ كَانَ مَبْدَؤُهَا لَيْسَ أَوَّلَ الشَّهْرِ، فَالشَّهْرَانِ بَعْدَهُ عَلَى مَا هُمَا عَلَيْهِ مِنْ نَقْصٍ أَوْ كَمَالٍ، وَاَلَّذِي طَلُقَتْ فِيهِ إنْ جَاءَ كَامِلًا فَظَاهِرٌ، وَإِنْ جَاءَ نَاقِصًا زَادَتْ يَوْمًا مِنْ الرَّابِعِ. (وَلِذَاتِ الْحَيْضِ) الْمُطَلَّقَةِ (ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ أَطْهَارٌ) أَقَلُّهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَهُوَ بَيَانٌ لِلْقُرُوءِ، وَالْقَرْءُ - بِفَتْحِ الْقَافِ وَقَدْ تُضَمُّ - يُطْلَقُ عَلَى الْحَيْضِ وَعَلَى الطُّهْرِ، (إنْ كَانَتْ) الْمُطَلَّقَةُ (حُرَّةً، وَإِلَّا) تَكُنْ حُرَّةً بِأَنْ كَانَتْ أَمَةً وَلَوْ بِشَائِبَةٍ (فَقَرْءَانِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَجَازَ ضَمُّهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَيْضُهَا بَعْدَ الْخَمْسِينَ فَلَا عِدَّةَ لَهَا إلَّا بِالْأَشْهُرِ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [لِصِغَرِهَا] : أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهَا مُطِيقَةٌ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُطِيقَةِ لَا عِدَّةَ إلَّا فِي الْوَفَاةِ. قَوْلُهُ: [وَتُسَمَّى فِي عُرْفِ بَعْضِ النِّسَاءِ بِالْبَغْلَةِ] : يُكَنُّونَ بِذَلِكَ عَنْ عَدَمِ وِلَادَتِهَا، لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى مَنْ لَا تَحِيضَ عَدَمُ الْوِلَادَةِ فَلَهَا شَبَهٌ بِالْبَغْلَةِ مِنْ حَيْثُ عَدَمِ الْوِلَادَةِ غَالِبًا. قَوْلُهُ: [ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ النِّكَاحُ الَّذِي اعْتَدَّتْ مِنْ طَلَاقِهِ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا، مُخْتَلِفًا فِي فَسَادِهِ أَوْ مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ، وَكَانَ يَدْرَأُ الْحَدَّ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ أُخْته غَيْرَ عَالِمٍ بِذَلِكَ وَفَسَخَ نِكَاحَهَا، وَإِلَّا كَانَ الْوَاجِبُ فِيهِ يُسَمَّى اسْتِبْرَاءٌ لَا عِدَّةٌ. قَوْلُهُ: [أَطْهَارٌ] : اعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ الْأَقْرَاءِ هِيَ الْأَطْهَارُ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ فِي أَنَّ الْأَقْرَاءَ هِيَ الْحَيْضُ، وَاسْتَدَلَّ الثَّلَاثَةُ أَنَّ وُجُودَ التَّاءِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَعْدُودَ مُذَكَّرٌ وَهُوَ الطُّهْرُ. وَأَخْذُ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ الَّذِي بِهِ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا حَقِيقَةٌ إنَّمَا هُوَ الْحَيْضُ لَا الطُّهْرُ، وَالْأَطْهَارُ بَدَلٌ أَوْ بَيَانٌ

[بيان شروط عدة المطلقة ة بالأشهر أو الأقراء]

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ شُرُوطِ عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ بِالْأَشْهُرِ أَوْ الْأَقْرَاءِ بِقَوْلِهِ: (إنْ اخْتَلَى بِهَا) زَوْجٌ (بَالِغٌ) لَا صَبِيٌّ إذْ خَلْوَتُهُ كَالْعَدَمِ، وَلَوْ وَطِئَهَا، وَسَوَاءٌ خَلْوَةُ الِاهْتِدَاءِ أَوْ خَلْوَةُ الزِّيَارَةِ، وَلَوْ حَالَ حَيْضِهَا أَوْ صَوْمِهَا أَوْ صَوْمِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَانِعِ الشَّرْعِيَّةِ، (غَيْرُ مَجْبُوبٍ) فَخَلْوَةُ الْمَجْبُوبِ كَالْعَدَمِ. (وَهِيَ) : أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الزَّوْجَةَ (مُطِيقَةٌ) لِلْوَطْءِ لَا إنْ لَمْ تَكُنْ مُطِيقَةً. (خَلْوَةً يُمْكِنُ فِيهَا الْوَطْءُ) عَادَةً (وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ الْوَطْءَ، لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى يُسْقِطُهَا مَا ذَكَرَ، (وَأَخَذَا بِإِقْرَارِهِمَا) أَيْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ أَقَرَّ بِنَفْيِهِ أَخَذَ بِإِقْرَارِهِ فِيمَا هُوَ حَقٌّ لَهُ، فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا يَتَكَمَّلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ قُرُوءٍ، وَلَيْسَ نَعْتًا لِعَدَمِ انْطِبَاقِ تَعْرِيفِ النَّعْتِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُشْتَقٍّ وَلَا مُؤَوَّلًا بِهِ، وَأَيْضًا الْأَصْلُ فِي النَّعْتِ التَّخْصِيصُ فَيُوهِمُ أَنَّ لَنَا أَقْرَاءً أَطْهَارًا، أَوْ أَقْرَاءً غَيْرَ أَطْهَارٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَكَوْنُهُ صِفَةً كَاشِفَةً خِلَافُ الْأَصْلِ، وَلَا يَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِالْإِضَافَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، وَإِنْ أَجَازَهَا الْكُوفِيُّونَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُتَضَايِفَيْنِ لَفْظًا وَالْقُرْءُ بِمَعْنَى الطُّهْرِ يُجْمَعُ عَلَى قُرُوءٍ كَثِيرًا وَعَلَى أَقْرَاءٍ قَلِيلًا. [بَيَانِ شُرُوطِ عدة الْمُطَلَّقَة ة بِالْأَشْهُرِ أَوْ الْأَقْرَاءِ] قَوْلُهُ: [عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ] : أَيْ وَأَمَّا عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا بُلُوغُ زَوْجِ وَلَا دُخُولٌ وَلَا إطَاقَةٌ مِنْهَا. قَوْلُهُ: [فَخَلْوَةُ الْمَجْبُوبِ كَالْعَدَمِ] : قَالَ الْقَرَافِيُّ: إذَا أَنْزَلَ الْخَصِيُّ أَوْ الْمَجْبُوبُ اعْتَدَّتْ زَوْجَتُهُمَا حَيْثُ حَصَلَتْ خَلْوَةٌ، وَاَلَّذِي قَالَهُ الْأَشْيَاخُ: أَنَّ الْمَقْطُوعَ ذَكَرُهُ يُسْأَلُ فِيهِ أَهْلُ الطِّبِّ إنْ كَانَ يُنْزِلُ، فَإِنْ قَالُوا: تَحْمِلُ زَوْجَتَهُ، اعْتَدَّتْ. وَالْمَقْطُوعُ أُنْثَيَاهُ تَعْتَدُّ مِنْ غَيْرِ سُؤَالِ أَحَدٍ. قَوْلُهُ: [مُطِيقَةٌ لِلْوَطْءِ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يُتَوَقَّعْ حَمْلُهَا كَبِنْتِ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ. قَوْلُهُ: [يُمْكِنُ فِيهَا الْوَطْءُ عَادَةً] : احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا كَانَ مَعَهَا نِسَاءٌ شَأْنُهُنَّ الْعِفَّةُ وَالْعَدَالَةُ، وَعَنْ خَلْوَةٍ تَقْتَصِرُ عَنْ زَمَنِ الْوَطْءِ كَلَحْظَةٍ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مَعَهَا فِي الْخَلْوَةِ شِرَارُ النِّسَاءِ لَوَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِأَنَّهَا قَدْ تُمَكِّنُ مِنْ نَفْسِهَا بِحَضْرَتِهِنَّ كَمَا قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا] : مُفَرَّعٌ عَلَى إقْرَارِهِ، وَقَوْلُهُ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا يَتَكَمَّلُ

لَهَا الصَّدَاقُ. (وَإِلَّا) بِأَنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِمَّا ذَكَرَ (فَلَا عِدَّةَ) عَلَيْهَا. (إلَّا أَنْ تُقِرَّ) الزَّوْجَةُ (بِهِ) : أَيْ بِالْوَطْءِ فَتَعْتَدُّ، بِخِلَافِ إقْرَارِهِ وَحْدَهُ مَعَ تَكْذِيبِهَا لَهُ وَلَمْ تَعْلَمْ خَلْوَةً فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. وَيُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ فَيَتَكَمَّلُ عَلَيْهِ الصَّدَاقُ وَتَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ. (أَوْ يَظْهَرُ بِهَا حَمْلٌ وَلَمْ يَنْفِهِ) : بِلِعَانٍ فَتَعْتَدُّ بِوَضْعِهِ، فَإِنْ نَفَاهُ بِهِ فَلَا عِدَّةَ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ إلَّا بِوَضْعِهِ. (وَإِنْ اسْتَحَاضَتْ) مُطَلَّقَةٌ (وَلَمْ تُمَيِّزْ) الْحَيْضَ مِنْ غَيْرِهِ، (أَوْ تَأَخَّرَ حَيْضُهَا) : أَيْ الْمُطَلَّقَةِ (لِغَيْرِ) عُذْرٍ أَوْ لِعُذْرٍ غَيْرِ (رَضَاعٍ، تَرَبَّصَتْ) : أَيْ مَكَثَتْ (سَنَةً) كَامِلَةً، (وَلَوْ) كَانَتْ (رَقِيقًا. وَحَلَّتْ) لِلْأَزْوَاجِ. فَعِدَّةُ الْمُسْتَحَاضَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنْهَا الْحَيْضُ - لَا لِعِلَّةٍ أَوْ لِعِلَّةٍ غَيْرِ رَضَاعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهَا الصَّدَاقُ مُفَرَّعٌ عَلَى إقْرَارِهَا. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ تُقِرَّ الزَّوْجَةُ بِهِ] : أَيْ بِوَطْءِ الْبَالِغِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ بَيْنَهُمَا خَلْوَةً، وَسَوَاءٌ كَذَّبَهَا أَوْ صَدَّقَهَا وَلَيْسَ هَذَا مُكَرَّرًا مَعَ قَوْلِهِ: وَأَخَذَ بِإِقْرَارِهِمَا لِأَنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الْخَلْوَةِ وَذَاكَ فِيهَا، وَالْمُقِرُّ بِهِ سَابِقًا النَّفْيُ وَالْمُقِرُّ بِهِ هُنَا الْوَطْءُ. قَوْلُهُ: [وَتَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ] : أَيْ وَالسُّكْنَى مُدَّةَ الْعِدَّةِ عَلَى فَرْضِ لُزُومِهَا لَهَا، وَالْحَقُّ أَنَّ مُؤَاخَذَتَهُ بِتَكْمِيلِ الصَّدَاقِ إنَّمَا تَكُونُ إنْ كَانَتْ سَفِيهَةً أَوْ رَشِيدَةً عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَأَمَّا النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى فَلَا يُؤَاخَذُ بِهَا مُطْلَقًا إلَّا إذَا صَدَقَتْهُ كَذَا فِي (بْن) نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [فَتَعْتَدُّ بِوَضْعِهِ] : أَيْ وَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى فِي الْعِدَّةِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ نَفَاهُ بِهِ فَلَا عِدَّةَ] : أَيْ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْعِدَّةِ مِنْ تَوَارُثٍ وَرَجْعَةٍ وَنَفَقَةٍ وَسُكْنَى، وَقَوْلُهُ: " وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ إلَّا بِوَضْعِهِ " فَلَا بُدَّ مِنْ وَضْعِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَكِنَّهُ يُسَمَّى اسْتِبْرَاءٌ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْعِدَّةِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَتْ رَقِيقًا] : رَدَّ ب " لَوْ " عَلَى مَنْ يَقُولُ إنَّ الْأَمَةَ الْمُسْتَحَاضَةَ الَّتِي لَمْ تُمَيِّزْ بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَاَلَّتِي تَأَخَّرَ حَيْضُهَا بِلَا سَبَبٍ أَوْ بِسَبَبِ مَرَضٍ عِدَّتُهَا شَهْرَانِ، وَعَلَى مَنْ يَقُولُ شَهْرٌ وَنِصْفٌ. وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الْحَمْلَ لَمَّا كَانَ لَا يَظْهَرُ فِي أَقَلِّ

سَنَةً كَامِلَةً. وَفِي الْحَقِيقَةِ تَمْكُثُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ لِزَوَالِ الرِّيبَةِ، لِأَنَّهَا مُدَّةُ الْحَمْلِ غَالِبًا تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ: " تَرَبَّصَتْ تِسْعَةً ثُمَّ اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةٍ ". (فَإِنْ رَأَتْهُ) : أَيْ رَأَتْ مَنْ تَتَأَخَّرُ حَيْضُهَا لِغَيْرِ رَضَاعِ الْحَيْضِ (فِيهَا) : أَيْ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ (انْتَظَرَتْ) الْحَيْضَةَ (الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ أَوْ تَمَامَ سَنَةٍ) بَعْدَ الثَّانِيَةِ، فَتَحِلُّ بِأَقْرَبِ الْأَجَلَيْنِ الْحَيْضِ أَوْ تَمَامِ السَّنَةِ، وَهَذَا فِيمَنْ تَأَخَّرَ حَيْضُهَا لِغَيْرِ رَضَاعٍ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ، وَأَمَّا مَنْ عَادَتُهَا الْحَيْضُ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مَرَّةً وَاحِدَةً فَتَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ قَطْعًا. (ثُمَّ إنْ احْتَاجَتْ) مَنْ تَأَخَّرَ حَيْضُهَا لِغَيْرِ رَضَاعٍ وَمَكَثَتْ سَنَةً وَتَزَوَّجَتْ (لِعِدَّةٍ) مِنْ طَلَاقٍ، (فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) عِدَّتُهَا (إنْ لَمْ تَحِضْ فِيهَا) : أَيْ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَشْهُرِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ حَاضَتْ فِيهَا (انْتَظَرَتْ) الْحَيْضَةَ (الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ أَوْ تَمَامَ السَّنَةِ) أَيْ سَنَةً بَيْضَاءَ لَا دَمَ فِيهَا. ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: " وَإِنْ اسْتَحَاضَتْ إلَخْ " زِيَادَةً فِي الْإِيضَاحِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ مَيَّزَتْ مُسْتَحَاضَةٌ أَوْ تَأَخَّرَ حَيْضٌ لِرَضَاعٍ فَالْأَقْرَاءُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ ثَلَاثٍ قُلْنَا بِاشْتِرَاكِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فِي السَّنَةِ، وَعَدَمِ اخْتِلَافِهِمَا فِيهَا كَالْأَقْرَاءِ كَذَا فِي التَّوْضِيحِ. قَوْلُهُ: [وَفِي الْحَقِيقَةِ تَمْكُثُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ] : الصَّوَابُ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ تُفِيدُهُ عِبَارَةُ الْأَئِمَّةِ، إذْ يَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ يُقَالَ بِعَدَمِ التَّأْبِيدِ إذَا تَزَوَّجَتْ فِي التِّسْعَةِ، وَالتَّأْبِيدُ إذَا تَزَوَّجَتْ بَعْدَهَا كَمَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ بِمَنْعِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالرَّجْعَةِ فِي التِّسْعَةِ، وَلُزُومِ ذَلِكَ بَعْدَهَا تَأَمَّلْ كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [وَالثَّالِثَةَ] : هَذَا فِي الْحُرَّةِ. وَأَمَّا الْأَمَةُ فَلَا تَنْتَظِرُهَا لِأَنَّ عِدَّتَهَا قُرْءَانِ. قَوْلُهُ: [فَتَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ قَطْعًا] : مِثْلُهَا مَنْ عَادَتُهَا خَمْسُ سِنِينَ، وَأَمَّا مَنْ عَادَتُهَا أَنْ يَأْتِيَهَا الْحَيْضُ فَوْقَ الْخَمْسِ فَاَلَّذِي لِأَبِي الْحَسَنِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهَا هَلْ تَعْتَدُّ بِسَنَةٍ بَيْضَاءَ قِيَاسًا عَلَى مَنْ يَأْتِيهَا فِي عُمُرِهَا مَرَّةً أَوْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ؟ لِأَنَّ الَّتِي تَعْتَدُّ بِسَنَةٍ مَحْصُورَةٌ فِي مَسَائِلَ تَقَدَّمَتْ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا، وَقِيلَ: تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ كَمَنْ عَادَتُهَا الْخَمْسُ فَدُونَ، ثُمَّ إنْ جَاءَ وَقْتُ حَيْضِهَا وَلَمْ تَحِضْ حَلَّتْ وَإِلَّا انْتَظَرَتْ الثَّانِيَةَ، فَإِنْ لَمْ تَحِضْ وَقْتَ مَجِيئِهَا حَلَّتْ وَانْتَظَرَتْ الثَّالِثَةَ،

[تنبيه من تزوجت بغير إذن وليها المجبر]

(وَلِلزَّوْجِ) الْمُطَلِّقِ (انْتِزَاعُ وَلَدِهَا) الرَّضِيعِ مِنْهَا لِيَتَعَجَّلَ حَيْضَهَا (لِغَرَضٍ) مِنْ الْأَغْرَاضِ، كَالْفِرَارِ مِنْ إرْثِهَا لَهُ إنْ مَاتَ، وَكَتَزْوِيجِ أُخْتِهَا أَوْ رَابِعَةٍ، (إنْ لَمْ يَضُرَّ) النَّزْعُ (بِالْوَلَدِ) بِأَنْ وَجَدَ غَيْرَهَا وَقِبَلَهَا الْوَلَدُ، (وَ) لَهُ (مَنْعُهَا مِنْ إرْضَاعِ غَيْرِ وَلَدِهَا) بِأُجْرَةٍ أَوْ مَجَّانًا. (وَ) لَهُ (فَسْخُ الْإِجَارَةِ إنْ أَجَّرَتْ نَفْسَهَا) لِلرَّضَاعِ. (وَوَجَبَ) عَلَى الْحُرَّةِ الْمُطِيقَةِ وَيَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِوَلِيِّ غَيْرِ الْبَالِغِ (قَدْرُهَا) : أَيْ قَدْرُ الْعِدَّةِ. فَذَاتُ الْأَقْرَاءِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ، وَذَاتُ الْأَشْهُرِ ثَلَاثَةٌ، وَالْمُرْتَابَةُ سَنَةٌ (اسْتِبْرَاءً) لِرَحِمِهَا (إنْ وُطِئَتْ بِزِنًا أَوْ شُبْهَةٍ. أَوْ غَابَ عَلَيْهَا غَاصِبٌ أَوْ سَابٌّ أَوْ مُشْتَرٍ) اشْتَرَاهَا جَهْلًا أَوْ تَعَمُّدًا لِلضَّلَالِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ جَاءَ وَقْتُ حَيْضِهَا حَلَّتْ عَلَى كُلِّ حَالٍ هَكَذَا نَصُّوا (اهـ. مِنْ الْأَصْلِ) . وَقَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ جَاءَ وَقْتُ حَيْضِهَا " إلَخْ: مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ كَمَنْ عَادَتُهَا الْخَمْسُ فَدُونَ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [انْتِزَاعُ وَلَدِهَا] إلَخْ: هَذَا إنْ تَأَخَّرَ حَيْضُهَا عَنْ زَمَنِهِ الْمُعْتَادِ لِأَجْلِ الرَّضَاعِ، أَمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّ حَيْضَهَا يَأْتِيهَا فِي زَمَنِهِ الْمُعْتَادِ وَلَمْ يَتَأَخَّرْ مِنْ أَجْلِ الرَّضَاعِ فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ انْتِزَاعُهُ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ أَرَادَ ضَرَرَهُ. وَحَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْمُرْضِعَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَمَكَثَتْ سَنَةً لَمْ تَحِضْ لِأَجْلِ الرَّضَاعِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْتَزِعَ مِنْهَا وَلَدَهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَمُوتَ فَتَرِثَهُ إنْ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِالْوَلَدِ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ، وَإِذَا كَانَ لَهُ انْتِزَاعُهُ رَعْيًا لِحَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْوَرَثَةِ فَأَحْرَى لِحَقِّ نَفْسِهِ بِأَنْ يَنْتَزِعَهُ لِيَتَعَجَّلَ حَيْضَهَا لِسُقُوطِ نَفَقَتِهَا، أَوْ لِيَتَزَوَّجَ مَنْ لَا يَحِلُّ جَمْعُهُ مَعَهَا كَأُخْتِهَا أَوْ رَابِعَةً بَدَلَهَا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ قَوْلُهُ: [إنْ لَمْ يَضُرَّ النَّزْعُ بِالْوَلَدِ] : لَا يُقَالُ إنَّ الْحَقَّ فِي الرَّضَاعِ لِلْأُمِّ إذَا طَلَبَتْهُ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ انْتِزَاعُهُ مِنْهَا لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا عُذْرٌ يُسْقِطُ حَقَّهَا فِي إرْضَاعِهِ، وَأَمَّا حَضَانَتُهُ فَبَاقِيَةٌ وَعَلَى الْأَبِ أَنْ يَأْتِيَ لَهُ بِمَنْ تُرْضِعُهُ عِنْدَهَا كَذَا فِي (بْن - اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . [تَنْبِيه مِنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إِذْن وليها المجبر] قَوْلُهُ: [عَلَى الْحُرَّةِ] : أَيْ وَأَمَّا الْأَمَةُ فَسَيَأْتِي حُكْمُ اسْتِبْرَائِهَا. قَوْلُهُ: [اشْتَرَاهَا جَهْلًا] : أَيْ بِحُرِّيَّتِهَا وَقَوْلُهُ أَوْ تَعَمُّدًا لِلضَّلَالِ أَيْ عَلِمَ

(وَلَا يَطَؤُهَا زَوْجٌ) لَهَا: أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا مَا لَمْ تَكُنْ ظَاهِرَةَ الْحَمْلِ، (وَلَا يَعْقِدُ) عَلَيْهَا زَوْجٌ إنْ كَانَتْ خَلِيَّةً، فَإِنْ عَقَدَ وَجَبَ فَسْخُهُ فَإِنْ انْضَمَّ لِلْعَقْدِ تَلَذُّذٌ بِهَا تَأَبَّدَ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا تُصَدَّقُ) الْمَرْأَةَ (فِي نَفْيِهِ) : أَيْ الْوَطْءِ حَيْثُ غَابَ عَلَيْهَا مَنْ ذَكَرَ. (وَاعْتَدَّتْ) الْمُطَلَّقَةُ (بِطُهْرِ الطَّلَاقِ وَإِنْ لَحْظَةً) ، بَلْ وَإِنْ اتَّصَلَ كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهَا حُرَّةٌ وَاشْتَرَاهَا فَإِنَّهُ ضَلَالٌ. قَوْلُهُ: [مَا لَمْ تَكُنْ ظَاهِرَةَ الْحَمْلِ] : أَيْ مِنْ قِبَلِ وَطْئِهَا بِالزِّنَا أَوْ الشُّبْهَةِ وَإِلَّا فَلَا يَحْرُمُ. بَلْ قِيلَ بِكَرَاهَةِ الْوَطْءِ وَقِيلَ بِجَوَازِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ، لَكِنْ فِي الْبَيَانِ أَنَّ الْمَذْهَبَ حُرْمَتُهُ، نَقَلَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْمِسْنَاوِيُّ، وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى الْبُرْزُلِيِّ نَقْلًا عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ رُبَّمَا يَنْفُشُ الْحَمْلُ فَيَكُونُ قَدْ خَلَطَ مَاءَ غَيْرِهِ بِمَائِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (اهـ بْن) وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الظَّاهِرَةِ الْحَمْلُ مِنْ زَوْجِهَا، وَأَمَّا لَوْ حَمَلَتْ مِنْ الزِّنَا أَوْ مِنْ الْغَصْبِ لَحَرُمَ عَلَى زَوْجِهَا وَطْؤُهَا قَبْلَ الْوَضْعِ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [تَأَبَّدَ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ] : وَسَوَاءٌ كَانَ التَّلَذُّذُ فِي زَمَنِ الِاسْتِبْرَاءِ أَوْ بَعْدَهُ إنْ كَانَ بِالْوَطْءِ أَوْ بِالْمُقَدِّمَاتِ، وَكَانَ فِي زَمَنِهِ لَا بَعْدَهُ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: [حَيْثُ غَابَ عَلَيْهَا مَنْ ذُكِرَ] : أَيْ الْغَيْبَةُ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا الْوَطْءُ مِنْهُ وَإِلَّا فَتُصَدَّقُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا. تَنْبِيهٌ اُخْتُلِفَ فِي الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى مِنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا الْغَيْرِ الْمُجْبِرِ وَهِيَ شَرِيفَةٌ وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ، ثُمَّ اطَّلَعَ الْوَلِيُّ عَلَى ذَلِكَ فَأَمْضَاهُ، وَكَذَا سَفِيهٌ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ، أَوْ عَبْدٌ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَدَخَلَ كُلٌّ فَأَمْضَاهُ الْوَلِيُّ أَوْ السَّيِّدُ بَعْدَ الْعِلْمِ، فَقِيلَ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ نَظَرًا لِفَسَادِ الْمَاءِ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ لِأَنَّ الْمَاءَ مَاؤُهُ وَقِيلَ فِي فَسْخِهِ وَإِرَادَةِ الزَّوْجِ تَزَوُّجِهَا بَعْدَهُ بِإِذْنِهِ، وَفِي الْإِمْضَاءِ لَا يَجِبُ وَالرَّاجِحُ عَدَمُ الْإِيجَابِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: [بِطُهْرِ الطَّلَاقِ] : أَيْ بِالطُّهْرِ الَّذِي طَلَّقَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ وَطِئَهَا فِيهِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَحْظَةً] : إنْ قُلْت يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْعِدَّةَ قُرْءَانِ، وَبَعْضُ ثَالِثٍ وَقَدْ قَالَ الْمَوْلَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]

لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، فَنَزَلَ الدَّمُ بَعْدَ نُطْقِهِ بِالْقَافِ، (فَتَحِلُّ بِأَوَّلِ) نُزُولِ (الثَّالِثَةُ وَ) أَمَّا (إنْ طَلُقَتْ بِحَيْضٍ) : أَيْ فِي حَالِ حَيْضِهَا (فَبِالرَّابِعَةِ) تَحِلُّ. (وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُعَجِّلَ) الْعَقْدَ عَلَى أَحَدٍ (بِرُؤْيَتِهِ) : أَيْ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الدَّمِ، بَلْ تَصْبِرَ يَوْمًا أَوْ جُلِّ يَوْمٍ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَرَجَعَ فِي (قَدْرِهَا) : أَيْ الْحَيْضَةِ (هُنَا) أَيْ فِي الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ؛ (هَلْ هُوَ) : أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأُجِيبَ بِأَنَّ إطْلَاقَ الْجَمْعِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ شَائِعٌ قَالَ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] مَعَ أَنَّهُ شَهْرَانِ وَبَعْضُ ثَالِثٍ فَهُوَ نَظِيرُ مَا هُنَا. قَوْلُهُ: [وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُعَجِّلَ الْعَقْدَ] إلَخْ: حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ: تَحِلُّ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الدَّمِ، وَقَوْلُ ابْنُ وَهْبٍ: إنَّهَا لَا تَحِلُّ بِرُؤْيَةِ أَوَّلِ الدَّمِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تُعَجِّلَ النِّكَاحَ بِأَوَّلِ الدَّمِ، فَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ وِفَاقٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ بِنَاءً عَلَى حَمْلٍ يَنْبَغِي عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؟ وَهُوَ تَأْوِيلُ أَكْثَرِ الشُّيُوخِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، لِأَنَّ نَدْبَ عَدَمِ التَّعْجِيلِ لَا يُنَافِي الْحِلِّيَّةَ بِأَوَّلِ رُؤْيَةِ الدَّمِ، أَوْ خِلَافٌ بِحَمْلٍ يَنْبَغِي عَلَى الْوُجُوبِ؟ وَهُوَ تَأْوِيلُ غَيْرِ وَاحِدٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَحْنُونَ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَكَلَامُ شَارِحِنَا مَا زَالَ مُحْتَمِلًا لِلْوِفَاقِ وَالْخِلَافِ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ فَتَحِلُّ بِأَوَّلِ الثَّالِثَةِ قَرِينَةٌ تُعَيِّنُ حَمْلَ {يَنْبَغِي} عَلَى النَّدْبِ، فَيَكُونُ مُخْتَارًا لِلتَّوْفِيقِ. قَوْلُهُ: [وَرَجَعَ فِي قَدْرِهَا] إلَخْ: إنْ قُلْت هَذَا الرُّجُوعُ يُعَارِضُ قَوْلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ فَتَحِلُّ بِأَوَّلِ الثَّالِثَةِ، فَإِنَّ مُقْتَضَى حِلِّهَا بِأَوَّلِ الثَّالِثَةِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ لِلنِّسَاءِ فِي قَدْرِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: فَتَحِلُّ بِأَوَّلِ الثَّالِثَةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْأَصْلَ الِاسْتِمْرَارُ، فَإِنْ انْقَطَعَ رَجَعَ فِيهِ النِّسَاءَ فَإِنْ قُلْنَ إنْ كَانَ أَوَّلُ الدَّمِ يُعَدُّ حَيْضًا كَانَ مُتَزَوِّجًا بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُعَدَّ حَيْضًا كَانَ مُتَزَوِّجًا لَهَا فِيهَا وَلِذَلِكَ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ كَلَامَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّ الْحَيْضَ عِنْدَهُ فِي بَابِ الْعِدَّةِ كَبَابِ الْعِبَادَةِ، فَالْمُصَنِّفُ مَشَى أَوَّلًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَشَى فِي الرُّجُوعِ لِلنِّسَاءِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ

الْحَيْضُ؛ أَيْ هَلْ أَقَلُّهُ (يَوْمٌ أَوْ بَعْضُهُ) : أَيْ بَعْضُ يَوْمٍ لَهُ بَالٌ؟ بِأَنَّ زَادَ عَلَى سَاعَةٍ (لِلنِّسَاءِ) الْعَارِفَاتِ، (وَلَا تُعَدُّ الدَّفْقَةُ وَنَحْوُهَا) هُنَا (حَيْضًا) حَتَّى تَحِلَّ لِلْأَزْوَاجِ، بِخِلَافِ الْعِبَادَةِ: فَإِنَّ الدَّفْعَةَ تُعَدُّ حَيْضًا تُوجِبُ الْغُسْلَ وَتُبْطِلُ الصَّوْمَ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ دَمَ الْحَيْضِ إذَا لَازَمَهَا يَوْمًا فَأَكْثَرَ فَإِنَّهَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ بِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ أَتَاهَا بَعْضَ يَوْمِ وَانْقَطَعَ فَهَلْ يُعَدُّ هُنَا حَيْضًا تَحِلُّ بِهِ؟ يَرْجِعُ فِي ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ وَعَادَتِهِنَّ فِي بِلَادِهِنَّ، فَإِنْ قُلْنَ: يُعَدُّ حَيْضًا لِأَنَّا شَاهَدْنَا بَعْضَ النِّسَاءِ أَنَّ حَيْضَهُنَّ كَذَلِكَ، عَمِلَ بِقَوْلِهِنَّ. وَإِنْ قُلْنَ: إنَّ شَأْنَ الْحَيْضِ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، عَمِلَ بِقَوْلِهِنَّ، وَلَا يُعَدُّ حَيْضًا. (وَ) أَمَّا (الطُّهْرُ) فَهُوَ (كَالْعِبَادَةِ) : أَقَلُّهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. (وَإِنْ أَتَتْ) الْمُطَلَّقَةُ (بَعْدَهَا) : أَيْ الْعِدَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِأَنْ زَادَ عَلَى سَاعَةٍ] : أَيْ فَلَكِيَّةٍ فَإِنْ كَانَ سَاعَةٌ فَأَقَلُّ فَلَا تَعْتَدُّ بِهِ قَطْعًا وَلَا يَسْأَلُ عَنْهُ، لَكِنْ يُوجِبُ الْغُسْلَ وَيُبْطِلُ الصَّوْمَ، وَيُسْقِطُ الصَّلَاةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ، وَعِدَّتُهَا حِينَئِذٍ مِنْ الطَّلَاقِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، حَيْثُ كَانَ هَذَا الْقَدْرُ عَادَةً وَيُلْغَزُ بِهَا فَيُقَالُ: امْرَأَةٌ طُلِقَتْ وَهِيَ تَحِيضُ كُلَّ شَهْرٍ مَرَّةً وَعِدَّتُهَا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ. قَوْلُهُ: [يَرْجِعُ فِي ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ] : الْجَمْعُ فِي كَلَامِهِ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَتَكْفِي وَاحِدَةٌ بِشَرْطِ سَلَامَتِهَا مِنْ جُرْحَةِ الْكَذِبِ، لِأَنَّ طَرِيقَهَا الْإِخْبَارُ لَا الشَّهَادَةُ. قَوْلُهُ: [أَقَلُّهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا] : فَإِذَا عَاوَدَهَا الدَّمُ قَبْلَ تَمَامِهِ لَمْ تَحْتَسِبْ بِذَلِكَ الطُّهْرِ وَضَمَّتْهُ إلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الدَّمِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ أَتَتْ الْمُطَلَّقَةُ] : لَا مَفْهُومَ لِلْمُطَلَّقَةِ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى كَوْنِهَا مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ. قَوْلُهُ: [بَعْدَهَا] : مَفْهُومُهُ لَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ قَبْلَ كَمَالِهَا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ أَشَارَ لَهُ ابْنُ يُونُسَ بِقَوْلِهِ: قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ نُكِحَتْ امْرَأَةٌ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ حَيْضَةٍ ثُمَّ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ فَتَحْرُمُ عَلَى الثَّانِي، وَإِنْ نُكِحَتْ بَعْدَ حَيْضَةٍ فَهُوَ لِلثَّانِيَّ إنْ وَضَعَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَأَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي، وَإِنْ وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ، وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: إذَا نُكِحَتْ ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِزَمَنٍ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ

[ارتابت معتدة في حملها]

(بِوَلَدٍ دُونَ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ) كَمَا لَوْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ (لَحِقَ بِهِ) : أَيْ الزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ، لِأَنَّ الْحَامِلَ قَدْ تَحِيضُ (مَا لَمْ يَنْفِهِ) : الزَّوْجُ عَنْ نَفْسِهِ (بِلِعَانٍ) . (وَإِنْ ارْتَابَتْ مُعْتَدَّةٌ) : أَيْ شَكَّتْ فِي حَمْلِهَا (تَرَبَّصَتْ) : أَيْ مَكَثَتْ (إلَيْهِ) : أَيْ إلَى مُنْتَهَى أَمَدِ الْحَمْلِ، ثُمَّ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ. (وَفِي كَوْنِهِ) : أَيْ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ (أَرْبَعَةَ أَعْوَامٍ أَوْ خَمْسًا خِلَافٌ) . ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الزَّوْجَيْنِ لَحِقَ بِالثَّانِي إنْ وَضَعَتْهُ بَعْدَ حَيْضَةٍ مِنْ الْعِدَّةِ، إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ فَيَلْحَقُ الْأَوَّلَ، وَلَا يَلْزَمُهَا لِعَانٌ لِأَنَّهُ نَفَاهُ إلَى فِرَاشٍ، فَإِنْ نَفَاهُ الْأَوَّلُ، وَلَاعَنَ أَيْضًا لَاعَنَتْ، وَانْتَفَى عَنْهُمَا جَمِيعًا وَإِنْ كَانَتْ وَضَعَتْهُ قَبْلَ حَيْضَةٍ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ فَيَلْحَقُ بِالثَّانِي، وَتُلَاعِنُ هِيَ وَإِنْ نَفَاهُ الثَّانِي أَيْضًا وَلَاعَنَ وَلَاعَنَتْ انْتَفَى عَنْهُمَا جَمِيعًا. قَوْلُهُ: [دُونَ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ] : فَإِنْ أَتَتْ بِهِ بَعْدَ الْعِدَّةِ لَأَزْيَدَ مِنْ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ، فَإِنْ كَانَتْ وَلَدَتْهُ قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ دُخُولِ الثَّانِي لَمْ يَلْحَقْ بِوَاحِدٍ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْحَامِلَ قَدْ تَحِيضُ] : أَيْ وَدَلَالَةُ الْأَقْرَاءِ عَلَى الْبَرَاءَةِ أَكْثَرِيَّةٌ. [ارْتَابَتْ مُعْتَدَّةٌ فِي حَمْلِهَا] قَوْلُهُ: [وَإِنْ ارْتَابَتْ مُعْتَدَّةٌ] : أَيْ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ. قَوْلُهُ: [أَيْ شَكَّتْ فِي حَمْلِهَا] : أَيْ بِسَبَبِ حِسٍّ فِي بَطْنِهَا. قَوْلُهُ: [خِلَافٌ] : ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَوْنِ أَقْصَاهُ أَرْبَعَ سَنَوَاتٍ أَوْ خَمْسًا ثَالِثُ رِوَايَاتِ الْقَاضِي سَبْعًا وَرَوَى أَبُو عُمَرَ سِتًّا وَاخْتَارَ ابْنُ الْقَصَّارِ الْأُولَى وَجَعَلَهَا الْقَاضِي الْمَشْهُورَ، وَعَزَا الْبَاجِيُّ الثَّانِيَةَ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونَ الْمُتَيْطِيّ فِي الْخَمْسِ الْقَضَاءُ. تَنْبِيهٌ إنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ وَزَادَتْ الرِّيبَةُ مَكَثَتْ حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ تَحَقَّقَتْ حَرَكَةَ الْحَمْلِ فِي بَطْنِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ بَقِيَتْ عَلَى شَكِّهَا فَإِنَّهَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ بِمُضِيِّ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَوْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ الْخَمْسِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَوَلَدَتْ لِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي لَمْ يَلْحَقْ الْوَلَدُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَمَّا عَدَمُ لُحُوقِهِ بِالْأَوَّلِ فَلِزِيَادَتِهِ عَلَى الْخَمْسِ سِنِينَ بِشَهْرٍ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِوِلَادَتِهَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةٍ وَحُدَّتْ الْمَرْأَةُ لِلْجَزْمِ بِأَنَّهُ مِنْ زِنًا، وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُ الشُّيُوخِ عَدَمَ لُحُوقِهِ

[بيان عدة الوفاة]

(وَلِمَنْ تُوُفِّيَ زَوْجُهَا وَإِنْ رَجْعِيَّةً) : أَيْ مُطَلَّقَةً طَلَاقًا رَجْعِيًّا لَا بَائِنًا (أَوْ) كَانَتْ (غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ) إذَا كَانَتْ حُرَّةً، كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، حُرًّا أَوْ عَبْدًا، كَانَتْ هِيَ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً. (إلَّا) الْكَبِيرَةَ (الْمَدْخُولَ بِهَا إنْ ارْتَفَعَتْ حَيْضَتُهَا) بِأَنْ لَمْ تَأْتِهَا عَلَى عَادَتِهَا، وَلَمْ تَرَهَا (فِيهَا) : أَيْ فِي الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، (أَوْ ارْتَابَتْ) : أَيْ حَصَلَ لَهَا رِيبَةٌ فِي حَمْلِهَا (فَتَنْتَظِرُهَا) أَيْ الْحَيْضَةَ، فَإِذَا رَأَتْهَا حَلَّتْ (أَوْ) تَنْتَظِرُ (تِسْعَةَ أَشْهُرٍ) مِنْ يَوْمِ الْوَفَاةِ لِأَنَّهَا مُدَّةُ الْحَمْلِ غَالِبًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْأُولَى وَحْدَهَا، حَيْثُ زَادَتْ عَلَى الْخَمْسِ بِشَهْرٍ إذْ التَّقْدِيرُ بِالْخَمْسِ لَيْسَ بِفَرْضٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، حَتَّى إنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا بِشَهْرٍ تَقْتَضِي عَدَمَ اللُّحُوقِ (اهـ. مِنْ الْأَصْلِ) . [بَيَان عدة الْوَفَاةِ] قَوْلُهُ: [وَإِنْ رَجْعِيَّةً] : أَيْ، وَتَنْتَقِلُ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ بِالْأَقْرَاءِ لِعِدَّةِ الْوَفَاةِ بِالْأَشْهُرِ، وَلَوْ حَصَلَتْ الْوَفَاةُ قَبْلَ تَمَامِ الطُّهْرِ الثَّالِثِ بِيَوْمٍ. قَوْلُهُ: [وَعَشْرٌ] : أَيْ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَإِنَّمَا حَذَفَ التَّاءَ لِحَذْفِ الْمَعْدُودِ وَلَا يُقَدَّرُ الْمَعْدُودُ لَيَالِيَ لِئَلَّا يَلْزَمَ مَحْذُورٌ شَرْعِيٌّ وَهُوَ جَوَازُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ قَدْ يُقَالُ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَ الْمَعْدُودُ الْمُقَدَّرُ اللَّيَالِيَ وَحْدَهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ قَوْلُهُمْ - أَهْلُ التَّارِيخِ - تُرَاعَى اللَّيَالِي مُرَادُهُمْ بِهِ أَنَّهُمْ يُغَلِّبُونَ حُكْمَهَا عَلَى الْأَيَّامِ لِسَبْقِهَا عَلَيْهَا، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ الْمَعْدُودَ مَجْمُوعُ اللَّيَالِيِ وَأَيَّامِهَا. قَوْلُهُ: [إلَّا الْكَبِيرَةَ الْمَدْخُولَ بِهَا] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ الْحُرَّةَ الْمُتَقَدِّمَةَ وَهِيَ غَيْرُ حَامِلٍ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ بِشَرْطَيْنِ، حَيْثُ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا: الْأَوَّلِ أَنْ تُتِمَّ تِلْكَ الْمُدَّةَ قَبْلَ زَمَانِ حَيْضَتِهَا، أَوْ حَاضَتْ بِالْفِعْلِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ. الثَّانِي أَنْ تَقُولَ النِّسَاءُ لَا رِيبَةَ بِهَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَتَعْتَدُّ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ. قَوْلُهُ: [إنْ ارْتَفَعَتْ حَيْضَتُهَا] : أَيْ لِغَيْرِ رَضَاعٍ، وَأَمَّا ذَاتُ الرَّضَاعِ فَهِيَ كَاَلَّتِي حَاضَتْ بِالْفِعْلِ تَحِلُّ بِانْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ. قَوْلُهُ: [أَوْ تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ] : أَيْ فَتَنْتَظِرُ أَوَّلَ الْأَجَلَيْنِ، فَإِنْ حَاضَتْ أَوَّلًا لَا تَنْتَظِرُ تَمَامَ التِّسْعَةِ، وَإِنْ تَمَّتْ التِّسْعَةُ الْمَذْكُورَةُ أَوَّلًا حَلَّتْ.

(فَإِنْ زَالَتْ) الرِّيبَةُ حَلَّتْ: (وَإِلَّا) تَزُلْ الرِّيبَةُ (فَأَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ. وَتَنَصَّفَتْ بِالرِّقِّ) وَلَوْ بِشَائِبَةٍ فَهِيَ شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ إذَا كَانَتْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ يَأْسٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا أَوْ مَدْخُولًا بِهَا وَرَأَتْ الْحَيْضَ فِيهَا. (فَإِنْ) دَخَلَ بِهَا وَهِيَ ذَوَاتُ الْحَيْضِ وَ (لَمْ تَرَ الْحَيْضَ) فِيهَا (فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ - إلَّا أَنْ تَرْتَابَ - فَكَمَا مَرَّ) مِنْ أَنَّهَا تَنْتَظِرُهَا، أَوْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ. إلَخْ. (وَلَا يَنْقُلُهَا الْعِتْقُ) بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا (لِعِدَّةِ حُرَّةٍ) ، بَلْ تَسْتَمِرُّ عَلَى عِدَّةِ الرَّقِيقِ. (وَإِنْ أَقَرَّ صَحِيحٌ بِطَلَاقٍ مُتَقَدِّمٍ) زَمَنُهُ؛ كَأَنْ كَانَ يُقِرُّ فِي شَهْرِ رَجَبَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي الْمُحَرَّمِ (اسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ مِنْ) يَوْمِ (الْإِقْرَارِ، وَ) إذَا مَاتَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ زَالَتْ الرِّيبَةُ حَلَّتْ] : الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ فَإِنْ لَمْ تَزُلْ الشَّرْح لِأَجْلِ أَنْ يَكُونَ مَاشِيًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّ بَقَاءَهَا عَلَى حَالِهَا مِثْلُ زَوَالِهَا كَمَا أَفَادَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ وَالْمَجْمُوعُ. قَوْلُهُ: [وَتَنَصَّفَتْ بِالرِّقِّ] : أَيْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ إذَا كَانَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا غَيْرَ حَامِلٍ، وَإِلَّا فَهِيَ وَضْعُ حَمْلِهَا كُلِّهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالتَّنَصُّفُ الْمَذْكُورُ سَوَاءٌ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَهَذَا مَحْضُ تَعَبُّدٍ. قَوْلُهُ: [إذَا كَانَتْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ لَا يُمْكِنُ حَيْضُهَا كَبِنْتِ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ، أَوْ كَانَ يُمْكِنُ حَيْضُهَا وَلَمْ تَحِضْ كَبِنْتِ تِسْعٍ، أَمَّا الْأُولَى فَعِدَّتُهَا شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَقِيلَ كَذَلِكَ مُطْلَقًا، وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ إنْ كَانَ مَدْخُولًا بِهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَنْقُلُهَا الْعِتْقُ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْأَمَةَ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا أَوْ مَاتَ عَنْهَا، ثُمَّ إنَّهَا عَتَقَتْ فِي أَثْنَاءِ عِدَّتِهَا فَإِنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ الَّتِي هِيَ قُرْءَانِ، وَلَا عَنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ الَّتِي هِيَ شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ، إلَى عِدَّةِ الْحُرَّةِ الَّتِي هِيَ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ فِي الطَّلَاقِ، وَأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فِي الْوَفَاةِ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ الشَّارِحِ: " بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا ". قَوْلُهُ: [وَإِنْ أَقَرَّ صَحِيحٌ] إلَخْ: حَاصِلُ مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الشَّخْصَ إذَا أَقَرَّ بِطَلَاقٍ مُقَدَّمٍ، إمَّا أَنْ يُقِرَّ بِهِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ أَوْ فِي حَالِّ الْمَرَضِ، وَفِي

[تتمة في الأمة المطلقة]

(لَا يَرِثُهَا إذَا انْقَضَتْ) الْعِدَّةُ (عَلَى) مُقْتَضَى (دَعْوَاهُ وَ) لَوْ مَاتَ هُوَ (وَرِثَته) إنْ مَاتَ (فِيهَا) : أَيْ فِي الْعِدَّةِ الْمُسْتَأْنَفَةِ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا (إلَّا أَنْ تَشْهَدَ لَهُ بَيِّنَةٌ) بِأَنَّهُ طَلَّقَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ طَلَاقُهُ فَلَا تَرِثُهُ، كَمَا أَنَّهَا لَا تَسْتَأْنِفُ عِدَّةً، وَالْمَرِيضُ كَالصَّحِيحِ عِنْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ لِلْمَرِيضِ بَيِّنَةٌ وَرِثَتْهُ أَبَدًا إنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ. (وَلَا يَرْجِعُ مُطَلِّقٌ) لِزَوْجَتِهِ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَلَمْ تَعْلَمْ بِطَلَاقِهَا، (بِمَا أَنْفَقَتْهُ) عَنْ نَفْسِهَا (قَبْلَ عِلْمِهَا) بِطَلَاقِهَا (وَغَرِمَ) لَهَا (مَا تَسَلَّفَتْ) إنْ كَانَتْ تَسَلَّفَتْ شَيْئًا لِنَفَقَتِهَا عَلَى نَفْسِهَا، (وَ) غَرِمَ لَهَا مَا أَنْفَقَتْهُ مِنْ مَالِهَا عَلَى نَفْسِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلٍّ إمَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ لَهُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ أَوْ لَا، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ، وَإِمَّا أَنْ يُنْكِرَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ مِنْهُ وَهُوَ صَحِيحٌ أَوْ مَرِيضٌ مَعَ شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَهَاتَانِ حَالَتَانِ فَجُمْلَةُ الْأَحْوَالِ سِتٌّ؛ فَمَتَى شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ بِأَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ فِي الصِّحَّةِ كَانَ وَقْتُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا، فَالْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ أَرَّخَتْ الْبَيِّنَةَ، وَتَرِثُهُ فِي تِلْكَ الْعِدَّةِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَإِلَّا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ إقْرَارُهُ فِي الْمَرَضِ وَإِنْكَارُهُ فِيهِ لَكِنَّ الْبَيِّنَةَ أَسْنَدَتْ الطَّلَاقَ لِلصِّحَّةِ، فَالْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ أَرَّخَتْ عَلَى الرَّاجِحِ خِلَافًا لِابْنِ مُحْرِزٍ، وَأَمَّا إنْ أَقَرَّ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَالْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ الْإِقْرَارِ وَتَرِثُهُ فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا، وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا وَرِثَتْهُ فِي الْعِدَّةِ الْمُسْتَأْنَفَةِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، وَلَا يَرِثُهَا إذَا انْقَضَتْ عَلَى دَعْوَاهُ، وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ تُصَدِّقْهُ عَلَى دَعْوَاهُ وَإِلَّا فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا حَيْثُ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ عَلَى دَعْوَاهُ. [تَتِمَّة فِي الْأَمَة الْمُطَلَّقَة] قَوْلُهُ: [وَغَرِمَ لَهَا مَا تَسَلَّفَتْ] : لَكِنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالْغَبَنِ اتِّفَاقًا مِثْلَ أَنْ تَشْتَرِيَ مَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ لِأَجَلٍ فَتَبِيعُهُ بِدِينَارٍ فِي نَفَقَتِهَا، فَلَا يَلْزَمُهُ مَا زَادَتْهُ فِي الشِّرَاءِ عَلَى الدِّينَارِ الَّذِي بَاعَتْ بِهِ بِاتِّفَاقٍ كَمَا نَقَلَهُ (ح) عَنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ (اهـ بْن) . قَوْلُهُ: [وَغَرِمَ لَهَا مَا أَنْفَقَتْهُ] إلَخْ: أَيْ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَا يَغْرَمُ لَهَا إلَّا مَا تَسَلَّفَتْهُ.

[حكم الإحداد على المتوفى عنها]

(بِخِلَافِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَ) بِخِلَافِ (الْوَارِثِ) يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِمَوْتِهِ؛ فَإِنَّ بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ لَهُمْ الرُّجُوعُ لِانْتِقَالِ الْمَالِ لَهُمْ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى حُكْمِ الْإِحْدَادِ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَقَالَ: (وَوَجَبَتْ عَلَى) الْمَرْأَةِ (الْمُتَوَفَّى عَنْهَا) دُونَ الْمُطَلَّقَةِ (الْإِحْدَادُ فِي) مُدَّةِ (عِدَّتِهَا؛ وَهُوَ) : أَيْ الْإِحْدَادُ: (تَرْكُ مَا يُتَزَيَّنُ بِهِ مِنْ الْحُلِيِّ وَالطِّيبِ، وَعَمَلِهِ) : أَيْ الطِّيبِ أَيْ لِأَنَّ بِعَمَلِهِ يَتَعَلَّقُ بِهَا (وَالتَّجْرِ فِيهِ، وَ) تَرْكِ (الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ) مُطْلَقًا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّزَيُّنِ، (إلَّا الْأَسْوَدَ) مَا لَمْ يَكُنْ زِينَةَ قَوْمٍ كَأَهْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَتِمَّةٌ إنْ اُشْتُرِيَتْ أَمَةٌ مُعْتَدَّةُ طَلَاقٍ وَهِيَ مَنْ تَحِيضُ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهَا رِيبَةٌ حَلَّتْ إنْ مَضَى قُرْءَانِ لِلطَّلَاقِ وَقُرْءٌ لِلشِّرَاءِ، فَإِنْ اُشْتُرِيَتْ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ شَيْئًا مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ حَلَّتْ لِلْمُشْتَرِي بِقُرْأَيْنِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ، أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ قُرْءٍ مِنْهَا حَلَّتْ مِنْهُمَا بِالْقُرْءِ الْبَاقِي، أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ الْقُرْأَيْنِ حَلَّتْ لِلْمُشْتَرِي بِقُرْءٍ ثَالِثٍ، وَأَمَّا لِلتَّزْوِيجِ فَلَا تَحْتَاجُ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الِاسْتِبْرَاءِ، هَذَا إذَا لَمْ تَرْتَفِعْ حَيْضَتُهَا، أَمَّا إنْ ارْتَفَعَتْ حَيْضَتُهَا بِأَنْ تَأَخَّرَتْ لِغَيْرِ رَضَاعٍ، حَلَّتْ؛ إنْ مَضَتْ لَهَا مِنْهُ سَنَةٌ لِلطَّلَاقِ، وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ. فَحَاصِلُهُ أَنَّهَا تَحِلُّ بِأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ. فَإِنْ اُشْتُرِيَتْ بَعْدَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ طَلَاقِهِمَا حَلَّتْ بِمُضِيِّ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ، وَبَعْدَ عَشَرَةٍ أَشْهُرٍ فَبِمُضِيِّ سَنَةٍ وَشَهْرٍ، وَبَعْدَ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا فَبِمُضِيِّ سَنَةٍ وَشَهْرَيْنِ، وَبَعْدَ سَنَةٍ فَبِمُضِيِّ ثَلَاثَةٍ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ، وَأَمَّا مَنْ تَأَخَّرَ حَيْضُهَا لِرَضَاعٍ فَلَا تَحِلُّ إلَّا بِقُرْأَيْنِ كَمُعْتَادَةِ الْحَيْضِ الَّتِي لَمْ تَرْتَبْ. وَالْمُسْتَحَاضَةُ الَّتِي مَيَّزَتْ، وَإِنْ اُشْتُرِيَتْ أَمَةٌ مُعْتَدَّةٌ مِنْ وَفَاةٍ فَأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ وَهُمَا شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَحَيْضَةُ الِاسْتِبْرَاءِ إنْ لَمْ تَسْتَرِبْ، أَوْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ إنْ تَأَخَّرَتْ حَيْضَتُهَا، فَإِنْ ارْتَابَ تَرَبَّصَتْ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ (اهـ مِنْ الْأَصْلِ) . [حُكْمِ الْإِحْدَادِ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا] قَوْلُهُ: [مِنْ الْحُلِيِّ وَالطِّيبِ] : فَإِنْ تَطَيَّبَتْ قَبْلَ وَفَاةِ زَوْجِهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ بِوُجُوبِ نَزْعِهِ وَغَسْلِهِ كَمَا إذَا أَحْرَمَتْ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ وَعَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ: لَا يَلْزَمُهَا نَزْعُهُ، وَفَرَّقَ عَبْدُ الْحَقِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَنْ أَحْرَمَتْ، بِأَنَّ الْمُحْرِمَةَ أَدْخَلَتْ الْإِحْرَامَ عَلَى نَفْسِهَا بِخِلَافِ الْمَوْتِ

[نفقة المعتدة وسكناها]

مِصْرَ الْقَاهِرَةِ وَبُولَاقِ، فَإِنَّهُنَّ يَتَزَيَّنَّ فِي خُرُوجِهِنَّ بِالْحَرِيرِ الْأَسْوَدِ، (وَ) تَرْكِ (الِامْتِشَاطِ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ) - بِفَتْحَتَيْنِ: صِبْغٌ مَعْلُومٌ يُذْهِبُ بَيَاضَ الشَّعْرِ وَلَا يُسَوِّدُهُ، (بِخِلَافِ نَحْوِ الزَّيْتِ) مِنْ كُلِّ مَا لَا طِيبَ فِيهِ (السِّدْرِ وَالِاسْتِحْدَادِ) أَيْ حَلْقِ الْعَانَةِ. وَمِثْلُهُ نَتْفُ الْإِبْطِ فَلَا يُطْلَبُ تَرْكُ ذَلِكَ. وَلَا: (تَدْخُلُ حَمَّامًا وَلَا تُطْلِي جَسَدَهَا) : بِنُورَةٍ، (وَلَا تَكْتَحِلُ إلَّا لِضَرُورَةٍ) فَتَكْتَحِلُ (وَإِنْ بِطِيبٍ) : أَيْ بِكُحْلٍ فِي طِيبٍ، (وَتَمْسَحُهُ نَهَارًا) وُجُوبًا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ بَائِنٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا، لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِي نَظِيرِ الِاسْتِمْتَاعِ وَقَدْ عُدِمَ، إلَّا إذَا كَانَتْ حَامِلًا فَلَهَا النَّفَقَةُ مِنْ أَجْلِ الْحَمْلِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا السُّكْنَى فَهِيَ وَاجِبَةٌ لَهَا اتِّفَاقًا مُطْلَقًا فِي الْمُطَلَّقَةِ، وَعَلَى تَفْصِيلٍ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَلِلْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ) بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ وُجُوبًا عَلَى الزَّوْجِ. (أَوْ الْمَحْبُوسَةِ) أَيْ الْمَمْنُوعَةِ مِنْ النِّكَاحِ (بِسَبَبِهِ) : أَيْ بِسَبَبِ الرَّجُلِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ - كَالْمَزْنِيِّ بِهَا غَيْرِ عَالِمَةٍ، أَوْ اشْتَبَهَ بِهَا، وَالْمُعْتَقَةِ، وَمَنْ فُسِخَ نِكَاحُهَا لِفَسَادٍ أَوْ لِعَانٍ - (السُّكْنَى) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنَّهُنَّ يَتَزَيَّنَّ فِي خُرُوجِهِنَّ بِالْحَرِيرِ الْأَسْوَدِ] : وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا مَفْهُومَ لِلْحَرِيرِ وَالْمَدَارُ عَلَى كَوْنِ الْأَسْوَدِ زِينَةً عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَا تَدْخُلُ حَمَّامًا] : قَالَ ابْنُ نَاجِي: اُخْتُلِفَ فِي دُخُولِهَا الْحَمَّامَ فَقِيلَ لَا تَدْخَلُ أَصْلًا ظَاهِرُهُ وَلَوْ مِنْ ضَرُورَةٍ، وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا تَدْخُلُهُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ وَنَحْوِهِ فِي التَّوْضِيحِ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي: " إلَّا لِضَرُورَةٍ " يَرْجِعُ لَهُ أَيْضًا. [نَفَقَة الْمُعْتَدَّة وسكناها] قَوْلُهُ: [إلَّا إذَا كَانَتْ حَامِلًا فَلَهَا النَّفَقَةُ] : رَاجِعٌ لِلْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا بَائِنًا فَقَطْ. قَوْلُهُ: [مُطْلَقًا فِي الْمُطَلَّقَةِ] : أَيْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا كَانَ الْمَسْكَنُ لَهُ أَوَّلًا نَقْدُ كِرَاءٍ أَوَّلًا. قَوْلُهُ: [كَالْمَزْنِيِّ بِهَا غَيْرِ عَالِمَةٍ] : أَيْ فَإِنَّ لَهَا الصَّدَاقُ وَالسُّكْنَى. وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ عَالِمَةً فَلَا صَدَاقَ لَهَا وَلَا سُكْنَى.

فِي الْمَحَلِّ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ، قَالَ تَعَالَى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} [الطلاق: 1] إلَخْ أَيْ لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ إلَّا لِضَرُورَةٍ تَقْتَضِيهِ كَمَا يَأْتِي. (وَلِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا) السُّكْنَى فِي عِدَّتِهَا. بِشَرْطَيْنِ أَشَارَ لَهُمَا بِقَوْلِهِ: (إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ) لَمْ يَدْخُلْ بِهَا و (أَسْكَنَهَا مَعَهُ) فِي بَيْتِهِ (وَلَوْ لِكَفَالَةٍ) كَكَوْنِهَا صَغِيرَةً، وَلَهُ عَلَيْهَا الْكَفَالَةُ لِتَنْزِيلِ إسْكَانِهَا مَعَهُ مَنْزِلَةَ الدُّخُولِ، وَقَوْلُنَا: " وَلَوْ " إلَخْ فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ قَالَ إلَّا الْكَفَالَةَ. (وَالْمَسْكَنُ لَهُ) الْوَاوُ لِلْحَالِ، وَهُوَ إشَارَةٌ لِلشَّرْطِ الثَّانِي: أَيْ إنْ دَخَلَ بِهَا إلَخْ وَكَانَ الْمَسْكَنُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ مِلْكًا لَهُ، (أَوْ) بِأُجْرَةٍ و (نَقَدَ كِرَاءَهُ) فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ فَلَوْ نَقَدَ الْبَعْضَ فَلَهَا السُّكْنَى بِقَدْرِهِ فَقَطْ، (وَإِلَّا) يَنْقُدُ (فَلَا) سُكْنَى لَهَا، (وَلَوْ كَانَ) الْكِرَاءُ (وَجِيبَةً) عَلَى الرَّاجِحِ، (وَسَكَنَتْ) الْمُعْتَدَّةُ مُطَلَّقَةً أَوْ مُتَوَفًّى عَنْهَا (عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ) قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ، وَلَا تَنْتَقِلُ لِغَيْرِهِ. (وَرَجَعَتْ لَهُ) وُجُوبًا (إنْ نَقَلَهَا) لِغَيْرِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا، أَوْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ (وَاتُّهِمَ) عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا نَقَلَهَا لِيُسْقِطَ سُكْنَاهَا فِي الْمَكَانِ الْأَوَّلِ، (أَوْ كَانَتْ) حَالَ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ مُقِيمَةً (بِغَيْرِهِ) لِغَرَضٍ مِنْ الْأَغْرَاضِ، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ لِمَحَلِّهَا الْأَصْلِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إنْ دَخَلَ بِهَا] : أَيْ وَهِيَ مُطِيقَةٌ لِلْوَطْءِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُطِيقَةِ فَلَا سُكْنَى لَهَا إلَّا إذَا أَسْكَنَهَا قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَهَا السُّكْنَى، دَخَلَ بِهَا أَمْ لَا. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ دَخَلَ بِصَغِيرَةٍ لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَلَا سُكْنَى لَهَا فِي الطَّلَاقِ، وَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ، وَلَهَا السُّكْنَى إنْ كَانَ ضَمَّهَا إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَقَلَهَا اعْتَدَّتْ عِنْدَ أَهْلِهَا. قَوْلُهُ: [فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُصَنِّفِ] : أَيْ خَلِيلٌ تَبِعَ ابْنَ يُونُسَ حَيْثُ قَالَ نَقْلًا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَخَذَهَا لِيَكْفُلَهَا ثُمَّ مَاتَ يَكُنْ لَهَا سُكْنَى. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا يَنْقُدُ] إلَخْ: الْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ نَقَدَ الْكِرَاءَ كَانَ لَهَا السُّكْنَى كَانَتْ وَجِيبَةً أَوْ مُشَاهِرَةً اتِّفَاقًا وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ فَفِي الْمُشَاهِرَةِ لَا سُكْنَى لَهَا اتِّفَاقًا، وَفِي الْوَجِيبَةِ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ.

(وَلَوْ) كَانَتْ إقَامَتُهَا بِغَيْرِهِ وَاجِبَةً (لِشَرْطٍ) اشْتَرَطَهُ عَلَيْهَا أَهْلُ رَضِيعٍ (فِي إجَارَةِ رَضَاعٍ) : أَيْ اشْتَرَطُوا عَلَيْهَا أَنْ لَا تُرْضِعَهُ إلَّا عِنْدَهُمْ فِي دَارِهِمْ لِأَنَّ عِدَّتَهَا فِي بَيْتِهَا حَقٌّ لِلَّهِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْآدَمِيِّ. (وَانْفَسَخَتْ) الْإِجَارَةُ إذَا لَمْ يَرْضَوْا بِرَضَاعِهَا بِمَنْزِلِهَا. (أَوْ خَرَجَتْ لِضَرُورَةٍ) : أَيْ وَكَذَا تَرْجِعُ لِمَسْكَنِهَا لِتَعْتَدَّ فِيهِ إذَا خَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا أَوْ غَيْرِهِ لِحَجَّةِ الْفَرِيضَةِ فَطَلَّقَهَا، أَوْ مَاتَ زَوْجُهَا (فِي كَالثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ) أَدْخَلَتْ الْكَافُ رَابِعًا لَا أَزْيَدَ: فَلَا تَرْجِعُ كَمَا لَوْ تَلَبَّسَتْ بِالْإِحْرَامِ، (وَ) رَجَعَتْ إنْ خَرَجَتْ (لِتَطَوُّعٍ) مِنْ الْحَجِّ (أَوْ غَيْرِهِ كَرِبَاطٍ، وَلَوْ وَصَلَّتْ) ذَلِكَ الْمَحَلَّ (أَوْ أَقَامَتْ) بِهِ وَلَوْ (عَامًا) عَلَى مَا رَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ، وَمَحَلُّ رُجُوعِهَا فِيمَا تَقَدَّمَ إنَّمَا هُوَ (مَعَ ثِقَةٍ) مِنْ النَّاسِ لَا مُجَرَّدَةً، (وَأَمْنِ طَرِيقٍ) لَا إنْ كَانَتْ مَخُوفَةً (إنْ أَدْرَكَتْ شَيْئًا مِنْ الْعِدَّةِ) فِي مَنْزِلِهَا. وَلَوْ قَلَّ (لَا) تَرْجِعُ إنْ خَرَجَتْ (لِانْتِقَالٍ) وَرَفْضٍ لِسُكْنَى بَلَدِهَا (فَحَيْثُ شَاءَتْ) . إمَّا أَنْ تَرْجِعَ لِبَلَدِهَا أَوْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي طَرَأَتْ فِيهِ الْعِدَّةُ. أَوْ لِلْمُنْتَقِلَةِ إلَيْهِ أَوْ غَيْرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ وَصَلَتْ] : أَيْ مَا لَمْ تَتَلَبَّسْ بِالْإِحْرَامِ. قَوْلُهُ: [إنْ أَدْرَكَتْ شَيْئًا مِنْ الْعِدَّةِ فِي مَنْزِلِهَا] : إنْ قُلْت هَذَا الشَّرْطَ لَا يُتَوَهَّمُ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ خَرَجَتْ لِلْحَجِّ ضَرُورَةً فَمَاتَ زَوْجُهَا أَوْ طَلَّقَهَا، فَإِنَّ الشَّرْطَ أَنْ تَرْجِعَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعِدَّةَ بَاقِيَةٌ فَلَا مَعْنَى لِذَلِكَ الشَّرْطِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ إقَامَتُهَا فِي مَحَلِّ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ لِمَرَضٍ اعْتَرَاهَا، أَوْ انْتِظَارِ رِفْقَةٍ حَتَّى ضَاقَ الْوَقْتُ، أَوْ فِي حَامِلٍ أَشْرَفَتْ عَلَى الْوَضْعِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [فَحَيْثُ شَاءَتْ] : أَيْ هِيَ مُخَيَّرَةٌ تَعْتَدُّ بِأَقْرَبِهِمَا أَوْ أَبْعَدِهِمَا أَوْ بِمَكَانِهَا الَّذِي هِيَ فِيهِ وَقْتَ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ وَمَا قَرَّرَ بِهِ شَارِحُنَا مِنْ التَّخْيِيرِ تَبِعَ فِيهِ غَيْرَهُ مِنْ الشُّرَّاحِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهَا أَقْوَالٌ وَحَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ لِوَطَنِهَا لَزِمَ الْمُطَلَّقَ لَهَا أُجْرَةُ الرُّجُوعِ، لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَمَّا فِي مَوْتِهِ فَالْكِرَاءُ عَلَيْهَا لِانْتِقَالِ مَالِهِ لِلْوَرَثَةِ، كَمَا لَا كِرَاءَ عَلَيْهِ إذَا رَجَعَتْ لِمَكَانٍ تُخَيَّرُ فِيهِ.

[سقوط سكنى المعتدة]

(وَلَا سُكْنَى لِأَمَةٍ) طَلُقَتْ أَوْ مَاتَ عَنْهَا (لَمْ تُبَوَّأْ) : أَيْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَعَ زَوْجِهَا بَيْتٌ تَسْكُنُ فِيهِ مَعَ زَوْجِهَا، بِأَنْ كَانَتْ عِنْدَ سَيِّدِهَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا عِنْدَهُ، فَإِنْ أَخَذَهَا زَوْجُهَا عِنْدَهُ وَهَيَّأَ لَهَا مَنْزِلًا تَقُومُ مَعَهُ فِيهِ فَلَهَا السُّكْنَى، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا سُكْنَى (فَلَهَا الِانْتِقَالُ مَعَ سَادَاتِهَا) إذَا انْتَقَلُوا (كَغَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الْأَمَةِ الَّتِي لَمْ تُبَوَّأْ، وَهِيَ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ الْمُبَوَّأَةُ لَهَا الِانْتِقَالُ مِنْ مَحَلِّ عِدَّتِهَا (لِعُذْرٍ لَا يُمْكِنُ الْمَقَامُ مَعَهُ) فِيهِ (كَسُقُوطِهِ) : أَيْ انْهِدَامِهِ، (أَوْ خَوْفِ لِصٍّ أَوْ جَارِ سُوءٍ، وَ) إذَا انْتَقَلَتْ (لَزِمَتْ مَا انْتَقَلَتْ لَهُ) إلَّا لِعُذْرٍ (وَ) لِلْمُعْتَدَّةِ (الْخُرُوجُ فِي حَوَائِجِهَا) الضَّرُورِيَّةِ كَتَحْصِيلِ قُوتٍ أَوْ مَاءٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، لَا لِزِيَارَةٍ وَلَا تِجَارَةٍ وَلَا تَهْنِئَةٍ وَلَا تَعْزِيَةٍ. (وَسَقَطَتْ) السُّكْنَى (إنْ سَكَنَتْ غَيْرَهُ بِلَا عُذْرٍ) فَلَا يَلْزَمْهُ أُجْرَةُ مَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ، وَقَدْ اسْتَوْفَى الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت، وَشَبَهَ فِي السُّقُوطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا سُكْنَى لِأَمَةٍ] : حَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْأَمَةَ الَّتِي لَمْ يُسْكِنْهَا زَوْجُهَا فِي بَيْتٍ لَا سُكْنَى لَهَا عَلَى الزَّوْجِ، لَا فِي عِدَّةِ طَلَاقٍ وَلَا وَفَاةٍ، بَلْ تَعْتَدُّ عِنْدَ سَادَتِهَا وَلَهَا الِانْتِقَالُ مَعَهُمْ إذَا انْتَقَلُوا كَمَا كَانَ لَهَا ذَلِكَ، وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ حَيْثُ لَمْ تُبَوَّأْ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ بَابِ النِّكَاحِ، وَأَمَّا الَّتِي بُوِّئَتْ مَعَ زَوْجِهَا فَلَهَا السُّكْنَى فِي طَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ، وَلَيْسَ لِسَادَاتِهَا نَقْلُهَا مَعَهُمْ عِنْدَ أَبِي عِمْرَانَ خِلَافًا لِابْنِ يُونُسَ وَابْنِ عَرَفَةَ حَيْثُ لَمْ يَتَعَذَّرْ لُحُوقِهَا بِهِمْ بَعْدَ وَفَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِلَّا فَيُتَّفَقُ عَلَى انْتِقَالِهَا مَعَهُمْ. قَوْلُهُ: [لَهَا الِانْتِقَالُ مِنْ مَحَلِّ عِدَّتِهَا لِعُذْرٍ] : أَيْ وَتَنْتَقِلُ لِمَا أَحَبَّتْ مِنْ الْأَمْكِنَةِ، وَلَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ خِلَافَهُ إلَّا لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ قَوْلُهُ: [وَلِلْمُعْتَدَّةِ الْخُرُوجُ فِي حَوَائِجِهَا] : أَيْ طَرَفَيْ النَّهَارِ أَوْ وَسَطَهُ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ خَلِيلٍ طَرَفَيْ النَّهَارِ، بَلْ الْمَدَارُ عَلَى أَيِّ وَقْتٍ فِيهِ الْأَمْنُ. قَوْلُهُ: [وَلَا تَهْنِئَةٍ] : هَكَذَا قَالَ الشَّارِحُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ خَلِيلٍ، وَلَكِنَّ ظَاهِرَ النَّقْلِ جَوَازُ خُرُوجِهَا فِي غَيْرِ حَوَائِجِهَا، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِذَا خَرَجَتْ لِحَوَائِجِهَا أَوْ لِعُرْسٍ فَلَا تَبِيتَ بِغَيْرِ مَسْكَنِهَا [سُقُوط سُكْنَى الْمُعْتَدَّة] قَوْلُهُ: [فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت] : حَاصِلُ مَا فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعُذْرِ شَكْوَى الْمَرْأَةِ فِي الْحَضَرِ ضَرَرَ الْجِوَارِ، بَلْ إنْ شَكَتْ رَفَعَ أَمْرَهَا لِلْحَاكِمِ لِيَكُفَّهُمْ

قَوْلُهُ: (كَنَفَقَةِ وَلَدٍ) لَهُ (هَرَبَتْ بِهِ) الْمُطَلَّقَةُ أُمًّا أَوْ غَيْرَهَا، وَمِثْلُ الْأَبِ الْوَصِيُّ (وَلَمْ يَعْلَمْ مَوْضِعَهَا) مُدَّةَ هُرُوبِهَا، فَإِنَّهَا تَسْقُطُ عَنْهُ فَإِنْ عَلِمَ وَقَدَرَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهَا، فَإِنْ ظَهَرَ ظُلْمُهَا زَجَرَهَا أَوْ ظُلْمُهُمْ زَجَرَهُمْ، فَإِنْ زَالَ الضَّرَرُ فَظَاهِرٌ وَإِلَّا أَخْرَجَ الظَّالِمَ، وَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ لِمَنْ يَخْرُجُ إنْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ عَلَى الْحَاكِمِ، وَاخْتُلِفَ: هَلْ لَا سُكْنَى فِي الْعِدَّةِ لِمَنْ سَكَنَتْ زَوْجَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ، أَوْ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمَسْكَنِ لَهَا مُدَّةَ الْعِدَّةِ، لِأَنَّ الْمُكَارَمَةَ قَدْ زَالَتْ؟ قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا الثَّانِي وَيَجُوزُ لِلْغُرَمَاءِ بَيْعُ الدَّارِ فِي عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا بِشَرْطِ اسْتِثْنَاءِ مُدَّةَ عِدَّتِهَا أَوْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرِ وَعَشْرًا، أَوْ يُبَيِّنُ الْبَائِعُ الَّذِي هُوَ الْغَرِيمُ لِلْمُشْتَرِي أَنَّ الدَّارَ فِيهَا مُعْتَدَّةٌ، وَيَرْضَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَيَانَ يَقُومُ مَقَامَ الِاسْتِثْنَاءِ؛ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وَلَمْ يَسْتَثْنِ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ ابْتِدَاءً وَلَكِنَّهُ صَحِيحٌ وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، فَإِنْ بَاعَ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَارْتَابَتْ الْمَرْأَةُ بِحِسِّ بَطْنٍ أَوْ تَأَخُّرِ حَيْضٍ فَهِيَ أَحَقُّ بِالسُّكْنَى فِيهَا مِنْ الْمُشْتَرِي، إذْ لَا دَخْلَ لَهَا فِي التَّطْوِيلِ وَلَهُ الْفَسْخُ عَنْ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ بَيْعُ الدَّارِ فِي عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ ذَاتِ الْأَشْهُرِ، كَالصَّغِيرَةِ وَالْيَائِسَةِ بِشَرْطِ اسْتِثْنَاءِ مُدَّةَ الْعِدَّةِ، أَوْ بَيَانِ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي إنْ لَمْ يَكُنْ الْحَيْضُ مُتَوَقَّعًا مِنْهَا كَبِنْتِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ خَمْسِينَ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ: بِالْمَنْعِ وَالْجَوَازِ، بِخِلَافِ ذَاتِ الْأَقْرَاءِ وَالْحَمْلِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَبِيعَهَا لِجَهْلِ الْمُدَّةِ، وَلَوْ بَاعَ الْغَرِيمُ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الزَّوْجُ فِي الْأَشْهُرِ فِي مُتَوَقَّعَةِ الْحَيْضِ الْمُرْتَابَةِ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقُوَّةِ، وَدَخَلَ مَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنَّهُ إنْ زَالَتْ الرِّيبَةُ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ وَإِلَّا فَمَرْدُودٌ فَسَدَ الْبَيْعُ لِلْجَهْلِ بِزَوَالِهَا وَلِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ وَامْرَأَةِ الْأَمِيرَةِ وَنَحْوِهِ، كَالْقَاضِي إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي بَيْتِ الْإِمَارَةِ وَتَوَلَّى غَيْرُهُ بَعْدَهُ لَا يُخْرِجُهَا الْقَادِمُ حَتَّى تُتِمَّ عِدَّتَهَا بِهِ، وَإِنْ ارْتَابَتْ بِحِسِّ بَطْنٍ أَوْ تَأَخُّرِ حَيْضٍ إلَى خَمْسِ سِنِينَ كَالْمُحْبَسَةِ عَلَى رَجُلٍ مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَيُطَلِّقُ أَوْ يَمُوتُ، لَا يُخْرِجُهَا الْمُسْتَحِقُّ بَعْدَهُ حَتَّى تُتِمَّ عِدَّتَهَا وَإِنْ ارْتَابَتْ، بِخِلَافِ دَارِ مُحْبَسَةٍ عَلَى إمَامِ مَسْجِدٍ يَمُوتُ فَإِنَّ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُ إخْرَاجَ زَوْجَةِ الْأَوَّلِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ دَارَ الْإِمَارَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَالْمَرْأَةُ لَهَا فِيهِ حَقٌّ، بِخِلَافِ دَارِ الْإِمَامَةِ (اهـ مِنْ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [فَإِنَّهَا تَسْقُطُ عَنْهُ] : إنَّمَا سَقَطَتْ لِأَنَّهَا لَمَّا تَرَكَتْ مَا كَانَ وَاجِبًا

رَدِّهَا لَمْ تَسْقُطْ. (وَلِأُمِّ وَلَدٍ فِي الْمَوْتِ) : أَيْ مَوْتِ سَيِّدِهَا، (وَ) فِي تَنْجِيزِ (الْعِتْقِ) لَهَا مِنْ سَيِّدِهَا وَهُوَ حَيٌّ (السُّكْنَى) مُدَّةَ اسْتِبْرَائِهَا بِحَيْضَةٍ أَوْ وَضْعٍ (وَزِيدَ) لَهَا (فِي الْعِتْقِ نَفَقَةُ الْحَمْلِ) إنْ كَانَتْ حَامِلًا، بِخِلَافِ الْمَوْتِ لِأَنَّ الْوَلَدَ وَارِثٌ. (كَالْمُرْتَدَّةِ) ، وَهِيَ مُتَزَوِّجَةٌ لَهَا السُّكْنَى مُدَّةَ اسْتِبْرَائِهَا قَبْلَ قَتْلِهَا بِحَيْضَةٍ أَوْ وَضْعٍ، وَيُزَادُ لَهَا فِي الْحَمْلِ نَفَقَتُهُ، (وَالْمُشْتَبِهَةُ) : أَيْ الْمَوْطُوءَةُ وَطْءِ شُبْهَةٍ إمَّا غَلَطًا يَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ وَهِيَ غَيْرُ ذَاتِ زَوْجٍ، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا زَوْجُهَا وَلَمْ تَعْلَمْ حَالَ وَطْئِهَا لِنَحْوِ نَوْمٍ وَإِلَّا كَانَتْ زَانِيَةً لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى، وَإِمَّا لِنِكَاحٍ فَاسِدٍ إجْمَاعًا يَدْرَأُ الْحَدُّ؛ كَمَنْ تَزَوَّجَ أُخْتَهُ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ بِلَا عِلْمٍ مِنْهُمَا فَلَهَا السُّكْنَى وَنَفَقَةُ الْحَمْلِ مُدَّةَ الِاسْتِبْرَاءِ. (وَنَفَقَةُ ذَاتِ الزَّوْجِ) الْغَيْرُ الْمَدْخُولُ بِهَا الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ (إذَا لَمْ تَحْمِلْ) تَكُونُ (عَلَيْهَا) نَفْسُهَا دُونَ الْوَاطِئِ لَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلَا يَلْزَمُهُ بِعُدُولِهَا عَنْهُ عِوَضٌ. قَوْلُهُ: [وَلِأُمِّ وَلَدٍ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا مَاتَ عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ فَلَهَا السُّكْنَى مُدَّةَ اسْتِبْرَائِهَا وَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا، مَا لَمْ يَعْتِقْهَا وَهُوَ حَيٌّ وَإِلَّا كَانَ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا. قَوْلُهُ: [كَالْمُرْتَدَّةِ] : اسْتَشْكَلَ ثُبُوتُ السُّكْنَى لِلْمُرْتَدَّةِ بِأَنَّهَا تُسْجَنُ حَتَّى تَتُوبَ أَوْ تُقْتَلَ، وَأَجَابَ فِي الْحَاشِيَةِ بِأَنَّهُ يُفْرَضُ فِيمَا إذَا غَفَلَ عَنْ سِجْنِهَا أَوْ كَانَ السِّجْنُ فِي بَيْتِهَا أَوْ كَانَ لِمَوْضِعِ السِّجْنِ أُجْرَةٌ. قَوْلُهُ: [وَالْمُشْتَبِهَةُ] إلَخْ: حَاصِلُ مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي غَلَطَ بِهَا تَارَةً يَكُونُ لَهَا زَوْجٌ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ فَإِمَّا مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ فَإِنْ حَمَلَتْ فَالنَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى عَلَى الْغَالِطِ، وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ فَالسُّكْنَى عَلَيْهِ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَإِنْ حَمَلَتْ مِنْ الْغَالِطِ فَسُكْنَاهَا وَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ فَالسُّكْنَى عَلَى الْغَالِطِ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهَا كَالْخَلِيَّةِ عَلَى الرَّاجِحِ، خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُهُ عَلَى الزَّوْجِ، وَأَمَّا لَوْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَنَفَقَتُهَا وَسُكْنَاهَا عَلَيْهِ حَمَلَتْ أَمْ لَا، إلَّا أَنْ يَنْفِيَ حَمْلَهَا بِلِعَانٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ، وَلَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَلْحَقَ بِالثَّانِي، فَإِنَّ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَسُكْنَاهَا مَا لَمْ يَنْفِهِ الثَّانِي أَيْضًا بِلِعَانٍ، فَإِنْ نَفَاهُ فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ أَيْضًا وَلَهَا السُّكْنَى عَلَيْهِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَلْحَقُ بِالثَّانِي لِقَصْرِ الْمُدَّةِ مَثَلًا فَإِنَّ سُكْنَاهَا عَلَى الْأَوَّلِ قَطْعًا وَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا - أَفَادَهُ فِي الْحَاشِيَةِ.

[فصل في بيان عدة من فقد زوجها ولم يعلم أهو حي أو ميت]

فَصْلٌ فِي بَيَانِ عِدَّةِ مَنْ فُقِدَ زَوْجُهَا وَلَمْ يُعْلَمْ أَهُوَ حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ وَهُوَ إمَّا مَفْقُودٌ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فِي زَمَنِ الْوَبَاءِ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ بَيْنَ مُقَاتَلَةٍ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَوْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَتَعْتَدُّ زَوْجَةُ الْمَفْقُودِ) حُرَّةً أَوْ أَمَةً صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً (فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ) ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي بَيَانِ عِدَّةِ مَنْ فُقِدَ زَوْجُهَا وَلَمْ يُعْلَمْ أَهُوَ حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ] [الزَّوْج الْمَفْقُود فِي دَار الْإِسْلَام] فَصْلٌ فَصْلٌ لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْعِدَّةِ - وَكَانَ سَبَبُهَا أَمْرَيْنِ: طَلَاقًا وَوَفَاةً - شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَحْتَمِلُهُمَا وَهِيَ عِدَّةُ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ. وَالْمَفْقُودُ: مَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ مَعَ إمْكَانِ الْكَشْفِ عَنْهُ، فَيَخْرُجُ الْأَسِيرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقَطِعْ خَبَرِهِ، وَالْمَحْبُوسُ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ الْكَشْفُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ إمَّا مَفْقُودٌ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ] إلَخْ: أَيْ فَأَقْسَامُ الْمَفْقُودِ خَمْسَةٌ: مَفْقُودٌ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فِي غَيْرِ زَمَنِ الْوَبَاءِ أَوْ فِيهِ، وَمَفْقُودٌ فِي مُقَاتَلَةٍ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَمَفْقُودٌ فِي أَرْضِ الشِّرْكِ، وَمَفْقُودٌ فِي مُقَاتَلَةٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ: " وَتَعْتَدُّ زَوْجَةُ الْمَفْقُودِ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ " إلَخْ، وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ الْآتِي فِي قَوْلِهِ: " وَفِي الْمَفْقُودِ زَمَنَ الطَّاعُونِ بَعْدَ ذَهَابِهِ "، وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَهُوَ الْآتِي فِي قَوْلِهِ: " وَاعْتَدَّتْ فِي مَفْقُودِ الْمُعْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ يَوْمِ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ "، وَأَمَّا الرَّابِعُ: فَهُوَ الْآتِي فِي قَوْلِهِ: " وَمَفْقُودُ أَرْضِ الشِّرْكِ فَإِنَّهَا تَمْكُثُ لِمُدَّةِ التَّعْمِيرِ " إلَخْ، وَأَمَّا الْخَامِسُ: فَهُوَ الْآتِي فِي قَوْلِهِ: " وَفِي الْفَقْدِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ بَعْدَ سَنَةٍ بَعْدَ النَّظَرِ ". قَوْلُهُ: [أَشَارَ لِذَلِكَ] : أَيْ شَرَعَ يُفَصِّلُ تِلْكَ الْأَقْسَامَ الْخَمْسَةَ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِمَفْقُودِ أَرْضِ الشِّرْكِ فِي الدُّخُولِ، لَكِنَّهُ فَصَّلَ الْجَمِيعَ بِأَوْضَحِ عِبَارَةٍ. قَوْلُهُ: [وَتَعْتَدُّ زَوْجَةُ الْمَفْقُودِ] إلَخْ: أَيْ إنْ كَانَ فَقْدُهُ فِي غَيْرِ زَمَنِ الْوَبَاءِ. قَوْلُهُ: [صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً] : أَيْ مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً.

مُتَعَلِّقٌ بِالْمَفْقُودِ (عِدَّةُ وَفَاةٍ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ، ابْتِدَاؤُهَا بَعْدَ الْأَجَلِ الْآتِي بَيَانُهُ (إنْ رَفَعَتْ أَمْرَهَا لِلْحَاكِمِ) إنْ كَانَ ثَمَّ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ، (أَوْ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ عَدَمِهِ) وَلَوْ حُكْمًا كَمَا فِي زَمَنِنَا بِمِصْرَ؛ إذْ لَا حَاكِمَ فِيهَا شَرْعِيٌّ وَيَكْفِي الْوَاحِدُ مِنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ إنْ كَانَ عَدْلًا عَارِفًا شَأْنَهُ أَنْ يُرْجَعَ إلَيْهِ فِي مُهِمَّاتِ الْأُمُورِ بَيْنَ النَّاسِ، لَا مُطْلَقَ وَاحِدٍ وَهُوَ مَحْمَلُ كَلَامِ الْعَلَّامَةِ الْأُجْهُورِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ تَعَسُّفٌ. (وَدَامَتْ نَفَقَتُهَا) : مِنْ مَالِهِ بِأَنْ تَرَكَ لَهَا مَا تُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهَا مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَهَا التَّطْلِيقُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ بِشَرْطِهِ الْمَعْلُومِ فِي مَحَلِّهِ. وَفَائِدَةُ الرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ الْكَشْفُ عَنْ حَالِ زَوْجِهَا بِالسُّؤَالِ وَالْإِرْسَالِ لِلْبِلَادِ الَّتِي يُظَنُّ بِهَا ذَهَابُهُ إلَيْهَا لِلتَّفْتِيشِ عَنْهُ إنْ أَمْكَنَ الْإِرْسَالُ، وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهَا. (فَيُؤَجَّلُ الْحُرُّ أَرْبَعَةَ أَعْوَامٍ، وَالْعَبْدُ نِصْفُهَا) عَامَيْنِ لَعَلَّهُ أَنْ يَظْهَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إنْ كَانَ ثَمَّ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ] : أَيْ حَاكِمُ سِيَاسَةٍ سَوَاءٌ كَانَ وَالِيًا أَوْ غَيْرَهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ] : هَكَذَا عِبَارَةُ الْأَئِمَّةِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ فَلِصَالِحِي جِيرَانِهَا. قَوْلُهُ: [وَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا تَعَسُّفٌ] : أَيْ اعْتِرَاضُ الشَّيْخِ أَبُو عَلِيٍّ الْمِسْنَاوِيُّ قَائِلًا لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ وَلَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ. قَوْلُهُ: [وَدَامَتْ نَفَقَتُهَا] : أَيْ وَلَمْ تَخْشَ الْعَنَتَ وَإِلَّا فَتَطْلُقُ عَلَيْهِ لِلضَّرَرِ فَهِيَ أَوْلَى مِنْ مَعْدُومَةِ النَّفَقَةِ كَذَا قَالَ الْأَشْيَاخُ. قَوْلُهُ: [فَيُؤَجَّلُ الْحُرُّ أَرْبَعَةَ أَعْوَامٍ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مَدْخُولًا بِهَا أَمْ لَا، دَعَتْهُ قَبْلَ غَيْبَتِهِ لِلدُّخُولِ أَمْ لَا. وَالْحَقُّ أَنَّ تَأْجِيلَ الْحُرِّ بِأَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ وَالْعَبْدُ نِصْفُهَا تَعَبُّدِيٌّ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ. وَحَيْثُ ضُرِبَ الْأَجَلُ الْمَذْكُورُ لِوَاحِدَةٍ مِنْ نِسَاءِ الْمَفْقُودِ قَامَتْ دُونَ غَيْرِهَا سَرَى الضَّرْبُ لِبَقِيَّتِهِنَّ وَإِنْ امْتَنَعَتْ الْبَاقِيَاتُ مِنْ كَوْنِ الضَّرْبِ لِمَنْ قَامَتْ ضَرْبًا لَهُنَّ وَطَلَبْنَ ضَرْبَ أَجَلٍ آخَرَ فَلَا يُجَبْنَ لِذَلِكَ، بَلْ يَكْفِي أَجَلُ الْأُولَى مَا لَمْ يَخْتَرْنَ الْمَقَامَ مَعَهُ، فَإِنْ اخْتَرْنَهُ فَلَهُنَّ ذَلِكَ وَتَسْتَمِرُّ لَهُنَّ النَّفَقَةُ.

خَبَرُهُ (بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ خَبَرِهِ) : بِالْبَحْثِ عَنْهُ فِي الْأَمَاكِنِ الَّتِي يُظَنُّ ذَهَابُهُ إلَيْهَا. فَإِذَا تَمَّ الْأَجَلُ دَخَلَتْ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ وَلَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ دُخُولٍ فِيهَا، وَلَهَا الرُّجُوعُ إلَى التَّمَسُّكِ بِزَوْجِهَا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا لِفَرْضِ حَيَاتِهِ عِنْدَهَا. (وَلَيْسَ لَهَا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا) أَيْ الْعِدَّةِ (الرُّجُوعُ) إلَى عِصْمَةِ زَوْجِهَا، وَالْبَقَاءِ عَلَيْهَا لِفَرْضِ مَوْتِهِ عِنْدَهَا بِالشُّرُوعِ فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عِمْرَانَ وَرَجَحَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَهَا مَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الْعِدَّةِ، فَلَوْ خَرَجَتْ مِنْهَا فَلَيْسَ لَهَا الرُّجُوعُ اتِّفَاقًا. (وَلَا نَفَقَةَ) لَهَا فِي عِدَّتِهَا، بَلْ تَسْقُطُ عَنْ زَوْجِهَا لِفَرْضِهَا مَوْتَهُ بِشُرُوعِهَا فِيهَا، (وَقُدِّرَ بِهِ) : أَيْ بِالشُّرُوعِ فِي الْعِدَّةِ (طَلَاقٌ) مِنْ الْمَفْقُودِ عَلَيْهَا يُفِيتُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ خَبَرِهِ بِالْبَحْثِ عَنْهُ] : مِنْ هُنَا نَقَلَ الْمَشَذَّالِيُّ عَنْ السُّيُورِيِّ أَنَّ الْمَفْقُودَ الْيَوْمَ يَنْتَظِرُ مُدَّةَ التَّعْمِيرِ لِعَدَمِ مَنْ يَبْحَثُ عَنْهُ الْآنَ، وَأَقَرَّهُ تِلْمِيذُهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ كَمَا فِي الْبَدْرِ الْقَرَافِيِّ. وَلَكِنَّ مَحَلَّ هَذَا كُلِّهِ عِنْدَ دَوَامِ النَّفَقَةِ وَعَدَمِ خَوْفِ الْعَنَتِ كَمَا عَلِمْت، وَدَيْنُ اللَّهِ يُسْرٌ «وَلَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» . قَوْلُهُ: [دَخَلَتْ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ] : أَيْ وَعَلَيْهَا الْإِحْدَادُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ الْمَذْكُورَةِ تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ، وَلَا يَأْتِي هُنَا قَوْلُهُ سَابِقًا إنْ تَمَّتْ قَبْلَ زَمَنِ حَيْضَتِهَا، وَقَالَ النِّسَاءُ لَا رِيبَةَ بِهَا وَلَا انْتَظَرَتْهَا أَوْ تَمَامِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَذَلِكَ لِانْقِضَاءِ أَمَدِ الْحَمْلِ مِنْ حِينِ التَّأْجِيلِ كَذَا فِي (عب) . قَوْلُهُ: [وَقُدِّرَ بِهِ] إلَخْ: أَيْ فَيُقَدَّرُ وَفَاتُهُ فَتَعْتَدُّ عِدَّةَ وَفَاةٍ، وَتَأْخُذُ جَمِيعَ الْمَهْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ دَخَلَ بِهَا وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَبِهِ الْقَضَاءُ، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّهُ لَا يُكْمِلُ لَهَا الْمَهْرُ بَلْ لَهَا نِصْفُهُ إلَّا إذَا مَضَتْ مُدَّةُ التَّعْمِيرِ أَوْ ثَبَتَ مَوْتُهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا كَانَ الصَّدَاقُ مُؤَجَّلًا فَهَلْ يُعَجَّلُ جَمِيعُهُ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ، أَوْ يَبْقَى عَلَى تَأْجِيلِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَهُوَ الرَّاجِحُ. وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ أَرْجَحَ مَعَ حُلُولِ مَا أُجِّلَ بِالْمَوْتِ لِأَنَّ هَذَا تَمْوِيتٌ لَا مَوْتٌ حَقِيقَةً، وَثَمَرَةُ تَقْدِيرِ طَلَاقِهِ أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَتَحِلُّ لِلْأَوَّلِ إلَخْ.

عَلَيْهِ، (يَتَحَقَّقُ) وُقُوعُهُ (بِدُخُولِ) الزَّوْجِ (الثَّانِي) عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ (فَتَحِلُّ لِلْأَوَّلِ) إنْ جَاءَ (بِعِصْمَةٍ جَدِيدَةٍ بَعْدَ الثَّانِي) بِأَنْ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا (إنْ كَانَ) الْأَوَّلُ - أَيْ الْمَفْقُودُ - (طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ) قَبْلَ دُخُولِ الثَّانِي بِهَا: أَيْ وَإِنْ وَطِئَهَا الثَّانِي وَطْئًا يُحِلُّ الْمَبْتُوتَةَ ف (إنْ جَاءَ) الْمَفْقُودُ بَعْدَ عَقْدِ الثَّانِي عَلَيْهَا (أَوْ تَبَيَّنَ حَيَاتُهُ أَوْ مَوْتُهُ؛ فَكَذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ) : فَتَفُوتُ عَلَيْهِ إنْ تَلَذَّذَ بِهَا الثَّانِي غَيْرَ عَالِمٍ بِمَجِيئِهِ أَوْ حَيَاتِهِ، أَوْ بِكَوْنِهَا فِي عِدَّةِ وَفَاةِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ تَلَذَّذَ بِهَا عَالِمًا بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فَهِيَ لِلْمَفْقُودِ. وَفَائِدَةُ كَوْنِهَا لِلْمَفْقُودِ فِي الثَّالِثِ فَسْخُ نِكَاحِهَا مِنْ الثَّانِي، وَتَأْبِيدُ حُرْمَتِهَا عَلَى الثَّانِي وَإِرْثُهَا لِلْأَوَّلِ. (بِخِلَافِ الْمَنْعِيِّ لَهَا) : وَهِيَ مَنْ أُخْبِرَتْ بِمَوْتِ زَوْجِهَا الْغَائِبِ، فَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ قَدِمَ زَوْجُهَا أَوْ تَبَيَّنَ حَيَاتُهُ فَلَا تَفُوتُ بِدُخُولِ الثَّانِي غَيْرَ عَالِمٍ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ أَوْ حَكَمَ بِمَوْتِهِ حَاكِمٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُقَدَّرُ وَفَاتُهُ لِأَجْلِ أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ وَفَاةٍ، وَيَكْمُلُ لَهَا الصَّدَاقُ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ، وَيُقَدَّرُ طَلَاقٌ لِأَجْلِ أَنْ تَفُوتَ عَلَى الْأَوَّلِ بِدُخُولِ الثَّانِي، وَطُلْبَتُهَا لِلْأَوَّلِ إذَا كَانَ طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ قَبْلَ فَقْدِهِ بِعِصْمَةٍ جَدِيدَةٍ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [فَكَذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ] : أَيْ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ؛ وَهِيَ: مَجِيئُهُ أَوْ تَبَيُّنُ حَيَاتِهِ أَوْ مَوْتُهُ. قَوْلُهُ: [فِي الثَّالِثِ] : أَيْ وَهُوَ تَبَيُّنُ مَوْتِهِ وَلَوْ لَمْ تَنْقُضْ عِدَّتَهَا مِنْهُ فِي الْوَاقِعِ، وَنَفْسُ الْأَمْرِ لِكَوْنِهِ مَاتَ مُنْذُ شَهْرٍ مَثَلًا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ ذَاتُ الْوَلِيَّيْنِ، وَلَمْ تَكُنْ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ مِنْ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ مَنْ أُخْبِرَتْ بِمَوْتِ زَوْجِهَا الْغَائِبِ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمُخْبِرُ لَهَا بِالْمَوْتِ عُدُولًا أَوْ غَيْرَ عُدُولٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ حَكَمَ بِمَوْتِهِ حَاكِمٌ] : أَيْ حَيْثُ كَانَ الْمُخْبِرُ بِالْمَوْتِ عُدُولًا إذْ لَا يُتَصَوَّرُ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِغَيْرِ الْعَدْلَيْنِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَاتِ الْمَفْقُودِ وَاَلَّتِي حَكَمَ بِمَوْتِ زَوْجِهَا حَاكِمٍ: أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَفْقُودِ اسْتَنَدَ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ بِثُبُوتِ فَقْدِهِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ خَطَؤُهُ فَلَمْ يُبَالِ بِمَجِيئِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ لِكَوْنِهِ مُجَوِّزًا لِذَلِكَ عِنْدَ ضَرْبِ الْأَجَلِ، وَاَلَّتِي حَكَمَ فِيهَا الْحَاكِمُ بِمَوْتِهِ فَقَدْ اسْتَنَدَ إلَى شَهَادَةٍ ظَهَرَ خَطَؤُهَا، أَمَّا إذَا لَمْ يَحْكُمْ

(وَ) بِخِلَافِ (الْمُطَلَّقَةِ) لِعَدَمِ النَّفَقَةِ بِشُرُوطِهِ ثُمَّ ظَهَرَ سُقُوطُهَا عَنْ الزَّوْجِ بِأَنْ أَثْبَتَ أَنَّهُ تَرَكَ عِنْدَهَا مَا يَكْفِيهَا، أَوْ أَنَّهُ وَكَّلَ وَكِيلًا مُوسِرًا يَدْفَعُهَا عَنْهُ، أَوْ أَنَّهَا أَسْقَطَتْهَا عَنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا تَفُوتُ بِدُخُولِ الثَّانِي. (وَ) بِخِلَافِ (ذَاتِ الْمَفْقُودِ) الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ (تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا) الْمَفْرُوضَةِ لَهَا، (فَفُسِخَ) النِّكَاحُ لِذَلِكَ فَاسْتَبْرَأَتْ وَتَزَوَّجَتْ بِثَالِثٍ فَثَبَتَ أَنَّ الْمَفْقُودَ كَانَ قَدْ مَاتَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْهُ فِي الْوَاقِعِ قَبْلَ عَقْدِ الثَّانِي، فَلَا تَفُوتُ عَلَى الثَّانِي بِدُخُولِ الثَّالِثِ. (أَوْ) تَزَوَّجَتْ امْرَأَةٌ (بِدَعْوَاهَا الْمَوْتَ) لِزَوْجِهَا أَيْ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهَا، (أَوْ بِشَهَادَةِ غَيْرِ عَدْلَيْنِ) عَلَى مَوْتِ زَوْجِهَا (فَفُسِخَ) نِكَاحُهَا لِعَدَمِ شَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ بِمَوْتِهِ، فَثَبَتَ بِالْعُدُولِ أَنَّهُ مَاتَ فَتَزَوَّجَتْ بِثَالِثٍ. (ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ) : أَيْ نِكَاحَ الثَّانِيَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَانَ (عَلَى الصِّحَّةِ) فَلَا تَفُوتُ عَلَى الثَّانِي بِدُخُولِ الثَّالِثِ. فَقَوْلُهُ: (فَلَا تَفُوتُ بِدُخُولٍ) : رَاجِعٌ لِلْمَنْعِيِّ لَهَا وَمَا بَعْدَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِذَلِكَ حَاكِمٌ فَوَاضِحٌ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْمَنْعِيَّ لَهَا زَوْجُهَا وَالْمَحْكُومُ بِمَوْتِهِ لَا تَفُوتُ بِدُخُولِ الثَّانِي هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ تَفُوتُ عَلَى الْأَوَّلِ بِدُخُولِ الثَّانِي مُطْلَقًا حَكَمَ بِالْمَوْتِ حَاكِمٌ أَمْ لَا، وَقِيلَ تَفُوتُ إنْ حَكَمَ بِهِ، وَعَلَى الْمُفْتِي بِهِ إنْ رَجَعَتْ لِلْأَوَّلِ اعْتَدَّتْ مِنْ الثَّانِي إنْ دَخَلَ بِهَا كَعِدَّةِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، فَإِنْ مَاتَ الْقَادِمُ اعْتَدَّتْ مِنْهُ عِدَّةَ وَفَاةٍ وَلَا حَدَّ عَلَيْهَا لِأَنَّ النَّعْيَ شُبْهَةٌ. قَوْلُهُ: [فَلَا تَفُوتُ بِدُخُولِ الثَّانِي] : أَيْ وَلَوْ وَلَدَتْ أَوْلَادًا مِنْ ذَلِكَ الثَّانِي، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ. قَوْلُهُ: [فَلَا تَفُوتُ بِدُخُولٍ] إلَخْ: فَجُمْلَةُ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا تَفُوتُ فِيهَا عَلَى الزَّوْجِ بِالدُّخُولِ سَبْعَةٌ، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ خَمْسَةً. وَبَقِيَ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى مِنْهُمَا: مَا إذَا قَالَ الزَّوْجُ: عَمْرَةُ طَالِقٌ. مُدَّعِيًا زَوْجَةً غَائِبَةً اسْمُهَا كَذَلِكَ قَصَدَ طَلَاقَهَا بِهِ، وَلَهُ زَوْجَةٌ حَاضِرَةٌ شَرِيكَتُهَا فِي الِاسْمِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا فَطَلُقَتْ عَلَيْهِ الْحَاضِرَةُ، لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ الْغَائِبَةِ، فَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ، ثُمَّ أَثْبَتَ أَنَّ لَهُ زَوْجَةً غَائِبَةً تُسَمَّى عَمْرَةَ فَتُرَدُّ إلَيْهِ الْحَاضِرَةُ وَلَا يُفِيتُهَا دُخُولُ الثَّانِي.

[المفقود في دار الحرب]

(وَ) إذَا اعْتَدَّتْ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ (بَقِيَتْ أُمُّ وَلَدِهِ) عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، (وَ) بَقِيَ (مَالُهُ) فَلَا: يُوَرَّثُ (لِلتَّعْمِيرِ) : أَيْ لِانْتِهَاءِ مُدَّتِهِ فَيُوَرَّثُ مَا لَهُ، وَتَخْرُجُ أُمُّ وَلَدِهِ حُرَّةً. (كَزَوْجَةِ الْأَسِيرِ وَمَفْقُودِ أَرْضِ الشِّرْكِ) فَإِنَّهَا تَمْكُثُ لِمُدَّةِ التَّعْمِيرِ إنْ دَامَتْ نَفَقَتُهَا وَإِلَّا فَلَهَا التَّطْلِيقُ لِعَدَمِهَا. (وَهُوَ سَبْعُونَ سَنَةً) مِنْ وِلَادَتِهِ فَيُوَرَّثُ مَالُهُ وَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ عِدَّةَ وَفَاةٍ وَتَخْرُجُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِيَةُ: ذُو ثَلَاثِ زَوْجَاتٍ وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَاهُ فَزَوَّجَهُ كُلُّ مِنْهُمَا وَاحِدَةً وَسَبَقَ عَقْدُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ، فَفَسَخَ نِكَاحَ الْأُولَى مِنْهُمَا ظَنًّا أَنَّهَا الثَّانِيَةُ لِكَوْنِهَا خَامِسَةً فَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ، وَدَخَلَ بِهَا الثَّانِي ثُمَّ تَبَيَّنَّ أَنَّهَا الرَّابِعَةُ لِكَوْنِهَا ذَاتَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَلَا تَفُوتُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَيَتَعَيَّنُ فَسْخُ نِكَاحِهَا لِكَوْنِهَا خَامِسَةً، وَلَوْ دَخَلَ بِهَا وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِيهَا. [الْمَفْقُود فِي دَار الْحَرْب] قَوْلُهُ: [أَيْ لِانْتِهَاءِ مُدَّتِهِ] : أَيْ أَوْ ثُبُوتِ مَوْتِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ انْتِهَاءَ مُدَّةِ التَّعْمِيرِ يُوَرَّثُ بِهَا مَالُهُ وَتُعْتَقُ أُمُّ وَلَدِهِ وَلَوْ لَمْ يَحْكُمْ بِمُضِيِّهَا حَاكِمٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْمُرَادُ انْتِهَاءُ مُدَّةِ التَّعْمِيرِ مَعَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي وَرَثَتِهِ الْمَوْجُودُ يَوْمَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ لَا وَارِثُهُ يَوْمَ الْفَقْدِ وَلَا يَوْمَ بُلُوغِهِ مُدَّةَ التَّعْمِيرِ بِدُونِ حُكْمٍ كَمَا نَقَلَهُ (ح) عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ، وَنَصُّهُ وَأَقْوَالُ الْمَذْهَبِ وَاضِحَةٌ بِأَنَّ مُسْتَحِقَّ إرْثِهِ وَارِثُهُ يَوْمَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ لَا يَوْمَ بُلُوغِهِ سِنَّ تَمْوِيتِهِ (اهـ) مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ؛ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلَا مِيرَاثَ لِزَوْجَاتِهِ اللَّاتِي ضَرَبَ لَهُنَّ الْأَجَلَ، لِأَنَّ حَالَةَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنَّ فِي عِصْمَتِهِ وَإِنْ كُنَّ أَحْيَاءً، بَلْ بِمُجَرَّدِ شُرُوعِهِنَّ فِي الْعِدَّةِ انْقَطَعَ مِيرَاثُهُنَّ مِنْهُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ مَوْتُهُ قَبْلَ شُرُوعِهِنَّ فِي الْعِدَّةِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [كَزَوْجَةِ الْأَسِيرِ] إلَخْ: أَيْ وَلَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ بِمَوْتِ الْأَسِيرِ وَمَفْقُودِ أَرْضِ الشِّرْكِ أَيْضًا بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَاعْتَدَّتْ زَوْجَةُ كُلٍّ عِدَّةَ وَفَاةٍ وَقُسِمَ مَالُهُ عَلَى وَرَثَتِهِ فَإِنْ جَاءَ بَعْدَ الْقِسْمِ لِتَرِكَتِهِ لَمْ يَمْضِ الْقِسْمُ وَيَرْجِعُ لَهُ مَتَاعُهُ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ سَبْعُونَ سَنَةً] : أَيْ وَهُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخَانِ ثَمَانِينَ وَحَكَمَ بِخَمْسٍ وَسَبْعِينَ، بَقِيَ لَوْ فُقِدَ الرَّجُلُ وَقَدْ بَلَغَ مُدَّةَ التَّعْمِيرِ أَوْ جَاوَزَهَا كَمَنْ فُقِدَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ، ابْنُ عَرَفَةَ: إذَا فُقِدَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ

أُمُّ وَلَدٍ حُرَّةً، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الشُّهُودُ فِي سِنِّهِ فَالْأَقَلُّ أَيْ لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ. (وَاعْتَدَّتْ) الزَّوْجَةُ عِدَّةَ وَفَاةٍ (فِي مَفْقُودِ الْمُعْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ يَوْمِ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ) عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: بَعْدَ انْفِصَالِ الصَّفَّيْنِ وَالْأَرْجَحُ الْأَوَّلُ، إلَّا أَنَّ الْأَظْهَرَ فِي النَّظَرِ هُوَ الثَّانِي فَيَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ، وَهَذَا إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ حَضَرَ صَفَّ الْقِتَالِ وَإِلَّا فَكَالْمَفْقُودِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ. (وَوُرِّثَ مَالُهُ حِينَئِذٍ) : أَيْ حِينَ شُرُوعِ زَوْجَتِهِ فِي الْعِدَّةِ. وَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ (فِي الْفَقْدِ بَيْنَ) صَفَّيْ (الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ بَعْدَ سَنَةٍ بَعْدَ النَّظَرِ) فِي شَأْنِهِ بِالسُّؤَالِ وَالتَّفْتِيشِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ عَدَمُ حَيَاتِهِ، وَيُورَثُ مَالُهُ حِينَئِذٍ (وَ) تَعْتَدُّ (فِي الْمَفْقُودِ زَمَنَ الطَّاعُونِ بَعْدَ ذَهَابِهِ وَوُرِثَ مَالُهُ) لِغَلَبَةِ الظَّنِّ بِمَوْتِهِ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQزِيدَ لَهُ عَشَرَةُ أَعْوَامٍ، أَبُو عِمْرَانَ: وَكَذَا ابْنُ الثَّمَانِينَ إذَا فُقِدَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ زِيدَ لَهُ خَمْسُ سِنِينَ، وَإِنْ فُقِدَ ابْنُ مِائَةٍ اُجْتُهِدَ فَمَا يُزَادُ لَهُ (اهـ بْن) . قَوْلُهُ: [وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الشُّهُودُ] إلَخْ: وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى التَّخْمِينِ لِلضَّرُورَةِ وَحَلَفَ الْوَارِثُ حَيْثُ كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى التَّخْمِينِ بِأَنَّ مَا شَهِدُوا بِهِ حَقٌّ، وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ مُعْتَمَدًا عَلَى شَهَادَتِهِمْ، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ مَنْ يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ. فَإِنْ أَرَّخَتْ الْبَيِّنَةُ الْوِلَادَةَ فَلَا يَمِينَ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنَّ الْأَظْهَرَ فِي النَّظَرِ هُوَ الثَّانِي] : أَيْ لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ، عَلَى أَنَّ مَا قَالَهُ مَالِكٌ، وَابْنُ الْقَاسِمِ يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ يَوْمِ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ آخَرُ يَوْمِ الْتِقَائِهِمَا وَهُوَ يَوْمُ الِانْفِصَالِ. قَوْلُهُ: [بَعْدَ سَنَةٍ بَعْدَ النَّظَرِ] : اعْتَرَضَهُ (ر) بِأَنَّ الَّذِي فِي عِبَارَةِ الْمُتَيْطِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ شَاسٍ وَغَيْرِهِمْ بِأَنَّ السَّنَةَ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ لِلسُّلْطَانِ، لَا مِنْ بَعْدِ النَّظَرِ وَالتَّفْتِيشِ عَلَيْهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ تَابِعًا فِيهِ لِخَلِيلٍ التَّابِعِ لِابْنِ الْحَاجِبِ التَّابِعِ لِلْمُتَيْطِيَّةِ عَنْ بَعْضِ الْمُوَثَّقِينَ، وَوَقَعَ الْقَضَاءُ بِهِ فِي الْأَنْدَلُسِ. قَوْلُهُ: [زَمَنِ الطَّاعُونِ] : أَيْ وَمَا فِي حُكْمِهِ مِمَّا يَكْثُرُ الْمَوْتُ بِهِ كَسُعَالٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنَحْوِهِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْوَبَاءِ لَشَمِلَ ذَلِكَ كُلَّهُ. وَالطَّاعُونُ: بَثْرَةٌ مِنْ مَادَّةٍ سُمِّيَّةٍ مَعَ لَهَبٍ وَاسْوِدَادٍ حَوْلَهَا، يَحْدُثُ مَعَهَا وَرَمٌ فِي الْغَالِبِ وَقَيْءٌ وَخَفَقَانٌ فِي الْقَلْبِ يَحْصُلُ غَالِبًا فِي الْمَوَاضِعِ الرَّخْوَةِ وَالْمَغَابِنِ، كَتَحْتِ الْإِبْطِ وَخَلْفِ الْأُذُنِ. وَالْوَبَاءُ: كُلُّ مَرَضٍ عَامٍّ، بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ الطَّاعُونَ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِإِذْنِهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ أَرَادَ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ لِكَثْرَةِ الزِّنَا يُحَرِّكُ ذَلِكَ، كَمَا يَتَحَرَّكُ الْعَدُوُّ لِإِهْلَاكِ عَدُوِّهِ فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ دُونَ بَعْضٍ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، إلَّا أَنَّ اللَّهَ لَا يُمَكِّنُهُمْ مِنْ ذَلِكَ فِي بَعْضِ النَّاسِ، وَتَمْكِينُهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ لِبُعْدِ الْمَلِكِ عَنْهُ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ.

[فصل في استبراء الإماء ومواضعتهن]

فَصْلٌ فِي اسْتِبْرَاءِ الْإِمَاءِ وَمُوَاضَعَتِهِنَّ (يَجِبُ اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ) بِحَيْضَةٍ إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ أَوْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِهِنَّ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ (بِالْمِلْكِ) : أَيْ بِحُصُولِ مِلْكِهَا بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ بِانْتِزَاعِهَا مِنْ عَبْدِهِ لَا بِالزَّوَاجِ، إنْ أَرَادَ وَطْأَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي اسْتِبْرَاءِ الْإِمَاءِ وَمُوَاضَعَتِهِنَّ] [حُكْم الِاسْتِبْرَاء وَشُرُوطه] فَصْلٌ لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْعِدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ وَوَفَاةٍ وَتَوَابِعِهَا أَتْبَعَهَا بِالْكَلَامِ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ الْمُشْتَقِّ مِنْ التَّبَرِّي وَهُوَ التَّخْلِيصُ؛ وَهُوَ لُغَةً الِاسْتِقْصَاءُ وَالْبَحْثُ وَالْكَشْفُ عَنْ الْأَمْرِ الْغَامِضِ، وَشَرْعًا قَالَ فِي تَوْضِيحِهِ: الْكَشْفُ عَنْ حَالِ الْأَرْحَامِ عِنْدَ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ مُرَاعَاةً لِحِفْظِ الْأَنْسَابِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مُدَّةُ دَلِيلِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لَا لِرَفْعِ عِصْمَةٍ أَوْ طَلَاقٍ، لِتَخْرُجَ الْعِدَّةُ وَيَدْخُلَ اسْتِبْرَاءُ الْحُرَّةِ وَهُوَ اللِّعَانُ، وَالْمَوْرُوثَةِ لِأَنَّهُ لِلْمِلْكِ لَا لِذَاتِ الْمَوْتِ (اهـ - خَرَشِيٌّ) . قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ. ثُمَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِبْرَاءِ نَفْسُ الْحَيْضِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَفْسُ الْحَيْضِ، فَكَمَا أَنَّ الْعِدَّةَ نَفْسُ الطُّهْرِ يَكُونُ الِاسْتِبْرَاءُ نَفْسَ الْحَيْضِ. ثُمَّ إنَّ الِاسْتِبْرَاءَ إذَا كَانَ بِالْأَشْهُرِ يَكُونُ نَفْسَ الْأَشْهُرِ. فَيَكُونُ إضَافَةُ مُدَّةٍ لِمَا بَعْدَهُ لِلْبَيَانِ، وَإِذَا كَانَ لِلْحَيْضِ فَالْإِضَافَةُ حَقِيقِيَّةٌ (اهـ) . وَحَيْثُ عَلَّقَ الْمُصَنِّفُ الْوُجُوبَ بِالِاسْتِبْرَاءِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكَشْفُ عَنْ حَالِ الرَّحِمِ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَاجِبُ لَا الْمُدَّةُ. قَوْلُهُ: [أَيْ بِحُصُولِ مِلْكِهَا] : أَيْ بِسَبَبِ الْمِلْكِ الْحَاصِلِ أَيْ الْمُتَجَدِّدِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَارِيَةَ لَا تُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهَا الِاسْتِبْرَاءِ بِحَيْضٍ أَوْ وَضْعِ حَمْلٍ حَتَّى يَنْظُرَهَا النِّسَاءُ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [لَا بِالزَّوَاجِ] : إنَّمَا لَمْ يَجِبْ اسْتِبْرَاؤُهَا بِالزَّوَاجِ لِأَنَّ شَرْطَ عَقْدِ النِّكَاحِ أَنْ يَكُونَ عَلَى امْرَأَةٍ خَالِيَةٍ مِنْ جَمِيعِ الْمَوَانِعِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا، بِخِلَافِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ فَلَا يَشْتَرِطُ الْعِلْمَ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ فِيهِ. قَوْلُهُ: [إنْ أَرَادَ وَطْأَهَا] أَيْ فَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً أَوْ وُهِبَتْ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ

بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ أَشَارَ لِأَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ: (إنْ لَمْ تُعْلَمْ بَرَاءَتُهَا) فَإِنْ عُلِمَ بَرَاءَتُهَا مِنْ الْحَمْلِ؛ كَمُودَعَةٍ عِنْدَهُ أَوْ مَرْهُونَةٍ أَوْ مَبِيعَةٍ بِالْخِيَارِ تَحْتَ يَدِهِ، وَحَاضَتْ زَمَنَ ذَلِكَ - وَلَمْ تَخْرُجْ وَلَمْ يَلِجْ عَلَيْهَا سَيِّدُهَا، ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِ، وَأَشَارَ لِلشَّرْطِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: (وَلَمْ تَكُنْ مُبَاحَةَ الْوَطْءِ) حَالَ حُصُولِ الْمِلْكِ - كَزَوْجَتِهِ يَشْتَرِيهَا مَثَلًا - فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِ. وَلِلثَّالِثِ بِقَوْلِهِ: (وَلَمْ يَحْرُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ) : وَطْؤُهَا، كَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، وَكَأُمِّ زَوْجَتِهِ فَلَا اسْتِبْرَاءَ لِعَدَمِ حِلِّ وَطْئِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَا عَلَيْهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاؤُهَا بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا إذْ أَرَادَ وَطْأَهَا، فَفِي الْجَلَّابِ: مَنْ اشْتَرَى أَمَةً يُوطَأُ مِثْلُهَا فَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ، وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ: اسْتِبْرَاءُ الْإِمَاءِ فِي الْبَيْعِ وَاجِبٌ لِحِفْظِ النَّسَبِ، ثُمَّ قَالَ: فَوَجَبَ عَلَى مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِلْكُ أَمَةٍ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ بِأَيِّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْمِلْكِ وَلَمْ يَعْلَمْ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا رَفِيعَةً كَانَتْ أَوْ وَضِيعَةً (اهـ) . قَوْلُهُ: [فَإِنْ عُلِمَ بَرَاءَتُهَا مِنْ الْحَمْلِ] : أَيْ مِنْ الْوَطْءِ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ الْحَمْلِ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَلِجْ عَلَيْهَا سَيِّدُهَا] : أَيْ لَمْ يَكُنْ مُتَرَدِّدًا عَلَيْهَا فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا إذَا اشْتَرَاهَا بَائِعُهَا قَبْلَ غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا وَقَبْلَ أَنْ يَخْتَلِي بِهَا، قَوْلُهُ: [وَلَمْ تَكُنْ مُبَاحَةَ الْوَطْءِ] أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا مَثَّلَ الشَّارِحُ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ كَشَفَ الْغَيْبَ أَنَّ وَطْأَهَا حَرَامٌ كَأَنْ يَطَأَ أَمَةً ثُمَّ تُسْتَحَقُّ فَيَشْتَرِيَهَا مِنْ مُسْتَحِقِّهَا فَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، لِأَنَّ الْوَطْءَ الْأَوَّلَ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فِي الظَّاهِرِ إلَّا أَنَّهُ فَاسِدٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. قَوْلُهُ: [مَثَلًا] : رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ يَشْتَرِيهَا فَقَطْ، وَالْكَافُ فِي قَوْلِهِ: " كَزَوْجَتِهِ " اسْتِقْصَائِيَّةٌ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَحْرُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ] : أَيْ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَالدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ، وَأَمَّا قَبْلَ الشِّرَاءِ وَالدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ فَالْحُرْمَةُ عَامَّةٌ لِعَدَمِ الْمِلْكِ لَا لِلْمَحْرَمِيَّةِ وَعَدَمِهَا.

وَلِلرَّابِعِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ طَاقَتْ الْوَطْءَ) احْتِرَازًا مِنْ صَغِيرَةٍ كَبِنْتِ خَمْسِ سِنِينَ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ عَادَةً. وَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ لِكُلِّ مَا اسْتَوْفَتْ الشُّرُوطَ (وَلَوْ وَخْشًا) كَالْعَلِيَّةِ أَوْ بِكْرًا (أَوْ مُتَزَوِّجَةً طَلُقَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ) وَإِنْ كَانَ لَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى زَوْجِهَا لَوْ دَخَلَ بِهَا (أَوْ أَسَاءَ الظَّنَّ) بِهَا، (كَمَنْ) : أَيْ كَأَمَةٍ (عِنْدَهُ) بِإِيدَاعٍ أَوْ رَهْنٍ (تَخْرُجُ) لِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ، فَإِذَا اشْتَرَاهَا مِنْ سَيِّدِهَا مَثَلًا وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاؤُهَا، بِخِلَافِ مَمْلُوكَةٍ تَخْرُجُ فَلَا يَجِبُ لِلْمَشَقَّةِ، (أَوْ كَانَتْ) مَمْلُوكَةً (لِغَائِبٍ أَوْ مَجْبُوبٍ وَنَحْوِهِ) كَمَقْطُوعِ الْأُنْثَيَيْنِ أَوْ الْبَيْضَةِ الْيُسْرَى، (أَوْ مُكَاتَبَةٍ عَجَزَتْ) عَنْ أَدَاءِ النُّجُومِ فَرَجَعَتْ رَقِيقًا لِسَيِّدِهَا، (أَوْ أَبْضَعَ فِيهَا) بِأَنَّ أَعْطَى إنْسَانًا ثَمَنَ أَمَةٍ لِيَشْتَرِيَهَا مِنْ بَلَدٍ سَافَرَ إلَيْهِ (فَأَرْسَلَهَا) الْبَضْعُ مَعَهُ (مَعَ غَيْرِ مَأْذُونٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَطَاقَتْ الْوَطْءَ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهَا عَادَةً كَبِنْتِ ثَمَانٍ. وَالْحَقُّ أَنَّ إطَاقَةَ الْوَطْءِ لَا تَنْضَبِطُ بِسِنٍّ، بَلْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ. فَإِنْ قُلْت: إنَّ الَّتِي لَا يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَادَةً قَدْ تَيَقَّنَ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا، وَشَرْطُ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ أَنْ لَا تَتَيَقَّنَ الْبَرَاءَةُ؟ أُجِيبَ: بِأَنَّ شَرْطَ الِاسْتِبْرَاءِ عَدَمُ تَيَقُّنِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْوَطْءِ لَا مِنْ الْحَمْلِ، فَمَتَى لَمْ تَتَيَقَّنْ بَرَاءَتُهَا مِنْ الْوَطْءِ وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ، تَيَقَّنَ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا مِنْ الْحَمْلِ أَمْ لَا، فَعَلَى هَذَا الْجَوَابِ اشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْوَطْءِ فِي غَيْرِ مُمْكِنَةِ الْحَمْلِ تَعَبُّدِيٌّ. قَوْلُهُ: [أَوْ بِكْرًا] : أَيْ لِاحْتِمَالِ إصَابَتِهَا خَارِجَ الْفَرْجِ وَحَمْلِهَا مَعَ بَقَاءِ الْبَكَارَةِ. قَوْلُهُ: [كَمَنْ أَيْ كَأَمَةٍ عِنْدَهُ] إلَخْ: هَذِهِ الْأَمْثِلَةُ مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ: أَوْ أَبْضَعَ فِيهَا كُلِّهَا مِنْ أَمْثِلَةِ سُوءِ الظَّنِّ. قَوْلُهُ: [أَوْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً] : مَعْطُوفٌ عَلَى فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ الْبَيْضَةِ الْيُسْرَى] : إنَّمَا بَالَغَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ حَمْلُهَا مِنْهُ، لِأَنَّ الْبَيْضَةَ الْيُسْرَى هِيَ الَّتِي تَطْبُخُ الْمَنِيَّ، فَإِذَا قُطِعَتْ كَانَ الشَّأْنُ عَدَمَ الْحَمْلِ، وَلَكِنْ قَدْ عَلِمَتْ أَنَّ أَحْكَامَ الِاسْتِبْرَاءِ يُرَاعَى فِيهَا التَّعَبُّدُ.

[الاستبراء بحيضة وبالعتق]

لَهُ فِي الْإِرْسَالِ مَعَهُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاؤُهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ جَاءَ بِهَا أَوْ أَرْسَلَهَا مَعَ مَأْذُونٍ. (وَ) يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ (عَلَى الْمَالِكِ) لِأَمَةٍ (إنْ بَاعَ) مَوْطُوءَتَهُ، (أَوْ زَوَّجَ مَوْطُوءَتَهُ) : أَيْ مِنْ وَطْئِهَا بِالْفِعْلِ، وَإِلَّا فَلَهُ بَيْعُهَا وَتَزْوِيجُهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ لِلْأَمْنِ مِنْ حَمْلِهَا مِنْهُ، مَا لَمْ يَظُنَّ بِهَا الزِّنَا فِي التَّزْوِيجِ فَيَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا عَلَيْهِ، (أَوْ وُطِئَتْ) أَمَتُهُ (بِشُبْهَةٍ) أَوْ زِنًا، (أَوْ رَجَعَتْ لَهُ مِنْ غَصْبٍ) يُمْكِنُ وَطْؤُهَا فِيهِ. (وَبِالْعِتْقِ) عَطْفٌ عَلَى بِالْمِلْكِ: أَيْ وَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْجَارِيَةِ بِعِتْقِهَا إنْ أَرَادَتْ الزَّوَاجَ بِغَيْرِ مُعْتِقِهَا، وَهَذَا إنْ وُطِئَتْ قَبْلَ عِتْقِهَا وَلَمْ تَرَ الْحَيْضَ بَعْدَهُ، وَإِلَّا فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ غَيْرَ أُمِّ الْوَلَدِ. (وَاسْتَأْنَفَتْ) الِاسْتِبْرَاءَ (أُمُّ الْوَلَدِ فَقَطْ) دُونَ غَيْرِهَا إذَا مَاتَ سَيِّدُهَا أَوْ أَعْتَقَهَا، (إنْ اسْتَبْرَأَتْ أَوْ اعْتَدَّتْ) مِنْ طَلَاقٍ أَوْ مَوْتِ زَوْجٍ قَبْلَ عِتْقِهَا، (أَوْ غَابَ سَيِّدُهَا غِيبَةً عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقْدُمْ مِنْهَا) فَأَرْسَلَ بِعِتْقِهَا، أَوْ مَاتَ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْنَافِهَا الِاسْتِبْرَاءَ. وَلَا يَكْفِي الِاسْتِبْرَاءُ أَوْ الْعِدَّةُ السَّابِقَةُ عَلَى عِتْقِهَا لِأَنَّهَا فِرَاشٌ لِلسَّيِّدِ، فَالْحَيْضَةُ فِي حَقِّهَا كَالْعِدَّةِ فِي الْحُرَّةِ. فَكَمَا أَنَّ الْحُرَّةَ تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ لِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ بِاسْتِبْرَاءٍ أَوْ عِدَّةِ شُبْهَةٍ سَبَقَتْ، فَكَذَا أُمُّ الْوَلَدِ. فَتَحَصَّلَ أَنَّ عِتْقَ أُمِّ الْوَلَدِ مُوجِبٌ لِاسْتِبْرَائِهَا مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ كَغَيْرِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاؤُهَا] : أَيْ وَلَوْ حَاضَتْ مَعَ ذَلِكَ الرَّسُولِ فَلَا يَكْتَفِي بِذَلِكَ الْحَيْضِ، لِأَنَّ الرَّسُولَ لَيْسَ بِأَمِينِهِ، بِخِلَافِ لَوْ قَدِمَ بِهَا الْمُبْضِعُ مَعَهُ فَحَاضَتْ مَعَ ذَلِكَ الْمُبْضِعِ، أَوْ أَرْسَلَهَا بِإِذْنٍ وَحَاضَتْ مَعَ الرَّسُولِ. [الِاسْتِبْرَاء بِحَيْضَة وَبِالْعِتْقِ] قَوْلُهُ: [مَا لَمْ يَظُنُّ بِهَا الزِّنَا] : إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ فِي التَّزْوِيجِ لِأَنَّ شَرْطَ الْعَقْدِ الْخُلُوُّ مِنْ الْمَوَانِعِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [إنْ أَرَادَتْ الزَّوَاجَ بِغَيْرِ مُعْتِقِهَا] : أَيْ وَأَمَّا الْمُعْتِقُ فَلَهُ تَزَوُّجُهَا بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ إذَا كَانَتْ خَالِيَةً مِنْ عِدَّةٍ، وَهَذَا إذَا كَانَ يَطَؤُهَا قَبْلَ الْعِتْقِ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَاهَا وَأَعْتَقَهَا عَقِبَ الشِّرَاءِ وَأَرَادَ الْعَقْدَ عَلَيْهَا فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِبْرَائِهَا، وَلَا يَكْفِي فِي إسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ عِتْقُهُ قَوْلُهُ: [فَتَحَصَّلَ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا مَاتَ السَّيِّدُ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ

إنْ وُطِئَتْ قَبْلَهُ وَلَمْ تُسْتَبْرَأْ، وَتَخْرُجُ مِنْ عِدَّةٍ (بِحَيْضَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: " يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ " أَيْ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ " بِالْمَالِكِ "، وَ " عَلَى الْمَالِكِ " إلَخْ، وَ " بِالْعِتْقِ " بِحَيْضَةٍ فَقَطْ إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ. (وَكَفَتْ) الْحَيْضَةُ (إنْ حَصَلَ الْمُوجِبُ) أَيْ مُوجِبُ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ مِلْكٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ، (قَبْلَ مُضِيِّ أَكْثَرِهَا) : أَيْ الْحَيْضَةِ (انْدِفَاعًا) ، فَإِذَا مَلَكَهَا إنْسَانٌ بِهِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهِيَ حَائِضٌ فِي أَوَّلِ نُزُولِ الْحَيْضِ كَفَتْ. وَإِنْ مَلَكَهَا بَعْدَ نُزُولِ الْأَكْثَرِ انْدِفَاعًا وَلَوْ أَقَلَّ أَيَّامًا؛ كَالْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ خَمْسَةٍ لَمْ تُكَلَّفْ وَلَا بُدَّ مِنْ حَيْضَةٍ أُخْرَى، كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَإِلَّا) بِأَنْ حَصَلَ الْمُوجِبَ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَكْثَرِ (فَلَا) يَكْفِي. (وَ) كَفَى (اتِّفَاقُ الْبَائِعِ) لِمَوْطُوءَتِهِ (وَالْمُشْتَرِي عَلَى) حَيْضَةٍ (وَاحِدَةٍ) ، بِأَنْ تُوضَعَ بَعْدَ الشِّرَاءِ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ غَيْرَهَا، وَلَوْ اسْتَبْرَأَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَهُ، كَانَ سَيِّدُهَا غَائِبًا عَنْهَا قَبْلَهُ غَيْبَةً لَا يُمْكِنُهُ فِيهَا الْوُصُولُ إلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ أَعْتَقَهَا فَأُمُّ الْوَلَدِ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِبْرَائِهَا، وَلَوْ كَانَتْ قَدْ اُسْتُبْرِئَتْ قَبْلَهُ أَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَهُ، أَوْ كَانَ سَيِّدُهَا غَائِبًا ثُمَّ أَرْسَلَهُ لَهَا، وَأَمَّا غَيْرُ أُمِّ الْوَلَدِ فَتُسْتَبْرَأُ مَا لَمْ تَكُنْ اُسْتُبْرِئَتْ قَبْلَهُ أَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَهُ، أَوْ كَانَ غَائِبًا قَبْلَهُ وَإِلَّا اكْتَفَتْ بِذَلِكَ، وَلَا تَحْتَاجُ لِاسْتِئْنَافِ اسْتِبْرَاءٍ. قَوْلُهُ: [مُتَعَلَّقٌ بِقَوْلِهِ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ] : أَيْ فَهُوَ رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَوَّلِ الْبَابِ، وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ بِحَيْضَةٍ أَنَّ الْقُرْءَ هُنَا لَيْسَ هُوَ الطُّهْرُ كَالْعِدَّةِ بَلْ الدَّمُ، فَبِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهِ تَحْصُلُ الْبَرَاءَةُ، فَلِلْمُشْتَرِي التَّمَتُّعُ بِغَيْرِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِحَيْضَةٍ لِلتَّعْدِيَةِ. وَفِي قَوْلِهِ: بِمِلْكٍ لِلسَّبَبِيَّةِ، فَلَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ مُتَّحِدَيْ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بِعَامِلٍ وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: [إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ] : أَيْ وَكَانَتْ عَادَتُهَا يَأْتِيهَا فِي أَقَلِّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ. وَإِلَّا فَتُسْتَبْرَأُ بِالْأَشْهُرِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [بِأَنْ تُوضَعَ بَعْدَ الشِّرَاءِ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ] : قَالَ (بْن) الَّذِي يَتَبَادَرُ مِنْ النَّقْلِ أَنَّ الْمُرَادَ اسْتِبْرَاؤُهَا قَبْلَ عَقْدِ الشِّرَاءِ فَقَطْ، وَبِذَلِكَ يَنْتَفِي تَكْرَارُهُ مَعَ الْمُوَاضَعَةِ

كَمَا سَيَأْتِي. (فَإِنْ تَأَخَّرَتْ) الْحَيْضَةُ عَنْ عَادَتِهَا (وَلَوْ لِرَضَاعٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ اُسْتُحِيضَتْ وَلَمْ تُمَيِّزْ) الْحَيْضَ مِنْ غَيْرِهِ (فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) اسْتِبْرَاؤُهَا. (كَالصَّغِيرَةِ) الْمُطِيقَةِ (وَالْيَائِسَةِ) ، اسْتِبْرَاءُ كُلٍّ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَكَذَا مَنْ عَادَتُهَا الْحَيْضُ بَعْدَ التِّسْعَةِ. وَإِنْ كَانَ عَادَتُهَا الْحَيْضَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، فَهَلْ تَكْتَفِي بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْحَيْضَةِ؟ اخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ وَلَعَلَّ الْأَظْهَرَ الثَّانِي، (إلَّا أَنْ تَقُولَ النِّسَاءُ: بِهَا رِيبَةٌ) الْأَخْصَرُ: إلَّا أَنْ تَرْتَابَ مَنْ تَأَخَّرَ حَيْضُهَا أَوْ اُسْتُحِيضَتْ وَلَمْ تُمَيِّزْ (فَتِسْعَةُ أَشْهُرٍ) اسْتِبْرَاؤُهَا. (وَبِالْوَضْعِ) - عَطْفٌ عَلَى بِحَيْضَةٍ: أَيْ وَبِوَضْعِهَا إنْ كَانَتْ حَامِلًا (كَالْعِدَّةِ) أَيْ بِتَمَامِ وَضْعِهَا كُلِّهِ. (وَحَرُمَ) عَلَى الْمَالِكِ (الِاسْتِمْتَاعُ) بِوَطْءٍ أَوْ مُقَدِّمَاتِهِ (فِي زَمَنِهِ) : أَيْ الِاسْتِبْرَاءِ. ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَ مَفَاهِيمِ الْقُيُودِ الْمُتَقَدِّمَةِ زِيَادَةً فِي الْإِيضَاحِ بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآتِيَةِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ بِأَنْ تُوضَعَ بَعْدَ الشِّرَاءِ الْمُنَاسِبِ قَبْلَ عَقْدِ الشِّرَاءِ. وَقَوْلُهُ: [كَمَا سَيَأْتِي] : لَا يَظْهَرُ، بَلْ هُوَ فِي الْمُوَاضَعَةِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى. قَوْلُهُ: [فَتِسْعَةُ أَشْهُرٍ اسْتِبْرَاؤُهَا] : أَيْ فَإِنْ لَمْ تَزِدْ الرِّيبَةُ حَلَّتْ، وَإِنْ زَادَتْ مَكَثَتْ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إنْ زَالَتْ الرِّيبَةُ قَبْلَ التِّسْعَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ بَعْدَ تَمَامِهَا حَلَّتْ بِمُجَرَّدِ زَوَالِهَا، وَإِنْ اسْتَمَرَّتْ، الرِّيبَةُ بَعْدَ التِّسْعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ لَمْ تَزِدْ حَلَّتْ بِمُجَرَّدِ تَمَامِ التِّسْعَةِ، وَإِنْ زَادَتْ مَكَثَتْ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ، كَمَا أَفَادَ ذَلِكَ نَقْلُ بْن عَنْ ابْنِ رُشْدٍ. قَوْلُهُ: [وَبِالْوَضْعِ] : أَيْ وَلَوْ عَلَّقَهُ فَاسْتِبْرَاءُ الْحَامِلِ بِالْوَضْعِ حُكْمُ الْعِدَّةِ. قَوْلُهُ: [وَحُرُمَ عَلَى الْمَالِكِ الِاسْتِمْتَاعُ] إلَخْ: أَيْ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي مِلْكِ سَيِّدِهَا وَهِيَ بَيِّنَةُ الْحَمْلِ مِنْهُ وَاسْتَبْرَأَهَا مِنْ زِنًا أَوْ غَصْبٍ أَوْ اشْتِبَاهٍ، فَلَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا وَلَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَقِيلَ: جَائِزٌ، وَاخْتَارَ (بْن) الْحُرْمَةَ تَبَعًا لِابْنِ رُشْدٍ لِاحْتِمَالِ انْفِشَاشِ الْحَمْلِ، وَهَذَا الْخِلَافُ بِعَيْنِهِ تَقَدَّمَ فِي الْعِدَّةِ وَسَيَأْتِي فِي الْمُصَنَّفِ نَدْبُ الِاسْتِبْرَاءِ.

[بعض مفاهيم في الاستبراء]

(وَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى مَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ بِكَوَدِيعَةٍ) : أُدْخِلَتْ الْكَافُ: الْمَرْهُونَةُ وَأَمَةُ زَوْجَتِهِ، (أَوْ مَبِيعَةً بِخِيَارٍ إنْ حَصَلَتْ) الْحَيْضَةُ عِنْدَ مَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ أَيَّامَ الْإِيدَاعِ، وَنَحْوَهُ وَأَيَّامَ الْخِيَارِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي (وَلَمْ تَحْرَجْ) الْأَمَةُ لِحَاجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، (وَلَمْ يَلِجْ عَلَيْهَا سَيِّدُهَا) وَإِلَّا وَجَبَ لِإِسَاءَةِ الظَّنِّ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) لَا اسْتِبْرَاءَ (عَلَى مَنْ أَعْتَقَ) أَمَتَهُ الْمَوْطُوءَةَ لَهُ، (وَتَزَوَّجَ) بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ، لِأَنَّ وَطْأَهُ الْأَوَّلَ صَحِيحٌ، (أَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ وَإِنْ قَبْلَ الْبِنَاءِ) بِهَا، وَهَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ: " وَلَمْ تَكُنْ مُبَاحَةَ الْوَطْءِ ". (وَلَوْ اشْتَرَاهَا) : أَيْ زَوْجَتَهُ (بَعْدَ الْبِنَاءِ) بِهَا (فَبَاعَهَا) لِرَجُلٍ، (أَوْ أَعْتَقَهَا. أَوْ مَاتَ) عَنْهَا، (أَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ) عَنْ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ بَعْدَ أَنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ الَّتِي بَنَى بِهَا، وَرَجَعَتْ لِسَيِّدِهِ بِأَنْ انْتَزَعَهَا مِنْهُ (قَبْلَ وَطْءِ الْمِلْكِ) الْحَاصِلِ بِالشِّرَاءِ. هَذَا ظَرْفٌ تَنَازَعَتْهُ الْأَفْعَالُ الْأَرْبَعَةُ قَبْلَهُ: أَيْ بَاعَ وَأَعْتَقَ وَمَاتَ وَعَجَزَ (لَمْ تَحِلَّ لِسَيِّدٍ) اشْتَرَاهَا مِنْ الزَّوْجِ أَوْ انْتَزَعَهَا مِنْ مُكَاتَبِهِ أَوْ وَرِثَهَا إذَا مَاتَ، (وَلَا زَوْجَ) يُرِيدُ تَزْوِيجَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ أَوْ الْمَوْتِ أَوْ الْبَيْعِ أَوْ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ، فَقَوْلُهُ: " لِسَيِّدٍ " رَاجِعٌ لِمَا عَدَا الْعِتْقَ. وَقَوْلُهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَعْض مَفَاهِيم فِي الِاسْتِبْرَاء] قَوْلُهُ: [لِأَنَّ وَطْأَهُ الْأَوَّلَ صَحِيحٌ] : أَيْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ بِوُجُوبِهِ لِيُفَرِّقَ بَيْنَ وَلَدِهِ بِوَطْءِ الْمِلْكِ وَوَلَدِهِ مِنْ وَطْءِ النِّكَاحِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَوْ أَرَادَ نَفْيَهُ لَانْتَفَى مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ، وَالثَّانِي لَا يَنْتَفِي إلَّا بِلِعَانٍ وَقَدْ اسْتَظْهَرَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ هَذَا الْقَوْلَ. قَوْلُهُ: [أَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ] : هَذِهِ عَكْسُ مَا قَبْلَهَا لِأَنَّ الَّتِي قَبْلَهَا كَانَ يَطَؤُهَا أَوَّلًا بِالْمِلْكِ، فَصَارَ يَطَؤُهَا بِالنِّكَاحِ، وَهَذِهِ كَانَ يَطَؤُهَا بِالنِّكَاحِ، فَصَارَ يَطَؤُهَا بِالْمُلْكِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا] : بَالَغَ عَلَى ذَلِكَ لِدَفْعِ تَوَهُّمٍ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ يَلْزَمُهُ اسْتِبْرَاؤُهَا، وَأَمَّا بَعْدَ بِنَائِهِ بِهَا فَلَا يُتَوَهَّمُ وُجُوبُ اسْتِبْرَائِهِ، لِأَنَّ الْمَاءَ مَاؤُهُ وَوَطْؤُهُ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ، وَالِاسْتِبْرَاءُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْوَطْءِ الْفَاسِدِ، وَمَحَلُّ كَوْنِهِ إذَا اشْتَرَاهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاؤُهَا مَا لَمْ يَقْصِدُ بِتَزَوُّجِهِ لَهَا إسْقَاطَ الِاسْتِبْرَاءِ الَّذِي يُوجِبُهُ الشِّرَاءُ، وَإِلَّا عُمِلَ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ. قَوْلُهُ: [لَمْ تَحِلَّ لِسَيِّدٍ] : أَيْ وَطْؤُهَا، وَقَوْلُهُ وَلَا زَوْجٍ أَيْ الْعَقْدُ عَلَيْهَا.

وَلَا زَوْجَ " رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ (إلَّا بِقُرْأَيْنِ) أَيْ طُهْرَيْنِ (عِدَّةُ فَسْخِ النِّكَاحِ) الْحَاصِلِ مِنْ شِرَاءِ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ بَعْدَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ فَسْخِ نِكَاحِ الْأَمَةِ قُرْءَانِ كَعِدَّةِ طَلَاقِهَا. وَقَوْلُهُ: " عِدَّةٍ " إمَّا بِالْجَرِّ بَدَلٌ أَوْ بَيَانٌ لِقُرْأَيْنِ. أَوْ بِالرَّفْعِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُمَا عِدَّةُ فَسْخٍ. (وَإِلَّا) يَحْصُلْ الْبَيْعُ أَوْ الْعِتْقُ أَوْ الْمَوْتُ أَوْ عَجْزُ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ وَطْءِ الْمَالِكِ. بَلْ بَعْدَهُ (فَحَيْضَةٌ) فَقَطْ لِمَنْ اشْتَرَاهَا أَوْ وَرِثَهَا أَوْ أَرَادَ تَزْوِيجَهَا أَوْ انْتَزَعَهَا مِنْ مُكَاتَبِهِ. لِأَنَّ وَطْءَ الْمِلْكِ هَدَمَ عِدَّةَ النِّكَاحِ. (كَحُصُولِهِ) : أَيْ حُصُولِ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَ مِنْ الْبَيْعِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ الْمَوْتِ لِلزَّوْجِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبِنَاءِ، (بَعْدَ حَيْضَةٍ) حَصَلَتْ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَقَبْلَ وَطْئِهَا بِالْمِلْكِ. فَإِنَّهَا تَكْتَفِي بِحَيْضَةٍ أُخْرَى تُكْمِلُ بِهَا عِدَّةَ فَسْخِ النِّكَاحِ، (أَوْ) حُصُولِهِ بَعْدَ. (حَيْضَتَيْنِ) : فَعَلَيْهَا حَيْضَةٌ فَقَطْ لِلِاسْتِبْرَاءِ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ إذَا عَتَقَتْ وَلَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ بَعْدَ الْحَيْضِ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهَا تَسْتَأْنِفُ حَيْضَةً كَمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا) اسْتِبْرَاءَ (عَلَى أَبٍ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا) مِنْ غَيْرِ وَطْءِ ابْنِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عِدَّةِ فَسْخِ النِّكَاحِ] : أَيْ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ. قَوْلُهُ: [بَعْدَ حَيْضَةٍ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بَعْدَ أَنْ بَنَى بِهَا فَحَاضَتْ بَعْدَ الشِّرَاءِ حَيْضَةً فَأَعْتَقَهَا أَوْ بَاعَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا بِالْمِلْكِ، فَإِنَّهُ يَكْتَفِي فِي حِلِّهَا لِلْمُشْتَرِي وَلِمَنْ يُزَوِّجُهَا لَهُ الْمُشْتَرِي، وَلِمَنْ يَتَزَوَّجُهَا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَلِلْوَارِثِ وَلِمَنْ يُزَوِّجُهَا لَهُ الْوَارِثُ بِحَيْضَةٍ أُخْرَى بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: [بَعْدَ حَيْضَتَيْنِ] : أَيْ حَصَلَتَا بَعْدَ الشِّرَاءِ وَقَبْلَ وَطْءِ الْمِلْكِ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا فِي غَيْرِ الْعِتْقِ] : مِثْلُ الْعِتْقِ التَّزَوُّجُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْحَيْضَتَيْنِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حَيْضَةِ اسْتِبْرَاءٍ. قَوْلُهُ: [كَمَا تَقَدَّمَ] : أَيْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يُوجِبُ الِاسْتِبْرَاءَ إلَّا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ قَبْلَهُ اسْتِبْرَاءٌ قَوْلُهُ: [جَارِيَةُ ابْنِهِ] : الْمُرَادُ بِهِ فَرْعُهُ مِنْ النَّسَبِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَإِنْ نَزَلَ،

لَهَا، لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهَا بِمُجَرَّدِ جُلُوسِهِ بَيْنَ فَخْذَيْهَا بِالْقِيمَةِ، وَحُرِّمَتْ عَلَى ابْنِهِ فَوَطْؤُهُ صَارَ فِي مَمْلُوكَتِهِ بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، قَالَ: وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا عَلَى وُجُوبِهِ، وَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ. فَلَوْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا لَوَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا اتِّفَاقًا. (وَلَا) اسْتِبْرَاءَ (عَلَى بَائِعٍ إنْ غَابَ عَلَيْهَا مُشْتَرٍ بِخِيَارٍ لَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي، (وَرَدُّهَا) عَلَى بَائِعِهَا وَأَوْلَى إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ لِظُهُورِ أَمَانَتِهِ كَالْوَدِيعِ، (وَنَدَبَ) الِاسْتِبْرَاءُ حَيْثُ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي، وَقِيلَ مُطْلَقًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ فَلَا يَمْلِكُ الْأَبُ مِنْ الرَّضَاعِ جَارِيَةَ ابْنِهِ مِنْهُ بِالْوَطْءِ، بَلْ يُعَدُّ وَطْؤُهُ زِنًا وَانْظُرْ النَّصَّ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [عَلَى وُجُوبِهِ] : أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَبَ لَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا بِتَلَذُّذِهِ وَلَوْ بِالْوَطْءِ، بَلْ يَكُونُ لِلِابْنِ الْتِمَاسُك بِهَا فِي عُسْرِ الْأَبِ وَيُسْرِهِ، وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَمَحَلُّ مِلْكِ الْأَبِ لَهَا بِالْوَطْءِ الْمَذْكُورِ مَا لَمْ يَكُنْ الِابْنُ وَطِئَهَا قَبْلَهُ، وَإِلَّا فَلَا يَمْلِكُهَا بِالْوَطْءِ لِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ كَذَا قِيلَ، وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهَا تُقَوَّمُ عَلَى الْأَبِ مَتَى وَطِئَهَا لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا عَلَى الِابْنِ وَحَرَّمَهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ تَحْرُمُ عَلَى الْأَبِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا، لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا الْأَبُ بَعْدَ الِابْنِ تَحْرُمُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا قَبْلَ وَطْءِ أَبِيهِ حُرِّمَتْ عَلَى الِابْنِ دُونَ أَبِيهِ. قَوْلُهُ: [وَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى بَائِعٍ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ رَبَّ الْأَمَةِ إذَا بَاعَهَا بِخِيَارٍ لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ بَعْدَ أَنْ غَابَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا رَدَّهَا لِلْبَائِعِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ اسْتِبْرَاءٌ، وَإِنْ جَازَ لِلْمُشْتَرِي الْوَطْءُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ، لِأَنَّهُ يُعَدُّ بِذَلِكَ مُخْتَارًا فَلَا يَتَأَتَّى لَهُ رَدُّهَا، فَهِيَ مَأْمُونَةٌ مِنْ وَطْئِهِ فَلِذَا كَانَ اسْتِبْرَاءُ الْبَائِعِ لَهَا غَيْرَ وَاجِبٍ. بَلْ يُنْدَبُ كَمَا سَيَقُولُ الْمُصَنِّفُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ لِلْبَائِعِ وَرَدَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ الْبَيْعَ بَعْدَ أَنْ غَابَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا فَلَا يُطَالَبُ الْبَائِعُ بِاسْتِبْرَاءٍ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِغَيْرِ الْمُشْتَرِي كَانَ هُنَاكَ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ مِنْ وَطِئَهُ، وَهُمْ إذَا لَمْ يُرَاعُوا الْمَانِعَ الشَّرْعِيَّ لَزِمَ اسْتِبْرَاؤُهَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ كَالْمُودِعِ وَالْمُرْتَهِنِ ثُمَّ رُدَّتْ لِرَبِّهَا وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي مِنْهُمَا، وَيُسِيءُ الْبَائِعُ الظَّنَّ بِهِ وَإِلَّا فَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ مُطْلَقًا] : الْحَاصِلُ أَنَّهُ قِيلَ بِالْوُجُوبِ مُطْلَقًا وَقِيلَ بِالِاسْتِحْبَابِ

[المواضعة وهي نوع من الاستبراء]

وَقِيلَ يَجِبُ. وَشَبَّهَ فِي نَدْبِهِ قَوْلَهُ (كَسَيِّدٍ وُطِئَتْ أَمَتُهُ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا) حَالَ كَوْنِهَا (حَامِلًا مِنْهُ) أَيْ مِنْ السَّيِّدِ. ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ: وَهِيَ نَوْعٌ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ، إلَّا أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِمَزِيدِ أَحْكَامٍ، وَلِذَا أَفْرَدَهَا بِالذِّكْرِ، فَقَالَ بِالْعَطْفِ عَلَى اسْتِبْرَاءِ أَمَةٍ: (وَمُوَاضَعَةُ الْعَلِيَّةِ) : أَيْ وَيَجِبُ مُوَاضَعَةُ الْعَلِيَّةِ: أَيْ الرَّائِعَةِ الْجَيِّدَةِ الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ تُرَادَ لِلْفِرَاشِ لِحُسْنِهَا، وَسَوَاءٌ أَقَرَّ الْبَائِعُ بِوَطْئِهَا أَمْ لَا، (أَوْ مَنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ بِوَطْئِهَا) وَهِيَ وَخْشٌ شَأْنُهَا أَنْ تُرَادَ لِلْخِدْمَةِ، فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِوَطْئِهَا فَلَا تَتَوَاضَعُ بَلْ يَسْتَبْرِئُهَا الْمُشْتَرِي، وَفَسَّرَ الْمُوَاضَعَةَ بِقَوْلِهِ: (بِجَعْلِهَا مُدَّةَ اسْتِبْرَائِهَا) الْمُتَقَدِّمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُطْلَقًا، وَقِيلَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي خَاصَّةً وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ شَارِحُنَا. قَوْلُهُ: [كَسَيِّدٍ] إلَخْ: تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ مِنْ جُمْلَةِ الْأَقْوَالِ. [الْمُوَاضَعَةِ وَهِيَ نَوْعٌ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ] قَوْلُهُ: [وَهِيَ نَوْعٌ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ] : أَيْ وَيُرَادُ بِالِاسْتِبْرَاءِ الْمَعْنَى الْأَعَمُّ وَهُوَ مُطْلَقُ الْكَشْفِ عَنْ حَالِ الرَّحِمِ الشَّامِلِ لِلْمُوَاضَعَةِ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِمَزِيدِ أَحْكَامٍ] : وَذَلِكَ كَالنَّفَقَةِ وَالضَّمَانِ، وَشَرْطِ النَّقْدِ فَإِنَّ النَّفَقَةَ فِي زَمَنِ الْمُوَاضَعَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَضَمَانَهَا مِنْهُ، وَشَرْطُ النَّقْدِ مُفْسِدٌ لِبَيْعِهَا، بِخِلَافِ الِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّ نَفَقَتَهَا مُدَّتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَضَمَانُهَا مِنْهُ، وَالنَّقْدُ فِيهِ وَلَوْ بِشَرْطٍ لَا يَضُرُّ. قَوْلُهُ: [وَمُوَاضَعَةُ الْعَلِيَّةِ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ الْمُوَاضَعَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا إرَادَةُ الْمُشْتَرِي الْوَطْءَ، فَلَيْسَتْ كَالِاسْتِبْرَاءِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَلِيَّةَ يَنْقُصُ الْحَمْلُ مِنْ ثَمَنِهَا، وَالْوَخْشُ إذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ بِوَطْئِهَا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ حَمَلَتْ مِنْهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ كَوْنَهَا عَلَيْهِ أَوْ وَخْشًا بِالنَّظَرِ لِحَالِهَا عِنْدَ النَّاسِ لَا بِالنَّظَرِ لِحَالِهَا عِنْدَ مَالِكِهَا، قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ مَنْ أَقَرَّ الْبَائِعَ بِوَطْئِهَا] : أَيْ وَلَمْ يَسْتَبْرِئْهَا. قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِوَطْئِهَا] : أَيْ أَوْ أَقَرَّ وَاسْتَبْرَأَهَا. قَوْلُهُ: [بَلْ يَسْتَبْرِئُهَا الْمُشْتَرِي] : أَيْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَطَأَهَا وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ اسْتِبْرَاءٌ. قَوْلُهُ: [مُدَّةُ اسْتِبْرَائِهَا الْمُتَقَدِّمِ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةٍ أَوْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَوْ تِسْعَةٍ عَلَى مَا مَرَّ، لِأَنَّ الْمُوَاضَعَةَ كَمَا تَكُونُ فِيمَنْ تَحِيضُ تَكُونُ فِي غَيْرِهَا.

[اجتماع العدة الاستبراء]

(عِنْدَ مَنْ يُؤْمَنُ مِنْ النِّسَاءِ، أَوْ رَجُلٌ لَهُ أَهْلٌ) مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ مَحْرَمٍ كَأُمٍّ أَمِينَةٍ وَالْعُمْدَةُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمَأْمُونَةِ كَانَ لَهَا رَجُلٌ أَوْ لَا، (وَكَرِهَ) وَضْعَهَا (عِنْدَ أَحَدِهِمَا) : أَيْ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ (وَإِنْ رَضِيَا) مَعًا (بِغَيْرِهِمَا) فِي وَضْعِهَا عِنْدَهُ (فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْتِقَالُ) عَنْهُ، نَعَمْ إذَا رَضِيَا مَعًا بِنَقْلِهَا مِنْ عِنْدَهُ كَانَ لَهُمَا ذَلِكَ، (وَكَفَى الْوَاحِدَةُ) أَيْ وَضْعَهَا عِنْدَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَدُّدُ. (وَشَرْطُ النَّقْدِ) : أَيْ نَقْدِ ثَمَنِ الْمُوَاضَعَةِ (يُفْسِدُ الْعَقْدَ) : أَيْ عَقْدِ بَيْعِهَا لِتَرَدُّدٍ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ. (وَلَا مُوَاضَعَةَ فِي) أَمَةٍ (مُتَزَوِّجَةٍ، وَ) لَا فِي أَمَةٍ (حَامِلٍ، وَ) لَا فِي أَمَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مِنْ النِّسَاءِ] : أَيْ وَهُوَ الْأَفْضَلُ. قَوْلُهُ: [أَوْ رَجُلٍ لَهُ أَهْلٌ] : أَيْ وَأَمَّا مَنْ لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا مَحْرَمَ فَلَا يَكْفِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: [فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْتِقَالُ] : أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا تَنَازَعَا ابْتِدَاءً فِيمَنْ تُوضَعُ عِنْدَهُ، فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ فِيمَنْ تُوضَعُ عِنْدَهُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا رَضِيَا بِأَحَدِهِمَا وَارْتَكَبَ الْمَكْرُوهَ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْتِقَالُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَدُّدُ] : أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ، بِخِلَافِ التُّرْجُمَانِ فَلَا يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ عَلَى الْأَرْجَحِ. قَوْلُهُ: [يُفْسِدُ الْعَقْدَ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ بِالْفِعْلِ، وَإِنَّمَا فَسَدَ الْعَقْدُ بِشَرْطِ النَّقْدِ إذَا اُشْتُرِطَتْ الْمُوَاضَعَةُ أَوْ جَرَى بِهَا الْعُرْفُ، فَإِنْ لَمْ تُشْتَرَطْ وَلَمْ يَجْرِ بِهَا الْعُرْفُ كَمَا فِي مِصْرَ لَمْ يَفْسُدْ الْبَيْعُ بِشَرْطِ النَّقْدِ، وَيُحْكَمُ بِالْمُوَاضَعَةِ وَيُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى رَدِّ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ كَذَا فِي الْخَرَشِيِّ. قَوْلُهُ: [لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ] : أَيْ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَرَى الدَّمَ فَيَمْضِي الْبَيْعُ وَيَكُونُ ثَمَنًا، وَأَنْ لَا تَرَاهُ فَيُرَدُّ الْبَيْعُ فَيَكُونُ مَا نَقَدَهُ سَلَفًا. [اجْتِمَاع الْعِدَّة الِاسْتِبْرَاء] [إيقَاف الثَّمَن أَيَّام الْمُوَاضَعَة] قَوْلُهُ: [وَلَا مُوَاضَعَةَ فِي أَمَةٍ مُتَزَوِّجَةٍ] : أَيْ اشْتَرَاهَا غَيْرُ زَوْجِهَا وَذَلِكَ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي مُوَاضَعَتِهَا لِدُخُولِ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ مُسْتَرْسِلٌ عَلَيْهَا، وَأَوْلَى فِي عَدَمِ الْمُوَاضَعَةِ لَوْ اشْتَرَاهَا زَوْجُهَا الْمُسْتَرْسِلُ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: [وَلَا فِي أَمَةٍ حَامِلٍ] : أَيْ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ حَامِلًا

(مُعْتَدَّةٍ) مِنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ، إذْ الْعِدَّةُ تُغْنِي عَنْ الْمُوَاضَعَةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ، (و) لَا فِي (زَانِيَةٍ) لِأَنَّ الْوَلَدَ فِيهِ لَا يَلْحَقُ بِالْبَائِعِ وَلَا بِغَيْرِهِ. (بِخِلَافِ رَاجِعَةٍ) لِبَائِعِهَا (بِعَيْبٍ أَوْ فَسَادِ بَيْعٍ، أَوْ إقَالَةٍ إنْ غَابَ عَلَيْهَا الْمُشْتَرِي وَدَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ) : أَيْ الْمُشْتَرِي بِرُؤْيَةِ الدَّمِ، أَوْ قَبَضَهَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، (أَوْ ظَنَّ وَطْأَهَا) فَعَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ فِي الْوَخْشِ وَالْمُوَاضَعَةُ فِي الْعَلِيَّةِ، لَا إنْ لَمْ يَغِبْ عَلَيْهَا. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْعِدَّةِ مُنْفَرِدَةً وَالِاسْتِبْرَاءِ كَذَلِكَ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَيْهِمَا إذَا اجْتَمَعَتَا مِنْ نَوْعٍ أَوْ نَوْعَيْنِ، وَيُسَمَّى ذَلِكَ بِبَابِ تَدَاخُلِ الْعِدَدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ زِنًا أَوْ مِنْ زَوْجٍ، نَعَمْ تُسْتَبْرَأُ بِوَضْعِ حَمْلِهَا، وَفَائِدَةُ كَوْنِ وَضْعُ الْحَمْلِ اسْتِبْرَاءً لَا مُوَاضَعَةً لُزُومُ النَّفَقَةِ وَالضَّمَانِ مِنْ الْمُشْتَرِي لَا مِنْ الْبَائِعِ. قَوْلُهُ: [إذْ الْعِدَّةُ تُغْنِي] إلَخْ: رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَلَا مُعْتَدَّةً. قَوْلُهُ: [وَلَا فِي زَانِيَةٍ] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا زَنَتْ الْأَمَةُ فَبَاعَهَا الْمَالِكُ بَعْدَ زِنَاهَا فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي مُوَاضَعَتُهَا. وَيَنْتَظِرُ حَيْضَةً يَسْتَبْرِئُهَا بِهَا فَنَفْيُ الْمُوَاضَعَةِ عَنْهَا لَا يُنَافِي وُجُوبَ اسْتِبْرَائِهَا، إذَا أَرَادَ وَطْأَهَا وَفَائِدَةُ كَوْنِهَا اسْتِبْرَاءً لَا مُوَاضَعَةً تَرَتُّبُ النَّفَقَةِ وَالضَّمَانِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ حَمَلَتْ مِنْ ذَلِكَ الزِّنَا اسْتَبْرَأَهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ. تَتِمَّةٌ اُخْتُلِفَ هَلْ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى إيقَافِ الثَّمَنِ أَيَّامَ الْمُوَاضَعَةِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ الْمُوَاضَعَةِ إذَا طَلَبَ إيقَافَهُ الْبَائِعُ أَوْ لَا يُجْبَرُ؟ قَوْلَانِ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْجَبْرِ فَتَلَفَ كَانَتْ مُصِيبَةً بِمَنْ قَضَى لَهُ بِهِ وَهُوَ الْبَائِعُ إذَا رَأَتْ الدَّمَ، وَالْمُشْتَرِي إنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ أَوْ هَلَكَتْ أَيَّامَ الْمُوَاضَعَةِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْجَبْرِ فَكَذَلِكَ إنْ وَقَفَ بِتَرَاضِيهِمَا. قَوْلُهُ: [مِنْ نَوْعٍ] : أَيْ كَمَا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْأَقْرَاءِ أَوْ بِالْأَشْهُرِ، وَقَوْلُهُ أَوْ نَوْعَيْنِ كَمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا بِالْأَقْرَاءِ وَالْآخَرُ بِالْأَشْهُرِ، وَعَكْسُهُ، أَوْ أَحَدُهُمَا بِالْأَشْهُرِ وَالْآخَرُ بِالْحَمْلِ. قَوْلُهُ: [وَيُسَمَّى ذَلِكَ بِبَابِ تَدَاخُلِ الْعِدَدِ] : قَالَ بَعْضٌ: وَهُوَ بَابُ يُمْتَحَنُ بِهِ الْفُقَهَاءُ كَامْتِحَانِ النَّحْوِيِّينَ بِبَابِ الْأَخْبَارِ، وَالتَّصْرِيفَيْنِ بِبَابِ الْأَبْنِيَةِ

وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ تِسْعُ صُوَرٍ بِاعْتِبَارِ الْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَسَبْعٌ فِي الْوَاقِعِ، إذْ مَوْتٌ لَا يَطْرَأُ عَلَى مَوْتٍ وَلَا طَلَاقٌ عَلَى مَوْتٍ، فَالْمَوْتُ يَطْرَأُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ فَقَطْ، وَكُلٌّ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ وَعِدَّةِ الطَّلَاقِ يَطْرَأُ عَلَيْهِ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ؛ فَهَذِهِ سَبْعَةٌ فَالطَّارِئُ يَهْدِمُ السَّابِقَ، إلَّا إذَا كَانَ الطَّارِئُ أَوْ الْمَطْرُوءُ عَلَيْهِ عِدَّةُ وَفَاةٍ فَأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إذْ مَوْتٌ لَا يَطْرَأُ عَلَى مَوْتٍ] : قَدْ يُقَالُ: إنَّ امْرَأَةَ الْمَفْقُودِ إذَا شَرَعَتْ تَعْتَدُّ بِحُكْمِ الْقَاضِي، ثُمَّ ظَهَرَ مَوْتُ زَوْجِهَا فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ، يُقَالُ فِيهِ طَرَأَ مَوْتٌ عَلَى مَوْتٍ وَعِدَّةُ الثَّانِي تَهْدِمُ الْأَوَّلَ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يَطْرَأُ مَوْتٌ عَلَى مَوْتٍ، الْمُرَادُ الْمَوْتُ الْحَقِيقِيُّ فِي الْوَاقِعِ وَنَفْسُ الْأَمْرِ فِي الشَّرْح عَلَيْهِ فَافْهَمْ. وَقَوْلُهُ: [وَلَا طَلَاقَ عَلَى مَوْتٍ] : يُقَالُ فِيهِ أَيْضًا - سُؤَالًا وَجَوَابًا - مَا قِيلَ فِي طُرُوُّ مَوْتٌ عَلَى مَوْتٍ - فَتَأَمَّلْ، فَإِنَّنَا لَمْ نَقُلْ ذَلِكَ كَانَتْ الصُّوَرُ التِّسْعُ كُلُّهَا وَاقِعِيَّةً، وَيَمْثُلُ لِطُرُوِّ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ عَلَى الْمَوْتِ بِمَسْأَلَةِ الْمَفْقُودِ. قَوْلُهُ: [فَالْمَوْتُ يَطْرَأُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ فَقَطْ] : أَيْ الْمَوْتُ الْحَقِيقِيُّ كَمَا عَلِمْت، أَيْ كَمَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ وَهِيَ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ. قَوْلُهُ: [يَطْرَأُ عَلَيْهِ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ] : أَيْ الِاسْتِبْرَاءُ وَالطَّلَاقُ وَالْوَفَاةُ قَوْلُهُ: [إلَّا إذَا كَانَ الطَّارِئُ أَوْ الْمَطْرُوّ عَلَيْهِ] إلَخْ: أَيْ فَيُعْتَبَرُ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الطَّارِئُ عِدَّةَ وَفَاةٍ الشَّرْح عَلَيْهِ إمَّا طَلَاقٌ أَوْ اسْتِبْرَاءٌ، وَإِذَا كَانَ الشَّرْح عَلَيْهِ وَفَاةً فَالطَّارِئُ اسْتِبْرَاءٌ لَا غَيْرُ وَسَيَأْتِي.

[فصل في تداخل العدد]

فَصْلٌ فِي تَدَاخُلِ الْعِدَدِ (إنْ طَرَأَ مُوجِبُ عِدَّةٍ مُطْلَقًا) مَوْتًا أَوْ طَلَاقًا، (أَوْ) طَرَأَ (اسْتِبْرَاءٌ قَبْلَ تَمَامِ عِدَّةٍ) مُطْلَقًا (أَوْ) قَبْلَ تَمَامِ (اسْتِبْرَاءٍ، انْهَدَمَ الْأَوَّلُ) الَّذِي كَانَ فِيهِ مِنْ عِدَّةٍ أَوْ اسْتِبْرَاءٍ، (وَاسْتَأْنَفَتْ) مَا طَرَأَ. فَهَذِهِ سَبْعُ صُوَرٍ: طُرُوءُ عِدَّةِ وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ اسْتِبْرَاءٍ عَلَى عِدَّةِ طَلَاقٍ أَوْ اسْتِبْرَاءٍ، وَطُرُوءُ اسْتِبْرَاءٍ عَلَى عِدَّةِ وَفَاةٍ. (إلَّا إذَا كَانَ الطَّارِئُ أَوْ الشَّرْح عَلَيْهِ عِدَّةَ وَفَاةٍ فَأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ) تَمْكُثُهُ. وَذَلِكَ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ: طُرُوءُ عِدَّةِ وَفَاةٍ عَلَى اسْتِبْرَاءٍ، أَوْ عِدَّةِ طَلَاقٍ، وَطُرُوءُ اسْتِبْرَاءٍ عَلَى عِدَّةِ وَفَاةٍ. ثُمَّ شَرَعَ فِي أَمْثِلَةِ الْقَاعِدَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (كَمُتَزَوِّجِ بَائِنَتَهُ) بِأَنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بَائِنًا دُونَ الثَّلَاثِ، (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَهَا (يُطَلِّقُ بَعْدَ الْبِنَاءِ) بِهَا، (أَوْ يَمُوتُ مُطْلَقًا) بَعْدَ الْبِنَاءِ أَوْ قَبْلَهُ، فَتَسْتَأْنِفُ عِدَّةَ طَلَاقٍ فِيمَا إذَا طَلَّقَ بَعْدَ الْبِنَاءِ، وَعِدَّةَ وَفَاةٍ فِيمَا إذَا مَاتَ؛ فَهَذَا مِثَالُ مَا إذَا طَرَأَتْ عِدَّةُ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ عَلَى عِدَّةِ طَلَاقٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي تَدَاخُلِ الْعِدَدِ] [الْقَاعِدَة طَرَأَ مُوجِبُ عِدَّةٍ أَوْ طَرَأَ اسْتِبْرَاءٌ قَبْلَ تَمَامِ عِدَّةٍ] فَصْلٌ قَوْلُهُ: [قَبْلَ تَمَامِ عِدَّةٍ مُطْلَقًا] : الْإِطْلَاقُ بِالنِّسْبَةِ لِطُرُوءِ الِاسْتِبْرَاءِ فَقَطْ، وَإِلَّا فَطُرُوءُ الْوَفَاةِ عَلَى الْوَفَاةِ أَوْ الطَّلَاقِ عَلَى الْوَفَاةِ لَا يُمْكِنُ، وَيَدُلُّ لِهَذَا التَّقْيِيدِ قَوْلُ الشَّارِحِ فَهَذِهِ سَبْعٌ وَلَوْ بَقِيَتْ الْعِبَارَةُ عَلَى حَالِهَا لَكَانَتْ الصُّوَرُ تِسْعًا، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا سَبْعٌ فَاتَّكَلَ الشَّارِحُ عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي الدُّخُولِ. قَوْلُهُ: [كَمُتَزَوِّجٍ بَائِنَتَهُ] : بِالْإِضَافَةِ وَالتَّنْوِينِ. قَوْلُهُ: [يُطَلِّقُ بَعْدَ الْبِنَاءِ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ فَإِنَّهَا تَبْقَى عَلَى عِدَّةِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَهْدِمُ الْعِدَّةَ الْأُولَى إلَّا الدُّخُولُ وَلَمْ يَحْصُلْ. قَوْلُهُ: [وَعِدَّةُ وَفَاةٍ فِيمَا إذَا مَاتَ] : أَيْ مُطْلَقًا بَعْدَ الْبِنَاءِ أَوْ قَبْلَهُ.

وَمَثَّلَ لِطُرُوءِ عِدَّةِ طَلَاقٍ أَوْ اسْتِبْرَاءٍ عَلَى اسْتِبْرَاءٍ بِقَوْلِهِ: (وَكَمُسْتَبْرَأَةٍ مِنْ) وَطْءٍ (فَاسِدٍ) زِنًا أَوْ غَيْرِهِ (يُطَلِّقُهَا) زَوْجُهَا، فَتَسْتَأْنِفُ عِدَّةَ الطَّلَاقِ وَيَنْهَدِمُ الِاسْتِبْرَاءُ، (أَوْ تُوطَأُ بِفَاسِدٍ) فَتَسْتَأْنِفُ اسْتِبْرَاءً وَيَنْهَدِمُ الْأَوَّلُ. ثُمَّ ذَكَرَ مَفْهُومَ: " بَائِنَتَهُ " بِقَوْلِهِ: (وَكَمُرْتَجِعٍ) لِمُطَلَّقَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ، (وَإِنْ لَمْ يَمَسَّ) : أَيْ يَطَأْهَا بَعْدَ ارْتِجَاعِهِ (طَلَّقَ أَوْ مَاتَ) ، فَإِنَّهَا تَسْتَأْنِفُ عِدَّةَ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ لِأَنَّ ارْتِجَاعَهَا يَهْدِمُ الْعِدَّةَ الْأُولَى، وَمَثَّلَ لِطُرُوِّ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الْعِدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ بِقَوْلِهِ: (وَكَمُعْتَدَّةِ طَلَاقٍ وُطِئَتْ) الشَّرْح (فَاسِدًا) بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا أَوْ غَصْبٍ، (وَإِنْ) كَانَ (مِنْ الْمُطَلِّقِ) أَوْ نِكَاحٍ مِنْ غَيْرِهِ فَتَسْتَأْنِفُ الِاسْتِبْرَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ يَمَسَّ] إلَخْ: أَيْ هَذَا إذَا مَسَّهَا بَعْدَ ارْتِجَاعِهِ، بَلْ وَإِنْ لَمْ يَمَسَّهَا بَعْدَ ارْتِجَاعِهِ، وَقَوْلُهُ طَلَّقَ أَوْ مَاتَ أَيْ قَبْلَ تَمَامِ الْعِدَّةِ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهَا تَأْتَنِفُ عِدَّةَ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ] : أَيْ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَ أَوْ مَاتَ. وَقَوْلُهُ: [لِأَنَّ ارْتِجَاعَهَا يَهْدِمُ الْعِدَّةَ] : هَذَا ظَاهِرٌ إذَا مَسَّهَا، وَأَمَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمَسِّ يُقَالُ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَنْ تَزَوَّجَ بَائِنَتَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ؟ فَإِنَّهَا تَبْنِي عَلَى عِدَّةِ طَلَاقِهَا الْأَوَّلِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْبَائِنَةَ أَجْنَبِيَّةٌ، وَمَنْ تَزَوَّجَ أَجْنَبِيَّةً وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الرَّجْعِيَّةِ فَإِنَّهَا كَالزَّوْجَةِ، فَطَلَاقُهُ الْوَاقِعُ فِيهَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ طَلَاقُ زَوْجَةٍ مَدْخُولٍ بِهَا فَتَعْتَدُّ مِنْهُ، وَلَا تَبْنِي عَلَى عِدَّةِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الِارْتِجَاعَ هَدَمَهَا وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ الضَّرَرُ بِالتَّطْوِيلِ عَلَيْهَا كَأَنْ يُرَاجِعُهَا إلَى أَنْ يَقْرُبَ تَمَامُ الْعِدَّةِ فَيُطَلِّقُهَا، فَإِنَّهَا تَبْنِي عَلَى عِدَّتِهَا الْأُولَى إنْ لَمْ يَطَأْ بَعْدَ الرَّجْعَةِ مُعَامَلَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ. قَوْلُهُ: [وَكَمُعْتَدَّةِ طَلَاقٍ] إلَخْ: يَجِبُ تَخْصِيصُ هَذِهِ بِالْحُرَّةِ، لِأَنَّ الْأَمَةَ عِدَّتُهَا قُرْءَانِ وَاسْتِبْرَاؤُهَا حَيْضَةٌ، فَإِذَا وُطِئَتْ بِاشْتِبَاهٍ عَقِبَ الطَّلَاقِ وَقَبْلَ أَنْ تَحِيضَ فَلَا بُدَّ مِنْ قُرْأَيْنِ كَمَالِ عِدَّتِهَا، وَلَا يَنْهَدِمُ الْأَوَّلُ إذَا عَلِمْت هَذَا، فَقَوْلُ (عب) : وَكَمُعْتَدَّةٍ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ فِيهِ نَظَرٌ، كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [أَوْ نِكَاحٍ مِنْ غَيْرِهِ] : أَيْ وَلَا يَكُونُ إلَّا فَاسِدًا لِكَوْنِهَا مُعْتَدَّةً.

وَتَنْهَدِمُ الْعِدَّةُ، (وَأَمَّا) الْمُعْتَدَّةُ (مِنْ مَوْتٍ) تُوطَأُ الشَّرْح فَاسِدًا (فَأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ) : عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَعِدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ، (كَعَكْسِهِ) : وَهُوَ طُرُوءُ عِدَّةِ وَفَاةٍ عَلَى اسْتِبْرَاءٍ كَمُسْتَبْرَأَةٍ مِنْ وَطْءٍ فَاسِدٍ مَاتَ زَوْجُهَا أَيَّامَ الِاسْتِبْرَاءِ، فَتَمْكُثُ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ تَمَامَ الِاسْتِبْرَاءِ وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ، (وَكَمُشْتَرَاةِ فِي عِدَّةٍ) مِنْ وَفَاةٍ فَإِنَّهَا تَمْكُثُ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ تَمَامَ الْعِدَّةِ، وَمُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ وَهَذِهِ كَالْأُولَى طَرَأَ فِيهَا الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى عِدَّةِ وَفَاةٍ. وَبَقِيَ مَا إذَا طَرَأَتْ عِدَّةُ وَفَاةٍ عَلَى عِدَّةِ طَلَاقٍ، كَأَنْ يَمُوتَ زَوْجُ الرَّجْعِيَّةِ فِي عِدَّتِهَا فَأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ وَهِيَ تَمَامُ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ] : أَيْ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَقَوْلُهُ: وَمُدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ أَيْ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ، أَوْ الشُّهُورُ إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَا يَتَعَيَّنُ فَرْضُ هَذَا الْمِثَالِ فِي الْحُرَّةِ بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [وَكَمُشْتَرَاةٍ فِي عِدَّةٍ مِنْ وَفَاةٍ] : يَعْنِي أَنَّ مَنْ اشْتَرَى أَمَةً مُعْتَدَّةً مِنْ وَفَاةِ فَإِنَّهَا تَمْكُثُ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ عُدَّةَ الْوَفَاةِ شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ، وَحَيْضَةُ الِاسْتِبْرَاءِ لِنَقْلِ الْمِلْكِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ الشُّهُورِ، وَمَفْهُومُهُ لَوْ اشْتَرَى أَمَةً مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَمَامِ الْعِدَّةِ الْأُولَى وَحُصُولِ الِاسْتِبْرَاءِ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ حَيْضَتُهَا لِغَيْرِ رَضَاعٍ فَلَا تَحِلُّ إلَّا بِمُضِيِّ سَنَةٍ لِلطَّلَاقِ، وَثَلَاثَةٍ لِلشِّرَاءِ، وَأَمَّا لَوْ ارْتَفَعَتْ لِرَضَاعٍ فَلَا تَحِلُّ إلَّا بِقُرْأَيْنِ. إنْ قُلْت الْمُشْتَرَاةُ الْمُعْتَدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ تَحْرُمُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى مُشْتَرِيهَا بِسَبَبِ الْعِدَّةِ الَّتِي هِيَ فِيهَا، فَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا، وَأَنَّهَا تَحِلُّ بِتَمَامِ الْعِدَّةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ مُسْتَثْنَاةٌ مِمَّا يَحْرُمُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، لِأَنَّ حُرْمَتَهَا غَيْرُ مُسْتَمِرَّةٍ، بِخِلَافِ حُرْمَةِ نَحْوِ الْمَحْرَمِ وَالْمُتَزَوِّجَةِ. قَوْلُهُ: [كَأَنْ يَمُوتَ زَوْجُ الرَّجْعِيَّةِ] : أَيْ وَلَمْ يُرَاجِعْهَا وَإِلَّا فَتَنْهَدِمُ الْأُولَى وَتَأْتَنِفُ عِدَّةَ وَفَاةٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِثْلُ الَّذِي رَاجَعَهَا الْبَائِنَةُ إذَا عَقَدَ عَلَيْهَا وَمَاتَ عَنْهَا، فَقَوْلُهُ فِي الدُّخُولِ إلَّا إذَا كَانَ الطَّارِئُ إلَخْ أَيْ عَلَى رَجْعِيَّةٍ وَلَمْ يُرَاجِعْهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا حُرَّةً أَوْ أَمَةً. قَوْلُهُ: [وَهِيَ تَمَامُ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ] : وَيُزَادُ عَلَى الصُّوَرِ الثَّلَاثِ مَسْأَلَةُ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَاةِ فِي عِدَّةِ طَلَاقٍ، فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ.

(وَهَدَمَ) أَيْ أَبْطَلَ (الْوَضْعُ) الْكَائِنُ (مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ) بِأَنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ فَوُطِئَتْ الشَّرْح فَاسِدًا بِنِكَاحٍ فِي الْعِدَّةِ، أَوْ بِزِنًا أَوْ بِشُبْهَةٍ. فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ مِنْ صَاحِبِ الْعِدَّةِ (غَيْرَهُ) مَفْعُولُ هَدَمَ، وَغَيْرُ الْوَضْعِ هُوَ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ الْوَطْءِ الْفَاسِدِ فِي الْعِدَّةِ؛ أَيْ هَدَمَ الْوَضْعَ مِنْ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ الِاسْتِبْرَاءُ الْكَائِنُ مِنْ الْوَطْءِ الْفَاسِدِ فِي الْعِدَّةِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ لِخَوْفِ الْحَمْلِ وَقَدْ أَمِنَ مِنْهُ بِالْوَضْعِ. (وَ) هَدَمَ الْوَضْعَ (مِنْ) وَطْءٍ (فَاسِدٍ) وَلَوْ وَطِئَهَا الثَّانِي وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ بَعْدَ حَيْضَةٍ وَأَتَتْ بِهِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي وَلَمْ يَنْفِهِ، (أَثَرَهُ) : أَيْ الْفَاسِدِ وَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْهُ (وَ) هَدْمُ (عِدَّةِ طَلَاقِ لَا) يَهْدِمُ (عِدَّةَ وَفَاةٍ) وَإِذَا لَمْ يَهْدِمْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ. (فَالْأَقْصَى) مِنْ الْأَجَلَيْنِ يَلْزَمُهَا. إمَّا الْوَضْعُ مِنْ الْفَاسِدِ أَوْ تَمَامُ عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ مَعَ أَنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ مِنْ الْفَاسِدِ دَائِمًا أَكْثَرُ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ: فَالْجَوَابُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ] : أَيْ الْمُلْحَقِ بِذِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَالْمُرَادُ كَوْنُ الْحَمْلِ مُلْحَقًا بِأَبِيهِ كَانَ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ مِنْ مِلْكٍ، فَحِينَئِذٍ لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ الشَّارِحِ بِأَنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ، بَلْ مِثْلُهَا اسْتِبْرَاؤُهَا مِنْ مِلْكٍ وَلُحُوقِهِ بِأَبِيهِ إنْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَطْءِ الْفَاسِدِ الطَّارِئِ، أَوْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْهُ وَلَمْ تَحِضْ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَطْءِ الْفَاسِدِ، فَمَتَى احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الصَّحِيحِ السَّابِقِ وَمِنْ الْفَاسِدِ الْمُتَأَخِّرِ أُلْحِقَ بِالصَّحِيحِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَاضَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ الْفَاسِدِ وَأَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ الْوَطْءِ الْفَاسِدِ، فَإِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْفَاسِدِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ. قَوْلُهُ: [وَهَدْمُ عِدَّةِ طَلَاقٍ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْفَاسِدِ أَوْ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ كَمَا اسْتَصْوَبَهُ (بْن) ، خِلَافًا لِ (عب) الْقَائِلِ: إنْ كَانَ الطَّلَاقُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْفَاسِدِ فَالْوَضْعُ لَا يَهْدِمُ أَثَرَهُ، وَمَحَلُّ كَوْنِ الْفَاسِدِ يَهْدِمُ أَثَرَهُ وَعِدَّةِ الطَّلَاقِ إنْ كَانَ وَطْءَ شُبْهَةٍ، فَإِنْ كَانَ زِنًا أَوْ غَصْبًا فَيُحْسَبُ قُرْءٌ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [دَائِمًا أَكْثَرُ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ] : أَيْ لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ

أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْوَضْعُ سَقْطًا، وَيُتَصَوَّرُ أَيْضًا فِي الْمَنْعِيِّ لَهَا زَوْجُهَا، ثُمَّ بَعْدَ حَمْلِهَا مِنْ الْفَاسِدِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَاتَ الْآنَ فَاسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَشْهُرٍ وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ أَوْ شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ. قَوْلُهُ: [إنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْوَضْعُ سَقْطًا] : فِيهِ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى لُحُوقُهُ بِالثَّانِي إلَّا إذَا أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْئِهِ بَعْدَ حَيْضَةٍ، الشَّرْح لَيْسَ كَذَلِكَ، فَالْإِشْكَالُ بَاقٍ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَمَدُ حَمْلِهَا أَقَلَّ مِمَّا ذَكَرَ كَانَ لَاحِقًا بِالْأَوَّلِ لَا بِالثَّانِي. فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى الْجَوَابِ الثَّانِي. تَتِمَّةٌ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ التَّدَاخُلُ بِاعْتِبَارِ مُوجِبَيْنِ وَتَرَكَ مَا إذَا كَانَ الْمُوجِبُ وَاحِدًا وَلَكِنْ الْتَبَسَ بِغَيْرِهِ فَالْحُكْمُ فِيهِ، إمَّا أَنْ يَكُونَ الِالْتِبَاسُ مِنْ جِهَةِ مَحَلِّ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمَرْأَةُ، أَوْ مِنْ جِهَةِ سَبَبِهِ. فَمِثَالُ الْأَوَّلِ: كَمَرْأَتَيْنِ تَزَوَّجَهُمَا رَجُلٌ إحْدَاهُمَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَالْأُخْرَى بِصَحِيحٍ كَأُخْتَيْنِ مِنْ رَضَاعٍ، وَلَمْ تَعْلَمْ السَّابِقَةُ مِنْهُمَا أَوْ كِلْتَاهُمَا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ، لَكِنَّ إحْدَاهُمَا مُطَلَّقَةٌ بَائِنًا وَجَهِلَتْ، ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ فِي الْمِثَالَيْنِ فَيَجِبُ عَلَى كُلٍّ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ عِدَّةُ الْوَفَاةِ، لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا الَّتِي فَسَدَ نِكَاحُهَا فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ، أَوْ الَّتِي طَلُقَتْ بَائِنًا فِي الْمِثَالِ الثَّانِي. وَمِثَالُ الثَّانِي: كَمُسْتَوْلَدَةٍ وَمُتَزَوِّجَةٍ بِغَيْرِ سَيِّدِهَا، مَاتَ السَّيِّدُ وَالزَّوْجُ مَعًا غَائِبَيْنِ، وَعُلِمَ تَقَدُّمُ مَوْتِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَلَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ مِنْهُمَا فَلَا يَخْلُو حَالُهُمَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: فَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَكْثَرُ مِنْ عِدَّةِ الْأَمَةِ، أَوْ جُهِلَ مِقْدَارُ مَا بَيْنَهُمَا؛ هَلْ هُوَ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ مُسَاوٍ، فَيَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةُ حُرَّةٍ فِي الْوَجْهَيْنِ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ سَبْقِ مَوْتِ السَّيِّدِ، فَيَكُونُ الزَّوْجُ مَاتَ عَنْهَا حُرَّةً وَمَا تُسْتَبْرَأُ بِهِ الْأَمَةُ وَهِيَ حَيْضَةٌ، إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْحَيْضِ لِاحْتِمَالِ مَوْتِ الزَّوْجِ أَوَّلًا وَقَدْ حَلَّتْ لِلسَّيِّدِ فَمَاتَ عَنْهَا بَعْدَ حِلِّ وَطْئِهِ لَهَا، فَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ إلَّا بَعْدَ مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَقَلُّ مِنْ عِدَّةِ الْأَمَةِ كَمَا لَوْ كَانَ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا شَهْرَانِ فَأَقَلُّ، وَجَبَ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْحُرَّةِ فَقَطْ لِاحْتِمَالِ مَوْتِ السَّيِّدِ أَوَّلًا، فَيَكُونُ الزَّوْجُ مَاتَ عَنْهَا حُرَّةً وَلَيْسَ عَلَيْهَا حَيْضَةُ اسْتِبْرَاءٍ، لِأَنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِسَيِّدِهَا عَلَى تَقْدِيرِ مَوْتِ الزَّوْجِ أَوَّلًا، وَهَلْ حُكْمُ مَا إذَا كَانَ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا قَدْرُ عِدَّةِ الْأَمَةِ كَالْأَقَلِّ فَيُكْتَفَى بِعِدَّةِ الْحُرَّةِ أَوْ كَالْأَكْثَرِ فَتَمْكُثُ عِدَّةَ حُرَّةٍ وَحَيْضَةٍ؟ قَوْلَانِ (اهـ - مِنْ الْأَصْلِ) .

[باب في بيان أحكام الرضاع]

بَابٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الرَّضَاعِ (يُحَرِّمُ) بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارِعَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَكْسُورَةً (الرَّضَاعُ) فَاعِلُ يُحَرِّمُ وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاء وَكَسْرِهَا مَعَ إثْبَاتِ التَّاءِ وَتَرْكِهَا، (بِوُصُولِ لَبَنِ امْرَأَةٍ) : أَيْ أُنْثَى لَا ذَكَرٍ، قَالَ عِيَاضٌ: ذَكَرَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنْ لَا يُقَالَ فِي بَنَاتِ آدَمَ لَبَنٌ. وَإِنَّمَا يُقَالُ: لَبَانٌ وَاللَّبَنُ لِلْحَيَوَانِ مِنْ غَيْرِ بَنِي آدَمَ، وَلَكِنْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ خِلَافُ قَوْلِهِمْ (اهـ) (وَإِنْ) كَانَتْ (مَيِّتَةً أَوْ) كَانَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الرَّضَاعِ] [الرَّضَاع الْمُوجِب لِلتَّحْرِيمِ] بَابٌ لَمَّا كَانَ الرَّضَاعُ مُحَرِّمًا لِمَا حَرَّمَهُ النَّسَبُ وَمُنْدَرِجًا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ، وَحَرَّمَ أُصُولَهُ وَفُصُولَهُ، شَرَعَ فِي بَيَانِ شُرُوطِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، فَبَيَّنَ فِي هَذَا الْبَابِ مَسَائِلَ الرَّضَاعِ وَمَا يُحَرِّمُ مِنْهُ وَمَا لَا يُحَرِّمُ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ] إلَخْ: وَهُوَ مِنْ بَابِ سَمِعَ، وَعِنْدَ أَهْلِ نَجْدٍ مِنْ بَابِ ضَرَبَ، وَالْمَرْأَةُ مُرْضِعٌ إذَا كَانَ لَهَا وَلَدٌ تُرْضِعُهُ فَإِنْ وَصَفْتهَا بِإِرْضَاعِهِ قِيلَ مُرْضِعَةً. قَوْلُهُ: [لَا ذَكَرٍ] : أَيْ فَلَا يُحَرِّمُ وَلَوْ كَثُرَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَبَنَ الْخُنْثَى الْمُشْكَلِ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ كَمَا فِي (عب) عَنْ التَّتَّائِيِّ قِيَاسًا عَلَى الشَّكِّ فِي الْحَدَثِ احْتِيَاطًا. وَاخْتُلِفَ فِي لَبَنِ الْجِنِّيَّةِ، فَقَالَ (عب) : لَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ وَتَوَقَّفَ فِيهِ وَلَدُهُ، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى الْخِلَافِ فِي نِكَاحِهِمْ. قَوْلُهُ: [وَلَكِنْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ] إلَخْ: أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَبَنُ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ» . قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَتْ مَيِّتَةً] : أَيْ هَذَا إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ حَيَّةً، بَلْ وَإِنْ كَانَتْ مَيِّتَةً رَضَعَهَا الطِّفْلُ أَوْ حُلِبَ لَهُ مِنْهَا، وَعَلِمَ أَنَّ الَّذِي بِثَدْيِهَا لَبَنٌ أَوْ شَكَّ هَلْ هُوَ لَبَنٌ أَوْ غَيْرُهُ، وَأَمَّا لَوْ شَكَّ هَلْ كَانَ فِيهَا لَبَنٌ أَمْ لَا فَلَا يُحَرِّمُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمِ وَرَدَّ بِالْمُبَالَغَةِ عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْقَوْلِ الشَّاذِّ بِعَدَمِ

(صَغِيرَةً لَمْ تُطِقْ) الْوَطْءَ إنْ قُدِّرَ أَنَّ بِهَا لَبَنًا. (لِجَوْفِ رَضِيعٍ) لَا كَبِيرٍ، وَلَوْ مَصَّةً وَاحِدَةً (وَإِنْ بِسَعُوطٍ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ: مَا صُبَّ فِي الْأَنْفِ، (أَوْ) وُصُولِهِ لِلْجَوْفِ بِسَبَبِ (حُقْنَةٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ: دَوَاءٌ يَصُبُّ فِي الدُّبُرِ، (تُغَذِّي) : أَيْ الْحُقْنَةُ؛ أَيْ تَكُونُ غِذَاءً لَا مُطْلَقَ وُصُولٍ بِهَا، وَأَمَّا مَا وَصَلَ مِنْ مَنْفَذٍ عَالٍ كَأَنْفٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْغِذَاءُ. بَلْ مُجَرَّدُ وُصُولِهِ لِلْجَوْفِ كَافٍ فِي التَّحْرِيمِ، (أَوْ خُلِطَ) لَبَنُ الْمَرْأَةِ (بِغَيْرِهِ) مِنْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ؛ فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ إذَا وَصَلَ لِلْجَوْفِ (إلَّا أَنْ يَغْلِبَ) الْغَيْرُ (عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ طَعْمٌ وَلَا أَثَرٌ مَعَ الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُحَرِّمُ. وَلَوْ خُلِطَ لَبَنُ امْرَأَةٍ مَعَ لَبَنِ أُخْرَى صَارَ ابْنًا لَهُمَا؛ تَسَاوَيَا أَوْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا عَلَى التَّحْقِيقِ. (فِي الْحَوْلَيْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِوُصُولٍ: أَيْ وُصُولِهِ لِلْجَوْفِ فِي الْحَوْلَيْنِ، (أَوْ بِزِيَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَحْرِيمِ لَبَنِ الْمَيِّتَةِ، لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَقَعُ بِغَيْرِ الْمُبَاحِ؛ وَلَبَنُ الْمَيِّتَةِ نَجِسٌ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَا يُحَرِّمُ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَيُحَرِّمُ. قَوْلُهُ: [لَمْ تُطِقْ الْوَطْءَ] : أَيْ فَمَحَلُّ الْخِلَافِ إنْ لَمْ تُطِقْ الْوَطْءَ، أَمَّا الْمُطِيقَةُ فَتَنْشُرُ الْحُرْمَةَ اتِّفَاقًا، وَكَذَلِكَ الْعَجُوزُ الَّتِي قَعَدَتْ عَنْ الْوَلَدِ لَبَنُهَا مُحَرِّمٌ كَمَا لِابْنِ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ، وَنَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَبَنُ الْكَبِيرَةِ الَّتِي لَا تُوطَأُ لِكِبَرٍ لَغْوٌ لَا أَعْرِفُهُ، بَلْ فِي مُقَدِّمَاتِهِ تَقَعُ الْحُرْمَةُ بِلَبَنِ الْبِكْرِ وَالْعَجُوزِ الَّتِي لَا تَلِدُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ إنْ كَانَ لَبَنًا لَا مَاءً أَصْفَرَ كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [لِجَوْفِ رَضِيعٍ] : أَيْ لَا إنْ وَصَلَ لِلْحَلْقِ فَقَطْ فَلَا يُحَرِّمُ عَلَى الْمَشْهُورِ هَذَا إذَا كَانَ الْوُصُولُ لِلْجَوْفِ تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا بَلْ وَلَوْ شَكًّا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ مَصَّةً وَاحِدَةً] : رَدَّ بِالْمُبَالَغَةِ عَلَى الشَّافِعِيَّة الْقَائِلِينَ لَا يُحَرِّمُ إلَّا خَمْسُ رَضَعَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ تَكُونُ كُلٌّ غِذَاءً. قَوْلُهُ: [مَا صُبَّ فِي الْأَنْفِ] : أَيْ وَالْمَوْضُوعِ أَنَّهُ وَصَلَ لِلْجَوْفِ فِي الْجَمِيعِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْغِذَاءُ] : أَيْ خِلَافًا لِبَهْرَامَ حَيْثُ جَعَلَ الْغِذَاءَ قَيْدًا فِي الْجَمِيعِ، وَتَبِعَهُ التَّتَّائِيُّ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا نَقَلَهُ (بْن) قَوْلُهُ: [أَوْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا عَلَى التَّحْقِيقِ] : وَمُقَابِلُهُ الْحُكْمُ لِلْغَالِبَةِ بِالنِّسْبَةِ

شَهْرَيْنِ) عَلَيْهِمَا. (إلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ) الصَّبِيُّ بِالطَّعَامِ عَنْ اللَّبَنِ اسْتِغْنَاءً بَيِّنًا (وَلَوْ فِيهِمَا) أَيْ الْحَوْلَيْنِ؛ بِأَنْ فُطِمَ أَوْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مُرْضِعٌ فِي الْحَوْلَيْنِ فَاسْتَغْنَى بِالطَّعَامِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا. فَأَرْضَعَتْهُ امْرَأَةٌ فَلَا يُحَرِّمُ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ فُطِمَ فَأَرْضَعَتْهُ امْرَأَةٌ بَعْدَ فِطَامِهِ بِيَوْمٍ وَمَا أَشْبَهُ حُرِّمَ، وَفِي رِوَايَةِ: بِيَوْمَيْنِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ حُرِّمَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُعِيدَ لِلَّبَنِ لَكَانَ غِذَاءً لَهُ. فَقَوْلُهُ: " إلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ ": أَيْ وَقَدْ فُطِمَ، وَأَمَّا مَا دَامَ مُسْتَمِرًّا عَلَى الرَّضَاعِ فَهُوَ مُحَرِّمٌ وَلَوْ كَانَ يَسْتَعْمِلُ الطَّعَامَ، وَعَلَى فَرْضِ لَوْ فُطِمَ لَاسْتَغْنَى بِهِ عَنْ الرَّضَاعِ. (مَا حَرَّمَهُ النَّسَبُ) مَفْعُولُ " يُحَرِّمُ ": أَيْ يُحَرِّمُ كُلَّ مَا حَرَّمَهُ النَّسَبُ مِنْ الْأُصُولِ وَإِنْ عَلَتْ، وَالْفُرُوعِ وَإِنْ نَزَلَتْ وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ، لِأَنَّهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ أَوْ عَمٌّ أَوْ خَالٌ أَوْ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ، وَكُلُّ فَرْعٍ لِأَخٍ أَوْ أُخْتٍ. وَمِثْلُ النَّسَبِ: الصِّهَارَةُ وَهِيَ أُمَّهَاتُ الزَّوْجَةِ وَبَنَاتُهَا إنْ دَخَلَ بِالزَّوْجَةِ، وَحَلَائِلُ الْأَبْنَاءِ كَمَا فِي الْآيَةِ، وَقَوْلُهُ: " بِوُصُولِ لَبَنِ امْرَأَةٍ ": أَيْ مِنْ مَنْفَذٍ مُتَّسَعٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَشَارَ لِمُحْتَرِزٍ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (لَا) بِوُصُولِ (لَبَنِ بَهِيمَةٍ وَلَا كَمَاءٍ أَصْفَرَ) مِنْ امْرَأَةٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَبَنٍ، (وَلَا) يُحَرِّمُ وُصُولُ اللَّبَنِ لِجَوْفٍ (بِاكْتِحَالٍ بِهِ) أَيْ بِاللَّبَنِ، أَوْ مِنْ أُذُنٍ أَوْ مِنْ مَسَامِّ الرَّأْسِ لِعَدَمِ اتِّسَاعِ الْمَنْفَذِ: فَلَا يُسَمَّى رَضَاعًا، وَكَذَا الْوُصُولُ لِمُجَرَّدِ الْحَلْقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهَا، وَتَحْرِيمُ اللَّبَنِ وَلَوْ صَارَ جُبْنًا أَوْ سَمْنًا، وَاسْتَعْمَلَهُ الرَّضِيعُ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [مَا حَرَّمَهُ النَّسَبُ] : أَيْ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» ، فَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ حُرْمَةُ بَقِيَّةِ السَّبْعَةِ الْكَائِنَةِ مِنْ الرَّضَاعِ قِيَاسًا عَلَى النَّسَبِ. قَوْلُهُ: [وَمِثْلُ النَّسَبِ الصِّهَارَةُ] : أَيْ فِي كَوْنِ الرَّضَاعِ يُحَرِّمُ مَا حَرَّمَهُ الصِّهْرُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّضَاعَ يُحَرِّمُ مَا حَرَّمَهُ النَّسَبُ وَمَا حَرَّمَهُ الصِّهْرُ.

فَلَيْسَ كَالصَّوْمِ فِي الْجَمِيعِ. وَاسْتَثْنَى الْعُلَمَاءُ مِنْ ذَلِكَ سِتَّ مَسَائِلَ أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ: (إلَّا أُمَّ أَخِيك أَوْ) أُمَّ (أُخْتِك) فَقَدْ لَا تُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ؛ كَمَا لَوْ أَرْضَعَتْ أَجْنَبِيَّةٌ أَخَاك أَوْ أُخْتَك، وَهِيَ مِنْ النَّسَبِ إمَّا أُمُّك أَوْ امْرَأَةُ أَبِيك. (وَ) إلَّا (أُمَّ وَلَدِ وَلَدِك) مِنْ الرَّضَاعِ فَقَدْ لَا تَحْرُمُ عَلَيْك وَهِيَ مِنْ النَّسَبِ إمَّا بِنْتُك أَوْ زَوْجَةُ وَلَدِك. (وَ) (جَدَّةَ وَلَدِك) مِنْ الرَّضَاعِ؛ كَمَا لَوْ أَرْضَعَتْ أَجْنَبِيَّةٌ وَلَدَك فَلَا تُحَرِّمُ عَلَيْك أُمَّهَا وَهِيَ مِنْ النَّسَبِ إمَّا أُمُّك أَوْ أُمُّ زَوْجَتِك. (وَ) إلَّا (أُخْتَ وَلَدِك) مِنْ الرَّضَاعِ؛ كَمَا لَوْ رَضَعَ وَلَدُك عَلَى امْرَأَةٍ لَهَا بِنْتٌ فَلَكَ نِكَاحُ الْبِنْتِ وَهِيَ مِنْ النَّسَبِ إمَّا بِنْتُك أَوْ بِنْتُ زَوْجَتِك. (وَ) إلَّا (أُمَّ عَمِّك وَعَمَّتِك) مِنْ الرَّضَاعِ وَهِيَ مِنْ النَّسَبِ إمَّا جَدَّتُك أَوْ زَوْجَةُ جَدِّك. (وَ) إلَّا (أُمَّ خَالِك وَخَالَتِك) مِنْ الرَّضَاعِ فَقَدْ لَا تَحْرُمُ عَلَيْك وَهِيَ مِنْ النَّسَبِ إمَّا جَدَّتُك أُمُّ أُمِّك وَإِمَّا زَوْجَةُ جَدِّك أَبِي أُمِّك. (فَقَدْ لَا يُحَرِّمْنَ) هَذِهِ السِّتَّةُ (مِنْ الرَّضَاعِ) وَقَدْ يُحَرِّمْنَ لِعَارِضٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَيْسَ كَالصَّوْمِ فِي الْجَمِيعِ] : أَيْ فَالْمَنْفَذُ الْعَالِي فِي الصِّيَامِ مُفْطِرٌ وَلَوْ ضَيِّقًا، وَلَوْ وَصَلَ لِلْحَلْقِ فَقَطْ إنْ كَانَ الْوَاصِلُ مَائِعًا، وَأَمَّا فِي تَحْرِيمِ الرَّضَاعِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [إلَّا أُمَّ أَخِيك] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّهَا لَمْ تُحَرِّمْ نَسَبًا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا أُمُّ أَخٍ، بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا أُمُّ زَوْجَةِ أَبٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ فِي الرَّضَاعِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْبَاقِي وَلِذَا اعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي جَعْلِ هَذَا اسْتِثْنَاءً وَتَخْصِيصًا، وَاعْتَرَضَ عَلَى خَلِيلٍ حَيْثُ تَبِعَهُ فِي ذَلِكَ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِلَا النَّافِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَقَدْ يُحْرَمْنَ لِعَارِضٍ] : أَيْ كَكَوْنِ أُخْتِ وَلَدِك وَجَدَّةِ وَلَدِك مِنْ

(وَقُدِّرَ الرَّضِيعُ خَاصَّةً) دُونَ إخْوَتِهِ، (وَلَدًا لِصَاحِبَةِ اللَّبَنِ وَ) وَلَدًا لِزَوْجِهَا (صَاحِبِهِ مِنْ) وَقْتِ (وَطْئِهِ) لَهَا (لِانْقِطَاعِهِ وَلَوْ بَعْدَ سِنِينَ) كَثِيرَةٍ، (أَوْ فَارَقَهَا) وَلَمْ يَنْقَطِعْ لَبَنُهَا مِنْهُ، (وَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ) وَهِيَ ذَاتُ لَبَنٍ مِنْ الْأَوَّلِ وَلَوْ أَزْوَاجًا كَثِيرَةً. (وَاشْتَرَكَ الْأَخِيرُ مَعَ الْمُتَقَدِّمِ) : وَلَوْ كَثُرَ الْمُتَقَدِّمُ مَا دَامَ لَمْ يَنْقَطِعْ، (وَلَوْ) كَانَ الْوَطْءُ (بِحَرَامٍ لَمْ يَلْحَقْ الْوَلَدُ بِهِ) كَزِنًا أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ مُجْمَعٍ عَلَى فَسَادِهِ، فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ امْرَأَةً ذَاتَ لَبَنٍ مِنْ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ زَنَى بِهَا أَلْفُ رَجُلٍ، وَأَرْضَعَتْ وَلَدًا لَكَانَ وَلَدًا لِلْجَمِيعِ مِنْ الرَّضَاعِ، (وَحَرَّمَتْ الْمُرْضِعُ عَلَى زَوْجِهَا إنْ أَرْضَعَتْ مَنْ) أَيْ رَضِيعًا (كَانَ) ذَلِكَ الرَّضِيعُ (زَوْجَهَا) أَيْ زَوْجًا لِتِلْكَ الْمُرْضِعِ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ رَضِيعًا (كَانَ) ذَلِكَ الرَّضِيعُ (زَوْجَهَا) أَيْ زَوْجًا لِتِلْكَ الْمُرْضِعِ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ رَضِيعًا بِوِلَايَةِ أَبِيهِ لِمَصْلَحَةٍ، ثُمَّ طَلَّقَهَا عَلَيْهِ لِمَصْلَحَةٍ فَتَزَوَّجَتْ بَالِغًا فَوَطِئَهَا وَذَاتُ لَبَنٍ أَوْ حَدَثَ بِوَطْئِهِ فَأَرْضَعَتْ الطِّفْلَ الَّذِي كَانَ زَوْجًا لَهَا، فَتَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا لِأَنَّهَا زَوْجَةُ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَإِنْ كَانَتْ الْبُنُوَّةُ طَرَأَتْ بَعْدَ الْوَطْءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّضَاعِ بِنْتَك أَوْ أُخْتَك مِنْهُ أَيْضًا، وَكَكَوْنِ أُمِّ وَلَدٍ وَلَدِك وَجَدَّةِ وَلَدِك أُخْتَك أَوْ جَدَّتِك مِنْ الرَّضَاعِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [دُونَ إخْوَتِهِ] : أَيْ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا أَيْ وَدُونَ أُصُولِهِ، هَذَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ: خَاصَّةً، وَأَمَّا فُرُوعُ ذَلِكَ الطِّفْلِ فَإِنَّهُمْ مِثْلُهُ فِي حُرْمَةِ الْمُرْضِعَةِ وَأُمَّهَاتِهَا وَبَنَاتِهَا وَعَمَّاتِهَا وَخَالَاتِهَا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [لِصَاحِبَةِ اللَّبَنِ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ أَوْ خَلِيَّةً. قَوْلُهُ: [لَمْ يَلْحَقْ الْوَلَدُ بِهِ] : عِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: اللَّبَنُ فِي وَطْءٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ أَوْ مُحَرَّمٍ أَوْ زِنًا يُحَرِّمُ مِنْ قِبَلِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَكَمَا لَا تَحِلُّ لَهُ ابْنَتُهُ مِنْ الزِّنَا كَذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ مَنْ أَرْضَعَتْهَا الْمَزْنِيُّ بِهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ، لِأَنَّ اللَّبَنَ لَبَنُهُ وَالْوَلَدُ وَلَدُهُ، وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ، وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ يَرَى أَنَّ كُلَّ وَطْءٍ لَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ فَلَا يُحَرِّمُ لَبَنُهُ مِنْ قِبَلِ فَحْلِهِ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: إنَّهُ يُحَرِّمُ وَذَلِكَ أَصَحُّ.

(أَوْ) أَرْضَعَتْ (مَنْ) : أَيْ رَضِيعَةً (كَانَتْ زَوْجَةً لَهُ) : أَيْ لِزَوْجِهَا، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ رَضِيعَةً مِنْ أَبِيهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَأَرْضَعَتْهَا زَوْجَتُهُ الْكَبِيرَةُ فَتَحْرُمُ الْكَبِيرَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ امْرَأَتِهِ وَالْعَقْدُ عَلَى الْبَنَاتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّهَاتِ، (وَحَرُمَ عَلَيْهِ مَنْ) : أَيْ رَضِيعَةً (رَضَعَتْ مُبَانَتَهُ) : أَيْ مُطَلَّقَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا (بِلَبَنِ غَيْرِهِ) ، بِأَنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ وَحَدَثَ لَهَا لَبَنٌ مِنْهُ. وَصُورَتُهَا: طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَتَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ فَحَدَثَ لَهَا لَبَنٌ مِنْ زَوْجِهَا الثَّانِي فَأَرْضَعَتْ طِفْلَةً فِي عِصْمَتِهِ أَمْ لَا، فَهَذِهِ الرَّضِيعَةُ تَحْرُمُ عَلَى مَنْ كَانَ طَلَّقَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِنْتَ زَوْجَتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ، (وَإِنْ أَرْضَعَتْ حَلِيلَتَهُ) مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ (الَّتِي تَلَذَّذَ بِهَا زَوْجَتَيْهِ) الرَّضِيعَتَيْنِ (حُرِّمْنَ) : أَيْ الثَّلَاثَةُ؛ لِأَنَّ الْمُرْضِعَ صَارَتْ أُمًّا لِزَوْجَتَيْهِ وَالْعَقْدُ عَلَى الْبَنَاتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّهَاتِ وَالرَّضِيعَتَانِ صَارَتَا رَبِيبَتَيْنِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَقَدْ تَلَذَّذَ بِأُمِّهِمَا مِنْهُ (وَإِلَّا) يَتَلَذَّذُ بِحَلِيلَتِهِ بِأَنْ أَرْضَعَتْهُمَا قَبْلَ الْبِنَاءِ، (اخْتَارَ وَاحِدَةً) مِنْهُمَا وَحُرِّمَتْ الْأُمُّ مُطْلَقًا (كَالْأَجْنَبِيَّةِ) تُرْضِعُ زَوْجَتَيْهِ الرَّضِيعَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَخْتَارُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا، (وَلَوْ تَأَخَّرَتْ) رَضَاعًا أَوْ عَقْدًا (وَأُدِّبَتْ الْمُتَعَمِّدَةُ لِلْإِفْسَادِ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ امْرَأَتِهِ] : أَيْ لِطُرُوءِ الْأُمُومَةِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ أَنْ تَكُونَ الْأُمُومَةُ سَابِقَةً، وَحُرْمَةُ تِلْكَ الْكَبِيرَةِ عَلَيْهِ ظَاهِرَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَتُهُ لَهُ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهَا مَدْخُولًا بِهَا. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهَا صَارَتْ بِنْتَ زَوْجَتِهِ] : أَيْ بِحَسَبِ مَا كَانَ، وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ كَانَ دَخَلَ بِتِلْكَ الزَّوْجَةِ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْأُمَّهَاتِ بِمُجَرَّدِهِ لَا يُحَرِّمُ الْبَنَاتَ بِدَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا. قَوْلُهُ: [وَحُرِّمَتْ الْأُمُّ مُطْلَقًا] : أَيْ لِكَوْنِهَا صَارَتْ أُمَّ زَوْجَتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ. قَوْلُهُ: [كَالْأَجْنَبِيَّةِ] إلَخْ: تَشْبِيهٌ تَامٌّ فِي مَفْهُومِ التَّلَذُّذِ، فَالْأَجْنَبِيَّةُ تُحَرِّمُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَيَخْتَارُ وَاحِدَةً مِنْ الرَّضِيعَتَيْنِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ تَأَخَّرَتْ رَضَاعًا أَوْ عَقْدًا] : أَيْ حَيْثُ تَرَتَّبَتَا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ جَوَازِ اخْتِيَارِ وَاحِدَةٍ مِنْ الزَّوْجَتَيْنِ الرَّضِيعَتَيْنِ هُوَ الْمَشْهُورُ كَمَنْ أَسْلَمَ عَلَى أُخْتَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ بُكَيْر لَا يَخْتَارُ شَيْئًا بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ وَقَعَ فَاسِدًا.

[بيان فسخ النكاح بالرضاع وسببه]

أَيْ مَنْ تَعَمَّدَتْ إفْسَادَ النِّكَاحِ بِرَضَاعِهَا مَنْ ذَكَرَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ فَسْخِ النِّكَاحِ بِالرَّضَاعِ، وَسَبَبُهُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا إقْرَارٌ أَوْ ثُبُوتٌ بِغَيْرِهِ، وَأَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (وَفَسْخُ النِّكَاحِ) وُجُوبًا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ (إنْ تَصَادَقَا) مَعًا (عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الرَّضَاعِ بِأُخُوَّةٍ وَأُمُومَةٍ وَنَحْوِهِمَا، وَلَوْ سَفِيهَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، (أَوْ أَقَرَّ الزَّوْجُ) الْمُكَلَّفُ بِهِ وَلَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ (كَإِقْرَارِهَا) : أَيْ الزَّوْجَةِ فَقَطْ إذَا كَانَتْ بَالِغًا (قَبْلَ الْعَقْدِ) عَلَيْهَا. وَمَحَلُّ فَسْخِهِ: (إنْ ثَبَتَ) إقْرَارُهُ أَوْ إقْرَارُهَا (بِبَيِّنَةٍ) لَا إنْ أَقَرَّتْ بَعْدَهُ، لِاتِّهَامِهَا عَلَى مُفَارِقَتِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ. فَإِنْ حَصَلَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا شَيْءَ لَهَا إلَّا أَنْ يُقِرَّ الزَّوْجُ فَقَطْ بَعْدَ الْعَقْدِ فَأَنْكَرَتْ، فَلَهَا النِّصْفُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ مَنْ تَعَمَّدَتْ إفْسَادَ النِّكَاحِ] : أَيْ فَتَأْدِيبُهَا لِعِلْمِهَا بِالتَّحْرِيمِ، وَأَمَّا لَوْ حَصَلَ الْإِفْسَادُ مِنْهَا بِغَيْرِ عِلْمٍ بِالتَّحْرِيمِ فَلَا أَدَبَ عَلَيْهَا لِعُذْرِهَا بِالْجَهْلِ فِي الْجُمْلَةِ. [بَيَانِ فَسْخِ النِّكَاحِ بِالرَّضَاعِ وَسَبَبُهُ] قَوْلُهُ: [وَفُسِخَ النِّكَاحُ وُجُوبًا] : أَيْ بِغَيْرِ طَلَاقٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَوْلُهُ: [وَأُمُومَةٍ] : " الْوَاوُ " بِمَعْنَى " أَوْ ". قَوْلُهُ: [أَوْ أَقَرَّ الزَّوْجُ الْمُكَلَّفُ] : أَيْ وَلَوْ سَفِيهًا. قَوْلُهُ: [إذَا كَانَتْ بَالِغًا] : أَيْ وَلَوْ سَفِيهَةً لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ قَوْلُهُ: [لَا إنْ أَقَرَّتْ بَعْدَهُ] : هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ. وَقَوْلُهُ: [لِاتِّهَامِهَا عَلَى فِرَاقِهِ] عِلَّةٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ تَصْدِيقِهِ دُونَهَا لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ لِمُلْكِهِ لِلْعِصْمَةِ، وَغُرْمُ نِصْفِ الصَّدَاقِ لَازِمٌ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَارَقَ بِطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَلَا تَصْدِيقَ مِنْهَا كَمَا سَيَكُونُ، إلَّا أَنْ يُقِرَّ الزَّوْجُ فَقَطْ إلَخْ. قَوْلُهُ: [فَأَنْكَرَتْ فَلَهَا النِّصْفُ] : وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ مِنْ قَاعِدَةِ كُلُّ عَقْدٍ فُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا شَيْءَ فِيهِ إلَّا نِكَاحَ الدِّرْهَمَيْنِ. وَفِرْقَةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَفَسْخَ الْمُتَرَاضِعِينَ.

[ما يثبت به الرضاع]

(وَلَهَا الْمُسَمَّى بِالدُّخُولِ) ، عَلِمَا مَعًا أَمْ لَا (إلَّا أَنْ تَعْلَمَ قَبْلَهُ) : أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِالرَّضَاعِ (فَقَطْ) دُونَهُ (فَرُبُعُ دِينَارٍ) بِالدُّخُولِ. (وَقُبِلَ إقْرَارُ أَحَدِ أَبَوَيْ صَغِيرٍ) بِأَنْ أَقَرَّ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ بِالرَّضَاعِ (قَبْلَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ فَقَطْ) فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ، (فَلَا يُقْبَلُ اعْتِذَارُهُ بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ الْعَقْدِ بِأَنْ يَقُولُ: إنَّمَا أَقْرَيْت بِالرَّضَاعِ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْعَقْدِ لِعَدَمِ قَصْدِ النِّكَاحِ، وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ، وَمِثْلُ الصَّغِيرَةُ الْمُجْبَرَةُ وَلَوْ كَبِيرَةً، وَيُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي أَنَّ إقْرَارَ الْأُمِّ وَحْدَهَا لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ فُشُوٍّ قَبْلَهُ ثُمَّ أَشَارَ لِلثَّانِي بِقَوْلِهِ: (وَثَبَتَ) الرَّضَاعُ (بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ) : أَيْ مَعَ امْرَأَةٍ إنْ فَشَا مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا قَبْلَهُ، لَا إنْ لَمْ يَحْصُلْ فُشُوٌّ قَبْلَ ذَلِكَ، (وَبِامْرَأَتَيْنِ إنْ فَشَا) ذَلِكَ مِنْهُمَا وَأَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمَا (قَبْلَ الْعَقْدِ) لَا إنْ لَمْ يَفْشُ أَوْ فَشَا بَعْدَهُ، فَلَا يَثْبُتُ بِمَا ذَكَرَ. (وَلَا تُشْتَرَطُ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْفُشُوِّ (عَدَالَةٌ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ، وَعَزَاهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَلِمَا مَعًا] : يُتَصَوَّرُ فِي الْمُتَصَادِقَيْنِ عَلَيْهِ، وَفِيمَا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إقْرَارِ أَحَدِهِمَا بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَقَوْلُهُ أَمْ لَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا قَامَتْ عَلَيْهِمَا بَيِّنَةٌ أَنَّهُمَا أَخَوَانِ مِنْ الرَّضَاعِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِمَا وَلَا إقْرَارِهِمَا قَبْلَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [فَرُبْعُ دِينَارٍ بِالدُّخُولِ] : أَيْ كَالْغَارَّةِ بِالْعَيْبِ وَإِنَّمَا جَعَلَ لَهَا رُبْعَ دِينَارٍ لِئَلَّا يَخْلُوَ الْبِضْعُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: [وَقُبِلَ إقْرَارُ أَحَدِ أَبَوَيْ صَغِيرٍ] : قَالَ (ر) : يُقْبَلُ إقْرَارُ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ فِيمَنْ يَعْقِدُ عَلَيْهِ الْأَبُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَهُوَ الِابْنُ الصَّغِيرُ وَالِابْنَةُ الْبِكْرُ، كَذَا النَّقْلُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا وَجْهَ لِلتَّقْيِيدِ بِالصِّغَرِ فِي الْبِنْتِ، وَإِنْ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ ابْنِ عَرَفَةَ، فَلِذَا قَالَ شَارِحُنَا وَمِثْلُ الصَّغِيرَةِ الْمُجْبَرَةُ وَلَوْ كَبِيرَةً. [مَا يَثْبُت بِهِ الرَّضَاع] قَوْلُهُ: [لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ فُشُوٍّ] إلَخْ: هَذَا تَقْيِيدٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَقَبْلَ إقْرَارِ أَحَدِ أَبَوَيْ صَغِيرٍ قَصَدَ بِهِ الْفَرْقَ بَيْنَ إقْرَارِ الْأَبِ وَالْأُمِّ قَوْلُهُ: [ثُمَّ أَشَارَ لِلثَّانِي] : أَيْ وَهُوَ الثُّبُوتُ بِغَيْرِ إقْرَارٍ.

وَرِوَايَته عَنْ مَالِكٍ وَلِذَا قَالَ: (عَلَى الْأَرْجَحِ) وَمُقَابِلُهُ لِلَّخْمِيِّ أَنَّهَا تُشْتَرَطُ مَعَهُ، وَشَمَلَ كَلَامُهُ الْأَبَ مَعَ الْأُمِّ فِي الْبَالِغِينَ، وَالْأُمَّ مَعَ امْرَأَةٍ أُخْرَى، وَالْأُمَّيْنِ فِي الْبَالِغِينَ. (وَ) ثَبَتَ (بِعَدْلَيْنِ أَوْ عَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ مُطْلَقًا) قَبْلَ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ فَشَا أَمْ لَا، (لَا) يَثْبُتُ (بِامْرَأَةٍ) فَقَطْ (وَلَوْ فَشَا) مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا قَبْلَ الْعَقْدِ، (إلَّا أُمَّ صَغِيرٍ مَعَهُ) : أَيْ مَعَ الْفُشُوِّ فَيَجِبُ التَّنَزُّهُ، وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ مَعَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَنُدِبَ التَّنَزُّهُ فِي كُلِّ مَا لَا يُقْبَلُ) مِمَّا تَكَلَّمَ بِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ الشُّبُهَاتِ الَّتِي مَنْ اتَّقَاهَا فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمُقَابِلُهُ لِلَّخْمِيِّ] : أَيْ وَعَزَاهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [إلَّا أُمَّ صَغِيرِ مَعَهُ] : وَمِثْلُهُ الْمُجْبَرَةُ وَلَوْ كَبِيرَةً كَمَا تَقَدَّمَ، وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْفُشُوِّ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، قِيلَ هُوَ فُشُوُّ قَوْلِهَا ذَلِكَ قَبْلَ شَهَادَتِهَا، وَقِيلَ هُوَ فُشُوُّ ذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ قَوْلِهَا. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ التَّنَزُّهُ فِي كُلِّ مَا لَا يُقْبَلُ] : أَيْ كَإِقْرَارِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهَا، وَلَمْ يَثْبُتْ، وَكَمَا إذَا شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ أَوْ امْرَأَتَانِ مِنْ غَيْرِ فُشُوٍّ قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ حَصَلَ فُشُوٌّ وَلَمْ تُوجَدْ عَدَالَةٌ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ، أَوْ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَوْ مَعَ الْفُشُوِّ غَيْرَ الْأُمِّ، وَمِثْلُهَا رَجُلٌ وَاحِدٌ غَيْرُ الْأَبِ فِي الصَّغِيرِ وَالْمُجْبَرَةِ، فَكُلُّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ يَنْدُبُ فِيهَا التَّنَزُّهُ لِمَا فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «وَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» ، وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُك» وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا: «كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ، قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ اسْمُهُ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ، فَأَخْبَرَتْهُ امْرَأَةٌ أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُمَا، فَجَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُهُ، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ» ، وَمَعْنَاهُ كَيْفَ تُبَاشِرُهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتُفْضِي إلَيْهَا وَقَدْ قِيلَ إنَّك أَخُوهَا مِنْ الرَّضَاعِ، فَإِنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ الْمُرُوءَةِ وَالْوَرَعِ، قَالَهُ الشَّافِعِيُّ كَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ شَهَادَةً فَكَرِهَ لَهُ الْمَقَامَ مَعَهَا تَوَرُّعًا. فَأَمَرَهُ بِفِرَاقِهَا لَا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ بَلْ الْوَرَعِ، لِأَنَّ شَهَادَةَ الْمُرْضِعَةِ عَلَى فِعْلِهَا لَا تُقْبَلُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ انْتَهَى مِنْ الْمُنَاوِيُّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. تَتِمَّةٌ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَنْهَى النَّاسَ عَنْ الْغِيلَةِ حَتَّى سَمِعْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ، وَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ ذَلِكَ» ، أَيْ فَتَرَكْتُ النَّهْيَ عَنْهَا. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْغِيلَةِ فِي الْحَدِيثِ، فَقِيلَ: هِيَ وَطْءُ الْمُرْضِعِ، وَقِيلَ رَضَاعُ الْحَامِلِ، وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يُقَوِّي الْأَوَّلَ، فَلِذَا قَالَ خَلِيلٌ: " وَالْغِيلَةُ وَطْءُ الْمُرْضِعِ وَتَجُوزُ ".

[باب وجوب النفقة على الغير]

بَابُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَيْرِ وَأَسْبَابُهَا ثَلَاثَةٌ: نِكَاحٌ، وَقَرَابَةٌ خَاصَّةٌ، وَمِلْكٌ. وَأَقْوَى أَسْبَابِهَا النِّكَاحُ، وَلِذَا بَدَأَ بِهِ فَقَالَ: (تَجِبُ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ الْمُطِيقَةِ لِلْوَطْءِ) : حُرَّةً أَوْ أَمَةً بُوِّئَتْ الْأَمَةُ بَيْتًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَيْرِ] [أَسْبَابُ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَيْرِ] [نَفَقَة النِّكَاح وَشُرُوطهَا] بَابٌ لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى النِّكَاحِ وَشُرُوطِهِ وَمَوَانِعِهِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى النَّفَقَاتِ، وَالنَّفَقَةُ مُطْلَقًا - كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مَا بِهِ قَوَامٌ مُعْتَادٌ حَالَ الْآدَمِيِّ دُونَ سَرَفٍ، فَأَخْرَجَ مَا بِهِ قَوَامٌ مُعْتَادٌ غَيْرَ الْآدَمِيِّ، كَالتِّبْنِ لِلْبَهَائِمِ وَأَخْرَجَ أَيْضًا مَا لَيْسَ بِمُعْتَادٍ فِي قُوتِ الْآدَمِيِّ كَالْحَلْوَى وَالْفَوَاكِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنَفَقَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ دُونَ سَرَفٍ: مَا كَانَ سَرَفًا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنَفَقَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَلَا يَحْكُمُ بِهِ الْحَاكِمُ، وَالْمُرَادُ بِالسَّرَفِ الزَّائِدُ عَلَى الْعَادَةِ بَيْنَ النَّاسِ بِأَنْ يَكُونَ زَائِدًا عَلَى مَا يَنْبَغِي، وَالتَّبْذِيرُ صَرْفُ الشَّيْءِ فِيمَا لَا يَنْبَغِي. قَوْلُهُ: [عَلَى الْغَيْرِ] : أَيْ لَا عَلَى النَّفْسِ، لِأَنَّ وُجُوبَ حِفْظِ النَّفْسِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ وَحُكْمُهُ ظَاهِرٌ فَلَا يَحْتَاجُ لَبَابٍ يَخُصُّهُ. قَوْلُهُ: [وَأَسْبَابُهَا ثَلَاثَةٌ] : أَيْ الَّتِي تَعْرِضُ لَهَا هُنَا وَإِلَّا فَأَسْبَابُهَا أَرْبَعَةٌ، وَالرَّابِعُ الِالْتِزَامُ وَإِنَّمَا تَرَكَهُ لِأَنَّ مُرَادَهُ بَيَانُ مَا يَجِبُ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ. قَوْلُهُ: [وَأَقْوَى أَسْبَابِهَا النِّكَاحُ] : إنَّمَا كَانَ أَيْ الْأَسْبَابُ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُوسِرِ بِمُضِيِّ زَمَنِهِ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ أَمْ لَا، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ إنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا حَاكِمٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ، وَنَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ تَسْقُطُ أَيْضًا بِمُضِيِّ الزَّمَنِ عَاقِلًا أَوْ غَيْرَهُ. قَوْلُهُ: [الْمُطِيقَةُ لِلْوَطْءِ] إلَخْ: شُرُوعٌ فِي شُرُوطِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ الْمَقَامِ وَأَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إذَا دُعِيَتْ لِلدُّخُولِ، وَأَمَّا الْمَدْخُولُ بِهَا فَتَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الزَّوْجَةُ مُطِيقَةً وَلَا الزَّوْجُ بَالِغًا،

مَعَ زَوْجِهَا أَمْ لَا، (عَلَى) الزَّوْجِ (الْبَالِغِ) حُرًّا أَوْ عَبْدًا. وَنَفَقَةُ زَوْجَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ خَرَاجِهِ وَكَسْبِهِ؛ كَصَدَقَةٍ وَنَحْوِهَا إلَّا لِعُرْفٍ - كَمَا تَقَدَّمَ - (الْمُوسِرُ) بِهَا عَلَى قَدْرِ حَالِهِ كَمَا يَأْتِي، (إنْ دَخَلَ بِهَا وَمَكَّنَتْهُ) مِنْ نَفْسِهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا، لَا إنْ مَنَعَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ (أَوْ) لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَ (دَعَتْهُ) هِيَ أَوْ مُجْبِرُهَا أَوْ وَكِيلُهَا (لَهُ) أَيْ لِلدُّخُولِ، وَلَوْ عِنْدَ غَيْرِ حَاكِمٍ، (وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا) : أَيْ الزَّوْجَيْنِ (مُشْرِفًا) عَلَى الْمَوْتِ عِنْدَ الدُّعَاءِ إلَى الدُّخُولِ، وَإِلَّا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، فَإِنْ دَخَلَ فَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَلَوْ حَالَ الْإِشْرَافِ. وَلَا نَفَقَةَ لِغَيْرِ مُطِيقَةٍ وَلَوْ دَخَلَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ لَزِمَهُ النَّفَقَةُ إنْ كَانَ بَالِغًا، وَلَا عَلَى صَبِيٍّ وَلَوْ دَخَلَ وَافْتَضَّهَا لِأَنَّ وَطْأَهُ كَلَا وَطْءٍ. وَاَلَّذِي قَرَّرَ بِهِ الشَّيْخُ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ: أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى آخَرِ الشُّرُوطِ. قَوْلُهُ: [عَلَى الزَّوْجِ الْبَالِغِ] : سَيَأْتِي مُحْتَرِزُهُ فِي قَوْلِهِ وَلَا عَلَى صَبِيٍّ إلَخْ. قَوْلُهُ: [إلَّا لِعَرْفٍ] : أَيْ أَوْ شَرَطَ فَلَوْ جَرَى الْعُرْفُ بِأَنَّهَا مِنْ خَرَاجِهِ أَوْ كَسْبِهِ، أَوْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ عَلَى سَيِّدِهِ عَمِلَ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [لَا إنْ مَنَعَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ] : أَيْ ابْتِدَاءً أَوْ دَوَامًا فَفِي زَمَنِ الِامْتِنَاعِ لَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّهَا تُعَدُّ نَاشِزًا. قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا] إلَخْ: أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَرَضُ خَفِيفًا وَاخْتُلِفَ فِي الشَّدِيدِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ صَاحِبُهُ حَدَّ السِّيَاقِ، فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الْوُجُوبُ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ. قَوْلُهُ: [وَاَلَّذِي قَرَّرَ بِهِ الشَّيْخُ] إلَخْ: حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ جَعَلَ السَّلَامَةَ مِنْ الْإِشْرَافِ، وَبُلُوغِ الزَّوْجِ، وَإِطَاقَةِ الزَّوْجَةِ لِلْوَطْءِ شُرُوطًا فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، حَيْثُ دُعِيَتْ لِلدُّخُولِ فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ فَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لَهَا، وَأَمَّا الْمَدْخُولُ بِهَا فَتَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَجَعَلَ اللَّقَانِيُّ الشُّرُوطَ الْمَذْكُورَةَ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلْمَرْأَةِ مُطْلَقًا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا

دُعِيَ لِلدُّخُولِ، وَأَمَّا الْمَدْخُولُ بِهَا فَتَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ هَذِهِ الشُّرُوطِ، وَاسْتَظْهَرَهُ الشَّيْخُ مَيَّارَةُ - قَالَهُ الْمُحَشِّي. وَبَيَّنَ النَّفَقَةَ بِقَوْلِهِ: (مِنْ قُوتٍ) : وَهُوَ مَا يُؤْكَلُ مِنْ خُبْزٍ أَوْ غَيْرِهِ كَقُوتِ غَالِبِ السُّودَانِ مِنْ قَمْحٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى مَجْرَى عَادَةِ أَهْلِ مَحِلِّهِمْ، (وَإِدَامٍ) : مِنْ أَدْهَانٍ أَوْ مَرَقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا عَلَى مُقْتَضَى عَادَتِهِمْ، (وَإِنْ) كَانَتْ (أَكُولَةً) فَيَلْزَمُهُ شِبَعُهَا. (وَكِسْوَةٌ وَمَسْكَنٌ، بِالْعَادَةِ) : رَاجِعٌ لِلْأَرْبَعَةِ، فَلَا يُجَابُ لِأَنْقَصَ مِنْهَا إنْ قَدَرَ، وَلَا تُجَابُ الْمَرْأَةُ لِأَكْثَرَ إنْ طَلَبَتْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ دُعِيَتْ لِلدُّخُولِ، لَكِنَّهُ لَمْ يُعَضِّدْهُ بِنَقْلٍ، قَالَ (بْن) : الظَّاهِرُ مَا فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ مُرَادُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ قَالَهُ الْمُحَشِّي، فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الشُّرُوطَ الْمَخْصُوصَةَ بِالدَّعْوَى لِلدُّخُولِ ثَلَاثَةٌ: وَهِيَ إطَاقَةُ الزَّوْجَةِ، وَبُلُوغُ الزَّوْجِ، وَعَدَمُ الْإِشْرَافِ لِأَحَدِهِمَا، وَأَمَّا الْيَسَارُ وَالتَّمْكِينُ فَهُمَا عَامَّانِ فِي الدُّخُولِ وَالدَّعْوَى اتِّفَاقًا، لِأَنَّ مَنْ ثَبَتَ إعْسَارُهُ لَا يَقُولُ أَحَدٌ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ النَّاشِزُ فَلَا يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ، سَوَاءٌ كَانَ نُشُوزُهَا بِالْفِعْلِ كَمَنْ مَنَعَتْهُ مِنْ الْوَطْءِ بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ بِالْعَزْمِ، كَمَنْ قَالَتْ لَهُ عِنْدَ الدَّعْوَى اُدْخُلْ وَلَكِنْ لَا أُمَكِّنُك فَلْيُفْهَمْ. قَوْلُهُ: [كَقُوتِ غَالِبِ السُّودَانِ] : رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: " أَوْ غَيْرِهِ " فَإِنَّهُمْ يَسْتَعْمِلُونَ السَّوِيقَ بَدَلَ الْخُبْزِ. قَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرِهِ] : أَيْ كَبَاقِي الْحُبُوبِ الْمُقْتَاتَةِ، وَمَا أُلْحِقَ بِهَا مِنْ كُلِّ مَا يُقْتَاتُ وَيُدَّخَرُ. قَوْلُهُ: [فَيَلْزَمُهُ شِبَعُهَا] : أَيْ وَهِيَ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ فَعَلَيْهِ كِفَايَتُهَا أَوْ يُطَلِّقُهَا، لَكِنْ يُقَيَّدُ كَلَامُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ كَوْنَهَا غَيْرَ أَكُولَةٍ وَإِلَّا فَلَهُ رَدُّهَا إلَّا أَنْ تَرْضَى بِالْوَسَطِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا بِطَعَامِهِ فَوَجَدَهُ أَكُولًا، فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَهُ الْخِيَارُ فِي إبْقَاءِ الْإِجَارَةِ وَفَسْخِهَا إلَّا أَنْ يَرْضَى بِطَعَامٍ وَسَطٍ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: [وَلَا تُجَابُ الْمَرْأَةُ لِأَكْثَرَ] : الْمُرَادُ بِالْأَكْثَرِيَّةِ الَّتِي لَا تُجَابُ لَهَا هِيَ طَلَبُهَا لِحَالَةِ الْأَغْنِيَاءِ فَلَا يُنَافَى أَنَّهُ إذَا كَانَ غَنِيًّا وَهِيَ فَقِيرَةٌ يَلْزَمُهُ رَفْعُهَا لِحَالٍ وَسَطٍ.

وَتُعْتَبَرُ الْعَادَةُ (بِقَدْرِ وُسْعِهِ) : أَيْ الزَّوْجِ، (وَحَالِهَا) : أَيْ الزَّوْجَةِ؛ فَإِنْ كَانَ غَنِيًّا رَفَعَهَا عَنْ الْفُقَرَاءِ إنْ كَانَتْ فَقِيرَةً، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا لَزِمَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا نَفَقَةً مُعْتَبِرًا فِيهَا حَالَهَا مِنْ فَقْرٍ أَوْ غِنًى. فَلَيْسَ عَلَى الْمُوسِرِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الْفَقِيرَةِ مَا يُسَاوِي نَفَقَةَ الْغَنِيَّةِ، وَلَا يَكْفِي مِنْ غَيْرِ الْمُتَّسَعِ فِي الْغَنِيَّةِ نَفَقَةُ الْفَقِيرَةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رَفْعِهَا عَنْ حَالِ الْفَقِيرَةِ بِقَدْرِ وُسْعِهِ، (وَحَالِ الْبَلَدِ) : فَإِذَا كَانَتْ عَادَتُهُمْ أَكْلَ الذُّرَةِ فَلَا تُجَابُ إلَى طَلَبِ أَكْلِ الْقَمْحِ، (وَ) حَالِ (الْبَدْوِ) وَالْحَضَرِ؛ فَإِذَا كَانَتْ عَادَةُ الْبَدْوِ عَدَمَ الْخُبْزِ فَلَا تُجَابُ إلَى الْخُبْزِ، وَكَذَا فِيهِ وَفِيمَا قَبْلَهُ، (وَ) حَالِ (السَّفَرِ) فَإِذَا كَانَتْ الْعَادَةُ فِيهِ أَكْلَ الْخُبْزِ الْيَابِسِ فَلَا تُجَابُ إلَى خِلَافِهِ. (وَتُزَادُ الْمُرْضِعُ مَا تَقْوَى بِهِ) عَلَى الرَّضَاعِ مِنْ نَحْوِ الْأَدْهَانِ. وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: " بِالْعَادَةِ " قَوْلَهُ: (إلَّا قَلِيلَةَ الْأَكْلِ وَالْمَرِيضَةِ) إذَا قَلَّ أَكْلُهَا (فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا قَدْرُ أَكْلِهَا) لَا الْمُعْتَادُ لِلنَّاسِ، (إلَّا أَنْ يُقَرَّرَ لَهَا شَيْءٌ) عِنْدَ حَاكِمٍ يَرَى ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ مَا قَرَّرَ أَيْ قَدَّرَ لَهَا. (لَا فَاكِهَةٌ وَدَوَاءٌ) لِمَرَضٍ أَوْ جُرْحٍ، (وَأُجْرَةُ حَمَّامٍ أَوْ) أُجْرَةُ (طَبِيبٍ) فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ جُنُبًا، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا تَغْتَسِلُ بِهِ، أَوْ كَانَ بَارِدًا يَضُرُّ بِهَا فِي الشِّتَاءِ مَثَلًا، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا تُسَخِّنُهُ بِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَتُزَادُ الْمُرْضِعُ] : مَحَلُّ لُزُومِ ذَلِكَ الزَّائِدِ إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً، أَمَّا لَوْ كَانَ وَلَدُهَا رِقًّا فَالزَّائِدُ عَلَى سَيِّدِهَا كَأُجْرَةِ الْقَابِلَةِ. قَوْلُ: [لَا الْمُعْتَادُ لِلنَّاسِ] : أَيْ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ طَعَامًا كَامِلًا تَأْكُلُ مِنْهُ بِقَدْرِ كِفَايَتِهَا، وَتَصْرِفُ الْبَاقِيَ مِنْهُ فِي مَصَالِحِهَا، خِلَافًا لِأَبِي عِمْرَانَ، وَكَذَلِكَ لَوْ زَادَ أَكْلُهَا بِالْمَرَضِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الزَّائِدُ. قَوْلُ: [عِنْدَ حَاكِمٍ يَرَى ذَلِكَ] : أَيْ كَحَنَفِيٍّ، وَأَمَّا مَذْهَبُ مَالِكٍ فَلَا يَرَى الْحُكْمَ بِتَقْرِيرِ النَّفَقَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُدْخِلُ الْمُسْتَقْبَلَاتِ عِنْدَهُ. قَوْلُهُ: [فَيَلْزَمُهُ مَا قَرَّرَ] : أَيْ بِاتِّفَاقِ أَبِي عِمْرَانَ وَغَيْرُهُ وَتَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَتْ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ تَكُونَ جُنُبًا] : أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْجَنَابَةُ مِنْهُ، بَلْ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ زِنًا وَلَا غَرَابَةَ فِي إلْزَامِهِ الْمَاءَ لِغُسْلِهَا مِنْ الزِّنَا، فَإِنَّ النَّفَقَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ زَمَنَ الِاسْتِبْرَاءِ،

الْحَمَّامِ لِتَوَقُّفِ إزَالَةِ الْجَنَابَةِ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ (حَرِيرٌ) وَلَوْ اعْتَادَهُ قَوْمٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَ) لَا (ثَوْبُ مَخْرَجٍ) . وَإِذَا عَلِمْت أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ النَّفَقَةُ بِالْعَادَةِ (فَيُفْرَضُ) لَهَا (الْمَاءُ) لِلشُّرْبِ وَالْغُسْلِ، وَغَسْلِ الثَّوْبِ وَالْإِنَاءِ وَالْيَدِ وَالْوُضُوءِ (وَالزَّيْتُ) لِلْأَدْهَانِ وَالْأَكْلِ، (وَالْوَقُودُ) مِنْ حَطَبٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْعَادَةِ، (وَمُصْلِحُ طَعَامٍ) مِنْ مِلْحٍ وَبَصَلٍ وَأَبْزَارٍ (وَلَحْمٌ الْمَرَّةُ فَالْمَرَّةِ) فِي الْجُمُعَةِ عَلَى مُقْتَضَى الْحَالِ لَا كُلَّ يَوْمٍ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْفَقِيرِ، وَأَمَّا الْفَقِيرُ فَعَلَى حَسَبِ قُدْرَتِهِ (وَحَصِيرٌ) لِفَرْشِهَا. (وَأُجْرَةُ قَابِلَةٍ) لِحُرَّةٍ وَلَوْ مُطْلَقَةً لِأَنَّهَا مِنْ تَعَلُّقَاتِ الْوَلَدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاعْتَمَدَ ذَلِكَ فِي الْحَاشِيَةِ وَلَا مَفْهُومَ لِلْجَنَابَةِ، بَلْ الْغُسْلُ الْمَطْلُوبُ وَاجِبًا أَوْ غَيْرَهُ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ اعْتَادَهُ قَوْمٌ عَلَى الْمَذْهَبِ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ شَأْنُهَا لُبْسَهُ، فَإِذَا تَزَوَّجَ إنْسَانٌ مِنْ شَأْنِهِ لُبْسُ الْحَرِيرِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلْبَاسُهَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِلُبْسِهِ أَمْ لَا، كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ أَمْ لَا، وَمِثْلُ الْحَرِيرِ الْخَزُّ، وَانْظُرْ هَلْ إذَا شُرِطَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ يَلْزَمُ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُنَافِي الْعَقْدَ وَهُوَ الظَّاهِرُ. قَوْلُهُ: [وَلَا ثَوْبَ مَخْرَجٍ] : أَيْ فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ لَهَا بِالتَّزْيِيرَةِ وَلَوْ جَرَتْ بِهَا الْعَادَةُ، وَالظَّاهِرُ: إلَّا لِشَرْطٍ. قَوْلُهُ: [وَلَحْمٌ] : قَالَ بَعْضُهُمْ أَيْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ لَا مِنْ الطَّيْرِ وَالسَّمَكِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُعْتَادًا فَيَجْرِي عَلَى الْعَادَةِ. قَوْلُهُ: [عَلَى مُقْتَضَى الْحَالِ] : أَيْ فَيُفْرَضُ فِي حَقِّ الْقَادِرِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ فِي الْجُمُعَةِ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَفِي حَقِّ الْمُتَوَسِّطِ مَرَّتَانِ فِي الْجُمُعَةِ، وَفِي حَقِّ الْمُنْحَطِّ مَرَّةٌ فِي الْجُمُعَةِ كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ. قَوْلُهُ: [فَعَلَى حَسَبِ قُدْرَتِهِ] : أَيْ وَلَوْ فِي الشَّهْرِ مَرَّةٌ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَحَصِيرٌ] : أَيْ مِنْ سَمُرٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَوْله: [لِفِرَاشِهَا] : أَيْ لِتَكُونَ هِيَ الْفِرَاشُ أَوْ تُوضَعُ تَحْتَ الْفِرَاشِ. قَوْلُهُ: [وَأُجْرَةُ قَابِلَةٍ] إلَخْ: الْقَابِلَةُ هِيَ الَّتِي تُوَلِّدُ النِّسَاءَ وَأُجْرَتُهَا لَازِمَةٌ لِلزَّوْجِ

(وَزِينَةٌ تَسْتَضِرُّ) الزَّوْجَةُ (بِتَرْكِهَا كَكُحْلٍ وَدُهْنٍ) مِنْ زَيْتٍ أَوْ غَيْرِهِ (مُعْتَادَيْنِ) لَا غَيْرِ مُعْتَادَيْنِ، وَلَا غَيْرِ مَا يَسْتَضِرُّ بِتَرْكِهَا (وَمَشْطٌ) بِفَتْحِ الْمِيمِ: مَا يُخَمَّرُ بِهِ الرَّأْسُ مِنْ دُهْنٍ وَحِنَّاءٍ وَنَحْوِهِمَا، وَأَمَّا الْمُشْطُ بِالضَّمِّ وَهُوَ الْآلَةُ كَالْمُكْحَلَةِ فَلَا تَلْزَمُهُ. (وَ) يَلْزَمُهُ (إخْدَامُ الْأَهْلِ) لِلْإِخْدَامِ، لَا غَيْرُ أَهْلِ الْإِخْدَامِ، (وَإِنْ) كَانَ الْإِخْدَامُ لَهَا (بِكِرَاءٍ) وَلَوْ تَخْدُمُهَا (أَوْ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ) ، حَيْثُ كَانَتْ أَهْلًا لِذَلِكَ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ، (وَقَضَى لَهَا) عِنْدَ التَّنَازُعِ مَعَ الزَّوْجِ (بِخَادِمِهَا) الَّتِي تَخْدُمُهَا بِشِرَاءٍ أَوْ كِرَاءٍ لِأَنَّهُ أَطْيَبُ لِنَفْسِهَا، (إلَّا لِرِيبَةٍ) فِي خَادِمِهَا تَضُرُّ بِالزَّوْجِ فِي الدِّينِ أَوْ الدُّنْيَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْمَشْهُورِ حَيْثُ كَانَ الْوَلَدُ حُرًّا، وَلَوْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً طَلَاقًا بَائِنًا، وَلَوْ نَزَلَ الْوَلَدُ مَيِّتًا، وَأَمَّا الَّتِي وَلَدُهَا رَقِيقٌ فَأُجْرَةُ الْقَابِلَةِ لَازِمَةٌ لِسَيِّدِهِ قَوْلًا وَاحِدًا كَأُجْرَةِ رَضَاعِهِ، وَيَجِبُ لَهَا مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ كَالْفِرَاخِ وَالْحُلْبَةِ وَالْعَسَلِ، وَمَا يُصْنَعُ مِنْ الْمُفْتِقَةِ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ. قَوْلُهُ: [تَسْتَضِرُّ الزَّوْجَةُ بِتَرْكِهَا] : أَيْ يَحْصُلُ لَهَا الشُّعْثُ عِنْدَ تَرْكِهَا وَلَا يُشْتَرَطُ الْمَرَضُ لِأَجْلِهَا. قَوْلُهُ: [مُعْتَادَيْنِ] : الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِأَنَّ هَذَا تَمْثِيلٌ لِلزِّينَةِ الَّتِي تَسْتَضِرُّ بِتَرْكِهَا وَلَا تَسْتَضِرُّ إلَّا إذَا كَانَ مُعْتَادًا. قَوْلُهُ: [بِالضَّمِّ وَهُوَ الْآلَةُ] : أَيْ عَلَى مَا لِلنَّوَوِيِّ وَهُوَ خِلَافُ قَاعِدَةِ أَنَّ اسْمَ الْآلَةِ مَكْسُورٌ، غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْقَامُوسِ قَالَ الْمُشْطُ مُثَلَّثَةٌ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ الْإِخْدَامُ لَهَا بِكِرَاءٍ] : أَيْ هَذَا إنْ كَانَ بِشِرَاءٍ، بَلْ وَإِنْ كَانَ بِكِرَاءٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الرَّقِيقَ الَّذِي اشْتَرَاهُ لِخِدْمَتِهَا إلَّا إذَا حَصَلَ التَّمْلِيكُ بِالصِّيغَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ] : أَيْ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدٍ؛ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْإِخْدَامِ لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ لِذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِذَا تَنَازَعَا فِي كَوْنِهَا أَهْلًا لِلْإِخْدَامِ أَوْ لَيْسَتْ أَهْلًا، فَهَلْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهَا أَوْ عَلَيْهِ؟ قَوْلَانِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [فِي الدِّينِ] : أَيْ بِأَنْ كَانَتْ يَخْشَى مِنْهَا الْإِتْيَانَ بِرِجَالٍ لِلْمَرْأَةِ

(وَإِلَّا) تَكُنْ الزَّوْجَةُ أَهْلًا لِلْإِخْدَامِ (فَعَلَيْهَا) الْخِدْمَةُ فِي أُمُورٍ خَاصَّةٍ (نَحْوِ الْعَجْنِ وَالطَّبْخِ وَالْكَنْسِ) لِمَحِلِّ النَّوْمِ وَنَحْوِهِ، (وَالْغُسْلِ) لِثَوْبِهِ وَالْإِنَاءِ وَالْفُرُشِ وَطَيِّهِ كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ غَالِبِ النَّاسِ. (لَا) يَلْزَمُهَا (الطَّحْنُ وَالنَّسْجُ وَالْغَزْلُ) وَنَحْوُهَا مِنْ كُلِّ مَا هُوَ حِرْفَةٌ لِلِاكْتِسَابِ عَادَةً، فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ لَهَا. (وَلَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (التَّمَتُّعُ) أَيْ الِانْتِفَاعُ (بِشَوْرَتِهَا) بِفَتْحِ الشَّيْنِ الْمُعْجَمَةِ: مَا تَجَهَّزَتْ بِهِ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ مِنْ فُرُشٍ وَغِطَاءٍ وَآنِيَةٍ، فَيَسْتَعْمِلُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ. (وَلَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (مَنْعُهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (مِنْ كَبَيْعِهَا) وَهِبَتِهَا وَالتَّصَدُّقِ بِهَا لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ عَلَيْهِ الِاسْتِمْتَاعَ بِذَلِكَ، وَهُوَ حَقٌّ لَهُ بِهِ. وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا لَمْ يَمْضِ زَمَنٌ يَرَى أَنَّهُ قَدْ انْتَفَعَ بِهِ الزَّوْجِ انْتِفَاعًا تَامًّا كَالْأَرْبَعِ سِنِينَ وَنَحْوِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQيُفْسِدُونَهَا، وَقَوْلُهُ أَوْ الدُّنْيَا أَيْ بِأَنْ كَانَتْ يَخْشَى مِنْهَا السَّرِقَةَ مِنْ مَصَالِحِ الْبَيْتِ. قَوْلُهُ: [فِي أُمُورٍ خَاصَّةٍ] : أَيْ لَهَا وَلَهُ لَا لِضُيُوفِهِ وَلَا لِأَوْلَادِهِ وَلَا لِعَبِيدِهِ وَأَبَوَيْهِ. قَوْلُهُ: [لِثَوْبِهِ] : أَيْ أَوْ ثَوْبِهَا قَالَ، بَعْضُهُمْ إنْ غَسَلَ ثِيَابَهُ وَثِيَابَهَا يَنْبَغِي جَرَيَانُهُ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، وَقَالَ الْأَبِيُّ إنَّ ذَلِكَ مِنْ حُسْنِ الْعِشْرَةِ وَلَا يَلْزَمُهَا وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. قَوْلُهُ: [لَا يَلْزَمُهَا الطَّحْنُ] إلَخْ: أَيْ بِاتِّفَاقٍ وَلَوْ كَانَتْ عَادَةُ نِسَاءِ بَلَدِهَا جَارِيَةً بِذَلِكَ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ لَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ شَيْءٌ فِي الْخِدْمَةِ مُطْلَقًا، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَخْدُمَهَا أَوْ يَأْتِيَ بِخَادِمٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَهْلًا لِلْإِخْدَامِ. تَنْبِيهٌ فِي الْحَاشِيَةِ أَنَّ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ لُزُومِ خِيَاطَةِ ثَوْبِهِ، وَثَوْبِهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ يَجْرِي عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَإِنْ جَرَى الْعُرْفُ بِهِ لَزِمَهَا وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: [بِفَتْحِ الشَّيْنِ الْمُعْجَمَةِ] : أَيْ وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَهِيَ الْجَمَالُ. قَوْلُهُ: [وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ] : مُرَادُهُ بِهِ ابْنُ زَرْبٍ وَذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ. قَوْلُهُ: [كَالْأَرْبَعِ سِنِينَ] : أَيْ وَمَا دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ قَلِيلٌ.

فَلَهَا التَّصَرُّفُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الثُّلُثِ. (كَأَكْلٍ نَحْوِ الثُّومِ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ مِنْ كُلِّ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ، فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ (وَلَا يَلْزَمُهُ) إذَا خَلَقَتْ شَوْرَتُهَا (بَدَلُهَا) إلَّا الْغِطَاءَ وَالْفُرُشَ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ عَادَةً. (وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ أَبَوَيْهَا وَوَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يَدْخُلُوا لَهَا) ، وَكَذَا الْأَجْدَادُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ وَالْإِخْوَةُ مِنْ النَّسَبِ، بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ وَمَا بَعْدَهُمَا مِنْ الرَّضَاعِ فَلَهُ الْمَنْعُ مِنْهُ. (وَحُنِّثَ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ: أَيْ قَضَى بِتَحْنِيثِهِ (إنْ حَلَفَ) عَلَى الْأَبَوَيْنِ وَالْأَوْلَادِ فَقَطْ أَنْ لَا يَدْخُلُوا لَهَا، (كَحَلِفِهِ أَنْ لَا تَزُورَ وَالِدِيهَا) فَإِنَّهُ يَحْنَثُ (إنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً وَلَوْ شَابَّةً) ، وَالْأَصْلُ الْأَمَانَةُ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُهَا وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا أَوْ بِزِيَارَتِهَا بِالْفِعْلِ، لَا بِمُجَرَّدِ يَمِينِهِ وَلَا بِمُجَرَّدِ الْحُكْمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الثُّلُثِ] : أَيْ فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ هِبَةِ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ التَّصَدُّقِ بِهِ فِي جَمِيعِ أَمْوَالِهَا، لَا فِي خُصُوصِ جِهَازِهَا بِهِ، وَمَحَلُّ مَنْعِهَا مِنْ بَيْعِهَا ابْتِدَاءً إنْ دَخَلَتْ لَهُ بَعْدَ قَبْضِ مَهْرِهَا، وَأَمَّا إنْ لَمْ تَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا وَجَهَّزَتْ مِنْ مَالِهَا فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ بَيْعِهَا، وَإِنَّمَا لَهُ الْحَجْرُ عَلَيْهَا إذَا تَبَرَّعَتْ بِزَائِدِ ثُلُثِهَا كَسَائِرِ أَمْوَالِهَا. قَوْلُهُ: [فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ] : أَيْ مَا لَمْ يَأْكُلْهُ مَعَهَا أَوْ يَكُنْ فَاقِدَ الشَّمِّ، وَأَمَّا هِيَ فَلَيْسَ لَهَا مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ تَأْكُلْهُ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِثْلُ شُرْبِ النُّشُوقِ وَالدُّخَانِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الرِّجَالَ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَلْزَمُهُ إذَا خَلَقَتْ شَوْرَتُهَا بَدَلُهَا] : أَيْ فَلَوْ جَدَّدَ شَيْئًا فِي الْمَنْزِلِ بَدَلَ شَوْرَتِهَا وَطَلَّقَهَا فَلَا يُقْضَى لَهَا بِأَخْذِهِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ شَابَّةً] : رَدَّ بِلَوْ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ: لَا يَحْنَثُ فِي الشَّابَّةِ إذَا حَلَفَ لَا تَخْرُجُ لِزِيَارَةِ أَبَوَيْهَا، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الشَّابَّةِ الْمَأْمُونَةِ، وَأَمَّا الْمُتَجَالَّةُ الْمَأْمُونَةُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَقْضِي لَهَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْمُونَةِ فَلَا يَقْضِي بِخُرُوجِهَا شَابَّةً أَوْ مُتَجَالَّةً. قَوْلُهُ: [وَلَا بِمُجَرَّدِ الْحُكْمِ] : أَيْ فَإِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِدُخُولِهِمْ لَهَا فَلَا يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، بَلْ حَتَّى يَدْخُلُوا بِالْفِعْلِ وَكَذَا يُقَالُ فِي زِيَارَتِهَا.

(لَا إنْ حَلَفَ) عَلَيْهَا (أَنْ لَا تَخْرُجَ) ، وَأَطْلَقَ لَفْظًا وَنِيَّةً فَلَا يُقْضَى بِتَحْنِيثِهِ وَخُرُوجِهَا وَلَوْ لِأَبَوَيْهَا (وَقُضِيَ لِلصِّغَارِ) مِنْ أَوْلَادِهَا بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا (كُلَّ يَوْمٍ) مَرَّةً لِتَتَفَقَّدَ حَالَهُمْ، (وَلِلْكِبَارِ) مِنْهُمْ (كُلَّ جُمُعَةٍ) مَرَّةً (كَالْوَلَدَيْنِ) يَقْضِي لَهُمَا كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، (وَمَعَ أَمِينَةٍ) مِنْ جِهَتِهِ (إنْ اتَّهَمَهُمَا) بِإِفْسَادِهَا عَلَيْهِ، وَلَا يَقْضِي لِأَخٍ وَعَمٍّ وَخَالٍ. (وَلِلشَّرِيفَةِ) أَيْ ذَاتِ الْقَدْرِ: ضِدِّ الْوَضِيعَةِ، (الِامْتِنَاعُ مِنْ السُّكْنَى مَعَ أَقَارِبِهِ) وَلَوْ الْأَبَوَيْنِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهَا بِاطِّلَاعِهِمْ عَلَى حَالِهَا وَالتَّكَلُّمِ فِيهَا، (إلَّا لِشَرْطٍ) عِنْدَ الْعَقْدِ أَنْ تَسْكُنَ مَعَهُمْ، فَلَيْسَ لَهَا امْتِنَاعٌ مَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمْ الضَّرَرُ أَوْ الِاطِّلَاعُ عَلَى عَوْرَاتِهَا، وَأَمَّا الْوَضِيعَةُ فَلَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا لِشَرْطٍ أَوْ حُصُولِ ضَرَرٍ، وَشَبَّهَ فِي جَوَازِ الِامْتِنَاعِ قَوْلَهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَطْلَقَ] : أَشَارَ بَعْضُهُمْ لِلْفَرْقِ بَيْنَ حَالِ التَّخْصِيصِ وَحَالِ الْإِطْلَاقِ، بِأَنَّهُ فِي حَالِ التَّخْصِيصِ يَظْهَرُ مِنْهُ قَصْدُ الضَّرَرِ فَلِذَا حَنِثَ، بِخِلَافِ حَالِ الْإِطْلَاقِ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ لَفْظًا وَنِيَّةً، أَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ لَفْظًا وَخَصَّصَ نِيَّةً فَحُكْمُهُ كَالتَّخْصِيصِ لَفْظًا فَيَحْنَثُ لِظُهُورِ قَصْدِ الضَّرَرِ. قَوْلُهُ: [وَمَعَ أَمِينَةٍ] إلَخْ: قَالَ (عب) وَأُجْرَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ عَلَى الظَّاهِرِ وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَى الْأَبَوَيْنِ لِأَنَّ زِيَارَتَهُمَا لَهَا لِمَنْفَعَتِهِمَا، وَقَدْ تَوَقَّفَتْ عَلَى الْأَمِينَةِ فَتَكُونُ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِمَا، وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ ضَرَرُ الْأَبَوَيْنِ: بِبَيِّنَةٍ فَأُجْرَةُ الْأَمِينَةِ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُمَا ظَالِمَانِ وَالظَّالِمُ أَحَقُّ بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ، وَقَدْ انْتَفَعَا بِالزِّيَادَةِ وَإِنْ كَانَ مُجَرَّدُ اتِّهَامٍ مِنْ الزَّوْجِ، فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ (عب) لِانْتِفَاعِهِ بِالْحِفْظِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَقْضِي لِأَخٍ وَعَمٍّ وَخَالٍ] : أَيْ فَلَهُ مَنْعُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَتَّهِمْهُمْ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُمْ وَعَلَيْهِ فَيُمَكَّنُونَ مِنْ زِيَارَتِهَا فِي كُلِّ جُمُعَتَيْنِ أَوْ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [الِامْتِنَاعُ مِنْ السُّكْنَى] : أَيْ وَلَوْ بَعْدَ رِضَاهَا ابْتِدَاءً بِسُكْنَاهَا مَعَهُمْ وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ الضَّرَرُ لَهَا بِالْمُشَاجَرَةِ وَنَحْوِهِ، كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَانْظُرْ هَلْ لَهَا الِامْتِنَاعُ

[قدر النفقة وضمانها]

(كَصَغِيرٍ) أَيْ كَوَلَدٍ صَغِيرٍ (لِأَحَدِهِمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ (لَمْ يَعْلَمْ بِهِ) الْآخَرُ مِنْهُمَا (حَالَ الْبِنَاءِ، وَلَهُ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَهُ (حَاضِنٌ) يَحْضُنُهُ فَلَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ السُّكْنَى بِهِ مَعَهُ، (وَإِلَّا) بِأَنْ عَلِمَ بِهِ الْآخَرُ وَقْتَ الْبِنَاءِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ حَاضِنٌ (فَلَا) امْتِنَاعَ لَهُ مِنْ السُّكْنَى مَعَهُ. (وَقُدِّرَتْ) النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ (بِحَالِهِ) : أَيْ بِحَسَبِ حَالِهِ مِنْ حَيْثُ تَحْصِيلُهَا، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يُرَاعَى وُسْعُهُ وَحَالُهَا فَمِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا قِلَّةً وَكَثْرَةً (مِنْ يَوْمٍ) كَأَرْبَابِ الصَّنَائِعِ وَالْأُجَرَاءِ (أَوْ جُمُعَةٍ) كَبَعْضِ الدَّلَّالِينَ بِالْأَسْوَاقِ، (أَوْ شَهْرٍ) كَأَرْبَابِ الْوَظَائِفِ مِنْ إمَامَةٍ أَوْ تَدْرِيسٍ، وَأَرْبَابِ الْعَلُوفَاتِ كَالْجُنْدِ (أَوْ سَنَةٍ) كَأَرْبَابِ الرِّزْقِ وَالْحَوَائِطِ وَالزَّرْعِ. (وَ) قُدِّرَتْ (كِسْوَةُ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ) بِمَا يُنَاسِبُ كُلًّا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ فِي كُلِّ شِتَاءٍ وَفِي كُلِّ صَيْفٍ يَكْسُوهَا مَا يُنَاسِبُ الْوَقْتَ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهَا إنْ احْتَاجَتْ لِكِسْوَةٍ كَسَاهَا فِي الشِّتَاءِ مَا يُنَاسِبُهُ، وَفِي الصَّيْفِ مَا يُنَاسِبُهُ إنْ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِذَلِكَ فِي كُلِّ بَلَدٍ بِمَا يُنَاسِبُ أَهْلَهُ بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَحَالِهَا. (كَالْغِطَاءِ) وَالْوِطَاءِ فِي الشِّتَاءِ بِمَا يُنَاسِبُهُ وَالصَّيْفُ بِمَا يُنَاسِبُهُ بِحَسَبِ عُرْفِهِمْ وَعَادَتِهِمْ (وَضَمِنَتْ) النَّفَقَةَ الْمَقْدِرَةَ بِالْيَوْمِ أَوْ الْجُمُعَةِ أَوْ الشَّهْرِ أَوْ السَّنَةِ، وَكَذَا الْكِسْوَةُ (بِقَبْضِهَا) مِنْ الزَّوْجِ (مُطْلَقًا) مَاضِيَةً كَانَتْ أَوْ مُسْتَقْبَلَةً قَامَتْ عَلَى هَلَاكِهَا بَيِّنَةٌ أَوْ لَا فَرَّطَتْ فِي ضَيَاعِهَا أَوْ لَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ السُّكْنَى مَعَ خَدَمِهِ وَجَوَارِيهِ؟ قَالَ (بْن) : لَهَا ذَلِكَ وَلَمْ يَحْصُلْ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ مُشَاجَرَةٌ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ تَعْلِيلُ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ وَعَدَمُ السُّكْنَى مَعَ الْأَهْلِ بِقَوْلِهِ لِمَا عَلَيْهَا مِنْ الضَّرَرِ بِاطِّلَاعِهِمْ عَلَى أَمْرِهَا. [قَدْرَ النَّفَقَة وَضَمَانهَا] قَوْلُهُ: [وَقُدِّرَتْ النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ بِحَالِهِ] أَيْ: قَدْرِ زَمَنِ قَبْضِهَا أَيْ الزَّمَنِ الَّذِي تُدْفَعُ فِيهِ لَا تَقْدِيرَ ذَاتِهَا، فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [مِنْ يَوْمٍ] إلَخْ: أَيْ وَتَقْبِضُهَا مُعَجَّلَةً وَتَضْمَنُ جَمِيعَ مَا قَبَضَتْهُ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْآتِي، وَضَمِنَتْ بِقَبْضِهَا هَذَا إذَا كَانَ الْحَالُ التَّعْجِيلَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْحَالُ التَّأْخِيرَ فَتَنْتَظِرُ حَتَّى تَقْبِضَهَا وَلَا يَكُونُ عَدَمُ قُدْرَتِهِ الْآنَ عُسْرًا بِالنَّفَقَةِ.

[سقوط النفقة]

(كَنَفَقَةِ) الْوَلَدِ (الْمَحْضُونِ) إذَا قَبَضَتْهَا الْحَاضِنَةُ وَضَاعَتْ مِنْهَا فَإِنَّهَا تَضْمَنُهَا. (إلَّا لِبَيِّنَةٍ) عَلَى الضَّيَاعِ بِلَا تَفْرِيطٍ فَلَا تَضْمَنُهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْهَا لَحِقِّ نَفْسِهَا، وَلَا هِيَ مُتَمَحِّضَةٌ لِلْأَمَانَةِ، بَلْ قَبَضَتْهَا لِحَقِّ الْمَحْضُونِ فَتَضْمَنُهَا ضَمَانَ الرِّهَانِ وَالْعَوَارِيِّ، وَأَمَّا مَا قَبَضَتْهُ الْمُرْضِعُ مِنْ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ فَالضَّمَانُ مِنْهَا مُطْلَقًا كَالنَّفَقَةِ، لِأَنَّهَا قَبَضَتْهَا لِحَقِّ نَفْسِهَا. (وَجَازَ) لِلزَّوْجِ (إعْطَاءُ الثَّمَنِ عَمَّا لَزِمَهُ) مِنْ النَّفَقَةِ لِزَوْجَتِهِ مِنْ الْأَعْيَانِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَنَفَقَةِ الْوَلَدِ الْمَحْضُونِ] : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الشُّمُولُ لِمَا قَبَضَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ لِمُدَّةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، أَوْ عَنْ مُدَّةٍ مَاضِيَةٍ وَعَلَى ذَلِكَ التَّتَّائِيُّ، وَاعْتَمَدَهُ (ر) ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ إذَا قَبَضَتْهُ لِمُدَّةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، قَالَ السُّودَانِيُّ وَهُوَ الْمُتَعَيَّنُ، وَأَمَّا مَا قَبَضَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ عَنْ مَاضِيَةٍ فَإِنَّهَا تَضْمَنُهَا مُطْلَقًا كَنَفَقَتِهَا لِأَنَّهُ كَدَيْنٍ لَهَا قَبَضَتْهُ، فَالْقَبْضُ لَحِقِّ نَفْسَهَا لَا لِلْغَيْرِ حَتَّى تَضْمَنَ ضَمَانَ الرِّهَانِ وَالْعَوَارِيِّ، وَارْتَضَى ذَلِكَ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَا هِيَ مُتَمَحِّضَةٌ لِلْأَمَانَةِ] : أَيْ لِأَنَّهَا تَأْخُذُهَا قَهْرًا عَنْهُ لِوُجُودِ حَقِّهَا فِي الْحَضَانَةِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا مَا قَبَضَتْهُ الْمُرْضِعُ] : هَذَا تَقْيِيدٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي نَفَقَةِ الْمَحْضُونِ، أَيْ مَحَلُّ التَّفْصِيلِ فِي نَفَقَةِ الْمَحْضُونِ مَا لَمْ تَكُنْ أُجْرَةُ الرَّضَاعِ فَالضَّمَانُ مُطْلَقًا كَمَا عَلِمْت. [سُقُوط النَّفَقَة] [تَنْبِيه الْمُقَاطَعَة فِي النَّفَقَة] قَوْلُهُ: [وَجَازَ لِلزَّوْجِ] : مَحَلُّ الْجَوَازِ إنْ رَضِيَتْ وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ لَهَا ابْتِدَاءً إنَّمَا هُوَ الْأَعْيَانُ لَكِنْ يَجُوزُ لَهُ دَفْعُ الْأَثْمَانِ إنْ رَضِيَتْ بِهَا، وَظَاهِرُهُ جَوَازُ دَفْعِ الْأَثْمَانِ وَلَوْ عَنْ طَعَامٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِلَّةَ مَنْعِ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ غِيبَتُهُ عَنْ الْبَائِعِ، وَكَوْنُهُ لَيْسَ تَحْتَ يَدِهِ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، لِأَنَّ طَعَامَ الزَّوْجِ تَحْتَ يَدِهَا غَيْرُ غَائِبٍ عَنْهَا، وَيَلْزَمُ الزَّوْجُ أَنْ يَزِيدَهَا إنْ غَلَا سِعْرُ الْأَعْيَانِ بَعْدَ أَنْ قَبَضَتْ ثَمَنَهَا، وَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا إنْ نَقَصَ سِعْرُهَا مَا لَمْ يَسْكُتْ مُدَّةً وَإِلَّا حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ التَّوَسُّعَةَ عَلَيْهَا، وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ تَكُنْ اشْتَرَتْ الْأَعْيَانَ قَبْلَ غُلُوِّهَا أَوْ رُخْصِهَا، وَإِلَّا فَلَا يَزِيدُهَا شَيْئًا فِي الْأَوَّلِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ فِي الثَّانِي.

(وَلَهَا الْأَكْلُ مَعَهُ) : أَيْ مَعَ زَوْجِهَا (فَتَسْقُطُ) عَنْهُ الْأَعْيَانُ الْمُقَرَّرَةُ لَهَا، (وَ) لَهَا (الِانْفِرَادُ) بِالْأَكْلِ عَنْهُ. (وَسَقَطَتْ) نَفَقَتُهَا عَنْهُ (بِعُسْرِهِ) فَلَا تَلْزَمُهُ نَفَقَةٌ مَا دَامَ مُعْسِرًا، وَلَا مُطَالَبَةَ لَهَا بِمَا مَضَى إنْ أَيْسَرَ، وَلَهَا التَّطْلِيقُ عَلَيْهِ حَالَ الْعُسْرِ بِالرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ وَإِثْبَاتِهِ عِنْدَهُ. (وَبِمَنْعِهَا الِاسْتِمْتَاعَ) وَلَوْ بِدُونِ الْوَطْءِ إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا وَإِلَّا لَمْ تَسْقُطْ، (وَخُرُوجِهَا) مِنْ بَيْتِهِ (بِلَا إذْنٍ) مِنْهُ (وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا) : أَيْ عَلَى رَدِّهَا وَلَوْ بِحَاكِمٍ: أَيْ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهَا ابْتِدَاءً، فَإِنْ خَرَجَتْ وَهُوَ حَاضِرٌ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهَا لَمْ تَسْقُطْ لِأَنَّهُ كَخُرُوجِهَا بِإِذْنِهِ. (إنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا) رَاجِعٌ لِلْخُرُوجِ الْمَذْكُورِ وَلِمَا قَبْلَهُ، وَإِلَّا لَمْ تَسْقُطْ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حِينَئِذٍ لِلْحَمْلِ، وَكَذَا الرَّجْعِيَّةُ لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا (كَالْبَائِنِ) بِخُلْعٍ أَوْ بَتَاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ يَجُوزُ لَهُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِهِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهَا عَمَّا وَجَبَ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ إنْ كَانَ فَرَضَ ثَمَنًا، أَوْ كَانَتْ النَّفَقَةُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ إلَّا لِضَرُورَةٍ عَلَيْهَا بِالْمُقَاصَّةِ بِأَنْ تَكُونَ فَقِيرَةً يُخْشَى ضَيْعَتُهَا بِالْمُقَاصَّةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [فَتَسْقُطُ عَنْهُ الْأَعْيَانُ] : أَيْ الْمُدَّةُ الَّتِي تَأْكُلُ مَعَهُ، فَلَوْ أَكَلَتْ مَعَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَطَلَبَتْ الْقَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ سَقَطَتْ نَفَقَةُ الْأَيَّامِ الثَّلَاثِ عَنْهُ، وَقَضَى لَهَا بِالْفَرْضِ بَعْدَ الْمِلْكِ. قَوْلُهُ: [الْمُقَرَّرَةُ لَهَا] : وَأَوْلَى فِي السُّقُوطِ لَهَا إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُقَرَّرَةٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا مَحْجُورًا عَلَيْهَا أَوْ لَا، لِأَنَّ السَّفِيهَ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي نَفَقَتِهِ قَوْلُهُ: [وَبِمَنْعِهَا الِاسْتِمْتَاعَ] أَيْ: لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَأَمَّا الْعُذْرُ كَامْتِنَاعِهَا لِمَرَضٍ فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا، فَلَوْ مَنَعَتْهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ مُدَّةً وَمَكَّنَتْهُ مُدَّةً سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا مُدَّةَ الْمَنْعِ فَقَطْ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِي عَدَمِ الْمَنْعِ، فَإِذَا ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهَا تَمْنَعُهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَقَالَتْ لَمْ أَمْنَعْهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَتَّهِمُ عَلَى إسْقَاطِ حَقِّهَا مِنْ النَّفَقَةِ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهَا بِأَنْ تُقِرَّ بِذَلِكَ بِحَضْرَةِ عَدْلَيْنِ أَوْ عَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا وَيَمِينٍ كَذَا فِي الْخَرَشِيِّ. قَوْلُهُ: [أَيْ عَلَى رَدِّهَا وَلَوْ بِحَاكِمٍ] : أَيْ مَحَلِّ سُقُوطِ النَّفَقَةِ عَنْهُ إنْ انْتَفَتْ قُدْرَتُهُ

فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا إنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَلَهَا النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ. (فَإِنْ كَانَتْ) الْحَامِلُ الْبَائِنُ (مُرْضِعًا فَلَهَا أُجْرَةُ الرَّضَاعِ أَيْضًا) : أَيْ كَمَا أَنَّ لَهَا نَفَقَةَ الْحَمْلِ، (وَلَا نَفَقَةَ) لَهَا (بِدَعْوَاهَا) الْحَمْلَ، (بَلْ بِظُهُورِهِ وَحَرَكَتِهِ) ، فَإِنْ ظَهَرَ الْحَمْلُ (فَمِنْ) : أَيْ فَلَهَا النَّفَقَةُ مِنْ (أَوَّلِهِ) أَيْ الْحَمْلِ، وَالْمُرَادُ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ. (كَالْكِسْوَةِ) أَيْ كَمَا أَنَّ لَهَا الْكِسْوَةُ مِنْ أَوَّلِهِ (إنْ طَلُقَتْ أَوَّلَهُ) : أَيْ مِنْ أَوَّلِ الْحَمْلِ، (وَإِلَّا) تَطْلُقْ أَوَّلُهُ بَلْ طَلُقَتْ حَامِلًا بَعْدَ أَشْهُرٍ مِنْ حَمْلِهَا، (فَقِيمَةُ مَا بَقِيَ) مِنْ أَشْهُرِ الْحَمْلِ بِأَنْ يَقُومَ مَا يَصِيرُ لِتِلْكَ الْأَشْهُرِ الْبَاقِيَةِ مِنْ الْكِسْوَةِ، لَوْ كُسِيَتْ أَوَّلَ الْحَمْلِ فَتَأْخُذُهَا. (وَاسْتَمَرَّ لَهَا) : أَيْ الْحَامِلِ (الْمَسْكَنُ فَقَطْ) دُونَ النَّفَقَةِ (إنْ مَاتَ) زَوْجُهَا الْمُطَلِّقُ لَهَا قَبْلَ وَضْعِهَا، لِأَنَّهُ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ فَلَا يُسْقِطُهُ الْمَوْتُ، سَوَاءٌ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى رَدِّهَا وَلَوْ بِالْحُكْمِ، وَإِنْ تَمَكَّنَ وَلَوْ بِالْحُكْمِ وَفَرَّطَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ، وَبَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ ظَالِمَةً لَا إنْ خَرَجَتْ لِظُلْمٍ رَكِبَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ وَلَا تَسْقُطُ. قَوْلُهُ: [إنْ طَلُقَتْ أَوَّلَهُ] : أَيْ فَإِذَا طَلَّقَهَا أَوَّلَ الْحَمْلِ طَلَاقًا بَائِنًا وَصَدَّقَهَا الزَّوْجُ عَلَى الْحَمْلِ قَبْلَ ظُهُورِهِ، أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهَا وَانْتَظَرَ ظُهُورَهُ وَحَرَكَتَهُ، فَإِنَّ لَهَا كِسْوَتُهَا الْمُعْتَادَةُ، وَلَوْ كَانَتْ تَبْقَى بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْكِسْوَةِ إذَا كَانَتْ مُحْتَاجَةً لَهَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ عِنْدَهَا كِسْوَتُهَا فَلَا. قَوْلُهُ: [فَقِيمَتُهُ مَا بَقِيَ] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَبَانَهَا بَعْدَ مُضِيِّ أَشْهُرٍ مِنْ حَمْلِهَا فَلَهَا مَنَابُ الْأَشْهُرِ الْبَاقِيَةِ مِنْ الْكِسْوَةِ، فَيَقُومُ مَا يَصِيرُ لِتِلْكَ الْأَشْهُرِ الْمَاضِيَةِ مِنْ الْكِسْوَةِ لَوْ كُسِيَتْ فِي أَوَّلِ الْحَمْلِ فَيَسْقُطُ، وَتُعْطَى مَا يَنُوبُ الْأَشْهُرَ الْبَاقِيَةَ الْقِيمَةَ دَرَاهِمَ. قَوْلُهُ: [إنْ مَاتَ زَوْجُهَا الْمُطَلِّقُ لَهَا] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا إنْ مَاتَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا قَبْلَ وَضْعِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى مِنْ يَوْمِ مَوْتِهِ، لِأَنَّ بَطْنَهَا صَارَ قَبْرًا لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا إلَّا بِنُزُولِهِ كَذَا فِي (شب) خِلَافًا لِمَا فِي الشَّامِلِ مِنْ اسْتِمْرَارِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى إذَا مَاتَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا.

الْمَسْكَنُ لَهُ أَمْ لَا، نَقَدَ كِرَاءَهُ أَمْ لَا. وَأَمَّا الْبَائِنُ غَيْرُ الْحَامِلِ فَلِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَالْأُجْرَةُ فِيهِمَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. بِخِلَافِ الرَّجْعِيَّةِ وَاَلَّتِي فِي الْعِصْمَةِ فَلَا يَسْتَمِرُّ لَهَا الْمَسْكَنُ إنْ مَاتَ، إلَّا إذَا كَانَ لَهُ أَوْ نَقَدَ كِرَاءَهُ كَمَا مَرَّ، وَتَسْقُطُ الْكِسْوَةُ وَالنَّفَقَةُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْبَائِنَ يَسْتَمِرُّ لَهَا الْمَسْكَنُ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ الْعِدَّةِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ أَوْ تَمَامِ الْأَشْهُرِ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ، أَوْ الْأَقْرَاءِ فِيمَنْ تَحِيضُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَسْكَنُ لَهُ وَلَا نَقَدَ كِرَاءَهُ، وَأَنَّ الَّتِي فِي الْعِصْمَةِ أَوْ الرَّجْعِيَّةِ يَسْتَمِرُّ لَهَا إنْ كَانَ لَهُ أَوْ نَقَدَ كِرَاءَهُ، وَأَنَّ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ يَسْقُطَانِ فِي الْجَمِيعِ بِالْمَوْتِ، (لَا إنْ مَاتَتْ) الْمُطَلَّقَةُ فَلَا سُكْنَى؛ أَيْ لَا شَيْءَ لِوَارِثِهَا مِنْ كِرَاءِ الْمَسْكَنِ. (وَتُرَدُّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (النَّفَقَةُ) نَائِبُ الْفَاعِلِ فَيَشْمَلُ مَوْتُهُ وَمَوْتُهَا (مُطْلَقًا) ، سَوَاءٌ فِيهِمَا كَانَتْ فِي الْعِصْمَةِ أَوْ رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنًا وَهِيَ حَامِلٌ، أَوْ كَانَا حَيَّيْنِ وَطَلَّقَهَا بَائِنًا بَعْدَ قَبْضِهَا النَّفَقَةَ وَلَيْسَتْ بِحَامِلٍ، (كَانْفِشَاشِ الْحَمْلِ) فَتَرُدُّ نَفَقَتَهُ إنْ قَبَضَتْهَا مِنْ أَوَّلِ الْحَمْلِ، بِخِلَافِ الَّتِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْبَائِنُ غَيْرُ الْحَامِلِ] إلَخْ: هَذَا كَلَامُ نَاقِصٌ رَكِيكٌ، وَلَكِنَّهُ وَضَّحَهُ فِي الْحَاصِلِ الْآتِي. قَوْلُهُ: [وَتُرَدُّ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ النَّفَقَةُ] : أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِنْفَاقُ بِحُكْمِ حَاكِمٍ أَمْ لَا، وَقِيلَ إنَّهَا لَا تُرَدُّ مُطْلَقًا وَقِيلَ إنْ كَانَ الْإِنْفَاقُ بِحُكْمِ حَاكِمٍ رَدَّتْهَا وَإِلَّا فَلَا، فَالْأَوَّلُ رِوَايَةٌ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَالثَّانِي رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ، وَالثَّالِثُ سَمَاعُ عِيسَى بْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ ابْنُ حَارِثٍ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ أَخَذَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا وَجَبَ لَهُ بِقَضَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ شَيْءٌ أَنَّهُ يَرُدُّ مَا أَخَذَ وَهَذَا يُرَجَّحُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [مُطْلَقًا] : تَفْسِيرُهُ الْإِطْلَاقَ بِمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِلْمَتْنِ، وَحَقُّ التَّفْسِيرِ أَنْ يَقُولَ: سَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ هُوَ أَوْ هِيَ كَانَتْ فِي الْعِصْمَةِ أَوْ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا وَهِيَ حَامِلٌ، ثُمَّ يَقُولَ: كَذَا إنْ كَانَا حَيَّيْنِ إلَى آخَرِ مَا قَالَ، فَإِنَّ إدْخَالَهُ الْحَيَّيْنِ فِي الْإِطْلَاقِ لَمْ يَكُنْ مَوْضُوعُ الْمُصَنِّفِ وَإِخْرَاجُهُ مَوْتَهُ أَوْ مَوْتَهَا مِنْ الْإِطْلَاقِ خُرُوجٌ عَنْ مَوْضُوعِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [كَانْفِشَاشِ الْحَمْلِ] : الْمُرَادُ بِانْفِشَاشِهِ تَبَيُّنُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ حَمْلٌ بِهَا، بَلْ كَانَ عِلَّةً أَوْ رِيحًا كَمَا يُفِيدُهُ التَّوْضِيحُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ فَسَادَهُ وَاضْمِحْلَالَهُ

[شروط وجوب نفقة الحمل]

قَبْلَهَا فَمِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ وَكَذَا تَرُدُّ كِسْوَتَهُ. (بِخِلَافِ) كِسْوَةٍ كَسَاهَا لَهَا وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ فَلَا تَرُدُّهَا، (إنْ أَبَانَهَا أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ) مُضِيِّ (أَشْهُرٍ) مِنْ قَبْضِهَا. وَمَفْهُومُ أَشْهُرٍ: أَنَّهُ لَوْ أَبَانَهَا أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ شَهْرَيْنِ فَأَقَلَّ فَإِنَّهَا تُرَدُّ. (وَشَرْطُ) وُجُوبِ (نَفَقَةِ الْحَمْلِ) عَلَى أَبِيهِ: (حُرِّيَّتُهُ) أَيْ الْحَمْلِ، فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا بِأَنْ كَانَتْ رَقِيقَةً لِأَجْنَبِيٍّ فَنَفَقَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ لَا عَلَى أَبِيهِ. (وَحُرِّيَّةُ أَبِيهِ) . فَإِنْ كَانَ أَبُوهُ عَبْدًا فَلَا نَفَقَةَ لِحَمْلِ مُطَلَّقَتِهِ الْبَائِنِ، فَإِنْ عَتَقَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ مِنْ يَوْمِ عِتْقِهِ إنْ كَانَتْ حُرَّةً. (وَلُحُوقُهُ) أَيْ الْحَمْلِ (بِهِ) : أَيْ بِأَبِيهِ فَلَا نَفَقَةَ لِحَمْلِ مُلَاعَنَةٍ مَحْبُوسَةٍ بِسَبَبِهِ، (وَ) لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِمُضِيِّ زَمَنِهَا إذَا كَانَ مُوسِرًا، وَإِذَا لَمْ تَسْقُطْ (رَجَعَتْ) عَلَى زَوْجِهَا (بِمَا تَجَمَّدَ عَلَيْهِ) مِنْهَا (زَمَنَ يُسْرِهِ) وَلَوْ تَقَدَّمَهُ عُسْرٌ يُوجِبُ سُقُوطَهَا، أَوْ تَأَخَّرَ عَنْ عُسْرِهِ فَمَا تَجَمَّدَ عَلَيْهِ حَالَ يُسْرِهِ فِي ذِمَّتِهِ تُطَالِبُهُ بِهِ، (وَإِنْ لَمْ يَفْرِضْهُ) عَلَيْهِ (حَاكِمٌ) ، وَلَا يُسْقِطُ الْعُسْرُ إلَّا زَمَنَهُ خَاصَّةً. (وَ) رَجَعَتْ الزَّوْجَةُ عَلَى زَوْجِهَا (بِمَا أَنْفَقَتْهُ عَلَيْهِ) إذَا كَانَ (غَيْرَ سَرَفٍ) بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، وَإِلَى الْإِنْفَاقِ زَمَنًا، (وَإِنْ) كَانَ (مُعْسِرًا) حَالَ إنْفَاقِهَا عَلَيْهِ إلَّا لِصِلَةٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ تَكَوُّنِهِ، بَلْ هَذَا تُرَدُّ نَفَقَتُهُ مِنْ يَوْمِ انْعِدَامِهِ. [شُرُوط وُجُوب نَفَقَة الْحَمْل] قَوْلُهُ: [وَشَرْطُ وُجُوبِ نَفَقَةِ الْحَمْلِ] : أَيْ فَشُرُوطُهُ ثَلَاثَةٌ: حُرِّيَّةُ الْحَمْلِ، وَحُرِّيَّةُ أَبِيهِ، وَلُحُوقُ الْحَمْلِ بِأَبِيهِ. قَوْلُهُ: [فَلَا نَفَقَةَ لِحَمْلِ مُلَاعَنَةٍ] : أَيْ لِعَدَمِ لُحُوقِهِ بِهِ بِسَبَبِ قَطْعِ نَسَبِهِ هَذَا إذَا كَانَ اللِّعَانُ لِنَفْيِ الْحَمْلِ لَا لِرُؤْيَةِ الزِّنَا، وَإِلَّا فَلَهَا النَّفَقَةُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا يَوْمَ الرَّمْيِ مَا لَمْ تَأْتِ بِهِ لِسِتَّةٍ، وَمَا فِي حُكْمِهَا مِنْ يَوْمِ الرُّؤْيَةِ وَإِلَّا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا. قَوْله: [إذَا كَانَ غَيْرَ سَرَفٍ] : فَإِنْ كَانَ سَرَفًا فَإِنَّهَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ الْمُعْتَادِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا حَالَ إنْفَاقِهَا عَلَيْهِ] : أَيْ هَذَا إذَا كَانَ زَمَنَ

(كَأَجْنَبِيٍّ) أَنْفَقَ عَلَى كَبِيرٍ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ السَّرَفِ وَإِنْ كَانَ الْمُنْفِقُ عَلَيْهِ مُعْسِرًا (إلَّا لِصِلَةٍ) مِنْ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا أَوْ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى غَيْرِهِ، (أَوْ إشْهَادٍ) عَلَيْهِ بِأَنَّهَا أَوْ أَنَّهُ عِنْدَ الْإِنْفَاقِ أَقَرَّ بِأَنْ لَا يَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَ فَلَا رُجُوعَ، (وَمُنْفِقٍ) عَطْفٌ عَلَى " أَجْنَبِيٍّ " أَيْ: كَمَا يَرْجِعُ مَنْ أَنْفَقَ (عَلَى صَغِيرٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، (إنْ كَانَ لَهُ) : أَيْ لِلصَّغِيرِ (مَالٌ) حِينَ الْإِنْفَاقِ، (أَوْ) كَانَ لَهُ (أَبٌ) مُوسِرًا (وَعَلِمَهُ الْمُنْفِقُ، وَتَعَسَّرَ الْإِنْفَاقُ مِنْهُ) عَلَى الصَّغِيرِ لِغَيْبَتِهِ أَوْ عَدَمِ تَمَكُّنِ الْإِنْفَاقِ مِنْهُ كَكَوْنِهِ عَرْضًا أَوْ عَقَارًا، (وَبَقِيَ) الْمَالُ (لِلرُّجُوعِ) : أَيْ لِوَقْتِ الرُّجُوعِ، فَإِنْ ضَاعَ وَتَجَدَّدَ غَيْرُهُ فَلَا رُجُوعَ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَقْتَ الْإِنْفَاقِ وَتَجَدَّدَ بَعْدَهُ. (وَحَلَفَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ) وَمَحَلُّ حَلِفِهِ: (إنْ لَمْ يَشْهَدْ) حَالَ الْإِنْفَاقِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ وَإِلَّا فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مُوسِرًا، بَلْ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لِأَنَّ الْعُسْرَ لَا يُسْقِطُ عَنْ الزَّوْجِ إلَّا مَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِنَفَقَةِ نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: [إلَّا لِصِلَةٍ مِنْ الزَّوْجَةِ] : أَيْ إلَّا أَنْ تَقْصِدَ بِهِ الصِّلَةَ فَلَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، فَمَحَلُّ رُجُوعِهَا عَلَيْهِ إنْ قَصَدَتْ الرُّجُوعَ أَوْ لَمْ تَقْصِدْ شَيْئًا. قَوْلُهُ: [أَوْ إشْهَادٍ عَلَيْهِ] إلَخْ: مُحَصِّلُ ذَلِكَ أَنَّ عَدَمَ الرُّجُوعِ مُقَيَّدٌ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ، إمَّا بِبَقَاءِ الْمُنْفِقِ عَلَى اعْتِرَافِهِ أَنَّهُ صِلَةٌ، أَوْ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ إنْ أَنْكَرَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْأَجْنَبِيِّ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: [عَلَى صَغِيرٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى] : الَّذِي فِي الْمِعْيَارِ أَنَّ الرَّبِيبَ الصَّغِيرَ كَالصَّغِيرِ الْأَجْنَبِيِّ إلَّا أَنْ تُثْبِتَ الْأُمُّ أَنَّهُ الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَى الرَّبِيبِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَقِيلَ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ عَلَى الرَّبِيبِ مُطْلَقًا وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَعَلِمَهُ الْمُنْفِقُ] : شَرْطٌ فِي الْمَالِ وَفِي الْأَبِ الْمُوسِرِ، أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِ بِأَنَّ لَهُ مَالًا أَوْ أَنَّ لَهُ أَبًا مُوسِرًا، أَوْ مَحَلَّ اشْتِرَاطِ عِلْمِ الْأَبِ الْمُوسِرِ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ الْأَبُ طَرْحَهُ وَإِلَّا فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ إذَا عَلِمَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي فِي اللَّفْظَةِ، وَمَفْهُومُ عِلْمِهِ أَنَّهُ لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ ظَانًّا أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ أَوْ لَا أَبَ لَهُ مُوسِرًا، ثُمَّ عَلِمَ فَلَا رُجُوعَ وَقِيلَ لَهُ الرُّجُوعُ، وَالْقَوْلَانِ قَائِمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ.

[فسخ النكاح لعدم النفقة]

(وَلَهَا) : أَيْ لِلزَّوْجَةِ (الْفَسْخُ إنْ عَجَزَ) زَوْجُهَا (عَنْ نَفَقَةٍ حَاضِرَةٍ لَا مَاضِيَةٍ) تَرَتَّبَتْ فِي ذِمَّتِهِ (إنْ لَمْ تَعْلَمْ) الزَّوْجَةُ (حَالَ الْعَقْدِ فَقْرَهُ) : أَيْ عُسْرَهُ؛ فَإِنْ عَلِمَتْ فَلَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ، وَلَوْ أَيْسَرَ بَعْدُ ثُمَّ أَعْسَرَ (إلَّا أَنْ يَشْتَهِرَ بِالْعَطَاءِ) : أَيْ أَنْ يَكُونَ مِنْ السُّؤَالِ وَنَحْوِهِمْ، وَيَشْتَهِرُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْعَطَاءِ (وَيَنْقَطِعُ) عَنْهُ، فَلَهَا الْفَسْخُ لِأَنَّ اشْتِهَارَهُ بِذَلِكَ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْيَسَارِ، (فَإِنْ أَثْبَتَ) الزَّوْجُ (عُسْرَهُ) عِنْدَ الْحَاكِمِ (تُلُوِّمَ لَهُ) : أَيْ أُمْهِلَ (بِالِاجْتِهَادِ) مِنْ الْحَاكِمِ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ مِنْ حَالِ الزَّوْجِ، لَعَلَّهُ أَنْ يُحَصِّلَ النَّفَقَةَ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ. (وَإِلَّا) يَثْبُتُ عُسْرُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ (أَمَرَ) الزَّوْجَ: أَيْ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ (بِهَا) : ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَسْخ النِّكَاح لعدم النَّفَقَة] قَوْلُهُ: [الْفَسْخُ] : أَيْ الْقِيَامُ وَطَلَبُ الْفَسْخِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ الْآتِيَ، فَإِنْ أَثْبَتَ عُسْرَهُ تُلُوِّمَ لَهُ بِالِاجْتِهَادِ. وَحَاصِلُ الْمُرَادِ لَهَا أَوَّلًا طَلَبُ الْفَسْخُ وَالْقِيَامُ بِهِ فَإِذَا طَلَبَتْهُ فَعَلَ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [إنْ عَجَزَ] : أَيْ إنْ ادَّعَى الْعَجْزَ عَنْ ذَلِكَ أَثْبَتَهُ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [حَاضِرَةٍ] : مِثْلُ الْحَاضِرَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إذَا أَرَادَ سَفَرًا عَلَى مَا لِلْأُجْهُورِيِّ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ أَثْبَتَ الزَّوْجُ عُسْرَهُ] : حَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ النَّفَقَةِ وَطُولِبَ بِهَا؛ فَإِمَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْمَلَاءَ وَيَمْتَنِعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يُجِيبَ بِشَيْءٍ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْعَجْزَ. فَإِنْ لَمْ يَجِبْ بِشَيْءٍ طُلِّقَ عَلَيْهِ حَالًا، وَإِنْ قَالَ: أَنَا مُوسِرٌ وَلَكِنْ لَا أُنْفِقُ فَقِيلَ يُعَجَّلُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَقِيلَ: يُحْبَسُ، وَإِذَا حُبِسَ وَلَمْ يُنْفِقْ طُلِّقَ عَلَيْهِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ وَإِلَّا أَخَذَ مِنْهُ. وَإِنْ ادَّعَى الْعَجْزَ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ الْمُصَنِّفِ، فَإِمَّا أَنْ يُثْبِتَ أَوَّلًا، فَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ الْعَجْزَ قِيلَ لَهُ طَلِّقْ أَوْ أَنْفِقْ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْإِنْفَاقِ تُلُوِّمَ لَهُ ثُمَّ طُلِّقَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ يُطَلَّقُ عَلَيْهِ حَالًا مِنْ غَيْرِ تَلَوُّمٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَوْ إنْ أَثْبَتَ عُسْرَهُ تُلُوِّمَ لَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ثُمَّ طُلِّقَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [أَيْ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِهَا] : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ فَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ الْعُدُولُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ، وَفِي كُلِّ أَمْرٍ يَتَعَذَّرُ فِيهِ الْوُصُولُ إلَى الْحَاكِمِ الْعَدْلِ وَالْوَاحِدُ مِنْهُمْ كَافٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ تَبَعًا لعب، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْ الْمُؤَلِّفِ فِي

أَيْ بِالنَّفَقَةِ (أَوْ بِالطَّلَاقِ بِلَا تَلَوُّمٍ) بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: إمَّا أَنْ تُنْفِقَ وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَهَا، (فَإِنْ طَلَّقَ أَوْ أَنْفَقَ) فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، (وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ) بِأَنْ يَقُولَ الْحَاكِمُ: فَسَخْت نِكَاحَهُ، أَوْ: طَلَّقْتُك مِنْهُ أَوْ يَأْمُرُهَا بِذَلِكَ ثُمَّ يَحْكُمُ بِهِ؛ (وَإِنْ كَانَ) الزَّوْجُ (غَائِبًا) وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا شَيْئًا وَلَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِهَا. وَلَا أَسْقَطَتْ عَنْهُ النَّفَقَةَ حَالَ غِيبَتِهِ، وَتَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ. وَهَذَا إنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ بَعِيدَةً كَعَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَأَمَّا قَرِيبُ الْغَيْبَةِ فَيُرْسِلُ لَهُ: إمَّا أَنْ يَأْتِيَ أَوْ يُرْسِلَ النَّفَقَةَ أَوْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ، (كَأَنْ وَجَدَ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ) : أَيْ مَا يَحْفَظُ الْحَيَاةَ خَاصَّةً دُونَ شِبَعٍ مُعْتَادٍ وَمُتَوَسِّطٍ، فَإِنَّهُ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ إذْ لَا صَبْرَ لَهَا عَادَةً عَلَى ذَلِكَ. (لَا) يُطَلِّقُ عَلَيْهِ (إنْ قَدَرَ عَلَى الْقُوتِ) وَلَوْ مِنْ خَشِنِ الْمَأْكُولِ، وَهِيَ عَلِيَّةُ الْقَدْرِ أَوْ خُبْزٍ بِغَيْرِ أُدْمٍ، (وَ) عَلَى (مَا يُوَارِي الْعَوْرَةَ) وَلَوْ مِنْ غَلِيظِ الصُّوفِ (وَإِنْ) كَانَتْ (غَنِيَّةً) شَأْنُهَا لُبْسُ الْحَرِيرِ. وَمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يُرَاعِي وُسْعَهُ وَحَالَهَا فَهُوَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْيُسْرِ وَالْقُدْرَةِ؛ وَمَا هُنَا مِنْ فُرُوعِ الْعَجْزِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ إنْ عَجَزَ عَنْ النَّفَقَةِ الَّتِي تَلِيقُ بِهَا بِالْمَرَّةِ: بِأَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ أَوْ قَدَرَ عَلَى مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ فَلَهَا التَّطْلِيقُ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى مُطْلَقِ قُوتٍ وَمَا يُوَارِي الْعَوْرَةَ لَمْ يُطَلِّقْ عَلَيْهِ. (وَلَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ الَّذِي طَلَّقَ عَلَيْهِ لِعُسْرِهِ (رَجْعَتُهَا إنْ وَجَدَ فِي الْعِدَّةِ يَسَارًا يَقُومُ بِوَاجِبِ مِثْلِهَا عَادَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوَّلِ بَابِ الْمَفْقُودِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا] : اعْلَمْ أَنَّ الْغَائِبَ يُطَلَّقُ عَلَيْهِ لِلْعُسْرِ بِالنَّفَقَةِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ دُعِيَ لِلدُّخُولِ أَمْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَا فِي بَهْرَامَ حَيْثُ قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِ أَوْ دَعْوَتِهِ، فَظَهَرَ لَك أَنَّ الدُّخُولَ أَوْ الدَّعْوَةَ إنَّمَا تُشْتَرَطُ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا كَانَ حَاضِرًا لَا غَائِبًا كَمَا فِي (ح) خِلَافًا لِبَهْرَامَ. قَوْلُهُ: [أَوْ يُطَلَّقُ عَلَيْهِ] : أَيْ إنْ لَمْ يُطَلِّقْ هُوَ بِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ: [رَجَعَتْهَا إنْ وَجَدَ فِي الْعِدَّةِ يَسَارًا] : أَيْ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ كُلَّ طَلَاقٍ أَوْقَعَهُ الْحَاكِمُ يَكُونُ بَائِنًا إلَّا طَلَاقَ الْمَوْلَى وَالْمُعْسِرِ بِالنَّفَقَةِ. قَوْلُهُ: [يَقُومُ بِوَاجِبِ مِثْلِهَا] أَيْ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا مَا يُعْتَبَرُ فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ،

[النفقة على الغائب]

لَا دُونَهُ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ، بَلْ لَا تَصِحُّ. (وَلَهَا حِينَئِذٍ) : أَيْ حِينَ إذْ حَصَلَ يُسْرٌ فِي عِدَّتِهَا (النَّفَقَةُ فِيهَا) : أَيْ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ لَهَا النَّفَقَةُ دُونَ الْبَائِنِ (وَإِنْ لَمْ يَرْتَجِعْ) (وَلَهَا) : أَيْ لِلزَّوْجَةِ (مُطَالَبَتُهُ) أَيْ مُطَالَبَةُ زَوْجِهَا لَا بِقَيْدِ الْمُعْسِرِ (عِنْدَ سَفَرِهِ بِمُسْتَقْبَلَةٍ) مُدَّةَ غِيَابِهِ عَنْهَا، (أَوْ يُقِيمُ لَهَا كَفِيلًا) يَدْفَعُهَا لَهَا. (وَإِلَّا) بِأَنْ أَبَى مِنْ ذَلِكَ (طَلَّقَ عَلَيْهِ) إنْ شَاءَتْ. (وَفُرِضَتْ) النَّفَقَةُ لِلزَّوْجَةِ (فِي مَالِ الْغَائِبِ) وَلَوْ وَدِيعَةً عِنْدَ غَيْرِهِ، (وَ) فِي (دَيْنِهِ الثَّابِتِ) عَلَى مَدِينِهِ (وَبِيعَتْ دَارُهُ) فِي نَفَقَتِهَا (بَعْدَ حَلِفِهَا بِاسْتِحْقَاقِهَا) لِلنَّفَقَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْ لَهَا وَكِيلًا فِي دَفْعِهَا لَهَا، وَأَنَّهَا لَمْ تُسْقِطْهَا عَنْهُ. وَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: " وَفُرِضَتْ " إلَخْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِذَا كَانَتْ غَنِيَّةً شَأْنُهَا أَكْلُ الضَّأْنِ فَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ إلَّا إذَا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا قَدَرَ عَلَى خَشِنِ الطَّعَامِ فَقَطْ فَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ، وَلَوْ رَضِيَتْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَقِيلَ تَصِحُّ إنْ رَضِيَتْ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِي الرَّجْعَةِ الْيَسَارُ الْكَامِلُ مَعَ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ إذَا وَجَدَ مَا تَيَسَّرَ مِنْ خَشِنِ الْقُوتِ، لِأَنَّ أَبْغَضَ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ فَلَا يَقْدُمُ عَلَيْهِ إلَّا بِالضَّيِّقِ الشَّدِيدِ، بِخِلَافِ لَوْ صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً فَلَا تَرُدُّ إلَّا بِالْيَسَارِ الْمُنَاسِبِ. قَوْلُهُ: [بَلْ لَا تَصِحُّ] : أَيْ وَلَوْ رَضِيَتْ كَمَا فِي السُّلَيْمَانِيَّةِ عَنْ سَحْنُونَ، لِأَنَّ الطَّلْقَةَ الَّتِي أَوْقَعَهَا الْحَاكِمُ إنَّمَا كَانَتْ لِأَجْلِ ضَرَرِ فَقْرِهِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الرَّجْعَةِ إلَّا إذَا زَالَ الْمُوجِبُ وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ تَرْتَجِعْ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَمُقَابِلُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تَرْتَجِعَ. [النَّفَقَة عَلَى الْغَائِب] قَوْلُهُ: [وَفُرِضَتْ النَّفَقَةُ لِلزَّوْجَةِ فِي مَالِ الْغَائِبِ] : أَيْ يَفْرِضُهَا الْحَاكِمُ إذَا رَفَعَتْ لَهُ أَمْرَهَا أَوْ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ إنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ قَوْلُهُ: [وَالظُّرُوفُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَفُرِضَتْ] إلَخْ: أَيْ إنَّمَا يُفْرَضُ لَهَا فِي مَالِهِ وَدَيْنه الثَّابِتِ، وَيَبِيعُ دَارِهِ بَعْدَ حَلِفِهَا، وَمِثْلُ الزَّوْجَةِ فِي فَرْضِ نَفَقَتِهَا الْأَوْلَادُ وَالْأَبَوَانِ فَتُفْرَضُ نَفَقَتُهُمْ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَمَا تُفْرَضُ لِلزَّوْجَةِ بِشُرُوطِهَا.

(وَإِنْ تَنَازَعَا) : أَيْ الزَّوْجَانِ بَعْدَ قُدُومِهِ مِنْ سَفَرِهِ (فِي إرْسَالِهَا) فَقَالَ: أَرْسَلْت لَك النَّفَقَةَ، وَقَالَتْ: لَمْ تُرْسِلْهَا (أَوْ تَرَكَهَا) بِأَنْ قَالَ: تَرَكْتهَا لَك قَبْلَ سَفَرِي، وَقَالَتْ: لَا (فَالْقَوْلُ لَهَا) بِيَمِينٍ (إنْ رَفَعَتْ لِحَاكِمٍ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: " فَالْقَوْلُ لَهَا ". (لَا) إنْ رَفَعَتْ (لِغَيْرِهِ) أَيْ لِغَيْرِ الْحَاكِمِ مِنْ عُدُولٍ وَجِيرَانٍ فَلَيْسَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا (إنْ وُجِدَ) حَاكِمٌ (وَإِلَّا) تُرْفَعُ أَوْ رُفِعَتْ لِغَيْرِ حَاكِمٍ مَعَ وُجُودِهِ، (فَقَوْلُهُ كَالْحَاضِرِ) يَدَّعِي الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا وَهِيَ تَدَّعِي عَدَمَهُ. فَالْقَوْلُ لَهُ (بِيَمِينٍ) : رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ، وَالْكِسْوَةُ كَالنَّفَقَةِ، أَوْ أَرَادَ بِالنَّفَقَةِ مَا يَشْمَلُ الْكِسْوَةَ. (وَحَلَفَ: لَقَدْ قَبَضَتْ) نَفَقَتُهَا مِنِّي أَوْ مِنْ رَسُولِي أَوْ وَكِيلِي، وَيُعْتَمَدُ فِي الرَّسُولِ أَوْ الْوَكِيلِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ بِقُوَّةِ الْقَرَائِنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِنْ تَنَازَعَا] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا قَدِمَ مِنْ السَّفَرِ فَطَالَبَتْهُ زَوْجَتُهُ بِنَفَقَتِهَا مُدَّةَ غَيْبَتِهِ فَقَالَ أَرْسَلْتهَا لَك أَوْ تَرَكْتهَا لَك عِنْدَ سَفَرِي فَلَمْ تُصَدِّقْهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينٍ إنْ رَفَعَتْ أَمْرَهَا لِلْحَاكِمِ فِي شَأْنِ ذَلِكَ، وَأَذِنَ لَهَا فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهَا وَالرُّجُوعِ لَهَا بِذَلِكَ عَلَى زَوْجِهَا، لَكِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ لَا مِنْ يَوْمِ السَّفَرِ، فَإِذَا سَافَرَ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ وَحَصَلَ الرَّفْعُ فِي نِصْفِهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ، وَأَمَّا النِّصْفُ الْأَوَّلُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ بِيَمِينٍ، فَإِنْ رَفَعَتْهُ لِعُدُولٍ وَجِيرَانٍ مَعَ وُجُودِ الْحَاكِمِ الْعَدْلِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا مُطْلَقًا إلَّا بِبَيِّنَةٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ قَبُولُ قَوْلِهَا حَيْثُ رَفَعْته وَلَوْ لِلْعُدُولِ، وَالْجِيرَانِ مَعَ وُجُودِ الْحَاكِمِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ عَمَلَ قُضَاةِ بَلْدَةِ تُونُسَ أَنَّ الرَّفْعَ لِلْعُدُولِ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ وَلِلْجِيرَانِ لَغْوٌ، وَحُكْمُ نَفَقَةِ أَوْلَادِهَا الصِّغَارِ حُكْمُ نَفَقَتِهَا فِي التَّفْصِيلِ، وَأَمَّا أَوْلَادُهَا الْكِبَارُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ رُفِعَ (اهـ مُلَخَّصًا مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) قَوْلُهُ: [وَيُعْتَمَدُ فِي الرَّسُولِ أَوْ الْوَكِيلِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ] : هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَيْفَ يَصِحُّ حَلِفُهُ لَقَدْ قَبَضَتْهَا إذَا كَانَ يَدَّعِي إرْسَالَهَا لَهَا وَهُوَ غَائِبٌ، مَعَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الرَّسُولَ لَمْ يُوَصِّلْهَا، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ.

[نفقة الملك]

(وَ) إنْ تَنَازَعَا (فِيمَا فُرِضَ) لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ لَدَى حَاكِمٍ، فَقَالَتْ: عَشْرَةٌ، وَقَالَ: بَلْ ثَمَانِيَةٌ مَثَلًا، (فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهُ إنْ أَشْبَهَ بِيَمِينٍ) أَشْبَهَتْ هِيَ أَمْ لَا. (وَإِلَّا) يُشْبِهُ، (فَقَوْلُهَا إنْ أَشْبَهَتْ، وَإِلَّا) يُشْبِهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا (اُبْتُدِئَ الْفَرْضُ) لِمَا يُسْتَقْبَلُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ النَّفَقَةِ بِالسَّبَبَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ وَهُمَا الْمِلْكُ وَالْقَرَابَةُ، فَقَالَ: (وَيَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ نَفَقَةُ رَقِيقِهِ) لَا رَقِيقَ رَقِيقِهِ وَلَا رَقِيقَ أَبَوَيْهِ إلَّا إذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ عَلَى مَا سَيَأْتِي (وَدَوَابِّهِ) مِنْ بَقَرٍ وَإِبِلٍ وَغَنَمٍ وَخَيْلٍ وَحَمِيرٍ وَغَيْرِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِنْ تَنَازَعَا فِيمَا فُرِضَ] إلَخْ: إنْ قُلْت يَرْجِعَانِ لِلْقَاضِي وَلَا يَحْتَاجَانِ لِلتَّنَازُعِ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُفْرَضُ ذَلِكَ فِي حَالَةِ مَوْتِهِ أَوْ عَزْلِهِ أَوْ نِسْيَانِهِ. قَوْلُهُ: [فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إنْ أَشْبَهَ] : ظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُهُمَا فِيمَا فَرَضَهُ قَاضِي وَقْتِهِمَا أَوْ قَاضٍ سَابِقٌ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْخَرَشِيِّ. قَوْلُهُ: [فَقَوْلُهَا إنْ أَشْبَهَتْ] : أَيْ انْفَرَدَتْ بِالشَّبَهِ، وَقَوْلُهُ بِيَمِينٍ رَاجِعٌ لِهَذِهِ أَيْضًا فَيَكُونُ حَذْفُهُ مِنْ الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ وَهَذَا عَلَى الْأَرْجَحِ مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ. تَتِمَّةٌ إنْ تَنَازَعَ الزَّوْجَانِ بَعْدَ قُدُومِهِ مِنْ السَّفَرِ فَقَالَ: كُنْت مُعْسِرًا وَقَالَتْ: بَلْ كُنْت مُوسِرًا فَيَلْزَمُك نَفَقَةُ مَا مَضَى، اُعْتُبِرَ حَالُ قُدُومِهِ فَيُعْمَلُ عَلَيْهِ إنْ جُهِلَ حَالُ خُرُوجِهِ، فَإِنْ قَدِمَ مُعْسِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينٍ، وَإِلَّا فَقَوْلُهَا بِيَمِينٍ، فَإِنْ عُلِمَ حَالُ خُرُوجِهِ عُمِلَ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ، وَنَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَوْلَادِ فِي هَذَا كَالزَّوْجَةِ (اهـ مِنْ الْأَصْلِ) . [نَفَقَة الْمِلْكُ] قَوْلُهُ: [لَا رَقِيقِ رَقِيقِهِ] : أَيْ فَنَفَقَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ الْأَدْنَى الرَّقِيقِ مِنْ غَيْرِ خَرَاجٍ وَكَسْبٍ كَهِبَةٍ تَأْتِيهِ أَوْ كَسْبِ عَبِيدِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَا رَقِيقِ أَبَوَيْهِ] : أَيْ فَلَا يَجِبُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ فَلَا يُنَافِي وُجُوبُ الْإِنْفَاقِ مِنْ حَيْثُ خِدْمَتِهِمَا لِلْأَبَوَيْنِ كَمَا يَأْتِي، وَلَا فَرْقَ فِي الرَّقِيقِ الَّذِي تَجِبُ لَهُ النَّفَقَةُ بَيْنَ كَوْنِهِ قِنًّا أَوْ مُشْتَرَكًا أَوْ مُبَعَّضًا، وَالنَّفَقَةُ فِيهِمَا بِقَدْرِ الْمِلْكِ. وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَنَفَقَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَنَفَقَةُ الْمُخْدَمِ عَلَى مُخْدَمِهِ بِفَتْحِ الدَّالِ فِيهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ عَلَى سَيِّدِهِ إنْ كَانَتْ الْخِدْمَةُ يَسِيرَةً وَإِلَّا فَعَلَى ذِي الْخِدْمَةِ. قَوْلُهُ: [وَدَوَابِّهِ] : اعْلَمْ أَنَّ نَفَقَةَ الدَّابَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَرْعًى وَاجِبَةٌ وَيُقْضَى بِهَا

[نفقة القرابة]

(وَإِلَّا) يُنْفِقُ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ بِأَنْ أَبَى أَوْ عَجَزَ عَنْ الْإِنْفَاقِ، (أُخْرِجَ) : أَيْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِإِخْرَاجِهِ (عَنْ مِلْكِهِ) بِبَيْعٍ وَصَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عِتْقٍ. (كَتَكْلِيفِهِ) : أَيْ الْمَمْلُوكِ مِنْ رَقِيقٍ أَوْ دَوَابِّ، (مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ) عَادَةً فَيَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ (إنْ تَكَرَّرَ) مِنْهُ ذَلِكَ لَا بِأَوَّلِ مَرَّةٍ، بَلْ يُؤْمَرُ بِالرِّفْقِ. (وَجَازَ) الْأَخْذُ (مِنْ لَبَنِهَا مَا لَا يَضُرُّ بِوَلَدِهَا) ، فَإِنْ أَخَذَ مَا يَضُرُّ بِهِ مُنِعَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْإِنْفَاقِ الْوَاجِبِ. (وَ) تَجِبُ (بِالْقَرَابَةِ) : أَيْ بِسَبَبِهَا وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ، أَيْ وَتَجِبُ بِالْمِلْكِ عَلَى الْمَالِكِ، وَبِالْقَرَابَةِ: أَيْ الْخَاصَّةِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ لَا مُطْلَقَ قَرَابَةٍ. (عَلَى) الْوَلَدِ (الْحُرِّ الْمُوسِرِ) كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، مُسْلِمًا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ تَرْكَهَا مُنْكَرٌ خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ يُؤْمَرُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ، وَدَخَّلَ فِي الدَّابَّةِ هِرَّةً عَمْيَاءَ فَتَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى مَنْ انْقَطَعَتْ عِنْدَهُ، حَيْثُ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الِانْصِرَافِ، فَإِنْ قَدَرَتْ عَلَيْهِ لَمْ تَجِبْ لِأَنَّ لَهُ طَرْدَهَا. قَوْلُهُ: [أَوْ عِتْقٍ] : أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّقِيقِ، فَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أُجْبِرَ عَلَى ذَكَاتِهِ فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ. وَاخْتُلِفَ فِي الرَّقِيقِ الَّذِي لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: حَيْثُ عَجَزَ عَنْ نَفَقَتِهَا، أَوْ غَابَ عَنْهَا، فَهَلْ تَسْعَى فِي مَعَاشِهَا أَوْ تَتَزَوَّجُ أَوْ يُنْجَزُ عِتْقُهَا؟ وَاخْتِيرَ هَذَا، وَأَمَّا الْمُدَبَّرُ وَالْمُعْتَقُ لِأَجَلٍ فَيُؤْمَرَانِ بِالْخِدْمَةِ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِمَا إنْ كَانَ لَهُمَا قُوَّةٌ عَلَيْهَا وَوَجَدَا مَنْ يَخْدُمُهُمَا وَإِلَّا حُكِمَ بِتَنْجِيزِ عِتْقِهِمَا. [نَفَقَة الْقَرَابَة] [تَنْبِيه إثْبَات الْفَقْر] قَوْلُهُ: [وَهُوَ] : الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْقَرَابَةِ وَذَكَرَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا سَبَبًا وَصِفَةُ الْقَرَابَةِ مَحْذُوفَةٌ كَمَا بَيَّنَهَا الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ أَيْ الْخَاصَّةِ. قَوْلُهُ: [عَلَى الْوَلَدِ الْحُرِّ الْمُوسِرِ] : أَيْ فَتَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْوَالِدَيْنِ مِمَّا فَضَلَ عَنْهُ وَعَنْ زَوْجَاتِهِ وَلَوْ أَرْبَعًا لَا عَنْ نَفَقَةِ خَدَمِهِ وَدَابَّتِهِ، إذَا نَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى نَفَقَتِهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا لَهُمَا، وَإِلَّا قُدِّمَتْ نَفَقَتُهُمَا عَلَى الْأَبَوَيْنِ. قَوْلُهُ: [صَغِيرًا] : إنْ قُلْت إنَّ الصَّغِيرَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِهِ خِطَابُهُ الْوَضْعِيِّ لَا التَّكْلِيفِيِّ كَتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِمَالِهِ.

أَوْ كَافِرًا (نَفَقَةُ وَالِدَيْهِ الْحُرَّيْنِ) لَا الرَّقِيقَيْنِ فَعَلَى سَيِّدِهِمَا (الْمُعْسِرَيْنِ) بِالْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ (وَلَوْ كَافِرَيْنِ) وَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ كَالْعَكْسِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْجَمِيعُ كُفَّارًا فَلَا نَحْكُمُ بَيْنَهُمْ إلَّا إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا وَرَضُوا بِأَحْكَامِنَا. وَمَحَلُّ وُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ لِلْوَلَدِ: مَا لَمْ يَقْدِرَا عَلَى الْكَسْبِ وَيَتْرُكَاهُ، وَإِلَّا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ عَلَى الرَّاجِحِ. (لَا) يَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ الْمُعْسِرِ لِوَالِدَيْهِ (تَكَسُّبٌ) لِيُنْفِقَ عَلَيْهِمَا (وَلَوْ قَدَرَ) عَلَى التَّكَسُّبِ. (وَأُجْبِرَا) : أَيْ الْوَالِدَانِ (عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْكَسْبِ إذَا قَدَرَا عَلَيْهِ (عَلَى الْأَرْجَحِ) . (وَ) تَجِبُ نَفَقَةُ (خَادِمِهِمَا) : أَيْ خَادِمِ الْوَالِدَيْنِ حُرًّا كَانَ الْخَادِمُ أَوْ رَقِيقًا، بِخِلَافِ خَادِمِ الْوَلَدِ فَلَا تَلْزَمُ الْأَبَ، (وَ) تَجِبُ نَفَقَةُ (خَادِمِ زَوْجَةِ الْأَبِ) الْمُتَأَهِّلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ الْبَعْضِ] : أَيْ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَمَامُ الْكِفَايَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَافِرَيْنِ] : أَيْ هَذَا إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ، بَلْ وَلَوْ كَانَا كَافِرَيْنِ وَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ أَوْ مُسْلِمَيْنِ وَالْوَلَدُ كَافِرٌ. قَوْلُهُ: [مَا لَمْ يَقْدِرَا عَلَى الْكَسْبِ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ تَكَسُّبُهُمَا بِصَنْعَةٍ تُزْرِي بِالْوَلَدِ وَلَا تُزْرِي بِهِمَا وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ حِينَئِذٍ عُقُوقًا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ. قَوْلُهُ: [وَأُجْبِرَا] إلَخْ: أَيْ مَا لَمْ يَزْرِ بِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَتَجِبُ نَفَقَةُ خَادِمِهِمَا] : أَيْ وَإِنْ كَانَا غَيْرَ مُحْتَاجَيْنِ إلَيْهِ لِقُدْرَتِهِمَا عَلَى الْخِدْمَةِ بِأَنْفُسِهِمَا. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ خَادِمِ الْوَلَدِ] : أَيْ فَلَا تَلْزَمُ الْأَبَ وَلَوْ احْتَاجَ لَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ نَفَقَةَ الْوَلَدِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى آكَدُ مِنْ نَفَقَةِ الْأَبَوَيْنِ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَكْفِي الْأَبَوَيْنِ أَوْ الْأَوْلَادَ فَقَطْ فَقِيلَ يُقَدِّمُ نَفَقَةَ الْأَوْلَادِ، وَقِيلَ يَتَحَاصَّانِ وَالْقَوْلُ بِتَقْدِيمِ الْأَبَوَيْنِ ضَعِيفٌ. إذَا عَلِمْت هَذَا فَكَانَ مُقْتَضَاهُ لُزُومَ نَفَقَةِ خَادِمِ الْوَلَدِ وَلَوْ لَمْ يَحْتَجْ كَالْأَبَوَيْنِ بَلْ أَوْلَى. وَيُجَابُ بِأَنَّ نَفَقَةَ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدَيْنِ مَأْمُورٌ بِهَا الِاحْتِرَامُ وَالتَّعْظِيمُ، وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْخَادِمِ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ فَمِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَهُوَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْخَادِمِ. وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ الْمُعْتَمَدِ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ

لِذَلِكَ (وَ) يَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ (إعْفَافُهُ) : أَيْ الْأَبِ (بِزَوْجَةٍ) . (وَلَا تَتَعَدَّدُ) نَفَقَةُ زَوْجَاتِ الْأَبِ بِتَعَدُّدِهِنَّ (وَلَوْ كَانَتْ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ) أَوْ زَوْجَاتِهِ (أُمُّهُ، وَتَعَيَّنَتْ) الْأُمُّ حَيْثُ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أُمَّهُ وَلَوْ غَنِيَّةً، (وَإِلَّا) تَكُنْ إحْدَاهُمَا أُمَّهُ (فَالْقَوْلُ لِلْأَبِ) فِيمَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهَا الْوَلَدُ. (لَا) تَجِبُ نَفَقَةُ وَلَدٍ عَلَى (زَوْجِ أُمِّهِ) الْفَقِيرِ، بَلْ عَلَى أُمِّهِ فَقَطْ. (وَلَا) تَجِبُ نَفَقَةٌ عَلَى (جَدٍّ) أَوْ جَدَّةٍ (وَ) لَا عَلَى (وَلَدِ ابْنٍ) . وَوُزِّعَتْ النَّفَقَةُ (عَلَى الْأَوْلَادِ) الْمُوسِرِينَ (بِقَدْرِ الْيَسَارِ) حَيْثُ تَفَاوَتُوا فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ أَنَّ عَلَى الْأَبِ إخْدَامَ وَلَدِهِ فِي الْحَضَانَةِ إنْ احْتَاجَ لِخَادِمٍ، وَكَانَ الْأَبُ مَلِيًّا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَضَانَةِ أَوْ كَانَ فِيهَا وَلَمْ يَحْتَجْ، أَوْ كَانَ الْأَبُ غَيْرَ مَلِيٍّ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إخْدَامُهُ. تَنْبِيهٌ إذَا ادَّعَى الْوَالِدَانِ الْفَقْرَ وَطَلَبَا مِنْ الْوَلَدِ النَّفَقَةَ وَأَنْكَرَ الْوَلَدُ فَقْرَهُمَا لَزِمَ الْوَالِدَيْنِ الْإِثْبَاتُ بِعَدْلَيْنِ، لَا بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَيَمِينٍ، وَلَا يُكَلَّفُ الْأَبَوَانِ الْيَمِينَ مَعَ الْعَدْلَيْنِ، وَهَلْ الِابْنُ إذَا طُولِبَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى وَالِدِهِ الْفَقِيرِ، وَادَّعَى الِابْنُ الْفَقْرَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمِلَاءِ فَعَلَيْهِ إثْبَاتُ الْفَقْرِ أَوْ عَلَى الْعَدَمِ، فَعَلَى وَالِدِهِ إثْبَاتُ الْمِلَاءِ؟ قَوْلَانِ مَحَلُّهُمَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ مُنْفَرِدًا لَيْسَ لَهُ أَخٌ أَوْ لَهُ وَادَّعَى مِثْلَهُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ أَخٌ مُوسِرٌ فَعَلَى الْوَلَدِ إثْبَاتُ الْعَدَمِ بِاتِّفَاقِ الْقَوْلَيْنِ (اهـ مِنْ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [بِزَوْجَةٍ] : فَإِنْ لَمْ تَعِفَّهُ الْوَاحِدَةُ زِيدَ عَلَيْهَا مَنْ يَحْصُلُ بِهِ الْعَفَافُ. قَوْلُهُ: [وَلَا تَتَعَدَّدُ نَفَقَةُ زَوْجَاتِ الْأَبِ] : أَيْ إنْ عَفَّته الْوَاحِدَةُ مِنْهُنَّ وَإِلَّا تَعَدَّدَتْ لِمَنْ تَعِفُّهُ. قَوْلُهُ: [وَتَعَيَّنَتْ الْأُمُّ] : أَيْ حَيْثُ كَانَ يَحْصُلُ بِهَا إعْفَافُهُ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ غَنِيَّةً] : أَيْ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا هُنَا لِلزَّوْجَةِ لَا لِلْقَرَابَةِ. قَوْلُهُ: [عَلَى زَوْجِ أُمِّهِ الْفَقِيرِ] : أَيْ وَلَوْ تَوَقَّفَ إعْفَافُهَا عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ لَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهَا، بِخِلَافِ زَوْجَةِ الْأَبِ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ مُطْلَقًا دَخَلَ مُعْسِرًا أَوْ طَرَأَ لَهُ الْإِعْسَارُ، وَقِيلَ إنْ دَخَلَ مُعْسِرًا لَمْ يَلْزَمْهُ وَإِنْ طَرَأَ لَهُ الْإِعْسَارُ لَزِمَهُ.

وَقِيلَ: عَلَى الرُّءُوسِ فَالذَّكَرُ كَالْأُنْثَى، وَقِيلَ عَلَى الْمِيرَاثِ فَالذَّكَرُ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. (وَ) تَجِبُ (نَفَقَةُ الْوَلَدِ الْحُرِّ عَلَى أَبِيهِ فَقَطْ) : لَا عَلَى أُمِّهِ، وَنَفَقَةُ الرَّقِيقِ عَلَى سَيِّدِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْأُمِّ إلَّا الرَّضَاعُ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ، (حَتَّى يَبْلُغَ الذَّكَرِ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ) ، فَإِذَا بَلَغَ قَادِرًا عَلَيْهِ سَقَطَتْ عَنْ الْأَبِ، وَلَا تَعُودُ بِطُرُوءِ جُنُونٍ أَوْ زَمَانَةٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ عَمًى. (أَوْ يَدْخُلُ الزَّوْجُ بِالْأُنْثَى) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَالِغًا (أَوْ يُدْعَى) الزَّوْجُ (لَهُ) : أَيْ لِلدُّخُولِ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يَتَجَهَّزُ فِيهِ مِثْلُهَا لَهُ إنْ كَانَ بَالِغًا وَهِيَ مُطِيقَةٌ، وَإِلَّا فَلِلدُّخُولِ بِالْفِعْلِ (وَعَادَتْ) النَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ لِابْنَتِهِ (إنْ عَادَتْ) لَهُ صَغِيرَةً دُونَ الْبُلُوغِ، (أَوْ بِكْرًا) وَلَوْ بَالِغًا (أَوْ زَمِنَةً وَقَدْ دَخَلَ بِهَا كَذَلِكَ) : أَيْ زَمِنَةً، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا صَحِيحَةً ثُمَّ طَرَأَتْ عَلَيْهَا الزَّمَانَةُ وَعَادَتْ لِأَبِيهَا زَمِنَةً لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ، وَكَذَا إنْ صَحَّتْ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ عَادَتْ زَمِنَةً لَمْ تَعُدْ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ، (وَتَسْقُطُ) النَّفَقَةُ عَنْ الْوَلَدِ أَوْ الْوَالِدِ (بِمُضِيِّ الزَّمَنِ) ، فَلَيْسَ لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَقِيلَ عَلَى الرُّءُوسِ] إلَخْ: أَيْ فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَالثَّانِي لِابْنِ حَبِيبٍ وَمُطَرِّفٍ، وَالثَّالِثُ لِمُحَمَّدٍ وَأَصْبَغَ، وَفِي (ح) عَنْ الْبُرْزُلِيِّ أَنَّ الْمَشْهُورَ هُوَ الثَّالِثُ، وَاعْتَمَدَ الْمُؤَلِّفُ فِي تَقْرِيرِهِ الْأَوَّلَ وَهُوَ الْأَوْجُهُ. قَوْلُهُ: [الْوَلَدِ الْحُرِّ] : أَيْ الْفَقِيرِ الْعَدِيمِ الصَّنْعَةِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ صَنْعَةٌ لَا مَعَرَّةَ فِيهَا عَلَيْهِ وَلَا عَلَى أَبِيهِ لَمْ تَجِبْ عَلَى أَبِيهِ، فَإِنْ طَرَأَ لَهُ كَسَادُ صَنْعَةٍ أَوْ ضَيَاعِ مَالٍ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَجَبَتْ لِلْبُلُوغِ. قَوْلُهُ: [بِطُرُوءِ جُنُونٍ أَوْ زَمَانَةٍ] إلَخْ: أَيْ بِخِلَافِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذَا اتَّصَلَتْ بِالْبُلُوغِ، فَإِنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ بَاقِيَةٌ، وَمَحَلُّ لُزُومِ نَفَقَةِ نَحْوِ الْأَعْمَى الْبَالِغِ لِأَبِيهِ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ صَنْعَةً يُمْكِنُ تَعَاطِيهَا، وَتَقُومُ بِهِ وَإِلَّا سَقَطَتْ عَنْ أَبِيهِ نَفَقَتُهُ بِبُلُوغِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَالِغًا] : أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ أَنَّ الشُّرُوطَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي الدُّعَاءِ لِلدُّخُولِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَلِلدُّخُولِ بِالْفِعْلِ] : أَيْ فَعِنْدَ الدُّخُولِ بِالْفِعْلِ تَجِبُ النَّفَقَةُ مُطْلَقًا كَانَتْ مُطِيقَةً أَمْ لَا.

[سقوط النفقة على القرابة]

رُجُوعٌ عَلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا لِسَدِّ الْخَلَّةِ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَلَهَا الرُّجُوعُ بِمَا مَضَى زَمَنُهُ، لِأَنَّهَا فِي نَظِيرِ الِاسْتِمْتَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ. (إلَّا لِقَضَاءٍ) مِنْ حَاكِمٍ بِهَا، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهَا تَجَمَّدَتْ فِي الْمَاضِي فَرَفَعَ مُسْتَحِقُّهَا مِنْ وَالِدٍ أَوْ وَلَدٍ لِحَاكِمٍ لَا يَرَى السُّقُوطَ بِمُضِيِّ زَمَنِهَا، فَحَكَمَ بِلُزُومِهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ حَكَمَ بِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُدْخِلُ الْمُسْتَقْبَلَاتِ؛ إذْ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَفْرِضَ شَيْئًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ يُقَرِّرُهُ عَلَى الدَّوَامِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ. (أَوْ) إلَّا أَنْ (يُنْفِقَ عَلَى الْوَلَدِ) خَاصَّةً دُونَ الْوَالِدَيْنِ إنْسَانٌ (غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ) بِالنَّفَقَةِ، بَلْ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ عَلَى أَبِيهِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْأَبِ مُوسِرًا كَوُجُودِ الْمَالِ لِلْوَلَدِ لَا إنْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا أَوْ أَنْفَقَ مُتَبَرِّعٌ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَالِدِ. (وَعَلَى الْأُمِّ الْمُتَزَوِّجَةِ) بِأَبِي الرَّضِيعِ (أَوْ الرَّجْعِيَّةِ رَضَاعُ وَلَدِهَا) مِنْ ذَلِكَ الزَّوْجِ (بِلَا أَجْرٍ) تَأْخُذُهُ مِنْ الْأَبِ، (إلَّا لِعُلُوِّ قَدْرٍ) : بِأَنْ كَانَتْ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ الَّذِينَ شَأْنُهُمْ عَدَمُ إرْضَاعِ نِسَائِهِمْ أَوْلَادَهُنَّ، فَلَا يَلْزَمُهَا رَضَاعٌ، فَإِنْ أَرْضَعَتْ فَلَهَا الْأُجْرَةُ فِي مَالِ الْوَلَدِ إنْ كَانَ لَهُ فِي مَالٍ وَإِلَّا فَعَلَى الْأَبِ. (كَالْبَائِنِ) : لَا يَلْزَمُهَا إرْضَاعٌ فَإِنْ أَرْضَعَتْ فَلَهَا الْأُجْرَةُ، (إلَّا أَنْ لَا يَقْبَلَ) الْوَلَدُ (غَيْرَهَا) : أَيْ غَيْرَ عَالِيَةِ الْقَدْرِ أَوْ الْبَائِنِ فَيَلْزَمُهَا رَضَاعُهُ لِلضَّرُورَةِ، وَلَهَا الْأُجْرَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [سُقُوط النَّفَقَة عَلَى القرابة] قَوْلُهُ: [لِحَاكِمٍ لَا يَرَى السُّقُوطَ] : أَيْ غَيْرِ مَالِكِيٍّ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُدْخِلُ الْمُسْتَقْبَلَاتِ] : ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا مَالِكِيًّا أَوْ غَيْرَهُ، وَلَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّارِحِ فِيمَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يُقَرَّرَ لَهَا شَيْءٌ عِنْدَ حَاكِمٍ يَرَى ذَلِكَ، أَيْ يَرَى التَّقْرِيرَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَا يَكُونُ مَالِكِيًّا لِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ فِي تَقْرِيرِهِ، وَأَمَّا مَذْهَبُنَا فَحُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُدْخِلُ الْعِبَادَاتِ مُطْلَقًا وَلَا يُدْخِلُ غَيْرَ الْعِبَادَاتِ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُسْتَقْبَلَةِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ] : أَيْ بِحَسَبِ رُخْصِ الْأَسْعَارِ وَغُلُوِّهَا. قَوْلُهُ: [أَوْ إلَّا أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الْوَلَدِ] : تَقَدَّمَتْ شُرُوطُهُ فِي قَوْلِهِ: وَمُنْفِقٌ عَلَى صَغِيرٍ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ أَبٌ. [عَلَى الْأُمِّ الْمُتَزَوِّجَةِ بِأَبِي الرَّضِيعِ أَوْ الرَّجْعِيَّةِ رَضَاعُ وَلَدِهَا مِنْ ذَلِكَ الزَّوْجِ بِلَا أَجْرٍ] قَوْلُهُ: [وَلَهَا الْأُجْرَةُ] : أَيْ فِي مَالِ الْوَلَدِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي مَالِ الْأَبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَجَبَ عَلَيْهَا الْإِرْضَاعُ مَجَّانًا بِنَفْسِهَا، أَوْ تَسْتَأْجِرُ مَنْ يُرْضِعُهُ

[الحضانة]

(أَوْ) إلَّا أَنْ (يُعْدِمَ الْأَبُ) : بِأَنْ يَفْتَقِرَ (أَوْ يَمُوتَ، وَلَا مَالَ لِلصَّبِيِّ) فَيَلْزَمُهَا. (وَ) إذَا لَزِمَهَا (اسْتَأْجَرَتْ) بِمَالِهَا مَنْ يُرْضِعُهُ (إنْ لَمْ تُرْضِعْهُ) بِنَفْسِهَا، (وَلَا رُجُوعَ لَهَا) عَلَى الْأَبِ أَوْ الْوَلَدِ إذَا أَيْسَرَ، (وَلِمَنْ لَا يَلْزَمُهَا إرْضَاعُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ) فِي مَالِ الْوَلَدِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَعَلَى أَبِيهِ، (وَلَوْ قَبِلَ) الْوَلَدُ (غَيْرَهَا أَوْ وَجَدَ الْأَبُ مَنْ يُرْضِعُهُ عِنْدَهَا) : أَيْ عِنْدَ أُمِّهِ مَجَّانًا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَنْ يَلْزَمُهَا إرْضَاعُهُ فَأَمْرُهَا ظَاهِرٌ، وَأَنَّ مَنْ لَا يَلْزَمُهَا إرْضَاعُهُ إذَا أَرَادَتْ أَنْ تُرْضِعَهُ وَتَرْجِعَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَقَالَ أَبُوهُ: عِنْدِي مَنْ تُرْضِعُهُ مَجَّانًا وَلَا أَنْزِعُهُ مِنْك، بَلْ تُرْضِعُهُ عِنْدَك، فَالْقَوْلُ لِلْأُمِّ عَلَى الْأَرْجَحِ، وَمُقَابِلُهُ: أَنَّ الْقَوْلَ لِلْأَبِ. وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى النَّفَقَاتِ أَتْبَعَهَا بِالْكَلَامِ عَلَى الْحَضَانَةِ - لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ حَيْثُ النَّفَقَةُ عَلَى الْوَلَدِ - فَقَالَ: (وَحَضَانَةُ الذَّكَرِ) الْمُحَقَّقِ؛ وَهِيَ: الْقِيَامُ بِشَأْنِهِ فِي نَوْمِهِ وَيَقِظَتِهِ (لِلْبُلُوغِ) ، فَإِنْ بَلَغَ وَلَوْ زَمِنًا أَوْ مَجْنُونًا سَقَطَتْ عَنْ الْأُمِّ. وَاسْتَمَرَّتْ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ إذَا بَلَغَ زَمِنًا أَوْ مَجْنُونًا كَمَا مَرَّ، وَعَلَيْهِ الْقِيَامُ بِحَقِّهِ وَلَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا عَنْ الْمُشْكِلِ مَا دَامَ مُشْكَلًا. (وَ) حَضَانَةُ (الْأُنْثَى لِلدُّخُولِ) : أَيْ دُخُولِ الزَّوْجِ بِهَا كَائِنَةٌ (لِلْأُمِّ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا يُفِيدُهُ الشَّارِحِ. [الْحَضَانَة] قَوْلُهُ: [وَحَضَانَةُ الذَّكَرِ] : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ هِيَ مَحْصُولُ قَوْلِ الْبَاجِيِّ هِيَ حِفْظُ الْوَلَدِ فِي مَبِيتِهِ وَمُؤْنَةِ طَعَامِهِ وَلِبَاسِهِ وَمَضْجَعِهِ، وَتَنْظِيفِ جِسْمِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ زَمَنًا] : نَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ تَبَعًا لِمَا حَرَّرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، إذْ قَالَ الْمَشْهُورُ فِي غَايَةِ أَمَدِ النَّفَقَةِ أَنَّهَا الْبُلُوغُ فِي الذَّكَرِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ مِنْ الْجُنُونِ وَالزَّمَانَةِ، وَالْمَشْهُورُ فِي غَايَةِ أَمَدِ الْحَضَانَةِ أَنَّهَا الْبُلُوغُ فِي الذَّكَرِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ مَا قَالَهُ ابْنُ شَعْبَانَ إنَّ أَمَدَ الْحَضَانَةِ فِي الذَّكَرِ حَتَّى يَبْلُغَ عَاقِلًا غَيْرَ زَمِنٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا عَنْ الْمُشْكِلِ] : أَيْ لِتَغْلِيبِ جَانِبِ الْأُنُوثَةِ، وَالْأُنْثَى لَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا إلَّا بِالدُّخُولِ، وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا ذَلِكَ.

وَلَيْسَ مِثْلُ الدُّخُولِ الدُّعَاءَ لَهُ وَهِيَ مُطِيقَةٌ، (وَلَوْ) كَانَتْ الْأُمُّ (كَافِرَةً أَوْ أَمَةً وَالْوَلَدُ حُرٌّ) وَهَذَا فِي الْأُمِّ الْمُطْلَقَةِ، أَوْ مَنْ مَاتَ زَوْجُهَا، وَأَمَّا مَنْ فِي عِصْمَةِ زَوْجِهَا هِيَ حَقٌّ لَهُمَا، وَقَوْلُهُ: " وَالْوَلَدُ حُرٌّ " مِنْ جُمْلَةِ الْمُبَالَغَةِ، دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمٌ أَنَّ الْوَلَدَ الْحُرَّ لَا تَحْضُنُهُ الْأَمَةُ. فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ الْأُمُّ - بِأَنْ مَاتَتْ (فَأُمُّهَا) : أَيْ أُمُّ الْأُمِّ وَهِيَ جَدَّةُ الْوَلَدِ، فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ (فَجَدَّتُهَا) : أَيْ جَدَّةُ الْأُمِّ أَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ مِنْ غَيْرِهَا وَإِنْ عَلَتْ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ (فَخَالَتُهُ) أُخْتُ أُمِّهِ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ (فَخَالَتُهَا) أَيْ خَالَةُ أُمِّهِ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهَا (فَعَمَّةُ الْأُمِّ) وَقَدْ أَسْقَطَهَا الشَّيْخُ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ (فَجَدَّتُهُ لِأَبِيهِ) : أَيْ جَدَّتُهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، وَهِيَ أُمُّ الْأَبِ، فَأُمُّهَا، فَأُمُّ أَبِيهِ، فَاَلَّتِي مِنْ جِهَةِ أُمِّ الْأَبِ تُقَدَّمُ عَلَى الَّتِي مِنْ جِهَةِ أُمِّ أَبِيهِ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ (فَأَبُوهُ) أَيْ أَبُو الْمَحْضُونِ، (فَأُخْتُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَيْسَ مِثْلُ الدُّخُولِ الدُّعَاءَ لَهُ] : أَيْ فَتَفْتَرِقُ النَّفَقَةُ وَالْحَضَانَةُ فِي ذَلِكَ وَفِي الْحَقِيقَةِ بَيْنَ الْحَضَانَةِ وَالنَّفَقَةِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَسْقُطَانِ بِدُخُولِ الزَّوْجِ الْبَالِغِ، وَتَسْقُطُ الْحَضَانَةُ فَقَطْ بِدُخُولِ غَيْرِ الْبَالِغِ عَلَى إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ، وَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ فَقَطْ بِدُعَاءِ الْبَالِغِ بِالدُّخُولِ وَهِيَ مُطِيقَةٌ، وَيُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الذَّكَرِ فَيَسْقُطَانِ إنْ بَلَغَ قَادِرًا، وَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ فَقَطْ إنْ اغْتَنَى قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَتَسْقُطُ الْحَضَانَةُ فَقَطْ إنْ بَلَغَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ. قَوْلُهُ: [أَيْ جَدَّةُ الْأُمِّ] إلَخْ: أَيْ تُقَدَّمُ جَدَّاتُ الْأُمِّ مِنْ جِهَةِ أُمَّهَاتِهَا عَلَى جَدَّاتِهَا مِنْ جِهَةِ آبَائِهَا، لِأَنَّ جِهَةَ الْأُمِّ دَائِمًا مُقَدَّمَةٌ فَإِذَا وُجِدَتْ جَدَّةٌ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ بَعِيدَةٌ فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى الَّتِي مِنْ جِهَةِ أَبِي الْأُمِّ، وَإِنْ كَانَتْ قَرِيبَةً وَهَذِهِ طَرِيقَةُ اللَّقَانِيِّ، وَقَالَ الْأُجْهُورِيُّ تُقَدَّمُ جِهَةُ الْأُمِّ مَا لَمْ تَكُنْ الَّتِي مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَقْرَبَ وَمَا قِيلَ فِي الْجَدَّاتِ مِنْ قِبَلِ أُمِّ الطِّفْلِ يُقَالُ فِي الْجَدَّاتِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فَأَبُوهُ] : تَقْدِيمُ الْجَدَّةِ عَلَى الْأَبِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ قَرَابَاتِهِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، ابْنُ عَرَفَةَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَرَابَاتُ الْأُمِّ فَفِي تَقْدِيمِ الْأَبِ عَلَى قَرَابَاتِهِ وَعَكْسِهِ ثَالِثُهَا الْجَدَّاتُ مِنْ قِبَلِهِ أَحَقُّ مِنْهُ، وَهُوَ أَحَقُّ مِنْ سَائِرِهِنَّ، وَعَزَى هَذَا الْقَوْلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ

أَيْ أُخْتُ الْمَحْضُونِ (فَعَمَّتُهُ فَعَمَّةُ أَبِيهِ، فَخَالَتُهُ) : أَيْ خَالَةُ أَبِيهِ، (فَبِنْتُ أَخِيهِ) : أَيْ الْمَحْضُونِ شَقِيقَةٌ أَوْ لِأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ، (وَ) بِنْتُ (أُخْتِهِ) كَذَلِكَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاحِدَةٌ مِمَّنْ ذَكَرَ (فَالْوَصِيُّ، فَالْأَخُ) شَقِيقًا أَوْ لِأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ، (فَالْجَدُّ لِلْأَبِ) : أَيْ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ وَقَدْ أَسْقَطَهُ الشَّيْخُ، (فَابْنُ الْأَخِ) لِلْمَحْضُونِ (فَالْعَمُّ، فَابْنُهُ) . (لَا جَدَّ لِأُمٍّ وَ) لَا (خَالَ) : أَيْ لَا حَضَانَةَ لَهُمَا وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: الْجَدُّ لِلْأُمِّ لَهُ الْحَضَانَةُ لِأَنَّ لَهُ شَفَقَةٌ وَحَنَانًا، (فَالْمَوْلَى الْأَعْلَى) وَهُوَ مَنْ أَعْتَقَ الْمَحْضُونَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَالْوَصِيُّ] : أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ مُقَدَّمَ الْقَاضِي وَوَصِيَّ الْوَصِيِّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَحْضُونَ إذَا كَانَ ذَكَرًا أَوْ كَانَ أُنْثَى غَيْرَ مُطِيقَةٍ فَإِنَّ الْحَضَانَةَ تَثْبُتُ لِوَصِيِّهِ اتِّفَاقًا إذَا كَانَ لَهُ أُنْثَى؛ وَكَذَا إنْ كَانَ الْمَحْضُونُ أُنْثَى مُطِيقَةً وَكَانَ الْحَاضِنُ أُنْثَى أَوْ ذَكَرًا وَتَزَوَّجَ بِأُمِّ الْمَحْضُونَةِ أَوْ جَدَّتِهَا وَتَلَذَّذَ بِهَا بِحَيْثُ صَارَتْ الْمَحْضُونَةُ مِنْ مَحَارِمِهِ وَإِلَّا فَلَا حَضَانَةَ لَهُ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ، وَرَجَّحَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ لَهُ الْحَضَانَةَ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [أَيْ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْجَدَّ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ إنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْمَحْضُونِ وَهُوَ الْجَدُّ لَهُ دَنِيَّةً أَوْ عَالِيًا فَإِنَّهُ يَتَوَسَّطُ بَيْنَ الْأَخِ وَابْنِهِ لِأَنَّ الْقَرِيبَ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَهُمَا، وَالْبَعِيدُ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ الْعَمِّ وَابْنِهِ، وَالْأَبْعَدُ مِنْهُ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ عَمِّ الْأَبِ وَابْنِهِ، وَالْأَبْعَدُ مِنْهُ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ عَمِّ الْجَدِّ وَابْنِهِ، كَمَا هُوَ أَحَدُ احْتِمَالَيْنِ وَتَقَدَّمَ نَظْمُ الْأُجْهُورِيِّ فِي ذَلِكَ وَهُوَ يَقُولُ: بِغُسْلٍ وَإِيصَاءٍ وَلَاءٍ جِنَازَةٍ ... نِكَاحٍ أَخًا وَابْنًا عَلَى الْجَدِّ قُدِّمَ وَعَقْلٍ وَوَسِّطْهُ بِبَابِ حَضَانَةٍ ... وَسَوِّهِ مَعَ الْآبَاءِ فِي الْإِرْثِ وَالدَّمِ قَوْلُهُ: [وَقَالَ اللَّخْمِيُّ] : قَالَ بَعْضُهُمْ الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ اللَّخْمِيِّ جَارٍ فِي الْجَدِّ لِلْأُمِّ مُطْلَقًا قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا لَا فِي خُصُوصِ الْقَرِيبِ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْجَدِّ لِلْأَبِ وَابْنِ الْأَخِ. قَوْلُهُ: [فَالْمَوْلَى الْأَعْلَى] : أَيْ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ ثُبُوتِ الْحَضَانَةِ لَهُ هُوَ الْمَشْهُورُ، خِلَافًا لِمَا قَرَّرَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ مِنْ أَنَّهُ لَا حَضَانَةَ لَهُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى إذْ لَا رَحِمَ لَهُ.

[شرط الحضانة]

فَعَصَبَتُهُ نَسَبًا فَمَوَالِيهِ (فَالْأَسْفَلُ) وَهُوَ مَنْ أَعْتَقَهُ وَالِدُ الْمَحْضُونِ، (وَقُدِّمَ) فِي الْحَضَانَةِ الشَّخْصُ (الشَّقِيقُ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى عَلَى الَّذِي لِلْأُمِّ، (فَلِلْأُمِّ) لِأَنَّ الشَّأْنَ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ أَشْفَقُ مِمَّنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ فَقَطْ، (فَلِلْأَبِ فِي الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ الْمَرَاتِبِ الَّتِي يَتَأَتَّى فِيهَا ذَلِكَ كَالْإِخْوَةِ وَالْعُمُومَةِ وَبَنِيهِمْ، (وَ) قُدِّمَ (فِي الْمُتَسَاوِيَيْنِ) كَأُخْتَيْنِ وَخَالَتَيْنِ وَعَمَّتَيْنِ (بِالصِّيَانَةِ وَالشَّفَقَةِ) فَإِنْ تَسَاوَيَا فَالْأَسَنُّ. (وَشَرْطُهَا) أَيْ الْحَضَانَةُ: (الْعَقْلُ) : فَلَا حَضَانَةَ لِمَجْنُونٍ وَلَوْ كَانَ يُفِيقُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ وَلَا لِمَنْ بِهِ طَيْشٌ وَعَتَهٌ. (وَالْكَفَاءَةُ) : فَلَا حَضَانَةَ لِمَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى صِيَانَةِ الْمَحْضُونِ؛ كَمُسِنَّةٍ. (وَالْأَمَانَةُ) فِي الدِّينِ: فَلَا حَضَانَةَ لِسِكِّيرٍ أَوْ مُشْتَهِرٍ بِالزِّنَا أَوْ اللَّهْوِ الْحَرَامِ. (وَأَمْنُ الْمَكَانِ) : فَلَا حَضَانَةَ لِمَنْ بَيْتُهُ مَأْوَى لِلْفُسَّاقِ، أَوْ بِجِوَارِهِمْ بِحَيْثُ يُخَافُ عَلَى الْبِنْتِ الْمُطِيقَةِ مِنْهُمْ الْفَسَادُ، أَوْ سَرِقَةُ مَالِ الْمَحْضُونِ أَوْ غَصْبِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَعَصَبَتُهُ نَسَبًا] : أَيْ كَابْنِ الْمُعْتِقِ وَابْنِ ابْنِهِ وَأَبِيهِ وَأَخِيهِ وَجَدِّهِ وَعَمِّهِ وَابْنِ عَمِّهِ. قَوْلُهُ: [فَمَوَالِيهِ] : أَيْ مُعْتِقُ مُعْتَقِهِ وَعَصَبَتُهُ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: [أَيْ جَمِيعُ الْمَرَاتِبِ الَّتِي تَتَأَتَّى فِيهَا ذَلِكَ] : احْتِرَازًا عَنْ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْجَدِّ وَالْمَوْلَى. قَوْلُهُ: [بِالصِّيَانَةِ وَالشَّفَقَةِ] : فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ صِيَانَةٌ فَقَطْ وَفِي الْآخَرِ شَفَقَةٌ فَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ ذِي الشَّفَقَةِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الرَّجْرَاجِيِّ، لَكِنْ يُقَيَّدُ بِمَا إذَا كَانَ عِنْدَ هَذَا الشَّفِيقِ أَصْلُ الصِّيَانَةِ وَإِلَّا فَيُقَدَّمُ الصَّيْنُ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ. [شَرْطُ الْحَضَانَةُ] قَوْلُهُ: [وَشَرْطُهَا] : أَيْ شَرْطُ ثُبُوتِ الْحَضَانَةِ لِلْحَاضِنِ، فَالشَّرْطُ لِاسْتِحْقَاقِ الْحَضَانَةِ لَا لِمُبَاشَرَتِهَا. قَوْلُهُ: [لِمَنْ بِهِ طَيْشٌ] : أَيْ خِفَّةٌ فِي الْعَقْلِ. قَوْلُهُ: [وَالْأَمَانَةُ فِي الدِّينِ] : أَيْ وَأَمَّا حِفْظُ الْمَالِ فَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَالرُّشْدُ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَمَانَةُ فِي الْأَصْلِ حِفْظَ الْمَالِ وَالدِّينِ.

(وَالرُّشْدُ) فَلَا حَضَانَةَ لِسَفِيهٍ مُبَذِّرٍ لِئَلَّا يُتْلِفَ مَالَ الْمَحْضُونِ أَوْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْهُ مَا لَا يَلِيقُ. (وَعَدَمٌ كَجُذَامٍ مُضِرٍّ) وَبَرَصٍ فَلَا حَضَانَةَ لِمَنْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ السِّتَّةُ فِي الْحَاضِنِ الذَّكَرِ أَوْ الْأُنْثَى. (وَ) يُزَادُ (لِلذَّكَرِ) الْحَاضِنِ مِنْ أَبٍ أَوْ غَيْرِهِ أَنْ: يَكُونَ عِنْدَهُ (مَنْ يَحْضُنُ مِنْ الْإِنَاثِ) كَأُمٍّ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ خَالَةٍ أَوْ عَمَّةٍ، لِأَنَّ الرِّجَالَ لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى أَحْوَالِ الْأَطْفَالِ كَمَا لِلنِّسَاءِ. (وَكَوْنُهُ مَحْرَمَا) كَأَبٍ أَوْ أَخٍ أَوْ عَمٍّ (لِمُطِيقَةٍ) وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ مَأْمُونًا. (وَ) يُزَادُ (لِلْأُنْثَى) الْحَاضِنَةِ: (عَدَمُ سُكْنَى مَعَ مَنْ سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا) ، فَلَا حَضَانَةَ لِلْجَدَّةِ إذَا سَكَنَتْ مَعَ بِنْتِهَا أُمِّ الطِّفْلِ إذَا تَزَوَّجَتْ، إلَّا إذَا انْفَرَدَتْ بِالسُّكْنَى عَنْهَا. (وَالْخُلُوُّ عَنْ زَوْجٍ دَخَلَ بِهَا) ، فَإِذَا لَمْ تَدْخُلْ لَمْ تَسْقُطْ حَضَانَتُهَا، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا سَقَطَتْ لِاشْتِغَالِهَا بِأَمْرِ زَوْجِهَا، وَتَنْتَقِلُ لِمَنْ يَلِيهَا فِي الرُّتْبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالرُّشْدُ] : اعْلَمْ أَنَّ الرُّشْدَ يُطْلَقُ عَلَى حِفْظِ الْمَالِ الْمُصَاحِبِ لِلْبُلُوغِ، وَعَلَى حِفْظِ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يُصَاحِبْهُ بُلُوغٌ، فَالرُّشْدُ أَمْرٌ كُلِّيٌّ تَحْتَهُ فَرْدَانِ، فَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ الْأَمْرَ الْكُلِّيَّ الصَّادِقَ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْهُ، فَلِذَلِكَ تَثْبُتُ لِلصَّبِيِّ الْحَضَانَةُ لِغَيْرِهِ حَيْثُ كَانَ حَافِظًا لِلْمَالِ عَاقِلًا مُسْتَوْفِيًا لِبَاقِي الشُّرُوطِ. قَوْلُهُ: [أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَنْ يَحْضُنُ مِنْ الْإِنَاثِ] : أَيْ مُتَبَرِّعَةٌ أَوْ بِأُجْرَةٍ. قَوْلُهُ: [وَكَوْنُهُ مَحْرَمًا كَأَبٍ] : قَالَ فِي الْأَصْلِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْحَاضِنِ الذَّكَرِ لِمُطِيقَةٍ أَنْ يَكُونَ مَحْرَمًا لَهَا وَلَوْ فِي زَمَنِ الْحَضَانَةِ كَأَنْ يَتَزَوَّجُ بِأُمِّهَا، وَإِلَّا فَلَا حَضَانَةَ لَهُ وَلَوْ مَأْمُونًا ذَا أَهْلٍ عِنْدَ مَالِكٍ (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَالْخُلُوُّ عَنْ زَوْجٍ دَخَلَ بِهَا] : صَادِقٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا زَوْجٌ أَصْلًا، أَوْ لَهَا زَوْجٌ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا. قَوْلُهُ: [فَإِنْ دَخَلَ بِهَا سَقَطَتْ] إلَخْ: أَيْ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَى الْوَلَدِ بِنَزْعِهِ مِنْهَا الضَّرَرَ وَإِلَّا بَقِيَ عِنْدَهَا، وَلَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا.

(إلَّا أَنْ يَعْلَمَ) مَنْ يَلِيهَا بِدُخُولِهَا بِزَوْجٍ (وَيَسْكُتَ) بَعْدَ عِلْمِهِ (الْعَامَ) بِلَا عُذْرٍ. فَلَا تَسْقُطُ حَضَانَةُ الْمُتَزَوِّجَةِ وَلَيْسَ لِمَنْ يَلِيهَا أَخْذُ الْمَحْضُونِ مِنْهَا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالدُّخُولِ، أَوْ عَلِمَ وَلَمْ يَمْضِ بَعْدَ الْعِلْمِ عَامٌ، أَوْ مَضَى عَامٌ وَكَانَ سُكُوتُهُ لِعُذْرٍ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّكَلُّمِ - وَمِنْهُ جَهْلُهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْحَضَانَةَ بِدُخُولِ الزَّوْجِ بِهَا - فَلَهُ أَخْذُ الْمَحْضُونِ مِنْ الْأُمِّ الْمَدْخُولِ بِهَا مَا لَمْ تَتَأَيَّمْ قَبْلَ الْقِيَامِ عَلَيْهَا. (أَوْ) إلَّا أَنْ (يَكُونَ) الزَّوْجُ الَّذِي دَخَلَ بِهَا (مَحْرَمًا) لِلْمَحْضُونِ وَلَهُ حَضَانَةٌ كَعَمٍّ، بَلْ (وَإِنْ كَانَ) الْمَحْرَمُ (لَا حَضَانَةَ لَهُ كَالْخَالِ) يَتَزَوَّجُ بِحَاضِنَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ مِنْهُ، أَوْ يَكُونُ الزَّوْجُ وَلِيًّا لِلْمَحْضُونِ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ (كَابْنِ عَمٍّ) لِلْمَحْضُونِ تَتَزَوَّجُهُ الْحَاضِنَةُ، فَلَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا فَلَيْسَ لِمَنْ يَلِيهَا أَخْذُهُ مِنْهَا. (أَوْ لَا يَقْبَلُ الْوَلَدُ) الْمَحْضُونُ (غَيْرَهَا) : أَيْ غَيْرَ الْحَاضِنَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ أُمًّا أَمْ لَا، فَلَا تَسْقُطُ بِدُخُولِهَا لِلضَّرُورَةِ. (أَوْ) قِبَلَ غَيْرَهَا (لَمْ تُرْضِعْهُ) الْمُرْضِعَةُ الَّتِي قِبَلَهَا: أَيْ أَبَتْ أَنْ تُرْضِعَهُ (عِنْدَ بَدَلِهَا) : أَيْ بَدَلِ الْحَاضِنَةِ الَّتِي تَزَوَّجَتْ، وَبَدَلُهَا مَنْ اسْتَحَقَّ الْحَضَانَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَعْلَمَ مَنْ يَلِيهَا] : هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْمَفْهُومِ أَيْ فَإِنْ لَمْ تَخْلُ عَنْ زَوْجٍ دَخَلَ سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا وَانْتَقَلَتْ لِمَنْ يَلِيهَا فِي الرُّتْبَةِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ إلَخْ. قَوْلُهُ: [مَا لَمْ تَتَأَيَّمْ] : أَيْ تَطْلُقْ أَوْ يَمُتْ زَوْجُهَا الَّذِي قَدْ دَخَلَ بِهَا، وَقَوْلُهُ قَبْلَ الْقِيَامِ أَيْ قِيَامِ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ بَعْدَهَا. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ الَّذِي دَخَلَ بِهَا مَحْرَمًا لِلْمَحْضُونِ كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ أَوَّلًا أَوْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ، وَكَانَ غَيْرَ مَحْرَمٍ فَلَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا بِدُخُولِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ لَا يَقْبَلُ الْوَلَدُ الْمَحْضُونُ غَيْرَهَا] : أَيْ فَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْحَاضِنَةُ بِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ مِنْ الْمَحْضُونِ وَلَمْ يَقْبَلْ الْوَلَدُ غَيْرَهَا فَإِنَّهَا تَبْقَى عَلَى حَضَانَتِهَا، وَظَاهِرُهُ كَانَ الْمَحْضُونُ رَضِيعًا أَوْ غَيْرَهُ، وَاخْتَارَهُ الْأُجْهُورِيُّ وَقَصَرَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ عَلَى الرَّضِيعِ. قَوْلُهُ: [أَيْ بَدَلِ الْحَاضِنَةِ الَّتِي تَزَوَّجَتْ] : أَيْ عَمَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ أُمًّا أَوْ غَيْرَهَا، وَهَذَا أَحَدُ رِوَايَتَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالتَّوْضِيحِ، وَقَالَ

[شروط الحضانة]

بَعْدَهَا بِأَنْ قَالَتْ: أَنَا لَا أُرْضِعُهُ عِنْدَك، بَلْ فِي بَيْتِي أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ الَّتِي تَزَوَّجَتْ بِأَجْنَبِيٍّ، فَلَا تَسْقُطُ حَضَانَةُ الْأُمِّ الْمُتَزَوِّجَةِ بِهِ. (أَوْ لَا يَكُونُ لِلْوَلَدِ حَاضِنٌ) غَيْرُ الْمُتَزَوِّجَةِ فَلَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا. (أَوْ كَانَ) الْحَاضِنُ الَّذِي (غَيْرُ مَأْمُونٍ) ، أَوْ كَانَ (عَاجِزًا أَوْ كَانَ الْأَبُ) لِلْمَحْضُونِ (عَبْدًا) فَلَا تَسْقُطُ حَضَانَةُ أُمِّهِ الْمُتَزَوِّجَةِ بِأَجْنَبِيٍّ كَانَتْ أُمُّهُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً؛ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ: " وَهِيَ حُرَّةٌ ". (وَ) شَرْطُ الْحَضَانَةِ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا: (أَنْ لَا يُسَافِرَ الْوَلِيُّ الْحُرُّ) فَهَذَا عَطْفٌ عَلَى: " عَقْلٌ "، وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَلِلذَّكَرِ " إلَّا أَنَّهُ أَخَّرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ (عَنْ الْمَحْضُونِ) وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ وَلِيَّ مَالٍ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ، أَوْ وَلِيَّ عُصُوبَةٍ كَالْعَمِّ وَالْمُعْتِقِ؛ فَالْمَحْضُونُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَلَدًا لِلْوَلِيِّ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الشَّيْخِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQشَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ: مُفَادُ النَّقْلِ أَنَّ عَدَمَ سُقُوطِ الْحَضَانَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَخْصُوصٌ بِالْأُمِّ، فَلَوْ كَانَتْ الْحَضَانَةُ لِلْجَدَّةِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ وَامْتَنَعَتْ الْمُرْضِعَةُ أَنْ تُرْضِعَهُ عِنْدَ الْخَالَةِ، وَقَالَتْ لَا أُرْضِعُهُ إلَّا عِنْدِي أَوْ عِنْدَ الْجَدَّةِ، فَإِنَّ هَذَا لَا يُوجِبُ اسْتِمْرَارَ الْحَضَانَةِ لِلْجَدَّةِ بَلْ تَنْتَقِلُ لِلْخَالَةِ وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِ شَارِحِنَا تَأَمَّلْ [شُرُوط الْحَضَانَة] قَوْلُهُ: [أَوْ لَا يَكُونُ لِلْوَلَدِ حَاضِنٌ] : أَيْ شَرْعِيٌّ فَيَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ أَوْ عَاجِزًا أَوْ الْأَبُ عَبْدًا، فَتَصْرِيحُهُ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ زِيَادَةُ إيضَاحٍ قَوْلُهُ: [أَنْ لَا يُسَافِرَ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ شَرْطَ ثُبُوتِ الْحَضَانَةِ لِلْحَاضِنِ أَنْ لَا يُسَافِرَ وَلِيُّ حُرٍّ عَنْ مَحْضُونٍ حُرٍّ سَفَرَ نُقْلَةٍ سِتَّةَ بُرَدٍ فَأَكْثَرَ، فَإِنْ أَرَادَ الْوَلِيُّ السَّفَرَ الْمَذْكُورَ كَانَ لَهُ أَخْذُ الْمَحْضُونِ مِنْ حَاضِنَتِهِ، وَيُقَالُ لَهَا: اتَّبِعِي مَحْضُونَك إنْ شِئْت، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ الْوَلِيُّ الْحُرُّ عَمَّا لَوْ كَانَ وَلِيُّ الْمَحْضُونِ عَبْدًا وَأَرَادَ السَّفَرَ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ مَعَهُ، بَلْ يَبْقَى عِنْدَ حَاضِنَتِهِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا قَرَارَ لَهُ وَلَا مَسْكَنَ، وَاحْتَرَزْنَا بِالْمَحْضُونِ الْحُرِّ عَنْ الْعَبْدِ إذَا سَافَرَ وَلِيُّهُ فَلَا يَأْخُذُهُ مَعَهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ تَحْتَ نَظَرِ سَيِّدِهِ أَيْ مَالِكِ أُمِّهِ حَضَرًا أَوَسَفَرًا.

(وَإِنْ) كَانَ الْمَحْضُونُ (رَضِيعًا) فَأَوْلَى غَيْرُهُ. (أَوْ تُسَافِرُ هِيَ) : أَيْ الْحَاضِنَةُ (سَفَرَ نُقْلَةٍ) وَانْقِطَاعٍ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ (لَا كَتِجَارَةٍ) وَزِيَارَةٍ (سِتَّةَ بُرُدٍ) فَأَكْثَرَ: أَيْ أَنَّ شَرْطَ مَسَافَةِ سَفَرِ كُلٍّ مِنْ الْوَلِيِّ وَالْحَاضِنَةِ أَنْ يَكُونَ سِتَّةَ بُرُدٍ فَأَكْثَرَ، فَلِلْوَلِيِّ نَزْعُهُ، وَتَسْقُطُ حَضَانَتُهَا (لَا أَقَلَّ) مِنْ سِتَّةِ بُرُدٍ، فَلَا تَسْقُطُ بِهِ الْحَضَانَةُ وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ نَزْعُهُ. وَمَحَلُّ جَوَازِ نَزْعِهِ: (إنْ سَافَرَ) الْوَلِيُّ (لِأَمْنٍ) : أَيْ لِمَكَانٍ مَأْمُونٍ (وَأُمِنَتْ الطَّرِيقُ) وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَزْعُهُ (إلَّا أَنْ تُسَافِرَ) الْحَاضِنَةُ (مَعَهُ) : أَيْ مَعَ الْوَلِيِّ، فَلَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا، وَلَا تُمْنَعُ مِنْ السَّفَرِ مَعَهُ، وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ: " وَأَنْ لَا يُسَافِرَ الْوَلِيُّ " أَيْ فَإِنْ سَافَرَ سِتَّةَ بُرُدٍ سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا إلَّا أَنْ تُسَافِرَ مَعَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ الْمَحْضُونُ رَضِيعًا] : مُبَالَغَةٌ فِي الْمَفْهُومِ أَيْ فَإِنْ سَافَرَ الْوَلِيُّ الْحُرُّ عَنْ الْمَحْضُونِ الْحُرِّ السَّفَرَ الْمَذْكُورَ سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ الْحَضَانَةِ، وَيَأْخُذُهُ وَلِيُّهُ مَعَهُ وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ رَضِيعًا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ لَا يَأْخُذُ الرَّضِيعَ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ الْوَلَدَ إذَا أَثْغَرَ، وَقِيلَ يَأْخُذُهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الرَّضَاعِ. قَوْلُهُ: [لَا كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ] : أَيْ فَلَا تَسْقُطُ الْحَضَانَةُ لِمَنْ لَهَا الْحَضَانَةُ، بَلْ إنْ كَانَتْ الْحَاضِنَةُ مُسَافِرَةً أَخَذَتْهُ، وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ مُسَافِرًا لَا يَأْخُذُهُ مِنْهَا، وَظَاهِرُهُ كَانَ السَّفَرُ سِتَّةَ بُرُدٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَهُوَ مَا قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ وَتَبِعَهُ (عب) ، وَقَالَ اللَّقَانِيُّ: مَحَلُّ هَذَا إذَا كَانَ السَّفَرُ قَرِيبًا كَبَرِيدٍ لَا إنْ بَعُدَ فَلَا تَأْخُذُهُ إنْ أَرَادَتْ السَّفَرَ، وَإِنْ كَانَتْ حَضَانَتُهَا بَاقِيَةً، وَتَبِعَهُ الْخَرَشِيُّ عَلَى ذَلِكَ وَاعْتَمَدَهُ فِي الْحَاشِيَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّهَا إذَا سَافَرَتْ لِكَتِجَارَةٍ وَأَخَذَتْ الْوَلَدَ مَعَهَا فَحَقُّهُ فِي النَّفَقَةِ بَاقٍ عَلَى الْوَلِيِّ، وَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهُ عَنْهُ بِسَفَرِهِ مَعَهَا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي (عب) . قَوْلُهُ: [إنْ سَافَرَ الْوَلِيُّ لِأَمْنٍ] إلَخْ: هَذَانِ الشَّرْطَانِ وَهُمَا كَوْنُ السَّفَرِ لِمَوْضِعٍ مَأْمُونٍ وَالْأَمْنُ فِي الطَّرِيقِ مُعْتَبَرَانِ أَيْضًا فِي سَفَرِ الزَّوْجِ بِزَوْجَتِهِ، وَيُزَادُ عَلَيْهِمَا كَوْنُهُ مَأْمُونًا فِي نَفْسِهِ وَغَيْرَ مَعْرُوفٍ بِالْإِسَاءَةِ عَلَيْهَا، وَكَوْنُهُ حُرًّا وَكَوْنُ الْبَلَدِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ قَرِيبٌ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِهِ خَبَرُهُ وَأَنْ تُقَامَ فِي هَذَا الْبَلَدِ

(وَلَا تَعُودُ) الْحَضَانَةُ لِمَنْ سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا بِدُخُولِ زَوْجٍ بِهَا، (بَعْدَ تَأَيُّمِهَا) : أَيْ فِرَاقِهَا بِطَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ لِزَوْجِهَا، أَوْ فَسْخِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الدُّخُولِ، (أَوْ) بَعْدَ (إسْقَاطِهَا) الْحَضَانَةَ الثَّابِتَةَ لَهَا بِلَا عُذْرٍ، أَوْ بَعْدَ إسْقَاطِ الْحَضَانَةِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَصْدَرُ مُضَافًا لِلْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ وَهُوَ أَظْهَرُ، فَإِذَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا مِنْهَا ثُمَّ أَرَادَتْ الْعَوْدَ لَهَا فَلَا كَلَامَ لَهَا، لِأَنَّ الْحَضَانَةَ حَقٌّ لِلْحَاضِنِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: حَقٌّ لِلْمَحْضُونِ فَلَهُمَا الرُّجُوعُ فِيهَا. (بِخِلَافٍ لَوْ سَقَطَتْ) حَضَانَتُهَا (لِعُذْرٍ) كَمَرَضٍ وَخَوْفِ مَكَان أَوْ سَفَرِ وَلِيٍّ بِالْمَحْضُونِ سَفَرَ نُقْلَةٍ، (وَزَالَ) ذَلِكَ الْعُذْرُ فَلَهَا الرُّجُوعُ فِيهَا (وَاسْتَمَرَّتْ) الْحَضَانَةُ لِلْحَاضِنَةِ إذَا دَخَلَ بِهَا زَوْجٌ، (إنْ تَأَيَّمَتْ) بِطَلَاقٍ أَوْ فَسْخِ نِكَاحٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَحْكَامُ، فَإِذَا وُجِدَتْ تِلْكَ الشُّرُوطُ وَطَلَبَ الرَّجُلُ السَّفَرَ بِزَوْجَتِهِ قُضِيَ لَهُ بِسَفَرِهَا مَعَهُ، وَإِنْ تَخَلَّفَ شَرْطٌ مِنْهَا فَلَا جَبْرَ. قَوْلُهُ: [وَلَا تَعُودُ الْحَضَانَةُ] إلَخْ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الَّتِي سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا أُمًّا أَوْ غَيْرَهَا، بَلْ الْحَقُّ فِي الْحَضَانَةِ بَاقٍ لِمَنْ انْتَقَلَتْ لَهُ، فَإِنْ أَرَادَ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ رَدَّ الْمَحْضُونِ لِمَنْ انْتَقَلَتْ عَنْهُ الْحَضَانَةُ فَلَهُ ذَلِكَ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا تَعُودُ أَيْ جَبْرًا عَلَى مَنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ فَسْخِ الْفَاسِدِ] إلَخْ: يَعْنِي أَنَّ الْحَاضِنَةَ إذَا سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا بِالتَّزْوِيجِ وَأَخَذَ الْوَلَدُ مِنْ بَعْدِهَا فِي الْمَرْتَبَةِ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ وَفُسِخَ لِأَجْلِ ذَلِكَ بَعْدِ الدُّخُولِ، فَإِنَّ حَضَانَتَهَا لَا تَعُودُ وَهَذَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ، أَوْ مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ، وَدُرِئَ الْحَدُّ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يُدْرَأْ الْحَدُّ، فَإِنَّ الْحَضَانَةَ تَعُودُ لَهَا، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ الْأَصْوَبُ، وَقِيلَ إنَّهَا إذَا تَزَوَّجَتْ وَسَقَطَتْ حَضَانَتُهَا ثُمَّ فُسِخَ نِكَاحُهَا لِفَسَادِهِ فَإِنَّ حَضَانَتَهَا تَعُودُ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا كَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ أَوْ مُجْمَعًا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ بَعْدَ إسْقَاطِهَا] : أَيْ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [فَلَهَا الرُّجُوعُ فِيهَا] : أَيْ مَا لَمْ تَتْرُكْهَا بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ سَنَةً وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ لَهَا، وَمَا لَمْ يَأْلَفْ الْوَلَدُ مَنْ هُوَ عِنْدَهَا وَيَشُقَّ عَلَيْهِ نَقْلُهُ مِنْ عِنْدِهَا.

[نفقة الحاضنة]

أَوْ مَوْتِ زَوْجِهَا. (قَبْلَ عِلْمِ مَنْ انْتَقَلَتْ) الْحَضَانَةُ (لَهُ) بِالدُّخُولِ بِالْأُمِّ؛ فَلَا كَلَامَ لَهُ بَعْدَ تَأَيُّمِهَا. (وَلِلْحَاضِنَةِ) أُمًّا أَوْ غَيْرَهَا (قَبْضُ نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ) وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أَبِيهِ (بِالِاجْتِهَادِ) مِنْ الْحَاكِمِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْأَبِ بِالنَّظَرِ لِحَالِهِ؛ مِنْ يَوْمٍ أَوْ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ أَعْيَانٍ أَوْ أَثْمَانٍ، وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَقُولَ لِلْحَاضِنَةِ ابْعَثِيهِ لِيَأْكُلَ عِنْدِي، ثُمَّ يَعُودَ لَك، لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِالطِّفْلِ وَالْإِخْلَالِ بِصِيَانَتِهِ، وَلَيْسَ لَهَا مُوَافَقَتُهُ عَلَى ذَلِكَ. (وَ) لَهَا (السُّكْنَى) : أَيْ بِالِاجْتِهَادِ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ؛ أَيْ فِيمَا يَخُصُّهَا وَيَخُصُّ الْوَلَدَ، فَمَا يَخُصُّ الْوَلَدَ فَفِي مَالِهِ أَوْ عَلَى أَبِيهِ، وَمَا يَخُصُّهَا فَعَلَيْهَا، قَالَ الْمُتَيْطِيُّ فِيمَا يَلْزَمُ الْأَبَ لِلْوَلَدِ: وَكَذَا يَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ لِمَسْكَنِهِ هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ الْمَذْكُورُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، سَحْنُونَ: وَيَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ عَلَى قَدْرِ مَا يَجْتَهِدُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [قَبْلَ عِلْمِ مَنْ انْتَقَلَتْ الْحَضَانَةُ لَهُ] : مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ بِزَوَاجِهَا وَسَكَتَ عَنْ أَخْذِ الْوَلَدِ عَامًا أَوْ أَقَلَّ وَلَمْ يَعْلَمْ حَتَّى تَأَيَّمَتْ لَمْ يَنْزِعْهُ مِنْهَا، وَلَا مَقَالَ لَهُ وَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ وَيَسْكُتَ الْعَامَ، أَيْ فَلَيْسَ لَهُ انْتِزَاعُهُ مِنْهَا، فَإِنْ سَكَتَ أَقَلَّ مِنْ الْعَامِ كَانَ لَهُ انْتِزَاعُهُ إذَا لَمْ تَتَأَيَّمْ، فَالْمَوْضُوعُ مُخْتَلِفٌ كَذَا ذَكَرَهُ الْأُجْهُورِيُّ. [نَفَقَة الْحَاضِنَة] قَوْلُهُ: [وَلِلْحَاضِنَةِ أُمًّا أَوْ غَيْرَهَا قَبْضُ نَفَقَتِهِ] : اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى أَيْ وَيَجِبُ عَلَيْهَا قَبْضُ نَفَقَتِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ، وَلَيْسَ لِلْأَبِ إلَخْ وَلَيْسَ لَهَا إلَخْ وَإِذَا قُلْنَا عَلَى الْحَاضِنَةِ قَبْضُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَحْضُونُ لَوْ ادَّعَتْ تَلَفَهُ؛ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا ضَامِنَةٌ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى التَّلَفِ كَمَا مَرَّ، لِأَنَّ الضَّمَانَ هُنَا ضَمَانُ تُهْمَةٍ يَنْتَفِي بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، لَا ضَمَانَ أَصَالَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ضَمَانَ أَصَالَةٍ لَضَمِنَتْهُ، وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى تَلَفِهِ بِلَا تَفْرِيطِهِ كَالْمُقْتَرَضِ وَالْمُشْتَرِي بَعْدَ الشِّرَاءِ اللَّازِمِ. قَوْلُهُ: [أَيْ فِيمَا يَخُصُّهَا وَيَخُصُّ الْوَلَدَ] : أَيْ بِأَنْ يُوَزِّعَهَا الْحَاكِمُ أَوْ غَيْرُهُ عَلَيْهِمَا، فَيَجْعَلُ نِصْفَ أُجْرَةِ الْمَسْكَنِ مَثَلًا فِي مَالِ الْمَحْضُونِ أَوْ أَبِيهِ وَنِصْفَهَا عَلَى الْحَاضِنَةِ أَوْ ثُلُثَهَا فِي مَالِ الْمَحْضُونِ أَوْ أَبِيهِ، وَثُلُثَيْهَا عَلَى الْحَاضِنَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ.

وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: السُّكْنَى عَلَى قَدْرِ الْجَمَاجِمِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّ السُّكْنَى عَلَى الْأَبِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَقَالَ سَحْنُونَ: تَكُونُ السُّكْنَى عَلَى حَسَبِ الِاجْتِهَادِ وَنَحْوِهِ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدِّمْيَاطِيَّةِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ عَلَى قَدْرِ الْجَمَاجِمِ (اهـ) فَقَوْلُهُ " وَالسُّكْنَى أَيْ بِالِاجْتِهَادِ ": أَيْ فِيمَا يَخُصُّ الطِّفْلَ وَمَا يَخُصُّهَا. (لَا أُجْرَةَ) أَيْ لَيْسَ لَهَا أُجْرَةٌ (لِلْحَضَانَةِ) : أَيْ فِي نَظِيرِهَا، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ لِأَجْلِ حَضَانَتِهَا. وَهَذَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ، وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَقُولُ: يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ الْغُلَامِ، نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْأُمُّ مُعْسِرَةً فَلَهَا النَّفَقَةُ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ مَالِهِ لِعُسْرِهَا لَا لِلْحَضَانَةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [انْتَهَى] : أَيْ كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَقَدْ نَقَلَهَا بْن وَبَسَطَهَا بِأَوْسَعَ مِنْ هَذَا، فَجَمِيعُ عِبَارَةِ التَّوْضِيحِ هَذِهِ عَيْنُ مَا قَبْلِهَا. قَوْلُهُ: [أَيْ بِالِاجْتِهَادِ] : أَيْ فَقَدْ حَذَفَهُ مِنْ الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ، وَفِي الْعِبَارَةِ تَكْرَارٌ لَا يَخْفَى. قَوْلُهُ: [نَعَمْ إذَا كَانَتْ الْأُمُّ إلَخْ] : اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا إلَخْ، كَأَنَّهُ قَالَ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ لِأَجْلِ الْحَضَانَةِ، وَأَمَّا لِغَيْرِهَا وَعُسْرِهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ مَالِ الطِّفْلِ حَيْثُ كَانَ وَلَدًا لَهَا قُلْت النَّفَقَةُ عَنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي الْحَضَانَةِ أَوْ كَثُرَتْ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ وَلَوْ لَمْ تَحْضُنْهُ، وَانْظُرْ إذَا لَمْ تَكُنْ الْحَاضِنَةُ أُمًّا وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ حَاضِنٌ غَيْرَهَا، وَكَانَتْ فَقِيرَةً هَلْ يُقْضَى لَهَا بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ أَوْ مَالِ أَبِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لِتَوَقُّفِ مَصَالِحِهِ عَلَى ذَلِكَ؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَكْرَمِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ تَمَّ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيقِ اللَّطِيفِ عَلَى يَدِ الْعَبْدِ الضَّعِيفِ فِي خِدْمَةِ أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنَّا بِهِ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ لِخَمْسٍ بَقَيْنَ مِنْ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ 1221 إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ وَأَلْفٍ مِنْ الْهِجْرَةِ الشَّرِيفَةِ عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ التَّحِيَّاتِ النَّيِّفَةِ.

[باب في البيوع وأحكامها]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْبُيُوعِ وَأَحْكَامِهَا] [تَعْرِيف الْبَيْع] بَابٌ: هَذَا أَوَّلُ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْمُخْتَصَرِ. وَقَدْ جَرَى عَلَى طَرِيقَةِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي وَضْعِهِمْ النِّكَاحَ وَتَوَابِعَهُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ فِي الرُّبْعِ الثَّانِي، وَالْبَيْعَ وَتَوَابِعَهُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي، وَهُوَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ الِاهْتِمَامُ بِهِ وَبِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِهِ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَالْبَلْوَى بِهِ؛ إذْ لَا يَخْلُو الْمُكَلَّفُ غَالِبًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ فَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِهِ. وَالْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ عَقْدَانِ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا قِوَامُ الْعَالَمِ. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: يَكْفِي رُبْعُ الْعِبَادَاتِ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مُحْتَاجًا إلَى الْغِذَاءِ مُفْتَقِرًا لِلنِّسَاءِ وَخَلَقَ لَهُ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلَمْ يَتْرُكْهُ سُدًى يَتَصَرَّفُ كَيْفَ شَاءَ بِاخْتِيَارِهِ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، ثُمَّ يَجِبُ عَلَى كُلِّ شَخْصٍ الْعَمَلُ بِمَا

(الْبَيْعُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ) : وَلَا يَكُونُ الْعَقْدُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ. وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْمُعَاوَضَةِ: الْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ. وَالْمُعَاوَضَةُ مُفَاعَلَةٌ: إذْ كُلٌّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عَوَّضَ صَاحِبَهُ شَيْئًا بَدَلَ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ. (عَلَى غَيْرِ مَنَافِعَ) : خَرَجَ النِّكَاحُ وَالْإِجَارَةُ. وَهَذَا تَعْرِيفٌ لِلْبَيْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَّمَهُ اللَّهُ مِنْ أَحْكَامِهِ وَيَجْتَهِدَ فِي ذَلِكَ وَيَحْتَرِزَ عَنْ إهْمَالِهِ لَهُ فَيَتَوَلَّى أَمْرَ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ بِنَفْسِهِ إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا فَغَيْرُهُ بِمُشَاوَرَتِهِ، وَلَا يَتَّكِلُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ الْأَحْكَامَ أَوْ يَعْرِفُهَا وَيَتَسَاهَلُ فِي الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ وَعُمُومِهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ. وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهِ: الْوُصُولُ إلَى مَا فِي يَدِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الرِّضَا. وَذَلِكَ مُفْضٍ إلَى عَدَمِ الْمُنَازَعَةِ وَالْمُقَاتَلَةِ وَالسَّرِقَةِ وَالْخِيَانَةِ وَالْحِيَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهُوَ لُغَةً: مَصْدَرُ بَاعَ الشَّيْءَ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ أَدْخَلَهُ فِيهِ بِعِوَضٍ؛ فَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ يُطْلَقُ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ كَالْقُرْءِ لِلطُّهْرِ وَالْحَيْضِ. الزَّنَاتِيُّ: لُغَةُ قُرَيْشٍ اسْتِعْمَالُ بَاعَ إذَا أَخْرَجَ، وَاشْتَرَى إذَا أَدْخَلَ، وَهِيَ أَفْصَحُ وَاصْطَلَحَ عَلَيْهَا الْعُلَمَاءُ تَقْرِيبًا لِلْفَهْمِ. وَأَمَّا شَرَى فَيُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى بَاعَ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] : أَيْ بَاعُوهُ فَفَرْقٌ بَيْنَ شَرَى وَاشْتَرَى. وَأَمَّا مَعْنَاهُ شَرْعًا: فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَعْرِفَةُ حَقِيقَتِهِ ضَرُورِيَّةٌ حَتَّى لِلصِّبْيَانِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ نَحْوَهُ لِلْبَاجِيِّ. وَيَرُدُّ بِأَنَّ الْمَعْلُومَ ضَرُورَةً وُجُودُهُ عِنْدَ وُقُوعِهِ لِكَثْرَةِ تُكَرِّرْهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عِلْمُ حَقِيقَتِهِ. " اهـ. مِنْ الْخَرَشِيِّ ". وَقَدْ عَرَّفَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ فِي قَوْلِهِ: " الْبَيْعُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ " إلَخْ: وَالْمُرَادُ بِالْبُيُوعِ حَقِيقَتُهَا، وَبَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ: " عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ " وَبِأَحْكَامِهَا مَسَائِلُهَا الَّتِي يُبْحَثُ فِيهَا عَنْ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ وَالْجَائِزِ وَالْمُمْتَنِعِ. وَقَوْلُهُ: [عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ] : أَيْ عَقْدٌ مُحْتَوٍ عَلَى عِوَضٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْهِبَةُ] إلَخْ: أَيْ وَكُلُّ عَقْدٍ لَيْسَ فِيهِ مُعَاوَضَةٌ كَالْقَرْضِ وَالْعَارِيَّةِ. وَالْمُرَادُ بِالْهِبَةِ: مَا يَشْمَلُ الصَّدَقَةَ وَالْهَدِيَّةَ مِنْ كُلِّ مَا لَا يُنْتَظَرُ فِيهِ مُعَاوَضَةٌ. قَوْلُهُ: [عَلَى غَيْرِ مَنَافِعَ] : أَيْ عَلَى ذَوَاتٍ غَيْرِ مَنَافِعَ، وَمُرَادُهُ بِالْمَنَافِعِ الْمَنْفِيَّةِ مَا يَشْمَلُ الِانْتِفَاعَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: " خَرَجَ " إلَخْ: قَوْلُهُ: [خَرَجَ النِّكَاحُ وَالْإِجَارَةُ] : أَيْ بِقَوْلِهِ عَلَى غَيْرِ مَنَافِعَ مَعَ دُخُولِهِمَا

[أركان البيع]

بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ؛ أَيْ الشَّامِلِ لِلسَّلَمِ وَالصَّرْفِ وَالْمُرَاطَلَةِ وَهِبَةِ الثَّوَابِ. (وَرُكْنُهُ) : أَيْ أَرْكَانُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوَّلًا فِي قَوْلِهِ: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ. وَمُرَادُهُ بِالْإِجَارَةِ: مَا يَشْمَلُ الْكِرَاءَ. وَبِالنِّكَاحِ: مَا يَشْمَلُ نِكَاحَ التَّفْوِيضِ فَإِنَّ فِيهِ مُعَاوَضَةً وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ. قَوْلُهُ: [بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ] : صِفَةٌ لِلْبَيْعِ. قَوْلُهُ: [أَيْ الشَّامِلُ لِلسَّلَمِ] إلَخْ: أَيْ وَيَشْمَلُ أَيْضًا التَّوْلِيَةَ وَالشَّرِكَةَ وَالْإِقَالَةَ وَالْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ. قَوْلُهُ: [وَالصَّرْفِ] : هُوَ دَفْعُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ فِي مُقَابَلَةِ الْآخَرِ. وَقَوْلُهُ: [وَالْمُرَاطَلَةِ] : هِيَ بَيْعُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ بِالْمِيزَانِ، بِأَنْ يَضَعَ ذَهَبَ هَذَا فِي كِفَّةٍ وَالْآخَرَ فِي كِفَّةٍ حَتَّى يَعْتَدِلَا، فَيَأْخُذَ كُلَّ ذَهَبٍ صَاحِبُهُ. وَمِثْلُ الذَّهَبِ الْفِضَّةُ. وَقَوْلُهُ: [وَهِبَةُ الثَّوَابِ] : هِيَ أَنْ يُعْطِيَك شَيْئًا فِي نَظِيرِ أَنْ تُعَوِّضَهُ، فَمَعْنَى هِبَةِ الثَّوَابِ: الْهِبَةُ فِي نَظِيرِ عِوَضٍ دُنْيَوِيٍّ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي نَظِيرِ عِوَضٍ دُنْيَوِيٍّ قِيلَ لَهَا صَدَقَةٌ وَهِبَةٌ لِغَيْرِ ثَوَابٍ. تَنْبِيهٌ: اقْتَصَرَ عَلَى تَعْرِيفِ الْبَيْعِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْآتِيَةَ مُدَوِّنَةٌ لِهَذَا الْمَعْنَى الْأَعَمِّ. فَإِذَا أَرَدْت تَعْرِيفَهُ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ زِدْت عَلَى مَا تَقَدَّمَ: (ذُو مُكَايَسَةٍ) أَحَدَ عِوَضَيْهِ غَيْرَ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ مُعَيَّنِ غَيْرِ الْعَيْنِ فِيهِ. فَيَخْرُجُ بِقَوْلِنَا: [ذُو مُكَايَسَةٍ] : هِبَةُ الثَّوَابِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْإِقَالَةِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ. لِأَنَّ مَعْنَى الْمُكَايَسَةِ: الْمُغَالَبَةُ؛ وَهَذِهِ لَا مُغَالَبَةَ فِيهَا. وَبِقَوْلِنَا: أَحَدَ عِوَضَيْهِ غَيْرَ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ: الصَّرْفُ وَالْمُرَاطَلَةُ. وَبِقَوْلِنَا: مُعَيَّنِ غَيْرِ الْعَيْنِ فِيهِ: السَّلَمُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَيْنِ فِي السَّلَمِ هُوَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ؛ وَمِنْ شَرْطِهِ كَوْنُهُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ. وَالْمُرَادُ بِالْمُعَيَّنِ: مَا لَيْسَ فِي الذِّمَّةِ؛ فَيَشْمَلُ الْغَائِبَ الْمَبِيعَ بِالصِّفَةِ وَنَحْوَهُ لَا الْحَاضِرَ فَقَطْ، حَتَّى يَرِدَ أَنَّ الْبَيْعَ قَدْ يَكُونُ عَلَى الْغَائِبِ بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْأَصْلِ. وَالْمُرَادُ بِالْعَيْنِ: الثَّمَنُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيْنًا. [أَرْكَانُ الْبَيْعُ] [تَنْبِيه الْفَصْل بَيْن الْإِيجَاب وَالْقَبُول] قَوْلُهُ: [أَيْ أَرْكَانُهُ] : فَسَّرَ الْمُفْرَدَ بِالْجَمْعِ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ وَالْمُفْرَدُ الْمُضَافُ

الَّتِي تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا حَقِيقَتُهُ ثَلَاثَةٌ؛ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ خَمْسَةٌ: (عَاقِدٌ) : مِنْ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ. (وَمَعْقُودٌ) عَلَيْهِ: مِنْ ثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ. وَالثَّالِثُ: صِيغَةٌ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا؛ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَمَا دَلَّ عَلَى الرِّضَا) : مِنْ قَوْلٍ أَوْ إشَارَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، بَلْ (وَإِنْ) كَانَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ (مُعَاطَاةً) مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَوْ فِي غَيْرِ الْمُحَقَّرَاتِ كَالثِّيَابِ وَالرَّقِيقِ؛ بِأَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ وَيَأْخُذَ الْمُثَمَّنَ أَوْ يَدْفَعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَصْدُقُ بِالْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدِ فَبَيَّنَ أَنَّ التَّعَدُّدَ هُوَ الْمُرَادُ. قَوْلُهُ: [الَّتِي تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا حَقِيقَتُهُ] : أَيْ لَا تُوجَدُ حَقِيقَتُهُ إلَّا بِهَا صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً؛ وَلِذَلِكَ اُحْتِيجَ فِي الصِّحَّةِ لِلشُّرُوطِ الْآتِيَةِ. إنْ قُلْت: إنَّ الْبَائِعَ بِوَصْفِ كَوْنِهِ بَائِعًا وَالْمُشْتَرِيَ بِوَصْفِ كَوْنِهِ مُشْتَرِيًا وَالثَّمَنَ بِوَصْفِ كَوْنِهِ ثَمَنًا وَالْمُثْمَنَ بِوَصْفِ كَوْنِهِ مُثْمَنًا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْبَيْعِ؛ كَيْفَ وَقَدْ جُعِلَتْ مِنْ أَرْكَانِهِ وَالرُّكْنُ يُوجَدُ قَبْلَ تَحَقُّقِ الْمَاهِيَّةِ؟ وَأُجِيبَ: بِأَنْ عَدَّهَا أَرْكَانًا بِاعْتِبَارِ وَصْفِهَا - فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَمَا دَلَّ عَلَى الرِّضَا] : أَيْ عُرْفًا سَوَاءٌ دَلَّ عَلَيْهِ لُغَةً أَيْضًا أَوْ لَا؛ فَالْأَوَّلُ: كَبِعْتُ وَاشْتَرَيْت وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَقْوَالِ. وَالثَّانِي: كَالْإِشَارَةِ وَالْمُعَاطَاةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَحَدُهُمَا] : رَاجِعٌ لِلْقَوْلِ وَالْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ. قَوْلُهُ: [مُعَاطَاةً] : أَيْ وِفَاقًا لِأَحْمَدَ، وَخِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ الْقَائِلِ: لَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مُطْلَقًا كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ الْمُحَقَّرَاتِ أَوْ لَا. وَقَوْلُهُ: [وَلَوْ فِي غَيْرِ الْمُحَقَّرَاتِ] : رَدٌّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي اشْتِرَاطِهِ الْقَوْلَ فِي غَيْرِ الْمُحَقَّرَاتِ. مَحَلُّ إجْزَاءِ الْمُعَاطَاةِ: حَيْثُ أَفَادَتْ فِي الْعُرْفِ، وَلَا تَلْزَمُ إلَّا بِالدَّفْعِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَيَجُوزُ التَّبْدِيلُ فِي نَحْوِ الْخُبْزِ بَعْدَ أَخْذِهِ وَقَبْلَ دَفْعِ الدَّرَاهِمِ لَا بَعْدَهُ لِلرِّبَوِيَّةِ. وَالشَّكُّ فِي التَّمَاثُلِ كَتَحَقُّقِ التَّفَاضُلِ. وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ إلَّا الِاسْتِئْمَانُ. كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ الـ (مج)

لَهُ الْبَائِعُ وَعَكْسُهُ. (كَاشْتَرَيْتُهَا) : أَيْ كَمَا يَنْعَقِدُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي ابْتِدَاءً لِلْبَائِعِ: اشْتَرَيْتهَا (مِنْك بِكَذَا) بِالْفِعْلِ الْمَاضِي (أَوْ) يَقُولُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: (بِعْتُكهَا) بِكَذَا بِالْمَاضِي أَيْضًا (وَيَرْضَى الْآخَرُ) : أَيْ يَأْتِي بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ التَّعْبِيرُ بِالْمَاضِي إنْشَاءً لِلْبَيْعِ لَا مِنْ قَبِيلِ الْخَبَرِ. (وَكَأَبِيعُهَا) بِكَذَا مِنْ الْبَائِعِ (أَوْ) قَوْلِ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ: (أَشْتَرِيهَا) مِنْك بِكَذَا بِالْمُضَارِعِ فِيهِمَا فَرَضِيَ الْآخَرُ. (أَوْ) قَالَ الْمُشْتَرِي: (بِعْنِي) بِفِعْلِ الْأَمْرِ (أَوْ) قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: (اشْتَرِ مِنِّي) هَذِهِ السِّلْعَةَ بِكَذَا (فَرَضِيَ) الْآخَرُ فَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ. (فَإِنْ قَالَ) الْمُبْتَدِي بِالْمُضَارِعِ أَوْ بِالْأَمْرِ مِنْهُمَا: أَنَا (لَمْ أُرِدْهُ) : أَيْ لَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ إنْشَاءَ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا قَصْدِي الْإِخْبَارُ أَوْ الْهَزْلُ بِالْمُضَارِعِ أَوْ الْأَمْرِ (صُدِّقَ بِيَمِينٍ فِيهِمَا) : أَيْ فِي الْمُضَارِعِ وَالْأَمْرِ. فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَزِمَ الْبَيْعُ؛ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قِيَاسًا لَهُمَا عَلَى مَسْأَلَةِ التَّسَوُّقِ. لَكِنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَزَمَ بِأَنَّ الْأَمْرَ كَالْمَاضِي فِي اللُّزُومِ بِلَا يَمِينٍ، وَإِنَّمَا الْيَمِينُ فِي الْمُضَارِعِ فَقَطْ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَعَكْسُهُ] : لَا حَاجَةَ لَهُ. قَوْلُهُ: [كَاشْتَرَيْتُهَا] : أَيْ وَنَحْوُهُ كَأَخَذْتُهَا أَوْ رَضِيت بِهَا بِكَذَا. قَوْلُهُ: [بِالْفِعْلِ الْمَاضِي] : أَيْ وَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِهِ اتِّفَاقًا وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَى مَنْ أَتَى بِصِيغَةِ الْمَاضِي أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْبَيْعَ أَوْ الشِّرَاءَ وَلَوْ حَلَفَ. قَوْلُهُ: [بِعْنِي بِفِعْلِ الْأَمْرِ] : أَيْ فَيَنْعَقِدُ بِهَا الْبَيْعُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّ الْعُرْفَ دَلَّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ صَرِيحًا فِي إيجَابِ الْبَيْعِ لِاحْتِمَالِ أَمْرِهِ بِهِ.

لِأَنَّ الْأَمْرَ عُرْفًا يَدُلُّ عَلَى الْبَيْعِ بِأَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ الْمُضَارِعِ - خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ. وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُهُمْ. وَقِيَاسُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهَا عَلَى مَسْأَلَةِ التَّسَوُّقِ الْآتِيَةِ مَطْعُونٌ فِيهِ. (كَأَنْ تَسَوَّقَ) الْبَائِعُ (بِهَا) : أَيْ بِالسِّلْعَةِ، أَيْ عَرَضَهَا لِلْبَيْعِ فِي سُوقِهَا، وَكَذَا إذَا لَمْ يَتَسَوَّقْ بِهَا (فَقَالَ) لَهُ شَخْصٌ: (بِكَمْ) تَبِيعُهَا؟ (فَقَالَ) لَهُ: (بِكَذَا) بِمِائَةٍ مَثَلًا (فَقَالَ: أَخَذْتهَا بِهِ. فَقَالَ) الْبَائِعُ: (لَمْ أُرِدْهُ) أَيْ الْبَيْعَ وَإِنَّمَا أَوْقَفْتهَا فِي سُوقِهَا لِأَمْرٍ مَا، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينٍ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَ الْبَيْعُ. وَهَذَا إذَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْبَيْعِ وَإِلَّا لَزِمَ الْبَيْعُ قَطْعًا وَلَا يُلْتَفَتُ لِكَلَامِ الْبَائِعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُهُمْ] : مُرَادُهُ بِهِ (بْن) . وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا عُرْفًا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا لِذَلِكَ لُغَةً. فَالْمَاضِي - لَمَّا كَانَ دَالًّا عَلَى الرِّضَا مِنْ غَيْرِ احْتِمَالٍ - انْعَقَدَ الْبَيْعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ، وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ وَلَوْ حَلَفَ. وَالْأَمْرُ إنَّمَا يَدُلُّ لُغَةً عَلَى طَلَبِ الْبَيْعِ لَهُ فَهُوَ يَحْتَمِلُ الرِّضَا بِهِ وَعَدَمَهُ. وَلَكِنَّ الْعُرْفَ دَلَّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ وَحِينَئِذٍ فَيَسْتَوِي مَعَ الْمَاضِي وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ وَلَوْ حَلَفَ كَمَا يُفِيدُهُ الشَّارِحُ. وَالْمُضَارِعُ يَحْتَمِلُ الْحَالَ وَالِاسْتِقْبَالَ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْعُرْفِ دَالًّا عَلَى الرِّضَا فَقُبِلَ الرُّجُوعُ فِيهِ بِالْيَمِينِ. وَلِذَلِكَ قَالَ (بْن) : إنَّ الْمَطْلُوبَ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَدَلَالَةُ الْأَمْرِ عَلَى الرِّضَا أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ الْمُضَارِعِ عَلَيْهِ لِأَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ تَدُلُّ عَلَى الرِّضَا عُرْفًا وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ مُحْتَمَلًا بِخِلَافِ الْمُضَارِعِ فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: [وَقِيَاسُ ابْنِ الْقَاسِمِ] إلَخْ: وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَحْلِفُ مَعَ الْمُضَارِعِ فِي مَسْأَلَةِ التَّسَوُّقِ فَأَوْلَى مَعَ الْأَمْرِ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ، دَلَالَتُهُ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْحَالِ بِخِلَافِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَوَجْهُ الطَّعْنِ فِي الْقِيَاسِ أَنَّ الْعُرْفَ غَلَبَ فِي الْأَمْرِ وَلَمْ يَغْلِبْ فِي الْمُضَارِعِ كَمَا تَقَدَّمَ لَنَا مَا يُفِيدُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا إذَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ] إلَخْ: أَيْ كَمَا إذَا حَصَلَ تَمَاكُسٌ وَتَرَدُّدٌ بَيْنَهُمَا؛ كَمَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتهَا بِخَمْسِينَ، فَقَالَ الْبَائِعُ: لَا. فَقَالَ لَهُ: بِسِتِّينَ. فَقَالَ الْبَائِعُ: لَا. فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي بِكَمْ تَبِيعُهَا؟ فَقَالَ: بِمِائَةٍ. فَقَالَ: أَخَذْتهَا.

[شروط أركان البيع وشروط لزومه]

ثُمَّ أَخَذَ يَتَكَلَّمُ عَلَى شُرُوطِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَقَالَ: (وَشَرْطُ صِحَّةِ) عَقْدِ (الْعَاقِدِ: تَمْيِيزٌ) : فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَكَذَا بِحَرَامٍ إمَّا اتِّفَاقًا أَوْ عَلَى الْمَشْهُورِ. فَلَوْ أَسْقَطَ الشَّيْخُ قَوْلَهُ: " إلَّا بِسُكْرٍ فَتَرَدَّدَ " لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِالتَّرَدُّدِ الطَّرِيقَتَانِ: طَرِيقَةُ ابْنِ شَعْبَانَ: عَدَمُ الصِّحَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَطَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ وَالْبَاجِيِّ: عَدَمُهَا اتِّفَاقًا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ: سَكْرَانُ لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ؛ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَأَقْوَالِهِ، إلَّا فِيمَا ذَهَبَ وَقْتُهُ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ. بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَسَكْرَانُ مَعَهُ تَمْيِيزٌ بِعَقْلِهِ. قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: يَجُوزُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا فَعَلَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: تَلْزَمُهُ الْجِنَايَاتُ وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ وَالْحُدُودُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ وَالْعُقُودُ، وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: لَا يَضُرُّ فِي الْبَيْعِ الْفَصْلُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، إلَّا أَنْ يَخْرُجَ عَنْ الْبَيْعِ لِغَيْرِهِ عُرْفًا. وَلِلْبَائِعِ إلْزَامُ الْمُشْتَرِي فِي الْمُزَايَدَةِ وَلَوْ طَالَ حَيْثُ لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِعَدَمِهِ. [شُرُوط أَرْكَان الْبَيْع وَشُرُوطُ لُزُومِهِ] قَوْلُهُ: [عَقْدُ الْعَاقِدِ] : إنَّمَا قَدَّرَ الشَّارِحُ الْمُضَافَ الثَّانِيَ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَتَصَرَّفُ بِالصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا هُوَ الْعَقْدُ لَا الْعَاقِدُ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ] : أَيْ خِلَافًا لِمَا فِي (ر) مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ؛ فَجَعَلَ التَّمْيِيزَ شَرْطًا فِي لُزُومِهِ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ مَا عَلَيْهِ خَلِيلٌ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي التَّلْقِينِ. وَفَسَادُ الْبَيْعِ يَكُونُ لِأُمُورٍ؛ مِنْهَا: مَا يَرْجِعُ إلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَا أَوْ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ. وَقَوْلُ ابْنِ بَزِيزَةَ: لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ أَنَّ بَيْعَ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ بَاطِلٌ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ. قَوْلُهُ: [فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ] : أَيْ إنْ كَانَ سُكْرُهُ بِحَرَامٍ، وَإِلَّا فَكَالْمَجْنُونِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. قَوْلُهُ: [وَسَكْرَانُ مَعَهُ تَمْيِيزٌ بِعَقْلِهِ] : أَيْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ سُكْرِهِ بِحَلَالٍ أَوْ بِحَرَامٍ. وَمَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ نَحْوُهُ لِلْبَاجِيِّ وَالْمَازِرِيِّ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ تَلْزَمُهُ الْجِنَايَاتُ] إلَخْ: هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ: فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ.

مَذْهَبُ مَالِكٍ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ. (اهـ) . (وَ) شُرُوطُ (لُزُومِهِ) أَيْ الْبَيْعِ: (تَكْلِيفٌ) فَلَا يَلْزَمُ صَبِيًّا مُمَيِّزًا وَإِنْ صَحَّ، مَا لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا عَنْ مُكَلَّفٍ؛ وَإِلَّا لَزِمَ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ الْمُوَكِّلِ. (وَعَدَمُ حَجْرٍ) : فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْجُورَ لِسَفَهٍ أَوْ رِقٍّ إلَّا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ. (وَ) عَدَمُ (إكْرَاهٍ) : فَلَا يَلْزَمُ الْمُكْرَهَ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ: (لَا إنْ أُجْبِرَ) ، الْعَاقِدُ (عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْبَيْعِ (أَوْ عَلَى سَبَبِهِ جَبْرًا حَرَامًا) : أَيْ لَيْسَ بِحَقٍّ فَيَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ. (وَرَدُّ) الْمَبِيعِ (عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْبَائِعِ إذَا لَمْ يُمْضِهِ وَلَا يَفُوتُ عَلَيْهِ بِبَيْعٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَا عِتْقٍ وَلَا إيلَادٍ (بِلَا ثَمَنٍ) يَغْرَمُهُ لِلْمُشْتَرِي، وَهَذَا خَاصٌّ بِمَا إذَا أُجْبِرَ عَلَى سَبَبِهِ؛ كَمَا إذَا أَجْبَرَهُ ظَالِمٌ عَلَى مَالٍ فَبَاعَ سِلْعَتَهُ لِإِنْسَانٍ لِيَدْفَعَ ثَمَنَهَا لِلظَّالِمِ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا يُلْزَمُ الْمُكْرَهَ عَلَيْهِ] : أَيْ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَمُقَابِلُهُ: أَنَّهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى سَبَبِ الْبَيْعِ كَانَ الْبَيْعُ لَازِمًا لِمَصْلَحَةٍ؛ وَهُوَ الرِّفْقُ بِالْمَسْجُونِ لِئَلَّا يَتَبَاعَدَ النَّاسُ عَنْ الشِّرَاءِ فَيَهْلِكَ الْمَظْلُومُ. وَهَذَا الْقَوْلُ لِابْنِ كِنَانَةَ، وَقَدْ اخْتَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَأَفْتَى بِهِ اللَّخْمِيُّ وَالسُّيُورِيُّ وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ، وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ بِفَاسَ - كَذَا فِي (بْن) وَفِيهِ أَيْضًا: أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى سَبَبِ الْبَيْعِ وَسَلَّفَهُ إنْسَانٌ دَرَاهِمَ، كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِهَا عَلَيْهِ. بِخِلَافِ مَا إذَا ضَمِنَهُ إنْسَانٌ فَدَفَعَ الْمَالَ عَنْهُ لِعَدَمِهِ فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الظَّالِمِ. وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لِلْمُكْرَهِ أَنْ يَقُولَ لِلدَّافِعِ: أَنْتَ ظَلَمْت وَمَالُك لَمْ تَدْفَعْهُ إلَيَّ، بِخِلَافِ الْمُسَلِّفِ. وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ خِلَافًا لِمَا فِي (عب) مِنْ عَدَمِ رُجُوعِ الْمُسَلِّفِ. قَوْلُهُ: [جَبْرًا حَرَامًا] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ أُجْبِرَ عَلَى الْبَيْعِ جَبْرًا حَلَالًا لَكَانَ الْبَيْعُ لَازِمًا؛ كَجَبْرِهِ عَلَى بَيْعِ الدَّارِ لَتَوْسِعَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ الطَّرِيقِ أَوْ الْمَقْبَرَةِ، أَوْ عَلَى بَيْعِ سِلْعَةٍ لِوَفَاءِ دَيْنٍ أَوْ لِنَفَقَةِ زَوْجَةٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ وَالِدَيْنِ، أَوْ لِوَفَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْخَرَاجِ السُّلْطَانِيِّ الَّذِي لَا ظُلْمَ فِيهِ.

أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا لِيَأْخُذَ الظَّالِمُ ثَمَنَهَا مِنْهُ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي. وَأَمَّا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى بَيْعِهَا وَأَخَذَ رَبُّهَا ثَمَنَهَا، فَإِنَّهَا إذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ دَفَعَ لِلْمُشْتَرِي مَا أَخَذَهُ مِنْهُ. وَبَقِيَ مِنْ شُرُوطِ اللُّزُومِ: أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ مَالِكًا أَوْ وَكِيلًا عَنْهُ وَإِلَّا فَهُوَ صَحِيحٌ غَيْرُ لَازِمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَمَّا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى بَيْعِهَا] إلَخْ: حَاصِلُ مَا فِي الْمَقَامِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى سَبَبِ الْبَيْعِ فِيهِ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ قِيلَ: إنَّهُ لَازِمٌ، وَقِيلَ: غَيْرُ لَازِمٍ وَعَلَيْهِ إذَا رَدَّ الْمَبِيعَ فَهَلْ بِالثَّمَنِ أَوْ بِلَا ثَمَنٍ؛ مَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّهُ بِلَا ثَمَنٍ. وَبَقِيَ قَوْلٌ رَابِعٌ لِسَحْنُونٍ يَقُولُ: إنَّ الْمَضْغُوطَ إنْ كَانَ قَبَضَ الثَّمَنَ رَدَّ الْمَبِيعَ بِالثَّمَنِ وَإِلَّا فَلَا يَغْرَمُهُ، وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى نَفْسِ الْبَيْعِ فَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ، وَيَرُدُّ الْمَبِيعَ إنْ شَاءَ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا مَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى ضَيَاعِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ. قَوْلُهُ: [وَبَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ اللُّزُومُ] إلَخْ: وَبَقِيَ شَرْطٌ آخَرُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي مِنْ تَوَقُّفِ بَيْعِ الْعَبْدِ الْجَانِي عَلَى مُسْتَحِقِّ الْجِنَايَةِ. فَتَكُونُ شُرُوطُ اللُّزُومِ خَمْسَةً ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ أَرْبَعَةً وَهَذَا وَاحِدٌ.

[ما يمنع من البيوع]

(وَمُنِعَ) : أَيْ حَرُمَ عَلَى الْمُكَلَّفِ: (بَيْعُ) رَقِيقِ (مُسْلِمٍ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ (وَ) رَقِيقِ (صَغِيرٍ) كِتَابِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا (وَ) رَقِيقِ (مَجُوسِيٍّ) كَبِيرٍ لِجَبْرِهِمَا عَلَى الْإِسْلَامِ. (وَ) بَيْعُ (مُصْحَفٍ) أَوْ جُزْئِهِ (وَ) كُتُبِ (حَدِيثٍ لِكَافِرٍ) كِتَابِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ. وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِنْ مُنِعَ وَلِذَا قَالَ: (وَأُجْبِرَ) الْكَافِرُ الْمُشْتَرِي بِلَا فَسْخٍ لِلْبَيْعِ (عَلَى إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ نَاجِزٍ) فَلَا يَكْفِي الْمُؤَجَّلُ (أَوْ هِبَةٍ) لِمُسْلِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا يَمْنَع مِنْ الْبُيُوع] قَوْلُهُ: [وَبَيْعُ مُصْحَفٍ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ بِقِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ. وَقَوْلُهُ: [وَكُتُبِ حَدِيثٍ] : مِثْلُهَا كُتُبُ الْعِلْمِ وَظَاهِرُهُ حُرْمَةُ بَيْعِهَا لِكَافِرٍ وَلَوْ كَانَ الْكَافِرُ يُعَظِّمُهَا؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ تَمَلُّكِهِ لَهَا إهَانَةٌ. وَيُمْنَعُ أَيْضًا بَيْعُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ لَهُمْ؛ لِأَنَّهَا مُبَدَّلَةٌ فَفِيهِ إعَانَةٌ لَهُمْ عَلَى ضَلَالِهِمْ. وَكَمَا يُمْنَعُ بَيْعُ مَا ذُكِرَ لَهُمْ يَمْنَعُ الْهِبَةَ وَالتَّصَدُّقَ وَتَمْضِي الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَيُجْبَرُونَ عَلَى إخْرَاجِهَا مِنْ مِلْكِهِمْ كَالْبَيْعِ. تَنْبِيهٌ: كَذَلِكَ يُمْنَعُ بَيْعُ كُلِّ شَيْءٍ عُلِمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَصَدَ بِهِ أَمْرًا لَا يَجُوزُ؛ كَبَيْعِ جَارِيَةٍ لِأَهْلِ الْفَسَادِ أَوْ مَمْلُوكٍ، أَوْ بَيْعِ أَرْضٍ تُتَّخَذُ كَنِيسَةً أَوْ خَمَّارَةً، أَوْ خَشَبَةً لِمَنْ يَتَّخِذُهَا صَلِيبًا، أَوْ عِنَبًا لِمَنْ يَعْصِرُهُ خَمْرًا، أَوْ نُحَاسًا لِمَنْ يَتَّخِذُهُ نَاقُوسًا، أَوْ آلَةَ حَرْبٍ لِلْحَرْبِيِّينَ، وَكَذَا كُلُّ مَا فِيهِ قُوَّةٌ لِأَهْلِ الْحَرْبِ. وَأَمَّا بَيْعُ الطَّعَامِ لَهُمْ فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: يَجُوزُ فِي الْهُدْنَةِ وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَلَا يَجُوزُ. وَقِيلَ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا - كَذَا فِي (بْن) نَقَلَهُ مُحْشَى الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [بِلَا فَسْخٍ] : هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا قَالَ الْمَازِرِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. وَمُقَابِلُهُ: أَنَّهُ يُفْسَخُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا، وَنَسَبَهُ سَحْنُونَ لِأَكْثَرِ أَصْحَابِ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَالْخِلَافُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَافِرٌ، أَمَّا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَلَا يُفْسَخُ بِلَا خِلَافٍ وَيُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهِ مِنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ: [بِبَيْعٍ] إلَخْ: أَيْ وَاَلَّذِي يَتَوَلَّى الْبَيْعَ الْإِمَامُ لَا السَّيِّدُ الْكَافِرُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إهَانَةً لِلْمُسْلِمِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، فَإِنَّ السَّيِّدَ الْكَافِرَ يَتَوَلَّاهَا، وَلَيْسَ تَوْلِيَتُهُ لَهَا كَتَوْلِيَتِهِ الْبَيْعَ فِي إهَانَةِ الْمُسْلِمِ؛ فَإِنْ تَوَلَّى الْكَافِرُ بَيْعَهُ نَقَضَهُ الْإِمَامُ وَبَاعَهُ هُوَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ.

[تنبيه إسلام العبد المبيع في زمن الخيار]

(وَلَوْ لِوَلَدٍ صَغِيرٍ) . وَلَيْسَ لَهُ اعْتِصَارُهُ مِنْهُ؛ فَإِنْ اعْتَصَرَهُ أُجْبِرَ عَلَى إخْرَاجِهِ ثَانِيًا. (وَجَازَ) لِمُشْتَرٍ مِنْ الْكَافِرِ (رَدُّهُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ) وَجَدَهُ فِيهِ ثُمَّ يُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهِ مِنْ مِلْكِهِ بِمَا مَرَّ (كَأَنْ سَلَّمَ) الرَّقِيقَ (عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ سَيِّدِهِ الْكَافِرِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ. (وَبَاعَهُ الْحَاكِمُ إنْ) كَانَ سَيِّدُهُ غَائِبًا وَ (بَعُدَتْ غَيْبَةُ السَّيِّدِ) ؛ كَمَسَافَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَكَيَوْمَيْنِ مَعَ الْخَوْفِ فَإِنْ قَرُبَتْ بَعَثَ إلَيْهِ، فَإِنْ أَجَابَ بِشَيْءٍ، وَإِلَّا بِيعَ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ لِوَلَدٍ صَغِيرٍ] : رَدَّ بِ " لَوْ " قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ: إنَّ الْهِبَةَ لِلْوَلَدِ الصَّغِيرِ لَا تَكْفِي فِي الْإِخْرَاجِ، إنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الصَّغِيرَ مَعَ أَنَّ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ سَوَاءٌ فِي الِاعْتِصَارِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ فِيهِ فَرْضَ الْخِلَافِ وَأَمَّا الْهِبَةُ لِلْكَبِيرِ فَإِنَّهَا تَكْفِي فِي الْإِخْرَاجِ اتِّفَاقًا، لَقَدَرَتْهُ عَلَى إفَاتَةِ الِاعْتِصَارِ بِالتَّصَرُّفِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ. [تَنْبِيه إسلام الْعَبْد الْمَبِيع فِي زَمَن الْخِيَار] قَوْلُهُ: [وَجَازَ لِمُشْتَرٍ] : اعْتَرَضَ: بِأَنَّ الْبَيْعَ هُنَا مِنْ السُّلْطَانِ وَبَيْعُ السُّلْطَانِ بَيْعُ بَرَاءَةٍ. وَأُجِيبَ: بِفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا طَرَأَ إسْلَامُ الْعَبْدِ بَعْدَ بَيْعِهِ. فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْإِسْلَامُ سَابِقًا عَلَى الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ بِالْعَيْبِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ الشَّارِحُ. وَأُجِيبَ بِجَوَابٍ آخَرَ: بِأَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ بَيْعِ السُّلْطَانِ بَيْعَ بَرَاءَةٍ إذَا بَاعَ عَلَى الْمُفْلِسِ، وَأَمَّا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَحَلِّ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ. وَعَلَى هَذَا فَكَلَامُ الشَّارِحِ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: [أَيْ عِنْدَ سَيِّدِهِ الْكَافِرِ] : كَلَامُهُ صَادِقٌ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْكَافِرُ مُشْتَرِيًا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَانَ مَالِكًا أَصْلِيًّا. قَوْلُهُ: [وَبَاعَهُ الْحَاكِمُ إنْ كَانَ سَيِّدُهُ غَائِبًا] : مَفْهُومُهُ؛ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَا يَتَوَلَّى الْحَاكِمُ بَيْعَهُ مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَتَوَلَّى بَيْعَهُ حَتَّى مَعَ الْحَاضِرِ؛ لِأَنَّ فِي بَقَائِهِ تَحْتَ يَدِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ مَذَلَّةً وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ مَا تَقَدَّمَ يَتَوَلَّى الْحَاكِمُ بَيْعَهُ بِحَضْرَةِ. رَبِّهِ إنْ لَمْ يُخْرِجْهُ بِهِبَةٍ مَثَلًا. وَأَمَّا هُنَا فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْحَاكِمِ بَيْعُهُ لَا غَيْرُ بِالتَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [كَمَسَافَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ] : أَيْ مَعَ الْأَمْنِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. تَنْبِيهٌ: إنْ بَاعَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ الْكَافِرَ بِخِيَارٍ لِمُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ

[شروط المعقود عليه]

ثُمَّ بَيَّنَ شُرُوطَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَشُرُوطُ صِحَّةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ: طَهَارَةٌ) : فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ نَجَسٍ وَلَا مُتَنَجِّسٍ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَدُهْنٍ تَنَجَّسَ. (وَانْتِفَاعٌ بِهِ شَرْعًا) : فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ آلَةِ لَهْوٍ. (وَعَدَمُ نَهْيٍ) عَنْ بَيْعِهِ؛ لَا كَكَلْبِ صَيْدٍ. (وَقُدْرَةٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ) : لَا طَيْرَ فِي الْهَوَاءِ وَلَا وَحْشَ فِي الْفَلَاةِ. (وَعَدَمُ جَهْلٍ بِهِ) : فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَجْهُولِ الذَّاتِ وَلَا الْقَدْرِ وَلَا الصِّفَةِ؛ فَهَذِهِ خَمْسَةُ شُرُوطٍ. شَرَعَ فِي بَيَانِ بَعْضِ مُحْتَرِزَاتِهَا بِقَوْلِهِ: (فَلَا يُبَاعُ كَزِبْلٍ) لِنَحْوِ حِمَارٍ لِنَجَاسَتِهِ فَأَوْلَى عَذِرَةٌ وَدَمٌ وَلَحْمُ مَيِّتَةٍ. وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِجَوَازِ بَيْعِ الزِّبْلِ لِلضَّرُورَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQزَمَنَ الْخِيَارِ فَإِنْ حَصَلَ إسْلَامُهُ فِي خِيَارِ مُشْتَرٍ مُسْلِمٍ أُمْهِلَ الْمُشْتَرِي لِانْقِضَاءِ أَمَدِ الْخِيَارِ فَإِنْ رَدَّهُ لِبَائِعِهِ جُبِرَ عَلَى إخْرَاجِهِ بِمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا إنْ حَصَلَ إسْلَامُهُ فِي خِيَارِ الْكَافِرِ فَلَا يُمْهَلُ بَلْ يُسْتَعْجَلُ بِالرَّدِّ أَوْ الْإِمْضَاءِ؛ فَإِنْ أَمْضَى جُبِرَ عَلَى إخْرَاجِهِ بِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ رَدَّ جُبِرَ الْكَافِرُ الْبَائِعُ عَلَى إخْرَاجِهِ أَيْضًا، وَلَوْ بَاعَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ لِكَافِرٍ بِخِيَارٍ لِلْبَائِعِ مُنِعَ مِنْ الْإِمْضَاءِ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ مِنْ الْخِيَارِ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي الْكَافِرِ اُسْتُعْجِلَ كَذَا فِي الْأَصْلِ. [شُرُوطَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ] قَوْلُهُ: [طَهَارَةً] : أَيْ حَاصِلَةً أَوْ مُسْتَحْصِلَةً كَالْخَمْرِ إذَا تَحَجَّرَ أَوْ تَخَلَّلَ. قَوْلُهُ: [كَدُهْنٍ تَنَجَّسَ] : أَدْخَلَتْ الْكَافُ كُلَّ نَجِسٍ لَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ. قَوْلُهُ: [لَا كَكَلْبِ صَيْدٍ] : أَيْ؛ لِأَنَّهُ نُهِيَ عَنْ بَيْعِهِ فَفِي الْحَدِيثِ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ» . قَوْلُهُ: [عَلَى تَسْلِيمِهِ] : أَيْ عَلَى تَسْلِيمِ الْبَائِعِ لَهُ وَعَلَى تَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي لَهُ. قَوْلُهُ: [وَلَا الْقَدْرِ] : أَيْ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، أَوْ تَفْصِيلًا فَقَطْ إلَّا فِي بَيْعِ الْجُزَافِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [فَهَذِهِ خَمْسَةُ شُرُوطٍ] : أَيْ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ثَمَنًا أَوْ مُثَمَّنًا وَيُضَمُّ لَهَا سَادِسٌ وَهُوَ التَّمْيِيزُ فِي الْعَاقِدِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ] : مُرَادُهُ بِهِ (بْن) . وَحَاصِلُ مَا فِيهِ أَنَّهُ ذَكَرَ

(وَ) لَا (جِلْدِ مَيْتَةٍ وَلَوْ دُبِغَ) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الدَّبْغَ لَا يُطَهِّرُ عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَ) لَا (خَمْرٍ وَ) لَا (زَيْتٍ) وَنَحْوِهِ مِنْ سَائِرِ الْأَدْهَانِ (تَنَجَّسَ) إذْ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ. وَأَمَّا مَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ - كَالثَّوْبِ - فَيَصِحُّ، وَيَجِبُ الْبَيَانُ. فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وَجَبَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، وَإِنْ كَانَ الْغَسْلُ لَا يُفْسِدُهُ. (وَ) لَا يَصِحُّ أَنْ يُبَاعَ (مَا بَلَغَ) مِنْ الْحَيَوَانِ (السِّيَاقَ) : أَيْ نَزْعَ الرُّوحِ؛ بِحَيْثُ لَا يُدْرَكُ بِذَكَاةٍ لَوْ كَانَ مُبَاحَ الْأَكْلِ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ. قَالَ أَصْبَغُ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْمَرِيضِ مَا لَمْ تَنْزِلْ بِهِ أَسْبَابُ الْمَوْتِ، وَكَذَا خَشَاشُ الْأَرْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالِ: الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَالْجَوَازُ مُطْلَقًا وَقَالَ أَشْهَبُ بِجَوَازِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْكَرَاهَةُ إنْ لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةً وَفِي التُّحْفَةِ: وَنَجَسٌ صَفْقَتُهُ مَحْظُورَةٌ ... وَرَخَّصُوا فِي الزِّبْلِ لِلضَّرُورَةِ قَالَ (بْن) وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الزِّبْلِ دُونَ الْعَذِرَةِ لِلضَّرُورَةِ وَنَقَلَهُ فِي الْمِعْيَارِ عَنْ ابْنِ لب وَهُوَ الَّذِي بِهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ جَارِيَةٌ فِي الْعَذِرَةِ أَيْضًا (اهـ) . وَقَوْلُ بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ إنَّ بَيْعَ الزِّبْلِ لَا يَجُوزُ بِوَجْهٍ وَإِنَّمَا يَجُوزُ إسْقَاطُ الْحَقِّ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ كَلَامٌ يُضَارِبُ بَعْضُهُ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ مَا دَلَّ عَلَى الرِّضَا وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ دُبِغَ] : أَيْ غَيْرُ الْكِيمَخْتِ فَإِنَّ الْكِيمَخْتَ مَتَى دُبِغَ طَهُرَ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الرَّاجِحِ فِي الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ: [إذْ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ] : مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الزَّيْتِ الْمُتَنَجِّسِ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَمُقَابِلُهُ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ جَوَازُ بَيْعِهِ وَكَانَ يُفْتِي بِهَا ابْنُ اللَّبَّادِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ الْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ بَيْعَهُ لَا يَجُوزُ: وَالْأَظْهَرُ فِي الْقِيَاسِ أَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ لِمَنْ لَا يَغُشُّ بِهِ إذَا بَيَّنَ؛ لِأَنَّ تَنْجِيسَهُ لَا يُسْقِطُ مِلْكَ رَبِّهِ عَنْهُ وَلَا يُذْهِبُ جُمْلَةَ الْمَنَافِعِ مِنْهُ قَالَ (بْن) وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يُجِيزُ غَسْلَهُ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجِيزُ غَسْلَهُ فَسَبِيلُهُ فِي الْبَيْعِ سَبِيلُ الثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ.

[تنبيه تمليك الغاصب ما غصبه]

كَالدُّودِ الَّذِي لَا نَفْعَ بِهِ. (وَ) لَا (آلَةِ غِنَاءٍ وَ) لَا جَارِيَةٍ (مُغَنِّيَةٍ) مِنْ حَيْثُ غِنَاؤُهَا لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ الشَّرْعِيِّ وَأَمَّا لِلْخِدْمَةِ أَوْ الْوَطْءِ فَجَائِزٌ. (وَلَا كَكَلْبِ صَيْدٍ) أَوْ حِرَاسَةٍ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِهِ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا مُنْتَفَعًا بِهِ وَقِيلَ بِجَوَازِ بَيْعِهِ. (وَجَازَ هِرٌّ) : أَيْ بَيْعُهُ لِلْجِلْدِ وَغَيْرِهِ كَاصْطِيَادِ الْفَأْرَةِ. (وَسَبُعٌ) : أَيْ بَيْعُهُ (لِلْجِلْدِ) . (وَكُرِهَ) بَيْعُهُمَا (لِلَّحْمِ) لِكَرَاهَةِ أَكْلِ لَحْمِهِمَا. (وَ) لَا يَصِحُّ أَنْ يُبَاعَ (آبِقٌ وَ) حَيَوَانٌ (شَارِدٌ) لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ. فَلِذَا لَوْ عُلِمَ مَحَلُّهُ وَصِفَتُهُ، وَكَانَ مَوْقُوفًا لِصَاحِبِهِ لِيَأْخُذَهُ، جَازَ بَيْعُهُ عَلَى الرُّؤْيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَوْ عَلَى الصِّفَةِ كَالْغَائِبِ. لَا إنْ كَانَ عِنْدَ كَسُلْطَانٍ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى نَزْعِهِ مِنْهُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ. وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي أَخْذِهِ مِنْهُ خُصُومَةٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إذْ كُلُّ مَا فِي خَلَاصِهِ خُصُومَةٌ - أَيْ نِزَاعٌ وَرَفْعٌ لِلْحَاكِمِ - لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَلَوْ فِي أَوَّلِ حَالِهِ. [تَنْبِيه تَمْلِيك الْغَاصِب مَا غَصْبه] (وَ) لَا يُبَاعُ (مَغْصُوبٌ) : لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا فِيهِ خُصُومَةٌ فَلَا قُدْرَةَ لِلْبَائِعِ عَلَى تَسْلِيمِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الَّذِي لَا نَفْعَ بِهِ] : احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ الدُّودِ الَّذِي بِهِ النَّفْعُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ مِثْلُ دُودِ الْحَرِيرِ وَالدُّودِ الَّذِي يُتَّخَذُ لِطَعْمِ السَّمَكِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ بِجَوَازِ بَيْعِهِ] : هَذَا قَوْلُ سَحْنُونَ فَإِنَّهُ قَالَ أَبِيعُهُ وَأَحُجُّ بِثَمَنِهِ، وَكَلَامُ التَّوْضِيحِ يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي مُبَاحٍ الِاتِّخَاذُ مُطْلَقًا كَانَ لِصَيْدٍ أَوْ حِرَاسَةٍ، وَأَمَّا قَوْلُ التُّحْفَةِ: وَاتَّفَقُوا أَنَّ كِلَابَ الْمَاشِيَةِ ... يَجُوزُ بَيْعُهَا كَكَلْبِ الْبَادِيَةِ فَقَدْ انْتَقَدَ وَلَدُهُ عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ حِكَايَةَ الِاتِّفَاقِ فِي كَلْبِ الْمَاشِيَةِ بَلْ الْخِلَافُ فِيهِ كَكَلْبِ الصَّيْدِ. وَقَوْلُهُ: [كَاصْطِيَادِ الْفَأْرَةِ] : مِثْلُهُ أَخْذُ الزَّبَادِ مِنْهُ.

(إلَّا) أَنْ يَبِيعَهُ رَبُّهُ (مِنْ غَاصِبِهِ) ، فَيَجُوزُ (إنْ عَزَمَ) الْغَاصِبُ (عَلَى رَدِّهِ) لِرَبِّهِ. وَأَوْلَى إنْ رَدَّهُ لَهُ بِالْفِعْلِ. فَإِنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى رَدِّهِ لِرَبِّهِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ لَهُ لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ عَلَى بَيْعِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي غَاصِبٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ. إلَّا أَنَّ الْقَهْرَ لَا يُنْتِجُ عَدَمَ صِحَّةِ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ عَدَمَ اللُّزُومِ. (وَصَحَّ بَيْعُ مَرْهُونٍ) لِغَيْرِ رَاهِنِهِ (وَوَقَفَ) إمْضَاؤُهُ (عَلَى رِضَا الْمُرْتَهِنِ) : فَلَهُ إمْضَاؤُهُ وَتَعْجِيلُ دَيْنِهِ وَعَدَمُ الْإِمْضَاءِ. وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الرَّهْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إنْ عَزَمَ الْغَاصِبُ] : مِثْلُهُ جَهْلُ الْحَالِ عَلَى الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ وَمَحَلِّ اشْتِرَاطِ الْعَزْمِ إذَا كَانَ الْغَاصِبُ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا تَنَالُهُ الْأَحْكَامُ وَإِلَّا جَازَ بَيْعُهُ لِلْغَاصِبِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ كَبَيْعِهِ لِلْمُودِعِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الـ (مج) : وَإِنْ مَلَّكَ الْغَاصِبُ - بِالتَّشْدِيدِ - كَأَنْ بَاعَ ثُمَّ مَلَكَ - بِالتَّخْفِيفِ - كَأَنْ وَرِثَ أَوْ اشْتَرَى لَا بِقَصْدِ التَّحَلُّلِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي تَمْلِيكِهِ. أَمَّا إنْ قَصَدَ مُجَرَّدَ التَّحَلُّلِ فَلَا. وَمِنْ فُرُوعِ الْمَقَامِ: شَرِيكُ دَارٍ بَاعَ الْكُلَّ تَعَدِّيًا ثُمَّ مَلَكَ حَظَّ شَرِيكِهِ: يَرْجِعُ فِيهِ وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ بِالشُّفْعَةِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَأَوْلَى إنْ رَدَّهُ لَهُ بِالْفِعْلِ] : أَيْ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُكْثِهِ عِنْدَ رَبِّهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي غَاصِبٍ] إلَخْ: وَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّهُ هُوَ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَزْمُ، بِخِلَافِ الْغَاصِبِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَإِنَّمَا يُفِيدُ عَدَمَ اللُّزُومِ] : أَيْ فَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ مِنْ مُحْتَرِزَاتِ الصِّحَّةِ بَلْ مِنْ مُحْتَرِزَاتِ اللُّزُومِ فَهُوَ مِنْ مُحْتَرِزَاتِ عَدَمِ الْإِكْرَاءِ. قَوْلُهُ: [لِغَيْرِ رَاهِنِهِ] صَوَابُهُ لِغَيْرِ مُرْتَهِنِهِ. فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [فَلَهُ إمْضَاؤُهُ وَتَعْجِيلُ دَيْنِهِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ رَدُّ بَيْعِ الرَّهْنِ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: إنْ بِيعَ بِأَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ وَلَمْ يُكْمِلْ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ دَيْنَهُ، أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ وَلَمْ يَأْتِ بِرَهْنٍ ثِقَةٌ بَدَلَ الْأَوَّلِ، أَوْ يَكُونُ الدَّيْنُ مِمَّا لَا يُعَجَّلُ كَقَرْضٍ أَوْ طَعَامٍ مِنْ بَيْعٍ وَإِلَّا فَلَا رَدَّ لَهُ وَيُعَجَّلُ دَيْنُهُ.

[تنبيه بيع الفضولي]

(وَ) صَحَّ بَيْعُ (غَيْرِ الْمَالِكِ) لِلسِّلْعَةِ - وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْفُضُولِيِّ - (وَلَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي) أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَمْلِكُ الْمُبْتَاعَ. وَهُوَ لَازِمٌ مِنْ جِهَتِهِ مُنْحَلٌّ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ. (وَوَقَفَ) الْبَيْعُ (عَلَى رِضَاهُ) مَا لَمْ يَقَعْ الْبَيْعُ بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ فَيَكُونُ لَازِمًا مِنْ جِهَتِهِ أَيْضًا وَصَارَ الْفُضُولِيُّ كَالْوَكِيلِ. (وَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّعَدِّي) مِنْ بَائِعِهِ بِأَنْ ظَنَّ أَنَّهُ الْمَالِكُ أَوْ أَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ أَوْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ بِشَيْءٍ، فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِتَعَدِّي الْبَائِعِ فَالْغَلَّةُ لِلْمَالِكِ إنْ رَدَّ الْبَيْعَ. (وَ) صَحَّ بَيْعُ (عَبْدٍ جَانٍ وُوقِفَ) الْبَيْعُ: أَيْ إمْضَاؤُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [تَنْبِيه بَيْع الْفُضُولِيّ] قَوْلُهُ: [وَصَحَّ بَيْعُ غَيْرِ الْمَالِكِ] : اخْتَلَفَ فِي الْقُدُومِ عَلَيْهِ: فَقِيلَ بِمَنْعِهِ، وَقِيلَ بِجَوَازِهِ، وَقِيلَ بِمَنْعِهِ فِي الْعَقَارِ وَجَوَازِهِ فِي الْعَرَضِ. قَوْلُهُ: [مَا لَمْ يَقَعْ الْبَيْعُ بِحَضْرَتِهِ] : أَيْ وَكَذَا إذَا بَلَغَهُ بَيْعُ الْفُضُولِيِّ وَسَكَتَ عَامًا مِنْ حِينِ عِلْمِهِ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ يَمْنَعُهُ مِنْ الْقِيَامِ، وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ فِي سُكُوتِهِ. وَقَوْلُهُ: [وَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي] : حَاصِلُ كَلَامِهِ: أَنَّ الْغَلَّةَ لِلْمُشْتَرِي فِي جَمِيعِ صُوَرِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ، إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْغَلَّةُ فِيهَا لِلْمَالِكِ وَهِيَ إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَائِعَ غَيْرُ مَالِكٍ وَلَمْ تَقُمْ شُبْهَةٌ تَنْفِي عَنْهُ الْعَدَاءَ. وَحَيْثُ أَمْضَى الْمَالِكُ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّ الْمَالِكَ يُطَالِبُ الْفُضُولِيَّ بِالثَّمَنِ مَا لَمْ يَمْضِ عَامٌ. فَإِنْ مَضَى وَهُوَ سَاكِتٌ سَقَطَ حَقُّهُ، هَذَا إنْ بِيعَ بِحَضْرَتِهِ. وَإِنْ بِيعَ بِغَيْرِهَا مَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: كَانَ الْمَبِيعُ عَقَارًا أَوْ عَرَضًا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ كَوْنِ الْمَالِكِ يَنْقُضُ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ إنْ لَمْ يَفُتْ الْمَبِيعُ، فَإِنْ فَاتَ بِذَهَابِ عَيْنِهِ فَقَطْ كَانَ عَلَى الْفُضُولِيِّ الْأَكْثَرُ مِنْ ثَمَنِهِ وَقِيمَتِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْفُضُولِيِّ غَاصِبًا أَوْ غَيْرَ غَاصِبٍ - كَذَا فِي الْأَصْلِ وَحَاشِيَتِهِ. قَوْلُهُ: [وَصَحَّ بَيْعُ عَبْدٍ جَانٍ] إلَخْ: لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْإِقْدَامِ عَلَى بَيْعِهِ مَعَ عِلْمِ الْجِنَايَةِ. وَلِابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ بَاعَ عَبْدَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِجِنَايَتِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَحْمِلَ الْأَرْشَ. وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ اللَّخْمِيِّ الْجَوَازَ وَاسْتَحْسَنَهُ

(عَلَى الْمُسْتَحِقِّ) لِلْجِنَايَةِ (إنْ لَمْ يَدْفَعْ لَهُ السَّيِّدُ) الْبَائِعُ (أَوْ الْمُبْتَاعُ الْأَرْشَ) أَيْ أَرْشَ الْجِنَايَةِ، فَإِنْ دَفَعَهُ لَهُ أَحَدُهُمَا فَلَا كَلَامَ لِلْمُسْتَحِقِّ. (وَلَا يَرْجِعُ الْمُبْتَاعُ) إذَا دَفَعَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَكَانَ يَزِيدُ عَلَى الثَّمَنِ؛ بِأَنْ كَانَ الثَّمَنُ عَشَرَةً وَالْأَرْشُ أَكْثَرَ (بِزَائِدِ الْأَرْشِ) عَلَى السَّيِّدِ، لِأَنَّ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ لِلْمُبْتَاعِ: أَنْتَ دَفَعْت لِي عَشَرَةً فَلَا يَلْزَمُنِي إلَّا مَا دَفَعْته لِي. فَإِنْ كَانَ الْأَرْشُ قَدْرَ الثَّمَنِ فَأَقَلَّ رَجَعَ بِهِ عَلَى سَيِّدِهِ. (وَلَهُ) : أَيْ لِلْمُشْتَرِي (رَدُّهُ) : أَيْ رَدُّ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ (إنْ تَعَمَّدَهَا) أَيْ الْجِنَايَةَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي حَالَ الْبَيْعِ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ عَيْبٌ (وَنُقِضَ الْبَيْعُ) : أَيْ بَيْعُ الْحَالِفِ الْآتِي ذِكْرُهُ. وَلَا كَلَامَ (لِلْمُشْتَرِي) فِي النَّقْضِ وَعَدَمِهِ (فِي) يَمِينٍ حَنِثَ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ نَحْوُ: (إنْ لَمْ أَفْعَلْ بِهِ كَذَا) كَإِنْ لَمْ أَضْرِبْهُ أَوْ أَحْبِسْهُ (فَحُرٌّ) ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ. (وَ) إذَا نَقَضَ (فَعَلَ) بِهِ (مَا جَازَ) فِعْلُهُ - كَضَرْبِهِ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ. (وَإِلَّا) يَجُزْ شَرْعًا؛ كَمَا لَوْ حَلَفَ: لَأَضْرِبَنهُ مِائَةَ سَوْطٍ (نَجَزَ عِتْقُهُ بِالْحُكْمِ) بِهِ مِنْ الْحَاكِمِ. فَإِنْ فَعَلَ بِهِ مَا لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بَرِئَ. وَهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَلَى الْمُسْتَحِقِّ لِلْجِنَايَةِ] : أَيْ لِتَعَلُّقِ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ. قَوْلُهُ: [إنْ لَمْ يَدْفَعْ لَهُ السَّيِّدُ أَوْ الْمُبْتَاعُ الْأَرْشَ] : أَيْ فَالْخِيَارُ أَوَّلًا لِلسَّيِّدِ فِي دَفْعِ الْأَرْشِ وَعَدَمِهِ فَإِنْ أَبَى خُيِّرَ الْمُشْتَرِي فِي دَفْعِهِ وَعَدَمِ دَفْعِهِ فَإِنْ أَبَى خُيِّرَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْجِنَايَةِ فِي رَدِّ الْبَيْعِ وَأَخْذِ الْعَبْدِ وَإِمْضَائِهِ وَأَخْذِ الثَّمَنِ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَعْلَمْ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ بِهِ حَالَ الشِّرَاءِ فَلَا رَدَّ لَهُ لِدُخُولِهِ عَلَى ذَلِكَ الْعَيْبِ كَكُلِّ مُشْتَرٍ عَلِمَ الْعَيْبَ وَدَخَلَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ عَيْبٌ] : إنَّمَا كَانَ عَيْبًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ عَوْدِهِ لِمِثْلِهَا. قَوْلُهُ [كَإِنْ لَمْ أَضْرِبْهُ أَوْ أَحْبِسْهُ] : أَيْ فَإِنَّهُ يُرَدُّ الْبَيْعُ - كَانَ الْمَحْلُوفُ بِهِ جَائِزًا أَمْ لَا - ثُمَّ يُفَصِّلُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ فَعَلَ بِهِ مَا لَا يَجُوزُ] إلَخْ: أَيْ وَيُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْحُكْمِ إنْ شَانَهُ، وَإِلَّا بِيعَ عَلَيْهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَعُلِمَ أَنَّهُ يَحْكُمُ بِرَدِّ الْبَيْعِ مُطْلَقًا؛ حَلَفَ بِمَا يَجُوزُ أَوْ بِمَا

[بيع أشياء قد يتوهم فيها المنع]

فِيمَا إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ مُطْلَقَةً أَوْ مُقَيَّدَةً بِأَجَلٍ وَلَمْ يَنْقُضْ. (وَلَا رَدَّ) لِلْبَيْعِ (إنْ قَدَّرَ) فِي يَمِينِهِ (بِأَجَلٍ) : كَلَأَضْرِبَنَّهُ فِي هَذَا الشَّهْرِ ثُمَّ بَاعَهُ (وَانْقَضَى) الْأَجَلُ؛ (كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ) فَلَا يُرَدُّ الْبَيْعُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ نَحْوُ: وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّهُ، ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ الضَّرْبِ (وَالطَّلَاقِ) نَحْوُ: إنْ لَمْ يَضْرِبْهُ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ الضَّرْبِ؛ فَلَا يُرَدُّ الْبَيْعُ وَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَلَا يُنْجِزُ عَلَيْهِ - خِلَافًا لِابْنِ دِينَارٍ. وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْهَا وَيُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ - إنْ شَاءَتْ - كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ، أَوْ يَضْرِبَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَتَنْحَلُّ يَمِينُهُ. فَإِنْ قَيَّدَ بِأَجَلٍ وَانْقَضَى طَلُقَتْ، بَاعَهُ أَوْ لَمْ يَبِعْهُ. ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ أَشْيَاءَ قَدْ يُتَوَهَّمُ فِيهَا الْمَنْعُ بِقَوْلِهِ: (وَجَازَ بَيْعٌ كَعَمُودٍ) : أَوْ حَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ، فَلِذَا زِدْنَا الْكَافَ عَلَى كَلَامِهِ (عَلَيْهِ بِنَاءً) لِبَائِعِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ التَّعْلِيقُ لِبِنَائِهِ وَحَذَفْنَا قَوْلَهُ: " إنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَجُوزُ. لَكِنْ يُرَدُّ لِمِلْكِهِ الْمُسْتَمِرِّ فِيمَا يَجُوزُ. وَأَمَّا فِيمَا لَا يَجُوزُ فَيُرَدُّ لِمِلْكِهِ وَلَا يَسْتَمِرُّ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ بَاعَهُ وَانْقَضَى الْأَجَلُ] : إنَّمَا لَمْ يُرِدْ الْبَيْعَ فِي هَذِهِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ قَدْ ارْتَفَعَتْ وَلَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقٌ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ انْقَضَى وَهُوَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ. لَا يُقَالُ: إنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ بَيْعِهِ لَهُ عَزْمُهُ عَلَى الضِّدِّ، وَبِالْعَزْمِ عَلَى الضِّدِّ يَحْصُلُ الْحِنْثُ؛ لِأَنَّنَا نَقُولُ: يُحْمَلُ عَلَى بَيْعِهِ نِسْيَانًا أَوْ ظَنًّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ ضَرْبِهِ وَإِنْ ضَرَبَهُ وَهُوَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يُفِيدُهُ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ] : أَيْ بِمُجَرَّدِ بَيْعِهِ لِلْعَبْدِ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَلَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَتْ يَمِينُهُ مُطْلَقَةً، إلَّا إذَا عَزَمَ عَلَى الضِّدِّ. تَنْبِيهٌ: لَوْ حَلَفَ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِهِ إنْ لَمْ يَضْرِبْهُ مَثَلًا فَكَاتَبَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يَبَرُّ وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يَبَرُّ وَيَمْضِي عَلَى كِتَابَتِهِ وَيُوقَفُ مَا يُؤَدِّيهِ لِسَيِّدِهِ مِنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ عَتَقَ بِالْأَدَاءِ تَمَّ فِيهِ الْحِنْثُ وَصَارَ حُرًّا وَأَخَذَ كُلَّ مَا أَدَّى، وَإِنْ عَجَزَ ضَرَبَهُ إنْ شَاءَ (اهـ. مِنْ الْخَرَشِيِّ بِتَصَرُّفٍ) . [بَيْعِ أَشْيَاءَ قَدْ يُتَوَهَّمُ فِيهَا الْمَنْعُ] قَوْلُهُ: [قَدْ يُتَوَهَّمُ فِيهَا الْمَنْعُ] : أَيْ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ. قَوْلُهُ: [وَعَلَيْهِ التَّعْلِيقُ] : أَيْ يَلْزَمُ الْبَائِعَ تَعْلِيقُ بِنَائِهِ وَحِفْظُهُ فَإِنْ انْهَدَمَ ضَاعَ عَلَيْهِ.

انْتَفَتْ الْإِضَاعَةُ " لِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْقَيْدُ الْأَوَّلُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ كَأَنْ يَبِيعَ النَّفِيسَ بِالثَّمَنِ الْقَلِيلِ إلَخْ (إنْ أَمِنَ كَسْرَهُ) : بِأَنْ ظَنَّ عَدَمَهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ: (وَنَقْضِهِ) : أَيْ الْعَمُودِ مِنْ مَحَلِّهِ (الْبَائِعُ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ مَا فِيهِ حَقٌّ تَوْفِيَةً. فَإِنْ انْكَسَرَ حَالَ نَقْضِهِ فَضَمَانُهُ مِنْ بَائِعِهِ. وَقِيلَ: نَقْضُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَضَمَانُهُ مِنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَحَذَفْنَا قَوْلَهُ إنْ انْتَفَتْ الْإِضَاعَةُ] : أَيْ فَإِنَّ الشَّيْخَ ذَكَرَهُ: وَيَتَصَوَّرُ انْتِفَاءَ الْإِضَاعَةِ - عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِهِ - بِكَوْنِ الْبِنَاءِ الَّذِي عَلَى نَحْوِ الْعَمُودِ لَيْسَ كَبِيرَ ثَمَنٍ لَهُ أَوْ مُشْرِفًا عَلَى السُّقُوطِ، أَوْ لِكَوْنِ الْمُشْتَرِي أَضْعَفَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ أَوْ قَدَرَ عَلَى تَعْلِيقٍ عَلَيْهِ. فَإِنْ لَمْ تَنْتَفِ الْإِضَاعَةُ - عَلَى كَلَامِ الشَّيْخِ - لَا يَجُوزُ، وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ. فَهُوَ شَرْطٌ فِي الْجَوَازِ لَا فِي الصِّحَّةِ. قَوْلُهُ: [لَا حَاجَةَ إلَيْهِ] : أَيْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُنْهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي نَظِيرِ شَيْءٍ أَصْلًا. وَقَاسَهُ عَلَى بَيْعِ الْغَبَنِ، وَبَيْعُ الْغَبَنِ جَائِزٌ، وَبَحَثَ فِي تَعْلِيلِهِ بِأَنَّ مَا ضَاعَ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي الْغَبَنِ يَنْتَفِعُ بِهِ الْآخَرُ. وَفِي الْبِنَاءِ يُنْقَضُ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ، فَهُوَ إضَاعَةٌ مَحْضَةٌ وَهُوَ مِنْ الْفَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَمَا فِي التَّنْبِيهَاتِ وَنَصُّهُ قَالُوا إنَّمَا هَذَا إذَا كَانَ يُمْكِنُ تَدْعِيمُهُ وَتَعْلِيقُهُ وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ الَّذِي عَلَيْهِ لَا يُمْكِنُ نَزْعُ الْعَمُودِ إلَّا بِهَدْمِهِ لَكَانَ مِنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ الَّذِي لَا يَجُوزُ (اهـ. بْن) . قَوْلُهُ: [بِأَنْ ظَنَّ عَدَمَهُ] : أَيْ أَوْ تَحَقَّقَ وَمَفْهُومُهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ تُحَقِّقُ الْكَسْرَ أَوْ ظَنَّهُ أَوْ الشَّكَّ فِيهِ فَيُمْنَعُ فِي ثَلَاثٍ وَيَجُوزُ فِي صُورَتَيْنِ فَتَكُونُ الصُّوَرُ خَمْسًا. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ] : أَيْ فَلَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ. فَهُوَ مِنْ شُرُوطِ الْجَوَازِ فَانْعِدَامُهُ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ. قَوْلُهُ: [وَنَقْضُهُ] إلَخْ: جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ لَا أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الشُّرُوطِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ نَقْضُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي] : قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: إنَّ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ قَدْ رَجَحَ وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ وَمَحَلُّ الْقَوْلَيْنِ فِي نَقْضِ الْعَمُودِ كَمَا عَلِمْت وَأَمَّا نَقْضُ الْبِنَاءِ الَّذِي حَوْلَهُ فَعَلَى الْبَائِعِ اتِّفَاقًا.

[بيع الهواء]

(وَ) جَازَ بَيْعُ (هَوَاءٍ فَوْقَ هَوَاءٍ) : وَأَوْلَى فَوْقَ بِنَاءٍ؛ كَأَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِصَاحِبِ أَرْضٍ: بِعْنِي عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ الْهَوَاءِ فَوْقَ مَا تَبْنِيهِ بِأَرْضِك، (إنْ وَصَفَ الْبِنَاءَ) الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ لِلْأَمْنِ مِنْ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ. وَيَمْلِكُ الْأَعْلَى جَمِيعَ الْهَوَاءِ الَّذِي فَوْقَ بِنَاءِ الْأَسْفَلِ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى مَا شَرَطَ عَلَيْهِ. (وَ) جَازَ (عَقْدٌ عَلَى غَرْزِ جِذْعٍ بِحَائِطٍ، وَهُوَ) : أَيْ الْعَقْدُ الْمَذْكُورُ (مَضْمُونٌ) : أَيْ لَازِمٌ أَبَدًا؛ فَيَلْزَمُ رَبَّ الْحَائِطِ أَوْ وَارِثَهُ أَوْ الْمُشْتَرِيَ إنْ هُدِمَ، وَتَرْمِيمُهُ إنْ وَهِيَ. (إلَّا أَنْ تُعَيَّنَ مُدَّةٌ) : كَسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ (فَإِجَارَةٌ) أَيْ فَيَكُونُ الْعَقْدُ الْمَذْكُورُ إجَارَةً تَنْقَضِي بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ (وَتَنْفَسِخُ بِانْهِدَامِهِ) وَيَرْجِعُ لِلْمُحَاسَبَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ. (وَلَا) يَصِحُّ أَنْ يُبَاعَ (مَجْهُولٌ) لِلْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، مِنْ ثَمَنٍ، أَوْ مُثَمَّنٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَيْعُ الْهَوَاءِ] قَوْلُهُ: [فَوْقَ هَوَاءٍ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا هَوَاءٌ فَوْقَ الْأَرْضِ كَأَنْ يَقُولَ إنْسَانٌ لِصَاحِبِ أَرْضٍ: بِعْنِي عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ الْفَرَاغِ الَّذِي فَوْقَ أَرْضِك أَبْنِي فِيهِ بَيْتًا، فَيَجُوزُ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وَصْفِ الْبِنَاءِ إذْ الْأَرْضُ لَا تَتَأَثَّرُ بِذَلِكَ وَيَمْلِكُ الْمُشْتَرِي بَاطِنَ الْأَرْضِ. قَوْلُهُ: [إنْ وَصَفَ الْبِنَاءَ] إلَخْ: أَيْ بِأَنْ يَصِفَ ذَاتَ الْبِنَاءِ مِنْ الْعِظَمِ وَالْخِفَّةِ وَالطُّولِ وَالْقِصَرِ وَيَصِفَ مَا يَبْنِي بِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ آجُرَّ. وَيَأْتِي هُنَا قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي: وَهُوَ مَضْمُونٌ إلَّا أَنْ تُعَيَّنَ مُدَّةٌ فَإِجَارَةٌ. كَمَا أَنَّهُ حَذَفَ مِمَّا يَأْتِي قَوْلُهُ هُنَا: إنْ وَصَفَ، فَقَدْ حَذَفَ مِنْ كُلِّ نَظِيرٍ مَا أَثْبَتَهُ فِي الْآخَرِ؛ فَفِي كَلَامِهِ احْتِبَاكٌ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَتَرْمِيمُهُ إنْ وَهِيَ] : أَيْ وَأَمَّا إنْ حَصَلَ خَلَلٌ فِي مَوْضِعِ الْجِذْعِ فَإِصْلَاحُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي إذْ لَا خَلَلَ فِي الْحَائِطِ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ تُعَيَّنَ مُدَّةٌ] : فَإِنْ جَهِلَ الْأَمْرَ حُمِلَ عَلَى الْبَيْعِ كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [وَتَنْفَسِخُ بِانْهِدَامِهِ] : أَيْ لِتَلَفِ مَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ. وَسَيَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ أَنَّهَا تَنْفَسِخُ بِتَلَفِ مَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ لَا بِهِ. [بَيْع الْمَجْهُول] قَوْلُهُ: [مَجْهُولٌ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ] : أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ مَعْلُومَيْنِ

ذَاتًا، أَوْ صِفَةً، بَلْ (وَلَوْ) تَعَلَّقَ الْجَهْلُ (بِالتَّفْصِيلِ) : أَيْ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ أَوْ الْمُثْمَنِ. وَمَثَّلَ لِلْجَهْلِ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ بِقَوْلِهِ: (كَعَبْدَيْ رَجُلَيْنِ) مَعْلُومَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدٌ (بِكَذَا) : بِمِائَةٍ مَثَلًا؛ أَيْ أَنَّ الْعَبْدَيْنِ الْمَعْلُومَيْنِ كِلَاهُمَا بِمِائَةٍ. فَهَذَا جَهْلٌ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ؛ إذْ لَا يَعْلَمُ مَا يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُ، فَلِذَا لَوْ سَمَّى الْمُشْتَرِي لِكُلِّ عَبْدٍ ثَمَنًا بِعَيْنِهِ لَجَازَ. وَمَثَّلَ لِجَهْلِ الصِّفَةِ بِقَوْلِهِ: (وَكَرِطْلٍ مِنْ شَاةٍ) مَثَلًا (قَبْلَ السَّلْخِ) وَأَوْلَى قَبْلَ الذَّبْحِ بِكَذَا، فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا صِفَةُ اللَّحْمِ بَعْدَ سَلْخِهِ وَأَمَّا بَعْدَ السَّلْخِ فَجَائِزٌ. وَمَثَّلَ لِمَا جُهِلَ قَدْرُهُ، أَوْ قَدْرُهُ وَصِفَتُهُ، أَوْ قَدْرُهُ وَصِفَتُهُ وَذَاتُهُ - بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ - بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَإِلَّا فَسَدَ الْبَيْعُ وَجَهْلُ أَحَدِهِمَا كَجَهْلِهِمَا، سَوَاءٌ عَلِمَ الْعَالِمُ بِجَهْلِ الْجَاهِلِ أَوْ لَا. وَقِيلَ: يُخَيَّرُ الْجَاهِلُ مِنْهُمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْعَالِمُ بِجَهْلِهِ. قَوْلُهُ: [ذَاتًا أَوْ صِفَةً] : فَجَهْلُ الذَّاتِ: كَأَنْ يَشْتَرِيَ ذَاتًا لَا يَدْرِي مَا هِيَ. وَجَهْلُ الصِّفَةِ: كَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا شَاةٌ مَثَلًا وَيَجْهَلَ سَلَامَتَهَا مِنْ الْعُيُوبِ. قَوْلُهُ: [لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدٌ] : مِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَبْدٌ وَالْآخَرُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا أَوْ مُشْتَرَكَانِ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّفَاوُتِ كَثُلُثٍ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالثُّلُثَيْنِ مِنْ الْآخَرِ وَيَبِيعَانِهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً وَلَا مَفْهُومَ لِعَبْدَيْنِ وَلَا لِرَجُلَيْنِ. وَمَفْهُومُ قَوْلِنَا: " عَلَى التَّفَاوُتِ " أَنَّهُ لَوْ كَانَا يَمْلِكَانِهِمَا عَلَى السَّوَاءِ وَيَبِيعَانِهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً لَا يَضُرُّ الْجَهْلُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَعْلُومُ التَّفْصِيلِ بَعْدَ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: [فَلِذَا لَوْ سَمَّى الْمُشْتَرِي] : أَيْ وَكَذَا لَوْ اتَّفَقَا أَنْ يَجْعَلَا لِهَذَا الْعَبْدِ ثُلُثًا وَلِلْآخِرِ ثُلُثَيْنِ مِنْ الثَّمَنِ. قَوْلُهُ: [وَكَرِطْلٍ مِنْ شَاةٍ] : مَحَلُّ الْمَنْعِ إنْ كَانَ الْبَيْعُ عَلَى الْبَتِّ وَأَمَّا عَلَى الْخِيَارِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ فَجَائِزٌ وَمَحَلُّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي لِلرِّطْلِ هُوَ الْبَائِعَ وَوَقَعَ الشِّرَاءُ عَقِبَ الْبَيْعِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ الْأَرْطَالِ لِعِلْمِ الْبَائِعِ بِصِفَةِ لَحْمِ شَاتِهِ.

(وَ) نَحْوُ (تُرَابٍ كَصَائِغٍ) وَعَطَّارٍ. (وَرَدَّهُ) الْمُشْتَرِي (لِبَائِعِهِ) لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ (وَلَوْ خَلَّصَهُ) مِنْ تُرَابِهِ. (وَلَهُ) : أَيْ لِلْمُشْتَرِي (الْأَجْرُ) فِي نَظِيرِ تَخْلِيصِهِ (إنْ لَمْ يَزِدْ) الْأَجْرُ (عَلَى قِيمَةِ الْخَارِجِ) : بِأَنْ كَانَ الْأَجْرُ قَدْرَهُ فَأَقَلَّ، فَإِنْ زَادَ - بِأَنْ كَانَ الْأَجْرُ عَشَرَةً وَالْخَارِجُ خَمْسَةً - لَمْ يَدْفَعْ لَهُ إلَّا خَمْسَةً. فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَهُ لِلْبَائِعِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِفَسَادِ الْبَيْعِ. وَقِيلَ: لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَلَوْ زَادَ عَلَى مَا خَرَجَ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الشَّيْخِ وَرَجَحَ. وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ خَلَّصَهُ لِنَفْسِهِ لَا لِلْبَائِعِ. (بِخِلَافِ) تُرَابِ (مَعْدِنٍ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) بِيعَ بِغَيْرِ صِنْفِهِ، فَيَجُوزُ. (وَ) بِخِلَافِ (جُمْلَةِ شَاةٍ قَبْلَ السَّلْخِ) فَيَجُوزُ قِيَاسًا عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يُرَادُ إلَّا لِلذَّبْحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَنَحْوُ تُرَابٍ كَصَائِغٍ] : اُنْظُرْ هَلْ يَلْحَقُ بِهِ هِبَابُ الْأَفْرَانِ؟ أَوْ يَجُوزُ شِرَاؤُهَا إنْ وُجِدَتْ فِيهَا شُرُوطُ الْجُزَافِ؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ خَلَّصَهُ مِنْ تُرَابِهِ] : رَدَّ بِلَوْ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ وَيَبْقَى لِمُشْتَرِيهِ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ عَلَى غَرَرِهِ عَلَى فَرْضِ جَوَازِ بَيْعِهِ. قَوْلُهُ: [وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَظْهَرُ] : أَيْ وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ يُونُسَ فَالْأُجْرَةُ عِنْدَهُ مَنُوطَةٌ بِالتَّخْلِيصِ فَإِذَا زَادَتْ الْأُجْرَةُ عَلَى مَا خَلَّصَهُ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا مَا خَلَّصَهُ. قَوْلُهُ: [بَيْعٌ بِغَيْرِ صِنْفِهِ فَيَجُوزُ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ جُزَافًا أَوْ كَيْلًا. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ جُمْلَةِ شَاةٍ] : أَيْ تُبَاعُ جُزَافًا وَأَمَّا وَزْنًا فَيُمْنَعُ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيْعِ لَحْمٍ وَعَرَضٍ وَزْنًا فَإِنَّ الْجِلْدَ وَالصُّوفَ عَرَضٌ، كَذَا عُلِّلَ فِي الْأَصْلِ. وَهُوَ يَقْتَضِي الْجَوَازَ إذَا اسْتَثْنَى الْعَرَضَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. فَالْأَوْلَى مَا قَالَ بَعْضُهُمْ: مِنْ أَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ أَنَّ الْوَزْنَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَقْصُودَ اللَّحْمُ وَهُوَ مَغِيبٌ بِخِلَافِ الْجُزَافِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الذَّاتُ بِتَمَامِهَا وَهِيَ مَرْئِيَّةٌ. وَعِبَارَةُ الْخَرَشِيِّ: إنَّمَا جَازَ بَيْعُهَا جُزَافًا؛ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ الذَّاتُ الْمَرْئِيَّةُ بِتَمَامِهَا كَشَاةٍ حَيَّةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ لِلشَّاةِ بِتَمَامِهَا قَبْلَ السَّلْخِ عَلَى الْوَزْنِ فَالْمَقْصُودُ حِينَئِذٍ مَا شَأْنُهُ الْوَزْنُ

[بيع الزرع]

(وَ) بِخِلَافِ (حِنْطَةٍ فِي سُنْبُلٍ بَعْدَ يُبْسِهَا) قَبْلَ حَصْدِهِ وَبَعْدَهُ قَتًّا وَمَنْفُوشًا، (أَوْ) فِي (تِبْنٍ) بَعْدَ الدَّرْسِ فَيَجُوزُ (إنْ وَقَعَ) الْبَيْعُ (عَلَى كَيْلٍ) فِي الْأَرْبَعِ صُوَرِ، نَحْوُ: بِعْتُك جَمِيعَ حَبِّ هَذَا كُلَّ إرْدَبٍّ بِكَذَا أَوْ بِعْتُك مِنْ حَبِّهِ إرْدَبًّا بِكَذَا؛ كَالصُّبْرَةِ الْآتِي بَيَانُهَا. وَلَا يَجُوزُ جُزَافًا إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ بِقَتِّهِ وَتِبْنِهِ فَيَجُوزُ فِي غَيْرِ الْمَنْفُوشِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَ) بِخِلَافِ (قَتٍّ مِنْ نَحْوِ قَمْحٍ) مِمَّا يُمْكِنُ حَزْرُهُ كَالذُّرَةِ وَمِثْلُهُ الْقَائِمُ بِأَرْضِهِ فَيَجُوزُ (جُزَافًا، لَا) إنْ كَانَ (مَنْفُوشًا) فَلَا يَجُوزُ، وَمِثْلُ الْحِنْطَةِ غَيْرُهَا مِنْ الْحُبُوبِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلزَّرْعِ خَمْسَةَ أَحْوَالٍ: قَائِمٌ بِالْأَرْضِ وَغَيْرُ قَائِمٍ، وَغَيْرُ قَائِمٍ: إمَّا قَتٌّ، وَإِمَّا مَنْفُوشٌ، وَإِمَّا فِي تِبْنِهِ فِي الْجَرِينِ، وَإِمَّا خَالِصٌ بَعْدَ التَّذْرِيَةِ؛ وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِالصُّبْرَةِ الْآتِي بَيَانُهَا. فَبَيْعُ الْحَبِّ خَاصَّةً جَائِزٌ فِي الْجَمِيعِ إنْ وَقَعَ بِكَيْلٍ، وَبَيْعُهُ بَقَتِّهِ يَجُوزُ جُزَافًا فِيمَا عَدَا الْمَنْفُوشَ، وَكَذَا بَيْعُ الصُّبْرَةِ جُزَافًا بِشُرُوطِ الْجُزَافِ الْآتِيَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ اللَّحْمُ فَيَرْجِعُ لِبَيْعِ اللَّحْمِ الْمَغِيبِ الْمَجْهُولِ الصِّفَةِ (اهـ) . [بَيْع الزَّرْع] قَوْلُهُ: [فَيَجُوزُ إنْ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى كَيْلٍ] : أَيْ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ تَمَامُ حَصْدِهِ وَدِرَاسِهِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَإِلَّا مُنِعَ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّلَمِ فِي مُعَيَّنٍ. هَذَا إذَا كَانَ التَّأْخِيرُ مَدْخُولًا عَلَيْهِ بِالشَّرْطِ أَوْ الْعَادَةِ وَإِلَّا فَلَا يَضُرُّ التَّأْخِيرُ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُوَطَّإِ وَشُرَّاحِ خَلِيلٍ فِي بَابِ السَّلَمِ. وَمَا قِيلَ هُنَا يُقَالُ فِي زَيْتِ الزَّيْتُونِ وَدَقِيقِ الْحِنْطَةِ. قَوْلُهُ: [نَحْوُ بِعْتُك جَمِيعَ حَبِّ هَذَا] : أَيْ وَيُقَالُ لَهُ جُزَافٌ عَلَى الْكَيْلِ. قَوْلُهُ: [كَالذُّرَةِ] : أَيْ الَّذِي ثَمَرَتُهُ فِي رَأْسِهِ كَالْعَوِيجَةِ وَالْأَصْفَرِ بِخِلَافِ الذُّرَةِ الْمُسَمَّى بِالشَّامِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُبَاعُ جُزَافًا وَهَكَذَا كُلُّ مَا ثَمَرَتُهُ سَاقُهُ لَا فِي رَأْسِهِ. قَوْلُهُ: [جَائِزٌ فِي الْجَمِيعِ إنْ وَقَعَ بِكَيْلٍ] : أَيْ بِشَرْطِهِ الْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ: [يَجُوزُ جُزَافًا فِيمَا عَدَا الْمَنْفُوشَ] : هَذَا مُجْمَلٌ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْقَتَّ وَالْقَائِمَ يَجُوزُ فِيهِمَا الْجُزَافُ بِشُرُوطِهِ. وَالْمَنْفُوشُ وَمَا فِي تَبْنِهِ إنْ رَآهُمَا الْمُشْتَرِي فِي أَرْضِهِمَا قَبْلَ الْحَصْدِ جَازَ فِيهِمَا الْجُزَافُ أَيْضًا بِشُرُوطِهِ وَإِنْ لَمْ يَرَهُمَا لَمْ يَجُزْ. فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَنْفُوشِ وَمَا فِي تَبْنِهِ.

[تنبيه بيع الشاة واستثناء بعضها]

(وَ) بِخِلَافِ (زَيْتِ زَيْتُونٍ بِوَزْنٍ) فَيَجُوزُ، نَحْوُ: بِعْتُك زَيْتَ هَذَا الزَّيْتُونِ كُلَّ رِطْلٍ بِكَذَا. (وَدَقِيقِ حِنْطَةٍ) وَنَحْوِهَا فَيَجُوزُ، نَحْوُ: بِعْتُك دَقِيقَ هَذِهِ الْحِنْطَةِ كُلَّ صَاعٍ بِكَذَا. (إنْ لَمْ يَخْتَلِفْ الْخُرُوجُ) : أَيْ خُرُوجُ الزَّيْتِ أَوْ الدَّقِيقِ عَادَةً. فَإِنْ اخْتَلَفَ بِأَنْ كَانَ تَارَةً يَخْرُجُ لَهُ زَيْتٌ أَوْ دَقِيقٌ، وَتَارَةً لَا يَخْرُجُ، لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ لِلْغَرَرِ، لَكِنَّ الْخُرُوجَ وَعَدَمَهُ يَكْثُرُ فِي الزَّيْتِ دُونَ الْحُبُوبِ فَلِذَا قَدَّمَ الشَّيْخُ هَذَا الشَّرْطَ عِنْدَ الزَّيْتِ. (وَلَمْ يَتَأَخَّرْ) عَصْرُ الزَّيْتِ أَوْ طَحْنُ الْحَبِّ (أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ شَهْرٍ) وَإِلَّا لَزِمَ السَّلَمُ فِي مُعَيَّنٍ وَهُوَ مَمْنُوعٌ. (وَ) بِخِلَافِ (صَاعٍ) مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِكَذَا أَوْ كُلِّ صَاعٍ (مِنْ صُبْرَةٍ) مُعَيَّنَةٍ وَأُرِيدَ بَيْعُ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ ابْتِدَاءً لَكِنْ يَعْلَمُ تَفْصِيلَهُ بِالْكَيْلِ فَاغْتُفِرَ (أَوْ كُلِّ ذِرَاعٍ مِنْ شُقَّةٍ، أَوْ كُلِّ رِطْلٍ مِنْ زَيْتٍ) : أَيْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَقِيسَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ فَيَجُوزُ (إنْ أُرِيدَ الْكُلُّ) : أَيْ شِرَاءُ الْجَمِيعِ مِمَّا ذَكَرَ (أَوْ عُيِّنَ قَدْرٌ) مِنْهُ كَصَاعٍ أَوْ عَشَرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ اخْتَلَفَ بِأَنْ كَانَ تَارَةً] إلَخْ: مِثْلُهُ الِاخْتِلَافُ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ وَالصَّفَاءِ وَالْجَوْدَةِ. وَمَحَلُّ مَنْعِهِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْخُرُوجِ مَا لَمْ يَشْتَرِ عَلَى الْخِيَارِ وَإِلَّا جَازَ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْخُرُوجُ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا لَزِمَ السَّلَمُ فِي مُعَيَّنٍ] : أَيْ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ أَجَلِ السَّلَمِ نِصْفُ شَهْرٍ، فَلَوْ تَأَخَّرَ حَصَلَ أَجْرُ السَّلَمِ. وَشَرْطُ صِحَّةِ السَّلَمِ الْمُؤَجَّلِ بِهَذَا الْأَجَلِ أَنْ يَكُونَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ فِي الذِّمَّةِ لَا فِي مُعَيَّنٍ. [تَنْبِيه بَيْع الشَّاة وَاسْتِثْنَاء بَعْضهَا] قَوْلُهُ: [وَأُرِيدَ بَيْعُ الْجَمِيعِ] : رَاجِعٌ لِلثَّانِيَةِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا قَالَ لِلْبَائِعِ: أَشْتَرِي مِنْك صَاعًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ، أَوْ أَشْتَرِي مِنْك كُلَّ صَاعٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِكَذَا، وَأَرَادَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ شِرَاءَ جَمِيعِهَا كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا سَوَاءٌ كَانَتْ الصُّبْرَةُ مَعْلُومَةَ الصِّيعَانِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مَعْلُومَةَ الصِّيعَانِ كَانَتْ مَعْلُومَةَ الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ. وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَتَهُ كَانَتْ مَجْهُولَةَ الْجُمْلَةِ مَعْلُومَةَ التَّفْصِيلِ. وَجَهْلُ الْجُمْلَةِ فَقَطْ لَا يَضُرُّ كَمَا عُلِمَ.

[بيع الجزاف وشروطه]

آصُعَ بِكَذَا أَوْ ذِرَاعٍ أَوْ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ أَوْ رِطْلٍ أَوْ عَشَرَةِ أَرْطَالِ (وَإِلَّا) : بِأَنْ أُرِيدَ بَعْضٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ (فَلَا) يَجُوزُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: " لَا مِنْهَا وَأُرِيدَ الْبَعْضُ " لِلْجَهْلِ بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ وَالْمُثْمَنِ فَلَمْ يُغْتَفَرْ. (وَ) بِخِلَافِ بَيْعِ (جُزَافٍ) مُثَلَّثُ الْجِيمِ - فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ - وَهُوَ: بَيْعُ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ جُمْلَةً بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا عَدٍّ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْمَنْعُ لِلْجَهْلِ، لَكِنْ أَجَازَهُ الشَّارِعُ لِلضَّرُورَةِ وَالْمَشَقَّةِ فَيَجُوزُ بِشُرُوطٍ سَبْعَةٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِأَنْ أُرِيدَ بَعْضٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَلَا يَجُوزُ] : الْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أَتَى بِ " مِنْ " كَقَوْلِهِ: أَشْتَرِي مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ كُلَّ إرْدَبٍّ بِدِينَارٍ، أَوْ أَشْتَرِي مِنْ هَذِهِ الشَّقَّةِ كُلَّ ذِرَاعٍ بِكَذَا، أَوْ أَشْتَرِي مِنْ هَذِهِ الشَّمْعَةِ كُلَّ رِطْلٍ بِكَذَا، فَإِنْ أُرِيدَ بِهَا التَّبْعِيضُ مُنِعَ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا بَيَانُ الْجِنْسِ - وَالْقَصْدُ أَنْ يَقُولَ: أَبِيعُك هَذِهِ الصُّبْرَةِ كُلَّ إرْدَبٍّ بِكَذَا، فَلَا يُمْنَعُ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يُرَدْ بِهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَطَرِيقَتَانِ؛ الْمَنْعُ لِتَبَادُرِ التَّبْعِيضِ مِنْهَا، وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ، وَالْجَوَازُ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهَا. وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ مُتَبَادِرَةٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ الْمَنْعَ بِإِرَادَةِ الْبَعْضِ. وَأَقْوَى الطَّرِيقَتَيْنِ الْأُولَى كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ (بْن) نَقْلًا عَنْ الْفَاكِهَانِيِّ، فَانْظُرْهُ، وَمَثَّلَ الْإِتْيَانَ بِ " مِنْ " وَإِرَادَةَ الْبَعْضِ فِي الْمَنْعِ، كَمَا إذَا قَالَ أَشْتَرِي مِنْك مَا يَحْتَاجُ لَهُ الْمَيِّتُ مِنْ هَذِهِ الشُّقَّةِ كُلَّ ذِرَاعٍ بِكَذَا، أَوْ أَشْتَرِي مِنْك مَا يَكْفِينِي قَمِيصًا مِنْ هَذِهِ الشُّقَّةِ كُلَّ ذِرَاعٍ بِكَذَا، أَوْ أَشْتَرِي مِنْك مَا تُوقِدُهُ النَّارُ مِنْ هَذِهِ الشَّمْعَةِ فِي الزِّفَافِ كُلَّ رِطْلٍ بِكَذَا. تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ لِلشَّخْصِ أَنْ يَبِيعَ نَحْوَ الشَّاةِ وَيَسْتَثْنِي قَدْرًا مِنْ الْأَرْطَالِ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِهَا إنْ بِيعَتْ قَبْلَ الذَّبْحِ أَوْ السَّلْخِ. فَإِنْ بِيعَتْ بَعْدَهُمَا جَازَ لَهُ اسْتِثْنَاءُ مَا شَاءَ وَكَذَا لَهُ اسْتِثْنَاءُ جُزْءٍ شَائِعٍ مُطْلَقًا، قَلَّ أَوْ كَثُرَ قَبْلَ السَّلْخِ أَوْ بَعْدَهُ. وَلَا يَجُوزُ لِمُسْتَثْنِي الْأَرْطَالِ أَخْذُ شَيْءٍ بَدَلَهَا. وَيَجُوزُ بَيْعُ الصُّبْرَةِ أَوْ الثَّمَرَةِ جُزَافًا وَيُسْتَثْنَى قَدْرُ الثُّلُثِ فَأَقَلُّ إنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى كَيْلًا وَفِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ يَسْتَثْنِي مَا شَاءَ. [بَيْع الجزاف وَشُرُوطه] [تَنْبِيه بَيْع جزافان فِي صَفْقَة وَاحِدَة] قَوْلُهُ: [وَبِخِلَافِ بَيْعِ جُزَافٍ] : عَرَّفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ بَيْعُ مَا يُمْكِنُ عِلْمُ قَدْرِهِ دُونَ أَنْ يَعْلَمَ (اهـ) .

أَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (إنْ رُئِيَ) حَالَ الْعَقْدِ أَوْ قَبْلَهُ وَاسْتَمَرَّ عَلَى حَالِهِ لِوَقْتِ الْعَقْدِ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ، وَلَا عَلَى رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ يُمْكِنُ فِيهَا التَّغْيِيرُ. وَهَذَا مَا لَمْ يَلْزَمْ عَلَى الرُّؤْيَةِ فَسَادُ الْمَبِيعِ؛ كَقِلَالِ الْخَلِّ مُطَيَّنَةٍ يُفْسِدُهَا فَتْحُهَا، وَإِلَّا جَازَ. وَيَكْفِي حُضُورُهَا مَجْلِسَ الْعَقْدِ. وَلِلثَّانِي بِقَوْلِهِ: (وَلَمْ يَكْثُرْ جِدًّا) أَيْ يَكُونُ كَثِيرًا لَا جِدًّا، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا جِدًّا بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ حَزْرُهُ، أَوْ قَلَّ جِدًّا بِحَيْثُ يَسْهُلُ عَدُّهُ، لَمْ يَجُزْ جُزَافًا. بِخِلَافِ مَا قَلَّ جِدًّا مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فَيَجُوزُ. (وَجَهِلَاهُ) مَعًا: أَيْ جَهِلَا قَدْرَ كَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ أَوْ عَدَدِهِ (وَحَزَرَاهُ) أَيْ خَمَّنَا قَدْرَهُ عِنْدَ إرَادَةِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ قَبْلَهُ وَاسْتَمَرَّ عَلَى حَالِهِ] إلَخْ: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ فِي الْجُزَافِ الْحُضُورُ سَوَاءٌ كَانَ زَرْعًا قَائِمًا أَوْ صُبْرَةَ طَعَامٍ أَوْ غَيْرَهُمَا وَإِنَّمَا يَشْتَرِطُ فِيهِ الرُّؤْيَةُ بِالْبَصَرِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُقَارِنَةً لِلْعَقْدِ أَوْ سَابِقَةً عَلَيْهِ. وَهَذَا بِخِلَافِ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ اشْتِرَاطِ حُضُورِ بَيْعِ الْجُزَافِ حِينَ الْعَقْدِ إلَّا الزَّرْعَ الْقَائِمَ وَالثِّمَارَ فِي رُءُوسِ الْأَشْجَارِ فَيُغْتَفَرُ فِيهِمَا عَدَمُ الْحُضُورِ إنْ تَقَدَّمَتْ الرُّؤْيَةُ وَاخْتَارَ (ح) هَذِهِ الطَّرِيقَةَ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَكْثُرُ جِدًّا] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ مَا كَثُرَ جِدًّا يُمْنَعُ بَيْعُهُ جُزَافًا سَوَاءٌ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ مَعْدُودًا لِتَعَذُّرِ حَزْرِهِ. وَمَا كَثُرَ لَا جِدًّا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا مَكِيلًا كَانَ أَوْ مَعْدُودًا أَوْ مَوْزُونًا لِإِمْكَانِ حَزْرِهِ. وَأَمَّا مَا قَلَّ جِدًّا فَيُمْنَعُ بَيْعُهُ جُزَافًا إنْ كَانَ مَعْدُودًا؛ لِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ لَهُ فِي عِلْمِهِ بِالْعَدِّ، وَيَجُوزُ إنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا وَلَوْ كَانَ لَا مَشَقَّةَ فِي كَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ. قَوْلُهُ: [وَجَهِلَاهُ] : أَيْ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا، بِكَبَيْعِهِ عَدَدًا وَهُمَا يَجْهَلَانِ عَدَدَهُ وَيَعْرِفَانِ وَزْنَهُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ لَهُ جِهَتَانِ - كَوَزْنٍ وَعَدَدٍ - وَجُهِلَ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وُجِدَ شَرْطُهُ. قَوْلُهُ: [وَحَزَرَاهُ] : أَيْ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ أَهْلِ الْحَزْرِ بِأَنْ اعْتَادَاهُ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ. فَلَوْ وَكَّلَا مَنْ يَحْزِرُهُ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَزْرِ كَفَى، كَانَا مِنْ أَهْلِ الْحَزْرِ أَمْ لَا. فَالشَّرْطُ حَزْرُ الْبَيْعِ بِالْفِعْلِ مِنْ أَهْلِ الْحَزْرِ كَانَ الْحَزْرُ

(وَاسْتَوَتْ أَرْضُهُ) فِي اعْتِقَادِهِمَا، وَإِلَّا فَسَدَ الْعَقْدُ. ثُمَّ إنْ ظَهَرَ الِاسْتِوَاءُ فَظَاهِرٌ وَإِلَّا فَالْخِيَارُ لِمَنْ لَزِمَهُ الضَّرَرُ. (وَشَقَّ عَدُّهُ) : أَيْ كَانَ فِي عَدِّهِ مَشَقَّةٌ إنْ كَانَ مَعْدُودًا كَالْبِيضِ، وَأَمَّا مَا شَأْنُهُ الْكَيْلُ - كَالْحَبِّ - أَوْ الْوَزْنِ - كَالزَّيْتُونِ - فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمَشَقَّةُ. (وَلَمْ تُقْصَدْ أَفْرَادُهُ) أَيْ آحَادُهُ بِالْبَيْعِ فَإِنْ قُصِدَتْ كَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ جُزَافًا. (إلَّا أَنْ يَقِلَّ ثَمَنُهَا) عَادَةً: (كَرُمَّانٍ) وَتُفَّاحٍ وَبَيْضٍ فَيَجُوزُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُمَا أَوْ مِمَّنْ وَكَّلَاهُ. قَوْلُهُ: [فِي اعْتِقَادِهِمَا] : مُرَادُهُ بِالِاعْتِقَادِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمَشَقَّةُ] : وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ مَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ لِاحْتِيَاجِهِمَا لِآلَةٍ وَتَحْرِيرٍ وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى لِكُلِّ النَّاسِ بِخِلَافِ الْعَدِّ. لِتَيَسُّرِهِ لِغَالِبِ النَّاسِ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ تُقْصَدْ أَفْرَادُهُ] : أَيْ بِأَنْ كَانَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا كَثِيرًا فَإِنْ قَلَّ التَّفَاوُتُ جَازَ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يَقِلَّ ثَمَنُهَا؛ فَهُوَ مُسْتَثْنَى مِنْ مَفْهُومِ مَا قَبْلَهُ. فَإِنْ قُصِدَتْ أَفْرَادُهُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا وَلَا بُدَّ مِنْ عَدِّهِ إلَّا أَنْ يَقِلَّ ثَمَنُ تِلْكَ الْأَفْرَادِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا وَلَا يَضُرُّ قَصْدُ الْأَفْرَادِ. فَعُلِمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَا يُبَاعُ جُزَافًا إمَّا أَنْ يُعَدَّ بِمَشَقَّةٍ أَوْ لَا، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ تُقْصَدَ أَفْرَادُهُ أَوْ لَا، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَقِلَّ ثَمَنُهَا أَوْ لَا. فَمَتَى عُدَّ بِلَا مَشَقَّةٍ لَمْ يَجْرِ جُزَافًا قُصِدَتْ أَفْرَادُهُ أَوْ لَا، قَلَّ ثَمَنُهَا أَوْ لَا. وَمَتَى عُدَّ بِمَشَقَّةٍ. فَإِنْ لَمْ تُقْصَدْ أَفْرَادُهُ جَازَ بَيْعُهُ جُزَافًا قَلَّ ثَمَنُهَا أَوْ لَا. وَإِذَا قُصِدَتْ جَازَ إنْ قَلَّ ثَمَنُهَا بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ وَمُنِعَ إنْ لَمْ يَقِلَّ. فَالْمَنْعُ فِي خَمْسَةِ أَحْوَالٍ وَالْجَوَازُ فِي ثَلَاثَةٍ. قَوْلُهُ: [كَرُمَّانٍ] : وَمِثْلُهُ الْبِطِّيخُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ آحَادُهُ كَمَا فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ. تَنْبِيهٌ: بَقِيَ مِنْ شُرُوطِ الْجُزَافِ: أَنْ لَا يَشْتَرِيَهُ مَعَ مَكِيلٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي. وَأَمَّا عَدَمُ الدُّخُولِ عَلَيْهِ، فَقِيلَ: إنَّهُ شَرْطٌ لَا بُدَّ مِنْهُ. وَعَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَدْفَعَ دِرْهَمًا لِعَطَّارٍ لِيُعْطِيَك بِهِ شَيْئًا مِنْ الْأَبْزَارِ مِنْ غَيْرِ وَزْنٍ، وَلَا لِفَوَّالٍ لِيَدْفَعَ لَك بِهِ

فَعُلِمَ أَنَّ الشُّرُوطَ الْخَمْسَةَ: الْأُوَلُ عَامَّةٌ، وَأَنَّ الشَّرْطَيْنِ الْآخَرَيْنِ خَاصَّانِ بِالْمَعْدُودِ. (لَا إنْ لَمْ يُرَ) فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ جُزَافًا. (وَإِنْ) كَانَ غَيْرُ الْمَرْئِيِّ (مِلْءَ ظَرْفٍ) فَارِغٍ: كَقُفَّةٍ يَمْلَؤُهَا حِنْطَةً بِدِرْهَمٍ أَوْ قَارُورَةٍ يَمْلَؤُهَا زَيْتًا مَثَلًا بِكَذَا (وَلَوْ) كَانَ الظَّرْفُ مَمْلُوءًا فَاشْتَرَاهُ جُزَافًا بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَمْلَأَهُ (ثَانِيًا) مِنْ ذَلِكَ الْمَبِيعِ بِدِرْهَمٍ (بَعْدَ تَفْرِيغِهِ) : لِأَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ مَرْئِيٍّ حَالَ الْعَقْدِ وَلَيْسَ الظَّرْفُ مَكِيلًا مَعْلُومًا (إلَّا نَحْوَ سَلَّةِ زَبِيبٍ) وَتِينٍ وَقِرْبَةِ مَاءٍ وَجِرَارِهِ مِمَّا صَارَ فِي الْعُرْفِ كَالْمِكْيَالِ لِذَلِكَ الشَّيْءِ، فَيَجُوزُ شِرَاءُ مِثْلِهِ فَارِغًا وَمَلْئِهِ ثَانِيًا بَعْدَ تَفْرِيغِهِ بِدِرْهَمٍ. وَالسَّلَّةُ بِفَتْحِ السِّينِ: الْإِنَاءُ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ التِّينُ وَنَحْوُهُ. (وَلَا إنْ كَثُرَ جِدًّا) بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ حَزْرُهُ عَادَةً فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا. (أَوْ عَلِمَهُ أَحَدُهُمَا) فَلَا يَجُوزُ جُزَافًا. (فَإِنْ عَلِمَ الْجَاهِلُ) بِقَدْرِهِ (حِينَ الْعَقْدِ بِعِلْمِهِ) : أَيْ بِعِلْمِ صَاحِبِهِ لِقَدْرِهِ (فَسَدَ) الْبَيْعُ وَرَدَّهُ إنْ كَانَ قَائِمًا وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ. (وَ) إنْ عَلِمَ الْجَاهِلُ بِعِلْمِ صَاحِبِهِ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْعَقْدِ (خُيِّرَ) فِي الرَّدِّ وَالْإِمْضَاءِ. (أَوْ قُصِدَتْ الْأَفْرَادُ) وَلَمْ يَقِلَّ ثَمَنُهَا (كَثِيَابٍ) فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا جُزَافًا ـــــــــــــــــــــــــــــQفُولًا حَارًّا أَوْ مُدَمَّسًا، وَلَا أَنْ تَأْتِيَ لِجَزَّارٍ وَتَتَّفِقَ مَعَهُ عَلَى أَنْ يُكَوِّمَ لَك لَحْمًا وَتَشْتَرِيَهُ جُزَافًا. فَلَا بُدَّ فِي الْجَوَازِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ أَنْ يَكُونَ مُجْزَفًا عِنْدَهُ قَبْلَ طَلَبِك. وَقِيلَ لَا يَضُرُّ الدُّخُولُ عَلَيْهِ وَهِيَ فُسْحَةٌ، وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [لَا إنْ لَمْ يُرَ] : أَيْ يُبْصَرَ حِينَ الْعَقْدِ وَلَا قَبْلَهُ وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا. وَظَاهِرُهُ مَنْعُ بَيْعِ غَيْرِ الْمَرْئِيِّ، وَلَوْ وَقَعَ عَلَى الْخِيَارِ لِلْخُرُوجِ عَنْ الرُّخْصَةِ. قَوْلُهُ: [كَقُفَّةٍ] إلَخْ: أَيْ حَيْثُ كَانَتْ الْقُفَّةُ أَوْ الْقَارُورَةُ غَيْرَ مَعْرُوفَةِ الْقَدْرِ وَإِلَّا كَانَ مِكْيَالًا مَعْلُومًا فَيَخْرُجُ عَنْ الْجُزَافِ، وَأَمَّا شَرْطُ مَا فِي الْمِكْيَالِ الْمَجْهُولِ جُزَافًا فَجَائِزٌ بِشُرُوطِهِ لَا عَلَى أَنَّهُ مَكِيلٌ بِهِ. قَوْلُهُ: [فَسَدَ الْبَيْعُ] إلَخْ: أَيْ لِتَعَاقُدِهِمَا عَلَى الْغَرَرِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ] : أَيْ؛ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ مَجْهُولُ الْقَدْرِ.

(وَنَقْدٍ) ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (وَالتَّعَامُلُ) : أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ التَّعَامُلَ بِذَلِكَ النَّقْدِ (بِالْعَدَدِ) . فَإِنْ كَانَ التَّعَامُلُ بِالْوَزْنِ فَقَطْ جَازَ لِعَدَمِ قَصْدِ الْأَفْرَادِ حِينَئِذٍ (وَلَا) يَجُوزُ (جُزَافٌ) كَانَ مِمَّا أَصْلُهُ أَنْ يُكَالَ كَالْحَبِّ أَمْ لَا - (مَعَ مَكِيلٍ) مِنْ نَوْعِهِ أَوْ غَيْرِهِ - كَانَ مِمَّا أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا أَوْ كَيْلًا - لِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا أَوْ خُرُوجِهِمَا مَعًا عَنْ الْأَصْلِ. فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ؛ اسْتَثْنَى مِنْهَا صُورَةً بِقَوْلِهِ: (إلَّا أَنْ يَأْتِيَا) مَعًا (عَلَى الْأَصْلِ؛ كَجُزَافِ أَرْضٍ مَعَ مَكِيلِ حَبٍّ) كَإِرْدَبِّ حِنْطَةٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ؛ (فَيَجُوزُ) (كَجُزَافَيْنِ) مُطْلَقًا جَاءَ كُلٌّ عَلَى الْأَصْلِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ لَا. كَقِطْعَةِ أَرْضٍ مَعَ قِطْعَةِ أَرْضٍ أُخْرَى فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ بِكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ كَانَ التَّعَامُلُ بِالْوَزْنِ فَقَطْ جَازَ] : أَيْ كَانَتْ مَسْكُوكَةً أَمْ لَا، وَأَمَّا بِالْعَدَدِ أَوْ بِالْوَزْنِ وَالْعَدَدِ فَيُمْنَعُ مَسْكُوكَةً أَمْ لَا هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: [كَانَ مِمَّا أَصْلُهُ أَنْ يُكَالَ] : إلَخْ: لَمَّا كَانَ الْغَرَرُ الْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ قَدْ يَكُونُ بِسَبَبِ انْضِمَامِ مَعْلُومٍ لِمَجْهُولٍ؛ لِأَنَّ انْضِمَامَهُ إلَيْهِ يَصِيرُ فِي الْمَعْلُومِ جَهْلًا لَمْ يَكُنْ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ، شَرَعَ الْمُصَنِّفُ يُبَيِّنُهُ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ. قَوْلُهُ: [كَانَ مِمَّا أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا] : أَيْ كَالْأَرْضِ. وَقَوْلُهُ: [أَمْ لَا] : أَيْ كَالْحَبِّ. قَوْلُهُ: [لِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا] : أَيْ فِي صُورَتَيْنِ وَهِيَ جُزَافُ حَبٍّ مَعَ مَكِيلٍ مِنْهُ وَمَكِيلُ أَرْضٍ مَعَ جُزَافِ أَرْضٍ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ خُرُوجُهُمَا مَعًا] : أَيْ فِي صُورَةٍ؛ وَهِيَ مَكِيلُ أَرْضٍ مَعَ جُزَافِ حَبٍّ. قَوْلُهُ: [فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ] : أَيْ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا مَمْنُوعَةٌ وَالرَّابِعَةُ الْمُسْتَثْنَاةُ. قَوْلُهُ: [كَجُزَافِ أَرْضٍ مَعَ مَكِيلِ حَبٍّ] : أَيْ كَقِطْعَةِ أَرْضٍ مَجْهُولَةِ الْقَدْرِ يَشْتَرِيهَا مَعَ إرْدَبِّ قَمْحٍ بِدِينَارٍ مَثَلًا. قَوْلُهُ: [كَجُزَافَيْنِ مُطْلَقًا] : قَدَّرَ الشَّارِحُ هُنَا. قَوْلُهُ: مُطْلَقًا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ حَذَفَهُ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [كَقِطْعَةِ أَرْضٍ مَعَ قِطْعَةِ أَرْضٍ أُخْرَى] إلَخْ: تَمْثِيلٌ عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ.

[بيع المبيع الغائب]

أَوْ كَقِطْعَةِ أَرْضٍ مَعَ صُبْرَةِ قَمْحٍ أَوْ مَعَ إرْدَبٍّ مِنْ قَمْحٍ وَكَصُبْرَةٍ مَعَ أُخْرَى. (وَمَكِيلَيْنِ مُطْلَقًا) فَيَجُوزُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ؛ كَمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ أَرْضٍ وَمِثْلِهَا مِنْ أُخْرَى أَوْ مَعَ إرْدَبِّ قَمْحٍ أَوْ إرْدَبِّ قَمْحٍ مَعَ إرْدَبِّ فُولٍ بِكَذَا. (وَجُزَافٍ مَعَ عَرْضٍ) فَيَجُوزُ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ؛ كَصُبْرَةِ حَبٍّ أَوْ قِطْعَةِ أَرْضٍ مَعَ عَبْدٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُبَاعُ جُزَافًا. (وَجَازَ) الْبَيْعُ (عَلَى رُؤْيَةِ بَعْضِ الْمِثْلِيِّ) مِنْ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ كَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ بِخِلَافِ الْمُقَوَّمِ فَلَا يَكْفِي رُؤْيَةُ بَعْضِهِ كَثَوْبٍ مِنْ أَثْوَابٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمَكِيلِينَ مُطْلَقًا] : أَيْ خَرَجَا عَنْ الْأَصْلِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ لَا، وَقَوْلُ الشَّارِحِ: كَمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ أَرْضٍ إلَخْ: تَمْثِيلٌ عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ أَيْضًا. 1 - قَوْلُهُ: [وَجُزَافٌ مَعَ عَرْضٍ] : أَيْ خَرَجَ ذَلِكَ الْجُزَافُ عَنْ الْأَصْلِ أَمْ لَا، بِدَلِيلِ تَمْثِيلِ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [مِمَّا لَا يُبَاعُ جُزَافًا] : أَيْ وَلَا كَيْلًا كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ. تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ جُزَافَانِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ إنْ اتَّحَدَ ثَمَنُهُمَا وَصِفَتُهُمَا، كَصُبْرَتَيْ قَمْحٍ اشْتَرَاهُمَا عَلَى الْكَيْلِ كُلَّ صَاعٍ مِنْهُمَا بِدِرْهَمٍ. فَلَوْ اخْتَلَفَ الثَّمَنُ فِيهِمَا - كَمَا لَوْ اشْتَرَى كُلَّ صَاعٍ مِنْ إحْدَاهُمَا بِدِرْهَمٍ وَالْأُخْرَى بِنِصْفِ دِرْهَمٍ. أَوْ اخْتَلَفَتْ الصِّفَةُ كَقَمْحٍ وَشَعِيرٍ أَوْ الْجُودَةُ وَالرَّدَاءَةُ - مُنِعَ وَلَوْ اتَّحَدَ الثَّمَنُ، وَلَا يُضَافُ لِجُزَافِ بَيْعٍ عَلَى كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ غَيْرُهُ مُطْلَقًا مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ مَعْدُودًا مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ. فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَبِيعَ صُبْرَةً كُلَّ قَفِيزٍ مِنْهَا بِكَذَا عَلَى أَنَّ مَعَ الْمَبِيعِ سِلْعَةَ كَذَا مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ ثَمَنٍ لَهَا بَلْ ثَمَنُهَا مِنْ جُمْلَةِ مَا اشْتَرَى بِهِ الْمَكِيلَ؛ لِأَنَّ مَا يَخُصُّ السِّلْعَةَ حِينَ الْبَيْعِ مَجْهُولٌ (اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ الْأَصْلِ) . [بَيْع الْمَبِيع الْغَائِب] قَوْلُهُ: [عَلَى رُؤْيَةِ بَعْضِ الْمِثْلِيِّ] : أَيْ يَجُوزُ الْعَقْدُ مُكْتَفِيًا بِذَلِكَ فِي مَعْرِفَةِ الصِّفَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ بَتًّا أَوْ عَلَى الْخِيَارِ وَلَوْ جُزَافًا؛ لِمَا مَرَّ أَنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ كَافِيَةٌ فِيهِ كَرُؤْيَةِ السَّمْنِ فِي حَلْقِ الْجَرَّةِ مَثَلًا. وَيَشْتَرِطُ فِي رُؤْيَةِ ذَلِكَ الْبَعْضِ فِي الْجُزَافِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا كَالْمِثَالِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْمُقَوَّمِ] : أَيْ كَعِدْلٍ مَمْلُوءٍ مِنْ الْقُمَاشِ، فَلَا تَكْفِي رُؤْيَةُ

(وَ) عَلَى رُؤْيَةِ (الصِّوَانِ) بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ: مَا يَصُونَ الشَّيْءَ كَقِشْرِ الرُّمَّانِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فَلَا يُشْتَرَطُ كَسْرُ بَعْضِهِ لَيَرَى مَا فِي دَاخِلِهِ وَمِنْ ذَلِكَ الْبِطِّيخُ. (وَ) عَلَى رُؤْيَةِ (الْبَرْنَامَجِ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ: الدَّفْتَرُ الْمَكْتُوبُ فِيهِ صِفَةُ مَا فِي الْعِدْلِ مِنْ الثِّيَابِ الْمَبِيعَةِ؛ أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ ثِيَابًا مَرْبُوطَةً فِي الْعِدْلِ مُعْتَمِدًا فِيهِ عَلَى الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي الدَّفْتَرِ؛ فَإِنْ وُجِدَتْ عَلَى الصِّفَةِ لَزِمَ، وَإِلَّا خُيِّرَ الْمُشْتَرِي؛ إنْ كَانَتْ أَدْنَى صِفَةٍ، فَإِنْ وَجَدَهَا أَقَلَّ عَدَدًا وَضَعَ عَنْهُ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِهِ. فَإِنْ كَثُرَ النَّقْصُ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ لَمْ يَلْزَمْهُ وَرَدَّ بِهِ الْبَيْعَ. فَإِنْ وَجَدَهَا أَكْثَرَ عَدَدًا كَانَ الْبَائِعُ شَرِيكًا مَعَهُ بِنِسْبَةِ الزَّائِدِ وَقِيلَ يَرُدُّ مَا زَادَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْأَوَّلُ أَحَبُّ إلَيَّ. (وَ) لَوْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَغَابَ عَلَيْهِ وَادَّعَى أَنَّهُ أَدْنَى أَوْ أَنْقَصُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الْبَرْنَامَجِ (حَلَفَ الْبَائِعُ أَنَّ مَا فِي الْعَدْلِ مُوَافِقٌ لِلْمَكْتُوبِ) حَيْثُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الرِّوَايَاتُ تَدُلُّ عَلَى مُشَارَكَةِ الْمُقَوَّمِ لِلْمِثْلِيِّ فِي كِفَايَةِ رُؤْيَةِ الْبَعْضِ إذَا كَانَ الْمُقَوَّمُ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ (اهـ) . وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ. وَمَحَلُّ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِرُؤْيَةِ الْبَعْضِ فِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَشْرِهِ إتْلَافٌ وَإِلَّا اكْتَفَى بِرُؤْيَةِ الْبَعْضِ. قَوْلُهُ: [وُضِعَ عَنْهُ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِهِ] : أَيْ كَمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ. قَوْلُهُ: [لَمْ يَلْزَمْهُ وَرَدَّ بِهِ الْبَيْعَ] : أَيْ إنْ شَاءَ. وَلَا يَتَعَيَّنُ الرَّدُّ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي: وَلَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِأَقَلَّ اُسْتُحِقَّ أَكْثَرُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْمُعَيَّنِ وَمَا هُنَا فِي الْمَوْصُوفِ. وَإِنَّمَا اُغْتُفِرَ الِاعْتِقَادُ عَلَى الدَّفْتَرِ لِمَا فِي حَلِّ الْعِدْلِ مِنْ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ تَلْوِيثِ شَيْئِهِ وَمُؤَنِ شَدِّهِ إنْ لَمْ يَرْضَهُ الْمُشْتَرِي، فَأُقِيمَتْ الصِّفَةُ مُقَامَ الرُّؤْيَةِ وَإِنْ كَانَ الشَّيْءُ حَاضِرًا. قَوْلُهُ: [حَلَفَ الْبَائِعُ] إلَخْ: حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ الْمُشْتَرِيَ عَلَى الْبَرْنَامَجِ إذَا ادَّعَى بَعْدَ قَبْضِ الْمَتَاعِ - وَغَابَ عَلَيْهِ أَوْ تَلِفَ الْبَرْنَامَجُ - عَدِمَ مُوَافَقَةَ مَا فِي الْعِدْلِ لِمَا فِي الْبَرْنَامَجِ وَادَّعَى الْبَائِعُ الْمُوَافَقَةَ، فَإِنَّ الْبَائِعَ يَحْلِفُ أَنَّ مَا فِي الْعِدْلِ مُوَافِقٌ لِلْمَكْتُوبِ فِي الْبَرْنَامَجِ وَهَذَا إذَا قَبَضَهُ عَلَى تَصْدِيقِ الْبَائِعِ فَإِنْ قَبَضَهُ عَلَى أَنَّ

أَنْكَرَ مَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي: أَيْ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ بِيَمِينِهِ؛ (وَإِلَّا) بِأَنْ نَكَلَ (حَلَفَ الْمُشْتَرِي وَرَدَّ الْبَيْعَ) وَحَلَفَ أَنَّهُ مَا بَدَّلَ فِيهِ وَأَنَّ هَذَا هُوَ الْمُبْتَاعُ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ نَكَلَ كَالْبَائِعِ لَزِمَهُ. (كَدَافِعٍ لِدَرَاهِمَ) كَانَتْ عَلَيْهِ دَيْنًا أَوْ أَقْرَضَهَا لِغَيْرِهِ (ادَّعَى عَلَيْهِ) : أَيْ ادَّعَى عَلَيْهِ آخِذُهَا (أَنَّهَا رَدِيئَةٌ أَوْ نَاقِصَةٌ) ، فَالْقَوْلُ لِدَافِعِهَا بِيَمِينٍ أَنَّهُ مَا دَفَعَ إلَّا جِيَادًا أَوْ كَامِلَةً، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ آخِذُهَا وَرَدَّهَا أَوْ كَمَّلَ لَهُ دَافِعُهَا النَّقْصَ. وَهَذَا إذَا قَبَضَهَا آخِذُهَا عَلَى الْمُفَاضَلَةِ. فَإِنْ قَبَضَهَا لِيَزِنَهَا أَوْ لِيَنْظُرَ فِيهَا فَالْقَوْلُ لِلْقَابِضِ بِيَمِينِهِ. (وَ) جَازَ (بَيْعٌ) لِسِلْعَةٍ (عَلَى الصِّفَةِ) لَهَا مِنْ غَيْرِ بَائِعِهَا بَلْ (وَإِنْ مِنْ الْبَائِعِ، إنْ لَمْ يَكُنْ) الْمَبِيعُ (فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُشْتَرِيَ مُصَدِّقٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي. وَكَذَا إذَا قَبَضَهُ لِيُقَلِّبَ وَيَنْظُرَ، قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ نَقْلًا عَنْ اللَّخْمِيِّ اهـ. (بْن) . إنْ قُلْت: الْقَاعِدَةُ أَنَّ الَّذِي يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا الْمُدَّعِي؟ وَهُنَا قَدْ حَلَفَ الْبَائِعُ وَهُوَ مُدَّعٍ لِلْمُوَافَقَةِ. قُلْت: الْبَائِعُ وَإِنْ ادَّعَى الْمُوَافَقَةَ إلَّا أَنَّهُ فِي الْمَعْنَى مُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ مَنْ تَرَجَّحَ قَوْلُهُ بِمَعْهُودٍ أَوْ أَصْلٍ وَالْأَصْلُ هُنَا الْمُوَافَقَةُ. قَوْلُهُ: [حَلَفَ الْمُشْتَرِي] : أَيْ عَلَى الْمُخَالَفَةِ. قَوْلُهُ: [إنَّهُ مَا دَفَعَ إلَّا جِيَادًا] : تَصْوِيرٌ لِصِيغَةِ مُتَعَلَّقِ يَمِينِهِ وَيَحْلِفُ فِي نَقْصِ الْعَدَدِ عَلَى الْبَتِّ وَفِي نَقْصِ الْوَزْنِ وَالْغِشِّ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ دَرَاهِمِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِيهِمَا. وَقِيلَ: يَحْلِفُ فِي نَقْصِ الْوَزْنِ عَلَى الْبَتِّ مُطْلَقًا كَنَقْصِ الْعَدَدِ وَاعْتَمَدَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ بَيْعٌ لِسِلْعَةٍ عَلَى الصِّفَةِ] : أَيْ عَلَى الْبَتِّ أَوْ الْخِيَارِ أَوْ السُّكُوتِ. قَوْلُهُ: [بَلْ وَإِنْ مِنْ الْبَائِعِ] : رَدٌّ بِالْمُبَالَغَةِ عَلَى مَنْ مَنَعَ الشِّرَاءَ عَلَى اللُّزُومِ مُعْتَمِدًا عَلَى وَصْفِ الْبَائِعِ، فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الشَّيْءُ بِوَصْفِ بَائِعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوثَقُ بِوَصْفِهِ إذْ يَقْصِدُ الزِّيَادَةَ فِي الصِّفَةِ لِإِنْفَاقِ السِّلْعَةِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ارْتَضَاهُ ابْنُ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيُّ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ بِوَصْفِ الْبَائِعِ. نَعَمْ لَا يَجُوزُ النَّقْدُ فَهُوَ

بِأَنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِهِ (وَإِنْ) كَانَ (بِالْبَلَدِ) . فَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ حُضُورُهُ. (وَإِلَّا) يَكُنْ غَائِبًا عَنْهُ (فَلَا) يَصِحُّ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ وَلَا (بُدَّ مِنْ الرُّؤْيَةِ) لَهُ لِتَيَسُّرِ عِلْمِ الْحَقِيقَةِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي فَتْحِهِ ضَرَرٌ) لِلْمَبِيعِ (أَوْ فَسَادٌ لَهُ) فَيَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ، ثُمَّ إنْ وَجَدَهُ عَلَيْهَا فَالْبَيْعُ لَازِمٌ وَإِلَّا فَلِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ. (وَ) جَازَ الْبَيْعُ (عَلَى رُؤْيَةٍ) سَابِقَةٍ لِلْمَبِيعِ (إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بَعْدَهَا عَادَةً) إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْيَاءِ: مِنْ فَاكِهَةٍ وَثِيَابٍ وَحَيَوَانٍ وَعَقَارٍ، فَإِنْ كَانَ شَأْنُهُ التَّغَيُّرَ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْبَتِّ. (وَ) جَازَ عَلَى الْخِيَارِ (إنْ لَمْ يَبْعُدْ) مَا بِيعَ عَلَى الصِّفَةِ أَوْ الرُّؤْيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (جِدًّا) . فَإِنْ بَعُدَ جِدًّا (كَخُرَاسَانَ) بِالْمَشْرِقِ (مِنْ إفْرِيقِيَّةَ) بِالْمَغْرِبِ مِمَّا يُظَنُّ فِيهِ التَّغَيُّرُ قَبْلَ إدْرَاكِهِ عَلَى صِفَتِهِ لَمْ يَجُزْ (إلَّا عَلَى خِيَارٍ بِالرُّؤْيَةِ) أَيْ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرْطٌ فِي النَّقْدِ عِنْدَهُمَا لَا فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ فَمَتَى كَانَ الْوَصْفُ مِنْ الْبَائِعِ مُنِعَ النَّقْدُ كَانَ تَطَوُّعًا أَوْ بِشَرْطٍ كَانَ الْمَبِيعُ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ كَمَا ارْتَضَاهُ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِهِ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْغَائِبَ إذَا بِيعَ بِالصِّفَةِ عَنْ اللُّزُومِ فَلَا بُدَّ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ مِنْ كَوْنِهِ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ. وَأَمَّا مَا بِيعَ عَلَى الصِّفَةِ بِالْخِيَارِ أَوْ بِيعَ عَلَى الْخِيَارِ بِلَا وَصْفٍ أَوْ عَلَى رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ بَتًّا أَوْ خِيَارًا فَلَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ غَيْبَةُ بَلْ يَجُوزُ وَلَوْ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي فَتْحِهِ فَسَادٌ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ] : أَيْ لُزُومًا. قَوْلُهُ: [وَجَازَ الْبَيْعُ عَلَى رُؤْيَةٍ سَابِقَةٍ] : فَإِنْ حَصَلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي ادَّعَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي رَآهُ عَلَيْهَا وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ عَلَيْهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ بِيَمِينِهِ إنْ حَصَلَ شَكٌّ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ: هَلْ تِلْكَ الْمُدَّةُ تُغَيِّرُ الْمَبِيعَ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَطَعَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِعَدَمِ التَّغَيُّرِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ بِلَا يَمِينٍ، أَوْ بِالتَّغَيُّرِ فَلِلْمُشْتَرِي بِلَا يَمِينٍ. وَإِنْ رَجَحَتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينٍ.

خِيَارِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ رُؤْيَتِهِ (فَيَجُوزُ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ بِيعَ عَلَى الصِّفَةِ أَوْ الرُّؤْيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بَعُدَ أَوْ لَمْ يَبْعُدْ (إنْ لَمْ يَنْقُدْ) : أَيْ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ نَقْدَ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ. فَإِنْ شَرَطَ لَمْ يَجُزْ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ اثْنَتَيْ عَشَرَ صُورَةً؛ لِأَنَّهُ: إمَّا أَنْ يُبَاعَ عَلَى الصِّفَةِ، أَوْ عَلَى رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ، أَوْ بِدُونِهِمَا، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يُبَاعَ عَلَى الْبَتِّ، أَوْ عَلَى الْخِيَارِ بِالرُّؤْيَةِ، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا جِدًّا أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ عَلَى الْخِيَارِ جَازَ مُطْلَقًا إنْ لَمْ يَنْقُدْ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْبَتِّ جَازَ؛ إلَّا فِيمَا بِيعَ بِدُونِهِمَا - قَرُبَ أَوْ بَعُدَ لِلْجَهْلِ بِالْمَبِيعِ - أَوْ كَانَ يَتَغَيَّرُ عَادَةً أَوْ بَعِيدًا جِدًّا، وَأَمَّا إنْ كَانَ حَاضِرًا مَجْلِسَ الْعَقْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي فَتْحِهِ مَشَقَّةٌ أَوْ فَسَادٌ فَيُبَاعُ بِالْوَصْفِ أَوْ عَلَى مَا فِي الْبَرْنَامَجِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ] إلَخْ: لَا مَفْهُومَ لَهُ، بَلْ يُمْنَعُ النَّقْدُ وَلَوْ تَطَوُّعًا لِمَا يَأْتِي لَهُ فِي بَابِ الْخِيَارِ فِي قَوْلِهِ: وَمُنِعَ وَإِنْ بِلَا شَرْطٍ فِي كُلِّ مَا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ عَنْ مُدَّةِ الْخِيَارِ كَمُوَاضَعَةٍ وَغَائِبٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: [جَازَ مُطْلَقًا] : أَيْ فِي سِتِّ صُوَرٍ، وَهِيَ: عَلَى الصِّفَةِ، أَوْ رُؤْيَةٍ، مُتَقَدِّمَةٍ، أَوْ بِدُونِهِمَا، وَفِي كُلٍّ: قَرُبَ أَوْ بَعُدَ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ عَلَى الْبَتِّ جَازَ] : أَيْ فِي صُورَتَيْنِ، وَهُمَا: الصِّفَةُ، وَالرُّؤْيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَلَمْ يَبْعُدْ جِدًّا فِيهِمَا. وَمَفْهُومُهُ صُورَتَانِ وَهُمَا: الصِّفَةُ، وَالرُّؤْيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ مَعَ الْبُعْدِ جِدًّا. قَوْلُهُ: [إلَّا فِيمَا بِيعَ بِدُونِهِمَا] إلَخْ: تَحْتَهُ صُورَتَانِ مَمْنُوعَتَانِ أَيْضًا، فَالْمَمْنُوعُ أَرْبَعٌ وَالْجَائِزُ ثَمَانٍ، وَهَذَا كُلُّهُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ النَّقْدِ وَعَدَمِهِ. وَأَمَّا إنْ نَظَرَ لَهُمَا كَانَتْ الصُّوَرُ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ عَلِمْت مِنْ حَاصِلِ الشَّارِحِ الِاثْنَتَيْ عَشَرَةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَرْطُ النَّقْدِ. وَأَمَّا الِاثْنَتَا عَشَرَةَ الَّتِي فِيهَا شَرْطُ النَّقْدِ فَحَاصِلُهَا أَنَّ السِّتَّ الَّتِي فِيهَا الْخِيَارُ يُمْنَعُ فِيهَا شَرْطُ النَّقْدِ، وَكَذَا إذَا بِيعَ لَا عَلَى صِفَةٍ وَلَا عَلَى رُؤْيَةٍ بِاللُّزُومِ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ؛ فَهَاتَانِ صُورَتَانِ. وَبَقِيَ أَرْبَعٌ: وَهِيَ الْمَبِيعُ بِالصِّفَةِ، أَوْ الرُّؤْيَةُ السَّابِقَةُ عَلَى اللُّزُومِ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ؛ فَيَجُوزُ بِشُرُوطٍ تُؤْخَذُ مِنْ الْمُصَنِّفِ وَالشَّرْحِ وَسَنَذْكُرُهَا بَعْدُ فَلْيُحْفَظْ.

(وَضَمَانُهُ) : أَيْ الْمَبِيعِ غَائِبًا عَلَى الصِّفَةِ أَوْ بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ (مِنْ الْمُشْتَرِي) : أَيْ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ بِالْعَقْدِ (إنْ كَانَ عَقَارًا) وَلَوْ بِيعَ عَلَى الْمُذَارَعَةِ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنْ بِيعَتْ الدَّارُ مُذَارَعَةً فَالضَّمَانُ مِنْ الْبَائِعِ بِلَا إشْكَالٍ (وَأَدْرَكَتْهُ الصَّفْقَةُ سَالِمًا) . (وَإِلَّا) يَكُنْ عَقَارًا أَوْ أَدْرَكَتْهُ الصَّفْقَةُ مَعِيبًا (فَمِنْ الْبَائِعِ) الضَّمَانُ (إلَّا لِشَرْطٍ فِيهِمَا) : أَيْ إلَّا لِشَرْطٍ مِنْ الْمُشْتَرِي فِي الْعَقَارِ أَنَّهُ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ مِنْ الْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي غَيْرِهِ فَيُعْمَلُ بِهِ. (وَقَبْضُهُ) : أَيْ الْمَبِيعِ غَائِبًا؛ أَيْ الْخُرُوجُ لَهُ (عَلَى الْمُشْتَرِي) . (وَ) يَجُوزُ (النَّقْدُ فِيهِ تَطَوُّعًا) مُطْلَقًا - عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ - (كَبِشَرْطٍ) : أَيْ كَمَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ بِشَرْطٍ (إنْ كَانَ) الْمَبِيعُ الْغَائِبُ عَلَى الصِّفَةِ أَوْ بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ (عَقَارًا) عَلَى اللُّزُومِ وَلَوْ بَعْدَ لَا جِدًّا؛ لِأَنَّ شَأْنَهُ أَلَّا يُسْرِعَ إلَيْهِ التَّغَيُّرُ، إلَّا أَنْ يَصِفَهُ بَائِعُهُ فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ بِشَرْطٍ، وَيَجُوزُ تَطَوُّعًا. (أَوْ) كَانَ غَيْرَ عَقَارٍ، وَ (قَرُبَ كَيَوْمٍ وَنَحْوِهِ) يَوْمٌ ثَانٍ لَا أَكْثَرَ لِأَنَّ الشَّأْنَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ فِي الْيَوْمَيْنِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ أَوْ الْوَصْفِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ بِيعَ عَلَى الْمُذَارَعَةِ] : أَيْ الرَّاجِحُ كَمَا أَفَادَهُ (ر) وَمَحَلُّ كَوْنِ الضَّمَانِ مِنْ الْمُشْتَرِي إذَا لَمْ تَحْصُلْ مُنَازَعَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَائِعِ فِي أَنَّ الْعَقْدَ صَادَفَ الْمَبِيعَ هَالِكًا أَوْ سَالِمًا، فَإِنْ حَصَلَتْ مُنَازَعَةٌ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي وَالضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ انْتِفَاءُ الضَّمَانِ عَنْ الْمُشْتَرِي. وَعَزَاهُ فِي التَّوْضِيحِ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ (اهـ. خَرَشِيٌّ) . قَوْلُهُ: [عَلَى الْمُشْتَرِي] : أَيْ وَشَرْطُهُ عَلَى بَائِعِهِ مَعَ كَوْنِ ضَمَانِهِ مِنْهُ يُفْسِدُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ عَلَيْهِ الْمُبْتَاعُ الْإِتْيَانَ بِهِ صَارَ كَوَكِيلِهِ فَانْتَفَى عَنْهُ الضَّمَانُ، فَشَرْطُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ مُوجِبٌ لِلْفَسَادِ. وَإِنْ كَانَ ضَمَانُهُ فِي إتْيَانِهِ مِنْ مُبْتَاعِهِ فَجَائِزٌ وَهُوَ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ، كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَيَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ تَطَوُّعًا] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَبِيعَ الْغَائِبَ بِالصِّفَةِ عَلَى اللُّزُومِ يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ تَطَوُّعًا سَوَاءٌ كَانَ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ. وَإِنْ كَانَ عَلَى الْخِيَارِ مُنِعَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّقْدُ مُطْلَقًا عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ النَّقْدِ تَطَوُّعًا - إذَا بِيعَ عَلَى الصِّفَةِ اللُّزُومُ وَكَوْنُ الْوَاصِفِ لَهُ غَيْرَ الْبَائِعِ؟ لِأَنَّ وَصْفَهُ يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ النَّقْدِ وَلَوْ تَطَوُّعًا، وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ فِي الْحَاشِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. أَوْ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ؟ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ كَلَامِ (بْن) فَإِنَّهُ نَازَعَ فِي كَوْنِ وَصْفِ الْبَائِعِ مِنْ جَوَازِ النَّقْدِ تَطَوُّعًا. وَأَمَّا النَّقْدُ بِشَرْطٍ فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ عَقَارًا فَيَجُوزُ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: أَنْ يَكُونَ عَلَى اللُّزُومِ، وَالْوَاصِفُ لَهُ غَيْرَ بَائِعِهِ وَأَنْ لَا يَبْعُدَ جِدًّا. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَقَارٍ فَيَجُوزُ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ: أَنْ تَقْرُبَ غَيْبَتُهُ كَيَوْمَيْنِ، وَالْبَيْعُ عَلَى اللُّزُومِ، وَالْوَاصِفُ لَهُ غَيْرُ الْبَائِعِ، وَلَيْسَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ. فَإِنْ تَخَلَّفَ شَرْطٌ مِنْهَا مُنِعَ شَرْطُ النَّقْدِ.

[فصل في الربا]

(حَرُمَ) كِتَابًا وَسُنَّةً وَإِجْمَاعًا (فِي عَيْنٍ وَطَعَامٍ: رِبَا فَضْلٍ) : أَيْ زِيَادَةٍ وَلَوْ مُنَاجَزَةً. (إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ) فِيهِمَا: فَلَا يَجُوزُ دِرْهَمٌ بِدِرْهَمَيْنِ وَلَا دِينَارٌ بِدِينَارَيْنِ وَلَا صَاعُ قَمْحٍ مَثَلًا بِصَاعَيْنِ وَلَوْ يَدًا بِيَدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الرِّبَا] [تَحْرِيم ربا الْفَضْل وربا النِّسَاء وَالصَّرْف] فَصْلٌ: لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مَا هُوَ مَقْصُودٌ بِالذَّاتِ مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْعِ وَشُرُوطِهِ وَمَوَانِعِهِ الْعَامَّةِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَوَانِعَ مُخْتَصَّةٍ بِبَعْضِ أَنْوَاعِهِ. وَكِتَابًا وَمَا بَعْدَهُ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ فَتَحْرِيمُ الْكِتَابِ هُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَالسُّنَّةِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَهُ وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ» . وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ: فَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى حُرْمَتِهِ، وَصَحَّ رُجُوعُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ إبَاحَةِ رِبَا الْفَضْلِ لِعُمُومِ التَّحْرِيمِ. قَوْلُهُ: [أَيْ زِيَادَةٌ] : اعْتَرَضَ بِأَنَّهُ يَشْمَلُ الزِّيَادَةَ فِي الصِّفَةِ مَعَ أَنَّ الْحُرْمَةَ خَاصَّةٌ بِالزِّيَادَةِ فِي الْعَدَدِ أَوْ الْوَزْنِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ قَوْلَهُ الْآتِي عَاطِفًا عَلَى مَا يَجُوزُ وَقَضَاءِ قَرْضٍ بِمُسَاوٍ وَأَفْضَلَ صِفَةٍ قَصْرٌ لَهُ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْعَدَدِ أَوْ الْوَزْنِ دُونَ الصِّفَةِ فَإِجْمَالُهُ هُنَا اتِّكَالُ عَلَى مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَلَوْ مُنَاجَزَةً] : أَيْ يَدًا بِيَدٍ. قَوْلُهُ: [إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ] إلَخْ: أَيْ لِقَوْلِ الْعَلَّامَةِ الْأُجْهُورِيِّ:

(وَالطَّعَامُ رِبَوِيٌّ) الْوَاوُ لِلْحَالِ: وَالْحَالُ أَنَّ الطَّعَامَ رِبَوِيٌّ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الرِّبَوِيِّ وَالْأَجْنَاسِ؛ فَإِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ أَوْ كَانَ الطَّعَامُ غَيْرَ رِبَوِيٍّ جَازَتْ الْمُفَاضَلَةُ إنْ كَانَتْ يَدًا بِيَدٍ كَدِينَارٍ بِقِنْطَارٍ مِنْ فِضَّةٍ وَإِرْدَبِّ قَمْحٍ بِأَرَادِبَ مِنْ فُولٍ مَثَلًا مُنَاجَزَةً. (وَ) حَرُمَ فِيهِمَا (رِبَا نَسَاءٍ) بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ تَأْخِيرٍ (مُطْلَقًا) اتَّحَدَ الْجِنْسُ أَوْ اخْتَلَفَ، كَانَ الطَّعَامُ رِبَوِيًّا أَمْ لَا. فَلَا يَجُوزُ دَفْعُ دِينَارٍ فِي مِثْلِهِ أَوْ فِي دَرَاهِمَ لِوَقْتِ كَذَا وَلَا طَعَامٍ رِبَوِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ فِي طَعَامٍ آخَرَ لِوَقْتِ كَذَا كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْقَرْضُ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: (فَيَجُوزُ صَرْفُ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ) قَلَّتْ عَنْ صَرْفِ الْوَقْتِ أَوْ كَثُرَتْ عِنْدَ الرِّضَا بِذَلِكَ (مُنَاجَزَةً) : أَيْ يَدًا بِيَدٍ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ. (لَا) يَجُوزُ (ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ) مِنْ جَانِبٍ بِمِثْلِهِمَا مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَلَوْ تَسَاوَيَا؛ كَدِينَارٍ وَدِرْهَمٍ بِدِينَارٍ وَدِرْهَمٍ (أَوْ أَحَدُهُمَا وَعَرْضٌ) مِنْ جَانِبٍ - ـــــــــــــــــــــــــــــQرِبَا نَسَا فِي النَّقْدِ حَرِّمْ وَمِثْلُهُ ... طَعَامٌ وَإِنْ جِنْسَاهُمَا قَدْ تَعَدَّدَا وَخَصَّ رِبَا فَضْلٍ بِنَقْدٍ وَمِثْلُهُ ... طَعَامٌ رِبَا إنْ جِنْسُ كُلٍّ تَوَحَّدَا قَوْلُهُ: [بِفَتْحِ النُّونِ] : أَيْ مَهْمُوزًا مَعَ الْمَدِّ وَعَدَمِهِ، وَأَمَّا الرِّبَا فَهُوَ بِالْقَصْرِ لَا غَيْرُ. قَوْلُهُ: [دَفْعُ دِينَارٍ فِي مِثْلِهِ] : مِثَالٌ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ فِي دَرَاهِمَ] : مِثَالٌ لِاخْتِلَافِهِ. قَوْلُهُ: [فِي طَعَامٍ آخَرَ] : أَيْ رِبَوِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ جِنْسِ الْمَدْفُوعِ فِيهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ. قَوْلُهُ: [وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْقَرْضُ] : أَيْ فَلَا يَضُرُّ فِيهِ التَّأْخِيرُ مَعَ أَنَّهُ مُتَّحِدُ الْجِنْسِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّعَامِ الرِّبَوِيِّ وَغَيْرِهِ بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ. وَقَوْلُهُ: [قُلْت عَنْ صَرْفِ الْوَقْتِ] : أَيْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ قَدْرَ صَرْفِ الْوَقْتِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ. وَالْغَبْنُ جَائِزٌ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ تَسَاوَيَا] : مَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ تَتَحَقَّقْ مُسَاوَاةُ الدِّينَارِ لِلدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ لِلدِّرْهَمِ، وَإِلَّا جَازَ. وَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَادَلَةِ لَا مِنْ قَبِيلِ الصَّرْفِ.

[ما يمنع من الصرف سدا للذرائع]

كَدِينَارٍ وَثَوْبٍ بِمِثْلِهِمَا أَوْ دِرْهَمٍ وَشَاةٍ (بِمِثْلِهِمَا) . اعْلَمْ أَنَّ قَاعِدَةَ الْمَذْهَبِ سَدُّ الذَّرَائِعِ؛ فَالْفَضْلُ الْمُتَوَهَّمُ كَالْمُحَقَّقِ؛ فَتَوَهُّمُ الرِّبَا كَتَحَقُّقِهِ. فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ أَوْ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ نَوْعِهِ أَوْ سِلْعَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوهِمُ الْقَصْدَ إلَى التَّفَاضُلِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ. إذْ رُبَّمَا كَانَ أَحَدُ الثَّوْبَيْنِ أَقَلَّ قِيمَةً مِنْ الدِّينَارِ الْآخَرِ أَوْ أَكْثَرَ فَتَأْتِي الْمُفَاضَلَةُ. (وَ) لَا يَجُوزُ صَرْفُ (مُؤَخَّرٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ رِبَا النَّسَاءِ (وَلَوْ) كَانَ التَّأْخِيرُ (غَلَبَةً) : كَأَنْ يَحُولَ بَيْنَهُمَا عَدُوٌّ أَوْ سَيْلٌ أَوْ نَارٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. (أَوْ قَرُبَ) التَّأْخِيرُ (مَعَ فُرْقَةٍ) فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِقَوْلِ سَنَدٍ: إذَا تَصَارَفَا فِي مَجْلِسٍ وَتَقَابَضَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَالْمَشْهُورُ الْمَنْعُ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ فِيمَا قَرُبَ (اهـ) . وَأَمَّا دُخُولُ الصَّيْرَفِيِّ حَانُوتَهُ لِيُخْرِجَ مِنْهُ الدَّرَاهِمَ أَوْ مَشَى قَدْرَ حَانُوتٍ أَوْ حَانُوتَيْنِ لِتَقْلِيبِ الدَّرَاهِمِ فَقِيلَ بِالْكَرَاهَةِ وَقِيلَ بِالْجَوَازِ. (أَوْ عَقَدَ وَوَكَّلَ) غَيْرَهُ (فِي الْقَبْضِ) فَيُمْنَعُ (إلَّا بِحَضْرَةِ مُوَكِّلِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إذْ رُبَّمَا كَانَ أَحَدُ الثَّوْبَيْنِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ مَا صَاحَبَ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ مِنْ الْعَرَضِ يُقَدَّرُ مِنْ جِنْسِ النَّقْدِ الْمُصَاحِبِ لَهُ فَيَأْتِي الشَّكُّ فِي التَّمَاثُلِ وَالْمَنْعُ فِي هَذِهِ مُطْلَقٌ وَلَوْ تَحَقَّقَ تَمَاثُلُ الدِّينَارَيْنِ وَتَمَاثُلُ قِيمَةِ الْعَرَضَيْنِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَالِكًا مَنَعَ الصُّورَتَيْنِ وَأَبُو حَنِيفَةَ أَجَازَهُمَا وَفَرَّقَ الشَّافِعِيُّ بَيْنَهُمَا فَأَجَازَ الْأُولَى وَمَنَعَ الثَّانِيَةَ وَتُسَمَّى عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِمَسْأَلَةِ دِرْهَمٍ وَمُدِّ عَجْوَةٍ. [مَا يَمْنَع مِنْ الصَّرْف سدا لِلذَّرَائِعِ] قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ غَلَبَةً] : أَيْ طَالَ أَمْ لَا. وَكَرِهَ مَالِكٌ لِلصَّرَّافِ أَنْ يُدْخِلَ الدِّينَارَ تَابُوتَه قَبْلَ تَمَامِ الصَّرْفِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ يَجُوزُ فِيمَا قَرُبَ] : أَيْ وَهُوَ مَذْهَبُ الْعُتْبِيَّةِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: يَجُوزُ التَّأْخِيرُ الْقَلِيلُ مَعَ تَفَرُّقِ الْأَبْدَانِ اخْتِيَارًا. قَوْلُهُ: [إلَّا بِحَضْرَةِ مُوَكِّلِهِ] : أَيْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوَكِّلَ أَجْنَبِيًّا أَوْ شَرِيكَهُ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ. وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ: يَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَ، إذَا كَانَ الْوَكِيلُ شَرِيكًا وَلَوْ فِي غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ أَقْوَالٍ أَرْبَعَةٍ؛ قِيلَ: إنَّ التَّوْكِيلَ عَلَى الْقَبْضِ لَا يَضُرُّ مُطْلَقًا كَانَ الْوَكِيلُ شَرِيكًا أَوْ أَجْنَبِيًّا قَبَضَ فِي حَضْرَةِ مُوَكِّلِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ،

(أَوْ غَابَ نَقْدُ أَحَدِهِمَا وَطَالَ) بِلَا تَفَرُّقٍ فِي الْمَجْلِسِ فَيُمْنَعُ وَيَفْسُدُ الصَّرْفُ. (أَوْ) غَابَ (نَقْدَاهُمَا) مَعًا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَلَوْ لَمْ يَطُلْ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الطُّولِ. وَمَعْنَاهُ كَمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَنْ تَعْقِدَ الصَّرْفَ مَعَ غَيْرِك وَلَيْسَ مَعَكُمَا شَيْءٌ، ثُمَّ تَقْتَرِضَ الدِّينَارَ مِنْ رَجُلٍ بِجَانِبِك وَهُوَ يَقْتَرِضُ الدَّرَاهِمَ مِنْ رَجُلٍ بِجَانِبِهِ فَدَفَعْت لَهُ الدِّينَارَ وَدَفَعَ لَك الدَّرَاهِمَ؛ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ طُولٌ. وَلَوْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مَعَهُ وَاقْتَرَضْت أَنْتَ الدِّينَارَ فَإِنْ كَانَ أَمْرًا قَرِيبًا كَحَلِّ الصُّرَّةِ وَلَمْ تَقُمْ وَلَمْ تَبْعَثْ لَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ (اهـ) . وَمَعْنَى قَوْلِهَا: لَا خَيْرَ فِيهِ. أَنَّهُ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى الْفَسَادِ وَالْغَرَرِ، قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ. (أَوْ) وَقَعَ الصَّرْفُ (بِدَيْنٍ) مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ كَأَنْ يَكُونَ لَك عَلَى شَخْصٍ دَرَاهِمُ وَلَهُ عَلَيْك دَنَانِيرُ فَتُسْقِطُ الدَّرَاهِمَ فِي الدَّنَانِيرِ فَيَمْتَنِعُ (إنْ تَأَجَّلَ) الدَّيْنُ مِنْ كُلٍّ بَلْ (وَإِنْ) تَأَجَّلَ (مِنْ أَحَدِهِمَا) . لِأَنَّ مَنْ عَجَّلَ الْمُؤَجَّلَ عُدَّ مُسَلِّفًا فَإِذَا جَاءَ الْأَجَلُ اقْتَضَى مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ. فَكَأَنَّ الْقَبْضَ إنَّمَا وَقَعَ عِنْدَ الْأَجَلِ وَعَقْدُ الصَّرْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيلَ: يَضُرُّ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: إنْ كَانَ شَرِيكًا فَلَا يَضُرُّ وَلَوْ قَبَضَ فِي غَيْبَةِ مُوَكِّلِهِ وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا ضَرَّ إنْ قَبَضَ فِي غَيْبَةِ مُوَكِّلِهِ، وَقِيلَ: إنْ قَبَضَ بِحَضْرَةِ مُوَكِّلِهِ فَلَا يَضُرُّ مُطْلَقًا وَإِنْ قَبَضَ فِي غَيْبَتِهِ ضَرَّ مُطْلَقًا. وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [فَيُمْنَعُ وَيَفْسُدُ الصَّرْفُ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِالصِّحَّةِ. قَوْلُهُ: [وَمَعْنَاهُ كَمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ] إلَخْ: مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ هَذِهِ تُسَمَّى الصَّرْفَ عَلَى الذِّمَّةِ كَمَا فِي (شب) . وَأَمَّا الصَّرْفُ فِي الذِّمَّةِ فَهِيَ فِي الدُّيُونِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى عَقْدِ الصَّرْفِ الَّتِي أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ: أَوْ وَقَعَ الصَّرْفُ بِدَيْنٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ إلَخْ. قَوْلُهُ: [اقْتَضَى مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ] : أَيْ قَبَضَ وَأَخَذَ مِنْ نَفْسِهِ مَا أَسْلَفَهُ فَكَأَنَّ الَّذِي لَهُ الدِّينَارُ يَأْخُذُهُ مِنْ نَفْسِهِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَاَلَّذِي لَهُ الدَّرَاهِمُ يَأْخُذُهَا مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ فِي نَظِيرِ الدِّينَارِ الَّذِي تَرَكَهُ لِصَاحِبِهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ الدِّينَارُ حِينَ تَصَارَفَ فَقَدْ عَجَّلَ الدِّينَارَ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ فَسَلَّفَهُ لِصَاحِبِهِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ الْأَجَلُ يَصْرِفُهُ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي فِي ذِمَّتِهِ فَظَهَرَ كَوْنُهُ صَرْفًا مُؤَخَّرًا وَكَذَا يُقَالُ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ.

قَدْ تَقَدَّمَ، فَلَوْ حَلَّا مَعًا جَازَ. (أَوْ) وَقَعَ الصَّرْفُ (لِرَهْنٍ) عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ (أَوْ وَدِيعَةٍ) عِنْدَ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ. (أَوْ) وَقَعَ لِحُلِيِّ (مُسْتَأْجِرٍ أَوْ عَارِيَّةِ غَائِبٍ) كُلٌّ مِنْ الرَّهْنِ وَمَا بَعْدَهُ عَنْ مَجْلِسِ الصَّرْفِ، فَيُمْنَعُ. فَإِنْ حَضَرَ فِي مَجْلِسِهِ جَازَ فِي الْجَمِيعِ. (كَمَصُوغٍ) : أَيْ كَمَا يَمْتَنِعُ صَرْفُ مَصُوغٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (غُصِبَ) وَغَابَ عَنْ مَجْلِسِ الصَّرْفِ. وَأَمَّا الْمَسْكُوكُ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالتِّبْرِ فَيَجُوزُ صَرْفُهُ وَلَوْ غَائِبًا لِتَعَلُّقِهِ بِالذِّمَّةِ كَالدَّيْنِ الْحَالِّ كَمَا سَيُنَبَّهُ عَلَيْهِ قَرِيبًا (إلَّا أَنْ يَذْهَبَ) الْمَصُوغُ: أَيْ يَتْلَفَ أَوْ يَعْدَمَ عِنْدَ غَاصِبِهِ (فَيَضْمَنُ) بِسَبَبِ ذَلِكَ (قِيمَتَهُ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَوْ حَلَّا مَعًا جَازَ] : لَا يُقَالُ: هَذَا مُقَاصَّةٌ لَا صَرْفٌ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ: قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُقَاصَّةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الدَّيْنَيْنِ الْمُتَّحِدَيْ الصِّنْفِ فَلَا تَكُونُ فِي دَيْنَيْنِ مِنْ نَوْعَيْنِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَلَا صِنْفَيْ نَوْعٍ كَالْبُنْدُقِيِّ وَالْمَحْبُوبِ. قَوْلُهُ: [فَيُمْنَعُ] : أَيْ وَلَوْ شَرَطَ الضَّمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَالْمُودَعِ بِالْفَتْحِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ الْقَائِلِ بِالْجَوَازِ إذَا شَرَطَ الضَّمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَالْمُودِعِ وَقْتَ عَقْدِ الرَّهْنِ أَوْ الْوَدِيعَةِ وَلَوْ قَامَتْ عَلَى هَلَاكِهَا بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ عَلَى الضَّمَانِ الْمُرْتَهِنُ أَوْ الْمُودِعُ صَارَ كَأَنَّهُ حَاضِرٌ فِي مَجْلِسِ الصَّرْفِ وَمُنِعَ صَرْفُ الرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَالْمُعَارِ حَيْثُ كَانَ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَلَوْ كَانَ الْمُصَارَفُ عَلَيْهِ مَسْكُوكًا عَلَى الْمَشْهُورِ. خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ الْقَائِلِ بِجَوَازِ صَرْفِ الْمَرْهُونِ الْمَسْكُوكِ الْغَائِبِ عَنْ الْمَجْلِسِ إمَّا لِحُصُولِ الْمُنَاجَزَةِ بِالْقَبُولِ أَوْ لِلِالْتِفَاتِ إلَى إمْكَانِ التَّعَلُّقِ بِالذِّمَّةِ فَأَشْبَهَ الْمَغْصُوبَ إذْ هُوَ عَلَى الضَّمَانِ إنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ (اهـ) . قَوْلُهُ: [كَمَصُوغٍ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَصُوغَ إذَا هَلَكَ فِي حَالِ غَصْبِهِ يَلْزَمُ فِيهِ الْقِيمَةُ لِدُخُولِ الصِّيَاغَةِ فِيهِ وَقَبْلَ هَلَاكِهِ يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ رَدُّهُ بِعَيْنِهِ، فَلِذَلِكَ مُنِعَ صَرْفٌ فِي غَيْبَتِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ هَلَكَ وَلَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ وَمَا يَدْفَعُهُ فِي صَرْفِهِ قَدْ يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ فَيُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمَصُوغِ فَبِمُجَرَّدِ غَصْبِهِ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ مِثْلُهُ وَلَا يَدْخُلُ فِي صَرْفِهِ فِي غَيْبَتِهِ احْتِمَالُ التَّفَاضُلِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَجُوزُ تَصْدِيقٌ فِيهِ] : مَعْطُوفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَحَرُمَ فِي عَيْنٍ إلَخْ: كَأَنَّهُ قَالَ: حَرُمَ فِي عَيْنٍ وَحَرُمَ الصَّرْفُ مُلْتَبِسًا بِتَصْدِيقٍ فِيهِ.

أَيْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ بِالصَّنْعَةِ صَانِعٌ مِنْ الْمُقَوِّمَاتِ (فَيَجُوزُ) الصَّرْفُ لِمَا فِي الذِّمَّةِ كَالدَّيْنِ الْحَالِّ، فَإِذَا قُوِّمَ بِدِينَارٍ جَازَ أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ دَرَاهِمَ وَعَكْسُهُ بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ عِنْدَ الْعَقْدِ. (كَالْمَسْكُوكِ) إذَا غُصِبَ وَلَوْ غَابَ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ صَرْفُهُ بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ. (وَلَا) يَجُوزُ (تَصْدِيقٌ فِيهِ) : أَيْ فِي الصَّرْفِ لَا فِي عَدَدِهِ وَلَا وَزْنِهِ وَلَا جَوْدَتِهِ، بَلْ يَجِبُ الْعَدُّ وَالْوَزْنُ وَالنَّقْدُ وَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ لَك مَشْهُورًا بِالْأَمَانَةِ وَالصِّدْقِ إذْ رُبَّمَا كَانَ نَاقِصًا عَدَدًا أَوْ وَزْنًا؛ أَوْ زَائِفًا؛ فَيَرْجِعُ بِهِ فَيُؤَدِّي إلَى الصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ. ثُمَّ شَبَّهَ فِي مَنْعِ التَّصْدِيقِ فُرُوعًا أَرْبَعَةً فَقَالَ: (كَمُبَادَلَةٍ فِي نَقْدٍ) : أَيْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ؛ كَأَنْ تُبَدِّلَ دِينَارًا بِمِثْلِهِ أَوْ دِرْهَمًا بِمِثْلِهِ. (أَوْ طَعَامٍ) : وَلَوْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ؛ كَأَنْ تُبَدِّلَ صَاعًا مِنْ قَمْحٍ بِمِثْلِهِ أَوْ بِفُولٍ فَلَا يَجُوزُ التَّصْدِيقُ فِيهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْعَدَدِ وَقَدْرِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ فِيمَا يُوزَنُ مِنْهُ. (وَقَرْضٍ) لَا يَجُوزُ التَّصْدِيقُ فِيهِ، مَنْ اقْتَرَضَ نَقْدًا أَوْ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَ الْمُقْتَرِضَ فِيمَا أَخَذَهُ مِنْهُ؛ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ نَقْصٍ أَوْ رَدَاءَةٍ فَيَتَغَاضَى عَنْهُ آخُذُهُ لِحَاجَتِهِ وَفِي نَظِيرِ الْمَعْرُوفِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَيُؤَدِّي إلَى الصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ] : أَيْ حَيْثُ رَجَعَ بِهِ وَلَمْ يَغْتَفِرْهُ. وَإِنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ عَدَمَ الرُّجُوعِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَزِمَ أَكْلُ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَجُوزُ التَّصْدِيقُ فِيهِ] : أَيْ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ النَّقْدِ وَالطَّعَامِ لِئَلَّا يُوجَدَ نَقْصٌ فَيَدْخُلُ التَّفَاضُلُ إنْ شَرَطَ عَدَمَ الرُّجُوعِ بِالنَّقْصِ أَوْ التَّأْخِيرِ إنْ شَرَطَ الرُّجُوعَ بِهِ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ. وَحُرْمَةُ التَّصْدِيقِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ فِيهَا، وَالْآخَرُ جَوَازُ التَّصْدِيقِ فِيهَا قَالَ (بْن) : وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. قَوْلُهُ: [وَقَرْضٌ] : مَعْطُوفٌ عَلَى مُبَادَلَةٍ وَهُوَ الْفَرْعُ الثَّانِي مِنْ الْفُرُوعِ الْأَرْبَعَةِ. قَوْلُهُ: [فَيُتَغَاضَى عَنْهُ] : بَالِغِينَ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ: أَيْ يُتَغَافَلُ وَيُتَسَاهَلُ.

[تنبيه بيع سلعة بدينار إلا درهمين]

(وَمَبِيعٍ لِأَجَلٍ) مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لَا يَجُوزُ التَّصْدِيقُ فِيهِ لِجَوَازِ وُجُودِ نَقْصٍ فَيُغْتَفَرُ لِأَجْلِ التَّأْخِيرِ أَوْ الْحَاجَةِ فَيُؤَدِّي لِأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ. (وَمُعَجَّلٍ) مِنْ الدُّيُونِ (قَبْلَ أَجَلِهِ) : لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّصْدِيقُ؛ لِأَنَّ مَا عُجِّلَ قَبْلَ أَجَلِهِ سَلَفٌ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَاقِصًا فَيُغْتَفَرُ لِلتَّعْجِيلِ فَيَكُونُ سَلَفًا جَرَّ نَفْعًا. (وَ) لَا يَجُوزُ (صَرْفٌ مَعَ بَيْعٍ) : أَيْ اجْتِمَاعُهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، كَأَنْ يَشْتَرِيَ ثَوْبًا بِدِينَارٍ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ فِيهِ دِينَارَيْنِ وَيَأْخُذَ صَرْفَ دِينَارٍ دَرَاهِمَ، لِتَنَافِي أَحْكَامِهِمَا؛ لِجَوَازِ الْأَجَلِ وَالْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ دُونَ الصَّرْفِ. وَكَذَا لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُ الْبَيْعِ أَوْ الصَّرْفِ مَعَ جُعْلٍ أَوْ مُسَاقَاةٍ أَوْ شَرِكَةٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ قِرَاضٍ، وَلَا اجْتِمَاعُ اثْنَيْنِ مِنْهَا فِي عَقْدٍ. نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِأَنَّ مَا عُجِّلَ قَبْلَ أَجَلِهِ سَلَفٌ] : قَالَ الْخَرَشِيُّ: الَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ الْغِرْيَانِيِّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْحُكْمَ فِي التَّصْدِيقِ إذَا وَقَعَ فِي الْقَرْضِ الْفَسْخُ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْبَيْعِ لِأَجَلٍ عَدَمُ الْفَسْخِ عَلَى ظَاهِرِهَا، كَمَا قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ إنَّهُ الْأَشْبَهُ بِظَاهِرِهَا. وَرَأْسُ مَالِ السَّلَمِ كَالْمَبِيعِ لِأَجَلٍ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ وَأَنَّ الْمُعَجَّلَ قَبْلَ أَجَلِهِ يُرَدُّ وَيَبْقَى حَتَّى يَأْتِيَ الْأَجَلُ. وَأَمَّا الصَّرْفُ فَيُرَدُّ وَكَذَا مُبَادَلَةُ الرِّبَوِيِّينَ كَمَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ بِعَدَمِ فَسْخِهِمَا. [تَنْبِيه بَيْع سِلْعَة بِدِينَارِ إلَّا دِرْهَمَيْنِ] قَوْلُهُ: [وَلَا يَجُوزُ صَرْفٌ مَعَ بَيْعٍ] : أَيْ خِلَافًا لِأَشْهَبَ حَيْثُ قَالَ بِجَوَازِ جَمْعِهِمَا نَظَرًا إلَى أَنَّ الْعَقْدَ احْتَوَى عَلَى أَمْرَيْنِ كُلُّ مِنْهُمَا جَائِزٌ عَلَى انْفِرَادِهِ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ حَرَّمَهُ، قَالَ: وَإِنَّمَا الَّذِي حَرَّمَهُ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا سِلْعَةٌ، وَالْوَرِقَ بِالْوَرِقِ مَعَ كُلِّ مِنْهُمَا سِلْعَةٌ - ابْنُ رُشْدٍ. وَقَوْلُ أَشْهَبَ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمَشْهُورِ. قَوْلُهُ: [لِتَنَافِي أَحْكَامِهِمَا] : أَيْ وَتَنَافِي اللَّوَازِمِ يَدُلُّ عَلَى تَنَافِي الْمَلْزُومَاتِ. قَوْلُهُ: [وَلَا اجْتِمَاعُ اثْنَيْنِ مِنْهَا] : حَاصِلُهُ أَنَّ الصُّوَرَ الْعَقْلِيَّةَ تِسْعٌ وَأَرْبَعُونَ مِنْ ضَرْبِ سَبْعَةٍ فِي مِثْلِهَا؛ الْمُكَرَّرُ مِنْهَا ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ وَالْبَاقِي إحْدَى وَعِشْرُونَ؛ لِأَنَّك تَأْخُذُ كُلَّ وَاحِدٍ مَعَ مَا بَعْدَهُ تَبْلُغُ ذَلِكَ الْعَدَدَ فَلْيُفْهَمْ. قَوْلُهُ: [وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ] : الْمُرَادُ بِهِ (بْن) نَظَمَهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِلَّا

عُقُودٌ مَنَعْنَا اثْنَيْنِ مِنْهَا بِعُقْدَةٍ ... لِكَوْنِ مَعَانِيهَا مَعًا تَتَفَرَّقُ فَجُعْلٌ وَصَرْفٌ وَالْمُسَاقَاةُ شِرْكَةٌ ... نِكَاحٌ قِرَاضٌ ثُمَّ بَيْعٌ مُحَقَّقُ وَلَك أَنْ تَزِيدَ عَلَيْهِمَا فَهَذِهِ عُقُودٌ سَبْعَةٌ قَدْ عَلِمْتهَا ... وَيَجْمَعُهَا فِي الرَّمْزِ " جبص مُشْنِق " وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ صُورَتَيْنِ لِلضَّرُورَةِ: أَشَارَ لَهُمَا بِقَوْلِهِ: (إلَّا) أَنْ يَكُونَا (بِدِينَارٍ) : كَأَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً بِدِينَارٍ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ فَيَدْفَعُ الدِّينَارَ وَيَأْخُذُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ مَعَ السِّلْعَةِ (أَوْ يَجْتَمِعَا) : أَيْ الصَّرْفُ وَالْبَيْعُ (فِيهِ) : أَيْ فِي دِينَارٍ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَقَلَّ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ. كَأَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً أَوْ أَكْثَرَ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ وَنِصْفِ دِينَارٍ فَيَدْفَعُ أَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا وَيَأْخُذُ صَرْفَ نِصْفِ دِينَارٍ. وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ السِّلْعَةِ وَالصَّرْفِ فِي الصُّورَتَيْنِ عَلَى الرَّاجِحِ؛ لِأَنَّ السِّلْعَةَ صَارَتْ كَالنَّقْدِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQفَبَعْضُهُمْ نَظَّمَهَا بِوَجْهٍ آخَرَ. قَوْلُهُ: [وَلَك أَنْ تَزِيدَ عَلَيْهِمَا] : الظَّاهِرُ أَنَّ الْبَيْتَ الْأَخِيرَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوْلُهُ: [وَاسْتَثْنَوْا] : أَيْ أَهْلُ الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَكُونَا بِدِينَارٍ] : وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ خَلِيلٍ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ دِينَارًا. قَوْلُهُ: [إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ] : أَيْ مَثَلًا وَالْمَدَارُ عَلَى كَوْنِ الدَّرَاهِمِ وَالسِّلْعَةِ قَدْرَ الدِّينَارِ. قَوْلُهُ: [وَيَأْخُذُ صَرْفَ نِصْفِ دِينَارٍ] : أَيْ فَالْعَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَقَعَتْ فِي بَيْعٍ لَيْسَ إلَّا، وَالْحَادِيَ عَشَرَ بَعْضُهُ فِي مُقَابَلَةِ بَعْضٍ السِّلْعَةِ وَالْبَعْضُ الْآخَرُ فِي مُقَابَلَةِ الصَّرْفِ فَقَدْ اجْتَمَعَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ فِي الدِّينَارِ الْحَادِي عَشَرَ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ السِّلْعَةَ صَارَتْ كَالنَّقْدِ] : أَيْ لِأَنَّهَا لَمَّا صَاحَبَتْ الدَّرَاهِمَ صَارَتْ كَأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الدَّرَاهِمِ الْمَدْفُوعَةِ فِي مُقَابِلَةِ الدِّينَارِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى: أَوْ الدَّنَانِيرِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ خِلَافًا لِلسُّيُورِيِّ حَيْثُ أَجَازَ تَأْخِيرَ السِّلْعَةِ وَأَوْجَبَ تَعْجِيلَ الصَّرْفِ

[إعطاء الصائغ أجرة وزنه]

(وَتَعَجَّلَ الْجَمِيعُ) : أَيْ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالسِّلْعَةِ مَعَ الدَّرَاهِمِ مِنْ الْبَائِعِ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى يَجْتَمِعَا. (وَلَا) يَجُوزُ (إعْطَاءُ صَائِغٍ الزِّنَةَ وَالْأُجْرَةَ) صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ: الْأُولَى: أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الصَّائِغِ سَبِيكَةً بِوَزْنِهَا دَرَاهِمَ مَسْكُوكَةٍ وَيَدْفَعَ لَهُ السَّبِيكَةَ لِيَصُوغَهَا لَهُ وَيَدْفَعَ لَهُ أُجْرَةَ الصِّيَاغَةِ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَصُوغًا أَوْ مَسْكُوكًا بِوَزْنِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَزِيَادَةَ الْأُجْرَةِ. وَالْأُولَى تَمْتَنِعُ وَإِنْ لَمْ يَزِدْهُ أُجْرَةً لِلتَّأْخِيرِ. وَالثَّانِيَةُ تَمْتَنِعُ إنْ زَادَهُ الْأُجْرَةَ لِلْمُفَاضَلَةِ، وَإِلَّا جَازَ بِشَرْطِ الْمُنَاجَزَةِ. فَلَوْ وَقَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQإبْقَاءً لِلْكُلِّ عَلَى حُكْمِهِ الْأَصْلِيِّ. تَنْبِيهٌ: مِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمَيْنِ فَدُونَ، فَيَجُوزُ إنْ تُعُجِّلَ الْجَمِيعُ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمَانِ وَالسِّلْعَةُ أَوْ عُجِّلَتْ السِّلْعَةُ فَقَطْ وَأُجِّلَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمَانِ لِأَجَلٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ تَعْجِيلَ السِّلْعَةِ دُونَ النَّقْدِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الصَّرْفَ لَيْسَ مَقْصُودًا لِيَسَارَةِ الدِّرْهَمَيْنِ بِخِلَافِ تَأْجِيلِ الْجَمِيعِ أَوْ السِّلْعَةِ فَيُمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَصَرْفٌ تَأَخَّرَ عِوَضَاهُ أَوْ بَعْضُهُمَا وَهُوَ السِّلْعَةُ. وَتَأْجِيلُ بَعْضِهَا كَتَأْجِيلِ كُلِّهَا إلَّا بِقَدْرِ خِيَاطَتِهَا أَوْ بَعْثِ مَنْ يَأْخُذُهَا وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ فَيَجُوزُ فَإِنْ زَادَ الْمُسْتَثْنَى عَنْ دِرْهَمَيْنِ لَمْ تَجُزْ الْمَسْأَلَةُ إلَّا بِتَعْجِيلِ الْجَمِيعِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ تَشْتَرِيَ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ مَثَلًا كُلُّ ثَوْبٍ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمَيْنِ وَصَرْفُ الدِّينَارِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا وَوَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى شَرْطِ الْمُقَاصَّةِ بِأَنَّ كُلَّ مَا اجْتَمَعَ مِنْ الدَّرَاهِمِ قَدْرُ صَرْفِ دِينَارٍ أَسْقَطَ لَهُ دِينَارًا، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ بَعْدَ الْمُقَاصَّةِ - كَمَا فِي الْمِثَالِ؛ لِأَنَّهُ يُعْطِيهِ تِسْعَةَ دَنَانِيرَ وَيُسْقِطُ الْعَاشِرَ فِي نَظِيرِ الْعِشْرِينَ دِرْهَمًا - فَالْجَوَازُ ظَاهِرٌ. وَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ الْمُقَاصَّةِ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ جَازَ أَنْ يُعَجَّلَ الْجَمِيعُ أَوْ السِّلْعَةُ وَإِنْ فَضَلَ أَكْثَرُ مِنْ دِرْهَمَيْنِ وَلَمْ يَبْلُغْ دِينَارًا جَازَ أَنْ يُعَجَّلَ الْجَمِيعُ كَذَا فِي الْأَصْلِ. [إعْطَاء الصَّائِغ أُجْرَةً وزنه] [تَنْبِيه رد الزِّيَادَة فِي الصَّرْف] قَوْلُهُ: [لِلتَّأْخِيرِ] : أَيْ لِمَا فِيهَا مِنْ رِبَا النَّسَاءِ. قَوْلُهُ: [لِلْمُفَاضَلَةِ] : أَيْ لِدُخُولِ رِبَا الْفَضْلِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ زِيَادَةٌ مِنْ الْمُشْتَرِي.

الشِّرَاءُ بِنَقْدٍ مُخَالِفٍ جِنْسًا - كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ - امْتَنَعَتْ الْأُولَى لِلتَّأْخِيرِ وَجَازَتْ الثَّانِيَةُ بِشَرْطِ الْمُنَاجَزَةِ (كَزَيْتُونٍ وَنَحْوِهِ) : أَيْ كَمَنْعِ إعْطَاءِ زَيْتُونٍ وَنَحْوِهِ - كَسِمْسِمٍ وَحِنْطَةٍ - (لِمُعْصِرِهِ) أَوْ لِمَنْ يَطْحَنُ نَحْوَ الْحِنْطَةِ (عَلَى أَنْ يَأْخُذَ قَدْرَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ تَحَرِّيًا) لِلشَّكِّ فِي الْمُمَاثَلَةِ، وَسَوَاءٌ دَفَعَ أُجْرَةً أَمْ لَا. وَكَذَا دَفْعُهُ عَلَى أَنْ يَخْلِطَهُ عَلَى شَيْءٍ عِنْدَهُ ثُمَّ يَقْسِمَهُ بَعْدَ عَصْرِهِ عَلَى حَسَبِ مَا لِكُلٍّ. (بِخِلَافِ كَتِبْرٍ) : أَيْ تِبْرٍ وَنَحْوِهِ كَسَبِيكَةٍ وَمَسْكُوكٍ لَا يَرُوجُ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ. وَعَبَّرَ فِي الْعُتْبِيَّةِ بِالْمَالِ، وَعَبَّرَ غَيْرُهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (يُعْطِيهِ مُسَافِرٌ) يُعْطِي (أُجْرَتَهُ لِدَارٍ) : أَيْ لِأَهْلِ دَارٍ (الضَّرْبِ) السُّلْطَانِيِّ (لِيَأْخُذَ زِنَتَهُ) مَسْكُوكًا، فَيَجُوزُ مُنَاجَزَةً لِلضَّرُورَةِ عَلَى الْأَرْجَحِ. (وَبِخِلَافِ) إعْطَاءِ (دِرْهَمٍ بِنِصْفٍ) : أَيْ فِي نَظِيرِ نِصْفِ دِرْهَمٍ؛ أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَجَازَتْ الثَّانِيَةُ بِشَرْطِ الْمُنَاجَزَةِ] : أَيْ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَحُصُولِ الْمُنَاجَزَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُقَالُ فِيهِ إعْطَاءُ زِنَتِهِ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ صَرْفٌ وَالصَّرْفُ يَجُوزُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِشَرْطِ الْمُنَاجَزَةِ. قَوْلُهُ: [كَسِمْسِمٍ وَحِنْطَةٍ] : أَدْخَلَتْ الْكَافُ: حَبَّ الْفُجْلِ الْأَحْمَرِ وَأَمَّا بَزْرُ الْكَتَّانِ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَعَامٍ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ وَسَيَأْتِي التَّحْقِيقُ أَنَّهُ رِبَوِيٌّ. قَوْلُهُ: [لِلشَّكِّ فِي الْمُمَاثَلَةِ] : أَيْ فَحُرْمَتُهُ لِرِبَا الْفَضْلِ وَلِلنَّسِيئَةِ فِي الطَّعَامِ وَهِيَ التَّأْخِيرُ مُدَّةَ الْعَصْرِ أَوْ الطَّحْنِ فَإِنْ كَانَ يُرْفِيهِ مِنْ زَيْتٍ حَاضِرٍ عِنْدَهُ عَاجِلًا مُنِعَ لِرِبَا الْفَضْلِ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا دَفْعُهُ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا عَصْرُ شَيْئِهِ عَلَى حِدَتِهِ بِأُجْرَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا فَجَائِزٌ. قَوْلُهُ: [يُعْطِيهِ مُسَافِرٌ] : أَيْ مُحْتَاجٌ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَاجِ فَيُمْنَعُ اتِّفَاقًا كَمَا أَنَّ غَيْرَ الْمُسَافِرِ يُمْنَعُ كَذَلِكَ. وَلَا مَفْهُومَ لِدَارِ الضَّرْبِ، بَلْ لَوْ أَعْطَاهُ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ غَيْرِ أَهْلِ دَارِ الضَّرْبِ، فَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ. فَذَكَرَ دَارَ الضَّرْبِ لِمُجَرَّدِ التَّمْثِيلِ لِمَا هُوَ الشَّأْنُ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَبِخِلَافِ إعْطَاءِ دِرْهَمٍ بِنِصْفٍ] : حَاصِلُهُ أَنَّ شُرُوطَ الْجَوَازِ ثَمَانِيَةٌ:

مَا يَرُوجُ رَوَاجَ النِّصْفِ وَإِنْ زَادَ وَزْنًا أَوْ نَقَصَ عَنْ النِّصْفِ (فَدُونَ) . (وَفُلُوسٍ أَوْ غَيْرِهَا) : أَيْ غَيْرِ الْفُلُوسِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ (فِي بَيْعٍ أَوْ كِرَاءٍ بَعْدَ الْعَمَلِ) : أَيْ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ (وَسَكًّا) : أَيْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الدِّرْهَمِ وَالنِّصْفِ مَسْكُوكًا (وَتُعُومِلَ بِهِمَا) مَعًا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَرْوَجَ فِي التَّعَامُلِ لَا إنْ كَانَا أَوْ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مَسْكُوكٍ أَوْ لَمْ يُتَعَامَلْ بِهِ (وَعُرِفَ الْوَزْنُ) : أَيْ كَوْنُ هَذَا كَامِلًا وَهَذَا يَرُوجُ رَوَاجَ النِّصْفِ - وَإِنْ أَقَلَّ وَزْنًا أَوْ أَنْقَصَ كَمَا تَقَدَّمَ - وَإِلَّا لَكَانَ مِنْ بَيْعِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ جُزَافًا وَلَا شَكَّ فِي مَنْعِهِ، قَالَهُ الْقَبَّابُ (وَعَجَّلَ الْجَمِيعُ) : أَيْ الدِّرْهَمَ وَالنِّصْفَ وَمَا مَعَهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْبَدَلُ الْمُؤَخَّرُ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَمَا قَبْلَهَا اقْتَضَتْ الْحَاجَةُ جَوَازَهُمَا، فَهَلْ تُجَوِّزُ الْحَاجَةُ مَا يَقَعُ عِنْدَنَا بِمِصْرَ مِنْ صَرْفِ الرِّيَالِ بِدَرَاهِمَ فِضَّةٍ عَدَدِيَّةٍ - وَإِلَّا لَضَاقَ عَلَى النَّاسِ مَعَاشُهُمْ - قِيَاسًا عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؟ كَانَ بَعْضُهُمْ يُجَوِّزُهُ فِي تَقْرِيرِهِ إذْ الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ. (وَإِنْ وَجَدَ) أَحَدُهُمَا (عَيْبًا) فِي دَرَاهِمِهِ أَوْ دَنَانِيرِهِ (مِنْ نَقْصٍ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوْنُ الْمَدْفُوعِ دِرْهَمًا وَالْمَرْدُودِ نِصْفَهُ فِي بَيْعٍ أَوْ كِرَاءٍ بَعْدَ الْعَمَلِ وَسَكًّا وَاتَّحَدَا وَعُرِفَ الْوَزْنُ، وَعُجِّلَ الْجَمِيعُ، وَعُومِلَ بِكُلٍّ. قَوْلُهُ: [كَأَنَّ بَعْضَهُمْ يُجَوِّزُهُ فِي تَقْرِيرِهِ] : قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ شَيْخِهِ الْعَدَوِيِّ وَالشَّرْحِ: أَجَازَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فِي الرِّيَالِ الْوَاحِدِ أَوْ نِصْفِهِ أَوْ رُبُعِهِ لِلضَّرُورَةِ. كَمَا أُجِيزَ صَرْفُ الرِّيَالِ الْوَاحِدِ بِالْفِضَّةِ الْعَدَدِيَّةِ، وَكَذَا نِصْفُهُ وَرُبُعُهُ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي الْمَنْعَ (اهـ) . وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَتَخَلَّصُونَ بِالْهِبَةِ فِي إبْدَالِ الرِّيَالَاتِ بِالْفِضَّةِ الْعَدَدِيَّةِ وَهِيَ فُسْحَةٌ. تَنْبِيهٌ: يَلْزَمُ رَدُّ الزِّيَادَةِ الَّتِي زَادَهَا أَحَدُ الْمُتَصَارِفَيْنِ عَلَى أَصْلِ الصَّرْفِ بَعْدَ الْعَقْدِ، بِأَنْ لَقِيَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَقَالَ لَهُ: اسْتَرْخَصْت مِنِّي الدِّينَارَ فَزِدْنِي، فَزَادَهُ شَيْئًا. فَإِنَّهُ إذَا رَدَّ الصَّرْفَ لِعَيْبٍ تُرَدُّ تِلْكَ الزِّيَادَةُ تَبَعًا لَهُ لَا تُرَدُّ لِعَيْبٍ بِهَا. وَهَلْ عَدَمُ رَدِّهَا لِعَيْبِهَا مُطْلَقًا عَيَّنَهَا أَمْ لَا أَوْجَبَهَا أَمْ لَا؟ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، خِلَافًا لِمَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ. وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِنَا: بَعْدَ الْعَقْدِ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي الْعَقْدِ لَرُدَّتْ لِعَيْبِهِ وَلِعَيْبِهَا اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [وَإِنْ وَجَدَ أَحَدُهُمَا عَيْبًا] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْعَيْبَ الَّذِي اطَّلَعَ عَلَيْهِ أَحَدُ

غِشٍّ أَوْ) وَجَدَ غَيْرَ فِضَّةٍ وَلَا ذَهَبٍ (كَرَصَاصِ) وَنُحَاسٍ؛ (فَإِنْ كَانَ بِالْحَضْرَةِ) : أَيْ حَضْرَةِ الصَّرْفِ مِنْ غَيْرِ مُفَارِقَةٍ وَلَا طُولٍ (جَازَ لَهُ الرِّضَا) بِمَا وَجَدَهُ مِمَّا ذُكِرَ وَصَحَّ الصَّرْفُ (وَلَهُ) عَدَمُ الرِّضَا و (طَلَبُ الْإِتْمَامِ) فِي النَّاقِصِ عَدَدًا أَوْ وَزْنًا (أَوْ الْبَدَلِ) فِي الْغِشِّ وَالرَّصَاصِ وَنَحْوِهِ، (فَيُجْبَرُ عَلَيْهِ مَنْ أَبَاهُ إنْ لَمْ تُعَيَّنْ) الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، بِأَنْ لَمْ يُعَيَّنَا أَوْ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ عُيِّنْت مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَهَذَا الدِّينَارُ فِي هَذِهِ الدَّرَاهِمِ، فَلَا جَبْرَ. (وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُفَارَقَةٍ أَوْ طُولٍ) فِي الْمَجْلِسِ (فَإِنْ رَضِيَ) وَاجِدُ الْعَيْبِ (بِغَيْرِ النَّقْصِ) وَهُوَ الْغِشُّ وَنَحْوُ الرَّصَاصِ (صَحَّ) الصَّرْفُ لِجَوَازِ الْبَيْعِ بِهِ مِنْ غَيْرِ صَرْفٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُتَصَارِفَيْنِ بَعْدَ الْعَقْدِ إمَّا نَقْصُ عَدَدٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ نُحَاسٍ خَالِصَيْنِ أَوْ مَغْشُوشَيْنِ بِأَنْ كَانَ فِضَّةً مَخْلُوطَةً بِنُحَاسٍ مَثَلًا. فَإِنْ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ الْآخِذُ بِحَضْرَةِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ مُفَارَقَةِ أَبْدَانٍ وَلَا طُولٍ وَرَضِيَ بِذَلِكَ مَجَّانًا، صَحَّ الْعَقْدُ. وَكَذَا إنْ لَمْ يَرْضَ وَرَضِيَ الدَّافِعُ بِإِبْدَالِهَا فَإِنَّ الْعَقْدَ يَصِحُّ فِي الْجَمِيعِ مُطْلَقًا عُيِّنْت الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ أَمْ لَا. وَيُجْبَرُ عَلَى إتْمَامِ الْعَقْدِ مَنْ أَبَاهُ مِنْهُمَا إنْ لَمْ تُعَيَّنْ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِنْ عُيِّنْت فَلَا جَبْرَ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُفَارَقَةٍ أَوْ طُولٍ] : إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا اطَّلَعَ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ نَقْصِ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدَدِ أَوْ الرَّصَاصِ أَوْ النُّحَاسِ أَوْ الْمَغْشُوشِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْأَبْدَانِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ طُولٌ أَوْ بَعْدَ طُولٍ وَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ مُفَارَقَةٌ. فَإِنْ رَضِيَ آخِذُ الْمَعِيبِ مَجَّانًا صَحَّ الصَّرْفُ فِي الْجَمِيعِ، إلَّا فِي نَقْصِ الْعَدَدِ فَلَيْسَ لَهُ الرِّضَا بِهِ مَجَّانًا عَلَى الْمَشْهُورِ. وَلَا بُدَّ مِنْ نَقْضِ الصَّرْفِ فِيهِ سَوَاءٌ قَامَ بِحَقِّهِ فِيهِ وَطَلَبَ الْبَدَلَ أَوْ رَضِيَ مَجَّانًا. وَأَلْحَقَ اللَّخْمِيُّ بِهِ نَقْصَ الْوَزْنِ فِيمَا إذَا كَانَ التَّعَامُلُ بِهَا وَزْنًا؛ فَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ: أَيْ نَقْصُ الْعَدَدِ أَوْ الْوَزْنِ وَيُقَيَّدُ بِمَا إذَا كَانَ التَّعَامُلُ بِهَا وَزْنًا فَقَطْ أَوْ وَزْنًا وَعَدَدًا. قَوْلُهُ: [صَحَّ الصَّرْفُ] : أَيْ وَلَا يَجُوزُ التَّرَاضِي عَلَى الْبَدَلِ إلَّا فِي الْمَغْشُوشِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ كَذَا الدِّينَارُ بِهَذِهِ الْعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَفِيهِ طَرِيقَتَانِ: الْأُولَى: إجَازَةُ الْبَدَلِ وَلَا يَنْتَقِضُ الصَّرْفُ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَفْتَرِقَا وَفِي ذِمَّةِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ شَيْءٌ وَلَمْ يَزَلْ

(وَإِلَّا) يَرْضَ بِهِ (نَقَضَ) الصَّرْفُ وَأَخَذَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا خَرَجَ مِنْ يَدِهِ. (كَالنَّقْصِ) : أَيْ نَقْصِ الْعَدَدِ أَوْ الْوَزْنِ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ بَعْدَ الطُّولِ مُطْلَقًا رَضِيَ بِهِ وَاجِدُهُ أَوْ لَمْ يَرْضَ. (وَحَيْثُ نَقَضَ) : أَيْ مَتَى قُلْنَا بِالنَّقْضِ وَكَانَتْ الدَّنَانِيرُ مُتَعَدِّدَةً، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا أَكْبَرُ وَأَصْغَرُ، أَوْ أَعْلَى وَأَدْنَى، أَوْ مُتَسَاوِيَةً. فَإِنْ كَانَ فِيهَا أَصْغَرُ وَأَكْبَرُ (فَأَصْغَرُ دِينَارٍ) يَتَعَلَّقُ بِهِ النَّقْضُ دُونَ الْجَمِيعِ (إلَّا أَنْ يَتَعَدَّاهُ النَّقْصُ) : أَيْ يَتَعَدَّى الْأَصْغَرَ وَلَوْ بِدِرْهَمٍ (فَالْأَكْبَرُ) هُوَ الَّذِي يُنْقَضُ دُونَ الْأَصْغَرِ. (فَإِنْ تَسَاوَتْ) فِي الصِّغَرِ أَوْ الْكِبَرِ وَالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ (فَوَاحِدٌ) مِنْهَا يُنْقَضُ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ مُوجِبُ النَّقْضِ فَآخِرُ. (لَا الْجَمِيعُ - وَلَوْ لَمْ يُسَمَّ لِكُلِّ دِينَارٍ) مِنْهَا (عَدَدٌ) نَائِبُ فَاعِلِ يُسَمَّ. (إلَّا إذَا كَانَ فِيهَا أَعْلَى وَأَدْنَى) فَيُفْسَخُ الْجَمِيعُ عَلَى الْأَرْجَحِ. وَقِيلَ: الْأَعْلَى فَقَطْ. وَقِيلَ: إذَا لَمْ يُسَمَّ لِكُلِّ دِينَارٍ عَدَدٌ نُقِضَ الْجَمِيعُ وَلَوْ تَسَاوَتْ. وَالرَّاجِحُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُعَيَّنُ مَقْبُوضًا لِوَقْتِ الْبَدَلِ، فَلَمْ يَلْزَمْ عَلَى الْبَدَلِ صَرْفُ مُؤَخَّرٍ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَيَفْتَرِقَانِ وَذِمَّةُ أَحَدِهِمَا مَشْغُولَةٌ لِصَاحِبِهِ فَفِي الْبَدَلِ صَرْفٌ مُؤَخَّرٌ. وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْمَغْشُوشَ الْمُعَيَّنَ فِيهِ قَوْلَانِ: الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا نَقْضُ الصَّرْفِ وَعَدَمُ إجَازَةِ الْبَدَلِ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يُنْقَضُ بَعْدَ الطُّولِ مُطْلَقًا] : وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّقْصِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ قُلْتُمْ إنَّ النَّقْصَ يُوجِبُ نَقْضَ الصَّرْفِ عِنْدَ الطُّولِ مُطْلَقًا وَغَيْرِهِ إنْ رَضِيَ بِهِ مَجَّانًا فَلَا يُنْقَضُ أَنَّ النَّاقِصَ لَمْ يَقْبِضْ لَا حِسًّا وَلَا مَعْنًى بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَقَدْ قَبَضَ حِسًّا. قَوْلُهُ: [وَحَيْثُ نَقَضَ] : أَيْ جَبْرًا أَوْ بِغَيْرِ جَبْرٍ. قَوْلُهُ: [فَالْأَكْبَرُ هُوَ الَّذِي يُنْقَضُ] : أَيْ وَلَا يُنْقَضُ الْأَصْغَرُ وَقِطْعَةٌ مِنْ الْأَكْبَرِ فِي نَظِيرِ مَا زَادَ عَلَى الْأَصْغَرِ؛ لِأَنَّ الدَّنَانِيرَ الْمَضْرُوبَةَ لَا يَجُوزُ كَسْرُهَا لِهَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ. قَوْلُهُ: [فَآخَرُ] : أَيْ فَيُنْقَضُ الْآخَرُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْ الْمَعِيبُ جَمِيعَهُ وَيُرَدُّ تَمَامُهُ مِنْ السَّلِيمِ لِأَجْلِ النَّقْضِ وَلَا يَكْسِرُهُ كَمَا عَلِمْت.

مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ فِي التَّسَاوِي يُنْقَضُ وَاحِدٌ مُطْلَقًا - سُمِّيَ أَمْ لَا - وَفِي الِاخْتِلَافِ بِالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ يَنْقُضُ الْجَمِيعُ. (وَشَرْطُ) صِحَّةِ (الْبَدَلِ) : أَيْ بَدَلُ الْمَعِيبِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ مِنْ مَغْشُوشٍ أَوْ نَحْوِ رَصَاصٍ، حَيْثُ أُجِيزَ أَوْ تَعَيَّنَ كَمَا تَقَدَّمَ: (تَعْجِيلٌ) لِئَلَّا يَلْزَمَ رِبَا النَّسَاءِ. (وَنَوْعِيَّةٌ) فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ ذَهَبٍ عَنْ دَرَاهِمَ زِيَافٍ وَلَا فِضَّةٍ عَنْ ذَهَبٍ، لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى أَخْذِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ عَنْ ذَهَبٍ وَلَا أَخْذُ عَرَضٍ عَنْهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ فِي الصَّرْفِ وَالْبَيْعِ بِأَنْ يَجْتَمِعَا فِي دِينَارٍ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا إذَا وُجِدَ مَعِيبًا، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا إذَا اسْتَحَقَّ أَحَدٌ النَّقْدَيْنِ فَقَالَ: (وَإِنْ اُسْتُحِقَّ) مِنْ أَحَدِ الْمُتَصَارِفَيْنِ (غَيْرَ مَصُوغٍ) - سَوَاءٌ كَانَ مَسْكُوكًا أَمْ لَا - (بَعْدَ مُفَارَقَةٍ أَوْ طُولٍ وَلَوْ) كَانَ مَا اُسْتُحِقَّ (غَيْرَ مُعَيَّنٍ) لِلصَّرْفِ - فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: " مُعَيَّنٌ سُكَّ " - (أَوْ) اُسْتُحِقَّ (مَصُوغٌ مُطْلَقًا) حَصَلَ طُولٌ أَوْ مُفَارِقٌ أَمْ لَا - لِأَنَّ الْمَصُوغَ يُرَادُ لَعَيْنِهِ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ - (نُقِضَ) الصَّرْفُ فِيمَا اُسْتُحِقَّ، لَا الْجَمِيعُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (وَإِلَّا) بِأَنْ اُسْتُحِقَّ غَيْرُ الْمَصُوغِ بِالْحَضْرَةِ (صَحَّ) الصَّرْفُ (فَيَلْزَمُ) الدَّافِعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَنْ ذَهَبٍ] : أَيْ لِأَنَّ الْفِضَّةَ الْمُصَاحِبَةَ لِلذَّهَبِ تُقَدَّرُ ذَهَبًا فَيَأْتِي الشَّكُّ فِي تَمَاثُلِ الذَّهَبَيْنِ. وَقَوْلُهُ: [وَلَا أَخْذِ عَرَضٍ عَنْهُ] : لَيْسَ الْعِلَّةُ فِي مَنْعِ الْعَرَضِ جِهَةَ التَّفَاضُلِ، وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ فِي مَنْعِهِ اجْتِمَاعَ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: " إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا " إلَخْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: وَشَرْطُ الْبَدَلِ تَعْجِيلٌ وَنَوْعِيَّةٌ مَعْنَاهُ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَوْعِ الْمُبْدَلِ مِنْهُ لَا مِنْ غَيْرِهِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ عَرَضٍ فَإِنْ كَانَ عَيْنًا مُنِعَ لِلتَّفَاضُلِ الْمَعْنَوِيِّ وَإِنْ كَانَ عَرَضًا مُنِعَ لِلْبَيْعِ وَالصَّرْفِ. إلَّا إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَرَضِ يَسِيرَةً بِحَيْثُ تَجْتَمِعُ مَعَ الدَّرَاهِمِ فِي دِينَارٍ وَإِلَّا فَلَا مَنْعَ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ اُسْتُحِقَّ مِنْ أَحَدِ الْمُتَصَارِفَيْنِ غَيْرُ مَصُوغٍ] : حَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الصَّرْفَ إذَا وَقَعَ بِمَسْكُوكَيْنِ أَوْ بِمَسْكُوكٍ وَمَصُوغٍ فَاسْتُحِقَّ الْمَسْكُوكُ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا قَابَلَ الْمَصُوغَ فَيَشْمَلُ التِّبْرَ وَالْمَكْسُورَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ أَحَدِهِمَا الْمَجْلِسَ أَوْ بَعْدَ الطُّولِ، فَإِنَّ عَقْدَ الصَّرْفِ يُنْقَضُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ مُعَيَّنًا حَالَ الْعَقْدِ أَمْ لَا عَلَى الْمَشْهُورِ. وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ مَصُوغًا نُقِضَ عَقْدُ الصَّرْفِ كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ بِحَضْرَةِ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَ طُولٍ مُعَيَّنًا أَمْ لَا: لِأَنَّ الْمَصُوغَ يُرَادُ لَعَيْنِهِ وَغَيْرُهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ

[بيع المحلى بأحد النقدين]

لَهُ (تَعْجِيلُ الْبَدَلِ) وَإِلَّا نُقِضَ. (وَلِلْمُسْتَحِقِّ إجَازَةُ الصَّرْفِ) فِيمَا اسْتَحَقَّهُ (فَيَأْخُذُ) مِنْ الْمُصْطَرِفِ (مُقَابِلَهُ) وَلَوْ فِي الْحَالَةِ الَّتِي يَنْقُضُ فِيهَا، وَذَلِكَ فِي الْمَصُوغِ مُطْلَقًا. وَفِي غَيْرِهِ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ أَوْ الطُّولِ. فَإِنْ اسْتَحَقَّ دِينَارًا أَخَذَ مُقَابِلَهُ دَرَاهِم مِنْ دَافِعِهَا أَوَّلًا ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ يَدِهِ عَلَى الَّذِي أَخَذَهَا أَوَّلًا (إنْ لَمْ يُخْبَرْ الْمُصْطَرِفُ) الْمُرَادَ بِهِ: مَنْ اسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ مَا أَخَذَهُ مِنْ صَاحِبِهِ (بِالتَّعَدِّي) فَإِنْ أَخْبَرَهُ شَخْصٌ بِذَلِكَ - وَكَذَا إنْ عَلِمَ بِالتَّعَدِّي - لَمْ يَجُزْ لَهُ إجَازَةُ الصَّرْفِ. (وَجَازَ مُحَلَّى بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ) تَنَازَعَهُ كُلٌّ مِنْ بَيْعِ الْمُقَدَّرِ وَمُحَلَّى: أَيْ وَجَازَ أَنْ يُبَاعُ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ مَا حُلِّيَ بِأَحَدِهِمَا، وَسَيَأْتِي الْمُحَلَّى بِهِمَا مَعًا - (إنْ) كَانَ الْمُحَلَّى بِأَحَدِهِمَا (ثَوْبًا) - فَأَوْلَى سَيْفًا وَمُصْحَفًا (إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ بِالسَّبْكِ) بِالنَّارِ، (وَإِلَّا) يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ إذَا سُبِكَ (فَكَالْعَدَمِ) فَجَوَازُ بَيْعِهِ ظَاهِرٌ بِلَا شَرْطٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرَ مَصُوغٍ بِحَضْرَةِ الْعَقْدِ صَحَّ عَقْدُ الصَّرْفِ سَوَاءٌ كَانَ مُعَيَّنًا أَمْ لَا إلَّا أَنَّ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ يُجْبَرُ فِيهِ عَلَى الْبَدَلِ مَنْ أَرَادَ نَقْضَ الصَّرْفِ لِمَنْ أَرَادَ إتْمَامَهُ بِدَفْعِ الْبَدَلِ. وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَقِيلَ إنَّ صِحَّةَ الْعَقْدِ فِيهِ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا أَرَادَ تَرَاضِيًا عَلَى الْبَدَلِ فَمَنْ أَبَى لَا يُجْبَرُ وَقِيلَ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا نُقِضَ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ تَعْجِيلٌ وَجَبَ نَقْضُ الصَّرْفِ وَإِبْطَالُهُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ النَّسِيئَةِ. قَوْلُهُ: [لِلْمُسْتَحِقِّ إجَازَةُ الصَّرْفِ] : أَيْ وَلَهُ نَقْضُهُ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا الْخِيَارَ جَرَّ إلَيْهِ الْحُكْمَ فَلَيْسَ كَالْخِيَارِ الشَّرْطِيِّ. قَوْلُهُ: [لَمْ يَجُزْ لَهُ إجَازَةُ الصَّرْفِ] : أَيْ لِأَنَّهُ كَالصَّرْفِ عَلَى الْخِيَارِ الشَّرْطِيِّ وَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ بِتَعَدٍّ مِنْ صَارِفِهِ كَانَ دَاخِلًا عَلَى عَدَمِ إتْمَامِ الصَّرْفِ فَهُوَ مُجَوِّزٌ لِتَمَامِهِ وَعَدَمِ تَمَامِهِ كَالصَّرْفِ عَلَى خِيَارٍ. [بَيْع الْمُحَلَّى بأحد النَّقْدَيْنِ] قَوْلُهُ: [إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ] إلَخْ: حَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُحَلَّى بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ إنْ كَانَ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ إذَا سُبِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْعَرَضِ وَبِالنَّقْدِ؛ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ صِنْفِ مَا حُلِّيَ بِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ - كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا أَوْ هُوَ مُؤَجَّلًا. وَإِنْ كَانَ

وَيُشْتَرَطُ لِجَوَازِ بَيْعِ الْمُحَلَّى الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ بِالسَّبْكِ شُرُوطٌ ثَلَاثَةٌ أَشَارَ لِأَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ: (إنْ أُبِيحَتْ) الْحِلْيَةُ لَا إنْ حَرُمَتْ؛ كَسِكِّينٍ وَثَوْبِ رَجُلٍ كَعِمَامَةٍ مُقَصَّبَةٍ وَدَوَاةٍ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِأَحَدِهِمَا بَلْ بِالْعُرُوضِ. إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مِنْ غَيْرِ الْحِلْيَةِ وَيَجْتَمِعَا فِي دِينَارٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّرْفِ. وَأَشَارَ لِثَانِيهَا بِقَوْلِهِ: (وَسُمِّرَتْ) الْحِلْيَةُ فِي الْمُبَاعِ بِحَيْثُ يَلْزَمُ عَلَى خَلْعِهَا مِنْهُ فَسَادٌ. وَلِثَالِثِهَا بِقَوْلِهِ: (وَعَجَّلَ) الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مِنْ ثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ. فَإِنْ أَجَّلَا أَوْ أَحَدُهُمَا مُنِعَ بِالنَّقْدَيْنِ وَجَازَ بِالْعُرُوضِ. وَإِذَا وُجِدَتْ الشُّرُوطُ جَازَ الْبَيْعُ بِغَيْرِ صِنْفِهِ (مُطْلَقًا) كَانَتْ الْحِلْيَةُ تَبَعَا لِلْجَوَاهِرِ أَمْ لَا. (وَ) إذَا بِيعَ (بِصِنْفِهِ) زِيدَ شَرْطٌ رَابِعٌ أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: (إنْ كَانَتْ) الْحِلْيَةُ تَبْلُغُ (الثُّلُثَ) فَدُونَ. (وَإِنْ حُلِّيَ) الْمُبَاعُ (بِهِمَا) مَعًا (جَازَ) بَيْعُهُ (بِأَحَدِهِمَا إنْ تَبِعَا الْجَوْهَرَ) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ إذَا سُبِكَ، فَإِنْ بِيعَ بِعَرَضٍ جَازَ بِلَا شَرْطٍ مِنْ تِلْكَ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا. وَإِنْ بِيعَ بِنَقْدٍ فَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِصِنْفِ مَا حُلِّيَ بِهِ اُشْتُرِطَ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ الْإِبَاحَةُ وَتَعْجِيلُ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ وَالتَّثْمِينُ وَإِنْ كَانَ بِصِنْفِ مَا حُلِّيَ بِهِ، زِيدَ رَابِعٌ وَهُوَ كَوْنُ الْحِلْيَةِ تَبَعًا لِلْمُحَلَّى بِأَنْ كَانَتْ الثُّلُثَ فَدُونَ. قَوْلُهُ: [إنْ أُبِيحَتْ] : لَمَا كَانَ الْأَصْلُ فِي بَيْعِ الْمُحَلَّى الْمَنْعَ؛ لِأَنَّ فِي بَيْعِهِ بِصِنْفِهِ بَيْعَ ذَهَبٍ وَعَرَضٍ بِذَهَبٍ أَوْ بَيْعَ فِضَّةٍ وَعَرَضٍ بِفِضَّةٍ وَبِغَيْرِ صِنْفِهِ بَيْعٌ وَصَرْفٌ فِي أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَمْنُوعٌ، لَكِنْ رُخِّصَ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ عِيَاضٍ وَشَرَطُوا لِجَوَازِ بَيْعِهِ هَذِهِ الشُّرُوطَ فَمَا كَانَ لَيْسَ بِمُبَاحٍ فَلَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الرُّخْصَةِ فَلِذَا لَا يُبَاعُ بِالنَّقْدِ إلَّا عَلَى حُكْمِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ. قَوْلُهُ: [وَسُمِّرَتْ] : مُرَادُهُ مَا يَشْمَلُ الْمَخِيطَةَ أَوْ الْمَنْسُوجَةَ أَوْ الْمُطَرَّزَةَ فَلَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ التَّسْمِيرِ. قَوْلُهُ: [بِأَحَدِهِمَا] : أَيْ وَأَمَّا بَيْعُهُ بِهِمَا فَلَا يَجُوزُ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ وَبَيْعُ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ وَذَهَبٍ. قَوْلُهُ: [إنْ تَبِعَا الْجَوْهَرَ] : وَهَلْ تُعْتَبَرُ التَّبَعِيَّةُ بِالْقِيمَةِ أَيْ يُنْظَرُ إلَى كَوْنِ قِيمَتِهَا

[المبادلة في الذهب والفضة]

الْمُبَاعَ الَّذِي هُمَا بِهِ لَا بِهِمَا مَعًا. (وَ) تَجُوزُ (الْمُبَادَلَةُ) فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (وَهِيَ: بَيْعُ الْعَيْنِ) ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً (بِمِثْلِهِ) : أَيْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةً بِفِضَّةٍ (عَدَدًا) كَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ بِمِثْلِهَا يَدًا بِيَدٍ (إنْ تَسَاوَيَا عَدَدًا وَوَزْنًا) وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَجْوَدَ كَمَا سَيَأْتِي. وَلَا يُشْتَرَطُ لِلْجَوَازِ حِينَئِذٍ إلَّا الْمُنَاجَزَةُ وَعَدَمُ دَوْرَانِ الْفَضْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. (وَإِلَّا) يَتَسَاوَيَا فِيمَا ذُكِرَ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِشُرُوطٍ سَبْعَةٍ أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ: (فَشَرْطُ الْجَوَازِ) لِلْمُبَادَلَةِ سَبْعَةٌ: (الْقِلَّةُ) فِي الْعَدَدِ فَلَا يَجُوزُ فِي الْكَثِيرِ وَبَيَّنَ الْقِلَّةَ بِقَوْلِهِ: (سِتَّةٌ فَأَقَلُّ) لَا سَبْعَةٌ فَأَكْثَرُ، لِأَنَّ شَأْنَ ابْتِغَاءِ الْمَعْرُوفِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْقَلِيلِ. (وَالْعَدَدُ) : لَا الْوَزْنُ كَوَاحِدٍ بِوَاحِدٍ أَوْ سِتَّةٍ بِسِتَّةٍ. (وَأَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ فِي الْوَزْنِ فَقَطْ) دُونَ الْعَدَدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQثُلُثَ قِيمَةِ الْمُحَلَّى بِحِلْيَتِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَوْ بِالْوَزْنِ خِلَافٌ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي سَيْفٍ مُحَلًّى بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ بِيعَ بِسَبْعِينَ دِينَارًا وَكَانَ وَزْنُ حِلْيَتِهِ عِشْرِينَ وَلِصِيَاغَتِهَا تُسَاوِي ثَلَاثِينَ، وَقِيمَةُ النَّصْلِ وَحْدَهُ أَرْبَعُونَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِأَحَدِهِمَا عَلَى الْأَوَّلِ وَجَازَ عَلَى الثَّانِي. وَهَذَا الْخِلَافُ جَارٍ فِي قَوْلِهِ قَبْلُ: إنْ كَانَتْ الثُّلُثُ. [الْمُبَادَلَةُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ] قَوْلُهُ: [وَتَجُوزُ الْمُبَادَلَةُ] إلَخْ: لَمَّا كَانَ بَيْعُ النَّقْدِ بِنَقْدٍ بِغَيْرِ صِنْفِهِ صَرْفًا، وَبِصِنْفِهِ إمَّا مُرَاطَلَةً - وَهُوَ بَيْعُ نَقْدٍ بِمِثْلِهِ وَزْنًا كَمَا يَأْتِي - وَإِمَّا مُبَادَلَةً، وَقَدْ عَرَّفَهَا الْمُصَنِّفُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: بَيْعُ الْعَيْنِ بِمِثْلِهِ عَدَدًا، فَقَوْلُهُ: بِمِثْلِهِ. يَخْرُجُ الصَّرْفُ وَقَوْلُهُ: عَدَدًا، تَخْرُجُ الْمُرَاطَلَةُ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُشْتَرَطُ لِلْجَوَازِ حِينَئِذٍ] : أَيْ حِينَ إذْ تَسَاوَيَا عَدَدًا وَوَزْنًا. قَوْلُهُ: [لَا سَبْعَةٌ] : الْعِبْرَةُ بِمَفْهُومِ السِّتَّةِ فَالزَّائِدُ عَلَيْهَا مُمْتَنِعٌ. قَوْلُهُ: [لَا الْوَزْنُ] : أَيْ فَلَا تَجُوزُ الْمُبَادَلَةُ فِي الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ الْمُتَعَامَلِ بِهَا وَزْنًا كَأُوقِيَّةِ تِبْرٍ كَامِلَةٍ بِأُوقِيَّةٍ نَاقِصَةٍ. قَوْلُهُ: [وَأَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ فِي الْوَزْنِ] : أَيْ بِأَنْ تَكُونَ زِيَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى مَا يُقَابِلُهُ فِي الْوَزْنِ لَا فِي الْعَدَدِ وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا بِوَاحِدٍ لَا وَاحِدًا بِاثْنَيْنِ.

[المراطلة في الذهب والفضة]

(وَأَنْ تَكُونَ) الزِّيَادَةُ (السُّدُسَ فَأَقَلَّ فِي كُلِّ دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ) . وَأَنْ يَكُونَ (عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ) لَا الْمُغَالَبَةِ. وَأَنْ يَكُونَ (بِلَفْظِ الْبَدَلِ) دُونَ الْبَيْعِ. (وَالْأَجْوَدُ جَوْهَرِيَّةً أَوْ) الْأَجْوَدُ (سِكَّةً) حَالَ كَوْنِهِ (أَنْقَصَ) وَزْنًا عَنْ مُقَابِلِهِ (مُمْتَنِعٌ) لَدَوْرَانِ الْفَضْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَيَنْتَفِي الْمَعْرُوفُ. (وَإِلَّا) يَكُنْ الْأَجْوَدُ جَوْهَرِيَّةً أَوْ سِكَّةً أَنْقَصَ بَلْ كَانَ مُسَاوِيًا لِمُقَابِلِهِ أَوْ أَزْيَدَ (جَازَ) لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ الْمَنْعِ. (وَ) تَجُوزُ (الْمُرَاطَلَةُ) وَهِيَ: (عَيْنٌ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (بِمِثْلِهِ) ذَهَبٌ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٌ بِفِضَّةٍ (وَزْنًا) إمَّا (بِصَنْجَةٍ) فِي إحْدَى الْكِفَّتَيْنِ وَالذَّهَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [السُّدُسَ فَأَقَلَّ] : هَذَا الشَّرْطُ ذَكَرَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ جَمَاعَةَ وَلَكِنْ قَالَ فِي الْقَبَّابِ: أَكْثَرُ الشُّيُوخِ لَا يَذْكُرُونَ هَذَا الشَّرْطَ وَقَدْ جَاءَ لَفْظُ السُّدُسِ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلتَّمْثِيلِ وَالشَّرْطِيَّةِ. قَوْلُهُ: [وَأَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ] : اُخْتُلِفَ؛ هَلْ تُشْتَرَطُ السِّكَّةُ لِلدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ اتِّحَادُهَا؟ قَوْلَانِ: الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ فَمَا يُتَعَامَلُ بِهِ عَدَدًا مِنْ غَيْرِ الْمَسْكُوكِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَسْكُوكِ وَتَجُوزُ الْمُبَادَلَةُ فِي سِكَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ. قَوْلُهُ: [أَنْقَصُ وَزْنًا عَنْ مُقَابِلِهِ] : مُقَابِلُ الْأَوَّلِ رَدِيءُ الْجَوْهَرِيَّةِ وَمُقَابِلُ الثَّانِي رَدِيءُ السِّكَّةِ. قَوْلُهُ: [مُمْتَنِعٌ] : خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ " وَالْأَجْوَدُ ". وَإِنَّمَا أُفْرِدَ مَعَ أَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ شَيْئَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ. قَوْلُهُ: [فَيَنْتَفِي الْمَعْرُوفُ] : أَيْ الْمَعْرُوفُ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الْمُبَادَلَةِ بِسَبَبِ الْمُبَالَغَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَوَاعِدَ تَقْتَضِي مَنْعَ الْمُبَادَلَةِ وَلَوْ تَمَحَّضَ الْفَضْلُ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنَّ الشَّارِعَ أَبَاحَهَا حِينَئِذٍ بِشُرُوطِهَا مَا لَمْ يَخْرُجَا عَنْ الْمَعْرُوفِ بِدَوَرَانِ الْفَضْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. قَوْلُهُ: [لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ الْمَنْعِ] : أَيْ وَهِيَ دَوَرَانُ الْفَضْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. [الْمُرَاطَلَةُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ] [تَنْبِيه الْأَفْضَلِيَّة بَيْن السِّكَّة وَالصِّيَاغَة] قَوْلُهُ: [وَهِيَ عَيْنٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بِمِثْلِهِ] : أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَا مَسْكُوكَيْنِ أَمْ لَا

أَوْ الْفِضَّةُ فِي الْأُخْرَى (أَوْ كِفَّتَيْنِ) بِكَسْرِ الْكَافِ؛ بِأَنْ يُوضَعَ عَيْنُ أَحَدِهِمَا فِي كِفَّةٍ وَعَيْنُ الْآخَرِ فِي الْأُخْرَى فَيُسَاوَى بَيْنَهُمَا (وَلَوْ لَمْ يُوزَنَا) قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَخَذَ زِنَةَ عَيْنِهِ، كَانَ مَعْلُومًا قَدْرُهَا وَزْنًا قَبْلَ ذَلِكَ أَمْ لَا (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا) أَيْ النَّقْدَيْنِ كُلُّهُ (أَوْ بَعْضُهُ أَجْوَدَ) مِنْ الْآخَرِ فَيَجُوزُ. (لَا) إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا (أَدْنَى وَأَجْوَدَ) : أَيْ بَعْضُهُ أَدْنَى مِنْ مُقَابِلِهِ وَبَعْضُهُ الْآخَرُ أَجْوَدُ مِنْهُ كَمِصْرِيٍّ وَبُنْدُقِيٍّ، وَيُقَابَلَانِ بِمَغْرِبِيٍّ؛ فَالْمَغْرِبِيُّ مُتَوَسِّطٌ وَالْمِصْرِيُّ أَدْنَى وَالْبُنْدُقِيُّ أَعْلَى، فَيُمْنَعُ لَدَوْرَانِ الْفَضْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. (وَ) جَازَ (مَغْشُوشٌ) : أَيْ بَيْعُهُ (بِمِثْلِهِ) مُرَاطَلَةً وَمُبَادَلَةً أَوْ غَيْرَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQاتَّحَدَتْ سِكَّتُهُمَا أَمْ لَا كَانَ التَّعَامُلُ بِالْوَزْنِ أَوْ بِالْعَدَدِ. قَوْلُهُ: [أَوْ كِفَّتَيْنِ] : أَوْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ. عِيَاضٍ اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الْمُرَاطَلَةِ بِالْمَثَاقِيلِ فَقِيلَ: لَا تَجُوزُ الْمُرَاطَلَةُ إلَّا بِكِفَّتَيْنِ، وَقِيلَ: تَجُوزُ بِالْمَثَاقِيلِ أَيْضًا وَهُوَ أَصْوَبُ: (اهـ) ، وَالْمُرَادُ بِالْمَثَاقِيلِ كَمَا قَالَ الْأَبِيُّ: الصَّنْجَةُ انْتَهَى (بْن) ، وَالصَّنْجَةُ بِفَتْحِ الصَّادِ وَبِالسِّينِ وَهُوَ أَفْصَحُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. قَوْلُهُ: [فَيُسَاوَى بَيْنَهُمَا] : أَيْ فَلَا تُغْتَفَرُ الزِّيَادَةُ فِي الْمُرَاطَلَةِ وَلَوْ قَلِيلًا كَمَا فِي الْمَوَّاقِ بِخِلَافِ الْمُبَادَلَةِ. إنْ قُلْت: إذْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ إنَّمَا يَأْخُذُ مِثْلَ عَيْنِهِ فَأَيُّ غَرَضٍ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ بِاعْتِبَارِ الرَّغْبَةِ فِي الْأَنْصَافِ دُونَ الْكِبَارِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ فِي غَيْرِ الْمَسْكُوكِ دُونَ الْمَسْكُوكِ أَوْ بِالْعَكْسِ. قَوْلُهُ: [فَالْمَغْرِبِيُّ مُتَوَسِّطٌ] : أَيْ يَفْرِضُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [لِدَوَرَانِ الْفَضْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ] : أَيْ فَرَبُّ الْمَغْرِبِيِّ يَغْتَفِرُ جَوْدَتَهُ وَيَأْخُذُ الْمِصْرِيَّ نَظَرًا لِأَخْذِهِ الْبُنْدُقِيَّ وَرَبُّ الْبُنْدُقِيِّ يَغْتَفِرُ جَوْدَتَهُ لِأَجْلِ دَفْعِ الْمَصْرِيِّ. تَنْبِيهٌ: اُخْتُلِفَ هَلْ الْأَجْوَدُ سِكَّةٌ أَوْ صِيَاغَةٌ كَالْأَجْوَدِ جَوْهَرِيَّةً. فَيَدُورُ الْفَضْلُ بِسَبَبِهِمَا - أَوْ لَا؟ الْأَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِمَا وَأَنَّهُمَا لَيْسَا كَالْجَوْدَةِ فِي الْجَوْهَرِيَّةِ فَلَا يَدُورُ بِهِمَا فَضْلٌ خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ. قَوْلُهُ: [بِمِثْلِهِ] : أَيْ بِمَغْشُوشٍ مِثْلِهِ وَظَاهِرُهُ تَسَاوَى الْغِشُّ أَمْ لَا وَهُوَ ظَاهِرُ

[قضاء القرض بما هو أفضل صفة أو أقل]

(وَبِخَالِصٍ) عَلَى الْمَذْهَبِ. وَمَحِلُّ الْجَوَازِ: إنْ بِيعَ (لِمَنْ لَا يَغُشُّ بِهِ) بَلْ لِمَنْ يُكَسِّرُهُ وَيَجْعَلُهُ حُلِيًّا أَوْ غَيْرَهُ، وَفُسِخَ إنْ بِيعَ لِمَنْ يَغُشُّ بِهِ. (وَ) جَازَ (قَضَاءُ الْقَرْضِ) إذَا كَانَ عَيْنًا بَلْ (وَلَوْ طَعَامًا وَعَرَضًا بِأَفْضَلَ صِفَةً) حَلَّ الْأَجَلُ أَمْ لَا، لِأَنَّ الْقَرْضَ لَا يَدْخُلُهُ: " حُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدُك "، كَدِينَارٍ جَيِّدٍ عَنْ أَدْنَى مِنْهُ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ حَيَوَانٍ جَيِّدٍ عَنْ دَنِيءٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي (ح) لَكِنْ فِي الْمَوَّاقِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَغْشُوشِ بِمِثْلِهِ إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّ الدَّاخِلَ فِيهِمَا سَوَاءٌ. قَوْلُهُ: [عَلَى الْمَذْهَبِ] : قَيَّدَ فِي الثَّانِي وَأَمَّا بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ. قَوْلُهُ: [وَفُسِخَ إنْ بِيعَ لِمَنْ يَغُشُّ بِهِ] : أَيْ جَزْمًا وَأَمَّا لَوْ شَكَّ هَلْ يَغُشُّ بِهِ أَمْ لَا فَيُكْرَهُ وَالْبَيْعُ مَاضٍ وَمَحَلُّ فَسْخِهِ إلَّا أَنْ يَفُوتَ بِذَهَابِ عَيْنِهِ أَوْ بِتَعَذُّرِ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ فَاتَ فَهَلْ يَمْلِكُ ثَمَنَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهِ، أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِالزَّائِدِ عَلَى فَرْضِ بَيْعِهِ لِمَنْ لَا يَغُشُّ؟ أَقْوَالٌ أَعْدَلُهَا ثَالِثُهَا - كَذَا فِي الْأَصْلِ. [قَضَاء القرض بِمَا هُوَ أَفْضَل صفة أَوْ أَقَلّ] قَوْلُهُ: [وَجَازَ قَضَاءُ الْقَرْضِ] إلَخْ: حَاصِلُ مَا فِي الْمَقَامِ سِتُّونَ صُورَةً وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُتَرَتِّبَ فِي الذِّمَّةِ: إمَّا مِنْ قَرْضٍ أَوْ مِنْ بَيْعٍ. وَفِي كُلٍّ: إمَّا عَيْنًا أَوْ عَرَضًا أَوْ طَعَامًا فَهَذِهِ سِتٌّ، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَقْضِيَهُ بِمُسَاوٍ فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ، أَوْ بِأَفْضَلَ صِفَةً أَوْ قَدْرًا أَوْ بِأَقَلَّ صِفَةً أَوْ قَدْرًا، فَهَذِهِ ثَلَاثُونَ، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَقْضِيَهُ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ، أَوْ قَبْلَهُ. فَهَذِهِ سِتُّونَ: ثَلَاثُونَ فِي الْقَرْضِ، وَثَلَاثُونَ فِي الْبَيْعِ، أَمَّا الَّتِي فِي الْقَرْضِ فَثَمَانِيَةَ عَشَرَ جَائِزَةٌ وَهِيَ: الْقَضَاءُ بِمُسَاوٍ قَدْرًا وَصِفَةً، أَوْ بِأَفْضَلَ صِفَةً، حَلَّ الْأَجَلُ فِيهِمَا أَمْ لَا، أَوْ بِأَقَلَّ صِفَةً أَوْ قَدْرًا إنْ حَلَّ الْأَجَلُ فِيهِمَا فَهَذِهِ سِتٌّ. كَانَ الْمَقْضِيُّ وَالْمَقْضِيُّ عَنْهُ طَعَامًا، أَوْ عَرَضًا، أَوْ عَيْنًا، وَالْبَاقِي اثْنَتَا عَشَرَةَ مَمْنُوعَةٌ وَهِيَ الْقَضَاءُ بِأَزْيَدَ قَدْرًا حَلَّ الْأَجَلُ أَوْ لَا أَوْ بِأَقَلَّ صِفَةً أَوْ قَدْرًا وَلَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ؛ فَهَذِهِ أَرْبَعٌ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْضِيُّ وَالْمُقْضَى عَنْهُ طَعَامًا أَوْ عَرَضًا أَوْ عَيْنًا. وَأَمَّا الثَّلَاثُونَ الَّتِي فِي الْبَيْعِ فَسَيَأْتِي حَاصِلُهَا. قَوْلُهُ: [لَا يَدْخُلُهُ حُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدُك] : أَيْ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْأَجَلِ فِي الْقَرْضِ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ.

لِأَنَّهُ حَسَنٌ قَضَاءً؛ وَخَيْرُ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً (إنْ لَمْ يَدْخُلَا عَلَيْهِ) ، وَإِلَّا كَانَ سَلَفًا جَرَّ مَنْفَعَةً وَهُوَ فَاسِدٌ (وَ) جَازَ الْقَضَاءُ (بِأَقَلَّ صِفَةً وَقَدْرًا) مَعًا كَنِصْفِ دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ وَنِصْفِ إرْدَبٍّ أَوْ ثَوْبٍ عَنْ كَامِلٍ أَجْوَدَ، وَأَوْلَى بِأَقَلَّ صِفَةً فَقَطْ أَوْ قَدْرًا فَقَطْ (إنْ حَلَّ الْأَجَلُ) وَإِلَّا فَلَا؛ (لَا) يَجُوزُ الْقَضَاءُ (بِأَزْيَدَ عَدَدًا أَوْ وَزْنًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَخَيْرُ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً] : وَهُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَدَّ فِي سَلَفِ بَكْر رُبَاعِيًّا، وَقَالَ: إنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» وَلَا يُقَالُ تِلْكَ رُخْصَةٌ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّنَا نَقُولُ إنَّمَا تَمَسَّكْنَا بِعُمُومِ النَّصِّ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: «إنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» وَالْبَكْرُ مِنْ الْإِبِلِ: مَا دَخَلَ فِي الْخَامِسَةِ، وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ: مَا دَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ. وَالرُّبَاعِيُّ مِنْ الْإِبِلِ: مَا دَخَلَ فِي السَّابِعَةِ. قَوْلُهُ: [إنْ حَلَّ الْأَجَلُ] : إنَّمَا مُنِعَ قَبْلَ الْأَجَلِ لِمَا فِيهِ مِنْ: ضَعْ وَتَعَجَّلْ. قَوْلُهُ: [لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِأَزْيَدَ عَدَدًا] : أَيْ حَيْثُ كَانَ التَّعَامُلُ بِهَا أَوْ عَدَدًا وَوَزْنًا. وَقَوْلُهُ: [أَوْ وَزْنًا] : أَيْ حَيْثُ كَانَ التَّعَامُلُ بِهَا وَزْنًا فَقَطْ فَتُمْنَعُ الزِّيَادَةُ فِي الْوَزْنِ، إلَّا كَرُجْحَانِ مِيزَانٍ بِأَنْ يَكُونَ رَاجِحًا فِي مِيزَانٍ صَرْفِيٍّ مُسَاوِيًا فِي مِيزَانٍ آخَرَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَيْنَ إذَا كَانَ يُتَعَامَلُ بِهَا عَدَدًا فَلَا يَجُوزُ قَضَاءُ فَرْضِهَا بِأَزْيَدَ عَدَدًا بِاتِّفَاقٍ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ بِزِيَادَةٍ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. وَأَمَّا إنْ كَانَ التَّعَامُلُ بِهَا وَزْنًا كَمَا فِي مِصْرَ فَهَلْ يُلْغَى الْوَزْنُ أَوْ الْعَدَدُ خِلَافٌ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. وَعَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ قَضَاءُ نِصْفَيْ رِيَالٍ أَوْ أَرْبَعَةِ أَرْبَاعِهِ عَنْ كَامِلٍ وَلَوْ اتَّحَدَ الْوَزْنُ وَعَلَى مُقَابِلِهِ يَجُوزُ. وَأَمَّا إنْ كَانَ التَّعَامُلُ بِهَا وَزْنًا فَقَطْ فَلَا يَضُرُّ زِيَادَةُ الْعَدَدِ حَيْثُ اتَّحَدَ الْوَزْنُ اتِّفَاقًا.

مُطْلَقًا حَلَّ الْأَجَلُ أَمْ لَا لِلسَّلَفِ بِزِيَادَةٍ. (كَدَوَرَانِ الْفَضْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) : فَلَا يَجُوزُ؛ كَعَشَرَةٍ يَزِيدِيَّةٍ عَنْ تِسْعَةٍ مُحَمَّدِيَّةٍ أَوْ عَكْسِهِ. (وَثَمَنُ الْمَبِيعِ) الْكَائِنُ فِي الذِّمَّةِ (مِنْ الْعَيْنِ كَذَلِكَ) : يَجْرِي فِي قَضَائِهِ مَا جَرَى فِي قَضَاءِ الْقَرْضِ؛ فَيَجُوزُ بِالْمُسَاوَى وَالْأَفْضَلِ صِفَةً مُطْلَقًا، حَلَّ الْأَجَلُ أَمْ لَا، وَبِأَقَلَّ صِفَةً وَقَدْرًا إنْ حَلَّ الْأَجَلُ، لَا إنْ لَمْ يَحِلَّ وَلَا إنْ دَارَ فَضْلٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ إلَّا فِي صُورَةٍ أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ: (وَجَازَ بِأَكْثَرَ) مِمَّا فِي الذِّمَّةِ عَدَدًا وَوَزْنًا وَأَوْلَى صِفَةً؛ إذْ عِلَّةُ مَنْعِ ذَلِكَ فِي الْقَرْضِ - وَهِيَ السَّلَفُ بِزِيَادَةٍ - مَنْفِيَّةٌ هُنَا حَلَّ الْأَجَلُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: " مِنْ الْعَيْنِ " أَنَّهُ لَوْ كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا أَوْ طَعَامًا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَعَشَرَةٍ يَزِيدِيَّةٍ] إلَخْ: أَيْ فَالْمُقْتَرِضُ تَسَاهَلَ فِي دَفْعِ الْعَشَرَةِ الْمَذْكُورَةِ - وَإِنْ كَانَ فِيهَا زِيَادَةٌ - لِرَغْبَتِهِ فِي جَوْدَةِ التِّسْعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ الَّتِي أَخَذَهَا، وَالْمُقْرِضُ يَرْغَبُ فِي أَخْذِ الْعَشَرَةِ لِزِيَادَتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ رَدِيئَةً بِالنِّسْبَةِ لِتِسْعَتِهِ الَّتِي أَقْرَضَهَا. قَوْلُهُ: [مِنْ الْعَيْنِ كَذَلِكَ] : أَيْ فَفِيهِ صُوَرٌ عَشْرٌ وَيَأْتِي فِي الطَّعَامِ عَشْرٌ أَيْضًا وَفِي الْعَرَضِ مِثْلُهَا. أَمَّا صُوَرُ الْعَيْنِ فَثَمَانٍ جَائِزَةٌ وَهِيَ: الْقَضَاءُ بِمُسَاوٍ، أَوْ أَفْضَلَ صِفَةً، حَلَّ الْأَجَلُ أَمْ لَا، وَبِأَقَلَّ صِفَةً أَوْ قَدْرًا، إنْ حَلَّ الْأَجَلُ، وَبِأَكْثَرَ عَدَدًا أَوْ وَزْنًا حَلَّ الْأَجَلُ أَمْ لَا؛ فَهَذِهِ ثَمَانٌ. وَبَقِيَ صُورَتَانِ مَمْنُوعَتَانِ وَهُمَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ: إنْ حَلَّ الْأَجَلُ فِي الصِّفَةِ أَوْ الْقَدْرِ وَيُضَمُّ لَهُمَا دَوَرَانُ الْفَضْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَبِأَقَلَّ صِفَةً وَقَدْرًا] : الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ وَهِيَ مَانِعَةٌ خُلُوَّ. قَوْلُهُ: [مَنْفِيَّةٌ هُنَا] : أَيْ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ مِنْ الْعَيْنِ، وَلِذَلِكَ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِعَشَرَةٍ وَيَدْفَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ حَلَّ الْأَجَلُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الْعَيْنِ مِنْ حَقِّ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ فَلَا تُهْمَةَ فِيهِ. قَوْلُهُ: [أَنَّهُ لَوْ كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا أَوْ طَعَامًا] : حَاصِلُ الصُّوَرِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهِمَا أَنَّهُ مَتَى قَضَاهُ بِمُسَاوٍ صِفَةً وَقَدْرًا جَازَ، حَلَّ الْأَجَلُ أَمْ لَا، أَوْ بِأَزْيَدَ صِفَةً أَوْ قَدْرًا جَازَ، إنْ حَلَّ الْأَجَلُ. وَفِي كُلٍّ عَرَضًا أَوْ طَعَامًا، وَبِأَقَلَّ صِفَةً أَوْ قَدْرًا فِي الْعَرَضِ

(كَغَيْرِ الْعَيْنِ إنْ حَلَّ الْأَجَلُ) يَجُوزُ قَضَاؤُهُ (بِأَزْيَدَ صِفَةً وَقَدْرًا) لَا إنْ لَمْ يَحِلَّ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ " حُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدُك ". (وَ) جَازَ (بِأَقَلَّ) صِفَةً وَقَدْرًا (فِي الْعَرَضِ) إنْ حَلَّ الْأَجَلُ أَبْرَأَهُ مِنْ الزَّائِدِ أَمْ لَا؛ إذْ الْمُفَاضَلَةُ فِي الْعَرَضِ لَا تُمْنَعُ؛ (كَالطَّعَامِ) يَجُوزُ فِيهِ بَعْدَ الْأَجَلِ الْقَضَاءُ بِأَقَلَّ (إنْ) جُعِلَ الْأَقَلُّ فِي مُقَابَلَةِ قَدْرِهِ وَ (أَبْرَأَهُ مِنْ الزَّائِدِ) لَا إنْ جُعِلَ الْأَجَلُ فِي مُقَابَلَةِ الْكُلِّ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُفَاضَلَةِ فِي الطَّعَامِ. لَا قَبْلَ الْأَجَلِ لِمَا فِيهِ مِنْ " ضَعْ وَتَعَجَّلْ " عَرَضًا أَوْ طَعَامًا. وَهَذَا التَّفْصِيلُ كُلُّهُ قَدْ تَرَكَهُ الشَّيْخُ. (وَدَارَ الْفَضْلُ) مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي قَضَاءِ الْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ (بِسِكَّةٍ) مِنْ جَانِبٍ (أَوْ صِيَاغَةٍ مَعَ جُودَةٍ) مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ، أَيْ كُلٌّ مِنْ السِّكَّةِ أَوْ الصِّيَاغَةِ يُقَابِلُ الْجَوْدَةَ فَيَدُورُ بِهَا الْفَضْلُ؛ فَلَا يَجُوزُ قَضَاءُ مِثْقَالٍ مِنْ تِبْرٍ جَيِّدٍ عَنْ مِثْلِهِ مَسْكُوكًا أَوْ مَصُوغًا غَيْرَ جَيِّدٍ وَلَا الْعَكْسُ. وَأَمَّا قَضَاءُ الْمَسْكُوكِ عَنْ الْمَصُوغِ وَعَكْسُهُ فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْجَوَازُ. (وَإِنْ بَطَلَتْ مُعَامَلَةٌ) مِنْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ فُلُوسٍ تَرَتَّبَتْ لِشَخْصٍ عَلَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَلَا يُشْتَرَطُ إبْرَاؤُهُ مِنْ الزَّائِدِ، وَبِأَقَلَّ صِفَةً وَقَدْرًا فِي الطَّعَامِ إنْ حَلَّ الْأَجَلُ بِشَرْطِ إبْرَائِهِ مِنْ الزَّائِدِ فِي أَقَلِّيَّةِ الْقَدْرِ، فَهَذِهِ ثِنْتَا عَشَرَةَ جَائِزَةٌ. وَالْمَمْنُوعُ ثَمَانِيَةٌ وَهِيَ: مَا إذَا قَضَاهُ بِأَزْيَدَ صِفَةً أَوْ قَدْرًا، أَوْ بِأَقَلَّ صِفَةً أَوْ قَدْرًا. أَوْ لَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ. وَفِي كُلٍّ عَرَضًا أَوْ طَعَامًا. وَهِيَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ: لَا " إنْ حَلَّ الْأَجَلُ فِي الزِّيَادَةِ " أَوْ فِي الْأَقَلِّيَّةِ وَيُضَمُّ لَهَا دَوَرَانُ الْفَضْلِ. قَوْلُهُ: [بِأَزْيَدَ صِفَةً وَقَدْرًا] : الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ وَهِيَ مَانِعَةٌ خُلُوٍّ كَمَا تَقَدَّمَ. وَمِثْلُهَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي " وَجَازَ بِأَقَلَّ صِفَةً وَقَدْرًا ". قَوْلُهُ: [لِمَا فِيهِ مِنْ حُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدُك] : اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ إنَّمَا تَدْخُلُ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ عَرَضًا أَوْ طَعَامًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْأَجَلِ لِرَبِّ الدَّيْنِ وَلِلْمَدِينِ وَلَا تَأْتِي فِي الْقَرْضِ مُطْلَقًا وَلَا فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ عَيْنًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إنْ شَاءَ عَجَّلَ أَوْ أَبْقَاهُ لِلْأَجَلِ. وَأَمَّا " ضَعْ وَتَعَجَّلْ " فَتَجْرِي فِي قَضَاءِ الْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَرْضُ أَوْ الثَّمَنُ عَيْنًا أَوْ طَعَامًا أَوْ عَرَضًا.

غَيْرِهِ مِنْ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ تَغَيَّرَ التَّعَامُلُ بِهَا بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ (فَالْمِثْلُ) : أَيْ فَالْوَاجِبُ قَضَاءُ الْمِثْلِ عَلَى مَنْ تَرَتَّبَتْ فِي ذِمَّتِهِ إنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي بَلَدِ الْمُعَامَلَةِ. (وَإِنْ عُدِمَتْ) فِي بَلَدِ الْمُعَامَلَةِ - وَإِنْ وُجِدَتْ فِي غَيْرِهَا - (فَالْقِيمَةُ يَوْمَ الْحُكْمِ) : أَيْ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْحُكْمِ بِأَنْ يَدْفَعَ لَهُ قِيمَتَهَا عَرَضًا أَوْ يَقُومَ الْعَرَضُ بِعَيْنٍ مِنْ الْمُتَجَدِّدَةِ. (وَتُصُدِّقَ بِمَا يُغَشُّ بِهِ النَّاسُ) أَدَبًا لِلْغَاشِّ فَجَازَ لِلْحَاكِمِ - كَالْمُكْتَسِبِ - أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ؛ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ. وَجَازَ أَنْ يُؤَدِّبَهُ بِضَرْبٍ وَنَحْوِهِ وَلَا يَجُوزُ أَدَبُهُ بِأَخْذِ مَالٍ مِنْهُ كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ الظُّلْمَةِ. وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ السُّوقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مِنْ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ] : وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَتْ وَدِيعَةً وَتَصَرَّفَ فِيهَا أَوْ دَفَعَهَا لِمَنْ يَعْمَلُ فِيهَا قِرَاضًا. قَوْلُهُ: [أَيْ فَالْوَاجِبُ قَضَاءُ الْمِثْلِ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ مِائَةٌ بِدِرْهَمٍ ثُمَّ صَارَتْ أَلْفًا بِدِرْهَمٍ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الرِّيَالُ حِينَ الْعَقْدِ بِتِسْعِينَ ثُمَّ صَارَ بِمِائَةٍ وَسَبْعِينَ وَبِالْعَكْسِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَحْبُوبُ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ ثُمَّ صَارَ بِمِائَتَيْنِ أَوْ الْعَكْسُ، وَهَكَذَا. قَوْلُهُ: [فَالْقِيمَةُ يَوْمَ الْحُكْمِ] : وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ يَوْمِ انْعِدَامِهَا وَعَنْ يَوْمِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ طَلَبَهَا بِمَنْزِلَةِ التَّحَاكُمِ وَحِينَئِذٍ فَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ طَلَبِهَا. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ حَصَلَتْ مُمَاطَلَةٌ مِنْ الْمَدِينِ حَتَّى عَدِمَتْ تِلْكَ الْفُلُوسُ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَدِينِ مَطْلٌ وَإِلَّا كَانَ لِرَبِّهَا الْأَحُظُّ مِنْ أَخْذِ الْقِيمَةِ أَوْ مِمَّا آلَ إلَيْهِ الْأَمْرُ مِنْ السِّكَّةِ الْجَدِيدَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْقَدِيمَةِ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ لِظُلْمِ الْمَدِينِ بِمَطْلِهِ: قَالَ الْأُجْهُورِيُّ. كَمَنْ عَلَيْهِ طَعَامٌ امْتَنَعَ رَبُّهُ مِنْ أَخْذِهِ حَتَّى غَلَا فَلَيْسَ لِرَبِّهِ إلَّا قِيمَتُهُ يَوْمَ امْتِنَاعِهِ وَتَبَيَّنَ ظُلْمُهُ. قَوْلُهُ: [فَجَازَ لِلْحَاكِمِ] : أَيْ فَالتَّصَدُّقُ جَائِزٌ لَا وَاجِبٌ خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّصَدُّقِ هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ: يُرَاقُ اللَّبَنُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ وَتُحْرَقُ الثِّيَابُ الرَّدِيئَةُ أَوْ تُقَطَّعُ خِرَقًا وَتُعْطَى لِلْمَسَاكِينِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَجُوزُ أَدَبُهُ بِأَخْذِ مَالٍ مِنْهُ] : قَالَ الْوَانْشَرِيسِيُّ: أَمَّا الْعُقُوبَةُ

وَالْغِشُّ يَكُونُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي الْحَيَوَانِ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» . (كَخَلْطِ) شَيْءٍ (جَيِّدٍ) كَلَبَنٍ وَسَمْنٍ وَزَيْتٍ وَدَقِيقٍ (بِرَدِيءٍ) مِنْ جِنْسِهِ أَوْ غَيْرِ جِنْسِهِ (مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَثِيَابٍ وَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ (وَ) نَحْوِ (بَلْ ثِيَابٍ بِنَشَا، وَنَفْخِ لَحْمٍ بَعْدَ السَّلْخِ) لَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ سَمِينٌ. وَمَحَلُّ التَّصَدُّقِ بِهِ (إنْ كَانَ قَائِمًا) بِيَدِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ. (وَإِلَّا) يَكُنْ قَائِمًا - بِأَنْ ذَهَبَتْ عَيْنُهُ أَوْ تَغَيَّرَ - (فَبِالثَّمَنِ) الَّذِي بِيعَ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمَالِ فَقَدْ نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجُوزُ. وَفَتْوَى الْبُرْزُلِيِّ بِتَحْلِيلِهَا لَمْ تَزَلْ الشُّيُوخُ يَعُدُّونَهَا مِنْ الْخَطَأِ كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» : إنْ حُمِلَ عَلَى غِشِّ الْإِيمَانِ كَفِعْلِ الْمُنَافِقِينَ فَالْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْغِشَّ فِي الْمُعَامَلَةِ مَعَ اعْتِقَادِ حُرْمَتِهِ فَالْمَعْنَى: لَيْسَ مُهْتَدِيًا بِهَدْيِنَا وَلَيْسَ مِنْ الْكَامِلِينَ فِي الْإِيمَانِ. وَلَكِنْ يُتْرَكُ اللَّفْظُ عَلَى ظَاهِرِهِ تَخْوِيفًا وَتَقْرِيعًا. قَوْلُهُ: [فَبِالثَّمَنِ الَّذِي بِيعَ بِهِ] : وَقِيلَ بِالزَّائِدِ عَلَى فَرْضِ بَيْعِهِ مِمَّنْ لَا يَغُشُّ بِهِ وَقِيلَ يَمْلِكُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ تِلْكَ الْأَقْوَالُ.

[فصل في بيان علة ربا النساء وربا الفضل]

فَصْلٌ فِي بَيَانِ عِلَّةِ رِبَا النَّسَاءِ وَرِبَا الْفَضْلِ وَبَيَانِ أَجْنَاسِ رِبَا الْفَضْلِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ (عِلَّةُ) حُرْمَةِ (رِبَا النَّسَاءِ فِي الطَّعَامِ) الرِّبَوِيِّ وَغَيْرِهِ (مُجَرَّدُ الطُّعْمِ) : أَيْ كَوْنُهُ مَطْعُومًا لِآدَمِيٍّ، (لَا عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي) : أَيْ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ التَّدَاوِي بِهِ؛ فَمَا يُتَدَاوَى بِهِ مِنْ مُسَهِّلٍ أَوْ غَيْرِهِ يَجُوزُ فِيهِ النَّسَاءُ أَيْ التَّأْخِيرُ. (فَتَدْخُلُ الْفَوَاكِهُ) جَمِيعُهَا كَرُمَّانٍ وَإِجَّاصٍ (وَالْخُضَرُ) مَا يُؤْكَلُ أَخْضَرَ كَالْخِيَارِ وَالْبِطِّيخِ (وَالْبُقُولِ) بِالضَّمِّ كَالْجَزَرِ وَالْقُلْقَاسِ وَالْفُجْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي بَيَانِ عِلَّةِ رِبَا النَّسَاءِ وَرِبَا الْفَضْلِ] [عِلَّةُ تَحْرِيمِ رِبَا النَّسَاءِ] فَصْلٌ: لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى أَنْوَاعِ الرِّبَا فِي النَّقْدِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى كَوْنِهِ تَعَبُّدًا أَوْ مُعَلَّلًا - مَعَ أَنَّهُ مُعَلَّلٌ - وَهَلْ عِلَّتُهُ غَلَبَةُ الثَّمَنِيَّةِ أَوْ مُطْلَقُ الثَّمَنِيَّةِ، وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ حُكْمُ الْفُلُوسِ النُّحَاسِ فَتَخْرُجُ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. فَشَرَعَ الْآنَ فِي الْكَلَامِ عَلَى عِلَّتِهِ فِي الطَّعَامِ وَعَلَى مُتَّحِدِ الْجِنْسِ وَمُخْتَلِفِهِ لِحُرْمَةِ التَّفَاضُلِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَحُرْمَةِ رِبَا النَّسَاءِ فِيهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: " وَحُرِّمَ فِي عَيْنٍ وَطَعَامٍ رِبَا فَضْلٍ إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ " إلَخْ. قَوْلُهُ: [عِلَّةُ حُرْمَةِ رِبَا النَّسَاءِ] : إلَخْ: الْمُرَادُ بِالْعِلَّةِ الْعَلَامَةُ لَا الْبَاعِثَةُ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَبْعَثَ الْمَوْلَى أَمْرٌ مِنْ الْأُمُورِ عَلَى أَمْرٍ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ الْبَاعِثُ الَّذِي يَبْعَثُ الْمُكَلِّفَ عَلَى الِامْتِثَالِ. قَوْلُهُ: [مُجَرَّدُ الطُّعْمِ] : بِالضَّمِّ الطَّعَامُ أَيْ مُجَرَّدُ كَوْنِهِ مَطْعُومًا. قَوْلُهُ: [وَالْبُقُولُ] : الْفَرْقُ بَيْنَ الْخُضَرِ وَالْبُقُولِ أَنَّ الْبُقُولَ مَا يُقْلَعُ مِنْ أَصْلِهِ كَالْفُجْلِ بِخِلَافِ الْخُضَرِ فَإِنَّهُ مَا يُتَنَاوَلُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ كَالْبَامِيَةِ وَالْمُلُوخِيَّةِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ.

[علة تحريم ربا الفضل]

(وَالْحُلْبَةِ) بِالضَّمِّ (وَلَوْ يَابِسَةً) وَخَرَجَ نَحْوُ السَّلْجَمِ. (فَيُمْنَعُ بَعْضُهُ) أَيْ بَيْعُهُ (بِبَعْضٍ إلَى أَجَلٍ) وَلَوْ تَسَاوَيَا. (وَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا) قَلَّ أَوْ كَثُرَ (وَلَوْ بِالْجِنْسِ) الْوَاحِدِ كَرِطْلٍ بِرِطْلَيْنِ (فِي غَيْرِ) الطَّعَامِ (الرِّبَوِيِّ) مِنْهَا إذْ كَانَ (يَدًا بِيَدٍ) . (وَعِلَّةُ) حُرْمَةِ (رِبَا الْفَضْلِ فِيهِ) : أَيْ فِي الطَّعَامِ (اقْتِيَاتٌ وَادِّخَارٌ) : أَيْ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ. فَالطَّعَامُ الرِّبَوِيُّ: مَا يُقْتَاتُ وَيُدَّخَرُ؛ أَيْ مَا تَقُومُ بِهِ الْبِنْيَةُ عِنْدَ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ وَيُدَّخَرُ إلَى الْأَمَدِ الْمُبْتَغَى مِنْهُ عَادَةً وَلَا يَفْسُدُ بِالتَّأْخِيرِ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُتَّخَذًا لِلْعَيْشِ غَالِبًا عَلَى الْمَذْهَبِ - ابْنُ نَاجِي. وَلَا حَدَّ فِي الِادِّخَارِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَفِي مَعْنَى الِاقْتِيَاتِ مَصْلَحَةٌ كَبَصَلٍ كَمَا سَيَأْتِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْحُلْبَةُ بِالضَّمِّ وَلَوْ يَابِسَةً] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الْحُلْبَةِ فَقِيلَ: طَعَامٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. أَوْ دَوَاءٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ. أَوْ الْخَضْرَاءُ طَعَامٌ وَالْيَابِسَةُ دَوَاءٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. فَاخْتَارَ شَارِحُنَا قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَوْلُهُ: [وَيَخْرُجُ نَحْوُ السَّلْجَمِ] : أَيْ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاوِي. [عِلَّةُ تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ] قَوْلُهُ: [اقْتِيَاتٌ وَادِّخَارٌ] : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الطَّعَامُ مَا غَلَبَ اتِّخَاذُهُ لِأَكْلِ آدَمِيٍّ أَوْ لِإِصْلَاحِهِ أَوْ لِشُرْبِهِ (اهـ) ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمِلْحُ وَالْفُلْفُلُ لَا الزَّعْفَرَانُ وَمَاءُ الْوَرْدِ وَالْمُصْطَكَى وَالصَّبِرُ وَالزَّرَارِيعُ الَّتِي لَا زَيْتَ لَهَا وَالْحُرْفُ: وَهُوَ حَبُّ الرَّشَادِ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ لِشُرْبِهِ ": يَدْخُلُ فِيهِ اللَّبَنُ لِأَنَّهُ غَلَبَ اتِّخَاذُهُ لِشُرْبِ الْآدَمِيِّ. وَيَخْرُجُ الْمَاءُ لِأَنَّهُ غَلَبَ اتِّخَاذُهُ لِغَيْرِ شُرْبِ الْآدَمِيِّ لِكَثْرَةِ مَنْ يَشْرَبُهُ مِنْ الدَّوَابِّ. وَلَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا زَيْتُ الزَّيْتُونِ فَإِنَّ أَصْلَ اتِّخَاذِهِ لِلطَّعَامِ وَلِإِصْلَاحِهِ - كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [إلَى الْأَمَدِ الْمُبْتَغَى مِنْهُ عَادَةً] : أَيْ الزَّمَنِ الَّذِي يُرَادُ لَهُ عَادَةً، وَلَا حَدَّ لَهُ بَلْ هُوَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، ثُمَّ إنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الِادِّخَارُ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ، فَلَا يُلْتَفَتُ لِمَا كَانَ ادِّخَارُهُ نَادِرًا وَحِينَئِذٍ فَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجَوْزِ وَالرُّمَّانِ كَمَا هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ، كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ الرُّمَّانُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ خَارِجٌ بِقَوْلِهِ " اقْتِيَاتٌ ".

[عد الربويات وبيان أجناسها]

ثُمَّ شَرَعَ فِي عَدِّ الرِّبَوِيَّاتِ وَبَيَانِ أَجْنَاسِهَا بِقَوْلِهِ: (كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ وَسُلْتٍ، وَهِيَ) : أَيْ الثَّلَاثَةُ (جِنْسٌ) وَاحِدٌ عَلَى الْمَذْهَبِ لَتَقَارُبِ مَنْفَعَتِهَا. فَيُحَرَّمُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَلَوْ يَدًا بِيَدٍ (وَعَلَسٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ؛ قَرِيبٌ مِنْ خِلْقَةِ الْبُرِّ: طَعَامُ أَهْلِ صَنْعَاءَ الْيَمَنِ (وَذُرَةٍ وَدُخْنٍ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ: حَبٌّ صَغِيرٌ فَوْقَ حَبِّ الْبِرْسِيمِ طَعَامُ السُّودَانِ (وَأُرْزٍ. وَهِيَ) أَيْ الْأَرْبَعَةُ (أَجْنَاسٌ) : أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا جِنْسٌ عَلَى حِدَتِهِ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهَا مُنَاجَزَةً وَمَنَعَ فِي الْجِنْسِ مِنْهَا. (وَالْقَطَانِيِّ) السَّبْعَةِ (وَهِيَ أَجْنَاسٌ) يُمْنَعُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَيَجُوزُ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ: (وَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَتِينٍ) عَلَى الْمَشْهُورِ (وَهِيَ أَجْنَاسٌ. وَذَوَاتِ الزَّيْتِ) مِنْ زَيْتُونٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [عَدِّ الرِّبَوِيَّاتِ وَبَيَانِ أَجْنَاسِهَا] قَوْلُهُ: [جِنْسٌ وَاحِدٌ عَلَى الْمَذْهَبِ] : أَيْ خِلَافًا لِلسُّيُورِيِّ وَتِلْمِيذِهِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الصَّائِغِ حَيْثُ قَالَا: إنَّ الثَّلَاثَةَ الْمَذْكُورَةَ أَجْنَاسٌ فَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيمَا بَيْنَهَا مُنَاجَزَةً. قَوْلُهُ: [وَهِيَ أَيْ الْأَرْبَعَةُ أَجْنَاسٍ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ، وَأَمَّا الْعَلَسُ فَخَارِجٌ عَنْهَا إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ جِنْسٌ مِنْهَا. وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا: هَلْ هُوَ مُلْحَقٌ بِالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ أَوْ جِنْسٌ بِانْفِرَادِهِ؟ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. قَوْلُهُ: [وَالْقَطَانِيِّ السَّبْعَةِ] : أَيْ الَّتِي هِيَ: الْعَدَسُ بِفَتْحَتَيْنِ وَاللُّوبْيَا وَالْحِمَّصُ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ مَفْتُوحَةً وَمَكْسُورَةً مَعَ كَسْرِ الْحَاءِ فِيهِمَا وَالتُّرْمُسُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ وَسُكُونِ ثَانِيَةِ، وَالْفُولُ وَالْجُلْبَانُ وَالْبَسِيلَةُ وَتُسَمَّى بِالْمَاشِّ وَالْكِرْسِنَّةُ قَالَ الْبَاجِيُّ هِيَ الْبَسِيلَةُ، وَقَالَ التَّتَّائِيُّ: قَرِيبَةٌ مِنْ الْبَسِيلَةِ وَفِي لَوْنِهَا حُمْرَةٌ. وَسَمَّيْت قَطَانِيَّ: لِأَنَّهَا تَقْطُنُ بِالْمَكَانِ أَيْ تَمْكُثُ بِهِ. وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الزَّكَاةِ أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ يُضَمُّ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تُعْتَبَرُ فِيهَا الْمُجَانَسَةُ الْعَيْنِيَّةُ؛ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهَا تَقَارُبُ الْمَنْفَعَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ لَا فِي الْبَيْعِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي الزَّكَاةِ وَهُمَا جِنْسَانِ فِي الْبَيْعِ؟ قَوْلُهُ: [وَتِينٍ عَلَى الْمَشْهُورِ] : أَيْ فَالْمَشْهُورُ فِي التِّينِ أَنَّهُ رِبَوِيٌّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّخَذًا لِلْعَيْشِ غَالِبًا.

وَسِمْسِمٍ وَقُرْطُمٍ وَفُجْلٍ أَحْمَرَ. (وَمِنْهَا بِزْرُ الْكَتَّانِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْخَرْدَلِ عَلَى الْأَرْجَحِ (وَهِيَ أَجْنَاسٌ، كَزُيُوتِهَا) فَإِنَّهَا أَجْنَاسٌ (وَالْعُسُولِ) : جَمْعُ عَسَلٍ كَانَتْ مِنْ نَحْلٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَجْنَاسٌ. يَجُوزُ فِيهَا التَّفَاضُلُ، كَرِطْلٍ مِنْ عَسَلِ نَحْلٍ بِرِطْلَيْنِ مِنْ عَسَلِ قَصَبٍ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ وَيُمْنَعُ فِي النَّوْعِ مِنْهَا. (بِخِلَافِ الْخُلُولِ وَالْأَنْبِذَةِ فَجِنْسٌ) وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا. وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْخَلَّ وَالنَّبِيذَ جِنْسٌ، وَنَصَّ ابْنُ رُشْدٍ: النَّبِيذُ لَا يَصِحُّ بِالتَّمْرِ لِقُرْبِ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَا بِالْخَلِّ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلِ، لِأَنَّ الْخَلَّ وَالتَّمْرَ طَرَفَانِ يَبْعُدُ مَا بَيْنَهُمَا فَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا. وَالنَّبِيذُ وَاسِطَةٌ بَيْنَهُمَا لِقُرْبِهِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. فَلَا يَجُوزُ بِالتَّمْرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَا بِالْخَلِّ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ. وَهَذَا أَظْهَرُ وَلَا يَكُونُ سَمَاعُ يَحْيَى مُخَالِفًا لِلْمُدَوَّنَةِ (اهـ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمِنْهَا بِزْرُ الْكَتَّانِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْخَرْدَلِ] إلَخْ: إنَّمَا كَانَ الْأَرْجَحُ فِيهِمَا كَوْنَهُمَا رِبَوِيَّيْنِ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ زَيْتُهُمَا غَالِبًا لَا عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي فِي هَذَا الزَّمَانِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الطَّعْمِيَّةِ يُنْظَرُ فِيهَا لِلْعُرْفِ، فَإِخْرَاجُ الْخَرَشِيِّ بِزْرَ الْكَتَّانِ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ بِقَوْلِهِ: فَلَا يُرَدُّ أَكْلُ بَعْضِ الْأَقْطَارِ كَالصَّعِيدِ لِزَيْتِ بِزْرِ الْكَتَّانِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ عَلَى حَسَبِ زَمَانِهِ. قَوْلُهُ: [كَزُيُوتِهَا فَإِنَّهَا أَجْنَاسٌ] : أَيْ فَيُبَاعُ رِطْلٌ مِنْ الزَّيْتِ الطَّيِّبِ بِرِطْلَيْنِ مِنْ الشَّيْرَجِ أَوْ مِنْ الزَّيْتِ الْحَارِّ مُنَاجَزَةً. قَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ] : أَيْ كَعَسَلِ الْعِنَبِ. قَوْلُهُ: [فَجِنْسٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا] : أَيْ حَيْثُ كَانَ أَصْلُهَا وَاحِدًا وَأَمَّا لَوْ اخْتَلَفَ أَصْلُ الْخَلِّ مِنْ أَصْلِ النَّبِيذِ كَخَلِّ تَمْرٍ وَنَبِيذِ زَبِيبٍ فَظَاهِرُ تَمْثِيلِ الشَّارِحِ أَنَّهُمَا جِنْسَانِ اتِّفَاقًا وَالْأَنْبِذَةُ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَلَوْ اخْتَلَفَتْ أُصُولُهَا حَيْثُ كَانَتْ رِبَوِيَّةً كَالْخُلُولِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْخَلَّ وَالتَّمْرَ] : تَعْلِيلٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ بِخِلَافِ الْخَلِّ مَعَ التَّمْرِ فَيَصِحُّ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَجُوزُ بِالتَّمْرِ عَلَى كُلِّ حَالِ] : أَيْ لِأَنَّهُ بَيْعُ رُطَبٍ بِيَابِسٍ فَلَا تَتَأَتَّى الْمِثْلِيَّةُ فَقَوْلُهُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَلَا بِالْخَلِّ.

وَقِيلَ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنْسٌ عَلَى حِدَتِهِ وَهُوَ أَظْهَرُ فِي النَّظَرِ لِأَنَّ الَّذِي يُرَادُ مِنْ الْخَلِّ غَيْرُ مَا يُرَادُ مِنْ النَّبِيذِ عَادَةً. (وَالْأَخْبَازُ) كُلُّهَا (وَلَوْ بَعْضُهَا مِنْ قُطْنِيَّةٍ) كَفُولٍ وَبَعْضُهَا مِنْ قَمْحٍ (جِنْسٌ) وَاحِدٌ يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِيهَا (إلَّا) أَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ (بِأَبْزَارٍ) فَلَا يَكُونُ مَعَ غَيْرِهِ جِنْسًا وَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ مَعَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَبْزَارَ تَنْقُلُهُ عَمَّا لَيْسَ فِيهِ أَبْزَارٌ. وَالْمُرَادُ جِنْسُ الْأَبْزَارِ، فَيَصْدُقُ بِالْوَاحِدِ. (وَبَيْضٌ وَهُوَ) مِنْ دَجَاجٍ أَوْ غَيْرِهَا (جِنْسٌ) وَاحِدٌ (فَتُتَحَرَّى الْمُسَاوَاةُ) وَلَوْ اقْتَضَى التَّحَرِّي بَيْضَةً بَيْضَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا قَالَ الْمَازِرِيُّ. (وَيُسْتَثْنَى) وُجُوبًا عِنْدَ الْبَيْعِ (قِشْرُ بَيْضِ النَّعَامِ) فَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ سَوَاءٌ بِيعَ بِمِثْلِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ. وَذَكَرَ عِلَّةَ وُجُوبِ الِاسْتِثْنَاءِ لِيَصِحَّ الْبَيْعُ بِقَوْلِهِ: (فَإِنَّهُ عَرَضٌ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُسْتَثْنَ يَلْزَمُ فِي الْأَوَّلِ بَيْعُ طَعَامٍ وَعَرَضٍ بِطَعَامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِأَنَّ الَّذِي يُرَادُ مِنْ الْخَلِّ] : أَيْ فَاَلَّذِي يُرَادُ مِنْ الْخَلِّ الْإِدَامُ وَإِصْلَاحُ الطَّعَامِ وَاَلَّذِي يُرَادُ مِنْ النَّبِيذِ شُرْبُهُ وَالتَّلَذُّذُ بِهِ فَبَيْنَهُمَا بَوْنٌ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بَعْضُهَا مِنْ قُطْنِيَّةٍ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ، قِيلَ: هِيَ أَصْنَافٌ، وَقِيلَ: خُبْزُ الْقَطَانِيِّ صِنْفٌ وَخُبْزُ غَيْرِهَا صِنْفٌ. وَمِثْلُ الْأَخْبَازِ الْأَسْوِقَةُ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْأَخْبَازُ وَالْأَسْوِقَةُ أَصْلُهَا رِبَوِيٌّ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ بِأَبْزَارٍ] : أَيْ أَوْ أَدْهَانٍ أَوْ سُكَّرٍ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِأَبْزَارٍ مُخْتَلِفَةٍ بِحَيْثُ يَخْتَلِفُ الطُّعْمُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ كَالْجِنْسَيْنِ. وَمِثْلُ الْعَجْنِ بِالْأَبْزَارِ التَّلَطُّخُ بِهَا كَالْكَعْكِ بِالسِّمْسِمِ بِمِصْرَ لَا وَضْعَ حَبَّةٍ سَوْدَاءَ عَلَى بَعْضِ رَغِيفٍ وَانْظُرْ هَلْ مَا كَانَ بِسُكَّرٍ مَعَ ذِي الْأَبْزَارِ صِنْفٌ أَوْ صِنْفَانِ (اهـ مِنْ الْحَاشِيَةِ) . قَوْلُهُ: [وَهُوَ مِنْ دَجَاجٍ أَوْ غَيْرِهَا] : وَهَلْ يَدْخُلُ فِي الْغَيْرِ بَيْضُ الْحَشَرَاتِ أَمْ لَا؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ، بَلْ الظَّاهِرُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي تَعْرِيفِ الطَّعَامِ أَنَّهُ لَيْسَ بِطَعَامٍ كَمَا أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ لَحْمَهَا كَذَلِكَ. وَجَزَمَ الشَّيْخُ كَرِيمُ الدِّينِ بِأَنَّ لَحْمَهَا رِبَوِيٌّ لَا يَظْهَرُ (اهـ خَرَشِيٌّ) . قَوْلُهُ: [قِشْرُ بَيْضِ النَّعَامِ] : مِثْلُهُ بَيْعُ عَسَلٍ مَعَ شَمْعِهِ بِعَسَلٍ بِدُونِهِ فَيَجُوزُ

وَعَرَضٍ وَفِي الثَّانِي بَيْعُ طَعَامٍ بِطَعَامٍ وَعَرَضٍ وَهُوَ مَمْنُوعٌ. (وَسُكَّرٌ وَهُوَ) بِجَمِيعِ أَصْنَافِهِ (جِنْسٌ) وَاحِدٌ فَيُمْنَعُ رِطْلٌ مِنْ الْمُكَرَّرِ أَوْ النَّبَاتِ بِرِطْلَيْنِ مَعَ غَيْرِهِ. (وَمُطْلَقُ لَبَنٍ) مِنْ بَقَرٍ أَوْ غَيْرِهَا (وَهُوَ) بِأَصْنَافِهِ (جِنْسٌ) وَاحِدٌ. (وَلَحْمُ طَيْرٍ) إنْسِيٍّ أَوْ وَحْشِيٍّ كَحِدَأَةٍ وَرَخَمٍ (وَهُوَ) مِنْ جَمِيعِهَا (جِنْسٌ) وَاحِدٌ يُمْنَعُ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالْمَطْبُوخُ مِنْهُ جِنْسٌ (وَلَوْ اخْتَلَفَتْ مَرَقَتُهُ) بِأَنْ طُبِخَ بِأَمْرَاقٍ مُخْتَلِفَةٍ بِأَبْزَارٍ أَمْ لَا، وَلَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ جِنْسًا. (وَدَوَابُّ الْمَاءِ) مِنْ حُوتٍ وَغَيْرِهِ صَغِيرَةً وَكَبِيرَةً (وَهِيَ جِنْسٌ) . (كَمُطْلَقِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ) مِنْ غَنَمٍ وَبَقَرٍ وَغَيْرِهِمَا (وَإِنْ) كَانَ (وَحْشِيًّا) ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ اُسْتُثْنِيَ الشَّمْعُ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ بِيعَ بِدَرَاهِمَ وَنَحْوِهَا جَازَ مُطْلَقًا كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ مَمْنُوعٌ] : أَيْ لِأَنَّ مُصَاحَبَةَ الْعَرَضِ لِلطَّعَامِ كَمُصَاحَبَتِهِ لِلنَّقْدِ، فَكَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ نَقْدٍ مَعَ عَرَضٍ بِنَقْدٍ مُتَّحِدِ الْجِنْسِ مَعَ عَرَضٍ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ الْعَرَضَ الْمُصَاحِبَ لِلنَّقْدِ أَوْ الطَّعَامِ يُعْطَى حُكْمَهُمَا فَيُؤَدَّى لِلتَّفَاضُلِ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ. قَوْلُهُ: [مِنْ بَقَرٍ أَوْ غَيْرِهَا] : أَيْ مِنْ كُلِّ غَيْرِ مُحَرَّمِ الْأَكْلِ وَيَلْحَقُ بِهِ الْآدَمِيُّ: وَقَوْلُنَا " غَيْرُ مُحَرَّمِ الْأَكْلِ " يَشْمَلُ مَكْرُوهَ الْأَكْلِ؛ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَبَنُهُ تَابِعٌ لِلَحْمِهِ. فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ لَحْمَ مَكْرُوهِ الْأَكْلِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ مَعَ مُبَاحِهِ جِنْسٌ، كَانَ لَبَنُ مَكْرُوهِ الْأَكْلِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ مَعَ مُبَاحِهِ جِنْسًا. وَانْظُرْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ بِأَصْنَافِهِ جِنْسٌ] : أَيْ الْآتِي بَيَانُهَا وَهِيَ الْحَلِيبُ وَالْأَقِطُ وَالْمَخِيضُ وَالْمَضْرُوبُ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ جِنْسًا] : وَمَا سَيَأْتِي مِنْ طَبْخِ اللَّحْمِ بِأَبْزَارٍ يُخْرِجُهُ عَنْ النِّيءِ فَالْأَبْزَارُ لَا تُنْقَلُ إلَّا عَنْ النِّيءِ. قَوْلُهُ: [كَمُطْلَقِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ] : أَيْ مِنْ مُبَاحِ الْأَكْلِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَذَوَاتُ الْأَرْبَعِ الْأَنْعَامُ وَالْوَحْشُ كُلُّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ (اهـ) ، قَالَ: وَلَا بَأْسَ بِلَحْمِ الْأَنْعَامِ بِالْخَيْلِ وَسَائِرِ الدَّوَابِّ نَقْدًا أَوْ مُؤَجَّلًا لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا، وَأَمَّا الْهِرُّ وَالثَّعْلَبُ

كَغَزَالٍ وَبَقَرٍ وَحْشِيٍّ وَحِمَارِهِ يُمْنَعُ التَّفَاضُلُ فِيهَا وَالْمَطْبُوخُ مِنْهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَلَوْ اخْتَلَفَتْ مَرَقَتُهُ. (وَالْجَرَادُ) وَهُوَ جِنْسُ غَيْرِ الطَّيْرِ. (وَفِي جِنْسِيَّةِ الْمَطْبُوخِ مِنْ جِنْسَيْنِ) كَلَحْمِ طَيْرٍ وَلَحْمِ بَقَرٍ فِي إنَاءٍ وَاحِدٍ أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي إنَاءٍ (بِأَبْزَارٍ) نَاقِلَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ أَصْلِهِ (خِلَافٌ) : قِيلَ: يَصِيرُ بِذَلِكَ جِنْسًا وَاحِدًا يُمْتَنَعُ فِيهِ التَّفَاضُلُ. وَقِيلَ: بَلْ كُلٌّ عَلَى أَصْلِهِ فَلَا يُمْتَنَعُ فَإِنْ طُبِخَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ بِأَبْزَارٍ أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا بِلَا أَبْزَارٍ فَجِنْسَانِ اتِّفَاقًا. (وَالْمَرَقُ) كَاللَّحْمِ يُمْنَعُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا. فَلَا يَجُوزُ رِطْلُ لَحْمٍ بِرِطْلَيْ مَرَقٍ وَيَجُوزُ مَرَقٌ بِمِثْلِهِ وَبِلَحْمٍ طُبِخَ وَبِمَرَقٍ وَلَحْمٍ كَهُمَا بِمِثْلِهِمَا مُتَمَاثِلًا فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ (وَالْعَظْمُ) الْمُخْتَلَطُ كَاللَّحْمِ الْخَالِصِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ يَدًا بِيَدٍ. فَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالضَّبُعُ مَكْرُوهٌ بَيْعُ لَحْمِ الْأَنْعَامِ بِهَا لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي أَكْلِهَا. وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ مَكْرُوهَ الْأَكْلِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمُبَاحِ مِنْهَا وَإِلَّا لَمْ يُبَعْ لَحْمُ الْمُبَاحِ مِنْهَا بِالْمَكْرُوهِ مُتَفَاضِلًا وَإِنَّمَا كُرِهَ التَّفَاضُلُ فِي بَيْعِ لَحْمِهَا بِلَحْمِ الْمُبَاحِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ لِحُرْمَةِ أَكْلِهَا وَعَدَمِهَا. وَفِي الذَّخِيرَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى التَّحْرِيمِ. وَعَلَيْهِ فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَانْظُرْ: هَلْ يَجْرِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي مَكْرُوهِ الْأَكْلِ مِنْ الطَّيْرِ كَالْوَطْوَاطِ مَعَ مُبَاحِ الْأَكْلِ مِنْهُ؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَقَدْ يُقَالُ فِي مَكْرُوهِ الْأَكْلِ مِنْ دَوَابِّ الْمَاءِ - كَكَلْبِ الْمَاءِ وَخِنْزِيرِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِكَرَاهَتِهِمَا وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا - لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِيهِمَا الْجَوَازُ (اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْخَرَشِيِّ) . قَوْلُهُ: [وَالْجَرَادُ] : أَيْ فَهُوَ رِبَوِيٌّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَقِيلَ: وَغَيْرُ رِبَوِيٍّ. قَالَ خَلِيلٌ: وَفِي رِبَوِيَّتِهِ خِلَافٌ. قَوْلُهُ: [خِلَافٌ] : وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا بِيعَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا إنْ قُلْنَا إنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَيَجُوزُ إنْ قُلْنَا إنَّهُمَا جِنْسَانِ. وَأَمَّا هُمَا مَعَ لَحْمٍ آخَرَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَطْبُوخًا بِنَاقِلٍ جَازَ بَيْعُهُ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا وَلَوْ مُتَفَاضِلًا وَإِنْ كَانَ مَطْبُوخًا بِنَاقِلٍ جَرَى فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا هَلْ يَصِيرَانِ جِنْسًا وَاحِدًا أَوْ يَبْقَى كُلٌّ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ] : وَبَقِيَتْ خَامِسَةٌ وَهِيَ مَرَقٌ وَلَحْمٌ بِلَحْمٍ

كَنَوَى التَّمْرِ حَيْثُ لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْهُ فَإِنْ انْفَصَلَ وَكَانَ لَا يُؤْكَلُ جَازَ بَيْعُهُ بِاللَّحْمِ مُتَفَاضِلًا كَالنَّوَى إذَا انْفَصَلَ عَنْ تَمْرِهِ (وَالْجِلْدُ كَاللَّحْمِ) فَتُبَاعُ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ بِمِثْلِهَا وَزْنًا أَوْ تَحَرِّيًا مُنَاجَزَةً وَلَا يُسْتَثْنَى الْجِلْدُ، بِخِلَافِ الصُّوفِ فَإِنَّهُ يُسْتَثْنَى كَقِشْرِ بَيْضِ النَّعَامِ لِأَنَّهُ عَرَضٌ. وَلَمَّا كَانَ مُصْلِحُ الطَّعَامِ الرِّبَوِيِّ مُلْحَقًا بِهِ - فَيَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ - نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَمُصْلِحِهِ) عَطْفٌ عَلَى " بُرٍّ " أَيْ: وَكَمُصْلِحِ الطَّعَامِ: وَهُوَ مَا لَا يَتِمُّ الِانْتِفَاعُ بِالطَّعَامِ إلَّا بِهِ (كَمِلْحٍ وَبَصَلٍ وَثُومٍ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَيُقَالُ فُوَمٌ بِالْفَاءِ كَمَا فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ: {وَفُومِهَا} [البقرة: 61] (وَتَابِلٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِهَا وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (مِنْ فُلْفُلٍ) بِضَمِّ الْفَاءَيْنِ (وَكُزْبَرَةٍ) بِضَمِّ الْكَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَقَدْ تُفْتَحُ الْبَاءُ وَقَدْ تُقْلَبُ الزَّايُ سِينًا (وَكَرَوْيَا) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَفِي لُغَةٍ: كَزَكَرِيَّا، وَفِي أُخْرَى كَتَيْمِيَا (وَشَمَارٍ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ (وَكَمُّونَيْنِ) : أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ (وَأَنِيسُونَ؛ وَهِيَ) أَيْ الْمَذْكُورَاتُ (أَجْنَاسٌ) يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا مُنَاجَزَةً. (وَخَرْدَلٍ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ: حَبٌّ أَحْمَرُ صَغِيرٌ كَالْبِرْسِيمِ يَخْرُجُ مِنْهُ زَيْتٌ حَارٌّ كَالسَّلْجَمِ وَحَبُّ السَّلْجَمِ أَحْمَرُ أَيْضًا أَصْغَرُ مِنْ الْخَرْدَلِ يَخْرُجُ مِنْهُ أَيْضًا زَيْتٌ حَارٌّ فَهُوَ كَالْخَرْدَلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْجِلْدُ كَاللَّحْمِ] أَيْ وَلَوْ كَانَ مُنْفَصِلًا إذَا لَمْ يَكُنْ مَدْبُوغًا وَأَمَّا الْمَدْبُوغُ فَكَالصُّوفِ. قَوْلُهُ: [وَزْنًا أَوْ تَحَرِّيًا] : أَيْ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَلْتَفِتُوا لِمَا فِي دَاخِلِ بَطْنِهَا مِنْ الْفَضَلَاتِ الْمُحْتَمَلَةِ لِتَفَاوُتِهِمَا. قَوْلُهُ: [وَهِيَ أَيْ الْمَذْكُورَاتُ أَجْنَاسٌ] : مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ هُوَ مَا اسْتَظْهَرَهُ الْبَاجِيُّ وَنَقَلَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّ الشَّمَارَ وَالْأَنِيسُونَ جِنْسٌ وَالْكَمُّونَيْنِ جِنْسٌ آخَرُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ. قَوْلُهُ: [بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ] : أَيْ كَمَا فِي التَّنْزِيلِ وَوَرَدَ إعْجَامُهَا فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ. قَوْلُهُ: [يَخْرُجُ مِنْهُ زَيْتٌ حَارٌّ] : أَيْ يُسْتَخْرَجُ بِبِلَادِ الصَّعِيدِ كُلٌّ مِنْ السَّلْجَمِ وَالْخَرْدَلِ وَمِثْلُهُمَا زَيْتُ الْخَسِّ الْمُسَمَّى بِالزَّيْتِ الْحُلْوِ بِمِصْرَ.

فِي كَوْنِهِ رِبَوِيًّا. وَمَشَى الشَّيْخُ عَلَيَّ أَنَّ الْخَرْدَلَ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ فَالسَّلْجَمِ كَذَلِكَ. وَنَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى أَنَّهُ رِبَوِيٌّ، فَقَالَ بِالْعَطْفِ عَلَى الْحِنْطَةِ وَالْخَرْدَلِ وَالْقُرْطُمِ. وَاعْتَمَدَ بَعْضُهُمْ مَا لِابْنِ الْحَاجِبِ فَلِذَا مَرَرْنَا عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ. وَمَا قِيلَ إنَّهُ رِبَوِيٌّ اتِّفَاقًا فَفِيهِ نَظَرٌ. (لَا فَوَاكِهَ) : كَرُمَّانٍ وَخَوْخٍ وَإِجَّاصٍ (وَلَوْ اُدُّخِرَتْ بِقُطْرٍ؛ كَتُفَّاحٍ وَلَوْزٍ وَبُنْدُقٍ) فَلَيْسَتْ بِرِبَوِيَّةٍ عَلَى الْأَرْجَحِ. وَفِي التِّينِ خِلَافٌ اسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ أَنَّهُ رِبَوِيٌّ. (وَدَوَاءٍ) عَطْفٌ عَلَى فَوَاكِهَ: أَيْ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ كَحَزَنْبَلٍ وَحَرْمَلٍ. وَسَائِرِ الْعَقَاقِيرِ. (وَحُلْبَةٍ) يَابِسَةٍ أَوْ خَضْرَاءَ. (وَبَلَحٍ صَغِيرٍ) بِأَنْ انْعَقَدَ وَلَمْ يَزْهُ لَيْسَ رِبَوِيًّا، لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ لِلْأَكْلِ بِخِلَافِ الزَّهْوِ فَأَعْلَى مِنْ بُسْرٍ فَرُطَبٍ فَتَمْرٍ فَرِبَوِيٍّ اتِّفَاقًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَاعْتَمَدَ بَعْضُهُمْ مَا لِابْنِ الْحَاجِبِ] : أَيْ وَقَدْ اسْتَظْهَرَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ. قَوْلُهُ: [وَحُلْبَةٍ] : عَطْفٌ عَلَى فَوَاكِهَ أَيْ فَلَيْسَتْ رِبَوِيَّةً فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا طَعَامٌ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ انْعَقَدَ وَلَمْ يَزْهُ] إلَخْ: أَيْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الرَّامِخِ؛ فَكُلُّ مَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الرَّامِخِ لَا يُعَدُّ طَعَامًا مِنْ أَصْلِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ: " لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ لِلْأَكْلِ ". قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الزَّهْوِ فَأَعْلَى] : حَاصِلُهُ أَنَّ مَرَاتِبَ الْبَلَحِ سَبْعٌ: طَلْعٌ فَإِغْرِيضٌ فَبَلَحٌ صَغِيرٌ - وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي عُرْفِ مِصْرَ بالنيني - فَبَلَحٌ كَبِيرٌ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالزَّهْوِ فَبُسْرٌ فَرُطَبٌ فَتَمْرٌ وَيَجْمَعُهَا قَوْلُك " طَابَ زَبَرَتْ " فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ إمَّا أَنْ يُبَاعَ بِمِثْلِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَالْجُمْلَةُ تِسْعٌ وَأَرْبَعُونَ صُورَةً الْمُكَرَّرُ مِنْهَا إحْدَى وَعِشْرُونَ صُورَةً وَالْبَاقِي ثَمَانٌ وَعِشْرُونَ وَهِيَ بَيْعُ الطَّلْعِ بِمِثْلِهِ وَبِالسِّتِّ بَعْدَهُ وَبَيْعُ الْإِغْرِيضِ بِمِثْلِهِ وَبِالْخَمْسِ بَعْدَهُ وَبَيْعُ الْبَلَحِ الصَّغِيرِ بِمِثْلِهِ وَبِالْأَرْبَعِ بَعْدَهُ وَبَيْعُ الْكَبِيرِ بِمِثْلِهِ وَبِالثَّلَاثِ بَعْدَهُ وَبَيْعُ الْبُسْرِ مِثْلُهُ وَبِالِاثْنَيْنِ بَعْدَهُ وَبَيْعُ الرُّطَبِ بِمِثْلِهِ وَبِالتَّمْرِ بَعْدَهُ وَبَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ فَالْجَائِزُ مِنْهَا بَيْعُ كُلٍّ بِمِثْلِهِ بِشَرْطِ الْمُمَاثَلَةِ وَالْمُنَاجَزَةِ فِي الْأَرْبَعِ الْأَخِيرَةِ، وَأَمَّا فِي الثَّلَاثِ

[ما يكون به الجنس الواحد جنسين وما لا يكون]

(وَمَاءٍ) عَذْبٍ أَوْ مَالِحٍ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ بَلْ وَلَا طَعَامٌ. (وَجَازَا) : أَيْ الْبَلَحُ الصَّغِيرُ وَالْمَاءُ أَيْ جَازَ كُلٌّ مِنْهُمَا (بِطَعَامٍ لِأَجَلٍ) . (كَالْأَدْوِيَةِ) تَجُوزُ بِطَعَامٍ لِأَجَلٍ لِأَنَّهَا كَالْعُرُوضِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَكُونُ بِهِ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ جِنْسَيْنِ وَمَا لَا يَكُونُ. فَمِنْ الثَّانِي مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَنْقُلُ طَحْنٌ) لِحَبٍّ (وَعَجْنٌ) لِدَقِيقٍ (وَصَلْقٌ) لِغَيْرِ تُرْمُسٍ مِنْ الْحُبُوبِ (وَشَيْءٌ) لِلَّحْمِ بِلَا أَبْزَارٍ (وَتَقْدِيدٌ لَهُ) أَوْ لِغَيْرِهِ بِنَارٍ أَوْ هَوَاءٍ أَوْ شَمْسٍ عَنْ أَصْلٍ؛ فَالدَّقِيقُ لَيْسَ جِنْسًا مُنْفَرِدًا عَنْ أَصْلِهِ فَلَا يَجُوز فِيهِ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْلِهِ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ تَفْرِيقِ أَجْزَاءٍ، وَالْعَجْنُ لَا يَنْقُلُ عَنْ الْحَبِّ وَلَا الدَّقِيقِ. وَالْمَصْلُوقُ مَعَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُوَلِ فَالْجَوَازُ وَلَوْ مَعَ التَّفَاضُلِ مَعَ الْمُنَاجَزَةِ وَبَيْعُ الطَّلْعِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ السِّتِّ بَعْدَهُ وَبَيْعُ الْإِغْرِيضِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَمْسِ بَعْدَهُ، وَبَيْعُ الْبَلَحِ الصَّغِيرِ بِكُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعِ بَعْدَهُ وَلَوْ مُتَفَاضِلًا مِنْ غَيْرِ مُنَاجَزَةٍ لِاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ وَالطَّعْمِيَّةِ ` وَبَيْعُ الزَّهْوِ بِالْبُسْرِ، لِأَنَّهُمَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ بِشَرْطِ التَّمَاثُلِ أَوْ الْمُنَاجَزَةِ وَبَقِيَ خَمْسٌ مَمْنُوعَةٌ وَهِيَ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالزَّهْوِ أَوْ بِالْبُسْرِ أَوْ التَّمْرِ وَبَيْعُ التَّمْرِ بِالزَّهْوِ أَوْ بِالْبُسْرِ. وَعِلَّةُ الْمَنْعِ فِيهَا بَيْعُ رُطَبٍ بِيَابِسٍ. قَوْلُهُ: [وَمَاءٍ عَذْبٍ أَوْ مَالِحٍ] : الْمُرَادُ بِالْعَذْبِ مَا يُشْرَبُ وَلَوْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالْمُرَادُ بِالْمِلْحِ مَا لَا يُشْرَبُ أَصْلًا. وَالْعَذْبُ جِنْسٌ وَالْمَالِحُ جِنْسٌ وَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ. وَأَمَّا لِأَجَلٍ فَإِنْ كَانَ الْمُعَجَّلُ هُوَ الْقَلِيلَ مُنِعَ لِمَا فِيهِ مِنْ " سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا ". وَأَمَّا إنْ كَانَ هُوَ الْكَثِيرَ فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ أَيْضًا. قَالَ الْخَرَشِيُّ: وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ تُهْمَةَ ضَمَانٍ بِجُعْلٍ تُوجِبُ الْمَنْعَ. (انْتَهَى) وَأَمَّا بَيْعُ الْمَالِحِ بِالْحُلْوِ وَعَكْسُهُ فَيَجُوزُ بِأَيِّ حَالٍ لِاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ وَعَدَمِ كَوْنِهِ رِبَوِيًّا وَطَعَامًا. [مَا يَكُونُ بِهِ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ جِنْسَيْنِ وَمَا لَا يَكُونُ] قَوْلُهُ: [فَلَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْلِهِ] : أَيْ فَإِذَا بِيعَ الْقَمْحُ بِالدَّقِيقِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي قَدْرِ الدَّقِيقِ بِالتَّحَرِّي وَكَبَيْعِ الْعَجِينِ بِالدَّقِيقِ أَوْ الْقَمْحِ.

غَيْرِهِ جِنْسٌ فَلَا يُبَاعُ مَصْلُوقٌ بِمِثْلِهِ مُتَفَاضِلًا وَلَا مُتَمَاثِلًا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ. إلَّا التُّرْمُسُ فَإِنَّ صَلْقَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَعْلُومِ يَنْقُلُهُ عَنْ أَصْلِهِ لِكَثْرَةِ الْمُعَانَاةِ فِيهِ وَصَيْرُورَتُهُ حُلْوًا بَعْدَ الْمَرَارَةِ، وَالتَّقْدِيدُ غَيْرُ نَاقِلٍ عَنْ الْأَصْلِ. (وَ) لَا يَنْقُلُ (تَسْمِينٌ) لِلَّبَنِ عَنْ لَبَنٍ حَلِيبٍ لَمْ يَخْرُجْ سَمْنُهُ، بِخِلَافِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ سَمْنُهُ فَنَاقِلٌ (وَ) لَا يُنْقَلُ (نَبْذٌ لِكَتَمْرٍ) وَزَبِيبٍ (عَنْ أَصْلٍ) بَلْ هُمَا جِنْسٌ فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْلِهِ وَلَوْ احْتِمَالًا؛ كَرِطْلِ زَبِيبٍ بِرِطْلِ نَبِيذٍ مِنْهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ. وَأَشَارَ لِلْأَوَّلِ - وَهُوَ مَا يَكُونُ بِهِ الْجِنْسُ جِنْسَيْنِ - بِقَوْلِهِ: (بِخِلَافِ خَبْزٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، فَإِنَّهُ نَاقِلٌ عَنْ الْعَجِينِ وَالدَّقِيقِ فَأَوْلَى عَنْ الْحَبِّ (وَتَخْلِيلٍ) لِنَبِيذٍ فَإِنَّهُ نَاقِلٌ عَنْ الْأَصْلِ النَّبِيذُ لَا عَنْ النَّبِيذِ لِأَنَّ الْخَلَّ وَالنَّبِيذَ جِنْسٌ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَقَلْيٍ) لِقَمْحٍ مَثَلًا فَنَاقِلٌ (وَسَوِيقٍ) الْمُرَادُ بِهِ مَا طُحِنَ بَعْدَ صَلْقِهِ فَإِنَّهُ يَنْقُلُ لِاجْتِمَاعِ أَمْرَيْنِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ لَا يَنْقُلُ. وَكَذَا إذَا لُتَّ بِسَمْنٍ فَإِنَّهُ يَنْقُلُ عَنْ غَيْرِ الْمَلْتُوتِ. (وَ) بِخِلَافِ (طَبْخِ غَيْرِ لَحْمٍ) كَأُرْزٍ (أَوْ) طَبْخِ (لَحْمٍ بِأَبْزَارٍ) فَإِنَّهُ نَاقِلٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا التُّرْمُسَ] : وَأَلْحَقَ بِهِ فِي تَدْمِيسِ الْفُولِ وَصَلْقِ الْفُولِ الْحَارِّ لِلْكُلْفَةِ الَّتِي فِيهِ فَيَجُوزُ بَيْعُ الْفُولِ الْمُدَمَّسِ أَوْ الْفُولِ الْحَارِّ بِالْيَابِسِ وَلَوْ مُتَفَاضِلًا إذَا كَانَ مُنَاجَزَةً. قَوْلُهُ: [وَالتَّقْدِيدُ غَيْرُ نَاقِلٍ] إلَخْ: سَتَأْتِي صُوَرُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْخَلَّ وَالنَّبِيذَ جِنْسٌ] : حَاصِلُهُ أَنَّ النَّبِيذَ مَعَ التَّمْرِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ مَعَ الْخَلِّ إلَّا أَنَّهُ يُمْنَعُ بَيْعُ النَّبِيذِ بِالتَّمْرِ مُطْلَقًا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ وَيَجُوزُ بَيْعُ النَّبِيذِ بِالْخَلِّ مُتَمَاثِلًا لَا مُتَفَاضِلًا. وَأَمَّا الْخَلُّ مَعَ التَّمْرِ فَهُمَا جِنْسَانِ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا مُنَاجَزَةً. قَوْلُهُ. [وَبِخِلَافِ طَبْخِ غَيْرِ لَحْمٍ] : أَيْ فَإِنَّهُ مَتَى طَبَخَ بِأَبْزَارٍ نُقِلَ كَمَا فِي ابْنِ بَشِيرٍ خِلَافًا لِمَا فِي (عب) مِنْ أَنَّ طَبْخَ نَحْوِ الْأُرْزِ بِأَبْزَارٍ لَا يَنْقُلُهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَتَى طُبِخَ بِأَبْزَارٍ انْتَقَلَ وَإِلَّا فَلَا.

(وَ) بِخِلَافِ (شَيِّهِ) أَيْ اللَّحْمِ بِالنَّارِ بِأَبْزَارٍ (وَتَجْفِيفِهِ بِهَا) : أَيْ بِالْأَبْزَارِ فَنَاقِلٌ وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ نَاقِلَةً عَنْ أَصْلِهَا. (فَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ) فِيهَا (بِأَصْلِهَا يَدًا بِيَدٍ، وَجَازَ تَمْرٌ وَلَوْ قَدُمَ) أَيْ بَيْعُهُ (بِتَمْرٍ) جَدِيدٍ أَوْ قَدِيمٍ؛ فَالصُّوَرُ ثَلَاثَةٌ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ قَدِيمٌ بِجَدِيدٍ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ. (وَ) جَازَ لَبَنٌ (حَلِيبٌ) مِنْ بَقَرٍ. أَوْ غَيْرِهِ بِمِثْلِهِ. (وَ) جَازَ (رُطَبٌ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ: مَا نَضِجَ وَلَمْ يَيْبَسْ، وَإِلَّا فَتَمْرٌ. (وَ) جَازَ (لَحْمٌ مَشْوِيٌّ) بِمِثْلِهِ (وَ) لَحْمٌ (قَدِيدٌ) بِمِثْلِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّحْمَ إمَّا نِيءٌ أَوْ مَشْوِيٌّ أَوْ قَدِيدٌ أَوْ مَطْبُوخٌ فَكُلُّ وَاحِدٍ بِمِثْلِهِ جَائِزٌ كَالنِّيءِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا بَعْدَهُ إنْ كَانَ بِأَبْزَارٍ وَلَوْ مُتَفَاضِلًا لِنَقْلِهِ بِالْأَبْزَارِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِلَّا مُنِعَ مَعَ الْمَشْوِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَجَازَ لَبَنٌ حَلِيبٌ] : اعْلَمْ أَنَّ اللَّبَنَ الْحَلِيبَ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ سَبْعَةُ أَنْوَاعٍ: حَلِيبٌ وَزُبْدٌ وَسَمْنٌ وَجُبْنٌ وَأَقِطٌ وَمَخِيضٌ وَمَضْرُوبٌ. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ السَّبْعَةِ إمَّا أَنْ يُبَاعَ بِنَوْعِهِ أَوْ بِغَيْرِ نَوْعِهِ. فَالصُّوَرُ تِسْعٌ وَأَرْبَعُونَ الْمُكَرَّرُ مِنْهَا إحْدَى وَعِشْرُونَ. وَالْبَاقِي ثَمَانٌ وَعِشْرُونَ الْجَائِزُ مِنْهَا سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً وَهِيَ: بَيْعُ كُلِّ وَاحِدٍ بِمِثْلِهِ وَبَيْعُ الْمَخِيضِ بِالْمَضْرُوبِ وَبَيْعُ كُلٍّ مِنْ الْمَخِيضِ أَوْ الْمَضْرُوبِ بِالْحَلِيبِ أَوْ بِالزُّبْدِ أَوْ السَّمْنِ أَوْ الْجُبْنِ الَّذِي مِنْ حَلِيبٍ. وَأَمَّا بَيْعُ الْمَخِيضِ أَوْ الْمَضْرُوبِ بِالْأَقِطِ فَقِيلَ بِالْجَوَازِ بِشَرْطِ الْمُمَاثَلَةِ وَقِيلَ بِالْمَنْعِ؛ وَاسْتَظْهَرَ لِأَنَّ الْأَقِطَ إمَّا مَخِيضٌ أَوْ مَضْرُوبٌ فَهُوَ بَيْعُ رُطَبِ بِيَابِسِ مِنْ جِنْسِهِ: وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي بَيْعِ الْجُبْنِ بِالْأَقِطِ وَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ كَذَا قَالُوا: وَظَاهِرُهُ كَانَ الْجُبْنُ مِنْ حَلِيبٍ أَوْ مِنْ مَخِيضٍ أَوْ مِنْ مَضْرُوبٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَنْعَ مُسَلَّمٌ إذَا كَانَ مِنْ مَخِيضٍ أَوْ مَضْرُوبٍ لَا مِنْ حَلِيبٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا مُخْتَلِفٌ، فَهَذِهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا. وَبَقِيَ تِسْعٌ مَمْنُوعَةٌ اتِّفَاقًا: بَيْعُ الْحَلِيبِ بِزُبْدٍ أَوْ سَمْنٍ أَوْ جُبْنٍ أَوْ أَقِطٍ وَبَيْعُ زُبْدٍ بِسَمْنٍ أَوْ جُبْنٍ أَوْ أَقِطٍ وَبَيْعُ السَّمْنِ بِجُبْنٍ أَوْ أَقِطٍ. وَمَحَلُّ مَنْعِ الْجُبْنِ وَالْأَقِطِ فِي هَذِهِ التِّسْعِ إنْ كَانَا مِنْ حَلِيبٍ وَأَمَّا إنْ كَانَا مِنْ مَخِيضٍ أَوْ مَضْرُوبٍ فَحُكْمُهُمَا. قَوْلُهُ: [وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّحْمَ] إلَخْ: أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ صُوَرَ بَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ إمَّا نِيءٌ أَوْ قَدِيدٌ أَوْ مَشْوِيٌّ أَوْ مَطْبُوخٌ، وَفِي كُلٍّ:

وَالْقَدِيدِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ رُطَبٌ بِيَابِسٍ وَمَعَ الْمَطْبُوخِ مُتَفَاضِلًا فَقَطْ. (وَ) جَازَ لَحْمٌ (عَفِنٌ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ: وَهُوَ مَا تَغَيَّرَ طَعْمُهُ بِطُولِ مُكْثِهِ، بِمِثْلِهِ. (وَ) جَازَ (زُبْدٌ) بِمِثْلِهِ، (وَ) جَازَ (سَمْنٌ) بِمِثْلِهِ (وَأَقِطٌ) : لَبَنٌ مُسْتَحْجَرٌ وَقِيلَ جُبْنٌ لِلَّبَنِ الْمَنْزُوعِ الزُّبْدِ بِمِثْلِهِ (وَجُبْنٌ) بِمِثْلِهِ. (وَ) جَازَ حَبٌّ (مَغْلُوثٌ) قَلَّ غَلْثُهُ بِمِثْلِهِ لَا نَقِيٌّ بِمَغْلُوثٍ وَلَا إنْ كَثُرَ الْغَلْثُ وَهُوَ مَا الشَّأْنُ أَنْ لَا يَتَسَامَحَ فِيهِ (وَزَيْتُونٌ) بِمِثْلِهِ (وَلَحْمٌ) بِمِثْلِهِ. فَقَوْلُهُ: (بِمِثْلِهَا) كَيْلًا أَوْ وَزْنًا (مُنَاجَزَةً) أَيْ يَدًا بِيَدٍ: رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ. (لَا) يَجُوزُ (رَطْبُهَا) أَيْ الْمَذْكُورَاتُ (بِيَابِسِهَا) مُتَمَاثِلًا وَلَا مُتَفَاضِلًا. (وَلَا) يَجُوزُ (شَيْءٌ مِنْهَا) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ (مَعَ عَرَضٍ) كَثَوْبٍ أَوْ شَاةٍ (بِمِثْلِهِ) : فَلَا يَجُوزُ زَيْتُونٌ وَثَوْبٌ بِزَيْتُونٍ مِثْلِهِ أَوْ مَعَهُ عَرَضٌ أَيْضًا لِلتَّفَاضُلِ الْمَعْنَوِيِّ لِاحْتِمَالِ اخْتِلَافِ قِيمَةِ الْعَرْضِ الْمُصَاحِبِ لِلرِّبَوِيِّ. (وَ) لَا يَجُوزُ (مَبْلُولٌ) مِنْ حَبٍّ كَقَمْحٍ (بِمِثْلِهِ) : أَيْ بِمَبْلُولٍ مِثْلِهِ مِنْ جِنْسٍ رِبَوِيٍّ؛ لَا مُتَمَاثِلًا وَلَا مُتَفَاضِلًا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْبَلِّ (وَلَا) يَجُوزُ لَبَنٌ (حَلِيبٌ بِزُبْدٍ أَوْ سَمْنٍ) لِعَدَمِ النَّقْلِ فَإِنْ أُخْرِجَ زُبْدُهُ جَازَ بِهِمَا لِأَنَّهُمَا صَارَا جِنْسَيْنِ. (وَلَا) يَجُوزُ لَحْمٌ (مَشْوِيٌّ بِقَدِيدٍ أَوْ مَطْبُوخٍ) أَوْ قَدِيدُ بِمَطْبُوخِ لَا مُتَفَاضِلًا وَلَا مُتَمَاثِلًا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِهَا أَبْزَارٌ وَمُقَابِلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإمَّا أَنْ يُبَاعَ بِمِثْلِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَهَذِهِ سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً الْمُكَرَّرُ مِنْهَا سِتٌّ وَالْبَاقِي عَشْرٌ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ أَحْكَامَ سَبْعَةٍ مِنْهَا مُسْتَوْفَاةً وَسَكَتَ عَنْ ثَلَاثَةٍ هُنَا وَسَيَذْكُرُهَا فِي قَوْلِهِ: " وَلَا يَجُوزُ لَحْمٌ مَشْوِيٌّ بِقَدِيدٍ "، وَهُوَ بَيْعُ الْمَشْوِيِّ بِالْقَدِيدِ أَوْ الْمَطْبُوخِ وَبَيْعُ الْقَدِيدِ بِالْمَطْبُوخِ فَلَا تَجُوزُ تِلْكَ الصُّوَرُ الثَّلَاثُ إنْ كَانَ النَّاقِلُ فِي كُلٍّ أَوْ لَا نَاقِلَ فِيهَا وَلَا مُتَمَاثِلًا فَإِنْ كَانَ النَّاقِلُ بِأَحَدِهَا فَقَطْ جَازَ وَلَوْ مُتَفَاضِلًا كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي أَحَدِهَا أَبْزَارٌ] : مُرَادُهُ بِالْأَبْزَارِ: الْجِنْسُ فَمَتَى أُضِيفَ لِلْمَاءِ مِلْحٌ أَوْ بَصَلٌ أَوْ ثُومٌ فَإِنَّهُ يُنْقَلُ.

[اعتبار المماثلة في المكيل والموزون]

خَالِيًا مِنْهَا فَيَجُوزُ لِحُصُولِ النَّقْلِ بِالْأَبْزَارِ عَمَّا لَا أَبْزَارَ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَاعْتُبِرَ الدَّقِيقُ) : أَيْ قَدْرُهُ (تَحَرِّيًا) إذَا لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا (فِي بَيْعِ خُبْزٍ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَا) أَيْ الْخُبْزَانِ (مِنْ جِنْسٍ) كَقَمْحٍ. وَهَذَا الْقَيْدُ لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَا يُعْتَبَرُ وَزْنُ الْخُبْزَيْنِ. (وَإِلَّا) يَكُونَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ؛ كَخُبْزِ قَمْحٍ وَذُرَةٍ (فَالْوَزْنُ) بَيْنَ الْخُبْزَيْنِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ لَا الدَّقِيقُ. وَقَوْلُنَا: " فِي بَيْعِ " إلَخْ، وَأَمَّا فِي الْقَرْضِ فَالْعِبْرَةُ بِالْعَدَدِ الْمُتَقَارِبِ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَسَلَّفَ الْجِيرَانُ فِيمَا بَيْنَهُمْ الْخُبْزَ وَيَقْضُوا مِثْلَهُ أَيْ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِيهِ الْمَعْرُوفُ لَا الْمُبَايَعَةُ. (وَ) اُعْتُبِرَ الدَّقِيقُ أَيْضًا (فِي) بَيْعِ (عَجِينٍ بِحِنْطَةٍ أَوْ دَقِيقٍ) تَحَرِّيًا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. (وَجَازَ قَمْحٌ بِدَقِيقٍ) إنْ تَمَاثَلَا وَزْنًا أَوْ كَيْلًا عَلَى الرَّاجِحِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْوَزْنِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ وَهُوَ أَضْعَفُهَا. (وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ بِالْكَيْلِ فِيمَا يُكَالُ) كَالْحُبُوبِ (وَالْوَزْنُ فِيمَا يُوزَنُ) كَالنَّقْدَيْنِ (وَبِالتَّحَرِّي فِي غَيْرِهَا وَزْنًا) . لَا كَيْلًا (كَالْبَيْضِ) وَجَازَ التَّحَرِّي فِيمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَمَا تَقَدَّمَ] : أَيْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا يَكُونَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ] : أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ أَصْلُهُمَا طَعَامٌ رِبَوِيٌّ فَإِنْ كَانَا مِنْ صِنْفَيْنِ غَيْرِ رِبَوِيَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا رِبَوِيٌّ وَالْآخَرُ غَيْرُ رِبَوِيٍّ لَمْ يُعْتَبَرْ وَزْنٌ وَلَا غَيْرُهُ لِجَوَازِ الْمُفَاضَلَةِ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: [فَالْعِبْرَةُ بِالْعَدَدِ الْمُتَقَارِبِ] : أَيْ وَلَوْ زَادَ الْوَزْنُ عَلَى الْعَدَدِ أَوْ نَقَصَ وَيَنْبَغِي مَا لَمْ تَحْصُلُ مُشَاحَّةٌ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ الْوَزْنِ إنْ اخْتَلَفَ أَصْلُهُمَا أَوْ التَّحَرِّي إنْ اتَّحَدَ أَصْلُهُمَا. [اعْتِبَار المماثلة فِي الْمَكِيل وَالْمَوْزُون] قَوْلُهُ: [فِيمَا يُكَالُ] : أَيْ فِي الْمِعْيَارِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ إنْ كَانَ كَيْلًا فَكَيْلًا وَإِنْ كَانَ وَزْنًا فَوَزْنًا فَمَا وَرَدَ عَنْهُ أَنَّهُ يُكَالُ - كَالْقَمْحِ - فَلَا تَصِحُّ الْمُبَادَلَةُ فِيهِ إلَّا بِالْكَيْلِ، وَمَا وَرَدَ أَنَّهُ يُوزَنُ كَالنَّقْدِ فَلَا تَجُوزُ الْمُبَادَلَةُ فِيهِ إلَّا بِالْوَزْنِ، وَهَكَذَا. وَقَوْلُهُ: [كَالْبَيْضِ] : أَيْ فَيُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ بِالتَّحَرِّي وَلَوْ اقْتَضَى التَّحَرِّي بَيْعَ بَيْضَةٍ بِبَيْضَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ.

[البيوع الفاسدة]

يُوزَنُ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ لَا فِيمَا يُكَالُ. وَحَاصِلُ النَّقْلِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّ كُلَّ مَا يُبَاعُ وَزْنًا وَلَا يُبَاعُ كَيْلًا مِمَّا هُوَ رِبَوِيٌّ تَجُوزُ فِيهِ الْمُبَادَلَةُ وَالْقِسْمَةُ عَلَى التَّحَرِّي، وَهُوَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي السُّلَّمِ الثَّانِي مِنْهَا. وَكُلُّ مَا يُبَاعُ كَيْلًا - لَا وَزْنًا - مِمَّا هُوَ رِبَوِيٌّ فَلَا تَجُوزُ فِيهِ الْمُبَادَلَةُ وَلَا الْقِسْمَةُ بِالتَّحَرِّي بِلَا خِلَافٍ، وَأَمَّا غَيْرُ الرِّبَوِيِّ فَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الْقِسْمَةِ مَا فِيهِ، وَالْمُبَادَلَةُ عَلَى التَّحَرِّي عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْجَوَازُ فِيمَا يُبَاعُ وَزْنًا لَا كَيْلًا. وَالثَّانِي: الْجَوَازُ مُطْلَقًا، وَالثَّالِثُ: الْمَنْعُ مُطْلَقًا. (فَإِنْ تَعَذَّرَ) التَّحَرِّي فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّحَرِّي لِكَثْرَتِهِ جِدًّا (مُنِعَ) فَلَا تَجُوزُ الْمُبَادَلَةُ وَالْقِسْمَةُ فِيهِ. وَظَاهِرُ قَوْلِنَا: " وَجَازَ التَّحَرِّي فِيمَا يُوزَنُ " وَلَوْ لَمْ يَتَعَسَّرْ الْوَزْنُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَيَّدَهُ الشَّيْخُ تَبَعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ بِمَا إذَا تَعَسَّرَ الْوَزْنُ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِ. (وَفَسَدَ) الْعَقْدُ (الْمَنْهِيُّ) عَنْهُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَالصِّحَّةُ فِي الْعُقُودِ تُرَتَّبُ آثَارُهَا عَلَيْهَا، وَالْفَسَادُ عَدَمُهُ. وَفِي الْعِبَادَةِ: مُوَافَقَةُ الْفِعْلِ ذِي الْوَجْهَيْنِ الشَّرْعَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا الْقِسْمَةُ بِالتَّحَرِّي] : الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يُوزَنُ فَيَجُوزُ فِيهِ التَّحَرِّي وَمَا يُكَالُ لَا يَجُوزُ فِيهِ أَنَّ آلَةَ الْوَزْنِ قَدْ يَتَعَذَّرُ وُجُودُهَا، بِخِلَافِ آلَةِ الْكَيْلِ فَإِنَّهُ يَتَيَسَّرُ بِأَيِّ وِعَاءٍ فَلِذَلِكَ مُنِعَ التَّحَرِّي فِيهِ. قَوْلُهُ: [الْجَوَازُ فِيمَا يُبَاعُ وَزْنًا لَا كَيْلًا] : أَيْ وَهُوَ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَوْلُهُ: " وَالثَّانِي: الْجَوَازُ مُطْلَقًا "، وَهُوَ لِأَشْهَبَ، وَقَوْلُهُ: " وَالثَّالِثُ: الْمَنْعُ مُطْلَقًا ": أَيْ وَهُوَ الَّذِي فِي كِتَابِ السَّلَمِ الثَّالِثِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. [الْبُيُوع الْفَاسِدَة] [فَسَادُ الْعَقْدِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ] قَوْلُهُ: [وَفَسَدَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ] : أَيْ عَنْ تَعَاطِيهِ وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ شَامِلَةٌ لِلْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَهِيَ الْعُقُودُ سَوَاءٌ كَانَ عَقْدَ نِكَاحٍ أَوْ بَيْعٍ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ حَذْفُ قَوْلِهِ الْعَقْدُ. قَوْلُهُ: [تَرَتُّبُ آثَارِهَا عَلَيْهَا] : أَيْ كَحِلِّ التَّلَذُّذِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ وَالتَّصَرُّفِ بِالْمَبِيعِ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ. وَقَوْلُهُ: [وَالْفَسَادُ عَدَمُهُ] : أَيْ عَدَمُ تَرَتُّبِ آثَارِهَا عَلَيْهَا كَعَدَمِ حِلِّ النِّكَاحِ بِالْعَقْدِ وَعَدَمِ جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ بِسَبَبِ عَقْدِهِ. قَوْلُهُ: [ذِي الْوَجْهَيْنِ] : أَيْ صَاحِبِ الْوَجْهِ الْمُوَافِقِ لِلشَّرْعِ وَالْمُخَالِفِ لَهُ. فَإِنْ

[الغش في البيع وبيع أرض الزراعة بالطعام]

فَمَا نَهَى عَنْهُ فَفَاسِدٌ. (إلَّا لِدَلِيلٍ) يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ: كَالنَّجْشِ وَبَيْعِ الْمُصْرَاةِ وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ. وَمَا فَسَدَ تَعَيَّنَ رَدُّ مَا لَمْ يَفُتْ كَمَا يَأْتِي. ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ مَا نَهَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ: (كَالْغِشِّ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQقُلْت: إنَّ كُلَّ فِعْلٍ لَهُ وَجْهَانِ، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمْ ذِي الْوَجْهَيْنِ؟ وَأُجِيبُ: بِأَنَّ هُنَاكَ أُمُورًا مَا لَهَا إلَّا وَجْهٌ وَاحِدٌ كَاعْتِقَادِ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا وَجْهٌ وَاحِدٌ وَهُوَ مُوَافَقَةُ الشَّرْعِ، وَكَالْأُمُورِ الْمُجْمَعِ عَلَى حُرْمَتِهَا فَلَيْسَ لَهَا إلَّا وَجْهٌ وَاحِدٌ وَهُوَ مُخَالَفَةُ الشَّرْعِ. وَاعْلَمْ أَنَّ لَهُمْ قَاعِدَةً أُخْرَى وَهِيَ: إذَا كَانَ النَّهْيُ ذَاتِيًّا لِلشَّيْءِ؛ كَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ. أَوْ وَصْفًا لَهُ كَالْخَمْرِ لِلْإِسْكَارِ، أَوْ خَارِجًا لَازِمًا لَهُ كَصَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ - لِأَنَّ صَوْمَهُ يَسْتَلْزِمُ الْإِعْرَاضَ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى - فَإِنَّهُ يَكُونُ مُقْتَضِيًا لِلْفَسَادِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَسَادُ الصَّلَاةِ وَقْتَ طُلُوعِ شَمْسٍ أَوْ غُرُوبِهَا وَلَا دَلَالَةَ لِقَوْلِ خَلِيلٍ. وَقَطْعُ مُحَرَّمٍ بِوَقْتٍ نَهْيٌ عَلَى الصِّحَّةِ إذَا كَانَ النَّهْيُ الْخَارِجُ عَنْهُ غَيْرَ لَازِمٍ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَالتَّنَفُّلِ وَقْتَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ الْحَرِيرِ فِي الصَّلَاةِ، فَلَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ. أَلَا تَرَى أَنَّ إشْغَالَ بُقْعَةِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ أَوْ إتْلَافَ مَالِهِ أَوْ الْإِعْرَاضَ عَنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ أَوْ لُبْسَ الْحَرِيرِ حَرَامٌ كُلٌّ مِنْهَا؟ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ. قَوْلُهُ: [إلَّا لِدَلِيلٍ] : أَيْ شَرْعِيٍّ. قَوْلُهُ: [يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ] : أَيْ صِحَّةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّلِيلُ مُتَّصِلًا بِالنَّهْيِ أَوْ مُنْفَصِلًا عَنْهُ فَالْمُتَّصِلُ كَأَنْ يَكُونَ النَّهْيُ وَالصِّحَّةُ فِي حَيِّزٍ وَاحِدٍ، وَالْمُنْفَصِلُ يَكُونُ النَّهْيُ فِي حَيِّزٍ وَالصِّحَّةُ فِي حَيِّزٍ آخَرَ. [الغش فِي الْبَيْع وَبَيْع أَرْض الزِّرَاعَة بِالطَّعَامِ] قَوْلُهُ: [كَالْغِشِّ] : مِثَالٌ لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَلَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَيَكُونُ الدَّلِيلُ مُخَصَّصًا لِتِلْكَ الْقَاعِدَةِ.

(وَهُوَ) : أَيْ الْغِشُّ قِسْمَانِ: الْأَوَّلُ: (إظْهَارُ جَوْدَةِ مَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ) : كَنَفْخِ اللَّحْمِ بَعْدَ السَّلْخِ وَدَقِّ الثِّيَابِ. وَالثَّانِي أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (أَوْ خَلْطُ شَيْءٍ بِغَيْرِهِ) : كَخَلْطِ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ وَالسَّمْنِ بِدُهْنٍ (أَوْ بِرَدِيءٍ) مِنْ جِنْسِهِ كَقَمْحٍ جَيِّدٍ بِرَدِيءٍ. (وَكَحَيَوَانٍ) : أَيْ بَيْعُهُ (مُطْلَقًا) : مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ كَثِيرَةٌ وَيُرَاد لِلْقِنْيَةِ، أَوْ مَا لَا تَطُول حَيَاتُهُ، أَوْ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ إلَّا اللَّحْمُ، أَوْ قَلَّتْ مَنْفَعَتُهُ (بِلَحْمِ جِنْسِهِ) : كَبَيْعِ شَاةٍ بِعَشَرَةِ أَرْطَالِ لَحْمٍ مِنْ ضَأْنٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ إبِلٍ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ ذَوَاتَ الْأَرْبَعِ جِنْسٌ وَاحِدٌ (إنْ لَمْ يُطْبَخْ) اللَّحْمُ. وَلَوْ بِغَيْرِ أَبْزَارٍ لِبُعْدِهِ بِالطَّبْخِ عَنْ الْحَيَوَانِ، فَإِنْ طُبِخَ جَازَ كَمَا يَجُوزُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ لَكِنْ مُنَاجَزَةً فِي غَيْرِ الْأُولَى لِأَنَّ مَا لَا تَطُولُ حَيَاتُهُ وَمَا بَعْدَهُ طَعَامٌ حُكْمًا. وَأَمَّا الْأَوْلَى - وَهُوَ مَا مَنْفَعَتُهُ كَثِيرَةٌ وَيُرَادُ لِلْقِنْيَةِ - فَيَجُوزُ وَلَوْ لِأَجَلٍ. (أَوْ) حَيَوَانٌ مُطْلَقًا بِأَقْسَامِهِ الْأَرْبَعَةِ (بِمَا) أَيْ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ (لَا تَطُولُ حَيَاتُهُ) كَطَيْرِ الْمَاءِ (أَوْ) بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ (لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ إلَّا اللَّحْمُ) : كَخَصِيِّ مَعْزٍ (أَوْ قَلَّتْ مَنْفَعَتُهُ؛ كَخَصِيِّ ضَأْنٍ لِتَقْدِيرِهَا) : أَيْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (لَحْمًا) فَفِيهِ بَيْعُ مَجْهُولٍ بِمَعْلُومٍ أَوْ مَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ وَهُوَ مُزَابَنَةٌ، وَصُوَرُ هَذِهِ تِسْعَةٌ؛ لِأَنَّك إذَا أَخَذَتْ الْأَوَّلَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ مَعَ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ بِثَلَاثَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَنَفْخِ اللَّحْمِ بَعْدَ السَّلْخِ] : أَيْ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا نَهْيَ فِيهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَفِيهِ إصْلَاحٌ وَمَنْفَعَةٌ. قَوْلُهُ. [كَخَلْطِ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ] . مَحَلُّ النَّهْيِ مَا لَمْ يُخْلَطْ بِالْمَاءِ لِاسْتِخْرَاجِ زُبْدِهِ وَكَخَلْطِ الْعَصِيرِ بِالْمَاءِ لِتَعْجِيلِ تَخْلِيلِهِ. قَوْلُهُ: [وَكَحَيَوَانٍ] ، أَيْ حَيٍّ مُبَاحِ الْأَكْلِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِذَلِكَ لِأَنَّ بَيْعَ الْخَيْلِ وَنَحْوِهَا بِاللَّحْمِ الْمُبَاحِ جَائِزٌ لِعَدَمِ الْمُزَابَنَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ نَقْدًا أَوْ لِأَجَلٍ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِغَيْرِ أَبْزَارٍ] : أَيْ كَمَا أَفَادَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ لِأَنَّ نَقْلَ اللَّحْمِ عَنْ الْحَيَوَانِ يَكُونُ بِأَدْنَى نَاقِلٍ بِخِلَافِ اللَّحْمِ عَنْ اللَّحْمِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ الطَّبْخِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ طَبْخِهِ بِأَبْزَارٍ.

وَالثَّانِي مِنْ الْأَرْبَعَةِ مَعَ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ بِثَلَاثَةٍ وَالثَّالِثُ مَعَ مِثْلِهِ وَمَا بَعْدَهُ بِاثْنَيْنِ وَالرَّابِعُ مَعَ مِثْلِهِ بِوَاحِدٍ، فَهَذِهِ تِسْعَةٌ مَعَ الْأَرْبَعَةِ الْأُوَلِ بِثَلَاثَةَ عَشْرَ. وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُ بَيْعِ اللَّحْمِ بِلَحْمٍ. وَإِذَا قَدَّرْت هَذِهِ الثَّلَاثَةَ لَحْمًا: (فَلَا تَجُوزُ بِطَعَامٍ لِأَجَلٍ) لِأَنَّهُ طَعَامٌ بِطَعَامٍ نَسِيئَةً. (كَحَيَوَانٍ) : أَيْ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِحَيَوَانٍ مِثْلِهَا (مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا) لِأَجَلٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا يَدًا بِيَدٍ فَيَجُوزُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ. (وَجَازَ مَا يُرَادُ لِلْقِنْيَةِ) لِكَثْرَةِ مَنْفَعَتِهِ (بِمِثْلِهِ) لِأَنَّهُمَا لَا يُقَدَّرَانِ طَعَامًا بَلْ هُمَا مِنْ الْعُرُوضِ (وَبِطَعَامٍ مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ لِأَجَلٍ؛ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ (كَبَقَرَةٍ بِبَعِيرٍ) أَوْ بَقَرَةٍ بِمِثْلِهَا أَوْ بَعِيرٍ بِبَعِيرٍ أَوْ كَبَقَرَةٍ أَوْ بَعِيرٍ بِإِرْدَبِّ قَمْحٍ. - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِثَلَاثَةَ عَشْرَ] : حَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً كُلُّهَا مَمْنُوعَةٌ وَهِيَ: بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِأَقْسَامِهِ الْأَرْبَعَةِ بِلَحْمِ جِنْسِهِ وَبَيْعُهُ بِأَقْسَامِهِ الْأَرْبَعَةِ بِمَا لَا تَطُولُ حَيَاتُهُ، وَبَيْعُهُ بِأَقْسَامِهِ الْأَرْبَعَةِ بِمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ إلَّا اللَّحْمُ، وَبَيْعُهُ بِأَقْسَامِهِ الْأَرْبَعَةِ بِمَا قَلَّتْ مَنْفَعَتُهُ؛ فَهَذِهِ سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً الْمُكَرَّرُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ يَبْقَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ صُورَةً يُضَمُّ لَهَا بَيْعُ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ وَبَيْعُ حَيَوَانٍ يُرَادُ لِلْقِنْيَةِ بِمِثْلِهِ، وَهَاتَانِ الصُّورَتَانِ الْأُولَى مِنْهُمَا جَائِزَةٌ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ وَالثَّانِيَةُ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ. قَوْلُهُ: [فَلَا تَجُوزُ بِطَعَامٍ لِأَجَلٍ] : أَيْ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا كِرَاءُ أَرْضِ زِرَاعَةٍ وَلَا تُؤْخَذُ قَضَاءً عَنْ دَرَاهِمَ أُكْرِيَتْ بِهَا أَرْضُ زِرَاعَةٍ وَلَا يُؤْخَذُ قَضَاءً عَنْ ثَمَنِهَا طَعَامٌ لَحْمًا أَوْ غَيْرُهُ؛ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَاةٍ لِلْجَزَّارِ بِدَرَاهِمَ، ثُمَّ يَأْخُذُ بَدَلَ الدَّرَاهِمِ لَحْمًا أَوْ طَعَامًا لِإِلْغَاءِ الدَّرَاهِمِ الْمُتَوَسِّطَةِ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ؛ فَكَأَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ بَاعَ الشَّاةَ بِاللَّحْمِ وَالطَّعَامِ. وَهَذَا بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ الَّذِي يُرَادُ لِلْقِنْيَةِ لِكَثْرَةِ مَنْفَعَتِهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِطَعَامٍ وَلَوْ لِأَجَلٍ. وَيَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِهِ وَأَخْذُهُ قَضَاءً عَمَّا أُكْرِيَتْ بِهِ الْأَرْضُ، وَأَخْذُ الطَّعَامِ قَضَاءً عَنْ ثَمَنِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ طَعَامًا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا. تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ بَيْعُ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ بِالطَّعَامِ لَحْمًا أَوْ غَيْرَهُ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ كِرَاؤُهَا بِهِ. قَوْلُهُ: [رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ] : أَيْ وَهُمَا بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ أَوْ بِطَعَامٍ.

[بيع المزابنة]

(وَكَالْمُزَابَنَةِ، وَهِيَ: بَيْعُ مَجْهُولٍ) وَزْنُهُ أَوْ كَيْلُهُ أَوْ عَدَدُهُ (بِمَعْلُومٍ) قَدْرُهُ مِنْ جِنْسِهِ: كَجُزَافٍ مِنْ قَمْحٍ أَوْ غَيْرِهِ بِإِرْدَبٍّ مِنْهُ (أَوْ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ) ، وَيَكُونُ (فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ؛ كَالْقُطْنِ وَالْحَدِيدِ) وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ. فَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ وَلَوْ بِالنَّقْلِ جَازَ الْبَيْعُ بِشُرُوطِ الْجُزَافِ. (وَانْتَقَلَ الطَّعَامُ) عَنْ جِنْسِهِ (بِمَا مَرَّ) كَالطَّبْخِ بِالْأَبْزَارِ وَنَزْعِ السَّمْنِ مِنْ اللَّبَنِ وَالْخُبْزِ. (وَ) انْتَقَلَ (غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الطَّعَامِ عَنْ أَصْلِهِ (بِصَنْعَةٍ مُعْتَبَرَةٍ) : أَيْ عَظِيمَةٍ كَالْأَوَانِي، لَا بِهَيِّنَةٍ كَالْفُلُوسِ. (فَيَجُوزُ بَيْعُ النُّحَاسِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَيْعُ الْمُزَابَنَةِ] قَوْلُهُ: وَكَالْمُزَابَنَةِ: مِنْ الزَّبْنِ وَهُوَ الدَّفْعُ مِنْ قَوْلِهِمْ نَاقَةٌ زَبُونٌ إذَا مَنَعَتْ حِلَابَهَا وَدَفَعَتْ مَنْ يَحْلُبُهَا. وَمِنْهُ: الزَّبَانِيَةُ لِدَفْعِهِمْ الْكُفَّارَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ. قَوْلُهُ: [أَوْ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ] : أَيْ كَبَيْعِ غِرَارَةٍ مَمْلُوءَةٍ قَمْحًا بِغِرَارَةٍ مَمْلُوءَةٍ قَمْحًا أُخْرَى وَلَا يُعْلَمُ قَدْرُ مَا فِيهِمَا أَوْ بَيْعِ قَفَصٍ خَوْخًا بِمِثْلِهِ لَا يَدْرِي قَدْرَ مَا فِيهِمَا؛ أَوْ بَيْعِ صُبْرَةٍ مِنْ قُطْنٍ بِمِثْلِهَا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِالنَّقْلِ] : أَيْ هَذَا إذَا اخْتَلَفَا بِالْأَصَالَةِ كَصُبْرَةِ أُرْزٍ بِصُبْرَةِ قَمْحٍ وَلَوْ بِالنَّقْلِ وَالْأَصْلُ جِنْسٌ وَاحِدٌ. قَوْلُهُ: [فَيَجُوزُ بَيْعُ النُّحَاسِ] : حَاصِلُهُ أَنَّ مَسَائِلَ بَيْعِ النُّحَاسِ أَرْبَعٌ: الْأُولَى: بَيْعُ النُّحَاسِ غَيْرِ الْمَصْنُوعِ بِالْمَصْنُوعِ صَنْعَةً قَوِيَّةً، الثَّانِيَةُ: بَيْعُ النُّحَاسِ غَيْرِ الْمَصْنُوعِ بِالْفُلُوسِ الْمُتَعَامَلِ بِهَا، الثَّالِثَةُ: بَيْعُ النُّحَاسِ الْمَصْنُوعِ بِالْفُلُوسِ. الرَّابِعَةُ: بَيْعُ الْفُلُوسِ الْمُتَعَامَلِ بِهَا بِمِثْلِهَا، فَالْأُولَى تَجُوزُ سَوَاءً كَانَا جُزَافَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِيعَ نَقْدًا أَوْ لِأَجَلٍ وَقُدِّمَ النُّحَاسُ حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْأَجَلِ مِثْلَ الْمَصْنُوعِ وَإِلَّا مُنِعَ، وَأَمَّا لَوْ قُدِّمَتْ الْأَوَانِي فَلَا مَنْعَ. وَالثَّانِيَةُ لَا تَجُوزُ لِعَدَمِ انْتِقَالِ الْفُلُوسِ بِصَنْعَتِهَا، وَمَحَلُّ الْمَنْعِ فِيهَا حَيْثُ جَهِلَ عَدَدَهَا عَلِمَ وَزْنَ النُّحَاسِ أَمْ لَا كَثُرَ أَحَدُهُمَا كَثْرَةً تَنْفِي الْمُزَابَنَةَ أَمْ لَا أَوْ عَلِمَ عَدَدَهَا وَجَهِلَ وَزْنَ النُّحَاسِ حَيْثُ لَمْ يَتَبَيَّنْ فَضْلَ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَإِلَّا جَازَ كَمَا إذَا عَلِمَ عَدَدَهَا وَوَزْنَ النُّحَاسِ. وَالثَّالِثَةُ تَجُوزُ لِأَنَّهُمَا مَصُوغَانِ إنْ عَلِمَ عَدَدَ الْفُلُوسِ وَوَزْنَ الْأَوَانِي أَوْ جَهِلَ الْوَزْنَ وَوُجِدَتْ شُرُوطُ الْجُزَافِ وَإِلَّا

[بيع المجهول بمعلوم أو المجهول من جنسه]

وَنَحْوِهِ الْمَعْلُومِ قَدْرُهُ أَوْ غَيْرِ مَعْلُومِهِ (بِالْأَوَانِي مِنْهُ، لَا بِالْفُلُوسِ) لِعَدَمِ انْتِقَالِ الْفُلُوسِ عَنْ النُّحَاسِ لِسُهُولَةِ صَنْعَتِهَا بِخِلَافِ الْإِنَاءِ، فَإِنَّ صَنْعَتَهُ عَظِيمَةُ الشَّأْنِ. وَمَحَلُّ الْمَنْعِ حَيْثُ جُهِلَ عَدَدُهَا، عُلِمَ وَزْنُ النُّحَاسِ أَوْ جُهِلَ، أَوْ عُلِمَ عَدَدُهَا وَجُهِلَ وَزْنُ النُّحَاسِ. فَإِنْ عُلِمَ الْعَدَدُ وَالْوَزْنُ جَازَ، إذْ لَا مُزَابَنَةَ حِينَئِذٍ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (إلَّا أَنْ يُعْلَمَ عَدَدُهَا) : أَيْ الْفُلُوسِ (وَوَزْنُهُ) : أَيْ النُّحَاسُ (فَيَجُوزُ) (كَآنِيَةٍ) مِنْ نُحَاسٍ (بِفُلُوسِ عِلْمًا) : أَيْ فَيَجُوزُ، وَإِنَّمَا قَدَّمْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِمُنَاسَبَتِهَا لِبَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ لِأَنَّ عِلَّتَهُ الْمُزَابَنَةُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَجَازَ) بَيْعُ الْمَجْهُولِ بِمَعْلُومٍ أَوْ الْمَجْهُولِ مِنْ جِنْسِهِ (إنْ كَثُرَ أَحَدُهُمَا) كَثْرَةً بَيِّنَةً تَنْتَفِي فِيهَا الْمُكَايَسَةُ (فِي غَيْرِ رِبَوِيٍّ) : كَقُطْنٍ وَحَدِيدٍ وَكَالْفَوَاكِهِ مِمَّا لَا يَحْرُمُ فِيهِ رِبَا الْفَضْلِ مِنْ الطَّعَامِ، لَكِنْ بِشَرْطِ الْمُنَاجَزَةِ فِيهِ لَا فِي رِبَوِيٍّ. (وَكَالْغَرَرِ) : أَيْ كَبَيْعِهِ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ (وَهُوَ: ذُو الْجَهْلِ) بِثَمَنٍ أَوْ مُثَمَّنٍ أَوْ أَجَلٍ (وَالْخَطَرِ؛ كَتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ) كَبَيْعِ آبِقٍ وَسَمَكٍ فِي مَائِهِ وَبَيْعِ مَا فِيهِ خُصُومَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُنِعَ كَمَا لَوْ جَهِلَ الْعَدَدَ وَالْوَزْنَ مَعًا. وَالرَّابِعَةُ تَجُوزُ إنْ تَمَاثَلَا كَأَنْ جَهِلَ عَدَدَ كُلٍّ وَزَادَ أَحَدُهُمَا زِيَادَةً تَنْفِي الْمُزَابَنَةَ وَإِلَّا مُنِعَ. هَذَا عَلَى أَنَّ الْفُلُوسَ غَيْرُ رِبَوِيَّةٍ وَأَمَّا عَلَى أَنَّهَا رِبَوِيَّةٌ فَلَا تَجُوزُ إلَّا إذَا تَمَاثَلَا وَزْنًا وَعَدَدًا. فَلْيُحْفَظْ هَذَا التَّقْرِيرُ؛ فَإِنَّهُ زُبْدَةُ مَا فِي الْأَصْلِ وَحَاشِيَتُهُ. قَوْلُهُ: [وَنَحْوُهُ] : أَيْ كَالْحَدِيدِ وَالْقَصْدِيرِ وَالْخَشَبِ وَالطِّينِ. قَوْلُهُ: [بِالْأَوَانِي مِنْهُ] : أَيْ مِنْ النُّحَاسِ إنْ كَانَتْ نُحَاسًا، أَوْ مِنْ الْقَصْدِيرِ إنْ كَانَتْ قَصْدِيرًا، أَوْ مِنْ الْحَدِيدِ إنْ كَانَتْ حَدِيدًا، أَوْ مِنْ الْخَشَبِ إنْ كَانَتْ خَشَبًا، أَوْ مِنْ الطِّينِ إنْ كَانَتْ طِينًا، لَكِنْ لَا تَخْرُجُ أَوَانِي الطِّينِ عَنْ أَصْلِهَا إلَّا بِالْحَرْقِ عَلَى مَا يَظْهَرُ وَهَذَا كُلُّهُ بِخِلَافِ أَوَانِي النَّقْدِ. وَأَمَّا هِيَ فَلَا تَخْرُجُ عَنْ أَصْلِهَا بِحَالٍ. [بَيْعُ الْمَجْهُولِ بِمَعْلُومٍ أَوْ الْمَجْهُولِ مِنْ جِنْسِهِ] قَوْلُهُ: [لَا فِي رِبَوِيٍّ] : أَيْ فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَلَوْ كَثُرَ أَحَدُهُمَا كَثْرَةً بَيِّنَةً لِأَنَّهُ رِبًا عَلَى كُلِّ حَالٍ. [بَيْع الْغَرَر] قَوْلُهُ: [أَيْ كَبَيْعِهِ] : أَيْ الْبَيْعُ الْمُلَابِسُ لِلْغَرَرِ، لَا أَنَّ الْغَرَرَ مَبِيعٌ.

[بيع المنابذة والملامسة]

(وَكَبَيْعِهَا بِقِيمَتِهَا) الَّتِي سَتَظْهَرُ أَوْ الَّتِي يَقُولُهَا أَهْلُ السُّوقِ (أَوْ بِمَا يَرْضَاهُ فُلَانٌ) وَكَانَ الْبَيْعُ عَلَى رِضَاهُ (عَلَى اللُّزُومِ) لَا عَلَى الْخِيَارِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ لِأَنَّ بَيْعَ الْخِيَارِ مُنْحَلٌّ. (وَكَمُنَابَذَةِ الثَّوْبِ أَوْ لَمْسِهِ فَيَلْزَمُ) الْبَيْعُ؛ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ إذَا كَانَ عَلَى اللُّزُومِ، كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: " فَيَلْزَمُ ". فَإِنْ كَانَ عَلَى الْخِيَارِ جَازَ. وَبَيْعُ الْمُنَابَذَةِ: أَنْ يَبِيعَهُ ثَوْبًا بِمِثْلِهِ أَوْ بِدَرَاهِمَ وَيَنْبِذَهُ لَهُ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ بِالنَّبْذِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ فِيهِ، فَالْمُفَاعَلَةُ فِيهِ قَدْ تَكُونُ عَلَى بَابِهَا. وَالْمُلَامَسَةُ: أَنْ يَبِيعَهُ الثَّوْبَ مَثَلًا عَلَى اللُّزُومِ بِمُجَرَّدِ لَمْسِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْتِيشٍ فِيهِ وَلَا تَأَمُّلٍ. (وَكَبَيْعِ) كُلِّ (مَا فِيهِ خُصُومَةٌ) : أَيْ فِي تَسْلِيمِهِ لِمُشْتَرِيهِ، بِأَنْ يَتَوَقَّفُ تَسْلِيمُهُ لَهُ عَلَى مُنَازَعَةٍ كَبَيْعِ مَغْصُوبٍ أَوْ مَسْرُوقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ تَحْتَ يَدِ غَيْرِ مَالِكِهِ الْبَائِعِ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَلَى اللُّزُومِ] : اعْلَمْ أَنَّ الْمُضِرَّ الدُّخُولُ عَلَى لُزُومِ الْبَيْعِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِهَا بِقِيمَتِهَا أَوْ عَلَى رِضَا فُلَانٍ، وَأَمَّا عَلَى رِضَا أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَالْمُضِرُّ إلْزَامُ غَيْرِ مَنْ لَهُ الرِّضَا. وَمِثْلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَوْ وَلَّاهُ سِلْعَةً لَمْ يُعْلِمْهُ بِهَا أَوْ بِثَمَنِهَا عَلَى الْإِلْزَامِ وَالسُّكُوتِ كَالْإِلْزَامِ فِي الْجَمِيعِ إلَّا فِي التَّوْلِيَةِ فَتَصِحُّ وَلَهُ الْخِيَارُ [بَيْع الْمُنَابَذَة وَالْمُلَامَسَة] قَوْلُهُ: [وَكَمُنَابَذَةِ الثَّوْبِ أَوْ لَمْسِهِ] : إنَّمَا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ لِمَا وَرَدَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ» فَكَانَ الرَّجُلَانِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُسَاوِمَانِ السِّلْعَةَ فَإِذَا لَمَسَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ نَبَذَهَا إلَيْهِ الْبَائِعُ لَزِمَ الْبَيْعُ. قَالَ مَالِكٌ: وَالْمُلَامَسَةُ شِرَاؤُك الثَّوْبَ لَا تَنْشُرُهُ وَلَا تَعْلَمُ مَا فِيهِ أَوْ تَبْتَاعُهُ لَيْلًا وَلَا تَتَأَمَّلُهُ أَوْ ثَوْبًا مُدْرَجًا لَا يُنْشَرُ مِنْ جِرَابِهِ، وَالْمُنَابَذَةُ: أَنْ تَبِيعَهُ ثَوْبَك فَتَنْبِذَهُ إلَيْهِ أَوْ ثَوْبَهُ وَيَنْبِذُهُ إلَيْك مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ مِنْكُمَا عَلَى الْإِلْزَامِ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ: " وَلَا تَعْلَمُ مَا فِيهِ ". يَعْنِي وَتَكْتَفِي بِاللَّمْسِ، وَقَوْلُهُ: " أَوْ تَبْتَاعُهُ لَيْلًا ": أَيْ مُقْمِرًا أَوْ مُظْلِمًا، وَقَوْلُهُ: " مِنْ جِرَابِهِ "، بِكَسْرِ الْجِيمِ وِعَاءٌ مِنْ جِلْدٍ (اهـ) . قَوْلُهُ: [فَالْمُفَاعَلَةُ فِيهِ قَدْ تَكُونُ عَلَى بَابِهَا] : أَيْ وَقَدْ لَا تَكُونُ؛ فَالْأُولَى: كَمَا إذَا شَرَطَ عَلَيْك نَبْذَ الْمُثَمَّنِ وَاشْتَرَطْتَ عَلَيْهِ نَبْذَ الثَّمَنِ. وَالثَّانِيَةُ: كَمَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ مِنْ أَحَدِهِمَا. وَأَمَّا الْمُلَامَسَةُ فَلَا تَكُونُ عَلَى بَابِهَا، بَلْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي لُزُومَ الْمَبِيعِ بِمُجَرَّدِ لَمْسِهِ لَهُ - هَكَذَا قَالُوا.

[بيع البيعتين في بيعة أو بيع سلعتين مختلفتين]

(وَكَبَيْعِهِ) سِلْعَةً - عَقَارًا كَانَتْ أَوْ عَرَضًا - (بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْبَائِعِ لَهَا (حَيَاتَهُ) : أَيْ مُدَّةَ حَيَاتِهِ؛ فَفَاسِدٌ لِلْغَرَرِ بِعَدَمِ عِلْمِ الثَّمَنِ. (وَرَجَعَ) الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ (بِقِيمَةِ مَا أَنْفَقَ) الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا، أَوْ مِثْلِيًّا جَهِلَ قَدْرَهُ كَمَا إذَا كَانَ فِي عِيَالِهِ (أَوْ بِمِثْلِهِ إنْ) كَانَ مِثْلِيًّا (وَ) عَلِمَ قَدْرَهُ، بِأَنْ دَفَعَ لَهُ قَدْرًا مَعْلُومًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ دَرَاهِمَ. فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ؛ يَرْجِعُ بِالْقِيمَةِ فِي ثَلَاثَةٍ: الْمُقَوَّمُ مُطْلَقًا وَالْمِثْلِيُّ الْمَجْهُولُ الْقَدْرِ، وَبِالْمِثْلِ فِي وَاحِدَةٍ. (وَرُدَّ الْمَبِيعُ) لِبَائِعِهِ (إلَّا أَنْ يَفُوتَ) عِنْدَ الْمُشْتَرِي (فَالْقِيمَةُ) يَرُدُّهَا لِلْبَائِعِ وَتُعْتَبَرُ (يَوْمَ الْقَبْضِ) لَا يَوْمَ الْحُكْمِ. (وَكَبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ) فَإِنَّهُ فَاسِدٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ لِلْجَهْلِ بِالثَّمَنِ حَالَ الْعَقْدِ، وَفَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (يَبِيعُهَا بَتًّا) لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا. فَإِنْ كَانَ عَلَى الْخِيَارِ لَهُمَا مَعًا جَازَ (بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أَوْ أَكْثَرَ) كَأَحَدَ عَشَرَ (لِأَجَلٍ) مَعْلُومٍ وَأَوْلَى مَجْهُولٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَكَبَيْعِهِ سِلْعَةً] : هُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ وَسِلْعَةٌ مَفْعُولٌ وَالضَّمِيرُ فِي حَيَاتِهِ يَرْجِعُ لِلْبَائِعِ وَيَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ، فَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مُدَّةً مَجْهُولَةً: وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَاهَا بِالنَّفَقَةِ مُدَّةً مَعْلُومَةً لَجَازَ. فَإِنْ مَاتَ الْبَائِعُ قَبْلَ تَمَامِهَا رَجَعَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ لِوَرَثَتِهِ لَا إنْ دَخَلَ عَلَى أَنَّهُ إنْ مَاتَ يَكُونُ الْبَاقِي هِبَةً لِلْمُشْتَرِي فَلَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ: [وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي] إلَخْ: اخْتَلَفَ: هَلْ يَرْجِعُ بِمَا كَانَ سَرَفًا بِالنِّسْبَةِ لِلْبَائِعِ أَوْ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِالْمُعْتَادِ؟ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا كَانَ السَّرَفُ قَائِمًا فَإِنْ فَاتَ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ وَلَا بِعِوَضِهِ. وَمَا قِيلَ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ يُقَالُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ، كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا مِنْهُ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ مُدَّةً مَجْهُولَةً إلَّا فِي السَّرَفِ فَيَرْجِعُ بِهِ وَيُعَوِّضُهُ إنْ فَاتَ. وَالْفَرْقُ أَنَّ مُشْتَرِيَ الذَّاتِ يَمْلِكُ الْغَلَّةَ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ مَعَ الْفَوَاتِ بِالسَّرَفِ، وَالْإِجَارَةُ لَا يَمْلِكُ فِيهَا غَلَّةً لِعَدَمِ مِلْكِهِ الرَّقَبَةَ فَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. قَوْلُهُ: [وَتُعْتَبَرُ يَوْمَ الْقَبْضِ] : أَيْ وَأَمَّا فِي الْإِجَارَةِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَهِيَ قِيمَةُ الْمَنَافِعِ فِي أَزْمَانِهَا وَفِي النَّفَقَةِ عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَنْفَقَ فِي زَمَانِهِ. [بَيْع الْبَيْعَتَيْنِ فِي بيعة أَوْ بَيْع سِلْعَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ] قَوْلُهُ: [وَكَبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ] : الْمُرَادُ بِالْبَيْعَةِ: الْعَقْدُ وَ " فِي ": إمَّا لِلظَّرْفِيَّةِ أَوْ السَّبَبِيَّةِ، وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ وَكَبَيْعَتَيْنِ حَاصِلَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ أَوْ نَاشِئَتَيْنِ بِسَبَبِ بَيْعَةٍ.

(أَوْ) يَبِيعُ (سِلْعَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ) جِنْسًا كَثَوْبٍ وَدَابَّةٍ، أَوْ صِفَةٍ؛ كَرِدَاءٍ وَكِسَاءٍ؛ وَالْمُرَادُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا عَلَى اللُّزُومِ بِعَشَرَةِ، فَفَاسِدٌ لِلْجَهْلِ بِالْمُثَمَّنِ حَالَ الْعَقْدِ. فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى اخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي جَازَ (إلَّا) إذَا كَانَ اخْتِلَافُهُمَا (بِجَوْدَةٍ وَرَدَاءَةٍ) فَقَطْ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا فِيمَا عَدَاهُمَا كَثَوْبٍ جَيِّدٍ وَآخَرَ مِنْ جِنْسِهِ رَدِيءٍ، فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا عَلَى اللُّزُومِ بِعَشَرَةٍ لِأَنَّ الشَّأْنَ الدُّخُولُ عَلَى أَخْذِ الْجَيِّدِ. (وَلَوْ طَعَامًا) رِبَوِيًّا (إنْ اتَّحَدَ الْكَيْلُ) كَإِرْدَبَّيْ قَمْحٍ أَحَدُهُمَا أَجْوَدُ فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِدِينَارٍ عَلَى اللُّزُومِ لِأَنَّ الشَّأْنَ اخْتِيَارُ الْأَجْوَدِ (أَوْ الْأَجْوَدُ أَكْثَرُ) مِنْ الرَّدِيءِ فَيَجُوزُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَهَذَا نَسَبَهُ فَضْلٌ لِلْمُدَوَّنَةِ وَاخْتَارَهُ غَيْرُهُ وَاعْتَمَدَ هَذَا الْقَوْلَ، فَقَوْلُ الشَّيْخِ: " لَا طَعَامَ " ضَعِيفٌ وَقَوْلُنَا: " إنْ اتَّحَدَ الْكَيْلُ " أَيْ وَالْوَزْنُ فِيمَا يُوزَنُ (و) اتَّحَدَ (الثَّمَنُ) كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ، صَرَّحَ بِهِ لِمَزِيدِ الْإِيضَاحِ. (إلَّا أَنْ يَصْحَبَهُمَا) : أَيْ الطَّعَامَيْنِ (أَوْ) يَصْحَبَ (الرَّدِيءُ) مِنْهُمَا (غَيْرَهُ) : أَيْ غَيْرَ الطَّعَامِ مِنْ عَرَضٍ أَوْ حَيَوَانٍ، فَلَا يَجُوزُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى اخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي جَازَ] : الْمُنَاسِبُ عَلَى خِيَارِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ هُوَ الْمَوْضُوعُ فَتَارَةً الِاخْتِيَارُ يُجَامِعُ اللُّزُومَ أَوْ السُّكُوتَ وَهُوَ الْمَمْنُوعُ وَتَارَةً يُجَامِعُ الْخِيَارَ وَهُوَ الْجَائِزُ. قَوْلُهُ: [فَقَوْلُ الشَّيْخِ لَا طَعَامَ] : وَجْهُ مَنْعِ الطَّعَامِ عَلَى مَا قَالَ الشَّيْخُ: أَنَّ مَنْ خُيِّرَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يُعَدُّ مُنْتَقِلًا لِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَارُ شَيْئًا ثُمَّ يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَى أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَجْوَدَ وَهُوَ تَفَاضُلٌ. وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَرَدُّ هَذَا: بِأَنَّ الشَّأْنَ الدُّخُولُ عَلَى أَخْذِ الْجَيِّدِ فَلَا يَتَأَتَّى لِلْعَاقِلِ انْتِقَالٌ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَصْحَبَهُمَا] إلَخْ: عِلَّةُ الْمَنْعِ فِيهِمَا مَا فِي ذَلِكَ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلِأَنَّ مَنْ خُيِّرَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مُنْتَقِلًا فَيُؤَدِّي إلَى بَيْعِ طَعَامٍ وَعَرَضٍ بِطَعَامٍ وَعَرَضٍ أَوْ بَيْعِ طَعَامٍ وَعَرَضٍ بِطَعَامٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَمْنُوعٌ لِدُخُولِ الشَّكِّ فِي التَّمَاثُلِ. وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمَنْعِ، بَيْعُهُ نَخْلَةً مُثْمِرَةً عَلَى اللُّزُومِ لِيَخْتَارَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ نَخْلَاتٍ مُثْمِرَاتٍ مُعَيَّنَاتٍ إلَّا مَنْ بَاعَ بُسْتَانَهُ الْمُثْمِرَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ عَدَدًا يَخْتَارُهُ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى قَدْرَ ثُلُثِ الثَّمَرِ كَيْلًا فَأَقَلَّ وَلَا يُنْظَرُ لِعَدَدِ النَّخْلِ وَلَا لَقِيمَتِهِ

[بيع الأمة الحامل]

(وَكَبَيْعِ حَامِلٍ) آدَمِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانِ (بِشَرْطِ الْحَمْلِ) إنْ قَصَدَ اسْتِزَادَةَ الثَّمَنِ لِلْغَرَرِ؛ إذْ قَدْ تَلِدُهُ حَيًّا وَقَدْ لَا تَلِدُهُ لِانْفِشَاشِ الْحَمْلِ وَقَدْ تَلِدُهُ مَيِّتًا، فَإِنْ قَصَدَ التَّبَرِّي جَازَ. (وَاغْتُفِرَ) لِلضَّرُورَةِ (غَرَرٌ يَسِيرٌ) إجْمَاعًا: كَأَسَاسٍ لِدَارِهِ الْمَبِيعَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ عُمْقَهُ وَلَا عَرْضَهُ وَلَا مَتَانَتَهُ. وَكَإِجَارَتِهَا مُشَاهِرَةً مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةِ نُقْصَانِ الشُّهُورِ، وَكَجُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ وَلِحَافٍ، وَشُرْبٍ مِنْ سِقَاءٍ، وَدُخُولِ حَمَّامٍ مَعَ اخْتِلَافِ الشُّرْبِ وَالِاغْتِسَالِ (لَمْ يُقْصَدْ) فَإِنْ كَانَ يَقْصِدُ، كَبَيْعِ حَامِلٍ بِشَرْطِ الْحَمْلِ لَمْ يَجُزْ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَكَالِئٍ بِكَالِئٍ) : مِنْ الْكِلَاءَةِ بِكَسْرِ الْكَافِ: أَيْ الْحِفْظِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّمَا جَازَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، إمَّا لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مُبْقًى أَوْ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَعْلَمُ جَيِّدَ حَائِطِهِ مِنْ رَدِيئِهِ فَلَا يَخْتَارُ ثُمَّ يَنْتَقِلُ كَذَا فِي الْأَصْلِ. [بَيْع الْأَمَة الْحَامِل] قَوْلُهُ: [وَكَبَيْعِ حَامِلٍ] : أَيْ فَهُوَ فَاسِدٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فَإِنْ فَاتَ الْمَبِيعُ مَضَى بِالثَّمَنِ لِأَنَّ بَيْعَ الْحَامِلِ بِشَرْطِ الْحَمْلِ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ بِالصِّحَّةِ - كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَمْضِي بِالثَّمَنِ عِنْدَ الْفَوَاتِ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ أَوْ لَا، وَالصَّوَابُ قَصْرُهُ عَلَى مَا إذَا تَبَيَّنَّ حَمْلُهَا فَإِنْ تَبَيَّنَّ عَدَمُهُ مَضَى بِالْقِيمَةِ كَذَا فِي الـ (مج) ، لِأَنَّ الْحَامِلَ يُزَادُ فِي ثَمَنِهَا فَأَخَذَ مَا زِيدَ مِنْ الثَّمَنِ إنْ تَخَلَّفَ الْحَمْلُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ قَصَدَ التَّبَرِّي جَازَ] : ظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَمْلِ الظَّاهِرِ وَالْخَفِيِّ. وَلَكِنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَإِنْ قَصَدَ التَّبَرِّي جَازَ فِي الْحَمْلِ الظَّاهِرِ كَالْخَفِيِّ فِي الْوَخْشِ إذْ قَدْ يَزِيدُ ثَمَنُهَا بِهِ دُونَ الرَّائِعَةِ، فَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِمَا قَصَدَ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِزَادَةِ فِي الْوَخْشِ وَفِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ. وَعَلَى التَّبَرِّي فِي الرَّائِعَةِ - كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [كَأَسَاسٍ لِدَارِهِ] أَيْ كَالْغَرَرِ بِالنِّسْبَةِ لِأَسَاسِ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ وَإِلَّا فَالْأَسَاسُ لَيْسَ غَرَرًا وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ. قَوْلُهُ: [وَكَجُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ وَلِحَافٍ] : أَيْ وَأَمَّا حَشْوُ الطَّرَّاحَةِ. فَلَا بُدَّ مِنْ نَظَرِهِ وَلَا يُغْتَفَرُ الْغَرَرُ فِيهِ لِكَثْرَتِهِ. [بَيْع الْكَالِئ بِالْكَالِئِ] قَوْلُهُ: [مِنْ الْكِلَاءَةِ بِكَسْرِ الْكَافِ أَيْ الْحِفْظِ] : اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الدَّيْنَ

وَفِي الْحَدِيثِ: «اللَّهُمَّ كِلَاءَةً كَكِلَاءَةِ الْوَلِيدِ» ، وَفِي الْقُرْآنِ: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} [الأنبياء: 42] ، وَهُوَ (دَيْنٌ بِمِثْلِهِ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَحْفَظُ صَاحِبَهُ وَيُرَاقِبُهُ. (وَهُوَ أَقْسَامٌ) ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ (فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ) مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ أَوْ فِي أَكْثَرِ مِمَّا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَسَخْتهَا فِي دِينَارٍ أَوْ ثَوْبٍ مُتَأَخَّرٍ قَبْضُهُ أَوْ فِي أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا، وَأَمَّا تَأْخِيرُهَا أَوْ مَعَ حَطِيطَةِ بَعْضِهَا فَجَائِزٌ هَذَا إذَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَكْلُوءٌ لَا كَالِئٌ وَالْكَالِئُ إنَّمَا هُوَ صَاحِبُهُ لِأَنَّهُ الَّذِي يَحْفَظُ الْمَدِينَ. وَأُجِيبُ: بِأَنَّهُ مَجَازٌ فِي إسْنَادِ مَعْنَى الْفِعْلِ لِمُلَابِسِهِ. فَحَقُّ الْكِلَاءَةِ أَنْ تُسْنَدَ لِلشَّخْصِ بِأَنْ يُقَالَ: كَالِئُ صَاحِبِهِ فَأُسْنِدَتْ لِلدَّيْنِ لِلْمُلَابَسَةِ الَّتِي بَيْنَ الدَّيْنِ وَصَاحِبِهِ، أَوْ: إنْ كَالِئًا بِمَعْنَى مَكْلُوءٍ، فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَإِرَادَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ لِعِلَاقَةِ اللُّزُومِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْكَالِئِ الْمَكْلُوءُ وَعَكْسُهُ. قَوْلُهُ: [وَفِي الْحَدِيثِ] إلَخْ اسْتِدْلَالٌ عَلَى أَنَّ الْكِلَاءَةَ مَعْنَاهَا الْحِفْظُ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُك حِفْظًا مِنْك لِأَنْفُسِنَا كَحِفْظِ وَالِدَيْ الْمَوْلُودِ لِلْمَوْلُودِ فَوَلِيدٌ بِمَعْنَى مَوْلُودٍ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ] : أَيْ وَهِيَ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ وَبَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَابْتِدَاءُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِفَسْخِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ أَشَدُّهَا لِكَوْنِهِ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا تَأْخِيرُهَا] : أَيْ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَقَوْلُهُ أَوْ مَعَ حَطِيطَةِ بَعْضِهَا أَيْ بِأَنْ يَحُطَّ عَنْهُ الْبَعْضَ وَيُؤَخِّرَ بِالْبَاقِي فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَلَوْ كَانَ طَعَامًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ كَانَ نَقْدًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ خِلَافًا لِ (عب) وَلَيْسَ هَذَا مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ بَلْ هُوَ سَلَفٌ أَوْ مَعَ حَطِيطَةٍ وَلَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْفَسْخِ الِانْتِقَالُ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ إلَى غَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةُ أَيْ وَلَوْ اتِّهَامًا فَدَخَلَ فِيهِ مَا إذَا أَخَذَ مِنْهُ فِي الدَّيْنِ شَيْئًا ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ بِشَيْءٍ مُؤَخَّرٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ أَوْ مِنْ جِنْسِهِ وَهُوَ أَكْثَرُ لِأَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ الْيَدِ وَعَادَ إلَيْهَا يُعَدُّ لَغْوًا، وَدَخَلَ أَيْضًا مَا لَوْ قَضَاك دَيْنَك ثُمَّ رَدَدْته إلَيْهِ سَلَمًا وَهَاتَانِ الصُّورَتَانِ تَقَعَانِ بِمِصْرَ لِلتَّحَيُّلِ عَلَى التَّأْخِيرِ بِزِيَادَةٍ.

الْمَفْسُوخُ فِيهِ فِي الذِّمَّةِ بَلْ (وَلَوْ) كَانَ (مُعَيَّنًا) عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ (يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ) . (كَغَائِبٍ) عَنْ مَجْلِسِ الْفَسْخِ، لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ إلَّا بِالْقَبْضِ مَعَ بَقَاءِ الصِّفَةِ الْمُعَيَّنَةِ حِينَ الْفَسْخِ. (وَ) كَأَمَةٍ (مُوَاضَعَةٍ) فَسَخَهَا بَائِعُهَا الْمَدِينُ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ رُؤْيَتِهَا الدَّمَ فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ لَهُ. أَوْ أَنَّ عِنْدَهُ أَمَةً شَأْنُهَا أَنْ تَتَوَاضَعَ لَا يَصِحُّ دَفْعُهَا فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي ضَمَانِ مُشْتَرِيهَا إلَّا بِرُؤْيَةِ الدَّمِ. (أَوْ) كَانَ الْمَفْسُوخُ فِيهِ (مَنَافِعُ) شَيْءٍ (مُعَيَّنٍ) : كَأَنْ يَفْسَخَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فِي رُكُوبِ دَابَّةٍ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ أَوْ سُكْنَى دَارٍ مُعَيَّنَةٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَشْهَبُ بِالْجَوَازِ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ فَلَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقِهِمَا فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى نَاسِخٍ أَنْ يَقُولَ لَهُ: انْسَخْ لِي هَذَا الْكِتَابَ بِمَا لِي عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ، وَأَمَّا لَوْ نَسَخَ لَك الْكِتَابَ أَوْ خَدَمَك بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ بِغَيْرِ شَرْطٍ. وَبَعْدَ الْفَرَاغِ قَاصَصْته بِمَا عَلَيْهِ، فَجَائِزٌ. (وَ) الثَّانِي: (بَيْعُهُ) أَيْ الدَّيْنِ (بِدَيْنٍ) لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، (كَبَيْعٍ مَا) أَيْ دَيْنٌ (عَلَى غَرِيمِك بِدَيْنٍ فِي ذِمَّةِ) رَجُلٍ (ثَالِثٍ) . وَأَمَّا بَيْعُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بَلْ وَلَوْ كَانَ مُعَيَّنًا] : رُدَّ بِ " لَوْ " عَلَى أَشْهَبَ وَسَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ، وَمِثْلُ الْفَسْخِ فِي مَنَافِعِ الذَّاتِ الْمُعَيَّنَةِ عَدَمُ جَوَازِ الْفَسْخِ فِي ثِمَارٍ يَتَأَخَّرُ جَذُّهَا أَوْ سِلْعَةٍ فِيهَا خِيَارٌ أَوْ رَقِيقٌ فِيهِ عُهْدَةُ ثَلَاثٍ أَوْ مَا فِيهِ حَقٌّ نُوفِيهِ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ. قَوْلُهُ: [وَقَالَ أَشْهَبُ بِالْجَوَازِ] : أَيْ وَصَحَّحَ وَقَدْ كَانَ الْأُجْهُورِيُّ يَعْمَلُ بِهِ فَكَانَتْ لِ حَانُوتٍ سَاكِنٍ فِيهَا مُجَلِّدُ الْكُتُبِ فَكَانَ إذَا تَرَتَّبَ لَهُ أُجْرَةٌ فِي ذِمَّتِهِ يَسْتَأْجِرُهُ بِهَا عَلَى تَجْلِيدِ كُتُبِهِ وَكَانَ يَقُولُ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَصَحَّحَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ: [وَبَعْدَ الْفَرَاغِ قَاصَصْته بِمَا عَلَيْهِ فَجَائِزٌ] أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَسْخِ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ بَلْ هُوَ مُقَاصَصَةٌ شَرْعِيَّةٌ. قَوْلُهُ: [فِي ذِمَّةِ رَجُلِ ثَالِثٍ] : أَيْ فَلَا يُتَصَوَّرُ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ بَلْ فِي ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَقَدُّمِ عِمَارَةِ ذِمَّةٍ أَوْ ذِمَّتَيْنِ فَالْأَوَّلُ يُتَصَوَّرُ فِي ثَلَاثَةٍ كَمَنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى شَخْصٍ فَيَبِيعُهُ مِنْ ثَالِثٍ لِأَجَلٍ وَالثَّانِي فِي أَرْبَعَةٍ وَمِثَالُهُ

[بيع الدين بالنقد]

بِحَالٍ أَوْ بِمُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ أَوْ بِمَنَافِعَ مُعَيَّنٍ فَلَا يُمْنَعُ. (وَ) الثَّالِثُ: (ابْتِدَاؤُهُ) : أَيْ الدَّيْنُ (بِهِ) : أَيْ بِالدَّيْنِ؛ (كَتَأْخِيرِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ) أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَتَعَاقَدَا عَلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ دِينَارًا فِي شَيْءٍ عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيهِ بِرَأْسِ السَّلَمِ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ؛ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ لِمَا فِيهِ مِنْ ابْتِدَاءِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ. إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَشْغَلَ ذِمَّةَ صَاحِبِهِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ السَّلَمِ. وَلَمَّا بَيَّنَ مَنْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ بِأَقْسَامِهِ الثَّلَاثَةِ، شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ بَيْعِهِ بِالنَّقْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَكْرٌ لَهُ دَيْنٌ عَلَى زَيْدٍ وَخَالِدٌ لَهُ دَيْنٌ عَلَى عَمْرٍو فَيَبِيعُ خَالِدٌ دَيْنَهُ الَّذِي عَلَى عَمْرٍو بِدَيْنِ بَكْرٍ الَّذِي عَلَى زَيْدٍ وَهَذِهِ مُمْتَنِعَةٌ وَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الدَّيْنَيْنِ حَالًّا لِعَدَمِ تَأَتِّي الْحَوَالَةِ هُنَا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [أَوْ بِمُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ] : وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ فَإِذَا كَانَ لِزَيْدٍ دَيْنٌ عَلَى عَمْرٍو فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ لِبَكْرٍ بِمُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ أَوْ بِمَنَافِعِ ذَاتِ الْمُعَيَّنِ؛ وَإِذَا عَلِمْت أَنَّ الدَّيْنَ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِمَا ذَكَرَ وَلَا يَجُوزُ فَسْخُهُ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ أَوْسَعُ مِمَّا قَبْلَهُ. إنْ قُلْت الدَّيْنُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا إذَا كَانَ عَلَى حَاضِرٍ وَكَانَ الشِّرَاءُ بِالنَّقْدِ وَالْمُعَيَّنُ الَّذِي يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ وَمَنَافِعُ الذَّاتِ الْمُعَيَّنَةِ لَيْسَتْ نَقْدًا. أُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّقْدِ مَا لَيْسَ مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُعَيَّنَ وَمَنَافِعَهُ لَيْسَتْ مَضْمُونَةً فِي الذِّمَّةِ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَا تَقْبَلُ الْمُعَيَّنَاتِ فَهِيَ نَقْدٌ بِهَذَا الْمَعْنَى وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّقْدِ الْمَقْبُوضِ بِالْفِعْلِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [وَالثَّالِثُ ابْتِدَاؤُهُ] : أَيْ وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامِ مَعَ أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: [إلَّا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ] : الْبَعْدِيَّةُ ظَرْفٌ مُتَّسَعٌ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ. [بَيْع الدِّين بِالنَّقْدِ] قَوْلُهُ: [وَلَمَّا بَيَّنَ مَنْعَ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ] : أَيْ الَّذِي هُوَ الْكَالِئُ بِالْكَالِئِ الشَّامِلِ لِلْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ: [فِي بَيَانِ حُكْمِ بَيْعِهِ بِالنَّقْدِ] : إنْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَبَيْعِهِ بِمُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ أَوْ مَنَافِعِ مُعَيَّنٍ.

وَلَا يَخْلُو مَنْ هُوَ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا فَقَالَ: (وَشَرْطُ) صِحَّةِ (بَيْعِ الدَّيْنِ: حُضُورُ الْمَدِينِ) وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ حَيَاتَهُ. (وَإِقْرَارُهُ) بِهِ لَا إنْ لَمْ يُقِرَّ وَلَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ مَا فِيهِ خُصُومَةٌ. (وَتَعْجِيلُ الثَّمَنِ) وَإِلَّا كَانَ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَتَقَدَّمَ مَنْعُهُ. (وَكَوْنُهُ) : أَيْ الثَّمَنُ (مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ) أَيْ الدَّيْنُ (أَوْ بِجِنْسِهِ) فِي غَيْرِ الْعَيْنِ. (وَاتَّحَدَا قَدْرًا وَصِفَةً) لَا إنْ كَانَ أَقَلَّ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ قَلِيلٍ فِي كَثِيرٍ وَهُوَ سَلَفٌ بِمَنْفَعَةِ. (وَلَيْسَ) الدَّيْنُ (ذَهَبًا) بِيعَ (بِفِضَّةِ وَعَكْسُهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ. وَلَوْ قَالَ: " وَلَيْسَ عَيْنًا بِعَيْنٍ " لَكَانَ أَحْسَنَ لِيَخْرُجَ الْبَدَلُ الْمُؤَخَّرُ (وَلَا طَعَامَ مُعَاوَضَةٍ) وَإِلَّا لَزِمَ بَيْعُ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ. (لَا دَيْنَ مَيِّتٍ) فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ مَا فِيهِ خُصُومَةٌ (وَ) لَا دَيْنٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [حُضُورُ الْمَدِينِ] : إنَّمَا اشْتَرَطَ حُضُورَهُ لِيَعْلَمَ مِنْ فَقْرٍ أَوْ غِنًى إذْ لَا بُدَّ مِنْ عِلْمِ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ مِقْدَارِ عِوَضِ الدَّيْنِ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَدِينِ بِفَقْرٍ أَوْ غِنًى وَالْمَبِيعُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا. قَوْلُهُ: [وَإِقْرَارُهُ بِهِ] : أَيْ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَأْخُذُهُ الْأَحْكَامُ. قَوْلُهُ: [وَتَعْجِيلُ الثَّمَنُ] : أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَبَيْعِهِ بِمَنَافِعِ مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا لِأَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ قَبْضٌ لِلْأَوَاخِرِ. قَوْلُهُ: [أَوْ بِجِنْسِهِ] : أَيْ فَالشَّرْطُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ أَوْ بِجِنْسِهِ وَاتَّحَدَ قَدْرًا وَصِفَةً. تَنْبِيهٌ: مَنْ اشْتَرَى دَيْنًا أَوْ وَهَبَ لَهُ وَكَانَ بِرَهْنٍ أَوْ حَمِيلٍ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الرَّهْنُ أَوْ الْحَمِيلُ إلَّا بِشَرْطِ دُخُولِهِمَا وَحُضُورِ الْحَمِيلِ وَإِقْرَارِهِ بِالْحِمَالَةِ وَإِنْ كَرِهَ لِمَنْ مَلَكَهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ وَرِثَ دَيْنًا بِرَهْنٍ أَوْ حَمِيلٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ مَا بِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ. وَلِلرَّاهِنِ وَضْعُهُ عِنْدَ أَمِينٍ إذَا كَرِهَ وَضْعَهُ عِنْدَ الْوَارِثِ. قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ الدَّيْنُ ذَهَبًا] : بَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ أَلَّا يَكُونَ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالْمَدِينِ عَدَاوَةٌ فَتَحْصُلُ أَنَّ الشُّرُوطَ تِسْعَةٌ: حَيَاتُهُ، وَحُضُورُهُ، وَإِقْرَارُهُ، وَكَوْنُهُ مِمَّنْ تَأْخُذُهُ

[بيع العربان]

(غَائِبٍ) وَلَوْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ (وَ) لَا دَيْنَ (حَاضِرٍ لَمْ يُقِرَّ بِهِ) وَإِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ لِمَا ذَكَرَ. (وَكَبَيْعِ الْعُرْبَانِ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ، اسْمٌ مُفْرَدٌ. وَيُقَالُ: عُرْبُونٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ: (أَنْ) يَشْتَرِيَ أَوْ يَكْتَرِيَ سِلْعَةً وَ (يُعْطِيَهُ شَيْئًا) مِنْ الثَّمَنِ (عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (إنْ كَرِهَ الْبَيْعَ تَرَكَهُ) لِلْبَائِعِ وَإِنْ أَحَبَّهُ حَاسَبَهُ بِهِ أَوْ تَرَكَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ؛ وَيَفْسَخُ. فَإِنْ فَاتَ مَضَى بِالْقِيمَةِ وَيَحْسِبُ مِنْهَا الْعُرْبُونَ. فَإِنْ أَعْطَاهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَرِهَ الْبَيْعَ أَخَذَهُ وَإِنْ أَحَبَّهُ حَسِبَهُ مِنْ الثَّمَنِ جَازَ. (وَكَتَفْرِيقِ أُمٍّ عَاقِلَةٍ) مُسْلِمَةٍ أَوْ كَافِرَةٍ (فَقَطْ) لَا بَهِيمَةٍ وَلَا أَبٍ وَلَا جَدٍّ (مِنْ وَلَدِهَا) وَلَوْ مِنْ زِنًا (مَا لَمْ يَثَّغِرْ) بِتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ وَيَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَحْكَامُ، وَأَلَّا يَكُونَ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ، وَتَعْجِيلُ الثَّمَنِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَكَوْنُهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ أَوْ بِجِنْسِهِ وَاتَّحَدَ قَدْرًا وَصِفَةً وَلَيْسَ عَيْنًا بِعَيْنٍ وَلَا طَعَامَ مُعَاوَضَةٍ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ] : رَاجِعٌ لِدَيْنِ الْمَيِّتِ وَمَا بَعْدَهُ أَيْ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ دَيْنٍ مِنْ ذَكَرٍ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَقَرَّ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ وَكَانَتْ تَأْخُذُهُمْ الْأَحْكَامُ وَقَوْلُهُ لَمَّا ذَكَرَ أَيْ الَّذِي هُوَ شِرَاءُ مَا فِيهِ خُصُومَةٌ. [بَيْعُ الْعُرْبَانِ] قَوْلُهُ: [اسْمٌ مُفْرَدٌ] : أَيْ لَا جَمْعٌ وَلَا اسْمُ جَمْعٍ. قَوْلُهُ: [بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا] : أَيْ مَعَ فَتْحِ الرَّاءِ كَحَلَزُونٍ وَتُبَدَّلُ الْعَيْنُ هَمْزَةً فِي الْجَمِيعِ فَفِيهِ لُغَاتٌ سِتٌّ عُرْبَانٌ وَأُرْبَانٌ كَقُرْبَانٍ وَعُرْبُونٌ وَأُرْبُونٌ بِضَمِّ الْأَوَّلِ فِيهِمَا وَسُكُونِ الثَّانِي وَبِفَتْحِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي. قَوْلُهُ: [جَازَ] : أَيْ وَتَحَتَّمَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَمَا قَالَ الْمَوَّاقُ لِئَلَّا يَتَرَدَّدَ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ. [تَفْرِيق الْأُمّ عَنْ ولدها والأمة الْحَرْبِيَّة وَوَلَدهَا فِي الْبَيْع] قَوْلُهُ: [وَكَتَفْرِيقِ أُمٍّ] : أَيْ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أُمٍّ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنِ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، وَالْمُرَادُ بِالْأُمِّ أُمُّ النَّسَبِ لَا أُمُّ الرَّضَاعِ. قَوْلُهُ: [أَوْ كَافِرَةٍ] : أَيْ غَيْرِ حَرْبِيَّةٍ وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ حَرْبِيَّةً بِأَنْ ظُفِرَ بِالْأُمِّ دُونَ الْوَلَدِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مَنْ ظُفِرَ بِهِ وَيُبَاعُ وَلَا حُرْمَةَ فِي التَّفْرِيقِ.

قَلْبُهَا مُثَنَّاةً. وَذَلِكَ لِأَنَّ أَصْلَهُ يَثْتَغِر بِمُثَلَّثَةٍ هِيَ فَاءُ الْكَلِمَةِ وَمُثَنَّاةٍ هِيَ تَاءُ الِافْتِعَالِ فَجَازَ قَلْبُ إحْدَاهُمَا مِنْ جِنْسِ الْأُخْرَى ثُمَّ تُدْغَمُ فِيهَا: أَيْ مُدَّةِ كَوْنِهِ لَمْ تَنْبُتُ أَسْنَانُهُ بَعْدَ سُقُوطِ رَوَاضِعِهِ (أَوْ) مَا لَمْ (تَرْضَ) الْأُمُّ (بِهِ) أَيْ بِالتَّفْرِيقِ، وَإِلَّا جَازَ لِأَنَّهُ مِنْ حَقِّهَا. (وَفُسِخَ) الْبَيْعُ (إنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا بِمِلْكٍ) لَا بِمُجَرَّدِ حَوْزٍ بِأَنْ أَبَى الْمُشْتَرِي لِلْأُمِّ أَوْ الِابْنِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْآخَرَ، فَإِنْ جَمَعَهُمَا صَحَّ. فَإِنْ فَاتَ جَبْرًا عَلَى جَمْعِهِمَا فِي حَوْزٍ لَا يَفْسَخُ. (وَأُجْبِرَا عَلَى جَمْعِهِمَا بِهِ) : أَيْ بِمِلْكٍ (إنْ كَانَ) التَّفْرِيقُ (بِغَيْرِ عِوَضٍ) كَهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ لِأَحَدِهِمَا أَوْ هِبَتُهُمَا لِشَخْصَيْنِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْأَرْجَحِ. (قِيلَ) : يَكْفِي (الْحَوْزُ) أَيْ جَمْعُهُمَا فِيهِ (كَالْعِتْقِ) لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يَكْفِي فِي الْحَوْزِ قَوْلًا وَاحِدًا (وَجَازَ بَيْعُ نِصْفِهِمَا) مَعًا لِشَخْصٍ وَجَبْرًا عَلَى جَمْعِهِمَا فِي حَوْزٍ وَاحِدٍ (وَ) جَازَ بَيْعُ (أَحَدِهِمَا) دُونَ الْآخَرِ (لِلْعِتْقِ) وَجَبْرًا عَلَى جَمْعِهِمَا أَيْضًا فِي حَوْزٍ وَاحِدٍ، وَقَوْلُهُ: " لِلْعِتْقِ " رَاجِعٌ لِلثَّانِيَةِ فَقَطْ. - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِلَّا جَازَ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ إنَّهُ حَقُّ الْوَلَدِ فَعَلَيْهِ يُمْنَعُ وَلَوْ رَضِيَتْ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَكْفِي فِي الْحَوْزِ قَوْلًا وَاحِدًا] : أَيْ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ بَيْعُ نِصْفِهِمَا] : أَيْ لِاتِّحَادِ الْمَالِكِ سَوَاءٌ كَانَ مُشْتَرِي الْجُزْءِ اشْتَرَاهُ لِلْعِتْقِ أَمْ لَا بِدَلِيلِ التَّقْيِيدِ الْآتِي فَمُرَادُهُ بِالنِّصْفِ الْجُزْءُ مِنْ كُلٍّ اسْتَوَى الْجُزْءَانِ أَوْ اخْتَلَفَا وَأَمَّا لَوْ بِيعَ أَحَدُهُمَا مَعَ جُزْءِ الْآخَرِ لِشَخْصٍ فَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ خِلَافًا لِأَبِي الْحَسَنِ الْقَائِلِ بِجَوَازِهِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ لِمُعَاهَدٍ حَرْبِيٍّ نَزَلَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ وَمَعَهُ أَمَةٌ وَوَلَدُهَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا وَيَحْرُمُ عَلَيْنَا الِاشْتِرَاءُ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ صَحِيحٌ وَإِذَا اشْتَرَى مُسْلِمٌ الْأَمَةَ، وَآخَرُ وَلَدَهَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا جَمْعُهُمَا فِي مِلْكٍ لِمُسْلِمٍ وَلَا يُرَدُّ الْمِلْكُ لِلْكَافِرِ وَصَدَقَتْ الْمَسْبِيَّةُ مَعَ وَلَدِهَا فِي دَعْوَاهَا الْأُمُومَةَ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا اتَّحَدَ سَابِيهِمَا أَوْ اخْتَلَفَ إلَّا لِقَرِينَةٍ عَلَى كَذِبِهَا وَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهَا وَلَا مِيرَاثَ مَعَ الشَّكِّ، أَمَّا هِيَ فَلَا تَرِثُهُ قَطْعًا، وَأَمَّا هُوَ فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَهَا وَارِثٌ ثَابِتُ النَّسَبِ يَحُوزُ جَمِيعَ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَارِثٌ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَرِثَهَا.

[البيع أو الشرط الذي يخل بالثمن]

(كَبَيْعٍ وَشَرْطٍ) أَيْ مَعَ شَرْطٍ (يُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ) مِنْ الْبَيْعِ كَأَنْ يَبِيعَهَا بِشَرْطِ أَلَّا يَرْكَبَهَا أَوْ لَا يَبِيعَهَا أَوْ لَا يَلْبَسَهَا وَلَا يَسْكُنَهَا أَوْ لَا يَتَّخِذَهَا أُمَّ وَلَدٍ. (إلَّا) أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ (تَنْجِيزَ عِتْقٍ) لَا كِتَابَتَهَا وَلَا عِتْقَهَا لِأَجَلٍ، فَإِنْ بَاعَ بِشَرْطِ تَنْجِيزِ الْعِتْقِ جَازَ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ. (أَوْ) يَكُونُ الشَّرْطُ (كَصَدَقَةٍ) : مِثْلُهَا الْهِبَةُ وَالتَّحْبِيسُ، ثُمَّ إنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ صَحَّ (وَلَا يُجْبَرُ) الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ (إنْ أَبْهَمَ الْبَائِعُ) فِي شَرْطِهِ وَلَمْ يُقَيِّدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْبَيْع أَوْ الشَّرْط الَّذِي يخل بالثمن] قَوْلُهُ: [وَكَبَيْعٍ وَشَرْطٍ] : اعْلَمْ أَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي يَحْصُلُ عِنْدَ الْبَيْعِ إمَّا أَنْ يُنَافِيَ الْمَقْصُودَ أَوْ يُخِلَّ بِالثَّمَنِ أَوْ يَقْتَضِيَهُ الْعَقْدُ أَوْ لَا يَقْتَضِيَهُ وَلَا يُنَافِيَهُ فَالْمُضِرُّ الْأَوَّلَانِ دُونَ الْأَخِيرَيْنِ فَاَلَّذِي يُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ مَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ كَأَنْ لَا يَرْكَبَهَا أَوْ لَا يَبِيعَهَا إلَخْ، وَاَلَّذِي يُخِلُّ بِالثَّمَنِ بِقَوْلِهِ: كَبَيْعٍ بِشَرْطِ سَلَفٍ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ كَشَرْطِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَلَمْ يُمَثِّلْ لَهُ هُنَا وَإِنْ كَانَتْ أَحْكَامُهُ مَعْلُومَةً مِمَّا مَضَى وَمِمَّا يَأْتِي فِي خِيَارِ النَّقِيصَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ. وَاَلَّذِي لَا يَقْتَضِيهِ وَلَا يُنَافِيهِ أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: كَشَرْطِ رَهْنٍ وَحَمِيلٍ فَهَذَا الْأَخِيرُ إنْ اشْتَرَطَ عَمِلَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَالشَّرْطُ الَّذِي قَبْلَهُ لَازِمٌ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ لِمَالِكٍ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى تَحْرِيمِ الْبَيْعِ مَعَ الشَّرْطِ مُطْلَقًا لِمَا وَرَدَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا عَمَلًا بِمَا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ جَابِرًا بَاعَ نَاقَةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاشْتَرَطَ حِلَابَهَا وَظَهْرَهَا لِلْمَدِينَةِ» ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى بُطْلَانِ الشَّرْطِ مَعَ صِحَّةِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ وَأُعْتِقَهَا وَإِنْ اشْتَرَطَ أَهْلُهَا الْوَلَاءَ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ» فَجَازَ الْبَيْعُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ فَأَحَاطَ مَالِكٌ بِتِلْكَ الْأَحَادِيثِ وَاسْتَعْمَلَهَا فِي مَوَاضِعِهَا وَتَأَوَّلَهَا عَلَى حَسَبِ اجْتِهَادِهِ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ إنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ] : أَيْ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ تَحْبِيسٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ إنْ أَبْهَمَ] : حَاصِلُهُ أَنَّ شَرْطَ تَنْجِيزِ الْعِتْقِ لَهُ وُجُوهٌ أَرْبَعَةٌ الْبَيْعُ فِيهَا صَحِيحٌ وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ فِي صِفَةِ وُقُوعِ الْعِتْقِ مِنْ افْتِقَارِهِ لِصِيغَةٍ وَعَدَمِ افْتِقَارِهِ لَهَا وَفِي الْجَبْرِ عَلَى الْعِتْقِ وَعَدَمِهِ وَفِي شَرْطِ النَّقْدِ وَعَدَمِهِ فَوَجْهَانِ لَا يُجْبَرُ فِيهِمَا الْمُشْتَرِي عَلَى الْعِتْقِ وَلَا يَجُوزُ فِيهِمَا اشْتِرَاطُ النَّقْدِ،

بِإِلْزَامٍ وَإِيجَابٍ لِلْعِتْقِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي (كَالْمُخَيَّرِ فِي الْعِتْقِ وَرَدِّ الْبَيْعِ) بِأَنْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ عِتْقِهِ وَرَدِّهِ لِبَائِعِهِ. فَإِنْ اشْتَرَاهُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُجْبَرْ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعِتْقِ فَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهُ كَانَ لِلْبَائِعِ رَدُّ الْبَيْعِ وَإِمْضَاؤُهُ. (بِخِلَافِ الِاشْتِرَاءِ عَلَى) شَرْطِ (إيجَابِهِ) أَيْ الْعِتْقِ عَلَى الْمُشْتَرِي، بِأَنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ ذَلِكَ فَاشْتَرَاهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى عِتْقِهِ، فَإِنْ أَبَى أَعْتَقَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ (كَالْعِتْقِ بِالشِّرَاءِ) : تَشْبِيهٌ فِي لُزُومِ الْعِتْقِ لَا بِقَيْدِ الْجَبْرِ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَاصِلٌ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إنْشَاءٍ بَعْدُ. يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قَالَ: " إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ أَوْ مَعْتُوقٌ " وَسَوَاءٌ شَرَطَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ ذَلِكَ أَوْ قَالَهُ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ كَمَا لَوْ قَالَ: " إنْ تَزَوَّجْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ ". (أَوْ) بَيْعٌ وَشَرْطٌ (يُخِلُّ بِالثَّمَنِ) فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى: " يُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ " وَمَعْنَى: " يُخِلُّ بِالثَّمَنِ " بِأَنْ يُؤَدِّيَ إلَى نَقْصٍ أَوْ زِيَادٍ فِيهِ، وَمِثْلُهُ بِقَوْلِهِ: (كَبَيْعٍ بِشَرْطٍ سَلَفٍ) وَصُوَرُهَا أَرْبَعٌ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ إمَّا أَنْ يَقُولَ لِلْمُشْتَرِي: أَبِيعُك هَذَا عَلَى أَنْ تُسَلِّفَنِي كَذَا، أَوْ بِشَرْطِ أَنْ أُسَلِّفَك، وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ: أَشْتَرِيهِ مِنْك عَلَى أَنْ أُسَلِّفَك أَوْ عَلَى أَنْ تُسَلِّفَنِي كَذَا، وَأَمَّا جَمْعُهُمَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَالرَّاجِحُ الْجَوَازُ. وَأَمَّا تُهْمَةُ بَيْعٍ وَسَلَفٍ فَمَمْنُوعٌ كَمَا يَأْتِي فِي بُيُوعِ الْآجَالِ. فَالْمَسَائِلُ ثَلَاثَةٌ: بَيْعٌ بِشَرْطِ السَّلَفِ وَلَوْ بِجَرَيَانِ الْعُرْفِ وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ، وَبَيْعٌ مَعَ سَلَفٍ بِلَا شَرْطٍ فَجَائِزٌ، وَتُهْمَةُ بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَهُوَ مَا يَأْتِي مَنْعُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ شَرْطُ النَّقْدِ يُفْسِدُهُ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ: الْأَوَّلُ إنْ أَبْهَمَ الْبَائِعُ فِي شَرْطِهِ الْعِتْقَ بِأَنْ قَالَ أَبِيعُك بِشَرْطِ أَنْ تُعْتِقَهُ وَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِإِيجَابٍ وَلَا خِيَارٍ. وَالثَّانِي التَّخْيِيرُ بِأَنْ قَالَ أَبِيعُك عَلَى أَنَّك مُخَيَّرٌ بَيْنَ عِتْقِهِ وَرَدِّ الْبَيْعِ، وَوَجْهَانِ يُخَيَّرُ فِيهِمَا وَلَا يَضُرُّ شَرْطُ النَّقْدِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا: أَنْ يَبِيعَهُ عَلَى شَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهُ لُزُومًا لَا تَخَلُّفَ لَهُ عَنْهُ فَرَضِيَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْعِتْقِ بِإِنْشَاءِ صِيغَةٍ فَإِنْ أَبَى أَعْتَقَهُ عَنْهُ الْحَاكِمُ، وَالثَّانِي: أَنْ يَشْتَرِيَهُ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَلَا يَحْتَاجُ هَذَا إلَى إنْشَاءِ عِتْقٍ وَلَا حُكْمَ مِنْ حَاكِمٍ وَيَكُونُ حُرًّا بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَشَرْطُ النَّقْدِ صَحِيحٌ فِيهِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [بِأَنْ يُؤَدِّيَ إلَى نَقْصٍ] : أَيْ إنْ كَانَ الْمُتَسَلِّفُ الْبَائِعَ، وَقَوْلُهُ أَوْ زِيَادَةٌ أَيْ إنْ كَانَ الْمُتَسَلِّفُ الْمُشْتَرِيَ.

فِي بُيُوعِ الْآجَالِ. وَلَيْسَ هُوَ بِضَعِيفٍ. (وَصَحَّ) الْبَيْعُ (إنْ حُذِفَ الشَّرْطُ) الْمُنَاقِضُ لِلْمَقْصُودِ أَوْ الْمُخِلُّ بِالثَّمَنِ (وَلَوْ غَابَ) الْمُتَسَلِّفُ مِنْهُمَا (عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى السَّلَفِ غَيْبَةً يُمْكِنُ فِيهَا الِانْتِفَاعُ بِهِ. قَالَ الشَّيْخُ فِي التَّوْضِيحِ: ظَاهِرُ إطْلَاقَاتِهِمْ وَإِطْلَاقُ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْإِسْقَاطِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ فَوَاتِ السِّلْعَةِ أَوْ بَعْدَ فَوَاتِهَا. لَكِنْ ذَكَرَ الْمَازِرِيُّ: أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ إسْقَاطُهُ بَعْدَ فَوَاتِهَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْقِيمَةَ حِينَئِذٍ قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَلَا يُؤَثِّرُ الْإِسْقَاطُ بَعْدَهُ (اهـ) . وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ: " لِأَنَّ الْقِيمَةَ " إلَخْ فِيهِ نَوْعُ مُنَافَاةٍ لِقَوْلِنَا. - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَيْسَ هُوَ بِضَعِيفٍ] : أَيْ كَانَ حَقَّقَهُ (بْن) وَنَصَّهُ وَذَلِكَ أَنَّ الصُّوَرَ ثَلَاثٌ: بَيْعٌ وَسَلَفٌ بِشَرْطٍ وَلَوْ بِجَرَيَانِ الْعُرْفِ وَهِيَ الَّتِي تَكَلَّمَ عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا يَعْنِي خَلِيلًا. وَبَيْعٌ وَسَلَفٌ بِلَا شَرْطٍ لَا صَرَاحَةً وَلَا حُكْمًا وَهِيَ الَّتِي أَجَازُوهَا هُنَا أَيْضًا وَتُهْمَةُ بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَذَلِكَ حَيْثُ يَتَكَرَّرُ الْبَيْعُ وَهِيَ الَّتِي تَكَلَّمَ عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ يَعْنِي فِي بُيُوعِ الْآجَالِ فَمَا أَجَازُوهُ هُنَا غَيْرُ مَا مَنَعُوهُ هُنَاكَ لِأَنَّ مَا هُنَا فِيهِ التُّهْمَةُ بِالدُّخُولِ عَلَى شَرْطِ بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ فِيهِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (اهـ) ، فَمُرَادُ الشَّارِحِ بِتُهْمَةِ بَيْعٍ وَسَلَفٍ التُّهْمَةُ بِالدُّخُولِ عَلَى شَرْطِ بَيْعٍ وَسَلَفٍ لَا تُهْمَةُ نَفْسِ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ بْن. قَوْلُهُ: [وَصَحَّ الْبَيْعُ] : أَيْ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الثَّمَنُ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ وَهَذَا مَعَ قِيَامِ الْمَبِيعِ فَإِنْ فَاتَ فَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَلَوْ غَابَ الْمُتَسَلِّفُ] : أَيْ هَذَا إذَا لَمْ يَغِبْ الْمُتَسَلِّفُ عَلَى الْعَيْنِ الَّتِي تَسَلَّفَهَا بَلْ وَلَوْ غَابَ عَلَيْهَا إلَخْ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ السَّلَفَ لَزِمَهُ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ صَحَّحَ الْعَقْدَ وَلَوْ بَعْدَ غَيْبَةِ الْمُتَسَلِّفِ غَيْبٌ يُمَكِّنُهُ فِيهَا الِانْتِفَاعُ بِهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُقَابِلُهُ الْمَرْدُودُ عَلَيْهِ بِلَوْ قَوْلُ سَحْنُونَ وَابْنِ وَهْبٍ أَنَّ الْبَيْعَ يُنْقَضُ مَعَ الْغَيْبَةِ عَلَى السَّلَفِ وَلَوْ أُسْقِطَ شَرْطُ السَّلَفِ لِوُجُودِ مُوجِبِ الرِّبَا بَيْنَهُمَا وَهُوَ الِانْتِفَاعُ. قَوْلُهُ: [لَكِنْ ذَكَرَ الْمَازِرِيُّ] إلَخْ: كَلَامُ الْمَازِرِيِّ هُوَ الْأَوْجَهُ فِي النَّظَرِ لِأَنَّنَا لَوْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ عِنْدَ إسْقَاطِ الشَّرْطِ بَعْدَ الْفَوَاتِ لَزِمَ عَلَيْهِ مُضِيُّ الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ وَهُوَ لَا يَخْلُو مِنْ ضَرَرٍ عَلَى أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَلِذَلِكَ عَمَّمْنَا فِي الْحَاصِلِ الْآتِي بَعْدُ.

(وَفِيهِ) أَيْ: فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ السَّلَفِ (إنْ فَاتَ) الْمَبِيعُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي (الْأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ) الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ (وَالْقِيمَةُ يَوْمَ قَبْضِهِ) مِنْ بَائِعِهِ. هَذَا (إنْ أَسْلَفَ الْمُشْتَرِي) بَائِعَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَسْلَفَهُ أَخَذَهَا مِنْهُ بِبَخْسٍ. (كَالْمُنَاقِضِ) : أَيْ كَالشَّرْطِ الْمُنَاقِضِ فَإِنَّ فِيهِ الْأَكْثَرَ مِنْهُمَا إذَا فَاتَ الْمَبِيعُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي، لِأَنَّهُ بِشَرْطِهِ الْمُنَاقِضِ يَلْزَمُ النَّقْصُ فِي الثَّمَنِ فَوَجَبَ لَهُ الْأَكْثَرُ وَهَذَا قَدْ تَرَكَهُ الشَّيْخُ. (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ السَّلَفُ مِنْ الْبَائِعِ (فَالْعَكْسُ) : أَيْ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي الْأَقَلُّ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ، لِأَنَّ الشَّأْنَ فِي سَلَفِ الْبَائِعِ الزِّيَادَةُ عَلَى قِيمَتِهَا فَعُومِلَ كُلٌّ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ. (وَجَازَ) فِي الْبَيْعِ (شَرْطُ رَهْنٍ وَحَمِيلٍ وَأَجَلٍ) مَعْلُومٍ (وَخِيَارٍ) لِأَنَّهَا لَا تُنَافِي الْمَقْصُودَ وَلَا تُخِلُّ بِالثَّمَنِ بَلْ هِيَ مِمَّا تَعُودُ عَلَى الْبَيْعِ بِمَصْلَحَةٍ. (وَكَبَيْعِ الْأَجِنَّةِ) جَمْعُ جَنِينٍ: وَهُوَ مَا فِي بَطْنِ الْحَيَوَانِ مِنْ الْحَمْلِ، فَإِنَّهُ فَاسِدٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إنْ فَاتَ الْمَبِيعُ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ السَّلَفِ وَفَاتَتْ السِّلْعَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ أَسَقَطَ الشَّرْطُ أَمْ لَا كَمَا هُوَ طَرِيقَةُ الْمَازِرِيِّ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَسْلَفَ الْبَائِعَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُسَلِّفُ هُوَ الْبَائِعَ فَعَلَى الْمُشْتَرِي الْأَقَلُّ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَمُقَابِلُهُ لُزُومُ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا كَانَ الْمُسَلِّفُ الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ. قَوْلُهُ: [وَالْقِيمَةُ] : أَيْ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مُقَوَّمًا وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فَإِنَّمَا فِيهِ الْمِثْلُ فَهُوَ بِمَثَابَةِ مَا لَوْ كَانَ قَائِمًا فَرَدُّ الْمِثْلِ كَرَدِّ عَيْنِهِ. قَوْلُهُ: [شَرْطُ رَهْنٍ] إلَخْ: أَيْ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَهُ السِّلْعَةَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى شَرْطِ رَهْنٍ أَوْ حَمِيلٍ وَهَذِهِ الْأُمُورُ الْمُشْتَرَطَةُ يُقْضَى بِهَا مَعَ الشَّرْطِ لَا بِدُونِهِ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ فَاسِدٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ] : أَيْ فَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ فَفَسَّرَ مَالِكٌ الْمَضَامِينَ بِبَيْعِ مَا فِي بُطُونِ الْإِبِلِ مِنْ الْأَجِنَّةِ وَالْمَلَاقِيحِ بِمَا فِي ظُهُورِهَا مِنْ الْمَاءِ الَّذِي يَتَكَوَّنُ مِنْهُ الْجَنِينُ، وَحَبَلَ الْحَبَلَةِ بِتَأْجِيلِ الثَّمَنِ إلَى أَنْ يُنْتَجَ النَّتَاجُ أَيْ تَلِدَ الْأَوْلَادَ.

[البيع بعد نداء الجمعة]

(وَ) كَبَيْعِ (مَا فِي ظُهُورِ الْفَحْلِ) : أَيْ مَا يَتَكَوَّنُ مِنْ مَنِيِّهِ فِي رَحِمِ الْأُنْثَى لِشِدَّةِ الْغَرَرِ. وَأَرَادَ بِالْفَحْلِ: الْجِنْسَ الصَّادِقَ بِالْمُتَعَدِّدِ، وَلَوْ أَفْرَدَ ظُهُورَ كَانَ أَوْلَى. (وَكَبَيْعٍ بَعْدَ) الشُّرُوعِ فِي (نِدَاءِ الْجُمُعَةِ) وَهُوَ الْأَذَانُ الثَّانِي الَّذِي بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِهِ عَنْ السَّعْيِ لَهَا (أَوْ بَعْدَ رُكُونِ السَّائِمِ) سِلْعَةً، لِلنَّهْيِ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ وُقُوعِ الشَّحْنَاءِ بَيْنَ الْمُشْتَرِيَيْنِ. (وَكَالنَّجْشِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ: أَيْ بَيْعُهُ وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ لِلْغَرَرِ وَالنَّاجِشُ هُوَ الَّذِي (يَزِيدُ) فِي السِّلْعَةِ عَلَى ثَمَنِهَا لَا لِإِرَادَةِ شِرَائِهَا بَلْ (لِيَغُرَّ) غَيْرَهُ بِالزِّيَادَةِ. (وَلِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ) : أَيْ الْمَبِيعِ حَيْثُ عَلِمَ (إنْ لَمْ يَفُتْ، وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ أَوْ الثَّمَنُ) : أَيْ هُوَ بِالْخِيَارِ، فَيَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا. (وَجَازَ) لِمَنْ أَرَادَ شِرَاءَ سِلْعَةٍ فِي الْمَزَادِ (سُؤَالُ الْبَعْضِ) مِنْ الْحَاضِرِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْبَيْعُ بَعْدَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ] قَوْلُهُ: [بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي نِدَاءِ الْجُمُعَةِ] : تَقَدَّمَ حُكْمُهُ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَفَسْخِ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ بِأَذَانٍ ثَانٍ فَإِنْ فَاتَ فَالْقِيمَةُ حِينَ الْقَبْضِ. قَوْلُهُ: [أَوْ بَعْدَ رُكُونٍ لِسَائِمٍ] إلَخْ: أَيْ فَفِي الْحَدِيثِ: «لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِهِ» . [النَّجْش فِي الْبَيْع] قَوْلُهُ: [وَكَالنَّجْشِ] : أَيْ لِمَا فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّجْشِ» . قَوْلُهُ: [عَلَى ثَمَنِهَا] : أَيْ الَّذِي شَأْنُهَا أَنْ تُبَاعَ بِهِ تِلْكَ السِّلْعَةُ وَهُوَ الْقِيمَةُ وَعَلَى هَذَا فَإِذَا بَلَغَ بِزِيَادَتِهِ قِيمَتَهَا فَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ بَلْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ هُوَ مَنْدُوبٌ وَقِيلَ وَهُوَ الَّذِي يَزِيدُ فِي السِّلْعَةِ لِيَقْتَدِيَ بِهِ غَيْرُهُ وَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى قِيمَتِهَا، وَعَلَى هَذَا فَالْمَدَارُ فِي الْحُرْمَةِ عَلَى زِيَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ شِرَاءٍ سَوَاءٌ زَادَ عَلَى قِيمَتِهَا أَمْ لَا قَصَدَ غَرَرَ غَيْرِهِ أَمْ لَا فَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِتَغُرَّ لِلْعَاقِبَةِ لَا لِلْعِلَّةِ. قَوْلُهُ: [وَلِلْمُشْتَرِي] : رَدُّهُ أَيْ وَلَهُ التَّمَاسُكُ لِأَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُخَيَّرُ فِي حَالَةِ قِيَامِ الْمَبِيعِ بَيْنَ الْإِجَازَةِ وَالرَّدِّ وَفِي حَالِ الْفَوَاتِ يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ بَيْعُ النَّجْشِ صَحِيحٌ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْعَقْدِ لَا يَوْمَ الْقَبْضِ.

[بيع الحاضر سلعة عمودي]

لِسَوْمِهَا (لِيَكُفَّ عَنْ الزِّيَادَةِ) فِيهَا لِيَشْتَرِيَهَا السَّائِلُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَوْ فِي نَظِيرِ شَيْءٍ يَجْعَلُهُ لِمَنْ كَفَّ عَنْ الزِّيَادَةِ، نَحْوُ: كُفَّ عَنْ الزِّيَادَةِ وَلَك دِرْهَمٌ، وَيَقْضِي لَهُ بِهِ حَيْثُ كَفَّ عَنْهَا. (لَا) سُؤَالُ (الْجَمِيعِ) لِيَكُفُّوا عَنْ الزِّيَادَةِ فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْبَائِعِ. وَمِثْلُ الْجَمِيعِ: مَنْ فِي حُكْمِهِمْ كَشَيْخِ السُّوقِ، فَإِنْ وَقَعَ خَيْرُ الْبَائِعِ فِي الرَّدِّ وَالْإِمْضَاءِ. فَإِنْ فَاتَ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ. فَإِنْ أَمْضَى فَلَيْسَ لَهُمْ مُشَارَكَتُهُ عَلَى الصَّوَابِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُمْ الشَّرِكَةُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَكَبَيْعِ حَاضِرٍ سِلْعَةَ عَمُودِيٍّ) لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَسَوَاءً كَانَ لَهَا ثَمَنٌ عِنْدَهُ أَمْ لَا. وَمَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا (لَمْ يَعْرِفْ ثَمَنَهَا) بِالْحَاضِرَةِ أَوْ يَعْرِفُهُ وَيَتَفَاوَتُ. فَإِنْ عَرَفَهُ وَكَانَ لَا يَتَفَاوَتُ - كَمَا إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ قِنْطَارَ الْعَسَلِ فِي الْحَاضِرَةِ بِدِينَارٍ فَبَاعَهُ لَهُ الْحَاضِرُ بِالسُّعْرِ الْوَاقِعِ - فَلَا ضَرَرَ. لِأَنَّهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ مُجَرَّدُ وَكِيلٍ عَنْهُ وَقِيلَ: يُمْنَعُ مُطْلَقًا وَلَوْ عَرَفَ ثَمَنَهَا، وَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ، وَالْمَنْعُ مُطْلَقًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَيَقْضِي لَهُ بِهِ] : أَيْ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِهَا الْجَاعِلُ وَاسْتَشْكَلَ ابْنُ غَازِيٍّ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ رَبُّهَا لَمْ يَبِعْهَا وَقَالَ الْعَبْدُوسِيُّ لَا إشْكَالَ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَلَى تَرْكٍ وَقَدْ تَرَكَ (اهـ بْن) وَيَجْرِي مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَنْ أَرَادَ تَزَوُّجَ امْرَأَةٍ أَوْ يَسْعَى فِي رِزْقِهِ أَوْ وَظِيفَةٍ وَجَعَلَ لِغَيْرِهِ دَرَاهِمَ عَلَى الْكَفِّ فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ، قَوْلُهُ: [فَإِنْ فَاتَ فَلَهُ الْأَكْثَرُ] إلَخْ: أَيْ عَلَى حُكْمِ الْغِشِّ وَالْخَدِيعَةِ فِي الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: [فَلَيْسَ لَهُمْ مُشَارَكَتُهُ] : أَيْ كَمَا اعْتَمَدَهُ (بْن) خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ تَبَعًا لِ (عب) . قَوْلُهُ: [وَهُوَ ظَاهِرٌ] : أَيْ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِي سُؤَالِهِمْ إنَّمَا كَانَ عَلَى الْبَائِعِ وَهُوَ قَدْ رَضِيَ حَيْثُ أَمْضَى الْبَيْعَ وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَقَدْ سَلَّمُوا لَهُ لَمَّا سَأَلَهُمْ وَأَسْقَطُوا لَهُ حَقَّهُمْ وَرَضِيَ هُوَ بِالشِّرَاءِ وَحْدَهُ فَلَا يُجْبَرُ وَاحِدًا مِنْهُمْ عَلَى الشَّرِكَةِ بِحَالٍ. [بَيْعُ الْحَاضِرِ سِلْعَةَ عَمُودِيٍّ] قَوْلُهُ: [لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ] : أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «دَعُوا النَّاسَ فِي غَفَلَاتِهِمْ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» . قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ] : أَيْ فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ تَرْكُ الْمَالِكِ فِي غَفْلَتِهِ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ غَفْلَةٌ.

[تلقي السلع]

(وَلَوْ بِإِرْسَالِهِ) السِّلْعَةَ (إلَيْهِ) : أَيْ إلَى الْحَاضِرِ لِيَبِيعَهَا لَهُ. (وَفُسِخَ) الْبَيْعُ إنْ لَمْ يَفُتْ وَإِلَّا مَضَى بِالثَّمَنِ (وَأُدِّبَ) الْبَائِعُ وَكَذَا الْمَالِكُ. (وَجَازَ) لِلْحَضَرِيِّ (الشِّرَاءُ لَهُ) : أَيْ لِلْعَمُودِيِّ سِلْعَةً مِنْ الْحَضَرِ بِالنَّقْدِ لَا بِغَيْرِهِ مِنْ السِّلَعِ الْمَجْلُوبَةِ مِنْ عِنْدِهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْبَيْعِ لَهُ. (وَكَتَلَقِّي السِّلَعِ) عَلَى دُونِ سِتَّةِ أَمْيَالٍ (أَوْ) تَلَقِّي (صَاحِبِهَا) الْقَادِمِ قَبْلَ وُصُولِهِ الْبَلَدَ لِيَشْتَرِيَ مِنْهُ مَا سَيَصِلُ عَلَى الصِّفَةِ أَوْ مَا وَصَلَ قَبْلَهُ، فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. (كَأَخْذِهَا مِنْهُ) أَيْ مِنْ صَاحِبِهَا الْمُقِيمِ (بِالْبَلَدِ) قَبْلَ وُصُولِهَا (عَلَى الصِّفَةِ، وَلَوْ طَعَامًا) فَيُمْنَعُ قَبْلَ إخْرَاجِهَا لِسُوقِهَا. (وَلَا يُفْسَخُ) إنْ وَقَعَ بَلْ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ (وَلِأَهْلِ السُّوقِ مُشَارَكَتُهُ) فِيمَا اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ بِإِرْسَالِهِ] : رَدَّ بِلَوْ عَلَى الْأَبْهَرِيِّ الْقَائِلِ بِجَوَازِ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ اُضْطُرَّ إلَيْهَا. تَنْبِيهٌ: هَلْ يُمْنَعُ بَيْعُ الْحَاضِرِ لِأَهْلِ الْقُرَى الصَّغِيرَةِ إلْحَاقًا لَهُمْ بِالْبَدْوِ أَوْ يَجُوزُ قَوْلَانِ الْمَذْهَبُ الْجَوَازُ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا مَضَى بِالثَّمَنِ] : هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَقِيلَ بِالْقِيمَةِ. قَوْلُهُ: [وَأُدِّبَ الْبَائِعُ] إلَخْ: أَيْ إنْ لَمْ يُعْذَرْ بِجَهْلٍ وَهَلْ التَّأْدِيبُ مُطْلَقًا اعْتَادَهُ أَمْ لَا أَوْ إنْ اعْتَادَهُ قَوْلَانِ. قَوْلُهُ: [بِالنَّقْدِ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقِيلَ يَجُوزُ وَلَوْ بِالسِّلَعِ سَوَاءٌ حَصَّلَهَا بِمَالٍ أَوْ بِغَيْرِهِ وَفَصَّلَ (عب) فَقَالَ: إنْ حَصَّلَهَا بِمَالٍ جَازَ شِرَاؤُهُ لَهُ بِهَا وَبِغَيْرِ مَالٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهَا لِأَنَّهُ بَيْعٌ لِسِلْعَةٍ. [تَلَقِّي السِّلَعِ] قَوْلُهُ: [عَلَى دُونِ سِتَّةِ أَمْيَالٍ] : وَقِيلَ إنَّ النَّهْيَ إذَا كَانَ التَّلَقِّي عَلَى مَسَافَةِ فَرْسَخٍ أَيْ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ فَلَا يَحْرُمُ إذَا كَانَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ، وَقِيلَ إذَا كَانَ عَلَى مِيلٍ فَإِنْ كَانَ عَلَى أَزْيَدَ فَلَا يَحْرُمُ، وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُهَا. قَوْلُهُ: [بَلْ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ] : أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ وَإِلَّا فَلَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ إلَّا بِالْقَبْضِ وَيُنْهَى الْمُتَلَقِّي عَنْ تَلَقِّيهِ فَإِنْ عَادَ أُدِّبَ وَلَا يُنْزَعُ مِنْهُ شَيْءٌ لِعَدَمِ فَسَادِ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: [وَلِأَهْلِ السُّوقِ مُشَارَكَتُهُ] : أَيْ إنْ كَانَ لَهَا سُوقٌ وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِأَهْلِ الْبَلَدِ

[الضمان في مبيع البيع الفاسد]

(وَجَازَ لِمَنْ) مَنْزِلُهُ أَوْ قَرْيَتُهُ (عَلَى كَسِتَّةِ أَمْيَالٍ الْأَخْذُ) : أَيْ الِاشْتِرَاءُ مِنْ السِّلَعِ الْمَجْلُوبَةِ لِبَلَدٍ (مُطْلَقًا) لِلتِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا كَانَ لَهَا سُوقٌ أَمْ لَا (كَمَنْ عَلَى أَقَلِّ) مِنْ سِتَّةِ أَمْيَالٍ (إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سُوقٌ، وَإِلَّا) . بِأَنْ كَانَ لَهَا سُوقٌ تُبَاعُ فِيهِ. (فَمَا يَحْتَاجُهُ لِقُوتِهِ فَقَطْ) كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مُعْتَرِضًا عَلَى الشَّيْخِ. وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْبِيَاعَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا أَتْبَعَهُ بِمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ فِي الْفَاسِدِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَقَالَ: (وَلَا يَنْتَقِلُ ضَمَانُ) مَبِيعِ الْبَيْعِ (الْفَاسِدِ) لِلْمُشْتَرِي (مُطْلَقًا) مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ، نَقَدَ الثَّمَنَ أَمْ لَا، كَانَ الْمَبِيعُ فِي صَحِيحِهِ يَدْخُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيلَ يَخْتَصُّ بِهَا مُطْلَقًا كَانَ لَهَا سُوقٌ أَمْ لَا شَهَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ لِمَنْ مَنْزِلُهُ أَوْ قَرْيَتُهُ] : إلَخْ. حَاصِلُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي مَسْأَلَةِ التَّلَقِّي أَنَّ الشَّخْصَ إمَّا أَنْ يَكُونَ خَارِجًا مِنْ الْبَلَدِ الْمَجْلُوبِ إلَيْهِ التِّجَارَةُ أَوْ مَنْزِلُهُ خَارِجٌ عَنْهُ تَمُرُّ بِهِ التِّجَارَةُ، فَمَتَى كَانَ خَارِجًا لِسِتَّةِ أَمْيَالٍ أَوْ مَنْزِلُهُ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ جَازَ لَهُ الشِّرَاءُ مُطْلَقًا لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِلْقِنْيَةِ، كَانَ لِتِلْكَ السِّلَعِ سُوقٌ بِالْبَلَدِ أَمْ لَا وَإِنْ كَانَ عَلَى دُونِ سِتَّةِ أَمْيَالٍ فَالْخَارِجُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الشِّرَاءُ مُطْلَقًا لِلتِّجَارَةِ أَوْ الْقِنْيَةِ كَانَ لِلسِّلَعِ سُوقٌ أَمْ لَا، وَمَنْ مَنْزِلُهُ عَلَى دُونِ سِتَّةِ أَمْيَالٍ جَازَ لَهُ الْأَخْذُ لِقُوَّتِهِ مُطْلَقًا وَلِلتِّجَارَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلسِّلَعِ سُوقٌ وَهَذَا الْحَاصِلُ الَّذِي قَالَهُ الشَّارِحُ زُبْدَةُ الْخِلَافِ الَّذِي فِي الْمَذْهَبِ. [الضَّمَان فِي مَبِيع الْبَيْع الْفَاسِد] قَوْلُهُ: [فِي الْفَاسِدِ] : أَيْ مِنْ تِلْكَ الْبِيَاعَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لِأَنَّ بَعْضَهَا فَاسِدٌ وَبَعْضُهَا غَيْرُ فَاسِدٍ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَنْتَقِلُ ضَمَانُ مَبِيعٍ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ الْمُنْتَقِلَ: بِالْقَبْضِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ ضَمَانُ الْأَصَالَةِ لَا ضَمَانُ الرِّهَانِ الْمُفَصَّلِ فِيهِ بَيْنَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ وَبَيْنَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ وَعَدَمِهِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ الْقَائِلِ: إنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ فِي الْفَاسِدِ إلَّا إذَا كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَمْ تَقُمْ عَلَى هَلَاكِهِ بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَقْبِضْهُ إلَّا لِحَقِّ نَفْسِهِ عَلَى نَحْوِ مَا يَقْبِضْهُ الْمَالِكُ لَا تَوْثِقَةً كَالرِّهَانِ وَلَا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ كَالْعَوَارِيِّ وَلَا دَخْلَ عَلَى احْتِمَالِ رَدِّهِ كَالْخِيَارِ قَالَ (بْن) : وَلَا يَتَوَقَّفُ الْقَبْضُ عَلَى الْحَصَادِ وَجَذِّ الثَّمَرَةِ حَيْثُ كَانَ الْبَيْعُ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِمَا، وَقَوْلُهُ

فِي ضَمَانِ مُشْتَرِيهِ بِالْعَقْدِ أَوْ بِالْقَبْضِ كَالْمِثْلِيِّ (إلَّا بِقَبْضِهِ) مِنْ بَائِعِهِ. (وَرُدَّ) لِبَائِعِهِ وُجُوبًا إنْ لَمْ يَفُتْ وَلَا يَجُوزُ لِمُشْتَرِيهِ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَا دَامَ قَائِمًا. (وَلَا غَلَّةَ) لِبَائِعِهِ بَلْ يَفُوزُ بِهَا الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ فِي ضَمَانِهِ وَالْغَلَّةُ بِالضَّمَانِ، (وَلَا رُجُوعَ) لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ (بِالنَّفَقَةِ) الَّتِي أَنْفَقَهَا عَلَى الْمَبِيعِ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِي نَظِيرِ الْغَلَّةِ تَسَاوَيَا أَوْ لَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَنْتَقِلُ ضَمَانُ الْفَاسِدِ إلَخْ الْحَصْرُ بِالنِّسْبَةِ لِانْتِقَالِ الضَّمَانِ وَأَمَّا الْمِلْكُ فَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ لِلْمُشْتَرِي بِالْفَوَاتِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَمَحَلُّ انْتِقَالِ ضَمَانِ الْفَاسِدِ بِالْقَبْضِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ الْفَاسِدُ مُنْتَفَعًا بِهِ شَرْعًا وَيَقْبَلُ الْبَيْعَ فَخَرَجَ شِرَاءُ الْمَيِّتَةِ وَالزِّبْلِ فَإِنَّ ضَمَانَهُ مِنْ بَائِعِهِ وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا نَحْوُ كَلْبِ الصَّيْدِ وَجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ فَالْقِيمَةُ بِإِتْلَافِهِ لِلتَّعَدِّي لَا لِلْقَبْضِ حَتَّى لَوْ تَلِفَ بِسَمَاوِيٍّ كَانَ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ. قَوْلُهُ: [بِالْعَقْدِ] : أَيْ وَهُوَ مَا لَيْسَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ وَنَحْوُهُ وَقَوْلُهُ كَالْمِثْلِيِّ مِثَالٌ لِمَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ حَيْثُ لَمْ يَبِعْ الْمِثْلِيَّ جُزَافًا وَإِلَّا دَخَلَ بِالْعَقْدِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ مَا فِيهِ مُوَاضَعَةٌ وَعُهْدَةَ ثَلَاثٍ وَالْغَائِبَ. قَوْلُهُ: [وَرُدَّ لِبَائِعِهِ] إلَخْ: أَيْ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لِحُكْمٍ إنْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِ الْحَاكِمِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ. قَوْلُهُ: [وَلَا غَلَّةَ لِبَائِعِهِ] : أَيْ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ وَقْفًا عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَاسْتَغَلَّهُ عَالِمًا بِوَقْفِيَّتِهِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [بَلْ يَفُوزُ بِهَا الْمُشْتَرِي] : أَيْ إلَى الْحُكْمِ بِرَدِّ الْمَبِيعِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ فِي ضَمَانِهِ، عِلَّةً لِلْفَوْزِ بِالْغَلَّةِ أَيْ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ وَعِلْمِهِ بِالْفَسَادِ وَبِوُجُوبِ الرَّدِّ لَا يَنْفِي الضَّمَانَ عَنْهُ وَلَوْ فِي بَيْعِ الثَّنِيَّا الْمَمْنُوعَةِ بَلْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَهُ الْغَلَّةُ مَتَى قَبَضَهُ عَلَى الرَّاجِحِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي مِصْرَ بِبَيْعِ الْمَعَادِ بِأَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَتَى أَتَى لَهُ بِالثَّمَنِ عَادَ لَهُ الْمَبِيعُ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ الشَّرْطُ حِينَ الْعَقْدِ أَوْ تَوَاطَآ عَلَيْهِ قَبْلَهُ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا، وَلَوْ أَسْقَطَ الشَّرْطَ لِتَرَدُّدِ الثَّمَنِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ، وَأَمَّا إذَا تَبَرَّعَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ بِذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ بِأَنْ قَالَ لَهُ مَتَى رَدَدْت إلَيَّ الثَّمَنَ دَفَعْت لَك الْمَبِيعَ كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا. وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ الْوَعْدِ بَلْ يُسْتَحَبُّ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [تَسَاوَيَا أَوْ لَا] : أَيْ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الـ (مج) وَقِيلَ مَا لَمْ تَزِدْ

(إلَّا مَا لَا غَلَّةَ لَهُ) فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِهَا. (فَإِنْ فَاتَ) الْمَبِيعُ فَاسِدًا بِيَدِ الْمُشْتَرِي (مَضَى الْمُخْتَلَفُ فِيهِ) : أَيْ فِي فَسَادِهِ وَلَوْ خَارِجَ الْمَذْهَبِ (بِالثَّمَنِ) الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْبَيْعُ فَاسِدًا. (وَإِلَّا) يَكُنْ مُخْتَلَفًا فِيهِ، بَلْ كَانَ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ (فَالْقِيمَةُ) تُعْتَبَرُ (يَوْمَ الْقَبْضِ) : أَيْ قَبْضِ الْمُشْتَرِي لَهُ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا (وَمِثْلُ الْمِثْلِيِّ إنْ) كَانَ مِثْلِيًّا وَ (عُلِمَ) قَدْرُهُ (وَوُجِدَ) فِي الْبَلَدِ، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ أَيْضًا لَكِنَّ يَوْمَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِهَا. وَهَذَا فِي غَيْرِ الْحَبْسِ، وَأَمَّا هُوَ فَيُرَدُّ لِأَصْلِهِ وَلَوْ بَعْدَ سِنِينَ كَثِيرَةٍ. وَيَرْجِعُ مُشْتَرِيهِ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ أَوْ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا وَفَاتَ. وَيَرُدُّ الْغَلَّةَ لِلْمُسْتَحِقِّينَ إنْ كَانَ الْبَائِعُ غَيْرَهُمْ بِلَا إذْنٍ مِنْهُمْ. - ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّفَقَةُ وَإِلَّا فَيَرْجِعُ بِالزَّائِدِ. قَوْلُهُ: [إلَّا مَا لَا غَلَّةَ لَهُ] : أَيْ كَمَا إذَا سَقَى زَرْعًا وَثَمَرًا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَحَصَلَ الرَّدُّ قَبْلَ بُدُوِّهِ. قَوْلُهُ: [مَضَى الْمُخْتَلَفُ فِيهِ] إلَخْ: هَذِهِ قَاعِدَةُ أَغْلَبِيَّةٍ إذْ قَدْ يَكُونُ مُخْتَلَفًا فِيهِ وَيَمْضِي بِالْقِيمَةِ كَالْبَيْعِ وَقْتَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا يَكُنْ مُخْتَلَفًا فِيهِ] إلَخْ: إشَارَةٌ لِقَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ كُلُّ فَاسِدٍ مُتَّفَقٍ عَلَى فَسَادِهِ فَإِنَّهُ يَمْضِي بِالْقِيمَةِ وَتُعْتَبَرُ يَوْمَ الْقَبْضِ. قَوْلُهُ: [لَكِنَّ يَوْمَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِهَا] : وَلَا يَنْتَظِرُ لِوَقْتِ وُجُودِهِ إذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ وُجُودُ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ يَصْبِرُ عَلَيْهِ لِوَقْتِ الْوُجُودِ، وَيُؤْخَذُ. مِنْهُ الْمِثْلُ لَا الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَضَاءِ بِالرَّدِّ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا هُوَ فَيُرَدُّ لِأَصْلِهِ] : أَيْ وَلَا يَمْضِي الْبَيْعُ فِيهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ. قَوْلُهُ: [وَيَرُدُّ الْغَلَّةَ لِلْمُسْتَحِقِّينَ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى وَقْفًا عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَاسْتَغَلَّهُ عَالِمًا بِوَقْفِيَّتِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّ الْغَلَّةِ لِمُسْتَحِقِّهَا وَكَذَا إنْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى مُعَيَّنٍ وَعَلِمَ بِوَقْفِيَّتِهِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرْضَ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ بِبَيْعِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى مُعَيَّنٍ. وَهُوَ رَاضٍ بِبَيْعِهِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَفُوزُ بِالْغَلَّةِ وَلَوْ عَلِمَ بِالْوَقْفِيَّةِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ رِضَا الرَّشِيدِ دُونَ غَيْرِهِ.

[ما يفوت به المبيع في البيع الفاسد]

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَفُوتُ بِهِ الْمَبِيعُ فِي الْفَاسِدِ بِقَوْلِهِ: (وَالْفَوَاتُ) يَكُونُ: (بِتَغَيُّرِ سُوقِ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ) ، وَأَمَّا الْمِثْلِيُّ فَلَا يَفُوتُ بِتَغَيُّرِ سُوقِهِ، وَهَذَا مَا لَمْ يُبَعْ جُزَافًا، وَإِلَّا فَيَفُوتُ بِتَغَيُّرِ سُوقِهِ، وَاللَّازِمُ فِيهِ الْقِيمَةُ (وَ) غَيْرُ (الْعَقَارِ) كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ، وَأَمَّا الْعَقَارُ: وَهُوَ الْأَرْضُ وَمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ فَلَا تَفُوتُ بِتَغَيُّرِ سُوقِهِ كَالْمِثْلِيِّ وَيُرَدُّ بِعَيْنِهِ. (وَبِطُولِ زَمَانِ حَيَوَانٍ) عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِهِ وَلَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ سُوقُهُ وَلَا ذَاتُهُ. وَالطُّولُ (كَشَهْرٍ) كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِيهَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ مَا يُفِيدُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ لَا تَفُوتُ. وَحَمَلَ عَلَى حَيَوَانٍ شَأْنُهُ عَدَمُ التَّغَيُّرِ فِي الشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ، وَالشَّهْرُ فِيمَا شَأْنُهُ التَّغَيُّرُ؛ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى. (وَ) يَحْصُلُ الْفَوَاتُ (بِالنَّقْلِ) : أَيْ بِنَقْلِ الْمَبِيعِ فَاسِدًا مِنْ مَحَلِّ (لِمَحَلٍّ) آخَرَ (بِكُلْفَةٍ) فِي الْوَاقِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى نَاقِلِهِ كُلْفَةٌ كَحَمْلِهِ عَلَى دَوَابِّهِ بِعَبِيدِهِ أَوْ فِي سَفِينَةٍ. وَقَوْلُ الشَّيْخِ: " لِبَلَدٍ " لَيْسَ بِلَازِمٍ. إذْ الْمَدَارُ عَلَى نَقْلِهِ لِمَحَلٍّ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَبُعْدٌ، يَلْزَمُ عَلَى رَدِّهِ - بِعَيْنِهِ - الْمَشَقَّةُ، فَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْمُقَوَّمِ وَمِثْلُ الْمِثْلِيِّ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي نُقِلَ مِنْهُ لَا الْبَلَدِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَقْلِهِ كُلْفَةٌ وَلَوْ لِبَلَدٍ آخَرَ لَمْ يَفُتْ: كَالْعَبْدِ وَالْحَيَوَانِ فَيُرَدُّ بِعَيْنِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الطَّرِيقُ مَخُوفَةً. (وَ) يَحْصُلُ الْفَوَاتُ (بِتَغَيُّرِ الذَّاتِ) لِلْمَبِيعِ فَاسِدًا بِعَيْبٍ كَعَوَرٍ وَعَرَجٍ أَوْ غَرَّهُ كَصَبْغٍ وَطَحْنٍ وَخُبْزٍ بَلْ (وَإِنْ بِسِمَنٍ) لِدَابَّةٍ (أَوْ هُزَالٍ) لِدَابَّةٍ وَغَيْرِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا يَفُوت بِهِ الْمَبِيع فِي الْبَيْع الْفَاسِد] قَوْلُهُ: [فَلَا يَفُوتُ بِتَغَيُّرِ سُوقِهِ] : أَيْ لِأَنَّ غَالِبَ مَا يُرَادُ لَهُ الْعَقَارُ الْقِنْيَةُ فَلَا يُنْظَرُ فِيهِ لِكَثْرَةِ الثَّمَنِ وَلَا لِقِلَّتِهِ. قَوْلُهُ: [وَفِيهَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْإِمَامَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأَى مَرَّةً أَنَّ بَعْضَ الْحَيَوَانَاتِ يُفِيتُهُ الشَّهْرُ لِمَظِنَّةِ تَغَيُّرِهِ فِيهِ لِصِغَرٍ وَنَحْوِهِ فَحَكَمَ بِأَنَّ الشَّهْرَ فِيهِ طُولٌ، وَرَأَى مَرَّةً أَنَّ بَعْضَ الْحَيَوَانَاتِ لَا يُفِيتُهُ الشَّهْرَانِ وَالثَّلَاثَةُ لِعَدَمِ مَظِنَّةِ تَغَيُّرِهِ فِي ذَلِكَ فَحَكَمَ فِيهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِطُولٍ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحُكْمَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ لِاخْتِلَافِ مَحِلِّهِمَا لَيْسَ بَيْنَهُمَا خِلَافٌ حَقِيقِيٌّ، وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ تَكُونَ الطَّرِيقُ مَخُوفَةً] : مِثْلُ الْخَوْفِ عَلَى مَا ذَكَرَ أَخْذُ الْمَكْسِ وَأُجْرَةِ الرُّكُوبِ إنْ عَظُمَتْ.

كَعَبْدٍ وَأَمَةٍ، فَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْمُقَوَّمِ وَمِثْلُ الْمِثْلِيِّ. وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ اللَّازِمَ فِي الْفَوَاتِ هُوَ قِيمَةُ الْمُقَوَّمِ وَمِثْلُ الْمِثْلِيِّ هُوَ طَرِيقَةُ ابْنِ يُونُسَ وَابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَالشَّيْخِ. وَلِابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ طَرِيقَةٌ أُخْرَى: وَهِيَ أَنَّ اللَّازِمَ فِي الْفَوَاتِ الْقِيمَةُ مُطْلَقًا فِي الْمُقَوَّمِ وَالْمِثْلِيِّ، وَأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْمِثْلِيَّ لَا يَلْحَقُهُ فَوَاتٌ فِي تَغَيُّرِ سُوقٍ وَلَا ذَاتٍ وَلَا نَقْلٍ بِمَشَقَّةٍ لِأَنَّ مِثْلَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ إذْ اللَّازِمُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الْمِثْلُ عَلَى الرَّاجِحِ. وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ بِفَوَاتِهَا بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَاللَّازِمُ الْقِيمَةُ كَالْمُقَوَّمِ. (وَبِالْوَطْءِ) لِأَمَةٍ وَلَوْ ثَيِّبًا وَخْشًا إذَا كَانَ مِنْ بَالِغٍ أَوْ مِنْ صَبِيٍّ افْتَضَّ بِكْرًا لِأَنَّهُ مِنْ تَغَيُّرِ الذَّاتِ. (وَبِالْخُرُوجِ عَنْ الْيَدِ) : أَيْ يَدِ مُشْتَرِيهَا فَاسِدًا (بِكَبَيْعٍ صَحِيحٍ) لَا فَاسِدٍ فَلَا يُفِيتُ. وَبَيْعُ بَعْضِ مَا لَا يَنْقَسِمُ وَلَوْ قَلَّ، كَبَيْعِ الْكُلِّ كَأَكْثَرِ مَا يَنْقَسِمُ وَإِلَّا فَاتَ مِنْهُ مَا بِيعَ فَقَطْ. وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَالْحَبْسَ. (وَتَعَلُّقِ حَقٍّ) بِالْمَبِيعِ فَاسِدًا لِغَيْرِ مُشْتَرِيهِ (كَرَهْنٍ) لَهُ فِي دَيْنٍ (وَإِجَارَةٍ) لَازِمَةٍ بِأَنْ كَانَتْ وَجِيبَةً، أَوْ نَقْدِ كِرَاءٍ أَيَّامَ مَعْلُومَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَبِالْوَطْءِ] : أَفْهَمُ أَنَّ الْمُقَدِّمَاتِ لَا تُفِيتُ وَأَمَّا الْخَلْوَةُ بِهَا فَإِنْ ادَّعَى وَطْأَهَا صُدِّقَ عَلَيْهِ أَوْ وَخْشًا صَدَّقَهُ الْبَائِعُ أَوْ كَذَّبَهُ فَتَفُوتُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَإِنْ أَنْكَرَ صُدِّقَ فِي الْوَخْش صَدَّقَهُ الْبَائِعُ أَوْ كَذَّبَهُ وَفِي الْعَلِيَّةِ إنْ صَدَّقَهُ الْبَائِعُ وَلَكِنْ إذَا رُدَّتْ تُسْتَبْرَأْ فَإِنْ كَذَّبَهُ فَاتَتْ. قَوْلُهُ: [كَأَكْثَرِ مَا يَنْقَسِمُ] الْمُرَادُ بِالْأَكْثَرِ مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ. قَوْلُهُ: [وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ الْهِبَةَ] إلَخْ: أَيْ وَالْعِتْقَ بِأَيِّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِهِ. قَوْلُهُ: [كَرَهْنٍ لَهُ فِي دَيْنٍ] : أَيْ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى خَلَاصِهِ لِعُسْرِ الرَّاهِنِ فَلَوْ قَدَرَ لَمْ يَكُنْ فَوْتًا. قَوْلُهُ: [وَإِجَارَةٌ لَازِمَةٌ] إلَخْ: أَيْ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى فَسْخِهَا بِتَرَاضٍ وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ فَوْتًا وَهَذَا فِي رَهْنٍ وَإِجَارَةٍ بَعْدَ الْقَبْضِ لَهُ وَأَمَّا قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ بَائِعِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ كَمَا إذَا بَاعَهُ بَيْعًا صَحِيحًا قَلَّ قَبْضُهُ فَقِيلَ يَفُوتُ بِذَلِكَ وَقِيلَ لَا يَفُوتُ وَاسْتَظْهَرَ (ح) الْفَوَاتَ وَمَحَلُّ الْقَوْلَيْنِ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِمَا ذَكَرَ الْإِفَاتَةَ وَإِلَّا فَلَا يُفِيتُهُ اتِّفَاقًا مُعَامَلَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ فِي غَيْرِ الْعِتْقِ.

(وَ) يَحْصُلُ الْفَوَاتُ (بِحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ) حَفْرِ (عَيْنٍ بِأَرْضٍ) بِيعَتْ بَيْعًا فَاسِدًا (وَبِغَرْسٍ) لِشَجَرٍ فِيهَا (وَبِنَاءٍ) الْوَاوُ بِمَعْنَى: أَوْ (عَظِيمَيْ الْمُؤْنَةِ) . وَمِثْلُهُمَا: الْقَلْعُ وَالْهَدْمُ لِأَنَّهُمَا مِنْ تَغَيُّرِ الذَّاتِ. وَمَفْهُومُ: " عَظِيمَيْ الْمُؤْنَةِ " أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا خَفِيفَيْنِ كَشَجَرَةٍ أَوْ شَجَرَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا، وَكَحَائِطٍ خَفِيفٍ لَمْ تَفُتْ بِهِمَا الْأَرْضُ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ فَتُرَدُّ الْأَرْضُ لِبَائِعِهَا، وَلِلْمُشْتَرِي وَالْبَانِي أَوْ الْغَارِسِ قِيمَةُ مَا بَنَاهُ أَوْ مَا غَرَسَهُ قَائِمًا عَلَى التَّأْبِيدِ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِوَجْهِ شُبْهَةٍ. اُنْظُرْ تَفْصِيلَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَصْلِ مَعَ مَا بَيَّنَهُ شُرَّاحُهُ. (وَارْتَفَعَ حُكْمُ الْفَوَاتِ) - وَهُوَ لُزُومُ الْقِيمَةِ أَوْ الثَّمَنُ فِي الْمُخْتَلَفِ فِيهِ - (إنْ عَادَ الْمَبِيعُ) فَاسِدًا لِأَصْلِهِ؛ بِأَنْ رَجَعَ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ يَدِهِ وَلَوْ اضْطِرَارًا، كَإِرْثٍ، أَوْ زَالَ مَا بِهِ مِنْ عَيْبٍ أَوْ غَيْرِهِ (إلَّا تَغَيَّرَ السُّوقُ) إذَا فَاتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَظِيمَيْ الْمُؤْنَةِ] : صِفَةٌ لِغَرْسٍ وَبِنَاءٍ وَلَا يَرْجِعُ لِبِئْرٍ وَعَيْنٍ لِأَنَّ شَأْنَهُمَا ذَلِكَ وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ بِئْرَ الْمَاشِيَةِ لَيْسَتْ مُفِيتَةً مَا لَمْ يَحْصُلْ فِيهَا عِظَمُ مُؤْنَةٍ بِالْفِعْلِ. قَوْلُهُ: [وَمِثْلُهُمَا الْقَلْعُ وَالْهَدْمُ] أَيْ وَأَمَّا الزَّرْعُ فَلَا يُفِيتُ بَلْ يَرُدُّ الْمَبِيعَ؛ ثُمَّ إنْ كَانَ الْفَسْخُ وَالرَّدُّ فِي إبَّانِ الزِّرَاعَةِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي كِرَاءُ الْمِثْلِ وَلَا يُقْلَعُ زَرْعُهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ فَوَاتِهِ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ وَفَازَ بِذَلِكَ الزَّرْعُ لِأَنَّهُ غَلَّةٌ. قَوْلُهُ: [اُنْظُرْ تَفْصِيلَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَصْلِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ أَحَاطَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ بِالْأَرْضِ كَالسُّورِ فَإِنْ كَانَ عَظِيمَيْ الْمُؤْنَةِ أَفَاتَا الْأَرْضَ وَإِلَّا فَلَا يُفِيتَانِ شَيْئًا وَإِنْ عَمَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا أَوْ جُلَّهَا كَنِصْفِهَا عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ فَإِنَّهُمَا يُفِيتَانِ الْأَرْضَ بِتَمَامِهَا عَظُمَتْ مُؤْنَتُهُمَا أَمْ لَا فَإِنْ عَمَّ الثُّلُثُ أَوْ الرُّبُعُ وَمِثْلُهُمَا النِّصْفُ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ فَاتَتْ جِهَتُهُ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ تَعْظُمْ مُؤْنَتُهَا فَإِنْ عَمَّ أَقَلُّ مِنْ الرُّبُعِ فَلَا يُفِيتُ شَيْئًا مِنْهَا وَلَوْ عَظُمْت الْمُؤْنَةُ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ الْجِهَةِ الرُّبُعَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ لَا بِالْمِسَاحَةِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْغَرْسُ أَوْ الْبِنَاءُ مُفِيتًا إمَّا لَنَقْصِ مَحِلِّهِمَا عَنْ الرُّبُعِ أَوْ لِعَدَمِ عِظَمِ الْمُؤْنَةِ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعِظَمُ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْبَائِعِ الْأَرْضُ وَلِلْمُشْتَرِي قِيمَةُ غَرْسِهِ أَوْ بِنَائِهِ قَائِمًا عَلَى التَّأْيِيدِ عَلَى مَا لِلْمَازِرِيِّ وَابْنِ مُحْرِزٍ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [إلَّا تَغَيَّرَ السُّوقُ] : أَيْ لِأَنَّ تَغَيُّرَ السُّوقِ الَّذِي أَوْجَبَ الْفَوَاتَ لَيْسَ مِنْ سَبَبِ الْمُشْتَرِي فَلَا يُتَّهَمُ عَلَى أَنَّهُ حَصَّلَهُ لِتَفْوِيتِ السِّلْعَةِ فَلِذَا إذَا عَادَ السُّوقُ الْأَوَّلُ

بِهِ ثُمَّ رَجَعَ لِأَصْلِهِ، فَلَا يَرْتَفِعُ بِهِ حُكْمُهُ وَوَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي مَا وَجَبَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَعُدْ بِخِلَافٍ نَحْوُ الْبَيْعِ وَالصَّدَقَةِ وَالنَّفَلِ فَإِنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى فِعْلِهِ ذَلِكَ لِلتَّفْوِيتِ فَإِذَا حَصَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَكَمْنَا بِالْفَوَاتِ نَظَرًا لِظَاهِرِ الْحَالِ فَإِذَا زَالَ حُكْمُنَا بِزَوَالِ حُكْمِهِ نَظَرًا لِلِاتِّهَامِ وَلَا يُقَالُ إنَّ تَغَيُّرَ الذَّاتِ لَيْسَ مِنْ سَبَبِهِ لِأَنَّهُ يُقَالُ قَدْ يَحْصُلُ مِنْهُ بِتَجْوِيعٍ أَوْ تَفْرِيطٍ فِي صَوْنِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَالْغَالِبُ كَوْنُهُ مِنْ سَبَبِهِ وَحَمْلُ غَيْرِ الْغَالِبِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَوَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي مَا وَجَبَ] : أَيْ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ وَالْعَقَارِ وَهُوَ الْحَيَوَانُ وَالْعُرُوضُ وَأَمَّا الْمِثْلِيُّ وَالْعَقَارُ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُمَا لَا يَفُوتَانِ بِتَغَيُّرِ الْأَسْوَاقِ.

[فصل في حكم بيوع الآجال]

فَصْلٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ بُيُوعِ الْآجَالِ وَهُوَ بَيْعُ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ لِبَائِعِهِ أَوْ لِوَكِيلِهِ لِأَجَلٍ. وَهُوَ بَيْعٌ ظَاهِرُهُ الْجَوَازُ، لَكِنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى مَمْنُوعٍ؛ فَيَمْتَنِعُ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ فِيهِ التَّوَصُّلَ إلَى الْمَمْنُوعِ، سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا أَدَّى إلَى الْوَاجِبِ وَاجِبٌ، وَمَا أَدَّى إلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ وَلَوْ لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي حُكْمِ بُيُوعِ الْآجَالِ] [يَمْنَع مِنْ الْبُيُوع مَا أَدَّى إلَى مَمْنُوع] فَصْلٌ: قَوْلُهُ: [لِبَائِعِهِ] : مُتَعَلِّقٌ بِبَيْعٍ. وَقَوْلُهُ: [لِأَجَلٍ] : مُتَعَلِّقٌ بِاشْتَرَاهُ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ بَيْعٌ ظَاهِرُهُ الْجَوَازُ] : وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ، فَعِنْدَهُ بُيُوعُ الْآجَالِ جَائِزَةٌ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ. قَوْلُهُ: [سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ] : الذَّرِيعَةُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: الْوَسِيلَةُ إلَى الشَّيْءِ وَأَصْلُهَا عِنْدَ الْعَرَبِ مَا تَأْلَفُهُ النَّاقَةُ الشَّارِدَةُ مِنْ الْحَيَوَانِ لِتَنْضَبِطَ بِهِ. ثُمَّ نُقِلَتْ إلَى الْبَيْعِ الْجَائِزِ الْمُتَحَيَّلِ بِهِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ غَيْرِ الْبَيْعِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، فَهِيَ مِنْ مَجَازِ الْمُشَابَهَةِ. وَالذَّرَائِعُ ثَلَاثَةٌ: مَا أُجْمِعَ عَلَى إلْغَائِهِ كَالْمَنْعِ مِنْ زَرْعِ الْعِنَبِ لِأَجْلِ الْخَمْرِ، وَمَا أُجْمِعَ عَلَى إعْمَالِهِ كَالْمَنْعِ مِنْ سَبِّ الْأَصْنَامِ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسُبُّ اللَّهَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ كَالنَّظَرِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ وَالتَّحَدُّثِ مَعَهَا وَبُيُوعِ الْآجَالِ. وَمَذْهَبُ مَالِكٍ مَنْعُهَا ابْنُ عَرَفَةَ: بُيُوعُ الْآجَالِ يُطْلَقُ مُضَافًا وَلَقَبًا. الْأَوَّلُ: مَا أَجَلُ ثَمَنِهِ الْعَيْنُ وَمَا أَجَلُ ثَمَنِهِ غَيْرُهَا سَلَمٌ. وَالثَّانِي: لَقَبٌ لِتَكَرُّرِ بَيْعِ عَاقِدِي الْأَوَّلِ وَلَوْ بِغَيْرِ عَيْنٍ قَبْلَ انْقِضَائِهِ، وَقَوْلُهُ: لِتَكَرُّرٍ إلَخْ أَخْرَجَ بِهِ عَدَمَ تَكَرُّرِ الْبَيْعِ فِي الْعُقْدَةِ وَتَكَرُّرِهَا مِنْ غَيْرِ عَاقِدِ الْأَوَّلِ (اهـ. خَرَشِيٌّ) . قَوْلُهُ: [وَمَا أَدَّى إلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ] : فَالْحَرَامُ كَسَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا أَوْ ضَمَانٍ يُجْعَلُ أَوْ شَرْطِ بَيْعٍ وَسَلَفٍ أَوْ صَرْفٍ مُؤَخَّرٍ أَوْ بَدَلٍ مُؤَخَّرٍ أَوْ فَسْخِ مَا فِي مُؤَخَّرٍ أَوْ غَيْرِ

يَقْصِدْ الْحَرَامَ، كَمَا أَنَّ مَا أَدَّى إلَى الْجَائِزِ جَائِزٌ كَمَا فِي بَعْضِ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ وَلِذَا قَالَ: (يُمْنَعُ) مِنْ الْبُيُوعِ (مَا أَدَّى لِمَمْنُوعٍ يَكْثُرُ قَصْدُهُ) : لِلْمُتَبَايِعَيْنِ وَلَوْ لَمْ يُقْصَدْ بِالْفِعْلِ. (كَسَلَفٍ بِمَنْفَعَةٍ) : أَيْ كَبَيْعٍ أَدَّى إلَى ذَلِكَ؛ كَبَيْعِهِ سِلْعَةً بِعَشْرَةٍ لِأَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا بِخَمْسٍ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ أَقَلَّ فَقَدْ آلَ الْأَمْرُ إلَى رُجُوعِ السِّلْعَةِ لِرَبِّهَا وَقَدْ دَفَعَ قَلِيلًا عَادَ إلَيْهِ كَثِيرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ مِنْ عِلَلِ الْمَنْعِ الْآتِيَةِ. قَوْلُهُ: [يَكْثُرُ قَصْدُهُ] : أَيْ لَا مَا قَلَّ قَصْدُهُ فَلَا يُمْنَعُ لِضَعْفِ التُّهْمَةِ كَتُهْمَةِ ضَمَانٍ بِجُعْلٍ وَتُهْمَةِ: أَسْلِفْنِي وَأُسْلِفْكَ. فَمِثَالُ الْأَوَّلِ: أَنْ يَبِيعَهُ ثَوْبَيْنِ بِدِينَارٍ لِشَهْرٍ ثُمَّ يَشْتَرِي مِنْهُ عِنْدَ الْأَجَلِ أَوْ دُونَهُ أَحَدَهُمَا بِدِينَارٍ، فَيَجُوزُ وَلَا يُنْظَرُ لِكَوْنِهِ دَفَعَ لَهُ ثَوْبَيْنِ لِيَضْمَنَ لَهُ أَحَدَهُمَا وَهُوَ الثَّوْبُ الَّذِي اشْتَرَاهُ مُدَّةَ بَقَائِهِ عِنْدَهُ بِالْآخَرِ لِضَعْفِ تُهْمَةِ ذَلِكَ وَلِقِلَّةِ قَصْدِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا صَرِيحُ ضَمَانٍ بِجُعْلٍ فَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ الضَّمَانَ وَالْجَاهَ وَالْقَرْضَ لَا يُفْعَلُ إلَّا لِلَّهِ. وَمِثَالُ الثَّانِي: أَنْ تَبِيعَهُ ثَوْبًا بِدِينَارَيْنِ إلَى شَهْرٍ تَشْتَرِيهِ مِنْهُ بِدِينَارٍ نَقْدًا أَوْ دِينَارٍ إلَى شَهْرَيْنِ، فَآلَ أَمْرُ الْبَائِعِ إلَى أَنَّهُ دَفَعَ الْآنَ دِينَارًا سَلَفًا لِلْمُشْتَرِي وَيَأْخُذُ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ دِينَارَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا عَنْ دِينَارِهِ، وَالثَّانِي: سَلَفٌ مِنْهُ يَدْفَعُ لَهُ مُقَابِلَهُ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ الثَّانِي، فَلَا يُمْنَعُ أَيْضًا لِضَعْفِ التُّهْمَةِ. لِأَنَّ النَّاسَ فِي الْغَالِبِ لَا يَقْصِدُونَ إلَى السَّلَفِ لَا نَاجِزًا لِأَبْعَدَ مُدَّةٍ كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ بِالْفِعْلِ] : فِي الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَى فَاعِلِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ الْأَمْرَ الْمَمْنُوعَ. قَوْلُهُ: [كَسَلَفٍ بِمَنْفَعَةٍ] : أَدْخَلَتْ الْكَافُ بَاقِيَ الْعِلَلِ الْمُحَرَّمَةِ. قَوْلُهُ: [أَيْ كَبَيْعٍ أَدَّى إلَى ذَلِكَ] : أَيْ فَفِي الظَّاهِرِ جَائِزٌ وَبِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ حَرَامٌ. قَوْلُهُ: [بِخَمْسَةٍ نَقْدًا] إلَخْ: وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي النَّهْيِ مَا إذَا اشْتَرَاهَا بِأَكْثَرَ لِأَبْعَدَ كَمَا يَأْتِي.

[ما يمنع وما يجوز من بيع الآجال]

(وَدَيْنٍ بِدَيْنٍ) : أَيْ وَكَبَيْعٍ أَدَّى إلَى ذَلِكَ كَمَا لَوْ بَاعَهَا بِعَشْرَةٍ لِأَجَلٍ وَاشْتَرَاهَا بِمِثْلِهَا لِلْأَجَلِ، وَشَرَطَا نَفْيَ الْمُقَاصَّةِ؛ فَالسِّلْعَةُ رَجَعَتْ لِرَبِّهَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا ابْتَدَأَ فِي ذِمَّةِ صَاحِبِهِ دَيْنًا. وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ. (وَصَرْفٍ مُؤَخَّرٍ) : أَيْ وَكَبَيْعٍ أَدَّى لِذَلِكَ، كَمَا لَوْ بَاعَهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لِأَجَلٍ وَاشْتَرَاهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ أَيْ وَلِأَجَلٍ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ. وَأَصْلُ صُوَرِ هَذَا الْبَابِ اثْنَتَا عَشَرَةَ صُورَةً يُمْنَعُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ وَيَجُوزُ الْبَاقِيَ. وَقَدْ أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (فَمَنْ بَاعَ) شَيْئًا (لِأَجَلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ) هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ وَكِيلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَاشْتَرَاهَا بِمِثْلِهَا لِلْأَجَلِ] : لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: " بِمِثْلِهَا " بَلْ لَوْ اخْتَلَفَ الثَّمَنُ كَمَا يَأْتِي: وَالْمَدَارُ فِي الْحُرْمَةِ عَلَى شَرْطِ عَدَمِ الْمُقَاصَّةِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ الثَّانِي مُسَاوِيًا لِلْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ. قَوْلُهُ: [وَصَرْفٍ مُؤَخَّرٍ] : مِثْلُهُ الْبَدَلُ الْمُؤَخَّرُ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [أَوْ لِأَجَلٍ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ] : لَا مَفْهُومَ لِذَلِكَ بَلْ مِثْلُهَا لِلْأَجَلِ نَفْسِهِ لِأَنَّ جَمِيعَ صُوَرِ الصَّرْفِ مَمْنُوعَةٌ كَمَا يَأْتِي. [مَا يَمْنَع وَمَا يَجُوز مِنْ بَيْع الْآجَال] قَوْلُهُ: [يُمْنَعُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ وَيَجُوزُ الْبَاقِي] : أَيْ عِنْدَ وُجُودِ الشُّرُوطِ الْآتِيَةِ وَإِلَّا فَتَارَةً يُمْنَعُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [فَمَنْ بَاعَ شَيْئًا لِأَجَلٍ] : تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ شُرُوطَ بُيُوعِ الْآجَالِ الْخَمْسَةِ: وَهِيَ أَنْ تَكُونَ الْبَيْعَةُ الْأُولَى لِأَجَلٍ وَالْمُشْتَرِي ثَانِيًا هُوَ الْبَائِعَ أَوَّلًا أَوْ وَكِيلَهُ، وَالْمُبَاعُ ثَانِيًا هُوَ الْمُبَاعَ أَوَّلًا، وَالْبَائِعُ الثَّانِي هُوَ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا أَوْ وَكِيلَهُ، وَالثَّمَنُ الثَّانِي بِصِفَةِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَتَعْجِيلُ الثَّمَنِ الثَّانِي كُلِّهِ أَوْ تَأْجِيلُ كُلِّهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمَتْنِ الْآتِي: " وَلَوْ عُجِّلَ بَعْضُهُ امْتَنَعَ " إلَخْ؛ فَتَكُونُ الشُّرُوطُ سِتَّةً. وَقَوْلُهُ: [شَيْئًا] : أَيْ مُقَوَّمًا. وَأَمَّا الْمِثْلِيُّ فَلَهُ مَزِيدُ أَحْكَامٍ سَتَأْتِي فِي قَوْلِهِ: " وَالْمِثْلِيُّ صِفَةً وَقَدْرًا كَعَيْنِهِ " إلَخْ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ اشْتَرَاهُ] : لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ ثُمَّ التَّرَاخِي بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّرَاخِي وَغَيْرِهِ وَفَاعِلُ " اشْتَرَاهُ " هُوَ فَاعِلُ " بَاعَ " وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ عَائِدٌ عَلَى الشَّيْءِ الْمُشْتَرَى. وَالْمُرَادُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ كَمَحْجُورِهِ مَثَلًا فَهُوَ مَكْرُوهٌ فَقَطْ.

(بِجِنْسِ ثَمَنِهِ) الَّذِي بَاعَهُ بِهِ (مِنْ عَيْنٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ عَرْضٍ) بَيَانٌ لِلثَّمَنِ؛ (فَإِمَّا) أَنْ يَشْتَرِيَهُ (نَقْدًا أَوْ لِلْأَجَلِ) الْأَوَّلِ، (أَوْ أَقَلَّ) مِنْهُ (أَوْ أَكْثَرَ) مِنْهُ؛ فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَجَلِ الْأَوَّلِ وَفِي كُلٍّ مِنْهَا؛ إمَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ (بِمِثْلِ الثَّمَنِ) الْأَوَّلِ قَدْرًا (أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ) فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً (يُمْنَعُ مِنْهَا ثَلَاثٌ وَهِيَ) ، أَيْ الثَّلَاثُ: (مَا تَعَجَّلَ فِيهِ) الثَّمَنَ (الْأَقَلَّ) : كَأَنْ يَبِيعَهَا بِعَشْرَةٍ لِرَجَبٍ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا بِثَمَانِيَةٍ نَقْدًا، أَوْ لِدُونِ رَجَبٍ. أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الْعَشَرَةِ لِأَبْعَدَ مِنْ رَجَبٍ كَشَعْبَانَ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّلَفِ بِمَنْفَعَةٍ وَتَجُوزُ التِّسْعَةُ الْبَاقِيَةُ. (فَيَجُوزُ تَسَاوِي الْأَجَلَيْنِ) سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ مُسَاوِيًا لِلْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (أَوْ) تَسَاوِي (الثَّمَنَيْنِ) سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْأَجَلَانِ أَوْ اخْتَلَفَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِجِنْسِ ثَمَنِهِ] : الْمُرَادُ بِالْجِنْسِ الِاتِّحَادُ مَعَهُ فِي الصِّفَةِ، بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي مِنْ مَنْعِ الْبَيْعِ بِذَهَبٍ وَشِرَائِهِ بِفِضَّةٍ وَعَكْسِهِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَمَنْعِهِ بِسِكَّتَيْنِ إلَى أَجَلٍ. وَحُكْمِ مَا إذَا اشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ مُخَالِفٍ فَإِنَّ لِهَذِهِ أَحْكَامًا تَخُصُّهَا غَيْرَ مَا هُنَا. قَوْلُهُ: [فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً] : أَيْ مِنْ ضَرْبِ أَحْوَالِ الثَّمَنِ الثَّلَاثَةِ فِي أَحْوَالِ الْأَجَلِ وَالنَّقْدِ وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: وَفِي كُلٍّ مِنْ الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ: إمَّا أَنْ تَكُونَ الْعُقْدَةُ الثَّانِيَةُ فِي مَجْلِسِ الْعُقْدَةِ الْأُولَى أَوْ لَا، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ قَدْ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ أَوْ لَا؛ فَهَذِهِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعُونَ. وَإِنْ شِئْت قُلْت: وَفِي كُلٍّ إمَّا: أَنْ يَكُونَ الثَّمَنَانِ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا. وَمُرَادُهُمْ بِالْعَرْضِ: مَا يَشْمَلُ الْحَيَوَانَ وَطَعَامًا؛ فَتَبْلُغُ الصُّوَرُ مِائَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ. قَوْلُهُ: [لِمَا فِيهِ مِنْ السَّلَفِ بِمَنْفَعَةٍ] : أَيْ وَالْمُسَلِّفُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ. وَفِي الثَّالِثَةِ الْبَائِعُ الثَّانِي، وَمَحَلُّ مَنْعِ الثَّالِثَةِ مَا لَمْ يَدْخُلَا عَلَى الْمُقَاصَّةِ وَإِلَّا فَلَا تَحْرُمُ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [فَيَجُوزُ تَسَاوِي الْأَجَلَيْنِ] : أَيْ إنْ لَمْ يَشْتَرِطَا نَفْيَ الْمُقَاصَّةِ وَإِلَّا مُنِعَ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْأَجَلَانِ] : لَا حَاجَةَ لَهُ لِأَنَّهَا إحْدَى صُوَرِ تَسَاوِي

(كَاخْتِلَافِهِمَا) أَيْ الْأَجَلَيْنِ وَالثَّمَنَيْنِ بِالْقِلَّةِ أَوْ الْكَثْرَةِ (إذَا لَمْ يَرْجِعْ لِلْيَدِ السَّابِقَةِ بِالْعَطَاءِ أَكْثَرُ) فَإِنْ رَجَعَ لَهَا أَكْثَرُ مُنِعَ، وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ؛ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: إنْ تَسَاوَى الْأَجَلَانِ أَوْ الثَّمَنَانِ فَالْجَوَازُ. وَإِلَّا فَانْظُرْ لِلْيَدِ السَّابِقَةِ بِالْعَطَاءِ فَإِنْ دَفَعَتْ قَلِيلًا عَادَ إلَيْهَا كَثِيرٌ مُنِعَ، وَإِلَّا فَلَا. وَهَذَا إنْ عَجَّلَ الثَّمَنَ الثَّانِيَ كُلَّهُ أَوْ أَجَّلَهُ كُلَّهُ. وَأَمَّا لَوْ نَقَدَ بَعْضَهُ وَأَجَّلَ بَعْضَهُ فَأَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ أَجَّلَ بَعْضَهُ) : أَيْ الثَّمَنَ الثَّانِيَ وَنَقَدَ بَعْضَهُ (امْتَنَعَ) مِنْ الصُّوَرِ (مَا تَعَجَّلَ فِيهِ الْأَقَلُّ بَعْضُهُ) : أَيْ بَعْضُ الْأَقَلِّ وَسَوَاءٌ فِيهِمَا تَعَجَّلَ عَلَى جَمِيعِ الْأَكْثَرِ أَوْ بَعْضِهِ؛ فَالصُّوَرُ أَرْبَعَةٌ. مِثَالُ مَا تَعَجَّلَ فِيهِ الْأَقَلُّ عَلَى كُلِّ الْأَكْثَرِ: أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ بِعَشْرَةٍ لِأَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِثَمَانِيَةٍ أَرْبَعَةٍ نَقْدًا وَأَرْبَعَةٍ لِدُونِ الْأَجَلِ، فَآلَ أَمْرُهُ إلَى أَنَّهُ دَفَعَ ثَمَانِيَةً أَخَذَ عَنْهَا عِنْدَ الْأَجَلِ عَشْرَةً. وَمِثَالُ مَا تَعَجَّلَ فِيهِ الْأَقَلُّ عَلَى بَعْضِ الْأَكْثَرِ: أَنْ يَبِيعَهَا بِعَشْرَةٍ لِأَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ خَمْسَةٍ نَقْدًا وَالسَّبْعَةِ لِأَجَلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَجَلَيْنِ فَهُوَ مُكَرَّرٌ فَيَتَعَيَّنُ فَرْضُ مَا هُنَا فِي تَسَاوِي الثَّمَنَيْنِ وَاخْتِلَافِ الْأَجَلَيْنِ أَوْ كَوْنِ الثَّانِي نَقْدًا. قَوْلُهُ: [كَاخْتِلَافِهِمَا] إلَخْ: أَيْ وَتَحْتَهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ، وَهِيَ: كَوْنُ الثَّمَنِ الثَّانِي بِأَكْثَرَ نَقْدًا، أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ، أَوْ بِأَقَلَّ لِأَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ. فَتَحْصُلُ مِنْ تَسَاوِي الْأَجَلَيْنِ ثَلَاثٌ، وَمِنْ تَسَاوِي الثَّمَنَيْنِ مِثْلُهَا، وَمِنْ اخْتِلَافِ الثَّمَنَيْنِ وَالْأَجَلَيْنِ سِتٌّ، ثَلَاثٌ مَمْنُوعَةٌ وَثَلَاثٌ جَائِزَةٌ، تُضَمُّ لِصُوَرِ اتِّحَادِ الثَّمَنِ وَاتِّحَادِ الْأَجَلِ وَأَمْثِلَتُهَا وَاضِحَةٌ. قَوْلُهُ: [فَالصُّوَرُ أَرْبَعَةٌ] : أَيْ فَالْمَمْنُوعُ أَرْبَعٌ مِنْ تِسْعٍ لِسُقُوطِ صُوَرِ النَّقْدِ الثَّلَاثِ مِنْ الِاثْنَتَيْ عَشَرَةَ الَّتِي بُنِيَ الْبَابُ عَلَيْهَا، وَالْجَائِزُ خَمْسٌ وَهِيَ: أَنْ يَشْتَرِيَ السِّلْعَةَ الَّتِي بَاعَهَا لِأَجَلٍ بِعَشْرَةٍ مِثْلَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، لَكِنْ خَمْسَةٌ مِنْهَا نَقْدًا، وَخَمْسَةٌ لِدُونِ الْأَجَلِ أَوْ لِلْأَجَلِ أَوْ لِأَبْعَدَ أَوْ يَشْتَرِيهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ خَمْسَةٍ نَقْدًا. وَسَبْعٍ لِدُونِ الْأَجَلِ أَوْ لِلْأَجَلِ نَفْسِهِ. وَحَاصِلُ هَذِهِ الصُّوَرِ التِّسْعِ أَنْ تَقُولَ: إذَا كَانَ الثَّمَنُ الثَّانِي أَقَلَّ مُنِعَ مُطْلَقًا كَانَ الْبَعْضُ الْمُؤَجَّلُ أَجَلُهُ أَبْعَدَ مِنْ

أَبْعَدَ، فَآلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ تَعَجَّلَ الْأَقَلَّ وَهِيَ الْعَشَرَةُ عِنْدَ أَجَلِهَا خَمْسَةٌ مِنْهَا فِي نَظِيرِ الْخَمْسَةِ الَّتِي نَقَدَهَا وَخَمْسَةٌ يَدْفَعُ عَنْهَا سَبْعَةً عِنْدَ أَجَلِهَا وَصَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَجَّلَ الْأَقَلَّ عَلَى بَعْضِ الْأَكْثَرِ. وَمِثَالُ مَا تَعَجَّلَ فِيهِ بَعْضَ الْأَقَلِّ عَلَى جَمِيعِ الْأَكْثَرِ: أَنْ يَبِيعَهَا بِالْعَشَرَةِ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا بِثَمَانِيَةٍ، أَرْبَعَةٍ مِنْهَا نَقْدًا وَأَرْبَعَةٍ لِلْأَجَلِ نَفْسِهِ، فَآلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّهُ عِنْدَ الْأَجَلِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ فِي أَرْبَعَةٍ، وَيَأْخُذُ عَنْ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي نَقَدَهَا سِتَّةً. وَمِثَالُ مَا عَجَّلَ فِيهِ بَعْضَ الْأَقَلِّ عَلَى بَعْضِ الْأَكْثَرِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ بِثَمَانِيَةٍ، أَرْبَعَةٍ نَقْدًا وَأَرْبَعَةٍ لِأَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ، فَرَجَعَ الْحَالُ إلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ دَفَعَ عَشْرَةً عِنْدَ أَجَلِهَا، سِتَّةٌ مِنْهَا فِي نَظِيرِ الْأَرْبَعَةِ، وَالْأَرْبَعَةُ الْأُخْرَى يَأْخُذُ عَنْهَا أَرْبَعَةً عِنْدَ أَجَلِهَا. وَلَمَّا كَانَ قَدْ يَعْرِضُ الْمَنْعُ لِلْجَائِزِ فِي الْأَصْلِ، وَالْجَوَازُ لِلْمُمْتَنِعِ؛ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ - مُشْبِهًا فِي الْمَنْعِ - قَوْلُهُ: (كَتَسَاوِي الْأَجَلَيْنِ) فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ (إنْ شَرَطَا) عِنْدَ الشِّرَاءِ (نَفْيَ الْمُقَاصَّةِ) وَسَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ الثَّانِي مُسَاوِيًا لِلْأَوَّلِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ (لِلدَّيْنِ بِالدَّيْنِ) : أَيْ لِابْتِدَاءِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ أَشْغَلَ ذِمَّةَ صَاحِبِهِ بِمَالِهِ عَلَيْهِ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُمَا لَوْ شَرْطَاهَا أَوْ سَكَتَا جَازَ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ. (وَلِذَا) : أَيْ وَلِأَنَّ لِلشَّرْطِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمُقَاصَّةِ تَأْثِيرًا ثُبُوتًا أَوْ نَفْيًا (صَحَّ) الْبَيْعُ (فِي أَكْثَرَ) مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ (لِأَبْعَدَ) مِنْ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ (إذَا شَرَطَاهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَجَلِ الْأَوَّلِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ أَوْ دُونَهُ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ الثَّانِي قَدْرَ الْأَوَّلِ جَازَ مُطْلَقًا فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مُنِعَتْ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْبَعْضُ مُؤَجَّلًا لِأَبْعَدَ. قَوْلُهُ: [إنْ شَرَطَا] : هَكَذَا بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ مَعَ ضَمِيرٍ يَعُودُ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: إنْ شُرِطَ - بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ - كَانَ الشَّرْطُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ: [صَحَّ الْبَيْعُ فِي أَكْثَرَ] : لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: " فِي أَكْثَرَ " لِأَبْعَدَ إذْ بَاقِي الصُّوَرِ الْمَمْنُوعَةِ كَذَلِكَ وَهِيَ شِرَاؤُهَا ثَانِيًا بِأَقَلَّ نَقْدًا أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ كَمَا فِي (ح) وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الدَّمْجِ.

لِلسَّلَامَةِ مِنْ دَفْعِ قَلِيلٍ فِي كَثِيرٍ، فَلَوْ سَكَتَا عَنْ شَرْطِهِمَا بَقِيَ الْمَنْعُ عَلَى أَصْلِهِ. (وَمُنِعَ) الْبَيْعُ (بِذَهَبٍ) مُؤَجَّلٍ (وَ) شِرَاؤُهَا (بِفِضَّةٍ) وَعَكْسُهُ فِي الصُّوَرِ الِاثْنَتَيْ عَشَرَةَ - تَقَدَّمَتْ الْفِضَّةُ عَلَى الذَّهَبِ أَوْ تَأَخَّرَتْ - فَقَدْ صَارَتْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ صُورَةً (لِلصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ) : أَيْ تُهْمَةُ ذَلِكَ. (وَلِذَا) أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّ تُهْمَةَ الصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ تُوجِبُ الْمَنْعَ لَوْ انْتَفَتْ التُّهْمَةُ كَمَا (لَوْ عَجَّلَ) مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ (أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمُتَأَخِّرِ جِدًّا) بِأَنْ تَبْلُغَ الْكَثْرَةُ النِّصْفَ فَأَكْثَرَ - كَبَيْعِ ثَوْبٍ بِدِينَارٍ أَوْ دِينَارَيْنِ لِشَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِسِتِّينَ دِرْهَمًا نَقْدًا وَصَرَفَ الدِّينَارَ عَشْرَةً. (جَازَ) لِنَفْيِ التُّهْمَةِ إذْ الْعَاقِلُ لَا يُعَجِّلُ سِتِّينَ لِيَأْخُذَ مَا قِيمَتُهُ عَشْرَةٌ أَوْ عِشْرُونَ إلَّا لِقَصْدِ الْمَعْرُوفِ. وَكَذَا إذَا بَاعَهُ بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا لِشَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِسِتَّةِ دَنَانِيرَ نَقْدًا فَأَكْثَرَ. (وَ) مُنِعَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ (بِسِكَّتَيْنِ إلَى أَجَلٍ) فِيهِمَا، وَسَوَاءٌ اتَّفَقَ الْأَجَلُ أَوْ اخْتَلَفَ - كَبَيْعِهِ بِعَشْرَةٍ يَزِيدِيَّةٍ لِشَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِمُحَمَّدِيَّةٍ لِذَلِكَ الشَّهْرِ أَوْ دُونَهُ أَوْ أَبْعَدَ مِنْهُ (لِلدَّيْنِ بِالدَّيْنِ) تَسَاوَى الْعَدَدُ أَوْ اخْتَلَفَ. وَلَا يُمْكِنُ هُنَا شَرْطُ الْمُقَاصَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بَقِيَ الْمَنْعُ عَلَى أَصْلِهِ] : أَيْ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَهِيَ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا، فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الَّتِي أَصْلُهَا الْمَنْعُ وَاَلَّتِي أَصْلُهَا الْجَوَازُ فَاَلَّتِي أَصْلُهَا الْجَوَازُ لَا يُفْسِدُهَا إلَّا شَرْطُ نَفْيِ الْمُقَاصَّةِ لَا السُّكُوتُ فَإِنَّ التُّهْمَةَ فِيهَا ضَعِيفَةٌ فَإِذَا شُرِطَ نَفْيُهَا تَحَقَّقَتْ التُّهْمَةُ، وَأَمَّا مَا أَصْلُهَا الْمَنْعُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا شَرَطَاهَا لِأَنَّ التُّهْمَةَ فِيهَا قَوِيَّةٌ فَإِذَا شَرَطَاهَا بَعُدَتْ وَالسُّكُوتُ عَنْهَا لَا يَنْفِي الْمَنْعَ. قَوْلُهُ: [فِي الصُّوَرِ الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ] : حَاصِلُهَا أَنَّهُ إذَا بَاعَ فِضَّةً لِأَجَلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِذَهَبٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الذَّهَبُ قِيمَةَ الْفِضَّةِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ الثَّانِي نَقْدًا أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ أَوْ لَهُ أَوْ لِأَبْعَدَ مِنْهُ فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً وَمِثْلُهَا يُقَالُ فِيمَا إذَا بَاعَ أَوَّلًا بِذَهَبٍ ثُمَّ اشْتَرَى بِفِضَّةٍ فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ كُلُّهَا مَمْنُوعَةٌ لِتُهْمَةِ الصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ، وَلِذَا لَوْ انْتَفَتْ التُّهْمَةُ جَازَ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ وَلِذَا لَوْ عَجَّلَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمُتَأَخِّرِ جِدًّا جَازَ. قَوْلُهُ: [أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمُتَأَخِّرِ] : الْعِبْرَةُ بِالْكَثْرَةِ بِاعْتِبَارِ صَرْفِ الْمِثْلِ لَا بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ لِأَنَّ الْقِلَّةَ وَالْمُسَاوَاةَ وَالْكَثْرَةَ بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ إنَّمَا تَتَأَتَّى فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ.

إذْ شَرْطُهَا تَسَاوِي الدَّيْنَيْنِ قَدْرًا وَصِفَةً، مَفْهُومُ الْأَجَلِ جَوَازُ صُوَرِ النَّقْدِ مُطْلَقًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ صُوَرَ الْأَجَلِ كُلَّهَا مَمْنُوعَةٌ - وَهِيَ ثَمَانِي عَشْرَةَ - لِأَنَّ الثُّمُنَ الثَّانِيَ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِمِثْلِ أَجَلِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يُسَاوِيَهُ فِي الْقَدْرِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَهَذِهِ تِسْعَةٌ وَفِي كُلٍّ مِنْهَا: إمَّا أَنْ يَبِيعَ بِالْجَيِّدِ وَيَشْتَرِيَ بِالرَّدِيءِ أَوْ عَكْسُهُ، وَصُوَرُ النَّقْدِ سِتَّةٌ لِأَنَّهُ: إمَّا مِثْلُ الْمُؤَجَّلِ قَدْرًا، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ. وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَبِيعَ بِالْجَيِّدِ وَيَشْتَرِيَ بِالْأَدْنَى أَوْ عَكْسُهُ. وَكُلُّهَا جَائِزَةٌ لِعَدَمِ شُغْلِ الذِّمَّتَيْنِ، فَمَجْمُوعُ الصُّوَرِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ، كَصُوَرِ الصَّرْفِ. إلَّا أَنَّ صُوَرَهُ كُلَّهَا مَمْنُوعَةٌ لِلصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِعَرَضٍ مُخَالِفٍ) لِمَا بَاعَهُ بِهِ فِي الْجِنْسِ - كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِدِينَارٍ أَوْ ثَوْبٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِشَاةٍ أَوْ ثَوْبٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأَوَّلِ - (جَازَتْ) مِنْ الِاثْنَتَيْ عَشَرَةَ (ثَلَاثَةُ النَّقْدِ فَقَطْ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَرْضُ الْمَنْقُودُ قِيمَتُهُ قَدْرَ قِيمَةِ السِّلْعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَكُلُّهَا جَائِزَةٌ لِعَدَمِ شُغْلِ الذِّمَّتَيْنِ] : إلَخْ: فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ الْجَائِزُ مِنْهَا اثْنَتَانِ، وَهُمَا: مَا إذَا اشْتَرَى بِأَجْوَدَ أَكْثَرَ أَوْ مُسَاوِيًا. وَالْأَرْبَعَةُ مَمْنُوعَةٌ وَهِيَ: مَا إذَا اشْتَرَى بِأَدْنَى أَكْثَرَ، أَوْ مُسَاوِيًا، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ بِأَجْوَدَ أَقَلَّ؛ لِأَنَّهُ - وَإِنْ انْتَفَى فِيهِ عِمَارَةُ الذِّمَّتَيْنِ - لَكِنْ وُجِدَ فِيهِ عِلَّةُ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا. فَإِنْ قُلْتَ: إذَا كَانَ الْمَنْقُودُ أَدْنَى وَهُوَ مُسَاوٍ لِلْمُؤَجَّلِ فِي الْقَدْرِ كَيْفَ يُمْنَعُ مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ جَوَازُ قَضَاءِ الْقَرْضِ بِالْأَفْضَلِ صِفَةً؟ وَالْجَوَابُ: أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَدْخُولًا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَيُمْنَعُ وَمَا هُنَا مَدْخُولٌ عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [إنْ اشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ مُخَالِفٍ] : الْمُرَادُ بِالْعَرْضِ: مَا قَابَلَ الْعَيْنَ، فَيَشْمَلُ الطَّعَامَ وَالْحَيَوَانَ. وَقَوْلُهُ مُخَالِفٍ لِمَا بَاعَهُ بِهِ فِي الْجِنْسِ، الْمُرَادُ بِالْجِنْسِ الصِّنْفُ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ مُخَالِفٍ: أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ بِمُوَافِقٍ لَهُ فِي الصِّنْفِ كَمَا لَوْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَوْبٍ لِشَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِثَوْبٍ مِنْ صِنْفِهَا فَالشِّرَاءُ إمَّا نَقْدًا أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ أَوْ لِلْأَجَلِ لِأَبْعَدَ، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الثَّوْبِ الثَّانِي مُسَاوِيَةً لِقِيمَةِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً يُمْنَعُ مِنْهَا مَا عُجِّلَ فِيهِ الْأَقَلُّ وَهُوَ ثَلَاثُ صُوَرٍ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ

الَّتِي بَاعَ بِهَا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (وَمُنِعَتْ التِّسْعَةُ) الْبَاقِيَةُ (لِلدَّيْنِ بِالدَّيْنِ) . (وَلَوْ اشْتَرَى) مَا بَاعَهُ (بِأَقَلَّ) مِمَّا بَاعَهُ بِهِ (لِلْأَجَلِ) نَفْسِهِ (أَوْ لِأَبْعَدَ) مِنْهُ - وَقُلْنَا بِالْجَوَازِ - (ثُمَّ رَضِيَ) الْمُشْتَرِي الثَّانِي (بِالتَّعْجِيلِ) : أَيْ تَعْجِيلِ الْأَقَلِّ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ (فَالْأَرْجَحُ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ (الْمَنْعُ) نَظَرًا لِمَا آلَ إلَيْهِ الْأَمْرُ مِنْ أَنَّهُ دَفَعَ قَلِيلًا عَادَ إلَيْهِ كَثِيرًا، وَقِيلَ بِالْجَوَازِ نَظَرًا إلَى حَالِ الْعَقْدِ. (وَالْمِثْلِيُّ) مِنْ مَكِيلٍ - كَبُرٍّ أَوْ مَوْزُونٍ كَسَمْنٍ وَنُحَاسٍ، أَوْ مَعْدُودٍ كَبِيضٍ - (الْمُوَافِقُ لِمَا بَاعَهُ لِأَجَلٍ) كَشَهْرٍ (صِفَةً وَقَدْرًا كَعَيْنِهِ) : أَيْ كَعَيْنِ مَا بَاعَهُ. فَمَنْ بَاعَ إرْدَبَّ قَمْحٍ أَوْ قِنْطَارَيْنِ بِعَشْرَةٍ لِشَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَى مِنْ الْمُشْتَرِي مِثْلَهُ فَفِيهِ اثْنَتَا عَشَرَةَ صُورَةً، لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ اشْتَرَى عَيْنَ مَا بَاعَهُ، فَإِمَّا نَقْدًا أَوْ لِأَجَلٍ أَوْ لِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (فَيُمْنَعُ) مِنْهَا الصُّوَرُ الثَّلَاثُ وَهِيَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمُنِعَتْ التِّسْعَةُ الْبَاقِيَةُ] : أَيْ وَهِيَ مَا أُجِّلَ فِيهِ الثَّمَنَانِ سَوَاءٌ كَانَ أَجَلُ الثَّانِي مُسَاوِيًا لِلْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَبْعَدَ، كَانَتْ قِيمَةُ الْعَرْضِ الْمُشْتَرَى بِهِ قَدْرَ قِيمَةِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ. قَوْلُهُ: [لِلدَّيْنِ بِالدَّيْنِ] : أَيْ لِابْتِدَاءِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا اشْتِرَاطُ الْمُقَاصَّةِ لِاخْتِلَافِ الدَّيْنَيْنِ وَشَرْطُهَا اتِّحَادُهُمَا جِنْسًا وَصِفَةً كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [فَالْأَرْجَحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْمَنْعُ] : قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَنْعُ هُوَ الرَّاجِحَ لِعِلَّتِهِ الْمَذْكُورَةِ، وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ إذَا اشْتَرَى بِأَكْثَرَ لِلْأَجَلِ ثُمَّ تَرَاضَيَا عَلَى التَّأْخِيرِ أَوْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ نَقْدًا أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ ثُمَّ رَضِيَ بِالتَّأْخِيرِ لِأَبْعَدَ، فَالْمَدَارُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى كَوْنِهِ وَقَعَ جَائِزًا ثُمَّ آلَ لِلْمَنْعِ فَهَلْ يَجُوزُ نَظَرًا لِلْعَقْدِ أَوْ يُمْنَعُ نَظَرًا لِمَا آلَ إلَيْهِ الْأَمْرُ قَوْلَانِ. وَيَجْرِي هَذَانِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِعَشْرَةٍ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ أَتْلَفَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي وَكَانَتْ قِيمَتُهَا حِينَ الْإِتْلَافِ ثَمَانِيَةً وَغَرِمَهَا لِلْمُشْتَرِي حَالًا، فَإِذَا جَاءَ الْأَجَلُ هَلْ يُمَكَّنُ الْبَائِعُ مِنْ أَخْذِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي مَا زَادَهُ الثَّمَنُ عَلَى الْقِيمَةِ وَهُوَ الدِّرْهَمَانِ فَيَأْخُذُ الْعَشَرَةَ بِتَمَامِهَا أَوْ لَا يُمَكَّنُ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ الثَّمَانِيَةَ الَّتِي دَفَعَهَا وَيَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي الدِّرْهَمَانِ؟ وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ لِبُعْدِ التُّهْمَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ قِنْطَارَيْنِ] : أَيْ فَلَا فَرْقَ فِي الْمِثْلِيِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ رِبَوِيًّا كَإِرْدَبِّ قَمْحٍ أَوْ غَيْرِهِ كَقِنْطَارَيْنِ.

(مَا عُجِّلَ فِيهِ الْأَقَلُّ) بِأَنْ اشْتَرَاهُ بِثَمَانِيَةٍ نَقْدًا أَوْ لِأَجَلٍ أَقْرَبَ أَوْ اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا بَاعَ بِهِ لِأَبْعَدَ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ غَابَ مُشْتَرِيهِ) : أَيْ مُشْتَرِي الْمِثْلِيِّ الْأَوَّلِ (بِهِ) غَيْبَةً يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ (مُنِعَ أَيْضًا) : صُورَتَانِ بَقِيَّةُ صُوَرِ الْأَقَلِّ وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَاهُ (بِأَقَلَّ) مِمَّا بَاعَ بِهِ (لِأَجَلِهِ أَوْ لِأَبْعَدَ) : لِأَنَّ الْغَيْبَةَ عَلَى الْمِثْلِيِّ تُعَدُّ سَلَفًا لِكَوْنِهِ لَا يُعْلَمُ بِعَيْنِهِ فَكَأَنَّهُ تَسَلَّفَ وَرَدَّهُ لِرَبِّهِ وَأَعْطَاهُ عِنْدَ الْأَجَلِ دِرْهَمَيْنِ فِي نَظِيرِ تَسَلُّفِهِ وَالثَّمَانِيَةُ فِي نَظِيرِ الثَّمَانِيَةِ. فَعُلِمَ أَنَّهُ إذَا بَاعَ مِثْلِيًّا وَغَابَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ يَمْتَنِعُ خَمْسُ صُوَرٍ: أَرْبَعٌ صُوَرُ الْأَقَلِّ، وَمَا إذَا اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ لِأَبْعَدَ. (وَ) أَمَّا (إنْ بَاعَ مُقَوَّمًا) كَثَوْبٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ أَرْضٍ وَاشْتَرَى مِثْلَهُ (فَمِثْلُهُ كَغَيْرِهِ) فَتَجُوزُ الصُّوَرُ كُلُّهَا. (كَتَغَيُّرِهَا) : أَيْ السِّلْعَةِ الَّتِي بَاعَهَا تَغَيُّرًا (كَثِيرًا) عِنْدَ مُشْتَرِيهَا مِنْهُ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بَائِعُهَا مِنْهُ فَتَجُوزُ الصُّوَرُ كُلُّهَا. وَكُلُّ مَا تَقَدَّمَ إذَا اشْتَرَى كُلَّ مَا بَاعَ. (وَإِنْ اشْتَرَى بَعْضَ مَا بَاعَ) كَمَا لَوْ بَاعَ ثَوْبَيْنِ بِعِشْرِينَ لِشَهْرٍ فَاشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِثَمَنٍ (لِأَبْعَدَ) مِنْ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ (مُطْلَقًا) بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (أَوْ بِأَقَلَّ) مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ (نَقْدًا، أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ، امْتَنَعَ) فِي الْخَمْسِ صُوَرٍ؛ لِمَا فِي الْمُسَاوِي وَالْأَكْثَرِ مِنْ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا، وَلِمَا فِي الْأَقَلِّ نَقْدًا أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ أَوْ لِأَبْعَدَ. مِنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ. وَإِذَا اشْتَرَاهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ بِأَكْثَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْغَيْبَةَ عَلَى الْمِثْلِيِّ تُعَدُّ سَلَفًا] : أَيْ وَالْمُسَلَّفُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ الْمَمْنُوعَةِ الْمُشْتَرِي إلَّا فِيمَا اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ لِأَبْعَدَ فَإِنَّ الْمُسَلَّفَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ يَدْفَعُ ثَمَانِيَةً مَثَلًا عَنْ الْأَجَلِ يَأْخُذُ بَعْدَ شَهْرٍ عَشْرَةً. (3) قَوْلُهُ: [لِمَا فِي الْمُسَاوِي وَالْأَكْثَرُ مِنْ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا] : أَيْ وَالْمُسَلَّفُ فِيهِمَا هُوَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ، فَالسِّلْعَةُ الَّتِي رَجَعَتْ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ كَأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ وَصَارَ الثَّمَنُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ سَلَفًا يَأْخُذُ عَنْهُ بَعْدَ شَهْرٍ مِثْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَقَدْ انْتَفَعَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ بِالسِّلْعَةِ الَّتِي بَقِيَتْ عِنْدَهُ فِيمَا إذَا عَادَ إلَيْهِ مِثْلُ دَرَاهِمِهِ، أَوْ بِهَا وَبِالزِّيَادَةِ إنْ عَادَ إلَيْهِ أَكْثَرُ: قَوْلُهُ: [مِنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ] : أَمَّا إذَا كَانَ الشِّرَاءُ نَقْدًا أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ،

مِنْهُ نَقْدًا فِيهِمَا أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ جَازَ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ كَصُوَرِ الْأَجَلِ الثَّلَاثَةِ فَالْجَوَازُ فِي سَبْعٍ. (وَصَحَّ أَوَّلُ مِنْ بُيُوعِ الْآجَالِ فَقَطْ) وَلَزِمَ بِالثَّمَنِ لِأَجَلِهِ وَفُسِخَ الثَّانِي إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً عِنْدَ بَائِعِهَا الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي، فَإِنْ فَاتَتْ بِيَدِهِ أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (إلَّا أَنْ يَفُوتَ) الْبَيْعُ (الثَّانِي بِيَدِ) الْمُشْتَرِي (الثَّانِي) وَهُوَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ (فَيُفْسَخَانِ) مَعًا لِسَرَيَانِ الْفَسَادِ لِلْأَوَّلِ بِالْفَوَاتِ وَحِينَئِذٍ (فَلَا مُطَالَبَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ) لِأَنَّ الْمَبِيعَ رَجَعَ لِبَائِعِهِ فَضَمَانُهُ مِنْهُ. وَسَقَطَ عَنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لِرُجُوعِ السِّلْعَةِ لِرَبِّهَا وَسَقَطَ الثَّمَنُ الثَّانِي عَنْ الثَّانِي لِفَسَادِ الْبَيْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلِأَنَّ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ يَدْفَعُ عَشَرَةً سَلَفًا لِلْمُشْتَرِي فَإِذَا جَاءَ الْأَجَلُ رَدَّ إلَيْهِ عِشْرِينَ عَشَرَةٌ فِي نَظِيرِ الْعَشَرَةِ الَّتِي أَخَذَهَا وَهِيَ سَلَفٌ وَعَشَرَةٌ ثَمَنُ الثَّوْبِ، وَأَمَّا فِي الْأَبْعَدِ فَلِأَنَّهُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ يَدْفَعُ لِلْبَائِعِ عِشْرِينَ عَشَرَةٌ ثَمَنُ الثَّوْبِ وَعَشَرَةٌ سَلَفًا، فَإِذَا جَاءَ الْأَجَلُ الثَّانِي دَفَعَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ عَشَرَةً بَدَلَ الْعَشَرَةِ الَّتِي أَخَذَهَا سَلَفًا. قَوْلُهُ: [فَالْجَوَازُ فِي سَبْعٍ] : هِيَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ نَقْدًا أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ أَوْ بِأَكْثَرَ نَقْدًا أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ وَبِمِثْلٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لِلْأَجَلِ وَجَوَازُهَا لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ الْمَنْعِ. قَوْلُهُ: [وَصَحَّ أَوَّلُ] : بِغَيْرِ تَنْوِينٍ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى أَسْبَقَ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ لِلْوَصْفِيَّةِ وَوَزْنِ الْفِعْلِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ صِحَّةِ الْأَوَّلِ فَقَطْ هُوَ الْأَصَحُّ. وَخَالَفَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فَقَالَ: يُفْسَخَانِ مَعًا، وَهَذَا الْخِلَافُ عِنْدَ قِيَامِ السِّلْعَةِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَفُوتَ] : أَيْ بِمُفَوِّتَاتِ الْفَاسِدِ. وَظَاهِرُهُ: أَيُّ مُفَوِّتٍ كَانَ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ. وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ: أَنَّهُ لَا يَفُوتُ هُنَا إلَّا الْعُيُوبُ الْمُفْسِدَةُ. وَنَصُّ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ: وَاخْتُلِفَ بِمَا تَفُوتُ بِهِ السِّلَعُ فَقِيلَ: إنَّهَا تَفُوتُ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ وَهُوَ مَذْهَبُ سَحْنُونَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَفُوتُ إلَّا بِالْعُيُوبِ الْمُفْسِدَةِ إذْ لَيْسَ هُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ وَلَا مُثَمَّنٌ وَإِنَّمَا فَسْخٌ لِأَنَّهُمَا تَطَرَّقَا بِهِ إلَى اسْتِبَاحَةِ الرِّبَا كَذَا فِي (بْن) .

[فصل في حكم بيع العينة]

وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا؛ سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَةُ السِّلْعَةِ فِي الْبَيْعِ الثَّانِي قَدْرَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ: إنَّمَا يُفْسَخُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا يُفْسَخُ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ غَيْرُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ فَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ: خِلَافٌ. [فَصَلِّ فِي حُكْم بَيْع العينة] [تَعْرِيف العينة] - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ] : أَيْ لِأَنَّنَا لَوْ لَمْ نَفْسَخْ الْأَوَّلَ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ دَفْعُ الْقِيمَةِ مُعَجَّلًا وَهِيَ أَقَلُّ وَيَأْخُذُ عَنْهَا عِنْدَ الْأَجَلِ أَكْثَرَ وَهُوَ عَيْنُ الْفَسَادِ الَّذِي مَنَعْنَا مِنْهُ ابْتِدَاءً، بِخِلَافِ مَا إذَا فَاتَ وَكَانَتْ الْقِيمَةُ مُسَاوِيَةً لِلثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، فَإِنَّا - إذَا فَسَخْنَا الثَّانِيَةَ وَدَفَعْنَا الْقِيمَةَ عَشَرَةً أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ وَبَقِيَتْ الْأُولَى عَلَى حَالِهَا - فَلَا مَحْظُورَ فِيهِ لِأَنَّنَا نَدْفَعُ عَشَرَةً أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ وَنَأْخُذُ عَشَرَةً عَلَى كُلِّ حَالٍّ.

فَصْلٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ بَيْعِ الْعِينَةِ وَمَسَائِلِهِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ وَأَصْلُ الْعِينَةِ: عِوْنَةٌ، وَقَعَتْ الْوَاوُ سَاكِنَةً بَعْدَ كَسْرَةٍ فَقُلِبَتْ يَاءً: مِنْ الْعَوْنِ، كَأَنَّ الْبَائِعَ أَعَانَ الْمُشْتَرِيَ بِتَحْصِيلِ مُرَادِهِ. قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: وَهِيَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك - ابْنُ عَرَفَةَ: مُقْتَضَى الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ أَخَصُّ مِمَّا ذُكِرَ. وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ الْبَيْعُ الْمُتَحَيَّلُ بِهِ عَلَى دَفْعِ عَيْنٍ فِي أَكْثَرَ مِنْهَا (اهـ) . وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ أَعَمُّ مِمَّا ذَكَرَهُ، لِأَنَّ الثَّمَنَيْنِ: إمَّا أَنْ يَتَسَاوَيَا، أَوْ يَكُونَ الثَّانِي أَكْثَرَ، أَوْ أَقَلَّ. وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَكُونَا حَالَّيْنِ، أَوْ مُؤَجَّلَيْنِ أَوْ الْأَوَّلُ حَالًّا وَالثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ: وَجْهُ مُنَاسَبَتِهِ لِبُيُوعِ الْآجَالِ وُجُودُ التَّحَيُّلِ فِي كُلٍّ حَيْثُ يَدْفَعُ قَلِيلًا يَأْخُذُ كَثِيرًا. قَوْلُهُ: [كَأَنَّ الْبَائِعَ] إلَخْ: أَرَادَ بِالْبَائِعِ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ سِلْعَةٌ وَبِالْمُشْتَرِي الطَّالِبَ لَهَا وَحِينَئِذٍ فَتَسْمِيَتُهُ بَائِعًا بِاعْتِبَارِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ طُلِبَتْ مِنْهُ السِّلْعَةُ لَمْ يَكُنْ بَائِعًا بَلْ مَطْلُوبٌ مِنْهُ فَقَطْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا سُمِّيَتْ عِينَةً لِإِعَانَةِ أَهْلِهَا لِلْمُضْطَرِّ عَلَى تَحْصِيلِ مَطْلُوبِهِ عَلَى وَجْهِ التَّحْلِيلِ لِدَفْعِ قَلِيلٍ فِي كَثِيرٍ. قَوْلُهُ: [أَعَانَ الْمُشْتَرِيَ] : أَيْ عَلَى تَحْصِيلِ مَطْلُوبِهِ. وَقَوْلُهُ: [بِتَحْصِيلِ مُرَادِهِ] : الْبَاءُ لِلتَّعْلِيلِ. وَمُرَادُهُ: هُوَ الرِّبْحُ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ مِنْ التَّوَسُّطِ. قَوْلُهُ: [مَا لَيْسَ عِنْدَك] : أَيْ حِينَ الطَّلَبِ لَا حِينَ الْبَيْعِ وَإِلَّا فَفِي وَقْتِ الْبَيْعِ تَكُونُ عِنْدَهُ. قَوْلُهُ: [أَخَصُّ مِمَّا ذُكِرَ] : أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك عَامٌّ يَشْمَلُ الْبَيْعَ بِنَمَاءٍ وَغَيْرِ نَمَاءٍ مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى الرِّوَايَاتِ التَّخْصِيصُ وَهُوَ كَوْنُهُ بِنَمَاءٍ فَلِذَلِكَ قَالَ: وَالصَّوَابُ إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ أَعَمُّ مِمَّا ذَكَرَهُ] : أَيْ لِأَنَّ مَوْضِعَ بَيْعِ الْعِينَةِ شَامِلٌ لِلْأَرْبَعَةِ

مُؤَجَّلًا، أَوْ عَكْسَهُ. وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَقُولَ اشْتَرِ لِي أَوْ لَا يَقُولُ لِي فَحَاصِلُهَا أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً وَلِذَا عَرَّفَهُ بِقَوْلِهِ: (الْعِينَةُ - وَهِيَ: بَيْعُ مَنْ طُلِبَتْ مِنْهُ سِلْعَةٌ) لِلشِّرَاءِ (وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ) : أَيْ الْبَائِعِ (لِطَالِبِهَا) : الْمُشْتَرِي مُتَعَلِّقٌ بِبَيْعٍ (بَعْدَ شِرَائِهَا) لِنَفْسِهِ مِنْ آخَرَ: (جَائِزَةٌ) بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى، فَأَهْلُ الْعِينَةِ قَوْمٌ نَصَبُوا أَنْفُسَهُمْ لِطَلَبِ شِرَاءِ السِّلَعِ مِنْهُمْ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُمْ فَيَذْهَبُونَ إلَى التُّجَّارِ لِيَشْتَرُوهَا بِثَمَنٍ لِيَبِيعُوهَا لِلطَّالِبِ وَسَوَاءٌ بَاعَهَا لِطَالِبِهَا بِثَمَنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ أَوْ بَعْضُهُ حَالٌّ وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلٌ وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ: وَلَوْ بِمُؤَجَّلٍ بَعْضُهُ. وَاسْتُثْنِيَ مِنْ الْجَوَازِ قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَقُولَ) الطَّالِبُ: (اشْتَرِهَا بِعَشْرَةٍ نَقْدًا وَ) أَنَا (آخُذُهَا) مِنْك (بِاثْنَيْ عَشَرَ لِأَجَلٍ) فَيُمْنَعُ لِمَا فِيهِ مِنْ تُهْمَةِ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ سَلَّفَهُ عَشْرَةً ثَمَنَ السِّلْعَةِ يَأْخُذُ عَنْهَا بَعْدَ الْأَجَلِ اثْنَيْ عَشَرَ. ثُمَّ تَارَةً يَقُولُ الطَّالِبُ: خُذْهَا لِي وَتَارَةً لَا يَقُولُ: لِي، وَإِلَيْهِمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَزِمَتْ) السِّلْعَةُ (الطَّالِبَ) بِالْعَشَرَةِ نَقْدًا (إنْ قَالَ) لِلْمَطْلُوبِ مِنْهُ اشْتَرِهَا: (لِي) بِعَشْرَةٍ إلَخْ وَلِلْمَطْلُوبِ مِنْهُ الْأَقَلُّ مِنْ جُعْلِ مِثْلِهِ وَمِنْ الرِّبْحِ. (وَفُسِخَ) الْبَيْعُ (الثَّانِي) وَهُوَ الِاثْنَيْ عَشَرَ لِأَجَلٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعِشْرِينَ صُورَةً كَمَا بَيَّنَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [فَحَاصِلُهَا أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ] : مِنْهَا السِّتَّةُ الْمَمْنُوعَةُ الَّتِي يَسْتَثْنِيهَا الْمُصَنِّفُ وَالْبَاقِي ثَمَانِي عَشْرَةَ لَا مَنْعَ فِيهَا. قَوْلُهُ: [وَلِذَا عَرَّفَهُ بِقَوْلِهِ] : أَيْ لِأَجْلِ الْعُمُومِ الشَّامِلِ لِجَمِيعِ الصُّوَرِ، فَشَارِحُنَا مُنْتَصِرٌ لِأَبِي عِمْرَانَ. قَوْلُهُ: [بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى] : أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحَيُّلِ عَلَى دَفْعِ قَلِيلٍ يَعُودُ عَلَيْهِ كَثِيرٌ. قَوْلُهُ: [لِيَبِيعُوهَا لِلطَّالِبِ] : أَيْ بَعْدَ الشِّرَاءِ. قَوْلُهُ: [وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ] : أَيْ فَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي بَيْعِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ بَعْضُهُ وَبَعْضُهُ مُعَجَّلٌ، وَأَمَّا تَعْجِيلُ كُلٍّ أَوْ تَأْجِيلُهُ مُتَّفَقٌ عَلَى جَوَازِهِ. قَوْلُهُ: [فَيُمْنَعُ] : أَيْ وَالْفَسْخُ وَعَدَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ سَيُفَصِّلُهُ.

(فَإِنْ لَمْ يَقُلْ: لِي) - فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ - (مَضَى) الثَّانِي بِالِاثْنَيْ عَشَرَ لِلْأَجَلِ (عَلَى الْأَرْجَحِ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ، لِبُعْدِ تُهْمَةِ السَّلَفِ بِمَنْفَعَةٍ. (وَلَزِمَهُ الِاثْنَا عَشَرَ لِلْأَجَلِ) . وَالْقَوْلُ الثَّانِي: الْفَسْخُ إلَّا أَنْ تَفُوتَ السِّلْعَةُ بِيَدِهِ فَالْقِيمَةُ. وَعُطِفَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ قَبْلَهُ قَوْلُهُ: (وَإِلَّا أَنْ يَقُولَ: اشْتَرِهَا لِي بِعَشْرَةٍ نَقْدًا وَآخُذُهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ نَقْدًا) فَيُمْنَعُ (إنْ شَرَطَ الطَّالِبُ النَّقْدَ عَلَى الْمَأْمُورِ) بِأَنْ قَالَ لَهُ: اشْتَرِهَا لِي بِعَشْرَةٍ بِشَرْطِ أَنْ تَنْقُدَهَا عَنِّي، وَأَنَا أَشْتَرِيهَا مِنْك بِاثْنَيْ عَشَرَ نَقْدًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَدْ جَعَلَ لَهُ دِرْهَمَيْنِ فِي نَظِيرِ سَلَفِهِ وَتَوْلِيَتِهِ الشِّرَاءَ فَهُوَ سَلَفٌ وَإِجَارَةٌ بِشَرْطٍ. (وَلَزِمَتْهُ) : أَيْ لَزِمَتْ السِّلْعَةُ الطَّالِبَ (بِالْعَشَرَةِ، وَلَهُ) أَيْ لِلْمَأْمُورِ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ (الْأَقَلُّ مِنْ جُعْلِ مِثْلِهِ أَوْ الدِّرْهَمَيْنِ فِيهِمَا) : أَيْ فِي هَذِهِ، وَفِي أَوَّلِ قِسْمَيْ الَّتِي قَبْلَهَا وَهِيَ قَوْلُهُ: اشْتَرِهَا لِي بِعَشْرَةٍ نَقْدًا وَآخُذُهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ لِأَجَلٍ. (وَجَازَ) النَّقْدُ (بِغَيْرِهِ) : أَيْ بِغَيْرِ شَرْطٍ مِنْ الطَّالِبِ بَلْ تَطَوُّعًا (وَلَهُ الدِّرْهَمَانِ) وَهَذَا مِمَّا زِدْنَاهُ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِي] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقُلْ لِي وَالْفَرْضُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِشِرَائِهَا بِعَشْرَةٍ وَاتَّفَقَ مَعَهُ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِاثْنَيْ عَشَرَ لِأَجَلٍ وَوَقَعَ ذَلِكَ، فَقِيلَ: يُفْسَخُ الْبَيْعُ الثَّانِي وَهُوَ أَخْذُ الْآمِرِ لَهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ لِأَجَلٍ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً بِيَدِ الْآمِرِ رُدَّتْ لِلْمَأْمُورِ بِعَيْنِهَا وَإِنْ فَاتَتْ فِي يَدِ الْآمِرِ بِمُفَوِّتِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ رَدَّ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْقَبْضِ حَالَّةً بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَقِيلَ: إنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ يَمْضِي عَلَى الْآمِرِ بِاثْنَيْ عَشَرَ لِلْأَجَلِ وَلَا يُفْسَخُ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً أَوْ فَائِتَةً. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْفَسْخِ وَلُزُومِ الْقِيمَةِ عِنْدَ الْفَوَاتِ يُشْكِلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِي فَسَادِهِ يَمْضِي إذَا فَاتَ بِالثَّمَنِ، وَهَذَا مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ أَكْثَرِيٌّ. قَوْلُهُ: [أَوْ الدِّرْهَمَيْنِ] : الْأَوْلَى وَالدِّرْهَمَيْنِ لِأَنَّ الْأَقَلَّ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ.

(كَنَقْدِ الْآمِرِ) فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِأَنْ قَالَ لَهُ: اشْتَرِهَا لِي بِعَشْرَةٍ نَقْدًا - وَنَقَدَهَا لَهُ - وَأَنَا آخُذُهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ نَقْدًا وَلَهُ الدِّرْهَمَانِ لِأَنَّهُمَا أُجْرَةٌ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: لِي) فِي هَذَا الْفَرْضِ، وَهُوَ مَا إذَا نَقَدَ الْآمِرَ (كُرِهَ) وَقِيلَ: يَجُوزُ أَيْضًا وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ. ثُمَّ شَبَّهَ فِي الْكَرَاهَةِ قَوْلَهُ: (كَخُذْ) : أَيْ كَقَوْلِ بَائِعٍ لِمُشْتَرٍ: خُذْ مِنِّي (بِمِائَةٍ مَا) أَيْ سِلْعَةٍ (بِثَمَانِينَ) قِيمَةً؛ لِمَا فِيهِ مِنْ رَائِحَةِ الرِّبَا وَلَا سِيَّمَا إذَا قَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي: سَلِّفْنِي ثَمَانِينَ وَأَرُدُّ لَك عَنْهَا مِائَةً فَقَالَ الْمَأْمُورُ: هَذَا رِبًا، بَلْ خُذْ مِنِّي بِمِائَةٍ إلَخْ. (أَوْ) قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ (اشْتَرِهَا وَ) أَنَا (أُرْبِحْكَ) وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ قَدْرَ الرِّبْحِ، فَإِنَّهُ يُكْرَهُ. فَإِنْ عَيَّنَهُ مُنِعَ. (وَإِلَّا) عَطْفٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَقَدِّمِ (أَنْ يَقُولَ: اشْتَرِهَا لِي بِعَشْرَةٍ لِأَجَلٍ وَ) وَأَنَا اشْتَرِيهَا مِنْك (بِثَمَانِيَةٍ نَقْدًا) ، فَيُمْنَعُ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّلَفِ بِزِيَادَةٍ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَنَقْدِ الْآمِرِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ بِشَرْطٍ اشْتَرَطَهُ عَلَيْهِ الْمَأْمُورُ كَمَا فِي (عب) . قَوْلُهُ: [وَهُوَ مَا إذَا نَقَدَ الْآمِرُ] : صَوَابُهُ وَهُوَ مَا إذَا شَرَطَ الطَّالِبُ النَّقْدَ عَلَى الْمَأْمُورِ لِأَنَّ هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ، وَإِلَّا أَنْ يَقُولَ: اشْتَرِهَا لِي بِعَشْرٍ نَقْدًا إلَخْ. قَوْلُهُ: [كُرِهَ] : هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ. قَوْلُهُ: [كَخُذْ] : أَيْ وَلَا فَرْقَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ كَوْنِ الْفَاعِلِ لِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ فَهِيَ مَسْأَلَةٌ عَامَّةٌ. قَوْلُهُ: [بَلْ خُذْ مِنِّي بِمِائَةٍ] : أَيْ وَمَا لَوْ أَعْطَى رَبُّ الْمَالِ لِمُرِيدِ التَّسَلُّفِ مِنْهُ بِالرِّبَا ثَمَانِينَ لِيَشْتَرِيَ بِهَا سِلْعَةً عَلَى مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ ثُمَّ يَبِيعُهَا لَهُ بِمِائَةٍ لِأَجَلٍ فَهُوَ حَرَامٌ لَا مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ السِّلْعَةُ كَانَ الْمَقْصُودُ بِشِرَائِهَا وَلَوْ عَلَى وَجْهِ الْوَكَالَةِ صُورَةً إنَّمَا هُوَ دَفْعُ قَلِيلٍ لِيَأْخُذَ مِنْهُ أَكْثَرَ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ قَدْرَ الرِّبْحِ] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ عَيَّنَ لَهُ قَدْرَ الرِّبْحِ حَرُمَ. وَأَمَّا إنْ سَمَّى رِبْحًا وَلَمْ يُعَيَّنْ قَدْرَهُ كُرِهَ، وَأَمَّا إنْ أَوْمَأَ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِلَفْظِهِ نَحْوُ وَلَا يَكُونُ إلَّا خَيْرًا فَجَائِزٌ.

سَلَّفَهُ الثَّمَانِيَةَ الْمَنْقُودَةَ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَهَا لَهُ بِعَشْرَةٍ، كَذَا قِيلَ، وَلَا وَجْهَ لَهُ. وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ: أَنَّ وَجْهَ الْمَنْعِ أَنَّ الْآمِرَ اسْتَأْجَرَ الْمَأْمُورَ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ السِّلْعَةَ بِسَلَفِهِ الثَّمَانِيَةَ يَنْقُدُهَا لَهُ يَنْتَفِعُ بِهَا إلَى الْأَجَلِ ثُمَّ يَرُدُّهَا لَهُ، أَيْ وَالْآمِرُ يَدْفَعُ لَهُ الْعَشَرَةَ عِنْدَ الْأَجَلِ لِلْبَائِعِ الْأَصْلِيِّ (اهـ) وَهَذَا بَعِيدٌ أَيْضًا لَا يَقْتَضِي الْحُرْمَةَ فَتَأَمَّلْ. (وَتَلْزَمُ) السِّلْعَةُ الْآمِرَ (بِمَا أَمَرَ) وَهُوَ الْعَشَرَةُ لِأَجَلِهَا (وَلَا يُعَجَّلُ لَهُ الْأَقَلُّ) وَهُوَ الثَّمَانِيَةُ فِي الْمِثَالِ. (فَإِنْ عَجَّلَ) الْأَقَلَّ لِلْمَأْمُورِ (رُدَّ) لِلْآمِرِ. (وَلَهُ) : أَيْ لِلْمَأْمُورِ (جُعْلُ مِثْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: لِي) . وَهَذَا ثَانِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ تَمَامُ السِّتَّةِ الْأَقْسَامِ الْمَمْنُوعَةِ (فُسِخَ) الْبَيْعُ (الثَّانِي) فَتُرَدُّ السِّلْعَةُ لِلْمَأْمُورِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً، (فَإِنْ فَاتَتْ فَالْقِيمَةُ) عَلَى الْآمِرِ يَوْمَ قَبَضَهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. وَالثَّانِي: لَا يُفْسَخُ بَلْ يَمْضِي بِالثَّمَانِيَةِ نَقْدًا وَعَلَى الْمَأْمُورِ الْعَشَرَةُ لِلْأَجَلِ لِرَبِّ السِّلْعَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَذَا قِيلَ] : هَذَا الْقَوْلُ لِ (تت) وَالشَّيْخِ سَالِمٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا وَجْهَ لَهُ] : قَدْ يُقَالُ: وَجْهُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ عُجِّلَتْ لَهُ الثَّمَانِيَةُ فِي نَظِيرِ تَوْلِيَتِهِ الشِّرَاءَ وَزِيَادَتِهِ لِلدِّرْهَمَيْنِ وَتَحَمُّلِ الثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ لِلْأَجَلِ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا بَعِيدٌ أَيْضًا لَا يَقْتَضِي الْحُرْمَةَ] : أَمَّا بَعْدَهُ مِنْ كَلَامِ الْمَتْنِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا يَقْتَضِي الْحُرْمَةَ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ مَتَى كَانَ التَّصْوِيرُ هَكَذَا كَانَتْ حُرْمَتُهُ ظَاهِرَةً لِأَنَّ دَفْعَ الثَّمَانِيَةِ وَرُجُوعَهَا إلَيْهِ سَلَفٌ جَرَّ لَهُ نَفْعًا وَهُوَ تَوْلِيَةُ الْمَأْمُورِ الشِّرَاءَ لَهُ فَتَأَمَّلْ مُنْصِفًا. قَوْلُهُ: [رُدَّ لِلْآمِرِ] : أَيْ لِأَنَّ بَقَاءَهُ رِبًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: [جُعِلَ مِثْلُهُ] : أَيْ فِي نَظِيرِ تَوْلِيَتِهِ الشِّرَاءَ. قَوْلُهُ: [السِّتَّةِ الْأَقْسَامِ الْمَمْنُوعَةِ] : مُرَادُهُ بِالْمَنْعِ مَا يَشْمَلُ الْكَرَاهَةَ فَإِنَّ الْقِسْمَ الرَّابِعَ مَكْرُوهٌ. قَوْلُهُ: [فُسِخَ الْبَيْعُ الثَّانِي] : أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: وَأَنَا اشْتَرِيهَا مِنْك بِثَمَانِيَةٍ. قَوْلُهُ: [بَلْ يَمْضِي بِالثَّمَانِيَةِ نَقْدًا] : أَيْ عِنْدَ الْفَوَاتِ فَيَتَّفِقُ الْقَوْلَانِ عَلَى رَدِّهَا إذَا لَمْ تَفُتْ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ عِنْدَ الْفَوَاتِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: تَفُوتُ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْآمَنِ يَوْمَ قَبَضَهَا، وَعَلَى الثَّانِي نَمْضِي بِالثَّمَانِيَةِ نَقْدًا كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ فَتَأَمَّلْ.

[فصل في الخيار وأقسامه وأحكامه]

فَصْلٌ فِي الْخِيَارِ وَأَقْسَامِهِ وَأَحْكَامِهِ (الْخِيَارُ قِسْمَانِ: تَرَوٍّ وَنَقِيصَةٌ) . أَيْ خِيَارُ تَرَوٍّ: أَيْ نَظَرٍ وَتَأَمُّلٍ فِي إبْرَامِ الْبَيْعِ وَعَدَمِهِ، وَخِيَارُ نَقِيصَةٍ: وَهُوَ مَا كَانَ مُوجِبُهُ وُجُودُ نَقْصٍ فِي الْمَبِيعِ مِنْ عَيْبٍ أَوْ اسْتِحْقَاقٍ. (فَالْأَوَّلُ) أَيْ خِيَارُ التَّرَوِّي (بَيْعٌ وُقِفَ بَتُّهُ) : أَيْ لُزُومُهُ (عَلَى إمْضَاءٍ) مِمَّنْ لَهُ الْخِيَارُ مِنْ مُشْتَرٍ أَوْ بَائِعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (يُتَوَقَّعُ) فِي الْمُسْتَقْبَلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْخِيَارِ وَأَقْسَامِهِ وَأَحْكَامِهِ] [خِيَارُ التَّرَوِّي] فَصْلٌ: لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى أَرْكَانِ الْبَيْعِ وَشُرُوطِهِ وَمَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ صِحَّةٍ وَفَسَادٍ وَكَانَ مِنْ أَسْبَابِ فَسَادِهِ الْغَرَرُ وَكَانَ بَيْعُ الْخِيَارِ مُسْتَثْنًى مِنْ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رُخْصَةٌ - كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، الْمَازِرِيُّ: فِي كَوْنِهِ رُخْصَةً لِاسْتِثْنَائِهِ مِنْ الْغَرَرِ وَحَجْرِ الْمَبِيعِ خِلَافٌ (اهـ) أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَمُرَادُهُ بِالْخِيَارِ: حَقِيقَتُهُ. وَقَوْلُهُ: [وَأَقْسَامِهِ] : مُرَادُهُ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ قِسْمَانِ فَقَطْ وَمُرَادُهُ بِالْأَحْكَامِ مَسَائِلُهُ. قَوْلُهُ: [قِسْمَانِ] : أَيْ وَلَيْسَ لَنَا قِسْمٌ ثَالِثٌ، خِلَافٌ لِلشَّافِعِيَّةِ فَإِنَّهُمْ أَجَازُوا خِيَارَ الْمَجْلِسِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [أَيْ خِيَارُ تَرَوٍّ] : أَيْ وَيُقَالُ لَهُ خِيَارٌ شَرْطِيٌّ، وَهُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ لَهُ لَفْظُ الْخِيَارِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. قَوْلُهُ: [وُقِفَ بَتُّهُ] : الْبَتُّ الْقَطْعُ، لِقَطْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا خِيَارَ صَاحِبِهِ. وَقَوْلُهُ " وُقِفَ بَتُّهُ " أَيْ ابْتِدَاءً خَرَجَ بِهِ الْخِيَارُ الْحُكْمِيُّ. فَإِنَّ بَتَّهُ لَيْسَ مَوْقُوفًا مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ بَلْ عِنْدَ ظُهُورِ الْعَيْبِ السَّابِقِ؛ فَالْفَرْقُ بَيْنَ خِيَارِ التَّرَوِّي أَنَّ مُوجِبَ الْخِيَارِ إمَّا مُصَاحِبٌ لِلْعَقْدِ أَوْ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ التَّرَوِّي، وَالثَّانِي النَّقِيصَةُ وَهُوَ الْخِيَارُ الْحُكْمِيُّ لِأَنَّهُ بِعَيْبٍ سَابِقٍ عَلَى الْعَقْدِ.

(وَإِنَّمَا يَكُونُ) أَيْ يُوجَدُ وَيَحْصُلُ (بِشَرْطٍ) مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَلَا يَكُونُ بِالْمَجْلِسِ. (وَجَازَ) الْخِيَارُ (وَلَوْ) كَانَ (لِغَيْرِ الْمُتَبَايِعَيْنِ) . (وَالْكَلَامُ) فِي إمْضَاءِ الْبَيْعِ وَعَدَمِهِ (لَهُ) : أَيْ لِمَنْ جُعِلَ لَهُ الْخِيَارُ (دُونَ غَيْرِهِ) مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ: (كَأَنْ عَلَّقَ الْبَيْعَ عَلَى رِضَاهُ) : أَيْ رِضَا الْغَيْرِ، فَإِنَّ الْكَلَامَ لِمَنْ عَلَّقَ الْإِمْضَاءَ عَلَى رِضَاهُ كَبِعْتُهُ لَك، أَوْ: اشْتَرَيْته مِنْك بِكَذَا إنْ رَضِيَ فُلَانٌ. (بِخِلَافِ الْمَشُورَةِ) كَ: بِعْته أَوْ: اشْتَرَيْته بِكَذَا عَلَى مَشُورَةِ فُلَانٍ (فَلِمَنْ عَلَّقَ) الْمَبِيعَ (عَلَيْهَا) : أَيْ عَلَى الْمَشُورَة مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ (الِاسْتِبْدَادُ) بِالْإِمْضَاءِ أَوْ الرَّدِّ لِلْبَيْعِ دُونَ مَنْ عَلَّقَ الْمَشُورَةَ عَلَيْهِ. وَالْفَرْقُ: أَنَّ مَنْ عَلَّقَ الْأَمْرَ عَلَى خِيَارِ غَيْرِهِ وَرِضَاهُ قَدْ أَعْرَضَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْمَرَّةِ، وَمَنْ عَلَّقَ عَلَى الْمَشُورَةِ لِغَيْرِهِ فَقَدْ جَعَلَ لِنَفْسِهِ مَا يُقَوِّي نَظَرَهُ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ، هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا يَكُونُ بِالْمَجْلِسِ] : أَيْ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ وَاشْتِرَاطُهُ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُدَّةِ الْمَجْهُولَةِ وَإِنْ وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيْعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» وَهَذَا الْحَدِيثُ - وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا - لَكِنَّ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ، لِأَنَّ عَمَلَهُمْ كَالتَّوَاتُرِ وَالتَّوَاتُرُ يُفِيدُ الْقَطْعَ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ خَبَرُ آحَادٍ وَهُوَ إنَّمَا يُفِيدُ الظَّنَّ. وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ أَشْهَبَ: أَنَّ الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ، وَبَعْضُهُمْ حَمَلَ التَّفَرُّقَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى تَفَرُّقِ الْأَقْوَالِ لَا عَلَى تَفَرُّقِ الْأَبَدَانِ الَّذِي هُوَ حَمْلُ الشَّافِعِيِّ - وَوَافَقَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَالسُّيُورِيُّ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ الصَّائِغُ. قَوْلُهُ: [هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ] : حَاصِلُهُ: أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً عَلَى خِيَارِ فُلَانٍ أَوْ رِضَاهُ أَوْ بَاعَهَا عَلَى خِيَارِهِ أَوْ رِضَاهُ فَفِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا اسْتِقْلَالَ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا فِي الْخِيَارِ وَالرِّضَا، وَالثَّانِي: لَهُ الِاسْتِقْلَالُ

[مدة خيار التروي]

وَلَمَّا كَانَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَبِيعِ بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ: (وَمُنْتَهَاهُ) : أَيْ مُنْتَهَى زَمَنِ الْخِيَارِ (فِي الْعَقَارِ) وَهُوَ الْأَرْضُ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ: (سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا. وَلَا يَسْكُنُ) : أَيْ لَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ أَنْ يَسْكُنَ الدَّارَ الْمُشْتَرَاةَ بِهِ إنْ كَثُرَتْ بِلَا أُجْرَةٍ، كَانَتْ السُّكْنَى لِاخْتِبَارِهَا أَمْ لَا، شُرِطَتْ أَمْ لَا. وَلَهُ اخْتِبَارُهَا بِغَيْرِ السُّكْنَى. (وَفَسَدَ الْبَيْعُ إنْ شَرَطَهَا) : أَيْ السُّكْنَى فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَيْعِ، إذْ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ إلَّا إذَا دَخَلَ فِي مِلْكِ مُشْتَرِيهِ. (وَجَازَتْ) السُّكْنَى فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ (بِأُجْرَةٍ مُطْلَقًا) كَانَتْ كَثِيرَةً أَوْ يَسِيرَةً لِاخْتِبَارِهَا أَوْ لِغَيْرِ اخْتِبَارِهَا، شَرَطَهَا أَمْ لَا (كَالْيَسِيرِ) الَّذِي لَا بَالَ لَهُ (لِاخْتِبَارِهَا) ، لَا لِغَيْرِهِ. فَإِنْ سَكَنَ الْكَثِيرَ أَوْ الْيَسِيرَ لِغَيْرِ اخْتِبَارِهَا بِلَا إذْنٍ فَهُوَ مُعْتَدٍ تَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ. فَتَحَصَّلَ أَنَّهُ إنْ سَكَنَ بِأُجْرَةٍ جَازَ مُطْلَقًا فِي الثَّمَانِ صُوَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا فِي الْخِيَارِ وَالرِّضَا، وَالثَّالِثُ: لَهُ الِاسْتِقْلَالُ فِي الرِّضَا بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا وَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ فِي الْخِيَارِ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا، وَالرَّابِعُ: لَهُ الِاسْتِقْلَالُ إنْ كَانَ بَائِعًا فِي الْخِيَارِ وَالرِّضَا وَإِنْ كَانَ مُشْتَرِيًا، فَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ فِي الْخِيَارِ وَالرِّضَا كَذَا فِي خَلِيلٍ وَشُرَّاحِهِ. [مُدَّة خِيَار التَّرَوِّي] قَوْلُهُ: [تَخْتَلِفُ] : أَيْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيَّةِ الْقَائِلِينَ: بِأَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ. قَوْلُهُ: [وَمُنْتَهَاهُ] إلَخْ: أَيْ إذَا شُرِطَ الْخِيَارُ فِيهِ فَإِنَّ مُدَّتَهُ لَا تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ وَسِتَّةِ أَيَّامٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ أَقَلَّ حَيْثُ عَيَّنَاهُ. ثُمَّ إنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ أَمَدَ الْخِيَارِ فِي الْعَقَارِ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ سَوَاءٌ كَانَ الِاخْتِبَارُ حَالَ الْمَبِيعِ أَوْ لِلتَّرَوِّي فِي الثَّمَنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ خَلِيلٍ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ إنَّهُ قَاصِرٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَأَنَّ الثَّانِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ التُّونُسِيِّ - وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا يَأْتِي فِي الرَّقِيقِ. قَوْلُهُ: [وَفَسَدَ الْبَيْعُ إنْ شَرَطَهَا] : الْفَسَادُ فِي ثَلَاثٍ مِنْ الصُّوَرِ الْمَمْنُوعَةِ، وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْإِسْكَانُ كَثِيرًا بِشَرْطٍ مِنْ غَيْرِ أُجْرَةٍ، كَانَ لِاخْتِبَارِ حَالِهَا أَمْ لَا،

بِشَرْطٍ وَبِغَيْرِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ لِلِاخْتِبَارِ أَوْ لِغَيْرِهِ. وَإِنْ سَكَنَ بِلَا أُجْرَةٍ مُنِعَ فِي الْكَثِيرِ فِي صُوَرِهِ الْأَرْبَعِ، وَفِي الْيَسِيرِ فِي صُورَتَيْ عَدَمِ الِاخْتِبَارِ وَجَازَ فِي صُورَتَيْ الِاخْتِبَارِ، فَالْمَمْنُوعُ سِتٌّ مِنْ سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً وَقَوْلُنَا: " وَفَسَدَ " إلَخْ مِمَّا زِدْنَاهُ عَلَيْهِ. (وَ) مُنْتَهَاهُ (فِي الرَّقِيقِ عَشْرَةٌ) لَا أَكْثَرُ (وَاسْتَخْدَمَهُ) جَوَازًا (الْيَسِيرَ) لَا الْكَثِيرَ فَلَا يَجُوزُ (كَالسُّكْنَى) فَيَجُوزُ الْيَسِيرُ الَّذِي لَا بَالَ لَهُ لِأَجْلِ اخْتِبَارِهِ لَا لِغَيْرِهِ، بِشَرْطٍ أَمْ لَا. وَالشَّرْطُ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ. وَجَازَ بِأُجْرَةٍ مُطْلَقًا؛ فَتَجْرِي فِيهِ السِّتَّ عَشْرَةَ صُورَةً الَّتِي فِي السُّكْنَى. وَكَذَا تَجْرِي فِي لُبْسِ الثَّوْبِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَاسْتِعْمَالِهَا. وَكَلَامُ الشَّيْخِ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ السُّكْنَى وَجَوَّزَ الِاسْتِخْدَامَ وَأَطْلَقَ فِيهِمَا. (وَ) مُنْتَهَاهُ (فِي الْعُرُوضِ) كَالثِّيَابِ (خَمْسَةٌ) مِنْ الْأَيَّامِ (كَالدَّوَابِّ) الَّتِي لَيْسَ شَأْنُهَا الرُّكُوبَ أَوْ شَأْنُهَا ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ الِاخْتِبَارُ لَهُ بَلْ لِنَحْوِ أَكْلِهَا وَرُخْصِهَا وَغَلَائِهَا. وَأَمَّا إنْ كَانَ لِخُصُوصِ رُكُوبِهَا فَإِمَّا فِي الْبَلَدِ أَوْ خَارِجِهَا، وَإِلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ كَانَ بِشَرْطٍ وَهُوَ يَسِيرٌ مِنْ غَيْرِ أُجْرَةٍ لِغَيْرِ اخْتِبَارٍ. قَوْلُهُ: [مِنْ سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً] : حَاصِلُهَا أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَسْكُنَ كَثِيرًا، أَوْ يَسِيرًا، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِشَرْطٍ، أَوْ بِغَيْرِهِ. وَفِي كُلٍّ: إمَّا لِاخْتِبَارِ حَالِهَا، أَمْ لَا. وَفِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّمَانِيَةِ: إمَّا بِأَجْرٍ، أَوْ بِغَيْرِهِ وَتَفَاصِيلُهَا مَعْلُومَةٌ مِنْ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [وَمُنْتَهَاهُ فِي الرَّقِيقِ عَشْرَةٌ] : فَلَوْ بِيعَتْ دَارٌ بِهَا رَقِيقٌ وَكُلٌّ بِالْخِيَارِ فَالظَّاهِرُ الْخِيَارُ إنْ قُصِدَ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا اُعْتُبِرَ أَمَدُ الْأَبْعَدِ مِنْهُمَا. وَإِنْ قُصِدَ بِهِ أَحَدُهُمَا اُعْتُبِرَ أَمَدُ الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ اُنْظُرْ (بْن) . قَوْلُهُ: [وَأَطْلِقَ فِيهِمَا] : أَيْ فِي الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ أَيْ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي اسْتِعْمَالِهِمَا لِجَوَازٍ وَلَا لِعَدَمِهِ. قَوْلُهُ: [الَّتِي لَيْسَ شَأْنُهَا الرُّكُوبَ] : أَيْ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَدَخَلَ فِيهَا الطَّيْرُ وَالْإِوَزُّ وَالدَّجَاجُ كَذَا قُرِّرَ. وَقَالَ اللَّقَانِيُّ: إنْ جَرَى عُرْفٌ فِيهَا بِشَيْءٍ عُمِلَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا خِيَارَ فِيهَا يَظْهَرُ - كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَكُنْ الِاخْتِبَارُ لَهُ] : أَيْ فَقَطْ بَلْ كَانَ لِنَحْوِ أَكْلِهَا أَوْ لِنَحْوِ

ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (إلَّا) إذَا اُشْتُرِطَ (رُكُوبُهَا بِالْبَلَدِ فَالْيَوْمَانِ) لَا أَكْثَرُ. (وَ) شَرْطُ رُكُوبِهَا خَارِجَهُ أَيْ الْبَلَدِ (الْبَرِيدَانِ) لَا أَكْثَرُ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ. وَقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: الْبَرِيدُ: وَهَلْ بَيْنَهُمَا خِلَافٌ - كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ - أَوْ وِفَاقٌ بِحَمْلِ الْبَرِيدَيْنِ عَلَى الذَّهَابِ مَعَ الْإِيَابِ؟ تَأْوِيلَانِ. هَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ: أَنَّ الدَّوَابَّ لَهَا الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامُ وَنَحْوُهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ تُرَادُ لِلرُّكُوبِ أَوْ غَيْرِهِ. وَإِنَّمَا الْيَوْمُ وَنَحْوُهُ وَالْبَرِيدُ وَنَحْوُهُ لِخُصُوصِ جَوَازِ الرُّكُوبِ. (وَصَحَّ) الْخِيَارُ وَجَازَ أَيْضًا لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِلْبَائِعِ أَوْ لِغَيْرِهِمَا (بَعْدَ بَتٍّ) لِلْبَيْعِ (إنْ نَقَدَ) الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ (وَإِلَّا) يَنْقُدُهُ (فَلَا) يَصِحُّ عَلَى الرَّاجِحِ. (وَضَمَانُهُ حِينَئِذٍ) : أَيْ حِينَ وُقُوعِهِ بَعْدَ الْبَتِّ (مِنْ الْمُشْتَرِي) لِأَنَّهُ صَارَ بَائِعًا حِينَئِذٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَكْلِ وَالرُّكُوبِ مَعًا وَلَيْسَ قَصْدُ الرُّكُوبِ بِدُونِ شَرْطٍ كَشَرْطِهِ عَلَى الرَّاجِحِ. قَوْلُهُ: الْبَرِيدَانِ: هُمَا سَيْرُ يَوْمٍ كَامِلٍ لِأَنَّهُمَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ. قَوْلُهُ: [وَهَلْ بَيْنَهُمَا خِلَافٌ] : أَيْ فَالْبَرِيدُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَهَابًا وَإِيَابًا وَالْبَرِيدَانِ عِنْدَ أَشْهَبَ كَذَلِكَ أَوْ الْبَرِيدُ ذَهَابًا وَمِثْلُهُ إيَابًا وَالْبَرِيدَانِ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: [بِحَمْلِ الْبَرِيدَيْنِ] : أَيْ فِي كَلَامِ أَشْهَبَ: أَيْ فَبَرِيدٌ ذَهَابًا وَبَرِيدٌ إيَابًا، وَهُوَ عَيْنُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْبَرِيدُ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْبَرِيدُ ذَهَابًا وَلَا بُدَّ لَهُ بَرِيدٌ إيَابًا. قَوْلُهُ: [بَعْدَ بَتٍّ] : أَيْ وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الْبَتِّ وَالْخِيَارِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. فَهُوَ مَمْنُوعٌ كَمَا نَقَلَهُ (بْن) عَنْ التَّوْضِيحِ لِخُرُوجِ الرُّخْصَةِ عَنْ مَوْرِدِهَا، لِأَنَّ الْخِيَارَ مُحْتَوٍ عَلَى غَرَرٍ إذْ لَا يَدْرِي كُلٌّ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَا يَحْصُلُ لَهُ هَلْ الثَّمَنُ أَوْ الْمُثَمَّنُ لِجَهْلِهِ بِانْبِرَامِ الْعَقْدِ وَمَتَى يَحْصُلُ فَكَانَ مُقْتَضَاهُ الْمَنْعَ مُطْلَقًا، لَكِنْ رَخَّصَ الشَّارِعُ فِيهِ فَأَبَاحَهُ عِنْدَ انْفِرَادِهِ: قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ عَلَى الرَّاجِحِ] : أَيْ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْقُدْهُ فَقَدْ فَسَخَ الْبَائِعُ مَالَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فِي مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ. قَوْلُهُ: [مِنْ الْمُشْتَرِي] : أَيْ وَلَوْ جُعِلَ الْخِيَارُ لَهُ، وَيُلْغَزُ بِهَا فَيُقَالُ: لَنَا مَبِيعٌ بِالْخِيَارِ بَيْعًا صَحِيحًا وَضَمَانُهُ فِي مُدَّتِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي.

[ما يفسد خيار التروي]

(وَفَسَدَ) الْخِيَارُ (بِشَرْطِ مُدَّةٍ بَعِيدَةٍ) تَزِيدُ عَلَى مُدَّتِهِ (أَوْ) مُدَّةٍ (مَجْهُولَةٍ) كَإِلَى أَنْ تُمْطِرَ السَّمَاءُ أَوْ إلَى قُدُومِ زَيْدٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَمَدَ قُدُومِهِ (أَوْ مُشَاوَرَةِ) شَخْصٍ (بَعِيدٍ) لَا يَقْدَمُ إلَّا بَعْدَ مُدَّةِ الْخِيَارِ بِكَثِيرٍ، وَهَذَا دَاخِلٌ فِي الْمَجْهُولَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ زِيَادَةً فِي الْإِيضَاحِ، وَلِتَصْرِيحِهِمْ بِهِ. وَيَفْسُدُ الْبَيْعُ بِمَا ذُكِرَ (وَإِنْ أَسْقَطَ) الشَّرْطَ (أَوْ) بِشَرْطِ (لُبْسِ ثَوْبٍ) أَوْ اسْتِخْدَامِ رَقِيقٍ (كَثِيرًا، أَوْ رَدِّ أُجْرَتِهِ) لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْهُ وَالْغَلَّةَ لَهُ. (وَ) فَسَدَ بَيْعُ الْخِيَارِ إذَا وَقَعَ (بِشَرْطِ النَّقْدِ) لِلثَّمَنِ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُنْقَدْ بِالْفِعْلِ، بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ. وَلَمَّا شَارَكَ هَذَا الْفَرْعَ فِي الْفَسَادِ بِشَرْطِ النَّقْدِ فُرُوعٌ سَبْعَةٌ شَبَّهَهَا بِهِ فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا يفسد خِيَار التَّرَوِّي] قَوْلُهُ: [وَفَسَدَ الْخِيَارُ] : أَيْ فَسَدَ الْبَيْعُ الْمُحْتَوِي عَلَى الْخِيَارِ وَضَمَانُهُ حِينَئِذٍ مِنْ بَائِعِهِ كَمَا فِي بَيْعِ الْخِيَارِ الصَّحِيحِ عَلَى الرَّاجِحِ، وَقِيلَ: مِنْ الْمُشْتَرِي إذَا قَبَضَهُ حُكْمُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَمَدَ الْخِيَارِ فِي الْعَقَارِ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا، فَإِذَا بَاعَك بِشَرْطِ مُدَّةٍ تَزِيدُ عَلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ زِيَادَةً بَيِّنَةً كَأَرْبَعِينَ يَوْمًا كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا أَمَّا ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ فَلَا يَضُرُّ لِأَنَّ الْيَوْمَيْنِ مُلْحَقَانِ بِأَمَدِ الْخِيَارِ قَوْلُهُ: [وَالْغَلَّةَ لَهُ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْأُجْرَةَ وَالْغَلَّةَ لِلْبَائِعِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ زَمَنَهُ سَوَاءٌ كَانَ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ فِي الصَّحِيحِ لِلْمُشْتَرِي وَأَمْضَى الْبَيْعَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ وَزَمَنَهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْغَلَّةَ لِلْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالضَّمَانَ مِنْهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ لِلْبَيْعِ بَتًّا فَبَيْعُ الْبَتِّ الْفَاسِدِ يَنْتَقِلُ فِيهِ الضَّمَانُ فِيهِ بِالْقَبْضِ فَيَفُوزُ الْمُشْتَرِي بِالْغَلَّةِ. وَأَمَّا بَيْعُ الْخِيَارِ فَالْمِلْكُ فِيهِ لِلْبَائِعِ وَلَا يَنْتَقِلُ الضَّمَانُ فِيهِ بِالْقَبْضِ كَانَ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا فَلِذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ وَالْغَلَّةُ فِيهِ لِلْبَائِعِ. قَوْلُهُ: [وَفَسَدَ بَيْعُ الْخِيَارِ] إلَخْ: أَيْ وَلَوْ أُسْقِطَ الشَّرْطُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَلَيْسَ كَشَرْطِ السَّلَفِ الْمُصَاحِبِ لِلْبَيْعِ.

(كَغَائِبٍ) مِنْ غَيْرِ الْعَقَارِ (بَعْدُ) كَالْعَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَبِيعَ بَتًّا عَلَى الْوَصْفِ بِشَرْطِ النَّقْدِ فَإِنَّهُ يُفْسِدُهُ. (وَ) كَبَيْعِ رَقِيقٍ بِشَرْطِ (عُهْدَةِ الثَّلَاثِ) فَإِنَّ شَرْطَ النَّقْدِ يُفْسِدُهُ. (وَمُوَاضَعَةٍ) بِيعَتْ عَلَى الْبَتِّ، فَإِنَّ شَرْطَ النَّقْدِ يُفْسِدُهُ. (وَ) كِرَاءِ (أَرْضٍ) لِلزِّرَاعَةِ (لَمْ يُؤْمَنْ رَيُّهَا) فَشَرْطُ النَّقْدِ يُفْسِدُهُ، فَإِنْ أُمِنَ رَيُّهَا جَازَ كَالنَّقْدِ تَطَوُّعًا. (وَجُعْلٍ) عَلَى تَحْصِيلِ شَيْءٍ كَآبِقٍ فَشَرْطُ النَّقْدِ يُفْسِدُهُ (وَإِجَارَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مِنْ غَيْرِ الْعَقَارِ] إلَخْ: أَيْ فَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَقَارًا مُطْلَقًا أَوْ غَيْرَهُ وَهُوَ قَرِيبُ الْغَيْبَةِ كَالثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ فَلَا يَفْسُدُ بِشَرْطِ النَّقْدِ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [بِشَرْطِ عُهْدَةِ الثَّلَاثِ] : أَيْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يُرَدُّ فِيهَا الْعَبْدُ الْمَبِيعُ بِكُلِّ حَادِثٍ مِنْ الْعُيُوبِ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ النَّقْدِ فِي عُهْدَةِ السَّنَةِ فَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدَ لِقِلَّةِ الضَّمَانِ فِيهَا لِنُدْرَةِ أَمْرَاضِهَا فَاحْتِمَالُ السَّلَفِ فِيهَا ضَعِيفٌ بِخِلَافِ عُهْدَةِ الثَّلَاثِ فَهُوَ قَوِيٌّ لِأَنَّهُ يُرَدُّ فِيهَا بِكُلِّ حَادِثٍ. قَوْلُهُ: [وَمُوَاضَعَةٍ] : أَيْ وَأَمَةٍ بِيعَتْ عَلَى الْبَتِّ بِشَرْطِ الْمُوَاضَعَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَظْهَرَ حَامِلًا فَيَكُونَ سَلَفًا أَوْ تَحِيضَ فَيَكُونَ ثَمَنًا، لَا إنْ اشْتَرَطَ عَدَمَ الْمُوَاضَعَةِ أَوْ كَانَ الْعُرْفُ عَدَمَهَا، كَمَا فِي بِيَاعَاتِ مِصْرَ فَلَا يَضُرُّ شَرْطُ النَّقْدِ لَكِنْ لَا يُقَرَّانِ عَلَى ذَلِكَ بَلْ تُنْزَعُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَتُجْعَلُ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ، وَمَفْهُومُ بِيعَتْ عَلَى الْبَتِّ أَنَّهَا لَوْ بِيعَتْ عَلَى الْخِيَارِ لَامْتَنَعَ النَّقْدُ فِيهَا مُطْلَقًا وَلَوْ تَطَوُّعًا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [لَمْ يُؤْمَنْ رَيُّهَا] : أَيْ كَأَرَاضِي النِّيلِ الْعَالِيَةِ أَوْ الْأَرَاضِيِ الَّتِي تُرْوَى بِالْمَطَرِ وَإِنَّمَا كَانَ شَرْطُ النَّقْدِ يُفْسِدُهَا لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الثَّمَنِيَّةِ إنْ رُوِيَتْ وَالسَّلَفِيَّةِ إنْ لَمْ تُرْوَ. قَوْلُهُ: [كَالنَّقْدِ تَطَوُّعًا] : أَيْ فَيَجُوزُ وَلَوْ فِي غَيْرِ مَأْمُونَةٍ. قَوْلُهُ: [جُعِلَ عَلَى تَحْصِيلِ شَيْءٍ] : إنَّمَا فَسَدَ لِلتَّرَدُّدِ الْمَذْكُورِ. وَقَوْلُهُ: [فَشَرْطُ النَّقْدِ يُفْسِدُهُ] : مَفْهُومُهُ أَنَّ النَّقْدَ تَطَوُّعًا لَا يَضُرُّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا ذَكَرَهُ (بْن) وَأَيَّدَهُ بِالنُّقُولِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّ النَّقْدَ يُفْسِدُ الْجُعَلَ مُطْلَقًا وَلَوْ تَطَوُّعًا.

لِحِرَاسَةِ زَرْعٍ) فَشَرْطُ النَّقْدِ يُفْسِدُهُ لِاحْتِمَالِ فَسَادِ الزَّرْعِ بِجَائِحَةٍ، فَيَكُونُ الْمَنْقُودُ سَلَفًا، وَسَلَامَتِهِ فَيَكُونُ ثَمَنًا. (وَ) إجَارَةِ (مُسْتَأْجَرٍ مُعَيَّنٍ) : كَزَيْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ هَذِهِ الدَّارِ بِعَيْنِهَا فَالْمُرَادُ بِالْمُسْتَأْجَرِ الْمُعَيَّنِ أَعَمُّ مِنْ الْعَاقِلِ (يَتَأَخَّرُ) الشُّرُوعُ فِيمَا اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ (بَعْدُ) أَيْ أَكْثَرُ (مِنْ نِصْفِ شَهْرٍ) فَشَرْطُ نَقْدِ الْأُجْرَةِ يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ لِاحْتِمَالِ تَلَفِ الْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ فَيَكُونُ سَلَفًا، وَسَلَامَتِهِ فَيَكُونُ ثَمَنًا. فَالْعِلَّةُ فِي الْجَمِيعِ: التَّرَدُّدُ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُعَيَّنِ مِمَّا زِدْنَاهُ عَلَيْهِ؛ لِمَا يَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ أَنَّ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ - وَهُوَ الْمَضْمُونُ - يَتَعَيَّنُ فِيهِ إمَّا الشُّرُوعُ فِي الْعَمَلِ أَوْ تَعْجِيلُ النَّقْدِ. وَقَوْلُهُ: " بَعْدَ نِصْفِ شَهْرٍ " هُوَ الصَّوَابُ لَا شَهْرٍ كَمَا قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ أَرْبَعَ مَسَائِلَ يُمْنَعُ فِيهَا النَّقْدُ مُطْلَقًا - بِشَرْطٍ وَبِغَيْرِهِ - وَلَا يَخْتَصُّ الْمَنْعُ بِهَا. وَضَابِطُ ذَلِكَ - كَمَا يَأْتِي - أَنَّ كُلَّ مَا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ بَعْدَ أَيَّامِ الْخِيَارِ يُمْنَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِحِرَاسَةِ زَرْعٍ] : أَيْ أَوْ لِرَعْيِ غَنَمٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ مُعَيَّنٍ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ شَرْطَ النَّقْدِ مُفْسِدٌ لَهَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ خَلْفُ الزَّرْعِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ إذَا تَلِفَ وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْخَلْفُ أَوْ يُعْطِيهِ الْأُجْرَةَ بِتَمَامِهَا، وَلَا يَضُرُّ شَرْطُ النَّقْدِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ جَمْعًا لِلنَّظَائِرِ. قَوْلُهُ: [لِاحْتِمَالِ تَلَفِ الْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ] : أَيْ وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ يَنْفَسِخُ بِتَلَفِ مَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ حَيْثُ كَانَ مُعَيَّنًا لَا مَا يُسْتَوْفَى بِهِ كَمَا يَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ. قَوْلُهُ: [فَالْعِلَّةُ فِي الْجَمِيعِ التَّرَدُّدُ] إلَخْ: أَيْ وَحِكْمَةُ مَنْعِ التَّرَدُّدِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ مَا فِيهِ مِنْ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا، لِأَنَّ الدَّافِعَ لِلثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ بِالسَّلَفِ عَلَى احْتِمَالِ حُصُولِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَلْ رِضَاهُ بِهِ مُجَوِّزًا كَوْنَهُ ثَمَنًا وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا دَفَعَهُ هَكَذَا قَرَّرَ الْأَشْيَاخُ. قَوْلُهُ: [يَتَعَيَّنُ فِيهِ إمَّا الشُّرُوعُ فِي الْعَمَلِ] إلَخْ: أَيْ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ ابْتِدَاءِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ إنْ لَمْ يَحْصُلْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَخْتَصُّ الْمَنْعُ بِهَا] : أَيْ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي مَنْعِ النَّقْدِ فِيهَا بِشَرْطٍ وَبِغَيْرِهِ بَلْ هَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ لِمَسَائِلَ أُخْرَى غَيْرِهَا، وَلِذَا زَادَ بَعْضُهُمْ عُهْدَةَ الثَّلَاثِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ بَتًّا أَوْ بِخِيَارٍ، لِأَنَّ عُهْدَةَ الثَّلَاثِ إنَّمَا

النَّقْدُ فِيهِ مُطْلَقًا، إذَا كَانَ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ فِيهِ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ، وَمَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ لَا يَتَرَتَّبُ فِي الذِّمَّةِ. فَقَالَ: (وَمُنِعَ) النَّقْدُ - (وَإِنْ بِلَا شَرْطٍ - فِي كُلِّ مَا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ عَنْ مُدَّةِ الْخِيَارِ) : هَذَا إشَارَةٌ لِلْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا. وَمَثَّلَ لَهَا بِمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَنْحَصِرُ فِيمَا ذَكَرَهُ فَقَالَ: (كَمُوَاضَعَةٍ) بِيعَتْ بِخِيَارٍ. (وَ) بَيْعِ شَيْءٍ (غَائِبٍ) عَلَى الْخِيَارِ. (وَكِرَاءٍ) لِشَيْءٍ كَدَارٍ أَوْ دَابَّةٍ كِرَاءً مَضْمُونًا أَوْ غَيْرَ مَضْمُونٍ بِخِيَارٍ، فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: " ضَمِنَ "؛ فَمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً مُعَيَّنَةً أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لِيَرْكَبَهَا أَوْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا بِخِيَارٍ لَمْ يَجُزْ نَقْدُ الْأُجْرَةِ فِيهِ مُطْلَقًا بِشَرْطٍ وَبِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا مُنِعَ فِي الْكِرَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَكُونُ بَعْدَ أَيَّامِ الْخِيَارِ وَلَا تَدْخُلُ فِي أَيَّامِهِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِهَا فَائِدَةٌ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [إذَا كَانَ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ] : أَيْ وَهُوَ الْمِثْلِيُّ مَكِيلًا كَانَ أَوْ مَوْزُونًا أَوْ مَعْدُودًا بِأَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ ثَمَنَ أَمَةٍ تَتَوَاضَعُ أَوْ ثَمَنَ الْغَائِبِ أَوْ أُجْرَةَ الْكِرَاءِ أَوْ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ وَيَكُونُ الْعَقْدُ عَلَى الْخِيَارِ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ] : أَيْ وَهُوَ هُنَا الثَّمَنُ الَّذِي قَبَضَهُ الْبَائِعُ وَصَارَ فِي ذِمَّتِهِ وَالْمُؤَخَّرُ هُوَ الْمَبِيعُ الَّذِي يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ بَعْدَ أَيَّامِ الْخِيَارِ. قَوْلُهُ: [كَمُوَاضَعَةٍ بِيعَتْ بِخِيَارٍ] : يَعْنِي أَنَّ مَنْ ابْتَاعَ أَمَةً بِخِيَارٍ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ وَلَوْ تَطَوُّعًا حَيْثُ كَانَ الثَّمَنُ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِفَسْخِ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ، بَيَانُهُ: أَنَّ الْبَيْعَ إذَا تَمَّ بِانْقِضَاءِ زَمَنِ الْخِيَارِ فَقَدْ فَسَخَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ الَّذِي لَهُ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ فِي شَيْءٍ لَا يَتَعَجَّلُهُ الْآنَ. وَمَا قِيلَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُوَاضَعَةِ يُقَالُ فِي بَاقِي الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ. قَوْلُهُ: [وَبَيْعِ شَيْءٍ غَائِبٍ] : ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ. قَوْلُهُ: [لَمْ يَجُزْ نَقْدُ الْأُجْرَةِ] إلَخْ: أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ لَيْسَ قَبْضًا لِلْأَوَاخِرِ.

[انقطاع الخيار]

النَّقْدُ مُطْلَقًا وَجَازَ فِي الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ النَّقْدُ تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّ اللَّازِمَ فِي الْبَيْعِ التَّرَدُّدُ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ وَهُوَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ مَعَ الشَّرْطِ، وَاللَّازِمُ فِي الْكِرَاءِ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ حَتَّى فِي التَّطَوُّعِ. (وَسَلَمٍ) يَأْتِي فِي السَّلَمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ بِالْخِيَارِ لِمَا يُؤَخَّرُ مَا لَمْ يَنْقُدْ رَأْسَ السَّلَمِ وَإِنْ تَطَوُّعًا، فَقَوْلُهُ: (بِخِيَارٍ) رَاجِعٌ لِلْأَرْبَعَةِ. (وَانْقَطَعَ) الْخِيَارُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ أَوْ رَدُّهُ: (بِمَا دَلَّ عَلَى الْإِمْضَاءِ أَوْ الرَّدِّ) لِلْبَيْعِ مِنْ قَوْلٍ كَقَوْلِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ: أَمْضَيْتُ الْبَيْعَ أَوْ قَبِلْته أَوْ رَدَدْتُهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. أَوْ فِعْلٍ كَمَا يَأْتِي أَمْثِلَتُهُ. (وَبِمُضِيِّ زَمَنِهِ) : أَيْ الْخِيَارِ أَيْ مُدَّتِهِ الْمُشْتَرَطَةِ أَوْ الشَّرْعِيَّةِ. وَاذَا مَضَتْ مُدَّتُهُ. (فَيَلْزَمُ الْمَبِيعُ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ) مِنْ بَائِعٍ أَوْ مُشْتَرٍ، كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ بِيَدِ مَنْ لَيْسَ لَهُ الْخِيَارُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ بِالْخِيَارِ لِمَا يُؤَخَّرُ] : أَيْ كَمَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ رَأْسَ الْمَالِ إلَيْهِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. [انْقِطَاع الْخِيَار] قَوْلُهُ: [وَانْقَطَعَ الْخِيَارُ] : شُرُوعٌ مِنْهُ فِي رَافِعِ الْخِيَارِ. وَهُوَ إمَّا فِعْلٌ أَوْ قَوْلٌ أَوْ غَيْرُهُمَا. قَوْلُهُ: [وَإِذَا مَضَتْ مُدَّتُهُ] : أَيْ وَهِيَ الْأَمَدُ الَّذِي جَعَلَهُ الشَّارِعُ لِلْخِيَارِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ. قَوْلُهُ: [مَنْ هُوَ بِيَدِهِ] : أَيْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ بِيَدِ الْبَائِعِ وَانْقَضَى أَمَدُ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ رَدُّ الْبَيْعِ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ أَوْ لِلْمُشْتَرِي، وَلَوْ كَانَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي حَتَّى انْقَضَى أَمَدُ الْخِيَارِ وَكَانَ الْبَيْعُ لَازِمًا لَهُ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، فَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ بِيَدِ الْبَائِعِ وَكَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَادَّعَى الْمُشْتَرِي بَعْدَ انْقِضَاءِ أَمَدِ الْخِيَارِ أَنَّهُ اخْتَارَ إمْضَاءَ الْبَيْعِ قَبْلَ انْقِضَاءِ أَمَدِ الْخِيَارِ وَيُرِيدُ أَخْذَهُ مِنْ الْبَائِعِ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَالْمَبِيعُ بِيَدِهِ فَبَعْدَ انْقِضَاءِ أَمَدِ الْخِيَارِ ادَّعَى أَنَّهُ اخْتَارَ إمْضَاءَ الْبَيْعِ لِأَجْلِ إلْزَامِ الْمُشْتَرِي فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ.

(وَلَهُ) أَيْ لِمَنْ بِيَدِهِ الْمَبِيعُ (الرَّدُّ فِي كَالْغَدِ) : أَيْ الْيَوْمِ أَوْ الْيَوْمَيْنِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ. (وَلَا يُقْبَلُ) مِنْهُ: أَيْ مِمَّنْ لَهُ الْخِيَارُ (بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ زَمَنِ الْخِيَارِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ دَعْوَاهُ (أَنَّهُ اخْتَارَ) : أَيْ قَبِلَ الْمَبِيعَ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ لِيَأْخُذَهُ مِمَّنْ هُوَ بِيَدِهِ أَوْ يُلْزِمُهَا لِمَنْ لَيْسَتْ فِي يَدِهِ. (أَوْ) دَعْوَاهُ أَنَّهُ (رَدَّ) الْبَيْعَ لِيُلْزِمَهَا لِبَائِعِهَا أَوْ لِيَأْخُذَهَا الْبَائِعُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ. وَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّ الْخِيَارَ يَنْقَطِعُ بِمَا دَلَّ عَلَى الرِّضَا أَوْ الرَّدِّ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ: (فَالْكِتَابَةُ وَالتَّدْبِيرُ) لِرَقِيقٍ بِيعَ بِالْخِيَارِ رِضًا مِنْ الْمُشْتَرِي، وَرَدٌّ لِلْبَيْعِ مِنْ الْبَائِعِ لِدَلَالَةِ كُلٍّ عَلَى مَا ذُكِرَ، فَهَذَا وَمَا بَعْدَهُ أَمْثِلَةٌ لِلْفِعْلِ الدَّالِ عَلَى ذَلِكَ. " وَالْوَاوُ " بِمَعْنَى " أَوْ ". وَأَوْلَى مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا الْعِتْقُ وَلَوْ لِأَجَلٍ. (وَالتَّزْوِيجُ) لِأَمَةٍ أَوْ لِعَبْدٍ (وَالتَّلَذُّذُ) بِأَمَةٍ كَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لَهُ، وَادَّعَى بَعْدَ أَمَدِ الْخِيَارِ أَنَّهُ اخْتَارَ الرَّدَّ لِيُلْزِمَهُ لِلْبَائِعِ، فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. أَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَالْمَبِيعُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي وَادَّعَى بَعْدَ انْقِضَاءِ أَمَدِ الْخِيَارِ أَنَّهُ اخْتَارَ الرَّدَّ لِأَجْلِ انْتِزَاعِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي، فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ يَتَصَادَقَا، وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ لِلْبَيِّنَةِ فِي الْجَمِيعِ. قَوْلُهُ: [الرَّدُّ فِي كَالْغَدِ] : ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَرُدُّ فِي الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ الزَّائِدَيْنِ عَلَى الْمُدَّةِ الَّتِي حَدَّدَهَا أَوَّلًا وَهُوَ السِّتَّةُ وَالثَّلَاثُونَ فِي الْعَقَارِ وَالْعَشَرَةُ فِي الرَّقِيقِ وَالْخَمْسَةُ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ سَائِرِ الْعُرُوضِ وَالدَّوَابِّ وَانْظُرْ هَلْ هَذَا مُسَلَّمٌ. قَوْلُهُ: [فَهَذَا وَمَا بَعْدَهُ أَمْثِلَةٌ لِلْفِعْلِ] : إنْ قُلْتَ: إنَّ الْكِتَابَةَ وَالتَّدْبِيرَ وَالتَّزْوِيجَ وَالرَّهْنَ وَالْبَيْعَ تَحْصُلُ بِالصِّيغَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ فِعْلًا؟ إلَّا أَنْ يُجَابَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِعْلِ مَا يَشْمَلُ الْفِعْلَ النَّفْسِيَّ وَيُرَادُ بِالْقَوْلِ مَا كَانَ فِيهِ لَفْظُ رَضِيتُ أَوْ رَدَدْتُ. قَوْلُهُ: [وَالتَّزْوِيجُ لِأَمَةٍ أَوْ لِعَبْدٍ] : لَا خِلَافَ فِي أَنَّ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ يُعَدُّ رِضًا. وَأَمَّا تَزْوِيجُ الْعَبْدِ فَفِيهِ خِلَافٌ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ رِضًا خِلَافًا لِأَشْهَبَ. وَالْمُرَادُ بِالتَّزْوِيجِ الْعَقْدُ وَلَوْ فَاسِدًا مَا لَمْ يَكُنْ مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ. قَوْلُهُ: [وَالتَّلَذُّذُ بِأَمَةٍ] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ فَعَلَ فِعْلًا بِالْأَمَةِ. مَوْضُوعًا لِقَصْدِ اللَّذَّةِ - مِثْلَ كَشْفِ الْفَرْجِ وَالنَّظَرِ إلَيْهِ - فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى قَصْدِ التَّلَذُّذِ وَالرِّضَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَصَدَ اللَّذَّةَ أَمْ لَا، وَأَمَّا إنْ فَعَلَ فِعْلًا لَيْسَ مَوْضُوعًا لِقَصْدِ التَّلَذُّذِ - كَكَشْفِ الصَّدْرِ

(وَالرَّهْنُ) لِشَيْءٍ بِيعَ بِالْخِيَارِ مِنْ بَائِعٍ أَوْ مُشْتَرٍ كَذَلِكَ (وَالْبَيْعُ) لَهُ وَلَوْ بِلَا تَسَوُّقٍ (وَالتَّسَوُّقُ) : أَيْ إيقَافُهُ فِي السُّوقِ لِلْبَيْعِ وَلَوْ لَمْ يَبِعْ أَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ (وَالْوَسْمُ) : بِنَارٍ أَوْ فَصْدٍ (وَتَعَمُّدُ الْجِنَايَةِ) عَلَى الْمَبِيعِ بِالْخِيَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ السَّاقِ - فَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّلَذُّذَ عُدَّ رِضًا مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ لَذَّةٌ بِالْفِعْلِ، وَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ. وَقَالَ: قَصَدْتُ التَّقْلِيبَ، فَلَا يُعَدُّ رِضًا وَلَوْ حَصَلَتْ لَهُ اللَّذَّةُ بِهَا كَمَا قَرَّرَهُ شُرَّاحُ خَلِيلٍ. وَمَفْهُومُ: " أَمَةٍ " أَنَّ التَّلَذُّذَ بِالذَّكَرِ لَا يُعَدُّ رِضًا مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَا رَدًّا مِنْ الْبَائِعِ. قَوْلُهُ: [وَالرَّهْنُ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يُعَدُّ رِضًا وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ الرَّاهِنُ قَبَضَهُ مِنْ الْبَائِعِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْبِضْهُ مِنْ الْبَائِعِ وَرَهَنَهُ فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ رِضًا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ لَمْ يَبِعْ أَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَوْلُهُ: [أَوْ فَصْدٍ] : مِثْلُهُ الْحِجَامَةُ وَحَلْقُ الرَّأْسِ وَالْإِسْلَامُ لِلصَّنْعَةِ وَلَوْ هَيِّنَةً أَوْ الْمُكْتَبُ كَمَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَتَعَمُّدُ الْجِنَايَةِ] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا جَنَى الْبَائِعُ زَمَنَ الْخِيَارِ وَالْخِيَارُ لَهُ، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَهُوَ رَدٌّ لِلْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَلِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الْعَيْبِ، إنْ أَجَازَ الْبَائِعُ الْبَيَانَ إنْ شَاءَ تَمَسَّكَ وَلَا شَيْءَ لَهُ أَوْ رَدَّ وَأَخَذَ الثَّمَنَ، هَذَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ فِي الْمَبِيعِ تَلَفٌ. فَإِنْ تَلِفَ انْفَسَخَ فِيهِمَا. وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي، وَتَعَمَّدَ الْبَائِعُ الْجِنَايَةَ وَلَمْ يَتْلَفْ الْمَبِيعُ، فَلِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ أَوْ الْإِمْضَاءُ وَأَخْذُ أَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ تَلِفَ ضَمِنَ الْأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ. وَإِنْ أَخْطَأَ الْبَائِعُ فَلِلْمُشْتَرِي أَخْذُهُ نَاقِصًا وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ أَرْشِ النَّقْصِ أَوْ رَدُّهُ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ تَلِفَ انْفَسَخَ، فَهَذِهِ ثَمَانِ صُوَرٍ فِي جِنَايَةِ الْبَائِعِ. وَإِنْ جَنَى الْمُشْتَرِي - وَالْخِيَارُ لَهُ - عَمْدًا وَلَمْ يُتْلِفْهُ فَهُوَ رِضًا وَخَطَأً فَلَهُ رَدُّهُ وَمَا نَقَصَ، وَلَهُ التَّمَسُّكُ وَلَا شَيْءَ لَهُ. وَإِنْ أَتْلَفَهُ بِالْجِنَايَةِ ضَمِنَ الثَّمَنَ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً. وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَجَنَى الْمُشْتَرِي عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَلَمْ يَتْلَفْ الْمَبِيعُ فَلَهُ رَدُّ الْبَيْعِ وَأَخْذُ أَرْشِ الْجِنَايَةِ أَوْ الْإِمْضَاءُ وَأَخْذُ الثَّمَنِ. وَإِنْ تَلِفَ فِي الْعَمْدِ أَوْ الْخَطَأِ ضَمِنَ الْأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ: فَهَذِهِ ثَمَانٍ أَيْضًا. فَالْجُمْلَةُ سِتَّ عَشْرَةَ

[انتقال الخيار للوارث]

(وَالْإِجَارَةِ) مِنْ مُشْتَرٍ لَا بَائِعٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ الْآتِي: هَذِهِ الْأُمُورُ كُلُّهَا كَمَا تَكُونُ (مِنْ الْمُشْتَرِي) بِالْخِيَارِ (رِضًا) : أَيْ قَبُولًا لِلْمَبِيعِ لِدَلَالَتِهَا عَلَيْهِ (وَمِنْ الْبَائِعِ رَدٌّ) لِلْمَبِيعِ بِالْخِيَارِ. (إلَّا الْإِجَارَةَ) مِنْ الْبَائِعِ؛ فَإِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى الرَّدِّ، لِأَنَّ الْغَلَّةَ لَهُ وَالضَّمَانَ مِنْهُ مَا لَمْ تَزِدْ مُدَّتُهَا عَلَى مُدَّةِ الْخِيَارِ. فَقَوْلُهُ " إلَّا " إلَخْ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ: " وَمِنْ الْبَائِعِ رَدٌّ ". (وَ) إذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ أَوْ فَلَّسَ (انْتَقَلَ) الْخِيَارُ (لِوَارِثٍ) لَهُ لَيْسَ مَعَهُ غَرِيمٌ. أَوْ مَعَهُ غَرِيمٌ وَلَمْ يُحِطْ الدَّيْنُ بِمَالِ الْمَيِّتِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: (وَ) انْتَقَلَ (لِغَرِيمٍ إنْ أَحَاطَ دَيْنُهُ) بِمَالِ الْمَيِّتِ وَحِينَئِذٍ (فَلَا كَلَامَ لِوَارِثٍ) مَعَ الْغَرِيمِ الْمَذْكُورِ. وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي وَتَعَدَّدَ وَارِثُهُ فَلَيْسَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَأْخُذُوا أَوْ يَرُدُّوا جَمِيعًا وَلَيْسَ لَهُمْ التَّبْعِيضُ. (وَالْقِيَاسُ) إذَا اخْتَلَفُوا فَأَجَازَ الْبَعْضُ وَرَدَّ الْبَعْضُ: (رَدُّ الْجَمِيعِ) : أَيْ جَمِيعِ وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ (إنْ رَدَّ بَعْضُهُمْ) فَيُجْبَرُ الْمُجِيزُ عَلَى الرَّدِّ مَعَ مَنْ رَدَّ لِمَا فِي التَّبْعِيضِ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ. فَكَمَا أَنَّ مَنْ وَرِثُوا الْخِيَارَ عَنْهُ لَيْسَ لَهُ رَدُّ بَعْضِ السِّلْعَةِ وَقَبُولُ بَعْضِهَا لِلضَّرَرِ بِالْبَائِعِ، فَكَذَلِكَ هُمْ لَيْسَ لِبَعْضِهِمْ الْقَبُولُ وَلِبَعْضِهِمْ الرَّدُّ إذَا لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ، فَأُلْحِقَ الْوَارِثُ بِالْمُشْتَرِي فِي عَدَمِ جَوَازِ التَّبْعِيضِ وَالْجَبْرِ عَلَى الرَّدِّ بِجَامِعِ الضَّرَرِ فِي كُلٍّ وَلَيْسَ لِلْمُجِيزِ أَخْذُ مَنَابِ مَنْ رَدَّ إذَا لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ، وَهَذَا لِلْإِمَامِ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQصُورَةً قَدْ عُلِمَ تَفْصِيلُهَا تَرَكَهَا الْمُصَنِّفُ، وَهِيَ فِي خَلِيلٍ وَشُرَّاحِهِ. قَوْلُهُ: [وَالْإِجَارَةِ مِنْ مُشْتَرٍ] : أَيْ وَلَوْ مُيَاوَمَةً. قَوْلُهُ: [لَا بَائِعٍ] : أَيْ فَلَا تُعَدُّ إجَازَتُهُ رَدًّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ لِأَنَّ الْغَلَّةَ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَسَيَأْتِي تَقْيِيدُهَا. [انْتِقَال الْخِيَار لِلْوَارِثِ] قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ: إلَخْ قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ: وَهُوَ حَمْلُ مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ لِمُسَاوَاتِهِ لَهُ فِي عِلَّةِ حُكْمِهِ عِنْدَ الْحَامِلِ وَإِنْ خُصَّ بِالصَّحِيحِ حُذِفَ الْأَخِيرُ، فَقَوْلُهُ: " حَمْلُ مَعْلُومٍ " الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْوَارِثُ وَقَوْلُهُ: " عَلَى مَعْلُومٍ " الْمُرَادُ بِهِ الْمَوْرُوثُ الَّذِي هُوَ الْمُشْتَرِي. وَالْعِلَّةُ ضَرَرُ الشَّرِكَةِ وَالْحُكْمُ التَّصَرُّفُ بِالْإِجَارَةِ وَالرَّدِّ.

[ملك المبيع زمن الخيار وضمانه]

الْمُدَوَّنَةِ. وَالِاسْتِحْسَانُ عِنْدَهُ أَيْضًا أَنَّ لِلْمُجِيزِ أَخْذَ جَمِيعِ السِّلْعَةِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الرَّدِّ إنْ رَدَّ الْبَعْضُ وَاقْتَصَرْنَا عَلَى الْقِيَاسِ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَهَذَا هُوَ النَّظَرُ، ثُمَّ قَالَ فِيهَا أَيْضًا: وَاسْتُحْسِنَ لِمَنْ أَجَازَ مِنْهُمْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُجِزْ. (وَهُوَ) : أَيْ الْقِيَاسُ (فِي وَرَثَةِ الْبَائِعِ) الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ حَيْثُ مَاتَ (إجَازَةُ الْجَمِيعِ إنْ أَجَازَ بَعْضُهُمْ) وَيُجْبَرُ مَنْ رَدَّ الْبَيْعَ عَلَى الْإِجَازَةِ مَعَ الْمُجِيزِ، عَكْسُ وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي. وَهَلْ يَتَعَيَّنُ فِيهِمْ الْقِيَاسُ وَلَا يَجْرِي فِيهِمْ الِاسْتِحْسَانُ؟ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ، أَوْ يَجْرِي فِيهِمْ أَيْضًا؟ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ. وَعَلَيْهِ فَلِلرَّادِّ مِنْهُمْ أَخْذُ الْجَمِيعِ. وَالْقِيَاسُ فِي كُلٍّ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. (وَالْمِلْكُ) لِلْمَبِيعِ بِالْخِيَارِ فِي زَمَنِهِ - سَوَاءٌ كَانَ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالِاسْتِحْسَانُ] : هُوَ مَعْنًى يَنْقَدِحُ فِي ذِهْنِ الْمُجْتَهِدِ تَقْصُرُ عَنْهُ عِبَارَتُهُ وَالْمُرَادُ بِالْمَعْنَى دَلِيلُ الْحُكْمِ الَّذِي اسْتَحْسَنَهُ وَوَجْهُ اسْتِحْسَانِ أَخْذِ الْمُجِيزِ الْجَمِيعَ أَنَّ الْمُجِيزَ حَيْثُ أَخَذَ الْجَمِيعَ يَدْفَعُ جَمِيعَ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ وَيَرْتَفِعُ ضَرَرُ الشَّرِكَةِ بِالتَّبْعِيضِ. قَوْلُهُ: [الْقِيَاسُ فِي كُلٍّ هُوَ الْمُعْتَمَدُ] : أَيْ فَالْمُعْتَمَدُ فِي وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي رَدُّ جَمِيعِ السِّلْعَةِ لِلْبَائِعِ إنْ رَدَّ بَعْضُهُمْ وَفِي وَرَثَةِ الْبَائِعِ إمْضَاءُ الْجَمِيعِ الْبَيْعَ إنْ أَمْضَى بَعْضُهُمْ. تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ يَنْتَقِلُ الْخِيَارُ الَّذِي كَانَ لِلْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ حَيْثُ عَجَزَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَقَبْلَ الِاخْتِيَارِ كَانَ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا، فَالسَّيِّدُ عِنْدَ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ بِمَنْزِلَةِ الْوَارِثِ أَوْ الْغَرِيمِ إذَا مَاتَ الْمُوَرِّثُ أَوْ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنَ بِمَالِهِ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ. الثَّانِي: إذَا جُنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُفِيقُ أَوْ يُفِيقُ بَعْدَ طُولٍ يَضُرُّ الصَّبْرُ إلَيْهِ بِالْآخَرِ نَظَرَ الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ فِي الْأَصْلَحِ لَهُ مِنْ إمْضَاءٍ أَوْ رَدٍّ. وَأَمَّا لَوْ أُغْمِيَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ إفَاقَتَهُ لِيَنْظُرَ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ طَالَ إغْمَاؤُهُ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنِهِ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الضَّرَرُ فُسِخَ الْبَيْعُ وَلَا يَنْظُرُ لَهُ حَاكِمٌ وَلَا غَيْرُهُ وَقَالَ أَشْهَبُ: يَنْظُرُ لَهُ (اهـ) مِنْ الْأَصْلِ. [مُلْك الْمَبِيع زَمَن الْخِيَار وَضَمَانه] قَوْلُهُ: [وَالْمِلْكُ لِلْمَبِيعِ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَعَلَيْهِ فَالْإِمْضَاءُ نَقْلٌ لِلْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ لِمِلْكِ الْمُشْتَرِي. وَقِيلَ: إنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي فَالْإِمْضَاءُ تَقْرِيرٌ

(لِلْبَائِعِ، وَالضَّمَانُ مِنْهُ؛ فَالْغَلَّةُ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ) عَلَى الْمَبِيعِ بِالْخِيَارِ: (لَهُ) أَيْ لِلْبَائِعِ. (بِخِلَافِ الْوَلَدِ وَالصُّوفِ) فَهُمَا لِلْمُشْتَرِي إذَا تَمَّ لَهُ الشِّرَاءُ لِأَنَّهُمَا كَجُزْءٍ مِنْ الْبَيْعِ. (وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي) وَادَّعَى ضَيَاعَهُ زَمَنَ الْخِيَارِ (ضَمِنَ فِيمَا يُعَابُ عَلَيْهِ) كَالرَّهْنِ (إلَّا لِبَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ بِضَيَاعِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَا يَضْمَنُ (وَحَلَفَ فِي غَيْرِهِ) : أَيْ فِي غَيْرِ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ - كَالْحَيَوَانِ - حَيْثُ اتَّهَمَهُ الْبَائِعُ: (لَقَدْ ضَاعَ وَمَا فَرَّطَ، إلَّا أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ) : أَيْ الْمُشْتَرِي فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمِلْكِ الْمُشْتَرِي وَأَصْلُ مِلْكِهِ حَصَلَ بِالْعَقْدِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: إنَّ بَيْعَ الْخِيَارِ مُنْحَلٌّ، أَيْ أَنَّ الْمَبِيعَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ أَوْ مُنْعَقِدٌ أَيْ أَنَّهُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَكِنَّ مِلْكَهُ لَهُ غَيْرُ تَامٍّ لِاحْتِمَالِ رَدِّهِ. وَلِذَلِكَ كَانَ ضَمَانُ الْمَبِيعِ مِنْ الْبَائِعِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ اتِّفَاقًا. فَثَمَرَةُ الْخِلَافِ إنَّمَا هِيَ فِي الْغَلَّةِ الْحَاصِلَةِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا، فَهِيَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْأَوَّلِ وَلِلْمُشْتَرِي عَلَى الثَّانِي. إلَّا أَنَّ كَوْنَ الْغَلَّةِ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مُخَالِفٌ لِقَاعِدَةِ: " الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ " وَ: " مَنْ لَهُ الْغُنْمُ عَلَيْهِ الْغُرْمُ " فَإِنَّ الْغُنْمَ هُنَا لِلْمُشْتَرِي وَالْغُرْمَ الَّذِي هُوَ الضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [فَالْغَلَّةُ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ] : إلَخْ: مِثْلُ الْغَلَّةِ مَا يُوهَبُ لِلْعَبْدِ الْمَبِيعِ بِالْخِيَارِ فِي زَمَنِهِ فَإِنَّهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَ الْمُشْتَرِي مَالَهُ. قَوْلُهُ: [وَالصُّوفِ] : أَيْ التَّامِّ أَوْ غَيْرِهِ. وَأَمَّا الثَّمَرَةُ الْمُؤَبَّرَةُ فَكَمَالِ الْعَبْدِ لَا تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا بِشَرْطٍ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي] : أَيْ الْمُشْتَرِي عَلَى الْخِيَارِ لَوْ قَبَضَ الشَّيْءَ الْمُشْتَرَى سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ انْتِقَالِ ضَمَانِ الْفَاسِدِ بِالْقَبْضِ إنَّمَا هُوَ فِي الْبَيْعِ بِالْبَتِّ. قَوْلُهُ: [وَحَلَفَ فِي غَيْرِهِ] : أَيْ مُتَّهَمًا أَوْ لَا بِخِلَافِ الْمُودِعِ وَالشَّرِيكِ لَا يَحْلِفُ إلَّا إذَا كَانَ مُتَّهَمًا. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ] : اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مُقَدَّرٍ أَيْ حَلَفَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَلَيْسَ اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ وَحَلَفَ فِي غَيْرِهِ، فَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِكَذِبِهِ وَشَهِدَتْ أُخْرَى بِصِدْقِهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْكَذِبِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ.

دَعْوَاهُ الضَّيَاعَ، كَأَنْ يَقُولَ: ضَاعَ يَوْمَ كَذَا، فَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ عَلَى رُؤْيَتِهِ عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، أَوْ تَشْهَدُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَكَلَهُ أَوْ أَتْلَفَهُ أَوْ بَاعَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَمِينٌ. وَإِذَا نَكَلَ عِنْدَ تَوَجُّهِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ غَرِمَ. ثُمَّ بَيَّنَ مَا يَغْرَمُهُ لِلْبَائِعِ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ فَقَالَ: (الْأَكْثَرَ) أَيْ يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ إذَا ادَّعَى ضَيَاعَ مَا يُعَابُ عَلَيْهِ أَوْ مَا يُعَابُ إذَا ظَهَرَ كَذِبُهُ أَوْ نَكَلَ الْأَكْثَرَ (مِنْ الثَّمَنِ) الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ (وَالْقِيمَةِ) هَذَا (إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ) فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ. (إلَّا أَنْ يَحْلِفَ) فِي صُورَةِ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ: إنَّهُ (مَا فَرَّطَ) فِي ضَيَاعِهِ فَالثَّمَنُ خَاصَّةً إنْ قَلَّ عَنْ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَاوَى الْقِيمَةَ أَوْ كَثُرَ عَنْهَا لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ إذْ لَا ثَمَرَةَ لَهَا حِينَئِذٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (كَأَنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ) : أَيْ لِلْمُشْتَرِي، فَإِنَّهُ يَغْرَمُ الثَّمَنَ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا غُلِّبَ جَانِبُ الْبَائِعِ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الْأَكْثَرَ] : مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ ضَمِنَ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ. قَوْلُهُ: [وَالْقِيمَةِ] : أَيْ وَتُعْتَبَرُ يَوْمَ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ. قَوْلُهُ: [فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ] : الْأُولَى: مَا إذَا كَانَ يُعَابُ عَلَيْهِ وَادَّعَى الضَّيَاعَ وَلَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ. وَالثَّانِيَةُ: مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَاتَّهَمَهُ وَلَمْ يَحْلِفْ. وَالثَّالِثَةُ: مَا لَا يُعَابُ عَلَيْهِ وَظَهَرَ كَذِبُهُ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَحْلِفَ] إلَخْ: هَذِهِ هِيَ الْأَوْلَى. قَوْلُهُ: [فَالثَّمَنُ خَاصَّةً] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ مِمَّا يُعَابُ عَلَيْهِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي ضَيَاعَهُ أَوْ تَلَفَهُ وَلَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ أَوْ مُسَاوِيًا لِلْقِيمَةِ غَرِمَهُ وَلَا كَلَامَ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ وَغَرِمَهَا فَلَا كَلَامَ. وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَغْرَمَ الثَّمَنَ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ مِنْهَا حَلَفَ الْيَمِينَ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَغْرَمُ الثَّمَنَ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ] : أَيْ لِأَنَّهُ يُعَدُّ رَاضِيًا وَسَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ يَحْلِفْ عِنْدَ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الشِّرَاءَ، وَإِلَّا كَانَتْ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ.

(وَلَوْ اشْتَرَى) شَخْصٌ (أَحَدَ) سِلْعَتَيْنِ (كَثَوْبَيْنِ، وَقَبَضَهُمَا) مِنْ الْبَائِعِ لِيَخْتَارَ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَيَرُدَّ الْآخَرَ (فَادَّعَى ضَيَاعَهُمَا) مَعًا (ضَمِنَ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْآخَرِ أَمِينٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ (بِالثَّمَنِ) الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ سَوَاءٌ (كَانَ فِيمَا يَخْتَارُهُ بِخِيَارٍ أَوْ لَا) بِأَنْ كَانَ فِيهِ عَلَى الْبَتِّ وَقِيلَ: الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي الْأَوَّلِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ فِيمَا يَخْتَارُهُ عَلَى الْبَتِّ - لَاشْتَرَكَا فِيهِمَا - وَلَزِمَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: لَوْ غَابَ الْبَائِعُ عَلَى الْمَبِيعِ بِالْخِيَارِ وَادَّعَى التَّلَفَ وَالضَّيَاعَ - وَالْخِيَارُ لِغَيْرِهِ، مُشْتَرٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ - فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الثَّمَنَ. وَمَعْنَى ضَمَانِهِ رَدُّهُ لِلْمُشْتَرِي إنْ كَانَ قَبَضَهُ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ - كَذَا فِي الْأَصْلِ. الثَّانِي: اشْتَرَيَا دَابَّتَيْنِ خِيَارًا ادَّعَى كُلٌّ التَّلَفَ وَقَالَ أَهْلُ الْمَوْضِعِ: إنَّمَا تَلِفَتْ وَاحِدَةٌ، فَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ قَوْلَيْنِ: بَرَاءَتُهُمَا لِصِدْقِ أَحَدِهِمَا قَطْعًا وَلَا يَضْمَنُ الثَّانِي بِالشَّكِّ، وَضَمَانُ كُلٍّ نِصْفَ دَابَّتِهِ وَصَوَّبَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِهِ كَمَا فِي الـ (مج) . قَوْلُهُ: [وَلَوْ اشْتَرَى شَخْصٌ أَحَدَ سِلْعَتَيْنِ] : لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى بَيْعِ الْخِيَارِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الِاخْتِيَارِ الْمُجَامِعِ لِلْخِيَارِ وَالْمُنْفَرِدِ عَنْهُ فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ: بَيْعُ خِيَارٍ فَقَطْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَبَيْعُ اخْتِيَارٍ فَقَطْ، وَبَيْعُ خِيَارٍ وَاخْتِيَارٍ، وَالْكَلَامُ الْآنَ فِيهِمَا. وَفِي كُلٍّ مِنْهَا؛ إنْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ مَثَلًا: إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ ضَيَاعَهُمَا مَعًا أَوْ ضَيَاعَ أَحَدِهِمَا، أَوْ تَمْضِيَ الْمُدَّةُ مَعَ بَقَائِهِمَا وَلَمْ يَخْتَرْ؛ فَهَذِهِ تِسْعُ صُوَرٍ يُعْلَمُ تَفْصِيلُهَا مِمَّا تَقَدَّمَ وَمِنْ هُنَا. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الثَّوْبَيْنِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ فَقَطْ كِلَاهُمَا مَبِيعٌ فَيَضْمَنُهُمَا ضَمَانَ الرِّهَانِ إنْ ادَّعَى ضَيَاعَهُمَا أَوْ ضَيَاعَ أَحَدِهِمَا. فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ وَلَمْ يَخْتَرْ لَزِمَاهُ مَعًا؛ فَهَذِهِ ثَلَاثٌ، وَفِي الِاخْتِيَارِ فَقَطْ إنْ ادَّعَى ضَيَاعَهُمَا أَوْ ادَّعَى ضَيَاعَ أَحَدِهِمَا أَوْ مَضَتْ مُدَّةُ الِاخْتِيَارِ وَلَمْ يَخْتَرْ لَزِمَهُ النِّصْفُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيَغْرَمُ نِصْفَ ثَمَنِ أَحَدِهِمَا وَنِصْفَ قِيمَةِ الْآخَرِ. فَهَذِهِ ثَلَاثٌ أَيْضًا. وَفِي بَيْعِ الْخِيَارِ وَالِاخْتِيَارِ إنْ ادَّعَى ضَيَاعَهُمَا مَعًا ضَمِنَ وَاحِدًا بِالثَّمَنِ وَإِنْ ادَّعَى ضَيَاعَ وَاحِدٍ فَقَطْ ضَمِنَ نِصْفَهُ وَلَهُ اخْتِيَارُ الْبَاقِي. وَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَخْتَرْ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ فَهَذَا ثَلَاثٌ أَيْضًا فَلْتَحْفَظْ تِلْكَ الصُّوَرَ التِّسْعَ قَوْلُهُ: [وَقِيلَ الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ] : هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِمَا سَيَأْتِي.

نِصْفُ قِيمَةِ أَحَدِهِمَا وَنِصْفُ ثَمَنِ الْآخَرِ. (وَ) إنْ ادَّعَى (ضَيَاعَ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا - وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِضَيَاعِهِ - (فَفِي الْخِيَارِ مَعَهُ) : أَيْ مَعَ الِاخْتِيَارِ - بِأَنْ شُرِطَ أَنَّهُ شَرْطٌ فِيمَا يَخْتَارُهُ بِالْخِيَارِ (ضَمِنَ نِصْفَهُ) لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالضَّائِعِ، هَلْ هُوَ الْمَبِيعُ بِالْخِيَارِ، أَوْ الثَّانِي؟ فَأَعْمَلْنَا الِاحْتِمَالَيْنِ. (وَلَهُ) : أَيْ لِلْمُشْتَرِي فِي ادِّعَاءِ ضَيَاعِ وَاحِدٍ فَقَطْ (اخْتِيَارُ الْبَاقِي) وَرَدُّهُ لِرَبِّهِ، إنْ كَانَ زَمَنُ الْخِيَارِ بَاقِيًا. وَلَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ نِصْفِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ. فَإِنْ قَالَ: كُنْتُ اخْتَرْتُ مَا ضَاعَ قَبْلَ ضَيَاعِهِ، صُدِّقَ وَلَزِمَهُ ثَمَنُهُ. وَلَوْ قَالَ: كُنْتُ اخْتَرْتُ هَذَا الْبَاقِيَ ثُمَّ ضَاعَ الْآخَرُ وَأَنَا فِيهِ أَمِينٌ، لَمْ يُصَدَّقْ وَيَلْزَمُهُ نِصْفُهُ. (وَفِي الِاخْتِيَارِ فَقَطْ) : أَيْ دُونَ خِيَارٍ؛ بِأَنْ كَانَ فِيمَا يَخْتَارُهُ عَلَى الْبَتِّ وَادَّعَى ضَيَاعَ أَحَدِهِمَا وَلَا بَيِّنَةَ (لَزِمَهُ النِّصْفُ مِنْ كُلٍّ) : مِنْ التَّالِفِ وَالْبَاقِي، وَلَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ الْبَاقِي - كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ يُونُسَ - لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ إنْ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى الْخِيَارِ وَلَمْ تَنْقُصْ مُدَّتُهُ؛ وَهَذَا مِمَّا يُرَجِّحُ الْقِيلَ الْمُتَقَدِّمَ فِي ضَيَاعِهِمَا مَعًا وَيُضَعِّفُ التَّعْمِيمَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَصْلِ فَتَدَبَّرْ. ثُمَّ شَبَّهَ فِي لُزُومِ النِّصْفِ مِنْ كُلِّ قَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَأَعْمَلْنَا الِاحْتِمَالَيْنِ] : أَيْ احْتِمَالَ كَوْنِ الضَّائِعِ هُوَ الْمَبِيعَ وَاحْتِمَالَ كَوْنِهِ غَيْرَهُ أَيْ ارْتَكَبْنَا حَالَةً وُسْطَى، لِأَنَّهُ عَلَى احْتِمَالِ كَوْنِ الضَّائِعِ هُوَ الْمَبِيعَ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ وَعَلَى احْتِمَالِ كَوْنِهِ غَيْرَ الْمَبِيعِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ فَتَوَسَّطْنَا وَأَخَذْنَا مِنْ كُلٍّ طَرَفًا. قَوْلُهُ: [اخْتِيَارُ الْبَاقِي] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ نِصْفِهِ] : أَيْ خِلَافًا لِابْنِ الْمَوَّازِ الْقَائِلِ الْقِيَاسُ أَنَّ لَهُ اخْتِيَارَ النِّصْفِ الْبَاقِي لَا جَمِيعِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَبِيعَ ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَإِذَا اخْتَارَ جَمِيعَ الْبَاقِي لَزِمَ كَوْنُ الْمَبِيعِ ثَوْبًا وَنِصْفًا وَهُوَ خِلَافُ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ جَرَّ إلَيْهِ الْحُكْمَ لِدَفْعِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ] إلَخْ: الْمُنَاسِبُ الِاخْتِيَارُ وَهُوَ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ

[خيار النقيصة قسمان]

(كَانْقِضَاءِ مُدَّتِهِ) أَيْ الِاخْتِيَارِ (بِلَا ضَيَاعٍ) وَلَمْ يَخْتَرْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ النِّصْفُ مِنْ كُلٍّ، وَيَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فِي كُلٍّ إذَا لَمْ يَرْضَيَا بِأَخْذِ كُلٍّ مِنْهُمَا ثَوْبًا وَيَتْرُكُ لِصَاحِبِهِ الْآخَرَ. (وَلَوْ انْقَضَتْ) مُدَّةُ الْخِيَارِ وَالِاخْتِيَارِ (فِي) اشْتِرَاءِ أَحَدِهِمَا عَلَى (الْخِيَارِ مَعَهُ) : أَيْ مَعَ الِاخْتِيَارِ بِأَنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا عَلَى أَنْ يَخْتَارَ، ثُمَّ هُوَ فِيمَا يَخْتَارُهُ بِالْخِيَارِ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَخْتَرْ (لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) مِنْ الثَّوْبَيْنِ وَلَا شَرِكَةَ فِيهِمَا، لِأَنَّ تَرْكَ الِاخْتِيَارِ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ دَلِيلٌ عَلَى إعْرَاضِهِ عَنْ الشِّرَاءِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ الْبَائِعِ إذَا لَمْ يَقَعْ الْبَيْعُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَيَلْزَمُهُ وَلَا عَلَى لُزُومِ أَحَدِهِمَا فَيَشْتَرِكَا. وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ خِيَارُ التَّرَوِّي، شَرَعَ فِي بَيَانِ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ خِيَارُ النَّقِيصَةِ فَقَالَ: (وَ) الْقِسْمُ (الثَّانِي) وَهُوَ خِيَارُ النَّقِيصَةِ قِسْمَانِ: مَا وَجَبَ لِفَقْدِ شَرْطٍ، وَمَا وَجَبَ لِظُهُورِ عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ. وَإِلَى الْأَوَّلِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (مَا) أَيْ خِيَارٌ (وَجَبَ) : أَيْ ثَبَتَ بَعْدَ إبْرَامِ الْبَيْعِ (لِعَدَمِ) : أَيْ لِأَجَلِ فَقْدِ شَيْءٍ (مَشْرُوطٍ) شُرِطَ فِي الْعَقْدِ (فِيهِ) : أَيْ فِي ذَلِكَ الْمَشْرُوطِ (غَرَضٌ) لِلْمُشْتَرِي كَانَ فِيهِ مَالِيَّةٌ؛ كَشَرْطِ كَوْنِهَا طَبَّاخَةً فَلَمْ تُوجَدْ كَذَلِكَ، أَوْ لَا مَالِيَّةَ فِيهِ: كَاشْتِرَاطِ كَوْنِهَا ثَيِّبًا لِيَمِينٍ عَلَيْهِ أَلَّا يَطَأَ بِكْرًا فَوَجَدَهَا بِكْرًا كَمَا يَأْتِي فِي الْأَمْثِلَةِ إذَا وَقَعَ الشَّرْطُ فِي الْعَقْدِ (وَلَوْ حُكْمًا، كَمُنَادَاةٍ) عَلَيْهَا حَالَ تَسْوِيمِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [خِيَارُ النَّقِيصَةِ قِسْمَانِ] [مَا وَجَبَ لفقد شَرْط وَمَا وَجَبَ لِظُهُورِ عَيْب فِي الْمَبِيع] قَوْلُهُ: [كَانَ فِيهِ مَالِيَّةٌ] : أَيْ بِأَنَّ الثَّمَنَ يَزِيدُ عِنْدَ وُجُودِهِ وَيَقِلُّ عِنْدَ عَدَمِهِ. قَوْلُهُ: [كَاشْتِرَاطِ كَوْنِهَا ثَيِّبًا] إلَخْ: أَيْ وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِشَرْطِ كَوْنِهَا نَصْرَانِيَّةً فَوَجَدَهَا مُسْلِمَةً فَأَرَادَ رَدَّهَا، وَادَّعَى أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَطَ كَوْنَهَا نَصْرَانِيَّةً لِإِرَادَتِهِ تَزْوِيجَهَا مِنْ عَبْدِهِ النَّصْرَانِيِّ وَيُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ وَجْهٍ بِخِلَافِ دَعْوَى أَنَّ عَلَيْهِ يَمِينًا فِي مَسْأَلَةِ الثَّيِّبِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ وَلَوْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ وَجْهٌ.

أَنَّهَا طَبَّاخَةٌ أَوْ خَيَّاطَةٌ فَتُوجَدُ بِخِلَافِهِ. فَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فَلَهُ الرَّدُّ. وَمَثَّلَ لِلْمَشْرُوطِ الَّذِي فِيهِ الْغَرَضُ بِقَوْلِهِ: (كَطَبْخٍ وَخِيَاطَةٍ) وَنَسْجٍ وَقُوَّةِ حَمْلٍ وَفَرَاهَةٍ وَطَحْنٍ وَحَرْثٍ مِنْ كُلِّ وَصْفٍ فِيهِ حَقٌّ مَالِيٌّ (وَثُيُوبَةٌ لِيَمِينٍ) عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَطَأُ الْأَبْكَارَ ثُمَّ (يَجِدُهَا بِكْرًا) وَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْيَمِينِ، لَا إنْ انْتَفَى الْغَرَضُ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ وَاشْتَرَطَ أَلَّا يَكُونَ كَاتِبًا فَوَجَدَهُ كَاتِبًا وَلَا إنْ وَجَدَهَا بِكْرًا فِي غَيْرِ يَمِينٍ فَيُلْغَى الشَّرْطُ، وَلَا رَدَّ. وَأَشَارَ لِلْقِسْمِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: (أَوْ) مَا وَجَبَ (لِنَقْصٍ) أَيْ لِوُجُودِ نَقْصٍ فِي الْمَبِيعِ - عَقَارًا كَانَ الْمَبِيعُ أَوْ عَرْضًا أَوْ عَيْنًا فَيَشْمَلُ الثَّمَنَ (الْعَادَةُ السَّلَامَةُ مِنْهُ) فِي ذَلِكَ الْمَبِيعِ، فَلَهُ الرَّدُّ بِهِ إنْ أَخَلَّ بِالذَّاتِ أَوْ بِالثَّمَنِ أَوْ التَّصَرُّفِ الْعَادِي أَوْ كَانَ يَخَافُ عَاقِبَتَهُ لَا إنْ لَمْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ كُلِّهِ (كَغِشَاوَةٍ) بِعَيْنِهِ لِعَدَمِ تَمَامِ الْبَصَرِ، وَكَذَا إذَا كَانَ يَعْشُو بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ لَا يُبْصِرُ لَيْلًا (وَعَوَرٍ) : وَأَوْلَى الْعَمَى، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ غَائِبًا وَبِيعَ بِالصِّفَةِ أَوْ رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ، أَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَعْمَى حَيْثُ كَانَ الْعَوَرُ ظَاهِرًا، وَإِلَّا فَلَا يَنْفَعُهُ دَعْوَى أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ حَالَ الْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَ خَفِيًّا كَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ تَامَّ الْحَدَقَةِ يَظُنُّ فِيهِ أَنْ يُبْصِرَ فَلَهُ الرَّدُّ وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا وَالْمُشْتَرِي بَصِيرًا (وَظَفَرٍ) بِعَيْنِهِ: وَهُوَ لَحْمٌ يَنْشَأُ عَلَى بَيَاضِ الْعَيْنِ مِنْ جِهَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ] : أَيْ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ الْعَادَةُ التَّلْفِيقَ مِنْ السِّمْسَارِ، فَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ التَّلْفِيقَ فَلَا يُعَدُّ قَوْلُهُ شَرْطًا. قَوْلُهُ: [وَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْيَمِينِ] : أَيْ وَلَوْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ وَجْهُ خِلَافًا لِمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ سَهْلٍ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [فَيُلْغَى الشَّرْطُ] : أَيْ لِكَوْنِهِ لَا غَرَضَ فِيهِ وَلَا نَفْعَ لِلْمُشْتَرِي نَعَمْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَطَ فِي عَبْدٍ الْخِدْمَةَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ كَاتِبٍ فَوَجَدَهُ كَاتِبًا أَنَّ لَهُ الرَّدُّ وَأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لِغَرَضٍ وَهُوَ خِلَافُ اطِّلَاعِ الْعَبْدِ عَلَى عَوْرَاتِ السَّيِّدِ. قَوْلُهُ: [وَظَفَرٍ] : بِالتَّحْرِيكِ. وَمِثْلُهُ الشَّعْرُ النَّابِتُ فِي الْعَيْنِ فَيُرَدُّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ الْبَصَرَ.

الْأَنْفِ إلَى سَوَادِهَا (وَعَرَجٍ وَخِصَاءٍ) بِغَيْرِ بَقَرٍ (وَاسْتِحَاضَةٍ) : بِأَمَةٍ وَلَوْ وَخْشًا لِأَنَّهَا مِنْ الْمَرَضِ الَّذِي شَأْنُ النُّفُوسِ أَنْ تَكْرَهَهُ (وَعَسَرٍ) بِفَتْحَتَيْنِ: وَهُوَ الْعَمَلُ بِالْيَدِ الْيُسْرَى فَقَطْ بِخِلَافِ الْأَضْبَطِ وَهُوَ مَنْ يَعْمَلُ بِكُلٍّ مِنْ يَدَيْهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْأَعْسَرُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (وَبَخَرٍ) : عُفُونَةُ الْفَرْجِ وَكَذَا عُفُونَةُ النَّفَسِ إذَا قَوِيَ (وَزِنًا) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَيْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ زَنَى عِنْدَ الْبَائِعِ (وَشُرْبٍ) لِمُسْكِرٍ وَكَذَا أَكْلُ الْمُغَيِّبِ كَأَفْيُونٍ وَحَشِيشَةٍ (وَزَعَرٍ) لِذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى: وَهُوَ عَدَمُ نَبَاتِ شَعْرِ الْعَانَةِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْمَرَضِ إلَّا لِدَوَاءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَخِصَاءٍ] : بِالْمَدِّ فَهُوَ عَيْبٌ وَإِنْ زَادَ فِي ثَمَنِ الرَّقِيقِ لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ غَيْرُ شَرْعِيَّةٍ كَغِنَاءِ الْأَمَةِ. قَوْلُهُ: [بِغَيْرِ بَقَرٍ] : أَيْ فَإِنَّ الْخِصَاءَ فِيهَا لَيْسَ عَيْبًا لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ مِنْهَا إلَّا الْخَصِي وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ خُصُوصُ الْبَقَرِ لَا مَا يَشْمَلُ الْجَامُوسَ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيهِ عَدَمُ الْخِصَاءِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْخِصَاءَ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ غَيْرَ الْبَقَرِ يُرَدُّ بِهِ وَلَوْ يَزِيدُهُ حُسْنًا. قَوْلُهُ: [وَاسْتِحَاضَةٍ] : أَيْ إنْ ثَبَتَ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ الْبَائِعِ احْتِرَازًا مِنْ الْمَوْضُوعَةِ لِلِاسْتِبْرَاءِ تَحِيضُ، ثُمَّ يَسْتَمِرُّ عَلَيْهَا الدَّمُ فَلَا تُرَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَدُّ إلَّا بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ. وَمِثْلُ الِاسْتِحَاضَةِ تَأْخِيرُ حَيْضَةِ الِاسْتِبْرَاءِ عَنْ وَقْتِ مَجِيئِهَا زَمَنًا لَا يَتَأَخَّرُ الْحَيْضُ لِمِثْلِهِ عَادَةً لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الرِّيبَةِ. وَهَذَا فِيمَنْ تَتَوَاضَعُ. وَأَمَّا مَنْ لَا تَتَوَاضَعُ فَلَا تُرَدُّ بِتَأْخِيرِ الْحَيْضِ إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهَا حَاضَتْ عِنْدَهُ، لِأَنَّهُ عَيْبٌ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لِدُخُولِهَا فِي ضَمَانِهِ بِالْعَقْدِ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْعَادَةُ بِقِدَمِهِ. قَوْلُهُ: [ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى] : أَيْ عَلِيًّا أَوْ وَخْشًا. قَوْلُهُ: [وَكَذَا عُفُونَةُ النَّفَسِ إذَا قَوِيَ] : أَيْ وَلَوْ مِنْ ذَكَرٍ كَمَا فِي (ح) لِتَأَذِّي سَيِّدِهِ بِكَلَامِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ عَيْبِ التَّزْوِيجِ فَلَا يُرَدُّ بِبَخَرِ الْفَمِ لِبِنَاءِ النِّكَاحِ عَلَى الْمُكَارَمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَزِنًا] : شَمِلَ اللِّوَاطَ فَاعِلًا أَوْ مَفْعُولًا. قَوْلُهُ: [وَهُوَ عَدَمُ نَبَاتِ شَعْرِ الْعَانَةِ] : أَيْ وَأَمَّا قَطْعُ ذَنَبِ الدَّابَّةِ فَيُسَمَّى بَتْرًا، وَهُوَ عَيْبٌ أَيْضًا.

وَمِثْلُهُ عَدَمُ نَبَاتِ شَعْرِ الْحَاجِبِ أَوْ الْهُدْبِ (وَزِيَادَةِ سِنٍّ) : مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى فِي مُقَدَّمِ الْفَمِ أَوْ مُؤَخِّرِهِ (وَجُذَامٍ وَلَوْ بِأَصْلٍ) بِأَنْ كَانَ بِأَحَدِ أَبَوَيْهِ وَإِنْ عَلَا، لِأَنَّهُ يَسْرِي فِي الْفُرُوعِ فَيُخَافُ عَاقِبَتُهُ (وَجُنُونِهِ) : أَيْ الْأَصْلُ مِنْ أَبٍ أَوْ أُمٍّ (بِطَبْعٍ) : أَيْ لَا دَخْلَ لِمَخْلُوقٍ فِيهِ فَشَمِلَ الْوَسْوَاسَ وَالصَّرَعَ الْمُذْهِبَ لِلْعَقْلِ وَالْعَتَهَ. (لَا) إنْ كَانَ (بِمَسِّ جِنٍّ) فَلَا يُرَدُّ بِهِ الْفَرْعُ لِعَدَمِ سَرَيَانِهِ لَهُ عَادَةً وَالْبَرَصُ كَالْجُذَامِ (وَسُقُوطِ سِنٍّ مِنْ مُقَدَّمٍ) أَيْ مُقَدَّمِ الْفَمِ مُطْلَقًا وَلَوْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ وَخْشٍ (أَوْ) مِنْ (رَائِعَةٍ) وَلَوْ فِي غَيْرِ الْمُقَدَّمِ (وَإِلَّا) تَكُنْ رَائِعَةً بَلْ وَخْشًا أَوْ ذَكَرًا مِنْ غَيْرِ الْمُقَدَّمِ (فَأَكْثَرَ) مِنْ سِنٍّ تُرَدُّ بِهِ، لَا بِوَاحِدَةٍ فَهَذَا أَوْفَى مِنْ كَلَامِهِ (وَشَيْبٍ بِهَا) : أَيْ بِالرَّائِعَةِ فَقَطْ تُرَدُّ بِهِ (لَا بِغَيْرِهَا) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ وَخْشٍ فَلَا يُرَدُّ بِالشَّيْبِ (إلَّا أَنْ يَكْثُرَ) فَيُرَدُّ بِهِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْعَقْدِ وَإِلَّا رُدَّ بِهِ وَلَوْ لَمْ يَكْثُرْ (وَبَوْلٍ بِفَرْشٍ) : أَيْ حَالَ النَّوْمِ (فِي وَقْتٍ يُنْكَرُ) الْبَوْلُ فِيهِ، بِأَنْ يَبْلُغَ سِنًّا لَا يَبُولُ الْإِنْسَانُ فِيهِ غَالِبًا (إنْ ثَبَتَ حُصُولُهُ عِنْدَ الْبَائِعِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمِثْلُهُ عَدَمُ نَبَاتِ شَعْرِ الْحَاجِبِ أَوْ الْهُدْبِ] إلَخْ: أَيْ فَهُمَا عَيْبٌ وَلَوْ كَانَا لِدَوَاءٍ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [وَزِيَادَةِ سِنٍّ] : أَيْ فَوْقَ الْأَسْنَانِ، وَأَمَّا كِبَرُ السِّنِّ مِنْ الْمُقَدَّمِ فَهُوَ عَيْبٌ فِي الرَّائِعَةِ وَانْظُرْهُ فِي غَيْرِهَا. قَوْلُهُ: [أَوْ أُمٌّ] : أَيْ مَثَلًا فَالْمُرَادُ مُحَرَّمٌ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُرَدُّ بِهِ الْفَرْعُ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ الْجُنُونُ الَّذِي بِمَسِّ جِنٍّ فِي أَحَدِ الْأُصُولِ فَلَا يُرَدُّ بِهِ أَحَدُ الْفُرُوعِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْجُنُونُ بِنَفْسِ الْمَبِيعِ فَعَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا كَانَ بِطَبْعٍ أَوْ مَسِّ جِنٍّ. قَوْلُهُ: [وَسُقُوطِ سِنٍّ] : أَيْ لِغَيْرِ إثْغَارٍ وَلِغَيْرِ مَنْ طَعَنَتْ فِي الْكِبَرِ بِحَيْثُ لَا يُسْتَغْرَبُ سُقُوطُ أَسْنَانِهِ. قَوْلُهُ: [وَشَيْبٍ] : أَيْ إنْ وُجِدَ قَبْلَ أَوَانِهِ وَأَمَّا فِي بِنْتِ السِّتِّينَ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ] : أَيْ وَأَمَّا إذَا اُشْتُرِطَ شَيْءٌ فَيُعْمَلُ بِهِ إذَا تَخَلَّفَ الْمَشْرُوطُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْعَادَةُ السَّلَامَةَ مِنْهُ فَالْمَدَارُ فِي الشَّرْطِ عَلَى الْغَرَضِ الشَّرْعِيِّ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِ الْبَابِ.

بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ (وَإِلَّا) يَثْبُتُ (حَلَفَ) الْبَائِعُ أَنَّهَا لَمْ تَبُلْ عِنْدَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّهَا بَالَتْ عِنْدَهُ، فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَيْهِ الذَّاتُ الْمَبِيعَةُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَهَذَا (إنْ بَالَتْ) بَعْدَ الشِّرَاءِ (عِنْدَ أَمِينٍ) أُنْثَى أَوْ ذَكَرٍ لَهُ زَوْجَةٌ أَوْ أُمٌّ وَيُصَدِّقُ الْأَمِينُ فِي بَوْلِهَا عِنْدَهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَ أَمِينٍ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ بِيَمِينٍ عَلَيْهِ، فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِمْ: عِنْدَ أَمِينٍ، إلَّا أَنْ يُحْتَرَزَ بِهِ عَنْ كَوْنِهَا تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي بَوْلَهَا عِنْدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ بِلَا يَمِينٍ. وَظَاهِرٌ أَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي قِدَمِهِ وَحُدُوثِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَمِينَ مُصَدَّقٌ فِيمَا قَالَهُ لَا أَنَّهُ فِي وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ كَمَا قِيلَ. (وَتَخَنُّثِ عَبْدٍ وَفُحُولَةِ أَمَةٍ اشْتَهَرَتْ بِذَلِكَ) الْأَظْهَرُ مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ تَأْوِيلُ غَيْرِ عَبْدِ الْحَقِّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّشَبُّهُ بِأَنْ يَتَشَبَّهَ الْعَبْدُ فِي كَلَامِهِ وَحَرَكَاتِهِ بِالنِّسَاءِ وَأَنْ تَتَشَبَّهَ الْأَمَةُ فِي ذَلِكَ بِالرِّجَالِ، وَقَوْلُهُ: " اشْتَهَرَتْ " بِالتَّاءِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَيْدَ الِاشْتِهَارِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَمَةِ فَقَطْ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَوَجْهُهُ فِي التَّوْضِيحِ: بِأَنَّ التَّخَنُّثَ فِي الْعَبْدِ يُضْعِفُهُ عَنْ الْعَمَلِ وَيُنْقِصُ نَشَاطَهُ، وَالتَّذْكِيرَ فِي الْأَمَةِ لَا يَمْنَعُ جَمِيعَ الْخِصَالِ الَّتِي تُرَادُ مِنْهَا وَلَا يُنْقِصُهَا. فَإِذَا اُشْتُهِرَتْ بِذَلِكَ كَانَ عَيْبًا لِأَنَّهَا مَلْعُونَةٌ كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّهَا بَالَتْ عِنْدَهُ] : تَصْوِيرٌ لِيَمِينِ الْبَائِعِ فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ لِأَنَّ يَمِينَهُ لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. قَوْلُهُ: [كَمَا قِيلَ] : الْقَائِلُ لَهُ (عب) وَتَبِعَهُ فِي الْأَصْل، فَقَالَ وَدَلَّ قَوْلُهُ: إنْ أَقَرَّتْ إلَخْ عَلَى أَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ لَا فِي حُدُوثِهِ وَقِدَمِهِ إذْ لَا يَحْسُنُ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَالَ إنْ أَقَرَّتْ إلَخْ. وَاخْتِلَافُهُمَا فِي الْحُدُوثِ وَالْقِدَمِ الْقَوْلُ لِمَنْ شَهِدَتْ الْعَادَةُ لَهُ أَوْ رَجَحَتْ بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ لَمْ تَقْطَعْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلِلْبَائِعِ بِيَمِينٍ (اهـ) . وَمَا قَالَهُ هُنَا فَقَدْ تَبِعَ فِيهِ (بْن) فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا ادَّعَى الْبَوْلَ وَلَمْ يُثْبِتُ حُصُولُهُ عِنْدَ الْبَائِعِ بِإِقْرَارٍ وَلَا بَيِّنَةٍ فَإِنْ حَصَلَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ عِنْدَ الْأَمِينِ لَزِمَ الْبَائِعَ الْيَمِينُ عَلَى نَفْيِ الْقِدَمِ مَا لَمْ تَقْطَعْ الْعَادَةُ أَوْ تُرَجِّحْ حُدُوثَهُ وَإِلَّا فَلَا يَمِينَ عَلَى الْبَائِعِ وَمَا لَمْ تَقْطَعْ الْعَادَةُ أَوْ تُرَجِّحْ قِدَمَهُ وَإِلَّا فَيُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ مِنْ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَتْ مُجَرَّدَ دَعْوَى مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَا يَمِينَ عَلَى الْبَائِعِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ تَوَجُّهَ الْيَمِينِ عَلَى الْبَائِعِ إنَّمَا يَكُونُ فِي نَفْيِ الْقِدَمِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُدُوثِ وَأَمَّا فِي الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ فَلَا تَتَوَجَّهُ عَلَى الْبَائِعِ يَمِينٌ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ دَعْوَى مِنْ الْمُشْتَرِي

فِي الْحَدِيث. وَجَعَلَ فِي الْوَاضِحَةِ قَيْدَ الِاشْتِهَارِ رَاجِعًا لَهُمَا (اهـ) فَلِذَا اقْتَصَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَيْهِ. وَتَأَوَّلَهَا عَبْدُ الْحَقِّ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّخَنُّثِ وَالْفُحُولَةِ الْفِعْلُ، بِأَنْ يُفْعَلَ بِالْعَبْدِ وَتَفْعَلُ الْأَمَةُ فِعْلَ شِرَارِ النِّسَاءِ. وَرَدَّهُ أَبُو عِمْرَانَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْفِعْلَ لَكَانَ عَيْبًا وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَحْتَاجُ لِقَيْدِ الِاشْتِهَارِ فِي الْأَمَةِ فَظَهَرَ مِنْ هَذَا النَّقْلِ أَنَّ الْأَرْجَحَ أَنَّ تَخَنُّثَ الْعَبْدِ عَيْبٌ مُطْلَقًا اُشْتُهِرَ بِهِ أَوْ لَا، وَأَنَّ فُحُولَةَ الْأَمَةِ لَا تُرَدُّ بِهِ إلَّا إذَا اُشْتُهِرَتْ بِهِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ يُقَدَّمُ عَلَى صَرِيحِ غَيْرِهَا وَأَنَّ الْأَرْجَحَ مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ فِي تَفْسِيرِ التَّخَنُّثِ التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ (وَكَرَهَصٍ) هُوَ دَاءٌ بِحَافِرِ الدَّابَّةِ كَالْفَرَسِ (وَعَثْرٍ) لِدَابَّةٍ (وَحَرَنٍ) بِفَتْحَتَيْنِ (وَعَدَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَفِي الْحَقِيقَةِ مَنْ نَظَرَ لِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى مِنْ الْمُشْتَرِي قَالَ التَّنَازُعُ، فِي الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ، وَمَنْ نَظَرَ لِحُصُولِ الْبَوْلِ عِنْدَ الْأَمِينِ وَالْمُشْتَرِي قَالَ التَّنَازُعُ فِي الْحُدُوثِ وَالْقِدَمِ وَكُلٌّ صَحِيحٌ. تَنْبِيهٌ: مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي يُرَدُّ بِهَا إذَا وُجِدَ الْعَبْدُ الْبَالِغُ غَيْرُ مَخْتُونٍ وَالْأُنْثَى الْبَالِغَةُ غَيْرُ مَخْفُوضَةٍ حَيْثُ كَانَا مَوْلُودَيْنِ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ وَفِي مِلْكِ مُسْلِمٍ أَوْ طَالَتْ إقَامَتُهُمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِي مِلْكِهِمْ كَمَا أَنَّ وُجُودَ الْخِتَانِ وَالْخِفَاضِ فِي الْمَجْلُوبِينَ عَيْبٌ خَشْيَةَ كَوْنِهِمْ مِنْ رَقِيقٍ أَبَقَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ غَارَ عَلَيْهِ الْكُفَّارُ وَهَذَا إذَا كَانُوا مِنْ قَوْمٍ لَيْسَ عَادَتُهُمْ الِاخْتِتَانَ. وَمِنْ الْعُيُوبِ أَنْ يَبِيعَ الرَّقِيقَ بِعُهْدَةِ دَرْكِ الْمَبِيعِ مِنْ الْعُيُوبِ مَعَ كَوْنِهِ اشْتَرَاهُ بِبَرَاءَةٍ مِنْ الْعُيُوبِ كَمَا إذَا اشْتَرَاهُ مِمَّنْ تَبْرَأُ لَهُ مِنْ عُيُوبٍ لَا يَعْلَمُهَا مَعَ طُولِ إقَامَتِهِ عِنْدَهُ ثُمَّ يَبِيعُهُ عَلَى الْعُهْدَةِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَوْ عَلِمْت أَنَّك اشْتَرَيْته بِالْبَرَاءَةِ لَمْ اشْتَرِهِ مِنْك إذْ قَدْ أُصِيبُ بِهِ عَيْبًا وَأَجِدُك عَدِيمًا فَلَا يَكُونُ لِي الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِك. قَوْلُهُ: [وَكَرَهَصٍ] : أَدْخَلَتْ الْكَافُ الدَّبَرَ وَهُوَ الْقُرْحَةُ وَالنِّطَاحُ وَالرَّفْسُ وَتَقْوِيسُ الذِّرَاعَيْنِ وَقِلَّةُ الْأَكْلِ وَالنُّفُورُ الْمُفْرِطَيْنِ وَأَمَّا كَثْرَةُ الْأَكْلِ فَلَيْسَتْ عَيْبًا فِي الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ وَهِيَ عَيْبٌ فِي الرَّقِيقِ إنْ كَانَتْ خَارِجَةً عَنْ الْمُعْتَادِ. وَقَالَ (بْن) : وَجَدْت: بِخَطِّ ابْنِ غَازِيٍّ مَا نَصُّهُ: قِيلَ الْعَمَلُ الْيَوْمَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى فَرَسًا فَأَقَامَ عِنْدَهُ شَهْرًا لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ رَدِّهِ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ فَانْظُرْ هَلْ يَصِحُّ هَذَا اهـ قُلْت وَقَدْ اُسْتُمِرَّ بِهَذَا الْعَمَلِ فَفِي نَظْمِ الْعَمَلِيَّاتِ: وَبَعْدَ شَهْرٍ الدَّوَابُّ بِالْخُصُوصِ ... بِالْعَيْبِ لَا تُرَدُّ فَافْهَمْ النُّصُوصْ

حَمْلٍ مُعْتَادٍ) لِمِثْلِهَا بِأَنْ وَجَدَهَا لَا تُطِيقُ حَمْلَ أَمْثَالِهَا، فَتُرَدُّ بِذَلِكَ. وَيُقَاسُ عَلَى هَذِهِ الْعُيُوبِ مَا شَابَهَهَا مِنْ كُلِّ عَيْبٍ أَدَّى لِنَقْصٍ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ أَوْ خِيفَ عَاقِبَتُهُ. وَالشَّيْخُ ذَكَرَ هُنَا أَمْثِلَةً كَثِيرَةً. (وَلَا رَدَّ بِكَيٍّ لَمْ يُنْقِصْ) ثَمَنًا وَلَا ذَاتًا (وَلَا) رَدَّ (بِتُهْمَةٍ) لِرَقِيقٍ (بِكَسَرِقَةٍ) وَاخْتِلَاسٍ وَغَصْبٍ (ظَهَرَتْ الْبَرَاءَةُ مِنْهَا) بِأَنْ ثَبَتَ أَنَّ السَّارِقَ غَيْرُهُ، أَوْ أَنَّ الشَّيْءَ لَمْ يُسْرَقْ أَصْلًا، أَوْ أَقَرَّ رَبُّ الْمَتَاعِ بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ كَانَ لَهُ الرَّدُّ، وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ مُتَّهَمًا فِي نَفْسِهِ مَشْهُورًا بِالْعَدَاءِ وَإِلَّا فَلَهُ الرَّدُّ مُطْلَقًا. (وَلَا) رَدَّ (بِمَا لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ إلَّا بِتَغَيُّرٍ لِلْمَبِيعِ) : مِنْ كَسْرٍ أَوْ نَشْرٍ أَوْ ذَبْحٍ (كَسُوسِ خَشَبٍ وَفَسَادِ جَوْزٍ وَنَحْوِهِ) كَلَوْزٍ وَبُنْدُقٍ (وَمُرِّ قِثَّاءٍ) وَبِطِّيخٍ وَوُجُودِ فَسَادِ بَاطِنِ شَاةٍ بَعْدَ ذَبْحِهَا (إلَّا لِشَرْطٍ) فَيُعْمَلُ بِهِ وَتُرَدُّ. (وَلَا قِيمَةَ) لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَ عَدَمِ الرَّدِّ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ، وَكَذَا لَا قِيمَةَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا رَدَّهَا بِالشَّرْطِ، إذَا كَسَرَهَا فِي نَظِيرِ الْكَسْرِ فِيمَا يَظْهَرُ. وَقَوْلُنَا: " إلَّا لِشَرْطٍ " هُوَ مَا اسْتَظْهَرَهُ الشَّيْخُ فِي التَّوْضِيحِ، لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْعَادَةُ كَالشَّرْطِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِأَنْ وَجَدَهَا لَا تُطِيقُ حَمْلَ أَمْثَالِهَا] : أَيْ فَالْمُرَادُ بِالْحَمْلِ مَا يُحْمَلُ عَلَى الدَّابَّةِ لَا الْوَلَدُ. وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُصَوَّرَ بِمَا إذَا اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الشِّرَاءِ حَمْلَ الدَّابَّةِ فَوَجَدَهَا غَيْرَ حَامِلٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [لَمْ يُنْقِصْ ثَمَنًا وَلَا ذَاتًا] : فَمَتَى نَقَصَ الثَّمَنُ أَوْ الْجَمَالُ وَالْخِلْقَةُ فَهُوَ عَيْبٌ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ] : أَيْ أَنَّ السَّارِقَ غَيْرُهُ وَلَمْ تَظْهَرْ لَهُ بَرَاءَةٌ. قَوْلُهُ: [وَوُجُودِ فَسَادِ بَاطِنِ شَاةٍ] : مِثْلُهَا سَائِرُ الْأَنْعَامِ، وَهَذَا الْفَسَادُ يُسَمَّى فِي عُرْفِ أَرْبَابِ الْأَنْعَامِ بِالْغِشِّ، وَيُسَمَّى الْحَيَوَانُ غَاشًّا. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ: وَلَا رَدَّ بِمَا لَا يُطَّلَعُ إلَّا بِتَغَيُّرٍ ": أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ يُرَدُّ لِفَسَادِهِ، كَالْبَيْضِ. لِأَنَّهُ قَدْ يُعْلَمُ قَبْلَ كَسْرِهِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إنْ رَدَّ الْبَيْضَ لِفَسَادِهِ بَعْدَ كَسْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي كَسْرِهِ - دَلَّسَ الْبَائِعُ أَمْ لَا - إنْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ كَالْمُنْتِنِ، وَكَذَا إنْ جَازَ أَكْلُهُ كَالْمَمْرُوقِ إنْ

(وَلَا) رَدَّ (بِعَيْبٍ قَلَّ بِدَارٍ) : كَكَسْرِ عَتَبَةٍ وَسُلَّمٍ وَسُقُوطِ شُرَافَةٍ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ، وَيَزُولُ بِالْإِصْلَاحِ. وَلَا قِيمَةَ عَلَى الْبَائِعِ فِي الْيَسِيرِ جِدًّا كَمَا مَثَّلْنَا. وَأَمَّا الْيَسِيرُ لَا جِدًّا، بِأَنْ يَكُونَ مَا دُونَ الثُّلُثِ - وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ - فَأَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَرَجَعَ بِقِيمَةِ مَا لَهُ بَالٌ مِنْهُ) : أَيْ مِنْ الْعَيْبِ الْقَلِيلِ (فَقَطْ) لَا رَدَّ بِهِ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الثُّلُثَ (كَصَدْعِ جِدَارٍ) مِنْهَا (بِغَيْرِ وَاجِهَتِهَا) ، إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا مِنْهُ، وَسَوَاءٌ خِيفَ عَلَى الْجِدَارِ نَفْسِهِ أَمْ لَا، عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْأُمَّهَاتِ. (وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ بِوَاجِهَتِهَا) أَوْ بِغَيْرِهَا وَخِيفَ عَلَى الدَّارِ السُّقُوطُ مِنْهُ (فَكَثِيرٌ) تُرَدُّ بِهِ (كَعَدَمِ مَنْفَعَةٍ مِنْ مَنَافِعِهَا) : كَمِلْحِ بِئْرٍ بِمَحَلِّ الْحَلَاوَةِ أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQدَلَّسَ بَائِعُهُ أَوْ لَمْ يُدَلِّسْ وَلَمْ يَكْسِرْهُ الْمُشْتَرِي. فَإِنْ كَسَرَهُ فَلَهُ رَدُّهُ وَمَا نَقَصَهُ مَا لَمْ يَفُتْ بِنَحْوِ قَلْيٍ وَإِلَّا فَلَا رَدَّ وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي بِمَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَلِيمًا مَعِيبًا فَيَقُومُ عَلَى أَنَّهُ صَحِيحٌ غَيْرُ مَعِيبٍ وَصَحِيحٌ مَعِيبٌ فَإِذَا قِيلَ: قِيمَتُهُ صَحِيحًا غَيْرَ مَعِيبٍ عَشْرَةٌ وَصَحِيحًا مَعِيبًا ثَمَانِيَةٌ، رَجَعَ بِنِسْبَةِ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ الْخُمْسُ. وَهَذَا إذَا كَسَرَهُ بِحَضْرَةِ الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ فَلَا رَدَّ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَفَسَدَ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [قَلَّ بِدَارٍ] : لَا مَفْهُومَ لِلدَّارِ بَلْ سَائِرُ الْعَقَارَاتِ كَذَلِكَ؛ كَالْفُرْنِ وَالْحَمَّامِ وَالطَّاحُونِ وَالْخَانِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْعَقَارَ يَسْهُلُ إصْلَاحُ عَيْبِهِ الْيَسِيرِ وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ عَيْبٍ فَلَوْ رُدَّ بِالْيَسِيرِ لَضَرَّ الْبَائِعَ فَتُسُوهِلَ فِيهِ وَلِأَنَّهُ لَا يُرَادُ لِلتِّجَارَةِ غَالِبًا. قَوْلُهُ: [إذَا لَمْ يَبْلُغْ الثُّلُثَ] : أَيْ مَحَلُّ الرُّجُوعِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ دُونَ رَدِّ الْمَبِيعِ إذَا كَثُرَ وَلَمْ يَبْلُغْ الثُّلُثَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقِيلَ: مَا نَقَصَ عَنْ الرُّبْعِ، قِيلَ: مَا نَقَصَهَا عَشْرَةٌ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا مِائَةً وَقِيلَ إنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالْعُرْفِ، وَقِيلَ مَا نَقَصَ مُعْظَمُ الْقِيمَةِ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ كَانَ بِوَاجِهَتِهَا] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهَا مِنْهُ. فَقَوْلُهُ: " وَخِيفَ عَلَى الدَّارِ " قَيْدٌ فِي الثَّانِي فَقَطْ.

بِمَحَلِّ الْآبَارِ الَّتِي مَاؤُهَا حُلْوٌ وَكَتَهْوِيرِ بِئْرِهَا وَغَوْرِ مَائِهَا أَوْ لِعَدَمِ مِرْحَاضٍ بِهَا أَوْ كَوْنِهِ بِبَابِهَا. (وَكُلُّ مَا) أَيْ عَيْبٍ (نَقَصَ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ) مِنْ قِيمَتِهَا (فَلَهُ الرَّدُّ) بِهِ. (كَسُوءِ جَارِهَا وَكَثْرَةِ بَقِّهَا وَنَمْلِهَا وَكَشُؤْمِهَا) : بِأَنْ جُرِّبَتْ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْكُنُ فِيهَا يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ (وَجِنِّهَا) : أَيْ يَسْكُنُهَا الْجِنُّ فَيُؤْذُونَ سَاكِنَهَا. (وَإِنْ ادَّعَى الرَّقِيقُ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (حُرِّيَّةً) بِعِتْقٍ سَابِقٍ أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ ادَّعَتْ الْأَمَةُ أَنَّهَا مُسْتَوْلَدَةٌ (لَمْ يُصَدَّقْ) بِلَا بَيِّنَةٍ، (وَلَا يَحْرُمُ) التَّصَرُّفُ الشَّرْعِيُّ فِيهِ مِنْ وَطْءٍ أَوْ اسْتِخْدَامٍ أَوْ بَيْعٍ. (لَكِنَّهُ) أَيْ الِادِّعَاءَ الْمَذْكُورَ (عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ) لِبَائِعِهِ (إنْ ادَّعَاهَا) : أَيْ الْحُرِّيَّةَ (قَبْلَ) دُخُولِهِ فِي (ضَمَانِ الْمُشْتَرِي) لَهُ، بِأَنْ كَانَتْ دَعْوَاهُ الْحُرِّيَّةَ زَمَنَ الْعُهْدَةِ أَوْ الْمُوَاضَعَةِ، فَإِنْ صَدَرَتْ مِنْهُ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي ضَمَانِهِ فَلَا يُرَدُّ. (ثُمَّ إنْ بَاعَ) الْمُشْتَرِي ذَلِكَ الرَّقِيقَ (بَيَّنَ) لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ وُجُوبًا أَنَّهُ قَدْ ادَّعَى الْحُرِّيَّةَ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ ادَّعَاهَا قَبْلَ دُخُولِهِ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ بِمَحَلِّ الْآبَارِ] : أَيْ فِي خَطٍّ شَأْنُ آبَارِهِ الْحَلَاوَةُ. قَوْلُهُ: [أَوْ كَوْنِهِ بِبَابِهَا] : أَيْ مُوَاجِهًا لَهُ أَوْ كَانَ فِي دِهْلِيزِهَا أَوْ كَانَ بِقُرْبِ الْحَائِطِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ مِنْهُ نَزَز أَوْ رَائِحَةٌ بِمَنْزِلِ النَّوْمِ أَوْ الْجُلُوسِ قَوْلُهُ: [نَقَصَ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ] : أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ. قَوْلُهُ: [وَكَثْرَةِ بَقِّهَا] أَيْ وَأَمَّا أَصْلُ الْبَقِّ إذَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا فَلَا يُرَدُّ بِهِ كَالنَّمْلِ. قَالَ (بْن) : وَأَمَّا قَوْلُ التُّحْفَة: وَالْبَقُّ عَيْبٌ مِنْ عُيُوبِ الدُّورِ ... وَيُوجِبُ الرَّدَّ عَلَى الْمَشْهُورِ فَقَدْ تَعَقَّبَهُ وَلَدُهُ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَيْدِ الْكَثْرَةِ وَأَصْلَحَهُ بِقَوْلِهِ: وَكَثْرَةٌ لِلْبَقِّ عَيْبُ الدُّورِ ... وَتُوجِبُ الرَّدَّ عَلَى الْمَأْثُورِ (اهـ) قَوْلُهُ: [وَكَشُؤْمِهَا] : أَيْ لِمَا فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ «الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثٍ: الدَّارُ وَالدَّابَّةُ وَالْمَرْأَةُ» . قَوْلُهُ: [وَجِنِّهَا] : أَيْ وَإِيذَاءِ جِنِّهَا فَالْعَيْبُ ظُهُورُ الْإِيذَاءِ مِنْهُمْ وَإِلَّا فَالْمَنَازِلُ لَا تَخْلُو مِنْ الْجِنِّ. قَوْلُهُ: [بَيَّنَ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ وُجُوبًا] : أَيْ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا تَكْرَهُهُ النُّفُوسُ.

[التغرير الفعلي من البائع]

ضَمَانِهِ وَلَمْ يُرَدَّ، أَوْ بَعْدَهُ. وَكَلَامُنَا أَوْفَى مِنْ كَلَامِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (وَالتَّغْرِيرُ الْفِعْلِيُّ) مِنْ الْبَائِعِ كَالشَّرْطِ الْمُصَرَّحِ بِهِ، فَيُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ؛ بِخِلَافِ الْقَوْلِيِّ كَقَوْلِهِ: اشْتَرِ مِنِّي هَذَا الشَّيْءَ فَإِنَّهُ جَيِّدٌ فَيُوجَدُ بِخِلَافِهِ فَيَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا مُنْقِصًا فَلَهُ الرَّدُّ وَإِلَّا فَلَا. (كَتَلْطِيخِ ثَوْبِ عَبْدٍ بِمِدَادٍ) أَوْ يَجْعَلُ بِيَدِهِ قَلَمًا وَمِحْبَرَةً لِيُوهِمَ الْمُشْتَرِيَ أَنَّهُ كَاتِبًا، وَكَصَبْغِ الثَّوْبِ الْقَدِيمِ لِيُوهِمَ أَنَّهُ جَدِيدٌ، وَكَصَقْلِ سَيْفٍ لِيُوهِمَ أَنَّهُ جَيِّدٌ فَيُوجَدُ بِخِلَافِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [التَّغْرِيرُ الْفِعْلِيُّ مِنْ الْبَائِعِ] قَوْلُهُ: [وَالتَّغْرِيرُ الْفِعْلِيُّ مِنْ الْبَائِعِ كَالشَّرْطِ] : أَيْ ظُهُورُ الْحَالِ بَعْدَ التَّغْرِيرِ الْفِعْلِيِّ لَا نَفْسُ التَّغْرِيرِ الْفِعْلِيِّ. قَوْلُهُ: [كَقَوْلِهِ اشْتَرِ مِنِّي] إلَخْ: هَذَا الْمِثَالُ فِيهِ تَسَامُحٌ فَإِنَّ الْغُرُورَ الْقَوْلِيَّ فِي هَذَا الْوَجْهِ أَشَدُّ مِنْ الْفِعْلِيِّ. وَإِنَّمَا الْمُنَاسِبُ تَمْثِيلُ الْغُرُورِ الْقَوْلِيِّ بِمَا إذَا لَمْ يُصَاحِبْهُ عَقْدٌ كَمَا سَيَأْتِي لَنَا فِي أَمْثِلَتِهِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [فَيَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ] : أَيْ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْعَيْبِ الظَّاهِرِ وَالْخَفِيِّ. وَكَوْنِ الْمُشْتَرِي أَعْمَى أَوْ بَصِيرًا. وَمِنْ الْغُرُورِ الْقَوْلِيِّ أَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لِآخَرَ: عَامِلْ فُلَانًا فَإِنَّهُ ثِقَةٌ مَلِيءٌ وَهُوَ يَعْلَمُ خِلَافَ ذَلِكَ، فَلَا يَضْمَنُ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْقَائِلُ مَا عَامَلَ بِهِ الْآخَرَ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَمَحَلُّ عَدَمِ الضَّمَانِ مَا لَمْ يَقُلْ: عَامِلُهُ وَأَنَا ضَامِنٌ، وَإِلَّا ضَمِنَ مَا عَامَلَهُ فِيهِ. وَمِنْ الْغُرُورِ الْقَوْلِيِّ: صَيْرَفِيٌّ نَقَدَ دَرَاهِمَ بِغَيْرِ أَجْرٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَخْبَرَ بِخِلَافِ مَا يَعْلَمُ وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ أَعَارَ شَخْصٌ الْآخَرَ إنَاءً مَخْرُوقًا وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ وَقَالَ إنَّهُ صَحِيحٌ فَتَلِفَ مَا وُضِعَ فِيهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْغَارِّ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَمَحَلُّ عَدَمِ الضَّمَانِ بِالْغُرُورِ الْقَوْلِيِّ مَا لَمْ يَنْضَمَّ لَهُ عَقْدُ إجَارَةٍ؛ كَصَيْرَفِيٍّ نَقَدَ بِأُجْرَةٍ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ جَيِّدٌ مَعَ عِلْمِهِ بِرَدَاءَتِهِ، وَكَمَنْ أَخَذَ أُجْرَةً عَلَى الْإِنَاءِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ سَالِمٌ مَعَ عِلْمِهِ بِخَرْقِهِ قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ، كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [كَتَلْطِيخِ ثَوْبِ عَبْدٍ] إلَخْ: أَيْ عِنْدَ إرَادَتِهِ بَيْعَهُ فَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ إنْ فَعَلَهُ الْبَائِعُ أَوْ أَمَرَ بِفِعْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْبَائِعَ فَعَلَهُ وَلَا أَمَرَ الْعَبْدَ بِفِعْلِهِ فَلَا رَدَّ لِلْمُشْتَرِي لِاحْتِمَالِ فِعْلِ الْعَبْدِ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ لِكَرَاهَةِ بَقَائِهِ فِي مِلْكِهِ. قَوْلُهُ: [أَنَّهُ كَاتِبًا] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْأَصْلِ بِالنَّصْبِ وَالْمُنَاسِبُ الرَّفْعُ لِأَنَّهُ خَبَرُ أَنَّ.

(وَتَصْرِيَةِ حَيَوَانٍ) أَيْ تَرْكِ حَلْبِهِ لِيَعْظُمَ ضَرْعُهُ فَيُظَنَّ بِهِ كَثْرَةُ اللَّبَنِ وَلَوْ آدَمِيًّا كَأَمَةٍ لِرَضَاعٍ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَلَوْ كَانَتْ التَّصْرِيَةُ فِي غَيْرِ الْأَنْعَامِ كَالْحُمُرِ وَالْآدَمِيَّاتِ فَلِلْمُبْتَاعِ مَقَالٌ؛ فَإِنَّ زِيَادَةَ لَبَنِهَا يَزِيدُ فِي ثَمَنِهَا لِتَغْذِيَةِ وَلَدِهَا. (وَيُرَدُّ) الْحَيَوَانُ (إنْ حَلَبَهُ) الْمُشْتَرِي (بِصَاعٍ) : أَيْ مَعَ صَاعٍ (مِنْ غَالِبِ الْقُوتِ) لِأَهْلِ الْبَلَدِ، وَرَدُّ الصَّاعِ خَاصٌّ بِالْأَنْعَامِ. وَظَاهِرُهُ اتِّحَادُ الصَّاعِ وَلَوْ تَكَرَّرَ حِلَابُهَا حَيْثُ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا. وَغَيْرُ الْأَنْعَامِ تُرَدُّ بِلَا صَاعٍ كَالْأَنْعَامِ إذَا لَمْ يَحْلِبْهَا كَمَا يَأْتِي (وَحَرُمَ رَدُّ اللَّبَنِ) الَّذِي حَلَبَهُ مِنْهَا بَدَلًا عَنْ الصَّاعِ وَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ (كَغَيْرِهِ) : أَيْ غَيْرِ اللَّبَنِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مِنْ غَالِبِ الْقُوتِ] : أَيْ وَلَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ مِنْ تَمْرٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ لِوُقُوعِهِ فِي الْحَدِيثِ حَيْثُ قَالَ «إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» وَحَمَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ غَالِبَ قُوتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ: " مِنْ غَالِبِ الْقُوتِ " يُشْعِرُ بِأَنَّ هُنَاكَ غَالِبًا وَغَيْرَهُ. أَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَالِبٌ بَلْ كَانَ هُنَاكَ صِنْفَانِ مُسْتَوِيَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ مُسْتَوِيَةٌ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ فِي الْإِخْرَاجِ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ مِنْ الْأَعْلَى أَوْ الْأَدْنَى أَوْ الْأَوْسَطِ، قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَقَالَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ السَّنْهُورِيُّ: يَتَعَيَّنُ الْإِخْرَاجُ مِنْ الْأَوْسَطِ. قَوْلُهُ: [وَحَرُمَ رَدُّ اللَّبَنِ] : أَيْ غَابَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي أَمْ لَا. وَهَذَا إذَا رَدَّ اللَّبَنَ بِدُونِ الصَّاعِ وَأَمَّا لَوْ رَدَّ اللَّبَنَ مَعَ الصَّاعِ فَلَا حُرْمَةَ وَاعْلَمْ أَنَّ رَدَّ الْمُشْتَرِي لِلصَّاعِ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ أَمَرَنَا بِهِ الشَّارِعُ وَلَمْ نَعْقِلْ لَهُ مَعْنًى، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ " الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ " " وَالضَّمَانُ عَلَى الْمُشْتَرِي "، فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَفُوزَ بِاللَّبَنِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ. عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِوَضًا عَنْ اللَّبَنِ فِيهِ بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ نَسِيئَةٌ. هَذَا وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ - كَأَشْهَبَ: إنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ لِنَسْخِهِ بِحَدِيثِ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» لِأَنَّهُ أَثْبَتُ مِنْهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَابْنِ يُونُسَ لَا نَسْخَ لِأَنَّ

(بَدَلًا عَنْهُ) : أَيْ عَنْ الصَّاعِ، رَاجِعٌ لِمَا قَبْلَ " الْكَافِ " أَيْضًا، وَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ بِرَدِّ الْمُصَرَّاةِ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الشَّارِعُ رَدَّ الصَّاعِ عِوَضًا عَنْ اللَّبَنِ، فَلَا يَجُوزُ رَدُّ اللَّبَنِ وَلَا غَيْرِهِ عِوَضًا عَنْ الصَّاعِ. وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ حُرْمَةَ رَدِّ غَيْرِ الْغَالِبِ مَعَ وُجُودِ غَالِبٍ وَهُوَ كَذَلِكَ. فَلَوْ غَلَبَ اللَّبَنُ رَدَّ مِنْهُ صَاعًا مِنْ غَيْرِ مَا حَلَبَهُ مِنْ الْمُصَرَّاةِ (لَا إنْ رَدَّهَا) أَيْ الْمُصَرَّاةَ (بِغَيْرِ) أَيْ بِعَيْبٍ غَيْرِ (عَيْبِ التَّصْرِيَةِ أَوْ) بِهِ (قَبْلَ حَلْبِهَا) فَلَا يَرُدُّ صَاعًا بَلْ يَرُدُّهَا مُجَرَّدَةً عَنْهُ. (وَإِنْ حُلِبَتْ) الْمُصَرَّاةُ حَلْبَةً (ثَالِثَةً) فِي ثَالِثِ يَوْمٍ أَوْ فِيمَا الْعَادَةُ الْحَلْبُ فِيهِ كَالصَّبَاحِ وَالْمَسَاء (فَإِنْ) كَانَ (حَصَلَ) لِلْمُشْتَرِي (الِاخْتِبَارُ) لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQحَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ أَصَحُّ وَإِنَّمَا حَدِيثُ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» عَامٌّ وَالْخَاصُّ يُقْضَى بِهِ عَلَى الْعَامِّ هَذَا مُلَخَّصُ مَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [بِغَيْرِ عَيْبِ التَّصْرِيَةِ] إلَخْ: مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا إذَا رَدَّهَا بِخِيَارِ التَّرَوِّي بَعْدَ أَنْ حَلَبَهَا الْمَرَّتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَلَا يَرُدُّ لِلَبَنٍ صَاعًا لِمَا فِيهِ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ نَسِيئَةٌ، بَلْ إمَّا أَنْ يَرُدَّ اللَّبَنَ بِعَيْنِهِ أَوْ مِثْلِهِ إنْ عَلِمَ قَدْرَهُ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ جَهِلَ قَدْرَهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ وَالْغَلَّةَ لَهُ. فَإِنْ كَانَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا الْمُشْتَرِي حُسِبَتْ الْغَلَّةُ مِنْ أَصْلِ النَّفَقَةِ كَانَتْ الْغَلَّةُ لَبَنًا أَوْ غَيْرَهُ وَهَذَا الْحُكْمُ قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي خِيَارِ التَّرَوِّي. قَوْلُهُ: [وَإِنْ حُلِبَتْ الْمُصَرَّاةُ حَلَبَةً ثَالِثَةً] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا حَلَبَ الْمُصَرَّاةَ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ أَمْرُهَا فَحَلَبَهَا ثَانِيَةً لِيَخْتَبِرَهَا فَوَجَدَ لَبَنَهَا نَاقِصًا، فَلَهُ رَدُّهَا اتِّفَاقًا. فَلَوْ حَلَبَهَا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَهُوَ رِضًا بِهَا وَلَا رَدَّ لَهُ وَلَا حُجَّةَ عَلَيْهِ فِي الْحَلَبَةِ الثَّانِيَةِ إذْ بِهَا يَخْتَبِرُ أَمْرَهَا - كَذَا لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ: لَهُ حَلْبُهَا ثَالِثَةً وَيَرُدُّهَا بَعْدَ حَلِفِهِ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهَا وَلَمْ يُصَرِّحْ فِي الْمَوَّازِيَّةِ بِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ الِاخْتِبَارُ بِالْحَلَبَةِ الثَّانِيَةِ. وَاخْتَلَفَ الْأَشْيَاخُ هَلْ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ خِلَافٌ أَوْ وِفَاقٌ؟ فَذَهَبَ الْمَازِرِيُّ وَاللَّخْمِيُّ إلَى أَنَّ بَيْنَهُمَا خِلَافًا بِحَمْلِ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى إطْلَاقِهِ وَذَهَبَ ابْنُ يُونُسَ إلَى الْوِفَاقِ بِحَمْلِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا إذَا حَصَلَ الِاخْتِبَارُ بِالثَّانِيَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ الِاخْتِبَارُ بِالثَّانِيَةِ وَاسْتَحْسَنَ الشَّارِحُ مَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ فَمَشَى عَلَيْهِ.

[الإعلام بالعيب في المبيع]

(بِالثَّانِيَةِ، فَرِضًا) : أَيْ فَالْحَلْبَةُ الثَّالِثَةُ بَعْدَ حُصُولِ الِاخْتِبَارِ بِالثَّانِيَةِ تُعَدُّ رِضًا مِنْهُ؛ فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ رَدُّهَا (وَإِلَّا) يَحْصُلُ بِالثَّانِيَةِ اخْتِبَارٌ (فَلَهُ) أَيْ فَلِلْمُشْتَرِي الْحَلْبَةُ (الثَّالِثَةُ) فَيَحْصُلُ لَهُ بِهَا عِلْمُ حَالِهَا وَلَا تُعَدُّ رِضًا مِنْهُ (وَحَلَفَ الْمُشْتَرِي) (إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الرِّضَا) بِالْحَلْبَةِ الثَّالِثَةِ - أَوْ بِنَفْسِ الْمُصَرَّاةِ - بِأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْبَائِعُ: أَنَّك عَلِمْت أَنَّهَا مُصَرَّاةٌ وَرَضِيَتْ بِهَا وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي فِيهِمَا. فَإِنْ حَلَفَ فَلَهُ الرَّدُّ وَإِلَّا فَلَا. (وَلَا رَدَّ) لِلْمُصَرَّاةِ (إنْ عَلِمَ) الْمُشْتَرِي بِأَنَّهَا مُصَرَّاةٌ حِينَ الشِّرَاءِ، وَاشْتَرَاهَا عَالِمًا بِالتَّصْرِيَةِ. وَكَذَا إنْ رَضِيَ بَعْدَ عِلْمِهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ. (وَعَلَى الْبَائِعِ) لِشَيْءٍ وُجُوبًا (بَيَانُ مَا عَلِمَهُ) مِنْ عَيْبِ سِلْعَتِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ حَاكِمًا أَوْ وَارِثًا أَوْ وَكِيلًا. (وَ) عَلَيْهِ (تَفْصِيلُهُ) : أَيْ الْعَيْبُ (أَوْ إرَاءَتُهُ لَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي إنْ كَانَ يُرَى؛ كَالْعَوَرِ وَالْكَيِّ. (وَلَا يُجْمِلُهُ) : أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ إجْمَالُ الْعَيْبِ أَيْ يَجْمُلُ فِي الْجِنْسِ الصَّادِقِ عَلَى أَفْرَادٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْغَرَرَ الْقَائِمَ بِهِ؛ كَهُوَ مَعِيبٌ، وَلَمْ يُعَيِّنْ عَيْنَ الْعَيْبِ. أَوْ: هُوَ سَارِقٌ أَوْ يَأْبَقُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمَكَانَ الَّذِي يَأْبَقُ إلَيْهِ وَلَا مَا الَّذِي يَسْرِقُهُ. أَوْ يَقُولُ: هُوَ مَرِيضٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا هُوَ الْمَرَضُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَمِنْ الْإِجْمَالِ أَنْ يَذْكُرَ الْعَيْبَ الَّذِي هُوَ بِهِ وَغَيْرَهُ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ بِأَنْ يَقُولَ: هُوَ زَانٍ سَارِقٌ مَعَ أَنَّهُ فِيهِ أَحَدُ الْعَيْبَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْإِعْلَام بالعيب فِي الْمَبِيع] قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ حَاكِمًا] إلَخْ: أَيْ فَالْبَيَانُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ بَائِعٍ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ بَيْعَ الْحَاكِمِ وَالْوَارِثِ بَيْعُ بَرَاءَةٍ فَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْعَيْبِ وَإِلَّا كَانَ مُدَلِّسًا. قَوْلُهُ: [وَعَلَيْهِ تَفْصِيلُهُ] : أَيْ وَصْفًا شَافِيًا كَاشِفًا عَنْ حَقِيقَتِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ إرَاءَتُهُ] : الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ رَاجِعٌ لِلْعَيْبِ وَالْمَجْرُورُ لِلْمُشْتَرِي وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَوْ إرَاءَتُهُ إيَّاهُ، لِأَنَّ " أَرَى " الْبَصَرِيَّةَ تَتَعَدَّى بِنَفْسِهَا لِمَفْعُولَيْنِ بِسَبَبِ هَمْزِ النَّقْلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: اللَّامُ مُقْحَمَةٌ لِلتَّقْوِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمَكَانَ] أَيْ لِأَنَّهُ قَدْ يُغْتَفَرُ فِي الْإِبَاقِ لِمَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ وَقَدْ يُغْتَفَرُ فِي السَّرِقَةِ شَيْءٌ دُونَ شَيْءٍ.

فَقَطْ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ رُبَّمَا عَلِمَ سَلَامَتَهُ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ فَيَظُنُّ سَلَامَتَهُ مِنْ الْآخَرِ. (وَإِلَّا) بِأَنْ أَجْمَلَ (فَمُدَلِّسٌ) وَيَرُدُّ الْمَبِيعَ بِمَا وَجَدَهُ فِيهِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ كَثُرَ فِي بَرَاءَتِهِ ذِكْرُ أَسْمَاءِ الْعُيُوبِ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا مِنْ عَيْبٍ يُرِيهِ إيَّاهُ وَيُوقِفُهُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَهُ الرَّدُّ إنْ شَاءَ (اهـ) . (وَلَا يَنْفَعُهُ) : أَيْ الْبَائِعُ (التَّبَرِّي مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ) فِي سِلْعَةٍ مِنْ الْعُيُوبِ، فَإِنْ بَاعَ سِلْعَةً عَلَى أَنَّهَا لَيْسَ بِهَا عَيْبٌ وَإِنْ ظَهَرَ بِهَا عَيْبٌ لَمْ تُرَدَّ عَلَيْهِ لَمْ يُعْمَلْ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَلِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ بِمَا وَجَدَهُ فِيهَا مِنْ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ، وَلَا تَنْفَعُهُ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ. (إلَّا فِي الرَّقِيقِ خَاصَّةً) إذَا تَبَرَّأَ بَائِعُهُ مِنْ عَيْبٍ لَمْ يَعْلَمْهُ بِهِ فَإِنَّهُ يَنْفَعُهُ فَلَا يَرُدُّ إنْ ظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ عِنْدَ الْبَائِعِ، بِشَرْطَيْنِ: الْأَوَّلُ أَلَّا يَعْلَمُ الْبَائِعُ بِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ، فَإِنْ عَلِمَ بِهِ فَلَا يَنْفَعُهُ التَّبَرِّي مِنْهُ إلَّا إذَا بَيَّنَهُ تَفْصِيلًا أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: إذَا أَجْمَلَ فِي قَوْلِهِ: " سَارِقٌ "، فَهَلْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ فِي يَسِيرِ السَّرِقَةِ دُونَ الْمُتَفَاحِشِ مِنْهَا أَوْ لَا يَنْفَعُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّ بَيَانَهُ مُجْمَلًا كَلَا بَيَانٍ. الْأَوَّلُ لِلْبِسَاطِيِّ: وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: لِبَعْضِ مُعَاصِرِيهِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَنْفَعُهُ] : أَيْ الْبَائِعَ التَّبَرِّي أَيْ إنْ كَانَ الْبَائِعُ غَيْرَ حَاكِمٍ وَوَارِثٍ. وَأَمَّا الْحَاكِمُ وَالْوَارِثُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ، بَلْ مَتَى بَاعَ الْحَاكِمُ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِالْعَيْبِ فَبَيْعُهُ بَيْعُ بَرَاءَةٍ لَا تُرَدُّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ فِي الرَّقِيقِ وَغَيْرِهِ وَالْوَارِثَ لَهُ. وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْهُمَا عَالِمًا بِأَنَّ الْبَائِعَ حَاكِمٌ أَوْ وَارِثٌ وَإِلَّا فَيُخَيَّرُ إنْ ظَنَّهُ غَيْرَهُمَا وَسَيَأْتِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [إلَّا فِي الرَّقِيقِ خَاصَّةً] : قَالَ الْمَازِرِيُّ وَالْبَاجِيُّ: لَا يَجُوزُ التَّبَرِّي فِي عَبْدِ الْقَرْضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَسْلَفَهُ عَبْدًا وَتَبَرَّأَ مِنْ عُيُوبِهِ دَخَلَهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً. وَأَمَّا رَدُّ الْقَرْضِ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ الْبَرَاءَةِ فِيهِ، إلَّا إذَا وَقَعَ الرَّدُّ قَبْلَ الْأَجَلِ لِتُهْمَةٍ: " ضَعْ وَتَعَجَّلْ "، وَتَقَدَّمَ مَنْعُ التَّصْدِيقِ فِي مُعَجَّلٍ قَبْلَ أَجَلٍ (اهـ - بْن) . قَوْلُهُ: [أَلَّا يَعْلَمَ الْبَائِعُ بِهِ] : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا يُرَدُّ فِي بَيْعِ الْبَرَاءَةِ بِمَا ظَهَرَ مِنْ عَيْبٍ قَدِيمٍ إلَّا بِبَيِّنَةِ أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ عَالِمًا بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْبَائِعُ مَا كَانَ عَالِمًا بِهِ. وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْمُبْتَاعُ عِلْمَهُ وَفِي حَلِفِهِ عَلَى الْبَتِّ فِي الظَّاهِرِ وَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فِي الْخَفِيِّ أَوْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ مُطْلَقًا قَوْلَا ابْنِ الْعَطَّارِ وَابْنِ الْفُخَّارِ.

[رد المبيع بزوال العيب]

أَرَاهُ إيَّاهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (إنْ طَالَتْ إقَامَتُهُ) : أَيْ الرَّقِيقِ (عِنْدَهُ) : أَيْ عِنْدَ بَائِعِهِ؛ حَدَّ بَعْضُهُمْ الطُّولَ بِنِصْفِ سَنَةٍ فَأَكْثَرَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَطُلْ إقَامَتُهُ عِنْدَ مَالِكِهِ فَلَا يَنْفَعُهُ التَّبَرِّي مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ. وَلِمُشْتَرِيهِ الرَّدُّ إنْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا؛ لِأَنَّ شَأْنَ الرَّقِيقِ أَنْ يَكْتُمَ عُيُوبَهُ فَلَيْسَ لِمَالِكِهِ التَّبَرِّي إذَا لَمْ يَطُلْ زَمَنُهُ عِنْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا طَالَ لِأَنَّ الطُّولَ مِمَّا يُظْهِرُ الْمُخَبَّآتِ فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ لِسَيِّدِهِ عَيْبٌ فِيهِ كَانَ الشَّأْنُ عَدَمَهُ فَيَنْفَعُهُ التَّبَرِّي مِنْهُ. (وَلَا إنْ زَالَ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " إنْ عَلِمَ " أَيْ: وَلَا رَدَّ بِعَيْبٍ زَالَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْحُكْمِ بِرَدِّهِ سَوَاءٌ زَالَ قَبْلَ الْقِيَامِ بِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْحُكْمِ بِالرَّدِّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، كَمَا لَوْ كَانَ أَعْرَجَ فَزَالَ عَرَجُهُ أَوْ كَانَ لِلرَّقِيقِ وَلَدٌ فَمَاتَ (إلَّا أَنْ يُحْتَمَلَ عَوْدُهُ) : أَيْ عَوْدُ الْعَيْبِ بَعْدَ زَوَالِهِ فَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ؛ كَبَوْلٍ بِفَرْشٍ فِي وَقْتٍ يُنْكَرُ وَسَلَسِ بَوْلٍ وَسُعَالٍ مُفْرِطٍ وَاسْتِحَاضَةٍ وَجُنُونٍ وَجُذَامٍ حَيْثُ قَالَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ يُمْكِنُ عَوْدُهُ، فَلَهُ الرَّدُّ وَلَوْ وَقَعَ الشِّرَاءُ حَالَ زَوَالِهِ. (وَلَا) رَدَّ (إنْ أَتَى) الْمُشْتَرِي (بِمَا) : أَيْ شَيْءٍ أَيْ حَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ (يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا) بِالْعَيْبِ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ سُكُوتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى الثَّانِي كَذَا فِي (بْن) . [رد الْمَبِيع بِزَوَال الْعَيْب] قَوْلُهُ: [أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْحُكْمِ] : أَيْ بِأَنْ زَالَ فِي زَمَنِ الْخِصَامِ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ لِلرَّقِيقِ وَلَدٌ) وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ بِعَيْنِهِ نُقْطَةٌ فَزَالَتْ. تَنْبِيهٌ: فِي زَوَالِ الْعَيْبِ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَوْ طَلَاقِهَا أَوْ فَسْخِ نِكَاحِهَا - وَهُوَ الْمُتَأَوَّلُ وَالْأَحْسَنُ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ - أَوْ يَزُولُ بِالْمَوْتِ فَقَطْ دُونَ الطَّلَاقِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ؟ لِأَنَّ الْمَوْتَ قَاطِعٌ لِلْعَلَقَةِ، أَوْ لَا يَزُولُ بِمَوْتٍ وَلَا طَلَاقٍ؟ لِأَنَّ مَنْ اعْتَادَ التَّزْوِيجَ لَا صَبْرَ لَهُ عَلَى تَرْكِهِ غَالِبًا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْدَلَ عَنْهُ أَقْوَالٌ مَحَلُّهَا فِي التَّزْوِيجِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَسَلَّطَ عَلَى سَيِّدِهِ بِطَلَبِهِ. وَأَمَّا لَوْ حَصَلَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ يَتَسَلَّطُ عَلَى السَّيِّدِ فَعَيْبٌ مُطْلَقًا فِي مَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ (اهـ. مِنْ الْأَصْلِ) وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ بِعَيْنِهَا فِي الْأَمَةِ. [تَنْبِيه غِيَاب الْبَائِع عِنْد الِاطِّلَاع عَلَى الْعَيْب] قَوْلُهُ: [مِنْ قَوْلٍ] : أَيْ كَرَضِيتُ.

طَالَ بِلَا عُذْرٍ. وَمَثَّلَ لِلْفِعْلِ بِقَوْلِهِ: (كَرُكُوبٍ) لِدَابَّةٍ (وَاسْتِعْمَالِ دَابَّةٍ) فِي حَرْثٍ أَوْ دَرْسٍ أَوْ طَحْنٍ أَوْ حَمْلٍ (وَلُبْسٍ) لِثَوْبٍ (وَإِجَارَةٍ) لِدَابَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا (وَرَهْنٍ) لِمَعِيبٍ فِي دَيْنٍ (وَلَوْ) حَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (بِزَمَنِ الْخِصَامِ) مَعَ الْبَائِعِ. وَمِثْلُ ذَلِكَ الْإِسْلَامُ لِلصَّنْعَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (بِخِلَافِ مَا) : أَيْ فِعْلٍ (لَا يَنْقُصُ) فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا (كَسُكْنَى دَارٍ) أَوْ حَانُوتٍ (زَمَنَهُ) : أَيْ الْخِصَامِ لَا قَبْلَهُ، فَيَدُلُّ عَلَى الرِّضَا. وَمِثْلُ السُّكْنَى: اجْتِنَاءُ الثَّمَرَةِ وَحَلْبُ نَحْوِ الشَّاةِ وَالْقِرَاءَةُ فِي الْمُصْحَفِ وَالْمُطَالَعَةُ فِي الْكِتَابِ فَإِنَّهَا لَا تُنْقِصُ الْأَصْلَ فَلَا تَدُلُّ عَلَى الرِّضَا إنْ وَقَعَ زَمَنَ الْخِصَامِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ أَوْ الِاسْتِغْلَالَ إنْ حَصَلَ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ فَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ مُطْلَقًا. وَإِنْ حَصَلَ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ وَقَبْلَ زَمَنِ الْخِصَامِ مَنَعَ الرَّدَّ مُطْلَقًا لِدَلَالَتِهِ عَلَى الرِّضَا. وَإِنْ حَصَلَ زَمَنَهُ، فَإِنْ كَانَ يُنْقِصُ الْأَصْلَ دَلَّ عَلَى الرِّضَا وَإِلَّا فَلَا كَسُكْنَى الدَّارِ. (وَكَسُكُوتٍ طَالَ) : بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ (بِلَا عُذْرٍ) مِنْ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا. فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَغَيْبَةٍ مِنْ بَائِعٍ أَوْ مُشْتَرٍ أَوْ لِمَرَضٍ أَوْ سِجْنٍ أَوْ خَوْفٍ مِنْ ظَالِمٍ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا كَمَا إذَا لَمْ يَطُلْ زَمَنَ السُّكُوتِ. (وَحَلَفَ إنْ سَكَتَ فِي كَالْيَوْمِ) : إنْ لَمْ يَرْضَ بِالْعَيْبِ وَرَدَّهُ وَأَدْخَلَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمَثَّلَ لِلْفِعْلِ] : أَيْ الْمُنْقِصِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي وَفِي حُكْمِ الْمُنْقِصِ التَّصَرُّفُ الْقَوِيُّ الَّذِي لَا يَفْعَلُهُ الشَّخْصُ إلَّا فِي الْمِلْكِ عَادَةً بِدَلِيلِ، تَمْثِيلِهِ بِالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ لِغَيْرِ الدَّابَّةِ. كَالْحُلِيِّ وَالدَّارِ وَالْإِسْلَامِ لِلصَّنْعَةِ. قَوْلُهُ: [كَرُكُوبٍ لِدَابَّةٍ] : أَوْ اسْتِخْدَامِ عَبْدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا يُنْقِصُ الْمَبِيعَ أَوْ قَوِيَ فِيهِ التَّصَرُّفُ. قَوْلُهُ: [وَمِثْلُ السُّكْنَى اجْتِنَاءُ الثَّمَرَةِ] : إلَخْ مَحَلُّ كَوْنِ اجْتِنَاءِ الثَّمَرَةِ غَيْرَ مُنْقِصٍ إنْ لَمْ تَكُنْ مُؤَبَّرَةً وَقْتَ شِرَاءِ النَّخِيلِ، وَإِلَّا كَانَ اجْتِنَاؤُهَا مُنْقِصًا قَطْعًا لِأَنَّهَا جُزْءُ الْمَبِيعِ. قَوْلُهُ: [وَحَلَفَ إنْ سَكَتَ فِي كَالْيَوْمِ] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ

الْكَافُ يَوْمًا آخَرَ (لَا أَقَلَّ) مِنْ الْيَوْمِ، فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ (لَا كَمُسَافِرٍ) فَسُكُوتُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا لِعُذْرِهِ بِالسَّفَرِ فَهَذَا مُحْتَرَزُ - بِلَا عُذْرٍ -. (وَلَهُ الرُّكُوبُ) وَالْحَمْلُ عَلَى الدَّابَّةِ، وَلَوْ لَمْ يَضْطَرَّ لَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ. وَتَقْيِيدُهُ بِالِاضْطِرَارِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الِاضْطِرَارِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي رُكُوبِهَا بَعْدَ عِلْمِهِ. ثُمَّ إنْ رَجَعَتْ بِحَالِهَا فَلَهُ الرَّدُّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ عَجِفَتْ فَلَهُ الرَّدُّ وَغَرِمَ قِيمَةَ مَا نَقَصَهَا وَإِمْسَاكُهَا وَأَخْذُ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَكَتَ ثُمَّ طَلَبَ الرَّدَّ، فَإِنْ كَانَ سُكُوتُهُ لِعُذْرِ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ رُدَّ مُطْلَقًا، طَالَ أَوْ لَا بِلَا يَمِينٍ. وَإِنْ كَانَ سُكُوتُهُ بِلَا عُذْرٍ فَإِنْ رُدَّ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ نَحْوِهِ أُجِيبَ لِذَلِكَ مَعَ الْيَمِينِ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ. وَإِنْ طَلَبَ الرَّدَّ قَبْلَ مُضِيِّ يَوْمٍ أُجِيبَ لِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ. وَإِنْ طَلَبَ بَعْدَ أَكْثَرِ مِنْ يَوْمَيْنِ فَلَا يُجَابُ وَلَوْ مَعَ يَمِينٍ قَوْله: [وَلَهُ الرُّكُوبُ وَالْحَمْلُ عَلَى الدَّابَّةِ] : مِثْلُ الدَّابَّةِ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ فِي أَنَّ اسْتِعْمَالَ كُلٍّ فِي السَّفَرِ لَا يُعَدُّ رِضًا بِخِلَافِ الْحَضَرِ، فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ مَا ذُكِرَ فِيهِ يُعَدُّ رِضًا كَانَ فِي زَمَنِ الْخِصَامِ أَوْ قَبْلَهُ كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا لُبْسُ الثَّوْبِ وَوَطْءُ الْأَمَةِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا اتِّفَاقًا، كَانَ فِي الْحَضَرِ أَوْ السَّفَرِ. قَوْلُهُ: [وَتَقْيِيدُهُ بِالِاضْطِرَارِ ضَعِيفٌ] : أَيْ وَهُوَ لِابْنِ نَافِعٍ قَالَ: إنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ وَهُوَ مُسَافِرٌ لَا يَرْكَبُ الدَّابَّةَ وَلَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا إلَّا إذَا اُضْطُرَّ لِذَلِكَ فَلْيُشْهِدْ عَلَى ذَلِكَ وَيَرْكَبْهَا أَوْ يَحْمِلْ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا فِيهِ فَإِنْ رَكِبَهَا مِنْ غَيْرِ اضْطِرَارٍ عُدَّ رِضًا مِنْهُ وَالْمُرَادُ بِالْإِضْرَارِ مُطْلَقُ الْحَاجَةِ كَانَتْ شَدِيدَةً أَمْ لَا. تَنْبِيهٌ إذَا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَيْبِ وَوَجَدَ الْبَائِعَ غَائِبًا أَشْهَدَ عَدْلَيْنِ اسْتِحْبَابًا عَلَى عَدَمِ الرِّضَا. ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْدَ حُضُورِهِ إنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ أَوْ عَلَى وَكِيلِهِ الْحَاضِرِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الرَّدِّ لِبُعْدِ غَيْبَتِهِ وَعَدَمِ الْوَكِيلِ - وَعَدَمُ عِلْمِ مَحَلِّهِ كَبُعْدِ غَيْبَتِهِ - أَعْلَمَ الْقَاضِيَ بِعَجْزِهِ فَتَلَوَّمَ لَهُ الْقَاضِي إنْ رَجَا قُدُومَهُ - كَأَنْ لَمْ يَعْلَمْ مَوْضِعَهُ - ثُمَّ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنِ التَّلَوُّمِ قَضَى عَلَيْهِ بِالرَّدِّ إنْ أَثْبَتَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ. وَهَذَا الشَّرْطُ مَخْصُوصٌ بِالرَّقِيقِ وَصِحَّةِ الشِّرَاءِ إنْ لَمْ يَحْلِفْ عَلَيْهِمَا. وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ

[فوات المبيع]

(كَحَاضِرٍ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ قَوْدُهَا) : فَلَهُ رُكُوبُهَا مِنْ الْمَكَان الَّذِي رَأَى بِهِ الْعَيْبَ إلَى بَيْتِهِ، أَوْ كَانَ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ الَّذِينَ لَا يَلِيقُ بِهِمْ الْمَشْيُ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا (أَوْ) رَكِبَهَا (لِلرَّدِّ) : أَيْ لِرَدِّهَا لِبَائِعِهَا وَلَمْ يَتَعَذَّرْ قَوْدُهَا أَوْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَات وَإِلَّا دَلَّ عَلَى الرِّضَا كَمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا) رَدَّ (إنْ فَاتَ) الْمَبِيعُ (حِسًّا، كَهَلَاكٍ أَوْ ضَيَاعٍ أَوْ) فَاتَ (حُكْمًا، كَكِتَابَةٍ وَتَدْبِيرٍ) وَأَوْلَى عِتْقٌ وَلَوْ لِأَجَلٍ (وَحَبْسٍ وَصَدَقَةٍ) وَهِبَةٍ قَبْلَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ. (وَ) إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ فِي الْفَوَاتِ الْحِسِّيِّ أَوْ الْحُكْمِيِّ (تَعَيَّنَ) لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ (الْأَرْشُ) أَيْ أَرْشُ الْعَيْبِ الَّذِي اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَوَاتِ فِيمَا إذَا خَرَجَ مِنْ يَدِهِ بِلَا عِوَضٍ وَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْبَيْعِ (فَيُقَوَّمُ) الْمَبِيعُ الْمَعِيبُ وَلَوْ مِثْلِيًّا (سَالِمًا) مِنْ عَيْبِهِ بِعَشَرَةٍ مَثَلًا (وَمَعِيبًا) بِثَمَانِيَةٍ مَثَلًا، (وَيُؤْخَذُ) لِلْمُشْتَرِي (مِنْ الثَّمَنِ) الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ (النِّسْبَةُ) : أَيْ نِسْبَةُ نَقْصِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، فَنِسْبَةُ الثَّمَانِيَةِ لِلْعَشْرَةِ فِي الْمَذْكُورِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ فَقَدْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ مَعِيبًا الْخُمُسَ فَيَرْجِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّارِيخِ بِالْبَيِّنَةِ كَمِلْكِ الْبَائِعِ لَهُ لِوَقْتِ بَيْعِهِ، وَلَا يَكْفِي الْحَلِفُ عَلَى هَذَيْنِ. وَلَا بُدَّ مِنْ حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ الرِّضَا بِالْعَيْبِ. وَلَا تَكْفِي فِيهِ الْبَيِّنَةُ إذْ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ كَذَا فِي الْأَصْلِ؛ فَهَذِهِ خَمْسَةُ شُرُوطٍ قَدْ عَلِمْتهَا. قَوْلُهُ: [تَعَذَّرَ عَلَيْهِ قَوْدُهَا] بِسُكُونِ الْوَاوِ لِأَنَّهُ مَصْدَرُ الْفِعْلِ الثُّلَاثِيِّ الْمُتَعَدِّي وَهُوَ: قَادَ بِمَعْنَى سَاقَ أَوْ سَحَبَ وَأَمَّا بِتَحْرِيكِ الْوَاوِ فَهُوَ الْقِصَاصُ. [فَوَاتُ الْمَبِيعِ] قَوْلُهُ: [وَلَا رَدَّ إنْ فَاتَ] : أَيْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ. قَوْلُهُ: [كَهَلَاكٍ] : أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ الْهَلَاكُ بِاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي كَقَتْلِهِ لِلْعَبْدِ الْمَبِيعِ عَمْدًا أَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، كَقَتْلِهِ خَطَأً أَوْ قَتْلِ الْغَيْرِ لَهُ أَوْ مَوْتِهِ حَتْفَ أَنْفِهِ. قَوْلُهُ [كَكِتَابَةٍ] : أَيْ فَلَوْ أَخَذَ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْعَيْبِ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَلَا رَدَّ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخَذَ لَهُ أَرْشًا ثُمَّ عَجَزَ كَانَ لَهُ رَدُّهُ - كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْبَيْعِ] : الْمُرَادُ بِالْبَيْعِ خُرُوجُهُ بِعِوَضٍ بَيْعًا أَوْ هِبَةَ ثَوَابٍ أَوْ أَتْلَفَهُ إنْسَانٌ وَلَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ.

[إذا تعلق حق للغير حق بالمبيع]

الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِخُمُسِ الثَّمَنِ. فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مِائَةً رَجَعَ عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ، وَأَمَّا لَوْ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ بِعِوَضٍ - كَمَا لَوْ بَاعَهُ لِأَجْنَبِيٍّ - فَلَا يَرْجِعُ إلَّا بِالْأَرْشِ. وَكَذَا إذَا بَاعَهُ لِبَائِعِهِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ بِالْمَرَّةِ فَأَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (بِخِلَافِ) مَا لَوْ تَعَلَّقَ بِالْمَعِيبِ حَقٌّ لِغَيْرِ مُشْتَرِيهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ نَحْوُ (إجَارَةٍ وَإِعَارَةٍ وَرَهْنٍ) وَاسْتِخْدَامِ رَقِيقٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً قَبْلَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ وَإِلَّا كَانَ رِضًا مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ (فَيُوقَفُ لِخَلَاصِهِ) مِنْ الْإِيجَارَةِ أَوْ مَا بَعْدَهَا وَيُرَدُّ لِبَائِعِهِ بَعْدَ خَلَاصِهِ (إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ) : أَيْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ تَغَيُّرٌ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَإِنْ حَصَلَ لَهُ تَغَيُّرٌ جَرَى عَلَى أَقْسَامِ التَّغَيُّرِ الْآتِي بَيَانُهَا: مِنْ الْقَلِيلِ، وَالْمُتَوَسِّطِ، الْمُفِيتِ لِلْمَقْصُودِ، وَمَحَلُّ إيقَافِهِ لِخَلَاصِهِ إنْ تَعَذَّرَ خَلَاصُهُ، وَأَمَّا لَوْ تَيَسَّرَ الْخَلَاصُ فَلَا إيقَافَ وَإِلَّا كَانَ رِضًا. وَعِبَارَةُ التَّوْضِيحِ: فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّ عَيْنِ الْمَبِيعِ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ فِيهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ، كَمَا لَوْ آجَرَهَا أَوْ رَهَنَهَا ثُمَّ اطَّلَعَ فِيهَا عَلَى عَيْبٍ وَهِيَ بِيَدِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَبْقَى الْأَمْرُ فِي الْعَيْبِ مَوْقُوفًا حَتَّى يَفُكَّهَا مِنْ الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ (اهـ) . ثُمَّ شَبَّهَ فِي الرَّدِّ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ قَوْلُهُ: (كَعَوْدِهِ لَهُ) : أَيْ كَمَا لَوْ عَادَ الْمَعِيبُ لِمُشْتَرِيهِ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ غَيْرَ عَالِمٍ بِعَيْبِهِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ (بِعَيْبٍ) : أَيْ بِسَبَبِ عَيْبٍ كَانَ هُوَ الْقَدِيمَ أَوْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ بَيْعِهِ (أَوْ فَلَسٍ) لِمُشْتَرِيهِ الثَّانِي (أَوْ فَسَادٍ) لِبَيْعٍ (أَوْ) عَادَ لَهُ (بِمِلِكٍ مُسْتَأْنَفٍ؛ كَبَيْعٍ) بِأَنْ اشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ مِمَّنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِخُمُسِ الثَّمَنِ] : أَيْ فَالْقِيمَةُ مِيزَانٌ يُعْرَفُ بِهَا نِسْبَةُ النَّقْصِ فِي الثَّمَنِ. [إذَا تعلق حَقّ لِلْغَيْرِ حَقّ بِالْمَبِيعِ] قَوْلُهُ: [وَيُرَدُّ لِبَائِعِهِ بَعْدَ خَلَاصِهِ] : ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يُشْهِدْ حِينَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ أَنَّهُ مَا رَضِيَ بِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. [عَوْدَة الْمَبِيع الْعَيْب لِمُشْتَرِيهِ] قَوْلُهُ: [أَوْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي] : أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ بِهِ الْعَيْبَ الْقَدِيمَ. قَوْلُهُ: [أَوْ فَسَادٍ لِبَيْعٍ] : أَيْ لِلْبَيْعِ الثَّانِي. قَوْلُهُ: [بِمِلْكٍ مُسْتَأْنَفٍ] : أَيْ كَمَا لَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً مِنْ إنْسَانٍ ثُمَّ بَاعَهَا لِآخَرَ قَبْلَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ الْقَدِيمِ ثُمَّ إنَّهَا عَادَتْ لِلْمُشْتَرِي بِمِلْكٍ مُسْتَأْنَفٍ، فَلَهُ رَدُّهَا عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ اشْتَرَاهُ مِمَّنْ اشْتَرَى مِنْهُ عَالِمًا بِالْعَيْبِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ مِنْ جِهَتِهِ أَنْ

[إذا خرج المبيع من يد المشتري بعوض]

بَاعَهُ لَهُ (أَوْ هِبَةٍ أَوْ إرْثٍ) فَلَهُ الرَّدُّ فِي الْجَمِيعِ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ. فَإِنْ تَغَيَّرَ فَلَهُ حُكْمُهُ الْآتِي. وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْفَوَاتَ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْيَدِ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَيَتَعَيَّنُ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ إنْ قَامَ الْمُشْتَرِي بِهِ وَكَانَ ذَلِكَ فِيمَا خَرَجَ مِنْ يَدِ مُشْتَرِيهِ بِلَا عِوَضٍ، شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا لَوْ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ بِعِوَضٍ فَقَالَ : (وَلَوْ بَاعَهُ) مُشْتَرِيهِ (لِبَائِعِهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ) الْأَوَّلِ بِأَنْ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ لِبَائِعِهِ بِعَشَرَةٍ، وَسَوَاءٌ دَلَّسَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ بِأَنْ كَتَمَ الْعَيْبَ أَمْ لَا (أَوْ بِأَكْثَرَ) مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ (وَقَدْ دَلَّسَ) الْوَاوُ لِلْحَالِ: أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ بَائِعَهُ الْأَوَّلَ قَدْ دَلَّسَ بِكَتْمِ الْعَيْبِ؛ كَمَا لَوْ بَاعَهُ لَهُ بِاثْنَيْ عَشَرَ (فَلَا رُجُوعَ) لِأَحَدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِأَنَّ الْمَبِيعَ رُدَّ لِرَبِّهِ. فَفِيمَا إذَا تَسَاوَى الثَّمَنَانِ فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ، وَفِيمَا إذَا اشْتَرَاهُ بَائِعُهُ بِأَكْثَرَ فَهُوَ مُدَلِّسٌ فَلَا رُجُوعَ بِالزَّائِدِ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ أَرْشٌ لِأَخْذِ الْعِوَضِ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا خَرَجَ مِنْ يَدِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقُولَ: اشْتَرَيْته لِأَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ تَعَدُّدِ الشِّرَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى مَنْ اشْتَرَى مِنْهُ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى بَائِعِهِ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، فَإِنْ رَدَّ عَلَى بَائِعِهِ الْأَوَّلِ أَخَذَ مِنْهُ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ. وَإِنْ رَدَّ عَلَى بَائِعِهِ الْأَخِيرِ أَخَذَ مِنْهُ الثَّمَنَ وَيُخَيَّرُ ذَلِكَ الْبَائِعُ. إمَّا أَنْ يَتَمَاسَكَ أَوْ يَرُدَّ عَلَى بَائِعِهِ وَهَكَذَا بَائِعُهُ إلَى أَنْ يَحْصُلَ تَمَاسُكٌ أَوْ رَدٌّ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: [أَوْ هِبَةٍ أَوْ إرْثٍ] : أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعُودَ لَهُ بِمُعَاوَضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَبَيْنَ مَا عَادَ لَهُ اخْتِيَارًا أَوْ جَبْرًا. [إذَا خَرَجَ الْمَبِيع مِنْ يَد الْمُشْتَرِي بعوض] قَوْلُهُ: [وَلَوْ بَاعَهُ مُشْتَرِيهِ لِبَائِعِهِ] : حَاصِلُهُ أَنَّ صُوَرَ بَيْعِهِ لِلْبَائِعِ اثْنَتَا عَشَرَةَ؛ لِأَنَّهُ: إمَّا أَنْ يَبِيعَهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مُدَلِّسًا أَمْ لَا، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ أَمْ لَا؛ أَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَحْكَامَ صُوَرٍ سِتٍّ وَهِيَ الَّتِي قَبْلَ الِاطِّلَاعِ. وَأَمَّا لَوْ بَاعَهُ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ فَفِيهَا سِتُّ صُوَرٍ أَيْضًا لَمْ يُفِدْهَا الْمُصَنِّفُ. وَحَاصِلُهَا: أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ لَهُ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ لِبَائِعِهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَلِلْمُشْتَرِي الثَّانِي رَدُّهُ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ، لِأَنَّهُ لَمَّا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَكَأَنَّهُ حَدَثَ عِنْدَهُ وَسَوَاءٌ دَلَّسَ فِي بَيْعِهِ الْأَوَّلِ أَمْ لَا.

(وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ مُدَلِّسًا (رَدَّ) أَيْ كَانَ لَهُ رَدُّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِذَلِكَ الْعَيْبِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ الِاثْنَا عَشَرَ (ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ الْعَشَرَةَ، فَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ فِي عَشَرَةٍ يَبْقَى لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ دِرْهَمَانِ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْهُ. (وَ) لَوْ بَاعَهُ لِبَائِعِهِ (بِأَقَلَّ) كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِثَمَانِيَةٍ (كَمَّلَ) الْبَائِعُ الْأَوَّلُ لِمُشْتَرِيهِ مِنْهُ بَقِيَّةَ الثَّمَنِ، فَيَدْفَعُ لَهُ دِرْهَمَيْنِ دَلَّسَ أَمْ لَا. وَأَمَّا لَوْ بَاعَهُ لِأَجْنَبِيٍّ أَيْ لِغَيْرِ بَائِعِهِ فَلَا رُجُوعَ عَلَى الْبَائِعِ مُطْلَقًا بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، لِأَنَّهُ إنْ بَاعَهُ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ فَهُوَ رِضًا مِنْهُ بِهِ. وَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ فَلِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ لَا لِلْعَيْبِ - قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ النَّقْصُ فِي الثَّمَنِ مِنْ أَجْلِ الْعَيْبِ، مِثْلُ أَنْ يَبِيعَهُ بِالْعَيْبِ ظَانًّا أَنَّهُ حَدَثَ عِنْدَهُ، أَوْ بَاعَهُ وَكِيلُهُ ظَانًّا ذَلِكَ، فَيَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِمَا نَقَصَهُ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ قِيمَتِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ يُونُسَ وَعِيَاضٌ: قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ تَفْسِيرٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ] إلَخْ: لَا تُعْقَلُ. مُقَاصَّةٌ بَعْدَ هَذَا التَّصْوِيرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْبَائِعُ يَرْجِعُ فَيَأْخُذُ الثَّمَنَ الَّذِي هُوَ اثْنَا عَشَرَ ثُمَّ إذَا أَرَادَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ يَرُدُّ لَهُ وَيَأْخُذُ مِنْهُ عَشَرَةً فَأَيْنَ تُعْقَلُ الْمُقَاصَّةُ أَوْ رُجُوعٌ بِأَزْيَدَ. قَوْلُهُ: [دَلَّسَ أَمْ لَا] : قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي تَكْمِيلِهِ لَهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ مُدَلِّسًا نُظِرَ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ النَّقْصُ مِنْ حَوَالَةِ سُوقٍ كَمَا هُوَ حُجَّةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَا إذَا بَاعَهُ لِأَجْنَبِيٍّ بِأَقَلَّ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا لَوْ بَاعَهُ لِأَجْنَبِيٍّ] : الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ لِأَجْنَبِيٍّ وَلِلْبَائِعِ كَمَا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْمِسْنَاوِيّ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْبَائِعِ إذَا كَانَ الْبَيْعُ لَهُ لِرُجُوعِ سِلْعَتِهِ إلَيْهِ فَيَرُدُّ لِذَلِكَ كُلِّهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي لِأَجْنَبِيٍّ فَإِنَّهُ لَوْ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِكِمَالَةِ الثَّمَنِ لَتَضَرَّرَ. وَمِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ: النَّقْصُ إنَّمَا هُوَ لِحَوَالَةِ السُّوقِ لَا لِلْعَيْبِ، فَلِذَا لَا يَكْمُلُ لَهُ - كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ] إلَخْ: حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَالْحَالُ أَنَّهُ مَعِيبٌ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى بَائِعِهِ بِأَرْشِ الْعَيْبِ سَوَاءٌ

(وَلَا) رَدَّ (عَلَى حَاكِمٍ وَ) لَا عَلَى (وَارِثٍ بُيِّنَ) بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ: أَيْ ظَهَرَ لِلْمُشْتَرِي حَالَ الشِّرَاءِ أَنَّ بَائِعَهُ حَاكِمٌ أَوْ وَارِثٌ، كَانَ الْبَيَانُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ لَكَانَ لَهُ الرَّدُّ. وَقَوْلُهُ: (رَقِيقًا فَقَطْ) مَعْمُولٌ لِرَدِّ الْمِقْدَارِ بَعْدَ لَا النَّافِيَةِ (بِيعَ لِكَدَيْنٍ) عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ الْغَائِبِ أَوْ الْمُفْلِسِ. وَمِثْلُ الدَّيْنِ: نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ أَوْ الْأَطْفَالِ، فَقَوْلُهُ: " بُيِّنَ " رَاجِعٌ لَهُمَا، فَهُوَ مِنْ الْحَذْفِ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَى مَا هُوَ الرَّاجِحُ. وَقِيلَ: الْبَيَانُ شَرْطٌ فِي الْوَارِثِ فَقَطْ وَمِثْلُهُمَا الْوَصِيُّ. وَشَرْطُ كَوْنِ بَيْعِ مَنْ ذَكَرَ مَانِعًا مِنْ رَدِّ الرَّقِيقِ: إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ وَيَكْتُمْهُ. كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQبَاعَهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ أَوْ أَقُلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَسَوَاءٌ بَاعَهُ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ أَوْ قَبْلَهُ. وَهَذَا التَّعْمِيمُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ بَاعَهُ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ أَوْ بِأَكْثَرَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَإِنْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْقِلَّةُ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهَا مِنْ أَجْلِ الْعَيْبِ - كَأَنْ يَبِيعَهُ هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ ظَانًّا أَنَّ الْعَيْبَ حَدَثَ عِنْدَهُ - فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِالْأَقَلِّ مِمَّا نَقَصَهُ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ قِيمَتِهِ: وَجَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ يُونُسَ وَعِيَاضٌ، قَوْلَ ابْنِ الْمَوَّازِ تَفْسِيرًا لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلْيُفْهَمْ. قَوْلُهُ: [بُيِّنَ] : إنَّمَا بَنَاهُ لِلْمَجْهُولِ لِأَجْلِ التَّعْمِيمِ. الَّذِي قَالَهُ بَعْدُ. قَوْلُهُ: [مَعْمُولٌ لِرَدِّ الْمُقَدَّرِ] : فِيهِ رِكَّةٌ لَا تَخْفَى فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَدِّرَ الْوَاقِعَ بَعْدَ " لَا " فِعْلًا مُضَارِعًا مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَيَذْكُرَ فَاعِلَهُ وَهُوَ الْمُشْتَرِي وَيَجْعَلَ رَقِيقًا مَعْمُولًا لَهُ، فَيَصِيرَ السِّيَاقُ هَكَذَا: وَلَا يَرُدُّ مُشْتَرٍ عَلَى حَاكِمٍ وَلَا عَلَى وَارِثٍ بُيِّنَ رَقِيقًا فَقَطْ. قَوْلُهُ: [مِثْلُ الدَّيْنِ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ] إلَخْ: خِلَافًا لِلْبَاجِيِّ حَيْثُ قَالَ: لَا يَكُونُ بَيْعُ الْوَارِثِ مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ إلَّا إذَا كَانَ لِقَضَاءِ دَيْنٍ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ الْبَيَانُ شَرْطٌ فِي الْوَارِثِ فَقَطْ] : هَذَا ضَعِيفٌ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ بَيْعِ الْحَاكِمِ مَا إذَا بَاعَ عَبْدًا مُسْلِمًا عَلَى مَالِكِهِ الْكَافِرِ فَلَيْسَ بَيْعَ بَرَاءَةٍ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: " وَجَازَ رَدُّهُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ ". وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ.

(وَلَمْ يَعْلَمَا بِالْعَيْبِ) : وَإِلَّا كَانَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ بِهِ كَمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ الْبَائِعَ حَاكِمٌ أَوْ وَارِثٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ مَالِكٌ: بَيْعُ الْمِيرَاثِ وَبَيْعُ السُّلْطَانِ بَيْعُ بَرَاءَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ بَيْعُ مِيرَاثٍ أَوْ سُلْطَانٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ أَوْ يَحْبِسَ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَبَيْعُ السُّلْطَانِ لِلرَّقِيقِ فِي الدُّيُونِ وَالْمَغْنَمِ وَغَيْرِهِ بَيْعُ بَرَاءَةٍ (اهـ) فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَيَانِ الْعِلْمُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا كَأَنَّهُ قِيلَ: عَلِمَ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ كَانَ لَهُ الرَّدُّ. وَقَوْلُ الشَّيْخِ: " وَخُيِّرَ مُشْتَرٍ ظَنَّهُ غَيْرَهُمَا " الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: جَهِلَهُمَا لِيَشْمَلَ مَا إذَا لَمْ يَظُنَّ شَيْئًا فَمَدَارُ التَّخْيِيرِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. وَمَفْهُومُ: رَقِيقًا فَقَطْ، أَنَّهُمَا لَوْ بَاعَا غَيْرَهُ مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ عُرُوضٍ لَمْ يَكُنْ بَيْعُهُمَا بَيْعَ بَرَاءَةٍ؛ فَلِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ وَلَوْ بَيَّنَ أَيْ عَلِمَ أَنَّهُ حَاكِمٌ أَوْ وَارِثٌ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ الْإِطْلَاقُ، ثُمَّ إنَّ جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ لِوَاجِدِ الْعَيْبِ الرَّدَّ بِهِ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا مَحِلُّهُ مَا لَمْ يَحْدُثْ عَنْ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ آخَرُ فِي الْمَبِيعِ. فَإِنْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ فَلَا يَخْلُو؛ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَوَسِّطًا أَوْ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِلَّا كَانَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ بِهِ] : أَيْ لِأَنَّ الْحَاكِمَ أَوْ الْوَارِثَ حِينَئِذٍ كُلٌّ مُدَلِّسٌ. قَوْلُهُ: [قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ] إلَخْ: كَلَامُ ابْنِ الْمَوَّازِ هُوَ مَأْخَذُ تَعْمِيمِ الْبَيَانِ فِيمَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ: [وَفِي الْمُدَوَّنَةِ] إلَخْ: هُوَ مُسْتَنَدُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْبَيَانَ شَرْطٌ فِي الْوَارِثِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ أَوْ يَحْبِسَ] : أَيْ وَإِنْ كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى بَعْضِ الْعُيُوبِ وَرَاضِيًا بِهَا. قَوْلُهُ: [فَعُلِمَ مِنْ هَذَا] اسْمُ الْإِشَارَةِ عَائِدٌ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ لِأَنَّ التَّعْمِيمَ لَا يُفْهَمُ إلَّا مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ الْإِطْلَاقُ] : أَيْ شُمُولُ الرَّقِيقِ وَغَيْرِهِ فَيَكُونُ عَلَى إطْلَاقِهِ: بَيْعُ الْحَاكِمِ وَالْوَارِثِ بَيْعَ بَرَاءَةٍ وَلَوْ فِي غَيْرِ الرَّقِيقِ، وَلَكِنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ خِلَافُ الرَّاجِحِ فَتَحَصَّلَ أَنَّ عُمُومَ كَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ مِنْ حَيْثُ الْبَيَانُ مُسَلَّمٌ وَمِنْ حَيْثُ شُمُولُهُ لِغَيْرِ الرَّقِيقِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ.

[حدوث عيب بالمبيع عند المشتري]

وَلِكُلٍّ حُكْمٌ أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ حَدَثَ بِالْمَبِيعِ) الْمَعِيبِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي (عَيْبٌ مُتَوَسِّطٌ) بَيْنَ الْمُخْرِجِ عَنْ الْمَقْصُودِ وَالْقَلِيلِ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ: (كَعَجَفٍ) كَحُدُوثِ عَجَفٍ لِحَيَوَانٍ وَهُوَ شِدَّةُ الْهُزَالِ (وَ) حُدُوثِ (عَمًى وَعَوَرٍ وَعَرَجٍ وَشَلَلٍ) بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ (وَتَزْوِيجِ رَقِيقٍ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى قَبْلَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ الْقَدِيمِ (وَافْتِضَاضِ بِكْرٍ) وَلَوْ وَخْشًا وَ " الْوَاوُ " بِمَعْنَى: " أَوْ " فِي الْجَمِيعِ، (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي الْوَاجِدِ لِعَيْبٍ قَدِيمٍ بَعْدَ حُدُوثِ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ (التَّمَسُّكُ) بِالْمَبِيعِ (وَأَخْذُ) أَرْشِ الْعَيْبِ (الْقَدِيمِ وَ) لَهُ (الرَّدُّ) أَيْ رَدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ (وَدَفْعُ) أَرْشِ الْعَيْبِ (الْحَادِثِ) : فَالْخِيَارُ لَهُ لَا لِلْبَائِعِ. وَطَرِيقُ ذَلِكَ التَّقْوِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: (يُقَوَّمُ) أَوَّلًا (صَحِيحًا) بِعَشْرَةٍ مَثَلًا (ثُمَّ) يُقَوَّمُ (بِكُلٍّ) مِنْ الْعَيْبَيْنِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْآخَرِ، فَيُقَوَّمُ ثَانِيًا بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْحَادِثِ بِثَمَانِيَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [حُدُوث عَيْب بِالْمَبِيعِ عِنْد الْمُشْتَرِي] قَوْلُهُ: [لِحَيَوَانٍ] : أَيْ عَاقِلٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [وَافْتِضَاضِ بِكْرٍ] : بِالْقَافِ وَالْفَاءِ، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا مَشَى. عَلَيْهِ خَلِيلٌ فِي عَدِّهِ مِنْ الْمُفَوِّتِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِيهِ أَقْوَالًا ثَلَاثَةً: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ مِنْ الْمُفَوِّتِ كَانَ الْبَائِعُ مُدَلِّسًا أَمْ لَا وَهَذَا لِابْنِ رُشْدٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ كَانَ الْبَائِعُ مُدَلِّسًا أَمْ لَا عِلْيَةً أَوْ وَخْشًا وَهُوَ لِمَالِكٍ. وَالثَّالِثُ: إنْ كَانَ الْبَائِعُ غَيْرَ مُدَلِّسٍ فَهُوَ مُتَوَسِّطٌ كَمَا قَالَ مَالِكٌ. وَإِنْ كَانَ مُدَلِّسًا فَإِمَّا أَنْ يَرُدَّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَوْ يَتَمَسَّكَ وَيَأْخُذَ أَرْشَ الْقَدِيمِ وَهُوَ لِابْنِ الْكَاتِبِ، وَهَذَا هُوَ الْأَوْجَهُ. قَوْلُهُ: [وَطَرِيقُ ذَلِكَ التَّقْوِيمِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ] : مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ التَّقْوِيمَ إذَا أَرَادَ الرَّدَّ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ، وَهُوَ مَا قَالَهُ عِيَاضٌ، وَهُوَ الصَّوَابُ. خِلَافًا لِقَوْلِ الْبَاجِيِّ: إنَّهُ إذَا أَرَادَ الرَّدَّ إنَّمَا يُقَوِّمُ تَقْوِيمَيْنِ: أَحَدُهُمَا بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَالْآخَرُ بِالْحَادِثِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي. وَأَشْعَرَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَلَهُ التَّمَاسُكُ إلَخْ أَنَّ التَّخْيِيرَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ التَّقْوِيمِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا فِي (عب) ، وَفِي الْمُتَيْطِيِّ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ

مَثَلًا، فَقَدْ نَقَصَ الْخُمُسُ ثُمَّ يُقَوَّمُ ثَالِثًا بِالْحَادِثِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْقَدِيمِ بِثَمَانِيَةٍ مَثَلًا فَقَدْ نَقَصَ الْخُمُسُ أَيْضًا، ثُمَّ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي: إمَّا أَنْ تَتَمَاسَكَ بِالْمَبِيعِ وَتَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ. بِخُمُسِ الثَّمَنِ أَوْ تَرُدَّهُ وَتَتْرُكَ لَهُ خُمُسَ الثَّمَنِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ. وَمَحِلُّ تَخْيِيرِهِ: (إلَّا أَنْ يَقْبَلَهُ الْبَائِعُ بِالْحَادِثِ) عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ قَبِلَهُ (فَكَالْعَدِمِ) : أَيْ فَيَصِيرُ الْبَائِعُ كَالْعَدَمِ فَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي: إمَّا أَنْ تَرُدَّهُ بِالْقَدِيمِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْك أَوْ تَتَمَاسَكَ بِهِ وَلَا شَيْءَ لَك فِي نَظِيرِ الْقَدِيمِ. وَمِثْلُ ذَلِكَ: إذَا دَلَّسَ الْبَائِع كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يَهْلَكَ بِعَيْبِ التَّدْلِيسِ. (كَالْقَلِيلِ) : أَيْ كَحُدُوثِ الْعَيْبِ الْقَلِيلِ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ نَقْصًا فِي الثَّمَنِ فَإِنَّهُ كَالْعَدَمِ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فِي التَّمَاسُكِ وَأَخْذِ أَرْشِ الْقَدِيمِ أَوْ يَرُدُّ وَيَدْفَعُ أَرْشَ الْحَادِثِ بَلْ، إمَّا أَنْ يَرُدَّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، أَوْ يَتَمَاسَكَ وَلَا شَيْءَ لَهُ وَمَثَّلَ لِلْقَلِيلِ بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَرَوِيِّينَ: أَنَّ الْخِيَارَ بَعْدَ التَّقْوِيمِ وَالْمَعْرِفَةِ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَمَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ الْحَادِثُ. وَقَبْلَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ يَدْخُلُ فِي أَمْرٍ مَجْهُولٍ لَا يُعْلَمُ مِقْدَارُهُ (اهـ) وَلَعَلَّ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا الْتَزَمَ شَيْئًا قَبْلَ التَّقْوِيمِ هَلْ يَلْزَمُهُ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [بِخُمُسِ الثَّمَنِ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ عِشْرِينَ وَأَرَادَ الرَّدَّ، دَفَعَ أَرْبَعَةً أَرْشَ الْحَادِثِ؛ لِأَنَّ الْحَادِثَ قَدْ نَقَّصَ خُمُسَ الْقِيمَةِ، فَيَرُدُّ أَرْبَعَةً خُمُسَ الثَّمَنِ، فَالْقِيمَةُ مِيزَانٌ لِلرُّجُوعِ فِي الثَّمَنِ، وَإِنْ تَمَاسَكَ أَخَذَ أَرْبَعَةً أَرْشَ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَقْبَلَهُ الْبَائِعُ] : أَيْ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ. قَوْلُهُ: [كَمَا يَأْتِي] : أَيْ تَفْصِيلُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [بَلْ إمَّا أَنْ يَرُدَّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ] : وَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا كَانَ لَهُ التَّمَاسُكُ وَأَخْذُ الْقَدِيمِ لِخَسَارَتِهِ بِغُرْمِ أَرْشِ الْحَادِثِ إذَا رَدَّ فَحَيْثُ سَقَطَ عَنْهُ حُكْمُ الْعَيْبِ الْحَادِثِ انْتَفَتْ الْعِلَّةُ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْعَيْبُ الْقَلِيلُ إذَا كَانَ قَدِيمًا فَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي بِهِ الرَّدُّ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ إذَا كَانَ حَادِثًا فَإِنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِأَنَّ الْبَائِعَ يُتَوَقَّعُ تَدْلِيسُهُ، فَلِذَلِكَ رُدَّ عَلَيْهِ بِالْقَدِيمِ مُطْلَقًا وَلَوْ قَلِيلًا فِي غَيْرِ الْعَقَارِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَلْزَمُهُ أَرْشٌ فِي الْقَلِيلِ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ التَّسْوِيَةُ بِإِلْغَاءِ الْقَلِيلِ فِيهِمَا أَوْ اعْتِبَارِهِ فِيهِمَا.

(كَوَعْكٍ) بِسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَقَدْ تُفْتَحُ، الْأَلَمُ الْخَفِيفُ (وَرَمَدٍ) وَجَعُ الْعَيْنِ (وَصُدَاعٍ) وَجَعُ الرَّأْسِ (وَقَطْعِ ظُفْرٍ) : أَيْ زَوَالِهِ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ وَلَوْ مِنْ رَائِعَةٍ. (وَخَفِيفِ حُمَّى، وَوَطْءِ ثَيِّبٍ وَقَطْعِ شُقَّةٍ) قَطْعًا مُعْتَادًا (كَنِصْفَيْنِ) مِنْ وَسَطِهَا وَكَذَا أَكْثَرُ حَيْثُ لَا يَنْقُصُ الثَّمَنُ دَلَّسَ الْبَائِعُ أَوْ لَا (أَوْ) فَصَّلَهَا الْمُشْتَرِي (كَقَمِيصٍ، إنْ دَلَّسَ) الْبَائِعُ بِكَتْمِ الْعَيْبِ حِينَ الْبَيْعِ. فَإِنْ لَمْ يُدَلِّسْ فَمِنْ الْمُتَوَسِّطِ. (وَ) الْعَيْبُ (الْمُخْرِجُ عَنْ الْمَقْصُودِ) مِنْ ذَلِكَ الْمَبِيعِ الَّذِي ظَهْرَ بِهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ عِنْدَ بَائِعِهِ (مُفِيتٌ) بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَإِذَا كَانَ مُفِيتًا (فَالْأَرْشُ) مُتَعَيَّنٌ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَ التَّنَازُعِ وَعَدَمِ الرِّضَا. وَذَلِكَ الْمُخْرِجُ عَنْ الْمَقْصُودِ: (كَتَقْطِيعٍ) لِشُقَّةٍ (غَيْرِ مُعْتَادٍ) كَجَعْلِهَا قِلَاعًا لِمَرْكَبٍ أَوْ عِرْقِيَّاتٍ (وَكِبَرِ صَغِيرٍ) عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَاقِلٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَهَرَمٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ مِنْ رَائِعَةٍ] : قَالَ فِي الْأَصْلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ مُتَوَسِّطٌ فِي الرَّائِعَةِ فَقَطْ (اهـ) وَهَذَا بِخِلَافِ الْأُصْبُعِ فَإِنَّهُ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ مُطْلَقًا، وَذَهَابُ الْأُنْمُلَةِ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ فِي الرَّائِعَةِ لَا فِي الْوَخْشِ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْأُنْمُلَةِ مُتَوَسِّطٌ فِي الرَّائِعَةِ وَالْوَخْشِ. قَوْلُهُ: [أَوْ فَصَّلَهَا الْمُشْتَرِي كَقَمِيصٍ] . وَأَمَّا لَوْ فَصَّلَهَا قُلُوعًا سَوَاءٌ كَانَتْ الشُّقَّةُ مِنْ حَرِيرٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ صُوفٍ فَمُفَوِّتٌ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَالْعَيْبُ الْمُخْرِجُ عَنْ الْمَقْصُودِ] : أَيْ عَنْ الْغَرَضِ الْمَقْصُودِ أَيْ التَّغَيُّرُ الْمُفَوِّتُ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ الْمَبِيعِ. قَوْلُهُ: [فَالْأَرْشُ مُتَعَيَّنٌ] : أَيْ فَيُقَوَّمُ سَالِمًا وَمَعِيبًا بِالْقَدِيمِ وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ النِّسْبَةَ. وَظَاهِرُهُ: تَعَيُّنُ الْأَرْشِ وَلَوْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي جَابِرٌ لِمَا حَدَثَ عِنْدَهُ، وَمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْحَادِثَ يُجْبَرُ بِنَحْوِ الصَّبْغِ وَالطَّرْزِ إنْ كَانَ مُتَوَسِّطًا كَمَا قَالَ الْأُجْهُورِيُّ. وَقَالَ الشَّيْخُ سَالِمٌ: الْقِيَاسُ الْإِطْلَاقُ. قَوْلُهُ: [عَاقِلٍ أَوْ غَيْرِهِ] : أَمَّا الصَّغِيرُ الْعَاقِلُ فَلِأَنَّهُ يُرَادُ مِنْهُ الدُّخُولُ عَلَى النِّسَاءِ فَإِذَا كَبُرَ أَيْ بَلَغَ فَقَدْ زَالَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ. وَأَمَّا غَيْرُ الْعَاقِلِ فَصَغِيرُهُ يُرَادُ لِلَحْمِهِ

أَضْعَفَ الْقُوَى بَعْدَ الشُّبُوبَةِ. وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: " فَالْأَرْشُ " قَوْلَهُ: (إلَّا أَنْ يَهْلَكَ) الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي (بِعَيْبِ التَّدْلِيسِ) مِنْ بَائِعِهِ، كَمَا لَوْ دَلَّسَ بِحِرَابَتِهِ أَوْ صَوْلَتِهِ أَوْ سَرِقَتِهِ فَحَارَبَ أَوْ صَالَ فَقَتَلَ أَوْ سَرَقَ فَقُطِعَ فَمَاتَ أَوْ لِوَجَعِ قَلْبِهِ فَمَاتَ مِنْهُ (أَوْ) يَهْلِكُ (بِسَمَاوِيٍّ زَمَنَهُ) : أَيْ فِي زَمَنِ عَيْبِ التَّدْلِيسِ؛ (كَمَوْتِهِ فِي) زَمَنِ (إبَاقِهِ) الَّذِي دَلَّسَ بِهِ (فَالثَّمَنُ) يَرْجِعُ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ الْمُدَلِّسِ لَا إنْ لَمْ يُدَلِّسْ أَوْ دَلَّسَ وَمَاتَ بِسَمَاوِيٍّ لَا فِي زَمَنِهِ بَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِكِبَرِهِ يَزُولُ ذَلِكَ الْأَمْرُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [أَضْعَفَ الْقُوَى] : أَيْ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا. قَوْلُهُ: [وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ فَالْأَرْشُ] : أَيْ وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ السِّتِّ الَّتِي يُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ الْمُدَلِّسِ وَغَيْرِهِ، وَثَانِيهَا: مِنْ بَاعَ ثَوْبًا وَصَبَغَهُ الْمُشْتَرِي صَبْغًا لَا يُصْبَغُ مِثْلُهُ فَنَقَصَ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ مُدَلِّسًا رَدَّهُ وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ لِلنَّقْصِ، وَإِنْ تَمَاسَكَ أَخَذَ أَرْشَ الْقَدِيمِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدَلِّسٍ، فَإِنْ رَدَّ دَفَعَ أَرْشَ الْحَادِثِ وَإِنْ تَمَاسَكَ أَخَذَ أَرْشَ الْقَدِيمِ، وَثَالِثُهَا: لَوْ بَاعَ السِّلْعَةَ مُشْتَرِيهَا لِبَائِعِهَا الْأَوَّلِ بِأَكْثَرِ مِمَّا اشْتَرَاهَا بِهِ قَبْلَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ الْقَدِيمِ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ مُدَلِّسًا فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِشَيْءٍ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدَلِّسٍ رَدَّهُ ثُمَّ رُدَّ لَهُ بِشَيْءٍ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدَلِّسٍ رَدَّهُ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ. وَرَابِعُهَا: مَنْ بَاعَ رَقِيقًا وَتَبَرَّأَ مِنْ عَيْبٍ لَا يَعْلَمُهُ فِي زَعْمِهِ، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَمُدَلِّسٌ، وَإِلَّا فَلَا. فَالْمُدَلِّسُ لَا تَنْفَعُهُ الْبَرَاءَةُ وَغَيْرُهُ تَنْفَعُهُ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا. وَخَامِسُهَا: لَوْ أَخَذَ السِّمْسَارُ جُعْلًا مِنْ الْبَائِعِ عَلَى بَيْعِ سِلْعَتِهِ فَبَاعَهَا وَرُدَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ بِحُكْمِ حَاكِمٍ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ مُدَلِّسًا فَلَا يَرُدُّ السِّمْسَارُ الْجُعَلَ بَلْ يَفُوزُ بِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدَلِّسٍ رَدَّهُ. وَمَفْهُومُ قَوْلِنَا بِحُكْمِ حَاكِمٍ أَنَّهُ لَوْ قَبِلَهَا الْبَائِعُ مِنْ نَفْسِهِ فَلَا يَلْزَمُ السِّمْسَارَ رَدُّ الْجُعَلِ. وَسَادِسُهَا: مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً وَنَقَلَهَا لِمَوْضِعٍ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ بِهَا عَيْبٌ وَرَدَّهَا فَأُجْرَةُ النَّقْلِ ذَهَابًا وَإِيَابًا عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ مُدَلِّسًا، وَإِلَّا فَالنَّقْلُ مُفَوِّتٌ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْأَرْشِ (اهـ مِنْ الْأَصْلِ بِتَصَرُّفٍ) . قَوْلُهُ: [فَالثَّمَنُ يَرْجِعُ بِهِ الْمُشْتَرِي] : أَيْ سَوَاءٌ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ قَبْلَ هَلَاكِهِ أَمْ لَا.

[تنبيه هلاك المبيع عند المشتري]

عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَالْأَرْشُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي) : إذَا تَنَازَعَ مَعَ الْبَائِعِ فَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ: أَنْتَ رَأَيْتَ الْعَيْبَ حَالَ الْبَيْعِ، أَوْ: أَنْتَ رَضِيتَ بِهِ حِينَ اطَّلَعَتْ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَالْقَوْلُ لَهُ (أَنَّهُ مَا رَآهُ وَلَا رَضِيَ بِهِ، وَلَا يَمِينَ) عَلَيْهِ: أَيْ الْقَوْلُ لَهُ بِهِ بِلَا يَمِينٍ (إلَّا أَنْ يُحَقِّقَ) الْبَائِعُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُشْتَرِي (الدَّعْوَى) بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: أَنَا أَرَيْتُك الْعَيْبَ أَوْ أَعْلَمْتُك بِهِ، أَوْ: فُلَانٌ أَعْلَمَك بِهِ وَأَنَا حَاضِرٌ، أَوْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ قَدْ أَخْبَرْتَنِي بِأَنَّك رَضِيت بِهِ بَعْدَ اطِّلَاعِك عَلَيْهِ أَوْ أَخْبَرَنِي عَدْلٌ بِأَنَّك رَضِيت بِهِ، فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينٍ. فَإِنْ حَلِفَ رُدَّ الْمَبِيعُ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِلَّا رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ، فَإِنْ حَلِفَ فَلَا كَلَامَ لِلْمُشْتَرِي. هَذَا إذَا لَمْ يُسَمِّ الْبَائِعُ مَنْ أَخْبَرَهُ أَوْ سَمَّاهُ وَتَعَذَّرَ إشْهَادُهُ لِمَوْتٍ وَنَحْوِهِ، وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يُقِيمَهُ شَاهِدًا وَيَحْلِفَ مَعَهُ، وَلُزُومُ الْبَيْعِ وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ وَهَلَكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِعَيْبِ التَّدْلِيسِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَكُنْ رُجُوعُهُ عَلَى بَائِعِهِ هُوَ لِعَدَمِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ، فَيَأْخُذُ مِنْ الْبَائِعِ الْمُدَلِّسِ جَمِيعَ الثَّمَنِ. فَإِنْ سَاوَى مَا خَرَجَ مِنْ يَدِهِ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ زَادَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ عَمَّا خَرَجَ مِنْ يَدِهِ فَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ الثَّانِي هُوَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ. وَإِنْ نَقَصَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمُدَلِّسِ عَمَّا خَرَجَ مِنْ يَدِهِ فَهَلْ الْبَائِعُ الثَّانِي يُكَمِّلُهُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ فَيَتْبَعُ بِهِ ذِمَّتَهُ مَتَى حَضَرَ أَوَّلًا يُكَمِّلُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ بِاتِّبَاعِ الْأَوَّلِ بَطَلَ رُجُوعُهُ عَلَى الثَّانِي؛ قَوْلَانِ. وَمَفْهُومُ قَوْلِنَا إنْ لَمْ يُمْكِنْ رُجُوعُهُ عَلَى بَائِعِهِ: أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُدَلِّسِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِالْأَرْشِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُدَلِّسٍ ثُمَّ هُوَ يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ الْمُدَلِّسِ بِالْأَقَلِّ مِنْ الْأَرْشِ أَوْ مَا يُكْمِلُ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ كَذَا فِي الْأَصْلِ. [تَنْبِيه هلاك الْمَبِيع عِنْد الْمُشْتَرِي] قَوْلُهُ: [وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ] : أَيْ وَيُرَدُّ الْمَبِيعُ لِبَائِعِهِ. قَوْلُهُ: [فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينٍ] : جَوَابُ الشَّرْطِ وَمَا بَيْنَهُمَا تَصْوِيرٌ لِتَحْقِيقِ الدَّعْوَى. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ] : أَيْ لِأَنَّهَا دَعْوَى تَحْقِيقٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ سَمَّاهُ وَتَعَذَّرَ إشْهَادُهُ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُخْبِرَ إذَا سَمَّاهُ الْبَائِعُ يُسْأَلُ؛ فَإِنْ صَدَّقَ الْبَائِعُ عَلَى أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، وَكَانَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ، وَقَامَ بِهَا الْبَائِعُ، حَلِفَ الْبَائِعُ مَعَهُ وَسَقَطَ الرَّدُّ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ مَسْخُوطًا أَوْ لَمْ يَقُمْ الْبَائِعُ بِشَهَادَتِهِ حَلَفَ

يُفِيدُ الْمُشْتَرِيَ دَعْوَى عَدَمِ الرِّضَا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمُشْتَرِي بِلَا يَمِينٍ أَوْ بِيَمِينٍ إذَا لَمْ يُقِمْ الْبَائِعُ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ أَوْ شَاهِدًا وَيَحْلِفُ مَعَهُ. (أَوْ أَقَرَّ) الْمُشْتَرِي (بِأَنَّهُ قَلَّبَ) : أَيْ فَتَّشَ الْمَبِيعَ حَالَ الْبَيْعِ وَلَكِنَّهُ مَا رَأَى الْعَيْبَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِيَمِينٍ. (وَ) الْقَوْلُ (لِلْبَائِعِ) إذَا بَاعَ عَبْدًا فَأَبِقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِالْقُرْبِ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ عَيْبٌ قَدِيمٌ عِنْدَ الْبَائِعِ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا وَادَّعَى (أَنَّهُ مَا أَبِقَ عِنْدَهُ) أَصْلًا وَلَا يَمِينَ عَلَى الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يُحَقِّقَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي الدَّعْوَى فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ. (كَذَلِكَ) أَيْ الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ كَاَلَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْمُشْتَرِي مِنْ يَمِينٍ وَعَدَمِهِ (لِإِبَاقِهِ) اللَّامُ لِلْعِلَّةِ أَوْ بِمَعْنَى عِنْدَ أَيْ عِنْدَ إبَاقِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي (بِالْقُرْبِ) مِنْ الْبَيْعِ وَأَوْلَى عِنْدَ الْبُعْدِ (إذْ الْقَوْلُ لَهُ فِي الْعَيْبِ) : عِلَّةٌ لِكَوْنِ الْقَوْلِ لِلْبَائِعِ أَيْ وَإِنَّمَا كَانَ الْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْبَقْ عِنْدَهُ بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ: أَنَّ الْقَوْلَ لِلْبَائِعِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي عَدَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَا رَضِيَ وَرَدَّ. وَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ - وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ مَسْخُوطًا - لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ مِمَّا يُرَجِّحُ دَعْوَى الْبَائِعِ فِي الْجُمْلَةِ. فَإِنْ كَذَّبَ الْمُخْبِرُ الْبَائِعَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا أَوْ مَسْخُوطًا كَمَا قَالَهُ الْمِسْنَاوِيّ، خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ (عب) مِنْ الْيَمِينِ (اهـ. بْن) . قَوْلُهُ: [وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمُشْتَرِي] إلَخْ: أَيْ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي بِلَا يَمِينٍ إنْ تَجَرَّدَتْ دَعْوَى الْبَائِعِ عَنْ مُرَجِّحٍ وَبِيَمِينٍ إنْ اُقْتُرِنَتْ بِمُرَجِّحٍ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمُرَجِّحُ شَهَادَةَ عَدْلٍ وَيَقُومُ الْبَائِعُ بِهَا، وَإِلَّا كَانَ الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ بِيَمِينٍ مَعَهُ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِيَمِينٍ] : فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ الْمَبِيعُ وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهَا تُهْمَةٌ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يُحَقِّقَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي الدَّعْوَى] : هَذَا قَوْلُ اللَّخْمِيِّ. وَصَحَّحَهُ فِي الشَّامِلِ خِلَافًا لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ: مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الْبَائِعِ سَوَاءٌ اتَّهَمَهُ بِأَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَهُ أَوْ حَقَّقَ عَلَيْهِ الدَّعْوَى بِأَنْ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُخْبِرٌ بِإِبَاقِهِ عِنْدَك، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا لِأَبِي الْحَسَنِ وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ.

[تنبيه أقر المشتري ببعض العيب]

وُجُودِ الْعَيْبِ الْخَفِيِّ عِنْدَهُ كَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَا وَالْإِبَاقِ (وَفِي) عَدَمِ (قِدَمِهِ) عِنْدَ التَّنَازُعِ فِيهِ (إلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْعَادَةُ لِلْمُشْتَرِي) بِقَدَمِهِ قَطْعًا أَوْ رُجْحَانًا فَالْقَوْلُ لَهُ. فَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ لِلْقِدَمِ فَقَطْ. (وَحَلَفَ مَنْ لَمْ يُقْطَعْ بِصِدْقِهِ) مِنْ بَائِعٍ أَوْ مُشْتَرٍ، فَإِنْ ظَنَّ قِدَمَهُ فَلِلْمُشْتَرِي بِيَمِينٍ وَإِنْ شَكَّ أَوْ ظَنَّ حُدُوثَهُ فَلِلْبَائِعِ بِيَمِينٍ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ قَطَعَ بِقِدَمِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي بِلَا يَمِينٍ أَوْ بِحُدُوثِهِ فَلِلْبَائِعِ بِلَا يَمِينٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [تَنْبِيه أقر الْمُشْتَرِي بِبَعْضِ الْعَيْب] قَوْلُهُ: [كَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَا] إلَخْ: أَيْ فَلَا مَفْهُومَ لِمَسْأَلَةِ الْإِبَاقِ بَلْ هُوَ فَرْضُ مِثَالٍ. تَنْبِيهٌ إنْ أَقَرَّ بَائِعٌ بِبَعْضِ الْعَيْبِ وَكَتَمَ بَعْضَهُ وَهَلَكَ الْمَبِيعُ، فَاخْتُلِفَ: هَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَكْثَرِ الْعَيْبِ فَيَرْجِعُ بِالزَّائِدِ الَّذِي كَتَمَهُ؟ كَقَوْلِهِ: يَأْبِقُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَكَانَ يَأْبِقُ عِشْرِينَ فَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ خَمْسَةٍ وَبَيْنَ أَقَلِّهِ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِخَمْسَةٍ فِي الْمِثَالِ وَكَتَمَ عَشَرَةً فَيَرْجِعُ بِالْجَمِيعِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَتَمَ الْأَكْثَرَ كَأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ شَيْئًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَلَاكِهِ فِيمَا بَيَّنَ أَوْ كَتَمَ وَلَا بَيْنَ الْمَسَافَةِ وَالْأَزْمِنَةِ، أَوْ يَرْجِعُ بِأَرْشِ الزَّائِدِ مُطْلَقًا كَتَمَ الْأَقَلَّ. أَوْ الْأَكْثَرَ؟ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ هَلَاكِهِ فِيمَا بَيَّنَهُ فَيَرْجِعُ بِأَرْشِ الزَّائِدِ الَّذِي كَتَمَهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، أَوْ لَا يَهْلَكُ فِيمَا بَيَّنَهُ بَلْ هَلَكَ فِيمَا كَتَمَهُ فَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؟ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ. قَوْلُهُ: [فَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ لِلْقِدَمِ فَقَطْ] : اعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فِي حُدُوثِ الْعَيْبِ فِي الْمَشْكُوكِ فِيهِ إنْ لَمْ يُصَاحِبْهُ عَيْبٌ قَدِيمٌ ثَابِتٌ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِ أَنَّهُ مَا حَدَثَ عِنْدَهُ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ. لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ قَدْ وَجَبَ لَهُ الرَّدُّ بِالْقَدِيمِ وَأَخْذُ جَمِيعِ الثَّمَنِ، وَالْبَائِعُ يُرِيدُ نَقْصَهُ مِنْ الثَّمَنِ بِقَوْلِهِ حَدَثَ عِنْدَك فَهُوَ مُدَّعٍ - كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [وَحَلَفَ مَنْ لَمْ يَقْطَعْ بِصِدْقِهِ] : فَإِنْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ فِي قِدَمِهِ وَحُدُوثِهِ، عُمِلَ بِقَوْلِ الْأَعْرَفِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْمَعْرِفَةِ، عُمِلَ بِقَوْلِ الْأَعْدَلِ. فَإِنْ تَكَافَآ فِي الْعَدَالَةِ سَقَطَا لَتَكَاذُبِهِمَا، وَإِذَا سَقَطَا كَانَ كَالشَّكِّ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ. وَالْجَارِي عَلَى قَوْلِ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّهَا تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الرَّدِّ. قَوْلُهُ: [إنْ قَطَعَ بِقِدَمِهِ] : اعْلَمْ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ بِالْقِدَمِ سَوَاءٌ

[وجد العيب القديم ببعض المبيع]

وَالْكَلَامُ فِي الْعُيُوبِ الَّتِي شَأْنُهَا الْخَفَاءُ، وَأَمَّا الظَّاهِرَةُ كَالْعَمَى وَالْعَرَجِ فَلَا قِيَامَ بِهَا وَلَا يَرْجِعُ فِيهَا لِلْعَادَةِ وَلَا غَيْرِهَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا لَوْ وَجَدَ الْعَيْبَ الْقَدِيمَ بِبَعْضِ الْمَبِيعِ وَمَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ ابْتَاعَ مُقَوَّمًا) وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْمِثْلِيِّ (مَعِيبًا) لَا مَوْصُوفًا - وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ - (مُتَعَدِّدًا) - كَثَوْبَيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ فَأَكْثَرَ بِأَعْيَانِهَا قَائِمَةً - (فِي صَفْقَةٍ) وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَشَرَةَ أَثْوَابٍ بِأَعْيَانِهَا (فَظَهَرَ) لَهُ (عَيْبٌ بِبَعْضِهِ) : أَيْ الْمُبْتَاعِ الْمُقَوَّمِ (فَلَهُ) : أَيْ لِلْمُبْتَاعِ (رَدُّهُ) : أَيْ رَدُّ الْبَعْضِ الْمَعِيبِ (بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ) وَلَزِمَهُ التَّمَسُّكُ بِالْبَاقِي، وَلَهُ التَّمَسُّكُ بِالْجَمِيعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ فَإِذَا كَانَ الْمَعِيبُ ثَوْبًا أَوْ أَكْثَرَ إلَى خَمْسَةٍ، وَكَانَتْ قِيمَةُ كُلِّ ثَوْبٍ عَشَرَةً، رَجَعَ بِعُشْرِ الثَّمَنِ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ عَشَرَةٌ وَبِخُمُسِهِ فِي الِاثْنَيْنِ وَهُوَ عِشْرُونَ وَهَكَذَا. وَهَذَا (إنْ لَمْ يَكُنْ) الثَّمَنُ (سِلْعَةً) بِأَنْ كَانَ عَيْنًا أَوْ مِثْلِيًّا (وَإِلَّا) ، بِأَنْ كَانَ الثَّمَنُ سِلْعَةً كَعَبْدٍ أَوْ دَارٍ (فَفِي قِيمَتِهَا) يَرْجِعُ. فَإِذَا كَانَ الْمَعِيبُ ثَوْبًا مِنْ الْعَشَرَةِ وَهُوَ يُسَاوِي عَشَرَةٌ، رَدَّهُ وَرَجَعَ بِعُشْرِ قِيمَةِ الْعَبْدِ أَوْ الدَّارِ. وَلَا يَرْجِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتَنَدُوا فِي قَوْلِهِمْ ذَلِكَ لِلْعَادَةِ أَوْ لِلْمُعَايَنَةِ أَوْ لِإِخْبَارِ الْعَارِفِينَ أَوْ لِإِقْرَارِ الْبَائِعِ لَهُمْ بِذَلِكَ. [وَجَدَ الْعَيْبَ الْقَدِيمَ بِبَعْضِ الْمَبِيعِ] قَوْلُهُ: [وَلَزِمَهُ التَّمَسُّكُ بِالْبَاقِي] : أَيْ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَنِ. وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ الْجَمِيعِ إلَّا بِرِضَا الْبَائِعِ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ: إمَّا أَنْ تَرُدَّ الْجَمِيعَ أَوْ تَأْخُذَ الْجَمِيعَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ. قَوْلُهُ: [فَإِذَا كَانَ الْمَعِيبُ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُقَوِّمُ كُلَّ سِلْعَةٍ بِمُفْرَدِهَا عَلَى أَنَّهَا سَلِيمَةٌ وَيَنْسُبُ قِيمَةَ الْمَعِيبِ عَلَى أَنَّهُ سَلِيمٌ إلَى الْجَمِيعِ وَيَرْجِعُ بِمَا يَخُصُّ الْمَعِيبَ مِنْ الثَّمَنِ، وَهُنَاكَ طَرِيقَةٌ أُخْرَى لِلتَّقْوِيمِ حَاصِلُهَا أَنَّهُ يُقَوِّمُ الْأَثْوَابَ كُلَّهَا سَالِمَةً، ثُمَّ تُقَوَّمُ ثَانِيًا بِدُونِ الْمَعِيبِ وَتُنْسَبُ الْقِيمَةُ الثَّانِيَةُ لِلْأُولَى وَبِتِلْكَ النِّسْبَةِ يَرْجِعُ بِمَا يَخُصُّ الْمَعِيبَ مِنْ الثَّمَنِ. قَوْلُهُ: [وَرَجَعَ بِعُشْرِ قِيمَةِ الْعَبْدِ] : أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَرْجِعُ

بِجُزْءٍ مِنْ السِّلْعَةِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ. (إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَعِيبُ الْأَكْثَرَ) بِأَنْ زَادَ عَلَى النِّصْفِ (وَالسَّالِمُ) مِنْ الْعَيْبِ الْأَقَلَّ (بَاقِيًا) عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَفُتْ (فَالْجَمِيعُ وَ) يَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ جَمِيعَ الثَّمَنِ أَوْ يَتَمَاسَكُ بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ التَّمَاسُكُ بِالْأَقَلِّ السَّالِمِ وَرَدُّ الْأَكْثَرِ الْمَعِيبِ. وَمَفْهُومُ: " بَاقِيًا "، أَنَّهُ لَوْ فَاتَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَكَانَ لَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ مُطْلَقًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَأَخْذُ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ مِنْ قِيمَةِ السِّلْعَةِ وَإِنْ وَقَعَتْ ثَمَنًا. وَشَبَّهَ فِي رَدِّ الْجَمِيعِ أَوْ التَّمَسُّكِ بِالْجَمِيعِ أَوْ يَتَمَاسَكُ بِالْبَعْضِ السَّالِمِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرَ قَوْلُهُ: (كَأَحَدِ مُزْدَوَجَيْنِ) : كَخُفَّيْنِ وَنَعْلَيْنِ وَسِوَارَيْنِ مِمَّا لَا يُسْتَغْنَى بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا بِذَلِكَ كَمَا يَأْتِي فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQبِقِيمَةِ عُشْرِ الْعَبْدِ وَلَا شَكَّ أَنَّ قِيمَةَ عُشْرِ الْعَبْدِ أَقَلُّ مِنْ عُشْرِ قِيمَتِهِ. وَحَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الثَّمَنَ إذَا كَانَ مُقَوَّمًا كَدَارٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ كِتَابٍ أَوْ ثَوْبٍ وَاطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ فَقَالَ أَشْهَبُ: يَرْجِعُ شَرِيكًا فِي الثَّمَنِ الْمُقَوَّمِ بِمَا يُقَابِلُ الْمَعِيبَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَرْجِعُ شَرِيكًا لِلْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِالْقِيمَةِ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ اُخْتُلِفَ؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ إنَّهُ يَرْجِعُ بِنِسْبَةِ قِيمَةِ الْمَعِيبِ لَقِيمَةِ الْمَبِيعِ فِي قِيمَةِ الْمُقَوَّمِ الْوَاقِعِ ثَمَنًا، فَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ ثَوْبًا وَقِيمَتُهُ عَشَرَةً نَسَبْتهَا لِلْمِائَةِ قِيمَةِ الْأَثْوَابِ الْمَبِيعَةِ الْعَشْرِ فَيَرْجِعُ بِعُشْرِ قِيمَةِ الْمُقَوَّمِ الْوَاقِعِ ثَمَنًا عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَعَلَيْهِ مَشَى شَارِحُنَا. وَقِيلَ: يَرْجِعُ بِمَا يَخُصُّ الْمَعِيبَ مِنْ قِيمَةِ الثَّمَنِ الْمُقَوَّمِ فَإِذَا كَانَ الْمَعِيبُ ثَوْبًا رَجَعَ بِقِيمَةِ عُشْرِ الْمُقَوَّمِ الْمَدْفُوعِ ثَمَنًا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ لَهُ التَّمَاسُكُ بِالْأَقَلِّ السَّالِمِ] : أَيْ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَأَمَّا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَيَرُدُّ الْمَعِيبَ مَجَّانًا فَجَائِزٌ، وَإِنَّمَا مَنَعَ التَّمَسُّكَ بِالْقَلِيلِ السَّالِمِ لِأَنَّهُ كَإِنْشَاءِ عَقْدِهِ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ إذْ لَا يُعْرَف مَا يَنُوبُ الْأَقَلُّ إلَّا بَعْدَ تَقْوِيمِ الْمَبِيعِ كُلِّهِ أَوَّلًا ثُمَّ تَقْوِيمِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْأَجْزَاءِ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا بِذَلِكَ] : أَيْ عَلَى الصَّوَابِ كَمَا قَالَهُ (ر) خِلَافًا لِمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَ (عب) تَبَعًا لِلْأُجْهُورِيِّ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ وَلَوْ تَرَاضِيَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْفَسَادِ الَّذِي مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْهُ

الْقِسْمَةِ (أَوْ) كَانَ الْمَعِيبُ (أُمًّا وَوَلَدَهَا) فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ مِنْهُمَا وَالتَّمَاسُكُ بِالسَّلِيمِ وَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّمَاسُكُ بِأَقَلَّ سَالِمٍ مِنْ مُتَعَدِّدٍ وُجِدَ عَيْبٌ بِأَكْثَرِهِ إذَا لَمْ يَفُتْ الْأَقَلُّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَإِلَّا جَازَ. (وَ) كَمَا لَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِالْأَقَلِّ الْمَذْكُورِ (لَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِالْأَقَلِّ إنْ اُسْتُحِقَّ الْأَكْثَرُ) : إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مُقَوَّمًا مُتَعَدَّدًا مُعَيَّنًا فِي صَفْقَةٍ وَالْبَاقِي لَمْ يَفُتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ فَاتَ فَلَهُ التَّمَسُّكُ بِهِ وَيَرْجِعُ بِمَا يَخُصُّ مَا اسْتَحَقَّ مِنْ الثَّمَنِ. فَجَمِيعُ الْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَعِيبِ تَجْرِي فِي الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَإِذَا مَنَعَ التَّمَسُّكَ بِالْأَقَلِّ إذْ اسْتَحَقَّ الْأَكْثَرَ تَعَيَّنَ الْفَسْخُ بِرَدِّ الْأَقَلِّ وَالرُّجُوعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ يَتَمَاسَكُ بِالْبَعْضِ الْبَاقِي بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. فَالْمَنْعُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِالْبَعْضِ الْبَاقِي وَيَرْجِعَ بِمَا يَخُصُّ مَا اسْتَحَقَّ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعَيْبِ. ثُمَّ ذَكَرَ مَفْهُومَ: " مُقَوَّمًا " ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ كَانَ الْمَعِيبُ أُمًّا وَوَلَدَهَا] : أَيْ لِأَنَّ الشَّارِعَ مَنَعَ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْإِثْغَارِ وَهَذَا فِي الْحَيَوَانِ الْعَاقِلِ وَمَحَلِّ الْمَنْعِ مَا لَمْ تَرْضَ الْأُمُّ بِذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [بِالْأَقَلِّ الْمَذْكُورِ] : أَيْ الَّذِي هُوَ الْمَعِيبُ. لِأَنَّ حُكْمَ الْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقَيْ وَاحِدٌ. قَوْلُهُ: [فَالْمَنْعُ أَنْ يَتَمَسَّكَ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ كَإِنْشَاءِ عُقْدَةٍ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي الْعَيْبِ إنْ قُلْت: هَذَا التَّعْلِيلُ مَوْجُودٌ فِيمَا إذَا اُسْتُحِقَّ الْأَقَلُّ أَوْ تَعَيَّبَ وَرَدَّهُ وَتَمَسَّكَ بِالْأَكْثَرِ بِحِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ؟ أُجِيبَ: بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحُكْمُ لِلْغَالِبِ انْفَسَخَتْ الْعُقْدَةُ بِرَدِّ الْأَكْثَرِ أَوْ اسْتِحْقَاقِهِ فَكَانَ التَّمَسُّكُ بِالْأَقَلِّ كَابْتِدَاءِ عُقْدَةٍ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ الْآنَ بِخِلَافِ رَدِّ غَيْرِ الْأَكْثَرِ أَوْ اسْتِحْقَاقِهِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْعُقْدَةَ الْأُولَى انْحَلَّتْ مِنْ أَصْلِهَا حَيْثُ اُسْتُحِقَّ الْأَكْثَرُ أَوْ تَعَيَّبَ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَكْثَرِ كَاسْتِحْقَاقِ الْكُلِّ وَإِذَا تَعَيَّبَ الْأَكْثَرُ وَرَدَّهُ كَانَ كَرَدِّ الْكُلِّ، فَكَانَ تَمَسُّكُ الْمُشْتَرِي بِالْأَقَلِّ السَّالِمِ كَإِنْشَاءِ عُقْدَةٍ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ الْآنَ بِخِلَافِ رَدِّ غَيْرِ الْأَكْثَرِ أَوْ اسْتِحْقَاقِهِ وَأَجَازَ ابْنُ حَبِيبٍ رَدَّ الْأَكْثَرِ بِحِصَّتِهِ قَائِلًا: هَذِهِ جَهَالَةٌ طَارِئَةٌ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ.

مُعَيَّنًا عَلَى سَبِيلِ النَّشْرِ الْمُشَوَّشِ بِقَوْلِهِ: (بِخِلَافِ الْمَوْصُوفِ) : وَهُوَ مَفْهُومُ: " مُعَيَّنٌ " (وَالْمِثْلِيِّ) : مَفْهُومُ مُقَوَّمٍ: أَيْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّمَسُّكُ بِالْأَقَلِّ إذَا تَعَيَّبَ أَوْ اسْتَحَقَّ الْأَكْثَرَ، وَأَوْلَى الْمُسَاوِي أَوْ الْأَقَلُّ؛ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَشَرَةَ أَثْوَابٍ مَوْصُوفَةٍ أَوْ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ أَوْ أَوْسُقٍ مِنْ قَمْحٍ فَاسْتَحَقَّ أَكْثَرَهَا أَوْ أَقَلَّهَا أَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا، فَلَا يَنْتَقِضُ الْبَيْعُ بَلْ يَرْجِعُ بِمِثْلِ الْمَوْصُوفِ أَوْ الْمِثْلِيِّ، وَلَهُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِالْبَاقِي بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَبِالسَّالِمِ وَالْمَعِيبِ فِي الْعَيْبِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مُتَّحِدًا - كَدَارٍ أَوْ عَبْدٍ فَاسْتَحَقَّ الْبَعْضَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ - فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ بَيْن التَّمَاسُكِ وَالرَّدِّ. وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ: " وَلَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِالْأَقَلِّ " إلَخْ قَوْلَهُ: (فَإِنْ كَانَ دِرْهَمَانِ وَسِلْعَةٌ) كَعَبْدٍ (تُسَاوِي) تِلْكَ السِّلْعَةُ (عَشَرَةً) بِيعَا (بِثَوْبٍ) مَثَلًا، فَثَمَنُ الثَّوْبِ اثْنَا عَشَرَ (فَاسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ) الْمُسَاوِيَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْمَوْصُوفِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُنَا فِي الْمُقَوَّمِ الْمُعَيَّنِ الْمُتَعَدِّدِ، وَأَمَّا الْمِثْلِيُّ وَالْمُقَوَّمُ وَالْمُتَّحِدُ وَالْمَوْصُوفُ فَحُكْمُهُ مُغَايِرٌ لِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَشَرَةَ أَثْوَابٍ] مِثَالٌ لِلْمَوْصُوفِ وَقَوْلُهُ أَوْ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ أَوْ أَوْسُقٍ مِثَالٌ لِلْمِثْلِيِّ. قَوْلُهُ: [بِجَمِيعِ الثَّمَنِ] : الْمُنَاسِبِ بِحِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ التَّمَاسُكَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لَا يُتَوَهَّم مَنْعُهُ حَتَّى يَنُصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [فَاسْتُحِقَّ الْبَعْضُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ] : هَذَا كَلَامٌ مُجْمَلٌ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ وَإِيضَاحُهُ فِي الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّمَاسُكِ وَالرَّدِّ] : أَيْ لِدَفْعِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ كَانَ دِرْهَمَانِ وَسِلْعَةٌ] إلَخْ: اسْمُ كَانَ ضَمِيرُ شَأْنٍ وَ " دِرْهَمَانِ " مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ بَيْعًا بِثَوْبِ خَبَرُهُ. وَالْجُمْلَةُ خَبَرٌ لِكَانَ الثَّانِيَةِ. أَوْ أَنْ كَانَ غَيْرُ ثَانِيَةِ وَدِرْهَمَانِ اسْمُهَا، وَسِلْعَةٌ مَعْطُوفٌ عَلَى دِرْهَمَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍّ وَخَبَرُهَا قَوْلُهُ بِيعَا بِثَوْبٍ. قَوْلُهُ: [فَاسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ] أَيْ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى " بِيعَا " الَّذِي قَدَّرَهُ الشَّارِحُ.

لِلْعَشَرَةِ - وَهِيَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الصِّفَةِ، فَقَدْ اُسْتُحِقَّ الْأَكْثَرُ - فَلَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِالْأَقَلِّ الْبَاقِي وَهُمَا الدِّرْهَمَانِ فَيَتَعَيَّنُ فَسْخُ الْبَيْعِ بِرَدِّ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَخْذِ الثَّوْبِ إنْ كَانَ قَائِمًا. (وَ) أَمَّا لَوْ (فَاتَ الثَّوْبُ) وَلَوْ بِحَوَالَةِ سُوقٍ (فَلَهُ) : أَيْ لِمَنْ اسْتَحَقَّ مِنْهُ السِّلْعَةَ (قِيمَةُ الثَّوْبِ) الَّذِي خَرَجَ مِنْ يَدِهِ لِفَوَاتِهِ (بِكَمَالِهِ) لِأَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَهُ عِنْد فَسْخِ الْبَيْعِ (وَرَدَّ) مِنْ اُسْتُحِقَّتْ مِنْهُ السِّلْعَةُ (الدِّرْهَمَيْنِ) فَ " رَدَّ " فِعْلٌ مَاضٍ. وَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا مَعْطُوفًا عَلَى " قِيمَةُ ". وَقِيلَ: إذَا فَاتَ الثَّوْبُ تَعَيَّنَ عَدَمُ الْفَسْخِ لِأَنَّ فَوَاتَهُ كَفَوَاتِ الْأَقَلِّ الْبَاقِي فِيمَا إذَا اُسْتُحِقَّ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ إذَا فَاتَ لَمْ يُفْسَخْ كَمَا تَقَدَّمَ، وَحِينَئِذٍ فَيَتَمَسَّكُ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ السِّلْعَةِ الَّتِي اُسْتُحِقَّتْ مِنْهُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَنْكَرَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وُجُودَ الْقَوْلِ بِالْفَسْخِ إذَا فَاتَ الثَّوْبُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَرَدَّ إنْكَارَهُ بِأَنَّ ابْنَ يُونُسَ قَدْ ذَكَرَهَا. (وَجَازَ رَدُّ أَحَدِ الْمُبْتَاعَيْنِ) إذَا اشْتَرَيَا سِلْعَةً أَوْ أَكْثَرَ فِي صَفْقَةٍ فَوَجْدًا - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [قِيمَةُ الثَّوْبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْ يَدِهِ] : أَيْ يَأْخُذُهَا مِنْ الْبَائِعِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَمَاسَكَ بِالدِّرْهَمَيْنِ فِيمَا يُقَابِلُهُمَا مِنْ سُدُسِ الثَّوْبِ بِحَيْثُ يَكُونُ شَرِيكًا بِسُدُسِهَا أَوْ سُدُسِ قِيمَتِهَا، وَأَمَّا تَمَسُّكُهُ بِالدِّرْهَمَيْنِ فِي مُقَابَلَةِ الثَّوْبِ بِتَمَامِهَا فَجَائِزٌ، وَإِنَّمَا أَتَى بِقَوْلِهِ بِكَمَالِهِ لِلرَّدِّ عَلَى الْمُقَابِلِ الْآتِي بَعْدُ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ: بِكَمَالِهِ لِأَنَّهُ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: قِيمَةُ الثَّوْبِ. قَوْلُهُ: [فَرَدَّ فِعْلٌ مَاضٍ] أَيْ وَالدِّرْهَمَيْنِ مَفْعُولُهُ وَهُوَ يُفِيدُ وُجُوبَ الرَّدِّ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا] : اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّ قِرَاءَتَهُ مَصْدَرًا تُوهِمُ أَنَّ اللَّامَ لِلتَّخْيِيرِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُرَادِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا الِاسْتِحْقَاقُ. فَالْأَوْلَى قِرَاءَتُهُ فِعْلًا مَاضِيًا. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ إذَا فَاتَ الثَّوْبُ] إلَخْ: هَذَا الْقَوْلُ أَيَّدَهُ (ر) قَوْلُهُ: [بِأَنَّ ابْنَ يُونُسَ قَدْ ذَكَرَهَا] : قَالَ (بْن) : الْعُذْرُ لِابْنِ عَرَفَةَ فِي إنْكَارِهِ أَنَّ ابْنَ يُونُسَ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّتُهَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ دِيوَانِهِ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ رَدُّ أَحَدِ الْمُبْتَاعَيْنِ] : أَيْ غَيْرُ الشَّرِيكَيْنِ فِي التِّجَارَةِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى شَخْصَانِ سِلْعَةً وَاحِدَةً كَعَبْدٍ لِخِدْمَتِهِمَا أَوْ سِلَعًا مُتَعَدِّدَةً كُلُّ وَاحِدِ يَأْخُذُ

[غلة المبيع المعيب]

بِهَا عَيْبًا الْمَعِيبِ عَلَى الْبَائِعِ (دُونَ صَاحِبِهِ) وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أَرَادَ الرَّدَّ مِنْهُمَا. (وَ) جَازَ لِمُشْتَرٍ مِنْ بَائِعَيْنِ الرَّدُّ عَلَى (أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ) نَصِيبَهُ دُون الْآخَرِ. (وَالْغَلَّةُ) أَيْ غَلَّةُ مَا رُدَّ بِعَيْبٍ ثَابِتَةٌ (لِلْمُشْتَرِي) مِنْ وَقْتِ عَقْدِ الْبَيْعِ وَقَبْضِ الْمُشْتَرِي لَهُ (لِلْفَسْخِ) : أَيْ فَسْخِ الْبَيْعِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ إمَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ بِتَرَاضِي الْمُتَبَايِعَيْنِ بِأَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِقَبُولِهِ. مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْمُرَادُ بِالْغَلَّةِ: مَا لَا يَكُونُ اسْتِيفَاؤُهَا دَلِيلًا عَلَى الرِّضَا وَهِيَ الَّتِي اسْتَغَلَّهَا قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ مُطْلَقًا نَشَأَتْ عَنْ تَحْرِيكٍ كَسُكْنَى أَوْ إسْكَانٍ أَوْ لَا كَلَبَنٍ وَصُوفٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQنِصْفَهَا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ لَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرِكَةِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فَأَرَادَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَرُدَّ نَصِيبَهُ عَلَى الْبَائِعِ وَأَبَى غَيْرُهُ مِنْ الرَّدِّ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ نَصِيبَهُ. وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ: لَا أَقْبَلُ إلَّا جَمِيعَهُ بِنَاءً عَلَى تَعَدُّدِ الْعَقْدِ بِتَعَدُّدِ مُتَعَلِّقِهِ. وَإِلَى هَذَا رَجَعَ مَالِكٌ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ أَوَّلًا: إنَّمَا لَهُمَا الرَّدُّ مَعًا أَوْ التَّمَاسُكُ مَعًا وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ دُونَ الْآخَرِ. وَالْقَوْلَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلُنَا: غَيْرُ الشَّرِيكَيْنِ فِي التِّجَارَةِ، مَفْهُومُهُ أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ فِي التِّجَارَةِ إذَا اشْتَرَيَا مُعَيَّنًا فِي صَفْقَةٍ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ فَلِصَاحِبِهِ مَنْعُهُ وَقَبُولُ الْجَمِيعِ كَمَا يَأْتِي فِي الشَّرِكَةِ، فَإِنَّ كُلًّا وَكِيلٌ عَنْ الْآخَرِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْأَصْلِ وَحَاشِيَتِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ] أَيْ وَلَا الْمُشْتَرِي. [غلة الْمَبِيع المعيب] قَوْلُهُ: [عَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ] : إلَخْ حَاصِلُهُ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا تَعَدَّدَ بِأَنْ بَاعَ شَخْصَانِ عَبْدًا وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا كَانَا مُتَّخِذَانِهِ لِلْخِدْمَةِ مَثَلًا لَا لِلتِّجَارَةِ وَاشْتَرَاهُ مِنْهُمَا وَاحِدٌ، فَاطَّلَعَ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرُدُّ عَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ نَصِيبَهُ دُونَ الْآخَرِ. وَهَذَا بِخِلَافِ شَرِيكَيْ التِّجَارَةِ لِأَنَّهُمَا كَرَجُلٍ وَاحِدٍ فَالرَّدُّ عَلَى أَحَدِهِمَا رَدٌّ عَلَى الْآخَرِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [مِنْ وَقْتِ عَقْدِ الْبَيْعِ] : أَيْ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ فِي ضَمَانِهِ. قَوْلُهُ: [نَشَأَتْ عَنْ تَحْرِيكٍ] إلَخْ: تَفْسِيرُ لِلْإِطْلَاقِ. قَوْلُهُ: [كَلَبَنٍ وَصُوفٍ] : مِثَالٌ لِمَا نَشَأَ لَا عَنْ تَحْرِيكٍ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُنْقَسِمًا أَوْ لَا.

وَاَلَّتِي لَا تُنْقِصُ الْمَبِيعَ وَلَوْ اسْتَغَلَّهَا زَمَنَ الْخِصَامِ. (لَا الْوَلَدُ) فَإِنَّهُ لِلْبَائِعِ وَلَوْ حَمَلَتْ بِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِأُمِّهِ فَيُرَدُّ مَعَ الْأُمِّ (وَ) لَا (الثَّمَرَةُ الْمُؤَبَّرَةُ) فَإِنَّهَا تُرَدُّ مَعَ الْأَصْلِ لِلْبَائِعِ حَيْثُ رُدَّ الْأَصْلُ بِعَيْبِ وَلَوْ جَذَّهَا الْمُشْتَرِي. فَإِنْ فَاتَتْ عِنْدَهُ رَدَّ مِثْلَهَا إنْ عَلِمَ قَدْرَهَا وَقِيمَتَهَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ (وَ) لَا (الصُّوفُ التَّامُّ) وَقْتَ الشِّرَاءِ، فَإِنَّهُ يُرَدُّ لِلْبَائِعِ مَعَ رَدِّ أَصْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ اسْتَغَلَّهَا زَمَنَ الْخِصَامِ] : أَيْ وَلَوْ طَالَ زَمَنُهُ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ وَلَوْ زَائِدَةً وَأَمَّا مَا اسْتَغَلَّهُ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ وَقَبْلَ الْخِصَامِ فَيَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مُطْلَقًا إلَّا مَا نَشَأَ عَنْ غَيْرِ تَحْرِيكٍ وَلَمْ يَطُلْ زَمَنُهُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْغَلَّةَ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، هِيَ الْحَاصِلَةُ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ وَنَشَأَتْ عَنْ تَحْرِيكٍ مُنَقِّصٍ كَالرُّكُوبِ وَالِاسْتِخْدَامِ سَوَاءٌ فِي زَمَنِ الْخِصَامِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ نَشَأَتْ عَنْ تَحْرِيكٍ غَيْرِ مُنَقِّصٍ كَالسُّكْنَى وَكَانَتْ قَبْلَ زَمَنِ الْخِصَامِ أَوْ كَانَتْ لَيْسَتْ نَاشِئَةً عَنْ تَحْرِيكٍ أَصْلًا قَبْلَ زَمَنِ الْخِصَامِ وَطَالَ فَلْيُحْفَظْ. قَوْلُهُ: [لَا الْوَلَدُ] : أَيْ كَانَ لِحَيَوَانٍ عَاقِلٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي وِلَادَتِهَا إذَا رَدَّهَا إلَّا أَنْ تُنْقِصَهَا الْوِلَادَةُ فَيَرُدُّ مَعَهَا مَا نَقَصَهَا - ابْنُ يُونُسَ - إنْ كَانَ فِي الْوَلَدِ مَا يَجْبُرُ النَّقْصَ جَبَرَهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَسَوَاءٌ اشْتَرَاهَا حَامِلًا أَوْ حَمَلَتْ عِنْدَهُ وَرَدَّ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لَا الْوَلَدُ عَلَى السُّيُورِيِّ حَيْثُ جَعَلَ الْوَلَدَ غَلَّةً. قَوْلُهُ: [وَلَا الثَّمَرَةُ الْمُؤَبَّرَةُ] : أَيْ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ حِينَ الشِّرَاءِ فَغَلَّةٌ يَفُوزُ بِهَا الْمُشْتَرِي إذَا حَصَلَ الرَّدُّ بَعْدَ أَنْ جَذَّهَا أَوْ لَمْ يَجُذَّهَا وَأَزْهَتْ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَقِيمَتَهَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ] : هَذَا إنْ كَانَ الْفَوَاتُ بِغَيْرِ الْبَيْعِ وَأَمَّا بِهِ وَلَمْ تُعْلَمُ الْمَكِيلَةُ فَإِنَّهُ يَرُدُّ ثَمَنَهُ إنْ عُلِمَ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَرُدُّ لِلْبَائِعِ] : فَإِنْ فَاتَ رَدَّ وَزْنَهُ إنْ عُلِمَ وَإِلَّا رَدَّ الْغَنَمَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَيَكُونُ لَهُ الصُّوفُ فِي مُقَابَلَةِ بَقِيَّةِ الثَّمَنِ. وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَرُدَّ مَعَ الْغَنَمِ ثَمَنَ الصُّوفِ إنْ بَاعَهُ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ انْتَفَعَ بِهِ فِي نَفْسِهِ كَمَا قِيلَ فِي الثَّمَرَةِ. إنْ قُلْت: لِمَ فَرَّقَ بَيْنَ الثَّمَرَةِ وَالصُّوفِ عِنْدَ انْتِفَاءِ عِلْمِ الْمَكِيلَةِ وَالْوَزْنِ؟ أُجِيبَ: بِأَنَّهُ لَوْ رَدَّ الْأُصُولَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ مِثْلَ الْغَنَمِ لَزِمَ بَيْعُ الثَّمَرَةِ مُفْرَدَةً قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا - وَهُوَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِشُرُوطٍ تَأْتِي - وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ هُنَا وَأَخْذُ الْقِيمَةِ لَيْسَ بَيْعًا بِخِلَافِ رَدِّ الْغَنَمِ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ،

بِعَيْبٍ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الشِّرَاءِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ فَلَا تَدْخُلُ فِيهِ إلَّا بِشَرْطٍ. وَمَحِلُّ رَدِّ الصُّوفِ إنْ لَمْ يَحْصُلْ بَعْدَ جَزٍّ مِثْلُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلَا لِجَبْرِهِ بِمَا حَصَلَ. ثُمَّ شَبَّهَ فِي كَوْنِ الْغَلَّةِ لِلْمُشْتَرِي إذَا رَدَّ الْعَيْبَ لَا لِلْبَائِعِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ بِقَوْلِهِ: (كَشُفْعَةٍ) : فَإِنَّ الْغَلَّةَ فِيهَا لِلْمُشْتَرِي لَا لِمَنْ أَخَذَ مِنْهُ الشِّقْصَ بِالشُّفْعَةِ (وَاسْتِحْقَاقٍ) فَالْغَلَّةُ لِمَنْ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ مُشْتَرِيًا أَوْ غَيْرَهُ لَا لِمَنْ اسْتَحَقَّهَا. (وَتَفْلِيسٍ) فَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي الْمُفْلِسِ لَا لِبَائِعِهَا الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُ بِالتَّفْلِيسِ. (وَفَسَادٍ) لِبَيْعٍ فَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي لَا لِلْبَائِعِ الَّذِي رُدَّتْ لَهُ بِالْفَسَادِ وَمِنْ الْغَلَّةِ الثَّمَرَةُ غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ وَقْتَ الشِّرَاءِ، لَكِنْ لَا يَفُوزُ بِهَا الْمُشْتَرِي إلَّا إذَا جُذَّتْ فِي الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ، وَإِلَّا فَهِيَ لَهُ فِي الشُّفْعَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ إنْ يَبِسَتْ عَلَى أَصْلِهَا، وَإِلَّا كَانَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِيهِ لِأَنَّ الصُّوفَ سِلْعَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ يَجُوزُ شِرَاؤُهُ مُنْفَرِدًا عَنْ الْغَنَمِ. قَوْلُهُ: [وَمَحِلُّ رَدِّ الصُّوفِ] : أَيْ وَأَمَّا الثَّمَرَةُ الْمُؤَبَّرَةُ فَهَلْ كَذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الصُّوفِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ تُرَدُّ مُطْلَقًا وَلَوْ لَمْ تُرَدَّ أُصُولُهَا حَتَّى ظَهَرَ فِيهَا أُخْرَى وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [كَشُفْعَةٍ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ مِثْلَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَالرَّدُّ بِالْفَلَسِ وَالْفَسَادِ فِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَفُوزُ بِالْغَلَّةِ وَلَا تُرَدُّ لِلْبَائِعِ. فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ الشِّقْصَ بِالشُّفْعَةِ يَفُوزُ بِالْغَلَّةِ وَلَا تُرَدُّ لِلْأَخْذِ بِهَا وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحَقُّ مِنْهُ يَفُوزُ بِهَا وَلَا تُرَدُّ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَكَذَلِكَ مَنْ أُخِذَ مِنْهُ الْمَبِيعُ لِتَفْلِيسِهِ وَعَجْزِهِ عَنْ ثَمَنِهِ أَوْ لِفَسَادِ بَيْعِهِ فَلَا تُرَدُّ " لِلْبَائِعِ فِيهِمَا. وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْغَلَّةُ غَيْرَ ثَمَرَةٍ أَوْ ثَمَرَةً غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ يَوْمَ الشِّرَاءِ أَوْ يَوْمَ الِاسْتِحْقَاقِ وَفَارَقَتْ الْأُصُولَ بِالْجَذِّ. قَوْلُهُ: [لَا لِمَنْ أَخَذَ مِنْهُ الشِّقْصَ] إلَخْ: بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ يَعُودُ عَلَى الْمُشْتَرِي تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ] : أَيْ لِأَنَّ الْمَأْبُورَةَ حِينَ الشِّرَاءِ أَوْ حِينَ الِاسْتِحْقَاقِ لَيْسَتْ غَلَّةً، فَتُرَدُّ لِلْبَائِعِ فِي الْفَلْسِ وَالْفَسَادِ مُطْلَقًا وَلَوْ أَزْهَتْ أَوْ يَبِسَتْ أَوْ جُذَّتْ. وَفِي الشُّفْعَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ وَالْمُسْتَحِقُّ مُطْلَقًا.

[ضمان البائع عند الرضي بالقبض]

لِلشَّفِيعِ وَالْمُسْتَحَقِّ وَلَوْ زَهَتْ. وَفِي الْفَسَادِ وَالْعَيْبِ إنْ زَهَتْ، وَإِلَّا أَخَذَهَا الْبَائِعُ فِيهِمَا كَمَا يَأْخُذُهَا فِي الْفَلْسِ مُطْلَقًا مَا لَمْ تُجَذَّ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلُهُمْ هُنَا رُدَّتْ فِي الشُّفْعَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ مَا لَمْ تَيْبَسْ وَفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْعَيْبِ مَا لَمْ تَزْهَ وَفِي الْفَلْسِ مَا لَمْ تُجَذَّ. (وَدَخَلَتْ) السِّلْعَةُ الْمَرْدُودَةُ بِالْعَيْبِ (فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ إنْ رَضِيَ بِالْقَبْضِ) مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ (وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ) بِالْفِعْلِ (أَوْ ثَبَتَ) الْعَيْبُ (عِنْدَ حَاكِمٍ) بِإِقْرَارِ بَائِعهَا أَوْ بِالْبَيِّنَةِ (وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ) فَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَضَمَانُهَا مِنْهُ. (وَلَا رَدَّ بِغَلَطٍ) : بَلْ الْبَيْعُ لَازِمٌ (إنْ سُمِّيَ بِاسْمٍ عَامٍّ) : كَحَجَرٍ أَوْ هَذَا الْفَصِّ أَوْ هَذَا الشَّيْءِ مَعَ الْجَهْلِ بِحَقِيقَتِهِ الْخَاصَّةِ، وَهُوَ يَعْلَمُ شَخْصَ الْمَبِيعِ؛ كَأَنْ يَبِيعَ هَذَا الْحَجَرَ بِدِرْهَمٍ فَإِذَا هُوَ يَاقُوتَةٌ تُسَاوِي أَلْفًا. وَلَا فَرْقَ فِي حُصُولِ الْغَلَطِ. - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ زَهَتْ] : أَيْ وَلَوْ صَارَتْ رُطَبًا. قَوْلُهُ: [وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ هُنَا] إلَخْ: وَإِلَى هَذَا أَشَارَ ابْنُ غَازِيٍّ بِقَوْلِهِ: وَالْجَذُّ فِي الثِّمَارِ فِيمَا اُنْتُقِيَا ... يَضْبِطُهُ تُجَذُّ عفزا شسيا فَالتَّاءُ لِلتَّفْلِيسِ، وَالْجِيمُ مَعَ الذَّالِ لِلْجُذَاذِ أَيْ تَفُوتُ الثِّمَارُ عَلَى الْبَائِعِ فِي الْفَلْسِ بِالْجُذَاذِ، وَالْعَيْنُ وَالْفَاءُ لِلْعَيْبِ وَالْفَسَادِ، وَالزَّايُ لِلزَّهْوِ أَيْ فَيَفُوتَانِ بِهِ، وَالشِّينُ الْمُعْجَمَةُ لِلشُّفْعَةِ، وَالسِّينُ الْمُهْمَلَةُ لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَالْيَاءُ لِلْيُبْسِ أَيْ فَيَفُوتَانِ بِهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْفَائِزُونَ بِغَلَّةٍ فِي خَمْسَةٍ ... لَا يُطْلَبُونَ بِهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ الرَّدُّ فِي عَيْبٍ وَبَيْعٍ فَاسِدٍ ... وَشُفْعَةٍ فَلْسٍ مَعَ اسْتِحْقَاقِ فَالْأَوَّلَانِ بِزُهُوِّهَا فَازَا بِهَا ... وَالْجَذُّ فِي فَلْسٍ وَيَبِسَ الْبَاقِي مَا أَنْفَقُوا قَدْ ضَاعَ تَحْتَ هَلَاكِهَا ... وَإِذَا انْتَفَتْ رَجَعُوا بِكَالْإِنْفَاقِ [ضَمَانِ الْبَائِعِ عِنْدَ الرضي بِالْقَبْضِ] قَوْلُهُ: [بِالْقَبْضِ] : مُتَعَلِّقٌ بِرَضِيَ لَا بِدَخَلَت بِدَلِيلِ الْمُبَالَغَةِ فِي قَوْلِهِ: " وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ " وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: " إنْ رَضِيَ بِالْقَبْضِ " أَنَّهُ لَوْ وَافَقَهُ عَلَى أَنَّ الْعَيْبَ قَدِيمٌ وَلَمْ يَرْضَ بِقَبْضِهَا أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَدَّعِي عَلَيْهِ أَنَّهُ تَبَرَّأَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْعَيْبِ. [الرد بِالْغَلَطِ فِي خِيَار الْعَيْب] قَوْلُهُ: [وَهُوَ يَعْلَمُ شَخْصَ الْمَبِيعِ] : أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَلَطِ فِي ذَاتِ الْمَبِيعِ جَهْلُ اسْمِهِ الْخَاصِّ فَالْغَلَطُ الْوَاقِعُ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَالتَّسْمِيَةُ وَاقِعَةٌ فِي الِاسْمِ الْعَامِّ

بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا مَعَ عِلْمِ الْآخَرِ، وَمَحِلِّهِ: إذَا كَانَ الْبَائِعُ غَيْرَ وَكِيلٍ، وَإِلَّا فَلِمُوَكِّلِهِ الرَّدُّ قَطْعًا. وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ: أَنَّهُ لَوْ سَمَّاهُ بِغَيْرِ اسْمِهِ كَهَذِهِ الزُّجَاجَةِ فَإِذَا هِيَ زَبَرْجَدَةٌ أَوْ بِالْعَكْسِ لَثَبَتَ الرَّدُّ قَطْعًا. (وَلَا) رَدَّ (بِغَبَنٍ) أَيْ بِسَبَبِهِ (وَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ) : أَيْ فِي الْقِلَّةِ أَوْ الْكَثْرَةِ، كَأَنْ يَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي دِرْهَمًا بِعَشَرَةٍ أَوْ عَكَسَهُ (إلَّا أَنْ يَسْتَسْلِمَ) أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ صَاحِبَهُ (بِأَنْ يُخْبِرَهُ بِجَهْلِهِ) كَأَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي: أَنَا لَا أَعْلَمُ قِيمَةَ هَذِهِ السِّلْعَةِ فَبِعْنِي كَمَا تَبِيعُ النَّاسَ فَقَالَ الْبَائِعُ: هِيَ فِي الْعُرْفِ بِعَشَرَةٍ فَإِذَا هِيَ بِأَقَلَّ، أَوْ يَقُولَ الْبَائِعُ: أَنَا لَا أَعْلَمُ قِيمَتَهَا فَاشْتَرِ مِنِّي كَمَا تَشْتَرِي مِنْ النَّاسِ فَقَالَ: هِيَ فِي عُرْفِهِمْ بِعَشَرَةٍ؛ فَإِذَا هِيَ بِأَكْثَرَ، فَلِلْمَغْبُونِ الرَّدُّ عَلَى الْمُعْتَمِدِ بَلْ بِاتِّفَاقٍ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ فِيهِ التَّرَدُّدَ مُعْتَرِضٌ بِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْغَبَنِ مِنْ غَيْرِ اسْتِسْلَامٍ إذَا كَانَ الْمَغْبُونُ جَاهِلًا فَإِنْ كَانَ عَارِفًا فَلَا قِيَامَ لَهُ اتِّفَاقًا. فَإِنْ اسْتَسْلَمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ] : أَيْ وَهُوَ جَهْلُ اسْمِهِ الْخَاصِّ. قَوْلُهُ: [مَعَ عِلْمِ الْآخَرِ] : أَيْ مَا لَمْ يَسْتَسْلِمْ الْجَاهِلُ بِهِ لِلْعَالِمِ وَإِلَّا فَيَثْبُتُ لِلْجَاهِلِ الرَّدُّ كَمَا يَأْتِي فِي الْغَبَنِ. قَوْلُهُ: [وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا جَهِلَ ذَاتَ الْمَبِيعِ فَإِنْ سَمَّاهُ بِاسْمٍ عَامٍّ فَلَا رَدَّ وَإِنْ سَمَّاهُ بِاسْمٍ خَاصٍّ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ الْمُسَمَّى بِذَلِكَ الِاسْمِ الْخَاصِّ فَلَهُ الرَّدُّ، كَمَا لَوْ سَمَّى الْحَجَرَ يَاقُوتَةً. قَوْلُهُ: [وَلَا رَدَّ بِغَبَنٍ] : مَا لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ بِالْغَبَنِ أَوْ الْمُشْتَرِي بِهِ وَكِيلًا أَوْ وَصِيًّا، وَإِلَّا رَدَّ مَا صَدْرَ مِنْهُمَا مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءِ فَإِنْ بَاعَ بِغَبَنٍ وَفَاتَ الْمَبِيعُ رَجَعَ الْمُوَكِّلُ وَالْمُوصَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا وَقَعَ فِيهِ الْغَبَنُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُشْتَرِي رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ أَوْ الْوَصِيِّ بِذَلِكَ، وَلَا يَتَقَيَّدُ الْغَبَنُ بِثُلُثٍ أَوْ غَيْرِهِ بَلْ مَا نَقَصَ عَنْ الْقِيمَةِ نَقْصًا بَيِّنًا أَوْ زَادَ عَلَيْهَا زِيَادَةً بَيِّنَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الثُّلُثُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ مُقْتَضَى الرِّوَايَاتِ فِي الْمُدَوَّنَةِ (اهـ. بْن) . قَوْلُهُ: [وَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ] : أَيْ هَذَا إذَا كَانَ الْغَبَنُ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي مُغَالَبَةِ النَّاسِ بَلْ وَلَوْ كَانَ بِمَا خَالَفَ الْعَادَةَ وَرَدَّ الْمُصَنِّفُ " بِلَوْ " قَوْلَ ابْنِ الْقَصَّارِ إنَّهُ: يَجِبُ الرَّدُّ بِالْغَبَنِ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ. وَقَوْلُ الْمُتَيْطِيِّ عَنْ بَعْضِ الْبَغْدَادِيِّينَ:

[مدة الرد في عهدة خيار العيب]

الْجَاهِلُ فَالرَّدُّ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. بَلْ حَكَى ابْنُ رُشْدٍ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ، فَحِكَايَةُ الشَّيْخِ فِيهِ التَّرَدُّدَ مِنْ السَّهْوِ الْبَيِّنِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى بَيَانِ حُكْمِ الرَّدِّ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ وَعُهْدَةِ السَّنَةِ فَقَالَ: (وَلَهُ) : أَيْ لِلْمُشْتَرِي رَقِيقًا خَاصَّةً ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (الرَّدُّ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ) : أَيْ ثَلَاثَةِ الْأَيَّامِ فَقَطْ، وَالْعُهْدَةُ فِي الْأَصْلِ: الْعَهْدُ؛ وَهُوَ الْإِلْزَامُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ زَادَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ عَلَى قِيمَتِهِ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ فُسِخَ الْبَيْعُ وَكَذَا إنْ بَاعَ لِنُقْصَانِ الثُّلُثِ مِنْ قِيمَتِهِ فَأَعْلَى إذَا كَانَ جَاهِلًا بِمَا صَنَعَ وَقَامَ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْعَامِ، وَبِهَذَا أَفْتَى الْمَازِرِيُّ وَابْنُ عَرَفَةَ وَالْبَرْزَلِيُّ وَمَشَى عَلَيْهِ ابْنُ عَاصِمٍ فِي التُّحْفَةِ حَيْثُ قَالَ: وَمَنْ بِغَبْنٍ فِي مَبِيعٍ قَامَا ... فَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَجُوزَ الْعَامَ وَأَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِمَا صَنَعْ ... وَالْغَبْنُ لِلثُّلُثِ فَمَا زَادَ وَقَعْ وَعِنْدَ ذَا يُفْسَخُ بِالْأَحْكَامِ ... وَلَيْسَ لِلْعَارِفِ مِنْ قِيَامِ اهـ لَكِنْ رَدَّ ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ الْأَقْوَالُ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ دَعُوا النَّاسَ فِي غَفَلَاتِهِمْ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» . [مُدَّة الرد فِي عُهْدَة خِيَار الْعَيْب] قَوْلُهُ: [ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى بَيَانِ] إلَخْ: لَمَّا كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ عَامَّةٍ، وَهِيَ عُهْدَةُ الْإِسْلَامِ مِنْ دَرْكِ الْمَبِيعِ مِنْ عَيْبٍ أَوْ اسْتِحْقَاقٍ وَهِيَ مُتَوَلِّي الْعَقْدِ، إلَّا الْوَكِيلَ فَلَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ فِي صُورَتَيْنِ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَهُمَا: أَنْ يُصَرِّحَ بِالْوَكَالَةِ أَوْ يُعْلِمَ الْعَاقِدَ مَعَهُ أَنَّهُ وَكِيلٌ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُفَوَّضِ. وَأَمَّا هُوَ فَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَحَلَّ نَفْسَهُ مَحَلَّ الْبَائِعِ وَكَذَا الْمُقَارِضُ وَالشَّرِيكُ الْمُفَوَّضُ فِي الشَّرِكَةِ. وَأَمَّا الْقَاضِي وَالْوَصِيُّ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا عُهْدَةَ عَلَيْهِمَا فِيمَا وَلِيَا بَيْعَهُ وَالْعُهْدَةُ فِي مَالِ الْيَتَامَى، فَإِنْ هَلَكَ مَالُ الْأَيْتَامِ. ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ فَلَا شَيْءِ عَلَى الْأَيْتَامِ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي: عُهْدَةُ الرَّقِيقِ وَهِيَ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ الْإِلْزَامُ] : أَيْ إلْزَامُ الْغَيْرِ شَيْئًا كَإِلْزَامِ الْحَاكِمِ غَيْرَهُ شَيْئًا.

وَالِالْتِزَامُ. وَفِي الْعُرْفِ: تَعَلُّقُ ضَمَانِ الْمَبِيعِ بِالْبَائِعِ فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ، وَهِيَ قِسْمَانِ: عُهْدَةُ سَنَةٍ وَهِيَ قَلِيلَةُ الضَّمَانِ طَوِيلَةُ الزَّمَانِ - وَسَتَأْتِي - وَعُهْدَةُ ثَلَاثٍ أَيْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَهِيَ بِالْعَكْسِ، وَهُمَا خَاصَّتَانِ بِالرَّقِيقِ بِالشَّرْطِ أَوْ الْعَادَةِ كَمَا يَأْتِي: فَعُهْدَةُ الثَّلَاثِ يَرُدُّ فِيهَا (بِكُلِّ) عَيْبٍ (حَادِثٍ) فِي دِينِهِ كَزِنًا وَسَرِقَةٍ أَوْ بَدَنِهِ كَعَمًى أَوْ وَصْفِهِ كَجُنُونٍ وَصَرْعٍ وَإِبَاقٍ (إلَّا أَنْ يُسْتَثْنَى عَيْبٌ مُعَيَّنٌ) كَإِبَاقٍ أَوْ سَرِقَةٍ فَلَا رَدَّ بِهِ وَيَرُدُّ بِمَا عَدَاهُ فَإِنْ شَرَطَ سُقُوطَهَا فَلَا رَدَّ بِشَيْءٍ حَدَثَ أَيَّامَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: [وَالِالْتِزَامُ] : أَيْ الْتِزَامُ الشَّخْصِ لِغَيْرِهِ شَيْئًا. قَوْلُهُ: [وَفِي الْعُرْفِ تَعَلُّقُ] إلَخْ: أَيْ وَالْبَيْعُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لَازِمٌ لَا خِيَارَ فِيهِ، لَكِنْ إنْ سَلَّمَ فِي مُدَّةِ الْعُهْدَةِ عُلِمَ لُزُومُهُ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَإِنْ أَصَابَهُ نَقْصٌ ثَبَتَ خِيَارُ الْمُبْتَاعِ كَالْعَيْبِ الْقَدِيمِ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ قَلِيلَةُ الضَّمَانِ] : أَيْ لِأَنَّ الرَّدَّ فِيهَا بِعُيُوبٍ ثَلَاثَةٍ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ بِالْعَكْسِ] : أَيْ قَلِيلَةُ الزَّمَانِ كَثِيرَةُ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ يَرُدُّ فِيهَا بِكُلِّ حَادِثٍ. قَوْلُهُ: [بِالشَّرْطِ أَوْ الْعَادَةِ] : مِثْلُهُمَا حَمْلُ السُّلْطَانِ النَّاسَ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: [فَعُهْدَةُ الثَّلَاثِ] : تُعْتَبَرُ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامِ بِغَيْرِ يَوْمِ الْبَيْعِ إنْ سَبَقَ بِالْفَجْرِ وَكَذَا عُهْدَةُ السَّنَةِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يُسْتَثْنَى عَيْبٌ مُعَيَّنٌ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ كَانَتْ مُشْتَرَطَةً أَوْ مُعْتَادَةً أَوْ حَمَلَ السُّلْطَانُ النَّاسَ عَلَيْهَا وَخَصَّ شَمْسُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ الِاسْتِثْنَاءَ بِالْمُعْتَادَةِ فَقَطْ أَمَّا الْبَيْعُ بِالْبَرَاءَةِ فِي الْمُشْتَرَطَةِ أَوْ الْمَحْمُولِ عَلَيْهَا مِنْ السُّلْطَانِ فَيُرَدُّ مَعَهَا بِالْحَادِثِ دُونَ الْقَدِيمِ الَّذِي بِيعَ بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُ. فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ: يُرَدُّ بِالْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ إنْ لَمْ يَبِعْ الْبَائِعُ بِبَرَاءَةٍ مِنْ الْقَدِيمِ وَإِلَّا سَقَطَ حُكْمُهُمَا إنْ جَرَى بِهَا عُرْفٌ فَإِنْ اشْتَرَطَ الْبَيْعَ بِهَا أَوْ حَمَلَ السُّلْطَانُ النَّاسَ عَلَيْهِ رُدَّ بِالْحَادِثِ دُونَ الْقَدِيمِ عَلَى تَقْرِيرِ الشَّمْسِ، لَا عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَخَلِيلٍ. وَيُفْهَمُ مِنْ الْأُجْهُورِيِّ: أَنَّ كَلَامَ الشَّمْسِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا - كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَاشِيَةِ.

(وَعَلَى الْبَائِعِ فِيهَا) أَيْ زَمَنِهَا (النَّفَقَةُ) عَلَى الرَّقِيقِ وَمِنْهَا مَا يَقِيهِ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ مِنْ الثِّيَابِ. (وَلَهُ) أَيْ لِبَائِعِهِ (الْأَرْشُ) إنْ جَنَى عَلَيْهِ جَانٍ زَمَنَهَا (كَالْمَوْهُوبِ) لِلرَّقِيقِ زَمَنَهَا فَهُوَ لِلْبَائِعِ (إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَ مَالَهُ) عِنْدَ الْبَيْعِ فَإِنْ اسْتَثْنَاهُ الْمُشْتَرِي كَانَ لَهُ مَا وُهِبَ زَمَنَهَا. (وَ) رَدَّ (فِي عُهْدَةِ السَّنَةِ) بِثَلَاثَةِ أَدْوَاءٍ خَاصَّةً: (بِجُذَامٍ أَوْ بَرَصٍ أَوْ جُنُونٍ بِطَبْعٍ أَوْ مَسِّ جن، لَا بِكَضَرْبَةٍ) . وَمَحِلُّ الْعَمَلِ بِالْعُهْدَتَيْنِ: (إنْ شُرِطَا) عِنْدَ الْبَيْعِ (أَوْ اُعْتِيدَا) بَيْنَ النَّاسِ أَوْ حَمَلَ السُّلْطَانُ النَّاسَ عَلَيْهِمَا؛ هَذِهِ طَرِيقَةُ الْمِصْرِيِّينَ وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ. وَقَالَ الْمَدَنِيُّونَ: يُعْمَلُ بِهِمَا وَلَوْ لَمْ تُجَرِّبْهُمَا عَادَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمِنْهَا مَا يَقِيهِ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ] : أَيْ لَا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ فَقَطْ كَمَا قِيلَ. قَوْلُهُ: [فَهُوَ لِلْبَائِعِ] : أَيْ عَلَى الْمُعَوِّلِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يُسْتَثْنَى مَالُهُ] : أَيْ يَشْتَرِطُهُ وَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ. قَوْلُهُ: [بِجُذَامٍ أَوْ بَرَصٍ] : أَيْ بِحُدُوثِ جُذَامٍ وَبَرَصٍ مُحَقَّقَيْنِ. وَفِي مَشْكُوكِهِمَا قَوْلَانِ، فَقِيلَ: إنَّهُ كَالْمُحَقَّقِ وَهُوَ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَقِيلَ: لَا يُرَدُّ بِهِ وَهُوَ لِابْنِ وَهْبٍ. وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: [أَوْ جُنُونٍ] : إنَّمَا اخْتَصَّتْ عُهْدَةُ السَّنَةِ بِهَذِهِ الْأَدْوَاءِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ تَتَقَدَّمُ أَسْبَابُهَا وَيَظْهَرُ مِنْهَا مَا يَظْهَرُ فِي فَصْلٍ مِنْ فُصُولِ السَّنَةِ دُونَ فَصْلٍ بِحَسَبِ مَا أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ مِنْ حُصُولِ ذَلِكَ الدَّاءِ فِي فَصْلٍ دُونَ فَصْلٍ. وَقَوْلُهُ: [بِطَبْعٍ] : الْمُرَادُ بِهِ فَسَادُ الطَّبِيعَةِ كَغَلَبَةِ السَّوْدَاءِ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ مَسِّ جِنٍّ] : أَيْ بِأَنْ كَانَ بِوَسْوَاسٍ وَيُرَدُّ بِهِ هُنَا دُونَ النِّكَاحِ، بِخِلَافِ الْجُنُونِ الطَّبِيعِيِّ فَإِنَّهُ يُرَدُّ بِهِ فِي الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ. قَوْلُهُ: [لَا بِكَضَرْبَةٍ] : اعْتَرَضَ الْأُجْهُورِيُّ قَوْلَ خَلِيلٍ: " لَا بِكَضَرْبَةٍ " لِأَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْجُنُونِ طَبِيعِيًّا أَوْ بِمَسِّ جِنٍّ أَوْ حَدَثَ بِكَضَرْبَةٍ فِي الرَّدِّ بِكُلٍّ فِي عُهْدَةِ السَّنَةِ وَالثَّلَاثِ، فَانْظُرْهُ - كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَقَالَ الْمَدَنِيُّونَ يُعْمَلُ بِهِمَا] : وَفِي الْبَيَانِ قَوْلٌ ثَالِثٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي

وَلَا وَقَعَ بِهِمَا شَرْطٌ. (وَسَقَطَتَا) أَيْ الْعُهْدَتَانِ فَلَا رَدَّ بِمَا حَدَثَ مِنْ الْعَيْبِ زَمَنَهُمَا (بِكَعِتْقٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوَّازِيَّةِ. لَا يُحْكَمُ بَيْنَهُمْ بِهَا وَإِنْ اشْتَرَطُوهَا. قَوْلُهُ: [وَلَا وَقَعَ بِهِمَا شَرْطٌ] : أَيْ وَلَا حَمْلٌ مِنْ السُّلْطَانِ. قَوْلُهُ: [وَسَقَطَتَا بِكَعِتْقٍ] إلَخْ: أَيْ فَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْعُهْدَتَيْنِ وَلَا يُسْقِطهُمَا إلَّا الْعِتْقُ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ، وَإِسْقَاطُهُمَا مِنْ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ إلَّا فِي إحْدَى وَعِشْرِينَ مَسْأَلَةً اسْتَثْنَاهَا الْمُتَيْطِيُّ الْأَصْلُ فِيهَا عَدَمُ الْعُهْدَةِ، وَقَدْ ذَكَرَهَا خَلِيلٌ وَهِيَ: الرَّقِيقُ الْمَدْفُوعُ صَدَاقًا لِأَنَّ طَرِيقَهُ الْمُكَارَمَةُ، وَالْمُخَالَعُ بِهِ لِأَنَّ طَرِيقَهُ الْمُنَاجَزَةُ، وَالْمُصَالَحُ بِهِ فِي دَمٍ عَمْدٍ فِيهِ قِصَاصٌ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ، وَالْمُسْلَمُ فِيهِ كَأَنْ يُسَلِّمَ دِينَارًا فِي عَبْدٍ، وَالْمُسْلَمُ بِهِ كَأَنْ يُسْلِمَ عَبْدًا فِي بُرٍّ، وَالْقَرْضُ كَأَنْ يَقْتَرِضَ رَقِيقًا، وَالْمَرْدُودُ فِيهِ، وَالْمَبِيعُ الْغَائِبُ عَنْ الصِّفَةِ لِعَدَمِ الْمُشَاحَةِ فِي الْمَبِيعِ الْغَائِبِ. وَالْقَرْضُ، وَالْمُقَاطَعُ بِهِ الْمُكَاتَبُ بِأَنْ دَفَعَهُ الْمَكَاتِبُ عَمَّا لَزِمَهُ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ، وَالْمَبِيعُ عَلَى كَمُفْلِسٍ لِأَنَّ بَيْعَ الْحَاكِمِ عَلَى الْبَرَاءَةِ، وَالْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْعِتْقِ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ وَلِلتَّسَاهُلِ فِي ثَمَنِهِ، وَالْمَأْخُوذُ عَنْ دَيْنٍ عَلَى وَجْهِ الصُّلْحِ لِلتَّسَاهُلِ فِيهِ بِخِلَافِ الْمَأْخُوذِ عَلَى وَجْهِ الْمُشَاحَةِ وَالْمُبَايَعَةِ فَفِيهِ الْعُهْدَةُ، وَالْمَرْدُودُ بِعَيْبٍ عَلَى بَائِعِهِ، فَلَا عُهْدَةَ لِلْبَائِعِ عَلَى الرَّادِّ لِأَنَّهُ حَلٌّ لِلْبَيْعِ لَا ابْتِدَاءُ بَيْعٍ وَمِثْلُهُ الْإِقَالَةُ، وَالْمَوْرُوثُ إذَا خَصَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ رَقِيقًا مِنْ التَّرِكَةِ، وَكَذَا مَا بِيعَ فِي الْمِيرَاثِ وَالْمَوْهُوبِ لِلثَّوَابِ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَالْأَمَةُ الَّتِي اشْتَرَاهَا زَوْجُهَا لِلْمَوَدَّةِ السَّابِقَةِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ لِأَنَّ الْمُبَاعَدَةَ حَصَلَتْ بِفَسْخِ النِّكَاحِ، وَالْمُوصَى بِبَيْعِهِ مِنْ زَيْدٍ وَالْمُوصَى بِبَيْعِهِ مِمَّنْ أَحَبَّ الرَّقِيقُ أَنْ يُبَاعَ لَهُ فَأَحَبَّ شَخْصًا إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي حَالَ الْبَيْعِ بِالْوَصِيَّةِ فِيهِمَا، وَالْمُوصِي بِشِرَائِهِ لِلْعِتْقِ بِأَنْ يَقُولَ: اشْتَرَوْا سَعِيدًا عَبْدَ زَيْدٍ وَأَعْتِقُوهُ عَنِّي، وَالْمُكَاتَبُ بِهِ أَيْ وَقَعَتْ الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً بِأَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: كَاتَبْتُك عَلَى عَبْدِ فُلَانٍ فَهُوَ غَيْرُ الْمُقَاطَعِ بِهِ، وَالْمَبِيعُ فَاسِدًا إذَا فَسَخَ الْبَيْعُ وَيَرُدُّ الرَّقِيقَ لِبَائِعِهِ فَلَا عُهْدَةَ لَهُ فِيهِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ مِنْ أَصْلِهِ. وَمَحِلُّ عَدَمِ الْعُهْدَةِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ: إنْ اُعْتِيدَتْ، فَإِنْ اُشْتُرِطَتْ عُمِلَ بِهَا فِي غَيْرِ الْمَأْخُوذِ عَنْ دَيْنٍ فَإِنَّ شَرْطَهَا فِيهِ يُفْسِدُهُ لِلدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، فَلْيُحْفَظْ هَذَا التَّحْرِيرُ.

[انتقال الضمان]

لِلرَّقِيقِ وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ: الْإِيلَادَ وَالتَّدْبِيرَ (وَبِإِسْقَاطِهِمَا) عَنْ الْبَائِعِ: أَيْ بِأَنْ يُسْقِطَ الْمُشْتَرِي حَقَّهُ مِنْ الْقِيَامِ بِهِمَا فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ أَوْ أَسْقَطَ (زَمَنَهُمَا) وَهُوَ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامِ فِي الْأُولَى وَالسَّنَةُ فِي الثَّانِيَةِ. (وَابْتِدَاؤُهُمَا أَيْ الْعَهْدَتَيْنِ أَوَّلُ النَّهَارِ) وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ (مِنْ) الْيَوْمِ (الْمُسْتَقْبَلِ لَا مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ) . وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مَا يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ وَمَا لَا يُرَدُّ بِهِ، شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَنْتَقِلُ بِهِ ضَمَانُهُ لِلْمُشْتَرِي وَمَا لَا يَنْتَقِلُ فَقَالَ: (وَانْتَقَلَ الضَّمَانُ) : أَيْ ضَمَانُ الْمَبِيعِ مِنْ بَائِعِهِ (إلَى الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ اللَّازِمِ) وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ مِنْ الْبَائِعِ، فَمَتَى هَلَكَ أَوْ حَصَلَ فِيهِ عَيْبٌ بَعْدَ الْعَقْدِ فَضَمَانُهُ مِنْ مُشْتَرِيهِ وَسَوَاءٌ كَانَ عَرْضًا أَوْ غَيْرَهُ وَاحْتُرِزَ " بِالصَّحِيحِ " مِنْ الْفَاسِدِ وَسَيَأْتِي، وَ " بِاللَّازِمِ " مِنْ غَيْرِهِ؛ كَبَيْعِ الْمَحْجُورِ وَبَيْعِ الْخِيَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَابْتِدَاؤُهُمَا أَيْ الْعُهْدَتَيْنِ أَوَّلَ النَّهَارِ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ الْحَقَائِقَ خَمْسَةٌ: عُهْدَةُ ثَلَاثٍ، وَعُهْدَةُ سَنَةٍ، وَخِيَارٌ، وَمُوَاضَعَةٌ، وَاسْتِبْرَاءٌ؛ فَعُهْدَةُ السَّنَةِ بَعْدَ الْخُلُوِّ مِمَّا ذُكِرَ إلَّا الِاسْتِبْرَاءَ الْمُجَرَّدَ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهَا لِأَنَّ الضَّمَانَ فِيهِمَا مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ وَلَمْ يَأْتِ مَا تُسْتَبْرَأُ بِهِ فَإِنَّهَا لَا تُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ مِمَّا يُوجِبُ الرَّدَّ فِي السَّنَةِ. وَعُهْدَةُ الثَّلَاثِ تَكُونُ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ الْخِيَارِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ انْبِرَامِ الْعَقْدِ وَتَدْخُلُ مَعَ الْمُوَاضَعَةِ، وَأَمَّا الِاسْتِبْرَاءُ الْمُجَرَّدُ فَإِنْ حَصَلَ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ اُعْتُبِرَ، وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهَا فَإِنَّهَا لَا تَبْقَى فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ إلَى وُجُودِهِ بَلْ بِانْقِضَاءِ الْعُهْدَةِ تَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا الْخِيَارُ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُوَاضَعَةُ، وَأَمَّا الِاسْتِبْرَاءُ الْمُجَرَّدُ مَعَ الْخِيَارِ فَكَالِاسْتِبْرَاءِ مَعَ الْعُهْدَةِ، وَأَمَّا الْمُوَاضَعَةُ وَالِاسْتِبْرَاءُ الْمُجَرَّدُ فَلَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُمَا، فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُوَاضَعَةَ تَدْخُلُ مَعَ عُهْدَةِ الثَّلَاثِ وَمَعَ الْخِيَارِ وَأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ الْمُجَرَّدَ يَدْخُلُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا عَدَاهُ غَيْرَ الْمُوَاضَعَةِ وَيُنْتَظَرُ مَجِيئُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ مَا عَدَاهُ. [انْتِقَالُ الضَّمَانِ] قَوْلُهُ: [عَلَى مَا يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ] : أَيْ لَمَّا فَرَغَ مِنْ مُوجِبَاتِ الضَّمَانِ بِالْخِيَارِ الشَّرْطِيِّ وَالْحُكْمِيِّ وَالْغَلَطِ وَالْغَبَنِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيهِمَا وَالْعُهْدَةِ.

وَتَقَدَّمَ فِي الْخِيَارِ أَنَّ ضَمَانَ الْمَبِيعِ بِالْخِيَارِ مِنْ الْبَائِعِ. ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ انْتِقَالِ الضَّمَانِ لِلْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ مَسَائِلَ بِقَوْلِهِ: (إلَّا فِيمَا) أَيْ مَبِيعٍ (فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ) لِمُشْتَرِيهِ وَهُوَ الْمِثْلِيُّ وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ، فَعَلَى الْبَائِعِ) ضَمَانُهُ (لِقَبْضِهِ) بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدِّ وَاسْتِيلَاءِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ. (وَيَسْتَمِرُّ) ضَمَانُ الْبَائِعِ لَهُ (بِمِعْيَارِهِ) : مِنْ مِكْيَالٍ أَوْ مِيزَانٍ حَتَّى يُفَرَّغَ فِي أَوَانِي الْمُشْتَرِي، فَإِذَا هَلَكَ بِيَدِ الْبَائِعِ عِنْدَ تَفْرِيغِهِ فَضَمَانُهُ عَلَى الْبَائِعِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اتِّفَاقًا (وَلَوْ تَوَلَّاهُ) : أَيْ تَوَلَّى كَيْلَهُ أَوْ وَزْنَهُ أَوْ عَدَّهُ (الْمُشْتَرِي) نِيَابَةً عَنْ الْبَائِعِ. فَلَوْ سَقَطَ مِنْ الْمِيزَانِ أَوْ مِنْ الْمِكْيَالِ أَوْ غُصِبَ، لَكَانَ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَالَهُ الْبَائِعُ أَوْ نَائِبُهُ وَنَاوَلَهُ لِلْمُشْتَرِي فَسَقَطَ مِنْ الْمُشْتَرِي، أَوْ هَلَكَ فَمِنْ الْمُشْتَرِي. لِأَنَّ قَبْضَهُ قَدْ تَمَّ بِاسْتِيلَاءِ مُشْتَرِيهِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ نَائِبًا عَنْ الْبَائِعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. وَاعَلَم أَنَّ الصُّوَرَ هُنَا أَرْبَعٌ: الْأُولَى: أَنْ يَتَوَلَّى الْبَائِعُ أَوْ نَائِبُهُ الْوَزْنَ أَوْ الْكَيْلَ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَوْزُونَ أَوْ الْمَكِيلَ لِيُفْرِغَهُ فِي ظَرْفِ الْمُشْتَرِي فَيَسْقُطُ مِنْ يَدِهِ أَوْ يَتْلَفُ فَضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ. الثَّانِيَةُ: مِثْلُهَا وَلَكِنَّ الَّذِي تَوَلَّى تَفْرِيغَهُ فِي الظَّرْف هُوَ الْمُشْتَرِي فَضَمَانُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ حِينَ أَخَذَهُ مِنْ الْمِيزَانِ أَوْ الْمِكْيَالِ لِيُفْرِغَهُ فِي ظَرْفِهِ فَقَدْ تَوَلَّى قَبْضَهُ فَضَمَانُهُ مِنْهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: بِاتِّفَاقٍ فِيهِمَا، وَنَازَعَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْأُولَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَتَقَدَّمَ فِي الْخِيَارِ أَنَّ ضَمَانَ الْمَبِيعِ بِالْخِيَارِ مِنْ الْبَائِعِ] : أَيْ مَا دَامَ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي وَلَمْ تَنْقَضِ مُدَّةُ الْخِيَارِ وَهُوَ بِيَدِهِ. قَوْلُهُ: [فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ عِنْدَ تَفْرِيغِهِ] : وَأَمَّا إنْ كَانَ التَّفْرِيغُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَالضَّمَانُ مِنْهُ وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ بِقَبْضِ الْمُشْتَرِي لَهُ مَا يَشْمَلُ تَسَلُّمَهُ لَهُ وَتَفْرِيغَهُ فِي أَوْعِيَتِهِ لَا خُصُوصَ التَّفْرِيغِ فِي أَوْعِيَتِهِ الْمُقْتَضِي أَنَّهُ إذَا تَلِفَ فِي حَالِ التَّفْرِيغِ يَكُونُ الضَّمَانُ مِنْ الْبَائِعِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: [وَنَازَعَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْأُولَى] إلَخْ: أَيْ قَالَ كَوْنُهُ بِاتِّفَاقٍ خِلَافُ مُحَصَّلِ قَوْلِ الْمَازِرِيِّ إنَّهُ مِنْ بَائِعِهِ أَوْ مُبْتَاعِهِ.

بِوُجُودِ الْخِلَافِ فِيهَا. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَتَوَلَّى الْمُشْتَرِي الْوَزْنَ أَوْ الْكَيْلَ وَالتَّفْرِيغَ فَيَسْقُطُ مِنْ يَدِهِ؛ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: مُصِيبَتُهُ مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَكِيلٌ عَنْ الْبَائِعِ وَلَمْ يَقْبِضْ لِنَفْسِهِ حَتَّى يَصِلَ لِظَرْفِهِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: مِنْ الْمُشْتَرِي. الرَّابِعَةُ: أَلَّا يُحْضِرَ ظَرْفَ الْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا يَحْمِلُ ذَلِكَ فِي ظَرْفِ الْبَائِعِ بَعْدَ وَزْنِهِ أَوْ كَيْلِهِ لَيُفَرِّغَهُ فِي ظَرْفِهِ بِبَيْتِهِ مَثَلًا فَيَسْقُطُ مِنْهُ أَوْ يَتْلَفُ، فَضَمَانُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ قَبْضَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ وَزْنِهِ قَبَضَ لِنَفْسِهِ فِي ظَرْفِ الْبَائِعِ، وَيَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ بِذَلِكَ قَبْلَ وُصُولِهِ لِدَارِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ الْقَبْضُ مِنْهُ. هَذَا تَحْرِيرُ الْفِقْهِ قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ. (وَالْأُجْرَةُ) : أَيْ أُجْرَةُ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدِّ (عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْبَائِعِ إذْ لَا تَحْصُلُ التَّوْفِيَةُ إلَّا بِهِ (بِخِلَافِ الْقَرْضِ، فَعَلَى الْمُقْتَرِضِ) أُجْرَةُ مَا ذُكِرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَقَالَ سَحْنُونَ مِنْ الْمُشْتَرِي] : أَيْ لِأَنَّهُ قَابِضٌ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَجْرِ هَذَا الْخِلَافُ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا تَوَلَّى بِنَفْسِهِ الْوَزْنَ دَلَّ عَلَى أَنَّ قَبْضَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ قَبْضٌ لِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ: [أَلَّا يُحْضِرَ ظَرْفَ الْمُشْتَرِي] : أَيْ وَيُرِيدُ الْمُشْتَرِي حَمْلَ الْمَوْزُونِ أَوْ الْمَكِيلِ مَثَلًا أَوْ الْمَعْدُودِ فِي ظَرْفِ الْبَائِعِ مِيزَانًا أَوْ جُلُودًا أَوْ أَزْيَارًا. وَقَوْلُهُ: [فَضَمَانُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي] : أَيْ بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ مِنْ الْوَزْنِ أَوْ الْكَيْلِ أَوْ الْعَدِّ وَلَوْ كَانَ الْحَامِلُ لَهَا لِبَيْتِ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ وَلَوْ سَمْنًا فِي فَوَارِغَةٍ قَبْلَ وَزْنِهَا فَالْفَارِغَةُ عَلَى رَبِّهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الـ (مج) . وَقَوْلُهُ: [وَيَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ بِذَلِكَ قَبْلَ وُصُولِهِ لِدَارِهِ] : أَيْ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ الْقَبْضُ حَقِيقَةً. قَوْلُهُ: [قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ] : الْمُرَادُ بِهِ (بْن) . قَوْلُهُ: [وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ] : وَانْظُرْ لَوْ تَوَلَّى الْمُشْتَرِي الْكَيْلَ أَوْ الْوَزْنَ أَوْ الْعَدَّ بِنَفْسِهِ هَلْ لَهُ طَلَبُ الْبَائِعِ بِأُجْرَةِ ذَلِكَ أَمْ لَا، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ: أَنَّ لَهُ الْأُجْرَةَ إذَا كَانَ شَأْنُهُ ذَلِكَ أَوْ سَأَلَهُ الْآخَرُ، وَكَمَا أَنَّ أُجْرَةَ مَا ذُكِرَ عَلَى الْبَائِعِ أُجْرَةُ كَيْلِ الثَّمَنِ أَوْ وَزْنِهِ أَوْ عَدِّهِ أَوْ نَقْدِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْقَرْضِ] : أَيْ وَمِثْلُهُ الْإِقَالَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَالشَّرِكَةُ، فَلَيْسَتْ عَلَى

لِأَنَّ الْمُقْرِضَ صَنَعَ مَعْرُوفًا فَلَا يُكَلَّفُ الْأُجْرَةَ، وَكَذَا عَلَى الْمُقْتَرِضِ فِي رَدِّ الْقَرْضِ وَالْأُجْرَةِ بِلَا شُبْهَةٍ. (وَإِلَّا) السِّلْعَةَ (الْمَحْبُوسَةَ) : أَيْ الَّتِي حَبَسَهَا بَائِعُهَا وَلَمْ يُسَلِّمْهَا لِلْمُشْتَرِي (لِلثَّمَنِ) : أَيْ لِأَجْلِ قَبْضِ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي (أَوْ) إلَّا الْمَبِيعَ (الْغَائِبَ) عَلَى الصِّفَةِ أَوْ رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ (فَبِالْقَبْضِ) يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، وَقَبْلَهُ ضَمَانُهُمَا عَلَى الْبَائِع. وَمِثْلُ الْمَحْبُوسَةِ لِلثَّمَنِ: الْمَحْبُوسَةُ لَلْإِشْهَادِ عَلَى الْبَيْعِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّحْقِيقِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هُمَا كَالرَّهْنِ، وَشُهِرَ، وَعَلَيْهِ مَشَى الشَّيْخُ وَرَجَّحَ بَعْضُهُمْ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَالْمُرَادُ بِالْغَائِبِ: غَيْرُ الْعَقَارِ كَمَا تَقَدَّمَ. (كَالْفَاسِدِ) : فَإِنَّ كُلَّ مَبِيعٍ بَيْعًا فَاسِدًا مِنْ عَقَارٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي إلَّا بِالْقَبْضِ. (وَإِلَّا الْمُوَاضَعَةَ، فَبِرُؤْيَةِ الدَّمِ) تَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهِ لَا بِخُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضَةِ خِلَافًا لِظَاهِرِ عِبَارَتِهِ. (وَإِلَّا الثِّمَارَ) الْمُبَاعَةَ بَعْد بُدُوِّ صَلَاحِهَا (فَلِأَمْنِ الْجَائِحَةِ) : حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ لِأَنَّهَا فِعْلُ مَعْرُوفٍ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الطَّالِبِ عَلَى الْأَرْجَحِ. قَوْلُهُ: [وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُمَا كَالرَّهْنِ] : فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُحْسِنُ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّ كَوَّنَهُمَا كَالرَّهْنِ لَا يُخْرِجُهُمَا عَنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي إذْ الْبَائِعُ إذَا ضَمِنَهُ إنَّمَا يَضْمَنُهُ ضَمَانَ تُهْمَةٍ فَقَطْ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ ضَمَانَ الْأَصَالَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي. أَلَا تَرَى أَنَّ الضَّمَانَ يَنْتَفِي عَنْ الْبَائِعِ بِالْبَيِّنَةِ؟ قَوْلُهُ: [وَرَجَّحَ بَعْضُهُمْ مَا ذَكَرْنَاهُ] : الْمُرَادُ بِهِ (ر) . قَوْلُهُ: [فَبِرُؤْيَةِ الدَّمِ] : أَيْ فَدُخُولُهَا فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهِ سَوَاءٌ قَبَضَهَا أَمْ لَا وَهَذَا فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ، وَأَمَّا فِي الْفَاسِدِ فَلَا تَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي إلَّا إذَا رَأَتْ الدَّمَ وَقَبَضَهَا لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْفَاسِدَ لَا يَنْتَقِلُ ضَمَانُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ. قَوْلُهُ: [الْمُبَاعَةَ] : أَيْ بَيْعًا صَحِيحًا وَأَمَّا الْمُبَاعَةُ بَيْعًا فَاسِدًا فَإِنْ اُشْتُرِيَتْ بَعْدَ طِيبِهَا فَضَمَانُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَخْذِهَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ. وَيُلْغَزُ بِهَا فَيُقَال لَنَا: فَاسِدٌ يُضْمَنُ بِالْعَقْدِ، وَإِنْ اُشْتُرِيَتْ قَبْلَ طِيبِهَا فَضَمَانُهَا مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى يَجُذَّهَا الْمُشْتَرِي - كَذَا فِي الْأُجْهُورِيِّ وَتَبِعَهُ (عب) وَالْخَرَشِيُّ

[القبض في العقار]

تَدْخُلَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي. وَالْأَمْنُ يَكُونُ بِتَمَامِ طِيبِهَا كَمَا يَأْتِي وَالْمُرَادُ: أَنَّ ضَمَانَهَا مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ أَمْنِهَا مِنْ الْجَوَائِحِ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَوَائِحِ فَقَطْ، وَأَمَّا الْغَصْبُ وَنَحْوُهُ فَمِنْ الْمُبْتَاعِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ. (وَإِلَّا عُهْدَةَ الثَّلَاثِ فَبِانْتِهَائِهَا) : يَدْخُلُ الرَّقِيقُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي. وَلَمَّا كَانَ قَبْضُ الْمَبِيعِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ ضَمَانُ الْمُشْتَرِي مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ الْمَبِيعِ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَالْقَبْضُ) الَّذِي يَكُونُ بِهِ ضَمَانُ الْمُشْتَرِي (فِي ذِي التَّوْفِيَةِ: بِاسْتِيفَاءِ مَا كِيلَ أَوْ عُدَّ أَوْ وُزِنَ مِنْهُ) : أَيْ مِنْ ذِي التَّوْفِيَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الِاسْتِيفَاءِ قَرِيبًا. (وَ) الْقَبْضُ (فِي الْعَقَارِ) وَهُوَ الْأَرْضُ وَمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ (بِالتَّخْلِيَةِ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي، وَتَمْكِينِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُخْلِ الْبَائِعُ مَتَاعَهُ مِنْهُ إنْ لَمْ تَكُنْ دَارَ سُكْنَاهُ. (وَفِي دَار السُّكْنَى بِالْإِخْلَاءِ) لِمَتَاعِهِ مِنْهَا وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّخْلِيَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَتَبَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَحْمَدُ النَّفْرَاوِيُّ: لِي فِيهِ وَقْفَةٌ مَعَ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْفَاسِدَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْقَبْضِ بِالْفِعْلِ وَلَا يَكْفِي فِيهِ التَّمَكُّنُ فَلْيُنْظَرْ - كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [بِتَمَامِ طِيبِهَا] : أَيْ فَمَتَى تَمَّ طِيبُهَا سَوَاءٌ جَذَّهَا الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَا انْتَقَلَتْ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ حَتَّى فِي الْجَوَائِحِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْغَصْبُ وَنَحْوُهُ] : أَيْ كَالسَّارِقِ فَلَا يَضْمَنُ فِعْلَهُمَا بِنَاءً عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِجَائِحَةٍ كَمَا يَأْتِي. [الْقَبْضُ فِي الْعَقَارِ] قَوْلُهُ: [بِالتَّخْلِيَةِ] : أَيْ بِأَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الْمَفَاتِيحَ إنْ كَانَ لَهُ مَفَاتِيحُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَفَاتِيحُ كَفَى تَمْكِينُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ، وَانْظُرْ لَوْ مَكَّنَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَمَنَعَهُ مِنْ الْمَفَاتِيحِ كَمَا لَوْ فَتْحَ لَهُ الدَّارَ وَأَخَذَ الْمَفَاتِيحَ مَعَهُ، هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ قَبْضًا أَوْ لَا؟ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ بَهْرَامَ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّخْلِيَةِ] : أَيْ بِأَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الْمَفَاتِيحَ وَالْحَالُ أَنَّ فِيهَا أَمْتِعَةَ الْبَائِعِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ بَيَانَ كَيْفِيَّةِ الْقَبْضِ لَا فَائِدَةَ لَهُ هُنَا لِأَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَهُوَ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا فَائِدَتُهُ فِي الْفَاسِدِ وَفِي كُلِّ مَا يَحْتَاجُ

[تلف المبيع وقت ضمان البائع بسماوي لا بجنايته]

(وَ) الْقَبْضِ (فِي غَيْرِهِ) : أَيْ غَيْرِ الْعَقَارِ مِنْ حَيَوَانٍ وَعَرْضٍ يَكُونُ (بِالْعُرْفِ) كَتَسْلِيمِ الثَّوْبِ وَزِمَامِ الدَّابَّةِ أَوْ سُوقِهَا أَوْ عَزْلِهَا عَنْ دَوَابِّ الْبَائِعِ أَوْ انْصِرَافِ الْبَائِعِ عَنْهَا. (وَتَلَفُ الْمَبِيعِ) الْمُعَيَّنِ بَيْعًا صَحِيحًا (وَقْتَ ضَمَانِ الْبَائِعِ) لَهُ لِكَوْنِهِ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ أَوْ كَانَ غَائِبًا أَوْ ثِمَارًا قَبْلَ أَمْنِهِ الْجَائِحَةَ أَوْ فِيهِ عُهْدَةُ ثَلَاثٍ أَوْ مُوَاضَعَةٍ (بِسَمَاوِيٍّ) : أَيْ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِجِنَايَةِ أَحَدٍ عَلَيْهِ (مُبْطِلٌ) لِعَقْدِ الْمَبِيعِ، فَلَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِهِ. بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَوْصُوفًا مُتَعَلِّقًا بِالذِّمَّةِ، كَالسَّلَمِ، فَإِنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ إذَا أَحْضَرَ الْمُسْلِمَ فِيهِ فَتَلِفَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُسْلِمَ لَزِمَ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِ مَا فِي ذِمَّتِهِ فَالْكَلَامُ فِي الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ. (وَتَلَفُ بَعْضِهِ) : أَيْ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ وَقْتَ ضَمَانِ الْبَائِعِ (أَوْ اسْتِحْقَاقُهُ) أَيْ الْبَعْضِ الْمُعَيَّنِ (كَعَيْبٍ بِهِ) ؛ فَيَنْظُرُ فِي الْبَاقِي بَعْدَ التَّلَفِ أَوْ الِاسْتِحْقَاقِ، فَإِنْ كَانَ النِّصْفُ فَأَكْثَرَ لَزِمَ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ إنْ تَعَدَّدَ الْمَبِيعُ وَكَانَ قَائِمًا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِحَوْزٍ كَالْوَقْفِ وَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ فَلَوْ أَتَى الْمُصَنِّفُ بِهَذَا عِنْدَ ذِكْرِهِ ضَمَانَ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ لَكَانَ أَوْلَى. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ بَيَانَ كَيْفِيَّةِ الْقَبْضِ لَا تَظْهَرُ فَائِدَتُهَا إلَّا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْوَقْفِ وَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ بَلْ تَظْهَرُ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ كَالْعَقَارِ إذَا بِيعَ مُزَارَعَةً وَالْغَائِبِ إذَا بِيعَ عَلَى الصِّفَةِ أَوْ عَلَى رُؤْيَةٍ سَابِقَةٍ. تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ لِصَاحِبِهِ: لَا أَدْفَعُ لَك مَا بِيَدَيَّ حَتَّى تَدْفَعَ لِي مَا بِيَدِك بُدِئَ الْمُشْتَرِي بِدَفْعِ الثَّمَنِ النَّقْدِ جَبْرًا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَرْضًا أَوْ مِثْلِيًّا لِأَنَّهُ فِي يَدِ بَائِعِهِ كَالرَّهْنِ عَلَى الثَّمَنِ؛ فَمَوْضُوعُ الْكَلَامِ فِي بَيْعِ عَرْضٍ أَوْ مِثْلِيٍّ بِنَقْدٍ، وَإِلَّا لَمْ يُجْبَرْ وَاحِدٌ عَلَى التَّبْدِئَةِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْعَقْدُ عَلَى نَقْدَيْنِ مُبَادَلَةً أَوْ صَرْفًا قِيلَ لَهُمَا: إنْ تَأَخَّرَ قَبْضُكُمَا اُنْتُقِضَ الْعَقْدُ وَإِنْ كَانَا مِثْلِيَّيْنِ غَيْرَ مَا ذَكَرَ أَوْ عَرَضَيْنِ تُرِكَا حَتَّى يَصْطَلِحَا، فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ حَاكِمٍ وَكَّلَ مَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ لَهُمَا. [تلف الْمَبِيع وَقْت ضمان الْبَائِع بِسَمَاوِيِّ لَا بِجِنَايَتِهِ] قَوْلُهُ: [مُبْطِلٌ] : مَحَلُّ الْبُطْلَانِ إنْ ثَبَتَ التَّلَفُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ تَصَادَقَا عَلَيْهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي: " وَخُيِّرَ مُشْتَرٍ إنْ غَيَّبَ بَائِعٌ ". قَوْلُهُ: [لَزِمَ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ] : أَيْ لَزِمَ التَّمَسُّكُ بِذَلِكَ الْبَاقِيَ وَيَرْجِعُ بِحِصَّةِ مَا تَلِف لِأَنَّ بَقَاءَ النِّصْفِ كَبَقَاءِ الْجُلِّ.

[إتلاف المبيع بجناية]

فَإِنْ اتَّحَدَ أَوْ فَاتَ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي. (و) إنْ كَانَ الْبَاقِي أَقَلَّ (حَرُمَ التَّمَسُّكُ بِالْأَقَلِّ) وَتَعَيَّنَ الْفَسْخُ كَمَا تَقَدَّمَ. (إلَّا الْمِثْلِيَّ) فَيُخَيَّرُ مُطْلَقًا فِيهِمَا بَيْنَ الْفَسْخِ وَالتَّمَاسُكِ بِالْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ التَّخْيِيرُ فِي الْعَيْبِ بَيْنَ رَدِّ الْجَمِيعِ وَالتَّمَاسُكِ بِالْجَمِيعِ بِالثَّمَنِ. وَلَمَّا بَيَّنَ حُكْمَ مَا إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ أَوْ بَعْضُهُ بِسَمَاوِيٍّ، ذَكَرَ مَا إذَا جَنَى عَلَيْهِ جَانٍ وَهُوَ: إمَّا الْبَائِعُ، أَوْ الْمُشْتَرِي، أَوْ غَيْرُهُمَا بِقَوْلِهِ: (وَخُيِّرَ مُشْتَرٍ) بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ وَالتَّمَاسُكِ بِهِ. فَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ اتَّحَدَ] : أَيْ كَعَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [أَوْ فَاتَ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي] : التَّخْيِيرُ فِي التَّلَفِ وَالِاسْتِحْقَاقِ لَا يَظْهَرُ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ فِيهِ التَّمَسُّكُ بِالْفَائِتِ الَّذِي لَمْ يُسْتَحَقَّ وَلَمْ يَتْلَفَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَيَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ التَّالِفِ مِنْ الثَّمَنِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [حَرُمَ التَّمَسُّكُ بِالْأَقَلِّ] : لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِهِ كَإِنْشَاءِ عُقْدَةٍ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ إذْ لَا يُعْلَمُ ثَمَنُهُ إلَّا بَعْدَ تَقْوِيمِ الْمَبِيعِ كُلِّهِ أَوَّلًا ثُمَّ تَقْوِيمِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْأَجْزَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَمَحِلُّ حُرْمَةِ التَّمَسُّكِ بِالْأَقَلِّ مَا لَمْ يَفُتْ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [إلَّا الْمِثْلِيَّ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ وَتَلِفَ بَعْضُهُ بِسَمَاوِيٍّ وَهُوَ فِي ضَمَانِ الْبَائِع أَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ - كَانَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ أَمْ لَا - أَوْ تَعَيَّبَ بَعْضُهُ بِسَمَاوِيِّ وَهُوَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ، فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ التَّلَفِ أَوْ الِاسْتِحْقَاقِ وَالسَّالِمُ مِنْ التَّعْيِيبِ النِّصْفَ فَأَكْثَرَ تَعَيَّنَ التَّمَسُّكُ بِذَلِكَ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ. وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ التَّلَفِ أَوْ الِاسْتِحْقَاقِ وَالسَّالِمُ مِنْ التَّعْيِيبِ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ فَفِي التَّلَفِ وَالِاسْتِحْقَاقِ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ وَالرُّجُوعِ بِثَمَنِهِ وَالتَّمَاسُكِ بِذَلِكَ الْبَاقِي الْقَلِيلِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَيَرْجِعُ بِحِصَّةِ مَا تَلِفَ أَوْ اسْتَحَقَّ، وَأَمَّا فِي التَّعْيِيبِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ وَأَخَذِ ثَمَنِهِ وَالتَّمَاسُكِ بِجَمِيعِ الْمَبِيعِ سَالِمًا وَمَعِيبًا بِكُلِّ الثَّمَنِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِذَلِكَ السَّالِمِ فَقَطْ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ. [إتْلَاف الْمَبِيع بِجِنَايَةِ] قَوْلُهُ: [وَخُيِّرَ مُشْتَرٍ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَخْفَى الْمَبِيعَ وَقْتَ ضَمَانِهِ وَادَّعَى هَلَاكَهُ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْبَيْعَ عَلَى الْبَتِّ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُشْتَرِي بَلْ ادَّعَى أَنَّهُ أَخْفَاهُ

الْمُقَوَّمِ أَوْ مِثْلِ الْمِثْلِيِّ (إنْ غَيَّبَ بَائِعٌ) الْمَبِيعَ أَيْ أَخْفَاهُ وَادَّعَى ضَيَاعَهُ، وَلَا بَيِّنَةَ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُشْتَرِي وَنَكَلَ الْبَائِعُ عَنْ الْيَمِينِ. وَوَجْهُ التَّخْيِيرِ أَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْمَبِيعِ مَعَ جَوَازِ بَقَائِهِ عِنْدَ بَائِعِهِ، وَهَذِهِ الْقُيُودُ تُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي: " وَالْبَائِعِ وَالْأَجْنَبِيِّ يُوجَبُ الْغُرْمُ ". (أَوْ عِيبَ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ: إنْ قُرِئَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ؛ أَيْ أَحَدَثَ الْبَائِعُ فِيهِ عَيْبًا زَمَنَ ضَمَانِ الْبَائِعِ - كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ - نَاقَضَهُ قَوْلُهُ الْآتِي: " كَتَعْيِيبِهِ ". وَإِنْ قُرِئَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - وَهُوَ الْأَوْلَى - كَانَ الضَّمِيرُ النَّائِبُ عَنْ الْفَاعِلِ عَائِدًا عَلَى الْمَبِيعِ. وَالْمَعْنَى: إنْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ سَمَاوِيٌّ زَمَنَ ضَمَانِ الْبَائِعِ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الرَّدِّ وَالتَّمَاسُكِ وَلَا شَيْءَ لَهُ. (أَوْ اُسْتُحِقَّ) مِنْ مَبِيعٍ مُتَّحِدٍ كَدَارٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ (بَعْضٌ شَائِعٌ وَإِنْ قَلَّ) فَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ التَّمَاسُكِ بِالْبَاقِي، وَيَرْجِعُ بِحِصَّةِ مَا اسْتَحَقَّ مِنْ الثَّمَنِ وَبَيْنَ الرَّدِّ وَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ ثَمَنِهِ. وَهَذَا إنْ كَثُرَ كَالثُّلُثِ فَأَكْثَرَ مُطْلَقًا، انْقَسَمَ أَوْ لَا، كَانَ مُتَّخَذًا لِلْغَلَّةِ أَوْ لَا. أَوْ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ وَلَمْ يَنْقَسِمْ، كَعَبْدٍ، وَلَمْ يُتَّخَذْ لِلْغَلَّةِ فَإِنْ قَبِلَ الْقِسْمَةَ أَوْ اتَّخَذَ لِلْغَلَّةِ قَبِلَ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا، فَلَا خِيَارَ بَلْ يَلْزَمهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَنَّ دَعْوَاهُ الْهَلَاكَ لَا أَصْلَ لَهَا وَنَكَلَ ذَلِكَ الْبَائِعُ عَنْ الْيَمِينِ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْفَسْخِ عَنْ نَفْسِهِ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ قَبْضِ الْمَبِيعِ أَوْ التَّمَاسُكِ بِهِ وَيُطَالِبُ الْبَائِعَ بِمِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْبَيْعُ عَلَى الْخِيَارِ فَيَلْزَمُ الْبَائِعَ الثَّمَنَ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا خُيِّرَ الْمُشْتَرِي فِي الْبَتِّ دُونَ الْخِيَارِ مَعَ أَنَّ ضَمَانَ السِّلْعَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْخِيَارِ غَيْرُ مُتَبَرِّمٍ وَالسِّلْعَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ. وَلَا يَدْخُلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْمَحْبُوسَةُ بِالثَّمَنِ أَوْ لِلْإِشْهَادِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا كَالرَّهْنِ يَضْمَنُهَا ضَمَانَ الرَّهْنِ، إذْ لَا تَخْيِيرَ لِلْمُشْتَرِي فِيهَا وَإِنَّمَا لَهُ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ. نَعَمْ يَدْخُلُ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ مِنْ أَنَّ الْبَائِعَ يَضْمَنُهَا ضَمَانَ أَصَالَةٍ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ الْأَوْلَى] : أَيْ بَلْ مُتَعَيِّنٌ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ فِي السَّمَاوِيِّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَأَمَّا فِي تَعْيِيبِ الْبَائِعِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَيَغْرَمُ الْأَرْشَ إنْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي التَّمَاسُكَ كَمَا يَأْتِي.

التَّمَسُّكُ بِالْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ. فَالصُّوَرُ ثَمَانِيَةٌ: الْخِيَارُ فِي خَمْسَةٍ مِنْهَا. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: " بَعْضٌ شَائِعٌ " مِنْ الْمُعَيَّنِ وَقَدْ قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ: " وَحَرُمَ التَّمَسُّكُ بِالْأَقَلِّ إلَّا الْمِثْلِيَّ ". (وَإِتْلَافُ الْمُشْتَرِي) لِمَبِيعٍ مُقَوَّمٍ أَوْ مِثْلِيٍّ زَمَنَ ضَمَانِ الْبَائِعِ (قَبْضٌ) : أَيْ كَالْقَبْضِ فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ. (وَ) إتْلَافُ (الْبَائِعِ وَالْأَجْنَبِيِّ يُوجِبُ الْغُرْمَ) عَلَى مَنْ أَتْلَفَ مِنْهُمَا: أَيْ غُرْمَ قِيمَةِ الْمُقَوَّمِ وَمِثْلِ الْمِثْلِيِّ وَلَا سَبِيلَ لِلْفَسْخِ بِأَخْذِ جَمِيعِ الثَّمَنِ (كَتَعْيِيبِهِ) ، أَيْ مَنْ ذَكَرَ مِنْ بَائِعٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ مُشْتَرٍ. فَتَعْيِيبُ الْمُشْتَرِي وَقْتَ ضَمَانِ الْبَائِعِ قَبْضٌ، وَتَعْيِيبُ الْأَجْنَبِيِّ يُوجِبُ غُرْمَ الْأَرْشِ لِمَنْ مِنْهُ الضَّمَانُ، وَتَعْيِيبُ الْبَائِعِ يُوجِبُ غُرْمَ الْأَرْشِ لِلْمُشْتَرِي قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ: وَمَنْ ابْتَاعَ مِنْ رَجُلٍ طَعَامًا بِعَيْنِهِ فَفَارَقَهُ قَبْلَ أَنْ يَكْتَالَهُ فَتَعَدَّى الْبَائِعُ عَلَى الطَّعَامِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِطَعَامٍ مِثْلِهِ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُبْتَاعِ فِي أَخْذِ دَنَانِيرِهِ. وَلَوْ هَلَكَ الطَّعَامُ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى انْتَقَضَ الْبَيْعُ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُعْطِيَ طَعَامًا مِثْلَهُ وَلَا ذَلِكَ عَلَيْهِ (اهـ) وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ تَعْيِيبَ الْبَائِعِ يُوجِبُ الْغُرْمَ وَلَوْ خَطَأً كَالْأَجْنَبِيِّ وَلَا يَلْحَقُ الْخَطَأُ بِالسَّمَاوِيِّ وَعَلَيْهِ، فَيَتَعَيَّنُ قِرَاءَةُ قَوْلِنَا الْمُتَقَدِّمِ " أَوْ عِيبَ " بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَيُحْمَلُ عَلَى السَّمَاوِيِّ. وَقَوْلُ الشَّيْخِ: " وَكَذَلِكَ إتْلَافُهُ "، صَوَابُهُ تَعْيِيبُهُ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ ذَكَرَهُ قَبْلَهُ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَكَذَلِكَ تَعْيِيبُهُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ تَعْيِيبُ الْمَبِيعِ كَإِتْلَافِهِ، فَيُفْصَلُ فِيهِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَالْأَجْنَبِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ (اهـ) . وَتَرْتِيبُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَالصُّوَرُ ثَمَانِيَةٌ] : حَاصِلُهَا أَنَّ الْمَبِيعَ: إمَّا أَنْ يَكُونَ قَابِلًا لِلْقِسْمَةِ أَوَّلًا. وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يُتَّخَذَ لِلْغَلَّةِ أَوْ لَا؛ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْجُزْءُ الْمُسْتَحَقُّ كَثِيرًا كَالثُّلُثِ فَأَكْثَرَ أَوْ قَلِيلًا؛ فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ. فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا خُيِّرَ الْمُشْتَرِي كَانَ الْمَبِيعُ يُمْكِنُ قَسْمُهُ أَوْ لَا مُتَّخَذًا لِلْغَلَّةِ أَوْ لَا، وَكَذَا إنْ كَانَ قَلِيلًا وَكَانَ الْمَبِيعُ لَا يُمْكِنُ قَسْمُهُ وَلَمْ يُتَّخَذْ لِلْغَلَّةِ. فَإِنْ كَانَ مُتَّخَذًا لِلْغَلَّةِ قَبِلَ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا، أَوْ قَبِلَ الْقِسْمَةَ وَهُوَ غَيْرُ مُتَّخَذٍ لِلْغَلَّةِ، فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَيَلْزَمُهُ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ. قَوْلُهُ: [وَإِتْلَافُ الْمُشْتَرِي] إلَخْ: أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ الشِّرَاءَ عَلَى الْبَتِّ.

[البيع قبل القبض]

عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَحْسَنُ مِنْ تَرْتِيبِهِ. (وَجَازَ) لِمَنْ مَلَكَ شَيْئًا بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ (الْبَيْعُ) لَهُ (قَبْلَ الْقَبْضِ) لَهُ مِنْ مَالِكِهِ الْأَوَّلِ (إلَّا طَعَامَ الْمُعَاوَضَةِ) : فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّعَامُ رِبَوِيًّا أَوْ غَيْرَ رِبَوِيٍّ. وَطَعَامُ الْمُعَاوَضَةِ: مَا اُسْتُحِقَّ فِي نَظِيرِ عِوَضٍ (وَلَوْ) كَانَ الْعِوَضُ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ (كَرِزْقِ قَاضٍ وَجُنْدِيٍّ) فَإِنَّهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي نَظِيرِ حُكْمِهِ وَحِرَاسَتِهِ وَغَزْوِهِ، وَكَذَا رِزْقُ عَالِمٍ أَوْ إمَامٍ أَوْ مُؤَذِّنٍ أَوْ نَحْوِهِمْ فِي وَقْفٍ أَوْ بَيْتِ مَالٍ فِي نَظِيرِ التَّدْرِيسِ أَوْ الْإِمَامَةِ أَوْ الْأَذَانِ. لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ نَاظِرٍ وَنَحْوِهِ. لِأَنَّهُ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ وَهُوَ عِوَضٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ رُتِّبَ شَيْءٌ لِإِنْسَانٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ غَيْرِهِ كَوَقْفٍ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لِعَدَمِ الْمُعَاوَضَةِ، وَمَحَلُّ مَنْعِ بَيْعِ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ: قَبْلَ قَبْضِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ] قَوْلُهُ: [بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ] : أَيْ كَهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِعْيَارُ الْعُمُومِ. قَوْلُهُ: [إلَّا طَعَامَ الْمُعَاوَضَةِ] : أَيْ إلَّا الطَّعَامَ الَّذِي حَصَلَ بِمُعَاوَضَةٍ لِمَا وَرَدَ فِي الْمُوَطَّإِ وَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مِنْ اشْتَرَى طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ» . قَوْلُهُ: [كَرِزْقِ قَاضٍ] : أَيْ كَطَعَامٍ جُعِلَ لِلْقَاضِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ] : حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الطَّعَامِ فِي بَيْتِ الْمَالِ فِي مُقَابَلَةِ قِيَامِهِ بِمَصْلَحَةٍ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الطَّعَامِ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ جَازَ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ قَالَ (عب) : وَيُلْحَقُ بِرِزْقِ الْقَاضِي طَعَامٌ جُعِلَ صَدَاقًا أَوْ خُلْعًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا مَأْخُوذٌ عَنْ مُسْتَهْلِكٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ (اهـ) . وَكَذَا الْمِثْلِيُّ الْمَبِيعُ فَاسِدًا إذَا فَاتَ وَوَجَبَ مِثْلُهُ كَمَا قَالَ (بْن) : بِجَامِعِ أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ لَيْسَتْ اخْتِيَارِيَّةً بَلْ جَرَّ إلَيْهَا الْحَالُ فِي كُلٍّ خِلَافًا (لعب) حَيْثُ جَعَلَهُ كَرِزْقِ الْقَاضِي.

(إنْ أُخِذَ بِكَيْلٍ) : أَيْ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدٍّ (لَا) إنْ أُخِذَ (جُزَافًا) : فَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ فَمَنْ اشْتَرَى صُبْرَةً جُزَافًا بِشَرْطِهِ جَازَ بَيْعُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ لِدُخُولِهَا فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ، فَهِيَ مَقْبُوضَةٌ حُكْمًا فَلَيْسَ فِي الْجُزَافِ تَوَالِي عُقْدَتَيْ بَيْعٍ لَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا قَبْضٌ. وَحُرْمَةُ بَيْعِ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ، قِيلَ: تَعَبُّدٌ، وَقِيلَ: مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ رُبَّمَا أَدَّى لِفَسَادٍ فَنَهَى الشَّارِعُ عَنْهُ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. وَقَوْلُنَا: (إلَّا كَوَصِيٍّ لِيَتِيمَيْهِ) : مُسْتَثْنَى مِنْ الْمَنْعِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْوَصِيَّ أَوْ الْأَبَ أَوْ السَّيِّدَ إذَا اشْتَرَى لِأَحَدٍ يَتِيمَيْهِ أَوْ لِأَحَدِ وَلَدَيْهِ أَوْ لِأَحَدِ عَبْدَيْهِ طَعَامًا مِنْ الْآخَرِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ لِأَجْنَبِيٍّ قَبْلَ قَبْضِهِ ثَانِيًا حِسِّيًّا لِمَنْ اشْتَرَاهُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَمَّا كَانَ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ لِمَحْجُورِهِ نَزَلَ اشْتِرَاؤُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ مَنْزِلَةَ الْقَبْضِ، فَإِذَا بَاعَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إنْ أُخِذَ بِكَيْلٍ] : أَيْ إذَا كَانَ بَائِعُهُ اشْتَرَاهُ بِكَيْلٍ وَبَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ سَوَاءٌ بَاعَهُ جُزَافًا أَوْ عَلَى الْكَيْلِ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ بَيْعُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ] : أَيْ جُزَافًا أَوْ عَلَى الْكَيْلِ. قَوْلُهُ: [وَحُرْمَةُ بَيْعِ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ قِيلَ تَعَبُّدٌ] إلَخْ: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالصَّحِيحُ عِنْد أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ هَذَا النَّهْيَ تَعَبُّدِيٌّ. وَقِيلَ: إنَّهُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى لِأَنَّ الشَّارِعَ لَهُ غَرَضٌ فِي ظُهُورِهِ فَلَوْ أُجِيزَ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَبَاعَهُ أَهْلُ الْأَمْوَالِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مِنْ غَيْرِ ظُهُورٍ بِخِلَافِ مَا إذَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ الْكَيَّالُ وَالْحَمَّالُ وَيَظْهَرُ لِلْفُقَرَاءِ فَتَطْمَئِنُّ بِهِ قُلُوبُ النَّاسِ وَلَا سِيَّمَا فِي زَمَنِ الْمَسْغَبَةِ وَالشِّدَّةِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [إلَّا كَوَصِيٍّ لِيَتِيمَيْهِ] : إنَّمَا كَانَ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ الْمَنْعِ لِأَنَّ مَحَلَّ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْقَبْضِ حِسِّيًّا مَا لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ وَإِلَّا جَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ حِسًّا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [أَوْ الْأَبُ أَوْ السَّيِّدُ] : بَيَانٌ لِمَا دَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ. وَقَوْلُهُ: [إذَا اشْتَرَى لِأَحَدِ يَتِيمَيْهِ] إلَخْ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبُ. قَوْلُهُ: [نُزِّلَ اشْتِرَاؤُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ مَنْزِلَةَ الْقَبْضِ] : أَيْ الْحِسِّيِّ. قَوْلُهُ: [فَإِذَا بَاعَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ] : مِنْ بِمَعْنَى اللَّامِ وَقَوْلُهُ لِمَنْ اشْتَرَاهُ لَهُ اللَّامُ

لِمَنْ اشْتَرَاهُ لَهُ فَكَأَنَّهُ قَبَضَهُ وَبَاعَهُ لَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ فَجَازَ. بِخِلَافِ مَنْ عِنْدَهُ طَعَامٌ وَدِيعَةٌ لِشَخْصٍ أَوْ اشْتَرَاهُ لَهُ بِإِذْنِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْ مَالِكِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمَالِكُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ عَلَى الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَبْضَ السَّابِقَ عَلَى الشِّرَاءِ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا تَامًّا، بِدَلِيلِ أَنَّ رَبَّ الطَّعَامِ لَوْ أَرَادَ إزَالَتَهُ مِنْ يَدِهِ وَمَنْعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ - ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. وَكَذَا مَنْ عَلَيْهِ طَعَامٌ مِنْ سَلَمٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا لِرَبِّ الطَّعَامِ يَقُولُ لَهُ: اشْتَرِ طَعَامًا وَكِلْهُ ثُمَّ اقْبِضْ مِنْهُ مَالَك عَلَيَّ مِنْ الطَّعَامِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لِأَنَّهُ بَيْعُ طَعَامٍ قَبْلَ قَبْضِهِ، أَيْ لِأَنَّهُ قَبَضَ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ حَقَّهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبِضَهُ دَافِعُ الثَّمَنِ. وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ قَدْ فُسِّرَ بِهِمَا قَوْلُ الشَّيْخِ تَبَعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَمْ يَقْبِضْ مِنْ نَفْسِهِ، أَيْ لَا يَكْفِي فِي جَوَازِ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ قَبْضٌ ضَعِيفٌ كَالْعَدَمِ وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِهِ حَقِيقَةً مِنْ مَالِكِهِ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ، وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ الْوَلِيَّ بِالنِّسْبَةِ لِمَحْجُورَيْهِ فَأَكْثَرَ إذَا اشْتَرَى لِأَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ طَعَامًا فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَهُ لِأَجْنَبِيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَجَازَ) لِمَنْ اشْتَرَى طَعَامًا (إقْرَاضُهُ) قَبْلَ قَبْضِهِ لِشَخْصٍ (أَوْ وَفَاؤُهُ عَنْ قَرْضٍ) عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِقْرَاضَ، وَالْوَفَاءَ عَنْ قَرْضٍ لَيْسَا بِبَيْعٍ فَلَيْسَ فِيهِ تَوَالِي ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَعْنَى عَلَى أَيْ بَاعَهُ عَلَى الْمَحْجُورِ الثَّانِي بَعْدَ أَنْ اشْتَرَاهُ لَهُ مِنْ الْمَحْجُورِ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَلَّلَ الْبَيْعَتَيْنِ قَبْضٌ. قَوْلُهُ: [فَكَأَنَّهُ قَبَضَهُ] : أَيْ لِمَحْجُورِهِ الثَّانِي وَقَوْلُهُ وَبَاعَهُ لَهُ أَيْ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ عَلَى الشِّرَاءِ] : أَيْ لِأَنَّ شَرْطَ جَوَازِ بَيْعِ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ أَلَّا يَقْبِضَ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ قَبَضَ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ حَقَّهُ] إلَخْ هَذَا التَّعْلِيلُ عَائِدٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَنْ عِنْدَهُ طَعَامٌ وَدِيعَةٌ إلَى هُنَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: " وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ " إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ] : أَيْ مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الْقَبْضَ مِنْ النَّفْسِ ضَعِيفٌ لَا يُعْتَبَرُ.

[القرض والإقالة والصدقة قبل القبض والاستثناء في المكاتبة]

عُقْدَتَيْ بَيْعٍ لَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا قَبْضٌ بِخِلَافِ وَفَائِهِ عَنْ دَيْنٍ أَصْلُهُ بَيْعٌ فَلَا يَجُوزُ لِوُجُودِ عِلَّةِ الْمَنْعِ. (وَ) جَازَ (لِمُقْتَرِضٍ بَيْعُهُ) قَبْل قَبْضِهِ مِمَّنْ اقْتَرَضَهُ مِنْهُ، وَسَوَاءٌ بَاعَهُ لِمَنْ تَسَلَّفَهُ مِنْهُ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ، وَهَذَا مُحْتَرَزُ: " طَعَامِ مُعَاوَضَةٍ ". وَكَذَا قَوْلُهُ: (كَصَدَقَةٍ) أَوْ هِبَةٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا أَوْ مِنْ الْوَاهِبِ أَوْ الْمُتَصَدِّقِ (وَلَوْ) كَانَتْ الصَّدَقَةُ (مُرَتَّبَةً مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) أَوْ مِنْ وَقْفٍ لَا فِي نَظِيرِ عَمَلٍ. وَمَحَلُّ الْجَوَازِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُتَصَدِّقُ أَوْ الْوَاهِبُ اشْتَرَاهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ أَوْ وَهَبَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَإِلَّا فَلَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ. (و) جَازَ (إقَالَةٌ مِنْ جَمِيعِهِ) : أَيْ جَمِيعِ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [القرض وَالْإِقَالَة وَالصَّدَقَة قَبْل القبض وَالِاسْتِثْنَاء فِي الْمُكَاتَبَة] قَوْلُهُ: [لِوُجُودِ عِلَّةِ الْمَنْعِ] : أَيْ وَهِيَ تَوَالِي عُقْدَتَيْنِ لَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا قَبْضٌ. - قَوْلُهُ: [وَمَحِلُّ الْجَوَازِ] : إلَخْ: وَلِذَلِكَ قَالَ (بْن) : وَيُقَيِّدُ الْجَوَازَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُتَصَدِّقُ اشْتَرَاهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ، وَإِلَّا فَالْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ لَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي طَعَامِ الْهِبَةِ وَالْقَرْضِ، قَالَ فِي الْجَلَّابِ: مِنْ ابْتَاعَ طَعَامًا بِكَيْلٍ ثُمَّ أَقْرَضَهُ رَجُلًا أَوْ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ قَضَاهُ لِرَجُلٍ عَنْ قَرْضٍ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فَلَا يَبِيعُهُ أَحَدٌ مِمَّنْ صَارَ إلَيْهِ ذَلِكَ الطَّعَامُ حَتَّى يَقْبِضَهُ. تَنْبِيهٌ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ بَيْعُ الطَّعَامِ الَّذِي عَلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ الْمَكَاتِبِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْهُ بِعَيْنٍ أَوْ عَرَضٍ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ بَيْن السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ بَيْنَ غَيْرِهِمَا وَهَلْ مَحَلُّ الْجَوَازِ إنْ عَجَّلَ الْعِتْقَ لِلْمُكَاتَبِ بِأَنْ يَبِيعَهُ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ النُّجُومِ أَوْ بَعْضَهَا وَيُعَجِّلَ الْعِتْقَ عَلَى بَقَاءِ الْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ أَوْ الْجَوَازِ مُطْلَقًا، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ دَيْنًا ثَابِتًا فِي الذِّمَّةِ وَلَا يُحَاصِصُ بِهَا السَّيِّدُ الْغُرَمَاءَ فِي مَوْتٍ وَلَا فَلْسٍ وَيَجُوزُ بَيْعُهَا لِلْمُكَاتَبِ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ لَا لِأَجْنَبِيٍّ قَوْلَانِ. قَوْلُهُ: [أَيْ جَمِيعُ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ] : الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَيْ جَمِيعُ الْمَبِيعِ مِنْ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْمَفْهُومِ بَعْدُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَنْ اشْتَرَى مِنْ شَخْصٍ طَعَامًا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَقِّعَ الْإِقَالَةَ فِي جَمِيعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا غَابَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ أَمْ لَا.

مِنْ بَائِعِهِ بِأَنْ يَرُدَّهُ لِبَائِعِهِ؛ لِأَنَّهَا هُنَا حَلُّ بَيْعٍ لَا بَيْعٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْإِقَالَةُ تَرْكُ الْمَبِيعِ لِبَائِعِهِ بِثَمَنِهِ (اهـ) فَإِنْ وَقَعَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ بَيْعٌ كَمَا يَأْتِي. وَمَفْهُومُ جَمِيعِهِ فِيهِ تَفْصِيلٌ أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَكَذَا) تَجُوزُ الْإِقَالَةُ قَبْلَ قَبْضِ الطَّعَام (مِنْ بَعْضِهِ) دُونَ الْبَعْضِ الْآخَرِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ حَاضِرًا لَمْ يَغِبْ عَلَيْهِ الْبَائِعُ، وَأُولَى إذَا لَمْ يَقْبِضْهُ أَوْ غَابَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِمَّا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ. وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يُعَدُّ بَيْعًا مُسْتَقِلًّا فَيَلْزَمُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (إلَّا إذَا كَانَ الثَّمَنُ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَغَابَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ) . وَأَشَارَ لِشَرْطِ جَوَازِ الْإِقَالَةِ مِنْ الطَّعَامِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِقَوْلِهِ: (إنْ وَقَعَتْ) الْإِقَالَةُ فِيهِ (بِالثَّمَنِ) عَيَّنَهُ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ مِثْلِيًّا أَوْ عَرْضًا أَوْ حَيَوَانًا نَاطِقًا أَوْ غَيْرَهُ لَا بِأَقَلَّ مِنْهُ وَلَا بِأَكْثَرَ وَلَا بِغَيْرِهِ، وَإِلَّا لَزِمَ بَيْعُ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّعَامُ الْمُبْتَاعُ سَلَمًا أَوْ لَا فَيَجُوزُ بِالثَّمَنِ نَفْسِهِ (وَإِنْ تَغَيَّرَ سُوقُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا بَيْعٌ] : أَيْ مُؤْتَنَفٌ وَإِلَّا لَمُنِعَتْ لِمَا فِيهَا مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ. قَوْلُهُ: [إلَّا إذَا كَانَ الثَّمَنُ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ] : أَيْ كَانَ عَيْنًا أَوْ طَعَامًا وَإِنَّمَا مُنِعَتْ الْإِقَالَةُ مَعَ غَيْبَتِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِيهِ بَيْعًا وَسَلَفًا فَالْبَيْعُ مَا كَانَ الثَّمَنُ فِي مُقَابَلَةِ الْبَعْضِ الَّذِي لَمْ تَقَعْ الْإِقَالَةُ فِيهِ وَالسَّلَفُ مَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ الْبَعْضِ الَّذِي وَقَعَتْ الْإِقَالَةُ فِيهِ: وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَرْضًا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ - غَابَ عَلَيْهِ الْقَابِضُ أَمْ لَا - أَوْ كَانَ عَيْنًا أَوْ طَعَامًا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَغِبْ عَلَيْهِ الْقَابِضُ جَازَتْ الْإِقَالَةُ فِي الْبَعْضِ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا أَوْ طَعَامًا وَقَبَضَهُ وَغَابَ عَلَيْهِ لَمْ تَجُزْ الْإِقَالَةُ فِي الْبَعْضِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا لَزِمَ بَيْعُ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ] : أَيْ لِأَنَّهُ مَتَى تَغَيَّرَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ فِي الصِّفَةِ أَوْ الْقَدْرِ. لَا يُقَالُ فِيهَا: حَلُّ بَيْعٍ، بَلْ بَيْعٌ مُؤْتَنَفٌ وَبَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ يَجُوزُ. قَوْلُهُ [وَإِنْ تَغَيَّرَ سُوقُهُ] : الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الثَّمَنِ فَإِذَا أَسْلَمْتَ دَابَّةً مَثَلًا فِي طَعَامٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَك أَنْ تَقْبَلَ مِنْهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَإِنْ تَغَيَّرَ سُوقُ تِلْكَ الدَّابَّةِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى عَيْنِ الْمَدْفُوعِ ثَمَنًا وَهُوَ بَاقٍ.

[الإقالة وحكمها]

بِغَلَاءٍ أَوْ رُخْصٍ (لَا) إنْ تَغَيَّرَ (بَدَنُهُ) بِعَيْبٍ كَعَرَجٍ وَعَوَرٍ أَوْ بِسِمَنٍ أَوْ هُزَالٍ. (لَا) تَجُوزُ إنْ وَقَعَتْ (بِمِثْلِهِ) أَيْ مِثْلِ الثَّمَنِ إذَا كَانَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ (إلَّا الْعَيْنُ) خَاصَّةً (فَلَهُ دَفْعُ مِثْلِهَا) إذَا غَابَ عَلَيْهَا بَائِعُ الطَّعَامِ بَعْدَ قَبْضِهَا بَلْ (وَإِنْ) كَانَتْ (حَاضِرَةً) بِيَدِهِ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ النُّقُودَ لَا تُرَادُ لِأَعْيَانِهَا. وَإِذَا كَانَ الطَّعَامُ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْإِقَالَةُ سَلَمًا لَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ رَدِّ رَأْسِ الْمَالِ الَّذِي وَقَعَ ثَمَنًا لِئَلَّا يَلْزَمَ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ، وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ وَلَوْ سَاعَةً وَلَوْ بِرَهْنٍ أَوْ حَمِيلٍ أَوْ حَوَالَةٍ. (وَالْإِقَالَةُ) - مِنْ حَيْثُ هِيَ - (بَيْعٌ) يُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ، وَيَمْنَعُهَا مَا يَمْنَعُهُ، فَإِذَا وَقَعَتْ وَقْتَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ مُنِعَتْ وَفُسِخَتْ، وَإِذَا حَدَثَ بِالْمَبِيعِ عَيْبٌ وَقْتَ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْبَائِعُ إلَّا بَعْدَ الْإِقَالَةِ فَلَهُ الرَّدُّ بِهِ. (إلَّا فِي طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ) قَبْلَ قَبْضِهِ فَهِيَ فِيهِ حِلٌّ لِلْبَيْعِ كَمَا مَرَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: [لَا إنْ تَغَيَّرَ بَدَنُهُ] : أَيْ فَلَا يَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِيهِ حِينَئِذٍ إلَّا بَعْدَ قَبْضِ الطَّعَامِ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ حِينَئِذٍ تَصِيرُ بَيْعًا مُؤْتَنَفًا. قَوْلُهُ: [أَوْ بِسِمَنٍ أَوْ هُزَالٍ] : أَيْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمَةِ وَالدَّابَّةِ خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ مِنْ جَعْلِهِ سِمَنَ الدَّابَّةِ وَهُزَالَهَا مُفَوِّتًا بِخِلَافِ سِمَنِ الْأَمَةِ وَهُزَالِهَا فَلَا يُفِيتُهَا. وَإِنَّمَا الْمُفَوِّتُ لَهَا التَّغَيُّرُ بِنَحْوِ الْعَوَرِ فَإِنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ شَارِحُنَا هُوَ مَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ قَائِلًا: الْأَظْهَرُ أَنَّ مَا يُرَادُ مِنْ الرَّقِيقِ لِلْخِدْمَةِ كَالدَّابَّةِ. قَوْلُهُ: [إلَّا الْعَيْنَ خَاصَّةً] : قَالَ الْخَرَشِيُّ: وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ مِنْ ذَوِي الشُّبُهَاتِ فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ تَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِ. قَوْلُهُ: [إذَا غَابَ عَلَيْهَا] إلَخْ: مَحَلُّ هَذَا فِي الْإِقَالَةِ مِنْ الْجَمِيعِ لَا مِنْ الْبَعْضِ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَمُ الْغَيْبَةِ عَلَى الثَّمَنِ إذَا كَانَ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ النُّقُودَ لَا تُرَادُ لِأَعْيَانِهَا] : أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَوِي الشُّبُهَاتِ كَمَا عَلِمْت. [الْإِقَالَة وَحُكْمهَا] قَوْلُهُ: [فَهِيَ فِيهِ حَلٌّ لِلْبَيْعِ] : أَيْ فَلِذَلِكَ جَازَتْ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي لَهَا مِنْ

(وَ) إلَّا فِي (الشُّفْعَةِ) فَلَيْسَتْ بَيْعًا، وَلَا حَلَّ بَيْعٍ، بَلْ هِيَ لَاغِيَةٌ. فَمَنْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ عَقَارٍ ثُمَّ أَقَالَ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ فَالشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ لَلشَّرِيكِ بِمَا وَقَعَتْ بِهِ الْإِقَالَةُ وَعُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَخُيِّرَ الشَّفِيعُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ بِالْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي وَعُهْدَتُهُ عَلَى مَنْ أَخَذَ يَبِيعُهُ وَلَوْ كَانَتْ حَلَّ بَيْعٍ لَمْ تَكُنْ شُفْعَةً. (وَ) إلَّا فِي (الْمُرَابَحَةِ) فَهِيَ حَلُّ الْبَيْعِ، فَمَنْ بَاعَ بِمُرَابَحَةٍ ثُمَّ تَقَايَلَ مَعَ الْمُشْتَرِي فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَتْ الْإِقَالَةُ بِهِ إذَا وَقَعَتْ بِزِيَادَةٍ. (و) جَازَتْ (تَوْلِيَةٌ فِيهِ) : أَيْ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ شَخْصٌ: وَلِّنِي مَا اشْتَرَيْت مِنْ الطَّعَامِ بِمَا اشْتَرَيْته فَيَفْعَلُ، (وَشَرِكَةٌ) بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: أَشْرِكْنِي فِيمَا اشْتَرَيْته مِنْ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَائِعِ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ. قَوْلُهُ: [بَلْ هِيَ لَاغِيَةٌ] : أَيْ بَاطِلَةٌ شَرَعَا كَالْمَعْدُومَةِ حِسًّا. قَوْلُهُ: [فَالشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ] : أَيْ وَلَيْسَتْ مُرَتَّبَةٌ عَلَى كَوْنِ الْإِقَالَةِ بَيْعًا بَلْ عَلَى الْبَيْعِ الْأَوَّلِ: قَوْلُهُ: [لَخُيِّرَ الشَّفِيعِ] : أَيْ لِمَا يَأْتِي فِي الشُّفْعَةِ مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا تَعَدَّدَ خُيِّرَ الشَّفِيعُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَيِّ بَيْعٍ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [لَمْ تَكُنْ شُفْعَةً] : أَيْ لَمْ تُوجَدْ لِرُجُوعِ الْمَبِيعِ لِصَاحِبِهِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً] إلَخْ: أَيْ كَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَقَايَلَا فَلَا يَبِيعُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الثَّانِي اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ، قَوْلُهُ: [وَجَازَتْ تَوْلِيَةٌ] التَّوْلِيَةُ تَصْيِيرُ مُشْتَرٍ مَا اشْتَرَاهُ لِغَيْرِ بَائِعِهِ بِثَمَنِهِ وَهِيَ فِي الطَّعَامِ غَيْرِ الْجُزَافِ رُخْصَةٌ وَشَرْطُهَا كَوْنُ الثَّمَنِ عَيْنًا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَشَرِكَةٌ] : الْمُرَادُ بِالشَّرِكَةِ هُنَا جَعْلُ مُشْتَرٍ قَدْرًا لِغَيْرِ بَائِعِهِ بِاخْتِيَارِهِ مِمَّا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ بِمَنَابِهِ مِنْ ثَمَنِهِ - كَذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ. قَوْلُهُ: " هُنَا " احْتِرَازًا مِنْ الشَّرِكَةِ الْمُتَرْجَمِ عَنْهَا بِبَابِ الشَّرِكَةِ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: " هُنَا " إلَى مَبْحَثِ الْإِقَالَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَقَوْلُهُ: " قَدْرًا أَخْرَجَ بِهِ التَّوْلِيَةَ " وَقَوْلُهُ: " لِغَيْرِ بَائِعِهِ " أَخْرَجَ بِهِ الْإِقَالَةَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَقَوْلُهُ: " بِاخْتِيَارِهِ " أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ اسْتَحَقَّ جُزْءًا

فَيُشْرِكُهُ؛ لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ وَالشَّرِكَةَ مِنْ الْمَعْرُوفِ كَالْقَرْضِ فَتُسُومِحَ فِيهِمَا. (وَ) حَلَّ الْجَوَازُ فِي الشَّرِكَةِ (إنْ لَمْ تَكُنْ) الشَّرِكَةُ (عَلَى) شَرْطِ أَنْ (يَنْقُدَ) مِنْ شَرِكَتِهِ (عَنْك) الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَيْت بِهِ وَإِلَّا كَانَ بَيْعًا وَسَلَفًا مِنْهُ لَك وَانْتَفَى الْمَعْرُوفُ فَهَذَا ظَاهِرُ الشَّرِكَةِ دُونَ التَّوْلِيَةِ. (وَ) إنْ (اسْتَوَى عَقَدَاهُمَا) : أَيْ الْمُوَلِّي وَالْمُشْرِكِ - بِالْكَسْرِ - وَالْمُوَلَّيْ وَالْمُشْرَكِ - بِالْفَتْحِ - قَدْرًا وَأَجَلًا وَحُلُولًا وَرَهْنًا وَحَمِيلًا (فِيهِمَا) : أَيْ فِي التَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ خَاصَّةً فَقَوْلُهُ: " فِيهِمَا " رَاجِعٌ لِشَرْطِ الِاسْتِوَاءِ فَقَطْ كَمَا يُفِيدُهُ النَّقْلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ جَعَلَ قَدْرًا لِغَيْرِ بَائِعِهِ لَكِنْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَقَوْلُهُ " بِمَنَابِهِ مِنْ الثَّمَنِ " أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا اشْتَرَى سِلْعَةً بِدِينَارٍ ثُمَّ جَعَلَ لِأَجْنَبِيٍّ مِنْهَا الرُّبُعُ بِنِصْفِ دِينَارٍ فَلَا يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ شَرِكَةٌ هُنَا. قَوْلُهُ: [كَالْقَرْضِ] : أَيْ فَكَمَا يَجُوزُ فِيهِ الْقَرْضُ بَعْدَ شِرَائِهِ وَقَبْلَ قَبْضِهِ يَجُوزُ فِيهِ التَّوْلِيَةُ وَالشَّرِكَةُ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا كَانَ بَيْعًا وَسَلَفًا] إلَخْ: قَالَ (عب) : وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْبَيْعِ وَالسَّلَفِ يَجْرِي فِي الشَّرِكَةِ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ فَحِينَئِذٍ لَا خُصُوصِيَّةَ لِطَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الشَّرِكَةِ دُونَ التَّوْلِيَةِ] : أَيْ وَأَمَّا التَّوْلِيَةُ فَلَا يَضُرُّ فِيهَا هَذَا الشَّرْطُ لِأَنَّهُ يَنْقُدُ عَنْ نَفْسِهِ مَا لَزِمَهُ، خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ مِنْ الْمَنْعِ فِي التَّوْلِيَةِ أَيْضًا مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ قَدْ يَشْتَرِطُ النَّقْدَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَقَدْ لَا يَكُونُ مَعَهُ نَقْدٌ فَإِذَا اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ عَلَى مِنْ وَلَّاهُ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ عَنْهُ ثُمَّ وَلَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ سَلَفًا ابْتِدَاءً مِنْ حَيْثُ شَرَطَ النَّقْدَ وَبَيْعًا انْتِهَاءً مِنْ حَيْثُ أَخَذَ الْمَبِيعَ فِي نَظِيرِ الثَّمَنِ وَهَذَا تَكْلِيفٌ بَعِيدٌ كَمَا لَا يَخْفَى. قَوْلُهُ: [وَإِنْ اسْتَوَى عَقْدَاهُمَا] إلَخْ بَقِيَ شَرْطٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ عَيْنًا، فَإِنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا مُنِعَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا عِنْدَ أَشْهَبَ، وَاللَّخْمِيِّ وَقَوْلُ أَشْهَبَ أَحْسَنُ إذَا كَانَ مِمَّا لَا تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَغْرَاضُ (اهـ) . وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوَجَّهَ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَرْضًا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ لِأَنَّ ذَلِكَ يَئُولُ إلَى الْقِيمَةِ فَيُؤَدِّي لِعَدَمِ اسْتِوَاءِ الْعَقْدَيْنِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا تَنْضَبِطُ. قَوْلُهُ: [رَاجِعٌ لِشَرْطِ الِاسْتِوَاءِ] أَيْ لِمَا عَلِمْت أَنَّ شَرْطَ النَّقْدِ لَا يَضُرُّ فِي

(وَإِنْ) اشْتَرَيْت شَيْئًا فَطَلَبَ مِنْك إنْسَانٌ أَنْ تُشْرِكَهُ فِيهِ وَ (أَشْرَكْته) بِأَنْ قُلْت لَهُ: أَشْرَكْتُك (حُمِلَ) التَّشْرِيكُ (عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى النِّصْفِ) : فَيَقْضِي فَإِنْ قَيَّدَ بِشَيْءٍ مِنْ ثُلُثٍ أَوْ غَيْرِهِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ. (وَإِنْ سَأَلَ ثَالِثٌ شَرِكَتَهُمَا، فَلَهُ الثُّلُثُ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (وَهَكَذَا) : أَيْ فَإِنْ سَأَلَهُمْ رَابِعٌ فَلَهُ الرُّبْعُ وَهَذَا فِيمَا إذَا اسْتَوْلَى الْأَنْصِبَاءُ وَسَأَلَهُمَا أَوْ سَأَلَهُمْ مَعًا بِمَجْلِسٍ فَأَجَابُوا بِنِعَمٍ. وَأَمَّا لَوْ سَأَلَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ فَأَجَابَهُ لَكَانَ لَهُ نِصْفُ نَصِيبِ مَنْ أَجَابَهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَنْصِبَاءُ. (وَلَوْ وَلَّيْتَهُ) : أَيْ مَنْ طَلَبَ مِنْك التَّوْلِيَةَ (مَا اشْتَرَيْت) مِنْ سِلْعَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّوْلِيَةِ. فَتَحْصُلُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ شَرْطَ الْإِقَالَةِ فِي الطَّعَام قَبْلَ قَبْضِهِ اتِّفَاقُ الثَّمَنَيْنِ قَدْرًا وَوُقُوعُهَا فِي كُلِّ الْمَبِيعِ كَبَعْضِهِ بِشَرْطِ أَلَّا يَغِيبَ عَلَى الثَّمَنِ وَهُوَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ. وَشَرْطُ التَّوْلِيَةِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ: اسْتِوَاءُ الْعَقْدَيْنِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَأَجَلِهِ أَوْ حُلُولِهِ وَفِي الرَّهْنِ وَالْحَمِيلِ وَكَوْنِ الثَّمَنِ عَيْنًا. وَشَرْطُ الشَّرِكَةِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ: أَلَّا يَشْتَرِطَ الْمُشْرِكُ بِالْكَسْرِ عَلَى الْمُشْرَكِ بِالْفَتْحِ أَنْ يَنْقُدَ عَنْهُ وَأَنْ يَتَّفِقَ عَقَدَاهُمَا وَأَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ عَيْنًا، فَالِاتِّفَاقُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ شَرْطٌ فِي الثَّلَاثَةِ، وَكَوْنُ الثَّمَنِ عَيْنًا شَرْطٌ فِي التَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ فَقَطْ، وَاشْتِرَاطُ عَدَمِ النَّقْدِ عَنْهُ شَرْطٌ فِي الشَّرِكَةِ فَقَطْ. تَنْبِيهٌ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُوَلَّى وَالْمُشْرَكِ - بِالْفَتْحِ - فِيهِمَا جَمِيعُ الشَّيْءِ الْمُشْتَرَى الْمُعَيَّنِ فِي التَّوْلِيَةِ، وَحِصَّتُهُ فِي الشَّرِكَةِ كَعَبْدٍ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الشَّرِكَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ وَلَمْ يَدْفَعْ الثَّمَنَ، وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُوَلَّى وَالْمُشْرَكِ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ التَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ الطَّعَامُ الَّذِي كِلْتَهُ يَا مُوَلَّى وَيَا مُشْرَكُ وَصَدَّقَك وَشَرَكْتَهُ أَوْ وَلَّيْته ثُمَّ تَلِفَ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ الثَّمَنُ لِفِعْلِ الْمَعْرُوفِ، فَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ مُسْتَثْنَاتَانِ مِنْ بَيْعِ الْغَائِبِ وَذِي التَّوْفِيَةِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [عَلَى النِّصْفِ] : أَيْ لِأَنَّهُ الْجُزْءُ الَّذِي لَا تَرْجِيحَ فِيهِ لِأَحَدٍ الْجَانِبَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَنْصِبَاءُ] : أَيْ كَمَا لَوْ كَانَا شَرِيكَيْنِ بِالثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ، فَإِذَا قَالَا لَهُ: أَشْرَكْنَاكَ، كَانَ لَهُ نِصْفُ الثُّلُثِ وَنِصْفُ الثُّلُثَيْنِ حِينَئِذٍ فَيَكُونُ لَهُ النِّصْفُ وَلِلْأَوَّلِ السُّدُسُ وَلِلثَّانِي الثُّلُثُ.

[المناجزة وأنواعها]

(بِمَا اشْتَرَيْت) مِنْ ثَمَنٍ وَلَمْ تُبَيِّنْ لَهُ الثَّمَنَ وَلَا الْمُثَمَّنَ (جَازَ) لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعْرُوفِ (إنْ لَمْ تُلْزِمْهُ) الْبَيْعَ بِأَنْ سَكَتَ أَوْ جَعَلْت لَهُ الْخِيَارَ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ الْمَبِيعَ وَعِلْمِهِ بِثَمَنِهِ. (وَلَهُ الْخِيَارُ) إذَا رَآهُ وَعَلِمَ الثَّمَنَ. وَمَفْهُومٌ: " إنْ لَمْ تُلْزِمْهُ " أَنَّك لَوْ أَلْزَمْته الْبَيْعَ لَمْ يَجُزْ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ وَشِدَّةِ الْجَهَالَةِ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ. (وَإِنْ عَلِمَ) حِينَ التَّوْلِيَةِ (بِأَحَدِ الْعِوَضَيْنِ) الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ دُونَ الْآخَرِ (ثُمَّ عَلِمَ بِالْآخَرِ فَكَرِهَ) الْبَيْعَ وَأَرَادَ رَدَّهُ (فَلِذَلِكَ لَهُ) . وَلَمَّا كَانَتْ الْأَنْوَاعُ الَّتِي يُطْلَبُ فِيهَا الْمُنَاجَزَةُ سِتَّةً، بَيَّنَ مَا هُوَ الْأَضْيَقُ مِنْهَا بِقَوْلِهِ: (وَالْأَضْيَقُ) مِمَّا يَطْلُبُ فِيهِ الْمُنَاجَزَةَ: (صَرْفٌ) لِأَنَّهُ لَا يُغْتَفَرُ فِيهِ الْمُفَارَقَةُ بِالْبَدَنِ وَلَا طُولٌ بِالْمَجْلِسِ. (فَإِقَالَةُ طَعَامٍ) مِنْ سَلَمٍ تَقَدَّمَ فِي صَدْرِ هَذَا الْمَبْحَثِ أَنَّهُ لَا يَجُوز فِيهِ التَّأْخِيرُ وَلَا سَاعَةٌ، إلَّا أَنَّ الْمُفَارَقَةَ بِالْبَدَنِ لِتَحْصِيلِ الثَّمَنِ لَا تَضُرُّ إذَا لَمْ تَطُلْ، وَكَذَا التَّوْكِيلُ عَلَى الْقَبْضِ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [جَازَ] إلَخْ أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّهَا حَصَلَتْ بِصِيغَةِ التَّوْلِيَةِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لَفَسَدَتْ فِي صُورَتَيْ الْإِلْزَامِ وَالسُّكُوتِ وَصَحَّتْ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَظَاهِرُهُ الْجَوَازُ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا أَوْ غَيْرَهُ. إنْ قُلْت: تَقَدَّمَ أَنَّ شَرْطَ التَّوْلِيَةِ كَوْنُ الثَّمَنِ عَيْنًا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِي التَّوْلِيَةِ فِي طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَأَمَّا فِيهِ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ فِي غَيْرِهِ مُطْلَقًا فَتَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ عَيْنًا. قَوْلُهُ: [فَذَلِكَ لَهُ] : أَيْ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَعْرُوفِ تَلْزَمُ الْمُوَلِّي بِالْكَسْرِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَا تَلْزَمُ الْمُوَلَّى بِالْفَتْحِ إلَّا بَعْدَ عِلْمِهِ بِالثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ. [الْمُنَاجَزَة وأنواعها] قَوْلُهُ: [الْمُفَارَقَةَ بِالْبَدَنِ] : أَيْ للمتصارفين مَعًا أَوْ لِأَحَدِهِمَا لِيَأْتِيَ بِدَرَاهِمِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَا طُولٌ بِالْمَجْلِسِ] : أَيْ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الِاصْطِرَافِ. قَوْلُهُ: [فَإِقَالَةُ طَعَامٍ مِنْ سَلَمٍ] : إنَّمَا قَيَّدَ الشَّارِحُ الْإِقَالَةَ الْمَذْكُورَةَ بِكَوْنِ الطَّعَامِ مِنْ سَلَمٍ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي الطَّعَامِ إذَا كَانَ مِنْ بَيْعٍ سَوَاءٌ وَقَعَتْ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ بَعْدَهُ يَجُوزُ فِيهَا تَأْخِيرُ رَدِّ الثَّمَنِ وَلَوْ سَنَةً كَمَا قَالَهُ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ تَقْرِيرِ شَيْخِ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيِّ وَالْعِلَّةُ فِي مَنْعِ التَّأْخِيرِ فِي الْإِقَالَةِ مِنْ طَعَامِ السَّلَمِ تَأْدِيَتُهُ إلَى فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ مَعَ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّهَا حَلُّ بَيْعٍ لِأَنَّنَا نَقُولُ هَذِهِ الْإِقَالَةُ

(فَتَوْلِيَةٌ فَشَرِكَةٌ فِيهِ) : أَيْ فِي طَعَامِ السَّلَمِ، فَمَنْ أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ فَوَلَّاهُ لِغَيْرِهِ أَوْ أَشْرَكَهُ فِيهِ اُغْتُفِرَ لِمَنْ وَلَّاهُ أَوْ أَشْرَكَهُ وَتَأْخِيرُ الثَّمَنِ بَعْضَ الْيَوْمِ، وَقِيلَ: يُغْتَفَرُ مُفَارَقَةُ الْبَدَن فَقَطْ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ. وَالْوُسْعُ فِيهِ عَمَّا قَبْلَهُ بِاعْتِبَارِ أَنْ الْقَوْلَ بِجَوَازِ تَأْخِيرِ الْيَوْمِ أَوْ الْيَوْمَيْنِ قَوِيٌّ. (فَإِقَالَةُ عَرْضٍ) : أَيْ مِنْ سَلَمٍ؛ فَمَنْ أَسْلَمَ فِي عَرْضٍ ثُمَّ أَقَالَ بَائِعَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ رَدِّ مَالِ السَّلَمِ، وَإِلَّا لَزِمَ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ، وَقَدْ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ نَحْوَ السَّاعَةِ الْعُرْفِيَّةِ. (وَ) مِثْلُهُ (فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ) صَرِيحًا: كَأَنْ تُطَالِبَهُ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ عَيْنٌ مَثَلًا فَيُعْطِيك فِي نَظِيرِهِ ثَوْبًا أَوْ عَبْدًا وَبِالْعَكْسِ، فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْجِيلِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَقَدْ يُغْتَفَرُ نَحْوُ الذَّهَابِ لِلْبَيْتِ. وَوَسَّعَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْخِلَافَ بِجَوَازِ الْيَوْمِ وَنَحْوِهِ قَوِيٌّ. (فَبَيْعُهُ بِهِ) : أَيْ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ كَبَيْعِ عَرْضٍ مِنْ سَلَمٍ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَعْجِيلِ ثَمَنِهِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ. وَوَسِعَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ قَوِيٌّ فَلَا يَجُوزُ الْيَوْمُ وَنَحْوُهُ فِي الْجَمِيعِ عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. (فَابْتِدَاؤُهُ) : أَيْ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ، فَإِنَّهُ أَوْسَعُ مِمَّا قَبْلَهُ حَقِيقَةً؛ لِجَوَازِ تَأْخِيرِ رَأْسِ السَّلَمِ بِشَرْطِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ. فَعَلِمَ أَنَّ الْأَضْيَقَ حَقِيقَةُ الصَّرْفِ، وَالْأَوْسَعَ حَقِيقَةُ ابْتِدَاءِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ رُتْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَالتَّوْسِعَةُ فِيهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ مُقَابِلَ الْمُعْتَمَدُ فِيهَا قَوِيٌّ. وَمَنْ قَلَّدَ عَالِمًا فِي قَوْلِهِ الْمُعْتَبَرِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَقِيَ اللَّهَ سَالِمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَّا قَارَنَهَا التَّأْخِيرُ عُدَّتْ بَيْعًا لِخُرُوجِهَا عَنْ مَوْرِدِ الرُّخْصَةِ. قَوْلُهُ: [فَتَوْلِيَةٌ فَشَرِكَةٌ فِيهِ] عِلَّةُ مَنْعِ التَّأْخِيرِ فِيمَا ذَكَرَ تَأْدِيَتَهُ إلَى بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ مَعَ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّ الْمُوَلِّيَ وَالْمُشْرِكَ بِالْكَسْرِ بَاعَ الطَّعَامَ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْ الْمُوَلَّى وَالْمُشْرَكِ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا وَلَمَا كَانَ مَجْمُوعُ عِلَّتَيْنِ كَانَ أَضْيَقَ مِمَّا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [وَالْأَوْسَعُ حَقِيقَةً ابْتِدَاءُ الدَّيْنِ] إلَخْ: أَيْ لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِاتِّفَاقٍ وَوُجُوبِ التَّعْجِيلِ فِي الصَّرْفِ وَعَدَمِ جَوَازِ التَّأْخِيرِ. وَقَوْلُهُ: [وَأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ] : أَيْ وَهُوَ جَوَازُ التَّأْخِيرِ لِلذَّهَابِ لِنَحْوِ الْبَيْتِ. قَوْلُهُ: [عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ] : أَيْ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ التَّوْسِعَةَ فِيهِ بِاعْتِبَارِ قُوَّةِ الْخِلَافِ وَضَعْفِهِ لَا بِاعْتِبَارِ اتِّسَاعِ الزَّمَنِ

[فصل في بيان حكم بيع المرابحة وبيان حقيقته]

فَصْلٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَبَيَانِ حَقِيقَتِهِ (الْمُرَابَحَةُ: وَهِيَ بَيْعُ مَا اشْتَرَى) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ: أَيْ إنَّ حَقِيقَتَهَا أَنْ يَبِيعَ بَائِعٌ شَيْئًا اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ (بِثَمَنِهِ) الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ (وَرِبْحٍ) : أَيْ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ (عُلِمَ) لَهُمَا فَخَرَجَ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ مِنْ صَرْفٍ وَمُبَادَلَةٍ وَمُرَاطَلَةٍ وَسَلَمٍ وَشَرِكَةٍ، وَكَذَا الْإِجَارَةُ وَالْمُسَاقَاةُ. (جَائِزَةٌ) خَبَرٌ لِقَوْلِهِ الْمُرَابَحَةُ، وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ: " وَالْأَحَبُّ خِلَافُهُ ". وَالْمُسَاوَمَةُ أَحَبُّ إلَى أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ وَبَيْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَبَيَانِ حَقِيقَتِهِ] [تَعْرِيف الْمُرَابَحَة] فَصْلٌ لَمَّا كَانَ الْبَيْعُ يَنْقَسِمُ إلَى بَيْعِ مُسَاوَمَةٍ. كَبَيْعِ الْمَالِكِ بَغْتَةً لِمَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ، وَاسْتِئْمَانٍ كَ: بِعْنِي كَمَا تَبِيعُ لِلنَّاسِ، وَمُزَايَدَةٍ كَبَيْعِ الدَّلَّالِ فِي التَّرِكَاتِ أَوْ عَلَى التُّجَّارِ، وَمُرَابَحَةٍ وَهُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا فَلِذَلِكَ تَعَرَّضَ لِأَحْكَامِهِ. قَوْلُهُ: [حُكْمُ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ] : سَيَأْتِي أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَقَوْلُهُ وَبَيَانُ حَقِيقَتِهِ أَيْ تَعْرِيفُهُ. قَوْلُهُ: [وَرِبْحٍ] : هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْبَيْعَ عَلَى الْوَضِيعَةِ وَالْمُسَاوَاةِ لَا يُقَالُ لَهُ مُرَابَحَةٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ إطْلَاقَ الْمُرَابَحَةِ عَلَيْهِمَا حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا تَعْرِيفٌ لِلنَّوْعِ الْغَالِبِ فِي الْمُرَابَحَةِ الْكَثِيرِ الْوُقُوعِ لَا تَعْرِيفٌ لِحَقِيقَتِهَا الشَّامِلَةِ لِلْوَضِيعَةِ أَوْ الْمُسَاوَاةِ وَقَدْ عَرَّفَ ابْنُ عَرَفَةَ حَقِيقَتَهَا: بِأَنَّهَا بَيْعٌ مُرَتَّبٌ ثَمَنُهُ عَلَى ثَمَنِ مَبِيعٍ تَقَدَّمَهُ غَيْرُ لَازِمٍ مُسَاوَاتُهُ لَهُ. فَقَوْلُهُ: غَيْرُ لَازِمٍ مُسَاوَاتُهُ لَهُ صَادِقٌ بِكَوْنِ الثَّانِي مُسَاوِيًا لِلْأَوَّلِ أَوْ أَزْيَدَ أَوْ أَنْقَصَ مِنْهُ، قَالَ: فَخَرَجَ بِالْأَوَّلِ الْمُسَاوَمَةُ وَالْمُزَايَدَةُ وَالِاسْتِئْمَانُ، وَخَرَجَ بِالثَّانِي الْإِقَالَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَالشُّفْعَةُ وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا بَيْعٌ. قَوْلُهُ: [وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ خِلَافُ الْأَوْلَى] : وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْكَرَاهَةَ وَمُرَادُ خَلِيلٍ بِقَوْلِهِ: وَالْأَحَبُّ خِلَافُهُ، خُصُوصُ بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ وَالْمُسَاوَمَةُ أَحَبُّ إلَخْ.

الِاسْتِئْمَانِ وَالِاسْتِرْسَالِ، وَأَضْيَقُهَا عِنْدَهُمْ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى أُمُورٍ كَثِيرَةٍ قَلَّ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا الْبَائِعُ عَلَى وَجْهِهَا. وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ (وَلَوْ عَلَى عِوَضٍ مَضْمُونٍ) : أَيْ مَوْصُوفٍ نَقَدَهُ فِي سِلْعَةٍ وَأَوْلَى مُقَوَّمٍ مُعَيَّنٍ فَمَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً بِحَيَوَانٍ أَوْ عَرْضٍ مَوْصُوفٍ أَوْ مُعَيَّنٍ وَنَقَدَهُ فِيهَا جَازَ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً عَلَى مَا نَقَدَ لَا عَلَى قِيمَتِهِ إذَا وَصَفَهُ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي الْقَاسِمِ وَمَنَعَهُ أَشْهَبُ؛ فَقَوْلُنَا: " مَضْمُونٍ ": أَيْ مَوْصُوفٍ نَصَّ عَلَى الْمُتَوَهَّمِ، فَأَوْلَى أَنْ كَانَ الْعِوَضُ مُعَيَّنًا: كَهَذَا الثَّوْبُ. وَقَوْلُ الشَّيْخِ: " مُقَوَّمٌ " صَادِقٌ بِهِمَا. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ نَقَدَ فِيهَا الْعِوَضَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ فِي الذِّمَّةِ إذْ مَا لَمْ يَبْرُزْ فِي الْخَارِجِ لَا تَصِحُّ مُرَابَحَةٌ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالِاسْتِرْسَالُ] : عَطْفٌ مُرَادِفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَإِنَّمَا كَانَتْ الْمُسَاوَمَةُ أَحَبَّ لِمَا فِي الْمُزَايَدَةِ مِنْ السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ الْأَخِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَلِمَا فِي الِاسْتِئْمَانِ مِنْ الْجَهْلِ وَالْخَطَرِ وَلِتَوَقُّفِ الْمُرَابَحَةِ عَلَى أُمُورٍ كَثِيرَةٍ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ عَلَى عِوَضٍ] : صَوَابُهُ مُقَوَّمٌ كَمَا قَالَ خَلِيلٌ؛ أَيْ هَذَا إذَا كَانَ ثَمَنُ السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ مُرَابَحَةً عَيْنًا بَلْ وَلَوْ كَانَ عَلَى مُقَوَّمٍ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى أَشْهَبَ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَمَنَعَهُ أَشْهَبُ] : أَيْ إذَا كَانَ الْمُقَوَّمُ الْمَوْصُوفُ لَيْسَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مُرَابَحَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ سَلَمِ الْحَالِّ، لِأَنَّ دُخُولَ الْبَائِعِ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَدْفَعُ لَهُ الْمُقَوَّمُ الْمَوْصُوفُ الْآنَ هُوَ عَيْنُ السَّلَمِ الْحَالِّ، وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَنَا: وَاخْتُلِفَ: هَلْ ابْنُ الْقَاسِمِ يُجَوِّزُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ؟ فَيَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَشْهَبَ خِلَافٌ، أَوْ يَمْنَعُهَا فَيَكُونُ مُوَافِقًا؟ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا فِي مُقَوَّمٍ مَضْمُونٍ لَيْسَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَكِنْ يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهِ وَإِلَّا لَمُنِعَ اتِّفَاقًا كَمَا يَتَّفِقَانِ عَلَى الْمَنْعِ فِي مُقَوَّمٍ مُعَيَّنٍ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لِشِدَّةِ الْغَرَرِ، وَأَمَّا مَضْمُونٌ أَوْ مُعَيَّنٌ فِي مِلْكِهِ فَيَتَّفِقَانِ عَلَى جَوَازِهِ فَالصُّوَرُ خَمْسٌ: الْأُولَى: مُقَوَّمٌ مَضْمُونٌ لَيْسَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَكِنْ يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهِ. وَالثَّانِيَةُ: مِثْلُهَا لَكِنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهِ. وَالثَّالِثَةُ: مُعَيَّنٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ. وَالرَّابِعَةُ: مَضْمُونٌ فِي مِلْكِهِ. وَالْخَامِسَةُ: مُعَيَّنٌ فِي مِلْكِهِ. قَوْلُهُ: [وَالْمُرَادُ أَنَّهُ نَقَدَ فِيهَا الْعِوَضَ] : يَعْنِي أَنَّ بَائِعَ الْمُرَابَحَةِ نَقَدَ الْعِوَضَ الَّذِي يَبِيعُ عَلَيْهِ مُرَابَحَةً لِمَنْ اشْتَرَى مِنْهُ.

[ما حسب على المشتري]

(وَحَسِبَ) الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي (إنْ أَطْلَقَ) فِي الرِّبْحِ حَالَ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ بَيَانَ مَا يَرْبَحُ لَهُ وَمَا لَا يَرْبَحُ بَلْ وَقَعَ عَلَى رِبْحِ الْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ مَثَلًا (رِبْحَ، مَالَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ) بِالسِّلْعَةِ أَيْ مُشَاهَدَةٌ بِالْبَصَرِ (كَصَبْغٍ وَطَرْزٍ وَقَصْرٍ وَخِيَاطَةٍ وَفَتْلٍ) لِحَرِيرٍ وَنَحْوِهِ وَغَزْلٍ (وَكَمْدٍ) : بِسُكُونِ الْمِيمِ أَيْ دَقِّ الثَّوْبِ لِتَحْسِينِهِ (وَتَطْرِيَةٍ) : أَيْ جَعْلِ الثَّوْبِ فِي الطَّرَاوَةِ لِيَلِينَ وَتَذْهَبَ خُشُونَتُهُ، وَكَذَا عَرْكُ الْجِلْدِ الْمَدْبُوغِ لِيَلِينَ. وَمَحَلُّ " حَسِبَ " مَا ذُكِرَ إنْ كَانَ اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ، لَا إنْ كَانَ مِنْ عِنْدَهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الطَّرْزَ وَالصَّبْغَ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْسِبَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ حَسِبَ أَصْلِهِ فَقَطْ دُونَ رِبْحِهِ إنْ زَادَ فِي الثَّمَنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا حسب عَلَى الْمُشْتَرِي] قَوْلُهُ: [وَحَسِبَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى الْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ، فَإِنَّهُ يَحْسِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي ثَمَنَ السِّلْعَةِ وَرِبْحَهُ وَيَحْسِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا أُجْرَةَ الْفِعْلِ الَّذِي لِأَثَرِهِ عَيْنٌ قَائِمَةٌ وَرِبْحَهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: " وَحَسِبَ " إلَخْ فِي حَالَتَيْنِ: مَا إذَا بَيَّنَ الْبَائِعُ جَمِيعَ مَا لَزِمَ تَفْصِيلًا، إمَّا ابْتِدَاءً، أَوْ بَعْدَ الْإِجْمَالِ. كَأَنْ يَقُولَ: قَامَتْ عَلَيَّ بِمِائَةٍ ثُمَّ يُفَصِّلُ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا يَرْبَحُ لَهُ وَمَا لَا يَرْبَحُ لَهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ ضَرْبَ الرِّبْحِ لَا عَلَى الْكُلِّ وَلَا عَلَى الْبَعْضِ، بَلْ قَالَ: أَبِيعُ عَلَى الْمُرَابَحَةِ الْعَشَرَةَ أَحَدَ عَشَرَ مَثَلًا، وَبَقِيَ مَا إذَا شَرَطَ. وَتَحْتَهُ أَرْبَعُ صُوَرٍ، لِأَنَّهُ: إمَّا أَنْ يَشْرِطَ ضَرْبَ الرِّبْحِ عَلَى الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ تَفْصِيلِ مَا لَزِمَ ابْتِدَاءً. أَوْ بَعْدَ تَفْصِيلِهِ بَعْدَ الْإِجْمَالِ، فَيُعْمَلُ بِالشَّرْطِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [كَصَبْغٍ] : بِفَتْحِ الصَّادِ: مَصْدَرٌ لِيُنَاسِبَ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ مِثَالٌ لِلْفِعْلِ الَّذِي لِأَثَرِهِ عَيْنٌ قَائِمَةٌ وَيَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِالْكَسْرِ: أَيْ الْأَثَرِ فَعَلَى هَذَا يُحْتَاجُ لِتَقْدِيرٍ فِي الْكَلَامِ أَيْ كَعَمَلِ صِبْغٍ. قَوْلُهُ: [وَنَحْوِهِ] : أَيْ كَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ وَقَوْلُهُ وَغَزْلٍ هُوَ نَوْعٌ آخَرُ غَيْرُ الْفَتْلِ. قَوْلُهُ: [إنْ كَانَ اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ شَأْنُهُ عَمَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ: [حَسِبَ أَصْلَهُ فَقَطْ] : أَيْ حَسِبَ أُجْرَةَ الْفِعْلِ الَّذِي زَادَ فِي الثَّمَنِ وَلَيْسَ لِأَثَرِهِ عَيْنٌ قَائِمَةٌ فَيُعْطِي لِلْبَائِعِ تِلْكَ الْأُجْرَةَ مُجَرَّدَةً عَنْ الرِّبْحِ.

[محل جواز المرابحة]

وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَ) حَسِبَ (أَصْلُ مَا زَادَ فِي الثَّمَنِ) دُونَ رِبْحِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ (كَأُجْرَةِ حَمْلٍ) مِنْ مَكَان لِآخَرَ إذَا كَانَتْ السِّلَعُ فِي الْمَكَانِ الْمَنْقُولَةِ إلَيْهِ أَغْلَى مِنْ الْمَنْقُولَةِ مِنْهُ. (وَ) أُجْرَةِ (شَدٍّ وَطَيٍّ) لِلثِّيَابِ وَنَحْوِهَا أَوْ لِلْأَحْمَالِ (اُعْتِيدَ أُجْرَتُهُمَا) بِأَنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى ذَلِكَ (وَكِرَاءِ بَيْتٍ لِلسِّلْعَةِ فَقَطْ، وَإِلَّا) يَعْتَدْ أُجْرَتَهُمَا بِأَنْ جَرَتْ بِأَنَّ الْبَائِعَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاهُمَا بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَكُنْ الْبَيْتُ لِخُصُوصِ السِّلْعَةِ بَلْ لَهَا وَلِرَبِّهَا (فَلَا) يُحْسَبُ أَصْلٌ وَلَا رِبْحٌ، كَمَا لَوْ تَوَلَّى مَا ذُكِرَ بِنَفْسِهِ. وَأَمَّا السِّمْسَارُ، فَإِنْ اُعْتِيدَ بِأَنْ كَانَ الْمُبْتَاعُ مِثْلَهُ لَا يَشْتَرِي إلَّا بِسِمْسَارٍ فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَابْنُ رُشْدٍ. يُحْسَبُ أَصْلُهُ دُونَ رِبْحِهِ، وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: يُحْسَبُ رِبْحُهُ أَيْضًا، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. وَإِنْ لَمْ يَعْتَدْ بِأَنْ كَانَ شَأْنَ الْمُبْتَاعِ يَتَوَلَّى الشِّرَاءُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَحْسِبْ مَا أَخَذَهُ وَلَا رِبْحَهُ قَطْعًا. وَشَذَّ مَنْ خَالَفَ. وَمَحَلُّ جَوَازِ الْمُرَابَحَةِ: (إنْ بَيَّنَ) حَالَ الْبَيْعِ أَصْلَ الثَّمَنِ وَمَا يَرْبَحُ لَهُ وَمَا لَا يَرْبَحُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إذَا كَانَ السِّلَعُ] إلَخْ: أَيْ حَيْثُ إنَّ الْحَمْلَ زَادَهَا ثَمَنًا، وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ وَأَمَّا لَوْ حَمَلَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَحْسِبُ لَهُ أُجْرَةً وَكَذَا يُقَالُ فِي الشَّدِّ وَالطَّيِّ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ شَأْنُهُ تَعَاطِيَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَحْسِبُ أُجْرَتَهُمَا وَلَا رِبْحَهُ وَلَوْ آجَرَ عَلَيْهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْفِعْلِ الَّذِي لِأَثَرِهِ عَيْنٌ قَائِمَةٌ فَإِنَّهُ مَتَى آجَرَ عَلَيْهِ حَسِبَ الْأُجْرَةَ وَرِبْحَهَا وَلَوْ كَانَ شَأْنُهُ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ مَا لَا عَيْنَ لَهُ قَائِمَةٌ لَا يَقْوَى قُوَّةَ مَا لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ، كَمَا قَرَّرَهُ الْأَشْيَاخُ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ يَعْتَدَّ] إلَخْ: حَاصِلُ مَا ذَكَرُوهُ فِي السِّمْسَارِ إذَا لَمْ يَعْتَدْ، أَنَّهُ إذَا كَانَ بَائِعُ الْمُرَابَحَةِ مِنْ النَّاسِ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ الشِّرَاءَ بِأَنْفُسِهِمْ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، قِيلَ: تُحْسَبُ أُجْرَةُ سِمْسَارِهِ وَرِبْحُهَا، وَقِيلَ لَا: يُحْسَبَانِ، وَقِيلَ: تُحْسَبُ أُجْرَتُهُ دُونَ رِبْحِهَا. وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُوَطَّإِ: لَا يُحْسَبُ هُوَ وَلَا رِبْحُهُ، فَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ: وَشَذَّ مَنْ خَالَفَ. [مَحَلُّ جَوَازِ الْمُرَابَحَةِ] [تَنْبِيه حُكْم الْبَيْع عَلَى الْوَضِيعَة] قَوْلُهُ: [إنْ بَيَّنَ حَالَ الْبَيْعِ أَصْلَ الثَّمَن] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ الْأَوْجُهَ الْخَمْسَةَ الَّتِي أَفَادَهَا عِيَاضٌ بِقَوْلِهِ اعْلَمْ أَنَّ وُجُوهَ الْمُرَابَحَةِ لَا تَخْلُو مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ

لَهُ وَالرِّبْحَ وَجَعْلَ الرِّبْحِ عَلَى الْجَمِيعِ أَوْ عَلَى مَا يَرْبَحُ لَهُ فَقَطْ أَوْ أَطْلَقَ (أَوْ) أَجْمَلَ وَ (قَالَ) : أَبِيعُك (عَلَى رِبْحِ الْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ) ثُمَّ قَالَ: وَقَفَتْ عَلَيَّ بِمِائَةٍ (وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا لَهُ الرِّبْحُ مِنْ غَيْرِهِ) : أَيْ بَعْدَ بَيَانِ مَا تَحَصَّلَتْ بِهِ عِنْدَهُ مِنْ ثَمَنٍ وَغَيْرِهِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَيُفَصَّلُ الرِّبْحُ عَلَى مَا يَرْبَحُ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (وَزِيدَ) إذَا قَالَ: عَلَى رِبْحِ الْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ (عُشْرُ الْأَصْلِ) : أَيْ الثَّمَنِ الَّذِي اُشْتُرِيَتْ بِهِ السِّلْعَةُ، وَكَذَا ثَمَنُ مَا لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ مِائَةً زِيدَ عَشَرَةٌ (وَفِي) قَوْلِهِ عَلَى (رِبْحِ الْعَشَرَةَ اثْنَا عَشَرَ) يُزَادُ (خُمْسُهُ) : أَيْ خُمْسُ الْأَصْلُ، لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ مِنْ الْعَشَرَةِ خُمْسٌ وَهَكَذَا. (فَإِنْ أَبْهَمَ، كَ: قَامَتْ عَلَيَّ بِكَذَا: أَوْ: قَامَتْ بِشَدِّهَا وَطَيِّهَا بِكَذَا، وَلَمْ يُفَصِّلْ) : أَيْ لَمْ يُبَيِّنْ مَا هُوَ أَصْلُ ثَمَنِهَا وَلَا ثَمَنَ مَا لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ وَلَا غَيْرَهُ (فَلَهُ) : أَيْ لِلْمُشْتَرِي (الْفَسْخُ) وَالرِّضَا بِمَا يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ الْفَسْخُ عَلَى مَا يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ. (إلَّا أَنْ يَحُطَّ) الْبَائِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي (الزَّائِدَ) عَلَى أَصْلِ مَا يَلْزَمُ (وَرِبْحَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدُهَا: أَنْ يُبَيِّنَ جَمِيعَ مَا لَزِمَهُ أَيْ غَرِمَهُ مِمَّا يَحْسِبُ أَوْ لَا يَحْسِبُ مُفَصَّلًا وَمُجْمَلًا وَيُشْتَرَطُ ضَرْبُ الرِّبْحِ عَلَى الْجَمِيعِ. الثَّانِي: أَنْ يُفَسِّرَ ذَلِكَ أَيْضًا مِمَّا يَحْسِبُ وَيَرْبَحُ عَلَيْهِ وَمَا لَا يَرْبَحُ لَهُ وَمَا لَا يَحْسِبُ جُمْلَةً وَيُشْتَرَطُ ضَرْبُ الرِّبْحِ عَلَى مَا يَجِبُ ضَرْبُهُ عَلَيْهِ خَاصَّةً. الثَّالِثُ: أَنْ يُفَسِّرَ الْمَئُونَةَ بِأَنْ يَقُولَ لَزِمَهَا فِي الْحَمْلِ كَذَا وَفِي الصَّبْغِ كَذَا وَالشَّدِّ وَالطَّيِّ كَذَا وَبَاعَ عَلَى الْمُرَابَحَةِ الْعَشَرَةَ أَحَدَ عَشَرَ وَلَمْ يُفَصِّلْ مَا يُوضَعُ لَهُ الرِّبْحُ مِنْ غَيْرِهِ. الرَّابِعُ: أَنْ يُبْهِمَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيَجْمَعَهُ جُمْلَةً فَيَقُولُ قَامَتْ عَلَيَّ بِكَذَا أَوْ ثَمَنُهَا كَذَا وَبَاعَ مُرَابَحَةً لِلْعَشَرَةِ دِرْهَمٍ. الْخَامِسُ: أَنْ يُبْهِمَ فِيهَا النَّفَقَةُ مَعَ تَسْمِيَتِهَا فَيَقُولُ قَامَتْ بِشَدِّهَا وَطَيِّهَا وَحَمْلِهَا وَصَبْغِهَا بِمِائَةٍ أَوْ يُفَسِّرُهَا فَيَقُولُ عَشَرَةٌ مِنْهَا فِي مُؤْنَتِهَا وَلَا يُفَسِّرُ الْمُؤْنَةَ (اهـ) . قَوْلُهُ: [فَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ مِائَةً زِيدَ عَشَرَةً] : أَيْ وَإِذَا كَانَ مِائَةً وَعِشْرِينَ فَالرِّبْحُ اثْنَا عَشَرَ. قَوْلُهُ: [يُزَادُ خُمُسُهُ] : أَيْ فَفِي الْمِثَالِ الَّذِي قَالَهُ الشَّارِحُ يُزَادُ لِلْمِائَةِ عِشْرُونَ وَفِي الْمِثَالِ الَّذِي قُلْنَاهُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ.

[ما يجب على البائع]

فَإِنْ حَطَّهُ لَزِمَ الْبَيْعُ: وَمَحَلُّ التَّخْيِيرِ: إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ لَمْ تَفُتْ. (وَتَحَتَّمَ الْحَطُّ فِي الْفَوَاتِ) وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ إذَا لَمْ تَفُتْ السِّلْعَةُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْإِبْهَامَ بِلَا تَفْصِيلٍ مِنْ بَابِ الْكَذِبِ، وَهُوَ تَأْوِيلُ عَبْدِ الْحَقِّ وَابْنِ لُبَابَةَ وَقَوْلُ سَحْنُونَ وَابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقِيلَ إنَّهُ مِنْ بَابِ الْغِشِّ، وَعَلَيْهِ فَالْحُكْمُ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ مَا يَجِبُ إسْقَاطُهُ فَاتَتْ السِّلْعَةُ أَوْ لَمْ تَفُتْ وَلَا يَنْظُرُ إلَى الْقِيمَةِ - ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ عِيَاضٍ، وَهُوَ تَأْوِيلُ أَبِي عِمْرَانَ. وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ الْأَوَّلُ قَالَ فِيهَا: وَإِنْ ضَرَبَ الرِّبْحَ عَلَى الْحُمُولَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ وَقَدْ فَاتَ الْمُبْتَاعُ بِتَغَيُّرِ سُوقٍ أَوْ بَدَنٍ حَسِبَ ذَلِكَ وَلَمْ يُحْسَبْ لَهُ رِبْحٌ وَإِنْ لَمْ يَفُتْ رَدَّ الْبَيْعَ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى مَا يَجُوزُ (اهـ) وَيَحْتَمِلُ أَنَّ كَلَامَهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ مَسْأَلَةِ الْإِبْهَامِ الَّتِي فِيهَا التَّأْوِيلَانِ فَتَأَمَّلْ. (وَوَجَبَ) عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَ الْعَقْدِ (تَبْيِينُ مَا يَكْرَهُ) الْمُشْتَرِي فِي ذَاتِ الْمَبِيعِ أَوْ صِفَتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَيَحْتَمِلُ أَنَّ كَلَامَهَا] إلَخْ: كَلَامٌ غَيْرُ مَفْهُومٍ فَالْأَوْلَى إسْقَاطُهُ. تَنْبِيهٌ الْبَيْعُ عَلَى الْوَضِيعَةِ حُكْمُهُ كَالْبَيْعِ عَلَى الْمُرَابَحَةِ، فَإِذَا قَالَ لَهُ: أَبِيعُك عَلَى الْوَضِيعَةِ الْعَشَرَةَ أَحَدَ عَشَرَ تُجَزَّأُ الْعَشَرَةُ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا وَيُنْسَبُ مَا زَادَ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ وَاحِدٌ لِلْأَحَدَ عَشَرَ يَكُونُ جُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مِائَةً جُعِلَ مِائَةٌ وَعَشَرَةٌ أَجْزَاءٍ وَحُطَّ مِنْهَا عَشَرَةٌ، وَإِذَا قِيلَ: بِوَضِيعَةِ الْعَشَرَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ، جُعِلَتْ الْعَشَرَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَنِسْبَةُ الْخَمْسَةِ لِلْخَمْسَةِ عَشَرَ ثُلُثٌ فَيُحَطُّ عَنْ الْمُشْتَرِي ثُلُثُ الثَّمَنِ، وَاذَا قِيلَ: بِوَضِيعَةِ الْعَشَرَةِ عِشْرِينَ، جُعِلَتْ الْعَشَرَةُ عِشْرِينَ جُزْءًا وَنِسْبَةُ الْعَشَرَةِ لِلْعِشْرِينِ نِصْفٌ فَيُحَطُّ عَنْ الْمُشْتَرِي نِصْفُ الثَّمَنِ وَهَكَذَا. [مَا يَجِب عَلَى الْبَائِع] قَوْلُهُ: [تَبْيِينُ مَا يَكْرَهُ] : بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ كَمَا قَدَّرَ الشَّارِحُ. فَاعِلُهُ: ضَمِيرُ الْمُشْتَرِي، وَلَا يَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُكْرِهْهُ الْمُشْتَرِي وَيُكْرِهْهُ غَيْرُهُ يَجِبُ الْبَيَانُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ عَامَّةٌ لَا تَخُصُّ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ بِخِلَافِ غَالِبِ مَا يَأْتِي فَيَخْتَصُّ بِالْمُرَابَحَةِ. فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَكْرَهُ فِي ذَاتِ الْمَبِيعِ أَوْ وَصَفَهُ كَانَ عَدَمُ بَيَانِهِ تَارَةً كَذِبًا وَتَارَةً غِشًّا كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ.

(وَ) تَبْيِينُ (مَا نَقَدَهُ وَعَقَدَهُ) : أَيْ عَقَدَ عَلَيْهِ إنْ اخْتَلَفَ النَّقْدُ وَالْعَقْدُ، فَقَدْ يَعْقِدُ عَلَى دَنَانِيرَ وَيَنْقُدُ عَنْهَا دَرَاهِمَ أَوْ عَرْضًا. (وَ) تَبْيِينُ (الْأَجَلِ) الَّذِي اشْتَرَاهُ إلَيْهِ أَوْ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَقْدِ لِأَنَّ لَهُ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ (وَطُولِ زَمَانِهِ) أَيْ مُكْثِهِ عِنْدَهُ وَلَوْ عَقَارًا، لِأَنَّ النَّاسَ يَرْغَبُونَ فِي الَّذِي لَمْ يَتَقَادَمْ عَهْدُهُ عِنْدَهُمْ. (وَ) تَبْيِينُ (التَّجَاوُزِ عَنْ زَيْفٍ أَوْ نَقْصٍ) مِنْ الثَّمَنِ أَيْ رِضَا بَائِعِهِ بِمَا وَجَدَهُ فِي الثَّمَنِ مِنْ ذَلِكَ. (وَ) تَبْيِينُ (أَنَّهَا لَيْسَتْ بَلَدِيَّةً) إنْ كَانَتْ الرَّغْبَةُ فِي الْبَلَدِيَّةِ أَكْثَرَ وَكَذَا عَكْسُهُ إنْ كَانَتْ الرَّغْبَةُ فِي غَيْرِهَا أَكْثَرَ. (أَوْ) أَنَّهَا (مِنْ التَّرِكَةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَتَبْيِينُ مَا نَقَدَهُ وَعَقَدَهُ] : فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ؛ فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ رَدِّهِ وَالتَّمَاسُكِ بِمَا نَقَدَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ فَاتَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَزِمَهُ الْأَقَلُّ مِمَّا عَقَدَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ وَمَا نَقَدَهُ كَمَا فِي (ح) . وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْغِشِّ وَلَا الْكَذِبِ. قَوْلُهُ: [وَتَبْيِينُ الْأَجَلِ] : أَيْ فَإِنْ تَرَكَ بَيَانَهُ كَانَ غِشًّا فَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الرَّدِّ وَالْإِمْضَاءِ بِمَا دَفَعَهُ مِنْ الثَّمَنِ مَعَ قِيَامِ السِّلْعَةِ. وَأَمَّا مَعَ فَوَاتِهَا فَيَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ مِنْ الْقِيمَةِ وَالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ - كَذَا فِي الْخَرَشِيِّ، وَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ تَبَعًا لِلْبُنَانِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مِثْلُ مَا نَقَدَهُ وَعَقَدَ عَلَيْهِ فِي كَوْنِهِ لَيْسَ غِشًّا وَلَا كَذِبًا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ عَقَارًا] : أَيْ وَسَوَاءٌ تَغَيَّرَ الْمَبِيعُ فِي ذَاتِهِ أَوْ سُوقِهِ أَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ أَصْلًا وَلَكِنَّهُ قَلَّتْ الرَّغْبَةُ فِيهِ، خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ حَيْثُ قَالَ: إنَّمَا يَجِبُ بَيَانُ طُولِ إقَامَتِهِ عِنْدَهُ إذَا تَغَيَّرَ فِي ذَاتِهِ أَوْ تَغَيَّرَ سُوقُهُ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ الْبَيَانُ فَإِنْ مَكَثَ عِنْدَهُ زَمَنًا كَثِيرًا وَبَاعَ مُرَابَحَةً وَلَمْ يُبَيِّنْ كَانَ غِشًّا، فَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الرَّدِّ وَالتَّمَاسُكِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إنْ كَانَ قَائِمًا فَإِنْ فَاتَ لَزِمَهُ الْأَقَلُّ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ. قَوْلُهُ: [عَنْ زَيْفٍ] : أَيْ وَهُوَ الْمَغْشُوشُ الَّذِي خُلِطَ ذَهَبُهُ أَوْ فِضَّتُهُ بِنُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ. قَوْلُهُ: [أَيْ رِضَا بَائِعِهِ] : أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّجَاوُزِ تَرْكَهُ وَتَرْكَ بَدَلِهِ لِأَنَّ هَذَا دَاخِلٌ فِي الْهِبَةِ.

(وَ) تَبْيِينُ (الرُّكُوبِ وَ) تَبْيِينُ (اللُّبْسِ) كَثَوْبٍ أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ الِاسْتِعْمَالَ عِنْدَهُ مِنْ رُكُوبٍ أَوْ غَيْرِهِ. (وَ) تَبْيِينُ (التَّوْظِيفِ) إنْ حَصَلَ مِنْهُ تَوْظِيفٌ أَيْ تَوْزِيعُ الثَّمَنِ عَلَى السِّلَعِ (وَلَوْ اتَّفَقَتْ السِّلَعُ) كَأَنْ يَشْتَرِيَ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ بِمِائَةٍ وَيُوَظِّفَ عَلَى كُلِّ ثَوْبٍ عَشَرَةً (إلَّا) أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ (مِنْ سَلَمٍ) مُتَّفِقًا فَلَا يَجِبُ بَيَانُ التَّوْزِيعِ، لِأَنَّ آحَادَهُ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ وَصْفُهَا. وَلِذَا إذَا اُسْتُحِقَّ مِنْهُ ثَوْبٌ مَثَلًا لَزِمَ الرُّجُوعُ بِمِثْلِهِ لَا بِقِيمَتِهِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ فِي غَيْرِ سَلَمٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَائِعَ عِنْدَ الْبَيَانِ قَدْ يَغْلَطُ وَقَدْ يَكْذِبُ وَقَدْ يَغُشُّ وَقَدْ ذَكَرَ أَحْكَامَهَا بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ غَلِطَ بِنَقْصٍ) فِي الثَّمَنِ بِأَنْ قَالَ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ مُرَابَحَةً اشْتَرَيْته بِخَمْسِينَ ثُمَّ ادَّعَى الْغَلَطَ، وَقَالَ: بَلْ بِمِائَةٍ (وَصُدِّقَ) : أَيْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ (أَوْ ثَبَتَ) بِالْبَيِّنَةِ (فَلِلْمُشْتَرِي) الْخِيَارُ، إمَّا (الرَّدُّ) لِلسِّلْعَةِ (أَوْ دَفْعُ مَا تَبَيَّنَ) بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِخْبَارِهِ حَيْثُ صُدِّقَ (وَرِبْحَهُ) هَذَا إنْ لَمْ تَفُتْ السِّلْعَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ الِاسْتِعْمَالَ] إلَخْ: أَيْ إذَا كَانَ مُنْقِصًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرُّكُوبِ فِي السَّفَرِ أَوْ الْحَضَرِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ اتَّفَقَتْ السِّلَعُ] : رَدَّ بِ " لَوْ " قَوْلَ ابْنِ نَافِعٍ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْبَيَانِ عِنْدَ الِاتِّفَاقِ قَالَ فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ الدُّخُولَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَائِعَ عِنْدَ الْبَيَانِ قَدْ يَغْلَطُ] إلَخْ: قَالَ (بْن) : اعْلَمْ أَنَّ مَسَائِلَ الْمُرَابَحَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: غِشٌّ وَكَذِبٌ وَوَاسِطَةٌ. فَالْغِشُّ فِي سِتِّ مَسَائِلَ: عَدَمُ بَيَانِ طُولِ الزَّمَانِ، وَكَوْنُهَا بَلَدِيَّةً أَوْ مِنْ التَّرِكَةِ، وَجَزُّ الصُّوفِ الَّذِي لَمْ يَتِمَّ، وَاللُّبْسُ عِنْدَ خَلِيلٍ، وَإِرْثُ الْبَعْضِ. وَالْكَذِبُ فِي سِتِّ مَسَائِلَ أَيْضًا: عَدَمُ بَيَانِ تَجَاوُزِ الزَّائِفِ، وَالرُّكُوبِ، وَاللُّبْسِ عِنْدَ غَيْرِ خَلِيلٍ، وَهِبَةٍ اُعْتِيدَتْ، وَجَزِّ الصُّوفِ التَّامِّ، وَالثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ. وَالْوَاسِطَةُ فِي سِتٍّ أَيْضًا: ثَلَاثَةٌ لَا تَرْجِعُ لِغِشٍّ وَلَا لِكَذِبٍ وَهِيَ: عَدَمُ بَيَانِ مَا نَقَدَهُ وَعَقَدَهُ إذَا اخْتَلَفَ النَّقْدُ مَعَ الْعَقْدِ، وَمَا إذَا أُبْهِمَ، وَعَدَمُ بَيَانِ الْأَجَلِ عَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ. وَثَلَاثَةٌ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَهُمَا عَلَى خِلَافٍ: الْإِقَالَةُ، وَالتَّوْظِيفُ، وَالْوِلَادَةُ (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَصُدِّقَ] إلَخْ: مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى الْغَلَطَ بِنَقْصٍ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُشْتَرِي وَلَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ يَكُونُ الْبَيْعُ مَاضِيًا بِالْغَلَطِ وَلَا يُلْتَفَتُ لِدَعْوَى الْبَائِعِ الْغَلَطَ.

(فَإِنْ فَاتَتْ خُيِّرَ) الْمُشْتَرِي (بَيْنَ) دَفْعِ الثَّمَنِ (الصَّحِيحِ وَرِبْحِهِ) وَالصَّحِيحُ: مَا ثَبَتَ بَعْدَ الْبَيْعِ (وَدَفْعِ الْقِيمَةِ) : أَيْ قِيمَةِ السِّلْعَةِ (يَوْمَ بَيْعِهِ) مَا لَمْ تَنْقُصْ الْقِيمَةُ (عَنْ الْغَلَطِ وَرِبْحِهِ) ، فَإِنْ نَقَصَتْ فَلَا يَنْقُصُ عَنْهُمَا. فَتَحَصَّلَ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ فِي الْفَوَاتِ وَعَدَمِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ التَّخْيِيرُ. (وَإِنْ كَذَبَ) الْبَائِعُ بِأَنْ زَادَ فِي الثَّمَنِ وَلَوْ خَطَأً، بِأَنْ يُخْبِرَ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِمِائَةٍ وَقَدْ اشْتَرَاهَا بِأَقَلَّ. وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ عَدُّوا عَدَمَ بَيَانِ تَجَاوُزِ الزَّائِفِ وَالنَّقْصِ وَالرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ وَهِبَةِ بَعْضِ الثَّمَنِ إنْ اُعْتِيدَتْ بَيْنَ النَّاسِ وَجَذِّ ثَمَرَةٍ أُبِّرَتْ وَجَزِّ الصُّوفِ التَّامِّ مِنْ الْكَذِبِ. وَجَعَلُوا عَدَمَ بَيَانِ طُولِ الزَّمَانِ وَكَوْنِهَا بَلَدِيَّةً أَوْ مِنْ التَّرِكَةِ مِنْ الْغِشِّ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا أَبْهَمَ وَلَمْ يُبَيِّنْ، فَقِيلَ: مِنْ الْكَذِبِ - وَهُوَ الَّذِي دَرَجْنَا عَلَيْهِ - وَقِيلَ: مِنْ الْغِشِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: " وَإِنْ غَلِطَ بِنَقْصٍ " دَاخِلٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: " وَإِنْ كَذَبَ الْبَائِعُ بِأَنْ زَادَ فِي الثَّمَنِ " إلَخْ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ فَاتَتْ] : أَيْ لَا بِحَوَالَةِ سُوقٍ. لِأَنَّ حَوَالَةَ السُّوقِ وَإِنْ أَفَاتَتْ السِّلْعَةَ فِي الْغِشِّ وَالْكَذِبِ لَا تُفِيتُهَا فِي الْغَلَطِ. قَوْلُهُ: [فَتَحَصَّلَ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ] إلَخْ: إنَّمَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ خِيرَتَهُ تَنْفِي ضَرَرَ الْبَائِعِ حَيْثُ يَدْفَعُ لَهُ الصَّحِيحَ وَرِبْحَهُ، أَوْ يَرُدُّ عِنْدَ الْقِيَامِ، وَعِنْدَ الْفَوَاتِ يَدْفَعُ لَهُ الصَّحِيحَ وَرِبْحَهُ، أَوْ الْقِيمَةَ إنْ لَمْ تَنْقُصْ عَلَى الْغَلَطِ وَرِبْحِهِ مَعَ أَنَّ الْبَائِعَ عِنْدَهُ نَوْعُ تَفْرِيطٍ حَيْثُ لَمْ يَتَثَبَّتْ فِي أَمْرِهِ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ زَادَ فِي الثَّمَنِ] : مِثْلُهُ تَرْكُ بَيَانِ تَجَاوُزِ الزَّائِفِ وَالرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ وَهِبَةٍ اُعْتِيدَتْ وَالصُّوفِ التَّامِّ وَالثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ. قَوْلُهُ: [وَجَعَلُوا عَدَمَ بَيَانِ طُولِ الزَّمَانِ] إلَخْ: أَيْ وَيُضَمُّ لِتِلْكَ الثَّلَاثَةِ جَزُّ الصُّوفِ الَّذِي لَمْ يَتِمَّ وَاللُّبْسُ وَإِرْثُ الْبَعْضِ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ الَّذِي دَرَجْنَا عَلَيْهِ] : الَّذِي دَرَجَ عَلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ لَا يُوَافِقُ حُكْمَ الْكَذِبِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ الْفَوَاتِ يَتَحَتَّمُ الْحَطُّ وَهُنَا يُخَيَّرُ بَيْنَ دَفْعِ الصَّحِيحِ وَرِبْحِهِ وَالْقِيمَةِ مَا لَمْ تَزِدْ عَلَى الْكَذِبِ وَرِبْحِهِ فَتَأَمَّلْ.

وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ فِيهِ التَّأْوِيلَيْنِ، وَجَعَلُوا عَدَمَ بَيَانِ الْأَجَلِ وَمَا نَقَدَ وَعَقَدَ وَاسِطَةً بَيْنَهُمَا. فَإِنْ كَذَبَ (لَزِمَ الْمُبْتَاعَ) الشِّرَاءُ (إنْ حَطَّهُ) الْبَائِعُ عَنْهُ، أَيْ حَطَّ الْكَذِبَ بِمَعْنَى الْمَكْذُوبِ بِهِ (وَرِبْحَهُ) . (وَإِلَّا) يَحُطُّهُ وَرِبْحَهُ (خُيِّرَ) الْمُشْتَرِي فِي التَّمَاسُكِ وَالرَّدِّ، (كَأَنْ غَشَّ) الْبَائِعُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُخَيَّرُ فِي التَّمَاسُكِ وَالرَّدِّ - ابْنُ عَرَفَةَ. وَالْغِشُّ: أَنْ يُوهِمَ وُجُودَ مَفْقُودٍ مَقْصُودٍ وُجُودُهُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ يَكْتُمَ فَقْدَ مَوْجُودٍ مَقْصُودٍ فَقْدَهُ مِنْهُ (اهـ) كَأَنْ يَكْتُمَ طُولَ إقَامَتِهِ عِنْدَهُ أَوْ يَكْتُبَ عَلَى السِّلْعَةِ ثَمَنًا أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهَا بِهِ ثُمَّ يَبِيعَ عَلَى مَا اشْتَرَى بِهِ لِيُوهِمَ أَنَّهُ غَلِطَ أَوْ يَجْعَلَ فِي يَدِ الْعَبْدِ مِدَادًا لِيُوهِمَ أَنَّهُ يَكْتُبُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَهَذَا إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً. (فَإِنْ فَاتَتْ) بِيَدِ الْمُشْتَرِي (فَفِي الْغِشِّ) يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ (الْأَقَلُّ مِنْ الثَّمَنِ) الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ وَالْقِيمَةِ. (وَفِي الْكَذِبِ خُيِّرَ) الْمُشْتَرِي (بَيْنَ الصَّحِيحِ وَرِبْحِهِ أَوْ الْقِيمَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ فِيهِ التَّأْوِيلَيْنِ] : أَيْ وَأَمَّا (بْن) فَعَدَّهُ مِنْ الْوَاسِطَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَاسِطَةً بَيْنَهُمَا] : قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ (بْن) أَنَّ التَّوَسُّطَ فِي سِتٍّ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [كَأَنْ يَكْتُمَ] : هَذَا وَمَا بَعْدَهُ مِثَالَانِ لِلثَّانِي. وَقَوْلُهُ: [أَوْ يَجْعَلَ فِي يَدِ الْعَبْدِ مِدَادًا] : مِثَالٌ لِلْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: [الْأَقَلُّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ وَالْقِيمَةُ] : أَيْ يَوْمَ قَبَضَهَا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرَوَى ابْنُ زِيَادٍ يَوْمَ بَيْعِهَا. وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ. وَعَلَيْهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْغِشِّ وَالْكَذِبِ حَيْثُ اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ فِيهِمَا يَوْمَ الْقَبْضِ، وَبَيْنَ الْغَلَطِ حَيْثُ اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ فِيهِ يَوْمَ الْبَيْعِ. كَمَا مَرَّ أَنَّ الْغِشَّ وَالْكَذِبَ أَشْبَهُ بِفَسَادِ الْبَيْعِ مِنْ الْغَلَطِ وَالضَّمَانِ فِي الْفَسَادِ بِالْقَبْضِ. قَوْلُهُ: [وَفِي الْكَذِبِ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي] إلَخْ: وَقِيلَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ. قَالَ (عب) : وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ لِلْبَائِعِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي خَلِيلًا مَا لَمْ تَزِدْ عَلَى الْكَذِبِ وَرِبْحِهِ إذْ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ لِهَذَا التَّقْيِيدِ مَعْنًى؛ إذْ لَهُ دَفْعُ الْقِيمَةِ وَلَوْ كَانَتْ

[فصل جامع في المداخلة وبيع الثمار والعرايا وغيرها]

يَوْمَ قَبْضِهِ وَلَا رِبْحَ لَهَا (مَا لَمْ تَزِدْ) الْقِيمَةُ (عَلَى الْكَذِبِ وَرِبْحِهِ) ، فَإِنْ زَادَتْ عَلَيْهِمَا لَمْ يَلْزَمْ الزَّائِدُ. وَلَمَّا كَانَ التَّدْلِيسُ أَعَمَّ مِنْ الْغِشِّ، لِأَنَّ كَاتِمَ طُولِ الزَّمَانِ وَالْعَقْدِ وَالنَّقْدِ مُدَلِّسٌ وَلَيْسَ بِغَاشٍّ بَيَّنَ حُكْمَهُ بِقَوْلِهِ: (وَالْمُدَلِّسُ هُنَا) : أَيْ فِي الْمُرَابَحَةِ (كَغَيْرِهِ) : أَيْ كَالْمُدَلِّسِ فِي غَيْرِهِ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي الرَّدِّ أَوْ التَّمَاسُكِ وَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ عِنْدَهُ عَيْبٌ فَيَجْرِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْعُيُوبِ. وَلَوْ قَالَ: وَالْعَيْبُ هُنَا كَغَيْرِهِ لَكَانَ أَعَمَّ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَا دَلَّسَ فِيهِ وَمَا لَمْ يُدَلِّسْ فِيهِ، لَكِنَّ ذِكْرَهُ مَعَ الْغِشِّ يُفِيدُ الْمَقْصُودَ فَتَأَمَّلْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQزَائِدَةً عَلَى الْكَذِبِ وَرِبْحِهِ لِأَنَّهُ يَدْفَعُهَا بِاخْتِيَارِهِ وَلَهُ دَفْعُ الصَّحِيحِ وَرِبْحِهِ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ مِنْ الْقِيمَةِ (اهـ) وَمَا قَالَهُ (عب) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [مُدَلِّسٌ وَلَيْسَ بِغَاشٍّ] : هَذَا يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّهُ مَثَّلَ لِلْغِشِّ بِقَوْلِهِ كَأَنْ يَكْتُمَ طُولَ إقَامَتِهِ عِنْدَهُ فَالْأَوْلَى حَذْفُ طُولِ الزَّمَانِ مِنْ هُنَا وَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا بَعْدَهُ، فَإِنَّ كَتْمَ الزَّمَانِ وَكَتْمَ طُولَ كَوْنِهَا بَلَدِيَّةً أَوْ مِنْ التَّرِكَةِ أَوْ جَزِّ الصُّوفِ الْغَيْرِ التَّامِّ. أَوْ إرْثِ بَعْضِهَا يُقَالُ لَهُ: غش. قَوْلُهُ: [فَيَجْرِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْعُيُوبِ] : أَيْ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا جِدًّا. أَوْ مُتَوَسِّطًا أَوْ مُفِيتًا لِلْمَقْصُودِ. وَيَجْرِي مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُسَاوَمَةِ فِي الْمُرَابَحَةِ فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ الْحَادِثُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يَسِيرًا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ وَخِيَارُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ ثَابِتٌ، وَإِنْ كَانَ مُتَوَسِّطًا خُيِّرَ إمَّا أَنْ يَرُدَّ وَيَدْفَعَ أَرْشَ الْحَادِثِ أَوْ يَتَمَاسَكَ وَيَأْخُذَ أَرْشَ الْقَدِيمِ. وَإِنْ كَانَ مُفِيتًا لِلْمَقْصُودِ تَعَيَّنَ التَّمَاسُكُ وَأَخْذُ أَرْشِ الْقَدِيمِ. [فَصَلِّ جَامِع فِي الْمُدَاخَلَة وَبَيْع الثِّمَار وَالْعَرَايَا وَغَيْرهَا] [الْمُدَاخَلَة مَا يَدْخُل فِي الْمَبِيع بِلَا شَرْط وَمَا لَا يَدْخُل] فَصْلٌ:

فَصْلٌ جَامِع فِي الْمُدَاخَلَة وَبَيْع الثِّمَار وَالْعَرَايَا وَغَيْرهَا اشْتَمَلَ عَلَى أَشْيَاءَ: الْمُدَاخَلَةِ وَبَيْعِ الثِّمَارِ وَالْعَرَايَا وَالْجَوَائِحِ. وَدُخُولُ شَيْءٍ فِي الْعَقْدِ عَلَى شَيْءٍ قَرِيبُ الْمُنَاسَبَةِ لِلْمُرَابَحَةِ عَلَى الْعَكْسِ مِنْهَا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ رِبْحِ الْمُشْتَرِي، وَيَقْرَبُ مِنْ الْمُدَاخَلَةِ: بَيْعُ الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ تَبْقِيَتُهُ عَلَى أَصْلِهِ لِيَتِمَّ طِيبُهُ. فَكَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ رَبِحَ ذَلِكَ مَعَ ذِكْرِ الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ فِي التَّنَاوُلِ وَعَدَمِهِ. فَكَانَ بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةٌ. وَأَمَّا الْعَرَايَا وَالْجَوَائِحُ فَمِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الثِّمَارِ وَبِهَذَا زَالَ تَوَقُّفُ ابْنِ عَاشِرٍ إذْ قَالَ: لَمْ يَحْضُرنِي وَجْهُ مُنَاسَبَةِ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ كَمَا لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ مُنَاسَبَةِ الْفَصْلِ لِمَا قَبْلَهُ (اهـ) وَبَدَأَ بِبَيَانِ الْمُدَاخَلَةِ بِقَوْلِهِ: (يَتَنَاوَلُ الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ) : أَيْ الْعَقْدُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ بَيْعٍ أَوْ رَهْنٍ وَكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ قَوْلُهُ: [اشْتَمَلَ عَلَى أَشْيَاءَ] : بَيَانٌ لِقَوْلِهِ جَامِعٌ. قَوْلُهُ: [الْمُدَاخَلَةُ] إلَخْ: بَدَلٌ مِنْ أَشْيَاءَ؛ وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا الْفَصْلَ اشْتَمَلَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ الْمُدَاخَلَةِ وَبَيْعِ الثِّمَارِ وَالْعَرَايَا وَالْجَوَائِحِ. وَقَوْلُهُ: [وَدُخُولُ شَيْءٍ] : مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ: " قَرِيبُ الْمُنَاسَبَةِ " خَبَرُهُ وَهُوَ شُرُوعٌ مِنْهُ فِي بَيَانِ وَجْهِ مُنَاسَبَةِ كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ لِمَا قَبْلَهُ وَقَدْ أَوْضَحَ الْمُنَاسَبَةَ. قَوْلُهُ: [لِمَا فِيهِ مِنْ رِبْحِ الْمُشْتَرِي] : أَيْ وَفِي الْمُرَابَحَةِ الرِّبْحُ لِلْبَائِعِ. قَوْلُهُ: [فَكَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ رَبِحَ ذَلِكَ] : اسْمُ الْإِشَارَةِ عَائِدٌ عَلَى الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [مَعَ ذِكْرِ الشَّجَرِ] إلَخْ. مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَيَقْرَبُ مِنْ الْمُدَاخَلَةِ إلَخْ. قَوْلُهُ: [فِي التَّنَاوُلِ وَعَدَمِهِ] : لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، فَإِنَّ الشَّجَرَ يَتَنَاوَلُ الْأَرْضَ وَتَتَنَاوَلُهُ وَالزَّرْعُ لَا يَتَنَاوَلُ الْأَرْضَ وَلَا تَتَنَاوَلُهُ. قَوْلُهُ: [يَتَنَاوَلُ الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ] : أَيْ تَنَاوُلًا شَرْعِيًّا إنْ لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِخِلَافِهِ كَمَا سَيَأْتِي يَقُولُ إلَّا لِشَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ.

الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْحَبْسُ (الْأَرْضَ) : أَيْ الَّتِي هُمَا بِهَا (وَتَنَاوَلَتْهُمَا) فِي الْعَقْدِ عَلَيْهَا؛ فَمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا وَفِيهَا بِنَاءٌ أَوْ شَجَرٌ لَمْ يَذْكُرَا حِينَ الشِّرَاءِ أَرْضَهُمَا. دَخَلَا فِي بَيْعِ الْأَرْضِ، إلَّا لِشَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ فَيُعْمَلُ بِهِ. (وَ) تَنَاوَلَتْ الْأَرْضُ إذَا بِيعَتْ أَوْ رُهِنَتْ (الْبَذْرَ) الَّذِي لَمْ يَنْبُتُ فَيَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا. (لَا) يَتَنَاوَلُ بَيْعُ الْأَرْضِ (الزَّرْعَ) الظَّاهِرَ عَلَيْهَا بَلْ هُوَ لِبَائِعِهِ إلَّا لِشَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ، لِأَنَّ ظُهُورَهُ عَلَى الْأَرْضِ إبَارٌ لَهُ، فَيَكُونُ لِمَالِكِهِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ وَالْعُرْفِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الصَّوَابُ. (وَلَا) تَتَنَاوَلُ الْأَرْضُ (مَدْفُونًا) بِهَا مِنْ رُخَامٍ وَعُمُدٍ وَحُلِيٍّ وَنَقْدٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ (بَلْ) هُوَ (لِمَالِكِهِ) بِلَا خِلَافٍ (إنْ عُلِمَ) بِالْإِثْبَاتِ أَنَّهُ الْمَالِكُ. أَوْ دَلَّتْ الْقَرَائِنُ عَلَيْهِ. وَحَلَفَ سَوَاءً كَانَ هُوَ الْبَائِعُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ بَائِعٍ لَهُ أَوْ وَارِثٍ أَوْ غَيْرِهِ. (وَإِلَّا) يُعْلَمْ مَالِكُهُ (فَلُقَطَةٌ) إذَا لَمْ يُوجَدْ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْجَاهِلِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الَّتِي هُمَا بِهَا] : أَيْ لَا أَزِيدُ، وَالْمُرَادُ بِأَرْضِ الشَّجَرِ مَا يَمْتَدُّ فِيهِ جَرِيدُ النَّخْلَةِ وَجُذُورُهَا الْمُسَمَّى بِالْحَرِيمِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: إنَّ الْعَقْدَ عَلَى النَّخْلِ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَرِيمَ وَهِيَ طَرِيقَةٌ لِلشَّيْخِ سَالِمٍ وَالتَّتَّائِيِّ وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَكَانَ جَذْرِهَا فَقَطْ. قَوْلُهُ: [إلَّا لِشَرْطٍ أَوْ لِعُرْفٍ] : أَيْ فَإِذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ أَوْ الرَّاهِنُ أَوْ نَحْوُهُمَا إفْرَادَ الْبِنَاءِ أَوْ الشَّجَرِ عَنْ الْأَرْضِ، فِي الْبَيْعِ أَوْ الرَّهْنِ أَوْ نَحْوِهِمَا، فَلَا تَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا. وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ إفْرَادَ الْأَرْضِ عَنْ الْبِنَاءِ أَوْ الشَّجَرِ فَإِنَّهُمَا لَا يَدْخُلَانِ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهَا. تَنْبِيهٌ لَيْسَ مِنْ الشَّرْطِ تَخْصِيصُ بَعْضِ أَمْكِنَةِ بِالذِّكْرِ بَعْدَ قَوْلِهِ: جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ مَثَلًا، فَإِذَا قَالَ: بِعْته جَمِيعَ أَمْلَاكِي بِقَرْيَةِ كَذَا - وَهِيَ الدَّارُ وَالْحَانُوتُ مَثَلًا - وَلَهُ غَيْرُهُمَا، فَذَلِكَ الْغَيْرُ لِلْمُبْتَاعِ أَيْضًا. وَلَا يَكُونُ ذِكْرُ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ مُخَصِّصًا لَهُ لِأَنَّ ذِكْرَ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ إنَّمَا يُخَصِّصُهُ وَيُقْصِرُهُ عَنْ بَعْضِ أَفْرَادِهِ إذَا كَانَ مُنَافِيًا لَهُ، وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الصَّوَابُ] : أَيْ فَالصَّوَابُ أَنَّ الْأَرْضَ تَتَنَاوَلُ الْبَذْرَ الْمَدْفُونَ حَيْثُ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا قَبْلَ بُرُوزِهِ لَا الزَّرْعَ، خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ.

فَيُعَرَّفُ عَلَى حُكْمِ اللُّقَطَةِ إنْ ظُنَّ إفَادَةُ التَّعْرِيفِ وَإِلَّا كَانَ مَالًا جُهِلَتْ أَرْبَابُهُ، مَحَلُّهُ بَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. (أَوْ رِكَازٌ) إذَا وُجِدَ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَكُونُ لِوَاجِدِهِ وَيُخَمَّسُ. (وَلَا) يَتَنَاوَلُ (الشَّجَرُ) : أَيْ الْعَقْدُ عَلَيْهِ ثَمَرًا (مُؤَبَّرًا) وَالتَّأْبِيرُ خَاصٌّ بِالنَّخْلِ (أَوْ) ثَمَرًا (مُنْعَقِدًا) مِنْ غَيْرِ النَّخْلِ: أَيْ بُرُوزَهُ وَتَمَيُّزَهُ عَنْ أَصْلِهِ. وَحَقِيقَةُ التَّأْبِيرِ تَعْلِيقُ طَلْعِ ذَكَرِ النَّخْلِ عَلَى ثَمَرِ الْأُنْثَى. وَيُطْلَقُ عَلَى انْعِقَادِ غَيْرِهِ وَعَلَى ظُهُورِ الزَّرْعِ مِنْ الْأَرْضِ، وَسَوَاءٌ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى الشَّجَرِ فَقَطْ أَوْ دَخَلَ ضِمْنًا فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَهَذَا إذَا كَانَ الثَّمَرُ مُؤَبَّرًا أَوْ مُنْعَقِدًا (كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ) إذَا الْحُكْمُ لِلْأَكْثَرِ. (إلَّا لِشَرْطٍ) مِنْ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ لَهُ وَكَذَا الْعُرْفُ (كَمَال الْعَبْدِ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَيُعَرَّفُ عَلَى حُكْمِ اللُّقَطَةِ] : أَيْ يُعَرِّفُهُ وَاجِدُهُ سَنَةً وَبَعْدَهَا يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَهَذَا مُقْتَضَى نَصٍّ (بْن) خِلَافًا لِ (عب) مِنْ أَنَّهُ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ، لِأَنَّ شَأْنَ الْمَدْفُونَةِ طُولُ الْعَهْدِ فَهُوَ مَالٌ جُهِلَتْ أَرْبَابُهُ مَحَلُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: " إنْ عُلِمَ " إلَخْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ جَرَى عَلَيْهِ مِلْكٌ لِأَحَدٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي، وَقِيلَ: لِلْبَائِعِ كَالْمَعَادِنِ. وَكَمَنْ اشْتَرَى حُوتًا فَوَجَدَ فِي بَاطِنِهِ جَوْهَرَةً وَقِيلَ فِي الْحُوتِ إنْ اُشْتُرِيَ وَزْنًا كَانَتْ الْجَوْهَرَةُ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ اُشْتُرِيَ جُزَافًا فَهِيَ لِلْبَائِعِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَتَنَاوَلُ الشَّجَرُ أَيْ الْعَقْدُ عَلَيْهِ ثَمَرًا مُؤَبَّرًا] إلَخْ: حَاصِلُهُ: أَنَّ مَنْ اشْتَرَى أُصُولًا عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ قَدْ أُبِّرَتْ كُلُّهَا أَوْ أَكْثَرُهَا فَإِنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْأُصُولِ لَا يَتَنَاوَلُ تِلْكَ الثَّمَرَةَ. وَإِنْ أُبِّرَ النِّصْفُ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ كَمَا سَيَأْتِي. فَإِنْ تَنَازَعَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ فِي تَقَدُّمِ التَّأْبِيرِ عَلَى الْعَقْدِ وَتَأَخُّرِهِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ أَنَّ التَّأْبِيرَ كَانَ قَبْلَ الْعَقْدِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ لِلْقَاضِي إسْمَاعِيلَ. قَوْلُهُ: [وَالتَّأْبِيرُ خَاصٌّ بِالنَّخْلِ] : أَيْ التَّأْبِيرُ بِالْمَعْنَى الْآتِي فَلَا يُنَافِي إطْلَاقَ التَّأْبِيرِ فِي غَيْرِ النَّخْلِ عَلَى بُرُوزِ جَمِيعِ الثَّمَرَةِ عَنْ مَوْضِعِهَا وَتَمَيُّزِهَا عَنْ أَصْلِهَا وَفِي الزَّرْعِ عَلَى بُرُوزِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [إلَّا لِشَرْطٍ] : أَيْ وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ بَعْضِهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْبَعْضِ قَصْدٌ

لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِهِ بَلْ هُوَ لِبَائِعِهِ إلَّا لِشَرْطٍ (وَالْخِلْفَةِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَبِالْفَاءِ: وَهِيَ مَا يَخْلُفُ الزَّرْعَ بَعْدَ جَذِّهِ فَلَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَصْلِ، كَالْبِرْسِيمِ وَالْقَصَبِ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ مِنْ الْأَصْلِ إلَّا لِشَرْطٍ. (وَإِنْ أُبِّرَ النِّصْفُ) أَوْ مَا قَارَبَهُ دُونَ النِّصْفِ الْآخَرِ (فَلِكُلٍّ) مِنْهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِبَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا بِخِلَافِ شَرْطِ بَعْضِ الْمُزْهِي فَجَائِزٌ. قَوْلُهُ: [بَلْ هُوَ لِبَائِعِهِ إلَّا لِشَرْطٍ] : اعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْمَالِ لِلْعَبْدِ جَائِزٌ مُطْلَقًا كَانَ الْمَالُ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا اشْتَرَطَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ كَانَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِنْ الْمَالِ أَمْ لَا، كَانَ مَالُ الْعَبْدِ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا أَوْ طَعَامًا، كَانَ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ لَا أَوْ مُؤَجَّلًا وَأَمَّا اشْتِرَاطُهُ لِلْمُشْتَرِي فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ الْمَالُ مَعْلُومًا قَبْلَ الْبَيْعِ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُخَالِفًا لِلْمَالِ فِي الْجِنْسِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ كُلَّ الْمَالِ فَإِنْ اُشْتُرِطَ بَعْضُهُ مُنِعَ؟ وَهُوَ مَا فِي (عب) أَوْ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ بَعْضِهِ كَمَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ كُلُّهُ وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ (بْن) وَأَمَّا اشْتِرَاطُهُ مُبْهَمًا فَقَوْلَانِ بِالْفَسَادِ وَالصِّحَّةُ، وَالرَّاجِحُ الصِّحَّةُ (اهـ مُلَخَّصًا مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا بِالشَّرْطِ مَخْصُوصٌ بِالْعَبْدِ الْكَامِلِ الرِّقِّ لِمَالِكٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا فَمَالُهُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْبَائِعُ، عَكْسُ مَا لِلْمُصَنِّفِ. وَالْمُبَعَّضُ إذَا بَيْعَ مَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ فَمَالُهُ لَهُ لَيْسَ لِبَائِعٍ وَلَا لِمُشْتَرٍ انْتِزَاعُهُ، وَيَأْكُلُ مِنْهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي لَا يَخْدُمُ فِيهِ سَيِّدَهُ. فَإِنْ مَاتَ أَخَذَهُ الْمُتَمَسِّكُ بِالرِّقِّ. قَوْلُهُ: [إلَّا لِشَرْطٍ] : أَيْ أَوْ عُرْفٍ. قَوْلُهُ: [إلَّا لِشَرْطٍ] : أَيْ وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُهَا بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ: أَنْ تَكُونَ مَأْمُونَةً كَبَلَدٍ سُقِيَ بِغَيْرِ مَطَرٍ، وَأَنْ يُشْتَرَطَ جَمِيعُهَا وَأَلَّا يُشْتَرَطُ تَرْكُهَا حَتَّى تُحَبِّبَ، وَأَنْ يَبْلُغَ الْأَصْلُ حَدَّ الِانْتِفَاعِ بِهِ لِاشْتِرَاطِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ فِي الْأَصْلِ، فَفِي الْخِلْفَةِ أَوْلَى وَهَذِهِ الشُّرُوطُ مُعْتَبَرَةٌ إذَا اُشْتُرِطَتْ الْخِلْفَةُ مَعَ شِرَاءِ أَصْلِهَا وَأَمَّا شِرَاؤُهَا بَعْدَ شِرَاءِ أَصْلِهَا وَقَبْلَ جَذِّهِ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ اشْتِرَاطُ الْأَوَّلِ. كَذَا فِي (عب) . وَرَدَّهُ (بْن) قَائِلًا: هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ جَمِيعِهَا سَوَاءً اُشْتُرِيَتْ مَعَ أَصْلِهَا أَوْ بَعْدَ شِرَاءِ أَصْلِهَا. قَوْلُهُ: [وَالْقَصَبُ] أَيْ الْحُلْوُ أَوْ الْفَارِسِيُّ فَإِنَّ كُلًّا لَهُ خِلْفَةٌ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ أُبِّرَ النِّصْفُ] إلَخْ: هَذَا إذَا كَانَ النِّصْفُ مُعَيَّنًا بِأَنْ كَانَ

(حُكْمُهُ) فَالْمُؤَبَّرُ أَوْ الْمُنْعَقِدُ لِلْبَائِعِ إلَّا لِشَرْطٍ وَغَيْرُهُ لِلْمُبْتَاعِ، وَهَلْ يَجُوزُ لِلْبَائِعِ اشْتِرَاطُهُ؟ قَوْلَانِ. (وَ) تَنَاوَلَتْ (الدَّارُ) : أَيْ الْعَقْدُ عَلَيْهَا (الثَّابِتِ) فِيهَا (كَبَابٍ وَرَفٍّ وَسُلَّمٍ سُمِّرَ وَرَحًى مَبْنِيَّةٍ) بِخِلَافِ سَرِيرٍ وَسُلَّمٍ لَمْ يُسَمَّرْ وَرَحًى غَيْرِ مَبْنِيَّةٍ فَلِلْبَائِعِ إلَّا لِشَرْطِهِ. - ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا أُبِّرَ فِي نَخْلَاتٍ بِعَيْنِهَا وَمَا لَمْ يُؤَبَّرْ - فِي نَخْلَاتٍ بِعَيْنِهَا. وَأَمَّا إنْ كَانَ النِّصْفُ الْمُؤَبَّرُ شَائِعًا فِي كُلِّ نَخْلَةٍ - وَكَذَا مَا لَمْ يُؤَبَّرْ فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ: قِيلَ: كُلُّهُ لِلْبَائِعِ، وَقِيلَ: لِلْمُبْتَاعِ، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ الْبَائِعُ فِي تَسْلِيمِهِ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ وَفِي فَسْخِ الْبَيْعِ، وَقِيلَ: الْبَيْعُ مَفْسُوخٌ. وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ: وَاَلَّذِي بِهِ الْقَضَاءُ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَا أَحَدِهِمَا بِتَسْلِيمِ الْجَمِيعِ لِلْأَخْذِ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَهَلْ يَجُوزُ لِلْبَائِعِ اشْتِرَاطُهُ] إلَخْ: الْجَوَازُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مُبْقًى وَهُوَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ وَالْمَشْهُورُ امْتِنَاعُ اشْتِرَاطِ الْبَائِعِ غَيْرِ الْمُؤَبِّرِ لِنَفْسِهِ، وَمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ ضَعِيفٌ. تَنْبِيهٌ لِكُلٍّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي - إذَا كَانَ الْأَصْلُ لِأَحَدِهِمَا وَالتَّمْرُ لِلْآخَرِ أَوْ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا - السَّقْيُ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ بِجَزِّ الثَّمَرَةِ فِيهِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْآخَرِ فَإِنْ ضَرَّ سَقْيُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُنِعَ مِنْ السَّقْيِ وَيُغْتَفَرُ ارْتِكَابُ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ سَرِيرٍ] إلَخْ: مِثْلُ ذَلِكَ الْحَانُوتِ الَّتِي بِجِوَارِهَا حَيْثُ لَمْ تَكُنْ تَتَنَاوَلُهَا حُدُودُهَا وَلَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى دَارٍ وَفِيهَا مَا لَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا كَحَيَوَانٍ أَوْ أَزْيَارٍ غَيْرِ مَبْنِيَّةٍ وَكَانَ لَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ مِنْ بَابِهَا إلَّا بِهَدْمٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا يُقْضَى عَلَى الْمُشْتَرِي بِهَدْمٍ وَيَكْسِرُ الْبَائِعُ أَزْيَارَهُ وَيَذْبَحُ حَيَوَانَهُ، وَظَاهِرُهُ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِذَلِكَ حِينَ الشِّرَاءِ أَمْ لَا. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: إنَّ الِاسْتِحْسَانَ هَدْمُهُ وَيَبْنِيه الْبَائِعُ إذَا كَانَ لَا يَبْقَى بِهِ بَعْدَ الْبِنَاءِ عَيْبٌ يُنْقِصُ الدَّارَ، وَإِلَّا قِيلَ لِلْمُبْتَاعِ: أَعْطِهِ قِيمَةَ مَتَاعِهِ. فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلْبَائِعِ: اهْدِمْ وَابْنِ وَأَعْطِ قِيمَةَ الْعَيْبِ. فَإِنْ أَبَى نَظَرَ الْحَاكِمُ. وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الْأُجْهُورِيُّ وَهُوَ الْأَوْفَقُ بِالْقَوَاعِدِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الضَّرَرَانِ مُخْتَلِفَيْنِ ارْتَكَبَ أَخَفَّهُمَا وَإِنْ تَسَاوَيَا فَإِنْ اصْطَلَحَ الْمُتَبَايِعَانِ عَلَى شَيْءٍ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يَصْطَلِحَا فَعَلَ الْحَاكِمُ بِاجْتِهَادِهِ مَا يُزِيلُ ذَلِكَ، عَلَى هَذَا اقْتَصَرَ فِي الْمَجْمُوعِ؛ وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ دَخَلَ قَرْنَا ثَوْرٍ فِي غُصْنِ شَجَرَةٍ وَلَمْ يُمْكِنْ تَخْلِيصُهُمَا إلَّا بِقَطْعِ الشَّجَرَةِ

(وَ) تَنَاوَلَ (الْعَبْدُ ثِيَابَ مَهْنَتِهِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ: أَيْ خِدْمَتِهِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ حَالَ الْبَيْعِ بِخِلَافِ ثِيَابِ زِينَتِهِ إلَّا لِشَرْطٍ. (و) لَوْ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ عَدَمَهَا أَيْ عَدَمُ دُخُولِهَا فِي بَيْعِ الْعَقْدِ (لَغَا اشْتِرَاطُ عَدَمِهَا) وَلَزِمَ الْبَائِعَ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا يَسْتُرُهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ، قَالَ: وَبِهِ مَضَتْ الْفَتْوَى عِنْدَ الشُّيُوخِ - وَسَمِعَ عِيسَى بْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا اشْتَرَطَ أَنْ يَبِيعَ جَارِيَةً عُرْيَانَةً فَلَهُ ذَلِكَ وَصَوَّبَهُ ابْنُ رُشْدٍ. قَالَ: وَبِهِ مَضَتْ الْفُتْيَا بِالْأَنْدَلُسِ، فَهُمَا قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ. (كَشَرْطِ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ وَلَا مَالِيَّةَ) فَإِنَّهُ يُلْغَى، كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ أُمِّيًّا فَوَجَدَهُ كَاتِبًا وَكَوْنَ الْأَمَةِ نَصْرَانِيَّةً فَوَجَدَهَا مُسْلِمَةً، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِيُزَوِّجَهَا لِعَبْدٍ نَصْرَانِيٍّ. (وَ) كَشَرْطِ (عَدَمِ عُهْدَةِ الْإِسْلَامِ) : وَهِيَ دَرْكُ الْمَبِيعِ مِنْ عَيْبٍ أَوْ اسْتِحْقَاقٍ؛ فَإِذَا بَاعَ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَقُومُ بِمَا ذَكَرَهُ فَالشَّرْطُ لَاغٍ، وَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ بِحَقِّهِ مِنْهُمَا. وَأَمَّا عُهْدَةُ الثَّلَاثِ أَوْ السَّنَةِ فَيَجُوزُ إسْقَاطُهَا كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى الْأَرْجَحِ. (وَ) كَشَرْطِ عَدَمِ (الْمُوَاضَعَةِ) لِرَائِعَةٍ أَوْ أَمَةٍ أَقَرَّ الْبَائِعُ بِوَطْئِهَا، فَيُلْغَى الشَّرْطُ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ كَسْرِ الْقَرْنَيْنِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ ثِيَابِ زِينَتِهِ] : أَيْ فَهِيَ كَمَالُهُ لَا تَدْخُلُ إلَّا بِالشَّرْطِ. قَوْلُهُ: [فَهُمَا قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ] : أَيْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي تَسْلِيمُ الْجَارِيَةِ عُرْيَانَةً بَلْ عَلَى الْمُشْتَرِي سَتْرُهَا. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَكُونَ لِيُزَوِّجَهَا] إلَخْ: قَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [فَإِذَا بَاعَ شَيْئًا] إلَخْ: أَيْ كَمَا لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ: أَشْتَرِي مِنْك هَذِهِ السِّلْعَةَ عَلَى أَنَّهَا إذَا اسْتَحَقَّتْ مِنْ يَدِي أَوْ ظَهَرَ بِهَا عَيْبٌ قَدِيمٌ فَلَا قِيَامَ لِي بِذَلِكَ. أَوْ الْبَائِعُ يَقُولُ لِلْمُشْتَرِي ذَلِكَ. وَأَمَّا لَوْ أَسْقَطَ ذَلِكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَفِي (ح) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ: إذَا أَسْقَطَ الْمُشْتَرِي حَقَّهُ مِنْ الْقِيَامِ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ ظُهُورِ الْعَيْبِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ سَوَاءً كَانَ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ الْبَرَاءَةُ أَمْ لَا كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [فَيُلْغَى الشَّرْطُ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ] : أَيْ وَيُحْكَمُ بِالْمُوَاضَعَةِ لِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى.

[الشروط المشترطة في البيوع]

(و) شَرْطِ عَدَمِ (الْجَائِحَةِ) فِي الثِّمَارِ أَوْ الزَّرْعِ، فَيُلْغَى وَيَصِحُّ الْبَيْعُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. (أَوْ) شَرْطِ (إنْ لَمْ يَأْتِ بِالثَّمَنِ لِكَذَا) نَحْوَ لِآخِرِ الشَّهْرِ أَوْ لِعَشَرَةِ أَيَّامٍ (فَلَا بَيْعَ) بَيْنَنَا، فَيُلْغَى الشَّرْطُ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَغَرِمَ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ - قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ يَصِحُّ فِيهَا الْبَيْعُ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَيَبْطُلُ فِيهَا الشَّرْطُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الشُّرُوطُ الْمُشْتَرَطَةُ فِي الْبُيُوعِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يُفْسِدُ الْبَيْعَ مِنْ أَصْلِهِ. وَهُوَ: مَا أَدَّى إلَى خَلَلٍ فِي شَرْطٍ مِنْ الشُّرُوطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَشَرْطِ عَدَمِ الْجَائِحَةِ] قَالَ الْأُجْهُورِيُّ وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ اشْتَرَطَ هَذَا الشَّرْطَ فِيمَا عَادَتُهُ أَنْ يُجَاحَ، وَفِي أَبِي الْحَسَنِ: أَنَّهُ يَفْسُدُ فِيهِ الْعَقْدُ لِزِيَادَةِ الْغَرَرِ. وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا الْأَمِيرِ عَلَى (عب) : أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ اقْتَصَرَ فِي الْبَيَانِ وَالْمُقَدِّمَاتِ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ وَبُطْلَانِ الشَّرْطِ لَكِنْ عَلَّلَ فِيهِمَا بِقَوْلِهِ: لِنُدْرَةِ الْجَائِحَةِ، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يُجَاحَ فَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بِالْفَسَادِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ (اهـ) . وَقَدْ مَشَى فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ حَيْثُ قَالَ: وَفَسَدَ الْعَقْدُ بِإِسْقَاطِ جَائِحَةِ مَا يُجَاحُ عَلَى الظَّاهِرِ وِفَاقًا لِأَبِي الْحَسَنِ وَإِلَّا يَكُنْ يُجَاحُ عَادَةً لَغَا الشَّرْطُ (اهـ) . قَوْلُهُ: [أَوْ شَرَطَ إنْ لَمْ يَأْتِ بِالثَّمَنِ لِكَذَا] إلَخْ: صُورَتُهَا كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ: بِعْتُك بِكَذَا الْوَقْتَ كَذَا، أَوْ عَلَى أَنْ تَأْتِيَنِي بِالثَّمَنِ فِي وَقْتِ كَذَا، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا مُسْتَمِرٌّ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ذَكَرَ ابْنُ لُبَابَةَ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: صِحَّةُ الْبَيْعِ وَبُطْلَانُ الشَّرْطِ، وَصِحَّتُهُمَا وَفَسْخُ الْبَيْعِ، وَاَلَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْأَوَّلِ، وَنَصُّهَا آخِرَ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ: وَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ ثَمَنَهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَعْقِدَ عَلَى هَذَا فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ جَازَ الْبَيْعُ وَبَطَل الشَّرْطُ وَغَرِمَ الثَّمَنَ (اهـ) . [الشُّرُوطُ الْمُشْتَرَطَةُ فِي الْبُيُوعِ] قَوْلُهُ: [وَهُوَ مَا أَدَّى إلَى خَلَلٍ فِي شَرْطٍ] : أَيْ كَشَرْطِ عَدَمِ الطَّهَارَةِ أَوْ كَوْنِهِ مَجْهُولًا.

[بيع الثمار]

الْمُشْتَرَطَةِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ. وَقِسْمٌ يُفْسِدُ الْبَيْعَ مَا دَامَ الْمُشْتَرِطُ مُتَمَسِّكًا بِشَرْطِهِ: كَشَرْطِ بَيْعٍ وَسَلَفٍ. وَقِسْمٌ يَجُوزُ فِيهِ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ إذَا كَانَ الشَّرْطُ جَائِزًا لَا يُؤَدِّي لِفَسَادٍ وَلَا حَرَامٍ. وَقِسْمٌ يَمْضِي فِيهِ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ، وَهُوَ مَا كَانَ الشَّرْطُ فِيهِ حَرَامًا إلَّا أَنَّهُ خَفِيفٌ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ (اهـ) . وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْبَذْرَ فِي الْأَرْضِ دُونَ الزَّرْعِ، وَيَدْخُلُ الثَّمَرُ غَيْرُ الْمُؤَبَّرِ دُونَ الْمُؤَبَّرِ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِهِمَا مُنْفَرِدَيْنِ، فَقَالَ: (وَصَحَّ) (بَيْعُ ثَمَرٍ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمِيمِ مِنْ بَلَحٍ وَرُمَّانٍ وَتِينٍ وَعِنَبٍ وَإِجَّاصٍ وَخَوْخٍ وَنَارِنْجٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ (وَزَرْعٍ) كَقَمْحٍ وَشَعِيرٍ وَفُولٍ وَكَتَّانٍ وَجَزَرٍ وَخَسٍّ وَفُجْلٍ وَغَيْرِهَا (إنْ بَدَا صَلَاحُهُ) فَبُدُوُّ الصَّلَاحِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ إذَا بِيعَ مُنْفَرِدًا عَنْ أَصْلِهِ (أَوْ مَعَ أَصْلِهِ) مِنْ شَجَرٍ أَوْ أَرْضٍ وَإِنْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، لِأَنَّهُ صَارَ تَابِعًا لِلْأَصْلِ فِي الْبَيْعِ إذْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِمَا مَعًا (أَوْ أُلْحِقَ) الثَّمَرُ أَوْ الزَّرْعُ (بِهِ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَشَرْطِ بَيْعٍ وَسَلَفٍ] : أَيْ وَشَرَطَ أَلَّا يَبِيعَهَا أَوْ لَا يَطَأَهَا مِنْ كُلِّ شَرْطٍ يُنَافِي الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: [وَقِسْمٌ يَمْضِي فِيهِ الْبَيْعُ] إلَخْ: كَالْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي قَوْلِهِ كَشَرْطِ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ. [بَيْع الثِّمَار] [تَنْبِيه ضمان الثَّمَرَة فِي الْبَيْع الْفَاسِد] قَوْلُهُ: [وَصَحَّ بَيْعُ ثَمَرٍ] : حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الثِّمَارَ وَالْحُبُوبَ وَالْبُقُولَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا إلَّا إذَا بَدَا صَلَاحُهَا أَوْ بِيعَتْ مَعَ أَصْلِهَا أَوْ أُلْحِقَتْ بِأَصْلِهَا أَوْ بِيعَتْ عَلَى الْجَذِّ بِقُرْبٍ إنْ نَفَعَ وَاحْتِيجَ لَهُ وَلَمْ يَكْثُرْ ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ. فَإِنْ تَخَلَّفَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مُنِعَ بَيْعُهُ عَلَى الْجَذِّ كَمَا يُمْنَعُ عَلَى التَّبْقِيَةِ أَوْ الْإِطْلَاقِ. قَوْلُهُ: [إنْ بَدَا صَلَاحُهُ] : بِلَا هَمْزٍ لِأَنَّهُ مِنْ الْبُدُوِّ بِمَعْنَى الظُّهُورِ لَا مِنْ الْبَدْءِ وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالصِّحَّةِ لِيُعْلِمَ بِالصَّرَاحَةِ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي الْمَفْهُومِ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْجَوَازِ لَمْ يُسْتَفَدْ ذَلِكَ مِنْهُ صَرَاحَةً. قَوْلُهُ: [أَوْ مَعَ أَصْلِهِ] : مَعْطُوفٌ عَلَى الشَّرْطِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَكْفِي فِي بَيْعِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ أَحَدُ أُمُورٍ إمَّا بُدُوُّ الصَّلَاحِ أَوْ بَيْعُهُ مَعَ أَصْلِهِ أَوْ إلْحَاقُ الثَّمَرِ أَوْ الزَّرْعِ بِأَصْلِهِ أَوْ عَلَى الْقَطْعِ بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ فَوَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ كَافٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ أُلْحِقَ الثَّمَرُ أَوْ الزَّرْعُ بِهِ] : أَيْ وَأَمَّا عَكْسُ ذَلِكَ كَمَا إذَا بِيعَ

أَيْ بِالْأَصْلِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الشَّجَرَ وَالْأَرْضَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَشْتَرِي الثَّمَرَ أَوْ الزَّرْعَ. فَيَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُمَا (أَوْ) بَيْعُهُ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ (بِشَرْطِ قَطْعِهِ) فِي الْحَالِ أَوْ فِي مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ لَا يَنْتَقِلُ فِيهَا الثَّمَرُ أَوْ الزَّرْعُ مِنْ طُورٍ لِآخَرَ، فَيَجُوزُ بِشَرْطَيْنِ أَشَارَ لَهُمَا بِقَوْلِهِ: (إنْ نَفَعَ) : أَيْ إنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ لَوْ قُطِعَ لِأَكْلٍ أَوْ عَلَفٍ أَوْ دَوَاءٍ لَا إنْ لَمْ يَنْفَعْ لِفَقْدِ شَرْطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ (وَاحْتِيجَ لَهُ) : لِأَكْلِهِ أَوْ غَيْرِهِ، (لَا) يَصِحُّ. بَيْعُ مَا ذُكِرَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ (عَلَى التَّبْقِيَةِ أَوْ) عَلَى (الْإِطْلَاقِ) مِنْ غَيْرِ بَيَان قَطْعٍ وَلَا تَبْقِيَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّمَرُ أَوْ الزَّرْعُ أَوَّلًا ثُمَّ أُلْحِقَ أَصْلُهُ بِهِ فَمَمْنُوعٌ لِفَسَادِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بَدَا صَلَاحُهُ وَلَا يُلْحَقُ بِالثَّانِي لِتَأَخُّرِهِ عَنْهُ. قَوْلُهُ: [فَيَجُوزُ بِشَرْطَيْنِ] : بَقِيَ شَرْطٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنْ لَا يَتَمَالَئُوا عَلَيْهِ أَيْ لَمْ يَقَعْ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلِّ ذَلِكَ بِكَثْرَةٍ فَإِنْ تَمَالَأَ أَهْلُ الْمَحَلِّ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ مُنِعَ بَيْعُهُ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ. قَوْلُهُ: [عَلَى التَّبْقِيَةِ أَوْ عَلَى الْإِطْلَاقِ] : أَيْ فَلَا يَصِحُّ مُطْلَقًا كَانَ الضَّمَانُ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي، اشْتَرَاهُ بِالنَّقْدِ أَوْ النَّسِيئَةِ. هَذَا ظَاهِرُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ نَقْلًا عَنْ (ح) . وَقَيَّدَ اللَّخْمِيُّ وَالسُّيُورِيُّ وَالْمَازِرِيُّ الْمَنْعَ بِكَوْنِ الضَّمَانِ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ مِنْ الْبَائِعِ وَالْحَالُ أَنَّهُ بِالنَّقْدِ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ الضَّمَانُ مِنْ الْبَائِعِ وَالْبَيْعُ بِالنَّسِيئَةِ جَازَ. وَاخْتَارَ (بْن) هَذَا التَّقْيِيدَ وَوَافَقَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمَوَّاقُ هُنَا فُرُوعًا عَنْ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَنَصُّهُ: إذَا اشْتَرَى الثَّمَرَةَ عَلَى الْجَذِّ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ثُمَّ اشْتَرَى الْأَصْلَ جَازَ لَهُ بَقَاؤُهَا بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهَا عَلَى التَّبْقِيَةِ ثُمَّ اشْتَرَى الْأَصْلَ فَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِ الْبَيْعِ فِيهَا لِأَنَّ شِرَاءَهَا كَانَ فَاسِدًا فَلَا يُصْلِحُهُ شِرَاءُ الْأَصْلِ، فَإِنْ صَارَ إلَيْهِ الْأَصْلُ بِمِيرَاثٍ مِنْ بَائِعِ الثَّمَرَةِ لَمْ يَنْفَسِخْ شِرَاؤُهَا، إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى نَفْسِهِ فَإِنْ وَرِثَهُ مِنْ غَيْرِ بَائِعِ الثَّمَرَةِ وَجَبَ الْفَسْخُ فِيهَا. وَلَوْ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ قَبْلَ الْإِبَّانِ عَلَى الْبَقَاءِ ثُمَّ اشْتَرَى الْأَصْلَ فَلَمْ يَفْطِنْ لِذَلِكَ حَتَّى أَزْهَتْ، فَالْبَيْعُ مَاضٍ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الثَّمَرَةِ لِأَنَّهُ بِشِرَاءِ الْأَصْلِ كَانَ قَابِضًا لِلثَّمَرَةِ وَفَاتَتْ بِمَا حَصَلَ فِيهَا عِنْدَهُ مِنْ الزُّهُورِ. فَلَوْ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ قَبْلَ الْإِبَّانِ ثُمَّ اشْتَرَى الْأَصْلَ قَبْلَ الْإِبَّانِ أَيْضًا فُسِخَ الْبَيْعُ فِيهِمَا، لِأَنَّهُ

(وَبُدُوُّهُ) : أَيْ الصَّلَاحِ (فِي بَعْضٍ) مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ وَلَوْ نَخْلَةً (كَافٍ فِي) جَوَازِ بَيْعِ الْجَمِيعِ مِنْ (جِنْسِهِ) لَا فِي غَيْرِ جِنْسِهِ، فَلَا يُبَاعُ رُمَّانٌ بِبُدُوِّ صَلَاحِ بَلَحٍ أَوْ تِينٍ (إنْ لَمْ يَكُنْ) مَا بَدَا صَلَاحُهُ (بَاكُورَةً) فَإِنْ كَانَتْ بَاكُورَةً سَبَقَ طِيبُهَا عَلَى غَيْرِهَا بِزَمَنٍ طَوِيلٍ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْبَاقِي بِطَيِّبِهَا (وَكَفَى فِيهَا) فَقَطْ. (لَا) يَصِحُّ بَيْعُ (بَطْنٍ ثَانٍ) مِنْ الثِّمَارِ (بِطِيبِ) بَطْنٍ (أَوَّلٍ) مِمَّا لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَنْزِلَةِ مَنْ اشْتَرَى نَخْلًا قَبْلَ الْإِبَّانِ عَلَى أَنْ تَبْقَى الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ فَلَوْ اشْتَرَى الْأَصْلَ بَعْدَ الْإِبَانَةِ فُسِخَ الْبَيْعُ فِي الثَّمَرَةِ فَقَطْ (اهـ) نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ. تَنْبِيهٌ ضَمَانُ الثَّمَرَةِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ الْبَائِعِ مَا دَامَتْ فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ، فَإِنْ جَذَّهَا الْمُشْتَرِي رُطَبًا رَدَّ قِيمَتَهَا وَثَمَرًا رَدَّهُ بِعَيْنِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَإِلَّا رَدَّ مِثْلَهُ إنْ عَلِمَ وَقِيمَتَهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ. هَذَا إذَا اشْتَرَى الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا عَلَى التَّبْقِيَةِ، وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَاهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَجَذَّهَا فَإِنَّهُ يَمْضِي بِالثَّمَنِ عَلَى قَاعِدَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ - كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [وَلَوْ نَخْلَةً] : أَيْ وَلَوْ فِي بَعْضِ عَرَاجِينِهَا. قَوْلُهُ: [الْجَمِيعِ مِنْ جِنْسِهِ] : أَيْ فِي ذَلِكَ الْحَائِطِ وَفِي مُجَاوِرِهِ وَلَوْ اخْتَلَفَتْ أَصْنَافُهُ. وَهَذَا خَاصٌّ بِالثِّمَارِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: " وَلَوْ نَخْلَةً " وَمِثْلُهُ فِي الرِّسَالَةِ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّرْعِ بِبُدُوِّ صَلَاحِ بَعْضِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ يُبْسِ جَمِيعِ الْحَبِّ لِأَنَّ حَاجَةَ النَّاسِ لِأَكْلِ الثِّمَارِ رَطْبَةً لِأَجْلِ التَّفَكُّهِ بِهَا أَكْثَرُ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ تَتَابُعُ طَيِّبِ الثِّمَارِ. وَلَيْسَتْ الْحُبُوبُ كَذَلِكَ، لِأَنَّهَا لِلْقُوتِ لَا لِلتَّفَكُّهِ قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ: وَهَذَا الْكَلَامُ يُفِيدُ أَنَّ نَحْوَ الْمَقْثَأَةِ كَالثِّمَارِ. قَوْلُهُ: [سَبَقَ طِيبُهَا عَلَى غَيْرِهَا] : تَفْسِيرٌ لِلْبَاكُورَةِ. قَوْلُهُ: [لَا يَصِحُّ بَيْعُ بَطْنٍ ثَانٍ] : حَاصِلُهُ: أَنَّ الشَّجَرَ إذَا كَانَ يُطْعِمُ فِي السَّنَةِ بَطْنَيْنِ مُتَمَيِّزَيْنِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبَطْنِ الثَّانِي بَعْدَ وُجُودِهِ وَقَبْلَ صَلَاحِهِ بِبُدُوِّ صَلَاحِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَحَكَى ابْنُ رَاشِدٍ قَوْلًا بِالْجَوَازِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبَطْنَ الثَّانِيَ يَتْبَعُ الْأَوَّلَ فِي الصَّلَاحِ. وَفِي الْمَوَّاقِ: سَمِعَ عِيسَى بْنُ الْقَاسِمِ: الشَّجَرَةُ تُطْعِمُ بَطْنَيْنِ فِي السَّنَةِ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ فَلَا يُبَاعُ الْبَطْنُ الثَّانِي مَعَ الْأَوَّلِ بَلْ كُلُّ بَطْنٍ وَحْدَهُ.

[بدو الصلاح في الثمار وغيرها]

بُطُونٍ؛ كَالْمَوْزِ وَالْجُمَّيْزِ وَالنَّبْقِ فَمَنْ بَاعَ الْبَطْنَ الْأَوَّلَ لِبُدُوِّ صَلَاحِهِ ثُمَّ ظَهَرَ الْبَطْنُ الثَّانِي لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ إلَّا إذَا بَدَا صَلَاحُهُ أَيْضًا، وَلَا يُعْتَمَدُ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ بِطَيْبِ الْأَوَّلِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي الثِّمَارِ وَغَيْرِهَا فَقَالَ: (وَهُوَ) أَيْ بُدُوُّ الصَّلَاحِ (الزَّهْوُ) فِي الْبَلَحِ بِاصْفِرَارِهِ أَوْ احْمِرَارِهِ وَمَا فِي حُكْمِهَا كَالْبَلَحِ الْخَضْرَاوِيِّ (وَظُهُورُ الْحَلَاوَةِ) فِي غَيْرِهِ كَالْعِنَبِ وَالتِّينِ وَنَحْوِهِمَا (وَالتَّهَيُّؤُ لِلنُّضْجِ) : كَأَنْ يَمِيلَ إذَا قُطِعَ إلَى صَلَاحٍ كَالْمَوْزِ، لِأَنَّ شَأْنَهُ أَلَّا يَطِيبَ إلَّا بَعْدَ جَذِّهِ وَرُبَّمَا دُفِنَ فِي نَحْوِ تِبْنٍ. (وَ) بُدُوُّ الصَّلَاحِ (فِي ذِي النَّوْرِ) بِفَتْحِ النُّونِ: وَهُوَ الزَّهْرُ كَالْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَلَفْظُ ذِي زَائِدَةٌ (بِانْفِتَاحِهِ) : أَيْ انْفِتَاحِ أَكْمَامِهِ وَظُهُورِ وَرَقِهِ مِنْهَا. (وَفِي الْبُقُولِ) كَالْفُجْلِ وَالْكُرَّاثِ وَالْجَزَرِ (بِإِطْعَامِهَا) : أَيْ بُلُوغِهَا حَدَّ الْإِطْعَامِ (وَفِي الْبِطِّيخِ) الْأَصْفَرِ أَوْ غَيْرِهِ (بِكَالِاصْفِرَارِ) ، وَمِثْلُ الِاصْفِرَارِ فِي غَيْرِ الْأَصْفَرِ تَهَيُّؤُهُ لِلنُّضْجِ بِدُخُولِ الْحَلَاوَةِ فِيهِ وَتَلَوُّنِ لُبِّهِ وَفِي الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ بِبُلُوغِهِمَا حَدَّ الْإِطْعَامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ إلَّا إذَا بَدَا صَلَاحُهُ] : أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْبُطُونَ مُتَمَيِّزٌ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ كَالنَّبْقِ وَالْجُمَّيْزِ، وَأَمَّا مَا لَا يَتَمَيَّزُ بُطُونُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ كُلُّهُ بِبُدُوِّ صَلَاحِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ طِيبَ الثَّانِي يَلْحَقُ طِيبَ الْأَوَّلِ عَادَةً كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: " وَلِلْمُشْتَرِي بُطُونٌ نَحْوُ مَقْثَأَةٍ وَيَاسَمِينٍ ". [بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي الثِّمَارِ وَغَيْرِهَا] قَوْلُهُ: [الزَّهْوُ] : بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَبِضَمِّهَا وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ. قَوْلُهُ: [كَالْبَلَحِ الْخَضْرَاوِيِّ] : أَيْ فَيَكْفِي ظُهُورُ الْحَلَاوَةِ فِي الْبَلَحِ الْخَضْرَاوِيِّ لِكَوْنِهِ دَائِمًا أَخْضَرَ. قَوْلُهُ: [وَتَلَوُّنَ لُبِّهِ] : أَيْ بِالْحُمْرَةِ وَالسَّوَادِ. قَوْلُهُ: [وَمَضَى بَيْعِهِ] : يَعْنِي أَنَّ الْحَبَّ إذَا بِيعَ قَائِمًا مَعَ سُنْبُلِهِ جُزَافًا بَعْدَ إفْرَاكِهِ وَقَبْلَ يُبْسِهِ عَلَى التَّبْقِيَةِ أَوْ كَانَ الْعُرْفُ ذَلِكَ، فَإِنَّ بَيْعَهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً وَإِنْ وَقَعَ مَضَى بِقَبْضِهِ بِحَصَادِهِ، وَقَوْلُنَا: قَائِمًا احْتِرَازٌ مِمَّا جُزَّ كَالْفُولِ الْأَخْضَرِ وَالْفَرِيكِ فَإِنَّ بَيْعَهُمَا جُزَافًا جَائِزٌ بِلَا نِزَاعٍ لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ.

(وَفِي الْحَبِّ بِيُبْسِهِ) : الْمُرَادُ بِهِ غَايَةُ الْإِفْرَاكِ وَبُلُوغُهُ حَدًّا لَا يَكْبَرُ بَعْدَهُ عَادَةً (وَمَضَى بَيْعُهُ) : أَيْ الْحَبِّ فَلَا يُفْسَخُ (إنْ أَفْرَكَ) وَلَمْ يَيْبَسْ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً (بِقَبْضِهِ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَكْرَهُهُ، فَإِنْ وَقَعَ وَفَاتَ فَلَا أَرَى أَنْ يُفْسَخَ (اهـ) ، قَالَ عِيَاضٌ: اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْفَوَاتِ هُنَا؛ فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّهُ الْقَبْضُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَتْ الْمُدَوَّنَةُ، وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ، وَذَهَبَ غَيْرُ أَبِي مُحَمَّدٍ إلَى أَنَّ الْفَوَاتَ بِالْعَقْدِ، وَقِيلَ: بِيُبْسِهِ وَهَذَا إذَا اشْتَرَاهُ عَلَى أَنْ يَتْرُكَهُ حَتَّى يَيْبَسَ أَوْ كَانَ الْعُرْفُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ. وَالْمُرَادُ بَيْعُهُ جُزَافًا مَعَ سُنْبُلِهِ، وَأَمَّا بَيْعُهُ مُجَرَّدًا عَنْ سُنْبُلِهِ، فَقَبْلَ الْيُبْسِ لَا يَجُوزُ وَيُفْسَخُ مُطْلَقًا وَبَعْدَ الْيُبْسِ يَجُوزُ إنْ وَقَعَ عَلَى الْكَيْلِ كَمَا تَقَدَّمَ لَا جُزَافًا لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ. (وَلِلْمُشْتَرِي بُطُونُ نَحْوِ مَقْثَأَةٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ: الْبِطِّيخُ وَالْخِيَارُ وَالْقِثَّاءُ (وَيَاسَمِينٍ) مِمَّا لَهُ بُطُونٌ يَعْقُبُ بَعْضُهَا بِلَا تَمْيِيزٍ ثُمَّ تَنْتَهِي أَيْ يُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا. (وَلَا يَجُوزُ) بَيْعُهَا (لِأَجَلٍ) كَشَهْرٍ لِاخْتِلَافِهَا بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ وَالصِّغَرِ وَالْكِبْرِ (بِخِلَافِ مَا لَا يَنْتَهِي) بُطُونُهُ كَالْمَوْزِ فِي بَعْضِ الْأَقْطَارِ (فَيَتَعَيَّنُ) فِي بَيْعِهِ (الْأَجَلُ) أَيْ بَيَانُهُ وَضَرْبُهُ. وَظَاهِرٌ أَنَّ بَيْعَ الثِّمَارِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا إنَّمَا يَجُوزُ بِغَيْرِ طَعَامٍ، وَإِلَّا لَزِمَ رِبَا الْفَضْلِ وَالنَّسَاءِ إنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسِهَا وَرِبَا النَّسَاءِ فَقَطْ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَمْ يَيْبَسْ] : أَيْ لَمْ يَبْلُغْ غَايَةَ الْإِفْرَاكِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ بِيُبْسِهِ] : أَيْ فَيَفُوتُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُدْهُ. وَبَقِيَ قَوْلٌ رَابِعٌ: وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ بِالْقَبْضِ بَلْ بِمُفَوِّتٍ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ] : أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ اشْتَرَاهُ عَلَى الْقَطْعِ أَوْ الْإِطْلَاقِ أَوْ كَانَ الْعُرْفُ ذَلِكَ وَكَانَ لِمُشْتَرِيهِ حِينَئِذٍ تَرْكُهُ حَتَّى يَيْبَسَ، كَمَا فِي سَمَاعِ يَحْيَى، وَكَذَا فِي ابْنِ رُشْدٍ. قَوْلُهُ: [وَيُفْسَخُ مُطْلَقًا] : أَيْ بَيْعَ جُزَافًا أَوْ كَيْلًا عَلَى التَّبْقِيَةِ أَوْ الْإِطْلَاقِ. قَوْلُهُ: [إنْ وَقَعَ عَلَى الْكَيْلِ] : أَيْ وَلَمْ يَتَأَخَّرْ تَمَامُ حَصْدِهِ وَدَرْسِهِ وَذَرْوِهِ

[بيع العرايا]

وَلَمَّا كَانَتْ الْعَرِيَّةُ مِنْ الثِّمَارِ؛ وَجَوَّزُوا فِيهَا بَيْعَهَا بِجِنْسِهَا بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ - ذَكَرَهَا بَعْدَ ذِكْرِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ مُبَيَّنًا لِشُرُوطِهَا - فَقَالَ: (وَجَازَ لِمُعْرٍ) : وَهُوَ وَاهِبُ الثَّمَرَةِ (وَقَائِمٍ مَقَامَهُ) بِإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ اشْتِرَاءٍ لِلْأُصُولِ مَعَ ثَمَرِهَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا فَقَطْ (اشْتِرَاءُ ثَمَرَةٍ) فَاعِلُ جَازَ (أَعْرَاهَا) : أَيْ وَهَبَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ مَنْ قَامَ الْمُشْتَرِي مَقَامَهُ وَهَذَا نَعْتٌ أَوَّلٌ كَأَنَّهُ قَالَ: مُعْرَاةٌ. وَقَوْلُهُ (تَيْبَسُ) نَعْتٌ ثَانٍ: أَيْ مِنْ شَأْنِهَا الْيُبْسُ كَبَلَحٍ وَجَوْزٍ وَلَوْزٍ وَعِنَبٍ وَتِينٍ وَزَيْتُونٍ فِي غَيْرِ مِصْرَ. لَا كَمَوْزٍ وَعِنَبٍ وَتِينٍ بِمِصْرَ فَإِنَّهُ لَا يَيْبَسُ فِيهَا إذَا تُرِكَ. وَخَوْخٍ وَبُرْقُوقٍ لِعَدَمِ يُبْسِهِ لَوْ تُرِكَ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَنْ وَهَبَ ثَمَرًا مِنْ حَائِطِهِ لِإِنْسَانٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ شَهْرٍ. [بَيْع الْعَرَايَا] قَوْلُهُ: [مِنْ الثِّمَارِ] : أَيْ مِنْ مَبَاحِثِ الثِّمَارِ فَالثِّمَارُ كُلِّيٌّ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَوَائِحُ وَالْعَرِيَّةُ وَكَيْفِيَّةُ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: [وَجَوَّزُوا فِيهَا بَيْعَهَا بِجِنْسِهَا] : أَيْ مَعَ مَا فِيهَا مِنْ رِبَا الْفَضْلِ وَالنَّسَاءِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ شِرَاءَ الثَّمَرَةِ الرَّطْبَةِ بِخَرْصِهَا يَابِسًا يَدْفَعُ عِنْدَ الْجِذَاذِ فِيهِ رِبَا النَّسَاءِ تَحْقِيقًا وَرِبَا فَضْلٍ شَكًّا لِأَنَّ الْخَرْصَ لَيْسَ قَدْرَ الثَّمَنِ قَطْعِيًّا. قَوْلُهُ: [وَجَازَ لِمُعْرٍ] : قَالَ التَّتَّائِيُّ: الْعَرِيَّةُ ثَمَنُ نَخْلٍ أَوْ غَيْرِهِ يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ يَهَبُهَا مَالِكُهَا ثُمَّ يَشْتَرِيهَا مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِثَمَرٍ يَابِسٍ إلَى الْجُذَاذِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَهُوَ وَاهِبُ الثَّمَرَةِ] : تَفْسِيرٌ لِلْمُعْرِي وَتَسْمِيَتُهُ بِمُعْرٍ وَتَسْمِيَتُهَا عَرِيَّةٌ اصْطِلَاحٌ لِلْفُقَهَاءِ. قَوْلُهُ: [بِإِرْثٍ] : أَيْ لِلْمُعْرِي وَقَوْلُهُ [أَوْ هِبَةٍ] أَيْ: بِأَنْ وَهَبَهَا الْمُعْرَى لَهُ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ اشْتِرَاءٍ لِلْأُصُولِ] : أَيْ مِنْ الْمُعْرَى. قَوْلُهُ: [أَوْ مَنْ قَامَ الْمُشْتَرِي مَقَامَهُ] : أَيْ مِنْ وَارِثٍ أَوْ مَوْهُوبٍ لَهُ أَوْ مُشْتَرٍ فَقَوْلُهُ [أَوْ مَنْ قَامَ] مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُشْتَرِي. قَوْلُهُ: [تَيْبَسُ] : إنْ قُلْت: الْمُضَارِعُ يَدُلُّ عَلَى الْحَالِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ فَهُوَ مُجْمَلٌ؟ أُجِيبَ: بِأَنَّ عُدُولَهُ عَنْ صِيغَةِ الْمَاضِي لِلْمُضَارِعِ قَرِينَةٌ الِاسْتِقْبَالِ.

[شروط بيع العرايا]

بِخَرْصِهِ لِلْجُذَاذِ بِشُرُوطٍ: أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ الْمَوْهُوبَةُ مِمَّا يَيْبَسُ، وَيُدَّخَرُ، وَأَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ (بِخَرْصِهَا) أَيْ قَدْرِهَا لَا بِأَكْثَرَ وَلَا أَقَلَّ. (وَنَوْعِهَا) : أَيْ صِنْفِهَا، فَلَا يُبَاعُ تَمْرٌ بِتِينٍ وَلَا تَمْرٌ صَيْحَانِيّ بِبَرْنِيِّ. وَأَنْ يَكُونَ الْخَرْصُ (فِي الذِّمَّةِ) : أَيْ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فِي وَاهِبٍ أَوْ قَائِمٍ مَقَامَهُ. (لَا) يَجُوزُ (عَلَى التَّعْجِيلِ) : لِأَنَّ بَيْعَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ رُخْصَةٌ يَقْتَصِرُ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ، وَلَا فِي حَائِطٍ مُعَيَّنٍ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ. وَأَشَارَ لِأَرْبَعَةٍ تَصْرِيحًا بِقَوْلِهِ: (إنْ لَفَظَ الْوَاهِبُ) حِينَ الْإِعْطَاءِ (بِالْعَرِيَّةِ) كَ: أَعْرَيْتُك، لَا بِالْهِبَةِ وَلَا الصَّدَقَةِ وَلَا الْمِنْحَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَبَدَا صَلَاحُهَا) وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ - وَإِنْ كَانَ لَا يَخْتَصُّ - بِالْعَرِيَّةِ - لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ لِلرُّخْصَةِ. (وَ) كَانَ (الْمُشْتَرَى) مِنْهَا (خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَدُونَ) لَا أَكْثَرُ إنْ كَانَ أَكْثَرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [شُرُوط بَيْع الْعَرَايَا] قَوْلُهُ: [بِشُرُوطٍ] : أَيْ ثَمَانِيَةٍ. وَبَقِيَ شَرْطَانِ، أَحَدُهُمَا: كَوْنُ الْمُشْتَرِي هُوَ الْوَاهِبَ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَهَذَا مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَجَازَ لِمُعْرٍ إلَخْ وَالثَّانِي: كَوْنُهُ مُخَصَّصًا بِالثَّمَرَةِ وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ: " اشْتَرَى ثَمَرَةً أَعْرَاهَا تَيْبَسُ " فَالشُّرُوطُ عَشَرَةٌ. قَوْلُهُ: [وَنَوْعِهَا] : أَيْ وَأَمَّا شَرْطُ اتِّحَادِ الصِّفَةِ فَلَا. وَيَجُوزُ بَيْعُ جَيِّدٍ بِخَرْصِهِ رَدِيءٍ وَعَكْسُهُ خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ. قَوْلُهُ: [فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ] : قَدْ يُقَالُ هِيَ خَمْسَةٌ، وَالْخَامِسُ قَوْلُهُ: " لَا عَلَى التَّعْجِيلِ " لِأَنَّهُ مَعْنَى قَوْلِ خَلِيلٍ: " يُوَفَّى عِنْدَ الْجِذَاذِ " فَتَكُونُ الشُّرُوطُ أَحَدَ عَشَرَ. قَوْلُهُ: [وَكَانَ الْمُشْتَرَى مِنْهَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ] : أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ أَعْرَى عَرَايَا لِوَاحِدٍ أَوْ مُتَعَدِّدٍ فِي حَوَائِطَ أَوْ حَائِطٍ فَمِنْ كُلٍّ مِنْهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِعُقُودٍ مُتَعَدِّدَةٍ إنْ كَانَ الْمُعْرَى لَهُ وَاحِدًا مَعَ اخْتِلَافِ زَمَنِهَا لَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ عَلَى الرَّاجِحِ.

(و) كَانَ الْمُشْتَرِي (قَصَدَ الْمَعْرُوفَ) مَعَ الْمُعْرَى لَهُ لِكِفَايَتِهِ الْمُؤْنَةَ وَالْحِرَاسَةَ (أَوْ) قَصَدَ (دَفْعَ الضَّرَرِ) عَنْ نَفْسِهِ بِدُخُولِ الْمُعْرِي لَهُ فِي حَائِطٍ وَتَطَلُّعِهِ عَلَى عَوْرَاتِهِ لَا إنْ قَصَدَ تِجَارَةً وَنَحْوَهَا وَلَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا. (وَ) جَازَ: (لَك شِرَاءُ ثَمَرِ أَصْلٍ) كَائِنٍ (لِغَيْرِك فِي حَائِطِك بِخَرْصِهِ) مَعَ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ الْمُمْكِنَةِ. إذْ لَفْظُ الْعَرِيَّةِ كَوْنُ الْمُشْتَرِي هُوَ الْمُعْرِي لَا يَتَأَتَّى هُنَا (لِقَصْدِ الْمَعْرُوفِ) مِنْك مَعَ صَاحِبِ الْأَصْلِ (فَقَطْ) ، لَا إنْ قَصَدْت دَفْعَ ضَرَرٍ وَأَوْلَى عَدَمُ قَصْدِ شَيْءٍ. وَهَذَا فِيمَا إذَا اشْتَرَاهَا بِخَرْصِهَا. وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَاهَا بِعَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ لَجَازَ مُطْلَقًا بِشَرْطِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَهُوَ مِنْ مَشْمُولَاتِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الثَّمَرِ إنْ بَدَا صَلَاحُهُ. (وَبَطَلَتْ) الْعَرِيَّةُ (بِمَانِعٍ) لِمُعْرِيهَا (قَبْلَ حَوْزِهَا بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ) عَلَى أَصْلِهَا. بِأَنْ مَاتَ مُعْرِيهَا أَوْ فَلَّسَ أَوْ مَرِضَ أَوْ جُنَّ وَاتَّصَلَ مَرَضُهُ أَوْ جُنُونُهُ بِمَوْتِهِ، لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْحَوْزِ كَسَائِرِ الْعَطَايَا. إلَّا أَنَّ الْحَوْزَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ قَصَدَ دَفْعَ الضَّرَرِ] : أَيْ فَعِلَّةُ التَّرْخِيصِ فِي إحْدَى عِلَّتَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ إمَّا دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْمُعْرِي - بِالْكَسْرِ - الْحَاصِلِ لَهُ بِدُخُولِ الْمُعْرَى - بِالْفَتْحِ - وَخُرُوجِهِ وَاطِّلَاعِهِ عَلَى مَا لَا يَجِبُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ أَوْ لِلْمَعْرُوفِ وَالرِّفْقِ بِالْمُعْرَى - بِالْفَتْحِ - لِكِفَايَتِهِ الْمُؤْنَةَ وَالْحِرَاسَةَ. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الثَّانِيَةِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: جَوَازُ اشْتِرَاءِ بَعْضِهَا كَثُلُثِهَا وَنِصْفِهَا كَكُلِّ الْحَائِطِ إذَا أَعْرَى جَمِيعَهُ وَهُوَ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَأَقَلُّ، وَجَوَازُ الشِّرَاءِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ بَاعَ الْمُعْرِي الْأُصُولَ لِلْمُعْرَى - بِالْفَتْحِ -، أَوْ لِغَيْرِهِ، كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ شِرَاءِ الْعَرِيَّةِ أَوْ بَعْدَهُ. وَأَمَّا عَلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى وَهِيَ دَفْعُ الضَّرَرِ فَلَا يَتَأَتَّى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [لَا يَتَأَتَّى هُنَا] : أَيْ وَالْمُتَأَتَّى هُنَا تِسْعَةٌ: بُدُوُّ الصَّلَاحِ، وَكَوْنُهُ بِالْخَرْصِ، وَمِنْ نَوْعِهَا، وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ تَعْجِيلِ ذَلِكَ الْخَرْصِ، وَأَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ التَّمْرُ الْمُشْتَرَى خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَقَلَّ. وَأَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ بِقَصْدِ الْمَعْرُوفِ فَقَطْ، وَكَوْنُهَا فِي الثِّمَارِ، وَكَوْنُهَا مِمَّا يَيْبَسُ. وَاعْتِبَارُ هَذِهِ الشُّرُطِ كُلِّهَا إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ بِخَرْصِهَا كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ. وَأَمَّا إذَا وَقَعَ بِعَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ فَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ بُدُوُّ الصَّلَاحِ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ.

[زكاة العرايا]

هُنَا لَا يُفِيدُ إلَّا بِظُهُورِ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ عَلَى الْأَرْجَحِ، فَلَا يَكْفِي الْحَوْزُ لِأُصُولِهَا قَبْلَ ظُهُورِ ثَمَرِهَا. فَإِنْ حَصَلَ لِلْوَاهِبِ مَانِعٌ بَعْدَ حَوْزِ أَصْلِهَا وَقَبْلَ بُرُوزِ الثَّمَرِ بَطَلَتْ، وَقِيلَ: يَكْفِي وَيَجْرِي مِثْلُ هَذَا فِي هِبَةِ الثَّمَرَةِ وَصَدَقَتِهَا وَتَحْبِيسِهَا. [زَكَاة الْعَرَايَا] (وَزَكَاتُهَا) : أَيْ الْعَرِيَّةِ (وَسَقْيُهَا) ثَابِتَانِ (عَلَى الْمُعْرِي) بِالْكَسْرِ أَيْ مُعْرِيهَا. وَأَمَّا غَيْرُ السَّقْيِ مِنْ تَقْلِيمٍ وَتَنْقِيَةٍ وَحِرَاسَةٍ فَعَلَى الْمُعْرَى لَهُ. (وَ) لَوْ نَقَصَتْ الْعَرِيَّةُ عَنْ النِّصَابِ (كُمِّلَتْ) مِنْ ثِمَارِ مُعْرِيهَا وَزَكَّاهَا وَأَمَّا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فَزَكَاتُهُمَا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ إنْ حَصَلَا قَبْلَ الطِّيبِ لَا بَعْدَهُ فَعَلَى الْوَاهِبِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْجَوَائِحِ فَقَالَ: (وَتُوضَعُ جَائِحَةُ الثِّمَارِ) عَنْ الْمُشْتَرِي (وَلَوْ) كَانَ شَأْنُهَا لَا تَيْبَسُ أَوْ بُطُونًا لَا تَنْتَهِي أَوْ تَنْتَهِي (كَمَوْزٍ وَمَقَاثِئ) يَشْمَلُ الْبِطِّيخَ وَالْخِيَارَ وَالْقِثَّاءَ وَالْقَرْعَ وَالْبَاذِنْجَانَ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالثِّمَارِ خُصُوصَ مَا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ. (وَإِنْ بِيعَتْ عَلَى الْجَذِّ) فَأُجِيحَتْ قَبْلَ تَمَامِهِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي تُجَذُّ فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بطلان الْعَرَايَا] قَوْلُهُ: [وَزَكَاتُهَا] : إلَخْ إنَّمَا كَانَتْ زَكَاتُهَا وَسَقْيُهَا عَلَى الْمُعْرِي لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي الْعَرِيَّةِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي بَقِيَّةِ الْعَطَايَا. قَوْلُهُ: [ثَابِتَانِ عَلَى الْمُعْرِي] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِهَا وَلَوْ حَصَلَتْ الْعَرِيَّةُ قَبْلَ الطَّيِّبِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ كَمَا يَأْتِي. [حُكْمِ الْجَوَائِحِ] [تَنْبِيه لَا جَائِحَة فِي الثَّمَرَة الْمَدْفُوعَة خلعا] قَوْلُهُ: [وَتُوضَعُ جَائِحَةُ الثِّمَارِ] : الْجَائِحَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْجَوْحِ: وَهُوَ الْهَلَاكُ، وَاصْطِلَاحًا: مَا أُتْلِفَ مِنْ مَعْجُوزٍ عَنْ دَفْعِهِ عَادَةً قَدْرًا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ نَبَاتٍ بَعْدَ بَيْعِهِ؛ بِكَذَا عَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ. وَقَوْلُهُ: [مِنْ مَعْجُوزٍ] : بَيَانٌ " لِمَا ". وَقَوْلُهُ: [قَدْرًا] : مَفْعُولٌ لِأَتْلَفَ. وَأَطْلَقَ فِي الْقَدْرِ لِأَجْلِ أَنْ يَعُمَّ الثِّمَارَ وَغَيْرَهَا لِأَنَّ الثِّمَارَ وَإِنْ اُشْتُرِطَ فِيهَا كَوْنُ التَّالِفِ ثُلُثًا، لَكِنَّ الْبُقُولَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ وَإِنَّمَا وُضِعَتْ جَائِحَةُ الثِّمَارِ عَنْ الْمُشْتَرِي لِمَا بَقِيَ عَلَى الْبَائِعِ فِي الثَّمَرَةِ مِنْ حَقِّ التَّوْفِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ بِيعَتْ عَلَى الْجَذِّ] : أَيْ هَذَا إذَا بِيعَتْ عَلَى التَّبْقِيَةِ لِأَجْلِ أَنْ يَنْتَهِيَ طَيِّبُهَا بَلْ وَإِنْ بِيعَتْ عَلَى الْجَذِّ أَيْ الْقَطْعِ وَعَدَمِ التَّأْخِيرِ لِانْتِهَاءِ طَيِّبِهَا.

[محل وضع الجائحة عن المشتري]

عَادَةً أَوْ بَعْدَهَا إنْ حَصَلَ مَانِعٌ مِنْهُ (أَوْ) كَانَتْ الثَّمَرَةُ (مِنْ عَرِيَّتِهِ) فَاشْتَرَاهَا مُعْرِيهَا بِخَرْصِهَا فَأُجِيحَتْ فَتُوضَعُ. (أَوْ) كَانَتْ الثَّمَرَةُ (مَهْرًا) لِزَوْجَةٍ فَأُجِيحَتْ. وَمَحَلُّ وَضْعِهَا عَنْ الْمُشْتَرِي: (إنْ أَصَابَتْ) الْجَائِحَةُ (الثُّلُثَ) فَأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَرِ لَا أَقَلَّ (وَأُفْرِدَتْ) الثَّمَرَةُ (بِالشِّرَاءِ) دُونَ أَصْلِهَا (أَوْ أُلْحِقَ أَصْلُهَا) فِي الشِّرَاءِ (بِهَا) : أَيْ بِشِرَاءِ الثَّمَرَةِ (لَا عَكْسُهُ) ، وَهُوَ شِرَاءُ أَصْلِهَا أَوَّلًا ثُمَّ أُلْحِقَتْ بِهِ (أَوْ مَعَهُ) : بِأَنْ اشْتَرَاهُمَا مَعًا فِي عَقْدٍ، فَلَا جَائِحَةَ فِيهِمَا وَمُصِيبَتُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي (أَوْ اُعْتُبِرَ قِيمَةُ مَا أُصِيبَ مِنْ بُطُونٍ وَنَحْوِهَا إلَى مَا بَقِيَ فِي زَمَنِهِ) : يَعْنِي إذَا أُجِيحَ بَطْنٌ مِمَّا يُطْعِمُ بُطُونًا كَالْمَقَاثِئِ - وَقَدْ جَنَى بَطْنَيْنِ مَثَلًا - أَوْ اشْتَرَى بَطْنًا وَاحِدَةً مِمَّا لَا يُحْبَسُ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ كَالْعِنَبِ، أَوْ اشْتَرَى أَصْنَافًا كَبَرْنِيِّ وَصَيْحَانِيٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَخْتَلِفُ أَسْوَاقُهُ فِي أَوَّلِ مَجْنَاهُ وَوَسَطِهِ وَآخِرِهِ، فَإِنْ بَلَغَ ذَلِكَ ثُلُثَ الْمَكِيلَةِ أَوْ الْوَزْنِ وُضِعَ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ يُعْتَبَرُ قِيمَةُ مَا أُصِيبَ بِالْجَائِحَةِ مِنْ الْبُطُونِ أَوْ مَا فِي حُكْمِهَا كَمَا ذَكَرْنَا، وَيُنْسَبُ إلَى قِيمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ مِنْ عَرِيَّتِهِ] : أَيْ خِلَافًا لِأَشْهَبَ الْقَائِلَ بِأَنَّهَا لَا تُوضَعُ جَائِحَتُهَا؛ لِأَنَّ الْعَرِيَّةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا أَعْرَاهُ ثَمَرَ نَخْلَاتٍ ثُمَّ اشْتَرَى عَرِيَّتَهُ بِخَرْصِهَا. أَمَّا لَوْ اشْتَرَاهَا بِعَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ فَإِنَّ الْجَائِحَةَ تُحَطُّ عَنْ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْمُعْرِي - بِالْكَسْرِ - اتِّفَاقًا وَإِنْ أَعْرَاهُ أَوْسُقًا مِنْ حَائِطِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ ثُمَّ أُجِيحَ ثَمَرُ الْحَائِطِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مِقْدَارَ تِلْكَ الْأَوْسُقِ فَلَا قِيَامَ لِلْمُعْرِي بِالْجَائِحَةِ وَلَا تُحَطُّ عَنْهُ اتِّفَاقًا؛ فَالْمَسْأَلَةُ ذَاتُ صُوَرٍ ثَلَاثٍ قَدْ عَلِمْتهَا. قَوْلُهُ: [أَوْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ مَهْرًا لِزَوْجَةٍ] : نَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي لَغْوِهَا فِي النِّكَاحِ لِبِنَائِهِ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَثُبُوتِهَا لِأَنَّهَا عِوَضٌ قَوْلَا الْعُتْبِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ. وَصَوَّبَهُ ابْنُ يُونُسَ اللَّخْمِيُّ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْمَهْرُ ثَمَرًا. وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمَهْرُ غَيْرَ ثَمَرٍ ثُمَّ عُوِّضَتْ فِيهِ ثَمَرًا فَفِيهِ الْجَائِحَةُ اتِّفَاقًا. تَنْبِيهٌ لَا جَائِحَةَ فِي الثَّمَرَةِ الْمَدْفُوعَةِ خُلْعًا وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِثُبُوتِهَا فِي الْمَهْرِ وَذَلِكَ لِضَعْفِ الْخُلْعِ عَنْ الصَّدَاقِ بِجَوَازِ الْغَرَرِ فِيهِ دُونَ الصَّدَاقِ. [مَحَلُّ وَضْعِ الْجَائِحَةُ عَنْ الْمُشْتَرِي] قَوْلُهُ: [الثُّلُثُ فَأَكْثَرُ] : أَيْ وَلَوْ مِنْ كَصَيْحَانِيٍّ وَبَرْنِيِّ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ

مَا بَقِيَ سَلِيمًا فِي زَمَنِهِ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ؛ فَإِنْ كَانَ الْمُجَاحُ مِمَّا لَمْ يُجِحْ قَدْرَ ثُلُثِ النَّبَاتِ وُضِعَ قَدْرُهُ وَقِيلَ: لَهُ " قِيمَةُ الْمُجَاحِ فِي زَمَنِهِ ". قَالَ الْأَشْيَاخُ: مَعْنَاهُ أَنْ يَصِيرَ إلَى انْتِهَاءِ الْبُطُونِ، ثُمَّ يُقَالُ: كَمْ يُسَاوِي كُلُّ بَطْنٍ زَمَنَ الْجَائِحَةِ عَلَى أَنْ يُقْبَضَ فِي أَوْقَاتِهِ؟ فَإِذَا قِيلَ: قِيمَةُ الْمُجَاحِ يَوْمَ الْجَائِحَةِ عَشَرَةٌ وَقِيمَةُ السَّلِيمِ يَوْمَ الْجَائِحَةِ عَلَى أَنْ يُقْبَضَ فِي وَقْتِهِ عَشَرَةٌ، حُطَّ عَنْهُ نِصْفُ الثَّمَنِ. وَإِذَا قِيلَ: قِيمَةُ السَّلِيمِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ عِشْرُونَ حُطَّ عَنْهُ الثُّلُثُ. وَإِذَا قِيلَ خَمْسَةٌ: حُطَّ عَنْهُ الثُّلُثَانِ مِنْ الثَّمَنِ وَلِذَا قَالَ: (وَلَا يَسْتَعْجِلُ) بِالتَّقْوِيمِ يَوْمَ الْجَائِحَةِ بَلْ يَصْبِرُ إلَى انْتِهَاءِ الْبُطُونِ لِيَتَحَقَّقَ الْمِقْدَارَ الَّذِي يُقَوَّمُ ثُمَّ يُعْتَبَرُ التَّقْوِيمُ يَوْمَ الْجَائِحَةِ بِأَنْ يُقَالَ: مَا قِيمَتُهُ يَوْمَ الْجَائِحَةِ عَلَى أَنْ يُقْبَضَ فِي وَقْتِهِ؟ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَقُومُ كُلٌّ فِي زَمَنِهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: لَمْ يَتَأَوَّلْهَا أَحَدٌ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الظَّاهِرُ مِنْهَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا: هَلْ يُرَاعَى يَوْمَ الْبَيْعِ أَوْ يَوْمَ الْجَائِحَةِ، وَأَنَّ وَضْعَ الْجَائِحَةِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا أَصَابَ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ. وَأَمَّا الرُّجُوعُ لِقِيمَةِ الْمُصَابِ فَيَثْبُتُ بَعْدَ إجَاحَةِ الثُّلُثِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَبِيعِ صِنْفًا وَاحِدًا أَوْ صِنْفَيْ نَوْعٍ بِيعَا مَعًا فَأُجِيحَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَإِنَّهَا تُوضَعُ إنْ بَلَغَتْ ثُلُثَ مَكِيلَةِ الْجَمِيعِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ الْقَائِلِ بِاعْتِبَارِ ثُلُثِ الْقِيمَةِ إنْ تَعَدَّدَ الصِّنْفَ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِ كَوْنِ مَا أَتْلَفَتْهُ الْجَائِحَةُ مِنْ أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ ثُلُثَ الْمَبِيعِ، لَكِنْ هَلْ الْمُعْتَبَرُ ثُلُثُ قِيمَتِهِ أَوْ ثُلُثُ مَكِيلَتِهِ؟ خِلَافٌ وَمَوْضُوعُهُ فِي صُورَتَيْنِ: مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ نَوْعًا لَا يُحْبَسُ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ كَالْمَقَاثِئِ، أَوْ كَانَ صِنْفَيْ نَوْعٍ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ نَوْعًا وَاحِدًا يُحْبَسُ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِ ثُلُثِ مَكِيلَتِهِ - كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْأَقْوَالَ أَرْبَعَةٌ؛ قِيلَ: يَعْتَبِرُ قِيمَةَ كُلٍّ فِي وَقْتِهِ وَلَا يَسْتَعْجِلُ بِالتَّقَوُّمِ. وَقِيلَ: يَعْتَبِرُ قِيمَةَ كُلٍّ يَوْمَ الْبَيْعِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الْبُطُونِ السَّالِمَةِ فِيهِ، فَإِنْ أُجِيحَتْ بَطْنٌ مَثَلًا قِيلَ: مَا قِيمَتُهَا يَوْمَ الْبَيْعِ، وَمَا قِيمَةُ السَّالِمِ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ الْبَيْعِ؟ فَيُقَالُ: كَذَا. وَقِيلَ: يَعْتَبِرُ قِيمَةَ كُلٍّ يَوْمَ الْجَائِحَةَ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَقِيلَ: يُسْتَعْجَلُ بِالتَّقْوِيمِ بِحَيْثُ يُقَالُ: يَوْمَ الْجَائِحَةِ

(وَإِنْ تَعَيَّبَتْ) الثَّمَرَةُ - كَأَنْ أَصَابَهَا غُبَارٌ أَوْ عَفَنٌ مِنْ غَيْرِ ذَهَابِ عَيْنِهَا - (فَثُلُثُ الْقِيمَةِ) هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي وَضْعِ الْجَائِحَةِ، لَا ثُلُثُ الْمَكِيلَةِ. فَإِنْ نَقَصَتْ بِالْعَيْبِ ثُلُثَ قِيمَتِهَا فَأَكْثَرُ وُضِعَ عَنْ الْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلَا. (وَهِيَ) : أَيْ الْجَائِحَةُ (مَا) : أَيْ كُلُّ شَيْءٍ (لَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ) عَادَةً (مِنْ) أَمْرٍ (سَمَاوِيٍّ) كَبَرْدٍ وَثَلْجٍ وَغُبَارٍ وَسُمُومٍ - أَيْ رِيحٍ حَارٍّ - وَجَرَادٍ وَفَأْرٍ وَنَارٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (أَوْ جَيْشٍ، وَفِي السَّارِقِ خِلَافٌ) قِيلَ: لَيْسَ بِجَائِحَةٍ لِأَنَّهُ يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ بِالْحِرَاسَةِ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَقِيلَ: مِنْ الْجَائِحَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَصَوَّبَهُ ابْنُ يُونُسَ وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ رُشْدٍ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ تُعْلَمْ عَيْنُهُ وَإِلَّا اتَّبَعَهُ الْمُشْتَرِي. وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَحَلَّ وَضْعِ الْجَائِحَةِ إذَا بَلَغَتْ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا أُجِيحَتْ بِغَيْرِ الْعَطَشِ. وَأَمَّا بِالْعَطَشِ فَيُوضَعُ مُطْلَقًا وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَتُوضَعُ) الْجَائِحَةُ الْحَاصِلَةُ (مِنْ الْعَطَشِ) مُطْلَقًا (وَإِنْ قَلَّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا قِيمَةُ الْمُجَاحِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؟ فَيُقَالُ: كَذَا. وَمَا قِيمَةُ السَّالِمِ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا فِيهِ؟ فَيُقَالُ: كَذَا. وَقِيلَ: يُسْتَعْجَلُ بِتَقْوِيمِ السَّالِمِ عَلَى الظَّنِّ وَالتَّخْمِينِ بَلْ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْبُطُونِ يَنْظُرُ كَمْ تُسَاوِي كُلَّ بَطْنٍ زَمَنَ الْجَائِحَةِ عَلَى أَنَّهَا تُقْبَضُ بَعْدَ شَهْرٍ مَثَلًا. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَفِي (بْن) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا: هَلْ يُرَاعَى فِي التَّقْوِيمِ يَوْمَ الْبَيْعِ أَوْ يَوْمَ الْجَائِحَةِ؟ وَعَلَى الثَّانِي فَقِيلَ: يُسْتَعْجَلُ بِتَقْوِيمِ السَّالِمِ عَلَى الظَّنِّ وَالتَّخْمِينِ وَقِيلَ لَا يُسْتَعْجَلُ بِتَقْوِيمِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَوْلُهُ: [لَا ثُلُثَ الْمَكِيلَةِ] : إنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ ثُلُثُ الْمَكِيلَةِ لِأَنَّ عَيْنَهَا مَوْجُودَةٌ لَمْ تَذْهَبْ وَلَمْ يَحْصُلْ فِيهَا نَقْصٌ مِنْ جِهَةِ الْكَيْلِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَإِنْ لَمْ تَهْلَكْ الثِّمَارُ بَلْ تَعَيَّبَتْ فَقَطْ بِكَغُبَارٍ يُصِيبُهَا أَوْ رِيحٍ يُسْقِطُهَا قَبْلَ طِيبِهَا فَيَنْقُصُ ثَمَنُهَا. فَفِي الْبَيَانِ: أَنَّ ذَلِكَ جَائِحَةٌ يُنْظَرُ لِمَا نَقَصَ هَلْ ثُلُثُ الْقِيمَةِ أَمْ لَا، وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: لَيْسَ ذَلِكَ جَائِحَةً وَإِنَّمَا هُوَ عَيْبٌ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَتَمَسَّكَ أَوْ يَرُدَّ (اهـ - بْن) . قَوْلُهُ: [مِنْ الْعَطَشِ مُطْلَقًا] : مَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ الْعَطَشُ مِنْ تَفْرِيطِ الْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلَا تُوضَعُ عَنْهُ.

الْمُجَاحُ مَا لَمْ يَكُنْ تَافِهًا لَا بَالَ لَهُ، وَشَبَّهَ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ قَلَّ قَوْلُهُ (كَالْبُقُولِ) بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ: كَالْخَسِّ وَالْكُزْبَرَةِ وَالسِّلْقِ وَالْهُنْدُبَا وَالْكُرَّاثِ، وَمِنْهُ مَغِيبُ الْأَصْلِ: كَالْجَزَرِ وَالْبَصَلِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَمَّا جَائِحَةُ الْبُقُولِ السِّلْقِ وَالْبَصَلِ وَالْجَزَرِ وَالْفُجْلِ وَالْكُرَّاثِ وَغَيْرِهَا فَيُوضَعُ قَلِيلُ مَا أُجِيحَ مِنْهُ وَكَثِيرُهُ (اهـ) وَسَوَاءٌ أُجِيحَتْ بِعَطَشٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَالزَّعْفَرَانِ وَالرَّيْحَانِ وَالْقُرْطِ) بِضَمِّ الْقَافِ حَشِيشٌ يُشْبِهُ الْبِرْسِيمَ فِي الْخِلْقَةِ (وَالْقَضْبِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ: مَا يُرْعَى مِنْ الْحَشِيشِ (وَوَرَقِ التُّوتِ) يُشْتَرَى لِعَلَفِ دُودِ الْحَرِيرِ (وَالْفُجْلِ وَنَحْوِهَا) : أَيْ الْمَذْكُورَاتِ كَاللُّفْتِ وَالْقُلْقَاسِ وَالثُّومِ. (وَ) إذَا وُضِعَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَا قَلَّ وَمَا كَثُرَ (لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الْبَاقِي) : أَيْ مَا بَقِيَ بَعْدَ الْجَائِحَةِ (وَإِنْ قَلَّ) وَلَيْسَ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ وَحَلُّهُ عَنْ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ فِي الْمِثْلِيّ وَإِنْ قَلَّ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ. وَالْفَرْقُ كَثْرَةُ تَكَرُّرُ الْجَوَائِحِ، فَكَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ دَاخِلٌ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَقَاثِي وَالْمَوْزَ وَالْوَرْدَ وَالْيَاسَمِينَ وَنَحْوَهَا كَالْعُصْفُرِ وَالْفُولِ الْأَخْضَرِ وَالْجُلْبَانِ مُلْحَقَةٌ بِالثِّمَارِ يُرَاعَى فِيهَا الثُّلُثُ فَأَكْثَرُ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الْبَاقِي. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ مَغِيبَ الْأَصْلِ كَالثَّمَرِ يُرَاعَى فِيهِ الثُّلُثُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَسَوَاءٌ أُجِيحَتْ بِعَطَشٍ أَوْ غَيْرِهِ] : أَيْ فَلَيْسَ الْبُقُولُ كَالثِّمَارِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبُقُولَ لَمَّا كَانَتْ تُجَذُّ أَوَّلًا فَأَوَّلٌ لَمْ يَنْضَبِطْ قَدْرَ مَا يَذْهَبُ مِنْهَا. قَوْلُهُ: [وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَقَاثِي] إلَخْ: الْحَاصِلُ أَنَّ الْمَقَاثِي أَوْ الْبَاذِنْجَانَ وَالْقَرْعَ وَالْفُجْلَ وَالْجَزَرَ وَالْمَوْزَ وَالْيَاسَمِينَ وَالْعُصْفُرَ وَالْفُولَ الْأَخْضَرَ وَالْجُلْبَانَ حُكْمُهَا حُكْمُ الثِّمَارِ يُرَاعَى فِيهَا ذَهَابُ الثُّلُثِ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ: أَنَّ الْمَقَاثِي كَالْبُقُولِ، يُوضَعُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا. وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَبِهِ الْقَضَاءُ. قَوْلُهُ: [وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ مَغِيبَ الْأَصْلِ] إلَخْ: الْمُرَادُ بِهِ الْمُتَيْطِيُّ. وَالْحَاصِلُ. أَنَّ الثِّمَارَ لَا بُدَّ فِي وَضْعِ جَائِحَتِهَا مِنْ ذَهَابِ الثُّلُثِ اتِّفَاقًا، وَالْبُقُولُ تُوضَعُ جَائِحَتُهَا وَإِنْ قَلَّتْ اتِّفَاقًا، وَالْمَقَاثِئُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ إلْحَاقُهَا بِالثِّمَارِ وَإِلْحَاقُ مَغِيبِ الْأَصْلِ بِالْبُقُولِ وَأَلْحَقَهُ الْمُتَيْطِيُّ بِالثِّمَارِ وَأَلْحَقَ أَشْهَبُ الْمَقَاثِي بِالْبُقُولِ.

[انتهاء الثمار بالطيب]

(وَإِنْ انْتَهَى طِيبُهَا) : أَيْ الثِّمَارِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا بِأَنْ بَلَغَتْ الْحَدَّ الَّذِي اُشْتُرِيَتْ لَهُ فَتَوَانَى الْمُشْتَرِي فِي جَذِّهَا حَتَّى أُجِيحَتْ (فَلَا جَائِحَةَ) لِفَوَاتِ مَحَلِّ الرُّخْصَةِ، وَأَمَّا لَوْ أُجِيحَتْ أَيَّامَ جَذِّهَا عَلَى الْعَادَةِ فَإِنَّهَا تُوضَعُ (كَالْقَصَبِ الْحُلْوِ) فَإِنَّهُ لَا جَائِحَةَ فِيهِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تُوضَعُ فِيهِ، ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ الْقِيَاسُ (وَيَابِسِ الْحَبِّ) مِنْ قَمْحٍ أَوْ غَيْرِهِ إذَا بِيعَ بَيْعًا صَحِيحًا، وَذَلِكَ بَعْدَ يُبْسِهِ أَوْ قَبْلَهُ عَلَى الْقَطْعِ، لَكِنْ أَبْقَاهُ الْمُشْتَرِي لِيُبْسِهِ فَأُجِيحَ؛ فَلَا جَائِحَةَ فِيهِ، وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَاهُ قَبْلَهُ عَلَى التَّبْقِيَةِ أَوْ الْإِطْلَاقِ فَفَاسِدٌ ضَمَانُهُ مِنْ بَائِعِهِ بِجَائِحَةٍ أَوْ غَيْرِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى الْقَطْعِ فَأُجِيحَ أَيَّامَ قَطْعِهِ الْمُعْتَادِ فَفِيهِ الْجَائِحَةُ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا) : أَيْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي (فِيهَا) : أَيْ فِي الْجَائِحَةِ؛ أَيْ فِي حُصُولِهَا (فَقَوْلُ الْبَائِعِ) : أَيْ فَالْقَوْلُ لَهُ إنَّهَا لَمْ تُجَحْ فَعَلَى الْمُشْتَرِي الْإِثْبَاتُ وَإِنْ تَوَافَقَا عَلَيْهَا. (وَ) اخْتَلَفَا (فِي قَدْرِ الْمُجَاحِ) : هَلْ هُوَ الثُّلُثُ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ (فَالْمُشْتَرِي) الْقَوْلُ لَهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [انْتِهَاء الثِّمَار بالطيب] قَوْلُهُ: [وَإِنْ انْتَهَى طِيبُهَا] : لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ شَرْطَ وَضْعِ الْجَائِحَةِ أَنْ تُصِيبَ الثَّمَرَةَ قَبْلَ انْتِهَاءِ طِيبِهَا ذَكَرَ مَفْهُومَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: " وَإِنْ انْتَهَى طِيبُهَا ". إلَخْ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الثَّمَرَةَ الْمَبِيعَةَ إذَا أَصَابَتْهَا الْجَائِحَةُ بَعْدَ تَنَاهِي طِيبِهَا فَإِنَّهَا لَا تُوضَعُ وَسَوَاءٌ بِيعَتْ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَتَنَاهِي طِيبِهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ بَعْدَ تَنَاهِي طِيبِهَا عَلَى الْجَذِّ فَأَخَّرَ جَذَّهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَأُجِيحَتْ وَالْمُرَادُ بِانْتِهَاءِ طِيبِهَا بُلُوغُهَا الْحَدَّ الَّذِي اُشْتُرِيَتْ لَهُ مِنْ تَمْرٍ أَوْ رُطَبٍ أَوْ زَهْوٍ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى الْقَطْعِ] : أَيْ بِالشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. [اخْتِلَاف الْبَائِع وَالْمُشْتَرِي فِي الْجَائِحَة] [حُكْم الْعَامِل فِي الْمُسَاقَاة إذَا أَصَابَتْ الْجَائِحَة الثَّمَرَة] قَوْلُهُ: [فَقَوْلُ الْبَائِعِ] : أَيْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا. قَوْلُهُ: [فَالْمُشْتَرِي الْقَوْلُ لَهُ] : أَيْ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَهُوَ مُصَدِّقٌ فِيمَا غَرِمَهُ. تَنْبِيهٌ يُخَيَّرُ الْعَامِلُ فِي الْمُسَاقَاةِ إذَا أَصَابَتْ الْجَائِحَةُ الثَّمَرَةَ وَأُجِيحَ الثُّلُثُ فَأَكْثَرُ وَلَمْ يَبْلُغْ الثُّلُثَيْنِ وَكَانَ الْمُجَاحُ شَائِعًا بَيْنَ سَقْيِ الْجَمِيعِ أَوْ تَرْكِهِ بِأَنْ يَحُلَّ الْعَقْدَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فِي جِهَةٍ لَزِمَهُ سَقْيُ مَا عَدَا الْمُجَاحِ. وَأَمَّا إنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلَغَ الْمُجَاحُ الثُّلُثَيْنِ فَأَكْثَرَ خُيِّرَ مُطْلَقًا كَانَ شَائِعًا أَوْ مُعَيَّنًا، وَأَمَّا لَوْ أُجِيحَ دُونَ الثُّلُثِ لَزِمَهُ سَقْيُ الْجَمِيعِ مُطْلَقًا. وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَةً وَاسْتَثْنَى كَيْلًا مَعْلُومًا وَأُجِيحَتْ تِلْكَ الثَّمَرَةُ فَإِنَّهُ يُوضَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي مِنْ ذَلِكَ الْمَكِيلِ الْمُسْتَثْنَى بِقَدْرِ الْمُجَاحِ مِنْ الثَّمَرَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مُشْتَرٍ، فَلَوْ بَاعَ ثَمَرَةً ثَلَاثِينَ إرْدَبًّا بِخَمْسَةَ عَشَرَ وَاسْتَثْنَى عَشَرَةَ أَرَادِبَ فَأُجِيحَ ثُلُثُ الثَّلَاثِينَ وُضِعَ عَنْ الْمُشْتَرِي ثُلُثُ الثَّمَنِ وَثُلُثُ الْقَدْرِ الْمُسْتَثْنَى.

[فصل في اختلاف المتبايعين في الثمن أو المثمن]

فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ (إنْ) (اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي جِنْسِ ثَمَنٍ) كَأَنْ قَالَ الْبَائِعُ: بِعْته لَك بِدِينَارٍ. وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بَلْ بِثَوْبٍ (أَوْ) فِي جِنْسِ (مُثْمَنٍ) كَ: بِعْتُك هَذَا الْحِمَارَ بِدِينَارٍ، فَقَالَ: بَلْ الْعَبْدَ بِدِينَارٍ، وَأَوْلَى إنْ اخْتَلَفَا فِيهِمَا مَعًا، فَأَوْ مَانِعَةُ خُلُوٍّ فَقَطْ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (نَوْعِهِ) ، أَيْ الثَّمَنِ أَوْ الْمُثْمَنِ كَدَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ أَوْ قَمْحٍ وَشَعِيرٍ أَوْ ثَوْبِ كَتَّانٍ وَثَوْبِ قُطْنٍ (حَلَفَا) : أَيْ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى إثْبَاتِ دَعْوَاهُ وَرَدِّ دَعْوَى صَاحِبِهِ (وَفُسِخَ) الْبَيْعُ (مُطْلَقًا) أَشْبَهَا أَوْ لَمْ يُشْبِهَا أَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالشَّبَهِ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا أَوْ فَاتَ لَكِنْ إنْ لَمْ يَفُتْ رَدَّهَا بِعَيْنِهَا (وَرَدَّ قِيمَتِهَا فِي الْفَوَاتِ) . وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ] [اخْتِلَاف الْمُتَبَايِعَانِ فِي جنس الثَّمَن] فَصْلٌ لَمَّا جَرَى ذِكْرُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي هَذَا الْفَصْلِ وَمَا قَبْلَهُ مِنْ أَوَّلِ الْبُيُوعِ إلَى هُنَا كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ: فَمَا الْحُكْمُ إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ نَوْعِهِ أَوْ قَدْرِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؟ فَعَقَدَ لِذَلِكَ فَصْلًا. قَوْلُهُ: [إنْ اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ] : أَيْ لِذَاتٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ. قَوْلُهُ: [بِعْته لَك بِدِينَارٍ] : وَمِثْلُهُ أَكْرَيْته. قَوْلُهُ: [كَبِعْتُك هَذَا الْحِمَارَ بِدِينَارٍ] : وَمِثْلُهُ أَكَرَيْته لَك بِدِينَارٍ. قَوْلُهُ: [فَأَوْ مَانِعَةُ خُلُوٍّ فَقَطْ] : أَيْ فَتَجُوزُ الْجَمْعُ فَيَصْدُقُ مَوْضُوعُ الْكَلَامِ بِثَلَاثِ صُوَرِ اخْتِلَافٍ؛ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ فَقَطْ، أَوْ الْمُثْمَنِ فَقَطْ، أَوْ هُمَا. وَإِنْ قُلْت: كَانَ الْبَيْعُ ذَاتًا أَوْ مَنْفَعَةً كَانَتْ الصُّوَرُ سِتًّا وَمِثْلُهَا فِي اخْتِلَافِ النَّوْعِ. قَوْلُهُ: [وَفُسِخَ الْبَيْعُ مُطْلَقًا] : دَخَلَ تَحْتَ الْإِطْلَاقِ ثَمَانِ صُوَرٍ تُضْرَبُ فِي الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ: أَشْبَهَا أَوْ لَمْ يُشْبِهَا، أَشْبَهَ الْبَائِعُ دُونَ الْمُشْتَرِي، وَعَكْسُهُ، كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا أَوْ فَائِتًا. فَجُمْلَةُ الصُّوَرِ سِتٌّ وَتِسْعُونَ؛ تَأَمَّلْ، قَوْلُهُ: [وَرَدَّ قِيمَتَهَا فِي الْفَوَاتِ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ الْفَوَاتُ بِحَوَالَةِ سُوقٍ وَتَقَاصَّا

(يَوْمَ الْبَيْعِ) لَا يَوْمَ الْحُكْمِ وَلَا يَوْمَ الْفَوَاتِ، وَهَذَا إذَا كَانَ مُقَوَّمًا فَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا رَدَّ مِثْلَهُ. (وَ) إنْ اخْتَلَفَا (فِي قَدْرِهِ) : أَيْ قَدْرِ الثَّمَنِ كَعَشَرَةٍ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بَلْ بِتِسْعَةٍ (أَوْ قَدْرِ الْمُثَمَّنِ) كَثَوْبٍ بِكَذَا، وَقَالَ: الْمُشْتَرِي: بَلْ ثَوْبَيْنِ بِهِ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (قَدْرِ الْأَجَلِ) بَعْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي انْتِهَائِهِ أَوْ فِي أَصْلِهِ (أَوْ) فِي (الرَّهْنِ) بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ: بِرَهْنٍ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي، بَلْ بِلَا رَهْنٍ (أَوْ) فِي (الْحَمِيلِ) بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ: بِحَمِيلٍ، وَخَالَفَهُ الْمُشْتَرِي (فَفِي الْقِيَامِ) : أَيْ قِيَامِ السِّلْعَةِ فِي هَذِهِ الْخَمْسِ مَسَائِلُ (حَلَفَا وَفُسِخَ) الْبَيْعُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا سَاوَتْ الْقِيمَةُ الثَّمَنَ وَأَمَّا لَوْ زَادَ أَحَدُهُمَا رَجَعَ صَاحِبُ الزِّيَادَةِ بِهَا عَلَى صَاحِبِهِ. تَنْبِيهٌ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ - كَمَا قَالَ الْمَازِرِيُّ - مَا لَوْ انْعَقَدَ السَّلَمُ أَوْ بَيْعُ النَّقْدِ عَلَى خَيْلٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: عَلَى ذُكْرَانٍ، وَقَالَ الْآخَرُ: عَلَى إنَاثٍ، لِتَبَايُنِ الْأَغْرَاضِ؛ لِأَنَّ الْإِنَاثَ تُرَادُ لِلنَّسْلِ. بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي ذُكْرَانِ الْبِغَالِ وَإِنَاثِهَا فَإِنَّ هَذَا مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي صِفَةِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْبِغَالَ لَا تُرَادُ لِلنَّسْلِ. وَإِذَا اُخْتُلِفَا فِيهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ بِيَمِينٍ إذَا اُنْتُقِدَ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي بِيَمِينٍ. وَمَثَلُ الِاخْتِلَافِ فِي الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ فِي التَّخَالُفِ وَالْفَسْخِ مُطْلَقًا: الِاخْتِلَافُ فِي صِفَةِ الْعَقْدِ؛ كَمَنْ بَاعَ حَائِطَهُ وَقَالَ: اشْتَرَطْت نَخْلَاتٍ أَخْتَارُهَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا، وَقَالَ الْمُبْتَاعُ: مَا اشْتَرَطْت إلَّا هَذِهِ النَّخَلَاتِ بِعَيْنِهَا. وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ الْكَلَامَ عَلَى اخْتِلَافِهِمَا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ لِوُضُوحِهِ وَهُوَ أَنَّ الْقَوْلَ لِمُنْكَرِهِ بِيَمِينٍ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي. وَمِنْ هُنَا مَسْأَلَةُ التَّنَازُعِ؛ هَلْ هِيَ أَمَانَةٌ أَوْ بَيْعٌ أَوْ سَلَفٌ؟ الْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ انْتِقَالِ الْمِلْكِ. قَوْلُهُ: [يَوْمَ الْبَيْعِ] : أَيْ لِأَنَّهُ أَوَّلُ زَمَنِ تَسَلُّطِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَبِيعِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ. وَقَالَ ابْنُ شَبْلُونٍ: تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي. قَوْلُهُ: [بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ بِرَهْنٍ] : إلَخْ مَثَّلَ ذَلِكَ الِاخْتِلَافَ فِي قَدْرِهِ أَوْ جِنْسِهِ كَمَا فِي الـ " مج ". قَوْلُهُ: [فِي هَذِهِ الْخَمْسِ مَسَائِلُ] . أَيْ الَّتِي هِيَ الِاخْتِلَافُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَقَدْرِ الْمُثَمَّنِ وَقَدْرِ الْأَجَلِ وَالرَّهْنِ بِحُكْمِ الْحَمِيلِ.

وَالْفَسْخُ يَكُونُ (بِحُكْمٍ) مِنْ حَاكِمٍ (أَوْ تَرَاضٍ) مِنْهُمَا عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمَا تَرَاضٍ بِهِ جَازَ لِأَحَدِهِمَا الرِّضَا بِمَا ادَّعَاهُ الْآخَرُ وَتَمَّ الْبَيْعُ بِهِ (ظَاهِرًا) عِنْدَ النَّاسِ (وَبَاطِنًا) عِنْدَ اللَّهِ، مَعْمُولَانِ لِ: " فَسْخٍ "، وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ: أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ رُدَّتْ لَهُ السِّلْعَةُ بِالْفَسْخِ وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ وَلَوْ بِالْوَطْءِ فِي الْأَمَةِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَالصَّحِيحُ، وَقِيلَ: ظَاهِرًا فَقَطْ. (كَنُكُولِهِمَا) فَإِنَّهُ يُفْسَخُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إنْ حُكِمَ بِهِ أَوْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ (وَقُضِيَ لِلْحَالِفِ) مِنْهُمَا عَلَى النَّاكِلِ (وَبَدَأَ الْبَائِعُ) بِالْحَلِفِ عَلَى الْأَرْجَحِ، فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ. فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُشْتَرِي وَقَضَى بِدَعْوَاهُ وَلَا يُرَاعَى الشَّبَهُ وَلَا عَدَمُهُ عِنْدَ الْقِيَامِ. (وَإِنْ فَاتَتْ) السِّلْعَةُ بِحَوَالَةِ السُّوقِ، فَأَعْلَى، وَقِيلَ: قَبْضُهَا فَوْتٌ (فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي بِيَمِينٍ) هَذَا (إنْ أَشْبَهَ) أَشْبَهَ الْبَائِعَ أَمْ لَا، فَإِنْ حَلَفَ قُضِيَ لَهُ بِهِ وَإِلَّا حَلُفَ الْبَائِعُ كَمَا يَحْلِفُ ابْتِدَاءً إنْ انْفَرَدَ بِالشَّبَهِ، فَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْفَسْخُ يَكُونُ مِنْ حَاكِمٍ] : أَيْ وَتَعُودُ السِّلْعَةُ لِمِلْكِ الْبَائِعِ حَقِيقَةً ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، وَاشْتِرَاطُ الْحُكْمِ فِي الْفَسْخِ إذَا لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقِيلَ: يَحْصُلُ الْفَسْخُ بِمُجَرَّدِ التَّحَالُفِ كَاللِّعَانِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حُكْمٍ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ رَضِيَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْحُكْمِ بِإِمْضَاءِ الْعَقْدِ بِمَا قَالَ الْآخَرُ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهُ ذَلِكَ لَا عِنْدَ مُقَابِلِهِ. قَوْلُهُ: [وَبَدَأَ الْبَائِعُ بِالْحَلِفِ] : إنَّمَا بَدَأَ الْبَائِعُ بِالْيَمِينِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِصْحَابُ مِلْكِهِ وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي إخْرَاجَهُ بِغَيْرِ مَا رَضِيَ بِهِ. (4) قَوْلُهُ: [وَإِنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ] : أَيْ يَبْدَأُ الْمُشْتَرِي أَوْ يَبْدَأُ الْبَائِعُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا حَلَفَ الْبَائِعُ] إلَخْ: حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ فِي الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ عِنْدَ قِيَامِ السِّلْعَةِ، وَأَمَّا مَعَ فَوَاتِهَا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُصَدَّقُ بِيَمِينٍ إنْ ادَّعَى الْأَشْبَهَ؛ أَشْبَهَ الْبَائِعَ أَمْ لَا، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ مَا قَالَ الْمُشْتَرِي. فَإِنْ انْفَرَدَ الْبَائِعُ بِالشَّبَهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِيَمِينٍ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ مَا قَالَهُ، فَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَلَفَا وَفُسِخَ وَرُدَّتْ قِيمَةُ السِّلْعَةِ يَوْمَ بَيْعِهَا إنْ كَانَتْ مُقَوَّمَةً وَمِثْلُهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً وَنُكُولُهُمَا كَحَلِفِهِمَا وَيُقْضَى لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ.

نَكَلَا مَعًا فَتَقَدَّمَ. وَشَبَّهَ فِي كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَ الْمُشْتَرِي - إنْ أَشْبَهَ بِيَمِينِهِ مِنْ حَيْثُ الْبَدْءُ بِالْيَمِينِ - قَوْلُهُ: (كَالتَّجَاهُلِ فِي الثَّمَنِ) : بِأَنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: لَا أَعْلَمُ قَدْرَ الثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ. وَوَرَثَةُ كُلٍّ كَهُوَ، وَلِذَا قَالَ: (وَإِنْ) كَانَ التَّجَاهُلُ (مِنْ وَارِثٍ) فَيَبْدَأُ الْمُشْتَرِي أَوْ وَارِثُهُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَحْلِفُ الْبَائِعُ أَوْ وَارِثُهُ، فَإِنْ حَلَفَ كُلٌّ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ رُدَّتْ السِّلْعَةُ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي (الْقِيمَةُ فِي الْفَوَاتِ) ، وَكَذَا إنْ نَكَلَا مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا، إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَدَّعِي الْجَهْلَ؛ فَالْفَسْخُ لَا بُدَّ مِنْهُ؛ فَتُرَدُّ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً. فَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْعِلْمَ وَالثَّانِي الْجَهْلَ حَلَفَ مُدَّعِي الْعِلْمِ وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً. وَإِنْ أَشْبَهَ إنْ فَاتَتْ، فَإِنْ نَكَلَ فُسِخَ بِحُكْمٍ وَرُدَّتْ السِّلْعَةُ فِي قِيَامِهَا وَقِيمَتُهَا فِي فَوَاتِهَا. (وَحَلَفَ) الْحَالِفُ مِنْهُمَا (عَلَى نَفْيِ دَعْوَى خَصْمِهِ وَتَحْقِيقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِأَنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا لَا أَعْلَمُ قَدْرَ الثَّمَنِ] : أَيْ فَإِذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ مَا وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ وَتُرَدُّ السِّلْعَةُ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً فَإِنْ فَاتَتْ وَلَوْ بِحَوَالَةِ سُوقٍ رَدَّ قِيمَتَهَا إنْ كَانَتْ مُقَوَّمَةً وَمِثْلَهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً فَعُلِمَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى تَحْقِيقِ دَعْوَاهُ فَقَطْ. وَلَا يُتَصَوَّرُ حَلِفُهُ عَلَى نَفْيِ دَعْوَى خَصْمِهِ لِقَوْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا: لَا أَدْرِي. وَاعْلَمْ أَنَّ نُكُولَهُمَا كَحَلِفِهِمَا فِي الْفَسْخِ وَكَذَا نُكُولُ أَحَدِهِمَا فِيمَا يَظْهَرُ، فَإِذَا حَلَفَا أَوْ نَكَلَا أَوْ أَحَدُهُمَا فُسِخَ الْبَيْعُ وَرُدَّتْ السِّلْعَةُ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ التَّجَاهُلُ مِنْ وَارِثٍ] : أَيْ بِأَنْ ادَّعَى وَارِثُ كُلٍّ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ أَوْ وَارِثُ أَحَدِهِمَا. وَحَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّ وَارِثَ كُلٍّ إذَا ادَّعَى الْجَهْلَ بِالْمُثَمَّنِ أَوْ ادَّعَاهُ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَوَارِثُ الْآخَرِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ: أَيْ يَحْلِفُ كُلٌّ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ إنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْقَدْرَ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ. فَإِذَا حَلَفَا أَوْ نَكَلَا أَوْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فُسِخَ الْبَيْعُ وَرُدَّتْ السِّلْعَةُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِوَارِثِهِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً، فَإِنْ فَاتَتْ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْبَيْعِ إنْ كَانَتْ مُقَوَّمَةً أَوْ مِثْلُهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً. قَوْلُهُ: [وَحَلَفَ الْحَالِفُ مِنْهُمَا] : هَذَا رَاجِعٌ لِغَيْرِ مَسْأَلَةِ التَّجَاهُلِ فَإِنَّ

[اختلاف البائع والمشتري في انتهاء الأجل]

دَعْوَاهُ) ، وَيُقَدِّمُ النَّفْيُ بِأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ: مَا بِعْتهَا بِثَمَانِيَةٍ، وَلَقَدْ بِعْتهَا بِعَشَرَةٍ، وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي: مَا اشْتَرَيْتهَا بِعَشَرَةٍ وَلَقَدْ اشْتَرَيْتهَا بِثَمَانِيَةٍ. قَالَ بَعْضُهُمْ: أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى مَا فِيهِ حَصْرٌ كَأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ: مَا بِعْتهَا إلَّا بِعَشَرَةٍ وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي: مَا اشْتَرَيْتهَا إلَّا بِثَمَانِيَةٍ، أَوْ: إنَّمَا بِعْتهَا أَوْ إنَّمَا اشْتَرَيْتهَا إلَخْ. (4) [اخْتِلَاف الْبَائِع وَالْمُشْتَرِي فِي انْتِهَاء الْأَجَل] (وَ) إنْ اخْتَلَفَا (فِي انْتِهَاءِ الْأَجَلِ) عِنْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ - كَأَنْ يَدَّعِيَ الْبَائِعُ أَوَّلَ شَعْبَانَ أَنَّ الْأَجَلَ شَهْرٌ أَوَّلَهُ رَجَبٌ وَقَدْ انْقَضَى - وَيَدَّعِي الْمُشْتَرِي أَنَّ أَوَّلَهُ نِصْفُ رَجَبٍ فَلَمْ يَنْقَضِ أَوْ أَنَّهُ شَهْرَانِ (فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الِانْتِهَاءِ) وَأَنَّهُ لَمْ يَنْقَضِ (بِيَمِينِهِ إنْ أَشْبَهَ) قَوْلُهُ عَادَةَ النَّاسِ فِي الْأَجَلِ، أَشْبَهَ الْآخَرُ أَمْ لَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُتَجَاهِلَ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ فَالْمُنَاسِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَيُقَدِّمُ النَّفْيَ] إلَخْ: فَلَوْ قَدَّمَ الْإِثْبَاتَ عَلَى النَّفْيِ فَلَا تُعْتَبَرُ يَمِينُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ إعَادَتِهَا، كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: " [وَتَحْقِيقِ دَعْوَاهُ] مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ " وَهُوَ أَنَّ الْيَمِينَ لَيْسَتْ عَلَى نِيَّةِ الْمُحَلَّفِ، وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَى حَلِفِهِ عَلَى تَحْقِيقِ دَعْوَاهُ، أَفَادَهُ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ - كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَقَدْ بِعْتهَا بِعَشَرَةٍ] : أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْبَيْعِ بِثَمَانِيَةٍ الْبَيْعُ بِعَشَرَةٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بِتِسْعَةٍ. قَوْلُهُ: [وَلَقَدْ اشْتَرَيْتهَا بِثَمَانِيَةٍ] : أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الشِّرَاءِ بِعَشَرَةٍ أَنْ يَكُونَ بِثَمَانِيَةٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بِتِسْعَةٍ وَهَذَا الْمِثَالُ الَّذِي قَالَهُ الشَّارِحُ لِلِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْرِ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: [قَالَ بَعْضُهُمْ: أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى مَا فِيهِ حَصْرٌ] : لَعَلَّ أَصْلَ الْعِبَارَةِ: " وَجَازَ أَنْ يَقْتَصِرَ " إلَخْ، وَقَدْ صَرَّحَ بِلَفْظِ الْجَوَازِ فِي الْأَصْلِ فَقَالَ: " قَالَ بَعْضٌ وَجَازَ الْحَصْرُ " أَيْ فَالْحَصْرُ يَقُومُ مَقَامَ النَّفْيِ أَوْ الْإِثْبَاتِ وَمِثْلُ الْحَصْرِ لَفْظُ فَقَطْ فِي الْقِيَامِ مَقَامَهُمَا. [فَوَاتُ السِّلْعَةِ بِحَوَالَةِ السُّوقِ] قَوْلُهُ: [فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الِانْتِهَاءِ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا مُكْرِيًا أَوْ مُكْتَرِيًا: وَالْفَرْضُ عَدَمُ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ عُمِلَ بِهَا فَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ بَيِّنَةٌ عَلَى دَعْوَاهُ عُمِلَ بِأَسْبَقِهِمَا تَارِيخًا.

[اختلاف البائع والمشتري في قبض الثمن]

(فَإِنْ لَمْ يُشِبْهُمَا) مَعًا (حَلَفَا) عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (وَفُسِخَ) الْبَيْعُ (وَرُدَّ فِي الْفَوَاتِ الْقِيمَةُ) : وَإِذَا لَمْ تَفُتْ رَدَّهَا، وَفُهِمَ مِنْهُ: أَنَّهُ إنْ انْفَرَدَ مُدَّعِي بَقَاءِ الْأَجَلِ بِالشَّبَهِ فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينٍ. (و) إنْ اخْتَلَفَا (فِي أَصْلِهِ) : أَيْ الْأَجَلِ بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ: بِلَا أَجَلٍ بَلْ بِالْحُلُولِ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بَلْ لِأَجَلِ كَذَا (فَالْقَوْلُ لِمَنْ وَافَقَ) قَوْلُهُ (الْعُرْفَ) فِي بَيْعِ السِّلَعِ، فَمِثْلُ اللَّحْمِ وَالْبُقُولِ وَالْأَبْزَارِ وَكَثِيرٍ مِنْ الثِّيَابِ شَأْنُهَا الْحُلُولُ، وَفِي مِثْلِ الْعَقَارِ شَأْنُهَا التَّأْجِيلُ. وَمِنْ ذَلِكَ حَالُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي. (وَإِلَّا) يُوَافِقُ قَوْلُهُمَا مَعًا الْعُرْفَ بِأَنْ كَانَ الشَّأْنُ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ أَنْ تُبَاعَ بِأَجَلٍ تَارَةً وَبِغَيْرِهِ أُخْرَى (تَحَالَفَا وَفُسِخَ فِي الْقِيَامِ) لِلسِّلْعَةِ (وَصُدِّقَ الْمُشْتَرِي بِيَمِينٍ) فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ (إنْ فَاتَتْ) . (و) إنْ اخْتَلَفَا (فِي قَبْضِ الثَّمَنِ) بَعْدَ تَسْلِيمِ السِّلْعَةِ بِأَنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: أَقَبَضَتْك الثَّمَنَ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ (أَوْ) اُخْتُلِفَا فِي قَبْضِ (السِّلْعَةِ) بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ: أَقَبَضْتهَا وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي (فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُمَا) وَعَدَمُ الْإِقْبَاضِ، فَالْقَوْلُ لِمَنْ ادَّعَى عَدَمَهُ مِنْهُمَا بِيَمِينِهِ (إلَّا لِعُرْفٍ) يَشْهَدُ بِخِلَافِ الْأَصْلِ، فَالْقَوْلُ لِمَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [حَلَفَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ] : أَيْ فَيَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى نَفْيِ دَعْوَى خَصْمِهِ مَعَ تَحْقِيقِ دَعْوَاهُ وَيُقْضَى لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ. قَوْلُهُ: [مُدَّعِي بَقَاءِ الْأَجَلِ] إلَخْ: صَوَابُهُ انْتِهَاءُ الْأَجَلِ تَأَمَّلْ. [اخْتِلَاف الْبَائِع وَالْمُشْتَرِي فِي قبض الثَّمَن] قَوْلُهُ: [فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُمَا] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ التَّنَازُعُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي أَوْ وَرَثَةِ كُلٍّ، فَإِذَا ادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي أَنَّ ثَمَنَ السِّلْعَةِ الَّتِي بَاعَهَا لِمُوَرِّثِهِمْ لَمْ يَقْبِضْهُ وَادَّعَى الْوَرَثَةُ أَنَّهُ قَبَضَهُ مِنْ مُوَرِّثِهِمْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُمْ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الثَّمَنِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مَا لَمْ تَقُمْ لَهُمْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ مُوَرِّثَهُمْ أَقْبَضَ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ. وَهَذَا إذَا اعْتَرَفَتْ الْوَرَثَةُ بِأَنَّ مُوَرِّثَهُمْ اشْتَرَى تِلْكَ السِّلْعَةَ مِنْ الْمُدَّعِي. وَأَمَّا إذَا أَنْكَرَتْ الْوَرَثَةُ شِرَاءَ مُوَرِّثِهِمْ مِنْ ذَلِكَ الْمُدَّعِي فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى ذَلِكَ الْمُدَّعِي أَنَّ لَهُ عَلَى مُوَرِّثِهِمْ ثَمَنَ سِلْعَةٍ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَيَمِينٍ، فَإِنْ ادَّعَى الْمُدَّعِي عَلَى مَنْ يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ مِنْ الْوَرَثَةِ أَنَّهُ يَعْلَمُ بِدَيْنِهِ كَانَ لَهُ تَحْلِيفُهُ فَإِنْ حَلَفَ وَإِلَّا غَرَّمَهُ - كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [إلَّا لِعُرْفٍ يَشْهَدُ بِخِلَافِ الْأَصْلِ] : أَيْ فَإِذَا جَرَى الْعُرْفُ بِقَبْضِ

شَهِدَ لَهُ الْعُرْفُ، كَالْجَزَّارِ وَبَائِعِ الْأَبْزَارِ فَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِمَا أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ اللَّحْمَ وَلَا يُعْطِي الْأَبْزَارَ إلَّا بَعْدَ قَبْضِهِ الثَّمَنِ، فَإِذَا ادَّعَى بَعْدَ أَنْ أَعْطَاهُ اللَّحْمَ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي بِأَنَّهُ أَقْبَضَهُ إيَّاهُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعُرْفَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ. (وَمِنْهُ) : أَيْ مِنْ الْعُرْفِ الَّذِي يُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ: (طُولُ الزَّمَنِ) : فَإِذَا مَضَى زَمَنٌ يَقْضِي الْعُرْفُ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَصْبِرُ لِمِثْلِهِ فِي أَخْذِ السِّلْعَةِ أَوْ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَصْبِرُ لِمِثْلِهِ فِي أَخْذِ الثَّمَنِ، فَالْقَوْلُ لِخَصْمِهِ فِي الْإِقْبَاضِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِعَامَيْنِ وَلَا بِأَكْثَرَ بَلْ يُرَاعَى فِي ذَلِكَ أَحْوَالُ النَّاسِ وَأَحْوَالُ الزَّمَنِ. (وَإِشْهَادُ الْمُشْتَرِي بِبَقَاءِ الثَّمَنِ) فِي ذِمَّتِهِ بِأَنْ قَالَ: اشْهَدُوا أَنَّ ثَمَنَ السِّلْعَةِ الَّتِي اشْتَرَيْتهَا مِنْ فُلَانٍ فِي ذِمَّتِي (مُقْتَضٍ) عُرْفًا (لِقَبْضِ الْمُثْمَنِ) فَإِذَا ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ لَمْ يُصَدَّقْ وَكَانَ الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ. (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي (تَحْلِيفُ الْبَائِعِ إنْ قَرُبَ) الزَّمَنُ (مِنْ) يَوْمِ (الْإِشْهَادِ، كَالْعَشَرَةِ) الْأَيَّامِ (لَا الشَّهْرِ) فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُهُ بَلْ الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ إنَّهُ أَقْبَضَهُ السِّلْعَةَ بِلَا يَمِينٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ فَالْقَوْلُ لِمَنْ وَافَقَهُ الْعُرْفُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ كَالشَّاهِدِ. قَوْلُهُ: [طُولُ الزَّمَنِ] : قَالَ فِي الْأَصْلِ وَيَدْخُلُ فِي الْعُرْفِ طُولُ الزَّمَنِ فِي الْعَرْضِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ طُولًا يَقْضِي الْعُرْفُ بِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَصْبِرُ بِالثَّمَنِ إلَى مِثْلِهِ وَذَلِكَ عَامَانِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ، وَعِشْرُونَ عَلَى مَا لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَالْأَظْهَرُ مُرَاعَاةُ أَحْوَالِ النَّاسِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَإِشْهَادُ الْمُشْتَرِي بِبَقَاءِ الثَّمَنِ] إلَخْ: يَعْنِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَشْهَدَ بِأَنَّ ثَمَنَ السِّلْعَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنَّ هَذَا مُقْتَضٍ لِقَبْضِهِ السِّلْعَةَ، فَإِنْ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ السِّلْعَةَ الْمَبِيعَةَ بِذَلِكَ الثَّمَنِ لَمْ يَقْبِضْهَا لَمْ يُقْبَلْ. وَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْبَائِعَ أَنَّهُ أَقَبْضَهَا لَهُ إنْ بَادَرَ. قَوْلُهُ: [وَكَانَ الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ] : أَيْ بِيَمِينٍ إنْ قَرُبَ كَالْعَشَرَةِ لَا الشَّهْرِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ قَوْلُهُ: [كَالْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ لَا الشَّهْرِ] : قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَانْظُرْ حُكْمَ مَا بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالشَّهْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا قَارَبَ كُلًّا يُعْطَى حُكْمَ كُلٍّ وَأَمَّا الْمُتَوَسِّطُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُهُ (اهـ) .

(كَإِشْهَادِ الْبَائِعِ بِقَبْضِهِ) : أَيْ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي (ثُمَّ ادَّعَى عَدَمَهُ) وَأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَإِنَّمَا حَمَلَنِي عَلَى الْإِشْهَادِ بِقَبْضِهِ تَوَثُّقِي بِهِ وَظَنِّي أَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ، فَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُشْتَرِي إنْ بَادَرَ كَالْعَشَرَةِ لَا أَكْثَرَ. (وَإِنْ ادَّعَى مُشْتَرٍ بَعْدَ إشْهَادِهِ) عَلَى نَفْسِهِ (بِدَفْعِ الثَّمَنِ) لِلْبَائِعِ بِأَنْ قَالَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِأَنِّي دَفَعْته لَهُ وَالْبَائِعُ حَاضِرٌ لِتَتِمَّ الشَّهَادَةُ (أَنَّهُ) مَعْمُولٌ لِ " ادَّعَى ": أَيْ ادَّعَى أَنَّهُ (لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ) مِنْ الْبَائِعِ، وَادَّعَى الْبَائِعُ إقْبَاضَهُ لَهُ، (فَالْقَوْلُ لَهُ) : أَيْ لِلْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ (فِي كَالْعَشَرَةِ) الْأَيَّامِ فَدُونَ. (وَ) الْقَوْلُ (لِلْبَائِعِ فِي) الْبُعْدِ - (كَالشَّهْرِ - بِيَمِينٍ فِيهِمَا) : أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْقَوْلِ لِلْمُشْتَرِي وَمَسْأَلَةُ الْقَوْلِ لِلْبَائِعِ. هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ كَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ، فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ مُطْلَقًا، قَرُبَ الزَّمَنُ أَوْ بَعُدَ. وَلِلْمُشْتَرِي تَحْلِيفُهُ إنْ بَادَرَ، كَالْعَشَرَةِ. وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى الْبَائِعِ بِأَنَّهُ دَفَعَ لَهُ الثَّمَنَ يَشْعُرُ بِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ السِّلْعَةَ مَخَافَةَ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَهَا مِنْهُ لَطَالَبَهُ بِالثَّمَنِ، بِخِلَافِ الْإِشْهَادِ بِأَنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي قَبْضَ الثَّمَنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ أَصْبَغُ: إنَّ الْإِشْهَادَ بِالثَّمَنِ دَفْعًا أَوْ فِي الذِّمَّةِ، مُقْتَضٍ لِقَبْضِ السِّلْعَةِ، فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ مُطْلَقًا. وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّيْخِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ: " وَإِشْهَادُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ " إلَخْ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ بَعْدَهُ الدَّفْعَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَظَنِّي أَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ] : الْمُنَاسِبُ " لَا " بَدَلُ " لَمْ ". قَوْلُهُ: [فَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُشْتَرِي] : أَيْ حَيْثُ لَمْ يَعْتَرِفْ الْبَائِعُ بِقَبْضِ الْبَعْضِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ بِقَبْضِهِ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِقَبْضِ بَعْضِ الثَّمَنِ لَمْ يَحْلِفْ لَهُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ بَادَرَ لِتَرَجُّحِ قَوْلِهِ بِاعْتِرَافِ الْبَائِعِ بِقَبْضِ الْبَعْضِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ - كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَقْتَضِي قَبْضَ الثَّمَنِ] صَوَابُهُ: الْمُثَمَّنِ. قَوْلُهُ: [وَقَالَ أَصْبَغُ إنَّ الْإِشْهَادَ بِالثَّمَنِ] إلَخْ: الْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ أَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ: وَإِشْهَادُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ] : أَيْ وَالْإِطْلَاقُ صَادِقٌ بِأَنْ قَالَ: اشْهَدُوا أَنَّهُ فِي ذِمَّتِي أَوْ أَقَبَضْته لَهُ.

[اختلاف البائع والمشتري في البت والخيار]

(وَ) إنْ اخْتَلَفَا (فِي الْبَتِّ) وَالْخِيَارِ (فَلِمُدَّعِيهِ) : أَيْ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْبَتِّ، لِأَنَّهُ الْغَالِبُ عِنْدَ النَّاسِ (كَمُدَّعِي الصِّحَّةِ) الْقَوْلُ قَوْلُهُ، دُونَ مُدَّعِي الْفَسَادِ لِلْبَيْعِ (إلَّا أَنْ يَغْلِبَ الْفَسَادُ) فِي شَيْءٍ - كَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَالْمُسَاقَاةِ - فَإِنَّهَا لِكَثْرَةِ الشُّرُوطِ فِيهَا يَغْلِبُ عَلَيْهَا الْفَسَادُ، فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِيهِ فِيهَا مَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ. (وَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ؛ إنْ فَاتَ رَأْسُ الْمَالِ) : وَفَوَاتُهُ - إنْ كَانَ عَيْنًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [اخْتِلَاف الْبَائِع وَالْمُشْتَرِي فِي الْبَتّ وَالْخِيَار] [تَنْبِيه اخْتِلَاف الْبَائِع وَالْمُشْتَرِي فِي الصِّحَّة وَالْفَسَاد] قَوْلُهُ: [فَلِمُدَّعِيهِ] : أَيْ مَا لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِخِلَافِهِ؛ كَأَنْ جَرَى الْعُرْفُ بِالْخِيَارِ فَقَطْ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْخِيَارِ. وَأَمَّا إنْ اتَّفَقَا عَلَى وُقُوعِ الْبَيْعِ عَلَى الْخِيَارِ لَكِنْ ادَّعَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ، فَقِيلَ: يَتَفَاسَخَانِ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا، وَقِيلَ: يَتَحَالَفَانِ وَيَكُونُ الْبَيْعُ بَتًّا. وَالْقَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. وَهَذَا مَا لَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِأَنَّ الْخِيَارَ لِأَحَدِهِمَا وَإِلَّا عُمِلَ بِهِ. قَوْلُهُ: [دُونَ مُدَّعِي الْفَسَادِ] : أَيْ بَيَّنَ وَجْهَ الْفَسَادِ أَمْ لَا فَاتَ الْمَبِيعُ أَمْ لَا، هَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ (شب) وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُهُمْ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَدْ فَاتَتْ وَإِلَّا تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ (عب) لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ وَخَلِيلٍ الْإِطْلَاقُ وَقَدْ أَيَّدَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. تَنْبِيهٌ هَلْ الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ إنْ لَمْ يَغْلِبْ الْفَسَادُ مُطْلَقًا، اخْتَلَفَ الثَّمَنُ بِهِمَا أَمْ لَا، أَوْ إنَّمَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ الثَّمَنُ؟ كَدَعْوَى أَحَدِهِمَا وُقُوعَهُ عَلَى الْأُمِّ أَوْ الْوَلَدِ وَادَّعَى الْآخَرُ وُقُوعَهُ عَلَيْهِمَا مَعًا، وَكَدَعْوَى الْبَائِعِ أَنَّ الْمَبِيعَ بِمِائَةٍ وَالْمُشْتَرِي أَنَّهُ بِقِيمَتِهِ، فَكَالِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِهِ يَتَلَاحَقَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ عِنْدَ قِيَامِ السِّلْعَةِ. فَإِنْ فَاتَتْ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي إنْ أَشْبَهَ، أَشْبَهَ الْبَائِعَ أَمْ لَا؛ فَإِنْ انْفَرَدَ الْبَائِعُ بِالشَّبَهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يُشْبِهَا حَلَفَا وَلَزِمَ الْمُبْتَاعَ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ. وَهَذَا ظَاهِرٌ حَيْثُ كَانَ الْمُشَبِّهُ مُدَّعِيَ الصِّحَّةِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مُدَّعِي الْفَسَادِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِشَبَهِهِ فَيَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ وَيَلْزَمُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ، ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ - كَذَا فِي الْأَصْلِ. [اخْتِلَاف الْبَائِع وَالْمُشْتَرِي فِي السَّلَم وَبَيْع النَّقْد] قَوْلُهُ [وَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ] إلَخْ: حَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّهُ قَدْ سَبَقَ أَنَّهُمَا إذَا تَنَازَعَا

بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ الَّذِي يُظَنُّ فِيهِ التَّصَرُّفُ بِهَا وَالِانْتِفَاعُ بِهَا. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَيْنٍ وَلَوْ مِثْلِيًّا بِتَغَيُّرِ سُوقٍ أَوْ ذَاتٍ (بِيَدِهِ) : أَيْ بَعْدَ قَبْضِهِ مِنْ الْمُسْلِمِ. (كَالْمُشْتَرِي) : فِي بَيْعِ النَّقْدِ (يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنْ أَشْبَهَ) سَوَاءً أَشْبَهَ الْمُسْلِمَ أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ وَانْفَرَدَ الْمُسْلِمُ بِالشَّبَهِ فَالْقَوْلُ لَهُ. (فَإِنْ لَمْ يُشْبِهَا حَلَفَ) كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى نَفْيِ دَعْوَى صَاحِبِهِ وَتَحْقِيقِ دَعْوَاهُ. (وَفُسِخَ) عَقْدُ السَّلَمِ إذَا كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ فِي الْأَجَلِ أَوْ الْحَمِيلِ فَيُرَدُّ مَا يَجِبُ رَدُّهُ مِنْ قِيمَةٍ أَوْ مِثْلٍ إذْ الْمَوْضُوعُ فَوَاتُ رَأْسِ الْمَالِ بِيَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ. (إلَّا) إذَا كَانَ اخْتِلَافُهُمَا (فِي قَدْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَسَلَمُ وَسَطٍ) مِنْ سُلُومَاتِ النَّاسِ فِي الْبَلَدِ لِتِلْكَ السِّلْعَةِ وَفِي الزَّمَنِ. فَمَا قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ: فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ جِنْسِ الْمُسْلَمِ فِيهِ أَوْ فِي الْحَمِيلِ أَوْ فِي الْأَجَلِ، وَكَلَامُ الشَّيْخِ مُجْمَلٌ. (وَ) إنْ اخْتَلَفَا (فِي مَوْضِعِهِ) : أَيْ مَوْضِعِ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ (فَالْقَوْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ الْمُثْمَنِ أَوْ نَوْعِهِمَا تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا فِي حَالَةِ الْقِيَامِ وَالْفَوَاتِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ النَّقْدِ وَالسَّلَمِ. وَأَمَّا إذَا تَنَازَعَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ أَوْ الْمُثْمَنِ أَوْ قَدْرِ الْأَجَلِ أَوْ فِي الرَّهْنِ أَوْ الْحَمِيلِ، فَمَعَ الْقِيَامِ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ بَيْعِ النَّقْدِ وَالسَّلَمِ، وَأَمَّا مَعَ الْفَوَاتِ فَيَنْعَكِسُ السَّلَمُ مَعَ بَيْعِ النَّقْدِ فَفِي بَيْعِ النَّقْدِ الَّذِي يُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينٍ إنْ أَشْبَهَ، أَشْبَهَ الْبَائِعُ أَمْ لَا. فَإِنْ انْفَرَدَ الْبَائِعُ بِالشَّبَهِ صُدِّقَ بِيَمِينٍ، فَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا. وَفِي السَّلَمِ إذَا فَاتَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا أَوْ غَيْرَهُ الَّذِي يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ الْبَائِعُ وَهُوَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ إنْ أَشْبَهَ، أَشْبَهَ الْمُسْلَمَ أَمْ لَا. وَإِنْ انْفَرَدَ الْمُسْلَمُ بِالشَّبَهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينٍ. فَإِنْ لَمْ يُشْبِهَا تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا إذَا كَانَ التَّنَازُعُ فِي غَيْرِ قَدْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَرُدَّ لِلْمُسْلَمِ مَا يَجِبُ رَدُّهُ مِنْ قِيمَةِ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ مِثْلِهِ وَإِذَا كَانَ التَّنَازُعُ فِي قَدْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَزِمَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ سَلَمُ وَسَطٍ. قَوْلُهُ [الَّذِي يُظَنُّ فِيهِ التَّصَرُّفُ] : أَيْ فَطُولُ الزَّمَانِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةٌ لِمَا ذُكِرَ عَلَى الْعَيْنِ وَهُوَ بِيَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ فَوَاتِ السِّلْعَةِ الْمَقْبُوضَةِ فِي بَيْعِ النَّقْدِ، وَقِيلَ إنَّ فَوَاتَ الْعَيْنِ بِالْغَيْبَةِ عَلَيْهَا.

لِمُدَّعِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ) بِيَمِينِهِ، (وَإِلَّا) يَدَّعِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَوْضِعَ الْعَقْدِ بَلْ غَيْرُهُ (فَالْبَائِعُ) : أَيْ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ إنْ أَشْبَهَ سَوَاءٌ أَشْبَهَ الْآخَرَ أَمْ لَا فَإِنْ انْفَرَدَ الْمُسْلِمُ بِالشَّبَهِ فَقَوْلُهُ بِيَمِينٍ. (وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ وَاحِدٌ) مِنْهُمَا (حَلَفَا وَفُسِخَ) عَقْدُ السَّلَمِ وَرَدَّ مِثْلَ رَأْسِ السَّلَمِ أَوْ قِيمَتَهُ، وَهَذَا إنْ فَاتَ رَأْسُ الْمَالِ بِيَدِهِ. فَإِنْ كَانَ بَاقِيًا تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا مُطْلَقًا (كَفَسْخِ مَا يُقْبَضُ) مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ (بِكَالْيَمَنِ) بِفَتْحِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ وَالْمِيمِ: اسْمٌ لِلْقَطْرِ الْمَعْلُومِ، يَعْنِي: إذَا أَسْلَمَهُ فِي شَيْءٍ وَاتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْهُ فِي الْيَمَنِ أَوْ فِي الْمَغْرِبِ أَوْ فِي مِصْرَ، وَأَطْلَقَا - بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدَاهُ بِبَلَدٍ مُعِين - فَإِنَّهُ يُفْسَخُ لِفَسَادِهِ. (وَجَازَ) إنْ قَيَّدَا (بِبَلَدِ كَذَا) مِنْ ذَلِكَ الْقُطْرِ: كَالْقَاهِرَةِ بِمِصْرَ، وَتُونُسَ بِالْمَغْرِبِ: وَصَنْعَاءَ بِالْيَمَنِ، وَمَكَّةَ بِالْحِجَازِ، وَلَمْ يُقَيِّدَا بِمَكَانٍ مِنْ تِلْكَ الْبَلَدِ وَإِذَا جَازَ فَلَا فَسْخَ. (وَقُضِيَ) الْوَفَاءُ (بِسُوقِهَا) إنْ كَانَ لَهَا سُوقٌ وَتَنَازَعَا فِي مَكَانِ الْقَبْضِ، (وَإِلَّا) يَكُنْ لِتِلْكَ السِّلْعَةِ سُوقٌ (فَفِي أَيِّ مَكَان مِنْهَا) : أَيْ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ يُفْضِي الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مَا عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ] : أَيْ لِأَنَّهُمَا لَوْ سَكَتَا عَنْ ذِكْرِ مَوْضِعِ الْقَبْضِ بِمَوْضِعِ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: [فَالْبَائِعُ] : أَيْ لِأَنَّهُ غَارِمٌ قَدْ تَرَجَّحَ جَانِبُهُ بِالْغُرْمِ. قَوْلُهُ [حَلَفَا] : أَيْ وَبَدَأَ الْبَائِعُ وَهُوَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ إنْ قُيِّدَا بِبَلَدِ كَذَا] : أَيْ لِعَدَمِ الْجَهْلِ. قَوْلُهُ: [وَقُضِيَ الْوَفَاءُ بِسُوقِهَا] : حَاصِلُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَطَ الْمُسْلِمُ قَبْضَ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِمَكَانٍ مُعَيَّنٍ كَمِصْرِ كَانَ جَائِزًا، فَإِنْ حَصَلَ تَنَازُعٌ فِي مَحَلِّ الْقَبْضِ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ قُضِيَ بِالْقَبْضِ فِي سُوقِ تِلْكَ السِّلْعَةِ إنْ كَانَ لَهَا سُوقٌ. قَوْلُهُ: [يَقْضِي الْمُسْلَمُ إلَيْهِ] : أَيْ وَيُبَرَّأُ مِنْ عُهْدَتِهِ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ قَبُولُهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ إلَّا لِعُرْفٍ خَاصٍّ بِالْقَضَاءِ بِمَحَلٍّ خَاصٍّ وَإِلَّا عُمِلَ بِهِ.

وَلَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ السَّلَمِ نَاسَبَ أَنْ يُعَقِّبَهُ بِبَابِهِ فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْمُسْلَمِ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ وَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ إنْ فَاتَ رَأْسُ الْمَالِ بِيَدِهِ إلَى آخِرِهِ.

[باب في بيان السلم وشروطه وما يتعلق به]

بَابٌ فِي بَيَانِ السَّلَمِ وَشُرُوطِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ (السَّلَمُ) : أَيْ حَقِيقَتُهُ (بَيْعُ) شَيْءٍ (مَوْصُوفٍ) : مِنْ طَعَامٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُوصَفُ، وَخَرَجَ الْمُعَيَّنُ فَبَيْعُهُ لَيْسَ بِسَلَمٍ (مُؤَجَّلٍ) خَرَجَ غَيْرُ الْمُؤَجَّلِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْأَجَلِ (فِي الذِّمَّةِ) : أَيْ ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، خَرَجَ بَيْعُ مَوْصُوفٍ لَا فِي الذِّمَّةِ كَبَيْعِ مَا فِي الْعَدْلِ عَلَى مَا فِي الْبَرْنَامَجِ أَوْ غَيْرِهِ وَكَبَيْعِ مَوْصُوفٍ بِمَكَانٍ غَيْرِ مَجْلِسِ الْعَقْدِ (بِغَيْرِ جِنْسِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِبَيْعٍ، خَرَجَ مَا إذَا دَفَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي بَيَانِ السَّلَمِ وَشُرُوطِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ] [الشَّرْط الْأَوَّل تَعْجِيل رأس الْمَال] بَابٌ قَالَ الْخَرَشِيُّ: هُوَ وَالسَّلَفُ وَاحِدٌ، فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إثْبَاتُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ مَبْذُولٌ فِي الْحَالِ؛ وَلِذَا قَالَ الْقَرَافِيُّ: سُمِّيَ سَلَمًا لِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ دُونَ عِوَضٍ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ سَلَفًا (اهـ) وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: دُونَ عِوَضٍ أَيْ فِي الْحَالِّ فَلَا يُنَافِي أَنَّ عِوَضَهُ مُؤَجَّلٌ. فَقَوْلُهُ: [فِي بَيَانِ السَّلَمِ] : أَيْ حَقِيقَتِهِ. وَقَوْلُهُ: [وَشُرُوطُهُ] : أَيْ السَّبْعَةُ. وَقَوْلُهُ: [وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ] : أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ. قَوْلُهُ: [بَيْعُ شَيْءٍ مَوْصُوفٍ] : شُرُوعٌ فِي تَعْرِيفِهِ. قَوْلُهُ: [وَخَرَجَ الْمُعَيَّنُ] : أَيْ بِقَوْلِهِ مَوْصُوفٌ. قَوْلُهُ: [وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْأَجَلِ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ وَأَنْ يُؤَجَّلَ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ كَنِصْفِ شَهْرٍ. قَوْلُهُ: [أَيْ ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ] : أَيْ الَّذِي هُوَ الْبَائِعُ، وَأَمَّا دَافِعُ الثَّمَنِ فَيُسَمَّى مُسْلَمًا. قَوْلُهُ: [عَلَى مَا فِي الْبَرْنَامَجِ] : أَيْ مُعْتَمِدًا فِيهِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي الدَّفْتَرِ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرِهِ] : أَيْ كَالْكِتَابَةِ الَّتِي تُوجَدُ فَوْقَ الْعَدْلِ. قَوْلُهُ: [بِمَكَانٍ غَيْرِ مَجْلِسِ الْعَقْدِ] : الْمُرَادُ بَيْعُ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ. قَوْلُهُ: [بِغَيْرِ جِنْسِهِ] : أَيْ حَقِيقَةً كَفَرَسٍ فِي بَعِيرٍ أَوْ حُكْمًا، كَمَا إذَا كَانَ

شَيْئًا فِي جِنْسِهِ فَلَيْسَ بِسَلَمٍ شَرْعًا، وَقَدْ يَكُونُ قَرْضًا وَسَيَأْتِي ذَلِكَ كُلُّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: " مَوْصُوفٍ " بَيْعُ الْأَجَلِ، لِأَنَّهُ اشْتِرَاءُ مُعَيَّنٍ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَلَوْ زَادَ بَعْدَهُ: " غَيْرُ مَنْفَعَةٍ " لَكَانَ صَرِيحًا فِي إخْرَاجِ الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ. ثُمَّ إنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ شُرُوطٌ سَبْعَةٌ زِيَادَةً عَلَى شُرُوطِ الْبَيْعِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا: الْأَوَّلُ: تَعْجِيلُ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَشَرْطُهُ: حُلُولُ رَأْسِ الْمَالِ) فِيهِ، فَلَا يَصِحُّ الدُّخُولُ فِيهِ عَلَى التَّأْجِيلِ (وَجَازَ تَأْخِيرُهُ) : بَعْدَ الْعَقْدِ (ثَلَاثًا) مِنْ الْأَيَّامِ (وَلَوْ) كَانَ التَّأْخِيرُ (بِشَرْطٍ) عِنْدَ الْعَقْدِ سَوَاءٌ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا أَوْ مِثْلِيًّا. (وَفَسَدَ بِتَأْخِيرِهِ عَنْهَا) : أَيْ عَنْ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ بِشَرْطٍ عِنْدَ الْعَقْدِ بَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجِنْسُ وَاحِدًا وَاخْتَلَفَتْ فِي الْمَنْفَعَةِ كَفَارِهِ الْحُمُرِ فِي الْأَعْرَابِيَّةِ وَسَابِقِ الْخَيْلِ فِي الْحَوَاشِي كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَقَدْ يَكُونُ قَرْضًا] : أَيْ فَيَجْرِي عَلَى أَحْكَامِهِ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْهُ رِبَا النَّسَاءِ جَازَ. قَوْلُهُ: [بَيْعُ الْأَجَلِ] : أَيْ بِالْمَعْنَى الْإِضَافِيِّ وَهُوَ مَا عُجِّلَ فِيهِ الْمُثْمَنُ وَأُجِّلَ فِيهِ الثَّمَنُ عَكْسُ مَا هُنَا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ زَادَ بَعْدَهُ] : أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ مَوْصُوفٌ. وَقَوْلُهُ: [لَكَانَ صَرِيحًا] إلَخْ: أَيْ فَزِيَادَتُهُ تَصِيرُ الْكِرَاءُ الْمَضْمُونُ خَارِجًا صَرَاحَةً بِخِلَافِ عَدَمِ زِيَادَتِهِ فَتَصِيرُ التَّعْرِيفُ مُجْمَلًا. قَوْلُهُ: [زِيَادَةً عَلَى شُرُوطِ الْبَيْعِ] : أَيْ فَتِلْكَ الزِّيَادَةُ صَيَّرَتْ السَّلَمَ أَخَصَّ مِنْ مُطْلَقِ بَيْعٍ، وَإِنَّمَا زِيدَتْ فِيهِ تِلْكَ الشُّرُوطُ لِكَوْنِهِ رُخْصَةً فَشَدَّدَ فِيهِ. قَوْلُهُ: [عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ] : أَيْ بَيْنَ الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ الدُّخُولُ فِيهِ عَلَى التَّأْجِيلِ] : أَيْ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ بِشَرْطٍ] : رُدَّ بِ " لَوْ " قَوْلُ سَحْنُونَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْبَغْدَادِيِّينَ بِفَسَادِ السَّلَمِ إذَا أُخِّرَ رَأْسُ الْمَالِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِشَرْطٍ لِظُهُورِ قَصْدِ الدَّيْنِ مَعَ الشَّرْطِ، وَاخْتَارَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَابْنُ الْكَاتِبِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَمَحَلُّ اغْتِفَارِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَا لَمْ

(وَلَوْ) تَأَخَّرَ (بِلَا شَرْطٍ إنْ كَانَ) رَأْسُ الْمَالِ (عَيْنًا) عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ وَلَوْ تَأَخَّرَ لِأَجْلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ حَيْثُ تَأَخَّرَ بِلَا شَرْطٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَابْنِ حَبِيبٍ. فَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَيْنٍ فَلَا يُفْسَخُ إنْ كَانَ التَّأْخِيرُ بِلَا شَرْطٍ فِي الْعَقْدِ وَلَوْ لِأَجْلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَكِنْ قَدْ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ بِلَا شَرْطٍ وَقَدْ يُكْرَهُ. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَجَازَ) تَأْخِيرُ رَأْسِ الْمَالِ (بِلَا شَرْطٍ إنْ كَانَ لَا يُغَابُ عَلَيْهِ) بِأَنْ كَانَ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ (كَحَيَوَانٍ) وَثَوْبٍ يُعْرَفُ بِصِفَتِهِ وَلَوْنِهِ وَجَازَ (لِتَعَيُّنِهِ) فَلَا يَدْخُلُ فِي الذِّمَّةِ بِالْغَيْبَةِ عَلَيْهِ (وَلَوْ) تَأَخَّرَ (لِأَجْلِ السَّلَمِ) عَلَى الرَّاجِحِ. (وَكُرِهَ) التَّأْخِيرُ لِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ (إنْ كَانَ يُعَابُ عَلَيْهِ) بِأَنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ، (مِثْلِيًّا) كَانَ - كَطَعَامٍ وَصُوفٍ وَقُطْنٍ وَحَدِيدٍ لِأَنَّهُ مِمَّا يُوزَنُ - (أَوْ عَرْضًا) - كَثِيَابٍ لَا تُعْرَفُ بِعَيْنِهَا. وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ فِيمَا ذُكِرَ: (إنْ لَمْ يُحْضَرْ الْعَرْضُ) مَجْلِسَ الْعَقْدِ (أَوْ) لَمْ (يُكَلْ الطَّعَامُ) الَّذِي جُعِلَ رَأْسُ مَالٍ فِي غَيْرِ طَعَامٍ، فَإِنْ أُحْضِرَ ذَلِكَ الْعَرْضُ أَوْ كَيْلُ الطَّعَامِ لِرَبِّهِ ثُمَّ تَرَكَهُ عِنْدَ الْمُسْلَمِ فَلَا كَرَاهَةَ فِي تَأْخِيرِهِ وَلَوْ لِأَجْلِ السَّلَمِ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ الَّذِي بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُنْ أَجَلُ السَّلَمِ كَيَوْمَيْنِ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا شَرَطَ قَبْضَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ، وَإِلَّا فَيَجِبُ أَنْ يَقْبِضَ رَأْسَ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بِالْقُرْبِ مِنْهُ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ] : حَاصِلُ مَا فِي الْمَقَامِ أَنَّهُ أَخَّرَ رَأْسَ الْمَالِ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ فَإِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ بِشَرْطٍ، فَسَدَ السَّلَمُ اتِّفَاقًا إنْ كَانَ التَّأْخِيرُ كَثِيرًا جِدًّا، وَإِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ بِلَا شَرْطٍ فَقَوْلَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِمَالِكٍ، بِفَسَادِ السَّلَمِ وَعَدَمِ فَسَادِهِ سَوَاءٌ كَثُرَ التَّأْخِيرُ جِدًّا أَوْ لَا. وَالْمَشْهُورُ الْفَسَادُ مُطْلَقًا كَمَا فِي نَقْلِ (ح) عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ؛ وَكُلُّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا. قَوْلُهُ: [وَجَازَ تَأْخِيرُ رَأْسِ الْمَالِ بِلَا شَرْطٍ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا مَعَ شَرْطِ التَّأْخِيرِ فَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَيَفْسُدُ كَالْعَيْنِ، قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ لِأَنَّهُ بَيْعُ مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ، وَبَيْعُ مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ لَا يُمْنَعُ إلَّا مَعَ الشَّرْطِ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ] : أَيْ مِنْ كَرَاهَةِ تَأْخِيرِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ إنْ كَانَ يَغْلِبُ عَلَيْهِ مِثْلِيًّا أَوْ عَرْضًا إنْ لَمْ يُحْضَرْ أَوْ يُكَلْ الطَّعَامُ، وَإِلَّا فَلَا

الْفَتْوَى، وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَوَّلًا وَآخِرًا نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ فَرَاجِعْهَا إنْ شِئْت. (وَ) جَازَ رَأْسُ السَّلَمِ (بِمَنْفَعَةِ) شَيْءٍ (مُعَيَّنٍ) : كَسُكْنَى دَارٍ وَخِدْمَةِ عَبْدٍ وَرُكُوبِ دَابَّةٍ (مُدَّةً مُعَيَّنَةً) كَشَهْرٍ إنْ شَرَعَ فِيهَا قَبْلَ أَجَلِ السَّلَمِ (وَلَوْ انْقَضَتْ بَعْدَ أَجَلِهِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ قَبْضٌ لِلْأَوَاخِرِ، وَإِنَّمَا مُنِعَتْ الْمَنَافِعُ عَنْ دَيْنٍ لِأَنَّهُ مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ وَالسَّلَمُ ابْتِدَاءً دِينٌ فِي دَيْنٍ وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ فَسْخِهِ، وَاحْتُرِزَ بِ " عَيْنٍ " عَلَى الْمَنْفَعَةِ الْمَضْمُونَةِ كَقَوْلِهِ: أَحْمِلُك إلَى مَكَّةَ فِي نَظِيرِ إرْدَبِّ قَمْحٍ فِي ذِمَّتِك تَدْفَعُهُ بَعْدَ شَهْرٍ مَثَلًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَرَاهَةَ بَلْ يَجُوزُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ تَأْخِيرَ الْعَرْضِ وَالْحَيَوَانِ - إذَا كَانَ رَأْسُ مَالٍ عَنْ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ - إنْ كَانَ بِشَرْطٍ مُنِعَ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ بِلَا شَرْطٍ فَالْجَوَازُ فِي الْحَيَوَانِ ظَاهِرٌ، وَفِي الطَّعَامِ إنْ كِيلَ، وَفِي الْعَرْضِ إنْ أُحْضِرَ مَجْلِسَ الْعَقْدِ لِانْتِقَالِ كُلٍّ مِنْ الذِّمَّةِ لِلْأَمَانَةِ، وَلِذَلِكَ لَوْ هَلَكَ يَكُونُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَإِلَّا كُرِهَ فِي الطَّعَامِ وَالْعَرْضِ. هَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ بِكَرَاهَةِ تَأْخِيرِهِمَا بِلَا شَرْطٍ مُطْلَقًا وَلَوْ كِيلَ الطَّعَامُ أَوْ أُحْضِرَ الْعَرْضُ. قَوْلُهُ: [كَسُكْنَى دَارٍ] إلَخْ: أَيْ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ أَسْلَمْتُك سُكْنَى دَارِي هَذِهِ أَوْ خِدْمَةَ عَبْدِي فُلَانٍ أَوْ رُكُوبَ دَابَّتِي هَذِهِ شَهْرًا فِي إرْدَبِّ قَمْحٍ آخُذُهُ مِنْك فِي شَهْرِ كَذَا. قَوْلُهُ: [إنْ شَرَعَ فِيهَا] : أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ مَنْفَعَةَ الْمُعَيَّنِ - سَوَاءٌ كَانَ حَيَوَانًا أَوْ عَقَارًا أَوْ عَرْضًا - مُلْحَقَةٌ بِالْعَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِهَا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَقَبْضًا بِقَبْضِ أَصْلِهَا ذِي الْمَنْفَعَةِ أَوْ الشُّرُوعِ فِي اسْتِيفَائِهَا مِنْهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ أَصْلِهَا حِينَ الْعَقْدِ أَوْ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. قَوْلُهُ: [بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ] إلَخْ: بَلْ الشُّرُوعُ فِي قَبْضِهَا كَافٍ، وَلَوْ قُلْنَا: إنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ لَيْسَ قَبْضًا لِلْأَوَاخِرِ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ ابْتِدَاءً دَيْنٌ بِدَيْنٍ وَقَدْ اسْتَخَفُّوهُ فِي السَّلَمِ، كَذَا قِيلَ. قَوْلُهُ: [تَدْفَعُهُ بَعْدَ شَهْرٍ مَثَلًا] : مَحَلُّ مَنْعِ السَّلَمِ بِالْمَنَافِعِ الْمَضْمُونَةِ مَا لَمْ يَشْرَعْ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي اسْتِيفَائِهَا، وَإِلَّا جَازَ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ تَبَعًا لِلْقَانِي قَالَ بْن وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعَيَّنَةِ وَالْمَضْمُونَةِ؛ وَقَالَ الْأُجْهُورِيُّ: لَا يَجُوزُ بِالْمَنَافِعِ

(وَ) جَازَ السَّلَمُ (بِجُزَافٍ) بِشُرُوطِهِ بِجَعْلِ رَأْسِ مَالٍ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ. (وَ) جَازَ السَّلَمُ (بِخِيَارٍ) فِي عَقْدِهِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ (فِي الثَّلَاثِ) : أَيْ ثَلَاثَةِ الْأَيَّامِ فَقَطْ وَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَبْدًا أَوْ دَارًا فِي ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: الْخِيَارُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ رَأْسِ الْمَالِ مِنْ رَقِيقٍ وَدَارٍ وَغَيْرِهِمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْخِيَارِ. وَمَحَلُّ جَوَازِهِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ: (إنْ لَمْ يُنْقَدْ) رَأْسَ الْمَالِ وَلَوْ تَطَوُّعًا وَإِلَّا فَسَدَ. لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ. وَشَرْطُ النَّقْدِ مُفْسِدٌ وَإِنْ لَمْ يُنْقَدْ وَلَوْ أَسْقَطَ الشَّرْطَ. وَمَحَلُّ الْفَسَادِ بِالنَّقْدِ تَطَوُّعًا إنْ كَانَ مِمَّا تَقْبَلُهُ الذِّمَّةُ، بِأَنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ. فَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا مُعَيَّنًا أَوْ ثَوْبًا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ فَلَا يَفْسُدُ بِنَقْدِهِ تَطَوُّعًا لِعَدَمِ التَّرَدُّدِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ. (وَ) جَازَ (رَدُّ زَائِفٍ) وُجِدَ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَلَوْ بَعْدَ طُولٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَضْمُونَةُ مُطْلَقًا وَلَوْ شَرَعَ فِيهَا مُتَمَسِّكًا بِظَاهِرِ النَّقْلِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ عب وَشَارِحُنَا وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُهُمْ كَمَا قَالَ فِي الْحَاشِيَة. تَنْبِيهٌ: لَوْ وَقَعَ السَّلَمُ بِمَنْفَعَةِ مُعَيَّنٍ، وَتَلِفَ ذُو الْمَنْفَعَةِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهَا رَجَعَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ عَلَى الْمُسْلَمِ بِقِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي لَمْ تُقْبَضْ وَلَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ، قِيَاسًا لِلْمَنْفَعَةِ عَلَى الدَّرَاهِمِ الزَّائِفَةِ، فَهَذِهِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي الْإِجَارَةِ: " وَفُسِخَتْ بِتَلَفِ مَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ لَا بِهِ ". قَوْلُهُ: [بِشُرُوطِهِ] : أَيْ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي قَوْلِ خَلِيلٍ " رُئِيَ إنْ " إلَخْ. وَجَازَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ جُزَافًا بِالشُّرُوطِ وَلَوْ نَقْدًا مَسْكُوكًا حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا، وَذَلِكَ فِي مُتَعَامَلٍ بِهِ وَزْنًا فَقَطْ. قَوْلُهُ: [يُجْعَلُ رَأْسَ مَالٍ] : وَأَمَّا جَعْلُهُ مُسْلَمًا فِيهِ فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ شُرُوطِهِ: أَنْ يُرَى حِينَ الْعَقْدِ وَهُوَ مُتَعَذَّرٌ هُنَا. قَوْلُهُ: [وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ] : هُوَ ضَعِيفٌ، فَقَدْ رَدَّهُ عِيَاضٌ وَابْنُ عَرَفَةَ كَمَا قَالَ الْحَطَّابُ. قَوْلُهُ: [إنْ لَمْ يُنْقَدْ رَأْسُ الْمَالِ وَلَوْ تَطَوُّعًا] : وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَ نَظَائِرِهَا فِي بَابِ الْخِيَارِ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ رَدُّ زَائِفٍ] إلَخْ: أَيْ جَازَ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَدُّ الزَّائِفِ الْمَغْشُوشِ بِأَنْ يَكُونَ الذَّهَبُ أَوْ الْفِضَّةُ مَخْلُوطَيْنِ بِنُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ، وَأَمَّا لَوْ وَجَدَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ

[الشرط الثاني من شروط السلم أن لا يكونا طعامين ربويين]

(وَ) إذَا رُدَّ (عُجِّلَ) الْبَدَلُ وُجُوبًا وَيُغْتَفَرُ التَّأْخِيرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ قَامَ بِذَلِكَ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلٍ بِكَثِيرٍ، فَإِنْ قَامَ بِهِ بَعْدِ الْحُلُول أَوْ قَبْلَهُ بِالْيَوْمَيْنِ جَازَ التَّأْخِيرُ مَا شَاءَ. (وَإِلَّا) يُعَجِّلُ الْبَدَلَ فِيمَا فِيهِ التَّعْجِيلُ (فَسَدَ مَا يُقَابِلُهُ) : أَيْ مَا يُقَابِلُ الزَّائِفَ (فَقَطْ) لَا الْجَمِيعَ. وَهَذَا حَيْثُ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا وَقَامَ بِحَقِّهِ فِي ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. فَإِنْ سَامَحَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ الزَّائِفِ لَمْ يَبْطُلْ مَا قَابَلَهُ. (وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي مِنْ شُرُوطِ السَّلَمِ: (أَنْ لَا يَكُونَا طَعَامَيْنِ) رِبَوِيَّيْنِ أَوْ غَيْرَهُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ رِبَا النِّسَاءِ أَوْ هُوَ مَعَ رِبَا الْفَضْلِ: كَسَمْنٍ فِي بُرٍّ وَعَكْسِهِ (وَلَا نَقْدَيْنِ) : كَذَهَبٍ فِي فِضَّةٍ وَعَكْسِهِ أَوْ ذَهَبٍ فِي ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فِي فِضَّةٍ. (وَلَا شَيْئًا فِي أَكْثَرَ مِنْهُ) : كَثَوْبٍ فِي ثَوْبَيْنِ مِنْ جِنْسٍ (أَوْ) فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي رَأْسِ الْمَالِ نُحَاسًا أَوْ رَصَاصًا خَالِصًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ رَدُّهُ عَلَى الْمُسْلَمِ وَأَخْذُ بَدَلِهِ، بَلْ يَفْسُدُ مُقَابِلُهُ حَيْثُ لَمْ يَرْضَ بِهِ كَمَا قَالَهُ سَحْنُونَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ أَبِي عِمْرَانَ: أَنَّ ذَلِكَ مِثْلُ الْمَغْشُوشِ فَيَجُوزُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَدُّهُ عَلَى الْمُسْلَمِ وَأَخْذُهُ بَدَلَهُ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلَمِ أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ الْبَدَلَ وَإِلَّا فَسَدَ مَا يُقَابِلُهُ، وَظَاهِرُ شَارِحِنَا يُوَافِقُ الْمُدَوَّنَةَ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ حُلُولِ أَجَلٍ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْأَصْلِ وَالْمُنَاسِبُ: أَجَلِهِ. [الشَّرْطُ الثَّانِي مِنْ شُرُوطِ السَّلَمِ أَنْ لَا يَكُونَا طَعَامَيْنِ رِبَوِيَّيْنِ] قَوْلُهُ: [أَلَّا يَكُونَا طَعَامَيْنِ] إلَخْ: فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ لِآخَرَ أُسْلِمُك إرْدَبَّ قَمْحٍ فِي إرْدَبِّ قَمْحٍ أَوْ فُولٍ وَلَا أُسْلِمُك دِينَارًا فِي قَدْرٍ مِنْ فِضَّةٍ أَوْ فِي دِينَارٍ مَا لَمْ يَتَّحِدْ الْقَدْرُ وَالصِّنْفُ وَيَكُونُ بِلَفْظِ الْقَرْضِ أَوْ السَّلَفِ وَإِلَّا جَازَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْفُلُوسَ الْجُدُدَ هُنَا كَالْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ سَلَمُ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ. قَوْلُهُ: [لِمَا فِيهِ مِنْ رِبَا النَّسَاءِ] : أَيْ عِنْدَ تَمَاثُلِ رَأْسِ الْمَالِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ هُوَ مَعَ رِبَا الْفَضْلِ] : أَيْ إنْ حَصَلَتْ زِيَادَةٌ وَكَانَ الطَّعَامُ رِبَوِيًّا. قَوْلُهُ: [لَا نَقْدَيْنِ] : أَيْ سَوَاءٌ تَسَاوَيَا رَأْسُ الْمَالِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ أَوْ زَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ. قَوْلُهُ: [كَثَوْبٍ فِي ثَوْبَيْنِ] : أَيْ أَوْ كَسَلَمِ قِنْطَارِ كَتَّانٍ فِي قِنْطَارَيْنِ وَإِرْدَبٍّ فِي إرْدَبَّيْنِ.

(أَجْوَدَ) مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ سَلَفٍ بِزِيَادَةٍ (كَالْعَكْسِ) وَهُوَ سَلَمُ شَيْءٍ فِي أَقَلِّ مِنْهُ أَوْ أَدْنَى مِنْ جِنْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَمَانٍ بِجَعْلٍ. ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: " وَلَا شَيْئًا فِي أَكْثَرَ " إلَخْ قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ الْمَنْفَعَةُ) فِي أَفْرَادِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَيَصِيرَ كَالْجِنْسَيْنِ فَيَجُوزَ فِي الْأَكْثَرِ وَالْأَجْوَدِ (كَفَارِهِ الْحُمُرِ) : جَمْعُ حِمَارٍ. وَالْفَارِهُ: سَرِيعُ السَّيْرِ يَجُوزُ سَلَمُهُ (فِي) الْمُتَعَدِّدِ مِنْ الْحُمُرِ (الْأَعْرَابِيَّةِ) : أَيْ الضَّعِيفَةِ السَّيْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ فِي أَجْوَدَ مِنْهُ] : أَيْ كَثَوْبٍ رَدِيءٍ فِي جَيِّدٍ وَقِنْطَارِ كَتَّانٍ رَدِيءٍ فِي أَجْوَدَ. قَوْلُهُ: [لِمَا فِيهِ مِنْ ضَمَانِ بِجَعْلِ] : أَيْ مِنْ تُهْمَةِ ضَمَانٍ بِجَعْلٍ؛ فَإِذَا أَسْلَمَتْ ثَوْبَيْنِ مِنْ ثَوْبٍ فَكَأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ ضَمِنَ ثَوْبًا مِنْهُمَا لِلْأَجَلِ وَأَخَذَ الثَّوْبَ الْآخَرَ فِي نَظِيرِ ضَمَانِهِ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرُوهَا هُنَا وَأَلْغُوهَا فِي بُيُوعِ الْآجَالِ؛ لِأَنَّ تَعَدُّدَ الْعَقْدِ هُنَاكَ أَضْعَفَهَا. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ الْمَنْفَعَةُ] : اعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ أَحْوَالٍ أَرْبَعَةٍ: لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ: إمَّا أَنْ يَخْتَلِفَا جِنْسًا وَمَنْفَعَةً مَعًا، وَلَا إشْكَالَ فِي الْجَوَازِ؛ كَسَلَمِ الْعَيْنِ فِي الطَّعَامِ، وَالطَّعَامِ فِي الْحَيَوَانِ، وَإِمَّا أَنْ يَتَّفِقَا مَعًا، وَلَا إشْكَالَ فِي الْمَنْعِ إلَّا أَنْ يُسَلَّمَ الثَّمَنُ فِي مِثْلِهِ فَيَكُونَ قَرْضًا، وَإِمَّا أَنْ يَتَّحِدَ الْجِنْسُ وَتَخْتَلِفَ الْمَنْفَعَةُ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَإِمَّا أَنْ تَتَّحِدَ الْمَنْفَعَةُ وَيَخْتَلِفَ الْجِنْسُ - كَالْبِغَالِ وَالْبَرَاذِينِ مِنْ الْخَيْلِ - وَفِيهِ قَوْلَانِ. فَمَنْ مَنَعَ نَظَرَ إلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَعْيَانِ مَنَافِعُهَا، وَمَنْ أَجَازَ نَظَرَ إلَى اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْ تَقَارَبْت الْمَنْفَعَةُ كَذَا فِي بْن. قَوْلُهُ: [أَيْ الضَّعِيفَةِ السَّيْرِ] : أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَعْرَابِيَّةِ ضَعِيفَةُ السَّيْرِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَنْسُوبَةً لِلْأَعْرَابِ أَيْ سُكَّانِ الْبَادِيَةِ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ لَا خُصُوصَ الْمَنْسُوبَةِ لِلْأَعْرَابِ، وَإِلَّا لَاقْتَضَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ سَلَمُ حِمَارٍ سَرِيعِ السَّيْرِ فِي مُتَعَدِّدٍ مِنْ الْمِصْرِيَّةِ ضَعِيفٍ غَيْرِ سَرِيعٍ كَحَمِيرِ الْجَبَّاسَةِ وَالتُّرَابَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ جَائِزٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إذْ الْمَدَارُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْمَنْفَعَةِ.

(وَسَابِقِ الْخَيْلِ) يَجُوزُ سَلَمُهُ (فِي) الْمُتَعَدِّدِ مِنْ (الْحَوَاشِي) مِنْهَا وَعَكْسُهُ. (وَجَمَلٍ) : أَيْ بَعِيرٍ (كَثِيرِ الْحَمْلِ: أَوْ سَابِقٍ فِي) مُتَعَدِّدٍ مِنْ (غَيْرِهِ) مِنْ الضِّعَافِ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعَدُّدَ لَا يُشْتَرَطُ، وَقَدْ عَبَّرَتْ الْمُدَوَّنَةُ بِالْإِفْرَادِ كَمَا عَبَّرَتْ بِالْجَمْعِ، وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اخْتِلَافُ الْعَدَدِ إلَّا إذَا ضَعُفَ اخْتِلَافُ الْمَنْفَعَةِ، أَمَّا إذْ قَوِيَ اخْتِلَافُ الْمَنْفَعَةِ فَيَجُوزُ السَّلَمُ وَلَوْ اتَّحَدَ الْعَدَدُ، فَإِنَّهُ قَالَ: الْإِبِلُ صِنْفَانِ صِنْفٌ يُرَادُ لِلْحَمْلِ وَصِنْفٌ يُرَادُ لِلرُّكُوبِ لَا لِلْحَمْلِ، وَكُلُّ صِنْفٍ مِنْهُمَا صِنْفَانِ: جَيِّدٌ وَحَاشٍ؛ فَيَجُوزُ أَنْ يُسَلَّمَ مَا يُرَادُ لِلْحَمْلِ فِيمَا يُرَادُ لِلرُّكُوبِ، فَيَجُوزُ جَيِّدُ أَحَدِهِمَا فِي جَيِّدِ الْآخَرِ وَالْجَيِّدُ فِي الرَّدِيءِ وَالرَّدِيءُ فِي الرَّدِيءِ، اتَّفَقَ الْعَدَدُ أَوْ اخْتَلَفَ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ كُلُّهَا تُرَادُ لِلْحَمْلِ أَوْ الرُّكُوبِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ الْجَيِّدُ بِالرَّدِيءِ وَلَا عَكْسُهُ وَجَازَ أَنْ يُسْلَمَ جَيِّدٌ فِي حَاشِيَيْنِ فَأَكْثَرَ وَعَكْسُهُ (اهـ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَسَابِقُ الْخَيْلِ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ الْخَيْلَ إمَّا أَعْرَابِيَّةٌ وَهِيَ: مَا كَانَ أَبُوهَا وَأُمُّهَا مِنْ الْخَيْلِ، وَإِمَّا أَعْجَمِيَّةٌ وَهِيَ الْبِرْذَوْنَةُ وَهِيَ: مَا كَانَ أَبُوهَا مِنْ الْخَيْلِ وَأُمُّهَا مِنْ الْبَقَرِ. وَالْعَرَبِيَّةُ قِسْمَانِ: مِنْهَا مَا كَانَ مُتَّخَذًا لِلرِّمَاحَةِ وَالْجَرْيِ وَحَسَّنَهَا بِكَثْرَةِ سَبْقِهَا لِغَيْرِهَا، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُتَّخَذٌ لِلْهَمْلَجَةِ أَيْ لِلْمَشْيِ بِسُرْعَةٍ كالرهوان وَحَسَّنَهَا سُرْعَةُ مَشْيِهَا. وَأَمَّا الْأَعْجَمِيَّةُ فَهِيَ مُتَّخَذَةٌ لِلْحَمْلِ فَتَارَةً تَكُونُ كَثِيرَةَ الْهَمْلَجَةِ وَتَارَةً لَا تَكُونُ كَذَلِكَ وَلَا جَرْيَ فِيهَا. فَالْهَمْلَجَةُ يَتَّصِفُ بِهَا كُلٌّ مِنْ الْأَعْجَمِيَّةِ وَالْعَرَبِيَّةِ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَيَجُوزُ سَلَمُ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ الْأَعْرَابِيِّينَ فِي الْآخَرِ الْوَاحِدِ فِي اثْنَيْنِ أَوْ فِي وَاحِدٍ عَلَى مَا مَرَّ، وَيَجُوزُ سَلَمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النَّوْعَيْنِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ الَّذِي هُوَ الْبِرْذَوْنَةُ الْوَاحِدُ فِي اثْنَيْنِ وَعَكْسُهُ. قَوْلُهُ: [أَيْ بَعِيرٍ] : إنَّمَا فَسَّرَهُ بِهِ لِيَشْمَلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى. قَوْلُهُ: [فَيَجُوزُ جَيِّدُ أَحَدِهِمَا] إلَخْ: أَيْ فَالْمَدَارُ عَلَى قُوَّةِ اخْتِلَافِ الْمَنْفَعَةِ، وَلَوْ كَانَ جَيِّدٌ فِي جَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٌ فِي رَدِيءٍ، اتَّحَدَ أَوْ تَعَدَّدَ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى رَدِيءٌ فِي جَيِّدٍ وَعَكْسُهُ. قَوْلُهُ: [لِلْحَمْلِ أَوْ الرُّكُوبِ] : أَوْ مَانِعَةَ خُلُوٍّ فَتَجُوزُ الْجَمْعُ. قَوْلُهُ [وَجَازَ أَنْ يُسْلَمَ جَيِّدٌ فِي حَاشِيَيْنِ] إلَخْ: أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ كُلًّا يُرَادُ لِلْحَمْلِ أَوْ الرُّكُوبِ وَاخْتِلَافُهُمَا إنَّمَا هُوَ بِالْجُودَةِ وَالرَّدَاءَةِ فَيَجُوزُ إسْلَامُ الْوَاحِدِ فِي

(وَ) نَحْوُ (قُوَّةِ الْبَقَرَةِ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى عَلَى الْعَمَلِ مِنْ حَرْثٍ وَدَرْسٍ وَطَحْنٍ، فَيُسْلَمُ قَوِيُّهَا فِي ضَعِيفِهَا وَعَكْسُهُ. (وَكَثْرَةِ لَبَنِ الشَّاةِ) أَوْ قِلَّتِهِ فَيُسْلَمُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الشِّيَاهِ اللَّبَنُ (إلَّا الضَّأْنَ) فَكَثْرَةُ اللَّبَنِ فِيهَا لَا يُلْتَفَتُ لَهُ (عَلَى الْأَصَحِّ) : لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الصُّوفُ لَا اللَّبَنُ (وَكَصَغِيرَيْنِ) مِنْ كُلِّ جِنْسٍ يَجُوزُ سَلَمُهُمَا (فِي كَبِيرٍ) مِنْ جِنْسِهِ (وَعَكْسُهُ) بِاتِّفَاقِ التَّأْوِيلَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُتَعَدِّدِ كَجَيِّدٍ فِي حَاشِيَيْنِ فَأَكْثَرَ وَحَاشِيَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي جَيِّدٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ وَاحِدٌ فِي وَاحِدٍ تَقَدَّمَ الْجَيِّدُ أَوْ الرَّدِيءُ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا - وَإِنْ تَقَدَّمَ الرَّدِيءُ - وَضَمَانٌ يُجْعَلُ إنْ تَقَدَّمَ الْجَيِّدُ كَذَا فِي بْن. قَوْلُهُ: [فَيُسْلَمُ قَوِيُّهَا فِي ضَعِيفِهَا] : أَيْ فَيَجُوزُ أَنْ يُسَلَّمَ ثَوْرٌ قَوِيٌّ عَلَى الْعَمَلِ فِي اثْنَيْنِ ضَعِيفَيْنِ لَا قُوَّةَ لَهُمَا مِثْلُهُ عَلَى الْعَمَلِ. وَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ اللَّخْمِيِّ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعَدُّدُ فِي سَلَمِ الْبَقَرَةِ مَتَى تَبَايَنَتْ الْمَنَافِعُ كَمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا يُرَادُ لِلْحَرْثِ وَالْآخَرُ يُرَادُ لِلَّبَنِ أَوْ لِلذَّبْحِ. وَأَمَّا إنْ اتَّحَدَتْ الْمَنَافِعُ - كَمَا إذَا كَانَ كُلٌّ يُرَادُ لِلْحَرْثِ حَصَلَ اخْتِلَافٌ بِالْقُوَّةِ - فَلَا بُدَّ مِنْ الِاخْتِلَافِ بِالتَّعَدُّدِ. قَوْلُهُ: [وَكَثْرَةُ لَبَنِ الشَّاةِ] : أَيْ فَيَجُوزُ سَلَمُ شَاةٍ كَثِيرَةٍ اللَّبَنِ فِي اثْنَتَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا كَثْرَةُ لَبَنٍ، وَلَا مَفْهُومَ لِلشَّاةِ بَلْ كَذَلِكَ يُقَالُ فِي الْجَامُوسِ وَالْبَقَرِ. قَوْلُهُ: [إلَّا الضَّأْنَ] : هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، وَنَصُّهَا: لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ ضَأْنُ الْغَنَمِ فِي مَعْزِهَا وَلَا الْعَكْسُ إلَّا شَاةً غَزِيرَةَ اللَّبَنِ مَوْصُوفَةً بِالْكَرَمِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تُسْلَمَ فِي حَوَاشِي الْغَنَمِ؛ فَظَاهِرُهَا شُمُولُ الضَّأْنِ وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الضَّأْنَ، لِأَنَّ اللَّبَنَ فِيهَا كَالتَّابِعِ لِمَنْفَعَةِ الصُّوفِ، وَلِأَنَّ لَبَنَهَا غَالِبًا أَقَلُّ مِنْ لَبَنِ الْمَعْزِ مَعَ قِلَّةِ مَنْفَعَةِ شَعْرِ الْمَعْزِ. فَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمَعْزِ اللَّبَنُ كَمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الضَّأْنِ الصُّوفُ. قَوْلُهُ: [مِنْ كُلِّ جِنْسٍ] : أَيْ مَا عَدَا صَغِيرِ الْآدَمِيِّ وَالْغَنَمِ وَالطَّيْرِ الَّذِي يُرَادُ لِلْأَكْلِ كَمَا يَأْتِي عَلَى أَرْجَحِ التَّأْوِيلَيْنِ أَيْ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَدْ حَمَلَهَا عَلَيْهِ ابْنُ لُبَابَةَ وَابْنُ مُحْرِزٍ وَغَيْرُهُمَا وَاخْتَارَهُ الْبَاجِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ. وَتَأَوَّلَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ.

(أَوْ صَغِيرٍ فِي كَبِيرٍ) وَعَكْسِهِ، يَجُوزُ عَلَى أَرْجَحِ التَّأْوِيلَيْنِ (إنْ لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْمُزَابَنَةِ بِطُولِ الزَّمَانِ) : أَيْ الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ إلَى أَنْ يَصِيرَ فِيهِ الصَّغِيرُ كَبِيرًا أَوْ يَلِدُ فِيهِ الْكَبِيرُ صَغِيرًا، فَيَصِيرُ ضَمَانًا بِجَعْلٍ فِي الْأَوَّلَيْنِ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَيُؤَدِّي إلَى الْجَهَالَةِ فِي الثَّانِيَةِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْعَكْسِ فِي الْفَرْعَيْنِ. فَقَوْلُهُ: " إنْ لَمْ " إلَخْ رَاجِعٌ لِمَا بَعْدَ الْكَافِ. (بِخِلَافِ صَغِيرِ الْآدَمِيِّ وَالْغَنَمِ وَطَيْرِ الْأَكْلِ) : كَالدَّجَاجِ وَالْحَمَامِ وَالْإِوَزِّ، فَلَا يُسَلَّمُ كَبِيرٌ كُلٍّ فِي صَغِيرِهِ وَلَا عَكْسُهُ، اتَّحَدَ عَدَدُ كُلٍّ أَوْ اخْتَلَفَ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الصِّغَرِ وَالْكِبْرِ فِيهَا. وَرَأْيُ الْبَاجِيِّ: أَنَّ صَغِيرَ الْآدَمِيِّ جِنْسٌ مُخَالِفٌ لِكَبِيرِهِ لِاخْتِلَافِ الْمَنَافِعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إنْ لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْمُزَابَنَةِ] : أَيْ فَإِنْ أَدَّى لَهَا مُنِعَ. وَقَوْلُهُ: [بِطُولِ الزَّمَانِ] : تَصْوِيرٌ لِلتَّأْدِيَةِ إلَى الْمُزَابَنَةِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالْمُزَابَنَةِ الضَّمَانُ بِجَعْلٍ فِي الْأَوَّلِ وَالْجَهَالَةِ فِي الثَّانِي كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا مَعْنَاهَا الْمُتَقَدِّمُ، وَهِيَ بَيْعُ مَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ أَوْ بِمَعْلُومٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ هُنَا مِنْ الْأَوَّلِ: أَعْنِي بَيْعُ مَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ نَظَرًا لِجَهْلِ انْتِفَاعِ الْمُسْلَمِ وَالْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِرَأْسِ الْمَالِ وَبِالْمُسْلَمِ فِيهِ. قَوْلُهُ: [إلَى أَنْ يَصِيرَ] إلَخْ: بَيَانٌ لِطُولِ الزَّمَانِ وَغَايَةً فِيهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ يَلِدُ فِيهِ الْكَبِيرُ صَغِيرًا] : هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَأْنُهُ الْوِلَادَةُ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ. قَوْلُهُ: [فَيَصِيرُ ضَمَانًا بِجَعْلٍ] : أَيْ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ كَأَنَّهُ قَالَ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ: اضْمَنْ لِي هَذَا لِأَجَلِ كَذَا، فَإِنْ فَاتَ فَفِي ذِمَّتِك وَإِنْ سَلِمَ عَادَ إلَيَّ وَكَانَتْ مَنْفَعَتُهُ لَك أَوْ الثَّانِي لَك فِي ضَمَانِك. قَوْله: [فِي الْأَوَّلَيْنِ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ] : أَيْ فِي الْأَوَّلِ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْعَكْسِ فِي الْفَرْعَيْنِ] : عَكْسُ الْأُولَى كَبِيرٌ فِي صَغِيرَيْنِ عَكْسُ الثَّانِيَةِ كَبِيرٌ فِي صَغِيرِ. قَوْلُهُ: [وَرَأَى الْبَاجِيِّ] إلَخْ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَحَدُّ الْكَبِيرِ فِي الرَّقِيقِ إنْ فَرَّقْنَا بَيْنَ صَغِيرِهِ وَكَبِيرِهِ بُلُوغُ سِنِّ التَّكَسُّبِ

(وَكَجِذْعٍ طَوِيلٍ غَلِيظٍ فِي) جِذْعٍ أَوْ جُذُوعٍ (غَيْرِهِ) مِنْ الْقِصَارِ الرِّقَاقِ، فَيَجُوزُ. وَظَاهِرٌ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْوَصْفَيْنِ فَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا، وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ (وَسَيْفٍ قَاطِعٍ) لِجُودَةِ جَوْهَرِيَّتِهِ يَجُوزُ سَلَمُهُ (فِي أَكْثَرَ دُونَهُ) فِي الْقَطْعِ وَالْجُودَةِ (وَكَطَيْرٍ عُلِّمَ) صَنْعَةً شَرْعِيَّةً كَالصَّيْدِ فَيُسَلَّمُ فِي غَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْعَمَلِ وَالتَّجْرِ، وَهُوَ عِنْدِي بُلُوغُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ الِاحْتِلَامُ. قَوْلُهُ: [أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْوَصْفَيْنِ] أَيْ الطُّولُ وَالْغِلَظُ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعَدُّدِ مَا يُسْلَمُ فِيهِ وَالْوَاجِبُ لَهُ لَكِنْ قَدْ مَرَّ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ طَرِيقَتَيْنِ، وَهُمَا: هَلْ يُشْتَرَطُ تَعَدُّدُ الْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا أَسْلَمَ بَعْضُ أَفْرَادِ الْجِنْسِ الْمُخْتَلِفَةِ الْمَنْفَعَةَ فِي بَعْضٍ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ التَّعَدُّدُ؟ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْأَرْجَحَ عَدَمُهُ. وَقَالَ فِي الْحَاشِيَةِ أَيْضًا: الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْغِلَظَ كَافٍ، وَأَمَّا الطُّولُ وَحْدَهُ فَلَا يَكْفِي وَالْفَرْقُ تَيَسُّرُ قَطْعِ الطَّوِيلِ فَالْمَنْفَعَةُ فِيهِ مُتَقَارِبَةٌ بِخِلَافِ الْغَلِيظِ فِي رَقِيقَيْنِ فَإِنَّ فِي نَشْرِهِ كُلْفَةً. قَوْلُهُ: [خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ] : أَيْ فَيَكْفِي عِنْدَهُ أَحَدُ الْوَصْفَيْنِ. وَاعْتُرِضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ: بِأَنَّ الْكَبِيرَ قَدْ يُصْنَعُ مِنْهُ صِغَارٌ فَيُؤَدِّي إلَى سَلَمِ الشَّيْءِ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَهُوَ مُزَابَنَةٌ؟ وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْجِذْعِ الْمَخْلُوقِ لَا الْمَنْجُورِ الْمَنْحُوتِ، فَإِنَّهُ يُسَمَّى جَائِزَةً لَا جِذْعًا، فَالْكَبِيرُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ جُذُوعٌ بَلْ جَوَائِزُ، وَبِأَنَّ الْكَلَامَ فِي كَبِيرٍ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ الصَّغِيرُ إلَّا بِفَسَادٍ وَهُوَ لَا يَقْصِدُهُ الْعُقَلَاءُ، وَبِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَبِيرِ مَا لَيْسَ مِنْ نَوْعِ الصَّغِيرِ كَنَخْلٍ فِي صَنَوْبَرٍ، وَهَذَا الْأَخِيرُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْخَشَبَ أَجْنَاسٌ وَهُوَ الرَّاجِحُ. قَوْلُهُ: [دُونَهُ فِي الْقَطْعِ وَالْجَوْدَةِ] : أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ الْوَصْفَيْنِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ دُونَهُ فِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ فَلَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّبَاعُدِ. فَإِنْ اسْتَوَيَا مَعًا فِي الْقَطْعِ وَالْجَوْدَةِ مُنِعَ اتِّفَاقًا فِيمَا إذَا كَانَ الْمُقَابِلُ مُتَعَدِّدًا وَجَازَ فِي الْمُتَّحَدِ لِأَنَّ الشَّيْءَ فِي مِثْلِهِ قَرْضٌ - وَإِنْ لَمْ يَلْفِظْ بِالْقَرْضِ هُنَا - لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ رِبَا فَضْلٍ وَلَا نَسِيئَةٍ. وَظَاهِرُ شَارِحِنَا اشْتِرَاطُ التَّعَدُّدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُهُ. قَوْلُهُ: [كَالصَّيْدِ] : أَيْ وَكَتَوْصِيلِ الْكُتُبِ، وَاحْتُرِزَ بِالشَّرْعِيَّةِ مِنْ غَيْرِهَا كَتَعْلِيمِهِ الْكَلَامَ وَالصِّيَاحَ، فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْمَنْفَعَةِ.

مُفْرَدًا وَمُتَعَدِّدًا (أَوْ آدَمِيٍّ) عُلِّمَ صَنْعَةً شَرْعِيَّةً (بِكَنَسْجٍ) وَخِيَاطَةٍ وَطَرْزٍ (وَطَبْخٍ إلَّا) الصَّنْعَةَ (السَّهْلَةَ كَالْكِتَابَةِ وَالْحِسَابِ وَالْغَزْلِ) : فَلَا تُنْقَلُ عَنْ الْجِنْسِ (إنْ لَمْ تَبْلُغْ النِّهَايَةَ) فَإِنْ بَلَغَتْهَا جَازَ (فَكَالْجِنْسَيْنِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: " إلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ الْمَنْفَعَةُ " إلَخْ. أَيْ: فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمَنْفَعَةُ كَمَا ذُكِرَ فَكَالْجِنْسَيْنِ يَجُوزُ سَلَمُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ (وَلَوْ تَقَارَبَتْ الْمَنْفَعَةُ) بَيْنَهُمَا (كَرَقِيقِ) ثَوْبِ (قُطْنٍ وَ) رَقِيقِ ثَوْبِ (كَتَّانٍ) فَأَوْلَى غَلِيظُهُمَا أَوْ رَقِيقُ أَحَدِهِمَا فِي غَلِيظِ الْآخَرِ. (وَلَا عِبْرَةَ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ) : فَلَا يُسَلَّمُ ذَكَرٌ فِي أُنْثَى وَلَا عَكْسُهُ حَتَّى فِي الْآدَمِيِّ عَلَى الْمَشْهُودِ. لَكِنْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِجَوَازِهِ فِي الْآدَمِيِّ لِاخْتِلَافِ الْمَنْفَعَةِ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا، فَإِنَّ الذَّكَرَ يُرَادُ لِلسَّفَرِ وَلِلزَّرْعِ وَلِمَا يُرَادُ فِي خَارِجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مُفْرَدًا وَمُتَعَدِّدًا] : أَيْ كَانَ مِنْ نَوْعِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ. قَوْلُهُ [فَإِنْ بَلَغَتْهَا] : فِيهِ ضَمِيرَانِ مُؤَنَّثَانِ: ضَمِيرُ الْفَاعِلِ يَعُودُ عَلَى الصَّنْعَةِ، وَالْمَفْعُولُ يَعُودُ عَلَى النِّهَايَةِ. قَوْلُهُ: [جَازَ] : أَيْ جَازَ سَلَمُهَا فِي غَيْرِ بَالِغَةِ النِّهَايَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ يَعْرِفُ أَصْلَ الصَّنْعَةِ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ تَقَارَبَتْ الْمَنْفَعَةُ] : أَيْ بِخِلَافِ مُتَّحِدِ الْجِنْسِ فَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِلَافِ الْمَنْفَعَةِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: [فَأَوْلَى غَلِيظُهُمَا] : وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ اخْتِلَافُهُمَا بِالْمَنْفَعَةِ اخْتِلَافًا قَوِيًّا زِيَادَةً عَلَى اخْتِلَافِ الْجِنْسِيَّةِ. قَوْلُهُ: [لَكِنْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ] إلَخْ: قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ: الْعَبِيدُ عِنْدَ مَالِكٍ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قَبَائِلُهُمْ، فَالْبَرْبَرِيُّ وَالْفَوْرِيُّ وَالصَّقَلِّيُّ وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ لَا يُسْلَمُ أَحَدُهُمْ فِي الْآخَرِ، إلَّا أَنَّ الصَّنْعَةَ تَنْقُلُهُمْ وَتَصِيرُهُمْ أَجْنَاسًا إذَا كَانَا تَاجِرَيْنِ مُخْتَلِفَيْ التِّجَارَةِ كَبَزَّارٍ وَعَطَّارٍ، أَوْ صَانِعَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الصَّنْعَةِ كَخَبَّازٍ وَخَيَّاطٍ، فَيُسْلَمُ الصَّانِعُ فِي التَّاجِرِ لَا أَحَدُهُمَا فِي وَاحِدٍ يُرَادُ لِمُجَرَّدِ الْخِدْمَةِ، وَيُسْلَمُ أَحَدُهُمَا فِي عَدَدٍ يُرَادُ مِنْهُ الْخِدْمَةُ.

[الشرط الثالث أن يؤجل المسلم فيه بأجل معلوم]

الْبَيْتِ، وَالْأُنْثَى تُرَادُ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ كَالطَّبْخِ وَالْعَجْنِ وَالْخَبْزِ وَنَحْوِهَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمَنْفَعَةِ يُصَيِّرُ الْجِنْسَ كَالْجِنْسَيْنِ فِي الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَقَوْلُهُ: " وَلَا عِبْرَةَ " إلَخْ. أَيْ مُجَرَّدُ ذُكُورَةٍ وَأُنُوثَةٍ (وَلَا) عِبْرَةَ (بِالْبَيْضِ) : أَيْ بِكَثْرَتِهِ فَلَا تُسْلَمُ دَجَاجَةٌ بَيُوضٌ فِي غَيْرِهَا. (وَ) الشَّرْطُ الثَّالِثُ: (أَنْ يُؤَجَّلَ) الْمُسْلَمُ فِيهِ (بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ) : لَا إنْ لَمْ يُؤَجَّلْ أَوْ أُجِّلَ بِمَجْهُولٍ (كَنِصْفِ شَهْرٍ) : خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ لَا أَقَلَّ. وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَةُ عِنْدَ النَّاسِ كَالْمَنْصُوصَةِ، كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَجَازَ) الْأَجَلُ (بِنَحْوِ الْحَصَادِ) كَالدِّرَاسِ وَنُزُولِ الْحَاجِّ وَالصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ (وَاعْتُبِرَ) مِنْ ذَلِكَ (الْمُعْظَمُ) لَا أَوَّلُهُ وَلَا آخِرُهُ: أَيْ قُوَّةُ ذَلِكَ الْفِعْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَهُوَ ظَاهِرٌ] : أَيْ جَوَازُ سَلَمِ الْأُنْثَى فِي الذَّكَرِ وَعَكْسِهِ. قَوْلُهُ: [فَلَا تُسْلَمُ دَجَاجَةٌ بَيُوضٌ فِي غَيْرِهَا] : أَيْ فِي اثْنَيْنِ غَيْرِ بَيُوضٍ لِعَدَمِ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَأَمَّا فِي وَاحِدَةٍ غَيْرِ بَيُوضٍ فَجَائِزٌ لِأَنَّهُ قَرْضٌ. [الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يُؤَجَّلَ الْمُسْلَمُ فِيهِ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ] [تَنْبِيه إذَا حصل عَائِق عَنْ الْخُرُوج] قَوْلُهُ: [أَنْ يُؤَجَّلَ الْمُسْلَمُ فِيهِ] : إنَّمَا اُشْتُرِطَ الْأَجَلُ لِأَجْلِ السَّلَامَةِ مِنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا ضُرِبَ الْأَجَلُ فَإِنَّ الْغَالِبَ تَحْصِيلُ الْمُسْلَمِ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْأَجَلِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَيْعِ الْإِنْسَانِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، إذْ كَأَنَّهُ إنَّمَا بَاعَ مَا هُوَ عِنْدَهُ عِنْدَ الْأَجَلِ. وَاشْتُرِطَ فِي الْأَجَلِ: أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لِيُعْلَمَ مِنْهُ الْوَقْتُ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ قَضَاءُ الْمُسْلَمِ فِيهِ. وَالْأَجَلُ الْمَجْهُولُ لَا يُفِيدُ لِلْغَرَرِ، وَإِنَّمَا حُدَّ أَقَلُّ الْأَجَلِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ اخْتِلَافِ الْأَسْوَاقِ غَالِبًا وَاخْتِلَافُهَا مَظِنَّةٌ لِحُصُولِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَكَأَنَّهُ عِنْدَهُ. قَوْلُهُ: [كَالْمَنْصُوصَةِ] : أَيْ فَمَنْ لَهُمْ عَادَةً بِوَقْتٍ الْقَبْضِ لَا يَحْتَاجُونَ لِتَعَيُّنِ الْأَجَلِ، وَذَلِكَ كَأَرْبَابِ الْمَزَارِعِ وَأَرْبَابِ الْأَلْبَانِ وَأَرْبَابِ الثِّمَارِ، فَإِنَّ عَادَةَ الْأَوَّلِ الْقَبْضُ عِنْدَ حَصَادِ الزَّرْعِ وَعَادَةَ مَنْ بَعْدَهُمْ الْوَفَاءُ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِمْ زَمَنَ الرَّبِيعِ وَزَمَنَ جَذِّ الثِّمَارِ. قَوْلُهُ: [وَالصَّيْفُ وَالشِّتَاءُ] : أَيْ وَلَوْ لَمْ يُعْرَفَا لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ إلَّا بِشِدَّةِ الْحَرِّ أَوْ الْبَرْدِ لَا بِالْحِسَابِ. قَوْلُهُ: [وَاعْتُبِرَ مِنْ ذَلِكَ الْمُعْظَمُ] : أَيْ الْوَقْتُ الَّذِي يَحْصُلُ فِيهِ غَالِبُهُ وَهُوَ

عَادَةً وَلَوْ لَمْ يَقَعْ. (وَاعْتُبِرَ الْأَشْهُرُ بِالْأَهِلَّةِ) نَاقِصَةً أَوْ كَامِلَةً؛ فَإِذَا سَمَّيَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَكَانَا فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ، فَالثَّانِي وَالثَّالِثِ بِالْأَهِلَّةِ (وَتُمِّمَ الْمُنْكَسِرُ ثَلَاثِينَ) يَوْمًا مِنْ الرَّابِعِ، وَلَا يُنْظَرُ لِنَقْصِ الْأَوَّلِ. (و) إنْ أَجَّلَ (إلَى رَبِيعٍ) مَثَلًا (حَلَّ) الْأَجَلُ (بِأَوَّلِهِ، وَ) إذَا قِيلَ بِشَرْطِ أَنْ أَقْبِضَهُ (فِيهِ) : أَيْ فِي رَبِيعٍ مَثَلًا حَلَّ الْأَجَلُ (بِوَسَطِهِ) وَلَا يَفْسُدُ السَّلَمُ (عَلَى الْأَصَحِّ) ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: فِي سَنَةِ كَذَا، لَمْ يَفْسُدْ وَيَحْمِلُ عَلَى نِصْفِ السَّنَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: " وَإِنْ يُؤَجِّلْ إلَخْ "، قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا شَرَطَا قَبْضَهُ) : أَيْ الْمُسْلَمَ فِيهِ (بِبَلَدٍ) غَيْرِ بَلَدِ الْعَقْدِ، (فَيَكْفِي) فِي الْأَجَلِ (مَسَافَةَ الْيَوْمَيْنِ) ذَهَابًا (إنْ شَرَطَا) فِي الْعَقْدِ (الْخُرُوجَ) إلَيْهَا لِيَقْبِضَ فِيهَا (وَخَرَجَا) بِالْفِعْلِ بِأَنْفُسِهِمَا أَوْ وَكِيلَهُمَا (حِينَئِذٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَطُ الْوَقْتِ لِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ لَمْ يَقَعْ] : أَيْ هَذَا إذَا وُجِدَتْ الْأَفْعَالُ أَعْنِي الْحَصَادَ وَالدِّرَاسَ فِي الْعَقْدِ أَوْ لَمْ تُوجَدْ فِيهَا. قَوْلُهُ: [وَاعْتُبِرَ الْأَشْهُرُ بِالْأَهِلَّةِ] : أَيْ وَكَذَلِكَ الشَّهْرُ وَالشَّهْرَانِ فَتُجْعَلُ الـ فِي الْأَشْهُرِ لِلْجِنْسِ. قَوْلُهُ: [حَلَّ الْأَجَلُ بِأَوَّلِهِ] : أَيْ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ أَيْ بِآخِرِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ أَيْ بِآخِرِ اللَّيْلَةِ الْأُولَى، وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ الْمَوَّاقُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِأَوَّلِهِ: رُؤْيَةُ هِلَالِهِ. وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ إذَا طَالَبَ الْمُسْلِمُ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ وَقْتَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَامْتَنَعَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ الدَّفْعِ وَقَالَ: لَا أَدْفَعُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ اللَّيْلَةِ الْأُولَى، فَإِنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ يُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لَا عَلَى الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: [عَلَى الْأَصَحِّ] : أَيْ وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ، وَرَجَّحَهُ أَيْضًا ابْنُ سَهْلٍ وَعَزَاهُ لِمَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْعُتْبِيَّةِ قَائِلًا: يَكُونُ حُلُولُ الْأَجَلِ فِي وَسَطِ الشَّهْرِ إذَا قَالَ فِي شَهْرِ كَذَا، وَفِي وَسَطِ السَّنَةِ إذَا قَالَ فِي سَنَةِ كَذَا.

[الشرط الرابع أن يكون السلم فيه في الذمة]

أَيْ حِينَ الْعَقْدِ (بِبَرٍّ) لَا بَحْرٍ، (أَوْ) بِبَحْرٍ (بِغَيْرِ رِيحٍ) ، كَالْمُنْحَدِرِينَ؛ احْتِرَازًا مِنْ السَّفَرِ بِالرِّيحِ كَالْمُقْلِعِينَ فَلَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَدَّى إلَى قَطْعِ مَسَافَةِ الْيَوْمَيْنِ فِي نِصْفِ يَوْمٍ فَيُؤَدِّي إلَى السَّلَمِ الْحَالِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ رَأْسِ الْمَالِ وَقْتَ الْعَقْدِ، فَمَتَى انْخَرَمَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَلَا بُدَّ مِنْ ضَرْبِ الْأَجَلِ. (و) الشَّرْطُ الرَّابِعُ: (أَنْ يَكُونَ) السَّلَمُ فِيهِ (فِي الذِّمَّةِ، لَا فِي) شَيْءٍ (مُعَيَّنٍ) غَائِبٍ أَوْ حَاضِرٍ لِفَسَادِ بَيْعٍ مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ] : أَيْ الْخَمْسَةِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْبَلَدُ الثَّانِي عَلَى مَسَافَةِ يَوْمَيْنِ مِنْ بَلَدِ الْعَقْدِ وَأَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ الْخُرُوجَ فَوْرًا وَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا بِالْفِعْلِ إمَّا بِأَنْفُسِهِمَا أَوْ بِوَكِيلِهِمَا، وَأَنْ يُعَجِّلَ رَأْسَ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ قُرْبِهِ أَوْ أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ بِبَرٍّ أَوْ بِغَيْرِ رِيحٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّلَمَ لَا بُدَّ أَنْ يُؤَجَّلَ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ أَقَلُّهُ نِصْفُ شَهْرٍ، إلَّا إذَا اشْتَرَطَ قَبْضَهُ بِمُجَرَّدِ الْوُصُولِ لِبَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِ الْعَقْدِ صَحَّ بِتِلْكَ الشُّرُوطِ الْخَمْسَةِ، وَلَا يَشْتَرِطُ التَّأْجِيلَ بِنِصْفِ شَهْرٍ. تَنْبِيهٌ لَوْ حَصَلَ عَائِقٌ عَنْ الْخُرُوجِ وَرُجِيَ انْكِشَافُهُ انْتَظَرَ وَإِلَّا خُيِّرَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي الْبَقَاءِ وَالْفَسْخِ - قَالَهُ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ. وَأَمَّا لَوْ تَرَكَ الْخُرُوجَ مِنْ غَيْرِ عَائِقٍ فَسَدَ الْعَقْدُ؛ فَإِنْ سَافَرَ وَوَصَلَ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمَيْنِ فَإِنْ كَانَ السَّفَرُ بِبَرٍّ أَوْ بِغَيْرِ رِيحٍ كَانَ صَحِيحًا، وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُ مِنْ الْقَبْضِ حَتَّى يَمْضِيَ الْيَوْمَانِ وَإِنْ كَانَ السَّفَرُ بِرِيحٍ كَانَ فَاسِدًا. [الشَّرْطُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ السَّلَمُ فِيهِ فِي الذِّمَّةِ] قَوْلُهُ: [فِي الذِّمَّةِ] : قَالَ الْقَرَافِيُّ الذِّمَّةُ: مَعْنًى شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ فِي الْمُكَلَّفِ قَابِلٌ لِلِالْتِزَامِ وَاللُّزُومِ. وَنَظَّمَهُ ابْنُ عَاصِمٍ بِقَوْلِهِ: وَالشَّرْحُ لِلذِّمَّةِ وَصْفٌ قَامَا ... يَقْبَلُ الِالْتِزَامَ وَالْإِلْزَامَا أَيْ وَصْفٌ قَامَ بِالنَّفْسِ بِهِ صِحَّةُ قَبُولِ الِالْتِزَامِ كَ: لَك عِنْدِي دِينَارٌ وَأَنَا ضَامِنٌ كَذَا، وَقَبُولُ الْإِلْزَامِ كَأَلْزَمْتُكَ دِيَةَ فُلَانٍ، كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [لِفَسَادِ بَيْعٍ مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ] : إنَّمَا كَانَ فَاسِدًا لِأَنَّهُ قَدْ يَهْلَكُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَيَتَرَدَّدُ الثَّمَنُ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ إنْ هَلَكَ وَالثَّمَنِيَّةِ إنْ لَمْ يَهْلَكْ.

[الشرط الخامس أن يضبط المسلم فيه بعادته]

(وَ) الشَّرْطُ الْخَامِسُ: (أَنْ يُضْبَطَ) الْمُسْلَمُ فِيهِ (بِعَادَتِهِ) الَّتِي جَرَى بِهَا الْعُرْفُ (مِنْ كَيْلٍ) فِيمَا يُكَالُ كَالْحَبِّ (أَوْ وَزْنٍ) فِيمَا يُوزَنُ كَالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ (أَوْ عَدَدٍ) فِيمَا يُعَدُّ (كَالرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ، وَقِيسَ) مَا يُعَدُّ مِنْ رُمَّانٍ وَنَحْوِهِ كَبِطِّيخِ أَيْ اُعْتُبِرَ عِنْدَ الْعَقْدِ قِيَاسُهُ (بِخَيْطٍ) لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ (أَوْ بِحِمْلٍ) الْأَوْلَى عَطْفُهُ عَلَى: " بِعَادَةٍ " لِأَنَّ الْحِمْلَ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَمَا بَعْدَهُ لَيْسَ لَهُ قَدْرٌ مُعَيَّنٌ فِي الْعَادَةِ، أَيْ أَوْ يُضْبَطُ بِحِمْلٍ بِأَنْ يُقَاسَ حَبْلٌ، وَيُقَالُ: أُسَلِّمُك فِيمَا يَمْلَأُ هَذَا الْحَبْلُ (أَوْ جُرْزَةٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ: حُزْمَةٌ مِنْ الْقَتِّ وَالْأَغْمَارِ (فِي كَقَصِيلٍ) : مَا يُقْصَلُ وَيُجَذُّ نَحْوَ فُولٍ وَبِرْسِيمٍ وَكَتَّانٍ. (لَا) يَصِحُّ الضَّبْطُ (بِفَدَّانٍ) أَوْ قِيرَاطٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَهْلِ (أَوْ) يُضْبَطُ (بِالتَّحَرِّي) عِنْدَ عَدَمِ آلَةِ وَزْنٍ لَا عِنْدَ وُجُودِهَا (كَنَحْوِ كَذَا) : أَيْ قَدْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الشَّرْطُ الْخَامِسُ أَنْ يُضْبَطَ الْمُسْلَمُ فِيهِ بِعَادَتِهِ] [تَنْبِيه الْخِلَاف فِي مِقْيَاس التَّسَلُّم فِيهِ وَمَا يَجُوز الْقِيَاس بِهِ] قَوْلُهُ: [أَنْ يُضْبَطَ الْمُسْلَمُ فِيهِ بِعَادَتِهِ] : أَيْ فَلَا يَصِحُّ إذَا لَمْ يُضْبَطْ كَ: خُذْ هَذَا الدِّينَارَ سَلَمًا عَلَى قَمْحٍ مَثَلًا، مِنْ غَيْرِ ضَبْطٍ لِقَدْرِهِ أَوْ ضُبِطَ بِغَيْرِ مَا يُضْبَطُ بِهِ كَخُذْ هَذَا الدِّينَارَ سَلَمًا عَلَى قِنْطَارِ قَمْحٍ أَوْ إرْدَبِّ لَحْمٍ أَوْ إرْدَبِّ بَيْضٍ أَوْ قِنْطَارِ بِطِّيخٍ. قَوْلُهُ: [أَيْ اُعْتُبِرَ عِنْدَ الْعَقْدِ قِيَاسُهُ بِخَيْطٍ] : أَيْ وَيُوضَعُ ذَلِكَ الْخَيْطُ عِنْدَ أَمِينٍ حَتَّى يَتِمَّ الْأَجَلُ؛ فَإِذَا حَضَرَ الرُّمَّانُ مَثَلًا قِيسَ كُلُّ رُمَّانَةٍ بِذَلِكَ الْخَيْطِ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ يُقَاسَ حَبْلٌ] : أَيْ وَيُوضَعُ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْخَيْطِ. تَنْبِيهٌ لَوْ ضَاعَ الْخَيْطُ أَوْ الْحَبْلُ الَّذِي اُعْتُبِرَ وَتَنَازَعَا فِي قَدْرِهِ، فَإِنْ قَرُبَ الْعَقْدُ بِأَنْ لَمْ يَفُتْ رَأْسُ الْمَالِ تَحَالُفًا وَتَفَاسُخًا. وَإِنْ فَاتَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ إنْ أَشْبَهَ، فَإِنْ انْفَرَدَ الْمُسْلَمُ بِالشَّبَهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، فَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ وَاحِدٌ حَمْلًا عَلَى الْوَسَطِ فِي الْخَيْطِ وَالْحَبْلِ. قَوْلُهُ: [لَا يَصِحُّ الضَّبْطُ بِفَدَّانٍ أَوْ قِيرَاطٍ] : أَيْ وَلَوْ اُشْتُرِطَ كَوْنُهُ بِصِفَةٍ جَوْدَةً أَوْ رَدَاءَةً لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ وَلَا يُحَاطُ بِهِ فَلَا يَكُونُ السَّلَمُ فِي الْقَصِيلِ وَالْبُقُولِ إلَّا عَلَى الْأَحْمَالِ أَوْ الْحُزُمِ. قَوْلُهُ: [عِنْدَ عَدَمِ آلَةِ وَزْنٍ] : لَا مَفْهُومَ لَهُ، بَلْ مِثْلُهُ عَدَمُ آلَةِ كَيْلٍ كَمَا فِي (بْن) وَغَيْرِهِ.

عَشَرَةِ أَرْطَالٍ أَوْ قِنْطَارٍ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ فِي مَعْنَى التَّحَرِّي (أَوْ نَحْوِ هَذَا) : أَيْ أَوْ يَأْتِي بِشَيْءٍ كَقَدْرٍ مِنْ لَحْمٍ أَوْ خُبْزٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَيَقُولُ: أُسَلِّمُك فِي قَدْرِ زِنَةِ هَذَا، عَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي فِي مَعْنَاهُ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ عِيَاضٍ: ذَهَبَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ إلَى أَنَّ مَعْنَى التَّحَرِّي أَنْ يَقُولَ: أُسَلِّمُك فِي لَحْمٍ أَوْ خُبْزٍ يَكُونُ قَدْرَ عَشَرَةِ أَرْطَالٍ، وَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ: إنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ قَدْرًا وَيَقُولُ آخُذُ مِنْك قَدْرَ هَذَا كُلَّ يَوْمٍ وَيَشْهَدُ عَلَى الْمِثَالِ (اهـ) . (وَفَسَدَ) السَّلَمُ (بِمِعْيَارٍ مَجْهُولٍ) : كَزِنَةِ هَذَا الْحَجَرِ أَوْ مِلْءِ هَذَا الْوِعَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا فُقِدَتْ آلَةُ الْوَزْنِ - وَكُنَّا نَعْلَمُ قَدْرَهَا - وَاحْتَجْنَا لِلسَّلَمِ فِي اللَّحْمِ مَثَلًا يَجُوزُ أَنْ يُسْلِمَ الْجَزَّارُ فِي مِائَةِ قِطْعَةٍ مَثَلًا كُلُّ قِطْعَةٍ لَوْ وُزِنَتْ كَانَتْ رِطْلًا أَوْ رِطْلَيْنِ مَثَلًا، وَكَذَلِكَ إذَا عُدِمَتْ آلَةُ الْكَيْلِ وَعُلِمَ قَدْرُهَا وَاحْتِيجَ لِلسَّلَمِ فِي الطَّعَامِ فَيَقُولُ الْمُسْلَمُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ: أُسْلِمُك دِينَارًا فِي قَمْحٍ مِلْءَ زَكِيبَتَيْنِ مَثَلًا كُلُّ زَكِيبَةٍ لَوْ كِيلَتْ كَانَتْ إرْدَبًّا مَثَلًا آخُذُهُ مِنْك فِي شَهْرِ كَذَا، هَذَا مَعْنَى ضَبْطِ السَّلَمِ بِالتَّحَرِّي عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ. وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي يَقُولُ: الْمُرَادُ أَنْ تَأْتِيَ لِلْجَزَّارِ بِحَجَرٍ أَوْ بِقِطْعَةِ لَحْمٍ مَثَلًا وَتَقُولَ لَهُ: أُسْلِمُك فِي مِائَةِ قِطْعَةٍ مِنْ اللَّحْمِ كُلُّ قِطْعَةٍ لَوْ وُزِنَتْ كَانَتْ قَدْرَ هَذَا الْحَجَرِ أَوْ قَدْرَ هَذِهِ الْقِطْعَةِ. وَالْغَرَضُ أَنَّهُ لَا يُوزَنُ اللَّحْمُ بَعْدَ حُضُورِهِ بِهَذَا الْحَجَرِ أَصْلًا بَلْ إذَا جَاءَ الْأَجَلُ أَعْطَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ لِلْمُسْلَمِ مِائَةَ قِطْعَةٍ مُمَاثِلَةٍ لِذَلِكَ الْحَجَرِ تَحَرِّيًا بِدُونِ أَنْ تُوزَنَ وَإِلَّا فَسَدَ. وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ أَتَى لِصَاحِبِ الْقَمْحِ بِقُفَّةٍ لَا يَعْلَمُ قَدْرَهَا وَيَقُولُ لَهُ: أُسْلِمُك دِينَارًا فِي قَمْحٍ لَوْ كِيلَ بِهَذِهِ الْقُفَّةِ لَكَانَ مِلْأَهَا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ آخُذُهُ فِي يَوْمِ كَذَا، وَلَا يُكَالُ بِهَا عِنْدَ حُضُورِهِ بَلْ تُتَحَرَّى الْمُمَاثَلَةُ كَمِلْئِهَا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَإِلَّا فَسَدَ لِلْجَهْلِ فَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ لِابْنِ أَبِي زَمَنِينَ، وَالثَّانِي لِابْنِ زَرِبٍ. قَوْلُهُ: [وَفَسَدَ السَّلَمُ بِمِعْيَارٍ مَجْهُولٍ] : أَيْ إذَا تَعَاقَدَا عَلَى كَوْنِهِ يُكَالُ بِهِ أَوْ يُوزَنُ بِهِ بِالْفِعْلِ لَا بِالتَّحَرِّي فَيَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ الْآلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. تَنْبِيهٌ يَجُوزُ السَّلَمُ بِقِيَاسِ ذِرَاعِ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ كَأُسَلِّمُكَ دِينَارًا فِي ثَوْبٍ طُولُهُ ثَلَاثُونَ ذِرَاعًا بِذِرَاعِ فُلَانٍ وَأَرَاهُ إيَّاهُ، فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الرَّجُلَ فَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ عَنْ

[الشرط السادس تبين الأوصاف التي تختلف بها الأغراض في المسلم فيه]

(وَ) الشَّرْطُ السَّادِسُ: (أَنْ تُبَيَّنَ الْأَوْصَافِ) تَبْيِينًا شَافِيًا (الَّتِي تَخْتَلِفُ بِهَا الْأَغْرَاضُ) فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ (عَادَةً) فِي بَلَدِ السَّلَمِ (مِنْ نَوْعٍ) كَقَمْحٍ وَشَعِيرٍ وَفُولٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَصِنْفٍ) : كَبُرٍّ بَرِّيٍّ وَرُومِيٍّ وَحَبَشِيٍّ، وَبُخْتٍ وَعِرَابٍ، وَضَأْنٍ وَمَعْزٍ، وَكَتَّانٍ وَقُطْنٍ وَحَرِيرٍ وَصُوفٍ (وَجَوْدَةٍ وَرَدَاءَةٍ وَبَيْنَهُمَا) . (وَ) أَنْ يُبَيَّنَ (اللَّوْنُ فِي الْآدَمِيِّ وَالثَّوْبِ وَالْعَسَلِ) لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِيهِ: كَجَارِيَةٍ بَيْضَاءَ أَوْ سَوْدَاءَ أَوْ عَبْدٍ كَذَلِكَ، كَثَوْبٍ أَبْيَضَ أَوْ أَسْوَدَ أَوْ أَحْمَرَ بَعْدَ بَيَانِ صِنْفِهِ، أَوْ عَسَلٍ كَذَلِكَ. (وَ) يُبَيَّنَ (مَكَانُ الْحُوتِ) : إنْ اُحْتِيجَ كَكَوْنِهِ مِنْ بِرْكَةٍ أَوْ غَدِيرٍ أَوْ بَحْرٍ (و) مَكَانُ (الثَّمَرِ) كَكَوْنِهِ مِنْ الطُّورِ أَوْ مِنْ الشَّامِ أَوْ مِنْ مِصْرَ وَهَكَذَا (وَنَاحِيَتِهِمَا) : إنْ اُحْتِيجَ لِذَلِكَ كَالْجِهَةِ الشَّرْقِيَّةِ أَوْ الْغَرْبِيَّةِ أَوْ الْغَيْطِ الْفُلَانِيِّ. (وَ) يُبَيَّنَ (الْقَدْرُ) فِي الْجَمِيعِ. (وَ) يُبَيَّنُ (فِي الْحَيَوَانِ) مُطْلَقًا عَاقِلًا أَوْ غَيْرَهُ (السِّنُّ) الْمُسْتَلْزِمُ لِبَيَانِ الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ (وَالذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ وَالْقَدْرُ) الْمُسْتَلْزِمُ لِلطُّولِ وَالْقِصَرِ وَالتَّوَسُّطِ بَيْنَهُمَا. (وَفِي الْبُرِّ) : أَيْ الْقَمْحِ (السَّمْرَاءُ وَالْمَحْمُولَةُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ الْقَاسِمِ: يَحْمِلَانِ عَلَى ذِرَاعِ وَسَطِ أَصْبَغَ وَهَذَا مُجَرَّدُ اسْتِحْسَانٍ. وَالْقِيَاسُ الْفَسْخُ. فَإِنْ خِيفَ غَيْبَةُ الذِّرَاعِ الْمُعَيَّنِ أُخِذَ قَدْرُهُ وَجُعِلَ بِيَدِ عَدْلٍ إنْ اتَّفَقَا، وَإِلَّا أَخَذَ كُلٌّ مِنْهُمَا قِيَاسَهُ عِنْدَهُ. فَإِنْ مَاتَ أَوْ غَابَ وَلَمْ يُؤْخَذْ قِيَاسُهُ وَتَنَازَعَا فِي قَدْرِهِ جَرَى فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي غَيْبَةِ الْخَيْطِ وَالْحَبْلِ. [الشَّرْط السَّادِس تبين الْأَوْصَاف الَّتِي تَخْتَلِف بِهَا الْأَغْرَاض فِي الْمُسْلِم فِيهِ] قَوْلُهُ: [الَّتِي تَخْتَلِفُ بِهَا الْأَغْرَاضُ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ تَخْتَلِفْ فِيهَا الْقِيمَةُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ اخْتِلَافُ الْقِيَمِ. قَوْلُهُ: [وَأَنْ يُبَيِّنَ اللَّوْنَ فِي الْآدَمِيِّ] : أَيْ فَاللَّوْنُ وَغَيْرُهُ إنَّمَا يُحْتَاجُ لِبَيَانِهِ إذَا كَانَتْ الْأَغْرَاضُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ كَالثِّيَابِ وَالْعَسَلِ وَبَعْضِ الْحَيَوَانِ كَالْآدَمِيِّ وَالْخَيْلِ. قَوْلُهُ: [كَالْجِهَةِ الشَّرْقِيَّةِ] : أَيْ كَكَوْنِ التَّمْرِ مَدَنِيًّا أَوْ أَلْوَاحِيًّا أَوْ بُرُلُّسِيًّا. قَوْلُهُ: [السَّمْرَاءُ] : وَهِيَ الْحَمْرَاءُ. وَالْمَحْمُولَةُ هِيَ الْبَيْضَاءُ.

إنْ اخْتَلَفَتْ الْأَغْرَاضُ بِهِمَا (وَالْجِدَّةُ وَالْمِلْءُ وَضِدُّهُمَا) : الْقِدَمُ وَالضُّمُورُ. (وَفِي الثَّوْبِ الرِّقَّةُ وَالطُّولُ وَالْعَرْضُ وَضِدُّهَا) : الثِّخَنُ وَالْقِصَرُ وَقِلَّةُ الْعَرْضِ. (وَفِي الزَّيْتِ: الْمُعْصَرُ مِنْهُ) : كَزَيْتُونٍ أَوْ سَلْجَمٍ أَوْ حَبِّ فُجْلٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ سِمْسِمٍ (وَنَاحِيَتُهُ) كَمَغْرِبِيٍّ أَوْ شَامِيٍّ. (وَفِي اللَّحْمِ) : بَعْدَ بَيَانِ نَوْعِهِ مِنْ بَقَرٍ أَوْ ضَأْنٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (السِّنُّ وَالسَّمْنُ وَالذُّكُورَةُ وَضِدُّهَا) : مِنْ هُزَالٍ أَوْ أُنُوثَةٍ (وَكَوْنُهُ رَاعِيًا) : أَيْ الْحَيَوَانِ الَّذِي مِنْهُ ذَلِكَ اللَّحْمُ (أَوْ مَعْلُوفًا) حَيْثُ اُحْتِيجَ لِذَلِكَ (أَوْ) كَوْنُهُ (مِنْ جَنْبٍ أَوْ رَقَبَةٍ) وَنَحْوُ ذَلِكَ إنْ اخْتَلَفَتْ الْأَغْرَاضُ. (وَ) يُبَيَّنُ فِي كُلِّ شَيْءٍ أُسْلِمَ فِيهِ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَمِرْجَانٍ أَوْ زُجَاجٍ (أَوْ مَعْدِنٍ) كَحَدِيدٍ وَرَصَاصٍ وَكُحْلٍ (أَوْ) شَيْءٍ (مَطْبُوخٍ) مِنْ لَحْمٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ مَنْسُوجٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إنْ اخْتَلَفَتْ الْأَغْرَاضُ بِهِمَا] : أَيْ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ الْبَيَانُ. وَاعْتَرَضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ: إنْ أُرِيدَ بِالسَّمْرَاءِ وَالْمَحْمُولَةِ: مُطْلَقُ سَمْرَاءَ وَمَحْمُولَةٍ، كَانَ ذَكَرُ النَّوْعِ مُغْنِيًا عَنْهُمَا، لِأَنَّهُمَا نَوْعَانِ مِنْ الْبُرِّ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهِمَا سَمْرَاءُ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ أَيْ شَدِيدَةُ الْحُمْرَةِ وَمَحْمُولَةٌ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ أَيْ شَدِيدَةُ الْبَيَاضِ، كَانَتْ الْجَوْدَةُ وَالرَّدَاءَةُ مُغْنِيَةً عَنْهُمَا لِأَنَّهُمَا دَاخِلَانِ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ. فَتَحَصَّلَ أَنَّ ذِكْرَ النَّوْعِ وَالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ مُغْنٍ عَنْ ذِكْرِ السَّمْرَاءِ وَالْمَحْمُولَةِ - هَكَذَا بَحَثَ بَعْضُهُمْ تَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: [الْمُعْصَرُ مِنْهُ] : اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمَسْمُوعَ فِي فِعْلِهِ عُصِرَ ثُلَاثِيًّا، فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ الْمَعْصُورُ مِنْهُ - كَذَا بَحَثَ ابْنُ غَازِيٍّ فِي كَلَامِ خَلِيلٍ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِوُرُودِ أُعْصِرَ الرُّبَاعِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ} [النبأ: 14] قِيلَ: هِيَ الرِّيحُ لِأَنَّهَا تَعْصِرُ السَّحَابَ. قَوْلُهُ: [مِنْ لُؤْلُؤٍ] : وَاحِدُهُ لُؤْلُؤَةٌ وَيُجْمَعُ عَلَى لَآلِئَ وَفِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتِ: لُؤْلُؤٌ بِهَمْزَتَيْنِ وَبِغَيْرِ هَمْزَةٍ وَبِضَمِّ أَوَّلِهِ دُونَ ثَانِيهِ وَبِالْعَكْسِ. قَوْلُهُ: [أَوْ زُجَاجٍ] : مُثَلَّثُ الزَّايِ وَاحِدُهُ زُجَاجَةٌ. قَوْلُهُ: [أَوْ شَيْءٍ مَطْبُوخٍ] : أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ ذَاتًا قَائِمَةً

[الشرط السابع أن يوجد المسلم فيه عند حلوله]

أَوْ مَصَاغٍ مِنْ حُلِيٍّ، أَوْ أَوَانٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (مَا يَحْصُرُهُ) : أَيْ يَضْبِطُهُ (وَيُمَيِّزُهُ) : أَيْ يُعَيِّنُهُ فِي الذِّهْنِ حَتَّى تَنْتَفِيَ الْجَهَالَةُ بِهِ. وَلَوْ أَسْلَمَهُ فِي شَيْءٍ وَشَرَطَ الْجُودَةَ أَوْ الرَّدَاءَةَ وَأَطْلَقَ صَحَّ. (وَحُمِلَ فِي الْجَيِّدِ) عَلَى الْغَالِبِ مِنْهُ فِي الْبَلَدِ. (وَ) حُمِلَ فِي (الرَّدِيءِ عَلَى الْغَالِبِ) : أَيْ الْكَثِيرِ مِنْهُ فِي الْبَلَدِ (وَإِلَّا) يَغْلِبْ شَيْءٌ (فَالْوَسَطُ) مِنْ الْجَيِّدِ أَوْ مِنْ الرَّدِيءِ يُقْضَى بِهِ. (وَ) الشَّرْطُ السَّابِعُ: (أَنْ يُوجَدَ) الْمُسْلَمُ فِيهِ (عِنْدَ حُلُولِهِ غَالِبًا) وَلَا يَضُرُّ انْقِطَاعُهُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ مَعَ وُجُودِهِ عِنْدَهُ. ثُمَّ بَيَّنَ بَعْضَ مُحْتَرِزَاتِ بَعْضِ الشُّرُوطِ بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQبِعَيْنِهَا لَا تَفْسُدُ بِالتَّأْخِيرِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَهْلَكًا لَا بَقَاءَ لَهُ لِفَسَادِهِ التَّأْخِيرَ كَالْمَطْبُوخِ سَوَاءٌ كَانَ لَحْمًا أَوْ غَيْرَهُ، وَمِثَالُهُ: أَنْ يَقُولَ: خُذْ هَذَا الدِّينَارَ سَلَمًا عَلَى خَرُوفٍ مُحَمَّرٍ وَآخُذُهُ مِنْك فِي يَوْمِ كَذَا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَطْبُوخِ بِالْفِعْلِ حِينَ الْعَقْدِ - كَالْخِرْفَانِ الْمُسَبَّكَةِ وَالْمَرَبَّاتِ الَّتِي لَا تَفْسُدُ بِالتَّأْخِيرِ - أَوْ كَانَ يُطْبَخُ عَنْ الْأَجَلِ. قَوْلُهُ: [أَيْ الْكَثِيرِ] : كَمَا فَسَّرَ ابْنُ فَرْحُونٍ مَعْنَى الْغَالِبِ. وَقِيلَ: مَعْنَى الْغَالِبِ أَيْ فِي إطْلَاقِ لَفْظِ الْجَيِّدِ عَلَيْهِ كَمَا فَسَّرَ بِهِ الْبَاجِيُّ. [الشَّرْطُ السَّابِعُ أَنْ يُوجَدَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عِنْدَ حُلُولِهِ] قَوْلُهُ: [أَنْ يُوجَدَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عِنْدَ حُلُولِهِ غَالِبًا] : أَيْ بِأَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ وَقْتَ حُلُولِ الْأَجَلِ لِئَلَّا يَكُونَ الثَّمَنُ تَارَةً سَلَفًا وَتَارَةً ثَمَنًا. قَوْلُهُ: [وَلَا يَضُرُّ انْقِطَاعُهُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ] : أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ فِي جَمِيعِ الْأَجَلِ، بَلْ الشَّرْطُ وُجُودُهُ أَيْ الْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَلَوْ انْقَطَعَ فِي أَثْنَاءِ الْأَجَلِ، بَلْ وَلَوْ انْقَطَعَ فِي الْأَجَلِ بِتَمَامِهِ مَا عَدَا وَقْتَ الْقَبْضِ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ الْمُشْتَرِطُ وُجُودَهُ فِي جَمِيعِ الْأَجَلِ. [محترزات بَعْض شُرُوط السَّلَم] قَوْلُهُ: [ثُمَّ بَيَّنَ بَعْضَ مُحْتَرِزَاتِ بَعْضِ الشُّرُوطِ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ بِذِكْرِ " بَعْضٍ " أَوَّلًا وَثَانِيًا، وَمَعْنَاهَا: أَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ مُحْتَرَزَاتِ الْبَعْضِ الَّذِي تَعَرَّضَ لَهُ مِنْ تِلْكَ الشُّرُوطِ.

(فَلَا يَصِحُّ) السَّلَمُ (فِيمَا لَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ: كَتُرَابِ مَعْدِنٍ) لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ يُشْتَرَطُ بَيَانُ وَصْفِهِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِهَا الْأَغْرَاضُ فَمَا لَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ مَجْهُولَةً حَقِيقَتُهُ. (وَلَا) يَصِحُّ سَلَمٌ فِي (جُزَافٍ) لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ وَشَرْطُ صِحَّةِ بَيْعِ الْجُزَافِ رُؤْيَتُهُ وَبِرُؤْيَتِهِ كَانَ مُعَيَّنًا. (وَ) لَا يَصِحُّ سَلَمٌ فِي (أَرْضٍ وَدَارٍ) وَحَانُوتٍ وَخَانٍ وَحَمَّامٍ؛ لِأَنَّهَا بِبَيَانِ مَحَلِّهَا وَوَصْفِهَا صَارَتْ مُعَيَّنَةً لَا فِي الذِّمَّةِ. (وَ) لَا يَصِحُّ فِي (نَادِرِ الْوُجُودِ) : لِعَدَمِ وُجُودِهِ فِي الْغَالِبِ عِنْدَ الْأَجَلِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَمَا لَا قُدْرَةَ لَك عَلَى تَسْلِيمِهِ. (وَإِنْ انْقَطَعَ مَا) أَيْ مُسْلَمٌ فِيهِ (لَهُ إبَّانٌ) : أَيْ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ يَظْهَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَتُرَابِ مَعْدِنٍ] : هَذَا وَمَا بَعْدَهُ أَمْثِلَةٌ لِمَا يَصِحُّ فِيهِ الْمُسْلَمُ وَإِنْ صَحَّ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ لِاخْتِصَاصِ السَّلَمِ بِزِيَادَةِ تِلْكَ الشُّرُوطِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ السَّلَمِ فِيهِ عَدَمُ الْبَيْعِ مِنْ أَصْلِهِ. قَوْلُهُ: [بَيَانُ وَصْفِهِ] : الْمُنَاسِبُ صِفَتُهُ لِأَجْلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [أَيْ مُسْلَمٌ فِيهِ لَهُ إبَّانٌ] : أَيْ مِنْ السَّلَمِ الْحَقِيقِيِّ بِأَنْ كَانَ غَيْرَ مَحْصُورٍ فِي قَرْيَةٍ أَوْ فِي قَرْيَةٍ مَأْمُونَةٍ. وَأَمَّا إنْ انْقَطَعَ ثَمَرُ الْحَائِطِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي أَسْلَمَ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ مِنْهُ أَوْ ثَمَرِ الْقَرْيَةِ غَيْرِ الْمَأْمُونَةِ الَّذِي أَسْلَمَ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ مِنْهَا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ الْمُسْلَمُ بِحِصَّةِ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ السَّلَمِ عَاجِلًا اتِّفَاقًا، وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ، وَلَهُ أَخْذُ بَدَلِهِ وَلَوْ طَعَامًا. وَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى حَسَبِ الْقِيمَةِ؟ فَيَنْظُرُ لِقِيمَةِ كُلٍّ مِمَّا قُبِضَ وَمِمَّا لَمْ يُقْبَضْ فِي وَقْتِهِ وَيَفُضُّ الثَّمَنَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا أَسْلَمَ مِائَةَ دِينَارٍ فِي مِائَةِ وَسْقٍ مِنْ ثَمَرِ الْحَائِطِ الْمُعَيَّنِ ثُمَّ قَبَضَ مِنْ ذَلِكَ خَمْسِينَ وَسْقًا وَانْقَطَعَ، فَإِذَا كَانَ قِيمَةُ الْمَأْخُوذِ مِائَةً وَقِيمَةُ الْبَاقِي خَمْسِينَ فَنِسْبَةُ الْبَاقِي لِلْمَأْخُوذِ الثُّلُثُ فَيَرْجِعُ بِثُلُثِ الثَّمَنِ - قَلَّ أَوْ كَثُرَ - وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ؟ أَوْ يَرْجِعُ عَلَى حَسَبِ الْمَكِيلِيَّةِ؟ فَيَرْجِعُ بِنِسْبَةِ مَا بَقِيَ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ فَيَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ فِي الْمِثَالِ؟ تَأْوِيلَانِ. تَنْبِيهٌ حَيْثُ تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَثَمَرُ الْحَائِطِ الْمُعَيَّنِ لَيْسَ فِي الذِّمَّةِ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْعَقْدُ عَلَى وَجْهِ السَّلَمِ الْحَقِيقِيِّ. وَالْعَقْدُ

فِيهِ كَبَعْضِ الْأَثْمَارِ (خُيِّرَ الْمُشْتَرِي فِي الْفَسْخِ) وَأَخْذِ رَأْسِ مَالِهِ. (وَ) فِي (الْبَقَاءِ) لِقَابِلٍ، حَتَّى يَظْهَرَ الْمُسْلَمُ فِيهِ فِي وَقْتِهِ (إنْ لَمْ يَأْتِ الْقَابِلُ) وَظَهَرَ الْمُسْلَمُ فِيهِ، فَإِنْ أَتَى (فَلَا فَسْخَ) وَتَعَيَّنَ أَخْذُ الْمُسْلَمِ فِيهِ. وَمَحَلُّ التَّخْيِيرِ: إذَا لَمْ يَكُنْ التَّأْخِيرُ حَتَّى انْقَطَعَ بِسَبَبِ الْمُشْتَرِي، وَإِلَّا وَجَبَ الْإِبْقَاءُ لِقَابِلٍ لِأَنَّهُ قَدْ ظَلَمَ الْبَائِعَ حَيْثُ فَرَّطَ فِي أَخْذِ حَقِّهِ، فَتَخْيِيرُهُ زِيَادَةُ ظُلْمٍ لَهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. (وَإِنْ قَبَضَ) الْمُشْتَرِي (الْبَعْضَ) مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَانْقَطَعَ (وَجَبَ) عَلَيْهِ (التَّأْخِيرُ) لِقَابِلٍ وَلَا تَخْيِيرَ لَهُ (إلَّا أَنْ يَرْضَيَا) : أَيْ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ (بِالْمُحَاسَبَةِ) فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَبَضَ النِّصْفَ مَثَلًا رَدَّ الْبَائِعُ لَهُ نِصْفَ رَأْسِ السَّلَمِ فَيَجُوزُ، سَوَاءٌ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مُقَوَّمًا أَوْ مِثْلِيًّا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ فَعُلِمَ أَنَّ مَحَلَّ تَخْيِيرِ الْمُشْتَرِي مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ ثَلَاثَةٍ: أَلَّا يَصْبِرَ حَتَّى يَأْتِيَ الْعَامُ الْقَابِلُ، وَأَلَّا يَقْبِضَ الْبَعْضَ، وَأَلَّا يَكُونَ التَّأْخِيرُ حَتَّى انْقَطَعَ بِسَبَبِهِ. (وَجَازَ قَبْلَ) حُلُولِ (الْأَجَلِ قَبُولُهُ) : أَيْ الْمُسْلَمِ فِيهِ (بِصِفَتِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُتَعَلِّقُ بِهِ، إنَّمَا هُوَ بَيْعٌ حَقِيقَةً فَيَجْرِي عَلَى حُكْمِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ تَارَةً يَقَعُ الْعَقْدُ عَلَى تَسْمِيَتِهِ سَلَمًا وَتَارَةً يَقَعُ عَلَيْهِ مُجَرَّدًا عَنْ التَّسْمِيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا شُرُوطٌ يَتَّفِقَانِ فِي مُعْظَمِهَا. وَهَذِهِ إحْدَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي فَرَّقُوا فِيهَا بَيْنَ الْأَلْفَاظِ، فَيُشْتَرَطُ فِي شِرَاءِ ثَمَرِ الْحَائِطِ - إنْ سُمِّيَ سَلَمًا - إزْهَاؤُهُ وَسَعَةُ الْحَائِطِ وَكَيْفِيَّةُ قَبْضِهِ مُتَوَالِيًا أَوْ مُتَفَرِّقًا، وَكَوْنُ عَقْدِ السَّلَمِ مَعَ الْمَالِكِ لَهُ وَشُرُوعُ الْمُسْلَمِ فِي الْأَخْذِ وَيُغْتَفَرُ تَأْخِيرُ الشُّرُوعِ لِنِصْفِ شَهْرِ وَأَخْذُهُ بُسْرًا أَوْ رُطَبًا لَا تَمْرًا فَلَا يَجُوزُ. وَإِنْ سُمِّيَ بَيْعًا: اُشْتُرِطَ فِيهِ تِلْكَ الشُّرُوطِ مَا عَدَا كَيْفِيَّةَ قَبْضِهِ - هَذَا مُلَخَّصُ مَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [سَوَاءٌ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مُقَوَّمًا أَوْ مِثْلِيًّا] : أَيْ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْمُحَاسَبَةُ فِي الْمُقَوَّمِ لِعَدَمِ الْأَمْنِ مِنْ الْخَطَأِ فِي التَّقْوِيمِ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ] إلَخْ: هَذَا شُرُوعٌ فِي حُكْمِ اقْتِضَاءِ السَّلَمِ حَقَّهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ فَهَذَا الْأَمْرُ جَائِزٌ بِلَا جَبْرٍ حَيْثُ قَضَاهُ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ الْمَحَلِّ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الْمُسْلِمِ حَقٌّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ الْمُسْلَمُ فِيهِ نَقْدًا، وَإِلَّا أُجْبِرَ الْمُسْلِمُ عَلَى قَبُولِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ إنْ طَلَبَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَأَمَّا فِي الْقَرْضِ

[مصروفات التسليم]

الَّتِي وَقَعَ الْعَقْدُ (فَقَطْ) : لَا أَزْيَدُ وَلَا أَنْقَصُ لِمَا فِيهِ مِنْ: حُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدُك، أَوْ: ضَعْ وَتَعَجَّلْ (كَقَبْلَ الْمَحَلِّ) الَّذِي شَرْطُ الْقَبْضِ فِيهِ، أَوْ مَكَانِ الْعَقْدِ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ مَكَانٌ غَيْرَهُ فَيَجُوزُ قَبُولُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ (إنْ حَلَّ) الْأَجَلُ، لَا إنْ لَمْ يَحِلَّ، عَرْضَا أَوْ طَعَامًا، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ سَحْنُونَ: يَجُوزُ مُطْلَقًا حَلَّ أَمْ لَا فِيهِمَا، فَتَفْصِيلُ الشَّيْخِ لَمْ يُوَافِقْ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَظَاهِرُ بَحْثِ بَعْضِهِمْ الْمَنْعُ مُطْلَقًا. (وَلَمْ يَدْفَعْ) الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي (كِرَاءً) لِحَمْلِهِ لِمَحَلِّ الْقَبْضِ لِمَا فِي دَفْعِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ فَفِيهِ: حُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدُك الْكِرَاءَ. (وَلَزِمَ) الْمُشْتَرِيَ الْقَبُولُ كَمَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ الدَّفْعُ (بَعْدَهُمَا) : أَيْ بَعْدَ الْأَجَلِ وَالْمَحَلِّ. (وَجَازَ) بَعْدَهُمَا (أَجْوَدُ) مِمَّا فِي الذِّمَّةِ دَفْعًا وَقَبُولًا لِأَنَّهُ حُسْنُ قَضَاءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيُجْبَرُ الْمُقْرِضُ عَلَى قَبُولِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ كَانَ الْقَرْضُ عَيْنًا أَوْ غَيْرَهُ. قَوْلُهُ: [لِمَا فِيهِ مِنْ: حُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدُك] : رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " لَا أَزِيدُ " وَقَوْلُهُ: [أَوْ ضَعْ وَتَعَجَّلْ] : رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ اُنْقُصْ. قَوْلُهُ: [وَظَاهِرُ بَحْثِ بَعْضِهِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا] : اعْلَمْ أَنَّ فِي الْعَرْضِ وَالطَّعَامِ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ الْجَوَازُ بِشَرْطِ الْحُلُولِ فِيهِمَا، وَالثَّانِي لِسَحْنُونٍ: الْجَوَازُ قَبْلَ مَحِلِّهِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِمَا - ابْنُ عَرَفَةَ: وَهَذَا أَحْسَنُ وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ. هَذَا حَاصِلُ مَا رَأَيْته، وَانْظُرْ مَنْ قَالَ بِالْمَنْعِ وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ الْحُلُولَ، لِأَنَّ مَنْ عَجَّلَ مَا فِي الذِّمَّةِ عُدَّ مُسَلِّفًا وَقَدْ ازْدَادَ الِانْتِفَاعُ بِإِسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ إلَى الْأَجَلِ وَهُوَ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا. وَفِيهِ أَيْضًا إذَا كَانَ طَعَامًا بِيعَ الطَّعَامُ قَبْلَ قَبْضِهِ، لِأَنَّ مَا عَجَّلَهُ عِوَضٌ عَنْ الطَّعَامِ الَّذِي لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْآنَ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا حَلَّ. [مَصْرُوفَات التَّسْلِيم] قَوْلُهُ: [لِمَا فِي دَفْعِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ] : أَيْ لِأَنَّ الْبُلْدَانَ بِمَنْزِلَةِ الْآجَالِ. قَوْلُهُ: [أَيْ بَعْدَ الْأَجَلِ وَالْمَحَلِّ] : الْمُرَادُ بِبُعْدِيَّةِ الْأَجَلِ: انْقِضَاؤُهُ، وَبِبُعْدِيَّةِ الْمَحَلِّ وُصُولُهُ. وَمَحَلُّ لُزُومِ قَبُولِ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلَمِ فِيهِ: بُعْدُهُمَا إذَا أَتَاهُ بِجَمِيعِهِ، فَإِنْ أَتَاهُ بِبَعْضِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ حَيْثُ كَانَ الْمَدِينُ مُوسِرًا. وَأَمَّا الْقَرْضُ فَفِي ابْنِ عَرَفَةَ مَا نَصُّهُ: وَفِي جَبْرِ رَبِّ دَيْنٍ حَالٌّ عَلَى قَبْضِ بَعْضِهِ وَقَبُولِ امْتِنَاعِهِ حَتَّى يَقْبِضَ

(وَأَدْنَى) صِفَةً كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ حُسْنُ اقْتِضَاءٍ وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ. (لَا أَقَلَّ) كَيْلًا أَوْ وَزْنًا أَوْ عَدَدًا طَعَامًا كَانَ أَوْ نَقْدًا (إلَّا أَنْ) يَقْبَلَ الْأَقَلَّ وَ (يُبْرِئُهُ مِنْ الزَّائِدِ) فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ لَا مُكَايَسَةٌ. وَأَمَّا الْعُرُوض كَالثِّيَابِ فَيَجُوزُ قَبُولُ الْأَقَلِّ مُطْلَقًا، أَبْرَأَهُ أَمْ لَا، وَكَذَا الْمِثْلِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ طَعَامًا وَلَا نَقْدًا كَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ. (وَ) جَازَ الْقَضَاءُ (بِغَيْرِ جِنْسِهِ) : أَيْ الْمُسْلَمِ فِيهِ (وَإِنْ قَبْلَ الْأَجَلِ) بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ أَفَادَهَا بِقَوْلِهِ (إنْ عَجَّلَ) الْمَدْفُوعَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَإِلَّا لَزِمَ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ (وَكَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ غَيْرَ طَعَامٍ) لِيَسْلَمَا مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ. (وَصَحَّ سَلَمُ رَأْسِ الْمَالِ فِيهِ) : أَيْ فِي الْمَدْفُوعِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَهُ ثَوْبًا فِي عَبْدٍ فَقَضَى عَنْهُ بَعِيرًا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ سَلَمُ الثَّوْبِ فِي الْبَعِيرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQجَمِيعَهُ وَالْمَدِينُ مُوسِرٌ - نَقْلًا ابْنُ رُشْدٍ وَرِوَايَةُ مُحَمَّدٍ مَعَ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْقَرْضَ بَابُهُ الْمَعْرُوفُ وَالْمُسَامَحَةُ - كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. وَحَيْثُ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْقَبُولِ بَعْدَهُمَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمُسْلِمُ مَنْ يَدْفَعُ لَهُ دَفَعَ لِلْوَكِيلِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَكِيلًا دَفَعَ لِلْقَاضِي لِأَنَّهُ وَكِيلُ الْغَائِبِ. قَوْلُهُ: [وَيُبَرِّئُهُ مِنْ الزَّائِدِ] : ظَاهِرُ الْمَوَّاقِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَقَلُّ مِنْ الطَّعَامِ بِالصِّفَةِ جَازَ أَبْرَأَهُ مِنْ الزَّائِدِ أَمْ لَا. وَالْفَصِيلُ إذَا قَضَاهُ بِغَيْرِ الصِّفَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا أَفَادَهُ وَكَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. تَنْبِيهٌ لَا يَجُوزُ فِي السَّلَمِ قَضَاءُ دَقِيقٍ عَنْ قَمْحٍ وَلَا عَكْسُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّحْنَ نَاقِلٌ - وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا - فَصَارَا كَالْجِنْسَيْنِ فَفِي أَخْذِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَهَذَا الْقَوْلُ مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ الْقَضَاءُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ] : لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى قَضَاءِ السَّلَمِ بِجِنْسِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ قَضَائِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ. قَوْلُهُ: [بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ] : اعْلَمْ أَنَّ الشُّرُوطَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ مُعْتَبَرَةٌ، سَوَاءٌ قَضَى قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا فِي بْن.

ثُمَّ ذَكَرَ مُحْتَرَزَ الشَّرْطِ الْأَخِيرِ بِقَوْلِهِ: (لَا) يَصِحُّ قَضَاءً (بِذَهَبٍ) عَنْ عَبْدٍ مَثَلًا (وَرَأْسُ الْمَالِ) عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ كَالْعَبْدِ (وَرِقٌ وَعَكْسُهُ) : أَيْ بِوَرِقٍ وَرَأْسِ الْمَالِ ذَهَبٌ، لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى سَلَمِ ذَهَبٍ فِي فِضَّةٍ وَعَكْسُهُ وَهُوَ صَرْفٌ مُؤَخَّرٌ. (وَلَا) يَصِحُّ الْقَضَاءُ (بِطَعَامٍ) يَدْفَعُهُ عَنْ ثَوْبٍ مُسْلَمٍ فِيهِ (وَرَأْسُ الْمَالِ) فِيهِ (طَعَامٌ) وَإِلَّا لَزِمَ طَعَامٌ بِطَعَامِ نَسِيئَةٍ، وَمَتَى كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ طَعَامًا فَلَا يَجُوزُ قَضَاءُ غَيْرِهِ عَنْهُ طَعَامًا كَانَ أَوْ غَيْرُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَلِظُهُورِ هَذَا تَرَكْنَاهُ لِفَهْمِهِ مِنْ الشَّرْطِ الثَّانِي بِسُهُولَةٍ، وَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الشَّرْطِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: " وَبَيْعُهُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ مُنَاجَزَةٌ "، وَلَا مُحْتَرَزُهُ بِقَوْلِهِ: " لَا لَحْمٌ بِحَيَوَانٍ " لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي قَضَاءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ. وَإِذَا قَضَيْنَا عَنْ حَيَوَانٍ لَحْمًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ جَازَ كَعَكْسِهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ خَرَجْنَا عَنْ الْمَوْضُوعِ. (وَلَا يَلْزَمُ) الْمُسْلَمَ إلَيْهِ (دَفْعُهُ) : أَيْ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِلْمُسْلَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [ثُمَّ ذَكَرَ مُحْتَرَزَ الشَّرْطِ الْأَخِيرِ] : أَيْ وَقَدْ مَثَّلَ لَهُ بِمِثَالَيْنِ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ لَا بِذَهَبٍ إلَخْ، وَالثَّانِي قَوْلُهُ: وَلَا بِطَعَامٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَمَتَى كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ طَعَامًا] إلَخْ: شُرُوعٌ فِي مُحْتَرَزِ الشَّرْطِ الثَّانِي. وَقَوْلُهُ: [وَلِظُهُورِ هَذَا تَرَكْنَاهُ] : اسْمُ الْإِشَارَةِ يَعُودُ عَلَى مُحْتَرَزِ الشَّرْطِ الثَّانِي. قَوْلُهُ: [وَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الشَّرْطِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ خَلِيلًا صَرَّحَ بِشَرْطٍ آخَرَ بِقَوْلِهِ وَبَيْعُهُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ مُنَاجَزَةً وَذَكَرَ فِي مُحْتَرَزَةِ قَضَاءِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ، وَعَكْسِهِ وَاسْتَشْكَلَهُ شُرَّاحُهُ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَضَاءِ بِغَيْرِ الْجِنْسِ وَبَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ جَائِزٌ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُحْتَرَزًا لِهَذَا الشَّرْطِ. وَأَجَابُوا: بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجِنْسِ مَا تَقَدَّمَ فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ مَا يَجُوزُ سَلَمُهُ فِي غَيْرِهِ كَبَقَرٍ فِي غَنَمٍ. وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ يُتَوَهَّمُ جَوَازُ أَخْذِ لَحْمِ أَحَدِهِمَا عَنْ نَفْسِ الْآخَرِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ هُنَا، فَبَيَّنَ الْمَنْعَ لِلنَّهْيِ الْخَاصِّ عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ، وَشَارِحُنَا هُنَا لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى هَذَا الْجَوَابِ وَسَلَّمَ الْإِشْكَالَ وَوَافَقَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فَتَأَمَّلْ.

[الشراء جملة من عامل دائم التوريد]

(وَلَا) يَلْزَمُ الْمُسْلَمَ (قَبُولُهُ) لَوْ دَفَعَهُ لَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ (بِغَيْرِ مَحَلِّهِ) : أَيْ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ الَّذِي اشْتَرَطَ التَّسْلِيمَ فِيهِ أَوْ مَحَلِّ الْعَقْدِ إذَا لَمْ يَشْتَرِطَا مَحَلًّا (وَلَوْ خَفَّ حَمْلُهُ) كَجَوْهَرٍ وَثَوْبٍ لَطِيفٍ، إلَّا أَنْ يَرْضَيَا بِذَلِكَ فَيَجُوزَ إنْ حَلَّ الْأَجَلُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَجَازَ شِرَاءٌ مِنْ) بَائِعٍ (دَائِمِ الْعَمَلِ كَخَبَّازٍ) وَلَحَّامٍ تُشْتَرَى مِنْهُ (جُمْلَةً) كَقِنْطَارٍ (مُفَرَّقَةٍ عَلَى أَوْقَاتٍ) : كَكُلِّ يَوْمٍ رِطْلٌ حَتَّى تَفْرُغَ الْجُمْلَةُ الْمُعِينَةُ بِدِينَارٍ مَثَلًا (أَوْ) تُشْتَرَى مِنْهُ (كُلَّ يَوْمٍ قِسْطًا مُعَيَّنًا) كَرِطْلٍ (بِكَذَا) بِدِرْهَمٍ مَثَلًا، فَقَوْلُهُ: " بِكَذَا " رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ، لَكِنَّ رُجُوعَهُ لِلْأُولَى عَلَى أَنَّهُ ثَمَنُ الْمَجْمُوعِ كَالْقِنْطَارِ، وَلِلثَّانِيَةِ عَلَى أَنَّهُ ثَمَنُ الْقِسْطِ الْمُعَيَّنِ كَالرِّطْلِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَثَلًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْلَمَ قَبُولُهُ] : أَيْ سَوَاءٌ حَلَّ الْأَجَلُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ. قَوْلُهُ: [فَيَجُوزُ إنْ حَلَّ الْأَجَلُ] : وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَرْضِ وَالطَّعَامِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا مَرَّ. وَمَحَلُّ عَدَمِ لُزُومِ الْقَبُولِ: إنْ لَمْ يَكُنْ عَيْنًا، وَأَمَّا هِيَ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ مِنْهُمَا حَيْثُ حَلَّ الْأَجَلُ وَلَوْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْقَضَاءِ، فَيَلْزَمُ رَبُّهُ الْقَبُولَ إذَا دَفَعَهُ لَهُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ دَفْعُهُ إذَا طَلَبَهُ رَبُّهُ وَلَوْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْقَضَاءِ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ فَالْحَقُّ لِمَنْ عَلَيْهِ الْعَيْنُ فِي الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ. فَإِذَا طَلَبَ الْمَدِينُ تَعْجِيلَ الْعَيْنِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ أَوْ طَلَبَ دَفْعَهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْقَضَاءِ، فَإِنَّهُ يُجْبِرُ رَبَّهَا عَلَى قَبُولِهَا، كَانَتْ الْعَيْنُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ، إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ حُصُولُ خَوْفٍ قَبْلَ الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ فَلَا يُجْبِرُ مَنْ هِيَ لَهُ عَلَى قَبُولِهَا إلَّا بَعْدَ الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ الْمُشْتَرِطِ رَبُّهَا قَبْضَهَا فِيهِ. فَلَوْ جَبَرَهُ عَلَى قَبُولِهَا وَتَلَفَّتَ مِنْهُ ضَاعَتْ عَلَى الدَّافِعِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ عَيْنِ الْمَبِيعِ وَالْقَرْضِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. [الشِّرَاء جُمْلَة مِنْ عَامِل دَائِم التَّوْرِيد] قَوْلُهُ: [مِنْ بَائِعٍ دَائِمِ الْعَمَلِ] : أَيْ حَقِيقَةً وَهُوَ مَنْ لَا يَفْتُرُ عَنْهُ غَالِبًا أَوْ حُكْمًا، بِأَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ حِرْفَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُشْتَرَى مِنْهُ بِحَيْثُ يَتَيَسَّرُ لَهُ تَحْصِيلُهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ. قَوْلُهُ: [قِسْطًا مُعَيَّنًا] : بِالْفَتْحِ أَيْ قَدْرًا. قَوْلُهُ: [عَلَى أَنَّهُ ثَمَنُ الْمَجْمُوعِ] : أَيْ فَالدِّينَارُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ثَمَنُ الْقِنْطَارِ

[الاستصناع في السلم]

(وَهُوَ بَيْعٌ) : أَيْ مِنْ بَابِ الْبَيْعِ لَا السَّلَمِ فَلَا يُشْتَرَطُ تَعْجِيلُ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا تَأْجِيلُ الْمُثْمَنِ، لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا نَصَبَ نَفْسَهُ لِلْعَمَلِ أَشْبَهَ مَا بَاعَهُ الشَّيْءَ الْمُعَيَّنَ، فَإِنْ مَاتَ انْفَسَخَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ. وَيُشْتَرَطُ الشُّرُوعُ فِي الْأَخْذِ فِيمَا دُونَ نِصْفِ شَهْرٍ. (وَإِنْ لَمْ يَدُمْ) عَمَلُهُ (فَسَلَمٌ) يَشْتَرِطُ فِيهِ شُرُوطَهُ كَقِنْطَارٍ مِنْ خُبْزٍ مِنْ كَذَا صِفَتُهُ كَذَا بِأَخْذِهِ بَعْدَ نِصْفِ شَهْرٍ بِكَذَا وَيُعَجِّلُ فِيهِ رَأْسَ الْمَالِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. ثُمَّ شُبِّهَ فِي السَّلَمِ قَوْلُهُ: (كَاسْتِصْنَاعِ سَيْفٍ) أَوْ رِكَابٍ مِنْ حَدَّادٍ (أَوْ سَرْجٍ) مِنْ سَرُوجِيٍّ أَوْ ثَوْبٍ مِنْ حَيَّاكٍ أَوْ بَابٍ مِنْ نَجَّارٍ عَلَى صِفَةٍ مَعْلُومَةٍ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ، فَيَجُوزُ وَهُوَ سَلَمٌ تُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُهُ كَانَ الْبَائِعُ دَائِمُ الْعَمَلِ أَمْ لَا. (إنْ لَمْ يُعَيَّنْ الْعَامِلُ أَوْ الْمَعْمُولُ مِنْهُ) : فَإِنْ عَيَّنَهُ فَسَدَ نَحْوَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQمُفَرَّقًا عَلَى شَهْرٍ مَثَلًا وَالثَّانِيَةُ عَلَى أَنَّ الدِّرْهَمَ ثَمَنٌ لِلرِّطْلِ الَّذِي يَأْخُذُهُ كُلَّ يَوْمٍ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ بَيْعٌ] : صَرَّحَ بِهِ قَوْلُهُ: " وَجَازَ الشِّرَاءُ مِنْ بَائِعٍ " إلَخْ، لِأَنَّ الشِّرَاءَ يُطْلَقُ عَلَى السَّلَمِ وَوَجْهُ كَوْنِهِ بَيْعًا لَا سَلَمًا أَنَّهُمْ نَزَّلُوا دَوَامَ الْعَمَلِ مَنْزِلَةَ تَعَيُّنِ الْمَبِيعِ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ لَا يَكُونُ مُعَيَّنًا بَلْ فِي الذِّمَّةِ. قَوْلُهُ: [انْفَسَخَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ] : إنَّمَا فُسِخَ فِيهَا لِكَوْنِهَا غَيْرَ مَحْدُودَةٍ بِوَقْتٍ تَنْتَهِي إلَيْهِ، وَلِذَلِكَ يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا الْفَسْخُ فِي أَيِّ وَقْتٍ، بِخِلَافِ الصُّورَةِ الْأُولَى؛ وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَى جُمْلَةً يَأْخُذُهَا مُفَرَّقَةً فَلَا تَنْفَسِخُ فِي حَيَاتِهِ وَلَا فِي مَوْتِهِ. قَوْلُهُ: [وَيُشْتَرَطُ الشُّرُوعُ فِي الْأَخْذِ] : كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ: أَيْ إنَّهُ يُشْتَرَطُ الشُّرُوعُ فِي أَخْذِ الشَّيْءِ الْمُشْتَرَى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَا يُغْتَفَرُ التَّأْخِيرُ لِنِصْفِ شَهْرٍ. قَوْلُهُ: [يُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُهُ] : أَيْ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُعَيَّنُ الْعَامِلُ وَلَا الْمَعْمُولُ مِنْهُ وَيَكُونُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ. قَوْلُهُ: [كَاسْتِصْنَاعِ سَيْفٍ] : أَيْ كَمَا أَنَّ اسْتِصْنَاعَ السَّيْفِ وَالسَّرْجِ سَلَمٌ سَوَاءٌ كَانَ الصَّانِعُ الْمَعْقُودُ مَعَهُ دَائِمَ الْعَمَلِ أَمْ لَا كَأَنْ يَقُولَ لِإِنْسَانٍ: اصْنَعْ لِي سَيْفًا أَوْ سَرْجًا أَوْ بَابًا صِفَتُهُ كَذَا بِدِينَارٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ رَأْسِ الْمَالِ وَضَرْبِ الْأَجَلِ وَأَنْ لَا يُعَيَّنَ الْعَامِلُ وَلَا الْمَعْمُولُ مِنْهُ إلَى آخِرِ شُرُوطِ السَّلَمِ. [الاستصناع فِي السَّلَم] قَوْلُهُ: [فَإِنْ عَيَّنَهُ فَسَدَ] : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ شَرَطَ عَمَلَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ لَمْ

أَنْتَ الَّذِي تَصْطَنِعُهُ بِنَفْسِك أَوْ يَصْنَعُهُ زَيْدٌ بِنَفْسِهِ، أَوْ تَصْنَعُهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيدِ بِعَيْنِهِ، أَوْ مِنْ هَذَا الْغَزْلِ أَوْ مِنْ هَذَا الْخَشَبِ بِعَيْنِهِ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ صَارَ مُعَيَّنًا لَا فِي الذِّمَّةِ وَشَرْطُ صِحَّةِ السَّلَمِ كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ. (وَإِنْ اشْتَرَى الْمَعْمُولُ مِنْهُ) : كَأَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ الْحَدِيدَ أَوْ الْغَزْلَ أَوْ الْخَشَبَ وَنَحْوَ ذَلِكَ (وَاسْتَأْجَرَهُ) عَلَى عَمَلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ (جَازَ إنْ شَرَعَ) الْعَامِلُ فِي الْعَمَلِ فِيمَا دُونَ نِصْفِ شَهْرٍ عَيَّنَ الْعَامِلَ أَمْ لَا (كَشِرَاءِ نَحْوِ تَوْرٍ) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ: إنَاءٌ يُشْبِهُ الطَّشْتَ، يَعْنِي: أَنَّ مَنْ وَجَدَ صَانِعًا شَرَعَ فِي تَوْرٍ أَوْ طَشْتٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ جُزَافًا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ (لِيُكَمِّلَ) أَيْ عَلَى أَنْ يُكَمِّلَهُ لَهُ جَازَ وَدَخَلَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُهُ الْمُشْتَرِي ضَمَانَ الصُّنَّاعِ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ عَلَى الْوَزْنِ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ إلَّا بِالْقَبْضِ. وَمَحَلُّ الْجَوَازِ إنْ شَرَعَ بَائِعُهُ فِي الْكَيْلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ وَهَذَا. (بِخِلَافِ) شِرَاءِ (ثَوْبٍ لِيَكْمُلَ) : فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ كَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ - إنْ خَرَجَ عَلَى خِلَافِ الصِّفَةِ الْمُشْتَرَطَةِ أَوْ الْمُعْتَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجُزْ وَإِنْ نَقَدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيُسَلِّمُ ذَلِكَ الرَّجُلَ أَمْ لَا فَذَلِكَ غَرَرٌ (اهـ) وَعَلَى هَذَا دَرَجَ ابْنِ رُشْدٍ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَا يَقْتَضِي الْجَوَازَ إذَا عَيَّنَ الْعَامِلَ فَقَطْ لِقَوْلِهِمْ: مَنْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَبْنِي لَهُ دَارًا عَلَى أَنَّ الْجِصَّ وَالْآجُرَّ مِنْ عِنْدِ الْأَجِيرِ جَازَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ. وَحَيْثُ قُلْتُمْ بِفَسَادِهِ بِتَعْيِينِ الْعَامِلِ أَوْ الْمَعْمُولِ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى تَعْيِينُهُمَا مَعًا، وَعِلَّةُ الْفَسَادِ فِي تَعْيِينِ الْعَامِلِ دَوَرَانُ الثَّمَنِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ، وَفِي تَعْيِينِ الْمَعْمُولِ أَنَّ السَّلَمَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ بَلْ فِي الذِّمَّةِ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ اشْتَرَى الْمَعْمُولُ مِنْهُ] إلَخْ: الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ الْعَقْدَ فِيمَا قَبْلَهَا وَقَعَ عَلَى الْمَصْنُوعِ عَلَى وَجْهِ السَّلَمِ وَلَمْ يَدْخُلْ الْمَعْمُولُ مِنْهُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَهَذِهِ وَقَعَ الْعَقْدُ فِيهَا عَلَى الْمَعْمُولِ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ مَلَكَهُ ثُمَّ اسْتَأْجَرَهُ بِالشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ عَلَى عَمَلِهِ فَلِذَلِكَ كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا بِشَرْطِهِ عَيَّنَ الْعَامِلُ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [وَإِنَّمَا يَضْمَنُهُ الْمُشْتَرِي] إلَخْ: صَوَابُهُ: الْبَائِعُ.

يُمْكِنُ إعَادَتُهُ بِخِلَافِ الثَّوْبِ (إلَّا أَنْ يَكْثُرَ الْغَزْلُ) مِنْ جِنْسِهِ (عِنْدَهُ) : أَيْ الْعَامِلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ شِرَاءُ الثَّوْبِ لِيَكْمُلَ، لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ عَلَى خِلَافِ الصِّفَةِ الْمُشْتَرَطَةِ عُمِلَ مِنْ ذَلِكَ الْغَزْلِ بَدَلُهُ عَلَى الصِّفَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الثَّوْبِ] : الْحَاصِلُ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ التَّوْرِ وَالثَّوْبِ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ: يَتَّفِقَانِ فِي الْمَنْعِ؛ إذَا اشْتَرَى جُمْلَةَ مَا عِنْدَ الْبَائِعِ مِنْ الْغَزْلِ وَالنُّحَاسِ وَاتَّفَقَ مَعَهُ عَلَى أَنْ يَصْنَعَهُ لَهُ ثَوْبًا أَوْ تَوْرًا، وَيَتَّفِقَانِ فِي الْجَوَازِ: إذَا كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ جُمْلَةٌ مِنْ النُّحَاسِ أَوْ الْغَزْلِ غَيْرَ مَا اشْتَرَى بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ بِحَيْثُ إذَا لَمْ يَأْتِ مَا اشْتَرَاهُ عَلَى الصِّفَةِ الْمَطْلُوبَةِ يُعْمَلُ لَهُ بَدَلُهُ مِنْ النُّحَاسِ أَوْ الْغَزْلِ الَّذِي فِي مِلْكِهِ، وَيَخْتَلِفَانِ فِي حَالَةٍ: وَهُوَ الْمَنْعُ فِي الثَّوْبِ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْبَائِعِ غَزْلٌ يَكْفِي ثَوْبًا كَامِلًا إذَا لَمْ يَأْتِ الْمَبِيعُ عَلَى الصِّفَةِ الْمَطْلُوبَةِ، وَالْجَوَازُ فِي التَّوْرِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ كَسْرُهُ وَإِعَادَتُهُ وَتَكْمِيلُهُ بِمَا عِنْدَهُ.

[باب في بيان القرض وأحكامه]

بَابٌ فِي بَيَانِ الْقَرْضِ وَأَحْكَامِهِ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي الْعُرْفِ: بِالسَّلَفِ. (الْقَرْضُ) بِفَتْحِ الْقَافِ: أَيْ حَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ: (إعْطَاءُ مُتَمَوَّلٍ) مِنْ مِثْلِيٍّ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ عَرْضٍ (فِي) نَظِيرِ (عِوَضٍ مُتَمَاثِلٍ) : صِفَةً وَقَدْرًا لِلْمُعْطَى بِالْفَتْحِ كَائِنٌ ذَلِكَ الْعِوَضِ (فِي الذِّمَّةِ) : أَيْ ذِمَّةِ الْمُعْطَى لَهُ (لِنَفْعِ الْمُعْطَى) بِالْفَتْحِ: أَيْ الْمُعْطَى لَهُ (فَقَطْ) : لَا نَفْعَ الْمُعْطِي بِالْكَسْرِ وَلَا هُمَا مَعًا، وَإِلَّا كَانَ مِنْ الرِّبَا الْمُجْمَعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي بَيَانِ الْقَرْضِ وَأَحْكَامِهِ] [تَعْرِيف القرض وَحُكْمه] بَابٌ لَمَّا كَانَ الْقَرْضُ شَبِيهًا بِالسَّلَمِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ دَفْعٍ مُعَجَّلٍ فِي غَيْرِهِ ذَيَّلَهُ بِهِ. قَوْلُهُ: [بِفَتْحِ الْقَافِ] : وَقِيلَ بِكَسْرِهَا وَهُوَ لُغَةً الْقَطْعُ. سُمِّيَ قَرْضًا: لِأَنَّهُ قِطْعَةٌ مِنْ مَالِ الْمُقْرِضِ. وَالْقَرْضُ أَيْضًا: التَّرْكُ، يُقَالُ: قَرَضْت الشَّيْءَ عَنْ الشَّيْءِ أَيْ تَرَكْته وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف: 17] وَشَرْعًا: هُوَ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: إعْطَاءُ مُتَمَوَّلٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: [إعْطَاءُ مُتَمَوَّلٍ] : هَذَا تَعْرِيفٌ لَهُ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ، وَأَمَّا تَعْرِيفُهُ بِالْمَعْنَى الِاسْمِيِّ: فَهُوَ مُتَمَوَّلٌ مُعْطًى إلَخْ. وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ: " مُتَمَوَّلٍ " مَا لَيْسَ مُتَمَوَّلًا كَقِطْعَةِ نَارٍ فَلَيْسَ بِقَرْضٍ وَقَوْلُهُ: " مِنْ مِثْلِيٍّ أَوْ حَيَوَانٍ " بَيَانٌ لِلْمُتَمَوَّلِ. وَقَوْلُهُ " فِي نَظِيرِ عِوَضٍ " أَخْرَجَ دَفْعَهُ هِبَةً وَصَدَقَةً وَعَارِيَّةً. وَقَوْلُهُ " مُتَمَاثِلٌ " أَخْرَجَ الْبَيْعَ وَالسَّلَمَ وَالصَّرْفَ وَالْإِجَارَةَ وَالشَّرِكَةَ؛ فَإِنَّ الْعِوَضَ فِيهَا مُخَالِفٌ. وَقَوْلُهُ: " فِي الذِّمَّةِ " الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا فِي الذِّمَّةِ، أَخْرَجَ بِهِ الْمُبَادَلَةَ الْمِثْلِيَّةَ؛ كَدَفْعِ دِينَارٍ أَوْ إرْدَبٍّ فِي مِثْلِهِ حَالًا. وَقَوْلُهُ: " لَا نَفْعَ الْمُعْطِي - بِالْكَسْرِ - وَلَا هُمَا ": أَيْ وَلَا نَفْعَ أَجْنَبِيٍّ مِنْ جِهَةِ الْمُقْرِضِ، فَالْكُلُّ سَلَفٌ فَاسِدٌ وَهُوَ رِبًا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ.

وَخَرَجَ الْبَيْعُ وَالسَّلَمُ وَالْإِعَارَةُ وَالْإِجَارَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ. (وَهُوَ مَنْدُوبٌ) : لِأَنَّهُ مِنْ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالْمَعْرُوفِ. (وَإِنَّمَا يُقْرَضُ) بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُقْرَضَ (مَا) : أَيْ شَيْءٌ أَوْ الشَّيْءُ الَّذِي (يُسْلَمُ) : أَيْ يَصِحُّ السَّلَمُ (فِيهِ) : مِنْ حَيَوَانٍ وَعَرْضٍ وَمِثْلِيٍّ، لَا مَا لَا يُسْلَمُ فِيهِ كَدَارٍ وَأَرْضٍ وَحَانُوتٍ وَخَانٍ وَحَمَّامٍ وَتُرَابِ مَعْدِنٍ وَصَائِغٍ وَجَوْهَرٍ نَفِيسٍ يَنْدُرُ وُجُودُهُ وَجُزَافٍ (لَا جَارِيَةٍ تَحِلُّ لِلْمُقْتَرِضِ) : فَلَا يَجُوزُ قَرْضُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إعَارَةِ الْفُرُوجِ، بِخِلَافِ مَا لَا تَحِلُّ لَهُ كَعَمَّةٍ وَخَالَةٍ أَوْ كَانَ الْمُقْتَرِضُ امْرَأَةً فَيَجُوزُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَخَرَجَ الْبَيْعُ وَالسَّلَمُ] إلَخْ: قَدْ عَلِمْت وَجْهَ خُرُوجِهَا. قَوْلُهُ: [وَهُوَ مَنْدُوبٌ] : أَيْ الْأَصْلُ فِيهِ النَّدْبُ وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يُوجِبُهُ، كَالْقَرْضِ لِتَخْلِيصِ مُسْتَهْلَكٍ، أَوْ يَكْرَهُهُ كَالْقَرْضِ مِمَّنْ لَهُ فِي مَالِهِ شُبْهَةٌ أَوْ يُحَرِّمُهُ كَجَارِيَةٍ تَحِلُّ لِلْمُقْتَرِضِ وَلَا يَكُونُ مُبَاحًا. قَوْلُهُ: [وَإِنَّمَا يُقْرَضُ] إلَخْ: أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى قَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ مُطَّرِدَةٍ مُنْعَكِسَةٍ قَائِلَةٍ: وَكُلُّ مَا يَصِحُّ أَنْ يُسْلَمَ فِيهِ يَصِحُّ أَنْ يُقْرَضَ إلَّا جَارِيَةً تَحِلُّ لِلْمُقْتَرِضِ. وَبَعْضُ مَا يَصِحُّ أَنْ يُقْرَضَ يَصِحُّ أَنْ يُسْلَمَ فِيهِ، فَعَكْسُهَا بِالْعَكْسِ الْمُسْتَوِي صَحِيحٌ. وَأَمَّا عَكْسُهَا عَكْسًا لُغَوِيًّا وَهُوَ: كُلُّ مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُسْلَمَ فِيهِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقْرَضَ، فَلَا يَصِحُّ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغِ وَجِلْدَ الْأُضْحِيَّةِ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِمَا وَيَصِحُّ قَرْضُهُمَا قَوْلُهُ: [لِلْمُقْتَرِضِ] : أَيْ لِطَالِبِ الْقَرْضِ وَالْآخِذِ لَهُ. قَوْلُهُ: [لِمَا فِيهِ مِنْ إعَارَةِ الْفُرُوجِ] : أَيْ مِنْ احْتِمَالِ إعَارَةِ الْفُرُوجِ إذَا رَدَّ عَيْنَهُ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْقَرْضِ رَدُّ الْعَيْنِ الْمُقْتَرَضَةِ وَيَجُوزُ رَدُّ مِثْلِهَا كَمَا يَأْتِي. وَلِهَذَا التَّعْلِيلِ أَجَازَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَرْضُهَا إذَا اشْتَرَطَ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهَا لَا عَيْنَهَا، لَكِنَّ الْمَشْهُورَ مَنْعُ قَرْضِ الْجَارِيَةِ الَّتِي تَحِلُّ لِلْمُقْتَرَضِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ سَوَاءٌ اقْتَرِضْهَا لِلْوَطْءِ أَوْ لِلْخِدْمَةِ شَرَطَ رَدَّ عَيْنِهَا أَوْ مِثْلِهَا سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ كَانَ الْمُقْتَرِضُ امْرَأَةً] : مِثْلُهَا الصَّبِيُّ الَّذِي لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الِاسْتِمْتَاعُ وَالشَّيْخُ الْفَانِي، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ قَرْضُ الْجَارِيَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى لِصِغَرٍ فِي مُدَّةِ الصِّغَرِ.

[هدية المقترض لمن أقرضه]

(وَرُدَّتْ) وُجُوبًا إنْ أَقْرَضَهَا لِمَنْ تَحِلُّ (إلَّا أَنْ تَفُوتَ) عِنْدَهُ (بِوَطْءٍ أَوْ غَيْبَةٍ) عَلَيْهَا (ظُنَّ وَطْؤُهَا فِيهَا، أَوْ تَغَيُّرُ ذَاتٍ) : أَوْ حَوَالَةُ سُوقٍ (فَالْقِيمَةُ) تَلْزَمُ الْمُقْتَرِضَ (لَا الْمِثْلُ) وَلَا يَجُوزُ التَّرَاضِي عَلَى رَدِّهَا إنْ وَطِئَهَا أَوْ غَابَ عَلَيْهَا غَيْبَةً يُظَنُّ بِهَا الْوَطْءُ، وَجَازَ إنْ فَاتَتْ بِحَوَالَةِ سُوقٍ وَنَحْوِهِ. (وَحَرُمَ هَدِيَّتُهُ) : أَيْ هَدِيَّةُ الْمُقْتَرَضِ لِمَنْ أَقْرَضَهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى سَلَفٍ بِزِيَادَةٍ. (كَرَبِّ الْقِرَاضِ وَعَامِلِهِ) : يَحْرُمُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يُهْدِيَ لِلْآخَرِ هَدِيَّةً. (وَ) حَرُمَ هَدِيَّةُ (الْقَاضِي) : أَيْ الْإِهْدَاءُ لَهُ (وَذِي الْجَاهِ) : أَيْ مِنْ حَيْثُ جَاهُهُ بِحَيْثُ يُتَوَصَّلُ بِالْهَدِيَّةِ لَهُ إلَى أَمْرٍ مَمْنُوعٍ أَوْ إلَى أَمْرٍ يَجِبُ عَلَى ذِي الْجَاهِ دَفْعُهُ عَنْ الْمُهْدِي بِلَا تَعَبٍ وَلَا حَرَكَةٍ. وَأَمَّا كَوْنُهُ يُتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إلَى أَنْ يَذْهَبَ بِهِ فِي قَضَاءِ مَصَالِحِهِ إلَى نَحْوِ ظَالِمٍ أَوْ سَفَرٍ لِمَكَانٍ، فَيَجُوزُ كَالْهَدِيَّةِ لَهُ لَا لِحَاجَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ تَفُوتَ عِنْدَهُ بِوَطْءٍ] : أَيْ وَأَوْلَى بِاسْتِيلَادٍ، وَتَكُونُ بِهِ أُمُّ وَلَدٍ خِلَافًا لِ (عَبَّ) لِأَنَّ لُزُومَ قِيمَتِهَا بِمُجَرَّدِ الْوَطْءِ أَوْ الْغَيْبَةِ عَلَيْهَا أَوْجَبَ أَنَّهَا حَمَلَتْ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ فَتَكُونُ بِهِ أُمُّ وَلَدٍ. وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَظُنَّ وَطْؤُهَا فِيهَا] : مَفْهُومٌ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَظُنَّ وَطْئَهَا فِيهَا لَا تَفُوتُ بِتِلْكَ الْغَيْبَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. فَالْغَيْبَةُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قِيلَ: فَوْتٌ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: لَيْسَتْ فَوْتًا مُطْلَقًا، وَقِيلَ: إنْ ظُنَّ فِيهَا فَوْتٌ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: [وَجَازَ إنْ فَاتَتْ بِحَوَالَةِ سُوقٍ وَنَحْوِهِ] : هُوَ تَغَيُّرُ الذَّاتِ وَلَيْسَ فِي الْإِمْضَاءِ حِينَئِذٍ تَتْمِيمٌ لِلْفَاسِدِ لِأَنَّ ذَاتَهَا عِوَضٌ عَمَّا لَزِمَهُ مِنْ الْقِيمَةِ وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ: [هَدِيَّة المقترض لِمِنْ أقرضه] قَوْلُهُ: [وَحَرُمَ هَدِيَّتُهُ] إلَخْ: قَالَ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْهَدِيَّةِ حَقِيقَتَهَا فَقَطْ، بَلْ كُلُّ مَا حَصَلَ بِهِ الِانْتِفَاعُ كَرُكُوبِ دَابَّةِ الْمُقْتَرِضِ وَالْأَكْلِ فِي بَيْتِهِ عَلَى طَرِيقِ الْإِكْرَامِ وَشُرْبِ قَهْوَتِهِ وَالتَّظَلُّلِ بِجِدَارِهِ (اهـ) . وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ فِي الْحَاشِيَةِ: جَوَازُ الشُّرْبِ وَالتَّظَلُّلِ وَالْأَكْلِ إنْ كَانَ لِأَجْلِ الْإِكْرَامِ لَا لِأَجْلِ الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: [كَرَبِّ الْقِرَاضِ] إلَخْ: إنَّمَا حَرُمَ عَلَيْهِ إهْدَاؤُهُ لِلْعَامِلِ لِئَلَّا يُقْصَدَ بِذَلِكَ اسْتِدَامَةُ عَمَلِهِ، وَحُرْمَةُ هَدِيَّةِ الْعَامِلِ لِرَبِّ الْمَالِ وَلَوْ بَعْدَ شَغْلِ الْمَالِ أَمَّا قَبْلَ شَغْلِ الْمَالِ فَلَا خِلَافَ لِأَنَّ لِرَبِّ الْمَالِ أَخْذَهُ مِنْهُ فَيُتَّهَمُ أَنَّهُ إنَّمَا أَهْدَى لَهُ لِيَبْقَى الْمَالُ بِيَدِهِ، وَأَمَّا بَعْدَ شَغْلِ الْمَالِ فَلِتَرَقُّبِهِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ مُعَامَلَتُهُ ثَانِيًا بَعْدَ نَضُوضِ الْمَالِ.

وَإِنَّمَا هِيَ لِمَحَبَّةٍ أَوْ اكْتِسَابِ جَاهٍ، وَفِي الْمِعْيَارِ سُئِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ رَجُلٍ حَبَسَهُ السُّلْطَانُ أَوْ غَيْرُهُ ظُلْمًا فَبَذَلَ مَالًا لِمَنْ يَتَكَلَّمُ فِي خَلَاصِهِ بِجَاهِهِ أَوْ غَيْرِهِ، هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ: نَعَمْ يَجُوزُ، صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَنَقَلَهُ عَنْ الْقَفَّالِ (اهـ) . (إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ) لِمَنْ أَهْدَى لِمَنْ ذُكِرَ هَدِيَّةً (مِثْلَهَا أَوْ يَحْدُثَ) لِمَنْ ذَكَرَ (مُوجِبٌ) يَقْتَضِي الْإِهْدَاءَ لَهُ عَادَةً، كَفَرَحٍ أَوْ مَوْتِ أَحَدٍ عِنْدَهُ أَوْ سَفَرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَجُوزُ. (وَ) كَمَا تَحْرُمُ الْهَدِيَّةُ يَحْرُمُ (بَيْعُهُ مُسَامَحَةً) لِذَلِكَ لَا لِأَجْلِ وَجْهِ اللَّهِ أَوْ لِأَجْلِ أَمْرٍ اقْتَضَى ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَفِي الْمِعْيَارِ سُئِلَ بَعْضُهُمْ] : أَيْ وَفِيهِ أَيْضًا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُورِيُّ عَنْ ثَمَنِ الْجَاهِ؟ فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي حُكْمِ ثَمَنِ الْجَاهِ فَمِنْ قَائِلٍ بِالتَّحْرِيمِ بِإِطْلَاقٍ، وَمِنْ قَائِلٍ بِالْكَرَاهَةِ بِإِطْلَاقٍ، وَمِنْ مُفَصِّلٍ فِيهِ، وَأَنَّهُ إنْ كَانَ ذُو الْجَاهِ يَحْتَاجُ إلَى نَفَقَةٍ وَتَعَبٍ وَسَفَرٍ وَأَخْذِ مِثْلِ أَجْرِ مِثْلِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِلَّا حَرُمَ، وَفِي الْمِعْيَارِ أَيْضًا: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْدُوسِيُّ عَمَّنْ يَحْرُسُ النَّاسَ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُخِيفَةِ وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَأَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ بِشُرُوطٍ: أَنْ يَكُونَ لَهُ جَاهٌ قَوِيٌّ بِحَيْثُ لَا يُتَجَاسَرُ عَلَيْهِ عَادَةً، وَأَنْ يَكُونَ سَيْرُهُ مَعَهُمْ بِقَصْدِ تَجْوِيزِهِمْ فَقَطْ لَا لِحَاجَةٍ لَهُ وَأَنْ يَدْخُلَ مَعَهُمْ عَلَى أُجْرَةٍ مَعْلُومَةِ أَوْ يَدْخُلَ عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِحَيْثُ يَرْضَى بِمَا يَدْفَعُونَهُ لَهُ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيَّةُ، يَعْنِي الْأَخْذُ عَلَى الْجَاهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى خِلَافِ الْعُلَمَاءِ. وَلَوْ جَاءَتْ مُغَرِّمَةً لِجَمَاعَةٍ وَقَدَرَ أَحَدُهُمْ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ، لَكِنَّ حِصَّتَهُ تَلْحَقُ غَيْرَهُ، فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَوْ يُكْرَهُ أَوْ يَحْرُمُ؟ أَقْوَالٌ. وَعُمِلَ فِيمَا يَأْخُذُهُ الْمُكَّاسُ مِنْ الْمَرْكَبِ أَوْ الْقَافِلَةِ مَثَلًا بِتَوْزِيعِهِ عَلَى الْجَمِيعِ لِأَنَّهُمْ نَجَوْا بِهِ. قَوْلُهُ: [لِمَنْ ذَكَرَ] : أَيْ الَّذِي هُوَ الْمُقْرَضُ وَرَبُّ الْقِرَاضِ وَعَامِلُهُ وَالْقَاضِي وَذُو الْجَاهِ. قَوْلُهُ: [بَيْعُهُ مُسَامَحَةً] : أَيْ بِغَبْنٍ. وَأَمَّا بِغَيْرِ غَبْنٍ فَقِيلَ: يَجُوزُ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَاسْتَظْهَرَ الْأَوَّلَ.

[فساد القرض إن جر نفعا]

(وَفَسَدَ) الْقَرْضُ (إنْ جَرَّ نَفْعًا) لِلْمُقْرِضِ (كَعَيْنٍ) : أَيْ ذَاتٍ - ذَهَبًا وَفِضَّةً أَوْ غَيْرَهُمَا - (كُرِهَتْ إقَامَتُهَا) عِنْدَهُ لِأَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ إمَّا لِثِقَلِ حَمْلِهَا فِي سَفَرٍ أَوْ خَوْفٍ سَوَّسَهَا أَوْ قَدَّمَهَا أَوْ عَفَّنَهَا أَوْ تَغَيَّرَ ذَاتُهَا بِإِقَامَتِهَا عِنْدَهُ، فَيُسَلِّفُهَا لِيَأْخُذَ بَدَلَهَا فِي بَلَدٍ آخَرَ أَوْ جَدِيدًا أَوْ سَالِمًا، حَرُمَ وَيَرُدُّ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَفُتْ فَالْقِيمَةُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْفَسَادِ. (إلَّا لِضَرُورَةٍ) فَيَجُوزُ (كَعُمُومِ الْخَوْفِ) عَلَى الْمَالِ فِي الطُّرُقِ فَيَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَهُ لِمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُسْلَمُ مَعَهُ، وَكَذَا إنْ قَامَ دَلِيلٌ عَلَى نَفْعِ الْمُقْتَرِضِ فَقَطْ، كَمَجَاعَةٍ أَوْ كَانَ بَيْعُ الْمُسَوَّسِ الْآنَ أَحَظَّ لِلْمُسَلِّفِ لِغَلَائِهِ وَرُخْصِ الْجَدِيدِ فِي إبَّانِهِ فَيَجُوزُ. (وَمُلِكَ) الْقَرْضُ أَيْ يَمْلِكُهُ الْمُقْتَرِضُ (بِالْعَقْدِ) وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُقْتَرَضُ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ. (وَلَا يَلْزَمُ) الْمُقْتَرِضَ (رَدُّهُ) لِرَبِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَسَادُ الْقَرْضُ إنْ جَرَّ نَفْعًا] [تَنْبِيه قَرْض الشَّاة الْمَسْلُوخَة] قَوْلُهُ: [إنْ جَرَّ نَفْعًا] : أَيْ وَلَوْ قَلِيلًا، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمِنْ ذَلِكَ فَرَّعَ مَالِكٌ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لِرَبِّ الدَّيْنِ: أَخِّرْ الدَّيْنَ وَأَنَا أُعْطِيك مَا تَحْتَاجُهُ، لِأَنَّ التَّأْخِيرَ سَلَفٌ. نَعَمْ إنْ قَالَ لَهُ: أَخِّرْهُ وَأَنَا أَقْضِيه عَنْهُ جَازَ. قَوْلُهُ: [إمَّا لِثِقَلِ حَمْلِهَا فِي سَفَرٍ] إلَخْ. تَنْوِيعٌ لِمَا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: [كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْفَسَادِ] : أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي قَرْضِ الْأَمَةِ الَّتِي تَحِلُّ لِلْمُقْتَرِضِ أَنَّ فِي فَوَاتِهَا الْقِيمَةَ لِأَنَّ الْقَرْضَ الْمُتَّفَقَ عَلَى فَسَادِهِ كَالْبَيْعِ الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ. تَنْبِيهٌ مِنْ الْقَرْضِ الْفَاسِدِ قَرْضُ شَاةٍ مَسْلُوخَةٍ لِيَأْخُذَ عَنْهَا كُلَّ يَوْمٍ رِطْلَيْنِ مَثَلًا، وَدَفْعُ قَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنْ دَقِيقٍ أَوْ قَمْحٍ لِخَبَّازٍ لِيَأْخُذَ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرًا مُعَيَّنًا مِنْ الْخُبْزِ. قَوْلُهُ: [فَيَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَهُ] : بَلْ يَجِبُ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الْمَالِ وَاجِبٌ بِأَيِّ وَجْهٍ تَيَسَّرَ حِفْظُهُ بِهِ. [أثر القرض] قَوْلُهُ: [أَيْ يَمْلِكُهُ الْمُقْتَرِضُ بِالْعَقْدِ] : أَيْ وَيَصِيرُ مَالًا مِنْ أَمْوَالِهِ يَقْضِي لَهُ بِهِ. قَوْلُهُ: [كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ] : أَيْ وَكُلِّ مَعْرُوفٍ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ بِالْعَقْدِ وَلَكِنْ لَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِالْقَبْضِ وَالْحِيَازَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، فَإِنْ حَصَلَ مَانِعٌ لِلْمُتَصَدِّقِ أَوْ الْوَاهِبِ أَوْ فَاعِلِ الْمَعْرُوفِ بِغَيْرِ الْقَرْضِ قَبْلَ الْحَوْزِ بَطَلَ بِخِلَافِ الْقَرْضِ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْحَوْزِ، فَلَوْ حَصَلَ لِلْمُقْرِضِ مَانِعٌ قَبْلَ الْحَوْزِ لَمْ يَبْطُلْ كَمَا يُفِيدُهُ بْن خِلَافًا

(إلَّا بِشَرْطٍ) عِنْدَ الْعَقْدِ لِوَقْتٍ مَعْلُومٍ (أَوْ عَادَةٍ) فَيُعْمَلُ بِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطَا شَيْئًا وَلَا عَادَةً كَانَ كَالْعَارِيَّةِ الْمُنْتَفَى فِيهَا شَرْطُ الْأَجَلِ أَوْ الْعَادَةِ، فَيَبْقَى لِلْوَقْتِ الَّذِي يَقْتَضِي النَّظَرَ الْقَرْضُ بِمِثْلِهِ. (كَأَخْذِهِ) : تَشْبِيهٌ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ أَيْ كَمَا لَا يَلْزَمُ رَبُّهُ أَنْ يَأْخُذَهُ (بِغَيْرِ مَحَلِّهِ) : لِمَا فِيهِ مِنْ الْكُلْفَةِ عَلَيْهِ (إلَّا الْعَيْنَ) : أَيْ الذَّهَبَ أَوْ الْفِضَّةَ فَيَلْزَمُهُ أَخْذُهَا لِخِفَّتِهَا، وَيَلْحَقُ بِهَا الْجَوَاهِرُ الْخَفِيفَةُ. وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ خَوْفٌ وَلَا كَبِيرُ حَمْلٍ فَلَا يَلْزَمُ الْأَخْذُ. (وَرَدَّ) الْمُقْتَرِضُ عَلَى الْمُقْرِضِ (مِثْلَهُ) قَدْرًا وَصِفَةً (أَوْ) رَدَّ (عَيْنَهُ: إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ) فِي ذَاتِهِ عِنْدَهُ وَلَا يَضُرُّ بِغَيْرِ تَغَيُّرِ السُّوقِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ تَعَيَّنَ رَدُّ مِثْلِهِ. (وَجَازَ أَفْضَلُ) : أَيْ رَدُّ أَفْضَلَ مِمَّا اقْتَرَضَهُ صِفَةً، لِأَنَّهُ حُسْنُ قَضَاءٍ، إذَا كَانَ بِلَا شَرْطٍ، وَإِلَّا مُنِعَ الْأَفْضَلُ. وَالْعَادَةُ كَالشَّرْطِ. وَيَتَعَيَّنُ رَدُّ مِثْلِهِ. (وَ) جَازَ فِي الْقَرْضِ (اشْتِرَاطُ رَهْنِ وَحَمِيلٍ) : أَيْ ضَامِنٌ لِلتَّوَثُّقِ بِذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا فِي كَلَامِ التَّتَّائِيِّ مِنْ أَنَّ الْقَرْضَ كَغَيْرِهِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْحَوْزِ. قَوْلُهُ: [إلَّا بِشَرْطٍ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُقْتَرِضَ إذَا قَبَضَ الْقَرْضَ وَكَانَ لَهُ أَجَلٌ مَضْرُوبٌ أَوْ مُعْتَادٌ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ إلَّا إذَا انْقَضَى الْأَجَلُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَجَلٌ لَا يَلْزَمُ الْمُقْتَرِضَ رَدُّهُ إلَّا إذَا انْتَفَعَ بِهِ عَادَةً أَمْثَالُهُ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ أَفْضَلَ] : أَيْ بَلْ هُوَ الْأَوْلَى وَالْأَحْسَنُ لِأَنَّهُ حُسْنُ قَضَاءٍ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسَلَّفَ بَكْرًا وَرَدَّ عَنْهُ رُبَاعِيًّا»

[فصل في المقاصة]

فَصْلٌ فِي الْمُقَاصَّةِ الْمُقَاصَّةُ أَيْ حَقِيقَتُهَا (مُتَارَكَةُ مَدِينَيْنِ) الْمُتَارَكَةُ مُفَاعَلَةٌ مَعْنَاهَا: التَّرْكُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ (بِمُتَمَاثِلَيْنِ) : أَيْ مَدِينَيْنِ بِدَيْنَيْنِ مُتَمَاثِلَيْنِ قَدْرًا وَصِفَةً: كَعَشَرَةٍ مُحَمَّدِيَّةٍ وَعَشَرَةٍ مُحَمَّدِيَّةٍ أَوْ غَيْرِ مُتَمَاثِلَيْنِ كَمَا يَأْتِي حَالَ كَوْنِهِمَا (عَلَيْهِمَا) : أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَى صَاحِبِهِ لَهُ (كُلُّ) : أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتْرُكُ (مَا) : أَيْ الدَّيْنَ الَّذِي (لَهُ) عَلَى صَاحِبِهِ (فِيمَا) : أَيْ فِي نَظِيرِ الدَّيْنِ الَّذِي (عَلَيْهِ) لِصَاحِبِهِ. وَهَذَا إيضَاحٌ لِلْمُتَارَكَةِ. ثُمَّ أَنَّ الدَّيْنَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَا عَيْنًا أَوْ طَعَامًا أَوْ عَرْضًا، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ أَحَدِهِمَا مِنْ بَيْعٍ وَالثَّانِي مِنْ قَرْضٍ، فَهَذِهِ تِسْعُ صُوَرٍ وَفِي كُلٍّ مِنْهَا: إمَّا أَنْ يَكُونَا حَالَّيْنِ أَوْ مُؤَجَّلَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا حَالًّا وَالْآخَرُ مُؤَجَّلًا؛ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ صُورَةً. وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَتَّفِقَا فِي النَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ أَوْ يَخْتَلِفَا فِي وَاحِدٍ مِنْهَا؛ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ فِي السَّبْعَةِ وَالْعِشْرِينَ: بِمِائَةٍ وَثَمَانِ صُوَرٍ، أَشَارَ لَهَا وَلِحُكْمِهَا بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْمُقَاصَّةِ] [تَعْرِيف الْمُقَاصَّة وَبَيَان صُوَرهَا] فَصْلٌ إنَّمَا ذَكَرَ الْمُقَاصَّةَ عَقِبَ الْقَرْضِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى دَيْنِ الْقَرْضِ وَغَيْرِهِ. وَأَصْلُ مُقَاصَّةٍ: مُقَاصَصَةٍ فَأَدْغَمَ وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِأَنَّ كُلًّا يُقَاصِصُ صَاحِبَهُ أَيْ يَسْتَوْفِي حَقَّهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ: اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ. قَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرِ مُتَمَاثِلَيْنِ كَمَا يَأْتِي] : أَيْ فِي قَوْلِهِ أَوْ نَوْعًا إنْ حَلَّا؛ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: " بِمُتَمَاثِلَيْنِ " فِي التَّعْرِيفِ تَبِعَ فِيهِ ابْنَ عَرَفَةَ وَهُوَ مُعْتَرَضٌ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ، فَلِذَلِكَ عَمَّمَ الشَّارِحُ وَلَمْ يَلْتَفِتْ لِتَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَى صَاحِبِهِ] : هَذَا التَّقْيِيدُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَتْرُوكِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَلَا يَضُرُّ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا زِيَادَةٌ تَبْقَى. قَوْلُهُ: [بِمِائَةٍ وَثَمَانِ صُوَرٍ] : وَنَظَمَ ذَلِكَ سَيِّدِي الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ مَيَّارَةُ فَقَالَ:

(وَتَجُوزُ) الْمُقَاصَّةُ وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ: الْإِذْنُ فَيُصَدَّقُ بِالْوُجُوبِ؛ فَإِنَّهَا قَدْ تَجِبُ أَيْ يَجِبُ الْقَضَاءُ بِهَا كَمَا إذَا كَانَا مُتَمَاثِلَيْنِ وَحَلَّ الْأَجَلُ أَوْ طَلَبَهَا أَحَدُهُمَا (فِي دَيْنَيْ الْعَيْنِ مُطْلَقًا) كَانَا مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ أَوْ أَحَدِهِمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرُ مِنْ قَرْضٍ (إنْ اتَّحِدَا قَدْرًا وَصِفَةً) كَالْمِثَالِ الْمُتَقَدِّمُ وَسَوَاءٌ (حَلَّا) مَعًا (أَوْ) حَلَّ (أَحَدُهُمَا) وَالْآخَرُ مُؤَجَّلٌ (أَوْ لَا) بِأَنْ كَانَا مُؤَجَّلَيْنِ مَعًا. (أَوْ اخْتَلَفَا صِفَةً) : أَيْ جُودَةً وَرَدَاءَةً: كَمُحَمَّدِيَّةٍ وَيَزِيدِيَّةٍ. (أَوْ) اخْتَلَفَا (نَوْعًا) كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ (إنْ حَلَّا) مَعًا فَيَجُوزُ إذْ هِيَ فِي اخْتِلَافِ الصِّفَةِ مُبَادَلَةً، وَفِي اخْتِلَافِ النَّوْعِ صَرْفٌ، وَلَا تَأْخِيرَ فِيهِمَا عِنْدَ حُلُولِهِمَا. فَإِنْ كَانَا مُؤَجَّلَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ لِلتَّأْخِيرِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ، وَإِلَّا فَلَا؛ فَإِنَّهُ رَاجِعٌ لِهَذَيْنِ أَيْضًا. (أَوْ) اخْتَلَفَا (قَدْرًا) كَعَشَرَةٍ مُحَمَّدِيَّةٍ وَأَكْثَرَ مِنْهَا مِثْلَهَا أَوْ أَقَلَّ (وَهُمَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQدَيْنُ الْمُقَاصَصَةِ لِعَيْنٍ يَنْقَسِمْ ... وَلِطَعَامٍ وَلِعَرْضٍ قَدْ عُلِمْ وَكُلُّهَا مِنْ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ وَرَدْ ... أَوْ مِنْ كِلَيْهِمَا فَذِي تِسْعٍ تُعَدْ فِي كُلِّهَا يَحْصُلُ الِاتِّفَاقُ فِي ... جِنْسٍ وَقَدْرِ صِفَةٍ فَلَتَقْتَفِي أَوْ كُلُّهَا مُخْتَلِفٌ فَهِيَ إذَنْ ... أَرْبَعُ حَالَاتٍ بِتِسْعٍ فَاضْرِبَنْ يَخْرُجُ سِتٌّ مَعَ ثَلَاثِينَ تُضَمُّ ... تَضْرِبُ فِي أَحْوَالِ آجَالٍ تَؤُمُّ حَلَّا مَعًا أَوْ وَاحِدٌ أَوْ لَا مَعَا ... جُمْلَتُهَا حَقٌّ كَمَا قِيلَ اسْمَعَا تَكْمِيلُ تَقْيِيدِ ابْنِ غَازٍ اخْتَصَرَا ... أَحْكَامَهَا فِي جَدْوَلٍ فَلْيُنْظَرَا قَوْلُهُ: [فَيُصَدَّقُ بِالْوُجُوبِ] : اعْتَرَضَهُ بْن بِأَنَّ هَذَا يَقْتَضِي حُرْمَةُ الْعُدُولِ عَنْهَا فِي صُوَرِ الْوُجُوبِ وَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. بَلْ الْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ هُنَا الْقَضَاءُ بِهَا لِطَالِبِهَا، وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي الْقَضَاءَ بِهَا لِطَالِبِهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ. قَوْلُهُ: [إنْ اتَّحَدَا قَدْرًا وَصِفَةً] : حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ دَيْنَيْ الْعَيْنِ إنْ اتَّحَدَا فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فِيهِ تِسْعُ صُوَرٍ كُلُّهَا جَائِزَةٌ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الصِّفَةِ أَوْ النَّوْعِ، فَفِي كُلٍّ تِسْعٌ أَيْضًا الْجَائِزُ مِنْ كُلٍّ ثَلَاثٌ وَالْمَمْنُوعُ مِنْ كُلٍّ سِتٌّ. قَوْلُهُ: [أَوْ اخْتَلَفَا قَدْرًا] إلَخْ: مَنْطُوقُهُ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ جَائِزَةٌ مِنْ صُوَرٍ تِسْعٍ

مَعًا (مِنْ بَيْعٍ وَحَلَّا) مَعًا فَيَجُوزُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. (وَإِلَّا فَلَا) : رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَعْنَاهُ فِي هَذِهِ: وَأَلَّا يَكُونَا مِنْ بَيْعٍ بِأَنْ كَانَا مِنْ قَرْضٍ أَوْ أَحَدِهِمَا مُنِعَتْ الْمُقَاصَّةُ سَوَاءٌ حَلَّ الْأَجَلَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَمْ لَمْ يَحِلَّا؛ فَهَذِهِ سِتُّ صُوَرٍ يُسْتَثْنَى مِنْهَا وَاحِدَةٌ: وَهِيَ مَا إذَا حَلَّ الْأَجَلَانِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرُ مِنْ قَرْضٍ وَكَانَ الْقَرْضُ هُوَ الْأَكْثَرَ، فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَنْ دَيْنِ بَيْعٍ أَكْثَرَ مِنْهُ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ. وَكَذَا يَمْتَنِعُ إذَا كَانَا مِنْ بَيْعٍ وَلَمْ يَحِلَّا لِمَا فِيهِ مِنْ: حُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدُك، أَوْ: ضَعْ وَتَعَجَّلْ فَتَأَمَّلْ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: وَ " إلَّا فَلَا " بِالنِّسْبَةِ لِاخْتِلَافِ الصِّفَةِ فَقَطْ ثَلَاثَةُ صُوَرٍ وَهِيَ: مَا إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَقَطْ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ بَيْعٍ، أَوْ قَرْضٍ، أَوْ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْأَفْضَلِ يَجُوزُ، ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ. وَيُفِيدُهُ قَوْلُنَا فِي الْقَرْضِ: " وَجَازَ بِأَفْضَلَ بِلَا شَرْطٍ ". (وَالطَّعَامَانِ مِنْ قَرْضٍ كَذَلِكَ) : فَيَجُوزُ فِيهِمَا الْمُقَاصَّةُ إنْ اتَّفَقَا صِفَةً وَقَدْرًا حَلَّا أَوْ أَحَدُهُمَا أَمْ لَا، أَوْ اخْتَلَفَا صِفَةً كَسَمْرَاءَ وَمَحْمُولَةً أَوْ نَوْعًا؛ كَقَمْحٍ وَفُولٍ إنْ حَلَّا مَعًا وَإِلَّا فَلَا كَأَنْ اخْتَلَفَا قَدْرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْبَاقِي ثَمَانٍ مِنْهَا سَبْعٌ مَمْنُوعَةٌ وَوَاحِدَةٌ جَائِزَةٌ، وَهِيَ مَا إذَا حَلَّ الْأَجَلَانِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرُ مِنْ قَرْضٍ وَكَانَ الْقَرْضُ هُوَ الْأَكْثَرَ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا يَمْتَنِعُ إذَا كَانَا مِنْ بَيْعٍ وَلَمْ يَحِلَّا] : أَيْ مَعًا بِأَنْ أُجِّلَا مَعًا أَوْ حَلَّ أَحَدُهُمَا، فَهَاتَانِ صُورَتَانِ تَمَامُ السَّبْعِ الْمَمْنُوعَةِ. قَوْلُهُ: [لِمَا فِيهِ مِنْ حَطِّ الضَّمَانِ وَأَزِيدُك] : أَيْ إذَا كَانَ الْمُعَجَّلُ أَكْثَرَ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ ضَعْ وَتَعَجَّلْ] : أَيْ إذَا كَانَ الْمُعَجَّلُ قَبْلَ الْأَجِلِ الْأَقَلِّ. قَوْلُهُ: [وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا] : أَيْ مِنْ عُمُومِ الْمَنْعِ فِي الْمَفْهُومِ. قَوْلُهُ: [ثَلَاثَةُ صُوَرٍ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ وَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ التَّاءِ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ مَا إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَقَطْ] : أَيْ بِأَنْ اخْتَلَفَا بِالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ، وَكَانَ الرَّدِيءُ مُؤَجَّلًا وَالْأَجْوَدُ حَالًّا فَالْقَضَاءُ بِهِ جَائِزٌ إنْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَرَطًا. قَوْلُهُ: [وَالطَّعَامَانِ مِنْ قَرْضٍ كَذَلِكَ] : أَفَادَ الشَّارِحُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ صُورَةً: ثَلَاثٌ فِي اتِّحَادِ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ، وَثَلَاثٌ فِي اخْتِلَافِ الصِّفَةِ، وَثَلَاثٌ فِي اخْتِلَافِ النَّوْعِ، وَثَلَاثٌ فِي اخْتِلَافِ الْقَدْرِ. أَمَّا الثَّلَاثُ الْأُولَى فَجَائِزَةٌ.

(وَمُنِعَا) : أَيْ الطَّعَامَانِ: أَيْ الْمُقَاصَّةُ فِيهِمَا إذَا كَانَ مَعًا (مِنْ بَيْعٍ مُطْلَقًا) اتَّفَقَا أَوْ اخْتَلَفَا صِفَةً أَوْ نَوْعًا حَلَّا أَوْ أَحَدُهُمَا أَمْ لَا لِمَا فِيهِ مِنْ بَيْعِ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَيُزَادُ إذَا لَمْ يَحِلَّا بَيْعُ طَعَامِ بِطَعَامِ نَسِيئَةٍ (كَأَنْ اخْتَلَفَا مِنْ بَيْعٍ وَقَرْضٍ) فَتَمْتَنِعُ الْمُقَاصَّةُ فِيهِمَا (إنْ اخْتَلَفَا صِفَةً) : وَأَوْلَى نَوْعًا (أَوْ قَدْرًا أَوْ) اتَّفَقَا وَ (لَمْ يَحِلَّا، وَإِلَّا) إنْ حَلَّا مَعًا وَاتَّفَقَا كَإِرْدَبِّ سَمْرَاءَ وَمِثْلَهُ (جَازَتْ) وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَتَجُوزُ فِي الْعَرْضَيْنِ) : الشَّامِلِ لِلْحَيَوَانِ كَثَوْبٍ وَثَوْبٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ عَبْدٍ وَفَرَسٍ (مُطْلَقًا) مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ حَلَّا أَوْ أَحَدُهُمَا أَمْ لَا (إنْ اتَّحَدَا نَوْعًا وَصِفَةً وَاخْتَلَفَا) فِي الصِّفَةِ أَوْ النَّوْعِ (وَحَلَّا) مَعًا (أَوْ) لَمْ يَحِلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَجُوزُ مِنْ الثَّلَاثِ الثَّانِيَةِ وَاحِدَةٌ وَالْأُخْرَى كَذَلِكَ. وَالثَّلَاثُ الْأَخِيرَةُ مَمْنُوعَةٌ، وَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ جَوَازُ الْأَفْضَلِ صِفَةً إنْ حَلَّ وَلَوْ كَانَ الْآخَرُ مُؤَجَّلًا. قَوْلُهُ: [مِنْ بَيْعٍ مُطْلَقًا] : أَيْ فِي الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ صُورَةً. قَوْلُهُ: [اتَّفَقَا] إلَخْ: بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ أَوْ قَدْرًا بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ نَوْعًا لِتَكْمُلَ الصُّوَرُ الِاثْنَتَا عَشْرَةَ وَعِلَّةُ الْمَنْعِ مَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [كَأَنْ اخْتَلَفَا مِنْ بَيْعٍ وَقَرْضٍ] : وَتَحْتَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً كُلُّهَا مَمْنُوعَةٌ إلَّا صُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَا إذَا اتَّفَقَا صِفَةً وَقَدْرًا وَحَلَّا مَعًا. قَوْلُهُ: [الشَّامِلُ لِلْحَيَوَانِ] : أَيْ فَالْمُرَادُ بِالْعَرْضِ مَا قَابَلَ الْعَيْنَ وَالطَّعَامَ فَيَشْمَلُ الْحَيَوَانَ. قَوْلُهُ: [مُطْلَقًا مِنْ بَيْعٍ] إلَخْ: تَحْتَهُ تِسْعُ صُوَرٍ أَفَادَهَا الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [أَوْ اخْتَلَفَا فِي الصِّفَةِ أَوْ النَّوْعِ وَحَلَّا] إلَخْ: مَنْطُوقُهُ سِتُّ صُوَرٍ جَائِزَةٌ وَهِيَ أَنْ تَقُولَ: الْعَرْضَانِ، إمَّا مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَخْتَلِفَا فِي الصِّفَةِ أَوْ النَّوْعِ؛ فَهَذِهِ سِتٌّ مَعَ حُلُولِ الْأَجَلِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ اتَّفَقَ الْأَجَلَانِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَا قَدْرًا الْمَنْعُ كَانَا مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ حَلَّا أَوْ أُجِّلَا أَوْ حَلَّ أَحَدُهُمَا، فَهَذِهِ تِسْعٌ، يُضَمُّ لَهَا مَا إذَا اخْتَلَفَا صِفَةً أَوْ نَوْعًا وَحَلَّ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ أَوْ أُجِّلَا بِأَجَلٍ مُخْتَلِفٍ، وَفِي كُلٍّ: إمَّا مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ، فَهَذِهِ ثَنَتَا عَشْرَةً صُورَةً. فَجُمْلَةُ الْمَمْنُوعِ فِي صُوَرِ الْعَرْضِ

وَ (اتَّفَقَا أَجَلًا) لَا إنْ اخْتَلَفَ أَجَلُهُمَا. هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الدَّيْنَانِ عَيْنَيْنِ أَوْ طَعَامَيْنِ أَوْ عَرْضَيْنِ، فَإِنْ اخْتَلَفَا كَعَيْنٍ فِي ذِمَّةٍ وَعَرْضٍ أَوْ طَعَامٍ فِي أُخْرَى، أَوْ عَرْضٍ فِي ذِمَّةٍ وَطَعَامٍ فِي أُخْرَى؛ وَالصُّوَرُ الثَّلَاثُ: إمَّا مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ، وَهَذِهِ التِّسْعَةُ تُضْرَبُ فِي أَحْوَالِ الْأَجَلِ الثَّلَاثِ: بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ، كُلُّهَا جَائِزَةٌ. وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ بَابِ الْبَيْعِ لَا الْمُقَاصَّةِ، إلَّا إذَا كَانَ أَحَدُ الدَّيْنَيْنِ طَعَامًا مِنْ بَيْعٍ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَلَا تَجُوزُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإحْدَى وَعِشْرُونَ. وَقَدْ تَمَّتْ صُوَرُ الْمُقَاصَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي الشَّارِحِ أَوَّلَ الْبَابِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ اخْتَلَفَا كَعَيْنٍ فِي ذِمَّةٍ] إلَخْ: شُرُوعٌ مِنْهُ فِي صُوَرٍ أُخْرَى غَيْرِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ، فَتَكُونُ جُمْلَةُ صُوَرِ الْمُقَاصَّةِ مِائَةً وَخَمْسَةً وَثَلَاثِينَ صُورَةً.

[باب في الرهن وأحكامه]

بَابٌ فِي الرَّهْنِ وَأَحْكَامِهِ (الرَّهْنُ) شَيْءٌ (مُتَمَوَّلٌ) : أَيْ مِنْ الْأَمْوَالِ كَانَتْ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُمَا كَمَنْفَعَةٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي (أُخِذَ) مِنْ مَالِكِهِ؛ وَالْمُرَادُ: يُؤْخَذُ مِنْهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْأَخْذُ بِالْفِعْلِ، لِأَنَّ قَبْضَهُ بِالْفِعْلِ لَيْسَ شَرْطًا فِي انْعِقَادِهِ وَلَا فِي صِحَّتِهِ وَلَا لُزُومِهِ بَلْ يَنْعَقِدُ وَيَلْزَمُ بِالصِّفَةِ، ثُمَّ يَطْلُبُ الْمُرْتَهِنُ أَخْذَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الرَّهْنِ وَأَحْكَامِهِ] بَابٌ لَمَّا كَانَ الرَّهْنُ يَتَسَبَّبُ عَنْ الدَّيْنِ مِنْ قَرْضٍ تَارَةً وَمِنْ بَيْعٍ أُخْرَى، وَأَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الدِّينَيْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِنْ مُقَاصَّةِ عَقْدِ الْكَلَامِ عَلَى مَا يَتَسَبَّبُ عَنْهُمَا مِنْ رَهْنٍ وَنَحْوِهِ، وَالرَّهْنُ لُغَةً: اللُّزُومُ وَالْحَبْسُ وَكُلُّ مُلْزَمٍ، قَالَ تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] : أَيْ مَحْبُوسَةٌ. وَالرَّاهِنُ: دَافِعُهُ وَالْمُرْتَهِنُ بِالْكَسْرِ: آخِذُهُ. وَيُقَالُ مُرْتَهَنٌ بِالْفَتْحِ لِأَنَّهُ وُضِعَ عِنْدَهُ الرَّهْنُ. وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ؛ وَاصْطِلَاحًا مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَدْ عَرَّفَهُ بِالْمَعْنَى الِاسْمِيِّ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْكَثِيرِ تَبَعًا لِابْنِ عَرَفَةَ، وَأَمَّا الشَّيْخُ خَلِيلٌ فَقَدْ عَرَّفَهُ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ بِقَوْلِهِ: الرَّهْنُ بَذْلُ مَنْ لَهُ الْبَيْعُ مَا يُبَاعُ إلَخْ. وَالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ هُوَ الَّذِي تُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَرْكَانُ كَمَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي الشَّرْحِ. وَالْمُرَادُ بِالرَّهْنِ: حَقِيقَتُهُ وَتَعْرِيفُهُ، وَالْمُرَادُ بِأَحْكَامِهِ: مَسَائِلُهُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرُهُمَا] : هَكَذَا فِي نُسْخَةِ الْأَصْلِ بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ وَالْمُنَاسِبُ غَيْرُهَا، لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ لَا اثْنَانِ. قَوْلُهُ: [كَمَنْفَعَةٍ] : أَيْ كَرَهْنِ الدَّارِ الْمُحْبَسَةِ عَلَى مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [أَخَذَ] : أَيْ حَصَلَ التَّعَاقُدُ عَلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ وَالْمُرَادُ إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَلَا فِي صِحَّتِهِ وَلَا لُزُومِهِ] : عَطَفَهُ عَلَى انْعِقَادٍ مِنْ عَطْفِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ. قَوْلُهُ: [بَلْ يَنْعَقِدُ وَيَلْزَمُ] : أَيْ وَيَصِحُّ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الِانْعِقَادِ الصِّحَّةُ وَاللُّزُومُ.

إذْ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ (تَوَثُّقًا بِهِ) : أَيْ الْمُتَمَوَّلُ (فِي دَيْنٍ لَازِمٍ) : مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ (أَوْ) دَيْنٍ (صَائِرٍ إلَى اللُّزُومِ) : كَأَخْذِ رَهْنٍ مِنْ صَانِعٍ أَوْ مُسْتَعِيرٍ خَوْفًا مِنْ ادِّعَاءِ ضَيَاعٍ، فَيَكُونُ الرَّهْنُ فِي الْقِيمَةِ وَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: " وَعَلَى مَا يَلْزَمُ " إلَخْ. وَاعْلَمْ: أَنَّهُ كَمَا يُطْلَقُ الرَّهْنُ عَلَى الشَّيْءِ الْمَبْذُولِ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْعَقْدِ، وَعَلَيْهِ عَرَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ، قُصِدَ بِهِ التَّوَثُّقُ فِي الْحُقُوقِ (اهـ) وَهُوَ الَّذِي تُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَرْكَانُ، فَقَوْلُنَا: (وَرُكْنُهُ) : أَيْ أَرْكَانُهُ - بِاعْتِبَارِ إطْلَاقِهِ عَلَى الْعَقْدِ فَيَكُونُ فِيهِ اسْتِخْدَامٌ - وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: (عَاقِدٌ) مِنْ رَاهِنٍ وَمُرْتَهِنٍ. (وَمَرْهُونٌ) وَهُوَ الْمَالُ الْمَبْذُولُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إذْ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ] : لِأَنَّهُ لَوْ طَرَأَ لَهُ مَانِعٌ قَبْلَ أَخْذِهِ لَكَانَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ. قَوْلُهُ: [تَوَثَّقَا بِهِ] : أَخْرَجَ بِهَذَا الْقَيْدِ الْوَدِيعَةَ وَالْمَصْنُوعَ عِنْدَ صَانِعِهِ وَقَبَضَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ عَبْدٌ جَنَى عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ دَيْنٌ صَائِرٌ إلَى اللُّزُومِ] : أَيْ وَلِذَا صَحَّ فِي الْجُعْلِ وَلَمْ يَصِحَّ فِي كِتَابِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [فَيَكُونُ الرَّهْنُ فِي الْقِيمَةِ] : أَيْ وَيَكُونُ لَهُ حَبْسُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ مَنَافِعِهِ. قَوْلُهُ: [لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ] : أَيْ بَلْ الرَّهْنُ بَاقٍ عَلَى مَالِك الرَّاهِنِ وَلِذَلِكَ كَانَتْ غَلَّتُهُ لَهُ وَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [فَيَكُونُ فِيهِ اسْتِخْدَامٌ] : أَيْ لِكَوْنِهِ ذَكَرَ الرَّهْنَ أَوَّلًا بِالْمَعْنَى الِاسْمِيِّ الَّذِي هُوَ الشَّيْءُ الْمُتَمَوَّلُ وَأَعَادَ عَلَيْهِ الضَّمِيرَ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ الَّذِي هُوَ الْعَقْدُ اللَّازِمُ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ أَرْبَعَةٌ] : أَيْ إجْمَالًا، وَأَمَّا تَفْصِيلًا فَخَمْسَةٌ لِأَنَّ الْعَاقِدَ تَحْتَهُ شَيْئَانِ. قَوْلُهُ: [عَاقِدٌ] : هُوَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ وَرُكْنُهُ. وَقَوْلُهُ: [وَهِيَ أَرْبَعَةٌ] : جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ قُصِدَ بِهَا بَيَانُ عِدَّةِ الْأَرْكَانِ.

[رهن ما التبس بغرر]

(وَمَرْهُونٌ بِهِ) : أَيْ فِيهِ وَهُوَ الدَّيْنُ الْمَذْكُورُ. (وَصِيغَةٌ كَالْبَيْعِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْفِي مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ. لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ اللَّفْظِ الصَّرِيحِ. (وَلَوْ) كَانَ الْمُتَمَوَّلُ مُلْتَبِسًا (بِغَرَرٍ كَآبِقٍ وَثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا) فَإِنَّهُ يَصِحُّ رَهْنُهُ لِجَوَازِ تَرْكِ الرَّهْنِ مِنْ أَصْلِهِ، فَشَيْءٌ يُتَوَثَّقُ بِهِ خَيْرٌ مِنْ عَدَمِهِ. وَالْمُرَادُ: غَرَرٌ خَفِيفٌ، فَإِنْ اشْتَدَّ فَلَا يَصِحُّ رَهْنُهُ؛ كَالْجَنِينِ كَمَا سَيَأْتِي، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ فِيهِ] : جَعَلَ الْبَاءَ بِمَعْنَى فِي الظَّرْفِيَّةِ وَيَصِحُّ جَعْلُ الْبَاءِ سَبَبِيَّةً. قَوْلُهُ: [وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ اللَّفْظِ الصَّرِيحِ] : ابْنُ عَرَفَةَ. الْخِلَافُ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ: هَلْ يَفْتَقِرُ الرَّهْنُ لِلتَّصْرِيحِ بِهِ أَمْ لَا؟ وَلَوْ دَفَعَ رَجُلٌ إلَى آخَرَ سِلْعَةً وَلَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ: أَمْسِكْهَا حَتَّى أَدْفَعَ لَك حَقَّك، كَانَ رَهْنًا عِنْدَ أَشْهَبَ لِابْنِ الْقَاسِمِ (اهـ) أَيْ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا يَخْتَصُّ الْمُرْتَهِنُ بِالرَّهْنِ بَلْ يَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ حَازَهُ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ. [رَهْن مَا الْتَبَسَ بِغَرَرِ] قَوْلُهُ: [مُتَلَبِّسًا بِغَرَرٍ] : أَيْ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ وُجُودُهُ وَقْتَ الرَّهْنِ وَعَدَمُهُ وَعَلَى فَرْضِ وُجُودِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقْبِضَ وَأَلَّا يَقْبِضَ. قَوْلُهُ: [وَثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا] : مِثْلُهَا الزَّرْعُ بَلْ يَجُوزُ رَهْنُ مَا ذَكَرَ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ كَمَا عَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ. وَحَيْثُ قُلْتُمْ بِجَوَازِ ذَلِكَ حَصَلَ عَقْدُ الرَّهْنِيَّةِ عَلَيْهِ اُنْتُظِرَ بَدْوُ صَلَاحِهِ لِيُبَاعَ فِي الدَّيْنِ وَيُحَاصِصُ مُرْتَهِنُهُ مَعَ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ حَيْثُ حَصَلَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ. فَإِذَا صَلُحَ الرَّهْنُ بِيعَ، فَإِنْ وَفَّى رَدَّ لِلْغُرَمَاءِ مَا أَخَذَهُ فِي الْمُحَاصَّةِ، وَإِلَّا يَفِ الرَّهْنُ بِدَيْنِهِ قُدِّرَ مُحَاصًّا لِلْغُرَمَاءِ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ دَيْنِهِ بَعْدَ اخْتِصَاصِهِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ الثَّمَنِ لَا بِالْجَمِيعِ؛ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثَلَاثُمِائَةِ دِينَارٍ لِثَلَاثَةِ أَنْفَارٍ وَرَهَنَ لِأَحَدِهِمْ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ فَفَلِسَ أَوْ مَاتَ فَوُجِدَ عِنْدَ الرَّاهِنِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دِينَارًا، فَإِنَّ الثَّلَاثَةَ يَتَحَاصُّونَ فِيهَا فَيَأْخُذُ كُلَّ خَمْسِينَ نِصْفُ دَيْنِهِ. وَإِنَّمَا دَخَلَ الْمُرْتَهِنُ مَعَهُمْ لِأَنَّ دَيْنَهُ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ لَا بِعَيْنِ الرَّهْنِ وَالرَّهْنُ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ الْآنَ وَإِذَا حَلَّ بَيْعُهُ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ بِيعَ وَاخْتَصَّ الْمُرْتَهِنُ بِالثَّمَنِ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مِائَةً رَدَّ الْخَمْسِينَ الَّتِي كَانَ أَخَذَهَا، وَكَذَا مَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ إنْ بِيعَتْ بِأَكْثَرَ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهَا. وَإِنْ بِيعَتْ بِأَقَلَّ كَخَمْسِينَ اخْتَصَّ بِهَا وَقُدِّرَ مُحَاصًّا

ثُمَّ إنْ حَازَ الْمُرْتَهِنُ الْآبِقُ وَنَحْوُهُ قَبْلَ الْمَانِعِ تَمَّ الرَّهْنُ وَاخْتَصَّ بِهِ، وَإِلَّا كَانَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ. (أَوْ) كَانَ (كِتَابَةَ مُكَاتَبٍ) فَيَصِحُّ رَهْنُهَا (وَخِدْمَةَ مُدَبَّرٍ) مِثْلُهُ الْمُعْتَقُ لِأَجَلٍ وَوَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ فَيَصِحُّ رَهْنُهَا (وَاسْتُوْفِيَ) الدَّيْنُ (مِنْهُمَا) : أَيْ مِنْ الْكِتَابَةِ وَالْخِدْمَةِ (فَإِنْ رَقَّ) الْمُكَاتَبُ بِأَنْ عَجَزَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْخَمْسِينَ الْبَاقِيَةِ لَهُ مِنْ دَيْنِهِ، فَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ إلَّا ثَلَاثُونَ وَثَمَنُ الثَّمَرَةِ يَجْتَمِعُ لَهُ ثَمَانُونَ وَيَرُدُّ لِصَاحِبَيْهِ عِشْرِينَ لِكُلِّ عَشَرَةٍ مِنْ الْخَمْسِينَ فَيَصِيرُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا سِتُّونَ كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُ: [ثُمَّ إنْ حَازَ الْمُرْتَهِنُ الْآبِقُ وَنَحْوُهُ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا لَوْ أَبِقَ بَعْدَ الْحِيَازَةِ فَفِي الْخَرَشِيِّ وَ (عب) : يَسْتَوِي الْغُرَمَاءُ فِيهِ وَهُوَ آبِقٌ. وَرَدَّهُ بْن بِأَنَّهُ مَتَى حِيزَ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ مِنْهُ إلَّا رُجُوعُهُ لِسَيِّدِهِ مَعَ عِلْمِ الْمُرْتَهِنِ وَسُكُوتِهِ. قَوْلُهُ: [فَيَصِحُّ رَهْنُهَا] : أَيْ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ رَهْنِ الْمُكَاتَبِ. قَوْلُهُ: [وَوَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ] : الْمُرَادُ بِهِ الْوَلَدُ الَّذِي يَحْدُثُ مِنْ الْجَارِيَةِ مِنْ زِنًا أَوْ زَوَاجٍ بَعْدَ أَنْ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا. قَوْلُهُ: [أَيْ مِنْ الْكِتَابَةِ وَالْخِدْمَةِ] : أَيْ مِنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ فِي الْمُكَاتَبِ وَثَمَنِ الْخِدْمَةِ فِي الْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ لِأَجْلٍ وَوَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا لَمْ يَدْفَعْ لَهُ الرَّاهِنُ دَيْنَهُ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ رَقَّ الْمُكَاتَبُ] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا رَهَنَ السَّيِّدُ خِدْمَةَ الْمُدَبَّرِ فَمَاتَ السَّيِّدُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ سَابِقٌ عَلَى التَّدْبِيرِ أَوْ لَاحِقٌ وَرَقَّ الْمُدَبَّرُ أَوْ جُزْءٌ مِنْهُ، فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَسْتَوْفِي دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِ ذَلِكَ الْجُزْءِ الَّذِي رَقَّ، كَمَا أَنَّهُ إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ اُسْتُوْفِيَ مِنْ رَقَبَتِهِ. وَأَمَّا رَهْنُ رَقَبَةِ الْمُدَبَّرِ لِيُبَاعَ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ فَلَا يَجُوزُ حَيْثُ تَأَخَّرَ الدَّيْنُ عَنْ التَّدْبِيرِ، بِخِلَافِ دَيْنٍ تَقَدَّمَ أَوْ عَلَى أَنْ يُبَاعَ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ فَيَصِحُّ رَهْنُهُ. وَاخْتُلِفَ إذَا رَهَنَ رَقَبَةَ الْمُدَبَّرِ لِيُبَاعَ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ فِي دَيْنٍ مُتَأَخِّرٍ، هَلْ يَبْطُلُ الرَّهْنُ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ يَنْتَقِلُ لِخِدْمَتِهِ؟ قَوْلَانِ، الرَّاجِحُ الْأَوَّلُ. كَظُهُورِ حَبْسِ دَارٍ رُهِنَتْ رَقَبَتُهَا عَلَى أَنَّهَا مِلْكٌ لِرَاهِنِهَا وَثَبَتَ حَبْسُهَا عَلَيْهِ، فَهَلْ يَنْتَقِلُ الرَّاهِنُ لِمَنْفَعَتِهَا لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ كَجُزْءٍ مِنْهَا؟ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ الرَّاجِحُ، أَوْ يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَلَا يَعُودُ لِمَنْفَعَتِهَا؟ وَأَمَّا إنْ ظَهَرَتْ حَبْسًا عَلَى غَيْرِ الرَّاهِنِ أَوْ انْتَقَلَ الْحَقُّ لِغَيْرِهِ بِمَوْتٍ أَوْ بِانْقِضَاءِ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ شَرَطَهَا لَهُ الْوَاقِفُ فَلَا يَنْتَقِلُ الرَّهْنُ لِمَنْفَعَتِهَا قَطْعًا. هَذَا مُلَخَّصُ مَا فِي الْأَصْلِ.

أَوْ الْمُدَبَّرُ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ أَوْ رَقَّ جُزْءٌ مِنْهُ (فَمِنْهُ) : يُسْتَوْفَى: أَيْ مِنْ رَقَبَتِهِ بِأَنْ يُبَاعَ. (أَوْ) كَانَ (غَلَّةً نَحْوَ دَارٍ) : كَحَانُوتٍ وَدَابَّةٍ وَيُسْتَوْفَى مِنْهَا (أَوْ) كَانَ (جُزْءًا مُشَاعًا) فِي دَارٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَصِحُّ رَهْنُهُ. (وَحَازَ) الْمُرْتَهِنُ (الْجَمِيعَ) : أَيْ جَمِيعَ الْمُشَاعِ مَا رُهِنَ وَمَا لَمْ يُرْهَنْ بِالْقَضَاءِ لِيَتِمَّ الرَّهْنُ وَإِلَّا لَجَالَتْ يَدُ الرَّاهِنِ فِيهِ مَعَ الْمُرْتَهِنِ فَيَبْطُلُ الرَّهْنُ وَهَذَا (إنْ كَانَ) الْجُزْءُ (الْبَاقِي لِلرَّاهِنِ) ، فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ كَفَى حَوْزُ الْجُزْءِ الْمَرْهُونِ مِنْ ذَلِكَ الْمُشَاعِ، لِأَنَّ جَوَلَانَ يَدِ غَيْرِ الرَّاهِنِ لَا يَضُرُّ فِي الْحَوْزِ. (وَلَهُ) : أَيْ لِلرَّاهِنِ الَّذِي رَهَنَ الْجُزْءَ الْمُشَاعَ وَكَانَ الْبَاقِي لِغَيْرِهِ (اسْتِئْجَارُ جُزْءِ شَرِيكِهِ) وَلَكِنْ لَا يُمَكَّنُ مِنْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ (وَيَقْبِضُهُ) : أَيْ يَقْبِضُ أَجْرَتَهُ (الْمُرْتَهِن) لِئَلَّا يَبْطُلَ حَوْزُهُ بِجَوَلَانِ يَدِهِ عَلَيْهِ (لَهُ) : أَيْ لِلرَّاهِنِ الْمُسْتَأْجَرِ لِجُزْءِ شَرِيكِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ الْمُدَبَّرُ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ] : أَيْ بِأَنْ لَمْ يُحَمِّلْهُ الثُّلُثَ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ رَقَّ جُزْءٌ مِنْهُ] : أَيْ بِأَنْ حَمَلَ الثُّلُثَ بَعْضُهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ كَانَ جُزْءًا مُشَاعًا] : أَيْ فَيَصِحُّ رَهْنُ الْجُزْءِ الْمُشَاعِ كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: لَا يَصِحُّ رَهْنُ الْمُشَاعِ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا وَقْفُهُ كَالْحَنَفِيَّةِ. وَلَا يَلْزَمُ الرَّاهِنَ لِلْجُزْءِ الْمُشَاعِ اسْتِئْذَانٌ شَرِيكِهِ إذَا لَا ضَرَرَ عَلَى الشَّرِيكِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الرَّهْنِ بِحِصَّتِهِ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَشْهُورُ، نَعَمْ يُنْدَبُ الِاسْتِئْذَانُ لِمَا فِيهِ مِنْ جَبْرِ الْخَوَاطِرِ فَلِلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَرْهَنْ أَنْ يُقَسِّمَ وَيَبِيعَ وَيُسَلِّمَ لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ. قَوْلُهُ: [أَيْ يُقْبِضَ أُجْرَتَهُ الْمُرْتَهِنَ] : أَيْ وَيُسَلِّمُهَا لَهُ وَكَذَا يُؤَاجِرُ لَهُ الْجُزْءَ الْمُرْتَهَنَ وَلَا يُؤَاجِرُهُ هُوَ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْجَوَلَانِ. تَنْبِيهٌ لَوْ رَهَنَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَأَمِنَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ الشَّرِيكَ الْآخَرَ فَرَهَنَ الشَّرِيكُ الْأَمِينُ حِصَّتَهُ لِلْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ وَأَمِنَ الْأَمِينُ وَالْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ الْأَوَّلَ عَلَى هَذِهِ الْحِصَّةِ الثَّانِيَةِ، بَطَلَ حَوْزُهُمَا لِلْحِصَّتَيْنِ مَعًا لِجَوَلَانِ يَدِ الرَّاهِنِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا رَهَنَهُ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ عَلَى حِصَّةِ شَرِيكِهِ الرَّاهِنِ الثَّانِي وَهِيَ شَائِعَةٌ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ حِصَّتَهُ تَحْتَ يَدِهِ وَالثَّانِي يَدُهُ جَائِلَةٌ أَوَّلًا عَلَى حِصَّةِ شَرِيكِهِ لِاسْتِئْمَانِ الْأَوَّلِ، فَلَوْ جَعَلَ حِصَّةَ الثَّانِي تَحْتَ يَدِ أَجْنَبِيٍّ بَطَلَ رَهْنُ الثَّانِي فَقَطْ.

(وَجَازَ) لِلرَّاهِنِ (رَهْنُ فَضْلَتِهِ) : أَيْ الْجُزْءُ الْبَاقِي مِنْ الْمُشَاعِ فِي دَيْنٍ آخَرَ (بِرِضَا) الْمُرْتَهِنِ (الْأَوَّلِ) لَا بِغَيْرِ رِضَاهُ (وَحَازَهُ) الْأَوَّلُ (لَهُ) : أَيْ لِلثَّانِي فَيَكُونُ أَمِينًا فِيهِ. (وَ) لِذَا (لَا يَضْمَنُهُ) إنْ ضَاعَ مِنْهُ: أَيْ ادَّعَى ضَيَاعَ الرَّهْنِ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا تَفْرِيطٍ، وَهُوَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا مَا يَخُصُّهُ. (فَإِنْ حَلَّ أَحَدُهُمَا) : أَيْ الدَّيْنَيْنِ (أَوَّلًا) قَبْلَ الْآخَرِ (قُسِّمَ) الرَّهْنُ وَأُعْطِيَ لِمَنْ حَلَّ دَيْنُهُ مَنَابَهُ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ إذَا لَمْ يُوَفِّهِ الْمَدِينُ دَيْنَهُ (إنْ أَمْكَنَ) قَسَمُهُ (بِلَا ضَرَرٍ، وَإِلَّا) يُمْكِنُ أَوْ يُمْكِنُ بِضَرَرٍ (بِيعَ) الرَّهْنُ جَمِيعُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ] : وَيَلْزَمُ مِنْ رِضَاهُ عِلْمُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِ وَرِضَاهُ. وَهَذَا إذَا رَهَنَ الْفَضْلَةَ لِغَيْرِ الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ، أَمَّا لَوْ رَهَنَهَا لَهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَجَلُ الدَّيْنِ الثَّانِي مُسَاوِيًا لِلْأَوَّلِ لَا أَقَلَّ وَلَا أَكْثَرَ، وَإِلَّا مُنِعَ؛ لِأَنَّهُ إذْ كَانَ أَجَلُ الثَّانِي أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ يُبَاعُ الرَّهْنُ عِنْدَ انْقِضَاءِ أَجَلِ الْأَوَّلِ وَيَقْضِي الدَّيْنَانِ فَيَتَعَجَّلُ الدَّيْنَ الثَّانِي قَبْلَ أَجَلِهِ وَهُوَ سَلَفٌ، وَإِنْ كَانَ أَجَلُ الثَّانِي أَقْرَبَ مِنْ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ يُبَاعُ الرَّهْنُ عِنْدَ انْقِضَاءِ أَجَلِ الثَّانِي وَيُقْضَى الدَّيْنَانِ فَيُعَجَّلُ الدَّيْنُ الْأَوَّلُ قَبْلَ أَجَلِهِ وَهُوَ سَلَفٌ. فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ الْأَوَّلُ مِنْ بَيْعٍ لَزِمَ اجْتِمَاعُ بَيْعٍ وَسَلَفٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قَرْضٍ لَزِمَ: أَسْلِفْنِي وَأُسْلِفُك، فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْفَضْلَةَ إمَّا أَنْ تُرْهَنَ لِلْأَوَّلِ أَوْ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ رُهِنَتْ لِلْأَوَّلِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسَاوِي الدَّيْنَيْنِ أَجَلًا، وَإِنْ رُهِنَتْ لِغَيْرِهِ جَازَ مُطْلَقًا، تَسَاوَى الْأَجَلَانِ أَمْ لَا، بِشَرْطِ عِلْمِ الْحَائِزِ لَهَا وَرِضَاهُ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْمُرْتَهِنَ الْأَوَّلَ أَوْ أَمِينَ غَيْرِهِ. وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ رِضَا الْحَائِزِ كَانَ هُوَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ غَيْرُهُ لِأَجْلِ أَنْ يَصِيرَ حَائِزًا لِلثَّانِي. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا مَا يَخُصُّهُ] : أَيْ كَحَالِهِ قَبْلَ الرَّهْنِيَّةِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ حَلَّ أَحَدُهُمَا] إلَخْ: لَمْ يَتَعَرَّضْ لِحُكْمِ مَا إذَا تَسَاوَى الدَّيْنَانِ فِي الْأَجَلِ لِوُضُوحِهِ. قَوْلُهُ: [وَأَعْطَى لِمَنْ حَلَّ دَيْنُهُ مَنَابَهُ] : أَيْ وَيُدْفَعُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ الَّذِي لَمْ يَحِلَّ قَدْرَ مَا يَنُوبُهُ يَبْقَى رَهْنًا عِنْدَهُ.

(وَقُضِيَا) : أَيْ الدَّيْنَانِ مَعًا. (وَ) جَازَ رَهْنُ (أُمٍّ دُونَ) رَهْنِ (وَلَدِهَا) الصَّغِيرِ مَعَهَا (وَعَكْسُهُ) : إذْ لَيْسَ فِي الرَّهْنِ انْتِقَالُ مِلْكٍ (وَحَازَهُمَا) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (الْمُرْتَهِنُ) لِعَدَمِ جَوَازِ التَّفْرِيقِ. (وَ) جَازَ رَهْنُ شَيْءٍ (مُسْتَأْجَرٍ) لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ. (وَ) رَهْنُ حَائِطٍ (مَسَاقِي) لِلْعَامِلِ (وَحَوْزُهُمَا الْأَوَّلُ كَافٍ) : عَنْ حَوْزَتَانِ لِلرَّهْنِ، وَكَذَا يَجُوزُ رَهْنُهُمَا عِنْدَ غَيْرِهِمَا إنْ جَعَلَ الْمُرْتَهِنُ مَعَ الْعَامِلِ أَمِينًا، أَوْ يَجْعَلَانِهِ مَعًا تَحْتَ أَمِينٍ وَيَجْعَلُ الْمُرْتَهِنُ يَدَهُ مَعَ الْأَجِيرِ أَوْ أَمِينًا مَعَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَقُضِيَا] : وَصِفَةُ الْقَضَاءِ أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ الْأَوَّلَ كُلَّهُ أَوَّلًا لِتَقَدُّمِ الْحَقِّ ثُمَّ مَا بَقِيَ لِلثَّانِي. قَوْلُهُ: [وَجَازَ رَهْنُ أُمٍّ دُونَ رَهْنِ وَلَدِهَا] : أَيْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الرَّهْنِ بَيْعُهَا دُونَ وَلَدِهَا فَإِنْ اُحْتِيجَ لِلْبَيْعِ بِيعَتْ مَعَ وَلَدِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي الرَّهْنِيَّةِ، لَكِنْ مَثَّلَ فِي الْمَجْمُوعِ لِلرَّهْنِ الْفَاسِدِ بِقَوْلِهِ: وَلَيْسَ الْوَلَدُ رَهْنًا مَعَ أُمِّهِ، فَانْظُرْهُ مَعَهَا - قَالَهُ الشَّيْخُ. قَوْلُهُ: [وَحَازَهُمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمُرْتَهِنُ] : وَكَفَى الْحَوْزُ هُنَا لِكَوْنِهِمَا فِي مِلْكِ وَاحِدٍ وَهُوَ الرَّاهِنُ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ رَهْنُ شَيْءٍ مُسْتَأْجَرٍ] إلَخْ: أَيْ فَإِذَا اسْتَأْجَرَ زَيْدٌ دَارًا مِنْ رَبِّهَا شَهْرًا مَثَلًا جَازَ لِرَبِّهَا إذَا تَدَايَنَ مِنْ زَيْدٍ دَيْنًا أَنْ يُرْهِنَهُ تِلْكَ الدَّارَ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ. قَوْلُهُ: [وَرَهْنُ حَائِطِ مَسَاقِي] إلَخْ: صُورَتُهَا: زَيْدٌ نَزَلَ مَسَاقِي فِي حَائِطِ سَنَةٍ مَثَلًا، فَإِذَا تَدَايَنَ رَبُّهَا مِنْهُ دَيْنًا جَازَ لَهُ أَنْ يُرْهِنَهُ تِلْكَ الْحَائِطَ فِي مُدَّةِ الْمُسَاقَاةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ. قَوْلُهُ: [عِنْدَ غَيْرِهِمَا] : أَيْ غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسَاقِي بِأَنْ يَكُونَ رَبُّ الدَّارِ وَرَبُّ الْحَائِطِ تَدَايَنَا مِنْ غَيْرِهِمَا وَأَرَادَا رَهْنَ الدَّارِ أَوْ الْحَائِطِ لِذَلِكَ الْغَيْرِ. قَوْلُهُ: [أَوْ يَجْعَلَانِهِ] : أَيْ الْمُرْتَهِنَ وَالْعَامِلَ. قَوْلُهُ: [وَيَجْعَلُ الْمُرْتَهِنُ] إلَخْ: مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ ": إنْ جَعَلَ " فَهُوَ رَاجِعٌ لِمَفْهُومِ الْمَتْنِ عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ ابْنُ يُونُسَ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ. مَنْ سَاقَى

(وَ) جَازَ رَهْنُ (مِثْلِيٍّ) : مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ (وَلَوْ عَيْنًا) مَسْكُوكَةً، وَمَحَلُّ الْجَوَازِ (إنْ طُبِعَ عَلَيْهِ) طَبْعًا مُحْكَمًا - سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ لِئَلَّا يَقْصِدَ بِهِ السَّلَفَ مَعَ تَسْمِيَتِهِ رَهْنًا، وَالسَّلَفُ مَعَ الدَّيْنِ لَا يَجُوزُ - وَهَذَا إنْ وُضِعَ تَحْتَ يَدِ الْمُرْتَهِنِ (أَوْ) لَمْ يُطْبَعْ عَلَيْهِ وَ (كَانَ تَحْتَ أَمِينٍ) لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. (وَ) جَازَ رَهْنُ (دَيْنٍ) عَلَى إنْسَانٍ (وَلَوْ) كَانَ (عَلَى الْمُرْتَهِنِ) لَهُ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَائِطَهُ ثُمَّ رَهَنَهُ فَلْيَجْعَلْ الْمُرْتَهِنُ مَعَ الْمُسَاقِي رَجُلًا أَوْ يَجْعَلَانِهِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ، قَالَ مَالِكٌ: وَجَعْلُهُ بِيَدِ الْمُسَاقِي أَوْ أَجِيرٍ لَهُ يُبْطِلُ رَهْنَهُ (اهـ) لِأَنَّ يَدَ الْمُسَاقِي وَالْأَجِيرِ بِمَنْزِلَةِ يَدِ الرَّهْنِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَمَا كَفَى الْأَمِينُ مَعَهُمَا - فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [مَنْ طُبِعَ عَلَيْهِ] : أَيْ لَوْ غَيْرُ عَيْنٍ وَإِنَّمَا بُولِغَ عَلَى غَيْرِ الْعَيْنِ لِأَنَّ الْعَيْنَ تَتَسَارَعُ الْأَيْدِي إلَيْهَا أَكْثَرَ فَيُتَوَهَّمُ لُزُومُ الطَّبْعِ عَلَيْهَا دُونَ غَيْرِهَا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمِثْلِيَّ غَيْرُ الْعَيْنِ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، فَابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَقُولُ بِوُجُوبِ الطَّبْعِ، وَأَشْهَبُ يَقُولُ بِعَدَمِهِ، وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ لَا يَجُوزُ رَهْنُهَا إلَّا بِالطَّبْعِ عَلَيْهَا - هَذِهِ طَرِيقَةُ الْمَازِرِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ. وَأَمَّا ابْنُ يُونُسَ وَالْبَاجِيُّ وَابْنُ شَاسٍ فَلَمْ يَذْكُرُوا عَنْ أَشْهَبَ إلَّا اسْتِحْبَابَ الطَّبْعِ عَلَى الْعَيْنِ، إذْ لَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الطَّبْعِ. وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ جَمِيعَ الْمِثْلِيَّاتِ لَا تُرْهَنُ إلَّا مَطْبُوعًا عَلَيْهَا قَالَهُ. ح. قَوْلُهُ: [سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ] : عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ الطَّبْعَ عَلَيْهِ سَدًّا إلَخْ وَقَوْلُهُ: " لِئَلَّا يَقْصِدَ " إلَخْ عِلَّةٌ لِلْمَعْلُولِ مَعَ عِلَّتِهِ. قَوْلُهُ: [وَالسَّلَفُ مَعَ الدَّيْنِ لَا يَجُوزُ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ السَّلَفُ مُشْتَرَطًا فِي عَقْدِ الْمَدِينَةِ أَوْ مُتَطَوَّعٌ بِهِ بَعْدَهَا لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُشْتَرَطًا كَانَ بَيْعًا وَسَلَفًا كَانَ الدَّيْنُ مِنْ بَيْعٍ وَأَسْلِفْنِي وَأُسْلِفُك إنْ كَانَ مِنْ قَرْضٍ وَإِنْ كَانَ السَّلَفُ مُتَطَوَّعًا بِهِ فَهَدِيَّةُ مِدْيَانٍ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْلِ أَنَّ الطَّبْعَ شَرْطٌ لِجَوَازِ الرَّهْنِ؛ وَعَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يُطْبَعْ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ ابْتِدَاءً وَلَكِنَّهُ يَصِحُّ وَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِهِ قَبْلَ الطَّبْعِ إنْ حَصَلَ مَانِعٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

[رهن الشيء المستعار للرهن]

كَأَنْ يَتَسَلَّفَ أَوْ يَشْتَرِيَ الْمُسْلِمُ سِلْعَةً مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَيَجْعَلُ الْمُسْلِمُ فِيهِ رَهْنًا فِي ذَلِكَ الدَّيْنِ. (وَ) جَازَ رَهْنُ الشَّيْءِ (الْمُسْتَعَارِ لِلرَّهْنِ) : أَيْ لِأَجَلِهِ أَوْ لِيَرْهَنَهُ فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَفَّى الْمُسْتَعِيرُ دَيْنَهُ رَجَعَ الرَّهْنُ لِصَاحِبِهِ الْمُعِيرِ. (وَ) إنْ لَمْ يُوَفِّ وَبِيعَ الرَّهْنُ فِي الدَّيْنِ (رَجَعَ صَاحِبُهُ) الْمُعِيرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ (بِقِيمَتِهِ) يَوْمَ اسْتَعَارَهُ، وَقِيلَ يَوْمَ رَهَنَهُ. (وَ) رَجَعَ (بِثَمَنِهِ) الَّذِي بِيعَ بِهِ (إنْ بِيعَ) فِي الدَّيْنِ، وَ " أَوْ " لِتَنْوِيعِ الْخِلَافِ، نَقَلَتْ الْمُدَوَّنَةُ عَلَيْهِمَا كَمَا قَالَ الشَّيْخُ. (وَضَمِنَ) الْمُسْتَعِيرُ: أَيْ تَعَلَّقَ بِهِ الضَّمَانُ وَلَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ كَعَبْدٍ أَوْ قَامَتْ عَلَى ضَيَاعِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ بَيِّنَةٌ (إنْ رَهَنَهُ فِي غَيْرِ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ) : كَأَنْ اسْتَعَارَهُ لِيَرْهَنَهُ فِي دَيْنِ عَيْنٍ فَرَهَنَهُ فِي عَرْضٍ أَوْ طَعَامٍ (فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ إنْ وَجَدَهُ قَائِمًا) لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي ذَاتِهِ عَنْ الْمُرْتَهِنِ (وَإِلَّا) يَجِدْهُ قَائِمًا (فَقِيمَتُهُ) تَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ مُطْلَقًا (وَلَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ أَوْ هَلَكَ بِبَيِّنَةٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَأَنْ يَتَسَلَّفَ] : مِثَالٌ لِمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ. وَمِثَالٌ مَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ زَيْدٌ سِلْعَةً مِنْ عَمْرٍو بِثَمَنٍ لِأَجَلٍ وَلِزَيْدِ دَيْنٌ عَلَى بَكْرٍ فَيَقُولُ زَيْدٌ لِعَمْرٍو: جَعَلْت الدَّيْنَ الَّذِي لِي عَلَى بَكْرٍ رَهْنًا تَحْتَ يَدِك حَتَّى يَأْتِيَك الثَّمَنُ. [رَهْنُ الشَّيْءِ الْمُسْتَعَارِ لِلرَّهْنِ] قَوْلُهُ: [وَقِيلَ يَوْمَ رَهَنَهُ] : تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ يَوْمُ الرَّهْنِ مُتَأَخِّرًا عَنْ يَوْمِ الِاسْتِعَارَةِ وَكَانَتْ الْقِيمَةُ يَوْمَ الرَّهْنِ أَزْيَدَ أَوْ أَنْقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ يَوْمَ الِاسْتِعَارَةِ. قَوْلُهُ: [نَقَلَتْ الْمُدَوَّنَةُ عَلَيْهِمَا] : أَيْ رُوِيَتْ الْمُدَوَّنَةُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، فَرَوَاهَا يَحْيَى بْنُ عُمَرَ بِقِيمَتِهِ، وَرَوَاهَا غَيْرُهُ يَتْبَعُ الْمُعِيرُ الْمُسْتَعِيرَ بِمَا أَدَّى مِنْ ثَمَنِ سِلْعَتِهِ. وَلَمَّا اخْتَصَرَهَا الْبَرَاذِعِيُّ اقْتَصَرَ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَلَمَّا اخْتَصَرَهَا ابْنُ أَبِي زَيْدٍ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: [أَيْ تَعَلَّقَ بِهِ الضَّمَانُ] : أَيْ إنَّ لِلْمُعِيرِ تَضْمِينَهُ قِيمَتَهُ وَلَوْ لَمْ يَتْلَفْ لِتَعَدِّيهِ وَلَهُ أَخْذُهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَتَبْطُلُ الْعَارِيَّةُ - كَذَا قَالَ عب، وَنَحْوُهُ لِلشَّيْخِ سَالِمٍ وَالْأُجْهُورِيِّ وَابْنِ عَاشِرٍ. وَالصَّوَابُ مَا أَفَادَهُ ح وَالْمَوَّاقُ وَالْخَرَشِيُّ: أَنَّ ضَمَانَ الْعَدَاءِ يَتَعَلَّقُ بِهِ بِحَيْثُ إذَا هَلَكَ أَوْ سُرِقَ يَضْمَنُهُ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ بِالتَّعَدِّي، كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَمْ لَا، قَامَتْ عَلَى هَلَاكِهِ بَيِّنَةٌ أَمْ لَا. وَأَمَّا إذَا كَانَ قَائِمًا فَلَا سَبِيلَ إلَى تَضْمِينِهِ بَلْ

[من يجوز له الرهن]

(وَ) جَازَ رَهْنٌ (مِنْ مُكَاتَبٍ) فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ. (وَ) عَبْدٍ (مَأْذُونٍ) لَهُ فِي التِّجَارَةِ، لِأَنَّ الرَّهْنَ مِنْ تَعْلِيقَاتِ التِّجَارَةِ وَالْمُكَاتَبُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمَا السَّيِّدُ بِخِلَافِ الضَّمَانِ فَلَا يَجُوزُ لَهُمَا إلَّا بِإِذْنٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَعَلُّقَاتِ التِّجَارَةِ، وَرُبَّمَا أَدَّى لَعَجَزَ الْأَوَّلِ. (وَ) جَازَ رَهْنٌ (مِنْ وَلِيٍّ مَحْجُورٍ) كَأَبٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ مَالِ الْمَحْجُورِ فِي دَيْنٍ عَلَى الْمَحْجُورِ تُدَايِنَهُ الْوَلِيُّ لَهُ (لِمَصْلَحَةٍ) : مِنْ طَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الضَّرُورِيَّةِ. (لَا) يَجُوزُ (مِنْ كَأَحَدِ وَصِيَّيْنِ) أَدْخَلَتْ الْكَافُ الْوَكِيلَيْنِ وَالْقَيِّمَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَأْخُذُهُ رَبُّهُ وَتَبْطُلُ الْعَارِيَّةُ، مِثْلَ مَا يَأْتِي فِي الْغَصْبِ فِي قَوْلِهِمْ: وَضَمِنَ الْغَاصِبُ بِالِاسْتِيلَاءِ، وَهُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ شَارِحِنَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَضْمِينَهُ الْقِيمَةَ هُنَا يَكُونُ يَوْمَ الِارْتِهَانِ لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّعَدِّي. [مِنْ يَجُوز لَهُ الرَّهْن] قَوْلُهُ: [وَجَازَ رَهْنٌ مِنْ مُكَاتَبٍ] : أَيْ فَلَهُ أَنْ يَرْهَنَ إذَا تَدَايَنَ أَوْ اشْتَرَى بِالدَّيْنِ وَيَرْهَنَ لِسَيِّدِهِ فِي نُجُومِ الْكِتَابَةِ كَمَا يَأْتِي عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَعَلُّقَاتِ التِّجَارَةِ] : هُنَا رَاجِعٌ لِلْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ. وَقَوْلُهُ: [وَالْمُكَاتَبُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ. وَمَالَهُ] : رَاجِعٌ لِلْمُكَاتَبِ فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ. وَهَذَا التَّعْلِيلُ خَيْرٌ مِنْ التَّعْلِيلِ بِحُصُولِ الِاشْتِغَالِ بِهِ فِي التَّفْتِيشِ عَلَى الْمَضْمُونِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ خَوْفًا مِنْ هُرُوبِهِ، فَإِنْ بْن اعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُمَا لَمْ يَلْزَمْهُمَا خِدْمَةُ سَيِّدِهِمَا وَحِينَئِذٍ فَهُمَا لَا يَشْتَغِلَانِ عَنْ مَصَالِحِ السَّيِّدِ بَلْ عَنْ مَصَالِحِ أَنْفُسِهِمَا. وَأَجَابَ بِأَنَّ الْأَوْلَى فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّهْنِ وَالضَّمَانِ أَنَّ الرَّهْنَ مُعَاوَضَةٌ وَالضَّمَانُ تَبَرُّعٌ وَهُمَا مَأْذُونٌ لَهُمَا فِي الْمُعَاوَضَاتِ دُونَ التَّبَرُّعَاتِ، فَجَوَابُ بْن هُوَ عَيْنُ مَا عَلَّلَ بِهِ شَارِحُنَا. قَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرِهِمَا] : أَيْ كَمُقَدَّمِ الْقَاضِي قَوْلُهُ: [لِمَصْلَحَةٍ] : أَيْ تَعُودُ عَلَى الْمَحْجُورِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَلِيَّ مَحْمُولٌ عَلَى النَّظَرِ وَالْمَصْلَحَةُ فِي رَهْنِ مَالِ الْمَحْجُوزِ وَلَوْ عَقَارًا وَلَا يُكَلِّفُهُ الْحَاكِمُ بَيَانَ السَّبَبِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِعَقَارِ الْمَحْجُورِ، فَإِنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَى النَّظَرِ وَالْمَصْلَحَةِ حَتَّى يُثْبِتَهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ.

[بطلان الرهن بمعنى العقد بشرط]

لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا تَصَرُّفٌ بِرَهْنٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ. (وَلَزِمَ) الرَّهْنُ بِمَعْنَى الْعَقْدِ (بِالْقَوْلِ) : أَيْ الصِّيغَةِ فَلِلْمُرْتَهِنِ مُطَالَبَةُ الرَّاهِنِ وَيُقْضَى لَهُ بِهِ. (وَلَا يَتِمُّ) الرَّهْنُ (إلَّا بِالْقَبْضِ) : فَقَبْلَهُ يَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ وَبَعْدَهُ يَخْتَصُّ بِهِ الْمُرْتَهِنُ عَنْهُمْ وَعَنْ غَيْرِهِمْ كَمُؤَنِ التَّجْهِيزِ. (وَالْغَلَّةِ) : أَيْ غَلَّةِ الرَّهْنِ مِنْ كِرَاءٍ وَغَيْرِهِ (لِلرَّاهِنِ) لَا لِلْمُرْتَهِنِ. (وَتَوَلَّاهَا) : أَيْ الْغَلَّةَ (الْمُرْتَهِنُ لَهُ) : أَيْ لِلرَّاهِنِ (بِإِذْنِهِ) لِئَلَّا تَجُولَ يَدُ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ بِتَوَلِّيهِ قَبْضِهَا فَيَبْطُلُ. وَاحْتِيجَ لِإِذْنِهِ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِئَلَّا يَدَّعِيَ عَلَيْهِ الرَّاهِنُ أَنَّهُ أَكْرَى مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ. (وَبَطَلَ) الرَّهْنُ بِمَعْنَى الْعَقْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ] : أَيْ حَيْثُ لَمْ يَجْعَلْ لِكُلٍّ الِاسْتِقْلَالَ وَإِلَّا جَازَ. قَوْلُهُ: [بِالْقَوْلِ] : اخْتَلَفَ هَلْ يَفْتَقِرُ الرَّهْنُ لِلَّفْظِ مُصَرَّحٍ بِهِ فَلَوْ دَفَعَ رَجُلٌ إلَى آخَرَ سِلْعَةً، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ: أَمْسِكْهَا حَتَّى أَدْفَعَ لَك حَقَّك، هَلْ تَكُونُ رَهْنًا بِمُجَرَّدِ هَذَا اللَّفْظِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالرَّهْنِيَّةِ؟ فَقَالَ أَشْهَبُ: تَكُونُ رَهْنًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَكُونُ رَهْنًا إلَّا بِالتَّصْرِيحِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَتِمُّ الرَّهْنُ إلَّا بِالْقَبْضِ] : أَيْ قَبْلَ الْمَانِعِ، وَأَمَّا الْقَبْضُ بَعْدَ الْمَانِعِ فَلَا يُفِيدُ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [كَمُؤَنِ التَّجْهِيزِ] : بَيَانٌ لِلْغَيْرِ وَمَعْنَاهُ: أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا مَاتَ وَقَدْ حَازَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ قَبْلَ الْمَوْتِ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَخْتَصُّ بِهِ فِي دَيْنِهِ وَلَا يُبَاعُ فِي مُؤَنِ التَّجْهِيزِ. قَوْلُهُ: [لِلرَّاهِنِ] : أَيْ وَيَجُوزُ شَرْطُهَا لِلْمُرْتَهِنِ إنْ عُيِّنَتْ بِبَيْعٍ لَا قَرْضٍ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ] : مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ " اُحْتِيجَ ". [بطلان الرَّهْن بِمَعْنَى الْعَقْد بِشَرْطِ] قَوْلُهُ: [وَبَطَلَ الرَّهْنُ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ: وَلَوْ أُسْقِطَ الشَّرْطُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرَّهْنِ وَالْبَيْعِ الْمُصَاحِبِ لِلشَّرْطِ الْمُنَاقِضِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إذَا سَقَطَ الشَّرْطُ إنْ قَبَضَ الرَّهْنَ وَبَيْعُهُ إذَا احْتَاجَ لَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَأْخُوذٌ جُزْءًا مِنْ حَقِيقَةِ الرَّهْنِ، وَالْأَمْرُ الْمُنَاقِضُ لَهُمَا مُنَاقِضٌ لِلْحَقِيقَةِ. وَأَمَّا شَرْطُ عَدَمِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ مَثَلًا فَهُوَ مُنَاقِضٌ لِمَا

[بطلان الرهن في البيع أو القرض الفاسد]

(بِشَرْطِ) حِينِهِ (مُنَافٍ) لِمَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ، إذْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ شُرِطَ فِيهِ شَرْطٌ مُنَافٍ لِمَا يَقْتَضِيه مُفْسِدٌ لَهُ (كَانَ) أَيْ شَرَطَ أَنْ (لَا يَقْبُضَهُ) مِنْ رَاهِنِهِ (أَوْ) شَرَطَ أَنْ (لَا يَبِيعَهُ عِنْدَ الْأَجَلِ) . (وَ) بَطَلَ (بِجَعْلِهِ) : أَيْ الرَّهْنَ (فِي) بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ (فَاسِدٍ) ظَنَّ لُزُومَهُ أَوْ لَمْ يَظُنَّ فَيَأْخُذُهُ رَبُّهُ وَتَعَيَّنَ فَسْخُ الْفَاسِدِ (إلَّا أَنْ يَفُوتَ) الْفَاسِدُ بِمُفَوِّتٍ (فَفِي) : أَيْ فَيَصِحُّ جَعْلُ ذَلِكَ الرَّهْنِ فِي (عِوَضِهِ) مِنْ قِيمَةٍ أَوْ مِثْلٍ أَوْ ثَمَنٍ، كَمُخْتَلَفٍ فِيهِ يَفُوتُ بِالثَّمَنِ. وَقِيلَ: بِرَدِّ الرَّهْنِ لِفَسَادِهِ مُطْلَقًا وَلَوْ مَعَ الْفَوَاتِ وَيَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ لِوُقُوعِهِ فَاسِدًا، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ كَلَامِ الشَّيْخِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَرَتَّبُ عَلَى الْبَيْعِ لَا لِنَفْسِ حَقِيقَتِهِ. وَإِنَّمَا قَالَ: " بِمَعْنَى الْعَقْدِ " لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَّصِفُ بِالْبُطْلَانِ لَا الْمَالَ الْمَدْفُوعَ لِلتَّوَثُّقِ. وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ مَا لَمْ يَكُنْ مُشْتَرَطًا فِي دَيْنٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ فَاتَ، وَإِلَّا فَلَا بُطْلَانَ كَمَا يُفِيدُهُ الْأُجْهُورِيُّ فِي نَظْمِهِ الْآتِي. قَوْلُهُ: [بِشَرْطِ حِينِهِ] : أَيْ حِينَ الْعَقْدِ وَمَفْهُومٌ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الشَّرْطُ الْمُنَافِي بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يُعْتَبَرُ بَلْ هُوَ لَاغٍ وَالرَّهْنُ صَحِيحٌ. قَوْلُهُ: [لِمَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ] : أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ فَعَقْدُ الرَّهْنِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُبَاعُ إذَا لَمْ يُوَفِّ الرَّاهِنُ الدَّيْنَ وَأَنَّهُ يُقْبَضُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ أَوْ عِنْدَ أَمِينٍ، فَإِنْ شَرَطَ خِلَافَ ذَلِكَ كَانَ مُنَاقِضًا وَرَافِعًا لِلْحَقِيقَةِ. [بطلان الرَّهْن فِي الْبَيْع أَوْ القرض الْفَاسِد] [تَنْبِيه إذَا أَعْطَى رَهْنًا فِي جِنَايَة تَحْمِلهَا الْعَاقِلَة] قَوْلُهُ: [فِي بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ فَاسِدٍ] : مِثَالُ الْفَاسِدِ مِنْ الْبَيْعِ: الْبَيْعُ الْوَاقِعُ وَقْتَ نِدَاءِ جُمُعَةٍ أَوْ لِأَجَلِ مَجْهُولٍ، وَالْقَرْضُ الْفَاسِدُ: كَدَفْعِ عَفَنٍ فِي جَيِّدٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ لَمْ يَظُنَّ] : أَيْ سَوَاءٌ اشْتَرَطَ أَوْ لَا فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ خَلِيلٍ بِاشْتِرَاطِهِ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ ظَنَّ فِيهِ اللُّزُومَ. قَوْلُهُ: [كَمُخْتَلَفٍ فِيهِ] إلَخْ: مِثَالٌ لِلَّذِي يَفُوتُ بِالثَّمَنِ. قَوْلُهُ: [لِفَسَادِهِ] : أَيْ بِاعْتِبَارِ مَا صَاحَبَهُ مِنْ الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ الْفَاسِدَيْنِ وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَيْسَ بِفَاسِدٍ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ كَلَامِ الشَّيْخِ] : أَيْ لِأَنَّ الشَّيْخَ لَمْ يُقَيِّدْ الْبُطْلَانَ بِفَوَاتٍ وَلَا بِعَدَمِهِ وَيُؤَيِّدُ الطَّرِيقَةَ الْأُولَى قَوْلُ الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ وَقَعَ فِي فَاسِدٍ نُقِلَ لِعِوَضِ الْفَائِتِ وَلَوْ غَيْرَ مُشْتَرَطٍ حَيْثُ صَحَّ نَفْسُ الرَّهْنِ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ عج:

(وَ) بَطَلَ بِجَعْلِهِ (فِي قَرْضٍ جَدِيدٍ) اقْتَرَضَهُ مِنْ إنْسَانٍ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَبْلَهُ وَجَعَلَ ذَلِكَ الرَّهْنَ فِيهِ (مَعَ دَيْنٍ قَدِيمٍ) مِنْ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ؛ أَيْ جَعَلَهُ فِيهِمَا مَعًا، لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا وَهُوَ تَوْثِقَةٌ فِي الْقَدِيمِ بِالرَّهْنِ، فَيُرَدُّ لِرَبِّهِ وَيَبْقَيَانِ بِلَا رَهْنٍ. (وَ) إذَا حَصَلَ مَانِعٌ لِلرَّاهِنِ قَبْلَ رَدِّهِ لَهُ (اخْتَصَّ بِهِ) : أَيْ بِالرَّهْنِ الدَّيْنُ (الْجَدِيدُ) دُونَ الْقَدِيمِ: أَيْ فَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِهِ فِي الْجَدِيدِ فَقَطْ وَيُحَاصِصُ بِالْقَدِيمِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الشَّيْخِ: " وَصَحَّ فِي الْجَدِيدِ "، فَمُرَادُهُ بِالصِّحَّةِ: الِاخْتِصَاصُ، لَا الصِّحَّةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْفَسَادِ فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْحَطَّابِ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ نَصٌّ فِي صِحَّةِ الرَّهْنِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ لِغَيْرِهِ (اهـ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفَاسِدُ الرَّهْنِ فِيمَا صَحَّ أَوْ عِوَضٌ ... لِفَاسِدٍ فَاتَ فَانْقُلْهُ إذَا اشْتَرَطَا وَإِنْ يَكُنْ صَحَّ لَا مَا فِيهِ فَهُوَ إذَنْ ... فِي عِوَضِهِ مُطْلَقًا إنْ فَاتَ فَاغْتَبَطَا (اهـ) تَنْبِيهٌ مَنْ جَنَى خَطَأً جِنَايَةً تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ وَظَنَّ أَنَّ الدِّيَةَ تَلْزَمُهُ بِانْفِرَادِهِ فَأَعْطَى بِهَا رَهْنًا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ جَمِيعَهَا لَا يَلْزَمُهُ، حَلَفَ أَنَّهُ ظَنَّ لُزُومَ الدِّيَةِ وَمَا عَلِمَ عَدَمَ اللُّزُومِ، وَرَجَعَ فِي رَهْنِهِ مِنْ حِصَّةِ الْعَاقِلَةِ إلَى جُعْلِهِ فِي حِصَّتِهِ فَقَطْ. وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ لُزُومَ الدِّيَةِ لِلْعَاقِلَةِ وَرَهَنَ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي جَمِيعِ الدِّيَةِ. قَوْلُهُ: [وَبَطَلَ يَجْعَلُهُ فِي قَرْضٍ جَدِيدٍ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ فَسَادِ الرَّهْنِ إذَا كَانَ الْمَدِينُ مُعْسِرًا بِهِ أَوْ كَانَ الدَّيْنُ الْقَدِيمُ مُؤَجَّلًا حِينَ أَخَذَ الرَّهْنَ. أَمَّا لَوْ كَانَ حَالًّا أَوْ حَلَّ أَجَلُهُ صَحَّ ذَلِكَ إنْ كَانَ الْغَرِيمُ مَلِيئًا مَقْدُورًا عَلَى الْخَلَاصِ مِنْهُ، لِأَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ لَمَّا كَانَ قَادِرًا عَلَى أَخْذِ دَيْنِهِ، كَانَ تَأْخِيرُهُ كَابْتِدَاءِ سَلَفٍ. وَكَذَا لَوْ كَانَ الْغَرِيمُ عَدِيمًا وَكَانَ الرَّهْنُ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مُحِيطٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْمَلِيءِ (اهـ - بْن) وَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: " فِي قَرْضٍ " أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي بَيْعٍ جَدِيدٍ لَصَحَّ فِي الْبَيْعِ الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ - كَذَا فِي عب تَبَعٌ لِاسْتِظْهَارِ ح قَالَ بْن: وَهُوَ قُصُورٌ؛ فَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِالْحُرْمَةِ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ وَكَذَا أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْفَلَسِ، قَالَ: إنَّ دَيْنَ الْبَيْعِ مِثْلُ دَيْنِ الْقَرْضِ فِي الْفَسَادِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [فَمُرَادُهُ بِالصِّحَّةِ الِاخْتِصَاصُ] : أَيْ بَعْدَ الْوُقُوعِ لَا أَنَّهُ يَصِحُّ ابْتِدَاءً بَلْ يُؤْمَرُ بِرَدِّهِ.

[بطلان الرهن بمانع]

(و) بَطَلَ الرَّهْنُ (بِمَانِعٍ) : أَيْ بِحُصُولِ مَانِعٍ (كَمَوْتِ الرَّاهِنِ أَوْ فَلَسِهِ) أَوْ جُنُونِهِ أَوْ مَرَضِهِ الْمُتَّصِلُ بِمَوْتِهِ (قَبْلَ حَوْزِهِ) : مُتَعَلِّقٌ بِحُصُولِ الْمُقَدَّرِ هَذَا إذَا فَرَّطَ الْمُرْتَهِنُ فِي طَلَبِهِ بَلْ (وَلَوْ جَدَّ فِيهِ) فَحَصَلَ الْمَانِعُ قَبْلَ حَوْزِهِ؛ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَإِنَّ الْجَدَّ فِي حَوْزِهِمَا يُفِيدُ لِأَنَّهُمَا خَرَجَا عَنْ مِلْكِهِ بِالْقَوْلِ وَالرَّهْنُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ. (وَ) بَطَلَ (بِإِذْنِهِ) : أَيْ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ لِلرَّاهِنِ (فِي وَطْءٍ) لِجَارِيَةٍ مَرْهُونَةٍ (أَوْ) فِي (سُكْنَى) لِدَارٍ مَرْهُونَةٍ (أَوْ) فِي (إجَارَةٍ) لِذَاتٍ مَرْهُونَةٍ وَالْبُطْلَانُ (وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ) الرَّاهِنُ مَا ذَكَرَ مِنْ الْوَطْءِ وَمَا بَعْدَهُ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ: " وَلَوْ لَمْ يَسْكُنْ ". وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَنَافِعَ لِلرَّاهِنِ وَأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَتَوَلَّاهَا لِلرَّاهِنِ بِإِذْنِهِ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْكُنَ أَوْ يُكْرِيَ فَقَدْ خَرَجَ الدَّارُ مِنْ الرَّهْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بُطْلَانُ الرَّهْنِ بِمَانِعٍ] قَوْلُهُ: [أَوْ فَلَسِهِ] : أَيْ وَلَوْ الْمَعْنَى الْأَعَمُّ وَهُوَ قِيَامُ الْغُرَمَاءِ وَمَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ لَا بِمُجَرَّدِ إحَاطَةِ الدَّيْنِ فَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ بِهِ مِنْ غَيْرِ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ. قَوْلُهُ: [أَوْ مَرَضِهِ] : أَيْ وَالْحَوْزُ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ وَالْجُنُونِ لَا يَنْفَعُ. [بطلان الرَّهْن بِإِلْزَامِهِ فِي الِانْتِفَاع] قَوْلُهُ: [وَبَطَلَ بِإِذْنِهِ] إلَخْ: أَيْ بُطْلَانًا غَيْرَ تَامٍّ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالْفَوَاتِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: " إنْ فَاتَ ". وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِذْنَ فِي الْوَطْءِ وَمَا بَعْدَهُ قِيلَ إنَّهُ مُبْطِلٌ لِلْحَوْزِ فَقَطْ - وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ شَارِحُنَا - وَقِيلَ: لِلرَّهْنِ مِنْ أَصْلِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لِلْمُرْتَهِنِ بَعْدَ الْإِذْنِ وَقَبْلَ الْمَانِعِ رَدُّ الرَّهْنِ لِحَوْزِهِ بِالْقَضَاءِ عَلَى الرَّاهِنِ وَعَلَى الثَّانِي لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ لِبُطْلَانِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّاهِنُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي الْوَطْءِ بَالِغًا أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ لِجَوَلَانِ يَدِهِ فِي أَمَةِ الرَّهْنِ وَإِنْ كَانَ وَطْء غَيْرِ الْبَالِغِ مُعْتَبَرًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ. قَوْلُهُ: [أَوْ فِي سُكْنَى] : أَيْ أَوْ إسْكَانِ الْغَيْرِ. قَوْلُهُ: [أَوْ فِي إجَارَةٍ لِذَاتٍ مَرْهُونَةٍ] : أَيْ كَانَتْ تِلْكَ الذَّاتُ عَقَارًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ عُرُوضًا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ] : رَدَّ بِ " لَوْ " عَلَى أَشْهَبَ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ فِيمَا ذَكَرَ بَلْ حَتَّى يَطَأَ أَوْ يَسْكُنَ أَوْ يُؤَاجِرَ بِالْفِعْلِ. قَوْلُهُ: [وَأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَتَوَلَّاهَا لِلرَّاهِنِ] : أَيْ إنْ كَانَ يُمْكِنُ ذَلِكَ شَرْعًا، وَأَمَّا نَحْوَ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْجَارِيَةِ فَهَذَا لَا يَكُونُ لِلرَّاهِنِ وَلَا لِلْمُرْتَهِنِ مَا دَامَتْ مَرْهُونَةً.

وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ أَوْ يُكْرَى، نَعَمْ الْإِذْنُ فِي الْوَطْءِ إذَا لَمْ يَطَأْ فِيهِ خِلَافٌ فَقِيلَ لَا يُبْطِلُهُ إلَّا إذَا وَطِئَ بِالْفِعْلِ لَا إنْ لَمْ يَطَأْ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الدَّارِ: الْبُطْلَانُ وَلَوْ لَمْ يَطَأْ. وَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اقْتَصَرَ عَلَى نَصِّهَا، فَقَالَ: " وَلَوْ لَمْ يُسْكِنْ " فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ وَيَتِمُّ الْبُطْلَانُ، (إنْ فَاتَ) الرَّهْنُ (بِنَحْوِ عِتْقٍ) أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ عِتْقٍ لِأَجَلٍ (أَوْ) نَحْوَ (بَيْعٍ) كَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَحَبْسٍ، فَإِنْ لَمْ يَفُتْ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَخْذُهُ بِالْقَضَاءِ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ ارْتَهَنَ رَهْنًا فَقَبَضَهُ ثُمَّ أَجَرَهُ لِلرَّاهِنِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: ثُمَّ إنْ قَامَ الْمُرْتَهِنُ بِرَدِّهِ قُضِيَ لَهُ بِذَلِكَ (اهـ) وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَحْصُلْ فَوْتٌ بِمَا ذَكَرَ، وَإِذَا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي رَدِّهِ فِيمَا إذَا أَجَرَهُ لَهُ فَأَوْلَى إذَا أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ فَاتَ تَحَقُّقُ الْبُطْلَانُ، وَكَذَا إنْ حَصَلَ لِلرَّاهِنِ مَانِعٌ قَبْلَ رَدِّهِ لِلْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ انْتَفَيَا فَلَهُ أَخْذُهُ مِنْ رَاهِنِهِ وَيُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ (أَوْ) أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِرَاهِنِهِ (فِي بَيْعٍ) لِلرَّهْنِ (وَسَلَّمَهُ) لِلرَّاهِنِ فَيَبْطُلُ وَيَبْقَى الدَّيْنُ بِلَا رَهْنٍ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ لَهُ وَبَاعَهُ الرَّاهِنُ بَطَلَ أَيْضًا عَلَى الرَّاجِحِ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ لِيَجِيئَهُ بِثَمَنِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [نَعَمْ الْإِذْنُ فِي الْوَطْءِ] إلَخْ: هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ لَا مَحَلَّ لَهُ لِمَا تَقَدَّمَ لَك أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْكُلِّ مَحْكِيٌّ عَنْ أَشْهَبَ. قَوْلُهُ: [وَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اقْتَصَرَ عَلَى نَصِّهَا] : قَدْ يُقَالُ: إنَّ الشَّيْخَ لَمْ يُتْمِمْ نَصَّهَا فِي السُّكْنَى وَالْكِرَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَيَتِمُّ الْبُطْلَانُ إنْ فَاتَ الرَّهْنُ] إلَخْ: أَيْ وَكَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا، وَإِلَّا فَلَا يَفُوتُ كَمَا يَأْتِي. وَهَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: " وَبَطَلَ بِإِذْنِهِ فِي وَطْءٍ ". قَوْلُهُ: [بِمَا ذَكَرَ] : أَيْ مِنْ الْعِتْقِ وَمَا مَعَهُ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا إنْ حَصَلَ لِلرَّاهِنِ مَانِعٌ] : أَيْ مِنْ الْمَوَانِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ الْمَوْتُ وَالْفَلَسُ وَالْجُنُونُ وَالْمَرَضُ الْمُتَّصِلُ بِمَوْتِهِ. قَوْلُهُ: [فِي بَيْعٍ لِلرَّهْنِ] : أَيْ الْمَقْبُوضِ عِنْدَهُ سَوَاءٌ كَانَ مُشْتَرَطًا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ أَوْ مُتَطَوَّعًا بِهِ. وَحَاصِلُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ: أَنَّهُ إذَا أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِرَاهِنِهِ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ الْمَقْبُوضِ عِنْدَهُ وَسَلَّمَهُ لِلرَّاهِنِ بَطَلَ الرَّهْنُ وَصَارَ الدَّيْنُ بِلَا رَهْنٍ بِيعَ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا، وَأَمَّا لَوْ

فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينٍ، وَيَكُونُ الثَّمَنُ رَهْنًا لِلْأَجَلِ أَوْ يَأْتِيَ الرَّاهِنُ بَدَلَهُ بِرَهْنٍ كَالْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ الرَّاهِنُ فَلِلْمُرْتَهِنِ التَّمَسُّكُ بِهِ. (وَ) بَطَلَ (بِإِعَارَةٍ) لَهُ لِرَاهِنِهِ (مُطْلَقَةً) : أَيْ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا الرَّدَّ قَبْلَ الْأَجَلِ وَلَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِذَلِكَ وَلَمْ تُقَيَّدْ بِزَمَنٍ أَوْ عَمَلٍ يَنْقُضُ قَبْلَهُ. (وَإِلَّا) تُطْلَقْ بَلْ وَقَعَتْ مُقَيَّدَةً بِقَيْدٍ مِمَّا ذُكِرَ (فَلَهُ) : أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ (أَخْذُهُ) مِنْ الرَّاهِنِ وَيُقْضَى لَهُ بِهِ. (كَأَنْ عَادَ) الرَّهْنُ (لِرَاهِنِهِ اخْتِيَارًا) مِنْ الْمُرْتَهِنِ بِإِيدَاعٍ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ بِإِجَارَةٍ، فَلَهُ أَخْذُهُ وَلَوْ قَبْلَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ إنْ ادَّعَى أَنَّهُ جَهِلَ أَنَّ إجَارَةً تَطْلُبُهُ وَأَشْبَهَ وَحَلَفَ. (إلَّا أَنْ يَفُوتَ) عِنْدَ رَاهِنِهِ (بِعِتْقٍ) مِنْ رَاهِنِهِ (أَوْ تَدْبِيرٍ أَوْ حَبْسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَذِنَ فِي بَيْعِهِ وَلَمْ يُسَلِّمُهُ لَهُ وَبَاعَهُ الرَّاهِنُ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ عَلَى الرَّاجِحِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي الْبَيْعِ لِيَجِيئَهُ بِالثَّمَنِ فَيُقْبَلَ مِنْهُ بِيَمِينٍ وَيَكُونَ الثَّمَنُ رَهْنًا لِلْأَجَلِ أَوْ يَأْتِيَ لَهُ بِرَهْنٍ بَدَلَهُ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ الرَّاهِنُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلِلْمُرْتَهِنِ التَّمَسُّكُ بِهِ. قَوْلُهُ: [بِرَهْنٍ كَالْأَوَّلِ] : أَيْ فِي الْقِيمَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ. قَوْلُهُ: [وَبَطَلَ بِإِعَارَةٍ] : أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى إسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ الرَّهْنِ. قَوْلُهُ: [بِقَيْدٍ مِمَّا ذَكَرَ] : أَيْ الَّتِي هِيَ: اشْتِرَاطُ الرَّدِّ وَجَرَيَانُ الْعُرْفِ بِهِ وَتَقْيِيدُهَا بِالزَّمَنِ أَوْ الْعَمَلِ الْمُنْقَضِي قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: [كَأَنْ عَادَ الرَّهْنُ لِرَاهِنِهِ اخْتِيَارًا] : أَيْ بِغَيْرِ عَارِيَّةٍ لِتَقَدُّمِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: [إنْ ادَّعَى أَنَّهُ جَهِلَ أَنَّ الْإِجَارَةَ تُبْطِلُهُ] : لَا مَفْهُومَ لِدَعْوَى جَهْلِ الْإِجَارَةِ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ إنْ ادَّعَى أَنَّهُ جَهِلَ أَنَّ الرَّدَّ اخْتِيَارًا يُبْطِلُهُ كَانَ الرَّدُّ بِإِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. فَإِنْ قُلْت: الْإِجَارَةُ لِلرَّاهِنِ مُشْكِلَةٌ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَالْمَنْفَعَةَ لَهُ؟ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يُفْرَضُ فِي رَهْنٍ شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ مَنْفَعَتَهُ الْمُعَيَّنَةَ لِنَفْسِهِ فِي بَيْعٍ وَحَيْثُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ كَانَ لَهُ إجَارَتُهُ فَإِذَا آجَرَهُ لِلْمَالِكِ كَانَتْ إجَارَتُهُ مُبْطِلَةً لِلرَّهْنِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْجَهْلَ وَيُشَبِّهَ وَيَحْلِفَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [أَوْ تَدْبِيرٍ] : فِيهِ أَنَّ التَّدْبِيرَ لَيْسَ مَانِعًا مِنْ ابْتِدَاءِ الرَّهْنِ فَكَيْفَ يُبْطِلُهُ؟ . وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ قَدْ انْضَمَّ لَهُ مَا هُوَ مُبْطِلٌ لِلرَّهْنِ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ دَفْعُهُ لِلرَّاهِنِ اخْتِيَارًا.

[وطء الراهن أمته المرهونة]

أَوْ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ) عَلَى الرَّاهِنِ، فَيَبْطُلُ وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ وَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فِيهِ وَيُعَجِّلُ الدَّيْنُ فِي الْعِتْقِ. وَمَا بَعْدَهُ عَلَى نَهْجِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْإِذْنِ بِالْوَطْءِ أَوْ السُّكْنَى. (وَ) إنْ عَادَ لِرَاهِنِهِ (غَصْبًا) عَنْ الْمُرْتَهِنِ (فَلَهُ أَخْذُهُ مُطْلَقًا) فَاتَ أَوْ لَمْ يَفُتْ وَيَخْتَصُّ بِهِ عَنْ الْغُرَمَاءِ. (وَإِنْ وَطِئَ) الرَّاهِنُ أَمَتَهُ الْمَرْهُونَةَ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْمُرْتَهِنِ (فَوَلَدُهُ) مِنْهَا (حُرٌّ) لِأَنَّهَا لَمْ تَنْتَقِلْ عَنْ مِلْكِهِ (وَعَجَّلَ) الرَّاهِنُ (الْمَلِيءُ الدَّيْنَ) لِلْمُرْتَهِنِ (أَوْ قِيمَتَهَا) : أَيْ الْأَقَلُّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ يَلْزَمُهُ، (وَإِلَّا) يَكُنْ مَلِيًّا بَلْ مُعْسِرًا (بَقِيَتْ) الْأَمَةُ الْمَرْهُونَةُ لِلْأَجَلِ (فَتُبَاعُ لَهُ) : أَيْ لِلدَّيْنِ إنْ وَضَعَتْ وَإِلَّا أُخِّرَتْ لِلْوَضْعِ وَيُبَاعُ بَعْضُهَا إنْ وَفَّى وَوُجِدَ مِنْ يَشْتَرِي الْبَعْضَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَلَى نَهْجِ مَا تَقَدَّمَ] : الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَمَا تَقَدَّمَ عَلَى نَهْجِ مَا هُنَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ لَمْ تَتَقَدَّمْ لِلشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [فَلَهُ أَخْذُهُ مُطْلَقًا] : أَيْ وَإِذَا أَخَذَهُ وَخَلَصَ مِنْ الرَّهْنِيَّةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الرَّاهِنَ مَا فَعَلَهُ مِنْ عِتْقٍ أَوْ تَدْبِيرٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فِي الْحَاشِيَةِ وَكَمَا أَنَّ لَهُ أَخَذُهُ لَهُ عَدَمُ أَخْذِهِ وَيُعَجَّلُ الدَّيْنُ. قَوْلُهُ: [فَاتَ أَوْ لَمْ يُفْتِ] : اُنْظُرْ كَيْفَ يَكُونُ لَهُ أَخْذُهُ بَعْدَ فَوَاتِهِ بِكَالْعِتْقِ مَعَ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الرَّاهِنَ الْمُوسِرَ إذَا أَعْتَقَ الْمَرْهُونَ أَوْ كَاتَبَهُ فَإِنَّهُ يَمْضِي، قَالَ عب: وَقَدْ يُفَرَّقُ بِحَمْلِ أَخْذِ الرَّاهِنِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ غَصْبًا عَلَى قَصْدِ إبْطَالِ الرَّهْنِيَّةِ فَعُومِلَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، بِخِلَافِ عِتْقِ الْعَبْدِ وَهُوَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ مَا يُوجِبُ الْحَمْلَ عَلَى إبْطَالِ الرَّهْنِيَّةِ، حَتَّى يُعَامَلَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ. قَالَ بْن: وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ ح مِنْ تَقَيُّدِ مَا هُنَا بِمَا يَأْتِي أَيْ إنَّ الْغَاصِبَ هُنَا يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُعْسِرًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُوسِرًا فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الرَّهْنُ بَلْ يَمْضِي بِمَا فَعَلَهُ وَيُعَجَّلُ الدَّيْنُ. [وَطْءُ الرَّاهِنُ أَمَتَهُ الْمَرْهُونَةَ] [الْمَسَائِل الَّتِي تُبَاع فِيهَا أُمّ الْوَلَد] قَوْلُهُ: [أَيْ الْأَقَلِّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ] : أَيْ فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ عَجَّلَهَا وَطُولِبَ عِنْدَ الْأَجَلِ بِبَاقِي الدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ عَجَّلَهُ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ. قَوْلُهُ: [وَوَجَدَ مَنْ يَشْتَرِي الْبَعْضَ] : أَيْ فَإِنْ وَفَّى بَعْضَهَا بِالدَّيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ

وَهَذِهِ أَحَدُ الْمَسَائِلِ الَّتِي تُبَاعُ فِيهَا أُمُّ الْوَلَدِ، الثَّانِيَةُ: أَمَةُ الْمُفْلِسِ الْمَوْقُوفَةُ لِلْغُرَمَاءِ يَطَؤُهَا الْمُفْلِسُ. الثَّالِثَةُ: أَمَةُ الشَّرِكَةِ يَطَؤُهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِلَا إذْنِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ. الرَّابِعَةُ: جَارِيَةُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ وَمَاتَ فَوَطِئَهَا ابْنُهُ الْوَارِثُ. الْخَامِسَةُ: أَمَةُ الْقِرَاضِ يَطَؤُهَا الْعَامِلُ. السَّادِسَةُ: جَارِيَةٌ وَطِئَهَا سَيِّدُهَا الْعَالِمُ بِجِنَايَتِهَا مَعَ الْإِعْسَارِ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ فِي الْجَمِيعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ يَشْتَرِيه بِيعَتْ كُلُّهَا. قَوْلُهُ: [وَهَذِهِ أَحَدُ الْمَسَائِلِ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ، وَالْمُنَاسِبُ " وَهَذِهِ إحْدَى ". قَوْلُهُ: [فَوَطِئَهَا ابْنُهُ الْوَارِثُ] : أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ أَبَاهُ لَمْ يَمَسَّهَا وَإِلَّا فَيُبَاعُ الْوَلَدُ أَيْضًا، لِأَنَّهُ زِنًا مَحْضٌ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [السَّادِسَةُ جَارِيَةٌ وَطِئَهَا سَيِّدُهَا] : هَكَذَا قَالَ الشَّارِحُ وَتَرَك بَيَاضًا. وَذَكَرَ بَعْدَهُ: وَالْوَلَدُ حُرٌّ فِي الْجَمِيعِ وَتَتْمِيمُ مَا تَرَكَ لَهُ الْبَيَاضَ: الْعَالِمُ بِجِنَايَتِهَا مَعَ الْإِعْسَارِ فِي الْكُلِّ. وَفِي بْن قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: وَقَدْ أَجَادَ بَعْضُ الْأَذْكِيَاءِ مِمَّنْ لَقِينَاهُ إذْ نَظَمَ النَّظَائِرَ الْمَذْكُورَةَ فِي التَّوْضِيحِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَقَالَ: تُبَاعُ عِنْدَ مَالِكٍ أُمُّ الْوَلَدْ ... لِلدَّيْنِ فِي سِتِّ مَسَائِلَ تُعَدْ وَهِيَ إنْ أَحْبَلَ حَالَ عِلْمِهِ ... بِمَانِعِ الْوَطْءِ وَحَالَ عُدْمِهِ مُفْلِسٌ مَوْقُوفَةً لِلْغُرَمَا ... وَرَاهِنٌ مَرْهُونَةً لِيَغْرَمَا أَوْ ابْنُ مِدْيَانِ إمَاءِ التَّرِكَةِ ... أَوْ الشَّرِيكُ أَمَةً لِلشَّرِكَةِ أَوْ عَامِلُ الْقِرَاضِ مِمَّا حَرَّكَهْ ... أَوْ سَيِّدُ جَانِيَةٍ مُسْتَهْلَكَهْ فِي هَذِهِ السِّتَّةِ تَحْمِلُ الْأَمَهْ ... حُرًّا وَلَا يَدْرَأُ عَنْهَا مَلْأَمَهْ وَالْعَكْسُ جَاءَ فِي مَحَلٍّ فَرْدِ ... وَهْوَ حَمْلُ حُرَّةٍ بِعَبْدِ فِي الْعَبْدِ يَغْشَى مَالَهُ مِنْ مُعْتِقِهْ ... وَمَا دَرَى السَّيِّدُ حَتَّى أَعْتَقَهْ وَالْأُمُّ حُرَّةٌ وَمِلْكُ السَّيِّدِ ... بِمِثْلِ مَا فِي بَطْنِهَا مِنْ وَلَدِ وَصُورَةُ قَوْلِهِ فِي الْعَبْدِ: " يَغْشَى " إلَخْ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا وَطِئَ جَارِيَتَهُ فَحَمَلَتْ وَأَعْتَقَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ السَّيِّدُ بِعِتْقِهِ لَهَا حَتَّى أَعْتَقَهُ، فَإِنَّ عِتْقَ الْعَبْدِ أَمَتَهُ مَاضٍ وَتَكُونُ حُرَّةً وَالْوَلَدُ الَّذِي فِي بَطْنِهَا رَقِيقٌ لِأَنَّهُ لِلسَّيِّدِ، وَقَوْلُهُ: وَالْوَلَدُ الَّذِي فِي بَطْنِهَا رَقِيقٌ، حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا إذَا وَضَعَتْ الْوَلَدَ قَبْلَ عِتْقِ السَّيِّدِ الْعَبْدِ الَّذِي أَعْتَقَهَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ فِي بَطْنِهَا

وَالْقَوْلُ عِنْدَ تَنَازُعِهِمَا لِطَالِبِ حَوْزِهِ) : أَيْ لِمَنْ طَلَبَ مِنْهُمَا حَوْزَهُ (عِنْدَ أَمِينٍ) : لِأَنَّ الرَّاهِنَ قَدْ يَكْرَهُ وَضْعَهُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُرْتَهِنُ قَدْ يَكْرَهُ وَضْعَهُ عِنْدَهُ خَوْفَ الضَّمَانِ إذَا تَلِفَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ (وَ) لَوْ اتَّفَقَا عَلَى وَضْعِهِ عِنْدَ أَمِينٌ وَاخْتَلَفَا (فِي تَعْيِينِهِ نَظَرَ الْحَاكِمُ) فِي الْأَصْلَحِ مِنْهُمَا فَيُقَدِّمُهُ (وَإِنْ سَلَّمَهُ) الْأَمِينُ لِأَحَدِهِمَا (بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْآخَرِ فَأَسْلَمَهُ (لِلرَّاهِنِ ضَمِنَ) لِلْمُرْتَهِنِ (الدَّيْنَ أَوْ الْقِيمَةَ) : أَيْ قِيمَةَ الرَّهْنِ: أَيْ الْأَقَلَّ مِنْهُمَا. (وَ) إنْ سَلَّمَهُ (لِلْمُرْتَهِنِ) وَتَلِفَ عِنْدَهُ (ضَمِنَهَا) : أَيْ الْقِيمَةَ لِلرَّاهِنِ أَيْ تَعَلَّقَ بِهَا ضَمَانُهَا، فَإِنْ كَانَتْ قَدْرَ الدَّيْنِ سَقَطَ الدَّيْنُ وَبَرِئَ الْأَمِينُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQحِينَ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ (اهـ) وَيُضَافُ لِلسِّتَّةِ عَلَى الضَّابِطِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ حَمْلُ الْأَمَةِ بِحُرٍّ كَمَا فِي ح الْمُسْتَحَقِّ وَهِيَ حَامِلٌ وَالْأَمَةُ الْغَارَّةُ وَأَمَةُ الْمُكَاتَبِ إذَا مَاتَ وَفِيهَا وَفَاءٌ بِالْكِتَابَةِ وَلَهُ وَلَدٌ، فَإِنَّهُ يَبِيعُ أُمَّهُ وَيُوَفِّي الْكِتَابَةَ (اهـ) وَقَوْلُ النَّاظِمِ: الْعَكْسُ جَاءَ فِي مَحَلِّ فَرْدٍ إلَخْ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَقَدْ يُفْرَضُ فِي أَمَةٍ حَامِلٍ وَهَبَهَا سَيِّدُهَا، وَاسْتَثْنَى حَمْلَهَا ثُمَّ إنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ أَعْتَقَهَا فَتَصِيرُ حُرَّةً حَامِلَةً بِرَقِيقٍ لِكَوْنِ الْحَمْلِ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْوَاهِبِ. قَوْلُهُ: [لِطَالِبِ حَوْزِهِ] : أَيْ وَسَوَاءٌ جَرَتْ الْعَادَةُ بِوَضْعِهِ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ أَمْ لَا، خِلَافًا لِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ تَسْلِيمَهُ لِلْمُرْتَهِنِ كَانَ الْقَوْلُ لِمَنْ دَعَا إلَيْهِ لِأَنَّهُ كَالشَّرْطِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِطَالِبِ الْأَمِينِ. وَمَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ إذَا دَخَلَا عَلَى السُّكُوتِ، وَأَمَّا لَوْ امْتَنَعَ الْمُرْتَهِنُ عِنْدَ الْعَقْدِ مِنْ قَبْضِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ قَبْضُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ وَضْعَهُ عِنْدَهُ اتِّفَاقًا - كَذَا فِي بْن. قَوْلُهُ: [فَيُقَدِّمَهُ] : فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الصَّلَاحِيَّةِ خُيِّرَ الْحَاكِمُ. قَوْلُهُ: [فَأَسْلَمَهُ لِلرَّاهِنِ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ وَصَوَابُهُ فَإِنْ سَلَّمَهُ لِأَنَّهُ تَفْصِيلٌ بَعْدَ إجْمَالٍ. قَوْلُهُ: [ضَمِنَ لِلْمُرْتَهِنِ الدَّيْنَ] : أَيْ تَعَلَّقَ بِهِ الضَّمَانُ بِحَيْثُ إذَا تَلِفَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ أَوْ مِثْلَهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالْفِعْلِ وَلَوْ كَانَ بَاقِيًا، غَايَةُ مَا هُنَاكَ يُرَدُّ فِعْلُهُ

[ما يجوز في الرهن وما لا يجوز]

وَإِنْ زَادَتْ عَلَى الدَّيْنِ ضَمِنَ الزِّيَادَةَ لِلرَّاهِنِ وَرَجَعَ بِهَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ، إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِضَيَاعِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: لَا فَرْقَ هُنَا بَيْنَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَمِينَ وَالْمُرْتَهِنَ مُتَعَدِّيَانِ. (وَجَازَ حَوْزُ مُكَاتَبِ الرَّاهِنِ وَأَخِيهِ) : وَكَذَا وَلَدُهُ الرَّشِيدُ الْمُنْعَزِلُ عَنْهُ كَمَا قَالَ سَحْنُونَ، وَلَا يَكُونُ حَوْزُهُمْ كَحَوْزِ الرَّاهِنِ مُبْطِلًا لِلرَّهْنِ، لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ وَالْأَخُ وَالِابْنُ الْكَبِيرُ الْمُنْعَزِلُ لَا تَجُولُ يَدُ الرَّاهِنِ عَلَى أَمْوَالِهِمْ (لَا) حَوْزَ (مَحْجُورِهِ) لِصِغَرٍ أَوْ سَفَهٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ أَوْ رِقٍّ فَلَا يَجُوزُ وَالْمُكَاتَبُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ لِلسَّيِّدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِنْ زَادَتْ عَلَى الدَّيْنِ] إلَخْ: سَكَتَ عَمَّا إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ. وَالْحُكْمُ أَنْ يُحَطَّ عَنْ الرَّاهِنِ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ قِيمَةِ الرَّهْنِ، وَلَا غُرْمَ عَلَى الْأَمِينِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ تَضْمِينِ الْأَمِينِ الزِّيَادَةَ إذَا سَلَّمَ الرَّهْنَ لِلْمُرْتَهِنِ بَعْدَ الْأَجَلِ؛ أَوْ قَبْلَهُ وَلَمْ يَطَّلِعْ الرَّاهِنُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ، وَأَمَّا إنْ عَلِمَ بِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ فَإِنَّ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَغْرَمَ الْقِيمَةَ أَيَّهُمَا شَاءَ لِأَنَّهُمَا مُتَعَدِّيَانِ عَلَيْهِ، هَذَا بِأَخْذِهِ وَهَذَا بِدَفْعِهِ وَتُوقَفُ تِلْكَ الْقِيمَةُ عَلَى يَدِ أَمِينٍ غَيْرَهُمَا لِلْأَجَلِ، وَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَأْتِيَ بِرَهْنٍ كَالْأَوَّلِ وَيَأْخُذَ الْقِيمَةَ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ] إلَخْ: الْحَقُّ أَنَّ الْأَمِينَ يَغْرَمُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ كَانَ الرَّهْنُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَمْ لَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ بِدُونِ تَفْرِيطٍ أَمْ لَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمِينَ مُتَعَدٍّ بِالدَّفْعِ لِلْمُرْتَهِنِ وَالْمُرْتَهِنُ مُتَعَدٍّ بِأَخْذِهِ - كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ تَبَعًا لِ بْن. وَالْحَاشِيَةِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا النَّقْلُ قَوْلُ الشَّارِحِ بَعْدَ ذَلِكَ: " قَالَ أَبُو الْحَسَنِ " إلَخْ. [مَا يَجُوز فِي الرَّهْن وَمَا لَا يَجُوز] قَوْلُهُ: [الْمُنْعَزِلُ] : الْمُرَادُ بِهِ مَا لَيْسَ تَحْتَ الْحَجْرِ بَلْ هُوَ مُسْتَقِلٌّ بِالتَّصَرُّفِ وَلَوْ كَانَ مُشَارِكًا لِأَبِيهِ فِي الْأَمْوَالِ. قَوْلُهُ: [أَوْ رِقٍّ] : شَمِلَ الْمُدَبَّرَ وَلَوْ مَرِضَ السَّيِّدُ، وَالْمُعْتَقُ لِأَجَلٍ وَلَوْ قَرُبَ الْأَجَلُ، وَشَمِلَ الْقِنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ. قَوْلُهُ: [كَأَنْ يُعَاقِدَهُ] : صُورَتُهَا أَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لِآخَرَ: خُذْ هَذَا الشَّيْءَ عِنْدَك رَهْنًا عَلَى مَا أَقْتَرِضُهُ مِنْك أَوْ عَلَى مَا يَقْتَرِضُهُ مِنْك فُلَانٌ أَوْ عَلَى ثَمَنِ مَا تَبِيعُهُ

(وَ) جَازَ (ارْتِهَانٌ قَبْلَ الدَّيْنِ) مِنْ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ كَأَنْ يُعَاقِدَهُ عَلَى دَفْعِ رَهْنٍ الْآنَ لِيَقْتَرِضَ مِنْهُ فِي غَدٍ كَذَا أَوْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ سِلْعَةً وَيَكُونُ الرَّهْنُ فِي ذَلِكَ الدَّيْنِ، فَإِذَا قَبَضَ الرَّهْنَ الْآنَ وَحَصَلَ الدَّيْنُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَزِمَ الرَّهْنُ وَلَا يَحْتَاجُ لِقَبْضٍ آخَرَ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ لَزِمَهُ دَفْعُهُ بَعْدَ الدَّيْنِ. (وَ) جَازَ الِارْتِهَانُ وَتَسْلِيمُهُ (عَلَى مَا يَلْزَمُ) الْمُؤَجِّرَ مِنْ الْأُجْرَةِ (بِعَمَلٍ) أَيْ بِسَبَبِ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ الْأَجِيرُ لَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ دَابَّتِهِ مَثَلًا، كَأَنْ يُؤَجِّرَ عَلَى خِيَاطَةٍ أَوْ نِجَارَةِ بَابٍ أَوْ نَسْجِ ثَوْبٍ أَوْ حِرَاسَةٍ أَوْ خِدْمَةٍ بِعَشَرَةٍ مَثَلًا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ لِلْأَجِيرِ رَهْنًا فِي نَظِيرِ مَا يَلْزَمُ الْمُؤَجِّرُ مِنْ الْأُجْرَةِ، وَكَذَا يَجُوزُ لِلْأَجِيرِ إذَا دَفَعَ الْمُسْتَأْجِرُ لَهُ الْأُجْرَةَ قَبْلَ الْعَمَلِ وَخَافَ أَنْ يُفَرِّطَ الْأَجِيرُ فِيهِ أَنْ يَدْفَعَ رَهْنًا لِلْمُسْتَأْجِرِ عَلَى تَقْدِيرِ لَوْ لَمْ يَعْمَلْ كَانَ الرَّهْنُ رَهْنًا فِيمَا دَفَعَهُ لَهُ (أَوْ) بِسَبَبِ (جَعَالَةٍ) بِأَنْ يَأْخُذَ الْعَامِلُ مِنْ رَبِّ الْآبِقِ مَثَلًا رَهْنًا عَلَى الْأُجْرَةِ الَّتِي تَثْبُتُ لَهُ بَعْدَ الْعَمَلِ تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّهْنَ مَالٌ يَكُونُ فِي دَيْنٍ لَازِمٍ أَوْ آيِلٍ لِلُّزُومِ. (أَوْ) عَلَى مَا يَلْزَمُ (مِنْ قِيمَتِهِ) : كَأَنْ يَسْتَعِيرَ شَيْئًا وَيَدْفَعَ رَهْنًا لِلْمُعِيرِ فِي قِيمَتِهِ عَلَى تَقْدِيرِ لُزُومِهَا لَوْ ادَّعَى الضَّيَاعَ، وَكَذَا الصُّنَّاعُ يَدْفَعُونَ لِلْمَصْنُوعِ لَهُ رَهْنًا فِي قِيمَتِهِ عَلَى تَقْدِيرِ ادِّعَائِهَا الضَّيَاعَ. (لَا) يَجُوزُ رَهْنٌ (فِي) نَظِيرِ (نَجْمِ كِتَابَةٍ مِنْ) إنْسَانٍ (أَجْنَبِيٍّ) أَيْ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ يَدْفَعُهُ عَنْهُ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ فَرْعُ التَّحَمُّلِ، وَالْكِتَابَةُ لَا يَصِحُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِي أَوْ لِفُلَانٍ. وَالرَّهْنُ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ صَحِيحٌ لَازِمٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ لَازِمًا قَبْلَ الرَّهْنِ. لَكِنْ لَا يَسْتَمِرُّ لُزُومُهُ إلَّا إذَا حَصَلَ بَيْعٌ أَوْ قَرْضٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ كَانَ لَهُ أَخْذُ رَهْنِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ دَابَّتِهِ مَثَلًا] : دَخَلَ الْغُلَامُ. قَوْلُهُ: [الْمُؤَجِّرُ] : بِالْكَسْرِ أَيْ الْمُسْتَأْجَرُ. قَوْلُهُ: [وَيَدْفَعُ رَهْنًا لِلْمُعِيرِ فِي قِيمَتِهِ] : أَيْ وَأَمَّا دَفْعُهُ رَهْنًا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ ذَاتَ الشَّيْءِ الْمُعَارِ فَلَا يَصِحُّ، كَمَا إذَا بَاعَ دَابَّةً مُعَيَّنَةً أَوْ أَعَارَهَا وَأَخَذَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ أَوْ الْمُعِيرُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ رَهْنًا عَلَى أَنَّهَا إنْ اسْتَحَقَّتْ أَوْ ظَهَرَ بِهَا عَيْبٌ أَوْ أَتْلَفَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ أَتَى لَهُ بِعَيْنِهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّهْنِ فَلَا يَصِحُّ لِاسْتِحَالَتِهِ عَقْلًا.

[ما يندرج في الرهن]

التَّحَمُّلُ بِهَا لِعَدَمِ لُزُومِهَا لِلْعَبْدِ وَعَدَمِ أَيْلُولَتِهَا لِلُّزُومِ، فَلَا يَصِحُّ فِيهَا رَهْنٌ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَأَمَّا مِنْ الْمُكَاتَبِ فَيَصِحُّ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ. (وَانْدَرَجَ) فِي الرَّهْنِ (صُوفٌ تَمَّ) عَلَى الْغَنَمِ الْمَرْهُونَةِ يَوْمَ رَهْنِهَا تَبِعَا لَهَا لَا إنْ لَمْ يَتِمَّ. (وَ) انْدَرَجَ فِي رَهْنِ حَيَوَانٍ حَامِلٍ (جَنِينٌ) فِي بَطْنِهَا وَقْتَ الرَّهْنِ وَأَوْلَى إنْ حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ. (وَ) انْدَرَجَ فِي رَهْنِ النَّخْلِ (فَرْخُ نَخْلٍ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْفَسِيلِ بِالْفَاءِ الْمَفْتُوحَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ. (لَا) تَنْدَرِجُ ثَمَرَةٌ فِيهِ (ثَمَرَةٌ) عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ الْمَرْهُونَةِ (وَلَوْ طَابَتْ) يَوْمَ الرَّهْنِ وَلَمْ يَجْعَلْهَا ابْنُ الْقَاسِمِ كَالصُّوفِ التَّامِّ. (وَ) لَا يَنْدَرِجُ (بِيضٌ) فِي رَهْنٍ كَدَجَاجٍ بَلْ هُوَ لِرَبِّهِ (وَ) لَا (مَالُ عَبْدٍ) فِي رَهْنِهِ بَلْ هُوَ لِرَبِّهِ (وَ) لَا (غَلَّةٌ) كَأُجْرَةِ دَارٍ أَوْ حَيَوَانٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَمَّا مِنْ الْمُكَاتَبِ فَيَصِحُّ] : وَعَلَيْهِ إذَا بَقِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ بِيعَ الرَّهْنُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ. [مَا يَنْدَرِج فِي الرَّهْن] قَوْلُهُ: [لَا إنْ لَمْ يَتِمَّ] : أَيْ فَلَا يَنْدَرِجُ فِي عَقْدِ الرَّهْنِيَّةِ وَلِلرَّاهِنِ أَخْذُهُ بَعْدَ تَمَامِهِ وَذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ التَّامِّ بِمَنْزِلَةِ الْغَلَّةِ وَهِيَ لَا تَنْدَرِجُ. قَوْلُهُ: [جَنِينٌ] : أَيْ لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْهَا فَدُخُولُهُ هُنَا كَالْبَيْعِ - ابْنُ الْمَوَّازِ. وَلَوْ شَرَطَ الرَّاهِنُ عَدَمَ دُخُولِهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُنَاقِضٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ لِكَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ الْجُزْءِ مِنْ أُمِّهِ. قَوْلُهُ: [وَأَوْلَى إنْ حَمَلَتْ بِهِ بَعْدُ] : وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّهُ بَعْدَ الرَّهْنِ يَكُونُ جُزْءًا مِنْهَا وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَا الرَّهْنُ بِخِلَافِهِ قَبْلُ فَقَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ ذَاتٌ مُسْتَقِلَّةٌ. قَوْلُهُ: [بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ] : وَبَعْضُهُمْ ضَبَطَهُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ. وَقَوْلُهُ: [هُوَ الْمُسَمَّى بِالْفَسِيلِ] : أَيْ وَيُسَمَّى بِالْوَدِيِّ. قَوْلُهُ: [لَا تَنْدَرِجُ ثَمَرَةٌ فِيهِ ثَمَرَةٌ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ، وَالْمُنَاسِبُ حَذْفُ لَفْظِ ثَمَرَةٍ الَّتِي زَادَهَا الشَّارِحُ، لِأَنَّ الْكَلَامَ يَتِمُّ بِدُونِهَا. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَجْعَلْهَا ابْنُ الْقَاسِمِ كَالصُّوفِ التَّامِّ] : أَيْ حَيْثُ طَابَتْ وَالْفَرْقُ

[اشتراط المرتهن الانتفاع بالرهن]

وَكَسَمْنٍ وَلَبَنٍ وَعَسَلِ نَحْلٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (إلَّا لِشَرْطٍ) : فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فَيَعْمَلُ وَتَكُونُ الْمَذْكُورَاتُ رَهْنًا مَعَ أَصْلِهَا. (وَجَازَ) لِمُرْتَهِنٍ (شَرْطُ مَنْفَعَةٍ) فِي الرَّهْنِ كَسُكْنَى أَوْ رُكُوبٍ أَوْ خِدْمَةٍ بِشَرْطَيْنِ أَشَارَ لَهُمَا بِقَوْلِهِ (عُيِّنَتْ) بِزَمَنٍ أَوْ عَمَلٍ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْجَهَالَةِ فِي الْإِجَارَةِ (بِبَيْعٍ) : أَيْ فِي دَيْنِ بَيْعٍ (فَقَطْ) : لَا فِي قَرْضٍ، فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ وَهُوَ جَائِزٌ، وَفِي الْقَرْضِ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَكَذَا يَمْتَنِعُ التَّطَوُّعُ بِالْمَنْفَعَةِ فِي الْقَرْضِ وَالْبَيْعِ مُطْلَقًا عُيِّنَتْ أَمْ لَا فَعُلِمَ أَنَّهَا فِي الْقَرْضِ تَمْتَنِعُ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ وَهِيَ: الشَّرْطُ، وَالتَّطَوُّعُ عُيِّنَتْ أَمْ لَا. وَفِي الْبَيْعِ فِي الثَّلَاثِ وَتَجُوزُ فِي الرَّابِعَةِ: وَهِيَ مَا إذَا وَقَعَتْ بِشَرْطٍ فِي الْعَقْدِ وَعُيِّنَتْ. وَمِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي مِصْرَ جَمِيعِهَا - حَتَّى لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى رَفْعِهِ - أَنْ يَبْذُلَ الرَّجُلُ لِآخَرَ دَرَاهِمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَهَا وَبَيْنَ الصُّوفِ أَنَّهَا تُتْرَكُ لِتَزْدَادَ طِيبًا فَهِيَ غَلَّةٌ لَا رَهْنٌ وَالصُّوفُ لَا فَائِدَةَ فِي بَقَائِهِ بَعْدَ تَمَامِهِ بَلْ فِي بَقَائِهِ تَلَفٌ لَهُ وَهَذَا الْفَرْقُ ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِالثَّمَرَةِ الْيَابِسَةِ. [اشْتِرَاط المرتهن الِانْتِفَاع بِالرَّهْنِ] قَوْلُهُ: [بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ] : أَيْ لِأَنَّ السِّلْعَةَ الْمَبِيعَةَ بَعْضُهَا فِي مُقَابَلَةِ مَا يُسَمَّى مِنْ الثَّمَنِ وَبَعْضُهَا فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ، وَالْأَوَّلُ بَيْعٌ وَالثَّانِي إجَارَةٌ، وَمُحَصِّلُهُ: أَنَّ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ لَمْ تَضِعْ عَلَى الرَّاهِنِ بَلْ وَقَعَتْ جُزْءًا مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا. قَوْلُهُ: [وَكَذَا يَمْتَنِعُ التَّطَوُّعُ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهَا هَدِيَّةُ مِدْيَانٍ، فَلِذَلِكَ مُنِعَتْ فِي الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَهُوَ بَيَانٌ لِمَفْهُومِ الْمَوْضُوعِ. قَوْلُهُ: [فَعَلِمَ أَنَّهَا] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ إمَّا أَنْ تَكُونَ مُدَّتُهَا مُعَيَّنَةً أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُرْتَهِنُ أَوْ يَتَطَوَّعَ بِهَا الرَّاهِنُ عَلَيْهِ، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ فِي عَقْدِ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ، فَأَخْذُ الْمُرْتَهِنِ لَهَا فِي رَهْنِ الْقَرْضِ مَمْنُوعٌ فِي صُوَرِهِ الْأَرْبَعِ، وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ أَمْ لَا مُشْتَرَطَةٌ أَوْ مُتَطَوَّعٌ بِهَا، وَفِي رَهْنِ الْبَيْعِ فِي ثَلَاثٍ إذَا كَانَ مُتَطَوَّعًا بِهَا مُعَيَّنَةً أَمْ لَا أَوْ مُشْتَرَطَةً وَلَمْ تُعَيَّنْ، وَالْجَوَازُ فِي وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَا إذَا اُشْتُرِطَتْ وَكَانَتْ مُعَيَّنَةً. قَوْلُهُ: [حَتَّى لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ] : الْمُنَاسِبُ حَتَّى لَا يَقْدِرَ.

ثُمَّ يَأْخُذَ مِنْهُ أَرْضَ زِرَاعَةٍ أَوْ حَائِطًا رَهْنًا عَلَى أَنْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ أَوْ يَأْخُذَ ثَمَرَ الْحَائِطِ مَا دَامَتْ الدَّرَاهِمُ فِي ذِمَّةِ آخِذِهَا، ثُمَّ زَادُوا فِي الضَّلَالِ إلَى أَنَّهُ إذَا رَدَّ أَخَذَ الدَّرَاهِمَ مَا فِي ذِمَّتِهِ لِيَأْخُذَ أَرْضَهُ أَوْ حَائِطَهُ تَوَقَّفَ مُعْطِيهَا فِي الْقَبُولِ، فَتَارَةً يَشْتَكِيه إلَى أُمَرَائِهَا لِيَنْصُرُوا الْبَاطِلَ وَتَارَةً يُصَالِحُوهُ عَلَى دَفْعِ شَيْءٍ لَهُ لِيَسْتَمِرَّ عَلَى ذَلِكَ السَّنَةَ أَوْ السَّنَتَيْنِ أَوْ الْأَكْثَرَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ،. (وَ) جَازَ شَرْطُ الْمَنْفَعَةِ الْمُعَيَّنَةِ بِزَمَنٍ أَوْ عَمَلٍ (عَلَى أَنْ تُحْسَبَ مِنْ الدَّيْنِ مُطْلَقًا) : أَيْ فِي بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ، وَكَذَا إذَا وَقَعَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَلَى أَنْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ] إلَخْ: مَسْأَلَةُ رَهْنِ الْأَرْضِ وَالْحَائِطِ هِيَ الْمُسَمَّاةُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْغَارُوقَةِ، وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مُطْلَقًا وَلَوْ شَرَطَ الْمَنْفَعَةَ فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لِأَنَّهَا فِي قَرْضٍ لَا بَيْعٍ، وَلَا يَنْفَعُهُ أَنْ يَقُولَ: وَهَبْتُك الْمَنْفَعَةَ مَا دَامَتْ دَرَاهِمُك عَلَيَّ، لِأَنَّهَا حِيلَةٌ بَاطِلَةٌ عِنْدَنَا. وَهِيَ مِنْ الرِّبَا فَيَجِبُ عَلَى وَاضِعِ الْيَدِ عَلَى الطِّينِ فِي نَظِيرِ دَرَاهِمِهِ الْإِقْلَاعُ عَنْهُ وَتَرْكُهُ لِصَاحِبِهِ وَالِاسْتِمْرَارُ عِلِّيّه مُحَرَّمٌ. وَلَكِنْ إذَا وَقَعَ وَزَرَعَ الْأَرْضَ يَكُونُ الزَّرْعُ لَهُ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ لِصَاحِبِهَا فَيُقَاصِصُهُ بِهَا مِنْ أَصْلِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ يَدْفَعُ الْخَرَاجَ لِلْمُلْتَزِمِ وَكَانَ قَدْرَ أُجْرَةِ الْأَرْضِ لَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ لِرَبِّهَا كَمَا قَرَّرَهُ الْأَشْيَاخُ. قَوْلُهُ: [إلَى أَنَّهُ إذَا رَدَّ] إلَخْ: أَيْ أَرَادَ الرَّدَّ. قَوْلُهُ: [الْمُعَيَّنَةُ بِزَمَنٍ أَوْ عَمَلٍ] إلَخْ: مَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمُعَيَّنَةِ لَا يَجُوزُ وَعِلَّةُ الْمَنْعِ فِي صُوَرِ الْقَرْضِ اجْتِمَاعُ السَّلَفِ وَالْإِجَارَةِ وَفِي صُوَرِ الْبَيْعِ اجْتِمَاعُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ الْمَجْهُولَةِ الْأَجَلِ. قَوْلُهُ: [عَلَى أَنْ تُحْسَبَ مِنْ الدَّيْنِ مُطْلَقًا] إلَخْ: هَذَا الْإِطْلَاقُ فَاسِدٌ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ، لِأَنَّ الْجَوَازَ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا اُشْتُرِطَتْ بِبَيْعٍ وَعُيِّنَتْ وَكَانَتْ تَفِي بِالدَّيْنِ أَوْ يُشْتَرَطُ تَعْجِيلُ مَا بَقِيَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْبَاقِي يَدْفَعُ لَهُ فِيهِ شَيْئًا مُؤَجَّلًا فَمَمْنُوعٌ لِفَسْخِ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ وَإِنْ كَانَ يُتْرَكُ لِلرَّاهِنِ جَازَ، إلَّا إذَا كَانَ اشْتِرَاطُ التَّرْكِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَلَا يَجُوزُ، لِلْغَرَرِ إذْ لَا يُعْلَمُ مَا يَبْقَى، وَأَمَّا الصُّوَرُ السَّبْعُ فَالْمَنْعُ فِيهَا مُطْلَقٌ أُخِذَتْ مَجَّانًا كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ لِتُحْسَبَ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا هُنَا. قَوْلُهُ: [وَكَذَا إذَا وَقَعَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ] إلَخْ: فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّهَا تَجْرِي

الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَلَيْسَ فِيهِ هَدِيَّةُ مِدْيَانٍ، بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ بِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ. نَعَمْ فِي الْقَرْضِ فِيهِ سَلَفٌ وَإِجَارَةٌ. (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ) : أَيْ مِنْ الْمُرْتَهِنِ (بَعْدَ) حُصُولِ (الْمَانِعِ) لِلرَّاهِنِ؛ كَمَوْتٍ أَوْ فَلَسٍ مَعَ حَوْزِهِ لِلرَّهْنِ: أَنَّهُ (حَازَ) الرَّهْنَ (قَبْلَهُ) : أَيْ قَبْلَ الْمَانِعِ وَنَازَعَهُ الْغُرَمَاءُ، وَقَالُوا: إنَّمَا حُزْته بَعْدَهُ فَلَا تُفِيدُهُ دَعْوَاهُ (وَلَوْ شَهِدَ لَهُ الْأَمِينُ) الْحَائِزُ لَهُ. لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ لَهُ (عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مُبَايَعَةِ الْمِدْيَانِ فَإِنْ كَانَ فِيهَا مُسَامَحَةٌ حُرِّمَ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ بِالْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ بِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ] : مَعْنَاهُ التَّبَرُّعُ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تُحْسَبَ مِنْ الدَّيْنِ فَلَا يُنَاقِضُ مَا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: [نَعَمْ فِي الْقَرْضِ] إلَخْ: اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْجَوَازِ الَّذِي أَفَادَهُ الْإِطْلَاقُ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ خِلَافُ الصَّوَابِ، وَالْمُنَاسِبُ حَذْفُ قَوْلِهِ: " فِيهِ " لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّكَّةِ. ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ فِي أَخْذِ الْمُرْتَهِنِ الْمَنْفَعَةَ الَّتِي هِيَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، وَأَمَّا لَوْ شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ أَخَذَ الْغَلَّةَ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ مِنْ دَيْنِهِ، فَإِنْ لَمْ يُؤَجَّلْ لِذَلِكَ أَجَلًا جَازَ فِي الْقَرْضِ وَمَنَعَ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّ الْقَرْضَ يَجُوزُ فِيهِ الْجَهْلُ بِالْأَجَلِ دُونَ الْبَيْعِ، وَإِنْ أَجَّلَ ذَلِكَ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ، فَإِنْ دَخَلَا عَلَى أَنَّهُ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ الْأَجَلِ يُوَفِّيه الرَّاهِنُ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ جَازَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ، وَإِنْ دَخَلَا عَلَى أَنَّ الْفَاضِلَ مِنْ الدَّيْنِ يُعْطِيهِ بِهِ شَيْئًا مُؤَجَّلًا مَنَعَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ، وَإِنْ دَخَلَا عَلَى أَنَّ الْفَاضِلَ مِنْ الدَّيْنِ يَتْرُكُ لِلْمَدِينِ جَازَ فِي الْقَرْضِ دُونَ الْبَيْعِ - كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فَعْلِ نَفْسِهِ] : أَيْ الَّذِي هُوَ الْحَوْزُ وَالشَّهَادَةُ عَلَى فَعْلِ النَّفْسِ لَا تَعْتَبِرُ لِأَنَّهَا دَعْوَى. وَيُسْتَفَادُ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّ شَهَادَةَ الْقَبَّانِي بِأَنَّ وَزْنَ مَا قَبَضَهُ فُلَانٌ كَذَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فَعْلِ النَّفْسِ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَنَّ فُلَانًا قَبَضَ مَا وَزْنُهُ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِشَهَادَتِهِ، فَإِنْ شَهِدَ بِهِمَا مَعًا فَالظَّاهِرُ الْبُطْلَانُ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إذَا بَطَلَ بَعْضُهَا بَطَلَ كُلُّهَا حَيْثُ كَانَ بُطْلَانُ بَعْضِهَا لِلتُّهْمَةِ كَمَا هُنَا. وَمَحَلُّ بُطْلَانِ شَهَادَةِ الْقَبَّانِي إذَا شَهِدَ بِالْوَزْنِ: مَا لَمْ يَكُنْ مُقَامًا مِنْ طَرَفِ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ كَالْقَاضِي كَمَا بِمِصْرَ، وَإِلَّا عَمِلَ بِشَهَادَتِهِ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الْأُجْهُورِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَابِعَ الْمَقَامِ مِنْ الْقَاضِي مِثْلِهِ.

[بيع الرهن]

التَّحْوِيزِ) قَبْلَهُ: أَيْ عَلَى مُعَايَنَةِ أَنَّ الرَّاهِنَ سَلَّمَ لَهُ الرَّهْنَ قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ (أَوْ) تَشْهَدُ لَهُ (عَلَى الْحَوْزِ) : أَيْ عَلَى كَوْنِهِ حَازَهُ قَبْلَ الْمَانِعِ وَلَوْ لَمْ تَشْهَدْ بِالتَّحْوِيزِ (عَلَى الْأَوْجُهِ) مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهَا بِالْحَوْزِ قَبْلَهُ مَعَ ثُبُوتِ الدَّيْنِ يُفِيدُ الظَّنَّ بِأَنَّ الرَّاهِنَ سَلَّمَهُ لَهُ، وَاحْتِمَالُ احْتِيَالِ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ بَعِيدٌ. وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى التَّحْوِيزِ وَالْقَبْضِ مِنْ الرَّاهِنِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَفِيهَا دَلِيلُهُمَا وَاخْتَارَ الْبَاجِيُّ الْأَوَّلَ، وَلَكِنْ ظَاهِرُهَا الثَّانِي، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ رُشْدٍ وَنَصُّهَا فِي كِتَابِ الْهِبَةِ: وَلَا يَقْضِي بِالْحِيَازَةِ إلَّا بِمُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ بِحَوْزِهِ فِي حَبْسٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ وَلَوْ أَقَرَّ الْمُعْطِي بِصِحَّتِهِ أَنَّ الْمُعْطِيَ قَدْ حَازَ وَقَبَضَ وَشَهِدَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ حَتَّى تُعَايِنَ الْبَيِّنَةُ الْحَوْزَ (اهـ) وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: يَكْفِي الْحَوْزُ فِي الْهِبَةِ وَلَا يَكْفِي فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ. (وَ) لَوْ بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ (مَضَى بَيْعُهُ) وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ (قَبْلَ قَبْضِهِ) : أَيْ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْهُ (إنْ فَرَّطَ مُرْتَهِنُهُ) فِي طَلَبِهِ حَتَّى بَاعَهُ رَاهِنُهُ وَيَبْقَى دَيْنُهُ بِلَا رَهْنٍ لِتَفْرِيطِهِ. (وَإِلَّا) يُفَرِّطْ بَلْ جَدَّ فِي طَلَبِهِ فَبَاعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ (فَهَلْ يَمْضِي) بَيْعُهُ (وَيَكُونُ الثَّمَنُ) : أَيْ ثَمَنُهُ (رَهْنًا) فِي الدَّيْنِ فَاتَ الرَّهْنُ عِنْدَ مُشْتَرِيه أَوْ لَا؛ (أَوْ لَا) يَمْضِي بَلْ يُرَدُّ وَيَكُونُ رَهْنًا فِي الدَّيْنِ؟ وَهَذَا إذَا لَمْ يَفُتْ فَإِنْ فَاتَ بِيَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْقَبْضُ مِنْ الرَّاهِنِ] : عَطَفَ تَفْسِيرٌ عَلَى التَّحْوِيزِ. قَوْلُهُ: [حَتَّى تُعَايِنَ الْبَيِّنَةُ الْحَوْزَ] : هُنَا حَذْفٌ مِنْ أَصْلِ النَّصِّ سَقَطَ مِنْ الْمُؤَلِّفِ، فَإِنَّ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ: وَشَهِدَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بَيِّنَةٌ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يُقْضَ بِذَلِكَ إنْ أَنْكَرَ الْوَرَثَةُ حَتَّى تُعَايِنَ الْبَيِّنَةُ الْحَوْزَ (اهـ) كَمَا فِي بْن وَبِهَذَا الْمَحْذُوفِ تَسْتَقِيمُ الْعِبَارَةُ. وَوَجْهُ كَوْنِ هَذَا النَّصِّ فِيهِ الدَّلِيلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ: حَتَّى تُعَايِنَ الْبَيِّنَةُ الْحَوْزَ، يَحْتَمِلُ حَقِيقَةَ الْحَوْزِ بِأَنْ تُعَايِنَ الْبَيِّنَةُ أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ الْمَوْهُوبَ أَوْ الْمُتَصَدَّقَ بِهِ أَوْ الْمَرْهُونَ فِي حَوْزِ الشَّخْصِ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ قَبْلَ الْمَانِعِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَوْزِ التَّحْوِيزُ: أَيْ التَّسْلِيمُ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْمُعَايَنَةِ. [بَيْع الرَّهْن] قَوْلُهُ: [وَهَذَا إذَا لَمْ يَفُتْ] : بَعْدَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي نُسْخَةِ الْمُؤَلِّفِ: فَإِنْ يَبْدَأَ إلَخْ. وَصَوَابُهُ فَإِنْ فَاتَ بِيَدِ مُشْتَرِيه.

مُشْتَرِيه كَانَ ثَمَنُهُ رَهْنًا، (قَوْلَانِ) : الْأَوَّلُ لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَالثَّانِي لِابْنِ الْقَصَّارِ وَلِابْنِ رُشْدٍ، ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ رَدُّ بَيْعِ الرَّهْنِ وَإِنَّمَا لَهُ فَسْخُ بَيْعِ سِلْعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَهَا عَلَى رَهْنٍ بِعَيْنِهِ فَلَمَّا فَوَّتَهُ بِبَيْعِهِ كَانَ أَحَقَّ بِسِلْعَتِهِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ قِيمَتِهَا إنْ فَاتَتْ، قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ إنْ دَفَعَ السِّلْعَةَ لِلْمُشْتَرِي أَيْ الرَّاهِنِ أَوْ السَّلَفِ لَهُ وَإِلَّا فَهُوَ أَحَقُّ بِسِلْعَتِهِ أَوْ سَلَفِهِ فَرَّطَ فِي الرَّهْنِ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ. (أَوْ) : أَيْ وَمَضَى بَيْعُهُ أَيْضًا إنْ بَاعَهُ (بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ (إنْ بَاعَهُ بِمِثْلِ الدَّيْنِ فَأَكْثَرَ وَهُوَ) : أَيْ وَالدَّيْنُ (عَيْنٌ) مُطْلَقًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ (أَوْ) الدَّيْنُ (عَرَضٌ مِنْ قَرْضٍ) عَجَّلَ الدَّيْنَ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ (وَإِلَّا) يَبِعْهُ بِمِثْلِ الدَّيْنِ بَلْ بِأَقَلَّ مِنْهُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ أَوْ بَاعَهُ بِمِثْلِهِ فَأَكْثَرَ وَالدَّيْنُ عَرْضٌ مِنْ بَيْعٍ (فَلَهُ) : أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ (الرَّدُّ) لِبَيْعِ الرَّهْنِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الْأَوَّلُ لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي بَيْعِ الرَّاهِنِ الرَّهْنَ الْمُعَيَّنَ الْمُشْتَرَطَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ أَوْ الْقَرْضِ، وَالْحَالُ أَنَّ الرَّاهِنَ الْبَائِعَ سَلَّمَ الرَّهْنَ الْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي، فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ لَهُ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ مَنْعُهُ مِنْ التَّسْلِيمِ وَلَوْ أَتَاهُ بِرَهْنٍ بَدَلَهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى عَيْنِهِ فَإِنْ خَالَفَ الرَّاهِنُ وَسَلَّمَهُ لِلْمُشْتَرِي، كَانَ لِلْمُرْهِنِ فَسْخُ الْعَقْدِ الْأَصْلِيِّ الْمُشْتَرَطِ فِيهِ الرَّهْنُ. وَأَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَبَاعَهُ الرَّاهِنُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَيْضًا مَنْعُ الرَّاهِنِ مِنْ تَسْلِيمِهِ لِلْمُشْتَرِي حَتَّى يَأْتِيَهُ بِبَدَلِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الرَّهْنُ مُتَطَوَّعًا بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَبَاعَهُ الرَّاهِنُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ فَإِنَّهُ يَمْضِي بَيْعُهُ. وَهَلْ يَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْنًا أَوْ يَكُونُ لَا لِلرَّاهِنِ وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ مِنْ أَصْلِهِ؟ خِلَافٌ مُخَرَّجٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي بَيْعِ الْهِبَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا وَبَعْدَ عِلْمِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي مُضِيِّ الْبَيْعِ، وَيَكُونُ الثَّمَنُ لِلْمُعْطِي؛ بِالْكَسْرِ، أَوْ لِلْمُعْطَى؛ بِالْفَتْحِ، كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَهَذَا كُلُّهُ إنْ دَفَعَ السِّلْعَةَ] : أَيْ الْمَبِيعَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ السَّلَفَ] : أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْقَرْضِ. قَوْلُهُ: [أَوْ الدَّيْنُ عَرْضٌ] : مُرَادُهُ بِالْعَرْضِ مَا قَابَلَ الْعَيْنَ فَيَشْمَلُ الطَّعَامَ. قَوْلُهُ: [فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ] : أَيْ وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَيْنًا مُطْلَقًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ عَرْضًا مِنْ قَرْضٍ قَوْلُهُ: [فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ] : أَيْ وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَيْنًا مُطْلَقًا

إنْ لَمْ يُكَمِّلْ لَهُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ بَقِيَّةَ دَيْنِهِ. وَلَا يَلْزَمُهُ فِي الرَّابِعَةِ قَبُولُ الْعَرْضِ قَبْلَ أَجَلِهِ وَلَوْ بَيْعَ بِمَا فِيهِ الْوَفَاءُ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِيهِ مِنْ حَقِّهِمَا بِخِلَافِ الْعَرْضِ مِنْ قَرْضٍ فَإِنَّ الْأَجَلَ فِيهِ مِنْ حَقِّ الْمُقْتَرِضِ فَقَطْ. (وَإِنْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ بَيْعَ الرَّهْنِ تَعَجَّلَ) دَيْنُهُ مِنْ ثَمَنِهِ (مُطْلَقًا) فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ فَإِنْ وَفَّى، وَإِلَّا أَتْبَعَهُ بِالْبَاقِي. (وَمُنِعَ عَبْدٌ مِنْ وَطْءِ أَمَتِهِ الْمَرْهُونَةِ مَعَهُ) : وَأَوْلَى بِالْمَنْعِ لَوْ رُهِنَتْ وَحْدَهَا، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَرْهُونَةِ فَيَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا وَكَذَا زَوْجَتُهُ رُهِنَتْ أَوْ لَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ عَرْضًا مِنْ قَرْضٍ أَوْ مِنْ بَيْعٍ. قَوْلُهُ: [إنْ لَمْ يُكْمِلْ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَمَّلَ لَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا إذَا بَاعَهُ بِمِثْلِ الدَّيْنِ فِي مُضِيِّ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَلْزَمُهُ فِي الرَّابِعَةِ] إلَخْ: يَعْنِي بِالرَّابِعَةِ كَوْنَ الدَّيْنِ عَرْضًا مِنْ بَيْعٍ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْأَجَلَ فِيهِ مِنْ حَقِّهِمَا] : عِلَّةٌ لِلنَّفْيِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ اللُّزُومِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْعَرَضِ مِنْ قَرْضٍ] : أَيْ وَبِخِلَافِ الْعَيْنِ مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْقَرْضِ. قَوْلُهُ: [مِنْ حَقِّ الْمُقْتَرِضِ فَقَطْ] : أَيْ وَمِنْ حَقِّ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْعَيْنُ وَلَوْ مِنْ بَيْعٍ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ وَفَّى] : أَيْ كَمَا فِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ. وَقَوْلُهُ: [وَإِلَّا أَتْبَعَهُ بِالْبَاقِي] : أَيْ كَمَا فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ. قَوْلُهُ: [وَمُنِعَ عَبْدٌ مِنْ وَطْءِ أَمَتِهِ] : حَاصِلُهُ أَنَّ السَّيِّدَ إذَا رَهَنَ أَمَةَ عَبْدِهِ وَحْدَهَا أَوْ رَهْنَهُمَا مَعًا، فَإِنَّ الْعَبْدَ يُمْنَعُ مِنْ وَطْئِهَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَمْ لَا، لِأَنَّ رَهْنَهَا وَحْدَهَا أَوْ مَعَهُ يُشْبِهُ الِانْتِزَاعَ مِنْ السَّيِّدِ لَهَا لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ مِنْهُمَا مُعَرَّضٌ لِلْبَيْعِ، وَحَيْثُ بِيعَ الْعَبْدُ دُونَ مَالِهِ أَوْ الْأَمَةُ دُونَ مَالِهَا حُرِّمَ وَطْؤُهُ إيَّاهَا. وَلَكِنَّهُ إنْ تَعَدَّى وَوَطِئَ فَلَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الِانْتِزَاعَ وَلَيْسَ انْتِزَاعًا حَقِيقِيًّا، لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ إذَا افْتَكَّهَا السَّيِّدُ مِنْ الرَّهْنِ لَا يُمْنَعُ وَطْءُ الْعَبْدِ لَهَا لِلْمِلْكِ السَّابِقِ عَلَى الرَّهْنِيَّةِ وَلَوْ كَانَ انْتِزَاعًا حَقِيقِيًّا لَافْتَقَرَ لِتَمْلِيكٍ ثَانٍ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا زَوْجَتُهُ] إلَخْ: أَيْ وَلَوْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِلسَّيِّدِ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يُبْطِلُ

(وَحُدَّ مُرْتَهِنٌ وَطِئَ) أَمَةً مَرْهُونَةً عِنْدَهُ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ رَاهِنِهَا فِي الْوَطْءِ إذْ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ أَذِنَ لَهُ رَاهِنُهَا فِي وَطْئِهَا (فَلَا) يُحَدُّ نَظَرًا لِقَوْلِ عَطَاءٍ بِجَوَازِ إعَارَةِ الْفُرُوجِ، فَهُوَ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الْحَدَّ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ اشْتَرَى الْمُرْتَهِنُ هَذِهِ الْأَمَةَ وَوَلَدَهَا لَمْ يُعْتَقْ الْوَلَدُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُت نَسَبُهُ لَهُ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الرَّاهِنُ فِي الْوَطْءِ إذْ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَلِذَا قَالَ: (وَقُوِّمَتْ) الْمَوْطُوءَةُ بِإِذْنٍ (عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ الْوَاطِئِ (بِلَا وَلَدٍ حَمَلَتْ أَمْ لَا) : لِأَنَّ حَمْلَهَا انْعَقَدَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ بِالْإِذْنِ فَلَا قِيمَةَ لَهُ وَيَلْزَمُ الْوَاطِئَ قِيمَتُهَا لِلرَّاهِنِ، وَقَدْ مَلَكَهَا. وَأَمَّا الْمَوْطُوءَةُ بِلَا إذْنٍ فَتَقُومُ بِوَلَدِهَا لِأَنَّهُ رَقِيقٌ، وَتَقْوِيمُهَا لِأَجَلِ عِلْمِ مَا نَقَصَهَا الْوَطْءُ وَالْحَمْلُ وَتَرْجِعُ لِرَبِّهَا مَعَ وَلَدِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّكَاحَ وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُ الزَّوْجَةِ مِنْ عَبْدِهِ كَمَا لَوْ بَاعَهَا السَّيِّدُ فَلَا يَكُونُ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ مَانِعًا مِنْ وَطْءِ الزَّوْجَةِ. قَوْلُهُ: [إذْ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهَا] : أَيْ لِأَنَّ وَطْأَهُ لَهَا زِنًا مَحْضٌ فَيُحَدُّ وَلَوْ ادَّعَى لِجَهْلٍ وَلَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ يَكُونُ رَهْنًا مَعَ أُمِّهِ. قَوْلُهُ: [بِجَوَازِ إعَارَةِ الْفُرُوجِ] : أَيْ فَعَطَاءٌ - أَحَدِ الْمُجْتَهِدِينَ - يَقُولُ بِجَوَازِ إعَارَةِ فُرُوجِ الْإِمَاءِ لِلْأَجَانِبِ، وَإِنْ كَانَ قَوْلًا أَجْمَعَتْ الْمَذَاهِبُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى خِلَافِهِ فَيُرَاعَى لِدَرْءِ الْحُدُودِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ لَهُ] : لَكِنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَلَدُ أُنْثَى لَحُرِّمَ عَلَى الْوَاطِئِ نِكَاحُهَا، لِقَوْلِ خَلِيلٍ فِيمَا تَقَدَّمَ وَحُرِّمَ أُصُولُهُ وَفُصُولُهُ وَإِنْ خُلِقَتْ مِنْ مَائِهِ. قَوْلُهُ: [إذْ لَوْ أُذِنَ لَهُ فِيهِ كَانَتْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ] : مَحَلَّ هَذَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُتَزَوِّجَةٍ وَإِلَّا حَدَّ وَلَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ حَمْلَهَا انْعَقَدَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ] : أَيْ لِلُحُوقِهِ بِالْمُرْتَهِنِ وَمَحَلُّ انْعِقَادِهِ عَلَى الْحُرِّيَّةِ إنْ كَانَ الْأَبُ حُرًّا، وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ خَيْرًا مِنْ أَبِيهِ. قَوْلُهُ: [فَلَا قِيمَةَ لَهُ] : أَيْ فَلَا ثَمَنَ لَهُ يُدْفَعُ فِي الرَّهْنِ. قَوْلُهُ: [وَتَرْجِعُ لِرَبِّهَا مَعَ وَلَدِهَا] : أَيْ فَتُقَوَّمُ مَعَ وَلَدِهَا لِيُعْرَفَ نَقْصُهَا، فَإِذَا وَطِئَهَا وَوَلَدَتْ وَكَانَ الْوَطْءُ يُنْقِصُهَا عَشَرَةً قُوِّمَ الْوَلَدُ، فَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ عَشَرَةً جُبِرَ النَّقْصُ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ رُجِعَ عَلَى الْوَاطِئِ بِالْبَاقِي، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ فَلَا

[تنبيه إيصاء الأمين بالرهن]

(وَلِلْأَمِينِ) الَّذِي وُضِعَ الرَّهْنُ تَحْتَ يَدِهِ (بَيْعُهُ) : أَيْ الرَّهْنِ فِي الدَّيْنِ (إنْ أُذِنَ لَهُ) فِي بَيْعِهِ: أَيْ أَذِنَ لَهُ الرَّاهِنُ فِيهِ (وَلَوْ فِي الْعَقْدِ) : أَيْ عَقْدِ الرَّهْنِ، سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْ رَبِّهِ حِينَئِذٍ مَا لَمْ يَقُلْ: إنْ لَمْ آتِ بِالدَّيْنِ وَقْتَ كَذَا، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْبَيْعُ. (كَالْمُرْتَهِنِ) يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الرَّهْنِ إنْ أَذِنَ لَهُ (بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ الْعَقْدِ الصَّادِقِ بِبُعْدِ الْأَجَلِ، لَا فِي حَالِ الْعَقْدِ. وَمَحَلُّ الْجَوَازِ لَهُمَا: (إنْ لَمْ يَقُلْ) الرَّاهِنُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا: (إنْ لَمْ آتِ بِالدَّيْنِ، وَإِلَّا) بِأَنْ قَالَ مَا ذَكَرَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ أَذِنَ لِلْمُرْتَهِنِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ - قَالَ أَوْ لَمْ يَقُلْ - لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ فِي الصُّوَرِ الْخَمْسِ، وَأَوْلَى إنْ لَمْ يَأْذَنْ أَصْلًا إلَّا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQيُرْجَعُ الْمُرْتَهِنُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ. [تَنْبِيه إيصَاء الأمين بِالرَّهْنِ] قَوْلُهُ: [وَلِلْأَمِينِ] إلَخْ: أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّهْنُ فِي دَيْنِ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ فِي الْعَقْدِ] : أَيْ وَلَوْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ إلَّا إذَا كَانَ الْإِذْنُ بَعْدَهُ، لِأَنَّ الْأَمِينَ وَكِيلٌ مَحْضٌ بِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْإِذْنَ الْوَاقِعَ فِي الْعَقْدِ كَالْإِكْرَاهِ لِضَرُورَتِهِ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ فَإِذْنُهُ كَلَا إذْنٍ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَسَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ] إلَخْ: كَلَامٌ رَكِيكٌ كَمَا لَا يَخْفَى، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَجْعَلَهُ دُخُولًا عَلَى الْمُبَالَغَةِ بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا إذَا أَذِنَ بَعْدَ الْعَقْدِ فِي الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ فِي الْعَقْدِ - فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [لَمْ يَجُزْ لَهُ الْبَيْعُ] : أَيْ وَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِ الْحَاكِمِ لِمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ إثْبَاتِ الْغَيْبَةِ أَوْ الْعُسْرِ أَوْ الْمَطْلِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [إنْ أَذِنَ لَهُ بَعْدَهُ] : أَيْ وَأَمَّا إنْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي حَالِ الْعَقْدِ فَيُمْنَعُ ابْتِدَاءً لِأَنَّهَا وَكَالَةُ اضْطِرَارٍ. قَوْلُهُ: [لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ فِي الصُّوَرِ الْخَمْسِ] : أَيْ وَهِيَ الْإِذْنُ لِلْأَمِينِ فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ مَعَ التَّقْيِيدِ فِيهِمَا وَالْإِذْنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الْعَقْدِ قُيِّدَ أَمْ لَا وَبَعْدَهُ وَقُيِّدَ. وَحَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّ الرَّاهِنَ: إمَّا أَنْ يَأْذَنَ بِبَيْعِ الرَّهْنِ لِلْأَمِينِ أَوْ لِلْمُرْتَهِنِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يُطْلِقَ أَوْ يُقَيِّدَ، فَالصُّوَرُ ثَمَانٍ. فَإِنْ وَقَعَ مِنْهُ الْإِذْنُ لِلْأَمِينِ

فَبِإِذْنِ الْحَاكِمِ) لِيَثْبُتَ عِنْدَهُ الْعُسْرُ أَوْ الْمَطْلُ أَوْ الْغَيْبَةُ لِلرَّاهِنِ (وَإِلَّا) يَسْتَأْذِنْ الْحَاكِمَ وَبَاعَ الْأَمِينُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ بِلَا رَفْعِ الْحَاكِمِ (مَضَى) بَيْعُهُ مِنْ الْأَمِينِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ ابْتِدَاءً (وَبَاعَ الْحَاكِمُ) الرَّهْنَ (إنْ امْتَنَعَ) رَبُّهُ مِنْ بَيْعِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ وَمِنْ وَفَاءِ الدَّيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ يَأْذَنْ، وَكَذَا يَبِيعُ الْحَاكِمُ إنْ غَابَ الرَّاهِنُ أَوْ مَاتَ إلَّا أَنَّهُ فِي الْغَيْبَةِ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ (وَإِنْ قَالَ) الْأَمِينُ لِلْمُرْتَهِنِ: (بِعْتهَا) : أَيْ الذَّاتَ الْمَرْهُونَةَ (بِمِائَةٍ) مَثَلًا (وَسَلَّمْتهَا لَك، فَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ، ضَمِنَ الْأَمِينُ) فَلَا يُصَدَّقُ فِي التَّسْلِيمِ إلَّا بَيِّنَةً. وَأَمَانَتُهُ لَا تَسْرِي عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدِهِ وَأُطْلِقَ جَازَ لَهُ الْبَيْعُ بِلَا إذْنٍ، وَإِنْ قُيِّدَ فَلَا بُدَّ مِنْ الرَّفْعِ، وَإِنْ وَقَعَ مِنْهُ الْإِذْنُ لِلْمُرْتَهِنِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَأُطْلِقَ جَازَ لَهُ الْبَيْعُ بِلَا إذْنٍ، وَإِنْ قُيِّدَ فَلَا بُدَّ مِنْ الرَّفْعِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي حَالَةِ الْعَقْدِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الرَّفْعِ قَيَّدَ أَوْ أَطْلَقَ. قَوْلُهُ: [مَضَى بَيْعُهُ] : أَيْ فِي الصُّوَرِ الْخَمْسَةِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ يَجُزْ ابْتِدَاءً] : مَحَلُّ الْمَنْعِ إذْ لَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ تَافِهًا وَلَمْ يُخْشَ فَسَادُهُ وَإِلَّا جَازَ قَطْعًا كَذَا فِي الْأَصْلِ. تَنْبِيهٌ لَيْسَ لِلْأَمِينِ الَّذِي أُمِنَ عَلَى حَوْزِ الرَّهْنِ أَوْ بَيْعِهِ إيصَاءٌ بِالرَّهْنِ عِنْدَ سَفَرِهِ أَوْ مَوْتِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ لِلْمُرْتَهِنَيْنِ وَهُمَا لَمْ يَرْضَيَا إلَّا بِأَمَانَتِهِ لَا أَمَانَةَ غَيْرِهِ. وَمِثْلُ الْأَمِينِ الْقَاضِي، فَلَيْسَ لَهُ الْإِيصَاءُ بِالْقَضَاءِ وَكَذَا الْوَكِيلُ وَلَوْ مُفَوَّضًا وَمُقَدَّمٌ الْقَاضِي، بِخِلَافِ الْخَلِيفَةِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُجْبَرِ وَإِمَامِ الصَّلَاةِ وَالْمُقَامِ مِنْ طَرَفِ السُّلْطَانِ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ الِاسْتِخْلَافُ عَلَى مَنْصِبِهِ. وَالْمُرَادُ بِالنَّاظِرِ: الَّذِي جَعَلَ لَهُ الْوَاقِفُ الْإِيصَاءَ بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَالْقَاضِي كَمَا فِي عب. قَوْلُهُ: [لَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ] : فِي ح عَنْ ابْنِ رُشْدٍ: الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ لِلْمُرْتَهِنِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ إذَا غَابَ أَوْ مَاتَ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ الدَّيْنُ وَمِلْكُ الرَّاهِنِ لَهُ، وَتَحْلِيفُهُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ: مَا وَهَبَ دَيْنَهُ وَلَا قَبَضَهُ وَلَا أَحَالَ بِهِ وَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَيْهِ إلَى حِينِ قِيَامِهِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُصَدَّقُ فِي التَّسْلِيمِ] : أَيْ وَأَمَّا فِي أَصْلِ الْبَيْعِ وَقَدْرِ مَا بَاعَ بِهِ فَمُصَدَّقٌ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِي ذَلِكَ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ.

[رجوع المرتهن بالنفقة]

(وَرَجَعَ مُرْتَهِنُهُ) عَلَى الرَّاهِنِ (بِنَفَقَتِهِ) الَّتِي أَنْفَقَهَا عَلَى الرَّهْنِ (فِي الذِّمَّةِ) : أَيْ ذِمَّةِ الرَّاهِنِ (وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ) فِي الْإِنْفَاقِ. (وَلَيْسَ) الرَّهْنُ (رَهْنًا فِيهَا) : أَيْ فِي النَّفَقَةِ (بِخِلَافِ الضَّالَّةِ) يُنْفِقُ عَلَيْهَا مَنْ وَجَدَهَا، فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِي ذَاتِ الضَّالَّةِ وَيَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى الْغُرَمَاءِ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهَا، (إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ) الرَّاهِنُ (بِأَنَّهُ) : أَيْ الرَّهْنَ (رَهْنٌ بِهَا) : أَيْ بِالنَّفَقَةِ أَيْ فِيهَا بِأَنْ قَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ: أَنْفِقْ عَلَيْهِ وَهُوَ رَهْنٌ فِي النَّفَقَةِ عَلَيْهِ أَوْ بِمَا أَنْفَقْت (أَوْ يَقُولَ) : أَنْفِقْ عَلَيْهِ (عَلَى أَنَّ نَفَقَتَك فِيهِ) : أَيْ فِي الرَّهْنِ فَإِنَّهُ يَكُونُ رَهْنًا فِيهَا وَيُقَدَّمُ فِيهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِنَفَقَتِهِ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [رُجُوع المرتهن بِالنَّفَقَةِ] قَوْلُهُ: [وَرَجَعَ مُرْتَهِنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ بِنَفَقَتِهِ] : أَيْ الَّتِي شَأْنُهَا الْوُجُوبُ عَلَى الْمَالِكِ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَمْلُوكُ رَهَنَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ أَنْفَقَ عَلَى شَجَرٍ خِيفَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالنَّفَقَةِ وَلَا تَكُونُ فِي الذِّمَّةِ، قَالَ ر وَهَذَا الْحَمْلُ صَوَابٌ وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّقْرِيرِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْعَقَارَ كَانَ لِشَجَرٍ لَا كَالْحَيَوَانِ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَقِيلَ: إنَّ الْعَقَارَ كَالْحَيَوَانِ لِأَنَّهُ لَمَّا رَهَنَهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِافْتِقَارِهِ لِلْإِصْلَاحِ فَكَأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالنَّفَقَةِ فَيَرْجِعُ بِهَا فِي ذِمَّتِهِ، وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ الْأَشْجَارِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْإِنْفَاقِ] : رَدَّ " لَوْ " قَوْلُ أَشْهَبَ: إنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الرَّهْنِ إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهَا تَكُونُ فِي الرَّهْنِ مَبْدَأٌ بِهَا فِي ثَمَنِهِ. قَوْلُهُ: [وَيَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى الْغُرَمَاءِ] إلَخْ: فَإِنْ زَادَتْ النَّفَقَةُ عَلَى قِيمَةِ الضَّالَّةِ فَلَا تَرْجِعُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ عَلَى رَبِّهَا وَضَاعَتْ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الضَّالَّةِ وَالرَّهْنِ أَنَّ الضَّالَّةَ لَا يُعْرَفُ صَاحِبُهَا حِينَ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّ صَاحِبَهُ مَعْرُوفٌ حِينَ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ فَلَوْ شَاءَ طَلَبَهُ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ أَوْ غَابَ رَفَعَ لِلْحَاكِمِ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ] : الْحَاصِلُ أَنَّ أَحْوَالَ الْإِنْفَاقِ عَلَى الرَّهْنِ ثَلَاثٌ: الْأُولَى: أَنْ يَقُولَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْفِقْ عَلَى الرَّهْنِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ النَّفَقَةُ فِي الذِّمَّةِ قَطْعًا. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقُولَ أَنْفِقْ عَلَيْهِ وَهُوَ رَهْنٌ فِي النَّفَقَةِ فَالرَّهْنُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ رَهْنٌ فِي النَّفَقَةِ اتِّفَاقًا. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَقُولَ أَنْفِقْ عَلَى أَنَّ نَفَقَتَك فِي الرَّهْنِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَأْوِيلَانِ، وَمِثْلُهَا عِنْدَ خَلِيلٍ. أَمَّا إذَا قَالَ: أَنْفِقْ وَنَفَقَتُك فِي الرَّهْنِ فَقِيلَ يَكُونُ رَهْنًا فِيهَا لِأَنَّهُ مِنْ الصَّرِيحِ، وَقِيلَ: لَا يَكُونُ رَهْنًا فِيهَا وَعَلَيْهِ لَوْ بِيعَ الرَّهْنُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ

إذَا قَالَ: أَنْفِقْ عَلَى أَنَّ نَفَقَتَك فِي الرَّهْنِ، أَوْ: أَنْفِقْ وَالرَّهْنُ بِمَا أَنْفَقْت رَهْنٌ أَيْضًا، فَذَلِكَ سَوَاءٌ، وَيَكُونُ الرَّهْنُ بِالنَّفَقَةِ. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ غَابَ وَقَالَ الْإِمَامُ: أَنْفِقْ وَنَفَقَتُك فِي الرَّهْنِ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ كَالضَّالَّةِ (اهـ) - نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ. (وَإِنْ أَنْفَقَ) الْمُرْتَهِنُ (عَلَى) رَهْنٍ (نَحْوَ شَجَرٍ) وَنَحْوُهُ الزَّرْعُ (خِيفَ عَلَيْهِ) التَّلَفُ بَعْدَ سَقْيِهِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ، وَامْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنْ الْإِنْفَاقِ وَلَمْ يَأْذَنْ لِلْمُرْتَهِنِ فِي ذَلِكَ وَقْتَ انْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْهُ فَاحْتِيجَ لِإِجْرَائِهِ لَهُ أَوْ لِإِصْلَاحِ بِئْرِهِ فَأَنْفَقَ الرَّاهِنُ، (بَدَأَ) بِالثَّمَرِ أَوْ بِحَبِّ الزَّرْعِ (بِالنَّفَقَةِ) الَّتِي صَرَفَهَا الرَّاهِنُ عَلَى ذَلِكَ، فَتُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ وَلَا تَكُونُ النَّفَقَةُ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالدَّيْنُ عَشَرَةٌ، فَإِنَّ الْخَمْسَةَ الْفَاضِلَةَ تَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ وَيَتْبَعُ ذِمَّتَهُ بِمَا بَقِيَ وَشَارِحُنَا اخْتَارَ مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ الطَّرِيقَةَ الْأُولَى. قَوْلُهُ: [وَيَكُونُ الرَّهْنُ بِالنَّفَقَةِ] أَيْ فِي النَّفَقَةِ " فَالْبَاءُ " بِمَعْنَى " فِي " وَالْمَعْنَى: وَيَكُونُ الرَّهْنُ مَرْهُونًا فِي النَّفَقَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَصْرَ النَّفَقَةِ فِي الرَّهْنِ كَالضَّالَّةِ لِأَنَّهُ هُنَا إذَا لَمْ يَفِ الرَّهْنُ اتَّبَعَ الذِّمَّةَ. قَوْلُهُ: [وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ] : مَعْطُوفٌ عَلَى سَقْيِهِ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ عَدَمٌ. قَوْلُهُ: [فَأَنْفَقَ الرَّاهِنُ] صَوَابُهُ الْمُرْتَهِنُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [بَدَأَ بِالثَّمَرِ] : قَالَ عب: مَعْنَى التَّبْدِئَةِ بِمَا أَنْفَقَ أَنَّ مَا أَنْفَقَهُ يَكُونُ فِي ثَمَرِ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ وَفِي رِقَابِ النَّخْلِ، فَإِنْ سَاوَى مَا ذَكَرَ النَّفَقَةَ أَخَذَهَا الْمُرْتَهِنُ، وَإِنْ قَصُرَ ذَلِكَ عَنْ نَفَقَتِهِ لَمْ يَتْبَعْ الرَّاهِنَ بِالزَّائِدِ وَضَاعَ عَلَيْهِ وَكَانَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ بِدَيْنِهِ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ الْمُتَعَلِّقِ إنْفَاقُهُ فِيهَا بِذِمَّةِ الرَّاهِنِ. فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ عَنْ نَفَقَتِهِ بَدَأَ بِهَا فِي دَيْنِهِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِلرَّاهِنِ (اهـ) أَيْ. وَالْمَوْضُوعُ: أَنَّهُ جَعَلَ النَّفَقَةَ فِي الرَّهْنِ. وَالْبَاءُ فِي " بِالثَّمَرِ " وَفِي " بِحَبِّ الزَّرْعِ " بِمَعْنَى: " فِي " وَالْبَاءُ فِي النَّفَقَةِ لِلتَّعْدِيَةِ. قَوْلُهُ: [الَّتِي صَرَفَهَا الرَّاهِنُ] : صَوَابُهُ الْمُرْتَهِنُ. قَوْلُهُ: [وَلَا تَكُونُ النَّفَقَةُ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ] : الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّفَقَةِ عَلَى الْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ دَخَلَ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، فَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ كَوْنَ الرَّهْنِ رَهْنًا بِهِ كَانَ سَلَفًا مِنْهُ لِلرَّاهِنِ بِخِلَافِ هَدْمِ الْبِئْرِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَدْخُولٍ عَلَيْهِ وَلَمَّا كَانَ إحْيَاءُ

[ضمان الرهن]

(وَلَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْإِنْفَاقِ) عَلَى الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ مُطْلَقًا (وَلَوْ اشْتَرَطَ) الرَّهْنَ (فِي) صُلْبِ (الْعَقْدِ) لِلدَّيْنِ فَأَوْلَى إذَا كَانَ تَطَوُّعًا بَعْدَهُ، وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى عَدَمِ الْجَبْرِ إذَا تَطَوَّعَ بِهِ. وَأَمَّا إذَا اشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ جُبِرَ. وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، لَكِنَّهُ إنْ أَنْفَقَ بَدَأَ بِهَا عَلَى الدَّيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى ضَمَانِ الرَّهْنِ وَعَدَمِهِ فَقَالَ: (وَضَمِنَ) الرَّهْنَ (مُرْتَهِنٌ إنْ كَانَ) الرَّهْنُ (بِيَدِهِ وَهُوَ مِمَّا يُعَابُ عَلَيْهِ) : أَيْ يُمْكِنُ إخْفَاؤُهُ عَادَةً، كَالْحُلِيِّ وَالثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ وَالْكُتُبِ، لَا إنْ كَانَ بِيَدِ أَمِينٍ أَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ الْحَيَوَانُ وَادَّعَى ضَيَاعَهُ أَوْ تَلَفَهُ (وَلَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّرْعِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا يَحْصُلُ عَنْ إنْفَاقٍ بَدَأَ بِهِ عَلَى دَيْنِ الرَّهْنِ فَإِنْ أَنْفَقَ بِإِذْنٍ لِلرَّاهِنِ أَوْ بِدُونِ عِلْمِهِ فَالنَّفَقَةُ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا إذَا اشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ جُبِرَ] : اسْتَشْكَلَ جَبْرُهُ بِأَنَّ الشَّخْصَ لَا يُجْبَرُ عَلَى إصْلَاحِ شَيْئِهِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ إنَّمَا جُبِرَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ. [ضمان الرَّهْن] قَوْلُهُ: [وَضَمِنَ الرَّهْنَ مُرْتَهِنٌ] : أَيْ ضَمِنَ مِثْلَهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتَهُ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا إنْ ادَّعَى تَلَفَهُ أَوْ ضَيَاعَهُ أَوْ رَدَّهُ. وَهَلْ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ التَّلَفِ أَوْ الضَّيَاعِ أَوْ يَوْمَ الِارْتِهَانِ؟ قَوْلَانِ، وَوَفَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيمَا إذَا ظَهَرَ عِنْدَهُ يَوْمَ ادِّعَاءِ التَّلَفِ وَالثَّانِي فِيمَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ عِنْدَهُ مِنْ يَوْمِ قَبَضَهُ حَتَّى ضَاعَ. قَوْلُهُ: [لَا إنْ كَانَ بِيَدِ أَمِينٍ] : أَيْ وَإِلَّا كَانَ الضَّمَانُ مِنْ الرَّاهِنِ. قَوْلُهُ: [أَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ] : اعْلَمْ أَنَّ مِثْلَ الرَّهْنِ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ: بَابُ الْعَوَارِيّ وَضَمَانُ الصُّنَّاعِ وَالْمَبِيعُ بِخِيَارٍ وَنَفَقَةُ الْمَحْضُونِ إذَا دُفِعَتْ لِلْحَاضِنِ وَالصَّدَاقُ إذَا دُفِعَ لِلْمَرْأَةِ وَحَصَلَ فَسْخٌ أَوْ طَلَاقٌ قِيلَ الدُّخُولُ وَمَا بِيَدِ الْوَرَثَةِ إذَا طَرَأَ دَيْنٌ أَوْ وَارِثٌ آخَرُ وَالْمُشْتَرِي مِنْ غَاصِبٍ وَلَمْ يَعْلَمْ بِغَصْبِهِ وَالسِّلْعَةُ الْمَحْبُوسَةُ لِلثَّمَنِ أَوْ لِلْإِشْهَادِ - كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [كَالْحَيَوَانِ] : أَيْ وَالْعَقَارُ، وَمِنْ ذَلِكَ السَّفِينَةُ الْوَاقِفَةُ فِي الْمَرْسَى؛ فَإِذَا ادَّعَى ضَيَاعَ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ أَوْ تَلَفَهُ أَوْ رَدَّهُ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلتَّوَثُّقِ وَإِلَّا فَلَا يُصَدَّقُ كَمَا فِي ح نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ.

تَقُمْ عَلَى هَلَاكِهِ بَيِّنَةٌ) لَا إنْ قَامَتْ، فَشُرُوطُ ضَمَانِهِ ثَلَاثَةٌ: كَوْنُهُ بِيَدِهِ، وَكَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَلَمْ تَقُمْ عَلَى هَلَاكِهِ بَيِّنَةٌ بِضَيَاعِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ؛ فَيَضْمَنَهُ الْمُرْتَهِنُ (وَلَوْ اشْتَرَطَ الْبَرَاءَةَ) مِنْ الضَّمَانِ؛ وَلَا يَنْفَعُهُ شَرْطُهَا (فِي غَيْرِ) رَهْنٍ (مُتَطَوَّعٍ بِهِ) : وَهُوَ الْمُشْتَرَطُ فِي الْعَقْدِ (أَوْ عَلِمَ احْتِرَاقَ مَحَلِّهِ) : وَادَّعَى احْتِرَاقَهُ أَوْ سَرِقَةَ مَحَلِّهِ، وَادَّعَى أَنَّهُ سُرِقَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَتَاعِ فَيَضْمَنُ وَلَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ (إلَّا بِبَقَاءِ بَعْضِهِ) لَمْ يُحَرِّقْ. (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ بِيَدِ أَمِينٍ أَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ أَوْ قَامَتْ عَلَى ضَيَاعِهِ بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَ مُتَطَوِّعًا بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَاشْتَرَطَ عَدَمَ الضَّمَانِ - عَلَى مَا قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ - أَوْ عَلِمَ احْتِرَاقَ مَحَلِّهِ وَبَقِيَ الْبَعْضُ بِلَا حَرْقٍ مَعَ ظُهُورِ أَثَرِ الْحَرْقِ (فَلَا ضَمَانَ) عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ ضَمَانُ تُهْمَةٍ وَقَدْ زَالَتْ فَلَا ضَمَانَ (وَلَوْ اشْتَرَطَ ثُبُوتَهُ) : أَيْ الضَّمَانَ (إلَّا أَنْ تُكَذِّبَهُ الْبَيِّنَةُ) : الشَّامِلَةُ لِلْعَدْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا يَنْفَعُهُ شَرْطُهَا] : أَيْ بَلْ هُوَ مِمَّا يُقَوِّي التُّهْمَةَ. قَوْلُهُ: [أَوْ عُلِمَ احْتِرَاقُ مَحَلِّهِ] إلَخْ: هَذَا دَاخِلٌ فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ عَلَى الضَّمَانِ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ خِلَافًا لِفَتْوَى الْبَاجِيِّ الْقَائِلِ إذَا عُلِمَ احْتِرَاقُ مَحَلِّ الرَّهْنِ الْمُعْتَادِ وَضْعُهُ فِيهِ وَادَّعَى الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ كَانَ بِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ بِهِ فَإِنَّهُ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْعَدَوِيِّ. قَوْلُهُ: [إلَّا بِبَقَاءِ بَعْضِهِ لَمْ يُحْرَقْ] : اعْلَمْ أَنَّ الرَّهْنَ إذَا كَانَ مُتَّحِدًا كَفَى الْإِتْيَانُ بِبَعْضٍ مِنْهُ مُحْرَقًا وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّدًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِبَعْضِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُ مُحْرَقًا. قَوْلُهُ: [بَقِيَ الْبَعْضُ بِلَا حَرْقٍ] : أَيْ أَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَى فَتْوَى الْبَاجِيِّ. قَوْلُهُ: [فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ اشْتَرَطَ ثُبُوتَهُ] : كَرَّرَ قَوْلَهُ. " فَلَا ضَمَانَ " لِأَجْلِ الْمُبَالَغَةِ وَفِي هَذَا التَّرْكِيبِ رَكَّةٌ لَا تَخْفَى. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ تُكَذِّبَهُ] : أَيْ إلَّا أَنْ تُكَذِّبَ مَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مِنْ أَمِينٍ وَمُرْتَهِنٍ. وَالْمُرَادُ بِالْبَيِّنَةِ: الْعُدُولُ، وَأَمَّا تَكْذِيبُ غَيْرِ الْعُدُولِ فَلَا يُعْتَبَرُ وَالتَّكْذِيبُ إمَّا صَرِيحًا، كَدَعْوَاهُ أَنَّهَا مَاتَتْ يَوْمَ السَّبْتِ مَثَلًا فَقَالُوا رَأَيْنَاهَا عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِمَّا ضِمْنًا كَقَوْلِ جِيرَانِهِ الْمُصَاحِبِينَ فِي السَّفَرِ: لَمْ نَعْلَمْ بِذَلِكَ. وَمَفْهُومُ: " تُكَذِّبُهُ " أَنَّهُ

وَامْرَأَتَيْنِ، كَمَا لَوْ ادَّعَى مَوْتَ الدَّابَّةِ أَوْ الْعَبْدِ الرَّهْنِ فَقَالَ جِيرَانُهُ أَوْ رُفْقَتُهُ فِي السَّفَرِ: لَمْ نَعْلَمْ بِذَلِكَ، أَوْ قَالَ: مَاتَ أَوْ ضَاعَ يَوْمَ كَذَا، فَقَالَتْ الْبَيِّنَةُ: رَأَيْنَاهُ عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ (وَحَلَفَ) الْمُرْتَهِنُ (مُطْلَقًا) فِي ضَمَانِهِ وَعَدَمِ ضَمَانِهِ أَيْ لِلرَّاهِنِ تَحْلِيفُهُ إنَّهُ (لَقَدْ ضَاعَ أَوْ تَلِفَ بِلَا تَفْرِيطٍ) مِنْهُ (وَ) أَنَّهُ (لَمْ يَعْلَمْ مَوْضِعَهُ) : لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ فَرَّطَ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ، وَلَكِنَّهُ يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ. (وَإِنْ ادَّعَى رَدَّهُ) لِرَبِّهِ وَأَنْكَرَ رَبُّهُ (لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ وَيَضْمَنُ (وَاسْتَمَرَّ الضَّمَانُ) عَلَيْهِ (إنْ قَبَضَ الدَّيْنَ أَوْ وُهِبَ) لَهُ حَتَّى يُسْلِمَهُ لِرَبِّهِ وَلَا يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ صَدَّقَهُ الْعُدُولُ، كَقَوْلِهِمْ: إنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَانَ مَعَهُ دَابَّةٌ وَمَاتَتْ وَلَكِنْ لَا نَدْرِي هَلْ هِيَ دَابَّةُ الرَّهْنِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ، وَأَوْلَى إذَا قَالُوا: إنَّهَا دَابَّةُ الرَّهْنِ لَكِنْ فِي الْأُولَى لَا بُدَّ مِنْ حَلِفِهِ إنَّهَا هِيَ دُونَ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: [فِي ضَمَانِهِ وَعَدَمِ ضَمَانِهِ] : أَيْ فِي الصُّوَرِ الَّتِي يَضْمَنُ فِيهَا وَالصُّوَرِ الَّتِي لَا يَضْمَنُ فِيهَا، فَحَيْثُ قُلْنَا بِالضَّمَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَلِفِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُتَّهَمًا أَمْ لَا، فَإِنْ حَلَفَ غَرِمَ الْقِيمَةَ أَوْ الْمِثْلَ وَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ فَإِنْ طَالَ حَبْسُهُ دِينَ وَغُرِّمَ الْقِيمَةَ أَوْ الْمِثْلَ فَأَمْرُهُ بِالْحَلِفِ مَعَ تَضْمِينِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ أَخْفَاهُ. وَأَمَّا فِي الصُّوَرِ الَّتِي لَا ضَمَانَ فِيهَا فَحَلِفُهُ أَوْلَوِيّ، إلَّا أَنَّهُ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ يُحْلَفُ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ أَخْفَاهُ فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ فَإِنْ طَالَ حَبْسُهُ دِينَ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِيهَا. وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ حَلِفِ الْمُرْتَهِنِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ: حَلِفُهُ مُطْلَقًا مُتَّهَمًا أَوْ لَا، عَدَمُ حَلِفِهِ مُطْلَقًا. ثَالِثُهَا: يَحْلِفُ الْمُتَّهَمُ دُونَ غَيْرِهِ. وَحَلِفُهُ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا مَفْرُوضٌ فِي غَيْرِ مَا ثَبَتَ تَلَفُهُ بِالْبَيِّنَةِ وَإِلَّا فَلَا يَمِينَ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ. قَوْلُهُ: [وَاسْتَمَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ إنْ قَبَضَ الدَّيْنَ] إلَخْ: يَعْنِي أَنَّ الرَّهْنَ إذَا كَانَ مِمَّا يُضْمَنْ بِأَنْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ فَإِنَّ ضَمَانَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَلَوْ قَبَضَ دَيْنَهُ مِنْ الرَّاهِنِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ إلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ لِرَبِّهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الرَّاهِنِ كَالْوَدِيعَةِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: " أَوْ وَهَبَ ": أَيْ هِبَةً يُبَرَّأُ بِهَا الْمَدِينُ الَّذِي هُوَ الرَّاهِنُ بِأَنْ وَهَبَ الدَّيْنَ لَهُ لِأَنَّهُ إذْ وَهَبَ الدَّيْنَ لِغَيْرِ الْمَدَّيْنِ صَارَ مَنْ عِنْدَهُ الرَّهْنُ أَمِينًا عَلَى الرَّهْنِ لَا مُرْتَهِنًا، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَضْمَنُ. قَالَ ح: وَإِذَا وَهَبَ الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ لِلرَّاهِنِ ثُمَّ تَلِفَ الرَّهْنُ فَضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ إبْطَالُ الْهِبَةِ إذَا

[بقاء جميع الرهن إذا بقي بعض الدين]

بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ كَالْوَدِيعَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ بَلْ عَلَى وَجْهِ التَّوَثُّقِ بِهِ. (إلَّا أَنْ يُحْضِرَهُ) الْمُرْتَهِنُ لِرَبِّهِ (أَوْ يَدْعُوهُ لِأَخْذِهِ فَقَالَ) رَبُّهُ لِلْمُرْتَهِنِ: (دَعْهُ عِنْدَك) ، ثُمَّ ادَّعَى ضَيَاعَهُ فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ وَبَعْدَ إحْضَارِهِ لِرَبِّهِ أَوْ طَلَبِهِ لِأَخْذِهِ مَحْضَ أَمَانَةٍ. وَلَا بُدَّ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ قَوْلِهِ: دَعْهُ عِنْدَك أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ وَإِلَّا ضَمِنَ. وَأَمَّا إحْضَارُهُ فَلَا يَحْتَاجُ لِذَلِكَ (وَلَوْ قَضَى) الرَّاهِنُ (بَعْضَ الدَّيْنِ أَوْ أَسْقَطَ) بَعْضَهُ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ لِطَلَاقٍ قَبْلَ الْبِنَاءِ (فَجَمِيعُ الرَّهْنِ فِيمَا بَقِيَ) مِنْ الدَّيْنِ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ (إلَّا أَنْ يَتَعَدَّد الرَّاهِنُ) وَيَقْضِي بَعْضُهُمْ مَا عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَلَفَ أَنَّهُ إنَّمَا وَهَبَهُ الدَّيْنَ لِأَجْلِ أَنْ يُبَرِّئَ ذِمَّتَهُ مِنْ الرَّهْنِ وَيَلْزَمُ الرَّاهِنَ غُرْمُ الدَّيْنِ وَيَتَقَاصَّانِ فَإِنْ فَضَلَ عِنْدَ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ شَيْءٌ دَفَعَهُ لَهُ - قَالَهُ أَشْهَبُ. قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ: وَمَا قَالَهُ أَشْهَبُ أَصْلٌ يُخَرَّجُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا فُعِلَ لِغَرَضٍ فَلَمْ يَتِمَّ. قَوْلُهُ: [وَلَا بُدَّ فِي الثَّانِيَةِ] : أَيْ وَهِيَ قَوْلُهُ: أَوْ يَدْعُوهُ لِأَخْذِهِ. وَقَوْلُهُ: [إمَّا إحْضَارُهُ] : أَيْ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى. [بَقَاء جَمِيع الرَّهْن إذَا بَقِيَ بَعْض الدِّين] قَوْلُهُ: [فَجَمِيعُ الرَّهْنِ فِيمَا بَقِيَ] : أَيْ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ رَهْنٌ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الدَّيْنِ وَلِأَنَّهُ قَدْ تُحَوَّلُ عَلَيْهِ الْأَسْوَاقُ فَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ وَكَمَا أَنَّ جَمِيعَ الرَّهْنِ يَبْقَى فِيمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ لَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الرَّهْنِ مُتَّحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا كَانَ مَا بَقِيَ رَهْنًا فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ عَكْسَ مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ. فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِيمَا يَنْقَسِمُ قُسِّمَ وَبَقِيَ نَصِيبُ الرَّاهِنِ رَهْنًا، وَإِلَّا بِيعَ جَمِيعُهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُشْتَرَكَاتِ الَّتِي لَا تَنْقَسِمُ إذَا طَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْبَيْعَ. فَإِنْ اسْتَحَقَّ كُلُّهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا خُيِّرَ الْمُرْتَهِنُ بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ وَإِمْضَائِهِ فَيَبْقَى الدَّيْنُ بِلَا رَهْنٍ كَبَعْدِ الْقَبْضِ إنْ غَرَّهُ الرَّاهِنُ، وَإِلَّا بَقِيَ الدَّيْنُ بِلَا رَهْنٍ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ بَعْدَ قَبْضِهِ جُبِرَ عَلَى حَلِفِهِ عَلَى الرَّاجِحِ وَلَا يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَتَعَدَّدَ الرَّاهِنُ] : أَيْ كَمَا لَوْ رَهَنَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو دَارًا يَمْلِكَانِهَا مِنْ بَكْرٍ فَكُلُّ مَنْ قَضَى دَيْنَهُ مُكِّنَ مِنْ حِصَّتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْحِصَّةُ تَقْبَلُ الْقِسْمَةَ فَتَقْيِيدَ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ يَنْقَسِمُ لَا يَسْلَمُ.

[تنازع المتراهنين]

فَلَهُ أَخْذُ مَنَابِهِ مِنْ الرَّاهِنِ إنْ كَانَ يَنْقَسِمُ، (أَوْ) يَتَعَدَّدُ (الْمُرْتَهِنُ) ، فَكُلُّ مَنْ أَخَذَ دَيْنَهُ رَدَّ مِنْ الرَّهْنِ الْمُتَعَدِّدِ، كَثِيَابٍ، أَوْ الْمُتَّحِدِ الْمُنْقَسِمِ مَا عِنْدَهُ مِنْهُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ رَهَنَ دَارًا مِنْ رَجُلَيْنِ صَفْقَةً فَقَضَى أَحَدُهُمَا حَقَّهُ أَخَذَ حِصَّتَهُ مِنْ الدَّارِ. (وَالْقَوْلُ) عِنْدَ تَنَازُعِ الْمُتَرَاهِنَيْنِ - كَأَنْ يَقُولَ رَبُّ السِّلْعَةِ لِلْمُرْتَهِنِ: هِيَ عِنْدَك أَمَانَةٌ أَوْ عَارِيَّةٌ وَدَيْنُك بِلَا رَهْنٍ، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ هِيَ رَهْنٌ، وَقَدْ يَدَّعِي الْمُرْتَهِنُ نَفْيَ الرَّهْنِ وَرَبُّ السِّلْعَةِ يَدَّعِي الرَّهْنِيَّةَ كَمَا إذَا كَانَتْ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَضَاعَتْ مِنْهُ فَيَدَّعِي رَبُّهَا أَنَّهَا رَهْنٌ لِيُضَمِّنَهُ الْقِيمَةَ أَوْ الْمِثْلَ - (لِمُدَّعِي نَفْيِ الرَّهْنِيَّةِ) مِنْهُمَا لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ. وَمَنْ ادَّعَى الرَّهْنِيَّةَ فَقَدْ أَثْبَتَ وَصْفًا زَائِدًا فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ. (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي مَقْبُوضٍ، فَقَالَ الرَّاهِنُ) : هُوَ (عَنْ دَيْنِ الرَّهْنِ) ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: هُوَ عَنْ غَيْرِهِ (حَلَفَا) : أَيْ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى طِبْقِ دَعْوَاهُ وَنَفْيِ دَعْوَى صَاحِبِهِ (وَوُزِّعَ) الْمَقْبُوضُ عَلَى الدَّيْنَيْنِ مَعًا كَالْمُحَاصَّةِ. (كَأَنْ نَكَلَا) فَإِنَّهُ يُوَزِّعُ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِهِمَا، وَقُضِيَ لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ، وَيَبْدَأُ الرَّاهِنُ (كَالْحَمَالَةِ) : تَشْبِيهٌ فِي التَّوْزِيعِ بَعْدَ حِلْفِهِمَا؛ فَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ دَيْنَانِ أَحَدُهُمَا بِحَمِيلٍ وَالثَّانِي بِغَيْرِ حَمِيلٍ فَقَضَاهُ أَحَدُهُمَا فَادَّعَى رَبُّ الدَّيْنِ أَنَّهُ عَنْ الَّذِي بِلَا حَمِيلٍ وَادَّعَى الْمَدِينُ أَنَّهُ عَنْ الَّذِي بِحَمِيلٍ، أَوْ يَكُونُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ يَتَعَدَّدُ الْمُرْتَهِنُ] : أَيْ كَمَا لَوْ رَهَنَ زَيْدٌ عُمْرًا وَبَكْرًا رَهْنًا وَفِي أَحَدِهِمَا حَقُّهُ كَانَ لَهُ أَخْذِ حِصَّتِهِ مِنْ الرَّهْنِ إذَا كَانَ يَنْقَسِمُ، وَإِلَّا كَانَتْ تِلْكَ الْحِصَّةُ أَمَانَةً عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ الثَّانِي. أَوْ يُجْعَلُ الرَّهْنُ كُلُّهُ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ وَلَا يُمَكَّنُ الرَّاهِنُ مِنْهُ لِئَلَّا يَبْطُلَ حَوْزُ رَهْنِ الثَّانِي. وَمِثَالُ تَعَدُّدِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ: رَجُلَانِ رَهَنَا دَارًا لَهُمَا مِنْ رَجُلَيْنِ فَقَضَى أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ كَانَ لَهُ أَخْذُ حِصَّتِهِ مِنْ الرَّهْنِ. [تَنَازُعِ الْمُتَرَاهِنَيْنِ] قَوْلُهُ: [لِمُدَّعِي نَفْيِ الرَّهْنِيَّةِ] : أَيْ بِيَمِينٍ لِقَاعِدَةِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، فَمُدَّعِي نَفْيِ الرَّهْنِيَّةِ هُوَ الْمُنْكِرُ لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ وَمُدَّعِي الرَّهْنِيَّةِ هُوَ الْمُدَّعِي لِتَمَسُّكِهِ بِخِلَافِ الْأَصْلِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ. قَوْلُهُ: [وَوُزِّعَ الْمَقْبُوضُ عَلَى الدَّيْنَيْنِ مَعًا] : ظَاهِرُهُ حَلَّ الدَّيْنَانِ أَوْ حَلَّ أَحَدُهُمَا أَوْ لَمْ يَحِلَّا اتَّحَدَ أَجَلُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَ، وَهُوَ كَذَلِكَ. وتَفْصِيلُ اللَّخْمِيُّ ضَعِيفٌ.

أَحَدُهُمَا أَصْلِيٌّ وَالْآخَرُ هُوَ حَمِيلٌ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَمَضَى أَحَدُهُمَا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ دَيْنُ الْحَمَالَةِ وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ دَيْنُ الْأَصَالَةِ، فَإِنَّهُ يُوَزَّعُ فِي الصُّورَتَيْنِ بَعْدَ حَلِفِهِمَا. (وَ) لَوْ اخْتَلَفَا (فِي قِيمَةِ) رَهْنٍ (تَالِفٍ) عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ (تَوَاصَفَاهُ، ثُمَّ قُوِّمَ) هَذَا إنْ اتَّفَقَا عَلَى وَصْفِهِ. (فَإِنْ اخْتَلَفَا) فِي وَصْفِهِ (فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ) بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ (فَإِنْ تَجَاهَلَا) : أَيْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا جَهْلَ حَقِيقَةِ صِفَتِهِ (فَالرَّهْنُ بِمَا فِيهِ) مِنْ الدَّيْنِ، وَلَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ (وَهُوَ) : أَيْ الرَّهْنُ بِالنَّظَرِ لِقِيمَتِهِ (كَالشَّاهِدِ) لِلرَّاهِنِ أَوْ لِلْمُرْتَهِنِ إذَا اخْتَلَفَا (فِي قَدْرِ الدَّيْنِ) فَمَنْ شُهِدَ لَهُ حَلَفَ مَعَهُ، وَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ. (لَا الْعَكْسَ) : أَيْ لَيْسَ الدَّيْنُ كَالشَّاهِدِ فِي قَدْرِ الرَّهْنِ، بَلْ الْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ إذَا تَلِفَ الرَّهْنُ وَاخْتَلَفَا فِي وَصْفِهِ؛ وَلَوْ ادَّعَى صِفَةً دُونَ قَدْرِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَالْغَارِمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يُوَزَّعُ فِي الصُّورَتَيْنِ بَعْدَ حَلِفِهِمَا] : مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَتَيْنِ: أَنَّهُمَا إنْ اتَّفَقَا فِي حُصُولِ الْبَيَانِ وَلَكِنْ اخْتَلَفَا فِي تَعْلِيقِهِ هَلْ هُوَ دَيْنُ الْأَصَالَةِ أَوْ الْحِمَالَةِ وَأَمَّا لَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّبْدِئَةِ عِنْدَ الْقَبْضِ، فَإِنَّ الْمَقْبُوضَ يُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ حَلِفٍ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ. . قَوْلُهُ [وَلَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ] : وَانْظُرْ هَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَيْمَانِهِمَا - كَتَجَاهُلِ الْمُتَبَايِعَيْنِ الثَّمَنَ - أَوْ لَا؟ قَالَ الشَّيْخُ سَالِمٌ السَّنْهُورِيُّ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِثْلُهُ كَمَا قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: " فَإِنْ تَجَاهَلَا " أَنَّهُ لَوْ جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا وَعَلِمَهُ الْآخَرُ حَلَفَ الْعَالِمُ عَلَى مَا ادَّعَى فَإِنْ نَكَلَ فَالرَّهْنُ بِمَا فِيهِ قَوْلُهُ: [فِي قَدْرِ الدَّيْنِ] : أَيْ الَّذِي رُهِنَ فِيهِ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ إنَّمَا أَخَذَهُ وَثِيقَةً بِحَقِّهِ وَلَا يَتَوَثَّقُ إلَّا بِمِقْدَارِ دَيْنِهِ فَأَكْثَرَ. قَالَ ح: وَسَوَاءٌ أَنْكَرَ الزَّائِدَ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ أَقَرَّ بِهِ وَادَّعَى أَنَّ الرَّهْنَ فِي دُونِهِ، فَإِذَا قَالَ الرَّاهِنُ: الدَّيْنُ الْمَرْهُونُ فِيهِ دِينَارٌ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: دِينَارَانِ، صُدِّقَ مَنْ شُهِدَ لَهُ الرَّهْنُ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ دِينَارًا صُدِّقَ الرَّاهِنُ أَوْ دِينَارَيْنِ صُدِّقَ الْمُرْتَهِنُ. قَوْلُهُ: [أَيْ لَيْسَ الدَّيْنُ كَالشَّاهِدِ فِي قَدْرِ الرَّهْنِ] : أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّهْنُ قَائِمًا أَوْ فَائِتًا فَإِذَا دَفَعَ لَهُ ثَوْبَيْنِ وَتَنَازَعَا فِي أَنَّ كِلَيْهِمَا رَهْنٌ أَوْ أَحَدُهُمَا وَدِيعَةٌ

مُصَدَّقٌ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَدَّعِ هَلَاكَهُ وَأَتَى بِرَهْنٍ دُونَ قَدْرِ الدَّيْنِ وَقَالَ الرَّاهِنُ: بَلْ رَهْنِي غَيْرُ هَذَا وَقِيمَتُهُ تُسَاوِي الدَّيْنَ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَتَنْتَهِي شَهَادَةُ الرَّاهِنِ (إلَى قِيمَتِهِ) : أَيْ الرَّهْنِ فَلَا يَشْهَدُ بِالزَّائِدِ عَلَيْهَا وَتَعْتَبِرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْحُكْمِ إنْ كَانَ قَائِمًا كَمَا سَيَأْتِي (مَا لَمْ يَفُتْ) : أَيْ مُدَّةَ كَوْنِهِ لَمْ يَفُتْ (فِي ضَمَانِ الرَّاهِنِ) بِأَنْ كَانَ قَائِمًا لَمْ يَفُتْ أَصْلًا، أَوْ فَاتَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ؛ بِأَنْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقُمْ عَلَى هَلَاكِهِ بَيِّنَةٌ. فَلَوْ فَاتَ فِي ضَمَانِ الرَّاهِنِ بِأَنْ قَامَتْ عَلَى هَلَاكِهِ بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَوْ تَلِفَ بِيَدِ أَمِينٍ لَمْ يَكُنْ شَاهِدًا عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ. وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ كَالشَّاهِدِ فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَشْهَدَ لِلرَّاهِنِ أَوْ لِلْمُرْتَهِنِ أَوْ لَا يَشْهَدَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا (فَإِنْ شَهِدَ لِلْمُرْتَهِنِ) : كَأَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ الدَّيْنَ عِشْرُونَ، وَقَالَ الرَّاهِنُ: بَلْ عَشَرَةٌ، وَقِيمَةُ الرَّهْنِ عِشْرُونَ فَأَكْثَرَ (حَلَفَ أَنَّ دَيْنَهُ) عِشْرُونَ وَ (أَخَذَهُ) فِي دَيْنِهِ لِثُبُوتِهِ حِينَئِذٍ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ (إنْ لَمْ يَفْتَكَّهُ الرَّاهِنُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ وَلَا يَكُونُ الدَّيْنُ شَاهِدًا فِي قَدْرِ الرَّهْنِ. قَوْلُهُ: [هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ] : أَيْ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ، وَرَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ. وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي فِي الْمُدَوَّنَةِ: بِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَوَثَّقْ مِنْهُ بِإِشْهَادٍ. قَوْلُهُ: [مَا لَمْ يَفُتْ] إلَخْ: " مَا " مَصْدَرِيَّةٌ ظَرْفِيَّةٌ مَعْمُولَةٌ لِمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ كَالشَّاهِدِ أَيْ وَالرَّهْنُ يَشْهَدُ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ مُدَّةَ عَدَمِ فَوَاتِهِ فِي ضَمَانِ رَاهِنِهِ إلَخْ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ كَانَ قَائِمًا] : أَيْ مُطْلَقًا مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَوْ لَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ خَمْسٌ يَكُونُ الرَّهْنُ شَاهِدًا عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ فِي اثْنَيْنِ مِنْهَا، وَلَا يَكُونُ شَاهِدًا عَلَى قَدْرِهِ فِي ثَلَاثٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ فَاتَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ] : وَإِنَّمَا كَانَ شَاهِدًا إذَا فَاتَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ وَلَمْ يَكُنْ شَاهِدًا إذَا فَاتَ فِي ضَمَانِ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَاتَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ وَهِيَ تَقُومُ مَقَامَهُ. وَإِذَا فَاتَ فِي ضَمَانِ الرَّاهِنِ لَمْ يَضْمَنْ قِيمَتَهُ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَهُوَ كَدَيْنٍ عَلَيْهِ بِلَا رَهْنٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيهِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ. قَوْلُهُ: [حَلَفَ أَنَّ دَيْنَهُ عِشْرُونَ وَأَخَذَهُ] إلَخْ: قَالَ بْن: فَرْعٌ: اُنْظُرْ إذَا قَامَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ بِقَدْرِ الدَّيْنِ، هَلْ يُضَمُّ لِلرَّهْنِ وَيَسْقُطُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ

مِنْ يَدِ مُرْتَهِنِهِ (بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ) الْمُرْتَهِنُ مِنْ الْعِشْرِينَ، فَإِنْ افْتَكَّهُ بِالْعِشْرِينَ أَخَذَ رَهْنَهُ (و) إنْ شَهِدَ (لِلرَّاهِنِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ) عَشَرَةً كَدَعْوَى الرَّاهِنِ (فَكَذَلِكَ) : أَيْ يَحْلِفُ مَعَهُ أَنَّ الدَّيْنَ عَشَرَةٌ وَأَخَذَهُ (وَغَرِمَ مَا أَقَرَّ بِهِ) لِلْمُرْتَهِنِ وَهُوَ الْعَشَرَةُ فِي الْمِثَالِ فَإِنْ نَكَلَ الرَّاهِنُ حَلَفَ الْمُرْتَهِنُ وَأَخَذَهُ مَا لَمْ يَفْتَكَّهُ الرَّاهِنُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِلَّا) يُشْهَدْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ دَعْوَى الْمُرْتَهِنِ وَأَكْثَرَ مِنْ دَعْوَى الرَّاهِنِ؛ كَأَنْ يَكُونَ قِيمَتُهُ فِي الْمِثَالِ خَمْسَةَ عَشَرَ (حَلَفَا) : أَيْ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى طِبْقِ دَعْوَاهُ، وَرَدِّ دَعْوَى صَاحِبِهِ وَيَبْدَأُ الْمُرْتَهِنُ (وَأَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ) فِي دَيْنِهِ (إنْ لَمْ يَغْرَمْ الرَّاهِنُ قِيمَتَهُ) لِلْمُرْتَهِنِ وَهِيَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ؛ فَإِنْ افْتَكَّهُ بِهَا أَخَذَهُ. فَإِنْ نَكَلَا مَعًا فَكَحَلِفِهِمَا. (وَاعْتُبِرَتْ) قِيمَتُهُ (يَوْمَ الْحُكْمِ) لَا يَوْمَ الرَّهْنِ وَلَا يَوْمَ قَبْضِهِ هَذَا (إنْ بَقِيَ) : أَيْ إذَا كَانَ بَاقِيًا لَمْ يَتْلَفْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ؟ نَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ: أَنَّهُ لَا يُضَمُّ لَهُ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ، لِأَنَّ الرَّهْنَ لَيْسَ شَاهِدًا حَقِيقِيًّا وَهُوَ ظَاهِرٌ (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَإِنْ شُهِدَ لِلرَّاهِنِ] : الظَّاهِرُ أَنَّ فَرْعَ (بْن) الْمُتَقَدِّمَ يَأْتِي هُنَا أَيْضًا. قَوْلُهُ: [حَلَفَ الْمُرْتَهِنُ وَأَخَذَهُ] إلَخْ: الصَّوَابُ وَأَخَذَ مَا ادَّعَاهُ وَهُوَ الْعِشْرُونَ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَيَبْدَأُ الْمُرْتَهِنُ] : أَيْ لِأَنَّ الرَّهْنَ كَالشَّاهِدِ بِقِيمَتِهِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَبْدَأُ بِالْحَلِفِ إلَّا مَنْ تَقَوَّى جَانِبُهُ وَقِيمَةُ الرَّهْنِ قَرِيبَةٌ مِنْ دَعْوَى الْمُرْتَهِنِ فَقَدْ تُقَوِّي جَانِبَهُ. قَوْلُهُ: [وَأَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ فِي دَيْنِهِ] : فَلَوْ أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ وَاسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ رُجِعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِقِيمَتِهِ وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ لَا بِقَدْرِ الدَّيْنِ الَّذِي كَانَ يَدَّعِيه. قَوْلُهُ: [فَإِنْ افْتَكَّهُ بِهَا أَخَذَهُ] : هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ نَافِعٍ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إذَا أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَفْتَكَّهُ فَلَا يَفْتَكَّهُ إلَّا بِمَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ حَلَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْعِشْرُونَ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ نَكَلَا مَعًا] : إلَخْ. فَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا وَحَلَفَ الْآخَرُ قُضِيَ لِلْحَالِفِ بِمَا ادَّعَاهُ.

وَإِلَّا) بِأَنْ تَلِفَ (فَيَوْمَ الِارْتِهَانِ عَلَى الْأَرْجَحِ) عِنْدَ الْبَاجِيِّ وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَهُوَ نَصُّ الْمُوَطَّإِ. وَقِيلَ: يَوْمَ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ. وَقِيلَ: يَوْمَ التَّلَفِ، أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ بِلَا تَرْجِيحٍ. ثُمَّ إنَّ الْكَلَامَ فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لِتَكُونَ كَالشَّاهِدِ لَا لِتَضْمَنَ، وَأَمَّا اعْتِبَارُهَا لِتَضْمَنَ، فَيَوْمُ الْقَبْضِ إنْ لَمْ يُرَ بَعْدَهُ وَإِلَّا فَمِنْ آخِرِ رُؤْيَةٍ عِنْدَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَيَوْمَ الِارْتِهَانِ] : أَيْ يَوْمَ عَقْدِ الرَّهْنِ وَلَا شَكَّ أَنَّ يَوْمَ الْقَبْضِ قَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْ يَوْمِ الِارْتِهَانِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ يَوْمَ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ] : أَيْ لِأَنَّ الْقِيمَةَ كَالشَّاهِدِ يَضَعُ خَطَّهُ وَيَمُوتُ فَيُرْجَعُ لِخَطِّهِ فَيُقْضَى بِشَهَادَتِهِ يَوْمَ وَضَعَهَا. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ يَوْمَ التَّلَفِ] : أَيْ لِأَنَّ عَيْنَهُ كَانَتْ شَاهِدَةً وَقْتَ التَّلَفِ.:

[باب في الفلس وأحكامه]

بَابٌ فِي الْفَلَسِ وَأَحْكَامِهِ وَالْفَلَسُ يُسْتَعْمَلُ عِنْدَهُمْ فِي الْعَدَمِ. وَالتَّفْلِيسُ أَعَمُّ وَأَخَصُّ. وَاعْلَمْ أَنَّ لِمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنَ بِمَالِهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: الْأُولَى قَبْلَ التَّفْلِيسِ: وَهِيَ مَنْعُهُ وَعَدَمُ جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فِيمَا لَا يَلْزَمُهُ مِمَّا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِفِعْلِهِ مِنْ هِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَعِتْقٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، كَخِدْمَةٍ وَإِقْرَارٍ بِدَيْنٍ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْفَلَسِ وَأَحْكَامِهِ] [أحوال إحاطة الدِّين] بَابٌ لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مُتَعَلِّقِ الرَّهْنِ - وَكَانَ مِنْهُ الْحَجْرُ الْخَاصُّ عَلَى الرَّاهِنِ وَمَنْعُهُ التَّصَرُّفَ فِي الرَّهْنِ إلَّا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ - شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَجَرِ الْعَامِ: وَهُوَ إحَاطَةُ الدَّيْنِ وَالْفَلَسِ. وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: عَدَمُ الْمَالِ، وَالتَّفْلِيسُ: خَلْعُ الرَّجُلِ مِنْ مَالِهِ لِغُرَمَائِهِ. وَالْمُفْلِسُ: الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْفَلَسِ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْفُلُوسِ الَّتِي هِيَ أَحَدَ النُّقُودِ - عِيَاضٌ: أَيْ أَنَّهُ صَارَ صَاحِبَ فُلُوسٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ ذَا ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي كُلٍّ مِنْ عَدَمِ الْمَالِ. يُقَالُ: أَفْلَسَ الرَّجُلُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ فَهُوَ مُفْلِسٌ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ [فِي الْفَلَسِ] : أَيْ تَعْرِيفُهُ وَحَقِيقَتُهُ وَبِأَحْكَامِهِ مَسَائِلِهِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ. قَوْلُهُ: [يُسْتَعْمَلُ عِنْدَهُمْ فِي الْعَدَمِ] : أَيْ فِي عَدَمِ الْمَالِ بِأَنْ يُحِيطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ. قَوْلُهُ: [وَالتَّفْلِيسُ أَعَمُّ وَأَخَصُّ] : فَالْأَعَمُّ هُوَ قِيَامُ الْغُرَمَاءِ عَلَيْهِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ خَلْعُ الْمَالِ وَالْأَخَصُّ خَلْعُهُ بِالْفِعْلِ. قَوْلُهُ: [مِمَّا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِفِعْلِهِ] : أَيْ وَأَمَّا مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ كَكِسْرَةٍ لِسَائِلٍ وَضَحِيَّةٍ وَنَفَقَةِ ابْنِهِ وَأَبِيهِ دُونَ سَرَفٍ فِي الْجَمِيعِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ] : أَيْ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ. وَقَوْلُهُ: [وَمَنْعُهُ حَتَّى مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ] : أَيْ وَلَوْ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ.

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: تَفْلِيسٌ عَامٌّ وَهُوَ قِيَامُ الْغُرَمَاءِ عَلَيْهِ وَلَهُمْ سَجْنُهُ وَمَنْعُهُ حَتَّى مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ، نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ قَرِيبًا بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ. الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: تَفْلِيسٌ خَاصٌّ وَهُوَ خَلْعُ مَالِهِ لِغُرَمَائِهِ. وَإِلَى الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (الْفَلَسُ إحَاطَةُ الدَّيْنِ بِمَالِ الْمَدِينِ) : فَيَمْنَعُهُ الْهِبَةَ وَمَا فِي مَعْنَاهَا لَا الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَالتَّصَرُّفَ اللَّازِمَ مَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءُ. (وَالتَّفْلِيسُ الْأَعَمُّ: قِيَامُ ذِي دَيْنٍ حَلَّ) أَجَلُهُ أَوْ كَانَ حَالًّا أَصَالَةً (عَلَى مَدِينٍ) لَهُ (لَيْسَ لَهُ) : أَيْ لِلْمَدِينِ مِنْ الْمَالِ (مَا يَفِي بِهِ) : أَيْ بِالدَّيْنِ بِأَنْ كَانَ مَا مَعَهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ، وَكَذَا إذَا كَانَ مُسَاوِيًا لَهُ عَلَى مَا يُفِيدُهُ النَّقْلُ: وَأَمَّا لَوْ كَانَ مَعَهُ أَكْثَرُ مِنْ الدَّيْنِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِمَّا سَيَأْتِي، إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ بِمَا يُنْقِصُ مَالَهُ عَنْ الدَّيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: [وَالْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ] : كِنَايَةٌ عَنْ مَنْعِهِ مِنْ جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ. قَوْلُهُ: [وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ] : كَالِاسْتِثْنَاءِ مِمَّا قَبْلَهُ الَّذِي هُوَ عُمُومُ الْمَنْعِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَى الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ] إلَخْ: لَكِنَّ تَسْمِيَتَهُ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى مُفْلِسًا بِاعْتِبَارِ التَّهَيُّؤِ وَالصَّلَاحِيَةِ لَا بِالْفِعْلِ. قَوْلُهُ: [إحَاطَةُ الدَّيْنِ بِمَالِ الْمَدِينِ] : أَيْ بِأَنْ زَادَ الدَّيْنُ عَلَى مَالِ الْمَدِينِ أَوْ سَاوَاهُ. قَوْلُهُ: [ذِي دَيْنٍ حَلَّ] إلَخْ: مَفْهُومُهُ أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ لَا يَمْنَعُ الْغَرِيمَ مِنْ التَّبَرُّعِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي التَّتَّائِيِّ نَقْلًا عَنْ شَيْخِهِ السَّنْهُورِيِّ، وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ يُفِيدُهُ. قَوْلُهُ [إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ بِمَا يُنْقِصُ مَالَهُ عَنْ الدَّيْنِ] : أَيْ كَمَا إذَا كَانَ يَمْلِكُ مِائَةً وَعَلَيْهِ خَمْسُونَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّبَرُّعُ بِسِتِّينَ.

فَلَهُ مَنْعُهُ) : أَيْ مَنْعُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ (مِنْ تَبَرُّعِهِ) بِهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَحَبْسٍ وَإِخْدَامٍ وَحَمَالَةٍ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَمِنْ التَّبَرُّعِ قَرْضُهُ، فَيُمْنَعُ مِنْهُ، وَقَوْلُهُ: " وَمِنْ تَبَرُّعِهِ " لَا مَفْهُومَ لَهُ، بَلْ لَهُمْ مَنْعُهُ مِنْ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَأَخْذِهِ وَعَطَائِهِ، لِأَنَّ التَّفْلِيسَ الْأَعَمَّ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ كَمَا تَقَدَّمَ - خِلَافًا لِظَاهِرِ ابْنِ عَرَفَةَ - بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْإِحَاطَةِ بِلَا قِيَامٍ فَلَا تُمْنَعُ الْمُعَاوَضَاتُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ هَذَا هُوَ النَّقْلُ. (وَ) مَنَعَهُ (مِنْ إعْطَاءِ كُلِّ مَا بِيَدِهِ) مِنْ الْمَالِ (لِبَعْضٍ) مِنْ الْغُرَمَاءِ دُونَ بَعْضٍ (أَوْ) إعْطَاءِ (بَعْضِهِ) : أَيْ بَعْضَ مَا بِيَدِهِ (قَبْلَ) حُلُولِ (الْأَجَلِ) ، وَكَذَا بَعْدَهُ إنْ كَانَ الْبَاقِي لَا يَصْلُحُ لِلْمُعَامَلَةِ. (وَ) مَنَعَهُ مِنْ (إقْرَارِهِ لِمُتَّهَمٍ عَلَيْهِ) : مِنْ وَلَدٍ وَنَحْوِهِ وَزَوْجَةٍ يَمِيلُ لَهَا وَصِدِّيقٍ مُلَاطِفٍ. وَيُرَدُّ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَّهَمِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مِنْ تَبَرُّعِهِ] : مُتَعَلِّقٌ بِمَنْعِ. قَوْلُهُ: [وَحَمَالَةٍ] : أَيْ ضَمَانٍ لِأَنَّهَا مِنْ نَاحِيَةِ الصَّدَقَةِ. قَوْلُهُ: [وَمِنْ التَّبَرُّعِ قَرْضُهُ] : أَيْ وَلَوْ لِغَيْرِ عَدِيمٍ خِلَافًا لِتَقْيِيدِهِ فِي الْأَصْلِ بِالْعَدِيمِ. قَوْلُهُ: [فَلَا تَمْنَعُ الْمُعَاوَضَاتُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ] : أَيْ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ. قَوْلُهُ: [مِنْ إعْطَاءِ كُلِّ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ لِبَعْضٍ] : فَإِنْ وَقَعَ وَأَعْطَى جَمِيعَ مَا بِيَدِهِ لِبَعْضِ الْغُرَمَاءِ كَانَ لِغَيْرِهِ رَدُّ الْجَمِيعِ عَلَى الظَّاهِرِ وَلَا يَبْقَى الْبَعْضُ الْجَائِزُ الَّذِي يَسُوغُ إعْطَاؤُهُ لَهُ مِنْ بَابِ قَوْلِهِمْ الصَّفْقَةُ إذَا جَمَعَتْ حَلَالًا وَحَرَامًا فَسَدَتْ كُلُّهَا وَلَا فَرْقَ فِي إعْطَاءِ الْكُلِّ بَيْنَ كَوْنِ الْإِعْطَاءِ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ] : أَيْ لِأَنَّ مَنْ عَجَّلَ مَا أُجِّلَ عُدَّ مُسَلِّفًا وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ السَّلَفِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَّهَمِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ] : الرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُفْلِسِ وَمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ مِنْ أَنَّ إقْرَارَ كُلٍّ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ إنَّمَا يَمْضِي إذَا كَانَ دَيْنَ الْغُرَمَاءِ ثَابِتًا بِالْإِقْرَارِ لَا بِالْبَيِّنَةِ كَمَا أَنَّ إقْرَارَ كُلٍّ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ لَا يَمْضِي سَوَاءٌ كَانَ دَيْنُ الْغُرَمَاءِ ثَابِتًا بِالْإِقْرَارِ أَوْ الْبَيِّنَةِ.

وَ) مِنْ (تَزَوُّجِهِ أَكْثَرَ مِنْ) زَوْجَةٍ (وَاحِدَةٍ) وَأَمَّا الْوَاحِدَةُ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا إنْ كَانَتْ مِنْ نِسَائِهِ وَأَصْدَقَهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا، فَلَوْ كَانَ مُتَزَوِّجًا فَيُمْنَعُ مِنْ إحْدَاثِ أُخْرَى. (وَ) مَنَعَهُ مِنْ (حِجَّةِ الصَّرُورَةِ) : لِأَنَّ مَالَهُ الْآنَ لِلْغُرَمَاءِ فَحَجُّ التَّطَوُّعِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ. (وَ) مُنِعَ مِنْ (سَفَرٍ) لِتِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا إنْ حَلَّ دَيْنُهُ أَوْ كَانَ يَحِلُّ بِغَيْبَتِهِ. وَهَذَا يَجْرِي حَتَّى فِي غَيْرِ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ حَيْثُ لَمْ يُوَكِّلْ مَنْ يُوَفِّي عَنْهُ دَيْنَهُ. (لَا رَهْنَ) فِي دَيْنٍ اسْتَحْدَثَهُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ وَهُوَ صَحِيحٌ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَيُمْنَعُ مِنْ الرَّهْنِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ ذَكَرَهُ الْحَطَّابُ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ غَيْرِ الْمَدِينِ فَيَجُوزُ قَطْعًا إذْ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِي مُعَامَلَاتِهِ. (وَ) لَا يُمْنَعُ مِنْ (نَفَقَةِ عِيدٍ وَأُضْحِيَّةٍ بِالْمَعْرُوفِ) فِيهِمَا دُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَصْدَقَهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا] : فَإِنْ أَصْدَقَهَا أَكْثَرَ فَلِغُرَمَائِهِ الزَّائِدُ يَرْجِعُونَ عَلَيْهَا بِهِ وَكَانَ ذَلِكَ الزَّائِدُ دَيْنًا لَهَا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [فَيُمْنَعُ مِنْ إحْدَاثِ أُخْرَى] : أَيْ إنْ كَانَتْ الَّتِي فِي عِصْمَتِهِ تُعِفُّهُ. قَوْلُهُ: [فَحَجُّ التَّطَوُّعِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ] : فِيهِ رَدٌّ عَلَى ابْنِ رُشْدٍ حَيْثُ تَرَدَّدَ فِي تَزْوِيجِهِ أَرْبَعًا وَفِي حِجَّةِ التَّطَوُّعِ. قَوْلُهُ: [وَمُنِعَ مِنْ سَفَرٍ لِتِجَارَةٍ] : أَيْ حَيْثُ كَانَ مُوسِرًا، فَشُرُوطُ مَنْعِهِ ثَلَاثَةٌ: حُلُولُ الدَّيْنِ بِغِيبَتِهِ، وَإِيسَارُهُ بِهِ وَلَمْ يُوَكِّلْ فِي قَضَائِهِ. قَوْلُهُ: [لَا رَهْنَ فِي دَيْنٍ] : أَيْ لَا يُمْنَعُ مِنْ دَفْعِ رَهْنٍ بِشُرُوطٍ سِتَّةٍ: إنْ كَانَ الْمَرْهُونُ بَعْضَ مَالِهِ، فِي مُعَامَلَةٍ حَدَّثَتْ، اُشْتُرِطَ فِيهَا الرَّهْنُ، لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ وَالرَّهْنُ صَحِيحٌ، وَأَصَابَ وَجْهَ الرَّهْنِ بِأَلَّا يَرْهَنَ كَثِيرًا فِي قَلِيلٍ - أَفَادَهُ الْأَصْلُ تَبَعًا لِ عب قَالَ بْن: لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الشُّرُوطَ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَالتَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْجَوَازَ مُطْلَقٌ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُعَرِّجْ شَارِحُنَا عَلَى تِلْكَ الشُّرُوطِ. قَوْلُهُ: [غَيْرِ الْمَدِينِ] : أَيْ غَيْرِ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ. قَوْلُهُ: [فِي مُعَامَلَاتِهِ] : أَيْ وَلَا فِي تَبَرُّعَاتِهِ مِنْ الثُّلُثِ.

[الحكم بخلع مال المفلس لغرمائه]

السَّرَفِ، فَيُمْنَعُ مِنْهُ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِهِ دُونَ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ. عَلَيْهِ فَإِنْ قَامُوا فَلَهُمْ مَنْعُهُ حَتَّى مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَوْ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَابِلِ مَا لِابْنِ رُشْدٍ مِنْ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ مَنْعُهُ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ: أَيْ وَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ وَابْنِ عَرَفَةَ. (وَلَهُ) : أَيْ لِلْغَرِيمِ اتَّحَدَ أَوْ تَعَدَّدَ (رَفْعُهُ) : أَيْ رَفْعُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ (لِلْحَاكِمِ فَيَحْكُمُ) بَعْدَ إثْبَاتِ إحَاطَةِ الدَّيْنِ بِمَالِهِ مَعَ مَا يَأْتِي مِنْ الشُّرُوطِ (بِخَلْعِ مَالِهِ لِغُرَمَائِهِ، حَضَرَ) الْمَدِينُ (أَوْ غَابَ) وَلَا يَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ عَلَى حُضُورِهِ فَيَقْتَسِمُونَهُ بِالْمُحَاصَّةِ (وَ) هَذَا (هُوَ) التَّفْلِيسُ (الْأَخَصُّ) . وَاسْتَشْكَلَ تَسْمِيَةُ الْأَوَّلِ بِالْأَعَمِّ وَهَذَا بِالْأَخَصِّ، بِأَنَّ حَقِيقَةَ الْأَعَمِّ مَا يَشْمَلُ الْأَخَصَّ وَزِيَادَةً، وَالْأَخَصُّ مَا انْدَرَجَ تَحْتَ الْأَعَمِّ كَالْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ هُنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ جِنْسَ الْأَعَمِّ قِيَامُ الْغُرَمَاءِ عَلَى الْمَدِينِ وَجِنْسَ الْأَخَصِّ حُكْمُ الْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ وَهُمَا مُتَبَايِنَانِ. وَأُجِيبُ: بِأَنَّ الْأَعَمِّيَّةَ وَالْأَخَصِّيَّةَ بِاعْتِبَارِ الْأَحْكَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَهَذَا ظَاهِرٌ] : إلَخْ اسْمُ الْإِشَارَةِ عَائِدٌ عَلَى تَصَرُّفَاتِهِ الَّتِي لَا يُمْنَعُ مِنْهَا كَانَ بِمُعَاوَضَةٍ كَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَرَهْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ كَتَزَوُّجِهِ وَاحِدَةً وَنَفَقَةِ عِيدٍ وَأُضْحِيَّةٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ] : أَشَارَ بِجَوَابٍ ثَانٍ عَنْ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ وَابْنِ عَرَفَةَ] : أَيْ وَهُمَا طَرِيقَتَانِ: طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ لَهُمْ مَنْعَهُ، وَطَرِيقَةُ ابْنِ عَرَفَةَ وَالشَّيْخِ خَلِيلٍ لَيْسَ لَهُمْ الْمَنْعُ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فَيَجُوزُ الْإِفْتَاءُ بِكُلٍّ. [الْحُكْمِ بخلع مَال الْمُفْلِس لِغُرَمَائِهِ] قَوْلُهُ: [مَعَ مَا يَأْتِي مِنْ الشُّرُوطِ] : أَيْ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي أَوَّلُهَا إنْ حَلَّ الدَّيْنُ. قَوْلُهُ: [حَضَرَ أَوْ غَابَ] : رَدَّ هَذَا التَّعْمِيمَ عَلَى عَطَاءٍ الْقَائِلِ بِعَدَمِ جَوَازِهِ، لِأَنَّ فِيهِ هَتْكَ حُرْمَةِ الْمِدْيَانِ وَإِذْلَالُهُ. وَ " حَضَرَ أَوْ غَابَ " فِي مَحَلِّ الْحَالِ: أَيْ حَالَ كَوْنِهِ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، مِثْلُ: اضْرِبْ زَيْدًا ذَهَبَ أَوْ جَلَسَ، أَيْ اضْرِبْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالْمُرَادُ هُنَا فَلِسَ عَلَى كُلِّ حَالٍ. قَوْلُهُ: [بِأَنَّ حَقِيقَةَ الْأَعَمِّ] إلَخْ: تَصْوِيرٌ لِلْإِشْكَالِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ جِنْسَ الْأَعَمِّ] إلَخْ: حَقِيقَةُ الْأَعَمِّ وَحَقِيقَةُ الْأَخَصِّ.

لَا بِاعْتِبَارِ الصِّدْقِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الثَّانِيَ يَمْنَعُ مِنْ كُلِّ مَا مَنَعَهُ الْأَوَّلُ لَا الْعَكْسُ. وَمَحَلُّ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِمَا ذَكَرَ: (إنْ حَلَّ الدَّيْنُ) الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا، فَلَا يُفْلِسُ مَنْ لَمْ يَحِلُّ عَلَيْهِ شَيْءٌ. إلَّا أَنَّ مَحَلَّ تَفْلِيسِ الْغَائِبِ إنْ بَعُدَتْ غِيبَتُهُ كَشَهْرٍ أَوْ تَوَسَّطَتْ كَعَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَلَمْ يُعْلَمْ مُلَاؤُهُ، وَإِلَّا لَمْ يُفْلِسْ. وَكُشِفَ عَنْ حَالِهِ إنْ قَرُبَتْ لِأَنَّ حُكْمَهُ كَالْحَاضِرِ. وَأَشَارَ الشَّرْطُ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: (وَطَلَبَهُ) : أَيْ طَلَبَ تَفْلِيسَهُ (الْبَعْضُ) مِنْ أَرْبَابِ الدُّيُونِ، فَأَوْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا بِاعْتِبَارِ الصِّدْقِ] : أَيْ لَا بِاعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ لِتَبَايُنِ الْمَفْهُومَيْنِ. قَوْلُهُ: [مِنْ كُلِّ مَا مَنَعَهُ الْأَوَّلُ] : أَيْ وَزِيَادَةٌ. قَوْلُهُ: [لَا الْعَكْسَ] : أَيْ فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَمْنَعُ التَّبَرُّعَاتِ وَلَا يَشْمَلُ سَائِرَ التَّصَرُّفَاتِ وَلَا يَحِلُّ بِهِ الْمُؤَجَّلُ، وَلَا يُقَالُ هَذَا الْبَحْثُ لَا يَرِدُ لِأَنَّ جِنْسَهُمَا وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْأَعَمَّ هُوَ قِيَامُ الْغُرَمَاءِ وَالْأَخَصَّ هُوَ قِيَامُ الْغُرَمَاءِ مَعَ الْحُكْمِ بِخَلْعِ مَالِهِ فَالْجِنْسُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا يَتَمَيَّزُ الثَّانِي بِالْفَصْلِ الَّذِي هُوَ قَوْلُنَا: مَعَ الْحُكْمِ بِخَلْعِ مَالِهِ، لِأَنَّنَا نَقُولُ: هُمْ لَمْ يَجْعَلُوا قِيَامَ الْغُرَمَاءِ فِي الْأَخَصِّ جُزْءًا مِنْ التَّعْرِيفِ بَلْ شَرْطًا لِلْحَاكِمِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَاهِيَّةِ - تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [إنْ حَلَّ الدَّيْنُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ] : أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْحَالُ كُلُّهُ لِطَالِبِ تَفْلِيسِهِ أَوْ بَعْضُهُ لَهُ وَبَعْضُهُ لِغَيْرِهِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيه كَلَامُ بَعْضِهِمْ مِنْ أَنَّ الْمَدِينَ لَا يُفَلَّسُ إلَّا إذَا كَانَ دَيْنُ الطَّالِبِ لِتَفْلِيسِهِ الْحَالَ زَائِدًا عَلَى مَا بِيَدِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يُعْلَمْ مُلْأَوْهُ] : شَرْطٌ فِي الْمُتَوَسِّطَةِ وَأَمَّا فِي الْبَعِيدَةِ فَيُفَلَّسُ وَإِنْ عُلِمَ مُلَاؤُهُ. قَوْلُهُ: [وَكُشِفَ عَنْ حَالِهِ] إلَخْ: أَيْ فَالْغَيْبَاتُ ثَلَاثٌ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ. وَأَمَّا طَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ فَالْغَيْبَةُ عِنْدَهُ عَلَى قِسْمَيْنِ بَعِيدَةٌ وَقَرِيبَةٌ فَالْقَرِيبَةُ كَالثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ حُكْمُهُ فِيهَا كَالْحَاضِرِ فَيُكْتَبُ إلَيْهِ وَيُكْشَفُ عَنْ حَالِهِ، وَالْبَعِيدَةُ يُفَلَّسُ فِيهَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ مُلَاؤُهُ أَيْ حِينَ سَفَرِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْعَشَرَةَ الْأَيَّامِ أَوْ الشَّهْرَ (اهـ) مِنْ الْحَاشِيَةِ.

الْكُلُّ (وَلَوْ أَبَى) تَفْلِيسَهُ (غَيْرَهُ) : أَيْ غَيْرَ الطَّالِبِ لَهُ، فَإِنَّهُ يُفْلِسُ لِحَقِّ الطَّالِبِ فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَلَا يُفْلِسُ. وَأَشَارَ لِلشَّرْطِ الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ: (وَزَادَ) الدَّيْنُ الْحَالُّ (عَلَى مَالِهِ) الَّذِي بِيَدِهِ لَا إنْ كَانَ مَالُهُ أَكْثَرَ اتِّفَاقًا وَلَا إنْ سَاوَى عَلَى الْمَذْهَبِ، (أَوْ) لَمْ يَزِدْ الْحَالُّ عَلَى مَا بِيَدِهِ، بِأَنْ كَانَ أَقَلَّ لَكِنْ (بَقِيَ) مِنْ مَالِهِ (مَا لَا يَفِي بِالْمُؤَجَّلِ) مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ فَيُفْلِسُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ مِائَتَانِ مِائَةٍ حَالَّةٌ وَمِائَةٌ مُؤَجَّلَةٌ وَمَعَهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ فَالْخَمْسُونَ الْبَاقِيَةُ لَا تَفِي بِالْمُؤَجَّلِ فَيُفْلِسُ. وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا كَانَ الْبَاقِي لَا يُرْجَى بِتَحْرِيكِهِ وَفَاءُ الْمُؤَجَّلِ وَلَا يُعَامِلُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ يُفْلِسْ وَبِمَا إذَا لَمْ يَأْتِ بِحَمِيلٍ وَإِلَّا لَمْ يُفْلِسْ عَلَى الرَّاجِحِ فَلَا يَحِلُّ عَلَيْهِ الْمُؤَجَّلُ. وَأَشَارَ لِلشَّرْطِ الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ: (وَأَلَدَّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ مَاطَلَ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَلَمْ يَدْفَعْ مَا عَلَيْهِ فَإِنْ دَفَعَ لَهُمْ جَمِيعَ مَا بِيَدِهِ وَلَمْ يُتَّهَمْ بِإِخْفَاءِ شَيْءٍ لَمْ يُفْلِسْ بِالْمَعْنَى الْخَاصِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يُفَلَّسُ لِحَقِّ الطَّالِبِ] : قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَرَادَ وَاحِدٌ مِنْ الْغُرَمَاءِ تَفْلِيسَ الْغَرِيمِ وَحَبْسَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ نَدَعُهُ لِيَسْعَى حَبَسَهُ لِمَنْ أَرَادَ حَبْسَهُ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُفَلَّسُ] : أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَلِّسَ نَفْسَهُ بِأَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ وَيَثْبُتَ عَدَمُ نَفْسِهِ وَيُفَلِّسَهُ الْحَاكِمُ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ الْغُرَمَاءِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَلَا إنْ سَاوَى] : أَيْ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ عِنْدَ الْمُسَاوَاةِ كَمَا مَرَّ وَلَكِنْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ أَنَّ مُسَاوَاةَ الدَّيْنِ لِمَالِهِ كَزِيَادَةِ الدَّيْنِ عَلَى مَالِهِ فَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِخَلْعِ مَالِهِ فِي حَالَةِ الْمُسَاوَاةِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [فَيُفَلَّسُ عَلَى الْمَذْهَبِ] : وَقِيلَ لَا يُفَلَّسُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّ الدُّيُونَ الْمُؤَجَّلَةَ لَا يُفَلَّسُ بِهَا وَالْأَوَّلُ لِلَّخْمِيِّ وَالثَّانِي لِلْمَازِرِيِّ. قَوْلُهُ: [وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ] : الْمُرَادُ بِالْبَعْضِ ابْنُ مُحْرِزٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ هُوَ الْمَذْهَبُ، فَيُحْمَلُ الْقَوْلُ بِتَفْلِيسِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَا يُرْجَى بِتَحْرِيكِهِ الْفَضْلَةَ وَفَاءَ الْمُؤَجَّلِ إلَخْ. قَوْلُهُ: [لَمْ يُفَلَّسْ بِالْمَعْنَى الْخَاصِّ] : أَيْ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِخَلْعِ مَالِهِ؛

[ما يترتب على الحجر على المفلس]

وَلَمَّا كَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الْحَجَرِ أُمُورٌ خَمْسَةٌ: مَنْعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ، وَحُلُولٌ لِلْمُؤَجَّلِ عَلَيْهِ، وَبَيْعُ مَا مَعَهُ مِنْ الْعُرُوضِ بِحَضْرَتِهِ، وَحَبْسُهُ، وَرُجُوعُ الْإِنْسَانِ فِي عَيْنِ شَيْئِهِ، أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ: (فَمُنِعَ مِنْ تَصَرُّفٍ مَالِيٍّ) كَبَيْعٍ وَشِرَاءِ وَكِرَاءٍ وَاكْتِرَاءٍ. وَالْمُعْتَمَدُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ: أَنَّ التَّصَرُّفَ الْمَالِيَّ يُمْنَعُ مِنْهُ حَتَّى فِي الْأَعَمِّ كَتَبَرُّعَاتِهِ، (إلَّا) أَنْ يَتَصَرَّفَ بِشَيْءٍ (فِي ذِمَّتِهِ) لِغَيْرِ أَرْبَابِ الدَّيْنِ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ مِنْ مَالٍ يَطْرَأُ لَهُ لَا مِمَّا بِيَدِهِ كَأَنْ يَتَسَلَّفَ شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ، أَوْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَكْتَرِيَ فَلَا يُمْنَعُ. وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ الْمَنْعِ قَوْلَهُ: (كَخُلْعٍ) لِزَوْجَتِهِ فَيَجُوزُ، لِأَنَّهُ قَدْ يَأْخُذُ مِنْهَا مَالًا أَوْ يَحُطُّ عَنْهُ دَيْنَ مَهْرِهَا أَوْ غَيْرِهَا. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الْمُفْلِسَةُ فَلَيْسَ لَهَا الْخُلْعُ لِزَوْجِهَا إلَّا فِي ذِمَّتِهَا مِنْ شَيْءٍ يَطْرَأُ لَهَا غَيْرُ مَا فَلِسَتْ فِيهِ كَمَا يَشْمَلُهُ قَوْلُهُ إلَّا فِي ذِمَّتِهِ (وَطَلَاقٍ) لِزَوْجَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْكُمُ إلَّا عَلَى الْآبِي. وَأَمَّا الْمَعْنَى الْأَعَمُّ: وَهُوَ قِيَامُ الْغُرَمَاءِ فَهُوَ حَاصِلٌ. [مَا يَتَرَتَّب عَلَى الْحَجَر عَلَى الْمُفْلِس] [فَائِدَة ادِّعَاء الْمُفْلِس الْإِيلَاد] قَوْلُهُ: [وَلَمَّا كَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الْحَجَرِ أُمُورٌ] إلَخْ: اسْمُ كَانَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُهَا وَ " أُمُورٌ " فَاعِلُ يَتَرَتَّبُ. قَوْلُهُ: [مَنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ] : أَيْ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [وَحُلُولُ الْمُؤَجَّلِ عَلَيْهِ] : أَيْ وَأَمَّا الْمُؤَجَّلُ لَهُ فَلَا يَحِلُّ إلَّا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [كَانَ يَتَسَلَّفُ شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ] إلَخْ: أَمْثِلَةٌ لِلتَّصَرُّفِ فِي الذِّمَّةِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُمْنَعُ] : أَيْ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. وَإِنْ تَحَصَّلَ شَيْءٌ فِي تَصَرُّفِ ذِمَّتِهِ وَدَيْنُهُمْ بَاقٍ عَلَيْهِ فَلَهُمْ مَنْعُهُ مِمَّا بَقِيَ بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ حَتَّى يُوَفِّيَهُمْ دَيْنَهُمْ. قَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرِهَا] : مَعْطُوفٌ عَلَى مَهْرٍ مُسَلَّطٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَأَنْ يَكُونَ لِأَخِيهَا مَثَلًا عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيَحُطَّهُ عَنْهُ فِي نَظِيرِ الْخُلْعِ وَلَوْ قَالَ أَوْ غَيْرِهِ وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَوْ تَحُطُّ عَنْهُ دَيْنَ مَهْرِهَا أَوْ دَيْنَ غَيْرِهِ لَكَانَ أَوْضَحَ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الْمُفْلِسَةُ] إلَخْ: هَذَا مُرَتَّبٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ مَا تَقَدَّمَ لَك مِنْ جَوَازِ الْمُخَالَعَةِ مَفْرُوضٌ فِي فَلَسِ الرَّجُلُ الْمُخَالَعِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ إلَخْ. قَوْلُهُ: [فَلَيْسَ لَهَا الْخُلْعُ] : أَيْ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَالِيٌّ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ.

لِأَنَّ لَهَا الْمُحَاصَصَةَ بِمَهْرِهَا طَلَّقَ أَمْ لَا (وَقِصَاصٍ) وَجَبَ لَهُ عَلَى جَانٍ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ (وَعَفْوٍ) عَنْ قِصَاصٍ لَا مَالَ فِيهِ بِخِلَافِ الْخَطَأِ أَوْ مَا فِيهِ مَالٌ (وَعِتْقِ أُمِّ وَلَدٍ) فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ (وَتَبِعَهَا مَالُهَا وَإِنْ كَثُرَ) إذْ لَا يَلْزَمُ بِانْتِزَاعِ مَالِ رَقِيقِهِ، قَوْلُ الشَّيْخِ: " إنْ قَلَّ " ضَعِيفٌ. (وَحَلَّ بِهِ) : أَيْ بِالتَّفْلِيسِ الْأَخَصِّ (وَبِالْمَوْتِ مَا أُجِّلَ) مِنْ الدَّيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِأَنَّ لَهَا الْمُحَاصَصَةَ بِمَهْرِهَا] : أَيْ لِحُلُولِ الْمُؤَجَّلِ وَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْ وَأَيْضًا يُخَفَّفُ عَنْهُ أَمْرُ النَّفَقَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَلْزَمُهُ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ] : أَيْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ إمَّا الْقِصَاصُ أَوْ الْعَفْوُ مَجَّانًا وَلَيْسَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ عَاقِلَتِهِ إلْزَامُ الْجَانِي بِالدِّيَةِ نَعَمْ لَهُمْ التَّرَاضِي عَلَيْهَا، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ الْقَائِلِ: إنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ يُخَيَّرُ بَيْنَ الدِّيَةِ وَالْقَوَدِ وَالْعَفْوِ مَجَّانًا، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ لِلْغُرَمَاءِ مَنْعُهُ مِنْ الْقِصَاصِ وَيُلْزِمُونَهُ أَخْذَ الدِّيَةِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: قَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي جَوَازَ قِصَاصِهِ حَتَّى عِنْدَ أَشْهَبَ، لِقَوْلِهِمْ: لَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ جَبْرُ الْمُفْلِسِ عَلَى انْتِزَاعِ مَالِ رَقِيقِهِ - كَذَا فِي الْخَرَشِيِّ وَالْحَاشِيَةِ. مِثْلُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ جِرَاحُ الْعَمْدِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مُقَدَّرٌ، وَإِلَّا فَلَهُمْ مَنْعُهُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ مَا فِيهِ مَالٌ] : أَيْ كَجِرَاحَاتِ الْعَمْدِ أَيْ الَّتِي فِيهَا شَيْءٌ مُقَدَّرٌ كَالْجِرَاحَاتِ الْأَرْبَعَةِ الْآتِيَةِ فِي بَابِ الدِّمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ: [وَعِتْقِ أُمِّ وَلَدِهِ] : أَيْ الَّتِي اسْتَوْلَدَهَا قَبْلَ التَّفْلِيسِ، وَأَمَّا الَّتِي أَوَلَدَهَا بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ عِتْقُهَا لِأَنَّهَا تُبَاعُ دُونَ وَلَدِهَا. فَائِدَةٌ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهُ أَحْبَلَ أَمَتَهُ قَبْلَ الْحَجْرِ إلَّا أَنْ يَفْشُوَ ذَلِكَ قَبْلُ بَيْنَ الْجِيرَانِ أَوْ تَشْهَدَ بِهِ النِّسَاءُ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَحَلَّ بِهِ] : هَذَا هُوَ الثَّانِي مِنْ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ. قَوْلُهُ: [وَبِالْمَوْتِ] : يُسْتَثْنَى مِنْ الْمَوْتِ مَنْ قَتَلَ مَدِينَهُ فَإِنَّ دَيْنَهُ الْمُؤَجَّلَ لَا يَحِلُّ لِحَمْلِهِ عَلَى الِاسْتِعْجَالِ. قَوْلُهُ: [مَا أُجِّلَ مِنْ الدَّيْنِ] : أَيْ الَّذِي عَلَيْهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ وَأَمَّا الدَّيْنُ الَّذِي لَهُ.

إلَّا لِشَرْطٍ) بِعَدَمِ الْحُلُولِ بِهِمَا، فَيُعْمَلُ بِالشَّرْطِ فِيهِمَا. وَنَصَّ عَلَى الْعَمَلِ بِالشَّرْطِ فِي الْمَوْتِ ابْنُ الْهِنْدِيِّ. وَأَمَّا الدَّيْنُ الَّذِي لَهُ فَلَا يَحِلُّ بِفَلَسِهِ وَلَا مَوْتِهِ. (وَإِنْ قَامَ لَهُ) : أَيْ لِلْمُفْلِسِ (شَاهِدٌ بِدَيْنٍ) لَهُ عَلَى شَخْصٍ فَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ لِيَسْتَحِقَّ دَيْنَهُ (فَنَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ مَعَ شَاهِدِهِ (حَلَفَ كُلٌّ) مِنْ الْغُرَمَاءِ مَعَ ذَلِكَ الشَّاهِدِ (كَهُوَ) : أَيْ كَحَلِفِ الْمُدَّعِي الْمُفْلِسِ، فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٌ أَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ حَقٌّ (وَأَخَذَ) كُلُّ مَنْ حَلَفَ (حِصَّتَهُ) فَقَطْ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ (وَلَوْ نَكَلَ غَيْرُهُ) : أَيْ غَيْرُ الْحَالِفِ فَلَا يَأْخُذُ الْحَالِفُ إلَّا قَدْرَ نَصِيبِهِ مَعَ حَلِفِهِ عَلَى الْجَمِيعِ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَإِنْ حَلَفُوا كُلُّهُمْ تَقَاسَمُوا الْحَقَّ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ نَكَلُوا كُلُّهُمْ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ مِنْهُ، وَمَنْ حَلَفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَمَّا الدَّيْنُ الَّذِي لَهُ فَلَا يَحِلُّ] إلَخْ: اُنْظُرْ لَوْ شَرَطَ أَنَّ لِلدَّيْنِ الَّذِي يَحِلُّ بِمَوْتِهِ أَوْ فَلَسِهِ، هَلْ يُعْمَلُ بِشَرْطِهِ أَمْ لَا؟ قَالَ الْخَرَشِيُّ: الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ حَيْثُ كَانَ الشَّرْطُ غَيْرَ وَاقِعٍ فِي صُلْبِ عَقْدِ الْبَيْعِ، فَإِنْ وَقَعَ فِي صُلْبِ عَقْدِ الْبَيْعِ فَالظَّاهِرُ فَسَادُ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ آلَ أَمْرُهُ إلَى الْبَيْعِ بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ. تَنْبِيهٌ دَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: " حَلَّ بِهِ وَبِالْمَوْتِ مَا أُجِّلَ ": دَيْنٌ لِلْكِرَاءِ لِدَارٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ عَبْدٍ حَيْثُ كَانَ الْكِرَاءُ وَجِيبَةً وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ صَاحِبُهُ الْمَنْفَعَةَ، فَيَحِلُّ بِفَلَسِ الْمُكْتَرِي أَوْ مَوْتِهِ وَلِلْمُكْرِي أَخْذُ عَيْنِ شَيْئِهِ فِي الْفَلَسِ لَا الْمَوْتِ، فَإِنْ كَانَ الْمُفْلِسُ لَمْ يَسْتَوْفِ شَيْئًا مِنْ الْمَنْفَعَةِ فَلَا شَيْءَ لِلْمُكْرِي وَرَدَّ الْأُجْرَةَ إنْ كَانَ قَبَضَهَا، وَإِنْ تَرَكَ عَيْنَ شَيْئِهِ لِلْفَلْسِ حَاصَصَ بِأُجْرَتِهِ حَالًا، وَإِنْ اسْتَوْفَى بَعْضَ الْمَنْفَعَةِ حَاصَصَ بِهَا كَمَا يُحَاصِصُ فِي الْمَوْتِ وَيَأْخُذُ مَنَابَهُ بِالْحِصَاصِ حَالًا. وَيُخَيَّرُ فِي فَسْخِ مَا بَقِيَ فِي الْفَلَسِ فَإِنْ أَبْقَاهُ الْمُفْلِسُ رَدَّ مَنَابَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ إنْ كَانَ قَبَضَهَا وَحَاصَصَ بِهِ، وَإِلَّا حَاصَصَ بِالْجَمِيعِ هَذَا مَا يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ شَارِحِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ (اهـ. مِنْ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [حَلَفَ كُلٌّ] : أَيْ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْغُرَمَاءِ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ مِنْهُمْ مَا هُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَقِيلَ: يَحْلِفُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ أَوْ وَصِيُّهُ، وَقِيلَ: لَا يَمِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقِيلَ: يُؤَخَّرُ لِرُشْدِهِ؛ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلْأَنْدَلُسِيَّيْنِ كَذَا فِي بْن.

[إقرار المفلس بالدين ونحوه]

أَخَذَ حِصَّتَهُ فَقَطْ أَيْ مَنَابَهُ الْحِصَاصَ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ لَا جَمِيعَ حِصَّتِهِ كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْمُقَابِلُ لِلْمَشْهُورِ. وَمَنْ نَكَلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ، فَقَوْلُهُ: " وَلَوْ نَكَلَ " إلَخْ مُبَالَغَةٌ فِي قَوْلِهِ وَأَخَذَ حِصَّتَهُ. (وَقَبْلَ إقْرَارِهِ) : أَيْ الْمُفْلِسِ، وَلَوْ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ (لِغَيْرِ مُتَّهَمٍ عَلَيْهِ) لَا لِمُتَّهَمٍ عَلَيْهِ كَابْنٍ وَأَخٍ وَزَوْجَةٍ (بِالْمَجْلِسِ) الَّذِي فَلِسَ فِيهِ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءُ فِيهِ (أَوْ قُرْبَهُ) بِالْعُرْفِ لَا بَعْدَ الطُّولِ، فَلَا يُقْبَلُ. (وَثَبَتَ دَيْنُهُ) الَّذِي حُكِمَ بِهِ أَوْ قَامَتْ الْغُرَمَاءُ عَلَيْهِ بِهِ (بِإِقْرَارٍ) مِنْهُ بِهِ (لَا) إنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ (بِبَيِّنَةٍ) ، فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ لِغَيْرِ الْمُتَّهَمِ عَلَيْهِ وَلَوْ أَقَرَّ بِالْمَجْلِسِ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ. وَالْمُرَادُ أَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُقْبَلُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِ الَّذِي فَلِسَ فِيهِ. (وَهُوَ) أَيْ مَا أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ بِهِ لِكَوْنِ مَا فَلِسَ فِيهِ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ ثَبَتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا جَمِيعَ حِصَّتِهِ] : الْمُنَاسِبُ لَا جَمِيعَ دَيْنِهِ. قَوْلُهُ: [كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَكَمِ] : صَوَابُهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ. قَوْلُهُ: [وَمَنْ نَكَلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ] : فَلَوْ طَلَبَ مَنْ نَكَلَ مِنْ الْغُرَمَاءِ الْعَوْدَ لِلْيَمِينِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ حَلِفِ الْمَطْلُوبِ فَلَا يُمْكِنُ اتِّفَاقًا. وَإِنْ كَانَ قَبْلَ حَلِفِهِ فَفِي تَمْكِينِهِ قَوْلَانِ، الْمُعْتَمَدُ: عَدَمُ التَّمْكِينِ لِمَا يَأْتِي فِي آخِرِ الشَّهَادَاتِ. [إقْرَار الْمُفْلِس بالدين وَنَحْوه] قَوْلُهُ: [كَابْنٍ وَأَخٍ وَزَوْجَةٍ] أَيْ لَمْ يَظْهَرْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ وَإِلَّا فَهُمْ مِمَّا لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [الَّذِي حُكِمَ بِهِ] : أَيْ وَهُوَ التَّفْلِيسُ الْأَخَصُّ أَيْ حُكِمَ بِخَلْعِ الْمَالِ لِأَجَلِهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ قَامَتْ الْغُرَمَاءُ أَيْ وَهُوَ التَّفْلِيسُ الْأَعَمُّ. قَوْلُهُ: [لَا إنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّ دَيْنَ الْغُرَمَاءِ الَّذِينَ قَامُوا عَلَيْهِ مَتَى كَانَ ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ وَلَوْ عُلِمَ تَقَدُّمُ مُعَامَلَةٍ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ، كَمَا فِي التَّوْضِيحِ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ إقْرَارُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ الدُّيُونُ ثَابِتَةً عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. وَلِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: أَنَّ مَنْ أَقَرَّ لَهُ الْمُفْلِسُ إنْ كَانَ يَعْلَمُ تَقَدُّمَ مُدَايَنَةٍ وَخُلْطَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُقِرِّ حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ وَدَخَلَ فِي الْحِصَاصِ مَعَ مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ (اهـ) مُلَخَّصًا مِنْ بْن.

بِإِقْرَارِهِ وَأَقَرَّ لِغَيْرِ الْمُتَّهَمِ عَلَيْهِ بَعْدَ طُولٍ مِنْ الْمَجْلِسِ (فِي ذِمَّتِهِ) يُحَاصَصُ الْمَقَرُّ لَهُ بِهِ فِي مَالٍ يَطْرَأُ لَهُ غَيْرُ مَا فَلِسَ فِيهِ فَقَوْلُهُ: " وَهُوَ فِي ذِمَّتِهِ " رَاجِعٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: " بِالْمَجْلِسِ أَوْ قُرْبِهِ " وَلِقَوْلِهِ: " لَا بِبَيِّنَةٍ ". (وَ) قُبِلَ مِنْهُ (تَعْيِينُهُ) : أَيْ الْمُفْلِسِ (الْقِرَاضَ) الَّذِي تَحْتَ يَدِهِ لِغَيْرِهِ (وَالْوَدِيعَةَ) بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا الْمَالُ قِرَاضٌ تَحْتَ يَدِي أَوْ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ: وَقَيَّدَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِإِقْرَارِهِ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ قُرْبِهِ وَقِيلَ: لَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ. (إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَصْلِهِ) : أَيْ بِأَصْلِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْقِرَاضِ أَوْ الْوَدِيعَةِ بِأَنْ عَهِدْت بِأَنَّ عِنْدَهُ قِرَاضًا أَوْ وَدِيعَةً لِفُلَانٍ. وَمَفْهُومُ تَعْيِينِهِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُعِنْ بِأَنْ قَالَ: لِفُلَانٍ عِنْدِي قِرَاضٌ أَوْ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ، لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ. كَمَا إذَا عَيَّنَ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِأَصْلِهِ وَالْكَلَامُ فِي إقْرَارِهِ بِذَلِكَ، وَأَمَّا لَوْ ثَبَتَا بِالْبَيِّنَةِ فَرَبُّ الْقِرَاضِ الْوَدِيعَةِ يُحَاصِصُ بِهِمَا فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُفْلِسُ صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا. نَعَمْ إنْ أَقَرَّ مَرِيضٌ غَيْرُ مُفْلِسٍ بِهِمَا قَبْلَ إقْرَارِهِ وَلَوْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِأَصْلِهِمَا حَيْثُ أَقَرَّ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ (و) قُبِلَ (قَوْلِ صَانِعٍ) فَلِسَ فِي تَعْيِينِ مَا بِيَدِهِ لِأَرْبَابِهِ كَهَذَا ثَوْبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأُقِرَّ لِغَيْرِ الْمُتَّهَمِ عَلَيْهِ بَعْدَ طُولٍ مِنْ الْمَجْلِسِ] : أَيْ أَوْ لِمُتَّهَمٍ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِقُرْبِهِ. قَوْلُهُ: [إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَصْلِهِ] أَيْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. خِلَافًا لِأَصْبَغَ حَيْثُ قَالَ: يُقْبَلُ تَعْيِينُ الْقِرَاضِ الْوَدِيعَةِ وَلَوْ لَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ بِأَصْلِهِمَا وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ. قَوْلُهُ: [أَيْ بِأَصْلِ مَا ذَكَرَ] : جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ وَرَدَّ عَلَى الْمَتْنِ بِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَ اثْنَانِ، فَكَيْفَ أَعَادَ الضَّمِيرَ مُفْرَدًا؟ قَوْلُهُ: [يُحَاصِصُ بِهِمَا] : أَيْ إنْ لَمْ يُوجَدَا بِأَعْيَانِهِمَا، وَإِلَّا أَخَذَهُمَا فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِأَصْلِهِمَا] : أَيْ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَى الْمَرِيضِ غَيْرِ الْمُفْلِسِ أَضْعَفُ مِنْ الْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ لِأَنَّ الْمَرِيضَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا يَحْتَاجُهُ بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ. قَوْلُهُ: [وَقُبِلَ قَوْلُ صَانِعٍ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ الْمُفْلِسَ إذَا كَانَ صَانِعًا وَعَيَّنَ

[بيع الحاكم أموال المفلس]

فُلَانٍ أَوْ غَزْلُ فُلَانٍ بِيَمِينٍ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ (مُطْلَقًا) بِبَيِّنَةٍ وَغَيْرِ بَيِّنَةٍ بِالْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ أَنَّ مَا بِيَدِهِ أَمْتِعَةُ النَّاسِ وَعَدَمُ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ عِنْدَ الرَّفْعِ، وَلَا يُعْلَمُ رَبُّهُ إلَّا مِنْهُ فَيَبْتَعِدُ أَنْ يُقِرَّ بِهِ لِغَيْرِ رَبِّهِ (وَبَاعَ) الْحَاكِمُ أَوْ نَائِبُهُ (مَالَهُ) مِنْ عَقَارٍ أَوْ عُرُوضٍ أَوْ مُثْلَيَاتٍ (بِحَضْرَتِهِ) : لِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِحُجَّتِهِ (بِالِاسْتِقْصَاءِ) : أَيْ مَعَ الِاسْتِقْصَاءِ فِي الثَّمَنِ وَعَدَمِ وُجُودِ مَنْ يَزِيدُ (وَ) مَعَ (الْخِيَارِ) لِلْحَاكِمِ (ثَلَاثًا) مِنْ الْأَيَّامِ لِطَلَبِ الزِّيَادَةِ وَالِاسْتِقْصَاءِ فِي الثَّمَنِ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ، إلَّا مَا يُفْسِدُهُ التَّأْخِيرُ كَمَا يَأْتِي؛ (وَلَوْ كُتُبًا احْتَاجَ لَهَا) : أَيْ لِمُرَاجَعَتِهَا وَالْمُطَالَعَةِ فِيهَا وَلَمْ تُجْعَلْ كَآلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَصْنُوعَ أَوْ كَانَ غَيْرَ صَانِعٍ وَعَيَّنَ الْقِرَاضَ أَوْ الْوَدِيعَةَ، فَالْمَسْأَلَةُ ذَاتُ أَقْوَالٍ أَرْبَعَةٍ: الْأَوَّلُ: لِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَدَمُ قَبُولِ تَعْيِينِهِ مُطْلَقًا خَشْيَةَ أَنْ يَخُصَّ صَدِيقَهُ، الثَّانِي: يُقْبَلُ تَعْيِينُهُ الْقِرَاضَ وَالْوَدِيعَةَ إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَصْلِهِمَا وَيُقْبَلُ تَعْيِينُهُ الْمَصْنُوعَ مُطْلَقًا وَهُوَ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَالثَّالِثُ: يُقْبَلُ تَعْيِينُهُ الْقِرَاضَ وَالْوَدِيعَةَ الْمَصْنُوعَ مُطْلَقًا وَهُوَ لِأَصْبَغَ، وَالرَّابِعُ: يُقْبَلُ تَعْيِينُ الْمُفْلِسِ الْقِرَاضَ وَالْوَدِيعَةَ وَالْمَصْنُوعَ، إذَا كَانَ عَلَى أَصْلِ الدَّفْعِ، أَوْ عَلَى الْإِقْرَارِ قَبْلَ التَّفْلِيسِ بِبَيِّنَةٍ. [بَيْع الْحَاكِم أَمْوَال الْمُفْلِس] [تَنْبِيه إذَا أحبس الْمُفْلِس حبسا] قَوْلُهُ: [وَبَاعَ الْحَاكِمُ] : أَيْ وُجُوبًا إنْ خَالَفَ جِنْسَ دَيْنِهِ أَوْ صِنْفِهِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ وَهَذَا هُوَ الثَّالِثُ مِنْ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ. قَوْلُهُ: [بِحَضْرَتِهِ] : أَيْ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بِحَضْرَةِ الْمَدِينِ لِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِحُجَّتِهِ، وَقَالَ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ: لَا يَبْعُدُ وُجُوبُهُ وَمَالُهُ الَّذِي يُبَاعُ يَشْمَلُ الدَّيْنَ الَّذِي لَهُ عَلَى الْغَيْرِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ، إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ الْغُرَمَاءُ عَلَى إبْقَائِهِ حَتَّى يَفِيضَ وَقِيلَ إنَّهَا لَا تُبَاعُ عَلَى حَالِهَا. قَوْلُهُ: [فِي كُلِّ سِلْعَةٍ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ عَرْضًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ عَقَارًا وَهَذَا بِخِلَافِ خِيَارِ التَّرَوِّي فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السِّلَعِ كَمَا مَرَّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ لِلْحَاكِمِ الْبَيْعَ بِخِيَارِ التَّرَوِّي، وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ خِيَارُ الْحَاكِمِ بَعْدَهُ ثَلَاثًا وَلَا يَخْتَصُّ خِيَارُ الْحَاكِمِ بِسِلَعِ الْمُفْلِسِ بَلْ كُلِّ مَا بَاعَهُ الْحَاكِمُ عَلَى غَيْرِهِ كَذَلِكَ (اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَلَوْ كُتُبًا] : رَدَّ بِ " لَوْ " عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّ الْكُتُبَ لَا تُبَاعُ أَصْلًا،

الصَّانِعِ لِأَنَّ شَأْنَ الْعِلْمِ أَنْ يُحْفَظَ بِالْقَلْبِ (أَوْ ثِيَابِ جُمُعَتِهِ) وَعِيدِهِ (إنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهَا) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكْثُرْ، وَبِخِلَافِ ثِيَابِ جَسَدِهِ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا. (وَأُوجِرَ) عَلَيْهِ (رَقِيقٌ لَا يُبَاعُ عَلَيْهِ) : كَمُدَبَّرٍ قَبْلَ الدَّيْنِ وَمُعْتَقٍ لِأَجَلٍ وَوَلَدِ أُمِّ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا مَا يُبَاعُ عَلَيْهِ فَيُبَاعُ (إلَّا أُمَّ وَلَدِهِ) فَلَا تُؤْجَرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِيهَا إلَّا يَسِيرَ الْخِدْمَةِ كَالِاسْتِمْتَاعِ فَأَوْلَى الْمُكَاتِبُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ خِدْمَةٌ، نَعَمْ تُبَاعُ كِتَابَتُهُ. (لَا آلَةَ صَنْعَتِهِ) الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا فَلَا تُبَاعُ بِخِلَافِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَآلَةِ ذَلِكَ، أَمَّا غَيْرُ هَذَا فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ بَيْعِهَا. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ شَأْنَ الْعِلْمِ أَنْ يُحْفَظَ بِالْقَلْبِ] : قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ: إنَّ الْحِفْظَ قَدْ ذَهَبَ الْآنَ فَلِذَا أَجْرَاهَا بَعْضُهُمْ عَلَى آلَةِ الصَّانِعِ. قَوْلُهُ: [إنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهَا] : يَحْتَمِلُ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا كَثِيرَةً فِي نَفْسِهَا أَوْ كَثْرَتُهَا مِنْهَا بِالنَّظَرِ لِصَاحِبِهَا وَإِذَا بِيعَتْ فَيُشْتَرَى لَهُ دُونَهَا، كَمَا أَنْ دَارَ سُكْنَاهُ إنْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ تُبَاعُ وَيُشْتَرَى لَهُ دَارٌ تَكْفِيه. قَوْلُهُ: [كَمُدَبَّرٍ] إلَخْ: اللَّخْمِيُّ تُبَاعُ خِدْمَةُ الْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ وَإِنْ طَالَ الْأَجَلُ كَعَشْرِ سِنِينَ وَيُبَاعُ مِنْ خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: " قَبْلَ الدَّيْنِ " لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ بَعْدَهُ تُبَاعُ رَقَبَتُهُ لِبُطْلَانِ التَّدْبِيرِ لِقَوْلِ الْأُجْهُورِيِّ: وَيُبْطِلُ التَّدْبِيرَ دَيْنٌ سَبَقَا ... إنْ سَيِّدٌ حَيًّا وَإِلَّا مُطْلَقًا قَوْلُهُ: [إلَّا أُمَّ وَلَدِهِ] : أَيْ الَّتِي أَوْلَدَهَا قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَنْ أَوْلَدَهَا بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا تُبَاعُ. قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَلَوْ ادَّعَى فِي أَمَةٍ أَنَّهُ سَقَطَتْ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ يَكُونَ قَدْ فَشَا ذَلِكَ قَبْلَ ادِّعَائِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ قَائِمٌ فَقَوْلُهُ مَقْبُولٌ أَنَّهُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا] : أَيْ بِأَنْ كَانَ مُحْتَاجًا لَهَا وَهِيَ قَلِيلَةُ الْقِيمَةِ، وَتَرَدَّدَ فِيهَا عَبْدُ الْحَمِيدِ الصَّائِغُ فَقَالَ: هَلْ هِيَ كِتَابُ الْجُمُعَةِ لَا تُبَاعُ إلَّا إذَا كَثُرَتْ قِيمَتُهَا وَيُشْتَرَى لَهُ دُونَهَا، أَوْ تُبَاعُ مُطْلَقًا قَلَّتْ قِيمَتُهَا أَوْ كَثُرَتْ.

وَلَا يُلْزَمُ) الْمُفْلِسُ (بِتَكَسُّبٍ) لِوَفَاءِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ، لِأَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ فَلَا يُطْلَبُ بِهِ إلَّا عِنْدَ الْيَسَارِ. (وَ) لَا (تَسَلُّفٍ وَ) لَا (اسْتِشْفَاعٍ) : أَيْ أَخْذٌ بِالشُّفْعَةِ لِطَلَبِ الزِّيَادَةِ فِيمَا يَأْخُذُ بِهَا لِأَنَّهُ مِنْ نَاحِيَةِ التَّكَسُّبِ. (وَ) لَا (عَفْوٍ) عَنْ قِصَاصٍ وَجَبَ (لِلدِّيَةِ) : أَيْ لِأَجْلِهَا، وَلَهُ الْعَفْوُ مَجَّانًا. بِخِلَافِ مَا فِيهِ شَيْءٌ مُقَرَّرٌ فَلَا يَعْفُوَ مَجَّانًا، كَالْخَطَأِ لِأَنَّ فِيهِ مَا لَا تَقَرَّرَ. (وَ) لَا (انْتِزَاعِ مَالِ رَقِيقِهِ) لِيُوَفِّيَ بِهِ دَيْنَهُ. وَجَازَ لَهُ نَزْعُهُ، فَإِنْ نَزَعَهُ فَلَهُمْ أَخْذُهُ، وَالْمُرَادُ بِالرَّقِيقِ: الَّذِي لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُلْزَمُ بِانْتِزَاعِهِ. (وَ) لَا انْتِزَاعِ (مَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ) الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ قَبْلَ إحَاطَةِ الدَّيْنِ. وَأَمَّا مَا وَهَبَهُ بَعْدَهُ فَهُوَ كَالتَّبَرُّعِ لَهُمْ رَدُّهُ وَأَخْذُهُ. (وَعُجِّلَ بَيْعُ مَا خِيفَ) بِتَأْخِيرِهِ (فَسَادُهُ) : كَالْفَوَاكِهِ (أَوْ تَغَيُّرِهِ) عَنْ حَالَتِهِ الَّتِي هُوَ بِهَا، أَوْ كَسَادِهِ لَوْ تَأَخَّرَ. (و) كَذَا يُعَجَّلُ بَيْعُ (الْحَيَوَانِ بِالنَّظَرِ) : لِأَنَّهُ قَدْ يَتَغَيَّرُ مَعَ الِاحْتِيَاجِ إلَى مُؤْنَتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا يُلْزَمُ الْمُفْلِسُ بِتَكَسُّبٍ] : أَيْ وَلَوْ عَامَلَهُ الْغُرَمَاءُ عَلَى التَّكَسُّبِ وَشَرَطُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ إذَا فَلِسَ، فَلَا يُعْمَلُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ وَسَوَاءٌ كَانَ صَانِعًا أَوْ تَاجِرًا. خِلَافًا لِمَا فِي ح نَقْلًا عَنْ اللَّخْمِيِّ مَنْ جَبَرَهُ عَلَى التَّكَسُّبِ إذَا كَانَ صَانِعًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ التَّكَسُّبَ فِي عَقْدِ الدَّيْنِ كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ مِنْ نَاحِيَةِ التَّكَسُّبِ] : أَيْ وَلِأَنَّ فِيهِ ابْتِدَاءَ مِلْكٍ وَاسْتِحْدَاثَهُ وَهُوَ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهَا مُعَامَلَةٌ أُخْرَى وَلَوْ مَاتَ الْمُفْلِسُ عَنْ شُفْعَةٍ فَهِيَ لِلْوَرَثَةِ لَا لِلْغُرَمَاءِ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ. تَنْبِيهٌ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ حَبَسَ حَبْسًا وَشَرَطَ أَنَّ لِلْمُحْبَسِ عَلَيْهِ الْبَيْعَ فَلِغُرَمَائِهِ الْبَيْعُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَلَوْ كَانَ الْمُفْلِسُ امْرَأَةً فَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا مُعَجَّلَ مَهْرِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا بَعْدَهُ بِأَيَّامٍ يَسِيرَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهَا أَنْ تَتَجَهَّزَ بِهِ لِلزَّوْجِ وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَقْضِيَ مِنْهُ دَيْنَهَا إلَّا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: الدِّينَارُ وَنَحْوُهُ

[تقسيم ما تحصل على الدائنين]

(وَاسْتُؤْنِيَ بِعَقَارِهِ) لِطَلَبِ زِيَادَةِ الثَّمَنِ (كَالشَّهْرَيْنِ) كَذَا عُرُوضُهُ كَالثِّيَابِ وَالْحَدِيدِ وَالْمَعَادِنِ. (وَقُسِّمَ) مَا تَحَصَّلَ، إذَا لَمْ يَفِ (بِنِسْبَةِ الدُّيُونِ) بِمَا عَلَيْهِ أَيْ نِسْبَةِ كُلِّ دَيْنٍ لِمَجْمُوعِ مَا عَلَيْهِ: أَيْ الدُّيُونِ. وَيَأْخُذُ كُلُّ غَرِيمٍ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ؛ فَإِذَا كَانَ لِغَرِيمٍ عِشْرُونَ وَلِآخَرَ ثَلَاثُونَ وَلِآخَرَ خَمْسُونَ فَجُمُوعُ مَا عَلَيْهِ مِائَةٌ. نِسْبَةُ الْعِشْرِينَ لَهَا الْخُمُسُ فَيَأْخُذُ رَبُّهَا خُمُسَ مَا تَحَصَّلَ، وَنِسْبَةُ الثَّلَاثِينَ خُمُسٌ وَعُشْرٌ وَنِسْبَةُ الْخَمْسِينَ النِّصْفُ، فَإِذَا كَانَ مَالُ الْمُفْلِسِ عِشْرِينَ أَخَذَ صَاحِبُ الْعِشْرِينَ خُمُسَهَا أَرْبَعَةً وَأَخَذَ صَاحِبُ الثَّلَاثِينَ سِتَّةً وَأَخَذَ صَاحِبُ الْخَمْسِينَ عَشَرَةً. وَيَجُوزُ بِنِسْبَتِهِ لِلدُّيُونِ أَيْ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ؛ فَفِي الْمِثَالِ مَجْمُوعُ الدُّيُونِ مِائَةٌ وَنِسْبَةُ مَالِهِ لَهَا الْخُمُسُ فَكُلٌّ يَأْخُذُ خُمُسَ دَيْنِهِ فَصَاحِبُ الْعِشْرِينَ خُمُسُ دَيْنِهِ أَرْبَعَةٌ وَهَكَذَا وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. (وَلَا يُكَلَّفُونَ) : أَيْ لَا يُكَلِّفُهُمْ الْحَاكِمُ (أَنْ لَا غَرِيمَ) عَلَى الْمُفْلِسِ الْمَيِّتِ (غَيْرَهُمْ، بِخِلَافِ الْوَرَثَةِ) : فَإِنَّهُمْ يُكَلَّفُونَ أَنَّهُ لَا وَارِثَ غَيْرُهُمْ لِأَنَّ الشَّأْنَ مَعْرِفَتُهُمْ وَحَصْرُهُمْ بِخِلَافِ الْغُرَمَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا مَا تَدَايَنَتْهُ بَعْدَ دُخُولِ زَوْجِهَا فَإِنَّ مَهْرَهَا يُؤْخَذُ فِيهِ كَمَا فِي رِوَايَةِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا مُؤَخَّرُ الصَّدَاقِ فَهَلْ لِلْغُرَمَاءِ بَيْعُهُ فِي دَيْنِهِمْ أَمْ لَا؟ الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَهُمْ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَتَجَهَّزَ لِلزَّوْجِ (اهـ. بْن) . قَوْلُهُ: [كَالشَّهْرَيْنِ] : أَيْ ثُمَّ يُبَاعُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْخِيَارِ لِلْحَاكِمِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَهَذَا الِاسْتِينَاءُ وَاجِبٌ. فَإِنْ بَاعَ الْحَاكِمُ مِنْ غَيْرِ اسْتِينَاءٍ خُيِّرَ الْمُفْلِسُ فِي إمْضَاءِ الْبَيْعِ وَرَدِّهِ وَلَا يَضْمَنُ الْحَاكِمُ الزِّيَادَةَ الَّتِي فِي سِلَعِ الْمُفْلِسِ حَيْثُ بَاعَ بِغَيْرِ الِاسْتِينَاءُ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ وَالذِّمَّةُ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِأَمْرٍ مُحَقَّقٍ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. [تَقْسِيم مَا تحصل عَلَى الدَّائِنِينَ] قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْوَرَثَةِ] : أَيْ فَإِنَّ الْحَاكِمَ لَا يُقَسِّمُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُكَلِّفَهُمْ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِحَصْرِهِمْ وَمَوْتِ مُوَرِّثِهِمْ وَرُتْبَتِهِمْ مِنْ الْمَيِّتِ وَذَلِكَ لِأَنَّ عَدَدَهُمْ مَعْلُومٌ بِالْجِيرَانِ وَأَهْلِ الْبَلَدِ فَلَا كُلْفَةَ فِي الْإِثْبَاتِ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْغُرَمَاءِ] : أَيْ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَقْصِدُ إخْفَاءَهُ غَالِبًا، فَإِثْبَاتُ حَصْرِ الْغُرَمَاءِ مُتَعَسِّرٌ، ثُمَّ إنَّهُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ شَهَادَةُ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ لِلْوَرَثَةِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لَا عَلَى الْقَطْعِ، فَلَوْ قَالَ: لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُ هَذَا قَطْعًا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ.

[إذا حدث للمفلس مال بعد فك الحجر عليه أو استدان]

وَاسْتُؤْنِيَ بِهِ) : أَيْ بِالْقَسْمِ عَلَى الْغُرَمَاءِ (إنْ عُرِفَ بِالدَّيْنِ فِي الْمَوْتِ فَقَطْ) : لِاحْتِمَالِ طُرُوُّ غَرِيمٍ وَالذِّمَّةُ قَدْ خَرِبَتْ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ الْفَلَسِ فَلَا يُسْتَأْنَى لِعَدَمِ خَرَابِهَا. (وَ) إذَا اقْتَسَمُوا مَا تَحَصَّلَ مَعَ الْمُفْلِسِ (انْفَكَّ حَجْرُهُ بِلَا) احْتِيَاجٍ فِي فَكِّهِ إلَى (حُكْمٍ) مِنْ الْحَاكِمِ، وَلَهُمْ تَحْلِيفُهُ: أَنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَنْهُمْ مَالٌ عِنْدَهُ. فَإِنْ نَكَلَ فَلَا يَنْفَكُّ حَجْرُهُ. وَإِذَا انْفَكَّ حَجْرُهُ (فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ أَيْضًا) كَمَا حُجَرَ عَلَيْهِ أَوَّلًا (إنْ حَدَثَ لَهُ مَالٌ) بَعْدَ الْحَجْرِ الْأَوَّلِ؛ كَمِيرَاثٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَدِيَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ الْأَوَّلَ كَانَ فِي مَالٍ مَخْصُوصٍ وَانْفَكَّ حَجْرٌ فَيَتَصَرَّفُ فِيمَا حَدَثَ إلَى أَنْ يُحْجَرَ عَلَيْهِ فِيهِ. (وَ) لَوْ تَدَايَنَ بَعْدَ ذَلِكَ وَحُجِرَ عَلَيْهِ بِالْحَجْرِ الْأَخَصِّ أَوْ الْأَعَمِّ (لَا يَدْخُلُ) فِيمَا حُجِرَ عَلَيْهِ ثَانِيًا (أَوَّلَ) مِمَّا حُجِرَ لَهُمْ سَابِقًا (مَعَ آخِرِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ مَعَ الَّذِينَ حُجِرَ لِأَجْلِهِمْ ثَانِيًا (فِي) مَالٍ مِنْ (دَيْنٍ حَدَثَ عَنْ مُعَامَلَةٍ بِخِلَافِ) مَالٍ حَدَثَ عَنْ أَصْلِ مُعَامَلَةٍ؛ (نَحْوَ إرْثٍ وَجِنَايَةٍ) وَهِبَةٍ وَاسْتِحْقَاقِ وَقْفٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَاسْتُؤْنِيَ بِهِ] : أَيْ وُجُوبًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِالدَّيْنِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ لَا يُعَجِّلُ قَسْمَ مَالِهِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بَلْ يَسْتَأْنِي بِهِ وُجُوبًا بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ لِاحْتِمَالِ طُرُوُّ غَرِيمٍ آخَرَ فَتَجْتَمِعُ الْغُرَمَاءُ. قَوْلُهُ: [لِعَدَمِ خَرَابِهَا] : أَيْ خَرَابِ ذِمَّتِهِ حَقِيقَةً وَإِنْ خَرِبَتْ حُكْمًا وَلِذَلِكَ عَجَّلَ مَا كَانَ فِيهَا مُؤَجَّلًا مِنْ الدَّيْنِ؛ فَذِمَّةُ الْمُفْلِسِ - لَمَّا كَانَتْ بَاقِيَةً - إذَا طَرَأَ غَرِيمٌ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِذِمَّتِهِ لَمْ يَحْتَجْ لِلِاسْتِينَاءِ فِي الْمُفْلِسِ، بِخِلَافِ الْمَيِّتِ؛ فَإِنَّ ذِمَّتَهُ زَالَتْ بِالْمَوْتِ فَلَوْ طَرَأَ غَرِيمٌ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِذِمَّتِهِ، وَلِأَنَّ الْمُفْلِسَ لَوْ كَانَ لَهُ غَرِيمٌ آخَرُ لَأَعْلَمَ بِهِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ. قَوْلُهُ: [أَنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَنْهُمْ مَالٌ] إلَخْ: " يَخْفَ " مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ وَ " مَالٌ " فَاعِلُهُ، وَالضَّمِيرُ فِي " أَنَّهُ " لِلْحَالِ وَالشَّانِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَقُولُ فِي صِيغَةِ يَمِينِهِ الَّتِي يَحْلِفُهَا لَمْ يَكُنْ عِنْدِي مَالٌ خَافٍ عَلَيْكُمْ. [إذَا حدث لِلْمُفْلِسِ مَال بَعْد فك الْحَجَر عَلَيْهِ أَوْ اسْتَدَانَ] قَوْلُهُ: [إنْ حَدَثَ لَهُ مَالٌ] : مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْدُثْ مَالٌ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ وَبِهِ الْعَمَلُ، وَقِيلَ: يُجَدَّدُ عَلَيْهِ بَعْدَ كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ.

أَوْ وَظِيفَةٍ وَرِكَازٍ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ. (وَكَذَا إنْ مَكَّنَهُمْ) مِنْ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ رَفْعِهِمْ لَهُ إلَى الْحَاكِمِ وَهُوَ تَفْلِيسٌ أَعَمُّ (فَبَاعُوا) مَتَاعَهُ (وَاقْتَسَمُوا فَدَايَنَ غَيْرَهُمْ) : فَلَا يَدْخُلُ الْأَوَّلُ مَعَ الْآخِرِ إلَّا إذَا تَجَدَّدَ لَهُ مَالٌ بِلَا أَصْلِ مُعَامَلَةٍ كَإِرْثٍ فَيَدْخُلُ. (وَقُوِّمَ مَا) : أَيْ الدَّيْنَ الَّذِي (خَالَفَ النَّقْدَ) مِمَّا عَلَى الْمُفْلِسِ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ عَرْضٌ أَوْ مِثْلِيٌّ حَالًا أَوْ مُؤَجَّلًا، لِأَنَّهُ يَحِلُّ بِفَلَسِهِ (يَوْمَ الْقِسْمَةِ) لِمَالِ الْمُفْلِسِ. (وَاشْتَرَى لِرَبِّهِ) : أَيْ لِرَبِّ الدَّيْنِ الْمُخَالِفِ لِلنَّقْدِ (مِنْهُ) : أَيْ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ وَصِفَتِهِ (بِمَا) : أَيْ بِالشَّيْءِ الَّذِي (يَخُصُّهُ) فِي الْحِصَاصِ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ؛ كَأَنْ يَكُونَ مَالُ الْمُفْلِسِ مِائَةً وَعَلَيْهِ لِشَخْصٍ مِائَةٌ وَعَلَيْهِ لِآخَرَ عَرْضٌ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَسَمِ مِائَةٌ، فَيَأْخُذُ رَبُّ الْمِائَةِ خَمْسِينَ، وَيُشْتَرَى بِالْخَمْسِينَ الْأُخْرَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ] : يَصِحُّ قِرَاءَتُهُمَا بِالْإِفْرَادِ أَيْ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ وَالْفَرِيقُ الْآخَرُ وَبِالْجَمْعِ أَيْ أَرْبَابُ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ وَأَرْبَابُ الدَّيْنِ الْآخَرِ. قَوْلُهُ: [إلَّا إذَا تَجَدَّدَ لَهُ مَالٌ بِلَا أَصْلِ مُعَامَلَةٍ] : مِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ فَضَلَ بِيَدِ الْمُفْلِسِ عَنْ دَيْنِ الْآخَرِينَ فَضْلَةٌ فَيَتَحَاصَصُ فِيهَا الْأَوَّلُونَ كَمَا لَوْ كَانَتْ السِّلَعُ عِنْدَ الْمُفْلِسِ وَقْتَ التَّفْلِيسِ قِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ الدَّيْنِ لِكَسَادِهَا ثُمَّ بَعْدَ التَّفْلِيسِ حَصَلَ فِيهَا رَوَاجٌ وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ عَرْضٌ أَوْ مِثْلِيٌّ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ بِرَفْعِ " عَرْضٌ " عَلَى أَنَّ كَانَ تَامَّةٌ. وَ " عَرْضٌ " بَدَلٌ مِنْ الدَّيْنِ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ مِثْلِيٌّ " مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَيُشْتَرَى بِالْخَمْسِينَ الْأُخْرَى] : أَيْ الَّتِي خَصَّتْ مَنْ لَهُ الْعَرْضُ فِي الْحِصَاصِ، فَإِنْ وَفَّتْ نِصْفَ دَيْنِهِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ وَفَّتْ دَيْنَهُ كُلَّهُ لِحُصُولِ رُخَصٍ فِي الْعَرْضِ فَازَ بِهِ وَصَارَ لَا شَيْءَ لَهُ قِبَلَ الْمُفْلِسِ، وَإِنْ وَفَّتْ دُونَ مَنَابِهِ فِي الْحِصَاصِ لِحُصُولِ غُلُوٍّ فِي الْعُرُوضِ تَقَرَّرَ لَهُ مَا بَقِيَ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ خَلِيلٍ: " وَمَضَى إنْ رَخُصَ أَوْ غَلَا "، فَمَعْنَى مُضِيِّهِ: أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ إنْ حَصَلَ غَلَاءٌ فِي الْعُرُوضِ وَلَا يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ إنْ حَصَلَ رُخْصٌ - فَتَأَمَّلْ.

[دخول الزوجة في المحاصة]

لِرَبِّ الْعَرْضِ عَرْضًا مِنْ جِنْسِ عَرْضِهِ وَصِفَتِهِ. (وَجَازَ) لِرَبِّ الدَّيْنِ الْمُخَالِفِ لِلنَّقْدِ (أَخْذُ الثَّمَنِ) : كَالْخَمْسِينَ الْبَاقِيَةِ (إلَّا لِمَانِعٍ) : كَأَنْ يَكُونَ الْمُخَالِفُ طَعَامُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يَجُوزُ لِرَبِّهِ أَخْذُ الثَّمَنِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ. (وَحَاصَّتْ الزَّوْجَةُ بِصَدَاقِهَا) وَلَوْ مُؤَجَّلًا لِحُلُولِهِ بِتَفْلِيسِ زَوْجِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَجَازَ لِرَبِّ الدَّيْنِ] إلَخْ: أَيْ عِنْدَ التَّرَاضِي وَأَمَّا عِنْدَ الْمُشَاحَّةِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يُشْتَرَى لَهُ صِفَةُ طَعَامٍ أَوْ مِثْلُ عَرْضِهِ بِمَا نَابَهُ فِي الْحِصَاصِ. قَوْلُهُ: [إلَّا لِمَانِعٍ] هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّفْلِيسَ لَا يَرْفَعُ التُّهْمَةَ، وَقِيلَ إنَّهُ يَرْفَعُهَا فَيَجُوزُ فِي التَّفْلِيسِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الِاقْتِضَاءِ - ابْنُ عَرَفَةَ. وَهُمَا رِوَايَتَانِ كَذَا فِي بْن. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِغَيْرِ جِنْسِ مَالِهِ إنْ جَازَ بَيْعُهُ قَبْل قَبْضِهِ، وَالْمُسْلَمُ فِيهِ مُنَاجَزَةً وَأَنْ يُسْلَمَ فِيهِ رَأْسُ الْمَالِ، فَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَرْضًا كَعَبْدٍ أَسْلَمَهُ فِي عَرْضٍ؛ كَثَوْبَيْنِ، فَحَصَلَ لَهُ فِي الْحِصَاصِ قِيمَةُ ثَوْبٍ، جَازَ لَهُ أَخْذُ تِلْكَ الْقِيمَةِ، لِأَنَّهُ آلَ أَمْرُهُ إلَى أَنَّهُ دَفَعَ لَهُ عَبْدًا فِي عَيْنٍ وَثَوْبٍ، وَلَا مَانِعَ فِي ذَلِكَ. بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ حَيَوَانًا مَأْكُولَ اللَّحْمِ وَنَابَهُ فِي الْحِصَاصِ لَحْمٌ مِنْ جِنْسِهِ وَعَكْسُهُ، فَيُمْنَعُ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ ذَهَبًا وَنَابَهُ فِي الْحِصَاصِ فِضَّةٌ أَوْ الْعَكْسُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ مَا نَابَهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعٍ وَصَرْفٍ مُتَأَخِّرٍ. وَكَمَا إذَا كَانَ مَالُهُ طَعَامًا مِنْ بَيْعٍ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ غَيْرِ جِنْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. [دُخُول الزَّوْجَة فِي الْمُحَاصَّة] قَوْلُهُ: [وَحَاصَّتْ الزَّوْجَةُ بِصَدَاقِهَا] إلَخْ: فَلَوْ حَاصَّتْ بِصَدَاقِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ رَدَّتْ مَا زَادَ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُحَاصَّةِ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ وَلَا تُحَاصِصُ فِيمَا رَدَّتْهُ عَلَى الصَّوَابِ، مَثَلًا: لَوْ كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَلَى شَخْصٍ مِائَتَانِ وَحَاصَّتْ الزَّوْجَةُ مَعَهُمَا بِمِائَةِ الصَّدَاقِ وَمَالُ الْمُفْلِسِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ؛ نِسْبَتُهُ مِنْ الدُّيُونِ النِّصْفُ، وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ دَيْنِهِ وَهُوَ خَمْسُونَ، فَإِذَا قُدِّرَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ مُحَاصَّةً بِخَمْسِينَ نُصِّفَ الصَّدَاقُ، كَانَ لَهَا فِي الْحِصَاصِ ثَلَاثُونَ، لِتَبَيُّنِ أَنَّ مَجْمُوعَ الدُّيُونِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فَقَطْ وَمَالُ الْمُفْلِسِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا، وَتُرَدُّ عِشْرِينَ لِلْغَرِيمَيْنِ الْآخَرَيْنِ لِيَكْمُلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِتُّونَ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ دَيْنِهِ وَلَا دُخُولَ لَهَا مَعَهُمَا فِيمَا رَدَّتْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ - كَذَا فِي

[ظهور ديون على المفلس]

وَلَوْ قَبْلَ الْبِنَاءِ (وَبِمَا أَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا) قَبْلَ عُسْرِهِ لَا فِي عُسْرِهِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي النَّفَقَةِ أَنَّهَا تَسْقُطُ بِالْعُسْرِ. (كَالْمَوْتِ) : أَيْ كَمَا تُحَاصِصُ بِصَدَاقِهَا وَبِمَا أَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا فِي مَوْتِهِ. (بِخِلَافِ نَفَقَتِهَا عَلَى الْوَلَدِ) فَلَا تُحَاصِصُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمُوَاسَاةِ. وَإِذَا لَمْ تُحَاصِصْ بِهَا (فَفِي الذِّمَّةِ) : أَيْ فَتَكُونُ فِي ذِمَّةِ زَوْجِهَا تَرْجِعُ بِهِ عِنْدَ الْيُسْرِ (إلَّا لِقَرِينَةِ تَبَرُّعٍ) مِنْهَا عَلَى الْوَلَدِ فَتَسْقُطُ. وَكَذَا لَا تُحَاصِصُ بِنَفَقَتِهَا عَلَى أَبَوَيْهِ الْفَقِيرَيْنِ. (وَإِنْ ظَهَرَ) عَلَى الْمُفْلِسِ أَوْ الْمَيِّتِ (دَيْنٌ) لِغَرِيمٍ بَعْدَ قَسْمِ مَالِهِ (أَوْ اُسْتُحِقَّ مَبِيعٌ) مِنْ سِلَعِهِ - (وَإِنْ) بِيعَتْ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ لِأَحَدِ الْغُرَمَاءِ (قَبْلَ فَلَسِهِ - رَجَعَ) الْغَرِيمُ الطَّارِئُ أَوْ مَنْ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ السِّلْعَةُ (عَلَى كُلٍّ) مِنْ الْغُرَمَاءِ (بِمَا يَخُصُّهُ) فِي الْحِصَاصِ. وَلَا يَأْخُذُ مَلِيًّا عَنْ مُعْدَمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبْن وَالْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَبِمَا أَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا قَبْلَ عُسْرِهِ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَا أَنْفَقَتْهُ مِنْ عِنْدِهَا أَوْ تَسَلَّفَتْهُ حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ نَفَقَتِهَا عَلَى الْوَلَدِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الزَّوْجَةَ إذَا أَنْفَقَتْ عَلَى وَلَدِ الْمُفْلِسِ فِي حَالِ يُسْرِهِ، فَإِنَّهَا لَا تُحَاصِصُ بِهَا. وَلَكِنَّهَا تَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ فِي الْمُسْتَقْبِلِ إذَا طَرَأَ لَهُ مَالٌ إنْ لَمْ تَكُنْ مُتَبَرِّعَةً وَهَذَا مَا لَمْ يَحْكُمْ بِهَا حَاكِمٌ، وَإِلَّا حَاصَّتْ بِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ تَسَلَّفَتْهَا أَوْ مِنْ عِنْدِهَا. فَالْمُحَاصَّةُ بِهَا تَحْصُلُ بِأَمْرَيْنِ: اتِّفَاقِهَا عَلَى الْوَلَدِ فِي حَالِ يَسْرَةِ الْأَبِ، وَحُكْمِ الْحَاكِمِ بِهَا. قَوْلُهُ: [وَكَذَا لَا تُحَاصِصُ بِنَفَقَتِهَا عَلَى أَبَوَيْهِ] إلَخْ: أَيْ إلَّا بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَنْ يُحْكَمَ بِهَا، وَأَنْ تَتَسَلَّفَ تِلْكَ النَّفَقَةَ، وَأَنْ يَكُونَ إنْفَاقُهَا عَلَيْهِمَا حَالَ يُسْرِهِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ لِأَصْبَغَ. وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: فَإِنَّهَا لَا تُحَاصِصُ بِنَفَقَةِ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَوْلَادِ مُطْلَقًا كَمَا فِي بْن وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْمَجْمُوعِ. بَلْ تَتْبَعُ الذِّمَّةَ إنْ لَمْ تَكُنْ مُتَبَرِّعَةً وَهُوَ مُقْتَضَى شَارِحِنَا. [ظهور دُيُون عَلَى الْمُفْلِس] قَوْلُهُ: [وَلَا يَأْخُذُ مَلِيًّا عَنْ مُعْدَمٍ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُفْلِسَ أَوْ الْمَيِّتَ إذَا اقْتَسَمَ الْغُرَمَاءُ مَالَهُ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِمْ غَرِيمٌ أَوْ شَخْصٌ اُسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ مِنْ يَدِهِ، وَالْحَالُ

وَلَا حَاضِرًا عَنْ غَائِبٍ؛ لِأَنَّهُمْ اقْتَسَمُوا مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ. إلَّا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ إنْ اشْتَرَى قَبْلَ الْفَلَسِ فَظَاهِرٌ؛ وَبَعْدَهُ رَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الَّذِي خَرَجَ مِنْ يَدِهِ. (كَوَارِثٍ أَوْ مُوصًى لَهُ) طَرَأَ (عَلَى مِثْلِهِ) فَيَرْجِعُ الطَّارِئُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْوَرَثَةِ أَوْ الْمُوصَى لَهُمْ بِمَا يَخُصُّهُ. (وَإِنْ اُشْتُهِرَ مَيِّتٌ بِدَيْنٍ، أَوْ عَلِمَ بِهِ الْوَارِثُ وَأَقْبِضَ) الْغُرَمَاءَ الْحَاضِرِينَ (رَجَعَ عَلَيْهِ) : أَيْ رَجَعَ الطَّارِئُ عَلَيْهِ: بِمَا ثَبَتَ لَهُ، لِتَفْرِيطِهِ وَاسْتِعْجَالِهِ؛ كَمَا لَوْ قَبَضَ لِنَفْسِهِ (ثُمَّ رَجَعَ هُوَ عَلَى الْغَرِيمِ) الَّذِي قَبَضَ مِنْهُ. (وَلَهُ) : أَيْ لِلطَّارِئِ (الرُّجُوعُ) عَلَى الْغَرِيمِ ابْتِدَاءً فَهُوَ مُخَيَّرٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا بِذَلِكَ الْغَرِيمِ وَلَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مَشْهُورًا بِالدَّيْنِ، فَإِنَّهُ يُرْجَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَّةِ الَّتِي تَنُوبُهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا، وَلَا يَأْخُذُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ. فَلَوْ كَانَ مَالُ الْمُفْلِسِ عَشَرَةً وَعَلَيْهِ لِثَلَاثَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ عَشَرَةٌ أَحَدُهُمْ غَائِبٌ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا عِلْمٌ بِهِ اقْتَسَمَ الْحَاضِرَانِ مَالَهُ فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةً ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِوَاحِدِ وَثُلُثَيْنِ. وَقَوْلُنَا: لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا عِلْمٌ بِهِ، احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ كَانَا عَالِمَيْنِ بِهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْمَلِيءُ عَنْ الْمُعْدَمِ وَالْحَاضِرُ عَنْ الْغَائِبِ وَالْحَيُّ عَنْ الْمَيِّتِ كَمَا سَيَأْتِي: وَقَوْلُنَا: وَلَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مَشْهُورًا بِالدَّيْنِ، احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ كَانَ مَشْهُورًا بِالدَّيْنِ فَسَيَأْتِي أَنَّ الْغَرِيمَ الطَّارِئَ يَأْخُذُ الْمَلِيَّ عَنْ الْمُعْدَمِ وَالْحَاضِرَ عَنْ الْغَائِبِ وَقَوْلُهُ: الْغَرِيمُ الطَّارِئُ، يُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا لَوْ حَضَرَ إنْسَانٌ قِسْمَةَ تَرِكَةِ مَيِّتٍ وَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ يَمْنَعُهُ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ بِدَيْنٍ، فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ حَيْثُ حَصَلَ الْقَسَمُ فِي الْجَمِيعِ. فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ الْقَسْمِ مَا يَفِي بِدَيْنِهِ لَمْ يَسْقُطْ إذَا حَلَفَ أَنَّهُ مَا تَرَكَ حَقَّهُ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ ابْنُ عَاصِمٍ فِي التُّحْفَةِ بِقَوْلِهِ: وَحَاضِرٌ لِقَسْمِ مَتْرُوكٍ لَهُ ... عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَكُنْ أَهْمَلَهُ لَا يَمْنَعُ الْقِيَامَ بَعْدُ إنْ بَقِيَ ... لِلْقَسْمِ قَدْرُ دَيْنِهِ الْمُحَقَّقِ يَقْبِضُ مِنْ ذَلِكَ حَقًّا مَلَكَهُ ... بَعْدَ الْيَمِينِ أَنَّهُ مَا تَرَكَهُ قَوْلُهُ: [بِمَا يَخُصُّهُ] : أَيْ فَقَطْ وَلَا يَأْخُذُ مَلِيًّا عَنْ مُعْدَمٍ وَلَا حَاضِرًا عَنْ غَائِبٍ وَلَا حَيًّا عَنْ مَيِّتٍ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مُشْتَهِرًا بِالدَّيْنِ أَوْ عَلِمَ الْوَارِثُ بِالطَّارِئِ وَأُقْبَضَ الْغُرَمَاءَ - كَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ اُشْتُهِرَ مَيِّتٌ إلَخْ.

[ترك النفقة الواجبة للمفلس]

(وَإِنْ طَرَأَ) غَرِيمٌ (عَلَى وَارِثٍ قَسَمَ) التَّرِكَةَ، (رَجَعَ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ مَلِيٌّ عَنْ مُعْدَمٍ) وَمَيِّتٌ عَنْ حَيٍّ وَحَاضِرٌ عَنْ غَائِبٍ (مَا لَمْ يُجَاوِزْ) دَيْنُ الطَّارِئِ (مَا قَبَضَ) مِنْ التَّرِكَةِ لِنَفْسِهِ. فَإِنْ جَاوَزَ - كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَشَرَةً وَهُوَ قَبَضَ ثَمَانِيَةً لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ إلَّا مَا قَبَضَهُ. (تُرِكَ لَهُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " وَبِيعَ مَالُهُ "، أَيْ: وَتُرِكَ لِلْمُفْلِسِ (قُوتُهُ وَالنَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ لِكَزَوْجَةٍ) : أَدْخَلَتْ الْكَافُ: الْوَلَدَ وَالْوَالِدَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ وَرَقِيقَهُ الَّذِي لَا يُبَاعُ كَأُمِّ وَلَدٍ وَمُدَبَّرٍ (إلَى ظَنِّ يُسْرِهِ) : أَيْ إلَى وَقْتٍ يُظَنُّ حُصُولُ الْيُسْرِ لَهُ عَادَةً. (وَ) تُرِكَ لَهُ (كِسْوَتُهُمْ) : أَيْ كِسْوَتُهُ وَكِسْوَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ (كُلٌّ دَسْتًا مُعْتَادًا) لَهُ مِنْ قَمِيصٍ وَعِمَامَةٍ وَقَلَنْسُوَةٍ أَوْ خِمَارٍ لِلْمَرْأَةِ. وَالدَّسْتُ - بِفَتْحِ الدَّالِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ: مَا قَابَلَ ثِيَابَ الزِّينَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمَيِّتٌ عَنْ حَيٍّ] : صَوَابُهُ قَلْبُ الْعِبَارَةِ. قَوْلُهُ: [مَا لَمْ يُجَاوِزْ دَيْنَ الطَّارِئِ] إلَخْ: هَذَا الرُّجُوعُ عَلَى الْوَارِثِ ثَابِتٌ مَتَى قَسَّمَ التَّرِكَةَ لِنَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْغَرِيمِ. فَقَيْدُ الْعِلْمِ إنَّمَا هُوَ إذَا فَرَّقَهَا عَلَى الْغُرَمَاءِ. فَقَوْلُهُ: وَإِنْ طَرَأَ غَرِيمٌ عَلَى وَارِثٍ قَسَّمَ التَّرِكَةَ، لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْغَرِيمِ مَعْلُومًا لَهُ أَوْ لَا، اُشْتُهِرَ الْمَيِّتُ بِالدَّيْنِ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ إلَّا مَا قَبَضَهُ] : أَيْ بِخِلَافِ الْغُصَّابِ وَاللُّصُوصِ، فَإِنَّ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ يُؤْخَذُ مِنْهُ جَمِيعُ الْحَقِّ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَبَضَ الْغُرَمَاءُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ مَا أَقَبْضَهُ. [ترك النَّفَقَة الْوَاجِبَة لِلْمُفْلِسِ] [تَنْبِيه ورث الْمُفْلِس أَبَاهُ أَوْ مِنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ] قَوْلُهُ: [عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ وَبِيعَ مَالُهُ] : صَوَابُهُ وَبَاعَ مَالَهُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْمَتْنِ قَوْلُهُ: [قُوتُهُ] : أَيْ مِنْ خَشِنِ الطَّعَامِ. قَوْلُهُ: [الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ] : أَيْ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ لَا بِالِالْتِزَامِ لِسُقُوطِهَا بِالْفَلَسِ. قَوْلُهُ: [إلَى ظَنِّ يُسْرِهِ] : مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: " قُوتُهُ " لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَهُوَ فِي مَعْنَى الْمُشْتَقِّ أَيْ مَا يُقْتَاتُ بِهِ لِظَنِّ يُسْرِهِ وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِتَرْكِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى تَرَكَ لَهُ تَرْكًا مُسْتَمِرًّا لِظَنِّ يُسْرِهِ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ التَّرْكَ فِي لَحْظَةٍ فَلَا يَسْتَمِرُّ. قَوْلُهُ: [وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ] : أَيْ وَأَمَّا بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ فَهُوَ اسْمٌ لِلصَّحْرَاءِ

(بِخِلَافِ مُسْتَغْرِقِ الذِّمَّةِ بِالظُّلْمِ) : كَالْمَكَّاسِ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَبَعْضِ الْأُمَرَاءِ (فَمَا) : أَيْ فَيُتْرَكُ لَهُ مَا (يَسُدُّ الرَّمَقَ) : أَيْ مَا يَحْفَظُ الْحَيَاةَ فَقَطْ (وَ) مَا (يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ) فَقَطْ، لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يُعَامِلُوهُ عَلَى مِثْلِ الْمُفْلِسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا غَيْرُ، وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ يُطْلَقُ عَلَى الصَّحْرَاءِ وَعَلَى مَا يَلْبَسُهُ الشَّخْصُ وَيَكْفِيه فِي حَوَائِجِهِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ لَهُ وَلَا لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إلَّا مَا يُوَارِي الْعَوْرَةَ وَيَقِي الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَتَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ مُسْتَغْرِقِ الذِّمَّةِ] : اعْلَمْ أَنَّ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَلَالٌ وَأَقَلُّهُ حَرَامٌ: الْمُعْتَمَدُ جَوَازُ مُعَامَلَتِهِ وَمُدَايَنَتِهِ وَالْأَكْلُ مِنْ مَالِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَصْبَغَ. وَأَمَّا مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ كَرَاهَةُ مُعَامَلَتِهِ وَمُدَايَنَتِهِ وَالْأَكْلِ مِنْ مَالِهِ، خِلَافًا لِأَصْبَغَ الْقَائِلِ بِحُرْمَةِ ذَلِكَ أَيْضًا. وَأَمَّا مَنْ كَانَ كُلُّ مَالِهِ حَرَامٌ - وَهُوَ الْمُسْتَغْرِقُ الذِّمَّةِ - فَتُمْنَعُ مُعَامَلَتُهُ وَمُدَايَنَتُهُ وَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ وَغَيْرِهِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّهُ مِثْلُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ فَيُمْنَعُ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ فَقَطْ. وَمَالُهُ - إذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدَّهُ لِأَرْبَابِهِ - يَجِبُ صَرْفُهُ فِي مَنَافِعِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ. وَاخْتُلِفَ إذَا نُزِعَ مِنْهُ لِيُصْرَفَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، هَلْ يُتْرَكُ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ لَا؟ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ (اهـ. مِنْ تَقْرِيرِ شَيْخِ مَشَايِخِنَا. الْعَدَوِيِّ) . تَنْبِيهٌ لَوْ وَرِثَ الْمُفْلِسُ أَبَاهُ أَوْ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، بِيعَ فِي الدَّيْنِ، وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الْمِلْكِ إنَّ اسْتَغْرَقَهُ الدَّيْنُ، وَإِلَّا بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِهِ وَعَتَقَ الْبَاقِي إنْ وُجِدَ مِنْ يَشْتَرِي الْبَعْضَ، وَإِلَّا بِيعَ جَمِيعُهُ وَيُمَلَّكُ بَاقِي الثَّمَنِ، لَا إنْ وُهِبَ لَهُ فَلَا يُبَاعُ عَلَيْهِ بَلْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ إنْ عَلِمَ وَاهِبُهُ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَهَبَهُ لِأَجْلِ الْعِتْقِ. فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ - وَلَوْ عَلِمَ بِالْقَرَابَةِ كَالْأُبُوَّةِ - فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ وَلَا يُعْتَقُ (اهـ. مِنْ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [عَلَى مِثْلِ الْمُفْلِسِ] : " عَلَى " زَائِدَةٌ فَالْمُنَاسِبُ حَذْفُهَا وَالْمَعْنَى: لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يُعَامِلُوا مُسْتَغْرِقَ الذِّمَمِ مِثْلَ مُعَامَلَةِ الْمُفْلِسِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا لَيْسَتْ زَائِدَةً بَلْ مَجْرُورُهَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ عَلَى شَيْءٍ. وَقَوْلُهُ: " مِثْلُ الْمُفْلِسِ " أَيْ مِثْلُ الشَّيْءِ الَّذِي عَامَلُوا عَلَيْهِ الْمُفْلِسَ.

[حبس المفلس إن لم يأت بحميل]

(وَحُبِسَ) الْمُفْلِسُ (لِثُبُوتِ عُسْرِهِ، إنْ جُهِلَ حَالُهُ) : لَا إنْ عُلِمَ عُسْرُهُ (إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِحَمِيلٍ) : بِمَالٍ أَوْ بِوَجْهٍ حَتَّى يَثْبُتَ عُسْرُهُ فَلَا يُحْبَسُ. (وَغُرْمُ) الْحَمِيلِ (إنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ) : أَيْ بِالْمُفْلِسِ الْمَجْهُولِ الْحَالِ (إلَّا أَنْ يُثْبِتَ) الْحَمِيلُ (عُسْرَهُ) فَإِنْ أَثْبَتَهُ فَلَا يَغْرَمُ لِأَنَّهُ إنَّمَا ضَمِنَهُ لِيُثْبِتَ عُسْرَهُ (أَوْ ظَهَرَ مَلَاؤُهُ) : عُطِفَ عَلَى " جَهْلِ حَالِهِ ": أَيْ يُحْبَسُ إنْ كَانَ ظَاهِرَ الْمَلَاءِ بِالْمَدِّ: أَيْ الْغِنَى بَيْنَ النَّاسِ (إنْ تَفَالَسَ) : أَيْ ادَّعَى الْفَلَسَ: أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [حَبَسَ الْمُفْلِس إِن لَمْ يَأْتِ بِحَمِيلِ] قَوْلُهُ: [وَحُبِسَ الْمُفْلِسُ] : مُرَادُهُ بِهِ الْمِدْيَانُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: " إنْ جُهِلَ حَالُهُ " كَانَ مُفْلِسًا بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ أَمْ لَا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ هَذَا التَّقْسِيمِ - كَمَا يَأْتِي - ظَاهِرُ الْمَلَاءِ وَمَعْلُومُهُ وَهُمَا لَا يُفْلِسَانِ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ وَهَذَا هُوَ الرَّابِعُ مِنْ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ وَسَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ التَّنْبِيهُ عَلَى الْخَامِسِ. قَوْلُهُ: [إنْ جُهِلَ حَالُهُ] : أَيْ هَلْ هُوَ مَلِيٌّ أَوْ مُعْدَمٌ لِأَنَّ النَّاسَ مَحْمُولُونَ عَلَى الْمَلَاءِ وَهَذَا مِمَّا قُدِّمَ فِيهِ الْغَالِبُ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْفَقْرُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُولَدُ فَقِيرًا لَا مِلْكَ لَهُ. قَوْلُهُ: [لَا إنْ عُلِمَ عُسْرُهُ] : أَيْ فَلَا يُحْبَسُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى. {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] . قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِحَمِيلٍ] : قُيِّدَ فِي الْمَجْهُولِ حَالُهُ. قَوْلُهُ: [بِمَالٍ أَوْ بِوَجْهٍ] : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَمْ يُبَيِّنْ فِي الْمُدَوَّنَةِ هَلْ الْحَمِيلُ بِالْوَجْهِ أَوْ بِالْمَالِ؟ وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ بِالْوَجْهِ، وَأَوْلَى بِالْمَالِ وَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ بِالْمَالِ، قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ والأندلسيي نَ. قَوْلُهُ: [أَوْ ظَهَرَ مَلَاؤُهُ] : الْمُرَادُ بِظَاهِرِ الْمَلَاءِ: مَنْ يُظَنُّ بِهِ ذَلِكَ بِسَبَبِ لِبْسِهِ الْفَاخِرِ مِنْ الثِّيَابِ وَرُكُوبِهِ لِجَيِّدِ الدَّوَابِّ وَكَثْرَةِ الْخَدَمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْلَمَ حَقِيقَةُ حَالِهِ. قَوْلُهُ: [إنْ كَانَ ظَاهِرَ الْمَلَاءِ بِالْمَدِّ] : أَيْ وَأَمَّا بِالْقَصْرِ مَهْمُوزًا: فَهُوَ الْجَمَاعَةُ، وَبِلَا هَمْزٍ: فَالْأَرْضُ الْمُتَّسَعَةُ - كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ.

الْعُدْمَ وَأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى وَفَاءِ مَا عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَسْأَلْ الصَّبْرَ بِحَمِيلٍ حَتَّى يُثْبِتَ عُسْرَهُ (فَإِنْ وَعَدَ) غَرِيمَهُ (بِالْقَضَاءِ وَسَأَلَ تَأْخِيرَ نَحْوَ الْيَوْمَيْنِ، أُجِيبَ) لِذَلِكَ وَلَا يُحْبَسُ (إنْ أَعْطَى حَمِيلًا بِالْمَالِ) ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَوْ حَمِيلًا بِالْوَجْهِ فَإِنَّهُ يَكْفِي. (وَإِلَّا) يَأْتِي بِحَمِيلٍ أَوْ أَتَى بِحَمِيلٍ بِالْوَجْهِ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونَ لَمْ يُجَبْ وَ (سُجِنَ) . (كَمَعْلُومِ الْمَلَاءِ) بِالْمَدِّ فَإِنَّهُ يُسْجَنُ وَيُضْرَبُ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَأْتِ بِحَمِيلٍ غَارِمٍ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ. (وَأَجَلُ) الْمَدِينِ الْمَعْلُومِ الْمَلَاءِ، وَكَذَا ظَاهِرِ الْمَلَاءِ إنْ وَعَدَ بِالْوَفَاءِ وَطَلَبَ التَّأْخِيرَ (لِبَيْعِ عَرْضِهِ إنْ أَعْطَى حَمِيلًا بِهِ) : أَيْ بِالْمَالِ وَإِلَّا سُجِنَ، وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ بَيْعُهُ، بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ لِأَنَّ الْمُفْلِسَ قَدْ ضُرِبَ عَلَى يَدَيْهِ وَمُنِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ. (وَلَهُ) : أَيْ لِرَبِّ الدَّيْنِ (تَحْلِيفُهُ عَلَى عَدَمِ النَّاضِّ) عِنْده مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ إذَا اتَّهَمَهُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ (وَإِنْ عَلِمَ بِهِ) : أَيْ بِالنَّاضِّ وَامْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إنْ لَمْ يَسْأَلْ الصَّبْرَ بِحَمِيلٍ] : أَيْ بِالْمَالِ أَوْ بِالْوَجْهِ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ. قَوْلُهُ: [وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ] إلَخْ: قِيلَ الْحَلِفُ لَفْظِيٌّ، فَكَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ الْمُلِدِّ وَكَلَامُ سَحْنُونَ فِي الْمُلِدِّ. قَوْلُهُ: [مَا لَمْ يَأْتِ بِحَمِيلٍ غَارِمٍ] : أَيْ وَلَا يَكْفِيه الْحَمِيلُ بِالْوَجْهِ فَقَوْلُ الْأَصْلِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ حَمِيلٌ أَيْ بِالْوَجْهِ. قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ بَيْعُهُ] : أَيْ بَيْعُ مَالِهِ. قَوْلُهُ: [وَمُنِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ] : أَيْ أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ تَرْكَ التَّصَرُّفِ، فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِمَعْنَى الضَّرْبِ. قَوْلُهُ: [تَحْلِيفُهُ عَلَى عَدَمِ النَّاضِّ] : قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: وَاخْتُلِفَ هَلْ يَحْلِفُ عَلَى عَدَمِ إخْفَاءِ النَّاضِّ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِهِ فَقِيلَ: يَحْلِفُ، وَقِيلَ: لَا. وَقِيلَ: إنْ كَانَ مِنْ التُّجَّارِ حَلَفَ وَإِلَّا فَلَا. وَالْخِلَافُ فِي هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَاف فِي تَوَجُّهِ التُّهْمَةِ (اهـ) .

جُبِرَ عَلَى دَفْعِهِ وَلَوْ بِالضَّرْبِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى) وَيُسْجَنَ حَتَّى يَدْفَعَ مَا عَلَيْهِ. (فَإِنْ أَثْبَتَ) الْمَدِينُ الْمَجْهُولُ الْحَالِ أَوْ ظَاهِرُ الْمَلَاءِ (عُسْرَهُ بِشَهَادَةٍ بَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ (أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ) فَشَهَادَتُهَا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَشْهَدَ عَلَى الْبَتِّ (وَحَلَفَ كَذَلِكَ) بِأَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ لَهُ مَالٌ إلَخْ؛ إذْ يَحْتَمِلُ أَنَّ لَهُ مَالًا فِي الْوَاقِعِ وَلَا يُعْلَمُ بِهِ. وَالْمَذْهَبُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ: أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ بِأَنْ يَقُولَ: لَيْسَ عِنْدِي مَالٌ إلَخْ (أُنْظِرَ لِمُيَسَّرَةٍ) فَلَا يُسْجَنُ وَلَا يُطَالَبُ قَبْلَهَا وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِتَكَسُّبٍ وَلَا اسْتِشْفَاعٍ وَلَا بِنَزْعِ مَالِ رَقِيقٍ لَمْ يَبِعْ عَلَيْهِ. (وَرَجَحَتْ بَيِّنَةُ الْمَلَاءِ) : أَيْ الشَّهَادَةُ بِهِ عَلَى بَيِّنَةِ الْعَدَمِ إنْ بَيَّنَتْ السَّبَبَ، بِأَنْ قَالَتْ: لَهُ مَالٌ قَدْ أَخْفَاهُ وَكَذَا إنْ لَمْ تُبَيِّنْ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ بِالضَّرْبِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى] : قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَلَوْ أَدَّى إلَى إتْلَافِ نَفْسِهِ لَكِنْ لَا يَقْصِدُ الْحَاكِمُ إتْلَافَهُ فَإِنْ قَصَدَهُ اُقْتُصَّ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ لَهُ مَالٌ] : الْأَوْضَحُ بِنَاءُ " يُعْلَمُ " لِلْفَاعِلِ وَنَصْبُ " مَالًا ". قَوْلُهُ: [وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ] : أَيْ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وَرَجَّحَ ابْنُ سَلْمُونٍ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ وَمَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ يَكُونُ لَهُ مَالٌ لَا يَعْلَمُهُ بِكَإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ فَتَحَصَّلَ أَنَّ فِي الْيَمِينِ قَوْلَيْنِ وَأَمَّا الشَّهَادَةُ فَهِيَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ عَلَى كُلٍّ. قَوْلُهُ: [وَرَجَحَتْ بَيِّنَةِ الْمَلَاءِ] إلَخْ: يَعْنِي أَنَّ الْمَدِينَ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ قَوْمٌ بِالْمَلَاءِ وَشَهِدَ لَهُ قَوْمٌ بِالْعُدْمِ فَإِنَّ بَيِّنَةَ الْمَلَاءِ تُقَدَّمُ إنْ بَيَّنَتْ سَبَبَ الْمَلَاءِ بِأَنْ عَيَّنَتْ مَا هُوَ مَلِيءٌ بِسَبَبِهِ سَوَاءٌ بَيَّنَتْ بَيِّنَةَ الْعُدْمِ السَّبَبَ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [وَكَذَا إنْ لَمْ تُبَيِّنْ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ] : قَالَ بَعْضُهُمْ: الَّذِي بِهِ الْعَمَلُ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْمَلَاءِ وَإِنْ لَمْ تُبَيِّنْ سَبَبَهُ، وَالْقَاعِدَةُ تَقْدِيمُ مَا بِهِ الْعَمَلُ. فَإِنْ قِيلَ شَهَادَةٌ بَيِّنَةُ الْمَلَاءِ مُسْتَصْحَبَةٌ - لِأَنَّ الْغَالِبَ الْمَلَاءُ وَبَيِّنَةُ الْعُدْمِ نَاقِلَةٌ وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمُسْتَصْحَبَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّاقِلَةَ هُنَا شَهِدَتْ بِالنَّفْيِ، وَبَيِّنَةُ الْمَلَاءِ مُثْبِتَةٌ وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي فَالْقَاعِدَةُ الْأُولَى الَّتِي هِيَ تَقْدِيمُ النَّاقِلَةِ عَلَى الْمُسْتَصْحِبَةِ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا لَمْ تَشْهَدْ النَّاقِلَةُ بِالنَّفْيِ وَالْمُسْتَصْحَبَةُ بِالْإِثْبَاتِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ.

(وَأُخْرِجَ الْمَجْهُولُ) الْحَالِ مِنْ الْحَبْسِ (إنْ طَالَ حَبْسُهُ بِالِاجْتِهَادِ) مِنْ الْحَاكِمِ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ مَا صَبَرَ عَلَى الْحَبْسِ هَذِهِ الْمُدَّةَ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالدَّيْنِ قِلَّةً وَكَثْرَةً. وَأَمَّا ظَاهِرُ الْمِلَاءِ فَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ بِعَدَمِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَمَعْلُومُ الْمَلَاءِ يَخْلُدُ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَغْرَمَ مَا عَلَيْهِ أَوْ يَأْتِيَ بِحَمِيلٍ غَارِمٍ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَحُبِسَتْ النِّسَاءُ عِنْدَ) امْرَأَةٍ (أَمِينَةٍ أَوْ) امْرَأَةٍ (ذَاتِ أَمِينٍ) مِنْ الرِّجَالِ مِنْ زَوْجٍ أَوْ أَبٍ أَوْ ابْنٍ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ هِيَ أَمِينَةٌ أَيْضًا (وَحُبِسَ الْجَدُّ) : أَيْ جَازَ حَبْسُهُ لِوَلَدِ ابْنِهِ (وَ) حُبِسَ (الْوَلَدُ لِأَبِيهِ) : فِي دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَا الْعَكْسَ) : أَيْ لَا يُحْبَسُ وَالِدٌ لِوَلَدِهِ. (كَالْيَمِينِ) فَلِلْوَالِدِ أَنْ يُحْلِفَ وَلَدَهُ فِي حَقٍّ لَا الْعَكْسَ (إلَّا) الْيَمِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأُخْرِجَ الْمَجْهُولُ الْحَالِ] إلَخْ: أَيْ بَعْدَ حَلِفِهِ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ وَإِنْ وَجَدَ مَالًا لَيَقْضِيَنَّ الْغُرَمَاءَ حَقَّهُمْ كَمَا قَيَّدَ بِهِ شُرَّاحُ خَلِيلٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ يَأْتِيَ بِحَمِيلٍ غَارِمٍ] : أَيْ أَوْ تَشْهَدَ لَهُ بَيِّنَةُ بِذَهَابِ مَالِهِ. قَوْلُهُ: [عِنْدَ امْرَأَةٍ أَمِينَةٍ] : أَيْ بِحَيْثُ لَا يُخْشَى عَلَى النِّسَاءِ مِنْهَا. وَأَمَّا الْأَمْرَدُ الْبَالِغُ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَيُحْبَسُ كُلٌّ وَحْدَهُ أَوْ عِنْدَ مَحْرَمٍ. وَغَيْرُ الْبَالِغِ لَا يُحْبَسُ. قَوْلُهُ: [امْرَأَةٍ ذَاتِ أَمِينٍ] : إنَّمَا قَدَّرَ الشَّارِحُ امْرَأَةً لِيُفِيدَ اشْتِرَاطَ الْأَمَانَةِ فِيهَا أَيْضًا مَعَ عَدَمِ الِانْفِرَادِ فَقَوْلُهُ أَوْ ذَاتِ أَمِينٍ عُطِفَ عَلَى ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ. قَوْلُهُ: [لَا الْعَكْسَ] : أَيْ فَالْوَالِدُ - أَبًا أَوْ أُمًّا - لَا يُحْبَسُ لِوَلَدِهِ وَلَوْ أَلِدَ بِدَفْعِ الْحَقِّ وَالْمُرَادُ الْأَبُ وَالْأُمُّ نَسَبًا لَا رَضَاعًا وَأَمَّا رَضَاعًا فَيُحْبَسُ لِدَيْنِ وَلَدِهِ مِنْ الرَّضَاعِ. قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ لَمْ يُحْبَسْ الْوَالِدَانِ فَلَا أَظْلِمُ الْوَلَدَ لَهُمَا، فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ بِهِمَا مَا يَفْعَلُ بِالْمُلِدِّ مِنْ الضَّرْبِ وَغَيْرِهِ كَالتَّقْرِيعِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِحَقِّ الْوَلَدِ بَلْ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى رَدْعًا وَزَجْرًا وَصِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ. وَلَا يُقَالُ: إنَّ الضَّرْبَ أَشَدُّ مِنْ الْحَبْسِ فَمُقْتَضَى كَوْنِهِمَا لَا يُحْبَسَانِ أَنَّهُمَا لَا يُضْرَبَانِ، لِأَنَّنَا نَقُولُ: الْحَبْسُ لِدَوَامِهِ أَشَدُّ مِنْ الضَّرْبِ - قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [فِي حَقٍّ لَا الْعَكْسَ] : أَيْ لَيْسَ لِلْوَلَدِ أَنْ يُحْلِفَ الْوَالِدَ لِأَنَّهُ عُقُوقٌ وَلَا يُقْضَى لِلْوَلَدِ بِتَحْلِيفِ وَالِدِهِ إذَا شَحَّ الْوَالِدُ وَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ حَدُّهُ إنْ قَذَفَهُ لِأَنَّ

الْمُنْقَلِبَةَ) مِنْ الْوَلَدِ عَلَى وَالِدِهِ؛ كَأَنْ يَدَّعِيَ عَلَى ابْنِهِ بِحَقٍّ فَأَنْكَرَ وَلَمْ يَحْلِفْ الِابْنُ لِرَدِّ دَعْوَى وَالِدِهِ فَرُدَّتْ عَلَى الْأَبِ فَيَحْلِفُ الْأَبُ لِيَأْخُذَ حَقَّهُ (أَوْ) الْيَمِينَ (الْمُتَعَلِّقَ بِهَا حَقُّ غَيْرِهِ) : أَيْ غَيْرِ الْوَلَدِ؛ كَدَعْوَى الْأَبِ ضَيَاعَ صَدَاقِ ابْنَتِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ مِنْهُ، وَخَالَفَهُ زَوْجُهَا وَطَلَبَهُ بِجِهَازِهَا؛ فَيَحْلِفُ الْأَبُ أَنَّهُ ضَاعَ مِنْهُ بِلَا تَفْرِيطٍ لِحَقِّ الزَّوْجِ. وَكَذَا يَحْلِفُ الْأَبُ إذَا ادَّعَى قَبْلَ سَنَةٍ مِنْ دُخُولِهَا أَنَّهُ أَعَارَهَا شَيْئًا مِنْ جِهَازهَا كَمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا يُخْرَجُ) الْمَسْجُونُ فِي حَقٍّ شَرْعِيٍّ أَيْ لَا يُجَابُ وَلَا يُقْضَى بِخُرُوجِهِ (لِعِيَادَةِ قَرِيبٍ) لَهُ (كَأَبِيهِ) وَابْنِهِ وَزَوْجَتِهِ وَلَوْ قَرُبَ (وَلَا جُمُعَةٍ وَعِيدٍ، وَ) لَا يَخْرُجُ لِأَجْلِ (عَدُوٍّ) مَعَهُ فِي الْحَبْسِ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْحَبْسِ التَّشْدِيدُ (إلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَدَّ أَشَدُّ مِنْ الْيَمِينِ هَذَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُقْضَى لِلْوَلَدِ بِتَحْلِيفِ وَالِدِهِ فِي حَقٍّ يَدَّعِيه عَلَيْهِ وَيَحُدُّهُ وَيَكُونُ بِذَلِكَ عَاقًّا وَلَا يُعْذَرُ فِيهِ بِجَهْلٍ، وَهُوَ بَعِيدٌ؛ فَإِنَّ الْعُقُوقَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمَكَّنَ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الضَّعِيفِ مَشَى خَلِيلٌ فِي بَابِ الْحُدُودِ حَيْثُ قَالَ: وَلَهُ حَدُّ أَبِيهِ وَفُسِّقَ. قَوْلُهُ: [كَأَنْ يَدَّعِيَ عَلَى ابْنِهِ بِحَقٍّ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ ادَّعَى الْوَلَدُ عَلَى أَبِيهِ بِحَقٍّ وَأَقَامَ شَاهِدًا وَلَمْ يَحْلِفْ الْوَلَدُ مَعَهُ فَرُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْأَبِ؛ فَهَلْ يَحْلِفُ الْأَبُ لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ؟ وَهُوَ مَا قَالَهُ عب قَالَ بْن وَهُوَ غَيْرُ صَوَابٍ، فَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْأَبَ لَا يَحْلِفُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَدَّعِيه الْوَلَدُ عَلَيْهِ وَنَصُّهُ: وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَسَحْنُونٌ إنَّهُ لَا يُقْضَى بِتَحْلِيفِهِ أَبَاهُ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إنْ دَعَا إلَيْهِ وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا} [الإسراء: 23] الْآيَةَ، وَلَمَّا جَاءَ أَنَّهُ: «مَا بَرَّ وَالِدَيْهِ مَنْ شَدَّ النَّظَرَ إلَيْهِمَا أَوْ إلَى أَحَدِهِمَا» ، وَرُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَمِينَ لِلْوَلَدِ عَلَى وَالِدِهِ» وَيَشْهَدُ لِصِحَّتِهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» . وَأَمَّا إنْ

[استرداد الدائن عين ماله من التفليسة]

لِخَوْفِ تَلَفِهِ) بِقَتْلٍ أَوْ أَسْرٍ (فَمَكَانٌ آخَرُ) يَخْرُجُ لَهُ فَيُحْبَسُ فِيهِ. [اسْتِرْدَاد الدَّائِن عَين مَاله مِنْ التَّفْلِيسَة] ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْحُكْمِ الْخَامِسِ مِنْ أَحْكَامِ الْحَجْرِ فَقَالَ: (وَلِلْغَرِيمِ) رَبِّ الدَّيْنِ (أَخْذُ عَيْنِ مَالِهِ) الَّذِي بَاعَهُ لِلْمُفْلِسِ قَبْلَ فَلَسِهِ عَرْضًا أَوْ مِثْلِيًّا أَوْ حَيَوَانًا (الْمَحُوزِ) مِنْ حَازَ، وَلَا يُقَالُ: أَحَازَ فَهُوَ مُحَازٌ (عَنْهُ) : أَيْ عَنْ الْغَرِيمِ (فِي الْفَلَسِ) حَيْثُ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ مِنْ الْمُفْلِسِ قَبْلَ فَلَسِهِ (لَا) فِي (الْمَوْتِ) : فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ عَيْنِ مَالِهِ إنْ وَجَدَهُ لِخَرَابِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ بَلْ يَكُونُ فِي ثَمَنِهِ أُسْوَةً الْغُرَمَاءُ (وَلَوْ) كَانَ عَيْنُ مَالِهِ (مَسْكُوكًا) فَلَهُ أَخْذُهُ فِي الْفَلَسِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ حَيْثُ عُرِفَ بِطَبْعٍ عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ وَمَحَلُّ أَخْذِ عَيْنِ مَالِهِ (إنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQادَّعَى الْوَالِدُ عَلَيْهِ دَعْوَى فَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَرَدَّهَا عَلَيْهِ أَوْ: كَانَ لَهُ شَاهِدٌ عَلَى حَقِّهِ عَلَيْهِ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ (اهـ.) بِاخْتِصَارٍ. قَوْلُهُ: [وَلِلْغَرِيمِ] إلَخْ: أَيْ وَلَهُ إبْقَاؤُهُ لِلْمُفْلِسِ، وَيُحَاصِصُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِثَمَنِهِ وَإِذَا أَرَادَ أَخْذَهُ فَلَا يَحْتَاجُ لِحُكْمٍ إذَا لَمْ يُنَازِعْهُ الْغُرَمَاءُ. قَوْلُهُ: [مَنْ حَازَ] : أَيْ فَهُوَ ثُلَاثِيٌّ كَقَالَ، فَاسْمُ الْمَفْعُولِ مِنْهُ مَحُوزٌ كَمَقُولٍ وَأَصْلُهُ مَحْوُوزٌ اُسْتُثْقِلَتْ الضَّمَّةُ عَلَى الْوَاوِ فَنُقِلَتْ إلَى السَّاكِنِ قَبْلَهَا. قَوْلُهُ: [وَلَا يُقَالُ أَحَازَ] : أَيْ فَيَكُونُ رُبَاعِيًّا كَأَجَازَ فَهُوَ مُجَازٌ فَاسْمُ الْمَفْعُولِ مِنْهُ مُجَازٌ. وَأَصْلُهُ مُحْوَزٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْوَاوِ نُقِلَتْ فَتْحَةُ الْوَاوِ إلَى السَّاكِنِ قَبْلهَا فَقُلِبَتْ الْوَاوُ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا بِحَسَبِ الْأَصْلِ وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا الْآنَ كَمَا لَا يَخْفَى. قَوْلُهُ: [قَبْلَ فَلَسِهِ] : أَيْ وَأَمَّا إقْرَارُهُ بَعْدَ الْفَلَسِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: الْقَبُولِ مَعَ يَمِينِ صَاحِبِ السِّلْعَةِ، وَبِدُونِ يَمِينٍ وَعَدَمِهِ مُطْلَقًا، وَيَحْلِفُ الْغُرَمَاءُ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهَا سِلْعَتُهُ، وَالرَّابِعُ إنْ كَانَ عَلَى الْأَصْلِ بَيِّنَةٌ قَبْلَ قَوْلِهِ فِي تَعْيِينِهَا وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَوْلُهُ: [لِخَرَابِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ] : أَيْ بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ فَإِنَّ الذِّمَّةَ مَوْجُودَةٌ فِي الْجُمْلَةِ وَدَيْنُ الْغُرَمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِهَا. قَوْلُهُ: [وَنَحْوِهِ] : أَيْ كَبَيِّنَةٍ لَازَمَتْ الْقَابِضَ لَهَا حَتَّى حَصَلَ الْفَلَسُ وَرَدَّ بِ " لَوْ " عَلَى أَشْهَبَ حَيْثُ قَالَ: لَا يَرْجِعُ فِي دَرَاهِمِهِ الْمَسْكُوكَةِ بَلْ يُحَاصِصُ بِهَا لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي

لَمْ يَفْدِهِ الْغُرَمَاءُ) بِدَفْعِ ثَمَنِهِ لِلْغَرِيمِ (وَلَوْ بِمَالِهِمْ) فَأَوْلَى بِمَالِ الْمُفْلِسِ، فَإِنْ فَدَوْهُ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ (وَلَمْ يَنْتَقِلْ) عَنْ أَصْلِهِ بِنَاقِلٍ؛ كَأَنْ يَنْتَقِلَ الْحَبُّ (بِكَطَحْنِ حِنْطَةٍ) مَثَلًا، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ: الْبَذْرَ وَالْقَلْيَ وَالْعَجْنَ وَالْخُبْزَ وَنَحْوَهَا؛ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ بَعْدَ النَّقْلِ (وَتَسْمِينِ زُبْدٍ) : أَيْ جَعْلِهِ سَمْنًا (وَتَفْصِيلِ شُقَّةٍ) ثَوْبًا (وَذَبْحٍ) لِحَيَوَانٍ (وَتَتَمُّرِ رُطَبٍ) : أَيْ جَعْلِهِ تَمْرًا (وَخَلْطٍ) لِشَيْءٍ (بِغَيْرِ مِثْلٍ) كَخَلْطِ عَسَلٍ بِسَمْنٍ أَوْ زَيْتٍ أَوْ قَمْحٍ جَيِّدٍ بِعَفِنٍ، وَأَمَّا خَلْطُهُ بِمِثْلِهِ فَغَيْرُ مُفَوَّتٍ (وَعَمَلِ الْخَشَبَةِ بَابًا) مَثَلًا. (بِخِلَافِ تَعْيِيبِهَا بِسَمَاوِيٍّ) : أَيْ بِلَا فِعْلِ فَاعِلٍ فَلَهُ أَخْذُهَا وَالْحِصَاصُ. وَخِيَرَتُهُ بَيْنَ أَخْذِهَا وَالْحِصَاصِ تَنْفِي ضَرَرَهُ (أَوْ) حَصَلَ التَّعْيِيبُ (مِنْ الْمُشْتَرِي) الْمُفْلِسِ، (فَلَهُ أَخْذُهَا) : أَيْ سِلْعَتِهِ وَلَوْ قَالَ أَخْذُهُ كَانَ أَوْضَحَ (وَلَا أَرْشَ لَهُ) إنْ أَخَذَهَا فِي نَظِيرِ الْعَيْبِ عَادَتْ السِّلْعَةُ لِهَيْئَتِهَا أَمْ لَا. (كَالْأَجْنَبِيِّ) : أَيْ كَمَا لَوْ عَيَّبَهَا أَجْنَبِيٌّ: أَيْ غَيْرُ الْمُشْتَرِي (وَعَادَتْ لِهَيْئَتِهَا الْأُولَى) فَلَهُ أَخْذُهَا وَلَا أَرْشَ لَهُ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَخَذَ أَرْشًا قَبْلَ عَوْدِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَحَادِيثِ مَنْ وَجَدَ سِلْعَتَهُ أَوْ مَتَاعَهُ وَالنَّقْدَ لَا يُطْلِقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَحُجَّةُ ابْنِ الْقَاسِمِ قِيَاسُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُثْمَنِ. قَوْلُهُ: [بِكَطَحْنِ حِنْطَةٍ] : تَمْثِيلٌ لِلْمَنْفِيِّ، وَإِنَّمَا كَانَ الطَّحْنُ نَاقِلًا هُنَا - مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي الرِّبَوِيَّاتِ أَنَّهُ غَيْرُ نَاقِلٍ عَلَى الْمَشْهُورِ - لِأَنَّ النَّقْلَ هُنَا عَنْ الْعَيْنِ وَهُوَ يَكُونُ بِأَدْنَى شَيْءٍ، وَالنَّقْلُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْجِنْسِ وَلَا يَكُونُ إلَّا بِأَقْوَى شَيْءٍ، فَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَذَبْحٍ لِحَيَوَانٍ] : أَيْ وَلَا يَجُوزُ التَّرَاضِي عَلَى أَخْذِهِ بَعْدَ الذَّبْحِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْقَضَاءِ عَنْ الْحَيَوَانِ بِلَحْمٍ مِنْ جِنْسِهِ وَكَذَا أَخْذُ السَّمْنِ غَيْرُ الزَّبَد وَكَذَا التَّرَاضِي عَلَى التَّمْرِ بَدَلَ الرُّطَبِ وَالدَّقِيقُ بَدَلَ الْقَمْحِ، فَيُمْنَعُ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْقَضَاءِ عَلَى ثَمَنِ الطَّعَامِ طَعَامًا مِنْ جِنْسِهِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ التَّرَاضِي عَلَى أَخْذِ الثَّوْبِ بَدَلَ الشُّقَّةِ وَالْبَابِ بَدَلَ الْخَشَبَةِ فَجَائِزٌ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ قَالَ أَخْذُهُ كَانَ أَوْضَحَ] : وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ: بِخِلَافِ تَعْيِينِهَا وَلِهَيْئَتِهَا وَنَقْصِهَا، وَلَكِنَّهُ أُنِّثَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ نَظَرًا لِذَاتِ الشَّيْءِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَخَذَ أَرْشًا] : اسْتَشْكَلَ بِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ أَرْشَ جُرْحٍ

(وَإِلَّا) تَعُدْ لِهَيْئَتِهَا (فَبِنِسْبَةِ نَقْصِهَا) : أَيْ فَلَهُ أَخْذُهَا بِنِسْبَةِ نَقْصِهَا بِذَلِكَ الْعَيْبِ عَنْ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ كَمَا لَوْ بَاعَهَا بِعَشَرَةٍ وَيَوْمَ أَخْذَهَا مَعِيبَةً تُسَاوِي ثَمَانِيَةً فَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَهَا وَيُحَاصِصَ الْغُرَمَاءَ بِاثْنَيْنِ أَوْ يَتْرُكَهَا وَيُحَاصِصَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. (وَلَهُ) : أَيْ لِلْغَرِيمِ (رَدُّ بَعْضِ ثَمَنٍ قُبِضَ) مِنْ الْمُفْلِسِ قَبْلَ التَّفْلِيسِ وَأَخْذُ عَيْنِ سِلْعَتِهِ وَلَهُ تَرْكُهَا وَالْمُحَاصَّةُ بِمَا بَقِيَ لَهُ (وَ) لَهُ إنْ بَاعَ مُتَعَدِّدًا مِنْ السِّلَعِ أَوْ مِثْلِيًّا كَإِرْدَبٍّ قَمْحٍ وَفَاتَ بَعْضُهُ عِنْدَ الْمُفْلِسِ وَالْبَعْضُ بَاقٍ (أَخَذَ الْبَعْضَ) الْبَاقِي (وَحَاصَّ بِالْفَائِتِ) : أَيْ بِمَا يَنُوبُهُ مِنْ الثَّمَنِ مَفْضُوضًا عَنْ الْقِيَمِ. وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ مَا وَجَدَ وَحَاصَّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ بِالْبَاقِي مِنْهُ إنْ كَانَ قَبَضَ بَعْضًا، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ رَدِّ مَنَابِ الْفَائِتِ؛ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ بِعِشْرِينَ وَقَبَضَ مِنْهَا عَشَرَةً وَخَرَجَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي أَحَدُهُمَا بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ فَلِسَ وَأَرَادَ الْغَرِيمُ أَخْذَ الْعَبْدِ الْبَاقِي فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ حَتَّى يَرُدَّ مِنْ الْعَشَرَةِ الْمَقْبُوضَةِ خَمْسَةً حَيْثُ تَسَاوَتْ قِيمَتُهُمَا لِأَنَّ الْعَشَرَةَ الْمَقْبُوضَةَ مَفْضُوضَةٌ عَلَيْهِمَا. (و) لَهُ (أَخْذُهَا مَعَ وَلَدٍ حَدَثَ) لَهَا عِنْدَ الْمُفْلِسِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأُمُّ عَاقِلَةً أَمْ لَا اشْتَرَاهَا الْمُفْلِسُ حَامِلَةً أَمْ لَا. وَلَهُ الْمُحَاصَّةُ بِجَمِيعِ ثَمَنِ الْأُمِّ إنْ لَمْ يَكُنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ عَلَى شَيْنٍ وَحِينَئِذٍ، فَلَا يُتَصَوَّرُ الْأَرْشُ وَإِذَا عَادَ لِهَيْئَتِهِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِي الْجِرَاحَاتِ الْأَرْبَعَةِ؛ فَإِنَّ فِيهَا مَا قَرَّرَهُ الشَّارِعُ سَوَاءٌ بَرِئَتْ عَلَى شَيْنٍ أَمْ لَا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ جِنَايَةِ الْمُشْتَرِي وَالْأَجْنَبِيِّ حَيْثُ جَعَلْتُمْ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ فِي جِنَايَةِ الْمُشْتَرِي عَادَ الْمَبِيعُ لِهَيْئَتِهِ أَمْ لَا. وَأَمَّا فِي الْأَجْنَبِيِّ فَالْخِيَارُ لَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ إذَا عَادَ الْمَبِيعُ لِهَيْئَتِهِ فَقَطْ أَنَّ جِنَايَةَ الْمُشْتَرِي حَاصِلَةٌ عَلَى مَا فِي مِلْكِهِ فَلَيْسَ فِيهَا تَعَدٍّ فَأَشْبَهَتْ السَّمَاوِيَّ بِخِلَافِ جِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ. قَوْلُهُ: [رَدُّ بَعْضِ ثَمَنِ] : أَيْ سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْمَبِيعُ أَوْ تَعَدَّدَ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَوْ بَاعَ سِلْعَةً أَوْ سِلْعَتَيْنِ بِعَشَرَةِ مَثَلًا فَقَبَضَ مِنْهَا خَمْسَةً ثُمَّ فَلِسَ الْمُشْتَرِي فَوَجَدَ الْبَائِعُ مَبِيعَهُ قَائِمًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ؛ إمَّا أَنْ يُحَاصِصَ بِالْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَرُدَّ الْخَمْسَةَ الَّتِي قَبَضَهَا وَيَأْخُذُ سِلْعَتَهُ. قَوْلُهُ: [مَفْضُوضًا عَنْ الْقِيَمِ] : أَيْ قِيَمِ السِّلَعِ.

قَبَضَ بَعْضَهُ وَوَجْهُ أَخْذِ الْوَلَدِ فِيمَا اشْتَرَاهَا الْمُفْلِسُ غَيْرُ حَامِلٍ أَنَّ الْأَخْذَ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ. (أَوْ) أَخَذَهَا مَعَ أَخْذِ (صُوفٍ تَمَّ حِينَ الْبَيْعِ أَوْ) مَعَ أَخْذِ (ثَمَرَةٍ أُبِّرَتْ) فَأَوْلَى لَوْ طَابَتْ حِينَ الْبَيْعِ جَزُّ الصُّوفِ أَوْ الثَّمَرَةِ أَمْ لَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. (وَإِلَّا) يَتِمَّ الصُّوفُ وَلَا أُبِّرَتْ الثَّمَرَةُ (فَلِلْمُفْلِسِ) : أَيْ فَهُمَا لِلْمُفْلِسِ. (كَالْغَلَّةِ) فَإِنَّهَا لِلْمُفْلِسِ مِنْ سَمْنٍ وَلَبَنٍ وَأُجْرَةِ عَمَلٍ، وَهَذَا إنْ جَزَّ الصُّوفَ أَوْ الثَّمَرَةَ فَإِنْ كَانَا بَاقِيَيْنِ عَلَى أَصْلِهِمَا أَخَذَهُمَا الْبَائِعُ وَرَجَعَ الْمُفْلِسُ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْأُصُولِ. (وَالصَّانِعُ) كَخَيَّاطٍ وَنَجَّارٍ إذَا عَمِلَ مَا بِيَدِهِ فَفَلِسَ رَبُّ الثَّوْبِ مَثَلًا أَوْ مَاتَ (أَحَقُّ - وَلَوْ بِمَوْتِ مَا بِيَدِهِ) حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ أُجْرَتَهُ لِأَنَّهُ تَحْتَ يَدِهِ كَالرَّهْنِ. وَإِنْ فَلِسَ قَبْلَ عَمَلِهِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إمَّا أَنْ يَرُدَّهُ الصَّانِعُ وَيَفْسَخَ الْإِجَارَةَ، وَإِمَّا أَنْ يَعْمَلَ وَيُحَاصِصَ. (وَإِلَّا) يَكُنْ تَحْتَ يَدِهِ - بِأَنْ رَدَّهُ لِرَبِّهِ قَبْلَ فَلَسِهِ - أَوْ كَانَ لَا يُحَازُ كَالْبِنَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فِيمَا اشْتَرَاهَا] إلَخْ: " مَا " وَاقِعَةٌ عَلَى أُمٍّ أَيْ فِي الْأُمِّ الَّتِي اشْتَرَاهَا الْمُفْلِسُ وَاشْتَرَاهَا صِلَةُ مَا. قَوْلُهُ: [نَقْضٌ لِلْبَيْعِ] : أَيْ فَكَأَنَّهَا وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ قَوْلُهُ: [عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ] أَيْ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَلِأَشْهَبَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: أَنَّ الصُّوفَ إذَا جَزَّهُ الْمُشْتَرِي غَلَّةً لَيْسَ لِلْبَائِعِ حِينَئِذٍ فَيُخَيِّرُ الْبَائِعُ بَيْنَ أَخْذِ الْغَنَمِ مَجْزُوزَةً بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ بِتَرْكِهَا وَيُحَاصِصُ الْغُرَمَاءَ بِجَمِيعِهِ. قَوْلُهُ: [أَيْ فَهُمَا لِلْمُفْلِسِ] : قَالَ بْن وَلَا اخْتِلَافَ فِي هَذَا. قَوْلُهُ: [أَحَقُّ وَلَوْ بِمَوْتِ مَا بِيَدِهِ] : الْمُبَالَغَةُ هُنَا لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُقَيَّدَةٌ بِالْفَلَسِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا لَا لِلرَّدِّ عَلَى خِلَافِ الْمَذْهَبِ إذْ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ. قَوْلُهُ: [فَهُوَ بِالْخِيَارِ] : الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الصَّانِعِ. فَقَوْلُهُ: " إمَّا أَنْ يَرُدَّهُ الصَّانِعُ " الْأَوْلَى حَذْفُ لَفْظِ الصَّانِعِ لِإِيهَامِهِ خِلَافَ الْمُرَادِ. قَوْلُهُ: [وَإِمَّا أَنْ يَعْمَلَ وَيُحَاصِصَ] : مَحَلُّ ذَلِكَ إنْ اخْتَارَ الْعَمَلَ وَالْحِصَاصَ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنْ أَمْرَهُ الْغُرَمَاءَ بِالْعَمَلِ فَالْأُجْرَةُ كُلُّهَا لَازِمَةٌ لَهُمْ. قَوْلُهُ: [كَالْبِنَاءِ] : أَيْ وَالنَّجَّارُ فَإِنَّ صَنْعَتَهُمَا فِي بَيْتِ رَبِّ الشَّيْءِ.

أَوْ كَانَ يَصْنَعُ الشَّيْءَ عِنْدَ رَبِّهِ وَيَتْرُكُهُ عِنْدَهُ - (فَلَا) يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ، بَلْ تَتَعَيَّنُ الْمُحَاصَّةُ. وَهَذَا إذَا لَمْ يُضِفْ لِصَنْعَتِهِ شَيْئًا، فَإِنْ أَضَافَ كَصَبَّاغٍ يَصْبِغُ الثَّوْبَ بِصِبْغِهِ وَرَقَّاعٍ يَرْقَعُ الْفِرَاءَ أَوْ غَيْرَهَا بِرِقَاعٍ مِنْ عِنْدِهِ، فَإِنَّهُ يُشَارِكُ بِقِيمَةِ مَا زَادَهُ مِنْ عِنْدِهِ، وَأَمَّا قِيمَةُ عَمَلِهِ، فَيَكُونُ بِهَا أُسْوَةً الْغُرَمَاءُ فِي الْفَلَسِ. وَأَمَّا فِي الْمَوْتِ فَيُحَاصَصُ بِهِمَا مَعًا لِخَرَابِ الذِّمَّةِ وَقَوْلُهُ: " وَالصَّانِعُ أَحَقُّ " إلَخْ ظَاهِرُهُ وَلَوْ حَيَّاكًا فِيمَا نَسَجَهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، خِلَافًا لِاسْتِثْنَاءِ الشَّيْخِ لَهُ. وَشُبِّهَ بِقَوْلِهِ: (وَإِلَّا فَلَا) قَوْلُهُ: (كَأَجِيرِ رَعْيٍ) لِغَنَمٍ أَوْ غَيْرِهَا (وَنَحْوِهِ) كَحَارِسِ زَرْعٍ أَوْ أَمْتِعَةٍ يُفْلِسُ رَبَّهَا، فَلَا يَكُونُ الْأَجِيرُ أَحَقَّ بِهَا بَلْ يُحَاصِصُ الْغُرَمَاءَ بِمَالِهِ مِنْ الْكِرَاءِ (وَالْمُكْتَرِي) لِدَابَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا يُفْلِسُ أَوْ يَمُوتُ رَبُّهَا أَحَقُّ (بِالْمُعَيَّنَةِ) مِنْ الْغُرَمَاءِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْ مَنَافِعِهَا مَا نَقَدَهُ مِنْ الْكِرَاءِ قُبِضَتْ قَبْلَ الْفَلَسِ أَوْ الْمَوْتِ أَوْ لَا، لِقِيَامِ تَعْيِينِهَا مَقَامَ قَبْضِهَا (كَغَيْرِهَا) : أَيْ غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ يَكُونُ الْمُكْتَرِي أَحَقَّ بِهَا فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ (إنْ قُبِضَتْ) قَبْلَ تَفْلِيسِ رَبِّهَا أَوْ مَوْتِهِ (وَلَوْ أُدِيرَتْ) الدَّوَابُّ تَحْتَ الْمُكْتَرِي؛ بِأَنْ يَأْتِيَ لَهُ رَبُّهَا كُلَّ زَمَنٍ بَدَلَ الَّتِي قَبْلَهَا، فَإِنَّ الْمُكْتَرِيَ يَكُونُ أَحَقَّ بِاَلَّتِي تَحْتَهُ. وَذَكَرَ عَكْسَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بَلْ تَتَعَيَّنُ الْمُحَاصَّةُ] : أَيْ فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا إذَا لَمْ يُضِفْ لِصَنْعَتِهِ شَيْئًا] إلَخْ: شَرَطَ فِي قَوْلِهِ: " فَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ ". قَوْلُهُ: [بِصِبْغِهِ] : هُوَ بِالْكَسْرِ بِمَعْنَى الشَّيْءِ الَّذِي يُصْبَغُ بِهِ لَا بِالْفَتْحِ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُرَادًا هُنَا. قَوْلُهُ: [بِقِيمَةِ مَا زَادَهُ] : أَيْ بِأَنْ يُقَوَّمَ بِانْفِرَادِهِ قَبْلَ دُخُولِ الصَّنْعَةِ فِيهِ. قَوْلُهُ: [خِلَافًا لِاسْتِثْنَاءِ الشَّيْخِ لَهُ] : أَيْ بِقَوْلِهِ إلَّا النَّسْجَ فَكَالْمَزِيدِ لِأَنَّهُ قَوْلٌ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ بَلْ كَعَمَلِ الْيَدِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ قُبِضَتْ] : أَيْ لِأَنَّ قَبْضَهَا بِمَنْزِلَةِ التَّعْيِينِ لَهَا. قَوْلُهُ: [وَذَكَرَ عَكْسَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ] : أَيْ فَالْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ فَلِسَ رَبُّ الدَّابَّةِ وَهَذِهِ فَلِسَ الْمُكْتَرِي.

(وَرَبُّهَا) : أَيْ الدَّابَّةِ (أَحَقُّ بِالْمَحْمُولِ) عَلَيْهَا مِنْ أَمْتِعَةِ الْمُكْتَرِي إذَا فَلِسَ أَوْ مَاتَ الْمُكْتَرِي حَتَّى يَسْتَوْفِيَ أُجْرَةَ دَابَّتِهِ مِنْهُ (إلَّا إذَا قَبَضَهُ) : أَيْ الْمَحْمُولَ (رَبُّهُ) الْمُكْتَرِي، ثُمَّ فَلِسَ (وَطَالَ) الزَّمَنُ عُرْفًا بَعْدَ الْقَبْضِ، فَلَا يَكُونُ رَبُّ الدَّابَّةِ أَحَقَّ بِالْمَحْمُولِ عَلَيْهَا بَلْ يَكُونُ أُسْوَةً الْغُرَمَاءُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ: طَالَ الزَّمَنُ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمْ لَا وَارْتِضَاءُ بَعْضِهِمْ أَيْضًا. (وَالْمُشْتَرِي) أَحَقُّ (بِسِلْعَةٍ) اشْتَرَاهَا شِرَاءً فَاسِدًا وَلَمْ تَفُتْ (فُسِخَ بَيْعُهَا) : أَيْ فَسَخَهُ الْحَاكِمُ (لِفَسَادِهِ) : أَيْ الْبَيْعِ، وَفَلِسَ أَوْ مَاتَ بَائِعُهَا قَبْلَ الْفَسْخِ: أَيْ يَكُونُ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ مِنْ الْغُرَمَاءِ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهَا الثَّمَنَ الَّذِي أَقَبَضَهُ لِبَائِعِهَا قَبْلَ فَلَسِهِ أَوْ مَوْتِهِ إذَا لَمْ يَجِدْ الثَّمَنَ عِنْدَ الْبَائِعِ. فَإِنْ وَجَدَهُ عِنْدَهُ وَعَرَفَهُ بِعَيْنِهِ كَانَ أَحَقَّ بِهِ، كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَرَبُّهَا أَيْ الدَّابَّةِ] : مِثْلُ الدَّابَّةِ السَّفِينَةُ. قَوْلُهُ: [حَتَّى يَسْتَوْفِيَ أُجْرَةَ دَابَّتِهِ] : أَيْ فَيَأْخُذَ أُجْرَةَ دَابَّتِهِ مِنْ الْمَحْمُولِ عَلَيْهَا وَأُجْرَةَ السَّفِينَةِ مِنْ الْمَحْمُولِ عَلَيْهَا فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ، فَإِنْ بَقِيَ فَضْلٌ مِنْ الْمَحْمُولِ كَانَ الْبَاقِي لِلْغُرَمَاءِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْمَحْمُولَ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الْأُجْرَةِ. قَوْلُهُ: [وَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِسِلْعَةٍ] : إلَخْ حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً شِرَاءً فَاسِدًا بِنَقْدٍ دَفَعَهُ لِبَائِعِهِ أَوْ أَخَذَهَا عَنْ دَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَكَانَ الشِّرَاءُ فَاسِدًا، ثُمَّ فَلِسَ الْبَائِعُ قَبْلَ فَسْخِ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الِاطِّلَاعِ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَكُونُ أَحَقَّ بِالسِّلْعَةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ الثَّمَنُ عِنْدَ الْبَائِعِ فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ ثَمَنَهُ. وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ. وَالثَّانِي: لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا وَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَتِمَّ، وَالثَّالِثُ: إنْ كَانَ اشْتَرَاهَا بِالنَّقْدِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ وَإِنْ كَانَ أَخَذَهَا عَنْ دَيْنٍ فَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا - الْأَوَّلُ: لِسَحْنُونٍ: وَالثَّانِي: لِابْنِ الْمَوَّازِ وَالثَّالِثُ: لِابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَمَحِلُّهَا: إذَا لَمْ يَطَّلِعُ عَلَى الْفَسَادِ إلَّا بَعْدَ الْفَلَسِ أَوْ الْمَوْتِ. وَأَمَّا لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ قَبْلُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِاتِّفَاقٍ وَمَحَلُّهَا أَيْضًا إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً وَتَعَذَّرَ رُجُوعُ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ قَائِمًا وَعُرِفَ بِعَيْنِهِ تَعَيَّنَ أَخْذُهُ وَلَا عُلْقَةَ لَهُ بِالسِّلْعَةِ. وَهَذَا التَّقْيِيدُ إنَّمَا يَأْتِي إذَا اشْتَرَاهَا بِالنَّقْدِ لَا بِالدَّيْنِ وَمَحَلُّهَا أَيْضًا إذَا

(وَ) أَحَقُّ (بِثَمَنِهَا إنْ وَجَدَهُ) عِنْدَ الْبَائِعِ، فَإِنْ فَاتَ كَانَ أَحَقَّ بِالسِّلْعَةِ إنْ لَمْ تَفُتْ، فَإِنْ فَاتَتْ أَيْضًا دَخَلَتْ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ أَوْ بِالْقِيمَةِ وَحَاصَّ بِزَائِدِهَا عَلَى الثَّمَنِ إنْ زَادَتْ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَتْ السِّلْعَةُ وَقْتَ التَّفْلِيسِ أَوْ الْمَوْتِ بِيَدِ الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا لَوْ رُدَّتْ لِلْبَائِعِ وَفَلِسَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. هَذَا هُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ وَمَشَى عَلَيْهِ شب وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ فَاتَ كَانَ أَحَقَّ بِالسِّلْعَةِ إنْ لَمْ تَفُتْ] : الْحَاصِلُ أَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ أَحَقَّ بِثَمَنِهِ مُطْلَقًا وَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ مَوْجُودًا لَمْ يَفُتْ، وَتَارَةً السِّلْعَةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَذَلِكَ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَتَعَذَّرَ الرُّجُوعُ بِثَمَنِهَا، وَتَارَةً يَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فِي زَائِدِ الثَّمَنِ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا فَاتَتْ وَتَعَذَّرَ الرُّجُوعُ بِثَمَنِهَا وَمَضَتْ بِالْقِيمَةِ وَكَانَ الثَّمَنُ زَائِدًا عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: [وَحَاصَّ بِزَائِدِهَا عَلَى الثَّمَنِ إنْ زَادَتْ عَلَيْهِ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ وَصَوَابُهُ: وَحَاصَّ بِزَائِدِهِ عَلَى الْقِيمَةِ إنْ زَادَ عَلَيْهَا، فَتَدَبَّرْ.

[باب في بيان أسباب الحجر وأحكامه]

بَابٌ فِي بَيَانِ أَسْبَابِ الْحَجْرِ وَأَحْكَامِهِ (سَبَبُ الْحَجْرِ) : أَيْ أَسْبَابُهُ سَبْعَةٌ: خَمْسَةٌ عَامَّةٌ وَاثْنَانِ خَاصَّانِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ. وَأَشَارَ لِلْخَمْسَةِ الْعَامَّةِ بِقَوْلِهِ: (فَلَسٌ) بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ أَوْ الْأَخَصِّ؛ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ مُسْتَوْفًى. (وَجُنُونٌ) بِصَرَعٍ أَوْ اسْتِيلَاءِ وَسْوَاسٍ. (وَصِبًا) . و (تَبْذِيرٌ) لِمَالٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي بَيَانِ أَسْبَابِ الْحَجْرِ وَأَحْكَامِهِ] [أَسْبَابُ الْحَجْرِ] بَابٌ: لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ مَسَائِلِ التَّفْلِيسِ، أَعْقَبَهُ بِالْكَلَامِ عَلَى بَقِيَّةِ أَسْبَابِ الْحَجْرِ، وَهُوَ لُغَةً يُقَالُ لِلْمَنْعِ وَالْحَرَامِ وَلِمُقَدَّمِ الثَّوْبِ، وَيُثَلَّثُ أَوَّلُهُ فِي الْجَمْعِ، وَشَرْعًا - قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ مَنْعَ مَوْصُوفِهَا مِنْ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِي الزَّائِدِ عَلَى قُوَّتِهِ أَوْ تَبَرُّعِهِ بِمَالِهِ، قَالَ: وَبِهِ دَخَلَ حَجْرُ الْمَرِيضِ وَالزَّوْجَةِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ] : أَيْ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ هُنَا جَمْعًا لِلنَّظَائِرِ. قَوْلُهُ: [بِصَرْعٍ] : أَيْ وَهُوَ الَّذِي يَلْبِسُهُ الْجِنُّ. قَوْلُهُ: أَوْ اسْتِيلَاءِ وَسْوَاسٍ: أَيْ وَهُوَ الَّذِي يُخَيَّلُ إلَيْهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا دَائِمًا أَوْ مُتَقَطِّعًا. وَالتَّقْيِيدُ بِالصَّرْعِ أَوْ الْوَسْوَاسِ مُخْرِجٌ لِمَا كَانَ بِالطَّبْعِ أَيْ غَلَبَةِ السَّوْدَاءِ فَإِنَّ صَاحِبَهُ لَا يُفِيقُ مِنْهُ عَادَةً، فَلَا يَدْخُلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ فِيهِ لَا غَايَةَ لَهُ. قَوْلُهُ: [وَتَبْذِيرٌ لِمَالٍ] : وَهُوَ حَجْرُ السَّفَهِ لِأَنَّ التَّبْذِيرَ هُوَ بِحُكْمِ إحْسَانِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ.

(وَرِقٌّ) وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَمَرَضٌ) مُتَّصِلٌ بِمَوْتٍ (وَنِكَاحٌ بِزَوْجَةٍ) : أَيْ فَالزَّوْجُ يَحْجُرُ عَلَيْهَا فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلَيْسَ لَهَا حَجْرٌ عَلَى زَوْجِهَا وَلِذَا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ: " بِزَوْجَةٍ "؛ أَيْ أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْحَجْرِ عَلَى الزَّوْجَةِ فَقَطْ؛ إذَا عَلِمَتْ ذَلِكَ: (فَالْمَجْنُونُ) بِمَا ذُكِرَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ. وَالْحَجْرُ لِأَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ - إنْ كَانَ - وَجُنَّ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَإِلَّا فَلِلْحَاكِمِ إنْ وَجَدَهُ مُنْتَظِمًا، وَإِلَّا فَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ وَيَمْتَدُّ الْحَجْرُ عَلَيْهِ (لِلْإِفَاقَةِ) مِنْ جُنُونِهِ. ثُمَّ إنْ أَفَاقَ رَشِيدًا انْفَكَّ حَجْرُهُ بِلَا حُكْمٍ وَإِنْ أَفَاقَ صَبِيًّا أَوْ سَفِيهًا حُجِرَ عَلَيْهِ لِأَجْلِهِمَا. (وَالصَّبِيُّ) مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِمَنْ ذُكِرَ (لِبُلُوغِهِ رَشِيدًا) ، فَإِنْ بَلَغَ سَفِيهًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَمَرَضٌ] إلَخْ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ وَالْأَصْلُ وَأَشَارَ لِلِاثْنَيْنِ الْخَاصَّيْنِ بِقَوْلِهِ وَمَرَضٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: [مُتَّصِلٌ بِمَوْتٍ] : إنَّمَا قُيِّدَ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّ كُلَّ مَنْ مَرِضَ مَرَضًا مَخُوفًا يُحْجَرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ثَمَرَةَ الْحَجْرِ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْمَوْتِ. قَوْلُهُ: [أَيْ أَنَّهُ سَبَبٌ] إلَخْ: أَيْ أَنَّ الزَّوْجَ سَبَبٌ لِلْحَجْرِ عَلَى زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ الرَّشِيدَةِ الصَّحِيحَةِ فِي زَائِدِ الثُّلُثِ لَا غَيْرِهِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [بِمَا ذَكَرَ] : أَيْ بِالصَّرْعِ أَوْ الْوَسْوَاسِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَلِلْحَاكِمِ] : أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ أَبٌ وَلَا وَصِيٌّ - جُنَّ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَمْ لَا أَوْ جُنَّ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ - فَالْحَاكِمُ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ مَوْجُودًا. وَقَوْلِهِ: [إنْ وَجَدَهُ مُنْتَظِمًا] : يُحْتَرَزُ عَنْ حُكَّامِ الْجَوْرِ، فَلَا يُعْتَبَرُ وُجُودُهُمْ بَلْ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ تَقُومُ مَقَامَهُمْ. قَوْلُهُ: [انْفَكَّ حَجْرُهُ بِلَا حُكْمٍ] : خُلَاصَتُهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِلْفَكِّ مُطْلَقًا حَيْثُ زَالَ جُنُونُهُ وَهُوَ رَشِيدٌ كَانَ جُنُونُهُ طَارِئًا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [حُجِرَ عَلَيْهِ لِأَجْلِهِمَا] : أَيْ لِأَجْلِ السَّفَهِ أَوْ الصِّبَا. قَوْلُهُ: [مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِمَنْ ذُكِرَ] : أَيْ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ وَالْحَاكِمُ وَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى التَّرْتِيبِ.

حُجِرَ عَلَيْهِ لِلسَّفَهِ (فِي) الْوَلَدِ (ذِي الْأَبِ) وَلَا يَحْتَاجُ لِفَكِّ حَجْرِهِ (وَ) إلَى (فَكِّ الْوَصِيِّ وَ) فَكِّ (الْمُقَدَّمِ) عَلَيْهِ مِنْ الْقَاضِي. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا رَشَدَ لِحِفْظِ مَالِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ مِنْ أَبِيهِ بِخِلَافِ الْمُقَدَّمِ وَالْوَصِيِّ فَيَحْتَاجُ، بِأَنْ يَقُولَ لِلْعُدُولِ: اشْهَدَا أَنِّي فَكَكْت الْحَجْرَ عَنْ فُلَانٍ وَأَطْلَقْت لَهُ التَّصَرُّفَ لِمَا قَامَ عِنْدِي مِنْ رُشْدِهِ وَحُسْنِ تَصَرُّفِهِ فَتَصَرُّفُهُ بَعْدَ الْفَكِّ لَازِمٌ لَا يُرَدُّ وَلَا يَحْتَاجُ لِإِذْنِ الْحَاكِمِ فِي الْفَكِّ. (وَزِيدَ) عَلَى الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ وَفَكِّ الْوَصِيِّ وَالْمُقَدَّمِ (فِي الْأُنْثَى: دُخُولُ زَوْجٍ بِهَا) بِالْفِعْلِ (وَشَهَادَةُ الْعُدُولِ بِحِفْظِهَا مَالَهَا) وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ لِلْإِشْهَادِ لِأَنَّ شَأْنَ النِّسَاءِ الْإِسْرَافُ؛ فَمَدَارُ الرُّشْدِ عِنْدَنَا عَلَى صَوْنِ الْمَالِ فَقَطْ دُونَ صَوْنِ الدِّينِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا يَحْتَاجُ لِفَكِّ حَجْرِهِ] : حَاصِلُهُ: أَنَّهُ مَتَى بَلَغَ عَاقِلًا رَشِيدًا زَالَتْ وِلَايَةُ الْأَبِ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى فَكٍّ، وَمَعَ الْفَكِّ فِي الْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ وَمُقَدِّمِهِ. وَهَذَا مِنْ حَيْثُ تَدْبِيرُ نَفْسِهِ وَصِيَانَةُ مُهْجَتِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الذَّهَابِ حَيْثُ يَشَاءُ إلَّا أَنْ يُخَافَ عَلَيْهِ الْفَسَادُ لِجَمَالِهِ مَثَلًا وَإِلَّا كَانَ لِأَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ بَلْ وَلِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ مَنْعُهُ. قَوْلُهُ: [وَزِيدَ عَلَى الْبُلُوغِ] : أَيْ يُزَادُ فِي خُرُوجِ الْأُنْثَى الْبِكْرِ مِنْ حَجْرِ الْأَوْلِيَاءِ الثَّلَاثَةِ - الْأَبُ وَالْوَصِيُّ وَالْمُقَدِّمُ - شَرْطَانِ: دُخُولُ الزَّوْجِ بِهَا، وَشَهَادَةُ الْعُدُولِ عَلَى صَلَاحِ حَالِهَا. وَعَلَى هَذَا فَذَاتُ الْأَبِ لَا يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهَا إلَّا بِأُمُورٍ أَرْبَعَةٍ: بُلُوغُهَا، وَحُسْنُ تَصَرُّفِهَا. وَشَهَادَةُ الْعُدُولِ بِذَلِكَ، وَدُخُولُ الزَّوْجِ بِهَا وَأَمَّا ذَاتُ الْوَصِيِّ وَالْمُقَدِّمِ فَلَا يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهَا إلَّا بِأُمُورٍ خَمْسَةٍ؛ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ، وَفَكُّ الْوَصِيِّ أَوْ الْمُقَدَّمِ فَإِنْ لَمْ يُفَكَّا الْحَجْرَ عَنْهَا كَانَ تَصَرُّفُهَا مَرْدُودًا وَلَوْ عَنَّسَتْ أَوْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ وَطَالَتْ إقَامَتُهَا عِنْدَهُ. قَوْلُهُ: [فَمَدَارُ الرُّشْدِ عِنْدَنَا] : أَيْ وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ: فَالرُّشْدُ عِنْدَهُمْ بِصَلَاحِهِمَا مَعًا، فَمَتَى كَانَتْ مُسْرِفَةً فِي دِينِهَا فَهِيَ غَيْرُ رَشِيدَةٍ عِنْدَهُمْ وَتَصَرُّفُهَا مَرْدُودٌ وَإِنْ كَانَتْ مُصْلِحَةً لِدُنْيَاهَا.

[ما يجوز لولي المحجور عليه]

(وَلِلْوَلِيِّ) أَبٌ أَوْ غَيْرُهُ (رَدُّ تَصَرُّفِ) سَفِيهٍ أَوْ صَبِيٍّ (مُمَيَّزٍ بِمُعَاوَضَةٍ) بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ؛ كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَهِبَةِ ثَوَابٍ. (وَإِلَّا) يَكُنْ بِمُعَاوَضَةٍ: كَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَعِتْقٍ (تَعَيَّنَ) عَلَى الْوَلِيِّ رَدُّهُ (كَإِقْرَارٍ) مِنْ الْمَحْجُورِ (بِدَيْنٍ) فِي ذِمَّةٍ (أَوْ إتْلَافٍ) لِمَالٍ يَتَعَيَّنُ رَدُّ الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ، فَإِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ جَرَى عَلَى مَا سَيَأْتِي. (وَلَهُ) : أَيْ الْمُمَيَّزُ رَدُّ تَصَرُّفِ نَفْسِهِ قَبْلَ رُشْدِهِ (إنْ رَشَدَ) حَيْثُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا يَجُوز لولي الْمَحْجُور عَلَيْهِ] قَوْلُهُ: [وَلِلْوَلِيِّ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُمَيِّزَ وَالسَّفِيهَ إذَا تَصَرَّفَا فِي مَالِهِمَا بِمُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِمَا، وَكَانَتْ تِلْكَ الْمُعَاوَضَةُ عَلَى وَجْهِ السَّدَادِ، فَإِنَّ لِوَلِيِّهِمَا الْخِيَارَ بَيْنَ الْإِجَازَةِ وَالرَّدِّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْبَيَانِ: إذَا بَاعَ الْيَتِيمُ دُونَ إذْنِ وَصِيِّهِ أَوْ صَغِيرٍ بِدُونِ إذْنِ أَبِيهِ شَيْئًا مِنْ عَقَارِهِ أَوْ أُصُولِهِ بِوَجْهِ السَّدَادِ فِي نَفَقَتِهِ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا، وَكَانَ لَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَ الَّذِي بَاعَ أَوْ كَانَ لَهُ غَيْرُهُ وَلَكِنَّ ذَلِكَ الْمَبِيعَ أَحَقُّ مَا يُبَاعُ مِنْ أُصُولِهِ اُخْتُلِفَ فِيهِ. عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْبَيْعَ يُرَدُّ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَا يُتْبَعُ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ سَلَّطَهُ عَلَى إتْلَافِهِ. الثَّانِي: بِرَدِّ الْبَيْعِ إنْ رَأَى الْوَلِيُّ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ وَلَا يَبْطُلُ الثَّمَنُ عَنْ الْيَتِيمِ وَيُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ الَّذِي صَوَّبَهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ. فَإِنْ ذَهَبَ ذَلِكَ الْمَالُ الْمَصُونُ وَتَجَدَّدَ غَيْرُهُ فَلَا يُتَّبَعُ بِالثَّمَنِ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْبَيْعَ يَمْضِي وَلَا يُرَدُّ. وَالْمُعْتَمَدُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَوْسَطِهَا، وَلِذَا اخْتَارَهُ شَارِحُنَا. وَأَمَّا إنْ بَاعَ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ فَإِنَّ الْبَيْعَ يُرَدُّ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَا يَبْطُلُ الثَّمَنُ عَنْ الْيَتِيمِ لِإِدْخَالِهِ إيَّاهُ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ (اهـ. مُلَخَّصًا) فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَلِلْوَلِيِّ رَدُّ تَصَرُّفِ: أَيْ وَلَهُ الْإِجَازَةُ، فَاللَّامُ لِلتَّخْيِيرِ إذَا اسْتَوَتْ الْمَصْلَحَةُ فَإِنْ تَعَيَّنَتْ فِي أَحَدِهِمَا تَعَيَّنَ وَيَصِحُّ جَعْلُ اللَّامِ لِلِاخْتِصَاصِ. وَالْمَعْنَى: وَلِلْوَلِيِّ لَا لِغَيْرِهِ رَدُّ تَصَرُّفِ مُمَيِّزٍ. وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ الرَّدَّ مُتَعَيِّنٌ إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ وَكَذَا الْإِجَارَةُ إنْ كَانَ لِمَصْلَحَةٍ فِيهَا. قَوْلُهُ: [جَرَى عَلَى مَا سَيَأْتِي] : أَيْ فِي قَوْلِهِ وَضَمِنَ مَا أَفْسَدَ فِي الذِّمَّةِ إلَخْ. قَوْلُهُ: [رَدَّ تَصَرُّفَ نَفْسِهِ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ تَصَرُّفُهُ بِمَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ رَدُّهُ كَالْمُعَاوَضَةِ أَوْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ كَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ وَأَمَّا وَارِثُ الْمَحْجُورِ، فَهَلْ يَنْتَقِلُ لَهُ مَا كَانَ لِمُوَرِّثِهِ مِنْ رَدِّ التَّصَرُّفِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ كَمَا فِي (بْن) . وَإِذَا حَصَلَ رَدٌّ لِلتَّصَرُّفِ

[ضمان الصغير ما أفسده]

تَرَكَهُ وَلِيُّهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِتَصَرُّفِهِ أَوْ لِسَهْوِهِ أَوْ لِلْإِعْرَاضِ عَنْ ذَلِكَ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ (وَلَوْ حَنِثَ بَعْدَ رُشْدِهِ) : أَيْ بُلُوغِهِ رَشِيدًا وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِ: " بَعْدَ بُلُوغِهِ " كَمَا لَوْ حَلَفَ حَالَ صِغَرِهِ: أَنَّهُ إنْ فَعَلَ كَذَا فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ فَفَعَلَهُ بَعْدَ رُشْدِهِ فَلَهُ رَدُّهُ فَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَهُ إمْضَاؤُهُ (أَوْ وَقَعَ) تَصَرُّفُهُ حَالَ صِبَاهُ (صَوَابًا) ، فَلَهُ رَدُّهُ بَعْدَ رُشْدِهِ وَإِمْضَاؤُهُ حَيْثُ تَرَكَهُ وَلِيُّهُ. (إلَّا كَدِرْهَمٍ لِعَيْشِهِ) : أَيْ لِضَرُورَةِ عَيْشِهِ فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِيهِ، وَلَا يُرَدُّ فِعْلُهُ فِيهِ إلَّا أَلَّا يُحْسِنَ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَمِثْلُهُ السَّفِيهُ كَمَا يَأْتِي فِي تَشْبِيهِهِ بِهِ. (وَضَمِنَ) الصَّبِيُّ وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ (مَا أَفْسَدَ) مِنْ مَالِ غَيْرِهِ (فِي الذِّمَّةِ) فَتُؤْخَذُ قِيمَةُ مَا أَفْسَدَهُ مِنْ مَالِهِ الْحَاضِرِ إنْ كَانَ، وَإِلَّا اتَّبَعَ بِهَا فِي ذِمَّتِهِ إلَى وُجُودِ مَالٍ (إنْ لَمْ يُؤْمَنْ) الصَّبِيُّ عَلَى مَا أَتْلَفَهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ أَمِنَ عَلَيْهِ (فَلَا) ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مَنْ أَمِنَهُ قَدْ سَلَّطَهُ عَلَى إتْلَافِهِ. فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَمِنَهُ هُوَ رَبُّ الْمَالِ فَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْغَلَّةُ الْحَاصِلَةُ فِيمَا بَيْنَ تَصَرُّفِهِ وَرَدِّهِ لِلْمُشْتَرِي كَانَ الرَّدُّ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْوَلِيِّ إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مُولٍ عَلَيْهِ وَهَذَا فِي الْمُمَيَّزُ. وَأَمَّا غَيْرُهُ فَتُرَدُّ الْغَلَّةُ مُطْلَقًا عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِبُطْلَانِ بَيْعِهِ - كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ حَنِثَ بَعْدَ رُشْدِهِ] : هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ خِلَافًا لِابْنِ كِنَانَةَ الْقَائِلِ: إذَا حَنِثَ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَزِمَهُ مَا حَلَفَ بِهِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عِتْقٍ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ] : إنَّمَا كَانَ أَحْسَنَ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ، وَأَمَّا حِنْثُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَبْلَ الرُّشْدِ فَكَحِنْثِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ بِاتِّفَاقٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ وَقَعَ تَصَرُّفُهُ] إلَخْ: هُوَ فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ. قَوْلُهُ: [حَيْثُ تَرَكَهُ وَلِيُّهُ] : أَيْ غَيْرُ عَالِمٍ بِتَصَرُّفِهِ. وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ بِهِ وَتَرَكَهُ مَعَ كَوْنِهِ صَوَابًا فَلَا رَدَّ لَهُ. [ضمان الصَّغِير مَا أَفْسَدَهُ] قَوْلُهُ: [وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ] : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إلَّا ابْنَ شَهْرٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَالْعَجْمَاءِ كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [قَدْ سَلَّطَهُ عَلَى إتْلَافِهِ] : أَيْ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَلَوْ ضَمِنَ الْمَحْجُورُ لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ الْحَجْرِ.

ضَاعَ هَدَرًا وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ فَعَلَى الْمُؤْمِنِ الضَّمَانُ لِتَفْرِيطِهِ. وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُرْسِلُ مَعَ صَبِيٍّ شَيْئًا لِيُوَصِّلَهُ إلَى أَهْلِ مَحَلٍّ فَيَضِيعَ مِنْ الصَّبِيِّ أَوْ يَتْلَفَ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الصَّبِيِّ، وَإِنَّمَا الضَّمَانُ عَلَى مَنْ أَرْسَلَهُ بِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُرْسِلُ رَبَّ الْمَالِ فَهَدَرٌ. (إلَّا أَنْ يَصُونَ) الصَّبِيَّ بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ بِالْكَسْرِ (بِهِ) : أَيْ بِمَا أَمِنَ عَلَيْهِ (مَالَهُ) فَيَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِمَّا صَوَّنَهُ بِهِ وَمَا أَتْلَفَهُ. فَإِذَا أَكَلَ مِمَّا أَمِنَ عَلَيْهِ بِمَا يُسَاوِي عَشَرَةً أَوْ اكْتَسَى بِمَا يُسَاوِيهَا حَتَّى حَصَّنَ مِنْ مَالِهِ مَا يُسَاوِيهَا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنَّهُ يَغْرَمُ مِنْ مَالِهِ الْمَوْجُودَ الَّذِي صَوَّنَهُ الْأَقَلَّ مِمَّا أَنْفَقَهُ عَلَى نَفْسه وَمَا صَوَّنَ بِهِ؛ فَإِذَا صَوَّنَ بِالْعَشَرَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ غَرِمَ الْعَشَرَةَ، وَإِذَا صَوَّنَ بِهَا ثَمَانِيَةً غَرِمَ الثَّمَانِيَةَ؛ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (فَالْأَقَلَّ) يَغْرَمُهُ (فِي مَالِهِ) الَّذِي صَوَّنَهُ (إنْ كَانَ) لَهُ مَالٌ وَقْتَ الْإِتْلَافِ (وَبَقِيَ) لِوَقْتِ الْحُكْمِ، وَإِلَّا فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ وَلَوْ اسْتَفَادَ مَالًا بَعْدَ الْإِتْلَافِ. فَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ بِذِمَّتِهِ بَلْ الْمَالُ الَّذِي أَصَانَهُ بِمَا أَنْفَقَهُ. وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ إذَا أَتْلَفَا مَالًا أَوْ حَصَلَ مِنْهُمَا جِنَايَةً وَلَوْ عَلَى نَفْسِ أَنَّهُمَا يَضْمَنَانِ الْمَالَ فِي ذِمَّتِهِمَا وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا إنْ بَلَغَتْ الثُّلُثَ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِمَا فِي مَالِهِمَا حَيْثُ وَجَدَ لِتَعَلُّقِهِمَا بِالذِّمَّةِ، فَقَوْلُنَا: " وَضَمِنَ فِي الذِّمَّةِ " يَشْمَلُ الصَّبِيَّ الْمُمَيَّزَ وَغَيْرَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: وَعَلَيْهِ فَالذِّمَّةُ ثَابِتَةٌ لِلْجَمِيعِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّمْيِيزُ فَضْلًا عَنْ التَّكْلِيفِ (اهـ) . وَخِلَافُ الْمَشْهُورِ قَوْلَانِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا مُطْلَقًا كَالْعَجْمَاءِ فِعْلُهَا هَدَرٌ، وَقِيلَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهَا فِي إتْلَافِهِمَا الْمَالَ، وَأَمَّا الدِّيَةُ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ إنْ بَلَغَتْ الثُّلُثَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَعَلَى الْمُؤْمِنِ] : بِكَسْرِ الْمِيمِ اسْمُ فَاعِلٍ. قَوْلُهُ: [وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَجْنُونِ] إلَخْ: أَيْ لِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ يَعْنِي بِهِ هَذَا الْقَوْلَ لِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ الَّذِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّكْلِيفُ بَلْ وَلَا التَّمْيِيزُ. قَوْلُهُ: [إنْ بَلَغَتْ الثُّلُثَ] : أَيْ قَدْرَ ثُلُثِ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ فَأَكْثَرَ.

(وَصَحَّتْ وَصِيَّتُهُ) : أَيْ الْمُمَيَّزِ (إذَا لَمْ يَخْلِطْ) فِيهَا؛ فَإِنْ خَلَطَ بِأَنْ تَنَاقَضَ فِيهَا أَوْ أَوْصَى بِغَيْرِ قُرْبَةٍ لَمْ تَصِحَّ. (وَالسَّفِيهُ كَذَلِكَ) : أَيْ مِثْلُ الصَّبِيِّ الْمُمَيَّزِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: " وَلِلْوَلِيِّ رَدُّ تَصَرُّفِ مُمَيَّزٍ " إلَى هُنَا. وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا - لِأَنَّ غَالِبَهُ لَا يَدْخُلُ فِي أَحْكَامِ الصَّبِيِّ - قَوْلُهُ: (إلَّا طَلَاقَهُ) فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَلَا يَلْزَمُهُ وَلِلْوَلِيِّ رَدُّهُ وَلَهُ هُوَ إنْ رَشَدَ كَمَا تَقَدَّمَ (وَ) إلَّا (اسْتِلْحَاقَ نَسَبٍ) بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا وَلَدِي (وَنَفْيُهُ) : أَيْ النَّسَبَ بِلِعَانٍ فَلَازِمٌ لَهُ لَيْسَ لِوَلِيِّهِ رَدُّهُ (وَ) إلَّا (عَتَقَ مُسْتَوْلَدَتُهُ) فَلَازِمٌ لَهُ وَيَتْبَعُهَا مَالُهَا وَلَوْ كَثُرَ عَلَى الْأَرْجَحِ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ لَا تُتَصَوَّرُ فِي الصَّبِيِّ. (وَ) إلَّا (قِصَاصًا) ثَبَتَ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ فَيَلْزَمُهُ وَيُقْتَصُّ مِنْهُ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَالدِّيَةُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ كَالْمَجْنُونِ (وَ) إلَّا (عَفَوْا) عَنْ قِصَاصٍ ثَبَتَ لَهُ عَلَى جَانٍ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَصَحَّتْ وَصِيَّتُهُ] : أَيْ حَصَلَتْ فِي حَالِ صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ تَنَاقَضَ فِيهَا] : حَاصِلُهُ: أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَتَنَاقَضْ فِيهَا وَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْصِيَةٍ كَانَتْ صَحِيحَةً سَوَاءٌ كَانَتْ لِفَقِيرٍ أَوْ لِغَنِيٍّ كَانَ الْمُوصَى لَهُ صَالِحًا أَوْ فَاسِقًا أَمَّا إنْ تَنَاقَضَ، كَأَنْ يَقُولَ: أَوْصَيْت لِزَيْدٍ بِدِينَارٍ أَوْصَيْت لَهُ بِدِينَارَيْنِ كَانَتْ بَاطِلَةً وَلَوْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ فَقِيرًا. وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِمَعْصِيَةٍ كَإِيصَائِهِ لِأَهْلِ الْمَعَاصِي بِخَمْرٍ أَوْ بِتَعْمِيرِ كَنِيسَةٍ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ غَالِبَهُ لَا يَدْخُلُ] إلَخْ: مُرَادُهُ بِالْغَالِبِ الِاسْتِلْحَاقُ وَنَفْيُهُ وَعِتْقُ الْمُسْتَوْلَدَةِ. وَفِي جَعْلِ هَذَا غَالِبًا نَظَرٌ بَلْ الْغَالِبُ هِيَ الْأَحْكَامُ الَّتِي يُتَوَهَّمُ دُخُولُ الصَّبِيِّ فِيهَا؛ وَهِيَ الطَّلَاقُ وَالْقِصَاصُ وَالْعَفْوُ وَالْإِقْرَارُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ] : أَيْ يَلْزَمُ السَّفِيهَ الْبَالِغَ الطَّلَاقُ لِأَنَّ شَرْطَ لُزُومِهِ الْبُلُوغُ وَهُوَ مَوْجُودٌ. قَوْلُهُ: [كَمَا تَقَدَّمَ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ: " وَلَهُ إنْ رَشَدَ وَلَوْ حَنِثَ بَعْدَ رُشْدِهِ ". قَوْلُهُ: [وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ لَا تُتَصَوَّرُ فِي الصَّبِيِّ] : أَيْ الِاسْتِلْحَاقُ وَنَفْيُهُ وَعِتْقُ الْمُسْتَوْلَدَةِ لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ الْوِلَادَةِ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَمَمْنُوعٌ مِنْهُ شَرْعًا. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الصَّبِيِّ] : أَيْ فَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ.

[التصرفات قبل الحجر]

أَوْ عَلَى وَلِيِّهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ وَلَا يَرُدُّ. وَأَمَّا الْخَطَأُ وَالْعَمْدُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمَالُ كَالْجَائِفَةِ فَلَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَالِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَلَيْسَ لَهُ عَفْوٌ مُطْلَقًا. (وَ) إلَّا (إقْرَارًا بِعُقُوبَةٍ) أَيْ بِمُوجِبِ عُقُوبَةٍ كَأَنْ يَقُولْ: أَنَا جَنَيْت عَلَى زَيْدٍ أَوْ قَذَفْته فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ. (بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ) : فِي الْجَمِيعِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَالصَّبِيِّ. وَالدِّيَةُ إنْ بَلَغَتْ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا وَإِلَّا فَعَلَيْهِمَا كَالْمَالِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَتَصَرُّفُ الذَّكَرِ) السَّفِيهِ الْمُحَقِّقِ السَّفَهِ (قَبْلَ الْحَجْرِ) عَلَيْهِ - بِأَنْ كَانَ مُهْمَلًا لَا وَلِيَّ لَهُ - (مَاضٍ) : أَيْ لَازِمٌ لَا يَرُدُّ وَلَوْ تَصَرَّفَ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَعِتْقٍ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الرَّدِّ الْحَجْرُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَفْقُودٌ. وَهَذَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَكُبَرَاءِ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَمْضِي، فَلِمَنْ يَتَوَلَّى عَلَيْهِ مِنْ حَاكِمٍ أَوْ مُقَدَّمِ الرَّدِّ وَلَهُ إنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَالْجَائِفَةِ] : أُدْخِلَتْ الْكَافُ بَاقِيَ الْجِرَاحَاتِ الْأَرْبَعَةِ. قَوْلُهُ: [فَلَيْسَ لَهُ عَفْوٌ مُطْلَقًا] : أَيْ فِي مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ. [التَّصَرُّفَات قَبْل الْحَجَر] قَوْلُهُ: [وَتَصَرُّفُ الذَّكَرِ] : أَيْ الْبَالِغِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: بِخِلَافِ الصَّبِيِّ، فَجُمْلَةُ شُرُوطِ تَصَرُّفِ السَّفِيهِ أَرْبَعَةٌ: الذُّكُورَةُ، وَالْبُلُوغُ، وَتَحَقُّقُ السَّفَهِ، وَكَوْنُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ سَفَهُهُ أَصْلِيًّا غَيْرَ طَارِئٍ أَوْ طَرَأَ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا فَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ جَارٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ. وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْأَسْمِعَةِ: وَأَمَّا الْيَتِيمُ الَّذِي لَمْ يُوصِ أَبُوهُ لِأَحَدٍ وَلَا أَقَامَ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ وَلِيًّا وَلَا نَاظِرًا، فِي ذَلِكَ أَرْبَعُهُ أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ أَفْعَالَهُ كُلَّهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ جَائِزَةٌ نَافِذَةٌ رَشِيدًا كَانَ أَوْ سَفِيهًا مُعْلِنًا بِالسَّفَهِ أَوْ غَيْرَ مُعْلِنٍ، اتَّصَلَ سَفَهُهُ مِنْ حِينِ بُلُوغِهِ أَوْ سَفَهٌ بَعْدَ حُصُولِ الرُّشْدِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَكُبَرَاءِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ الرَّابِعُ: أَنْ يَنْظُرَ لِحَالِهِ يَوْمَ بَيْعِهِ وَابْتِيَاعِهِ وَمَا قَضَى بِهِ فِي مَالِهِ. فَإِنْ كَانَ رَشِيدًا فِي أَحْوَالِهِ جَازَتْ أَفْعَالُهُ كُلُّهَا وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا لَمْ يَجُزْ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ أَنْ يَتَّصِلَ سَفَهُهُ أَوْ لَا يَتَّصِلَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَاتَّفَقَ جَمِيعُهُمْ أَنَّ أَفْعَالَهُ جَائِزَةٌ لَمْ يُرَدَّ مِنْهَا شَيْءٌ إذَا جُهِلَتْ حَالَتُهُ وَلَمْ يُعْلَمْ بِرُشْدٍ وَلَا سَفَهٍ - وَانْظُرْ بَقِيَّةَ الْأَقْوَالِ فِي (ح) (اهـ بْن مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَمْضِي] : أَيْ لِأَنَّ الْعِلَّةَ السَّفَهُ وَهُوَ مَوْجُودٌ.

رَشَدَ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. (بِخِلَافِ) تَصَرُّفِ (الصَّبِيِّ) فَإِنَّهُ غَيْرُ مَاضٍ وَلَهُ رَدُّهُ رَشَدَ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) بِخِلَافِ (الْأُنْثَى) الْمُهْمَلَةِ فَتَصَرُّفُهَا مَرْدُودٌ وَلَوْ تَزَوَّجَتْ (إلَّا أَنْ يَدْخُلَ بِهَا زَوْجٌ وَيَطُولَ) مُكْثُهَا مَعَهُ (كَسَبْعٍ) مِنْ السِّنِينَ فَأَكْثَرَ وَتَتَصَرَّفُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَمْضِي وَلَا يَرُدُّ. (وَبَعْدَهُ) : أَيْ وَتَصَرُّفُهُ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ (مَرْدُودٌ) وَلَوْ حَسُنَ تَصَرُّفُهُ، مَا لَمْ يَحْصُلْ الْفَكُّ عَنْهُ مِنْ وَصِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ أَوْ مُقَدَّمٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَجُلِّ أَصْحَابِهِ لِوُجُودِ عِلَّةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا رَشَد فَتَصَرُّفُهُ مَاضٍ قَبْلَ الْفَكِّ لِأَنَّ الْعِلَّةَ مُجَرَّدُ السَّفَهِ وَقَدْ زَالَ بِرُشْدِهِ فَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْفَكِّ فِي غَيْرِ ذِي الْأَبِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ. (وَالْوَلِيُّ) أَصَالَةً عَلَى الْمَحْجُورِ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ سَفِيهٍ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ السَّفَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ غَيْرُ مَاضٍ] : أَيْ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [فَتَصَرُّفُهَا مَرْدُودٌ وَلَوْ تَزَوَّجَتْ] : أَيْ حَيْثُ عَلِمَ سَفَهَهَا فَإِنْ عَلِمَ رُشْدَهَا فَفِي (بْن) مُضِيِّ أَفْعَالِهَا. وَقَالَ فِي الْأَصْلِ: أَفْعَالُ الْمُهْمَلَةِ مَرْدُودَةٌ حَتَّى يَمْضِيَ لَهَا عَامٌ بَعْدَ الدُّخُولِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَدْخُلَ بِهَا زَوْجٌ وَيُطَوِّلَ] إلَخْ: هَذَا مُخَالِفٌ لِتَفْصِيلٍ (بْن) وَمُخَالِفٌ لِمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ، وَانْظُرْ فِي ذَلِكَ فَتَحَصَّلَ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِ (بْن) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُهْمَلَةَ مَعْلُومَةُ الرُّشْدِ تَصَرُّفُهَا مَاضٍ تَزَوَّجَتْ أَمْ لَا. وَأَمَّا غَيْرُ مَعْلُومَةِ الرُّشْدِ فَتَصَرُّفُهَا مَرْدُودٌ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا الزَّوْجُ وَيَمْضِيَ عَامٌ. وَأَمَّا سَبْعُ السِّنِينَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ فِي ذَاتِ الْأَبِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ أَنَّ مُجَرَّدَ الدُّخُولِ وَشَهَادَةَ الْعُدُولِ كَافٍ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [أَيْ وَتَصَرُّفُهُ بَعْدَ الْحَجْرِ] إلَخْ: بَيَانٌ لِمَا انْبَنَى عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ بَيْنَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ. قَوْلُهُ: [مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ] : أَيْ لِكَوْنِ الْعِلَّةِ عِنْدَهُ الْحَجْرَ. قَوْلُهُ: [لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ السَّفَهُ] نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ بِأَلِفٍ بَعْدَ الرَّاءِ وَلَا وَجْهَ لَهَا.

بَعْدَ رُشْدِهِ أَوْ مَجْنُونٌ كَذَلِكَ: (الْأَبُ) الرَّشِيدُ لَا الْجَدُّ وَلَا الْأَخُ وَالْعَمُّ إلَّا بِإِيصَاءٍ مِنْ الْأَبِ (وَلَهُ الْبَيْعُ) لِمَالِ وَلَدِهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ (مُطْلَقًا) رَيْعًا أَوْ غَيْرَهُ وَتَصَرُّفُهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فَلَا يَتَعَقَّبُ بِحَالٍ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّن السَّبَبَ. (ثُمَّ) يَلِيه (وَصِيُّهُ) فَوَصَّى وَصِيَّهُ (وَإِنْ بَعُدَ. وَلَا يَبِيعُ) الْوَصِيُّ (الْعَقَارَ) الَّذِي لِمَحْجُورِهِ: أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ (إلَّا لِسَبَبٍ) يَقْتَضِي بَيْعَهُ مِمَّا يَأْتِي (وَبَيِّنَةٌ) بِأَنْ يَشْهَدَ الْعُدُولُ أَنَّهَا إنَّمَا بَاعَهُ لِكَذَا. (وَلَيْسَ لَهُ) : أَيْ لِلْوَصِيِّ (هِبَةُ الثَّوَابِ) مِنْ مَالِ مَحْجُورِهِ، لِأَنَّ هِبَةَ الثَّوَابِ إذَا فَاتَتْ بِيَدِ الْمَوْهُوبِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا الْقِيمَةُ، وَالْوَصِيُّ كَالْحَاكِمِ؛ فَلَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ بِالْقِيمَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ بِخِلَافِ الْأَبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بَعْدَ رُشْدِهِ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا مَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ السَّفَهُ بَعْدَ رُشْدِهِ فَوَلِيُّهُ الْحَاكِمُ وَقَوْلُهُ أَوْ مَجْنُونٌ كَذَلِكَ أَيْ حُكْمُهُ حُكْمُ السَّفِيهِ إنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْجُنُونُ بَعْدَ الرُّشْدِ فَوَلِيُّهُ الْحَاكِمُ وَإِلَّا فَالْأَبُ أَوْ وَصِيُّهُ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [الْأَبُ الرَّشِيدُ] : أَيْ وَأَمَّا السَّفِيهُ فَلَا كَلَامَ لَهُ وَلَا لِوَلِيِّهِ إلَّا إذَا كَانَ الْوَلِيُّ مَقَامًا عَلَى الْأَوْلَادِ كَمَا هُوَ مَقَامُ عَلَى أَبِيهِمْ. قَوْلُهُ: [وَالْعَمُّ] : مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَخِ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ لَا. قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ] : أَيُّ سَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الْآتِيَةِ أَوْ غَيْرِهَا. وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ سَبَبٍ حَامِلٍ لَهُ عَلَى الْبَيْعِ إذْ لَا يَحِلُّ لِلْأَبِ أَنْ يَبِيعَ بِدُونِ سَبَبٍ أَصْلًا. قَوْلُهُ: [بِأَنْ يَشْهَدَ الْعُدُولُ] : أَيْ فَالْمُرَادُ بِبَيَانِهِ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ لَا مُجَرَّدُ ذِكْرِهِ بِاللِّسَانِ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ إلَّا مِنْ قَوْلِهِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْأَشْيَاخَ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا بَاعَ الْوَصِيُّ عَقَارًا لِيَتِيمٍ، هَلْ يُصَدَّقُ الْوَصِيُّ فِي السَّبَبِ الَّذِي يَذْكُرُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ أَوْ لَا يُصَدَّقُ وَيَلْزَمُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ؟ قَوْلَانِ اخْتَارَ شَارِحُنَا الثَّانِيَ. بِخِلَافِ الْأَبِ إذَا بَاعَ عَقَارَ وَلَدِهِ الَّذِي فِي حَجْرِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُكَلَّفُ إثْبَاتَ السَّبَبِ الَّذِي بَاعَ لِأَجْلِهِ بَلْ فِعْلُهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّظَرِ وَلَوْ بَاعَ مَتَاعَ وَلَدِهِ مِنْ نَفْسِهِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَوْلُهُ: [إلَّا لِضَرُورَةٍ] : إنَّمَا مُنِعَ الْوَصِيُّ مِنْ هِبَةِ الثَّوَابِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لِأَنَّهَا

(فَالْحَاكِمُ) يَلِيهِمَا (عِنْدَ فَقْدِهِمَا) : أَيْ الْأَبِ وَوَصِيِّهِ (أَوْ لِمَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْجُنُونُ أَوْ السَّفَهُ بَعْدَ رُشْدِهِ) وَلَا يَكُونُ الرُّشْدُ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ. (وَبَاعَ) الْحَاكِمُ وَمِنْ مَالِ الْمَحْجُورِ مَا دَعَتْ إلَيْهِ الضَّرُورَةُ كَالنَّفَقَةِ وَوَفَاءِ الدَّيْنِ وَنَحْوِهِمَا (بِثُبُوتٍ) : أَيْ بَعْدَ ثُبُوتٍ (يُتِمُّهُ) عِنْدَهُ (وَإِهْمَالُهُ) : أَيْ خُلُوُّهُ عَنْ وَصِيٍّ أَوْ مُقَدَّمٍ (وَمِلْكُهُ) : أَيْ الْيَتِيمُ وَمِثْلُهُ السَّفِيهُ وَالْمَجْنُونُ (لِمَا بِيعَ) أَيْ لِمَا يُرَادُ بَيْعُهُ (وَ) ثُبُوتٌ (أَنَّهُ الْأَوْلَى) بِالْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ (وَالتَّسَوُّقُ) : بِالْمَبِيعِ بِإِظْهَارِهِ لِلْبَيْعِ وَالْمُنَادَاةِ عَلَيْهِ لِحُصُولِ الرَّغْبَةِ فِيهِ (وَعَدَمُ إلْفَاءِ) : أَيْ وُجُودِ (زَائِدٍ) عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي أَعْطَى فِيهِ (وَ) ثُبُوتُ (السَّدَادِ فِي الثَّمَنِ) الْمُعْطَى فِيهِ وَأَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ عَيْنًا حَالًا لَا عَرْضًا وَلَا مُؤَجَّلًا (وَ) يَجِبُ (التَّصْرِيحُ بِأَسْمَاءِ الشُّهُودِ) فِي وَثِيقَةِ الْبَيْعِ وَإِلَّا نَقَضَ حُكْمَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُقْضَى فِيهَا بِالْقِيمَةِ إلَّا بَعْدَ الْفَوَاتِ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ وَقَبْلَ الْفَوَاتِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الرَّدِّ وَإِعْطَاءِ الْقِيمَةِ وَالْقِيمَةُ الَّتِي يُقْضَى بِهَا إنَّمَا تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْفَوَاتِ. وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ تُنْقَصَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْفَوَاتِ عَنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْهِبَةِ وَهَذَا ضَرَرٌ بِالْيَتِيمِ فَلِذَا لَمْ يَجُزْ لِلْوَصِيِّ هِبَةُ الثَّوَابِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ الْعَقْدُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَإِذَا حَصَلَ نَقْصٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا ضَرَرَ عَلَى الْيَتِيمِ (اهـ بْن) . قَوْلُهُ: [وَلَا يَكُونُ الرُّشْدُ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ] : أَيْ لِأَنَّ الرُّشْدَ بُلُوغٌ وَحُسْنُ تَصَرُّفٍ. قَوْلُهُ: [وَبَاعَ الْحَاكِمُ] : أَفَادَ الشَّيْخُ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ بَيْعَ الْحَاكِمِ يَكُونُ بِشُرُوطٍ عَشَرَةٍ دُعَاءِ الضَّرُورَةِ لِوَفَاءِ دَيْنٍ وَنَحْوِهِ وَثُبُوتِ يُتْمِهِ وَإِهْمَالِهِ وَمِلْكِهِ لِمَا يُرَادُ بَيْعُهُ وَثُبُوتِ أَنَّهُ الْأَوْلَى بِالْبَيْعِ وَالتَّسَوُّقِ بِالْمَبِيعِ وَعَدَمِ إلْفَاءِ زَائِدٍ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي أَعْطَى فِيهِ وَالسَّدَادُ فِي الثَّمَنِ وَكَوْنِهِ عَيْنًا وَحَالًّا لَا عَرْضًا وَلَا مُؤَجَّلًا. قَوْلُهُ: [وَمِثْلُهُ السَّفِيهُ وَالْمَجْنُونُ] : أَيْ فَلَا يَبِيعُ لَهُمَا الْحَاكِمُ إلَّا بِتِلْكَ الشُّرُوطِ الْعَشَرَةِ. قَوْلُهُ: [وَعَدَمُ إلْفَاءٍ] إلَخْ: هُوَ بِالْفَاءِ لَا بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ. قَوْلُهُ: [فِي وَثِيقَةِ الْبَيْعِ] : بِأَنْ يَكْتُبَ فِي السِّجِلِّ: ثَبَتَ عِنْدِي بِشَهَادَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ يُتِمُّهُ إلَى آخِرِ الشُّرُوطِ.

(لَا حَاضِنٌ) فَلَيْسَ لَهُ تَصَرُّفٌ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ (كَجَدٍّ وَأَخٍ) وَعَمٍّ وَأُمٍّ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَيُنْقَضُ فِعْلُهُمْ. (وَعَمِلَ بِإِمْضَاءِ) التَّصَرُّفِ (الْيَسِيرِ) مِنْ الْحَاضِنِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ الَّذِي تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ضَرُورَةُ الْمَعَاشِ مِنْ أَكْلٍ أَوْ كِسْوَةٍ، فَلَا يَنْقُصُ مَا بَاعَهُ وَلَا يَتْبَعُ بِهِ الْمُتَصَرِّفَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعُرْفِ فَلَا يُحَدُّ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ أَوْ أَكْثَرَ، قَالَ ابْنُ هِلَالٍ: فَعَلَى مَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ لَا يَبِيعُهُ إلَّا بِشُرُوطٍ: وَهِيَ مَعْرِفَةُ الْحَضَانَةِ وَصِغَرُ الْمَحْضُونَ وَالْحَاجَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْبَيْعِ وَيَسَارَةُ الْمَبِيعِ وَأَنَّهُ أَحَقُّ مَا يُبَاعُ، وَمَعْرِفَةُ السَّدَادِ فِي الثَّمَنِ فَيَشْهَدُ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ بَيِّنَةٌ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا، وَهَذَا الْمَعْنَى مُسْتَوْفًى فِي كُتُبِ الْمُوَثَّقِينَ (اهـ) ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا أُقِيمَ عَلَى الْمُبْتَاعِ فِيمَا بَاعَهُ الْكَافِلُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ هَذِهِ الشُّرُوطَ وَأَنَّهُ أَنْفَقَ الثَّمَنَ عَلَيْهِ وَأَدْخَلَهُ فِي مَصَالِحِهِ فَإِذَا اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْهَا فَلِلْمَحْضُونِ إذَا كَبِرَ الْخِيَارُ فِي رَدِّ الْبَيْعِ وَإِمْضَائِهِ. وَاسْتَحْسَنَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّ الْعُرْفَ الْجَارِيَ بَيْنَ النَّاسِ - كَأَهْلِ الْبَوَادِي وَالْأَرْيَافِ وَغَيْرِهِمْ - بِمَوْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا حَاضِنٌ] : أَيْ كَافِلٌ فَمُرَادُهُ بِالْحَاضِنِ الْكَافِلُ الَّذِي يَكْفُلُ الْيَتِيمَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى قَرِيبًا كَانَ أَوْ أَجْنَبِيًّا. قَوْلُهُ: [لَا يَبِيعُهُ] : أَيْ شَيْءَ الْمَحْضُونَ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ مَعْرِفَةُ الْحَضَانَةِ] : أَيْ مَعْرِفَةُ أَنَّهُ كَافِلٌ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِنًا شَرْعِيًّا. قَوْلُهُ: [وَمَعْرِفَةُ السَّدَادِ] إلَخْ: وَيُزَادُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَرُ حَالًّا. قَوْلُهُ: [فَعَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ] إلَخْ: الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْكَافِلِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [وَأَنَّهُ أَنْفَقَ الثَّمَنَ عَلَيْهِ] : هَذَا شَرْطٌ ثَامِنٌ. قَوْلُهُ: [وَأَدْخَلَهُ فِي مَصَالِحِهِ] : شَرْطٌ تَاسِعٌ فَجُمْلَةُ الشُّرُوطِ تِسْعَةٌ بِالشَّرْطِ الَّذِي زِدْنَاهُ. قَوْلُهُ: [وَاسْتَحْسَنَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ] : أَيْ فَيَعْمَلُ بِهِ كَالنَّصِّ، بَلْ نَقَلَ ابْنُ غَازِيٍّ رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْكَافِلَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ بِدُونِ هَذَا الْعُرْفِ وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ جَيِّدَةٌ لِأَهْلِ الْبَوَادِي لِأَنَّهُمْ يُهْمِلُونَ الْإِيصَاءَ. قَوْلُهُ: [مِنْ أَنَّ الْعُرْفَ] إلَخْ: مِنْ بَيَانِيَّةٌ بَيَانٌ لِلِاسْتِحْسَانِ عَلَى حَدِّ

[السفه أحد أسباب الحجر]

الْوَاحِدِ مِنْهُمْ وَلَا يُوصِي عَلَى أَوْلَادِهِ اعْتِمَادًا عَلَى أَخٍ أَوْ جَدٍّ أَوْ عَمٍّ لَهُمْ يُعْرَفُ بِالشَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ، يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ التَّصْرِيحِ بِإِيصَائِهِ عَلَيْهِمْ وَلَهُ الْبَيْعُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِشُرُوطِهِ السَّابِقَةِ فَيَمْضِي وَلَا يَنْقُضُ وَلَيْسَ لِلْوَلَدِ بَعْدَ كِبَرِهِ كَلَامٌ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ نَافِعَةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ وَلَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ. (وَالسَّفَهُ) الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَسْبَابِ الْحَجْرِ: هُوَ (التَّبْذِيرُ) : أَيْ صَرْفُ الْمَالِ فِي غَيْرِ مَا يُرَادُ لَهُ شَرْعًا وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: (بِصَرْفِ الْمَالِ فِي مَعْصِيَةٍ كَخَمْرٍ وَقِمَارٍ) بِضَمِّ الْقَافِ؛ أَصْلُهُ الْمُغَالَبَةُ فِي الشَّيْءِ، وَالْمُرَادُ بِهِ: اللَّعِبُ بِالدَّرَاهِمِ كَلَعِبِ الشِّطْرَنْجِ وَالطَّابِ وَنَحْوِهِمَا عَلَى أَنَّ مَنْ غَلَبَ صَاحِبَهُ فَلَهُ مِنْ الْمَعْلُومِ كَذَا وَهُوَ مُحَرَّمٌ إجْمَاعًا (أَوْ) بِصَرْفِهِ (فِي مُعَامَلَةٍ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ (بِغَبْنٍ فَاحِشٍ) خَارِجٍ عَنْ الْعَادَةِ (بِلَا مَصْلَحَةٍ) تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ شَأْنُهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُبَالَاةٍ (أَوْ) صَرْفِهِ (فِي شَهَوَاتٍ) نَفْسَانِيَّةٍ (عَلَى خِلَافِ عَادَةِ مِثْلِهِ) فِي مَأْكَلِهِ وَمَشْرَبِهِ وَمَلْبُوسِهِ وَمَرْكُوبِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (أَوْ بِإِتْلَافِهِ هَدَرًا) : كَأَنْ يَطْرَحَهُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ يَرْمِيَهُ فِي بَحْرٍ أَوْ مِرْحَاضٍ كَمَا يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنْ السُّفَهَاءِ يَطْرَحُونَ الْأَطْعِمَةَ وَالْأَشْرِبَةَ فِيمَا ذُكِرَ وَلَا يَتَصَدَّقُونَ بِهَا. (وَيَتَصَرَّفُ الْوَلِيُّ) عَلَى الْمَحْجُورِ وُجُوبًا (بِالْمَصْلَحَةِ) الْعَائِدَةِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQ {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: 30] . قَوْلُهُ: [بِشُرُوطِهِ السَّابِقَةِ] : أَيْ وَهِيَ الشُّرُوطُ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْحَاكِمِ. قَوْلُهُ: [وَلَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ] : أَيْ الَّتِي عُدِمَ فِيهَا الْحُكَّامُ الشَّرْعِيُّونَ. [السَّفَهُ أَحَدُ أَسْبَابِ الْحَجْرِ] قَوْلُهُ: [وَالْمُرَادُ بِهِ اللَّعِبُ بِالدَّرَاهِمِ] : أَيْ اللَّعِبُ الَّذِي يَتَسَبَّبُ عَنْهُ ضَيَاعُ الدَّرَاهِمِ. قَوْلُهُ: [كَلَعِبِ الشِّطْرَنْجِ] : نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ بِالصَّادِ وَالطَّاءِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَاتِ وَنُونٍ وَجِيمٍ. وَالْمَشْهُورُ بَيْنَ الْمُؤَلِّفِينَ أَنَّهُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بَدَلَ الصَّادِ وَرَأَيْت فِي شَرْحِ الْمُنَاوِيُّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ بِالسِّينِ وَالشِّينِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ بِالصَّادِ وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ. قَوْلُهُ: [عَلَى أَنَّ مَنْ غَلَبَ صَاحِبَهُ] : الصَّوَابُ لِمَنْ غَلَبَ صَاحِبَهُ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ مُحَرَّمٌ إجْمَاعًا] : أَيْ لِأَنَّهُ الْمَيْسِرُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة: 90] الْآيَةَ.

[تصرفات الولي على المحجور]

مَحْجُورِهِ حَالًا أَوْ مَآلًا (فَلَهُ تَرْكٌ وَشُفْعَةٌ) : أَيْ أَخْذُ شِقْصٍ لِمَحْجُورِهِ بِالشُّفْعَةِ إذَا اقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ ذَلِكَ (وَ) تَرْكُ (قِصَاصٍ) وَجَبَ لِلْمَحْجُورِ عَلَى جَانٍ بِالنَّظَرِ وَالْمَصْلَحَةِ (فَيَسْقُطَانِ) . وَلَيْسَ لِلْمَحْجُورِ إنْ عَقَلَ أَوْ بَلَغَ قِيَامَ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَعَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ النَّظَرِ فَلَهُ الْقِيَامُ بِحَقِّهِ بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ عَنْهُ. (وَلَا يَعْفُو) الْوَلِيُّ عَنْ عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ (مَجَّانًا) بِلَا أَخْذِ مَالٍ لِمَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ الْمَصْلَحَةِ، وَلَهُ الْقِيَامُ إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ بِحَقِّهِ. (وَلَا يَبِيعُ) الْوَلِيّ مِنْ وَصِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ (عَقَارِ يَتِيمٍ) : أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ لِأَنَّ الْعَقَارَ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ التَّلَفِ فَيُقَدَّمُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ وَمِثْلُ الْيَتِيمِ السَّفِيهُ فَالتَّعْبِيرُ بِمَحْجُورٍ أَعَمُّ مِنْ يَتِيمٍ. (إلَّا لِحَاجَةٍ بَيِّنَةٍ) : أَيْ ظَاهِرَةٌ كَنَفَقَةٍ يَتَوَقَّفُ مَعَاشُهُمْ عَلَيْهَا أَوْ وَفَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [تَصَرُّفَات الْوَلِيّ عَلَى الْمَحْجُور] قَوْلُهُ: [وَتَرْكُ قِصَاصٍ وَجَبَ لِلْمَحْجُورِ] : أَيْ حَيْثُ كَانَ الْمَحْجُورُ صَغِيرًا، وَأَمَّا السَّفِيهُ الْبَالِغُ فَيَنْظُرُ لِنَفْسِهِ فِي الْقِصَاصِ كَمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُخَالَفُ فِيهِ السَّفِيهُ الصَّغِيرُ الْقِصَاصَ وَالْعَفْوَ. قَوْلُهُ: [بِالنَّظَرِ وَالْمَصْلَحَةِ] : كَرَّرَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [فَيَسْقُطَانِ] : جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ أَيْ وَإِذَا حَصَلَ تَرَكَ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّشَفُّعِ وَالْقِصَاصِ بِالنَّظَرِ فَيَسْقُطَانِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَعْفُو الْوَلِيُّ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ الْجِنَايَةِ الْعَمْدِ الَّتِي فِيهَا مَالٌ أَوْ الْخَطَأُ مَجَّانًا فَمُرَادُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ: " مِنْ عَمْدٍ " أَيْ فِيهِ مَالٌ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ جَوَازِ تَرْكِ الْقِصَاصِ. قَوْلُهُ: [وَلَهُ الْقِيَامُ] : هَذَا دَلِيلُ جَوَابٍ إذًا وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الصَّبِيِّ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا لَفْظًا فَهُوَ مُتَقَدِّمٌ رُتْبَةً. قَوْلُهُ: [فَالتَّعْبِيرُ بِمَحْجُورٍ أَعَمُّ مِنْ يَتِيمٍ] : تُرِكَ عَلَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [إلَّا لِحَاجَةٍ بَيِّنَةٍ] : شُرُوعٌ فِي الْأَسْبَابِ الَّتِي يُبَاعُ عَقَارُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِأَجْلِهَا وَعَدَّهَا اثْنَيْ عَشَرَ. وَقَدْ نَظَمَهَا الْبَدْرُ الدَّمَامِينِيُّ كَمَا فِي (بْن) فَقَالَ: إذَا بِيعَ رُبْعٌ لِلْيَتِيمِ فَبَيْعُهُ ... لِأَشْيَاءَ يُحْصِيهَا الذَّكِيُّ بِفَهْمِهِ

[الحجر على الرقيق]

دَيْنٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى بَيْعِهِ (أَوْ غِبْطَةٍ) بِأَنْ يُبَاعَ بِأَزْيَدَ مِنْ قِيمَتِهِ كَثِيرًا كَالثُّلُثِ فَأَكْثَرَ (أَوْ لِخَوْفٍ عَلَيْهِ مِنْ ظَالِمٍ، أَوْ لِكَوْنِهِ مُوَظَّفًا) : أَيْ عَلَيْهِ تَوْظِيفٌ ظُلْمًا أَوْ حِكْرًا، فَيُبَاعُ لِيَشْتَرِيَ لَهُ مَالًا تَوْظِيفٌ عَلَيْهِ. (أَوْ) لِكَوْنِهِ (حِصَّةً) مَعَ شَرِيكٍ فَيُبَاعُ لِيَشْتَرِيَ لَهُ كَامِلًا لِلسَّلَامَةِ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ (أَوْ قَلَّتْ غَلَّتُهُ) : وَأَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ فَيُبَاعُ لِيَسْتَبْدِلَ لَهُ مَا فِيهِ غَلَّةٌ كَثِيرَةٌ (أَوْ) كَانَ (بَيْنَ ذِمِّيِّينَ أَوْ جِيرَانِ سُوءٍ أَوْ) كَانَ (فِي مَحَلِّ خَوْفٍ) فَيُبَاعُ لِيَشْتَرِيَ لَهُ غَيْرَهُ فِي مَكَان غَيْرِ مَا ذَكَرَ (أَوْ) كَانَ شَرِكَةً فَيُبَاعُ (لِإِرَادَةِ شَرِيكِهِ بَيْعًا) لِنَصِيبِهِ (وَلَا مَالَ لَهُ) : أَيْ لِلْيَتِيمِ يَشْتَرِي بِهِ مَنَابَ الشَّرِيكِ، فَيُبَاعُ حِصَّةُ الْيَتِيمِ مَعَ الشَّرِيكِ إذَا كَانَ لَا يَنْقَسِمُ وَإِلَّا قَسَمَ (أَوْ لِخَشْيَةِ انْتِقَالِ الْعِمَارَةِ) عَنْهُ فَيَصِيرُ مُنْفَرِدًا فَتَقِلُّ قِيمَتُهُ فَيُبَاعُ (أَوْ) لِخَشْيَةِ (الْخَرَابِ عَلَيْهِ، وَلَا مَالَ لَهُ) : أَيْ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ يَعْمُرُ بِهِ (أَوْ لَهُ مَالٌ وَالْبَيْعُ أَوْلَى) : مِنْ التَّعْمِيرِ (فَيَسْتَبْدِلُ) أَيْ فَيُبَاعُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَيُسْتَبْدَلُ (لَهُ خِلَافُهُ) : إلَّا أَنْ يَبِيعَ لِحَاجَةِ النَّفَقَةِ أَوْ الدَّيْنِ أَوْ بَيْعِ شَرِيكِهِ فَلَا يَلْزَمُ اسْتِبْدَالٌ. (وَحُجِرَ عَلَى رَقِيقٍ) : أَيْ يَحْجُرُ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ: أَيْ لَهُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ شَرْعًا (مُطْلَقًا) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَضَاءٌ وَإِنْفَاقٌ وَدَعْوَى مُشَارِكٍ ... إلَى الْبَيْعِ فِيمَا لَا سَبِيلَ لِقَسْمِهِ وَتَعْوِيضُ كُلٍّ أَوْ عَقَارُ مُخَرِّبٍ ... وَخَوْفُ نُزُولٍ فِيهِ أَوْ خَوْفُ هَدْمِهِ وَبَذْلُ الْكَثِيرِ الْحِلِّ فِي يُمْنٍ لَهُ ... وَخِفَّةُ نَفْعٍ فِيهِ أَوْ ثِقْلُ غُرْمِهِ وَتَرْكُ جِوَارِ الْكُفْرِ أَوْ خَوْفُ عُطْلِهِ ... فَحَافِظْ عَلَى فِعْلِ الصَّوَابِ وَحُكْمِهِ (اهـ) قَوْلُهُ: [أَوْ حِكْرًا] : بِالنَّصْبِ مَعْطُوفٌ عَلَى ظُلْمًا فَهُوَ تَنْوِيعٌ لِلتَّوْظِيفِ. قَوْلُهُ: [مَا لَا تَوْظِيفَ عَلَيْهِ] : أَيْ مَا لَا حِكْرَ عَلَيْهِ أَصْلًا أَوْ أَقَلَّ حِكْرًا. قَوْلُهُ: [أَوْ كَانَ بَيْنَ ذِمِّيِّينَ] : مَحَلُّ اسْتِبْدَالِ مَا كَانَ بَيْنَ ذِمِّيِّينَ إنْ كَانَ مَسْكَنًا لَهُ وَأَمَّا عَقَارُهُ الَّذِي لِلتَّجْرِ أَوْ لِلْكِرَاءِ فَكَوْنُهُ بَيْنَ الذِّمِّيِّينَ أَرْوَجَ لَهُ. قَوْلُهُ: [وَلَا مَالَ لَهُ] : أَيْ أَوَّلُهُ مَالٌ وَالْبَيْعُ أَوْلَى كَمَا قِيلَ فِيمَا يَأْتِي. [الْحَجَر عَلَى الرَّقِيق] قَوْلُهُ: [أَيْ لَهُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ شَرْعًا] : أَيْ حَجْرًا أَصْلِيًّا كَالْحَجْرِ عَلَى الصَّغِيرِ فَتَصَرُّفَاتُهُ مَرْدُودَةٌ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ السَّيِّدُ حَجَرْت عَلَيْهِ.

بِمُعَاوَضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَلَوْ كَانَ حَافِظًا ضَابِطًا قِنًّا أَوْ غَيْرَهُ؛ كَمُدَبَّرٍ إلَّا الْمَكَاتِبَ فَإِنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ. (إلَّا بِإِذْنٍ) لَهُ (فِي تِجَارَةٍ) فَتَصَرُّفُهُ مَاضٍ وَلَوْ ضِمْنًا فَإِنَّهَا إذْنٌ كَكِتَابَةٍ، حُكْمًا فِي التَّصَرُّفِ. وَالْمَأْذُونُ مَنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ أَنْ يَتَّجِرَ فِي مَالِ نَفْسِهِ وَالرِّبْحُ لَهُ أَوْ لِسَيِّدِهِ أَوْ فِي مَالِ السَّيِّدِ وَالرِّبْحُ لِلْعَبْدِ. وَأَمَّا جَعْلُ الرِّبْحِ لِلسَّيِّدِ فَهُوَ وَكِيلٌ حَقِيقَةً. (وَلَوْ فِي نَوْعٍ) خَاصٍّ كَالْبَزِّ (فَكَوَكِيلٍ مُفَوَّضٍ) : أَيْ فِي سَائِرِ الْأَنْوَاعِ مِمَّا أَذِنَ لَهُ فِيهِ وَمَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّى النَّوْعَ الَّذِي أَذِنَ لَهُ فِيهِ. لَكِنَّهُ إنْ تَعَدَّاهُ مَضَى وَلَا يَنْقُضُ لِأَنَّهُ أَقْعَدَهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَدْرُونَ فِي أَيِّ الْأَنْوَاعِ أَقْعَدَهُ. (وَلَهُ) : أَيْ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ (أَنْ يَضَعَ) عَنْ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ لَهُ بَعْضَ دَيْنٍ بِالْمَعْرُوفِ (وَيُؤَخِّرَ) مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ التِّجَارَةِ. (وَ) لَهُ أَنْ (يُضِيفَ) ضَيْفًا أَوْ جَمَاعَةً. وَلَيْسَ لَهُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يُعِيرَ شَيْئًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِمُعَاوَضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا] : الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ كَانَ بِمُعَاوَضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. قَوْلُهُ: [إلَّا بِإِذْنٍ لَهُ فِي تِجَارَةٍ] : أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَلَبِّسًا فِي الْإِذْنِ لَهُ فِي تِجَارَةٍ وَإِلَّا فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَالْمَأْذُونُ] إلَخْ: أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ صُوَرَ الْمَأْذُونِ أَرْبَعَةٌ ثَلَاثَةٌ يَكُونُ فِيهَا كَالْوَكِيلِ وَالرَّابِعَةُ يَكُونُ وَكِيلًا حَقِيقَةً. قَوْلُهُ: [لَكِنَّهُ إنْ تَعَدَّاهُ مَضَى] : أَيْ وَهَلْ يَجُوزُ ابْتِدَاءً أَوْ يَمْنَعُ؟ خِلَافٌ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [أَيْ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ] : أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ. قَوْلُهُ: [بِالْمَعْرُوفِ] : مُتَعَلِّقٌ بِبِضْعٍ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ الْوَضِيعَةِ مِنْ الدَّيْنِ إذَا كَانَ مَا يَضَعُهُ قَلِيلًا وَإِلَّا مُنِعَ وَالْقِلَّةُ بِالْعُرْفِ. قَوْلُهُ: [إلَى أَجَلٍ] : أَيْ مَا لَمْ يَبْعُدْ وَإِلَّا مُنِعَ وَالْبُعْدُ مُعْتَبَرٌ بِالْعُرْفِ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ وَلَمْ يَعُدُّوا تَأْخِيرَ الدَّيْنِ لِلِاسْتِئْلَافِ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً لِعَدَمِ تَحَقُّقِ النَّفْعِ. قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ لَهُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يُعِيرَ شَيْئًا] : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا لَا يُعِيرُ

(إنْ اسْتَأْلَفَ بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ) : أَيْ فَعَلَهُ اسْتِئْلَافًا لِتِجَارَةٍ (وَيُعْتِقَ) عَبْدًا (بِرِضَا سَيِّدِهِ) وَالْوَلَاءُ لِلسَّيِّدِ لِأَنَّهُ الْمُعْتِقُ حَقِيقَةً وَالْمَأْذُونُ وَكِيلُهُ فِيهِ. (وَ) لَهُ (أَخْذُ قِرَاضٍ) مِنْ غَيْرِهِ وَرِبْحِهِ فِيهِ كَخَرَاجِهِ لَا يَقْضِي مِنْهُ دَيْنُهُ وَلَا يَتْبَعُهُ إنْ عَتَقَ (وَدَفْعُهُ) : أَيْ الْقِرَاضُ لِعَامِلٍ. (وَ) لَهُ (تَصَرُّفٌ فِي كَهِبَةٍ) وُهِبَتْ لَهُ أَوْ صُدْفَةٌ أَوْ وَصِيَّةٌ أُعْطِيت لَهُ بِالْمُعَاوَضَةِ كَهِبَةِ الثَّوَابِ (لَا تَبَرُّعَ) بِهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. (وَلِغَيْرِ مَأْذُونٍ) فِي التِّجَارَةِ (قَبُولٌ) لِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ سَيِّدِهِ، فَأَوْلَى الْمَأْذُونِ وَمَنْ لَهُ الْقَبُولُ لَهُ الرَّدُّ (وَلَا يَتَصَرَّفُ) فِيهَا إنْ قَبِلَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فَتَصَرُّفُهُ غَيْرُ نَافِذٍ. (وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْمَأْذُونِ فِي قِيَامِ الْغُرَمَاءِ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ أَبْطَلَ سَيِّدُهُ تَصَرُّفَهُ وَرَدَّهُ لِلْحَجْرِ وَلَوْ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ غَرِيمٌ (كَالْحُرِّ) : فِي كَوْنِ الْحَاكِمِ يَتَوَلَّى أَمْرَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَيْئًا مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، الصَّقَلِّيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُعِيرَ دَابَّتَهُ لِلْمَكَانِ الْقَرِيبِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [إنْ اسْتَأْلَفَ] : قَالَ (بْن) : وَلَهُ أَنْ يَعُقَّ عَنْ وَلَدِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ اسْتِئْلَافٍ وَلَوْ قَلَّ الْمَالُ إذَا عَلِمَ أَنَّ سَيِّدَهُ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ (اهـ) . قَالَ (عب) : إنْ عَلِمَ كَرَاهَةَ السَّيِّدِ لِذَلِكَ مُنِعَتْ وَكُلُّ مَنْ أَكَلَ مِنْهَا شَيْئًا ضَمِنَهُ لِلسَّيِّدِ. قَوْلُهُ: [وَيُعْتَقُ عَبْدًا بِرِضَا سَيِّدِهِ] : حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَهَذَا الْحُكْمُ لَا يَخُصُّ الْمَأْذُونَ لَهُ بَلْ غَيْرَهُ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ الْمُعْتَقُ حَقِيقَةً] : أَيْ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يُحَرِّرُ غَيْرَهُ مَا دَامَ رَقِيقًا. قَوْلُهُ: [وَمَنْ لَهُ الْقَبُولُ لَهُ الرَّدُّ] : أَيْ لَهُ الرَّدُّ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إذْنٍ مِنْ سَيِّدِهِ فَإِذَا رَدَّهَا فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى قَبُولِهَا وَإِذَا قَبِلَهَا فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ جَبْرُهُ عَلَى رَدِّهَا فَعَدَمُ جَبْرِ الْعَبْدِ عَلَى قَبُولِ الْهِبَةِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْقَوْلُ بِالْجَبْرِ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: [وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ] إلَخْ: قَالَ فِيهَا وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ فَلَا يَحْجُرْ عَلَيْهِ إلَّا عِنْدَ السُّلْطَانِ فَيُوقِفُهُ السُّلْطَانُ لِلنَّاسِ وَيَسْمَعُ بِهِ فِي مَحَلِّهِ وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ، فَمَنْ بَاع مِنْهُ أَوْ ابْتَاعَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ مَرْدُودٌ. وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ. وَلَا يَنْبَغِي لِسَيِّدِهِ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ إلَّا عِنْدَ السُّلْطَانِ فَيُوقِفَهُ لِلنَّاسِ

وَيَبِيعُ سِلَعَهُ لَا الْغُرَمَاءُ وَلَا السَّيِّدُ وَيَقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالْمَجْلِسِ أَوْ بِقُرْبِهِ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ، وَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ بَعْدَ التَّفْلِيسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ. وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ إسْقَاطَ دَيْنٍ عَلَيْهِ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنٍ فِي تِجَارَةٍ إلَخْ. بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ فَلَهُ إسْقَاطُ مَا عَلَيْهِ عَنْهُ. (وَأُخِذَ) مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ (مِمَّا) : أَيْ مِنْ الْمَالِ الَّذِي (بِيَدِهِ) مِمَّا لَهُ فِيهِ التَّصَرُّفُ (وَإِنْ) كَانَ مَا بِيَدِهِ (مُسْتَوْلَدَتَهُ) الَّتِي اشْتَرَاهَا مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ أَوْ رِبْحِهِ. وَأَمَّا وَلَدُهَا فَهُوَ لِلسَّيِّدِ فَلَا يُبَاع فِي دَيْنِهِ فَلَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ كَسْبِهِ الْخَارِجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَأْمُرْ بِهِ فَيُطَافُ بِهِ حَتَّى يَعْلَمَ ذَلِكَ (اهـ) وَأَفَادُوا أَيْضًا: أَنَّ الصَّبِيَّ مِثْلُ الْبَالِغِ مِنْ حُرٍّ أَوْ رَقِيقٍ فِي أَنَّهُ لَا يُفَلِّسُهُ إلَّا الْحَاكِمُ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ (أَبِيهِ اهـ مُلَخِّصًا مِنْ الْحَاشِيَةِ) . قَوْلُهُ: [لَا الْغُرَمَاءُ وَلَا السَّيِّدُ] : أَيْ إنْ كَانَ هُنَاكَ غُرَمَاءُ فَلَا يَبِيعُ مَالَهُ إلَّا لِحَاكِمٍ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غُرَمَاءُ فَالْأَمْرُ فِيهِ لِلسَّيِّدِ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ بِالْحَجْرِ. قَوْلُهُ: [كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ] إلَخْ: لَمْ يُعْلَمْ صَرِيحًا، وَإِنَّمَا عُلِمَ ضِمْنًا مِنْ الْإِذْنِ، فَالْإِذْنُ يَتَضَمَّنُ عَدَمَ الْإِسْقَاطِ وَعَدَمُهُ يَتَضَمَّنُ جَوَازَ الْإِسْقَاطِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [خِلَافٌ غَيْرُ الْمَأْذُونِ] : أَيْ فَإِنَّهُ لَا يُفْلِسُ وَلَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ بِدَيْنٍ، لِأَنَّ لَهُ إسْقَاطَهُ عَنْهُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. فَإِذَا أَسْقَطَهُ سَيِّدُهُ فَلَا يُتْبَعُ بِهِ وَلَوْ عِتْقَ. قَوْلُهُ: [وَأَخَذَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ] : أَيْ سَوَاءٌ فَلِسَ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ مَا بِيَدِهِ مُسْتَوْلَدَتُهُ] : أَيْ فَتُبَاعُ لِأَنَّهَا مَالٌ لَهُ وَلَا حُرِّيَّةَ فِيهَا، وَإِلَّا كَانَتْ أَشْرَفَ مِنْ سَيِّدِهَا. وَكَذَا لَهُ بَيْعُهَا لِغَيْرِ دَيْنٍ عَلَيْهِ لَكِنْ بِإِذْنِ السَّيِّدِ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ إنْ عَتَقَ فَإِنْ بَاعَهَا بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ مَضَى بَيْعُهَا وَمِثْلُ مُسْتَوْلَدَتِهِ فِي الْبَيْعِ لِلدَّيْنِ مَنْ بِيَدِهِ مِنْ أَقَارِبِهِ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَى الْحُرِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ لَمْ يَبِعْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. قَوْلُهُ: [مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ] : مِثْلُهُ شِرَاؤُهَا عَنْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ رِبْحِهِ] : رَبِحَ مَالَ التِّجَارَةِ.

[الحجر على المريض]

عَنْ مَالِ التِّجَارَةِ فَهِيَ لِلسَّيِّدِ كَوَلَدِهَا، فَلَا تُبَاعُ فِي دَيْنِهِ (أَوْ كَانَ) مَا بِيَدِهِ (هِبَةً وَنَحْوَهَا) كَصَدَقَةٍ وَوَصِيَّةٍ فَيُوَفَّى مِنْهَا دَيْنُهُ. (لَا) تُؤْخَذُ (غَلَّتُهُ) الَّتِي اسْتَفَادَهَا فِي نَظِيرِ عَمَلٍ أَوْ خِدْمَةٍ (وَ) لَا (أَرْشُ جُرْحِهِ) وَلَا (رَقَبَتُهُ) فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ لِلسَّيِّدِ. وَلَمَّا فَرَغَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأَسْبَابِ الْخَمْسَةِ الْعَامَّةِ؛ شَرَعَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالسَّبَبَيْنِ الْخَاصَّيْنِ؛ وَهُمَا الْمَرَضُ مُطْلَقًا وَالنِّكَاحُ بِالنِّسْبَةِ لِلزَّوْجَةِ. (وَ) حَجَرَ (عَلَى مَرِيضٍ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى سَفِيهًا أَوْ رَشِيدًا إذَا مَرِضَ (مَرَضًا يَنْشَأُ الْمَوْتُ عَنْهُ عَادَةً وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ) الْمَوْتُ عَنْهُ وَالْحَجْرُ لِلْوَارِثِ وَمَثَّلَ لِلْمَرَضِ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْهُ عَادَةً بِقَوْلِهِ (كَسُلٍّ) بِكَسْرِ الْكَافِ: مَرَضٌ يُنْحِلُ الْبَدَنَ فَكَأَنَّ الرُّوحَ تَنْسَلُّ مَعَهُ شَيْئًا فَشَيْئًا (وَقُولَنْجِ) بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الْوَاوِ: مَرَضٌ مِعَوِيٌّ يَعْسُرُ مَعَهُ خُرُوجُ الْغَائِطِ وَالرِّيحِ، وَمِعَوِيٌّ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا يُبَاعُ فِي دَيْنِهِ] : أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَالًا بَلْ لِلسَّيِّدِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى عِتْقِهِ عَلَيْهِ إنْ عَتَقَ وَلَوْ كَانَ مَالًا لَهُ لَتَبِعَهُ إنْ عَتَقَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى الرَّقِيقِ، فَلَوْ بَاعَهُ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ رَدَّ بَيْعَهُ. وَإِذَا عَلِمْت أَنَّ مَا فِي بَطْنِهَا لِسَيِّدِهِ فَلَا تُبَاعُ فِي دَيْنِهِ إلَّا بَعْدَ وَضْعِهَا حِينَئِذٍ بِوَلَدِهَا وَيُقَوَّمُ كُلُّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ قَبْلَ الْبَيْعِ لِيَعْلَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا بِيعَ بِهِ مِلْكُهُ (اهـ. بْن مُلَخَّصًا) . [الْحَجَر عَلَى الْمَرِيض] قَوْلُهُ: [الْخَمْسَةِ الْعَامَّةِ] : أَيْ وَهِيَ الْفَلَسُ وَالصِّبَا وَالْجُنُونُ وَالسَّفَهُ وَالرِّقُّ. قَوْلُهُ: [الْمَرَضُ مُطْلَقًا] : أَيْ فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى سَفِيهًا أَوْ رَشِيدًا كَمَا يُفِيدُهُ الشَّارِحُ بَعْدُ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ الْمَوْتُ عَنْهُ] : أَيْ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ مِنْهُ شَهِيرًا لَا عَجَبَ فِيهِ. قَوْلُهُ: [بِكَسْرِ الْكَافِ] صَوَابُهُ بِكَسْرِ السِّينِ كَمَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [يُنْحِلُ الْبَدَنَ] : أَيْ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي عَرْفِ مِصْرَ بِمَرَضِ الْقَصَبَةِ. قَوْلُهُ: [مَرَضٌ مِعَوِيٌّ] إلَخْ: كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ دَاوُد الْحَكِيمُ أَنَّهُ رِيحٌ غَلِيظٌ يُحْتَبَسُ فِي الْمِعَى.

الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ: نِسْبَةٌ لِلْمِعَى بِكَسْرِ الْمِيمِ (وَحُمَّى قَوِيَّةٍ) حَارَّةٍ تُجَاوِزُ الْعَادَةَ فِي الْحَرَارَةِ مَعَ الْمُدَاوَمَةِ. (وَحَامِلِ سِتٍّ) : أَيْ حَمْلٍ بَلَغَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَدَخَلَ فِي السَّابِعِ وَلَوْ بِيَوْمٍ. (وَمَحْبُوسٍ لِقَتْلٍ) بِأَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ، لَا لِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى قَبْلَ الثُّبُوتِ فَلَا يَحْجُرُ عَلَيْهِ (أَوْ) مَحْبُوسٍ (لَقَطْعٍ) مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْمُوجِبُ (خِيفَ الْمَوْتُ مِنْهُ) : أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْقَطْعِ (وَحَاضِرُ صَفِّ الْقِتَالِ) وَإِنْ لَمْ يُصَبْ بِجُرْحٍ. . (لَا) حَجْرَ بِمَرَضٍ خَفِيفٍ (نَحْوِ رَمَدٍ) وَصُدَاعٍ وَحُمَّى خَفِيفَةٍ وَمَرَضٍ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ (وَجَرَبٍ) مِنْ كُلِّ مَا لَا يَنْشَأُ عَنْهُ الْمَوْتُ عَادَةً (وَمُلَجِّجٍ بِبَحْرٍ) مَالِحٍ أَوْ حُلْوٍ (وَلَوْ حَصَلَ) لَهُ فِيهِ (الْهَوْلُ) بِشِدَّةِ رِيحٍ أَوْ غَيْرِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [نِسْبَةٌ لِلْمِعَى بِكَسْرِ الْمِيمِ] : أَيْ وَاحِدَةُ الْأَمْعَاءِ الَّتِي هِيَ الْمَصَارِينُ وَنُسِبَ لَهَا لِحُلُولِهِ فِيهَا. قَوْلُهُ: [وَحُمَّى قَوِيَّةٍ حَارَّةٍ] : وَهِيَ الْحُمَّى الْمُطْبِقَةُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَيُسَمِّيهَا أَهْلُ مِصْرَ بَالنَّوْشَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِيَوْمٍ] : أَيْ فَلَوْ تَبَرَّعَتْ بَعْدَ السِّتَّةِ وَقَبْلَ تَمَامِ الْيَوْمِ الَّذِي هُوَ مِنْ السَّابِعِ كَانَ تَبَرُّعُهَا مَاضِيًا وَيَكْفِي فِي الْعِلْمِ بِدُخُولِهَا فِي السَّبْعِ وَعَدَمِهِ إخْبَارُهَا بِذَلِكَ وَلَا يَسْأَلُ النِّسَاءَ. قَوْلُهُ: [خِيفَ الْمَوْتُ مِنْهُ] : فِيهِ أَنَّهُ مَتَى خِيفَ بِالْقَطْعِ مَوْتُهُ تُرِكَ الْقَطْعُ لِوَقْتٍ لَا يَخَافُ عَلَيْهِ فِيهِ الْمَوْتُ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يُفْرَضُ فِي الْمَقْطُوعِ لِلْحِرَابَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ وَلَوْ خِيفَ مَوْتُهُ لِأَنَّ الْقَتْلَ أَحَدُ حُدُودِهِ. قَوْلُهُ: [وَحَاضِرُ صَفِّ الْقِتَالِ] : اُحْتُرِزَ بِصَفِّ الْقِتَالِ عَمَّنْ حَضَرَ صَفَّ النِّظَارَةِ بِكَسْرِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الظَّاءِ وَصَفَّ الرَّدِّ فَإِنَّهُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ. وَصَفُّ النِّظَارَةِ: هُمْ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ الْمَغْلُوبَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُجَاهِدِينَ لِيَنْصُرُوهُ، وَصَفُّ الرَّدِّ: هُمْ الَّذِينَ يَرُدُّونَ مَنْ فَرَّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ يَرُدُّونَ أَسْلِحَتَهُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَمُلَجِّجٍ] : بِكَسْرِ الْجِيمِ الْأُولَى مُشَدِّدٌ اسْمُ فَاعِلٍ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ حَصَلَ لَهُ فِيهِ الْهَوْلُ] : كَانَ فِي مَرْكَبٍ أَوْ لَا بِأَنْ كَانَ عَلِيمًا بِحُسْنِ الْعَوْمِ. وَأَمَّا مِنْ لَا بِحُسْنِهِ فَإِنَّهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ بِغَيْرِ سَفِينَةٍ.

وَلَا يَكُونُ كَحَاضِرِ صَفِّ الْقِتَالِ (فِي تَبَرُّعٍ) مُتَعَلِّقٍ بِحَجْرٍ، الْمُقَدَّرُ قَبْلُ عَلَى مَرِيضٍ أَيْ: يُحْجَرُ عَلَى الْمَرِيضِ فِي تَبَرُّعٍ كَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَحَبْسٍ وَوَصِيَّةٍ (زَادَ) التَّبَرُّعَ (عَلَى ثُلُثِهِ) : أَيْ ثُلُثِ مَالِهِ لَا فِي الثُّلُثِ فَدُونَ وَمَثَّلَ لَهُ بِقَوْلِهِ (كَنِكَاحٍ) أَيْ كَأَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرِيضُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَا شَيْءَ لَهَا، وَبَعْدَهُ لَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَصَدَاقِ الْمِثْلِ أَوْ الثُّلُثِ إنْ مَاتَ. (وَخَلَعَ) : كَأَنْ تُخَالِعَ الْمَرِيضَةُ زَوْجَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهَا، فَإِنْ صَحَّتْ مَضَى، وَإِنْ مَاتَتْ مِنْ مَرَضِهَا فَلِلْوَارِثِ رَدُّ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ. (لَا تُدَاوِيهِ) مِنْ مَرَضِهِ فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَوْ زَادَ. وَأَوْلَى مُؤْنَتُهُ وَمُؤْنَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. (وَ) لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِي (مُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ) : كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَقَرْضٍ وَقِرَاضٍ وَمُسَاقَاةٍ وَإِجَارَةٍ (وَوُقِفَ تَبَرُّعُهُ) مِنْ هِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَحَبْسٍ وَلَوْ بِدُونِ الثُّلُثِ حَتَّى يَظْهَرَ حَالُهُ مِنْ مَوْتٍ أَوْ حَيَاةٍ (إلَّا بِمَالٍ مَأْمُونٍ) ، وَهُوَ - أَيْ الْمَأْمُونُ - (الْعَقَارُ) : أَيْ الْأَرْضُ وَمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ شَجَرٍ وَبِنَاءٍ، فَلَا يُوقَفُ بَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُفْسَخُ] إلَخْ: كَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّ نِكَاحَ الْمَرِيضِ لَا يُفْسَخُ إلَّا إنْ زَادَ الْمَهْرُ عَلَى الثُّلُثِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ نِكَاحُ الْمَرِيضِ أَوْ الْمَرِيضَةِ مَرَضًا مَخُوفًا يُفْسِخُ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ تَفْوِيضًا لِأَنَّ فِيهِ إدْخَالَ وَارِثٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وَإِنَّمَا مَثَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا مِنْ حَيْثُ رَدُّ الزَّائِدِ عَنْ الثُّلُثِ فِي الْمَهْرِ عِنْدَ الدُّخُولِ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: " وَبَعْدَهُ لَهَا الْأَقَلُّ " إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَوُقِفَ تَبَرُّعُهُ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَرِيضَ مَرَضًا مَخُوفًا إذَا تَبَرَّعَ فِي مَرَضِهِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ بِأَنْ أَعْتَقَ أَوْ تَصَدَّقَ أَوْ وَقَفَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُوقَفُ لِمَوْتِهِ، كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلًا، وَبَعْدَ مَوْتِهِ يُقَوَّمُ وَيَخْرُجُ كُلُّهُ مِنْ ثُلُثِهِ إنْ وَسِعَهُ وَإِلَّا خَرَجَ مَا وَسِعَهُ الثُّلُثُ فَقَطْ. وَقُدِّمَ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ كَمَا يَأْتِي فِي الْوَصَايَا فَإِنْ صَحَّ وَلَمْ يَمُتْ مَضَى جَمِيعُ تَبَرُّعَاتِهِ، هَذَا إذَا كَانَ مَالُهُ الْبَاقِي بَعْدَ التَّبَرُّعِ غَيْرَ مَأْمُونٍ كَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْبَاقِي مَأْمُونًا وَهُوَ الْأَرْضُ وَمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ فَإِنْ مَا فَعَلَهُ مِنْ عِتْقٍ أَوْ صَدَقَةٍ لَا يُوقَفُ وَيُنَفَّذُ مَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ عَاجِلًا وَوَقَفَ مِنْهُ مَا زَادَ فَإِنْ صَحَّ نَفَذَ الْجَمِيعُ وَإِنْ مَاتَ لَمْ يَمْضِ غَيْرُ مَا نَفَذَ.

[الحجر على الزوجة]

يُنْجَزُ الْآنَ لِلْمُتَبَرَّعِ لَهُ كَمَا يَأْتِي. وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ: " وَوُقِفَ تَبَرُّعُهُ " إلَى آخِرِ قَوْلِهِ: (فَإِنْ مَاتَ) الْمَرِيضُ الَّذِي وُقِفَ تَبَرُّعُهُ غَيْرُ الْمَأْمُونِ (فَمِنْ الثُّلُثِ) مِمَّا وُجِدَ يَوْمَ التَّنْفِيذِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، (وَإِلَّا) يَمُتْ بِأَنْ صَحَّ (مَضَى الْجَمِيعُ) : أَيْ جَمِيعُ مَا تَبَرَّعَ بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ (وَنَجَزَ فِي الْمَأْمُونِ) لِلْمُتَبَرِّعِ لَهُ (الثُّلُثُ) مِنْهُ، وَوُقِفَ مَا زَادَ عَلَيْهِ. (فَإِنْ) مَاتَ الْمَرِيضُ فَلَيْسَ لِلْمُتَبَرِّعِ لَهُ سِوَى مَا أَخَذَهُ وَإِنْ (صَحَّ) مِنْ مَرَضِهِ (فَالْبَاقِي) : أَيْ فَيَأْخُذُ الْبَاقِيَ الَّذِي وُقِفَ لَهُ. وَأَشَارَ لِلثَّانِي مِنْ الْأَخِيرِينَ - وَهُوَ الْمُتَمِّمُ لِلسَّبْعَةِ - بِقَوْلِهِ: (وَ) حَجَرَ عَلَى (زَوْجَةٍ) حُرَّةٍ رَشِيدَةٍ (لِزَوْجِهَا) فَقَطْ (وَلَوْ عَبْدًا) وَأَمَّا الْأَمَةُ أَوْ السَّفِيهَةُ، فَالْحَجْرُ عَلَيْهِمَا مُطْلَقٌ لِدُخُولِهِمَا فِي الْخَمْسَةِ الْأُوَلِ (فِي) تَبَرُّعٍ (زَائِدٍ عَلَى ثُلُثِهَا) وَلَوْ بِعِتْقٍ حَلَفَتْ بِهِ وَحَنِثَتْ فَلَهُ رَدُّهُ وَلَا يُعْتَقُ مِنْهُ شَيْءٌ (وَلَوْ) : كَانَ تَبَرُّعُهَا الزَّائِدُ حَاصِلًا (بِكَفَالَةٍ) : أَيْ ضَمَانٍ لِغَيْرِ زَوْجِهَا، فَلَهُ رَدُّهُ لَا إنْ ضَمِنَتْهُ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ (وَهُوَ) : أَيْ تَبَرُّعُهَا بِالزَّائِدِ (مَاضٍ حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْحَجَر عَلَى الزَّوْجَة] [خَاتِمَة علامات الْبُلُوغ] قَوْلُهُ: [مِنْ الْأَخِيرِينَ] : أَيْ وَهُمَا السَّبَبَانِ الْخَاصَّانِ. قَوْلُهُ: [لِزَوْجِهَا فَقَطْ] : أَيْ لَا لِأَبِيهَا وَلَا لِوَصِيِّهَا لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّهَا رَشِيدَةٌ. قَوْلُهُ: [فَالْحَجْرُ عَلَيْهِمَا مُطْلَقٌ] : أَيْ لِلسَّيِّدِ وَالْوَلِيِّ. قَوْلُهُ: [فِي تَبَرُّعٍ] : اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْوَاجِبَات كَنَفَقَةِ أَبَوَيْهَا فَلَا يَحْجُرْ عَلَيْهَا فِيهَا وَكَمَا لَوْ تَبَرَّعَتْ بِالثُّلُثِ فَأَقَلَّ وَلَوْ قَصَدَتْ بِذَلِكَ ضَرَرَ الزَّوْجِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رَدِّ الثَّالِثِ إذَا قَصَدَتْ ضَرَرَ الزَّوْجِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَمَحَلُّ الْحَجْرِ عَلَيْهَا فِي تَبَرُّعِهَا بِزَائِدِ الثُّلُثِ إنْ كَانَ التَّبَرُّعُ لِغَيْرِ زَوْجِهَا. وَأَمَّا لَهُ فَلَهَا أَنْ تَهَبَ لَهُ جَمِيعَ مَالِهَا وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي شب - نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُعْتَقُ مِنْهُ شَيْءٌ] : أَيْ وَلَا يَلْزَمُهَا فِي نَظِيرِ الْحِنْثِ شَيْءٌ وَكَأَنَّهَا حَلَفَتْ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ. قَوْلُهُ: [لَا إنْ ضَمِنَتْهُ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ] : أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَحْجُرُ عَلَى نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ

يَرُدَّ) : أَيْ حَتَّى يَرُدَّ الزَّوْجُ جَمِيعَهُ أَوْ مَا شَاءَ مِنْهُ، وَقِيلَ مَرْدُودٌ حَتَّى يُجِيزَهُ. وَعَلَى الْمَشْهُورِ (فَيَمْضِي إنْ لَمْ يَعْلَمْ) الزَّوْجُ (بِهِ حَتَّى بَانَتْ) مِنْهُ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا. (كَعَبْدٍ) تَبَرَّعَ بِعِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ سَيِّدُهُ حَتَّى (عَتَقَ) الْعَبْدُ فَيَمْضِي تَبَرُّعُهُ إذَا لَمْ يَسْتَثْنِ سَيِّدُهُ مَالَهُ حِينَ الْعِتْقِ. (وَمَدِينٍ) تَبَرَّعَ بِشَيْءٍ أَوْ بَاعَ شَيْئًا وَلَمْ يَعْلَمْ غَرِيمُهُ الَّذِي أَحَاطَ دَيْنَهُ بِذَلِكَ ثُمَّ (وَفَّى) دَيْنَهُ الَّذِي لِغَرِيمِهِ، فَتَبَرُّعُهُ مَاضٍ وَلَيْسَ لِلْغَرِيمِ وَلَا لِغَيْرِهِ بَعْدَ وَفَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا فِي غَيْرِ ضَمَانِ الْوَجْهِ وَالطَّلَبِ. وَأَمَّا هُمَا فَلَهُ مَنْعُهَا مُطْلَقًا كَانَ الضَّمَانُ لَهُ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْخُرُوجِ وَالزَّوْجُ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ وَقَدْ تُحْبَسُ. قَوْلُهُ: [أَيْ حَتَّى يَرُدَّ الزَّوْجُ جَمِيعَهُ] : إنْ قُلْت: قَدْ مَرَّ أَنَّ الزَّوْجَ لَيْسَ لَهُ رَدُّ الثُّلُثِ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ لَا الزَّائِدَ؟ وَأُجِيبُ بِأَنَّهَا لَمَّا تَبَرَّعَتْ بِالزَّائِدِ حَمَلَتْ عَلَى أَنَّ قَصْدَهَا إضْرَارُ الزَّوْجِ فَعُومِلَتْ بِنَقِيضِ قَصْدِهَا. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: " حَتَّى يَرُدَّ الزَّوْجُ جَمِيعَهُ " أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ. وَمَحَلُّ الرَّدِّ بَعْدَ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ مَا يَقَعُ مِنْهُ إمْضَاءٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ رَدَّ الزَّوْجِ رَدُّ إيقَافٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَرَدُّ إبْطَالٍ عِنْدَ أَشْهَبَ. وَأَمَّا رَدُّ الْغُرَمَاءِ فَرَدُّ إيقَافٍ وَرَدٌّ بِاتِّفَاقِ الْوَلِيِّ لِأَفْعَالِ مَحْجُورِهِ سَيِّدًا أَوْ غَيْرَهُ رَدَّ إبْطَالٍ اتِّفَاقًا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: أُبْطِلَ صَنِيعُ الْعَبْدِ وَالسَّفِيهِ ... بِرَدِّ مَوْلَاهُ وَمَنْ يَلِيه وَأُوقِفَنْ فِعْلُ الْغَرِيمِ وَاخْتُلِفَ ... فِي الزَّوْجِ وَالْقَاضِي كَمُبْدَلِ عُرِفَ أَيْ لِلْقَاضِي حُكْمُ مَنْ نَابَ عَنْهُ، فَإِنْ رَدَّ عَلَى الْمَدِينِ فَإِيقَافٌ كَرَدِّ الْغُرَمَاءِ وَعَلَى الْمَحْجُورِ فَإِبْطَالٌ كَالْوَلِيِّ وَالسَّيِّدِ فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: [فَيَمْضِي إنْ لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ] إلَخْ: قَصَدَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةَ بَيَانَ حُكْمِ تَبَرُّعِ الزَّوْجَةِ بِزَائِدِ الثُّلُثِ وَتَبَرُّعِ الْعَبْدِ مُطْلَقًا وَتَبَرُّعِ الْمَدِينِ وَلَمْ يَحْصُلْ فِي الْجَمِيعِ رَدٌّ وَلَا إجَازَةٌ، فَهَذَا غَيْرُ مَا أَفَادَهُ ابْنُ غَازِيٍّ فِي النَّظْمِ، لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا حَصَلَ رَدٌّ بِالْفِعْلِ وَأَمَّا مَا هُنَا فَفِيمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ رَدٌّ وَلَا عَدَمُهُ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [كَعَبْدٍ تَبَرَّعَ] إلَخْ: تَشْبِيهٌ فِي الْمَعْنَى لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ ثُلُثًا أَوْ غَيْرَهُ.

الدَّيْنِ كَلَامٌ. (وَلَهُ) : أَيْ لِلزَّوْجِ (رَدُّ الْجَمِيعِ) : أَيْ جَمِيعِ مَا تَبَرَّعَتْ بِهِ (إنْ تَبَرَّعَتْ) زَوْجَتُهُ (بِزَائِدٍ) عَلَى الثُّلُثِ، لَا إنْ تَبَرَّعَتْ بِالثُّلُثِ فَدُونَ: أَيْ وَلَهُ رَدُّ مَا زَادَ فَقَطْ أَوْ بَعْضَهُ وَلَهُ إمْضَاءُ الْجَمِيعِ وَهَذَا فِي غَيْرِ عِتْقِ عَبْدٍ يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رَدُّ الْجَمِيعِ أَوْ إمْضَاؤُهُ دُونَ بَعْضِهِ، إذْ لَوْ جَازَ لَهُ رَدُّ الْبَعْضِ لَقُوِّمَ عَلَيْهَا الْبَاقِي وَيُعْتَقُ عَلَيْهَا؛ فَرَدُّهُ الْبَعْضَ يُؤَدِّي إلَى عَدَمِهِ، وَأَمَّا الْوَارِثُ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رَدُّ مَا زَادَ أَوْ بَعْضُهُ لَا الْجَمِيعُ وَلَا رَدُّ شَيْءٍ مِنْ الثُّلُثِ. (وَ) إذَا تَبَرَّعَتْ بِالثُّلُثِ وَلَزِمَ (لَيْسَ لَهَا تَبَرُّعٌ بَعْدَ) ذَلِكَ (الثُّلُثِ، إلَّا أَنْ يَبْعُدَ) الزَّمَنُ بَعْدَ التَّبَرُّعِ بِهِ (كَنِصْفِ سَنَةٍ) فَأَكْثَرَ، فَلَهَا التَّبَرُّعُ مِنْ الثُّلُثَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ؛ كَأَنَّ الْبُعْدَ صَيَّرَهُ مَالًا بِرَأْسِهِ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهِ تَبَرُّعٌ. (وَإِلَّا) يَبْعُدْ فَلَيْسَ لَهَا وَحِينَئِذٍ (فَلَهُ الرَّدُّ) إنْ تَبَرَّعَتْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [يُؤَدِّي إلَى عَدَمِهِ] : أَيْ وَمَا أَدَّى ثُبُوتُهُ إلَى رَفْعِهِ انْتَفَى لِأَنَّ فِيهِ الدَّوْرَ الْحُكْمِيَّ وَهُوَ بَاطِلٌ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْوَارِثُ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رَدُّ مَا زَادَ] إلَخْ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرِيضِ أَنَّ الْمَرْأَةَ قَادِرَةٌ عَلَى إنْشَاءِ مَا أَبْطَلَهُ الزَّوْجُ بَعْدَ مُدَّةٍ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ. خَاتِمَةٌ: عَلَامَاتُ الْبُلُوغِ خَمْسٌ: ثَلَاثٌ مُشْتَرَكَةٌ وَاثْنَتَانِ مُخْتَصَّتَانِ بِالْأُنْثَى. فَالْمُشْتَرَكَةُ: نَبَاتُ الْعَانَةِ، أَوْ بُلُوغُ السِّنِّ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةَ، وَإِنَّ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالصَّوْمِ عَلَى الْأَرْجَحِ. وَصِدْقٌ فِي إثْبَاتِهِ وَعَدَمِهِ إنْ لَمْ يُرَتِّبْ فِي شَأْنِهِ، وَالْحُلُمُ أَيْ الْإِنْزَالُ مُطْلَقًا فِي نَوْمٍ أَوْ يَقَظَةٍ وَالْمُخْتَصَّانِ بِالْأُنْثَى: الْحَيْضُ وَالْحَمْلُ.

[باب في أحكام الصلح وأقسامه]

بَابٌ فِي أَحْكَامِ الصُّلْحِ وَأَقْسَامِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الصُّلْحُ انْتِقَالٌ عَنْ حَقٍّ أَوْ دَعْوَى بِعِوَضٍ لِرَفْعِ نِزَاعٍ أَوْ خَوْفِ وُقُوعِهِ (اهـ) وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: بَيْعٌ، وَإِجَارَةٌ وَهِبَةٌ. لِأَنَّ الْمَصَالِحَ بِهِ إنْ كَانَ ذَاتًا فَبَيْعٌ، وَإِنْ كَانَ مَنْفَعَةً فَإِجَارَةٌ، وَإِنْ كَانَ بِبَعْضِ الْمُدَّعَى بِهِ فَهِبَةً. وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ تَجْرِي فِي الصُّلْحِ عَنْ إقْرَارٍ عَلَى الْإِقْرَارِ وَعَلَى السُّكُوتِ. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ إقْرَارٍ وَإِنْكَارٍ وَسُكُوتٍ؛ إنْ لَمْ يُؤَدِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي أَحْكَامِ الصُّلْحِ وَأَقْسَامِهِ] [تَعْرِيف الصُّلْح] بَابٌ: لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجْرِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَسَائِلِ الصُّلْحِ، لِأَنَّهُ قَطَعَ الْمُنَازَعَةَ؛ فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ. وَهُوَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ مَنْدُوبٌ. قَوْلُهُ: [وَأَقْسَامُهُ] : أَيْ الثَّلَاثَةُ الْآتِيَةُ. قَوْلُهُ: [قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الصُّلْحُ] إلَخْ: تَعَقَّبَهُ (ر) بِقَوْلِهِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الصُّلْحَ هُوَ الِانْتِقَالُ بَلْ هُوَ الْمُعَاوَضَةُ وَالِانْتِقَالُ مَعْلُولٌ لَهُ كَالِانْتِقَالِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ مَعْلُولٌ لَهُ وَمُفَرَّعٌ عَلَيْهِ. وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: " انْتِقَالٌ عَنْ حَقِّ الصُّلْحِ عَنْ الْإِقْرَارِ " وَقَوْلُهُ: " أَوْ دَعْوَى " يَدْخُلُ فِيهِ صُلْحُ الْإِنْكَارِ وَقَوْلُهُ: " بِعِوَضٍ " مُتَعَلِّقٌ بِانْتِقَالٍ يَخْرُجُ بِهِ الِانْتِقَالُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَلَا يُقَالُ لَهُ صُلْحٌ وَقَوْلُهُ: " لِرَفْعِ نِزَاعٍ أَوْ خَوْفِ وُقُوعِهِ " رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا قَوْلُهُ انْتِقَالٌ عَنْ حَقٍّ أَوْ دَعْوَى الْمُشَارِ لَهُمَا بِصُلْحِ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ فَإِنْ قُلْت: السُّكُوتُ إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ فِيهِ خَارِجٌ مِنْ التَّعْرِيفِ. قُلْت: قَالُوا حُكْمُهُ حُكْمُ الْإِقْرَارِ - تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ] : أَيْ الصُّلْحُ مِنْ حَيْثُ هُوَ. قَوْلُهُ: [عَنْ إقْرَارٍ] : الْمُنَاسِبُ عَلَى إقْرَارٍ.

إلَى حَرَامٍ) : فَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ حَرُمَ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» . (وَهُوَ) : أَيْ الصُّلْحُ - (عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بِهِ - بَيْعٌ) لِلْمُدَّعَى بِهِ (إنْ لَمْ يَكُنْ) الصُّلْحُ بِمَعْنَى الْمَصَالِحِ بِهِ (مَنْفَعَةً) : فَيُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُ الْبَيْعِ وَانْتِفَاءُ مَوَانِعِهِ؛ مِنْ كَوْنِهِ طَاهِرًا مَعْلُومًا مُنْتَفِعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ لَيْسَ طَعَامَ مُعَاوَضَةٍ إلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ؛ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِعَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ أَنْكَرَ أَوْ سَكَتَ ثُمَّ صَالَحَ بِشَيْءٍ مُخَالِفٍ لِلْمُدَّعَى بِهِ نَقْدًا، فَيُشْتَرَطُ فِي الْمَأْخُوذِ مَا تَقَدَّمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: [وَعَلَى الْإِقْرَارِ] : الصَّوَابُ: وَعَلَى الْإِنْكَارِ. أَمَّا جَرَيَانُهَا فِي الْإِقْرَارِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الْإِنْكَارِ فَبِالنَّظَرِ لِلْمُدَّعَى بِهِ وَالْمُصَالَحِ، بِهِ وَأَمَّا فِي السُّكُوتِ فَلِأَنَّهُ رَاجِعٌ لِأَحَدِهِمَا أَيْ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْوَاقِعِ إمَّا مُقِرٌّ أَوْ مُنْكِرٌ، وَإِنْ كَانَ يُعَامَلُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ مُعَامَلَةَ الْمُقِرِّ. قَوْلُهُ: «حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» : مِثَالُ الْأَوَّلِ: كَمَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِي عَقْدِ الصُّلْحِ أَنْ يُعْطِيَهُ جَارِيَةً مَثَلًا وَلَا يَطَؤُهَا أَوْ لَا يَبِيعُهَا، وَمِثَالُ الثَّانِي: مَا لَوْ طَالَبَهُ بِدَيْنٍ لَهُ شَرْعًا فَاصْطَلَحَ مَعَهُ عَلَى صَرْفِ مُؤَخَّرٍ أَوْ عَلَى مَا فِيهِ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ أَوْ عَلَى بَيْعِ طَعَامٍ قَبْلَ قَبْضِهِ. فَالْمُرَادُ بِتَحْلِيلِ الْحَرَامِ انْتِهَاكُ حُرْمَتِهِ وَإِجْرَاؤُهُ مَجْرَى الْحَلَالِ، هَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ. قَوْلُهُ: [بَيْعٌ] : أَيْ لِذَاتِ الْمُدَّعَى بِهِ إنْ كَانَ الْمُعَوَّضُ عَنْهُ ذَاتًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مُعَيَّنًا أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [فَيُشْتَرَطُ فِي الْمَأْخُوذِ مَا تَقَدَّمَ] : أَيْ الَّذِي هُوَ شُرُوطُ الْبَيْعِ.

وَأَلَّا يَلْزَمَ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ، أَوْ الصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ، وَلَا بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَأَنْ يَسْلَمَ مِنْ الشَّرْطِ الْمُنَاقِضِ؛ كَشَرْطِ أَلَّا يَلْبَسَهُ أَوْ لَا يَرْكَبَهُ أَوْ لَا يَسْكُنَ فِيهِ نَحْوَ ذَلِكَ. (وَإِلَّا) - بِأَنْ كَانَ الْمَصَالِحُ بِهِ مَنْفَعَةً - (فَإِجَارَةٌ) لِلْمَصَالِحِ بِهِ، وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي فَيُشْتَرَطُ فِيهَا شُرُوطُهَا، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مُعَيَّنًا - كَذَا الْعَبْدُ - جَازَ الصُّلْحُ عَنْهُ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ بِمَنَافِعَ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَضْمُونَةٍ لِعَدَمِ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ بَلْ مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ كَدِينَارٍ أَوْ ثَوْبٍ مُوصَفٌ ولَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ عَنْهُ بِمَنَافِعَ مُعَيَّنَةٍ وَلَا مَضْمُونَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ. (وَ) الصُّلْحُ (عَلَى بَعْضِهِ) : أَيْ بَعْضِ الْمُدَّعَى بِهِ (هِبَةٌ) لِلْبَعْضِ الْمَتْرُوكِ (وَإِبْرَاءٌ) مِنْ الْمُدَّعِي مِنْ ذَلِكَ الْبَعْضِ؛ وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَلَّا يَلْزَمَ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ] : أَيْ كَمَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى الذَّاتِ الَّتِي يَدَّعِيهَا بِسُكْنَى دَارٍ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ مَثَلًا. قَوْلُهُ: [أَوْ الصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ] : أَيْ كَمَا لَوْ صَالَحَهُ عَمَّا يَدَّعِيهِ عَلَيْهِ مِنْ الدَّنَانِيرِ الَّتِي فِي ذِمَّتِهِ بِفِضَّةٍ مُؤَجَّلَةٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ] : أَيْ كَمَا لَوْ دَفَعَ لَهُ فِي نَظِيرِ طَعَامٍ مَنْ سَلَّمَ شَيْئًا يُخَالِفُ الطَّعَامَ، وَهَذَا عَيْنُ قَوْلِهِ: وَلَيْسَ طَعَامُ مُعَاوَضَةٍ، فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ. قَوْلُهُ: [فَيُشْتَرَطُ فِيهَا] : أَيْ فِي الْمَنْفَعَةِ. قَوْلُهُ: [بِمَنَافِعَ مُعَيَّنَةٍ] : أَيْ بِمَنَافِعَ ذَاتٍ مُعَيَّنَةٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا مَضْمُونَةَ] : أَيْ الذَّاتُ الْمُسْتَوْفَى مِنْهَا مَضْمُونَةٌ. قَوْلُهُ: [لِمَا فِيهِ مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ] : أَيْ لِأَنَّ الذِّمَّةَ وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ الْمُعَيَّنَ - فَإِنَّهَا تَقْبَلُ مَنَافِعَهُ، وَقَبْضُ الْأَوَائِلِ لَيْسَ قَبْضًا لِلْأَوَاخِرِ كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَوْلُهُ: [وَإِبْرَاءٌ مِنْ الْمُدَّعِي] : أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْهِبَةِ حَقِيقَتَهَا حَتَّى يَحْتَاجَ فِيهَا لِلْقَبُولِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِ الْوَاهِبِ الَّذِي هُوَ الْمُدَّعِي بَلْ الْمُرَادُ بِهَا الْإِبْرَاءُ وَحِينَئِذٍ، فَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولٌ وَلَا تَجَدُّدُ حِيَازَةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. فَإِذَا أَبْرَأْت زَيْدًا مِمَّا عَلَيْهِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ، خِلَافًا لِمَا فِي الْخَرَشِيِّ مِنْ أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَحْتَاجُ لِقَبُولٍ

[ما يجوز الصلح عنه]

فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: (فَيَجُوزُ) الصُّلْحُ (عَنْ دَيْنٍ بِمَا) : أَيْ بِشَيْءٍ (يُبَاعُ بِهِ) ذَلِكَ الدَّيْنُ: أَيْ بِمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِهِ؛ كَدَعْوَاهُ عَرْضًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ طَعَامًا مِنْ قَرْضٍ فَصَالَحَهُ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ هُمَا، أَوْ بِعَرْضٍ أَوْ طَعَامٍ مُخَالِفٍ لِلْمَصَالِحِ عَنْهُ نَقْدًا لَا مُؤَجَّلًا وَلَا بِمَنَافِعَ، كَسُكْنَى دَارٍ أَوْ رُكُوبِ دَابَّةٍ لِفَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ فَقَوْلُهُ: " عَنْ دَيْنٍ ": أَيْ مُطْلَقًا؛ عَيْنًا كَانَ الدَّيْنُ أَوْ غَيْرُهُ وَالْمُصَالَحُ بِهِ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْمَصَالِحِ عَنْهُ حَتَّى يُسَمَّى صُلْحًا. (وَ) جَازَ الصُّلْحُ (عَنْ ذَهَبٍ بِوَرِقٍ وَعَكْسِهِ إنْ حَلَّا) : أَيْ الْمَصَالِحَ عَنْهُ وَبِهِ (وَعُجِّلَ) الْمَصَالِحُ بِهِ، وَإِلَّا لَزِمَ الصَّرْفُ الْمُؤَخَّرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ لِحِيَازَةٍ وَالْهِبَةُ تَحْتَاجُ لَهُمَا مَعًا (اهـ مِنْ تَقْرِيرِ شَيْخِ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيِّ) . قَوْلُهُ: [فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ] : أَيْ يَجْرِي فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ الْإِقْرَارُ وَالْإِنْكَارُ وَالسُّكُوتُ كَالْقِسْمَيْنِ قَبْلَهُ. [مَا يَجُوز الصُّلْح عَنْهُ] قَوْلُهُ: [أَيْ بِمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِهِ] : مُرَادُهُ بِالْبَيْعِ: الْمُعَاوَضَةُ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَنْ الدَّيْنِ إذَا انْتَفَتْ أَوْجُهُ الْفَسَادِ مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ وَالنِّسَاءِ وَبَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَالصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ وَضْعٌ وَتَعَجُّلٌ وَعَرَفَ الْمُدَّعِي قَدْرَ مَا يُصَالِحُ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا لَمْ يَجُزْ. وَهَذَا شَرْطٌ فِي كُلِّ صُلْحٍ كَانَ بَيْعًا أَوْ إجَارَةً، وَلِذَا اُشْتُرِطَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي صُلْحِ الزَّوْجَةِ عَنْ إرْثِهَا مَعْرِفَتُهَا لِجَمِيعِ التَّرِكَةِ لَكِنْ إذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ فَإِنْ تَعَذَّرَ جَازَ عَلَى مَعْنَى التَّحَلُّلِ إذْ هُوَ غَايَةُ الْمَقْدُورِ كَمَا نَقَلَهُ (ح) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ - كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [لِفَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ] : رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: " لَا مُؤَجَّلًا " إلَخْ. قَوْلُهُ: [إنْ حَلَّا] إلَخْ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْحُلُولِ وَالتَّعْجِيلِ فِي صُلْحِهِ عَنْ ذَهَبٍ بِمِثْلِهِ وَعَنْ وَرِقٍ بِمِثْلِهِ كَصُلْحِهِ عَنْ مِائَةٍ بِخَمْسِينَ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الصُّلْحِ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ سُكُوتٍ وَإِلَّا كَانَ فِيهِ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً مِنْ حَيْثُ إنَّ مَنْ أَجَّلَ مَا عَجَّلَ عُدَّ مُسَلِّفًا وَانْتَفَعَ الْمُدَّعِي بِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ عَنْهُ عَلَى تَقْدِيرِ لَوْ رُدَّتْ عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَعُجِّلَ الْمُصَالَحُ بِهِ] : لَمْ يُشْتَرَطْ تَعْجِيلُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ.

(وَ) جَازَ الصُّلْحُ (عَنْ عَرْضٍ) مُعَيَّنٍ ادَّعَاهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَأَقَرَّ أَوْ أَنْكَرَ (أَوْ) عَنْ (طَعَامٍ غَيْرِ الْمُعَاوَضَةِ) كَذَلِكَ: أَيْ مُعَيَّنٍ أَوْ عَنْ مِثْلِيٍّ وَلَوْ مُؤَجَّلًا؛ وَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ الْعَرْضَ عَلَى مَا يَشْمَل الْمِثْلِيَّاتِ غَيْرِ الطَّعَامِ، كَالْقُطْنِ وَالْحَدِيدِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُوزَنُ أَوْ يُكَالُ (بِعَيْنٍ) ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ هُمَا. (أَوْ عَرْضٍ) مُخَالِفٌ لِمَا صُولِحَ عَنْهُ كَأَنْ يُصَالِحَ عَنْ عَبْدٍ بِثَوْبٍ أَوْ بِحِمَارٍ عَكْسُهُ وَلَوْ مُؤَجَّلًا (أَوْ طَعَامٍ مُخَالِفٍ) لِلطَّعَامِ الَّذِي صُولِحَ عَنْهُ؛ كَأَنْ يُصَالِحَ عَنْ إرْدَبِّ قَمْحٍ بِفُولٍ، وَأَمَّا الْمُمَاثِلُ فَهُوَ ذُو وَفَاءٍ لِلدَّيْنِ (نَقْدًا) : أَيْ حَالًا، وَإِنَّمَا حُمِلَ هَذَا عَلَى الْمُعَيَّنِ - كَأَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِهَذَا الْعَبْدِ أَوْ الثَّوْبِ أَوْ هَذَا الطَّعَامِ بِعَيْنِهِ - لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ: " فَيَجُوزُ عَنْ دَيْنٍ بِمَا يُبَاعُ بِهِ ". وَقَوْلُهُ: " نَقْدًا "، خَاصٌّ بِقَوْلِهِ: " أَوْ طَعَامٍ مُخَالِفٍ " لِئَلَّا يَلْزَمَ النَّسِيئَةُ فِي الطَّعَامِ. وَأَمَّا غَيْرُ الطَّعَامِ بِطَعَامٍ فَيَجُوزُ نَقْدًا أَوْ مُؤَجَّلًا إذْ لَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: " غَيْرِ الْمُعَاوَضَةِ " مِنْ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ؛ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهُ بِحَالٍ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَشَبَّهَ فِي الْجَوَازِ مَسْأَلَةٌ: " وَعَلَى بَعْضِهِ هِبَةٌ وَإِبْرَاءٌ " بِقَوْلِهِ: (كَمِائَةِ دِينَارٍ) : أَيْ كَمَا يَجُوزُ الصُّلْحُ بِمِائَةِ دِينَارٍ (وَدِرْهَمٍ) مَثَلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَأَقَرَّ أَوْ أَنْكَرَ] : أَيْ أَوْ سَكَتَ. قَوْلُهُ: [أَوْ عَنْ مِثْلِيٍّ] : مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " أَوْ عَنْ طَعَامٍ غَيْرِ الْمُعَاوَضَةِ " وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدِ التَّعْيِينِ فِيهِ. قَوْلُهُ: [عَلَى مَا يَشْمَلُ الْمِثْلِيَّاتِ] : أَيْ مِنْ كُلِّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. قَوْلُهُ: [بِعَيْنٍ] : مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: عَنْ عَرْضٍ أَوْ طَعَامٍ غَيْرِ الْمُعَاوَضَةِ أَوْ عَنْ مِثْلِيٍّ فَيَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ الْجَمِيعِ بِعَيْنٍ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ بَيْعُ مُعَيَّنٍ بِثَمَنٍ لِأَجَلٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ عَرْضٍ] : مَعْطُوفٌ عَلَى عَيْنٍ، أَيْ: فَحُكْمُ الْعَرْضِ الْمُخَالِفُ حُكْمُ الْعَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ مُؤَجَّلًا] : قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْعَرْضِ وَالْعَيْنِ مَعًا. قَوْلُهُ: [أَوْ طَعَامٌ مُخَالِفٌ] : مَعْطُوفٌ عَلَى عَرْضٍ أَيْ: فَيَجُوزُ الصُّلْحُ بِطَعَامٍ مُخَالِفٍ لَكِنْ بِشَرْطِ النَّقْدِيَّةِ كَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا غَيْرُ الطَّعَامِ بِطَعَامٍ] : أَيْ وَأَمَّا الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ الطَّعَامِ كَثَوْبٍ وَحَيَوَانٍ بِطَعَامٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: [مَسْأَلَةٌ وَعَلَى بَعْضِهِ] إلَخْ: أَيْ مِثَالُ مَسْأَلَةٍ إلَخْ.

[ما لا يجوز الصلح فيه وعلة المنع]

(عَنْ مِائَتَيْهِمَا) : أَيْ عَنْ مِائَةِ دِينَارٍ وَمِائَةِ دِرْهَمٍ، لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ تَرَكَ مِنْ حَقِّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ دِرْهَمًا، وَسَوَاءٌ عَجَّلَ الْمُصَالِحُ بِهِ أَوْ أَجَّلَ إنْ كَانَ عَنْ إقْرَارٍ. فَإِنْ كَانَ عَنْ إنْكَارٍ جَازَ إنْ عَجَّلَ لَا إنْ أَجَّلَ إذْ لَا يَجُوزُ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ كَمَا يَأْتِي. (وَ) جَازَ الصُّلْحُ بِشَيْءٍ (عَلَى الِافْتِدَاءِ مِنْ يَمِينٍ) تَوَجَّهَتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرِ، وَلَوْ عَلِمَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ. (لَا) يَجُوزُ الصُّلْحُ (بِثَمَانِيَةٍ نَقْدًا عَنْ عَشَرَةٍ مُؤَجَّلَةٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ: ضَعٍّ وَتَعَجُّلٍ (وَ) لَا (عَكْسُهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ: حَطِّ الضَّمَانِ وَأَزِيدُك (وَلَا بِدَرَاهِمَ عَنْ دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ وَ) لَا (عَكْسِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ] : أَيْ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ يُؤَدِّي لِسَلَفٍ مِنْ الْمُدَّعِي جَرَّ لَهُ نَفْعًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمِائَةَ دِينَارٍ وَالدِّرْهَمِ الْمَأْخُوذَيْنِ صُلْحًا مُؤَجَّلًا وَتَأْجِيلُهُمَا عُيِّنَ السَّلَفُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ حَالٌّ وَقَدْ انْتَفَعَ هُوَ بِسُقُوطِ الْيَمِينِ عَنْهُ بِتَقْدِيرِ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَيْهِ إنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ عَلِمَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ] : رَدَّ بِذَلِكَ عَلَى ابْنِ هِشَامٍ فِي قَوْلِهِ إنْ عَلِمَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ وَجَبَتْ الْيَمِينُ. وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ لِأَرْبَعَةِ أُمُورٍ: مِنْهَا أَنَّ فِيهِ إذْلَالَ نَفْسِهِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَذَلَّ نَفْسَهُ أَذَلَّهُ اللَّهُ» وَمِنْهَا أَنْ فِيهِ إضَاعَةَ الْمَالِ، وَمِنْهَا أَنَّ فِيهِ إغْرَاءً لِلْغَيْرِ، وَمِنْهَا أَنَّ فِيهِ إطْعَامَ مَا لَا يَحِلُّ وَرُدَّ بِأَنَّ تَرْكَ الْيَمِينِ وَتَرْكَ الْخِصَامِ عِزٌّ لَا إذْلَالٌ وَحِينَئِذٍ فَبَذْلُ الْمَالِ فِيهِ لَيْسَ إضَاعَةً لَهُ لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَةٍ وَأَمَّا الطَّعَامُ غَيْرُ الْحَرَامِ فَلَا سَبِيلَ عَلَى الْمَظْلُومِ فِيهِ {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ} [الشورى: 42] الْآيَةَ (اهـ قَالَهُ - بْن) وَجَوَازُهُ فِيمَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِ الْحَالِ لِمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَا يَحِلُّ لِلظَّالِمِ. [مَا لَا يَجُوز الصُّلْح فِيهِ وَعِلَّة الْمَنْع] قَوْلُهُ: [لِمَا فِيهِ مِنْ ضَعْ وَتَعَجَّلْ] : هَذَا الْمِثَالُ شَامِلٌ لِكَوْنِ الدَّيْنِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ضَعْ وَتَعَجَّلْ يُدْخِلُ الْجَمِيعَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَلَا عَكْسُهُ " يَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ عَيْنٍ وَغَيْرَ طَعَامٍ وَعُرُوضٍ مِنْ قَرْضٍ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِيهَا مِنْ حَقِّ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ، فَإِنْ طَلَب دَفْعَهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ لَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيهِ حَطُّ ضَمَانٍ عَنْهُ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الطَّعَامِ وَالْعُرُوضِ مِنْ قَرْضٍ وَالْعَيْنُ مُطْلَقًا عِلَّةُ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا فَتَأَمَّلْ.

وَذَكَرَ عِلَّةَ الْمَنْعِ فِي الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ بِقَوْلِهِ: (لِضَعْ وَتَعَجَّلْ) فِي الْأُولَى (وَحُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدُك) فِي عَكْسِهَا. وَيَجُوزُ ارْفَعْ وَأَزِيدُك بِتَقْدِيرِ الْمُبْتَدَأِ أَيْ وَأَنَا، وَنَصْبُهُ بِأَنْ مُضْمِرَةٌ بَعْدَ وَاوِ الْمَعِيَّةِ (وَالصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ) فِي الْأَخِيرَتَيْنِ. (وَلَا) يَجُوزُ الصُّلْحُ (عَلَى تَأْخِيرِ مَا أَنْكَرَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ كَأَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِعَشَرَةٍ حَالَّةٍ، فَأَنْكَرَهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ بِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا إلَى شَهْرٍ مَثَلًا؛ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ لِمَا فِيهِ مِنْ سَلْفٍ بِمَنْفَعَةٍ؛ فَالسَّلْفُ التَّأْخِيرُ وَالْمَنْفَعَةُ سُقُوطُ الْيَمِينِ الْمُنْقَلِبَةِ عَلَى الْمُدَّعِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرِ عَلَى تَقْدِيرِ رَدِّهَا أَوْ سُقُوطِ الْحَقِّ مِنْ أَصْلِهِ إنْ حَلِفَ. وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (عَلَى الْأَرْجَحِ) وَيُقَابِلُهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ بِالْجَوَازِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَذَكَرَ عِلَّةَ الْمَنْعِ] إلَخْ: حَيْثُ كَانَ الْمَتْنُ ذَاكِرًا لَهَا عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِ الشَّارِحِ بَعْضَهَا لِأَنَّهُ غَيْرُ ضَرُورِيٍّ. قَوْلُهُ: [وَيَجُوزُ ارْفَعْ وَأَزِيدُك] إلَخْ: أَيْ عَلَى حَدِّ انْزِلْ عِنْدَنَا وَنُكْرِمُك؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُضَارِعَ إذَا وَقَعَ بَعْدَ وَاوِ الْمَعِيَّةِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَ وَاحِدٍ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي جَمَعَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: مُرْ وَانْهَ وَادْعُ وَسَلْ وَاعْرِضْ لِحَضِّهِمْ ... تَمَنَّ وَارْجُ كَذَاك النَّفْيُ قَدْ كَمُلَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ رَفْعُهُ بِتَقْدِيرِ الْمُبْتَدَأِ وَنَصْبُهُ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ بَعْدَ وَاوِ الْمَعِيَّةِ. قَوْلُهُ: [فِي الْأَخِيرَتَيْنِ] : أَيْ وَهُمَا الدَّرَاهِمُ عَنْ الدَّنَانِيرِ الْمُؤَجَّلَةِ وَالْعَكْسِ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ] : أَيْ وَأَمَّا فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ فَإِنْ كَانَ الصَّادِقُ الْمُنْكَرُ فَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ حَرَامٌ وَإِلَّا فَحَلَالٌ. قَوْلُهُ: [وَيُقَابِلُهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ] : حَاصِلُهُ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الصُّلْحِ عَلَى السُّكُوتِ وَالْإِنْكَارِ - وَيَدْخُلُ فِيهِ الِافْتِدَاءُ مِنْ الْيَمِينِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ عِنْدَ الْإِمَامِ - وَهُوَ الْمَذْهَبُ: أَنْ يَجُوزَ عَلَى دَعْوَى كُلِّ مِنْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَعَلَى ظَاهِرِ حُكْمِ الشَّرْعِ بِأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ تُهْمَةُ فَسَادٍ. وَاعْتَبَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلِينَ فَقَطْ وَأَصْبَغُ أَمْرًا وَاحِدًا وَهُوَ أَلَّا تَتَّفِقَ دَعْوَاهُمَا عَلَى فَسَادٍ. مِثَالُ الْمُسْتَوْفِي لِلثَّلَاثَةِ: أَنْ يَدَّعِيَ

(وَلَا) يَجُوزُ الصُّلْحُ (بِمَجْهُولٍ) جِنْسًا أَوْ قَدْرًا أَوْ صِفَةً، لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ أَوْ إبْرَاءٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعَيُّنِ مَا صَالَحَ بِهِ. وَهَذَا دَاخِلٌ فِيمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: " بَيْعٌ " إلَخْ وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ مَوَانِعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ بِعَشَرَةٍ حَالَّةٍ فَأَنْكَرَ أَوْ سَكَتَ ثُمَّ يُصَالِحُ عَنْهَا بِثَمَانِيَةٍ مُعَجَّلَةٍ أَوْ بِعَرْضٍ حَالٍّ، وَمِثَالُ مَا يَجُوزُ عَلَى دَعْوَاهُمَا وَيَمْتَنِعُ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ: أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ فَيُصَالِحَهُ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَ بِهَا إلَى أَشْهُرٍ أَوْ عَلَى خَمْسِينَ مُؤَخَّرَةٍ شَهْرًا، فَالصُّلْحُ صَحِيحٌ عَلَى دَعْوَى كُلٍّ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَخَّرَ صَاحِبَهُ أَوْ أَسْقَطَ عَنْهُ الْبَعْضَ وَأَخَّرَهُ لِشَهْرٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ افْتَدَى مِنْ الْيَمِينِ بِمَا الْتَزَمَ أَدَاءَهُ عِنْدَ الْأَجَلِ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ سَلَفٌ بِمَنْفَعَةٍ، فَالسَّلَفُ التَّأْخِيرُ وَالْمَنْفَعَةُ سُقُوطُ الْيَمِينِ الْمُنْقَلِبَةِ عَلَى الْمُدَّعِي عِنْدَ الْإِنْكَارِ بِتَقْدِيرِ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ حَلَّفَهُ فَيَسْقُطُ جَمِيعُ الْحَقِّ الْمُدَّعَى بِهِ، فَهَذَا مَمْنُوعٌ عِنْدَ الْإِمَامِ جَائِزٌ عِنْد ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ. وَمِثَالُ مَا يَمْتَنِعُ عَلَى دَعْوَاهُمَا: أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِدَرَاهِمَ وَطَعَامٍ مِنْ بَيْعٍ، فَيَعْتَرِفُ بِالطَّعَامِ وَيُنْكِرُ الدَّرَاهِمَ وَيُصَالِحُهُ. عَلَى طَعَامٍ مُؤَجَّلٍ أَكْثَرَ مِنْ طَعَامِهِ أَوْ يَعْتَرِفُ بِالدَّرَاهِمِ وَيُصَالِحُهُ بِدَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ أَكْثَرَ مِنْ دَرَاهِمِهِ، حَكَى ابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى فَسَادِهِ وَيَفْسَخُ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّلَفِ بِزِيَادَةٍ وَالصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ. وَمِثَالُ مَا يَمْتَنِعُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي وَحْدَهُ: أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَيُنْكِرُهَا ثُمَّ يُصَالِحُهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى أَجَلٍ، فَهَذَا مُمْتَنَعٌ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي وَحْدَهُ لِلصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ، وَيَجُوزُ عَلَى إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَهُ عَلَى الِافْتِدَاءِ مِنْ الْيَمِينِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَجَازَهُ أَصْبَغُ إذْ لَمْ تَتَّفِقْ دَعْوَاهُمَا عَلَى فَسَادٍ. وَمِثَالُ مَا يَمْنَعُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحْدَهُ: أَنْ يَدَّعِيَ بِعَشَرَةِ أَرَادِبَ قَمْحًا مِنْ قَرْضٍ، وَقَالَ الْآخَرُ: إنَّمَا لَك عَلَيَّ خَمْسَةٌ مَنْ سَلَّمَ وَأَرَادَ أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى دَرَاهِمَ مَنٍّ وَنَحْوِهَا مُعَجَّلَةً، فَهَذَا جَائِزٌ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي، لِأَنَّ طَعَامَ الْقَرْضَ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَيَمْتَنِعُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ طَعَامِ السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَهَذَا مُمْتَنِعٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ (اهـ مِنْ الْأَصْلِ بِحُرُوفِهِ) . وَلَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّ الشُّرُوطَ الثَّلَاثَةَ إنَّمَا هِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ فَقَطْ وَأَمَّا عَلَى السُّكُوتِ فَالشَّرْطُ فِيهِ جَوَازُهُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي كَمَا رَجَّحَهُ فِي الـ " مج " وَفِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا دَاخِلٌ فِيمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ بَيْعٌ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ عَلَى غَيْرِ

الصُّلْحِ سَبْعَةٌ، جَمَعْتهَا فِي قَوْلِي: مَوَانِعُ الصُّلْحِ جَهْلٌ حُطَّ ضَعْ وَنَسَا ... تَأْخِيرُ صَرْفٍ وَتَسْلِيفٌ بِمَنْفَعَهْ بَيْعُ الطَّعَامِ بِلَا قَبْضٍ فَجُمْلَتُهَا ... سَبْعٌ عَلَيْك بِهَا تَحْظَى بِمَعْرِفَهْ (وَلَا يَحِلُّ) الصُّلْحُ (لِلظَّالِمِ) فِي الْوَاقِعِ. وَقَوْلُنَا: " الصُّلْحُ جَائِزٌ " إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِظَاهِرِ الْحَالِ فَالْمُنْكِرُ إنْ كَانَ صَادِقًا فِي إنْكَارِهِ، فَمَا أُخِذَ مِنْهُ حَرَامٌ، وَإِلَّا فَحَلَالٌ، وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ: " وَلَا يَحِلُّ لِلظَّالِمِ " قَوْلَهُ: (فَلَوْ أَقَرَّ) الظَّالِمُ مِنْهُمَا (بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ الصُّلْحِ فَلِلْمَظْلُومِ نَقْضُهُ لِأَنَّهُ كَالْمَغْلُوبِ عَلَيْهِ (أَوْ شَهِدَتْ لَهُ) : أَيْ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُمَا (بَيِّنَةٌ لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُدَّعَى بِهِ بَيْعٌ. قَوْلُهُ: [جَمَعْتهَا فِي قَوْلِي مَوَانِعُ الصُّلْحِ] إلَخْ: هَذَانِ الْبَيْتَانِ مِنْ الْبَسِيطِ. قَوْلُهُ: [جَهْلٌ] : أَيْ بِالْمُصَالَحِ بِهِ أَوْ بِالْمُصَالَحِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [حُطَّ] : أَيْ حُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدُك. وَقَوْلُهُ: [ضَعْ] : أَيْ وَتَعَجَّلْ. قَوْلُهُ: [وَنَسَا] أَيْ رِبَا نَسَاءً. قَوْلُهُ: [تَأْخِيرُ صَرْفٍ] : أَيْ صَرْفٌ مُؤَخَّرٌ. قَوْلُهُ: [وَتَسْلِيفٌ بِمَنْفَعَةٍ] : أَيْ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا. قَوْلُهُ: [بِيعَ الطَّعَامُ بِلَا قَبْضٍ] : أَيْ بِيعَ طَعَامُ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ. قَوْلُهُ: [تَحْظَى بِمَعْرِفَهْ] : أَيْ تَظْفَرُ بِمَعْرِفَةِ تِلْكَ الْمَوَانِعِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَحِلُّ الصُّلْحُ] : أَيْ بِمَعْنَى الْمُصَالَحِ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَأْخُوذًا أَوْ مَتْرُوكًا. وَظَاهِرُ أَنَّ الصُّلْحَ لَا يَحِلُّ لِلظَّالِمِ، وَلَوْ حَكَمَ لَهُ حَاكِمٌ يَرَى حِلَّهُ لِلظَّالِمِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ خَلِيلٍ فِي الْقَضَاءِ: " وَرَفَعَ الْخِلَافَ لَا أَحَلَّ حَرَامًا ". قَوْلُهُ: [فَلَوْ أَقَرَّ الظَّالِمُ مِنْهُمَا] : أَيْ بِالْحَقِّ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الظَّالِمَ إذَا أَقَرَّ بِبُطْلَانِ دَعْوَاهُ الصُّلْحَ - كَمَا إذَا أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِهِ حَقٌّ أَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي بِبُطْلَانِ دَعْوَاهُ - كَانَ لِلْمَظْلُومِ وَهُوَ الْمُدَّعِي فِي الْأُولَى وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الثَّانِيَةِ نَقَضَ ذَلِكَ الصُّلْحَ. قَوْلُهُ: [أَوْ شَهِدَتْ لَهُ] إلَخْ: هَذَا مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَقُومَ لَهُ عَلَى الْحَقِّ شَاهِدَانِ؛ فَإِنْ

يَعْلَمْهَا) حَالَ الصُّلْحِ - وَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً بِالْبَلَدِ - فَلَهُ نَقْضُهُ، إنْ حَلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا، وَإِلَّا فَلَا وَأَوْلَى إنْ أَقَرَّ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ بِهَا (أَوْ) يَعْلَمُهَا وَلَكِنْ (بَعُدَتْ جِدًّا) - لَا إنْ كَانَتْ قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً لَا جِدًّا - كَعَشَرَةِ أَيَّامٍ فِي الْأَمْنِ (وَأَشْهَدَ) عِنْدَ الصُّلْحِ (أَنَّهُ) إذَا حَضَرَتْ بَيِّنَتُهُ الْبَعِيدَةُ (يَقُومُ بِهَا) ، فَلَهُ الْقِيَامُ بِهَا إذَا حَضَرَتْ إذَا أَعْلَنَ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ بَلْ (وَلَوْ لَمْ يُعْلِنْ، أَوْ) صَالَحَ وَ (وَجَدَ وَثِيقَةً بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ الصُّلْحِ فِيهَا قَدَّرَ الدَّيْنَ الَّذِي أَنْكَرَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَوْ) كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (يُقِرُّ) بِالْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ (سِرًّا فَقَطْ) وَيُنْكِرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الظَّاهِرِ (فَأَشْهَدَ) بَيِّنَةً (عَلَى ذَلِكَ) : أَيْ عَلَى أَنَّهُ يُقِرُّ سِرًّا وَيُنْكِرُ عَلَانِيَةً، فَلَعَلَّهُ إذَا صَالَحْته يُقِرُّ بَعْدَهُ فِي الْعَلَانِيَةِ: فَاشْهَدُوا لِي عَلَى أَنِّي لَا أَرْضَى أَنْ أُقِرَّ بِذَلِكَ الصُّلْحِ (ثُمَّ صَالَحَ) فَأَقَرَّ عَلَانِيَةً (فَلَهُ نَقْضُهُ) رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. وَتُسَمَّى هَذِهِ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الِاسْتِرْعَاءِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِهَا عَلَى الصُّلْحِ وَإِقْرَارِ الْمُنْكَرِ بَعْدَهُ كَمَا أَشَرْنَا لَهُ فِي التَّقْرِيرِ. ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ لَا يُنْقَضُ الصُّلْحُ فِيهِمَا بِقَوْلِهِ: (لَا) يُنْقَضُ الصُّلْحُ (إنْ عَلِمَ) الْمُدَّعِي (بِبَيِّنَتِهِ) الشَّاهِدَةِ لَهُ بِحَقِّهِ وَصَالَحَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرَ (وَلَمْ يُشْهِدْ) حَالَ صُلْحِهِ أَنَّهُ يَقُومُ بِهَا إذَا حَضَرَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَامَ لَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ لَمْ يُقْضَ لَهُ بِذَلِكَ، قَالَهُ الْأَخَوَانِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ (اهـ - بْن) . قَوْلُهُ: [أَوْ صَالَحَ وَوَجَدَ وَثِيقَةً بَعْدَهُ] : أَيْ فَحُكْمُ الْوَثِيقَةِ حُكْمُ الْبَيِّنَةِ الَّتِي لَهُ الْقِيَامُ بِهَا. وَالْفَرْضُ أَنَّ الْوَثِيقَةَ إمَّا بِخَطِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ فِيهَا خَتْمُ قَاضٍ ثِقَةٍ وَإِنْ مَاتَتْ شُهُودُهَا أَوْ تَوَقَّفَتْ شَهَادَةُ الشُّهُودِ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: [وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِهَا عَلَى الصُّلْحِ] : أَيْ لِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ: وَشَرْطُ الِاسْتِرْعَاءِ تَقَدُّمُهُ فَيَجِبُ ضَبْطُ وَقْتِهِ. وَشَرْطُهُ أَيْضًا إنْكَارُ الْمَطْلُوبِ وَرُجُوعُهُ بَعْدَ الصُّلْحِ إلَى الْإِقْرَارِ وَإِلَّا لَمْ يَفْدِ - كَذَا فِي الْأَصْلِ. وَمَحَلُّ تَوَقُّفِ الرُّجُوعِ فِي الصُّلْحِ عَلَى بَيِّنَةِ الِاسْتِرْعَاءِ الْمَذْكُورَةِ: إنْ وَقَعَ مِنْ الْمُدَّعِي إبْرَاءٌ عَامٌّ - كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَالْخَرَشِيِّ، وَإِلَّا فَإِقْرَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْحَقِّ يُوجِبُ نَقْضَ الصُّلْحِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ بَيِّنَةُ اسْتِرْعَاءٍ وَهِيَ، أَوَّلُ الْمَسَائِلِ.

[صلح بعض الورثة عما يخصه]

إذَا كَانَتْ بَعِيدَةً جِدًّا. وَأَمَّا الْقَرِيبَةُ أَوْ الْبَعِيدَةُ مُتَوَسِّطًا فَلَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ أَشْهَدَ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلِمَهَا وَتَرَكَهَا وَلَمْ يُشْهِدْ فِي الْبُعْدِ كَانَ مُسْقِطًا لِبَعْضِ حَقِّهِ. (أَوْ قَالَ) الْمُدَّعِي: (عِنْدِي وَثِيقَةٌ) بِالْحَقِّ (فَقِيلَ) : أَيْ قَالَ (لَهُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: (ائْتِ بِهَا) وَخُذْ حَقَّك الَّذِي فِيهَا (فَادَّعَى ضَيَاعَهَا) مِنْهُ (وَصَالَحَ) فَلَا يُنْقَضُ الصُّلْحُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا وَجَدَهَا؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُنَا لَيْسَ بِمُنْكِرٍ وَإِنَّمَا طَلَبَ الْوَثِيقَةَ لِيَمْحُهَا أَوْ لِيَكْتُبَ عَلَيْهَا وَفَاءَ الْحَقِّ فَصَالَحَهُ عَلَى إسْقَاطِ حَقِّهِ، فَلَا قِيَامَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْأَوَّل فَإِنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْحَقِّ مِنْ أَصْلِهِ وَالْمُدَّعِي إنَّمَا صَالَحَ لِعَدَمِ وُجُودِ صَكِّهِ. (وَ) جَازَ صُلْحُ بَعْضِ الْوَرَثَةِ (عَنْ إرْثٍ) يَخُصُّهُ (كَزَوْجَةٍ) مَاتَ زَوْجُهَا فَاسْتَحَقَّتْ الرُّبْعَ أَوْ الثُّمُنَ (مِنْ عَرْضٍ وَوَرِقٍ وَذَهَبٍ) فَصَالَحَتْ الِابْنَ مَثَلًا (بِذَهَبٍ) فَقَطْ أَوْ وَرِقٍ فَقَطْ أَوْ عَرْضٍ بِشَرْطِ حُضُورِ مَا صَالَحَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ لَمَّا عَلِمَهَا] إلَخْ: هَذَا تَعْلِيلٌ لِلْبَعِيدَةِ وَأَمَّا الْقَرِيبَةُ وَالْمُتَوَسِّطَةُ فَلِتَعْجِيلِهِ الصُّلْحَ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُنَا لَيْسَ بِمُنْكِرٍ] : شُرُوعٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ سَابِقًا أَوْ وَجَدَ وَثِيقَةً بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [لِيَمْحُهَا] : صَوَابُهُ لِيَمْحُوَهَا بِالْوَاوِ وَالْفِعْلِ مَنْصُوبٌ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ بَعْدَ لَامِ التَّعْلِيلِ. [صلح بَعْض الْوَرَثَة عَمَّا يَخُصّهُ] قَوْلُهُ: [كَزَوْجَةٍ] إلَخْ: حَاصِلُهُ: أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا تَرَكَ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ وَعُرُوضًا وَعَقَارًا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِابْنِهِ مَثَلًا أَنْ يُصَالِحَ الزَّوْجَةَ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى مَا يَخُصُّهَا مِنْ التَّرِكَةِ. فَإِنْ أَخَذَتْ ذَهَبَا مِنْ التَّرِكَةِ قَدْرَ مَوْرِثِهَا مِنْ ذَهَبِ التَّرِكَةِ فَأَقَلَّ أَوْ أَخَذَتْ دَرَاهِمَ مِنْ التَّرِكَةِ قَدْرَ مَوْرِثِهَا مِنْ دَرَاهِمِ التَّرِكَةِ فَأَقَلَّ، وَالْحَالُ أَنَّ بَاقِيَ الذَّهَبِ حَاضِرٌ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَبَاقِيَ الدَّرَاهِمِ حَاضِرٌ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ كَانَ الذَّهَبُ يَزِيدُ دِينَارًا فَقَطْ عَنْ حِصَّتِهَا قَلَّتْ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ أَوْ كَثُرَتْ أَوْ زَادَ عَنْ دِينَارٍ وَقَلَّتْ الدَّرَاهِمُ أَوْ قَلَّتْ الْعُرُوض الَّتِي تَخُصُّهَا بِحَيْثُ يَجْتَمِعُ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ فِي دِينَارٍ، فَهَذَا كُلُّهُ جَائِزٌ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [فَصَالَحَتْ الِابْنَ] : الْمُنَاسِبُ فَصَالَحَهَا الِابْنُ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْمُصَالَحَةُ

مِنْهُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ (قَدْرِ مَوْرِثِهَا) بِوَزْنِ مَجْلِسٍ (مِنْهُ) : أَيْ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ مِنْ الْوَرِقِ؛ كَصُلْحِهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَالذَّهَبُ ثَمَانُونَ عِنْدَ الْفَرْعِ الْوَارِثِ أَوْ أَرْبَعُونَ عِنْدَ عَدَمِهِ وَالذَّهَبُ حَاضِرٌ؛ فَإِنْ حَضَرَ بَعْضُهُ وَالْبَعْضُ غَائِبٌ لَمْ يَجُزْ (فَأَقَلَّ) مِمَّا يَخُصُّهَا لِجَوَازِ تَرْكِ بَعْضِ الْحَقِّ (أَوْ أَزْيَدَ بِدِينَارٍ) فَقَطْ (مُطْلَقًا) قَلَّتْ الدَّرَاهِمُ أَوْ الْعُرُوض أَوْ كَثُرَتْ لِاجْتِمَاعِ الصَّرْفِ وَالْبَيْعِ فِي دِينَارٍ فَقَطْ وَهُوَ جَائِزٌ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَوْ صَالَحَتْ بِأَحَدِ عَشَرَ فِيمَا ذُكِرَ فَعَشَرَةٌ مِنْهَا فِي نَظِيرِ مَا يَخُصُّهَا مِنْ الذَّهَبِ وَالْحَادِي عَشَرَ فِي نَظِيرِ مَا يَخُصُّهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالْعُرُوضِ فَقَدْ اجْتَمَعَ الصَّرْفُ وَالْبَيْعُ فِي دِينَارٍ (أَوْ أَكْثَرَ) مِنْ دِينَارٍ (إنْ قَلَّتْ الدَّرَاهِمُ أَوْ) قَلَّتْ (الْعُرُوض) بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهَا (الَّتِي تَخُصُّهَا) رَاجِعٌ لِكُلٍّ (عَنْ صَرْفِ دِينَارٍ) وَأَوْلَى إنْ قَلَّا مَعًا. فَإِنْ كَثُرَا مَعًا مُنِعَ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اجْتِمَاعِ بَيْعِ صَرْفٍ فِي أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ. وَأَمَّا صُلْحُهُمَا بِالْعُرُوضِ فَيَجُوزُ مُطْلَقًا كَانَ قَدْرَ مَا يَخُصُّهَا مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُفَاعَلَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ صَحَّ إسْنَادُهَا لِآخِذِ الصُّلْحِ أَوْ لِدَافِعِهِ وَكَذَا يُقَالُ فِي جَمِيعِ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَالذَّهَبُ ثَمَانُونَ عِنْدَ الْفَرْعِ الْوَارِثِ] : أَيْ لِأَنَّ لَهَا حِينَئِذٍ ثَمَنًا وَهُوَ عَشَرَةٌ وَقَوْلُهُ أَوْ أَرْبَعُونَ عِنْدَ عَدَمِهِ أَيْ لِأَنَّ لَهَا الرُّبْعَ وَهُوَ عَشَرَةٌ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ حَضَرَ بَعْضُهُ وَالْبَعْضُ غَائِبٌ لَمْ يَجُزْ] : إنَّمَا شَرَطُوا فِي النَّوْعِ الَّذِي أُخِذَتْ مِنْهُ الْحُضُورَ لِجَمِيعِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْضُهُ غَائِبًا لَزِمَ النَّقْدُ بِشَرْطٍ فِي الْغَائِبِ. نَعَمْ إنْ أَخَذَتْ حِصَّتَهَا مِنْ الْحَاضِرِ فَقَطْ جَازَ لِإِسْقَاطِ الْغَائِبِ (اهـ - بْن) . قَوْلُهُ: [لِاجْتِمَاعِ الصَّرْفِ وَالْبَيْعِ فِي دِينَارٍ] : يُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِقِلَّةِ الدَّرَاهِمِ أَنْ يَكُونَ حَظُّهَا مِنْهَا قَلِيلًا، بَلْ الْمُرَادُ أَنْ تَأْخُذَ فِي مُقَابَلَتِهَا مَعَ الْعُرُوضِ دِينَارًا بِحَيْثُ يَجْتَمِعُ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ فِيهِ. قَوْلُهُ: [إنْ قَلَّتْ الدَّرَاهِمُ أَوْ قَلَّتْ الْعُرُوض] : تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الصُّوَرَ الْجَائِزَةَ أَرْبَعٌ: أَنْ تَقِلَّ الدَّرَاهِمُ الَّتِي تَنُوبُهَا عَنْ صَرْفِ الدِّينَارِ، أَوْ تَقِلَّ قِيمَةُ الْعُرُوضِ الَّتِي يَنُوبُهَا عَنْ صَرْفِهِ، أَوْ يَقِلَّا مَعًا، أَوْ تَأْخُذَ عَنْ الدَّرَاهِمِ وَالْعُرُوضِ دِينَارًا فَقَطْ وَلَوْ كَثُرَا. قَوْلُهُ: [فَيَجُوزُ مُطْلَقًا] : أَيْ بِشَرْطِ حُضُورِهِ كُلِّهِ.

(لَا) يَجُوزُ الصُّلْحُ (مِنْ غَيْرِهَا) : أَيْ التَّرِكَةِ كَأَنْ يُصَالِحَهَا الْوَارِثُ بِمَالٍ مِنْ عِنْدِهِ (مُطْلَقًا) كَانَ الْمُصَالَحُ بِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ عَرْضًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ كَانَتْ التَّرِكَةُ حَاضِرَةً أَوْ غَائِبَةً، (إلَّا) أَنْ يُصَالِحَ (بِعُرُوضٍ) مِنْ غَيْرِهَا بِشُرُوطٍ (إنْ عُرِفَ جَمِيعُهَا) : أَيْ التَّرِكَةُ لَهُمَا مَعًا - لِيَكُونَ الصُّلْحُ عَلَى مَعْلُومٍ - (وَحَضَرَ) الْجَمِيعُ حَقِيقَةً فِي الْعَيْنِ وَلَوْ حُكْمًا فِي الْعَرْضِ بِأَنْ كَانَ قَرِيبَ الْغِيبَةِ بِحَيْثُ يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ بِشَرْطٍ فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ (وَأَقَرَّ الْمَدِينُ) بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ لِلْمَيِّتِ - إنْ كَانَ مَدِينٌ - (وَحَضَرَ) عَقَدَ الصُّلْحِ وَكَانَ مِمَّنْ تَأْخُذُهُ الْأَحْكَامُ وَلَا بُدَّ مِنْ بَقِيَّةِ شُرُوطِ جَوَازِ بَيْعِ الدَّيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ مِنْ غَيْرِهَا] : أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفَاضُلِ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ؛ الْعَيْنِ الْمَدْفُوعَةِ صُلْحًا وَالْعَيْنِ الْمُصَالَحِ عَنْهَا، لِأَنَّهَا بَاعَتْ حَظَّهَا مِنْ النَّقْدَيْنِ وَالْعَرْضِ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ؛ فَفِيهِ بَيْعُ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَعَرْضٍ بِذَهَبٍ أَوْ بِفِضَّةٍ. وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْعَرْضَ إذَا كَانَ مُصَاحِبًا لِلْعَيْنِ أُعْطِيَ حُكْمَهُ. قَوْلُهُ: [لِيَكُونَ الصُّلْحُ عَلَى مَعْلُومٍ] : أَيْ لِأَنَّهَا بَائِعَةٌ لِنَصِيبِهَا ذَلِكَ وَهُوَ مُشْتَرٍ لَهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِمَا لَهُ. قَوْلُهُ: [وَحَضَرَ الْجَمِيعُ] : عِلَّةُ هَذَا الشَّرْطِ السَّلَامَةُ مِنْ النَّقْدِ فِي الْغَائِبِ بِشَرْطٍ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا شَرْطَ، هُنَا فَكَأَنَّهُمْ جَعَلُوا عَقْدَ الصُّلْحِ عَلَى التَّعْجِيلِ شَرْطًا فِي الْمُعَيَّنِ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ كَانَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ] : أَيْ كَيَوْمَيْنِ مَعَ الْأَمْنِ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ، وَأَمَّا هُوَ فَلَا يَضُرُّ شَرْطُ النَّقْدِ فِيهِ مَا لَمْ يَبْعُدْ جِدًّا. قَوْلُهُ: [وَلَا بُدَّ مِنْ بَقِيَّةِ شُرُوطِ جَوَازِ بَيْعِ الدَّيْنِ] : حَاصِلُ الشُّرُوطِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ إلَّا إذَا كَانَ الثَّمَنُ نَقْدًا وَكَانَ الْمَدِينُ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ مَجْلِسَ الْبَيْعِ، خِلَافًا لِلشَّارِحِ فِي قَوْلِهِ: وَحَضَرَ عَقْدَ الصُّلْحِ وَأَقَرَّ بِالدَّيْنِ وَكَانَتْ تَأْخُذُهُ الْأَحْكَامُ وَبِيعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ أَوْ بِجِنْسِهِ وَكَانَ مُسَاوِيًا لَا أَنْقَصَ، وَإِلَّا كَانَ سَلَفًا بِزِيَادَةٍ وَلَا أَزِيدُ وَإِلَّا كَانَ فِيهِ حَطُّ الضَّمَانِ وَأَزِيدُك، وَلَيْسَ عَيْنًا بِعَيْنٍ وَلَيْسَ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالْمَدِينِ عَدَاوَةٌ، وَأَلَّا يَكُونَ يُمْنَعُ بَيْعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ كَطَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ؛ فَالشُّرُوطُ ثَمَانِيَةٌ قَدْ عَلِمْتهَا.

[الصلح عن الدم]

(وَإِلَّا) الصُّلْحُ (عَنْ دَرَاهِمَ وَعَرْضٍ تُرِكَا بِذَهَبٍ عِنْدَهُ) لَا مِنْ التَّرِكَةِ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ، فَلَوْ حَذَفَهُ مَا ضَرَّ، فَيَجُوزُ. (كَبَيْعٍ وَصَرْفٍ) : أَيْ كَجَوَازِ بَيْعٍ وَصَرْفٍ، فَإِنْ كَانَ مَا يَخُصُّهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ قَلِيلًا - أَقَلَّ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ - جَازَ، وَإِلَّا فَلَا. وَكَذَا إنْ صَالَحَتْ عَنْ ذَهَبٍ وَعَرْضٍ بِوَرِقٍ. (وَ) جَازَ الصُّلْحُ (عَنْ) دَمِ (الْعَمْدِ) نَفْسًا أَوْ جُرْحًا (بِمَا قَلَّ) مِنْ الْمَالِ (وَكَثُرَ) : لِأَنَّ الْعَمْدَ لَا دِيَةَ لَهُ أَصَالَةً. (وَلِذِي دَيْنٍ) مُحِيطٍ عَلَى الْجَانِي (مَنْعُهُ) : أَيْ مَنْعُ الْجَانِيَ (مِنْهُ) : أَيْ مِنْ الصُّلْحِ بِمَالٍ، لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ رَبُّ الدَّيْنِ فِي دَيْنِهِ. (وَإِنْ صَالَحَ أَحَدُ وَلِيَّيْنِ) فَأَكْثَرُ - مَنْ قَتَلَ أَبَاهُمَا مَثَلًا - بِقَدْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِلَّا الصُّلْحُ عَنْ دَرَاهِمَ وَعَرْضٍ] إلَخْ: يَعْنِي أَنَّ التَّرِكَةَ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا دَرَاهِمُ وَعُرُوضٌ وَصُولِحَتْ الزَّوْجَةُ عَمَّا يَخُصُّهَا بِذَهَبٍ مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ فَذَلِكَ جَائِزٌ كَجَوَازِ اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَرَاهِمُ بَلْ ذَهَبًا وَعُرُوضًا وَصَالَحَهَا بِدَرَاهِمَ. [الصُّلْح عَنْ الدَّم] [فَرْعٌ وَقَعَ الصُّلْح عَلَى أَنْ يَرْتَحِل الْقَاتِل] قَوْلُهُ: [وَجَازَ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ] : ظَاهِرُهُ جَوَازُ الصُّلْحِ عَلَيْهِ وَلَوْ قَبْلَ ثُبُوتِ الدَّمِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ] : أَيْ وَلَمْ يُعَامِلْهُ الْغُرَمَاءُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يَفْدِي نَفْسَهُ مِنْ الْقَتْلِ أَوْ الْقَطْعِ قِصَاصًا وَهُمْ لَمْ يُعَامِلُوهُ عَلَى إتْلَافِ مَا لَهُمْ لِصَوْنِ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ هَذَا كَتَزَوُّجِهِ وَإِيلَادِ أَمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ عَامَلُوهُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا عَامَلُوهُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى زَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ. فَرْعٌ: لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ يَرْتَحِلَ الْقَاتِلُ مِنْ بَلَدِ الْأَوْلِيَاءِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الصُّلْحُ مُنْتَقَضٌ وَلِصَاحِبِ الدَّمِ أَنْ يَقُومَ بِالْقِصَاصِ وَلَوْ ارْتَحَلَ الْجَانِي، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: يَجُوزُ وَيَحْكُمُ عَلَى الْقَاتِلِ أَلَّا يُسَاكِنَهُمْ أَبَدًا كَمَا شَرَطُوهُ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ وَاسْتَحْسَنَهُ سَحْنُونَ. وَعَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَرْتَحِلْ الْقَاتِلُ أَوْ عَادَ وَكَانَ الدَّمُ ثَابِتًا كَانَ لَهُمْ الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَبَتَ - كَانَ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ الْعَوْدُ لِلْخِصَامِ وَلَا يَكُونُ الصُّلْحُ قَاطِعًا لِخِصَامِهِمْ.

الدِّيَةِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (فَلِلْآخَرِ الدُّخُولُ مَعَهُ) فِيمَا صَالَحَ بِهِ جَبْرًا، فَيَأْخُذُ مَا يَنُوبُهُ وَلَوْ صَالَحَ بِقَلِيلٍ (وَسَقَطَ الْقَتْلُ) عَنْ الْقَاتِلِ. وَلَهُ عَدَمُ الدُّخُولِ مَعَهُ فَلَهُ نَصِيبُهُ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ وَلَا دُخُولَ لِلْمُصَالِحِ مَعَهُ، وَلَهُ الْعَفْوُ مَجَّانًا فَلَا شَيْءَ لَهُ مَعَ الْمُصَالِحِ. (كَدَعْوَاهُ) - تَشْبِيهٌ فِي سُقُوطِ الْقَتْلِ - أَيْ: كَدَعْوَى أَحَدِ الْوَلِيَّيْنِ (الصُّلْحَ فَأَنْكَرَ) الْجَانِي، فَإِنَّهُ يُسْقِطُ الْقَتْلَ وَكَذَا الْمَالُ الَّذِي سَمَّاهُ الْوَلِيُّ إنْ حَلَفَ الْجَانِي. فَإِنْ نَكِلَ حَلَفَ الْوَلِيُّ وَأَخَذَ الْمَالَ وَإِنْ صَالَحَ (وَارِثٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلِلْآخِرِ الدُّخُولُ مَعَهُ] : وَحَيْثُ رَضِيَ بِالدُّخُولِ مَعَهُ فَلَا يَرْجِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى الْجَانِي بِشَيْءٍ وَسَوَاءٌ صَالَحَ عَنْ نَصِيبِهِ فَقَطْ أَوْ عَنْ جَمِيعِ الدَّمِ. قَوْلُهُ: [وَسَقَطَ الْقَتْلُ عَنْ الْقَاتِلِ] : أَيْ بِمُجَرَّدِ صُلْحِ الْأَوَّلِ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ. قَوْلُهُ: [وَلَا دُخُولَ لِلْمُصَالِحِ مَعَهُ] : أَيْ لَوْ أَخَذَ الثَّانِي نَصِيبَهُ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ فَلَا دُخُولَ لِلْأَوَّلِ مَعَهُ لِرِضَاهُ بِالصُّلْحِ. قَوْلُهُ: [وَلَهُ الْعَفْوُ مَجَّانًا] : أَيْ لِلثَّانِي الْعَفْوُ مَجَّانًا وَلَيْسَ لَهُ الْقِصَاصُ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ سَقَطَ بِصُلْحِ الْأَوَّلِ قَالَ خَلِيلٌ: " وَسَقَطَ إنْ عَفَا رَجُلٌ كَالْبَاقِي ". وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْآخَرَ يُخَيَّرُ أَوَّلًا فِي الْعَفْوِ وَعَدَمِهِ، فَإِنْ عَفَا فَلَا دُخُولَ لَهُ مَعَ الْمُصَالِحِ وَلَا شَيْءَ لَهُ أَصْلًا، وَإِنْ لَمْ يَعْفُ فَيُخَيَّرُ إمَّا أَنْ يَدْخُلَ مَعَ الْمُصَالِحِ فِيمَا صَالَحَ بِهِ وَلَا رُجُوعَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْجَانِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ، أَوْ لَا يَدْخُلُ وَلَهُ نَصِيبُهُ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ أَوْ يُصَالِحُهُ بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا الْمَالُ الَّذِي سَمَّاهُ الْوَلِيُّ] إلَخْ: إنَّمَا سَقَطَ الْقَتْلُ وَالْمَالُ لِأَنَّ دَعْوَاهُ أَثْبَتَتْ أَمْرَيْنِ: إقْرَارَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ لَا يَقْتَصُّ مِنْهُ، وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَالًا عَلَى الْجَانِي. فَيُؤْخَذُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يُعْمَلْ بِدَعْوَاهُ عَلَى الْجَانِي. وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ إذَا لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَى دَعْوَى الصُّلْحِ فَلَهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ أَوْ الصُّلْحُ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَتْلِ بِحَالٍ لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ صَالَحَ وَارِثٌ] إلَخْ: حَاصِلُهُ: أَنَّ أَحَدَ الْوَارِثَيْنِ - سَوَاءٌ كَانَا وَلَدَيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ أَوْ عَمَّيْنِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ - إذَا ادَّعَى بِمَالٍ عَلَى شَخْصٍ مُخَالِطٍ لِمُوَرِّثِهِ فِي تِجَارَةٍ أَوْ وَدِيعَةٍ فَأَقَرَّ بِذَلِكَ أَوْ أَنْكَرَ وَصَالَحَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ لِلْوَارِثِ الْآخَرِ أَنْ

وَارِثٌ مِنْ الْوَرَثَةِ - كَأَحَدِ وَلَدَيْنِ مَدِينًا لِأَبِيهِمَا عَلَى دَيْنٍ ثَابِتٍ عَلَيْهِ - بَلْ (وَإِنْ عَنْ إنْكَارٍ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فَلِلْآخَرِ الدُّخُولُ) مَعَهُ فِيمَا صَالَحَ بِهِ، وَلَهُ عَدَمُ الدُّخُولِ وَالْمُطَالَبَةِ بِجَمِيعِ مَنَابِهِ، وَالصُّلْحُ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ. (كَحَقٍّ) تَشْبِيهٌ فِي الدُّخُولِ (لِشَرِيكَيْنِ) عَلَى شَخْصٍ (فِي كِتَابٍ) : أَيْ (وَثِيقَةٍ أَوْ لَا) : فَكُلُّ مَنْ قَبَضَ شَيْئًا فَلِصَاحِبِهِ الدُّخُولُ مَعَهُ فِيهِ (إلَّا أَنْ يَشْخَصَ أَحَدُهُمَا) : أَيْ يُسَافِرَ بِشَخْصِهِ لِلْمَدِينِ - إذَا كَانَ بِبَلَدٍ آخَرَ - (وَيَعْذِرَ) الشَّاخِصُ (لَهُ) : أَيْ لِشَرِيكِهِ الَّذِي لَمْ يَشْخَصْ (فِي الْخُرُوجِ) مَعَهُ (أَوْ التَّوْكِيلِ) بِأَنْ يَقُولَ لَهُ عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ بَيِّنَةٍ: إنِّي ذَاهِبٌ لِفُلَانٍ فَاخْرُجْ مَعِي أَوْ وَكِّلْنِي أَوْ وَكِّلْ غَيْرِي عَلَى قَبْضِ مَا عَلَيْهِ لَك، (فَيَمْتَنِعُ) مِنْ الْخُرُوجِ وَالتَّوْكِيلِ، فَلَا يَدْخُلُ مَعَهُ فِيمَا قَبَضَهُ، لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ قَرِينَةٌ عَلَى رِضَاهُ بِاتِّبَاعِ ذِمَّةِ غَرِيمِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَدْخُلَ مَعَ صَاحِبِهِ فِيمَا صَالَحَ بِهِ عَنْ نَصِيبِهِ وَلَهُ أَلَّا يَدْخُلَ وَيُطَالِبَ بِحِصَّتِهِ كُلِّهَا فِي حَالَةِ الْإِقْرَارِ وَلَهُ تَرْكُهَا لَهُ وَلَهُ الْمُصَالَحَةُ أَقَلَّ مِنْهَا. وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْإِنْكَارِ؛ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ أَقَامَهَا وَأَخَذَ حَقَّهُ أَوْ تَرَكَهُ أَوْ صَالَحَ بِمَا يَرَاهُ صَوَابًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَيْسَ عَلَى غَرِيمِهِ إلَّا الْيَمِينُ. قَوْلُهُ: [وَارِثُ وَارِثٍ مِنْ الْوَرَثَةِ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ بِتَكْرَارِ وَارِثٍ مَرَّتَيْنِ وَاحِدَةٌ بِالْمِدَادِ الْأَحْمَرِ وَالثَّانِيَةُ بِالْأَسْوَدِ وَالصَّوَابُ إسْقَاطُ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: [مِنْ الْوَرَثَةِ] : لَا حَاجَةَ لَهُ. قَوْلُهُ: [وَالصُّلْحُ] : مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُطَالَبَةِ، فَهُوَ مُرَتَّبٌ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ. قَوْلُهُ: [لِشَرِيكَيْنِ] : أَيْ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا. فَمَوْضُوعُ الْكَلَامِ فِي الْحَقِّ الْمُشْتَرَكِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقٌّ وَكَانَ الْحَقَّانِ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ لِاشْتِرَاكٍ بَيْنَهُمَا فَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَشْخَصَ أَحَدُهُمَا] إلَخْ: الْحَقُّ كَمَا قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْإِعْذَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَفَرٌ بِأَنْ كَانَ الْمَدِينُ حَاضِرًا بِبَلَدِهِمَا. وَنَحْوُهُ قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ: فَصْلٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْغَائِبِ وَسَكَتَ عَنْ الْحَاضِرِ وَهُوَ مِثْلُهُ فِي الْإِعْذَارِ (اهـ بْن) .

[تتمة إن قتل جماعة واحدا]

(أَوْ يَكُونَ) الْحَقُّ الَّذِي لَهُمَا مَكْتُوبًا (بِكِتَابَيْنِ) : أَيْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَتَبَ حَقَّهُ الَّذِي يَخُصُّهُ فِي وَثِيقَةٍ عَلَى حِدَتِهِ، فَمَا قَبَضَهُ أَحَدُهُمَا لَا يَدْخُلُ مَعَهُ الْآخَرَ فِيهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ صَارَ كَدَيْنَيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ. (وَإِنْ صَالَحَ) أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي مِائَةٍ مَثَلًا عَلَى مَدِينٍ (عَلَى عَشَرَةٍ مِنْ خَمْسِينِهِ) الَّتِي تَخُصُّهُ مِنْ الْمِائَةِ (فَلِلْآخَرِ تَرْكُهَا) : أَيْ الْعَشَرَةُ لِلْمُصَالِحِ وَاتِّبَاعُ غَرِيمِهِ بِخَمْسِينِهِ (أَوْ أَخْذُ خَمْسَةٍ مِنْهَا) : أَيْ مِنْ الْعَشَرَةِ (وَيَرْجِعُ) عَلَى الْغَرِيمِ (بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ) يَرْجِعُ (الْآخَرُ) عَلَى الْغَرِيمِ (بِخَمْسَةٍ) لِأَنَّهُ لَمَّا صَالَحَ بِعَشَرَةٍ لَمْ تَتِمَّ لَهُ مِنْهَا إلَّا خَمْسَةٌ. (وَلَا رُجُوعَ) لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِشَيْءٍ مِمَّا قَبَضَهُ شَرِيكُهُ (إنْ اخْتَارَ مَا عَلَى الْغَرِيمِ) وَسَلَّمَ لِلْقَابِضِ مَا قَبَضَهُ بِصُلْحٍ أَوَّلًا (وَإِنْ عَدِمَ) الْغَرِيمُ أَوْ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اخْتَارَ مَا عَلَى الْغَرِيمِ؛ فَكَأَنَّهُ قَاسَمَ صَاحِبَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ صَارَ كَدَيْنَيْنِ] : أَيْ فَتَعَدُّدُ الْكِتَابِ يُفَرِّقُ مَا كَانَ مُتَّحِدًا كَمَا أَنَّ اتِّحَادَ الْكِتَابِ يَصِيرُ الْمُتَعَدِّدُ مُتَّحِدًا. كَمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي حَقٍّ فَلِأَحَدِهِمَا الدُّخُولُ فِيمَا قَبَضَ الْآخَرُ إنْ كَانَ أَصْلُهُ لَهُمَا أَوْ جَمَعَهُمَا كِتَابٌ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ لَهُمَا عَلَى أَرْجَحِ التَّأْوِيلَيْنِ فِي الْأَصْلِ (اهـ) . [تَتِمَّة إِن قَتْلَ جَمَاعَة وَاحِدًا] قَوْلُهُ: [مِنْ خَمْسِينِهِ] : إنْ قُلْت: مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ حَذْفُ النُّونِ لِلْإِضَافَةِ؟ وَأُجِيبُ: بِأَنَّهُ مَشَى عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يُعْرِبُهُ إعْرَابَ حِينٍ فَيُثْبِتُ النُّونَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ تَثْنِيَةُ خَمْسٍ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا التَّوَهُّمُ يَزُولُ بِقَوْلِهِ بَعْدُ: " وَيَرْجِعُ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ " فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [فَلِلْآخَرِ تَرْكُهَا] إلَخْ: مَحَلُّ تَخْيِيرِهِ مَا لَمْ يَكُنْ أَعْذَرَ لَهُ وَقْتَ الْخُرُوجِ وَإِلَّا فَلَا دُخُولَ لَهُ فِي الْعَشَرَةِ وَإِنَّمَا يُطَالِبُهُ بِخَمْسِينِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَا رُجُوعَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ] : هَذَا شَامِلٌ لِكُلِّ شَرِيكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ غَيْرِهَا. تَتِمَّةٌ: إنْ قَتَلَ جَمَاعَةٌ رَجُلًا أَوْ قَطَعُوا يَدًا مَثَلًا، جَازَ صُلْحُ كُلٍّ مِنْهُمْ عَلَى انْفِرَادِهِ وَالْعَفْوُ عَنْهُ مَجَّانًا أَوْ الْقِصَاصُ لِلْجَمِيعِ أَوْ عَفْوٌ عَنْ بَعْضٍ وَالْقِصَاصُ عَنْ الْبَاقِي أَوْ صُلْحُهُ، وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ صَالَحَ مَقْطُوعٌ عَمْدًا ثُمَّ نَزَا وَمَاتَ، فَلِلْوَلِيِّ رَدُّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالصُّلْحِ وَالْقَتْلُ بِقَسَامَةِ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ إنَّمَا كَانَ عَنْ قَطْعٍ فَكَشَفَ الْغَيْبُ أَنَّهُ نَفْسٌ، وَكَذَا لَوْ صَالَحَ مَقْطُوعٌ خَطَأً ثُمَّ نَزَا وَمَاتَ فَإِنَّ لِلْوَرَثَةِ رَدَّ الصُّلْحِ وَيَقْتَسِمُونَ وَيَأْخُذُونَ الدِّيَةَ مِنْ الْعَاقِلَةِ، وَيُرْجِعُ الْجَانِي الْمَصَالِحَ بِمَا دَفَعَ مِنْ مَالِهِ، وَيَكُونُ فِي الْعَقْلِ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَهُمْ الرِّضَا بِالصُّلْحِ الْأَوَّلِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ.

[باب في الحوالة وأحكامها]

بَابٌ فِي الْحَوَالَةِ وَأَحْكَامِهَا (الْحَوَالَةُ) : عُرْفًا - وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ التَّحَوُّلِ يُقَالُ: حَوَّلَ الشَّيْءَ مِنْ مَكَانِهِ: نَقَلَهُ مِنْهُ إلَى مَكَان آخَرَ، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ: لَفَتَهُ. (صَرْفُ دَيْنٍ) : أَيْ نَقْلِهِ وَطَرْحِهِ (عَنْ ذِمَّةِ الْمَدِينِ بِمِثْلِهِ) : أَيْ بِدَيْنٍ مُمَاثِلٍ لِلْمَطْرُوحِ قَدْرًا وَصِفَةً؛ كَعَشَرَةٍ مُحَمَّدِيَّةٍ فِي مِثْلِهَا (إلَى) ذِمَّةٍ (أُخْرَى تَبْرَأُ بِهَا) : أَيْ بِسَبَبِهَا: أَيْ الْحَوَالَةُ الَّتِي هِيَ الصَّرْفُ الْمَذْكُورُ - وَلَوْ قَالَ بِهِ كَانَ أَوْضَحَ - الذِّمَّةُ (الْأُولَى) كَأَنْ يَكُونَ لِزَيْدٍ عَشَرَةٌ عَلَى عَمْرٍو وَلِعَمْرٍو عَشَرَةٌ عَلَى خَالِدٍ فَيُوَجِّهُ عَمْرٌو زَيْدًا بِالْعَشَرَةِ الَّتِي لَهُ عَلَيْهِ عَلَى خَالِدٍ وَيَبْرَأُ عَمْرٌو مِمَّا عَلَيْهِ لِزَيْدٍ. (وَرُكْنُهَا) : أَيْ أَرْكَانُهَا خَمْسَةٌ: (مُحِيلٌ) : وَهُوَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ. (وَمُحَالٌ) : وَهُوَ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْحَوَالَةِ وَأَحْكَامِهَا] [تَعْرِيف الْحَوَالَةِ] بَابٌ: أَيْ فِي تَعْرِيفِهَا. وَقَوْلُهُ: [وَأَحْكَامُهَا] : أَيْ مَسَائِلُهَا. لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مَسَائِلِ الصُّلْحِ، وَكَانَتْ الْحَوَالَةُ شَبِيهَةٌ بِهِ؛ لِأَنَّهَا تَحْوِيلٌ مِنْ شَيْءٍ لِشَيْءٍ آخَرَ، كَمَا أَنَّ الصُّلْحَ كَذَلِكَ أَتْبَعَهَا بِهِ، وَهِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ. قَوْلُهُ: [عُرْفًا] : مُرْتَبِطٌ بِكَلَامِ الْمَتْنِ الْآتِي، وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَذْكُرَهُ بِلَصْقِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: [وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ] إلَخْ: بَيَانٌ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالْأَكْثَرُ أَنَّهَا رُخْصَةٌ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ كَمَا قَالَهُ عِيَاضٌ. قَوْلُهُ: [بِمِثْلِهِ] : مُتَعَلِّقٌ بِصَرْفٍ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى " فِي " وَكَذَا قَوْلُهُ: إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى. قَوْلُهُ: [وَلَوْ قَالَ بِهِ كَانَ أَوْضَحَ] : أَيْ وَإِنَّمَا أَنَّثَ الضَّمِيرَ نَظَرًا لِلْمَعْنَى لِأَنَّ الصَّرْفَ الْمَذْكُورَ حَوَالَةٌ.

[أركان الحوالة]

(وَمُحَالٌ عَلَيْهِ) : وَهُوَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُمَاثِلٌ لِلْمَدِينِ الْأَوَّلِ. (وَ) مَحِلٌّ (بِهِ) : وَهُوَ الدَّيْنُ الْمُمَثَّلُ. (وَصِيغَةٌ تَدُلُّ) عَلَى التَّحَوُّلِ وَالِانْتِقَالِ؛ وَلَوْ بِإِشَارَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ. (وَصِحَّتُهَا) : أَيْ شَرْطُ صِحَّتِهَا. (رِضَا الْأَوَّلَيْنِ) : الْمُحِيلُ وَالْمُحَالُ (فَقَطْ) دُونَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ وَإِقْرَارُهُ عَلَى الْأَرْجَحِ. (وَثُبُوتُ دَيْنٍ) لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ؛ وَإِلَّا كَانَتْ حَمَالَةً إنْ رَضِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [أَرْكَان الْحَوَالَةِ] قَوْلُهُ: [مُمَاثِلٌ لِلْمَدِينِ الْأَوَّلِ] : هَكَذَا نُسْخَةٌ الْمُؤَلِّفِ وَالْمُنَاسِبُ: لِلدَّيْنِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: [تَدُلُّ عَلَى التَّحَوُّلِ] : أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا لَفْظُ الْحَوَالَةِ وَمَا اُشْتُقَّ مِنْهَا خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِإِشَارَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ] : ظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَكْفِي الْإِشَارَةُ أَوْ الْكِتَابَةُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْأَخْرَسِ، وَهُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَكْفِيَانِ إلَّا مِنْ الْأَخْرَسِ. [شُرُوط صِحَّة الْحَوَالَةِ] قَوْلُهُ: [وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ] إلَخْ: قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ: وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ عَلَى الْمَشْهُورِ بَلْ هِيَ صَحِيحَةٌ رَضِيَ أَمْ لَا، إلَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُحَالِ عَدَاوَةٌ سَابِقَةٌ عَلَى وَقْتِ الْحَوَالَةِ فَلَا تَصِحُّ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. فَإِنْ حَدَثَتْ الْعَدَاوَةُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ مَنَعَ الْمُحَالُ مِنْ اقْتِضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَوَكَّلَ الْحَاكِمُ مَنْ يَقْتَضِيهِ مِنْهُ لِئَلَّا يُبَالِغَ فِي إيذَائِهِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْفُقَهَاءَ مِنْ الْأَنْدَلُسِيِّينَ اخْتَلَفُوا: هَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْحَوَالَةِ حُضُورُهُ وَإِقْرَارُهُ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ؟ رُجِّحَ كُلٌّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ؛ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَرْجَحَ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَوَالَةَ مِنْ قَبِيلِ بَيْعِ الدَّيْنِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا شُرُوطُهُ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ رُخِّصَ فِيهَا جَوَازُ بَيْعِهِ بِدَيْنٍ آخَرَ. وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا أَصْلٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ فَلَا يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ بَيْعِ الدَّيْنِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْحُضُورِ وَالْإِقْرَارِ. قَوْلُهُ: [وَثُبُوتُ دَيْنٍ] : قَالَ ابْنُ عَاشِرٍ: الْمُرَادُ بِثُبُوتِ الدَّيْنِ وُجُودُهُ لَا خُصُوصَ الثُّبُوتِ الْعُرْفِيِّ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ، فَيَكْفِي فِي الثُّبُوتِ تَصْدِيقُ الْمُحَالِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا كَانَتْ حَمَّالَةً] : أَيْ تَحَمُّلًا مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ، فَلِذَلِكَ اُشْتُرِطَ

الْمُحَالُ عَلَيْهِ لَا حَوَالَةً وَإِنْ وَقَعَتْ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: (لَازِمٍ) : دَيْنٌ عَلَى صَبِيٍّ أَوْ سَفِيهٍ أَوْ رَقِيقٍ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيٍّ أَوْ سَيِّدٍ، وَكَذَا ثَمَنُ سِلْعَةٍ مَبِيعَةٍ بِالْخِيَارِ قَبْلَ لُزُومِهِ؛ فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ يُقَالُ: إنْ الدَّيْنَ هُنَا لَمْ يَثْبُتْ مِنْ أَصْلِهِ؛ وَقِيلَ: إنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ حَوَالَةِ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى الْمُكَاتَبِ. (عَلَى الثَّالِثِ) : أَيْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَكَذَا ثُبُوتُ دَيْنٍ لِلْمُحَالِ عَلَى الْمُحِيلِ. (فَإِنْ عَلِمَ) الْمُحَالُ (بِعَدَمِهِ) : أَيْ عَدَمِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ (وَشَرَطَ) الْمُحِيلُ (الْبَرَاءَةَ) مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ (صَحَّ) وَبَرِئَ؛ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَوْ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَوْ فَلِسَ (وَهِيَ) حِينَئِذٍ (حَمَالَةٌ) يُشْتَرَطُ فِيهَا رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ: فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْبَرَاءَةَ فَلَهُ الرُّجُوعُ عِنْدَ مَوْتِهِ أَوْ فَلَسِهِ. فَإِنْ لَمْ يَرْضَ ـــــــــــــــــــــــــــــQرِضَاهُ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِمْ] : أَيْ لِعَدَمِ لُزُومِ ذَلِكَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ لِوَلِيِّ الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ وَسَيِّدِ الرَّقِيقِ طَرْحُ الدَّيْنِ عَنْهُمْ. قَوْلُهُ: [وَقَدْ يُقَالُ] إلَخْ: قَالَ (بْن) هَذَا خَارِجٌ بِشَرْطِ ثُبُوتِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ هُنَا. قَالَ مُحَشِّي الْأَصْلِ: وَفِيهِ أَنَّ الدَّيْنَ مِنْ حَيْثُ هُوَ ثَابِتٌ ثُمَّ النَّظَرُ لِوَلِيِّ الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ - إنْ رَآهُمَا صَرَفَاهُ فِيمَا لَهُمَا غِنًى عَنْهُ - رَدَّهُ، وَإِلَّا ضَمِنَا بِقَدْرِ مَا صُونَا بِهِ مَا لَهُمَا، فَصَحَّ ثُبُوتُ الدَّيْنِ فِي الْجُمْلَةِ قَبْلَ تَبَيُّنِ شَيْءٍ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَجْزُومٍ بِلُزُومِهِ فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ إذْ ذَاكَ. وَأَمَّا الْعَبْدُ فَثُبُوتُ دَيْنِهِ ظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا يُسْقِطُهُ إسْقَاطُ السَّيِّدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ عَتَقَ قَبْلَ الْإِسْقَاطِ لَزِمَهُ (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَقِيلَ إنَّهُ احْتِرَازٌ] : أَيْ قَوْلُهُ: " لَازِمٌ " وَإِنَّمَا كَانَ حَوَالَةُ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ مُحْتَرَزَاتِ الدَّيْنِ اللَّازِمِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَجَزَ عَنْهُ لَا يُتْبَعُ بِهِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ لَازِمٌ مُخْرِجٌ لِدَيْنِ الصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ وَالْعَبْدِ وَلِثَمَنِ الْمَبِيعِ عَلَى الْخِيَارِ وَلِكِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ. قَوْلُهُ: [هِيَ حِينَئِذٍ حَمَالَةٌ] : أَيْ وَحَيْثُ كَانَتْ حَمَالَةً فَهَلْ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ بِمَا دَفَعَهُ لِلْمُحَالِ، أَوْ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُحِيلِ، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى تَبَرُّعِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِمَا دَفَعَهُ وَإِلَّا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْبَرَاءَةَ] إلَخْ: هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: " وَشَرْطُ الْمُحِيلِ الْبَرَاءَةُ "، وَقَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يَرْضَ] إلَخْ: هَذَا مُحْتَرَزُ الشَّرْطِ الَّذِي زَادَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ:

الْمُحَالُ عَلَيْهِ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عِنْدَ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ لِأَنَّهُ حِينَ أَبْرَأَ غَرِيمَهُ سَقَطَ تَعْلِيقُهُ بِهِ ثُمَّ إنْ رَضِيَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ لَزِمَهُ، وَإِلَّا فَلَا؛ وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهُ لَا رُجُوعَ عِنْدَ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ أَيْ وَلَوْ مَاتَ أَوْ فَلِسَ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ إنَّ لَهُ الرُّجُوعَ إذَا مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَوْ فَلِسَ فَيَظْهَرُ الرُّجُوعُ عِنْدَ عَدَمِ الرِّضَا، وَالرَّاجِحُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. (وَ) شَرْطُ صِحَّتِهَا: (حُلُولُ) الدَّيْنِ (الْمُحَالِ بِهِ فَقَطْ) لَا حُلُولُ الدَّيْنِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ. (وَتَسَاوِي الدَّيْنَيْنِ) : الْمُحَالُ بِهِ وَعَلَيْهِ (قَدْرًا وَصِفَةً) : فَلَا تَصِحُّ حَوَالَةٌ بِعَشَرَةٍ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا وَلَا أَقَلَّ وَلَا بِعَشَرَةٍ مُحَمَّدِيَّةٍ عَلَى عَشَرَةٍ يَزِيدِيَّةٍ وَلَا عَكْسُهُ. فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّسَاوِي أَنْ يَكُونَ مَا عَلَى الْمُحِيلِ مِثْلَ مَا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ قَدْرًا وَصِفَةً لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُحِيلَ بِعَشَرَةٍ عَلَيْهِ عَلَى عَشَرَةٍ مِنْ عِشْرِينَ عَلَى غَرِيمِهِ وَأَنْ يُحِيلَ بِخَمْسَةٍ مِنْ عَشَرَةٍ عَلَيْهِ عَلَى خَمْسَةٍ عَلَى غَرِيمِهِ. (وَأَنْ لَا يَكُونَا) : أَيْ الدَّيْنَانِ (طَعَامَيْنِ مِنْ بَيْعٍ) : لِئَلَّا يَلْزَمَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرُ مِنْ قَرْضٍ جَازَ إذَا حَلَّ الْمُحَالُ بِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، إلَّا ابْنَ الْقَاسِمِ فَاشْتَرَطَ طُولَهُمَا مَعًا. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يُمْنَعُ مُطْلَقًا لِوُجُودِ الْعِلَّةِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ قَضَاءَ الْقَرْضِ بِطَعَامِ الْبَيْعِ جَائِزٌ كَمَا تَقَدَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُشْتَرَطُ فِيهَا رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ ". قَوْلُهُ: [وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ] : أَيْ وَهُوَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ. قَوْلُهُ: [حُلُولُ الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ] : أَيْ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ حَالٍّ؛ فَلَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ حَالًّا وَإِلَّا فَتَجُوزُ كَمَا نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ قَالَ (ر) : فَإِنْ أُخْرِجَتْ عَنْ مَحَلِّ الرُّخْصَةِ بِعَدَمِ حُلُولِ الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ فَأَجْرُهَا عَلَى الْقَوَاعِدِ، فَإِنْ أَدَّتْ لِمَمْنُوعٍ مُنِعَتْ وَإِلَّا فَلَا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الشَّرْطَ فِي جَوَازِهَا إمَّا حُلُولُ الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ أَوْ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَوْ هُمَا لِعَدَمِ وُجُودِ مَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ، وَأَمَّا إذَا كَانَا مَعًا غَيْرَ حَالَّيْنِ فَالْمَنْعُ لِبَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ مَعَ التَّأْخِيرِ وَفِيهِ الْبَدَلُ الْمُؤَخَّرُ إنْ كَانَا ذَهَبَيْنِ أَوْ وَرِقَيْنِ. قَوْلُهُ: [لِوُجُودِ الْعِلَّةِ] : أَيْ وَهِيَ بَيْعُ طَعَامِ الْمُعَارَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ.

[أثر الحوالة]

إذَا عَلِمْت صِحَّةَ الْحَوَالَةِ بِشُرُوطِهَا الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ: (فَيَتَحَوَّلُ) بِمُجَرَّدِ عَقْدِهَا (حَقُّهُ) : أَيْ الْمُحَالُ (عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَلَا رُجُوعَ) لَهُ عَلَى الْمُحِيلِ (وَإِنْ أَعْدَمَ) الْمُحَالُ عَلَيْهِ (أَوْ مَاتَ أَوْ جَحَدَ) الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَوَالَةِ (إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِذَلِكَ الْمُحِيلُ. فَقَطْ) دُونَ الْمُحَالُ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ غَرَّهُ. (وَ) لَوْ ادَّعَى الْمُحَالُ عِلْمَ الْمُحِيلِ حِينَ الْحَوَالَةِ وَأَنْكَرَ الْمُحِيلُ الْعِلْمَ (حَلَفَ) الْمُحِيلُ (عَلَى نَفْيِهِ) : أَيْ نَفْيِ الْعِلْمِ (إنْ ظُنَّ بِهِ الْعِلْمُ) وَبَرِئَ إنْ كَانَ مِثْلُهُ يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ رَجَعَ عَلَيْهِ. فَإِنْ لَمْ يُظَنَّ بِهِ الْعِلْمُ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَلَوْ اتَّهَمَهُ الْمُحَالُ. (وَالْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ) بِيَمِينٍ (إنْ ادَّعَى) الْمُحَالُ (عَلَيْهِ نَفْيَ الدَّيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [أثر الْحَوَالَةِ] قَوْلُهُ: [بِشُرُوطِهَا الْخَمْسَةِ] : أَيْ حَيْثُ جَعَلَ ثُبُوتَ الدَّيْنِ وَلُزُومَهُ وَاحِدًا، وَإِلَّا فَيَكُونُ مَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ سِتَّةً، وَيُزَادُ عَلَيْهَا شَرْطٌ، وَهُوَ حُضُورُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَإِقْرَارُهُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ أَوَّلًا فَتَكُونُ سَبْعَةً. قَوْلُهُ: [وَلَا رُجُوعَ عَلَى الْمُحِيلِ] إلَخْ: ابْنُ عَرَفَةَ سَمِعَ سَحْنُونَ الْمُغِيرَةَ: إنَّ شَرْطَ الْمُحَالِ عَلَى الْمُحِيلِ أَنَّهُ إنْ فَلِسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ رَجَعَ فَلَهُ شَرْطُهُ، وَنَقَلَهُ الْبَاجِيُّ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا (اهـ. ابْنُ عَرَفَةَ) وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ شَرْطَهُ هَذَا مُنَاقِضٌ لِعَقْدِ الْحَوَالَةِ. وَأَصْلُ الْمَذْهَبِ فِي الشَّرْطِ الْمُنَاقِضِ لِلْعَقْدِ أَنْ يُفْسِدَهُ تَأَمَّلْ (اهـ. بْن) . قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ قَدْ غَرَّهُ] : اُسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْمُحَالَ إذَا عَلِمَ بِإِفْلَاسِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ - عَلِمَ بِذَلِكَ الْمُحِيلُ أَيْضًا أَوْ لَا - فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُحِيلِ لِلْعِلْمِ بِذَلِكَ، فَإِنْ شَكَّ الْمُحَالُ فِي إفْلَاسِ الْمُحَالِ مَعَ عِلْمِ الْمُحِيلِ بِذَلِكَ فَفِي ابْنِ عَرَفَةَ وَالتَّوْضِيحِ أَنَّ لِلْمُحَالِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ. قَوْلُهُ: [وَالْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ بِيَمِينٍ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا تَنَازَعَ الْمُحِيلُ وَالْمُحَالُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ غَيْبَتِهِ غَيْبَةَ انْقِطَاعٍ فَقَالَ الْمُحَالُ: أَحَلْتنِي عَلَى غَيْرِ دَيْنٍ فَأَنَا أَرْجِعُ عَلَيْك بِدَيْنِي، وَقَالَ الْمُحِيلُ: بَلْ أَحَلْتُك عَلَى دَيْنٍ لِي فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحِيلِ بِيَمِينٍ وَقَدْ بَرِئَ مِنْ الدَّيْنِ.

عَنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ) بِأَنْ قَالَ: لَهُ قَدْ أَحَلْتنِي عَلَى مَنْ لَا دَيْنَ لَك عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ. وَهَذَا إذَا مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَوْ غَابَ غَيْبَةَ انْقِطَاعٍ (أَوْ) فِي دَعْوَاهُ (الْوَكَالَةَ) بِأَنْ قَالَ: مَا أَحَلْتُك وَإِنَّمَا وَكَّلْتُك أَنْ تَقْبِضَ مَا عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ، وَقَالَ الْمُحَالُ: بَلْ أَحَلْتنِي عَلَيْهِ بِمَا لِي عَلَيْك فَالْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ بِيَمِينِهِ (أَوْ) فِي دَعْوَاهُ (السَّلَفَ) بِأَنْ قَالَ: أَحَلْتُك عَلَيْهِ لِتَأْخُذَهُ مِنْهُ سَلَفًا فِي ذِمَّتِك لَا حَوَالَةَ عَنْ دَيْنٍ وَنَازَعَهُ الْمُحَالُ فَالْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ بِيَمِينِهِ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي السَّلَفِ. وَيُقَاسُ عَلَيْهِ الْوَكَالَةُ، وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحَالِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الْوَكَالَةُ] : مَعْطُوفٌ عَلَى " نَفْيِ الدَّيْنِ " مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ ادَّعَى، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: أَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْوَكَالَةَ. إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ حَلَّ مَعْنًى قَوْلُهُ: [أَوْ فِي دَعْوَاهُ السَّلَفَ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ قَالَ: وَلَا يُقْبَلُ قَوْلٌ فِي دَعْوَى وَكَالَةٍ أَوْ سَلَفٍ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ. أَرَادَ بِالْأَصَحِّ قَوْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَكَالَةِ وَمَا خَرَّجَهُ اللَّخْمِيُّ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ السَّلَفِ، وَغَيْرُ الْأَصَحِّ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي السَّلَفِ وَمَا خَرَّجَ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَكَالَةِ، فَكُلُّ مَسْأَلَةٍ فِيهَا قَوْلٌ مَنْصُوصٌ وَمُخَرَّجٌ عَلَيْهِ قَوْلٌ آخَرُ فِي الْأُخْرَى (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ] : الْمُرَادُ بِهِ (بْن) .

[باب في الضمان وأحكامه وشروطه]

بَابٌ فِي الضَّمَانِ وَأَحْكَامِهِ وَشُرُوطِهِ (الضَّمَانُ) : أَيْ حَقِيقَتُهُ عُرْفًا؛ وَيُسَمَّى: حَمَالَةً وَكَفَالَةً (الْتِزَامُ مُكَلَّفٍ) : لَا صَبِيٍّ وَمُكْرَهٍ وَمَجْنُونٍ وَلَوْ أُنْثَى (غَيْرِ سَفِيهٍ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ سَفِيهٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الضَّمَانِ وَأَحْكَامِهِ وَشُرُوطِهِ] [تَعْرِيف الضَّمَان] بَابٌ: لَمَّا كَانَ الضَّمَانُ وَالْحَوَالَةُ مُتَشَابِهَيْنِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ حَمَالَةِ الدَّيْنِ أَعْقَبَهَا بِهِ. فَقَوْلُهُ: [فِي الضَّمَانِ] : أَيْ تَعْرِيفِهِ وَالْمُرَادُ بِأَحْكَامِهِ مَسَائِلُهُ مِنْ جِهَةِ صَحِيحِهَا وَفَاسِدِهَا وَانْفِرَادُ الضَّامِنِ وَتَعَدُّدُهُ وَانْقِسَامُهُ إلَى ضَمَانِ ذِمَّةٍ وَوَجْهِ طَلَبٍ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَشُرُوطُهُ] : أَيْ الَّتِي يَصِحُّ بِهَا وَيَلْزَمُ. قَوْلُهُ: [عُرْفًا] : أَيْ وَأَمَّا لُغَةً: فَهُوَ الْحِفْظُ كَمَا قَالَهُ السَّنُوسِيُّ فِي حَفِيظَتِهِ. وَأَصْبَحَتْ وَأَمْسَيْت فِي جِوَارِ اللَّهِ الَّذِي لَا يُرَامُ وَلَا يُضَامُ وَلَا يُسْتَبَاحُ وَفِي ذِمَّتِهِ وَضَمَانِهِ الَّذِي لَا يَخْفِرُ ضَمَانَ عَبْدِهِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَيُسَمَّى حَمَالَةً وَكَفَالَةً] : أَيْ وَزَعَامَةً قَالَ تَعَالَى: {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] أَيْ كَفِيلٌ وَضَامِنٌ وَيُسَمَّى أَذَانَةٌ أَيْضًا مِنْ الْأَذَنِ بِالْفَتْحِ وَالتَّحْرِيكِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ لِأَنَّ الْكَفِيلَ يَعْلَمُ أَنَّ الْحَقَّ قَبْلَهُ أَوْ أَنَّ الْأَذَانَةَ بِمَعْنَى الْإِيجَابِ، لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْحَقَّ عَلَى نَفْسِهِ وَيُسَمَّى قُبَالَةً أَيْضًا. قَوْلُهُ: [الْتِزَامُ مُكَلَّفٍ] مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [لَا صَبِيٍّ] إلَخْ: أَيْ فَالْوَاقِعُ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ فَاسِدٌ يَجِبُ رَدُّهُ وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ إجَازَتُهُ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ أُنْثَى] مُبَالَغَةٌ فِي مُكَلَّفٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُكَلَّفِ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا.

وَيَصِحُّ مِنْ رَقِيقٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ كَمَا يَأْتِي (دَيْنًا) مَعْمُولٌ " الْتِزَامِ " الْمُضَافُ لِفَاعِلِهِ كَائِنًا (عَلَى غَيْرِهِ) ؛ وَهَذَا ضَمَانُ الْمَالِ. وَأَشَارَ لِضَمَانِ الْوَجْهِ وَالطَّلَبِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ طَلَبُهُ) أَيْ الْمُكَلَّفُ الْمَذْكُورُ (مَنْ عَلَيْهِ) الدَّيْنُ (لِمَنْ هُوَ) : أَيْ الدَّيْنُ (لَهُ) سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَبُ عَلَى وَجْهِ الْإِتْيَانِ بِهِ لِرَبِّ الدَّيْنِ، أَوْ مُجَرَّدًا عَنْ ذَلِكَ؛ فَشَمَلَ التَّعْرِيفَ أَنْوَاعَهُ الثَّلَاثَةِ. ف " أَوْ " فِيهِ لِلتَّنْوِيعِ، وَقَوْلُ الشَّيْخِ: " شَغَلَ " إلَخْ هُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ، وَمُرَادُهُ بِهِ: فِعْلُ النَّفْسِ، بِمَعْنَى أَنَّ الشَّخْصَ شَغَلَ نَفْسَهُ بِالْحَقِّ: أَيْ أَلْزَمَهَا إيَّاهُ فَهُوَ مُسَاوٍ لِلِالْتِزَامِ، فَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ ابْنِ عَرَفَةَ - وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ - بِأَنَّ الشَّغْلَ لَازِمٌ لَهُ لَا نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مِنْ رَقِيقٍ] : أَيْ بَالِغٍ وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَهُوَ خَارِجٌ بِقَوْلِهِ مُكَلَّفٍ. قَوْلُهُ: [بِإِذْنِ سَيِّدِهِ] : أَيْ وَيَلْزَمُ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ صَحَّ مِنْ غَيْرِ لُزُومٍ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [الْمُضَافُ لِفَاعِلِهِ] : أَيْ الَّذِي هُوَ مُكَلَّفٌ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا ضَمَانُ الْمَالِ] : أَيْ هَذَا التَّعْرِيفُ خَاصٌّ بِضَمَانِ الْمَالِ. قَوْلُهُ: [أَوْ طَلَبَهُ] : مَعْطُوفٌ عَلَى " دَيْنًا " وَمَسَاقُ الْكَلَامِ هَكَذَا الْتِزَامُ مُكَلَّفٍ غَيْرِ سَفِيهٍ دَيْنًا عَلَى غَيْرِهِ أَوْ الْتِزَامُ الْمُكَلَّفِ مُطَالَبَتُهُ شَخْصًا عَلَيْهِ الدَّيْنُ لِمَنْ الدَّيْنُ لَهُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [عَلَى وَجْهِ الْإِتْيَانِ بِهِ] : أَيْ وَهُوَ ضَمَانُ الْوَجْهِ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ مُجَرَّدًا عَنْ ذَلِكَ] : أَيْ وَهُوَ ضَمَانُ الطَّلَبِ لِأَنَّهُ تَفْتِيشٌ لَا غَيْرُ. قَوْلُهُ: [فَ " أَوْ " فِيهِ لِلتَّنْوِيعِ] : أَيْ لَا لِلشَّكِّ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ " أَوْ " لَا تَدْخُلُ الْحُدُودُ أَيْ الَّتِي لِلشَّكِّ كَمَا عَلِمْت، وَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: كَيْفَ يَجْمَعُ حَقَائِقَ ثَلَاثًا فِي تَعْرِيفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ؟ قَوْلُهُ: [فِعْلُ النَّفْسِ] : أَيْ الَّذِي هُوَ الِالْتِزَامُ. قَوْلُهُ: [فَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ ابْنِ عَرَفَةَ] : أَيْ عَلَى التَّعْرِيفِ الَّذِي ذَكَرَهُ خَلِيلٌ، لِأَنَّ أَصْلَهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْحَاجِبِ تَبِعَ فِيهِ الْقَاضِي عَبْدَ الْوَهَّابِ. قَوْلُهُ: [بِأَنَّ الشُّغْلَ] : إلَخْ: هَذَا تَصْوِيرٌ لِلِاعْتِرَاضِ. قَوْلُهُ: [لَازِمٌ لَهُ] : الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَنْ الضَّمَانِ. فَقَوْلُهُ بَعْدُ: " لِأَنَّ الضَّمَانَ " إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ حَاصِلٌ بِنَفْسِ الضَّمَانِ لَا نَفْسِ الضَّمَانِ.

[أركان الضمان]

مُكْتَسَبٌ: أَيْ فَهُوَ فِعْلٌ لِلنَّفْسِ. وَالشَّغْلُ لَيْسَ بِمُكْتَسَبٍ كَالْمِلْكِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَازِمُ الْبَيْعِ لَا نَفْسُهُ. فَالْحَدُّ لَا يَشْمَلُ شَيْئًا مِنْ الضَّمَانِ، أَيْ لِأَنَّهُ كَالتَّعْرِيفِ بِالْمُبَايِنِ. وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّغْلِ اشْتِغَالُ الذِّمَّةِ - وَلَا يَسْلَمُ - بَلْ الْمُرَادُ بِهِ: إلْزَامُ الذِّمَّةِ بِالْحَقِّ لِأَنَّهُ يُقَالُ: شَغَلَ ذِمَّتَهُ، بِكَذَا فَاشْتَغَلَتْ، نَعَمْ التَّعْبِيرُ بِالِالْتِزَامِ أَوْضَحُ. (بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الِالْتِزَامِ الْمَذْكُورِ مِنْ صِيغَةٍ لَفْظِيَّةٍ: كَأَنَا ضَامِنٌ أَوْ ضَمَانُهُ عَلَيَّ أَوْ غَيْرُهَا كَإِشَارَةٍ مُفَهِّمَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ. فَأَرْكَانُهُ خَمْسَةٌ: ضَامِنٌ، وَمَضْمُونٌ، وَمَضْمُونٌ لَهُ، وَمَضْمُونٌ بِهِ، وَصِيغَةٌ، وَالْمَضْمُونُ بِهِ هُوَ الدَّيْنُ. (وَشَرْطُ الدَّيْنِ: لُزُومُهُ) لِلْمَضْمُونِ فِي الْحَالِ بَلْ (وَلَوْ) يَلْزَمُ الْمَضْمُونَ (فِي الْمَآلِ) : أَيْ الْمُسْتَقْبِلِ (كَجُعْلٍ) فَإِنَّهُ قَدْ يَئُولُ لِلُّزُومِ، كَمَا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: إنْ أَتَيْت لِي بِعَبْدِي الْآبِقِ مَثَلًا فَلَكَ دِينَارٌ فَيَصِحُّ ضَمَانُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ لِأَنَّهُ كَالتَّعْرِيفِ بِالْمُبَايِنِ] : أَيْ بِغَيْرِ الْحَقِيقَةِ بَلْ بِالْمُسَبَّبِ عَنْهَا. قَوْلُهُ: [وَوَجْهُ الدَّفْعِ] إلَخْ: الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: وَوَجْهُ الِاعْتِرَاضِ وَدَفْعِهِ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَجْهَ الِاعْتِرَاضِ وَوَجْهَ دَفْعِهِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [بَلْ الْمُرَادُ بِهِ] إلَخْ: أَيْ كَمَا أَجَابَ بِذَلِكَ ابْنُ عَاشِرٍ. [أَرْكَانُ الضَّمَانَ] قَوْلُهُ: [فَأَرْكَانُهُ خَمْسَةٌ] : أَيْ وَقَدْ أُخِذَتْ مِنْ التَّعْرِيفِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: " الْتِزَامٌ مُكَلَّفٍ " هُوَ الضَّامِنُ. وَقَوْلُهُ: " دَيْنًا " هُوَ الْمَضْمُونُ بِهِ. وَقَوْلُهُ: " مَنْ عَلَيْهِ " هُوَ الْمَضْمُونُ. وَقَوْلُهُ: " لِمَنْ هُوَ لَهُ " هُوَ الْمَضْمُونُ لَهُ. وَقَوْلُهُ: " بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ " هُوَ الصِّيغَةُ. قَوْلُهُ: [ضَامِنٌ] : وَسَيَأْتِي يَقُولُ: " وَلَزِمَ أَهْلَ التَّبَرُّعِ ". وَقَوْلُهُ: [وَمَضْمُونٌ] : هُوَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ اللَّازِمِ أَوْ الْآيِلِ إلَى اللُّزُومِ الَّذِي يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ ضَامِنِهِ. وَقَوْلُهُ: [وَمَضْمُونٌ لَهُ] : أَيْ وَهُوَ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ الْمَذْكُورُ. وَقَوْلُهُ: [وَصِيغَةٌ] : هِيَ مَا يَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ. قَوْلُهُ: [وَالْمَضْمُونُ بِهِ هُوَ الدَّيْنُ] : أَيْ اللَّازِمُ أَوْ الْآيِلُ إلَى اللُّزُومِ الَّذِي يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ ضَامِنِهِ. وَصَرَّحَ بِهِ دُونَ بَاقِي الْأَرْكَانِ تَوْطِئَةً لِكَلَامِ الْمَتْنِ.

[أثر الضمان]

الْقَائِلِ، فَإِنْ أَتَى الْمُخَاطَبُ بِالْعَبْدِ لَزِمَ الضَّامِنَ الدِّينَارُ إنْ لَمْ يَدْفَعْهُ رَبُّ الْعَبْدِ لِلْعَامِلِ وَكَذَا: دَايِنْ فُلَانًا وَأَنَا أَضْمَنُهُ، أَوْ: إنْ ثَبَتَ لَك عَلَيْهِ دَيْنٌ فَأَنَا ضَامِنٌ. (لَا كِتَابَةَ) فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ لِلْمُكَاتَبِ وَلَا آيِلَةٍ لِلُّزُومِ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَجَزَ رَجَعَ رَقِيقًا وَكَذَا لَوْ تَدَايَنَ صَغِيرٌ أَوْ سَفِيهٌ أَوْ رَقِيقٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ أَوْ السَّيِّدِ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ لِمَا ذُكِرَ وَلَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ شَيْءٌ (إلَّا بِشَرْطِ تَعْجِيلِ الْعِتْقِ) : لِلْمَكَاتِبِ نَحْوَ: إنْ أَعْتَقَهُ فَأَنَا ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ، فَأَعْتَقَهُ. فَيَلْزَمُ الضَّامِنَ مَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ آلَ لِلُّزُومِ. (وَلَزِمَ) الضَّمَانُ (أَهْلَ التَّبَرُّعِ) : وَهُوَ الْحُرُّ الرَّشِيدُ كَمَا أُخِذَ مِنْ التَّعْرِيفِ؛ فَلَا يَلْزَمُ سَفِيهًا وَلَا صَبِيًّا وَلَا مَجْنُونًا وَلَا مُكْرَهًا. وَدَخَلَ ضَمَانُ الْمَرِيضِ وَالزَّوْجَةِ فِي الثُّلُثِ كَمَا يَأْتِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَكَذَا دَايِنْ فُلَانًا وَأَنَا أَضْمَنُهُ] : أَيْ وَأَمَّا إذَا قَالَ: دَايِنْ فُلَانًا أَوْ بِعْ لَهُ أَوْ عَامِلِهِ فَإِنَّهُ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ، وَلَمْ يَقُلْ: فَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ، فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْقَائِلَ شَيْءٌ، وَلَوْ ظَهَرَ أَنَّ الْقَائِلَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ ثِقَةٍ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ لِأَنَّهُ غُرُورٌ قَوْلِيٌّ. قَوْلُهُ: [أَوْ إنْ ثَبَتَ لَك عَلَيْهِ دَيْنٌ فَأَنَا ضَامِنٌ] : أَيْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الضَّمَانَ فِيمَا ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ إذَا عَجَزَ رَجَعَ رَقِيقًا] : أَيْ وَالضَّامِنُ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمَضْمُونِ وَمَا يَلْزَمُ الْأَصْلَ لَا يَلْزَمُ الْفَرْعَ بِالْأَوْلَى. قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ] : أَيْ دَيْنُ الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ وَالرَّقِيقِ. وَقَوْلُهُ: [لِمَا ذُكِرَ] : أَيْ وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ لَازِمًا وَلَا آيِلًا لِلُّزُومِ. قَوْلُهُ: [إلَّا بِشَرْطِ تَعْجِيلِ الْعِتْقِ] : مِثْلَ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَتْ الْكِتَابَةُ نَجْمًا وَاحِدًا وَقَالَ الضَّامِنُ: هُوَ عَلَيَّ إنْ عَجَزَ، وَإِنَّمَا صَحَّ الضَّمَانُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنْ كَانَ لِنَجْمٍ غَيْرِ لَازِمٍ لِقُرْبِ الْحُرِّيَّةِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ آلَ لِلُّزُومِ] : أَيْ بِسَبَبِ تَعْجِيلِ الْعِتْقِ مَعَ شَرْطِ الْمَالِ، فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَلْزَمُ ذِمَّةَ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ. [أثر الضَّمَان] قَوْلُهُ: [فَلَا يَلْزَمُ سَفِيهًا] إلَخْ: أَيْ وَلَا يَصِحُّ مِمَّنْ ذُكِرَ.

[ضمان الضامن]

(كَذِي رِقٍّ) يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ (إنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ) فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ مُكَاتَبًا وَلَا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ. بَلْ (وَلَوْ) كَانَ (مُكَاتَبًا أَوْ مَأْذُونًا) فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِ سَيِّدِهِ (وَإِلَّا) يَأْذَنْ السَّيِّدُ (صَحَّ) ضَمَانُ الرَّقِيقِ (فَقَطْ) وَلَا يَلْزَمُهُ، فَلِلسَّيِّدِ إسْقَاطُهُ عَنْهُ فَإِنْ أَسْقَطَهُ عَنْهُ لَمْ يُتْبَعْ (وَأَتْبَعَ) الرَّقِيقَ (بِهِ) : أَيْ بِالضَّمَانِ فَيَلْزَمُهُ دَفْعُ الْمَالِ (إنْ عَتَقَ) ضَمِنَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ لَا (إنْ لَمْ يُسْقِطْهُ السَّيِّدُ) عَنْهُ فِي الثَّانِي، فَإِنْ أَسْقَطَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ سَقَطَ. وَأَمَّا فِيمَا إذَا أَذِنَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ إسْقَاطُهُ. وَعُطِفَ عَلَى " ذِي رِقٍّ " قَوْلُهُ: (وَزَوْجَةٍ وَمَرِيضٍ) ضَمِنَا (بِثُلُثٍ) : أَيْ بِقَدْرِ ثُلُثِ مَالِهِمَا فَيَلْزَمُهُمَا فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لَمْ يَلْزَمْهُمَا بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ أَوْ الزَّوْجِ (وَجَازَ ضَمَانُ الضَّامِنِ) وَلَوْ تَسَلْسَلَ وَيَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ الْأَصْلِيَّ . (وَ) جَازَ: (دَايَنَ فُلَانًا) وَأَنَا ضَامِنٌ. (وَلَزِمَ) الضَّمَانُ (فِيمَا ثَبَتَ) أَنَّهُ دَايَنَهُ بِهِ (إنْ كَانَ) مَا ثَبَتَ (مِمَّا يُعَامَلُ بِهِ مِثْلُهُ) لَا إنْ لَمْ يَثْبُتْ وَلَا إنْ عَامَلَهُ بِشَيْءٍ لَا يُعَامَلُ بِهِ مِثْلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَمْ يَكُنْ مُكَاتَبًا] إلَخْ: الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ وَهِيَ تَوْطِئَةٌ لِلْمُبَالَغَةِ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: [فَلِلسَّيِّدِ إسْقَاطُهُ عَنْهُ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ ضَامِنًا لِنَفْسِ السَّيِّدِ، ثُمَّ إنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِالْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ: غَيْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمَا بِدَلِيلِ عَدِّهِمَا مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ. قَوْلُهُ: [بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ أَوْ الزَّوْجِ] : مَحَلُّ التَّوَقُّفِ بِالنِّسْبَةِ لِلزَّوْجَةِ مَا لَمْ يَكُنْ ضَمَانُهَا لِزَوْجِهَا فِي زَائِدِ الثُّلُثِ، وَإِلَّا فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: لَهَا الْكَفَالَةُ لِزَوْجِهَا بِجَمِيعِ مَالِهَا، أَيْ: وَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ أَكْرَهَهَا فِي كَفَالَتِهَا فَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ. [ضَمَانُ الضَّامِنِ] قَوْلُهُ: [وَلَوْ تَسَلْسَلَ] : أَيْ وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَسَلْسَلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمُحَالِ إذَا كَانَ فِي الْمَاضِي. قَوْلُهُ: [وَيَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ الْأَصْلِيَّ] : الْمُرَادُ يَلْزَمُهُ فِي الْجُمْلَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ بِالْمَالِ وَالثَّانِي بِالْوَجْهِ فَمَحَلُّ مُوَافَقَتِهِ لِلضَّامِنِ الْأَصْلِيِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إنْ اسْتَوَى مَعَهُ فِي كَيْفِيَّةِ الضَّمَانِ. قَوْلُهُ: [فِيمَا ثَبَتَ] : أَيْ بِالْبَيِّنَةِ لَا بِإِقْرَارِ الْمَدِين.

[الضمان بغير إذن المضمون]

عَلَى أَرْجَحِ التَّأْوِيلَيْنِ. (وَلَهُ) : أَيْ لِمَنْ قَالَ: " عَامِلِ فُلَانًا وَأَنَا ضَامِنٌ ": (الرُّجُوعُ) عَنْ الضَّمَانِ (قَبْلَ الْمُعَامَلَةِ) لَا بَعْدَهَا (بِخِلَافِ) قَوْلِهِ لِمُدَّعٍ عَلَى رَجُلٍ: (احْلِفْ) إنَّ لَك عَلَيْهِ حَقٌّ (وَأَنَا أَضْمَنُهُ) : فَلَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ وَلَوْ قَبِلَ حَلِفَهُ، لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْ حَلَفْت ضَمِنْته فَمَتَى حَلَفَ لَزِمَهُ وَلَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ قَبْلَهَا. (وَ) جَازَ ضَمَانٌ (بِغَيْرِ إذْنِ الْمَضْمُونِ) : فَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُهُ. (كَأَدَائِهِ عَنْهُ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَعْمُولِهِ: أَيْ كَمَا يَجُوزُ لِإِنْسَانٍ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَلَى أَرْجَحِ التَّأْوِيلَيْنِ] : أَيْ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيُّ. قَوْلُهُ: [الرُّجُوعُ عَنْ الضَّمَانِ] : أَيْ سَوَاءٌ قَيَّدَ بِأَنْ قَالَ: دَايِنْهُ أَوْ عَامِلْهُ بِمِائَةٍ، أَوْ أَطْلَقَ اتِّفَاقًا فِي الْأَخِيرِ وَعَلَى الرَّاجِحِ فِي الْأَوَّلِ. وَاخْتُلِفَ إذَا رَجَعَ الضَّامِنُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَضْمُونُ لَهُ بِرُجُوعِهِ حَتَّى عَامَلَهُ، هَلْ يَلْزَمُ الضَّامِنَ - وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ - أَوْ لَا يَلْزَمُهُ؟ قَوْلَانِ: الْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ مِنْ عِلْمِ الْمَضْمُونِ لَهُ بِالرُّجُوعِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [إنَّ لَك عَلَيْهِ حَقٌّ] : هَكَذَا بِرَفْعِ حَقٍّ فِي نُسْخَةِ الْمُؤَلِّفِ وَحَقُّهَا النَّصْبُ لِأَنَّهُ اسْمُ إنَّ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ قَبِلَ حَلِفَهُ] : أَيْ لِأَنَّهُ بِالْتِزَامِهِ صَارَ كَأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَإِذَا غَرِمَ الضَّامِنُ وَاسْتَمَرَّ الْمُدَّعَى عَلَى إنْكَارِهِ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ بَيِّنَةٌ حَلَّفَهُ الضَّامِنُ. فَإِنْ حَلَفَ فَلَا رُجُوعَ لِلضَّامِنِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ لَهُ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْمُدَّعِي. [الضَّمَان بِغَيْرِ إِذْن الْمَضْمُون] [تَنْبِيه ضمان الْغَائِب] قَوْلُهُ: [بِغَيْرِ إذْنِ الْمَضْمُونِ] : هَذَا هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا. وَذَهَبَ الْمُتَيْطِيُّ قَائِلًا: بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِهِ وَلِذَا جَرَتْ عَادَةُ الْمُوَثِّقِينَ بِذِكْرِ رِضَا الْمَدِينِ بِأَنْ يَكْتُبُوا: تَحَمَّلَ فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ بِرِضَاهُ أَوْ بِأَمْرِهِ كَذَا وَكَذَا. قَوْلُهُ: [كَأَدَائِهِ عَنْهُ] إلَخْ: أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَدَّى عَنْ رَجُلٍ دَيْنًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ جَازَ إنْ فَعَلَهُ رِفْقًا بِالْمَطْلُوبِ، وَإِنْ أَرَادَ الضَّرَرَ بِطَلَبِهِ وَإِعْنَاتِهِ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَا إنْ اشْتَرَى دَيْنًا عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ وَرَدَّ إنْ عَلِمَ (اهـ - بْن) . قَوْلُهُ: [لِمَعْمُولِهِ] : أَيْ الَّذِي هُوَ الدَّيْنُ.

يُؤَدِّيَ مَا عَلَى مَدِينٍ (رِفْقًا) بِهِ (لَا عَنَتًا) : أَيْ ضَرَرًا؛ أَيْ لِأَجْلِ ضَرَرِ الْمَدِينِ فَلَا يَجُوزُ (فَيَرُدُّهُ) مَا أَدَّاهُ عَنْهُ عَنَتًا. وَلَيْسَ لِلْمُؤَدِّي مُطَالَبَةٌ عَلَى الْمَدِينِ بَلْ يَجِبُ مَنْعُهُ عَنْ مُطَالَبَتِهِ قَهْرًا عَنْهُ (كَشِرَائِهِ) : أَيْ الدَّيْنِ: أَيْ كَمَا يُمْنَعُ بِشِرَاءِ دَيْنٍ مِنْ رَبِّهِ عَنَتًا بِالْمَدِينِ، وَيُرَدُّ. فَإِنْ فَاتَ الثَّمَنُ بِيَدِ بَائِعِهِ رَدَّ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِمَوْتِ رَبِّ الدَّيْنِ أَوْ غَيْبَتِهِ تَوَلَّى الْحَاكِمُ قَبْضَ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدِينِ بِالْمَعْرُوفِ وَدَفْعِهِ لِلْمُشْتَرِي عَنَتًا وَمَنَعَهُ مِنْ التَّسَلُّطِ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [رِفْقًا بِهِ] : أَيْ وَحَيْثُ أَدَّى رِفْقًا بِهِ لَزِمَ رَبَّ الدَّيْنِ قَبُولُهُ، وَلَا كَلَامَ لَهُ وَلَا لِلْمَدِينِ إذَا كَانَ الطَّالِبُ لَهُ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ امْتَنَعَا مَعًا لَمْ يَلْزَمْ رَبَّ الدَّيْنِ الْقَبُولُ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا فِي (عب) . قَوْلُهُ: [وَيَرُدُّ] : أَيْ يَرُدُّ الشِّرَاءَ عَنَتًا إنْ عَلِمَ بَائِعُهُ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَصَدَ الْعَنَتَ، فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِمَا لِدُخُولِهِمَا عَلَى الْفَسَادِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ رَبُّ الدَّيْنِ بِذَلِكَ فَلَا رَدَّ وَلَا فَسَادَ لِلْبَيْعِ لِعُذْرِهِ بِالْجَهْلِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَتَعَاطَى الدَّيْنَ مِنْ الْمَدِينِ، وَقِيلَ: الرَّدُّ مُطْلَقًا عَلِمَ الْبَائِعُ بِتَعَنُّتِ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا، وَهُوَ مُقْتَضَى شَارِحِنَا. وَلَكِنْ رَجَّحَ فِي الْأَصْلِ التَّفْصِيلَ. قَوْلُهُ: [رَدَّ مِثْلَهُ] إلَخْ: أَيْ يَرُدُّ مِثْلَهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتَهُ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا. قَوْلُهُ: [بِمَوْتِ رَبِّ الدَّيْنِ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ غَيْرَ بَائِعٍ لِلدَّيْنِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَوْلَى أَوْ بَائِعًا لَهُ كَمَا فِي الثَّانِيَةِ. تَنْبِيهٌ: إنْ ادَّعَى مُدَّعٍ عَلَى غَائِبٍ بِدَيْنٍ فَضَمَّنَهُ إنْسَانٌ فِيمَا ادَّعَى بِهِ ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ فَلَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ شَيْءٌ. وَمِثْلُ ذَلِكَ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِمُدَّعٍ عَلَى مُنْكِرٍ: إنْ لَمْ آتِك بِهِ لِغَدٍ فَأَنَا ضَامِنٌ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ لِأَنَّهُ وَعَدَ وَهُوَ لَا يَقْضِي بِهِ وَهَذَا مَا لَمْ يَثْبُتْ حَقُّهُ بِبَيِّنَةٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَإِلَّا لَزِمَ الضَّامِنَ إنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ. وَهَلْ يَلْزَمُ الضَّامِنَ إنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؟ تَأْوِيلَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَأَمَّا الْأُولَى: فَإِقْرَارُهُ لَا يُوجِبُ عَلَى الضَّامِنِ شَيْئًا. وَقَالَ (بْن) : الْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَمَحَلُّ التَّأْوِيلَيْنِ إنْ أَقَرَّ بَعْدَ الضَّمَانِ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَإِلَّا لَزِمَتْهُ الْحَمَالَةُ قَطْعًا وَكَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ الْحَقَّ مَنْ قَالَ لِمُدَّعٍ عَلَيْهِ: أَجِّلْنِي الْيَوْمَ فَإِنْ لَمْ أُوفِك غَدًا فَاَلَّذِي تَدَّعِيه عَلَى حَقٍّ، وَلَمْ يُوفِهِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ إقْرَارًا لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَاَلَّذِي تَدَّعِيه حَقٌّ أَبْطَلَ كَوْنَهُ إقْرَارًا.

[ما يرجع به الضامن إذا غرم]

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ أَرْكَانِ الضَّمَانِ وَشُرُوطِهِ، بَيَّنَ مَا يَرْجِعُ بِهِ الضَّامِنُ إذَا غَرِمَ فَقَالَ: (وَرَجَعَ) الضَّامِنُ عَلَى الْمَدِينِ (بِمَا أَدَّى) عَنْهُ (وَلَوْ مُقَوَّمًا) : لِأَنَّهُ كَالْمُسَلِّفِ يَرْجِعُ بِمِثْلِ مَا أَدَّى حَتَّى فِي الْمُقَوَّمِ لَا بِقِيمَتِهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ (إنْ ثَبَتَ الدَّفْعُ) مِنْهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ رَبِّ الدَّيْنِ. (وَجَازَ لَهُ) : أَيْ لِلضَّامِنِ (الصُّلْحُ) : أَيْ صُلْحُ رَبِّ الدَّيْنِ (بِمَا جَازَ لِلْمَدِينِ) أَنْ يُصَالِحَ بِهِ رَبَّ الدَّيْنِ فَمَا جَازَ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَدْفَعَهُ عِوَضًا عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا يَرْجِعُ بِهِ الضَّامِنُ إذَا غَرِمَ] قَوْلُهُ: [وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ أَرْكَانِ الضَّمَانِ] : أَيْ الْخَمْسَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي التَّعْرِيفِ. وَقَوْلُهُ: [وَشُرُوطُهُ] : أَيْ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْ قَوْلِهِ وَشَرْطُ الدَّيْنِ لُزُومُهُ وَمِنْ قَوْلِهِ وَلَزِمَ أَهْلَ التَّبَرُّعِ. قَوْلُهُ: [عَلَى الْمَدِينِ] : مُرَادُهُ بِالْمَضْمُونِ وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ ضَامِنَ الضَّامِنِ. قَوْلُهُ: [حَيْثُ كَانَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ] : أَيْ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ خَمْسَةَ أَثْوَابٍ فَأَدَّاهَا الضَّامِنُ أَثْوَابًا فَيَرْجِعُ بِمِثْلِهَا لَا بِقِيمَتِهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ وَقِيمَةُ الْمُقَوَّمِ؛ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ خَمْسَةَ مَحَابِيبَ وَدَفَعَ الضَّامِنُ خَمْسَةَ أَثْوَابٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ وَقِيمَةَ الْأَثْوَابِ. وَرَدَّ الْمُصَنِّفُ بِ " لَوْ " عَلَى مَنْ قَالَ: يُخَيَّرُ إذَا دَفَعَ الضَّامِنُ مُقَوَّمًا مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ بَيْنَ دَفْعِ مِثْلِ الْمُقَوَّمِ أَوْ قِيمَتِهِ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ الضَّامِنُ اشْتَرَى ذَلِكَ الْمُقَوَّمَ وَإِلَّا رَجَعَ بِثَمَنِهِ اتِّفَاقًا كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ مَا لَمْ يُحَابَ وَإِلَّا لَمْ يَرْجِعْ بِالزِّيَادَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ إقْرَارُ رَبِّ الدَّيْنِ] : أَيْ لَا بِإِقْرَارِ الْمَضْمُونِ. وَفِي الشَّامِلِ: وَلَوْ دَفَعَ الضَّامِنُ لِلطَّالِبِ بِحَضْرَةِ الْمَضْمُونَ دُونَ بَيِّنَةٍ وَأَنْكَرَ الطَّالِبُ لَمْ يَرْجِعْ الضَّامِنُ بِشَيْءٍ لِتَفْرِيطِهِ بِعَدَمِ الْإِشْهَادِ. قَوْلُهُ: [الصُّلْحُ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ فِي مُصَالَحَةِ الضَّامِنِ رَبَّ الدَّيْنِ خِلَافًا؛ فَقِيلَ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ بِالْمَنْعِ إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ بِمِثْلِيٍّ مُخَالِفٍ لِجِنْسِ الدَّيْنِ؛ فَإِنْ كَانَ بِمُقَوَّمٍ مُمَاثِلٍ لِجِنْسِ الدَّيْنِ أَوْ مُخَالِفٍ جَازَ. وَالْمُصَنِّفُ مَشَى عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ صَالَحَ بِمِثْلِيٍّ أَوْ بِمُقَوَّمٍ، وَلَكِنْ يُسْتَثْنَى مَسْأَلَتَانِ مِنْ كَلَامِهِ وَسَيَذْكُرُهُمَا الشَّارِحُ.

الدَّيْنِ جَازَ لِلضَّامِنِ دَفْعُهُ لَهُ، وَمَا لَا؛ فَيَجُوزُ الصُّلْحُ بَعْدَ الْأَجَلِ عَنْ دَنَانِيرَ جَيِّدَةٍ بِأَدْنَى مِنْهَا وَعَكْسُهُ وَبِأَقَلَّ، لَا قَبْلَ الْأَجَلِ. وَكَذَا الطَّعَامُ وَالْعُرُوضُ مَنْ سَلَّمَ، إلَّا الصُّلْحُ عَنْ دَنَانِيرَ حَالَّةٍ بِدَرَاهِمَ وَعَكْسُهُ أَوْ صَالَحَ بَعْدَ الْأَجَلِ عَنْ طَعَامٍ سَلَّمَ بِأَدْنَى أَوْ أَجْوَدَ، فَيَجُوزُ لِلْمَدِينِ لَا لِلضَّامِنِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ الصَّرْفِ وَبَيْعِ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ. (وَرَجَعَ) الضَّامِنُ إذَا صَالَحَ رَبَّ الدَّيْنِ عَلَى الْمَدِينِ (بِالْأَقَلِّ مِنْهُ) : أَيْ مِنْ الدَّيْنِ (وَمِنْ قِيمَةِ مَا صَالَحَ بِهِ) حَيْثُ كَانَ مُقَوَّمًا عَنْ عَيْنٍ؛ كَمَا لَوْ صَالَحَ بِثَوْبٍ أَوْ عَبْدٍ عَنْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ؛ فَإِنْ صَالَحَ عَنْهَا بِمِثْلِيٍّ رَجَعَ بِالْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ مِثْلِ الْمِثْلِيِّ، فَإِنْ صَالَحَ بِأَجْوَدَ أَوْ أَدْنَى حَيْثُ جَازَ رَجَعَ بِالْأَدْنَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَيَجُوزُ الصُّلْحُ بَعْدَ الْأَجَلِ] إلَخْ: شُرُوعٌ فِي بَيَانِ مَا يَجُوزُ لِلْمَدِينِ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ الضَّامِنُ إلَّا فِيمَا سَيَسْتَثْنِيهِ بَعْدُ بِقَوْلِهِ إلَّا الصُّلْحَ إلَخْ. قَوْلُهُ: [لَا قَبْلَ الْأَجَلِ] : أَيْ فَإِنَّ فِي الْمُصَالَحَةِ قَبْلَ الْأَجَلِ بِأَدْنَى أَوْ أَقَلَّ ضَعْ وَتَعَجَّلَ، وَبِأَجْوَدَ أَوْ أَكْثَرَ: سَلَفًا جَرَّ نَفْعًا. قَوْلُهُ: [فَيَجُوزُ لِلْمَدِينِ لَا لِلضَّامِنِ] : إنَّمَا جَازَ بَعْدَ الْأَجَلِ لِرَبِّ الدَّيْنِ فَقَطْ لِأَنَّهُ صَرَفَ مَا فِي الذِّمَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأُولَى وَحُسْنُ قَضَاءٍ أَوْ اقْتِضَاءٍ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِيَةِ. وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَأَتَّى فِي الضَّامِنِ. قَوْلُهُ: [لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ الصَّرْفِ] : رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ إلَّا الصُّلْحَ عَنْ دَنَانِيرَ. وَقَوْلُهُ: [وَبَيْعُ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ] : رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: " أَوْ صُلْحًا بَعْدَ الْأَجَلِ عَنْ طَعَامٍ سَلَّمَ " إلَخْ. وَوَجْهُ تَأْخِيرِ الصَّرْفِ أَنَّهُ يَدْفَعُ الدَّرَاهِمَ لِرَبِّ الدَّيْنِ وَيَطْلُبُ الدَّنَانِيرَ مِنْ الْمَضْمُونِ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَكْسِهِ هَذَا هُوَ الصَّرْفُ الْمُؤَخَّرُ بِعَيْنِهِ. وَوَجْهُ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ تَرَكَ طَعَامَهُ الَّذِي عَلَى الْمَدِينِ فِي نَظِيرِ طَعَامٍ مُخَالِفٍ يَأْخُذُهُ مِنْ الضَّامِنِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ طَعَامَهُ الَّذِي عَلَى الْمَدِينِ وَهَذَا بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ. قَوْلُهُ: [عَلَى الْمَدِينِ] : مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ " رَجَعَ ". قَوْلُهُ: [كَمَا لَوْ صَالَحَ بِثُبُوتٍ] : رَاجِعٌ لِلْمُقَوَّمِ وَقَوْلُهُ وَعَنْ دَنَانِيرَ رَاجِعٌ لِلْعَيْنِ. قَوْلُهُ: [حَيْثُ جَازَ] : أَيْ كَمَا إذَا صَالَحَ الضَّامِنُ بِدَنَانِيرَ جَيِّدَةٍ بَعْدَ الْأَجَلِ عَنْ الْأَدْنَى وَعَكْسِهِ. قَوْلُهُ: [رَجَعَ بِالْأَدْنَى] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الَّذِي خَرَجَ مِنْ يَدِهِ أَوْ الَّذِي

وَلَوْ صَالَحَ بِأَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ رَجَعَ بِهِ وَبِأَكْثَرَ رَجَعَ بِالدَّيْنِ. وَلَوْ صَالَحَ بِمُقَوَّمٍ عَنْ مُقَوَّمٍ غَيْرِ جِنْسِهِ رَجَعَ بِالْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ قِيمَةِ مَا صَالَحَ بِهِ كَمَا فِي الْمَتْنِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ ذَلِكَ، وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ الرَّاجِحُ. وَكَذَا قَوْلُنَا: " فَإِنْ صَالَحَ عَنْهَا بِمِثْلِيٍّ " إلَخْ، فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ وَهُوَ مَا فِي الْكَفَالَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ . (وَلَا يُطَالَبُ) الضَّامِنُ: أَيْ لَيْسَ لِرَبِّ الدَّيْنِ مُطَالَبَتُهُ بِهِ (إنْ تَيَسَّرَ الْأَخْذُ) لِرَبِّ الدَّيْنِ (مِنْ مَالِ الْمَدِينِ) : بِأَنْ كَانَ مُوسِرًا غَيْرَ مُلَدٍّ وَلَا ظَالِمٍ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ بَعْدَ قَوْلِهِ: رَبُّ الدَّيْنِ مُخَيَّرٌ فِي طَلَبِ أَيِّهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQصَالَحَ عَنْهُ. وَلَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ بِالْأَجْوَدِ وَلَا بِالْأَكْثَرِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْأَجْوَدُ أَوْ الْأَكْثَرُ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ فَهُوَ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ فَلَا يَلْزَمُ الْمَضْمُونَ إلَّا مِثْلُ دَيْنِهِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا ظُلْمٌ، فَالضَّامِنُ مُتَبَرِّعٌ بِهَا لِرَبِّ الدَّيْنِ فَلَا يَظْلِمُ الْمِدْيَانَ بِهَا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ صَالَحَ بِمُقَوَّمٍ] إلَخْ: هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ: حَيْثُ كَانَ مُقَوَّمًا عَنْ عَيْنٍ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَهُ بِمُقَوَّمٍ عَنْ مُقَوَّمٍ غَيْرِ جِنْسِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ أَيْ مِنْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الدَّيْنَ مُقَوَّمٌ وَمِنْ قِيمَةِ مَا صَالَحَ بِهِ. فَقَوْلُهُ: " كَمَا فِي الْمَتْنِ " يَعْنِي بِهِ مَتْنَهُ، أَيْ فَإِنَّ عِبَارَةَ الْمَتْنِ فِي قَوْلِهِ: " وَرَجَعَ بِالْأَقَلِّ مِنْهُ وَمِنْ قِيمَةِ مَا صَالَحَ بِهِ " شَامِلَةٌ لِلصُّلْحِ بِمُقَوَّمٍ عَنْ عَيْنٍ وَعَنْ مُقَوَّمٍ. قَوْلُهُ: [رَجَعَ بِالْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ قِيمَةِ مَا صَالَحَ بِهِ] : فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُقَوَّمِ وَالْمِثْلِيِّ؟ قِيلَ: إنَّ الْمُقَوَّمَ - لَمَّا كَانَ يَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْقِيمَةِ وَهِيَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ - وَالْحَمِيلُ يَعْرِفُ قِيمَةَ سِلْعَتِهِ؛ فَقَدْ دَخَلَ عَنْ الْقِيمَةِ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ. وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ فَقَدْ دَخَلَ عَلَى أَخْذِ الدَّيْنِ وَهِبَةُ الزِّيَادَةِ، بِخِلَافِ الْمِثْلِيِّ لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ الدَّيْنُ فَلَا يُعْرَفُ فِيهِ الْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ لِأَنَّ الْأَقَلَّ وَالْأَكْثَرَ لَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ فَكَانَتْ الْجَهَالَةُ فِي الْمِثْلِيِّ أَقْوَى، فَلِذَلِكَ تَعَيَّنَ لَهُ الرُّجُوعُ بِالْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ مِثْلِ الْمِثْلِيِّ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [بَعْدَ قَوْلِهِ رَبُّ الدَّيْنِ مُخَيَّرٌ] إلَخْ: قَالَ (بْن) : وَالْقَوْلُ الْمَرْجُوعُ عَنْهُ هُوَ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ بِفَاسَ - وَهُوَ الْأَنْسَبُ - بِكَوْنِ الضَّمَانِ شَغَلَ ذِمَّةً

[تنبيه إن كان الضامن وكيلا لرب الدين]

شَاءَ (وَلَوْ) كَانَ الْمَدِينُ (غَائِبًا) حَيْثُ كَانَ الدَّيْنُ ثَابِتًا وَمَالُ الْمَدِينِ حَاضِرًا يُمْكِنُ الْأَخْذُ مِنْهُ بِلَا مَشَقَّةٍ. (إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ) رَبُّ الدَّيْنِ عِنْدَ الضَّمَانِ (أَخْذُ أَيِّهِمَا شَاءَ أَوْ) يَشْتَرِطُ (تَقْدِيمَهُ) فِي الْأَخْذِ عَنْ الْمَدِينِ (أَوْ ضَمِنَ) الضَّامِنُ الْمَدِينُ (فِي الْحَالَاتِ السِّتِّ) : الْحَيَاةُ، وَالْمَوْتُ، وَالْحُضُورُ، وَالْغَيْبَةُ، وَالْيُسْرُ، وَالْعُسْرُ؛ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ وَلَوْ تَيَسَّرَ الْأَخْذُ مِنْ مَالِ الْغَرِيمِ. (الْقَوْلُ لَهُ) : أَيْ لِلضَّامِنِ (فِي مَلَائِهِ) : أَيْ مَلَاءِ الْمَدِينِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي مَلَائِهِ وَعَدَمِهِ؛ فَلَا مُطَالَبَةَ لِرَبِّ الدَّيْنِ عَلَى الضَّامِنِ، لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي مَلَاءِ الْمَضْمُونِ، وَلَا عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِعَدَمِهِ. وَاَلَّذِي قَالَهُ سَحْنُونَ وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ: أَنَّ الْقَوْلَ لِلطَّالِبِ فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْحَمِيلِ مَا لَمْ يَثْبُتْ مَلَاءُ الْغَرِيمِ وَتَيَسَّرَ الْأَخْذُ مِنْهُ. قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَبِهِ الْعَمَلُ؛ أَيْ فَيَكُونُ هُوَ الرَّاجِحُ وَإِنْ اسْتَظْهَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْحَمِيلِ. (وَلَهُ) : أَيْ لِلضَّامِنِ (طَلَبُ الْمُسْتَحَقِّ) الَّذِي هُوَ رَبُّ الْحَقِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأُخْرَى بِالْحَقِّ. قَوْلُهُ: [فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ وَلَوْ تَيَسَّرَ الْأَخْذُ] إلَخْ: مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَهُوَ مَا فِي وَثَائِقِ أَبِي الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيِّ وَغَيْرِهِ، خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ مِنْ أَنَّ الضَّامِنَ لَا يُطَالِبُ إذَا حَضَرَ الْغَرِيمُ مَلِيئًا مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: [وَلَا عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ] : الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ وَلَا عَلَى الْمَدِينِ لِأَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ مُقِرٌّ بِعَدَمِهِ. قَوْلُهُ: [قَالَ الْمُتَيْطِيُّ وَبِهِ الْعَمَلُ] : قَالَ (بْن) وَنَصُّهُ: وَإِذَا طَلَبَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْحَمِيلَ بِدَيْنِهِ وَالْغَرِيمُ حَاضِرٌ فَقَالَ لَهُ الْحَمِيلُ: شَأْنُك بِغَرِيمِك فَهُوَ مَلِيءٌ بِدَيْنِك، وَقَالَ صَاحِبُ الدَّيْنِ: الْغَرِيمُ مُعْدَمٌ وَمَا أَجِدُ لَهُ مَالًا، فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ - وَقَالَهُ سَحْنُونَ فِي الْعُتْبِيَّةِ - أَنَّ الْحَمِيلَ يَغْرَمُ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ يُسْرَ الْغَرِيمِ وَمُلَاءَهُ فَيَبْرَأُ وَحَلَفَ لَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ مَعْرِفَةَ يُسْرِهِ عَلَى إنْكَارِ مَعْرِفَتِهِ بِذَلِكَ وَغَرِمَ الْحَمِيلُ وَلَهُ رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْحَمِيلِ، فَإِنْ رَدَّهَا حَلَفَ الْحَمِيلُ وَبَرِئَ (اهـ) . [تَنْبِيه إِن كَانَ الضَّامِن وَكَيْلًا لِرَبِّ الدِّين] قَوْلُهُ: [طَلَبَ الْمُسْتَحِقُّ] : أَيْ لَهُ إلْزَامُهُ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ مَا ذُكِرَ.

(بِتَخْلِيصِهِ) مِنْ رِبْقَةِ الضَّمَانِ، بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: إذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَلَوْ بِمَوْتِ الْمَدِينِ إمَّا أَنْ تَطْلُبَ حَقَّك مِنْ مَدِينِك أَوْ تُسْقِطَ عَنِّي الضَّمَانَ. (وَ) لَهُ أَيْضًا كَمَا هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ (طَلَبُ الْغَرِيمِ) : أَيْ الْمَدِينِ (بِالدَّفْعِ) : أَيْ دَفْعِ الدَّيْنِ لِرَبِّهِ (عِنْدَ) حُلُولِ (الْأَجَلِ) لَا قَبْلَهُ؛ وَهَذَا رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ، إذْ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَا مُطَالَبَةَ لَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. (لَا) : أَيْ لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْغَرِيمِ (بِتَسْلِيمِ الْمَالِ إلَيْهِ) لِيُوَصِّلَهُ إلَى رَبِّهِ، وَلَيْسَ عَلَى الْغَرِيمِ دَفْعُهُ لَهُ (وَضَمِنَهُ) الضَّامِنُ (إنْ اقْتَضَاهُ) مِنْ الْغَرِيمِ لِيُوَصِّلَهُ لِرَبِّهِ - سَوَاءٌ طَلَبَهُ مِنْهُ أَوْ دَفَعَهُ لَهُ الْغَرِيمُ بِلَا طَلَبٍ - لَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْبَرَاءِ مِنْهُ، وَلَوْ تَلِفَ مِنْهُ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ أَوْ قَامَتْ عَلَى هَلَاكِهِ بِبَيِّنَةٍ، لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِقَبْضِهِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ. وَحَيْثُ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ كَانَ لِرَبِّهِ غَرِيمَانِ يَطْلُبُ أَيُّهُمَا شَاءَ. (لَا) إنْ (أَرْسَلَهُ) الْمَدِينُ (بِهِ) : إلَى رَبِّ الدَّيْنِ فَضَاعَ مِنْهُ فَلَا ضَمَانَ حَيْثُ لَمْ يُفَرِّطْ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَمِينًا بِالْإِرْسَالِ. وَمِثْلُ الْإِرْسَالِ: لَوْ دَفَعَهُ لَهُ عَلَى وَجْهِ التَّوْكِيلِ عَنْهُ فِي تَوْصِيلِهِ لِرَبِّهِ أَوْ هُوَ إرْسَالٌ حُكْمًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الضَّمَانِ وَلَوْ تَنَازَعَا، فَقَالَ الْغَرِيمُ: قَبَضْته مِنِّي اقْتِضَاءً، وَقَالَ الضَّامِنُ: بَلْ رِسَالَةً أَوْ تَوْكِيلًا، فَالْقَوْلُ لِلْغَرِيمِ. وَكَذَا لَوْ انْبَهَمَ الْأَمْرُ؛ كَمَا لَوْ مَاتَ الضَّامِنُ أَوْ غَابَ. فَضَمَانُ الضَّامِنِ فِي صُوَرٍ ثَلَاثٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مِنْ رِبْقَةِ الضَّمَانِ] : بِالرَّاءِ وَالْبَاءِ وَالْقَافِ وَالتَّاءِ الْوَرْطَةُ وَإِضَافَتُهَا لِلضَّمَانِ بَانِيَةٌ. قَوْلُهُ: [لَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ] : أَيْ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِرْسَالِ الْآتِي. قَوْلُهُ: [وَلَوْ تَلِفَ مِنْهُ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ] : أَيْ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ قَامَتْ عَلَى هَلَاكِهِ بَيِّنَةٌ] : أَيْ فِيمَا يُغَابُ، فَلَيْسَ كَضَمَانِ الرِّهَانِ بَلْ هُوَ كَضَمَانِ التَّعَدِّي. قَوْلُهُ: [فَلَا ضَمَانَ حَيْثُ لَمْ يُفَرِّطْ] : كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [فَلَا ضَمَانَ عَلَى الضَّامِنِ] : أَيْ حَيْثُ لَمْ يُفَرِّطْ. قَوْلُهُ: [فَضَمَانُ الضَّامِنِ فِي صُوَرٍ ثَلَاثٍ] : أَيْ يَكُونُ الضَّامِنُ غَرِيمَ الْغَرِيمِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ غَرِيمَ الْغَرِيمِ غَرِيمٌ، فَلِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يَغْرَمَ الْأَصِيلَ، وَلَهُ

[مبطلات الضمان]

فَالصُّوَرُ خَمْسَةٌ فَقَوْلُهُ: " إنْ اقْتَضَاهُ ": أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَيَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ. وَقَوْلُهُ: " لَا أُرْسِلُهُ بِهِ ": أَيْ وَلَوْ حُكْمًا فَيَشْتَمِلُ الصُّورَتَيْنِ. (وَعُجِّلَ) الدَّيْنُ (بِمَوْتِهِ) : أَيْ الضَّامِنِ قَبْلَ الْأَجَلِ مِنْ تَرِكَتِهِ إنْ كَانَ لَهُ تَرِكَةٌ (وَرَجَعَ وَارِثُهُ) : أَيْ وَارِثُ الضَّامِنِ عَلَى الْغَرِيمِ (بَعْدَ الْأَجَلِ أَوْ) بَعْدَ (مَوْتِ الْغَرِيمِ) عَلَى تَرِكَتِهِ (إنْ تَرَكَهُ) : أَيْ إنْ تَرَكَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الدَّيْنُ وَإِلَّا سَقَطَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي مُبْطِلَاتِ الضَّمَانِ فَقَالَ: (وَبَطَلَ) الضَّمَانُ (إنْ فَسَدَ مُتَحَمِّلٌ بِهِ) : أَيْ الدَّيْنِ الْمَضْمُونِ كَدَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ لِأَجَلٍ وَعَكْسُهُ فَلَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ حِينَئِذٍ شَيْءٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَغْرَمَ الضَّامِنُ نِيَابَةً عَنْ الْمَدِينِ كَمَا صَرَّحَ، بِذَلِكَ الرَّكْرَاكِيُّ فِي شَرْحِ مُشْكِلَاتِ الْمُدَوَّنَةِ. وَيُفْهَمُ مِنْ التَّوْضِيحِ: أَنَّ رَبَّ الْحَقِّ إذَا رَجَعَ عَلَى الْأَصِيلِ فَلِلْأَصِيلِ الرُّجُوعُ عَلَى الْكَفِيلِ. قَوْلُهُ: [فَالصُّوَرُ خَمْسَةٌ] : أَيْ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ، أَوْ الْإِرْسَالِ، أَوْ الْوَكَالَةِ عَنْ رَبِّ الدَّيْنِ، أَوْ يَتَنَازَعُ الْمَدِينُ وَالضَّامِنُ فِي أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ أَوْ الْإِرْسَالِ، أَوْ يَمُوتُ الْمَدِينُ، أَوْ الضَّامِنُ وَيُعَرَّى الْقَبْضُ عَنْ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى الِاقْتِضَاءِ أَوْ الْإِرْسَالِ أَوْ الْوَكَالَةِ. وَقَدْ عَلِمْت أَحْكَامَهَا مِنْ الشَّارِحِ. تَنْبِيهٌ: إنْ كَانَ الضَّامِنُ وَكِيلًا لِرَبِّ الدَّيْنِ فِي الْقَبْضِ وَتَلِفَ مِنْهُ بَرِئَ كُلٌّ مِنْ الضَّامِنِ وَالْغَرِيمِ إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ عَلَى دَفْعِ الْغَرِيمِ. قَوْلُهُ: [أَيْ الضَّامِنُ] : مَفْهُومُهُ لَوْ مَاتَ الْمَدِينُ فَإِنَّ الْحَقَّ يُعَجَّلُ أَيْضًا مِنْ تَرِكَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَلَا طَلَبَ عَلَى الضَّامِنِ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُلُولِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَدِينِ حُلُولُهُ عَلَى الْكَفِيلِ لِبَقَاءِ ذِمَّتِهِ - كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا سَقَطَ] : أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ مَاتَ الْغَرِيمُ وَهُوَ مُعْسِرٌ سَقَطَ مَا عَلَيْهِ وَضَاعَ عَلَى وَرَثَةِ الضَّامِنِ. [مُبْطِلَاتِ الضَّمَانِ] قَوْلُهُ: [كَدِرْهَمٍ بِدَنَانِيرَ] إلَخْ: أَيْ وَكَبَيْعِ سِلْعَةٍ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ لِأَجَلٍ مَجْهُولٍ أَوْ كَانَ الْبَيْعُ وَقْتَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ وَكَضَمَانِ جُعْلٍ جُعِلَ لِذِي جَاهٍ عَلَى تَخْلِيصِ شَيْءٍ بِجَاهِهِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ حِينَئِذٍ شَيْءٌ] : ظَاهِرُهُ: وَلَوْ فَاتَ الْمَبِيعُ وَلَزِمَ الْمُشْتَرِيَ

(أَوْ فَسَدَتْ) الْحَمَالَةُ نَفْسُهَا شَرْعًا؛ بِأَنْ اخْتَلَّ مِنْهَا شَرْطٌ أَوْ حَصَلَ مَانِعٌ فَتَبْطُلُ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمُهَا مِنْ غُرْمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَلْزَمُ اتِّحَادُ الْمُعَلَّقِ وَالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ. وَمَثَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (كَبِجُعْلٍ) لِلضَّامِنِ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ أَوْ مِنْ الْمَدِينِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ. وَعِلَّةُ الْمَنْعِ أَنَّ الْغَرِيمَ إنْ أَدَّى الدَّيْنَ لِرَبِّهِ كَانَ الْجُعَلُ بَاطِلًا؛ فَهُوَ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَإِنْ أَدَّاهُ الْحَمِيلُ لِرَبِّهِ ثُمَّ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْغَرِيمِ كَانَ مِنْ السَّلَفِ بِزِيَادَةٍ، فَتَفْسُدُ الْحَمَالَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِيمَةُ أَوْ الثَّمَنُ وَلَكِنْ اُسْتُظْهِرَ فِي الْحَاشِيَةِ أَنَّ الضَّمَانَ فِي الْقِيمَةِ أَوْ الثَّمَنِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَلْزَمُ اتِّحَادُ الْمُعَلَّقِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ: أَنَّ قَوْلَهُ: " أَوْ فَسَدَتْ " عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " فَسَدَ " فَيَنْحَلُّ الْمَعْنَى وَبَطَلَ الضَّمَانُ إنْ فَسَدَتْ الْحَمَالَةُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفَسَادَ هُوَ الْبُطْلَانُ وَالضَّمَانُ هُوَ الْحَمَالَةُ؛ فَيَلْزَمُ اتِّحَادُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَهُوَ تَهَافُتٌ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبُطْلَانِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَهُوَ: عَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِالشَّيْءِ بِحَيْثُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٍ. وَبِالْفَسَادِ: الْفَسَادُ الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ عَدَمُ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ. فَيَنْحَلُّ الْمَعْنَى وَإِذَا كَانَتْ الْحَمَالَةُ فَاسِدَةً شَرْعًا غَيْرَ مُسْتَوْفِيَةٍ لِلشُّرُوطِ كَانَتْ غَيْرَ مُعْتَدٍ بِهَا. قَوْلُهُ: [كَبِجُعْلٍ] : إنَّمَا فَسَدَتْ بِالْجُعْلِ لِلضَّامِنِ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: «ثَلَاثَةٌ لَا تَكُونُ إلَّا لِلَّهِ: الْجُعْلُ وَالضَّمَانُ وَالْجَاهُ» . وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الصُّوَرَ تِسْعٌ؛ لِأَنَّ الْجُعْلَ: إمَّا لِلضَّامِنِ مِنْ الْمَدِينِ، أَوْ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ. وَإِمَّا لِلْمَدِينِ مِنْ الضَّامِنِ، أَوْ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ. فَيَمْتَنِعُ حَيْثُ كَانَ لِلضَّامِنِ فِي الثَّلَاثِ وَيَجُوزُ فِيمَا عَدَاهَا. إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ مِنْ الضَّامِنِ لِلْمَدِينِ فَلَا يُقَيَّدُ الْجَوَازُ بِحُلُولِ الدَّيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ فَيُشْتَرَطُ حُلُولُ أَجَلِ الدَّيْنِ، وَإِلَّا أَدَّى لِضَعْ وَتَعَجَّلْ لِأَنَّ مَجِيءَ الْمَدِينَ كَالضَّامِنِ بِمَنْزِلَةِ تَعْجِيلِ الْحَقِّ - كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [كَانَ الْجُعْلُ بَاطِلًا] : أَيْ لِعَدَمِ تَمَامِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ أَوْ مِنْ الْمَدِينِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ. وَقَوْلُهُ: [وَإِنْ أَدَّاهُ] : أَيْ الدَّيْنَ. وَقَوْلُهُ: [ثُمَّ رَجَعَ بِهِ] : أَيْ بِالدَّيْنِ. وَقَوْلُهُ: [كَانَ مِنْ السَّلَفِ بِزِيَادَةٍ] : أَيْ كَانَ دَفْعُهُ الدَّيْنَ وَأَخْذُهُ سَلَفًا

وَيَرُدُّ الْجُعَلَ لِرَبِّهِ. ثُمَّ إنْ كَانَ الْجُعَلُ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ لِلْحَمِيلِ سَقَطَتْ الْحَمَالَةُ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا غَرَضَ لَهُ فِيمَا فَعَلَ الْبَائِعُ مَعَ الْحَمِيلِ؛ كَمَا لَوْ كَانَ الْجُعَلُ مِنْ الْمَدِينِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ مِنْ عِلْمِ رَبِّ الدَّيْنِ. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَالْحَمَالَةُ لَازِمَةٌ وَرَدَّ الْجُعَلَ. وَإِنْ كَانَ الْجُعَلُ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لِلْمَدِينِ عَلَى أَنْ يَأْتِيَهُ بِضَامِنٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ. فَعَلِمَ أَنَّ مَحَلَّ الْبُطْلَانِ: إذَا كَانَ الْجُعَلُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لِلضَّامِنِ، إذَا عَلِمَ رَبُّ الدَّيْنِ، وَإِلَّا رَدَّ وَلَزِمَتْ الْحَمَالَةُ. وَبَالَغَ عَلَى بُطْلَانِ الضَّمَانِ بِالْجُعَلِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ) كَانَ الْجُعَلُ الْوَاصِلُ لِلضَّامِنِ (ضَمَانَ مَضْمُونِهِ) : أَيْ الضَّامِنَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالزِّيَادَةُ هِيَ الْجُعْلُ الَّذِي أَخَذَهُ. قَوْلُهُ: [سَقَطَتْ الْحَمَالَةُ] : أَيْ لِفَسَادِ الْجُعْلِ. قَوْلُهُ: [كَمَا لَوْ كَانَ الْجُعْلُ مِنْ الْمَدِينِ] : تَشْبِيهٌ فِي سُقُوطِ الْحَمَالَةِ مَعَ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَالْمُرَادُ بِالْمَدِينِ الْمُشْتَرِي وَبِرَبِّ الدَّيْنِ الْبَائِعُ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَالْحَمَالَةُ لَازِمَةٌ] : أَيْ مَعَ صِحَّةِ الْبَيْعِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ] إلَخْ: هَذَا هُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ لِلضَّامِنِ. قَوْلُهُ: [إذَا كَانَ الْجُعْلُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ] : أَيْ أَوْ مِنْ الْمَدِينِ. قَوْلُهُ: [إذَا عَلِمَ رَبُّ الدَّيْنِ] : هَذَا هُوَ مَحَلُّ الْبُطْلَانِ. وَحَاصِلُ مَا فِي الشَّارِحِ: أَنَّ الْجُعْلَ إذَا كَانَ لِلضَّامِنِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ قَوْلًا وَاحِدًا، وَيَفْتَرِقُ الْجَوَابُ فِي ثُبُوتِ الْحَمَالَةِ وَسُقُوطِهَا مَعَ لُزُومِ الْبَيْعِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ فَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مِنْ الْبَائِعِ كَانَتْ الْحَمَالَةُ سَاقِطَةً لِأَنَّهَا بِعِوَضٍ وَلَمْ يَصِحَّ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا غَرَضَ لَهُ فِيمَا فَعَلَ الْبَائِعُ مَعَ الْحَمِيلِ. وَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَالْبَائِعُ غَيْرُ عَالِمٍ بِهِ فَالْحَمَالَةُ لَازِمَةٌ كَالْبَيْعِ. وَإِنْ عَلِمَ الْبَائِعُ سَقَطَتْ الْحَمَالَةُ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ - هَكَذَا قَالَ الشَّارِحُ. وَلَكِنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ فِي سِلْعَته. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْحَمَالَةُ لَازِمَةٌ وَإِنْ عَلِمَ الْبَائِعُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ سَبَبًا، وَهَذَا مُحَصَّلُ مَا فِي (بْن) نَقْلًا عَنْ ابْنِ عَاصِمٍ.

[تعدد الحملاء]

كَأَنْ يَتَدَايَنَ رَجُلَانِ دَيْنًا مِنْ رَجُلٍ أَوْ مِنْ رَجُلَيْنِ وَيَضْمَنُ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِيمَا عَلَيْهِ لِرَبِّ الدَّيْنِ إذَا دَخَلَا عَلَى ذَلِكَ بِالشَّرْطِ. وَاسْتَثْنَى مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَا شَيْئًا) مُعَيَّنًا؛ كَعَبْدٍ عَلَى وَجْهِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَيَضْمَنُ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِيمَا عَلَيْهِ فَيَجُوزُ. (أَوْ يَسْتَلِمَا) مِنْ شَخْصٍ مَالًا (فِي شَيْءٍ) مُعَيَّنٍ (بَيْنَهُمَا) وَضَمِنَ كُلٌّ الْآخَرَ فِيمَا يَخُصُّهُ فَيَجُوزُ (أَوْ يَقْتَرِضُ) شَيْئًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ، وَيَضْمَنُ كُلٌّ صَاحِبَهُ فِيمَا عَلَيْهِ؛ فَيَجُوزُ (لِلْعَمَلِ) : أَيْ عَمَلِ السَّلَفِ الصَّالِحِ بِذَلِكَ - وَمَا عَمِلُوا إلَّا لِفَهْمِ الْجَوَازِ مِنْ السُّنَّةِ - بِشَرْطِ أَنْ يَضْمَنَ كُلٌّ صَاحِبَهُ بِقَدْرِ مَا ضَمِنَهُ الْآخَرُ، حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى أَحَدِهِمَا الثُّلُثُ وَالْآخَرِ الثُّلُثَانِ. جَازَ إنْ ضَمِنَ ذِي الثُّلُثِ نِصْفَ مَا عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ الثُّلُثَيْنِ وَإِلَّا مُنِعَ. (وَإِنْ تَعَدَّدَ حُمَلَاءَ) لِشَخْصٍ (وَلَمْ يَشْتَرِطْ) عَلَيْهِمْ (حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ اُتُّبِعَ كُلٌّ) مِنْهُمْ (بِحِصَّتِهِ فَقَطْ) دُونَ حِصَّةِ صَاحِبِهِ. فَإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً ضَمِنُوا إنْسَانًا فِي ثَلَاثِينَ وَتَعَذَّرَ الْأَخْذُ مِنْهُ، ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةً. وَلَا يُؤْخَذُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ بِأَنْ قَالُوا: نَضْمَنُهُ، أَوْ: ضَمَانُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَيَضْمَنُ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِيمَا عَلَيْهِ] : مِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ ضَمِنَ كُلٌّ لِصَاحِبِهِ رَجُلًا آخَرَ فِيمَا لَهُ أَوْ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ صَاحِبَهُ فِيمَا عَلَيْهِ وَالْآخَرُ ضَمِنَ لَهُ الْغَيْرُ فِيمَا لَهُ؛ فَالصُّوَرُ الثَّلَاثُ كُلُّهَا مَمْنُوعَةٌ. قَوْلُهُ: [فَيَجُوزُ لِلْعَمَلِ] : جَوَابٌ عَنْ سُؤَالِ قَائِلٍ عِلَّةُ الْمَنْعِ مَوْجُودَةٌ وَهُوَ السَّلَفُ الَّذِي جَرَّ نَفْعًا. قَوْلُهُ: [إنْ ضَمِنَ ذِي الثُّلُثِ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ الصَّوَابُ: " ذُو " بِالْوَاوِ لِأَنَّهُ فَاعِلٌ ضَمِنَ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا مَنَعَ] : أَيْ رَجَعَ لِأَصْلِهِ مَنْ الْمَنْعِ لِأَنَّهُ خِلَافُ عَمَلِ السَّلَفِ. [تعدد الْحُمَلَاء] قَوْلُهُ: [وَإِنْ تَعَدَّدَ حُمَلَاءُ] : أَيْ غَيْرُ غُرَمَاءَ أَمَّا لَوْ تَعَدَّدَ الْحُمَلَاءُ الْغُرَمَاءُ فَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [دُونَ حِصَّةِ صَاحِبِهِ] : مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَهُوَ صَادِقٌ بِالصَّاحِبِ الْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدِ.

عَلَيْنَا. وَكَذَا إنْ تَعَدَّدَ غُرَمَاءُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ (إلَّا أَنْ يَقُولَ) رَبُّ الْحَقِّ لَهُمْ: (أَيُّكُمْ شِئْت أَخَذْت بِحَقِّي، فَلَهُ أَخْذُ جَمِيعِ الْحَقِّ مِمَّنْ شَاءَ) مِنْهُمْ وَلَوْ كَانُوا حُضُورًا أَمْلِيَاءَ. (وَرَجَعَ الدَّافِعُ) لِلْحَقِّ (عَلَى كُلٍّ) مِنْهُمْ (بِمَا يَخُصُّهُ) فَقَطْ (إنْ كَانُوا غُرَمَاءَ) لِرَبِّ الْحَقِّ أَصَالَةً؛ كَأَنْ اشْتَرَوْا مِنْهُ سِلْعَةً وَضَمِنَ كُلٌّ صَاحِبَهُ، بِأَنْ قَالَ لَهُمْ مَا ذُكِرَ. (وَإِلَّا) يَكُونُوا غُرَمَاءَ بَلْ كَانُوا حُمَلَاءَ عَلَى مَدِينٍ (فَعَلَى الْغَرِيمِ) : أَيْ فَيَرْجِعُ الدَّافِعُ بِمَا أَدَّى لِرَبِّ الدَّيْنِ عَلَى الْغَرِيمِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ حِمَايَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ. (كَتَرَتُّبِهِمْ) فِي الْحَمَالَةِ، بِأَنْ ضَمِنَ كُلٌّ مِنْهُمْ الْغَرِيمَ بِانْفِرَادِهِ وَاحِدًا بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَكَذَا إنْ تَعَدَّدَ غُرَمَاءُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ] : أَيْ بِأَنْ كَانُوا غُرَمَاءَ فَقَطْ؛ كَمَا إذَا اشْتَرَى ثَلَاثَةٌ سِلْعَةً عَلَى كُلِّ ثُلُثٍ ثَمَنُهَا. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَقُولَ رَبُّ الْحَقِّ] : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَعَدَّدَ فِيهَا الْحُمَلَاءُ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبِ صُوَرِهَا أَرْبَعٌ: أَوَّلُهَا: تَعَدُّدُهُمْ وَلَمْ يَشْتَرِطْ حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ وَلَا أَخَذَ أَيُّهُمْ شَاءَ بِحَقِّهِ، فَلَا يُؤْخَذُ كُلٌّ إلَّا بِحِصَّتِهِ. ثَانِيهَا: اشْتَرَطَ حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ وَلَمْ يَقُلْ: أَيُّكُمْ شِئْت أَخَذْت بِحَقِّي، فَيُؤْخَذُ مَنْ وَجَدَ بِجَمِيعِ الْحَقِّ إنْ غَابَ الْبَاقِي أَوْ أُعْدِمَ أَوْ مَاتَ. ثَالِثُهَا: اشْتَرَطَ حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، وَقَالَ مَعَ ذَلِكَ: أَيُّكُمْ شِئْت أَخَذْتُ بِحَقِّي، فَلَهُ أَخْذُ أَيْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِجَمِيعِ الْحَقِّ وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ حَاضِرًا مَلِيئًا. وَلِلْغَارِمِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ الرُّجُوعُ عَلَى أَصْحَابِهِ أَوْ عَلَى الْغَرِيمِ. رَابِعُهَا: تَعَدَّدَ الْحُمَلَاءُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، وَقَالَ: أَيُّكُمْ شِئْتُ أَخَذْتُ بِحَقِّي، فَيُؤْخَذُ أَيَّ وَاحِدٍ: بِجَمِيعِ الْحَقِّ وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ حَاضِرًا مَلِيئًا، وَلَيْسَ لِلْغَارِمِ الرُّجُوعُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ بَلْ عَلَى الْغَرِيمِ. وَهَذِهِ الْأَرْبَعُ حُمَلَاءُ غَيْرُ غُرَمَاءَ وَمِثْلُهَا فِي الْحُمَلَاءِ الْغُرَمَاءُ: وَسَيَأْتِي الشَّارِحُ يُصَرِّحُ بِحَاصِلِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [كَتَرَتُّبِهِمْ فِي الْحَمَالَةِ] : تَشْبِيهٌ فِيمَا إذَا كَانُوا حُمَلَاءَ غَيْرَ غُرَمَاءَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ وَقَالَ لَهُمْ: أَيُّكُمْ شِئْت أَخَذْتُ بِحَقِّي كَمَا بَيَّنَهُ الشَّارِحُ قَبْلُ.

وَاحِدٍ، أَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ: ضَمَانُهُ عَلَيَّ، أَوْ: أَنَا ضَامِنٌ لَهُ، فَلِرَبِّ الْحَقِّ أَخْذُ حَقِّهِ مِمَّنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَلَوْ كَانَ الْجَمِيعُ حَاضِرِينَ أَمْلِيَاءَ، عَلِمَ أَحَدُهُمْ بِحَمَالَةِ الْآخَرِ أَمْ لَا. وَرَجَعَ الدَّافِعُ عَلَى الْغَرِيمِ بِجَمِيعِ الْحَقِّ الَّذِي دَفَعَهُ عَنْهُ، وَلَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْحُمَلَاءِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ) : أَيْ حَمَالَةُ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ - وَهَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَلَمْ يَشْتَرِطْ " إلَخْ - (أَخَذَ كُلٌّ) مِنْ الْحُمَلَاءِ (بِهِ) : أَيْ بِجَمِيعِ الْحَقِّ، سَوَاءٌ قَالَ: أَيُّكُمْ شِئْت إلَخْ، أَوْ لَا. إلَّا أَنَّهُ إنْ قَالَ: آخُذُ كُلًّا وَلَوْ حَضَرَ الْبَاقِي مَلِيًّا (وَرَجَعَ) الدَّافِعُ عَلَى مَنْ لَقِيَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ (بِغَيْرِ مَا أَدَّى عَنْ نَفْسِهِ بِكُلٍّ) : مُتَعَلِّقٌ بِرَجَعَ؛ أَيْ يَرْجِعُ بِجَمِيعِ (مَا عَلَى الْمَلْقِيِّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْقَافِ (ثُمَّ سَاوَاهُ) فِيمَا عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَلْقَهُ إذَا كَانَ الْحَقُّ عَلَيْهِمْ، بِأَنْ كَانُوا غُرَمَاءَ؛ كَثَلَاثَةٍ اشْتَرَوْا سِلْعَةً بِثَلَثِمِائَةٍ وَشَرَطَ الْبَائِعُ حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ فَإِذَا لَقِيَ أَحَدُهُمْ أَخَذَ مِنْهُ جَمِيعَ الْحَقِّ. ثُمَّ إذَا لَقِيَ الدَّافِعُ وَاحِدًا مِنْ صَاحِبَيْهِ أَخَذَ مِنْهُ مَا عَلَيْهِ وَهِيَ مِائَةٌ، ثُمَّ يُسَاوِيهِ فِي الْمِائَةِ الْبَاقِيَةِ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ أَيْضًا خَمْسِينَ، ثُمَّ إذَا لَقِيَ أَحَدُهُمَا الثَّالِثَ أَخَذَ مِنْهُ خَمْسِينَ. بَلْ (وَلَوْ كَانَ الْحَقُّ عَلَى غَيْرِهِمْ) : بِأَنْ كَانُوا حُمَلَاءَ عَنْ غَرِيمٍ؛ (كَثَلَاثَةٍ حُمَلَاءَ بِثَلَثِمِائَةٍ) عَنْ غَرِيمٍ اشْتَرَطَ رَبُّهَا حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضِ (لَقِيَ رَبُّ الْحَقِّ أَحَدَهُمْ أَخَذَ مِنْهُ الْجَمِيعَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ] : أَيْ لِكَوْنِهِ لَمْ يَكُنْ بَعْضُهُمْ حَمِيلًا عَنْ بَعْضٍ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنَّهُ إنْ قَالَ] : أَيْ أَيِّكُمْ شِئْت أَخَذْت بِحَقِّي. وَقَوْلُهُ: [آخُذُ كُلًّا] : أَيْ أَيَّ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَطَ حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ وَلَمْ يَقُلْ أَيُّكُمْ شِئْت إلَخْ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ جَمِيعَ الْحَقِّ مِمَّنْ وَجَدَهُ إنْ عَدِمَ غَيْرَهُ أَوْ مَاتَ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْقَافِ] : أَيْ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ الثَّلَاثِي وَأَصْلُهُ مَلْقُوِّي كَمَرْمَى وَمَبْنَى، اجْتَمَعَتْ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسُبِقَتْ إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ الْيَاءُ فِي الْيَاءِ وَقُلِبَتْ الضَّمَّةُ كَسْرَةً. قَوْلُهُ: [ثُمَّ إذَا لَقِيَ أَحَدُهُمَا الثَّالِثَ أَخَذَ مِنْهُ خَمْسِينَ] : أَيْ فَكُلٌّ يَأْخُذُ مِنْهُ خَمْسِينَ فَيَصِيرُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ مِائَةً هِيَ الَّتِي عَلَيْهِ بِالْأَصَالَةِ.

أَيْ الثَّلَثَمِائَةِ (فَإِنْ لَقِيَ) الْغَارِمُ (أَحَدَهُمَا أَخَذَهُ) بِغَيْرِ مَا أَدَّى عَنْ نَفْسِهِ وَهِيَ مِائَةٌ فَيَأْخُذُهُ (بِمِائَةٍ) وَهِيَ مَا عَلَى الْمَلْقِيِّ (ثُمَّ) سَاوَاهُ فِي الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ الَّتِي عَلَى غَيْرِ الْمَلْقِيِّ، فَيَأْخُذُهُ (بِخَمْسِينَ) فَرَّقَ الْمِائَةَ، فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ غَرِمَ مِائَةً وَخَمْسِينَ. فَإِذَا أَلْقَى أَحَدُهُمَا الثَّالِثَ أَخَذَهُ بِخَمْسِينَ ثُمَّ كُلٌّ مِنْهُمْ يَرْجِعُ عَلَى الْغَرِيمِ بِمِائَةٍ. وَقَوْلُهُ " وَلَوْ كَانَ " إلَخْ: أَيْ بِنَاءً عَلَى تَأْوِيلِ الْأَكْثَرِ. وَقَدْ عَلِمْت مِنْ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ تَعَدُّدَ الْحُمَلَاءِ فِيهِ ثَمَانِيَةُ صُوَرٍ؛ لِأَنَّهُ: إمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ أَوْ لَا، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَقُولَ: أَيُّكُمْ شِئْت أَخَذْت بِحَقِّي أَوْ لَا، وَفِي كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ: إمَّا أَنْ يَكُونُوا حُمَلَاءَ أَوْ غُرَمَاءَ. فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَمْ يَأْخُذْ كُلًّا إلَّا بِحِصَّتِهِ؛ إذَا لَمْ يَقُلْ أَيُّكُمْ إلَخْ. فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ أَخَذَ كُلًّا بِجَمِيعِ الْحَقِّ. وَإِنْ اشْتَرَطَ فَكَذَلِكَ سَوَاءٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ بِنَاءً عَلَى تَأْوِيلِ الْأَكْثَرِ] : أَيْ وَأَمَّا عَلَى تَأْوِيلِ الْأَقَلِّ فَيُقَاسِمُهُ فِي الثَّلَثِمِائَةِ عَلَى كُلٍّ مِائَةٌ وَخَمْسِينَ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ إذَا أَدَّيْت ثَلَثَمِائَةٍ أَنْتَ حَمِيلٌ مَعِي بِهَا فَيَأْخُذُ مِنْهُ مِائَةً وَخَمْسِينَ، فَإِذَا أَلْقَى أَحَدُهُمْ الثَّالِثَ قَاسَمَهُ فِيمَا دَفَعَهُ وَهُوَ الْمِائَةُ وَالْخَمْسُونَ فَيَأْخُذُ مِنْهُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ فَرَجَعَ الْأَمْرُ فِي الْمَبْدَأِ إلَى تَوَافُقِ الْقَوْلَيْنِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْمُنْتَهَى. وَتَظْهَرُ أَيْضًا فَائِدَةُ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا غَرِمَ الْأَوَّلُ مِائَةً فَأَقَلَّ لِعَدَمِ وُجُودِ غَيْرِهَا عِنْدَهُ، فَعَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى مَنْ لَقِيَهُ بِشَيْءٍ إذْ لَا رُجُوعَ لَهُ بِمَا يَخُصُّهُ، وَعَلَى قَوْلِ الْأَقَلِّ: يُقَاسِمُهُ فِيمَا غَرِمَ. وَلَوْ غَرِمَ الْأَوَّلُ مِائَةً وَعِشْرِينَ لِعَدَمِ وُجُودِ غَيْرِهَا فَعَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ: يَأْخُذُ مِنْ الْمُلْقَى عَشْرَةً، وَعَلَى مُقَابِلِهِ: يَأْخُذُ سِتِّينَ كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [ثَمَانِيَةُ صُوَرٍ] : الْمُنَاسِبُ ثَمَانِ صُوَرٍ. قَوْلُهُ: [إمَّا أَنْ يَكُونُوا] إلَخْ: هُنَا إسْقَاطٌ إنْ بَعُدَ إمَّا بِدَلِيلِ نَصْبِ الْفِعْلِ. قَوْلُهُ: [حُمَلَاءَ] : أَيْ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [أَوْ غُرَمَاءُ] : أَيْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِمْ حُمَلَاءَ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَمْ يَأْخُذْ كُلًّا] إلَخْ: رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِمْ حُمَلَاءَ وَغُرَمَاءَ أَوْ حُمَلَاءَ فَقَطْ فَرَجَعَتْ لِصُورَتَيْنِ فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ أَخَذَ كُلًّا بِجَمِيعِ الْحَقِّ أَيْ كَانُوا حُمَلَاءَ فَقَطْ أَوْ حُمَلَاءَ وَغُرَمَاءَ فَهَاتَانِ صُورَتَانِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ اشْتَرَطَ فَكَذَلِكَ] : رَاجِعٌ لِأَوَّلِ الْأَقْسَامِ وَتَحْتَهَا صُوَرٌ أَرْبَعٌ

قَالَ: أَيُّكُمْ شِئْتُ أَخَذْتُ بِحَقِّي أَوْ لَا، إلَّا أَنَّهُ إذَا قَالَ فَلَهُ أَخْذُ الْجَمِيعِ وَلَوْ كَانَ الْبَاقِي حَاضِرًا مَلِيًّا. وَإِذَا لَمْ يَقُلْ يَأْخُذُ جَمِيعَ الْحَقِّ إلَّا عِنْدَ تَعَسُّرِ الْأَخْذِ مِنْ الْبَاقِي بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَالتَّرَاجُعُ قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ. وَهَذِهِ الثَّمَانِيَةُ غَيْرُ مَسْأَلَةِ التَّرَتُّبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْأَرْبَعِ الْمُتَقَدِّمَةِ. قَوْلُهُ: [لَمْ يَأْخُذْ جَمِيعَ الْحَقِّ] : أَيْ مِمَّنْ وَجَدَهُ بَلْ يَأْخُذُ حِصَّتَهُ. قَوْلُهُ: [بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ] : أَيْ وَهُوَ الْعَدَمُ وَالْغَيْبَةُ. تَنْبِيهٌ: مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ - الَّتِي أَفْرَدَهَا بَعْضُهُمْ بِالتَّأْلِيفِ - وَهِيَ: أَنَّ سِتَّةَ أَشْخَاصٍ اشْتَرَوْا سِلْعَةً بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ شَخْصٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةٌ بِالْأَصَالَةِ وَالْبَاقِي بِالْحَمَالَةِ. وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ كَيْفِيَّةَ التَّرَاجُعِ فِيهَا عَلَى وَجْهٍ يَسْهُلُ تَنَاوُلُهُ عَلَى الْمُبْتَدِئِ فَقَالَ: إذَا لَقِيَ رَبُّ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ أَخَذَ مِنْهُ سِتَّمِائَةٍ: مِائَةً أَصَالَةً وَخَمْسَمِائَةٍ حَمَالَةً عَنْ أَصْحَابِهِ الْخَمْسَةِ، فَإِذَا لَقِيَ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ غَرِمَ لَهُ ثَلَثَمِائَةٍ أَصَالَةً وَمِائَتَيْنِ حَمَالَةً عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ خَمْسُونَ، فَإِذَا لَقِيَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي الثَّالِثُ غَرِمَ لِلْأَوَّلِ خَمْسِينَ أَصَالَةً وَخَمْسَةً وَسَبْعِينَ حَمَالَةً عَنْ أَصْحَابِهِ الثَّلَاثَةِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَغَرِمَ أَيْضًا لِلثَّانِي خَمْسِينَ أَصَالَةً وَسَبْعَةً وَثَلَاثِينَ وَنِصْفًا حَمَالَةً عَنْ أَصْحَابِهِ الثَّلَاثَةِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ اثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٍ، فَإِذَا لَقِيَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ الرَّابِعَ غَرِمَ لِلْأَوَّلِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَصَالَةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ حَمَالَةً عَنْ صَاحِبَيْهِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ اثْنَا عَشْرَ وَنِصْفٍ وَغَرِمَ أَيْضًا لِلثَّانِي سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ وَنِصْفًا أَصَالَةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ حَمَالَةً عَنْ صَاحِبَيْهِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ اثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٍ، وَغَرِمَ أَيْضًا لِلثَّالِثِ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ وَنِصْفًا أَصَالَةً وَاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفًا حَمَالَةً عَنْ صَاحِبِيهِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةٌ وَرُبُعٌ، فَإِذَا لَقِيَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ الْخَامِسَ غَرِمَ لِلْأَوَّلِ اثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفُهَا أَصَالَةٌ وَسِتَّةٌ وَرُبْعًا حَمَالَةً عَنْ صَاحِبِهِ وَغَرِمَ لِلثَّانِي أَيْضًا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَصَالَةً وَتِسْعَةً وَثَلَاثَةَ أَثْمَانٍ حَمَالَةً عَنْ صَاحِبِهِ وَغَرِمَ أَيْضًا لِلثَّالِثِ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ وَرُبُعًا أَصَالَةً وَسَبْعَةً وَسِتَّةَ أَثْمَانٍ وَنِصْفَ ثُمُنٍ حَمَالَةً عَنْ صَاحِبِهِ وَغَرِمَ لِلرَّابِعِ أَيْضًا أَحَدًا وَثَلَاثِينَ وَرُبْعًا أَصَالَةً وَثَلَاثَةً وَسَبْعَةَ أَثْمَانٍ وَرُبْعَ ثُمُنٍ حَمَالَةً عَلَى صَاحِبِهِ، فَإِذَا لَقِيَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ السَّادِسَ غَرِمَ لِلْأَوَّلِ سِتَّةً وَرُبْعًا أَصَالَةً وَغَرِمَ لِلثَّانِي خَمْسَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةَ أَثْمَانٍ أَصَالَةً وَغَرِمَ لِلثَّالِثِ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ وَثَلَاثَةَ أَثْمَانٍ وَنِصْفَ ثُمُنٍ أَصَالَةً وَغَرِمَ لِلرَّابِعِ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَرْبَعًا وَثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ ثُمُنٍ أَصَالَةً وَغَرِمَ لِلْخَامِسِ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ وَرُبْعًا وَثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ ثُمُنٍ أَصَالَةً؛ فَقَدْ وَصَلَ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَالسَّلَامُ. وَقَدْ ضَبَطَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْعَلَامَةُ (شب) فِي جَدْوَلٍ:

[ضمان الوجه]

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الضَّمَانِ، وَهُوَ ضَمَانُ الْوَجْهِ فَقَالَ: (وَضَمَانُ الْوَجْهِ) هُوَ (الْتِزَامُ الْإِتْيَانِ بِالْغَرِيمِ عِنْدَ) حُلُولِ (الْأَجَلِ) (وَبَرِئَ) مِنْ الضَّمَانِ (بِتَسْلِيمِهِ) : أَيْ الْمَضْمُونِ (لَهُ) : أَيْ لِرَبِّ الْحَقِّ (وَإِنْ) كَانَ الْمَضْمُونُ (عَدِيمًا) ، لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا وَجْهَهُ (أَوْ) كَانَ الْمَضْمُونُ (بِسِجْنٍ) : أَيْ فِيهِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: غَرِيمُك فِي هَذَا السِّجْنِ فَشَأْنُك بِهِ (أَوْ) سَلَّمَهُ لَهُ (بِغَيْرِ الْبَلَدِ) : أَيْ غَيْرِ بَلَدِ رَبِّ الْحَقِّ أَوْ غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ التَّعَامُلُ وَالضَّمَانُ (إنْ كَانَ بِهِ) : أَيْ بِغَيْرِ الْبَلَدِ (حَاكِمٌ) يَقْضِي بِالْحَقِّ. (وَ) بَرِئَ الضَّامِنُ (بِتَسْلِيمِهِ) : أَيْ الْمَضْمُونِ نَفْسِهِ لِرَبِّ الْحَقِّ (إنْ أَمَرَهُ) الضَّامِنُ (بِهِ) : أَيْ بِالتَّسْلِيمِ بِأَنْ قَالَ: اذْهَبْ لِرَبِّ الْحَقِّ وَسَلِّمْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [ضَمَانُ الْوَجْهِ] قَوْلُهُ: [وَهُوَ ضَمَانُ الْوَجْهِ] : الْمُرَادُ بِالْوَجْهِ الذَّاتُ وَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْبَعْضِ وَإِرَادَةِ الْكُلِّ وَلَا يَلْزَمُ هَذَا الضَّمَانَ إلَّا أَهْلَ التَّبَرُّعِ كَضَمَانِ الْمَالِ. قَوْلُهُ: [وَبَرِئَ الضَّمَانُ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ وَلَعَلَّ " مِنْ " سَاقِطَةٌ وَالْأَصْلُ مِنْ الضَّمَانِ. قَوْلُهُ: [أَوْ كَانَ الْمَضْمُونُ بِسِجْنٍ] : فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ وَمَحَلُّ الْبَرَاءَةِ بِذَلِكَ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى الضَّامِنِ تَسْلِيمَ الْمَضْمُونِ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ وَإِلَّا فَلَا يَبْرَأُ بِذَلِكَ. وَبَرَاءَتُهُ بِتَسْلِيمِهِ لَهُ فِي السِّجْنِ تَحْصُلُ سَوَاءٌ كَانَ مَسْجُونًا بِحَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ لِإِمْكَانِ أَنْ يُحَاكِمَهُ رَبُّ الدَّيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي الَّذِي حَبَسَهُ. فَإِنْ مَنَعَ هَذَا الطَّالِبَ مِنْهُ وَمِنْ الْوُصُول إلَيْهِ جَرَى ذَلِكَ مَجْرَى مَوْتِهِ وَهُوَ يُسْقِطُ الْكَفَالَةَ وَبِهِ الْعَمَلُ قَالَ فِي نَظْمِ الْعَمَلِيَّاتِ: وَضَامِنُ مَضْمُونِهِ قَدْ حَضَرَا ... بِمَوْضِعِ إخْرَاجِهِ تَعَذَّرَا يَكْفِيه مَا لَمْ يَضْمَنْ الْإِحْضَارَ لَهُ ... بِمَنْزِلِ الشَّرْعِ فَتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ (اهـ - بْن) . قَوْلُهُ: [إنْ كَانَ بِهِ] إلَخْ: الْمُرَادُ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْبَلَدُ الَّذِي أُحْضِرَ فِيهِ يُمْكِنُهُ خَلَاصُ الْحَقِّ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ بِحَاكِمٍ أَوْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. قَوْلُهُ: [إنْ أَمَرَهُ الضَّامِنُ بِهِ] : أَيْ لِأَنَّهُ إذَا أَمَرَهُ بِهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ كَانَ كَوَكِيلِ الضَّامِنِ فِي التَّسْلِيمِ.

نَفْسَك فَفَعَلَ، فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ لَمْ يَبْرَأْ (وَحَلَّ الْحَقُّ) فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ. (وَإِلَّا) بِأَنْ فَقَدْ شَيْءٌ مِمَّا تَقَدَّمَ (أَغْرَمَ) الضَّامِنُ الْحَقَّ لِرَبِّهِ (بَعْدَ تَلَوُّمٍ خَفَّ) مِنْ الْحَاكِمِ بِالنَّظَرِ لَعَلَّ الضَّامِنَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ وَمَحَلُّ التَّلَوُّمِ (إنْ) كَانَ الْمَضْمُونُ حَاضِرًا أَوْ (قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ كَالْيَوْمَيْنِ) لَا أَكْثَرَ، فَإِنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ كَالثَّلَاثَةِ فَأَكْثَرَ غَرِمَ مَكَانَهُ. (وَ) إذَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْغُرْمِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ أَوْ بِلَا تَلَوُّمٍ فِي بَعِيدِ الْغَيْبَةِ فَأَحْضَرَ الْمَضْمُونَ (لَا يَنْفَعُهُ إحْضَارُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ) بِهِ عَلَيْهِ (لَا) يَغْرَمُ (إنْ أَثْبَتَ عَدَمَهُ) : أَيْ عُمْرَهُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ (فِي غَيْبَتِهِ) : أَيْ الْمَضْمُونِ. وَأَمَّا الْحَاضِرُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمٍ لِرَبِّ الْحَقِّ إذْ لَا بُدَّ فِي ثُبُوتِ عُسْرِهِ مِنْ يَمِينِ مَنْ شَهِدَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ بِالْعَدَمِ بِخِلَافِ الْغَائِبِ فَيَكْفِي مُجَرَّدُ الْبَيِّنَةِ (أَوْ) أَثْبَتَ (مَوْتِهِ) وَلَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالضَّمَانِ، لِأَنَّهُ حُكْمٌ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ: وَالْمُرَادُ ثَبَتَ الْعَدَمُ بَعْدَ مَوْتِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَإِنْ ثَبَتَ مَوْتُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ غَرِمَ. (وَلِلزَّوْجِ رَدُّهُ) : أَيْ ضَمَانُ الْوَجْهِ عَنْ زَوْجَتِهِ إذَا ضَمِنَتْ، وَلَوْ كَانَ دَيْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ لَمْ يَبْرَأْ] إلَخْ: مَحَلُّ عَدَمِ بَرَاءَتِهِ إذَا سَلَّمَهُ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ مِنْ الضَّامِنِ مَا لَمْ يَقُلْ الضَّامِنُ: أَضْمَنُ لَك وَجْهَهُ بِشَرْطِ أَنَّك إذَا قَدَرْت عَلَيْهِ أَوْ جَاءَ بِنَفْسِهِ سَقَطَ الضَّمَانُ عَنِّي، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ عَمِلَ بِشَرْطِهِ. قَوْلُهُ: [وَحَلَّ الْحَقُّ] : شَرْطٌ ثَانٍ أَيْ فَلَا يَبْرَأُ بِمَا ذُكِرَ إلَّا إذَا كَانَ وَقْتُ التَّسْلِيمِ حَلَّ الْحَقُّ عَلَى الْمَضْمُونِ، وَسَوَاءٌ حَلَّ عَلَى الضَّامِنِ أَمْ لَا كَمَا لَوْ أَخَّرَهُ رَبُّ الْحَقِّ وَحَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ تَأْخِيرَ غَرِيمِهِ، قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ. قَوْلُهُ: [أَغْرَمَ الضَّامِنُ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ، خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْقَائِلِ إنَّهُ لَا يَلْزَمُ ضَامِنَ الْوَجْهِ إحْضَارُهُ فَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ لَا غُرْمَ. قَوْلُهُ: [بَعْدَ تَلَوُّمٍ] إلَخْ: هَذَا فِي ضَامِنِ الْوَجْهِ، وَأَمَّا ضَامِنُ الْمَالِ فَهَلْ يَتَلَوَّمُ إذَا غَابَ الْأَصْلُ أَوْ أُعْدِمَ أَوْ يَغْرَمُ مِنْ غَيْرِ تَلَوُّمٍ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ الْمُعْتَمَدِ الثَّانِي. قَوْلُهُ: [وَالْمُرَادُ ثَبَتَ الْعَدَمُ بَعْدَ مَوْتِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ] : صَوَابُ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ: وَالْمُرَادُ ثَبَتَ عَدَمُهُ أَوْ مَوْتُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ إلَخْ، فَإِنَّ هَذَا التَّرْكِيبَ فَاسِدٌ

[ضمان الطلب]

الْمَضْمُونِ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِهَا لِأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ تُحْبَسُ أَوْ تَخْرُجُ لِلْخُصُومَةِ أَوْ لِطَلَبِ الْمَضْمُونِ وَفِي ذَلِكَ مَعَرَّةٌ، وَهَذَا إنْ ضَمِنَتْ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا، وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ. وَمِثْلُ ضَمَانِ الْوَجْهِ: ضَمَانُ الطَّلَبِ. [ضَمَانُ الطَّلَبِ] [تَنْبِيه إِن اخْتَلَفَا فِي ضمان وَجْه أَوْ مَال] ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَهُوَ ضَمَانُ الطَّلَبِ فَقَالَ: (وَضَمَانُ الطَّلَبِ: الْتِزَامُ طَلَبِهِ) وَالتَّفْتِيشُ عَلَيْهِ إنْ تَغَيَّبَ ثُمَّ يَدُلُّ رَبُّ الْحَقِّ عَلَيْهِ وَ (وَإِنْ يَأْتِ بِهِ) لِرَبِّ الْحَقِّ، وَلِذَا صَحَّ ضَمَانُ الطَّلَبِ فِي غَيْرِ الْمَالِ مِنْ الْحُقُوقِ الْبَدَنِيَّةِ كَالْقِصَاصِ وَالتَّعَازِيرِ وَالْحُدُودِ، بِخِلَافِ ضَمَانِ الْوَجْهِ. وَأَشَارَ إلَى صِيغَتِهِ الْمُحَقَّقَةِ لَهُ، وَأَنَّهَا إمَّا بِصَرِيحِ لَفْظِهِ وَإِمَّا بِضَمَانِ الْوَجْهِ مَعَ شَرْطِ نَفْيِ ضَمَانِ الْمَالِ بِقَوْلِهِ: (كَ: أَنَا حَمِيلٌ بِطَلَبِهِ) أَوْ عَلَى طَلَبِهِ أَوْ لَا أَضْمَنُ إلَّا طَلَبَهُ (أَوْ اشْتَرَطَ نَفْيَ الْمَالِ) كَأَنْ يَقُولَ: أَضْمَنُ وَجْهَهُ بِشَرْطِ عَدَمِ غُرْمِ الْمَالِ إنْ لَمْ أَجِدْهُ (أَوْ) قَالَ: (لَا أَضْمَنُ إلَّا وَجْهَهُ) : أَيْ دُونَ غُرْمِ الْمَالِ فَضَمَانُ طَلَبٍ. (وَ) إذَا ضَمِنَهُ كَذَلِكَ (طَلَبَهُ بِمَا يَقْوَى عَلَيْهِ) عَادَةً (إنْ غَابَ) عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ عَنْ الْبَلَدِ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ (وَعَلِمَ مَوْضِعَهُ) . وَأَمَّا الْحَاضِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: فَإِنْ ثَبَتَ مَوْتُهُ: أَيْ أَوْ عَدَمُهُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ إثْبَاتَ الْعَدَمِ أَوْ الْمَوْتِ لَا يَنْفَعُ الضَّامِنَ إلَّا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّ حُصُولَهُمَا كَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْغُرْمِ - فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَلِذَا صَحَّ ضَمَانُ الْوَجْهِ] إلَخْ: الصَّوَابُ ضَمَانُ الطَّلَبِ. قَوْلُهُ: [كَالْقِصَاصِ] : حَاصِلُهُ أَنَّ ضَمَانَ الطَّلَبِ إنْ كَانَ الْمَضْمُونُ فِيهِ مَالٌ وَفَرَّطَ الضَّامِنُ فِي الْإِتْيَانِ بِالْمَضْمُونِ أَوْ هَرَّبَهُ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ. وَإِنْ كَانَ الضَّمَانُ فِي قِصَاصٍ أَوْ جُرْحٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ تَرَتَّبَ عَلَى الْمَضْمُونِ وَفَرَّطَ الضَّامِنُ فِي الْإِتْيَانِ بِهِ أَوْ هَرَّبَهُ، فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ فَقَطْ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَمُقَابِلُهُ: إنْ لَمْ يَأْتِ بِالْمَضْمُونِ فِي الْقِصَاصِ أَوْ الْجُرْحِ لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ. قَوْلُهُ: [وَعَلِمَ مَوْضِعَهُ] إلَخْ: أَيْ لِمَا فِي التَّوْضِيحِ وَالْمَوَّاقِ نَقْلًا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّ مَعْلُومَ الْمَوْضِعِ إنْ كَانَ مِثْلَ الْحَمِيلِ يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كُلِّفَ بِذَلِكَ، وَإِنْ تَضْعُفْ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ

فَيَطْلُبُهُ فِي الْبَلَدِ وَمَا قَارَبَهُ إذَا جَهِلَ مَوْضِعَهُ. وَمَفْهُومُ " وَعَلِمَ " إلَخْ: أَنَّهُ إنْ غَابَ وَلَمْ يَعْلَمْ مَوْضِعَهُ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ بِالتَّفْتِيشِ عَنْهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ. فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ صُدِّقَ. (وَحَلَفَ مَا قَصَّرَ) فِي طَلَبِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَوْضِعَهُ. (وَلَا غُرْمَ) عَلَيْهِ (إلَّا إذَا فَرَّطَ) فِي الطَّلَبِ حَتَّى لَمْ يَتَمَكَّنْ رَبُّ الْحَقِّ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ؛ كَأَنْ طَلَبَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِهِ وَتَرَكَ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ بِهِ. وَأَوْلَى إنْ هَرَّبَهُ أَوْ عَلِمَ مَوْضِعَهُ وَلَمْ يَدُلَّ رَبُّ الْحَقِّ عَلَيْهِ (وَحَمَلَ) الضَّمَانَ (فِي مُطْلَقِ) قَوْلِ الضَّامِنِ: (أَنَا حَمِيلٌ أَوْ زَعِيمٌ أَوْ كَفِيلٌ وَشَبَهُهُ) كَ: أَنَا ضَامِنٌ، أَوْ: عَلَيَّ ضَمَانُهُ، أَوْ: أَنَا قَبِيلٌ، أَوْ: عِنْدِي وَإِلَيَّ وَعَلَى (عَلَيَّ) ضَمَانُ (الْمَالِ، عَلَى الْأَصَحِّ) عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ وَابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِمَا. وَمُقَابِلُهُ: يَحِلُّ عَلَى الْوَجْهِ. وَالْمُرَادُ بِالْمُطْلَقِ: مَا خَلَا عَنْ التَّقْيِيدِ بِشَيْءٍ مِنْ لَفْظٍ أَوْ قَرِينَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَحَلَفَ مَا قَصَّرَ] : الْمُتَيْطِيُّ: إذَا خَرَجَ لِطَلَبِهِ ثُمَّ قَدِمَ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ بَرِئَ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ يَذْهَبُ فِيهَا لِلْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَيَرْجِعُ، وَغَايَةُ مَا عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا قَصَّرَ فِي طَلَبِهِ وَلَا دَلَّسَ وَلَا يَعْرِفُ لَهُ مُسْتَقَرًّا وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْأَجِيرِ عَلَى تَبَلُّغِ الْكِتَابِ - كَذَا فِي (بْن) قَوْلُهُ: [كَأَنْ طَلَبَهُ] إلَخْ: مِثَالٌ لِلتَّفْرِيطِ. قَوْلُهُ: [وَحَمَلَ الضَّمَانَ فِي مُطْلَقٍ] : إلَخْ حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ لَفْظًا مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَقَيَّدَ بِالْوَجْهِ أَوْ الْمَالِ أَوْ الطَّلَبِ أَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى وَاحِدٍ، انْصَرَفَ الضَّمَانُ لَهُ وَلَا كَلَامَ. وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْوَجْهَ أَوْ غَيْرَهُ فَقَوْلَانِ كَمَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ. وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا فَاخْتُلِفَ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْمَالِ أَوْ الْوَجْهِ؛ اخْتَارَ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمَالِ، وَنَقَلَ الْمَازِرِيُّ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْوَجْهِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحَمِيلُ غَارِمٌ وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ» . قَوْلُهُ: [وَمُقَابِلُهُ] إلَخْ: هُوَ مَا لِلْمَازِرِيِّ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: إنْ اخْتَلَفَا بِأَنْ قَالَ الضَّامِنُ: شَرَطْت الْوَجْهَ أَوْ أَرَدْته، وَقَالَ الطَّالِبُ: بَلْ الْمَالَ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الضَّامِنِ بِيَمِينٍ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ يَدَّعِي عِمَارَةَ ذِمَّةِ الْأَصْلِ بَرَاءَتِهَا. وَأَمَّا لَوْ اخْتَلَفَا فِي وُقُوعِ الْمَضْمُونِ فِيهِ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحُلُولِ وَلَوْ كَانَ هُوَ الطَّالِبُ اتِّفَاقًا، بِخِلَافِ اخْتِلَافِهِمَا فِي حُلُولِ الْمُؤَجَّلِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي عَدَمِهِ.

[باب في بيان الشركة وأحكامها وأقسامها]

بَابٌ فِي بَيَانِ الشَّرِكَةِ وَأَحْكَامِهَا وَأَقْسَامِهَا وَهِيَ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَبِفَتْحِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ وَفَتْحٍ فَسُكُونٍ لُغَةً: الِاخْتِلَاطُ. وَشَرْعًا، مَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (الشَّرِكَةُ عَقْدُ مَالِكَيْ مَالَيْنِ) وَمَالِكَيْ: تَثْنِيَةُ مَالِكٍ، وَقَوْلُهُ: (فَأَكْثَرَ) : أَيْ أَكْثَرَ مِنْ مَالِكٍ كَثَلَاثَةٍ (عَلَى التَّجْرِ) مُتَعَلِّقٌ بِعَقْدٍ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمَالَيْنِ (مَعًا) : أَيْ مَعَ أَنْفُسِهِمَا أَيْ كُلٍّ مِنْهُمَا يُتَاجِرُ فِي الْمَالَيْنِ مَعَ صَاحِبِهِ وَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَكَان مُنْعَزِلٍ عَنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ مِنْ رِبْحٍ أَوْ خُسْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي بَيَانِ الشَّرِكَةِ وَأَحْكَامِهَا وَأَقْسَامِهَا] [تَعْرِيف شَرِكَة التَّجْر وَشَرِكَة الأبدان] بَابٌ: لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ مَسَائِلِ الضَّمَانِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الشَّرِكَةِ لِأَنَّهَا تَسْتَلْزِمُ الضَّمَانَ فِي غَالِبِ أَقْسَامِهَا، وَالْمُرَادُ بِالشَّرِكَةِ: تَعْرِيفُهَا. قَوْلُهُ: [وَأَحْكَامُهَا] : أَيْ مَسَائِلُهَا الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَا. وَقَوْلُهُ: [وَأَقْسَامُهَا] : أَيْ السِّتَّةُ، وَهِيَ: الْمُفَاوَضَةُ، وَالْعَنَانُ، وَالْجَبْرُ، وَالْعَمَلُ، وَالذِّمَمُ، وَالْمُضَارَبَةُ - وَهِيَ الْقِرَاضُ - وَذَكَرَهَا مُرَتَّبَةً هَكَذَا. قَوْلُهُ: [وَهِيَ بِكَسْرِ الشِّينِ] . . . إلَخْ: هَذِهِ اللُّغَةُ الْأُولَى أَفْصَحُهَا. قَوْلُهُ: [تَثْنِيَةُ مَالِكٍ] : أَيْ فَأَصْلُ " مَالِكَيْ " مَالِكَيْنِ لِمَالَيْنِ حُذِفَتْ النُّونُ لِلْإِضَافَةِ وَاللَّامُ لِلتَّخْفِيفِ. قَوْلُهُ: [أَيْ أَكْثَرَ مِنْ مَالِكٍ] : صَوَابُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَالِكَيْنِ أَيْ وَأَكْثَرُ مِنْ مَالَيْنِ إلَخْ فَقَوْلُهُ كَثَلَاثَةٍ أَيْ كَثَلَاثَةٍ مَالِكَيْنِ لِأَمْوَالٍ ثَلَاثَةٍ. قَوْلُهُ: [أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا يُتَاجِرُ فِي الْمَالَيْنِ] إلَخْ: أَيْ فَمَصَبُّ الْمَعِيَّةِ عَلَى التَّجْرِ: أَيْ فَهُمَا مُتَّحِدَانِ فِي التَّجْرِ فِي الْمَالِ وَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَكَان مُنْعَزِلٍ عَنْ الْآخَرِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ الْمَعِيَّةِ فِي الْمَكَانِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ مِنْ رِبْحٍ] إلَخْ: تَعْلِيلٌ لِلْمَعْنَى الْمُبَالَغِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ

يَكُونُ بَيْنَهُمَا. وَخَرَجَ بِذَلِكَ الْوَكَالَةُ وَالْقِرَاضُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَصَرَّفُ فِيمَا بِيَدِهِ لِلْآخَرِ اسْتِقْلَالًا، وَالشَّرِكَةُ وَقَعَ فِيهَا الْعَقْدُ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَتَصَرَّفُ فِيمَا بِيَدِهِ لَهُ وَلِصَاحِبِهِ مَعًا. وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى النَّوْعِ الْأَوَّلِ مِنْ الشَّرِكَةِ، وَهُوَ شَرِكَةُ التَّجْرِ. وَأَشَارَ إلَى النَّوْعِ الثَّانِي: وَهُوَ شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ) عَقَدَ (عَلَى عَمَلٍ) : كَخِيَاطَةٍ أَوْ حِيَاكَةٍ (بَيْنَهُمَا، وَالرِّبْحُ) فِي النَّوْعَيْنِ (بَيْنَهُمَا) عَلَى حَسَبِ مَا لِكُلٍّ أَوْ عَمَلِهِ (بِمَا يَدُلُّ عُرْفًا) فَلَا يُشْتَرَطُ صِيغَةٌ مَخْصُوصَةٌ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِذْنُ وَالرِّضَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَهَذَا التَّعْرِيفُ قَصَدَ بِهِ تَعْرِيفَ الشَّرِكَةِ الْمَعْهُودَةِ بَيْنَ النَّاسِ فِي التَّعَامُلِ، لَا شَرِكَةَ الْجَبْرِ كَالْإِرْثِ وَالْغَنِيمَةِ وَشَرِكَةِ الْمُتَبَايِعِينَ شَيْئًا بَيْنَهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ " إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَخَرَجَ بِذَلِكَ الْوَكَالَةُ وَالْقِرَاضُ] : أَيْ بِقَوْلِهِ مَعًا. وَقَوْلُهُ: [مِنْ الْجَانِبَيْنِ] : عَائِدٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْوَكَالَةِ وَالْقِرَاضِ، وَأَمَّا مِنْ جَانِبٍ فَقَدْ خَرَجَا بِقَوْلِهِ عَلَى التَّجْرِ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: [وَهُوَ شَرِكَةُ التَّجْرِ] : أَيْ فِي الْأَمْوَالِ. قَوْلُهُ: [عَلَى عَمَلٍ] : مَعْطُوفٌ عَلَى " التَّجْرِ " مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ " عَقَدَ " مَعَ مُلَاحَظَةِ تَجْرِيدِ فَاعِلِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ عَنْ وَصْفِهِ بِالْمَلَكِيَّةِ لِلْمَالَيْنِ بِأَنْ يُزَادَ مِنْهُ شَخْصَانِ فَأَكْثَرَ، وَيَصِيرُ الْمَعْنَى هَكَذَا: أَوْ عَقَدَ شَخْصَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى عَمَلٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: [بِمَا يَدُلُّ عُرْفًا] : حَاصِلُهُ أَنَّهَا تَلْزَمُ بِكُلِّ مَا دَلَّ عُرْفًا سَوَاءٌ كَانَ قَوْلًا فَقَطْ أَوْ فِعْلًا فَقَطْ وَأَوْلَى إذَا اجْتَمَعَا. قَوْلُهُ: [لَا شَرِكَةَ الْجَبْرِ كَالْإِرْثِ] إلَخْ: أَيْ فَشَرِكَةُ الْإِرْثِ وَالْغَنِيمَةِ وَشَرِكَةُ الْمُتَبَايِعَيْنِ شَيْئًا لَا يُقَالُ لَهَا شَرِكَةً عُرْفًا، وَإِنْ كَانَتْ شَرِكَةً لُغَةً. وَشَرِكَةُ الْجَبْرِ الْخَارِجَةُ غَيْرُ شَرِكَةِ الْجَبْرِ الْآتِيَةِ - الَّتِي هِيَ أَحَدُ الْأَقْسَامِ السِّتَّةِ؛ فَإِنَّهَا مَعْدُودَةٌ فِي الشَّرِكَةِ الْعُرْفِيَّةِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [شَيْئًا بَيْنَهُمَا] : أَيْ حَصَلَ لَهُمَا مِنْ غَيْرِ تَجْرٍ.

[أركان الشركة]

(وَلَزِمَتْ بِهِ) : أَيْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا مِنْ صِيغَةٍ لَفْظِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَفْظِيَّةٌ كَ: شَارِكْنِي، فَيَرْضَى الْآخَرُ بِسُكُوتٍ أَوْ إشَارَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الْمُفَاصَلَةُ قَبْلَ الْخَلْطِ إلَّا بِرِضَاهُمَا مَعًا عَلَى الْمَشْهُورِ الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ. فَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ: الْعَاقِدَانِ، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ - وَهُوَ الْمَالُ - وَالصِّيغَةُ. ثُمَّ بَيَّنَ الشُّرُوطَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهَا فَقَالَ: (وَصِحَّتُهَا) : أَنْ تَقَعَ (مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ) : وَهُوَ الْحُرُّ الْبَالِغُ الرَّشِيدُ الَّذِي يَصِحُّ مِنْهُ التَّوْكِيلُ وَالتَّوَكُّلُ؛ فَلَا يَصِحُّ مِنْ عَبْدٍ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ كَانَ مَأْذُونًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَزِمَتْ بِهِ] لُزُومُهَا بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ وَعِيَاضٌ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَمَذْهَبُ غَيْرِهِ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ إلَّا بِخَلْطِ الْمَالَيْنِ انْضَمَّ لِذَلِكَ صِيغَةٌ أَمْ لَا. ثُمَّ إنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ: " وَلَزِمَتْ بِهِ " إلَخْ وَلَوْ كَانَتْ شَرِكَةَ زَرْعٍ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ. وَالْآخَرُ: لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْعَمَلِ الْمَخْصُوصِ الَّذِي هُوَ الْبَذْرُ وَنَحْوُهُ كَمَا يَأْتِي. الْأَوَّلُ لِسَحْنُونٍ وَالثَّانِي لِابْنِ الْقَاسِمِ. [أَرْكَانُ الشَّرِكَةِ] قَوْلُهُ: [فَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ] : أَيْ إجْمَالًا، وَأَمَّا تَفْصِيلًا فَخَمْسَةٌ: اثْنَانِ فِي الْعَاقِدِ وَاثْنَانِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالصِّيغَةِ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ الْحُرُّ] إلَخْ: الْمُرَادُ الْحُرُّ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لِيَدْخُلَ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، فَإِنَّ شَرِكَتَهُ صَحِيحَةٌ وَلَوْ شَارَكَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [الَّذِي يَصِحُّ مِنْهُ التَّوْكِيلُ وَالتَّوَكُّلُ] : أَيْ إنَّمَا تَصِحُّ مِمَّنْ كَانَ مُتَأَهِّلًا لَأَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ وَيَتَوَكَّلُ لِغَيْرِهِ، لِأَنَّ الْعَاقِدَيْنِ لِلشَّرِكَةِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ وَمُوَكِّلٌ لِصَاحِبِهِ، فَمَنْ جَازَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَيَتَوَكَّلُ جَازَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ وَمِنْ لَا فَلَا. قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ مِنْ عَبْدٍ] إلَخْ: فَلَوْ اشْتَرَكَ عَبْدٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ مَعَ حُرٍّ ثُمَّ خَسِرَ الْمَالَ أَوْ تَلِفَ رَجَعَ سَيِّدُ الْعَبْدِ عَلَى الْحُرِّ بِرَأْسِ الْمَالِ إنْ اسْتَقَلَّ الْحُرُّ بِالْعَمَلِ، لَا إنْ عَمِلَا مَعًا فَلَا رُجُوعَ لِلسَّيِّدِ عَلَى الْحُرِّ. وَإِنْ عَمِلَ الْعَبْدُ وَحْدَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِلْحُرِّ، إلَّا أَنْ يَغُرَّ الْعَبْدُ الْحُرَّ بِحُرِّيَّتِهِ فَتَكُونَ خَسَارَةُ مَالِ الْحُرِّ جِنَايَةً فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ الَّذِي عَمِلَ، فَإِنْ كَانَا عَبْدَيْنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَوَاءٌ عَمِلَا مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا.

مِنْ قَبْلُ فِي التِّجَارَةِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ. (بِذَهَبَيْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِصِحَّتِهَا: أَيْ أَخْرَجَ هَذَا ذَهَبًا وَالْآخَرَ ذَهَبًا وَلَوْ اخْتَلَفَتْ السِّكَّةُ (أَوْ وَرِقَيْنِ) : بِأَنْ أَخْرَجَ هَذَا وَرِقًا وَالْآخَرُ وَرِقًا مِثْلَهُ (إنْ اتَّفَقَا) : أَيْ الذَّهَبَانِ أَوْ الْوَرِقَانِ (صُرِفَا) وَقْتَ الْعَقْدِ، لَا إنْ اخْتَلَفَا فِيهِ كَيَزِيدِيَّةٍ وَمُحَمَّدِيَّةٍ مُخْتَلِفَيْ الصَّرْفِ (وَوَزْنًا) لَا إنْ اخْتَلَفَا فِيهِ كَصِغَارٍ مِنْ جَانِبٍ وَكِبَارٍ مِنْ الْآخَرِ (وَجَوْدَةً أَوْ رَدَاءَةً) لَا نَحْوَ يَزِيدِيَّةٍ وَمُحَمَّدِيَّةٍ وَلَوْ اتَّفَقَ الصَّرْفُ فِيهِمَا وَلَوْ مِنْ الرِّبْحِ لِصَاحِبِ الْكِبَارِ أَوْ الْجَيِّدَةِ بِقَدْرِ صَرْفِهَا لِأَنَّهُ يَرْجِعُ لِلتَّقْوِيمِ فِي الْعَيْنِ وَالْعَيْنُ لَا تُقَوَّمُ. وَلَا تَصِحُّ بِتِبْرٍ وَمَسْكُوكٍ وَلَوْ سَاوَتْ جُودَةَ التِّبْرِ سِكَّةُ الْمَسْكُوكِ لِلْعِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي النَّقْدِ يُشْتَرَطُ فِيهَا الِاتِّفَاقُ فِي الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ لِتَرَكُّبِهَا مِنْ الْبَيْعِ وَالْوَكَالَةِ. فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وَاحِدٍ مِنْهَا فَسَدَتْ الشَّرِكَةُ. وَعِلَّتُهُ فِي اخْتِلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ إذَا اشْتَرَكَ صَبِيٌّ مَعَ بَالِغٍ أَوْ مَعَ صَبِيٍّ أَوْ اشْتَرَكَ سَفِيهٌ مَعَ مِثْلِهِ أَوْ مَعَ رَشِيدٍ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِي الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ كَوْنُهَا جِنَايَةً فِي رَقَبَتِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ اُنْظُرْ (عب) نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ] : تَشْبِيهٌ فِي حُكْمِ الْعَبْدِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ اخْتَلَفَتْ السِّكَّةُ] : أَيْ فَلَا يَضُرُّ كَوْنُ أَحَدِ الذَّهَبَيْنِ سِكَّتُهُ مُحَمَّدِيَّةٌ وَالْآخَرُ يَزِيدِيَّةٌ مَعَ فَرْضِ اتِّفَاقِهِمَا فِي الْجُودَةِ. قَوْلُهُ: [وَقْتَ الْعَقْدِ] : أَيْ فَلَا يَضُرُّ الِاخْتِلَافُ فِي الصَّرْفِ بَعْدَ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: [مُخْتَلِفَيْ الصَّرْفِ] : أَيْ فَمَتَى اُخْتُلِفَ صَرْفُهُمَا مُنِعَ وَلَوْ اتَّحَدَا وَزْنًا وَجَوْدَةً. قَوْلُهُ: [كَصِغَارٍ مِنْ جَانِبٍ وَكِبَارٍ مِنْ الْآخَرِ] : أَيْ وَقُوبِلَ عَدَدُ الصِّغَارِ بِعَدَدِ الْكِبَارِ مَعَ إلْغَاءِ الْوَزْنِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ التَّعَامُلُ بِالْوَزْنِ وَقُوبِلَتْ أَرْبَعُونَ مِنْ الصِّغَارِ بِوَزْنِ عِشْرِينَ مِنْ الْكِبَارِ لَجَازَ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: " لَكِنْ قَدْ يُقَالُ " إلَخْ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: لَا بِصِغَارٍ وَكِبَارٍ إلَّا أَنْ يُتْبِعَ الصَّرْفُ الْوَزْنُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ مِنْ الرِّبْحِ] إلَخْ: هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ، وَالْمُنَاسِبُ: وَلَوْ جَعَلَ مِنْ الرِّبْحِ إلَخْ. قَوْلُهُ: [فِي الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ] : أَيْ الَّتِي هِيَ الِاتِّحَادُ فِي الْوَزْنِ وَالصَّرْفِ وَالْجُودَةِ وَالرَّدَاءَةِ.

صَرْفِهَا: التَّفَاوُتُ إنْ دَخَلَا عَلَى إلْغَاءِ الزَّائِدِ، وَالرُّجُوعُ لِلتَّقْوِيمِ فِي النَّقْدِ إنْ دَخَلَا عَلَى اعْتِبَارِهِ. وَالْعِلَّةُ فِي اخْتِلَافِ الْوَزْنِ: بَيْعُ نَقْدٍ بِنَقْدٍ مُتَفَاضِلًا، وَفِي اخْتِلَافِهِمَا بِالْجُودَةِ وَالرَّدَاءَةِ: دُخُولُهُمَا عَلَى التَّفَاوُتِ فِي الشَّرِكَةِ إنْ عَمِلَا عَلَى الْوَزْنِ لَا الْقِيمَةِ، وَإِنْ دَخَلَا عَلَى الْقِيمَةِ فَقَدْ صَرَفَا النَّقْدَ لِلْقِيمَةِ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ النَّقْدِ بِغَيْرِ مِعْيَارِهِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي هُوَ الْوَزْنُ. لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: لَوْ أَخَرَجَ أَحَدُهُمَا عِشْرِينَ دِينَارًا كَامِلَةً أَوْ عِشْرِينَ رِيَالًا كَذَلِكَ وَأَخْرَجَ الثَّانِي أَرْبَعِينَ نِصْفًا وَالصَّرْفُ مُتَّحِدٌ - بِأَنْ كَانَ صَرْفُ الدِّينَارِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ تُصْرَفُ النِّصْفَيْنِ كَذَلِكَ وَالْوَزْنُ وَالْجُودَةُ أَوْ الرَّدَاءَةُ مُتَّحِدَانِ لَمْ يَظْهَرْ لِلْمَنْعِ وَجْهٌ. (وَ) تَصِحُّ (بِهِمَا) : أَيْ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَعًا (مِنْهُمَا) : أَيْ الشَّرِيكَيْنِ - بِأَنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ كَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَأَخْرَجَ الثَّانِي مِثْلَهُ - فَتَصِحُّ وَتُعْتَبَرُ مُسَاوَاةُ ذَهَبِ كُلٍّ وَفِضَّتِهِ لِذَهَبِ وَفِضَّةِ الْآخَرِ فِي الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. (وَ) تَصِحُّ (بِعَيْنٍ) مِنْ جَانِبٍ (وَبِعَرْضٍ) مِنْ الْآخَرِ (وَبِعَرْضَيْنِ) مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَرْضٌ (مُطْلَقًا) اتَّفَقَا جِنْسًا أَوْ اخْتَلَفَا كَعَبْدٍ وَحِمَارٍ أَوْ ثَوْبٍ. وَدَخَلَ فِيهِ طَعَامٌ مِنْ جِهَةٍ وَعَرْضٌ مِنْ أُخْرَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [التَّفَاوُتُ] : أَيْ وَيَأْتِي أَنَّهَا تَفْسُدُ بِشَرْطِ التَّفَاوُتِ. قَوْلُهُ: [وَالرُّجُوعُ لِلتَّقْوِيمِ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُمْ قَدْ صَرَفُوا النَّقْدَ لِلْقِيمَةِ وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ النَّقْدِ بِغَيْرِ مِعْيَارِهِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي هُوَ الْوَزْنُ فِي بَيْعِهِ بِجِنْسِهِ. قَوْلُهُ: [بَيْعُ نَقْدٍ بِنَقْدٍ] : أَيْ مِنْ نَوْعِهِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ: [دُخُولُهُمَا عَلَى التَّفَاوُتِ فِي الشَّرِكَةِ] : أَيْ وَهُوَ مُفْسِدٌ. قَوْلُهُ: [لَمْ يَظْهَرْ لِلْمَنْعِ وَجْهٌ] : قَدْ عَلِمْت صِحَّةَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [فِي الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ] : أَيْ اتِّحَادُ الصَّرْفِ وَالْوَزْنِ وَالْجُودَةِ وَالرَّدَاءَةِ. قَوْلُهُ: [وَدَخَلَ فِيهِ طَعَامٌ مِنْ جِهَةٍ] : أَيْ فَالْمُرَادُ بِالْعَرْضِ مَا قَابَلَ الْعَيْنَ فَيَشْمَلُ الطَّعَامَ.

(وَاعْتُبِرَ كُلٌّ) مِنْ الْعَرْضَيْنِ أَوْ الْعَرْضِ مَعَ الْعَيْنِ (بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْعَقْدِ) كَالشَّرِكَةِ فِي الْعَيْنِ مَعَ الْعَرْضِ بِالْعَيْنِ وَقِيمَةِ الْعَرْضِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قَدْرَ الْعَيْنِ فَالشَّرِكَةُ بِالنِّصْفِ وَإِنْ كَانَتْ قَدْرُهَا مَرَّتَيْنِ فَبِالثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ، وَفِي الْعَرْضَيْنِ بِقِيمَةِ كُلٍّ فَإِنْ تَسَاوَيَا فَبِالنِّصْفِ وَإِنْ تَفَاوَتَا فَبِحَسَبِ كُلٍّ (إنْ صَحَّتْ) الشَّرِكَةُ. فَإِنْ فَسَدَتْ - كَمَا لَوْ وَقَعَتْ عَلَى التَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ أَوْ الْعَمَلِ - فَلَا تَقْوِيمَ وَرَأْسُ مَالِ كُلِّ مَا بِيعَ بِهِ عَرْضُهُ إنْ بِيعَ وَعُرِفَ الثَّمَنُ، لِأَنَّ الْعَرَضَ فِي الْفَاسِدَةِ لَمْ يَزَلْ عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ فَإِنْ بِيعَ وَلَمْ يُعْرَفْ ثَمَنُ كُلٍّ اُعْتُبِرَ قِيمَةُ كُلِّ وَقْتِ الْبَيْعِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ فَسَدَتْ (فَيَوْمَ الْبَيْعِ) : أَيْ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْبَيْعِ حَصَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَاعْتُبِرَ كُلٌّ مِنْ الْعَرْضَيْنِ] : أَيْ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ الْعَرْضُ مَعَ الْعَيْنِ] : أَيْ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى. قَوْلُهُ: [فِي الْعَيْنِ مَعَ الْعَرْضِ] : صِفَةٌ لِلشَّرِكَةِ وَقَوْلُهُ: " بِالْعَيْنِ خَيْرُ الشَّرِكَةِ وَقَوْلُهُ: [وَقِيمَةُ الْعَرْضِ] مَعْطُوفٌ عَلَى الْعَيْنِ. وَالْمَعْنَى أَنَّنَا نَنْظُرُ لِلْعَيْنِ مَعَ قِيمَةِ الْعَرَضِ كَمَا وَضَّحَهُ بِالتَّفْرِيعِ بَعْدُ. قَوْلُهُ: [إنْ صَحَّتْ الشَّرِكَةُ] قَيَّدَ فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْعَقْدِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَرْضِ مَعَ الْعَيْنِ أَوْ الْعَرْضَيْنِ. قَوْلُهُ: [كَمَا لَوْ وَقَعَتْ عَلَى التَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ] : كَمَا لَوْ تُسَاوَيَا فِي الْمَالِ وَشَرَطَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَا الرِّبْحِ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ الْعَمَلُ] : أَيْ كَمَا تَسَاوَيَا فِي الْمَالِ وَالرِّبْحِ جُعِلَ عَلَى أَحَدِهِمَا ثُلُثَا الْعَمَلِ. قَوْلُهُ: [مَا بِيعَ بِهِ عَرْضُهُ] : مَا قَالَهُ الشَّارِحُ مَفْرُوضٌ فِي الْعَرْضَيْنِ فَقَطْ. وَأَمَّا الصُّورَةُ الْأُولَى - وَهِيَ عَيْنٌ مِنْ جَانِبٍ وَعَرْضٌ مِنْ آخَرَ - فَيُقَالُ فِيهَا: إذَا فَسَدَتْ إنْ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فِي الْعَرْضِ وَالْعَيْنِ كَانَ لِهَذَا عَيْنُهُ وَلِهَذَا عَرْضُهُ، وَإِنْ تَصَرَّفَ فِي الْعَيْنِ وَالْعَرْضِ بِشَيْءٍ آخَرَ، فَإِنْ عَلِمَ مَا لِكُلٍّ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ جَهِلَ؛ نَظَرَ لِقِيمَةِ الْعَرْضِ يَوْمَ الْبَيْعِ، وَأَخَذَ مِنْ هَذَا الْعَرْضِ لِصَاحِبِ الْعَرْضِ بِقَدْرِهَا وَلِمِثْلِ الدَّرَاهِمِ يَوْمَ الْبَيْعِ، وَأَخَذَ لَهُ بِقَدْرِهَا وَيَفُضُّ الرِّبْحَ أَوْ الْخُسْرَ عَلَيْهِمَا عَلَى حَسَبِ كُلٍّ، فَتَأَمَّلْ.

خَلَطَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْفَوَاتِ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا بِيعَ فَإِنْ لَمْ يَبِعْ أَخَذَ كُلٌّ عَرْضَهُ. وَفِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ ثَمَنَ مَا بِيعَ بِهِ فَإِنْ عَلِمَ أَخَذَ ثَمَنَ عَرْضِهِ الْمَعْلُومَ. (كَالطَّعَامَيْنِ) : فَإِنَّهَا فَاسِدَةٌ كَمَا يَأْتِي وَتُعْتَبَرُ فِيهِمَا الْقِيمَةُ يَوْمَ الْبَيْعِ إنْ بِيعَ (قَبْلَ الْخَلْطِ) وَلَمْ يَعْلَمْ الثَّمَنَ الَّذِي بِيعَ بِهِ، فَإِنْ بِيعَ بَعْدَ الْخَلْطِ اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ فِيهِمَا يَوْمَ الْخَلْطِ، لِأَنَّهُ وَقْتُ الْفَوَاتِ وَفَضُّ الرِّبْحِ عَلَى الْقِيَمِ وَكَذَا الْخُسْرِ. (لَا) تَصِحُّ الشَّرِكَةُ (بِذَهَبٍ) مِنْ جَانِبٍ (وَبِوَرِقٍ) مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَلَوْ عَجَّلَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا أَخْرَجَهُ لِصَاحِبِهِ لِاجْتِمَاعِ الشَّرِكَةِ وَالصَّرْفِ " فَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَفِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ] إلَخْ: الْمُنَاسِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ: " فَإِنْ لَمْ يَبِعْ " إلَخْ. بِأَنْ يَقُولَ: وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا بِيعَ وَلَمْ يَعْلَمْ ثَمَنَ مَا بِيعَ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَبِعْ إلَخْ. قَوْلُهُ: [كَالطَّعَامَيْنِ] : تَشْبِيهٌ فِي الْفَاسِدِ لَا غَيْرُ فَإِنَّهَا فِي الطَّعَامَيْنِ فَاسِدَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِقَوْلِهِ الْآتِي: " وَلَا تَصِحُّ بِطَعَامَيْنِ " إلَخْ. قَوْلُهُ: [اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ فِيهِمَا يَوْمَ الْخَلْطِ] : قَالَ النَّاصِرُ اللَّقَانِيِّ: الْفَرْقُ بَيْنَ خَلْطِ الطَّعَامَيْنِ وَخَلْطِ الْعَرْضَيْنِ أَنَّ خَلْطَ الْعَرْضَيْنِ لَا يُفِيتُهُمَا لِتُمَيِّز كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ خَلْطِ الطَّعَامَيْنِ فَيُفِيتُهُمَا لِعَدَمِ تَمَيُّزِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْعَرْضَيْنِ فِي الْفَوَاتِ (انْتَهَى) وَانْظُرْ: إذَا لَمْ يُعْلَمْ يَوْمَ الْبَيْعِ فِي فَاسِدِ الْعَرْضِ وَالطَّعَامِ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ خَلْطٌ أَوْ جُهِلَ يَوْمَ الْخَلْطِ مَا الْحُكْمُ؟ قَالَ (شب) : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ يَوْمُ الْقَبْضِ كَمَا هُوَ قَاعِدَةُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ - وَانْظُرْ إذَا لَمْ يُعْلَمْ يَوْمُ الْقَبْضِ. قَوْلُهُ: [لِاجْتِمَاعِ الشَّرِكَةِ وَالصَّرْفِ] : فَالشَّرِكَةُ - مِنْ جِهَةِ - بَيْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا بَعْضُ مَالِ الْآخَرِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِ أَحَدِ الْمَالَيْنِ ذَهَبًا وَالْآخَرُ فِضَّةً، وَالصَّرْفُ - مِنْ جِهَةِ - بَيْعِ أَحَدِهِمَا بِمَالِ الْآخَرِ مَنْظُورٌ فِيهِ لِخُصُوصِ كَوْنِ أَحَدِ الْمَالَيْنِ ذَهَبًا وَالْآخَرُ فِضَّةً؛ فَآلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ بَيْعَ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ هُوَ الشَّرِكَةُ وَالصَّرْفُ لَكِنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ بِالِاعْتِبَارِ كَمَا عَلِمْت. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: احْتِجَاجُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْمَنْعِ بِهَذَا التَّعْلِيلِ غَيْرُ بَيِّنٍ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ الْمُتَضَمِّنَةَ لِلشَّرِكَةِ إنَّمَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّتِهَا إنْ كَانَتْ تِلْكَ الْعُقُودُ خَارِجَةً عَنْ الشَّرِكَةِ، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ خَارِجَةٍ عَنْهَا لَمْ تَكُنْ مَانِعَةً. وَأُجِيبُ: بِأَنَّ هَذَا فِي الْعُقُودِ الْمُغَايِرَةِ لِلصَّرْفِ، وَأَمَّا هُوَ فَمَتَى انْضَمَّ لِلشَّرِكَةِ اقْتَضَى مَنْعَهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ خَارِجٍ عَنْهَا لِضِيقِهِ وَشِدَّتِهِ (اهـ.

[الضمان في الشركة]

عَمِلَا فَلِكُلِّ رَأْسٍ مَالُهُ الَّذِي أَخْرَجَهُ وَيُفَضُّ الرِّبْحُ لِكُلِّ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ دِينَارٌ مَثَلًا، وَلِكُلِّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ دِرْهَمٌ. (وَلَا تَصِحُّ بِطَعَامَيْنِ) اخْتَلَفَا جِنْسًا أَوْ صِفَةً بَلْ (وَإِنْ اتَّفَقَا) قَدْرًا وَصِفَةً، خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي جَوَازِ الْمُتَّفِقِينَ. وَعَلَّلُوهُ بِبَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاعَ نِصْفَ طَعَامِهِ بِنِصْفِ طَعَامِ الْآخَرِ وَلَمْ يَحْصُلْ قَبْضٌ لِبَقَاءِ يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى مَا بَاعَ. فَإِذَا بَاعَا لِأَجْنَبِيٍّ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَائِعًا لِطَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ بَائِعِهِ. وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الشَّرِكَةَ تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ، فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الْمُفَاضَلَةُ دُونَ الْآخَرِ قَبْلَ النَّضُوضِ، بَيَّنَ أَنَّ الضَّمَانَ إذَا تَلِفَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ أَوْ بَعْضُهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِخَلْطِهِمَا وَلَوْ حُكْمًا بِقَوْلِهِ: (وَمَا تَلِفَ) مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ (قَبْلَ الْخَلْطِ) الْحَقِيقِيِّ - (وَلَوْ) الْخَلْطِ (الْحُكْمِيِّ - فَمِنْ رَبِّهِ) دُونَ صَاحِبِهِ؛ أَيْ لَا يَتَوَقَّفُ الضَّمَانُ مِنْهُ عَلَى الْخَلْطِ الْحَقِيقِيِّ، بَلْ عَلَى عَدَمِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا. وَالْحُكْمِيُّ: أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَالٍ فِي صُرَّةٍ عَلَى حِدَةٍ وَجُعِلَا فِي حَوْزِ وَاحِدٍ كَصُنْدُوقٍ أَوْ خِزَانَةٍ تَحْتَ أَحَدِهِمَا أَوْ أَجْنَبِيٍّ (إنْ كَانَ) مَالُ الشَّرِكَةِ (مِثْلِيًّا) كَعَيْنٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُلَخَّصًا مِنْ - بْن) . قَوْلُهُ: [لِبَقَاءِ يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى مَا بَاعَ] : أَيْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ صَارَ شَرِيكًا فِيمَا قَبَضَهُ مِنْ صَاحِبِهِ وَفِيمَا دَفَعَهُ لَهُ، فَيَدُ كُلٍّ جَائِلَةٌ فِي مَالِ كُلٍّ، وَلَوْ حَازَ كُلٌّ بِالْخُصُوصِ حِصَّةُ الْآخَرِ فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ الْحَوْزُ قَبْضًا لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ قَابِضٍ لِنَفْسِهِ وَلِشَرِيكِهِ. [الضَّمَان فِي الشَّرِكَة] قَوْلُهُ: [وَلَوْ الْخَلْطُ الْحُكْمِيُّ] : هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَرَدَّ الْمُصَنِّفُ بِ " لَوْ " عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَكُونُ الْخَلْطُ إلَّا بِخَلْطِ الْمَالَيْنِ حِسًّا. قَوْلُهُ: [مِنْهُ] : أَيْ مِنْ رَبِّ التَّالِفِ، الْمَعْنَى أَنَّ: رَبَّ التَّالِفِ يَسْتَمِرُّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ مَا دَامَ لَمْ يَحْصُلْ خَلْطٌ حَقِيقِيٌّ وَلَا حُكْمِيٌّ، فَإِنْ حَصَلَ الْحَقِيقِيُّ أَوْ الْحُكْمِيُّ كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا وَفِي عِبَارَةِ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ تَعْقِيدٌ لَا يَخْفَى. قَوْلُهُ: [عَلَى الْخَلْطِ] : أَيْ عَلَى عَدَمِهِ فَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ.

(وَإِلَّا) بِأَنْ حَصَلَ التَّلَفُ بَعْدَ الْخَلْطِ وَلَوْ حُكْمًا أَوْ كَانَ الْمَالُ عَرْضًا (فَمِنْهُمَا) الضَّمَانُ مَعًا، وَلَا يَخْتَصُّ بِرَبِّ الْمَالِ، فَالْعَرَضُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْخَلْطُ كَمَا قَيَّدَ اللَّخْمِيُّ بِهِ الْمُدَوَّنَةَ، ثُمَّ إذَا تَلِفَ شَيْءٌ قَبْلَ الْخَلْطِ - وَقُلْنَا ضَمَانُهُ مِنْ رَبِّهِ فَقَطْ - فَالشَّرِكَةُ لَمْ تَنْفَسِخْ لِمَا عَلِمْت أَنَّهَا لَازِمَةٌ بِالْعَقْدِ. (وَ) يَكُونُ (مَا اشْتَرَى بِالسَّالِمِ فَبَيْنَهُمَا) عَلَى مَا دَخَلَا عَلَيْهِ مِنْ مُنَاصَفَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (وَعَلَى رَبِّ الْمُتْلَفِ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ الْمَالِ التَّالِفِ (ثَمَنُ حِصَّتِهِ) : أَيْ ثَمَنُ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الشَّرِكَةِ نِصْفًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ. (إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ) رَبُّ السَّالِمِ بِمَالِهِ السَّالِمَ (بَعْدَ عِلْمِهِ) بِالتَّلَفِ: أَيْ تَلَفِ مَالِ صَاحِبِهِ (فَلَهُ) الرِّبْحُ (وَعَلَيْهِ) الْخُسْرُ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ مِنْ تَلَفِ مَالِهِ الدُّخُولَ مَعَهُ، فَلَهُ الدُّخُولُ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْمُشْتَرِي الْأَخْذَ لِنَفْسِهِ فَلَا دُخُولَ لَهُ مَعَهُ. فَمَحَلُّ كَوْنِهِ بَيْنَهُمَا لُزُومًا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّلَفِ. وَهَذَا عَلَى تَأْوِيلِ عَبْدِ الْحَقِّ وَابْنِ يُونُسَ، وَتَأَوَّلَهَا ابْنُ رُشْدٍ، عَلَى أَنَّ رَبَّ السَّالِمِ إنْ اشْتَرَى قَبْلَ عِلْمِهِ بِالتَّلَفِ كَانَ الْخِيَارُ بَيْنَ إدْخَالِ صَاحِبِهِ مَعَهُ أَوْ يَخْتَصُّ بِهِ. وَإِنْ اشْتَرَى بَعْدَ عِلْمِهِ بِالتَّلَفِ اخْتَصَّ بِهِ وَكَانَ لَهُ الرِّبْحُ وَعَلَيْهِ الْخُسْرُ. وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِلُزُومِهَا بِالْعَقْدِ. وَكَانَ ابْنُ رُشْدٍ تَأَوَّلَهَا عَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ أَنَّ الشَّرِكَةَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ لَا اللَّازِمَةِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَفُكَّ عَنْ نَفْسِهِ مَا لَمْ يَحْصُلْ عَمَلٌ، فَتَأَمَّلْ. وَقَوْلُ الشَّيْخِ: " وَهَلْ " إلَخْ لَا يُؤْخَذُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّهُ خِلَافُ النَّقْلِ. وَقَوْلُهُ " تَرَدَّدَ " حَقُّهُ: تَأْوِيلَانِ كَمَا بَيَّنَهُ شُرَّاحُهُ. (وَلَا يَضُرُّ انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا) : أَيْ الشَّرِيكَيْنِ (بِشَيْءٍ) مِنْ مَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَبَيْنَهُمَا] : قَرَنَهُ بِالْفَاءِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ الْعُمُومِ، لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ إذَا كَانَ عَامًّا فَإِنَّهُ يَجُوزُ اقْتِرَانُهُ بِالْفَاءِ. قَوْلُهُ: [أَيْ ثَمَنُ مَا يَخُصُّهُ] : أَيْ فَإِذَا اشْتَرَى بِالسَّالِمِ سِلْعَةً بِمِائَةٍ فَعَلَى الَّذِي تَلِفَ مَالُهُ نِصْفُ الْمِائَةِ حَيْثُ كَانَتْ الشَّرِكَةُ عَلَى الْمُنَاصَفَةِ. قَوْلُهُ: [لَا يُؤْخَذُ عَلَى ظَاهِرِهِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ خَلِيلًا قَالَ: وَهَلْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِالتَّلَفِ فَلَهُ وَعَلَيْهِ؟ أَوْ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْأَخْذَ لَهُ؟ تَرَدُّدٌ فَكَلَامُهُ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ وَقَدْ عَلِمْت الْمُرَادَ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: [وَلَا يَضُرُّ انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا] : أَيْ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي

[شركة المفاوضة]

الشَّرِكَةِ يَتَّجِرُ فِيهِ (لِنَفْسِهِ) : أَيْ عَلَى حِدَةٍ فِي مَكَان آخَرَ فِي الْبَلَدِ أَوْ فِي بَلَدٍ آخَرَ، عَلَى أَنَّ مَا حَصَلَ مِنْ رِبْحٍ فِي كُلٍّ فَهُوَ بَيْنَهُمَا مَا دَخَلَا عَلَيْهِ. (ثُمَّ) الشَّرِكَةُ قِسْمَانِ: شَرِكَةُ مُفَاوَضَةٍ وَشَرِكَةُ عِنَانٍ. وَيَتَرَتَّبُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أَحْكَامٌ فَأَشَارَ إلَى الْأُولَى بِقَوْلِهِ: (إنْ أَطْلَقَا) : أَيْ أَطْلَقَ كُلُّ وَاحِدٍ (التَّصَرُّفَ، وَإِنْ) كَانَ الْإِطْلَاقُ (بِنَوْعٍ) أَيْ فِي نَوْعٍ خَاصٍّ - كَالرَّقِيقِ لِصَاحِبِهِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى إذْنِ الْآخَرِ (فَمُفَاوَضَةٌ) : أَيْ فَهِيَ شَرِكَةُ مُفَاوَضَةٌ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فَوَّضَ، لِصَاحِبِهِ التَّصَرُّفَ. إلَّا أَنَّهُ إذًا لَمْ يُقَيَّدْ بِنَوْعٍ تُسَمَّى مُفَاوَضَةً عَامَّةً، وَإِذَا خُصَّتْ بِنَوْعٍ سُمِّيَتْ مُفَاوَضَاتٍ خَاصَّةٍ أَيْ بِنَوْعِ الَّذِي أُطْلِقَ التَّصَرُّفُ فِيهِ. (وَلَهُ) : أَيْ لِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ (التَّبَرُّعُ) : فِي مَالِ الشَّرِكَةِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ بِشَيْءٍ كَهِبَةٍ وَحَطِيطَةٍ لِبَعْضِ ثَمَنٍ بِالْمَعْرُوفِ (إنْ اسْتَأْلَفَ بِهِ) : أَيْ بِالتَّبَرُّعِ قُلُوبَ النَّاسِ لِلتِّجَارَةِ (أَوْ خَفَّ) الْمُتَبَرِّعُ بِهِ (كَإِعَارَةِ آلَةٍ) : كَحَبْلٍ وَدَلْوٍ وَإِنَاءٍ (وَدَفْعِ كِسْرَةٍ) لِفَقِيرٍ . (وَ) لَهُ أَنْ (يُبْضِعَ) مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، بِأَنْ يُعْطِيَ، إنْسَانًا مَالًا مِنْهُ لِيَشْتَرِيَ لَهُ بِضَاعَةً مِنْ بَلَدِ كَذَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَسَادِهَا مُطْلَقًا تَسَاوَيَا فِي عَمَلِ الشَّرِكَةِ أَوْ لَا. [شَرِكَة الْمُفَاوَضَة] قَوْلُهُ: [ثُمَّ الشَّرِكَةُ قِسْمَانِ] : أَيْ الْمَشْهُورَةُ الْمَعْهُودَةُ بَيْنَ النَّاسِ وَإِلَّا فَتَقَدَّمَ أَنَّهَا سِتَّةُ أَقْسَامٍ. قَوْلُهُ: [إنْ أَطْلَقَا] : اعْلَمْ أَنَّ إطْلَاقَ التَّصَرُّفِ إمَّا بِالنَّصِّ عَلَيْهِ أَوْ بِالْقَرِينَةِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَا: اشْتَرَكْنَا فَقَطْ، وَلَيْسَ هُنَا قَرِينَةٌ - وَلَا تَقْيِيدٌ بِعَنَانٍ وَلَا مُفَاوَضَةٍ - احْتَاجَ كُلٌّ لِمُرَاجَعَةِ صَاحِبِهِ وَكَانَتْ عَنَانًا. قَوْلُهُ: [فَمُفَاوَضَةٌ] : أَيْ تُسَمَّى بِذَلِكَ، وَهِيَ بِفَتْحِ الْوَاوِ: مِنْ تَفَاوَضَ، الرَّجُلَانِ فِي الْحَدِيثِ إذَا شَرَعَا فِيهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ خَفَّ الْمُتَبَرِّعُ بِهِ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلِاسْتِئْلَافِ.

(وَيُقَارِضَ) : بِأَنْ يُعْطِيَ مَالًا لِغَيْرِهِ قِرَاضًا حَيْثُ اتَّسَعَ الْمَالُ وَإِلَّا مُنِعَ. (وَيُودَعُ) وَدِيعَةً مِنْهُ (لِعُذْرٍ) اقْتَضَى الْإِيدَاعَ (وَإِلَّا) يَكُنْ الْإِيدَاعُ لِعُذْرٍ (ضَمِنَ) إنْ ضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ. (وَ) لَهُ أَنْ (يُشَارِكَ فِي) شَيْءٍ (مُعَيَّنٍ) أَجْنَبِيًّا حَيْثُ لَا تَجُولُ يَدُهُ فِي مَالٍ لِلشَّرِكَةِ. (وَ) أَنْ (يَقْبَلَ الْمَعِيبَ) : إذَا بَاعَهُ هُوَ أَوْ شَرِيكُهُ ثُمَّ رَدَّ بِالْعَيْبِ (وَإِنْ أَبَى الْآخَرُ) . (وَ) لَهُ أَنْ (يُقِرَّ بِدَيْنٍ) عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ (لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ) ، وَيَلْزَمُ شَرِيكَهُ الْآخَرَ، لَا لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ؛ كَابْنٍ وَزَوْجَةٍ وَصَدِيقٍ مُلَاطِفٍ فَلَا يَلْزَمُ صَاحِبَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِأَنْ يُعْطِيَ مَالًا لِغَيْرِهِ قِرَاضًا] : أَيْ بِجُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ شَرِكَةً. قَوْلُهُ: [حَيْثُ اتَّسَعَ الْمَالُ] : رَاجِعٌ لِمَسْأَلَةِ الْإِبْضَاعِ وَالْقِرَاضِ. قَوْلُهُ: [وَلَهُ أَنْ يُشَارِكَ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ] : ظَاهِرُهُ كَانَتْ الشَّرِكَةُ فِي ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ مُفَاوَضَةً أَوْ غَيْرَهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ (ر) . قَوْلُهُ: [فِي مَالِ الشَّرِكَةِ] : مُتَعَلِّقٌ بِتَجَوُّلٍ وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: فِي بَاقِي مَالِ الشَّرِكَةِ. قَوْلُهُ: [وَأَنْ يَقْبَلَ الْمَعِيبَ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ وَكِيلَيْ الْمُفَاوَضَةِ كَوَكِيلٍ عَنْ صَاحِبِهِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ، فَيَرُدُّ عَلَى حَاضِرٍ لَمْ يَتَوَلَّ، إنْ بَعُدَتْ غَيْبَةُ شَرِيكِهِ بِأَنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مَعَ الْأَمْنِ أَوْ يَوْمَيْنِ مَعَ الْخَوْفِ، وَإِلَّا انْتَظَرَ لِيَرُدَّ عَلَيْهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُجَّةٌ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مِنْ الْإِجْمَالِ، وَقَدْ عَلِمْت تَفْصِيلَهُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَلَهُ أَنْ يُقِرَّ بِدَيْنٍ] : أَيْ فِي حَالِ الْمُفَاوَضَةِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَقَبْلَ مَوْتِ شَرِيكِهِ، وَأَمَّا إنْ أَقَرَّ بَعْدَ تَفَرُّقٍ أَوْ مَوْتٍ فَهُوَ شَاهِدٌ فِي غَيْرِ نَصِيبِهِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَلْزَمُ صَاحِبَهُ] : أَيْ وَأَمَّا هُوَ فَيُؤْخَذُ بِهِ فِي ذِمَّتِهِ مَفْهُومٌ بِدَيْنٍ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّ هَذِهِ السِّلْعَةُ لَيْسَتْ مِنْ سِلَعِ التِّجَارَةِ، بَلْ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ بِالْأُولَى مِنْ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ، وَهَذَا وَاضِحٌ إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَصْلِ الْوَدِيعَةِ وَإِلَّا كَانَ تَعْيِينُهُ لِلْوَدِيعَةِ كَإِقْرَارِهِ بِهَا، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَكُونُ شَاهِدًا سَوَاءٌ حَصَلَ تَفَرُّقٌ أَوْ مَوْتٌ أَوْ لَا.

(و) لَهُ أَنْ (يَبِيعَ) سِلْعَةً مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ (بِدَيْنٍ) : أَيْ بِثَمَنٍ لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ. (لَا) يَجُوزُ لَهُ (الشِّرَاءُ بِهِ) : أَيْ بِالدَّيْنِ. لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ لِلشَّرِكَةِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ شَيْءٌ مِنْ رِبْحِهَا وَلَا عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ خَسَارَتِهَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ شَرِكَةِ الذِّمَمِ وَهِيَ لَا تَجُوزُ، لِئَلَّا يَأْكُلَ شَرِيكُهُ رِبْحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ أَوْ يَغْرَمْ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ ضَمَانَ الدَّيْنِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ. فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ جَازَ، لِأَنَّهُ صَارَ بِالْإِذْنِ لَهُ وَكِيلًا عَنْهُ فِيمَا يَخُصُّهُ، فَكَانَا بِمَنْزِلَةِ رَجُلَيْنِ اشْتَرَيَا سِلْعَةً بَيْنَهُمَا بِدَيْنٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ قَطْعًا. ثُمَّ إنْ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ ضَمَانَ كُلٍّ عَنْ صَاحِبِهِ جَازَ لَهُ أَخْذُ الثَّمَنِ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَمْ يَلْزَمْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا مَا يَخُصُّهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا. فَعُلِمَ أَنَّ مَحَلَّ الْمَنْعِ إذَا اشْتَرَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ بِلَا إذْنِ صَاحِبِهِ. وَأَصْلُهُ لِلَّخْمِيِّ، لَكِنَّهُ قَيَّدَ الْمَنْعَ بِمَا إذَا طَالَ الْأَجَلُ لَا إنْ كَانَ كَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَإِذَا مَنَعَ لِطُولِ الْأَجَلِ فَصَاحِبُهُ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْقَبُولِ وَالرَّدِّ؛ فَإِنْ رَدَّ اتَّبَعَ الْمُشْتَرِيَ خَاصَّةً بِالثَّمَنِ وَعِبَارَتُهُ فِي التَّبْصِرَةِ: وَلَا يَشْتَرِي بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، فَإِنْ فَعَلَ - وَكَانَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِدَيْنٍ] إلَخْ: فَإِنْ بَاعَ بِالدَّيْنِ وَفَلِسَ الْمُشْتَرِي، أَوْ مَاتَ بَعْدَمَا ضَاعَ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا مَعًا لَا عَلَى الْبَائِعِ وَحْدَهُ، لِأَنَّهُ فَعَلَ ابْتِدَاءً مَا يُسَوِّغُ لَهُ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُمَا مِنْ شَرِكَةِ الذِّمَمِ] : هَكَذَا فِي نُسْخَةِ الْمُؤَلِّفِ، وَالْمُنَاسِبُ: " لِأَنَّهَا " وَهِيَ عِبَارَةُ الْأَصْلُ. قَوْلُهُ: [لِئَلَّا يَأْكُلَ شَرِيكُهُ] إلَخْ: هَذَا رَاجِعٌ لِلْأُولَى الَّتِي هِيَ الرِّبْحُ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ يَغْرَمُ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ] : إلَخْ رَاجِعٌ لِلثَّانِيَةِ الَّتِي هِيَ الْخَسَارَةُ. قَوْلُهُ: [وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا] : أَيْ فِي بَابِ الضَّمَانِ. قَوْلُهُ: [وَأَصْلُهُ لِلَّخْمِيِّ] إلَخْ: قَصَدَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ التَّوَرُّكَ عَلَى الْمَتْنِ، حَيْثُ مَشَى عَلَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ تَقْيِيدَهُ. قَوْلُهُ: [وَإِذَا مَنَعَ لِطُولِ الْأَجَلِ] : أَيْ إذَا قُلْتُمْ بِحُرْمَةِ قُدُومِ الشَّرِيكِ عَلَى الشِّرَاءِ بِالدَّيْنِ مَعَ طُولِ الْأَجَلِ فَصَاحِبُهُ لَهُ الْخِيَارُ. قَوْلُهُ: [وَعِبَارَتُهُ] : أَيْ اللَّخْمِيِّ لِأَنَّ التَّبْصِرَةَ لَهُ.

[شركة الذمم الممنوعة]

فَالشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الرَّدِّ وَالْقَبُولِ فَيَكُونُ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي خَاصَّةً، ثُمَّ قَالَ: وَيَجُوزُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا لَا يَكُونُ ثَمَنُهُ مَعَهُ عَلَى النَّقْدِ بَعْدَ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ، وَهَذَا مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ، ثُمَّ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ بِالدَّيْنِ أَيْ نَظَرًا لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ إذْنٌ بِالشِّرَاءِ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْإِذْنِ عِنْدَ الشِّرَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ. وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي قَوْلِهَا: وَمَا ابْتَاعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ مِنْ بَيْعٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ لَزِمَ الْآخَرَ وَيَتْبَعُ الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ أَوْ الْقِيمَةِ فِي فَوْتِ الْفَاسِدِ أَيُّهُمَا (اهـ) ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلشِّرَاءِ بِالنَّقْدِ وَبِالدِّينِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ التَّعْلِيلُ بِشَرِكَةِ الذِّمَمِ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ لَا الْمُفَاوَضَةِ. وَأَصْلُ شَرِكَةِ الذِّمَمِ الْمَمْنُوعَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ: أَنْ يَتَّفِقَ اثْنَانِ مَثَلًا عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ اشْتَرَى مِنْهُمَا سِلْعَةً بِدَيْنٍ يَكُونُ الْآخَرُ شَرِيكًا لَهُ فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَنَّ أَحَدَ شَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ إذَا اشْتَرَى بِالدَّيْنِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ أَوْ لَا، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ مُعَيَّنَةً أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَالْمَنْعُ وَرِبْحُهَا لَهُ وَخُسْرُهَا عَلَيْهِ، إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَجَل قَرِيبًا كَالْيَوْمَيْنِ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ الشَّرِيكِ الْآخَرِ إجَازَةٌ بَعْدُ، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ جَازَ إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ مُعَيَّنَةً وَإِلَّا مَنَعَ، وَهَذَا خِلَافُ مَا مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ جَوَازِ شِرَاءِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِالدَّيْنِ إذْ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ بِالدَّيْنِ وَالشِّرَاءِ بِهِ فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ، وَإِنَّمَا شَرِكَةُ الذِّمَمِ الْمَمْنُوعَةِ مَخْصُوصَةٌ بِشَرِكَةِ الْعِيَانِ. وَأَصْلُهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابُهُ أَنْ يَتَّفِقَ اثْنَانِ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ اشْتَرَى مِنْهُمَا سِلْعَةً بِدَيْنٍ يَكُونُ الْآخَرُ شَرِيكًا لَهُ فِيهَا، وَقَدْ أَفَادَ (بْن) أَنَّ هَذَا الْأَخِيرَ هُوَ الْحَقُّ. [شَرِكَةِ الذِّمَمِ الْمَمْنُوعَةِ] [تَنْبِيه لَا يَجُوز لشريك الْمُفَاوَضَة كِتَابَة الْعَبِيد] قَوْلُهُ: [وَأَصْلُ شَرِكَةٍ] إلَخْ: إنَّمَا فَسَدَتْ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ تَحَمَّلْ عَنِّي وَأَتَحَمَّلُ عَنْك، وَهُوَ ضَمَانٌ يَجْعَلُ وَأُسْلِفْنِي وَأُسْلِفُك وَهُوَ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً. تَنْبِيهٌ: لَا يَجُوزُ لِشَرِيكِ الْمُفَاوَضَةِ كِتَابَةٌ لِعَبِيدٍ لِلتِّجَارَةِ، وَلَا عِتْقٌ عَلَى مَالٍ يَتَعَجَّلُهُ مِنْ الْعَبْدِ وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لِأَنَّ لَهُ أَخْذُهُ مِنْهُ مَجَّانًا، وَأَمَّا مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَإِنْ كَانَ قَدْرُ الْقِيمَةِ فَأَكْثَرَ جَازَ كَبَيْعِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَيْضًا إذْنٌ لِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِ الشَّرِكَةِ فِي تِجَارَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ رَفْعِ الْحَجْرِ عَنْهُ.

(وَاسْتَبَدَّ) : أَيْ اسْتَقَلَّ (آخِذُ قِرَاضٍ) مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ: أَيْ آخِذُ مَالٍ مِنْ أَحَدٍ لِيَعْمَلَ فِيهِ قِرَاضًا بِالرِّبْحِ الَّذِي جَعَلَهُ لَهُ رَبُّ الْمَالِ وَأَخَذَهُ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ مَالَ الْقِرَاضِ خَارِجٌ عَنْ الشَّرِكَةِ. وَيَجُوزُ إنْ أَذِنَ لَهُ شَرِيكُهُ أَوْ كَانَ الْعَمَلُ فِيهِ لَا يَشْغَلُهُ عَنْ الْعَمَلِ فِي الشَّرِكَةِ. (وَ) اسْتَبَدَّ (مُتَّجِرٌ بِوَدِيعَةٍ) عِنْدَهُ (بِالرِّبْحِ وَالْخُسْرِ) دُونَ شَرِيكِهِ (إلَّا أَنْ يَعْلَمَ شَرِيكُهُ بِتَعَدِّيهِ فِي الْوَدِيعَةِ) وَيَرْضَى بِذَلِكَ، فَالرِّبْحُ لَهُمَا وَالْخُسْرُ عَلَيْهِمَا. (وَالْعَمَلُ) : بَيْنَهُمَا فِي مَالِ الشَّرِكَةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ، (وَالرِّبْحُ وَالْخُسْرُ) يَكُونُ بَيْنَهُمَا (بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ) مُنَاصَفَةً وَغَيْرِهَا. وَصَحَّتْ الشَّرِكَةُ إنْ دَخَلَا عَلَى ذَلِكَ أَوْ سَكَتَا وَيَقْضِي عَلَيْهِمَا بِذَلِكَ. (وَفَسَدَتْ بِشَرْطِ التَّفَاوُتِ) فِي ذَلِكَ عِنْدَ الْعَقْدِ. وَيَفْسَخُ إنْ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ الْعَمَلِ، فَإِنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْدَهُ فَضَّ الرِّبْحَ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ. (وَرَجَعَ كُلٌّ) مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ (بِمَا) يُثْبِتُ (لَهُ عِنْدَ الْآخَرِ مِنْ أَجْرِ عَمَلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ آخُذُ مَالَ] : فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِرَاضِ الْمَالُ. وَقَوْلُهُ: [لِيَعْمَلَ فِيهِ قِرَاضًا] : أَيْ تَجْرًا لِأَنَّ الْقِرَاضَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَالِ الْمَأْخُوذِ وَيُطْلَقُ عَلَى التَّجْرِ بِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ كَانَ الْعَمَلُ فِيهِ لَا يَشْغَلُهُ] : أَيْ فَيَجُوزُ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ. قَوْلُهُ: [عِنْدَهُ] : لَا مَفْهُومَ لَهُ، بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ شَرِيكُهُ أَوْ عِنْدَهُمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَنَصُّهَا: وَإِنْ أَوْدَعَ رَجُلٌ أَحَدَهُمَا وَدِيعَةً فَعَمِلَ فِيهَا تَعَدِّيًا فَرَبِحَ، فَإِنْ عَلِمَ شَرِيكُهُ بِالْعَدَاءِ وَرَضِيَ بِالتِّجَارَةِ فَلَهُمَا الرِّبْحُ وَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَالرِّبْحُ لِلْمُتَعَدِّي وَالضَّمَانُ عَلَيْهِ خَاصَّةً. فَظَاهِرُهَا أَنَّ رِضَا الشَّرِيكِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ عَمَلِهِ مَعَهُ سَوَاءٌ عَلِمَ بِالتَّعَدِّي فِي الْوَدِيعَةِ الَّتِي عِنْدَهُمَا أَوْ عِنْدَ أَحَدِهِمَا كَانَ هُوَ الْمَتْجَرُ أَوْ غَيْرُهُ، وَذَكَرَ بَعْضَهُمَا أَنَّهُ إنْ رَضِيَ الشَّرِيكُ وَعَمِلَ مَعَهُ كَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا إذَا أَعَانَهُ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَإِنْ رَضِيَ وَلَمْ يَعْمَلْ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (اهـ. بْن) .

أَوْ رِبْحٍ) . ، فَإِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُ الْمَالِ كَعَشَرَةٍ وَلِلْآخِرِ الثُّلُثَانِ كَعِشْرِينَ وَدَخَلَا عَلَى الْمُنَاصَفَةِ فِي الْعَمَلِ وَالرِّبْحِ فَصَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ بِسُدُسِ الرِّبْحِ وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الثُّلُثِ عَلَى صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ بِسُدُسِ أُجْرَةِ عَمَلِهِ. فَإِنْ شَرَطَا التَّسَاوِيَ فِي الرِّبْحِ فَقَطْ وَكَانَ الْعَمَلُ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ رَجَعَ صَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ عَلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ بِسُدُسِ الرِّبْحِ وَلَا رُجُوعَ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ بِشَيْءٍ. وَإِنْ شَرَطَا التَّسَاوِيَ فِي الْعَمَلِ فَقَطْ رَجَعَ صَاحِبُ الثُّلُثِ بِسُدُسِ أَجْرِ عَمَلِهِ وَلَا رُجُوعَ لِصَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ بِشَيْءٍ، وَهَكَذَا. (وَلَهُ) : أَيْ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ (التَّبَرُّعُ) لِصَاحِبِهِ بِشَيْءٍ مِنْ الرِّبْحِ أَوْ الْعَمَلِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى الصِّحَّةِ، فَإِذَا عَقَدَا عَلَى أَنَّ لِصَاحِبِ ثُلُثِ الْمَالِ الثُّلُثُ مِنْ الرِّبْحِ وَعَلَيْهِ ثُلُثُ الْعَمَلِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ بَعْدَ ذَلِكَ النِّصْفَ أَوْ أَكْثَرَ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ أَنْ يَتَبَرَّعَ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ رِبْحِهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ وَالصِّلَةِ. (وَ) لَهُ (الْهِبَةُ) لِصَاحِبِهِ وَالسَّلَفُ بِأَنْ يُسَلِّفَ صَاحِبَهُ شَيْئًا (بَعْدَ الْعَقْدِ) الْوَاقِعِ صَحِيحًا لَا حِينَهُ. (وَالْقَوْلُ) فِي تَنَازُعِهِمَا فِي التَّلَفِ أَوْ الْخُسْرِ (لِمُدَّعِي التَّلَفِ وَالْخُسْرِ) لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَيَحْلِفُ إنْ اتَّهَمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بَعْدَ الْعَقْدِ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ بِأَثَرِهِ، وَالْجَوَازُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اللَّاحِقَ لِلْعُقُودِ لَيْسَ كَالْوَاقِعِ فِيهَا. قَوْلُهُ: [لَا حِينَهُ] : مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ مَنْعِ التَّبَرُّعِ وَالْهِبَةِ وَالسَّلَفِ حَالَ الْعَقْدِ هُوَ مَا فِي (شب) وَاَلَّذِي فِي (عب) أَنَّهُ مُسْلِمٌ فِي غَيْرِ السَّلَفِ، وَأَمَّا السَّلَفُ فَيَمْنَعُ قَبْلَ الْعَقْدِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا حِينَهُ فَيَفْصِلُ بَيْنَ كَوْنِ الْمُتَسَلِّفِ ذَا بَصِيرَةٍ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَيُمْنَعُ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا، وَإِلَّا فَيَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَدْ رَجَعَ عَنْهُ مَالِكٍ وَقَالَ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: [لِمُدَّعِي التَّلَفِ] إلَخْ: التَّلَفُ مَا نَشَأَ لَا عَنْ تَحْرِيكٍ بَلْ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ أَوْ لِصٍّ، وَأَمَّا الْخُسْرُ فَهُوَ مَا نَشَأَ عَنْ تَحْرِيكٍ. قَوْلُهُ: [وَيَحْلِفُ إنْ اتَّهَمَ] : أَيْ اتَّهَمَهُ صَاحِبُهُ وَإِنْ كَانَ فِي ذَاتِهِ غَيْرُ مُتَّهَمٍ.

وَهَذَا إنْ لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ وَإِلَّا غَرِمَ. (أَوْ أَخْذَ لَائِقٍ بِهِ) مِنْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ كِسْوَةٍ. أَيْ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ يُنَاسِبُهُ وَادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِعِيَالِهِ وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِلشَّرِكَةِ، فَالْقَوْلُ لِمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ إذَا كَانَ لَائِقًا بِهِ لَا إنْ كَانَ غَيْرَ لَائِقٍ أَوْ كَانَ عُرُوضًا أَوْ عَقَارًا أَوْ حَيَوَانًا فَالْقَوْلُ لِمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ لِلشَّرِكَةِ. (وَ) الْقَوْلُ (لِمُدَّعِي النِّصْفِ) عِنْدَ تَنَازُعِهِمَا فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ إنْ حَلَفَا، وَكَذَا إنْ نَكَلَا، وَيَقْضِي لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ، هَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا النِّصْفَ وَالْآخَرُ الثُّلُثَيْنِ أُعْطَى مُدَّعِي النِّصْفِ الثُّلُثَ وَمُدَّعِي الثُّلُثَيْنِ النِّصْفَ وَقُسِّمَ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا. (وَ) الْقَوْلُ لِمُدَّعِي (الِاشْتِرَاكِ فِيمَا) : أَيْ فِي مَالٍ (بِيَدِ أَحَدِهِمَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَهَذَا إنْ لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ] : أَيْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْقَرَائِنِ كَدَعْوَاهُ التَّلَفَ وَهُوَ فِي رُفْقَةٍ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَكَدَعْوَاهُ الْخَسَارَةَ فِي سِلْعَةٍ مَرْغُوبٍ فِيهَا سِعْرُهَا مَشْهُورٌ. قَوْلُهُ: [أَوْ كَانَ عُرُوضًا] : أَيْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَا يُكْسَى بِهِ لِيُغَايِرَ مَا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: [وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي النِّصْفِ] إلَخْ: هَذَا كُلُّهُ إذَا وَقَعَ التَّنَازُعُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَإِلَّا قُسِّمَ الْمَالُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ. قَوْلُهُ: [وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الِاشْتِرَاكِ] : حَاصِلُهُ: أَنَّ الشَّرِكَةَ إذَا انْعَقَدَتْ بَيْنَهُمَا ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى شَيْءٍ رَآهُ بِيَدِ شَرِيكِهِ أَنَّهُ لِلشَّرِكَةِ، وَادَّعَى الْآخَرُ الِاخْتِصَاصَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى الشَّرِكَةِ إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِتَصَرُّفِهِمَا تَصَرُّفَ الْمُتَفَاوِضَيْنِ، إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ لِمُدَّعِي الِاخْتِصَاصِ أَنَّهُ وَرِثَهُ أَوْ وَهَبَ لَهُ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِ وَلَا يَكُونُ لِلشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ خُرُوجِ الْأَمْلَاكِ عَنْ يَدِ أَرْبَابِهَا، وَسَوَاءٌ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ: إنَّ ذَلِكَ مُتَأَخِّرٌ أَوْ قَالَتْ: لَا عِلْمَ لَنَا، وَأَمَّا لَوْ قَالَتْ: نَعْلَمُ تَقَدُّمَهُ فَهُوَ لِلشَّرِكَةِ. وَزَادَ فِي الْحَاشِيَةِ رَابِعَةٌ: وَهِيَ مَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْبَيِّنَةِ قَوْلٌ أَصْلًا زِيَادَةً عَلَى قَوْلِهَا وَرِثَ أَوْ وَهَبَ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ لِمُدَّعِي الِاخْتِصَاصِ. فَتَحْصُلُ أَنَّهَا مَتَى قَالَتْ: نَعْلَمُ تَقَدُّمَهُ فَهُوَ لِلشَّرِكَةِ، إلَّا أَنْ يُخْرِجُوهُ، وَمَتَى قَالَتْ: نَعْلَمُ تَأَخُّرَهُ أَوْ لَا عِلْمَ لَنَا، أَوْ سَكَتَتْ، فَهُوَ لِمُدَّعِي الِاخْتِصَاصِ، إلَّا أَنْ يُدْخِلُوهُ.

[شركة العنان]

دُونَ مُدَّعِيه لِنَفْسِهِ (إلَّا لِبَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ لِلْجَائِزِ (بِكَارِثَةٍ) وَأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الشَّرِكَةِ، بَلْ (وَإِنْ قَالَتْ لَا نَعْلَمُ تَأَخُّرَهُ عَنْهُمَا) : أَيْ عَنْ الشَّرِكَةِ فَيَكُونُ لِلْحَائِزِ الَّذِي ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ قَالَتْ: نَعْلَمُ تَقَدُّمَهُ عَلَيْهَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بِإِخْرَاجِهِ عَنْهَا. (وَأُلْغِيَتْ نَفَقَتُهُمَا) عَلَى أَنْفُسِهِمَا (وَكِسْوَتُهُمَا) فَلَا يَحْسِبَانِ عِنْدَ النَّضُوضِ أَوْ الْمُفَاوَضَةِ (وَإِنْ) كَانَا (بِبَلَدَيْنِ) : أَيْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَلَدٍ غَيْرِ الَّذِي بِهِ الْآخَرُ (مُخْتَلِفَيْ السِّعْرِ) وَلَوْ اخْتِلَافًا بَيَّنَّا بِشَرْطِ أَنْ يَتَسَاوَيَا أَوْ يَتَقَارَبَا فِي النَّفَقَةِ وَأَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْمَالِ بِأَنْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ عَلَى النِّصْفِ فَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَيَا فَكُلُّ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ مَالِهِ. (كَعِيَالِهِمَا) : أَيْ كَمَا تَلْغَى النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ عَلَى عِيَالِهِمَا (إنْ تَقَارَبَا) عِيَالًا وَنَفَقَةً. (وَإِلَّا) يَتَقَارَبَا (حَسَبَا) مَا أَنْفَقَهُ كُلّ وَاحِدٍ وَرَجَعَ ذُو الْقَلِيلِ عَلَى ذِي الْكَثِيرِ بِمَا يَخُصُّهُ. (كَانْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِهَا) : أَيْ بِالنَّفَقَةِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ الْعِيَالِ فَإِنَّهُ يَحْسَبُ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ مَنْ انْفَرَدَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى نَفْسِهِ لَا يُحْسَبُ فِيهِ نَظَرٌ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ قِسْمَيْ الشَّرِكَةِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ شَرَطَا نَفْيَ الِاسْتِبْدَادِ) بِالتَّصَرُّفِ؛ بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُهُ عَلَى إذْنِ الْآخَرِ (فَعِنَانٌ) : أَيْ فَهِيَ شَرِكَةُ عِنَانٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْمَالِ] إلَخْ: أَيْ كَمَا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ حَيْثُ قَالَ مَحَلُّ إلْغَاءِ النَّفَقَةِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا إنْ تَسَاوَى الْمَالَانِ، فَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَيَا وَكَانَتْ الشَّرِكَةُ أَثْلَاثًا حُسِبَتْ نَفَقَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَيْهِ، وَقَالَ الْأُجْهُورِيُّ: تُلْغَى مُطْلَقًا تَقَارَبَ الْإِنْفَاقُ أَوْ لَا، تَسَاوَى الْمَالَانِ أَوْ لَا. قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ وَهُوَ الْأَوْجُهُ. قَوْلُهُ: [إنْ تَقَارَبَا عِيَالًا] : أَيْ فِي السِّنِّ وَالْعَدَدِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا يَتَقَارَبَا] : أَيْ بِأَنْ اخْتَلَفَا عَدَدًا أَوْ سِنًّا. قَوْلُهُ: [فِيهِ نَظَرٌ] : أَيْ لِأَنَّ النَّقْلَ يُخَالِفُهُ. [شَرِكَةُ الْعِنَانِ] [تَنْبِيه الشَّرِكَة فِي الطُّيُور] قَوْلُهُ: [بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ] إلَخْ: بَيَانٌ لِحَقِيقَةِ نَفْيِ الِاسْتِبْدَادِ. قَوْلُهُ: [أَيْ فَهِيَ شَرِكَةُ عِنَانٍ] : أَيْ تُسَمَّى بِذَلِكَ.

فَإِنْ تَصَرَّفَ أَحَدُهُمَا بِلَا إذْنٍ فَلِلثَّانِي رَدُّهُ وَضَمِنَ إنْ ضَاعَ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ؛ مَأْخُوذٌ مِنْ عِنَانِ الدَّابَّةِ: كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ أَخَذَ بِعِنَانِ صَاحِبِهِ. فَإِنْ اشْتَرَطَ نَفْيَ الِاسْتِبْدَادِ مِنْ أَحَدِهِمَا فَقَطْ فَهَلْ صَحِيحَةٌ - وَتَكُونُ مُطْلَقَةً مِنْ جِهَةٍ دُونَ جِهَةٍ - أَوْ فَاسِدَةً؟ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ، وَاسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ. (وَ) لَوْ قَالَ إنْسَانٌ لِآخَرَ: (اشْتَرِ) كَذَا (لِي وَلَك) وَالثَّمَنُ بَيْنَنَا (فَوَكَالَةٌ أَيْضًا) : أَيْ فَهِيَ وَكَالَةٌ فَقَطْ بِالنِّسْبَةِ لِتَوَلِّي الشِّرَاءِ كَمَا أَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ لِذَاتِ السِّلْعَةِ الْمُشْتَرَاةِ شَرِكَةً. وَإِذَا كَانَ وَكِيلًا فِي الشِّرَاءِ كَانَ لَهُ طَلَبُهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَدَّاهُ عَنْهُ لِبَائِعِهَا (فَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهَا) عِنْدَهُ فِي نَظِيرِ الثَّمَنِ سَوَاءٌ قَالَ لَهُ: وَانْقُدْ عَنِّي، أَوْ لَمْ يَقُلْ. (إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ) : اشْتَرِهَا لِي وَلَك (وَاحْبِسْهَا) عِنْدَك حَتَّى أُوفِيَك الثَّمَنَ (فَكَالرَّهْنِ) فَلَهُ حَبْسُهَا حَتَّى يُوفِيَهُ الثَّمَنَ وَيَكُونَ أَحَقَّ بِهَا فِي فَلَسٍ أَوْ مَوْتٍ حَيْثُ حَبَسَهَا وَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا ضَمَانَ الرِّهَانِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مَأْخُوذٌ مِنْ عِنَانِ الدَّابَّةِ] : أَيْ مَا تُقَادُ بِهِ. قَوْلُهُ: [أَخَذَ بِعِنَانِ صَاحِبِهِ] : أَيْ فَلَا يُطْلِقُهُ يَتَصَرَّفُ حَيْثُ شَاءَ. تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ لِذِي طَيْرٍ ذَكَرٌ وَذِي طَيْرَةِ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الشَّرِكَةِ فِي الْفِرَاخِ الْحَاصِلَةِ بَيْنَهُمَا مُنَاصَفَةً لَا فِي الْبَيْضِ، وَنَفَقَةُ كُلٍّ عَلَى رَبِّهِ إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ أَحَدُهُمَا بِهَا، وَمَحَلُّ جَوَازِ الِاشْتِرَاكِ الْمَذْكُورِ إنْ كَانَ مِنْ الطَّيْرِ الَّذِي يُشْتَرَكُ فِي الْحَضْنِ الذَّكَرُ مَعَ الْأُنْثَى كَحِمَارٍ لَا دَجَاجٍ وَإِوَزٍّ، وَلَا غَيْرَ طَيْرٍ كَحُمُرٍ وَخَيْلٍ وَرَقِيقٍ، كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [فَوَكَالَةٌ أَيْضًا] : أَيْ كَمَا أَنَّهَا شَرِكَةٌ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ بَعْدُ: فَقَطْ، الْأَوْلَى حَذْفُهَا لِإِيهَامِهَا خِلَافَ الْمُرَادِ، أَوْ يُؤَخِّرُهَا بَعْدَ قَوْلِهِ لِتَوَلِّي الشِّرَاءِ وَيَكُونُ مَعْنَاهَا حِينَئِذٍ أَنَّهُ وَكِيلٌ فِي الشِّرَاءِ فَقَطْ لَا فِي الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: [أَيْ فَهِيَ وَكَالَةٌ فَقَطْ] : فَائِدَةُ كَوْنِ الْمَأْمُورِ وَكِيلًا فِي شِرَاءِ النِّصْفِ لِلْآمِرِ أَنْ يُطَالِبَ ذَلِكَ الْمَأْمُورُ ابْتِدَاءً بِالثَّمَنِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ كُلًّا يَنْقُدُ مَا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا ضَمَانَ الرِّهَانِ] : أَيْ إذَا ادَّعَى تَلَفَهَا، فَإِنْ كَانَتْ

(وَجَازَ) : اشْتَرِ لِي وَلَك (وَانْقُدْ عَنِّي) مَا يَخُصُّنِي مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعْرُوفِ، إذْ هُوَ سَلَفٌ لَهُ وَوَكَالَةٌ عَنْهُ فِي الشِّرَاءِ، وَمَحَلُّ الْجَوَازِ (إنْ لَمْ يَقُلْ: وَأَنَا أَبِيعُهَا عَنْك) : أَيْ أَتَوَلَّى بَيْعَهَا عَنْك، وَإِلَّا مُنِعَ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا. فَإِنْ وَقَعَ كَانَتْ السِّلْعَةُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَتَوَلَّى الْبَيْعَ فَإِنْ تَوَلَّاهُ كَانَ لَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ. (وَ) جَازَ: اشْتَرِ لِي وَلَك وَأَنَا (أَنْقُدُ عَنْك) ؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ (إلَّا لِخِبْرَةِ الْمُشْتَرِي) بِالشِّرَاءِ فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّلَفِ بِمَنْفَعَةٍ. (وَأُجْبِرَ) الشَّارِي لِسِلْعَةٍ (عَلَيْهَا) : أَيْ عَلَى الشَّرِكَةِ أَيْ مُشَارَكَةَ الْغَيْرِ مَعَهُ فِيمَا اشْتَرَاهُ (إنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِسُوقِهِ) الْمُعَدِّ لَهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الشَّارِي مِنْ أَهْلِهِ وَاشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ فِي الْبَلَدِ (لَا) إنْ اشْتَرَاهُ (لِكَسَفَرٍ) بِهِ وَإِنْ لِتِجَارَةٍ (أَوْ قُنْيَةٍ) أَوْ إقْرَاءِ ضَيْفٍ أَوْ عُرْسٍ أَوْ إهْدَاءٍ وَصُدِّقَ فِي ذَلِكَ بِيَمِينِهِ (وَغَيْرُهُ) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ ضَمِنَهَا إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِمَا ادَّعَاهُ مِنْ التَّلَفِ أَوْ الضَّيَاعِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ كَمَا مَرَّ فِي الرَّهْنِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ فَكَالرَّهْنِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ فِيهِ تَشْبِيهَ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ. وَأُجِيبُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ تَشْبِيهُ هَذَا الْفَرْعِ بِالرَّهْنِ الْمُصَرَّحِ فِيهِ بِلَفْظِ الرَّهْنِيَّةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ هَذَا مِنْ جُزْئِيَّاتِ الرَّهْنِ. وَأُجِيبُ أَيْضًا: بِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِلَفْظِ الرَّهْنِيَّةِ وَهَذَا لَمْ يُصَرَّحْ فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَالتَّشْبِيهُ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا] : أَيْ حَيْثُ كَانَ الْمَأْمُورُ هُوَ الْمُسَلِّفَ أَوْ أَجْنَبِيًّا مِنْ نَاحِيَةٍ كَصَدِيقِهِ. قَوْلُهُ: [إلَّا لِخِبْرَةِ الْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ] : أَيْ لِكَوْنِ الْمُشْتَرِي خَبِيرًا أَوْ ذَا وَجَاهَةٍ. قَوْلُهُ: [وَأُجْبِرَ الشَّارِي] إلَخْ: هُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ شَرَى، وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَهُوَ اسْمُ فَاعِلِ اشْتَرَى، لِأَنَّ الْفِعْلَ يُقَالُ فِيهِ شَرَى وَاشْتَرَى، وَهَذَا شُرُوعٌ فِي شَرِكَةِ الْجَبْرِ الَّتِي قَضَى فِيهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَ بِهَا مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، وَشُرُوطُهَا سِتَّةٌ: ثَلَاثَةٌ فِي الشَّيْءِ الْمُشْتَرَى: وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِسُوقِهِ، وَأَنْ يَكُونَ شِرَاؤُهُ لِلتِّجَارَةِ، وَأَنْ تَكُونَ التِّجَارَةُ بِهِ فِي الْبَلَدِ. وَثَلَاثَةٌ فِي الْمُشْرَكِ - بِالْفَتْحِ - وَهِيَ: أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا فِي السُّوقِ وَقْتَ الشِّرَاءِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ تُجَّارِ تِلْكَ السِّلْعَةِ الَّتِي بِيعَتْ بِحَضْرَتِهِ، وَأَلَّا يَتَكَلَّمَ. وَقَدْ أَفَادَهَا الْمُؤَلِّفُ مَتْنًا وَشَرْحًا.

[شركة الأبدان]

الْمُشْتَرِي مِنْ بَاقِي التُّجَّارِ (حَاضِرٌ) بِالسُّوقِ لِعَقْدِ الشِّرَاءِ (لَمْ يَتَكَلَّمْ) بِمُزَايَدَةٍ (مِنْ تُجَّارِهَا) : أَيْ السِّلْعَةِ الْمُشْتَرَاةِ؛ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ كَانَ غَائِبًا حِينَ الشِّرَاءِ. أَوْ تَكَلَّمَ بِزِيَادَةٍ أَوْ لَيْسَ مِنْ تُجَّارِهَا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ تَاجِرًا أَصْلًا أَوْ كَانَ مِنْ تُجَّارِ غَيْرِهَا؛ فَلَا جَبْرَ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الشِّرَاءَ بِسُوقِهَا شَرْطٌ فِي الْجَبْرِ. (لَا) إنْ اشْتَرَاهَا (بِبَيْتٍ) اتِّفَاقًا (أَوْ زُقَاقٍ) عَلَى الْمُعْتَمَدِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ نَوْعَيْ الشَّرِكَةِ الدَّاخِلِ تَحْتَ التَّعْرِيفِ الْمُتَقَدِّمِ فَقَالَ: (وَجَازَتْ) الشَّرِكَةُ (بِالْعَمَلِ) أَيْ فِيهِ أَوْ الْمُعَيَّنِ فِي الْمَالِ الْحَاصِلِ بِسَبَبِ الْعَمَلِ كَالْخِيَاطَةِ وَالْحِيَاكَةِ وَالتِّجَارَةِ، بِشُرُوطٍ: أَشَارَ لِأَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ: (إنْ اتَّحَدَ) الْعَمَلُ كَخَيَّاطَيْنِ لَا كَخَيَّاطٍ وَنَجَّارٍ (أَوْ تَلَازَمَ) عَمَلُهُمَا بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَنْسِجُ وَالثَّانِي يُنِيرُ أَوْ يَدُورُ، أَوْ أَحَدُهُمَا يَصُوغُ وَالثَّانِي يُسَبِّكُ لَهُ، أَوْ أَحَدُهُمَا يَغُوصُ لِطَلَبِ اللُّؤْلُؤِ وَالثَّانِي يُمْسِكُ عَلَيْهِ وَيُجَدِّفُ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [شَرْطٌ فِي الْجَبْرِ] : اعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ الْجَبْرِ - إذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ - مَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمُشْتَرِي لِلْحَاضِرِينَ مِنْ التُّجَّارِ أَنَّهُ لَا يُشَارِكُ أَحَدًا مِنْهُمْ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَزِيدَ فَلْيَفْعَلْ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُمْ جَبْرُهُ. فَهَذَا الشَّرْطُ يُزَادُ عَلَى السِّتَّةِ وَمَتَى وُجِدَتْ شُرُوطُ الْجَبْرِ لَهُمْ جَبْرُهُ وَلَوْ طَالَ الْأَمْرُ حَيْثُ كَانَ مَا اشْتَرَى بَاقِيًا كَمَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَقُلْ: يَفْصِلُ فِيهِ كَالشُّفْعَةِ فَلَا جَبْرَ بَعْدَ السُّنَّةِ، وَأَشْعَرَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَأُجْبِرَ عَلَيْهَا إلَخْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَجْبُرُ الْحَاضِرِينَ عَلَى مُشَارَكَتِهِمْ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ تَكَلُّمِهِمْ، وَأَمَّا إنْ حَضَرَ وَالسَّوْمُ وَقَالُوا لَهُ: أَشْرِكْنَا فَأَجَابَهُمْ: بِنَعَمْ أَوْ سَكَتَ فَإِنَّهُمْ يُجْبَرُونَ عَلَى مُشَارَكَتِهِ إنْ طَلَبَ، كَمَا أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى مُشَارَكَتِهِمْ إنْ طَلَبُوا. [شَرِكَة الأبدان] قَوْلُهُ: [الدَّاخِلُ تَحْتَ التَّعْرِيفِ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ أَوْ عَلَى عَمَلٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَجَازَتْ الشَّرِكَةُ بِالْعَمَلِ] : أَيْ وَتُسَمَّى شَرِكَةَ أَبْدَانٍ أَيْضًا، وَهَذَا أَحَدُ أَقْسَامِ الشَّرِكَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ لَنَا فِي الدُّخُولِ، لِأَنَّهُ تَقَدُّمُ شَرِكَةَ الْأَمْوَالِ وَتَحْتَهَا أَقْسَامٌ أَرْبَعَةٌ: الْمُفَاوَضَةُ، وَالْعَنَانُ، وَالذِّمَمُ، وَالْجَبْرُ، وَيَأْتِي خَامِسٌ وَهُوَ الْمُضَارَبَةُ الَّتِي هِيَ الْقِرَاضُ. قَوْلُهُ: [وَيُجَذِّفُ] : هَكَذَا بِالْجِيمِ أَيْ يُقَذِّفُ بِالْمِقْذَافِ.

فَالْمُرَادُ بِالتَّلَازُمِ: تَوَقُّفُ أَحَدِ الْعَمَلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ. وَأَشَارَ لِثَانِيهَا بِقَوْلِهِ: (وَ) إنْ (أَخَذَ كُلٌّ مِنْهُمَا) مِنْ الرِّبْحِ (بِقَدْرِ عَمَلِهِ) : أَيْ دَخَلَا عَلَى ذَلِكَ. وَلَا يَضُرُّ التَّبَرُّعُ بَعْدَ الْعَقْدِ. وَفَسَدَتْ إنْ شَرَطَا التَّفَاوُتَ وَلَا يَضُرُّ شَرْطُ التَّسَاوِي إنْ تَقَارَبَا فِي الْعَمَلِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا. وَلِثَالِثِهَا بِقَوْلِهِ: (وَ) إنْ (حَصَلَ) التَّعَاوُنُ بَيْنَهُمَا (وَإِنْ بِمَكَانَيْنِ) : بِحَيْثُ تَجُولُ يَدُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ، كَخَيَّاطَيْنِ فِي حَانُوتَيْنِ يَأْخُذُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ. وَلِرَابِعِهَا بِقَوْلِهِ: (وَ) إنْ (اشْتَرَكَا فِي الْآلَةِ) : الَّتِي بِهَا الْعَمَلُ؛ كَالْفَأْسِ وَالْقُدُومِ وَالْمِطْرَقَةِ وَالْقَبَّانِ وَالْمِنْوَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، إمَّا (بِمِلْكٍ أَوْ إجَارَةٍ) لَهُمَا مِنْ غَيْرِهِمَا، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بِمِلْكِ الْآلَةِ وَاسْتَأْجَرَ صَاحِبُهُ مِنْهُ نِصْفَهَا، فَإِنْ كَانَتْ الْآلَةُ مِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ. وَأَمَّا لَوْ أَخْرَجَ كُلٌّ مِنْهُمَا آلَةً تُسَاوِي آلَةَ الْآخَرِ فَإِنْ أَكْرَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ اشْتَرَى نِصْفَ آلَةِ صَاحِبِهِ بِنِصْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِمِلْكٍ أَوْ إجَارَةٍ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ صُوَرَ الْخِلَافِ ثَلَاثَةٌ: الْأُولَى: إخْرَاجُ كُلِّ وَاحِدٍ آلَةً مُسَاوِيَةً لِآلَةِ الْآخَرِ وَلَمْ يَسْتَأْجِرْ كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ آلَةِ صَاحِبِهِ. وَالثَّانِيَةُ: إخْرَاجُ أَحَدِهِمَا الْآلَةَ كُلَّهَا مِنْ عِنْدِهِ وَأَجْرُ نِصْفِهَا لِصَاحِبِهِ. وَالثَّالِثَةُ: إخْرَاجُ كُلِّ آلَةٍ مُسَاوِيَةً لِآلَةِ الْآخَرِ وَإِيجَارُ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ آلَتِهِ بِنِصْفِ آلَةٍ فَالْمُعْتَمَدُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى عَدَمُ الْجَوَازِ، وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ الْجَوَازُ، وَبَقِيَ ثَلَاثُ صُوَرٍ صَاحِبُهُ؛ مُتَّفَقٌ عَلَى جَوَازِهَا: كَوْنُ الْآلَةِ مَمْلُوكَةً لَهُمَا مَعًا بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ، أَوْ اكْتَرَيَاهَا مَعًا، أَوْ أَخْرَجَ كُلٌّ آلَةً وَبَاعَ نِصْفَ آلَتِهِ بِنِصْفِ آلَةِ صَاحِبِهِ. فَقَوْلُهُ: بِمِلْكٍ أَوْ إجَارَةٍ هَاتَانِ الصُّورَتَانِ مُتَّفَقٌ عَلَى جَوَازِهِمَا. قَوْلُهُ: [أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بِمِلْكِ الْآلَةِ] إلَخْ: هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ وَالْمُعْتَمَدُ جَوَازُهَا كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [لَمْ يَجُزْ] : أَيْ اتِّفَاقًا إنْ يَكُنْ مِنْ الْآخَرِ اسْتِئْجَارٌ لِنِصْفِهَا.

آلَةِ الْآخَرِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ الِاشْتِرَاكُ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَفِي الْجَوَازِ وَالْمَنْعِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ لِسَحْنُونٍ. وَالثَّانِي ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. لَكِنْ قَالَ عِيَاضٌ: إنْ وَقَعَ مَضَى. وَمَثَّلَ لِلشَّرِكَةِ فِي الْعَمَلِ بِقَوْلِهِ: (كَطَبِيبَيْنِ اشْتَرَكَا فِي الدَّوَاءِ) . (وَاغْتُفِرَ التَّفَاوُتُ الْيَسِيرُ) فِي الْعَمَلِ مَعَ كَوْنِ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ؛ كَكَوْنِ عَمَلِ أَحَدِهِمَا أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ قَلِيلًا وَعَمَلُ الْآخَرِ أَكْثَرُ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ كَانَ عَمَلُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ قَلِيلًا وَعَمَلُ الْآخَرِ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثَيْنِ قَلِيلًا وَقُسِّمَا عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ. (وَلَزِمَ كُلًّا) مِنْ شُرَكَاءِ الْعَمَلِ (مَا قَبِلَهُ صَاحِبُهُ وَ) لَزِمَهُ (ضَمَانُهُ) أَيْ ضَمَانُ مَا قَبِلَهُ صَاحِبُهُ بِلَا إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُمَا صَارَا كَالرَّجُلِ الْوَاحِدِ، فَمَتَى ضَاعَ شَيْءٌ عَنْ أَحَدِهِمَا ضَمِنَاهُ مَعًا. (وَإِنْ افْتَرَقَا) فَمَا قَبِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا حَالَ الِاجْتِمَاعِ فَهُوَ فِي ضَمَانِهِمَا. وَهَذَا إذَا قَبِلَهُ فِي حُضُورِ صَاحِبِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ الْقَرِيبَةِ كَالْيَوْمَيْنِ أَوْ حَالَ مَرَضِهِ الْقَرِيبِ اللَّذَيْنِ يُلْغِيَانِ، فَإِنْ قَبِلَهُ فِي غَيْبَتِهِ أَوْ مَرَضِهِ الطَّوِيلِينَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ صَاحِبَهُ ضَمَانُهُ وَلَا الْعَمَلُ مَعَهُ كَمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَ) إذَا مَرِضَ أَحَدُهُمَا أَوْ غَابَ (أُلْغِيَ مَرَضٌ كَالْيَوْمَيْنِ وَغَيْبَتِهِمَا) أَيْ الْيَوْمَيْنِ، فَمَا عَمِلَهُ الْحَاضِرُ الصَّحِيحُ شَارَكَهُ فِيهِ الْغَائِبُ أَوْ الْمَرِيضُ وَلَزِمَهُ مَا قَبِلَهُ فِيهِمَا وَضَمِنَهُ إنْ تَلِفَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [جَازَ] : أَيْ فِي صُوَرِ الْكِرَاءِ عَلَى الرَّاجِحِ وَفِي صُورَةِ الشِّرَاءِ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [اشْتَرَكَا فِي الدَّوَاءِ] : أَيْ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ وِفَاقًا وَخِلَافًا، وَلَا يُقَالُ: حَيْثُ اشْتِرَاكًا فِي الدَّوَاءِ كَانَتْ شَرِكَةَ أَمْوَالٍ لَا أَبْدَانٍ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهَا لِأَنَّنَا نَقُولُ: الدَّوَاءُ تَابِعٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَالْمَقْصُودُ، إنَّمَا هُوَ التَّعَاوُنُ عَلَى صَنْعَةِ الطِّبِّ. قَوْلُهُ: [وَاغْتُفِرَ التَّفَاوُتُ الْيَسِيرُ] : رَاجِعٌ لِشَرِكَةِ الْعَمَلِ مِنْ حَيْثُ هِيَ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَضُرُّ شَرْطُ التَّسَاوِي إنْ تَقَارَبَا فِي الْعَمَلِ.

(لَا إنْ كَثُرَ) زَمَنُ الْمَرَضِ أَوْ الْغَيْبَةِ عَنْ كَالْيَوْمَيْنِ فَلَا يُلْغَى عَمَلُهُ بَلْ يَخْتَصُّ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ، وَانْظُرْ تَمَامَ الْكَلَامِ فِي الْمَتْنِ وَشُرَّاحِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا يُلْغَى عَمَلُهُ بَلْ يُخْتَصُّ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ] : أَيْ وَالضَّمَانُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ أَنَّهُ قَبِلَهُ وَصَاحِبُهُ غَائِبٌ أَوْ مَرِيضٌ، وَأَمَّا لَوْ حَدَثَ الْمَرَضُ أَوْ الْغَيْبَةُ بَعْدَ الْقَبُولِ، فَأَفَادَ حُكْمُهُ الْأَصْلُ بِقَوْلِهِ: " يَرْجِعُ بِأُجْرَةِ مِثْلِ عَمَلِهِ عَلَى صَاحِبِهِ " وَإِلَّا فَالْأُجْرَةُ الْأَصْلِيَّةُ بَيْنَهُمَا وَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا، مِثَالُهُ: لَوْ عَاقَدَا شَخْصًا عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِعَشَرَةٍ فَغَابَ أَحَدُهُمَا أَوْ مَرِضَ كَثِيرًا فَخَاطَهُ الْآخَرُ فَالْعَشَرَةُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ يُقَالُ: مَا مِثْلُ أُجْرَةِ مَنْ خَاطَهُ؟ فَإِذَا قِيلَ: أَرْبَعَةٌ، رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِاثْنَيْنِ مَضْمُومَيْنِ لِخَمْسَةٍ، فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِأَرْبَعَةٍ مِنْ الْعَشَرَةِ ثُمَّ يَقْسِمَانِ السِّتَّةَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي هَذَا وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا فِي مِثْلِ الْعَمَلِ مُيَاوَمَةٍ كَبَنَّاءَيْنِ وَنَجَّارَيْنِ وَحَافِرَيْنِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِجَمِيعِ أُجْرَةِ عَمَلِهِ انْتَهَى. قَوْلُهُ: [وَانْظُرْ تَمَامَ الْكَلَامِ فِي الْمَتْنِ وَشُرَّاحِهِ] : مِنْ ذَلِكَ لَوْ كَثُرَتْ مُدَّةُ الْمَرَضِ أَوْ السَّفَرِ هَلْ يُلْغَى مِنْهَا الْيَوْمَانِ؟ وَهُوَ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ. أَوْ لَا يُلْغَى مِنْهَا شَيْءٌ؟ وَهُوَ مَا نَسَبَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ لِلَّخْمِيِّ. وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْحَافِرَيْنِ فِي الرِّكَازِ أَوْ الْمَعْدِنِ لَمْ يَسْتَحِقَّ وَارِثُهُ بَقِيَّةَ الْعَمَلِ فِيهِ بَلْ يُقْطِعُهُ الْإِمَامُ لِمَنْ يَشَاءُ، وَبَعْضُهُمْ قَيَّدَ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِ الْوَارِثِ بِمَا إذَا لَمْ يَبْدُ النَّيْلُ بِعَمَلِ الْمُوَرِّثِ وَإِلَّا اسْتَحَقَّهُ الْوَارِثُ. وَالرَّاجِحُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ، وَمِنْ ذَلِكَ النَّهْيُ عَنْ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ وَهِيَ بَيْعُ وَجِيهِ مَالِ شَخْصٍ خَامِلٍ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ، فَهِيَ فَاسِدَةٌ لِلْجَهْلِ بِالْأُجْرَةِ وَلِلْغَرَرِ بِالتَّدْلِيسِ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ جُمْلَةُ أَقْسَامِ الشَّرِكَةِ سَبْعَةً.

[فصل في بيان أشياء يقضى بها عند التنازع بين شركاء وغيرهم]

فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَشْيَاءَ يُقْضَى بِهَا عِنْدَ التَّنَازُعِ بَيْنَ شُرَكَاءَ وَغَيْرِهِمْ (يُقْضَى عَلَى شَرِيكٍ فِيمَا) : أَيْ فِي شَيْءٍ (لَا يَنْقَسِمُ) بَيْنَ الشُّرَكَاءِ؛ كَحَمَّامٍ وَفُرْنٍ وَحَانُوتٍ وَبُرْجٍ وَطَاحُونٍ حَصَلَ بِهِ خَلَلٌ وَأَرَادَ الْبَعْضُ أَنْ يُعَمِّرَ وَأَبَى الْآخَرُ (أَنْ يُعَمِّرَ) الْأَبِيُّ مَعَ مَنْ أَرَادَ التَّعْمِيرَ (أَوْ يَبِيعَ) لِمَنْ يُعَمِّرُ مَعَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصَلِّ فِي بَيَان أَشْيَاء يُقْضَى بِهَا عِنْد التَّنَازُع بَيْن شُرَكَاء وَغَيْرهمْ] [الِاخْتِلَاف عَلَى تَعْمِيم الْمَال الْمُشْتَرَك وكنس الْمِرْحَاض وَنَحْوه] فَصْلٌ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَعُمُّ الشُّرَكَاءَ وَغَيْرَهُمْ عَقَدَ لَهَا فَصْلًا وَخَالَفَ أَصْلَهُ. قَوْلُهُ: [وَغَيْرَهُمْ] : وَمَثَّلَ لِغَيْرِ الشُّرَكَاءِ فِيمَا سَيَأْتِي بِقَوْلِهِ: " كَذِي سُفْلٍ إنْ وَهِيَ " وَبِمَا بَعُدَ. قَوْلُهُ: [يَقْضِي عَلَى شَرِيكٍ] إلَخْ: شَمِلَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْعَقَارُ الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ بَعْضُهُ مِلْكٌ وَبَعْضُهُ وَقْفٌ وَأَبَى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ أَوْ النَّاظِرُ مِنْ التَّعْمِيرِ بَعْدَ أَمْرِ الْحَاكِمِ لَهُ؛ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّهُ لَا يُبَاعُ وَيَعْمُرُ طَالِبُ الْعِمَارَةِ وَيَسْتَوْفِي مَا صَرَفَهُ عَلَى الْوَقْفِ مِنْ غَلَّتِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَيُبَاعُ مِنْهُ بِقَدْرِ الْإِصْلَاحِ لَا جَمِيعِهِ حَيْثُ لَمْ يَحْتَجْ لَهُ كَذَا فِي (عب) وَكَتَبَ النَّفْرَاوِيُّ بِطُرَّتِهِ: الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُبَاعُ الْكُلُّ وَلَوْ كَانَ ثَمَنُ الْبَعْضِ يَكْفِي فِي الْعِمَارَةِ دَفْعًا لِضَرُورَةِ تَكْثِيرِ الشُّرَكَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَرَاغِيُّ (اهـ) . نَعَمْ مَحَلُّ الْبَيْعِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَقْفِ رَيْعٌ يَعْمُرُ مِنْهُ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ سِنِينَ فَدَفَعَ الْأُجْرَةَ مُعَجَّلَةً لِيَعْمُرَ بِهَا وَإِلَّا فَلَا يُبَاعُ (انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [أَنْ يُعَمِّرَ] : " أَنْ " وَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مَجْرُورٍ بِحَرْفِ جَرٍّ مَحْذُوفٍ مُتَعَلِّقٍ " يَقْضِي "، وَنَائِبُ فَاعِلِهِ قَوْلُهُ: " عَلَى شَرِيكٍ " فَيَنْحَلُّ الْمَعْنَى يُقْضَى عَلَى شَرِيكٍ بِالتَّعْمِيرِ أَوْ بِالْبَيْعِ. قَوْلُهُ: [لِمَنْ يُعَمِّرُ مَعَهُ] : أَيْ لِشَخْصٍ آخَرَ يُعَمِّرُهُ فَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي مِنْ التَّعْمِيرِ قُضِيَ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا قُضِيَ بِهِ عَلَى الْأَوَّلِ وَهَكَذَا.

فَإِنْ بَاعَهُ لِغَيْرِ الشَّرِيكِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ لَلشَّرِيك كَمَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْمُرَادُ: يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ إنْ امْتَنَعَ مِنْ التَّعْمِيرِ فَيَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ أَوَّلًا بِالتَّعْمِيرِ بِلَا حُكْمٍ، فَإِنْ امْتَنَعَ قَالَ لَهُ: إنْ لَمْ تُعَمِّرْ حَكَمْنَا عَلَيْك بِالْبَيْعِ فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ. وَلَوْ كَانَتْ حِصَّتُهُ يَزِيدُ ثَمَنُهَا عَلَى التَّعْمِيرِ. وَقِيلَ: يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِبَيْعِ قَدْرِ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّعْمِيرُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْجَبْرِيَّ إنَّمَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى قَدْرِهَا. وَرَدَّ بِأَنَّ دَفْعَ ضَرَرِ كَثْرَةِ الشُّرَكَاءِ إنَّمَا يَكُونُ بِبَيْعِ الْكُلِّ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ غَنِيًّا جَبَرَهُ بِالتَّعْمِيرِ وَإِلَّا جَبَرَهُ عَلَى الْبَيْعِ. وَالْكَلَامِ فِي غَيْرِ الْعُيُونِ وَالْآبَارِ، فَإِنَّ الْآبِيَ مِنْ التَّعْمِيرِ لَهَا لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ بَلْ يُقَالُ لِصَاحِبِهِ: عَمِّرْ وَلَك جَمِيعُ الْمَاءِ مَا لَمْ يَدْفَعْ لَك الْآبِي مَا يَخُصُّهُ مِنْ النَّفَقَةِ، فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ فَالْمَاءُ لِلْمُعَمِّرِ وَلَوْ زَادَ عَلَى مَا أَنْفَقَ - كَذَا فِي الْمَوَّاقِ. وَقِيلَ: بَلْ لَهُ مِنْ الْمَاءِ بِقَدْرِ مَا أَنْفَقَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَمَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى] : أَيْ فِي بَابِهَا. قَوْلُهُ: [وَالْمُرَادُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ] : جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْحَاكِمَ يَقُولُ لِلشَّرِيكِ الْمُمْتَنِعِ مِنْ التَّعْمِيرِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ: حَكَمْتُ عَلَيْك بِأَنْ تُعَمِّرَ أَوْ تَبِيعَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ إذْ الْحُكْمُ إنَّمَا يَكُونُ بِمُعَيَّنٍ وَهُوَ إذَا قَالَ لَهُ: حَكَمْتُ عَلَيْك أَنْ تُعَمِّرَ أَوْ تَبِيعَ لَمْ يَكُنْ الْمَحْكُومُ بِهِ مُعَيَّنًا، بَلْ الْحَاكِمُ يَأْمُرُهُ أَوَّلًا بِالْعِمَارَةِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَتْ حِصَّتُهُ يَزِيدُ ثَمَنُهَا عَلَى التَّعْمِيرِ] : هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَوْ كَانَ فِي الْوَقْفِ كَمَا لِلنَّفْرَاوِيِّ دَفْعًا لِضَرُورَةِ تَكْثِيرِ الشُّرَكَاءِ. قَوْلُهُ: [جَبَرَهُ بِالتَّعْمِيرِ] : أَيْ حَكَمَ عَلَيْهِ بِهِ فَضَمِنَ جَبْرَ مَعْنَى حُكْمٍ فَعَدَّاهُ بِالْبَاءِ. قَوْلُهُ: [لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ] إلَخْ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعُيُونِ وَالْآبَارِ زَرْعٌ أَوْ شَجَرٌ أَمْ لَا. قَوْلُ: [كَذَا فِي الْمَوَّاقِ] : أَيْ نَقْلًا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: مَحَلُّ جَبْرِ الشَّرِيكِ إنْ كَانَ عَلَى الْبِئْرِ أَوْ الْعَيْنِ زَرْعٌ أَوْ شَجَرٌ فِيهِ ثَمَرٌ مُؤَبَّرٌ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَرَجَّحَ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.

(كَذِي سُفْلٍ) عَلَيْهِ بِنَاءً لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ (إنْ وَهِيَ) أَنْ يَعْمُرَ أَوْ يَبِيعَ لِمَنْ يَعْمُرُ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْأَعْلَى، وَلَوْ كَانَ الْأَسْفَلُ وَقْفًا حَيْثُ لَا رَيْعَ لَهُ يَعْمُرُ مِنْهُ وَلَمْ يُمْكِنْ اسْتِئْجَارُهُ بِشَيْءٍ يَعْمُرُ بِهِ، وَلَكِنْ لَا يُبَاعُ مِنْ الْوَقْفِ إلَّا بِقَدْرِ التَّعْمِيرِ. (وَعَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى ذِي السُّفْلِ (التَّعْلِيقُ) : أَيْ تَعْلِيقُ الْأَعْلَى بِالْجَوَائِزِ وَالْمِسْمَارِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ إصْلَاحِهِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ؛ وَالْبِنَاءُ عَلَى ذِي الْأَسْفَلِ. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: التَّعْلِيقُ عَلَى رَبِّ الْعُلْوِ؛ فَلَوْ سَقَطَ الْأَعْلَى فَهُوَ الْأَسْفَلُ أُجْبِرَ رَبُّ الْأَسْفَلِ عَلَى الْبِنَاءِ أَوْ الْبَيْعِ لِمَنْ يَبْنِي لِيَبْنِيَ رَبُّ الْعُلُوِّ عُلُوَّهُ. (وَ) عَلَيْهِ أَيْضًا (السَّقْفُ) السَّاتِرُ لِسُفْلِهِ، إذْ الْأَسْفَلُ لَا يُسَمَّى بَيْتًا إلَّا بِالسَّقْفِ، وَلِذَا كَانَ يُقْضَى لَهُ بِهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ. (وَ) عَلَيْهِ أَيْضًا (كَنْسُ الْمِرْحَاضِ) الَّذِي يُلْقِي فِيهِ رَبُّ الْعُلْوِ سَقَطَاتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَكِنْ لَا يُبَاعُ مِنْ الْوَقْفِ إلَّا بِقَدْرِ التَّعْمِيرِ] : أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ عِلَّةَ دَفْعِ تَكْثِيرِ الشُّرَكَاءِ مَنْفِيَّةٌ هُنَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْوَقْفِ خَمْسَ مَسَائِلَ: هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا، وَبَيْعَ الْعَقَارِ الْوَقْفِ لِتَوْسِعَةِ الْمَسْجِدِ وَالطَّرِيقِ وَالْمَقْبَرَةِ إذَا كَانَتْ الْحَاجَةُ دَاعِيَةً لِتَوْسِيعِ مَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: [فَلَوْ سَقَطَ الْأَعْلَى فَهَدَمَ الْأَسْفَلَ] إلَخْ: أَيْ وَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْأَعْلَى إلَّا بِشَرْطِ الْإِنْذَارِ عِنْدَ حَاكِمٍ وَمَضَى مُدَّةٌ يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ الْإِصْلَاحِ، وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ كَمَا إذَا وَهِيَ الْأَسْفَلُ وَخِيفَ بِانْهِدَامِهِ انْهِدَامَ الْأَعْلَى، فَإِنَّ صَاحِبَ الْأَسْفَلِ لَا يَضْمَنُ عَدَمَ الْأَعْلَى إلَّا بِتِلْكَ الشُّرُوطِ. قَوْلُهُ: [وَعَلَيْهِ أَيْضًا السَّقْفُ] : أَيْ كَمَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ صَالِحٍ. قَوْلُهُ: [الَّذِي يَلْقَى فِيهِ رَبُّ الْعُلْوِ] إلَخْ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فَمُهُ أَعْلَى أَوْ أَسْفَلَ. قَوْلُهُ: [إلَّا لَعُرْفٍ بَيْنَهُمْ] : أَيْ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ.

[الاختلاف على الدواب والرحى والطرق وغيرها]

(إلَّا لِعُرْفٍ) بَيْنَهُمْ مِنْ أَنَّهُ عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى الْجَمَاجِمِ فَيَعْمَلُ بِهِ. وَقِيلَ: الْكَنْسُ عَلَى الْجَمِيعِ بِقَدْرِ الْجَمَاجِمِ. وَاسْتَظْهَرَ. وَلَوْ مَاتَتْ دَابَّةٌ بِسَرَقٍ أَوْ بَيْتٍ غَيْرِ رَبِّهَا فَهَلْ إخْرَاجُهَا عَلَى رَبِّ الدَّارِ لِزَوَالِ مِلْكِ رَبِّهَا عَنْهَا أَوْ عَلَى رَبِّهَا لِأَنَّ لَهُ أَخْذُ جِلْدِهَا لِيَدْبُغَهُ وَلَحْمُهَا لِكِلَابِهِ؟ اسْتَظْهَرَ الثَّانِيَ. (لَا سُلَّمٍ) يَرْقَى عَلَيْهِ رَبُّ الْعُلْوِ، فَلَيْسَ عَلَى ذِي الْأَسْفَلِ بَلْ عَلَى ذِي الْأَعْلَى كَالْبَلَاطِ الَّذِي فَوْقَ سَقْفِ الْأَسْفَلِ. (وَ) قُضِيَ (بِالدَّابَّةِ) عِنْدَ التَّنَازُعِ فِيهَا (لِلرَّاكِبِ، لَا) لِقَائِدٍ (مُتَعَلِّقٍ بِلِجَامٍ) وَلَا لِسَائِقٍ (إلَّا لِقَرِينَةٍ أَوْ عُرْفٍ) فَيَعْمَلُ بِذَلِكَ، كَمَا يَقَعُ فِي مِصْرَ كَثِيرًا مِنْ دَوَابِّ الْمُكَارِي وَنَحْوِهَا. (وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمْ) : أَيْ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فِي بَيْتٍ فِيهِ رَحَى الطَّحْنِ فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَقِيلَ الْكَنْسُ عَلَى الْجَمِيعِ] : أَيْ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ، وَاخْتُلِفَ فِي كَنْسِ كَنَفِ الدَّارِ الْمُكْتَرَاةِ، فَقِيلَ: عَلَى رَبِّهَا، وَقِيلَ: عَلَى الْمُكْتَرِي، وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِشَيْءٍ وَإِلَّا عَمِلَ بِهِ. وَعُرْفُ مِصْرَ أَنَّهُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ، وَأَمَّا طِينُ الْمَطَرِ الَّذِي يَنْزِلُ فِي الْأَسْوَاقِ وَيَضُرُّ بِالْمَارِّينَ فَلَا يَجِبُ عَلَى أَرْبَابِ الْحَوَانِيتِ كَنْسُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِمْ مَا لَمْ يَجْمَعْهُ أَرْبَابُ الْحَوَانِيتِ أَوْ أَهْلُ الْبُيُوتِ فِي وَسَطِ السُّوقِ وَأَضَرَّ بِالْمَارَّةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ كَنْسُهُ. وَهَلْ عَلَى الْمُكْتَرِي لِلْحَوَانِيتِ وَالْبُيُوتِ أَوْ عَلَى الْمُلَّاكِ؟ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَعِنْدِي أَنَّهُ يَخْرُجُ عَلَى كَنْسِ مِرْحَاضِ الدَّارِ الْمُكْتَرَاةِ. قَوْلُهُ: [اُسْتُظْهِرَ الثَّانِي] : أَيْ اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ نَاجِي وَغَيْرُهُ، كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [كَالْبَلَاطِ] : أَيْ وَأَمَّا مَا يُوضَعُ تَحْتَ الْبَلَاطِ مِنْ تُرَابٍ أَوْ طِينٍ أَوْ جِبْسٍ فَعَلَى صَاحِبِ الْأَسْفَلِ حُكْمُ السَّقْفِ. [الِاخْتِلَاف عَلَى الدَّوَابّ وَالرَّحَى وَالطُّرُق وَغَيْرهَا] قَوْلُهُ: [مِنْ دَوَابِّ الْمُكَارِي] أَيْ فَإِنَّ فِي مِصْرَ رَبَّ الْحِمَارِ يَسُوقُهُ أَوْ يَقُودُهُ، فَإِذَا تَنَازَعَ مَعَ الرَّاكِبِ وَلَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ قُضِيَ لِلسَّائِقِ أَوْ لِلْقَائِدِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمْ] إلَخْ: صُورَتُهَا ثَلَاثَةً مُشْتَرِكُونَ فِي بَيْتٍ فِيهِ رَحًى مُعَدَّةً لِلْكِرَاءِ، ثُمَّ إنَّهَا خَرِبَتْ وَاحْتَاجَتْ لِلْإِصْلَاحِ فَأَقَامَهَا أَحَدُهُمْ بَعْدَ أَنْ أَبَيَا مِنْ الْإِصْلَاحِ وَمِنْ الْإِذْنِ لَهُ فِيهِ وَقَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِمْ بِالْعِمَارَةِ أَوْ الْبَيْعِ، فَالْمَشْهُورُ: أَنَّ الْغَلَّةَ الْحَاصِلَةَ لَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهَا مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهَا فِي عِمَارَتِهَا إلَّا أَنْ

بِالْكِرَاءِ، قَدْ تَعَطَّلَتْ (رَحَى) : أَيْ عَمَّرَهَا أَحَدُهُمْ (إذَا أَبَيَا) : أَيْ شَرِيكَاهُ مِنْ تَعْمِيرِهَا مَعَهُ - قَبْلَ حُكْمِ حَاكِمٍ عَلَيْهِمَا بِالْبَيْعِ أَوْ التَّعْمِيرِ - (فَالْغَلَّةُ) الْحَاصِلَةُ مِنْ تِلْكَ الرَّحَى بَعْدَ تَعْمِيرِهَا (لَهُمْ) : أَيْ لِلثَّلَاثَةِ (بَعْدَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمُعَمَّرُ مِنْهَا) : أَيْ مِنْ غَلَّتِهَا (مَا أَنْفَقَ) عَلَى عِمَارَتِهَا (وَإِلَّا) يَأْبَيَا بَلْ أَذِنَاهُ فِي الْعِمَارَةِ أَوْ عَمَّرَ وَهُمَا سَاكِتَانِ، (فَفِي) : أَيْ فَالرُّجُوعُ عَلَيْهِمَا فِي (الذِّمَّةِ) لَا فِي الْغَلَّةِ الْحَاصِلَةِ مِنْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُعْطُوهُ النَّفَقَةَ، وَإِلَّا فَيُسَاوِيهِمْ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّ الْغَلَّةَ كُلَّهَا لِمَنْ عَمَّرَ وَعَلَيْهِ لِشُرَكَائِهِ كِرَاءُ الْمِثْلِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَوْ أُكْرِيَتْ لِمَنْ يُعَمِّرُ. وَاسْتَشْكَلَ الْأَوَّلُ: بِأَنَّ اسْتِيفَاءَ مَا أَنْفَقَهُ مِنْ الْغَلَّةِ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ دَفَعَ جُمْلَةً وَأَخَذَ مُفَرَّقًا. وَأُجِيبُ: بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَ نَفْسَهُ فِي ذَلِكَ إذْ لَوْ شَاءَ لَرَفَعَهُمَا لِلْحَاكِمِ فَيُجْبِرُهُمَا عَلَى الْإِصْلَاحِ أَوْ الْبَيْعِ مِمَّنْ يَصْلُحُ. قَوْلُهُ: [أَوْ عَمَّرَ وَهُمَا سَاكِتَانِ] : اعْلَمْ أَنَّ فُرُوعَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَبْعَةٌ: الْأَوَّلُ: مَا إذَا اسْتَأْذَنَهُمَا فِي الْعِمَارَةِ وَأَبَيَا وَاسْتَمَرَّا عَلَى الْمَنْعِ إلَى تَمَامِ الْعِمَارَةِ، وَالْحُكْمُ: أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا عَمَّرَ فِي الْغَلَّةِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَسْتَأْذِنَهُمَا فَيَسْكُتَا ثُمَّ يَأْبَيَا حَالَ الْعِمَارَةِ. وَالثَّالِثُ: عَكْسُهُ وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْذِنَهُمَا فَيَأْبَيَا ثُمَّ يَسْكُتَا عِنْدَ رُؤْيَتِهِمَا لِلْعِمَارَةِ، وَالْحُكْمُ فِي هَذَيْنِ الرُّجُوعُ فِي الْغَلَّةِ كَالْأَوَّلِ. وَالرَّابِعُ: أَنْ يُعَمِّرَ قَبْلَ عِلْمِ أَصْحَابِهِ وَلَمْ يَطَّلِعُوا عَلَى الْعِمَارَةِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِهَا، سَوَاءٌ رَضُوا بِمَا فَعَلَ أَوْ لَا وَالْحُكْمُ فِي هَذِهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَهُ فِي ذِمَّتِهِمْ لِقِيَامِهِ عَنْهُمْ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ لَهُمْ. وَالْخَامِسُ: أَنْ يُعَمِّرَ بِإِذْنِهِمْ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمْ مَا يُنَافِي الْإِذْنَ حَتَّى تَمَّتْ الْعِمَارَةُ. وَالسَّادِسُ: أَنْ يَسْكُتُوا حِينَ الْعِمَارَةِ عَالِمِينَ بِهَا سَوَاءٌ اسْتَأْذَنَهُمْ أَمْ وَحُكْمُهُمَا كَاَلَّتِي قَبْلَهُمَا. وَالسَّابِعُ: أَنْ يَأْذَنُوا لَهُ فِي الْعِمَارَةِ ثُمَّ يَمْنَعَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْمَنْعُ قَبْلَ شِرَاءِ الْمُؤَنِ الَّتِي يُعَمِّرُ بِهَا ثُمَّ عَمَّرَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْغَلَّةِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ شِرَاءِ الْمُؤَنِ رَجَعَ عَلَيْهِمْ فِي ذِمَّتِهِمْ وَلَا عِبْرَةَ بِمَنْعِهِمْ لَهُ. تَنْبِيهٌ: يُقْضَى بِالْإِذْنِ فِي دُخُولِ جَارِهِ فِي بَيْتِهِ لِإِصْلَاحِ جِدَارٍ مِنْ جِهَتِهِ وَنَحْوُهُ؛ كَغَرْزِ خَشَبَةٍ أَوْ أَخْذِ ثَوْبٍ سَقَطَ أَوْ دَابَّةٍ دَخَلَتْ. وَيَقْضِي أَيْضًا بِقِسْمَةِ الْجِدَارِ إنْ طَلَبَتْ. وَصِفَةُ الْقِسْمَةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنْ يُقَسِّمَ طُولًا مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ

(وَ) قَضَى (بِهَدْمِ بِنَاءٍ فِي طَرِيقٍ) يَمُرُّ فِيهَا النَّاسُ (وَلَوْ لَمْ يَضُرَّ) بِالْمَارِّينَ، إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي ذَلِكَ مَعَ كَوْنِ الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ شَأْنُهُ الضَّرَرُ. وَقَدْ كَثُرَ ذَلِكَ فِي مِصْرَ، فَكُلُّ مَنْ بَنَى أَوْ جَدَّدَ لَهُ بَيْتًا يَزْحَفُ بِبِنَائِهِ أَوْ بِحَانُوتِهِ بِسِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى صَارَتْ الطُّرُقُ ضَيِّقَةً تَضُرُّ بِالنَّاسِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ. (وَ) قَضَى (بِجُلُوسِ بَاعَةٍ بِأَفْنِيَةِ دُورٍ لِبَيْعِ خُفٍّ) لَا إنْ كَثُرَ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ. وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: " لِبَيْعٍ " مِنْ جُلُوسِهِمْ لِلتَّحَدُّثِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُمْ يُقَامُونَ. (وَ) قَضَى (لِلسَّابِقِ) مِنْ الْبَاعَةِ لِلْأَفْنِيَةِ إنْ نَازَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَلَوْ اُشْتُهِرَ بِهِ ذَلِكَ الْغَيْرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَثَلًا، فَإِذَا كَانَ طُولُهُ عِشْرِينَ ذِرَاعًا مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ فِي عَرْضِ شِبْرَيْنِ مَثَلًا أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ بِالْقُرْعَةِ، وَلَا يُقَسَّمُ عَرْضًا بِأَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شِبْرًا مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي يَلِيه بِطُولِ الْعِشْرِينَ ذِرَاعًا بِأَنْ يَشُقَّ نِصْفَهُ كَمَا رَأَى عِيسَى بْنِ دِينَارٍ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ فَسَادٌ إنْ كَانَ بِالْقُرْعَةِ. وَأَمَّا بِالتَّرَاضِي فَيَجُوزُ طُولًا أَوْ عَرْضًا إذَا تَرَاضَوْا عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَأْخُذُ نَصِيبَهُ مِنْ جِهَتِهِ وَيُقْضَى عَلَى الْجَارِ أَيْضًا بِإِعَادَةِ جِدَارِهِ السَّاتِرِ لِغَيْرِهِ إنْ هَدَمَهُ ضَرَرًا إلَّا لِإِصْلَاحٍ أَوْ هَدْمٍ بِنَفْسِهِ فَلَا يُقْضَى عَلَى صَاحِبِهِ بِإِعَادَتِهِ، وَيُقَالُ لِلْجَارِ اُسْتُرْ عَلَى نَفْسِك إنْ شِئْت. قَوْلُهُ: [وَقَضَى بِهَدْمِ بِنَاءٍ فِي طَرِيقٍ] : أَيْ نَافِذَةٍ أَوْ لَا مَا لَمْ تَكُنْ أَصْلُهَا مِلْكًا لَهُ، بِأَنْ كَانَتْ دَارًا لَهُ وَانْهَدَمَتْ وَصَارَتْ طَرِيقًا فَلَهُ الْبِنَاءُ وَلَا يُهْدَمُ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا لَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ حَتَّى يَظُنَّ إعْرَاضَهُ عَنْهَا فَلَيْسَ لَهُ فِيهَا كَلَامٌ. قَوْلُهُ: [بَاعَةٌ بِأَفْنِيَةِ دُورٍ] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُقْضَى بِجُلُوسِ الْبَاعَةِ بِأَفْنِيَةِ الدُّورِ بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ: إنْ خَفَّ الْجُلُوسُ وَلَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ لِاتِّسَاعِ الطَّرِيقِ، وَأَنْ تَكُونَ الطَّرِيقُ نَافِذَةً، وَأَنْ يَكُونَ جُلُوسُهُمْ لِلْبَيْعِ. وَبَاعَةٌ: أَصْلُهُ بِيَعَةٌ بِفَتْحِ الْيَاءِ: جَمْعُ بَائِعٍ؛ كَحَاكَةٍ وَحَائِكٍ صَاغَةٍ وَصَائِغٍ، تَحَرَّكَتْ الْيَاءُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا فَقُلِبَتْ أَلِفًا، وَفِنَاءُ الْمَسْجِدِ كَفِنَاءِ الدُّورِ، وَالرَّاجِحُ جَوَازُ كِرَاءِ الْأَفْنِيَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ لِدُورٍ أَوْ حَوَانِيتَ، فَيَجُوزُ لِصَاحِبِ الدُّورِ وَالْحَانُوتِ أَخْذُ الْأُجْرَةِ مِنْ الْبَاعَةِ الَّذِينَ يَجْلِسُونَ كَثِيرًا فِي فِنَاءِ دَارِهِ أَوْ حَانُوتِهِ.

(كَمَسْجِدٍ) فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلسَّائِقِ بِمَكَانٍ فِيهِ (إلَّا أَنْ يَعْتَادَهُ) فِي الْجُلُوسِ (غَيْرُهُ) : أَيْ غَيْرُ السَّابِقِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لِتَعْلِيمِ عِلْمٍ أَوْ إقْرَاءٍ أَوْ فَتْوَى فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِهِ. وَقِيلَ: لَا يُقْضَى بَلْ يَأْمُرُ غَيْرَهُ بِالْقِيَامِ مِنْهُ لَهُ بِغَيْرِ إلْزَامٍ. (وَ) قَضَى عَلَى جَارٍ (بِسَدِّ كَوَّةٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا: أَيْ طَاقَةٍ (حَدَّثَتْ) وَأَشْرَفَتْ عَلَى الْجَارِ وَأَمَّا الْقَدِيمَةُ فَلَا يُقْضَى بِسَدِّهَا. وَيَقُولُ لِلْجَارِ: اُسْتُرْ عَلَى نَفْسِك إنْ شِئْت. وَكَذَا إنْ كَانَتْ عَالِيَةً لَا يُمْكِن التَّطَلُّعُ عَلَى الْجَارِ مِنْهَا إلَّا بِصُعُودٍ عَلَى سُلَّمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَمَسْجِدٍ] : الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِلطَّاعَةِ الْمُبَاحُ لَيَشْمَلَ عَرَفَةَ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي التَّفْصِيلِ. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالسُّوقِ؟ حَيْثُ قُلْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ: يُقْضَى بِهِ لِلسَّابِقِ مَا لَمْ يَعْتَدْهُ غَيْرُهُ وَفِي السُّوقِ: يُقْضَى بِهِ لِلسَّابِقِ وَلَوْ أَشْهَرَ بِهِ غَيْرُهُ، مَعَ أَنَّهُ كُلًّا مُبَاحٌ وَلِكُلِّ مُسْلِمٍ فِيهِ حَقٌّ؟ قُلْت: الْفَرْقُ أَنَّ الْمَسْجِدَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مُبَاحٌ مُرَغَّبٌ فِيهِ بِمَدْحِ التَّعَلُّقِ بِهِ فِيهِ يَتَنَافَسُ الْمُتَنَافِسُونَ، فَلِذَلِكَ قَيَّدَ الْقَضَاءَ فِيهِ لِلسَّابِقِ بِعَدَمِ اعْتِيَادِهِ لِلْغَيْرِ، وَالسُّوقُ - وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لِلْجُلُوسِ فِيهِ - فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَ الضَّرُورَاتِ فَلَا تَتَنَافَسُ فِيهِ الْعُقَلَاءُ وَلِذَلِكَ وَرَدَ: «أَنَّ خَيْرَ الْبِقَاعِ الْمَسَاجِدُ وَشَرُّهَا الْأَسْوَاقُ» . قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلسَّابِقِ] : وَانْظُرْ: هَلْ يَكْفِي السَّبْقُ بِالْفَرْشِ فِيهِ؟ أَوْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِذَاتِهِ وَالسَّبْقُ بِالْفُرُشِ تَحْجِيرٌ؟ لَا يَجُوزُ ذُكِرَ (ح) فِيهِ خِلَافًا. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَعْتَادَهُ] : أَيْ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» . قَوْلُهُ: [وَقِيلَ لَا يُقْضَى] : الْمُعْتَمَدُ الْقَضَاءُ لِلْمُشْتَهَرِ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا إنْ كَانَتْ عَالِيَةً] : مِثْلُ الْعُلْوِ مَا إذَا كَانَ يَتَرَاءَى مِنْهَا الْمَزَارِعُ وَالْحَيَوَانَاتُ، فَمَحَلُّ السَّدِّ إنْ كَانَ يَتَطَلَّعُ مِنْهَا عَلَى الْحَرِيمِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ.

[أضرار الجوار]

وَالْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ وَبِهِ الْقَضَاءُ: أَنَّ مَنْ حَدَثَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ مِنْ فَتْحِ كُوَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَسَكَتَ عَشْرَ سِنِينَ بِلَا عُذْرٍ فَلَا مَقَالَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. (وَ) إذَا قُضِيَ بِسَدِّهَا (لَا يَكْفِي سَدُّ خَلْفِهَا) مَعَ بَقَائِهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِادِّعَاءِ قِدَمِهَا وَإِرَادَةِ فَتْحِهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ سَدِّهَا مِنْ أَصْلِهَا وَإِزَالَةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا مِنْ عَتَبَةٍ أَوْ خَشَبَةٍ وَنَحْوِهِمَا. (وَ) قَضَى (بِمَنْعِ دُخَانٍ كَحَمَّامٍ) وَفُرْنٍ وَمَطْبَخٍ وَقَمِينٍ (وَ) بِمَنْعِ (رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ؛ كَدَبْغٍ) وَرَائِحَةِ مَذْبَحٍ وَمَسْمَطٍ. وَالْمُرَادُ: الْحَادِثُ مِنْ ذَلِكَ لَا الْقَدِيمُ. (وَ) بِمَنْعِ (مُضِرٍّ بِجِدَارٍ) حَدَثَ كَدَقٍّ وَطَاحُونٍ وَبِئْرٍ وَغَرْسِ شَجَرٍ. (وَ) مَنْعُ إحْدَاثٍ (إصْطَبْلٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ رَائِحَةِ الزِّبْلِ بِالْجِدَارِ وَصَوْتِ الدَّوَابِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا يَكْفِي سَدُّ خَلْفِهَا] : الْمُنَاسِبُ تَقْدِيرُ الْفَاءِ فِي جَوَابٍ " إذَا ". [أضرار الجوار] قَوْلُهُ: [بِمَنْعِ دُخَانٍ كَحَمَّامٍ] : أَيْ بِمَنْعِ إحْدَاثِ ذِي دُخَانٍ تَتَضَرَّرُ الْجِيرَانُ بِسَبَبِهِ. وَقَوْلُهُ: [وَبِمَنْعِ رَائِحَةٍ] : أَيْ وَقَضَى بِمَنْعِ إحْدَاثِ ذِي رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ. قَوْلُهُ: [كَدَبْغٍ] : أَيْ مَدْبَغَةٍ. وَالْمَذْبَحُ: الْمَحَلُّ الْمُعَدُّ لِلذَّبْحِ: وَالْمُسَمَّطُ: هُوَ الْإِنَاءُ الَّذِي يُسَمَّطُ فِيهِ السُّقُطُ لِإِزَالَةِ مَا فِيهِ مِنْ الْأَقْذَارِ، وَمِثْلُ الْمُسَمَّطِ الْمُصْلَقُ: وَهُوَ الْإِنَاءُ الَّذِي يُطْبَخُ فِيهِ السُّقُطُ. وَيَمْنَعُ الشَّخْصُ مِنْ تَنْفِيضِ الْحَصَرِ وَنَحْوِهَا عَلَى بَابِ دَارِهِ إذَا أَضَرَّ الْغُبَارُ بِالْمَارَّةِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَهُ عَلَى بَابِ دَارِهِ، قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. قَوْلُهُ: [وَبِمَنْعِ مُضِرٍّ بِجِدَارٍ] : أَيْ وَأَمَّا إذَا كَانَ الصَّوْتُ فَقَطْ وَلَا يَضُرُّ بِالْجِدَارِ فَلَا يُمْنَعُ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَبِمَنْعِ إحْدَاثِ إصْطَبْلٍ] : اعْتَرَضَ بِأَنَّ هَذَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِمَنْعِ الرَّائِحَةِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: " وَرَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ "، وَإِنْ كَانَ لِلضَّرَرِ بِالْجِدَارِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ لِلتَّأَذِّي بِالصَّوْتِ فَهُوَ لَا يَقْتَضِي مَنْعَ الْإِحْدَاثِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَلَا صَوْتَ كَمَدٍّ وَنَحْوِهِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي مَنْعِ إحْدَاثِهِ الرَّائِحَةَ وَضَرَرِ

[تنبيه إحداث العلو وما ينقض الغلة]

(وَ) بِمَنْعِ (حَانُوتٍ قُبَالَةَ بَابٍ وَلَوْ بِسِكَّةٍ نَفَذَتْ) عَلَى الْأَصْوَبِ، لِأَنَّ الْحَانُوتَ أَشَدُّ ضَرَرًا مِنْ فَتْحِ الْبَابِ لِمُلَازَمَةِ الْجُلُوسِ بِهِ، وَمَحَلُّ الْمَنْعِ فِيمَا ذُكِرَ (إنْ حَدَثَتْ) لَا إنْ كَانَتْ قَدِيمَةً. (وَ) قَضَى (بِقَطْعٍ مَا أَضَرَّ مِنْ) أَغْصَانِ (شَجَرَةٍ بِجِدَارٍ) لِجَارِهِ (مُطْلَقًا) حَدَثَتْ أَوْ كَانَتْ قَدِيمَةً. وَأَمَّا الشَّجَرَةُ نَفْسُهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فَلَا سَبِيلَ لِقَلْعِهَا إذَا كَانَتْ قَدِيمَةً؛ أَيْ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَغْصَانِهَا الْمُنْتَشِرَةِ عَلَى جِدَارِ الْجَارِ فَهَلْ يُقْطَعُ وَلَوْ كَانَتْ قَدِيمَةً وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَوْ لَا يُقْضَى بِقَطْعِهِ إلَّا إذَا حَدَثَتْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ . (لَا) يُقْضَى بِمَنْعِ بِنَاءٍ (مَانِعِ ضَوْءٍ وَشَمْسٍ وَرِيحٍ إلَّا لِأَنْدَرَ) : أَيْ جَرِينٍ، وَمِثْل الْأَنْدَرِ: طَاحُونُ الرِّيحِ إذَا حَدَثَ مَا يَمْنَعُ الرِّيحُ عَنْهَا فَيُقْضَى بِمَنْعِهِ. (وَ) لَا يُقْضَى بِمَنْعِ (عُلُوِّ بِنَاءٍ) عَلَى بِنَاءِ جَارِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا بِجَارٍ مُسْلِمٍ فَيُمْنَعُ. (وَمُنِعَ) الْجَارُ إذَا عَلَا بِبِنَائِهِ (مِنْ الضَّرَرِ) كَالتَّطَلُّعِ عَلَى جَارِهِ بِالْإِشْرَافِ مِنْ الْعُلُوِّ الَّذِي بَنَاهُ. (وَلَا) يُقْضَى بِمَنْعِ (صَوْتٍ كَمَدٍّ) : وَهُوَ دَقُّ الْقُمَاشِ لِتَحْسِينِهِ (وَنَحْوِهِ) كَحَدَّادٍ وَنَجَّارٍ وَصَائِغٍ لِخِفَّةِ ذَلِكَ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا مَا لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجِدَارِ، لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ التَّنْصِيصَ عَلَى عَيْنِ الْمَسَائِلِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِسِكَّةٍ نَفَذَتْ] : أَيْ خِلَافًا لِابْنِ غَازِيٍّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالسِّكَّةِ غَيْرِ النَّافِذَةِ . قَوْلُهُ: [لَا يُقْضَى بِمَنْعِ بِنَاءٍ مَانِعٍ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمُقَابِلُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ: أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ مَانِعِ الضَّوْءِ وَالشَّمْسِ وَالرِّيحِ. [تَنْبِيه إحْدَاث الْعُلُوّ وَمَا يَنْقَضِ الْغَلَّة] قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا] : وَاخْتُلِفَ هَلْ يُمْنَعُ مِنْ مُسَاوَاتِهِ لِلْمُسْلِمِ أَوْ لَا؟ تَنْبِيهٌ: كَمَا لَا يُمْنَعُ الشَّخْصُ الْمُسْلِمُ مِنْ عُلْوِ بِنَائِهِ عَلَى بِنَاءِ جَارِهِ لَا يُمْنَعُ مِنْ إحْدَاثِ مَا يُنْقِصُ الْغَلَّةَ اتِّفَاقًا كَإِحْدَاثِ فُرْنٍ قُرْبَ فُرْنٍ أَوْ حَمَّامٍ قُرْبَ حَمَّامٍ أَوْ طَاحُونٍ قُرْبَ طَاحُونٍ كَمَا فِي (ح) . قَوْلُهُ: [وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ] : أَيْ وَهُوَ الْمَوَّاقُ فَإِنَّهُ قَالَ وَمَحَلُّ عَدَمِ الْمَنْعِ مَا لَمْ يَشْتَدَّ

يَشْتَدَّ وَيَدُمْ وَإِلَّا مُنِعَ. (وَ) لَا مِنْ إحْدَاثِ (بَابٍ بِسِكَّةٍ نَفَذَتْ) وَلَوْ لَمْ تَكُنْ السِّكَّةُ وَاسِعَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَسَوَاءٌ نَكَّبَ عَنْ بَابِ جَارِهِ أَوْ لَمْ يُنَكِّبْ؛ لِأَنَّ شَأْنَ النَّافِذَةِ عَدَمُ فَتْحِ أَبْوَابِ بُيُوتِهَا فَلَا ضَرَرَ فِي إحْدَاثِ بَابِ قُبَالَةَ بَابِ جَارِهِ. (كَغَيْرِهَا) : أَيْ غَيْرِ النَّافِذَةِ (إنْ نَكَّبَ) : أَيْ بِوَعْدٍ عَنْ بَابِ جَارِهِ أَيْ لَمْ يَكُنْ مُقَابِلًا لَهُ بِحَيْثُ لَوْ فَتَحَ لَمْ يُشْرِفْ مِنْهُ عَلَى مَا فِي دَارِ جَارِهِ وَإِلَّا مُنِعَ. (وَ) لَا يُمْنَعُ مِنْ إحْدَاثِ (رَوْشَنٍ) : وَهُوَ الْجَنَاحُ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ جِهَةَ السِّكَّةِ فِي عُلْوِ الْحَائِطِ لِتَوْسِعَةِ الْعُلْوِ. (وَ) لَا بِمَنْعٍ مِنْ إحْدَاثٍ (سَابَاطٍ) سَقْفُ فِي السِّكَّةِ (لِمَنْ لَهُ الْجَانِبَانِ) : أَيْ بَيْتٌ قُبَالَةَ بَيْتِهِ وَالسِّكَّةُ بَيْنَهُمَا (وَلَوْ بِغَيْرِ) السِّكَّةِ (النَّافِذَةِ) عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ فَلَا يَتَوَقَّفُ الْإِحْدَاثُ عَلَى إذْنِ بَقِيَّةِ أَهْلِ النِّفَاقِ. وَمَشَى الشَّيْخُ عَلَى التَّفْصِيلِ بَيْنَ النَّافِذَةِ وَغَيْرِهَا تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَرَجَّحَ أَيْضًا. وَمَحَلُّ جَوَازِ الرَّوْشَنِ وَالسَّابَاطِ: مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ فِي النَّافِذَةِ وَغَيْرِهَا، بِأَنْ رُفِعَا رَفْعًا بَيَّنَّا عَنْ رُءُوسِ النَّاسِ وَالْإِبِلِ الْمُحَمَّلَةِ، وَإِلَّا مُنِعَا وَلِذَا قَالَ (إلَّا لِضَرَرٍ بِالْمَارَّةِ) . (و) لَا يُمْنَعُ مِنْ (صُعُودِ نَخْلَةٍ) لِأَخْذِ ثَمَرِهَا أَوْ تَقْلِيمِهَا (وَأَنْذَرَ) الرَّاقِي عَلَيْهَا وُجُوبًا، وَقِيلَ: نَدْبًا (بِطُلُوعِهِ) عَلَيْهَا لِيَسْتَتِرَ الْجَارُ، (بِخِلَافِ الْمَنَارَةِ) الَّتِي يُشْرِفُ مَنْ صَعِدَ عَلَيْهَا لِلْأَذَانِ عَلَى الْجَارِ، فَإِنَّهُ يُمْنَعُ (وَلَوْ) كَانَتْ الْمَنَارَةُ (قَدِيمَةً) : لِأَنَّ الْأَذَانَ يَتَكَرَّرُ بِخِلَافِ النَّخْلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَدُمْ وَإِلَّا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُمْنَعُ مِنْ إحْدَاثِ رَوْشَنٍ] إلَخْ: حَاصِلُهُ: أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الرَّوْشَنِ وَالسَّابَاطِ جَوَازُ إحْدَاثِهِمَا مُطْلَقًا كَانَتْ السِّكَّةُ نَافِذَةً أَوْ غَيْرَ نَافِذَةٍ، وَلَا يَحْتَاجُ لِإِذْنٍ حَيْثُ رَفَعَ عَنْ رُءُوسِ الرُّكْبَانِ رَفْعًا بَيِّنًا وَلَمْ يَضُرَّ بِضَوْءِ الْمَارَّةِ. قَوْلُهُ: [تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ] : قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ النَّافِذَةِ وَغَيْرِهَا لِأَبِي عِمْرَانَ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ هَارُونَ.

[ما يندب للجار]

فَإِنَّ الصُّعُودَ عَلَيْهَا نَادِرٌ. (وَنُدِبَ) لِلْجَارِ (تَمْكِينُ جَارٍ) لَهُ (مِنْ غَرْزِ خَشَبٍ فِي جِدَارٍ) لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. (وَ) نُدِبَ لِلْإِنْسَانِ (إرْفَاقٌ) لِغَيْرِهِ مِنْ جَارٍ أَوْ قَرِيبٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ وَيَتَأَكَّدُ فِي الْقَرِيبِ وَالْجَارِ قَالَ تَعَالَى: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْمَنَارَةِ] : مَحَلُّ مَنْعِ الصُّعُودِ عَلَيْهَا مَا لَمْ يُجْعَلْ لَهَا سَاتِرٌ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ يَمْنَعُ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْجِيرَانِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ الصَّاعِدُ أَعْمَى كَمَا عِنْدَنَا بِمِصْرَ. [مَا يَنْدُب لِلْجَارِ] قَوْلُهُ: [تَمْكِينُ جَارٍ لَهُ مِنْ غَرْزِ خَشَبٍ] : أَيْ لِمَا فِي الْمُوَطَّإِ «لَا يُمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ» رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ " خَشَبَةً " بِالْإِفْرَادِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، حَمَلَ مَالِكٌ ذَلِكَ عَلَى النَّدْبِ وَحَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ عَلَى الْوُجُوبِ. وَاخْتُلِفَ هَلْ: لِجَارِ الْمَسْجِدِ غَرْزُ خَشَبَةٍ فِي حَائِطِهِ؟ وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ نَقْلًا لَهُ عَنْ الشُّيُوخِ، أَوْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؟ وَبِهِ قَالَ ابْنُ نَاجِي. قَوْلُهُ: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء: 36] : أَيْ وَأَحْسِنُوا بِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا وَإِنَّمَا قَرَنَ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ بِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ لِتَأَكُّدِ حَقِّهِمَا عَلَى الْوَلَدِ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ أُمُّك. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّك: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّك، ثُمَّ أَبُوك ثُمَّ أَدْنَاك فَأَدْنَاك» ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «رَغْمَ أَنْفِهِ رَغْمَ أَنْفِهِ قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَوْ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ» . قَوْلُهُ: {وَبِذِي الْقُرْبَى} [النساء: 36] : أَيْ وَأَحْسِنُوا إلَى ذَوِي الْقُرْبَى وَهُمْ ذَوُو رَحِمِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

{وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36] ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» ، وَمَعْنَى يُنْسَأُ لَهُ فِي أَثَرِهِ يُؤَخَّرُ لَهُ فِي أَجَلِهِ. قَوْلُهُ: {وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} [النساء: 36] : أَيْ وَأَحْسِنُوا إلَى مَنْ ذُكِرَ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ لِأَنَّ الْيَتِيمَ مَخْصُوصٌ بِنَوْعَيْنِ مِنْ الْعَجْزِ الصِّغَرُ وَعَدَمُ النَّفَقَةِ. وَالْمِسْكِينُ هُوَ الَّذِي رَكِبَهُ ذُلُّ الْفَاقَةِ وَالْفَقْرِ فَتَمَسْكَنَ لِذَلِكَ وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا» ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ، وَأَحْسِبُهُ قَالَ: «وَكَالْقَائِمِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ وَكَالصَّائِمِ الَّذِي لَا يَفْطُرُ» . قَوْلُهُ: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} [النساء: 36] : أَيْ وَأَحْسِنُوا إلَى الْجَارِ الَّذِي قَرُبَ جِوَارُهُ مِنْكُمْ، وَقِيلَ الْجَارُ ذُو الْقُرْبَى هُوَ الْقَرِيبُ. قَوْلُهُ: {وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36] : أَيْ الَّذِي بَعُدَ جِوَارُهُ عَنْك، أَوْ هُوَ الْأَجْنَبِيُّ الَّذِي لَيْسَ بَيْنَك وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ. عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» . «وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ إلَى أَقْرَبِهِمَا بَابًا لَك» . وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا أَبَا ذَرٍّ إذَا طَبَخْت مَرَقًا فَأَكْثِرْ مَاءَهُ وَتَعَاهَدْ جِيرَانَك» . وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «أَوْصَانِي خَلِيلِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إذَا طَبَخْت مَرَقًا فَأَكْثِرْ مَاءَهُ ثُمَّ اُنْظُرْ إلَى أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِك

(بِمَاءٍ) لِشُرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمَعْرُوفٍ» . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ» مَعْنَاهُ: وَلَوْ أَنْ تُهْدِيَ لَهَا الشَّيْءَ الْحَقِيرَ الَّذِي هُوَ كَظِلْفِ الشَّاةِ. قَوْلُهُ: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [النساء: 36] : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الرَّفِيقُ فِي السَّفَرِ، وَقِيلَ هُوَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ مَعَك إلَى جَنْبِك، وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يَصْحَبُك رَجَاءَ نَفْعِك. قَالَ رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ» . قَوْلُهُ: {وَابْنِ السَّبِيلِ} [النساء: 36] : يَعْنِي الْمُسَافِرَ الْمُجْتَازَ بِك الَّذِي قَدْ انْقَطَعَ بِهِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: الْمُرَادُ بِابْنِ السَّبِيلِ الضَّيْفُ يَمُرُّ بِك فَتُكْرِمُهُ وَتُحْسِنُ إلَيْهِ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ قَدَّمَ. قَالُوا وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ» زَادَ فِي رِوَايَةٍ: «وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ أَخِيهِ حَتَّى يُؤْثِمَهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُؤْثِمُهُ قَالَ: يُقِيمُ عِنْدَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ يَقْرِيهِ بِهِ» (اهـ) وَقِيلَ مَعْنَى الْجَائِزَةِ الزَّادُ الَّذِي يُعْطِيهِ لَهُ بَعْدَ الضِّيَافَةِ، أَيْ فَيُقْرِي الضَّيْفَ ثَلَاثَةَ أَيَّامِ ثُمَّ يُعْطِيهِ مَا يَجُوزُ بِهِ مِنْ مَنْهَلٍ إلَى مَنْهَلٍ. قَوْلُهُ: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36] : يَعْنِي الْمَمَالِيكَ، وَالْإِحْسَانُ إلَيْهِمْ أَلَّا يُكَلِّفَهُمْ

(وَمَاعُونٍ) كَإِنَاءٍ وَفَأْسٍ وَسِكِّينٍ. (وَ) نُدِبَ (إعَانَةٌ فِي مُهِمٍّ) كَمَوْتٍ وَعُرْسٍ وَسَفَرٍ. (وَ) نُدِبَ (فَتْحُ بَابٍ لِمُرُورٍ) فِي دَارٍ لَهَا بَابَانِ وَأَرَادَ الْجَار أَنْ يَمُرَّ فِي الدَّارِ بِدُخُولِهِ مِنْ بَابٍ لِيَخْرُجَ مِنْ الْآخَرِ لِحَاجَةٍ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى رَبِّ الدَّارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا لَا يُطِيقُونَ، وَلَا يُؤْذِيهِمْ بِالْكَلَامِ الْخَشِنِ، وَأَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ بِقَدْرٍ لِلْكِنَايَةِ. عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: «كَانَ آخِرُ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» . وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا: «هُمْ إخْوَانُكُمْ وَخَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَيَلْبِسُهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كُلِّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» (اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْخَازِنِ) . قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ إعَانَةٌ] : أَيْ لِأَيِّ مُسْلِمٍ لِمَا فِي الْحَدِيثِ: «اللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدِ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» . قَوْلُهُ: [وَلَا ضَرَرَ عَلَى رَبِّ الدَّارِ] : الْجُمْلَةِ خَالِيَةٌ أَيْ فَمَصَبُّ تَمْكِينِهِ مِنْ الْمُرُورِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَرَرٌ وَإِلَّا فَلَا يُؤْمَرُ بِذَلِكَ.

[فصل في المزارعة وأحكامها]

فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ وَأَحْكَامِهَا (الْمُزَارَعَةُ: الشَّرِكَةُ فِي الزَّرْعِ) ، وَيُقَالُ: الشَّرِكَةُ فِي الْحَرْثِ وَبِهِ عَبَّرَ اللَّخْمِيُّ. وَعَقْدُهَا غَيْرُ لَازِمٍ قَبْلَ الْبَذْرِ وَنَحْوِهِ. (وَلَزِمَتْ بِالْبَذْرِ وَنَحْوِهِ) . وَالْبَذْرُ: إلْقَاءُ الْحَبِّ عَلَى الْأَرْضِ لِيَنْبُتَ: وَمِثْلُ الْبَذْرِ وَضْعُ الزَّرِيعَةِ بِالْأَرْضِ مِمَّا لَا بَذْرَ لِحَبِّهِ، كَالْبَصَلِ وَالْقَصَبِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِ " نَحْوِهِ "، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّحْوِ قَلْبَ الْأَرْضِ وَحَرْثِهَا؛ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِالْعَمَلِ قَبْلَ الْبَذْرِ وَلَوْ كَانَ لَهُ بَالٌ. وَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَطْلَقَ الْبَذْرَ عَلَى مَا يَعُمُّ وَضْعَ الشَّتْلِ وَنَحْوِهِ بِالْأَرْضِ لَا خُصُوصَ الْحَبِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ وَأَحْكَامِهَا] [تَعْرِيف الْمُزَارَعَة] لَمَّا كَانَتْ شَرِكَةُ الْمُزَارَعَةُ قِسْمًا مِنْ الشَّرِكَةِ نَاسَبَ أَنْ يُعْقِبَهَا لَهَا، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهَا بِتَرْجَمَةٍ لِمَزِيدِ أَحْكَامٍ وَشُرُوطٍ تَخُصُّهَا وَإِلَّا فَحَقُّهَا أَنْ تُدْرَجَ فِي الشَّرِكَةِ. قَوْلُهُ: [الْمُزَارَعَةُ] إلَخْ: مَأْخُوذَةٌ مِنْ الزَّرْعِ وَهُوَ مَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} [الواقعة: 63] {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: 64] وَصِيغَةُ الْمُفَاعَلَةِ شَأْنُهَا أَنْ تَكُونَ مِنْ اثْنَيْنِ يَفْعَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ مِثْلَ مَا يَفْعَلُهُ الْآخَرُ بِهِ مِثْلَ الْمُضَارَبَةِ، وَيَتَصَوَّرُ هَذَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَهُوَ إذَا كَانَ الْعَمَلُ مِنْ كُلٍّ وَالْبَذْرُ عَلَيْهِمَا وَاطَّرَدَتْ فِي الْبَاقِي. قَوْلُهُ: [وَعَقْدُهَا غَيْرُ لَازِمٍ قَبْلَ الْبَذْرِ] : أَيْ بِخِلَافِ شَرِكَةِ الْأَمْوَالِ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ بِالصِّيغَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَوْلُهُ: [وَضْعُ الشَّتْلِ] : أَيْ كَشَتْلِ الْبَصَلِ وَالْخَسِّ وَالْأُرْزِ، وَقَوْلُهُ وَنَحْوُهُ أَيْ كَعَقْلِ الْقَصَبِ وَالشَّجَرِ.

وَقِيلَ: إنَّ قَلْبَ الْأَرْضِ يُوجِبُ اللُّزُومَ، وَقِيلَ: إنَّهَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ كَشَرِكَةِ الْمَالِ. وَالرَّاجِحُ مَا ذَكَرْنَاهُ. (فَلِكُلٍّ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ الشُّرَكَاءِ (فَسْخُهَا قَبْلَهُ) : أَيْ الْبَذْرِ؛ فَلَوْ بَذَرَ الْبَعْضُ فَالنَّقْلُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ إنْ بَذَرَ الْبَعْضُ لَزِمَ الْعَقْدُ فِيمَا بَذَرَ وَلِكُلٍّ الْفَسْخُ فِيمَا بَقِيَ. وَظَاهِرُهُ: قَلَّ مَا بَذَرَ أَوْ كَثُرَ، فَالتَّنْظِيرُ الْوَاقِعُ هُنَا قُصُورٌ لِوُجُودِ النَّصِّ فَقَوْلُهُ: " قَبْلَهُ ": أَيْ وَلَوْ حَصَلَ كَبِيرُ عَمَلٍ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَا قَدْ قَلَبَا الْأَرْضَ وَلَمْ يَزْرَعَاهَا بَعْدُ لَمْ يَلْزَمْ الْآبِي مِنْهُمَا أَنْ يَزْرَعَهَا مَعَهُ (اهـ) . وَاعْلَمْ أَنَّهُمَا إنْ تُسَاوَيَا فِي الْأَرْضِ وَالْعَمَلِ وَالْآلَةِ وَالزَّرِيعَةِ جَازَتْ اتِّفَاقًا. وَإِنْ اخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِالْبَذْرِ وَالْآخَرُ بِالْأَرْضِ فَسَدَتْ اتِّفَاقًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا. وَمَا عَدَا هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الرَّاجِحِ. هَذَا هُوَ النَّقْلُ؛ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ قِيلَ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا أَيْ وَلَوْ وُجِدَتْ الشُّرُوطُ الْآتِيَةُ فِيهِ نَظَرٌ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مَا عَدَا صُورَةِ التَّسَاوِي الْمُتَقَدِّمَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَقِيلَ إنَّهَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ] : هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٍ، وَإِنَّمَا وَقَعَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْمُزَارَعَةِ لِأَنَّهَا شَرِكَةُ عَمَلٍ وَإِجَارَةٍ، فَمَنْ غَلَّبَ الْعَمَلَ قَالَ: غَيْرُ لَازِمَةٍ بِالْعَقْدِ وَشَرَطَ فِيهَا التَّكَافُؤَ وَالِاعْتِدَالَ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ أَحَدُهُمَا بِزِيَادَةٍ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَمَنْ غَلَّبَ الْإِجَارَةَ قَالَ: هِيَ لَازِمَةٌ بِالْعَقْدِ وَأَجَازَ فِيهَا التَّفَاضُلَ وَعَدَمَ التَّكَافُؤِ، وَقِيلَ: إنَّهَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ إذَا انْضَمَّ لَهُ، وَهُوَ الَّذِي أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ: إنَّ قَلْبَ الْأَرْضِ يُوجِبُ اللُّزُومَ فَجُمْلَةُ الْأَقْوَالِ ثَلَاثَةٌ. قَوْلُهُ: [فَالتَّنْظِيرُ الْوَاقِعُ هُنَا] : أَيْ مِنْ الْأُجْهُورِيِّ. قَوْلُهُ: [جَازَتْ اتِّفَاقًا] : أَيْ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَمُرَادُهُ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ بِمَنْعِهَا مُطْلَقًا وَإِنْ خَالَفَهُ صَاحِبَاهُ. قَوْلُهُ: [لِاشْتِمَالِهَا عَلَى كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا] : أَيْ إلَّا عَلَى قَوْلِ الدَّاوُدِيِّ وَالْأَصِيلِيِّ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى بِجَوَازِ كِرَاءٍ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا. قَوْلُهُ: [فَقَوْلُ مَنْ قَالَ] إلَخْ: الْقَائِلُ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا (عب) . قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ] إلَخْ: أَيْ أَوْ يُحْمَلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا تَقَدَّمَ.

[شروط صحة المزارعة]

ثُمَّ أَشَارَ لِشُرُوطِ صِحَّتِهَا بِقَوْلِهِ: (وَصَحَّتْ) الْمُزَارَعَةُ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَوَّلُهَا قَوْلُهُ: (إنْ سَلِمَا) : أَيْ الشَّرِيكَانِ (مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَمْنُوعٍ) أَيْ بِأَجْرٍ مَمْنُوعٍ كِرَاؤُهَا بِهِ؛ وَهُوَ الطَّعَامُ وَلَوْ لَمْ تَنْبُتْهُ الْأَرْضُ كَعَسَلٍ، وَمَا تَنْبُتُهُ وَلَوْ غَيْرُ طَعَامٍ كَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ، إلَّا الْخَشَبَ كَمَا يَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ. وَلَمَّا كَانَ هَذَا الشَّرْطُ لَا يَخُصُّ الْمُزَارَعَةَ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا فَسَّرَهُ بِشَيْءٍ خَاصٍّ بِهَا بِقَوْلِهِ: (بِأَنْ لَا يُقَابِلَهَا بَذْرٌ) كُلًّا أَوْ بَعْضًا مِنْ غَيْرِ رَبِّهَا، فَلَوْ قَابَلَهَا بَذْرٌ كَأَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْأَرْضُ لِلْآخَرِ فَسَدَتْ كَمَا سَيَأْتِي. وَالثَّانِي قَوْلُهُ: (وَدَخَلَا عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ) بَيْنَهُمَا (بِنِسْبَةِ الْمُخْرَجِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ: أَيْ مَا أَخْرَجَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا؛ كَأَنْ يَكُونَ كِرَاءُ الْأَرْضِ مِائَةً وَكِرَاءُ الْعَمَلِ مِنْ بَقَرٍ أَوْ غَيْرِهِ سِوَى الْبَذْرِ مِائَةً وَدَخَلَا عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ مُنَاصَفَةٌ، أَوْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا مَا يُسَاوِي خَمْسِينَ وَأَخْرَجَ الْآخَرُ مَا يُسَاوِي مِائَةً وَدَخَلَا عَلَى أَنَّ لِصَاحِبِ الْمِائَةِ مِنْ الرِّبْحِ الثُّلُثَيْنِ وَلِصَاحِبِ الْخَمْسِينَ الثُّلُثُ، وَهَكَذَا، فَإِنْ دَخَلَا فِي الْأَوَّلِ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ وَفِي الثَّانِي عَلَى الْمُنَاصَفَةِ فَسَدَتْ. (وَجَازَ التَّبَرُّعَ) مِنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ بِالزِّيَادَةِ مِنْ عَمَلٍ أَوْ رِبْحٍ (بَعْدَ اللُّزُومِ) : أَيْ بَعْدَ لُزُومِ الشَّرِكَةِ بِالْبَذْرِ بَعْدَ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ. وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ قَوْلُهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQ [شُرُوطِ صِحَّةِ الْمُزَارَعَةُ] قَوْلُهُ: [مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَمْنُوعٍ] : أَيْ فَإِنْ لَمْ يُسْلِمَا مُنِعَتْ، وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ: مَحَلُّ مَنْعِ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا إذَا اشْتَرَطَا الْأَخْذَ مِنْ عَيْنِ مَا يَخْرُجُ مِنْ خُصُوصِ تِلْكَ الْبُقْعَةِ صَرِيحًا وَلَمْ يَكْتَفُوا بِالْجِنْسِ وَهِيَ فُسْحَةٌ. قَوْلُهُ: [كَعَسَلٍ] : أَيْ لِلنَّحْلِ. قَوْلُهُ: [كَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ] : أَيْ وَحَلْفَاءَ وَحَشِيشٍ، وَأَمَّا الْبُوصُ الْفَارِسِيُّ وَالْعُودُ الْقَافِلِيُّ وَالصَّنْدَلُ وَالشَّبُّ وَالْكِبْرِيتُ وَنَحْوُهَا مِنْ الْمَعَادِنِ فَيَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِهَا لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالْخَشَبِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْأُجْهُورِيِّ وَ (شب) . قَوْلُهُ: [بَعْدَ اللُّزُومِ] : أَيْ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَمُفْسِدٌ، وَلَوْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ.

(وَتَمَاثَلَ الْبَذْرَانِ) مِنْهُمَا إنْ أَخْرَجَاهُ مِنْ عِنْدِهِمَا؛ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْنَهُمَا وَأَخْرَجَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَنَابَهُ فِي الْبَذْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَمَاثُلِهِمَا (نَوْعًا) كَقَمْحٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ فُولٍ (لَا) إنْ اخْتَلَفَا (كَقَمْحٍ) مِنْ أَحَدِهِمَا (وَشَعِيرٍ) أَوْ فُولٍ مِنْ الْآخَرِ. وَمِنْ التَّمَاثُلِ أَنْ يُخْرِجَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَنَابَهُ فُولًا مَثَلًا وَمَنَابَهُ قَمْحًا؛ بِأَنْ يُخْرِجَا مَعًا إرْدَبَّ فُولٍ يُزْرَعُ عَلَى جِهَةٍ وَإِرْدَبَّ قَمْحٍ يُزْرَعُ فِي جِهَةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ صَحِيحٌ. فَإِنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْبَذْرِ غَيْرَ مَا أَخْرَجَهُ الْآخَرُ فَسَدَتْ وَلِكُلٍّ مَا أَنْبَتَهُ بَذْرُهُ، وَيَتَرَاجَعَانِ فِي الْأَكْرِيَاءِ، وَالشَّيْخُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الشَّرْطَ؛ فَلَعَلَّهُ يَرَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلٌ، إلَّا أَنَّهُ يَرُدُّهُ أَنَّ الشَّيْخَ اشْتَرَطَ خَلَطَ الْبَذْرَيْنِ وَلَوْ حُكْمًا وَلَا يَتَأَتَّى خَلْطٌ فِي النَّوْعَيْنِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اكْتَفَى بِذِكْرِ الْخَلْطِ عَنْ تَمَاثُلِهِمَا. ثُمَّ إنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ خَلْطُ الْبَذْرَيْنِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا بَلْ إذَا خَرَجَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِبَذْرِهِ وَبَذْرُهُ فِي جِهَةٍ فَالشَّرِكَةُ صَحِيحَةٌ وَهُوَ الرَّاجِحُ الَّذِي بِهِ الْفَتْوَى، وَلَيْسَ لِابْنِ الْقَاسِمِ قَوْلٌ بِاشْتِرَاطِهِ خِلَافًا لِمَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ، وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ لِسَحْنُونٍ، وَقَوْلُهُ بِاشْتِرَاطِهِ ضَعِيفٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فَكَانَ عَلَى الشَّيْخِ تَرْكُهُ وَلَا يَتِمُّ تَفْرِيعُهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ بَذْرُ أَحَدِهِمَا وَعُلِمَ، إلَخْ. إلَّا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، فَعُلِمَ أَنَّ الشُّرُوطَ ثَلَاثَةٌ فَقَطْ وَبَعْضُهُمْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ. ثُمَّ مَثَّلَ - لِمَا اسْتَوْفَى الشُّرُوطَ - بِخَمْسَةِ مَسَائِلَ فَقَالَ: (كَأَنْ تُسَاوَيَا) : أَوْ تُسَاوَوْا إنْ كَانُوا أَكْثَرَ (فِي الْجَمِيعِ) بِأَنْ تَكُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَنَّ الشَّيْخَ اشْتَرَطَ خَلْطَ الْبَذْرَيْنِ وَلَوْ حُكْمًا] : أَيْ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ سَحْنُونَ قَالَ (ر) : هَذَا الشَّرْطُ لِسَحْنُونٍ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [فَعَلِمَ أَنَّ الشُّرُوطَ ثَلَاثَةٌ] : أَيْ وَهِيَ سَلَامَتُهُمَا مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَمْنُوعٍ، وَالتَّسَاوِي فِي الرِّبْحِ بِأَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ قَدْرَ مَا أَخْرَجَ. وَتَمَاثُلِ الْبَذْرَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَبَعْضُهُمْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ] : أَيْ وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ شَاسٍ وَأَبُو الْحَسَنِ كَمَا قَالَ (بْن) . قَوْلُهُ: [بِخَمْسَةِ مَسَائِلَ] : الْمُنَاسِبُ حَذْفُ التَّاءِ. قَوْله: [كَأَنْ تُسَاوَيَا أَوْ تُسَاوَوْا] : أَيْ دَخَلُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَأْخُذُ مِنْ

الْأَرْضُ بَيْنَهُمَا وَالْعَمَلُ بَيْنَهُمَا وَالْآلَةُ كَذَلِكَ بِكِرَاءٍ أَوْ مِلْكٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا. فَهَذِهِ مِمَّا لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهَا كَمَا تَقَدَّمَ. (أَوْ قَابَلَ الْبَذْرَ) مِنْ أَحَدِهِمَا عَمَلٌ مِنْ الْآخَرِ وَالْأَرْضُ بَيْنَهُمَا (أَوْ) قَابَلَ (الْأَرْضَ) مِنْ أَحَدِهِمَا عَمَلٌ مِنْ الْآخَرِ وَالْبَذْرُ بَيْنَهُمَا. (أَوْ هُمَا) : أَيْ قَابَلَ الْبَذْرَ وَالْأَرْضَ مَعًا مِنْ أَحَدِهِمَا (عَمَلٌ) مِنْ الْآخَرِ. فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ جَائِزَةٌ أَيْضًا كَالْأُولَى لِأَنَّهُ لَمْ يُقَابِلْ الْأَرْضَ بَذْرٌ فِيهَا. وَلَا بُدَّ مِنْ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ بِأَنْ يَدْخُلَا عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ مَا أَخْرَجَ كُلٌّ، وَأَنْ يَتَمَاثَلَ الْبَذْرَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ؛ وَهِيَ مَا إذَا قَابَلَ الْأَرْضَ عَمَلٌ وَكَانَ الْبَذْرُ بَيْنَهُمَا. وَتَقَدَّمَ أَنَّ التَّبَرُّعَ بِزِيَادَةِ عَمَلٍ أَوْ رِبْحٍ بَعْدَ لُزُومِهَا مُغْتَفِرٌ. فَقَوْلُهُ: " عَمَلٌ " رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ مَسَائِلَ قَبْلَهُ. (أَوْ) كَانَ (لِأَحَدِهِمَا الْجَمِيعُ) : الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ وَالْآلَةُ مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ (إلَّا عَمَلَ الْيَدِ فَقَطْ) مِنْ حَرْثٍ وَتَنْقِيَةٍ وَحَصْدٍ وَدَرْسٍ، وَهِيَ جَائِزَةٌ بِشَرْطٍ زَائِدٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (إنْ عَقَدَا بِلَفْظِ الشَّرِكَةِ) عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ جُزْءًا مِنْ الْخُمُسِ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرِّبْحِ بِقَدْرِ مَا أَخْرَجَ وَإِلَّا فَلَا تَجُوزُ كَمَا مَرَّ لِلدُّخُولِ عَلَى التَّفَاوُتِ فِي الرِّبْحِ. قَوْلُهُ: [أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا] : أَيْ مِلْكٍ مِنْ أَحَدِهِمَا وَكِرَاءٍ مِنْ الْآخَرِ. قَوْلُهُ: [عَمَلٌ مِنْ الْآخَرِ] : الْمُرَادُ بِهِ الْحَرْثُ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَعَزْقِ الْأَرْضِ لَا السَّقْيِ وَالْحَصَادِ وَالدِّرَاسِ، لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ فَمَتَى شَرَطَ عَلَيْهِ فَسَدَتْ الشَّرِكَةُ وَالْعُرْفُ كَالشَّرْطِ، وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ عِنْدَ شَرْطِ هَذَا الزَّائِدِ إلَّا أُجْرَةُ عَمَلِهِ، وَأَمَّا لَوْ تَطَوَّعَ بِزَائِدٍ عَنْ الْحَرْثِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ بَعْدَ الْعَقْدِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ اشْتِرَاطِ الْحَصَادِ وَالدِّرَاسِ وَمَا مَعَهُمَا هُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالتُّونُسِيُّ، وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: الْمُرَادُ بِالْعَمَلِ الْحَرْثُ وَالْحَصَادُ وَالدِّرَاسُ فَيَجُوزُ اشْتِرَاطُهَا عَلَى الْعَامِلِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ (بْن) . قَوْلُهُ: [رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ مَسَائِلَ] : الْمُنَاسِبُ حَذْفُ التَّاءِ. قَوْلُهُ: [وَحَصَدَ وَدَرَسَ] : هَذَا مُرُورٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمُتَقَدِّمِ.

غَيْرِهِ - وَتُسَمَّى: مَسْأَلَةُ الْخُمَاسِ - (لَا) إنْ عُقِدَ بِلَفْظِ (الْإِجَارَةِ) : لِأَنَّهَا إجَارَةٌ بِأَجْرٍ مَجْهُولٍ وَهِيَ فَاسِدَةٌ (أَوْ أَطْلَقَا) : أَيْ لَمْ يُقَيِّدَا بِلَفْظِ شَرِكَةٍ وَلَا إجَارَةٍ (فَتَفْسُدُ) أَيْضًا لِحَمْلِ الْإِطْلَاقِ عَلَى الْإِجَارَةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَحَمَلَهُ سَحْنُونَ عَلَى الشَّرِكَةِ فَأَجَازَهَا. وَصَرَّحَ بِالْفَسَادِ - وَإِنْ عُلِمَ مِنْ النَّفْيِ - لِأَجْلِ أَنْ يُشْبِهَ فِيهِ قَوْلُهُ: (كَإِلْغَاءِ أَرْضٍ لَهَا بَالٌ) مِنْ أَحَدِهِمَا (وَتَسَاوَيَا فِي غَيْرِهَا) مِنْ بَذْرٍ وَعَمَلٍ وَآلَةٍ؛ فَتَفْسُدُ لِعَدَمِ التَّسَاوِي مَعَ إلْغَاءِ الْأَرْضِ، فَإِنْ دَفَعَ لِرَبِّهَا نِصْفَ كِرَائِهَا جَازَ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ. فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لَا بَالَ لَهَا جَازَ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّ مَا لَا بَالَ لَهُ كَالْعَدَمِ. (أَوْ لِأَحَدِهِمَا أَرْضٌ وَلَوْ رَخِيصَةً) لَا بَالَ لَهَا (وَعَمَلٌ) وَمِنْ الْآخَرِ الْبَذْرُ، فَفَاسِدَةٌ لِمُقَابَلَةِ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ بِبَذْرٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ السَّابِقَةِ فَإِنَّ فِيهَا التَّسَاوِيَ فِي الْجَمِيعِ، فَالْأَرْضُ الرَّخِيصَةُ كَالْعَدَمِ. وَهُنَا الْأَرْضُ وَالْعَمَلُ مِنْ جِهَةٍ وَالْبَذْرُ مِنْ أُخْرَى فَقَدْ قَابَلَ بَعْضَ الْأَرْضِ، بِبَعْضِ الْبَذْرِ وَإِنْ رَخِيصَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا إنْ عَقَدَا بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ] : شُرُوعٌ فِي ذِكْرِ الْمَسَائِلِ الْفَاسِدَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَطْلَقَا] : أَيْ أَوْ عَقَدَ بِالْإِطْلَاقِ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى الْإِجَارَةِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى فَلَا يُقَالُ إنَّ فِيهِ عَطْفَ الْفِعْلِ عَلَى الِاسْمِ غَيْرَ الْمُشَابِهِ لِلْفِعْلِ. قَوْلُهُ: [عَلَى الْإِجَارَةِ] : أَيْ وَهِيَ إجَارَةٌ بِجُزْءٍ مَجْهُولِ الْقَدْرِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ عَلِمَ مِنْ النَّفْيِ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ لَا الْإِجَارَةِ أَوْ أَطْلَقَا. قَوْلُهُ: [أَوْ لِأَحَدِهِمَا أَرْض وَلَوْ رَخِيصَةٌ] هَذِهِ رَابِعَةُ الْمَسَائِلِ الْفَاسِدَةِ، وَبَقِيَ مَا إذَا أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا الْأَرْضَ وَبَعْضَ الْبَذْرِ، وَالْآخَرُ الْعَمَلَ وَبَعْضَ الْبَذْرِ، وَيَأْخُذُ الْعَامِلُ مِنْ الرِّبْحِ أَنْقَصَ مِنْ نِسْبَةِ بَذْرِهِ، وَبَقِيَ مَا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْبَذْرِ وَالْأَرْضِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَالْعَمَلُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَمَنْعُهَا لِلتَّفَاوُتِ وَمَا إذَا تَسَاوَيَا فِي الْجَمِيعِ وَأَسْلَفَ أَحَدُهُمَا الْبَذْرَ فَيُمْنَعُ لِلسَّلَفِ بِمَنْفَعَةٍ. قَوْلُهُ: [لِمُقَابَلَةِ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ بِبَذْرٍ] : الْمُنَاسِبُ قَلْبُ الْعِبَارَةِ بِأَنْ يَقُولَ جُزْءٌ مِنْ الْبَذْرِ بِأَرْضٍ. قَوْلُهُ: [فَقَدْ قَابَلَ بَعْضَ الْأَرْضِ] : الْمُنَاسِبُ حَذْفُ بَعْضَ.

[فساد المزارعة]

وَقَالَ سَحْنُونَ بِالْجَوَازِ فِي الرَّخِيصَةِ وَصَوَّبَ ابْنُ يُونُسَ الْأَوَّلَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدُوسٍ فَحَقَّ قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى الْأَرْجَحِ. (ثُمَّ إنْ فَسَدَتْ) الْمُزَارَعَةُ لِفَقْدِ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ؛ كَمَا لَوْ تَلَفَّظَا بِالْإِجَارَةِ أَوْ أَطْلَقَا فِي مَسْأَلَةِ الْخُمَاسِ أَوْ كَاللَّتَيْنِ بَعْدَهَا؛ فَإِمَّا أَنْ يَقَعَ الْعَمَلُ مِنْهُمَا أَوْ يَنْفَرِدَ بِهِ أَحَدُهُمَا؛ فَإِنْ وَقَعَ مِنْهُمَا (وَعَمِلَا مَعًا) وَكَانَ الْبَذْرُ لِأَحَدِهِمَا وَلِلْآخِرِ الْأَرْضُ (فَبَيْنَهُمَا) الزَّرْعُ (وَتَرَادَّا غَيْرَهُ) فَعَلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ نِصْفُ كِرَاءِ. أَرْضِ صَاحِبِهِ وَعَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ لِرَبِّ الْبَذْرِ نِصْفُ مَكِيلَةِ الزَّرْعِ. (وَإِلَّا) يَعْمَلَا مَعًا بَلْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالْعَمَلِ، وَلَهُ مَعَ عَمَلِهِ إمَّا الْأَرْضُ وَإِمَّا الْبَذْرُ - وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهِيَ فَاسِدَةٌ - (فَلِلْعَامِلِ) الزَّرْعُ وَحْدَهُ (إنْ كَانَ لَهُ) مَعَ عَمَلِهِ (أَرْضٌ أَوْ بَذْرٌ أَوْ بَعْضُ كُلٍّ) مِنْهُمَا بِأَنْ كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْنَهُمَا أَوْ الْبَذْرُ أَوْ هُمَا وَالْعَمَلُ فِي كُلٍّ مِنْ أَحَدِهِمَا. وَعِلَّةُ الْفَسَادِ التَّفَاوُتُ. (وَعَلَيْهِ) : أَيْ الْعَامِلُ الَّذِي حُكِمَ لَهُ بِجَمِيعِ الزَّرْعِ (مِثْلُ الْبَذْرِ) إذَا كَانَ لَهُ مَعَ عَمَلِهِ الْأَرْضُ وَكَانَ الْبَذْرُ مِنْ صَاحِبِهِ أَوْ بَعْضُ الْأَرْضِ؛ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْنَهُمَا وَأَخْرَجَ صَاحِبُهُ الْبَذْرَ فَقَدْ قَابَلَ بَعْضُ، الْبَذْرِ بَعْضَ الْأَرْضِ فَالزَّرْعُ لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ مِثْلُ الْبَذْرِ لِصَاحِبِهِ. (أَوْ) عَلَيْهِ (الْأُجْرَةُ) : أَيْ أُجْرَةُ الْأَرْضِ أَوْ الْبَقَرِ الْمُنْفَرِدِ بِهِ الْآخَرُ إنْ كَانَ لَهُ مَعَ عَمَلِهِ بَذْرٌ وَكَانَتْ الْأَرْضُ أَوْ مَعَ الْبَقَرِ لِصَاحِبِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَسَاد الْمُزَارَعَة] قَوْلُهُ: [أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ] : عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ وَقَوْلُهُ كَمَا لَوْ تَلَفَّظَ بِالْإِجَارَةِ إلَخْ مِثَالٌ لَهُمَا. قَوْلُهُ: [نِصْفُ مَكِيلَةِ الزَّرْعِ] : صَوَابُهُ الْبَذْرُ. قَوْلُهُ: [فَقَدْ قَابَلَ بَعْضُ الْبَذْرِ بَعْضَ الْأَرْضِ فَالزَّرْعُ لِلْعَامِلِ] : هَذَا التَّفْرِيعُ رَاجِعٌ لِمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ كُلُّهَا مِنْ عِنْدِ الْعَامِلِ وَالْبَذْرُ كُلُّهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِهِ وَلَمْ يُفَرِّعْ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّهُ يُقَالُ قَدْ قَابَلَ الْبَذْرُ الْعَمَلَ وَإِنَّمَا فَسَدَتْ لِلتَّفَاوُتِ.

وَ " أَوْ " فِي قَوْلِنَا: " أَوْ أُجْرَةٍ " لِمَنْعِ الْخُلُوِّ. فَتَجُوزُ الْجَمْعُ كَمَا لَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ بَيْنَهُمَا وَالْعَمَلُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَفَاسِدَةٌ لِلتَّفَاوُتِ فَالزَّرْعُ لِلْعَامِلِ، وَعَلَيْهِ لِصَاحِبِهِ أُجْرَةُ أَرْضِهِ وَمِثْلُ بَذْرِهِ. وَالْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ - كَأَرْضِ مِصْرَ - يُرَاعَى فِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ بَعْدَ إخْرَاجِ مَالِ الدِّيوَانِ. وَمَفْهُومُ قَوْلِنَا: " إنْ كَانَ لَهُ " إلَخْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْعَامِلِ بَذْرٌ وَلَا أَرْضٌ بَلْ كَانَ لَهُ عَمَلُ يَدِهِ فَقَطْ. كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْخُمَاسِ إذَا عَقَدَاهَا بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ أَوْ أَطْلَقَا - فَلَا يَكُونُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الزَّرْعِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ فَقَطْ وَالزَّرْعُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ. فَرَجَعَ الْأَمْرُ إلَى مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ الْأَقْوَالِ السِّتَّةِ؛ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ: أَنَّ الزَّرْعَ فِي الْفَاسِدَةِ لِمَنْ اجْتَمَعَ لَهُ شَيْئَانِ مِنْ أُصُولٍ ثَلَاثَةٍ الْبَذْرُ وَالْأَرْضُ وَالْعَمَلُ. (وَلَوْ كَانَ) : أَيْ الشُّرَكَاءُ (ثَلَاثَةً) فَأَكْثَرَ؛ (فَالزَّرْعُ لِمَنْ لَهُ شَيْئَانِ) مِنْهَا؛ (تَعَدَّدَ) مَنْ لَهُ الشَّيْئَانِ (أَوْ انْفَرَدَ) . فَإِنْ انْفَرَدَ فَظَاهِرٌ وَإِنْ تَعَدَّدَ كَانَ بَيْنَهُمَا أَوْ بَيْنَهُمْ وَأُعْطِيَ لِمَنْ انْفَرَدَ شَيْءٌ مِثْلَ بَذْرِهِ إنْ كَانَ مَا انْفَرَدَ بِهِ بَذْرًا أَوْ أَجَّرَ بِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ بَذْرٍ. (فَلَوْ انْفَرَدَ كُلٌّ) مِنْهُمْ (بِشَيْءٍ) وَاحِدٍ مِنْ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ (فَبَيْنَهُمْ) الزَّرْعُ أَثْلَاثًا كَمَا لَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ شَيْئَانِ (اهـ) مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الزَّرْعَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَعَلَيْهِ لِأَصْحَابِهِ أَجْرُ مَا أَخْرَجُوهُ. الثَّالِثُ لِابْنِ حَبِيبٍ: أَنَّ الشَّرِكَةَ إنْ فَسَدَتْ لِلْمُخَابَرَةِ - أَيْ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَوْ فِي قَوْلِنَا أَوْ أُجْرَةٍ] : الْمُنَاسِبُ أَوْ الْأُجْرَةِ. قَوْلُهُ: [فَرَجَعَ الْأَمْرُ إلَى مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ] إلَخْ: لَا يَظْهَرُ مُوَافَقَتُهُ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ، بَلْ يُخَالِفُهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَنْفَرِدْ صَاحِبُ الْعَمَلِ بِشَيْئَيْنِ فَإِنَّ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ يَكُونُ الزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْعَمَلِ، وَمُقْتَضَى الْمَنْسُوبِ لِابْنِ الْقَاسِمِ يَكُونُ لِمَنْ اُجْتُمِعَ لَهُ الشَّيْئَانِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ. قَوْلُهُ: [لِمَنْ لَهُ شَيْئَانِ مِنْهَا] : أَيْ مِنْ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ.

يَخْرُجُ مِنْهَا - فَالزَّرْعُ لِرَبِّ الْبَذْرِ وَإِنْ فَسَدَتْ لِغَيْرِهَا كَانَ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا شَرَطُوا وَتَعَادَلُوا فِيمَا أَخْرَجُوهُ. الرَّابِعُ: أَنَّ الزَّرْعَ لِصَاحِبِ عَمَلِ الْيَدِ وَلَوْ انْفَرَدَ بِهِ وَعَلَيْهِ لِأَصْحَابِهِ مَا أَخْرَجُوهُ مِنْ بَذْرٍ أَوْ أَرْضٍ. الْخَامِسُ: لِمَنْ اُجْتُمِعَ لَهُ شَيْئَانِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ؛ أَرْضٌ وَبَذْرٌ وَعَمَلُ يَدٍ وَبَقَرٌ. السَّادِسُ: لِمَنْ لَهُ شَيْئَانِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ؛ أَرْضٌ، وَبَقَرٌ وَعَمَلٌ. كَلَامُ الشَّيْخِ مَعَ إجْمَالِهِ قَاصِرٌ فَيَنْبَغِي حَلُّهُ بِمَا لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَالزَّرْعُ لِرَبِّ الْبَذْرِ] : أَيْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [عَلَى مَا شَرَطُوا] : أَيْ اُجْتُمِعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ شَيْئَانِ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ انْفَرَدَ بِهِ] : أَيْ هَذَا إذَا صَحِبَ عَمَلَ الْيَدِ شَيْءٌ آخَرَ مِنْ بَقَرٍ أَوْ بَذْرٍ أَوْ أَرْضٍ بَلْ وَلَوْ انْفَرَدَ بِهِ. قَوْلُهُ: [لِمَنْ اجْتَمَعَ لَهُ شَيْئَانِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ] : أَيْ فَإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً مَثَلًا وَاجْتُمِعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئَانِ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ فَإِنَّهُمْ يَشْتَرِكُونَ. قَوْلُهُ: [السَّادِسُ لِمَنْ لَهُ شَيْئَانِ] : وَقَدْ نَظَمَ ابْنُ غَازِيٍّ تِلْكَ الْأَقْوَالَ بِقَوْلِهِ: الزَّرْعُ لِلْعَامِلِ أَوْ لِلْبَاذِرِ ... فِي فَاسِدٍ أَوْ لِذَوِي الْمُخَابِرِ وَمَنْ لَهُ حَرْفَانِ مِنْ إحْدَى الْكَلِمِ ... عَابَ وَعَاثَ ثَاعِبُ يَا مَنْ فَهِمَ وَالْمُرَادُ بِالْمُخَابِرِ هُنَا: الَّذِي يُعْطِي أَرْضَهُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَإِلَّا عَيَّنَ لِلْعَمَلِ، وَالْأَلِفَاتُ لِلْأَرْضِ، وَالْبَاءَانِ لِلْبَذْرِ، وَالثَّاءَانِ لِلثِّيرَانِ. فَقَوْلُهُ " عَابَ " إشَارَةٌ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ، " وَعَاثَ " لِلْقَوْلِ السَّادِسِ، وَ " ثَاعِبُ " لِلْقَوْلِ الْخَامِسِ. قَوْلُهُ: [فَيَنْبَغِي حِلُّهُ بِمَا لِابْنِ الْقَاسِمِ] : قَدْ عَلِمْت أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ بَعِيدٌ لِأَنَّ كَلَامَ مُصَنِّفِنَا نَظِيرُ كَلَامِ خَلِيلٍ.

[باب في الوكالة وأحكامها]

بَابٌ فِي الْوَكَالَةِ وَأَحْكَامِهَا (الْوَكَالَةُ) : بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا: وَهِيَ لُغَةً الْحِفْظُ وَالْكَفَالَةُ وَالضَّمَانُ وَالتَّفْوِيضُ. يُقَالُ: وَكَّلَتْ أَمْرِي لِفُلَانٍ فَوَّضْته إلَيْهِ. وَشَرْعًا: مَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: " نِيَابَةً " إلَخْ. أَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: مُوَكَّلٌ، وَوَكِيلٌ، وَمُوَكَّلٌ فِيهِ، وَصِيغَةٌ؛ تُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ: (نِيَابَةٌ) : وَهِيَ تَسْتَلْزِمُ مُنِيبًا وَمُنَابًا. (فِي حَقٍّ) مِنْ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ كَأَنَّهُ قَالَ: نِيَابَةُ شَخْصٍ لِغَيْرِهِ فِي حَقٍّ؛ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى الْمُوَكَّلِ فِيهِ، وَسَتَأْتِي الصِّيغَةُ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْوَكَالَةِ وَأَحْكَامِهَا] [تَعْرِيف الْوَكَالَة] بَابٌ لَمَّا كَانَ بَيْنَ الْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ مُنَاسَبَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهَا وَكَالَةً أُتْبِعُهَا بِهَا. قَوْلُهُ: [مُوَكِّلٌ] : أَيْ وَهُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ. وَقَوْلُهُ: [وَوَكِيلٌ] فِعْلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٌ أَيْ مُتَوَكِّلٌ، أَوْ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. وَقَوْلُهُ: [وَمُوَكَّلٌ فِيهِ] : أَيْ وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَقْبَلُ النِّيَابَةَ. قَوْلُهُ: [تُعْلَمُ] : أَيْ تِلْكَ الْأَرْكَانُ. قَوْلُهُ: [مُنِيبًا وَمَنَابًا] أَيْ مُوَكِّلًا وَوَكِيلًا. قَوْلُهُ: [مِنْ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا] : أَيْ كَالتَّعَازِيرِ فَالْمَدَارُ عَلَى كَوْنِهِ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ. قَوْلُهُ: [كَأَنَّهُ قَالَ نِيَابَةُ شَخْصٍ] إلَخْ: أَيْ فَنِيَابَةٌ مَصْدَرٌ مُنَوَّنٌ حُذِفَ فَاعِلُهُ عَلَى حَدِّ: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ - يَتِيمًا} [البلد: 14 - 15] وَحَذْفُهُ قِيَاسِيٌّ لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ:

قَوْلُهُ: " بِمَا يَدُلُّ ". (غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ) تِلْكَ النِّيَابَةُ (بِمَوْتِهِ) : أَيْ النَّائِبُ: خَرَجَ بِهِ الْوَصِيَّةُ (وَلَا إمَارَةَ) : عَطْفٌ عَلَى " غَيْرُ " كَأَنَّهُ قَالَ: وَغَيْرُ إمَارَةٍ، خَرَجَ بِهِ نِيَابَةُ السُّلْطَانِ أَمِيرًا أَوْ قَاضِيًا أَوْ نِيَابَةُ الْقَاضِي قَاضِيًا فِي بَعْضِ عَمَلِهِ؛ فَلَا تُسَمَّى وَكَالَةً عُرْفًا. وَمَثَّلَ لِلْحَقِّ بِقَوْلِهِ: (كَعَقْدٍ) لِنِكَاحٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَيَجُوزُ تَوْكِيلُ الْغَيْرِ فِيهِ (وَفَسْخٍ) لِعَقْدٍ مِمَّا ذَكَرَ إذَا جَازَ كَعَقْدِ مُزَارَعَةٍ قَبْلَ الْبَذْرِ أَوْ وَلِيَ سَفِيهٌ أَوْ سَيِّدٌ النِّكَاحَ أَوْ بَيْعٍ وَشَمِلَ الطَّلَاقَ وَالْإِقَالَةَ وَالْخُلْعَ (وَأَدَاءٍ) لِدَيْنِ (أَوْ قَضَاءٍ) لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ النِّيَابَةِ مَصْدَرٌ وَتَعَجُّبٌ ... وَمُفَرَّغٌ يَنْقَاسُ حَذْفُ الْفَاعِلِ قَوْلُهُ: [أَيْ النَّائِبُ] : صَوَابُهُ أَيْ ذِي الْحَقِّ. قَوْلُهُ: [خَرَجَ بِهِ الْوَصِيَّةُ] : أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِيهَا عُرْفًا وَكَالَةٌ وَلِذَا فَرَّقُوا بَيْنَ فُلَانٍ وَكِيلٌ وَوَصِيٌّ. قَوْلُهُ: [خَرَجَ بِهِ نِيَابَةُ السُّلْطَانِ أَمِيرًا] : أَيْ وَهِيَ النِّيَابَةُ الْعَامِلَةُ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ نِيَابَةُ الْقَاضِي قَاضِيًا] : أَيْ وَهِيَ النِّيَابَةُ الْخَاصَّةُ. قَوْلُهُ: [كَعَقْدٍ لِنِكَاحٍ] : لَكِنْ إنْ كَانَ الْمُوَكَّلُ الزَّوْجَ جَازَ وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُوَكَّلُ الزَّوْجَةَ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُ الْوَلِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ. قَوْلُهُ: [لِنِكَاحٍ أَوْ بَيْعٍ] : رَاجِعٌ لِوَلِيِّ السَّفِيهِ أَوْ السَّيِّدِ. قَوْلُهُ: [وَشَمِلَ الطَّلَاقَ] : أَيْ يَدْخُلُ الطَّلَاقُ فِي الْفَسْخِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَسْخِ مُطْلَقُ الْحِلِّ، وَفِي (شب) أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْعَقْدِ فَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ عَلَى الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ وَقْتَ عَقْدِ التَّوْكِيلِ حَائِضًا فَإِنْ أَوْقَعَهُ الْوَكِيلُ حَالَةَ الْحَيْضِ جَرَى عَلَى حُكْمِ الْمُطْلَقِ فِيهِ. قَوْلُهُ: [وَأَدَاءٍ لِدَيْنٍ] : أَيْ بِأَنْ يُوَكِّلَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ شَخْصًا يُؤَدِّيه عَنْهُ لِأَرْبَابِهِ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ قَضَاءٍ لَهُ] : الْمُنَاسِبُ أَوْ اقْتِضَاءٍ لَهُ بِأَنْ يُوَكِّلَ شَخْصًا يَقْبِضُهُ

(وَعُقُوبَةٍ) لِمَنْ لَهُ ذَلِكَ مِنْ أَمِيرٍ أَوْ سَيِّدٍ أَوْ زَوْجٍ، وَشَمِلَتْ التَّعَازِيرَ وَالْحُدُودَ فَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهَا (وَحَوَالَةٍ) فَيَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يُحِيلُ غَرِيمُهُ عَلَى مَدِينٍ لَهُ (وَإِبْرَاءٍ) مِنْ حَقٍّ (وَإِنْ جَهِلَهُ) : أَيْ الْحَقَّ (الثَّلَاثُ) : الْمُوَكِّلُ وَالْوَكِيلُ وَمَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ؛ كَأَنْ يُوَكِّلَ إنْسَانًا فِي إبْرَائِهِ ذِمَّةَ مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالْإِبْرَاءُ هِبَةٌ وَهِيَ تَجُوزُ بِالْمَجْهُولِ (وَحَجٍّ) : بِأَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ غَيْرَ الْفَرِيضَةِ أَوْ مَنْ يَسْتَنِيبُ لَهُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ. وَكَذَا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْوَقْفُ وَقَبْضُ حَقٍّ وَكُلُّ مَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ. (لَا فِي) مَا لَا يَقْبَلُهَا مِنْ الْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ نَحْوَ (يَمِينٍ) فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ مَنْ يَحْلِفُ عَنْهُ (وَصَلَاةٍ) فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ مَنْ يُصَلِّي عَنْهُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQمِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ وَبَقَاءُ الْقَضَاءِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ يَكُونُ عَيْنَ الْأَدَاءِ فَيَكُونُ غَيْرَ مُفِيدٍ شَيْئًا. قَوْلُهُ: [وَشَمِلَتْ التَّعَازِيرَ] : أَيْ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يُبَاشِرَ ذَلِكَ نِيَابَةً عَنْهُ. قَوْلُهُ: [وَحَوَالَةٍ] : زَادَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ التَّوْكِيلُ فِي الْحَمَّالَةِ، وَفَسَّرَ ذَلِكَ ابْنُ هَارُونَ بِأَنْ يُوَكِّلَهُ عَلَى أَنْ يَتَكَفَّلَ لِفُلَانٍ بِمَا عَلَى فُلَانٍ، وَقَدْ كَانَ الْتَزَمَ لِرَبِّ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى فُلَانٍ أَنْ يَأْتِيَهُ بِكَفِيلٍ عَنْهُ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ تَجُوزُ بِالْمَجْهُولِ] : أَيْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلسَّادَةِ الشَّافِعِيَّةِ. قَوْلُهُ: [وَحَجٍّ] : أَيْ فَتَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا لِقَوْلِ خَلِيلٍ فِي بَابِ الْحَجِّ، وَمَنْعُ اسْتِنَابَةِ صَحِيحٍ فِي فَرْضٍ وَإِلَّا كُرِهَ. قَوْلُهُ: [وَقَبْضِ حَقٍّ] : أَيْ دَيْنًا أَوْ أَمَانَةً فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ، أَوْ قَضَاءً لَهُ. قَوْلُهُ: [وَكُلُّ مَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ] : أَيْ بِنَاءً عَلَى تَسَاوِي النِّيَابَةِ وَالْوَكَالَةِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ مَنْ يَحْلِفُ عَنْهُ] : اعْلَمْ أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي طَلَبَهُ الشَّارِعُ فِي الشَّخْصِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ: مَا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى مَصْلَحَةٍ مَنْظُورٍ فِيهَا لِخُصُوصِ الْفَاعِلِ، وَهَذَا لَا تَحْصُلُ مَصْلَحَتُهُ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ، وَتُمْنَعُ النِّيَابَةُ قَطْعًا؛ وَذَلِكَ كَالْيَمِينِ وَالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَوَطْءِ الزَّوْجَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ مَصْلَحَةَ الْيَمِينِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى صِدْقِ الْمُدَّعِي وَذَلِكَ غَيْرُ حَاصِلٍ بِحَلِفِ غَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ:

بِخِلَافِ تَوْكِيلِ غَيْرِهِ فِي الْإِمَامَةِ بِمَحَلٍّ يَؤُمُّ فِيهِ النَّاسَ أَوْ يَخْطُبُ عَنْهُ فَيَجُوزُ. (وَ) لَا فِي (مَعْصِيَةٍ؛ كَظِهَارٍ) : فَلَا يُوَكِّلُ مَنْ يَظَاهَرُ عَنْهُ زَوْجَتَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. وَكَذَا سَائِرُ الْمَعَاصِي: فَمَنْ أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ خَمْرًا أَوْ يَقْتُلَ نَفْسًا بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ يَغْصِبَ أَوْ يَسْرِقَ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَا يُقَالُ لَهُ نِيَابَةٌ، وَيُقَالُ لَهُ أَمْرٌ. وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: افْعَلْ لِي مَا يَجُوزُ، كَ: اسْرِقْ لِي مَالِي الَّذِي بِيَدِ فُلَانٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَيْسَ فِي السُّنَّةِ أَنْ يَحْلِفَ أَحَدٌ وَيَسْتَحِقُّ غَيْرُهُ، وَمَصْلَحَةُ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ إجْلَالُ اللَّهِ وَتَعْظِيمُهُ وَإِظْهَارُ الْعُبُودِيَّةِ لَهُ، وَإِنَّمَا تَحْصُلُ مِنْ جِهَةِ الْفَاعِلِ وَكَذَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَمَصْلَحَةُ الْوَطْءِ الْإِعْفَافُ، وَتَحْصِيلُ وَلَدٍ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ. الثَّانِي: مَا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى مَصْلَحَةٍ مَنْظُورٍ فِيهَا لِذَاتِ الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ حُصُولُ مَصْلَحَتِهِ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ وَحِينَئِذٍ فَتَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ قَطْعًا وَذَلِكَ كَرَدِّ الْعَوَارِيِّ وَالْوَدَائِعِ وَالْمَغْصُوبَاتِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ وَتَفْرِيقِ الزَّكَاةِ وَنَحْوِهَا. فَإِنَّ مَصْلَحَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إيصَالُ الْحُقُوقِ لِأَهْلِهَا بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَلِذَلِكَ يَبْرَأُ مَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ بِالْوَفَاءِ وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ. الثَّالِثُ: مَا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى مَصْلَحَةٌ مَنْظُورٍ فِيهَا لِجِهَةِ الْفِعْلِ وَلِجِهَةِ الْفَاعِلِ وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُمَا. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا بِأَيِّهِمَا يَلْحَقُ؟ وَذَلِكَ كَالْحَجِّ فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ مَعَهَا إنْفَاقُ مَالٍ، فَمَالِكٌ وَمَنْ وَافَقَهُ رَأَوْا أَنَّ مَصْلَحَتَهُ تَأْدِيبُ النَّفْسِ وَتَهْذِيبُهَا بِعَظِيمِ شَعَائِرِ اللَّهِ فِي تِلْكَ الْبِقَاعِ وَإِظْهَارُ الِانْقِيَادِ إلَيْهِ، وَهَذَا أَمْرٌ مَطْلُوبٌ مِنْ كُلِّ قَادِرٍ فَإِذَا فَعَلَهُ إنْسَانٌ عَنْهُ فَاتَتْ الْمُصْلِحَةُ الَّتِي طَلَبَهَا الشَّارِعُ مِنْهُ، وَرَأَوْا أَنَّ إنْفَاقَ الْمَالِ فِيهِ أَمْرٌ عَارِضٌ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَكِّيَّ يَحُجُّ بِلَا مَالٍ فَقَدْ أَلْحَقُوهُ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَصَالِحَ لَا تَحْصُلُ بِفِعْلِ الْغَيْرِ عَنْهُ، وَلِذَا كَانَ لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَمَّنْ حَجَّ عَنْهُ، وَإِنَّمَا لَهُ أَجْرُ النَّفَقَةِ وَالدُّعَاءِ، وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ رَأَوْا أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ الْقِرْبَةُ الْمَالِيَّةُ الَّتِي لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا غَالِبًا فَأَلْحَقُوهُ بِالْقِسْمِ الثَّانِي (اهـ مُلَخَّصًا مِنْ بْن) . قَوْلُهُ: [فِي الْإِمَامَةِ] : اعْلَمْ أَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِمَامَةَ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمَ بِمَكَانٍ مَخْصُوصٍ تَجُوزُ فِيهَا النِّيَابَةُ حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ عَدَمَ النِّيَابَةِ فِيهَا، فَإِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ عَدَمَهَا وَحَصَلَتْ نِيَابَةٌ لَمْ يَكُنْ الْمَعْلُومُ لِلْأَصْلِ لِتَرْكِهِ وَلَا لِلنَّائِبِ لِعَدَمِ تَقَرُّرِهِ فِي الْوَظِيفَةِ أَصَالَةً، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ عَدَمَ النِّيَابَةِ فَالْمَعْلُومُ لِصَاحِبِ الْوَظِيفَةِ

[التوكيل في الخصومة]

أَوْ: اغْصِبْهُ لِي مِنْهُ، أَوْ: اُقْتُلْ لِي مَنْ قَتَلَ أَبِي الثَّابِتُ شَرْعًا؛ سُمِّيَ نِيَابَةً وَوَكَالَةً. وَتَنْفَرِدُ النِّيَابَةُ عَنْ الْوَكَالَةِ فِي ذِي إمْرَةٍ نَيَّبَ غَيْرَهُ فِي إمَارَةٍ أَوْ قَضَاءٍ - كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ. (وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ) تَوْكِيلٍ (وَاحِدٍ فِي خُصُومَةٍ) : لِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ النِّزَاعِ (إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ) : فَيَجُوزُ الْأَكْثَرُ كَمَا يَجُوزُ الْوَاحِدُ مُطْلَقًا إلَّا لِعَدَاوَةٍ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْخَصْمِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ (كَأَنْ قَاعَدَهُ) : أَيْ قَاعَدَ خَصْمَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ (ثَلَاثًا) : أَيْ ثَلَاثَ مَجَالِسَ وَلَوْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ أَحَدًا يُخَاصِمُ عَنْهُ خَصْمَهُ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الثَّلَاثَةِ مَجَالِسَ انْعِقَادُ الْمَقَالَاتِ بَيْنَهُمَا وَظُهُورُ الْحَقِّ، فَالتَّوْكِيلُ حِينَئِذٍ يُوجِبُ تَجْدِيدَ الْمُنَازَعَةِ وَكَثْرَةِ الشَّرِّ (إلَّا لِعُذْرٍ) مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ فَلَهُ حِينَئِذٍ التَّوْكِيلُ. وَمِنْ الْعُذْرِ حَلِفُهُ أَنْ لَا يُخَاصِمَهُ لِكَوْنِهِ أَلَدَّ الْخِصَامِ، لَا إنْ حَلَفَ لِغَيْرِ مُوجِبٍ. (بِمَا يَدُلُّ عُرْفًا) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: " نِيَابَةٌ فِي حَقٍّ " وَهَذَا هُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ مِنْ أَرْكَانِهَا. وَالدَّالُّ عُرْفًا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَفْظًا أَوْ غَيْرَهُ كَكِتَابَةٍ أَوْ إشَارَةٍ قَالَ بَعْضُهُمْ: ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُقَرَّرِ فِيهَا وَهُوَ النَّائِبُ عَلَى مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ كَانَتْ الِاسْتِنَابَةُ لِضَرُورَةٍ أَوْ لَا كَمَا قَالَهُ الْمَنُوفِيُّ وَاخْتَارَهُ (بْن) وَالْأُجْهُورِيُّ. قَوْلُهُ: [وَتَنْفَرِدُ النِّيَابَةُ عَنْ الْوَكَالَةِ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّهُ اخْتَلَفَ، فَقِيلَ: إنَّ النِّيَابَةَ مُسَاوِيَةٌ لِلْوَكَالَةِ وَهُوَ لِابْنِ رُشْدٍ وَعِيَاضٍ، فَكُلُّ مَا صَحَّتْ فِيهِ النِّيَابَةُ تَصِحُّ فِيهِ الْوَكَالَةُ. وَقِيلَ: النِّيَابَةُ أَعَمُّ فَلَيْسَ كُلُّ مَا صَحَّتْ فِيهِ النِّيَابَةُ تَصِحُّ فِيهِ الْوَكَالَةُ كَالْإِمْرَةِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. [التوكيل فِي الخصومة] قَوْلُهُ: [فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ أَحَدًا] : أَيْ إلَّا بِرِضَاهُ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ شَأْنَ الثَّلَاثَةِ مَجَالِسَ انْعِقَادُ الْمَقَالَاتِ] : ظَاهِرُهُ جَوَازُ التَّوْكِيلِ فِي أَقَلَّ مِنْهَا وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ. لَكِنْ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الْمَرَّتَانِ كَالثَّلَاثِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [لَا إنْ حَلَفَ لِغَيْرِ مُوجِبٍ] : أَيْ فَلَا يَكُونُ عُذْرًا يُبِيحُ لَهُ التَّوْكِيلَ بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يُخَاصِمَ بِنَفْسِهِ وَيَحْنَثَ فِي يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى خَصْمُهُ بِتَوْكِيلِهِ.

[ما تنعقد به الوكالة]

أَوْ عَادَةً كَتَصَرُّفِ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ فِي مَالِهَا وَهِيَ عَالِمَةٌ سَاكِتَةٌ أَوْ تَصَرَّفَ لِإِخْوَتِهِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّوْكِيلِ فَيَمْضِي فِعْلُهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ حَتَّى يَثْبُتَ الْمَنْعُ لِلْمُصَرِّفِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ وَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ الْوَكِيلِ. (لَا بِمُجَرَّدِ: وَكَّلْتُك) أَوْ: أَنْتَ وَكِيلِي، فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ، وَتَكُونُ وَكَالَةً بَاطِلَةً وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: تُفِيدُ وَتَعُمُّ. وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ بَشِيرٍ دَرَجَ الشَّيْخُ. وَلِذَا قَالَ: (بَلْ حَتَّى يُفَوِّضَ) لِلْوَكِيلِ بِأَنْ يَقُولَ الْمُوَكِّلُ وَكَّلْتُك وَكَالَةً مُفَوَّضَةً أَوْ فِي جَمِيعِ أُمُورِي أَوْ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (أَوْ يُعَيَّنُ) لَهُ (بِنَصٍّ أَوْ قَرِينَة) فِي شَيْءٍ خَاصٍّ كَنِكَاحٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ لِخَاصٍّ أَوْ عَامٍّ. (وَلَهُ) : أَيْ الْوَكِيلِ (فِي) تَوْكِيلِهِ عَلَى (الْبَيْعِ: طَلَبُ الثَّمَنِ) مِنْ الْمُشْتَرِي (وَقَبْضُهُ) مِنْهُ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْبَيْعِ الَّذِي وُكِّلَ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا تَنْعَقِد بِهِ الْوَكَالَة] قَوْلُهُ: [أَوْ تُصْرَفُ لِإِخْوَتِهِ كَذَلِكَ] : أَيْ كَمَا قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي رُبْعٍ بَيْنَ أَخٍ وَأُخْتٍ، وَكَانَ الْأَخُ يَتَوَلَّى كِرَاءَهُ وَقَبْضَهُ سِنِينَ مُتَطَاوِلَةً وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ يَدْفَعُ لِأُخْتِهِ مَا يَخُصُّهَا فِي الْكِرَاءِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِالْعَادَةِ. قَوْلُهُ: [وَتَكُونُ وَكَالَةً بَاطِلَةً] : أَيْ فِي كُلِّ مَا أُبْهِمَ فِيهِ الْمُوَكِّلُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ أَنْتَ وَصِيٌّ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ وَتَعُمُّ كُلَّ شَيْءٍ. قَوْلُهُ: [وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ تُفِيدُ وَتَعُمُّ] : أَوْ وَوَافَقَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ قَالَ: وَهُوَ قَوْلُهُمْ فِي الْوَكَالَةِ إنْ قَصُرَتْ طَالَتْ وَإِنْ طَالَتْ قَصُرَتْ، فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَرَّقَ ابْنُ شَاسٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: الْعَادَةُ قَالَ: لِأَنَّهَا تَقْتَضِي عِنْدَ إطْلَاقِ لَفْظِ الْوَصِيَّةِ التَّصَرُّفَ فِي كُلِّ الْأَشْيَاءِ وَلَا تَقْتَضِيه فِي الْوَكَالَةِ وَيَرْجِعُ إلَى اللَّفْظِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ. الثَّانِي: أَنَّ الْمُوَكِّلَ مُهَيَّأٌ لِلتَّصَرُّفِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُبْقِيَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا فَيُفْتَقَرُ لِتَقْرِيرِ مَا أَبْقَى وَالْوَصِيُّ لَا تَصَرُّفَ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَفْتَقِرُ لِتَقْرِيرِهِ (اهـ. بْن) . [مَا يَجُوز لِلْوَكِيلِ وَمَا يَجِب عَلَيْهِ] قَوْلُهُ: [وَلَهُ أَيْ لِلْوَكِيلِ] إلَخْ: " اللَّامُ " بِمَعْنَى " عَلَى " لِقَوْلِ خَلِيلٍ فِي التَّوْضِيحِ لَوْ سَلَّمَ الْوَكِيلُ الْمَبِيعَ وَلَمْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ ضَمِنَهُ (اهـ) وَهَذَا حَيْثُ لَا عُرْفَ بِعَدَمِ طَلَبِهِ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ بَلْ لَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ قَبْضُهُ، وَلَا يَبْرَأُ الْمُشْتَرِي بِدَفْعِ الثَّمَنِ إلَيْهِ. قَالَ

(وَ) لَهُ (فِي) تَوْكِيلِهِ عَلَى (الشِّرَاءِ: قَبْضُ الْمَبِيعِ) مِنْ بَائِعِهِ وَتَسْلِيمِهِ لِمُوَكَّلِهِ. (وَ) لَهُ (رَدُّهُ) : أَيْ الْمَبِيعِ (بِعَيْبٍ) ظَهَرَ فِيهِ (إنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ مُوَكِّلُهُ) . فَإِنْ عَيَّنَهُ بِأَنْ قَالَ لَهُ: اشْتَرِ لِي هَذِهِ السِّلْعَةَ أَوْ سِلْعَةَ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةَ، فَلَا رَدَّ لِلْوَكِيلِ بِعَيْبٍ ظَهَرَ فِيهَا. وَهَذَا فِي غَيْرِ الْوَكِيلِ الْمِفْرَضِ وَإِلَّا فَلَهُ الرَّدُّ وَلَوْ عَيَّنَ لَهُ. (وَطُولِبَ) الْوَكِيلُ (بِالثَّمَنِ) لِسِلْعَةٍ اشْتَرَاهَا لِمُوَكِّلِهِ (وَبِالثَّمَنِ) الَّذِي بَاعَهُ لِمُوَكِّلِهِ عَلَى بَيْعِهِ (إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ) الْوَكِيلُ (بِالْبَرَاءَةِ) مِنْ ذَلِكَ، بِأَنْ يَقُولَ: وَلَا أَتَوَلَّى دَفْعَ الثَّمَنِ لَك، أَوْ لَا أَتَوَلَّى دَفْعَ الْمُثَمَّنِ فَلَا يُطَالَبُ وَإِنَّمَا يُطَالَبُ بِالثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ مُوَكِّلُهُ. وَشَبَّهَ فِي مَفْهُومٍ (إلَّا أَنْ كَ: بَعَثَنِي) : أَيْ كَقَوْلِهِ لِبَائِعٍ: بَعَثَنِي (فُلَانٌ لِتَبِيعَهُ) كَذَا فَبَاعَهُ، فَلَا يُطَالَبُ بِالثَّمَنِ، (بِخِلَافِ) : بَعَثَنِي (لِأَشْتَرِيَ لَهُ مِنْك) كَذَا فَيُطَالَبُ الرَّسُولُ إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ الْمُرْسِلُ بِأَنَّهُ أَرْسَلَهُ فَلْيَتْبَعْ أَيَّهُمَا شَاءَ، كَمَا فِي الْحَطَّابِ عَنْ التَّوْضِيحِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا: أَنَّهُ فِي هَذِهِ أَسْنَدَ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ وَفِيمَا قَبْلَهَا أَسْنَدَهُ لِغَيْرِهِ، وَلِذَا لَوْ قَالَ: لِتَبِيعَنِي، كَانَ الطَّلَبُ عَلَى الرَّسُولِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُتَيْطِيُّ نَقْلًا عَنْ أَبِي عِمْرَانَ: وَلَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ عِنْدَ النَّاسِ فِي الرُّبَاعِ أَنَّ وَكِيلَ الْبَيْعِ لَا يَقْبِضُ الثَّمَنَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ لِلْوَكِيلِ الَّذِي بَاعَ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ هَذَا عَلَى الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ بَيْنَهُمْ (اهـ. بْن) . قَوْلُهُ: [قَبْضُ الْمَبِيعِ] : أَيْ عَلَيْهِ أَيْضًا قَبْضُ الْمَبِيعِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ الثَّمَنِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُصَرِّحْ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَلَهُ رَدُّهُ] : قَدْ عَلِمْت أَنَّ اللَّامَ بِمَعْنَى عَلَى أَيْ يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ بِالْعَيْبِ حَالَ شِرَائِهِ وَلَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا لِغَيْرِ الْمُتَأَمِّلِ وَإِلَّا فَلَا رَدَّ لَهُ، وَيَكُونُ لَازِمًا لِلْوَكِيلِ إنْ لَمْ يَقْبَلْهُ الْمُوَكِّلُ. قَوْلُهُ: [وَشَبَه فِي مَفْهُومِ إلَّا] : هَكَذَا نُسْخَةَ الْمُؤَلَّفِ وَصَوَابُ الْعِبَارَةِ وَشَبَّهَ فِي مَفْهُومِ إلَّا أَنْ يُصَرَّحَ بِالْبَرَاءَةِ كَبَعَثَنِي إلَخْ.

(و) طُولِبَ الْوَكِيلُ (بِالْعُهْدَةِ) مِنْ عَيْبٍ فِيمَا بَاعَهُ لِمُوَكِّلِهِ أَوْ اسْتِحْقَاقِ (مَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي) بِأَنَّهُ وَكِيلٌ، وَإِلَّا فَالطَّلَبُ عَلَى الْمُوَكِّلِ. (إلَّا الْمُفَوَّضَ) فَالطَّلَبُ عَلَيْهِ وَلَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ وَكِيلٌ. (وَفَعَلَ) الْوَكِيلُ (الْمَصْلَحَةَ) وُجُوبًا أَيْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ مَا فِيهِ الْمُصْلِحَةُ لِمُوَكِّلِهِ (فَيَتَعَيَّنُ) عَلَيْهِ فِي التَّوْكِيلِ الْمُطْلَقِ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءِ (نَقْدُ الْبَلَدِ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ. (وَ) شِرَاءِ (لَائِقٍ) بِمُوَكِّلِهِ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْ الْمُوَكِّلَ (وَثَمَنُ الْمِثْلِ) . (وَإِلَّا) لَمْ يَلْزَمْ الْمُوَكِّلَ وَ (خُيِّرَ) فِي الْقَبُولِ وَالرَّدِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا يَسِيرًا يَقَعُ التَّغَابُنُ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا كَلَامَ لِلْمُوَكِّلِ. (كَصَرْفِ ذَهَبٍ) دَفَعَهُ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ لِيُسْلِمَهُ لَهُ فِي طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ شَيْئًا فَصَرَفَهُ (بِفِضَّةٍ) وَأَسْلَمَهَا أَوْ اشْتَرَى بِهَا فَيُخَيِّرُ الْمُوَكِّلُ بَيْنَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ فِي غَيْرِ السَّلَمِ مُطْلَقًا، وَفِي السَّلَمِ إنْ قَبَضَهُ الْوَكِيلُ لَا إنْ لَمْ يَقْبِضْهُ فَيَتَعَيَّنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَطُولِبَ الْوَكِيلُ بِالْعُهْدَةِ] : أَيْ فَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ سِلْعَةً وَظَهَرَ بِهَا عَيْبٌ أَوْ حَصَلَ فِيهَا اسْتِحْقَاقٌ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَكِيلِ. قَوْلُهُ: [مَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِأَنَّهُ وَكِيلٌ] : أَيْ كَالسِّمْسَارِ وَمَا لَمْ يَحْلِفْ الْوَكِيلُ أَنَّهُ كَانَ وَكِيلًا فِي الْبَيْعِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [إلَّا الْمُفَوَّضُ فَالطَّلَبُ عَلَيْهِ] : أَيْ فَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مُوَكِّلِهِ فَيَصِيرُ لَهُ غَرِيمَانِ يَتْبَعُ أَيَّهُمَا شَاءَ كَالشَّرِيكِ الْمُفَوَّضِ. قَوْلُهُ: [فِي التَّوْكِيلِ الْمُطْلَقِ] : الْمُرَادُ بِإِطْلَاقِهِ عَدَمُ ذِكْرِ نَوْعِ الثَّمَنِ أَوْ جِنْسِهِ عِنْدَهُ. قَوْلُهُ: [نَقْدُ الْبَلَدِ] أَيْ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ أَوْ الشِّرَاءُ سَوَاءٌ وَقَعَ التَّوْكِيلُ فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [وَثَمَنُ الْمِثْلِ] : أَيْ فَإِذَا وَكَّلَهُ عَلَى بَيْعِ سِلْعَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيْعِهَا بِثَمَنٍ مِثْلِهَا لَا بِأَقَلَّ، وَإِذَا وَكَّلَهُ عَلَى شِرَاءِ سِلَعٍ فَلَا بُدَّ مِنْ شِرَائِهَا بِثَمَنِ مِثْلِهَا لَا بِأَكْثَرَ، وَمَحَلُّ تَعَيُّنِ ثَمَنِ الْمِثْلِ إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ مُطْلَقًا لَمْ يُسَمِّ لَهُ ثَمَنًا فَإِنْ سَمَّاهُ تَعَيَّنَ قَوْلُهُ: [وَخُيِّرَ فِي الْقَبُولِ وَالرَّدِّ] : مَحَلُّ الْخِيَارِ إذَا كَانَتْ الْمُخَالَفَةُ لَا نِزَاعَ فِيهَا. وَأَمَّا لَوْ أَنْكَرَ الْوَكِيلُ الْمُخَالَفَةَ فَهَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ.

وَلَيْسَ لَهُ الْإِجَازَةُ لِمَا فِيهِ مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ وَبَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ إنْ كَانَ طَعَامًا وَقِيلَ التَّخْيِيرُ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي السَّلَمِ وَغَيْرِهِ لَا بَعْدَهُ لِجَرَيَانِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، فَتَأَمَّلْهُ. (إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّأْنُ) هُوَ الصَّرْفُ أَوْ كَانَ نَظَرًا فَلَا خِيَارَ لِلْمُوَكِّلِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ دَفَعْت إلَيْهِ دَنَانِيرَ يُسْلِمُهَا فِي طَعَامٍ فَلَمْ يُسْلِمْهَا حَتَّى صَرَفَهَا بِدَرَاهِمَ فَإِنْ كَانَ هُوَ الشَّأْنُ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ أَوْ كَانَ نَظَرًا فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِلَّا كَانَ مُتَعَدِّيًا وَضَمِنَ الدَّنَانِيرَ وَلَزِمَهُ الطَّعَامُ (اهـ) . لَكِنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلسَّلَمِ وَلَا لِلطَّعَامِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. (وَمُخَالَفَةِ مُشْتَرًى) عَطْفٌ عَلَى " صَرْفٍ ". وَمُشْتَرًى بِفَتْحِ الرَّاءِ اسْمُ مَفْعُولٍ: أَيْ وَكَمُخَالَفَةِ الْوَكِيلِ مُوَكِّلَهُ فِي مُشْتَرًى (عَيَّنَ) لِلْوَكِيلِ بِأَنْ قَالَ لَهُ: اشْتَرِ لِي هَذَا الشَّيْءَ فَاشْتَرَى غَيْرَهُ، أَوْ قَالَ لَهُ: اشْتَرِ لِي حِمَارًا فَاشْتَرَى ثَوْبًا. (أَوْ) مُخَالَفَةِ (سُوقٍ) عَيَّنَ (أَوْ زَمَانٍ) عَيَّنَ فَيُخَيَّرُ الْمُوَكِّلُ بَيْنَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ لِأَنَّ تَخْصِيصَهُ مُعْتَبَرٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِمَا فِيهِ مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ] : أَيْ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ مُخَالَفَةِ الْوَكِيلِ تَرَتَّبَ الثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ دَيْنًا وَقَدْ فُسِخَ ذَلِكَ فِي مُؤَخَّرٍ وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ. قَوْلُهُ: [وَبَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ] إلَخْ: إنَّمَا لَزِمَ ذَلِكَ لِأَنَّ الطَّعَامَ لَزِمَ الْوَكِيلَ بِمُجَرَّدِ شِرَائِهِ بِالدَّرَاهِمِ الْمُخَالَفَةِ لِنَقْدِ الْمُوَكِّلِ، فَإِذَا رَضِيَ الْمُوَكِّلُ بِذَلِكَ فَكَأَنَّ الْوَكِيلَ بَاعَهُ الطَّعَامَ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ التَّخْيِيرُ] إلَخْ: مُقَابِلُ الْإِطْلَاقِ الْمُتَقَدِّمِ. وَقَوْلُهُ: [لَا بَعْدَهُ] : صَوَابُهُ لَا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّأْنُ] : أَيْ عَادَةُ النَّاسِ شِرَاءَ تِلْكَ السِّلْعَةِ الْمُوَكَّلِ عَلَى شِرَائِهَا بِالدَّرَاهِمِ أَوْ سَلَّمَ الدَّرَاهِمَ فِيهَا. وَقَوْلُهُ: [أَوْ كَانَ نَظَرًا] : أَيْ أَوْ كَانَ صَرْفُ الدَّنَانِيرِ بِالدَّرَاهِمِ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُوَكِّلِ كَمَا لَوْ كَانَتْ الدَّنَانِيرُ تَنْقُصُ فِي الْوَزْنِ فَيَتَعَلَّلُ عَلَيْهَا الْبَائِعُ مَثَلًا. قَوْلُهُ: [بِفَتْحِ الرَّاءِ] : وَيَصِحُّ كَسْرُهَا أَيْضًا كَمَا إذَا قَالَ لَهُ: لَا تَبِعْ هَذِهِ السِّلْعَةَ إلَّا مِنْ فُلَانٍ فَلَا يَبِيعُ لِغَيْرِهِ فَإِنْ بَاعَ لِغَيْرِهِ خُيِّرَ الْمُوَكِّلُ.

(أَوْ بَاعَ) الْوَكِيلُ (بِأَقَلَّ مِمَّا سَمَّى) لَهُ الْمُوَكِّلُ وَلَوْ يَسِيرًا فَيُخَيَّرُ (أَوْ اشْتَرَى) لِمُوَكَّلِهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى لَهُ أَوْ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ كَثِيرًا، فَيُخَيَّرُ لَا يَسِيرًا لِأَنَّ شَأْنَ الشِّرَاءِ الزِّيَادَةُ لِحُصُولِ الْمَطْلُوبِ، وَلِذَا اسْتَثْنَى الْيَسِيرَ بِقَوْلِهِ: (إلَّا) زِيَادَةً (كَدِينَارَيْنِ) فِي تَسْمِيَةِ (أَرْبَعِينَ) دِينَارًا فَيَلْزَمُ وَلَا خِيَارَ؛ فَالْيَسَارَةُ نِصْفُ الْعَشْرِ كَوَاحِدٍ فِي عِشْرِينَ وَثَلَاثَةٍ فِي سِتِّينَ. وَاعْتَبَرَ بَعْضُهُمْ قَيْدَ الْكَثْرَةِ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ مَعًا فَلَا خِيَارَ فِي الْمُخَالَفَةِ بِالْيَسِيرِ حَتَّى فِي الشِّرَاءِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. (وَ) حَيْثُ خَالَفَ الْوَكِيلُ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَ وَثَبَتَ لِلْمُوَكِّلِ الْخِيَارُ (لَزِمَهُ) أَيْ الْوَكِيلَ (مَا اشْتَرَى إنْ رَدَّهُ مُوَكِّلُهُ) . وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ رَدُّ الْمَبِيعِ عَلَى بَائِعِهِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْبَائِعُ بِأَنَّهُ وَكِيلٌ قَدْ خَالَفَ مُوَكِّلَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ أَوْ يَكُونَ لَهُ الْخِيَارُ وَلَمْ تَمْضِ أَيَّامُ الْخِيَارِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَيْضًا أَمْ لَا كَمَا تَقَدَّمَ، فِي الْخِيَارِ. وَلَا وَجْهَ لِلتَّنْظِيرِ فِيهِ وَفِي الْأَصْلِ هُنَا مَسَائِلُ حَسَنَةٌ فَرَاجِعْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِأَنَّ شَأْنَ الشِّرَاءِ الزِّيَادَةُ] : عِلَّةٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. قَوْلُهُ: [حَتَّى فِي الشِّرَاءِ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلَّفِ وَالصَّوَابُ حَتَّى فِي الْبَيْعِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ يُغْتَفَرُ فِيهِ الزِّيَادَةُ الْيَسِيرَةُ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ] : أَيْ مِنْ اغْتِفَارِ الْيَسِيرِ خَاصٌّ بِالشِّرَاءِ لَا بِالْبَيْعِ. قَوْلُهُ: [وَحَيْثُ خَالَفَ الْوَكِيلُ] إلَخْ: يَحْتَمِلُ أَنَّهَا شَرْطِيَّةٌ فَالْفِعْلُ فِي مَحَلِّ جَزْمٍ وَالْجَزْمُ بِهَا بِدُونِ مَا قَلِيلٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ ظَرْفَ زَمَانٍ مَعْمُولَةً لَلَزِمَ وَهُوَ الْأَحْسَنُ. قَوْلُهُ: [وَسَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَيْضًا أَمْ لَا] إلَخْ: أَيْ فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا وَاخْتَارَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْخِيَارِ أَنَّ الْحَقَّ لِمَنْ اخْتَارَ الرَّدَّ مِنْهُمَا كَانَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي، وَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِرِضَاهُمَا. قَوْلُهُ: [وَفِي الْأَصْلِ هُنَا مَسَائِلُ حَسَنَةٌ فَرَاجِعْهَا] : مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ اشْتَرَى الْوَكِيلُ مَعِيبًا مَعَ عِلْمِهِ بِهِ فَيَلْزَمُهُ إنْ لَمْ يَرْضَى بِهِ الْمُوَكِّلُ أَوْ يَقِلَّ الْعَيْبُ وَهُوَ فُرْصَةٌ؛ كَدَابَّةٍ مَقْطُوعَةِ ذَنَبٍ لِغَيْرِ ذِي هَيْئَةٍ وَهِيَ رَخِيصَةٌ، أَوْ زَادَ الْوَكِيلُ فِي الثَّمَنِ الَّذِي

(وَمُنِعَ تَوْكِيلُ كَافِرٍ) ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الذِّمِّيِّ (فِي بَيْعٍ) لِمُسْلِمٍ (أَوْ شِرَاءٍ) لَهُ (أَوْ تَقَاضٍ) لِدَيْنٍ وَنَحْوِهِ كَغَلَّةِ وَقْفٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَمَّاهُ لَهُ وَالْتَزَمَ لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ فَيَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ أَيْضًا، كَذَلِكَ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ لَوْ زَادَ الْوَكِيلُ فِي بَيْعِ سِلْعَةٍ عَمَّا سَمَّاهُ لَهُ أَوْ نَقَصَ فِي اشْتِرَاءِ سِلْعَةٍ عَمَّا سَمَّاهُ لَهُ أَوْ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ يَشْتَرِي بِهَا فَاشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَنَقَدَهَا أَوْ عَكَسَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْآمِرِ غَرَضٌ فِي تَعْيِينِ الدَّرَاهِمِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأُولَى، أَوْ فِي عَدَمِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِيَةِ فَلَهُ الْخِيَارُ، وَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ إنْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ شَاةً بِدِينَارٍ فَاشْتَرَى بِهِ اثْنَتَيْنِ عَلَى الصِّفَةِ أَوْ إحْدَاهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ إنْ أَبَى الْبَائِعُ مِنْ بَيْعٍ إحْدَاهُمَا مُفْرَدَةٌ وَإِلَّا خُيِّرَ الْمُوَكِّلُ فِي رَدِّ إحْدَاهُمَا إنْ كَانَ كُلٌّ عَلَى الصِّفَةِ، أَوْ فِي رَدِّ الَّتِي لَيْسَتْ عَلَى الصِّفَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ وَكَّلْتَهُ عَلَى أَنْ يُسْلِمَ لَك فِي شَيْءٍ فَعَقَدَ السَّلَمَ وَأَخَذَ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ حَمِيلًا أَوْ رَهْنًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَأْمُرَهُ بِهِ فَلَا خِيَارَ لَك إنْ أَخَذَ الرَّهْنَ أَوْ الْحَمِيلَ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَيَكُونُ الرَّهْنُ فِي ضَمَانِهِ قَبْلَ عِلْمِك بِهِ وَرِضَاك. وَاخْتَلَفَ إذَا أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ بِالذَّهَبِ فَبَاعَ بِفِضَّةٍ وَعَكْسُهُ هَلْ يَثْبُتُ لِلْمُوَكَّلِ الْخِيَارُ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ. إذَا كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ وَالسِّلْعَةِ مِمَّا تُبَاعُ بِهِمَا وَاسْتَوَتْ قِيمَةُ الذَّهَبِ وَالدَّرَاهِمِ، وَإِلَّا خُيِّرَ قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَوْ حَلَفَ الشَّخْصُ عَلَى شَيْءٍ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ فَوَكَّلَ عَلَى فِعْلِهِ، كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي عَبْدَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ أَوْ لَا يَبِيعُهُ مَثَلًا، فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِفِعْلِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ بِنَفْسِهِ. هَذَا إذَا حَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ بِعِتْقِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَ بِطَلَاقٍ أَوْ بِعِتْقٍ مُعَيَّنٍ وَرُفِعَ لِلْقَاضِي فَلَا يَقْبَلُ مِنْهُ نِيَّةً وَيَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَيَلْزَمُهُ الْعِتْقُ (اهـ مُلَخَّصُ مَا أَحَالَ عَلَيْهِ) . قَوْلُهُ: [تَوْكِيلُ كَافِرٍ] : مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ بَيَّنَهُ فِيمَا يَأْتِي بِقَوْلِهِ لِمُسْلِمٍ فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِتَوْكِيلٍ. قَوْلُهُ: [فِي بَيْعٍ لِمُسْلِمٍ] : أَيْ وَأَمَّا تَوْكِيلُ الْكَافِرِ لِكَافِرٍ فَإِنْ كَانَ عَلَى اسْتِخْلَاصِ دَيْنٍ لَهُ مِنْ مُسْلِمٍ مُنِعَ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَغْلَظَ عَلَيْهِ وَشَقَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا مَنْعَ. فَإِنْ قُلْت: إنَّ الْعِلَّةَ جَارِيَةٌ حَتَّى فِي الْأَصِيلِ. قُلْت: نَعَمْ لَكِنَّ التَّوْكِيلَ فِيهِ تَسَلُّطُ كَافِرَيْنِ بِخِلَافِ عَدَمِهِ فَإِنَّهُ لَا تَسَلُّطَ فِيهِ إلَّا لِصَاحِبِ الْحَقِّ. قَوْلُهُ: [كَغَلَّةِ وَقْفٍ] : بَيَانٌ لِلنَّحْوِ.

[من لا يجوز توكيله]

أَوْ خَرَاجٍ عَلَى مُسْلِمٍ، لِأَنَّهُ لَا يَتَحَرَّى الْحَلَالَ وَلَا يَعْرِفُ شَرْطَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ ثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ رَضِيَ مَنْ يَتَقَاضَى مِنْهُ الْحَقَّ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَرُبَّمَا أَغْلَظَ عَلَى مَنْ يَتَقَاضَى مِنْهُ الْحَقَّ {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] . (وَ) مُنِعَ تَوْكِيلُ (عَدُوٍّ عَلَى عَدُوِّهِ) وَلَوْ عَدُوًّا فِي الدَّيْنِ كَيَهُودِيٍّ عَلَى نَصْرَانِيٍّ وَعَكْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْعَنَتِ وَزِيَادَةِ الشَّرِّ؛ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ تَوْكِيلُ مُسْلِمٍ عَلَى ذِمِّيٍّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ. (وَ) مُنِعَ لِوَكِيلٍ وُكِّلَ عَلَى بَيْعِ شَيْءٍ (شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ) مَا وُكِّلَ عَلَى بَيْعِهِ وَيُوقَفُ عَلَى إجَازَةِ مُوَكِّلِهِ وَلَوْ سَمَّى لَهُ الثَّمَنَ لِاحْتِمَالِ الرَّغْبَةِ فِيهِ بِأَكْثَرَ إلَّا أَنْ تَنْتَهِيَ فِيهِ الرَّغَبَاتُ. (وَ) شِرَاؤُهُ مَا وُكِّلَ عَلَى بَيْعِهِ (لِمَحْجُورِهِ) مِنْ صَغِيرٍ أَوْ سَفِيهٍ أَوْ رَقِيقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ خَرَاجٍ] : مِنْ ذَلِكَ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْمُلْتَزِمُونَ فِي قُطْرِ مِصْرَ مِنْ تَوْلِيَةِ الْكَتَبَةِ عَلَى الْخَرَاجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ ضَلَالٌ. قَوْلُهُ: [عَلَى مُسْلِمٍ] : مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ عَلَى تَقَاضِيهِ مِنْ كَافِرٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا تَأْتِي هُنَا. فَإِنْ قُلْت إنْ لَمْ تَأْتِ عِلَّةُ الْإِغْلَاطِ فَفِيهِ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَتَحَرَّى الْحَلَالَ فَكَانَ مُقْتَضَاهُ الْمَنْعَ مِنْ أَجْلِ تِلْكَ الْعِلَّةِ وَقَصْرُهُ مَنْعُ تَوْكِيلٍ لِلْكَافِرِ فِي الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ، وَالتَّقَاضِي يُفِيدُ جَوَازَ تَوْكِيلِهِ فِي غَيْرِهَا كَقَبُولِ نِكَاحٍ وَدَفْعِ هِبَةٍ وَإِبْرَاءٍ وَوَقْفٍ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ وَالِدُ (عب) : يَنْبَغِي إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ أَوْ الشِّرَاءُ أَوْ التَّقَاضِي الْمَمْنُوعُ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ أَنْ يَكُونَ مَاضِيًا. [مِنْ لَا يَجُوز تَوْكِيله] قَوْلُهُ: [وَلَوْ عَدُوًّا فِي الدَّيْنِ] : أَيْ عَدَاوَةً سَبَبُهَا اخْتِلَافُ الدِّينِ. [مَا لَا يَجُوز لِلْوَكِيلِ] قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ تَنْتَهِيَ فِيهِ الرَّغَبَاتُ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَنْعَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ شِرَاؤُهُ بَعْدَ تَنَاهِي الرَّغَبَاتِ، وَبِمَا إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّهُ فِي الْبَيْعِ لِنَفْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْإِذْنُ حَقِيقِيًّا أَوْ حُكْمِيًّا كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ بِحَضْرَةِ رَبِّهِ، وَمَا قِيلَ فِي شِرَائِهِ لِنَفْسِهِ يُقَالُ فِي شِرَائِهِ لِمَحْجُورِهِ. قَوْلُهُ: [لِمَحْجُورِهِ] : أَيْ: بِخِلَافِ زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ الرَّشِيدِ وَرَقِيقِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فَلَا

[الوكالة من الباطن]

لِأَنَّهُ مِثْلُ الشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ (وَلَوْ سَمَّى الثَّمَنَ) لِلْوَكِيلِ لَمَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ: " وَلَوْ " إلَخْ رَاجِعٌ لَهُمَا. (وَ) مُنِعَ لِلْوَكِيلِ (تَوْكِيلُهُ) فِي شَيْءٍ وُكِّلَ فِيهِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَرْضَ إلَّا بِأَمَانَتِهِ (إلَّا أَنْ لَا يَلِيقَ بِهِ) : أَيْ بِالْوَكِيلِ تَوَلِّي مَا وُكِّلَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ وَوُكِّلَ عَلَى مُسْتَحْقَرٍ فَيَجُوزُ تَوْكِيلُهُ (أَوْ يَكْثُرُ) مَا وُكِّلَ عَلَيْهِ، فَيُوَكِّلُ مَنْ يُعِينُهُ عَلَى تَحْصِيلِهِ لَا اسْتِقْلَالًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُفْرَضِ، وَأَمَّا الْمُفَوَّضُ فَلَا يُمْنَعُ أَنْ يُوَكِّلَ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَمَحَلُّ جَوَازِ التَّوْكِيلِ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ ذُو وَجَاهَةٍ لَا يَلِيقُ بِهِ الْبَيْعُ أَوْ الشِّرَاءُ لِمَا وُكِّلَ فِيهِ إنْ عَلِمَ الْمُوَكِّلُ بِذَلِكَ وَكَانَ الْوَكِيلُ مَشْهُورًا بِذَلِكَ. وَيُحْمَلُ الْمُوَكِّلُ عَلَى عِلْمِهِ بِذَلِكَ فَلَا يُصَدَّقُ إنْ ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ وَلَمْ يَشْتَهِرْ الْوَكِيلُ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ التَّوْكِيلُ وَهُوَ ضَامِنٌ لِلْمَالِ وَيُحْمَلُ الْمُوَكِّلُ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ إنْ ادَّعَاهُ وَحَيْثُ جَازَ لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلُ فَوَكَّلَ (فَلَا يَنْعَزِلُ) الْوَكِيلُ (الثَّانِي بِعَزْلِ الْأَوَّلِ) وَلَا بِمَوْتِهِ أَيْ إذَا عَزَلَ الْأَصِيلُ وَكِيلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُمْنَعُ شِرَاؤُهُ لَهُ لِاسْتِقْلَالِهِمْ بِالتَّصَرُّفِ لِأَنْفُسِهِمْ إنْ لَمْ يُحَابِ لَهُمْ، فَإِنْ حَابَى مُنِعَ وَمَضَى الْبَيْعُ وَغَرِمَ الْوَكِيلُ مَا حَابَى بِهِ وَالْعِبْرَةُ بِالْمُحَابَاةِ وَقْتَ الْبَيْعِ. [الْوَكَالَة مِنْ الْبَاطِن] قَوْلُهُ: [وَمُنِعَ لِلْوَكِيلِ تَوْكِيلُهُ] إلَخْ: اُخْتُلِفَ إذَا وَكَّلَ الْوَكِيلُ وَكِيلًا مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْأَصِيلِ وَتَصَرَّفَ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ عَلَى طِبْقِ مَا أَمَرَ بِهِ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ، فَهَلْ يَجُوزُ لِلْأَصِيلِ إمْضَاؤُهُ؟ لِأَنَّهَا لَمْ تَقَعْ الْمُخَالَفَةُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ الْأَصِيلُ، وَإِنَّمَا وَقَعَتْ فِي التَّعَدِّي بِالتَّوْكِيلِ، أَوْ لَا يَجُوزُ لَهُ الرِّضَا؟ لِأَنَّهُ بِتَعَدِّي الْأَوَّلِ صَارَ الثَّمَنُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، فَلَا يَفْسَخُهُ فِيمَا تَصَرَّفَ فِيهِ الْوَكِيلُ الثَّانِي، لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ مَا لَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ؟ تَأْوِيلَانِ فِي خَلِيلٍ. قَوْلُهُ: [فِيمَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ ذُو وَجَاهَةٍ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْأَصْلِ بِالْوَاوِ وَالْمُنَاسِبُ ذَا بِالْأَلِفِ لِأَنَّهُ خَبَرُ كَانَ. قَوْلُهُ: [إنْ عَلِمَ الْمُوَكِّلُ بِذَلِكَ] : أَيْ بِأَنَّهُ ذُو وَجَاهَةٍ أَيْ كَانَ عَالِمًا بِهَا وَقْتَ تَوْكِيلِهِ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ ضَامِنٌ لِلْمَالِ] : أَيْ فَإِنْ وُكِّلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَحَصَلَ فِي الْمَالِ تَلَفٌ ضَمِنَهُ لِتُعَدِّيهِ.

فَلَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُ الْوَكِيلِ وَيَنْعَزِلُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَوْتِ الْأَصِيلِ، وَلَهُ عَزْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلِلْوَكِيلِ عَزْلُ وَكِيلِهِ. (وَ) مُنِعَ (رِضَاك) أَيُّهَا الْمُوَكِّلُ (بِمُخَالَفَتِهِ) : أَيْ الْوَكِيلِ (فِي سَلَمٍ) أَمَرْته بِهِ، بِأَنْ أَمَرْته أَنْ يُسْلِمَ لَك فِي عَرْضٍ أَوْ طَعَامٍ عَيَّنْته لَهُ فَأَسْلَمَ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ لَك أَنْ تَرْضَى بِذَلِكَ السَّلَمِ (إنْ دَفَعْت لَهُ الثَّمَنَ) : أَيْ رَأْسَ الْمَالِ لِيُسْلِمَهُ فِيمَا عَيَّنْته لَهُ فَخَالَفَ وَأَسْلَمَهُ فِي غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَدَّى ضَمِنَ الثَّمَنَ فِي ذِمَّتِهِ فَصَارَ دَيْنًا عَلَيْهِ. فَإِنْ رَضِيت فَقَدْ فَسُخْت الدَّيْنَ فِيمَا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ، وَهُوَ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ. وَيُزَادُ فِي الطَّعَامِ: بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، لِأَنَّهُ بِتَعَدِّيهِ صَارَ الطَّعَامُ لِلْوَكِيلِ وَقَدْ بَاعَهُ لِلْمُوَكِّلِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِالدَّيْنِ الَّذِي صَارَ فِي ذِمَّتِهِ. (إلَّا أَنْ تَعْلَمَ) أَيُّهَا الْمُوَكِّلُ بِتَعَدِّيهِ (بَعْدَ قَبْضِهِ) مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَيَجُوزُ لَك الرِّضَا بِأَخْذِهِ لِعَدَمِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَعَدَمِ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ (أَوْ) تَعْلَمَ (بَعْدَ) حُلُولِ الْأَجَلِ فَيَجُوزُ الرِّضَا (فِي غَيْرِ الطَّعَامِ) إذَا كُنْت تَقْبِضُهُ بِلَا تَأْخِيرٍ لِعَدَمِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ. وَأَمَّا فِي الطَّعَامِ فَلَا يَجُوزُ لِبَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَكَذَا فِي غَيْرِ الطَّعَامِ إذَا كَانَ قَبْضُهُ يَتَأَخَّرُ. وَمَفْهُومُ: " إنْ دَفَعْت لَهُ الثَّمَنَ " أَنَّك إذَا لَمْ تَدْفَعْهُ لَهُ وَأَمَرْته أَنْ يُسْلِمَ لَك فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَخَالَفَ وَأَسْلَمَ فِي غَيْرِهِ فَيَجُوزُ لَك الرِّضَا بِمَا فَعَلَ وَتَدْفَعُ لَهُ الثَّمَنَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَك عَلَيْهِ شَيْءٌ فَتَفْسَخُهُ فِي شَيْءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَأَسْلَمَ فِي غَيْرِهِ] : أَيْ فَحَصَلَ مِنْ الْوَكِيلِ مُخَالَفَةٌ فِي جِنْسِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ حَصَلَ مِنْ الْوَكِيلِ مُخَالَفَةٌ فِي رَأْسِ الْمَالِ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَ رَأْسَ الْمَالِ عَيْنًا فَدَفَعَهَا عَرْضًا، وَالْعِلَّةُ فِي مَنْعِ الرِّضَا فِيهِمَا وَاحِدَةٌ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ بِتَعَدِّيهِ صَارَ الطَّعَامُ لِلْوَكِيلِ] : أَيْ الطَّعَامُ الْمُسْلَمُ فِيهِ صَارَ لَازِمًا لِلْوَكِيلِ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ تَعْلَمَ] إلَخْ: أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِلْمُك مَا حَصَلَ إلَّا بَعْدَ قَبْضِهِ. قَوْلُهُ: [وَمَفْهُومُ إنْ دَفَعْت لَهُ الثَّمَنَ] إلَخْ: أَيْ فَتَحَصَّلَ أَنَّ مَحَلَّ مَنْعِ الرِّضَا بِالْمُخَالِفِ إنْ دَفَعَ الْأَصِيلُ لِلْوَكِيلِ الثَّمَنَ وَعَلِمَ الْأَصْلُ بِتَعَدِّي الْوَكِيلِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَهُ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَك عَلَيْهِ شَيْءٌ] : هَذَا ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ، وَأَمَّا

[منع رضا الموكل بعمل الوكيل في أحوال]

لَا تَتَعَجَّلُهُ الْآنَ وَيَجُوزُ لَك أَنْ لَا تَرْضَى. (أَوْ فِي بَيْعِهِ) عَطْفٌ عَلَى " بِمُخَالَفَتِهِ " أَيْ: وَمُنِعَ رِضَاك فِي بَيْعٍ مَا وَكَّلْته عَلَى بَيْعِهِ نَقْدًا أَوْ كَانَ الْعُرْفُ بَيْعَهَا نَقْدًا وَسَوَاءٌ سَمَّيْت لَهُ الثَّمَنَ أَمْ لَا (بِدَيْنٍ) إنْ بَاعَهُ بِدَيْنٍ (إنْ فَاتَتْ) السِّلْعَةُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي بِمَا يَفُوتُ بِهِ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ مِنْ حَوَالَةِ سُوقٍ فَأَعْلَى، لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَدَّى وَبَاعَهَا بِالدَّيْنِ لَزِمَهُ مَا سَمَّيْت لَهُ إنْ سَمَّيْت لَهُ ثَمَنًا وَالْقِيمَةُ إنْ لَمْ تُسَمِّ لَهُ، فَإِذَا رَضِيت بِفِعْلِهِ فَقَدْ فَسَخْت مَا وَجَبَ لَك عَلَيْهِ حَالًّا فِي شَيْءٍ لَا تَتَعَجَّلُهُ الْآنَ، وَهُوَ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ فَإِنْ لَمْ تَفُتْ السِّلْعَةُ جَازَ الرِّضَا - لِأَنَّهُ كَابْتِدَاءِ بَيْعٍ - وَجَازَ رَدُّ الْبَيْعِ وَأَخْذُ السِّلْعَةِ. وَمَحَلُّ الْمَنْعِ فِيمَا إذَا فَاتَتْ إنْ بَاعَهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا سُمِّيَ لَهُ أَوْ مِنْ الْقِيمَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ لِمَا فِيهِ مِنْ فَسْخِ قَلِيلٍ فِي كَثِيرٍ، فَإِنْ بَاعَهَا بِمِثْلِ التَّسْمِيَةِ أَوْ الْقِيمَةِ فَأَقَلَّ جَازَ الرِّضَا. (وَ) إذَا مُنِعَ الرِّضَا بِفَوَاتِ السِّلْعَةِ (بِيعَ الدَّيْنُ) الَّذِي عَلَى الْمُشْتَرِي وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ يُوَفِّيَ ثَمَنَهُ بِالتَّسْمِيَةِ أَوْ الْقِيمَةِ أَوْ لَا (فَإِنْ وَفَّى ثَمَنَهُ بِالتَّسْمِيَةِ أَوْ الْقِيمَةِ) فِيمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ لَهُ شَيْئًا بِأَنْ سَاوَى أَوْ زَادَ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَأَخَذَهُ الْمُوَكِّلُ. (وَإِلَّا) يُوفِ - بِأَنْ نَقَصَ الثَّمَنُ عَنْ ذَلِكَ - (أُغْرِمَ) الْوَكِيلُ (التَّمَامَ) . (فَإِنْ سَأَلَ) الْوَكِيلُ أَيْ طَلَبَ مِنْ الْمُوَكِّلِ (الْغُرْمَ) : أَيْ غُرْمَ التَّسْمِيَةِ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّعَامُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الرِّضَا بِهِ لِوُجُودِ عِلَّةٍ أُخْرَى وَهِيَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ. قَوْلُهُ: [أَيْ وَمَنَعَ رِضَاك فِي بَيْعِ مَا وَكَّلْته] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّك إذَا وَكَّلْته عَلَى بَيْعِ سِلْعَةٍ بِنَقْدٍ فَبَاعَهَا بِدَيْنٍ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الرِّضَا بِهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الثَّمَنُ الْمُؤَجَّلُ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا أَوْ طَعَامًا وَالْمَنْعُ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِ الثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ أَكْثَرَ مِمَّا سَمَّاهُ لَهُ إنْ بَاعَ بِجِنْسِ الْمُسَمَّى، أَوْ بِكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُسَمَّى، وَالْحَالُ أَنَّ الْمَبِيعَ قَدْ فَاتَ. فَلَوْ بَاعَ بِجِنْسِ الْمُسَمَّى وَكَانَ أَقَلَّ أَوْ مُسَاوِيًا لِمَا سَمَّاهُ جَازَ الرِّضَا بِالدَّيْنِ، وَكَذَا إنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا وَبَاعَ بِغَيْرِ جِنْسِ الْمُسَمَّى أَوْ بِجِنْسِهِ بِأَكْثَرَ فَيَجُوزُ لَهُ الرِّضَا بِذَلِكَ الدَّيْنِ وَيَبْقَى لِأَجَلِهِ. [منع رِضَا الْمُوَكَّل بِعَمَلِ الْوَكِيل فِي أحوال] قَوْلُهُ: [بَيْعُ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْمُشْتَرِي] : أَيْ الَّذِي هُوَ الْوَكِيلُ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ سَاوَى أَوْ زَادَ] : أَيْ بِأَنْ سَاوَى التَّسْمِيَةَ أَوْ الْقِيمَةَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِمَا، وَإِنَّمَا أَخَذَ الْمُوَكِّلُ الزِّيَادَةَ لِأَنَّ الْوَكِيلَ مُتَعَدٍّ وَلَا رِبْحَ لَهُ.

غُرْمَ الْقِيمَةِ لِمُوَكِّلِهِ الْآنَ وَلَا يُبَاعُ الدَّيْنُ، (وَ) سَأَلَهُ (الصَّبْرَ) لِلْأَجَلِ (لِيَقْبِضَهُ) : أَيْ الدَّيْنَ مِنْ الْمُشْتَرِي (وَيَدْفَعَ الزَّائِدَ) عَلَى التَّسْمِيَةِ أَوْ الْقِيمَةِ - (إنْ كَانَ) هُنَاكَ زَائِدٌ عَلَيْهِمَا (أُجِيبَ) الْوَكِيلُ لِذَلِكَ. وَلَا ضَرَرَ (إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ) الْآنَ - لَوْ بِيعَ (قَدْرُهَا) : أَيْ قَدْرُ التَّسْمِيَةِ أَوْ الْقِيمَةِ (فَأَقَلَّ) ؛ إذْ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ فِي ذَلِكَ نَفْعٌ بَلْ فَعَلَ مَعْرُوفًا مَعَ الْمُوَكِّلِ. (فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ الْآنَ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ الصَّبْرُ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَدْ فَسَخَ مَا زَادَ عَلَى التَّسْمِيَةِ أَوْ الْقِيمَةِ فِيمَا بَقِيَ؛ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أَوْ الْقِيمَةِ كَذَلِكَ فَبَاعَهَا الْوَكِيلُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ، وَقِيمَةُ الدَّيْنِ الْآنَ لَوْ بِيعَ اثْنَا عَشَرَ، فَإِذَا رَضِيَ بِالصَّبْرِ إلَى الْأَجَلِ فَكَأَنَّهُ فَسَخَ دِينَارَيْنِ فِي خَمْسَةٍ إلَى الْأَجَلِ. وَقَوْلُنَا: " إذْ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ فِي ذَلِكَ نَفْعٌ " ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الدَّيْنِ قَدْرَ التَّسْمِيَةِ أَوْ الْقِيمَةِ لَا أَقَلَّ، فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ فَالنَّفْعُ لِلْوَكِيلِ حَاصِلٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قِيمَةُ الدَّيْنِ الْآنَ لَوْ بِيعَ ثَمَانِيَةٌ فِي الْمِثَالِ الْمُتَقَدِّمِ كَانَ فِيهِ سَلَفٌ مِنْ الْوَكِيلِ جَرّ نَفْعًا لَهُ. وَبَيَانُهُ أَنَّ الْوَكِيلَ تَلْزَمُهُ التَّسْمِيَةُ عَشَرَةً وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ الْآنَ فَإِذَا بِيعَ الدَّيْنُ بِقِيمَتِهِ ثَمَانِيَةً غَرِمَ تَمَامَ التَّسْمِيَةِ فَيُعْطِي التَّسْمِيَةَ الْآنَ لِيَقْبِضَهَا عِنْدَ الْأَجَلِ، فَكَأَنَّهُ سَلَّفَ مُوَكِّلَهُ اثْنَيْنِ، فَإِذَا جَاءَ الْأَجَلُ أَخَذَ عَنْهَا عَشَرَةً؛ ثَمَانِيَةٌ مِنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أُجِيبَ الْوَكِيلُ] : أَيْ أَجَابَهُ الْمُوَكِّلُ جَبْرًا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ الْقِيمَةُ كَذَلِكَ] : أَيْ بِأَنْ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَمْ يُقَيِّدْ، وَالْقِيمَةُ بَيْنَ النَّاسِ عَشَرَةٌ. قَوْلُهُ: [فَكَأَنَّهُ فَسَخَ دِينَارَيْنِ فِي خَمْسَةٍ] : أَيْ أَنَّ الْمُوَكِّلَ تَرَكَ الْآنَ الدِّينَارَيْنِ الزَّائِدِينَ فِي قِيمَةِ الدَّيْنِ لَوْ بِيعَ الْآنَ لِلْوَكِيلِ فَلَمْ يُغْرِمْهُ تَمَامَ الِاثْنَيْ عَشَرَ لِأَجْلِ أَنْ يَأْخُذَ خَمْسَةً عِنْدَ الْأَجَلِ، وَهَذَا عَيْنُ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: [فَكَأَنَّهُ سَلَّفَ مُوَكِّلُهُ اثْنَيْنِ] : الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ عَشَرَةً. قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: حَاصِلُهُ أَنَّ أَشْهَبَ يَقُولُ: إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلُّ مِنْ التَّسْمِيَةِ وَسَأَلَ غُرْمَ التَّسْمِيَةِ وَالصَّبْرِ لِيَقْبِضَهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ سَلَفٌ مِنْ الْوَكِيلِ، أَيْ أَنَّ الْوَكِيلَ أَسْلَفَ تِلْكَ الْعَشْرَ لِلْمُوَكِّلِ وَيَأْخُذُ بَدَلَهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ الدَّيْنِ، وَانْتَفَعَ بِإِسْقَاطِ الدِّرْهَمَيْنِ عَنْهُ اللَّذَيْنِ كَانَ يَغْرَمُهُمَا عَلَى تَقْدِيرِ لَوْ بِيعَ الدَّيْنُ بِثَمَانِيَةٍ فَكَانَ يَغْرَمُ

فِي نَظِيرِ قِيمَةِ الدَّيْنِ الْآنَ وَالِاثْنَانِ فِي نَظِيرِ الِاثْنَيْنِ السَّلَفِ وَفِيهِ نَفْعٌ لَهُ إذْ لَوْ بِيعَ الدَّيْنُ الْآنَ بِثَمَانِيَةٍ لَغَرِمَ الْوَكِيلُ اثْنَيْنِ تَمَامَ التَّسْمِيَةِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِهَا. وَلِذَا مَنَعَ أَشْهَبُ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ وَلَمْ يُرَاعِ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَجَازَهُ كَمَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَكُونُ إلَّا بِرِضَاهُمَا؛ فَلَا يَتَحَقَّقُ السَّلَفُ، فَالْبَيْعُ لَا يَلْزَمُ الْوَكِيلَ بَلْ إذَا سَأَلَ الصَّبْرَ وَغَرِمَ التَّسْمِيَةَ أُجِيبَ وَأُجْبِرَ لَهُ الْمُوَكِّلُ وَلَا يَتَحَقَّقُ لَهُ سَلَفٌ إلَّا إذَا لَزِمَهُ الْبَيْعُ فَتَدَبَّرْ. (وَإِنْ أَمَرْته) : أَيْ أَمَرْت الْوَكِيلَ أَنْ يَبِيعَهَا أَيْ السِّلْعَةَ نَقْدًا (فَأَسْلَمَهَا فِي طَعَامٍ، تَعَيَّنَ الْغُرْمُ) عَلَى الْوَكِيلِ حَالًّا: أَيْ غُرْمُ التَّسْمِيَةِ أَوْ الْقِيمَةِ إذَا لَمْ تُسَمِّ لَهُ ثَمَنًا (إنْ فَاتَتْ) السِّلْعَةُ، وَإِلَّا فَلِرَبِّهَا رَدُّهَا وَلَهُ الْإِمْضَاءُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَاسْتُؤْنِيَ بِالطَّعَامِ) الْمُسْلَمِ فِيهِ (لِأَجَلِهِ) وَلَا يُبَاعُ قَبْلَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَجَلِهِ (فَبَيْعُ) الطَّعَامِ بَعْدَ قَبْضِهِ، فَإِنْ بِيعَ بِقَدْرِ التَّسْمِيَةِ أَوْ الْقِيمَةِ فَوَاضِحٌ (وَ) إنْ بِيعَ بِأَقَلَّ (غَرِمَ) الْوَكِيلُ (النَّقْصَ) وَقَدْ كَانَ دَفَعَهُ، فَالْمَعْنَى: لَا رُجُوعَ لَهُ بِمَا غَرِمَ أَوْ لَا بِالزَّائِدِ عَمَّا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِ الطَّعَامِ، (وَالزِّيَادَةُ) أَنْ يَبِيعَ بِأَزْيَدَ مِنْ التَّسْمِيَةِ أَوْ الْقِيمَةِ (لَك) أَيُّهَا الْمُوَكِّلُ لَا لِلتَّوْكِيلِ الْمُتَعَدَّى إذْ لَا رِبْحَ لِأَحَدٍ فِي مَالِ غَيْرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQاثْنَيْنِ كَمَالَ الْعَشَرَةِ الَّتِي هِيَ التَّسْمِيَةُ فَهِيَ زِيَادَةٌ جَاءَتْهُ مِنْ أَجْلِ السَّلَفِ. وَحَاصِلُ الرَّدِّ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تِلْكَ الْعَشَرَةَ سَلَفٌ إنَّمَا هُوَ مَعْرُوفٌ صَنَعَهُ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ كَلَامَ أَشْهَبَ هُوَ الظَّاهِرُ (اهـ مُلَخَّصًا) . قَوْلُهُ: [فِي نَظِيرِ قِيمَةِ الدَّيْنِ الْآنَ] : الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ فِيمَا مَضَى. قَوْلُهُ: [فِي نَظِيرِ الِاثْنَيْنِ السَّلَفُ] : أَيْ بَاقِي الْعَشَرَةِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَتَحَقَّقُ السَّلَفُ] : أَيْ السَّلَفُ لِأَجْلِ النَّفْعِ، وَأَمَّا أَصْلُ السَّلَفِ فَهُوَ مُحَقَّقٌ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَتَحَقَّقُ سَلَفٌ] : أَيْ يَجُرُّ لَهُ نَفْعًا. قَوْلُهُ: [فَتَدَبَّرْ] أَمْرٌ بِالتَّدَبُّرِ لِدِقَّةِ التَّعَالِيلِ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ أَجَلِهِ] : أَيْ الْمُسْتَلْزِمُ أَمْرًا مَمْنُوعًا وَهُوَ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. قَوْلُهُ: [فَالْمَعْنَى لَا رُجُوعَ لَهُ] : هُوَ مَعْنَى قَوْلِ غَيْرِهِ اسْتَمَرَّ عَلَى غُرْمِهِ. قَوْلُهُ: [إذْ لَا رِبْحَ لِأَحَدٍ فِي مَالِ غَيْرِهِ] : أَيْ وَقَوْلُهُمْ إنَّ مَنْ عَلَيْهِ الْغُرْمُ لَهُ

[ضمان الوكيل]

(وَضَمِنَ) الْوَكِيلُ وَلَوْ مُفَوَّضًا (إنْ أَقْبَضَ) دَيْنًا عَلَى مُوَكِّلِهِ أَوْ أَقْبَضَ مَبِيعًا وَكَّلَهُ عَلَى بَيْعِهِ لِمُشْتَرِيهِ (وَلَمْ يَشْهَدْ) عَلَى الْإِقْبَاضِ حَيْثُ أَنْكَرَهُ الْقَابِضُ أَوْ مَاتَ أَوْ غَابَ بَعِيدًا أَيْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهَا، وَسَوَاءٌ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْإِشْهَادِ أَوْ بِعَدَمِهِ. عَلَى الْمَذْهَبِ (أَوْ أَنْكَرَ) الْوَكِيلُ (الْقَبْضَ) لِمَا وَكَّلَهُ عَلَى قَبْضِهِ (فَشُهِدَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ: أَيْ قَامَتْ (عَلَيْهِ) بَيِّنَةٌ (بِهِ) : أَيْ بِأَنَّهُ قَبَضَ (فَشَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِتَلَفِهِ) : أَيْ الْمَقْبُوضِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَلَا تَنْفَعُهُ بَيِّنَةٌ التَّلَفِ بِلَا تَفْرِيطٍ لِأَنَّهُ أَكْذَبهَا بِإِنْكَارِهِ الْقَبْضَ (كَالْمِدْيَانِ) يُنْكِرُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ بِهِ عَلَيْهِ فَيُقِيمُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ دَفَعَهُ لِرَبِّهِ فَيَضْمَنُ، وَلَا تَنْفَعُهُ بَيِّنَتُهُ بِالدَّفْعِ لِأَنَّهُ أَكْذَبَهَا بِإِنْكَارِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغُنْمُ مَفْرُوضٌ فِي مَالٍ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ، فَإِنَّ مَا هُنَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذِمَّتِهِ إلَّا خُصُوصُ النَّقْصِ لَا جَمِيعُ الْمَالِ. [ضمان الْوَكِيل] قَوْلُهُ: [وَضَمِنَ الْوَكِيلُ] إلَخْ: مَحَلَّ الضَّمَانِ إنْ لَمْ يَكُنْ الدَّفْعُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ، وَمُصِيبَةُ مَا أَقْبِضُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِتَفْرِيطِهِ بِعَدَمِ الْإِشْهَادِ. بِخِلَافِ الضَّامِنِ يَدْفَعُ الدَّيْنَ بِحَضْرَةِ الْمَضْمُونِ حَيْثُ أَنْكَرَ رَبُّ الدَّيْنِ الْقَبْضَ فَإِنَّ مُصِيبَةَ مَا دَفَعَ عَلَى الضَّامِنِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِهِ عَلَى الْمَضْمُونِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ حَيْثُ جُعِلَ الدَّافِعُ فِي الْأُولَى غَيْرُ مُفَرِّطٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ مُفَرِّطًا مَعَ أَنَّ الدَّفْعَ مِنْ كُلٍّ بِحَضْرَةِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنَّ مَا يَدْفَعُهُ الْوَكِيلُ مَالَ الْمُوَكِّلِ، فَكَانَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يُشْهِدَ. بِخِلَافِ الضَّامِنِ فَإِنَّ مَا يَدْفَعُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَعَلَيْهِ الْإِشْهَادُ فَهُوَ مُفَرِّطٌ بِعَدَمِهِ. قَوْلُهُ: [عَلَى الْمَذْهَبِ] : وَقِيلَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِعَدَمِ الْإِشْهَادِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ فَيُسْتَثْنَى هَذَا مِنْ قَاعِدَةِ الْعَمَلِ بِالْعُرْفِ، أَمَّا لَوْ اشْتَرَطَ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ عَدَمَ الْإِشْهَادِ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ جَزْمًا. قَوْلُهُ: [يُنْكِرُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ] : الْمُنَاسِبُ يُنْكِرُ الْمُعَامَلَةَ، بِأَنْ يَقُولَ: لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَك مُعَامَلَةٌ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ: لَا دَيْنَ لَك عَلَيَّ، فَهُوَ مِثْلُ: لَا حَقَّ لَك عَلَيَّ، مِنْ غَيْرِ فَارِقٍ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ أَكْذَبَهَا بِإِنْكَارِهِ] : قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ تَكْذِيبُهُ لَهَا إلَّا بِإِنْكَارِ

لَا حَقَّ لَك عَلَيَّ فَأُقِيمَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِهِ فَأَقَامَ بَيِّنَةً بِالدَّفْعِ فَتَنْفَعُهُ كَمَا يَأْتِي فِي الْقَضَاءِ. (وَصُدِّقَ) الْوَكِيلُ بِيَمِينِهِ (فِي دَعْوَى التَّلَفِ) لِمَا وُكِّلَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ (وَ) فِي دَعْوَى (الدَّفْعِ) لِثَمَنٍ أَوْ مُثَمَّنٍ أَوْ دَفْعِ مَا وُكِّلَ عَلَيْهِ لِمُوَكَّلِهِ (وَلَزِمَك) أَيُّهَا الْمُوَكِّلُ إذَا وَكَّلْته عَلَى شِرَاءِ سِلْعَةٍ فَاشْتَرَاهَا لَك (غَرِمَ الثَّمَنَ) وَلَوْ مِرَارًا إنْ ادَّعَى تَلَفَهُ بِلَا تَفْرِيطٍ (إلَى أَنْ يَصِلَ) الثَّمَنُ (لِرَبِّهِ) بَائِعِ السِّلْعَةِ (إلَّا أَنْ تَدْفَعَهُ لَهُ) : أَيْ لِلْوَكِيلِ (أَوَّلًا) قَبْلَ الشِّرَاءِ، فَإِنَّهُ إذَا ضَاعَ لَمْ يَلْزَمْ الْمُوَكِّلُ دَفْعُهُ ثَانِيَةً، سَوَاءٌ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِ السِّلْعَةِ أَوْ بَعْدَهُ، وَتَلْزَمُ السِّلْعَةُ الْوَكِيلَ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ إذَا أَبَى الْمُوَكِّلُ مِنْ دَفْعِهِ ثَانِيًا، مَا لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِعَيْنِهِ فَفَعَلَ وَتَلِفَ الثَّمَنُ أَوْ اسْتَحَقَّ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصْلِ الْمُعَامَلَةِ لَا بِنَفْيِ الدَّيْنِ عَنْ ذِمَّتِهِ. قَوْلُهُ: [وَصُدِّقَ الْوَكِيلُ بِيَمِينِهِ] إلَخْ: يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ غَيْرُ الْمُفَوَّضِ إذَا وُكِّلَ عَلَى قَبْضِ حَقٍّ فَقَالَ: قَبَضْته وَتَلِفَ مِنِّي، فَإِنَّهُ يَبْرَأُ لِمُوَكِّلِهِ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَمِينٌ. وَأَمَّا الْغَرِيمُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنْ الدَّيْنِ إلَّا إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ دَفَعَ الدَّيْنَ إلَى الْوَكِيلِ الْمَذْكُورِ، وَلَا تَنْفَعُهُ شَهَادَةُ الْوَكِيلِ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، وَإِذَا غَرِمَ الْغَرِيمُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ تَلَفُهُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ. وَقَوْلُنَا: غَيْرُ الْمُفَوَّضِ، أَمَّا لَوْ كَانَ مُفَوَّضًا - وَمِثْلُهُ الْوَصِيُّ إذَا أَقَرَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِأَنَّهُ قَبَضَ الْحَقَّ لِمُوَكِّلِهِ أَوْ لِيَتِيمِهِ وَتَلِفَ مِنْهُ - فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْغَرِيمُ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ بَيِّنَةٍ لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ وَالْوَصِيَّ جَعَلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْإِقْرَارَ. قَوْلُهُ: [وَفِي دَعْوَى الدَّفْعِ] : أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ بِبَيِّنَةٍ تُوَثِّقُ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِهَا كَالْوَدِيعَةِ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ تَدْفَعَهُ لَهُ] : إنَّمَا ضَمِنَ الْمُوَكِّلُ عِنْدَ عَدَمِ دَفْعِ الثَّمَنِ قَبْلَ الشِّرَاءِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إنَّمَا اشْتَرَى عَلَى ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ فَالثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يَصِلَ لِلْبَائِعِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: " إنْ لَمْ تَدْفَعْهُ " عَدَمُ غُرْمِ الْمُوَكِّلِ إنْ دَفَعَ الثَّمَنَ لِلْوَكِيلِ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَتَلِفَ بَعْدَهُ، وَظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِ السِّلْعَةِ أَوْ بَعْدَهُ. قَالَ: (عب) وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ يَنْقُدْهُ وَإِلَّا لَزِمَ الْمُوَكِّلُ إلَّا أَنْ يَصِلَ لِرَبِّهِ، فَفِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ. قَوْلُهُ: [فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ] : أَيْ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ اسْتِحْقَاقِ الْمُثَمَّنِ الْمُعَيَّنِ.

[تعدد الوكلاء وتصرف الأصيل مع الوكيل]

(وَلِأَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ) عَلَى بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ قَبْضِ مَالٍ أَوْ دَفْعِهِ (الِاسْتِبْدَادُ) مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ: أَيْ الِاسْتِقْلَالُ (إلَّا لِشَرْطٍ) مِنْ الْمُوَكِّلِ بِعَدَمِ الِاسْتِبْدَادِ فَإِنْ شَرَطَ عَدَمَهُ فَلَا اسْتِبْدَادَ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ وَلَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلُ مَا اسْتَبَدَّ بِهِ. وَمَحَلُّ جَوَازُ الِاسْتِبْدَادِ. (إنْ رَتَّبَا) : بِأَنْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ، سَوَاءٌ عَلِمَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ أَمْ لَا، فَإِنْ وَكَّلَهُمَا مَعًا فَلَا اسْتِبْدَادَ لِأَنَّهُمَا صَارَا كَالْوَاحِدِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ لَهُمَا ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ لَهُمَا الِاسْتِبْدَادُ. (فَإِنْ بَاعَ كُلٌّ) مِنْهُمَا السِّلْعَةَ الَّتِي وُكِّلَا عَلَى بَيْعِهَا (فَالْأَوَّلُ) هُوَ الَّذِي يَمْضِي بَيْعُهُ إنْ عَلِمَ. (وَإِنْ بِعْت) أَيُّهَا الْمُوَكِّلُ (وَبَاعَ) وَكِيلُك (فَكَالْوَلِيَّيْنِ) يَنْفُذُ بَيْعُ الْأَوَّلِ إنْ عَلِمَ، مَا لَمْ يَقْبِضْهُ الثَّانِي بِلَا عِلْمٍ بِبَيْعٍ مِنْ الْأَوَّلِ (وَإِنْ جَهِلَ الزَّمَنُ اشْتَرَكَا) ، وَكَذَا إذَا بَاعَ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ لِإِمْكَانِ الشَّرِكَةِ هُنَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ، فَقَوْلُهُ: " فَكَالْوَلِيَّيْنِ " أَيْ ذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ فِي النِّكَاحِ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ، وَهُوَ رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَهُ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ: " فَالْأَوَّلُ " قَيْدٌ فِي الثَّانِيَةِ أَيْضًا؛ أَيْ فَقَدْ حَذَفَهُ مِنْ الثَّانِيَةِ لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ، فَفِيهِ احْتِبَاكٌ. وَالْأَصْلُ فَإِنْ بَاعَ كُلٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [تعدد الْوُكَلَاء وَتَصْرِف الْأَصِيل مَعَ الْوَكِيل] قَوْلُهُ: [مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ] : أَيْ وَخَبَرُهُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ وَكَّلَهُمَا مَعًا فَلَا اسْتِبْدَادَ] : الْحَاصِلُ أَنَّهُمَا إنْ وُكِّلَا مُرَتَّبَيْنِ فَلِأَيِّهِمَا الِاسْتِبْدَادُ إلَّا لِشَرْطٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ بِعَدَمِهِ، وَإِنْ وَكَّلَا مَعًا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِاسْتِبْدَادُ إلَّا لِشَرْطٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ بِهِ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ. قَوْلُهُ: [فَالْأَوَّلُ] : مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ قَدَّرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ هُوَ الَّذِي يَمْضِي بَيْعُهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: [مَا لَمْ يَقْبِضْهُ الثَّانِي بِلَا عِلْمٍ] : أَيْ وَإِلَّا قَضَى بِهِ لِلثَّانِي. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ النِّكَاحِ] : أَيْ فَإِنَّ الْوَكِيلَيْنِ إذَا عَقَدَا عَلَيْهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ النِّكَاحَيْنِ يَنْفَسِخَانِ لِعَدَمِ قَبُولِ النِّكَاحِ لِلشَّرِكَةِ. قَوْلُهُ: [أَيْ فِي الْجُمْلَةِ] : أَيْ لَمَّا عَلِمْت أَنَّهُ عِنْدَ اتِّحَادِ الزَّمَنِ أَوْ جَهْلِهِ يَشْتَرِكَانِ هُنَا وَيَنْفَسِخُ فِي النِّكَاحِ لِكَوْنِ النِّكَاحِ لَا يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ رَاجِعٌ] إلَخْ: أَيْ قَوْلُهُ فَكَالْوَلِيَّيْنِ وَفِيهِ الْحَذْفُ مِنْ الْأَوَّلِ

أَوْ بِعْت وَبَاعَ، فَالْأَوَّلُ كَذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ وَقَوْلُهُ: " اشْتَرَكَا ": أَيْ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ أَحَدُهُمَا. (وَلَك) أَيُّهَا الْمُوَكِّلُ - إنْ وَكَّلْته عَلَى أَنْ يُسْلِمَ لَك فِي شَيْءٍ (قَبْضُ سَلَمِهِ) أَيْ الْوَكِيلِ (لَك) جَبْرًا عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَيَبْرَأُ بِدَفْعِهِ لَك (إنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ) أَنَّ السَّلَمَ لَك وَلَوْ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَمْ يَلْزَمْهُ الدَّفْعُ لَك وَلَوْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِأَنَّ السَّلَمَ لَك، لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ لِأَمْرٍ اقْتَضَى ذَلِكَ. (وَالْقَوْلُ لَك إنْ) تَصَرَّفَ فِي مَالِك بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَادَّعَى الْإِذْنَ فِي ذَلِكَ (وَخَالَفْته فِي الْإِذْنِ) لَهُ فِي ذَلِكَ (بِلَا يَمِينٍ) عَلَيْك لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْمُفَوَّضِ (أَوْ) وَافَقْته فِي الْإِذْنِ وَخَالَفْته (فِي صِفَتِهِ) بِأَنْ قُلْت: أَذِنْتُك فِي رَهْنِهِ، وَقَالَ الْوَكِيلُ: فِي بَيْعِهِ، أَوْ تَصَادَقَا عَلَى الْبَيْعِ وَتَخَالَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ حُلُولِهِ (إنْ حَلَفْت، وَإِلَّا) تَحْلِفُ (حَلَفَ) الْوَكِيلُ وَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ. وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ قَوْلَهُ: (إلَّا أَنْ) تَدْفَعَ لَهُ ثَمَنًا لِيَشْتَرِيَ لَك بِهِ سِلْعَةً وَ (يَشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [فَالْأَوَّلُ كَذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ] : أَيْ فَيُجَابُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ عَلَى كُلٍّ مَنْ الشَّرْطَيْنِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي الْخَرَشِيِّ وَالْمَجْمُوعِ مِنْ تَخْصِيصِ ذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ بِالثَّانِيَةِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْخَرَشِيُّ. وَالْمَجْمُوعُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ: أَنَّ الْمُوَكِّلَ ضَعُفَ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ بِتَوْكِيلِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَالْوَكِيلَانِ مُتَسَاوِيَانِ فِي التَّصَرُّفِ، فَاعْتُبِرَ عَقْدُ السَّابِقِ مِنْهُمَا مُطْلَقًا - اُنْظُرْ (عب) . قَوْلُهُ: [وَلَوْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ] إلَخْ: صَوَابُ الْعِبَارَةِ: وَلَوْ أَقَرَّ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِأَنَّ السَّلَمَ رَاجِعٌ لِاتِّهَامِهِ عَلَى تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَالْآخَرُ: إقْرَارُهُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى دَفْعِ التُّهْمَةِ بِالدَّفْعِ لِلْحَاكِمِ، وَأَمَّا إقْرَارُ الْوَكِيلِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُغْنٍ عَنْ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ يُؤَاخِذُ بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَادِقًا فِيهِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْمُفَوَّضِ] : أَيْ وَأَمَّا الْمُفَوَّضُ فَتَصَرُّفَاتُهُ مَاضِيَةٌ إلَّا الطَّلَاقَ وَالنِّكَاحَ يُكْرَهُ وَبَيْعَ دَارِ سُكْنَاهُ وَعَبْدِهِ الْقَائِمِ بِأُمُورِهِ لِقِيَامِ الْعُرْفِ، عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْأُمُورَ لَا تَنْدَرِجُ تَحْتَ عُمُومِ الْوَكَالَةِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُهَا الْوَكِيلُ بِإِذْنٍ خَاصٍّ بِهَا. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ تَدْفَعَ لَهُ ثَمَنًا] إلَخْ: صُورَتُهَا وَكَّلْته عَلَى شِرَاءِ سِلْعَةٍ وَدَفَعْت

سِلْعَةً كَعَبْدٍ، وَخَالَفْته وَقُلْت: أَمَرْتُك لِتَشْتَرِي بِهِ بَعِيرًا مَثَلًا (وَادَّعَى) الْوَكِيلُ (أَنَّ الْمُشْتَرَى) بِالثَّمَنِ كَالْعَبْدِ فِي الْمِثَالِ (هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ وَأَشْبَهَ) فِي دَعْوَاهُ (وَحَلَفَ، فَالْقَوْلُ لَهُ) . وَ (إلَّا) بِأَنْ لَمْ يُشْبِهْ فِي دَعْوَاهُ أَوْ أَشْبَهَ وَلَمْ يَحْلِفْ (حَلَفْت) وَكَانَ الْقَوْلُ لَك وَغَرِمَ لَك الثَّمَنَ. فَإِنْ نَكَلْت كَانَ الْقَوْلُ لَهُ. وَفِي الْأَصْلِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ هُنَا فَلْتُرَاجَعْ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ الثَّمَنَ فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً وَزَعَمْت أَنَّك أَمَرْته بِشِرَاءِ غَيْرِهَا فَالْقَوْلُ لِلْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِذَا حَلَفَ لَزِمَتْ السِّلْعَةُ الْمُوَكِّلَ وَسَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ الْمَدْفُوعُ بَاقِيًا بِيَدِ الْبَائِعِ أَوْ لَا مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَوْ لَا خِلَافًا لِتَقْيِيدِ الْخَرَشِيِّ. وَ (عب) بِكَوْنِ الثَّمَنِ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ نَكَلْت كَانَ الْقَوْلُ لَهُ] : أَيْ لِلْوَكِيلِ فَصَارَ قَوْلُ الْوَكِيلِ فِي ثَلَاثٍ فِيمَا إذَا أَشْبَهَ وَحَلَفَ، أَوْ لَمْ يُشْبِهْ وَنَكَلْت، أَوْ أَشْبَهَ وَنَكَلَ وَنَكَلْت. قَوْلُهُ: [وَفِي الْأَصْلِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ هُنَا] : مِنْهَا لَوْ قَالَ الْوَكِيلُ: أَمَرْتنِي بِبَيْعِ السِّلْعَةِ بِعَشَرَةٍ وَقَدْ بِعْتهَا بِهَا وَقُلْت: يَا مُوَكَّلُ بَلْ بِأَكْثَرَ، وَفَاتَ الْمَبِيعُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي بِمَوْتٍ وَنَحْوِهِ؛ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَكِيلِ إنْ أَشْبَهَتْ الْعَشَرَةُ ثَمَنًا وَحَلَفَ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ بِيَمِينِهِ وَيُرَدُّ الْمَبِيعُ إنْ لَمْ يَفُتْ بِزَوَالِ عَيْنِهِ. وَمِنْهَا لَوْ وَكَّلْته عَلَى شِرَاءِ جَارِيَةٍ مِنْ بَلَدِ كَذَا فَبَعَثَ بِهَا إلَيْك فَوَطِئَتْ مِنْك أَوْ مِنْ غَيْرِك بِسَبَبِك، ثُمَّ قَدِمَ الْوَكِيلُ بِأُخْرَى وَقَالَ: هَذِهِ لَك وَالْأُولَى وَدِيعَةٌ، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَك حِينَ بَعَثَ الْأُولَى وَحَلَفَ عَلَى طِبْقِ دَعْوَاهُ أَخَذَهَا وَأَعْطَاك الثَّانِيَةَ، وَإِنْ بَيَّنَ أَخَذَهَا بِلَا يَمِينٍ وُطِئَتْ أَمْ لَا كَأَنْ لَمْ يُبَيِّنْ وَلَمْ تُوطَأْ. إلَّا أَنْ تَفُوتَ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ بِكَوَلَدٍ أَوْ تَدْبِيرٍ أَوْ عِتْقٍ إلَّا لِبَيِّنَةٍ أَشْهَدَهَا الْوَكِيلُ عِنْدَ الشِّرَاءِ أَوْ الْإِرْسَالِ أَنَّهَا لَهُ فَيَأْخُذُهَا الْوَكِيلُ. وَلَوْ أَعْتَقَهَا الْمُوَكِّلُ أَوْ اسْتَوْلَدَهَا وَلَزِمَتْك يَا مُوَكَّلُ الْأُخْرَى فِيمَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ وَحَلَفَ وَأَخَذَهَا. وَمَا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ وَأَخَذَهَا. وَمِنْهَا لَوْ أَمَرْته أَنْ يَشْتَرِيَ لَك جَارِيَةً بِمِائَةٍ فَبَعَثَ بِهَا إلَيْك وَوُطِئَتْ عِنْدَك، ثُمَّ قَدِمَ وَقَالَ لَك: أَخَذْتهَا بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَإِنْ لَمْ تَفُتْ خُيِّرَتْ فِي أَخْذِهَا بِمَا قَالَ الْوَكِيلُ إنْ حَلَفَ وَرَدَّهَا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْك فِي وَطْئِهَا وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الْمِائَةُ، وَإِنْ فَاتَتْ بِكَوَلَدٍ أَوْ تَدْبِيرٍ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الْمِائَةُ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى مَا قَالَ لِتَفْرِيطِهِ بِعَدَمِ إعْلَامِهِ حَتَّى فَاتَتْ، وَفِيهَا لَوْ رُدَّتْ دَرَاهِمُك الَّتِي دَفَعْتهَا لِلْوَكِيلِ لِيُسْلِمَهَا لَك فِي شَيْءٍ بِسَبَبِ عَيْبٍ فِيهَا كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا، فَإِنْ عَرَفَهَا وَكِيلُك لَزِمَك بَدَلُهَا

[انعزال الوكيل]

(وَانْعَزَلَ) الْوَكِيلُ مُفَوَّضًا أَوَّلًا (بِمَوْتِ مُوَكِّلِهِ أَوْ بِعَزْلِهِ إنْ عَلِمَ) الْوَكِيلُ بِالْمَوْتِ أَوْ الْعَزْلِ فَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَا ذُكِرَ، وَإِلَّا كَانَ ضَامِنًا. وَمَا تَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ الْعِلْمِ فَهُوَ مَاضٍ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَكَذَا يَنْعَزِلُ غَيْرُ الْمُفَوَّضِ بِتَمَامِ مَا وُكِّلَ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِذَا اتَّهَمْت الْوَكِيلَ فَلَكَ تَحْلِيفُهُ. وَعَلَى اللُّزُومِ لِلْمُوَكِّلِ إنْ قَبَضَ مَا وَقَعَتْ فِيهِ الْوَكَالَةُ أَوْ اللُّزُومُ إنْ لَمْ يَقْبِضْهُ؟ تَأْوِيلَانِ فِي غَيْرِ الْمُفَوَّضِ. وَأَمَّا هُوَ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْرِفْهَا الْوَكِيلُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَقْبَلَهَا أَوْ لَا، فَإِنْ قَبِلَهَا حَلَفْت يَا مُوَكِّلُ أَنَّك لَمْ تَعْرِفْهَا مِنْ دَرَاهِمِك وَمَا أَعْطَيْته إلَّا جِيَادًا فِي عِلْمِك وَتَلْزَمُ الْوَكِيلَ لِقَبُولِهِ إيَّاهَا، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهَا الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ الْمُوَكِّلُ أَنَّهُ مَا دَفَعَ إلَّا جِيَادًا فِي عِلْمِهِ وَيَزِيدُ الْوَكِيلُ وَلَا يَعْلَمُهَا مِنْ دَرَاهِمَ مُوَكِّلِهِ وَبَرِئَ كُلٌّ مِنْهُمَا. [انْعِزَال الْوَكِيل] [خَاتِمَة صفة الْوَكَالَة بِأَجْرِ] قَوْلُهُ: [بِمَوْتِ مُوَكِّلِهِ] : أَيْ وَكَذَا بِفَلَسِهِ الْأَخَصِّ لِانْتِقَالِ الْحَقِّ لِلْغُرَمَاءِ. قَوْلُهُ: [فَهُوَ مَاضٍ عَلَى الْمَذْهَبِ] : أَيْ مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ، وَالثَّانِي يَقُولُ لَا يَمْضِي. خَاتِمَةٌ: هَلْ عَقْدُ الْوَكَالَةِ غَيْرُ لَازِمٍ مُطْلَقًا - وَقَعَتْ بِأُجْرَةٍ أَوْ جُعِلَ أَوَّلًا - إذْ هِيَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ كَالْقَضَاءِ؟ أَوْ إنْ وَقَعَتْ بِأُجْرَةٍ - كَتَوْكِيلِهِ عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ أَوْ جُعْلٍ - بِأَنْ يُوَكِّلَهُ عَلَى تَقَاضِي دَيْنِهِ وَلَمْ يُعَيَّنْ لَهُ قَدْرَهُ أَوْ عَيْنَهُ، وَلَكِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فَحُكْمُهُمَا فَفِي الْإِجَارَةِ تَلْزَمُهُمَا بِالْعَقْدِ، وَفِي الْجَعَالَةِ لَمْ تَلْزَمْ الْجَاعِلَ فَقَطْ بِالشُّرُوعِ؟ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ. ثُمَّ حَيْثُ لَمْ تَلْزَمْ إنْ ادَّعَى الْوَكِيلُ أَنَّ مَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ قَبْلَ قَوْلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب في الإقرار]

بَابٌ فِي الْإِقْرَارِ وَهُوَ الِاعْتِرَافُ بِمَا يُوجِبُ حَقًّا عَلَى قَائِلِهِ بِشَرْطِهِ. (يُؤَاخِذُ مُكَلَّفٌ) لَا صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ وَمُكْرَهٌ (غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ) : أَيْ فِي الْمُعَامَلَاتِ؛ لَا سَفِيهٌ حُجِرَ عَلَيْهِ، وَكَذَا سَكْرَانُ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَإِنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِيهَا. وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ الرَّقِيقُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالْمُكَاتَبُ وَالسَّفِيهُ الْمُهْمَلُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَالزَّوْجَةُ وَالسَّكْرَانُ وَالرَّقِيقُ غَيْرُ الْمَأْذُونِ فِي غَيْرِ الْمَالِ (وَ) غَيْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْإِقْرَارِ] [تَعْرِيف الْإِقْرَار] اعْلَمْ أَنَّ الْإِقْرَارَ خَبَرٌ كَمَا لِابْنِ عَرَفَةَ، وَلَا يُتَوَهَّمُ مِنْ إيجَابِهِ حُكْمًا عَلَى الْمُقِرِّ أَنَّهُ كَبِعْتُ، بَلْ هُوَ خَبَرٌ كَالدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ: أَنَّ الْإِخْبَارَ إنْ كَانَ حُكْمُهُ مَقْصُورًا عَلَى قَائِلِهِ فَهُوَ الْإِقْرَارُ، وَإِنْ لَمْ يُقْصَرْ عَلَى قَائِلِهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمُخْبَرِ فِيهِ نَفْعٌ وَهُوَ الدَّعْوَى أَوْ لَا يَكُونُ فِيهِ نَفْعٌ وَهُوَ الشَّهَادَةُ، وَلَمَّا كَانَ إقْرَارُ الْوَكِيلِ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ إنْ كَانَ مُفَوِّضًا، أَوْ جَعَلَ لَهُ الْإِقْرَارَ، نَاسَبَ ذِكْرَ الْإِقْرَارِ عَقِبَهُ. قَوْلُهُ: [بِشَرْطِهِ] : مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الشُّرُوطُ الْآتِيَةُ فِي قَوْلِهِ: " مُكَلَّفٌ غَيْرُ مَحْجُورٍ وَمُتَّهَمٍ " إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَمُكْرَهٍ] : أَيْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ. قَوْلُهُ: [حُجِرَ عَلَيْهِ] : هَذَا الْقَيْدُ لَهُ مَفْهُومٌ بِاعْتِبَارِ قَوْلِ مَالِكٍ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَالسَّفِيهُ الْمُهْمَلُ وَالْمَحْجُورُ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْإِقْرَارِ فِي الْمُعَامَلَاتِ. قَوْلُهُ: [وَالزَّوْجَةُ] : أَيْ فَيَصِحُّ إقْرَارُهَا فِي غَيْرِ الْمَالِ وَفِي الْمَالِ لِغَيْرِ مُتَّهَمٍ عَلَيْهِ وَإِنْ زَادَ عَلَى ثُلُثِهَا وَفِي ثُلُثِهَا إنْ اُتُّهِمَتْ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي غَيْرِ الْمَالِ رَاجِعٌ لِلسَّكْرَانِ وَالرَّقِيقِ فَقَطْ.

(مُتَّهَمٍ) : خَرَجَ الْمَرِيضُ فِيمَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ كَابْنِهِ الْبَارِّ وَزَوْجَتِهِ الَّتِي يَمِيلُ إلَيْهَا وَالصَّحِيحُ الْمُفْلِسُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا فَلِسَ فِيهِ إلَّا بِمَا تَجَدَّدَ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ (بِإِقْرَارِهِ) : مُتَعَلِّقٌ بِيُؤَاخِذُ. (لِأَهْلٍ) أَيْ: لِقَابِلٍ لِلْإِقْرَارِ لَهُ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ أَوْ الْحَالِ كَحَمْلٍ وَكَمَسْجِدٍ وَحَبْسٍ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَالٍ لَهُ يُصْرَفُ فِي إصْلَاحِهِ وَبَقَاءِ عَيْنِهِ كَأَنْ يَقُولَ نَاظِرٌ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ حَبْسٍ: تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِي مَثَلًا لِلْمَسْجِدِ أَوْ لِلْحَبْسِ كَذَا. وَخَرَجَ غَيْرُ الْأَهْلِ كَالدَّابَّةِ وَالْحَجَرِ (لَمْ يُكَذِّبْهُ) صِفَةٌ لِ " أَهْلِ ": أَيْ لِأَهْلٍ غَيْرِ مُكَذِّبٍ لِلْمُقِرِّ فِي إقْرَارِهِ بِأَنْ قَالَ لِلْمُقِرِّ: لَيْسَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ، وَكَذَا إذَا قَالَ: لَا عِلْمَ لِي وَاسْتَمَرَّ التَّكْذِيبُ فَلَا يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ. وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ التَّكْذِيبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [خَرَجَ الْمَرِيضُ فِيمَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ] : أَيْ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، زَوْجَةً أَوْ غَيْرَهَا، وَأَمَّا إقْرَارُهُ لِغَيْرِ مُتَّهَمٍ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ وَلَوْ بِأَزْيَدَ مِنْ الثُّلُثِ. قَوْلُهُ: [وَالصَّحِيحُ الْمُفْلِسُ] : أَيْ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ لِأَحَدٍ حَيْثُ كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي فَلَّسَ فِيهِ ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى ضَيَاعِ مَالِ الْغُرَمَاءِ. قَوْلُهُ: [إلَّا بِمَا تَجَدَّدَ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ] : أَيْ لِتَعَلُّقِ الْإِقْرَارِ بِذِمَّتِهِ. قَوْلُهُ: [كَحَمْلٍ] : مِثَالٌ لِمَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ كَمَا إذَا قَالَ: إنَّ لِهَذَا الْحَمْلِ عِنْدِي الشَّيْءُ الْفُلَانِيُّ مِنْ مِيرَاثِ أَبِيهِ مَثَلًا، فَالْحَمْلُ قَابِلٌ لِمِلْكِ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ. وَقَوْلُهُ: [وَكَمَسْجِدٍ وَحَبْسٍ] مِثَالٌ: لِلْقَابِلِ فِي الْمَآلِ، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ قَابِلٌ لِمِلْكِ الْمُقِرِّ بِهِ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْإِصْلَاحِ وَالْحَبْسِ قَابِلٌ لِمِلْكِ الْمُقِرِّ بِهِ مِنْ حَيْثُ أَخْذِ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهُ. قَوْلُهُ: [كَالدَّابَّةِ وَالْحَجَرِ] : أَيْ فَلَا يُؤَاخِذُ بِإِقْرَارِهِ لَهُمَا، بَلْ هُوَ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ إقْرَارُهُ لِلْحَجْرِ مِنْ أَجْلِ وَضْعِهِ فِي كَسَبِيلٍ أَوْ لِلدَّابَّةِ مِنْ حَيْثُ عَلَفُهَا فِي جِهَادٍ، وَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ لِلْحَبْسِ. قَوْلُهُ: [وَاسْتَمَرَّ التَّكْذِيبُ] : أَيْ وَأَمَّا إنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ لَهُ إلَى تَصْدِيقِ الْمُقِرِّ فَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ وَيَلْزَمُ، مَا لَمْ يَرْجِعْ الْمُقِرُّ، فَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ فِي الْأُولَى عَقِبَ تَصْدِيقِ الْمُقِرِّ لَهُ فَهَلْ يَلْزَمُ إقْرَارُهُ أَوْ يَبْطُلُ؟ قَوْلَانِ. وَأَمَّا إنْكَارُ الْمُقِرِّ عَقِبَ تَصْدِيقِ الْمُقِرِّ لَهُ فِي الثَّانِيَةِ

مِنْ بَالِغٍ رَشِيدٍ. ثُمَّ شَرَعَ فِي أَمْثِلَةِ مَنْ يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ فَقَالَ: (كَرَقِيقٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَقَرَّ (بِغَيْرِ مَالٍ) كَجُرْحٍ أَوْ قَتْلٍ مِمَّا فِيهِ الْقِصَاصُ وَكَذَا السَّرِقَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَطْعِ فَقَطْ دُونَ الْمَالِ. (وَمَرِيضٌ) أَقَرَّ (لِمُلَاطِفٍ، أَوْ) أَقَرَّ (بِقَرِيبٍ) أَيْ لِقَرِيبٍ (لَمْ يَرِثْ؛ كَخَالٍ، أَوْ) أَقَرَّ (لِمَجْهُولٍ حَالُهُ) هَلْ هُوَ قَرِيبٌ أَوْ مُلَاطِفٌ أَوْ لَا، فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ لِمَنْ ذَكَرَ (إنْ وَرِثَهُ وَلَدٌ) ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى. (أَوْ) أَقَرَّ (لِأَبْعَدَ) كَعَمٍّ (مَعَ) وُجُودِ (أَقْرَبَ) كَوَلَدٍ أَوْ أَبٍ أَوْ أَخٍ فَيَلْزَمُ الْإِقْرَارُ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ لِأَجْنَبِيٍّ غَيْرِ مُلَاطِفٍ فَيَصِحُّ مُطْلَقًا، كَإِقْرَارِ الصَّحِيحِ. (أَوْ) أَقَرَّ مَرِيضٌ (لِزَوْجَتِهِ عُلِمَ بُغْضُهُ لَهَا) فَيُؤَاخِذُ بِهِ. وَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ وَلَا عِبْرَةَ بِإِنْكَارِ الْمُقِرِّ بَعْدَ ذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ. قَوْلُهُ: [مِنْ بَالِغٍ رَشِيدٍ] : أَيْ وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالسَّفِيهُ فَلَا يُعْتَبَرُ تَكْذِيبُهُمَا مَا لَمْ يَرْشُدَا وَيَسْتَمِرَّا عَلَى التَّكْذِيبِ. قَوْلُهُ: [أَقَرَّ بِغَيْرِ مَالٍ] : أَيْ وَأَمَّا إقْرَارُهُ بِالْمَالِ، فَبَاطِلٌ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِ. قَوْلُهُ: [دُونَ الْمَالِ] : أَيْ الْمَسْرُوقِ فَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ إنْ تَلِفَ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إنْ كَانَ قَائِمًا مَا لَمْ تَشْهَدْ لِصَاحِبِ الْحَقِّ بَيِّنَةٌ. قَوْلُهُ: [وَمَرِيضٌ أَقَرَّ لِمُلَاطِفٍ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا أَقَرَّ إمَّا أَنْ يُقِرَّ لِوَارِثٍ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ، أَوْ لِقَرِيبٍ غَيْرِ وَارِثٍ أَصْلًا أَوْ لِصَدِيقٍ مُلَاطِفٍ أَوْ لِمَجْهُولٍ حَالُهُ لَا يُدْرَى هَلْ هُوَ قَرِيبٌ أَوْ مُلَاطِفٌ أَوْ أَجْنَبِيٌّ أَوْ يُقِرُّ لِأَجْنَبِيٍّ غَيْرِ صَدِيقٍ، فَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ قَرِيبٍ مَعَ وُجُودِ الْأَبْعَدِ أَوْ الْمُسَاوِي كَانَ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ بَاطِلًا، وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ بَعِيدٍ كَانَ صَحِيحًا إنْ كَانَ هُنَاكَ وَارِثٌ أَقْرَبُ مِنْهُ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْأَقْرَبُ حَائِزًا لِلْمَالِ أَمْ لَا، وَإِنْ أَقَرَّ لِقَرِيبٍ غَيْرِ وَارِثٍ كَالْخَالِ أَوْ لِصَدِيقٍ مُلَاطِفٍ أَوْ مَجْهُولٍ حَالُهُ صَحَّ الْإِقْرَارُ إنْ كَانَ لِذَلِكَ الْمُقِرِّ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ غَيْرِ صِدِّيقٍ كَانَ الْإِقْرَارُ لَازِمًا كَانَ لَهُ وَلَدٌ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [أَوْ أَقَرَّ مَرِيضٌ لِزَوْجَتِهِ] : مِنْ فُرُوعِ إقْرَارِ الزَّوْجِ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ

لَمْ يَرِثْهُ وَلَدٌ أَوْ انْفَرَدَتْ بِالصَّغِيرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَمِثْلُهُ زَوْجَةٌ مَرِيضَةٌ أَقَرَّتْ لِمَنْ عَلِمَ بُغْضَهَا لَهُ، وَأَمَّا الصَّحِيحُ فَيَصِحُّ مُطْلَقًا (أَوْ جَهِلَ) بُغْضُهُ لَهَا فَلَمْ يَعْلَمْ (وَوَرِثَهُ وَابْنٌ) مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا انْفَرَدَ الِابْنُ أَوْ تَعَدَّدَ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ لَهَا (إلَّا أَنْ تَنْفَرِدَ) مَنْ جَهِلَ حَالُهُ مَعَهَا (بِالصَّغِيرِ) مِنْ أَوْلَادِهِ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، فَإِنْ انْفَرَدَتْ بِهِ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لَهَا لِقُوَّةِ التُّهْمَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ كَبِيرٌ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا أَمْ لَا. (وَ) فِي إقْرَارِ الْمَرِيضِ لِمَنْ جَهِلَ مَعَهَا (مَعَ بَنَاتٍ) كِبَارٍ لَهُ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ صِغَارٍ مِنْ غَيْرِ (وَعَصَبَتِهِ) كَأَبٍ وَأَخٍ (قَوْلَانِ) بِالصِّحَّةِ، نَظَرًا إلَى أَنَّهَا أَبْعَدُ مِنْ الْبِنْتِ وَعَدِمِهَا نَظَرًا إلَى أَنَّهَا أَقْرَبُ مِنْ الْعَاصِبِ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهَا لَمْ تَنْفَرِدْ بِصَغِيرٍ، وَإِلَّا مُنِعَ قَطْعًا، وَشَبَّهَ فِي الْقَوْلَيْنِ: (كَإِقْرَارِهِ) : أَيْ الْمَرِيضِ (لِعَاقٍّ) : أَيْ لِوَلَدٍ عَاقٍّ (مَعَ) وُجُودِ وَلَدٍ (بَارٍّ) فِيهِ قَوْلَانِ، هَلْ يَصِحُّ لِلْعَاقِّ نَظَرًا لِعُقُوقِهِ، فَكَأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ أَخِيهِ الْبَارِّ، أَوْ لَا نَظَرًا لِمُسَاوَاتِهِ لِأَخِيهِ فِي الْوَلَدِيَّةِ. (أَوْ) إقْرَارُهُ (لِوَارِثٍ) لَهُ كَأُخْتٍ (مَعَ) وُجُودِ وَارِثٍ (أَقْرَبَ) مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ كَأُمٍّ (وَأَبْعَدَ) مِنْهُ، كَعَمٍّ؛ فَهَلْ يَصِحُّ لِلْأُخْتِ مَثَلًا نَظَرًا لِأَنَّهَا أَبْعَدُ مِنْ الْأُمِّ أَوْ لَا يَصِحُّ نَظَرًا لِبُعْدِ الْعَمِّ، قَوْلَانِ. (لَا) يَصِحُّ إقْرَارٌ (لِلْمُسَاوِي) مَعَ وُجُودِ مُسَاوِيه؛ كَوَلَدَيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQجَمِيعَ مَا تَحْتَ يَدِهَا مِلْكٌ لَهَا، فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا جَرَى عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا كَانَ إقْرَارُهُ لَازِمًا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمِصْرِيِّينَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَلِلْوَارِثِ تَحْلِيفُهَا إنْ ادَّعَى تَجَدُّدَ شَيْءٍ كَمَا فِي (ح) كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَسَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ كَبِيرٌ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا] : أَيْ كَمَا اعْتَمَدَهُ اللَّقَانِيِّ. قَوْلُهُ: [أَوْ صِغَارٌ مِنْ غَيْرٍ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلَّفِ فَيَكُونُ التَّنْوِينُ عِوَضًا عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: [نَظَرًا إلَى أَنَّهَا] : أَيْ الزَّوْجَةَ الْمَجْهُولَ حَالُهُ مَعَهَا.

[صيغة الإقرار]

أَوْ عَمَّيْنِ فَأَوْلَى أَقْرَبُ مَعَ أَبْعَدَ لِظُهُورِ التُّهْمَةِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ صِيغَتِهِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ. وَهِيَ أَحَدُ أَرْكَانِهِ الْأَرْبَعَةِ: مُقِرٌّ، وَمُقَرٌّ لَهُ وَبِهِ، وَصِيغَةُ. فَقَالَ: (بِعَلَيَّ) كَذَا أَوْ قَالَ لَهُ إنْسَانٌ: عَلَيْك لِي كَذَا، فَقَالَ: عَلَيَّ (وَفِي ذِمَّتِي) لَهُ كَذَا (وَعِنْدِي، وَأَخَذْت مِنْك) كَذَا (وَأَعْطَيْتنِي كَذَا، أَوْ) قَالَ لِمَنْ قَالَ أَعْطِنِي حَقِّي وَنَحْوَهُ: (اصْبِرْ عَلَيَّ بِهِ) فَإِنَّهُ إقْرَارٌ (أَوْ) قَالَ لِمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ: أَنْتَ (وَهَبْته لِي، أَوْ: بِعْته) لِي، فَإِقْرَارٌ، وَعَلَيْهِ إثْبَاتُ الْهِبَةِ أَوْ الْبَيْعِ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ حَلَفَ أَنَّهُ مَا بَاعَهُ وَلَا وَهَبَهُ لَهُ وَاسْتَحَقَّهُ، وَقِيلَ: لَا يَحْلِفُ فِي الْهِبَةِ (أَوْ) قَالَ لِمَنْ طَالَبَهُ بِشَيْءٍ: (وَفَّيْته ـــــــــــــــــــــــــــــQ [صِيغَةُ الْإِقْرَارِ] قَوْلُهُ: [مُقِرٌّ] : أَيْ وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ: " يُؤَاخِذُ الْمُكَلَّفُ " إلَخْ. وَقَوْلُهُ: [وَمُقَرٌّ لَهُ] : هُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ: " لِأَهْلِ " إلَخْ. وَالْمُقَرُّ بِهِ الْمَالُ أَوْ غَيْرُهُ كَالْجِنَايَاتِ. قَوْلُهُ: [بِعَلَيَّ كَذَا] : الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ، وَكَذَا كِنَايَةٌ عَنْ الْعَدَدِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ قَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٍ أَوْ: فِي ذِمَّتِي أَلْفٌ أَوْ: لَهُ عِنْدِي أَلْفٌ أَوْ: أَخَذْت مِنْك أَلْفًا. قَوْلُهُ: [اصْبِرْ عَلَيَّ بِهِ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ قَالَ: أَخِّرْنِي سَنَةً وَأَنَا أُقِرُّ؛ فَلَا يُعَدُّ إقْرَارًا. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ لَا يَحْلِفُ فِي الْهِبَةِ] : هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْيَمِينِ، هَلْ تَتَوَجَّهُ فِي دَعْوَى الْمَعْرُوفِ أَمْ لَا؟ وَسَوَاءٌ كَانَ الشَّيْءُ الَّذِي ادَّعَيْت فِيهِ الْهِبَةَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ أَمْ لَا؟ وَهُنَاكَ قَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ تُوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي إنْ كَانَ الْمُدَّعِي حَائِزًا وَإِلَّا فَلَا، وَمَحَلُّ كَوْنِ دَعْوَى الْهِبَةِ أَوْ الْبَيْعِ إقْرَارًا بِالشَّيْءِ إنْ لَمْ تَحْصُلْ الْحِيَازَةُ الْمُعْتَبَرَةُ شَرْعًا فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّهُ بَاعَهُ لِي أَوْ وَهَبَهُ لِي، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ بِيَمِينِهِ، وَلَا يَكُونُ هَذَا إقْرَارًا بِالْمِلْكِ. فَفِي (ح) فِي آخِرِ الشَّهَادَاتِ مَا نَصُّهُ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا حَازَ الرَّجُلُ مَالَ غَيْرِهِ فِي وَجْهِهِ مُدَّةً تَكُونُ الْحِيَازَةُ فِيهَا حَاصِلَةٌ وَادَّعَاهُ مِلْكًا لِنَفْسِهِ - بِابْتِيَاعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ

[ما لا يثبت به الإقرار]

لَك) فَإِقْرَارٌ وَعَلَيْهِ بَيَانُ الْوَفَاءِ (أَوْ) قَالَ لَهُ: (لَيْسَتْ لِي) عَلَى الْوَفَاءِ (مَيْسَرَةٌ) فَإِنَّهُ مِثْلُ اصْبِرْ عَلَيَّ بِهِ (أَوْ) قَالَ: (نَعَمْ، أَوْ: بَلَى أَوْ: أَجَلْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْجِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ بِمَعْنَى: نَعَمْ (جَوَابًا) فِي الثَّلَاثَةِ (لِأَلَيْسَ لِي عِنْدَك كَذَا) ، وَكَذَا كُلُّ مَا دَلَّ بِوَضْعٍ أَوْ عُرْفٍ أَوْ قَرِينَةٍ ظَاهِرَةٍ. (لَا) يَثْبُتُ إقْرَارٌ (بِأُقِرُّ) : بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ بِقَوْلِهِ لِلْمُدَّعِي: أُقِرُّ، لِأَنَّهُ وَعْدٌ (أَوْ) بِقَوْلِهِ: (عَلَيَّ وَعَلَى فُلَانٍ) لِأَنَّهُ تَهَكُّمٌ أَوْ اسْتِفْهَامٌ (أَوْ) بِقَوْلِهِ: (مِنْ أَيِّ ضَرْبٍ تَأْخُذُهَا؟ مَا أَبْعَدَك مِنْهَا،) لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي التَّهَكُّمِ، فَلَوْ حَذَفَ مَا أَبْعَدَك مِنْهَا فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا أَيْضًا لَكِنَّهُ يَحْلِفُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْإِقْرَارَ - قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. (أَوْ) عَلَّقَ إقْرَارَهُ عَلَى شَرْطٍ كَقَوْلِهِ (لَهُ: عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ اسْتَحَلَّهَا) فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQصَدَقَةٍ - كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ بِيَمِينِهِ. قَالَ (ح) عَقِبَهُ: وَسَوَاءٌ ادَّعَى صَيْرُورَةَ ذَلِكَ مِلْكًا مِنْ غَيْرِ الْمُدَّعِي أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ صَارَ إلَيْهِ مِلْكًا مِنْ الْمُدَّعِي، أَمَّا فِي الْبَيْعِ فَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَأَمَّا فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ (اهـ. بْن) . قَوْلُهُ: [وَكَذَا كُلُّ مَا دَلَّ بِوَضْعٍ] : أَيْ مِنْ بَاقِي أَحْرُفِ الْجَوَابِ كَجَيْرِ وَأَيْوَهْ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ عُرْفٍ] : كَقَوْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: حَاضِرٌ أَوْ: عَلَى رَأْسِي أَوْ: خُذْ مِنْ عَيْنِي أَوْ وَصَلَ جَمِيلُك. قَوْلُهُ: [أَوْ قَرِينَةٍ ظَاهِرَةٍ] : أَيْ كَقَوْلِهِ فِي الْجَوَابِ: جَزَاك اللَّهُ عَنَّا فِي صَبْرِك عَلَيْنَا خَيْرًا، وَمَا فِي مَعْنَاهُ. [مَا لَا يَثْبُت بِهِ الْإِقْرَار] قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ وَعَدَ] : أَيْ بِالْإِقْرَارِ وَكَذَا إذَا قَالَ: لَا أَقْرَبُهَا، فَلَيْسَ إقْرَارًا وَلَا وَعْدًا بِهِ. وَأَمَّا إذَا قَالَ لَهُ: لِي عَلَيْك مِائَةٌ، فَسَكَتَ فَحَكَى (ح) الْخِلَافَ فِي كَوْنِ السُّكُوتِ إقْرَارًا أَوْ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ وَأَنَّ الْأَظْهَرَ إنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ، وَذَكَرَ أَيْضًا: أَنْ مِمَّا لَيْسَ بِإِقْرَارٍ إذَا قَالَ لَهُ: لِي عِنْدَك عَشَرَةٌ، فَقَالَ: وَأَنَا الْآخَرُ لِي عِنْدَك عَشَرَةٌ، وَهُوَ مُسْتَغْرَبٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ وَأَنَا أَكْذِبُ عَلَيْهِ بِأَنَّ لِي عِنْدَك عَشَرَةً كَمَا كَذَبْت عَلَيَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ تَهَكُّمٌ أَوْ اسْتِفْهَامٌ] : أَيْ لَا يَخْلُو مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: [لَكِنَّهُ يَحْلِفُ] : أَيْ لِأَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي التَّهَكُّمِ.

(أَوْ) إنْ (أَعَارَنِي كَذَا) فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. (أَوْ) قَالَ لَهُ: عَلَيَّ أَلْفٌ (إنْ حَلَفَ) فَحَلَفَ فَلَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ ظَنَنْت أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ بَاطِلًا وَهَذَا إذَا كَانَ (فِي غَيْرِ دَعْوَى) عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ مُحَكَّمٍ وَإِلَّا لَزِمَهُ. (أَوْ) قَالَ لَهُ: عَلَيَّ كَذَا (إنْ شَهِدَ فُلَانٌ) فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا لَكِنَّهُ إنْ شَهِدَ وَكَانَ عَدْلًا عُمِلَ بِشَهَادَتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ ثَانٍ أَوْ يَمِينٍ (أَوْ) : لَهُ عَلَيَّ كَذَا (إنْ شَاءَ) فُلَانٌ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. (أَوْ) قَالَ: (اشْتَرَيْت مِنْهُ خَمْرًا بِأَلْفٍ) فَلَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ فِي ذِمَّتِهِ. (أَوْ) : اشْتَرَيْت مِنْهُ (عَبْدًا) بِكَذَا (لَمْ أَقْبِضْهُ) مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يُوجِبُ عِمَارَةَ الذِّمَّةِ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَاسْتَشْكَلَهُ الشَّيْخُ فِي التَّوْضِيحِ: بِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي. وَأُجِيبَ: بِحَمْلِهِ عَلَى عَبْدٍ غَائِبٍ بِيعَ عَلَى الصِّفَةِ، أَيْ فَلَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي إلَّا بِالْقَبْضِ وَفِيهِ بُعْدٌ، لِأَنَّ عِبَارَتَهُمْ مُطْلَقَةٌ. وَأَجَابَ بَعْضٌ: بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُشْتَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ ظَنَنْت أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ] : وَيُقَالُ مِثْلُ هَذَا التَّعْلِيلِ فِي الِاسْتِحْلَالِ وَالْعَارِيَّةِ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ دَعْوَى] : الْمُرَادُ بِالدَّعْوَى الْمُطَالَبَةُ، وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا إنْ حَكَمَ بِهَا فُلَانٌ لِرَجُلٍ سَمَّاهُ فَحَكَمَ بِهَا عَلَيْهِ فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ. بِخِلَافِ مَا لَوْ قَيَّدَ بِمَشِيئَةِ زَيْدٍ فَشَاءَ فَلَا يَلْزَمُهُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [لَكِنَّهُ إنْ شَهِدَ] : إنْ قِيلَ إذَا كَانَ عَدْلًا فَشَهَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ سَوَاءٌ أَقَرَّ بِذَلِكَ أَمْ لَا فَمَا فَائِدَةُ الْإِقْرَارِ الْمَذْكُورِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَفَادَ تَسْلِيمَهُ لِشَهَادَتِهِ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ لِإِعْذَارٍ، وَقَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي: أَنْ يَكُونَ لَهُ الْإِعْذَارُ لِأَنَّهُ يَقُولُ ظَنَنْت أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ. قَوْلُهُ: [بِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ] : أَيْ اللَّازِمِ الَّذِي لَيْسَ لِي فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ عِبَارَتَهُمْ] إلَخْ: عِلَّةٌ لِلْبُعْدِ. قَوْلُهُ: [وَأَجَابَ بَعْضٌ] : الْمُرَادُ بِهِ (ح) كَمَا قَالَ (بْن) .

يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ أَوَّلًا عِنْدَ التَّنَازُعِ فِيمَنْ يَبْدَأُ بِالتَّسْلِيمِ اقْتَضَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ الْقَبْضِ، لِأَنَّهُ يَقُولُ: حَقُّ الْبَائِعِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ لِي حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ مِنِّي، وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ، أَوْ: فِي ذِمَّتِي كَذَا مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ وَلَمْ أَقْبِضْهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ مِمَّا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَقَالَ الْمُدَّعِي: بَلْ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ مَثَلًا فَيَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ بِعِمَارَةِ ذِمَّتِهِ، وَيُعَدُّ قَوْلُهُ مِنْ خَمْرٍ نَدَمًا لَا يَنْفَعُهُ. (أَوْ) قَالَ لِمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِكَذَا لِيَأْخُذَهُ مِنْهُ: (أَقْرَرْت بِهِ) لَك (وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ) وَأَنَا (مُبَرْسَمٌ) وَالْبِرْسَامُ: نَوْعٌ مِنْ الْجُنُونِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ (إنْ عَلِمَ تَقَدُّمَهُ) : أَيْ الْبِرْسَامِ (لَهُ) . وَعَلَى الْمُدَّعِي إثْبَاتُ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَوْ حَالَ عَقْلِهِ. (أَوْ أَقَرَّ) لِمَنْ طَلَبَ مِنْهُ شَيْئًا. إعَارَةً أَوْ شِرَاءً (اعْتِذَارًا) بِأَنَّهُ لِابْنِي أَوْ زَوْجَتِي أَوْ لِفُلَانٍ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ إعْطَائِهِ لِلطَّالِبِ إذَا كَانَ مِثْلُهُ يُعْتَذَرُ لَهُ كَكَوْنِهِ ذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ أَوْ لَا] إلَخْ: أَيْ حَيْثُ كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا وَالْمُثَمَّنُ عَرَضًا كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَوْ فِي ذِمَّتِي كَذَا مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ] إلَخْ: الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَمَسْأَلَةِ الْمَتْنِ أَنَّ هَذَا إقْرَارٌ عُرْفًا بِسَبَبِ تَصْرِيحِهِ بِقَوْلِهِ: عَلَيَّ أَوْ فِي ذِمَّتِي. بِخِلَافِ قَوْلِهِ اشْتَرَيْت عَبْدًا لَمْ أَقْبِضْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِشَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اشْتَرَيْت لَا يَقْتَضِي قَبْضًا بِخِلَافِ عَلَيَّ وَفِي ذِمَّتِي فَإِنَّهُ مُقْتَضٍ لِلْقَبْضِ. قَوْلُهُ: [وَيُعَدُّ قَوْلُهُ مِنْ خَمْرٍ نَدَمًا] : أَيْ كَمَا يُعَدُّ قَوْلُهُ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ وَلَمْ أَقْبِضْهُ نَدَمًا لَا يَنْفَعُهُ. قَوْلُهُ: [أَقْرَرْت بِهِ لَك وَأَنَا صَبِيٌّ] إلَخْ: أَيْ حَيْثُ قَالَ ذَلِكَ نَسَقًا وَلَمْ تُكَذِّبْهُ الْبَيِّنَةُ، وَمِثْلُهُ، لَوْ قَالَ: أَقْرَرْت بِكَذَا قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ، لِأَنَّهُ خَارِجٌ مَخْرَجَ الِاسْتِهْزَاءِ. فَلَوْ قَالَ: أَقْرَرْت وَلَمْ أَدْرِ أَكُنْت صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ أَيْضًا حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ بُلُوغُهُ حِينَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْبُلُوغِ بِخِلَافِ لَوْ قَالَ: لَا أَدْرِي أَكُنْت عَاقِلًا أَمْ لَا، فَيَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَقْلُ. قَوْلُهُ: [إذَا كَانَ مِثْلُهُ يُعْتَذَرُ لَهُ] : هَذَا الْقَيْدُ لِلشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيُّ، وَاعْتَرَضَهُ

وَجَاهَةٍ أَوْ صَاحِبَ وِلَايَةٍ وَإِلَّا لَزِمَهُ. (أَوْ) أَقَرَّ (شُكْرًا) كَمَا لَوْ قَالَ: أَقْرَضَنِي فُلَانٌ مِائَةً جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا وَقَضَيْته لَهُ (أَوْ ذَمًّا) كَمَا لَوْ قَالَ: أَقْرَضَنِي فُلَانٌ كَذَا ثُمَّ ضَايَقَنِي حَتَّى قَضَيْته لَا جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا. (وَقِيلَ) عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي الْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ (أَجَلُ مِثْلِهِ) : وَهُوَ الَّذِي لَا يُتَّهَمُ فِيهِ الْمُبْتَاعُ عَادَةً لِجَرَيَانِهَا فِي مِثْلِهِ (فِي بَيْعٍ) وَفَاتَتْ فِيهِ السِّلْعَةُ، وَإِلَّا تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا يُنْظَرُ لِشَبَهٍ. فَإِنْ اُتُّهِمَ الْمُبْتَاعُ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ بِيَمِينِهِ. (لَا) فِي (قَرْضٍ) بَلْ الْقَوْلُ فِيهِ لِلْمُقْرِضِ أَنَّهُ عَلَى الْحُلُولِ بِيَمِينِهِ، حَصَلَ فَوْتٌ أَوْ لَا حَيْثُ لَا شَرْطٌ وَلَا عُرْفٌ، وَإِلَّا عَمِلَ بِهِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQر) : بِأَنَّ الَّذِي فِي السَّمَاعِ الْإِطْلَاقُ، فَمَتَى أَقَرَّ اعْتِذَارًا فَلَا يَأْخُذُهُ الْمُقَرُّ لَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَانَ السَّائِلُ مِمَّنْ يُعْتَذَرُ لَهُ أَمْ لَا، وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى ثُبُوتِ الِاعْتِذَارِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَإِنْ لَمْ يَدَعْهُ بِأَنْ مَاتَ كَمَا يُفِيدُهُ نَقْلُ الْمَوَّاقُ (اهـ بْن) قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَقَدْ يَقُولُ الرَّجُلُ لِلسُّلْطَانِ: هَذِهِ الْأَمَةُ وَلَدَتْ مِنِّي وَهَذَا الْعَبْدُ مُدَبَّرٌ، لِئَلَّا يَأْخُذَهُمَا، فَلَا يَلْزَمُهُ وَلَا شَهَادَةَ فِيهِ، وَمِثْلُهُ مَا يَقُولُهُ الْإِنْسَانُ حِمَايَةً كَأَنْ يَقُولَ صَاحِبُ سَفِينَةٍ أَوْ فَرَسٍ، عِنْدَ إرَادَةِ ذِي شَوْكَةٍ أَخْذَهَا: أَنَّهَا لِفُلَانٍ، وَيُرِيدُ شَخْصًا يَحْمِي مَا يُنْسَبُ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إقْرَارًا لَهُ. قَوْلُهُ: [أَجَلُ مِثْلِهِ] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِمَالٍ حَالٍّ مِنْ بَيْعٍ فَأَجَابَ بِالِاعْتِرَافِ، وَأَنَّهُ مُؤَجَّلٌ، فَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ جَارِيَةً بِالتَّأْجِيلِ لَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ بِيَمِينٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ عَدَمَ التَّأْجِيلِ أَصْلًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ بِيَمِينٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرِفَ بِشَيْءٍ، فَإِنْ ادَّعَى الْمُقِرُّ أَجَلًا قَرِيبًا يُشْبِهُ أَنْ تُبَاعَ السِّلْعَةُ لَهُ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ بِيَمِينٍ، وَإِنْ ادَّعَى أَجَلًا بَعِيدًا لَا يُشْبِهُ التَّأْجِيلَ لَهُ عَادَةً، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ بِيَمِينٍ. هَذَا إذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ، فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً تَحَالُفًا وَتَفَاسُخًا وَلَا يُنْظَرُ لِشَبَهٍ وَلَا لِعَدَمِهِ، وَأَمَّا الْقَرْضُ فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ لَهُ بِيَمِينِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ شَرَطَ بِالتَّأْجِيلِ وَلَا عَادَةً وَمَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ اتَّهَمَ الْمُبْتَاعَ] : أَيْ بِأَنْ ادَّعَى أَجَلًا لَا يُشْبِهُ. قَوْلُهُ: [بَلْ الْقَوْلُ فِيهِ لِلْمُقْرِضِ] : أَيْ وَلَوْ ادَّعَى الْمُقْتَرَضُ فِيهِ أَجَلًا قَرِيبًا.

[تفسير الإقرار]

الْقَرْضِ الْحُلُولُ أَيْ بَعْدَ مُدَّةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْهَا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهِ وَادَّعَى تَأْجِيلَهُ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنْ كَانَ مِنْ بَيْعٍ وَأَشْبَهَ فِي دَعْوَى الْأَجَلِ بِيَمِينِهِ. وَإِلَّا يُشْبِهُ - أَوْ كَانَ مِنْ قَرْضٍ - فَالْقَوْلُ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِيَمِينِهِ، هَذَا نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ. وَلَا الْتِفَاتَ لِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِ: إنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ فِي أَنَّ الْقَوْلَ لِرَبِّ الْمَالِ فَإِنَّهُ غَفْلَةٌ عَمَّا فِي الْمُدَوَّنَةِ. (وَ) قُبِلَ (تَفْسِيرُ الْأَلْفِ فِي) قَوْلِهِ لَهُ: عَلَيَّ (أَلْفٍ وَدِرْهَمٍ) بِأَيِّ شَيْءٍ يَذْكُرُهُ وَلِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُهُ عَلَى مَا فُسِّرَ بِهِ أَلْفٌ إنْ اتَّهَمَهُ أَوْ خَالَفَهُ. وَلَا يَكُونُ الدِّرْهَمُ مُعَيِّنًا لِكَوْنِ الْأَلْفِ مِنْ الدَّرَاهِمِ. وَقَوْلُهُ: " أَلْفٌ وَدِرْهَمُ " أَيْ مَثَلًا فِيهِمَا. (وَ) قُبِلَ تَفْسِيرُ (الشَّيْءِ وَ) تَفْسِيرِ (كَذَا) فِي قَوْلِهِ لَهُ: عَلَيَّ شَيْءٌ، أَوْ: لَهُ عَلَيَّ كَذَا (وَسُجِنَ لَهُ) أَيْ لِلتَّفْسِيرِ إنْ امْتَنَعَ مِنْهُ. (لَا) يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ (بِجِذْعٍ أَوْ بَابٍ فِي) قَوْلِهِ: (مِنْ هَذِهِ الدَّارِ) شَيْءٌ أَوْ حَقٌّ أَوْ كَذَا (أَوْ) : لَهُ مِنْ هَذِهِ (الْأَرْضِ) شَيْءٌ أَوْ حَقٌّ بِ " مِنْ " (كَ: فِي) : أَيْ كَمَا لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِالْجِذْعِ أَوْ الْبَابِ إذَا قَالَ: لَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ، أَوْ: فِي هَذِهِ الْأَرْضِ شَيْءٌ (عَلَى الْأَصَحِّ) عِنْدَ الشَّيْخِ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ " مِنْ " وَ " فِي "، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْسِيرِ بِشَيْءٍ مِنْهَا كَرُبْعِهَا أَوْ قِيرَاطٍ مِنْهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِالْجِذْعِ وَالْبَابِ فِي " فِي " دُونَ " مِنْ " لِأَنَّ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ " وَفِي " لِلظَّرْفِيَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا بُدَّ مِنْهَا] : أَيْ لَا بُدَّ مِنْ زَمَنٍ يَمْضِي يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْقَرْضِ فِيهِ. [تَفْسِيرُ الْإِقْرَارِ] قَوْلُهُ: [عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ أَلْفٌ] : هَكَذَا بِالتَّنْكِيرِ وَالرَّفْعِ فِي نُسْخَةِ الْمُؤَلِّفِ عَلَى سَبِيلِ حِكَايَةِ لَفْظِ الْمَتْنِ، وَإِلَّا فَحَقُّ التَّعْبِيرِ: عَلَى مَا فُسِّرَ بِهِ الْأَلْفُ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَكُونُ الدِّرْهَمُ مَثَلًا مُعَيَّنًا] : أَيْ عَطَفَ الدِّرْهَمَ عَلَى الْأَلْفِ بَلْ لَهُ أَنْ يُفَسِّرَ الْأَلْفَ بِعَبِيدٍ أَوْ دَنَانِيرَ مَثَلًا. قَوْلُهُ: [وَسُجِنَ لَهُ] : أَيْ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ حَتَّى يُقِرَّ، فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُقِرَّ قَبْلَ قَوْلِ الْمُقَرِّ لَهُ إنْ أَشْبَهَ وَحَلَفَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ] : مُقَابِلُهُ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْآتِي.

(وَلَزِمَ فِي مَالٍ) : أَيْ قَوْلُهُ: لَهُ عِنْدِي أَوْ فِي ذِمَّتِي مَالٌ (نِصَابٌ) : أَيْ نِصَابُ زَكَاةٍ مِنْ مَالِ الْمُقِرِّ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ غَنَمٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ إبِلٍ وَقِيلَ: يُقْبَلْ تَفْسِيرُهُ كَالشَّيْءِ وَلَوْ بِدِرْهَمٍ أَوْ أَقَلَّ. (وَ) لَزِمَهُ فِي (بِضْعٍ أَوْ دَرَاهِمَ) : أَيْ فِي قَوْلِهِ: لَهُ فِي ذِمَّتِي بِضْعٌ، أَوْ: لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ (ثَلَاثَةٌ) وَلَزِمَهُ فِي قَوْلِهِ: بِضْعَةَ عَشَرَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ (وَ) فِي قَوْلِهِ: لَهُ عِنْدِي (دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ) لَزِمَهُ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّهَا أَوَّلُ مَبَادِئِ الْكَثْرَةِ بَعْدَ مُطْلَقِ الْجَمْعِ (أَوْ) قَالَ: (لَا كَثِيرَةٌ وَلَا قَلِيلَةٌ) لَزِمَهُ (أَرْبَعَةٌ وَ) لَزِمَهُ فِي قَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَزِمَ فِي مَالٍ] : أَيْ وَسَوَاءٌ قَالَ عَظِيمٌ أَمْ لَا وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ: وَلَهُ عَلَيَّ مَالٌ قِيلَ: نِصَابٌ وَقِيلَ: رُبْعُ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةُ. دَرَاهِمَ، وَقِيلَ: تَفْسِيرُهُ وَمَالٌ عَظِيمٌ قَبْلَ كَذَلِكَ، وَقِيلَ: مَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ وَقِيلَ: قَدْرُ الدِّيَةِ (اهـ بْن) . قَوْلُهُ: [مِنْ مَالِ الْمُقِرِّ] : أَيْ وَلَا يُنْظَرُ لِمَالِ الْمُقَرِّ لَهُ عِنْدَ التَّخَالُفِ، فَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ لَزِمَهُ نِصَابٌ مِنْ الذَّهَبِ، إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفِضَّةِ لَزِمَهُ نِصَابٌ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَاشِيَةِ لَزِمَهُ نِصَابٌ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَبِّ لَزِمَهُ نِصَابٌ مِنْهُ، فَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكُلِّ لَزِمَهُ أَقَلُّ الْأَنْصِبَاءِ قِيمَةً لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلَا تَلْزَمُ بِمَشْكُوكٍ فِيهِ، وَلِذَا لَوْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ نِصَابٌ لَزِمَهُ نِصَابُ السَّرِقَةِ لِأَنَّهُ الْمُحَقَّقُ إلَّا أَنْ يَجْرِيَ الْعُرْفُ بِنِصَابِ الزَّكَاةِ وَإِلَّا لَزِمَهُ. قَوْلُهُ: [وَلَزِمَهُ فِي بِضْعٍ] إلَخْ: إنَّمَا لَزِمَهُ الثَّلَاثَةُ فِي الْبِضْعِ لِأَنَّ الْبِضْعَ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ فَيَلْزَمُهُ الْمُحَقَّقُ. قَوْلُهُ: [بَعْدَ مُطْلَقِ الْجَمْعِ] : أَيْ لِأَنَّ الصَّحِيحَ مُسَاوَاةُ جَمْعِ الْكَثْرَةِ لِلْقِلَّةِ فِي الْمَبْدَأِ وَالذِّمَّةِ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِمُحَقَّقٍ وَالْمُحَقَّقُ مِنْ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ وَأَيْضًا مَحَلُّ افْتِرَاقِ مَبْدَئِهِمَا عَلَى الْقَوْلِ بِهِ حَيْثُ كَانَ لِكُلٍّ صِيغَةٌ وَإِلَّا اُسْتُعْمِلَ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ. قَوْلُهُ: [أَوْ قَالَ لَا كَثِيرَةً وَلَا قَلِيلَةً] : إنَّمَا لَزِمَهُ الْأَرْبَعَةُ فِي هَذَا لِحَمْلِ الْكَثْرَةِ الْمَنْفِيَّةِ عَلَى ثَانِي مَرَاتِبِهَا وَهُوَ الْخَمْسَةُ، وَحَمْلِ الْقِلَّةِ الْمَنْفِيَّةِ عَلَى أَوَّلِ مَرَاتِبِهَا وَإِلَّا لَزِمَ التَّنَاقُضُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ نَافِيًا لَهَا بِقَوْلِهِ لَا كَثِيرَةً وَمُثْبِتًا لَهَا بِقَوْلِهِ وَلَا قَلِيلَةً.

[الاستثناء في الإقرار]

لَهُ عِنْدِي (دَرَاهِمُ) : الدِّرْهَمُ (الْمُتَعَارَفُ) بَيْنَهُمْ وَلَوْ نُحَاسًا كَمَا فِي عُرْفِ مِصْرَ (وَإِلَّا) يَكُنْ بَيْنَهُمْ دِرْهَمٌ مُتَعَارَفٌ (فَالشَّرْعِيُّ) : أَيْ يَلْزَمُهُ الدِّرْهَمُ الشَّرْعِيُّ، لَكِنَّهُ إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا كَانَ لَهُمْ مَعْرِفَةٌ بِالشَّرْعِيِّ، وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ مَا فَسَّرَ بِهِ الْمُقِرُّ مَعَ يَمِينِهِ (وَقُبِلَ غِشُّهُ وَنَقْصُهُ إنْ وَصَلَ) ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ بِأَنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ مَغْشُوشٌ أَوْ نَاقِصٌ. فَإِنْ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ وَلَزِمَهُ دِرْهَمٌ خَالِصٌ كَامِلٌ وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بِسُعَالٍ أَوْ عُطَاسٍ بِخِلَافِ سَلَامٍ أَوْ رَدَّهُ. (وَ) لَزِمَهُ (الْأَلْفُ فِي) قَوْلِهِ لَهُ: عَلَيَّ أَلْفٌ (مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ) : لِأَنَّ قَوْلَهُ: مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ، مِنْ بَابِ رَفْعِ الْوَاقِعِ فَيُعَدُّ نَدَمًا فَلَا يُعْتَبَرُ. بِخِلَافِ: اشْتَرَيْت مِنْهُ خَمْرًا بِأَلْفٍ كَمَا تَقَدَّمَ (وَنَحْوِهِ) : أَيْ الْخَمْرِ مِنْ كُلِّ مَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لِنَجَاسَتِهِ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ) قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ (عَبْدٍ وَلَمْ أَقْبِضْهُ وَإِنْ نُوكِرَ) فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ الْمُدَّعِي فِي الْأَوَّلِ: بَلْ مِنْ ثَمَنِ ثَوْبٍ، أَوْ قَالَ فِي الثَّانِي: بَلْ قَبَضْته. (كَدَعْوَى أَنَّهَا) : أَيْ الْأَلْفَ الَّذِي عَلَيْهِ (مِنْ رِبَا) : وَقَالَ الْمُدَّعِي: بَلْ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ (وَأَقَامَ) الْمُقِرُّ (بَيِّنَةً) تَشْهَدُ لَهُ (بِأَنَّهُ) : أَيْ الْمُقَرُّ لَهُ (رَابَاهُ بِأَلْفٍ) فَيَلْزَمُهُ وَلَا تَنْفَعُهُ بَيِّنَتُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَابَاهُ فِي غَيْرِ مَا أَقَرَّ بِهِ (إلَّا أَنْ يُقِيمَهَا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي) وَهُوَ الْمُقَرُّ لَهُ (أَنَّهُ لَمْ يُعَامِلْهُ إلَّا بِالرِّبَا، فَرَأْسُ الْمَالِ) يَلْزَمُهُ لَا مَا زَادَ عَلَيْهِ. (وَالِاسْتِثْنَاءُ هُنَا) : أَيْ فِي الْإِقْرَارِ (كَغَيْرِهِ) فَيُفِيدُ؛ فَإِذَا قَالَ: لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَمَا فِي عُرْفِ مِصْرَ] : أَيْ فَإِنَّ الْمُتَعَارَفَ فِي بَعْضِ الْقُرَى وَبَيْنَ كَثِيرٍ مِنْ الْعَوَامّ أَنَّهُ الْفَلْسُ مِنْ النُّحَاسِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا يَكُنْ بَيْنَهُمْ دِرْهَمٌ مُتَعَارَفٌ فَالشَّرْعِيُّ] : إنَّمَا أَخَّرَ الشَّرْعِيَّ لِأَنَّ الْعُرْفَ الْقَوْلِيَّ مُقَدَّمٌ فِي بَابِ الْيَمِينِ وَبَابِ الْإِقْرَارِ. قَوْلُهُ: [وَقَبْلَ غِشِّهِ وَنَقْصِهِ] : أَيْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَغْشُوشٌ وَنَاقِصٌ سَوَاءٌ جَمَعَهُمَا أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَا يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ كَامِلٌ أَوْ خَالِصٌ. وَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ فِي قَدْرِ النَّقْصِ أَوْ الْغِشِّ. [الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْإِقْرَارِ] قَوْلُهُ: [كَغَيْرِهِ] : أَيْ مِنْ الْأَبْوَابِ الَّتِي يُعْتَبَرُ فِيهَا الِاسْتِثْنَاءُ كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ

أَلْفٌ إلَّا مِائَةً لَزِمَهُ تِسْعُمِائَةٍ. وَإِذَا قَالَ: عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَمَانِيَةً لَزِمَهُ اثْنَانِ (وَصَحَّ) هُنَا الِاسْتِثْنَاءُ الْمَعْنَوِيُّ نَحْوَ قَوْلِهِ: (لَهُ الدَّارُ وَالْبَيْتُ لِي. أَوْ) : لَهُ (الْخَاتَمُ وَفَصُّهُ لِي إنْ وَصَلَ) ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ، لَا إنْ لَمْ يَصِلْهُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ أَشْهَدَ فِي ذُكْرٍ) بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: الْوَثِيقَةُ (بِمِائَةٍ، وَفِي أُخْرَى بِمِائَةٍ) وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَتَى بِوَثِيقَتَيْنِ، كُلٌّ فِيهَا مِائَةٌ، وَأَشْهَدَ بِهِمَا (فَالْمِائَتَانِ) : لِأَنَّ الْأَذْكَارَ أَمْوَالٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ ضَعِيفٌ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْكِتَابَةِ فَمَالٌ وَاحِدٌ عَلَى التَّحْقِيقِ؛ كَمَا إذَا أَقَرَّ عِنْدَ جَمَاعَةٍ بِأَنَّ عَلَيْهِ لِفُلَانٍ مِائَةً ثُمَّ أَقَرَّ عِنْدَ آخَرِينَ بِأَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِشَرْطِهِ وَهُوَ أَنْ يَتَّصِلَ الْمُسْتَثْنَى بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إلَّا لِعَارِضٍ، وَأَنْ يَنْطِقَ بِهِ وَلَوْ سِرًّا فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ. وَأَمَّا هَذَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَسْمَعَ بِهِ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ الِاسْتِثْنَاءَ، وَأَلَّا يَكُونَ مُسْتَغْرِقًا وَلَا مُسَاوِيًا فَاسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ وَالْمُسَاوِي بَاطِلٌ، وَيَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَإِبْقَاءُ أَقَلِّهِ نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً خِلَافًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ، وَإِذَا تَعَدَّدَ الِاسْتِثْنَاءُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مُخَرَّجٌ مِمَّا قَبْلَهُ، فَإِذَا قَالَ لَهُ: عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا أَرْبَعَةً إلَّا اثْنَيْنِ إلَّا وَاحِدًا فَالْوَاحِدُ مُسْتَثْنًى مِنْ الِاثْنَيْنِ يَبْقَى مِنْهُمَا وَاحِدٌ مُسْتَثْنًى مِنْ الْأَرْبَعَةِ يَبْقَى مِنْهَا ثَلَاثَةٌ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ يَبْقَى سَبْعَةٌ هِيَ الْمُقَرُّ بِهَا. قَوْلُهُ: [نَحْوُ قَوْلِهِ لَهُ الدَّارُ وَالْبَيْتُ لِي] : أَيْ فَهُوَ فِي رَاجِعِ جَمِيعِ الدَّارِ لَهُ إلَّا الْبَيْتَ، فَإِنْ تَعَدَّدَتْ بُيُوتُهَا وَلَمْ يُعَيَّنْ أَمَرَ بِتَعْيِينِهِ وَقُبِلَ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ] إلَخْ: الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: بِمَعْنَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ إلَخْ لِأَنَّ شَأْنَ الْحَاصِلِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ تَتْمِيمِ الْكَلَامِ لَا فِي أَثْنَاءِ الْحَلِّ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْأَذْكَارَ أَمْوَالٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] إلَخْ: حَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ الْمُقِرَّ إذَا كَتَبَ الْوَثِيقَتَيْنِ أَوْ أَمَرَ بِكَتْبِهِمَا وَأَشْهَدَ عَلَى مَا فِيهِمَا وَلَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ أَوْ بَيَّنَهُ فِيهِمَا وَكَانَ مُتَّحِدًا فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا فِي الْوَثِيقَتَيْنِ، سَوَاءٌ اتَّحِدْ الْقَدْرُ أَوْ اخْتَلَفَ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ الْمُجَرَّدُ عَنْ الْكِتَابَةِ أَوْ الْمُصَاحِبِ لِكِتَابَةِ الْمُقَرِّ لَهُ إذَا تَعَدَّدَ فَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ أَوَّلًا وَثَانِيًا مُتَّحِدَ الْقَدْرِ لَزِمَهُ أَحَدُ الْإِقْرَارَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفَ الْقَدْرِ لَزِمَهُ الْأَكْثَرُ مِنْهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ.

مِائَةً، فَمِائَةٌ فَقَطْ؛ وَهَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ اخْتِلَافَ السَّبَبِ وَاتَّفَقَا قَدْرًا وَصِفَةً وَإِلَّا فَالْمِائَتَانِ، نَحْوُ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ مِنْ بَيْعٍ، ثُمَّ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ مِنْ قَرْضٍ أَوْ قَالَ: مِائَةٌ مُحَمَّدِيَّةٌ، ثُمَّ: مِائَةٌ يَزِيدِيَّةٌ. (وَإِنْ أَبْرَأَ) إنْسَانٌ (شَخْصًا مِمَّا لَهُ قِبَلَهُ، أَوْ) أَبْرَأَهُ (مِنْ كُلِّ حَقٍّ) لَهُ عَلَيْهِ (أَوْ أَبْرَأهُ) وَأَطْلَقَ، (بَرِئَ مُطْلَقًا) مِمَّا فِي الذِّمَّةِ وَغَيْرِهَا مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا. (حَتَّى مِنْ السَّرِقَةِ) مِنْ (حَدِّ الْقَذْفِ) : إنْ كَانَ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا أَوْ قَذَفَهُ وَلَمْ يَبْلُغْ الْإِمَامُ. وَأَمَّا قَطْعُ الْيَدِ فَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ، وَحِينَئِذٍ: (فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ) عَلَيْهِ (بِشَيْءٍ، وَإِنْ) كَانَ حَقًّا مَكْتُوبًا (بِصَكٍّ) ، أَيْ وَثِيقَةٍ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ (أَنَّهُ) : أَيْ الْحَقَّ الْمُدَّعَى بِهِ وَقَعَ (بَعْدَ الْإِبْرَاءِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَالْمِائَتَانِ] : أَيْ بِأَنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ أَوْ اخْتَلَفَ الْقَدْرُ أَوْ الصِّفَةُ. قَوْلُهُ: [نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ مِنْ بَيْعٍ] : مِثَالٌ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ قَالَ مِائَةٌ مُحَمَّدِيَّةٌ] : مِثَالٌ لِاخْتِلَافِ الصِّفَةِ وَلَمْ يُمَثِّلْ لِاخْتِلَافِ الْقَدْرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا إذَا قَالَ: مِائَةٌ، وَفِي مَجْلِسٍ آخَرَ قَالَ: مِائَتَانِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَكْثَرُ. قَوْلُهُ: [بَرِئَ مُطْلَقًا] : أَيْ حَيْثُ كَانَتْ الْبَرَاءَةُ بِوَاحِدَةٍ مِنْ تِلْكَ الصِّيَغِ الثَّلَاثِ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَبْلُغْ الْإِمَامُ] : أَيْ فَإِنْ بَلَغَهُ فَلَا يَصِحُّ إبْرَاؤُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ السِّتْرَ عَلَى نَفْسِهِ فَإِذَا أَرَادَ ذَلِكَ كَانَ لَهُ إبْرَاؤُهُ وَلَوْ بَلَغَ الْإِمَامُ. تَتِمَّةً: ظَاهِرُ النُّصُوصِ أَنَّ الْبَرَاءَةَ تَنْفَعُ حَتَّى فِي الْآخِرَةِ فَلَا يُؤَاخِذُ الْعَبْدُ عِنْدَ اللَّهِ بِحَقٍّ جَحَدَهُ وَأَبْرَأَهُ صَاحِبُهُ مِنْهُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: لَا يَسْقُطُ عَنْهُ مُطَالَبَةُ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ بِحَقِّ خَصْمِهِ. وَلَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُبْرِئَ النَّاسَ مِنْ حَقِّ الْمَحْجُورِ الْبَرَاءَةَ الْعَامَّةَ، وَإِنَّمَا يُبْرِئُ عَنْهُ فِي الْمُعَيَّنَاتِ. وَكَذَلِكَ الْمَحْجُورُ بِقُرْبِ رُشْدِهِ، وَلَا يُبْرِئُ وَصِيُّهُ إلَّا مِنْ الْمُعَيَّنَاتِ وَلَا تَنْفَعُهُ الْبَرَاءَةُ الْعَامَّةُ حَتَّى يَطُولَ رُشْدُهُ كَسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ. وَكَذَلِكَ لَا يُبْرِئُ الْقَاضِي النَّاظِرُ فِي الْأَحْبَاسِ وَالْمُبَارَاةِ الْعَامَّةَ وَإِنَّمَا يُبْرِئُهُ مِنْ الْمُعَيَّنَاتِ. وَإِبْرَاؤُهُ عُمُومًا جَهْلٌ مِنْ الْقُضَاةِ.

فَلَهُ الْقِيَامُ حِينَئِذٍ بِهِ. (وَإِنْ أَبْرَأَهُ مِمَّا مَعَهُ، بَرِئَ مِنْ الْأَمَانَةِ) الَّتِي عِنْدَهُ كَالْوَدِيعَةِ وَالْقِرَاضِ (لَا) مِنْ (الدَّيْنِ) الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ. (وَ) إنْ أَبْرَأَ (مِمَّا فِي ذِمَّتِهِ فَالْعَكْسُ) : أَيْ فَيَبْرَأُ مِنْ الدَّيْنِ لَا الْأَمَانَةِ، لِأَنَّ الْأَمَانَةَ لَيْسَتْ فِي الذِّمَّةِ. وَإِنْ أَبْرَأَهُ مِمَّا عِنْدَهُ بَرِئَ مِنْهُمَا عِنْدَ الْمَازِرِيِّ وَمِنْ الْأَمَانَةِ فَقَطْ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَعِنْدَهُ أَمَانَةٌ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا أَحَدُهُمَا بَرِئَ مِنْهُ. (وَعَمِلَ بِالْعُرْفِ وَقُوَّةِ الْقَرَائِنِ) : فَإِذَا كَانَ الْعُرْفُ مُسَاوَاةً " مَعَ " ل " عَلَيَّ " وَ " عِنْدِي "، بَرِئَ مُطْلَقًا. كَمَا لَوْ قَامَتْ الْقَرَائِنُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ تَخْصِيصٍ أَوْ إطْلَاقٍ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[فصل في الاستلحاق وأحكامه]

فَصْلٌ فِي الِاسْتِلْحَاقِ وَأَحْكَامِهِ (الِاسْتِلْحَاقُ) فِي الْعُرْفِ (إقْرَارُ ذَكَرٍ) لَا أُنْثَى فَلَا اسْتِلْحَاقَ لِأُمِّ (مُكَلَّفٍ) وَلَوْ سَفِيهًا خَرَجَ الْمَجْنُونُ وَالْمُكْرَهُ كَالصَّبِيِّ (أَنَّهُ أَبٌ لِمَجْهُولٍ نَسَبُهُ) : وَلَوْ كَذَّبَتْهُ أُمُّهُ لَتَشَوَّفَ الشَّارِعُ لِلُحُوقِ النَّسَبِ. لَا لِمَقْطُوعٍ نَسَبُهُ كَوَلَدِ الزِّنَا الْمَعْلُومِ أَنَّهُ مِنْ زَنَى، وَلَا لِمَعْلُومٍ نَسَبُهُ. وَيُحَدُّ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَبُوهُ حَدَّ الْقَذْفِ، إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِالزِّنَا، فَحَدُّ الزِّنَا أَيْضًا. وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّ مَجْهُولَ النَّسَبِ ابْنُهُ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ. (إنْ لَمْ يُكَذِّبْهُ عَقْلٌ لِصِغَرِهِ) : أَيْ مُدَّعِي الْأُبُوَّةِ (أَوْ عَادَةٌ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الِاسْتِلْحَاقِ وَأَحْكَامِهِ] [تَعْرِيف الِاسْتِلْحَاق] أُتْبِعَ الِاسْتِلْحَاقُ بِالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ لِشَبَهِهِ بِهِ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَقَوْلُهُ: [فِي الِاسْتِلْحَاقِ] : أَيْ فِي تَعْرِيفِهِ، وَالْمُرَادُ بِأَحْكَامِهِ: مَسَائِلُهُ. قَوْلُهُ: [فَلَا اسْتِلْحَاقَ لِأُمٍّ] : أَيْ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الِاسْتِلْحَاقَ مِنْ خَصَائِصِ الْأَبِ دِنْيَةً وَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ الِاسْتِلْحَاقُ مِنْ الْجَدِّ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: يَسْتَلْحِقُ الْجَدُّ. وَتَأَوَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى مَا إذَا قَالَ: أَبُو هَذَا وَلَدِي، لَا إنْ قَالَ: هَذَا ابْن وَلَدِي، فَلَا يَصْدُقُ. قَوْلُهُ: [لِمَجْهُولٍ نَسَبُهُ] : يُسْتَثْنَى مِنْهُ اللَّقِيطُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِوَجْهٍ كَمَا يَأْتِي فِي اللُّقَطَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَذَبَتْهُ أُمُّهُ] : أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ تَقَدُّمَ مِلْكِ أُمِّ هَذَا الْوَلَدِ أَوْ نِكَاحِهَا لِهَذَا الْمُسْتَلْحِقِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَالَ سَحْنُونَ: يَشْتَرِطُ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ قَوْلٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُمْ اكْتَفَوْا فِي هَذَا الْبَابِ بِالْإِمْكَانِ فَقَطْ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلُحُوقِ النَّسَبِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى كَذِبِ الْمُقِرِّ. قَوْلُهُ: [لِصِغَرِهِ] : أَيْ فَلَوْ كَانَ صَغِيرَ السِّنِّ وَالْمُسْتَلْحَقُ بِالْفَتْحِ كَبِيرًا فَإِنَّ ذَلِكَ يُحِيلُهُ الْعَقْلُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقَدُّمِ الْمَعْلُولِ عَلَى عِلَّتِهِ.

كَاسْتِلْحَاقِهِ مِنْ وَلَدٍ بِبَلَدٍ بَعِيدَةٍ جِدًّا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا أَوْ شَرَعَ. (فَلَوْ كَانَ) مَجْهُولُ النَّسَبِ الْمُسْتَلْحَقُ - بِالْفَتْحِ (رِقًّا، أَوْ مَوْلًى) : أَيْ عَتِيقًا (لِمُكَذِّبِهِ) : أَيْ لِشَخْصٍ كَذَّبَ الْأَبَ الْمُسْتَلْحِقَ لَهُ (لَمْ يُصَدَّقْ) مُدَّعِي أُبُوَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى نَزْعِهِ مِنْ مَالِكِهِ أَوْ الْحَائِزِ لِوَلَائِهِ؛ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اسْتَلْحَقَ صَبِيًّا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ إذَا كَذَّبَهُ الْحَائِزُ (اهـ) . وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ أَصْلًا لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا. وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا: مَنْ بَاعَ صَبِيًّا ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ بِهِ لَحِقَ بِهِ وَيَنْقُصُ الْبَيْعُ وَالْعِتْقُ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ ثَالِثٍ مِنْهَا: مَنْ ابْتَاعَ أَمَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ فَاسْتَلْحَقَهُ الْبَائِعُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ وَيُنْقَضُ الْبَيْعُ إنْ لَمْ يَقَعْ عِتْقٌ، وَإِلَّا مَضَى الْعِتْقُ وَالْوَلَاءُ لِلْمُبْتَاعِ (اهـ) فَكَلَامُهُ يُخَالِفُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا] : فَإِنْ شَكَّ فِي دُخُولِهِ فَمُقْتَضَى ابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَمُقْتَضَى الْبَرَاذِعِيِّ صِحَّةُ اسْتِلْحَاقِهِ، وَمِنْ الْمُسْتَحِيلِ عَادَةً اسْتِلْحَاقُ مَنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ نِكَاحٌ وَلَا تَسَرٍّ أَصْلًا فَإِنَّ الْعَادَةَ تُحِيلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْوَلَدِ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ ذَكَرٍ وَأُنْثَى عَادِيٌّ لَا عَقْلِيٌّ وَلِذَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} [الأنعام: 101] إنَّ هَذِهِ حُجَّةٌ عُرْفِيَّةٌ لَا عَقْلِيَّةٌ. قَوْلُهُ: [فَلَوْ كَانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ] إلَخْ: مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ شَرَعَ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الرُّقْيَةُ وَالْمُوَلِّيَةُ مَانِعًا شَرْعِيًّا؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى نَزْعِهِ مِنْ مَالِكِهِ أَوْ مَوْلَاهُ كَمَا يُفِيدُهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى نَزْعِهِ] إلَخْ: اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اللُّحُوقِ نَزْعُهُ مِنْ الرُّقْيَةِ، إذْ قَدْ يَتَزَوَّجُ الْحُرُّ الْأَمَةَ وَيُولِدُهَا، فَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِأَبِيهِ وَرَقِيقٌ لِسَيِّدِ أُمِّهِ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الظَّاهِرُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ قَوْلُ أَشْهَبَ بِاللُّحُوقِ، بَلَى وَقَعَ مِثْلُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى، فَكَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي قَوْلِهِ الْمَشْهُورِ - وَهُوَ عَدَمُ اللُّحُوقِ - رَأَى أَنَّ السَّيِّدَ قَدْ تَلْحَقُهُ مَضَرَّةٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَوْ ثَبَتَ اللُّحُوقُ، إذْ قَدْ يَعْتِقُ هَذَا الْعَبْدُ وَيَمُوتُ عَنْ مَالٍ فَتُقَدَّمُ عَصَبَةُ نَسَبِهِ عَلَى سَيِّدِهِ، فَلِتِلْكَ الْمَضَرَّةِ قِيلَ بِعَدَمِ اللُّحُوقِ (اهـ - بْن) . قَوْلُهُ: [وَظَاهِرُهُ] إلَخْ: لَكِنَّ هَذَا الظَّاهِرَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِمَا يَأْتِي.

الثَّلَاثَةِ مَوَاضِعَ؛ فَفَهِمَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْأَوَّلَ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَاعَ الْوَلَدَ وَلَا الْأُمَّ وَقَوْلُهُ: لَا يَلْحَقُ بِهِ؛ أَيْ فِي ظَاهِرِ الْحَالِ حَتَّى يَنْزِعَهُ مِنْ الْمَالِكِ الْمُكَذِّبِ لَهُ، فَمَعْنَى: لَا يَلْحَقُ بِهِ: أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي اسْتِلْحَاقِهِ حَتَّى يَنْزِعَهُ مِنْ مَالِكِهِ أَوْ مُعْتِقِهِ بِنَقْضِ الْبَيْعِ أَوْ الْعِتْقِ. (لَكِنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ) بَاطِنًا؛ (فَيَحْرُمُ فَرْعُ كُلٍّ) مِنْهُمَا (عَلَى الْآخَرِ) عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ. (وَإِنْ مَلَكَهُ) مُسْتَلْحِقُهُ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ (عَتَقَ) الِابْنُ عَلَيْهِ (وَتَوَارَثَا) تَوَارُثَ النَّسَبِ. (فَإِنْ صَدَّقَهُ) الْمَالِكُ أَوْ مَنْ أَعْتَقَهُ نُقِضَ الْبَيْعُ وَالْعِتْقُ وَتَمَّ الِاسْتِلْحَاقُ، وَهَذَا مَفْهُومُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إذَا كَذَّبَهُ الْحَائِزُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ الثَّانِي: مَنْ بَاعَ صَبِيًّا إلَخْ، فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ بَاعَهُ فَيَكُونُ غَيْرَ الْأَوَّلِ فَلَا يُنَاقِضُهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَفِيهَا أَيْضًا إلَخْ. وَأَشَرْنَا لَهُ بِقَوْلِنَا: (أَوْ عُلِمَ) عَطْفٌ عَلَى " صَدَّقَهُ " أَيْ وَإِنْ عُلِمَ (تَقَدُّمُ مِلْكِهِ لَهُ) : أَيْ مِلْكِ الْمُسْتَلْحِقِ بِالْكَسْرِ لِلْمُسْتَلْحَقِ بِالْفَتْحِ، كَأَنْ بَاعَهُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ أُمِّهِ لَحِقَ بِهِ، صَدَّقَهُ الْمَالِكُ أَوْ كَذَّبَهُ، وَ (نُقِضَ الْبَيْعُ) وَرُدَّ الثَّمَنُ لِلْمُشْتَرِي - وَكَذَا الْعِتْقُ عَلَى الرَّاجِحِ - كَمَا بَالَغَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ أَعْتَقَهُ؛ عَمَلًا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الثَّانِي، فَإِنَّ ابْنَ رُشْدٍ رَجَّحَهُ وَضَعَّفَ الثَّالِثَ فِي الْعِتْقِ. وَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِ " أَوْ " بَدَلَ " إنْ " جَرَيَا عَلَى قَاعِدَتِهِ فِي الرَّدِّ بِ " لَوْ "، فَقَوْلُنَا: " نُقِضَ الْبَيْعُ "، أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [حَتَّى يَنْزِعَهُ مِنْ مَالِكِهِ] : مُفَرَّعٌ عَلَى نَفْيِ التَّصْدِيقِ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي اسْتِلْحَاقِهِ تَصْدِيقًا يُوجِبُ نَزْعُهُ مِنْ مَالِكِهِ إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا مَفْهُومُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ] : أَيْ مُوَافِقٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِلَّا فَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ مَفْهُومُ قَوْلُ الْمَتْنِ: فَلَوْ كَانَ رِقًّا أَوْ مَوْلًى لِمُكَذِّبِهِ إلَخْ. قَوْلُهُ: [عَطْفٌ عَلَى صَدَّقَهُ] : أَيْ وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايِرَةَ فَلِذَلِكَ كَانَ يُنْقَضُ فِي هَذِهِ الْبَيْعُ وَالْعِتْقُ صَدَّقَهُ الْمَالِكُ أَوْ كَذَّبَهُ. قَوْلُهُ: [وَضَعُفَ الثَّالِثُ فِي الْعِتْقِ] : إنَّمَا خَصَّ الْعِتْقَ بِالتَّضْعِيفِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْخِلَافِ، وَأَمَّا نَقْضُ الْبَيْعِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ.

الْعِتْقُ، وَهُوَ جَوَابُ " إنْ " فَهُوَ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ وَاسْتَلْزَمَ النَّقْضُ الِاسْتِلْحَاقَ. (وَ) إذَا لَحِقَ الْوَلَدُ وَنُقِضَ الْبَيْعُ أَوْ الْعِتْقُ (رَجَعَ) الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ الْمُسْتَلْحِقِ (بِنَفَقَتِهِ) عَلَيْهِ مُدَّةَ إقَامَتِهِ عِنْدَهُ (كَالثَّمَنِ) : أَيْ كَمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ. وَمَحَلُّ الرُّجُوعِ بِالنَّفَقَةِ: (إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خِدْمَةٌ) فَإِنْ اسْتَخْدَمَهُ فَلَا رُجُوعَ بِالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ فِي نَظِيرِ الْخِدْمَةِ. وَلَا رُجُوعَ لِلْبَائِعِ إنْ زَادَتْ الْخِدْمَةُ عَلَى النَّفَقَةِ، وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ الْمَذْكُورُ وَيُنْقَضُ الْبَيْعُ فَيُرَدُّ الثَّمَنُ وَيَرْجِعُ مُشْتَرِيه بِالنَّفَقَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خِدْمَةٌ (وَلَوْ مَاتَ) : أَيْ الْوَلَدُ: أَيْ اسْتَلْحَقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ (وَوَرِثَهُ) أَبُوهُ الْمُسْتَلْحِقُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ (إنْ وَرِثَهُ وَلَوْ وَلَدًا) أُنْثَى فَلَهُ مِنْهُ السُّدُسُ، إنْ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا، وَلَهُ النِّصْفُ إنْ كَانَ أُنْثَى فَقَطْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ فَلَا يَرِثُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَلْحَقَهُ لِيَأْخُذَ مَالَهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ قَلِيلًا لَا بَالَ لَهُ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ أَيْضًا. فَقَوْلُهُ: " إنْ وَرِثَهُ وَلَدٌ " أَيْ أَوْ قَلَّ الْمَالُ. وَمِثْلُ الِاسْتِلْحَاقِ بَعْدَ الْمَوْتِ: الِاسْتِلْحَاقُ فِي مَرَضِهِ، وَإِلَّا فَالْإِرْثُ ثَابِتٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَهُوَ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ] : أَيْ جَوَابٌ عَنْهُمَا وَهُمَا إذَا صَدَّقَهُ سَيِّدُهُ فِي عَدَمِ عِلْمِ تَقَدُّمِ مِلْكِهِ لَهُ أَوْ عَلِمَ تَقَدُّمَ مِلْكِهِ لَهُ صَدَّقَهُ أَوْ كَذَّبَهُ. قَوْلُهُ: [فَلَا رُجُوعَ بِالنَّفَقَةِ] : أَيْ قَلَّتْ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ عَلَى النَّفَقَةِ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [وَلَا رُجُوعَ لِلْبَائِعِ إنْ زَادَتْ الْخِدْمَةُ] : أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ. وَمُقَابِلُهُ: الرُّجُوعُ بِالنَّفَقَةِ مُطْلَقًا عَدَمُهُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ] : مُبَالَغَةٌ فِي مَحْذُوفٍ قَدَّرَهُ الشَّارِحُ قَبْلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: " وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ الْمَذْكُورُ " إلَخْ. وَقَوْلُهُ: [وَوَرِثَهُ أَبُوهُ] : مُرَتَّبٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ مَاتَ. وَالْمَعْنَى أَنَّ لَهُ الِاسْتِلْحَاقَ وَلَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ وَحَيْثُ قُلْتُمْ بِاسْتِلْحَاقِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَأَبُوهُ الْمُسْتَلْحَقُ يَرِثُهُ إنْ وَرِثَهُ وَلَدٌ أَوْ كَانَ الْمَالُ قَلِيلًا، وَمَا قِيلَ فِي الِاسْتِلْحَاقِ بَعْدَ الْمَوْتِ يُقَالُ فِي الِاسْتِلْحَاقِ فِي الْمَرَضِ كَمَا يُفِيدُهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَالْإِرْثُ ثَابِتٌ] : أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ الِاسْتِلْحَاقُ فِي حَيَاةِ الْمُسْتَلْحَقِ بِالْفَتْحِ، وَصِحَّتِهِ.

[استلحق أخا أو عما أو أبا]

فِي كُلِّ حَالٍ. (وَإِنْ بَاعَ أَمَةً) حَامِلًا (فَوَلَدَتْ) عِنْدَ الْمُشْتَرِي (فَاسْتَلْحَقَهُ) بَائِعُهُ (لَحِقَ) الْوَلَدُ لَهُ مُطْلَقًا، كَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا، أَعْتَقَهُ أَوْ لَا اُتُّهِمَ الْبَائِعُ فِيهَا بِمَحَبَّةٍ أَوْ لَا كَمَا تَقَدَّمَ. وَيَبْقَى الْكَلَامُ فِي أُمِّهِ، أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُصَدَّقُ فِيهَا) : أَيْ فِي الْأُمِّ فَلَا يُنْقَضُ الْبَيْعُ فِيهَا (إنْ اُتُّهِمَ) الْبَائِعُ فِيهَا (بِمَحَبَّةٍ أَوْ وَجَاهَةٍ) : أَيْ عَظَمَةٍ وَجَمَالٍ (أَوْ عَدَمِ ثَمَنٍ) عِنْدَ بَائِعِهَا - بِأَنْ كَانَ عَدِيمًا - فَيُتَّهَمُ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ قَبَضَ ثَمَنَهَا وَصَرَفَهُ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْأَمَةِ وَوَلَدِهَا بِدَعْوَى الِاسْتِلْحَاقِ وَلَا يَرُدُّ الثَّمَنَ لِعَدَمِهِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيهَا. (وَ) إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ فِيهَا فِيمَا إذَا اُتُّهِمَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ (لَا يَرُدُّ الثَّمَنَ) أَيْ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ لِلْمُشْتَرِي، وَقِيلَ: يَرُدُّهُ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ وَإِنْ لَمْ يُصَدَّقْ، وَمَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ. (كَأَنْ) بَاعَهَا بِلَا وَلَدٍ وَ (ادَّعَى اسْتِيلَادَهَا بِهِ بِسَابِقٍ) : أَيْ بِوَلَدٍ سَابِقٍ عَلَى الْبَيْعِ، فَلَا يُصَدَّقُ وَلَا يُنْقَضُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ عَلَى رَدِّهِ، وَقِيلَ: يُصَدَّقُ فَيُرَدُّ الْبَيْعُ إذْ لَمْ يُتَّهَمْ بِنَحْوِ مَحَبَّةٍ، وَهُمَا قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ. (وَإِنْ اسْتَلْحَقَ) إنْسَانٌ (غَيْرَ وَلَدٍ) : بِأَنْ اسْتَلْحَقَ أَخًا أَوْ عَمًّا أَوْ أَبًا: بِأَنَّ فُلَانَ أَخِي، أَوْ، أَبِي، أَوْ عَمِّي، أَوْ ابْنِ عَمِّي، وَتَسْمِيَةُ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: [فِي كُلِّ حَالٍ] : أَيْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ أَمْ لَا، كَانَ الْمَالُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا. قَوْلُهُ: [كَمَا تَقَدَّمَ] : أَيْ مِنْ تَرْجِيحِ ابْنِ رُشْدٍ. قَوْلُهُ: [وَأَنْ يُصَدَّقَ] : صَوَابُهُ وَإِنْ لَمْ يُصَدَّقْ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ يُصَدَّقُ] : هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَالْأَصْلِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِتَصْدِيقِهِ فَيَرُدُّ الثَّمَنَ إنْ رُدَّتْ لَهُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ مَاتَتْ أَوْ أَعْتَقَهَا الْمُشْتَرِي كَمَا يُفِيدُهُ النَّقْلُ (اهـ خَرَشِيٌّ) . قَوْلُهُ: [وَهُمَا قَوْلَانِ] : أَيْ فِي الْمُدَوَّنَةِ. [اسْتَلْحَقَ أَخًا أَوْ عَمًّا أَوْ أَبًا] [تَنْبِيه الْإِقْرَار بِالْإِعْتَاقِ] قَوْلُهُ: [بِأَنَّ فُلَانَ أَخِي] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، وَالْمُنَاسِبُ تَنْوِينُهُ بِالنَّصْبِ لِكَوْنِهِ اسْمًا لِأَنَّ لَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ مِنْ الصَّرْفِ.

اسْتِلْحَاقًا مَجَازٌ - لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ إقْرَارٍ لِمَا عَلِمْت - (لَمْ يَرِثْهُ) : أَيْ لَمْ يَرِثْ الْمُقَرُّ بِهِ الْمُسْتَلْحِقَ بِالْكَسْرِ (إنْ كَانَ) هُنَاكَ (وَارِثٌ) لِلْمُقِرِّ كَأَخٍ أَوْ أَبٍ أَوْ عَمٍّ مَعْلُومٍ. (وَإِلَّا) يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ (وَرِثَ، وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الْإِقْرَارُ) قَالَ: وَخَصَّهُ الْمُخْتَارُ بِمَا إذَا لَمْ يَطُلْ الْإِقْرَارُ، أَيْ: خَصَّ الْخِلَافَ الَّذِي ذَكَرَهُ بِمَا إذَا لَمْ يَطُلْ. أَمَّا إنْ طَالَ فَلَا خِلَافَ فِي الْإِرْثِ. وَالرَّاجِحُ الْإِرْثُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِمَا عَلِمْت] : أَيْ مِنْ أَنَّ الِاسْتِلْحَاقَ مَخْصُوصٌ بِالْوَلَدِ. قَوْلُهُ: [إنْ كَانَ هُنَاكَ وَارِثٌ] : أَيْ حَائِزٌ لِجَمِيعِ الْمَالِ وَإِنَّمَا لَمْ يَرِثْ الْمُقَرُّ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ يَتَّهِمُ عَلَى خُرُوجِ الْإِرْثِ لِغَيْرِ مَنْ كَانَ يَرِثُ وَلَا يُعَكَّرُ، عَلَى هَذَا اعْتِبَارُ الْوَارِثِ يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَوْمَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ قَدْ يَتَرَقَّبُ يَوْمَ مَوْتِهِ فَيُعْمَلُ عَلَيْهِ بِالِاحْتِيَاطِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ] : أَيْ حَائِزٌ كَالْأَخِ وَمَا مَعَهُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ أَصْلًا أَوْ وَارِثٌ غَيْرُ حَائِزٍ كَأَصْحَابِ الْفُرُوضِ. قَوْلُهُ: [وَرِثَ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الْإِقْرَارُ] : أَيْ فَيَرِثُ جَمِيعَ الْمَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَارِثٌ أَوْ الْبَاقِيَ إنْ كَانَ هُنَاكَ ذُو فَرْضٍ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ لَيْسَ كَالْوَارِثِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي يَحُوزُ جَمِيعَ الْمَالِ، وَمُقَابِلُ الرَّاجِحِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ كَالْوَارِثِ الْحَائِزِ لِجَمِيعِ الْمَالِ، فَعَلَيْهِ لَا يَتَأَتَّى إرْثُ الْمُقَرِّ بِهِ؛ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ وَارِثٌ حَائِزٌ دَائِمًا وَيَجْرِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِي إرْثِ الْمُسْتَلْحِقِ بِالْكَسْرِ مِنْ الْمُسْتَلْحَقِ بِالْفَتْحِ حَيْثُ صَدَّقَهُ عَلَى اسْتِلْحَاقِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حِينَئِذٍ مُقِرٌّ بِصَاحِبِهِ فَلَوْ كَذَّبَهُ فَلَا إرْثَ، وَإِنْ سَكَتَ فَهَلْ هُوَ كَالتَّصْدِيقِ أَوْ يَرِثُ الْمُسْتَلْحَقُ بِالْفَتْحِ فَقَطْ عَلَى تَفْصِيلِ الْمُصَنِّفِ تَرَدُّدٌ. قَوْلُهُ: [أَمَّا إنْ طَالَ] إلَخْ: الطَّوِيلُ مُعْتَبَرٌ بِالسَّنَتَيْنِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ شَخْصٌ بِمُعْتِقِهِ بِأَنْ قَالَ: أَعْتَقَنِي فُلَانٌ، فَإِنَّهُ كَالْإِقْرَارِ بِالْبُنُوَّةِ فَيَرِثُ الْمُقَرُّ بِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ حَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْمَعْتُوقَ يُورِثُ غَيْرَهُ وَلَا يَرِثُ هُوَ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: " يُؤَاخِذُ الْمُكَلَّفُ بِإِقْرَارِهِ ". بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِنَحْوِ الْأُخُوَّةِ فَهُوَ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرِثُ الْآخَرَ، وَالْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ فِي الْمَعْنَى دَعْوَى.

(وَإِنْ أَقَرَّ عَدْلَانِ) مَاتَ أَبُوهُمَا مَثَلًا (بِثَالِثٍ ثَبَتَ النَّسَبُ) لِلثَّالِثِ (وَإِلَّا) يَكُونَا عَدْلَيْنِ بَلْ مَجْرُوحَيْنِ، أَوْ كَانَ عَدْلٌ وَاحِدٌ، لَمْ يَثْبُتْ نَسَبٌ وَ (وَرِثَ) الْمُقَرَّ بِهِ (مِنْ حِصَّةِ الْمُقِرِّ مَا نَقَصَهُ الْإِقْرَارُ) مِنْ حِصَّةِ الْمُقِرِّ، كَانَ عَدْلًا أَمْ لَا، وَلَا يَمِينَ. وَالتَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ ضَعِيفٌ. (فَلَوْ تَرَكَ شَخْصٌ أُمًّا وَأَخًا فَأَقَرَّتْ) الْأُمُّ (بِأَخٍ) ثَانٍ لِلْمَيِّتِ وَأَنْكَرَهُ الْأَخُ (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُقَرِّ بِهِ (مِنْهُمَا السُّدُسُ) لِحَجْبِهَا بِهِمَا مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ، فَلَوْ تَعَدَّدَ الْأَخُ الثَّابِتُ النَّسَبِ فَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ بِهِ إذْ لَا تَنْقُصُ الْأُمُّ عَنْ السُّدُسِ. بَابٌ فِي الْوَدِيعَةِ وَأَحْكَامِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِثَالِثٍ] : أَيْ بِالنِّسْبَةِ لَهُمَا وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ رَابِعًا أَوْ خَامِسًا. قَوْلُهُ: [ثَبَتَ النَّسَبُ] : أَيْ وَيَأْخُذُ مِنْ التَّرِكَةِ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُ أُمِّ الْمَيِّتِ وَابْنَتِهِ إنْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ ابْنًا أَوْ أَخًا لِلْمَيِّتِ. قَوْلُهُ: [لَمْ يَثْبُتْ نَسَبٌ] : أَيْ وَحَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبٌ فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُقَرِّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ أَخٌ لِلْمَيِّتِ أَوْ ابْنٌ تَزَوَّجَ بِبِنْتِهِ أَوْ أُمِّهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِغَيْرِ الْعُدُولِ، وَلَوْ كَانُوا حَائِزِينَ لِلْمِيرَاثِ كَمَا لِابْنِ يُونُسَ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ بِثُبُوتِ النَّسَبِ بِإِقْرَارِ غَيْرِ الْعُدُولِ إذَا كَانُوا ذُكُورًا وَحَازُوا الْمِيرَاثَ كُلَّهُ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: [وَالتَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ] : أَيْ حَيْثُ قَالَ وَعَدْلٌ يَحْلِفُ مَعَهُ وَيَرِثُ وَلَا نَسَبَ وَإِلَّا فَحِصَّةُ الْمُقِرِّ كَالْمَالِ. قَوْلُهُ: [فَلَوْ تَرَكَ شَخْصٌ أُمًّا وَأَخًا] : مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ خَلَّفَ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ أَقَرَّ اثْنَانِ مِنْهُمْ غَيْرُ عَدْلَيْنِ بِأَخٍ آخَرَ وَأَنْكَرَهُ الثَّالِثُ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ عَلَى الْإِنْكَارِ وَعَلَى الْإِقْرَارِ، فَمَسْأَلَةُ الْإِقْرَارِ أَرْبَعَةٌ، وَمُسَطَّحُهُمَا اثْنَا عَشَرَ لِتَبَايُنِهِمَا؛ فَاقْسِمْهَا عَلَى الْإِنْكَارِ يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةٌ وَعَلَى الْإِقْرَارِ يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةٌ، فَاَلَّذِي نَقَصَهُ إقْرَارُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُقِرَّيْنِ وَاحِدٌ فَيُعْطَى الِاثْنَانِ لِلْمُقَرِّ بِهِ. قَوْلُهُ: [فَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ بِهِ] : أَيْ فَقَوْلُهُمْ لِلْمُقَرِّ بِهِ مَا نَقَصَهُ الْإِقْرَارُ إنْ كَانَ الْإِقْرَارُ مُنْقِصًا. تَتِمَّةٌ: إنْ قَالَ رَجُلٌ: أَحَدُ أَوْلَادِ الْأَمَةِ الثَّلَاثَةِ وَلَدِي، وَمَاتَ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ؛ عَتَقَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصْغَرُ كُلُّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ وَلَدَهُ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ وَلَدُ غَيْرِهِ فَهُوَ وَلَدُ أُمِّ وَلَدٍ عَتَقَتْ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا فَيَعْتِقُ مَعَهَا، وَثُلُثَا الْأَوْسَطِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ بِتَقْدِيرَيْنِ، وَهُمَا كَوْنُهُ الْمُقَرَّ بِهِ أَوْ الْأَكْبَرَ وَرَقِيقٌ بِتَقْدِيرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ كَوْنُ الْمُقَرِّ بِهِ الْأَصْغَرَ، وَثُلُثُ الْأَكْبَرِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ بِتَقْدِيرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ كَوْنُهُ الْمُقَرَّ بِهِ وَرَقَّ بِتَقْدِيرَيْنِ وَهُمَا كَوْنُ الْمُقَرِّ بِهِ الْأَوْسَطَ أَوْ الْأَصْغَرَ وَإِنْ افْتَرَقَتْ أُمَّهَاتُهُمْ فَوَاحِد يَعْتِقُ بِالْقُرْعَةِ وَلَا إرْثَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ افْتَرَقَتْ أُمَّهَاتُهُمْ أَمْ لَا. مَسْأَلَةٌ: إنْ أَقَرَّ شَخْصٌ، عِنْدَ مَوْتِهِ بِأَنَّ فُلَانَةَ جَارِيَتُهُ وَلَدَتْ مِنْهُ فُلَانَةُ وَلَهَا ابْنَتَانِ أَيْضًا مِنْ غَيْرِهِ وَنَسِيَتْهَا الْوَرَثَةُ وَالْبَيِّنَةَ فَلَمْ يَعْلَمُوا اسْمَهَا الَّذِي سَمَّاهُ لَهُمْ؛ فَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ الْوَرَثَةُ مَعَ نِسْيَانِهِمْ اسْمَهَا فَهُنَّ أَحْرَارٌ وَلَهُنَّ مِيرَاثُ بِنْتٍ يُقْسَمُ بَيْنَهُنَّ وَلَا نَسَبَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ الْوَرَثَةُ بِذَلِكَ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُنَّ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ حِينَئِذٍ كَالْعَدَمِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَنْسَ الْبَيِّنَةُ اسْمَهَا فَهِيَ حُرَّةٌ وَلَهَا الْمِيرَاثُ، أَنْكَرَتْ الْوَرَثَةُ أَوْ اعْتَرَفَتْ. مَسْأَلَةٌ أُخْرَى: لَوْ اسْتَلْحَقَ رَجُلٌ وَلَدًا وَلَحِقَ بِهِ شَرْعًا ثُمَّ أَنْكَرَهُ ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ بَعْدَ الْإِنْكَارِ فَلَا يَرِثُهُ أَبُو الْمُنْكِرِ وَوَقَفَ مَالُهُ، فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ فَلِوَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُ لَا يَقْطَعُ حَقَّهُمْ وَقُضِيَ بِهِ دَيْنُهُ إنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، وَإِنْ قَامَ غُرَمَاؤُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ حَيٌّ أَخَذُوهُ فِي دَيْنِهِمْ، وَأَمَّا لَوْ مَاتَ الْأَبُ أَوَّلًا فَإِنَّ الْوَلَدَ يَرِثُهُ وَلَا يَضُرُّ إنْكَارُ أَبِيهِ، وَيُلْغَزُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: ابْنٌ وَرِثَ أَبَاهُ وَلَا عَكْسَ وَلَيْسَ بِالْأَبِ مَانِعٌ، وَيُقَالُ أَيْضًا: مَالٌ يَرِثُهُ الْوَارِثُ وَلَا يَمْلِكُهُ مُوَرِّثُهُ، وَيُقَالُ أَيْضًا: مَالٌ يُوقَفُ لِوَارِثِ الْوَارِثِ دُونَ الْوَارِثِ وَيُقَالُ أَيْضًا: مَالٌ يُقْضَى مِنْهُ دَيْنُ الشَّخْصِ وَلَا يَأْخُذُهُ هُوَ.

[باب في الوديعة وأحكامها]

(الْوَدِيعَةُ) مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْوَدْعِ بِفَتْحِ الْوَاوِ: بِمَعْنَى التَّرْكِ، وَفَعِيلَةٌ: بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، وَحَقِيقَتُهَا عُرْفًا: (مَالٌ) فَمَنْ اسْتَحْفَظَ وَلَدَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ غَيْرَهُ فَلَا يُسَمَّى وَدِيعَةً عُرْفًا (مُوَكَّلٌ) : اسْمُ مَفْعُولٍ أَيْ وَكَّلَ رَبُّهُ غَيْرَهُ (عَلَى حِفْظِهِ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْوَدِيعَةِ وَأَحْكَامِهَا] [تَعْرِيف الْوَدِيعَة] حُكْمُهَا كَمَا قَالَ (شب) عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ: مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا لِلْفَاعِلِ وَالْقَابِلِ مُبَاحَةٌ، وَقَدْ يَعْرِضُ وُجُوبُهَا: كَخَائِفٍ فَقْدَهَا الْمُوجِبَ هَلَاكَهُ أَوْ فَقْرَهُ إنْ لَمْ يُودِعْهَا مَعَ وُجُودِ قَابِلٍ لَهَا يَقْدِرُ عَلَى حِفْظِهَا. وَحُرْمَتُهَا: كَمُودَعِ شَيْءٍ غَصَبَهُ وَلَا يَقْدِرُ الْقَابِلُ عَلَى جَحْدِهَا لِيَرُدَّهَا إلَى رَبِّهَا أَوْ لِلْفُقَرَاءِ إنْ كَانَ الْمُودَعُ مُسْتَغْرَقَ الذِّمَّةِ، وَلِذَا ذَكَرَ عِيَاضٌ فِي مَدَارِكِهِ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ: أَنَّ مَنْ قَبِلَ وَدِيعَةً مِنْ مُسْتَغْرِقٍ ذِمَّةً ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ ضَمِنَهَا لِلْفُقَرَاءِ، ثُمَّ قَالَ: وَنَدَبَهَا حَيْثُ يُخْشَى مَا يُوجِبُهَا دُونَ تَحَقُّقِهِ، وَكَرَاهَتُهَا حَيْثُ يُخْشَى مَا يُحْرِمُهَا دُونَ تَحَقُّقِهِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [بِمَعْنًى لِلتَّرْكِ] : أَيْ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 3] أَيْ مَا تَرَكَ عَادَةَ إحْسَانِهِ فِي الْوَحْيِ إلَيْك؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ ادَّعَوْا ذَلِكَ لَمَّا تَأَخَّرَ عَنْهُ الْوَحْيُ. قَوْلُهُ: [وَفَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ] : الْمُنَاسِبُ التَّفْرِيعُ بِالْفَاءِ. قَوْلُهُ: [وَحَقِيقَتُهَا عُرْفًا] : أَيْ وَأَمَّا لُغَةً: فَهِيَ الْأَمَانَةُ، وَتُطْلِقُ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ الْحِفْظَ. وَذَلِكَ يَعُمُّ حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ الْآدَمِيِّ. قَوْلُهُ: [أَيْ وَكَّلَ رَبُّهُ غَيْرَهُ عَلَى حِفْظِهِ] : أَيْ فَالْإِيدَاعُ نَوْعٌ خَاصٌّ مِنْ التَّوْكِيلِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَلَى خُصُوصِ حِفْظِ الْمَالِ. وَإِذَا عَلِمْت أَنَّ الْإِيدَاعَ تَوْكِيلٌ خَاصٌّ تَعْلَمُ أَنْ كُلَّ مَنْ جَازَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَهُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الرَّشِيدُ جَازَ لَهُ أَنْ يُودِعَ،

[ضمان الوديعة بالتفريط فيها]

أَيْ مُجَرَّدِ حِفْظِهِ، فَخَرَجَ الْقِرَاضُ وَالْإِبْضَاعُ وَالْمُوَاضَعَةُ وَالْوَكَالَةُ. وَلَمَّا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ أَمَانَةً، وَكُلُّ أَمَانَةٍ لَا يَضْمَنُهَا الْأَمِينُ إلَّا إذَا فَرَّطَ مَنْ يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ فِيهَا، أَشَارَ لِذَلِكَ قَوْلُهُ: (تُضْمَنُ بِتَفْرِيطِ رَشِيدٍ، لَا) بِتَفْرِيطِ (صَبِيٍّ وَ) لَا (سَفِيهٍ) كَذَا عَبْدٌ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ، لِعَدَمِ صِحَّةٍ وَكَالتُّهَمِ كَمَا تَقَدَّمَ. فَمَنْ اسْتَوْدَعَ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَهُوَ الْمُفْرِطُ فِي مَالِهِ إلَّا أَنَّ فِي الْعَبْدِ تَفْصِيلًا سَيُذْكَرُ قَرِيبًا (وَإِنْ أَذِنَ أَهْلُهُ) : أَيْ وَلِيُّ الصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ فَلَا ضَمَانَ، إلَّا فِيمَا صُونَ بِهِ مَالُهُ وَهُوَ مَلِيءٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَشَارَ لِلتَّفْصِيلِ فِي الْعَبْدِ بِقَوْلِهِ: (وَيَضْمَنُهَا) الْعَبْدُ (غَيْرُ الْمَأْذُونِ) إذَا قَبِلَهَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَفَرَّطَ (فِي ذِمَّتِهِ إنْ عَتَقَ) لَا إنْ لَمْ يَعْتِقْ (إلَّا أَنْ يُسْقِطَهَا) : أَيْ يُسْقِطَ ضَمَانَهَا (عَنْهُ سَيِّدُهُ قَبْلَهُ) : أَيْ قَبْلَ الْعِتْقِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ جَازَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ الْوَدِيعَةَ. قَوْلُهُ: [فَخَرَجَ الْقِرَاضُ] : أَيْ؛ لِأَنَّهُ مُوَكَّلٌ عَلَى حِفْظِهِ وَالتَّجْرِ فِيهِ وَالْإِبْضَاعِ؛ لِأَنَّهُ مُوَكَّلٌ عَلَى حِفْظِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ بِمَا أَمَرَهُ الْمَالِكُ، وَخُرُوجُ الْأَمَةِ الَّتِي تَتَوَاضَعُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا حِفْظُ ذَاتِ الْأَمَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، بَلْ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا لِأَجْلِ رُؤْيَةِ الدَّمِ. وَقَوْلُهُ: [وَالْوَكَالَةُ] : أَيْ مُطْلَقًا عَلَى نِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ اقْتِضَاءِ دَيْنٍ أَوْ مُخَاصِمَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَوْكِيلًا عَلَى مُجَرَّدِ حِفْظِ مَالٍ. [ضمان الْوَدِيعَة بِالتَّفْرِيطِ فِيهَا] قَوْلُهُ: [مَنْ يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ] : أَيْ وَهُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الرَّشِيدُ. قَوْلُهُ: [سَيُذْكَرُ قَرِيبًا] : أَيْ فِي قَوْلِهِ وَيَضْمَنُهَا الْعَبْدُ غَيْرُ الْمَأْذُونِ إلَخْ قَوْلُهُ: [إلَّا فِيمَا صُونَ بِهِ مَالُهُ] : أَيْ يَضْمَنُ قَدْرَ الْمَالِ الَّذِي صُونَ كَمَا لَوْ كَانَ يَصْرِفُ مِنْ مَالِهِ كُلَّ يَوْمٍ عَشَرَةً فَانْتَفَعَ بِتِلْكَ الْوَدِيعَةِ فِي يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ، فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ إلَّا مِقْدَارُ عَشَرَةٍ وَلَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِائَةً. قَوْلُهُ: [غَيْرُ الْمَأْذُونِ] : أَيْ وَغَيْرُ الْمُكَاتَبِ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يُسْقِطَهَا] : أَيْ؛ لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ إسْقَاطَ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ الَّتِي تَعَلَّقَتْ بِالْعَبْدِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ قَبْلَ عِتْقِهِ وَيَصِيرُ لَا تَبِعَةَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَأَمَّا الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَيَضْمَنُهَا فِي ذِمَّتِهِ عَاجِلًا فِي مَالِهِ لَا مَالِ السَّيِّدِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ الضَّمَانُ عَلَى عِتْقِهِ. وَكَذَا الصَّبِيُّ إذَا نَصَّبَهُ وَلِيُّهُ لِلتِّجَارَةِ فَقَوْلُهُمْ: لَا ضَمَانَ عَلَى صَبِيٍّ فَرَّطَ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ: أَيْ مَا لَمْ يُنَصِّبْهُ لِلتِّجَارَةِ وَالْمُعَامَلَاتِ بَيْنَ النَّاسِ. ثُمَّ بَيَّنَ وُجُوهَ التَّفْرِيطِ بِقَوْلِهِ: (فَتُضْمَنُ) الْوَدِيعَةُ (بِسُقُوطِ شَيْءٍ عَلَيْهَا مِنْهُ) : أَيْ مِنْ يَدِ الْمُودَعِ وَلَوْ خَطَأً؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ كَالْعَمْدِ فِي الْأَمْوَالِ وَزِدْنَا عَلَيْهِ لَفْظَ مِنْهُ لِبَيَانِ مُرَادِهِ إذْ هُوَ مَحَلُّ التَّفْرِيطِ (لَا) يُضْمَنُ (إنْ انْكَسَرَتْ) الْوَدِيعَةُ مِنْهُ (فِي نَقْلِ مِثْلِهَا الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ) مِنْ مَكَان إلَى آخَرَ. فَإِذَا لَمْ تَحْتَجْ إلَى النَّقْلِ فَنَقَلَهَا، أَوْ احْتَاجَتْ وَنَقَلَهَا نَقْلَ غَيْرِ مِثْلِهَا ضَمِنَ إنْ انْكَسَرَتْ. وَنَقْلُ مِثْلِهَا: مَا يَرَى النَّاسُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بِمُفْرِطٍ فَزِيَادَتُنَا عَلَيْهِ: " الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ " لَا بُدَّ مِنْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ] : أَيْ وَمِثْلُهُ الْمُكَاتَبُ. قَوْلُهُ: [أَيْ مَا لَمْ يُنَصِّبْهُ لِلتِّجَارَةِ] : أَيْ كَالصِّبْيَانِ الْجَالِسِينَ فِي الدَّكَاكِينِ بِمِصْرَ: فَضَمَانُهُمْ كَضَمَانِ الْحُرِّ الرَّشِيدِ؛ لِأَنَّ يَدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ يَدِ أَوْلِيَائِهِمْ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ خَطَأً] : أَيْ هَذِهِ إذَا كَانَ السُّقُوطُ عَمْدًا، بَلْ وَلَوْ كَانَ خَطَأً كَمَنْ أَذِنَ لَهُ فِي تَقْلِيبِ شَيْءٍ فَسَقَطَ مِنْ يَدِهِ فَكَسَرَ غَيْرَهُ فَلَا يَضْمَنُ السَّاقِطَ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ، وَيَضْمَنُ الْأَسْفَلَ بِجِنَايَتِهِ عَلَيْهِ خَطَأً وَالْعَمْدُ وَالْخَطَأُ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ، وَفِي (ح) لَا يَجُوزُ لِلْمُودَعِ إتْلَافُ الْوَدِيعَةِ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ رَبُّهَا فِي إتْلَافِهَا، فَإِنْ أَتْلَفَهَا ضَمِنَهَا لِوُجُوبِ حِفْظِ الْمَالِ كَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ اُقْتُلْنِي أَوْ وَلَدِي. قَوْلُهُ: [ضَمِنَ إنْ انْكَسَرَتْ] : أَيْ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعٌ؛ لَا ضَمَانَ فِي صُورَةِ الْمُصَنِّفِ: وَهِيَ مَا إذَا اُحْتِيجَ لِلنَّقْلِ وَنَقَلَهَا نَقْلَ مِثْلِهَا فَانْكَسَرَتْ، وَالضَّمَانُ فِيمَا عَدَاهَا: وَهُوَ مَا إذَا لَمْ تَحْتَجْ لِنَقْلٍ وَنَقَلَهَا فَانْكَسَرَتْ؛ كَأَنْ نَقَلَ مِثْلَهَا أَمْ لَا أَوْ احْتَاجَتْ لِلنَّقْلِ وَنَقَلَهَا غَيْرَ نَقْلِ أَمْثَالِهَا فَانْكَسَرَتْ. قَوْلُهُ: [وَنَقْلُ مِثْلِهَا مَا يَرَى النَّاسُ] إلَخْ: أَيْ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْيَاءِ؛ فَبَعْضُ الْأَشْيَاءِ شَأْنُهُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى جَمَلٍ، وَبَعْضُهَا عَلَى حِمَارٍ، وَبَعْضُهَا عَلَى الرِّجَالِ، وَبَعْضُهَا يُنَاسِبُهُ الْمَشْيُ بِسُرْعَةٍ، وَبَعْضُهَا عَلَى مَهَلٍ.

(وَ) تُضْمَنُ (بِخَلْطِهَا) : أَيْ الْوَدِيعَةِ بِغَيْرِهَا إذَا تَعَذَّرَ تَمْيِيزُهَا عَمَّا خُلِطَتْ فِيهِ. (إلَّا كَقَمْحٍ) وَفُولٍ مِنْ سَائِرِ الْحُبُوبِ (بِمِثْلِهِ) نَوْعًا وَصِفَةً، فَإِنْ خَلَطَ سَمْرَاءَ بِمَحْمُولَةٍ ضَمِنَ، وَكَذَا جَيِّدٌ بِرَدِيءٍ أَوْ نَقِيٍّ بِغَلْثٍ. وَدَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ دَنَانِيرُ بِمِثْلِهَا، أَوْ دَرَاهِمُ بِمِثْلِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُرَادُ لِعَيْنِهَا. (أَوْ دَرَاهِمُ بِدَنَانِيرَ) لِتَيَسُّرِ التَّمْيِيزِ فَلَا يَضْمَنُ إذَا خَلَطَهَا (لِلْإِحْرَازِ أَوْ الرِّفْقِ) : رَاجِعٌ لِلصُّورَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْخَلْطُ لِلصَّوْنِ وَلَا لِلِارْتِفَاقِ ضَمِنَ؛ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ تَلَفِهَا أَوْ ضَيَاعِهَا لَوْ كَانَتْ عَلَى حِدَةٍ، وَيُعْلَمُ ذَلِكَ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ الَّتِي تَقْتَضِي التَّفْرِيطَ وَعَدَمَهُ. وَكَوْنُ الْقَيْدِ رَاجِعًا لِلْمَسْأَلَتَيْنِ ظَاهِرٌ. فَالِاعْتِرَاضُ عَلَى الشَّيْخِ بِأَنَّ الْقَيْدَ إنَّمَا ذَكَرُوهُ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ مِمَّا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إذَا تَعَذَّرَ تَمْيِيزُهَا] : أَيْ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ سَمْنًا وَخَلَطَهَا بِدُهْنٍ أَوْ زَيْتٍ فَتُضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلُ فِيهَا تَلَفٌ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ خَلَطَ سَمْرَاءَ بِمَحْمُولَةٍ] . إلَخْ: مِثَالٌ لِمَا اخْتَلَفَتْ صِفَتُهُ. وَإِنَّمَا ضَمِنَ لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ خَلَطَ مُخْتَلِفَيْ النَّوْعِ كَقَمْحٍ بِأُرْزٍ. قَوْلُهُ: [وَدَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ] : أَيْ الَّتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: " لَا كَقَمْحٍ " أَيْ: فَلَا ضَمَانَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لَا تُرَادُ لِعَيْنِهَا كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [وَكَوْنُ الْقَيْدِ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ] : أَيْ مَسْأَلَةِ خَلْطِ الْحُبُوبِ بِمِثْلِهَا وَالدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ وَالْمُنَاسِبُ نَصْبُ رَاجِعٌ؛ لِأَنَّهُ خَبَرُ الْكَوْنِ. قَوْلُهُ: [فَالِاعْتِرَاضُ عَلَى الشَّيْخِ] : أَصْلُ الِاعْتِرَاضِ لِابْنِ غَازِيٍّ قَائِلًا: هَذَا الْقَيْدُ لِلْأُولَى خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَا ضَمَانَ فِيهَا وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْإِحْرَازِ. وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ أَبَا عِمْرَانَ وَأَبَا الْحَسَنِ قَيْدَا الثَّانِيَةَ أَيْضًا بِذَلِكَ كَذَا فِي (عب) . وَرَدَّ عَلَيْهِ (بْن) : بِأَنَّ تَقْيِيدَهُمَا إنَّمَا وَقَعَ لِمَسْأَلَةِ خَلْطِ الدَّرَاهِمِ بِمِثْلِهَا وَالدَّنَانِيرِ بِمِثْلِهَا وَهُوَ مِمَّا أَدْخَلَتْهُ الْكَافُ الْأُولَى، وَأَمَّا خَلْطُ الدَّنَانِيرِ بِالدَّرَاهِمِ فَلَمْ يَقَعْ مِنْ أَحَدٍ تَقْيِيدُهَا بِذَلِكَ (اهـ) فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ كَلَامَ ابْنِ غَازِيٍّ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ مِنْ رُجُوعِ الْقَيْدِ لِلصُّورَةِ الْأُولَى، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَا ضَمَانَ فِيهَا مُطْلَقًا فَعَلَهُ لِلْإِحْرَازِ أَوْ لَا.

(ثُمَّ إنْ تَلِفَ بَعْضُهُ) بَعْدَ الْخَلْطِ (فَبَيْنَكُمَا) عَلَى حَسَبِ الْأَنْصِبَاءِ مِنْ النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَإِذَا ضَاعَ اثْنَانِ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِأَحَدِهِمَا وَاحِدٌ وَلِلثَّانِي ثَلَاثَةٌ فَالِاثْنَانِ الْبَاقِيَانِ لِصَاحِبِ الثَّلَاثَةِ مِنْهُمَا وَاحِدٌ وَنِصْفٌ وَلِصَاحِبِ الْوَاحِدِ نِصْفٌ وَهَكَذَا. (إلَّا أَنْ يَتَمَيَّزَ) التَّالِفُ مِنْ السَّالِمِ - كَمَا فِي خَلْطِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ - فَمَا تَلِفَ فَعَلَى رَبِّهِ خَاصَّةً. (وَ) يَضْمَنُ (بِانْتِفَاعِهِ بِهَا) بِلَا إذْنٍ مِنْ رَبِّهَا، فَتَلِفَتْ أَوْ تَعَيَّبَتْ بِسَبَبِ ذَلِكَ؛ كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَاسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ. وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا هَلَكَ فِي اسْتِعْمَالِهِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ سَحْنُونَ: يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ كَالْغَاصِبِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُضْمَنُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ فِيمَا تَعْطَبُ بِمِثْلِهِ السَّلَامَةُ؛ كَمَا لَوْ أَرْسَلَ الْعَبْدُ أَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ لِنَحْوِ السُّوقِ فَمَاتَ مِنْ اللَّهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَلَى حَسَبِ الْأَنْصِبَاءِ] : هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمُقَابِلُهُ أَنَّ مَا تَلِفَ يَكُونُ عَلَى حَسَبِ الدَّعَاوَى. قَوْلُهُ: [فَعَلَى رَبِّهِ خَاصَّةً] : قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَرْكَبَ إذَا وُسِقَتْ بِطَعَامٍ لِجَمَاعَةٍ غَيْرِ شُرَكَاءَ وَأَخَذَ الظَّالِمُ مِنْهُمْ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مَخْلُوطًا بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ فَمُصِيبَةُ مَا أَخَذَ مِنْ الْجَمِيعِ تُقْسَمُ عَلَى حَسَبِ أَمْوَالِهِمْ، وَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مُخْتَلِطٍ فَمَا أَخَذَ مُصِيبَتُهُ مِنْ رَبِّهِ، وَأَمَّا مَا جَعَلَهُ الظَّالِمُ عَلَى الْمَرْكَبِ بِتَمَامِهَا فَيُوَزَّعُ عَلَى جَمِيعِ مَا فِيهَا كَانَ هُنَاكَ اخْتِلَاطٌ أَوْ لَا كَالْمَجْعُولِ عَلَى الْقَافِلَةِ. قَوْلُهُ: [وَيَضْمَنُ بِانْتِفَاعِهِ بِهَا] : أَيْ عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ، وَأَمَّا عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ فَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَضْمَنُ] : قَالَ (عب) : إذَا انْتَفَعَ الْوَدِيعَةِ انْتِفَاعًا لَا تَعْطَبُ بِهِ عَادَةً فَتَلِفَتْ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا ضَمَانَ، فَإِنْ تُسَاوَى الْأَمْرَانِ - الْعَطَبُ وَعَدَمُهُ - فَالْأَظْهَرُ كَمَا يُفِيدُهُ أَوَّلُ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي الضَّمَانُ وَلَوْ بِسَمَاوِيٍّ، وَكَذَا إنْ جُهِلَ الْحَالُ لِلِاحْتِيَاطِ. قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ ثَمَانٍ فَإِذَا رَكِبَهَا لِمَحَلٍّ تَعْطَبُ فِي مِثْلِهِ غَالِبًا أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ وَتَلِفَتْ ضَمِنَ كَانَ التَّلَفُ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ بِتَعَدِّيهِ، وَإِنْ رَكِبَهَا فِيمَا يَنْدُرُ فِيهِ الْعَطَبُ فَلَا ضَمَانَ عَطِبَتْ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ

(أَوْ سَفَرِهِ) بِهَا: أَيْ إذَا سَافَرَ فَأَخَذَ الْوَدِيعَةَ مَعَهُ فَضَاعَتْ أَوْ تَلِفَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ (إنْ وَجَدَ أَمِينًا) يَتْرُكُهَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ صَارَ مُفَرِّطًا بِأَخْذِهَا مَعَهُ. فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَمِينًا يَتْرُكُهَا عِنْدَهُ - بِأَنْ لَمْ يَجِدْ أَمِينًا أَصْلًا، أَوْ وَجَدَهُ وَلَمْ يَرْضَ بِأَخْذِهَا عِنْدَهُ - فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا سَافَرَ بِهَا فَتَلِفَتْ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ. (إلَّا أَنْ تُرَدَّ) بَعْدَ الِانْتِفَاعِ بِهَا أَوْ بَعْدَ سَفَرٍ بِهَا (سَالِمَةً) لِمَوْضِعِ إيدَاعِهَا ثُمَّ تَلِفَتْ أَوْ ضَاعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِلَا تَفْرِيطٍ فَلَا يَضْمَنُ (وَالْقَوْلُ لَهُ) : أَيْ لِمَنْ انْتَفَعَ بِهَا أَوْ سَافَرَ بِهَا عِنْدَ وُجُودِ أَمِينٍ (فِي رَدِّهَا سَالِمَةً) لِمَحَلِّ إيدَاعِهَا إذَا خَالَفَهُ رَبُّهَا فِي ذَلِكَ وَهَذَا (إنْ أَقَرَّ بِالْفِعْلِ) : أَيْ بِأَنَّهُ انْتَفَعَ بِهَا أَوْ سَافَرَ. (لَا إنْ) أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَ (شَهِدَ عَلَيْهِ) بِهِ، فَادَّعَى رُجُوعَهَا سَالِمَةً لِمَحَلِّ إيدَاعِهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيَضْمَنُ. (وَحَرُمَ) عَلَى الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ (سَلَفٌ مُقَوَّمٌ) أُودِعَ عِنْدَهُ كَثِيَابٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَدِّيه كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَكَلَامُ الشَّارِحِ فِي غَايَةِ الْإِجْمَالِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يُوجِدْ أَمِينًا] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ، وَحَقُّ الْعِبَارَةِ بِنَاءُ الْفِعْلِ لِلْمَجْهُولِ وَرَفْعُ أَمِينًا عَلَى أَنَّهُ نَائِبُ فَاعِلٍ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ: " بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ أَمِينًا ". أَوْ يُحْذَفُ الْوَاوُ وَيُبْنَى الْفِعْلُ لِلْفَاعِلِ وَيَبْقَى أَمِينًا عَلَى نَصْبِهِ؛ لِأَنَّ وَجَدَ كَوَعَدَ يُقَالُ فِي مُضَارِعِهِ يَجِدُ كَيَعِدُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [عِنْدَ وُجُودِ أَمِينٍ] : أَيْ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ قَبُولِهَا. قَوْلُهُ: [فِي رَدِّهَا سَالِمَةً] : أَيْ وَحَيْثُ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ إذَا رُدَّتْ سَالِمَةً بَعْدَ انْتِفَاعِهِ بِهَا فَلِرَبِّهَا أُجْرَتُهَا إنْ كَانَ مِثْلُهُ يَأْخُذُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا، هَذَا هُوَ الْحَقُّ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ (ح) فِي أَوَّلِ الْغَصْبِ مِنْ إطْلَاقِ لُزُومِ الْأُجْرَةِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [فَادَّعَى رُجُوعَهَا سَالِمَةً] : مَفْهُومُهُ لَوْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى الرُّجُوعِ سَالِمَةً أَنَّهُ يَقْبَلُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [: سَلَفٌ مُقَوَّمٌ] : حَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَدِيعَةَ إمَّا مِنْ الْمُقَوَّمَاتِ أَوْ الْمِثْلِيَّاتِ. وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ مَلِيًّا أَوْ مُعْدَمًا. فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ؛ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْمُقَوَّمَاتِ حَرُمَ تَسَلُّفُهَا بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا مُطْلَقًا كَانَ الْمُودَعُ الْمُتَسَلَّفُ لَهَا مَلِيًّا أَوْ مُعْدَمًا،

وَحَيَوَانٍ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ؛ لِأَنَّ الْمُقَوَّمَاتِ تُرَادُ لِأَعْيَانِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُتَسَلِّفُ مَلِيًّا أَوْ مُعْدِمًا. (وَ) حَرُمَ تَسَلُّفُ (مُعْدِمٍ) : أَيْ مُعْسِرٍ وَلَوْ لِمِثْلِيٍّ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ عَدَمِ الْوَفَاءِ. وَالشَّأْنُ عَدَمُ رِضَا رَبِّهَا بِذَلِكَ. (وَكُرِهَ) لِلْمَلِيِّ (النَّقْدُ وَالْمِثْلِيُّ) مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ: أَيْ تَسَلُّفُهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَلِيَّ مَظِنَّةُ الْوَفَاءِ مَعَ كَوْنِ مِثْلِ الْمِثْلِ كَعِينَةٍ، إذْ الْمِثْلِيَّاتُ لَا تُرَادُ لِأَعْيَانِهَا. وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ سَيِّئَ الْقَضَاءِ وَلَا ظَالِمًا وَإِلَّا حَرُمَ. (كَالتِّجَارَةِ) الْوَدِيعَةِ؛ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا أَوْ مِثْلِيًّا وَالتَّاجِرُ مُعْدَمًا، وَإِلَّا كُرِهَ فَالتَّشْبِيهُ تَامٌّ عَلَى الصَّوَابِ. (وَالرِّبْحُ) الْحَاصِلُ مِنْ التِّجَارَةِ (لَهُ) : أَيْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ. وَرُدَّ عَلَى رَبِّهَا مِثْلُ الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةُ الْمُقَوَّمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ حَرُمَ أَيْضًا إنْ كَانَ مُعْدَمًا وَكُرِهَ إنْ كَانَ مَلِيًّا مَحَلُّ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ لَمْ يُبِحْ لَهُ رَبُّهَا ذَلِكَ أَوْ يَمْنَعُهُ بِأَنْ جَهِلَ الْحَالَ وَإِلَّا أُبِيحَ فِي الْأَوَّلِ. وَمُنِعَ فِي الثَّانِي وَمَنْعُهُ لَهَا إمَّا بِالْمَقَالِ أَوْ الْقَرَائِنِ. قَوْلُهُ: [أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ سَيِّئَ الْقَضَاءِ] : الْمُنَاسِبُ حَذَفَ " مَا وَإِذَا "، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ إذَا كَانَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ سُوءَ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَا يُفْتَى لَهُ بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ بَلْ بِالْحُرْمَةِ وَالظَّالِمُ الْمُسْتَغْرِقُ الذِّمَمَ. كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّ لَرَدَّ لَنَا حَرَامًا فَمُرَادُهُ بِالظَّالِمِ الْمُسْتَغْرِقِ الذِّمَمَ وَالْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ نَصْبُ ظَالِمٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى خَبَرِ يَكُنْ. قَوْلُهُ: [وَالتَّاجِرُ مُعْدَمًا] قَيْدٌ فِي الْمِثْلِيِّ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا كُرِهَ] : أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ الْمَالُ مِثْلِيًّا وَالتَّاجِرُ مَلِيئًا غَيْرَ سَيِّئِ الْقَضَاءِ وَلَا مُسْتَغْرِقِ الذِّمَمِ. قَوْلُهُ: [فَالتَّشْبِيهُ تَامٌّ عَلَى الصَّوَابِ] : وَمُقَابِلُهُ أَنَّ التَّشْبِيهَ فِي الْكَرَاهَةِ فَقَطْ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ. قَوْلُهُ: [وَالرِّبْحُ الْحَاصِلُ] : أَيْ بَعْدَ الْبَيْعِ كَانَتْ التِّجَارَةُ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهَةً. قَوْلُهُ: [وَقِيمَةُ الْمُقَوَّمِ] : أَيْ حَيْثُ فَاتَ فَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَرَبُّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِهِ وَرَدِّ الْبَيْعِ وَإِمْضَائِهِ وَأَخْذِ مَا بِيعَ بِهِ. وَأَمَّا فِي الْفَوَاتِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الْقِيمَةُ وَلَوْ

(وَبَرِئَ) مُتَسَلِّفُ الْوَدِيعَةِ وَكَذَا تَاجِرٌ فِيهَا بِلَا إذْنٍ (إنْ رَدَّ الْمِثْلِيَّ لِمَحَلِّهِ) الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمِثْلِيُّ نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ السَّلَفُ لَهُ مَكْرُوهًا - كَالْمَلِيِّ - أَوْ مُحَرَّمًا كَالْمُعْدِمِ، فَإِنْ تَلِفَ بَعْدَ رَدِّهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. بِخِلَافِ الْمُقَوَّمِ فَلَا يَبْرَأُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِتَصَرُّفِهِ فِيهِ وَفَوَاتِهِ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ لِرَبِّهِ. (وَصُدِّقَ) الْمُتَسَلِّفُ (فِي رَدِّهِ) لِمَحَلِّهِ إذَا لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ (إنْ حَلَفَ) فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ رَدَّهُ. (إلَّا) أَنْ يَكُونَ تَسَلُّفُهَا تَسَلُّفًا جَائِزًا بِأَنْ تَسَلَّفَهَا (بِإِذْنٍ) مِنْ رَبِّهَا (أَوْ يَقُولُ) لَهُ رَبُّهَا: (إنْ احْتَجْت فَخُذْ) فَأَخَذَ، (فَبِرَدِّهَا) : أَيْ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِرَدِّهَا (لِرَبِّهَا) : وَلَا يُبْرِئُهُ رَدُّهَا لِمَحَلِّهَا؛ لِأَنَّهَا بِالْإِذْنِ انْتَقَلَتْ مِنْ الْأَمَانَةِ إلَى الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ. (كَالْمُقَوَّمِ) فَإِنَّهُ إذَا تَسَلَّفَهُ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِرَدِّهِ لِرَبِّهِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) إذَا أَخَذَ الْبَعْضُ مِنْهَا بِإِذْنٍ أَوْ بِلَا إذْنٍ (ضَمِنَ الْمَأْخُوذَ فَقَطْ) عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ، وَمَا لَمْ يَأْخُذْهُ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ رُدَّ إلَيْهِ مَا أَخَذَهُ أَمْ لَا. (وَ) تُضْمَنُ (بِقَفْلٍ) عَلَيْهَا (نُهِيَ عَنْهُ) بِأَنْ قَالَ لَهُ رَبُّهَا لَا تَقْفِلْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبْدَلَهُ بِعَرَضٍ آخَرَ مُمَاثِلًا لَهُ كَمَا هُوَ مُفَادُ كَلَامِ الْأَشْيَاخِ خِلَافًا لِمَا فِي الْخَرَشِيِّ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْمُقَوَّمِ فَلَا يَبْرَأُ بِذَلِكَ] : أَيْ سَوَاءٌ تَسَلَّفَهُ مَلِيءٌ أَوْ غَيْرُهُ، فَإِذَا تَسَلَّفَ الْمُقَوَّمَ شَخْصٌ فَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ إلَّا بِالْإِشْهَادِ عَلَى الرَّدِّ لِرَبِّهِ وَلَا تَكْفِي الشَّهَادَةُ عَلَى الرَّدِّ لِمَحَلِّ الْوَدِيعَةِ. قَوْلُهُ: [فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ] : أَيْ وَلَا بُدَّ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ رَدَّ عَيْنَهُ أَوْ صِفَتَهُ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ غَرِمَ. قَوْلُهُ: [كَمَا تَقَدَّمَ] : أَيْ مِنْ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ تَصَرُّفِهِ وَفَوَاتِهِ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ لِرَبِّهِ. قَوْلُهُ: [عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ] : أَيْ فَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا وَرَدَّهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِمَا أَخَذَهُ وَلَا لِمَا يَأْخُذُهُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا بِأَنْ تَسَلَّفَهُ بِالْإِذْنِ تَعَلَّقَ الْبَعْضُ الَّذِي أَخَذَهُ بِذِمَّتِهِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِتَسْلِيمِهِ لِرَبِّهِ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِتَسْلِيمِهِ لِرَبِّهِ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ رَدَّهُ بِعَيْنِهِ أَوْ صِفَتِهِ. قَوْلُهُ: [وَتُضْمَنُ بِقَفْلٍ] : بِفَتْحِ الْقَافِ بِمَعْنَى الْفِعْلِ كَمَا يَقْتَضِيه مَزْجُ الشَّارِحِ

عَلَيْهَا الصُّنْدُوقَ مَثَلًا، لِكَوْنِهِ خَافَ عَلَيْهَا مِنْ لِصٍّ؛ لِأَنَّ شَأْنَ اللِّصِّ أَنْ يَقْصِدَ مَا قُفِلَ عَلَيْهِ، فَقَفَلَ عَلَيْهَا فَسُرِقَتْ. بِخِلَافِ مَا لَوْ تَلِفَتْ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ حَرْقٍ بِلَا تَفْرِيطٍ فَلَا يُضْمَنُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتْلَفْ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي خَافَ مِنْهَا. (وَ) تُضْمَنُ (بِوَضْعٍ) لَهَا (فِي نُحَاسٍ، فِي أَمْرِهِ) بِوَضْعِهَا (بِفُخَّارٍ فَسُرِقَتْ) . فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْ بِشَيْءٍ لَمْ يَضْمَنْ حَيْثُ وَضَعَهَا بِمَحَلٍّ يُؤْمَنُ عَادَةً كَمَا لَا يَضْمَنُ إذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ سَرِقَةٍ. (لَا إنْ زَادَ قُفْلًا) عَلَى قُفْلٍ أَمَرَهُ بِهِ فَلَا يَضْمَنُ، إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ إغْرَاءٌ لِلِّصِّ (أَوْ أَمَرَ بِرَبْطِهَا بِكُمٍّ فَأَخَذَهَا بِيَدِهِ أَوْ جَيْبِهِ) فَلَا ضَمَانَ إنْ غُصِبَتْ أَوْ سَقَطَتْ، لِأَنَّ الْيَدَ أَحْرَزُ مِنْهُمَا. إلَّا أَنْ يَكُونَ شَأْنُ السَّارِقِ أَوْ الْغَاصِبِ قَصَدَ الْجَيْبَ. (وَ) تُضْمَنُ (بِنِسْيَانِهَا بِمَوْضِعِ إيدَاعِهَا) ؛ فَأَوْلَى غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا بِالضَّمِّ بِمَعْنَى الْآلَةِ، وَإِنْ صَحَّ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ مَا لَوْ تَلِفَ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ حُرِقَ] : أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ خَالَفَ وَقَفَلَ عَلَيْهَا. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ نُهِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَفَلَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ نَهْيٍ مِنْ صَاحِبِهَا لَا ضَمَانَ أَوْ تَرَكَ الْقَفْلَ مَعَ عَدَمِ النَّهْيِ وَعَدَمِ الْأَمْرِ لَا ضَمَانَ، وَذَكَرَ ابْنُ رَاشِدٍ أَنَّهُ لَوْ جَعَلَهَا فِي بَيْتِهِ مِنْ غَيْرِ قَفْلٍ وَلَهُ أَهْلٌ يَعْلَمُ خِيَانَتَهُمْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِمُخَالَفَتِهِ الْعُرْفَ. قَوْلُهُ: [فَأَخَذَهَا بِيَدِهِ] : أَيْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ الْمُودِعُ قَصَدَ إخْفَاءَهَا عَنْ عَيْنِ الْغَاصِبِ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ جَيْبِهِ] : ظَاهِرُهُ كَانَ الْجَيْبُ بِصَدْرِهِ أَوْ جَنْبِهِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ بَهْرَامَ، وَاسْتَظْهَرَ فِي الْحَاشِيَةِ قَصْرَهُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَأَنَّهُ يَضْمَنُ بِوَضْعِهَا فِي جَيْبِهِ إذَا كَانَ بَجَنْبِهِ، وَلَوْ جَعَلَهَا فِي وَسَطِهِ وَقَدْ أَمَرَهُ بِجَعْلِهَا فِي عِمَامَتِهِ لَمْ يَضْمَنْ وَضَمِنَ فِي الْعَكْسِ، وَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ بِالْوَسَطِ فَجَعَلَهَا فِي جَيْبِهِ أَوْ كُمِّهِ كَمَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [؛ لِأَنَّ الْيَدَ أَحْرَزُ مِنْهُمَا] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ، وَصَوَابُهُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ أَوْ الْجَيْبَ أَحْرَزُ مِنْهُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [نِسْيَانُهَا بِمَوْضِعِ إيدَاعِهَا] : أَيْ وَأَوْلَى فِي غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ حَمَلَ مَالًا

نَوْعًا مِنْ التَّفْرِيطِ. (وَ) تُضْمَنُ (بِدُخُولِ حَمَّامٍ) بِهَا، أَوْ دُخُولِ سُوقٍ بِهَا فَضَاعَتْ. (وَ) تُضْمَنُ (بِخُرُوجِهِ بِهَا يَظُنُّهَا لَهُ فَتَلِفَتْ) رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ فِيمَا إذَا خَرَجَ بِهَا يَظُنُّ أَنَّهَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْخَطَأِ وَهُوَ كَالْعَمْدِ فِي الْمَالِ. (لَا) يَضْمَنُ (إنْ نَسِيَهَا) مَرْبُوطَةً (فِي كُمِّهِ) فَضَاعَتْ إنْ أَمَرَهُ بِوَضْعِهَا فِيهِ. (أَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ) فِيمَا لَا ضَمَانَ فِيهِ، بِأَنْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِإِنْسَانٍ يَشْتَرِي لَهُ بِهِ بِضَاعَةً مِنْ بَلَدٍ آخَرَ حَتَّى أَتَى لِمَوْضِعٍ نَزَلَ لِيَبُولَ مَثَلًا فَوَضَعَهُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ قَامَ وَنَسِيَهُ فَضَاعَ وَلَا يَدْرِي مَحَلَّ وَضْعِهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ نِسْيَانَهُ جِنَايَةٌ وَتَفْرِيطٌ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْدٍ خِلَافًا لِفَتْوَى الْبَاجِيِّ بِعَدَمِ الضَّمَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. قَوْلُهُ: [بِدُخُولِ حَمَّامٍ بِهَا] : أَيْ أَوْ دُخُولِهِ الْمِيضَأَةَ لِرَفْعِ حَدَثٍ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ، وَمَحَلُّ الضَّمَانِ حَيْثُ كَانَ يُمْكِنُ وَضْعُهَا فِي مَحَلِّهِ، أَوْ عِنْدَ أَمِينٍ وَلَوْ كَانَ الْمُودِعُ غَرِيبًا فِي الْبَلَدِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى سُؤَالِهِ فِيهَا عَنْ أَمِينٍ يَجْعَلُهَا عِنْدَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ. وَأَعْلَمُ أَنَّ قَبُولَهُ لَهَا وَهُوَ ذَاهِبٌ لِلسُّوقِ كَقَبُولِهِ لَهَا وَهُوَ يُرِيدُ الْحَمَّامَ، فَإِذَا قَبِلَهَا وَضَاعَتْ فِي السُّوقِ أَوْ الْحَمَّامِ ضَمِنَهَا إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ وَضْعُهَا عِنْدَ أَمِينٍ، وَمَحَلُّ الضَّمَانِ أَيْضًا مَا لَمْ يَعْلَمْ رَبُّهَا أَنَّ الْمُودَعَ ذَاهِبٌ لِلسُّوقِ أَوْ الْحَمَّامِ عِنْدَ الْإِعْطَاءِ، فَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ إذَا ضَاعَتْ فِي الْحَمَّامِ أَوْ السُّوقِ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا أَوْدَعَهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِعَوْرَةِ مَنْزِلِهِ كَذَا قَرَّرَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ. قَالَ (عب) : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ الْحَمَّامَ بِهَا لِعَدَمِ مَنْ يُودِعُهَا عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِوَضْعِهَا عِنْدَ رَئِيسِ الْحَمَّامِ، فَإِنْ لَمْ يُودِعْهَا عِنْدَهُ وَضَاعَتْ ضَمِنَهَا كَمَا هُوَ عُرْفُ مِصْرَ. قَوْلُهُ: [مَرْبُوطَةً] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَرْبُوطَةٍ وَنَسِيَهَا فَضَاعَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحِرْزٍ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ] إلَخْ: خُرُوجٌ عَنْ الْمَوْضُوعِ. وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: بِأَنْ ضَاعَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ هُنَا تَابِعٌ لِلتَّفْرِيطِ لَا لِمَا يُغَابُ عَلَيْهِ إلَى آخِرِ مَا قَالَ، فَإِنَّ مَا قَالَهُ مَخْصُوصٌ بِالرِّهَانِ وَالْعَوَارِيِّ تَأَمَّلْ.

أَوْ قَامَتْ عَلَى هَلَاكِهِ بَيِّنَةٌ، فَلَا يُعْمَلُ بِالشَّرْطِ وَلَا ضَمَانَ. (وَ) تُضْمَنُ (بِإِيدَاعِهَا لِغَيْرِ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ اُعْتِيدَا) لِلْوَضْعِ عِنْدَهُمَا، فَإِذَا اُعْتِيدَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَأُلْحِقَ بِهِمَا الْخَادِمُ الْمُعْتَادُ لِلْإِيدَاعِ وَالْمَمْلُوكُ وَالِابْنُ كَذَا مَعَ التَّجْرِبَةِ وَطُولِ الزَّمَانِ وَغَيْرُهُمَا: شَامِلٌ لِلزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ غَيْرُ مُعْتَادِينَ، وَلِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَغَيْرِهِمَا مُطْلَقًا وَلَوْ أَرَادَ سَفَرًا مَعَ إمْكَانِ الرَّدِّ. (إلَّا لِعُذْرٍ حَدَثَ) بَعْدَ الْإِيدَاعِ لِلْمُودَعِ بِالْفَتْحِ، كَهَدْمِ الدَّارِ وَطُرُوِّ جَارٍ سُوءٍ أَوْ ظَالِمٍ وَ (كَسَفَرٍ) أَرَادَهُ (وَعَجَزَ عَنْ الرَّدِّ) لِرَبِّهَا لِغِيبَتِهِ أَوْ سِجْنِهِ، فَيَجُوزُ الْإِيدَاعُ لِغَيْرِ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ الْمُعْتَادَيْنِ وَلَا ضَمَانَ إنْ تَلِفَتْ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: " حَدَثَ " عَمَّا إذَا كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ الْإِيدَاعِ وَعَلِمَ رَبُّهَا بِهِ فَلَيْسَ لَهُ إيدَاعُهَا وَإِلَّا ضَمِنَ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ رَبُّهَا بِالْعُذْرِ فَلَيْسَ لِلْمُودَعِ قَبُولُهَا فَإِنْ قَبِلَهَا وَضَاعَتْ ضَمِنَ مُطْلَقًا أَوْدَعَهَا أَوْ لَا. (وَلَا يُصَدَّقُ) الْمُودَعُ - بِالْفَتْحِ - (فِي الْعُذْرِ) إنْ أَوْدَعَهَا وَضَاعَتْ وَادَّعَى أَنَّهُ إنَّمَا أُودِعَهَا لِعُذْرٍ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ لَهُ (بِالْعُذْرِ) : أَيْ بِعِلْمِهِمْ بِهِ لَا بِقَوْلِهِ: اشْهَدُوا أَنِّي أُودِعْتهَا لِعُذْرٍ مِنْ غَيْرِهَا بِهِ. (وَعَلَيْهِ اسْتِرْجَاعُهَا) وُجُوبًا (إنْ) زَالَ الْعُذْرُ الْمُسَوِّغُ لِإِيدَاعِهَا أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَغَيْرُهُمَا شَامِلٌ] إلَخْ: رُجُوعٌ لِمَنْطُوقِ الْمَتْنِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ أَنَّ الضَّمَانَ لَا يَنْتَفِي عَنْهُ إلَّا إذَا وَضَعَهَا عِنْدَ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ خَادِمٍ أَوْ مَمْلُوكٍ أَوْ ابْنٍ اُعْتِيدَ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ لِذَلِكَ مَعَ التَّجْرِبَةِ وَطُولِ الزَّمَانِ، فَإِنْ لَمْ يُعْتَدْ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةُ أَوْ وَضَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَبٍ أَوْ أُمٍّ، أَوْ وَضَعَتْ الزَّوْجَةُ عِنْدَ زَوْجِهَا أَوْ عِنْدَ أَجَانِبَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ اُعْتِيدَ مِنْ ذُكِرَ لِلْوَضْعِ أَمْ لَا، إلَّا لِعُذْرٍ حَدَثَ كَسَفَرٍ وَعَجْزٍ عَنْ الرَّدِّ وَهَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَغَيْرُهُمَا مُطْلَقًا] : أَيْ اُعْتِيدَ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [مِنْ غَيْرِهَا بِهِ] فِيهِ حَذْفُ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهَا بِهِ، وَالْمَعْنَى: مِنْ غَيْرِ عِلْمِهَا بِالْعُذْرِ، فَالضَّمِيرُ فِي " بِهِ " يَعُودُ عَلَى الْعُذْرِ. قَوْلُهُ: [إنْ زَالَ الْعُذْرُ] إلَخْ: حَاصِلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْمُودَعَ بِالْفَتْحِ إذَا أُودِعَ لِعَوْرَةٍ حَدَثَتْ أَوْ طُرُوُّ سَفَرٍ وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِرْجَاعُهَا إذَا رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ

(نَوَى الْإِيَابَ) : أَيْ الرُّجُوعَ مِنْ سَفَرِهِ عِنْدَ إرَادَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَرْجِعْهَا ضَمِنَ. فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِيَابَ بِأَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ اسْتِرْجَاعُهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. (وَ) تُضْمَنُ (بِإِرْسَالِهَا) لِرَبِّهَا (بِلَا إذْنٍ) مِنْهُ فَضَاعَتْ أَوْ تَلِفَتْ مِنْ الرَّسُولِ، وَكَذَا لَوْ ذَهَبَ هُوَ بِهَا لِرَبِّهَا بِلَا إذْنٍ فَضَاعَتْ مِنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ زَالَتْ الْعَوْرَةُ. وَمَحَلُّ وُجُوبِ ذَلِكَ عِنْدَ رُجُوعِهِ مِنْ السَّفَرِ إنْ كَانَ قَدْ نَوَى الْإِيَابَ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى الْإِيَابَ عِنْدَ سَفَرِهِ نُدِبَ لَهُ إرْجَاعُهَا فَقَطْ إذَا رَجَعَ، وَالْقَوْلُ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ فَلَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يُرْجِعْهَا وَهَلَكَتْ، إلَّا أَنْ يَغْلِبَ الْإِيَابُ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرِ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يَسْتَرْجِعْهَا ضَمِنَ] : فَلَوْ طَلَبهَا الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ مِمَّنْ هِيَ عِنْدَهُ وَامْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهَا لَهُ فَيَنْبَغِي الْقَضَاءُ بِدَفْعِهَا، لَهُ فَإِنْ حَصَلَ تَنَازُعٌ فِي نِيَّةِ الْإِيَابِ وَعَدَمِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى سَفَرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ الْإِيَابَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُودَعِ الْأَوَّلِ فَيُقْضَى لَهُ بِأَخْذِهَا، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهَا عَدَمَهُ أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُودَعِ الثَّانِي فَلَا يُقْضَى عَلَى الْأَوَّلِ بِأَخْذِهَا، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَضْمَنُهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَصَارَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالثَّانِي. قَوْلُهُ: [وَتُضْمَنُ بِإِرْسَالِهَا] : يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَنْ أُودِعَتْ مَعَهُ وَدِيعَةٌ يُوصِلُهَا لِبَلَدٍ فَعَرَضَتْ لَهُ إقَامَةٌ طَوِيلَةٌ فِي الطَّرِيقِ كَالسَّنَةِ فَلَهُ أَنْ يَبْعَثَهَا مَعَ غَيْرِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا تَلِفَتْ؛ لِأَنَّ بَعْثَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَاجِبٌ وَيَضْمَنُهَا إنْ حَبَسَهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْإِقَامَةُ الَّتِي عَرَضَتْ لَهُ قَصِيرَةً كَالْأَيَّامِ فَالْوَاجِبُ إبْقَاؤُهَا مَعَهُ، فَإِنْ بَعَثَهَا ضَمِنَهَا إنْ تَلِفَتْ، فَإِنْ كَانَتْ الْإِقَامَةُ مُتَوَسِّطَةً كَالشَّهْرَيْنِ خُيِّرَ فِي إرْسَالِهَا وَإِبْقَائِهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ حَالٍ، هَذَا مَا ارْتَضَاهُ ابْنُ رُشْدٍ كَمَا فِي (ح) كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [وَكَذَا لَوْ ذَهَبَ هُوَ بِهَا لِرَبِّهَا] : مِثْلَ ذَهَابِهِ بِهَا فِي الضَّمَانِ وَصِيُّ رَبِّ الْمَالِ يَبْعَثُ الْمَالَ لِلْوَرَثَةِ أَوْ يُسَافِرُ هُوَ بِهِ إلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِمْ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إذَا ضَاعَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ وَالْمُدَوَّنَةِ، خِلَافًا لِمَا فِي كَثِيرِ الْخَرَشِيِّ مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ. وَكَذَا الْقَاضِي يَبْعَثُ الْمَالَ لِمُسْتَحِقِّهِ مِنْ وَرَثَةٍ أَوْ غَيْرِهِمْ بِغَيْرِ إذْنِهِ عِنْدَ

(كَأَنْ ادَّعَى الْإِذْنَ وَلَمْ يُثْبِتْهُ) فَيَضْمَنُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّهَا إنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ (إنْ حَلَفَ رَبُّهَا: مَا أَذِنْت) . فَإِنْ نَكَلَ، حَلَفَ الْمُودَعُ أَنَّهُ إنَّمَا أَرْسَلَهَا لَهُ لِكَوْنِهِ أَذِنَ لَهُ، فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَإِلَّا) يَحْلِفُ رَبُّهَا (حَلَفَ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ (وَبَرِئَ. وَإِلَّا) يَحْلِفُ بَلْ نَكَلَ كَمَا نَكَلَ رَبُّهَا (غَرِمَ) (وَلَا يَرْجِعُ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ (عَلَى) الرَّسُولِ (الْقَابِضِ) لَهَا مِنْهُ (إنْ تَحَقَّقَ الْإِذْنُ) لَهُ مِنْ رَبِّهَا وَادَّعَى عَدَمَهُ عِنَادًا مِنْهُ. (وَ) تُضْمَنُ (بِجَحْدِهَا) مِنْ الْمُودَعِ عِنْدَ طَلَبِهَا بِأَنْ قَالَ لِرَبِّهَا لَمْ تُودِعْنِي شَيْئًا، ثُمَّ اعْتَرَفَ وَأَقَامَ عَلَيْهِ رَبُّهَا بَيِّنَةً بِالْإِيدَاعِ (ثُمَّ أَقَامَ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ (بَيِّنَةً عَلَى الرَّدِّ) : أَيْ رَدِّهَا لِرَبِّهَا (أَوْ) عَلَى (الْإِتْلَافِ) لَهَا بِلَا تَفْرِيطٍ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ أَكْذَبَهَا أَوَّلًا بِجَحْدِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الدَّيْنِ وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ الْخِلَافَ، فَهُمَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَمِثْلُ الْوَدِيعَةِ فِي الْخِلَافِ الْإِبْضَاعُ وَالْقِرَاضُ. وَقَوْلُنَا " أَوْ الْإِتْلَافُ " زِدْنَاهُ عَلَيْهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ وَأَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيهِمَا مَعًا: نَعَمْ هُنَاكَ قَوْلٌ ثَالِثٌ بِالتَّفْصِيلِ وَهُوَ: قَبُولُ بَيِّنَةٍ فِي الضَّيَاعِ دُونَ الرَّدِّ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ: إلَّا أَنَّ الَّذِي فِي الْمَوَّاقِ أَنَّ الْمَشْهُورَ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ الْقَاسِمِ، خِلَافًا لِقَوْلِ أَصْبَغَ بِعَدَمِ ضَمَانِهِ، وَإِنْ مَشَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ كَذَا فِي (عب) . قَوْلُهُ: [إنْ تَحَقَّقَ الْإِذْنُ] : هَذَا الشَّرْطُ لَا يُعْتَبَرُ مَفْهُومُهُ إلَّا إذَا كَانَ الرَّسُولُ مِنْ عِنْدِ الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ أَقَامَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ] : أَيْ بَيِّنَةً فَقَدْ حَذَفَ الْمَفْعُولَ. قَوْلُهُ: [نَعَمْ هُنَاكَ قَوْلٌ ثَالِثٌ] : قَالَ (بْن) : وَقَدْ جَمَعَ فِي التَّوْضِيحِ بَيِّنَةَ الرَّدِّ وَبَيِّنَةَ التَّلَفِ حَكَى فِيهِمَا الْخِلَافَ وَنَصَّهُ، وَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي بَابِ الصُّلْحِ وَابْنُ زَرْقُونٍ فِي بَابِ الْقِرَاضِ فِيمَنْ أَنْكَرَ أَمَانَةً، ثُمَّ ادَّعَى ضَيَاعَهَا أَوْ رَدَّهَا لِمَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ لِمَالِكٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمَا. وَالثَّانِي لِمَالِكٍ أَيْضًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمَا. وَالثَّالِثُ لِابْنِ الْقَاسِمِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الضَّيَاعِ دُونَ الرَّدِّ. قَالَ الْمَوَّاقُ عَقِبَهُ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ضَيَاعِهَا أَوْ رَدِّهَا فَإِنَّ تِلْكَ الْبَيِّنَةَ تَنْفَعُهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ (اهـ) وَعَلَى الْمَشْهُورِ الْآخَرِ جَرَى الْمُصَنِّفُ يَعْنِي خَلِيلًا فِي بَابِ الْوَكَالَةِ.

[أخذ الوديعة من التركة]

قَبُولُ بَيِّنَتِهِ عَلَى ضَيَاعِهَا أَوْ رَدِّهَا بَعْدَ إقْرَارِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُعْتَمَدُ الضَّمَانُ وَعَدَمُ قَبُولِ بَيِّنَتِهِ لِأَنَّهُ بِجَحْدِهَا صَارَ كَالْغَالِبِ فَيَضْمَنُ إذَا تَلِفَتْ وَلَوْ بِسَمَاوِيٍّ وَيُقْبَلُ دَعْوَاهُ الرَّدَّ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَأُخِذَتْ) الْوَدِيعَةُ (مِنْ تَرِكَتِهِ) حَيْثُ ثَبَتَ أَنَّ عِنْدَهُ وَدِيعَةً (إذَا لَمْ تُوجَدْ) بِعَيْنِهَا (وَلَمْ يُوصِ بِهَا) قَبْلَ مَوْتِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَسَلَّفَهَا. (إلَّا لِعَشْرَةِ أَعْوَامٍ) تَمْضِي مِنْ يَوْمِ الْإِيدَاعِ فَلَا تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ إذَا لَمْ تُوجَدْ وَلَمْ يُوصِ بِهَا وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ رَدَّهَا لِرَبِّهَا (إنْ لَمْ تَكُنْ) أُودِعَتْ (بِبَيِّنَةٍ تُوَثِّقُ) : أَيْ بَيِّنَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلتَّوْثِيقِ، فَإِنْ أُودِعَتْ بَيِّنَةٌ مَقْصُودَةٌ لِلتَّوَثُّقِ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ مُطْلَقًا وَلَوْ زَادَ الزَّمَنُ عَلَى الْعَشَرَةِ سِنِينَ. (وَأَخَذَهَا) رَبُّهَا (بِكِتَابَةٍ) أَيْ بِسَبَبِ كِتَابَةٍ: (أَنَّهَا، إنْ ثَبَتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمُعْتَمَدُ الضَّمَانُ] : أَيْ وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ فِي الْحَاشِيَةِ أَيْضًا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعِ. [أَخَذَ الْوَدِيعَة مِنْ التَّرِكَة] قَوْلُهُ: [وَأُخِذَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ تَرِكَتِهِ] إلَخْ: مِثْلُ الْوَدِيعَةِ مِنْ تَصَدُّقٍ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِثِيَابٍ أَوْ غَيْرِهَا وَأَرَاهَا لِلشُّهُودِ وَحَازَهَا لِلْوَلَدِ تَحْتَ يَدِهِ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ تُوجَدْ فِي تَرِكَتِهِ فَيُقْضَى لَهُ بِقِيمَتِهَا مِنْ التَّرِكَةِ وَمَعْنَى الْأَخْذِ أَنَّهُ يَأْخُذُ عِوَضَهَا مِنْ قِيمَةٍ أَوْ مِثْلٍ وَيُحَاصِصُ صَاحِبَهَا بِذَلِكَ مَعَ الْغُرَمَاءِ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يُوصِ بِهَا] : مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ وَصَّى بِهَا لَمْ يَضْمَنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً أَخَذَهَا رَبُّهَا، وَإِنْ تَلِفَتْ فَلَا ضَمَانَ، وَمِثْلُ إيصَائِهِ مَا لَوْ قَالَ: هِيَ بِمَوْضِعِ، كَذَا وَلَمْ تُوجَدْ، فَلَا يَضْمَنُ كَمَا قَالَ أَشْهَبُ، وَتُحْمَلُ عَلَى الضَّيَاعِ؛ لِأَنَّهُ بِقَوْلِهِ هِيَ بِمَوْضِعِ كَذَا كَأَنَّهُ إقْرَارٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَلَّفْهَا وَهُوَ مُصَدَّقٌ لِكَوْنِهِ أَمِينًا. قَوْلُهُ: [لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَسَلَّفَهَا] : أَيْ وَهُوَ الْأَقْرَبُ، وَأَمَّا احْتِمَالُ ضَيَاعِهَا فَهُوَ بَعِيدٌ إذْ لَوْ ضَاعَتْ لَتَحَدَّثَ بِضَيَاعِهَا قَبْلَ مَوْتِهِ. قَوْلُهُ: [إنْ لَمْ تَكُنْ أُودِعَتْ بِبَيِّنَةٍ تُوَثِّقُ] : مِثْلُهَا الْبَيِّنَةُ الشَّاهِدَةُ بِهَا بَعْدَ جَحْدِهِ لَهَا. قَوْلُهُ: [عَلَى الْعَشَرَةِ سِنِينَ] : الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ التَّاءِ. قَوْلُهُ: [وَأَخَذَهَا رَبُّهَا بِكِتَابَةٍ] : يَعْنِي أَنَّ مَنْ مَاتَ وَعِنْدَهُ وَدِيعَةٌ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا

[الاختلاف في الوديعة]

أَنَّهَا) : أَيْ الْكِتَابَةَ (خَطُّهُ) : أَيْ الْمَالِكِ (أَوْ خَطُّ الْمَيِّتِ) . (وَ) تُؤْخَذُ (مِنْ تَرِكَةِ الرَّسُولِ) إذَا لَمْ تُوجَدْ بِعَيْنِهَا (إذَا لَمْ يَصِلْ) الرَّسُولُ بِأَنْ مَاتَ قَبْلَ وُصُولِهِ (لِبَلَدِ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَسَلَّفَهَا، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ وُصُولِهِ فَلَا يَضْمَنُ: أَيْ لَا تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ دَفَعَهَا لِرَبِّهَا بَعْدَ الْوُصُولِ إلَيْهِ: وَمِثْلُ الْوَدِيعَةِ: الدَّيْنُ وَالْقِرَاضُ وَالْإِبْضَاعُ. وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الرَّسُولَ - إنْ كَانَ رَسُولَ رَبِّ الْمَالِ - فَالدَّافِعُ يَبْرَأُ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَيَصِيرُ الْكَلَامُ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ وَوَرَثَةِ رَسُولِهِ، فَإِنْ مَاتَ الرَّسُولُ قَبْلَ الْوُصُولِ أَخَذَهَا مِنْ تَرِكَتِهِ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الرَّسُولُ رَسُولَ مَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِوُصُولِهِ لِرَبِّهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِهِ مِنْهُ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْوُصُولِ رَجَعَ مُرْسِلُهُ فِي تَرِكَتِهِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ فَلَا رُجُوعَ، وَهِيَ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِمَنْ أَرْسَلَهُ إنْ ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ عَدَمَ الدَّفْعِ لَهُ وَلَا بَيِّنَةَ. (وَصُدِّقَ) الْمُودَعُ - بِالْفَتْحِ - (فِي) دَعْوَى (التَّلَفِ وَالضَّيَاعِ كَالرَّدِّ) : أَيْ كَمَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ رَدَّهَا لِرَبِّهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْمَنَهُ عَلَيْهَا وَالْأَمِينُ يُصَدَّقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذِهِ وَدِيعَةُ فُلَانٍ بْنِ فُلَانٍ، فَإِنَّ صَاحِبَهَا يَأْخُذُهَا بِشَرْطِ أَنْ يُثْبِتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ الْكِتَابَةَ بِخَطِّ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ أَوْ بِخَطِّ الْمَيِّتِ. وَلَوْ وُجِدَتْ أَنْقَصَ مِمَّا كَتَبَ عَلَيْهَا كَانَ النَّقْصُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، إنْ عُلِمَ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي الْوَدِيعَةِ - وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ. وَمِثْلُ الْكِتَابَةِ الْبَيِّنَةُ بَلْ هِيَ أَوْلَى لَا بِأَمَارَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَآهَا سَابِقًا. قَوْلُهُ: [وَمِثْلُ الْوَدِيعَةِ الدَّيْنُ] إلَخْ: أَيْ أَنَّ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ فِي الْوَدِيعَةِ يَجْرِي بِعَيْنِهِ فِيمَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: [إنْ كَانَ رَسُولُ رَبِّ الْمَالِ] : كَانَ الْمَالُ قِرَاضًا أَوْ وَدِيعَةً أَوْ أَبْضَاعًا قَوْلُهُ: [فَلَا رُجُوعَ لَهُ] : أَيْ لِحَمْلِهِ عَلَى إيصَالِهَا لِرَبِّهَا. قَوْلُهُ: [أَوْ إقْرَارٌ مِنْهُ] : أَيْ مِنْ رَبِّ الْمَالِ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِمَنْ أَرْسَلَهُ] : أَوْ لِكَوْنِهِ يَغْرَمُ الْمَالَ مَرَّةً ثَانِيَةً. [الِاخْتِلَاف فِي الْوَدِيعَة] قَوْلُهُ: [فِي دَعْوَى التَّلَفِ وَالضَّيَاعِ] : أَيْ وَكَذَا فِي دَعْوَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّلَفِ أَوْ الضَّيَاعِ.

(إلَّا لِبَيِّنَةٍ تُوَثِّقُ) رَاجِعٌ لِمَا بَعْدَ الْكَافِ: أَيْ إنْ ادَّعَى الرَّدَّ صُدِّقَ إلَّا أَنْ يُودِعَهَا رَبُّهَا عِنْدَهُ بِبَيِّنَةٍ قُصِدَ بِهَا التَّوَثُّقُ بِأَنْ يَقْصِدَ بِهَا أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ الرَّدَّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ بِهِ، فَلَا يُقْبَلُ إنْ ادَّعَى الرَّدَّ حِينَئِذٍ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْمُودِعِ بِذَلِكَ فَلَا يَكْفِي غَيْرُ الْمَقْصُودَةِ وَلَا مَقْصُودٌ لِشَيْءٍ آخَرَ غَيْرِ التَّوَثُّقِ، فَيُفِيدُهُ دَعْوَى الرَّدِّ. (وَحَلَفَ الْمُتَّهَمُ) دُونَ غَيْرِهِ فِي دَعْوَى التَّلَفِ أَوْ الضَّيَاعِ أَنَّهَا تَلِفَتْ أَوْ ضَاعَتْ وَمَا فَرَّطَ. (وَلَوْ شَرَطَ) الْمُتَّهَمُ عِنْدَ أَخْذِهَا (نَفْيَهَا) : أَيْ نَفْيَ الْيَمِينِ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُهُ وَيَحْلِفُ، فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ بِمُجَرَّدِ نُكُولِهِ وَلَا تَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى رَبِّهَا؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى اتِّهَامٍ. (كَمَنْ حَقَّقَ عَلَيْهِ الدَّعْوَى) تَشْبِيهٌ فِي الْيَمِينِ: أَيْ أَنَّ رَبَّ الْوَدِيعَةِ إذَا حَقَّقَ الدَّعْوَى عَلَى الْمُودَعِ بِأَنْ عَلِمَ بِأَنَّهُ فَرَّطَ أَوْ أَنَّهَا لَمْ تَتْلَفْ وَادَّعَى الْمُودَعُ الرَّدَّ أَوْ التَّلَفَ أَوْ عَدَمَ التَّفْرِيطِ فَلِرَبِّهَا تَحْلِيفُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّهَمًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا لِبَيِّنَةٍ تُوَثِّقُ] : قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ الظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ الْبَيِّنَةِ الْمَذْكُورَةِ أَخْذُ وَرَقَةٍ عَلَى الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ بِخَطِّهِ كَمَا يَقَعُ الْآنَ. قَوْلُهُ: [وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْمُودَعِ بِذَلِكَ] : أَيْ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَا مَقْصُودَ لِشَيْءٍ آخَرَ] : أَيْ كَمَا لَوْ أَشْهَدَهَا خَوْفًا مِنْ مَوْتِ الْمُودَعِ - بِالْفَتْحِ - لِيَأْخُذَهَا مِنْ تَرِكَتِهِ أَوْ يَقُولُ الْمُودَعُ - بِالْفَتْحِ: أَخَافُ أَنْ تَدَّعِيَ أَنَّهَا سَلَفٌ، فَأَشْهِدْ بَيِّنَةً أَنَّهَا وَدِيعَةٌ؛ فَإِنَّهُ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ كَمَا إذَا تَبَرَّعَ الْمُودَعُ - بِالْفَتْحِ - بِالْإِشْهَادِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقَبْضِ كَمَا قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ وَابْنُ يُونُسَ: لَا يَبْرَأُ بِالْإِشْهَادِ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ حُكْمَ الْإِشْهَادِ. قَوْلُهُ: [وَحَلَفَ الْمُتَّهَمُ] : قِيلَ: هُوَ مَنْ يُشَارُ إلَيْهِ بِالتَّسَاهُلِ فِي الْوَدِيعَةِ وَقِيلَ: هُوَ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ. قَوْلُهُ: [فِي دَعْوَى التَّلَفِ أَوْ الضَّيَاعِ] : وَكَذَا فِي دَعْوَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّلَفِ أَوْ الضَّيَاعِ، وَأَمَّا دَعْوَى الرَّدِّ فَقَطْ أَوْ فِي قَوْلِهِ: لَا أَدْرِي هَلْ تَلِفَتْ أَوْ رَدَدْتهَا، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ كَانَ مُتَّهَمًا أَمْ لَا حُقِّقَ عَلَيْهِ الدَّعْوَى أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ شَرْط الْمُتَّهَمُ] إلَخْ: أَيْ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُقَوِّي التُّهْمَةَ.

(فَإِنْ) حَلَفَ بَرِئَ ظَاهِرًا وَإِنْ (نَكَلَ حَلَفَ رَبُّهَا) وَأَغْرَمَهُ؛ لِأَنَّ يَمِينَ التَّحْقِيقِ تُرَدُّ (لَا) يُصَدَّقُ فِي الرَّدِّ (عَلَى الْوَارِثِ) : أَيْ وَارِثِ رَبِّهَا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ رَدَّهَا عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ (وَلَا) يُصَدَّقُ (وَارِثٌ) لِلْمُودَعِ بِالْفَتْحِ (فِي الرَّدِّ عَلَى مَالِكٍ) : أَيْ مَالِكِهَا الَّذِي هُوَ الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ (أَوْ) فِي الرَّدِّ (عَلَى وَارِثِهِ) : أَيْ وَارِثِ مَالِكِهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ الْمُؤْتَمَنَةِ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ الَّذِي ائْتَمَنَهُ صُدِّقَ وَلَا ضَمَانَ، وَأَنَّ الْوَارِثَ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى رَبِّهَا أَوْ عَلَى وَارِثِهِ أَوْ ادَّعَى صَاحِبُ الْيَدِ الْمُؤْتَمَنَةِ الرَّدَّ عَلَى وَارِثِ رَبِّهَا فَلَا يُصَدَّقُ وَيَضْمَنُ. (وَلَا) يُصَدَّقُ (رَسُولٌ فِي الدَّفْعِ لِمُنْكِرٍ) أَيْ لِمَنْ أَرْسَلَ إلَيْهِ الْمَالَ إذَا أَنْكَرَ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) قَالَ فِيهَا: وَمَنْ بَعَثْت مَعَهُ بِمَالٍ لِيَدْفَعَهُ لِرَجُلٍ صَدَقَةً أَوْ صِلَةً أَوْ سَلَفًا أَوْ ثَمَنَ مَبِيعٍ أَوْ يَبْتَاعَ لَك بِهِ سِلْعَةً، فَقَالَ: قَدْ دَفَعْته إلَيْهِ، وَأَكْذَبَهُ الرَّجُلُ، لَمْ يَبْرَأْ الرَّسُولُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ (اهـ) . (إلَّا إنْ شَرَطَ الرَّسُولُ) عَلَى مَنْ دَفَعَ لَهُ الْمَالَ (عَدَمَهَا) : أَيْ عَدَمَ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ الدَّفْعِ فَتَنْفَعُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [حَلَفَ رَبُّهَا وَأَغْرَمَهُ] : أَيْ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ رَبُّهَا صُدِّقَ الْمُودَعُ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُصَدَّقُ وَارِثٌ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا دَعْوَى وَرَثَةِ الْمُودَعِ - بِالْفَتْحِ - عَلَى وَرَثَةِ الْمُودِعِ أَوْ عَلَى الْمُودِعِ أَنَّ مُوَرِّثَهُمْ رَدَّهَا قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الْمُودَعُ - بِالْفَتْحِ - عَلَى وَرَثَةِ الْمُودِعِ - بِالْكَسْرِ - أَنَّهُ رَدَّهَا لِمُوَرِّثِهِمْ قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَدْ تَضَمَّنَتْ تِلْكَ الصُّوَرُ الْحَاصِلَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُصَدَّقُ رَسُولٌ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُودَعَ مَثَلًا إذَا أَرْسَلَ الْوَدِيعَةَ مَعَ رَسُولِهِ إلَى رَبِّهَا بِإِذْنِهِ فَأَنْكَرَ رَبُّهَا وُصُولَهَا إلَيْهِ وَلَا بَيِّنَةَ تَشْهَدُ عَلَيْهِ بِقَبْضِهَا مِنْ الرَّسُولِ فَإِنَّ الرَّسُولَ يَضْمَنُهَا لِتَفْرِيطِهِ بِعَدَمِ الْإِشْهَادِ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَبْرَأْ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ بِأَلْفٍ بَعْدَ الرَّاءِ، وَمُقْتَضَى الْجَازِمِ حَذْفُهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْأَلِفَ لِلْإِشْبَاعِ. قَوْلُهُ: [فَتَنْفَعُهُ] : أَيْ فَيُعْمَلُ بِشَرْطِهِ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ تَضْمِينِهِ، وَأَمَّا الْمُرْسَلُ

[أجرة محل الوديعة والأخذ منها]

(وَ) ضَمِنَ (بِقَوْلِهِ) لِرَبِّهَا: (ضَاعَتْ قَبْلَ أَنْ تَلْقَانِي، بَعْدَ امْتِنَاعِهِ مِنْ دَفْعِهَا) لَهُ وَلَوْ لِعُذْرٍ كَاشْتِغَالِهِ بِأَمْرٍ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ بَيَانِ تَلَفِهَا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ إنَّمَا عَلِمَ بِالتَّلَفِ بَعْدَ أَنْ لَقِيَهُ فَيُصَدَّقُ بِيَمِينٍ. (وَكَذَا) يَضْمَنُ إنْ قَالَ: تَلِفَتْ (بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ أَنْ لَقِيتنِي (إنْ مَنَعَ) دَفْعَهَا لَهُ (بِلَا عُذْرٍ) ثَابِتٍ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهَا لِعُذْرٍ قَامَ بِهِ وَثَبَتَ، لَمْ يَضْمَنْ. (لَا) يَضْمَن (إنْ قَالَ لَا أَدْرِي مَتَى تَلِفَتْ) : أَيْ قَبْلَ أَنْ تَلْقَانِي أَوْ بَعْدَهُ، كَانَ هُنَاكَ عُذْرٌ مِنْ الدَّفْعِ أَمْ لَا. وَيَحْلِفُ الْمُتَّهَمُ. (وَلَهُ) : أَيْ لِلْمُودَعِ - بِالْفَتْحِ - (أُجْرَةُ مَحَلِّهَا) : أَيْ الَّذِي تُوضَعُ فِيهِ إنْ كَانَ مِثْلُهُ تُؤْخَذُ أُجْرَتُهُ. (لَا) أُجْرَةُ (حِفْظِهَا) : لِأَنَّ حِفْظَهَا مِنْ قَبِيلِ الْجَاهِ؛ لَا أُجْرَةَ لَهُ كَالْقَرْضِ وَالضَّمَانِ (إلَّا لِشَرْطٍ) فَيُعْمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْجَاهِ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا هُوَ يُشْبِهُهُ فِي الْجُمْلَةِ. (وَلَهُ) : أَيْ لِلْمُودَعِ - بِالْفَتْحِ - (الْأَخْذُ مِنْهَا) : أَيْ مِنْ الْوَدِيعَةِ بِقَدْرِ حَقِّهِ (إنْ ظَلَمَهُ) رَبُّهَا (بِمِثْلِهَا) مِنْ سَرِقَةٍ أَوْ خِيَانَةٍ أَوْ غَصْبٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى ضَمَانِهِ الْمُرْسَلَ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: [بِلَا عُذْرٍ ثَابِتٍ] : صَادِقٍ بِأَنْ يَكُونَ هُنَا عُذْرٌ وَلَمْ يَثْبُتْ. قَوْلُهُ: [لَا يَضْمَنُ إنْ قَالَ لَا أَدْرِي] إلَخْ: أَيْ لِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّهَا تَلِفَتْ قَبْلَ اللِّقَاءِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْجَاهِ حَقِيقَةً] : أَيْ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا مُنِعَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْحِفْظِ؛ لِأَنَّ عَادَةَ النَّاسِ أَنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَ لِحِفْظِ الْوَدَائِعِ أُجْرَةً. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أُجْرَةِ الْمَحَلِّ وَأُجْرَةِ الْحِفْظِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، بَلْ يُقَالُ فِيهِمَا إنْ شَرَطَ الْأَخْذَ أَوْ كَانَ الْعُرْفَ عُمِلَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا. [أُجْرَةً مَحِلّ الْوَدِيعَة والأخذ مِنْهَا] [تَتِمَّة إذَا تُنَازِع الْوَدِيعَة شَخْصَانِ] قَوْلُهُ: [بِمِثْلِهَا] : مُتَعَلِّقٌ بِظُلْمِهِ وَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ بَعْدَهَا مُضَافٌ مَحْذُوفٌ: أَيْ بِأَخْذِ

{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَمَحَلُّ جَوَازِ الْأَخْذِ بِمِثْلِ حَقِّهِ (إنْ أَمِنَ) الْآخِذُ (الرَّذِيلَةَ) بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخِيَانَةِ (وَ) أَمِنَ (الْعُقُوبَةَ) عَلَى نَفْسِهِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الْأَعْرَاضِ وَالْجَوَارِحِ وَاجِبٌ (عَلَى الْأَرْجَحِ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ، وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَدِّ الْأَمَانَةَ لِمَنْ ائْتَمَنَك وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» . (وَالتَّرْكُ) لِلْأَخْذِ مِنْهَا (أَسْلَمُ) : أَيْ مِنْ الْوَدِيعَةِ بِقَدْرِ حَقِّهِ لِلنَّفْسِ وَالدِّينِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بَابٌ فِي الْإِعَارَةِ وَأَحْكَامِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمِثْلِهَا فِي الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ وَالصِّفَةِ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِالْقِيمَةِ. قَوْلُهُ: [وَأَمِنَ الْعُقُوبَةَ عَلَى نَفْسِهِ] : أَيْ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ قَتْلٍ كَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْجَوْرِ. قَوْلُهُ: «أَدِّ الْأَمَانَةَ لِمَنْ ائْتَمَنَك» إلَخْ: أَجَابَ ابْنُ رُشْدٍ مُؤَيِّدًا لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَعْنَى " وَلَا تَخُنْ " إلَخْ أَيْ: لَا تَأْخُذْ أَزْيَدَ مِنْ حَقِّك فَتَكُنْ خَائِنًا، وَأَمَّا مَنْ أَخَذَ حَقَّهُ فَلَيْسَ بِخَائِنٍ. قَوْلُهُ: [وَالتَّرْكُ لِلْأَخْذِ مِنْهَا أَسْلَمُ] : أَيْ؛ لِأَنَّ فِي الْأَخْذِ رِيبَةً وَفِي الْحَدِيثِ: «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا يَرِيبُك» . تَتِمَّةٌ: إنْ تَنَازَعَ الْوَدِيعَةَ شَخْصَانِ فَقَالَ الْمُودَعُ - بِالْفَتْحِ - هِيَ لِأَحَدِكُمَا وَنَسِيته قُسِمَتْ بَيْنَهُمَا إنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا، وَقُضِيَ لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ وَإِنْ أَوْدَعَ شَخْصَيْنِ وَغَابَ الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ وَتَنَازَعَا فِيمَنْ تَكُونُ عِنْدَهُ جُعِلَتْ بِيَدِ الْأَعْدَلِ وَالضَّمَانُ عَلَيْهِ إنْ فَرَّطَ فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْعَدَالَةِ قُسِمَتْ بَيْنَهُمَا إنْ قَبِلَتْ الْقَسْمَ وَإِلَّا فَالْقُرْعَةُ.

[باب في الإعارة وأحكامها]

(الْإِعَارَةُ) : أَيْ حَقِيقَتُهَا عُرْفًا، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ التَّعَاوُرِ: بِمَعْنَى التَّدَاوُلِ أَوْ مِنْ الْعَرْوِ بِمَعْنَى الْإِصَابَةِ وَالْعُرُوضِ، يُقَالُ: اعْتَرَاهُ كَذَا: بِمَعْنَى أَصَابَهُ وَعَرَضَ لَهُ أَوْ بِمَعْنَى الْخُلُوِّ، يُقَالُ: عَرَا عَنْهُ بِمَعْنَى خَلَا. وَأُنْكِرَ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهَا مِنْ الْعَارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْإِعَارَةِ وَأَحْكَامِهَا] [تَعْرِيف الْإِعَارَة] لَمَّا كَانَ بَيْنَ الْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ مُنَاسَبَةٌ، مِنْ جِهَةِ أَنَّ كُلًّا يُثَابُ فَاعِلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ - بِالْفَتْحِ - يُثَابُ عَلَى الْحِفْظِ وَالْمُعِيرُ - بِالْكَسْرِ - يُثَابُ عَلَى الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ كُلًّا فَعَلَ مَعْرُوفًا وَهُوَ صَدَقَةٌ أَعْقَبَهَا بِهَا. قَوْلُهُ: [وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ] : أَيْ الْعَارِيَّةُ - لَا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ - بَلْ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ؛ فَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ اسْتِخْدَامُ. قَوْلِهِ: [مِنْ التَّعَاوُرِ] إلَخْ: أَيْ فَهِيَ وَاوِيَّةٌ فَأَصْلُ عَارِيَّةٍ عَوَرِيَّةٌ بِفَتَحَاتٍ تُخَفَّفُ بَاؤُهَا وَتُشَدَّدُ تَحَرَّكَتْ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلْفًا. قَوْلُهُ: [أَوْ مِنْ الْعَرْوِ] : أَيْ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: وَإِنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاك هِزَّةٌ ... كَمَا انْتَفَضَ الْعُصْفُورُ بَلَّلَهُ الْقَطْرُ فَأَصْلُهَا عَارُووَةٌ بِوَزْنِ فَاعُولَةٍ؛ قُلِبَتْ الْوَاوُ الثَّانِيَةُ يَاءً لِتَطَرُّفِهَا وَالتَّاءُ فِي نِيَّةِ الِانْفِصَالِ فَاجْتَمَعَتْ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسُبِقَتْ إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ الْيَاءُ فِي الْيَاءِ هَذَا فِي الْمُشَدَّدَةِ وَأَصْلُ الْمُخَفَّفَةِ عَارِوَةٌ فَاعِلَةٌ أُبْدِلَتْ الْوَاوُ يَاءً لِتَطَرُّفِهَا. قَوْلُهُ: [وَأُنْكِرَ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهَا مِنْ الْعَارِ] : إنَّمَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهَا أَمْرٌ مَنْدُوبٌ وَالْمُسْتَعِيرُ إنْ كَانَ مُحْتَاجًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ عَارٌ، وَالْعَارُ فِي الْمُسْتَقْبِحِ شَرْعًا وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ الْعَارِ لَكَانَتْ يَائِيَّةً، وَقِيلَ: الْقَوْمُ يَتَعَيَّرُونَ مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا يَتَعَاوَرُونَ أَيْ يُعِيرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَأَصْلُهَا عَلَيْهِ عَيْرَةٌ عَلَى وَزْنِ فَعْلَةٌ

(تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ) : خَرَجَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ ذَاتٍ، وَكَذَا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْقَرْضُ. (مُؤَقَّتَةٍ) بِزَمَنٍ أَوْ فِعْلٍ نَصًّا أَوْ عُرْفًا. (بِلَا عِوَضٍ) : خَرَجَتْ الْإِجَارَةُ وَالْحَبْسُ الْمُطْلَقُ. وَأَمَّا الْمُؤَقَّتُ بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْحَبْسِ التَّوْقِيتُ، فَهُوَ وَارِدٌ عَلَيْهِ. إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ مُؤَقَّتَةٌ أَصَالَةً؛ فَالْأَصْلُ فِي الْعَارِيَّةِ التَّوْقِيتُ، فَلِذَا جَعَلَ فَصْلًا مِنْهَا، وَالْأَصْلُ فِي الْحَبْسِ الدَّوَامُ. وَلِذَا اُخْتُلِفَ فِيهِ إذَا وَقَّتَ هَلْ يَصِحُّ؟ وَالرَّاجِحُ الصِّحَّةُ. (وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ) : أَيْ الْأَصْلُ فِيهَا النَّدْبُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ التَّعَاوُنِ عَلَى الْخَيْرِ وَالْمَعْرُوفِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَحَرَّكَتْ الْوَاوُ وَانْفَتِحْ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلْفًا. قَوْلُهُ: [خَرَجَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ ذَاتٍ] إلَخْ: أَيْ وَخَرَجَ أَيْضًا تُمْلِيك الِانْتِفَاعِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ أَعَمُّ مِنْ مِلْكِ الِانْتِفَاعِ، كَأَنْ تُوقِفَ بَيْتًا عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ يَسْكُنُونَهُ فَفِيهِ تَمْلِيكُ انْتِفَاعٍ وَلَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ يَكُونُ بِنَفْسِهِ فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ وَلَا أَنْ يُعِيرَهُ لِغَيْرِهِ، وَالْمَنْفَعَةُ أَعَمُّ مِنْ الِانْتِفَاعِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهَا الِانْتِفَاعَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ كَأَنْ يُعِيرَهُ أَوْ يُؤَاجِرَهُ. قَوْلُهُ: [خَرَجَتْ الْإِجَارَةُ] : أَيْ بِقَوْلِهِ بِلَا عِوَضٍ. وَقَوْلُهُ: [وَالْحَبْسُ الْمُطْلَقُ] : أَيْ بِقَوْلِهِ: " مُؤَقَّتَةٍ "، فَفِي كَلَامِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يُقَالَا الْمُرَادُ] إلَخْ: أَيْ أَوْ يُقَالُ إنَّهُ خَارِجٌ بِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ، فَإِنَّ الْحَبْسَ فِيهِ تَمْلِيكُ انْتِفَاعٍ لَا مَنْفَعَةٍ. قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: فَإِنْ قُلْت إذَا حَبَسَ بُيُوتًا عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ لِأَجْلِ أَنْ يَنْتَفِعُوا بِأُجْرَتِهَا فَهَلْ هُوَ مِنْ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ الِانْتِفَاعِ؟ قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ تَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ، فَحِينَئِذٍ يُرَادُ بِالِانْتِفَاعِ مَا يَشْمَلُ الِانْتِفَاعَ بِالْبُيُوتِ أَوْ بِأُجْرَتِهَا (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ] : أَيْ إنْ وَقَعَتْ مِنْ مَالِكِ الذَّاتِ وَالْمَنْفَعَةِ، أَوْ مِنْ مَالِكِ الْمَنْفَعَةِ إنْ جَعَلَ ذَلِكَ لَهُ. قَالَ (شب) : وَقَدْ يَعْرِضُ وُجُوبُهَا: كَغِنًى عَنْهَا لِمَنْ يَخْشَى بِعَدَمِهَا هَلَاكَهُ. وَحُرْمَتُهَا: كَكَوْنِهَا تُعِينُهُ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَكَرَاهَتُهَا كَكَوْنِهَا تُعِينُهُ عَلَى مَكْرُوهٍ، وَتُبَاحُ لِغِنًى عَنْهَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ كَرَاهَتِهَا فِي حَقِّهِ. قَالَ سَيِّدِي

[أركان الإعارة]

(وَالْعَارِيَّةُ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ: هِيَ الشَّيْءُ (الْمُعَارُ) : أَيْ الْمُمَلَّكُ مَنْفَعَتُهُ. (وَرُكْنُهَا) : أَيْ أَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: مُعِيرٌ، وَمُسْتَعِيرٌ، وَمُسْتَعَارٌ، وَمَا دَلَّ عَلَيْهَا مِنْ لَفْظٍ أَوْ غَيْرِهِ. فَالْأَوَّلُ (مُعِيرٌ وَهُوَ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ) وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ الذَّاتَ (بِلَا حَجْرٍ) عَلَيْهِ؛ خَرَجَ الصَّبِيُّ وَالسَّفِيهُ وَالرَّقِيقُ وَلَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ بِالْعِوَضِ خَاصَّةً: نَعَمْ يَجُوزُ لَهُ إعَارَةُ مَا قَلَّ عُرْفًا إنْ اسْتَأْنَفَ بِهِ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِهَا عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَخَرَجَ أَيْضًا مَنْ حَجَرَ عَلَيْهِ الْمَالِكُ صَرِيحًا أَوْ ضِمْنًا كَمَا لَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى ذَلِكَ، نَحْوُ قَوْلِهِ: لَوْلَا أُخُوَّتُك مَا أَعَرْتُك إيَّاهُ، وَخَرَجَ الْفُضُولِيُّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِشَيْءٍ، (وَإِنْ) كَانَ مَالِكًا لَهَا (بِإِعَارَةٍ) وَلَا حَجَرَ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ. فَتَصِحُّ إعَارَتُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ (أَوْ إجَارَةٍ) فَتَصِحُّ إعَارَتُهُ لَهَا فِي مِثْلِ مَا اسْتَأْجَرَهَا لَهُ رُكُوبًا أَوْ حَمْلًا أَوْ غَيْرَهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحْمَدُ بَابَا: وَلَوْ قَالَ: وَتُبَاحُ لِغَنِيٍّ عَنْهَا فِي الْحَالِ، وَلَكِنْ بِصَدَدِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا ثَانِيًا لَا نَنْفِي النَّظَرَ. قَوْلُهُ: [وَالْعَارِيَّةُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ] : لِأَنَّ يَاءَهَا لِلنِّسْبَةِ لِأَحَدِ الْمَعَانِي الْمُتَقَدِّمَةِ. [أَرْكَانُ الْإعَارَةِ] قَوْلُهُ: [أَيْ أَرْكَانُهَا] : إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى أَنَّ رُكْنَهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ الذَّاتَ] : أَيْ وَالنَّدْبُ وَعَدَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ كَمَا سَيُوضِحُهُ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَإِنْ بِإِعَارَةٍ. قَوْلُهُ: [خَرَجَ الصَّبِيُّ وَالسَّفِيهُ] : أَيْ وَكَذَا يَخْرُجُ الْمَرِيضُ إذَا أَعَارَ عَارِيَّةً قَيِّمَةً مَنَافِعُهَا أَزْيَدُ مِنْ ثُلُثِهِ. قَوْلُهُ: [عَلَى مَا سَيَأْتِي] : الْمُنَاسِبُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَقَدَّمَتْ فِي الْحَجْرِ. قَوْلُهُ: [مِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ الْمَالِكُ] : أَيْ وَيُسَمَّى بِالْحَجْرِ الْجُعْلَيْ. قَوْلُهُ: [لَوْلَا أُخُوَّتُك] : بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ مَفْتُوحَةً. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ لَا يَنْبَغِي لَهُ] : أَيْ يُكْرَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ حَجَرَ عَلَيْهِ وَلَا أَبَاحَ لَهُ بِأَنْ سَكَتَ.

(وَ) الثَّانِي: (مُسْتَعِيرٌ: وَهُوَ مَنْ تَأَهَّلَ) : أَيْ إنْ كَانَ أَهْلًا (لِلتَّبَرُّعِ عَلَيْهِ) بِتِلْكَ الْمَنْفَعَةِ. (لَا مُسْلِمٌ) وَلَوْ عَبْدًا لِكَافِرٍ. (أَوْ مُصْحَفٌ) أَوْ كُتُبُ أَحَادِيثَ (لِكَافِرٍ) : إذْ الْكَافِرُ لَيْسَ أَهْلًا لَأَنْ يُتَبَرَّعَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَكَذَا آلَةُ الْجِهَادِ إذَا كَانَ حَرْبِيًّا. (وَ) الثَّالِثُ: (مُسْتَعَارٌ: وَهُوَ ذُو مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ) مِنْ عَرَضٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ عَقَارٍ يُنْتَفَعُ بِهِ (مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ) لِيُرَدَّ لِرَبِّهِ بَعْدَ الِانْتِفَاعِ بِهِ لِإِطْعَامٍ أَوْ شَرَابٍ لِيُؤْكَلَ أَوْ يُشْرِبَ فَإِنَّ فِيهِ ذَهَابَ عَيْنِهِ بِذَلِكَ. (لَا) تُعَارُّ جَارِيَةٌ (لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا) مِنْ وَطْءٍ أَوْ غَيْرِهِ لِعَدَمِ إبَاحَةِ ذَلِكَ أَوْ خِدْمَتِهَا لِغَيْرِ مَحْرَمٍ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ. وَلَا يُعَارُ رَقِيقٌ لِمَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا مُسْلِمٌ] : أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِذْلَالِ. قَوْلُهُ: [أَوْ مُصْحَفٌ أَوْ كُتُبُ أَحَادِيثَ] : أَيْ وَكَذَلِكَ الْأَوَانِي يَسْتَعْمِلُهَا أَهْلُ الْفُسُوقِ كَخَمْرٍ، وَالدَّوَابُّ تُرْكَبُ لِإِيذَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا اسْتَلْزَمَ أَمْرًا مَمْنُوعًا. قَوْلُهُ: [لِإِطْعَامٍ أَوْ شَرَابٍ] : مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ. قَوْلُهُ: [لَا تُعَارُ جَارِيَةٌ] : أَيْ لَا يَجُوزُ إعَارَةُ جَارِيَةٍ لِلْوَطْءِ، فَإِنْ وَقَعَتْ كَانَتْ بَاطِلَةً وَيُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا بِالْفِعْلِ قَبْلَ إخْرَاجِهَا فَلَا يُحَدُّ لِلشُّبْهَةِ وَتَقُومُ عَلَى الْوَاطِئِ جَبْرًا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ خِدْمَتِهَا لِغَيْرِ مَحْرَمٍ] : بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ. أَيْ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا، وَيُجْبَرُ الْمُسْتَعِيرُ عَلَى إخْرَاجِهَا مِنْ تَحْتِ يَدِهِ بِإِجَارَةٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُعَارُ رَقِيقٌ لِمَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ] : أَيْ لِخِدْمَةِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ الرَّقِيقُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَإِنَّمَا مُنِعَ إعَارَتَهُ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ يَتْبَعُ مِلْكَ الذَّاتِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الذَّاتَ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْإِعَارَةِ لِلرَّضَاعِ، وَأَمَّا لَهُ فَتَجُوزُ الْإِعَارَةُ وَالْإِجَارَةُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الرَّضَاعَ تَسْتَوِي فِيهِ الْإِعَارَةُ وَالْإِجَارَةُ فِي الْجَوَازِ لَا فَرْقَ بَيْنَ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ. وَأَمَّا الْخِدْمَةُ فِي غَيْرِ الرَّضَاعِ فَتَمْتَنِعُ الْإِعَارَةُ وَالْإِجَارَةُ فِيهَا لَا فَرْقَ بَيْنَ حُرٍّ

[ضمان المستعير]

(وَالْعَيْنُ) : أَيْ النَّقْدُ مِنْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ (وَالطَّعَامُ) وَالشَّرَابُ إنْ وَقَعَتْ وَأُعْطِيَتْ لِلْغَيْرِ وَإِنْ بِلَفْظِ الْعَارِيَّةِ (قَرْضٌ) لَا عَارِيَّةَ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْعَارِيَّةِ مَا رُدَّتْ عَيْنُهَا لِرَبِّهَا بَعْدَ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَفِي الِانْتِفَاعِ بِمَا ذُكِرَ ذَهَابُ الْعَيْنِ فَيَضْمَنُهُ وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِهَلَاكِهِ. (وَ) الرَّابِعُ: (مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا) مِنْ صِيغَةٍ لَفْظِيَّةٍ كَأَعَرْتُكَ أَوْ غَيْرِهَا، كَإِشَارَةٍ وَمُنَاوَلَةٍ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا. (وَجَازَ) أَنْ يَقُولَ: (أَعِنِّي بِغُلَامِك) مَثَلًا فِي هَذَا الْيَوْمِ أَوْ الشَّهْرِ (لِأُعِينَك) فِي غَدٍ مَثَلًا بِغُلَامِي أَوْ دَابَّتِي (وَهِيَ) حِينَئِذٍ (إجَارَةٌ) لَا إعَارَةٌ؛ لِأَنَّهَا مَنَافِعُ بِمَنَافِعَ وَسَوَاءٌ اتَّحَدَ نَوْعُ الْمُعَارِ فِيهِ أَوْ اخْتَلَفَ، كَبِنَاءٍ وَحَصَادٍ، وَسَوَاءٌ اتَّحَدَ الزَّمَنُ فِيهِمَا أَوْ اخْتَلَفَ، فَيُشْتَرَطُ فِيهَا تَعَيُّنُ الزَّمَنِ أَوْ الْعَمَلِ كَالْإِجَارَةِ. (وَضَمِنَ) الْمُسْتَعِيرُ (مَا يُغَابُ عَلَيْهِ) . كَالْحُلِيِّ وَالثِّيَابِ مِمَّا شَأْنُهُ الْخَفَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَقِيقٍ؛ فَلَا يَجُوزُ لِلْوَلَدِ اسْتِخْدَامُ وَالِدِهِ أَوْ وَالِدَتِهِ فِي غَيْرِ الرَّضَاعِ كَمَا هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ كَمَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا] : أَيْ فَكُلُّ مَا يَدُلُّ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَافٍ، لَكِنْ لَا تَلْزَمُ الْعَارِيَّةُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا إلَّا إذَا قُيِّدَتْ بِعَمَلٍ أَوْ أَجَلٍ كَمَا يَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ، أَوْ لَمْ تُقَيَّدْ وَجَرَتْ الْعَادَةُ فِيهَا بِشَيْءٍ وَإِلَّا لَمْ تَلْزَمْ. قَوْلُهُ: [فَيُشْتَرَطُ فِيهَا تَعْيِينُ الزَّمَنِ] إلَخْ: أَيْ فَيَجُوزُ لِلشَّخْصِ أَنْ يَقُولَ لِآخَرَ: أَعِنِّي بِغُلَامِك الْيَوْمَ مَثَلًا عَلَى أَنْ أُعِينَك بِغُلَامِي مَثَلًا غَدًا، وَيَكُونُ ذَلِكَ إجَارَةً لَا عَارِيَّةً؛ أَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَآهُ مِنْ الرِّفْقِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَا يَقَعُ بِهِ التَّعَاوُنُ مَعْلُومًا بَيْنَهُمْ وَأَنْ يَقْرُبَ الْعَقْدُ مِنْ زَمَنِ الْعَمَلِ، فَلَوْ قَالَ لَهُ أَعِنِّي: بِغُلَامِك أَوْ بِثَوْرِك غَدًا عَلَى أَنْ أُعِينَك بِغُلَامِي أَوْ بِثَوْرِي بَعْدَ شَهْرٍ وَنِصْفٍ مَثَلًا لَمْ يَجُزْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ نِصْفَ شَهْرٍ فَأَقَلَّ فَيَجُوزُ، وَإِنَّمَا مُنِعَ فِي أَزْيَدَ مِنْ شَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ نَقْدٌ فِي مَنَافِعَ مُعَيَّنَةٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلَا يُقَالُ إنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ مَوْجُودَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْعَمَلِ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّنَا نَقُولُ اُغْتُفِرَ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةً كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْخَرَشِيِّ وَالْحَاشِيَةِ. [ضَمَانُ الْمُسْتَعِيرِ] قَوْلُهُ: [وَضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ] : أَيْ فَالْعَارِيَّةُ كَالرَّهْنِ فِي التَّفْصِيلِ.

إنْ ادَّعَى ضَيَاعَهُ إلَّا لِبَيِّنَةٍ عَلَى ضَيَاعِهِ بِلَا سَبَبِهِ، بِخِلَافِ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ كَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ (وَلَوْ شَرَطَ نَفْيَهُ) : أَيْ نَفْيَ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ (عَلَى الْأَرْجَحِ) وَقِيلَ: إنْ شَرَطَ نَفْيَهُ أَفَادَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَأَشَارَ الشَّيْخُ لَهُمَا بِالتَّرَدُّدِ. (لَا غَيْرَهُ) : أَيْ لَا يَضْمَنُ غَيْرَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ كَالْحَيَوَانِ. (وَلَوْ شَرَطَهُ) عَلَيْهِ الْمُعِيرُ. (وَالْقَوْلُ لَهُ) : أَيْ لِلْمُسْتَعِيرِ (فِي التَّلَفِ أَوْ الضَّيَاعِ) فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ، فَيُصَدَّقُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (إلَّا لِقَرِينَةِ كَذِبِهِ) كَأَنْ يَقُولَ: تَلِفَ أَوْ ضَاعَ يَوْمَ كَذَا، فَتَقُولُ الْبَيِّنَةُ: رَأَيْنَاهُ مَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، أَوْ تَقُولُ الرُّفْقَةُ الَّتِي مَعَهُ فِي السَّفَرِ: مَا سَمِعْنَا ذَلِكَ وَلَا رَأَيْنَاهُ (وَحَلَفَ مَا فَرَّطَ) إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ إنَّمَا حَصَلَ التَّلَفُ أَوْ الضَّيَاعُ أَوْ الْعَيْبُ الَّذِي قَامَ بِهِ بِتَفْرِيطِهِ، سَوَاءٌ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا لِبَيِّنَةٍ عَلَى ضَيَاعِهِ] : أَيْ لِأَنَّ ضَمَانَ الْعَوَارِيِّ ضَمَانُ تُهْمَةٍ يَنْتَفِي بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، خِلَافًا لِأَشْهَبَ حَيْثُ قَالَ: إنَّ ضَمَانَ الْعَوَارِيِّ ضَمَانُ عَدَاءٍ لَا يَنْتَفِي بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ. قَوْلُهُ: [وَأَشَارَ الشَّيْخُ لَهُمَا بِالتَّرَدُّدِ] : أَيْ فَهُوَ تَرَدُّدٌ فِي النَّقْلِ؛ فَقَدْ عَزَا فِي الْعُتْبِيَّةِ الْأَوَّلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَعَزَا الْمَازِرِيُّ وَاللَّخْمِيُّ الثَّانِيَ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا، وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ لَا يَفْسُدُ عَقْدُ الْعَارِيَّةِ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَقِيلَ إنْ شَرَطَ نَفْيَ الضَّمَانِ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ وَيَكُونُ لِلْمُعِيرِ أُجْرَةُ مَا أَعَارَهُ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ شَرَطَهُ عَلَيْهِ الْمُعِيرُ] : رُدَّ بِ " لَوْ " عَلَى مُطَرِّفٍ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ حَيْثُ قَالَ: إذَا شَرَطَ الْمُعِيرُ الضَّمَانَ لِأَمْرٍ خَافَهُ مِنْ طَرِيقٍ مَخُوفَةٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ لُصُوصٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَالشَّرْطُ لَازِمٌ إنْ هَلَكَتْ بِالْأَمْرِ الَّذِي خَافَهُ، وَشَرَطَ الضَّمَانَ مِنْ أَجْلِهِ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ وَلَا عِبْرَةَ بِشَرْطِهِ وَلَوْ لِأَمْرٍ خَافَهُ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَحَيْثُ لَمْ يَضْمَنْ الْحَيَوَانَ ضَمِنَ لِجَامَهُ وَسَرْجَهُ. بِخِلَافِ ثِيَابِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهُ حَائِزٌ لِمَا عَلَيْهِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ، وَفِي (بْن) عَنْ ابْنِ يُونُسَ: إذَا أَرْسَلَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ مِنْ الدَّوَابِّ مَعَ عَبْدِهِ أَوْ أَجِيرِهِ فَعَطِبَتْ أَوْ ضَلَّتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ هَكَذَا يَفْعَلُونَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ضَيَاعَهَا أَوْ تَلَفَهَا إلَّا مِنْ قَوْلٍ لِرَسُولٍ. قَوْلُهُ: [وَحَلَفَ مَا فَرَّطَ] : أَيْ وَيَبْرَأُ وَيَأْخُذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَعَهُّدُ الْعَارِيَّةِ،

[ما يجوز للمستعير فعله]

مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَمْ لَا، كَسُوسٍ وَقَرْضِ أَرَضَةٍ أَوْ فَأْرٍ أَوْ بَلَلٍ أَوْ دُهْنٍ أَوْ حِبْرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ بِالْمُسْتَعَارِ كَثَوْبٍ وَكِتَابٍ. (وَ) الْقَوْلُ لَهُ (فِي رَدِّ مَا لَمْ يَضْمَنْ) لِرَبِّهِ وَهُوَ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ كَالْحَيَوَانِ (إلَّا لِبَيِّنَةٍ مَقْصُودَةٍ) أَشْهَدَهَا الْمُعِيرُ عِنْدَ الْإِعَارَةِ لِخَوْفِ ادِّعَاءِ الْمُسْتَعِيرِ الرَّدَّ، فَحِينَئِذٍ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِرَدِّهَا إلَّا لِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ بِرَدِّهَا لِرَبِّهَا. (وَفَعَلَ) الْمُسْتَعِيرُ: أَيْ جَازَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ الْفِعْلَ (الْمَأْذُونَ) لَهُ فِيهِ (وَ) أَنْ يَفْعَلَ (مِثْلَهُ) كَأَنْ اسْتَعَارَهَا لِيَرْكَبَهَا لِمَكَانٍ كَذَا فَرَكِبَهَا إلَيْهِ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ، أَوْ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا إرْدَبَّ فُولٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا إرْدَبَّ قَمْحٍ، وَأَمَّا الذَّهَابُ بِهَا فِي مَسَافَةٍ أُخْرَى مِثْلَ مَا اسْتَعَارَهَا لَهَا فَلَا يَجُوزُ، وَيَضْمَنُ إنْ عَطِبَتْ كَالْإِجَارَةِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْأَرْجَحُ. (لَا أَضَرَّ) مِمَّا اسْتَعَارَهَا لَهُ؛ فَلَا يَجُوزُ ثَمَّ تَارَةً يَحْمِلُ عَلَيْهَا مَا تَعْطَبُ بِمِثْلِهِ وَتَارَةً مَا لَمْ تَعْطَبْ بِهِ. وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ تَعْطَبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَعَيَّبَ وَإِمَّا أَنْ تَسْلَمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَالْمُودَعِ تَعَهُّدُ مَا فِي أَمَانَاتِهِمْ مِمَّا يُخَافُ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَهُّدِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ صِيَانَةِ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدَّ مُفَرِّطًا وَضَمِنَ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. [مَا يَجُوز لِلْمُسْتَعِيرِ فَعَلَهُ] [تَنْبِيه التَّعَدِّي بِالْإِرْدَافِ عَلَى الدَّابَّة] قَوْلُهُ: [أَيْ جَازَ لَهُ] : إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ: طَلَبَ مِنْهُ فِعْلَ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ فِيهِ وَمِثْلَهُ لَا يُطْلَبُ بِفِعْلِهِ، إنَّمَا هُوَ حَقٌّ مُبَاحٌ لَهُ إنْ شَاءَ فَعَلَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَجُوزُ] : الْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِثْلِ الَّذِي يُبَاحُ لِلْمُسْتَعِيرِ فِعْلُهُ الْمِثْلُ فِي الْمَحْمُولِ لَا فِي الْمَسَافَةِ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ فِعْلُهُ هُنَا كَالْإِجَارَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِمَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ فَسْخِ الْمَنَافِعِ فِي مِثْلِهَا وَهُوَ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ. قَوْلُهُ: [لَا أَضَرَّ مِمَّا اسْتَعَارَهَا لَهُ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْإِضْرَارُ أَقَلَّ فِي الْوَزْنِ أَوْ الْمَسَافَةِ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ تَارَةً يُحْمَلُ عَلَيْهَا] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ الصُّوَرَ سِتٌّ؛ لِأَنَّهُ؛ إنْ زَادَ مَا تَعْطَبُ بِهِ، فَتَارَةً تَعْطَبُ، وَتَارَةً تَتَعَيَّبُ، وَتَارَةً تَسْلَمُ؛ وَإِنْ زَادَ مَا لَا تَعْطَبُ بِهِ، فَكَذَلِكَ. وَقَدْ تَكَفَّلَ بِتَفْصِيلِ أَحْكَامِهَا الشَّارِحِ.

(فَإِنْ زَادَ مَا تَعْطَبُ بِهِ وَعَطِبَتْ فَلَهُ) : أَيْ لِرَبِّهَا (قِيمَتُهَا) وَقْتَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ التَّعَدِّي (أَوْ كِرَاؤُهُ) : أَيْ كِرَاءُ الزَّائِدِ فَقَطْ، وَخِيرَتُهُ تَنْفِي ضَرَرَهُ. (وَإِلَّا) : بِأَنْ زَادَ مَا لَا تَعْطَبُ بِهِ وَعَطِبَتْ أَوْ تَعَيَّبَتْ أَوْ سَلِمَتْ، أَوْ مَا تَعْطَبُ بِهِ وَسَلِمَتْ (فَالْكِرَاءُ) : أَيْ كِرَاءُ الزَّائِدِ فَقَطْ فِي الْأَرْبَعِ صُوَرٍ. وَبَقِيَ السَّادِسَةُ: وَهِيَ مَا إذَا زَادَ مَا تَعْطَبُ بِهِ فَتَعَيَّبَتْ أَشَارَ لِحُكْمِهَا بِقَوْلِهِ: (فَلَوْ تَعَيَّبَتْ) فِيمَا إذَا زَادَ عَلَيْهَا مَا تَعْطَبُ بِهِ (فَالْأَكْثَرُ مِنْ الْكِرَاءِ) لِلزَّائِدِ (وَقِيمَةُ الْعَيْبِ) : أَيْ أَرْشُهُ يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ. وَالْكَلَامُ فِي زِيَادَةِ الْحِمْلِ، وَأَمَّا الْمَسَافَةُ فَكَالْإِجَارَةِ، فَإِنْ عَطِبَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا، وَإِنْ سَلِمَتْ فَكِرَاءُ الزَّائِدِ، وَإِنْ تَعَيَّبَتْ فَالْأَكْثَرُ مِنْ كِرَاءِ الزَّائِدِ وَأَرْشِ الْعَيْبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ كِرَاءُ الزَّائِدِ فَقَطْ] : وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: كَمْ يُسَاوِي كِرَاؤُهَا فِيمَا اسْتَعَارَهَا لَهُ؟ فَإِذَا قِيلَ: عَشَرَةٌ، قِيلَ وَكَمْ يُسَاوِي كِرَاؤُهَا فِيمَا حَمَلَ عَلَيْهَا؟ قِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ، دُفِعَ إلَيْهِ الْخَمْسَةُ الزَّائِدَةُ عَلَى كِرَاءِ مَا اُسْتُعِيرَتْ لَهُ. قَوْلُهُ: [وَالْكَلَامُ فِي زِيَادَةِ الْحَمْلِ] : الْفَرْقُ بَيْنَ زِيَادَةِ الْحَمْلِ وَالْمَسَافَةِ أَنَّ زِيَادَةَ الْمَسَافَةِ مَحْضُ تَعَدٍّ مُسْتَقِلًّا مُنْفَصِلًا؛ بِخِلَافِ زِيَادَةِ الْحَمْلِ فَإِنَّهُ مُصَاحِبٌ لِلْمَأْذُونِ فِيهِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْمَسَافَةُ فَكَالْإِجَارَةِ] إلَخْ: أَجْمَلَ هُنَا فِي تَفْصِيلِ أَحْكَامِهَا، وَقَدْ أُوَضِّحُ بَعْضَ مَا أَجْمَلَهُ فِيمَا سَيَأْتِي: فَإِنَّ قَوْلَهُ هُنَا فَإِنْ عَطَبَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا. ظَاهِرُهُ تَعَيُّنُ الْقِيمَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يُخَيَّرُ فِيهَا وَفِي أَخْذِ كِرَاءِ الزَّائِدِ كَمَا يَأْتِي. وَقَوْلُهُ: [وَإِنْ سَلَّمَتْ فَكِرَاءُ الزَّائِدِ] : ظَاهِرُهُ كَانَتْ تَعْطَبُ بِمِثْلِهِ أَمْ لَا مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْيَسِيرِ، وَأَمَّا الْكَثِيرُ فَكَالْعَطَبِ. وَقَوْلُهُ: [وَإِنْ تَعَيَّبَتْ فَالْأَكْثَرُ] إلَخْ: نَصَّ عَلَيْهِ هُنَا وَلَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فِيمَا يَأْتِي. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ أَنَّهُ إنْ تَعَدَّى الْمَسَافَةَ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ بِيَسِيرٍ وَسَلِمَتْ فَالْكِرَاءُ، وَأَمَّا إنْ عَطَبَتْ أَوْ تَعَدَّى بِكَثِيرٍ مُطْلَقًا عَطَبَتْ أَوْ سَلِمَتْ خُيِّرَ فِي الْكِرَاءِ وَفِي الْقِيمَةِ، وَإِنْ تَعَيَّبَتْ بِالتَّعَدِّي الْكَثِيرِ أَوْ الْيَسِيرِ فَالْأَكْثَرُ مِنْ

[لزوم الاستعارة]

(وَلَزِمَتْ) الِاسْتِعَارَةُ (الْمُقَيَّدَةُ بِعَمَلٍ) : كَطَحْنِ إرْدَبٍّ أَوْ حَمْلِهِ لِكَذَا أَوْ رُكُوبٍ لَهُ (أَوْ أَجَلٍ) : كَأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (لِانْقِضَائِهِ) أَيْ الْعَمَلِ أَوْ الْأَجَلِ، فَلَيْسَ لِرَبِّهَا أَخْذُهَا قَبْلَهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَعَارُ أَرْضًا لِزِرَاعَةٍ أَوْ سُكْنَى أَوْ لِوَضْعِ شَيْءٍ بِهَا أَوْ كَانَ حَيَوَانًا لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَوْ كَانَ عَرَضًا. (وَإِلَّا) يَكُنْ تَقْيِيدٌ بِعَمَلٍ أَوْ أَجَلٍ بَلْ أُطْلِقَتْ (فَلَا) تَلْزَمُ، وَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا مَتَى شَاءَ وَلَا يَلْزَمُ قَدْرَ مَا تُرَادُ لِمِثْلِهِ عَادَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ ضَعِيفٌ (وَإِنْ زَعَمَ) شَخْصٌ (أَنَّهُ مُرْسَلٌ) بِأَنْ قَالَ: أَرْسَلَنِي فُلَانٌ (لِاسْتِعَارَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَشِرَاءِ الزَّائِدِ وَأَرْشِ الْعَيْبِ؛ فَالْكِرَاءُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْقِيمَةِ وَالْكِرَاءِ فِي ثَلَاثٍ وَالْأَكْبَرُ مِنْ أَرْشِ الْعَيْبِ وَالْكِرَاءُ فِي صُورَتَيْنِ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى تِلْكَ التَّفَاصِيلِ هُنَا وَتَرَكَهَا مِمَّا سَيَأْتِي لَكَانَ أَحْسَنَ. تَنْبِيهٌ: لَوْ تَعَدَّى الْمُسْتَعِيرُ لِلرُّكُوبِ بِنَفْسِهِ وَأَرْدَفَ مَعَهُ شَخْصًا آخَرَ فَحُكْمُهُ فِي التَّفْصِيلِ حُكْمُ زِيَادَةِ الْحَمْلِ. ثُمَّ إنْ عَلِمَ الرَّدِيفُ بِالتَّعَدِّي كَانَ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ غَرِيمَانِ يَتْبَعُ أَيَّهمَا شَاءَ حَيْثُ كَانَ الرَّدِيفُ رَشِيدًا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّعَدِّي فَلَا يَتْبَعُ الرَّدِيفَ إلَّا إنْ أَعْدَمَ الْمُرْدِفُ وَكَانَ الرَّدِيفُ رَشِيدًا. [لُزُومُ الِاسْتِعَارَةُ] قَوْلُهُ: [وَلَزِمَتْ الِاسْتِعَارَةُ الْمُقَيَّدَةُ] إلَخْ: ابْنُ عَرَفَةَ، اللَّخْمِيُّ: إنْ أُجِّلَتْ الْعَارِيَّةُ بِزَمَنٍ أَوْ انْقِضَاءِ أَجَلٍ لَزِمَتْ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تُؤَجَّلْ كَ: أَعَرْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ: هَذِهِ الدَّابَّةَ أَوْ: الدَّارَ، أَوْ: هَذَا الْعَبْدَ، أَوْ الثَّوْبَ، فَفِي صِحَّةِ رَدِّهَا وَلَوْ بِقُرْبِ قَبْضِهَا وَلُزُومِ قَدْرِ مَا تُعَارُ إلَيْهِ. وَثَالِثُهَا: إنْ أَعَارَهُ لِسَكَنٍ أَوْ غَرْسٍ أَوْ يَبْنِي فَالثَّانِي وَإِلَّا فَالْأَوَّلُ، الْأَوَّلُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا مَعَ أَشْهَبَ، وَالثَّانِي لِغَيْرِهِمَا؛ وَالثَّالِثُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدِّمْيَاطِيَّةِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [عَلَى الْمُعْتَمَدِ] : أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ أَشْهَبَ. قَوْلُهُ: [وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ ضَعِيفٌ] : أَيْ حَيْثُ قَالَ: وَإِلَّا فَالْمُعْتَادُ، فَقَدْ مَشَى عَلَى قَوْلِ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ مَحَلَّ قَوْلِهِ: وَإِلَّا فَالْمُعْتَادُ فِيمَا أُعِيرَ لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ فَإِنَّ الْمُعِيرَ يَلْزَمُهُ الْمُعْتَادُ إذَا لَمْ يَدْفَعْ لِلْمُسْتَعِيرِ مَا أَنْفَقَهُ وَإِلَّا فَلَهُ الرُّجُوعُ إنْ دَفَعَ لَهُ مَا أَنْفَقَ مِنْ ثَمَنِ الْأَعْيَانِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: إنْ دَفَعَ

نَحْوِ حُلِيٍّ) مِنْكُمْ لَهُ فَصَدَّقَ وَدَفَعَ لَهُ مَا طَلَبَ فَأَخَذَهُ (وَتَلِفَ) : أَيْ ادَّعَى أَنَّهُ تَلِفَ مِنْهُ (ضَمِنَهُ الْمُرْسَلُ) لَهُ (إنْ صَدَّقَهُ) فِي إرْسَالِهِ. (وَإِلَّا) يُصَدِّقُهُ (حَلَفَ) أَنَّهُ مَا أَرْسَلَهُ (وَبَرِئَ وَضَمِنَ الرَّسُولُ) . وَلَا يَحْلِفُ (إلَّا لِبَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ فُلَانٌ فَالضَّمَانُ حِينَئِذٍ عَلَى مَنْ أَرْسَلَهُ، وَلَا عِبْرَةَ بِيَمِينِهِ الَّذِي حَلَفَهُ. (وَإِنْ اعْتَرَفَ) الرَّسُولُ (بِالتَّعَدِّي) وَأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْهُ أَحَدٌ (ضَمِنَ إنْ كَانَ رَشِيدًا) لَا صَبِيًّا وَلَا سَفِيهًا إذْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا (أَوْ) كَانَ (عَبْدًا) : ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ قِيمَةَ مَا أَنْفَقَهُ، وَهَلْ مَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ خِلَافٌ أَوْ وِفَاقٌ بِحَمْلِ دَفْعِ الْقِيمَةِ إنْ لَمْ يَشْتَرِ الْكَلَفَ بِأَنْ كَانَتْ مِنْ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ طُولِ زَمَنِ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ، أَوْ إنْ كَانَ اشْتِرَاءُ الْأَعْيَانِ بِغَبْنٍ كَثِيرٍ؟ تَأْوِيلَاتٌ أَرْبَعَةٌ: وَاحِدٌ بِالْخِلَافِ، وَثَلَاثَةٌ بِالْوِفَاقِ. قَوْلُهُ: [فَصُدِّقَ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ مِنْ غَيْرِ ضَمِيرٍ فَيَكُونُ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. قَوْلُهُ: [ضَمِنَهُ الْمُرْسَلُ لَهُ] : أَيْ حَيْثُ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى تَلَفِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَحْلِفُ] : أَيْ لَا يُؤْمَرُ بِحَلِفٍ مَعَ الضَّمَانِ خِلَافًا لِلْخَرَشِيِّ الْقَائِلِ إنَّهُ يَحْلِفُ وَلَا يَضْمَنُ. وَمَحَلُّ ضَمَانِ الرَّسُولِ إنْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ إلَّا إذَا اعْتَرَفَ بِالتَّعَدِّي. قَوْلُهُ: [فُلَانٌ] : الْأَوْلَى حَذْفُهُ. قَوْلُهُ: [وَلَا عِبْرَةَ بِيَمِينِهِ الَّذِي حَلَفَهُ] : هَذَا الْكَلَامُ خَالٍ مِنْ التَّحْرِيرِ عَلَى مُقْتَضَى الدَّعَاوَى، فَإِنَّ مُقْتَضَاهَا كَمَا يَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ يَسْأَلُ الْمُرْسِلَ فَإِنْ أَنْكَرَ الْإِرْسَالَ قِيلَ لِلرَّسُولِ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، أَقَامَهَا وَعُمِلَ بِمُقْتَضَاهَا وَيَغْرَمُ الْمُرْسِلُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ يَحْلِفُهَا الْمُرْسِلُ، وَإِنْ عَجَزَ الرَّسُولُ عَنْ الْبَيِّنَةِ حَلَفَ الْمُرْسِلُ وَبَرِئَ وَغَرِمَ الرَّسُولُ، فَإِنْ ادَّعَى الرَّسُولُ بَيِّنَةً بَعْدَ حَلِفِ الْمُرْسِلِ فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا بِدَعْوَى النِّسْيَانِ أَوْ الْبَعْدِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ الصُّلْحِ فَلْيُتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [ضَمِنَ إنْ كَانَ رَشِيدًا] : أَيْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَوَّلًا. قَوْلُهُ: [إذْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا] : أَيْ وَيَضِيعُ الْمَالُ عَلَى الْمُعِيرِ لِتَفْرِيطِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ عَبْدًا] : أَيْ وَاعْتَرَفَ بِالتَّعَدِّي وَهُوَ عَبْدٌ فَلَا يَكُونُ جِنَايَةً فِي رَقَبَتِهِ

[مؤنة أخذ العارية]

أَيْ رَقِيقًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يُبَاعُ لِذَلِكَ بَلْ يُتْبَعُ بِهِ (إنْ عَتَقَ مَا لَمْ يُسْقِطْهُ) عَنْهُ (السَّيِّدُ) قَبْلَ عِتْقِهِ وَإِلَّا سَقَطَ وَلَا يُتْبَعُ بَعْدَهُ. (وَمُؤْنَةُ أَخْذِهَا) : أَيْ الْعَارِيَّةُ مِنْ مَحَلِّ رَبِّهَا إنْ كَانَ يَحْتَاجُ لِمُؤْنَةٍ (وَ) مُؤْنَةُ (رَدِّهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ) . (وَالْعَلَفُ) وَهِيَ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ (عَلَى رَبِّهَا) لَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَقِيلَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَالْقَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ بِلَا تَرْجِيحٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ فِي ذِمَّتِهِ. [مُؤْنَةُ أَخْذِ الْعَارِيَّةُ] [تَتِمَّة ادَّعَى الْآخِذ الْعَارِيَّةِ وَادَّعَى الْمَالِك الْكِرَاء] قَوْلُهُ: [وَقِيلَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ] : أَيْ؛ لِأَنَّ رَبَّهَا فَعَلَ مَعْرُوفًا فَلَا يَلِيقُ أَنْ يُشَدَّدَ عَلَيْهِ. وَالْمُعْتَمَدُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ عَلَفَهَا عَلَى رَبِّهَا. بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُخْدَمِ فَإِنَّ مُؤْنَتَهُ عَلَى مُخْدَمِهِ بِالْفَتْحِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْعَلَفُ هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ مَا يُعْلَفُ بِهِ وَأَمَّا بِالسُّكُونِ وَهُوَ تَقْدِيمُ الطَّعَامِ لِلدَّابَّةِ فَهُوَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ قَوْلًا وَاحِدًا. تَتِمَّةٌ: إنْ ادَّعَى الْآخِذُ الْعَارِيَّةُ وَادَّعَى الْمَالِكُ الْكِرَاءَ فَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ بِيَمِينٍ فِي الْكِرَاءِ وَفِي الْأُجْرَةِ، إنْ ادَّعَى أُجْرَةً تُشْبِهُ، وَإِلَّا رَدَّ لِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَإِنْ نَكَلَ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَعِيرِ بِيَمِينٍ، فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ بِنُكُولِهِ. وَمَحَلُّ كَوْنِ الْقَوْلِ لِلْمَالِكِ مَا لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ يَأْنَفُ مِنْ أَخْذِ أُجْرَةٍ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَعِيرِ بِيَمِينٍ، فَإِنْ نَكَلَ فَلِلْمَالِكِ بِيَمِينٍ، فَإِنْ نَكَلَ فَالْأَظْهَرُ لَا شَيْءَ لَهُ وَكَذَلِكَ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمَالِكِ إذَا تَنَازَعَا فِي زَائِدِ الْمَسَافَةِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ؛ فَإِنْ كَانَ التَّنَازُعُ بَعْدَ سَفَرٍ لِلزَّائِدِ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَعِيرِ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ وَالْكِرَاءِ. وَهَذَا إنْ أَشْبَهَ وَحَلَفَ، وَإِلَّا فَلِلْمُعِيرِ. فَتَأَمَّلْ.

[باب في بيان الغصب وأحكامه]

بَابٌ فِي بَيَانِ الْغَصْبِ وَأَحْكَامِهِ (الْغَصْبُ: أَخْذُ مَالٍ قَهْرًا تَعَدِّيًا بِلَا حِرَابَةٍ) : أَصْلُ هَذَا التَّعْرِيفِ لِابْنِ الْحَاجِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَقَوْلُهُ: " أَخْذُ مَالٍ " جِنْسٌ يَشْمَلُ الْغَصْبَ وَغَيْرَهُ، وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ: أَيْ أَخْذُ آدَمِيٍّ مَالًا، وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ الْمَالِ: الذَّاتُ، فَخَرَجَ بِهِ التَّعَدِّي: وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ كَسُكْنَى دَارٍ وَرُكُوبِ دَابَّةٍ مِنْ اسْتِيلَاءٍ عَلَى ذَاتِ الدَّارِ أَوْ الدَّابَّةِ. وَقَوْلُهُ: " قَهْرًا " خَرَجَ بِهِ الْأَخْذُ اخْتِيَارًا كَعَارِيَّةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي بَيَانِ الْغَصْبِ وَأَحْكَامِهِ] [تَعْرِيف الْغَصْب] بَابٌ: هُوَ لُغَةً أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَخَذَ الشَّيْءَ ظُلْمًا غَصَبَهُ مِنْهُ وَغَلَبَهُ سَوَاءٌ وَالِاغْتِصَابُ مِثْلُهُ (اهـ) فَمَعْنَى الْغَصْبِ لُغَةً أَعَمُّ مِنْهُ شَرْعًا. قَوْلُهُ: [أَيْ أَخْذُ آدَمِيٍّ] : مِثْلُهُ الْجِنِّيُّ إنْ تَشَكَّلَ بِصُورَةِ الْآدَمِيِّ وَفَعَلَ مِثْلَ مَا يَفْعَلُ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْآدَمِيَّ لِكَوْنِهِ الشَّأْنَ، وَإِلَّا فَلَهُمْ مَا لَنَا وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا. قَوْلُهُ: [وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ الْمَالِ الذَّاتُ] : أَيْ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي تَعْرِيفِهِ: أَخْذُ مَالٍ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: [فَخَرَجَ بِهِ التَّعَدِّي] إلَخْ: أَيْ فَلَهُ أَحْكَامٌ تَخُصُّهُ وَسَتَأْتِي فِي قَوْلِهِ " وَالْمُتَعَدِّي غَاصِبُ الْمَنْفَعَةَ " إلَخْ. قَوْلُهُ: [مِنْ اسْتِيلَاءٍ عَلَى ذَاتِ الدَّارِ] إلَخْ: أَيْ وَلَمْ يَكُنْ قَاصِدًا تَمَلُّكَ الذَّاتِ وَإِلَّا كَانَ غَصْبًا لِلذَّاتِ؛ فَمِنْ تَعْلِيلِيَّةٌ لِوَجْهِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ. قَوْلُهُ: [خَرَجَ بِهِ الْأَخْذُ اخْتِيَارًا] : أَيْ كَانَ الْمَأْخُوذُ مَالَ نَفْسِهِ أَوْ مَالَ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ بِدَلِيلِ التَّمْثِيلِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: " كَعَارِيَّةٍ " شَامِلٌ لِأَخْذِ الْمُسْتَعِيرِ مِنْ الْمُعِيرِ، وَلِأَخْذِ الْمُعِيرِ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ.

وَسَلَفٍ وَهِبَةٍ، وَالدَّيْنِ مِنْ الْمَدِينِ الْوَدِيعَةِ وَنَحْوَهَا مَنْ عِنْدَهُ بِالِاخْتِيَارِ. وَقَوْلُهُ: " تَعَدِّيًا " أَخْرَجَ بِهِ أَخْذَ مَا ذَكَرَ قَهْرًا حَيْثُ أَنْكَرَ أَوَّلًا مَنْ هِيَ عِنْدَهُ أَوْ مِنْ غَاصِبٍ وَنَحْوَهُ؛ وَخَرَجَ بِهِ السَّرِقَةُ وَالِاخْتِلَاسُ فَإِنَّ السَّارِقَ حَالَ الْأَخْذِ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ قَهْرٌ. وَبَقِيَتْ الْحِرَابَةُ، فَأَخْرَجَهَا بِقَوْلِهِ: " بِلَا حِرَابَةٍ ". وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ فِيهِ تَرْكِيبَهَا، وَهُوَ تَوَقُّفُ مَعْرِفَةِ الْحَدِّ عَلَى مَعْرِفَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: [وَسَلَفٍ وَهِبَةٍ] : مِثَالَانِ لِأَخْذِ الْمَالِ مِنْ رَبِّهِ. وَقَوْلُهُ: [وَالدَّيْنِ مِنْ الْمَدِينِ الْوَدِيعَةِ] : إلَخْ: مِثَالَانِ لِأَخْذِ مَالِ نَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ: [وَنَحْوَهَا] : أَيْ كَأَخْذِ الرَّهْنِ مِنْ الْمُرْتَهَنِ بَعْدَ خَلَاصِ مَا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [أَخْذُ مَا ذَكَرَ] : أَيْ مِنْ عَارِيَّةٍ، وَدَيْنٍ، الْوَدِيعَةٍ، وَرَهْنٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ مِنْ غَاصِبٍ] : أَيْ بِأَنْ قَدَرَ عَلَى الْغَاصِبِ وَأَخَذَ شَيْئَهُ مِنْ عِنْدَهُ. وَقَوْلُهُ: [وَنَحْوَهُ] : أَيْ كَالْمُتَعَدِّي عَلَى الْمَنْفَعَةِ. قَوْلُهُ: [وَخَرَجَ بِهِ السَّرِقَةُ] إلَخْ: الْمُنَاسِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ تَعَدِّيًا؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ مُحْتَرَزَاتِ الْآخِذِ قَهْرًا. قَوْلُهُ: [وَالِاخْتِلَاسُ] : الْمُخْتَلِسُ: هُوَ الَّذِي يَأْتِي خُفْيَةً وَيَذْهَبُ جَهْرَةً، وَخَرَجَ الْخَائِنُ أَيْضًا: وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي جَهْرَةً وَيَذْهَبُ جَهْرَةً، وَأَمَّا السَّارِقُ: فَهُوَ الَّذِي يَأْتِي خُفْيَةً وَيَذْهَبُ خُفْيَةً. قَوْلُهُ: [فَإِنَّ السَّارِقَ حَالَ الْأَخْذِ] : أَيْ وَمِثْلُهُ الْمُخْتَلِسُ وَالْخَائِنُ. قَوْلُهُ: [لَمْ يَكُنْ مَعَهُ قَهْرٌ] : أَيْ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ تَعَدٍّ. قَوْلُهُ: [وَبَقِيَتْ الْحِرَابَةُ] : أَيْ وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْقُيُودُ تَشْمَلُ الْحِرَابَةَ وَتَنْطَبِقُ عَلَيْهَا أَخْرَجَهَا؛ لِأَنَّهَا أَخْذُ الْمَالِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْغَوْثُ وَأَحْكَامُهَا مُخَالِفَةٌ لِأَحْكَامِ الْغَصْبِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ؛ لِأَنَّ الْمُحَارِبَ يُقْتَلُ أَوْ يُصَلَّبُ أَوْ يُقَطَّعُ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَى مِنْ الْأَرْضِ وَلَا كَذَا الْغَاصِبُ. قَوْلُهُ: [بِأَنَّ فِيهِ تَرْكِيبَهَا] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلَّفِ وَصَوَابُهُ: تَرْكِيبًا، كَمَا هُوَ أَصْلُ النَّصِّ فِي بْن.

[تأديب الغاصب]

حَقِيقَةٍ أُخْرَى لَيْسَتْ بِأَخَصَّ وَلَا أَعَمَّ، أَيْ فَلَا يُعَرَّفُ الْإِنْسَانُ مَثَلًا بِأَنَّهُ حَيَوَانٌ غَيْرُ فَرَسٍ فَلَوْ قَالَ بَدَلَهُ: بِلَا خَوْفِ قَتْلٍ، لَسَلِمَ مِنْ التَّرْكِيبِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا تَعْرِيفٌ رَسْمِيٌّ فَيَكُونُ فِيهِ مَا يُشْعِرُ بِتَمْيِيزِ الْمَحْدُودِ عَنْ غَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَخْذِ: الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ بِالْفِعْلِ، فَمَنْ اسْتَوْلَى عَلَى مَالِ شَخْصٍ بِأَنْ مَنَعَ رَبَّهُ مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يَنْقُلْهُ مِنْ مَوْضِعِهِ فَهُوَ غَاصِبٌ. وَحُرْمَتُهُ مَعْلُومَةٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَلَكِنْ لَمْ يَرِدْ فِيهِ حَدٌّ مَخْصُوصٌ. (وَأُدِّبَ) غَاصِبٌ (مُمَيِّزٌ) وَلَوْ صَبِيًّا بِمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ لِحَقِّ اللَّهِ. وَلَوْ عَفَا عَنْهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ - بِضَرْبٍ أَوْ سَجْنٍ أَوْ هُمَا أَوْ مَعَ نَفْيٍ؛ فَإِنَّ الْغَاصِبَ قَدْ يَكُونُ مَشْهُورًا بِذَلِكَ، ذُو بَغْيٍ وَطُغْيَانٍ وَقَدْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ كَبِيرًا وَقَدْ يَكُونُ صَغِيرًا، فَالْحَاكِمُ لَهُ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ: إنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ لَا يُؤَدَّبُ لِحَدِيثِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» ، فَذَكَرَ فِيهِ الصَّبِيَّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَيُرَدُّ بِأَنَّ تَأْدِيبَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَيْسَتْ بِأَخَصَّ وَلَا أَعَمَّ] : أَيْ بَلْ مُبَايِنَةٌ. قَوْلُهُ: [بِأَنَّهُ حَيَوَانٌ غَيْرُ فَرَسٍ] : أَيْ فَهَذَا التَّعْرِيفُ مِنْ حَقِيقَتَيْنِ مُتَبَايِنَتَيْنِ وَهُوَ مَعِيبٌ عِنْدَهُمْ. قَوْلُهُ: [لَسَلِمَ مِنْ التَّرْكِيبِ] : أَيْ وَتَخْرُجُ الْحِرَابَةُ بِهَذَا الْقَيْدِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْغَوْثُ. قَوْلُهُ: [وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا تَعْرِيفٌ رَسْمِيٌّ] : أَيْ لَا حَدٌّ حَقِيقِيٌّ وَالتَّرْكِيبُ مَعِيبٌ دُخُولُهُ فِي الْحُدُودِ لَا فِي الرُّسُومِ. قَوْلُهُ: [وَلَكِنْ لَمْ يَرِدْ فِيهِ حَدٌّ مَخْصُوصٌ] : أَيْ وَإِنَّمَا فِيهِ الْأَدَبُ بِمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ كَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ. [تَأْدِيب الْغَاصِب] قَوْلُهُ: [وَلَوْ عَفَا عَنْهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ] : أَيْ خِلَافًا لِلْمُتَيْطِيِّ حَيْثُ قَالَ: لَا يُؤَدَّبُ إذَا عَفَا عَنْهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [وَطُغْيَانٍ] : مُرَادِفٌ لِمَا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: [فَذَكَرَ فِيهِ الصَّبِيَّ حَتَّى يَحْتَلِمَ] : أَيْ وَالْمَجْنُونَ حَتَّى يُفِيقَ وَالنَّائِمَ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ.

[ضمان الغاصب]

لِإِصْلَاحِ حَالِهِ كَمَا يُؤَدَّبُ لِلتَّعْلِيمِ وَكَمَا يُؤَدِّبُ الدَّابَّةَ، لِذَلِكَ فَإِنَّ الصَّبِيَّ إذَا قَصَدَ التَّخْلِيطَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ غَيْرِهِ عَمْدًا وَلَمْ يَمْتَثِلْ بِمُجَرَّدِ النَّهْيِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُؤَدَّبُ لِصَلَاحِ حَالِهِ، فَكَذَا إذَا غَصَبَ. (كَمُدَّعِيهِ) : أَيْ كَمَا يُؤَدَّبُ مَنْ ادَّعَى الْغَصْبَ أَوْ السَّرِقَةَ أَوْ نَحْوَهُمَا. (عَلَى صَالِحٍ) مَشْهُورٍ بِذَلِكَ لَا يُشَارُ إلَيْهِ بِهَذَا، وَفِي النَّوَادِرِ: إنَّمَا يُؤَدَّبُ الْمُدَّعِي عَلَى غَيْرِ الْمُتَّهَمِ بِالسَّرِقَةِ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمُشَاتَمَةِ أَمَّا عَلَى وَجْهِ الظُّلَامَةِ فَلَا. وَأَمَّا مَسْتُورُ الْحَالِ فَلَا أَدَبَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَهَلْ يَحْلِفُ لِيَبْرَأَ مِنْ الْغُرْمِ أَوْ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ؟ قَوْلَانِ. وَأَمَّا مَنْ يُشَارُ إلَيْهِ بِذَلِكَ وَلَمْ يَشْتَهِرْ بِهِ فَلَا أَدَبَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَحْلِفُ لِيَبْرَأَ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاسْتَحَقَّ، فَإِنْ اُشْتُهِرَ بِالْعَدَاءِ بَيْنَ النَّاسِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ وَيُهَدَّدُ وَيُضْرَبُ وَيُسْجَنُ، فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى جُحُودِهِ تُرِكَ وَإِنْ اعْتَرَفَ بَعْدَ التَّهْدِيدِ، فَهَلْ يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ لَا؟ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قِيلَ يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: إنْ عَيَّنَ الشَّيْءَ الْمُدَّعَى بِهِ أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَالثَّالِثُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ وَلَوْ عَيَّنَ الشَّيْءَ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ. (وَضَمِنَ) الْغَاصِبُ الْمُمَيِّزُ (بِالِاسْتِيلَاءِ) عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي غَصَبَهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ اُشْتُهِرَ بِالْعَدَاءِ بَيْنَ النَّاسِ] : قَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ الْأَقْسَامَ أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ إمَّا صَالِحٌ، أَوْ مَسْتُورُ حَالٍ، أَوْ فَاسِقٌ يُشَارُ إلَيْهِ بِالْغَصْبِ وَلَمْ يَشْتَهِرْ بِهِ، أَوْ مَشْهُورٌ بِالْغَصْبِ. أَفَادَ الشَّارِحُ أَحْكَامَهَا تَبَعًا لِ (بْن) . قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَحْلِفُ وَيُهَدَّدُ وَيُضْرَبُ] إلَخْ: مُحَصَّلُ كَلَامِ الشَّارِحِ تَبَعًا لِ (بْن) أَنَّ التَّحْلِيفَ وَالتَّهْدِيدَ وَالضَّرْبَ وَالسَّجْنَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْأَقْوَالُ إنَّمَا هِيَ فِي الْمُؤَاخَذَةِ بِالْإِقْرَارِ وَعَدَمِهَا قَالَ بْن وَقَوْلُ ابْنِ عَاصِمٍ: وَإِنْ تَكُنْ دَعْوَى عَلَى مَنْ يُتَّهَمْ ... فَمَالِكٌ بِالسَّجْنِ وَالضَّرْبِ حَكَمْ لَا يُفِيدُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ يَعْنِي مِنْ تِلْكَ الْأَقْوَالِ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ الضَّرْبَ وَمَا مَعَهُ فَهُوَ كَلَامٌ مُجْمَلٌ. [ضَمَانُ الْغَاصِبِ] قَوْلُهُ: [بِالِاسْتِيلَاءِ] : أَيْ يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ بِمُجَرَّدِ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِهِ، وَأَمَّا الضَّمَانُ بِالْفِعْلِ فَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا إذَا حَصَلَ مُفَوِّتٌ.

أَيْ بِمُجَرَّدِهِ، وَلَوْ تَلِفَ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ جِنَايَةِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ؛ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ (وَلَوْ مَاتَ) حَتْفَ أَنْفِهِ (أَوْ قُتِلَ قِصَاصًا) إنْ جَنَى بَعْدَ الْغَصْبِ فَقَتَلَ عَبْدًا مِثْلَهُ، وَأَمَّا لَوْ جَنَى عَلَى مِثْلِهِ فَقَتَلَهُ قَبْلَ الْغَصْبِ فَاقْتُصَّ مِنْهُ بَعْدَهُ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ كَمَا يُفِيدُهُ النَّقْلُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، (أَوْ) قَتَلَ (لِعَدَاءٍ) مِنْهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ إلَّا بِقَتْلِهِ، فَيَضْمَنُهُ الْغَاصِبُ. (كَجَاحِدِ وَدِيعَةٍ) عِنْدَهُ مِنْ رَبِّهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بِهَا بَيِّنَةٌ ثُمَّ هَلَكَتْ وَلَوْ بِسَمَاوِيٍّ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا لِرَبِّهَا؛ لِأَنَّهُ بِجَحْدِهَا صَارَ غَاصِبًا. (وَآكِلٍ) مِنْ طَعَامٍ مَغْصُوبٍ (عَلِمَ) بِأَنَّهُ مَغْصُوبٌ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِرَبِّهِ مَا أَكَلَهُ وَلِرَبِّهِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ بِعِلْمِهِ بِالْغَصْبِ صَارَ غَاصِبًا (كَغَيْرِهِ) : أَيْ كَمَا يَضْمَنُ الْآكِلُ غَيْرُ الْعَالِمِ بِالْغَصْبِ. (وَ) قَدْ (أَعْدَمَ الْمُتَعَدِّي) أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَضْمِينِهِ لِلظُّلْمَةِ، فَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ مَلِيًّا مَقْدُورًا عَلَيْهِ بُدِئَ بِتَغْرِيمِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ] : هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ مِنْ أَنَّ غَيْرَ الْعَقَارِ لَا يَتَقَرَّرُ فِيهِ الضَّمَانُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ، بَلْ حَتَّى يُنْقَلَ. قَوْلُهُ: [فَقَتَلَهُ] : الْمُنَاسِبُ حَذْفُهُ. قَوْلُهُ: [كَمَا يُفِيدُهُ النَّقْلُ] : أَيْ عَنْ النَّوَادِرِ وَقَرَّرَ بِهِ ابْنُ فَرْحُونٍ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ. إذَا عَلِمْت هَذَا فَتَوَقُّفُ عب تَبَعًا لِلْأُجْهُورِيِّ وَالشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيُّ فِيهِ لَا وَجْهَ لَهُ فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَهُوَ ظَاهِرٌ، تَوَرَّكَ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ: [؛ لِأَنَّهُ بِجَحْدِهَا صَارَ غَاصِبًا] : أَيْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ فِي الضَّمَانِ. قَوْلُهُ: [وَآكِلٍ] : بِالْمَدِّ اسْمُ فَاعِلٍ مَعْطُوفٌ عَلَى جَاحِدٍ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ بِعَمَلِهِ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلَّفِ بِتَقْدِيمِ الْمِيمِ عَلَى اللَّامِ، وَالصَّوَابُ تَقْدِيمُ اللَّامِ عَلَى الْمِيمِ. قَوْلُهُ: [صَارَ غَاصِبًا] : أَيْ حُكْمًا مِنْ حَيْثُ الضَّمَانُ. قَوْلُهُ: [أَيْ كَمَا يَضْمَنُ الْآكِلُ غَيْرُ الْعَالِمِ بِالْغَصْبِ] : أَيْ حَيْثُ كَانَ مَلِيًّا وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ أَعْدَمَ الْمُتَعَدِّي إلَخْ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ مَلِيًّا] إلَخْ: مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: " أَعْدَمَ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ

فَإِنْ أَعْسَرَ كَمَا أَعْسَرَ الْغَاصِبُ اتَّبَعَ أَوَّلَهُمَا يَسَارًا، وَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَكَلَامُنَا أَتَمُّ مِنْ كَلَامِهِ. وَأَمَّا مَنْ غَصَبَ حَيَوَانًا فَذَبَحَهُ، فَهَلْ الذَّبْحُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ مُفَوِّتٌ؟ وَهُوَ الَّذِي دَرَجَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَرَجَّحَ، وَعَلَيْهِ فَلِرَبِّهَا تَغْرِيمُهُ الْقِيمَةَ أَوْ أَخْذُهَا مَذْبُوحَةً دُونَ أَرْشِ مَا نَقَصَهَا الذَّبْحُ، هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ ابْنُ الْقَاسِمِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّ مَنْ غَصَبَ قَمْحًا فَطَحَنَهُ فَهُوَ مُفَوِّتٌ وَعَلَيْهِ مِثْلُ الْقَمْحِ، وَمَنْ أَكَلَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ فَوْتِهِ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ، وَهَلْ يَجُوزُ بَعْدَ الْفَوَاتِ الْأَكْلُ مِنْهُ؟ الرَّاجِحُ فِي الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ؛ وَلِذَا أَفْتَى بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِجَوَازِ الشِّرَاءِ مِنْ لَحْمِ الْأَغْنَامِ الْمَغْصُوبَةِ إذَا بَاعَهَا الْغَاصِبُ لِلْجَزَّارِينَ فَذَبَحُوهَا لِأَنَّهُ بِذَبْحِهَا تَرَتَّبَتْ الْقِيمَةُ فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى تَضْمِينِهِ ". قَوْلُهُ [فَإِنْ أَعْسَرَ] : أَيْ الْآكِلُ، وَهُوَ مُحْتَرَزُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَضْمِينِ الْآكِلِ حَيْثُ كَانَ مَلِيًّا وَالْغَاصِبُ مُعْدِمٌ. قَوْلُهُ: [وَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ] : أَمَّا إنْ كَانَ الْأَخْذُ مِنْ الْغَاصِبِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْآكِلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْغَصْبِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْأَخْذُ مِنْ الْآكِلِ فَحَيْثُ أَكَلَ الْجَمِيعَ أَخَذَ مِنْهُ الْجَمِيعَ وَإِنْ أَكَلَ الْبَعْضَ فَبِقَدْرِ أَكْلِهِ. قَوْلُهُ: [أَتَمَّ مِنْ كَلَامِهِ] : أَيْ لِأَنَّ كَلَامَ خَلِيلٍ مُجْمَلٌ، فَإِنَّهُ قَالَ أَوْ أَكَلَ بِلَا عِلْمٍ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا مَنْ غَصَبَ حَيَوَانًا] : مُحْتَرَزُ قَوْلُهُ: " وَأَكَلَ مِنْ طَعَامٍ مَغْصُوبٍ عَلِمَ " فَإِنَّ مَوْضُوعَ مَا تَقَدَّمَ طَعَامٌ أَكَلَهُ الْغَاصِبُ وَمَنْ مَعَهُ بِهَيْئَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا عِنْدَ رَبِّهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَخْذُهَا مَذْبُوحَةً] إلَخْ: وَخِيَرَتُهُ تَنْفِي ضَرَرَهُ. قَوْلُهُ: [وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَنْ غَصَبَ قَمْحًا] إلَخْ: هَذَا يُعَيِّنُ مَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ الطَّعَامَ الْمُتَقَدِّمَ أُكِلَ بِالْهَيْئَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا عِنْدَ صَاحِبِهِ. قَوْلُهُ: [فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ] : أَيْ لِكَوْنِ الْحَرَامِ لَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتَيْنِ. قَوْلُهُ: [الرَّاجِحُ فِي الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ] : أَيْ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ نَاجِي تَبَعًا لِصَاحِبِ الْمِعْيَارِ، وَلَوْ عَلِمَ الْآكِلُ أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَدْفَعُ الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْعِوَضِ

[تنبيه ضمان من ترك باب الدار مفتوحا]

(وَحَافِرِ بِئْرٍ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى جَاحِدِ وَدِيعَةٍ (تَعَدِّيًا) بِأَنْ حَفَرَهَا فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ أَوْ فِي مِلْكِهِ بِقَصْدِ الضَّرَرِ، فَتَرَدَّى فِيهَا شَيْءٌ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَأَمَّا فِي مِلْكِهِ بِلَا قَصْدِ ضَرَرٍ أَوْ فِي الْمَوَاتِ كَذَلِكَ فَهَدَرٌ. (وَمُكْرِهٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ اسْمِ فَاعِلٍ (غَيْرَهُ عَلَى التَّلَفِ) فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَكَذَا مَنْ أَغْرَى ظَالِمًا عَلَى تَلَفِ شَيْءٍ أَوْ أَخْذِهِ مِنْ رَبِّهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ. (وَقُدِّمَ الْمُبَاشِرُ) عَلَى الْمُتَسَبِّبِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ، فَيُقَدَّمُ الْمُكْرَهُ، بِالْفَتْحِ فِي الضَّمَانِ عَلَى الْمُكْرِهِ بِالْكَسْرِ، وَيُقَدَّمُ الظَّالِمُ عَلَى مَنْ دَلَّهُ أَوْ أَغْرَاهُ عَلَى التَّلَفِ وَنَحْوَهُ وَيُقَدَّمُ الْمُرْدِي فِي الْبِئْرِ عَلَى الْحَافِرِ لَهَا. (وَفَاتِحِ حِرْزٍ عَلَى حَيَوَانٍ) طَيْرًا أَوْ غَيْرَهُ (أَوْ غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ حَيَوَانٍ، كَعَسَلٍ وَسَمْنٍ مِنْ الْمَائِعَاتِ أَوْ مِنْ الْجَامِدَاتِ وَتَلِفَ أَوْ ضَاعَ مِنْهُ شَيْءٌ (أَوْ) فَتَحَ حِرْزًا كَقَيْدٍ أَوْ بَابٍ عَلَى (رَقِيقٍ) قُيِّدَ أَوْ غُلِقَ عَلَيْهِ (خَوْفَ إبَاقِهِ) فَإِنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ وَاعْتَمَدَهُ فِي الْحَاشِيَةِ، وَلَكِنْ قَالَ فِي الْأَصْلِ: مَنْ اتَّقَاهُ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ أَيْ لِكَوْنِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ وَفِي الْحَدِيثِ: «وَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ» الْحَدِيثَ. قَوْلُهُ: [فَتَرَدَّى فِيهَا شَيْءٌ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ] : أَيْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْصُودُ بِالْحَفْرِ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا مَنْ أَغْرَى ظَالِمًا] إلَخْ: ظَاهِرُهُ الضَّمَانُ وَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نَفْعُ نَفْسِهِ بِضَرَرِ غَيْرِهِ. [تَنْبِيه ضمان مِنْ ترك بَاب الدَّار مَفْتُوحًا] قَوْلُهُ: [وَيُقَدَّمُ الْمُرْدِي فِي الْبِئْرِ عَلَى الْحَافِرِ لَهَا] : أَيْ إلَّا أَنْ يَحْفِرَهَا لِمُعَيَّنٍ فَرَدَّاهُ فِيهَا غَيْرُهُ فَسِيَّانِ الْحَافِرُ وَالْمُرْدِي فِي الْقِصَاصِ عَلَيْهِمَا فِي الْإِنْسَانِ الْمُكَافِئِ وَضَمَانِ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [خَوْفَ إبَاقِهِ] : مَفْهُومُهُ: أَنَّهُ لَوْ فَتَحَ قَيْدَ عَبْدٍ قُيِّدَ لِنَكَالِهِ فَأَبَقَ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ تَنَازَعَ رَبُّهُ مَعَ الْفَاتِحِ فَادَّعَى رَبُّهُ أَنَّهُ إنَّمَا قَيَّدَهُ لِخَوْفِهِ إبَاقَهُ، وَقَالَ الْفَاتِحُ: إنَّمَا قَيَّدْته لِنَكَالِهِ - وَلَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى صِدْقِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا - فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَمَفْهُومُ: " عَبْدٍ " أَنَّهُ لَوْ فَتَحَ قَيْدَ حُرٍّ قُيِّدَ لِئَلَّا يَأْبَقَ فَذَهَبَ بِحَيْثُ تَعَذَّرَ رُجُوعُهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ دِيَتَهُ دِيَةَ عَمْدٍ. تَنْبِيهٌ: قَالَ التَّتَّائِيُّ مَا نَصُّهُ: وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ، إذَا قُلْتَ لَهُ: أَغْلِقْ

[ضمان المغصوب المثلي]

يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِرَبِّهِ. (إلَّا بِمُصَاحَبَةِ رَبِّهِ) لَهُ حِينَ الْفَتْحِ وَعِلْمِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْفَاتِحِ (إنْ أَمْكَنَهُ) : أَيْ أَمْكَنَ رَبَّهُ (حِفْظُهُ) . (لَا) إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ (كَطَيْرٍ) فَتَحَ عَلَيْهِ أَوْ سَائِلٍ كَمَاءٍ وَعَسَلٍ فَيَضْمَنُ، إذْ لَا يُمْكِنُ عَوْدُ مَا ذَكَرَ عَادَةً (وَدَالِّ لِصٍّ وَنَحْوِهِ) كَظَالِمٍ وَغَاصِبٍ وَمَكَّاسٍ عَلَى مَالٍ فَأَخَذَهُ أَوْ أَتْلَفَهُ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَقُدِّمَ الْمُبَاشِرُ. فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ: " وَقُدِّمَ الْمُبَاشِرُ ". (مِثْلَ الْمِثْلِيِّ) مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ: " ضَمِنَ " (وَلَوْ بِغَلَاءٍ) فَإِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابَ دَارِي فَإِنَّ فِيهَا دَوَابِّي، قَالَ: فَعَلْتُ: وَلَمْ يَفْعَلْ مُتَعَمِّدًا لِلتَّرْكِ حَيْثُ ذَهَبَتْ الدَّوَابُّ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ امْتِثَالُ أَمْرِك، وَكَذَلِكَ قَفَصُ الطَّائِرِ، وَلَوْ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَ الدَّوَابَّ أَوْ الطَّائِرَ الْقَفَصَ وَتَرَكَهُمَا مَفْتُوحَيْنِ وَقَدْ قُلْت لَهُ: أَغْلِقْهُمَا، لَضَمِنَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَاسِيًا؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَتَهُ لِذَلِكَ تُصَيِّرُهُ أَمَانَةً تَحْتَ حِفْظِهِ، وَلَوْ قُلْت لَهُ: صُبَّ النَّجَاسَةَ مِنْ هَذَا الْإِنَاءِ، قَالَ: فَعَلْتَ؛ وَلَمْ يَفْعَلْ، فَصَبَبْت مَائِعًا فَتَنَجَّسَتْ لَا يَضْمَنُ، إلَّا أَنْ يَصُبَّ هُوَ الْمَائِعَ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ قُلْت: اُحْرُسْ ثِيَابِي حَتَّى أَقُومَ مِنْ النَّوْمِ، أَوْ: أَرْجِعَ مِنْ الْحَاجَةِ، فَتَرَكَهَا فَسُرِقَتْ ضَمِنَ لِتَفْرِيطِهِ فِي الْأَمَانَةِ، وَلَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ نَوْمٌ قَهَرَهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَى أَحَدًا يَأْخُذُ ثَوْبَهُ غَصْبًا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ إنْ كَانَ يَخَافُهُ وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ وَكَذَلِكَ يُصَدَّقُ فِي قَهْرِ النَّوْمِ لَهُ. وَلَوْ قَالَ لَك: أَيْنَ أَصُبُّ زَيْتَك؟ فَقُلْت: اُنْظُرْ هَذِهِ الْجَرَّةَ إنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَصُبَّ فِيهَا وَنَسِيَ النَّظَرَ إلَيْهَا وَهِيَ مَكْسُورَةٌ ضَمِنَ؛ لِأَنَّك لَمْ تَأْذَنْ لَهُ إلَّا فِي الصَّبِّ فِي الصَّحِيحَةِ، وَلَوْ قُلْت لَهُ: خُذْ هَذَا الْقَيْدَ فَقَيِّدْ هَذِهِ الدَّابَّةَ، فَأَخَذَ الْقَيْدَ وَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى هَرَبَتْ الدَّابَّةُ، لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّك لَمْ تَدْفَعْ إلَيْهِ الدَّابَّةَ، فَلَوْ دَفَعْت إلَيْهِ الدَّابَّةَ ضَمِنَ، وَكَذَا لَوْ دَفَعْت إلَيْهِ الدَّابَّةَ وَالْعَلَفَ فَتَرَكَ عَلْفَهَا ضَمِنَهَا وَلَوْ دَفَعْت إلَيْهِ الْعَلَفَ وَحْدَهُ فَتَرَكَهَا بِلَا عَلَفٍ حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا وَعَطَشًا لَمْ يَضْمَنْ. وَلَوْ قُلْت: تَصَدَّقْ بِهَذَا عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَتَصَدَّقَ بِهِ وَقَالَ اشْهَدُوا أَنِّي تَصَدَّقْت بِهِ عَنْ نَفْسِي أَوْ عَنْ رَجُلٍ آخَرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَشْهَبَ. وَالصَّدَقَةُ عَنْك؛ لِأَنَّهُ كَالْآلَةِ لَا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ، وَلَوْ قُلْت: سُدَّ حَوْضِي وَصُبَّ فِيهِ رَاوِيَةً، فَصَبَّهَا قَبْلَ السَّدِّ، ضَمِنَ؛ لِأَنَّك لَمْ تَأْذَنْ لَهُ فِي الصَّبِّ إلَّا بَعْدَ السَّدِّ، وَالصَّبُّ قَبْلَهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ (اهـ. شب) . [ضمان الْمَغْصُوب الْمِثْلِيّ] قَوْلُهُ: [مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ ضَمِنَ] : أَيْ ضَمِنَ بِالِاسْتِيلَاءِ الْمِثْلِيِّ إذَا تَعَيَّبَ أَوْ تَلِفَ

غَصَبَهُ وَهُوَ يُسَاوِي عَشْرَةً وَحِينَ التَّضْمِينِ كَانَ يُسَاوِي خَمْسَةً أَوْ عَكْسَهُ أُخِذَ بِمِثْلِهِ وَلَا يُنْظَرُ لِلسِّعْرِ الْوَاقِعِ (وَ) لَوْ انْقَطَعَ الْمِثْلِيُّ كَفَاكِهَةٍ وَغَصَبَهَا فِي إبَّانِهَا ثُمَّ انْعَدَمَتْ (صَبَرَ) وُجُوبًا وَيَقْضِي عَلَيْهِ بِهِ (لِوُجُودِهِ) فِي الْقَابِلِ (وَ) صَبَرَ (لِبَلَدِهِ) أَيْ لِلْبَلَدِ الَّذِي غَصَبَهُ فِيهِ فَيُوَفِّيهِ مِثْلَهُ فِيهَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَغْصُوبُ مَعَ الْغَاصِبِ بَلْ (وَلَوْ صَاحَبَهُ الْغَاصِبُ) بِأَنْ كَانَ الشَّيْءُ الْمَغْصُوبُ مَعَ الْغَاصِبِ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ نَقْلَهُ لِبَلَدٍ آخَرَ فَوْتٌ يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ لَا عَيْنِهِ (وَلَهُ أَخْذُ الثَّمَنِ) أَيْ ثَمَنِ الْمِثْلِيِّ مِنْ الْغَاصِبِ فِي هَذَا الْبَلَدِ (إنْ عَجَّلَ) دَفْعَ الثَّمَنِ وَإِلَّا مُنِعَ لِمَا فِيهِ مِنْ فَسْخِ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ، وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ عَيْنِ شَيْئِهِ حَيْثُ وَجَدَهُ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ بِنَقْلِهِ، فَلَيْسَ لَهُ إلَّا مِثْلُهُ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ إذَا لَمْ يَرْضَ الْغَاصِبُ بِدَفْعِهِ لَهُ: وَرُدَّ بِ " لَوْ " قَوْلُ أَشْهَبَ: بِأَنَّ رَبَّهُ يُخَيَّرُ فِي أَخْذِهِ وَفِي الصَّبْرِ لِبَلَدِ الْغَصْبِ إذَا وَجَدَهُ مَعَهُ، وَظَاهِرُ مَا لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّ نَقْلَهُ لِبَلَدٍ مُفَوِّتٌ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كُلْفَةٌ، بِأَنْ كَانَ شَيْئًا خَفِيفًا كَالْعَيْنِ. قَالَ الْخَرَشِيُّ. وَاعْلَمْ أَنَّ هُنَا أَمْرَيْنِ. الْأَوَّلُ: أَنَّ النَّقْلَ فِي الْمِثْلِيِّ فَوْتٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كُلْفَةٌ، وَأَمَّا فِي الْمُقَوَّمِ فَإِنَّمَا يَكُونُ فَوْتًا إذَا احْتَاجَ لِكَبِيرِ حَمْلٍ كَمَا يَأْتِي، وَعَلَى هَذَا فَالْمَغْصُوبُ مُخَالِفٌ لِلْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا؛ إذْ الْمَبِيعُ بَيْعًا فَاسِدًا إنَّمَا يَفُوتُ بِنَقْلٍ فِيهِ كُلْفَةٌ سَوَاءٌ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ مُقَوَّمًا. الثَّانِي: أَنَّ فَوْتَ الْمِثْلِيِّ يُوجِبُ غُرْمَ مِثْلِهِ، وَفَوْتَ الْمُقَوَّمِ لَا يُوجِبُ غُرْمَ قِيمَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمِثْلِهِ، وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا: إذَا تَعَيَّبَ أَوْ تَلِفَ، احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ كَانَ الْمِثْلِيُّ الْمَغْصُوبُ مَوْجُودًا بِبَلَدِ الْغَصْبِ وَأَرَادَ رَبُّهُ أَخْذَهُ وَأَرَادَ الْغَاصِبُ إعْطَاءَ مِثْلِهِ، فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِعَيْنِ شَيْئِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمِثْلِيَّاتُ لَا تُرَادُ لِأَعْيَانِهَا لَكِنْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمِثْلِيَّاتِ تَتَعَيَّنُ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ كَانَ مَالُهُ حَرَامًا، فَمَتَى تَمَكَّنَ مِنْ عَيْنِ شَيْئِهِ أَخَذَهُ وُجُوبًا. قَوْلُهُ: [؛ لِأَنَّ نَقْلَهُ لِبَلَدٍ آخَرَ فَوْتٌ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كُلْفَةٌ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [إذَا لَمْ يَرْضَ الْغَاصِبُ] : أَيْ فَلَا يَكُونُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا. قَوْلُهُ: [أَنَّ نَقْلَهُ لِبَلَدٍ] أَيْ آخَرَ. قَوْلُهُ: [وَاعْلَمْ أَنَّ هُنَا أَمْرَيْنِ] إلَخْ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُقَوَّمِ وَالْمِثْلِيِّ: أَنَّ الْمِثْلِيَّ لَمَّا كَانَ مِثْلُهُ يَقُومُ مَقَامَهُ اكْتَفَى فِيهِ بِأَدْنَى مُفَوَّتٍ، بِخِلَافِ الْمُقَوَّمِ يُرَادُ لِعَيْنِهِ فَلَا يُفَوَّتُ إلَّا بِنَقْلٍ فِيهِ كُلْفَةٌ.

بَلْ يُوجِبُ التَّخْيِيرَ (انْتَهَى) : وَإِذَا أَوْجَبَ فَوْتُ الْمِثْلِيِّ غُرْمَ الْمِثْلِ، فَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَغْصُوبِ أَنْ يُلْزِمَ الْغَاصِبَ رَدَّ مَالِ صَاحِبِهِ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْغَصْبِ إلَى بَلَدِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: " وَلَا رَدَّهُ " فَهُوَ مَعْلُومٌ مِمَّا قَبْلَهُ الْتِزَامًا وَلَيْسَ بِتَكْرَارٍ كَمَا قِيلَ. (وَ) لَهُ (الْمَنْعُ مِنْهُ) : أَيْ مَنْعُ الْغَاصِبِ مِنْ الْمَغْصُوبِ أَيْ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ إذَا وَجَدَهُ مَعَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ لِفَوَاتِهِ (لِلتَّوَثُّقِ) : عِلَّةٌ لِلْمَنْعِ أَيْ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ لِأَجْلِ أَنْ يَتَوَثَّقَ مِنْهُ (بِكَرَهْنٍ) : يَأْخُذُهُ مِنْهُ. وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ: الْحَمِيلَ، خَشْيَةَ أَنْ يَضِيعَ حَقُّ رَبِّهِ. وَمِثْلُهُ الْمُقَوَّمُ حَيْثُ احْتَاجَ لِكَبِيرِ حَمْلٍ وَلَمْ يَأْخُذْهُ بَلْ اخْتَارَ أَخْذَ قِيمَتِهِ. وَإِذَا مَنَعَهُ لِلتَّوَثُّقِ فَتَصَرُّفُهُ فِيهِ مَرْدُودٌ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ وَهَبَ لَهُ قَبُولُهُ وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهِ بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى يُعْطِيَ لِصَاحِبِهِ الْمِثْلَ أَوْ الْقِيمَةَ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ مَنْعُ الْأَكْلِ مِنْ مَغْصُوبٍ فَاتَ، وَلَزِمَ الْغَاصِبَ قِيمَتُهُ أَوْ مِثْلُهُ حَيْثُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الْقِيمَةَ أَوْ الْمِثْلَ لِرَبِّهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَرُدُّهَا حَتَّى يَرُدَّ بِالْفِعْلِ وَبِهِ جَزَمَ بَعْضُهُمْ؛ وَمُقْتَضَى مَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمُدَوَّنَةِ الْجَوَازُ وَرُجِّحَ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَعَلَيْهِ فَالْوَرَعُ تَرْكُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بَلْ يُوجِبُ التَّخْيِيرَ] : أَيْ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَتَهُ أَوْ يَضْمَنَهُ الْمَغْصُوبَ - كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَهُ الْمَنْعُ مِنْهُ] : أَيْ أَنَّ الْحَاكِمَ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا رُفِعَتْ لَهُ الْحَادِثَةُ أَنْ يَمْنَعَ الْغَاصِبَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمِثْلِيِّ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى يَتَوَثَّقَ مِنْهُ بِرَهْنٍ أَوْ حَمِيلٍ. قَوْلُهُ: [بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ] : أَيْ كَبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ. قَوْلُهُ: [الْجَوَازُ وَرُجِّحَ] : أَيْ كَمَا لِابْنِ نَاجِي تَبَعًا لِصَاحِبِ الْمِعْيَارِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْقِيمَةِ وَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ، وَاعْتَمَدَ هَذَا أَيْضًا فِي الْحَاشِيَةِ، خِلَافًا لِفَتْوَى النَّاصِرِ وَالْقَرَافِيِّ وَصَاحِبِ الْمَدْخَلِ مِنْ الْمَنْعِ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَدْفَعُ قِيمَةً. لَكِنَّ مَحَلَّ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْغَاصِبُ مُسْتَغْرِقًا لِلذِّمَمِ وَجَمِيعُ مَا بِيَدِهِ أَصْلُهَا أَمْوَالُ النَّاسِ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ طَعَامِهِ وَلَا قَبُولُ هَدَايَاهُ بِإِجْمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ لَنَا ذَلِكَ فِي الْحَجْرِ نَقْلًا عَنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ: [فَالْوَرَعُ تَرْكُهُ] : أَيْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الشُّبُهَاتِ وَالْوَرَعُ تَرْكُ الشُّبُهَاتِ خَوْفَ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ.

[ما يفوت به المغصوب]

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا يُفَوِّتُ الْمَغْصُوبَ فَقَالَ: (وَفَاتَ) الْمِثْلِيُّ وَكَذَا الْمُقَوَّمُ (بِتَغَيُّرِ ذَاتِهِ) عِنْدَ الْغَاصِبِ بِهُزَالٍ أَوْ عَرَجٍ أَوْ عَوَرٍ وَنَحْوِهَا، فَأَوْلَى ذَهَابُ عَيْنِهِ بِمَوْتٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ ضَيَاعٍ وَلَوْ بِسَمَاوِيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَنَقْلِهِ) لِبَلَدٍ وَلَوْ لَمْ وَيَكُنْ فِيهِ كُلْفَةٌ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَمَعَ الْكُلْفَةِ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا. (وَدُخُولِ صَنْعَةٍ فِيهِ) : أَيْ فِي الْمَغْصُوبِ (كَنُقْرَةٍ) : أَيْ قِطْعَةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَنُحَاسٍ أَوْ حَدِيدٍ (صِيغَتْ) حُلِيًّا أَوْ آنِيَةً (وَطِينٍ لُبِّنَ) بِضَمِّ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ بِالْكَسْرِ أَيْ جُعِلَ لَبِنًا بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَأَوْلَى الْبِنَاءُ بِهِ (وَقَمْحٍ) مَثَلًا (طُحِنَ) وَدَقِيقٍ عُجِنَ وَعَجِينِ خُبْزٍ، فَإِنَّهُ فَوَاتٌ هُنَا. بِخِلَافِهِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ فَلَمْ يَجْعَلُوهُ نَاقِلًا، فَمَنَعُوا التَّفَاضُلَ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ احْتِيَاطًا لِلرِّبَا، وَهُنَا احْتَاطُوا لِلْغَاصِبِ فَلَمْ يُضَيِّعُوا كُلْفَةَ فِعْلِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ - وَإِنْ ظَلَمَ - لَا يُظْلَمُ: وَقَالَ أَشْهَبُ: إنَّهُ لَا يُنْقَلُ هُنَا كَالرِّبَوِيَّاتِ وَالظَّالِمُ أَحَقُّ بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ (وَحَبٍّ بُذِرَ) وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " زَرْعٌ ". وَمَتَى حَصَلَ فَوَاتٌ فَلَيْسَ لِرَبِّهِ أَخْذُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، بَلْ يَتَعَيَّنُ أَخْذُ مِثْلِهِ إلَّا بِرِضَا الْغَاصِبِ، وَإِنْ كَانَ مُقَوَّمًا خُيِّرَ رَبُّهُ بَيْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا يَفُوتُ بِهِ الْمَغْصُوب] قَوْلُهُ: [وَنَحْوِهَا] : أَيْ كَالطَّحْنِ فِي الْمِثْلِيَّاتِ وَسَيَذْكُرُ أَمْثِلَةَ ذَلِكَ بَعْدُ. قَوْلُهُ: [وَدُخُولِ صَنْعَةٍ] : عَطْفُ خَاصٍّ بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ بِتَغَيُّرِ ذَاتِهِ. قَوْلُهُ: [حُلِيًّا أَوْ آنِيَةً] : أَيْ أَوْ ضُرِبَتْ دَرَاهِمَ. قَوْلُهُ: [وَقَالَ أَشْهَبُ] إلَخْ: كَلَامُهُ وَإِنْ كَانَ وَجِيهًا غَيْرَ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: [وَحَبٍّ بُذِرَ] : الْبَذْرُ إلْقَاءُ الْحَبِّ عَلَى الْأَرْضِ فَمَتَى حَصَلَ وَإِنْ لَمْ يُغَطِّهِ طِينُ الْأَرْضِ كَانَ مُفَوَّتًا. [فَرْعٌ ضمان جَنِين الْحَيَوَان الْحَامِل] قَوْلُهُ: [إلَّا بِرِضَا الْغَاصِبِ] : أَيْ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ، وَأَمَّا مِثْلُ بَذْرِ الْحَبِّ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ مُقَوَّمًا] : حَذَفَ كَانَ مَعَ اسْمِهَا وَأَبْقَى خَبَرَهَا وَهُوَ جَائِزٌ لِقَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ: وَيَحْذِفُونَهَا وَيُبْقُونَ الْخَبَرْ ... وَبَعْدَ إنْ وَلَوْ كَثِيرًا ذَا اشْتُهِرْ

أَخْذِهِ أَوْ أَخْذِ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْغَصْبِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَبَيْضٍ أَفْرَخَ) بَعْدَ غَصْبِهِ، فَلِرَبِّهِ مِثْلُ الْبَيْضِ لَا الْفِرَاخُ (إلَّا) إنْ غَصَبَ (مَا) أَيْ طَيْرًا (بِأَرْضٍ) عِنْدَ الْغَاصِبِ ثُمَّ أَفْرَخَ (إنْ حَضَنَ) الطَّيْرُ الْمَغْصُوبُ بَيْضَ نَفْسِهِ فَالطَّيْرُ وَفِرَاخُهُ لِرَبِّهَا وَأَوْلَى إنْ غَصَبَ الطَّيْرَ وَبَيْضَهُ (وَعَصِيرٍ تَخَمَّرَ) بَعْدَ غَصْبٍ فَلِرَبِّهِ مِثْلُ الْعَصِيرِ لِفَوَاتِهِ بِالتَّخْمِيرِ: (وَإِنْ تَخَلَّلَ) الْعَصِيرُ عِنْدَ الْغَاصِبِ (خُيِّرَ) رَبُّهُ فِي أَخْذِهِ خَلًّا أَوْ مِثْلَ عَصِيرِهِ إنْ عَلِمَ قَدْرَهُ، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ الْمِثْلِيَّ الْجُزَافَ يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ إذَا فَاتَ: فَالنُّقْرَةُ إذَا فَاتَتْ بِالصِّيَاغَةِ وَالطِّينُ إذَا لُبِّنَ وَنَحْوُهُمَا - إذَا لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَهُمَا - فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِلْقِيمَةِ، وَلَا يَرْجِعُ لِلْمِثْلِ إلَّا إذَا عَلِمَ الْقَدْرَ وَزْنًا وَكَيْلًا أَوْ عَدَدًا وَالطِّينُ مِمَّا يُعْلَمُ قَدْرُهُ بِالْكَيْلِ بِنَحْوِ قُفَّةٍ. (وَقِيمَةَ الْمُقَوَّمِ) عَطْفٌ عَلَى " مِثْلَ الْمِثْلِيِّ ": أَيْ وَضَمِنَ قِيمَةَ الْمُقَوَّمِ مِنْ عَرَضٍ أَوْ حَيَوَانٍ (وَ) قِيمَةَ (مَا أُلْحِقَ بِهِ) : أَيْ بِالْمُقَوَّمِ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ إذَا فَاتَ عِنْدَ الْغَاصِبِ (كَغَزْلٍ وَحُلِيٍّ وَآنِيَةٍ) مِنْ مَعْدِنٍ، فَإِنَّهَا إذَا فَاتَتْ بِنَسْجٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَبَيْضٍ أَفْرَخَ بَعْدَ غَصْبِهِ] : يَعْنِي أَنَّ مَنْ غَصَبَ بَيْضًا فَحَضَنَتْهُ دَجَاجَةٌ وَأَفْرَخَ فَعَلَيْهِ مِثْلُ الْبَيْضِ لِرَبِّهِ وَالْفِرَاخُ لِلْغَاصِبِ لِفَوَاتِ الْبَيْضِ بِخُرُوجِ الْفِرَاخِ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [فَالطَّيْرُ وَفِرَاخُهُ لِرَبِّهَا] : أَيْ فَلَا يُعَدُّ إفْرَاخُ بَيْضِهِ مُفَوِّتًا لِتَبَعَتِهِ لِلطَّيْرِ وَالطَّيْرُ لَمْ يَفُتْ. قَوْلُهُ: [وَأَوْلَى إنْ غَصَبَ الطَّيْرَ وَبَيْضَهُ] : أَيْ وَأَفْرَخَ ذَلِكَ الْبَيْضُ عِنْدَهُ بِسَبَبِ حَضْنِ الطَّيْرِ لَهُ فَالْأُمُّ وَالْفِرَاخُ لِرَبِّهِ وَكَذَا إذَا غَصَبَ مِنْ شَخْصٍ. دَجَاجَةً وَبَيْضًا لَيْسَ مِنْهَا وَحَضَنَتْهُ تَحْتَهَا، فَإِنَّ الْأُمَّ وَالْفِرَاخَ لِرَبِّهَا وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْغَاصِبِ، فَإِنْ كَانَا لِشَخْصَيْنِ فَلِرَبِّ الْبَيْضِ مِثْلُهُ وَتَرْجِعُ الدَّجَاجَةُ لِرَبِّهَا وَيَلْزَمُ الْغَاصِبَ كِرَاءُ مِثْلِهَا فِي حَضْنِهَا وَالْفِرَاخُ لِلْغَاصِبِ. فَرْعٌ: لَوْ مَاتَ حَيَوَانٌ حَامِلٌ فَأَخْرَجَ رَجُلٌ مَا فِي بَطْنِهِ مِنْ الْحَمْلِ وَعَاشَ فَالْوَلَدُ لِرَبِّ الْحَيَوَانِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ عِلَاجِ الْمُخْرَجِ كَمَا فِي عب. قَوْلُهُ: [وَإِنْ تَخَلَّلَ الْعَصِيرُ] إلَخْ: أَيْ ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ تَخَمُّرِهِ. قَوْلُهُ: [خُيِّرَ رَبُّهُ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا.

[ضمان المغصوب المقوم]

وَنَحْوَهُ أَوْ بِكَسْرٍ أَوْ صِيَاغَةٍ أُخْرَى. وَأَوْلَى إنْ ضَاعَتْ ذَاتُهَا فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِثْلَهَا بَلْ يَأْخُذُ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا (وَإِنْ) كَانَ الْمَغْصُوبُ (جِلْدَ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ) وَأَوْلَى إنْ دُبِغَ (أَوْ) كَانَ (كَلْبًا مَأْذُونًا فِيهِ) ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ مَا ذُكِرَ عَدَمُ أَخْذِ الْقِيمَةِ بَلْ تَتَعَيَّنُ فِيهَا الْقِيمَةُ قِيَاسًا عَلَى الْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ، إنْ كَانَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَنِينِ، وَأَمَّا الْكَلْبُ غَيْرُ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَلَا قِيمَةَ لَهُ: وَمِثْلُ الْغَاصِبِ مَنْ أَتْلَفَهَا أَوْ عَيَّبَهَا وَلَوْ خَطَأً فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَالْعَمْدُ وَالْخَطَأُ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ. (وَخُيِّرَ رَبُّهُ) : أَيْ رَبُّ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ إذَا كَانَ أَرْضًا (إنْ بَنَى) الْغَاصِبُ عَلَيْهَا. (أَوْ غَرَسَ) فِيهِ شَجَرًا وَسَيَأْتِي الزَّرْعُ فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ فَالْخِيَارُ لِرَبِّهِ لَا لِلْغَاصِبِ (فِي أَخْذِهِ) : أَيْ أَخْذِ مَا غَصَبَ مِنْهُ مِنْ الْأَرْضِ وَمَا فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [ضمان الْمَغْصُوب المقوم] قَوْلُهُ: [بَلْ يَأْخُذُ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا] : أَيْ؛ لِأَنَّ الْمِثْلِيَّ إذَا دَخَلَتْهُ صَنْعَةٌ لَزِمَتْ فِيهِ الْقِيمَةُ فَقَوْلُهُمْ الْمِثْلِيُّ مَا حَصَرَهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ أَوْ عَدٌّ وَلَمْ تَتَفَاوَتْ أَفْرَادُهُ يُقَيَّدُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ مِثْلِيًّا وَدَخَلَتْهُ صَنْعَةٌ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُقَوَّمٌ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ جِلْدَ مَيْتَةٍ] : رُدَّ بِالْمُبَالَغَةِ عَلَى قَوْلِ الْمَبْسُوطِ إنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ وَإِنْ دُبِغَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَذَا فِي بْن. قَوْلُهُ: [مَأْذُونًا فِيهِ] : أَيْ فِي اتِّخَاذِهِ كَكَلْبِ الصَّيْدِ أَوْ الْمَاشِيَةِ أَوْ الْحِرَاثَةِ وَفَوَّتَهُ عَلَى أَرْبَابِهِ بِقَتْلٍ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ، وَلَوْ كَانَ قَتْلُ الْغَاصِبِ لَهُ بِسَبَبِ عَدَائِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ عَنْهُ إلَّا بِالْقَتْلِ لِظُلْمِهِ بِغَصْبِهِ، فَهُوَ الْمُسَلِّطُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَالظَّالِمُ أَحَقُّ بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [قِيَاسًا عَلَى الْغُرَّةِ] : أَيْ عَلَى الْقَضَاءِ بِأَخْذِ الْغُرَّةِ وَهِيَ عُشْرُ دِيَةِ الْأُمِّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ تُسَاوِيهِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَنِينِ] : إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ. قَوْلُهُ: [مَنْ أَتْلَفَهَا أَوْ عَيَّبَهَا] : أَيْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ الْمُتَقَدِّمَةَ، لَكِنْ فِي الْإِتْلَافِ يَلْزَمُ الْقِيمَةُ بِتَمَامِهَا إنْ كَانَ مُقَوَّمًا، وَالْمِثْلُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَفِي التَّعْيِيبِ يَلْزَمُ الْأَرْشُ بِأَنْ يَنْظُرَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَلِيمًا وَمَعِيبًا وَيَلْزَمُهُ مَا بَيْنَهُمَا. [ضمان الْأَرْض وَالْمَبَانِي الْمَغْصُوبَة] قَوْلُهُ: [أَوْ غَرَسَ فِيهِ] : الْمُنَاسِبُ فِيهَا. قَوْلُهُ: [فَالْخِيَارُ لِرَبِّهِ لَا لِلْغَاصِبِ] : أَيْ خِلَافًا لِابْنِ الْقَصَّارِ حَيْثُ قَالَ

مِنْ بِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ (وَدَفْعِ) : أَيْ مَعَ دَفْعِ (قِيمَةِ نَقْضِهِ) بِضَمِّ النُّونِ أَيْ مَنْقُوضِهِ أَيْ قِيمَتِهِ مَنْقُوضًا إنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ بَعْدَ النَّقْضِ لَا مَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَتُرَابٍ وَجِصٍّ وَزَوَّقَهُ بِأَحْمَرَ أَوْ أَخْضَرَ (بَعْدَ سُقُوطِ) أَيْ إسْقَاطِ أُجْرَةِ (كُلْفَةٍ لَمْ يَتَوَلَّهَا) الْغَاصِبُ بِنَفْسِهِ أَوْ خِدْمَةٍ، أَيْ إنْ كَانَ شَأْنُهُ لَا يَتَوَلَّى ذَلِكَ مَعَ تَسْوِيَةِ الْأَرْضِ كَمَا كَانَتْ؛ فَيُقَالُ: مَا يُسَاوِي نَقْضَ هَذَا الْبِنَاءِ أَوْ الشَّجَرِ لَوْ نُقِضَ؟ فَإِذَا قِيلَ: عَشْرَةٌ، قِيلَ: وَمَا أُجْرَةُ مَنْ يَتَوَلَّى الْهَدْمَ وَتَسْوِيَةَ الْأَرْضِ؟ فَإِذَا قِيلَ: أَرْبَعَةٌ، غَرِمَ لِلْغَاصِبِ سِتَّةً، فَإِذَا كَانَ الْغَاصِبُ شَأْنُهُ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ خِدْمَةً غَرِمَ لَهُ الْمَالِكُ جَمِيعَ الْعَشَرَةِ (وَأَمْرِهِ بِتَسْوِيَةِ أَرْضِهِ) مُقَابِلَ قَوْلِهِ " أَخْذِهِ ": أَيْ خُيِّرَ بَيْنَ أَخْذِهِ مَعَ دَفْعٍ. . . إلَخْ وَبَيْنَ أَمْرِهِ بِتَسْوِيَةِ أَرْضِهِ بَعْدَ أَنْ يَهْدِمَ مَا بَنَاهُ أَوْ يَقْلَعَ مَا غَرَسَهُ: (أَوْ جَنَى) عَطْفٌ عَلَى " بَنَى " أَيْ وَخُيِّرَ رَبُّهُ إنْ جَنَى عَلَى الْمَغْصُوبِ (أَجْنَبِيٌّ) : أَيْ غَيْرُ الْغَاصِبِ بَيْنَ أَنْ يَتْبَعَ الْغَاصِبَ أَوْ الْجَانِيَ. (فَإِنْ اتَّبَعَ) رَبُّهُ (الْغَاصِبَ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْغَصْبِ، رَجَعَ) الْغَاصِبُ (عَلَى الْجَانِي بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ قَلَّتْ) عَنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْغَصْبِ (أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخِيَارُ لِلْغَاصِبِ. قَوْلُهُ: [أَيْ مَعَ دَفْعِ قِيمَةِ نَقْضِهِ] : أَيْ فَلَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ أَنْقَاضًا وَبَنَاهَا الْغَاصِبُ فِي أَرْضِهِ فَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ هَدْمُهَا وَلَهُ إبْقَاؤُهَا وَأَخْذُ قِيمَتِهَا، وَكَذَا إذَا غَصَبَ ثَوْبًا وَجَعَلَهُ بِطَانَةً فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ وَإِبْقَاؤُهُ وَتَضْمِينُهُ الْقِيمَةَ. قَوْلُهُ: [كَتُرَابٍ وَجِصٍّ وَزَوَّقَهُ] إلَخْ: أَيْ فَيَأْخُذُهَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِلَا شَيْءٍ، فَإِنْ أَزَالَهَا الْغَاصِبُ غَرِمَ قِيمَتَهَا قَائِمَةً لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا. بِخِلَافِ هَدْمِ الْمُسْتَعِيرِ بِنَاءَهُ أَوْ قَلْعِ غَرْسِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ بِهِ لِلْمُعِيرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مَأْذُونٌ لَهُ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ كَذَا فِي عب. قَوْلُهُ: [إنْ جَنَى عَلَى الْمَغْصُوبِ أَجْنَبِيٌّ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ أَوْ لَا كَجِلْدِ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ أَوْ كَلْبٍ مَأْذُونٍ فِيهِ. قَوْلُهُ: [يَوْمَ الْغَصْبِ] : أَيْ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ ضَمَانِ الْغَاصِبِ. قَوْلُهُ: [يَوْمَ الْجِنَايَةِ] : أَيْ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ ضَمَانِ الْجَانِي.

كَثُرَتْ عَنْهَا) : وَالزَّائِدُ يَكُونُ لَهُ. (وَإِنْ اتَّبَعَ الْجَانِيَ) بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ (فَأَخَذَ أَقَلَّ) مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْغَصْبِ - كَمَا لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ عَشْرَةً وَيَوْمَ الْغَصْبِ خَمْسَةَ عَشَرَ - فَأَخَذَ مِنْ الْجَانِي الْعَشَرَةَ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي تَلْزَمُهُ (رَجَعَ بِالزَّائِدِ) وَهُوَ الْخَمْسَةُ فِي الْمِثَالِ (عَلَى الْغَاصِبِ) . (وَلَهُ) أَيْ لِرَبِّهِ (هَدْمُ بِنَاءٍ) بَنَاهُ الْغَاصِبُ (عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْمَغْصُوبِ، إذَا كَانَ عَمُودًا أَوْ خَشَبَةً أَوْ حَجَرًا فَيَأْخُذُ عَيْنَ شَيْئِهِ بَعْدَ هَدْمِ مَا عَلَيْهِ وَلَهُ تَرْكُهُ وَأَخْذُ قِيمَتِهِ. فَهَذَا فِي غَيْرِ الْأَرْضِ فَجَعْلُهُ شَامِلًا لِلْأَرْضِ - كَمَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ - غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ غَاصِبَ الْأَرْضِ إذَا بَنَى أَوْ غَرَسَ فِيهَا قَدَّمْنَاهُ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِيمَا بَعْدَ هَذَا. (وَ) لَهُ (غَلَّةُ) مَغْصُوبٍ (مُسْتَعْمَلٍ) : إذَا اسْتَعْمَلَهُ الْغَاصِبُ أَوْ أَكْرَاهُ، سَوَاءٌ كَانَ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً أَوْ أَرْضًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ. فَإِذَا لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالزَّائِدُ يَكُونُ لَهُ] : أَيْ لِلْغَاصِبِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الشَّخْصُ لَا يَرْبَحُ فِي مَالِ غَيْرِهِ مَحَلُّهُ غَيْرُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ. قَوْلُهُ: [رَجَعَ بِالزَّائِدِ] : أَيْ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ الْجَانِي كَانَتْ مِنْ حَقِّ الْغَاصِبِ فَآلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الْغَاصِبَ غَارِمٌ لِلْخَمْسَةِ عَشَرَ الَّتِي هِيَ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْغَصْبِ. قَوْلُهُ: [إذَا بَنَى أَوْ غَرَسَ] : الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْغَاصِبِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْغَصْبِ عَلَى حَدِّ {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] . قَوْلُهُ: [قَدَّمْنَاهُ] : أَيْ حُكْمَهُ، فَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ أَيْ فَقَدْ قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ وَخُيِّرَ رَبُّهُ إذَا بَنَى أَوْ غَرَسَ إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَلَهُ غَلَّةُ مَغْصُوبٍ] : الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [عَلَى الْمَشْهُورِ] : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَازِرِيُّ وَشَهَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَالَ ابْنُ عَاشِرٍ: هُوَ الْمَشْهُورُ.

يَسْتَعْمِلْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ فَوَّتَ عَلَى رَبِّهِ اسْتِعْمَالَهُ، إلَّا إذَا نَشَأَ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ كَلَبَنٍ وَصُوفٍ وَثَمَرٍ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَا أَثْمَرَ عِنْدَ الْغَاصِبِ مِنْ نَخْلٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ تَنَاسُلٍ - مِثْلَ الْحَيَوَانِ أَوْ جَزِّ الصُّوفِ أَوْ حَلْبِ اللَّبَنِ - فَإِنَّهُ يَرُدُّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَعَ مَا غَصَبَ. وَمَا أَكَلَهُ رَدَّ الْمِثْلَ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ وَالْقِيمَةَ فِيمَا لَا يُقْضَى فِيهِ بِالْمِثْلِ، فَإِنْ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ وَبَقِيَتْ الْأَوْلَادُ وَمَا جُزَّ وَمَا حُلِبَ، خُيِّرَ رَبُّهَا إنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ الْأُمَّهَاتِ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ وَلَدٍ وَصُوفٍ وَلَبَنٍ وَلَا مِنْ ثَمَنِهِ إنْ بِيعَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْوَلَدَ إنْ كَانَ، أَوْ ثَمَنَ مَا بِيعَ مِنْ صُوفٍ وَلَبَنٍ وَنَحْوَهُ وَمَا أَكَلَ الْغَاصِبُ أَوْ انْتَفَعَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْمِثْلُ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ وَالْقِيمَةُ فِيمَا يُقَوَّمُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْأُمَّهَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ أَمَةً فَبَاعَهَا فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ ثُمَّ مَاتَتْ، فَلَيْسَ لِرَبِّهَا أَنْ يَأْخُذَ أَوْلَادَهَا وَقِيمَةَ الْأُمِّ مِنْ الْغَاصِبِ، وَإِنَّمَا لَهُ أَخْذُ الثَّمَنِ مِنْ الْغَاصِبِ أَوْ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْغَصْبِ أَوْ يَأْخُذُ الْوَلَدَ مِنْ الْمُبْتَاعِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْغَاصِبِ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا إذَا نَشَأَ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ] : مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ: " فَإِذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ". قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَرُدُّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَعَ مَا غُصِبَ] : كُلٌّ مِنْ " يَرُدُّ " " وَغُصِبَ " مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ أَوْ لِلْفَاعِلِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: أَوْ جُزَّ أَوْ حُلِبَ. قَوْلُهُ: [فِيمَا لَا يُقْضَى فِيهِ بِالْمِثْلِ] : أَيْ وَهِيَ الْمِثْلِيَّاتُ الْمَجْهُولَةُ وَسَائِرُ الْمُقَوَّمَاتِ. قَوْلُهُ: [وَمَا جُزَّ وَمَا حُلِبَ] : بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَوْ لِلْمَفْعُولِ. قَوْلُهُ: [مِنْ وَلَدٍ وَصُوفٍ وَلَبَنٍ] : رَاجِعٌ لِلْأَوْلَادِ. وَالْجَزُّ وَالْحَلْبُ عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْوَلَدَ] : أَيْ وَمَا مَعَهُ مِنْ صُوفٍ وَلَبَنٍ. وَقَوْلُهُ: مِنْ صُوفٍ وَلَبَنٍ أَيْ وَوَلَدٍ؛ فَفِي الْكَلَامِ احْتِبَاكٌ. قَوْلُهُ: [وَمَا أَكَلَ الْغَاصِبُ أَوْ انْتَفَعَ] إلَخْ: لَيْسَ هَذَا تَكْرَارًا مَعَ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مُبَيَّنٌ فِيهِ حُكْمُ مَا نَشَأَ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكٍ مَعَ عَدَمِ فَوَاتِ الْأُمَّهَاتِ وَمَا هُنَا بَيَانٌ لِحُكْمِهِ مَعَ فَوَاتِ الْأُمَّهَاتِ. قَوْلُهُ: [وَإِنَّمَا لَهُ أَخْذُ الثَّمَنِ أَوْ الْقِيمَةِ] : أَيْ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَقَوْلُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ ظَرْفٌ لِلْقِيمَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ] : أَيْ عَلَى الْمُبْتَاعِ.

[تنبيه كراء الأرض المغصوبة]

قِيمَةِ الْأُمِّ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُبْتَاعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالثَّمَنِ (اهـ) نَقَلَهُ الْمُحَشِّي فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ لَا مَا نَقَلَهُ الْبَعْضُ هُنَا عَنْ الْكَافِي. (وَ) لَهُ (صَيْدُ عَبْدٍ) صَادَهُ بَعْدَ غَصْبِهِ (وَ) صَيْدُ (جَارِحٍ) مِنْ كَلْبٍ أَوْ طَيْرٍ، وَلِلْغَاصِبِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ وَلَهُ تَرْكُ الصَّيْدِ وَأَخْذُ أُجْرَتِهِمَا مِنْ الْغَاصِبِ. (بِخِلَافِ آلَةٍ؛ كَشَبَكَةٍ) أَوْ شَرَكٍ غَصَبَهُمَا وَاصْطَادَ بِهِمَا، فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الصَّيْدِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الصَّيْدُ، (فَالْكِرَاءُ) : أَيْ أُجْرَةُ الْآلَةِ يَأْخُذُهَا مِنْ الْغَاصِبِ. (كَأَرْضٍ بُنِيَتْ) : أَيْ كَمَا لَوْ غَصَبَ أَرْضًا وَبَنَاهَا أَيْ بَنَى فِيهَا بِنَاءً وَسَكَنَهَا أَوْ أَكْرَاهَا، فَلِرَبِّهَا كِرَاؤُهَا عَلَى الْغَاصِبِ بَرَاحًا لَا مَبْنِيَّةً، فَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ وَلَمْ يُكْرِهَا فَلَا شَيْءَ لِرَبِّهَا إذْ مُجَرَّدُ الْبِنَاءِ لَا يُوجِبُ كِرَاءً. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُبْتَاعُ] : أَيْ حَيْثُ اخْتَارَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَخْذَ الْوَلَدِ. قَوْلُهُ: [نَقَلَهُ الْمُحَشِّي] : مُرَادُهُ بِهِ ر كَمَا هُوَ نَصُّ بْن. قَوْلُهُ: [لَا مَا نَقَلَهُ الْبَعْضُ] : مُرَادُهُ بِهِ عب. [تَنْبِيه كِرَاء الْأَرْض الْمَغْصُوبَة] قَوْلُهُ: [وَلِلْغَاصِبِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ] : ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْكَلْبِ وَالطَّيْرِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْعَبْدِ فَلَا يَظْهَرُ أَنَّ لَهُ أُجْرَةً. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ آلَةٍ كَشَبَكَةٍ] : الْفَرْقُ بَيْنَ غَصْبِ آلَةِ الصَّيْدِ وَغَصْبِ الْعَبْدِ وَالْجَارِحِ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْعَبْدُ وَالْجَارِحُ يُبَاشِرُ الصَّيْدَ بِنَفْسِهِ كَانَ الْمَصِيدُ لِرَبِّهِ، وَأَمَّا الْآلَةُ مِنْ شَبَكَةٍ وَشَرَكٍ فَلَمَّا كَانَ الْمُبَاشِرُ لِلصَّيْدِ بِهَا الْغَاصِبَ جُعِلَ الْمَصِيدُ لَهُ. قَوْلُهُ: [وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الصَّيْدُ] : أَيْ لَهُ فَقَدْ حُذِفَ خَبَرُ يَكُنْ. قَوْلُهُ: [بَرَاحًا لَا مَبْنِيَّةً] : أَيْ وَأَمَّا كِرَاءُ الْبِنَاءِ فَهُوَ لِلْغَاصِبِ. وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا مَضَى قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِوَقْتِ الْقِيَامِ عَلَى الْغَاصِبِ فَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: " وَخُيِّرَ رَبُّهُ إنْ بَنَى أَوْ غَرَسَ " إلَخْ. قَوْلُهُ: [لَا يُوجِبُ كِرَاءً] : أَيْ فَلَا يُعَدُّ اسْتِعْمَالًا مُوجِبًا لِلْأُجْرَةِ خِلَافًا لِلنَّاصِرِ اللَّقَانِيِّ. تَنْبِيهٌ: يُقْضَى لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِكِرَاءِ الْأَرْضِ بَرَاحًا إذَا بُنِيَتْ وَاسْتُعْمِلَتْ سَوَاءٌ كَانَ الْبِنَاءُ إنْشَاءً أَوْ تَرْمِيمًا فَيَشْمَلُ الدَّارَ الْخَرِبَةَ يُصْلِحُهَا الْغَاصِبُ فَيُقَوَّمُ الْأَصْلُ

(وَمَا أَنْفَقَ) الْغَاصِبُ عَلَى الْمَغْصُوبِ؛ كَعَلَفِ الدَّابَّةِ وَمُؤْنَةِ الْعَبْدِ وَكِسْوَتِهِ وَسَقْيِ الْأَرْضِ وَعِلَاجِهَا وَخِدْمَةِ شَجَرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا بُدَّ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ (فَفِي الْغَلَّةِ) : أَيْ يَكُونُ فِي نَظِيرِ الْغَلَّةِ الَّتِي اسْتَغَلَّهَا الْغَاصِبُ مِنْ يَدِ الْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ ظَلَمَ لَا يُظْلَمُ، فَإِنْ تَسَاوَيَا فَوَاضِحٌ، وَإِنْ زَادَتْ النَّفَقَةُ عَلَى الْغَلَّةِ فَلَا رُجُوعَ لِلْغَاصِبِ بِالزَّائِدِ. كَمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا غَلَّةَ لِلْمَغْصُوبِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِالنَّفَقَةِ لِظُلْمِهِ وَإِنْ زَادَتْ الْغَلَّةُ عَلَى النَّفَقَةِ فَلِرَبِّهِ الرُّجُوعُ بِزَائِدِهَا. (وَلَهُ) أَيْ لِرَبِّ الْمَغْصُوبِ (تَضْمِينُهُ) : أَيْ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ قِيمَتَهُ (إنْ وَجَدَهُ) : أَيْ وَجَدَ الْغَاصِبَ (فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ) : أَيْ غَيْرِ مَحَلِّ الْغَصْبِ، بِأَنْ وَجَدَهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ (بِغَيْرِهِ) : أَيْ بِغَيْرِ الْمَغْصُوبِ. وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ إلَى أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ الْإِصْلَاحِ بِمَا يُؤَاجِرُ بِهِ لِمَنْ يُصْلِحُهُ فَيَلْزَمُ الْغَاصِبَ وَالزَّائِدُ لَهُ، كَمَرْكَبٍ نَخِرٍ يَحْتَاجُ لِإِصْلَاحٍ غَصَبَهُ شَخْصٌ فَرَمَّهُ وَأَصْلَحَهُ وَاسْتَعْمَلَهُ، فَيَنْظُرُ فِيمَا كَانَ يُؤَاجِرُ بِهِ لِمَنْ يُصْلِحُهُ فَيَغْرَمُهُ الْغَاصِبُ وَالزَّائِدُ لَهُ بِأَنْ يُقَالَ كَمْ تُسَاوِي أُجْرَتُهُ نَخِرًا لِمَنْ يَعْمُرُهُ وَيَسْتَغِلُّهُ؟ فَمَا قِيلَ لَزِمَ الْغَاصِبَ، فَإِذَا أَخَذَ الْمَالِكُ الْمَرْكَبَ قَضَى لَهُ بِأَخْذِ مَا لَا عَيْنَ لَهُ قَائِمَةٌ لَوْ انْفَصَلَ كَالْقُلْفُطَةِ، وَأَمَّا مَا لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ فَإِنْ كَانَ مُسَمَّرًا بِهَا أَوْ هُوَ نَفْسُ الْمَسَامِيرِ خُيِّرَ رَبُّهَا بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَتَهُ مَنْقُوصًا وَبَيْنَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَطْعِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسَمَّرٍ - كَالصَّوَارِي وَالْمَجَادِيفِ وَالْحِبَالِ - خُيِّرَ الْغَاصِبُ بَيْنَ أَخْذِهَا وَتَرْكِهَا وَأَخْذِ قِيمَتِهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ لَا غِنَى وَلَا يُمْكِنُ سَيْرُهَا لِمَحَلِّ أَمْنِهِ إلَّا بِهَا فَيُخَيَّرُ رَبُّ الْمَرْكَبِ بَيْنَ دَفْعِهِ قِيمَتَهُ بِمَوْضِعِهِ كَيْفَ كَانَ أَوْ يُسَلِّمُهُ لِلْغَاصِبِ (اهـ مِنْ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ وَإِنْ ظَلَمَ لَا يُظْلَمُ] : أَيْ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ مِمَّا أَنْفَقَ وَالْغَلَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ النَّفَقَةُ أَقَلَّ مِنْ الْغَلَّةِ غَرِمَ زَائِدَ الْغَلَّةِ لِلْمَالِكِ، وَإِنْ كَانَتْ النَّفَقَةُ أَكْثَرَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِزَائِدِ النَّفَقَةِ، وَإِنْ تَسَاوَيَا فَلَا يَلْزَمُ أَحَدَهُمَا لِلْآخَرِ شَيْءٌ. قَالَ (بْن) : مَحَلُّ كَوْنِ الْغَاصِبِ لَهُ مَا أَنْفَقَ إذَا كَانَ مَا أَنْفَقَهُ لَيْسَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بُدٌّ؛ كَطَعَامِ الْعَبْدِ وَكِسْوَتِهِ وَعَلَفِ الدَّابَّةِ وَالرَّعْيِ وَسَقْيِ الْأَرْضِ إنْ كَانَ الْمَالِكُ يَسْتَأْجِرُ لَهُ لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَنْ عِنْدَهُ مِنْ الْعَبِيدِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. كَمَا قَالَهُ أَصْبَغُ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ.

[لرب المغصوب تضمين الغاصب قيمته]

يَذْهَبَ لِمَحَلِّ الْغَصْبِ، بِخِلَافِ الْمِثْلِيِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ لِمَحَلِّهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ الرُّجُوعَ مَعَهُ لِمَحَلِّهِ لِيَأْخُذَهُ بِعَيْنِهِ، هَذَا إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَغْصُوبَ مَعَ الْغَاصِبِ (أَوْ) وَجَدَهُ (مَعَهُ وَاحْتَاجَ) الْمَغْصُوبُ فِي رُجُوعِهِ لِمَحَلِّهِ (لِكُلْفَةٍ) وَلَهُ أَخْذُهُ بِلَا أُجْرَةِ حَمْلٍ لَهُ وَخِيَرَتُهُ تَنْفِي ضَرَرَهُ. (وَإِلَّا) بِأَنْ وَجَدَهُ مَعَهُ وَلَا كُلْفَةَ عَلَى رَبِّهِ فِي حَمْلِهِ وَرُجُوعِهِ لِمَحَلِّهِ (أَخَذَهُ) بِعَيْنِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ الْقِيمَةَ. بِخِلَافِ الْمِثْلِيِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ لِمَحَلِّهِ وَلَوْ وَجَدَهُ مَعَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَجَازَ أَنْ يَأْخُذَ ثَمَنَهُ بِشَرْطِ تَعْجِيلِهِ كَمَا مَرَّ. ثُمَّ شَبَّهَ فِي أَخْذِهِ وَعَدَمِ تَغْرِيمِهِ قَوْلَهُ: (كَأَنْ هَزِلَتْ جَارِيَةٌ) بِفَتْحِ الْهَاءِ أَوْ ضَمِّهَا وَكَسْرِ الزَّايِ: أَيْ حَصَلَ لَهَا هُزَالُ سِمَنِهَا، فَلَا يُفِيتُهَا فَيَأْخُذُهَا رَبُّهَا. وَلَيْسَ لَهُ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ الْقِيمَةَ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ الْجِوَارِ لَا تُرَادُ لِلسِّمَنِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [لِرَبِّ الْمَغْصُوبِ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ قِيمَتَهُ] قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْمِثْلِيِّ] : أَيْ الَّذِي يَلْزَمُ فِيهِ الْمِثْلُ وَأَمَّا الْمِثْلُ الْمَجْهُولُ الْقَدْرِ فَهُوَ كَالْمُقَوَّمِ تُقْبَلُ مِنْهُ الْقِيمَةُ فِي أَيِّ مَحَلٍّ وَجَدَهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمِثْلِيِّ الْمَعْلُومِ الْقَدْرِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ الَّذِي يَغْرَمُهُ فِي الْمِثْلِيِّ هُوَ الْمِثْلُ وَرُبَّمَا زَادَ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْغَصْبِ أَوْ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا زِيَادَةَ فِيهِ. قَوْلُهُ: [وَاحْتَاجَ الْمَغْصُوبُ فِي رُجُوعِهِ لِمَحَلِّهِ لِكُلْفَةٍ] : أَيْ بِأَنْ كَانَ عَرَضًا أَوْ رَقِيقًا أَوْ حَيَوَانًا عَلَيْهِ مَكْسٌ مَثَلًا فَقَدْ جَرَى عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ أَنَّ النَّقْلَ فَوْتٌ إنْ احْتَاجَ لِكَبِيرِ حَمْلٍ، خِلَافٌ لِسَحْنُونٍ حَيْثُ قَالَ: إنَّهُ غَيْرُ مُفَوِّتِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ لِرَبِّهِ إلَّا أَخْذُهُ. قَوْلُهُ: [كَمَا تَقَدَّمَ] : أَيْ مِنْ أَنَّ نَقْلَ الْمِثْلِيِّ فَوْتٌ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: [كَمَا مَرَّ] : أَيْ لِمَا فِي التَّأْخِيرِ مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: [وَكَسْرُ الزَّايِ] : رَاجِعٌ لِلْفَتْحِ وَالضَّمِّ. قَوْلُهُ: [؛ لِأَنَّ الْجَوَارِ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلَّفِ بِغَيْرِ يَاءٍ بَعْدَ الرَّاءِ، وَلَعَلَّ الْيَاءَ سَاقِطَةٌ وَالْأَصْلُ أَوْ الْجَوَارِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ} [الرحمن: 24] فَلَا فَرْقَ بَيْنَ جَارِيَةِ الْخِدْمَةِ وَجَارِيَةِ الْمَاءِ.

(أَوْ خَصَاهُ) الْغَاصِبُ: أَيْ خَصَى الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ (فَلَمْ يَنْقُصْ) عَنْ قِيمَتِهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ وَلَيْسَ لَهُ إلْزَامُ الْغَاصِبِ الْقِيمَةَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَقَصَ؛ فَأَمَّا أَنْ يَأْخُذَهُ مَعَ أَرْشِ نَقْصِهِ أَوْ يَأْخُذَ قِيمَتَهُ. (أَوْ نَقَصَ سُوقُهَا) فَلَيْسَ بِفَوَاتٍ وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَخْذُهُ. (أَوْ سَافَرَ بِهَا) : أَيْ بِالذَّاتِ الْمَغْصُوبَةِ (وَرَجَعَتْ) مِنْ السَّفَرِ (بِحَالِهَا) مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ فِي ذَاتِهَا، فَلَيْسَ لَهُ تَضْمِينُ الْقِيمَةِ بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَخْذُهَا؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ السَّفَرِ لَيْسَ بِفَوَاتٍ. (أَوْ أَعَادَ) الْغَاصِبُ (مَصُوغًا) بَعْدَ كَسْرِهِ (لِحَالَتِهِ) الْأُولَى فَلَا ضَمَانَ، وَتَعَيَّنَ أَخْذُهُ (أَوْ كَسَرَهُ) وَلَمْ يُعِدْهُ فَلَا يُفَوِّتُ. (وَ) إذَا أَخَذَهُ (ضَمِنَ) الْغَاصِبُ (النَّقْصَ) : أَيْ أَرْشَ نَقْصِهِ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْأَوَّلُ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ: إنَّهُ مُفَوِّتٌ فَلَهُ تَغْرِيمُهُ الْقِيمَةَ وَمَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ. (وَ) إنْ أَعَادَهُ (لِغَيْرِ حَالَتِهِ) الْأُولَى: (فَالْقِيمَةُ) لِفَوَاتِهِ حِينَئِذٍ. (كَتَغَيُّرِ ذَاتِهِ) عَنْ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ مُفِيتٌ، بِخِلَافِ تَغَيُّرِ السُّوقِ كَمَا مَرَّ (وَلَوْ قَلَّ) التَّغَيُّرُ (وَإِنْ بِسَمَاوِيٍّ) كَكَسْرِ نَهْدِ الْجَارِيَةِ أَوْ هُزَالِ دَابَّةٍ فَأَعْلَى (وَ) حِينَئِذٍ (لَهُ أَخْذُهُ وَأَرْشُ نَقْصِهِ) وَتَرْكُهُ وَأَخْذُ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْغَصْبِ. (لَا) يَضْمَنُ الْغَاصِبُ (إنْ) غَصَبَ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا وَ (أَكَلَهُ رَبُّهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَمْ يَنْقُصْ] : أَيْ بَلْ بَقِيَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ أَوْ زَادَ ثَمَنُهُ خِلَافًا لِابْنِ رُشْدٍ حَيْثُ جَعَلَ الزِّيَادَةَ مِثْلَ النَّقْصِ فَيُخَيَّرُ رَبُّهُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَعَادَ الْغَاصِبُ مَصُوغًا] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَصُوغَ إذَا كَسَرَهُ الْغَاصِبُ وَأَعَادَهُ لِحَالَتِهِ فَلَا يُفَوَّتُ عَلَى رَبِّهِ اتِّفَاقًا، فَإِنْ قَصَّرَهُ وَأَعَادَهُ عَلَى غَيْرِ حَالَتِهِ الْأُولَى فَاتَ اتِّفَاقًا. وَأَمَّا إنْ قَصَّرَهُ وَلَمْ يُعِدْهُ أَصْلًا فَهَلْ يَفُوتُ عَلَى رَبِّهِ أَوْ لَا يَفُوتُ؟ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ، فَالْفَوَاتُ: هُوَ مَا رَجَعَ إلَيْهِ، وَعَدَمُ الْفَوَاتِ هُوَ مَا رَجَعَ عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: [وَأَكَلَهُ رَبُّهُ] : أَيْ قَبْلَ أَنْ يُفَوَّتَ عِنْدَ الْغَاصِبِ بِطَبْخٍ مَثَلًا، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ

[شراء الغاصب للمغصوب وبيعه له]

أَوْ شَرِبَهُ (مُطْلَقًا) ضِيَافَةً أَوْ لَا بِإِذْنِ الْغَاصِبِ أَوْ لَا. (وَمَلَكَهُ) الْغَاصِبُ أَيْ مَلَكَ الْمَغْصُوبَ (إنْ اشْتَرَاهُ) مِنْ رَبِّهِ (أَوْ وَرِثَهُ) عَنْهُ (أَوْ غَرِمَ) لَهُ (قِيمَتَهُ لِتَلَفٍ) أَوْ ضَيَاعٍ ثُمَّ وَجَدَهُ (أَوْ نَقْصٍ) فِي ذَاتِهِ. وَالْمُرَادُ: إنْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْغُرْمِ وَلَوْ لَمْ يَغْرَمْ بِالْفِعْلِ. (وَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ (فِي) دَعْوَى (تَلَفِهِ وَنَعْتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَوَاتِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَى الْغَاصِبِ، وَلَوْ أَكَلَهُ رَبُّهُ ضِيَافَةً؛ فَإِنْ أَكَلَهُ رَبُّهُ بَعْدَ الْفَوَاتِ بِغَيْرِ إذْنِ الْغَاصِبِ ضَمِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ الْقِيمَةَ، فَالْغَاصِبُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ وَقْتَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ، وَرَبُّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْغَاصِبِ وَقْتَ الْأَكْلِ. قَوْلُهُ: [بِإِذْنِ الْغَاصِبِ أَوْ لَا] : فَمَتَى أَكَلَهُ قَبْلَ الْفَوَاتِ لَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ الْغَاصِبُ عَلَى أَكْلِهِ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ خَلِيلٍ ضِيَافَةً؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ إتْلَافَهُ وَالْمُبَاشِرُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ فِي الضَّمَانِ إذَا ضَعُفَ السَّبَبُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ ضَمَانِ الْغَاصِبِ إذَا أَكَلَهُ رَبُّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الطَّعَامُ مُنَاسِبًا لِحَالِ مَالِكِهِ، كَمَا لَوْ هَيَّأَهُ لِلْأَكْلِ لَا لِلْبَيْعِ وَإِلَّا ضَمِنَهُ الْغَاصِبُ لِرَبِّهِ وَيَسْقُطُ عَنْ الْغَاصِبِ مِنْ قِيمَتِهِ قِيمَةُ مَا شَأْنُهُ أَكْلُهُ، كَمَا إذَا كَانَ الطَّعَامُ يُسَاوِي عَشْرَةَ دَرَاهِمَ وَيَكْفِي مَالِكَهُ مِنْ الطَّعَامِ اللَّائِقِ بِهِ مَا يُسَاوِي نِصْفَ دِرْهَمٍ، فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَغْرَمُ لَهُ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ وَنِصْفًا، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَيْدُ إذَا أَكَلَهُ مُكْرَهًا أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ، أَمَّا إنْ أَكَلَهُ طَائِعًا عَالِمًا بِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ. [شِرَاء الْغَاصِب لِلْمَغْصُوبِ وَبَيْعه لَهُ] قَوْلُهُ: [وَمَلَكَهُ الْغَاصِبُ] إلَخْ. أَيْ وَلَوْ غَابَ الْمَغْصُوبُ بِبَلَدٍ آخَرَ إذْ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ الْبَلَدَ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي ضَعْفِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ بَيْعِ الْمَغْصُوبِ لِغَاصِبِهِ رَدُّهُ لِرَبِّهِ وَهُوَ أَحَدُ شِقَّيْ التَّرَدُّدِ فِي قَوْلِ خَلِيلٍ أَوَّلَ بَابِ الْبُيُوعِ. وَهَلْ إنْ رَدَّهُ لِرَبِّهِ مُدَّةً؟ تَرَدَّدَ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَغْصُوبِ لِغَاصِبِهِ إذَا كَانَ غَائِبًا؛ لِأَنَّ ذَاتَ الْمَغْصُوبِ فَاتَتْ بِالْغِيبَةِ عَلَيْهَا وَصَارَ الْوَاجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ إنَّمَا هُوَ الْقِيمَةُ لَا ذَاتُ الْمَغْصُوبِ. قَوْلُهُ: [وَنَعْتِهِ] : أَيْ فَإِذَا غَصَبَ جَارِيَةً وَادَّعَى هَلَاكَهَا وَاخْتُلِفَ فِي صِفَاتِهَا مِنْ كَوْنِهَا بَيْضَاءَ أَوْ سَوْدَاءَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ بِيَمِينِهِ إنْ أَتَى بِمَا يُشْبِهُ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِسَيِّدِهَا إنْ انْفَرَدَ بِالشَّبَهِ، فَإِنْ تَجَاهَلَا الصِّفَةَ فَإِنَّ الْمَغْصُوبَ يُقَدَّرُ مِنْ أَدْنَى الْجِنْسِ،

وَقَدْرِهِ وَجِنْسِهِ بِيَمِينِهِ) إذَا خَالَفَهُ رَبُّهُ (إنْ أَشْبَهَ) فِي دَعْوَاهُ، أَشْبَهَ رَبُّهُ أَمْ لَا. (وَإِلَّا) يُشْبِهُ (فَلِرَبِّهِ) الْقَوْلُ (بِهِ) أَيْ بِيَمِينِهِ. (فَإِنْ ظَهَرَ كَذِبُهُ) : أَيْ كَذِبُ الْغَاصِبِ فِي دَعْوَاهُ مَا ذَكَرَ (فَلِرَبِّهِ الرُّجُوعُ) عَلَيْهِ بِمَا أَخْفَاهُ. (وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ) : أَيْ مِنْ الْغَاصِبِ (وَوَارِثُهُ وَمَوْهُوبُهُ) : أَيْ الْغَاصِبِ (إنْ عَلِمُوا) بِالْغَصْبِ (كَهُوَ) : أَيْ كَالْغَاصِبِ، يَجْرِي فِيهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَغْرَمُ الْغَاصِبُ قِيمَتَهُ عَلَى ذَلِكَ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَإِذَا تَجَاهَلَا الْقَدْرَ أَمَرَهُمَا الْحَاكِمُ بِالصُّلْحِ، فَإِنْ لَمْ يَصْطَلِحَا تُرِكَا حَتَّى يَصْطَلِحَا. قَوْلُهُ: [وَقَدْرِهِ] : أَيْ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ، قَالَ التَّتَّائِيُّ رُبَّمَا يَدْخُلُ فِي تَخَالُفِهِمَا فِي الْقَدْرِ مَسْأَلَتَانِ. الْأُولَى: غَاصِبٌ صُرَّةً ثُمَّ يُلْقِيهَا فِي الْبَحْرِ مَثَلًا وَلَا يَدْرِي مَا فِيهَا؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ بِيَمِينِهِ عِنْدَ مَالِكٍ، ابْنُ نَاجِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِإِمْكَانِ مَعْرِفَةِ مَا فِيهِ بِعِلْمٍ سَابِقٍ أَوْ بِجَسِّهَا، وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ كِنَانَةَ وَأَشْهَبُ: الْقَوْلُ لِرَبِّهَا إنْ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ وَكَانَ مِثْلُهُ يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي تَحْقِيقًا وَالْآخَرُ يَدَّعِي تَخْمِينًا، وَهَذَا مَا لَمْ يَغِبْ الْغَاصِبُ عَلَيْهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي قَوْمٍ أَغَارُوا عَلَى مَنْزِلِ رَجُلٍ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ، فَنَهَبُوا مَا فِيهِ وَشَهِدَتْ النَّاسُ بِالْإِغَارَةِ وَالنَّهْبِ لَا بِأَعْيَانِ الْمَغْصُوبِ فَلَا يُعْطَى الْمُنْتَهَبُ مِنْهُ بِيَمِينِهِ وَإِنْ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُغَارِ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ إنْ أَشْبَهَ وَكَانَ مِثْلُهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [فَلِرَبِّهِ الْقَوْلُ] : الْأَوْضَحُ تَقْدِيمُ الْمُبْتَدَأِ عَلَى الْخَبَرِ. وَكَلَامُهُ صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ: أَنْ يُشْبِهَ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ، أَوْ لَا يُشْبِهَ وَاحِدًا مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: [فَلِرَبِّهِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ] : أَيْ فَإِنْ كَذَّبَ فِي الصِّفَةِ أَوْ الْقَدْرِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِزَائِدِ مَا أَخْفَاهُ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَإِنْ كَذَّبَ فِي دَعْوَى التَّلَفِ أَوْ الضَّيَاعِ نَقَضَ الْبَيْعَ مِنْ أَصْلِهِ وَرَجَعَ فِي عَيْنِ شَيْئِهِ. قَوْلُهُ: [إنْ عَلِمُوا بِالْغَصْبِ] : قَالَ عب: الْمُعْتَبَرُ عِلْمُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ وَعِلْمُ النَّاسِ فِي مَوْهُوبِ الْغَاصِبِ كَمَا لِأَبِي عِمْرَانَ، وَذَكَرَهُ التَّتَّائِيُّ، فَيُتَّبَعُ وَإِنْ كَانَ

مَا جَرَى فِي الْغَاصِبِ مِنْ ضَمَانِ الْمِثْلِيِّ بِمِثْلِهِ وَالْمُقَوَّمِ بِقِيمَتِهِ، وَيَضْمَنُوا الْغَلَّةَ وَالسَّمَاوِيَّ، لِأَنَّهُمْ غُصَّابٌ بِعِلْمِهِمْ الْغَصْبَ وَيَتْبَعُ رَبُّهُ أَيَّهمَا شَاءَ. (وَإِلَّا) يَعْلَمُوا (فَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي) : لِأَنَّهُ صَاحِبُ شُبْهَةٍ لِعَدَمِ الْعِلْمِ. وَالْغَلَّةُ لِذِي الشُّبَهِ لِلْحُكْمِ بِهِ لِرَبِّهِ كَمَا يَأْتِي؛ وَلَا يَرْجِعُ رَبُّهُ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْ. (وَلَا يَضْمَنُ السَّمَاوِيَّ) : أَيْ لَا يَكُونُ غَرِيمًا ثَانِيًا لِلْمَالِكِ بِحَيْثُ يَتْبَعُ أَيَّهمَا شَاءَ، بَلْ الضَّمَانُ فِيهِ عَلَى الْغَاصِبِ، أَيْ ضَمَانُ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْغَصْبِ. وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَضْمَنُ لِبَائِعِهِ الْغَاصِبِ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ. (بِخِلَافِ غَيْرِهِ) : أَيْ غَيْرِ السَّمَاوِيِّ بِأَنْ جَنَى عَلَيْهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَإِنَّهُ يَضْمَنُ اتِّفَاقًا فِي الْعَمْدِ، وَعَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ فِي الْخَطَأِ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَا ضَمَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQخِلَافَ ظَاهِرِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ؛ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ عِلْمُ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا عِلْمُ النَّاسِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَهُ شُبْهَةٌ بِالْمُعَاوَضَةِ فَقَوِيَ جَانِبُهُ. قَوْلُهُ: [وَيَضْمَنُوا الْغَلَّةَ] : مَنْصُوبٌ بِحَذْفِ النُّونِ عَطْفٌ عَلَى " ضَمَانِ " مِنْ قَوْلِهِ: " مِنْ ضَمَانِ الْمِثْلِيِّ "، مِنْ بَابِ عَطْفِ الْفِعْلِ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ فَيُنْصَبُ الْفِعْلُ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ جَوَازًا عَلَى حَدِّ قَوْلِ الشَّاعِرِ: وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي ... أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ قَوْلُهُ: [لِذِي الشُّبَهِ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلَّفِ بِالْجَمْعِ، وَالْمُنَاسِبُ الشُّبْهَةُ بِالْإِفْرَادِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْ] : أَيْ وَالْغَاصِبُ لَا يَضْمَنُ الْغَلَّةَ إلَّا إذَا حَصَلَتْ لَهُ بِتَحْرِيكٍ أَوْ بِغَيْرِ تَحْرِيكٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَضْمَنُ السَّمَاوِيَّ] : أَيْ إذَا كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَثَبَتَ التَّلَفُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَثْبُتْ التَّلَفُ بِبَيِّنَةٍ فِي الْأَوَّلِ، أَوْ ظَهَرَ كَذِبُهُ فِي الثَّانِي فَإِنَّهُ يَغْرَمُ الْقِيمَةَ لِآخِرِ رُؤْيَةٍ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَضْمَنُ لِبَائِعِهِ الْغَاصِبِ الثَّمَنَ] : إنَّمَا كَانَ يَضْمَنُ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَى فَاسِدًا يُضْمَنُ بِالْقَبْضِ. قَوْلُهُ: [أَيْ غَيْرِ السَّمَاوِيِّ] : وَيُحْتَمَلُ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَضْمَنُ] : أَيْ الْمُشْتَرِي لِغَيْرِ الْعَالِمِ. قَوْلُهُ: [وَعَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ فِي الْخَطَأِ] : إنَّمَا قِيلَ بِضَمَانِهِ فِي الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ

[عدم رجوع الغاصب على غيره]

عَلَيْهِ فِيهِ كَالسَّمَاوِيِّ. (لَكِنْ) عِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ إذَا غَرِمَ فِي غَيْرِ السَّمَاوِيِّ (يَبْدَأُ بِالْغَاصِبِ) عِنْدَ وُجُودِهِ مُوسِرًا أَوْ تَرِكَتِهِ إنْ مَاتَ. (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ (فَالْمَوْهُوبُ) لَهُ غَيْرُ الْعَالِمِ بِالْغَصْبِ، يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةِ الْمُقَوَّمِ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ وَأَمَّا الْغَاصِبُ فَيَوْمَ الْغَصْبِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا رُجُوعَ لِغَارِمٍ) مِنْ غَاصِبٍ أَوْ مَوْهُوبٍ (عَلَى غَيْرِهِ) مِمَّنْ لَمْ يَغْرَمْ مِنْهُمَا. فَإِذَا غَرِمَ الْغَاصِبُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمَوْهُوبِ، وَإِذَا غَرِمَ الْمَوْهُوبُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْغَاصِبِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْغَاصِبِ. وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ وَلَوْ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْغَصْبِ عِنْدَ وُجُودِ الْغَاصِبِ مُوسِرًا مَقْدُورًا عَلَيْهِ، فَإِنْ اتَّبَعَهُ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِالثَّمَنِ الَّذِي كَانَ دَفَعَهُ لَهُ، ثُمَّ إذَا غَرِمَ الْمُشْتَرِي لِلْمَالِكِ الثَّمَنَ أَوْ الْقِيمَةَ يَوْمَ جِنَايَتِهِ - وَكَانَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ - رَجَعَ بِالزَّائِدِ عَلَى الْغَاصِبِ إنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا ضَاعَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا وَارِثُ الْغَاصِبِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ تَبْدِئَةٌ بِالْغَاصِبِ، إذْ لَا غَاصِبَ مَعَ الْوَارِثِ. فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ: " لَكِنْ يَبْدَأُ بِالْغَاصِبِ " خَاصٌّ بِمَسْأَلَةِ الْمَوْهُوبِ دُونَ الْمُشْتَرِي وَالْوَارِثِ، كَأَنَّهُ قَالَ: بِخِلَافِ غَيْرِ السَّمَاوِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْخَطَأَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ. قَوْلُهُ: [لَكِنْ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ] : أَيْ عِلْمِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِدَلِيلِ تَفْرِيعِهِ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي الشَّرْحِ. وَقَوْلُهُ: [فِي غَيْرِ السَّمَاوِيِّ] : أَيْ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ عَلَى التَّأْوِيلَيْنِ. قَوْلُهُ: [أَوْ تَرِكَتِهِ] : مَعْطُوفٌ عَلَى " وُجُودِهِ "، وَالْمَعْنَى: يَبْدَأُ بِالْأَخْذِ مِنْ الْغَاصِبِ إنْ كَانَ حَيًّا مُوسِرًا أَوْ تَرِكَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا مُوسِرًا. [عدم رُجُوع الْغَاصِب عَلَى غَيْره] قَوْلُهُ: [أَوْ مَوْهُوبٍ] : أَيْ إذَا غَرِمَ فِي حَالِ تَعَذُّرِ الرُّجُوعِ عَلَى الْغَاصِبِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْمُشْتَرِي] إلَخْ: هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ: " لَكِنْ يَبْدَأُ بِالْغَاصِبِ " إلَخْ، فَإِنَّ مَوْضُوعَهُ فِي الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ إذَا جَنَى عَلَى الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَرْجِعَ؛ عَلَيْهِ إلَى آخِرِ مَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [رَجَعَ] : أَيْ الْمَالِكُ. قَوْلُهُ: [فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ لَكِنْ يَبْدَأُ] إلَخْ: هَذَا الْحَاصِلُ لِمَا تَقَدَّمَ.

فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ كُلٌّ مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ أَوْ مِنْ وَارِثِهِ أَوْ مَوْهُوبِهِ، إلَّا أَنَّ الْغَاصِبَ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَوْهُوبِ فِي الضَّمَانِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ فِي الرُّجُوعِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْغَاصِبِ. وَلَا يَتَأَتَّى فِي وَارِثِهِ تَبْدِئَةٌ بِغَاصِبٍ لِمَوْتِهِ وَلَا فِي تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْوَارِثَ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا وَمِنْهَا الْمَغْصُوبُ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ضَمِيرَ " غَيْرِهِ " فِي قَوْلِهِ: " خِلَافَ غَيْرِهِ " يَعُودُ عَلَى الْمُشْتَرِي: أَيْ فَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي؛ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُشْتَرِي مِنْ وَارِثٍ وَمَوْهُوبٍ فَإِنَّهُ لَا غَلَّةَ لَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْغَصْبِ. أَمَّا الْوَارِثُ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ مَاتَ الْغَاصِبُ وَتَرَكَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِيرَاثًا فَاسْتَغَلَّهَا وَلَدُهُ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَغَلَّتُهَا لِلْمُسْتَحِقِّ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَا غَلَّةَ لِلْوَارِثِ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ اتِّفَاقًا (اهـ) . وَسَوَاءٌ انْتَفَعَ لِنَفْسِهِ أَوْ أَكْرَى لِغَيْرِهِ. وَأَمَّا مَوْهُوبُ الْغَاصِبِ فَلَا غَلَّةَ لَهُ إذَا تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهَا وَإِذَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِهَا فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ. وَأَمَّا لَوْ تَيَسَّرَ الرُّجُوعُ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ أُخِذَتْ مِنْهُ وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِهَا عَلَى الْمَوْهُوبِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: " لَكِنْ يَبْدَأُ بِالْغَاصِبِ " إلَخْ؛ فَقَوْلُنَا: " بِخِلَافِ غَيْرِهِ " إلَخْ مِنْ الْكَلَامِ الْمُوَجَّهِ. وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْغَاصِبِ وَوَارِثَهُ وَمَوْهُوبَهُ؛ إنْ عَلِمُوا بِالْغَصْبِ فَغُصَّابٌ يَجْرِي فِيهِمْ جَمِيعُ مَا جَرَى فِيهِ حَتَّى قَوْلُهُ: " وَالْقَوْلُ لَهُ فِي تَلَفِهِ " إلَخْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ضَمِيرَ غَيْرِهِ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْأَحْسَنُ، فَكَانَ الْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ فِي الْحَلِّ مَعَ الْحَاصِلِ الْآتِي وَيُتْرَكُ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ مَا تَقَدَّمَ فِيهِ تَعْقِيدٌ وَتَكْرَارٌ لَا يَخْفَى. قَوْلُهُ: [فَلَا غَلَّةَ لَهُ] إلَخْ: الْأَوْضَحُ فِي الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ: وَأَمَّا مَوْهُوبُ الْغَاصِبِ فَلَا يَفُوزُ بِالْغَلَّةِ إذَا تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ، إلَى آخِرِ مَا قَالَ. قَوْلُهُ: [وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِهَا عَلَى الْمَوْهُوبِ] : أَيْ فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَفُوزُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِالْغَلَّةِ. قَوْلُهُ: [مِنْ الْكَلَامِ الْمُوَجَّهِ] : أَيْ الْمُحْتَمِلِ لِمَعْنَيَيْنِ عَلَى حَدِّ سَوَاءٍ عَلَى حَدِّ قَوْلِ الشَّاعِرِ: خَاطَ لِي عَمْرٌو قُبَاءْ ... لَيْتَ عَيْنَيْهِ سَوَاءْ وَالْحَالُ أَنَّ عَمْرًا كَانَ أَعْوَرَ لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْأَوْلَى فِي الِاحْتِمَالَيْنِ الثَّانِي. قَوْلُهُ: [وَوَارِثَهُ وَمَوْهُوبَهُ] : بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى الْمُشْتَرِي.

وَيَضْمَنُوا السَّمَاوِيَّ وَغَيْرَهُ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا فَلَا يَضْمَنُوا السَّمَاوِيَّ وَضَمِنُوا غَيْرَهُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ، هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَغْصُوبِ. وَإِذَا قُلْنَا بِضَمَانِهِمْ فَفِي الْمُشْتَرِي يُخَيَّرُ الْمُسْتَحِقُّ بَيْنَ الرُّجُوعِ عَلَى الْغَاصِبِ أَوْ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ عَلِمَ بِالْغَصْبِ. فَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَفِي الْمَوْهُوبِ يُقَدَّمُ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ. وَفِي الْوَارِثِ لَا يُعْقَلُ تَقْدِيمُ الْغَاصِبِ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْغَلَّةِ فَالْمُشْتَرِي غَيْرُ الْعَالِمِ يَخْتَصُّ بِهَا فَلَا رُجُوعَ لِلْمَالِكِ بِهَا عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْغَاصِبِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا الْوَارِثُ فَلَيْسَ لَهُ غَلَّةٌ. وَأَمَّا الْمَوْهُوبُ فَلَا غَلَّةَ لَهُ إنْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ، وَإِلَّا أُخِذَتْ مِنْ الْغَاصِبِ وَمَنْ غَرِمَهَا مِنْهُمَا فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْآخَرِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ الرُّجُوعِ بِالْغَلَّةِ عَلَى غَاصِبٍ أَوْ مَوْهُوبٍ أَوْ وَارِثٍ حَيْثُ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً، فَإِنَّ رَبَّهَا إذَا أَخَذَهَا فَلَهُ أَخْذُ غَلَّتِهَا مَعَهَا. وَأَمَّا إنْ فَاتَتْ وَأَرَادَ بِهَا تَضْمِينَ مَنْ ذُكِرَ قِيمَتَهَا فَلَا غَلَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَيَضْمَنُوا السَّمَاوِيَّ] : مَعْطُوفٌ عَلَى مَدْخُولِ حَتَّى فَهُوَ مَنْصُوبٌ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ لِعَطْفِهِ عَلَى الِاسْمِ الْخَالِصِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَضْمَنُوا السَّمَاوِيَّ] : الْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ جَزْمٍ جَوَابُ الشَّرْطِ وَحُذِفَتْ النُّونُ تَخْفِيفًا. قَوْلُهُ: [فَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي] : أَيْ بِالْقِيمَةِ أَوْ الثَّمَنِ. قَوْلُهُ: [عَلَى مَا تَقَدَّمَ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ اتَّبَعَهُ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِالثَّمَنِ الَّذِي كَانَ دَفَعَهُ لَهُ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْغَلَّةِ] : مُقَابِلُ قَوْلِهِ هُنَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَغْصُوبِ. قَوْلُهُ: [فَلَا رُجُوعَ لِلْمَالِكِ بِهَا عَلَيْهِ] : أَيْ؛ لِأَنَّهُ ذُو شُبْهَةٍ. وَقَوْلُهُ: [وَلَا عَلَى الْغَاصِبِ] : أَيْ لِكَوْنِهِ لَمْ يُبَاشِرْ الْأَخْذَ. قَوْلُهُ: [فَلَيْسَ لَهُ غَلَّةٌ] : أَيْ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْغَاصِبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. قَوْلُهُ: [فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْآخَرِ] : أَيْ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ غَلَّةِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ غَيْرِ الْعَالِمِ وَغَلَّةِ الْمَوْهُوبِ غَيْرِ الْعَالِمِ: أَنَّ الْمَوْهُوبَ خَرَجَ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ فَضَعُفَتْ شُبْهَةُ الْمَوْهُوبِ لَهُ. قَوْلُهُ: [وَاعْلَمْ] إلَخْ: دُخُولٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ قِيمَةٍ وَغَلَّةٍ.

[تعريف التعدي وأحكامه]

لِرَبِّهَا بَلْ لِلْغَاصِبِ أَوْ وَارِثِهِ أَوْ مَوْهُوبِهِ. (وَلَا يَجْمَعُ) الْمَالِكُ (بَيْنَ) أَخْذِ (قِيمَةٍ وَغَلَّةٍ) : بَلْ إمَّا أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ وَلَا غَلَّةَ لَهُ - وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْقِيمَةِ إلَّا إذَا فَاتَتْ - وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَهَا مَعَ غَلَّتِهَا إنْ اُسْتُغِلَّتْ لِغَيْرِ مُشْتَرٍ بِلَا عِلْمٍ، وَلَا يُعَوَّلُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا. هَذَا حُكْمُ الْغَاصِبِ وَهُوَ مَنْ اسْتَوْلَى عَلَى ذَاتِ شَيْءٍ تَعَدِّيًا بِنِيَّةِ تَمَلُّكِهَا بِلَا مُقَابَلَةٍ وَمِثْلُهُ السَّارِقُ وَالْمُحَارِبُ فِي الضَّمَانِ الْمَذْكُورِ. وَأَمَّا الْمُتَعَدِّي فَلَهُ أَحْكَامٌ تَخُصُّهُ. (وَالْمُتَعَدِّي غَاصِبُ الْمَنْفَعَةِ) لَا الذَّاتِ (أَوْ الْجَانِي عَلَى بَعْضٍ) : أَيْ جُزْءِ الذَّاتِ؛ كَأَنْ يَجْنِيَ عَلَى يَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوْ عَيْنِهَا (أَوْ) عَلَى (كُلٍّ بِلَا نِيَّةِ تَمَلُّكٍ) لِذَاتِهَا؛ كَأَنْ يَحْرِقَهَا أَوْ يَقْتُلَهَا أَوْ يَكْسِرَهَا أَوْ يَحْبِسَهَا، وَمِنْهُ تَعَدِّي الْمُكْتَرِي أَوْ الْمُسْتَعِيرِ الْمَسَافَةَ بِلَا إذْنٍ، وَذَهَابُهُ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ الْمَأْذُونِ فِيهَا. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: التَّعَدِّي هُوَ التَّصَرُّفُ فِي شَيْءٍ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ دُونَ قَصْدِ تَمَلُّكِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا يَجْمَعُ الْمَالِكُ بَيْنَ أَخْذِ قِيمَةٍ وَغَلَّةٍ] : أَيْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْقِيمَةِ إلَّا إذَا فَاتَتْ] : فَإِنْ كَانَ فَوَاتُهَا بِيَدِ الْغَاصِبِ تَعَيَّنَتْ الْقِيمَةُ عَلَيْهِ لَا غَيْرُ، وَلَا يَلْزَمُ مَوْهُوبَهُ وَلَا الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَا عَالِمَيْنِ، وَإِنْ فَاتَتْ بِيَدِ غَيْرِهِ جَرَتْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [هَذَا حُكْمُ الْغَاصِبِ] : اسْمُ الْإِشَارَةِ عَائِدٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَوَّلِ الْبَابِ إلَى هُنَا. [تَعْرِيف التَّعَدِّي وَأَحْكَامه] قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْمُتَعَدِّي] : عَقَّبَهُ بِالْغَصْبِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِي كُلٍّ تَصَرُّفًا فِي الشَّيْءِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ شَرَعَ فِيهَا فَقَالَ: قَوْلُهُ: [أَوْ عَلَى كُلٍّ بِلَا نِيَّةِ تَمَلُّكٍ] : أَيْ فَحَقِيقَةُ التَّعَدِّي أَلَا يَكُونَ مَعَهُ تَمَلُّكٌ سَوَاءٌ جَنَى عَلَى الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ. قَوْلُهُ: [أَوْ الْمُسْتَعِيرُ الْمَسَافَةَ] : أَيْ الْمُشْتَرَطَةَ، وَإِنَّمَا كَانَ تَعَدِّي الْمَسَافَةِ تَعَدِّيًا عَلَى الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّعَدِّي الرُّكُوبُ وَالِاسْتِعْمَالُ الَّذِي هُوَ الْمَنْفَعَةُ وَالذَّاتُ تَابِعَةٌ لَا مَقْصُودَةٌ بِالتَّعَدِّي.

(وَلَا يَضْمَنُ) الْمُتَعَدِّي (السَّمَاوِيَّ) بِخِلَافِ الْغَاصِبِ (بَلْ) يَضْمَنُ (غَلَّةَ الْمَنْفَعَةِ) الَّتِي أَفَاتَهَا عَلَى رَبِّهِ (وَلَوْ لَمْ يَسْتَعْمِلْ) : فَأَوْلَى إنْ اسْتَعْمَلَ؛ بِأَنْ رَكِبَ أَوْ سَكَنَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ غَلَّةَ مَا اسْتَعْمَلَ بِالْفِعْلِ. (إلَّا الْحُرَّ) إذَا تَعَدَّى عَلَيْهِ، فَلَا يَضْمَنُ غَلَّتَهُ إلَّا إذَا اسْتَعْمَلَهُ، لَا إنْ حَبَسَهُ حَتَّى فَاتَهُ عَمَلٌ مِنْ تِجَارَةٍ أَوْ خِدْمَةٍ أَوْ صَنْعَةٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ. (وَ) إلَّا (الْبُضْعَ) إذَا تَعَدَّى عَلَيْهِ (فِيهِ) : أَيْ فَبِالِاسْتِعْمَالِ بِالْفِعْلِ يَضْمَنُ فِي وَطْءِ الْحُرَّةِ مَهْرَ مِثْلِهَا وَفِي الْأَمَةِ مَا نَقَصَهَا الْوَطْءُ لَا إنْ لَمْ يَطَأْ وَحَبَسَهَا عَنْ عَمَلٍ أَوْ تَزْوِيجٍ بِهَا أَوْ حَمَلَهَا مِنْ زَوْجِهَا أَوْ سَيِّدِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (كَالْغَصْبِ) : لَا يَضْمَنُ فِيهِ غَلَّةً إلَّا إذَا اسْتَعْمَلَ. (وَإِنْ تَعَدَّى الْمَسَافَةَ) الْمَأْذُونَةَ (مُسْتَعِيرٌ أَوْ مُسْتَأْجِرٌ) لِدَابَّةٍ (بِيَسِيرٍ، فَالْكِرَاءُ) عَلَيْهِ لِذَلِكَ الزَّائِدِ وَلَا خِيَارَ لِرَبِّهَا (إنْ سَلِمَتْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْغَاصِبِ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ التَّعَدِّيَ وَالْغَصْبَ يَفْتَرِقَانِ فِي أُمُورٍ: مِنْهَا: أَنَّ الْفَسَادَ الْيَسِيرَ مِنْ الْغَاصِبِ يُوجِبُ لِرَبِّهِ أَخْذَ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ إنْ شَاءَ وَالْفَسَادُ الْيَسِيرُ مِنْ الْمُتَعَدِّي لَيْسَ لِرَبِّهِ إلَّا أَخْذُ أَرْشِ النَّقْصِ الْحَاصِلِ بِهِ، وَمِنْهَا: أَنَّ الْمُتَعَدِّيَ لَا يَضْمَنُ السَّمَاوِيَّ وَالْغَاصِبُ يَضْمَنُهُ، وَمِنْهَا: أَنَّ الْمُتَعَدِّي يَضْمَنُ غَلَّةَ مَا اسْتَعْمَلَ وَمَا عَضَلَ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ فَإِنَّمَا يَضْمَنُ غَلَّةَ مَا اسْتَعْمَلَ كَمَا مَرَّ، وَاسْتَظْهَرَ فِي الْحَاشِيَةِ أَنَّ وَثِيقَةَ الْأَرْيَافِ أَقْرَبُ لِلتَّعَدِّي مِنْ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ التَّمَلُّكَ الْمُطْلَقَ، لَكِنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التَّعَدِّي عَلَى الْمَنْفَعَةِ الَّتِي لَا تُضْمَنُ فِيهِ الذَّاتُ بِالسَّمَاوِيِّ، بَلْ تُضْمَنُ وَلَا غَلَّةَ إلَّا بِالِاسْتِيفَاءِ، وَمَحَلُّ قَوْلِهِمْ: التَّعَدِّي يُوجِبُ ضَمَانَ الْغَلَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُسْتَوْفَ إذَا كَانَ التَّعَدِّي عَلَى خُصُوصِ الْمَنْفَعَةِ، نَعَمْ التَّعَيُّبُ الْيَسِيرُ فِيهِ الْأَرْشُ لَا الْقِيمَةُ كَمَا فِي الْغَصْبِ فَلْيُنْظَرْ (اهـ) . قَوْلُهُ: [فَلَا شَيْءَ فِيهِ] : أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. تَنْبِيهٌ: مَنْ بَاعَ حُرًّا وَتَعَذَّرَ رُجُوعُهُ لَزِمَتْهُ دِيَتُهُ لِأَهْلِهِ دِيَةَ عَمْدٍ، وَسَوَاءٌ تَحَقَّقَ مَوْتُهُ أَمْ لَا قَالَ ح: وَيُضْرَبُ أَلْفَ سَوْطٍ وَيُحْبَسُ سَنَةً فَإِنْ رَجَعَ الْحُرُّ رَجَعَتْ لِبَائِعِهِ الدِّيَةُ.

وَإِلَّا) تَسْلَمْ بِأَنْ عَطِبَتْ أَوْ تَعَدَّى بِكَثِيرٍ مُطْلَقًا (خُيِّرَ فِيهِ) : أَيْ فِي أَخْذِ كِرَاءِ الزَّائِدِ. (وَفِي) أَخْذِ (قِيمَتِهِ) أَيْ الشَّيْءِ الْمُسْتَعَارِ أَوْ الْمُسْتَأْجَرِ (وَقْتَهُ) : أَيْ وَقْتَ تَعَدِّي الْمَسَافَةِ؛ فَالْكِرَاءُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالتَّخْيِيرُ فِي ثَلَاثَةٍ إذَا تَعَدَّى فِي الْمَسَافَةِ. وَشَبَّهَ فِي الْخِيَارِ صُورَةً وَاحِدَةً، إذَا تَعَدَّى بِزِيَادَةِ الْحِمْلِ بِقَوْلِهِ: (كَزِيَادَةِ حِمْلٍ تَعْطَبُ بِهِ) أَيْ الشَّأْنُ الْعَطَبُ بِهِ (وَعَطِبَتْ) بِالْفِعْلِ؛ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِ كِرَاءِ الزَّائِدِ وَقِيمَتِهَا وَقْتَهُ. (وَإِلَّا) بِأَنْ سَلِمَتْ أَوْ زَادَ عَلَيْهَا مَا لَا تَعْطَبُ بِهِ عَطِبَتْ أَمْ لَا (فَالْكِرَاءُ) : أَيْ كِرَاءُ الزَّائِدِ فِي الثَّلَاثَةِ. ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْمُتَعَدِّي يَضْمَنُ قِيمَةَ السِّلْعَةِ فِي الْفَسَادِ الْكَثِيرِ - إنْ شَاءَ مَالِكُهَا - دُونَ الْيَسِيرِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ نَقْصَهَا فَقَطْ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ أَفَاتَ) الْمُتَعَدِّي بِتَعَدِّيهِ (الْمَقْصُودَ) مِنْ الشَّيْءِ الَّذِي تَعَدَّى عَلَيْهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً (كَقَطْعِ ذَنَبِ دَابَّةِ ذِي هَيْبَةٍ) : أَيْ حِشْمَةٍ وَوَقَارٍ كَأَمِيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَالْكِرَاءُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ] : هِيَ مَا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ يَسِيرَةً وَسَلِمَتْ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّعَدِّي فِي الْعَارِيَّةِ وَالِاسْتِئْجَارِ، لَكِنْ فِي الْعَارِيَّةِ كِرَاءُ الزَّائِدِ فَقَطْ، وَفِي الْإِجَارَةِ كِرَاءُ الزَّائِدِ مَعَ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَالتَّخْيِيرُ فِي ثَلَاثَةٍ] : هِيَ مَا إذَا عَطِبَتْ فِي الْيَسِيرِ أَوْ زَادَ كَثِيرًا عَطِبَتْ أَمْ لَا، وَقَدْ تَرَكَ صُورَتَيْنِ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِمَا، وَهُمَا: إذَا تَعَيَّبَتْ فِي التَّعَدِّي الْيَسِيرِ أَوْ الْكَثِيرِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ لَهُ الْأَكْثَرَ مِنْ كِرَاءِ الزَّائِدِ وَأَرْشِ الْعَيْبِ. قَوْلُهُ: [كَزِيَادَةِ حِمْلٍ تَعْطَبُ] : هَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ طَرِيقَةً لِابْنِ يُونُسَ، وَأَمَّا طَرِيقَةُ ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ فَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا بِجَعْلِ زِيَادَةِ الْحِمْلِ كَزِيَادَةِ الْمَسَافَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا هُنَا. قَوْلُهُ: [فِي الثَّلَاثَةِ] : هِيَ سَلَامَتُهَا فِيمَا إذَا زَادَ مَا تَعْطَبُ بِهِ أَوْ زَادَ مَا لَا تَعْطَبُ بِهِ عَطِبَتْ أَمْ لَا، وَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ: " أَمْ لَا " صُورَةٌ أُخْرَى وَهِيَ التَّعْيِيبُ؛ فَتَكُونُ الصُّوَرُ أَرْبَعًا كَمَا تَقَدَّمَ لَهُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي الْعَارِيَّةِ، وَسَكَتَ عَنْ صُورَةٍ سَادِسَةٍ: وَهِيَ مَا إذَا زَادَ مَا تَعْطَبُ بِهِ وَتَعَيَّبَتْ، وَتَقَدَّمَ لَهُ أَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ كِرَاءِ الزَّائِدِ وَأَرْشِ الْعَيْبِ.

[المتعدي يضمن قيمة السلعة في الفساد الكبير]

وَقَاضٍ. " وَدَابَّةٌ " مُضَافٌ لِذِي مُرُوءَةٍ وَالْمُرَادُ: أَنْ تَكُونَ لِذِي الْهَيْئَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ذَا هَيْئَةٍ، فَقَطْعُ ذَنَبِهَا مُفِيتٌ لِلْمَقْصُودِ مِنْهَا؛ إذْ بَعْدَ قَطْعِهِ لَا يَرْكَبُهَا ذُو هَيْئَةٍ: بِخِلَافِ قَطْعِ ذَنَبِ غَيْرِهَا مِمَّا لَا يَرْكَبُهَا ذُو هَيْئَةٍ أَوْ مِمَّا لَا تُرْكَبُ كَبَقَرَةٍ أَوْ قَطْعِ بَعْضِهِ أَوْ نَتْفِ شَعْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُفِيتُ الْمَقْصُودَ، فَيَكُونُ مِنْ الْيَسِيرِ الَّذِي فِيهِ أَرْشُ النَّقْصِ (أَوْ) قَطْعُ (أُذُنِهَا) . (أَوْ) قَطْعُ (طَيْلَسَانِهِ) مُثَلَّثُ اللَّامِ: مَا يُلْقَى عَلَى الرَّأْسِ وَالْكَتِفِ. (وَ) قَطْعُ (لَبَنِ شَاةٍ وَبَقَرٍ هُوَ الْمَقْصُودُ) مِنْهَا كَمَا هُوَ شَأْنُ بَقَرِ مِصْرَ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا اللَّبَنُ. (وَقَلْعُ عَيْنَيْ عَبْدٍ أَوْ يَدَيْهِ) مَعًا (أَوْ رِجْلِهِ) : فَإِنَّهُ يُفِيتُ الْمَقْصُودَ فَيَثْبُتُ لِرَبِّهِ الْخِيَارُ. (فَلَهُ أَخْذُهُ وَنَقْصُهُ) : يَصِحُّ رَفْعُهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُضَافِ: أَيْ وَأَخْذُ أَرْشِ نَقْصِهِ، وَنَصْبُهُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ: أَيْ مَعَ أَخْذِ أَرْشِ نَقْصِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْمُتَعَدِّي يَضْمَن قِيمَة السِّلْعَة فِي الْفَسَادِ الْكَبِير] قَوْلُهُ: [مِمَّا لَا يَرْكَبُهَا ذُو هَيْئَةٍ] : أَيْ وَلَوْ كَانَتْ عِنْدَ ذِي هَيْئَةٍ فَالْعِبْرَةُ بِذَاتِ الدَّابَّةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ قَطَعَ بَعْضَهُ] : أَيْ بِحَيْثُ لَا يَزُولُ جَمَالُهَا بِهِ وَإِلَّا فَهُوَ كَقَطْعِ الْكُلِّ. قَوْلُهُ: [أَوْ قَطَعَ أُذُنِهَا] : أَيْ أُذُنِ دَابَّةِ ذِي هَيْئَةٍ. قَوْلُهُ: [كَمَا هُوَ شَأْنُ بَقَرِ مِصْرَ] : أَيْ الَّذِي يُقْتَنَى لِخُصُوصِ اللَّبَنِ وَإِنْ أُرِيدَ مِنْهُ شَيْءٌ آخَرُ كَانَ حَاصِلًا غَيْرَ مَقْصُودٍ. قَوْلُهُ: [وَقَلْعُ عَيْنَيْ عَبْدٍ] : ضَمَّنَ الْقَلْعَ مَعْنَى الْإِزَالَةِ فَعَطَفَ مَا بَعْدَهُ عَلَى مَعْمُولِهِ نَظِيرَ: عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا قَوْلُهُ: [عَلَى تَقْدِيرِ الْمُضَافِ] : مُرَادُهُ بِالْمُضَافِ الْجِنْسُ؛ لِأَنَّ الْمَحْذُوفَ مُضَافَانِ قَدَّرَهُمَا الشَّارِحُ وَهُمَا أَخْذٌ وَأَرْشٌ، وَأَصْلُ الْكَلَامِ: فَلَهُ أَخْذُهُ وَأَخْذُ أَرْشِ نَقْصِهِ؛ حُذِفَ الْمُضَافُ الْأَوَّلُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ الثَّانِي مَقَامَهُ ثُمَّ حُذِفَ الْمُضَافُ الثَّانِي، وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَارْتَفَعَ ارْتِفَاعَهُ - تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ] : أَيْ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الْمُضَافِ

(أَوْ قِيمَتُهُ) بِالرَّفْعِ: أَيْ أَخْذُ قِيمَتِهِ، وَيَصِحُّ الْجَرُّ بِالْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ عَلَى قِلَّةٍ: أَيْ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِهِ مَعَ أَرْشِ نَقْصِهِ وَتَرْكِهِ لِلْمُتَعَدِّي وَأَخْذِ قِيمَتِهِ يَوْمَ التَّعَدِّي. (وَإِنْ لَمْ يُفِتْهُ) : أَيْ الْمَقْصُودَ مِنْهُ (فَنَقْصُهُ) فَقَطْ: أَيْ يَتَعَيَّنُ أَخْذُ مَا يَنْقُصُهُ وَلَيْسَ لَهُ تَرْكُهُ لِلْمُتَعَدِّي وَأَخْذُ قِيمَتِهِ. (كَيَدِ عَبْدٍ أَوْ عَيْنِهِ) : وَأَوْلَى أُصْبُعٌ أَوْ عَرَجٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ. (وَرَفَا) الْمُتَعَدِّي (الثَّوْبَ مُطْلَقًا) فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، أَفَاتَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ حَيْثُ أَرَادَ رَبُّهُ أَخْذَهُ وَنَقْصَهُ أَمْ لَمْ يُفِتْهُ، ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى أَرْشِ النَّقْصِ بَعْدَ رَفْوِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي هُوَ أَرْشٌ. قَوْلُهُ: [أَوْ قِيمَتُهُ بِالرَّفْعِ] : أَيْ بِالْعَطْفِ عَلَى أَخْذِهِ. قَوْلُهُ: [عَلَى قِلَّةٍ] : أَيْ لِقَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ: وَعَوْدُ خَافِضٍ لَدَى عَطْفٍ عَلَى ... ضَمِيرِ خَفْضٍ لَازِمًا قَدْ جُعِلَا وَلَيْسَ عِنْدِي لَازِمًا إذْ قَدْ أَتَى ... فِي النَّظْمِ وَالنَّثْرِ الصَّحِيحِ مُثْبَتَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء: 1] فِي قِرَاءَةِ الْجَرِّ، وَقَوْلُ بَعْضِ الْعَرَبِ: مَا فِيهَا غَيْرُهُ وَفَرَسِهِ بِجَرِّ فَرَسٍ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ الْمَخْفُوضِ بِغَيْرِ، وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: فَالْيَوْمَ قَدْ جِئْتَ تَهْجُونَا وَتَشْتُمُنَا ... فَاذْهَبْ فَمَا بِك وَالْأَيَّامِ مِنْ عَجَبِ بِجَرِّ الْأَيَّامِ عَطْفًا عَلَى الْكَافِ الْمَجْرُورَةِ بِالْبَاءِ. قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ لَهُ تَرْكُهُ لِلْمُتَعَدِّي] : أَيْ جَبْرًا، وَأَمَّا بِتَرَاضِيهِمَا فَجَائِزٌ. قَوْلُهُ: [أَمْ لَمْ يُفِتْهُ] : مَا ذَكَرَهُ مِنْ رَفْوِ الثَّوْبِ مُطْلَقًا هُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْحَقِّ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ يُونُسَ بِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ؛ إذْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّ الْجِنَايَةَ إذَا كَانَتْ يَسِيرَةً لَا يَلْزَمُ الْجَانِيَ رَفْوٌ بَلْ أَرْشُ النَّقْصِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى أَرْشِ النَّقْصِ بَعْدَ رَفْوِهِ] : أَيْ فَيَأْخُذُهُ رَبُّهُ مَعَ أَخْذِهِ الثَّوْبَ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَنْ تَعَدَّى عَلَى ثَوْبِ شَخْصٍ فَأَفْسَدَهُ فَسَادًا كَبِيرًا أَوْ يَسِيرًا وَأَرَادَ رَبُّهُ أَخْذَهُ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَرْفُوَهُ وَلَوْ زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ الرَّفْوِ وَيَأْخُذُ أَرْشَ النَّقْصِ إنْ حَصَلَ نَقْصٌ بَعْدَهُ. هَذَا مَا قَالَهُ الشَّارِحُ

(وَعَلَيْهِ) : أَيْ الْجَانِي عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ خَطَأً - وَلَيْسَ فِيهِ مَالٌ مُقَرَّرٌ شَرْعًا - أَوْ عَمْدًا لَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَا مَالَ (أُجْرَةُ الطَّبِيبِ) : وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ. وَأَمَّا مَا فِيهِ مُقَرَّرٌ شَرْعًا كَالْجَائِفَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ. فَصْلٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَلَمَّا كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ مِنْ آثَارِ الْغَصْبِ ذَكَرَهُ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQتَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ، وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ يُونُسَ مِنْ أَنَّ الرَّفْوَ خَاصٌّ بِالْكَثِيرِ. قَوْلُهُ: [لَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَا مَالَ] : أَيْ إمَّا لِإِتْلَافِهِ أَوْ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ أَوْ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْعُضْوِ. قَوْلُهُ: [أُجْرَةُ الطَّبِيبِ] : أَيْ وَقِيمَةُ الدَّوَاءِ، ثُمَّ إنْ بَرِئَ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا الْأَدَبُ فِي الْعَمْدِ وَإِنْ بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ غَرِمَ النَّقْصَ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الرَّاجِحُ. قَوْلُهُ: [وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ] : أَيْ وَلَا قِيمَةُ الدَّوَاءِ ثُمَّ يَنْظُرُ بَعْدَ الْبُرْءِ فَإِنْ بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ غَرِمَ النَّقْصَ، وَإِنْ بَرِئَ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْأَدَبِ فِي الْعَمْدِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ] : أَيْ اتِّفَاقًا، فَإِنْ كَانَ فِيهِ الْقِصَاصُ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ زَائِدٌ عَلَى ذَلِكَ.

[فصل في الاستحقاق]

فَصْلٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ رَفْعُ مِلْكِ شَيْءٍ بِثُبُوتِ مِلْكٍ قَبْلَهُ أَوْ حُرِّيَّةٍ. وَحُكْمُهُ: الْوُجُوبُ إنْ تَوَافَرَتْ أَسْبَابُهُ فِي الْحُرِّ أَوْ غَيْرِهِ إنْ تَرَتَّبَ عَلَى عَدَمِ الْقِيَامِ بِهِ مَفْسَدَةٌ؛ كَالْوَطْءِ الْحَرَامِ، وَإِلَّا جَازَ. وَسَبَبُهُ: قِيَامُ الْبَيِّنَةِ عَلَى عَيْنِ الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ: أَنَّهُ مِلْكٌ لِلْمُدَّعِي لَا يَعْلَمُونَ خُرُوجَهُ وَلَا خُرُوجَ شَيْءٍ مِنْهُ عَنْ مِلْكِهِ إلَى الْآنَ. وَيَمْنَعُهُ: عَدَمُ قِيَامِ الْمُدَّعِي بِلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ] [تَعْرِيف الِاسْتِحْقَاق وَحُكْمه] فَصْلٌ: هُوَ لُغَةً إضَافَةُ الشَّيْءِ لِمَنْ يَصْلُحُ لَهُ، وَلَهُ فِيهِ حَقٌّ؛ كَاسْتِحْقَاقِ هَذَا مِنْ الْوَقْفِ مَثَلًا بِوَصْفِ الْفَقْرِ أَوْ الْعِلْمِ. قَوْلُهُ: [بِثُبُوتِ مِلْكٍ] : أَخْرَجَ بِهِ رَفْعَ الْمِلْكِ بِالْعِتْقِ حَالًا. وَقَوْلُهُ: [قَبْلَهُ] : أَخْرَجَ بِهِ رَفْعَ الْمِلْكِ بِثُبُوتِ مِلْكٍ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْبَيْعِ وَالْإِرْثِ. قَوْلُهُ: [أَوْ حُرِّيَّةٍ] : أَيْ أَوْ رَفْعِ مِلْكٍ بِحُرِّيَّةٍ فَحُرِّيَّةٍ عَطْفٌ عَلَى مِلْكٍ مِنْ قَوْلِهِ بِثُبُوتِ مِلْكٍ إلَخْ، وَزَادَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي التَّعْرِيفِ بِغَيْرِ عِوَضٍ قَالَ الْخَرَشِيُّ وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَخْرَجَ بِهِ مَا وُجِدَ فِي الْمَغَانِمِ بَعْدَ بَيْعِهِ أَوْ قَسْمِهِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِثَمَنِهِ فَلَوْلَا زِيَادَةُ هَذَا الْقَيْدِ لَكَانَ الْحَدُّ غَيْرَ مُطَّرِدٍ. قَوْلُهُ: [وَحُكْمُهُ الْوُجُوبُ] : أَيْ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ. قَوْلُهُ: [إنْ تَوَافَرَتْ أَسْبَابُهُ] : مُرَادُهُ بِالْأَسْبَابِ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِوَاحِدٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي وَسَبَبُهُ قِيَامُ الْبَيِّنَةِ. قَوْلُهُ: [وَسَبَبُهُ قِيَامُ الْبَيِّنَةِ] : أَيْ وَأَمَّا شُرُوطُهُ فَثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: الشَّهَادَةُ عَلَى عَيْنِهِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَحِيَازَتُهُ، وَالثَّانِي: الْإِعْذَارُ فِي ذَلِكَ لِلْحَائِزِ، فَإِذَا ادَّعَى مَدْفَعًا أَجَّلَهُ فِيهِ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ، وَالثَّالِثُ: يَمِينُ الِاسْتِبْرَاءِ. قَوْلُهُ: [وَيَمْنَعُهُ عَدَمُ قِيَامِ الْمُدَّعِي] : إلَخْ أَيْ أَحَدُ أَمْرَيْنِ سُكُوتٌ أَوْ فِعْلٌ؛

[استحقاق الزرع]

عُذْرٍ مُدَّةَ أَمَدِ الْحِيَازَةِ أَوْ اشْتِرَاؤُهُ مِنْ حَائِزِهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ يُشْهِدُهَا سِرًّا: قَبْلَ الشِّرَاءِ: بِأَنِّي إنَّمَا قَصَدْت شِرَاءَهُ ظَاهِرًا خَوْفَ أَنْ يُفِيتَهُ عَلَيَّ بِوَجْهٍ لَوْ ادَّعَيْت بِهِ عَلَيْهِ. وَبَدَأَ بِمَسْأَلَةِ الزَّرْعِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَالتَّفْصِيلِ فِيهَا فَقَالَ: (إنْ زَرَعَ مُتَعَدٍّ) بِغَصْبِ الْأَرْضِ أَوْ مَنْفَعَتِهَا (الْأَرْضَ) الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا (فَقُدِرَ عَلَيْهِ) : بَعْدَ أَنْ زَرَعَ (فَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالزَّرْعِ) بِأَنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الِانْتِفَاعِ بِهِ - سَوَاءٌ بَرَزَ عَلَى الْأَرْضِ أَمْ لَمْ يَبْرُزْ - (أُخِذَ بِلَا شَيْءٍ) فِي مُقَابَلَةِ الْبَذْرِ وَالْعَمَلِ، وَإِنْ شَاءَ أَمَرَهُ بِقَلْعِهِ. (وَإِلَّا) بِأَنْ بَلَغَ حَدَّ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَلَوْ لِرَعْيٍ (فَلَهُ) : أَيْ لِلْمُسْتَحِقِّ (قَلْعُهُ) : أَيْ أَمْرُ رَبِّهِ بِقَلْعِهِ وَتَسْوِيَةِ أَرْضِهِ، فَالْخِيَارُ لِلْمُسْتَحِقِّ (إنْ لَمْ يَفُتْ وَقْتُ مَا تُرَادُ) الْأَرْضُ (لَهُ) مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ يُزْرَعَ فِيهَا غَالِبًا، لَا خُصُوصُ الزَّرْعِ الَّذِي زَرَعَهُ الْمُتَعَدِّي خَاصَّةً. وَقِيلَ: إبَّانَ مَا زَرَعَهُ خَاصَّةً. (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَحِقِّ (أَخْذُهُ) : الزَّرْعَ (بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا) بَعْدَ إسْقَاطِ كُلْفَةٍ لَمْ يَتَوَلَّهَا الْغَاصِبُ. فَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَفُتْ وَقْتُ الْإِبَّانِ فَالْخِيَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالسُّكُوتُ أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: عَدَمُ قِيَامِ الْمُدَّعِي، وَالْفِعْلُ أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: أَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ حَائِزِهِ إلَخْ. [اسْتِحْقَاق الزَّرْع] قَوْلُهُ: [وَإِنْ شَاءَ أَمَرَهُ بِقَلْعِهِ] : أَيْ فَالْخِيَارُ لَهُ لَا لِلزَّارِعِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى إبْقَائِهِ فِي الْأَرْضِ بِكِرَاءٍ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِبَيْعِ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ. قَوْلُهُ: [فَالْخِيَارُ لِلْمُسْتَحِقِّ] : حَقُّهُ التَّأْخِيرُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَهُ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا إنْ لَمْ يَفُتْ وَقْتُ مَا تُرَادُ الْأَرْضُ لَهُ أَيْ وَقْتُ زَرْعٍ تُرَادُ الْأَرْضُ لَهُ، وَهَذَا شَرْطٌ فِي قَوْلِهِ أُخِذَ بِلَا شَيْءٍ، وَفِي قَوْلِهِ فَلَهُ قَلْعُهُ. قَوْلُهُ: [الَّذِي زَرَعَهُ الْمُتَعَدِّي خَاصَّةً] : أَيْ كَقَمْحٍ مَثَلًا. قَوْلُهُ: [بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا] : قَالَ عب: وَكَمَا لَهُ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ لَهُ إبْقَاؤُهُ لِزَارِعِهِ وَأَخْذُ كِرَاءِ السَّنَةِ مِنْهُ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ بُلُوغُ الزَّرْعِ حَدَّ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَلَمْ يَفُتْ وَقْتُ مَا تُرَادُ لَهُ الْأَرْضُ دُونَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَبْلُغْ الزَّرْعُ حَدَّ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ إبْقَاؤُهُ وَأَخْذُ كِرَائِهَا مِنْهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ بَيْعَ

لِلْمُسْتَحِقِّ؛ إمَّا أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَلْعِهِ أَوْ يَدْفَعَ لَهُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ. (وَإِلَّا) بِأَنْ فَاتَ وَقْتُ مَا تُرَادُ لَهُ (فَكِرَاءُ سَنَةٍ) يَلْزَمُ الْمُعْتَدِي، وَلَيْسَ لِرَبِّهَا كَلَامٌ وَالزَّرْعُ لِلْغَاصِبِ. هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، وَقِيلَ: لِلْمُسْتَحِقِّ قَلْعُهُ أَيْضًا وَأَخْذُ أَرْضِهِ كَمَا إذَا لَمْ يَفُتْ وَقْتُ الْإِبَّانِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ وَقِيلَ الزَّرْعُ لِرَبِّ الْأَرْضِ فَلَهُ أَخْذُهُ وَلَوْ طَابَ وَحَصِدَ وَاخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، فَكُلٌّ مِنْ الْأَقْوَالِ رُجِّحَ. وَرَجَّحَ الشَّيْخُ الْأَوَّلَ تَبَعًا لِلَّخْمِيِّ. وَشَبَّهَ فِي وُجُوبِ الْكِرَاءِ وَتَبْقِيَةِ الزَّرْعِ لِزَارِعِهِ قَوْلَهُ: (كَأَنْ اُسْتُحِقَّتْ) : الْأَرْضُ الَّتِي زُرِعَتْ (مِنْ ذِي شُبْهَةٍ) : كَوَارِثٍ أَوْ مُشْتَرٍ أَوْ مُكْتَرٍ مِنْ غَيْرِ غَاصِبٍ أَوْ مِنْ غَاصِبٍ وَلَمْ يَعْلَمُوا بِالْغَصْبِ (أَوْ) مِنْ (مَجْهُولٍ) لَمْ يُعْلَمْ هَلْ هُوَ مُتَعَدٍّ أَوْ لَا، إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْعَدَاءِ فَاسْتَحَقَّهَا رَبُّهَا (قَبْلَ فَوَاتِ الْإِبَّانِ) : فَلَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ إلَّا كِرَاءُ تِلْكَ السَّنَةِ، وَلَيْسَ لَهُ قَلْعُ الزَّرْعِ؛ لِأَنَّ الزَّارِعَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ، فَإِنْ فَاتَ الْإِبَّانُ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ عَلَى الزَّارِعِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى مَنْفَعَتَهَا، وَالْغَلَّةُ لِذِي الشُّبْهَةِ أَوْ الْمَجْهُولِ لِلْحُكْمِ كَمَا يَأْتِي. (فَإِنْ حَرَثَ) الْأَرْضَ ذُو الشُّبْهَةِ وَلَمْ يَزْرَعْ فَاسْتَحَقَّهَا رَبُّهَا (أَخَذَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ لَمَّا مَكَّنَهُ الشَّرْعُ مِنْ أَخْذِهِ بِلَا شَيْءٍ فَإِبْقَاؤُهُ لِزَارِعِهِ بِكِرَاءٍ كَانَ ذَلِكَ الْكِرَاءُ عِوَضًا عَنْهُ فَهُوَ بَيْعٌ لَهُ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ. قَوْلُهُ: [وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ] : قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِرَاءِ الْأَرَضِينَ. قَوْلُهُ: [فَلَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ عَلَى الزَّارِعِ شَيْءٌ] : أَيْ فِي غَيْرِ وَارِثِ الْغَاصِبِ لِمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: " بِخِلَافِ وَارِثِ غَاصِبٍ مُطْلَقًا "؛ فَتَعْمِيمُ الشَّارِحِ فِي أَوَّلِ الْحَلِّ بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ قَلْعِ الزَّرْعِ وَلُزُومِ كِرَاءِ السَّنَةِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْغَلَّةِ فَهُوَ ذُو شُبْهَةٍ بِالنَّظَرِ لِلْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ حَرَثَ الْأَرْضَ ذُو الشُّبْهَةِ] : أَيْ وَالْمَجْهُولُ بِدَلِيلِ، مَا يَأْتِي.

الْمُسْتَحِقُّ) لَهَا (وَدَفَعَ) ، لِحَارِثِهَا ذِي الشُّبْهَةِ أَوْ الْمَجْهُولِ (كِرَاءَ الْحَرْثِ) . وَأَمَّا الْمُتَعَدِّي فَلَا يَلْزَمُ رَبَّهَا شَيْءٌ لِحَرْثٍ وَلَا غَيْرِهِ. (وَإِنْ أَكْرَاهَا) ذُو الشُّبْهَةِ لِغَيْرِهِ (سِنِينَ) : الْمُرَادُ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ فَاسْتَحَقَّهَا مَالِكُهَا بَعْدَ الْإِجَارَةِ (فَلِلْمَالِكِ الْفَسْخُ) أَيْ فَسْخُ الْإِجَارَةِ (بَعْدَ الْحَرْثِ) فَأَوْلَى قَبْلَهُ وَلَهُ الْإِمْضَاءُ (وَقِيلَ) لَهُ، إنْ اخْتَارَ الْفَسْخَ بَعْدَ الْحَرْثِ وَقَبْلَ الزَّرْعِ (ادْفَعْ) لِلْمُكْتَرِي (أُجْرَتَهُ) : أَيْ أُجْرَةَ الْحَرْثِ (إنْ لَمْ يَزْرَعْ، فَإِنْ أَبَى) مِنْ دَفْعِ الْأُجْرَةِ (قِيلَ لِلْمُكْتَرِي) الَّذِي حَرَثَهَا: (ادْفَعْ) لِلْمُسْتَحِقِّ (كِرَاءَ سَنَةٍ) وَازْرَعْهَا (وَإِلَّا) تَدْفَعْ لَهُ كِرَاءَ سَنَةٍ (أَسْلِمْهَا) لَهُ (بِلَا شَيْءٍ) تَأْخُذُهُ مِنْهُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ أَكْرَاهَا ذُو الشُّبْهَةِ سَنَةً فَقَطْ أَوْ اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ حَرْثِ ذِي الشُّبْهَةِ مِنْهُ. (وَإِنْ زَرَعَ) الْمُكْتَرِي (تَعَيَّنَ الْكِرَاءُ) عَلَيْهِ لِلْمَالِكِ وَلَا خِيَارَ لَهُ لِلْفَوَاتِ بِالزَّرْعِ هَذَا (إنْ بَقِيَ الْإِبَّانُ) فَإِنْ فَاتَ الْإِبَّانُ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ كَلَامٌ فِي الْكِرَاءِ؛ لِأَنَّ ذَا الشُّبْهَةِ أَوْ الْمَجْهُولَ يَفُوزُ بِأُجْرَةِ تِلْكَ السَّنَةِ. (وَلَهُ) : أَيْ لِلْمَالِكِ (الْإِمْضَاءُ) : أَيْ إمْضَاءُ الْإِجَارَةِ لِلْمُكْتَرِي مِنْ ذِي الشُّبْهَةِ (فِي الْمُسْتَقْبَلِ) : مِنْ السِّنِينَ (إنْ عَرَفَا) : أَيْ الْمُسْتَحِقُّ وَالْمُكْتَرِي (النِّسْبَةَ) : أَيْ نِسْبَةَ مَا يَنُوبُ الْبَاقِي مِنْ الْأُجْرَةِ لِتَكُونَ الْإِجَارَةُ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ، كَمَا لَوْ كَانَ لِكُلِّ سَنَةٍ دِينَارٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَدَفَعَ لِحَارِثِهَا ذِي الشُّبْهَةِ] : أَيْ فَإِنْ أَبَى مِنْ الدَّفْعِ قِيلَ لِذِي الشُّبْهَةِ الْحَارِثِ لَهَا ادْفَعْ لَهُ كِرَاءَ سَنَةٍ وَازْرَعْهَا، فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ لَهُ كِرَاءَ سَنَةٍ لَزِمَهُ أَنْ يُسَلِّمَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ وَسَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: أَوْ اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ حَرْثِ ذِي الشُّبْهَةِ مِنْهُ، وَمَا قِيلَ فِي ذِي الشُّبْهَةِ يُقَالُ فِي الْمَجْهُولِ. قَوْلُهُ: [أَوْ اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ حَرْثِ ذِي الشُّبْهَةِ] : أَيْ أَوْ الْمَجْهُولِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [يَفُوزُ بِأُجْرَةِ تِلْكَ السَّنَةِ] : أَيْ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا مَالِكُ الْأَرْضِ، وَأَمَّا الْخَرَاجُ السُّلْطَانِيُّ الَّذِي يَلْزَمُ مَالِكَ الْأَرْضِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ صَاحِبَ الشُّبْهَةِ لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ الْمَالِكِ تَأَمَّلْ.

(وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تُعْلَمْ النِّسْبَةُ - بِأَنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ تَخْتَلِفُ لِاخْتِلَافِ الْأَرْضِ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَعْرِفُ التَّعْدِيلَ - (فَالْفَسْخُ) : فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُتَعَيِّنٌ لِلْجَهْلِ بِالْأُجْرَةِ. (وَلَا خِيَارَ لِلْمُكْتَرِي) إذَا أَمْضَى الْمُسْتَحِقُّ، بَلْ يَلْزَمُهُ الْعَقْدُ. وَمِثْلُ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ غَيْرُهَا مِنْ عَقَارٍ أَوْ حَيَوَانٍ إذَا اُسْتُحِقَّ فَالْخِيَارُ لِلْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْوَجْهِ السَّابِقِ وَلَا خِيَارَ لِلْمُكْتَرِي. (وَانْتَقَدَ) الْمُسْتَحِقُّ: أَيْ يُقْضَى لَهُ بِانْتِقَادِ مَا بَقِيَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فِي أَرْضِ الزِّرَاعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ دَارٍ أَوْ دَابَّةٍ بِشَرْطَيْنِ: أَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (إنْ انْتَقَدَ الْمُكْرِي) ذُو الشُّبْهَةِ أَوْ الْمَجْهُولُ جَمِيعَ الْكِرَاءِ مِنْ الْمُكْتَرِي وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَرُدَّ أُجْرَةَ مَا بَقِيَ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَقِيلَ، يَأْخُذُهَا مِنْ الْمُكْتَرِي ثُمَّ هُوَ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ أَكْرَاهُ (أَوْ شَرَطَهُ) الْمُكْرِي أَوْ جَرَى بِهِ عُرْفٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِدْ بِالْفِعْلِ. وَأَشَارَ لِلثَّانِي بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَعْرِفُ التَّعْدِيلَ] : أَمَّا لَوْ وُجِدَ فَلَا فَسْخَ كَمَا لَوْ كَانَ اكْتَرَى الْأَرْضَ ثَلَاثَ سِنِينَ بِتِسْعِينَ دِينَارًا، وَقَالَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ: كِرَاؤُهَا فِي السَّنَةِ الْأُولَى يُسَاوِي أَرْبَعِينَ لِقُوَّةِ الْأَرْضِ، وَفِي السَّنَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ خَمْسِينَ. قَوْلُهُ: [عَلَى الْوَجْهِ السَّابِقِ] : أَيْ لَهُ الْإِمْضَاءُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إنْ عَرَفَا النِّسْبَةَ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: [وَانْتَقَدَ الْمُسْتَحِقُّ] : أَيْ حَيْثُ أَمْضَى الْإِجَارَةَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِأَخْذِ أُجْرَةِ ذَلِكَ الْبَاقِي حَالًّا. قَوْلُهُ: [جَمِيعَ الْكِرَاءِ] : أَمَّا لَوْ انْتَقَدَ الْبَعْضَ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ عَيَّنَهُ بِمُدَّةٍ، فَإِنْ كَانَتْ مَاضِيَةً فَلِلْمُكْرِي، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَقْبَلَةً فَلِلْمُسْتَحِقِّ، وَإِنْ جَعَلَهُ عَنْ بَعْضٍ مُبْهَمٍ كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ مَا لِكُلٍّ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا إذَا اُشْتُرِطَ نَقْدُ بَعْضِهِ أَوْ كَانَ الْعُرْفُ نَقْدَ بَعْضِهِ. قَوْلُهُ: [مَا بَقِيَ] : أَيْ لِلْأَيَّامِ الْمُسْتَقْبَلَةِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ يَأْخُذُهَا] : أَيْ الْمُسْتَحِقُّ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ هُوَ] : أَيْ الْمُكْتَرِي.

[رد الشبهة في الاستحقاق]

(وَأُمِنَ هُوَ) : أَيْ الْمُسْتَحِقُّ: أَيْ كَانَ مَأْمُونًا فِي نَفْسِهِ وَدِينِهِ، بِأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ وَلَا يُخْشَى مِنْهُ الْفِرَارُ أَوْ الْمَطْلُ أَوْ الظُّلْمُ خَوْفًا مِنْ طُرُوُّ اسْتِحْقَاقٍ آخَرَ فَيَتَعَذَّرُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ؛ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِحَمِيلٍ ثِقَةٍ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا وَلَا حَمِيلَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْتَقِدَ بَلْ يُوضَعُ مَا بَقِيَ مِنْ الْأُجْرَةِ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ، وَذَكَرَ هَذَا الشَّرْطَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ ابْنُ يُونُسَ - اُنْظُرْ الْخَرَشِيَّ وَغَيْرَهُ. (وَالْغَلَّةُ) : أَيْ غَلَّةُ مَا اُسْتُحِقَّ مِنْ أُجْرَةٍ أَوْ اسْتِعْمَالٍ أَوْ لَبَنٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ ثَمَرَةٍ (لِذِي الشُّبْهَةِ أَوْ الْمَجْهُولِ) حَالُهُ (لِلْحُكْمِ) أَيْ لِوَقْتِ الْحُكْمِ بِالِاسْتِحْقَاقِ، فَلَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ شَيْءٌ " مِنْهَا " وَأَمَّا الْغَاصِبُ أَوْ الْمُتَعَدِّي فَلَا غَلَّةَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. ثُمَّ مَثَّلَ لِذِي الشُّبْهَةِ بِقَوْلِهِ: (كَوَارِثٍ غَيْرِ غَاصِبٍ، وَمَوْهُوبٍ، وَمُشْتَرٍ وَلَوْ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْغَاصِبِ (إنْ لَمْ يَعْلَمَا) : أَيْ الْمَوْهُوبُ وَالْمُشْتَرِي بِأَنَّ الْوَاهِبَ أَوْ الْبَائِعَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأُمِنَ هُوَ] : إنَّمَا أَبْرَزَ الضَّمِيرَ لِمُخَالَفَةِ فَاعِلِ الْفِعْلَيْنِ الْمُتَعَاطِفَيْنِ؛ لِأَنَّ فَاعِلَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ الْمُكْرِي وَفَاعِلَ الْمَعْطُوفِ الْمُسْتَحِقُّ. قَوْلُهُ: [وَلَا حَمِيلَ] : لَا نَافِيَةٌ لِلْجِنْسِ وَحَمِيلَ اسْمُهَا وَخَبَرُهَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ مَوْجُودٌ. قَوْلُهُ: [وَتَوَقَّفَ فِيهِ ابْنُ يُونُسَ] : أَيْ بِقَوْلِهِ لَعَلَّ هَذَا الشَّرْطَ الثَّانِي فِي دَارٍ يَخَافُ عَلَيْهَا الْهَدْمَ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَإِنَّهُ يَنْتَقِدُ وَلَا حُجَّةَ لِلْمُكْتَرِي مِنْ خَوْفِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالدَّارِ مِنْ جَمِيعِ الْغُرَمَاءِ. [رد الشُّبْهَة فِي الِاسْتِحْقَاق] قَوْلُهُ: [وَالْغَلَّةُ] : مُبْتَدَأٌ وَلِذِي الشُّبْهَةِ صِفَةٌ لَهُ، وَقَوْلُهُ لِلْحُكْمِ خَبَرُهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ الْمَجْهُولِ حَالُهُ] : قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمَجْهُولَ حَالُهُ لَيْسَ ذَا شُبْهَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ وَهُوَ مَا تَحَرَّرَ لِبَعْضِ الشُّيُوخِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [أَيْ لِوَقْتِ الْحُكْمِ] : " اللَّامُ " لِلْغَايَةِ بِمَعْنَى إلَى، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْغَلَّةَ تَكُونُ لِذِي الشُّبْهَةُ وَالْمَجْهُولِ حَالُهُ مِنْ يَوْمِ وَضَعَ يَدَهُ إلَى يَوْمِ الْحُكْمِ بِهِ لِذَلِكَ الْمُسْتَحِقِّ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الشُّبْهَةِ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي بَابِ الْقَضَاءِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَكُونُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ خِلَافُ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ

[تنبيه إذا كانت الدار المستحقة مشتركة]

غَاصِبٌ (بِخِلَافِ وَارِثِ غَاصِبٍ مُطْلَقًا) عَلِمَ بِأَنَّ مُوَرِّثَهُ غَاصِبٌ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، فَلَا غَلَّةَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْغَصْبِ فَلَيْسَ بِذِي شُبْهَةٍ. فَإِنْ عَلِمَ الْمَوْهُوبُ أَوْ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ الْوَاهِبَ أَوْ الْبَائِعَ غَاصِبٌ فَغَاصِبَانِ كَمَا تَقَدَّمَ، كَالْوَارِثِ إنْ عَلِمَ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ مِنْ أَنَّهُ لَا غَلَّةَ لَهُ. (وَ) بِخِلَافِ (مَوْهُوبِهِ) : أَيْ مَوْهُوبِ الْغَاصِبِ وَلَمْ يَعْلَمْ فَلَا غَلَّةَ لَهُ (إنْ عَدِمَ الْغَاصِبُ) فَإِنْ وُجِدَ مُوسِرًا مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَلَهُ الْغَلَّةُ وَالرُّجُوعُ حِينَئِذٍ عَلَى الْغَاصِبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْغَصْبِ. (وَمُحْيِي أَرْضًا ظَنَّهَا مَوَاتًا) فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ فَلَا غَلَّةَ لَهُ، بَلْ لِمُسْتَحِقِّهَا - ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ، وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا، وَلِذَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: الْغَلَّةُ لَا تَكُونُ لِكُلِّ ذِي شُبْهَةٍ. (وَ) بِخِلَافِ (وَارِثٍ طَرَأَ عَلَيْهِ ذُو دَيْنٍ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ مَنْ لَهُ الْغُنْمُ عَلَيْهِ الْغُرْمُ. قَوْلُهُ: [عَلِمَ بِأَنَّ مُوَرِّثَهُ غَاصِبٌ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ] : أَيْ كَانَ الْغَاصِبُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا، فَإِذَا مَاتَ الْغَاصِبُ عَنْ سِلْعَةٍ مَغْصُوبَةٍ اسْتَغَلَّهَا مُوَرَّثُهُ أَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ وَأَخَذَ غَلَّتَهَا أَيْضًا مِنْهُ. قَوْلُهُ: [فَغَاصِبَانِ] : أَيْ حُكْمًا. قَوْلُهُ: [كَالْوَارِثِ] : أَيْ وَارِثِ كُلٍّ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُشْتَرِي. قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ] أَيْ مَنْ ذَكَرَ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُشْتَرِي وَالْوَارِثِ لِأَحَدِهِمَا، هَذَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ الْعِبَارَةِ. وَقَوْلُهُ: [فَلَهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ] إلَخْ: صَوَابُهُ فَلَهُ الْغَلَّةُ إلَى يَوْمِ الْحُكْمِ. [تَنْبِيه إذَا كَانَتْ الدَّار المستحقة مُشْتَرَكَة] قَوْلُهُ: [وَمُحْيِي أَرْضًا ظَنَّهَا مَوَاتًا] إلَخْ: اُنْظُرْ هَلْ مَنْ زَرَعَ أَرْضًا ظَنَّهَا مِلْكَهُ فَتَبَيَّنَ خِلَافَهُ، حُكْمُهَا حُكْمُ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا ظَنَّهَا مَوَاتًا أَوْ حُكْمُ صَاحِبِ الشُّبْهَةِ الْقَوِيَّةِ؟ قَوْلُهُ: [بَلْ لِمُسْتَحِقِّهَا] : أَيْ مُسْتَحِقِّ الْأَرْضِ بِالْمَلَكِيَّةِ وَيَجْرِي فِيهِ حُكْمُ قَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ إنْ زَرَعَ مُتَعَدٍّ فَقُدِرَ عَلَيْهِ إلَخْ.

فَلَا غَلَّةَ لِلْوَارِثِ الْمَطْرُوِّ عَلَيْهِ بَلْ يَأْخُذُ مِنْهُ رَبُّ الدَّيْنِ الْمَوْرُوثَ وَغَلَّتَهُ. أَيْ أَنَّ الْوَارِثَ إذَا وَرِثَ عَقَارًا كَدَارٍ مَثَلًا - وَاسْتَغَلَّهُ بِسُكْنَى أَوْ كِرَاءٍ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ مَنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْمَيِّتِ، فَإِنَّ الْوَارِثَ يَرُدُّ الْمَوْرُوثَ وَغَلَّتَهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ يَسْتَوْفِيهَا " وَلَيْسَ لَهُ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ الدَّيْنِ. وَمَا هَلَكَ مِنْ ذَلِكَ بِسَمَاوِيٍّ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيهِ. (أَوْ) طَرَأَ عَلَيْهِ (وَارِثٌ) مِثْلُهُ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَا يَسْتَقِلُّ بِالْغَلَّةِ، فَالْأَخُ الطَّارِئُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا غَلَّةَ لِلْوَارِثِ الْمَطْرُوِّ عَلَيْهَا] : أَيْ بَلْ يَأْخُذُهَا رَبُّ الدَّيْنِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ يَسْتَوْفِيهَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ نَاشِئَةً عَنْ تَجْرِ الْوَارِثِ أَوْ تَجْرِ الْوَصِيِّ لِلْوَارِثِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. فَإِذَا مَاتَ شَخْصٌ وَتَرَكَ ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ وَتَرَكَ أَيْتَامًا وَاتَّجَرَ وَصِيُّهُمْ فِي الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ حَتَّى صَارَ سِتَّمِائَةٍ فَطَرَأَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ قَدْرُهَا أَوْ أَكْثَرُ، فَلِأَصْحَابِ الدَّيْنِ أَخْذُهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، خِلَافًا لِلْمَخْزُومِيِّ الْقَائِلِ: إنَّ رَبَّ الدَّيْنِ الطَّارِئِ إنَّمَا يَأْخُذُ الْغَلَّةَ مِنْ الْوَارِثِ إذَا كَانَتْ غَيْرَ نَاشِئَةٍ عَنْ تَحْرِيكِهِ أَوْ تَحْرِيكِ وَصِيِّهِ، وَقَوْلُنَا: وَاتَّجَرَ وَصِيُّهُمْ فِي الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ: أَيْ لِلْأَيْتَامِ، وَأَمَّا إنْ اتَّجَرَ لِنَفْسِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ رِبْحَ الْمَالِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَسَلِّفٌ " وَلَا يُقَالُ: قَدْ كَشَفَ الْغَيْبُ أَنَّ الْمَالَ لِلْغَرِيمِ؛ لِأَنَّنَا نَقُولُ: الْوَصِيُّ الْمُتَّجِرُ لِنَفْسِهِ أَوْلَى مِمَّنْ غَصَبَ مَالًا وَاتَّجَرَ فِيهِ فَإِنَّ رِبْحَهُ لَهُ، وَأَمَّا لَوْ طَرَأَ الْغَرِيمُ بَعْدَ إنْفَاقِ الْوَلِيِّ التَّرِكَةَ عَلَى الْأَيْتَامِ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِالْغَرِيمِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْوَلِيِّ وَلَا عَلَى الْأَيْتَامِ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ بِوَجْهٍ جَائِزٍ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. بِخِلَافِ إنْفَاقِ الْوَرَثَةِ الْكِبَارِ نَصِيبَهُمْ فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ لِلْغَرِيمِ الطَّارِئِ بِلَا خِلَافٍ. وَقَرَّرَ فِي الْحَاشِيَةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مَا مُحَصَّلُهُ: لَوْ عَمِلَ أَوْلَادُ رَجُلٍ فِي مَالِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ مَعَهُ أَوْ وَحْدَهُمْ وَنَشَأَ مِنْ عَمَلِهِمْ غَلَّةٌ كَانَتْ تِلْكَ الْغَلَّةُ لِلْأَبِ، وَلَيْسَ لِلْأَوْلَادِ إلَّا أُجْرَةُ عَمَلِهِمْ يَدْفَعُهَا لَهُمْ بَعْدَ مُحَاسَبَتِهِمْ بِنَفَقَتِهِمْ وَزَوَاجِهِمْ إنْ زَوَّجَهُمْ، فَإِنْ لَمْ تَفِ أُجْرَتُهُمْ بِذَلِكَ رَجَعَ عَلَيْهِمْ بِالْبَاقِي إنْ لَمْ يَكُنْ تَبَرَّعَ لَهُمْ بِمَا ذَكَرَ، وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ الْأَوْلَادُ بَيَّنُوا لِأَبِيهِمْ أَوَّلًا أَنَّ مَا حَصَلَ مِنْ الْغَلَّةِ لَهُمْ أَوْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، وَإِلَّا عَمِلَ بِمَا دَخَلُوا عَلَيْهِ. وَقَرَّرَ أَيْضًا أَنَّهُ: إذَا اتَّجَرَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ فَمَا حَصَلَ مِنْ الْغَلَّةِ فَهُوَ تَرِكَةٌ وَلَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ أَوَّلًا أَنَّهُ يَتَّجِرُ لِنَفْسِهِ: فَإِنْ بَيَّنَ كَانَتْ الْغَلَّةُ لَهُ وَالْخَسَارَةُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ إلَّا الْقَدْرُ الَّذِي تَرَكَهُ مُوَرِّثُهُمْ. قَوْلُهُ: [أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ وَارِثٌ] : أَشْعَرَ قَوْلُهُ طَرَأَ عَلَيْهِ وَارِثٌ أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ مُسْتَحِقٌّ

يُقَاسِمُ الْأَخَ الْأَوَّلَ فِيمَا تَرَكَ الْمَيِّتُ مِنْ عَقَارٍ أَوْ غَيْرِهِ وَفِيمَا اسْتَغَلَّهُ. (إلَّا أَنْ يَنْتَفِعَ) الْمَطْرُوُّ عَلَيْهِ بِمَا تَرَكَ الْمَيِّتُ (بِنَفْسِهِ) مِنْ غَيْرِ كِرَاءٍ؛ كَأَنْ يَسْكُنَ الدَّارَ وَيَرْكَبَ الدَّابَّةَ وَيَزْرَعَ الْأَرْضَ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ الطَّارِئُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ عَالِمًا بِالطَّارِئِ، وَأَنْ يَكُونَ فِي نَصِيبِهِ مَا يَكْفِيهِ وَاقْتَصَرَ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِ فِي السُّكْنَى، فَإِنْ زَادَ غَرِمَ، تَأَمَّلْ: وَأَنْ لَا يَكُونَ الطَّارِئُ يَحْجُبُ الْمَطْرُوَّ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَفُوتَ الْإِبَّانُ فِيمَا لَهُ إبَّانٌ فَطُرُوُّ وَارِثٍ عَلَى غَيْرِهِ قَبْلَ الْإِبَّانِ لَا يَمْنَعُ قِيَامَ الطَّارِئِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوُقِفَ عَلَى مُسْتَحِقٍّ آخَرَ اسْتَغَلَّهُ أَوْ سَكَنَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ بِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِالْغَلَّةِ وَلَا بِالسُّكْنَى وَهُوَ كَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَأَمَّا إنْ اسْتَغَلَّهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِالطَّارِئِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا يَخُصُّهُ فِي الْغَلَّةِ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَنْتَفِعَ الْمَطْرُوُّ عَلَيْهِ] : شُرُوعٌ فِي شُرُوطِ عَدَمِ رُجُوعِ الطَّارِئِ بِالْغَلَّةِ، وَهِيَ سِتَّةٌ تُؤْخَذُ مِنْ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ. قَوْلُهُ: [وَأَنْ يَكُونَ فِي نَصِيبِهِ مَا يَكْفِيهِ] : فِي الْأَصْلِ وَالْخَرَشِيُّ زِيَادَةُ " لَا "، وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ هُنَا. قَوْلُهُ: [تَأَمَّلْ] : إنَّمَا أَمَرَ بِالتَّأَمُّلِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَاقْتَصَرَ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِ فِي السُّكْنَى مُشْكِلٌ لِمَا قَالُوهُ فِي مَسْأَلَةِ الشَّرِيكَيْنِ الْآتِيَةِ فِي التَّنْبِيهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ: مِنْ أَنَّ الْعِلْمَ بِالطَّارِئِ لَا يَضُرُّ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى نَصِيبِهِ. قَوْلُهُ: [وَأَنْ يَفُوتَ الْإِبَّانُ فِيمَا لَهُ إبَّانٌ] : أَيْ كَالْأَرْضِ الَّتِي تُرَادُ لِلزِّرَاعَةِ، فَإِنْ كَانَ الْإِبَّانُ بَاقِيًا فَلَا يَفُوزُ الْمَطْرُوُّ عَلَيْهِ بِمَا انْتَفَعَ بِهِ بَلْ يُحَاسِبُهُ الطَّارِئُ بِقَدْرِ مَا يَخُصُّهُ. تَنْبِيهٌ: إذَا كَانَتْ الدَّارُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ شَخْصَيْنِ فَاسْتَغَلَّهَا أَحَدُهُمَا مُدَّةً، فَإِنْ كَانَ بِكِرَاءٍ رَجَعَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ بِحِصَّتِهِ، وَإِنْ اسْتَغَلَّهَا بِالسُّكْنَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ إنْ سَكَنَ فِي قَدْرِ حِصَّتِهِ، فَإِنْ سَكَنَ أَكْثَرَ مِنْهَا رَجَعَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي عَدَمِ اتِّبَاعِ شَرِيكِهِ لَهُ إلَّا هَذَا الشَّرْطُ وَبَاقِي الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَا تُعْتَبَرُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ بْن.

(وَإِنْ بَنَى) ذُو الشُّبْهَةِ (أَوْ غَرَسَ) فَاسْتُحِقَّ (قِيلَ لِلْمَالِكِ) الَّذِي اسْتَحَقَّ الْأَرْضَ: (ادْفَعْ قِيمَتَهُ قَائِمًا) مُنْفَرِدًا عَنْ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ رَبَّهُ بَنَاهُ بِوَجْهِ شُبْهَةٍ، (فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلْبَانِي: ادْفَعْ) لِمُسْتَحِقِّ الْأَرْضِ (قِيمَةَ الْأَرْضِ) بَرَاحًا (فَإِنْ أَبَى) أَيْضًا (فَشَرِيكَانِ بِالْقِيمَةِ) : هَذَا بِقِيمَةِ أَرْضِهِ بَرَاحًا وَهَذَا بِقِيمَةِ بِنَائِهِ أَوْ غَرْسِهِ قَائِمًا (يَوْمَ الْحُكْمِ) لَا يَوْمَ الْغَرْسِ أَوْ الْبِنَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِنْ بَنَى ذُو الشُّبْهَةِ أَوْ غَرَسَ] : أَوْ مَانِعَةُ خُلُوٍّ تُجَوِّزُ الْجَمْعُ، وَالْمُرَادُ بِذِي الشُّبْهَةِ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمُكْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ مِنْهُ أَوْ الْمُسْتَعِيرِ وَلَمْ يَعْلَمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِالْغَصْبِ. وَقَوْلُهُ: " بَنَى أَوْ غَرَسَ ": فَرَضَ مَسْأَلَةً إذْ لَوْ صَرَفَ مَالًا عَلَى تَفْصِيلِ عَرَضٍ أَوْ خِيَاطَتِهِ أَوْ عَمَّرَ سَفِينَةً فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَاحْتَرَزَ بِذِي الشُّبْهَةِ مِمَّا لَوْ بَنَى أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَوْ غَرَسَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، فَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ يَرْجِعُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا يُلْزَمُ بِقَلْعِهِ، بَلْ إنْ اقْتَسَمُوا وَوَقَعَ فِي قِسْمِ غَيْرِهِ دَفَعَ لَهُ قِيمَتَهُ مَنْقُوضًا، وَإِنْ أَبْقَوْا الشَّرِكَةَ عَلَى حَالِهَا فَلَهُمْ أَنْ يَأْمُرُوهُ بِأَخْذِهِ أَوْ يَدْفَعُوا لَهُ قِيمَتَهُ مَنْقُوضًا. قَوْلُهُ: [ادْفَعْ قِيمَتَهُ قَائِمًا] : أَيْ وَلَوْ مِنْ بِنَاءِ الْمُلُوكِ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَهُ بِوَجْهِ شُبْهَةٍ كَذَا فِي الْخَرَشِيِّ، وَرَدَّهُ بْن بِأَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ بِنَاءِ الْمُلُوكِ وَذَوِي السَّرَفِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فَالْمَنْصُوصُ أَنَّ فِيهِ قِيمَتَهُ مَنْقُوضًا؛ لِأَنَّ شَأْنَهُمْ الْإِسْرَافُ وَالتَّغَالِي، وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِسَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ. قَوْلُهُ: [يَوْمَ الْحُكْمِ] : أَيْ بِالشَّرِكَةِ وَكَيْفِيَّةِ التَّقْوِيمِ أَنْ يُقَالَ: مَا قِيمَةُ الْبِنَاءِ قَائِمًا عَلَى أَنَّهُ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ؟ فَيُقَالُ: كَذَا، وَمَا قِيمَةُ الْأَرْضِ مُفْرَدَةً عَنْ الْغَرْسِ أَوْ الْبِنَاءِ الَّذِي فِيهَا؟ فَيُقَالُ: كَذَا، فَيَكُونَا شَرِيكَيْنِ بِقِيمَةِ مَا لِكُلٍّ، فَلَوْ قِيلَ لِلْمُسْتَحِقِّ: أَعْطِهِ قِيمَتَهُ قَائِمًا فَقَالَ: لَيْسَ عِنْدِي مَا أُعْطِيهِ الْآنَ، وَلَكِنْ يَسْكُنُ وَيَنْتَفِعُ حَتَّى يَرْزُقَنِي اللَّهُ مَا أُؤَدِّي مِنْهُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ، لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَلَوْ رَضِيَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا، وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ مِنْهُ يَسْتَوْفِي مَا وَجَبَ لَهُ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ مِنْ كِرَاءِ الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ لِفَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ كَقَبْضِ الْأَوَاخِرِ.

(إلَّا الْمُسْتَحَقَّةَ بِحَبْسٍ) عَلَى مُعَيَّنَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمْ (فَالنُّقْضُ) بِضَمِّ النُّونِ: أَيْ الْمَنْقُوضُ مُتَعَيِّنٌ لِرَبِّهِ بِأَنْ يُقَالَ لَهُ: اُنْقُضْ بِنَاءَك أَوْ غَرْسَك وَخُذْهُ وَدَعْ الْأَرْضَ لِمَنْ وُقِفَتْ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَقَائِهِ مَنْفَعَةٌ لِلْوَقْفِ وَرَأَى النَّاظِرُ إبْقَاءَهُ فَلَهُ دَفْعُ قِيمَتِهِ مَنْقُوضًا مِنْ رَيْعِ الْوَقْفِ إنْ كَانَ لَهُ رَيْعٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَيْعٌ وَدَفَعَهُ مِنْ عِنْدَهُ مُتَبَرِّعًا لِحَقٍّ بِالْوَقْفِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ؛ كَمَا لَوْ بَنَى هُوَ أَوْ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ فَلَا يَكُونُ مَمْلُوكًا لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ بَلْ هُوَ مُلْحَقٌ بِالْوَقْفِ عَلَى مَا نَصُّوا عَلَيْهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَاقِعَ الْآنَ بِمِصْرَ أَنَّ النُّظَّارَ يَبِيعُونَ أَوْقَافَ الْمَسَاجِدِ أَوْ غَيْرَهَا وَالْمُشْتَرِي مِنْهُمْ عَالِمٌ عَارِفٌ بِأَنَّ هَذَا وَقْفٌ عَلَى مَسْجِدِ الْغُورِيِّ أَوْ الْأَشْرَفِ أَوْ غَيْرِهِمَا أَوْ عَلَى بَنِي فُلَانٍ، ثُمَّ يَجْعَلُونَ لِجِهَةِ الْوَقْفِ دَرَاهِمَ قَلِيلَةً يُسَمُّونَهَا حَكْرًا وَيُسَمُّونَ اسْتِيلَاءَ الْبُغَاةِ عَلَى تِلْكَ الْأَوْقَافِ خُلُوًّا وَانْتِفَاعًا، يُبَاعُ وَيُشْتَرَى وَيُوَرَّثُ، وَبَعْضُهُمْ يَرْفَعُ ذَلِكَ الْحَكْرَ بِتَوْجِيهِ النَّاظِرِ عَلَى نَحْوِ جَامَكِيَّةٍ أَوْ وَظِيفَةٍ وَيُبْطِلُونَ الْوَقْفَ مِنْ أَصْلِهِ ثُمَّ يَنْسُبُونَ جَوَازَ ذَلِكَ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَصَارَ قُضَاةُ مِصْرَ يَحْكُمُونَ بِصِحَّةِ ذَلِكَ مُعْتَمَدِينَ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَحَاشَا الْمَالِكِيَّةَ أَنْ يَقُولُوا بِذَلِكَ: كَيْفَ؟ وَمَذْهَبُهُمْ هُوَ الْمَبْنِيُّ عَلَى سَدِّ الذَّرَائِعِ وَإِبْطَالِ الْحِيَلِ؟ وَسَنَدُهُمْ: فَتْوَى وَقَعَتْ مِنْ النَّاصِرِ اللَّقَانِيِّ لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَانْظُرْهَا فِي الْمُطَوَّلَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا الْمُسْتَحَقَّةَ بِحَبْسٍ فَالنَّقْضُ] : مَا مَرَّ فِيمَا إذَا لَمْ تُسْتَحَقَّ الْأَرْضُ بِحَبْسٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ بَنَى أَوْ غَرَسَ فِي الْأَرْضِ تُوجِبُ شُبْهَةً ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ بِحَبْسٍ فَلَيْسَ لِلْبَانِي أَوْ الْغَارِسِ إلَّا نَقْضُهُ، إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ قِيمَةَ الْبُقْعَةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ الْحَبْسِ، وَلَيْسَ لَنَا أَحَدٌ مُعَيَّنٌ نُطَالِبُهُ بِدَفْعِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ قَائِمًا فَيَتَعَيَّنُ النُّقْضُ بِضَمِّ النُّونِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْحَبْسُ عَلَى مُعَيَّنَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا. خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ. قَوْلُهُ: [فَانْظُرْهَا فِي الْمُطَوَّلَاتِ] : حَاصِلُهَا أَنَّهُ قَالَ فِي فَتْوَاهُ: اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَتَعَطَّلَ الْوَقْفُ بِالْمَرَّةِ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ رَيْعٌ لَهُ يُقَيِّمُهُ وَلَمْ يُمْكِنْ إجَارَتُهُ بِمَا يُقَيِّمُهُ فَأَذِنَ النَّاظِرُ لِمَنْ يَبْنِي فِيهِ أَوْ يَغْرِسُ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ يَدْفَعُهُ لِجِهَةِ الْوَقْفِ، أَوْ لَا يَقْصِدُ إحْيَاءَ الْوَقْفِ عَلَى أَنَّ مَا بَنَاهُ أَوْ غَرَسَهُ يَكُونُ لَهُ مِلْكًا وَيَدْفَعُ عَلَيْهِ حَكْرًا مَعْلُومًا فِي نَظِيرِ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ مَسْجِدٍ أَوْ آدَمِيٍّ، فَلَعَلَّ هَذَا يَجُوزُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَيُسَمَّى

[استحقاق أم الولد]

وَالرِّسَالَةُ الَّتِي أَلَّفَهَا الْغَرْقَاوِيُّ فِي جَوَازِ ذَلِكَ لَا تُوَافِقُ قَوَاعِدَ الْمَذْهَبِ. (وَلِمَنْ اسْتَحَقَّ) بِالْمِلْكِ (أُمَّ وَلَدٍ) مِمَّنْ أَوْلَدَهَا بِشُبْهَةٍ، كَأَنْ اشْتَرَاهَا مِنْ غَاصِبٍ بِلَا عِلْمٍ فَأَوْلَدَهَا فَاسْتَحَقَّ مَالِكُهَا (قِيمَتَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا) مِنْهُ (يَوْمَ الْحُكْمِ) بِالِاسْتِحْقَاقِ، لَا يَوْمَ الْوَطْءِ وَلَا يَوْمَ الشِّرَاءِ وَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ بِاتِّفَاقٍ إذَا كَانَ سَيِّدُهَا الْوَاطِئُ حُرًّا، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ، وَكَانَ أَوَّلًا يَقُولُ: لِرَبِّهَا أَخْذُهَا إنْ شَاءَ مَعَ قِيمَةِ الْوَلَدِ يَوْمَ الْحُكْمِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ أَيْضًا، إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ قِيمَتَهَا فَقَطْ يَوْمَ الْوَطْءِ وَبِهِ أُفْتِيَ لَمَّا اُسْتُحِقَّتْ أُمُّ وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ، وَقِيلَ: أُمُّ وَلَدِهِ مُحَمَّدٍ. (وَ) لَهُ (الْأَقَلُّ مِنْهَا) : أَيْ مِنْ قِيمَةِ يَوْمِ قَتْلِهِ (وَمِنْ الدِّيَةِ فِي) الْقَتْلِ (الْخَطَأِ) وَلَوْ لَمْ يَأْخُذْهَا الْأَبُ مِنْ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ لَهُ (أَوْ) الْأَقَلُّ مِنْهَا أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ حِينَئِذٍ خُلُوًّا يُمَلَّكُ وَيُبَاعُ وَيُوَرَّثُ (اهـ مِنْ الْأَصْلِ) : وَلِذَلِكَ قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَمِلْكُ الْخُلُوِّ مِنْ قَبِيلِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ لَا مِنْ قَبِيلِ مِلْكِ الِانْتِفَاعِ، وَحِينَئِذٍ فَلِمَالِكِ الْخُلُوِّ بَيْعُهُ وَإِجَارَتُهُ وَهِبَتُهُ وَإِعَارَتُهُ وَيُوَرَّثُ عَنْهُ وَيَتَحَاصَصُ فِيهِ غُرَمَاؤُهُ، حَكَاهُ (بْن) عَنْ جُمْلَةٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يَمْلِكُهُ دَافِعُ الدَّرَاهِمِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي مُقَابَلَةِ الدَّرَاهِمِ، وَلِذَا يُقَالُ أُجْرَةُ الْوَقْفِ كَذَا وَأُجْرَةُ الْخُلُوِّ كَذَا. قَوْلُهُ: [وَالرِّسَالَةُ الَّتِي أَلَّفَهَا] إلَخْ: تَنْوِيعٌ فِي التَّعْبِيرِ كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ اسْتِنَادُهُمْ فَتْوَى النَّاصِرِ فَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَإِنْ كَانَ اسْتِنَادُهُمْ الرِّسَالَةَ الْمَذْكُورَةَ فَهِيَ لَا تُوَافِقُ قَوَاعِدَ الْمَذْهَبِ. [اسْتِحْقَاق أُمّ الْوَلَد] قَوْلُهُ: [إذَا كَانَ سَيِّدُهَا الْوَاطِئُ حُرًّا] : مَفْهُومُهُ لَوْ كَانَ رَقِيقًا لَأُخِذَ وَبَقِيَ عَلَى رِقَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ خَيْرًا مِنْ أَبِيهِ. قَوْلُهُ: [مَعَ قِيمَةِ الْوَلَدِ يَوْمَ الْحُكْمِ] : أَيْ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِدُونِ مَالِهِ كَمَا أَنَّ الْأُمَّ تُقَوَّمُ بِدُونِ مَالِهَا؛ لِأَنَّ مَالَهَا لِمُسْتَحِقِّهَا كَمَا فِي الْأُجْهُورِيِّ. قَوْلُهُ: [وَبِهِ أُفْتِيَ] : عَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ رُشْدٍ بِقَوْلِهِ: وَبِهِ حُكِمَ عَلَيْهِ فِي اسْتِحْقَاقِ أُمِّ وَلَدِهِ (اهـ) قَالَ بْن: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ " أُفْتِيَ " فِي كَلَامِ غَيْرِهِ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، وَأَنَّ غَيْرَهُ أَفْتَاهُ فِي هَذَا، لَا أَنَّهُ أَفْتَى بِهِ لِنَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي كَلَامِ الْفَاكِهَانِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَفْتَى بِذَلِكَ لِنَفْسِهِ (اهـ) .

(مِمَّا صَالَحَ بِهِ) أَبُوهُ الْقَاتِلَ (فِي) الْقَتْلِ (الْعَمْدِ) إنْ صَالَحَ بِقَدْرِ الدِّيَةِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، إلَّا أَنْ يُصَالِحَ بِأَقَلَّ مِنْهُمَا، فَلَهُ أَخْذُهُ وَالرُّجُوعُ عَلَى الْجَانِي بِالْأَقَلِّ مِنْ بَاقِي الْقِيمَةِ أَوْ الدِّيَةِ، فَإِنْ اقْتَصَّ الْأَبُ فَلَا شَيْءَ لِلْمُسْتَحِقِّ. (لَا إنْ عَفَا) الْأَبُ عَنْ الْقَاتِلِ فِي الْعَمْدِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَلِلْمُسْتَحِقِّ الرُّجُوعُ عَلَى الْقَاتِلِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَالدِّيَةِ. (وَلَا شَيْءَ لِمُسْتَحِقٍّ بِحُرِّيَّةٍ) : لَا صَدَاقَ وَلَا غَلَّةَ أَيْ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى أَمَةً أَوْ عَبْدًا فَوَطِئَهَا أَوْ اسْتَخْدَمَهَا أَوْ اسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ فَاسْتَحَقَّتْ حُرِّيَّتَهَا فَلَا صَدَاقَ فِي وَطْئِهَا وَلَا غَلَّةَ فِي اسْتِعْمَالِهَا أَوْ اسْتِعْمَالِ الْعَبْدِ. (وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ) مِنْ مُتَعَدِّدٍ اُشْتُرِيَ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ كَأَنْ يَشْتَرِيَ عَشْرَةَ أَثْوَابٍ بِمِائَةٍ فَاسْتُحِقَّ مِنْهَا وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ (فَكَالْمَعِيبِ) فَإِنْ كَانَ مُسْتَحَقٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ مِمَّا صَالَحَ] : الْمُنَاسِبُ الْوَاوُ أَيْ: فَإِذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَتْلِ مِائَتَيْنِ وَوَقَعَ الصُّلْحُ بِخَمْسِمِائَةٍ أَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ الْقِيمَةَ مِائَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ مِمَّا صَالَحَ بِهِ، وَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ بِمِائَتَيْنِ قَدْرَ الْقِيمَةِ أَخَذَهُمَا الْمُسْتَحِقُّ، فَإِنْ صَالَحَ بِمِائَةٍ تَعَيَّنَ أَنْ يَأْخُذَهَا الْمُسْتَحِقُّ لَا الْقِيمَةَ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا أَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ تِلْكَ الْمِائَةَ مِنْ الْأَبِ رَجَعَ ذَلِكَ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى الْجَانِي أَيْضًا بِمِائَةٍ بَاقِي الْقِيمَةِ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مِائَتَيْنِ كَمَا فَرَضْنَا. قَوْلُهُ: [لَا صَدَاقَ وَلَا غَلَّةَ] : أَيْ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْغَلَّةَ لِذِي الشُّبْهَةِ وَالْمُشْتَرِي ذُو شُبْهَةٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مُسْتَحِقِّ مُدَّعِي حُرِّيَّةٍ اسْتَعْمَلَهُ إنْسَانٌ، فَلِمَنْ اسْتَحَقَّهُ بِرِقٍّ الرُّجُوعُ عَلَى مَنْ اسْتَعْمَلَهُ بِأُجْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ إلَّا الْقَلِيلَ؛ كَسَقْيِ الدَّابَّةِ وَشِرَاءِ شَيْءٍ تَافِهٍ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِهِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ] إلَخْ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ الْخِيَارِ مُفَصَّلَةً، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا هُنَا؛ لِأَنَّ مَا هُنَا مَحَلُّهَا. قَوْلُهُ: [فَكَالْمَعِيبِ] : حَاصِلُ اسْتِحْقَاقِ الْبَعْضِ أَنْ تَقُولَ: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ شَائِعًا، أَوْ مُعَيَّنًا. فَإِنْ كَانَ شَائِعًا بِمَا لَا يَنْقَسِمُ - وَلَيْسَ مِنْ رُبَاعِ الْغَلَّةِ - خُيِّرَ الْمُشْتَرِي فِي التَّمَسُّكِ وَالرُّجُوعِ بِحِصَّةِ الْمُسْتَحِقِّ مِنْ الثَّمَنِ، وَفِي رَدِّهِ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ سَوَاءٌ اُسْتُحِقَّ الْأَقَلُّ أَوْ الْأَكْثَرُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ أَوْ كَانَ مُتَّخَذًا لِلْغَلَّةِ خُيِّرَ فِي

[رجوع المشتري المستحق منه بالثمن على البائع]

وَجْهَ الصَّفْقَةِ تَعَيَّنَ نَقْضُ الْبَيْعِ، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِالْأَقَلِّ إذَا اُسْتُحِقَّ الْأَكْثَرُ أَوْ ظَهَرَ مَعِيبًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَجْهِ الصَّفْقَةِ جَازَ التَّمَسُّكُ بِالْبَاقِي. وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالتَّقْوِيمِ لَا بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ. (وَ) مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا فَاسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ (رَجَعَ) الْمُشْتَرِي (الْمُسْتَحَقُّ مِنْهُ) ذَلِكَ الشَّيْءُ (بِالثَّمَنِ) الَّذِي خَرَجَ مِنْ يَدِهِ (عَلَى بَائِعِهِ، إلَّا أَنْ يَعْلَمَ صِحَّةَ مِلْكِهِ) : أَيْ مِلْكِ الْبَائِعِ لِمَا اُسْتُحِقَّ مِنْهُ وَأَنَّ مُدَّعِي الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ الظَّالِمُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ، وَصَارَتْ الْمُصِيبَةُ مِنْهُ. بَابُ فِي الشُّفْعَةِ وَأَحْكَامِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِحْقَاقِ الثُّلُثِ وَوَجَبَ التَّمَسُّكُ فِيمَا دُونَهُ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ، فَإِنْ كَانَ مُقَوَّمًا كَالْعَرُوضِ وَالْحَيَوَانِ رَجَعَ بِحِصَّةِ الْبَعْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْقِيمَةِ لَا بِالْقِسْمَةِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ وَجْهُ الصَّفْقَةِ تَعَيَّنَ رَدُّ الْبَاقِي، وَلَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِالْأَقَلِّ وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، فَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْأَقَلُّ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْأَكْثَرُ خُيِّرَ فِي التَّمَسُّكِ وَالرُّجُوعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فِي الرَّدِّ. وَكَذَلِكَ يُخَيَّرُ فِي التَّمَسُّكِ وَالرَّدِّ فِي جُزْءٍ شَائِعٍ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ إنْ كَانَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ مَعْلُومَةً (اهـ بْن) . قَوْلُهُ: [جَازَ التَّمَسُّكُ بِالْبَاقِي] : مُقْتَضَى الْحَاصِلِ الْمُتَقَدِّمِ وُجُوبُ التَّمَسُّكِ بِالْبَاقِي. [رُجُوع الْمُشْتَرِي الْمُسْتَحَقُّ مِنْهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ] [خَاتِمَة اسْتِحْقَاق السَّيِّد لَمَا أَوْصَى بِهِ عَبْد اُشْتُهِرَ بِالْحُرِّيَّةِ] قَوْلُهُ: [بِالثَّمَنِ الَّذِي خَرَجَ مِنْ يَدِهِ] : أَيْ فَإِنْ كَانَ عَرَضًا مُعَيَّنًا رَجَعَ بِهِ أَوْ قِيمَتِهِ إنْ فَاتَ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الرُّجُوعُ بِالْمِثْلِ. وَاسْتُثْنِيَ مِنْ الرُّجُوعِ فِي عَيْنِ شَيْئِهِ النِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَصُلْحُ الْعَمْدِ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ، وَالْمُقَاطَعُ بِهِ عَنْ عَبْدٍ وَالْمَدْفُوعُ عَنْ مُكَاتَبٍ وَالْمُصَالَحُ بِهِ عَنْ عُمْرَى فَمَنْ أَصْدَقَ امْرَأَةً عَبْدًا وَاسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهَا رَجَعَتْ فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ لَا فِي الْبُضْعِ، وَمَنْ خَالَعَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ فَاسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِقِيمَةِ الْعَبْدِ لَا فِي الْعِصْمَةِ، وَمَنْ صَالَحَ عَلَى دَمٍ عَمْدٍ بِعَبْدٍ عَلَى إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ فَاسْتُحِقَّ الْعَبْدُ رَجَعَ وَلِيُّ الدَّمِ بِقِيمَتِهِ، وَإِذَا قَاطَعَ الْعَبْدُ سَيِّدَهُ بِأَنْ أَعْتَقَهُ عَلَى عَبْدٍ فَاسْتُحِقَّ الْعَبْدُ مِنْ يَدِ السَّيِّدِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ لَا فِي الْحُرِّيَّةِ. هَذَا إذَا قَاطَعَهُ عَلَى عَبْدٍ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، وَأَمَّا مُقَاطَعَتُهُ عَلَى عَبْدٍ فِي مِلْكِهِ فَاسْتَحَقَّ فَإِنَّ السَّيِّدَ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ وَالْعِتْقُ مَاضٍ لَا يُرَدُّ؛ لِأَنَّهُ كَمَالٍ انْتَزَعَهُ مِنْ عَبْدِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ. وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إذَا قَاطَعَ سَيِّدَهُ عَلَى عَبْدٍ فَاسْتُحِقَّ الْعَبْدُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ يَدِ السَّيِّدِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ لَا بِالْحُرِّيَّةِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْعَبْدِ فِي مِلْكِ الْمُكَاتَبِ أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ أَعْمَرَ دَارِهِ لِشَخْصٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً ثُمَّ إنَّ رَبَّ الدَّارِ صَالَحَ الْمُعْمَرَ عَلَى عَبْدٍ دَفَعَهُ رَبُّ الدَّارِ إلَيْهِ فِي نَظِيرِ مَنْفَعَتِهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ ذَلِكَ الْعَبْدُ مِنْ يَدِ الْمُعْمَرِ - بِالْفَتْحِ - فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ وَلَا يَرْجِعُ بِالْمَنَافِعِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ يَدِهِ. وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ السَّبْعُ تَجْرِي فِي الشُّفْعَةِ وَفِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ كَالِاسْتِحْقَاقِ فَتَكُونُ الصُّوَرُ الْجَارِيَةُ فِيهَا إحْدَى وَعِشْرِينَ، قَائِمَةً مِنْ ضَرْبِ سَبْعٍ فِي ثَلَاثٍ وَهِيَ الِاسْتِحْقَاقُ وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ. 1 - خَاتِمَةٌ: إنْ اُشْتُهِرَ عَبْدٌ بِحُرِّيَّةٍ وَصَارَ لَهُ أَمْلَاكٌ وَحَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَأَوْصَى بِوَصَايَا ثُمَّ نَفَّذَهَا الْوَصِيُّ فَجَاءَ سَيِّدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَاسْتَحَقَّهُ؛ لَمْ يَضْمَنْ وَصِيٌّ صَرَفَ الْمَالِ فِيمَا أُمِرَ بِصَرْفِهِ فِيهِ وَلَا حَاجٌّ حَجَّ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ كَمَا أَوْصَى، وَيَأْخُذُ السَّيِّدُ مَا كَانَ بَاقِيًا مِنْ تَرِكَتِهِ لَمْ يُبَعْ، وَمَا بِيعَ وَهُوَ قَائِمٌ بِيَدِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَفُتْ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ الْمُشْتَرِي. وَكَذَلِكَ مَنْ شُهِدَ بِمَوْتِهِ وَعُذِرَتْ بَيِّنَتُهُ بِأَنْ رَأَتْهُ صَرِيعًا فِي الْمَعْرَكَةِ فَظَنَّتْ مَوْتَهُ فَتَصَرَّفَ وَرَثَتُهُ وَوَصِيُّهُ فِي تَرِكَتِهِ وَتَزَوَّجَتْ زَوْجَتُهُ ثُمَّ قَدِمَ حَيًّا فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مَا وَجَدَ مِنْ مَالِهِ، وَيَأْخُذُ مَا بِيعَ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ قَائِمًا بِيَدِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَفُتْ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يُعْرَفْ الْعَبْدُ بِالْحُرِّيَّةِ وَلَمْ تُعْذَرْ الْبَيِّنَةُ فِي الثَّانِي فَالتَّصَرُّفُ فِي أَمْوَالِهِ كَتَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ فَيَأْخُذُ رَبُّهُ مَا وَجَدَهُ فَاتَ أَوْ لَمْ يَفُتْ وَتُرَدُّ لَهُ زَوْجَتُهُ وَلَوْ دَخَلَ بِهَا غَيْرُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب في الشفعة وأحكامها]

وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِالِاسْتِحْقَاقِ، فَلِذَا أَعْقَبَهُ بِهَا فَقَالَ: (الشُّفْعَةُ) بِسُكُونِ الْفَاءِ، قَالَ عِيَاضٌ: أَصْلُهَا مِنْ الشَّفْعِ ضِدَّ الْوَتْرِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَضُمُّ حِصَّةَ شَرِيكِهِ إلَى حِصَّتِهِ فَيَصِيرُ حِصَّتَيْنِ فَيَكُونُ شَفْعًا بَعْدَ أَنْ كَانَ وَتْرًا، وَالشَّافِعُ، هُوَ الْجَاعِلُ الْوَتْرَ شَفْعًا (اسْتِحْقَاقُ شَرِيكٍ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ، وَخَرَجَ " بِشَرِيكٍ " اسْتِحْقَاقُ غَيْرِهِ شَيْئًا كَدَيْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ بِوَقْفٍ أَوْ سِلْعَةٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَالشُّفْعَةُ هِيَ اسْتِحْقَاقُ الشَّرِيكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ فِي الشُّفْعَةِ وَأَحْكَامِهَا] [تَعْرِيف الشُّفْعَة] بَابٌ: أَيْ حَقِيقَتُهَا، وَقَوْلُهُ: " وَأَحْكَامِهَا ": أَيْ مَسَائِلِهَا الَّتِي تَثْبُتُ فِيهَا وَمَا لَا تَثْبُتُ فِيهَا. قَوْلُهُ: [فَلِذَا أَعْقَبَهُ بِهَا] : أَيْ جَعَلَهَا عَقِبَهُ وَتَالِيَةً لَهُ. قَوْلُهُ: [أَصْلُهَا مِنْ الشَّفْعِ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ، وَاصْطِلَاحًا مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [وَالشَّافِعُ] : أَيْ الْمَأْخُوذُ مِنْ الشُّفْعَةِ لَا مِنْ الشَّفَاعَةِ الَّتِي هِيَ سُؤَالُ الْخَيْرِ لِلْغَيْرِ فَلَيْسَتْ مُرَادَةً هُنَا. قَوْلُهُ: [شَرِيكٍ] : أَيْ بِجُزْءٍ شَائِعٍ لَا بِأَذْرُعٍ مُعَيَّنَةٍ فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّهُمَا جَارَانِ، وَلَا بِغَيْرِ مُعَيَّنَةٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَرَجَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَلِأَشْهَبَ فِيهَا الشُّفْعَةُ. فَإِنْ قُلْت: كُلٌّ مِنْ الْجُزْءِ - كَالثُّلُثِ وَالْأَذْرُعِ غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ - شَائِعٌ. قُلْت: شُيُوعُهُمَا مُخْتَلِفٌ، إذْ الْجُزْءُ شَائِعٌ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْكُلِّ وَلَوْ قَلَّ وَلَا كَذَلِكَ الْأَذْرُعُ؛ لِأَنَّ الْأَذْرُعَ إنْ كَانَتْ خَمْسَةً فَإِنَّمَا تَكُونُ شَائِعَةً فِي قَدْرِهَا أَيْ فِي كُلِّ خَمْسَةٍ مِنْ الْأَذْرُعِ لَا فِي أَقَلَّ مِنْهَا (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) ، وَمُرَادُهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الطَّلَبُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الِاسْتِحْقَاقَ الْمَعْهُودَ الَّذِي هُوَ رَفْعُ مِلْكِ شَيْءٍ بِثُبُوتِ مِلْكٍ قَبْلَهُ أَوْ حُرِّيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ هُنَا.

أَخَذَ أَوْ لَمْ يَأْخُذْ. وَتُطْلَقُ عَلَى نَفْسِ الْأَخْذِ بِالْفِعْلِ، وَالْأَظْهَرُ مَا ذَكَرْنَا (أَخْذَ مَا عَاوَضَ بِهِ شَرِيكَهُ مِنْ عَقَارٍ بِثَمَنِهِ أَوْ قِيمَتِهِ بِصِيغَةٍ) قَوْلُهُ " أَخْذَ " مَفْعُولُ الْمَصْدَرِ وَإِضَافَتُهُ لِ " مَا " مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ، وَخَرَجَ بِ " مَا عَاوَضَ بِهِ ": الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْوَصِيَّةُ بِشِقْصٍ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا وَقَوْلُهُ: " مِنْ عَقَارٍ " بَيَانٌ لِ " مَا "، وَخَرَجَ بِهِ غَيْرُ الْعَقَارِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالْعَرُوضِ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ. بِثَمَنِهِ أَيْ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ قِيمَتِهِ " لِإِدْخَالِ بَعْضِ الصُّوَرِ الَّتِي لَمْ تَقَعْ الْمُعَاوَضَةُ فِيهَا بِثَمَنٍ كَالْخُلْعِ وَالنِّكَاحِ كَمَا يَأْتِي، فَالْمُرَادُ بِالْمُعَاوَضَةِ: مَا يَشْمَلُ الْمَالِيَّةَ وَغَيْرَهَا وَقَوْلُهُ: " بِصِيغَةٍ " أَرَادَ بِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَخْذِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْأَظْهَرُ مَا ذَكَرْنَا] : أَيْ لِأَنَّ مَاهِيَّةَ الِاسْتِحْقَاقِ إنَّمَا هِيَ طَلَبُ الشَّرِيكِ أَخْذَ مَبِيعِ شَرِيكِهِ وَعَدَمُهُ، وَالْأَخْذُ وَالتَّرْكُ عَارِضَانِ لَهَا، وَالْعَارِضُ شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمَعْرُوضِ كَذَا وَجَّهَهُ فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [مَفْعُولُ الْمَصْدَرِ] : أَيْ الَّذِي هُوَ اسْتِحْقَاقٌ. قَوْلُهُ: [مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ] : أَيْ الَّذِي هُوَ أَخْذَ فَصَارَ مَعْمُولًا لِاسْتِحْقَاقٍ وَعَامِلًا فِي مَا. قَوْلُهُ: [مِنْ الْحَيَوَانِ] : أَيْ فَلَا شُفْعَةَ فِي الْحَيَوَانَاتِ اسْتِقْلَالًا، فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَكُونُ فِي الْحَيَوَانِ تَبَعًا لِلْحَائِطِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ. قَوْلُهُ: [كَمَا هُوَ الْغَالِبُ] : أَيْ فَالْغَالِبُ أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الشِّقْصَ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ يَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَبَاقِي الصُّوَرِ السَّبْعِ. قَوْلُهُ: [بِثَمَنٍ] : أَيْ بِمُتَمَوَّلٍ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ وَالْعِصْمَةَ وَمَا مَعَهُمَا غَيْرُ مُتَمَوَّلٍ فَلَا يُقَالُ لَهُ ثَمَنٌ عُرْفًا. قَوْلُهُ: [كَالْخُلْعِ وَالنِّكَاحِ] : أَدْخَلَتْ الْكَافُ بَاقِيَ الصُّوَرِ السَّبْعِ الَّتِي تَقَدَّمَ لَنَا التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ. قَوْلُهُ: [أَرَادَ بِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَخْذِ] : أَيْ لَفْظًا أَوْ غَيْرَهُ.

[أركان الشفعة]

فَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ. آخِذٌ؛ وَمَأْخُوذٌ مِنْهُ، وَبَائِعٌ لَهُ، وَصِيغَةٌ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ قَوْلَهُ: (فَلِلشَّرِيكِ) الْمُسْتَحِقِّ (أَوْ وَكِيلِهِ الْأَخْذُ) بِالشُّفْعَةِ لِمَا عَاوَضَ عَلَيْهِ شَرِيكَهُ مِنْ الْعَقَارِ (جَبْرًا) شَرْعِيًّا (وَلَوْ) كَانَ الشَّرِيكُ الْمُسْتَحِقُّ (ذِمِّيًّا) بَاعَ شَرِيكُهُ الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ نَصِيبَهُ لِذِمِّيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ، فَلِلذِّمِّيِّ الْأَخْذُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِالشُّفْعَةِ: لَكِنْ إنْ كَانَ الشَّرِيكَانِ ذِمِّيَّيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا لِذِمِّيٍّ فَشَرْطُ الْقَضَاءِ بِهَا أَنْ يَتَرَافَعَا إلَيْنَا. فَمَتَى كَانَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ مُسْلِمًا فَهِيَ ثَابِتَةٌ تَرَافَعَا أَوْ لَمْ يَتَرَافَعَا، وَإِلَّا فَلَا تَثْبُتُ إلَّا بِالتَّرَافُعِ. (أَوْ) كَانَ الشَّرِيكُ (مُحَبِّسًا) لِحِصَّتِهِ قَبْلَ بَيْعِ شَرِيكِهِ، فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [أَرْكَانُ الشُّفْعَةِ] قَوْلُهُ: [آخِذٌ] : أَيْ وَهُوَ الشَّفِيعُ. وَقَوْلُهُ: [وَمَأْخُوذٌ مِنْهُ] : أَيْ وَهُوَ الْمُشْتَرِي. قَوْلُهُ: [وَبَائِعٌ لَهُ] : الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَشَيْءٌ مَأْخُوذٌ وَهُوَ الْمَبِيعُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ مِنْ أَسْبَابِهَا لَا مِنْ أَرْكَانِهَا. وَتَرَكَ خَامِسًا: وَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ مِنْ ثَمَنٍ أَوْ قِيمَةٍ، فَأَفَادَ الْأَوَّلَ مِنْهَا بِقَوْلِهِ: " فَلِلشَّرِيكِ أَوْ وَكِيلِهِ الْأَخْذُ " إلَخْ، وَالثَّانِي مِنْهَا بِقَوْلِهِ مِمَّنْ طَرَأَ مِلْكُهُ. وَالثَّالِثُ بِقَوْلِهِ " لِعَقَارٍ وَلَوْ مُنَاقَلًا بِهِ " إلَخْ؛ وَالْخَامِسُ الَّذِي زِدْنَاهُ بِقَوْلِهِ: " بِمِثْلِ " الْمِثْلِ إلَخْ. وَالصِّيغَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي: " وَلَزِمَهُ إنْ قَالَ أَخَذْت ". قَوْلُهُ: [لِمَا عَاوَضَ عَلَيْهِ] : أَيْ كَانَتْ الْمُعَاوَضَةُ مَالِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا. قَوْلُهُ: [شَرْعِيًّا] : أَيْ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَلَا ظُلْمَ فِيهِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَ الشَّرِيكُ الْمُسْتَحِقُّ ذِمِّيًّا] : بَالَغَ عَلَيْهِ رَدًّا عَلَى ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ صُوَرَ الْمَسْأَلَةِ ثَمَانٍ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ وَالْبَائِعَ إمَّا مُسْلِمَانِ أَوْ كَافِرَانِ، أَوْ الشَّرِيكُ مُسْلِمٌ وَالْبَائِعُ كَافِرٌ أَوْ الْعَكْسُ، وَفِي كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعِ: الْمُشْتَرِي إمَّا مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ؛ فَمَهْمَا كَانَ الشَّفِيعُ مُسْلِمًا فَالشُّفْعَةُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ كَافِرًا وَالْمُشْتَرِي مُسْلِمًا فَمَحَلُّ الْخِلَافِ، وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ ذِمِّيِّينَ فَلَا نَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِالشُّفْعَةِ إلَّا إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا. فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْمُنَاسِبُ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ أَنْ يَقُولَ فِي الْحَلِّ: وَلَوْ كَانَ الشَّرِيكُ الْمُسْتَحِقُّ ذِمِّيًّا بَاعَ شَرِيكُهُ الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ نَصِيبَهُ لِمُسْلِمٍ.

(لِيُحَبِّسَ) فِي مِثْلِ مَا حَبَّسَ فِيهِ الْأَوَّلَ، لَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّحْبِيسَ فَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ. كَمَا أَنَّ الْمُحَبَّسَ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أَخْذٌ بِهَا وَلَوْ لِيُحَبِّسَ كَمَا يَأْتِي. (وَالْوَلِيِّ) بِالشُّفْعَةِ وَالْوَلِيِّ بِالْجَرِّ، عَطْفًا عَلَى " الشَّرِيكِ ": أَيْ لَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ (لِمَحْجُورِهِ) السَّفِيهِ أَوْ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ إذَا بَاعَ شَرِيكُهُ الْمَحْجُورَ. (وَالسُّلْطَانِ) لَهُ أَخْذٌ بِالشُّفْعَةِ (لِبَيْتِ الْمَالِ) : فَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَأَخَذَ السُّلْطَانُ نَصِيبَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ بَاعَ الشَّرِيكُ، فَلِلسُّلْطَانِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ لِبَيْتِ الْمَالِ. وَكَذَا لَوْ مَاتَ إنْسَانٌ عَنْ بِنْتٍ مَثَلًا فَأَخَذَتْ النِّصْفَ، ثُمَّ بَاعَتْهُ فَلِلسُّلْطَانِ الْأَخْذُ مِنْ الْمُشْتَرِي لِبَيْتِ الْمَالِ. (لَا مُحَبَّسٌ عَلَيْهِ) فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ (أَوْ نَاظِرٌ) عَلَى وَقْفٍ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذٌ بِهَا (وَلَوْ لِيُحَبِّسَ) بِهَا فِيمَا حَبَّسَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ يَأْخُذُ بِهِ، وَقِيلَ: إنْ أَرَادَ الْأَخْذَ لِيُلْحِقَهُ بِالْأَوَّلِ فَلَهُ ذَلِكَ. (إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ) أَيْ لِمَنْ ذَكَرَ مِنْ مُحَبَّسٍ عَلَيْهِ أَوْ نَاظِرٍ؟ (الْمَرْجِعُ) : أَيْ مَرْجِعُ الْوَقْفِ، أَيْ رُجُوعُهُ، كَمَنْ حَبَّسَ عَلَى جَمَاعَةٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ لِفُلَانٍ مِلْكًا، فَلَهُ حِينَئِذٍ الْأَخْذُ بِهَا. وَكَذَا إنْ جَعَلَ الْمُحَبَّسُ لَهُ الْأَخْذَ لِيُحَبِّسَ فِي مِثْلِ الْأَوَّلِ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ وَكِيلًا عَنْهُ فِي ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فِي مِثْلِ مَا حَبَّسَ فِيهِ الْأَوَّلُ] : الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِمِثْلٍ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى مُطْلَقِ تَحْبِيسٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [فَلِلسُّلْطَانِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ] : قَالَ سَحْنُونَ فِي الْمُرْتَدِّ يُقْتَلُ وَقَدْ وَجَبَتْ لَهُ شُفْعَةٌ: إنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْخُذَهَا إنْ شَاءَ لِبَيْتِ الْمَالِ. قَوْلُهُ: [أَوْ نَاظِرٌ عَلَى وَقْفٍ] : أَيْ كَدَارٍ مَوْقُوفٍ نِصْفُهَا عَلَى جِهَةٍ وَلَهُ نَاظِرٌ، فَإِذَا بَاعَ الشَّرِيكُ نِصْفَهُ فَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَخْذٌ بِالشُّفْعَةِ، وَلَوْ لِيُحَبِّسَ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ لَهُ الْوَاقِفُ الْأَخْذَ لِيُحَبِّسَ، وَإِلَّا كَانَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ إنْ أَرَادَ] إلَخْ: الْقَائِلُ لَهُ الْمَوَّاقُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ. قَوْلُهُ: [كَمَنْ حَبَّسَ عَلَى جَمَاعَةٍ] : أَيْ مُدَّةَ حَيَّاتِهِمْ. وَقَوْلُهُ: [ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ] : أَيْ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْجَمَاعَةِ أَوْ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ.

(وَ) لَا (جَارٌ) فَلَا شُفْعَةَ لَهُ (وَإِنْ مَلَكَ تَطَرُّقًا) : أَيْ طَرِيقًا إلَى الدَّارِ الَّتِي بِيعَتْ، بِأَنْ كَانَتْ الطَّرِيقَ الْمُوَصِّلَةَ إلَى دَارِ كُلٍّ وَاحِدَةً فَبَاعَ أَحَدُ الْجَارَيْنِ دَارِهِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا لِلْآخَرِ. (مِمَّنْ طَرَأَ) : أَيْ تَجَدَّدَ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَخْذِ: أَيْ لِلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يُعَاوِضْ الْأَخْذُ مِمَّنْ طَرَأَ (مِلْكُهُ) عَلَى مَنْ أَرَادَ الْأَخْذَ؛ فَلَوْ مَلَكَا الْعَقَارَ مَعًا بِشِرَاءٍ أَوْ نَحْوَهُ فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (اللَّازِمُ) نَعْتٌ لِمِلْكِهِ، احْتَرَزَ بِهِ عَمَّنْ طَرَأَ مِلْكُهُ بِمُعَاوَضَةٍ لَكِنْ بِمِلْكٍ غَيْرِ لَازِمٍ: كَبَيْعِ الْخِيَارِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّهِ، وَكَبَيْعِ مَحْجُورٍ بِلَا إذْنٍ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ إلَّا بَعْدَ إمْضَاءِ الْوَلِيِّ (اخْتِيَارًا) فَلَا شُفْعَةَ فِي مِلْكٍ طَرَأَ بِلَا اخْتِيَارٍ كَالْإِرْثِ (بِمُعَاوَضَةٍ) : وَلَوْ غَيْرَ مَالِيَّةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا جَارٌ] : أَيْ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ. قَوْلُهُ: [مِمَّنْ طَرَأَ] : هَذَا هُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي وَهُوَ الْمُشْتَرِي. قَوْلُهُ: [كَبَيْعِ الْخِيَارِ] : اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْمِلْكَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ، وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يَتَجَدَّدْ مِلْكٌ لِلْمُشْتَرِي حِينَ الْخِيَارِ فَهُوَ خَارِجٌ بِقَوْلِهِ مِمَّنْ طَرَأَ وَلَيْسَ خَارِجًا بِقَوْلِهِ اللَّازِمُ. وَأُجِيبَ أَنَّ إخْرَاجَهُ بِقَوْلِهِ اللَّازِمُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ مِنْ أَنَّ الْمَبِيعَ زَمَنَ الْخِيَارِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَيُصَدَّقُ أَنَّهُ تَجَدَّدَ مِلْكُهُ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ الْمِلْكَ غَيْرُ لَازِمٍ. قَوْلُهُ: [فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّهِ] : أَيْ وَيُثْبِتُ الشُّفْعَةَ لِمُشْتَرِي الْخِيَارِ إنْ بَاعَ شَخْصٌ دَارِهِ مَثَلًا نِصْفَيْنِ نِصْفًا خِيَارًا أَوَّلًا، ثُمَّ النِّصْفَ الثَّانِيَ بَتًّا لِشَخْصٍ آخَرَ فَأَمْضَى بَيْعَ الْخِيَارِ الْأَوَّلَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْمُشْتَرِي بَتًّا؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ حَقَّقَ مِلْكَهُ يَوْمَ الشِّرَاءِ فَالشُّفْعَةُ لَهُ عَلَى ذِي الْبَتِّ. وَهَذَا مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ مِنْ أَنَّ بَيْعَ الْخِيَارِ مُنْعَقِدٌ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ مُنْحَلٌّ الَّذِي هُوَ الْمَشْهُورُ فَالشُّفْعَةُ لِمُشْتَرِي الْبَتِّ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: [وَكَبَيْعِ مَحْجُورٍ] : مِثْلُ بَيْعِهِ شِرَاؤُهُ، فَإِذَا اشْتَرَى يُقَالُ فِيهِ قَدْ تَجَدَّدَ مِلْكُهُ لَكِنَّ ذَلِكَ الْمِلْكَ غَيْرُ لَازِمٍ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ حَتَّى يُجِيزَهُ وَلِيُّهُ. قَوْلُهُ: [كَالْإِرْثِ] : أَيْ فَإِذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ وَمَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ وَارِثٍ أَخَذَ حِصَّتَهُ مِنْهَا فَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ وَارِثِهِ بِالشُّفْعَةِ.

[المشفوع فيه]

كَنِكَاحٍ وَخُلْعٍ، وَهَذَا يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ: اخْتِيَارًا، وَلَا يُغْنِي عَنْ هَذَا قَوْلُهُ فِي التَّعْرِيفِ " بِمَا عَاوَضَ بِهِ " لِأَنَّ هَذَا مِنْ التَّفْرِيعِ عَلَى التَّعْرِيفِ؛ فَكَأَنَّهُ كَالشَّرْحِ لَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ مَا سَيَذْكُرُهُ. (لِعَقَارٍ) : وَهُوَ الْأَرْضُ وَمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ فَلَا شُفْعَةَ فِي غَيْرِهِ إلَّا تَبَعًا كَمَا يَأْتِي (وَلَوْ) كَانَ الْعَقَارُ (مُنَاقَلًا بِهِ) : بِأَنْ يُبَاعَ الْعَقَارُ بِمِثْلِهِ: وَلَهُ صُوَرٌ: مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ لِشَخْصٍ حِصَّةٌ مِنْ دَارٍ مَثَلًا وَلِآخَرَ حِصَّةٌ مِنْ أُخْرَى، فَنَاقَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ، فَلِشَرِيكِ كُلٍّ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ مِمَّنْ نَاقَلَ شَرِيكَهُ وَيَخْرُجَانِ مَعًا مِنْ الدَّارَيْنِ. (أَوْ) كَانَ الْعَقَارُ (شَجَرًا أَوْ بِنَاءً) مَمْلُوكًا (بِأَرْضٍ حُبِّسَ) عَلَى الْبَائِعِ وَشَرِيكِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا، كَمَا لَوْ اقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ إجَارَةَ أَرْضٍ مُحَبَّسَةٍ سِنِينَ فَبَنَى فِيهَا الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ غَرَسَ بِإِذْنِ نَاظِرِهَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَهُ، فَإِذَا كَانَ الْمُسْتَأْجَرُ مُتَعَدِّدًا وَبَاعَ أَحَدُهُمْ فَلِلْآخَرِ الشُّفْعَةُ (إنْ انْقَسَمَ) الْعَقَارُ: أَيْ أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فِيمَا يَنْقَسِمُ مِنْ الْعَقَارِ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْقِسْمَةَ أَوْ قَبِلَهَا بِفَسَادٍ، كَالْحَمَّامِ وَالْفُرْنِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ (وَقُضِيَ بِهَا) : أَيْ بِالشُّفْعَةِ: أَيْ وَقَعَ الْقَضَاءُ بِهَا مِنْ بَعْضِ الْقُضَاةِ (فِي غَيْرِهِ) : أَيْ فِي غَيْرِ مَا لَا يَنْقَسِمُ، وَهُوَ حَمَّامٌ؛ فَيُقَاسُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَنِكَاحٍ وَخُلْعٍ] أَيْ وَبَاقِي الْمَسَائِلِ السَّبْعِ الْآتِيَةِ. قَوْلُهُ: [فَكَأَنَّهُ كَالشَّرْحِ لَهُ] : أَيْ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ ضَابِطٌ إجْمَالِيٌّ. [الْمَشْفُوع فِيهِ] قَوْلُهُ: [الْعَقَارُ] : هَذَا هُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ. قَوْلُهُ: [وَلَهُ صُوَرٌ] : مُرَادُهُ بِالْجَمْعِ: مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ صُورَةً لَيْسَ فِيهَا شَرِيكٌ ثَالِثٌ. وَبَقِيَتْ صُورَةٌ: وَهِيَ أَنْ يَكُونَ زَيْدٌ مُشَارِكًا عَمْرًا فِي بَيْتٍ وَبَكْرًا فِي بَيْتٍ آخَرَ، فَيُبَادِلُ عَمْرًا فِي حِصَّتِهِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَكْرٍ، فَلِبَكْرٍ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ مِنْ عَمْرٍو. قَوْلُهُ: [فَلِلْآخَرِ الشُّفْعَةُ] : أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ لَنَا مِنْ أَنَّ الْخَلَوَاتِ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا، وَيَجُوزُ بَيْعُهَا وَالشُّفْعَةُ فِيهَا. قَوْلُهُ: [أَيْ فِي غَيْرِ مَا لَا يَنْقَسِمُ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلَّفِ وَالصَّوَابُ إسْقَاطُ لَا. قَوْلُهُ: [وَهُوَ حَمَّامٌ] : أَيْ فِي حَمَّامٍ. كَانَ بَيْنَ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الْفَقِيهِ وَشَرِيكٍ

[ويأخذ الشفيع الشفعة بمثل الثمن الذي أخذ به المشتري]

عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَفُرْنٍ وَدَارٍ صَغِيرَةٍ وَنَخْلَةٍ وَنَحْوِهَا وَهُوَ قَوْلٌ لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ فِيهَا أَيْضًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ. فَمَا يَنْقَسِمُ فِيهِ الشُّفْعَةُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَمَا لَا يَنْقَسِمُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورُهُمَا عَدَمُ الشُّفْعَةِ فِيهِ، فَمَنْ قَالَ: عِلَّةُ الشُّفْعَةِ دَفْعُ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ، أَجَازَهَا مُطْلَقًا إذْ ضَرَرُ الشَّرِكَةِ حَاصِلٌ فِيمَا يَنْقَسِمُ وَفِيمَا لَا يَنْقَسِمُ. وَمَنْ قَالَ: عِلَّتُهَا دَفْعُ ضَرَرِ الْقِسْمَةِ، مَنَعَهَا فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ لِعَدَمِ تَيَسُّرِهَا فِيهِ فَلَا يُجَابُ فِيهِ لَهَا إذَا أَرَادَهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى يَلْزَمَ ضَرَرُ الشَّرِيكِ بِهَا وَيَأْخُذَ الشَّفِيعُ (بِمِثْلِ الثَّمَنِ) الَّذِي أَخَذَ بِهِ الْمُشْتَرِي حَيْثُ كَانَ مِثْلِيًّا (وَلَوْ) كَانَ الثَّمَنُ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الشِّقْصَ (دَيْنًا بِذِمَّةِ بَائِعِهِ أَوْ قِيمَتِهِ) إنْ كَانَ مُقَوَّمًا كَعَبْدٍ وَيَعْتَبِرُ الْقِيمَةَ (يَوْمَ الْبَيْعِ) لَا يَوْمَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ (أَوْ قِيمَةِ الشِّقْصِ فِي) مَا إذَا كَانَتْ الْمُعَاوَضَةُ بِشَيْءٍ غَيْرِ مُتَمَوَّلٍ (نَحْوِ نِكَاحٍ) جَعَلَ الْمَهْرَ فِيهِ ذَلِكَ الشِّقْصَ (وَخُلْعٍ) خَالَعَتْ زَوْجَهَا بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ فِيهِ، فَبَاعَ أَحْمَدُ الْفَقِيهُ حِصَّتَهُ فِيهِ لِمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ فَرَفَعَهُ شَرِيكُهُ لِقَاضِي الْجَمَاعَةِ بِقُرْطُبَةَ مُنْذِرِ بْنِ سَعِيدٍ، وَأَحْضَرَ الْفُقَهَاءَ وَشَاوَرَهُمْ فَأَفْتَوْا بِعَدَمِهَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَذَهَبَ الشَّرِيكُ لِلْأَمِيرِ النَّاصِرِ لِدِينِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ: نَزَلَتْ بِي نَازِلَةٌ، حُكِمَ عَلَيَّ فِيهَا بِغَيْرِ قَوْلِ مَالِكٍ: فَأَرْسَلَ الْأَمِيرُ لِلْقَاضِي يَقُولُ لَهُ اُحْكُمْ لَهُ بِقَوْلِ مَالِكٍ: فَأَحْضَرَ الْفُقَهَاءَ وَسَأَلَهُمْ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ فَقَالُوا: مَالِكٌ يَرَى الشُّفْعَةَ، فَحَكَمَ لَهُ بِهِ. قَوْلُهُ: [لِعَدَمِ تَيَسُّرِهَا] : أَيْ الْقِسْمَةِ. وَقَوْلُهُ: [فِيهِ] : أَيْ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ. وَقَوْلُهُ: [فَلَا يُجَابُ فِيهِ] : أَيْ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ. وَقَوْلُهُ: [لَهَا] : أَيْ لِلْقِسْمَةِ. وَقَوْلُهُ: [حَتَّى يَلْزَمَ] إلَخْ: غَايَةٌ فِي النَّفْيِ. [وَيَأْخُذ الشَّفِيع الشُّفْعَة بِمِثْلِ الثَّمَن الَّذِي أَخَذَ بِهِ الْمُشْتَرِي] قَوْلُهُ: [بِمِثْلِ الثَّمَنِ] : هَذَا هُوَ الرُّكْنُ الْخَامِسُ الَّذِي زِدْنَاهُ. قَوْلُهُ: [الَّذِي أَخَذَ بِهِ الْمُشْتَرِي] : أَيْ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَقَدَ الْمُشْتَرِي خِلَافَهُ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالثَّمَنِ مَا نَقَدَهُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ عَقَدَ عَلَى خِلَافِهِ، وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْخَرَشِيُّ. قَوْلُهُ: [جَعَلَ الْمَهْرَ فِيهِ ذَلِكَ الشِّقْصَ] : أَيْ هَذَا إذَا جَعَلَهُ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ،

(وَصُلْحِ عَمْدٍ) عَلَى نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ الْوَاجِبُ فِيهِ الْقَوَدُ؛ فَإِذَا صَالَحَ الْجَانِي بِشِقْصٍ فَالشُّفْعَةُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الصُّلْحِ، بِخِلَافِ الْخَطَأِ، فَإِنَّ الشُّفْعَةَ فِيهِ بِالذِّمَّةِ مِنْ إبِلٍ أَوْ غَيْرِهَا تُنَجَّمُ كَالتَّنْجِيمِ عَلَى الْعَاقِلَةِ (وَ) أَخَذَ الشِّقْصَ (بِمَا يَخُصُّهُ) مِنْ الثَّمَنِ (إنْ صَاحَبَ) فِي الْبَيْعِ (غَيْرَهُ) فِي صَفْقَةٍ، كَأَنْ يَبِيعَ الشَّرِيكُ الشِّقْصَ وَعَبْدًا بِعَشْرَةٍ فَيُقَوَّمُ الشِّقْصُ مُنْفَرِدًا ثُمَّ يُنْظَرُ لِقِيمَتِهِ مَعَ صَاحِبِهِ كَالْعَبْدِ. فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مُنْفَرِدًا النِّصْفَ أَخَذَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَإِنْ كَانَتْ الثُّلُثَ أَخَذَهُ بِثُلُثِهِ وَهَكَذَا، وَقِيلَ: يُقَوَّمُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ ثُمَّ يُنْظَرُ لِلنِّسْبَةِ بَعْدَ ذَلِكَ. (وَلَزِمَ الْمُشْتَرِيَ) لَهُمَا (الْبَاقِي) : وَهُوَ مَا صَاحَبَ الشِّقْصَ فِي الشِّرَاءِ كَالْعَبْدِ (وَإِنْ قَلَّ) : أَيْ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الشِّقْصِ. وَاعْتُرِضَ: بِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَا يَجُوزُ فِيمَا اُسْتُحِقَّ أَكْثَرُهُ وَأَظْهَرَ مَعِيبًا التَّمَسُّكُ بِالْبَاقِي فِي الْأَقَلِّ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ هُنَا إنَّمَا يَأْخُذُ الْبَاقِيَ بِمَا يَنُوبُهُ بَعْدَ أَنْ عَرَفَ مَا يَنُوبُهُ مِنْ الثَّمَنِ، فَلَمْ يَلْزَمْ التَّمَسُّكُ بِمَجْهُولٍ. بِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا لَوْ دَفَعَهُ لَهَا فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ ذَلِكَ الشِّقْصَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَا بِقِيمَةِ الشِّقْصِ. قَوْلُهُ: [وَصُلْحِ عَمْدٍ] : أَيْ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ. قَوْلُهُ: [مِنْ إبِلٍ] : أَيْ إذَا كَانَتْ عَاقِلَةُ الْجَانِي أَهْلَ إبِلٍ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرِهَا] : أَيْ إذَا كَانَتْ عَاقِلَتُهُ أَهْلَ ذَهَبٍ وَهَكَذَا. قَوْلُهُ: [تُنَجَّمُ كَالتَّنْجِيمِ عَلَى الْعَاقِلَةِ] : أَيْ فَتُنَجَّمُ عَلَى الشَّفِيعِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَمَا تُنَجَّمُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَوْ أُخِذَتْ مِنْهَا. تَنْبِيهٌ: أَدْخَلَ الْمُصَنِّفُ فِي نَحْوِ النِّكَاحِ فِي الْمَسَائِلِ السَّبْعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْبَابِ السَّابِقِ وَهِيَ: الْمُقَاطَعُ بِهِ عَنْ عَبْدٍ، وَالْمَدْفُوعُ مِنْ مُكَاتَبٍ، وَالْمُصَالَحُ بِهِ عَنْ عُمْرَيْ؛ فَهَذِهِ ثَلَاثٌ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَرْبَعٌ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ إمَّا عَنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ يُقَوَّمُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ] : هَذَا الْقَوْلُ لِلتَّتَّائِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَكِنْ قَالَ فِي الْأَصْلِ: الْوَجْهُ مَعَ التَّتَّائِيِّ - فَتَدَبَّرْهُ.

وَالْعَيْبِ فَإِنَّ التَّمَسُّكَ بِالْبَاقِي وَقَعَ قَبْلَ التَّقْوِيمِ وَالتَّمَسُّكُ قَبْلَهُ ابْتِدَاءً بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ، إذْ لَا يُعْلَمُ إلَّا بَعْدَ التَّقْوِيمِ. وَيَأْخُذُهُ (بِأَجَلِهِ) : أَيْ أَجَلِ الثَّمَنِ أَيْ يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ بِأَجَلِهِ (إنْ أَيْسَرَ) الشَّفِيعُ: أَيْ إنْ كَانَ مُوسِرًا يَوْمَ الْأَخْذِ وَلَا يَنْظُرُ لِيَسَارِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ (أَوْ) لَمْ يُوسِرَ، وَ (ضَمِنَهُ مَلِيءٌ، وَإِلَّا) يَكُنْ مُوسِرًا وَلَا ضَمِنَهُ مَلِيءٌ (عَجَّلَ الثَّمَنَ) : أَيْ يُعَجِّلُهُ لِلْبَائِعِ، وَإِلَّا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ (إلَّا أَنْ يَتَسَاوَيَا عَدَمًا) : أَيْ فِي الْعَدَمِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ: أَيْ فِي الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ، فَلَهُ الْأَخْذُ بِالثَّمَنِ لِأَجَلِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِضَامِنٍ مَلِيءٍ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ. فَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ أَشَدَّ عَدَمًا لَزِمَهُ الْإِتْيَانُ بِضَامِنٍ وَإِلَّا سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ. (وَ) أَخَذَهُ (بِرَهْنِهِ وَضَامِنِهِ) الْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ: أَيْ إذَا اشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ وَدَفَعَ لِبَائِعِهِ رَهْنًا أَوْ ضَمِنَهُ أَحَدٌ، فَالشَّفِيعُ لَا يَأْخُذُهُ إلَّا بِرَهْنٍ كَرَهْنِ الْمُشْتَرِي أَوْ ضَامِنٍ كَضَامِنِهِ وَإِلَّا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ (وَأُجْرَةِ دَلَّالٍ وَ) أُجْرَةِ (كَاتِبٍ) لِلْوَثِيقَةِ (وَمَكْسٍ) تَوَقَّفَ الْبَيْعُ عَلَيْهِ مِنْ ظَالِمٍ عَلَى أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ. (أَوْ لِثَمَرَةٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " لِعَقَارٍ ": أَيْ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ بِأَجَلِهِ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا فِي عب. قَوْلُهُ: [وَلَا يَنْظُرُ لِيَسَارِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ] : أَيْ لَا يَكْفِي تَحَقُّقُ يُسْرِهِ يَوْمَ حُلُولِ الْأَجَلِ بِنُزُولِ جَامَكِيَّةٍ أَوْ مَعْلُومِ وَظِيفَةٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إذَا كَانَ يَوْمَ الْأَخْذِ مُعْسِرًا مُرَاعَاةً لِحَقِّ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لِلشَّفِيعِ بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ ضِيقٌ فَيَكُونُ وَسِيلَةً لِتَرْكِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَكَمَا لَا يُرَاعَى يُسْرُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يُرَاعَى خَوْفُ طُرُوُّ عُسْرِهِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، فَالْعِبْرَةُ بِالْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ] : أَيْ فَيُسْقِطُ الْحَاكِمُ شُفْعَتَهُ. قَوْلُهُ: [عَلَى أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ] : أَيْ فَإِذَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَقَارًا يَدْفَعُ مَكْسًا لِلْحَاكِمِ أَوْ لِشَيْخِ الْحَارَةِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ الشَّفِيعَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ كَمَا هُوَ الْمُفْتَى بِهِ الْآنَ.

[الشفعة في الثمار]

فِي ثَمَرٍ عَلَى أُصُولِهِ إذَا بَاعَ نَصِيبَهُ لِأَجْنَبِيٍّ فَلِلشَّرِيكِ الْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي إلْحَاقًا لِلثَّمَرَةِ وَمَا بَعْدَهَا بِالْعَقَارِ (مَا لَمْ تَيْبَسْ) الثَّمَرَةُ وَيَنْتَهِي طَيْبُهَا؛ فَإِنْ يَبِسَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَكَذَا إنْ اشْتَرَاهَا الْأَجْنَبِيُّ يَابِسَةً فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ الشُّفْعَةِ فِي الثِّمَارِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا إحْدَى مَسَائِلِ الِاسْتِحْسَانِ الْأَرْبَعِ الَّتِي قَالَ فِيهَا مَالِكٌ: إنَّهُ لَشَيْءٌ اسْتَحْسَنْته وَمَا عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلِي، الثَّانِيَةُ الشُّفْعَةُ فِي الْبِنَاءِ بِأَرْضٍ مُحَبَّسَةٍ أَوْ مُعَارَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ. الثَّالِثَةُ: الْقِصَاصُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فِي الْجُرْحِ. الرَّابِعَةُ: فِي الْأُنْمُلَةِ مِنْ الْإِبْهَامِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ نَظَمَهُمْ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: وَقَالَ مَالِكٌ بِالِاخْتِيَارِ ... فِي شُفْعَةِ الْأَنْقَاضِ وَالثِّمَارِ وَالْجُرْحِ مِثْلُ الْمَالِ فِي الْأَحْكَامِ ... وَالْخَمْسِ فِي أُنْمُلَةِ الْإِبْهَامِ وَقَوْلُهُ: مِثْلُ الْمَالِ: أَيْ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ كَالْمَالِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْأَرْبَعَ مَسَائِلَ: اثْنَتَانِ مِنْهَا فِي الشُّفْعَةِ، وَاثْنَتَانِ فِي الْجِنَايَةِ. (وَمِقْثَأَةٍ) مِنْ بِطِّيخٍ أَصْفَرَ أَوْ أَخْضَرَ أَوْ خِيَارٍ وَنَحْوِهَا، فِيهَا الشُّفْعَةُ إذَا بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ (وَبَاذِنْجَانٍ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِهَا (وَقَرْعٍ وَبَامِيَةٍ وَنَحْوِهَا) مِمَّا لَهُ أَصْلٌ تُجْنَى ثَمَرَتُهُ وَأَصْلُهُ بَاقٍ كَالْقِنِّ وَالْفُولِ الْأَخْضَرِ الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الشُّفْعَةُ فِي الثِّمَارِ] قَوْلُهُ: [نَظَمَهُمْ بَعْضُهُمْ] : أَيْ الَّذِي هُوَ ح، وَأَوْرَدَهُ خَامِسَةً ذَكَرَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهِيَ: هَلَكَتْ الْمَرْأَةُ وَلَهَا وَلَدٌ يَتِيمٌ لَا وَصِيَّ لَهُ فَأَوْصَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إلَّا إنْ كَانَ الْمَالُ يَسِيرًا نَحْوَ السِّتِّينَ دِينَارًا فَلَا يُنْزَعُ مِنْ الْوَصِيِّ، اسْتَحْسَنَهُ مَالِكٌ وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ، وَقَدْ عَدَّهَا ابْنُ نَاجِي خَمْسًا فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فَذَكَرَ هَذِهِ، وَلِذَلِكَ زَادَ ح عَلَى الْبَيْتَيْنِ: وَفِي وَصِيِّ الْأُمِّ بِالْيَسِيرِ ... مِنْهَا وَلَا وَلِيَّ لِلصَّغِيرِ فَإِنْ قُلْت: كَيْف تَكُونُ مُسْتَحْسَنَاتُ الْإِمَامِ مَقْصُورَةً عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَعَ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ أَكْثَرُ مِنْ الْقِيَاسِ؟ كَمَا قَالَ الْمُتَيْطِيُّ، وَقَالَ مَالِكٌ إنَّهُ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْعِلْمِ؟ وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ إنَّمَا خُصَّ الْإِمَامُ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ مَعَ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ غَيْرُهَا لِانْفِرَادِهِ بِهَا.

[ما لا شفعة فيه]

يُزْرَعُ لِيُبَاعَ أَخْضَرَ (وَلَوْ) بِيعَتْ (مُفْرَدَةً) عَنْ أَصْلِهَا، وَانْظُرْ تَمَامَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَصْلِ. (لَا زَرْعٍ) : كَقَمْحٍ وَكَتَّانٍ وَفُولٍ زُرِعَ لِيُحْصَدَ وَبِرْسِيمٍ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ (وَ) لَا (بَقْلٍ) مِمَّا يُنْزَعُ مِنْ أَصْلِهِ كَفُجْلٍ وَجَزَرٍ وَبَصَلٍ وَقُلْقَاسٍ وَمُلُوخِيَّةٍ (وَلَوْ بِيعَ) الزَّرْعُ أَوْ الْبَقْلُ (مَعَ أَرْضِهِ) فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي الْأَرْضِ فَقَطْ بِمَا يَنُوبُهَا مِنْ الثَّمَنِ. (وَلَا) شُفْعَةَ فِي (عَرْصَةٍ) : وَهِيَ سَاحَةُ الدَّارِ الَّتِي بَيْنَ بُيُوتِهَا أَوْ عَلَى جِهَةٍ مِنْ بُيُوتِهَا تُسَمَّى فِي عُرْفِ الْعَامَّةِ بِالْحَوْشِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ بِيعَتْ مُفْرَدَةً عَنْ أَصْلِهَا] : شَمَلَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ثَلَاثَ صُوَرٍ: الْأُولَى: إذَا بَاعَ الْأَصْلَ دُونَ الثَّمَرَةِ ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فِيهَا. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ بَاقِيًا وَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَشْتَرِيَا مَعًا الثَّمَرَةَ وَيَبِيعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْهَا، وَرَدَّ بِ " لَوْ " عَلَى أَصْبَغَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ الْقَائِلَيْنِ: لَا شُفْعَةَ فِيهَا مُطْلَقًا، وَعَلَى أَشْهَبَ الْقَائِلِ: لَا شُفْعَةَ فِيهَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَصْلُ لَهُمَا. قَوْلُهُ: [وَانْظُرْ تَمَامَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَصْلِ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الثَّمَرَةَ تُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ مَا لَمْ تَيْبَسْ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَإِلَّا فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا، وَكَذَا إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَهِيَ يَابِسَةٌ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْأُصُولَ، وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ قَدْ أَزْهَتْ أَوْ أُبِّرَتْ قَبْلَ الْبَيْعِ وَاشْتَرَطَهَا الْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَأْخُذْ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يَبِسَتْ - وَقُلْنَا بِسُقُوطِ الشُّفْعَةِ حِينَئِذٍ فِيهَا وَأُخِذَتْ الْأُصُولُ بِالشُّفْعَةِ - حُطَّ عَنْ الشَّفِيعِ مَا يَنُوبُ الثَّمَرَةَ مِنْ الثَّمَنِ، وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَى الْأُصُولَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا ثَمَرَةٌ أُبِّرَتْ أُخِذَتْ بِالشُّفْعَةِ مَعَ الْأُصُولِ مَا لَمْ تَيْبَسْ أَوْ تُجَذَّ، وَإِلَّا فَازَ بِهَا الْمُشْتَرِي وَأَخَذَ الشَّفِيعُ الْأُصُولَ بِالثَّمَنِ، وَلَا يُحَطُّ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فِي نَظِيرِ الثِّمَارِ. وَفِي الْحَالَةِ الَّتِي يَفُوزُ الشَّفِيعُ فِيهَا بِالثَّمَرَةِ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِالْمُؤْنَةِ مِنْ سَقْيٍ وَعِلَاجٍ، وَلَوْ زَادَتْ قِيمَةُ الْكُلَفِ عَلَى الثِّمَارِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِبَيْعٍ] : رَدَّ بِ " لَوْ " عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّ فِيهِ الشُّفْعَةَ إذَا بِيعَ بِأَرْضِهِ تَبَعًا. [مَا لَا شفعة فِيهِ] قَوْلُهُ: [وَلَا شُفْعَةَ فِي عَرْصَةٍ] : سُمِّيَتْ عَرْصَةً لِتَعَرُّصِ الصِّبْيَانِ فِيهَا أَيْ تَفَسُّحِهِمْ.

(وَ) لَا فِي (مَمَرٍّ) أَيْ طَرِيقٍ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِالْمَجَازِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ مِنْهُ إلَى سَاحَةِ الدَّارِ (قُسِمَ) بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ الشُّرَكَاءِ (مَتْبُوعُهُمَا) مِنْ الْبُيُوتِ وَبَقِيَتْ السَّاحَةُ أَوْ الْمَمَرُّ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا. فَإِذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْهُمَا مَعَ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْبُيُوتِ، أَوْ بَاعَهَا مُفْرَدَةً فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ تَابِعَةً لِمَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ - وَهُوَ الْبُيُوتُ الْمُنْقَسِمَةُ - كَانَ لَا شُفْعَةَ فِيهَا. وَقِيلَ: إنْ بَاعَهَا وَحْدَهَا وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ. (وَ) لَا فِي (حَيَوَانٍ، إلَّا) حَيَوَانًا (فِي كَحَائِطٍ) : أَيْ بُسْتَانٍ. وَأُدْخِلَتْ الْكَافُ: الْمُعَصَّرَةَ وَالْمُجَبَّسَةَ. فَإِذَا كَانَتْ الْحَائِطُ مُشْتَرَكَةً وَفِيهَا حَيَوَانٌ كَبَقَرٍ أَوْ آدَمِيٍّ بَيْنَهُمَا فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ الْحَائِطِ فَلِلْآخَرِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ فِي الْحَائِطِ وَالْحَيَوَانِ. وَذَكَرَ الْكَافَ لِإِدْخَالِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ، فَلَا وَجْهَ لِتَوَقُّفِ ابْنِ غَازِيٍّ فِيهِ وَاعْتِرَاضِهِ عَلَى الْمُصَنِّفِ. (وَ) لَا شُفْعَةَ فِي (بَيْعٍ فَاسِدٍ) لِأَنَّهُ مُنْحَلٌّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَقِيلَ إنْ بَاعَهَا وَحْدَهَا] إلَخْ: أَيْ كَمَا نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ عَنْ اللَّخْمِيِّ. قَوْلُهُ: [إلَّا حَيَوَانًا فِي كَحَائِطٍ] : أَيْ يُنْتَفَعُ بِهِ فِيهِ، وَأَمَّا الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِيهِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ. قَوْلُهُ: [فِي الْحَائِطِ وَالْحَيَوَانِ] : أَيْ فَإِذَا وَقَعَ الشِّرَاءُ فِي الْحَائِطِ بِمَا فِيهِ هَلَاكٌ بِشَيْءٍ مِنْ اللَّهِ، ثُمَّ أَرَادَ الشَّرِيكُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ أُلْزِمَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَا يَسْقُطُ لِمَا هَلَكَ شَيْءٌ كَذَا فِي عب. قَوْلُهُ: [فَلَا وَجْهَ لِتَوَقُّفِ ابْنِ غَازِيٍّ] : اعْلَمْ أَنَّ تَوَقُّفَ ابْنِ غَازِيٍّ فِي الْكَافِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمُعَصَّرَةَ وَالْمُجَبَّسَةَ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ فِي الشُّفْعَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا تَكُونُ فِيهِ، وَمَنْ رَدَّ عَلَيْهِ كَشَارِحِنَا نَظَرَ إلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ. قَالَ شب: أَدْخَلَتْ الْكَافُ: الرَّحَى وَالْمُعَصَّرَةَ وَالْمُجَبَّسَةَ عَلَى الْقَوْلِ بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْقَسْمَ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَالْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ. وَقَالَ سَيِّدِي أَحْمَدُ بَابَا: أَدْخَلَ بِالْكَافِ أَرْضَ الزَّرْعِ وَنَحْوَهَا إنْ كَانَ بِهَا دَابَّةٌ وَحَيَوَانٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِلْعَمَلِ. فَعَلَى قَوْلِ سَيِّدِي أَحْمَدَ بَابَا يَظْهَرُ رَدُّ الشَّارِحِ عَلَى ابْنِ غَازِيٍّ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَلَا شُفْعَةُ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ] : أَيْ لِانْعِدَامِهِ شَرْعًا فَالشِّقْصُ لَمْ يَنْتَقِلْ

[سقوط الشفعة]

(إلَّا أَنْ يَفُوتَ) فَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ بِالْقِيمَةِ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ وَبِالثَّمَنِ فِي الْمُخْتَلَفِ فِيهِ. (وَ) لَا فِي (كِرَاءٍ) : فَمَنْ أَكْرَى نَصِيبَهُ مِنْهُمَا فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَخْذٌ بِالشُّفْعَةِ. وَقِيلَ: فِيهِ الشُّفْعَةُ بِشَرْطَيْنِ: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَنْقَسِمُ، وَأَنْ يَسْكُنَ الشَّفِيعُ بِنَفْسِهِ. (وَسَقَطَتْ) الشُّفْعَةُ (بِتَنَازُعِهِمَا فِي سَبْقِ الْمِلْكِ) فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: أَنَا مِلْكِي سَابِقٌ عَلَى مِلْكِ الْآخَرِ فَالشُّفْعَةُ لِي، فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ الشَّهَادَةِ لِأَحَدِهِمَا، وَحَلَفَا مَعًا أَوْ نَكَلَا. (إلَّا أَنْ يَحْلِفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ) عَلَى دَعْوَاهُ وَيَنْكُلَ الْآخَرُ فَالْقَوْلُ لِلْحَالِفِ وَلَهُ الشُّفْعَةُ. (أَوْ قَاسَمَ) الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ فَتَسْقُطُ شُفْعَتُهُ، وَكَذَا إنْ طَلَبَ الْقِسْمَةَ وَلَمْ يَقْسِمْ بِالْفِعْلِ فَتَسْقُطُ شُفْعَتُهُ عَلَى مَا رَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ. (أَوْ اشْتَرَى) الشَّفِيعُ الشِّقْصَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَتَسْقُطُ شُفْعَتُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ مِلْكِ بَائِعِهِ فَلَوْ أَخَذَ الشَّفِيعُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِالشُّفْعَةِ، وَعَلِمَ بِالْفَسَادِ بَعْدَ ذَلِكَ فُسِخَ بَيْعُ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْمَبْنِيَّ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَفُوتَ] : الْفَوَاتُ هُنَا بِغَيْرِ حَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ كَتَغَيُّرِ الذَّاتِ بِالْهَدْمِ، وَكَالْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ لَا تُفِيتُ الرُّبَاعَ. قَوْلُهُ: [فَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ بِالْقِيمَةِ] إلَخْ: مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْفَوَاتُ بِغَيْرِ بَيْعٍ صَحِيحٍ، فَإِنْ حَصَلَ مِنْ الْمُشْتَرِي شِرَاءٌ فَاسِدٌ أَوْ بَيْعٌ صَحِيحٌ، فَإِنَّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَسَوَاءٌ وُجِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ مُفَوَّتٌ قَبْلَ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [وَلَا فِي كِرَاءٍ] : أَيْ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا عِنْدَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ لِلذَّاتِ، وَلَمْ يَحْصُلْ فِي الْكِرَاءِ. [سُقُوط الشُّفْعَة] قَوْلُهُ: [عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ الشَّهَادَةِ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلَّفِ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ صِفَةٌ لِلْبَيِّنَةِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَوْ تُؤَوَّلُ الشَّهَادَةُ بِمَعْنَى الشَّاهِدِ، عَلَى حَدِّ مَا قِيلَ فِي زَيْدٌ عَدْلٌ. قَوْلُهُ: [عَلَى مَا رَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ] : أَيْ كَمَا هُوَ لِابْنِ الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ الْمُوَثِّقِينَ. قَوْلُهُ: [أَوْ اشْتَرَى] : أَيْ وَلَوْ كَانَ شِرَاؤُهُ جَهْلًا مِنْهُ بِحُكْمِ الشُّفْعَةِ فَلَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ كَمَا فِي ح فَإِنْ قُلْت: إنَّ الشَّفِيعَ الْمُشْتَرِيَ لِلشِّقْصِ قَدْ مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ

(أَوْ سَاوَمَ) الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ، فَتَسْقُطُ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِ بِالْفِعْلِ، لِأَنَّ مُسَاوَمَتَهُ دَلِيلٌ عَلَى إعْرَاضِهِ عَنْ الْآخِذِ بِالشُّفْعَةِ. (أَوْ اسْتَأْجَرَ) الشَّفِيعُ الْحِصَّةَ مِنْ الْمُشْتَرِي. (أَوْ بَاعَ حِصَّتَهُ) فَتَسْقُطُ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَقَدْ انْتَفَى الضَّرَرُ بِالْبَيْعِ. (أَوْ سَكَتَ) الشَّفِيعُ بِلَا مَانِعٍ مَعَ عِلْمِهِ (بِهَدْمٍ أَوْ بِنَاءٍ) مِنْ الْمُشْتَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا يَمْلِكُهُ بِالشُّفْعَةِ وَمَا مَعْنَى سُقُوطِهَا؟ أُجِيبَ: بِأَنَّ فَائِدَتَهُ إذَا اخْتَلَفَ الثَّمَنُ الَّذِي أَخَذَ بِهِ الْمُشْتَرِي وَاَلَّذِي أَخَذَ بِهِ الشَّفِيعُ، كَمَا لَوْ كَانَ الْبَائِعُ بَاعَ الشِّقْصَ بِمِائَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مَنْ لَهُ الشُّفْعَةُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ بِالْمِائَةِ الَّتِي هِيَ ثَمَنُ الشُّفْعَةِ، وَتَظْهَرُ أَيْضًا فِيمَا إذَا اشْتَرَى مَنْ لَهُ الشُّفْعَةُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ وَيَغْرَمَ لَهُ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: [أَوْ سَاوَمَ] : أَيْ مَا لَمْ يُرِدْ بِالْمُسَاوَمَةِ الشِّرَاءَ بِالْأَقَلِّ مِنْ ثَمَنِ الشُّفْعَةِ، وَإِلَّا فَلَا تَسْقُطُ بِهَا الشُّفْعَةُ وَيَحْلِفُ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ كَذَا فِي بْن. قَوْلُهُ: [أَوْ بَاعَ حِصَّتَهُ] : أَيْ وَيَصِيرُ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ الشُّفْعَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي، ثُمَّ إنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ سُقُوطُهَا بِبَيْعِ حِصَّتِهِ، وَلَوْ فَسَدَ وَرَدَّ الْمَبِيعَ عَلَى الشَّفِيعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ الشُّفْعَةَ إذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ حِصَّتُهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَمَا لَهُ ذَلِكَ إذَا بَاعَ حِصَّتَهُ بِالْخِيَارِ وَرُدَّتْ لَهُ. ثُمَّ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " أَوْ بَاعَ حِصَّتَهُ " أَيْ كُلَّهَا، فَإِنْ بَاعَ بَعْضَهَا لَمْ تَسْقُطْ. وَاخْتُلِفَ: هَلْ لَهُ شُفْعَةٌ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ وَهُوَ - الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ - أَوْ لَهُ الْكَامِلُ؟ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ: وَمَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ إذَا تَعَدَّدَ الشُّرَكَاءُ كَثَلَاثَةِ شُرَكَاءَ فِي دَارٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهَا بَاعَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ، ثُمَّ بَاعَ الثَّانِي النِّصْفَ مِنْ نَصِيبِهِ فَاخْتُلِفَ هَلْ يَشْفَعُ هَذَا الثَّانِي فِيمَا بَاعَهُ الْأَوَّلُ بِقَدْرِ مَا بَاعَ وَمَا بَقِيَ لَهُ أَوْ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ لَهُ فَقَطْ؟ وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَرِيكٌ آخَرُ فَلَهُ الْكَامِلُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا سُقُوطُ الشُّفْعَةِ بِبَيْعِ حِصَّتِهِ وَلَوْ غَيْرَ عَالِمٍ بِبَيْعِ شَرِيكِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقِيلَ: مَحَلُّ السُّقُوطِ إذَا بَاعَ عَالِمًا بِبَيْعِ شَرِيكِهِ فَإِنْ بَاعَ غَيْرَ عَالِمٍ بِبَيْعِ شَرِيكِهِ فَلَا تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ أَظْهَرُ.

(وَلَوْ لِلْإِصْلَاحِ) ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ دَلِيلٌ عَلَى إعْرَاضِهِ عَنْ أَخْذِهِ بِهَا. (أَوْ) سَكَتَ بِلَا مَانِعٍ (سَنَةً) كَامِلَةً بَعْدَ الْعَقْدِ (لَا أَقَلَّ) مِنْ السَّنَةِ (وَلَوْ) حَضَرَ الْعَقْدَ وَ (كَتَبَ شَهَادَتَهُ) فِي الْوَثِيقَةِ (عَلَى الْأَرْجَحِ) مِمَّا دَرَجَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ (كَأَنْ عَلِمَ) بِبَيْعِ شَرِيكِهِ (فَغَابَ) بَعْدَ عِلْمِهِ فَتَسْقُطُ شُفْعَتُهُ إنْ مَضَتْ سَنَةٌ لَا أَقَلُّ (إلَّا أَنْ يَظُنَّ الْأَوْبَةَ) : أَيْ الرُّجُوعَ مِنْ سَفَرِهِ (قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ السَّنَةِ (فَعِيقَ) : أَيْ حَصَلَ أَمْرٌ عَاقَهُ قَهْرًا عَنْهُ، فَإِنَّهُ يَبْقَى عَلَى شُفْعَتِهِ وَلَوْ طَالَ الزَّمَنُ، إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِعُذْرِهِ أَوْ قَامَتْ الْقَرِينَةُ عَلَى ذَلِكَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنْ بَعُدَ الزَّمَنُ - كَسَبْعَةِ أَشْهُرٍ - فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، إلَّا إذَا حَلَفَ أَنَّهُ مَا أَسْقَطَ شُفْعَتَهُ، وَأَنَّهُ لَلْآنَ بَاقٍ عَلَيْهَا، هَذَا إذَا لَمْ يَكْتُبْ شَهَادَتَهُ فِي وَثِيقَةِ الْبَيْعِ. فَإِنْ كَتَبَهَا فَالْبُعْدُ عَشْرَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ كَتْبِهِ، فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ إلَّا بِيَمِينٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ الْمُدَوَّنَةَ: نَقَلَهُ الْحَطَّابُ قَالَ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ وَغَابَ وَطَالَ يَحْلِفُ بِالْأُولَى. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ: وَحَلَفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ لِلْإِصْلَاحِ] : أَيْ فَلَيْسَتْ كَمَسْأَلَةِ الْحِيَازَةِ فَإِنَّهُ لَا يُفِيتُ الْعَقَارَ عَلَى مَالِكِهِ إذَا سَكَنَ دُونَ مُدَّتِهَا إلَّا الْهَدْمُ وَالْبِنَاءُ لِغَيْرِ إصْلَاحٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ سَكَتَ بِلَا مَانِعٍ سَنَةً] : أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ الْآخِذَ بِهَا بَالِغٌ عَاقِلٌ رَشِيدٌ أَوْ وَلِيُّ سَفِيهٍ أَوْ صَغِيرٍ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالسَّفِيهُ الْمُهْمَلُ فَلَا يُسْقِطُ شُفْعَتَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [كَامِلَةً] : أَيْ بَلْ وَشَهْرَيْنِ قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ - وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ - أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ إلَّا بِمُضِيِّ سَنَةٍ وَمَا قَارَبَهَا كَشَهْرٍ بَعْدَهَا مُطْلَقًا، وَلَوْ كَتَبَ شَهَادَتَهُ فِي الْوَثِيقَةِ. قَوْلُهُ: [وَكَتَبَ شَهَادَتَهُ فِي الْوَثِيقَةِ] : أَيْ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَبْقَى عَلَى شُفْعَتِهِ] : أَيْ وَيُحْسَبُ لَهُ سَنَةٌ بَعْدَ الْحُضُورِ وَالْعِلْمِ. قَوْلُهُ: [أَنَّهُ إذَا عَلِمَ وَغَابَ وَطَالَ يَحْلِفُ] إلَخْ: قَالَ فِي الْأَصْلِ: فَلَا يَحْلِفُ الْمُسَافِرُ إلَّا إنْ زَادَ عَلَى شَهْرَيْنِ بَعْدَ السَّنَةِ زِيَادَةً بَيِّنَةً، سَوَاءٌ كَتَبَ شَهَادَتَهُ قَبْلَ سَفَرِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ قَدِمَ بَعْدَهَا بِشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِأَيَّامٍ قَلِيلَةٍ أَخَذَ بِلَا يَمِينٍ (اهـ) .

إنْ بَعُدَ. (وَصُدِّقَ) الشَّفِيعُ الْحَاضِرُ زَمَنَ الْبَيْعِ سَوَاءٌ غَابَ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَا (إنْ أَنْكَرَ الْعِلْمَ) بِالْبَيْعِ، قَالَ، فِي التَّوْضِيحِ: لَوْ أَنْكَرَ الشَّفِيعُ الْعِلْمَ وَهُوَ حَاضِرٌ، فَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ وَلَوْ طَالَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِلْمِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ إلَّا بَعْدَ عَامٍ مِنْ عِلْمِهِ فَإِنْ قَامَ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وَادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. (لَا إنْ غَابَ قَبْلَ عِلْمِهِ) بِالْبَيْعِ (أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) وَهُوَ حَاضِرٌ فَلَا تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ، وَلَهُ الْقِيَامُ بِهَا أَبَدًا حَتَّى يَقْدَمَ مِنْ سَفَرِهِ وَيَعْلَمَ، أَوْ يَعْلَمَ الْحَاضِرُ فَلَهُ سَنَةٌ بَعْدَ عِلْمِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْأَنْسَبُ تَأْخِيرُ قَوْلِهِ وَصُدِّقَ إنْ أَنْكَرَ الْعِلْمَ عَنْ قَوْلِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. (أَوْ أَسْقَطَ) الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ (لِكَذِبٍ فِي الثَّمَنِ) بِزِيَادَةٍ بِأَنْ قِيلَ: اشْتَرَى بِعَشْرَةٍ، فَأَسْقَطَ، فَتَبَيَّنَ بِخَمْسَةٍ، فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ طَالَ الزَّمَنُ (وَحَلَفَ) أَنَّهُ إنَّمَا أَسْقَطَ لِلْكَذِبِ. فَإِنْ نَكَلَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ. (أَوْ) أَسْقَطَ لِكَذِبٍ فِي الشِّقْصِ (الْمَبِيعِ) بِأَنْ قِيلَ لَهُ: بَاعَ بَعْضَهُ فَأَسْقَطَ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ الْكُلَّ فَلَهُ الْقِيَامُ بِشُفْعَتِهِ. (أَوْ فِي الْمُشْتَرِي) بِأَنْ قِيلَ لَهُ: فُلَانٌ الصَّالِحُ أَوْ قَرِيبُك، فَأَسْقَطَ، فَتَبَيَّنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [حَتَّى يَقْدَمَ مِنْ سَفَرِهِ وَيَعْلَمَ] : أَيْ وَيَسْكُتُ عَامًا بَعْدَ الْعِلْمِ لِغَيْرِ عُذْرٍ. قَوْلُهُ: [فَلَهُ سَنَةٌ بَعْدَ عِلْمِهِ] : أَيْ فَالْحَاضِرُ يُحْسَبُ لَهُ سَنَةٌ بَعْدَ الْعِلْمِ، وَالْغَائِبُ يُحْسَبُ لَهُ سَنَةٌ بَعْدَ الْقُدُومِ وَالْعِلْمِ. قَوْلُهُ: [وَالْأَنْسَبُ تَأْخِيرُ قَوْلِهِ وَصُدِّقَ] : إلَخْ: أَيْ وَيَكُونُ قَوْلُهُ وَصُدِّقَ إنْ أَنْكَرَ الْعِلْمَ قَيْدًا فِي الْجَمِيعِ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ قِيلَ] : بُنِيَ الْفِعْلُ لِلْمَجْهُولِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْقَائِلِ لَهُ الْمُشْتَرِيَ أَوْ غَيْرَهُ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ قِيلَ لَهُ بَاعَ بَعْضَهُ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ أُخْبِرَ أَنَّ شَرِيكَهُ بَاعَ الْكُلَّ فَأَسْقَطَ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ بَاعَ النِّصْفَ فَأَرَادَ الْأَخْذَ، وَقَالَ: إنَّمَا سَلَّمْت لِعَدَمِ قُدْرَتِي عَلَى أَخْذِ الْجَمِيعِ، فَقَالَ أَشْهَبُ: تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ الْأَخْذُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ.

[وقت الشفعة]

خِلَافُهُ فَلَهُ الْقِيَامُ. (أَوْ) لِكَذِبٍ فِي (انْفِرَادِهِ) فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مُتَعَدِّدٌ. (أَوْ أَسْقَطَ وَصِيٌّ) عَلَى يَتِيمٍ الشُّفْعَةَ لِلْيَتِيمِ (أَوْ) أَسْقَطَ (أَبٌ) شُفْعَةَ ابْنِهِ الْقَاصِرِ (بِلَا نَظَرٍ) مِنْهُمَا، وَثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا تَسْقُطُ وَلَهُ أَوْ لِلْقَاصِرِ، إذَا بَلَغَ، الْقِيَامُ بِهَا. فَإِنْ أَسْقَطَا لِنَظَرٍ سَقَطَتْ، وَحُمِلَا عَلَيْهِ عِنْدَ الْجَهْلِ بِخِلَافِ الْحَاكِمِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ. (وَطُولِبَ) الشَّفِيعُ: أَيْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُطَالِبَهُ (بِالْأَخْذِ) بِالشُّفْعَةِ أَوْ التَّرْكِ (بَعْدَ اشْتِرَائِهِ) الشِّقْصَ (لَا قَبْلَهُ) فَلَيْسَ لَهُ طَلَبُهُ بِالْأَخْذِ إذَا لَمْ يَجِبْ لَهُ اسْتِحْقَاقُهُ، وَلَوْ طَالَبَهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ فَأَسْقَطَ (فَلَا يَلْزَمُهُ) الْإِسْقَاطُ (وَلَوْ عَلَّقَ) الْإِسْقَاطَ عَلَى الشِّرَاءِ، بِأَنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت فَقَدْ أَسْقَطْتُ شُفْعَتِي فَلَهُ الْقِيَامُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ شَيْئًا قَبْلَ وُجُوبِهِ. (وَاسْتَعْجَلَ) الشَّفِيعُ: أَيْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَعْجِلَهُ بِالْأَخْذِ أَوْ التَّرْكِ بَعْدَ الشِّرَاءِ (إنْ قَصَدَ) الشَّفِيعُ (تَرَوِّيًا) فِي الْأَخْذِ وَعَدَمِهِ، وَلَا يُمْهَلُ لِذَلِكَ بِأَنْ يُوقِفَهُ عِنْدَ حَاكِمٍ وَيَسْتَعْجِلَهُ. فَإِنْ قَالَ: أَخِّرُونِي حَتَّى أَتَرَوَّى، فَلَا يُؤَخَّرُ فَإِنْ أَجَابَ بِشَيْءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مُتَعَدِّدٌ] : وَكَذَا الْكَذِبُ فِي التَّعَدُّدِ فَتَبَيَّنَ الِانْفِرَادُ إنْ كَانَ لَهُ فِي التَّعَدُّدِ غَرَضٌ. قَوْلُهُ: [بِلَا نَظَرٍ مِنْهُمَا] : هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ. وَمُقَابِلُهُ أَنَّهَا: تَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَلَوْ بِلَا نَظَرٍ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَبِهِ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ الشُّفْعَةُ اسْتِحْقَاقٌ أَوْ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُعْتَبَرُ إسْقَاطُهُمَا إنْ كَانَ غَيْرَ نَظَرٍ، وَعَلَى الثَّانِي يُعْتَبَرُ إذْ لَا يَلْزَمُ الْوَصِيَّ وَالْأَبَ إلَّا حِفْظُ مَالِ الْمَحْجُورِ لَا تَنْمِيَتُهُ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ] : أَيْ لِكَثْرَةِ أَشْغَالِهِ لَا لِطَعْنٍ فِيهِ. [وَقْت الشُّفْعَة] قَوْلُهُ: [وَطُولِبَ الشَّفِيعُ] : أَيْ عِنْدَ حَاكِمٍ. وَقَوْلُهُ: [بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ أَوْ التَّرْكِ] : أَيْ فَإِنْ أَجَابَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَظَاهِرٌ، وَإِلَّا أَسْقَطَ الْحَاكِمُ شُفْعَتَهُ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ وُجُوبِهِ] : أَيْ قَبْلَ ثُبُوتِهِ وَتَحَقُّقِهِ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ يُوقِفَهُ عِنْدَ حَاكِمٍ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ وَلَعَلَّهَا: بَلْ يُوقِفُهُ إلَخْ

[تقسيم الشفعة على حسب الأنصباء عند تعدد الشركاء]

وَإِلَّا أَسْقَطَهَا الْحَاكِمُ وَسَقَطَتْ. (أَوْ) قَصَدَ (نَظَرًا فِي) الشِّقْصِ (الْمُشْتَرَى) بِفَتْحِ الرَّاءِ بِالْمُشَاهَدَةِ لِيَعْلَمَ حَقِيقَتَهُ، فَلَا يُجَابُ لِتَأْخِيرٍ حَتَّى يَذْهَبَ إلَيْهِ فَيَنْظُرَهُ بَلْ يُوصَفُ لَهُ بِالْحَضْرَةِ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ، وَيُقَالُ لَهُ: إمَّا أَنْ تَأْخُذَ أَوْ تُسْقِطَ. فَإِنْ أَجَابَ بِشَيْءٍ، وَإِلَّا أَسْقَطَهَا الْحَاكِمُ. (إلَّا لِبُعْدِهِ) : أَيْ مَحَلِّ الشِّقْصِ عَنْ مَحَلِّ الشَّفِيعِ فِيمَا إذَا طَلَبَ النَّظَرَ فِيهِ بُعْدًا قَلِيلًا لَا ضَرَرَ فِي الذَّهَابِ إلَيْهِ (كَسَاعَةٍ فَأَقَلَّ) فَإِنَّهُ يُجَابُ لِذَلِكَ، لَا إنْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُجَابُ إلَى الذَّهَابِ إلَيْهِ، فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُمْ: لَهُ الشُّفْعَةُ وَلَوْ بَعْدَ عَامٍ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يُوقِفْهُ عِنْدَ حَاكِمٍ وَيَسْتَعْجِلْهُ وَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ إذَا طَالَبَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ. (وَهِيَ) : أَيْ الشُّفْعَةُ تُفَضُّ (عَلَى حَسَبِ الْأَنْصِبَاءِ) عِنْدَ تَعَدُّدِ الشُّرَكَاءِ، لَا عَلَى الرُّءُوسِ، فَإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً - لِأَحَدِهِمْ النِّصْفُ وَلِلثَّانِي الثُّلُثُ وَلِلثَّالِثِ السُّدُسُ. فَإِذَا بَاعَ صَاحِبُ النِّصْفِ فَلِذِي الثُّلُثِ مِنْهُ ثُلُثَاهُ وَهُوَ ثُلُثُ الْجَمِيعِ وَلِذِي السُّدُسِ ثُلُثُهُ وَهُوَ سُدُسُ الْجَمِيعِ فَيَصِيرُ مَعَهُ ثُلُثُ جَمِيعِ الدَّارِ وَمَعَ ذِي الثُّلُثِ ثُلُثَاهَا، وَإِذَا بَاعَ صَاحِبُ الثُّلُثِ فُضَّ عَلَى أَرْبَعَةِ سِهَامٍ فَلِذِي النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا وَلِذِي السُّدُسِ سَهْمٌ وَإِذَا بَاعَ صَاحِبُ السُّدُسِ فُضَّ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ سَقَطَتْ النُّونُ، وَالْأَصْلُ بِأَنْ يُوقِفَهُ. قَوْلُهُ: [كَسَاعَةٍ] : أَيْ فَلَكِيَّةٍ وَهِيَ خَمْسَ عَشْرَةَ دَرَجَةً. قَوْلُهُ: [إذَا لَمْ يُوقِفْهُ عِنْدَ حَاكِمٍ] : أَيْ وَيَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِإِسْقَاطِ شُفْعَتِهِ. وَقَوْلُهُ: [وَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ] : مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَمْ يُوقِفْهُ: " عِنْدَ حَاكِمٍ " وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ تَبْطُلُ شَفَاعَتُهُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا بِإِسْقَاطِ الْحَاكِمِ لَهَا أَوْ بِشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِالْإِسْقَاطِ إنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ. [تَقْسِيم الشُّفْعَة عَلَى حسب الْأَنْصِبَاء عِنْد تعدد الشُّرَكَاء] [تَنْبِيه مَا أحدثه الْمُشْتَرِي مِنْ وَقَفَ وَنَحْوه] قَوْلُهُ: [فَيَصِيرُ مَعَهُ ثُلُثُ جَمِيعِ الدَّارِ] إلَخْ: أَيْ بِانْضِمَامِ الْمَأْخُوذِ بِالشُّفْعَةِ لِلْأَصْلِيِّ. قَوْلُهُ: [فَلِذِي النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا] : أَيْ تُضَمُّ لِنِصْفِهِ يَصِيرُ لَهُ أَرْبَعَةُ أَسْدَاسِ الْجَمِيعِ وَنِصْفُ سُدُسِهِ. وَقَوْلُهُ: [وَلِذِي السُّدُسِ سَهْمٌ] : أَيْ يُضَمُّ لِسُدُسِهِ فَيَصِيرُ لَهُ سُدُسُ الْجَمِيعِ وَنِصْفُ سُدُسِهِ.

لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ اثْنَانِ وَسَوَاءٌ فِيمَا يَنْقَسِمُ وَمَا لَا يَنْقَسِمُ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ، خِلَافًا لِمَنْ فَرَّقَ وَهُوَ اللَّخْمِيُّ وَإِذَا كَانَتْ عَلَى الْأَنْصِبَاءِ وَبَاعَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمَا لَوْ بَاعَ صَاحِبُ النِّصْفِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ (فَيَتْرُكُ لِلْمُشْتَرِي حِصَّتَهُ) سَهْمَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ هُمَا ثُلُثَا الْجَمِيعِ وَأَخَذَ صَاحِبُ السُّدُسِ سَهْمًا هُوَ سُدُسُ الْجَمِيعِ (وَمَلَكَهُ) : أَيْ الشَّفِيعُ، أَيْ مَلَكَ الشِّقْصَ الْمُبَاعَ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: (بِحُكْمٍ) مِنْ حَاكِمٍ بِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْبَيْعِ عِنْدَهُ. (أَوْ دَفْعِ ثَمَنٍ) أَوْ قِيمَةٍ لِلشِّقْصِ لِمُشْتَرِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ] : أَيْ تُضَمُّ لِنِصْفِهِ فَيَصِيرُ لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْدَاسِ الْجَمِيعِ، وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ السُّدُسِ. وَقَوْلُهُ: [وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ اثْنَانِ] : أَيْ يُضَمَّانِ لِثُلُثِهِ فَيَصِيرُ لَهُ سُدُسَا الْجَمِيعِ وَخُمُسَا السُّدُسِ. قَوْلُهُ: [خِلَافًا لِمَنْ فَرَّقَ] : أَيْ حَيْثُ قَالَ: إنَّهَا عَلَى الْأَنْصِبَاءِ فِيمَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ، وَعَلَى الرُّءُوسِ فِيمَا لَا يَقْبَلُهَا، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْأَنْصِبَاءِ يَوْمَ قِيَامِ الشَّفِيعِ لَا يَوْمَ شِرَاءِ الْأَجْنَبِيِّ خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ أَيْضًا. تَنْبِيهٌ: لِلشَّفِيعِ نَقْصُ وَقْفٍ أَحْدَثَهُ الْمُشْتَرِي - وَلَوْ مَسْجِدًا - كَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ، وَالثَّمَنُ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الشَّفِيعِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ إنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّ لَهُ شَفِيعًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ دَخَلَ عَلَى هِبَةِ الثَّمَنِ. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَالثَّمَنُ لِلْمُشْتَرِي لَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ - هَكَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [كَمَا لَوْ بَاعَ صَاحِبُ النِّصْفِ] : أَيْ فِي الْمِثَالِ الْمُتَقَدِّمِ. وَقَوْلُهُ: [ثُلُثَا الْجَمِيعِ] : أَيْ يُضَمُّ لِمَا عِنْدَهُ فَيَصِيرُ لَهُ ثُلُثَا الْجَمِيعِ. وَقَوْلُهُ: [هُوَ سُدُسُ الْجَمِيعِ] : أَيْ يُضَمُّ لِسُدُسِهِ الْأَصْلِيِّ فَيَصِيرُ لَهُ ثُلُثُ الْجَمِيعِ. قَوْلُهُ: [وَمَلَكَهُ أَيْ الشَّفِيعُ] إلَخْ: سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا كَبِيرَ فَائِدَةٍ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ، بَلْ الْمَدَارُ عَلَى قَوْلِهِ أَخَذْت مَعَ مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ كَمَا يَأْتِي فِي الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [أَوْ قِيمَةٍ] : أَيْ كَمَا فِي الْمَسَائِلِ السَّبْعِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا مَضَى بِالْقِيمَةِ.

(أَوْ إشْهَادٍ بِالْأَخْذِ) بِشُفْعَتِهِ وَلَوْ فِي غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَدْخُلْ الشِّقْصُ فِي مِلْكِ الشَّفِيعِ فَلَا تَصَرُّفَ لَهُ فِيهِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْمِلْكِ. (وَلَزِمَهُ) الْأَخْذُ (إنْ قَالَ: أَخَذْتُ) بِالْمَاضِي لَا بِالْمُضَارِعِ وَلَا بِاسْمِ الْفَاعِلِ. (وَعَرَفَ الثَّمَنَ) الْوَاوُ لِلْحَالِ: أَيْ فِي حَالِ مَعْرِفَتِهِ الثَّمَنَ - لَا إنْ لَمْ يَعْرِفْهُ - فَلَا يَلْزَمُهُ الْأَخْذُ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا. وَقِيلَ: بَلْ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ ابْتِدَاءُ بَيْعٍ فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِ الثَّمَنِ وَإِلَّا لَزِمَ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ فَيُرَدُّ وَلَهُ الْأَخْذُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ عَرَفَ الثَّمَنَ وَقَالَ أَخَذْت، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ، لَزِمَهُ الْأَخْذُ وَسَوَاءٌ حَكَمَ لَهُ الْحَاكِمُ بِهِ بَعْدَ الرَّفْعِ لَهُ أَوْ دَفَعَ الثَّمَنَ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَالْمَدَارُ عَلَى إنْشَاءِ الْأَخْذِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ فَلَا كَبِيرَ فَائِدَةٍ فِي قَوْلِنَا: " وَمَلَكَهُ " إلَخْ. وَأَصْلُهُ لِابْنِ شَاسٍ تَبِعَهُ فِيهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالشَّيْخُ. وَلَزِمَ الْمُشْتَرِيَ تَسْلِيمُهُ الشِّقْصَ (إنْ سَلَّمَ) لَهُ الْأَخْذَ، بِأَنْ قَالَ - بَعْدَ قَوْلِ الشَّفِيعِ: أَخَذْتُ، وَأَنَا قَدْ سَلَّمْتُ لَك ذَلِكَ فَيَتْبَعُهُ بِالثَّمَنِ الْمُعَجَّلِ فَإِنْ وَفَّى، وَإِلَّا (فَيُبَاعُ) الشِّقْصُ أَوْ غَيْرُهُ (لِلثَّمَنِ) : أَيْ لِأَجْلِ وَفَائِهِ (فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ) بِأَنْ امْتَنَعَ أَوْ سَكَتَ بَعْدَ قَوْلِهِ: أَخَذْتُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ إشْهَادٍ بِالْأَخْذِ] : أَيْ وَأَمَّا الْإِشْهَادُ بِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى شُفْعَتِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ سَوَاءٌ أَشْهَدَ بِذَلِكَ خُفْيَةً أَوْ جَهْرَةً، فَلَوْ أَشْهَدَ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى شُفْعَتِهِ، ثُمَّ سَكَتَ حَتَّى جَاوَزَ الْأَمَدَ الْمُسْقِطَ حَقَّ الْحَاضِرِ، ثُمَّ قَامَ بِطَلَبِهَا فَلَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ وَتَسْقُطُ شُفْعَتُهُ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ فِي غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي] : أَيْ عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ، خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ حَيْثُ قَيَّدَ بِكَوْنِ الْإِشْهَادِ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَعَلَّ هَذَا الْخِلَافَ مُخَرَّجٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الشُّفْعَةَ شِرَاءٌ أَوْ اسْتِحْقَاقٌ، فَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ عَلَى الثَّانِي، وَكَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: [فَلَا تَصَرُّفَ لَهُ فِيهِ بِوَجْهٍ] : أَيْ فَلَوْ بَاعَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ مَثَلًا كَانَ بَيْعُهُ بَاطِلًا. قَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرُهُ] : أَيْ مِمَّا هُوَ أَوْلَى بِالْبَيْعِ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ امْتَنَعَ أَوْ سَكَتَ] : أَيْ الْمُشْتَرِي. وَقَوْلُهُ: [بَعْدَ قَوْلِهِ أَخَذْتُ] : أَيْ الشَّفِيعُ.

[تنبيه إن أثمرت الصفقة وتعددت الحصص]

(فَإِنْ عَجَّلَ) الشَّفِيعُ (الثَّمَنَ) أَخَذَهُ قَهْرًا عَنْهُ (وَإِلَّا) يُعَجِّلْهُ (أَسْقَطَهَا) أَيْ الشُّفْعَةَ (الْحَاكِمُ) وَلَا يُبَاعُ الشِّقْصُ. وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الثَّمَنِ الْحَالِّ لَا الْمُؤَجَّلِ، وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا عَجَّلَ الثَّمَنَ فَلَا كَلَامَ لِلْمُشْتَرِي وَأَخَذَ مِنْهُ جَبْرًا وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ، وَإِنْ لَمْ يُعَجِّلْهُ فَإِنْ سَلَّمَ أُجِّلَ لِلْوَفَاءِ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، وَلَا نَقْضَ لِلشُّفْعَةِ ثُمَّ يَبِيعُ مِنْ مَالِهِ مَا يُوَفِّي بِهِ الثَّمَنَ وَلَوْ الشِّقْصَ، وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ مَا هُوَ الْأَوْلَى بِالْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ وَلَمْ يُعَجِّلْ أَجَّلَ بِالِاجْتِهَادِ فَإِنْ مَضَى الْأَجَلُ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ فَلَهُ الْبَقَاءُ عَلَى طَلَبِ الثَّمَنِ فَيُبَاعُ لَهُ مَالُ الشَّفِيعِ لِلْوَفَاءِ، وَلَهُ أَنْ يُبْطِلَ أَخْذَهُ: بِالشُّفْعَةِ. (وَإِنْ قَالَ) الشَّفِيعُ: (أَنَا آخُذُ) بِالْمُضَارِعِ أَوْ بِاسْمِ الْفَاعِلِ (أُجِّلَ ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (لِلنَّقْدِ) : أَيْ لِإِحْضَارِهِ، فَإِنْ أَتَى بِهِ فِيهَا (وَإِلَّا سَقَطَتْ) شُفْعَتُهُ وَلَا قِيَامَ لَهُ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا الْمُؤَجَّلِ] : أَيْ فَالْمُطَالَبَةُ وَالْإِسْقَاطُ لَا يَكُونَانِ فِي الْمُؤَجَّلِ، بَلْ يُسَلَّمُ لَهُ الشِّقْصُ وَيُمْهَلُ لِلْأَجَلِ إنْ كَانَ مَلِيئًا أَوْ ضَمِنَهُ مَلِيءٌ. قَوْلُهُ: [وَأَخَذَ] : أَيْ الشِّقْصَ. وَقَوْلُهُ: [مِنْهُ] : أَيْ الْمُشْتَرِي. [تَنْبِيه إِن أثمرت الصَّفْقَة وَتَعَدَّدَتْ الْحِصَص] قَوْلُهُ: [وَإِنْ قَالَ الشَّفِيعُ أَنَا آخُذُ] : أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ سَلَّمَ لَهُ الْأَخْذَ. وَأَمَّا إنْ سَكَتَ الْمُشْتَرِي أَوْ أَبَى، فَإِنْ عَجَّلَ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ أَخَذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي جَبْرًا، وَإِلَّا أُبْطِلَتْ شُفْعَتُهُ حَالًا فِيهِمَا، وَرَجَعَ الشِّقْصُ لِلْمُشْتَرِي. تَنْبِيهٌ: إنْ اتَّحَدَتْ الصَّفْقَةُ وَتَعَدَّدَتْ الْحِصَصُ الْمُشْتَرَاةُ فِي أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ، وَاتَّحَدَ الْمُشْتَرِي، كَأَنْ يَكُونَ لِثَلَاثَةٍ شَرِكَةٌ مَعَ رَابِعٍ - هَذَا فِي بُسْتَانٍ وَهَذَا فِي دَارٍ وَهَذَا فِي دَارٍ أُخْرَى - فَبَاعَ الثَّلَاثَةُ أَنْصِبَاءَهُمْ لِأَجْنَبِيٍّ صَفْقَةً وَاحِدَةً، وَأَرَادَ الرَّابِعُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ لَمْ تَتَبَعَّضْ؛ بَلْ إمَّا أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعُ أَوْ يَتْرُكَ الْجَمِيعُ إذَا امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ ذَلِكَ كَتَعَدُّدِ الْمُشْتَرَى عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا مِنْ اتِّحَادِ الصَّفْقَةِ كَمَا إذَا وَقَعَ الشِّرَاءُ لِجَمَاعَةٍ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَتَمَيَّزَ لِكُلٍّ مَا يَخُصُّهُ تَعَدَّدَ الْبَائِعُ أَوْ اتَّحَدَ فَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ إلَّا أَخْذُ الْجَمِيعِ أَوْ تَرْكُ الْجَمِيعِ إلَّا أَنْ يَرْضَى مَنْ يُرِيدُ الْأَخْذَ مِنْهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَكَمَا إذَا أَسْقَطَ بَعْضُ الشُّفَعَاءِ حَقَّهُ مِنْ الْأَخْذِ

[ترتيب الشفعاء في الأخذ بالشفعة]

(وَقُدِّمَ) فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ (الْأَخَصُّ) فِي الشَّرِكَةِ عَلَى غَيْرِهِ: (وَهُوَ الْمُشَارِكُ فِي السَّهْمِ) : أَيْ الْفَرْضِ كَالثُّلُثِ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِخْوَةِ لِأُمٍّ وَالثُّلُثَيْنِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأُخْتَيْنِ (وَإِنْ كَأُخْتٍ لِأَبٍ مَعَ شَقِيقَةٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا شَرِيكَتَانِ فِي الثُّلُثَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ الشَّقِيقَةُ لَهَا النِّصْفُ؛ إذْ هُوَ لَيْسَ بِفَرْضٍ مُسْتَقِلٍّ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ. فَإِذَا بَاعَتْ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ نَصِيبَهَا فَالشُّفْعَةُ لِلْأُخْرَى دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الشُّرَكَاءِ الْوَارِثِينَ أَوْ غَيْرِ الْوَارِثِينَ. وَدَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ: بِنْتُ ابْنٍ مَعَ بِنْتٍ فَأَوْلَى التَّسَاوِي كَأُخْتَيْنِ شَقِيقَتَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ بِنْتَيْنِ أَوْ بِنْتَيْ ابْنٍ وَهُوَ مَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ. (وَدَخَلَ) الْأَخَصُّ (عَلَى الْأَعَمِّ) : وَهُوَ غَيْرُ الْمُشَارِكِ فِي السَّهْمِ، فَيَشْمَلُ الْغَاصِبَ وَغَيْرَهُ. فَإِذَا مَاتَ عَنْ بِنْتٍ فَأَكْثَرَ وَعَنْ أَخَوَيْنِ أَوْ عَمَّيْنِ فَبَاعَ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ، فَإِنَّ الْبَنَاتِ يَدْخُلْنَ فِي الشُّفْعَةِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْأَخِ أَوْ الْعَمِّ الَّذِي لَمْ يَبِعْ. وَكَذَا إذَا مَاتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ غَابَ فَيُقَالُ لِلْبَاقِي إمَّا أَنْ تَأْخُذَ الْجَمِيعَ أَوْ تَتْرُكَ الْجَمِيعَ، وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ حَقِّهِ فَقَطْ إلَّا بِرِضَا الْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي التَّبْعِيضَ وَأَبَى الشَّفِيعُ فَالْقَوْلُ لِلشَّفِيعِ فَعُلِمَ أَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ أَرَادَ عَدَمَهُ، فَإِنْ رَضِيَ بِهِ جَازَ وَعَمِلَ بِهِ، وَإِذَا قُلْنَا بِأَخْذِ الْجَمِيعِ فِي مَسْأَلَةِ الْغَائِبِ وَحَضَرَ الْغَائِبُ فَلَهُ حِصَّتُهُ عَلَى تَقْدِيرِ لَوْ كَانَ حَاضِرًا مَعَ الْآخِذِ فَقَطْ لَا حِصَّتُهُ عَلَى تَقْدِيرِ حُضُورِ الْجَمِيعِ فَلَا يُنْظَرُ لِنَصِيبِ مَنْ بَقِيَ غَائِبًا، فَإِنْ حَضَرَ ثَالِثٌ أَخَذَ مِنْهُمَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الشُّفْعَةَ لِثَلَاثٍ وَيُقْطَعُ النَّظَرُ عَنْ الْغَائِبِ الرَّابِعِ، فَإِذَا قَدِمَ أَخَذَ مِنْهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الشُّفْعَةَ لِأَرْبَعٍ وَهَكَذَا (اهـ مِنْ الْأَصْلِ) . [تَرْتِيب الشُّفَعَاء فِي الْأَخذ بِالشُّفْعَةِ] قَوْلُهُ: [عَلَى غَيْرِهِ] : أَيْ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ صَاحِبَ سَهْمٍ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [وَهُوَ الْمُشَارِكُ فِي السَّهْمِ] : لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ قَدْ يَكُونُ أَخَصَّ بِالنِّسْبَةِ لِقُرْبِهِ مِنْ الْمَيِّتِ كَمَا فِي مِثَالِ التَّوْضِيحِ الْآتِي فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَأُخْتٍ لِأَبٍ] : أَيْ خِلَافًا لِأَشْهَبَ. قَوْلُهُ: [وَغَيْرُهُ] : أَيْ وَهُوَ الْمُوصَى لَهُمْ وَالْأَجَانِبُ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا إذَا مَاتَ] : إلَخْ: مِثَالٌ آخَرُ قَصَدَ بِهِ بَيَانَ دُخُولِ الْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ، وَعَدَمَ دُخُولِ الْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ.

عَنْ بَنَاتٍ مَاتَتْ إحْدَاهُنَّ عَنْ أَوْلَادٍ، فَإِذَا بَاعَتْ إحْدَى الْبِنْتَيْنِ دَخَلَ مَعَ الْأُخْرَى أَوْلَادُ الْمَيِّتَةِ. وَإِذَا بَاعَ وَاحِدٌ مِنْ أَوْلَادِ الْمَيِّتَةِ لَمْ يَدْخُلْ فِي حِصَّتِهِ وَاحِدَةٌ مِنْ الْخَالَاتِ؛ لِأَنَّ الْأَعَمَّ لَا يَدْخُلُ مَعَ الْأَخَصِّ. وَإِنَّمَا كَانَ أَصْحَابُ الْوِرَاثَةِ أَخَصَّ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ لِلْمَيِّتِ الثَّانِي. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَوْ حَصَلَتْ شَرِكَةٌ بِوِرَاثَةٍ عَنْ وِرَاثَةٍ لَكَانَ أَهْلُ الْوِرَاثَةِ السُّفْلَى أَوْلَى - نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. كَمَا إذَا وَرِثَ ثَلَاثَةُ بَنِينَ دَارًا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ أَوْلَادٍ، فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ أَحَدُ الْأَوْلَادِ، كَانَ إخْوَتُهُ أَوْلَى ثُمَّ الْأَعْمَامُ (اهـ) . أَيْ وَلَوْ بَاعَ الْأَعْمَامُ لَدَخَلَ أَوْلَادُ أَخِيهِمْ مَعَهُمْ وَلَا يُخْتَصُّ بَقِيَّةُ الْأَعْمَامِ. (كَوَارِثٍ) ذِي سَهْمٍ أَوْ عَاصِبٍ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ (عَلَى مُوصًى لَهُمْ) بِعَقَارٍ بَاعَ أَحَدُهُمْ، فَلَا يَخْتَصُّ بِالشُّفْعَةِ بَقِيَّةُ الْمُوصَى لَهُمْ بَلْ يَدْخُلُ مَعَهُمْ الْوَارِثُ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْمُوصَى لَهُمْ لَا يَدْخُلُونَ مَعَ الْوَارِثِ إذَا بَاعَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُمْ كَأَعَمَّ مَعَ أَخَصَّ. (ثُمَّ) قُدِّمَ (الْوَارِثُ مُطْلَقًا) كَانَ ذَا فَرْضٍ أَوْ عَاصِبًا عَلَى أَجْنَبِيٍّ؛ كَثَلَاثَةِ شُرَكَاءَ فِي عَقَارٍ مَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ وَرَثَةٍ فَبَاعَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ مَا نَابَهُ فَإِنَّ الْوَارِثَ يُقَدَّمُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ. فَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ مُشَارِكًا لِغَيْرِهِ فِي سَهْمٍ قُدِّمَ مُشَارِكُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَإِلَّا كَانَتْ الْوَرَثَةُ فِيهِ سَوَاءً. (ثُمَّ الْأَجْنَبِيُّ) : إنْ أَسْقَطَ الْوَارِثُ حَقَّهُ؛ فَإِذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ زَوْجَتَيْنِ وَأُخْتَيْنِ وَعَمَّتَيْنِ فَإِذَا بَاعَتْ إحْدَى الزَّوْجَتَيْنِ أَوْ الْأُخْتَيْنِ اخْتَصَّتْ الْأُخْرَى بِالشُّفْعَةِ فَإِنْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَنْ بَنَاتٍ] : أَيْ ثَلَاثٍ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ: [عَنْ أَوْلَادٍ] : أَيْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ. قَوْلُهُ: [أَوْ عَاصِبٍ] : هَكَذَا بِالْجَرِّ وَالْأَظْهَرُ نَصْبُهُ عَطْفًا عَلَى ذَا وَجَرُّهُ مُحْوِجٌ لِتَكَلُّفٍ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا كَانَتْ الْوَرَثَةُ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانُوا أَصْحَابَ فَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ. قَوْلُهُ: [اخْتَصَّتْ الْأُخْرَى] : أَيْ الزَّوْجَةُ الْأُخْرَى فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، أَوْ الْأُخْتُ الْأُخْرَى فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ. وَقَوْلُهُ: [فَإِنْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا] : الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ مِنْ إحْدَى

[تعدد البيع في الشفعة]

فَالشُّفْعَةُ لِلْأُخْتَيْنِ أَوْ الزَّوْجَتَيْنِ وَالْعَمَّيْنِ دُونَ الْمُوصَى لَهُمْ وَالْأَجْنَبِيِّ. فَإِنْ أَسْقَطُوا حَقَّهُمْ فَلِلْمُوصَى لَهُمْ دُونَ الْأَجْنَبِيِّ، فَإِنْ أَسْقَطُوا فَلِلْأَجْنَبِيِّ فَالْمَرَاتِبُ أَرْبَعَةٌ عَلَى الرَّاجِحِ، وَقِيلَ: خَمْسَةٌ، الْمُشَارِكُ فِي السَّهْمِ فَذَوَا الْفَرْضِ فَالْعَاصِبُ فَالْمُوصَى لَهُ فَالْأَجْنَبِيُّ - وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَسْقَطَتْ إحْدَى الزَّوْجَتَيْنِ حَقَّهَا انْتَقَلَ الْحَقُّ لِلْأُخْتَيْنِ فَإِنْ أَسْقَطَا فَلِلْعَمَّيْنِ فَإِنْ أَسْقَطَا فَلِلْمُوصَى لَهُ فَإِنْ أَسْقَطَ فَالْأَجْنَبِيُّ. (وَ) لَوْ تَعَدَّدَ الْبَيْعُ (أَخَذَ) الشَّفِيعُ (بِأَيِّ بَيْعٍ) شَاءَ مِنْهَا، (وَعُهْدَتُهُ) : أَيْ دَرْكُ الْمَبِيعِ مِنْ عَيْبٍ أَوْ اسْتِحْقَاقٍ طَرَأَ (عَلَى مَنْ أَخَذَ) الشَّفِيعُ (بِبَيْعِهِ) فَكَتْبُ الْوَثِيقَةِ عَلَيْهِ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ عِنْدَ ظُهُورِ عَيْبٍ أَوْ اسْتِحْقَاقٍ. وَقَيَّدَ كَلَامَهُ بِقَوْلِهِ: (إلَّا إذَا حَضَرَ) الشَّفِيعُ (عَالِمًا بِالْبَيْعِ) الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ إنْ حَضَرَ عَالِمًا (فَبِالْأَخِيرِ) يَأْخُذُ لَا بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ حُضُورَهُ عَالِمًا يُسْقِطُ شُفْعَتَهُ مِنْ الْأَوَّلِ (وَدَفَعَ الثَّمَنَ لِمَنْ أَخَذَ) الشَّفِيعُ (مِنْ يَدِهِ) الشِّقْصَ وَإِنْ أَخَذَ بِبَيْعِ غَيْرِهِ (وَلَوْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّوْجَتَيْنِ أَوْ الْأُخْتَيْنِ. وَقَوْلُهُ: [فَالشُّفْعَةُ لِلْأُخْتَيْنِ] إلَخْ: مُفَرَّعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ إذَا أَسْقَطَتْ إحْدَى الزَّوْجَتَيْنِ حَقَّهَا فَالشُّفْعَةُ لِلْأُخْتَيْنِ مَعَ الْعَمَّيْنِ، وَإِنْ أَسْقَطَتْ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ حَقَّهَا فَالشُّفْعَةُ لِلزَّوْجَتَيْنِ مَعَ الْعَمَّيْنِ. وَقَوْلُهُ: [دُونَ الْمُوصَى لَهُمْ وَالْأَجْنَبِيِّ] : أَيْ فَالشُّفْعَةُ لِمَنْ ذُكِرَ غَيْرَ الْمُوصَى لَهُمْ وَالْأَجْنَبِيِّ فَلَا شُفْعَةَ لِلْمُوصَى لَهُمْ وَالْأَجْنَبِيِّ مَعَ وُجُودِ مَنْ ذُكِرَ. قَوْلُهُ: [فَالْمَرَاتِبُ أَرْبَعَةٌ] : الْمُنَاسِبُ أَرْبَعٌ أَيْ وَهِيَ: ذُو السَّهْمِ، وَالْوَارِثُ كَانَ ذَا فَرْضٍ أَوْ عَاصِبًا وَالْمُوصَى لَهُمْ وَالْأَجْنَبِيُّ، أَيْ وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَدْخُلُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ دُونَ الْعَكْسِ، وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ وَارِثَ كُلٍّ يَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ وَكَذَا الْمُشْتَرِي مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ. [تعدد الْبَيْع فِي الشُّفْعَة] قَوْلُهُ: [فَكَتْبُ الْوَثِيقَةِ عَلَيْهِ] : يُقْرَأُ بِالْمَصْدَرِ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ: " وَعُهْدَتُهُ "، أَيْ يَكْتُبُ فِي وَثِيقَةِ الشِّرَاءِ اشْتَرَى فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ الشِّقْصَ الْكَائِنَ مِنْ مَحَلِّ كَذَا، وَمِنْ لَوَازِمِ الشِّرَاءِ مِنْهُ ضَمَانُهُ لِلثَّمَنِ إذَا اُسْتُحِقَّ أَوْ ظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ. قَوْلُهُ: [إلَّا إذَا حَضَرَ الشَّفِيعُ عَالِمًا] : حَاصِلُهُ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ الشَّفِيعِ يَأْخُذُ بِأَيِّ

كَانَ مَا أَخَذَ بِهِ (أَقَلَّ) ثَمَنًا، فَلَوْ بَاعَهُ الْأَوَّلُ بِعَشْرَةٍ وَالثَّانِي بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِذَا أَخَذَ بِالْأَوَّلِ دَفَعَ لَهُ عَشْرَةً (ثُمَّ يَرْجِعُ) مَنْ أَخَذَ مِنْهُ (بِالزَّائِدِ لَهُ) وَهُوَ الْخَمْسَةُ (عَلَى بَائِعِهِ) يَقُولُ لَهُ: دَفَعْتُ لَك ثَمَنَ الشِّقْصِ خَمْسَةَ عَشَرَ أَخَذْتُ مِنْ الشَّفِيعِ عَشْرَةً فَرُدَّ لِي الْخَمْسَةَ (كَمَا يَرُدُّ) مَنْ أُخِذَ الشِّقْصُ مِنْهُ (مَا زَادَ) عَلَى مَا غَرِمَهُ (إنْ كَانَ) الثَّمَنُ الَّذِي دُفِعَ لَهُ (أَكْثَرَ) مِمَّا اشْتَرَى بِهِ. كَعَكْسِ الْمِثَالِ الْمُتَقَدِّمِ؛ كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْأَوَّلُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ وَبَاعَهُ الثَّانِي بِعَشْرَةٍ، وَأَخَذَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ يَدْفَعُ لِلثَّانِي لِكَوْنِهِ أَخَذَ مِنْ يَدِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَأْخُذُ مِنْهَا لِنَفْسِهِ عَشْرَةً الَّتِي دَفَعَهَا لِبَائِعِهِ وَيَرُدُّ لَهُ مَا زَادَ وَهُوَ الْخَمْسَةُ؛ فَإِنْ أَخَذَ الشَّفِيعُ فِي هَذَا الْمِثَالِ بِالْبَيْعِ الثَّانِي دَفَعَ لَهُ الْعَشَرَةَ الَّتِي اشْتَرَى بِهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا لَوْ تَسَاوَى الثَّمَنَانِ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَدْفَعُ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ الَّذِي أَخَذَ بِهِ لِمَنْ أَخَذَ الشِّقْصَ مِنْ يَدِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَلَوْ أَخَذَ بِبَيْعِ غَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَنُقِضَ مَا بَعْدَهُ) : أَيْ مَا بَعْدَ الْبَيْعِ الَّذِي أَخَذَ بِهِ. وَمَعْنَى نَقْضِهِ: تَرَاجُعُ الْأَثْمَانِ وَيَثْبُتُ مَا قَبْلَهُ اتَّفَقَتْ الْأَثْمَانُ أَوْ اخْتَلَفَتْ. فَإِنْ أَخَذَ بِالْأَخِيرِ ثَبَتَتْ الْبِيَاعَاتِ كُلُّهَا وَلَا تُرَاجَعَ، وَإِنْ أَخَذَ بِالْأَوَّلِ نَقَضَ جَمِيعَ مَا بَعْدَهُ وَإِنْ أَخَذَ: بِالْوَسَطِ ثَبَتَ مَا قَبْلَهُ وَنُقِضَ مَا بَعْدَهُ. فَإِنْ اتَّفَقَتْ الْأَثْمَانُ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَوَجْهُ التَّرَاجُعِ مَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْعٍ شَاءَ إذَا تَعَدَّدَتْ الْبِيَاعَاتِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِتَعَدُّدِهَا أَوْ عَلِمَ وَهُوَ غَائِبٌ، وَأَمَّا إذَا عَلِمَ بِهَا وَكَانَ حَاضِرًا فَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْأَخِيرِ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِتَعَدُّدِ الْبَيْعِ دَلِيلٌ عَلَى رِضَاهُ بِشَرِكَةِ مَا عَدَا الْأَخِيرَ. قَوْلُهُ: [كَمَا لَوْ تَسَاوَى الثَّمَنَانِ] : أَيْ أَوْ الْأَثْمَانُ. قَوْلُهُ: [وَثَبَتَ مَا قَبْلَهُ] : أَيْ مِنْ الْبِيَاعَاتِ بِإِجَازَةِ الشَّفِيعِ لَهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ إذَا تَدَاوَلَ الشَّيْءَ الْمُسْتَحَقَّ الْأَمْلَاكُ، فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ إذَا أَجَازَ بَيْعًا صَحَّ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْبِيَاعَاتِ، وَنُقِضَ مَا قَبْلَهُ: وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ إذَا أَجَازَ بَيْعًا أَخَذَ ثَمَنَهُ، وَسَلَّمَ فِي الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ فَمَضَى مَا انْبَنَى عَلَى مَا أَجَازَهُ، وَأَمَّا الشَّفِيعُ إذَا اعْتَبَرَ بَيْعًا وَعَوَّلَ عَلَيْهِ أَخَذَ نَفْسَ الشِّقْصِ لِنَفْسِهِ فَنَقْضُ مَا بَعْدَهُ ظَاهِرٌ.

[سريان الإجارة على المشري بالشفعة]

(وَالْغَلَّةُ قَبْلَهَا) : أَيْ قَبْلَ الشُّفْعَةِ أَيْ الْأَخْذِ بِهَا (لِلْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْهُ وَالْغَلَّةُ بِالضَّمَانِ. (وَتَحَتَّمَ عَقْدُ كِرَائِهِ) : أَيْ الْمُشْتَرِي: أَيْ كِرَائِهِ الشِّقْصَ قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ فَسْخُهُ (عَلَى الْأَرْجَحِ) مِنْ التَّرَدُّدِ. وَعَلَيْهِ: (فَالْكِرَاءُ لَهُ) : أَيْ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لَا لِلشَّفِيعِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَ وَجِيبَةً أَوْ نَقَدَ الْمُكْرِي الْكِرَاءَ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ كَعَشْرَةِ أَعْوَامٍ وَبِهِ وَقَعَتْ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهَا كَعَيْبٍ طَرَأَ. وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ قَلِيلَةً كَالسَّنَةِ وَالسَّنَتَيْنِ، لِمَا فِي الطَّوِيلَةِ مِنْ الضَّرَرِ. وَمُقَابِلُ الْأَرْجَحِ: لَهُ فَسْخُهُ مُطْلَقًا، فَإِنْ أَمْضَاهُ الشَّفِيعُ فَالْأُجْرَةُ فِي الْمُسْتَقْبِلِ لَهُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا عَلِمَ أَنَّ لَهُ شَفِيعًا وَإِلَّا فُسِخَ لَهُ قَطْعًا. (وَلَا يَضْمَنُ) الْمُشْتَرِي (نَقْصَهُ) : أَيْ نَقْصَ الشِّقْصِ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِلَا سَبَبٍ مِنْهُ بَلْ بِسَمَاوِيٍّ، أَوْ بِسَبَبٍ مِنْهُ لِمَصْلَحَةٍ، كَهَدْمٍ لِمَصْلَحَةٍ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ، بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي. وَسَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّ لَهُ شَفِيعًا أَمْ لَا، فَإِنْ هَدَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [سريان الْإِجَارَة عَلَى المشري بِالشُّفْعَةِ] قَوْلُهُ: [وَالْغَلَّةُ قَبْلَهَا] إلَخْ: أَيْ فَغَلَّةُ الشِّقْصِ الَّذِي اسْتَغَلَّهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ يَفُوزُ بِهَا، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ لَهُ شَفِيعًا كَمَا يَأْتِي وَأَنَّهُ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ مُجَوِّزٌ لِعَدَمِ أَخْذِهِ فَهُوَ ذُو شُبْهَةٍ. قَوْلُهُ: [وَتَحَتَّمَ عَقْدُ كِرَائِهِ] : أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بَيْعٌ. وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى دَارًا مُكْتَرَاةً فَلَا يَنْفَسِخُ كِرَاؤُهَا، وَالْأُجْرَةُ لِبَائِعِهَا وَلَا يَقْبِضُهَا الْمُشْتَرِي إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْكِرَاءِ عَلَى مَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [وَمُقَابِلُ الْأَرْجَحِ لَهُ فَسْخُهُ] إلَخْ: أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ اسْتِحْقَاقٌ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ دَارًا فَوَجَدَهَا مُكْتَرَاةً كَانَ لَهُ أَخْذُهَا وَنَقْضُ الْكِرَاءِ، وَيَرْجِعُ الْمُكْتَرِي بِأُجْرَتِهِ عَلَى الْمُكْرِي، وَلَهُ إمْضَاءُ الْكِرَاءِ، وَتَكُونُ الْأُجْرَةُ لَهُ. قَوْلُهُ: [قَالَ بَعْضُهُمْ وَالْخِلَافُ] إلَخْ: قَالَ بْن: هَذَا إذَا عَلِمَ الْمُبْتَاعُ أَنَّ لَهُ شَفِيعًا، وَإِلَّا فَلَا يَفْسَخُ إلَّا فِي الْوَجِيبَةِ الطَّوِيلَةِ، وَأَمَّا فِيمَا يَتَقَارَبُ كَالسَّنَةِ وَنَحْوِهَا فَذَلِكَ نَافِذٌ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا كَانَ لَهُ جَائِزًا. قَوْلُهُ: [كَهَدْمٍ لِمَصْلَحَةٍ] : أَيْ بِأَنْ هَدَمَ لِيَبْنِيَ أَوْ لِأَجْلِ تَوْسِعَةٍ. قَوْلُهُ: [بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي] : الْمُنَاسِبُ حَذْفُهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لَا تُقَالُ إلَّا إذَا

لَا لِمَصْلَحَةٍ ضَمِنَ. فَإِنْ هَدَمَ وَبَنَى فَلَهُ قِيمَتُهُ عَلَى الشَّفِيعِ قَائِمًا لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ بَنَى قِيلَ لِلشَّفِيعِ: خُذْهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَقِيمَةِ مَا عَمَّرَ فِيهَا، أَشْهَبُ: وَتُعْتَبَرُ يَوْمَ الْقِيَامِ وَلَهُ قِيمَةُ النَّقْصِ الْأَوَّلِ مَنْقُوضًا يَوْمَ الشِّرَاءِ، فَيُقَالُ: كَمْ قِيمَةَ الْعَرْصَةِ بِلَا بِنَاءٍ، وَكَمْ قِيمَةَ النُّقْضِ؟ ثُمَّ يَقْسِمُ الثَّمَنَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ وَقَعَ مِنْهُ النُّقْضُ - نِصْفَهُ أَوْ ثُلُثَهُ - فَهُوَ الَّذِي يُحْسَبُ بِهِ لِلشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيُحَطُّ عَنْهُ مِنْ الثَّمَنِ وَيَغْرَمُ مَا بَقِيَ مَعَ قِيمَةِ الْبِنَاءِ قَائِمًا (اهـ) وَانْظُرْ الْأَجْوِبَةَ عَنْ السُّؤَالِ الْوَارِدِ هُنَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ الْآتِي فِي الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: [لَا لِمَصْلَحَةٍ] : أَيْ بَلْ عَبَثًا. قَوْلُهُ: [ضَمِنَ] : أَيْ فَيُحَطُّ عَنْ الشَّفِيعِ مِنْ الثَّمَنِ بِنِسْبَةِ مَا نَقَصَتْهُ قِيمَةُ الشِّقْصِ بِالْهَدْمِ عَنْ قِيمَتِهِ سَلِيمًا سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّ لَهُ شَفِيعًا أَمْ لَا، وَلَا يُقَالُ: كَيْفَ يَضْمَنُهُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَصَرَّفْ إلَّا فِي مِلْكِهِ؟ لِأَنَّهُ - لَمَّا أَخَذَ الشَّفِيعُ بِشُفْعَتِهِ - آلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَهُ قِيمَةُ النُّقْضِ] : أَيْ لِلشَّفِيعِ. قَوْلُهُ: [فَيُقَالُ كَمْ قِيمَةَ الْعَرْصَةِ بِلَا بِنَاءٍ] : فَيُقَالُ خَمْسُونَ مِثْلًا. وَقَوْلُهُ: [وَكَمْ قِيمَةَ النُّقْضِ] : أَيْ فَيُقَالُ خَمْسُونَ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [فَهُوَ الَّذِي يُحْسَبُ بِهِ لِلشَّفِيعِ] إلَخْ: فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ فِي الْمِثَالِ مِائَةً، وَقِيمَةُ الْبِنَاءِ قَائِمًا سِتُّونَ مِثْلًا فَإِنَّهُ يَدْفَعُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ قَائِمًا، وَهُوَ سِتُّونَ وَخَمْسُونَ الَّتِي تَنُوبُ الْعَرْصَةَ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ مَا يَخُصُّ النُّقْضَ مِنْ الثَّمَنِ، وَهُوَ خَمْسُونَ لَا يُطَالَبُ بِهَا الشَّفِيعُ لِكَوْنِ الْمُشْتَرِي جَعَلَهُ فِي الْبَيْتِ مِثْلًا، فَيَصِيرُ الشَّفِيعُ غَارِمًا مِائَةً وَعَشْرَةً. قَوْلُهُ: [وَانْظُرْ الْأَجْوِبَةَ عَنْ السُّؤَالِ] : إلَخْ: أَيْ عَنْ سُؤَالٍ سَأَلَهُ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ حَيْثُ كَانَ يَقْرَأُ فِي جَامِعِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: كَيْفَ يُمْكِنُ إحْدَاثُ بِنَاءٍ فِي مَشَاعٍ مَعَ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ وَالْحُكْمِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ قَائِمًا؟ لِأَنَّ الشَّفِيعَ إمَّا أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا سَاكِتًا عَالِمًا فَقَدْ أَسْقَطَ شُفْعَتَهُ أَوْ غَائِبًا فَالْبَانِي مُتَعَدٍّ فِي بِنَائِهِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا قِيمَةُ بِنَائِهِ مَنْقُوضًا، فَمِنْ الْأَجْوِبَةِ: أَنَّ الْأَمْرَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الشَّفِيعَ كَانَ غَائِبًا، وَالْعَقَارُ لِشُرَكَائِهِ فَبَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ لِشَخْصٍ أَجْنَبِيٍّ وَتَرَكَ

[اختلفا الشفيع والمشتري في الثمن]

(وَإِنْ اخْتَلَفَا) : أَيْ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي (فِي الثَّمَنِ) الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الشِّقْصَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي: بِعَشْرَةٍ وَقَالَ الشَّفِيعُ: بِثَمَانِيَةٍ (فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي بِيَمِينٍ إنْ أَشْبَهَ) أَشْبَهَ الشَّفِيعُ أَمْ لَا (وَإِلَّا) يُشْبِهْ، بِأَنْ ادَّعَى مَا الشَّأْنُ أَنْ لَا يَكُونَ ثَمَنًا لِذَلِكَ الشِّقْصِ (فَلِلشَّفِيعِ) الْقَوْلُ، أَيْ: إنْ أَشْبَهَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (وَإِنْ لَمْ يُشْبِهَا) مَعًا (حَلَفَا) : أَيْ حَلَفَ كُلٌّ عَلَى مُقْتَضَى دَعْوَاهُ، وَرَدِّ دَعْوَى صَاحِبِهِ (وَرَدَّ) الثَّمَنَ (إلَى) الْقِيمَةِ (الْوَسَطِ) بَيْنَ النَّاسِ (كَأَنْ نَكَلَا مَعًا) . وَنُكُولُهُمَا كَحَلِفِهِمَا وَقُضِيَ لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ أَمْكَنَهُ بِنُكُولِهِ مِنْ دَعْوَاهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ: سُقُوطُ الشُّفْعَةِ كَنِسْيَانِ الثَّمَنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَاضِرُونَ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ وَطَلَبُوا الْمُقَاسَمَةَ مَعَ الْمُشْتَرِي، فَقَاسَمَ وَكِيلُ الْغَائِبِ الْغَيْرُ الْمُفَوَّضِ عَنْهُ أَوْ الْقَاضِي بَعْدَ الِاسْتِقْصَاءِ وَضَرْبِ الْأَجَلِ، وَذَلِكَ لَا يُسْقِطُ شُفْعَةَ الْغَائِبِ، فَهَدَمَ الْمُشْتَرِي وَبَنَى ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ، وَيَدْفَعُ قِيمَةَ بِنَاءِ الْمُشْتَرِي قَائِمًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ. وَمِنْهَا: أَنْ يَتْرُكَ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ لِإِخْبَارِ مَنْ أَخْبَرَهُ بِكَثْرَةِ الثَّمَنِ، فَلَمَّا هَدَمَ الْمُشْتَرِي وَبَنَى تَبَيَّنَ الْكَذِبُ فِي الثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَسْتَمِرُّ عَلَى شُفْعَتِهِ وَيَدْفَعُ لِلْمُشْتَرِي قِيمَةَ الْبِنَاءِ قَائِمًا. وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ الْمُخْبِرَ بِكَثْرَةِ الثَّمَنِ غَيْرُ الْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَقِيمَةُ الْبِنَاءِ مَنْقُوضًا. قَالَ الْخَرَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْكَذِبُ فِي الْمُشْتَرَى - بِالْفَتْحِ - أَوْ الْكَسْرِ أَوْ انْفِرَادُهُ كَالْكَذِبِ فِي الثَّمَنِ. وَمِنْهَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اشْتَرَى الدَّارَ كُلَّهَا فَهَدَمَ وَبَنَى، ثُمَّ اسْتَحَقَّ شَخْصٌ نِصْفَهَا مَثَلًا وَأَخَذَ النِّصْفَ الْآخَرَ بِالشُّفْعَةِ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ لِلْمُشْتَرِي قِيمَةَ بِنَائِهِ قَائِمًا. [اخْتَلَفَا الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ] [خَاتِمَة اسْتِحْقَاق الثَّمَن وَالرِّدّ بالعيب] قَوْلُهُ: [وَرَدَّ الثَّمَنَ إلَى الْقِيمَةِ الْوَسَطِ] : أَيْ وَهِيَ قِيمَةُ الشِّقْصِ يَوْمَ الْبَيْعِ. خَاتِمَةٌ: إنْ اُسْتُحِقَّ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ بَعْدَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ شِقْصِهِ لَا بِقِيمَةِ الثَّمَنِ الْمُسْتَحَقِّ أَوْ الْمَرْدُودِ بِالْعَيْبِ، وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مِثْلِيًّا، إلَّا النَّقْدَ الْمَسْكُوكَ فَمِثْلُهُ. وَإِنْ وَقَعَ الْبَيْعُ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ رَجَعَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ مُقَوَّمًا لَا بِقِيمَةِ الشِّقْصِ. وَعَلَى كُلٍّ لَا يُنْتَقَضُ مَا بَيْنَ الشَّفِيعِ وَالْمُشْتَرِي. وَإِنْ وَقَعَ الِاسْتِحْقَاقُ أَوْ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ فِي الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بَطَلَتْ لِفَسْخِ الْبَيْعِ.

وَلَمَّا كَانَتْ الْقِسْمَةُ مِنْ تَعَلُّقَاتِ الشَّرِكَةِ كَالشُّفْعَةِ نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَهَا عَقِبَهَا فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَهَا] : أَيْ الْقِسْمَةَ. وَقَوْلُهُ: [عَقِبَهَا] : أَيْ الشُّفْعَةِ. وَمَعْنَى هَذَا الدُّخُولِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْقِسْمَةِ وَالشُّفْعَةِ تَابِعًا لِلشَّرِكَةِ ذَكَرَهُمَا مُتَوَالِيَيْنِ بَعْدَهَا.

[باب في القسمة وأقسامها وأحكامها]

بَابٌ فِي الْقِسْمَةِ وَأَقْسَامِهَا وَأَحْكَامِهَا (الْقِسْمَةُ) : أَيْ حَقِيقَتُهَا عُرْفًا: (تَعْيِينُ) : أَيْ تَمْيِيزُ (نَصِيبِ كُلِّ شَرِيكٍ) مِنْ الشُّرَكَاءِ - كَثُرُوا أَوْ قَلُّوا (فِي مَشَاعٍ) عَقَارٍ أَوْ غَيْرِهِ، (وَلَوْ) كَانَ التَّعْيِينُ الْمَذْكُورُ (بِاخْتِصَاصِ تَصَرُّفٍ) فِيمَا عُيِّنَ لَهُ مَعَ بَقَاءِ الشَّرِكَةِ فِي الذَّاتِ؛ كَأَنْ يَخْتَصَّ كُلٌّ بِدَابَّةٍ مِنْ الدَّوَابِّ الْمُشْتَرَكَةِ أَوْ بِجِهَةٍ مِنْ الدَّارِ مَعَ كَوْنِهَا بَيْنَهُمْ، فَإِنَّهُ مِنْ الْقِسْمَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَلِذَا قَالَ: (وَهِيَ) أَيْ الْقِسْمَةُ أَقْسَامٌ (ثَلَاثَةٌ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْقِسْمَةِ وَأَقْسَامِهَا وَأَحْكَامِهَا] [تَعْرِيف الْقِسْمَة] بَابٌ: أَيْ حَقِيقَتُهَا، وَبَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ: الْقِسْمَةُ تَعْيِينُ نَصِيبِ كُلِّ شَرِيكٍ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: [وَأَقْسَامِهَا] : أَيْ الثَّلَاثَةِ، وَبَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ: " وَهِيَ ثَلَاثَةٌ " إلَخْ، وَالْمُرَادُ بِأَحْكَامِهَا مَسَائِلُهَا. قَوْلُهُ: [أَيْ حَقِيقَتُهَا عُرْفًا] : أَيْ وَأَمَّا لُغَةً فَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَاسَمَهُ الْمَالَ وَتَقَاسَمَاهُ وَاقْتَسَمَاهُ بَيْنَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالِاسْمُ الْقِسْمَةُ مُؤَنَّثَةٌ، وَإِنَّمَا ذُكِّرَتْ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: 8] بَعْدَ قَوْلِهِ: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} [النساء: 8] ؛ لِأَنَّهَا فِي الْمِيرَاثِ وَالْمَالِ، فَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ مُتَعَلَّقِهَا أَوْ الضَّمِيرُ يَرْجِعُ لِلْقِسْمَةِ لَا بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ، بَلْ بِمَعْنَى الْمَقْسُومِ. وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْقَسْمُ - بِالْفَتْحِ - قَسَمَ الْقَسَّامُ الْمَالَ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فَرَّقَهُ بَيْنَهُمْ، وَعَيَّنَ أَنْصِبَاءَهُمْ، وَمِنْهُ الْقَسْمُ بَيْنَ النِّسَاءِ وَالْقِسْمُ - بِالْكَسْرِ -: النَّصِيبُ. قَوْلُهُ: [فِي مَشَاعٍ] : مُتَعَلِّقٌ بِتَعْيِينٍ وَالْمَعْنَى: فِي مُشْتَرَكٍ مَشَاعٍ أَيْ: لِكُلِّ وَاحِدٍ جُزْءٌ شَائِعٌ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ الشَّيْءِ الْمَمْلُوكِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ الْجُزْءُ مُعَيَّنًا، إمَّا فِي جِهَةٍ إنْ كَانَ عَقَارًا، أَوْ فِي ذَاتٍ إنْ كَانَ غَيْرَهُ، أَوْ فِي أَيَّامٍ إنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ مُهَايَأَةً. قَوْلُهُ: [وَلِذَا قَالَ] : أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّ التَّعْرِيفَ شَامِلٌ لِلتَّعْيِينِ بِاخْتِصَاصِ التَّصَرُّفِ مَعَ بَقَاءِ الذَّاتِ قَسَّمَهَا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ بِقَوْلِهِ وَهِيَ إلَخْ.

[القسمة أقسام ثلاثة]

الْأَوَّلُ: (مُهَايَأَةٌ) : أَيْ قِسْمَةُ مُهَايَأَةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ هَيَّأَ لِصَاحِبِهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ. وَيُقَالُ: تَهَايُؤٌ بِيَاءٍ تَحْتِيَّةٍ قَبْلَ الْهَمْزَةِ، وَبِهِ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ. وَيُقَالُ: أَيْضًا تَهَانُؤ بِنُونٍ قَبْلَ الْهَمْزَةِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ مِنْ الْمُهَانَأَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ هَنَّأَ صَاحِبَهُ بِمَا دَفَعَهُ لَهُ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ، وَهَذَا الْقَسْمُ هُوَ مَا بَعْدَ الْمُبَالَغَةِ كَمَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (وَهِيَ) أَيْ قِسْمَةُ الْمُهَايَأَةِ (اخْتِصَاصُ كُلِّ شَرِيكٍ عَنْ شَرِيكِهِ) فِي شَيْءٍ مُتَّحِدٍ - كَعَبْدٍ أَوْ دَارٍ - أَوْ مُتَعَدِّدٍ - كَعَبْدَيْنِ أَوْ دَارَيْنِ - (بِمَنْفَعَةِ) شَيْءٍ (مُتَّحِدٍ) كَعَبْدٍ بَيْنَهُمَا يَسْتَخْدِمُهُ أَحَدُهُمَا شَهْرًا وَالثَّانِي شَهْرًا مِثْلًا، أَوْ دَارٍ يَسْكُنُهَا أَحَدُهُمَا مُدَّةً وَالثَّانِي مِثْلَهَا (أَوْ مُتَعَدِّدٍ) كَدَارَيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ يَأْخُذُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا دَارًا أَوْ عَبْدًا وَالثَّانِي يَأْخُذُ الْآخَرَ، أَوْ دَارٍ وَعَبْدٍ بَيْنَهُمَا يَأْخُذُ أَحَدُهُمَا الدَّارَ يَسْكُنُهَا، وَيَأْخُذُ الثَّانِي الْعَبْدَ يَسْتَخْدِمُهُ (فِي زَمَنٍ) مَعْلُومٍ. فَتَعْيِينُ الزَّمَنِ شَرْطٌ: إذْ بِهِ يُعْرَفُ قَدْرُ الِانْتِفَاعِ، وَإِلَّا فَسَدَتْ اتِّفَاقًا فِي الْمُتَّحِدِ وَعَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ عَرَفَةَ فِي الْمُتَعَدِّدِ، وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ تَرْجِيحُهَا. وَطَرِيقَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ فِي الْمُتَعَدِّدِ، وَعَلَيْهَا فَإِنْ عَيَّنَ فَلَازِمَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْقِسْمَةُ أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ] [قِسْمَةُ الْمُهَايَأَةِ] قَوْلُهُ: [مُهَايَأَةٌ] : أَيْ وَهِيَ الْإِعْدَادُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالتَّجْهِيزُ، وَيُقَالُ هَيَّأَ الشَّيْءَ لِصَاحِبِهِ أَعَدَّهُ وَجَهَّزَهُ لَهُ. قَوْلُهُ: [وَبِهِ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ] : أَيْ خَلِيلٌ. قَوْلُهُ: [بِنُونٍ] : أَيْ مَضْمُومَةٍ، وَيَجُوزُ قَلْبُ الْهَمْزَةِ بَعْدَهَا يَاءً، وَحِينَئِذٍ تُقْلَبُ ضَمَّةُ النُّونِ كَسْرَةً، وَيُقَالُ أَيْضًا بِالْبَاءِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ وَهَبَ لِصَاحِبِهِ الِاسْتِمْتَاعَ بِحَقِّهِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَيَجُوزُ قَلْبُ الْهَمْزَةِ يَاءً بَعْدَ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ كَمَا تُقْلَبُ بَعْدَ النُّونِ، وَيُقَالُ فِيهَا مَا قِيلَ فِي النُّونِ. فَتَحَصَّلَ أَنَّ جُمْلَةَ الصُّوَرِ ثَمَانٍ: مُهَايَأَةٌ بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ وَمُهَانَأَةٌ بِالنُّونِ، وَمُهَابَأَةٌ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَتَهَايُؤٌ بِالْيَاءِ مَعَ الْهَمْزَةِ، وَتَهَانُؤُ بِالنُّونِ الْمَضْمُومَةِ مَعَ الْهَمْزَةِ أَوْ الْمَكْسُورَةِ مَعَ الْيَاءِ، وَتَهَايُؤ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَضْمُومَةِ مَعَ الْهَمْزَةِ أَوْ الْمَكْسُورَةِ مَعَ الْيَاءِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ] : أَيْ كَلَامُ خَلِيلٍ؛ لِأَنَّ الرَّسْمَ وَاحِدٌ. قَوْلُهُ: [وَعَلَيْهَا فَإِنْ عَيَّنَ فَلَازِمَةٌ] : أَيْ فَالتَّعْيِينُ شَرْطٌ فِي لُزُومِهَا. فَتَحَصَّلَ مِمَّا قَالَ الشَّارِحُ إنَّهُ إنْ عَيَّنَ الزَّمَنَ صَحَّتْ وَلَزِمَتْ فِي الْمَقْسُومِ الْمُتَّحِدِ

وَإِلَّا فَلِكُلٍّ الْفَسْخُ مَتَى شَاءَ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الزَّمَنِ كَشَهْرٍ وَشَهْرٍ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي أَمْثِلَةِ ذَلِكَ مَعَ بَيَانِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهَا مِنْ عَدَمِ طُولِ الزَّمَنِ فِي الْحَيَوَانِ بِقَوْلِهِ: (كَخِدْمَةِ عَبْدٍ وَرُكُوبِ دَابَّةٍ) فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ يَوْمًا أَوْ جُمُعَةً بَلْ (وَلَوْ كَشَهْرٍ) لَا أَكْثَرَ، لِأَنَّ الْحَيَوَانَ يُسْرِعُ لَهُ التَّغَيُّرُ بِخِلَافِ الْعَقَارِ (وَسُكْنَى دَارٍ) يَسْكُنُهَا كُلٌّ مُدَّةً مُعَيَّنَةً (وَزَرْعِ أَرْضٍ) مَأْمُونَةٍ بَيْنَهُمَا يَزْرَعُهُمَا كُلٌّ مُدَّةً مُعَيَّنَةً (وَلَوْ سِنِينَ) كَثِيرَةً، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَأْمُونَةِ فَلَا يَجُوزُ قَسْمُهَا مُهَايَأَةً؛ لِأَنَّهَا كَالْإِجَارَةِ يُمْنَعُ فِيهَا الْغَرَرُ، فَعُلِمَ أَنَّ شَرْطَهَا تَعْيِينُ الزَّمَنِ وَانْتِفَاءُ الْغَرَرِ. وَلِذَا لَمْ يَجُزْ طُولُ الزَّمَنِ فِي الْحَيَوَانِ وَنَحْوِهِ كَالثَّوْبِ، وَلَمْ يَجُزْ فِي أَرْضِ الزِّرَاعَةِ الْغَيْرِ الْمَأْمُونَةِ. وَهِيَ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ، فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهَا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ وَقَعَتْ صَحِيحَةً إلَّا بِرِضَاهُمَا أَوْ رِضَاهُمْ إنْ كَانُوا جَمَاعَةً، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَزِمَتْ) وَقَوْلُهُ (كَالْإِجَارَةِ) : أَيْ فِي تَعْيِينِ الزَّمَنِ وَاللُّزُومِ. وَشَرْطُهَا أَيْضًا أَنْ تَكُونَ فِي مَنْفَعَةٍ كَرُكُوبٍ وَسُكْنَى كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَعْرِيفِهَا. (لَا) فِي (غَلَّةٍ) : أَيْ كِرَاءً، كَأَنْ يَأْخُذَ كُلٌّ مِنْهُمَا كِرَاءَ الدَّابَّةِ أَوْ الدَّارِ مُدَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُتَعَدِّدِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيَّنْ فَسَدَتْ فِي الْمُتَّحِدِ اتِّفَاقًا وَفِي الْمُتَعَدِّدِ خِلَافٌ، فَابْنُ الْحَاجِبِ يَقُولُ بِصِحَّتِهَا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ لَازِمَةٍ، وَابْنُ عَرَفَةَ يَقُولُ بِفَسَادِهَا. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْحَيَوَانَ يُسْرِعُ لَهُ التَّغَيُّرُ] : أَيْ وَلِأَنَّ الْمُدَّةَ الَّتِي يَقَعُ الْقَبْضُ بَعْدَهَا هُنَا كَالْمُدَّةِ فِي الْإِجَارَةِ، فَكَمَا لَا يَجُوزُ إجَارَةُ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ عَلَى أَنْ يَقْبِضَ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ لَا يَجُوزُ فِي الْمُهَايَأَةِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ. قَوْلُهُ: [يَزْرَعُهُمَا] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلَّفِ بِالتَّثْنِيَةِ، وَالْمُنَاسِبُ إفْرَادُ الضَّمِيرِ. قَوْلُهُ: [أَيْ فِي تَعْيِينِ الزَّمَنِ وَاللُّزُومِ] : الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي اللُّزُومِ عِنْدَ تَعْيِينِ الزَّمَنِ. قَوْلُهُ: [لَا فِي غَلَّةٍ] : مَعْطُوفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ قَدَّرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَشَرْطُهَا أَيْضًا أَنْ تَكُونَ فِي مَنْفَعَةٍ إلَخْ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ لَا فِي غَلَّةٍ اللَّبَنُ. فَيَجُوزُ إنْ حَصَلَ فَضْلٌ بَيِّنٌ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ.

[قسمة المراضاة]

مُعَيَّنَةً (وَإِنْ يَوْمًا) لِكُلِّ وَاحِدٍ، فَلَا يَجُوزُ لِلْغَرَرِ، إذْ يُحْتَمَلُ أَلَا تُكْرَى فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ أَوْ يَقِلَّ كِرَاؤُهَا فِيهِ. (وَ) الْقِسْمُ الثَّانِي: (مُرَاضَاةٌ) : بِأَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَأْخُذُ شَيْئًا مِمَّا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ يَرْضَى بِهِ بِلَا قُرْعَةٍ. وَقَوْلُهُ: (فَكَالْبَيْعِ) : أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَنْ رَضِيَ بِشَيْءٍ مِنْهُ مَلَكَ ذَاتَهُ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا كَالْإِقَالَةِ، وَلَا رَدَّ فِيهَا بِالْغَبْنِ إلَّا إذَا أَدْخَلَا مُقَوِّمًا. وَقَدْ يَتَسَامَحُ فِيهَا مَا لَا يَتَسَامَحُ فِي الْبَيْعِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي (اتَّحَدَ الْجِنْسُ) : كَثِيَابٍ أَوْ عَبِيدٍ (أَوْ اخْتَلَفَ) : كَثَوْبٍ وَعَبْدٍ كَمَا يَظْهَرُ بِالْأَمْثِلَةِ. (فَيَجُوزُ) فِيهَا (صُوفٌ) : أَيْ الرِّضَا بِأَخْذِ صُوفٍ (عَلَى ظَهْرٍ) : أَيْ ظَهْرِ الْغَنَمِ فِي نَظِيرِ شَيْءٍ آخَرَ يَأْخُذُهُ صَاحِبُهُ صُوفًا أَوْ غَيْرَهُ (إنْ جُزَّ) الصُّوفُ: أَيْ إنْ دَخَلُوا عَلَى جَزِّهِ (بِقُرْبٍ كَنِصْفِ شَهْرٍ) فَأَقَلَّ، وَإِلَّا مُنِعَ لِمَا فِيهِ مِنْ مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ فَيَكُونُ مِنْ السَّلَمِ فِي مُعَيَّنٍ وَهُوَ مَمْنُوعٌ. (وَ) جَازَ (أَخْذُ أَحَدِهِمَا) : أَيْ الشَّرِيكَيْنِ كَوَارِثَيْنِ (عَرْضًا) حَاضِرًا، كَثَوْبٍ وَعَبْدٍ (وَآخَرَ دَيْنًا) عَلَى مَدِينٍ يُتْبَعُ بِهِ الْمَدِينُ إنْ كَانَ حَاضِرًا مُقِرًّا بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [قِسْمَة الْمُرَاضَاة] قَوْلُهُ: [إلَّا إذَا أَدْخَلَا مُقَوِّمًا] : أَيْ فَإِنْ أَدْخَلَا مُقَوِّمًا رُدَّ فِيهَا بِالْغَبْنِ إلْحَاقًا لَهَا بِالْقُرْعَةِ مَا لَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ، وَإِلَّا فَلَا رَدَّ. قَوْلُهُ: [وَقَدْ يَتَسَامَحُ فِيهَا مَا لَا يَتَسَامَحُ فِي الْبَيْعِ] : أَيْ وَلِذَلِكَ شَبَّهَهَا بِالْبَيْعِ وَلَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهَا بَيْعًا حَقِيقَةً. وَقَوْلُهُ: [كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي] : أَيْ فِي مَسَائِلِ الْبَابِ الَّتِي ذَكَرَهَا خَلِيلٌ وَشُرَّاحُهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهَا شَارِحُنَا؛ كَجَوَازِ قَسْمِ الْقَفِيزِ لِيَأْخُذَ أَحَدُهُمَا ثُلُثَيْهِ وَالْآخَرُ ثُلُثَهُ بِالتَّرَاضِي مِنْهُمَا، فَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا حَقِيقَةً لَمَا جَازَ ذَلِكَ وَأَيْضًا يَجُوزُ فِيهَا قِسْمَةُ مَا أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ مَكِيلًا كَصُبْرَةِ قَمْحٍ مَعَ مَا أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا كَفَدَّانٍ مِنْ أَرْضٍ مَعَ خُرُوجِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ أَصْلِهِ، وَيَجُوزُ قَسْمُ مَا زَادَ غَلَّتُهُ عَلَى الثُّلُثِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَلَمْ يُجِيزُوا بَيْعَهُ. قَوْلُهُ: [إنْ كَانَ حَاضِرًا] إلَخْ: أَيْ إلَى آخِرِ شُرُوطِ بَيْعِ الدَّيْنِ، وَهِيَ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَقَدَّمَ: وَشَرْطُ بَيْعِ الدَّيْنِ: حُضُورُ الْمَدِينِ، وَإِقْرَارُهُ، وَتَعْجِيلُ الثَّمَنِ، وَكَوْنُهُ

تَأْخُذُهُ الْأَحْكَامُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: " إنْ جَازَ بَيْعُهُ " أَيْ الدَّيْنِ، لَا إنْ لَمْ يَجُزْ. (وَ) جَازَ (أَخْذُهُ قُطْنِيَّةً) كَقَوْلٍ (وَالْآخَرُ) قَمْحًا أَوْ شَعِيرًا إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ، وَإِلَّا مُنِعَ لِمَا فِيهِ مِنْ رِبَا النَّسِيئَةِ. وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْقُرْعَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا يُجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ صِنْفَيْنِ كَمَا يَأْتِي وَكَذَا الَّتِي قَبْلَهَا، وَأَمَّا أَخْذُ كُلِّ دِينَارٍ عَلَى غَرِيمٍ فَلَا يَجُوزُ فِي الْمُرَاضَاةِ وَلَا فِي الْقُرْعَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيْعِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَيَجُوزُ فِي الْقُرْعَةِ، وَلَوْ تَأَخَّرَ الْجَزُّ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ شَهْرٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَمْيِيزُ حَقٍّ إذَا قَابَلَ الصُّوفُ صُوفًا مِثْلَهُ إذْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ اتِّحَادِ الصِّنْفِ. (وَ) جَازَ (خِيَارُهُ) : أَيْ خِيَارُ أَحَدِهِمَا أَوْ خِيَارُهُمَا مَعًا كَالْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ فِي بَابِ الْخِيَارِ مِنْ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَاكَ، وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَبِيعِ مِنْ عَقَارٍ وَغَيْرِهِ وَمِمَّا يُعَدُّ رِضَا وَغَيْرَ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ، فَقَوْلُهُ: (كَالْبَيْعِ) رَاجِعٌ لِلثَّلَاثِ مَسَائِلَ قَبْلَهُ فَيُفِيدُ الْقُيُودَ الْمَذْكُورَةَ فِي كُلٍّ، فَقَوْلُهُ: " وَآخَرَ دَيْنًا " أَيْ إنْ جَازَ بَيْعُهُ كَالْبَيْعِ، وَقَوْلُهُ: " قُطْنِيَّةً " إلَخْ أَيْ إنْ كَانَ مُنَاجَزَةً كَالْبَيْعِ، وَقَوْلُهُ " خِيَارُهُ " أَيْ إنْ وُجِدَ شَرْطُهُ الْمُتَقَدِّمُ كَالْبَيْعِ. عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ أَوَّلًا: " فَكَالْبَيْعِ " يُفِيدُهَا عِنْدَ التَّأَمُّلِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الشَّأْنُ أَنَّهُ قَدْ يَغْفُلُ عَنْهُ أَتَى بِهِ زِيَادَةً لِلْإِيضَاحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ أَوْ بِجِنْسِهِ وَاتَّحَدَ قَدْرًا وَصِفَةً، وَلَيْسَ ذَهَبًا بِفِضَّةٍ، وَعَكْسُهُ وَلَا طَعَامٌ مُعَاوَضَةً (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَكَذَا الَّتِي قَبْلَهَا] : أَيْ وَهِيَ أَخْذُ أَحَدِهِمَا عَرْضًا وَالْآخَرُ دَيْنًا. قَوْلُهُ: [أَيْ خِيَارُ أَحَدِهِمَا أَوْ خِيَارُهُمَا] : أُخِذَ التَّعْمِيمُ مِنْ إضَافَةِ خِيَارٍ لِلضَّمِيرِ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْأَحَدِ الدَّائِرِ. قَوْلُهُ: [مِنْ عَقَارٍ وَغَيْرِهِ] : أَيْ وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا فِي الْعَقَارِ مُنْتَهَاهَا سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَفِي الرَّقِيقِ عَشْرَةٌ وَفِي الْعُرُوضِ خَمْسَةٌ كَالدَّوَابِّ إلَّا رُكُوبَهَا فِي الْبَلَدِ فَالْيَوْمَانِ وَخَارِجَهُ فَالْبَرِيدَانِ. قَوْلُهُ: [وَمِمَّا يُعَدُّ رِضًا] : أَيْ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ: وَانْقَطَعَ، بِمَا دَلَّ عَلَى الْإِمْضَاءِ أَوْ الرَّدِّ وَبِمُضِيِّ زَمَنِهِ، فَيَلْزَمُ الْمَبِيعَ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ، وَلَهُ الرَّدُّ فِي كَالْغَدِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ بَعْدَهُ أَنَّهُ اخْتَارَ أَوْ رَدَّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ فَالْكِتَابَةُ وَالتَّدْبِيرُ وَالتَّزْوِيجُ وَالتَّلَذُّذُ وَالرَّهْنُ وَالْبَيْعُ وَالتَّسَوُّقُ وَالْوَسْمُ وَتَعَمُّدُ الْجِنَايَةِ وَالْإِجَارَةُ مِنْ الْمُشْتَرِي رِضًا وَمِنْ الْبَائِعِ رَدٌّ،

[قسمة القرعة]

وَالْخِيَارُ الْمَذْكُورُ كَمَا يَجُوزُ فِي الْمُرَاضَاةِ يَجُوزُ فِي الْقُرْعَةِ أَيْضًا. (وَ) جَازَ (أَخْذُ كُلٍّ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ (أَحَدَ مُزْدَوَجَيْنِ) . كَخُفٍّ وَنَعْلٍ لِمَا فِي الرِّضَا مِنْ التَّسَامُحِ. (وَ) الْقِسْمُ الثَّالِثُ: (قُرْعَةٌ) : أَيْ قِسْمَةُ قُرْعَةٍ، وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ فِي الْمَنَافِعِ كَالْإِجَارَةِ، وَقِسْمَةُ الْمُرَاضَاةِ فِي الذَّاتِ كَالْبَيْعِ، وَلِكُلٍّ مِنْ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ بَابٌ يَخُصُّهُ وَقِسْمَةُ الْقُرْعَةِ: تَمْيِيزُ حَقٍّ فِي مَشَاعٍ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ، لَا بَيْعٌ؛ فَلِذَا يُرَدُّ فِيهَا بِالْغَبْنِ وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ مُقَوِّمٍ وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا مَنْ أَبَاهَا، وَلَا تَكُونُ إلَّا فِيمَا تَمَاثَلَ أَوْ تَجَانَسَ وَلَا يَجُوزُ فِيهَا الْجَمْعُ بَيْنَ حَظِّ اثْنَيْنِ. (فَيُفْرَدُ) فِيهَا (كُلُّ نَوْعٍ أَوْ صِنْفٍ) لِيُقْسَمَ عَلَى حِدَتِهِ مِنْ عَقَارٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ عَرْضٍ، احْتَمَلَ الْقِسْمَةَ فِي ذَاتِهِ أَوْ لَا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا يُجْمَعُ فِي الْقِسْمَةِ بِالسَّهْمِ الدُّورُ مَعَ الْحَوَائِطِ، وَلَا مَعَ الْأَرَضِينَ، وَلَا الْحَوَائِطُ مَعَ الْأَرْضِ؛ بَلْ يُقْسَمُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى حِدَتِهِ؛ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (كَدُورٍ وَأَقْرِحَةٍ) : يُفْرَدُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ لِيُقْسَمَ، وَالْأَقْرِحَةُ جَمْعُ قَرَاحٍ بِالْفَتْحِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ: أَرْضُ الزِّرَاعَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا الْإِجَارَةَ (اهـ) . قَوْلُهُ: [يَجُوزُ فِي الْقُرْعَةِ أَيْضًا] أَيْ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَهَا. قَوْلُهُ: [كَخُفٍّ وَنَعْلٍ] : أَيْ يَأْخُذُ أَحَدُهُمَا فَرْدَةَ خُفٍّ وَالْآخَرُ الْفَرْدَةَ الْأُخْرَى وَالنَّعْلُ كَذَلِكَ، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ الْمِصْرَاعَيْنِ وَالْقُرْطَيْنِ، بِخِلَافِ قَسْمِ الْأُمِّ الْعَاقِلَةِ مِنْ وَلَدِهَا قَبْلَ الْإِثْغَارِ فَلَا يَجُوزُ التَّرَاضِي عَلَى ذَلِكَ لَا فِي الْبَيْعِ وَلَا فِي الْقِسْمَةِ. [قِسْمَةُ الْقُرْعَةِ] قَوْلُهُ: [فَلِذَا يُرَدُّ فِيهَا بِالْغَبْنِ] : أَيْ وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَمْ يُرَدَّ فِيهَا بِالْغَبْنِ؛ لِأَنَّ الْغَبْنَ لَا يُرَدُّ بِهِ. قَوْلُهُ: [مِنْ مُقَوِّمٍ] : بِكَسْرِ الْوَاوِ اسْمُ فَاعِلٍ: وَهُوَ الْمُعَدِّلُ لِلْأَنْصِبَاءِ. قَوْلُهُ: [وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا مَنْ أَبَاهَا] : أَيْ وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا مَنْ أَبَاهَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ رِضَا الْمُتَبَايِعَيْنِ. قَوْلُهُ: [بِالسَّهْمِ] : الْمُرَادُ بِهِ الْقُرْعَةُ. قَوْلُهُ: [يُفْرَدُ كُلٌّ مِنْهُمَا] : أَيْ مِنْ الدُّورِ أَوْ الْأَقْرِحَةِ.

[البيع عند تعذر القسمة]

(فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ) قَسْمُهُ كَنَخْلَةٍ وَعَبْدٍ وَدَارٍ صَغُرَتْ وَحَمَّامٍ، (بِيعَ) وَقُسِمَ ثَمَنُهُ. (وَيُقَسَّمُ الْعَقَارُ وَالْمُقَوَّمُ بِالْقِيمَةِ) لَا بِالْمِسَاحَةِ وَلَا بِالْعَدَدِ، فَقَدْ يَكُونُ فَدَّانٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ ثَوْبٌ قِيمَتُهُ عَشْرَةٌ وَقِيمَةُ الْآخَرِ مِائَةٌ لِجَوْدَتِهِ وَالرَّغْبَةِ فِيهِ، فَقَدْ يُقَابَلُ شَيْءٌ بِمِثْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرْضٌ أَوْ غَيْرُهَا مُسْتَوِيَةً جَوْدَةً أَوْ رَدَاءَةً وَرَغْبَةً فَلَا يَحْتَاجُ لِتَقْوِيمٍ بَلْ تُقَسَّمُ بِالْمِسَاحَةِ أَوْ الْعَدَدِ - وَأَمَّا الْمِثْلِيُّ - كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْحُبُوبِ وَالْقُطْنِ وَالْحَدِيدِ - فَإِنَّهَا تُقَسَّمُ بِالْعَدَدِ أَوْ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ وَلَا تَحْتَاجُ لِقُرْعَةٍ. وَقِيلَ: يَجُوزُ قَسْمُهُ بِالْقُرْعَةِ أَيْضًا، وَلَا وَجْهَ لَهُ إلَّا فِي نَحْوِ حُلِيٍّ. (وَكَفَى قَاسِمٌ) وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ طَرِيقَهُ الْإِخْبَارُ كَالْقَائِفِ وَالطَّبِيبِ وَالْمُفْتِي (بِخِلَافِ الْمُقَوِّمِ) لِلْمُتْلَفَاتِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعَدُّدِ؛ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى تَقْوِيمِهِ قَطْعٌ أَوْ غُرْمٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُقَوِّمَ لِلسِّلَعِ الْمَقْسُومَةِ بِالْقُرْعَةِ، فَإِنَّ الْمُقَوِّمَ فِيهَا هُوَ الْقَاسِمُ وَيَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَطَّابُ وَالْخَرَشِيُّ. وَمَا قِيلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْبَيْع عِنْد تُعْذَرُ الْقِسْمَة] قَوْلُهُ: [وَيُقَسَّمُ الْعَقَارُ وَالْمُقَوَّمُ بِالْقِيمَةِ] : أَيْ وَيُشْتَرَطُ لِجَمْعِ الدُّورِ مَعَ بَعْضِهَا، أَوْ الْأَقْرِحَةِ مَعَ بَعْضِهَا شَرْطَانِ سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا. وَعَطْفُ " الْمُقَوَّمِ " عَلَى " الْعَقَارِ " مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ. قَوْلُهُ: [وَرَغْبَةً] : إنَّمَا عَطَفَهَا بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّهَا تُجَامِعُ الْجَوْدَةَ وَالرَّدَاءَةَ، بِخِلَافِ الرَّدَاءَةِ فَلَا تُجَامِعُ الْجَوْدَةَ فَلِذَلِكَ عَطَفَهَا بِأَوْ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهَا تُقَسَّمُ بِالْعَدَدِ أَوْ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ] : رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: " كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْحُبُوبِ وَالْقُطْنِ وَالْحَدِيدِ " عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ يَجُوزُ قَسْمُهُ بِالْقُرْعَةِ] : قَائِلُهُ ابْنُ عَرَفَةَ. قَوْلُهُ: [وَلَا وَجْهَ لَهُ] : أَيْ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ مُقَوَّمٍ وَالتَّقْوِيمُ مُنْتَفٍ هُنَا. وَقَوْلُهُ: [إلَّا فِي نَحْوِ حُلِيٍّ] : أَيْ لِاخْتِلَافِ الرَّغْبَةِ فِي أَصْنَافِهِ فَيَدْخُلُهُ التَّقْوِيمُ. قَوْلُهُ: [وَكَفَى قَاسِمٌ] : الْمُرَادُ الْكِفَايَةُ فِي الْإِجْزَاءِ وَأَشْعَرَ كَلَامُهُ أَنَّ الِاثْنَيْنِ أَوْلَى، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَالَةٌ بَلْ يَجْرِي وَلَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُقَامًا مِنْ الْقَاضِي فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْعَدَالَةِ.

بَلْ الَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُهُمْ - أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعَدُّدِ الْمُقَوِّمِ فِي الْقِسْمَةِ بِخِلَافِ الْقَاسِمِ فَيَكْفِي الْوَاحِدُ وَأَنَّ الْمُقَوِّمَ غَيْرُ الْقَاسِمِ فَبَعِيدٌ جِدًّا، فَتَأَمَّلْ. (وَأَجْرُهُ) أَيْ الْقَاسِمِ (بِالْعَدَدِ) أَيْ عَدَدِ الْوَرَثَةِ مِمَّنْ طَلَبَ الْقَسْمَ أَوْ أَبَاهُ؛ لِأَنَّ تَعَبَ الْقَاسِمِ فِي الْجُزْءِ الْيَسِيرِ كَتَعَبِهِ فِي الْكَثِيرِ، وَكَذَا كَاتِبُ الْوَثِيقَةِ. (وَكُرِهَ) أَخْذُ الْأَجْرِ مِمَّنْ قَسَمَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَلَا شَأْنَ النَّاسِ (وَمُنِعَ) الْأَخْذُ (إنْ رُزِقَ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْقَسْمِ (فِي بَيْتِ الْمَالِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بَلْ الَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُهُمْ] إلَخْ: مَقُولُ الْقَوْلِ. وَقَوْلُهُ: [فَبَعِيدٌ] : خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ " مَا ". وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُقَوِّمَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَدُّدُ إلَّا إذَا كَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَى تَقْوِيمِهِ حَدٌّ كَسَرِقَةٍ، أَوْ غُرْمٍ كَتَقْوِيمِ الْمَسْرُوقِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَالْمَغْصُوبِ. وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ فِيهِ التَّعَدُّدُ؛ لِأَنَّهُ كَالشَّاهِدِ عَلَى الْقِيمَةِ، وَأَمَّا الْقَاسِمُ وَالْمُقَوِّمُ لِلْقَسْمِ فَهُوَ نَائِبٌ عَنْ الْحَاكِمِ فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِالْوَاحِدِ عَلَى الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [أَيْ عَدَدِ الْوَرَثَةِ] : الْمُنَاسِبُ الشُّرَكَاءُ الْمَقْسُومُ لَهُمْ وَالْمُرَادُ عَدَدُ الرُّءُوسِ لَا عَدَدُ الْأَنْصِبَاءِ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا كَاتِبُ الْوَثِيقَةِ] : أَيْ أُجْرَةُ الْكَاتِبِ. وَمِثْلُهُ الْمُقَوِّمُ تَكُونُ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ الْمَقْسُومِ لَهُمْ. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ أَخْذُ الْأَجْرِ] إلَخْ: فِي بْن تَقْيِيدُ الْكَرَاهَةِ بِمَنْ كَانَ مُقَامًا مِنْ طَرَفِ الْقَاضِي لِلْقِسْمَةِ، أَمَّا مَنْ اسْتَأْجَرَهُ الشُّرَكَاءُ عَلَى الْقَسْمِ لَهُمْ فَلَا كَرَاهَةَ فِي أَخْذِهِ الْأُجْرَةَ. قَوْلُهُ: [وَمُنِعَ الْأَخْذَ إنْ رُزِقَ عَلَيْهِ] إلَخْ: مِثْلُهُ إذَا كَانَ يَأْخُذُ مُطْلَقًا قَسَمَ أَوْ لَمْ يَقْسِمْ كَالْمُسَمَّى فِي زَمَانِنَا بِالْقَسَّامِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَالِ لِأَيْتَامٍ أَوْ لِكِبَارٍ، كَانَ لَهُ أَجْرٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الْقَسْمِ أَوْ لَا. فَتَحَصَّلَ أَنَّ الصُّوَرَ ثَمَانٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَأْخُذُهُ مُطْلَقًا فَالْمَنْعُ فِي أَرْبَعٍ وَهِيَ: كَانَ الْقَسْمُ لِكِبَارٍ، أَوْ لِصِغَارٍ، كَانَ لَهُ أَجْرٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَمْ لَا. وَإِنْ كَانَ الْأَخْذُ مُقَيَّدًا بِالْقَسْمِ مُنِعَ إنْ كَانَ لَهُ أَجْرٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، كَانَ الْقَسْمُ لِكِبَارٍ، أَوْ لِصِغَارٍ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجْرٌ كُرِهَ كَانَ الْقَسْمُ لِكِبَارٍ،

(وَأُفْرِدَ) فِي الْقُرْعَةِ وُجُوبًا (شَجَرُ كُلِّ صِنْفٍ) لِيُقَسَّمَ عَلَى حِدَتِهِ، فَإِذَا كَانَ فِي الْحَائِطِ شَجَرُ نَخْلٍ وَتُفَّاحٍ وَرُمَّانٍ وَخَوْخٍ، فَكُلُّ صِنْفٍ يُفْرَدُ عَلَى حِدَتِهِ، وَيُقْسَمُ (إنْ احْتَمَلَ) : أَيْ أَمْكَنَ إفْرَادُهُ وَقَسْمُهُ بِأَنْ يَحْصُلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ وَاحِدٌ كَامِلٌ أَوْ أَكْثَرُ يَنْتَفِعُ بِهِ، وَإِلَّا ضُمَّ لِغَيْرِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا يُبَاعُ؛ لِأَنَّهُ أَضَرُّ فِي الْحَوَائِطِ (إلَّا إذَا اخْتَلَطَتْ) الْأَنْوَاعُ فِي الْحَائِطِ - كَنَخْلَةٍ وَيَلِيهَا شَجَرَةُ رُمَّانٍ فَشَجَرَةُ تُفَّاحٍ وَهَكَذَا - فَلَا يُفْرَدُ لِلضَّرُورَةِ، بَلْ يُقَسَّمُ مَا فِيهِ بِالْقِيمَةِ، وَيُجْمَعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ حَظُّهُ فِي مَكَان بِالْقُرْعَةِ وَلَا يَضُرُّ حِينَئِذٍ مَا تَحَصَّلَ لَهُ مِنْ أَصْنَافِ الشَّجَرِ دُونَ صَاحِبِهِ. (وَ) إلَّا (أَرْضًا تَفَرَّقَ) : أَيْ تَبَاعَدَ (شَجَرُهَا) مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ (فَيُجْمَعُ) فِي الْقَسْمِ فِيهَا مَعَ شَجَرِهَا بِالْقِيمَةِ وَلَا تُقَسَّمُ الْأَرْضُ عَلَى حِدَةٍ وَالْأَشْجَارُ عَلَى حِدَةٍ، وَإِلَّا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ شَجَرُك فِي أَرْضِ صَاحِبِك وَبِالْعَكْسِ وَهُوَ ضَرَرٌ؛ فَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي مَنْظُورٌ إخْرَاجُهُ مِنْ قَوْلِهِ آنِفًا: فَيُفْرَدُ " كُلُّ نَوْعٍ " إلَخْ. وَالْمَقْصُودُ فِي هَذَا قِسْمَةُ الْأَرْضِ. وَأَمَّا الشَّجَرُ. فَهُوَ تَبَعٌ لَهَا؛ لِأَنَّهُ مُتَفَرِّقٌ فِيهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ لِصِغَارٍ، فَالْمَنْعُ فِي سِتٍّ، وَالْكَرَاهَةُ فِي اثْنَتَيْنِ. وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ مَا لَمْ يُقِمْهُ الشُّرَكَاءُ. قَوْلُهُ: [وَأُفْرِدَ فِي الْقُرْعَةِ وُجُوبًا] : احْتَرَزَ عَنْ قِسْمَةِ الْمُرَاضَاةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا الْجَمْعُ بَيْنَ تِلْكَ الْأَصْنَافِ. قَوْلُهُ: [وَاحِدٌ كَامِلٌ] : أَيْ فَيَصِيرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَظُّهُ كَامِلًا مِنْ جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُبَاعُ] : أَيْ إلَّا بِرِضَا الشُّرَكَاءِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَضُرُّ حِينَئِذٍ] : أَيْ لَا يَقْدَحُ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ حِينَ الِاخْتِلَاطِ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا أَمْكَنَ] إلَخْ: أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ قَسَمَ بِالْقُرْعَةِ الشَّجَرَ وَحْدَهُ وَالْأَرْضَ وَحْدَهَا أَمْكَنَ إلَخْ أَيْ وَيُمْكِنُ عَدَمُ الْمُخَالَفَةِ فَفِيهِ مُخَاطَرَةٌ وَهِيَ ضَرَرٌ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [مَنْظُورٌ إخْرَاجُهُ] : أَيْ مُلَاحَظٌ إخْرَاجُهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ: " فَيُفْرَدُ فِيهَا كُلُّ نَوْعٍ أَوْ صِنْفٍ " إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ فِي شَرْحِهَا: إنْ لَمْ تَكُنْ أَرْضٌ فِيهَا شَجَرٌ

وَالْمَقْصُودُ مِنْ قَوْلِهِ " وَأَفْرَدَ شَجَرَ كُلِّ صِنْفٍ " قِسْمَةُ الشَّجَرِ؛ لِأَنَّهَا حَائِطٌ وَالْأَرْضُ تَبَعٌ لَهُ. ثُمَّ شَبَّهَ فِي مُطْلَقِ الْجَمْعِ قَوْلُهُ: (كَالدُّورِ) : أَيْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ جَمْعُهَا فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ. فَإِذَا مَاتَ عَنْ دَارَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي أَمْكِنَةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ قَسْمُ كُلِّ دَارٍ عَلَى حِدَتِهَا وَإِنْ أَمْكَنَ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ هَذِهِ الدَّارُ فِي مُقَابَلَةِ الْأُخْرَى بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ يُقْرَعُ بِشَرْطَيْنِ أَفَادَهُمَا بِقَوْلِهِ: (إنْ تَقَارَبَا كَمِيلٍ) : أَوْ مِيلَيْنِ، وَبِحَيْثُ يَكُونُ الْمِيلُ أَوْ الْمِيلَانِ جَامِعًا لِأَمْكِنَتِهِمَا حَتَّى يَصِحَّ ضَمُّ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ فِي الْقِسْمَةِ. فَإِنْ تَبَاعَدَتْ لَمْ يَجُزْ جَمْعُهَا، بَلْ يَتَعَيَّنُ قَسْمُ كُلِّ دَارٍ عَلَى حِدَتِهَا؛ لِأَنَّ شَأْنَ التَّبَاعُدِ يُؤَدِّي إلَى اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مِنْ الْمِيلَيْنِ يُؤَدِّي إلَى كَوْنِهَا فِي بَلَدَيْنِ أَوْ بَلَدٍ كَبِيرَةٍ إحْدَاهُمَا فِي الْوَسَطِ وَالْأُخْرَى فِي طَرَفِهَا وَهَذَا مَانِعٌ مِنْ الْجَمْعِ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَتَسَاوَتْ) الدُّورُ قِيمَةً وَ (رَغْبَةً) لَا إنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُفَرَّقٌ، وَإِلَّا فَلَا يُفْرَدُ الشَّجَرُ عَنْ الْأَرْضِ فِي الْقِسْمَةِ، بَلْ تُقْسَمُ الْأَرْضُ مَعَ الشَّجَرِ. وَالتَّعْوِيلُ عَلَى قِسْمَةِ الْأَرْضِ، وَالشَّجَرُ تَابِعٌ لَهَا. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهَا حَائِطٌ] : أَيْ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهَا حَائِطٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِخِلَافِ قَوْلِهِ: أَوْ أَرْضًا تَفَرَّقَ شَجَرُهَا فَإِنَّ الْمَقْسُومَ أَرْضٌ فِيهَا شَجَرٌ مُفَرَّقٌ. قَوْلُهُ: [إنْ تَقَارَبَا كَمِيلٍ] : ذَكَرَ هَذَا الشَّرْطَ فِي التَّوْضِيحِ فِي الدُّورِ وَالْأَقْرِحَةِ، وَقَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَاعْتَرَضَهُ ر بِأَنَّ الْمُدَوَّنَةَ لَمْ تَجْعَلْ الْمِيلَ حَدًّا لِلْقُرْبِ إلَّا فِي الْأَرَضِينَ وَالْحَوَائِطِ، وَأَمَّا الدُّورُ فَقَالَتْ فِيهَا: وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الدُّورِ مَسَافَةُ الْيَوْمَيْنِ وَالْيَوْمِ لَمْ يُجْمَعْ (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَرَغْبَةً] : الْمُرَادُ بِالرَّغْبَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَغْبَةُ الشُّرَكَاءِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَسَاوِي الدُّورِ فِي الْقِيمَةِ اتِّفَاقُ الشُّرَكَاءِ فِي الرَّغْبَةِ فِيهَا فَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَا يُغْنِي عَنْ الْآخَرِ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْقِيمَةَ تَابِعَةٌ لِلرَّغْبَةِ، الْمُرَادُ رَغْبَةُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالتَّقْوِيمِ، فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ اتِّحَادِ الْقِيمَةِ اتِّحَادُ الرَّغْبَةِ.

وَبَقِيَ شَرْطٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنْ يَتَعَيَّنَا وَلَوْ بِالْوَصْفِ رَفْعًا لِلْجَهَالَةِ. (وَالْأَقْرِحَةُ) : أَيْ أَرَاضِي الزِّرَاعَةِ مِنْ الْأَفْدِنَةِ (وَالْحَوَائِطُ) الْمُتَعَدِّدَةُ (كَذَلِكَ) أَيْ يَجُوزُ جَمْعُهَا فِي الْقُرْعَةِ بِالْقِيمَةِ إنْ تَعَيَّنَتْ وَتَقَارَبَتْ كَالْمِيلِ وَتَسَاوَتْ قِيمَةً وَرَغْبَةً. وَيُزَادُ فِي الْحَوَائِطِ: أَنْ تَكُونَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَالْبَزِّ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى دُورٍ: أَيْ وَكَالْبَزِّ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ جَمْعُهُ فِي الْقُرْعَةِ، وَيَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى الْأَقْرِحَةِ. وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ: أَيْ كَذَلِكَ يَجُوزُ جَمْعُهُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. الْبَزُّ بِالْفَتْحِ: مَا يُلْبَسُ مِنْ قُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ حَرِيرٍ أَوْ خَزٍّ، مِخْيَطًا أَوْ غَيْرَ مَخِيطٍ. وَلِذَا بَالَغَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ كَصُوفٍ وَحَرِيرٍ وَمَخِيطٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ بِالْوَصْفِ] : مَحَلُّ كِفَايَةِ التَّعْيِينِ بِهِ إذَا لَمْ تَبْعُدْ الْغَيْبَةُ عَنْ تِلْكَ الْأَمَاكِنِ بِحَيْثُ يُؤْمَنُ تَغَيُّرُ ذَاتِهَا أَوْ سُوقِهَا إذَا ذَهَبَ إلَيْهَا. قَوْلُهُ: [الْمُتَعَدِّدَةِ] : أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَقْرِحَةِ وَالْحَوَائِطِ. قَوْلُهُ: [أَيْ يَجُوزُ جَمْعُهَا فِي الْقُرْعَةِ] : أَيْ لِجَمْعِ الْأَقْرِحَةِ وَحْدَهَا وَالْحَوَائِطِ وَحْدَهَا، فَمَتَى وُجِدَتْ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ يَجُوزُ جَمْعُهَا وَلَوْ كَانَتْ بَعْلًا - وَهُوَ مَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ مِنْ رُطُوبَةِ الْأَرْضِ، كَاَلَّذِي يُزْرَعُ بِأَرْضِ النِّيلِ بِمِصْرَ - وَسَيْحًا وَهُوَ - مَا يُسْقَى بِمَاءٍ يَجْرِي عَلَى وَجْهِهَا كَالْعُيُونِ وَالْأَنْهَارِ وَالْمَطَرِ، وَإِنَّمَا جَازَ جَمْعُهُمَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي جُزْءِ الزَّكَاةِ وَهُوَ الْعُشْرُ، وَأَمَّا مَا يُسْقَى بِالْآلَاتِ فَلَا يُجْمَعُ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا يَأْتِي لِاخْتِلَافِهِ فِي جُزْءِ الزَّكَاةِ. قَوْلُهُ: [عَلَى دُورٍ] : الْأَوْلَى عَلَى الدُّورِ؛ لِأَنَّهُ لَفْظُ الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: [عَلَى الْأَقْرِحَةِ] : مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ عَطْفًا عَلَى " الْأَقْرِحَةِ " عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ. قَوْلُهُ: [وَالْأَوَّلُ أَوْلَى] : وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ عَطْفَهُ عَلَى الْأَقْرِحَةِ يُوهِمُ تَقْيِيدَهُ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِسَبَبِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّشْبِيهِ أَنْ يَكُونَ تَامًّا، بِخِلَافِ عَطْفِهِ عَلَى " الدُّورِ " فَإِنَّ الْعَطْفَ يُفِيدُ التَّشْرِيكَ فِي أَصْلِ الْحُكْمِ. قَوْلُهُ: [أَوْ خَزٍّ] : هُوَ مَا كَانَ قِيَامُهُ حَرِيرًا وَلَحْمَتُهُ قُطْنًا أَوْ صُوفًا أَوْ كَتَّانًا. وَقَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرِ مَخِيطٍ] : أَيْ كَالْأَحْرَمَةِ وَالشِّيلَانِ.

[ما يمنع فيه القسمة]

غَيْرِهِ) وَإِنَّمَا جَازَ جَمْعُهُ؛ لِأَنَّهُ كَالصِّنْفِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا اللُّبْسُ وَالزِّينَةُ لَا تُعْتَبَرُ شَرْعًا، وَسَوَاءٌ احْتَمَلَ كُلٌّ الْقِسْمَةَ عَلَى حِدَتِهِ أَمْ لَا. (بَعْدَ تَقْوِيمِ كُلٍّ) عَلَى حِدَتِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ الْجَمْعُ. (لَا) تُجْمَعُ أَرْضٌ (ذَاتُ آلَةٍ) لِسَقْيِهَا كَسَانِيَةٍ وَشُقْدُفٍ وَدَلْوٍ (مَعَ غَيْرِهَا) كَأَرْضٍ تُسْقَى بِلَا آلَةٍ؛ (كَبَعْلٍ) أَوْ سَيْحٍ أَوْ نِيلٍ أَوْ مَطَرٍ لِاخْتِلَافِ زَكَاةِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا فَكَانَا كَالنَّوْعَيْنِ. (وَمُنِعَ مَا فِيهِ فَسَادٌ) : أَيْ قِسْمَةَ قُرْعَةٍ أَوْ مُرَاضَاةً لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ (كَيَاقُوتَةٍ) وَحَجَرٍ أَعْلَى وَأَسْفَلَ لِرَحًى. وَقَلَنْسُوَةٍ مِمَّا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إذَا قُسِمَ، بَلْ يُبَاعُ وَيُقَسَّمُ ثَمَنُهُ. (وَ) مَنْعُ (زَرْعٍ) أَيْ قَسْمِهِ بِأَرْضِهِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ بِالْخِرْصِ أَيْ التَّحَرِّي إنْ لَمْ يَدْخُلَا عَلَى جَذِّهِ (وَثَمَرٍ) بِالْمُثَلَّثَةِ: أَيْ قَسْمِهِ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ سَوَاءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالزِّينَةُ لَا تُعْتَبَرُ] : أَيْ الِاخْتِلَافُ فِي التَّزَيُّنِ لَا يُعْتَبَرُ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ الْجَمْعُ] : أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَهَالَةِ. قَوْلُهُ: [وَشُقْدُفٍ] : مُرَادُهُ بِهِ الشَّادُوفُ وَنَحْوَهُ كَالنِّطَالَةِ. [مَا يَمْنَع فِيهِ الْقِسْمَة] قَوْلُهُ: [أَيْ قِسْمَةَ قُرْعَةٍ] إلَخْ: مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: أَيْ قَسَمَهُ قِسْمَةَ قُرْعَةٍ إلَخْ، فَهُوَ مَصْدَرٌ مُبَيِّنٌ لِنَوْعِهِ عَلَى حَدِّ: سِرْت سَيْرَ ذِي رَشَدٍ. قَوْلُهُ: [كَيَاقُوتَةٍ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا نَحْوَ الْخُفَّيْنِ وَالْمِصْرَاعَيْنِ مِمَّا لَا فَسَادَ فِي قَسْمِهِ، وَإِنَّمَا تَتَوَقَّفُ مَنْفَعَةُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَنَظِيرُهُ كَالْحَجَرِ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ فَيَجُوزُ مُرَاضَاةً لَا قُرْعَةً. قَوْلُهُ: [وَحَجَرٍ أَعْلَى] : إلَخْ أَيْ كَسْرِهِ بِأَنْ يَأْخُذَ كُلٌّ مِنْهَا قِطْعَةً. قَوْلُهُ: [إنْ لَمْ يَدْخُلَا عَلَى جَذِّهِ] : أَيْ بِأَنْ دَخَلَا عَلَى التَّبْقِيَةِ أَوْ سَكَتَا؛ لِأَنَّ قَسْمَهُ مِنْ الْبَيْعِ وَهُوَ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ مُنْفَرِدًا بِالتَّحَرِّي قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ عَلَى التَّبْقِيَةِ. فَإِنْ دَخَلَا عَلَى جَذِّهِ عَاجِلًا جَازَ سَوَاءٌ مَعَ أَصْلِهِ أَوْ مُنْفَرِدًا إنْ أُبِّرَ لَا إنْ لَمْ يُؤَبَّرْ، فَلَا يَجُوزُ قَسْمُهَا لَا وَحْدَهَا وَلَا مَعَ ثَمَرِهَا؛ لِأَنَّ قَسْمَهَا وَحْدَهَا فِيهِ اسْتِثْنَاءٌ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ وَالْمَشْهُورُ مَنْعُهُ، وَقَسْمُهَا مَعَ ثَمَرِهَا فِيهِ طَعَامٌ وَعَرْضٌ بِطَعَامٍ وَعَرْضٍ، وَجُعِلَ الثَّمَرُ الَّذِي لَمْ يُؤَبَّرْ طَعَامًا؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَيْهِ ابْنُ سَلْمُونٍ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ زَرْعٌ مُسْتَكِنٌّ

كَانَ ثَمَرَ نَخْلٍ - وَهُوَ الْبَلَحُ الصَّغِيرُ - أَوْ ثَمَرَ غَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَنْ قَصَرَهُ عَلَى الْأَوَّلِ (مُنْفَرِدًا) كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ أَصْلِهِ، وَهُوَ الْأَرْضُ فِي الزَّرْعِ وَالشَّجَرُ فِي الثَّمَرِ. (أَوْ مَعَ أَصْلِهِ) مِنْهُمَا، فَهُوَ مَمْنُوعٌ مُطْلَقًا إلَّا إذَا دَخَلَا عَلَى جَذِّهِ عَاجِلًا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ إذَا وَرِثَ قَوْمٌ شَجَرًا أَوْ نَخْلًا وَفِيهِمَا ثَمَرٌ فَلَا تُقَسَّمُ الثِّمَارُ مَعَ الْأَصْلِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَانَ الثِّمَارُ طَلْعًا أَوْ بَلَحًا إلَّا أَنْ يَجُذَّاهُ مَكَانَهُ. وَقَالَ فِي الْمُعِينِ: أَوْ اقْتَسَمَا الزَّرْعَ الْأَخْضَرَ فَدَادِينَ عَلَى التَّحَرِّي أَوْ اقْتَسَمَا الثَّمَرَةَ قَبْلَ طَيْبِهَا فَذَلِكَ لَهُمَا إنْ دَخَلَا عَلَى جَذِّ ذَلِكَ مَكَانَهُمَا، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى التَّأْخِيرِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا (اهـ) لِمَا فِي قِسْمَتِهِ مُفْرَدًا مِنْ بَيْعِ طَعَامٍ بِطَعَامٍ تَحَرِّيًا عَلَى التَّبْقِيَةِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ - وَأَوْلَى إنْ بَدَا صَلَاحُهَا؛ لِأَنَّهُ رِبَوِيٌّ. وَالشَّكُّ فِي التَّمَاثُلِ كَتَحَقُّقِ التَّفَاضُلِ فَلَا يُقْسَمُ إلَّا كَيْلًا أَوْ وَزْنًا أَوْ يُبَاعُ فَيُقَسَّمُ ثَمَنُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي الْأُصُولِ ثَمَرَةٌ غَيْرُ مَأْبُورَةٍ فَلَا يَجُوزُ الْقِسْمَةُ فِي الْأَرْضِ وَالْأُصُولِ بِحَالٍ حَتَّى تُؤَبَّرَ الثَّمَرَةُ، وَيَظْهَرَ الزَّرْعُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ، حَكَى ذَلِكَ سَحْنُونَ فِي الثَّمَرَةِ قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: وَهُوَ بَيِّنٌ صَحِيحٌ وَالزَّرْعُ عِنْدِي مِثْلُهُ (اهـ بْن) . قَوْلُهُ: [وَقَالَ فِي الْمُعِينِ] : بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ الْمَكْسُورَةِ بَعْدَهَا يَاءٌ اسْمُ كِتَابٍ لِأَبِي إِسْحَاقَ. وَأَمَّا الْمُغْنِي بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا نُونٌ: فَهُوَ اسْمُ كِتَابٍ فِي الْفِقْهِ لِلْبِسَاطِيِّ. قَوْلُهُ: [أَوْ اقْتَسَمَا الثَّمَرَ قَبْلَ طَيْبِهَا] : أَيْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا ثَمَرَةَ نَخْلٍ أَوْ غَيْرَهَا. قَوْلُهُ: [مِنْ بَيْعِ طَعَامٍ بِطَعَامٍ] : أَيْ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ الْبَيْعِ لَا يُسَمَّى طَعَامًا. وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّ مِثْلَ الْبِرْسِيمِ - مِمَّا لَيْسَ بِطَعَامٍ يَجُوزُ - قَسْمُهُ تَحَرِّيًا عَلَى التَّبْقِيَةِ، وَانْظُرْ النَّصَّ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ لَا يَجُوزُ] : أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ وَالنَّسِيئَةِ. قَوْلُهُ: [وَالشَّكُّ فِي التَّمَاثُلِ] إلَخْ: هَذَا هُوَ رِبَا الْفَضْلِ فَيُمْنَعُ عِنْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَلَوْ دَخَلَا عَلَى الْجَذِّ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُقْسَمُ إلَّا كَيْلًا أَوْ وَزْنًا] : أَيْ وَلَا يَجُوزُ قَسْمُهُ بِالتَّحَرِّي فِي أَرْضِهِ إلَّا إذَا تَبَيَّنَ الْفَضْلُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ كَمَا إذَا تَرَكَ فَدَّانَيْنِ فِي نَظِيرِ فَدَانٍ وَالزَّرْعُ

وَلِمَا فِي قَسْمِهِ مَعَ أَصْلِهِ مِنْ بَيْعِ طَعَامٍ وَعَرْضٍ بِطَعَامٍ وَعَرْضٍ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ. إلَّا إذَا دَخَلَا عَلَى الْجَذِّ كَمَا تَقَدَّمَ خِلَافًا لِلشَّارِحِ. فَمَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. (أَوْ) قَسَمَهُ (قَتًّا) بَعْدَ حَصَادِهِ (أَوْ زَرْعًا) وَهُوَ عَلَى أَرْضِهِ بِقَصَبَةٍ وَنَحْوِهَا فَيُمْنَعُ لِلشَّكِّ فِي التَّمَاثُلِ. (أَوْ) قَسْمٌ (فِيهِ تَرَاجُعٌ) فَيُمْنَعُ فِي الْقُرْعَةِ، كَمَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا شَاتَانِ، أَوْ عَبْدَانِ أَحَدُهُمَا يُسَاوِي عَشْرَةً وَالثَّانِي يُسَاوِي عِشْرِينَ وَدَخَلَا بِالْقُرْعَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ وَقَعَ فِي قَسْمِهِ مَا يُسَاوِي عِشْرِينَ يَرُدُّ لِصَاحِبِهِ خَمْسَةً، إذْ لَا يَدْرِي كُلٌّ مِنْهُمَا: هَلْ يَرْجِعُ أَوْ يُرْجَعُ عَلَيْهِ؟ وَهُوَ مِنْ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ. وَأَمَّا فِي الْمُرَاضَاةِ فَيَجُوزُ، وَظَاهِرُهُ: قَلَّ مَا بِهِ التَّرَاجُعُ أَوْ كَثُرَ. وَرَجَحَ وَقَالَ الشَّيْخُ: إلَّا أَنْ يَقِلَّ؛ أَيْ مَا بِهِ التَّرَاجُعُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: كَنِصْفِ الْعُشْرِ فَدُونَ فَيَجُوزُ. (أَوْ لَبَنٌ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى " مَا فِيهِ فَسَادٌ ": أَيْ وَمُنِعَ لَبَنٌ أَيْ قَسْمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدٌ لَا تَفَاوُتَ فِيهِ فَيَجُوزُ فِي جَمِيعِ الرِّبَوِيَّاتِ. قَوْلُهُ: [وَلِمَا فِي قَسْمِهِ مَعَ أَصْلِهِ] : مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " لِمَا فِي قَسْمِهِ مُفْرَدًا " فَمَوْضُوعُهُ فِيمَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: " إلَّا إذَا دَخَلَا عَلَى الْجَذِّ " إلَخْ. قَوْلُهُ: [مِنْ بَيْعِ طَعَامٍ وَعَرْضٍ] إلَخْ: الطَّعَامُ هُوَ الثَّمَرُ وَالْعَرْضُ هُوَ الْأُصُولُ، وَإِنَّمَا مُنِعَ؛ لِأَنَّ الْعَرْضَ الْمُصَاحِبَ لِلطَّعَامِ حُكْمُهُ حُكْمُ الطَّعَامِ فَحَصَلَتْ الْجَهَالَةُ فِي الطَّرَفَيْنِ وَالشَّكُّ فِي التَّمَاثُلِ كَتَحَقُّقِ التَّفَاضُلِ. قَوْلُهُ: [فَيُمْنَعُ] : أَيْ وَإِنَّمَا يُقْسَمُ بَعْدَ تَصْفِيَتِهِ بِمِعْيَارِهِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْكَيْلُ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ هُنَا قَسْمُ الزَّرْعِ قَتًّا أَوْ عَلَى أَرْضِهِ وَجَازَ بَيْعُهُ قَتًّا أَوْ فِي أَرْضِهِ بِشُرُوطِ الْجُزَافِ لِكَثْرَةِ الْخَطَرِ هُنَا؛ إذْ يُعْتَبَرُ فِي كُلٍّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ شُرُوطُ الْجُزَافِ لَوْ قِيلَ بِجَوَازِهِ. بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي طَرَفِ الْبَيْعِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [وَظَاهِرُهُ] : الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [وَقَالَ الشَّيْخُ إلَّا أَنْ يَقِلَّ] إلَخْ: مَا قَالَهُ خَلِيلٌ تَبِعَ فِيهِ اللَّخْمِيَّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِنْ سَلَّمَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. وَأَمَّا الْقَوْلُ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا فَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ مَنْعُ التَّعْدِيلِ فِي قَسْمِ الْقُرْعَةِ بِالْعَيْنِ مُطْلَقًا (اهـ) .

[لا يجمع في قسمة القرعة بين عاصبين أو أكثر]

لَبَنٍ (فِي ضُرُوعٍ) لِلْغَنَمِ أَوْ الْبَقَرِ أَوْ غَيْرِهِمَا - قُرْعَةً أَوْ مُرَاضَاةً - لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُخَاطَرَةِ وَالْغَرَرِ. وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا شَاتَانِ أَوْ أَكْثَرُ، فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةً لِيَأْكُلَ لَبَنَهَا مَعَ بَقَاءِ الشَّرِكَةِ فِي الذَّاتِ (إلَّا لِفَضْلٍ بَيِّنٍ) : أَيْ ظَاهِرٍ بَيْنَ اللَّبَنَيْنِ بِأَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا تَحْلُبُ رِطْلَيْنِ وَالْأُخْرَى رِطْلًا أَوْ يَأْخُذُ أَحَدُهُمَا ثِنْتَيْنِ وَالثَّانِي وَاحِدَةً وَالثَّلَاثَةُ مُتَقَارِبَةٌ فِي قَدْرِ اللَّبَنِ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ خَرَجَا مِنْ بَابِ الْمُغَالَبَةِ إلَى سَاحَةِ الْمَعْرُوفِ. (وَلَا يُجْمَعُ) فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ أَيْ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ (بَيْنَ عَاصِبَيْنِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا شَاتَانِ] : أَيْ مَثَلًا وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ اتِّفَاقِ ذَوَاتِ اللَّبَنِ أَوْ اخْتِلَافِهِمَا كَبَقَرٍ وَغَنَمٍ، وَالْحُكْمُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةً] : مِثْلُ ذَلِكَ الْبَهِيمَةُ الْوَاحِدَةُ يَأْخُذُهَا كُلُّ وَاحِدٍ يَوْمًا. تَنْبِيهٌ: مِمَّا يُمْنَعُ أَيْضًا: قَسْمُ الشُّرَكَاءِ دَارًا مَثَلًا بِلَا مَخْرَجٍ لِأَحَدِهِمَا سَوَاءٌ كَانَ بِقُرْعَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ قَسْمِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْحِصَّةِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي الْمَخْرَجِ شَيْءٌ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ فِيهِ مَخْرَجٌ، وَمِثْلُ الْمَخْرَجِ الْمِرْحَاضُ وَالْمَطْبَخُ، وَصَحَّتْ الْقِسْمَةُ إنْ سَكَتَا عَنْهُ، وَكَانَ لِلشَّرِيكِ الِانْتِفَاعُ بِالْمَخْرَجِ الَّذِي فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَسْمُ مَجْرَى الْمَاءِ بِالْقُرْعَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْوَى الْجَرْيَ فِي مَحَلٍّ دُونَ آخَرَ بِسَبَبِ رِيحٍ أَوْ عُلُوِّ مَحَلٍّ وَخَفْضِ آخَرَ فَلَا يَصِلُ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقُّهُ عَلَى الْكَمَالِ، وَأَمَّا قَسْمُهُ مُرَاضَاةً فَجَائِزٌ أَنْ تَجْعَلَ الْقَنَاةَ الْمُتَّسَعَةَ قَنَاتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ. وَأَمَّا قِسْمَةُ الْعَيْنِ بِجَعْلِ حَاجِزٍ فِيهَا بَيْنَ النَّصِيبَيْنِ فَمَمْنُوعٌ مُطْلَقًا قُرْعَةً وَمُرَاضَاةً لِمَا فِيهِ مِنْ النَّقْصِ وَالضَّرَرِ، وَالسُّنَّةُ عِنْدَ الْمُشَاحَّةِ قَسْمُ الْمَاءِ بِالْقِلْدِ وَهُوَ الْآلَةُ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى إعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَظٍّ حَظَّهُ كَالرَّمْلِيَّةِ وَالسَّاعَةِ وَالْجَرَّةِ الَّتِي تُمْلَأُ مَاءً وَتُثْقَبُ ثَقْبًا لَطِيفًا مِنْ أَسْفَلِهَا، ثُمَّ يُرْسَلُ مَاءُ النَّهْرِ مَثَلًا إلَى أَرْضِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ فَإِذَا فَرَغَ مَاءُ الْجَرَّةِ أَوْ رَمْلُ الرَّمْلِيَّةِ أَوْ تَمَّتْ السَّاعَةُ أَرْسَلَ إلَى أَرْضِ الشَّرِيكِ الْآخَرَ مِقْدَارَ ذَلِكَ، وَهَكَذَا. [لَا يُجْمَعُ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ بَيْنَ عَاصِبَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ] قَوْلُهُ: [أَيْ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ عَاصِبَيْنِ] أَيْ وَلَوْ رَضِيَا.

أَوْ أَكْثَرَ وَيُفْرَدُ عَاصِبٌ أَوْ أَكْثَرُ (إلَّا مَعَ ذِي فَرْضٍ) كَزَوْجَةٍ وَأَخَوَيْنِ أَوْ أَخٍ لِأُمٍّ أَوْ أُخْتٍ لِأَبٍ وَعَمَّيْنِ (فَلَهُمْ) : أَيْ لِلْعَصَبَةِ (الْجَمْعُ أَوَّلًا) أَيْ ابْتِدَاءً بِرِضَاهُمْ ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ صَاحِبِ الْفَرْضِ، ثُمَّ إنْ شَاءُوا قَسَمُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ (كَذَوِي سَهْمٍ) : أَيْ مَعَ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُجْمَعُونَ أَوَّلًا: وَإِنْ أَبَى أَحَدُهُمْ الْجَمْعَ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا، فَإِذَا مَاتَ عَنْ إخْوَةٍ لِأُمٍّ وَعَصَبَةٍ أَوْ زَوْجَاتٍ وَعُصْبَةٍ أَوْ عَنْ الْجَمِيعِ، فَإِنَّ أَهْلَ كُلِّ ذِي سَهْمٍ يُجْمَعُونَ أَوَّلًا وَلَا عِبْرَةَ بِمَنْ أَرَادَ مِنْ الزَّوْجَاتِ أَوْ مِنْ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ عَدَمَهُ. فَإِذَا طَلَبَتْ إحْدَاهُنَّ أَنْ تَقْسِمَ نَصِيبَهَا ابْتِدَاءً عَلَى حِدَةٍ لَمْ تُجَبْ لِذَلِكَ؛ ثُمَّ إذَا قَسَمَ كُلَّ سَهْمٍ عَلَى حِدَتِهِ كَالرُّبْعِ أَوْ الثُّمُنِ أَوْ الثُّلُثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَزَوْجَةٍ وَأَخَوَيْنِ] : أَيْ وَتُجْعَلُ الْأَقْسَامُ فِيهَا أَرْبَعَةً عَلَى حَسَبِ نَصِيبِ الزَّوْجَةِ. قَوْلُهُ: [وَعَمَّيْنِ] : رَاجِعٌ إمَّا لِلْأَخِ أَوْ الْأُخْتِ لِلْأَبِ فَلِذَلِكَ عَطَفَهُ بِالْوَاوِ وَأَقْسَامُ الْعَمَّيْنِ مَعَ الْأَخِ لِلْأُمِّ سِتَّةٌ وَمَعَ الْأُخْتِ لِلْأَبِ اثْنَانِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ أَبَى أَحَدُهُمْ الْجَمْعَ] : هَذَا هُوَ الَّذِي حَكَى عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَوِي السَّهْمِ وَالْعَصَبَةِ - حَيْثُ قُلْتُمْ إنَّ الْعَصَبَةُ مَعَ أَصْحَابِ الْفَرْضِ لَا يُجْمَعُونَ إلَّا بِرِضَاهُمْ، وَذَوُو السَّهْمِ يُجْمَعُونَ وَإِنْ أَبَى الْبَعْضُ - أَنَّ أَصْحَابَ السَّهْمِ بِمَنْزِلَةِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَغَيَّرُ. بِخِلَافِ الْعَصَبَةِ فَإِنَّ نَصِيبَهُمْ يَدُورُ مَعَ رُءُوسِهِمْ. قَوْلُهُ: [وَاَلَّتِي بَعْدَهَا] : أَيْ وَهِيَ قَوْلُهُ أَوْ وَرَثَةٌ مَعَ شَرِيكٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ عَنْ الْجَمِيعِ] : أَيْ عَنْ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ وَالزَّوْجَاتِ وَالْعَصَبَةِ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّ أَهْلَ كُلِّ ذِي سَهْمٍ يُجْمَعُونَ أَوَّلًا] إلَخْ: فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى تُجْعَلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ، وَالثَّانِيَةُ إنْ كَانَتْ الْعَصَبَةُ غَيْرَ بَنِينَ تُجْعَلُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَنِينَ تُجْعَلُ ثَمَانِيَةً، وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ تُجْعَلُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ يَزِيدُ عَلَى الرُّبْعِ نِصْفَ سُدُسٍ، وَأَقَلُّ مَا يُوجَدُ فِيهِ هَذَا الْكَسْرُ صَحِيحًا اثْنَا عَشَرَ، وَلَا يُتَصَوَّرُ عَصَبَةُ بَنِينَ مَعَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ - فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [لَمْ تَجِبْ لِذَلِكَ] : أَيْ إلَّا بِرِضَا الْجَمِيعِ.

[صفة القرعة]

فَلِأَصْحَابِهِ الْقِسْمَةُ فِيهِ بَعْدُ حَيْثُ أَمْكَنَ. (أَوْ وَرَثَةٍ مَعَ شَرِيكٍ) : فَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي عَقَارٍ عَنْ وَرَثَتِهِ فَالْوَرَثَةُ يُجْمَعُونَ فِي الْقِسْمَةِ ابْتِدَاءً، فَتُقَسَّمُ الدَّارُ نِصْفَيْنِ نِصْفَهَا لِلشَّرِيكِ وَنِصْفَهَا لَهُمْ. ثُمَّ إنْ شَاءُوا بَعْدَ ذَلِكَ قَسَمُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَلَا يُجَابُ أَحَدُهُمْ لِقَسْمِ نَصِيبِهِ عَلَى حِدَةٍ ابْتِدَاءً إلَّا إذَا رَضِيَ الْجَمِيعُ. (وَ) إذَا طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ مِنْ وَرَثَةٍ أَوْ غَيْرِهِمْ الْقِسْمَةَ وَامْتَنَعَ الْبَعْضُ (أُجْبِرَ لَهُمَا الْمُمْتَنِعُ) مِنْهُمْ (إنْ انْتَفَعَ كُلٌّ) مِنْهُمْ بِمَا يَنُوبُهُ، وَإِلَّا لَمْ يُجْبَرْ. وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُشْتَرِي - لِلتِّجَارَةِ، وَإِلَّا لَمْ يُقَسَّمْ لِمَا فِيهِ مِنْ نَقْصِ الثَّمَنِ، فِيمَا نَابَ كُلًّا وَهُوَ خِلَافُ مَا دَخَلَا عَلَيْهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْقُرْعَةِ بِقَوْلِهِ: (وَكَتَبَ) الْقَاسِمُ (الشُّرَكَاءَ) : أَيْ أَسْمَاءَهُمْ فِي وَرَقٍ صَغِيرٍ بِعَدَدِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [حَيْثُ أَمْكَنَ] : أَيْ قَسْمُهُ بِلَا ضَرَرٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُجَابُ أَحَدُهُمْ لِقَسْمِ نَصِيبِهِ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ عَصَبَةً فَقَوْلُهُ " أَوَّلًا بِرِضَاهُمْ ": مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا كَانَ مَعَهُمْ ذُو سَهْمٍ، وَأَمَّا مَعَ الشَّرِيكِ الْأَجْنَبِيِّ فَحُكْمُ الْوَرَثَةِ مُطْلَقًا حُكْمُ ذَوِي السَّهْمِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الشَّارِحِ أَوَّلًا وَآخِرًا. قَوْلُهُ: [إنْ انْتَفَعَ كُلٌّ] : أَيْ إنْ انْتَفَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ - الطَّالِبُ لَهَا وَغَيْرُهُ - بِمَا يَنُوبُهُ فِي الْقِسْمَةِ انْتِفَاعًا تَامًّا كَالِانْتِفَاعِ قَبْلَ الْقَسْمِ فِي مَدْخَلِهِ وَمَخْرَجِهِ وَمَرْبِطِ دَابَّتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ فَيُجْبَرُ لَهَا الْآبِي وَلَوْ كَانَتْ حِصَّتُهُ تَنْقُصُ قِيمَتُهَا بِالْقِسْمَةِ. وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا يَلْزَمُ فِي جَبْرِ أَحَدِهِمَا بِالْبَيْعِ إنْ نَقَصَتْ حِصَّةُ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا حَظُّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ مَعَ كَوْنِهِ يَنْتَفِعُ بِهِ انْتِفَاعًا مُجَانِسًا لِلْأَوَّلِ، وَمَا يَأْتِي خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِالْكُلِّيَّةِ؛ اُنْظُرْ الْأُجْهُورِيَّ. انْتَهَى. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا لَمْ يَقْسِمْ] : أَيْ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْقَسْمِ مَنْ أَبَاهُ. [صِفَةِ الْقُرْعَةِ] قَوْلُهُ: [وَكَتَبَ الْقَاسِمُ الشُّرَكَاءَ] إلَخْ: حَاصِلُ ذَلِكَ: أَنَّ الْقَاسِمَ يَعْدِلُ الْمَقْسُومَ مِنْ دَارٍ أَوْ غَيْرِهَا بِالْقِيمَةِ بَعْدَ تَجْزِئَتِهِ عَلَى قَدْرِ مَقَامِ أَقَلِّهِمْ جُزْءًا، فَإِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ نِصْفُ دَارٍ وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا وَلِلْآخَرِ سُدُسُهَا فَتُجْعَلُ سِتَّةَ أَجْزَاءٍ مُتَسَاوِيَةَ الْقِيمَةِ، وَيَكْتُبُ أَسْمَاءَ الشُّرَكَاءِ فِي ثَلَاثِ أَوْرَاقٍ كُلُّ اسْمٍ فِي وَرَقَةٍ وَتُجْعَلُ فِي كَشَمْعٍ، ثُمَّ يَرْمِي بِوَاحِدَةٍ عَلَى

بَعْدَ تَعْدِيلِ الْمَقْسُومِ بِالْقِيمَةِ فِي الْمُقَوَّمِ وَالتَّحَرِّي فِيمَا يُتَحَرَّى فِيهِ (وَلَفَّ) مَا كَتَبَهُ: أَيْ يَلُفُّ كُلَّ وَرَقَةٍ مِنْهُمَا (فِي كَشَمْعٍ) أَوْ طِينٍ أَوْ عَجِينٍ (ثُمَّ رَمَى) كُلَّ وَاحِدَةٍ عَلَى قِسْمٍ فَمَنْ اسْمُهُ عَلَى قِسْمٍ أَخَذَهُ. (أَوْ كَتَبَ الْمَقْسُومَ) بِوَصْفِهِ. بِأَنْ يَكْتُبَ الْحَدَّ الْغَرْبِيَّ وَالشَّرْقِيَّ وَالْأَوْسَطَ فِي أَوْرَاقٍ (لِكُلٍّ) : أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ، فَالَّتِي خَرَجَ فِيهَا جِهَةٌ أَخَذَهَا. وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا اسْتَوَتْ الْأَنْصِبَاءُ أَوْ اخْتَلَفَتْ وَكَانَتْ الْأَقْسَامُ عَرْضًا فَيَأْخُذُ صَاحِبُ الْأَكْثَرِ الْبَاقِيَ كَزَوْجَةٍ وَأَخٍ لِأُمٍّ وَعَاصِبٍ. فَإِنْ كَانَتْ دَارًا أَوْ حَائِطًا فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي لِلِاخْتِلَاطِ وَعَدَمِ الضَّبْطِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ مَنْ ظَهَرَ اسْمُهُ فِي جِهَةٍ أَخَذَ مَا يُكْمِلُ حَقَّهُ مِمَّا يَلِيهِ فَتَأَمَّلْ. (وَلَزِمَ) مَا خَرَجَ بِهَا؛ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ نَقْضُهَا. وَكَذَا يَلْزَمُ فِي قِسْمَةِ مَا رَضِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQطَرَفِ قِسْمٍ مُعَيَّنٍ مِنْ طَرَفَيْ الْمَقْسُومِ ثُمَّ يُكْمِلُ لِصَاحِبِهَا مِمَّا يَلِي مَا رُمِيَتْ عَلَيْهِ إنْ بَقِيَ لَهُ شَيْءٌ، ثُمَّ تُرْمَى الْأُخْرَى عَلَى أَوَّلِ مَا بَقِيَ مِمَّا يَلِي حِصَّةَ الْأَوَّلِ ثُمَّ يُكْمِلُ لَهُ مِمَّا يَلِي مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَتَعَيَّنُ الْبَاقِي لِلثَّالِثِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ يَأْخُذُ جَمِيعَ نَصِيبِهِ مُتَّصِلًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ رَمْيَ الْوَرَقَةِ الْأَخِيرَةِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِي تَمْيِيزِ نَصِيبِ مَنْ هِيَ لَهُ لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِرَمْيِ مَا قَبْلَهَا، فَكِتَابَتُهَا إنَّمَا هِيَ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَقَعَ أَوَّلًا إذْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا الْأَخِيرَةُ إلَّا بَعْدُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَالتَّحَرِّي فِيمَا يُتَحَرَّى فِيهِ] : أَيْ كَقِسْمَةِ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ فَدَادِينَ أَوْ الثَّمَرَةِ قَبْلَ طَيْبِهَا بِالتَّحَرِّي فِيهِمَا إنْ دَخَلَا عَلَى الْجَذِّ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [فَمَنْ اسْمُهُ عَلَى قِسْمٍ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فَمَنْ: " خَرَجَ اسْمُهُ " فَلَعَلَّهَا سَقَطَتْ مِنْ قَلَمِهِ هُنَا. قَوْلُهُ: [الْحَدُّ الْغَرْبِيُّ] : أَيْ الْجِهَةُ الْغَرْبِيَّةُ وَيَزِيدُ الْمُجَاوِرَةَ لِلْمَحَلِّ الْمَخْصُوصِ فَيَكْتُبُ مِثْلَ الْجِهَةِ الْغَرْبِيَّةِ الْمُجَاوِرَةِ لِفُلَانٍ وَهَكَذَا. قَوْلُهُ: [أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ] : أَيْ فَيُعْطِي صَاحِبَ النِّصْفِ فِي الْمِثَالِ الَّذِي قُلْنَاهُ سَابِقًا ثَلَاثَ أَوْرَاقٍ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَرَقَتَانِ وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ وَاحِدَةٌ. قَوْلُهُ: [وَأُجِيبَ] إلَخْ: قَالَ بْن: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَتَبَ الشُّرَكَاءَ فِي أَوْرَاقٍ بِعَدَدِهِمْ إمَّا أَنْ يَرْمِيَ أَسْمَاءَهُمْ الَّتِي كَتَبَهَا عَلَى أَجْزَاءِ الْمَقْسُومِ، أَوْ يَقُومَ مَقَامَ رَمْيِ أَسْمَاءِ الشُّرَكَاءِ عَلَى الْأَجْزَاءِ كِتَابَةُ الْأَجْزَاءِ مُعَيَّنَةً فِي أَوْرَاقٍ سِتَّةٍ مَثَلًا

[دعوى الجور في القسمة أو الغلط]

بِهِ كُلٌّ، فَمَنْ أَرَادَ الْفَسْخَ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْهُ. (وَمُنِعَ) فَلَا يَصِحُّ (اشْتِرَاءُ مَا يَخْرُجُ) بِالْقُرْعَةِ مِنْ الْأَقْسَامِ قَبْلَ رَمْيِهَا. بِأَنْ يَقُولَ: بِعْنِي مَا يَخْرُجُ لَك بِكَذَا أَوْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: اشْتَرِ مَا يَخْرُجُ لِي بِكَذَا لِلْجَهَالَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَقْسَامُ مُتَسَاوِيَةً قِيمَةً وَمِسَاحَةً. وَهَذَا إنْ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى الْبَتِّ. فَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْخِيَارِ جَازَ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْخِيَارِ مُنْحَلٌّ. (وَنُظِرَ فِي دَعْوَى جَوْرٍ) فِي الْقِسْمَةِ (أَوْ غَلَطٍ) مِنْ الْقَاسِمِ فِيهَا (فَإِنْ تَفَاحَشَ) بِأَنْ ظَهَرَ مَا ذَكَرَ ظُهُورًا بَيِّنًا (أَوْ ثَبَتَ) مَا ذَكَرَ بِبَيِّنَةٍ (نُقِضَتْ) الْقِسْمَةُ وَرُدَّتْ لِلصَّوَابِ. (وَإِلَّا) يَتَفَاحَشْ أَوْ لَمْ يَثْبُتْ بِأَنْ لَمْ يَتَّضِحْ الْحَالُ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتٍ (حَلَفَ الْمُنْكِرُ) لَهُمَا، فَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِيهَا جَوْرٌ أَوْ غَلَطٌ فَلَا تُنْقَضُ. فَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَأْخُذُ لِوَرَقَةٍ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَرَقَةً مِنْ الْأَجْزَاءِ، وَكَمَّلَ لِصَاحِبِهِ مِمَّا يَلِي إنْ بَقِيَ لَهُ شَيْءٌ كَالْعَمَلِ الْأَوَّلِ، سَوَاءٌ بِلَا تَفْرِيقٍ وَلَا إعَادَةِ قَسْمٍ (اهـ) . قَوْلُهُ: [فَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْخِيَارِ جَازَ] : أَيْ عَلَى مَا ارْتَضَاهُ اللَّقَانِيِّ خِلَافًا لِلْأُجْهُورِيِّ حَيْثُ عَمَّمَ فِي الْمَنْعِ، وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَى حِصَّةً شَائِعَةً عَلَى أَنْ يُقَاسِمَ بَقِيَّةَ الشُّرَكَاءِ - فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ. وَوَجْهُ جَوَازِهِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الشَّرِيكُ مَجْبُورًا عَلَى الْقَسْمِ عِنْدَ طَلَبِ الْمُشْتَرِي لَهُ لَمْ يَكُنْ اشْتِرَاطُهُ لِلْقَسْمِ مُنَاقِضًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَأَيْضًا الْبَائِعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَادِرٌ عَلَى التَّسْلِيمِ؛ بِخِلَافِ اشْتِرَاءِ الْخَارِجِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا دَخَلَ عَلَى الشُّيُوعِ صَارَ الْمَبِيعُ مَعْلُومًا لَهُ وَمَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ مِنْ حَيْثُ الشُّيُوعُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ فِيهَا دَاخِلٌ عَلَى شِرَاءِ مُعَيَّنٍ، وَالتَّعْيِينُ غَيْرُ حَاصِلٍ فِي الْحَالِ، كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. [دَعْوَى الْجَوْرِ فِي الْقِسْمَةِ أَوْ الْغَلَطِ] قَوْلُهُ: [بِأَنْ ظَهَرَ مَا ذَكَرَ] : أَيْ الْغَلَطُ أَوْ الْجَوْرُ وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الضَّمِيرَ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِ " أَوْ ". قَوْلُهُ: [نُقِضَتْ الْقِسْمَةُ] : أَيْ فَإِنْ فَاتَتْ الْأَمْلَاكُ بِبِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ رَجَعَ لِلْقِيمَةِ وَيَقْسِمُونَهَا، فَإِنْ فَاتَ بَعْضُهُ قُسِمَ مَا لَمْ يَفُتْ مَعَ قِيمَةِ مَا فَاتَ، وَظَاهِرُهُ نَقْضُ الْقِسْمَةِ بِثُبُوتِ مَا ذَكَرَ وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا، وَهُوَ قَوْلُ عِيَاضٍ وَأَشْهَبَ، وَقِيلَ: يُعْفَى عَنْ الْيَسِيرِ كَالدِّينَارِ فِي الْعَدَدِ الْكَثِيرِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ كَمَا فِي بْن.

[إجبار الشريك على البيع]

نَكَلَ أُعِيدَتْ. وَهَذَا مَا لَمْ يَطُلْ الزَّمَنُ كَالْعَامِ أَوْ مُدَّةٍ تَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِمَا وَقَعَ حَيْثُ كَانَ ظَاهِرًا لَا خَفَاءَ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا كَلَامَ لِلْمُدَّعِي وَالْمُرَادُ بِالْجَوْرِ: مَا كَانَ عَنْ عَمْدٍ، وَالْغَلَطُ: مَا كَانَ عَنْ خَطَأٍ. (كَالْمُرَاضَاةِ) : أَيْ كَمَا يُنْظَرُ فِي دَعْوَى الْجَوْرِ وَالْغَلَطِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ (إنْ أَدْخَلَا) فِيهَا (مُقَوِّمًا) يُقَوِّمُ لَهُمَا السِّلَعَ أَوْ الْحِصَصَ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ شَابَهَتْ الْقُرْعَةَ، فَإِنْ تَفَاحَشَ أَوْ ثَبَتَ الْجَوْرُ أَوْ الْغَلَطُ نُقِضَتْ، وَإِلَّا حَلَفَ الْمُنْكِرُ، فَإِنْ نَكَلَ نُقِضَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَتْ الْمُرَاضَاةُ بَيْنَهُمَا بِلَا تَقْوِيمٍ وَتَعْدِيلٍ فَلَا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ، وَهِيَ لَازِمَةٌ، وَلَوْ تَفَاحَشَ الْجَوْرُ أَوْ الْغَلَطُ؛ لِأَنَّهَا مَحْضُ بَيْعٍ لَا يُرَدُّ فِيهَا بِالْغَبْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَأُجْبِرَ عَلَى الْبَيْعِ مَنْ أَبَاهُ) مِنْ الشُّرَكَاءِ (فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ مِنْ عَقَارٍ) كَحَانُوتٍ وَبَيْتٍ صَغِيرٍ (وَغَيْرِهِ) مِنْ عَرْضٍ كَعَبْدٍ وَسَيْفٍ: أَيْ يُجْبَرُ الْآبِي عَلَى بَيْعِ الشَّيْءِ بِتَمَامِهِ مَعَ مُرِيدِ الْبَيْعِ. (إنْ نَقَصَتْ حِصَّةُ شَرِيكِهِ) : أَيْ شَرِيكِ الْآبِي، وَهُوَ مَنْ أَرَادَ الْبَيْعَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَالْعَامِ] : أَيْ كَمَا حَدَّ بِهِ ابْنُ سَهْلٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ مُدَّةٍ تَدُلُّ] إلَخْ: حَدَّهَا بَعْضُهُمْ بِنِصْفِ الْعَامِ، فَأَوْ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَلَا كَلَامَ لِلْمُدَّعِي] : أَيْ فَلَا تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ بِدَعْوَى مُدَّعِيهِ وَلَوْ قَامَ بِالْقُرْبِ. قَوْلُهُ: [كَالْمُرَاضَاةِ] : تَشْبِيهٌ غَيْرُ تَامٍّ؛ لِأَنَّ الْجَوْرَ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ يُنْقَضُ بِهِ قِسْمَةُ الْقُرْعَةِ كَانَ كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَأَمَّا الْمُرَاضَاةُ فَلَا تُنْقَضُ بِهِ إلَّا إذَا كَانَ كَثِيرًا. قَوْلُهُ: [كَمَا تَقَدَّمَ] : أَيْ أَوَّلَ الْبَابِ فِي قَوْلِهِ " وَلَا رَدَّ فِيهَا بِالْغَبْنِ ". [إجْبَار الشَّرِيك عَلَى الْبَيْع] قَوْلُهُ: [فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ] : أَيْ وَأَمَّا مَا يَنْقَسِمُ فَالشَّأْنُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ فِيهِ نَقْصٌ إذَا بِيعَ مُفْرَدًا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرْغَبُ فِيهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ قَسْمِهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَلَا يُبْخَسُ فِي ثَمَنِهِ، وَأَمَّا مَا لَا يَنْقَسِمُ فَلَا يَرْغَبُ فِيهِ الْمُشْتَرِي لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ لِعَدَمِ جَبْرِ شَرِيكِهِ عَلَى الْقِسْمَةِ فَكَانَ يُبْخَسُ فِي ثَمَنِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الشَّارِحِ.

[القسمة عن المحجور والغائب]

كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ نَقَصَتْ حِصَّةُ مُرِيدِ الْبَيْعِ لَوْ بَاعَهَا (مُفْرَدَةً) عَنْ حِصَّةِ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ فِي السِّلْعَةِ الَّتِي تُسَاوِي مِائَةً لَوْ بِيعَ نِصْفُهَا لَمْ يُبَعْ بِخَمْسِينَ بَلْ بِأَقَلَّ، فَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ لَوْ بِيعَتْ مُفْرَدَةً لَمْ يُجْبَرْ لَهُ الْآبِي عَلَى الْبَيْعِ لِعَدَمِ الضَّرَرِ. كَمَا لَا يُجْبَرُ فِيمَا يَنْقَسِمُ أَوْ فِي الْمِثْلِيِّ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ أَرَادَ الْقَسْمَ فِيهِ. (وَلَا يَلْتَزِمُ) الْآبِي (النَّقْصَ) فَإِنْ قَالَ الْآبِي: بِعْ مَا يَخُصُّك فِي هَذَا الْحَانُوتِ وَإِنْ نَقَصَ عَنْ بَيْعِهِ جُمْلَةً فَعَلَيَّ مَا نَقَصَ، فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ مَعَهُ لِعَدَمِ الضَّرَرِ. (وَلَمْ تُمَلَّكْ) حِصَّةُ مُرِيدِ الْبَيْعِ (مُفْرَدَةً) بِأَنْ مَلَكَاهُ مَعًا بِإِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَإِنْ مَلَكَهَا مُفْرَدَةً وَأَرَادَ بَيْعَهَا وَأَبَى صَاحِبُهُ مِنْ الْبَيْعِ مَعَهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْبَيْعِ مَعَهُ. (وَلَمْ يَكُنْ الْكُلُّ) أَيْ الْمَجْمُوعُ مُتَّخَذًا (لِلْغَلَّةِ) أَيْ الْكِرَاءِ بِأَنْ كَانَ لِلْقِنْيَةِ أَوْ اشْتَرَوْهُ لِلِانْتِفَاعِ فِي غَيْرِ غَلَّةٍ وَلَوْ لِلتِّجَارَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَإِنْ اُشْتُرِيَ لِلْغَلَّةِ (كَرُبْعِ غَلَّةٍ وَحَانُوتٍ) لِغَلَّةٍ وَحَمَّامٍ وَفُرْنٍ وَمُجَبَّسَةٍ وَخَانٍ، لَمْ يُجْبَرْ الْآبِي عَلَى الْبَيْعِ مَعَ مَنْ أَرَادَهُ. فَتَحَصَّلَ أَنَّ مَا لَا يَنْقَسِمُ - إذَا كَانَ شَرِكَةً وَطَلَبَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ الْبَيْعَ لَهُ جُمْلَةً وَأَبَى الْبَعْضُ - فَإِنَّ الْآبِيَ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ مَعَ مَنْ طَلَبَهُ بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا ثَلَاثَةً. وَلَمْ يَذْكُرْ شَرْطَ مَا إذَا الْتَزَمَ الْآبِي النَّقْصَ، وَهُوَ لِلَّخْمِيِّ، وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَلَا ابْنُ عَرَفَةَ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا خِلَافُهُ إلَّا أَنَّ وَجْهَهُ ظَاهِرٌ. وَزَادَ عِيَاضٌ خَامِسًا: وَهُوَ أَلَّا يَكُونَ مُشْتَرًى لِلتِّجَارَةِ فَإِنْ اُشْتُرِيَ لَهَا فَلَا يُجْبَرُ الْآبِي عَلَى الْبَيْعِ، وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ. (وَقَسَمَ عَنْ الْمَحْجُورِ) لِصِغَرٍ أَوْ سَفَهٍ أَوْ جُنُونٍ (وَلِيُّهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْبَيْعِ مَعَهُ] أَيْ لِكَوْنِهِ أَدْخَلَهُ فِي مِلْكِهِ مُفْرَدًا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ لِلتِّجَارَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ] : أَيْ خِلَافًا لِعِيَاضٍ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ] : أَيْ خَلِيلٌ وَأَمَّا مُصَنِّفُنَا فَقَدْ ذَكَرَ الْأَرْبَعَةَ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنَّ وَجْهَهُ ظَاهِرٌ] : أَيْ وَهُوَ عَدَمُ الضَّرَرِ. [الْقِسْمَة عَنْ الْمَحْجُور وَالْغَائِب] قَوْلُهُ: [وَقَسَمَ عَنْ الْمَحْجُورِ] إلَخْ: أَيْ قِسْمَةَ قُرْعَةٍ أَوْ مُرَاضَاةٍ. قَوْلُهُ: [وَلِيُّهُ] : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ فَالْحَاكِمُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ فَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ.

(وَ) قَسَمَ (عَنْ الْغَائِبِ وَكِيلُهُ) إنْ كَانَ لَهُ وَكِيلٌ (أَوْ الْقَاضِي) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَكِيلٌ. (لَا) يَقْسِمُ عَنْهُ (الْأَبُ) إذَا لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا عَنْهُ. (وَ) لَا (ذُو الشُّرْطَةِ) مِنْ الْأُمَرَاءِ. (وَلَا كَأَخٍ) وَعَمٍّ إذَا (كَنَفَ صَغِيرًا بِلَا وِصَايَةٍ) مِنْ أَبِيهِ (بِخِلَافِ مُلْتَقِطِ) الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ يَقْسِمُ عَنْهُ مَا دَامَ مَحْجُورًا فِي كَنَفِهِ. بَابٌ فِي الْقِرَاضِ وَأَحْكَامِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَقَسَمَ عَنْ الْغَائِبِ] : أَيْ غَيْبَةً بَعِيدَةً، فَإِنْ كَانَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ اُنْتُظِرَ. قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَالظَّاهِرُ كَمَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مَعَ الْأَمْنِ. وَقَالَ الْأُجْهُورِيُّ: يَقْسِمُ الْقَاضِي وَالْوَكِيلُ عَنْ الْغَائِبِ وَلَوْ قَرُبَتْ الْغَيْبَةُ. قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ، فَلِذَلِكَ أَطْلَقَ شَارِحُنَا. قَوْلُهُ: [لَا يَقْسِمُ عَنْهُ الْأَبُ] : أَيْ لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَقْسِمَ عَنْ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ الرَّشِيدِ وَلَوْ غَائِبًا وَمِثْلُهُ الْأُمُّ. قَوْلُهُ: [وَلَا ذُو الشُّرْطَةِ] : بِالضَّمِّ بِوَزْنِ غُرْفَةٍ سُمُّوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُمْ شُرَطًا فِي زِيِّهِمْ، وَلُبْسُهُمْ يُمَيِّزُهُمْ عَنْ غَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ: [إذَا كَنَفَ صَغِيرًا] : أَيْ تَكَفَّلَ بِالصَّغِيرِ وَصَانَهُ. قَوْلُهُ: [بِلَا وِصَايَةٍ] : أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَإِنَّ الْعَادَةَ إذَا جَرَتْ بِأَنَّ كَبِيرَ الْإِخْوَةِ أَوْ الْعَمَّ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ عُمِلَ بِذَلِكَ وَأُعْطِيَ حُكْمَ الْوَصِيِّ، وَإِنْ لَمْ يُوصِهِ الْأَبُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَجْرِ.

[باب في القراض وأحكامه]

وَمُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ: أَنَّ فِيهِ قَسْمَ الرِّبْحِ بَيْنَ الْعَامِلِ وَرَبِّ الْمَالِ وَنَوْعَ شَرِكَةٍ قَبْلَ الْقَسْمِ. وَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ: مَأْخُوذٌ مِنْ الْقَرْضِ وَهُوَ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ قَطَعَ لِلْعَامِلِ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِقِطْعَةٍ مِنْ الرِّبْحِ. وَيُسَمَّى مُضَارَبَةً أَيْضًا. وَعَرَّفَهُ بِقَوْلِهِ: (الْقِرَاضُ) الصَّحِيحُ عُرْفًا: ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْقِرَاضِ وَأَحْكَامِهِ] [تَعْرِيف الْقِرَاض] قَوْلُهُ: [وَنَوْعُ شَرِكَةٍ] : عَطْفٌ عَلَى قَسَمٍ. قَوْلُهُ: [مِنْ الْقَرْضِ] : أَيْ بِفَتْحِ الْقَافِ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ الْقَطْعُ] : وَقِيلَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقَرْضِ: وَهُوَ مَا يُجَازَى عَلَيْهِ الرَّجُلُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَرِضَيْنِ قَصَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى مَنْفَعَةِ الْآخَرِ، فَهُوَ مُقَارَضَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَيُسَمَّى مُضَارَبَةً أَيْضًا] : أَيْ عِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ، أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ} [المزمل: 20] الْآيَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ مَالَهُ عَلَى الْخُرُوجِ بِهِ إلَى الشَّامِ وَغَيْرِهَا فَيَبْتَاعُ الْمَتَاعَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهُ الْمُصْطَفَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَعَتْ إلَيْهِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى التَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَقْدِرُ عَلَى التَّنْمِيَةِ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ مُسْتَثْنًى لِلضَّرُورَةِ مِنْ الْإِجَارَةِ الْمَجْهُولَةِ. قَوْلُهُ: [الصَّحِيحُ] : دَفَعَ بِهِ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ يَشْمَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ؛ لِأَنَّ شَأْنَ التَّعَارِيفِ أَنْ تَكُونَ لِلْمَاهِيَّاتِ صَحِيحِهَا وَفَاسِدِهَا، فَأَفَادَ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ لِخُصُوصِ الصَّحِيحِ. قَوْلُهُ: [عُرْفًا] : أَيْ وَأَمَّا لُغَةً فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: مَأْخُوذٌ مِنْ الْقَرْضِ إلَخْ.

(دَفْعُ مَالِكٍ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ. (مَالًا) مَفْعُولُهُ (مِنْ نَقْدٍ) ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، خَرَجَ بِهِ الْعَرْضُ (مَضْرُوبٍ) أَيْ مَسْكُوكٍ، وَخَرَجَ التِّبْرُ وَالنِّقَارُ مِنْهُمَا (مُسَلَّمٍ) مِنْ الْمَالِكِ، لَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ أَوْ مُحَالٍ بِهِ عَلَى أَحَدٍ (مَعْلُومٍ) قَدْرًا وَصِفَةً لَا مَجْهُولٍ، (لِمَنْ) : مُتَعَلِّقٌ: بِ " دَفْعُ ": أَيْ دَفَعَهُ لِعَامِلٍ (يَتَّجِرُ بِهِ) . وَالتَّجْرُ: التَّصَرُّفُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِتَحْصِيلِ رِبْحٍ. (بِجُزْءٍ) : أَيْ فِي نَظِيرِ جُزْءٍ شَائِعٍ (مَعْلُومٍ) كَرُبْعٍ أَوْ نِصْفٍ لَا مَجْهُولٍ (مِنْ رِبْحِهِ) : أَيْ مِنْ رِبْحِ ذَلِكَ الْمَالِ الْمَدْفُوعِ، لَا مِنْ رِبْحِ غَيْرِهِ، وَلَا بِقَدْرٍ مَخْصُوصٍ؛ كَعَشْرَةِ دَنَانِيرَ مِنْ رِبْحِهِ (قَلَّ) ذَلِكَ الْجُزْءُ كَعُشْرٍ (أَوْ كَثُرَ) كَنِصْفٍ أَوْ أَكْثَرَ، (بِصِيغَةٍ) دَالَّةٍ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَبِرِضَى الْآخَرِ. وَلَا يُشْتَرَطُ اللَّفْظُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَلِذَا عَبَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي تَعْرِيفِهِ بِإِجَارَةٍ حَيْثُ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [خَرَجَ بِهِ الْعَرْضُ] : أَيْ وَمِنْهُ الْفُلُوسُ الْجُدُدُ فَلَا تَكُونُ رَأْسَ مَالٍ. قَوْلُهُ: [مَضْرُوبٍ] : كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ مُتَعَامَلٌ بِهِ لِيَخْرُجَ الْمَضْرُوبُ الَّذِي لَا يُتَعَامَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِ الْمَضْرُوبِ كَمَا أَفَادَهُ زَرُّوقٌ. لَكِنْ قَالَ (ح) : لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ فَلِذَلِكَ شَارِحُنَا تَرَكَ زِيَادَةَ هَذَا الْقَيْدِ. قَوْلُهُ: [لَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ] : أَيْ عَلَى الْعَامِلِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: اتَّجِرْ فِي الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْك وَالرِّبْحُ بَيْنِي وَبَيْنَك، وَكَذَلِكَ يَصِحُّ فِي الرَّهْنِ أَوْ الْوَدِيعَةِ الَّتِي عِنْدَ الْعَامِلِ مَا لَمْ يُقْبِضْ الدَّيْنُ لِرَبِّ الْمَالِ وَيُسَلِّمْهُ لِلْعَامِلِ أَوْ يُحْضِرْهُ وَيُشْهِدْ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [أَوْ مُحَالٍ بِهِ] : أَيْ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ اقْبِضْ الدَّيْنَ الَّذِي لِي عَلَى فُلَانٍ وَاتَّجِرْ فِيهِ، فَمُرَادُهُ بِالْحَوَالَةِ التَّوْكِيلُ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى الْغَيْرِ، وَإِلَّا فَالْحَوَالَةُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهَا لَا تَصِحُّ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَأْخُذُهُ الْمُحَالُ لِنَفْسِهِ مِلْكًا. قَوْلُهُ: [مَعْلُومٍ قَدْرًا وَصِفَةً] : أَيْ فَيُشْتَرَطُ عِلْمُ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِهِ يُؤَدِّي لِلْجَهْلِ بِالرِّبْحِ. وَيَجُوزُ بِالنَّقْدِ الْمَوْصُوفِ بِمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ كَانَ مَغْشُوشًا. قَوْلُهُ: [كَعَشْرَةِ دَنَانِيرَ] : أَيْ إلَّا أَنْ يَنْسُبَهَا لِقَدْرٍ سَمَّاهُ مِنْ الرِّبْحِ، كَ: لَك عَشْرَةٌ إنْ كَانَ الرِّبْحُ مِائَةً فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعُشْرِ.

إجَارَةٌ عَلَى التَّجْرِ فِي مَالٍ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ، وَعَبَّرَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: تَوْكِيلٌ عَلَى تَجْرٍ فِي نَقْدٍ إلَخْ، إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بَلْ لِكُلٍّ الْفَسْخُ قَبْلَ الْعَمَلِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَوْلُنَا: " دَفْعُ " قَدْ يُشِيرُ لِذَلِكَ مَعَ إخْرَاجِ الدَّيْنِ ابْتِدَاءً، وَإِنْ كَانَ لَا يُخْرِجُ الدَّيْنَ صَرِيحًا إلَّا بِقَوْلِهِ: " مُسَلَّمٍ ". ثُمَّ ذَكَرَ مُحْتَرَزَ بَعْضِ الْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ. فَذَكَرَ مُحْتَرَزَ " نَقْدٍ " بِقَوْلِهِ: (لَا بِعَرْضٍ) كَعَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ، وَكَذَا مِثْلِيٌّ غَيْرُ نَقْدٍ طَعَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ مَالِ قِرَاضٍ، وَلَوْ بِبِلَادٍ لَا يُوجَدُ فِيهَا النَّقْدُ كَالسُّودَانِ وَلَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ رَأْسَ مَالٍ. فَإِنْ قَالَ لَهُ: بِعْهُ وَاجْعَلْ ثَمَنَهُ رَأْسَ مَالٍ فَسَيَأْتِي النَّصُّ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ مُحْتَرَزٌ " مَضْرُوبٍ " بِقَوْلِهِ: (وَلَا تِبْرٍ) وَلَا نِقَارِ فِضَّةٍ وَلَا سَبِيكَةٍ مِنْهُمَا، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ مَالِ قِرَاضٍ (إلَّا أَنْ يُتَعَامَلَ بِهِ) : أَيْ بِالتِّبْرِ وَنَحْوِهِ (فَقَطْ) وَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُمْ مَسْكُوكٌ يُتَعَامَلُ بِهِ (بِبَلَدِهِ) : أَيْ فِي بَلَدِ الْقِرَاضِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ مَالٍ. وَمَفْهُومُ: " فَقَطْ " أَنَّهُ إنْ وُجِدَ مَسْكُوكٌ يُتَعَامَلُ بِهِ عِنْدَهُمْ أَيْضًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [قَدْ يُشِيرُ لِذَلِكَ] : أَيْ لِمَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّلَفُّظِ وَاللُّزُومِ حَيْثُ عَبَّرَ بِدَفْعٍ. قَوْلُهُ: [مَعَ إخْرَاجِ الدَّيْنِ] : أَيْ بِلَفْظِ دَفْعٍ. قَوْلُهُ: [الْقُيُودُ الْمَذْكُورَةُ] : أَيْ وَهِيَ ثَمَانٍ: نَقْدٌ مَضْرُوبٌ مُسَلَّمٌ مَعْلُومٌ لِمَنْ يَتَّجِرُ بِهِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ رِبْحِهِ بِصِيغَةٍ. قَوْلُهُ: [لَا بِعَرْضٍ] : هَذَا مُحْتَرَزُ أَوَّلِ الْقُيُودِ. قَوْلُهُ: [طَعَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ] : تَعْمِيمٌ فِي الْمِثْلِيِّ غَيْرِ النَّقْدِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمِثْلِيَّ مَا ضَبَطَهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ أَوْ عَدَدٌ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِبِلَادٍ لَا يُوجَدُ فِيهَا] : أَيْ لِأَنَّ الْقِرَاضَ رُخْصَةٌ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [فَسَيَأْتِي النَّصُّ عَلَيْهِ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ، وَإِنْ وَكَّلَهُ عَلَى خَلَاصِ دَيْنٍ إلَخْ.

لَمْ يَجُزْ التِّبْرُ وَنَحْوَهُ لِوُجُودِ الْأَصْلِ. (كَفُلُوسٍ) : أَيْ الْجُدُدُ النُّحَاسُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قِرَاضًا وَلَوْ تُعُومِلَ بِهَا، وَلَوْ فِي الْمُحَقَّرَاتِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ رُخْصَةٌ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ وَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ الْمَنْعِ. وَذَكَرَ مُحْتَرَزَ: " مُسَلَّمٍ " بِقَوْلِهِ: (وَلَا بِدَيْنٍ وَ) لَا (بِرَهْنٍ وَ) لَا (وَدِيعَةٍ) عِنْدَ الْعَامِلِ أَوْ غَيْرِهِ كَأَمِينٍ. فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ قِرَاضًا، أَمَّا الدَّيْنُ فَلِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى أَنَّهُ أَخَّرَهُ لِيَزِيدَهُ فِيهِ، وَأَمَّا الرَّهْنُ الْوَدِيعَةُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ أَنْفَقَهَا فَصَارَتْ عَلَيْهِ دَيْنًا (انْتَهَى) وَكَلَامُنَا فِي الْمَضْرُوبِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَنْفَقَ مَا عِنْدَهُ مِنْ رَهْنٍ مَسْكُوكٍ أَوْ وَدِيعَةٍ، ثُمَّ تَوَاطَآ عَلَى التَّأْخِيرِ بِزِيَادَةٍ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ يَدِ الْعَامِلِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ فَقِيلَ: عِلَّةُ الْمَنْعِ انْتِفَاعُ رَبِّ الْمَالِ الرَّهْنِ أَوْ الْوَدِيعَةِ لِتَخَلُّصِهِمَا مِنْ الْأَمِينِ. وَلَا شَكَّ أَنَّهَا عِلَّةٌ ضَعِيفَةٌ فَقَوْلُ الشَّيْخِ: وَلَوْ بِيَدِهِ، صَوَابُهُ قَلْبُ الْمُبَالَغَةِ - كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ - بِأَنْ يَقُولَ: وَلَوْ بِيَدِ غَيْرِهِ، وَاعْتِرَاضُهُمْ عَلَى ابْنِ غَازِيٍّ مِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ، فَتَدَبَّرْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ تُعُومِلَ بِهَا] : ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا. قَوْلُهُ: [يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ] : فِي (بْن) . قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالظَّاهِرُ فِي نَحْوِ هَذَا الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا حَتَّى يَمْتَنِعَ بِغَيْرِهَا حَيْثُ انْفَرَدَ التَّعَامُلُ بِهِ، بَلْ هِيَ مَقْصُودَةٌ مِنْ حَيْثُ التَّنْمِيَةُ. قَوْلُهُ: [عَلَى أَنَّهُ أَخَّرَهُ] : أَيْ فَيَكُونُ رِبًا. قَوْلُهُ: [أَنْ يَكُونَ أَنْفَقَهَا] : الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ أَوْ الْمُودَعَةِ. قَوْلُهُ: [الرَّهْنُ أَوْ الْوَدِيعَةُ] : بَدَلٌ مِنْ الْمَالِ. قَوْلُهُ: [وَاعْتِرَاضُهُمْ عَلَى ابْنِ غَازِيٍّ] إلَخْ: أَيْ فَقَدْ اعْتَرَضَ شُرَّاحُ خَلِيلٍ عَلَى ابْنِ غَازِيٍّ حَيْثُ اعْتَرَضَ عَلَى خَلِيلٍ فِي الْمُبَالَغَةِ بِالْوَجْهِ الَّذِي قَالَهُ شَارِحُنَا، فَوَجَّهُوا كَلَامَ خَلِيلٍ بِأَنَّ انْتِفَاعَ رَبِّ الْمَالِ بِتَخْلِيصِ الْعَامِلِ الرَّهْنَ أَوْ الْوَدِيعَةَ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ، وَأَمَّا احْتِمَالُ اتِّفَاقِ الْعَيْنِ إنْ كَانَتْ تَحْتَ يَدِ الْعَامِلِ فَأَمْرٌ مُتَوَهَّمٌ فَالْمُبَالَغَةُ عَلَيْهِ صَحِيحَةٌ، وَكَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ تَحَامُلٌ، فَوَجَّهَ شَارِحُنَا كَلَامَ ابْنِ غَازِيٍّ بِمَا عَلِمْت.

(وَ) لَوْ وَقَعَ الْقِرَاضُ بِدَيْنٍ عَلَى الْعَامِلِ، بِأَنْ قَالَ رَبُّهُ: اجْعَلْ مَا عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ قِرَاضًا عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَنَا كَذَا (اسْتَمَرَّ) الدَّيْنُ (دَيْنًا) عَلَى الْعَامِلِ يَضْمَنُهُ لِرَبِّهِ وَيَخْتَصُّ الْعَامِلُ بِالرِّبْحِ وَعَلَيْهِ الْخُسْرُ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا وَقَعَ مِنْهُمَا (إلَّا أَنْ يُقْبَضَ) الدَّيْنُ: بِأَنْ يَقْبِضَهُ رَبُّهُ مِنْ الْمَدِينِ ثُمَّ يَرُدُّهُ عَلَى أَنَّهُ قِرَاضٌ وَلَوْ بِالْقُرْبِ (أَوْ يُحْضَرَ) لِرَبِّهِ. (وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ) بِعَدْلَيْنِ أَوْ عَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ: عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَالَ الَّذِي أَحْضَرَ هُوَ مَا عَلَيَّ مِنْ دَيْنٍ لِفُلَانٍ، ثُمَّ يَدْفَعُهُ لَهُ رَبُّهُ قِرَاضًا، فَيَجُوزُ. وَكَذَا الرَّهْنُ الْوَدِيعَةُ إذَا قُبِضَا أَوْ أُحْضِرَا مَعَ الْإِشْهَادِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُهُمَا قِرَاضًا بِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ عَلَى الدَّيْنِ، فَإِنْ لَمْ يُقْبَضَا وَلَمْ يُحْضَرَا وَقَالَ رَبُّهُمَا لَهُ: اتَّجِرْ بِمَا عِنْدَك مِنْ رَهْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَنَا كَذَا قِرَاضًا، فَالرِّبْحُ لِرَبِّهِمَا وَعَلَيْهِ الْخُسْرُ وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ. وَمَا مَرَّ فِي الْوَدِيعَةِ مِنْ أَنَّ الْمُودَعَ بِالْفَتْحِ إذَا اتَّجَرَ فِي الْوَدِيعَةِ فَالرِّبْحُ لَهُ وَالْخَسَارَةُ عَلَيْهِ، فَذَاكَ فِيمَا إذَا اتَّجَرَ فِيهَا بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا، وَهُنَا أَذِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا عِبْرَةَ بِمَا وَقَعَ مِنْهُمَا] : أَيْ لَا يُعْتَبَرُ عَقْدُ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَقْبِضَ الدَّيْنَ] : أَيْ وَلَوْ بِغَيْرِ إشْهَادٍ. قَوْلُهُ: [أَنَّ هَذَا الْمَالَ الَّذِي أَحْضَرَ] : أَيْ مَعَ عِلْمِ الشُّهُودِ بِقَدْرِهِ، وَحِينَئِذٍ يَخْرُجُ بِهَذَا الْإِحْضَارِ مِنْ الذِّمَّةِ إلَى الْأَمَانَةِ. قَوْلُهُ: [بِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ عَلَى الدَّيْنِ] : أَيْ لِأَنَّ الْقَبْضَ أَوْ الْإِحْضَارَ وَالْإِشْهَادَ كَافٍ فِي الدَّيْنِ مَعَ أَنَّهُ فِي الذِّمَّةِ، فَكِفَايَةُ مَا ذَكَرَ فِيمَا لَيْسَ فِي الذِّمَّةِ أَوْلَى، فَهُوَ قِيَاسٌ أَحْرَوِيٌّ. قَوْلُهُ: [فَالرِّبْحُ لِرَبِّهِمَا] إلَخْ: إنْ قُلْتَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ تِجَارَتِهِ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ، حَيْثُ جَعَلْتُمْ الرِّبْحَ وَالْخُسْرَ لِلْعَامِلِ فِي الْأَوَّلِ وَلِرَبِّ الْمَالِ فِي الثَّانِي؟ قُلْتُ: إنَّ الدَّيْنَ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ ذِمَّةِ الْعَامِلِ وَمَنْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لَهُ الْغُنْمُ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِمَا عَدَمُ الضَّمَانِ لِمَنْ هُمَا بِيَدِهِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَمَا مَرَّ فِي الْوَدِيعَةِ] : أَيْ فَلَا يُنَافِي مَا هُنَا؛ لِأَنَّ مَا مَرَّ صَارَتْ دَيْنًا حَيْثُ اتَّجَرَ فِيهَا بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ التِّجَارَةِ فِي الدَّيْنِ.

[القراض الفاسد]

لَهُ عَلَى طَرِيقِ الْقِرَاضِ. وَهَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ، وَالرَّهْنُ أَوْ الْوَدِيعَةُ تَحْتَ يَدِهِ. فَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِهِ وَالرَّهْنُ أَوْ الْوَدِيعَةُ بِيَدِ أَمِينٍ، فَأَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ وَكَّلَهُ) : أَيْ وَكَّلَ الْعَامِلَ (عَلَى خَلَاصِ دَيْنٍ) ثُمَّ يَعْمَلُ فِيهِ قِرَاضًا، وَكَذَا عَلَى خَلَاصِ رَهْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ عِنْدَ أَمِينٍ (أَوْ) عَلَى (بَيْعِ عَرْضٍ عِنْدَهُ) أَوْ دَفْعِهِ (أَوْ) عَلَى بَيْعِهِ (بَعْدَ شِرَائِهِ، أَوْ) وَكَّلَهُ عَلَى (صَرْفٍ) بِأَنْ دَفَعَ لَهُ ذَهَبًا لِيَصْرِفَهُ بِفِضَّةٍ أَوْ عَكْسَهُ (ثُمَّ يَعْمَلُ) فِي ثَمَنِ الْعَرْضِ أَوْ فِيمَا صَرَفَهُ قِرَاضًا فَقِرَاضٌ فَاسِدٌ. وَإِذَا كَانَ قِرَاضًا فَاسِدًا: (فَلَهُ) : أَيْ لِلْعَامِلِ (أَجْرُ مِثْلِهِ فِي تَوَلِّيهِ) مَا ذُكِرَ مِنْ التَّخْلِيصِ أَوْ الْبَيْعِ أَوْ الصَّرْفِ فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْمَالِ، رَبِحَ الْعَامِلُ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ. وَكَذَا فِي التِّبْرِ وَالْفُلُوسِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ. (وَ) لَهُ (قِرَاضُ مِثْلِهِ فِي رِبْحِهِ) : أَيْ رِبْحِ الْمَالِ فَإِنْ رَبِحَ أُعْطِيَ مِنْهُ قِرَاضَ مِثْلِهِ. وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ فَلَا شَيْءَ لَهُ لَا فِي ذِمَّةِ رَبِّهِ. وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْقِرَاضُ الْفَاسِدِ] قَوْلُهُ [أَوْ عَلَى بَيْعِ عَرْضٍ عِنْدَهُ] : أَيْ عِنْدَ الْعَامِلِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ دَفَعَهُ لَهُ أَيْ دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ الْعُرُوضَ لِلْعَامِلِ مُوَكِّلًا لَهُ عَلَى بَيْعِهَا، وَقَوْلُهُ: أَوْ عَلَى بَيْعِهِ بَعْدَ شِرَائِهِ أَيْ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عُرُوضٍ، ثُمَّ وَكَّلَهُ عَلَى بَيْعِهَا وَيَتَّجِرُ فِي ثَمَنِهَا. قَوْلُهُ: [مِنْ التَّخْلِيصِ] : رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ عَلَى خَلَاصِ دَيْنٍ. وَقَوْلُهُ أَوْ الْبَيْعِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: " أَوْ عَلَى بَيْعِ عَرْضٍ عِنْدَهُ " إلَخْ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ الصَّرْفِ] : رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " أَوْ صَرْفٍ " فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا فِي التِّبْرِ وَالْفُلُوسِ] : أَيْ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي صَرْفِ التِّبْرِ إنْ دَفَعَ لَهُ تِبْرًا وَأَمَرَهُ أَنْ يُبْدِلَهُ بِمَسْكُوكٍ وَقَوْلُهُ: " وَالْفُلُوسِ " أَيْ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي إبْدَالِ الْفُلُوسِ بِعَيْنٍ مَسْكُوكَةٍ. قَوْلُهُ: [لَا فِي ذِمَّةِ رَبِّهِ] : صَوَابُهُ حَذْفُ لَا أَوْ يَزِيدُ بَعْدَ قَوْلِهِ: لَا فِي ذِمَّةِ رَبِّهِ وَلَا فِي الْمَالِ، فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: [وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ] : أَيْ مِنْ حَيْثُ ثُبُوتُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي تَوْلِيَةِ الشِّرَاءِ، وَقِرَاضِ مِثْلِهِ فِي الرِّبْحِ الْحَاصِلِ فِي التِّجَارَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ الْمَسَائِلِ أَيْ التِّسْعِ

[ما يمنع من القراض وما فيه قراض المثل]

مَا لَوْ دَفَعَ لَهُ مَالًا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ سِلْعَةَ فُلَانٍ ثُمَّ يَعْمَلَ فِيهَا قِرَاضًا. ثُمَّ شُبِّهَ بِمَا يُمْنَعُ، وَفِيهِ - إنْ وَقَعَ - قِرَاضُ الْمِثْلِ قَوْلُهُ: (كَلَكَ شِرْكٌ) : أَيْ كَمَا لَا يَجُوزُ؛ وَإِنْ وَقَعَ فَفِيهِ قِرَاضُ الْمِثْلِ مَا إذَا انْتَفَى عِلْمُ الْجُزْءِ لِلْعَامِلِ، بِأَنْ قَالَ لَهُ: اعْمَلْ فِيهِ وَلَك فِي الرِّبْحِ شِرْكٌ (وَلَا عَادَةَ) الْوَاوُ وَاوُ الْحَالِ: أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا عَادَةَ بَيْنَهُمْ تُعَيِّنُ قَدْرَ الْجُزْءِ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ عَادَةٌ تُعَيِّنُ إطْلَاقَ الشِّرْكِ عَلَى النِّصْفِ مَثَلًا عَمِلَ عَلَيْهَا، وَأَمَّا لَوْ قَالَ: وَالرِّبْحُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَنَا، أَوْ شَرِكَةٌ، فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ لَهُ النِّصْفَ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ التَّسَاوِيَ عُرْفًا، بِخِلَافِ: لَك شِرْكٌ فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ لَك جُزْءٌ. (أَوْ مُبْهَمٍ) بِالْجَرِّ نَعْتٌ لِمُقَدَّرٍ مَجْرُورٍ بِالْكَافِ: أَيْ وَكَقِرَاضٍ مُبْهَمٍ بِأَنْ قَالَ: اعْمَلْ فِيهِ قِرَاضًا، وَأَطْلَقَ، فَإِنَّهُ فَاسِدٌ، وَفِيهِ بَعْدَ الْعَمَلِ قِرَاضُ الْمِثْلِ فِي الرِّبْحِ. وَكَذَا إذَا أَبْهَمَ الْجُزْءَ كَأَنْ قَالَ: وَلَك جُزْءٌ مِنْ رِبْحِهِ أَوْ شَيْءٌ مِنْ رِبْحِهِ، إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَادَةٌ تُعَيِّنَ الْمُرَادَ بِمَا ذَكَرَ كَشِرْكٍ. (أَوْ) قِرَاضٍ (أُجِّلَ) فِيهِ الْعَمَلُ ابْتِدَاءً أَوْ انْتِهَاءً كَاعْمَلْ فِيهِ سَنَةً مِنْ الْآنَ، أَوْ: إذَا جَاءَ الْوَقْتُ الْفُلَانِيُّ فَاعْمَلْ فِيهِ، فَفَاسِدٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْجِيرِ الْمُنَافِي لِسُنَّةِ الْقِرَاضِ، وَفِيهِ - إنْ عَمِلَ - قِرَاضُ الْمِثْلِ. (أَوْ) قِرَاضٍ (ضُمِّنَ) لِلْعَامِلِ بِضَمِّ الضَّادِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ: أَيْ شُرِطَ فِيهِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ وَتُضَمُّ لَهَا هَذِهِ فَتَكُونُ عَشْرًا، وَإِنَّمَا فَسَدَتْ تِلْكَ الْعَشْرُ لِاخْتِلَالِ بَعْضِ الشُّرُوطِ مِنْهَا تَأَمَّلْ. [مَا يَمْنَع مِنْ الْقِرَاض وَمَا فِيهِ قِرَاض الْمِثْل] قَوْلُهُ: [كَلَكَ شِرْكٌ] : إنَّمَا كَانَ فِيهِ قِرَاضُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ النِّصْفَ وَالْأَقَلَّ وَالْأَكْثَرَ، فَيَكُونُ مَجْهُولًا كَمَا سَيُوَضِّحُهُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ الْعِبَارَةِ. قَوْلُهُ: [أُجِّلَ فِيهِ الْعَمَلُ ابْتِدَاءً] : أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: اعْمَلْ فِيهِ الصَّيْفَ أَوْ فِي مَوْسِمِ الْعِيدِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ زَمَنٌ مُعَيَّنٌ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ وَفِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَذَلِكَ لِشِدَّةِ التَّحْجِيرِ فِي هَذَا دُونَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا اشْتَدَّ التَّحْجِيرُ قَوِيَ الْفَسَادُ وَحَيْثُ قَوِيَ الْفَسَادُ خَرَجَ عَنْ الْقِرَاضِ بِالْمَرَّةِ. 1 - قَوْلُهُ: [ضُمِّنَ لِلْعَامِلِ] : أَيْ شَرَطَ عَلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ الضَّمَانَ، وَأَمَّا لَوْ تَطَوَّعَ الْعَامِلُ بِالضَّمَانِ فَفِي صِحَّةِ ذَلِكَ الْقِرَاضِ وَعَدَمِهَا خِلَافٌ، وَأَمَّا إنْ دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ لِلْعَامِلِ

الْعَامِلِ ضَمَانُ رَأْسِ الْمَالِ إذَا أُتْلِفَ أَوْ ضَاعَ بِلَا تَفْرِيطٍ فَفَاسِدٌ. وَلَا يَعْمَلُ بِالشَّرْطِ، وَفِيهِ قِرَاضُ الْمِثْلِ فِي الرِّبْحِ إنْ عَمِلَ. (أَوْ) قِرَاضٌ قَالَ فِيهِ لِلْعَامِلِ: (اشْتَرِ) السِّلَعَ (بِدَيْنٍ) فِي ذِمَّتِك. ثُمَّ انْتَقَدَ أَيْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ (فَخَالَفَ) الْعَامِلُ وَاشْتَرَى بِنَقْدٍ، فَفِيهِ قِرَاضُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فَاسِدٌ، وَقَدْ نَقَدَ مَالَ رَبِّ الْمَالِ حَالًّا، فَالسِّلَعُ لِرَبِّ الْمَالِ وَلِلْعَامِلِ قِرَاضُ مِثْلِهِ فِي الرِّبْحِ، فَقَوْلُنَا: " فَخَالَفَ " قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ زِدْنَاهُ عَلَيْهِ. فَإِنْ لَمْ يُخَالِفْ بِأَنْ اشْتَرَى بِدَيْنٍ كَمَا شَرَطَ فِيهِ، فَالرِّبْحُ لَهُ وَالْخَسَارَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ صَارَ قَرْضًا فِي ذِمَّتِهِ. وَكَذَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِنَقْدٍ فَاشْتَرَى بِدَيْنٍ. وَأَمَّا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الشِّرَاءَ بِنَقْدٍ فَاشْتَرَى بِهِ كَمَا شَرَطَ فَالْجَوَازُ ظَاهِرٌ. فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ. (أَوْ) شَرَطَ عَلَيْهِ (مَا يَقِلُّ وُجُودُهُ) : أَيْ مَا يُوجَدُ تَارَةً وَيُعْدَمُ أُخْرَى، فَفَاسِدٌ وَفِيهِ - إنْ عَمِلَ - قِرَاضُ الْمِثْلِ فِي الرِّبْحِ، وَسَوَاءٌ خَالَفَ وَاشْتَرَى غَيْرَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ قَالَ الْمَوَّاقُ: وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَارِضَ رَجُلًا عَلَى أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إلَّا الْبَزَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَيَجُوزُ ثُمَّ لَا يَعْدُوهُ إلَى غَيْرِهِ - الْبَاجِيُّ. فَإِنْ كَانَ يَتَعَذَّرُ لِقِلَّتِهِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ نَزَلَ فُسِخَ (انْتَهَى) أَيْ: فَإِنْ فَاتَ بِالْعَمَلِ فَفِيهِ قِرَاضُ الْمِثْلِ، فَعُلِمَ أَنَّ مَا يُوجَدُ دَائِمًا - إلَّا أَنَّهُ قَلِيلٌ وُجُودُهُ - فَصَحِيحٌ وَلَا ضَرَرَ فِي اشْتِرَاطِهِ. ثُمَّ شَبَّهَ بِمَا فِيهِ قِرَاضُ الْمِثْلِ قَوْلُهُ: (كَاخْتِلَافِهِمَا) : أَيْ الْعَامِلِ وَرَبِّ الْمَالِ (فِي) قَدْرِ (الرِّبْحِ بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَالَ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهُ بِضَامِنٍ يَضْمَنُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِتَعَدِّيهِ فَلَا يَفْسُدُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ جَائِزٌ، وَأَمَّا إنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهُ بِضَامِنٍ يَضْمَنُهُ مُطْلَقًا، تَعَدَّى فِي التَّلَفِ أَمْ لَا فَسَدَ الْقِرَاضُ وَلَوْ كَانَ الضَّمَانُ بِالْوَجْهِ وَلَا يَلْزَمُ، كَمَا أَفْتَى بِهِ الْأُجْهُورِيُّ. قَوْلُهُ [فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ] : أَيْ فَالصُّورَةُ الْأُولَى: فِيهَا قِرَاضُ الْمِثْلِ وَالْخَسَارَةُ عَلَى الْعَامِلِ لِتَعَدِّيهِ بِدَفْعِ الْمَالِ بَعْدَ مَنْعِ رَبِّهِ، وَالثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ: الرِّبْحُ لِلْعَامِلِ وَالْخُسْرُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ إلَّا رَأْسُ مَالِهِ، وَالرَّابِعَةُ: الْقِرَاضُ صَحِيحٌ وَالرِّبْحُ عَلَى مَا دَخَلَا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ [إلَّا الْبَزَّ] : بِالْبَاءِ وَالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ الْقُمَاشُ.

الْعَمَلِ وَادَّعَيَا) : أَيْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا (مَا لَا يُشْبِهُ) الْعَادَةَ، كَأَنْ يَقُولَ رَبُّ الْمَالِ: جَعَلْت لَك سُدُسَ الرِّبْحِ، وَيَقُولَ الْعَامِلُ: الثُّلُثَيْنِ، وَكَانَتْ عَادَةُ النَّاسِ الثُّلُثَ أَوْ النِّصْفَ فَيَرُدَّانِ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ، فَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالشَّبَهِ فَالْقَوْلُ لَهُ. (فَإِنْ أَشْبَهَا) مَعًا (فَقَوْلُ الْعَامِلِ) : أَيْ الْقَوْلُ لَهُ لِتَرَجُّحِ جَانِبِهِ بِالْعَمَلِ. وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا قَبْلَ الْعَمَلِ، فَسَيَأْتِي أَنَّ الْقَوْلَ لِرَبِّهِ مُطْلَقًا. (وَفِي فَاسِدٍ غَيْرِهِ) : أَيْ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الْمَسَائِلِ: (أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي الذِّمَّةِ) : أَيْ ذِمَّةِ رَبِّ الْمَالِ رَبِحَ الْعَامِلُ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ، بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّ فِيهَا قِرَاضَ الْمِثْلِ فِي الرِّبْحِ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ رِبْحٌ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ. وَيَفْتَرِقَانِ أَيْضًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى: وَهِيَ أَنَّ مَا فِيهِ قِرَاضُ الْمِثْلِ يُفْسَخُ قَبْلَ الْعَمَلِ وَيَفُوتُ بِالْعَمَلِ وَمَا فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ يُفْسَخُ مَتَى اُطُّلِعَ عَلَيْهِ وَلَهُ أُجْرَةُ مَا عَمِلَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا مَا لَا يُشْبِهُ] : أَيْ جُزْءًا لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ جُزْءَ قِرَاضٍ. قَوْلُهُ: [فَالْقَوْلُ لَهُ] : قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ ظَاهِرُ عِبَارَاتِهِمْ بِدُونِ يَمِينٍ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [فَسَيَأْتِي أَنَّ الْقَوْلَ لِرَبِّهِ مُطْلَقًا] : أَيْ أَشْبَهَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مُنْحَلٌّ قَبْلَ الْعَمَلِ. قَوْلُهُ: [أَيْ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الْمَسَائِلِ] : أَيْ السَّبْعِ، وَتُضَمُّ لَهَا الْمَسَائِلُ الْعَشْرُ الَّتِي تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ قِرَاضُ الْمِثْلِ فِي الرِّبْحِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي التَّوْلِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَيَفْتَرِقَانِ أَيْضًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى] : أَيْ وَيَفْتَرِقَانِ أَيْضًا مِنْ جِهَةٍ ثَالِثَةٍ، وَهِيَ أَنَّهُ أَحَقُّ مِنْ الْغُرَمَاءِ إذَا وَجَبَ لَهُ قِرَاضُ الْمِثْلِ وَأُسْوَتُهُمْ إذَا وَجَبَ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ مَا لَمْ يَكُنْ الْفَسَادُ بِاشْتِرَاطِ عَمَلِ يَدِهِ، كَأَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَخِيطَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ صَانِعٌ. وَهَلْ أَحَقِّيَّتُهُ بِهِ فِيمَا يُقَابِلُ الصَّنْعَةَ فَقَطْ أَوْ فِيهِ وَفِيمَا يُقَابِلُ عَمَلَ الْقِرَاضِ؟ قَوْلَانِ، وَمُقَابِلُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ أَيْضًا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ إذَا كَانَ الْمَالُ بِيَدِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ أُجْرَةَ مِثْلِهِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ.

ثُمَّ ذَكَرَ أَمْثِلَةً فَاسِدَةً غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ مِمَّا لِلْعَامِلِ فِيهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ بِقَوْلِهِ: (كَاشْتِرَاطِ يَدِهِ) : أَيْ يَدِ رَبِّ الْمَالِ مَعَ الْعَامِلِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْقِرَاضِ، فَفَاسِدٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْجِيرِ، وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. (أَوْ) اشْتِرَاطِ (مُشَاوَرَتِهِ) : أَيْ مُشَاوَرَةِ رَبِّ الْمَالِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فَفَاسِدٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْجِيرِ، وَفِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. (أَوْ) اشْتِرَاطِ (أَمِينٍ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْعَامِلِ أَوْ اشْتِرَاطٍ (كَخِيَاطَةٍ) لِثِيَابِ التِّجَارَةِ (أَوْ خَرْزٍ) لِجُلُودِهَا مِنْ كُلِّ عَمَلٍ فِي سِلَعِهَا عَلَى الْعَامِلِ. (أَوْ) اشْتِرَاطِ (تَعْيِينِ مَحَلٍّ) لِلتَّجْرِ لَا يَتَعَدَّاهُ لِغَيْرِهِ (أَوْ) اشْتِرَاطِ تَعْيِينِ (زَمَنٍ) لَهُ لَا يُتَاجِرُ فِي غَيْرِهِ (أَوْ) تَعْيِينِ (شَخْصٍ لِلشِّرَاءِ) مِنْهُ بِحَيْثُ لَا يَشْتَرِي شَيْئًا مِنْ غَيْرِهِ أَوْ الْبَيْعِ لَهُ بِحَيْثُ لَا يَبِيعُ سِلْعَةً لِغَيْرِهِ فَيَفْسُدُ الْقِرَاضُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لِلتَّحْجِيرِ الْمُخَالِفِ لِسُنَّةِ الْقِرَاضِ. وَانْظُرْ بَقِيَّةَ الْمَسَائِلِ فِي ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَمْثِلَةً فَاسِدَةً غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ] : وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ خَرَجَتْ عَنْ حَقِيقَةِ الْقِرَاضِ مِنْ أَصْلِهَا فَفِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَأَمَّا إنْ شَمَلَهَا الْقِرَاضُ لَكِنْ اخْتَلَّ مِنْهَا شَرْطٌ فَفِيهَا قِرَاضُ الْمِثْلِ. قَوْلُهُ: [أَوْ اشْتِرَاطِ أَمِينٍ عَلَيْهِ] : أَيْ بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ رَبِّ الْمَالِ عَمَلَ غُلَامٍ غَيْرِ عَيْنٍ أَيْ رَقِيبٍ عَلَى الْعَامِلِ بِنَصِيبٍ لِلْغُلَامِ مِنْ الرِّبْحِ، أَوْ بِغَيْرِ شَيْءٍ أَصْلًا فَجَائِزٌ، وَأَمَّا إنْ كَانَ النَّصِيبُ لِلسَّيِّدِ أَوْ كَانَ الْغُلَامُ رَقِيبًا فَفَاسِدٌ وَفِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. قَوْلُهُ: [مِنْ كُلِّ عَمَلٍ] : بَيَانٌ لِمَدْخُولِ الْكَافِ وَالْمَعْنَى مِنْ كُلِّ عَمَلٍ غَيْرِ لَازِمٍ لِلْعَامِلِ، وَإِلَّا فَلَا يَضُرُّ اشْتِرَاطٌ كَالنَّشْرِ وَالطَّيِّ الْخَفِيفَيْنِ. قَوْلُهُ: [عَلَى الْعَامِلِ] : مُتَعَلِّقٌ بِ " اشْتِرَاطٍ " وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ صِفَةٍ لِعَمَلٍ؛ لِأَنَّهُ فَاسِدٌ. قَوْلُهُ: [أَوْ اشْتِرَاطِ تَعْيِينِ مَحَلٍّ] : أَيْ كَقَوْلِهِ: لَا تَتَّجِرُ إلَّا فِي خُصُوصِ الْبَلْدَةِ الْفُلَانِيَّةِ؛ أَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ: اتَّجِرْ فِي الْقُطْرِ الْفُلَانِيِّ وَلَا تَخْرُجْ مِنْهُ فَلَا يَضُرُّ. قَوْلُهُ: [لَا يَتَجَارُّ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلَّفِ بِأَلِفٍ بَعْدَ الْجِيمِ ثُمَّ رَاءٍ بَعْدَهَا، وَالصَّوَابُ حَذْفُ الْأَلِفِ. قَوْلُهُ: [وَانْظُرْ بَقِيَّةَ الْمَسَائِلِ فِي ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ] : مِنْهَا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ

[التزامات العامل وضمان العامل ومخالفته]

(وَعَلَيْهِ) : أَيْ الْعَامِلِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ. (كَالنَّشْرِ وَالطَّيِّ) لِلثِّيَابِ وَنَحْوِهَا (الْخَفِيفَيْنِ) لَا الْكَثِيرَيْنِ مِمَّا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ. (وَ) عَلَيْهِ (الْأَجْرُ) مِنْ مَالِهِ (إنْ اسْتَأْجَرَ) عَلَى ذَلِكَ لَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَلَا مِنْ الرِّبْحِ. (وَإِنْ اشْتَرَى) إنْسَانٌ سِلْعَةً لِنَفْسِهِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى وَفَائِهِ (فَقَالَ) لِغَيْرِهِ: أَنَا (اشْتَرَيْت) سِلْعَةً بِكَذَا (فَأَعْطِنِي) الثَّمَنَ لِأَنْقُدَهُ لِرَبِّهَا، وَرِبْحُهَا بَيْنَنَا مُنَاصَفَةً مِثْلًا، فَدَفَعَهُ لَهُ (فَقَرْضٌ) فَاسِدٌ لَا قِرَاضٌ؛ فَيَجِبُ رَدُّهُ لِرَبِّهِ فَوْرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَى وَجْهٍ مَعْرُوفٍ. فَإِنْ نَقَدَهُ فِي السِّلْعَةِ فَالرِّبْحُ لِلْعَامِلِ وَحْدَهُ وَالْخُسْرُ عَلَيْهِ. (بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُخْبِرْ) رَبَّ الْمَالِ بِالشِّرَاءِ بَلْ قَالَ لَهُ بَعْدَ أَنْ اشْتَرَاهَا: ادْفَعْ لِي عَشْرَةً مَثَلًا عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ وَالرِّبْحُ بَيْنَنَا كَذَا (فَيَجُوزُ) : وَيَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُشَارَكَةَ غَيْرِهِ فِي مَالِ الْقِرَاضِ أَوْ يَخْلِطَ بِمَالِهِ أَوْ مَالِ قِرَاضٍ عِنْدَهُ أَوْ يُبْضِعَ بِمَالِ الْقِرَاضِ أَيْ يُرْسِلَهُ أَوْ بَعْضَهُ مَعَ غَيْرِهِ لِيَشْتَرِيَ بِهِ مَا يَتَّجِرُ الْعَامِلُ بِهِ. أَوْ أَنْ يَزْرَعَ بِمَالِ الْقِرَاضِ حَيْثُ جُعِلَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي الزَّرْعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ زَادَهَا رَبُّ الْمَالِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَهُ فِي الزَّرْعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْمَلَ بِيَدِهِ فَلَا يُمْنَعُ، أَوْ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إلَى بَلَدِ كَذَا، فَهَذِهِ سِتُّ مَسَائِلَ تُضَمُّ لِلثَّمَانِي الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ، الْعَقْدُ فِيهَا فَاسِدٌ لِخُرُوجِهَا عَنْ حَقِيقَةِ الْقِرَاضِ، وَفِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ بَعْدَ الْعَمَلِ. [الْتِزَامَات الْعَامِل وضمان الْعَامِل ومخالفته] قَوْلُهُ: [كَالنَّشْرِ وَالطَّيِّ] : دَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ النَّقْلُ الْخَفِيفُ فَيَلْزَمُهُ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ فَمِنْ مَالِهِ. قَوْلُهُ: [لَا الْكَثِيرِينَ مِمَّا لَا تَجْرِي الْعَادَةُ بِهِ] : أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ، فَإِذَا عَمِلَهُ بِنَفْسِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ عَمِلَهُ لِيَرْجِعَ بِأُجْرَتِهِ قُضِيَ لَهُ بِالْأُجْرَةِ، فَإِنْ خَالَفَهُ رَبُّ الْمَالِ وَقَالَ: بَلْ عَمِلْته تَبَرُّعًا مِنْك صُدِّقَ الْعَامِلُ بِيَمِينٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ اشْتَرَى إنْسَانٌ سِلْعَةً] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَسَائِلَ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ خَمْسٌ: الْأُولَى: أَنْ يَشْتَرِيَ السِّلْعَةَ لِنَفْسِهِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ يَأْتِيَ غَيْرَهُ فَيُخْبِرَهُ بِهَا، وَيَطْلُبَ مِنْهُ الثَّمَنَ عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ، فَقَرْضٌ فَاسِدٌ وَالرِّبْحُ لِلْعَامِلِ وَالْخُسْرُ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَشْتَرِيَهَا وَيَسْأَلَ غَيْرَهُ قِرَاضًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْبِرَهُ

قِرَاضًا عَلَى مَا دَخَلَا عَلَيْهِ (كَادْفَعْ لِي) كَذَا عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ (فَقَدْ وَجَدْتُ رَخِيصًا أَشْتَرِيهِ) بِهِ وَالرِّبْحُ بَيْنَنَا عَلَى كَذَا، فَيَجُوزُ (إنْ لَمْ يُسَمِّ السِّلْعَةَ أَوْ الْبَائِعَ) : فَإِنْ سَمَّى السِّلْعَةَ أَوْ الْبَائِعَ لَمْ يَجُزْ، وَكَانَ قِرَاضًا فَاسِدًا. وَيَظْهَرُ - كَمَا قِيلَ - أَنَّهُ إنْ عَيَّنَ الْبَائِعَ فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ: اشْتَرِ مِنْ فُلَانٍ، لَهُ أُجْرَةُ تَوَلِّي الشِّرَاءِ أَوْ قِرَاضُ الْمِثْلِ، وَإِنْ عَيَّنَ السِّلْعَةَ فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ. (وَجَعْلِ) بِالْجَرِّ أَيْ: وَكَجَعْلِ (الرِّبْحِ) كُلِّهِ (لِأَحَدِهِمَا) : فَيَجُوزُ (أَوْ غَيْرِهِمَا) : فَيَجُوزُ. (وَضَمِنَهُ) الْعَامِلُ: أَيْ يَضْمَنُ مَالَ الْقِرَاضِ لِرَبِّهِ لَوْ تَلِفَ أَوْ ضَاعَ بِلَا تَفْرِيطٍ (فِي) اشْتِرَاطِ (الرِّبْحِ لَهُ) : أَيْ لِلْعَامِلِ، بِأَنْ قَالَ لَهُ رُبُّهُ اعْمَلْ فِيهِ وَالرِّبْحُ لَك؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ صَارَ قَرْضًا وَانْتَقَلَ مِنْ الْأَمَانَةِ إلَى الذِّمَّةِ، لَكِنْ بِشَرْطَيْنِ أَفَادَهُمَا بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQبِشِرَائِهَا فَيَجُوزُ وَيَكُونُ قِرَاضًا عَلَى مَا دَخَلَا عَلَيْهِ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَذْهَبَ قَبْلَ شِرَائِهَا، فَيَقُولُ ادْفَعْ لِي فَقَدْ وَجَدْت رَخِيصًا، وَالرِّبْحُ بَيْنَنَا فَيَجُوزُ أَيْضًا وَيَكُونُ قِرَاضًا عَلَى مَا دَخَلَا عَلَيْهِ. الرَّابِعَةُ: أَنْ يُسَمِّيَ السِّلْعَةَ فَقَطْ كَقَوْلِهِ وَجَدْت بَعِيرًا بِكَذَا فَادْفَعْ لِي ثَمَنَهُ وَالرِّبْحُ بَيْنَنَا فَهَذِهِ فَاسِدَةٌ، وَفِيهَا لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. الْخَامِسَةُ: أَنْ يُسَمِّيَ الْبَائِعَ بِأَنْ يَقُولَ وَجَدْت فُلَانًا يَبِيعُ بَعِيرًا فَأَعْطِنِي ثَمَنَهُ قِرَاضًا فَهِيَ فَاسِدَةٌ أَيْضًا، وَفِيهَا قِرَاضُ الْمِثْلِ فِي الرِّبْحِ وَأُجْرَةُ تَوَلِّي الشِّرَاءِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَى وَجْهٍ مَعْرُوفٍ] : عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ " فَيَجِبُ رَدُّهُ فَوْرًا " وَلَا يُعْمَلُ فِيهِ بِعَادَةِ الْقَرْضِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ كَالرِّبَا. قَوْلُهُ: [لَهُ أُجْرَةُ تَوَلِّي الشِّرَاءِ أَوْ قِرَاضُ الْمِثْلِ] : أَيْ فَتَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ الْعَشْرِ الْمُتَقَدِّمَةِ. قَوْلُهُ: [فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ] : أَيْ وَتُضَمُّ لِلْمَسَائِلِ الَّتِي فِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ صَارَ قَرْضًا] : أَيْ وَإِطْلَاقُ الْقِرَاضِ عَلَيْهِ مَجَازٌ لِمَا عَلِمْت أَنَّ حَقِيقَةَ الْقِرَاضِ دَفْعُ مَالِكٍ مَالًا مِنْ نَقْدٍ مَضْرُوبٍ مُسَلَّمٍ مَعْلُومٍ لِمَنْ يَتَّجِرُ بِهِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ رِبْحِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِصِيغَةٍ، وَحُكْمُ ذَلِكَ الرِّبْحِ حُكْمُ الْهِبَةِ مَتَى حَازَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ قُضِيَ لَهُ بِهِ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ وَجَبَ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ، فَإِنْ اشْتَرَطَ لِمَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ قَالَ ابْنُ نَاجِي: إنَّهُ يَجِبُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ كَالْفُقَرَاءِ،

(إنْ لَمْ يَنْفِهِ) : أَيْ الضَّمَانَ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ لَمْ يَنْفِهِ عَنْهُ رَبُّ الْمَالِ. فَإِنْ نَفَاهُ بِأَنْ قَالَ: وَلَا ضَمَانَ عَلَيَّ، أَوْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْك، لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ مَعْرُوفٍ (وَلَمْ يُسَمِّ قِرَاضًا) بِأَنْ قَالَ: اعْمَلْ فِيهِ وَالرِّبْحُ لَك: فَإِنْ سَمَّى قِرَاضًا بِأَنْ قَالَ لَهُ: اعْمَلْ فِيهِ قِرَاضًا وَالرِّبْحُ لَك، لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ، فَيُلْغَى الشَّرْطُ. لَكِنَّهُ إنْ شَرَطَهُ يَكُونُ قِرَاضًا فَاسِدًا يُفْسَخُ قَبْلَ الْعَمَلِ. (وَخَلَطَهُ) : أَيْ مَالَ الْقِرَاضِ فَيَجُوزُ (وَإِنْ) خَلَطَهُ الْعَامِلُ (بِمَالِهِ) إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ رَبُّهُ الْخَلْطَ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَفَسَدَ وَفِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّيْخُ وَخَلَطَهُ بِمَالِ غَيْرِهِ أَوْ بِمَالِهِ (وَهُوَ الصَّوَابُ، إنْ خَافَ) الْعَامِلُ (بِتَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْمَالَيْنِ (رُخْصًا) فَيَجِبُ إنْ كَانَ الْمَالَانِ لِغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا لَهُ وَجَبَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ. إمَّا الْخَلْطُ أَوْ تَقْدِيمُ الْقِرَاضِ وَمَنْعُ تَقْدِيمِ مَالِهِ، فَإِنْ قَدَّمَهُ فَخَسِرَ مَالَ الْقِرَاضِ ضَمِنَ. وَقِيلَ: مَعْنَى الصَّوَابِ النَّدْبُ فَلَا يَضْمَنُ إنْ قَدَّمَ مَالَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ، يَقْضِي بِهِ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ الْمُعَيَّنِ وَحَيْثُ اشْتَرَطَ رَبُّ الْمَالِ لِلْعَامِلِ لَمْ يَبْطُلْ بِمَوْتِ رَبِّهِ أَوْ فَلَسِهِ قَبْلَ الْمُفَاصَلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ بِيَدِهِ فَكَأَنَّ الرِّبْحَ هِبَةٌ مَقْبُوضَةٌ، وَأَمَّا إنْ اشْتَرَطَ لِرَبِّهِ فَهَلْ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْعَامِلِ وَتَأْخُذُهُ وَرَثَتُهُ لِعَدَمِ حَوْزِ رَبِّ الْمَالِ لَهُ أَوْ لَا، بَلْ يُقْضَى بِهِ لِرَبِّ الْمَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ أَجِيرٌ لِرَبِّ الْمَالِ فَكَأَنَّ رَبَّ الْمَالِ حَائِزٌ لَهُ؟ قَوْلَانِ (اهـ) مُلَخَّصًا مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [يَكُونُ قِرَاضًا فَاسِدًا] : أَيْ وَهَلْ يَكُونُ الرِّبْحُ لِلْعَامِلِ عَمَلًا بِمَا شَرْطَاهُ أَوْ فِيهِ قِرَاضُ الْمِثْلِ لِكَوْنِهِ قِرَاضًا فَاسِدًا اُنْظُرْهُ كَذَا فِي (عب) . قَوْلُهُ: [إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ رَبُّهُ الْخَلْطَ] : بَقِيَ مَا إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ رَبُّهُ عَدَمَ الْخَلْطِ، وَالْحُكْمُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، فَإِذَا خَالَفَ وَخَلَطَ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَالْخُسْرُ عَلَى الْعَامِلِ. قَوْلُهُ: [فَيَجِبُ إنْ كَانَ الْمَالَانِ لِغَيْرِهِ] : أَيْ كَمَا لِابْنِ نَاجِي. قَوْلُهُ: [أَوْ تَقْدِيمُ الْقِرَاضِ] : أَيْ الَّذِي هُوَ مَالُ الْغَيْرِ. قَوْلُهُ: [ضَمِنَ] : أَيْ عَلَى مُقْتَضَى الْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ مَعْنَى الصَّوَابِ النَّدْبُ] : هُوَ لِبَعْضِ شُيُوخِ ابْنِ نَاجِي. قَوْلُهُ: [فَلَا يَضْمَنُ] : أَيْ لِكَوْنِهِ لَمْ يُخَالِفْ وَاجِبًا.

[تنبيه من أخذ مالا للتنمية بلا قراض]

فَحَصَلَ لِلْقِرَاضِ رُخْصٌ. وَمِثْلُ الرُّخْصِ فِي الْبَيْعِ الْغَلَاءُ فِي الشِّرَاءِ. (وَسَفَرِهِ) : أَيْ الْعَامِلِ بِمَالِ الْقِرَاضِ، فَيَجُوزُ (إنْ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ) رَبُّ الْمَالِ (قَبْلَ شَغْلِهِ) : أَيْ الْمَالِ بِأَنْ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ أَصْلًا أَوْ حَجَرَ بَعْدَ شَغْلِهِ، فَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ شَغْلِهِ وَلَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ، لَمْ يَجُزْ. فَإِنْ خَالَفَ وَسَافَرَ ضَمِنَ بِخِلَافِ مَا لَوْ خَالَفَ وَسَافَرَ بَعْدَ شَغْلِهِ إذْ لَيْسَ لِرَبِّهِ مَنْعُهُ مِنْ السَّفَرِ بَعْدَهُ. (وَاشْتِرَاطِهِ) : أَيْ رَبِّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ (أَلَّا يَنْزِلَ وَادِيًا) يَنُصُّ لَهُ عَلَيْهِ (أَوْ) لَا (يَمْشِيَ) بِالْمَالِ (لَيْلًا) خَوْفًا مِنْ نَحْوِ لِصٍّ (أَوْ) لَا يَنْزِلَ (بِبَحْرٍ أَوْ) لَا (يَبْتَاعَ) بِهِ (سِلْعَةً) عَيَّنَهَا لَهُ لِغَرَضٍ فَيَجُوزُ. (وَضَمِنَ إنْ خَالَفَ) فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ وَتَلِفَ الْمَالُ أَوْ بَعْضُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الْغَلَاءُ فِي الشِّرَاءِ] : أَيْ طُرُوُّ الْغَلَاءِ فِي السِّلَعِ الَّتِي شَأْنُ عَمَلِ الْقِرَاضِ فِيهَا. [تَنْبِيه مِنْ أَخَذَ مَالًا لِلتَّنْمِيَةِ بِلَا قِرَاض] قَوْلُهُ: [أَوْ حَجَرَ بَعْدَ شَغْلِهِ] : أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا. قَوْلُهُ: [بَعْدَهُ] : أَيْ بَعْدَ شَغْلِ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا. كَانَ السَّفَرُ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا، كَانَ الْعَامِلُ شَأْنُهُ السَّفَرُ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [أَلَّا يَنْزِلَ وَادِيًا] : أَيْ مَحَلًّا مُنْخَفِضًا شَأْنُهُ يُخَافُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [لِغَرَضٍ] : أَيْ لِقِلَّةِ رِبْحِهَا عَادَةً مَثَلًا. قَوْلُهُ: [فَيَجُوزُ] : مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: " وَاشْتِرَاطُهُ " إلَخْ. وَقُدِّرَ هَذَا لِيُعْلَمَ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَجْرُورَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَدْخُولِ الْكَافِ فِي قَوْلِهِ: " كَادْفَعْ لِي " الْمُشَبَّهِ بِالْجَوَازِ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: [فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ] : أَيْ فِي شَيْءٍ مِنْ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: [وَتَلِفَ الْمَالُ أَوْ بَعْضُهُ] : أَيْ زَمَنَ الْمُخَالَفَةِ، وَأَمَّا لَوْ تَجَرَّأَ وَاقْتَحَمَ النَّهْيَ وَسَلِمَ، ثُمَّ حَصَلَ تَلَفٌ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْأَمْرِ الَّذِي خَالَفَ فِيهِ فَلَا ضَمَانَ، وَكَذَا لَوْ خَالَفَ اضْطِرَارًا بِأَنْ مَشَى فِي الْوَادِي الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ أَوْ سَافَرَ بِاللَّيْلِ أَوْ فِي الْبَحْرِ اضْطِرَارًا لِعَدَمِ الْمَنْدُوحَةِ فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ حَصَلَ تَلَفٌ - كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. وَإِذَا تَنَازَعَ الْعَامِلُ وَرَبُّ الْمَالِ فِي أَنَّ التَّلَفَ وَقَعَ زَمَنَ الْمُخَالَفَةِ أَوْ بَعْدَهَا صُدِّقَ الْعَامِلُ فِي دَعْوَاهُ كَمَا فِي (ح) عَنْ اللَّخْمِيِّ.

(كَأَنْ عَمِلَ) بِالْمَالِ (بِمَوْضِعِ جَوْرٍ لَهُ) : أَيْ لِلْعَامِلِ بِأَنْ كَانَ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِيهِ وَلَا جَاهَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَوْرًا لِغَيْرِهِ. كَمَا أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا لَا جَوْرَ عَلَيْهِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ جَوْرًا لِغَيْرِهِ. (أَوْ) عَمِلَ بِالْمَالِ (بَعْدَ عِلْمِهِ بِمَوْتِ رَبِّهِ) فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إنْ كَانَ عَيْنًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ لِغَيْرِهِ. لَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ لِعُذْرِهِ، وَلَا إنْ كَانَ عَرْضًا فَبَاعَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ فَلَا يَضْمَنُ خُسْرَهُ، إذْ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ. وَظَاهِرُهُ. الضَّمَانُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَوْتِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْعَامِلُ حَاضِرًا بِبَلَدِ الْمَالِ أَوْ غَائِبًا بِهِ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا وَهُوَ الرَّاجِحُ. وَقِيلَ: مَحَلُّ الضَّمَانِ إذَا كَانَ حَاضِرًا. (أَوْ شَارَكَ) الْعَامِلُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ غَيْرَهُ - وَلَوْ عَامِلًا آخَرَ - لِرَبِّ ذَلِكَ الْقِرَاضِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْمَالِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِأَنَّ رَبَّهُ لَمْ يَسْتَأْمِنْ غَيْرَهُ فِيهِ. (أَوْ بَاعَ) سِلْعَةً مِنْ سِلَعِ الْقِرَاضِ أَوْ أَكْثَرَ (بِدَيْنٍ) بِلَا إذْنٍ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ. (أَوْ قَارَضَ) : أَيْ دَفَعَهُ أَوْ بَعْضَهُ قِرَاضًا لِآخَرَ. (بِلَا إذْنٍ) مِنْ رَبِّهِ؛ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ. فَقَوْلُهُ: " بِلَا إذْنٍ " رَاجِعٌ لِلْأَرْبَعَةِ قَبْلَهُ إلَّا أَنَّ الْإِذْنَ فِي الْأُولَى مِنْ الْوَرَثَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَضْمَنُ] : أَيْ لِظُهُورِ التَّفْرِيطِ مِنْهُ حَيْثُ كَانَ التَّلَفُ مِنْ أَجْلِ الْجَوْرِ لَا مِنْ أَمْرٍ سَمَاوِيٍّ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ مَحَلُّ الضَّمَانِ] إلَخْ: هَذَا التَّقْيِيدُ لِابْنِ يُونُسَ قَائِلًا: إنْ كَانَ بِغَيْرِ بَلَدِ الْمَالِ فَلَهُ تَحْرِيكُهُ، وَلَوْ عَلِمَ بِمَوْتِهِ، نَظَرًا إلَى أَنَّ السَّفَرَ عَمَلٌ لِشَغْلِ الْمَالِ وَاعْتَمَدَ هَذَا (بْن) نَقْلًا عَنْ أَبِي الْحَسَنِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمَا. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ رَبَّهُ لَمْ يَسْتَأْمِنْ غَيْرَهُ فِيهِ] : أَيْ فَقَدْ عَرَّضَهُ لِلضَّيَاعِ، وَمَحَلُّ الضَّمَانِ إذَا غَابَ شَرِيكُهُ الْعَامِلُ الَّذِي شَارَكَهُ بِلَا إذْنٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ إنْ حَصَلَ خُسْرٌ أَوْ تَلَفٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ الشَّرِيكُ صَاحِبَ مَالٍ أَوْ عَامِلًا، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَغِبْ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَضْمَنْ إذَا تَلِفَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاعْتَمَدَهُ أَبُو الْحَسَنِ. قَوْلُهُ: [بِدَيْنٍ] : أَيْ نَسِيئَةً فَيَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ عَرَّضَهُ لِلضَّيَاعِ، فَإِنْ حَصَلَ رِبْحٌ فَهُوَ لَهُمَا، وَإِنْ حَصَلَ خُسْرٌ فَعَلَى الْعَامِلِ وَحْدَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. قَوْلُهُ: [رَاجِعٌ لِلْأَرْبَعَةِ قَبْلَهُ] : أَيْ وَهِيَ قَوْلُهُ أَوْ بَعْدَ عِلْمِهِ بِمَوْتِ رَبِّهِ وَمَا بَعْدَهُ،

(وَالرِّبْحُ) فِي الْأَخِيرَةِ (بَيْنَهُمَا) : أَيْ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ وَالْعَامِلِ الثَّانِي الَّذِي حَرَّكَ الْمَالَ (وَلَا رِبْحَ لِلْأَوَّلِ) لِتَعَدِّيهِ بِدَفْعِهِ لِلثَّانِي بِلَا إذْنٍ مِنْ رَبِّهِ. (وَعَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْعَامِلِ الْأَوَّلِ (الزِّيَادَةُ) لِلثَّانِي (إنْ زَادَ) لَهُ فِي الرِّبْحِ عَلَى مَا جَعَلَهُ لَهُ رَبُّ الْمَالِ، كَمَا لَوْ جَعَلَ لَهُ الثُّلُثَ فِي الرِّبْحِ، فَقَارَضَ آخَرَ بِالنِّصْفِ، فَالرِّبْحُ بَيْنَ رَبِّهِ وَالْعَامِلِ الثَّانِي عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ، وَعَلَى الْعَامِلِ الْأَوَّلِ لِلثَّانِي تَمَامُ النِّصْفِ. فَإِنْ دَخَلَ مَعَهُ عَلَى أَقَلَّ - كَالرُّبْعِ فِي الْمِثَالِ - فَالزَّائِدُ لِرَبِّ الْمَالِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا مَا قَبْلَهَا فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ بِلَا إذْنٍ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ خَالَفَ. قَوْلُهُ: [وَلَا رِبْحَ لِلْأَوَّلِ] : إلَخْ، حَاصِلُهُ: أَنَّ عَامِلَ الْقِرَاضِ إذَا دَفَعَ الْمَالَ لِعَامِلٍ آخَرَ قِرَاضًا بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْمَالِ فَإِنْ حَصَلَ تَلَفٌ أَوْ خُسْرٌ فَالضَّمَانُ مِنْ الْعَامِلِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ حَصَلَ رِبْحٌ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ الْأَوَّلِ مِنْهُ، وَإِنَّمَا الرِّبْحُ لِلْعَامِلِ الثَّانِي وَرَبِّ الْمَالِ، ثُمَّ إنْ دَخَلَ الْعَامِلُ الثَّانِي مَعَ الْأَوَّلِ عَلَى مِثْلِ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ مَعَ رَبِّ الْمَالِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ دَخَلَ مَعَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَامِلَ الْأَوَّلَ يَغْرَمُ لِلثَّانِي الزِّيَادَةَ، وَإِنْ دَخَلَ مَعَهُ عَلَى أَقَلَّ فَالزَّائِدُ لِرَبِّ الْمَالِ لَا لِلْعَامِلِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لِلْعَامِلِ الثَّانِي رِبْحٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ الْأَوَّلَ لِذَلِكَ الثَّانِي شَيْءٌ، كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ أَنَّ الْعَامِلَ لَا شَيْءَ لَهُ إذَا لَمْ يَرْبَحْ الْمَالُ. تَنْبِيهٌ: كُلُّ مَنْ أَخَذَ مَالًا لِلتَّنْمِيَةِ لِرَبِّهِ بِغَيْرِ قِرَاضٍ كَوَكِيلٍ عَلَى بَيْعِ شَيْءٍ وَمُبْضَعٍ مَعَهُ فَرَبِحَ فِيهِ فَلَا رِبْحَ لَهُ، بَلْ لِرَبِّ الْمَالِ كَأَنْ يُوَكِّلَهُ عَلَى بَيْعِ سِلْعَةٍ بِعَشْرَةٍ فَبَاعَهَا بِأَكْثَرَ فَالزَّائِدُ لِرَبِّهَا لَا لِلْوَكِيلِ، وَكَأَنْ يُبْضِعَ مَعَهُ عَشْرَةً لِيَشْتَرِيَ لَهُ بِهَا عَبْدًا أَوْ طَعَامًا مِنْ مَحَلِّ كَذَا فَاشْتَرَاهُ بِثَمَانِيَةٍ فَالْفَاضِلُ مِنْ الثَّمَنِ لِرَبِّ الْمَالِ لَا لِلْمُشْتَرِي، وَأَمَّا لَوْ بَاعَهَا بِعَشْرَةٍ كَمَا أَمَرَهُ، وَاتَّجَرَ فِي الْعَشَرَةِ حَتَّى حَصَلَ فِيهَا رِبْحٌ، أَوْ أَنَّ الْمُبْضَعَ مَعَهُ اشْتَرَى بِالْعَشَرَةِ سِلْعَةً غَيْرَ مَا أَمَرَهُ بِإِبْضَاعِهَا فَرَبِحَ فِيهَا فَالرِّبْحُ لِلْوَكِيلِ فِيهِمَا، كَالْمُودَعِ يَتَّجِرُ فِي الْوَدِيعَةِ، وَالْغَاصِبِ وَالْوَصِيِّ وَالسَّارِقِ إذَا حَرَّكُوا الْمَالَ الرِّبْحُ لَهُمْ وَالْخُسْرُ عَلَيْهِمْ.

(وَإِنْ نَهَاهُ) : أَيْ نَهَى رَبُّ الْمَالِ الْعَامِلَ (عَنْ الْعَمَلِ) بِمَالِهِ (قَبْلَهُ) : أَيْ قَبْلَ الْعَمَلِ، وَانْحَلَّ الْعَقْدُ حِينَئِذٍ فَخَالَفَ وَعَمِلَ (فَلَهُ) الرِّبْحُ وَحْدَهُ (وَعَلَيْهِ) الْخُسْرُ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ عَلَيْهِ إلَّا رَأْسُ مَالِهِ. (وَإِنْ جَنَى كُلٌّ) مِنْ رَبِّ الْمَالِ أَوْ الْعَامِلِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، (أَوْ) جَنَى (أَجْنَبِيٌّ) عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ فَأَتْلَفَهُ (أَوْ أَخَذَ) مَعَهُ (شَيْئًا) قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ (فَالْبَاقِي) بَعْدَ الْجِنَايَةِ أَوْ الْأَخْذِ هُوَ (رَأْسُ الْمَالِ) فَالرِّبْحُ لَهُ خَاصَّةً (وَلَا يَجْبُرُهُ) : أَيْ الْمَالَ الْأَصْلِيَّ قَبْلَ الْجِنَايَةِ أَوْ الْأَخْذِ مِنْهُ (رِبْحٌ) مِنْ الْبَاقِي، فَلَيْسَ مَا ذُكِرَ كَالْخُسْرِ يُجْبَرُ بِالرِّبْحِ؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ أَوْ الْآخِذَ إنْ كَانَ رَبَّ الْمَالِ، فَقَدْ رَضِيَ بِأَنَّ الْبَاقِيَ هُوَ رَأْسُ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ اُتُّبِعَ بِهِ فِي ذِمَّتِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَلَا رِبْحَ لِمَا فِي الذِّمَّةِ. (وَعَلَى الْجَانِي) مِنْهُمْ (مَا جَنَى) : فَإِنْ كَانَ رَبَّ الْمَالِ فَأَمْرُهُ ظَاهِرٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِنْ نَهَاهُ] إلَخْ: صُورَتُهَا أَعْطَى شَخْصٌ الْعَامِلَ مَالًا لِيَعْمَلَ فِيهِ قِرَاضًا، ثُمَّ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ قَالَ لَهُ: يَا فُلَانُ لَا تَعْمَلْ، فَحِينَئِذٍ يَنْحَلُّ عَقْدُ الْقِرَاضِ، وَيَصِيرُ الْمَالُ كَالْوَدِيعَةِ، فَإِذَا عَمِلَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ الرِّبْحُ لِلْعَامِلِ وَحْدَهُ. قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ عَلَيْهِ إلَّا رَأْسُ مَالِهِ] : ظَاهِرُهُ: وَلَوْ أَقَرَّ الْعَامِلُ أَنَّهُ اشْتَرَى لِلْقِرَاضِ بَعْدَ مَا نَهَاهُ، وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ اشْتَرَى بَعْدَ مَا نَهَاهُ لِلْقِرَاضِ فَالرِّبْحُ لَهُمَا لِالْتِزَامِهِ لِرَبِّ الْمَالِ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ الْجِنَايَةِ أَوْ الْأَخْذِ] : صِفَةٌ لِلْمَالِ الْأَصْلِيِّ، كَأَنَّهُ قَالَ: لَا يَجْبُرُ بِالرِّبْحِ الْمَالَ الْأَصْلِيَّ الْكَائِنَ قَبْلَ حُصُولِ الْجِنَايَةِ أَوْ قَبْلَ حُصُولِ الْأَخْذِ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْجَانِيَ أَوْ الْآخِذَ] : عِلَّةٌ لِلنَّفْيِ. قَوْلُهُ: [فَقَدْ رَضِيَ بِأَنَّ الْبَاقِيَ] إلَخْ: أَيْ وَفَسَخَ عَقْدَ الْقِرَاضِ فِيمَا أَخَذَهُ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ مُنْحَلٌّ قَبْلَ الْعَمَلِ. قَوْلُهُ: [كَالْأَجْنَبِيِّ] : أَيْ يُتَّبَعُ بِهِ فِي ذِمَّتِهِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [وَلَا رِبْحَ لِمَا فِي الذِّمَّةِ] : أَيْ لِأَنَّ أَخْذَ الرِّبْحِ عَلَيْهِ رِبًا.

[تنبيه لا يجبر رب المال على الخلف]

وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَعَلَيْهِ مَا يَلْزَمُهُ شَرْعًا مِنْ أَرْشٍ أَوْ قِيمَةٍ أَوْ مِثْلٍ، وَمَا وَقَعَ هُنَا لِبَعْضِ الشُّرَّاحِ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. (وَلَا يَشْتَرِي) الْعَامِلُ: أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلَعًا لِلْقِرَاضِ (بِنَسِيئَةٍ) أَيْ تَأْخِيرٍ أَيْ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّةِ رَبِّهِ (وَإِنْ أَذِنَ رَبُّهُ) لَهُ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ فَجَائِزٌ إذَا لَمْ يَشْغَلْهُ عَنْ الْقِرَاضِ. (وَلَا) يَشْتَرِي لِلْقِرَاضِ (بِأَكْثَرَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ) وَلَوْ بِنَقْدٍ مِنْ عِنْدِهِ. (فَإِنْ اشْتَرَى) سِلْعَةً بِدَيْنٍ لِلْقِرَاضِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ مَالِهِ (فَالرِّبْحُ لَهُ) : أَيْ لِلْعَامِلِ، أَيْ رِبْحُ تِلْكَ السِّلْعَةِ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ لِرَبِّ الْمَالِ. كَمَا أَنَّ الْخُسْرَ عَلَيْهِ. كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِدَيْنٍ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ إذَا اشْتَرَى تِلْكَ السِّلْعَةَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْقَرْضِ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمَا وَقَعَ هُنَا لِبَعْضِ الشُّرَّاحِ] إلَخْ: أَيْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ فِي كَوْنِ الْبَاقِي رَأْسَ الْمَالِ، وَلَا يُجْبَرُ ذَلِكَ بِالرِّبْحِ وَيُتَّبَعُ الْآخِذُ بِمَا أَخَذَهُ وَالْجَانِي بِمَا جَنَى عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ (ر) خِلَافًا لِتَفْصِيلِ الْخَرَشِيِّ حَيْثُ قَالَ: إنْ كَانَتْ قَبْلَهُ يَكُونُ الْبَاقِي رَأْسَ الْمَالِ وَمَا بَعْدَهُ فَرَأْسُ الْمَالِ عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ يَجْبُرُهُ، وَمِثْلُهُ فِي (عب) قَالَ (ر) : هُوَ خَطَأٌ فَاحِشٌ فَمُرَادُ الشَّارِحِ بِبَعْضِ الشُّرَّاحِ الْخَرَشِيُّ وَ (عب) . [تَنْبِيه لَا يُجْبَر رَبّ الْمَال عَلَى الْخَلْف] قَوْلُهُ: [أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلَعًا] إلَخْ: إنَّمَا مَنْعُ ذَلِكَ لِأَكْلِ رَبِّ الْمَالِ. رَبِحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ. وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْهُ، ثُمَّ إنَّ الْمَنْعَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْعَامِلُ غَيْرَ مُدِيرٍ، وَأَمَّا الْمُدِيرُ فَلَهُ الشِّرَاءُ لِلْقِرَاضِ بِالدَّيْنِ كَمَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، ابْنِ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ عُرُوضَ الْمُدِيرِ كَالْعَيْنِ فِي الزَّكَاةِ، وَيَجِبُ أَنْ يُقَيَّدَ ذَلِكَ بِكَوْنِ مَا يَشْتَرِيهِ بِالدَّيْنِ يَفِي بِهِ مَالُ الْقِرَاضِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ (اهـ بْن) . قَوْلُهُ: [وَإِنْ أَذِنَ رَبُّهُ] : أَيْ بِخِلَافِ بَيْعِهِ بِالدَّيْنِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّ الْمَالِ، وَإِلَّا جَازَ. وَلَا يُقَالُ: إنَّ إتْلَافَ الْمَالِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ هُنَا غَيْرُ مُحَقَّقٍ. عَلَى أَنَّ إتْلَافَ الْمَالِ الْمَمْنُوعَ رَمْيُهُ فِي بَحْرٍ أَوْ نَارٍ مَثَلًا بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ أَصْلًا. قَوْلُهُ: [وَلَا يَشْتَرِي لِلْقِرَاضِ بِأَكْثَرَ] : أَيْ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا إذَا نُقِدُوا كُلٌّ رَبِحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ إذَا لَمْ يُنْقَدْ.

مُنْفَرِدَةً عَنْ سِلَعِ الْقِرَاضِ وَبَاعَهَا كَذَلِكَ، فَجَمِيعُ رِبْحِهَا لَهُ وَخُسْرِهَا عَلَيْهِ وَلَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا. (وَ) إنْ اشْتَرَى فِي جُمْلَةِ سِلَعِ التِّجَارَةِ (شَارَكَ بِقِيمَتِهِ) : أَيْ قِيمَةِ الْمُؤَجَّلِ وَلَوْ عَيْنًا، فَتُقَوَّمُ الْعَيْنُ بِعَرْضٍ ثُمَّ الْعَرْضُ بِعَيْنٍ، ثُمَّ يَنْظُرُ لِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الرِّبْحِ، فَإِذَا كَانَ مَالُ الْقِرَاضِ مِائَةً فَاشْتَرَى سِلْعَةً بِمِائَتَيْنِ مِائَةٌ هِيَ مَالُ الْقِرَاضِ وَالْأُخْرَى مُؤَجَّلَةٌ، فَتُقَوَّمُ مُؤَجَّلَةً بِعَرْضٍ ثُمَّ الْعَرْضُ بِنَقْدٍ. فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ خَمْسِينَ كَانَ شَرِيكًا بِالثُّلُثِ فَيَخْتَصُّ بِرِبْحِهِ وَخُسْرِهِ، وَمَا بَقِيَ عَلَى حُكْمِ الْقِرَاضِ. وَهَذَا فِي الْمُؤَجَّلِ، وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَى بِنَقْدٍ فَالشَّرِكَةُ بِعَدَدِهِ وَاخْتَصَّ بِرِبْحِهِ إنْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ وَيُصَدَّقُ. وَإِنْ اشْتَرَاهُ لِلْقِرَاضِ خُيِّرَ رَبُّ الْمَالِ بَيْنَ دَفْعِ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ فَيَكُونُ جَمِيعُ الْمَالِ لَهُ وَعَدَمِ الدَّفْعِ فَالشَّرِكَةُ عَلَى النِّصْفِ. (وَجُبِرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (خُسْرُهُ) : أَيْ الْمَالِ نَائِبُ الْفَاعِلِ: أَيْ إذَا حَصَلَ فِي الْمَالِ خُسْرٌ، كَمَا لَوْ كَانَتْ مِائَةً اشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً، فَبَاعَهَا بِثَمَانِينَ ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِنْ اشْتَرَاهُ لِلْقِرَاضِ] : مُقَابِلُ قَوْلِهِ: " إنْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ " وَلَا فَرْقَ فِي كُلٍّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ بِحَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ. فَقَوْلُهُ: " خُيِّرَ رَبُّ الْمَالِ " لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ، وَصُوَرُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعٌ عِنْدَ الْخَلْطِ وَمِثْلُهَا عِنْدَ عَدَمِهِ. فَحَيْثُ خَلَطَ وَقَصَدَ بِهَا نَفْسَهُ شَارَكَ بِالْعَدَدِ إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ حَالَّةً وَبِالْقِيمَةِ إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُؤَجَّلَةً. وَإِنْ قَصَدَ بِهَا الْقِرَاضَ خُيِّرَ رَبُّ الْقِرَاضِ بَيْنَ الِالْتِزَامِ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ إنْ كَانَتْ حَالَّةً فَعَلَى حُلُولِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُؤَجَّلَةً فَعَلَى أَجَلِهَا، وَيَصِيرُ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْقِرَاضِ أَوْ يَتْرُكُهَا لِلْعَامِلِ فَيُشَارِكُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ لَمْ يَخْلِطْ تِلْكَ الزِّيَادَةَ كَانَ رِبْحُهَا لِلْعَامِلِ وَخُسْرُهَا عَلَيْهِ مُطْلَقًا، هَذَا مُحَصَّلُ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ. قَوْلُهُ: [بَيْنَ دَفْعِ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ] : أَيْ عَدَدِهَا حَالَّةً أَوْ مُؤَجَّلَةً بِحَيْثُ يَكُونُ رَبُّ الْمَالِ ضَامِنًا لِتِلْكَ الْمِائَةِ فِي ذِمَّتِهِ مَتَى جَاءَ الْأَجَلُ دَفَعَهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ (بْن) . قَوْلُهُ: [خُسْرُهُ] : الْخُسْرُ مَا يَنْشَأُ عَنْ تَحْرِيكٍ كَمَا سَيُوَضِّحُهُ فِي الْمِثَالِ. وَالتَّلَفُ مَا لَا يَنْشَأُ عَنْ تَحْرِيكٍ كَمَا سَيُوَضِّحُهُ فِي الْمِثَالِ أَيْضًا، وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فِي الْقِرَاضِ الصَّحِيحِ أَوْ الْفَاسِدِ الَّذِي فِيهِ قِرَاضُ الْمِثْلِ، وَأَمَّا الَّذِي فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ جَبْرٌ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ.

اشْتَرَى بِهَا شَيْئًا بَاعَهُ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ بِالرِّبْحِ. وَمَا زَادَ بَعْدَ الْجَبْرِ فَبَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَهُ، فَالْعِشْرُونَ فِي الْمِثَالِ هِيَ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ بَاعَهُ بِمِائَةٍ فَقَطْ فَلَا رِبْحَ بَيْنَهُمَا. وَلَوْ دَخَلَا عَلَى عَدَمِ الْجَبْرِ بِالرِّبْحِ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ وَالشَّرْطُ مُلْغًى. (وَ) جُبِرَ أَيْضًا (مَا تَلِفَ) مِنْ الْقِرَاضِ وَأُلْحِقَ بِهِ مَا أَخَذَهُ لِصٌّ أَوْ عَشَّارٌ - (وَإِنْ) وَقَعَ التَّلَفُ (قَبْلَ الْعَمَلِ) بِالْمَالِ: أَيْ قَبْلَ تَحْرِيكِهِ - (بِالرِّبْحِ) : مُتَعَلِّقٌ بِ " جُبِرَ ". وَمَعْنَى جَبْرِهِ بِالرِّبْحِ: أَنَّهُ يُكْمِلُ مِنْهُ مَا نَقَصَهُ بِالْخُسْرِ أَوْ التَّلَفِ، ثُمَّ إنْ زَادَ شَيْءٌ قُسِمَ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ (مَا لَمْ يَقْبِضْ) الْمَالَ مِنْ الْعَامِلِ، فَإِنْ قَبَضَهُ رَبُّهُ نَاقِصًا عَنْ أَصْلِهِ، ثُمَّ رَدَّهُ لَهُ فَلَا يُجْبَرُ بِالرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ صَارَ قِرَاضًا مُؤْتَنَفًا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَبْرَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ، فَلَوْ تَلِفَ جَمِيعُهُ فَأَتَى لَهُ رَبُّهُ بِبَدَلِهِ فَلَا جَبْرَ لِلْأَوَّلِ بِرِبْحِ الثَّانِي. (وَلِرَبِّهِ خَلَفُهُ) : أَيْ خَلَفُ التَّالِفِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا، إلَّا أَنَّهُ إذَا تَلِفَ الْكُلُّ فَأَخْلَفَهُ فَرَبِحَ فِي الثَّانِي فَلَا جَبْرَ كَمَا قَدَّمْنَا. وَإِذَا تَلِفَ الْبَعْضُ فَأَخْلَفَهُ فَيُجْبَرُ الْبَاقِي بِمَا يَنُوبُهُ مِنْ الرِّبْحِ، لَا بِمَا يَنُوبُ الْخَلَفَ. قَالَ اللَّخْمِيُّ: مَنْ ضَاعَتْ لَهُ خَمْسُونَ مِنْ مِائَةٍ فَخَلَفَهَا رَبُّ الْمَالِ، ثُمَّ بَاعَ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَكَانَ قِرَاضًا بِالنِّصْفِ أَنْ يَكُونَ لِلْعَامِلِ اثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٌ؛ لِأَنَّ نِصْفَ السِّلْعَةِ عَلَى الْقِرَاضِ الْأَوَّلِ وَرَأْسُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَمْ يُعْمَلْ بِهِ] : هَذَا هُوَ ظَاهِرُ مَا لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَحَكَى بَهْرَامُ مُقَابِلَهُ عَنْ جَمْعٍ، فَقَالُوا: مَحَلُّ الْجَبْرِ مَا لَمْ يَشْتَرِطَا خِلَافَهُ وَإِلَّا عُمِلَ بِذَلِكَ الشَّرْطِ. قَالَ بَهْرَامُ: وَاخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ إعْمَالُ الشُّرُوطِ لِخَبَرِ: «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» مَا لَمْ يُعَارِضْهُ نَصٌّ - كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ نَقْلًا عَنْ (عب) . قَوْلُهُ: [بِسَمَاوِيٍّ] : أَيْ وَأَمَّا مَا تَلِفَ بِجِنَايَةٍ فَلَا يَجْبُرُهُ الرِّبْحُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُتَّبَعُ بِهِ الْجَانِي، سَوَاءٌ كَانَ أَجْنَبِيًّا أَوْ الْعَامِلَ كَانَتْ الْجِنَايَةُ قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [وَأُلْحِقَ بِهِ مَا أَخَذَهُ لِصٌّ أَوْ عَشَّارٌ] : قَالَ (عب) : حُكْمُ أَخْذِ اللِّصِّ وَالْعَشَّارِ حُكْمُ السَّمَاوِيِّ وَلَوْ عُلِمَا وَقُدِرَ عَلَى الِانْتِصَافِ مِنْهُمَا نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [لَا بِمَا يَنُوبُ الْخَلَفَ] : أَيْ خِلَافًا لِمَا فِي (عب) . قَوْلُهُ: [عَلَى الْقِرَاضِ الْأَوَّلِ] : مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ خَبَرِ إنَّ: أَيْ مَفْضُوضٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَنِصْفُهَا عَلَى الْقِرَاضِ الثَّانِي.

[إنفاق العامل على نفسه من مال القراض]

مَالِهِ مِائَةٌ وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِيهِ، وَنِصْفُهَا عَلَى الْقِرَاضِ الثَّانِي وَرَأْسُ مَالِهِ خَمْسُونَ وَلَهُ نِصْفُ رِبْحِهَا وَلَا يُجْبَرُ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي (انْتَهَى) أَيْ بِمَا يَنُوبُ الثَّانِي مِنْ الرِّبْحِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْجِنَايَةَ وَمَا أَخَذَ رَبُّهُ أَوْ غَيْرُهُ لَا يُجْبَرُ بِرِبْحٍ. (وَأَنْفَقَ) الْعَامِلُ (مِنْهُ) : أَيْ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ: أَيْ يَجُوزُ لَهُ الْإِنْفَاقُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، وَيُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ: أَشَارَ لِأَوَّلِهَا وَثَانِيهَا بِقَوْلِهِ: (إنْ سَافَرَ) بِهِ (لِلتِّجَارَةِ) : أَيْ شَرَعَ فِي السَّفَرِ لِتَنْمِيَةِ الْمَالِ وَلَوْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَرُكُوبٍ وَمَسْكَنٍ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ حَمَّامٍ وَغَسْلِ ثَوْبٍ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ كَمَا يَأْتِي حَتَّى يَرْجِعَ لِوَطَنِهِ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهُ بِالْحَضَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْجِنَايَةَ] إلَخْ: أَيْ فِي قَوْلِهِ: " وَإِنْ جَنَى كُلٌّ أَوْ أَجْنَبِيٌّ أَوْ أَخَذَ شَيْئًا فَالْبَاقِي رَأْسُ الْمَالِ لَا يَجْبُرُهُ رِبْحٌ " إلَخْ. تَنْبِيهٌ: لَا يُجْبَرُ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْخَلَفِ مُطْلَقًا، تَلِفَ كُلُّ الْمَالِ أَوْ بَعْضُهُ قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ. وَإِذَا أَرَادَ الْخَلَفَ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ؛ فَإِنْ تَلِفَ جَمِيعُهُ لَمْ يَلْزَمْ الْعَامِلَ قَبُولُهُ، وَأَمَّا إنْ تَلِفَ بَعْضُهُ فَيَلْزَمُهُ قَبُولُهُ إنْ تَلِفَ الْبَعْضُ بَعْدَ الْعَمَلِ لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخَ. وَحَيْثُ كَانَ لَا يَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ الْخَلَفُ، وَاشْتَرَى الْعَامِلُ سِلْعَةً لِلْقِرَاضِ فَذَهَبَ لِيَأْتِيَ لِبَائِعِهَا بِثَمَنِهَا فَوَجَدَ الْمَالَ قَدْ ضَاعَ، وَأَبَى رَبُّهُ مِنْ الْخَلَفِ لَزِمَتْ السِّلْعَةُ الْعَامِلَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بِيعَتْ وَرِبْحُهَا لَهُ وَخُسْرُهَا عَلَيْهِ - كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْأَصْلِ. مَسْأَلَةٌ: إنْ تَعَدَّدَ الْعَامِلُ، بِأَنْ أَخَذَ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ مَالًا قِرَاضًا، وَعَمِلُوا فِيهِ فُضَّ الرِّبْحُ عَلَى حَسَبِ الْعَمَلِ كَشُرَكَاءِ الْأَبَدَانِ، فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ عَمَلِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَسَاوَوْا فِي الْعَمَلِ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الرِّبْحِ وَعَكْسِهِ. [إنْفَاق الْعَامِل عَلَى نَفْسه مِنْ مَال الْقِرَاض] قَوْلُهُ: [وَيُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ] : أَيْ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ. قَوْلُهُ: [مِنْ طَعَامٍ] إلَخْ: مِنْ بِمَعْنَى فِي مُتَعَلِّقٌ بِأَنْفَقَ. قَوْلُهُ: [وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ] : أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ إنْ سَافَرَ.

قَالَ اللَّخْمِيُّ: مَا لَمْ يَشْغَلْهُ عَنْ الْوُجُوهِ الَّتِي يَقْتَاتُ مِنْهَا، وَإِلَّا فَلَهُ الْإِنْفَاقُ. وَلِثَالِثِهَا بِقَوْلِهِ: (مَا لَمْ يَبْنِ بِزَوْجَةٍ) فِي الْبَلَدِ الَّذِي سَافَرَ لَهُ لِلتِّجَارَةِ. فَإِنْ بَنَى بِهَا سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ مِنْهُ لَا إنْ لَمْ يَبْنِ وَلَوْ دُعِيَ لِلدُّخُولِ. وَهَذَا الشَّرْطُ فِي الْحَقِيقَةِ شَرْطٌ فِي اسْتِمْرَارِ النَّفَقَةِ. وَلِرَابِعِهَا بِقَوْلِهِ: (وَاحْتَمَلَ الْمَالُ) الْإِنْفَاقَ مِنْهُ بِأَنْ يَكُونَ كَثِيرًا عُرْفًا فَلَا نَفَقَةَ فِي الْيَسِيرِ كَالْأَرْبَعِينَ وَالْخَمْسِينَ دِينَارًا خُصُوصًا فِي زَمَنِ الْغَلَاءِ. وَإِذَا جَازَ لَهُ النَّفَقَةُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْفَقَ (ذَهَابًا وَإِيَابًا بِالْمَعْرُوفِ) وَجَازَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: " بِالْمَعْرُوفِ " شَرْطًا، وَبِهِ تَكُونُ الشُّرُوطُ خَمْسَةً. وَالْمُرَادُ بِالْمَعْرُوفِ: مَا يُنَاسِبُ. (لَا لِأَهْلٍ وَكَحَجٍّ) مِنْ الْقُرَبِ كَغَزْوٍ وَرِبَاطٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ، وَالْمُرَادُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَنْ الْوُجُوهِ الَّتِي يَقْتَاتُ مِنْهَا] : أَيْ كَمَا لَوْ كَانَتْ لَهُ صَنْعَةٌ يُنْفِقُ مِنْهَا فَعَطَّلَهَا لِأَجْلِ عَمَلِ الْقِرَاضِ، فَإِنَّ هَذَا قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ - كَمَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ - خِلَافًا لِلتَّتَّائِيِّ الْقَائِلِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ. قَوْلُهُ: [مَا لَمْ يَبْنِ بِزَوْجَةٍ] : أَيْ فَقَطْ لَا سُرِّيَّةٍ قَالَ التُّونُسِيُّ: إنْ تَزَوَّجَ فِي بَلَدٍ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهُ حَتَّى يَدْخُلَ فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ بَلَدَهُ، نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. وَالدَّعْوَى لِلدُّخُولِ لَيْسَتْ مِثْلَهُ فِي إسْقَاطِ النَّفَقَةِ خِلَافًا (لعب) - كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ] : أَيْ وَيَأْتِي هُنَا قَيْدُ اللَّخْمِيِّ. قَوْلُهُ: [فَلَا نَفَقَةَ فِي الْيَسِيرِ] : فَلَوْ كَانَ بِيَدِ الْعَامِلِ مَالَانِ يَسِيرَانِ لِرَجُلَيْنِ، وَيَحْمِلَانِ بِاجْتِمَاعِهِمَا النَّفَقَةَ وَلَا يَحْمِلَانِهَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ، فَرَوَى اللَّخْمِيُّ: أَنَّ لَهُ النَّفَقَةَ. وَالْقِيَاسُ سُقُوطُهَا لِحُجَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنَّهُ دَفَعَ مَا لَا تَجِبُ فِيهِ النَّفَقَةُ (اهـ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا أَعْرِفُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لِغَيْرِهِ، وَلَمْ أَجِدْهَا فِي النَّوَادِرِ، وَهُوَ خِلَافُ أَصْلِ الْمَذْهَبِ فِيمَنْ جَنَى عَلَى رَجُلَيْنِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لَا تَبْلُغُ ثُلُثَ الدِّيَةِ - وَفِي مَجْمُوعِهِمَا مَا يَبْلُغُهُ - أَنَّ ذَلِكَ فِي مَالِهِ لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ (اهـ بْن) . قَوْلُهُ: [وَجَازَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ بِالْمَعْرُوفِ شَرْطًا] : أَيْ مُسْتَقِلًّا وَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ جُعِلَ شَرْطًا مُسْتَقِلًّا أَوْ لَا.

بِالْأَهْلِ: الزَّوْجَةُ، لَا الْأَقَارِبُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِسَفَرِهِ لَهُمْ صِلَةَ الرَّحِمِ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ. وَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْكَافِ فِي قَوْلِنَا: " وَكَحَجٍّ " أَيْ: لَا إنْ سَافَرَ لِزَوْجَةٍ بِبَلَدٍ وَلَا إنْ سَافَرَ لِقُرْبَةٍ كَحَجٍّ، وَهَذَا مُحْتَرَزُ الشَّرْطِ الثَّانِي أَيْ قَوْلُنَا: " لِلتِّجَارَةِ ". وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الْإِنْفَاقُ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَمَا كَانَ لِلَّهِ لَا يُشْرَكُ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: " مَا لَمْ يَبْنِ بِزَوْجَةٍ " وَمِنْ قَوْلِهِ: " لَا لِأَهْلٍ "، أَنَّهُ لَوْ سَافَرَ لِلتِّجَارَةِ بِزَوْجَتِهِ أَنَّ لَهُ النَّفَقَةَ أَيْ عَلَى نَفْسِهِ فَقَطْ فِي سَفَرِهِ ذَهَابًا وَإِيَابًا. وَأَمَّا فِي إقَامَتِهِ مَعَهَا فِي بَلَدِ التِّجَارَةِ، فَهَلْ لَهُ النَّفَقَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ دَوَامَهُ مَعَهَا لَيْسَ كَالِابْتِدَاءِ أَمْ لَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَنَى بِهَا فِي هَذَا الْبَلَدِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّوَامَ كَالِابْتِدَاءِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْأَوَّلِ، ثُمَّ إنَّ كُلَّ مَنْ سَافَرَ لِقُرْبَةٍ لَا نَفَقَةَ لَهُ فِي رُجُوعِهِ بِبَلَدٍ لَا قُرْبَةَ بِهِ، بِخِلَافِ مَنْ سَافَرَ لِزَوْجَتِهِ فَلَهُ النَّفَقَةُ فِي رُجُوعِهِ لِبَلَدٍ لَيْسَ بِهِ أَهْلٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا أَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْقُرْبَةِ قُرْبَةٌ وَلَا كَذَلِكَ الرُّجُوعُ مِنْ عِنْدِ الْأَهْلِ. وَقَوْلُنَا: " وَأَنْفَقَ مِنْهُ " فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ النَّفَقَةَ تَكُونُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ لَا فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْمَالِ، حَتَّى لَوْ ضَاعَ الْمَالُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى رَبِّهِ شَيْءٌ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ: فِي الْمَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا الْأَقَارِبُ] : أَيْ فَالْأَقَارِبُ غَيْرُ الزَّوْجَةِ - مِنْ أُمٍّ وَأَبٍ وَنَحْوِهِمَا - إنْ كَانَ قَاصِدًا بَلَدَهُمْ لِلتِّجَارَةِ لَا لِلصِّلَةِ فَلَهُ الْإِنْفَاقُ مِنْ الْمَالِ. بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ وَالْحَجِّ وَالْغَزْوِ، وَمَتَى قَصَدَ مَا ذُكِرَ فَلَا يُنْفِقُ وَلَوْ قَاصِدًا مَعَهُ التِّجَارَةَ. قَوْلُهُ: [وَمَا كَانَ لِلَّهِ لَا يُشْرَكُ مَعَهُ غَيْرُهُ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ تَابِعًا أَوْ مَتْبُوعًا فَلَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَكِنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَا يَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ لِلسَّفَرِ لِلزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهُ لِحَقِّ مَخْلُوقٍ لَا لِلَّهِ. قَوْلُهُ: [أَمْ لَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَنَى بِهَا] إلَخْ: أَيْ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَنَى بِزَوْجَةٍ فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْأَوَّلِ] : أَيْ أَنَّ الدَّوَامَ لَيْسَ كَالِابْتِدَاءِ فَلَهُ الْإِنْفَاقُ عَلَى نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: [لَيْسَ بِهِ أَهْلٌ] : أَيْ زَوْجَةٌ. قَوْلُهُ: [وَلَا كَذَلِكَ الرُّجُوعُ مِنْ عِنْدِ الْأَهْلِ] : أَيْ فَلَا يُقَالُ لَهُ قُرْبَةٌ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ مَخْلُوقٍ. قَالَ الْخَرَشِيُّ: فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ مَنْ سَافَرَ لِبَلَدٍ وَمَرَّ بِمَكَّةَ

فَلَا إهْمَالَ، ثُمَّ إذَا أَنْفَقَ الْعَامِلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقَهُ فِي الْمَالِ، وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ. (وَاسْتَخْدَمَ) الْعَامِلُ: أَيْ اتَّخَذَ لَهُ خَادِمًا يَخْدُمُهُ بِأُجْرَةٍ مِنْ الْمَالِ (إنْ تَأَهَّلَ) لِلْإِخْدَامِ: أَيْ كَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهِيَ إنْ سَافَرَ لِتَنْمِيَةِ الْمَالِ وَلَمْ يَبْنِ بِزَوْجَتِهِ، وَاحْتَمَلَ الْمَالُ الْإِنْفَاقَ مِنْهُ. (وَاكْتَسَى) مِنْهُ زِيَادَةً عَلَى النَّفَقَةِ (إنْ طَالَ) زَمَنُ سَفَرِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا. وَالطُّولُ بِالْعُرْفِ. وَهُوَ مَا يُمْتَهَنُ بِهِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ أَيْ مَعَ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ، فَالطُّولُ شَرْطٌ زَائِدٌ عَلَيْهَا. (وَوُزِّعَ) مَا يُنْفِقُهُ (إنْ خَرَجَ) الْعَامِلُ (لِحَاجَةٍ) أُخْرَى غَيْرِ الْأَهْلِ وَالْقُرْبَةِ مَعَ الْخُرُوجِ لِلتِّجَارَةِ بِالْقِرَاضِ. فَإِذَا كَانَ مَا يُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي عَمَلِ الْقِرَاضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِكَوْنِهَا بِطَرِيقِهِ وَقَصْدُهُ - الْحَجُّ أَيْضًا - فَإِنَّ لَهُ النَّفَقَةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ النُّسُكِ وَتَوَجُّهِهِ لِبَلَدِ التِّجَارَةِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [فَلَا إهْمَالَ] : أَيْ فِي كَلَامِنَا وَلَا فِي كَلَامِ الشَّيْخِ. قَوْلُهُ: [وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ: " أَوْ قَالَ أَنْفَقْتُ مِنْ غَيْرِهِ ". قَوْلُهُ: [بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ] : مَا ذَكَرَهُ مِنْ اعْتِبَارِ الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الِاسْتِخْدَامِ تَبِعَ فِيهِ الشَّيْخَ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيَّ وَهُوَ الظَّاهِرُ، كَمَا قَالَ (بْن) بِدَلِيلِ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: الْخِدْمَةُ أَخَصُّ مِنْ النَّفَقَةِ وَكُلُّ مَا كَانَ شَرْطًا فِي الْأَعَمِّ فَهُوَ شَرْطٌ فِي الْأَخَصِّ، خِلَافًا (لعب) . قَوْلُهُ: [إنْ طَالَ زَمَنُ سَفَرِهِ] : أَيْ فِي الطَّرِيقِ أَوْ طَالَتْ إقَامَتُهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي سَافَرَ إلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي كَوْنِ الْبِضَاعَةِ كَالْقِرَاضِ فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَسُقُوطِهِمَا فِيهَا. ثَالِثُهَا: الْكَرَاهَةُ لِسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَالَ اللَّخْمِيُّ: الْعَادَةُ الْيَوْمَ لَا نَفَقَةَ وَلَا كِسْوَةَ فِيهَا، بَلْ إمَّا أَنْ يَعْمَلَ مُكَارَمَةً فَلَا نَفَقَةَ لَهُ أَوْ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ لَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهَا (اهـ بْن) . قَوْلُهُ: [عَلَيْهَا] : أَيْ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ. قَوْلُهُ: [فَإِذَا كَانَ مَا يُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِهِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الشَّارِحَ ذَكَرَ طَرِيقَتَيْنِ فِي التَّوْزِيعِ: الْأُولَى: أَنَّ مَا يُنْفِقُهُ يُوَزَّعُ عَلَى مَا شَأْنُهُ أَنْ يُنْفَقَ فِي الْقِرَاضِ، وَعَلَى مَا شَأْنُهُ أَنْ يُنْفَقَ فِي الْحَاجَةِ، وَهَذَا مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْعُوفِيُّ.

مِائَةً، وَمَا يُنْفِقُهُ فِي ذَهَابِهِ لِلْحَاجَةِ مِائَةً، فَأَنْفَقَ مِائَةً، وُزِّعَتْ عَلَى الْقِرَاضِ وَالْحَاجَةِ مُنَاصَفَةً. وَلَوْ كَانَ مَا يُنْفِقُهُ فِي الْقِرَاضِ مِائَةً وَفِي الْحَاجَةِ خَمْسِينَ فَأَنْفَقَ مِائَةً، وُزِّعَتْ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ وَقِيلَ: يَنْظُرُ مَا بَيْنَ مَالِ الْقِرَاضِ، وَمَا يُنْفِقُهُ فِي الْحَاجَةِ وَيُوَزِّعُ مَا أَنْفَقَ عَلَى قَدْرِهِمَا هَذَا إذَا أَخَذَ الْقِرَاضَ قَبْلَ اكْتِرَائِهِ وَتَزَوُّدِهِ لِلْحَاجَةِ بَلْ. (وَلَوْ) أَخَذَهُ (بَعْدَ تَزَوُّدِهِ وَاكْتِرَائِهِ لَهَا) : أَيْ لِلْحَاجَةِ - كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ - قَالَ فِيهَا: إنْ خَرَجَ فِي حَاجَةٍ لِنَفْسِهِ فَأَعْطَاهُ رَجُلٌ قِرَاضًا فَلَهُ أَنْ يَفُضَّ النَّفَقَةَ عَلَى مَبْلَغِ قِيمَةِ نَفَقَتِهِ وَمَبْلَغِ الْقِرَاضِ (اهـ) وَلَا يُعَوَّلُ عَلَى قَوْلِ اللَّخْمِيِّ: مَنْ أَخَذَ قِرَاضًا، وَكَانَ خَارِجًا لِحَاجَتِهِ فَمَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ لَا شَيْءَ لَهُ كَمَنْ خَرَجَ إلَى أَهْلِهِ (اهـ) . وَلَعَلَّ الْفَرْقَ عَلَى مَا فِيهَا أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الْقِرَاضِ وَالْحَاجَةِ قَصْدَ تَحْصِيلِ غَرَضٍ فِيهِ قُرْبَةٌ بِخِلَافِ الْأَهْلِ. (وَلِكُلٍّ) مِنْ رَبِّ الْمَالِ وَالْعَامِلِ (فَسْخُهُ قَبْلَ) الشُّرُوعِ فِي (الْعَمَلِ) : أَيْ شِرَاءِ السِّلَعِ بِالْمَالِ (وَلِرَبِّهِ) فَقَطْ الْفَسْخُ (إنْ تَزَوَّدَ) الْعَامِلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّانِيَةُ: أَنَّ التَّوْزِيعَ يَكُونُ عَلَى مَا شَأْنُهُ أَنْ يُنْفَقَ فِي الْحَاجَةِ وَمَبْلَغِ مَالِ الْقِرَاضِ، وَهَذَا مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ وَنَحْوَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالتَّوْضِيحِ - كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [فَمَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ] : أَيْ وَارْتَضَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: وَمَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ خِلَافُ نَصِّهَا. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْأَهْلِ] : هَذَا الْفَرْقُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَهْلِ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ: الْأَقَارِبُ الَّذِينَ قَصَدَ صِلَتَهُمْ لَا الزَّوْجَةُ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لَهَا لَا يُسَمَّى قُرْبَةً لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ السَّابِقِ - فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [فَسْخُهُ] : أَيْ فَسْخُ عَقْدِ الْقِرَاضِ. وَالْمُرَادُ بِالْفَسْخِ التَّرْكُ: وَالرُّجُوعُ عَنْهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ فَرْعُ الْفَسَادِ وَهُوَ غَيْرُ فَاسِدٍ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ] : أَيْ وَقَبْلَ التَّزَوُّدِ لَهُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [وَلِرَبِّهِ فَقَطْ] : إنَّمَا كَانَ لِرَبِّهِ فَقَطْ دُونَ الْعَامِلِ عِنْدَ التَّزَوُّدِ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّدَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَامِلِ عَمَلٌ فَيَلْزَمُهُ تَمَامُهُ.

[العامل أمين في القراض]

مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ (وَلَمْ يَظْعَنْ) : أَيْ يَشْرَعْ فِي السَّفَرِ. وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ حِينَئِذٍ فَسْخٌ بَلْ الْكَلَامُ لِرَبِّ الْمَالِ، إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ لَهُ الْعَامِلُ غُرْمَ مَا اشْتَرَى بِهِ الزَّادَ. فَإِنْ تَزَوَّدَ الْعَامِلُ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ الْفَسْخُ لَا لِرَبِّ الْمَالِ، إلَّا أَنْ يَدْفَعَ لَهُ مَا غَرِمَهُ فِي الزَّادِ. (وَإِلَّا) بِأَنْ عَمِلَ فِي الْحَضَرِ أَوْ ظَعَنَ فِي السَّفَرِ (فَلِنَضُوضِهِ) : أَيْ الْمَالِ بِبَيْعِ السِّلَعِ، وَلَا كَلَامَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي فَسْخِهِ. (وَإِنْ اسْتَنَضَّهُ أَحَدُهُمَا) أَيْ طَلَبَ نَضُوضَهُ بِبَيْعِ سِلْعَةٍ لِيَظْهَرَ الْمَالُ، وَطَلَبَ الْآخَرُ الصَّبْرَ لِغَرَضٍ كَزِيَادَةِ رِبْحٍ (نَظَرَ الْحَاكِمُ) فِيمَا هُوَ الْأَصْلَحُ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى نَضُوضِهِ جَازَ كَمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى قِسْمَةِ الْعُرُوضِ بِالْقِيمَةِ. (وَالْعَامِلُ أَمِينٌ؛ فَالْقَوْلُ لَهُ فِي) دَعْوَى (تَلَفِهِ) أَيْ الْمَالِ (وَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَمْ يَظْعَنْ] : هُوَ بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَالَةِ مَعْنَاهُ الشُّرُوعُ فِي السَّفَرِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ قَالَ الشَّاعِرُ: أَقَاطِنٌ قَوْمُ سَلْمَى أَمْ نَوَوْا ظَعَنَا ... إنْ يَظْعَنُوا فَعَجِيبٌ عَيْشُ مَنْ قَطَنَا قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ لَهُ] إلَخْ: حَاصِلُهُ: أَنَّ تَزَوُّدَ الْعَامِلِ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ يَمْنَعُهُ مِنْ حَلِّ الْعَقْدِ مَا لَمْ يَدْفَعْ لِرَبِّ الْمَالِ عِوَضَهُ، وَلَا يُمْنَعُ رَبُّ الْمَالِ مِنْهُ، وَتَزَوُّدُهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَهُ حَلُّ الْعَقْدِ، وَيُمْنَعُ رَبُّ الْمَالِ مِنْهُ مَا لَمْ يَدْفَعْ لَهُ عِوَضَهُ؛ هَذَا مَا يُفِيدُهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلتَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ كَمَا فِي (بْن) خِلَافًا لِمَا فِي (عب) قَوْلُهُ: [فَلِنَضُوضِهِ] : أَيْ فَيَبْقَى الْمَالُ تَحْتَ يَدِ الْعَامِلِ لِنَضُوضِهِ أَيْ خُلُوصِهِ بِبَيْعِ السِّلَعِ. قَوْلُهُ: [فِيمَا هُوَ الْأَصْلَحُ] : أَيْ مِنْ تَعْجِيلٍ أَوْ تَأْخِيرٍ فَيُحْكَمُ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَاكِمٌ فَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ، وَيَكْفِي مِنْهُمْ اثْنَانِ وَاسْتَظْهَرَ فِي الْحَاشِيَةِ كِفَايَةَ وَاحِدٍ عَارِفٍ يَرْضَيَانِهِ. تَنْبِيهٌ: إنْ مَاتَ الْعَامِلُ قَبْلَ النَّضُوضِ فَلِوَارِثِهِ الْأَمِينِ أَنْ يُكْمِلَهُ عَلَى حُكْمِ مَا كَانَ مُوَرِّثُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِينًا أَتَى بِأَمِينٍ كَالْأَوَّلِ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ سَلَّمَهُ لِرَبِّهِ هَدَرًا مِنْ غَيْرِ رِبْحٍ وَلَا أُجْرَةٍ كَمَا أَفَادَهُ الْأَصْلُ. [الْعَامِلُ أَمِينٌ فِي الْقِرَاضِ] قَوْلُهُ: [فَالْقَوْلُ لَهُ فِي دَعْوَى تَلَفِهِ] : وَكَذَا الْقَوْلُ لَهُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِمَالِ

دَعْوَى (خُسْرِهِ وَرَدِّهِ) لِرَبِّهِ بِيَمِينٍ فِي الْكُلِّ مَا لَمْ تَقُمْ عَلَى كَذِبِهِ قَرِينَةٌ أَوْ بَيِّنَةٌ (إنْ قَبَضَهُ بِلَا بَيِّنَةِ تَوَثُّقٍ) : هَذَا شَرْطٌ فِي دَعْوَى رَدِّهِ فَقَطْ؛ أَيْ ادَّعَى رَدَّهُ لِرَبِّهِ فَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ بِيَمِينٍ إنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلتَّوَثُّقِ بِهَا خَوْفَ دَعْوَى الرَّدِّ بِأَنْ قَبَضَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ أَصْلًا أَوْ بَيِّنَةٍ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا التَّوَثُّقَ، فَإِنْ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ قَصَدَ رَبُّ الْمَالِ بِهَا التَّوَثُّقَ خَوْفًا مِنْ دَعْوَاهُ الرَّدَّ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِهِ. (أَوْ قَالَ) الْعَامِلُ: هُوَ (قِرَاضٌ وَ) قَالَ (رَبُّهُ) : هُوَ (بِضَاعَةٌ) عِنْدَك لِتَشْتَرِيَ لِي بِهِ سِلْعَةَ كَذَا (بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ. وَعَكْسِهِ) : فَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ فِيهِمَا. " وَالْوَاوُ " بِمَعْنَى " أَوْ ". (أَوْ قَالَ) الْعَامِلُ (أَنْفَقْت) عَلَى نَفْسِي فِي السَّفَرِ (مِنْ غَيْرِهِ) فَلِي الرُّجُوعُ بِهِ فِي الْمَالِ، فَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ وَيَرْجِعُ بِمَا ادَّعَى، رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ، كَانَ يُمْكِنُهُ الْإِنْفَاقُ مِنْهُ أَمْ لَا بِيَمِينٍ حَيْثُ أَشْبَهَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِرَاضِ إلَى الْآنَ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ (ح) كَذَا فِي (بْن) وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْعَامِلِ فِي التَّلَفِ وَالْخُسْرِ يَجْرِي فِي الْقِرَاضِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ. قَوْلُهُ: [بِيَمِينٍ] : هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ. وَقِيلَ: بِغَيْرِ يَمِينٍ. وَالْخُلْفُ جَارٍ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَيْمَانِ التُّهْمَةِ، وَفِيهَا أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ: قِيلَ: تَتَوَجَّهُ مُطْلَقًا - وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ - وَقِيلَ: لَا مُطْلَقًا، وَقِيلَ: تَتَوَجَّهُ إنْ كَانَ مُتَّهَمًا عِنْدَ النَّاسِ وَإِلَّا فَلَا - كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [قَرِينَةٌ] : أَيْ بِأَنْ سُئِلَ تُجَّارُ بَلَدِ تِلْكَ السِّلَعِ هَلْ خَسِرَتْ فِي زَمَانِ كَذَا التِّجَارَةُ الْفُلَانِيَّةُ فَقَالُوا لَا نَعْلَمُ خَسَارَةَ تُجَّارٍ فِي تِلْكَ السِّلَعِ. قَوْلُهُ: [فِي دَعْوَى رَدِّهِ] : مَحَلُّ كَوْنِ الْقَوْلِ فِي دَعْوَى رَدِّهِ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا ادَّعَى الْعَامِلُ رَدَّ رَأْسِ الْمَالِ وَجَمِيعِ الرِّبْحِ حَيْثُ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ، فَإِنْ ادَّعَى رَأْسَ الْمَالِ فَقَطْ مُقِرًّا بِبَقَاءِ رِبْحِ جَمِيعِهِ بِيَدِهِ أَوْ بِبَقَاءِ رِبْحِ الْعَامِلِ فَقَطْ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، وَقُبِلَ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ وَقَالَ الْقَابِسِيُّ: يُقْبَلُ إنْ ادَّعَى رَدَّ رَأْسِهِ مَعَ حَظِّ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ، وَأَمَّا لَوْ ادَّعَى رَدَّ رَأْسِ الْمَالِ فَقَطْ مَعَ بَقَاءِ جَمِيعِ الرِّبْحِ بِيَدِهِ فَلَا يُقْبَلُ وِفَاقًا لِلْمُدَوَّنَةِ. قَوْلُهُ: [فَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ فِيهِمَا] : أَيْ إنْ كَانَتْ الْمُنَازَعَةُ بَعْدَ الْعَمَلِ الْمُوجِبِ لِلُزُومِ الْقِرَاضِ، وَأَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ يَعْمَلُ فِي الْقِرَاضِ، وَمِثْلُ الْمَالِ يُدْفَعُ قِرَاضًا وَأَنْ يَزِيدَ

(وَ) الْقَوْلُ لَهُ (فِي جُزْءِ الرِّبْحِ) بِأَنْ ادَّعَى النِّصْفَ فِيهِ، وَادَّعَى رَبُّهُ الثُّلُثَ مَثَلًا فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينٍ (إنْ أَشْبَهَ) ، أَشْبَهَ رَبُّهُ أَمْ لَا. (وَالْمَالُ) : أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي يَدَّعِيهِ - وَلَوْ ذَلِكَ الْجُزْءَ خَاصَّةً - (بِيَدِهِ أَوْ وَدِيعَةٌ) عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ بَلْ (وَإِنْ عِنْدَ رَبِّهِ) ثَبَتَ إيدَاعُهُ عِنْدَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ مِنْهُ، فَإِنْ أَنْكَرَ وَلَا بَيِّنَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ. وَهَذَانِ الشَّرْطَانِ يَرْجِعَانِ لِمَسْأَلَةِ الْإِنْفَاقِ أَيْضًا. (وَ) الْقَوْلُ (لِرَبِّهِ) : أَيْ الْمَالِ (إنْ انْفَرَدَ) فِي دَعْوَى جُزْءِ الرِّبْحِ (بِالشَّبَهِ) . وَتَقَدَّمَ أَنَّهُمَا إذَا لَمْ يُشْبِهَا مَعًا فَفِيهِ قِرَاضُ الْمِثْلِ (أَوْ قَالَ) رَبُّ الْمَالِ: إنَّهُ (قَرْضٌ) : أَيْ سَلَفٌ عِنْدَك (فِي) ادِّعَاءِ (قِرَاضٍ أَوْ وَدِيعَةٍ) مِنْ الْآخَرِ، فَالْقَوْلُ لِرَبِّهِ بِيَمِينٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ تَصْدِيقُ الْمَالِكِ فِي كَيْفِيَّةِ خُرُوجِ مَالِهِ مِنْ يَدِهِ. (أَوْ) تَنَازَعَا (فِي جُزْءٍ) مِنْ الرِّبْحِ (قَبْلَ الْعَمَلِ) الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ اللُّزُومُ. فَالْقَوْلُ لِرَبِّهِ بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّ لَهُ فَسْخَهُ عَنْ نَفْسِهِ (مُطْلَقًا) أَشْبَهَ أَمْ لَا. (وَ) الْقَوْلُ (لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ) مِنْهُمَا: أَيْ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى مَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ، إذْ هُوَ الْأَصْلُ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ غَلَبَ الْفَسَادُ - وَقِيلَ: إنْ غَلَبَ الْفَسَادُ فَالْقَوْلُ لِمَنْ ادَّعَى الْفَسَادَ: فَإِذَا قَالَ أَحَدُهُمَا: كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَرْضًا. أَوْ: شَرَطْنَا مَا يَقِلُّ وُجُودُهُ، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ كَانَ نَقْدًا، أَوْ: مَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQجُزْءُ الرِّبْحِ عَلَى أُجْرَةِ الْبِضَاعَةِ، وَإِنَّمَا قُبِلَ قَوْلُ الْعَامِلِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّ الْمَالِ يَرْجِعُ لِلِاخْتِلَافِ فِي جُزْءِ الرِّبْحِ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْعَامِلِ إذَا كَانَ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ الْعَمَلِ. قَوْلُهُ: [وَالْقَوْلُ لَهُ فِي جُزْءِ الرِّبْحِ] : أَيْ إنْ كَانَ التَّنَازُعُ بَعْدَ الْعَمَلِ لَا قَبْلَهُ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ تَصْدِيقُ الْمَالِكِ] : أَيْ وَلِأَنَّ الْعَامِلَ يَدَّعِي عَدَمَ ضَمَانِ مَا وَضَعَ عَلَيْهِ يَدَهُ، وَالْأَصْلُ فِي وَضْعِ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ الضَّمَانُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى الْقَرْضَ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: [وَظَاهِرُهُ وَلَوْ غَلَبَ الْفَسَادُ] : أَيْ؛ لِأَنَّ هَذَا الْبَابَ لَيْسَ مِنْ الْأَبْوَابِ الَّتِي يَغْلِبُ فِيهَا الْفَسَادُ وَهَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ.

[مات وعنده قراض]

فَالْقَوْلُ لَهُ دُونَ الْآخَرِ وَهَكَذَا فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الشُّرُوطِ. (وَمَنْ مَاتَ وَقِبَلَهُ) : أَيْ جِهَتَهُ وَعِنْدَهُ (قِرَاضٌ أَوْ وَدِيعَةٌ) : أَوْ بِضَاعَةٌ، فَإِنْ وُجِدَ فِي تَرِكَتِهِ بِعَيْنِهِ وَثَبَتَ أُخِذَ بِعَيْنِهِ وَ (أُخِذَ مِنْ تَرِكَتِهِ) الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ (إنْ لَمْ يُوجَدْ) بِعَيْنِهِ، لِاحْتِمَالِ إنْفَاقِهِ أَوْ تَلَفِهِ بِتَفْرِيطِهِ. فَإِنْ ادَّعَى وَارِثُهُ أَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ رَدَّهُ أَوْ تَلِفَ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ: فَقَالَ الْعَوْفِيُّ: قُبِلَ قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: هَذَا خَطَأٌ، وَمُجَرَّدُ قَوْلِ الْوَارِثِ مَا ذُكِرَ لَا يُقْبَلُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْقَوْلِ. (وَتَعَيَّنَ بِوَصِيَّةٍ) بِأَنْ أَفْرَزَهُ، وَقَالَ: هَذَا قِرَاضُ فُلَانٍ، أَوْ وَدِيعَةٌ. (وَقُدِّمَ) إذَا أَوْصَى بِهِ (عَلَى الْغُرَمَاءِ) أَيْ عَلَى دُيُونِهِمْ الثَّابِتَةِ (فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ) بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ فَقَوْلُهُ: " فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ " مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ: تَقْدِيرُهُ: الثَّابِتَةُ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي التَّوْضِيحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الشُّرُوطِ] : أَيْ فَمَتَى ادَّعَى أَحَدُهُمَا مَسْأَلَةً مُسْتَوْفِيَةً لِلشُّرُوطِ وَادَّعَى الْآخَرُ اخْتِلَالَ بَعْضِ الشُّرُوطِ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مُدَّعِي الصِّحَّةَ إلَّا لِبَيِّنَةٍ مِنْ الْآخَرِ عَلَى دَعْوَاهُ. [مَاتَ وَعِنْدَهُ قِرَاضٌ] قَوْلُهُ: [وَمَنْ مَاتَ] : أَيْ أَوْ أُسِرَ أَوْ فُقِدَ وَمَضَتْ عَلَيْهِ مُدَّةُ التَّعْمِيرِ. قَوْلُهُ: [قُبِلَ قَوْلُهُ] : أَيْ لِأَنَّهُ نَزَلَ مَنْزِلَةَ مُوَرِّثِهِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إنْ ادَّعَى أَنَّ مُوَرِّثَهُ رَدَّهَا، وَأَمَّا لَوْ ادَّعَى الْوَارِثُ أَنَّ الرَّدَّ مِنْهُ فَلَا يُقْبَلُ اتِّفَاقًا، وَتَقَدَّمَ فِي الْوَدِيعَةِ زِيَادَةُ بَيَانٍ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ قَوْلُ الْعَوْفِيِّ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي تَقَدَّمَ هُنَاكَ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ أَفْرَزَهُ] : أَيْ عَيَّنَهُ، فَقَوْلُهُ: " وَقَالَ هَذَا قِرَاضُ فُلَانٍ " بَيَانٌ لِمَعْنَى الْإِفْرَازِ. قَوْلُهُ: [وَقُدِّمَ إذَا أَوْصَى بِهِ] إلَخْ: هَذَا إذَا وُجِدَ ذَلِكَ الْمَالُ الْمُفْرَزُ وَكَانَ الْمَيِّتُ الَّذِي عَيَّنَهُ غَيْرَ مُفْلِسٍ، كَانَ التَّعْيِينُ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَصْلِهِ أَمْ لَا. وَأَمَّا إنْ كَانَ مُفْلِسًا قُبِلَ تَعْيِينُهُ لَهُ إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَصْلِهِ سَوَاءٌ عَيَّنَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بِأَصْلِهِ لَا يُقْبَلُ تَعْيِينُهُ كَانَ صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا. وَأَمَّا إنْ عَيَّنَهُ بِالْوَصِيَّةِ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ الَّذِي عَيَّنَهُ، فَلَا شَيْءَ لِرَبِّهِ؛ بِخِلَافِ مَا أَوْصَى بِهِ مُجْمَلًا، وَلَمْ يُعَيِّنْهُ فَإِنَّهُ إنْ وَجَدَهُ رَبُّهُ أَخَذَهُ وَإِلَّا حَاصَصَ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ. وَفِي الْأُجْهُورِيِّ: لَوْ أَقَرَّ الْعَامِلُ بِكِرَاءِ حَانُوتٍ أَوْ أُجْرَةِ أَجِيرٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ بِبَقِيَّةِ ثَمَنٍ أَوْ نَحْوَ

[حكم الهبة أو التولية لسلعة من مال القراض]

(وَلَيْسَ لِعَامِلٍ) : أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ (هِبَةٌ) لِغَيْرِ ثَوَابٍ، وَلَوْ لِاسْتِئْلَافٍ إنْ كَثُرَ (أَوْ تَوْلِيَةٌ) لِسِلْعَةٍ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، بِأَنْ يُعْطِيَهَا لِغَيْرِهِ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَى إذَا لَمْ يَخَفْ رُخْصَهَا، وَإِلَّا جَازَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْتِيَ بِطَعَامٍ كَغَيْرِهِ لِلْأَكْلِ مَا لَمْ يَقْصِدْ التَّفْضِيلَ عَلَى غَيْرِهِ بِزِيَادَةٍ لَهَا بَالٌ، وَإِلَّا مُنِعَ وَتَحَلَّلَ رَبَّ الْقِرَاضِ. فَإِنْ لَمْ يُسَامِحْهُ كَافَأَهُ وَفِي هَذَا الْقَدْرِ كِفَايَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بَابٌ فِي الْمُسَاقَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ فَيَلْزَمُ مَالُ الْقِرَاضِ إنْ كَانَ إقْرَارُهُ قَبْلَ الْمُفَاضَلَةِ لَا بَعْدَهَا فَفِي جُزْئِهِ مَا عَلَيْهِ فَقَطْ. وَسُئِلَ الْأُجْهُورِيُّ: عَنْ عَامِلِ قِرَاضٍ أَرْسَلَ سِلَعًا لِأَبِيهِ فَأَخَذَهَا رَبُّ الْمَالِ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَ أَنَّهَا مِنْ سِلَعِ الْقِرَاضِ، وَأُسِرَ الْعَامِلُ فَجَاءَ مِنْهُ كِتَابٌ بِأَنَّ مَالَ الْقِرَاضِ عِنْدَهُ، وَأَنَّ السِّلَعَ مِنْ غَيْرِهِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْعَامِلَ يُصَدَّقُ لِكَوْنِهِ أَمِينًا وَلَا يُنْظَرُ لِلتُّهْمَةِ وَإِقْرَارُ أَبِيهِ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْإِنْسَانِ لَا يَسْرِي عَلَى غَيْرِهِ (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . [حُكْمُ الْهِبَةِ أَوْ التَّوْلِيَة لِسِلْعَةٍ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ] قَوْلُهُ: [إنْ كَثُرَ] : أَيْ وَأَمَّا هِبَةُ الْقَلِيلِ - كَدَفْعِ لُقْمَةٍ لِسَائِلٍ وَنَحْوَهَا - فَجَائِزٌ. كَمَا يَجُوزُ هِبَةُ الثَّوَابِ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرِيكِ وَعَامِلِ الْقِرَاضِ - حَيْثُ جَازَ لِلْأَوَّلِ هِبَةُ الْكَثِيرِ لِلِاسْتِئْلَافِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ دُونَ الثَّانِي - أَنَّ الْعَامِلَ رُجِّحَ فِيهِ أَنَّهُ أَجِيرٌ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ شَرِيكٌ مَرْجُوحٌ، وَحِينَئِذٍ فَالشَّرِيكُ أَقْوَى مِنْ الْعَامِلِ. قَوْلُهُ: [مَا لَمْ يَقْصِدْ التَّفْضِيلَ عَلَى غَيْرِهِ] : ظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لَهَا بِ " الـ "، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهَا التَّفْضِيلَ الْجَوَازُ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. بَلْ الْمَدَارُ عَلَى زِيَادَةٍ لَا تَسْمَحُ بِهَا النُّفُوسُ عَادَةً. قَوْلُهُ: [كَافَأَهُ] : أَيْ يُعَوِّضُهُ عَلَى قَدْرِ مَا أَكَلَهُ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ.

[باب في المساقاة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْمُسَاقَاةِ] [تَعْرِيف الْمُسَاقَاة] بَابٌ: هِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ أُصُولٍ أَرْبَعَةٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ: الْأَوَّلُ: الْإِجَارَةُ بِالْمَجْهُولِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الثَّمَرَةِ مَثَلًا مَجْهُولٌ. الثَّانِي: كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا فِيمَا إذَا جُعِلَ لِلْعَامِلِ جُزْءٌ مِنْ الْبَيَاضِ وَالْبَذْرُ عَلَيْهِ. الثَّالِثُ: بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا بَلْ قَبْلَ وُجُودِهَا. الرَّابِعُ: الْغَرَرُ لِأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَدْرِي أَتَسْلَمُ الثَّمَرَةُ أَمْ لَا وَعَلَى تَقْدِيرِ سَلَامَتِهَا لَا يَدْرِي كَيْفَ يَكُونُ مِقْدَارُهَا. وَبَعْضُهُمْ زَادَ بَيْعَ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ نَسِيئَةً إذَا كَانَ الْعَامِلُ يَغْرَمُ طَعَامَ الدَّوَابِّ وَالْأُجَرَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ عَنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ طَعَامًا بَعْدَ مُدَّةٍ: وَالدَّيْنُ بِالدَّيْنِ: لِأَنَّ الْمَنَافِعَ وَالثِّمَارَ كِلَاهُمَا غَيْرُ مَقْبُوضٍ فَتَكُونُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ أُصُولٍ سِتَّةٍ. وَالْأَصْلُ فِيهَا مُعَامَلَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ خَيْبَرَ، وَلِدَاعِيَةِ الضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ. وَلَفْظُهَا: مُفَاعَلَةٌ إمَّا مِنْ الَّتِي تَكُونُ لِلْوَاحِدِ - وَهُوَ قَلِيلٌ - نَحْوَ سَافَرَ وَعَافَاهُ اللَّهُ، أَوْ يُلَاحَظُ الْعَقْدُ - وَهُوَ مِنْهُمَا - فَيَكُونُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْمُتَعَلَّقِ - بِالْفَتْحِ - وَهُوَ الْمُسَاقَاةُ عَلَى الْمُتَعَلِّقِ - بِالْكَسْرِ - وَهُوَ الْعَقْدُ، وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ، وَإِلَّا فَهَذِهِ الصِّيغَةُ تَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَامِلِ وَالْمَالِكِ يَسْقِي لِصَاحِبِهِ كَالْمُضَارَبَةِ وَالْمُقَاتَلَةِ وَنَحْوِهَا. وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ: مُتَعَلَّقُ الْعَقْدِ وَهُوَ الْأَشْجَارُ وَسَائِرُ الْأُصُولِ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الشُّرُوطِ الْآتِي بَيَانُهَا.

(الْمُسَاقَاةُ) عُرْفًا - وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ سَقْيِ الثَّمَرَةِ - لِأَنَّهُ مُعْظَمُهَا: (عَقْدٌ) مِنْ رَبِّ الْحَائِطِ أَوْ الزَّرْعِ مَعَ غَيْرِهِ، (عَلَى الْقِيَامِ بِمَؤُونَةِ) أَيْ خِدْمَةِ (شَجَرٍ أَوْ نَبَاتٍ) : مِقْثَأَةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ، أَيْ عَلَى الْتِزَامِ خِدْمَتِهِ مِنْ سَقْيٍ وَتَنْقِيَةٍ وَتَقْلِيمٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي. (بِجُزْءٍ مِنْ غَلَّتِهِ) لَا مَكِيلَةٍ، وَلَا بِجُزْءٍ مِنْ غَلَّةِ غَيْرِهِ. هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهَا: لَا بَأْسَ بِالْمُسَاقَاةِ، عَلَى أَنَّ كُلَّ الثَّمَرَةِ لِلْعَامِلِ. (بِصِيغَةِ: سَاقَيْتُ أَوْ) لَفْظِ (عَامَلْتُ) عِنْدَ سَحْنُونَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بَسَاقَيْتُ (فَقَطْ) أَيْ: لَا بِلَفْظِ إجَارَةٍ أَوْ شَرِكَةٍ أَوْ بَيْعٍ فَلَا تَنْعَقِدُ بِذَلِكَ، أَيْ مِنْ الْبَادِئِ مِنْهُمَا، وَيَكْفِي مِنْ الثَّانِي أَنْ يَقُولَ: قَبِلْتُ أَوْ رَضِيتُ وَنَحْوَ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِي: الْجُزْءُ الْمُشْتَرَطُ لِلْعَامِلِ مِنْ الثَّمَرَةِ. الثَّالِثُ: الْعَمَلُ. الرَّابِعُ: مَا يَنْعَقِدُ بِهِ وَهُوَ الصِّيغَةُ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ مُعْظَمُهَا] : أَيْ مُعْظَمُ عَمَلِهَا وَأَصْلُ مَنْفَعَتِهَا. قَوْلُهُ: [عَلَى الْقِيَامِ] إلَخْ: أَخْرَجَ بِهِ الْعَقْدَ عَلَى حِفْظِ الْمَالِ وَالتَّجْرِ. قَوْلُهُ: [أَوْ نَبَاتٍ] : أَيْ أَيِّ نَبَاتٍ كَانَ سَقْيًا أَوْ بَعْلًا. قَوْلُهُ: [هَذَا هُوَ الْأَصْلُ] : أَيْ الْغَالِبُ فِي عُقُودِهَا أَنْ تَكُونَ هَكَذَا، وَالتَّعَارِيفُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْغَالِبِ. قَوْلُهُ: [لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِسَاقَيْت] : أَيْ بِلَفْظٍ مِنْ تِلْكَ الْمَادَّةِ. وَجَمِيعُ الْأَلْفَاظِ الْخَارِجَةِ عَنْهَا لَا تَنْعَقِدُ بِشَيْءٍ مِنْهَا عِنْدَهُ. قَوْلُهُ: [أَيْ لَا بِلَفْظِ إجَارَةٍ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ كَالْأَلْفَاظِ. الَّتِي بَعْدَهَا مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ الِانْعِقَادِ بِهَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ، كَلَفْظِ عَامَلْت. قَالَ (بْن) : وَلَفْظُ ابْنِ رُشْدٍ: وَالْمُسَاقَاةُ أَصْلٌ فِي نَفْسِهَا لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَلَوْ قَالَ رَجُلٌ: اسْتَأْجَرْتُك عَلَى عَمَلِ حَائِطِي هَذَا بِنِصْفِ ثَمَرَتِهِ لَمْ تَجُزْ عَلَى مَذْهَبِهِ كَمَا لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عِنْدَهُ بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ، بِخِلَافِ

[شرط صحة المعقود عليه في المساقاة]

(وَهِيَ لَازِمَةٌ) أَيْ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ، فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهَا بَعْدَ الْعَقْدِ دُونَ الْآخَرِ مَا لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَيْهِ - هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ (يَسْتَحِقُّ) الْعَامِلُ (الثِّمَارَ فِيهَا) أَيْ الْمُسَاقَاةِ (بِالظُّهُورِ) : أَيْ ظُهُورِهَا عَلَى الشَّجَرِ أَوْ الزَّرْعِ، فَيَكُونُ شَرِيكًا بِجُزْئِهِ مِنْ حِينِهِ، لَا قَبْلَهُ وَلَا بِالْجُذَاذِ وَلَا بِالطَّيْبِ. وَإِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ وَهِيَ بَارِزَةٌ اسْتَحَقَّهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، فَإِذَا طَرَأَ دَيْنٌ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ فَلَا يُوَفَّى فِيهِ جُزْءُ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ لَهُ بِهِ. (وَشَرْطُ) صِحَّةِ (الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) مِنْ شَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلِ سَحْنُونَ فَإِنَّهُ يُجِيزُهَا وَيَجْعَلُهَا إجَارَةً، وَكَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصَحُّ. (اهـ بِاخْتِصَارٍ) قَوْلُهُ: [أَيْ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ] : أَيْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ مَنَعَهَا، وَأَمَّا صَاحِبَاهُ فَقَدْ وَافَقَا الْجُمْهُورَ. قَوْلُهُ: [فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهَا بَعْدَ الْعَقْدِ] : أَيْ وَقَبْلَ الْعَمَلِ، فَلَيْسَتْ كَالْقِرَاضِ بَلْ كَالْإِجَارَةِ كَمَا فِي (بْن) نَقْلًا عَنْ الْأَبْهَرِيِّ. قَوْلُهُ: [يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ الثِّمَارَ فِيهَا أَيْ الْمُسَاقَاةِ بِالظُّهُورِ] إلَخْ: عِبَارَةُ الْمَتْنِ هُنَا وَشَرْحُهَا غَيْرُ ظَاهِرَةِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يُوهِمُ أَنَّ الْمُسَاقَى - بِالْفَتْحِ - لَا حَقَّ لَهُ فِي الْبُسْتَانِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ ظُهُورِ الثِّمَارِ، وَأَنَّهُ لَوْ قَامَ أَصْحَابُ الدُّيُونِ عَلَى صَاحِبِهِ يَأْخُذُونَهُ وَيَطْرُدُونَ الْعَامِلَ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَهَذَا يُنَافِي لُزُومَهَا بِالْعَقْدِ وَخِلَافُ الْمَنْصُوصِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ - قَالَ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ: وَلَمْ تَنْفَسِخْ الْمُسَاقَاةُ بِفَلَسِ رَبِّهِ أَيْ الْحَائِطِ الطَّارِئِ عَلَى عَقْدِهَا، وَإِذَا لَمْ تَنْفَسِخْ بِالْفَلَسِ الطَّارِئِ بِيعَ الْحَائِطُ عَلَى أَنَّهُ مُسَاقَى، وَلَوْ كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ سِنِينَ، كَمَا تُبَاعُ الدَّارُ عَلَى أَنَّهَا مُسْتَأْجَرَةٌ وَالْمَوْتُ كَالْفَلَسِ؛ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ كَالْكِرَاءِ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُتَكَارِيَيْنِ. وَأَمَّا لَوْ تَأَخَّرَتْ الْمُسَاقَاةُ عَنْ الْفَلَسِ لَكَانَ لِلْغُرَمَاءِ فَسْخُهَا. (اهـ) وَمِثْلُهُ فِي الْخَرَشِيِّ. قَوْلُهُ: [وَلَا بِالْجُذَاذِ وَلَا بِالطَّيْبِ] : هَذَا غَيْرُ ضَرُورِيٍّ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَحَقَّ بِالظُّهُورِ فَلَا يُتَوَهَّمُ تَوَقُّفُهُ عَلَى الْجُذَاذِ وَالطَّيْبِ. [شَرْطُ صِحَّةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الْمُسَاقَاةِ] قَوْلُهُ: [الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ] : أَيْ الْأَصْلِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَلِذَلِكَ عَمَّمَ بِقَوْلِهِ: " مِنْ شَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ ".

(أَلَّا يُخْلِفَ) بِضَمِّ الْيَاءِ: مِنْ أَخْلَفَ، فَإِنْ كَانَ يُخْلِفُ كَالْمَوْزِ مِمَّا يُخْلِفُ قَبْلَ قَطْعِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَلَا يَنْتَهِي، وَكَالْبَقْلِ وَكَالْقَضْبِ - بِسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ - وَالْقُرْطِ - بِضَمِّ الْقَافِ - وَالرِّيحَانِ وَالْكُرَّاثِ، فَلَا تَصِحُّ فِيهِ مُسَاقَاةٌ إلَّا تَبَعًا لِغَيْرِهَا. (وَأَلَّا يَبْدُوَ صَلَاحُهُ) : أَيْ وَأَلَّا يَكُونَ بَدَا صَلَاحُهُ أَيْ صَلَاحُ ثَمَرِ ذَلِكَ الشَّجَرِ. فَإِنْ بَدَا صَلَاحُهُ وَهُوَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ لَمْ تَصِحَّ مُسَاقَاتُهُ لِانْتِهَائِهِ وَاسْتِغْنَائِهِ إلَّا تَبَعًا. (وَكَوْنِ الشَّجَرِ) أَيْ الْمُسَاقَى عَلَيْهِ (ذَا ثَمَرٍ) : أَيْ وَيُثْمِرُ فِي عَامِ الْمُسَاقَاةِ، لَا إنْ كَانَ لَا ثَمَرَ لَهُ كَالْأَثْلِ، أَوْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْإِثْمَارِ كَالْوَدِيِّ، فَلَا تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ عَلَيْهِ إلَّا تَبَعًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَالْمَوْزِ] : مِثَالٌ لِلشَّجَرِ الَّذِي يُخْلِفُ وَالْكَافُ فِيهِ اسْتِقْصَائِيَّةٌ، وَقَوْلُهُ وَكَالْبَقْلِ إلَخْ تَمْثِيلٌ لِلزَّرْعِ. قَوْلُهُ: [فَلَا تَصِحُّ فِيهِ] : أَيْ فِيمَا يُخْلِفُ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ. قَوْلُهُ: [إلَّا تَبَعًا لِغَيْرِهَا] : أَيْ وَإِذَا دَخَلَ تَبَعًا كَانَ لَهُمَا وَلَا يَجُوزُ إبْقَاؤُهُ لِلْعَامِلِ وَلَا لِرَبِّ الْحَائِطِ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ إمَّا عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ أَوْ عَلَى الْعَامِلِ يَنَالُهُ بِسَقْيِهِ مَشَقَّةٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيَاضِ وُرُودُ السَّنَةِ فِي الْبَيَاضِ. قَوْلُهُ: [وَأَلَّا يَبْدُوَ صَلَاحُهُ] : أَيْ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ فَإِنَّهُ أَجَازَ الْمُسَاقَاةَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ عَلَى حُكْمِ الْإِجَارَةِ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ انْعِقَادِ الْإِجَارَةِ بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ، وَإِنَّمَا مُنِعَتْ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ - الَّذِي هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ -؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِرَبِّ الْحَائِطِ، وَهُوَ سُقُوطُ الْجَائِحَةِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا أُجِيحَتْ فِي الْمُسَاقَاةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِالْجَائِحَةِ شَيْءٌ، وَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ التَّمَادِي أَوْ الْخُرُوجِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ، فَإِنَّ لِلْأَجِيرِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا إذَا أُجِيحَتْ الثَّمَرَةُ بِإِجَارَةِ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ - (اهـ) مُلَخَّصًا مِنْ (بْن) . قَوْلُهُ: [وَهُوَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ] ، أَيْ فَفِي الْبَلَحِ بِاحْمِرَارِهِ أَوْ اصْفِرَارِهِ وَفِي غَيْرِهِ بِظُهُورِ الْحَلَاوَةِ فِيهِ وَمِثْلُهُ الْبَلَحُ الْخَضْرَاوِيُّ. قَوْلُهُ: [ذَا ثَمَرٍ] : أَيْ شَأْنُهُ الْإِثْمَارُ. قَوْلُهُ: [أَوْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْإِثْمَارِ] : الْمَعْنَى أَوْ كَانَ ذَا ثَمَرٍ، وَلَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْإِثْمَارِ

ثُمَّ ذَكَرَ مُحْتَرَزَ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ: (لَا) تَصِحُّ مُسَاقَاةٌ (كَقَضْبٍ) : بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ: نَبْتٌ مَعْلُومٌ، (وَ) لَا (قُرْطٍ) بِضَمِّ الْقَافِ (وَ) لَا (مَوْزٍ) ؛ لِأَنَّهَا تُخْلِفُ وَلَا تَنْتَهِي لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ مِنْهُ يَنَالُهُ مِنْ سَقْيِ الْعَامِلِ، فَكَأَنَّهُ شَرْطُ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ. (وَلَا مَا حَلَّ بَيْعُهُ) بِبُدُوِّ صَلَاحِهِ. (وَ) لَا مَا لَا ثَمَرَ، إمَّا لِكَوْنِهِ لَا يُثْمِرُ أَصْلًا كَالْأَثْلِ وَالطَّرْفَاءِ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْإِثْمَارِ مِمَّا يُثْمِرُ لِصِغَرِهِ (نَحْوَ وَدِيٍّ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ: صِغَارُ النَّخْلِ (إلَّا تَبَعًا) لِغَيْرِهِ مِمَّا يَصِحُّ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ: وَهَذَا رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ كَمَا أَشَرْنَا لَهُ فِي الشَّرْحِ. (وَشَرْطُ الْجُزْءِ) الْمُسَاقَى بِهِ أَمْرَانِ: (شُيُوعُهُ) فِي ثَمَرِ الْحَائِطِ، فَلَا يَصِحُّ بِشَجَرٍ مُعَيَّنٍ وَلَا بِكَيْلٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الشَّارِحَ أَدْخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ ذَا ثَمَرٍ شَرْطَيْنِ مُحْتَرَزُ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا أَلَّا يَكُونَ شَأْنُهُ الْإِثْمَارَ كَالْأَثْلِ، وَمُحْتَرَزُ الثَّانِي قَوْلُهُ: وَلَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْإِثْمَارِ كَالْوَدِيِّ أَيْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْإِثْمَارِ فِي عَامِهِ. قَوْلُهُ: [مُحْتَرَزُ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ] : بَلْ الْأَرْبَعَةِ كَمَا عَلِمْت وَكَمَا يَأْتِي فِي الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [نَبْتٌ مَعْلُومٌ] : أَيْ يُشْبِهُ الْبِرْسِيمَ. قَوْلُهُ: [وَلَا قُرْطٍ] : هُوَ نَوْعٌ مِنْ الْمَرْعَى وَمِثْلُ الْقَضْبِ وَالْقُرْطِ الْبِرْسِيمُ وَبَاقِي الْبُقُولِ مِنْ مُلُوخِيَّةٍ وَنَحْوِهَا. قَوْلُهُ: [مِمَّا يُثْمِرُ] : أَيْ شَأْنُهُ يُثْمِرُ. وَقَوْلُهُ: [لِصِغَرِهِ] : مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: " لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْإِثْمَارِ ". قَوْلُهُ: [لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ] : أَيْ مُحْتَرَزَاتِ الشُّرُوطِ الْأَرْبَعَةِ. قَوْلُهُ: [بِشَجَرٍ مُعَيَّنٍ] : أَيْ كَقَوْلِهِ: سَاقَيْتُك عَلَى الْعَمَلِ فِي هَذَا الْحَائِطِ بِثُلُثِ ثَمَرِ هَذِهِ النَّخْلَةِ أَوْ هَذِهِ النَّخَلَاتِ. قَوْلُهُ: [وَلَا بِكَيْلٍ] : إنْ عَيَّنَ قَدْرَهُ سَوَاءٌ كَانَ تَعْيِينُهُ بِاللَّفْظِ أَوْ بِالْعَادَةِ.

(وَعِلْمُهُ) كَرُبْعٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ. (وَإِلَّا) يَكُنْ شَائِعًا وَلَمْ يُعْلَمْ كَمَا لَوْ قَالَ: وَلَك مِنْ الثَّمَرِ جُزْءٌ أَوْ بَعْضٌ (فَسَدَتْ) الْمُسَاقَاةُ، وَشَبَّهَ فِي الْفَسَادِ قَوْلُهُ: (كَشَرْطِ نَقْصِ) بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ إخْرَاجِ (مَا فِي الْحَائِطِ مِنْ نَحْوِ دَوَابَّ) : كَبَقَرٍ وَإِبِلٍ مِمَّا يَحْتَاجُ الْحَالُ إلَيْهَا. وَشَمَلَ قَوْلُهُ: " نَحْوَ " الْعَبِيدَ وَالْأُجَرَاءَ وَالْآلَةَ الْمَوْجُودَةَ يَوْمَ الْعَقْدِ. فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ فَسَدَتْ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَزِيَادَةٍ شَرَطَهَا عَلَى الْعَامِلِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْرَجَهَا قَبْلَ عَقْدِهَا وَلَوْ قَصَدَ الْمُسَاقَاةَ فَلَا يَضُرُّ. (أَوْ) شَرْطِ (تَجْدِيدٍ) : لِشَيْءٍ فِي الْحَائِطِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعَقْدِ عَلَى الْعَامِلِ أَوْ رَبِّ الْحَائِطِ مِمَّا تَقَدَّمَ فَتَفْسُدُ. (أَوْ) شَرْطِ (زِيَادَةِ شَيْءٍ لِأَحَدِهِمَا يَخْتَصُّ بِهِ عَنْ صَاحِبِهِ) : أَيْ خَارِجٍ عَنْ الْحَائِطِ، كَأَنْ يَعْمَلَ لَهُ عَمَلًا فِي حَائِطٍ أُخْرَى أَوْ يَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا أَوْ يَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا أَوْ يَزِيدَهُ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا أَوْ مَنْفَعَةً كَسُكْنَى أَوْ رُكُوبٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَعِلْمُهُ] : أَيْ عِلْمُ نِسْبَتِهِ بِجَمِيعِ الْحَائِطِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْجُزْءِ الْمَأْخُوذِ أَلَّا يَكُونَ مُخْتَلِفًا. فَلَوْ كَانَ فِي الْحَائِطِ أَصْنَافٌ مِنْ الثَّمَرِ وَشُرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ صِنْفٍ مِنْهَا النِّصْفَ وَمِنْ صِنْفٍ آخَرَ الثُّلُثَ لَمْ يَجُزْ. قَوْلُهُ: [فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ] : أَيْ وَفِيهَا مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ. قَوْلُهُ: [كَشَرْطِ نَقْصٍ] : أَيْ فَإِنْ حَصَلَ هَذَا الشَّرْطُ، وَتَمَّ الْعَمَلُ عَلَيْهِ كَانَ لِلْعَامِلِ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ أَيْضًا وَوُقُوعُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لَا يَضُرُّ كَمَا يُفِيدُهُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ الْعِبَارَةِ. وَأَمَّا لَوْ شَرَطَ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّهِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا، فَإِنْ وَقَعَ وَنَزَلَ كَانَ لِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَالثَّمَرُ لِرَبِّهِ وَحُصُولُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لَا يَضُرُّ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ] : أَيْ نَقْصَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: [فَسَدَتْ] : كَلَامٌ مَعْلُومٌ مِنْ سِيَاقِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [فَتَفْسُدُ] : قَدْ عَلِمْت أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُشْتَرَطَةَ سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ أَوْ عَلَى الْعَامِلِ كَانَ فِيهَا مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ، وَمَحَلُّ الْفَسَادِ بِاشْتِرَاطِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ إنْ كَانَتْ لَهَا بَالٌ وَإِلَّا لَغَتْ كَمَا فِي (بْن) وَغَيْرِهِ.

[ما على العامل في المساقاة]

(أَوْ) شَرْطِ (عَمَلِ شَيْءٍ) مِنْ الْعَامِلِ (يَبْقَى) فِي الْحَائِطِ (بَعْدَ انْقِضَائِهَا) أَيْ الْمُسَاقَاةِ (كَحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ إنْشَاءِ شَجَرٍ) أَوْ بِنَاءِ حَائِطٍ بِهَا أَوْ تَسْوِيَةِ أَرْضٍ. فَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ وَفِعْلُهُ مِنْ الْمَعْرُوفِ. (وَعَلَى الْعَامِلِ) وُجُوبًا (جَمِيعُ مَا يَفْتَقِرُ) الْحَائِطُ (إلَيْهِ عُرْفًا كَإِبَارٍ) : وَهُوَ تَعْلِيقُ طَلْعِ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى مِنْ النَّخِيلِ (وَتَنْقِيَةٍ) لِمَنَافِعِ الشَّجَرِ وَتَقْلِيمٍ لِلنَّخْلِ وَإِزَالَةِ مَا يَضُرُّ بِالشَّجَرِ مِنْ نَبَاتٍ وَغَيْرِهِ (وَدَوَابَّ) وَأَحْبَالٍ (وَأُجَرَاءَ) : أَيْ خِدْمَةٌ بِأُجْرَةٍ (وَ) عَلَيْهِ (خَلَفٌ) أَيْ بَدَلُ (مَا رَثَّ) قَالَ فِيهَا: وَعَلَى الْعَامِلِ إقَامَةُ الْأَدَوَاتِ كَالدِّلَاءِ وَالْمَسَاحِي وَالْأُجَرَاءِ وَالدَّوَابِّ، أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا ذَلِكَ أَوْ بَلِيَ. (لَا مَا مَاتَ أَوْ مَرِضَ) مِنْ الْحَيَوَانِ الْعَاقِلِ أَوْ غَيْرِهِ (مِمَّا كَانَ) فِي الْحَائِطِ أَوَّلًا قَبْلَ الْعَقْدِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ. (وَلَا أُجْرَتُهُ وَبَلْ) ذَلِكَ (عَلَى رَبِّهِ) : أَيْ الْحَائِطِ، بِخِلَافِ مَا رَثَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَفِعْلُهُ مِنْ الْمَعْرُوفِ] : أَيْ يُثَابُ عَلَيْهِ فَاعِلُهُ. [مَا عَلَى الْعَامِلِ فِي الْمُسَاقَاةِ] قَوْلُهُ: [وَهُوَ تَعْلِيقُ طَلْعِ الذَّكَرِ] : أَيْ وَكَذَا مَا يُلَقَّحُ بِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ: [لِمَنَافِعِ الشَّجَرِ] : أَيْ تَنْقِيَةُ الْحِيَاضِ الَّتِي حَوْلَ الشَّجَرِ، وَأَمَّا تَنْقِيَةُ الْعَيْنِ فَهُوَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ، وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُهَا عَلَى الْعَامِلِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ، وَكَنْسِ عَيْنٍ - هَكَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. وَعِبَارَةُ (بْن) : سَوَّى فِي الْمُدَوَّنَةِ بَيْنَ تَنْقِيَةِ الْعَيْنِ - أَيْ كَنْسِهَا وَتَنْقِيَةِ مَنَافِعِ الشَّجَرِ - فِي أَنَّهُمَا عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُمَا عَلَى الْعَامِلِ كَمَا فِي نَقْلِ الْمَوَّاقِ. قَوْلُهُ: [وَالْمَسَاحِي] : جَمْعُ مِسْحَاةٍ وَهِيَ الْفَأْسُ. قَوْلُهُ: [فَلَيْسَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ] : ظَاهِرُهُ: وَلَوْ شَرَطَ رَبُّ الْحَائِطِ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَلَا مَفْهُومَ لِمَا مَاتَ أَوْ مَرِضَ، بَلْ مِثْلُهُ مَنْ غَابَ أَوْ أَبَقَ أَوْ سُرِقَ. قَوْلُهُ: [بَلْ ذَلِكَ عَلَى رَبِّهِ] : أَيْ تَجْدِيدُ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي وَجَدَهَا الْعَامِلُ فِي الْحَائِطِ عَلَى رَبِّهِ إذَا عُدِمَتْ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ مَا رَثَّ] : إلَخْ: إنَّمَا كَانَ الَّذِي رَثَّ خَلَفُهُ عَلَى الْعَامِلِ دُونَ الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى انْتِفَاعِهِ بِهَا حَتَّى تَهْلِكَ أَعْيَانُهَا، وَتَجْدِيدُ ذَلِكَ

مِنْ الدِّلَاءِ وَالْحِبَالِ وَنَحْوِهَا كَالْقَوَادِيسِ وَالْمَسَاحِي وَسَائِرِ الْآلَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ. (بِخِلَافِ نَفَقَتِهِمْ) : أَيْ إجْرَاءِ النَّفَقَةِ عَلَى مَنْ فِي الْحَائِطِ مِنْ عَبِيدٍ وَأُجَرَاءَ وَدَوَابَّ (وَكِسْوَتِهِمْ) : فَعَلَى الْعَامِلِ، كَانُوا لِرَبِّ الْحَائِطِ أَوْ لَهُ. قَالَ فِيهَا: وَتَلْزَمُهُ نَفَقَةُ نَفْسِهِ وَنَفَقَةُ دَوَابِّ الْحَائِطِ وَرَقِيقِهِ كَانُوا لَهُ أَوْ لِرَبِّ الْحَائِطِ (اهـ) . ثُمَّ ذَكَرَ مَا هُوَ كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: " أَوْ زِيَادَةُ شَيْءٍ لِأَحَدِهِمَا " بِقَوْلِهِ: (وَجَازَ شَرْطُ مَا قَلَّ) : مِنْ الْعَمَلِ عَلَى الْعَامِلِ: (كَإِصْلَاحِ جِدَارٍ) بِالْحَائِطِ، بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ بِنَائِهِ مِنْ أَصْلِهِ فَإِنَّهُ مِنْ زِيَادَةِ الْعَمَلِ الَّذِي لَهُ بَالٌ (وَكَنْسِ عَيْنٍ) أَوْ بِئْرٍ لِلْحَائِطِ (وَشَدِّ حَظِيرَةٍ) مِنْ الْحَظْرِ وَهُوَ الْمَنْعُ، وَالْمُرَادُ بِهَا: الْأَعْوَادُ ذَاتُ الشَّوْكِ غَالِبًا تُجْعَلُ فَوْقَ الْحَائِطِ لِمَنْعِ مَنْ يَتَسَوَّرُ عَلَى الْحَائِطِ وَمَعْنَى شَدِّهَا: رَبْطُهَا إذَا وَهَتْ أَوْ وَقَعَ مِنْهَا شَيْءٌ (وَإِصْلَاحِ ضَفِيرَةٍ) وَهِيَ مَجْمَعُ الْمَاءِ الَّذِي يُرْسَلُ عَلَى الْأَشْجَارِ. فَإِنْ لَمْ تُشْتَرَطْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ عَلَى الْعَامِلِ فَعَلَى رَبِّهَا إلَّا لِعَادَةٍ فَالْعَادَةُ كَالشَّرْطِ. (وَ) جَازَ (مُسَاقَاةٌ سِنِينَ) فِي عَقْدٍ وَلَوْ كَثُرَتْ (مَا لَمْ تَكْثُرْ جِدًّا) فَإِنْ كَثُرَتْ جِدًّا (بِلَا حَدٍّ) مَخْصُوصٍ لِلْكَثْرَةِ بَلْ الْمَدَارُ السِّنِينُ الَّتِي لَا تَتَغَيَّرُ فِيهَا الْأُصُولُ عَادَةً - وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأُصُولِ وَأَمْكِنَتِهَا وَقِدَمِهَا وَجِدَّتِهَا - لَمْ تَجُزْ، قِيلَ لِمَالِكٍ: الْعَشَرَةُ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي عَشْرَةً وَلَا عِشْرِينَ وَلَا ثَلَاثِينَ (اهـ) (وَ) مَا (لَمْ يَخْتَلِفْ الْجُزْءُ) فِي السِّنِينَ، فَإِنْ اخْتَلَفَ - بِأَنْ كَانَ فِي سَنَةٍ يُخَالِفُ غَيْرَهُ فِي أُخْرَى - لَمْ يَجُزْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْلُومٌ بِالْعَادَةِ وَالشَّأْنُ فِيهِ الْخِفَّةُ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ مِنْ زِيَادَةِ الْعَمَلِ الَّذِي لَهُ بَالٌ] : أَيْ فَتَفْسُدُ بِاشْتِرَاطِهِ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ مُسَاقَاةٌ سِنِينَ] : أَيْ أَوْ شُهُورًا. قَوْلُهُ: [لَمْ تَجُزْ] : جَوَابُ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: " فَإِنْ كَثُرَتْ ". قَوْلُهُ: [قِيلَ لِمَالِكٍ] إلَخْ: هَذَا سُؤَالٌ عَنْ الْكَثِيرِ جِدًّا الَّذِي لَمْ يَجُزْ. قَوْلُهُ: [فَقَالَ لَا أَدْرِي] : الْمَقْصُودُ مِنْ جَوَابِهِ عَدَمُ التَّحْدِيدِ بِعَدَدٍ، وَإِنَّمَا الْمَدَارُ عَلَى تَغَيُّرِ الْأُصُولِ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْجَارِ وَالْأَمْكِنَةِ.

[شرط صحة مساقاة الزروع]

وَكَذَا يَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ عَلَى حَوَائِطَ مُتَعَدِّدَةٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ إنْ اتَّفَقَ الْجُزْءُ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. وَأَمَّا فِي عُقُودٍ فَيَجُوزُ مَعَ اخْتِلَافِهِ وَاتِّحَادِهِ. ثُمَّ إنَّ الْمُسَاقَاةَ إنْ وَقَعَتْ فِي سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْقِيتِهَا بِوَقْتٍ يَنْتَهِي بِهِ الْجُذَاذُ سَوَاءٌ وَقَعَ بِلَفْظِ الْجُذَاذِ أَوْ بِشَهْرٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُوَقَّتَ بِزَمَانٍ يَزِيدُ عَلَى الْجُذَاذِ عَادَةً لِمَا فِيهِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الْعَامِلِ، وَهُوَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ. (فَإِنْ لَمْ تُوَقَّتْ) بِوَقْتٍ (فَالْجُذَاذُ) أَيْ فَانْتِهَاؤُهَا الْجُذَاذُ. فَإِذَا كَانَتْ الْأَنْوَاعُ لَا تَخْتَلِفُ كَالنَّخْلِ وَالرُّمَّانِ فَظَاهِرٌ (وَ) إذَا كَانَتْ تَخْتَلِفُ وَتَتَمَيَّزُ الْبَطْنُ الْأُولَى عَنْ الثَّانِيَةِ (حُمِلَتْ عَلَى أَوَّلِ بَطْنٍ) إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ دُخُولُ الثَّانِيَةِ. فَإِذَا كَانَتْ بُطُونُهُ لَا تَتَمَيَّزُ - كَالنَّبْقِ وَالْجُمَّيْزِ وَالتُّوتِ - حُمِلَتْ عَلَى آخِرِ بَطْنٍ. (وَشَرْطُ) صِحَّةِ مُسَاقَاةِ (الزَّرْعِ) زِيَادَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَالْقَصَبِ) الْحُلْوِ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ (وَالْبَصَلِ وَالْمِقْثَاةِ) : بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَمِنْهَا الْبَاذِنْجَانُ وَالْقَرْعُ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: (عَجْزُ رَبِّهِ) عَنْ الْقِيَامِ بِهِ. (وَ) الثَّانِي: (خَوْفُ هَلَاكِهِ) لَوْ لَمْ يَقُمْ بِشَأْنِهِ مِنْ سَقْيٍ وَعَمَلٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَكَذَا يَجُوزُ] : تَشْبِيهٌ فِي قَوْلِهِ: " وَجَازَ مُسَاقَاةٌ سِنِينَ " إلَخْ أَيْ: فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ السِّنِينَ فِي حَائِطٍ وَاحِدٍ أَوْ حَوَائِطَ بِالشَّرْطَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [إنْ اتَّفَقَ الْجُزْءُ] : أَيْ وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي النَّوْعِ وَالصِّفَةِ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ صَادِقٌ بِمَا إذَا اتَّحَدَ الْعَامِلُ وَرَبُّ الْحَائِطِ أَوْ تَعَدَّدَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ اتَّحَدَ أَحَدُهُمَا وَتَعَدَّدَ الْآخَرُ، وَهُوَ صَحِيحٌ مُطَابِقٌ لِمَا فِي أَبِي الْحَسَنِ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ. قَوْلُهُ: [يَنْتَهِي بِهِ الْجُذَاذُ] : مَثَلًا، إلَّا إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ ثَلَاثَ سِنِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ شَهْرًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الِانْتِهَاءُ شَهْرًا يَكُونُ فِيهِ الْجُذَاذُ. [شَرْطُ صِحَّةِ مُسَاقَاةِ الزُّرُوعِ] [تَنْبِيه مَا يُجْنَى ثَمَره وَيَبْقَى أصله] قَوْلُهُ: [عَجْزُ رَبِّهِ] : وَمِنْ الْعَجْزِ اشْتِغَالُهُ عَنْهُ بِالسَّفَرِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْبَاجِيِّ. قَوْلُهُ: [خَوْفُ هَلَاكِهِ] : أَيْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَجْزِ رَبِّهِ خَوْفُ هَلَاكِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْجَزُ رَبُّهُ وَالسَّمَاءُ تَسْقِي الزَّرْعَ. وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ صَرِيحٌ فِي اشْتِرَاطِ هَذَا الشَّرْطِ كَمَا

(وَ) الثَّالِثُ (بُرُوزُهُ) مِنْ أَرْضِهِ لِيُشَابِهَ الشَّجَرَ. وَأَمَّا إذَا شُرِطَ أَلَّا يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، وَأَلَّا يَكُونَ مِمَّا لَا يُخْلِفُ احْتِرَازًا عَنْ نَحْوِ الْقَضْبِ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقُرْطِ فَمَعْلُومٌ مِمَّا تَقَدَّمَ فَلَا حَاجَةَ لِزِيَادَتِهِمَا هُنَا. (وَ) إذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ وَجَازَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى الزَّرْعِ وَنَحْوِهِ، وَكَانَ فِي الْأَرْضِ شَجَرٌ قَلِيلٌ مُتَفَرِّقٌ (دَخَلَ) فِي الْمُسَاقَاةِ (شَجَرٌ تَبِعَ زَرْعًا) : بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قَدْرَ ثُلُثِ قِيمَةِ الزَّرْعِ فَأَقَلَّ، فَيَدْخُلُ الشَّجَرُ لُزُومًا عَلَى الْجُزْءِ الْمُشْتَرَطِ فِي الزَّرْعِ، وَلَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهُ لِلْعَامِلِ أَوْ لِرَبِّهِ، وَعَكْسُهُ كَذَلِكَ: أَيْ يَدْخُلُ لُزُومًا، وَلَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا زَرْعٌ تَبَعُ شَجَرٍ. (وَجَازَ إدْخَالُ بَيَاضِ شَجَرٍ أَوْ) بَيَاضِ (زَرْعٍ) فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ؛ وَالْبَيَاضُ: الْأَرْضُ الْخَالِيَةُ مِنْ الشَّجَرِ أَوْ الزَّرْعِ؛ سُمِّيَ بَيَاضًا لِأَنَّ أَرْضَهُ مُشْرِقَةٌ بِالنَّهَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي نَقْلِ الْمَوَّاقِ، فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ الْبِسَاطِيِّ: بِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَيْسَ صَرِيحًا فِي كَلَامِهِمْ. قَوْلُهُ: [بُرُوزُهُ مِنْ أَرْضِهِ] : إنْ قِيلَ: لَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ هَذَا الشَّرْطِ: إذْ لَا يُسَمَّى زَرْعًا أَوْ قَصَبًا أَوْ بَصَلًا مَثَلًا إلَّا بِذَلِكَ، وَقَبْلَهُ لَا يُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ حَقِيقَةً؟ وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا الِاسْمَ يُطْلَقُ عَلَى الْبَذْرِ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ، فَاشْتِرَاطُ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالزَّرْعِ وَمَا مَعَهُ مَا يَشْمَلُ الْبَذْرَ. قَوْلُهُ: [وَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ] : أَيْ الْخَمْسَةُ: الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ هُنَا وَعَدَمُ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَعَدَمُ الْخَلْفِ - الْمَعْلُومَانِ مِمَّا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَجَازَتْ الْمُسَاقَاةُ] : أَيْ بِاسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ وَانْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ. تَنْبِيهٌ: هَلْ الْوَرْدُ وَالْيَاسَمِينُ وَالْقُطْنُ وَنَحْوَهُ مِنْ كُلِّ مَا يُجْنَى ثَمَرَتُهُ وَيَبْقَى أَصْلُهُ فَيُثْمِرُ مَرَّةً أُخْرَى كَالزَّرْعِ؟ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الشُّرُوطُ الْخَمْسَةُ، أَوْ كَالشَّجَرِ فَيَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ بِشُرُوطِهِ فَقَطْ؟ قَوْلَانِ فِي خَلِيلٍ، وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ: أَنَّ الْوَرْدَ وَالْيَاسَمِينَ كَالشَّجَرِ بِلَا خِلَافٍ، وَأَنَّ الْقُطْنَ، وَمِثْلُهُ الْعُصْفُرُ فِيهِمَا الْخِلَافُ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُمَا كَالزَّرْعِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الشُّرُوطُ الْخَمْسَةُ. قَوْلُهُ: [زَرْعٌ] : فَاعِلُ يَدْخُلُ.

بِضَوْءِ الشَّمْسِ وَبِاللَّيْلِ بِضَوْءِ الْكَوَاكِبِ، فَإِذَا اسْتَتَرَتْ بِالزَّرْعِ أَوْ الشَّجَرِ سُمِّيَتْ سَوَادًا: يَعْنِي أَنَّ بَيَاضَ الشَّجَرِ أَوْ بَيَاضَ الزَّرْعِ الَّذِي تَجُوزُ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ يَجُوزُ إدْخَالُهُ فِي مُسَاقَاةِ مَا ذُكِرَ، بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَشَارَ لِأَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ: (إنْ وَافَقَ الْجُزْءُ) فِي الْبَيَاضِ الْجُزْءَ فِي الشَّجَرِ أَوْ الزَّرْعِ، فَإِنْ اخْتَلَفَا لَمْ يَجُزْ وَفَسَدَتْ. وَلِثَانِيهَا بِقَوْلِهِ: (وَبَذَرَهُ الْعَامِلُ) مِنْ عِنْدِهِ. فَإِنْ دَخَلَا عَلَى أَنَّ بَذْرَهُ عَلَى رَبِّهِ لَمْ يَجُزْ وَفَسَدَتْ. وَلِثَالِثِهَا بِقَوْلِهِ: (وَقَلَّ) الْبَيَاضُ أَيْ كَانَ قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ لِلشَّجَرِ أَوْ الزَّرْعِ (كَثُلُثٍ) فَدُونَ: أَيْ بِأَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ أَيْ أُجْرَتُهُ بِالنِّسْبَةِ لِقِيمَةِ الثَّمَرَةِ الثُّلُثَ فَأَقَلَّ (بَعْدَ إسْقَاطِ كُلْفَةِ الثَّمَرَةِ) كَمَا لَوْ كَانَ كِرَاؤُهُ مُفْرَدًا مِائَةً، وَقِيمَةُ الثَّمَرَةِ بَعْدَ إسْقَاطِ مَا يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِائَتَانِ، فَيُعْلَمُ أَنَّ كِرَاءَهُ ثُلُثٌ. فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يَجُزْ وَفَسَدَتْ. (وَأُلْغِيَ) الْبَيَاضُ الْمَذْكُورُ لِلْعَامِلِ (إنْ سَكَتَا) عِنْدَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ (عَنْهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [سُمِّيَتْ سَوَادًا] : أَيْ لِحَجْبِ مَا ذَكَرَ بَهْجَةَ الْإِشْرَاقِ فَيَصِيرُ مَا تَحْتَهُ سَوَادًا. قَوْلُهُ: [يَجُوزُ إدْخَالُهُ فِي مُسَاقَاةِ مَا ذُكِرَ] : حَاصِلُهُ أَنَّ لِلْبَيَاضِ أَرْبَعَةَ أَحْوَالٍ: الْأُولَى: إدْخَالُهُ فِي الْمُسَاقَاةِ وَتَجُوزُ بِالشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَشْتَرِطَهُ رَبُّ الْحَائِطِ لِنَفْسِهِ، فَيُمْنَعُ إنْ قَلَّ وَيَفْسُدُ الْعَقْدُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُنْعَزِلًا عَلَى حِدَةٍ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَسْكُتَا عَنْهُ، فَبَقِيَ لِلْعَامِلِ إنْ قَلَّ. الرَّابِعَةُ: أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْعَامِلُ لِنَفْسِهِ، وَهِيَ جَائِزَةٌ أَيْضًا إنْ قَلَّ. قَوْلُهُ: [إنْ وَافَقَ الْجُزْءُ] : هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَصْبَغُ مُوَافَقَةَ الْجُزْءِ، وَقَدْ جَرَى الْعُرْفُ عِنْدَنَا أَنَّ الْبَيَاضَ لَا يُعْطَى إلَّا بِجُزْءٍ أَكْثَرَ فَلَهُ مُسْتَنَدٌ فَلَا يُشَوَّشُ عَلَى النَّاسِ إذْ ذَاكَ بِذِكْرِ الْمَشْهُورِ قَالَهُ الْمِسْنَاوِيُّ (اهـ بْن) . قَوْلُهُ: [وَبَذَرَهُ الْعَامِلُ مِنْ عِنْدِهِ] : أَيْ وَاشْتَرَطَ بَذْرَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ.

[فسخ المساقاة الفاسدة قبل العمل مطلقا]

بِأَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْمُسَاقَاةِ بِشُرُوطِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَلَمْ يُجْعَلْ لِرَبِّهِ، فَيَكُونُ لِلْعَامِلِ وَحْدَهُ. (أَوْ اشْتَرَطَهُ الْعَامِلُ) لِنَفْسِهِ فَيَكُونُ لَهُ أَيْضًا (فَإِنْ اشْتَرَطَهُ رَبُّهُ) لِنَفْسِهِ (فَسَدَ) عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ لِنَيْلِهِ مِنْ سَقْيِ الْعَامِلِ فَيَكُونُ زِيَادَةً اشْتَرَطَهَا عَلَيْهِ. وَلِذَا لَوْ كَانَ بَعْلًا أَوْ كَانَ لَا يُسْقَى بِمَاءِ الْحَائِطِ بِأَنْ كَانَ مُنْعَزِلًا عَلَى حِدَةٍ لَجَازَ اشْتِرَاطُهُ لِنَفْسِهِ. وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْبَيَاضِ الْيَسِيرِ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ. وَأَمَّا الْكَثِيرُ الزَّائِدُ قِيمَتُهُ عَلَى الثُّلُثِ فَلَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهُ لِلْعَامِلِ وَلَا إدْخَالُهُ فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ، بَلْ يَكُونُ لِرَبِّهِ. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (كَاشْتِرَاطِ الْعَامِلِ مَا) أَيْ بَيَاضًا (كَثُرَ) لِنَفْسِهِ أَوْ إدْخَالِهِ فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الْعَقْدَ. (وَتُفْسَخُ) الْمُسَاقَاةُ الْفَاسِدَةُ (قَبْلَ الْعَمَلِ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ وَجَبَتْ فِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ أَوْ وَجَبَتْ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ. (أَوْ) تُفْسَخُ (فِي أَثْنَائِهِ) : أَيْ الْعَمَلِ (إنْ وَجَبَتْ) فِيهَا (أُجْرَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا إدْخَالُهُ فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ] : الْحَاصِلُ: أَنَّ الْبَيَاضَ إنْ كَانَ كَثِيرًا تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ لِرَبِّهِ، وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ لِلْعَامِلِ وَلَا إدْخَالُهُ فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ وَلَا يُلْغَى لِلْعَامِلِ عِنْدَ السُّكُوتِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَفِيهِ الْأَحْوَالُ الْأَرْبَعَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ. قَوْلُهُ: [بَلْ يَكُونُ لِرَبِّهِ] : ظَاهِرُهُ كَانَ مُنْعَزِلًا عَنْ الشَّجَرِ أَوْ لَا. إنْ قُلْتَ: إذَا كَانَ كَثِيرًا، وَقُلْتُمْ يُقْضَى بِهِ لِرَبِّ الْحَائِطِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَامِلِ فِي سَقْيِ مَا لَا يَعُودُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَنْفَعَةٌ إنْ كَانَ غَيْرَ مُنْعَزِلٍ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ شَرْطَ زِيَادَةٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ تُفْسِدُ الْعَقْدَ؟ فَلْيُنْظَرْ مَا الْجَوَابُ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ] : أَيْ وَيُرَدُّ الْعَامِلُ إنْ عَمِلَ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ فِي الْحَائِطِ وَإِلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ فِي الْبَيَاضِ. [فَسْخُ الْمُسَاقَاةِ الْفَاسِدَةِ قَبْلَ الْعَمَلِ مُطْلَقًا] قَوْلُهُ: [وَتَفْسُدُ الْمُسَاقَاةُ الْفَاسِدَةُ] إلَخْ: حَاصِلُهُ: أَنَّ الْمُسَاقَاةَ إذَا وَقَعَتْ فَاسِدَةً - لِفَقْدِ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ - فَإِذَا اُطُّلِعَ عَلَيْهَا قَبْلَ الْعَمَلِ فُسِخَتْ وَلَا رَاجِعَ لِأَحَدٍ، سَوَاءٌ كَانَ يَجِبُ فِيهَا بَعْدَ التَّمَادِي أُجْرَةُ الْمِثْلِ أَوْ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ. وَإِنْ اُطُّلِعَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعَمَلِ، فَإِنْ وَجَبَ فِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ فُسِخَتْ أَيْضًا وَحَاسَبَ الْعَامِلَ بِأُجْرَةِ مَا عَمِلَ، وَإِنْ كَانَ

[ما تجب فيه مساقاة المثل]

الْمِثْلِ) لَا إنْ وَجَبَتْ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ فَلَا تُفْسَخُ إنْ اُطُّلِعَ عَلَيْهَا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ. وَبَيَّنَ مَا يَجِبُ فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِقَوْلِهِ: (بِأَنْ خَرَجَا عَنْهَا) : أَيْ عَنْ الْمُسَاقَاةِ إلَى إجَارَةٍ فَاسِدَةٍ أَوْ بَيْعٍ فَاسِدٍ كَبَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا. وَإِنَّمَا فُسِخَتْ فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ لِلْعَامِلِ فِيهَا أَجْرَ مَا عَمِلَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الْفَسْخِ. وَأَمَّا مَا تَجِبُ فِيهِ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ فَإِنَّمَا يُفْسَخُ مَا لَمْ يَعْمَلْ، فَإِنْ عَمِلَ فَقَدْ فَاتَتْ بِالْعَمَلِ وَوَجَبَ التَّمَادِي فِيهَا إلَى تَمَامِ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَرُدَّ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ لِلْعَامِلِ نَصِيبَهُ إلَّا مِنْ الثَّمَرِ فَلَوْ فُسِخَتْ فِي الْأَثْنَاءِ لَزِمَ أَلَّا يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ وَهُوَ ضَرَرٌ عَلَيْهِ فِيمَا عَمِلَهُ، وَمَثَّلَ لِمَا فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِالْخُرُوجِ عَنْهَا بِقَوْلِهِ: (كَاشْتِرَاطِهِ زِيَادَةَ عَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ) مِنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، فَيُوجِبُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِخُرُوجِهِمَا عَنْهَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إنْ كَانَتْ مِنْ رَبِّ الْحَائِطِ فَقَدْ خَرَجَا عَنْهَا إلَى الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ فِي حَائِطٍ بِمَا أَعْطَاهُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ وَبِجُزْءٍ مِنْ ثَمَرَتِهِ، وَذَلِكَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ تُوجِبُ الرَّدَّ لِأُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَيَحْسِبُ مِنْهَا تِلْكَ الزِّيَادَةَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ وَلَوْ بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْعَامِلِ فَقَدْ خَرَجَا عَنْهَا إلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ اشْتَرَى الْجُزْءَ الْمُسَمَّى بِمَا دَفَعَهُ لِرَبِّ الْحَائِطِ وَبِأُجْرَةِ عَمَلِهِ فَوَجَبَ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَيَأْخُذُ مَا دَفَعَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَاجِبُ فِيهَا مُسَاقَاةَ الْمِثْلِ لَمْ تُفْسَخْ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ، وَتَبْقَى لِانْقِضَاءِ أَمَدِهَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعَامِلِ فِي الثَّمَرَةِ، فَلَوْ فُسِخَ الْعَقْدُ قَبْلَ طَيْبِهَا لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْعَامِلِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ كَالْجُعْلِ لَا تُسْتَحَقُّ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ. [مَا تَجِبُ فِيهِ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ] [تَتِمَّة إذَا قَصْر الْعَامِل فِي الْمُسَاقَاة] قَوْلُهُ: [كَاشْتِرَاطِهِ زِيَادَةَ عَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ] : هَذَا إذَا كَانَ لَا ضَرُورَةَ فَإِذَا كَانَتْ ضَرُورَةً - كَأَلَّا يَجِدَ رَبُّهُ عَامِلًا إلَّا مَعَ دَفْعِهِ شَيْئًا زَائِدًا عَلَى الْجُزْءِ - فَيَجُوزُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ سِرَاجٍ - كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [فَقَدْ خَرَجَا عَنْهَا] : أَيْ عَنْ حَقِيقَةِ الْمُسَاقَاةِ. قَوْلُهُ: [الْجُزْءُ الْمُسَمَّى] : أَيْ الْمُسَمَّى لَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ مِنْ ثُلُثٍ أَوْ رُبْعٍ أَوْ نِصْفٍ.

(وَإِلَّا) يَخْرُجَا عَنْهَا، بِأَنْ كَانَ الْفَسَادُ لِضَرَرٍ أَوْ لِفَقْدِ شَرْطٍ غَيْرِ الزِّيَادَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ (مَضَتْ) الْمُسَاقَاةُ بِالْعَمَلِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا (بِمُسَاقَاةِ الْمِثْلِ) ، وَذَكَرَ لِذَلِكَ ثَمَانِيَ مَسَائِلَ فَقَالَ: (كَمُسَاقَاةٍ مَعَ ثَمَرٍ أَطْعَمَ) : أَيْ بَدَا صَلَاحُهُ وَلَمْ يَكُنْ تَبَعًا. (أَوْ) مَعَ (اشْتِرَاطِ عَمَلِ رَبِّهِ) فِي الْحَائِطِ (مَعَهُ) . (أَوْ) مَعَ اشْتِرَاطِ (دَابَّةٍ، أَوْ) مَعَ اشْتِرَاطِ، (غُلَامٍ) لِرَبِّ الْحَائِطِ يَعْمَلُ مَعَهُ فِيهَا (وَهُوَ) أَيْ الْحَائِطُ (صَغِيرٌ) فَإِنْ اشْتَرَطَ الدَّابَّةَ أَوْ الْغُلَامَ، وَهُوَ كَبِيرٌ جَازَ وَقَدْ قَدَّمَهُ الشَّيْخُ فِي كَلَامِهِ فِي الْجَائِزَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِلَّا يَخْرُجَا عَنْهَا] : أَيْ عَنْ حَقِيقَتِهَا بَلْ حَصَلَ اخْتِلَالُ شَرْطٍ أَوْ وُجِدَ مَانِعٌ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَالْحَقِيقَةُ بَاقِيَةٌ. قَوْلُهُ: [بِمُسَاقَاةِ الْمِثْلِ] : اعْلَمْ أَنَّ الْعَامِلَ مَتَى وَجَبَتْ لَهُ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ فِي الْفَاسِدَةِ كَانَ حَقُّهُ فِي الْحَائِطِ فِي الْمَوْتِ أَوْ الْفَلَسِ. بِخِلَافِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنَّهَا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَكُونُ الْعَامِلُ أَحَقَّ بِهَا فِي مَوْتٍ وَلَا فَلَسٍ. وَنُقِلَ عَنْ (ح) : أَنَّ الْعَامِلَ أَحَقُّ بِمَا فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي الْفَلَسِ لَا الْمَوْتِ فِي الْمُسَاقَاةِ. وَأَمَّا فِي الْقِرَاضِ فَلَيْسَ أَحَقَّ بِمَا فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لَا فِي فَلَسٍ وَلَا مَوْتٍ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [كَمُسَاقَاتِهِ مَعَ ثَمَرٍ أَطْعَمَ] : أَيْ وَالْآخَرُ لَمْ يُطْعِمْ إذْ لَمْ يُطَّلَعْ عَلَى فَسَادِ هَذِهِ الْمُسَاقَاةِ إلَّا بَعْدَ الْعَمَلِ، وَالْعِلَّةُ فِي فَسَادِ هَذِهِ الْمُسَاقَاةِ احْتِوَاؤُهَا عَلَى بَيْعِ ثَمَرٍ مَجْهُولٍ وَهُوَ الْجُزْءُ - الْمُسَمَّى لِلْعَامِلِ بِشَيْءٍ - مَجْهُولٍ وَهُوَ الْعَمَلُ، وَلَا يُقَالُ - أَصْلُ الْمُسَاقَاةِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّنَا نَقُولُ الْمُسَاقَاةُ خَرَجَتْ عَنْ أَصْلٍ فَاسِدٍ، وَلَا يَتَنَاوَلُ خُرُوجُهَا هَذَا الْفَرْعَ لِخُرُوجِهِ عَنْ سُنَّةِ الْمُسَاقَاةِ مِنْ كَوْنِهَا قَبْلَ الْإِطْعَامِ فَبَقِيَ هَذَا الْفَرْعُ عَلَى أَصْلِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ مَعَ اشْتِرَاطِ عَمَلِ رَبِّهِ فِي الْحَائِطِ] : أَيْ بِجُزْءٍ أَوْ مَجَّانًا. قَوْلُهُ: [أَوْ مَعَ اشْتِرَاطِ دَابَّةٍ] إلَخْ: قَالَ (عب) : الظَّاهِرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا بَعْدَهَا الْفَسَادُ وَلَوْ أُسْقِطَ الشَّرْطُ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ] : أَيْ وَالْحَائِطُ صَغِيرٌ أَيْ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَفَاهُ ذَلِكَ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اشْتَرَطَ جَمِيعَ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّهِ. قَوْلُهُ: [جَازَ] : قَالَ الْخَرَشِيُّ: يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ

(أَوْ) مُسَاقَاةٍ (مَعَ بَيْعٍ) لِسِلْعَةٍ: أَيْ سَاقَاهُ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ، وَبَاعَهُ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ فِي صَفْقَةٍ؛ لِأَنَّ جَمْعَ الْبَيْعِ وَالْمُسَاقَاةِ مَمْنُوعٌ. وَمِثْلُ الْبَيْعِ: الْإِجَارَةُ وَالْجِعَالَةُ وَالنِّكَاحُ وَالصَّرْفُ وَالشَّرِكَةُ فَتَكُونُ فَاسِدَةً وَفِيهَا مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ. (أَوْ) مُسَاقَاةٍ مَعَ (اخْتِلَافِ الْجُزْءِ) الَّذِي لِلْعَامِلِ (فِي) مُسَاقَاةِ (سِنِينَ) وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا صَفْقَةً، وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ. وَالْمُرَادُ بِالْجَمْعِ: مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ، فَإِذَا عَاقَدَهُ عَلَى سَنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَاخْتَلَفَ الْجُزْءُ كَأَنْ يَكُونَ النِّصْفُ فِي سَنَةٍ وَالثُّلُثُ فِي أُخْرَى مَثَلًا - كَانَتْ فَاسِدَةً كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِيهَا بَعْدَ الْعَمَلِ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ. (أَوْ) مَعَ اخْتِلَافِ الْجُزْءِ (فِي حَوَائِطَ) مُتَعَدِّدَةٍ سَاقَاهُ عَلَيْهَا (فِي صَفْقَةٍ) وَاحِدَةٍ. وَالْمُرَادُ بِالْجَمْعِ: مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ أَيْضًا، فَإِذَا سَاقَاهُ عَلَى حَائِطَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي صَفْقَةٍ عَلَى أَنَّ لَهُ فِي أَحَدِهِمَا الثُّلُثَ وَفِي الْأُخْرَى النِّصْفَ مَثَلًا فَسَدَتْ وَرُدَّتْ بَعْدَ الْعَمَلِ لِمُسَاقَاةِ الْمِثْلِ. (أَوْ) مَعَ اشْتِرَاطِ أَنْ (يَكْفِيَهُ) فَهُوَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمُتَقَدِّمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQدَابَّةً أَوْ غُلَامًا فِي الْحَائِطِ الْكَبِيرِ، وَحَيْثُ اُشْتُرِطَ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْخَلْفِ حَيْثُ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُعَيَّنًا. قَوْلُهُ: [أَيْ سَاقَاهُ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ] إلَخْ: أَيْ كَأَنْ يَقُولَ رَبُّ الْحَائِطِ لِلْعَامِلِ: سَاقَيْتُك حَائِطِي وَبِعْتُك سِلْعَةَ كَذَا بِدِينَارٍ وَثُلُثِ الثَّمَرَةِ. قَوْلُهُ: [وَمِثْلُ الْبَيْعِ الْإِجَارَةُ] إلَخْ: أَيْ وَضَابِطُهُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: نِكَاحٌ شِرْكَةٌ صَرْفٌ وَقَرْضُ ... مُسَاقَاةٌ قِرَاضٌ بَيْعٌ جُعْلُ فَجَمْعُ اثْنَيْنِ مِنْهَا الْحَظْرُ فِيهِ ... فَكُنْ فِطْنًا فَإِنَّ الْحِفْظَ سَهْلُ قَوْلُهُ: [كَانَتْ فَاسِدَةً كَمَا تَقَدَّمَ] : أَيْ لِلْغَرَرِ - كَذَا قَرَّرَ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ مَعَ اخْتِلَافِ الْجُزْءِ فِي حَوَائِطَ] : أَيْ وَأَمَّا مَعَ اتِّفَاقِ الْجُزْءِ بِأَنْ وَقَعَ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ عَلَى حَوَائِطَ بِجُزْءٍ مُتَّفِقٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً أَوْ فِي صَفَقَاتٍ أَوْ عَلَى حَوَائِطَ بِجُزْءٍ مُخْتَلَفٍ فِي صَفَقَاتٍ فَجَائِزٌ. قَوْلُهُ: [عَلَى الْمَصْدَرِ] : مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ عَطْفٌ عَلَى الْمَصْدَرِ مِنْ عَطْفِ الْفِعْلِ عَلَى الِاسْمِ الْخَالِصِ لِقَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ:

أَعْنِي عَمِلَ أَيْ إذَا شَرَطَ رَبُّ الْحَائِطِ عَلَى الْعَامِلِ فِي حَائِطٍ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ أَنْ يَكْفِيَهُ (مَئُونَةَ) حَائِطٍ (آخَرَ) بِلَا شَيْءٍ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ، وَفِيهِ بَعْدَ الْعَمَلِ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ. (وَ) كَمَا وَجَبَ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ - حَيْثُ اُطُّلِعَ عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ، وَقُلْنَا بِعَدَمِ الْفَسْخِ - (وَجَبَ) إذَا عُثِرَ عَلَيْهِ (بَعْدَ الْفَرَاغِ) مِنْهُ (مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ) أَيْضًا (فِي هَذَا) : أَيْ الْمَذْكُورِ بَعْدَ إلَّا فِي الثَّمَانِ مَسَائِلَ. وَهُنَاكَ مَسَائِلُ أُخْرَى، ذَكَرَ مِنْهَا الشَّيْخُ: مَا إذَا اشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ حَمْلَ نَصِيبِهِ إلَى مَنْزِلِهِ، أَيْ إذَا كَانَ فِيهِ مَشَقَّةٌ، وَإِلَّا فَلَا تَفْسُدُ. وَشَبَّهَ بِالتِّسْعِ مَسْأَلَةَ مَا إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً وَاخْتَلَفَا بَعْدَ الْعَمَلِ فِي الْجُزْءِ وَلَمْ يُشْبِهَا مَعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ فِعْلٌ عُطِفْ ... تَنْصِبُهُ إنْ ثَابِتًا أَوْ مُنْحَذِفْ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: 51] عَطْفٌ عَلَى (وَحْيًا) . قَوْلُهُ: [مَئُونَةَ حَائِطٍ آخَرَ] : لَا مَفْهُومَ لِحَائِطٍ بَلْ مَتَى شَرَطَ عَلَيْهِ خِدْمَةً فِي شَيْءٍ آخَرَ حَائِطٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنْ بِأُجْرَةٍ فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ وَكَانَ فِيهَا مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ، فَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَجْعَلَ آخِرَ صِفَةً لِشَيْءٍ لَا لِحَائِطٍ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَفِيهِ بَعْدَ الْعَمَلِ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ] : أَيْ فِي الْحَائِطِ الْأَصْلِيِّ، أَمَّا الْحَائِطُ الْآخَرُ أَوْ الشَّيْءُ الْآخَرُ فَفِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. قَوْلُهُ: [وَجَبَ إذَا عُثِرَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ] إلَخْ: أَيْ فَلَا فَرْقَ فِيمَا فِيهِ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ بَيْنَ أَنْ يُطَّلَعَ عَلَيْهِ فِي الْأَثْنَاءِ أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَلْزَمُ فِيهِ تَمَامُ الْعَمَلِ وَفِيهِ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ. وَأَمَّا مَا فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَلَا يُتَمَّمُ فِيهِ الْعَمَلُ إذَا اُطُّلِعَ عَلَيْهِ فِي الْأَثْنَاءِ، بَلْ يَتَعَيَّنُ الْفَسْخُ مِنْ حِينِ الِاطِّلَاعِ وَفِي الْمَاضِي أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَأَمَّا إنْ اُطُّلِعَ عَلَى الْفَاسِدِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فَيَتَعَيَّنُ رَدُّهُ وَلَا شَيْءَ فِيهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يَمْضِي بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ مُسَاقَاةِ الْمِثْلِ. قَوْلُهُ: [حَمْلَ نَصِيبِهِ إلَى مَنْزِلِهِ] : وَإِنَّمَا مُنِعَ لِمَا فِيهِ مِنْ الزِّيَادَةِ الْمُشْتَرَطَةِ عَلَى أَحَدِهِمَا قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ وَيَنْبَغِي دَفْعُ أُجْرَةِ الْحَمْلِ لَهُ مَعَ مُسَاقَاةِ مِثْلِ الْحَائِطِ (اهـ) وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ مُطْلَقًا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْجُزْءِ الَّذِي شُرِطَ لِلْعَامِلِ أَوْ أَقَلَّ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِتَفْصِيلِ الْخَرَشِيِّ. قَوْلُهُ: [وَشَبَّهَ بِالتِّسْعِ] : أَيْ خَلِيلٌ.

فَيُرَدُّ الْعَامِلُ إلَى مُسَاقَاةِ الْمِثْلِ، فَإِنْ أَشْبَهَ أَحَدُهُمَا فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ أَشْبَهَا مَعًا فَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ بِيَمِينِهِ. وَإِنْ اخْتَلَفَا قَبْلَ الْعَمَلِ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا وَلَا يُنْظَرُ فِيهِ لِمُشْبِهٍ، وَنُكُولُهُمَا كَحَلِفِهِمَا، وَيَقْضِي لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ. فَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا كَالْقِرَاضِ لِلُزُومِ عَقْدِهَا. (وَأُجْرَتُهُ) : أَيْ الْمِثْلِ: أَيْ وَوَجَبَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ (فِي الْأَوَّلِ) وَهُوَ: مَا قَبْلُ: وَ " إلَّا ": أَيْ كَمَا إذَا وَجَبَتْ فِيمَا إذَا عَثَرَ عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ وَفُسِخَتْ. وَهَذَا زِيَادَةٌ فِي الْإِيضَاحِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ. (وَالْقَوْلُ) عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا فِيمَا يَقْتَضِي الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ (لِمُدَّعِي الصِّحَّةَ) : أَيْ لِمَنْ ادَّعَى مِنْهُمَا مَا يَقْتَضِي الصِّحَّةَ بِيَمِينِهِ دُونَ مَا يَقْتَضِي دَعْوَاهُ الْفَسَادَ، كَمَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ الْجُزْءَ كَانَ مَعْلُومًا، وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ كَانَ مَجْهُولًا، أَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا وُقُوعَهَا مَعَ زِيَادَةِ عَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ، أَوْ أَنَّهَا وَقَعَتْ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرَةِ وَخَالَفَهُ الثَّانِي، فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةَ بِيَمِينِهِ مَا لَمْ يَغْلِبْ الْفَسَادُ، فَإِنْ غَلَبَ بَيْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا كَالْقِرَاضِ] : أَيْ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْقِرَاضِ يَرُدُّ الْمَالَ مِنْ غَيْرِ تَحَالُفٍ حَيْثُ وَقَعَ التَّنَازُعُ قَبْلَ الْعَمَلِ. قَوْلُهُ: [أَيْ كَمَا إذَا وَجَبَتْ] : أَيْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَقَوْلُهُ: [وَفُسِخَتْ] : أَيْ تَحَتَّمَ فَسْخُهَا مِنْ حِينِ الْعُثُورِ وَفِي الْمَاضِي أُجْرَةُ الْمِثْلِ. قَوْلُهُ: [لِمُدَّعِي الصِّحَّةَ] : أَيْ كَانَ التَّنَازُعُ بَعْدَ الْعَمَلِ أَوْ قَبْلَهُ كَمَا جَزَمَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ وَفِي الشَّامِلِ. وَصُدِّقَ مُدَّعِي الصِّحَّةَ إذَا تَنَازَعَا بَعْدَ الْعَمَلِ وَإِلَّا تَحَالَفَا وَفُسِخَ. قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَهُوَ غَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ. وَاعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ الْمِسْنَاوِيُّ: بِأَنَّ مَا فِي الشَّامِلِ هُوَ الَّذِي لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَابْنِ يُونُسَ وَالتُّونُسِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ؛ فَهُمَا طَرِيقَتَانِ يُؤْخَذَانِ مِنْ (بْن) . وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ: لِمُدَّعِي الصِّحَّةَ، أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ رَبُّ الْحَائِطِ: لَمْ تَدْفَعْ لِي الثَّمَرَةَ، وَقَالَ الْعَامِلُ: بَلْ دَفَعْتهَا لَك، صُدِّقَ الْعَامِلُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ - ابْنُ الْمَوَّازِ: وَيَحْلِفُ كَانَ التَّنَازُعُ قَبْلَ جُذَاذِ النَّاسِ أَوْ وَقْتَهُ - كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [مَا لَمْ يَغْلِبْ الْفَسَادُ] : أَيْ بِخِلَافِ الْقِرَاضِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي صِحَّتِهِ، وَلَوْ غَلَبَ الْفَسَادُ عَلَى الْمَشْهُورِ.

النَّاسِ وُقُوعُهَا فَاسِدَةً فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِيهِ لِشَهَادَةِ الْعُرْفِ لَهُ. هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةَ مُطْلَقًا، بَلْ الشَّأْنُ فِي الْمُسَاقَاةِ بَيْنَ النَّاسِ وُقُوعُهَا فَاسِدَةً أَكْثَرَ مِنْ الْبَيْعِ لِكَثْرَةِ شُرُوطِهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيَّ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الصِّحَّةَ مُطْلَقًا وَالْأَكْثَرُ عَلَى خِلَافِهِمَا وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ] : قَالَ (بْن) وَهُوَ الصَّوَابُ وَتَعْلِيلُ ابْنِ يُونُسَ الْمُتَقَدِّمُ تَرْجِيحُ قَوْلِ مُدَّعِي الصِّحَّةِ بِالْعُرْفِ كَالصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ، أَيْ فَإِذَا انْعَكَسَ الْعُرْفُ عُلِّلَ بِهِ أَيْضًا تَرْجِيحُ قَوْلِ مُدَّعِي الْفَسَادِ. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: فَإِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا فَسَادًا صُدِّقَ مُدَّعِي الصِّحَّةَ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعُرْفُ الْفَسَادَ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مُدَّعِيهِ لِشَهَادَةِ الْعُرْفِ لَهُ كَمَا فِي الْبُيُوعِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ] : أَيْ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْبِيَاعَاتِ يَغْلِبُ فِيهَا الصِّحَّةُ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْبِيَاعَاتِ يَغْلِبُ فِيهَا الْفَسَادُ - كَالسَّلَمِ وَالصَّرْفِ وَالْمُبَادَلَةِ - فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْفَسَادَ: تَتِمَّةٌ: إنْ قَصَّرَ عَامِلُ الْمُسَاقَاةِ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْعَمَلِ الَّذِي شُرِطَ عَلَيْهِ أَوْ جَرَى بِهِ الْعُرْفُ حُطَّ مِنْ نَصِيبِهِ بِنِسْبَتِهِ فَيُنْظَرُ فِي قِيمَةِ مَا عَمِلَ مَعَ قِيمَةِ مَا تَرَكَ فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ مَا تَرَكَ الثُّلُثَ مَثَلًا حُطَّ مِنْ جُزْئِهِ الْمُشْتَرَطِ لَهُ ثُلُثُهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُقَصِّرْ بِأَنْ شُرِطَ عَلَيْهِ السَّقْيُ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ فَسَقَى مَرَّتَيْنِ وَأَغْنَاهُ الْمَطَرُ أَوْ السَّيْحُ عَنْ الثَّالِثَةِ لَمْ يُحَطَّ مِنْ حِصَّتِهِ شَيْءٌ، وَكَانَ لَهُ جُزْؤُهُ بِالتَّمَامِ ابْنُ رُشْدٍ بِلَا خِلَافٍ قَالَ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ عَلَى سِقَايَةِ حَائِطِهِ زَمَنَ السَّقْيِ - وَهُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ - فَجَاءَ مَاءُ السَّمَاءِ فَأَقَامَ بِهِ حِينًا حُطَّ مِنْ إجَارَتِهِ بِقَدْرِ إقَامَةِ الْمَاءِ فِيهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِجَارَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُشَاحَّةِ بِخِلَافِ الْمُسَاقَاةِ كَذَا فِي شَرْحِ خَلِيلٍ. خَاتِمَةٌ: إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: خُذْ هَذِهِ الْأَرْضَ فَاغْرِسْهَا نَوْعًا مُعَيَّنًا فَإِذَا بَلَغَتْ أَوَانَ الْإِثْمَارِ كَانَ الشَّجَرُ وَالْأَرْضُ بَيْنَنَا، صَحَّتْ وَكَانَتْ مُغَارَسَةً شَرْعِيَّةً، فَإِنْ انْخَرَمَ شَرْطٌ مِنْ تِلْكَ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ: تَعْيِينُ الْأَرْضِ، وَالشَّجَرِ، وَكَوْنُهَا مِلْكًا لَهُمَا مِنْ وَقْتِ الْإِثْمَارِ، بِحَيْثُ لَا يَجْعَلُ لِلْعَامِلِ ثَمَرًا يَسْتَقِلُّ بِهِ بَعْدَ الْإِثْمَارِ فَسَدَتْ. فَإِنْ اُطُّلِعَ عَلَيْهَا قَبْلَ الْعَمَلِ فُسِخَتْ، وَإِلَّا مَضَتْ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى الْغَارِسِ نِصْفُ قِيمَةِ الْأَرْضِ يَوْمَ

وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْبَيْعِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَمَا يُنَاسِبُهُ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْإِجَارَةِ كَذَلِكَ. وَهُوَ أَوَّلُ الرُّبْعِ الرَّابِعِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغَرْسِ بَرَاحًا، وَعَلَى رَبِّ الْأَرْضِ نِصْفُ قِيمَةِ الْغَرْسِ يَوْمَ بَلَغَ وَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا، وَأَمَّا لَوْ أَعْطَاهُ أَرْضًا لِيَغْرِسَ فِيهَا شَجَرًا مِنْ عِنْدِهِ، فَإِذَا بَلَغَتْ حَدَّ الْإِثْمَارِ كَانَتْ الْحَائِطُ بِيَدِهِ مُسَاقَاةً سِنِينَ سَمَّاهَا لَهُ، ثُمَّ يَكُونُ الْغَرْسُ بَعْدَ الْمُدَّةِ مِلْكًا لِرَبِّ الْأَرْضِ، فَلَا يَجُوزُ وَفُسِخَتْ أَيْضًا مَا لَمْ يُثْمِرْ الشَّجَرُ. فَإِنْ أَثْمَرَ وَعَمِلَ لَمْ تَنْفَسِخْ الْمُسَاقَاةُ وَيَكُونُ لَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ إجَارَةُ مِثْلِهِ وَفِي سِنِينَ الْمُسَاقَاةِ مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ. قَالَ فَضْلٌ: وَلَهُ قِيمَةُ الْأَشْجَارِ يَوْمَ غَرْسِهَا اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ الْخَرَشِيِّ. قَوْلُهُ: [عَلَى الْبَيْعِ] : أَيْ عَلَى تَعْرِيفِهِ وَأَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ وَمَوَانِعِهِ. وَقَوْلُهُ: [وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ] : أَيْ مِنْ مَسَائِلِهِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ. وَقَوْلُهُ: [وَمَا يُنَاسِبُهُ] : أَيْ مِنْ بَاقِي الْأَبْوَابِ الَّتِي احْتَوَى عَلَيْهَا ذَلِكَ الرُّبْعُ، فَإِنَّ جَمِيعَهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ مُنَاسِبَةٌ. قَوْلُهُ: [انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْإِجَارَةِ كَذَلِكَ] : أَيْ عَلَى تَعْرِيفِهَا وَأَرْكَانِهَا وَشُرُوطِهَا وَمَوَانِعِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَمَا يُنَاسِبُهَا. قَوْلُهُ: [وَهِيَ أَوَّلُ الرُّبْعِ الرَّابِعِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ] : أَيْ مِنْ هَذَا الْمَتْنِ كَخَلِيلٍ. وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

[باب في الإجارة وأحكامها]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَابٌ فِي الْإِجَارَةِ وَأَحْكَامِهَا (الْإِجَارَةُ) : مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْأُجْرَةِ وَهُوَ الْعِوَضُ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا. وَهِيَ وَالْكِرَاءُ شَيْءٌ وَاحِدٌ فِي الْمَعْنَى، غَيْرَ أَنَّهُمْ أَطْلَقُوا عَلَى الْعَقْدِ عَلَى مَنَافِعِ الْآدَمِيِّ وَمَا يُنْقَلُ مِنْ غَيْرِ السُّفُنِ وَالْحَيَوَانِ إجَارَةٌ، وَعَلَى الْعَقْدِ عَلَى مَنَافِعِ مَا لَا يُنْقَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْإِجَارَةِ وَأَحْكَامِهَا] [تَعْرِيف الْإِجَارَة] الْمُرَادُ بِهَا حَقِيقَتُهَا وَأَرْكَانُهَا وَشُرُوطُهَا وَمَوَانِعُهَا، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " وَأَحْكَامُهَا " مَسَائِلُهَا الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَا مِنْ صَحِيحَةٍ وَفَاسِدَةٍ. قَوْلُهُ: [مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْأَجْرِ] : دَائِرَةُ الْأَخْذِ أَعَمُّ مِنْ دَائِرَةِ الِاشْتِقَاقِ فَلَا يُقَالُ: إنَّ الْأَجْرَ لَيْسَ مَصْدَرًا. قَوْلُهُ: [أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا] : أَيْ وَمِنْ فَتْحِهَا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ مُثَلَّثَةُ الْهَمْزَةِ وَالْكَسْرُ أَشْهَرُ وَهِيَ مَصْدَرُ أَجَرَ بِالْقَصْرِ كَكَتَبَ. وَيُقَالُ: آجَرَ إيجَارًا كَأَكْرَمَ، إكْرَامًا وَيُسْتَعْمَلُ الْمَمْدُودُ أَيْضًا مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ فَيَكُونُ مَصْدَرُهُ الْمُؤَاجَرَةَ وَالْإِجَارَ بِالْقَصْرِ كَالْمُقَاتَلَةِ وَالْقِتَالِ، وَأَمَّا الْإِجَارَةُ مِنْ السُّوءِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ مِنْ أَجَارَ إجَارَةً كَأَعَاذَ إعَاذَةً وَأَقَامَ إقَامَةً. قَالَ الْخَرَشِيُّ: وَقَدْ غَلَبَ وَضْعُ الْفِعَالَةِ بِالْكَسْرِ لِلصَّنَائِعِ نَحْوَ الْخِيَاطَةِ وَالنِّجَارَةِ، وَالْفَعَالَةُ بِالْفَتْحِ لِأَخْلَاقِ النُّفُوسِ الْجِبِلِّيَّ نَحْوَ السَّمَاحَةِ وَالْفَصَاحَةِ، وَالْفُعَالَةُ بِالضَّمِّ لِمَا يُطْرَحُ مِنْ الْمُحَقَّرَاتِ نَحْوَ الْكُنَاسَةِ وَالْقُلَامَةِ. وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وقَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّهِ شُعَيْبٍ مَعَ مُوسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27]

كَالْأَرْضِ وَالدُّورِ، وَمَا يُنْقَلُ مِنْ سَفِينَةٍ وَحَيَوَانٍ: كِرَاءٌ غَالِبًا فِيهِمَا. وَهِيَ عُرْفًا: (عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ) : خَرَجَ الْوَقْفُ وَالْعُمْرَى وَالِاسْتِخْدَامُ وَالْإِيصَاءُ وَالْإِعَارَةُ، (عَلَى تَمْلِيكِ مَنْفَعَةٍ) : خَرَجَ الْبَيْعُ فَإِنَّهُ مُعَاوَضَةٌ عَلَى تَمْلِيكِ ذَاتٍ، (بِعِوَضٍ) مُتَعَلِّقٍ بِمَنْفَعَةٍ: أَيْ تَمْلِيكٌ لِمَنْفَعَةٍ فِي نَظِيرٍ وَمُقَابَلَةِ عِوَضٍ، وَفِي الْحَقِيقَةِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٌ لِمَنْفَعَةٍ: أَيْ كَائِنَةٍ وَمَجْعُولَةٍ فِي نَظِيرِ الْعِوَضِ، وَقُصِدَ بِذَلِكَ إخْرَاجُ النِّكَاحِ وَالْجَعَالَةِ. فَالْمَنْفَعَةُ فِي الْإِجَارَةِ تَكُونُ فِي نَظِيرِ الْعِوَضِ حَتَّى لَوْ حَصَلَ مِنْ إتْمَامِهِ رَجَعَ لِلْمُحَاسَبَةِ، وَلَا كَذَلِكَ النِّكَاحُ وَالْجَعَالَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ نَاسِخٌ فَذَكَرَ تَأْجِيلَ الْإِجَارَةِ وَسَمَّى عَرَضَهَا، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ» (اهـ) . قَوْلُهُ: [غَالِبًا فِيهِمَا] : أَيْ وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ قَدْ يَتَسَمَّحُونَ بِإِطْلَاقِ الْإِجَارَةِ عَلَى الْكِرَاءِ، وَالْكِرَاءُ عَلَى الْإِجَارَةِ فَيُسَمُّونَ الْعَقْدَ عَلَى مَنَافِعِ الْآدَمِيِّ، وَمَنَافِعِ مَا يُنْقَلُ غَيْرَ السُّفُنِ وَالْحَيَوَانِ كِرَاءً وَيُسَمُّونَ الْعَقْدَ عَلَى مَنَافِعِ مَا لَا يُنْقَلُ وَمَنَافِعِ السُّفُنِ وَالرَّوَاحِلِ إجَارَةً. قَوْلُهُ: [خَرَجَ الْوَقْفُ] إلَخْ: أَيْ بِقَوْلِهِ مُعَاوَضَةً لِأَنَّ الْوَقْفَ وَمَا مَعَهُ لَيْسَ، فِيهِ مُعَاوَضَةٌ. قَوْلُهُ: [خَرَجَ الْبَيْعُ] : أَيْ وَهِبَةُ الثَّوَابِ. قَوْلُهُ: [وَلَا كَذَلِكَ النِّكَاحُ وَالْجَعَالَةُ] : مُحَصَّلُ هَذَا أَنَّ الْإِجَارَةَ هِيَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى تَمْلِيكِ مَنْفَعَةٍ كَائِنَةٍ وَمَجْعُولَةٍ فِي نَظِيرِ عِوَضٍ أَمَدًا مَعْلُومًا أَوْ قَدْرًا مَعْلُومًا، فَإِنْ حَصَلَ مَانِعٌ قَبْلَ تَمَامِ الْأَمَدِ أَوْ الْقَدْرِ رَجَعَ لِلْمُحَاسَبَةِ، وَأَمَّا النِّكَاحُ فَهُوَ التَّمْكِينُ مِنْ الْبُضْعِ شَرْعًا وَالْجَعَالَةُ التَّمْكِينُ مِنْ الْمُجَاعَلِ عَلَيْهِ فِي نَظِيرِ عِوَضٍ فِيهِمَا، وَكُلٌّ مِنْ الْبُضْعِ وَالْمُجَاعَلِ عَلَيْهِ ذُو الْمَنْفَعَةِ تَحَقَّقَتْ الْمَنْفَعَةُ أَمْ لَا اسْتَمَرَّتْ أَمْ لَا فَيَثْبُتُ الْعِوَضُ بِتَمَامِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهَذَا التَّعْرِيفُ شَامِلٌ لِلْكِرَاءِ. بِخِلَافِ تَعْرِيفِ ابْنِ عَرَفَةَ فَمُخَرِّجٌ لَهُ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ بَعْدَ قَوْلِهِ: " بِعِوَضٍ غَيْرِ نَاشِئٍ عَنْهَا " لِيُخْرِجَ الْقِرَاضَ وَالْمُسَاقَاةَ فَإِنَّ الْعِوَضَ نَاشِئٌ عَنْ الْمَنْفَعَةِ وَيَزِيدُ أَيْضًا بَعْدَ ذَلِكَ الْعِوَضُ يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا كَمَا فَعَلَ ابْنُ عَرَفَةَ لِيُدْخِلَ فِي الْحَدِّ قَوْله تَعَالَى:

[أركان الإجارة]

(بِمَا يَدُلُّ) عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ: مُتَعَلِّقٌ بِ " عَقَدَ ": أَيْ عَقَدَ عَلَى مَا ذُكِرَ بِمَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ مِنْ لَفْظٍ أَوْ غَيْرِهِ. (فَرُكْنُهَا) : أَيْ فَعُلِمَ مِنْ التَّعْرِيفِ أَنَّ أَرْكَانَهَا أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ: (عَاقِدٌ) مِنْ مُؤَجِّرٍ وَمُسْتَأْجِرٍ، كَالْبَيْعِ، فَشَرْطُ صِحَّتِهِمَا الْعَقْلُ وَالطَّوْعُ. وَشَرْطُ اللُّزُومِ: التَّكْلِيفُ وَالرُّشْدُ؛ فَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ يَتَوَقَّفُ لُزُومُ إجَارَتِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ عَلَى إذْنِ وَلِيِّهِ، وَمِثْلُهُ الْعَبْدُ، وَكَذَا السَّفِيهُ فِي سِلْعَةٍ، فَإِنْ أَجَّرَ نَفْسُهُ فَلَا كَلَامَ لِوَلِيِّهِ إلَّا إذَا حَابَى. وَلَا تَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ وَمَعْتُوهٍ وَمُكْرَهٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص: 27] الْآيَةَ لِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا إجَارَةٌ عِوَضُهَا الْبُضْعُ وَهُوَ لَا يَتَبَعَّضُ إذَا لَمْ تَتِمَّ الْمَنْفَعَةُ الَّتِي جُعِلَ الْبُضْعُ فِي نَظِيرِهَا فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ: [مِنْ لَفْظٍ أَوْ غَيْرِهِ] : أَيْ كَالْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ وَالْمُعَاطَاةِ وَالْعُرْفِ الْجَارِي بَيْنَ النَّاسِ، وَذَلِكَ فِي الْأَعْمَالِ الَّتِي يَعْمَلُهَا الشَّخْصُ لِغَيْرِهِ وَمِثْلُهُ يَأْخُذُ عَلَيْهَا أُجْرَةً كَتَخْلِيصِ دَيْنٍ لِأَنَّ مِنْ قَوَاعِدِ الْفِقْهِ أَنَّ الْعُرْفَ كَالشَّرْطِ وَالْعَادَةُ مُحَكَّمَةَ وَلَا يَدْخُلُ فِي صِيغَةِ الْإِجَارَةِ لَفْظُ الْمُسَاقَاةِ فَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ رُخْصَةٌ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ وَتَقَدَّمَ أَنَّ سَحْنُونًا يَرَى انْعِقَادَ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ. [أَرْكَانُ الْإِجَارَةُ] قَوْلُهُ: [مِنْ مُؤَجِّرٍ وَمُسْتَأْجِرٍ] : الْمُؤَجِّرُ بَائِعُ الْمَنْفَعَةِ وَالْمُسْتَأْجِرُ مُشْتَرِيهَا. قَوْلُهُ: [فَشَرْطُ صِحَّتِهِمَا] : أَيْ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ وَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ عَقْدُهُمَا، وَكَذَا يُقَدَّرُ فِي قَوْلِهِ وَشَرْطُ اللُّزُومِ وَالْمُؤَجِّرُ هُوَ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمُسْتَأْجِرُ هُوَ دَافِعُ الْعِوَضِ، وَيُقَالُ فِي الْأَوَّلِ مُكْرٍ وَالثَّانِي مُكْتَرٍ. قَوْلُهُ: [الْعَقْلُ وَالطَّوْعُ] : الصَّوَابُ عَدُّ الطَّوْعِ مِنْ شُرُوطِ اللُّزُومِ كَمَا تَقَدَّمَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ فِي الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: [التَّكْلِيفُ وَالرُّشْدُ] : كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ وَالطَّوْعُ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [فَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ] إلَخْ: تَفْرِيعٌ عَلَى شَرْطِ اللُّزُومِ. قَوْلُهُ: [فَلَا كَلَامَ لِوَلِيِّهِ] إلَخْ: أَيْ فَالرُّشْدُ شَرْطُ لُزُومٍ فِي الْجُمْلَةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ هَذَا التَّفْصِيلِ. قَوْلُهُ: [وَلَا تَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ وَمَعْتُوهٍ] : مُحْتَرَزُ شَرْطِ الصِّحَّةِ الَّذِي هُوَ الْعَقْلُ فَفِي الْكَلَامِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ وَهُوَ الْأَوْلَى عِنْدَ الْبُلَغَاءِ، وَقَوْلُهُ وَمُكْرَهٍ قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ.

(وَ) الثَّانِي: (صِيغَةٌ) كَالْبَيْعِ فَتَنْعَقِدُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَإِنْ مُعَاطَاةً. (وَ) الثَّالِثُ: (أَجْرٌ؛ كَالْبَيْعِ) مِنْ كَوْنِهِ طَاهِرًا مُنْتَفَعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ مَعْلُومًا ذَاتًا وَأَجَلًا أَوْ حُلُولًا. (وَ) الرَّابِعُ: (مَنْفَعَةٌ) ، وَهِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا. وَأَخَّرَهَا عَنْ قَوْلِهِ: " كَالْبَيْعِ " لِأَنَّهَا يُشْتَرَطُ فِيهَا شُرُوطٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ. أَفَادَ الْجَمِيعُ بِقَوْلِهِ: (تَتَقَوَّمُ) صِفَةً: ل " مَنْفَعَةٍ ": أَيْ لَهَا قِيمَةٌ بِأَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً عَلَى وَجْهٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا] : تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [أَجْرٌ كَالْبَيْعِ] : رَاجِعٌ لِلْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ فَلِذَلِكَ قَدَّرَهُ الشَّارِحُ أَوَّلًا وَثَانِيًا. قَوْلُهُ: [مِنْ كَوْنِهِ] : أَيْ الْأَجْرِ أَيْ لِكَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَنِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُهُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: [طَاهِرًا] : فَلَا يَصِحُّ بِنَجِسٍ وَلَا مُتَنَجِّسٍ لَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ فَإِنْ قَبِلَهُ صَحَّ وَوَجَبَ الْبَيَانُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: [مُنْتَفَعًا بِهِ] : أَيْ انْتِفَاعًا شَرْعِيًّا فَلَا يَصِحُّ بِمَا لَا نَفْعَ فِيهِ أَصْلًا أَوْ مَنْفَعَةً غَيْرَ شَرْعِيَّةٍ كَآلَةِ اللَّهْوِ إذَا جُعِلَتْ أَجْرًا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا آلَةُ لَهْوٍ. قَوْلُهُ: [مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ] : فَلَا يَصِحُّ بِعَبْدٍ آبِقٍ وَلَا بَعِيرٍ شَارِدٍ وَلَا طَيْرٍ فِي الْهَوَاءِ أَوْ سَمَكٍ فِي الْمَاءِ أَوْ بِمَا فِيهِ خُصُومَةٌ. قَوْلُهُ: [مَعْلُومًا ذَاتًا] : أَيْ إمَّا بِرُؤْيَةٍ أَوْ بِوَصْفٍ كَالْبَيْعِ. قَوْلُهُ: [وَأَجَلًا] : أَيْ إنْ أُجِّلَ فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِ الْأَجَلِ وَجَهْلُهُ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ. قَوْلُهُ: [أَوْ حُلُولًا] : أَيْ بِأَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْحُلُولِ أَوْ يَسْكُتَا وَلَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ التَّأْجِيلَ وَسَيَأْتِي التَّفْصِيلُ فِي تَعْجِيلِ الْأَجْرِ وَعَدَمِهِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهَا يُشْتَرَطُ فِيهَا شُرُوطٌ زَائِدَةٌ] : أَيْ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا شُرُوطُ الثَّمَنِ وَيُزَادُ عَلَيْهَا مَا سَيَذْكُرُهُ وَنُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ شُرُوطًا بِالنَّصْبِ وَالْأَوْلَى رَفْعُهُ عَلَى أَنَّهُ نَائِبُ فَاعِلِ يُشْتَرَطُ. قَوْلُهُ: [أَفَادَ الْجَمِيعَ بِقَوْلِهِ تَتَقَوَّمُ] : أَيْ إلَخْ وَهَذَا الشَّرْطُ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: " تَتَقَوَّمُ " مِنْ جُمْلَةِ الزَّائِدِ عَلَى شُرُوطِ الثَّمَنِ، لِأَنَّ الثَّمَنَ يَكُونُ فِي نَظِيرِ ذَاتٍ لَا مَنْفَعَةٍ كَانَتْ

خَاصٍّ، بِحَيْثُ يُمْكِنُ مَنْعُهَا، وَوَهْنُ الذَّاتِ الْمُسْتَوْفَى مِنْهَا، احْتِرَازًا مِنْ اسْتِظْلَالٍ أَوْ تَشَمُّسٍ بِفَلَاةٍ، فَلَا تُقَوَّمُ الْمَنْفَعَةُ لِعَدَمِ مِلْكِهَا، وَمِنْ شَمِّ الرَّيَاحِينِ فَإِنَّ رَبَّ الرَّيَاحِينِ لَا يُمْكِنُهُ مَنْعُ رَائِحَتِهَا، وَكَذَا الِاسْتِضَاءَةُ بِنُورِ مِصْبَاحٍ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ رَبِّهِ، أَوْ اسْتِدْفَاءٌ بِنَارٍ كَذَلِكَ أَوْ زِينَةٌ بِدَنَانِيرَ مَسْكُوكَةٍ، إذْ لَا يَحْصُلُ بِاسْتِيفَائِهَا وَهْنٌ لِذَاتِ الدَّرَاهِمِ، كَذَا قِيلَ، وَفِيهِ نَظَرٌ. (مَعْلُومَةً) بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ " تَتَقَوَّمُ " احْتِرَازًا عَنْ الْمَجْهُولَةِ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الْأَجَلِ. (مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهَا) لِلْمُسْتَأْجِرِ احْتِرَازًا مِنْ مَنْفَعَةِ آبِقٍ أَوْ شَارِدٍ أَوْ مَغْصُوبٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَتَقَوَّمُ أَمْ لَا، وَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءَيْنِ مَعًا لِأَنَّ الْفِعْلَ لَازِمٌ لَا يُبْنَى لِلْمَجْهُولِ. قَوْلُهُ: [وَوَهْنُ الذَّاتِ] : أَيْ ضَعْفُهَا وَتَغَيُّرُهَا كَالدَّابَّةِ الَّتِي تُرْكَبُ. قَوْلُهُ: [بِفَلَاةٍ] : أَيْ بِمَكَانٍ خَارِج عَنْ مِلْكِ رَبِّهِ وَهُوَ رَاجِعٌ لِلظَّلَالِ وَلِلشَّمْسِ، فَإِنَّ التَّشَمُّسَ وَالِاسْتِظْلَالَ بِالْجِدَارِ لَا يُمْكِنُ رَبَّهُ مَنْعُ الشَّمْسِ وَلَا الظِّلِّ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ وَهْنٌ لِلْجِدَارِ. قَوْلُهُ: [خَرَجَ عَنْ مِلْكِ رَبِّهِ] : أَيْ مَنْزِلِ رَبِّ الْمِصْبَاحِ وَأَمَّا الْجُلُوسُ فِي مِلْكِهِ الَّذِي فِيهِ الْمِصْبَاحُ فَلَهُ اسْتِئْجَارُهُ وَمِثْلُهُ الْجُلُوسُ دَاخِلَ الْبُسْتَانِ الَّذِي فِيهِ الرَّيَاحِينُ. قَوْلُهُ: [كَذَلِكَ] : أَيْ إدْفَاؤُهَا خَارِجٌ عَنْ مِلْكِ رَبِّهَا. قَوْلُهُ: [كَذَا قِيلَ] : رَاجِحٌ لِلتَّعْلِيلِ. وَقَوْلُهُ: [وَفِيهِ نَظَرٌ] : أَيْ بَلْ رُبَّمَا حَصَلَ لَهَا وَهْنٌ بِالِاسْتِعْمَالِ، فَالْأَحْسَنُ أَنَّ مَنْعَ التَّزَيُّنِ بِالدَّنَانِيرِ الْمَسْكُوكَةِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ شَرْعِيَّةٌ كَتَزَيُّنِ الْحَوَانِيتِ وَالْجُدَرَانِ بِهَا وَكَذَا آلَاتُ اللَّهْوِ وَتَعْلِيمُ الْأَنْغَامِ إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا شَرْعًا فَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ مَا ذُكِرَ، وَتُفْسَخُ إنْ وَقَعَتْ وَلَا أُجْرَةَ. وَمِثْلُ ذَلِكَ كِرَاءُ الشَّمْعِ لِلْمَشْيِ بِهِ فِي الزِّفَافِ مِنْ غَيْرِ وَقُودٍ كَالْمُسَمَّى فِي مِصْرَ بِشَمْعِ الْقَاعَةِ، وَقَدْ نَصَّ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ مَنْ قَالَ ارْقَ هَذَا الْجَبَلَ وَلَك كَذَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ. قَوْلُهُ: [احْتِرَازًا مِنْ مَنْفَعَةِ آبِقٍ] : وَمِنْ ذَلِكَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى إخْرَاجِ الْجَانِّ وَحَلِّ الْمَرْبُوطِ وَفِي (ح) عَنْ الْأَبِيِّ لَا يَحِلُّ مَا يَأْخُذُهُ الَّذِي يَكْتُبُ الْبَرَاءَةَ لِرَدِّ الضَّائِعِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ السِّحْرِ، ثُمَّ قَالَ: وَمَا يُؤْخَذُ عَلَى الْمَعْقُودِ فَإِنْ كَانَ يَرْقِيهِ بِالرُّقَى الْعَرَبِيَّةِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ

(غَيْرَ حَرَامٍ) احْتِرَازًا مِنْ اسْتِئْجَارِ آلَاتِ الْمَلَاهِي وَالْمُغَنِّيَاتِ. وَمِنْ الْحَرَامِ: الرَّقْصُ وَالْمَشْيُ عَلَى حَبْلٍ أَوْ أَعْوَادٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ اللَّعِبِ الَّذِي يَقَعُ فِي الْأَفْرَاحِ. (وَلَا مُتَضَمِّنَةً) تِلْكَ الْمَنْفَعَةُ (اسْتِيفَاءَ عَيْنٍ) : أَيْ ذَاتٍ (قَصْدًا) : احْتِرَازًا مِنْ اسْتِئْجَارِ شَاةٍ - مَثَلًا - لِشُرْبِ لَبَنِهَا، أَوْ شَجَرَةٍ لِأَكْلِ ثَمَرِهَا؛ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ إنَّمَا هُوَ شُرْبُ اللَّبَنِ وَأَكْلُ الثَّمَرِ. وَاسْتَثْنَوْا الرَّضَاعَ كَمَا يَأْتِي. (وَلَا مُتَعَيِّنَةً) : عَلَى الْمُؤَجِّرِ كَالصَّلَاةِ، وَحَمْلِ مَيِّتٍ أَوْ دَفْنِهِ عَلَى مَنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ، أَوْ فَتْوَى تَعَيَّنَتْ عَلَى عَالِمٍ: لَا إنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ كَمَا يَأْتِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالرُّقَى الْعَجَمِيَّةِ امْتَنَعَ وَفِيهِ خِلَافٌ، وَكَانَ الشَّيْخُ يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ يَقُولُ إنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ النَّفْعُ فَذَلِكَ جَائِزٌ (اهـ بْن) . قَوْلُهُ: [وَمِنْ الْحَرَامِ الرَّقْصُ] : أَيْ حَيْثُ كَانَ حَرَامًا فَالِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ حَرَامٌ وَدَفْعُ الدَّرَاهِمِ لَهُمْ حَرَامٌ. قَوْلُهُ: [وَلَا مُتَضَمِّنَةً تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ اسْتِيفَاءَ عَيْنٍ] إلَخْ: صَادِقٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ اسْتِيفَاءُ عَيْنٍ أَصْلًا أَوْ كَانَ هُنَاكَ اسْتِيفَاءُ عَيْنٍ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، فَالْأَوَّلُ كَإِجَارَةِ دَابَّةٍ لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ، وَالثَّانِي كَإِجَارَةِ الشَّجَرِ لِلتَّجْفِيفِ عَلَيْهِ وَالثِّيَابِ لِلُّبْسِ فَإِنَّ فِيهِ اسْتِيفَاءَ عَيْنٍ وَهُوَ ذَهَابُ شَيْءٍ مِنْهَا بِالِاسْتِعْمَالِ لَكِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَقْصُودٍ. قَوْلُهُ: [وَاسْتَثْنَوْا الرَّضَاعَ كَمَا يَأْتِي] : أَيْ وَكَذَلِكَ اسْتَثْنَوْا إيجَارَ أَرْضٍ فِيهَا بِئْرٌ أَوْ عَيْنٌ، وَاسْتِئْجَارَ شَاةٍ لِلَبَنِهَا إذَا وُجِدَتْ الشُّرُوطُ، فَإِنَّ فِيهَا اسْتِيفَاءَ عَيْنٍ قَصْدًا وَهُوَ الْمَاءُ فِي الْأُولَى وَاللَّبَنُ فِي الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: [كَالصَّلَاةِ] : أَيْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ أُجْرَةٍ عَلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ مَثَلًا، وَأَمَّا عَلَى كَوْنِهِ إمَامًا فِي مَسْجِدٍ أَوْ مَكَان مَخْصُوصٍ فَجَائِزٌ. وَقَوْلُهُ: [وَحَمْلُ مَيِّت أَوْ دَفْنُهُ] : أَيْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الْمُتَعَيَّنِ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ فَتْوَى تَعَيَّنَتْ عَلَى عَالِمٍ] : فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ أَيْضًا. قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَيَجُوزُ لِلْمُفْتِي إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رِزْقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَالْأُجْرَةُ عَلَى الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ رِشْوَةٌ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ نَقْلِهِ: فِي الْأَجْرِ عَلَى الشَّهَادَةِ خِلَافٌ، وَكَذَا فِي الرِّوَايَةِ وَمَنْ شَغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ جُلِّ تَكَسُّبِهِ فَأَخْذُهُ الْأَجْرَ مِنْ غَيْرِ بَيْتِ الْمَالِ لِتَعَذُّرِهِ عِنْدِي خَفِيفٌ (اهـ) . وَقَوْلُهُ: [لَا إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ] أَيْ فَيَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ.

ثُمَّ بَيَّنَ مُحْتَرَزَ بَعْضِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقُيُودِ بِقَوْلِهِ: (لَا نَحْوِ تُفَّاحَةٍ لِلشَّمِّ) مِنْ سَائِرِ الرَّيَاحِينِ وَهَذَا مُحْتَرَزُ " تَتَقَوَّمُ ". (أَوْ دَنَانِيرَ لِلزِّينَةِ) : إنْ كَانَتْ الزِّينَةُ لِرِجَالٍ، فَالْمَنْعُ لِحُرْمَةِ الْمَنْفَعَةِ. وَإِنْ كَانَتْ لِنِسَاءٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّنَانِيرِ وَالْحُلِيِّ. (وَلَا آلَةٌ) لِلَّهْوِ (أَوْ جَارِيَةٌ لِلْغِنَاءِ. أَوْ) نَحْوُ اسْتِئْجَارِ (حَائِضٍ) أَوْ نُفَسَاءَ (لِكَنْسِ مَسْجِدٍ) ، وَهَذَا مُحْتَرَزٌ " غَيْرُ حَرَامٍ " (وَلَا لِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ) : وَأَوْلَى الْفَرْضُ لِتَعَيُّنِ ذَلِكَ. (بِخِلَافِ الْكِفَايَةِ) : كَتَغْسِيلِ الْمَيِّتِ وَدَفْنِهِ حَيْثُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى أَحَدٍ، فَيَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مِنْ سَائِرِ الرَّيَاحِينِ] : بَيَانٌ لِنَحْوِ التُّفَّاحَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَا آلَةٌ لِلَّهْوِ] : أَيْ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ جَوَازُهُ فِي النِّكَاحِ فَكُلُّ مَا جَازَ مِنْ آلَاتِ اللَّهْوِ فِي النِّكَاحِ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا فِيهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ جَارِيَةٌ لِلْغِنَاءِ] : وَأَمَّا اسْتِئْجَارُ، نَحْوِ الْمُنْشِدِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ الْقَصَائِدَ النَّبَوِيَّةَ وَالْكَلَامَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الْمَعَارِفِ فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ، وَتَقَدَّمَ لَنَا مَبْحَثٌ طَوِيلٌ فِي الْوَلِيمَةِ فِي حُكْمِ الْمَلَاهِي فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت. قَوْلُهُ: [وَهَذَا مُحْتَرَزٌ غَيْرُ حَرَامٍ] : اسْمُ الْإِشَارَةِ عَائِدٌ إلَى قَوْلِهِ وَلَا آلَةٌ لِلَّهْوِ إلَى هُنَا. قَوْلُهُ: [وَلَا لِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ] : أَيْ فَلَا فَرْقَ فِي الْمُتَعَيَّنِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا أَوْ مَنْدُوبًا كَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَسَائِرِ الْمَنْدُوبَاتِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَأَمَّا الْمَنْدُوبَاتُ مِنْ غَيْرِهِمَا كَالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا، وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ أَنَّ جَوَازَ الْإِجَارَةِ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مَبْنِيٌّ عَلَى وُصُولِ ثَوَابِ الْقُرْآنِ لِمَنْ قُرِئَ لِأَجْلِهِ كَالْمَيِّتِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّاجِحَ وُصُولُ ذَلِكَ بِكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [كَتَغْسِيلِ الْمَيِّتِ وَدَفْنِهِ] : أَيْ وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فَقَدْ نَصَّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْعِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهَا، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فَإِنْ قُلْت: صَلَاةُ الْجِنَازَةِ عِبَادَةٌ لَا يَتَعَيَّنُ فِعْلُهَا عَلَى أَحَدٍ لِمَ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا؟ قُلْت لَمَّا كَانَتْ عِبَادَةٌ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ الْمُتَمَيِّزَةِ بِصُورَتِهَا لِلْعِبَادَةِ وَالصَّلَاةِ لَا تُفْعَلُ لِغَيْرِ الْعِبَادَةِ مُنِعَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْغُسْلُ فَيَكُونُ لِلْعِبَادَةِ وَالنَّظَافَةِ، وَكَذَا الْحَمْلُ لِلْمَيِّتِ تُشَارِكُهُ فِي الصُّورَةِ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ مِنْ غَيْرِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ فَلَمْ يَتَمَحَّضْ بِصُورَتِهِ لِلْعِبَادَةِ (اهـ بْن) .

[تأجيل الأجرة وتعجيلها]

الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ (وَكَفَتْوَى لَمْ تَتَعَيَّنْ) : فَإِنْ تَعَيَّنَتْ لِعَدَمِ وُجُودِ غَيْرِهِ أَوْ لِعَدَمِ قَبُولِهِ لَمْ يَجُزْ، وَهَذَا مُحْتَرَزٌ: " وَلَا مُتَعَيِّنَةٌ ". وَلَمَّا كَانَتْ قَاعِدَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ الْأَصْلُ فِيهِ الْحُلُولُ وَأَنَّ الْأُجْرَةَ فِي الْإِجَارَةِ الْأَصْلُ فِيهَا التَّأْجِيلُ، إلَّا فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ يَجِبُ فِيهَا تَعْجِيلُ الْأُجْرَةِ بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ: (وَعُجِّلَ الْأَجْرُ) وُجُوبًا فِي الْإِجَارَةِ (إنْ شُرِطَ) التَّعْجِيلُ (أَوْ اُعْتِيدَ) . وَلَمْ يَكُنْ الْأَجْرُ مُعَيَّنًا كَ: أَكْرِنِي دَارَك سَنَةً مَثَلًا لِأَسْكُنَهَا، أَوْ: أَرْضَكَ لِأَزْرَعَهَا أَوْ: دَابَّتَك لِأُسَافِرَ عَلَيْهَا لِمَكَّةَ مَثَلًا بِكَذَا كَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ عَبْدٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ. إلَّا أَنَّ وُجُوبَ تَعْجِيلِ الْأَجْرِ فِي هَذَيْنِ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ يُقْضَى بِهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى تَأْخِيرِهِ جَازَ وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ (أَوْ عُيِّنَ) الْأَجْرُ كَ: هَذَا الثَّوْبُ أَوْ الْعَبْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ تَعَيَّنَتْ لِعَدَمِ وُجُودِ غَيْرِهِ] إلَخْ: أَيْ مَا لَمْ يَشْغَلْهُ ذَلِكَ عَنْ جُلِّ تَكَسُّبِهِ فَيَأْخُذُهُ بِقَدْرِ ضَرُورَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [أَوْ لِعَدَمِ قَبُولِهِ] : أَيْ لِجَهْلِهِ أَوْ لِعَدَمِ دِيَانَتِهِ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا مُحْتَرَزٌ وَلَا مُتَعَيِّنَةٌ] : اسْمُ الْإِشَارَةِ يَعُودُ عَلَى قَوْلِهِ " بِخِلَافِ الْكَفَاءَةِ " إلَخْ. [تأجيل الْأُجْرَة وَتَعْجِيلهَا] قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَكُنْ الْأَجْرُ مُعَيَّنًا] : أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْأَجْرُ مُعَيَّنًا لِأَنَّ الْأَجْرَ الْمُعَيَّنَ سَيَأْتِي بَعْدُ كَانَتْ الْمَنَافِعُ مُعَيَّنَةً أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [فِي هَذَيْنِ] : أَيْ فِي شَرْطِ التَّعْجِيلِ أَوْ اعْتِيَادِهِ وَالْحَالُ أَنَّ الْأَجْرَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَإِنَّمَا كَانَ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ فَقَطْ لِعَدَمِ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ فِي التَّأْخِيرِ وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَنَافِعِ مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً فَصُوَرُهَا أَرْبَعٌ، وَلَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْمَنَافِعُ مَضْمُونَةً وَالْأَجْرُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ يَجِبُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا التَّعْجِيلُ أَوْ الشُّرُوعُ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ التَّعْجِيلُ وَلَمْ يَتَعَدَّ لِحَقِّ اللَّهِ، وَهُوَ ابْتِدَاءُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَرْعًا نَفَى الْمَفْهُومُ تَفْصِيلَ الْكُلِّ فِيهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى تَأْخِيرِهِ جَازَ] إلَخْ: أَيْ فِي غَيْرِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يَلْزَمُ فِيهَا ابْتِدَاءُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ كَمَا عَلِمْت.

فَإِنَّهُ يَجِبُ تَعْجِيلُهُ، أَيْ إنْ شُرِطَ التَّعْجِيلُ أَوْ كَانَ الْعُرْفُ تَعْجِيلَهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي: " وَفَسَدَتْ إنْ انْتَفَى عُرْفُ تَعْجِيلِ الْمُعَيَّنِ ". وَالتَّعْجِيلُ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى تَأْخِيرِهِ بَيْعٌ مُعَيَّنٌ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ، لَا ابْتِدَاءَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ كَالسَّلَمِ كَمَا قِيلَ، لِأَنَّ الْمُعَيَّنَ لَيْسَ فِي الذِّمَّةِ. وَإِنَّمَا أَخَّرْنَا قَوْلَهُ: " أَوْ عُيِّنَ " عَنْ قَوْلِهِ: " إنْ شُرِطَ ". . . إلَخْ لِكَوْنِ التَّعْجِيلِ فِيهِ وَفِيمَا يَلِيهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالسَّلَمِ. وَأَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَجِبُ تَعْجِيلُهُ] : أَيْ وَلَوْ حُكْمًا وَيُغْتَفَرُ التَّأْخِيرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَقَامِ أَوَّلًا وَآخِرًا: أَنَّهُ إنْ عُيِّنَ الْأَجْرُ فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ التَّعْجِيلِ أَوْ جَرَيَانِ الْعُرْفِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ وَلَمْ يَشْتَرِطْ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا وَلَوْ عَجَّلَ بِالْفِعْلِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَنَافِعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً شَرَعَ فِيهَا أَمْ لَا؛ فَهَذِهِ أَرْبَعٌ صَحِيحَةٌ وَأَرْبَعٌ فَاسِدَةٌ، إنْ كَانَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْبَتِّ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْخِيَارِ فَسَدَ فِي الْجَمِيعِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَإِنَّمَا فَسَدَ فِي الْجَمِيعِ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ؛ فَهَذِهِ سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً، وَإِنْ كَانَ الْأَجْرُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَجَبَ التَّعْجِيلُ إنْ شُرِطَ أَوْ اُعْتِيدَ كَالْمَنَافِعِ مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً شَرَعَ أَمْ لَا، فَهَذِهِ أَرْبَعٌ أَيْضًا صَحِيحَةٌ إنْ كَانَ عَلَى الْبَتِّ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْخِيَارِ فَسَدَتْ الْأَرْبَعُ لِلتَّرَدُّدِ فَهَذِهِ ثَمَانٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ وَلَا عَادَةٌ بِالتَّعْجِيلِ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ فَإِنْ كَانَتْ الْمَنَافِعُ مَضْمُونَةً لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا وَجَبَ التَّعْجِيلُ لِحَقِّ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَنَافِعُ مُعَيَّنَةً شَرَعَ فِيهَا أَمْ لَا أَوْ مَضْمُونَةً، وَشَرَعَ فِيهَا فَلَا يَجِبُ التَّعْجِيلُ لِلْأَجْرِ، بَلْ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ هَذَا إذَا كَانَ عَلَى الْبَتِّ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْخِيَارِ فَصَحِيحَةٌ أَيْضًا إلَّا فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا تَعْجِيلُ الْأَجْرِ لِحَقِّ اللَّهِ فَجُمْلَةُ الصُّوَرِ اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ قَدْ عَلِمْت أَحْكَامَهَا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَاَلَّتِي بَعْدَهَا] : أَيْ وَهِيَ قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يُعَيَّنْ فِي مَضْمُونَةٍ لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا وَهِيَ الَّتِي نَبَّهْنَا عَلَيْهَا أَوَّلًا. قَوْلُهُ: [بَيْعٌ مُعَيَّنٌ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ] : أَيْ فِي هَذِهِ، وَأَمَّا الَّتِي بَعْدَهَا فَابْتِدَاءُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ كَمَا سَيُنَبَّهُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [كَالسَّلَمِ] : مِثَالٌ لِلْمَنْفِيِّ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْمُعَيَّنَ لَيْسَ فِي الذِّمَّةِ] : عِلَّةٌ لِلنَّفْيِ. قَوْلُهُ: [مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالسَّلَمِ] ؛ أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعِلَّةَ فِي الْمَنْعِ إمَّا بَيْعٌ

مَا قَبْلَهُمَا الْحَقُّ فِي تَعْجِيلِهِمَا لِلْآدَمِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَرُدُّ عَلَيْهِ بَحْثُ الْحَطَّابُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ: " أَوْ عُيِّنَ " مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ: " إنْ شُرِطَ أَوْ اُعْتِيدَ "، أَيْ: عُيِّنَ أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ تَعْجِيلُهُ وَلَمْ يُعْتَدْ فَفَاسِدَةٌ كَمَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ. وَيُجَابُ بِأَنْ يُحْمَلَ الْأَوَّلَانِ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لِبَيَانِ أَنَّ التَّعْجِيلَ حَقٌّ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَيُفْرَدُ الْمُعَيَّنُ عَمَّا قَبْلَهُ لِبَيَانِ أَنَّهُ وَمَا يَلِيه حَقُّ التَّعْجِيلِ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى، إلَّا أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ إنَّمَا يَظْهَرُ لَوْ أَخَّرَهُ وَضَمَّهُ لِمَا بَعْدَهُ كَمَا فَعَلْنَا. (أَوْ) لَمْ يُعَيَّنْ (فِي مَضْمُونِهِ) : أَيْ وَيَجِبُ تَعْجِيلُ الْأَجْرِ إذَا لَمْ يُعَيَّنْ إذَا كَانَ فِي مَنَافِعَ مَضْمُونَةٍ فِي ذِمَّةِ الْمُؤَجِّرِ (لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا) : أَيْ فِي الْمَنَافِعِ الْمَضْمُونَةِ. كَ: اسْتَأْجَرْتُك عَلَى فِعْلِ كَذَا فِي ذِمَّتِك، أَيْ بِنَفْسِك أَوْ غَيْرِك، أَوْ: عَلَى أَنْ تَحْمِلَنِي عَلَى دَابَّةٍ مِنْ دَوَابِّك لِبَلَدِ كَذَا بِدَنَانِيرَ مَثَلًا. فَإِنْ شَرَعَ فَلَا ضَرَرَ، وَإِنْ لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا - أَيْ تَأَخَّرَ الشُّرُوعُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ - فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا عَجَّلَ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ، وَإِلَّا لَأَدَّى إلَى ابْتِدَاءِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ مَشْغُولَةٌ لَك بِمَنَافِعِ الدَّابَّةِ مَثَلًا وَذِمَّتَك مَشْغُولَةٌ بِالدَّرَاهِمِ أَيْ الْأُجْرَةِ. وَأَمَّا لَوْ شَرَعَ فِي الْعَمَلِ أَوْ السَّيْرِ لَجَازَ تَأْخِيرُ الْأَجْرِ لِانْتِفَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُعَيَّنٌ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ أَوْ ابْتِدَاءُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ هَاتَيْنِ الْعِلَّتَيْنِ مِنْ مَوَانِعِ السَّلَمِ. قَوْلُهُ: [يُرَدُّ عَلَيْهِ] : أَيْ عَلَى خَلِيلٍ. قَوْلُهُ: [مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ عُيِّنَ] إلَخْ: لَيْسَ هَذَا لَفْظُ خَلِيلٍ، بَلْ لَفْظُهُ وَعَجَّلَ إنْ عُيِّنَ أَوْ بِشَرْطٍ أَوْ عَادَةٍ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ يُحْمَلَ الْأَوَّلَانِ] : الْمُنَاسِبُ لِتَرْتِيبِ خَلِيلٍ أَنْ يَقُولَ الْأَخِيرَانِ. قَوْلُهُ: [وَيُفْرَدُ الْمُعَيَّنُ عَمَّا قَبْلَهُ] : الْمُنَاسِبُ عَمَّا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [لَوْ أَخَّرَهُ] : هَذَا مِمَّا يُعِينُ أَنَّ كَلَامَهُ أَوَّلًا لَا سَبْقَ قَلَمٍ. قَوْلُهُ: [أَيْ وَيَجِبُ تَعْجِيلُ الْأَجْرِ إذَا لَمْ يُعَيَّنْ] : أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِالتَّعْجِيلِ وَلَا اُشْتُرِطَ. قَوْلُهُ: [فِي ذِمَّتِك] إلَخْ: لَيْسَ هَذَا التَّصْرِيحُ لَازِمًا، بَلْ إنْ حَصَلَ الْعَقْدُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَالْمَنَافِعُ مَضْمُونَةٌ فِي الذِّمَّةِ سَوَاءٌ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا لَأَدَّى إلَى ابْتِدَاءِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ] : أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْمِيرِ الذِّمَّتَيْنِ بِدَلِيلِ تَعْلِيلِهِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ مَشْغُولَةٌ إلَخْ.

الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ قَبْضُ الْأَوَاخِرِ. وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ جَمِيعِ الْأُجْرَةِ وَلَوْ شَرَعَ، لِأَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ لَيْسَ قَبْضًا لِلْأَوَاخِرِ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: " لَمْ يَشْرَعْ ": أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ جَمِيعِ الْأُجْرَةِ سَوَاءٌ كَانَ السَّفَرُ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا، وَقَعَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ فِي إبَّانِ السَّفَرِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، فَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةً بِقَوْلِهِ: (إلَّا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ) : أَيْ مَسَافَةِ السَّفَرِ، حَجًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ (فِي غَيْرِ الْإِبَّانِ) : أَيْ وَقْتِ سَفَرِ النَّاسِ عَادَةً، كَمَا لَوْ وَقَعَ عَقْدُ الْكِرَاءِ لِحَاجٍّ مَعَ جَمَّالٍ فِي مِصْرَ فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي أَوَائِلِ شَوَّالٍ، فَإِنَّ شَأْنَ الْمِصْرِيِّ إنَّمَا يَسِيرُ فِي آخِرِ شَوَّالٍ (فَالْيَسِيرُ) : أَيْ فَيَكْفِي تَعْجِيلُ الْيَسِيرِ مِنْ الْأَجْرِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ تَعْجِيلُ الْجَمِيعِ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ تَعْجِيلَ جَمِيعِ الْأُجْرَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِسَبَبِ هُرُوبِ الْجَمَّالِينَ إذَا قَبَضُوا الْأُجْرَةَ . فَعُلِمَ أَنَّهُ إنْ تَأَخَّرَ الشُّرُوعُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ وَإِلَّا فَسَدَتْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا فَيَكْفِي، تَعْجِيلُ الْيَسِيرِ مِنْهُ لِلضَّرُورَةِ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ الشُّرُوعُ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الْأُجْرَةِ. لَكِنْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ الْعَمَلُ يَسِيرًا فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْجِيلِ، وَأَقَرَّهُ فِي التَّوْضِيحِ. وَعَلَيْهِ: فَلَا يَكُونُ قَبْضُ الْأَوَائِلِ كَقَبْضِ الْأَوَاخِرِ إلَّا فِي الْيَسِيرِ (انْتَهَى - ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ) . (وَإِلَّا) يَكُنْ الْأَجْرُ مُعَيَّنًا وَلَا شُرِطَ تَعْجِيلُهُ وَلَا الْعَادَةُ تَعْجِيلُهُ وَلَا الْمَنَافِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [قَبْضٌ، لِلْأَوَاخِرِ] : هَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ جَمِيعِ الْأُجْرَةِ] : أَيْ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ لَيْسَ قَبْضًا لِلْأَوَاخِرِ، فَيَجِبُ تَعْجِيلُ النَّقْدِ فِي الْمَنَافِعِ الْمَضْمُونَةِ شَرَعَ فِيهَا أَمْ لَا، وَالْأَوَّلُ مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَتَعَيَّنُ تَعْجِيلُ الْجَمِيعِ] : أَيْ إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ فَيَكْفِي تَعْجِيلُ الدِّينَارِ وَالدِّينَارَيْنِ. فَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً فِي نَفْسِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِهَا كُلِّهَا كَمَا قَالَ. قَوْلُهُ: [ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ] : مُرَادٌ بِهِ (بْن) . قَوْلُهُ: [وَإِلَّا يَكُنْ الْأَجْرُ مُعَيَّنًا] : مَفْهُومُ قَوْلِهِ أَوْ عُيِّنَ. وَقَوْلُهُ: [وَلَا شُرِطَ تَعْجِيلُهُ وَلَا الْعَادَةُ تَعْجِيلُهُ] : مَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ شُرِطَ أَوْ اُعْتِيدَ. وَقَوْلُهُ: [وَلَا الْمَنَافِعُ] : مَضْمُونَةٌ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ فِي مَضْمُونَةٍ لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُخَلْبَطٌ.

[الإجارة إن وقعت بأجر معين وانتفى عرف تعجيل المعين]

مَضْمُونَةٌ، فَإِنْ انْتَفَتْ الْأَرْبَعَةُ فَلَا يَجِبُ تَعْجِيلُ الْأَجْرِ. وَإِذَا لَمْ يَجِبْ التَّعْجِيلُ (فَمُيَاوَمَةً) : أَيْ كُلَّمَا اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ يَوْمٍ أَوْ تَمَكَّنَ مِنْ اسْتِيفَائِهَا لَزِمَهُ أُجْرَتُهُ. وَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ: الْقِطْعَةُ مِنْ الزَّمَنِ مُصَادَقَةً بِالْأَكْثَرِ وَالْأَقَلِّ، وَهَذَا عِنْدَ الْمُشَاحَّةِ فِي نَحْوِ أَكْرِيَةِ الدُّورِ أَوْ إجَارَةِ بَيْعِ سِلْعَةٍ أَوْ بِنَاءٍ (أَوْ بَعْدَ) تَمَامِ (الْعَمَلِ) كَمَا لَوْ أَجَّرَهُ بِشَيْءٍ عَلَى بَيْعِ جَمِيعِ السِّلَعِ أَوْ عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ أَوْ خَرْزِ نَعْلٍ أَوْ حَمْلِ شَيْءٍ بِسَفِينَةٍ. وَجَازَ عِنْدَ عَدَمِ الْمُشَاحَّةِ التَّعْجِيلُ وَالتَّأْخِيرُ، وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْإِجَارَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَفَسَدَتْ) الْإِجَارَةُ (إنْ) وَقَعَتْ بِأَجْرٍ مُعَيَّنٍ وَ (انْتَفَى عُرْفُ تَعْجِيلِ الْمُعَيَّنِ) وَانْتِفَاؤُهُ صَادِقٌ بِجَرَيَانِ عُرْفِهِمْ بِتَأْخِيرِهِ وَبِعَدَمِ عُرْفِهِمْ بِتَعْجِيلٍ أَوْ تَأْخِيرٍ. وَعِلَّةُ الْفَسَادِ أَنَّ فِيهِ بَيْعَ مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَأَمَّا التَّعْلِيلُ بِلُزُومِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ كَالسَّلَمِ فَلَا يَصِحُّ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمُعَيَّنَاتِ لَا تَقْبَلُهَا الذِّمَمُ، وَمِثْلُ هَذَا فِي الْفَسَادِ مَا اُشْتُرِطَ تَأْخِيرُهُ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ. وَمَفْهُومٌ: " انْتَفَى عُرْفٌ " إلَخْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعُرْفُ تَعْجِيلَهُمْ الْمُعَيَّنَ صَحَّتْ وَوَجَبَ التَّعْجِيلُ أَوْ اشْتِرَاطُ التَّعْجِيلِ كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ: " أَوْ عُيِّنَ "، فَإِنَّ مَعْنَاهُ عُيِّنَ وَكَانَ الْعُرْفُ تَعْجِيلَهُ أَوْ شُرِطَ تَعْجِيلُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْعُرْفِ بِشَيْءٍ أَوْ عُرْف التَّأْخِيرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ انْتَفَتْ الْأَرْبَعَةُ] : أَيْ الَّتِي هِيَ تَعْيِينُ الْأَجْرِ أَوْ شَرْطُ تَعْجِيلِهِ أَوْ الْعَادَةُ بِتَعْجِيلِهِ أَوْ الْمَنَافِعُ مَضْمُونَةٌ وَلَمْ يَشْرَعْ فِيهَا. [الْإِجَارَةُ إنْ وَقَعَتْ بِأَجْرٍ مُعَيَّنٍ وَانْتَفَى عُرْفُ تَعْجِيلِ الْمُعَيَّنِ] قَوْلُهُ: [وَعِلَّةُ الْفَسَادِ أَنَّ فِيهِ بَيْعَ مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ] : مُقْتَضَاهُ أَنَّ مَحَلَّ الْفَسَادِ إذَا كَانَ تَأْخِيرُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ إنْ كَانَ الْمُعَيَّنُ حَيَوَانًا وَأَكْثَرَ مِنْ عَامٍ إنْ كَانَ الْمُعَيَّنُ دَارًا وَأَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ إنْ كَانَ الْمُعَيَّنُ أَرْضًا، فَإِنْ كَانَ عُرْفُهُمْ تَأْخِيرَهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا مَنْعَ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ فِي الْجَائِزَاتِ وَبَيْعُ دَارٍ لِتُقْبَضَ بَعْدَ عَامٍ وَأَرْضٍ بَعْدَ عَشْرٍ وَحَيَوَانٍ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا عَشْرٍ، وَكُرِهَ الْمُتَوَسِّطُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعَيَّنَ إنْ كَانَ كَثَوْبٍ أَوْ نُحَاسٍ يُمْنَعُ التَّأْخِيرُ فِيهِ نِصْفَ شَهْرٍ لِتَأْدِيَتِهِ لِلسَّلَمِ فِي مُعَيَّنٍ، وَأَمَّا دُونَ ذَلِكَ فَيَجُوزُ لِعَدَمِ التَّغَيُّرِ عَادَةً فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: [لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ] : أَيْ وَهُوَ السَّلَمُ فِي مُعَيَّنٍ. قَوْلُهُ: [تَعْجِيلُهُمْ الْمُعَيَّنَ] : أَيْ بِأَنْ كَانَ يُقْبَضُ فِي أَمَدِهِ الَّذِي يَسُوغُ تَأْخِيرُهُ إلَيْهِ عَلَى مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [عِنْدَ عَدَمِ الْعُرْفِ بِشَيْءٍ] إلَخْ: أَيْ فَمَحَلُّ اشْتِرَاطِ التَّعْجِيلِ إنْ لَمْ يَكُنْ

[الإجارة إذا وقعت مع جعل صفقة واحدة]

فَإِذَا انْتَفَى الْعُرْفُ بِتَعْجِيلِهِ فَسَدَتْ (وَلَوْ عُجِّلَ) بِالْفِعْلِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَلَا تَصِحُّ إلَّا إذَا شُرِطَ تَعْجِيلُهُ وَعُجِّلَ. ثُمَّ شَبَّهَ فِي الْفَسَادِ قَوْلَهُ: (كَمَعَ جُعْلٍ) : أَيْ كَمَا تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ إذَا وَقَعَتْ مَعَ جُعْلِ صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، كَأَجِّرْنِي دَابَّتَك وَائْتِنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ بِكَذَا؛ فَيَفْسُدَانِ مَعًا لِتَنَافُرِهِمَا؛ لِأَنَّ الْجَعَالَةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ بِالْعَقْدِ وَلِجَوَازِ الْغَرَرِ فِيهَا وَعَدَمِ الْأَجَلِ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ. وَكَذَا لَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُ بَيْعٍ مَعَ جَعْلٍ فِي صَفْقَةٍ. (لَا) إجَارَةٍ مَعَ (بَيْعِ) : صَفْقَةً وَاحِدَةً، فَلَا تَفْسُدُ بَلْ يَصِحَّانِ مَعًا سَوَاءٌ كَانَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQعُرِفَ بِشَيْءٍ أَوْ الْعُرْفُ التَّأْخِيرُ. قَوْلُهُ: [فَإِذَا انْتَفَى الْعُرْفُ بِتَعْجِيلِهِ] إلَخْ: تَوْطِئَةً لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [وَلَا تَصِحُّ إلَّا إذَا شُرِطَ تَعْجِيلُهُ] : أَيْ قَبْلَ مُضِيِّ نِصْفِ شَهْرٍ، وَمِثْلُهُ اشْتِرَاطُ الْخَلَفِ فِي الدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلَفِ يَقُومُ مَقَامَ التَّعْجِيلِ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَى شَيْءٍ بِالدَّرَاهِمِ الْمُعَيَّنَةِ الْمَوْضُوعَةِ تَحْتَ يَدِ فُلَانٍ فِي الْمَوْضِعِ الْفُلَانِيِّ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ، أَوْ الْعُرْفُ التَّعْجِيلُ، أَوْ بِشَرْطِ الْخَلَفِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. [الْإِجَارَةُ إذَا وَقَعَتْ مَعَ جُعْلِ صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ] قَوْلُهُ: [أَيْ كَمَا تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ] إلَخْ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: أَيْ وَكَمَا تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ إنْ انْتَفَى عُرْفُ تَعْجِيلِ الْمُعَيَّنِ تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ إذَا وَقَعَتْ إلَخْ، وَالْكَافُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ يُدْخِلُونَهَا عَلَى الْمُشَبَّهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إلْحَاقُ الْحُكْمِ اللَّاحِقِ بِالْحُكْمِ السَّابِقِ لَا تَشْبِيهُ الْمُتَقَدِّمِ بِالْمُتَأَخِّرِ. قَوْلُهُ: [لِتَنَافُرِهِمَا] : أَيْ لِتَنَافِي أَحْكَامِهِمَا. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ] : أَيْ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ، وَيَجُوزُ فِيهَا الْأَجَلُ وَلَا يَجُوزُ فِيهَا الْغَرَرُ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا لَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُ بَيْعٍ مَعَ جُعْلٍ] : أَيْ لِتَنَافِي أَحْكَامِهِمَا فَالتَّعْلِيلُ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَةِ مَعَ الْجُعْلِ يَأْتِي هُنَا. قَوْلُهُ: [بَلْ يَصِحَّانِ مَعًا] : أَيْ لِتَوَافُقِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ مَعَ أَحْكَامِ الْإِجَارَةِ فِي الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ غَالِبًا.

[مسائل تفسد فيها الإجارة للغرر]

الْإِجَارَةُ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ؛ كَشِرَائِهِ ثَوْبًا أَوْ جُلُودًا عَلَى أَنْ يَخِيطَهُ أَوْ يَخْرِزَهَا الْبَائِعُ بِكَذَا، أَوْ فِي غَيْرِهِ كَشِرَائِهِ ثَوْبًا بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ عَلَى أَنْ يَنْسِجَ لَهُ ثَوْبًا آخَرَ. ثُمَّ عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ: " كَمَعَ جُعْلٍ " مَسَائِلَ تَفْسُدُ فِيهَا الْإِجَارَةُ لِلْغَرَرِ بِقَوْلِهِ: (وَكَجِلْدٍ) : جُعِلَ أُجْرَةً (لِسَلَّاخٍ) : وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ: اللَّحْمُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا؛ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَقَعَتْ قَبْلَ الذَّبْحِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ جِلْدَهَا إلَّا بَعْدَ السَّلْخِ. وَلَا يَدْرِي هَلْ يَخْرُجُ سَلِيمًا أَوْ مُقَطَّعًا؛ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ بِالْجَوَازِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَشِرَائِهِ وَثَوْبًا أَوْ جُلُودًا] إلَخْ: أَيْ وَيُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ شُرُوعُهُ وَضَرْبُ أَجَلِ الْإِجَارَةِ وَمَعْرِفَةُ خُرُوجِهِ عَيَّنَ عَامِلُهُ أَمْ لَا، أَوْ إمْكَانُ إعَادَتِهِ كَالنُّحَاسِ عَلَى أَنْ يَصْنَعَهُ قَدَحًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي السَّلَمِ، فَإِنْ انْتَفَى الْأَمْرَانِ كَالزَّيْتُونِ عَلَى أَنْ يَعْصِرَهُ فَلَا، وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَتَجُوزُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ. قَوْلُهُ: [عَلَى أَنْ يَنْسِجَ لَهُ ثَوْبًا آخَرَ] : أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْغَزْلَ مِنْ عِنْدِ الْمُشْتَرِي كَمَا إذَا قَالَ لَهُ آخُذُ مِنْك هَذَا الْمَقْطَعَ وَانْسِجْ لِي هَذَا الْغَزْلَ مَقْطَعًا آخَرَ بِهَذَيْنِ الدِّينَارَيْنِ. [مَسَائِلَ تَفْسُدُ فِيهَا الْإِجَارَةُ لِلْغَرَرِ] قَوْلُهُ: [ثُمَّ عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ كَمَعَ جُعْلٍ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا بَيْعٌ فَهُوَ مُعْتَرَضٌ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [كُلًّا أَوْ بَعْضًا] : مِنْ ذَلِكَ الْأَكَارِعِ وَظَاهِرُهُ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى السَّلْخِ وَحْدَهُ أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَى الذَّبْحِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى السَّلْخِ بِالْأَكَارِعِ مِثْلُ الرَّأْسِ إنْ كَانَ قَبْلَ الذَّبْحِ لَا يَجُوزُ وَبَعْدَهُ يَجُوزُ. بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ بِجِلْدِهَا أَوْ قِطْعَةٍ مِنْ لَحْمِهَا عَلَى سَلْخِهَا فَلَا يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الذَّبْحِ أَوْ بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى ذَبْحِهَا بِقِطْعَةٍ مِنْ لَحْمِهَا (اهـ) . فَائِدَةٌ: يَجُوزُ بَيْعُ جُلُودِ نَحْوِ السِّبَاعِ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ أَكْلُهُ عَلَى ظَهْرِهَا قَبْلَ ذَبْحِهَا وَسَلْخِهَا. بِخِلَافِ جُلُودِ نَحْوِ الْغَنَمِ فَلَا يَجُوزُ قَبْلَ ذَبْحِهَا وَسَلْخِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لَا يُحْتَاطُ فِي حِفْظِ الْجِلْدِ. بِخِلَافِ مَا يُكْرَهُ أَكْلُهُ فَيُحْتَاطُ فِي حِفْظِ الْجِلْدِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْخَرَشِيِّ وَالْحَاشِيَةِ. وَمُقْتَضَى هَذَا الْفَرْقِ جَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى ذَبْحِ السَّبُعِ لِجَلْدِهِ كَمَا فِي (عب) .

(وَنُخَالَةٍ) جُعِلَتْ أُجْرَةً (لِطَحَّانٍ) لِجَهْلِ قَدْرِهَا، فَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ نُخَالَةٍ جَازَ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِجِلْدٍ مَسْلُوخٍ مَعْلُومٍ عَلَى أَنْ يَسْلُخَ لَهُ شَاةً. فَلَوْ قَالَ: " لِسَالِخِهِ وَطَاحِنِهِ " لَكَانَ أَبْيَنَ. (أَوْ جُزْءِ ثَوْبٍ أَوْ) جُزْءِ (جِلْدٍ) كَرُبْعٍ وَثُلُثٍ جُعِلَ أُجْرَةً (لِنَسَّاجٍ) : أَيْ لِنَاسِجِ ذَلِكَ الثَّوْبِ (أَوْ دَبَّاغٍ) : أَيْ لِدَابِغِ ذَلِكَ الْجِلْدِ، فَفِي كَلَامِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ؛ أَيْ: فَيُمْنَعُ وَيُفْسَخُ لِجَهْلِ صِفَةِ خُرُوجِهِ. (وَلَهُ) أَيْ لِلْأَجِيرِ الْمُتَقَدِّمِ (أَجْرُ مِثْلِهِ إنْ عَمِلَ) بِأَنْ سَلَخَ الْجِلْدَ أَوْ طَحَنَ الْقَمْحَ أَوْ نَسَجَ الثَّوْبَ أَوْ دَبَغَ الْجِلْدَ، وَلَيْسَ لَهُ الْجِلْدُ الَّذِي سَلَخَهُ. وَكَذَا مَا بَعْدَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَنُخَالَةٍ جُعِلَتْ أُجْرَةً لِطَحَّانٍ] : قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ الْأَصْلُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا يَقَعُ فِي بِلَادِ الرِّيفِ مِنْ دَفْعِ الزَّرْعِ لِمَنْ يَدْرُسُهُ بِنَوْرَجِهِ وَبَهَائِمِهِ وَيَأْخُذُ تِبْنَهُ فِي مُقَابَلَةِ دَرْسِهِ فَهِيَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ اُدْرُسْهُ وَلَك حِمْلَانِ تِبْنًا مِنْ تِبْنِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ تِبْنِهِ جَازَ ذَلِكَ كَذَا كَتَبَ (بْن. عب اهـ) . قَوْلُهُ: [فَلَوْ قَالَ لِسَالِخِهِ وَطَاحِنِهِ] إلَخْ: أَيْ وَيَصِيرُ الْمَعْنَى وَلَا يَجُوزُ الْإِجَارَةُ بِجِلْدِ الْمَسْلُوخِ لِسَالِخِهِ وَالْمَطْحُونِ لِطَاحِنِهِ. قَوْلُهُ: [أَجْرُ مِثْلِهِ إنْ عَمِلَ] : أَيْ وَالْمَصْنُوعُ لِرَبِّهِ مَا لَمْ يَفُتْ بِيَدِ الصَّانِعِ، فَإِنْ فَاتَ بِيَدِ الصَّانِعِ بَعْدَ الدَّبْغِ أَوْ النَّسْجِ بِبَيْعٍ أَوْ تَلَفٍ أَوْ حَوَالَةِ سَرَقٍ لَزِمَ صَاحِبَ الْجِلْدِ أَوْ الْغَزْلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي دِبَاغِ جَمِيعِ الْجِلْدِ وَنَسْجُ كُلِّ الْغَزْلِ لِلصَّانِعِ، وَيَغْرَمُ الصَّانِعُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَوْ الْجِلْدِ قِيمَةَ النِّصْفِ الَّذِي جُعِلَ لَهُ لِوُقُوعِ الْبَيْعِ فِيهِ فَاسِدًا وَقَدْ فَاتَ فَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ مَدْبُوغًا وَالنِّصْفُ الْآخَرُ مِلْكٌ لِرَبِّهِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا جُعِلَ لَهُ النِّصْفُ بَعْدَ الْعَمَلِ وَأَمَّا لَوْ جُعِلَ لَهُ النِّصْفُ فِي الْغَزْلِ أَوْ فِي الْجِلْدِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْبُغَهُ أَوْ يَنْسِجَهُ مُجْتَمِعًا فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّهُ حَجَرَ عَلَيْهِ وَمَنَعَهُ مِنْ أَخْذِ مَا جُعِلَ لَهُ إلَّا بَعْدَ الدَّبْغِ أَوْ النَّسْجِ، فَإِنْ أَفَاتَهَا بِالشُّرُوعِ فِي الدَّبْغِ أَوْ النَّسْجِ فَعَلَى الصَّانِعِ قِيمَةُ النِّصْفِ يَوْمَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ، وَقَدْ فَاتَ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِرَبِّهِ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ فِيهِ، وَأَمَّا إنْ جُعِلَ لَهُ النِّصْفُ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ يَفْعَلُ بِهِ مَا شَاءَ بِلَا حَجْرٍ عَلَيْهِ فِي دَبْغِهِ أَوْ نَسْجِهِ فَجَائِزٌ فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ وَالْخَرَشِيِّ.

[كراء الأرض]

وَلَا شَيْءَ لَهُ إنْ فَسَخَ قَبْلَ الْعَمَلِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ وَاجَرَهُ عَلَى دَبْغِ جُلُودٍ أَوْ عَمَلِهَا أَوْ نَسْجِ ثَوْبٍ عَلَى أَنَّ لَهُ نِصْفَهَا إذَا فَرَغَ لَمْ يَجُزْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَيْفَ تَخْرُجُ؛ وَلِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَأْجَرَ بِهِ. أَصْبَغُ؛ فَإِنْ نَزَلَ فَلَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ وَالثَّوْبُ وَالْجُلُودُ لِرَبِّهَا. (أَوْ جُزْءٍ رَضِيعٍ) : آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ جُعِلَ أَجْرًا لِمَنْ يُرْضِعَهُ عَلَى أَنْ يَمْلِكَهُ بَعْدَ الرَّضَاعِ بَلْ (وَإِنْ) كَانَ يَمْلِكُهُ (مِنْ الْآنَ) : لِأَنَّ الرَّضِيعَ قَدْ يَتَغَيَّرُ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ رَضَاعُهُ لِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ خَلْفُهُ فَيَصِيرُ نَقْدُ الْأُجْرَةِ فِيهَا كَالنَّقْدِ فِي الْأُمُورِ الْمُحْتَمَلَةِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ. (وك: اُحْصُدْهُ وَادْرُسْهُ وَلَك نِصْفُهُ) ، أَوْ ثُلُثُهُ: فَفَاسِدٌ وَكَذَا اُدْرُسْهُ فَقَطْ وَلَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ إنْ عَمِلَ. وَأَمَّا اُحْصُدْهُ فَقَطْ فَصَحِيحٌ وَسَيَأْتِي. (وَكِرَاءُ الْأَرْضِ) : أَيْ لِلزِّرَاعَةِ (بِطَعَامٍ) أَنْبَتَتْهُ كَقَمْحٍ أَوْ لَمْ تُنْبِتْهُ كَلَبَنٍ وَسَمْنٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِأَنَّ الرَّضِيعَ قَدْ يَتَغَيَّرُ] إلَخْ: قَالَ (شب) فَإِنْ مَاتَ الرَّضِيعُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَإِنْ مَلَكَهُ مِنْ الْآنَ فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبَضَهُ يَدْفَعُهَا لِرَبِّهِ وَلَهُ أُجْرَةُ رَضَاعِ نِصْفِهِ أَيْ لَهُ نِصْفُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي رَضَعَهَا، وَإِنْ مَلَّكَهُ لَهُ بَعْدَ الْفِطَامِ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِيمَا أَرْضَعَهُ وَمُصِيبَتُهُ مِنْ رَبِّهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَجِيرِ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَهَذَا وَاضِحٌ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْفِطَامِ، وَأَمَّا إنْ مَاتَ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْفِطَامِ وَلَهُ أُجْرَةُ رَضَاعِ مِثْلِهِ كَذَا يُفِيدُهُ كَلَامُ بْن (اهـ) . قَوْلُهُ: [فَيَصِيرُ نَقْدُ الْأُجْرَةِ فِيهَا] : أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي هِيَ جُعِلَ لَهُ فِيهَا الْجُزْءُ مِنْ الْآنَ. وَقَوْلُهُ: [كَالنَّقْدِ فِي الْأُمُورِ الْمُحْتَمَلَةِ] : أَيْ لِلسَّلَامَةِ وَعَدَمِهَا. قَوْلُهُ: [وَهُوَ مُمْتَنِعٌ] : أَيْ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ فِي الْمِثْلِيَّاتِ وَلِلْغَرَرِ فِي الْمُقَوَّمَاتِ. [كِرَاءُ الْأَرْضِ] قَوْلُهُ: [فَفَاسِدٌ] : أَيْ لِلْجَهْلِ بِمَا يَخْرُجُ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَبِّ وَهُوَ مَغِيبٌ لَا يَدْرِي كَمْ يَخْرُجُ وَكَيْفَ يَخْرُجُ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا اُحْصُدْهُ فَقَطْ فَصَحِيحٌ] : أَيْ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِنِصْفِ الزَّرْعِ وَهُوَ مَرْئِيٌّ. قَوْلُهُ: [أَيْ لِلزِّرَاعَةِ] : سَيَأْتِي مَفْهُومُهُ وَمِنْ كِرَاءِ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ بِالطَّعَامِ الْغِلَالِ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْمُلْتَزِمُونَ خَرَاجًا عَنْ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ سَوَاءٌ كَانَ جَاعِلًا عَلَيْهَا غِلَالًا مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ أَمْ لَا، بَلْ وَلَوْ أُخِذَتْ بَدَلًا عَنْ الدَّرَاهِمِ الْمَجْعُولَةِ خَرَاجًا كَمَا يُفِيدُهُ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ لَمْ تُنْبِتْهُ كَلَبَنٍ] إلَخْ: أَيْ وَكَذَلِكَ الشَّاةُ الْمَذْبُوحَةُ وَالْحَيَوَانُ الَّذِي لَا يُرَادُ

وَعَسَلٍ (أَوْ بِمَا أَنْبَتَتْهُ) مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ كَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ وَعُصْفُرٍ وَزَعْفَرَانٍ وَتِبْنٍ وَبُوصٍ (إلَّا كَخَشَبٍ) مِمَّا يَطُولُ مُكْثُهُ حَتَّى يُعَدَّ كَأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْهَا؛ كَالْعُودِ الْهِنْدِيِّ وَالصَّنْدَلِ وَالْحَطَبِ وَالْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ فَيَجُوزُ. كَمَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا لِغَيْرِ الزِّرَاعَةِ بِطَعَامٍ وَبِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَبَيْعُهَا بِهِ. وَعِلَّةُ الْمَنْعِ فِي كِرَائِهَا بِطَعَامٍ: أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ الطَّعَامِ بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ. وَعِلَّتُهُ فِي كِرَائِهَا بِمَا تُنْبِتُهُ: الْمُزَابَنَةُ؛ إذْ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَهِيَ عِلَّةٌ ضَعِيفَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا لِلذَّبْحِ كَخَصِيِّ الْمَعْزِ وَالسَّمَكِ وَطَيْرِ الْمَاءِ، وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ الَّذِي يُرَادُ لِلَّبَنِ بِخِلَافِ كِرَائِهَا بِالْحَيَوَانِ الَّذِي يُرَادُ لِلْقُنْيَةِ لِغَيْرِ اللَّبَنِ فَيَجُوزُ كَجَوَازِهَا بِالْمَاءِ وَلَوْ مَاءِ زَمْزَمَ. قَوْلُهُ: [كَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ] : الْمُرَادُ شَعْرُهُمَا وَأَمَّا ثِيَابُهُمَا فَجَائِزٌ كَمَا فِي (ح) وَمُقْتَضَى آخِرِ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِالْغَزْلِ وَلَعَلَّهُ لِكَوْنِهِ هَيِّنَ الصَّنْعَةِ وَإِنْ كَانَ لَا يَعُودُ (اهـ عب) . قَوْلُهُ: [وَبُوص] : الْمُرَادُ بِهِ حَطَبُ الذُّرَةِ، وَأَمَّا الْبُوصُ الْفَارِسِيُّ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ كَالْخَشَبِ. قَوْلُهُ: [إلَّا كَخَشَبٍ] : شَمَلَ كِرَاءَهَا بِشَجَرٍ لَيْسَ بِهِ ثَمَرٌ أَوْ بِهِ وَهُوَ مُؤَبَّرٌ لِأَنَّهُ يَبْقَى لِرَبِّهِ لَا بِهِ غَيْرَ مُؤَبَّرٍ. قَوْلُهُ: [مِمَّا يَطُولُ مُكْثُهُ] : يَتَنَاوَلُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَالرَّصَاصَ وَالنُّحَاسَ وَالْكِبْرِيتَ وَالْمَغْرَةَ وَنَحْوَهَا مِنْ سَائِرِ الْمَعَادِنِ، لِأَنَّ شَأْنَهَا تُنْبِتُ بِنَفْسِهَا فِي الْأَرْضِ وَيَطُولُ مُكْثُهَا فِيهَا وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْمِلْحُ فَلَا يَجُوزُ كِرَاءُ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ بِهِ وَيَجُوزُ كِرَاءُ أَرْضِ الْمِلَاحَةِ بِهِ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [كَمَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا لِغَيْرِ الزِّرَاعَةِ] : أَيْ وَإِنْ كَانَ شَأْنُهَا أَنْ تُزْرَعَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ شُيُوخِ الشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيُّ مِنْ الْمَنْعِ كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [وَبَيْعُهَا بِهِ] : أَيْ يَجُوزُ بَيْعُ الْأَرْضِ بِالطَّعَامِ وَبِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَعَامًا فَالنَّهْيُ قَاصِرٌ عَلَى الْكِرَاءِ لَا عَلَى الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: [الْمُزَابَنَةُ] : أَيْ حَيْثُ بَاعَ الْمُسْتَأْجِرُ مَعْلُومًا وَهُوَ الْأَجْرُ الَّذِي يَدْفَعُهُ بِمَجْهُولٍ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَوَجْهُ ضَعْفِهِ أَنَّ هَذَا لَا يَتَّجِهُ إلَّا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ.

(وَحَمْلُ شَيْءٍ) : طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ (لِبَلَدٍ) بَعِيدٍ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ قَبْضِ الْمُعَيَّنِ إلَيْهِ (بِنِصْفِهِ) مَثَلًا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيْعِ مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ؛ فَإِنْ وَقَعَ فَأَجْرُ مِثْلِهِ وَالطَّعَامُ كُلُّهُ لِرَبِّهِ، قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ. (إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ) : أَيْ الْجُزْءَ الْمُسْتَأْجَرَ بِهِ (الْآنَ) : أَيْ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ أَيْ وَقَعَ بِشَرْطِ تَعْجِيلِهِ، أَوْ كَانَ الْعُرْفُ تَعْجِيلَهُ فَيَجُوزُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ التَّعْجِيلَ وَلَمْ يُشْتَرَطْ التَّعْجِيلُ فَسَدَتْ وَلَوْ عُجِّلَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ أَفْرَادِ قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ: " أَوْ عُيِّنَ " وَأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ مَا فِيهِ مِنْ بَيْعِ مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ فَيَجْرِي فِيهَا التَّفْصِيلُ الْمُتَقَدِّمُ، فَيَكُونُ مَعْنَى: إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ الْآنَ أَيْ بِشَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ. (وك: إنْ خِطْته) مَثَلًا أَيْ خَرَزْته أَوْ نَجَرْته أَوْ كَتَبْته (الْيَوْمَ) مَثَلًا أَوْ فِي هَذِهِ الْجُمُعَةِ أَوْ هَذَا الشَّهْرِ (فَلَكَ كَذَا) : أَيْ مِنْ الْأَجْرِ كَعَشَرَةٍ وَإِلَّا تَخِطْهُ الْيَوْمَ، بَلْ أَزْيَدُ (فَكَذَا) مِنْ الْأَجْرِ أَيْ أَقَلَّ كَثَمَانِيَةٍ؛ فَفَاسِدَةٌ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الْأُجْرَةِ. فَإِنْ وَقَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: [لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ قَبْضِ الْمُعَيَّنِ إلَيْهِ] : أَيْ بِأَنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةٍ يَمْنَعُ تَأْخِيرَ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ لَهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ. قَوْلُهُ: [وَالطَّعَامُ كُلُّهُ لِرَبِّهِ] : هَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَقِيلَ: نِصْفُهُ لِلْجَمَّالِ وَيَضْمَنُ مِثْلَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي حُمِلَ مِنْهُ وَلَهُ كِرَاءُ مِثْلِهِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي دَبْغِ الْجُلُودِ إذَا اسْتَأْجَرَهُ بِشَيْءٍ مِنْهَا عِنْدَ الْفَرَاغِ، وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَبُو الْحَسَنِ (اهـ بْن مُلَخَّصًا) . قَوْلُهُ: [أَيْ بِشَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ بِالْفِعْلِ قَالَ (بْن) حِكَايَةً عَنْ الشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيُّ حَيْثُ وَقَعَ الشَّرْطُ أَوْ كَانَ الْعُرْفُ النَّقْدَ فَالْجَوَازُ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ (اهـ) ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ حُرْمَةَ بَيْعِ مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ إنْ دَخَلَا عَلَى ذَلِكَ أَوْ كَانَ الْعُرْفُ ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ التَّأْخِيرُ غَيْرَ مَدْخُولٍ عَلَيْهِ فَجَائِزٌ خِلَافًا لِمَنْ يَفْهَمُ غَيْرَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا تَخِطْهُ] إلَخْ: وَيُقَالُ فِي الْخَرْزِ وَالنِّجَارَةِ وَالْكِتَابَةِ مَا قِيلَ فِي الْخِيَاطَةِ. قَوْلُهُ: [فَفَاسِدَةٌ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الْأُجْرَةِ] : اعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ فَسَادِ هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الْإِلْزَامِ وَلَوْ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا جَازَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَرَرَ لَا يُعْتَبَرُ مَعَ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اخْتَارَ أَمْرًا فَكَأَنَّهُ مَا عَقَدَ إلَّا عَلَيْهِ لِأَنَّ عَقْدَ الْخِيَارِ مُنْحَلٌّ، وَأَمَّا دَفْعُ دَرَاهِمَ بَعْدَ الْعَقْدِ زِيَادَةً عَلَى الْأُجْرَةِ لِيُسْرِعَ لَهُ بِالْعَمَلِ فَذَلِكَ

فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَلَوْ زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى خَاطَهُ فِي الْيَوْمِ أَوْ أَكْثَرَ. وَ (اعْمَلْ عَلَى دَابَّتِي) وَلَمْ يُقَيِّدْ بِاحْتِطَابٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ) اعْمَلْ (فِي حَانُوتِي) أَوْ فِي حَمَّامِي أَوْ سَفِينَتِي، وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَمَا تَحَصَّلَ) مِنْ ثَمَنٍ أَوْ أُجْرَةٍ (فَلَكَ نِصْفُهُ) مَثَلًا فَفَاسِدَةٌ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الْأُجْرَةِ فَتُفْسَخُ. (فَإِنْ عَمِلَ فَلِلْعَامِلِ) : أَيْ فَجَمِيعُ مَا تَحَصَّلَ يَكُونُ لَهُ (وَعَلَيْهِ) لِرَبِّهَا (أُجْرَةُ مِثْلِهَا) : ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا عَامٌّ فِي الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ مَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الشُّرَّاحِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: " فَإِنْ عَمِلَ " إلَخْ خَاصٌّ بِالدَّابَّةِ وَالسَّفِينَةِ، وَأَمَّا الْحَمَّامُ وَالدَّارُ وَالْحَانُوتُ فَمَا حَصَلَ مِنْ الْأُجْرَةِ يَكُونُ لِلْأَجِيرِ، وَعَلَيْهِ لِرَبِّ الْحَانُوتِ أَوْ الدَّارِ أَوْ الْحَمَّامِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، مِثْلَ " لِتُكْرِيهَا " الْآتِي. قَالَ عِيَاضٌ: لِأَنَّ مَا لَا يَذْهَبُ فِيهِ وَلَا عَمَلَ فِيهِ لِمُتَوَلِّيهِ كَالرِّبَاعِ فَهُوَ فِيهِ أَجِيرٌ وَالْكَسْبُ لِرَبِّهِ وَيَسْتَوِي فِيهِ اعْمَلْ وَوَاجِرْ. وَنَقَلَهُ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَقَبِلَهُ، وَقَالَهُ اللَّخْمِيُّ. اُنْظُرْ الْمُحَشِّي. (عَكْسَ) قَوْلِهِ: (أَكْرِهَا) : أَيْ الدَّابَّةَ لِمَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهَا (وَلَك) مِنْ الْكِرَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQجَائِزٌ كَمَا فِي (ح) ، وَيُقَالُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ أَسْرَعَ فَازَ بِالزِّيَادَةِ وَإِلَّا فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَلَى شَرْطٍ لَمْ يَتِمَّ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يُقَيِّدْ بِاحْتِطَابٍ أَوْ غَيْرِهِ] : بَلْ وَلَوْ قَيَّدَ إنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ الْآتِي. بِخِلَافٍ نَحْوِ: احْتَطِبْ وَلَك نِصْفُهُ، أَنَّ مَا هُنَا أُرِيدَ بِهِ قِسْمَةُ الْأَثْمَانِ وَمَا يَأْتِي أُرِيدَ بِهِ قِسْمَةُ نَفْسِ الْحَطَبِ كَمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ. قَوْلُهُ: [وَعَلَيْهِ لِرَبِّهَا أُجْرَةُ مِثْلِهَا] : أَيْ لِأَنَّ الْعَامِلَ كَأَنَّهُ اكْتَرَى ذَلِكَ كِرَاءً فَاسِدًا ابْنُ يُونُسَ وَلَوْ عَمِلَ وَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا كَانَ مُطَالَبًا بِالْكِرَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ، وَخَالَفَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، فَقَالَ إنْ عَاقَهُ عَنْ الْعَمَلِ عَائِقٌ وَعَرَفَ ذَلِكَ الْعَائِقَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ مَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الشُّرَّاحِ] : مِنْهُمْ الشَّيْخُ (عب) ، وَالْخَرَشِيُّ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [يَكُونُ لِلْأَجِيرِ] : صَوَابُهُ لِرَبِّهَا كَمَا يَأْتِي فِي آخِرِ السِّوَادَةِ. وَقَوْلُهُ: [وَعَلَيْهِ لِرَبِّ الْحَانُوتِ] إلَخْ: صَوَابُهُ لِلْأَجِيرِ كَمَا يَأْتِي أَيْضًا. قَوْلُهُ: [اُنْظُرْ الْمُحَشِّيَ] : الْمُرَادُ بِهِ (بْن) . قَوْلُهُ: [عَكْسُ قَوْلِهِ أَكْرِهَا] : الْمُرَادُ الْعَكْسُ فِي الْحُكْمِ بَعْدَ الْوُقُوعِ لِأَنَّ فِي الْأُولَى

(النِّصْفُ) فَإِنَّهُ يُفْسَخُ، فَإِنْ أَكْرَاهَا وَعَمِلَ الْعَامِلُ عَلَيْهَا فَمَا حَصَلَ مِنْ الْأَجْرِ فَهُوَ لِرَبِّهَا وَعَلَيْهِ لِمَنْ أَكْرَاهَا أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي تَوْلِيَةِ مَا ذُكِرَ وَإِنْ قَالَ رَبُّهَا: اعْمَلْ عَلَيْهَا وَلَك نِصْفُهُ فَأَكْرَاهَا، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا أُكْرِيَتْ بِهِ لِلْأَجِيرِ وَلِرَبِّهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ (انْتَهَى) ، فَيَكُونُ لِرَبِّهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَمَا حَصَلَ فَلِلْأَجِيرِ سَوَاءٌ عَمِلَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَكْرَاهَا. وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ: أَكْرِهَا، فَأَكْرَاهَا فَالْعَكْسُ وَهُوَ أَنَّ مَا حَصَلَ مِنْ الْأَجْرِ فَلِرَبِّهَا وَعَلَيْهِ لِلْأَجِيرِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَبَقِيَ مَا إذَا قَالَ: أَكْرِهَا، فَعَمِلَ عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ، فَهُوَ مِثْلُ: اعْمَلْ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ وَقَدْ عَمِلَ عَلَيْهَا، فَمَا حَصَلَ فَهُوَ لَهُ، وَعَلَيْهِ لِرَبِّهَا أُجْرَةُ مِثْلِهَا كَمَا تَقَدَّمَ. وَهَذَا كُلُّهُ فِي الدَّابَّةِ، وَمِثْلُهَا السَّفِينَةُ. وَأَمَّا الْحَانُوتُ وَالرِّبَاعُ وَالْحَمَّامُ، فَهَلْ هِيَ مِثْلُ الدَّابَّةِ فِي التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ؟ وَعَلَيْهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ كَالْخَرَشِيِّ وَالزَّرْقَانِيِّ أَمْ لَا؛ بَلْ مَا حَصَلَ مِنْهَا لِرَبِّهَا مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ لِلْأَجِيرِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ؟ مِثْلَ: لِتُكْرِيهَا، فَأَكْرَاهَا؛ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُحَشِّي عَنْ الْحَطَّابِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ عِيَاضٍ وَاللَّخْمِيِّ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاعْتَرَضَ بِهِ عَلَى الشُّرَّاحِ فَانْظُرْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بِخِلَافِ نَحْوِ) قَوْلِ رَبِّهَا: (احْتَطِبْ) عَلَيْهَا (وَلَك نِصْفُهُ) : أَيْ الْحَطَبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا حَصَلَ يَكُونُ لِلْعَامِلِ وَهَذِهِ لِرَبِّهَا. قَوْلُهُ: [مَا أَكْرَيْت بِهِ لِلْأَجِيرِ] : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ دَفَعْت إلَيْهِ دَابَّةً أَوْ ابْنًا أَوْ دَارًا أَوْ سَفِينَةً أَوْ حَمَّامًا عَلَى أَنْ يُكْرِيَ ذَلِكَ وَلَهُ نِصْفُ الْكِرَاءِ لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ نَزَلَ كَانَ لَك جَمِيعُ الْكِرَاءِ وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ كَمَا لَوْ قُلْت لَهُ بِعْ سِلْعَتِي فَمَا بِعْت بِهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَك، أَوْ قُلْت لَهُ فَمَا زَادَ عَلَى مِائَةٍ فَبَيْنَنَا فَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَالثَّمَنُ لَك وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. قَوْلُهُ: [فَيَكُونُ لِرَبِّهَا] إلَخْ: هَذَا شُرُوعٌ فِي حَاصِلِ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ. قَوْلُهُ: [وَبَقِيَ مَا إذَا قَالَ لَهُ أَكْرِهَا] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعٌ؛ لِأَنَّ رَبَّ الدَّابَّةِ إمَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ: اعْمَلْ عَلَى دَابَّتِي وَلَك نِصْفُ مَا عَمِلْت بِهِ أَوْ يَقُولُ لَهُ: خُذْ دَابَّتِي أَكْرِهَا وَلَك نِصْفُ كِرَائِهَا وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَعْمَلَ عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ أَوْ يُكْرِيهَا لِمَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهَا، وَكُلُّهَا فَاسِدَةٌ وَالْحُكْمُ فِيهَا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَهُوَ أَنَّ ثَلَاثَ صُوَرٍ جَمِيعُ مَا جَاءَ فِيهَا لِلْعَامِلِ، وَعَلَيْهِ لِرَبِّهَا أُجْرَةُ مِثْلِهَا، وَصُورَةُ جَمِيعِ مَا جَاءَ فِيهَا لِرَبِّهَا، وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ.

[تنبيه تلفت الدابة بعد أخذ العامل ما يخصه]

فَيَجُوزُ إنْ عَلِمَ مَا يَحْتَطِبُهُ عَلَيْهَا بِعَادَةٍ أَوْ شَرْطٍ. فَعِلَّةُ الْجَوَازِ الْعِلْمُ وَسَوَاءٌ قَيَّدَ بِزَمَنٍ كَيَوْمٍ لِي وَيَوْمٌ لَك أَمْ لَا، كَنَقْلَةٍ لِي وَنَقْلَةٌ لَك؛ فَالْأُجْرَةُ هُنَا مَعْلُومَةٌ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ: " وَلَك نِصْفُهُ ": أَيْ الْحَطَبِ احْتِرَازًا مِنْ قَوْلِهِ: " وَلَك نِصْفُ ثَمَنِهِ "، فَلَا يَجُوزُ لِلْغَرَرِ. وَمِثْلُ الدَّابَّةِ السَّفِينَةُ وَالشَّبَكَةُ وَنَحْوُهُمَا فَيَجُوزُ بِنِصْفِ مَا يَحْمِلُهُ عَلَيْهَا إذَا كَانَ مُعَيَّنًا مِنْ مَكَان مُعَيَّنٍ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: " نَحْو " وَدَخَلَ فِي اسْتَقِ عَلَيْهَا وَلَك نِصْفُ الْمَاءِ. (وَ) بِخِلَافِ نَحْوِ: (اُحْصُدْهُ وَلَك نِصْفُهُ) مَثَلًا (فَيَجُوزُ) . أَوْ: جُذَّ نَخْلِي هَذَا وَلَك نِصْفُهُ، أَوْ: اُلْقُطْ زَيْتُونِي هَذَا وَلَك نِصْفُهُ. أَوْ: جُزَّ صُوفِي هَذَا وَلَك نِصْفُهُ؛ كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِلْعِلْمِ بِالْأُجْرَةِ وَمَا أُوجِرَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا: اُحْصُدْ وَمَا حَصَدْت فَلَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [تَنْبِيهٌ تَلِفَتْ الدَّابَّةُ بَعْدَ أَخْذِ الْعَامِلِ مَا يَخُصُّهُ] قَوْلُهُ: [فَيَجُوزُ إنْ عَلِمَ مَا يَحْتَطِبُهُ عَلَيْهَا] : أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ فِي الصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا تَأْخُذْ نِصْفَك إلَّا بَعْدَ نَقْلِهِ مُجْتَمِعًا بِمَوْضِعِ كَذَا فَإِنْ زَادَ ذَلِكَ مُنِعَ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُرَادُ عَلِمَ نَوْعَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَهُ بِدَلِيلِ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّبَكَةِ. قَوْلُهُ: [كَنَقْلَةٍ لِي، وَنَقْلَةٌ لَك] : مِثْلُ ذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ كُلُّ نَقْلَةٍ نِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لَك. قَوْلُهُ: [مِثْلُ الدَّابَّةِ السَّفِينَةِ وَالشَّبَكَةِ] : ابْنُ الْقَاسِمِ يَجُوزُ دَفْعُ الشَّبَكَةِ لِمَنْ يَصِيدُ بِهَا يَوْمًا لِنَفْسِهِ وَيَوْمًا لِصَاحِبِهِ وَفِي الشَّهْرَيْنِ كَثِيرٌ لِظُهُورِ الْجَهَالَةِ. قَوْلُهُ: [إذَا كَانَ مُعَيَّنًا] : أَيْ كَمَا إذَا كَانَ يَحْمِلُ عَلَيْهَا تِبْنًا أَوْ حَطَبًا أَوْ خَشَبًا مُعَيَّنًا مِنْ بَلَدٍ مُعَيَّنَةٍ. تَنْبِيهٌ: لَوْ تَلِفَتْ الدَّابَّةُ بَعْدَ أَخْذِ الْعَامِلِ مَا يَخُصُّهُ وَقَبْلَ أَخْذِ رَبِّهَا فَلِرَبِّهَا أَنْ يَأْتِيَ لَهُ بِأُخْرَى يَعْمَلُ عَلَيْهَا وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لِرَبِّهَا كِرَاؤُهَا وَهُوَ أَبْيَنُ وَأَمَّا لَوْ تَلِفَتْ بَعْدَ أَخْذِ رَبِّهَا مَا يَخُصُّهُ وَقَبْلَ أَخْذِ الْعَامِلِ فَعَلَى رَبِّهَا أُجْرَةُ عَمَلِهِ، وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يُخَلِّفَ رَبَّهَا دَابَّةً أُخْرَى. قَوْلُهُ: [لِلْعِلْمِ بِالْأُجْرَةِ وَمَا أُوجِرَ عَلَيْهِ] : أَيْ لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَحْصُورًا مَرْئِيًّا.

نِصْفُهُ، أَوْ: اُلْقُطْ وَمَا لَقَطْت فَلَكَ نِصْفُهُ، فَجَائِزٌ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْجَعَالَةِ فَلَهُ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ فَهُوَ مِنْ الْإِجَارَةِ اللَّازِمَةِ. وَيَكُونُ الدَّرْسُ وَالتَّذْرِيَةُ عَلَيْهِمَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ قَالَ: اُحْصُدْهُ وَادْرُسْهُ وَلَك نِصْفُهُ، أَوْ. اُدْرُسْهُ فَقَطْ، فَفَاسِدٌ وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ لِشِدَّةِ الْغَرَرِ. ثُمَّ الْجَوَازُ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ تَعْيِينِ الزَّمَنِ، فَإِنْ عَيَّنَهُ فَسَدَتْ، قَالَ فِيهَا: وَإِنْ قَالَ اُحْصُدْ الْيَوْمَ أَوْ اُلْقُطْ الْيَوْمَ وَمَا اجْتَمَعَ فَلَكَ نِصْفُهُ، فَلَا خَيْرَ فِيهِ؛ إذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا يُحْصَدُ الْيَوْمَ، وَمَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَأْجَرَ بِهِ مَعَ ضَرْبِ الْأَجَلِ فِي الْجَعْلِ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْجَعْلِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَتْرُكَ مَتَى شَاءَ فَيَجُوزُ. ثُمَّ شَبَّهَ فِي الْجَوَازِ قَوْلَهُ: (كَإِجَارَةٍ) ، أَيْ كَمَا يَجُوزُ إجَارَةُ (دَابَّة لِكَذَا) : أَيْ لِمَكَانٍ مَعْلُومٍ كَمَكَّةَ (عَلَى) أَنَّهُ إنْ (اسْتَغْنَى فِيهَا) : أَيْ فِي الْمُدَّةِ أَوْ الْمَسَافَةِ الْمُعَيَّنَةِ لِظَفَرِهِ بِحَاجَتِهِ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ (حَاسَبَ) رَبُّهَا: أَيْ كَانَ لَهُ بِحِسَابِ مَا سَارَ صُعُوبَةً وَسُهُولَةً. وَمَحَلُّ الْجَوَازِ (إنْ لَمْ يَنْقُدْ) الْأُجْرَةَ، فَإِنْ نَقَدَهَا لَمْ يَجُزْ لِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ. وَهَذَا الْقَيْدُ ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فَكَانَ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ هُنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْجَعَالَةِ] : أَيْ وَالْجَعَالَةُ يَجُوزُ فِيهَا الْغَرَرُ لِكَوْنِهَا مُنْحَلَّةً مِنْ طَرَفِ الْعَامِلِ. قَوْلُهُ: [وَيَكُونُ الدَّرْسُ وَالتَّذْرِيَةُ عَلَيْهِمَا] : أَيْ لِأَنَّهُمَا صَارَا شُرَكَاءَ مِنْ حِينِ الْحَصَادِ وَيُمْنَعُ قَسْمُهُ قَتًّا لِأَنَّهُ خَطَرٌ وَيَدْخُلُهُ التَّفَاضُلُ. قَوْلُهُ: [لِشِدَّةِ الْغَرَرِ] : أَيْ فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ وَصِفَتِهَا لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا بَعْدَ التَّصْفِيَةِ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ الْجَوَازُ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ تَعْيِينِ الزَّمَنِ] إلَخْ: هَذَا الْبَحْثُ يُغْنِي عَنْهُ مَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَفَسَدَتْ إنْ جَمَعَهَا وَتَسَاوَيَا، وَمَحِلُّهُ هُنَاكَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الرِّكَّةِ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا الْقَيْدُ] : أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ قَالَ ابْنُ عَاشِرٍ: تَأَمَّلْ مَا وَجْهُ جَوَازِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ أَنَّ الْمُؤَجِّرَ لَا يَدْرِي مَا بَاعَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَاسْتَشْكَلَهُ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ بِهَذَا أَيْضًا. وَأَجَابَ بِأَنَّ الْغَرَرَ هُنَا يَسِيرٌ يُغْتَفَرُ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ مَنْ اكْتَرَى إلَى مَوْضِعٍ لَا يُسْتَغْنَى قَبْلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ اسْتَغْنَى فِيهَا أَيْ وَيُصَدَّقُ فِي

(وَإِيجَارُ) : أَيْ وَكَمَا يَجُوزُ إيجَارُ شَيْءٍ (مُؤَجَّرٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ: أَيْ أَنَّ مَنْ أَجَّرَ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً كَشَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا مُدَّةً تَلِي مُدَّةً الْإِجَارَةِ الْأُولَى لِلْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ أَوْ لِغَيْرِهِ. (أَوْ) إيجَارٌ (مَا) : أَيْ شَيْءٍ بِيعَ وَ (اُسْتُثْنِيَتْ مَنْفَعَتُهُ) : أَيْ اسْتَثْنَاهَا الْبَائِعُ؛ بِأَنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ دَارًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَاسْتَثْنَى مَنْفَعَتَهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَلِلْمُشْتَرِي مِنْهُ أَنْ يُؤَاجِرَ مَا ذُكِرَ مُدَّةً تَلِي مُدَّةَ الِانْتِفَاعِ أَيْ عَلَى أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُسْتَأْجِرُ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الِانْتِفَاعِ. وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ السَّنَةِ فِي الدَّارِ وَالسَّنَتَيْنِ فِي الْأَرْضِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الدَّابَّةِ لَا جُمُعَةٍ، وَكُرِهَ الْمُتَوَسِّطُ. (وَالنَّقْدِ) بِالْجَرِّ، عَطْفٌ عَلَى مَدْخُولِ الْكَافِ: أَيْ وَكَجِوَازِ النَّقْدِ (فِيهِمَا) : أَيْ فِي إيجَارِ الْمُؤَجَّرِ وَالْمَبِيعِ الْمُسْتَثْنَى مَنْفَعَتُهُ. وَمَحَلُّ جَوَازِ الْإِيجَارِ وَالنَّقْدِ فِيهِمَا: (إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ غَالِبًا) : أَيْ لَمْ يَغْلِبْ تَغَيُّرُهُ بِأَنْ كَانَ الشَّأْنُ عَدَمَ تَغَيُّرِهِ. وَهُوَ صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ: مَا إذَا كَانَ الْغَالِبُ سَلَامَتَهُ، أَوْ احْتَمَلَ السَّلَامَةَ وَعَدَمَهَا. لَكِنَّ الصُّورَةَ الْأُولَى مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَالثَّانِيَةَ فِيهَا خِلَافٌ. هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْإِيجَارِ فِيهِمَا. وَأَمَّا النَّقْدُ فِيهِمَا فَإِنَّمَا يَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQدَعْوَاهُ الِاسْتِغْنَاءَ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَأَمَّا إنْ اسْتَأْجَرَهُ لِهَذَا الْمَكَانِ وَإِنْ زَادَ فَلَهُ بِحِسَابِ مَا اكْتَرَى لَمْ يَجُزْ إلَّا إنْ عَيَّنَ غَايَةَ مَا يَزِيدُ وَمَا قِيلَ فِي الدَّابَّةِ يُقَالُ فِي الدَّارِ وَالسَّفِينَةِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [لِلْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ أَوْ لِغَيْرِهِ] : أَيْ مَا لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِعَدَمِ إيجَارِهَا إلَّا لِلْأَوَّلِ كَالْأَحْكَارِ الْمَوْقُوفَةِ بِمِصْرَ وَإِلَّا عُمِلَ بِهِ لِأَنَّ الْعُرْفَ كَالشَّرْطِ وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ إنْسَانٌ دَارًا مَوْقُوفَةً مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَأَذِنَ لَهُ النَّاظِرُ بِالْبِنَاءِ فِيهَا لِيَكُونَ لَهُ خُلُوٌّ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَجَعَلَ عَلَيْهَا حَكْرًا كُلَّ سَنَةٍ مِنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ لِجِهَةِ الْوَقْفِ فَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُؤَاجِرَهَا لِغَيْرِ مُسْتَأْجِرِهَا مُدَّةَ تَلِي مُدَّةَ إيجَارِ الْأَوَّلِ لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِاخْتِصَاصِ الْأَوَّلِ بِذَلِكَ وَمَحَلُّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ الْأَوَّلُ مِنْ الْأُجْرَةِ مِثْلَ مَا يَدْفَعُهُ الْغَيْرُ وَإِلَّا جَازَ إيجَارُهَا لِلْغَيْرِ كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الدَّابَّةِ] : أَيْ وَعَشَرَةٍ فِي الرَّقِيقِ. قَوْلُهُ: [أَيْ فِي إيجَارِ الْمُؤَجَّرِ] : بِفَتْحِ الْجِيمِ اسْمُ مَفْعُولٍ. قَوْلُهُ: [الْمُسْتَثْنَى مَنْفَعَتُهُ] : رَاجِعٌ لِلْمَبِيعِ.

إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ فِيهِمَا لَا إنْ لَمْ تَغْلِبْ بِأَنْ كَانَ الشَّأْنُ عَدَمَهَا لِطُولِ الْمُدَّةِ أَوْ ضَعْفِ الْبِنَاءِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَاحْتِمَالِ الْأَمْرِ فَعُلِمَ أَنَّ الصُّوَرَ ثَلَاثٌ: الْأُولَى: الشَّأْنُ السَّلَامَةُ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ وَالنَّقْدُ قَطْعًا. الثَّانِيَةُ: عَدَمُهَا فَلَا يَجُوزُ عَقْدٌ وَلَا نَقْدٌ. وَالثَّالِثَةُ: احْتِمَالُ الْأَمْرَيْنِ، فَيَجُوزُ الْعَقْدُ لَا النَّقْدُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ فَلَا نَقْدَ. وَإِنَّ قَوْلَهُ: " إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ " غَالِبًا رَاجِعٌ لِلْعَقْدِ وَالنَّقْدِ إلَّا أَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الصُّورَةَ الثَّالِثَةَ يَجُوزُ فِيهَا النَّقْدُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا عَلِمْت. وَالْمُرَادُ: إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ؛ أَيْ فِي الْمُدَّةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي تَلِي الْأُولَى، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا. فَتَقْيِيدُ بَعْضِهِمْ لَهُ بِقَوْلِهِ: " قَبْلَ تَسْلِيمِهِ " فِيهِ نَظَرٌ، وَلِذَا شَطَبْنَاهُ مِنْ أَصْلِ الْمُبَيَّضَةِ. (وَ) كَجَوَازِ إيجَارٍ (عَلَى طَرْحِ نَجَاسَةٍ؛ كَمِيتَةٍ) وَعَذِرَةٍ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ وَإِنْ اسْتَلْزَمَ ذَلِكَ مُبَاشَرَةَ النَّجَاسَةِ لِلضَّرُورَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ ضَعْفٌ] : مَصْدَرٌ مَعْطُوفٌ عَلَى طُولٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ] : أَيْ كَالطَّاحُونِ وَالسَّاقِيَةِ مِنْ كُلِّ مَا شَأْنُهُ التَّغَيُّرُ لِكَثْرَةِ الْعِلَاجِ فِيهِ كَالْمِدَقِّ وَالْمَعْصَرَةِ. قَوْلُهُ: [فَعُلِمَ أَنَّ الصُّوَرَ ثَلَاثٌ] أَيْ مِنْ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ غَالِبًا بِاعْتِبَارِ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ. قَوْلُهُ: [عِنْدَ بَعْضِهِمْ] : هُوَ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ شَاسٍ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ] : هُوَ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَالتَّوْضِيحِ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنَّهُ] : أَيْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [يُوهِمُ أَنَّ الصُّورَةَ الثَّالِثَةَ] : إلَخْ: أَيْ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالنَّقْدُ فِيهِمَا إنْ سَلِمَ غَالِبًا لَسَلِم وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ انْتَفَى التَّغَيُّرُ غَالِبًا: أَيْ إنْ كَانَ الْغَالِبُ انْتِفَاءَهُ فَيَكُونُ الْحَالُ قَيْدًا فِي النَّفْيِ لَا فِي الْمَنْفِيِّ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [لِمَا عَلِمْت] : أَيْ مِنْ النَّقْدِ لَا يَجُوزُ فِيهَا اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا] : أَيْ لِأَنَّهَا الَّتِي يُسْتَوْفَى مِنْهَا الْمَنَافِعُ لَا الْأُولَى. قَوْلُهُ: [عَلَى، طَرْحِ نَجَاسَةٍ] : أَيْ وَكَذَا حَمْلُهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْجَائِزِ كَحَمْلِهَا، لِأَكْلِ الْكِلَابِ أَوْ تَسْبِيخِ أَرْضٍ أَوْ لِأَكْلِ مُضْطَرٍّ وَجِلْدِ مَيْتَةٍ مَدْبُوغٍ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْيَابِسَاتِ وَالْمَاءِ.

(وَ) اسْتِئْجَارٍ عَلَى (الْقِصَاصِ) : مَنْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ وَسَلَّمَهُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ لِوَلِيِّهِ. (وَ) عَلَى (الْأَدَبِ) لِابْنٍ أَوْ عَبْدٍ إذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْأَبِ أَوْ السَّيِّدِ مُوجِبُهُ. (وَ) عَلَى (عَبْدٍ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا) ، وَلَوْ بِشَرْطِ النَّقْدِ قَالَ فِي النَّقْدِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا، وَالدُّورُ أَبْيَنُ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الْأَجْرِ فِيهِ بِشَرْطٍ (انْتَهَى) . (وَ) عَلَى (دَارٍ نَحْوَ ثَلَاثِينَ) عَامًا وَلَوْ شُرِطَ النَّقْدُ، قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ. (وَ) عَلَى (أَرْضٍ) لِلزِّرَاعَةِ مَأْمُونَةِ الرَّيِّ (خَمْسِينَ عَامًا) لَا أَكْثَرَ فَإِنْ لَمْ يُؤْمَنْ مِنْ رَبِّهَا جَازَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مَا ذُكِرَ دُونَ النَّقْدِ. وَكَذَلِكَ الدَّارُ إذَا كَانَتْ قَدِيمَةً يُحْتَمَلُ بَقَاؤُهَا ثَلَاثِينَ، وَعَدَمُهُ فَإِذَا كَانَتْ قَدِيمَةً جِدًّا لَا تَبْقَى الثَّلَاثِينَ عَادَةً لَمْ يَجُزْ كِرَاؤُهَا الثَّلَاثِينَ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْعَبْدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَاسْتِئْجَارٌ عَلَى الْقِصَاصِ] : أَيْ وَأَمَّا الْإِجَارَةُ عَلَى الْقَتْلِ ظُلْمًا فَلَا تَجُوزُ. فَإِنْ نَزَلَ اقْتَصَّ مِنْ الْأَجِيرِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ وَلَا يَقْتَصُّ مِنْ الْمُؤَجِّرِ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ. قَوْلُهُ: [إذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْأَبِ أَوْ السَّيِّدِ مُوجِبُهُ] : ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْمُوجِبِ كَانَ الطَّالِبُ لِلتَّأْدِيبِ الْأَبَ أَوْ السَّيِّدَ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يُصَدَّقُ الْأَبُ فِي ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالسَّيِّدِ وَالزَّوْجِ فِي دَعْوَى مَا يُوجِبُ الْأَدَبَ كَمَا فِي (ح) ، وَأَمَّا الْوَلَدُ الْكَبِيرُ فَلَا يُؤَدِّبُهُ الْأَبُ بَلْ يُؤَدِّبُهُ الْحَاكِمُ بِالثُّبُوتِ، وَإِلَّا أَبٌ الْأَبِ أَوْ الْمُتَوَلِّي لِلْأَبِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَعَلَى عَبْدٍ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا] : أَيْ وَأَمَّا الدَّابَّةُ فَحَدُّ إجَارَتِهَا سَنَةٌ إلَّا لِسَفَرٍ فَالشَّهْرُ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ، وَنَقَلَهُ (بْن) وَهَذَا فِي إجَارَتِهَا الَّتِي يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا، وَأَمَّا بِغَيْرِ نَقْدٍ فَيَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ سَنَةٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الدَّابَّةِ وَالْعَبْدِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا حَصَلَ لَهُ مَشَقَّةٌ يُخْبِرُ عَنْ حَالِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ.

(وَ) كَجَوَازِ (بَيْعِ دَارٍ لِتُقْبَضَ) : أَيْ لِيَقْبِضَهَا مُشْتَرِيهَا (بَعْدَ عَامٍ) مِنْ يَوْمِ بَيْعِهَا فَيَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ مَنْفَعَتِهَا سَنَةً. (وَ) بَيْعُ (أَرْضٍ) لِتُقْبَضَ (بَعْدَ عَشْرٍ) مِنْ الْأَعْوَامِ فَيَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ مَنْفَعَتِهَا عَشْرًا. (وَ) بَيْعُ (حَيَوَانٍ) لِيُقْبَضَ (بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) وَنَحْوِهَا (لَا) بَعْدَ (عَشْرٍ) . لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا تَغَيُّرُهُ. (وَكُرِهَ الْمُتَوَسِّطُ) كَاسْتِثْنَاءِ خَمْسَةِ أَيَّامٍ. (وَ) كَجَوَازِ (كِرَاءِ دَابَّةٍ لِتُقْبَضَ) : أَيْ لِيَقْبِضَهَا الْمُكْتَرِي (بَعْدَ شَهْرٍ) مِنْ يَوْمِ الْكِرَاءِ فَيَجُوزُ (إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ) مُكْرِيهَا (النَّقْدَ) : أَيْ نَقْدَ الْأُجْرَةِ، فَإِنْ اشْتَرَطَهُ لَمْ يَجُزْ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ. وَالنَّقْدُ بِلَا شَرْطٍ لَا يَضُرُّ. (وَ) كَجَوَازِ (تَحْدِيدِ صَنْعَةٍ، كَخِيَاطَةٍ) أَوْ خَرْزٍ وَحَصْدِ زَرْعٍ وَدَرْسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَذَا يُقَالُ فِي الْعَبْدِ] : حَاصِلُ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ الْأُجْهُورِيِّ أَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ فِي الْأَمْنِ تُسَوِّغُ الْقُدُومَ عَلَى الْعَقْدِ وَعَلَى شَرْطِ النَّقْدِ وَاسْتِوَاءُ الْأَمْرَيْنِ يُسَوِّغُ الْقُدُومَ عَلَى الْعَقْدِ دُونَ النَّقْدِ، وَأَمَّا غَلَبَةُ ظَنِّ عَدَمِ الْأَمْنِ فَلَا تَجُوزُ عَقْدًا وَلَا نَقْدًا كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ قَوْلُهُ: [وَكَجَوَازِ بَيْعِ دَارٍ] : اعْتَرَضَ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ فَحَقُّهَا أَنْ تُذْكَرَ فِي الْبُيُوعِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمُسْتَثْنَاةَ إجَارَةٌ حُكْمًا فَإِذَا بَاعَ الدَّارَ بِمِائَةٍ مَثَلًا عَلَى، أَنْ تُقْبَضَ بَعْدَ عَامٍ فَقَدْ بَاعَهَا بِالْمِائَةِ وَالِانْتِفَاعُ بِتِلْكَ الدَّارِ تِلْكَ الْمُدَّةَ، فَكَانَ الْبَيْعُ بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ مِثْلًا دَفَعَ الْمُشْتَرِي بَدَلَ الْعَشَرَةِ مَنْفَعَةَ الدَّارِ فَيُتَأَمَّلْ، وَيُقَالُ فِي اسْتِثْنَاءِ الْأَرْضِ وَالْحَيَوَانِ مَا قِيلَ هُنَا. قَوْلُهُ: [وَبَيْعُ حَيَوَانٍ لِيَقْبِضَ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ كَانَ الْحَيَوَانُ رَقِيقًا أَوْ غَيْرَهُ، وَاَلَّذِي فِي الْحَاشِيَةِ أَنَّ هَذَا مَخْصُوصٌ بِالدَّابَّةِ قِيلَ لَا فَرْقَ بَيْنَ دَابَّةِ الرُّكُوبِ وَالْعَمَلِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ فِي دَابَّةِ الرُّكُوبِ وَأَمَّا دَابَّةُ الْعَمَلِ فَيَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ مَنْفَعَتِهَا كَالرَّقِيقِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا تَغَيُّرُهُ] : أَيْ فَيَتَرَدَّدُ الثَّمَنُ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ الْمُتَوَسِّطُ] : أَيْ لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِهِ، وَبَقِيَ مِثْلُ الثَّوْبِ الْمُعَيَّنِ وَالنُّحَاسِ. وَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَاسْتِثْنَاءُ مَنْفَعَتِهِ مُدَّةً دُونَ نِصْفِ شَهْرٍ لَا أَزْيَدَ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّلَمِ فِي مُعَيَّنٍ، وَلَا يُرَدُّ عَلَى هَذَا تَأْجِيرُ الدُّورِ وَالْأَرَاضِي الزَّمَنَ الطَّوِيلَ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ لَا يَكُونُ فِيهَا لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تَقْبَلُهَا الذِّمَمُ بِحَالٍ. قَوْلُهُ: [وَالنَّقْدُ بِلَا شَرْطٍ لَا يَضُرُّ] : أَيْ لِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ لِلتَّرَدُّدِ لَا تَكُونُ إلَّا فِي شَرْطِ النَّقْدِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الرِّبَوِيَّاتِ.

[حكم الإجارة إن جمع العمل والزمن]

وَنَحْوِ ذَلِكَ (بِعَمَلٍ) نَحْوَ: خِطْ هَذَا الثَّوْبَ، أَوْ: اُحْصُدْ هَذَا الْفَدَّانَ، أَوْ: احْفِرْ لِي بِئْرًا بِكَذَا (أَوْ: زَمَنٍ) كَخُطَّ عِنْدِي يَوْمًا أَوْ شَهْرًا، أَوْ: ابْنِ لِي بَيْتًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ، كُلَّ يَوْمٍ أَوْ كُلَّ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ جَمِيعَ الشَّهْرِ أَوْ السَّنَةِ بِكَذَا. (وَفَسَدَتْ) الْإِجَارَةُ (إنْ جَمَعَهُمَا) : أَيْ الْعَمَلُ وَالزَّمَنُ (وَتَسَاوَيَا) : بِأَنْ كَانَتْ الْعَادَةُ أَنَّ الزَّمَنَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْفِعْلِ وَلَا يَنْقُصُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اتِّفَاقًا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: عَلَى الْمَشْهُورِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الزَّمَنُ يَنْقُصُ عَنْ الْعَمَلِ فَالْفَسَادُ بِالْأَوْلَى وَأَمَّا لَوْ كَانَ الزَّمَنُ أَكْثَرَ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَجُوزُ اتِّفَاقًا، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: بَلْ تَفْسُدُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِاحْتِمَالٍ طَارِئٍ عَلَى الْأَجِيرِ يَمْنَعُهُ مِنْ الْعَمَلِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ: " وَهَلْ تَفْسُدُ إنْ جَمَعَهُمَا وَتَسَاوَيَا أَوْ مُطْلَقًا؟ خِلَافٌ ". وَعَلَى الْفَسَادِ فَاللَّازِمُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ زَادَتْ عَلَى الْمُسَمَّى أَوْ قَلَّتْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَ) كَجَوَازِ (إيجَارِ مُرْضِعٍ) لِتُرْضِعَ طِفْلًا وَإِنْ كَانَ فِيهِ اسْتِيفَاءُ عَيْنٍ قَصْدًا لِلضَّرُورَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ آدَمِيَّةً أَمْ لَا، كَانَتْ الْأُجْرَةُ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ. (وَغَسْلُ خِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا) : أَيْ الْخِرْقَةُ كَبَدَنِهِ (عَلَى أَبِيهِ) لَا عَلَيْهَا (إلَّا لِعُرْفٍ) أَوْ شَرْطٍ فَيُعْمَلُ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِكَذَا] : تَنَازَعَهُ كُلٌّ مِنْ خِطْ وَاحْصُدْ وَاحْفِرْ فَأَعْمَلَ الْأَخِيرَ وَأَضْمَرَ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَحَذَفَ لِأَنَّهُ فَضْلَةٌ. [حُكْم الْإِجَارَةُ إنْ جَمَعَ الْعَمَلُ وَالزَّمَنُ] قَوْلُهُ: [وَتَسَاوَيَا] : الْوَاوُ لِلْحَالِ. قَوْلُهُ: [فَالْفَسَادُ بِالْأَوْلَى] : أَيْ عَلَى كُلٍّ مِنْ الطَّرِيقَتَيْنِ. قَوْلُهُ: [لِاحْتِمَالٍ طَارِئٍ] : أَيْ فَيَدْخُلُهُ الْغَرَرُ. قَوْلُهُ: [وَعَلَى الْفَسَادِ] : أَيْ حَيْثُ قُلْنَا بِهِ اتِّفَاقًا أَوْ عَلَى الْمَشْهُورِ. [إيجَارِ مُرْضِعٍ] [تَنْبِيهٌ أَجَّرَ ظِئْرَيْنِ فَمَاتَتْ وَاحِدَةٌ] قَوْلُهُ: [وَسَوَاءٌ كَانَتْ آدَمِيَّةً أَمْ لَا] : فَلَوْ كَانَ الرَّضِيعُ مُحَرَّمَ الْأَكْلِ كَجَحْشٍ جَازَ أَنْ تُكْرَى لَهُ أَتَانٌ لِتُرْضِعَهُ. قَوْلُهُ: [كَانَتْ الْأُجْرَةُ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ] : أَيْ وَلَوْ شَرَطَتْ عَلَيْهِمْ طَعَامَهَا وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ بَيْعِ طَعَامٍ بِطَعَامٍ لِلضَّرُورَةِ، وَلِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْأَطْعِمَةِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِاقْتِيَاتِهَا.

(وَلِزَوْجِهَا) : أَيْ الْمُرْضِعِ (فَسْخُهُ إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا) فِيهِ، فَإِنْ أَذِنَ فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ. (كَأَهْلِ الطِّفْلِ) : لَهُمْ فَسْخُ الْعَقْدِ (إنْ حَمَلَتْ) الْمُرْضِعُ مِنْ زَوْجِهَا أَوْ غَيْرِهِ زَمَنَ الرَّضَاعِ (وَلَهَا) هِيَ الْفَسْخُ (إنْ مَاتَ أَبُوهُ) : أَيْ الطِّفْلِ (وَلَمْ تَقْبِضْ الْأُجْرَةَ) مِنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ (وَلَمْ يَتْرُكْ) لَهُ (مَالًا) وَلَا مَالَ لِلْوَلَدِ تَأْخُذُ أُجْرَتَهَا مِنْهُ (وَلَمْ يَتَطَوَّعْ بِهَا) : أَيْ بِالْأُجْرَةِ (أَحَدٌ) مِنْ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ، وَإِلَّا فَلَا فَسْخَ لَهَا. (وَمُنِعَ) الزَّوْجُ (إنْ أَذِنَ) لَهَا فِي الْإِرْضَاعِ (مِنْ وَطْءٍ) لَهَا؛ لِأَنَّهُ مِمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَسْخُهُ إنْ لَمْ يَأْذَنْ] إلَخْ: فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ عِلْمِهِ فَلَا كَلَامَ لَهُ، فَإِنْ أَجَّرَتْ نَفْسَهَا وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ فَأُجْرَةُ مَا مَضَى تَكُونُ لَهَا وَلَهُ الْفَسْخُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. قَوْلُهُ: [إنْ حَمَلَتْ الْمُرْضِعُ] إلَخْ: إنَّمَا كَانَ لَهُمْ الْفَسْخُ لِأَنَّ الْحَمْلَ مَظِنَّةُ تَضَرُّرِ الْوَلَدِ بِلَبَنِهَا. قَالَ الْخَرَشِيُّ وَلَهَا بِحِسَابِ مَا أَرْضَعَتْ فَلَوْ كَانَتْ أَكَلَتْ الْأُجْرَةَ لَمْ تُحْسَبْ عَلَيْهَا لِأَنَّهُمْ تَطَوَّعُوا بِدَفْعِهَا لَهَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَظَرَ فِيهِ (بْن) . قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَتْرُكْ لَهُ مَالًا] : مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ تَرَكَ مَالًا لَمْ يَكُنْ لَهَا الْفَسْخُ وَتَقْبِضُ أُجْرَتَهَا مِنْ نَصِيبِ الْوَلَدِ فِي تَرِكَةِ أَبِيهِ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَلَمْ تَقْبِضْ أَنَّهَا إذَا قَبَضَتْ لَا تَنْفَسِخُ، وَلَوْ كَانَ الْأَبُ عَدِيمًا وَيَتْبَعُ الْوَرَثَةُ الْوَلَدَ بِمَا زَادَ عَلَى يَوْمِ مَوْتِ الْأَبِ مِنْ الْأُجْرَةِ الَّتِي عَجَّلَهَا لِأَنَّ الزَّائِدَ يَكُونُ مِيرَاثًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْوَلَدِ فَيَرْجِعُونَ بِهِ عَلَى مَالِ الرَّضِيعِ لَا عَلَى الظِّئْرِ، فَلَيْسَ إعْطَاءُ الْأَبِ أُجْرَةَ رَضَاعَةٍ هِبَةً مِنْهُ لَهُ، وَإِنَّمَا إرْضَاعُهُ عَلَيْهِ فَرْضٌ انْقَطَعَ بِمَوْتِهِ، وَمَحَلُّ رُجُوعِ الْوَرَثَةِ عَلَى الْوَلَدِ بِمَا زَادَ عَلَى يَوْمِ الْمَوْتِ مَا لَمْ يُعَجِّلْ الْأَبُ الْأُجْرَةَ خَوْفًا مِنْ مَوْتِهِ الْآنَ، وَإِلَّا كَانَتْ هِبَةً لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ مِنْهَا شَيْءٌ كَمَا نَقَلَهُ الْأُجْهُورِيُّ عَنْ (ح) . قَوْلُهُ: [وَمُنِعَ الزَّوْجُ] إلَخْ: فَلَوْ تَزَوَّجَهَا وَوَجَدَهَا مُرْضِعًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَيْبٌ يُوجِبُ لَهُ الْخِيَارَ، وَبَحَثَ فِيهِ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُذْكَرْ فِي عُيُوبِ الْفَرْجِ. قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ: الظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عُيُوبِ الْفَرْجِ إلَّا أَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِعَدَمِ الْوَطْءِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَبْقَى مِنْ مُدَّةِ الرَّضَاعِ يَسِيرٌ فَلَا خِيَارَ لِلزَّوْجِ نَظِيرَ مَنْ اشْتَرَى دَارًا فَوَجَدَهَا مُكْتَرَاةً فَيُخَيَّرُ مَا لَمْ يَكُنْ الْبَاقِي مِنْ مُدَّةِ الْكِرَاءِ يَسِيرًا.

[أحوال تكره فيها الإجارة]

يَضُرُّ بِالطِّفْلِ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ضَرَرٌ بِالْفِعْلِ. (وَ) مِنْ (سَفَرٍ بِهَا) : أَيْ بِزَوْجَتِهِ الْمُرْضِعِ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فَلَهُ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ. (وَكُرِهَ حُلِيٌّ) : أَيْ إجَارَتُهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ النَّاسِ، وَالْأَوْلَى إعَارَتُهُ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَعْرُوفِ. (وَ) كُرِهَ (إيجَارُ مُسْتَأْجِرِ دَابَّةٍ) لِيَرْكَبَهَا (لِمِثْلِهِ) فِي الْأَمَانَةِ أَوْ الْخِفَّةِ أَوْ الثِّقَلِ (وَلَوْ) كَانَ الْمِثْلُ (فَظًّا) : أَيْ غَلِيظًا مِثْلَ الْأَوَّلِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ إنْ تَلِفَتْ الدَّابَّةُ أَوْ مَاتَتْ بِلَا تَفْرِيطٍ؛ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ هُوَ الْفَظُّ فَلَا ضَمَانَ بِالْأَوْلَى. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي هُوَ الْفَظُّ ضَمِنَ. وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ حَالَ رَبِّهَا، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَرْضَى جَازَ وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَ الرِّضَا لَمْ يَجُزْ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ضَرَرٌ بِالْفِعْلِ] : رَدَّ بِلَوْ عَلَى أَصْبَغَ وَمِثْلُ الزَّوْجِ السَّيِّدُ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْحَاشِيَةِ فَلَوْ تَعَدَّى الزَّوْجُ أَوْ السَّيِّدُ وَوَطِئَهَا وَلَمْ تَحْمِلْ فَقِيلَ لِأَهْلِ الطِّفْلِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ وَقِيلَ لَا. قَوْلُهُ: [وَمِنْ سَفَرٍ بِهَا] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ أَرَادَ أَهْلُ الطِّفْلِ السَّفَرَ فَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ أَخْذِ الْوَلَدِ إلَّا إذَا دَفَعُوا لِلظِّئْرِ جَمِيعَ أُجْرَتِهَا حَيْثُ كَانَتْ وَجِيبَةً. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ وَاجَرَ ظِئْرَيْنِ فَمَاتَتْ وَاحِدَةٌ فَلِلْبَاقِيَةِ أَنْ تُرْضِعَ وَحْدَهَا، وَمَنْ وَاجَرَ وَاحِدَةً، ثُمَّ وَاجَرَ أُخْرَى فَمَاتَتْ الثَّانِيَةُ فَالرَّضَاعُ لِلْأُولَى لَازِمٌ كَمَا كَانَتْ، وَإِنْ مَاتَتْ الْأُولَى فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَنْ تُرْضِعُ مَعَ الثَّانِيَةِ (اهـ) . [أحوال تكره فِيهَا الْإِجَارَة] قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ حُلِيٌّ] بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ مُفْرَدًا وَبِضَمِّ الْحَاءِ، وَكَسْرِ اللَّامِ جَمْعًا. قَوْلُهُ: [أَيْ إجَارَتُهُ] : أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْحُلِيُّ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أُوجِرَ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا كَعَرْضٍ أَوْ طَعَامٍ وَظَاهِرُهُ كَانَ مُحَرَّمَ الِاسْتِعْمَالِ أَمْ لَا، وَإِنَّمَا لَمْ تَحْرُمْ إذَا كَانَ مُحَرَّمًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مُحَقَّقَ الِاسْتِعْمَالِ، وَقِيلَ تَحْرُمُ إنْ كَانَ مُحَرَّمًا فَهُمَا طَرِيقَتَانِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَرْضَى جَازَ] : أَيْ كَمَا إذَا أَكْرَاهَا بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَمِثْلُهُ فِي الْجَوَازِ أَنْ تَبْدُوَ لَهُ الْإِقَامَةُ وَعَدَمُ الرُّكُوبِ لِلْمَحَلِّ الَّذِي أَكْرَاهَا إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُضْطَرٍّ لِلْإِقَامَةِ، وَمِثْلُ الدَّابَّةِ الثَّوْبُ فَيُكْرَهُ لِمَنْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِلُبْسِهِ أَنْ يُكْرِيَهُ لِمِثْلِهِ، وَيُقَالُ فِيهِ مَا قِيلَ فِي الدَّابَّةِ إلَّا أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ فِي الضَّمَانِ فَإِنَّ الدَّابَّةَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا إنْ ضَاعَتْ بِلَا تَفْرِيطِهِ أَوْ مَاتَتْ، وَأَمَّا الثَّوْبُ فَيَضْمَنُهُ إلَّا لِبَيِّنَةٍ عَلَى تَلَفِهِ

[فوائد إجارة التعليم]

(وَ) كُرِهَ (أُجْرَةٌ عَلَى تَعْلِيمِ فِقْهٍ وَفَرَائِضَ) كَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ (كَبَيْعِ كُتُبِهِ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ فِقْهٍ وَفَرَائِضَ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ، وَأَمَّا عِلْمُ الْفَرَائِضِ بِالرَّسْمِ فَلَا يُكْرَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَنْعَةٌ مِنْ الصَّنَائِعِ. لَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ بَيْعُ الْكُتُبِ الْآنَ لِأَنَّ حِفْظَ النَّاسِ لَهُ وَأَفْهَامَهُمْ نَقَصَتْ كَثِيرًا حَتَّى أَنَّ صَاحِبَ الْكِتَابِ قَدْ يَنْسَى مَا كَتَبَهُ فَيُرَاجِعُ كِتَابَهُ. وَفِي بَيْعِ الْكُتُبِ انْتِشَارُ الْعِلْمِ وَسَبَبٌ لِحِفْظِهِ وَصَوْنِهِ فَتَأَمَّلْ. (وَ) كُرِهَ أُجْرَةٌ (عَلَى قِرَاءَةٍ) لِقُرْآنٍ (بِلَحْنٍ) : أَيْ تَطْرِيبٍ وَأَنْغَامٍ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَكْرُوهَةٌ إذَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّهِ وَإِلَّا حُرِّمَتْ كَالْقِرَاءَةِ بِالشَّاذِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِلَا تَفْرِيطٍ مِنْ الثَّانِي لِأَنَّ ضَمَانَ التُّهْمَةِ يَزُولُ بِالْبَيِّنَةِ. [فَوَائِد إجَارَة التَّعْلِيم] قَوْلُهُ: [كَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ] : مُقَابِلُهُ الْجَوَازُ لِابْنِ يُونُسَ وَإِنَّمَا كُرِهَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ مَخَافَةَ أَنْ يَقِلَّ طُلَّابُ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ وَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَيْهِ خِلَافٌ مَا عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ. بِخِلَافِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى تَعَلُّمِهِ لِرَغْبَةِ النَّاسِ فِيهِ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ وَلِأَخْذِ السَّلَفِ الْأُجْرَةَ عَلَى تَعَلُّمِهِ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى» . قَوْلُهُ: [كَبَيْعِ كُتُبِهِ] : أَيْ وَكَذَا إجَارَتُهَا. قَوْلُهُ: [بِالرَّسْمِ] : أَيْ بِالْغُبَارِ وَالشِّبَاكِ. قَوْلُهُ: [لَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ] : مُرَادُهُ بِهِ اللَّخْمِيُّ. قَوْلُهُ: [فَتَأَمَّلْ] : إنَّمَا أَمَرَ بِالتَّأَمُّلِ لِتَضَارُبِ الْعِلَلِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَإِنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ حِفْظَ النَّاسِ. . . إلَخْ مِمَّا يُنَاسِبُ الْكَرَاهَةَ. وَقَوْلُهُ وَفِي بَيْعِ الْكُتُبِ إلَخْ، مِمَّا يُنَاسِبُ الْجَوَازَ. قَوْلُهُ: [أَيْ تَطْرِيبٍ] إلَخْ: إنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقِرَاءَةِ التَّدَبُّرُ وَالتَّفَهُّمُ وَالتَّطْرِيبُ يُنَافِي ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِالتَّطْرِيبِ تَقْطِيعُ الصَّوْتِ بِالْأَنْغَامِ وَالْأَهْوِيَةِ، وَأَمَّا الْإِجَارَةُ عَلَى أَصْلِ التِّلَاوَةِ فَتَقَدَّمَ جَوَازُهُ وَكَذَا عَلَى تَعْلِيمِهِ مُشَاهَرَةً وَمُقَاطَعَةً عَلَى جَمِيعِهِ أَوْ عَلَى بَعْضِهِ وَوَجِيبَةً لِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، فَالْمُشَاهَرَةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَأَمَّا الْوَجِيبَةُ وَالْمُقَاطَعَةُ فَلَازِمَتَانِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، قَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ أَنْ يُشَارِطَ الْمُعَلِّمُ عَلَى الْحَذْقَةِ ضَبْطًا أَوْ نَظَرًا وَلَوْ سَمَّيَا أَجَلًا، أَصْبَغُ إنْ تَمَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَحْذِقْهُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ، الْقَابِسِيُّ فَفَرَّقَ أَصْبَغُ بَيْنَ ضَرْبِ الْأَجَلِ لِلْمُعَلِّمِ وَالْخَيَّاطِ إذَا كَانَ الْفِعْلُ يُمْكِنُ الْفَرَاغُ مِنْهُ فِيهِ، ابْنُ عَرَفَةَ سَوَّى اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ بَيْنَهُمَا.

(وَ) كُرِهَ أُجْرَةٌ عَلَى (دُفٍّ) بِضَمِّ الدَّالِ: طَبْلٌ مُغَشًّى مِنْ جِهَةٍ كَالْغِرْبَالِ يُسَمَّى فِي الْعُرْفِ بِالطَّارِ (وَمِعْزَفٍ) وَاحِدُ الْمَعَازِفِ: وَهُوَ آلَةُ اللَّهْوِ فَيَشْمَلُ الْمِزْمَارَ (لِعُرْسٍ) : أَيْ نِكَاحٍ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِهَا فِيهِ جَوَازُ الْأُجْرَةِ. وَالرَّاجِحُ أَنَّ الدُّفَّ وَالْكَبَرَ وَالْمِزْمَارَ جَائِزَةٌ فِي الْعُرْسِ وَتُكْرَهُ الْأُجْرَةُ عَلَيْهَا، وَأَنَّ مَا عَدَاهَا حَرَامٌ فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِهِ فَتَحْرُمُ الْأُجْرَةُ عَلَيْهَا. (وَ) كُرِهَ (إيجَارُ مُسْلِمٍ) عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ (لِكَافِرٍ فِيمَا يَحِلُّ) كَخِيَاطَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَوَائِدُ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» ، يَشْمَلُ الْوَالِدَ بِتَعْلِيمِهِ وَلَدَهُ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ، وَقَدْ أَجَابَ سَحْنُونَ أَبَا وَلَدٍ كَانَ يَطْلُبُ الْعِلْمَ عِنْدَهُ إذَا تَوَلَّيْت الْعَمَلَ بِنَفْسِك وَلَمْ تَشْغَلْ وَلَدَك عَمَّا هُوَ فِيهِ فَأَجْرُك فِي ذَلِكَ أَعْظَمُ مِنْ الْحَجِّ وَالرِّبَاطِ وَالْجِهَادِ. الثَّانِيَةُ: ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْقَابِسِيِّ أَنَّ عَلَى الْمُعَلِّمِ زَجْرَ الْوَلَدِ فِي تَكَاسُلِهِ بِالْوَعِيدِ وَالتَّقْرِيعِ لَا بِالشَّتْمِ نَحْوَ يَا قِرْدُ، فَإِنْ لَمْ يُفِدْ فَالضَّرْبُ بِالسَّوْطِ مِنْ وَاحِدٍ إلَى ثَلَاثَةٍ ضَرْبَ إيلَامٍ دُونَ تَأْثِيرٍ فِي الْعُضْوِ، فَإِنْ لَمْ يُفِدْ زَادَ إلَى الْعَشَرَةِ فَإِنْ لَمْ يُفِدْ فَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا. الثَّالِثَةُ: الْقَابِسِيُّ أَمَّا تَعْلِيمُهُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ مَبْلَغَ الْأَدَبِ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا يَعْبَثُ فَلَا أُحِبُّ ذَلِكَ. الرَّابِعَةُ: سُئِلَ أَنَسٌ كَيْفَ كَانَ الْمُؤَدِّبُونَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؟ قَالَ كَانَ لِلْمُؤَدِّبِ إنَاءٌ فِيهِ مَاءٌ طَاهِرٌ يَمْحُو بِهِ الصِّبْيَانُ أَلْوَاحَهُمْ ثُمَّ يَصُبُّونَ ذَلِكَ الْمَاءَ فِي حُفْرَةٍ مِنْ الْأَرْضِ فَتَنْشَفُ (اهـ) ، قَالَ الْقَابِسِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُصَبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ فِي الْمَوَاضِعِ الْبَعِيدَةِ عَنْ النَّجَاسَةِ وَكَانَ مُعَلِّمُنَا يَأْمُرُنَا بِصَبِّهِ فِي حُفْرَةٍ بَيْنَ الْقُبُورِ (اهـ) مُلَخَّصًا مِنْ (بْن) . قَوْلُهُ: [وَالرَّاجِحُ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الدُّفَّ وَالْكَبَرَ فِي النِّكَاحِ فِيهِ قَوْلَانِ الْجَوَازُ وَالْكَرَاهَةُ، وَفِي الْمَعَازِفِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ بِزِيَادَةِ الْحُرْمَةِ وَهُوَ أَرْجَحُهَا، وَأَمَّا فِي غَيْرِ النِّكَاحِ فَالْحُرْمَةُ فِي الْجَمِيعِ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَوْ كَانَ فِي عَقِيقَةٍ أَوْ خِتَانٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ قُدُومٍ مِنْ سَفَرٍ. قَوْلُهُ: [كُرِهَ إيجَارُ مُسْلِمٍ] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُكْرِيَ نَفْسَهُ أَوْ وَلَدَهُ أَوْ عَبْدَهُ لِكَافِرٍ حَيْثُ كَانَ يَسْتَبِدُّ بِعَمَلِهِ وَلَمْ يَكُنْ تَحْتَ يَدِهِ وَلَمْ يَكْتَرِهِ فِي فِعْلٍ مُحَرَّمٍ،

[أحوال تعين المؤجر عليه]

وَبِنَاءٍ وَيَحْرُمُ فِيمَا لَا يَحِلُّ كَعَصْرِ خَمْرٍ وَرِعَايَةِ خِنْزِيرٍ (بِلَا إهَانَةٍ) لِلْمُسْلِمِ وَإِلَّا حَرُمَ كَكَوْنِهِ خَادِمَ بَيْتٍ يُقَدِّمُ لَهُ الطَّعَامَ وَيَغْسِلُ يَدَيْهِ مِنْهُ وَيَجْرِي خَلْفَهُ، وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ الْمُسْلِمُ مَاكِثًا فِي حَانُوتِهِ كَخَيَّاطٍ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا يَصْنَعُهُ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ. (وَعُيِّنَ) وُجُوبًا فِي الْإِجَارَةِ (مُتَعَلِّمٌ) لِقِرَاءَةٍ أَوْ صَنْعَةٍ لِاخْتِلَافِ حَالِهِ بِالذَّكَاءِ وَالْبَلَادَةِ (وَ) عُيِّنَ (رَضِيعٌ) لِاخْتِلَافِ حَالِهِ بِكَثْرَةِ الرَّضَاعِ وَقِلَّتِهِ (وَدَارٌ) لِلسُّكْنَى بِهَا مَثَلًا (وَحَانُوتٌ وَ) عُيِّنَ (بِنَاءٌ عَلَى جِدَارٍ) اُسْتُؤْجِرَ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ، بِأَنْ يَذْكُرَ طُولَ مَا يُبْنَى عَلَيْهِ وَعَرْضَهُ وَكَوْنَهُ مِنْ حَجَرٍ أَوْ لَبِنٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. بِخِلَافِ كِرَاءِ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهَا فَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ وَصْفِ مَا يُبْنَى عَلَيْهَا. (وَ) عُيِّنَ (مَحْمِلٌ) لِلرُّكُوبِ فِيهِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ: مَا يُرْكَبُ فِيهِ مِنْ شُقْدُفٍ وَمِحَفَّةٍ وَجِعْفَةٍ، لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ السَّعَةِ وَالضِّيقِ وَالطُّولِ وَالْقِصَرِ وَالْمَتَانَةِ وَغَيْرِهَا. وَأَمَّا مِحْمَلٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ: فَعِلَاقَةُ السَّيْفِ. (وَ) عُيِّنَ (مَسْكَنٌ) مِنْ دَارٍ أَوْ غَيْرِهَا لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِ (إنْ لَمْ تُوصَفْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ لَمْ يَسْتَبِدَّ الْكَافِرُ بِعَمَلِ الْمُسْلِمِ كَخَيَّاطٍ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فَيَجُوز، وَإِنْ كَانَ تَحْتَ يَدِهِ كَأَجِيرِ خِدْمَةِ بَيْتِهِ وَمُرْضِعَةِ وَلَدِهِ حَرُمَ وَفُسِخَ وَلَهُ أَجْرُ مَا عَمِلَ، وَكَذَا إنْ اسْتَأْجَرَهُ فِي مُحَرَّمٍ كَعَصْرِ خَمْرٍ وَرَعْيِ خِنْزِيرٍ، وَلَكِنْ يَتَصَدَّقُ بِالْأُجْرَةِ عَلَيْهِ أَدَبًا لَهُ (اهـ مِنْ الْأَصْلِ) . [أحوال تعين الْمُؤَجَّر عَلَيْهِ] قَوْلُهُ: [وَعُيِّنَ وُجُوبًا فِي الْإِجَارَةِ مُتَعَلِّمٌ] : أَيْ فَإِنْ لَمْ يُعَيَّنْ فَسَدَتْ. قَوْلُهُ: [وَدَارٌ لِلسُّكْنَى بِهَا] : أَيْ إذْ لَا يَصِحُّ الْعَقَارُ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ بِالْإِشَارَةِ إلَى الدَّارِ أَوْ بِأَلْ الْعَهْدِيَّةِ مِنْ ذِكْرِ مَوْضِعِهَا وَحُدُودِهَا، وَنَحْو ذَلِكَ مِمَّا يَخْتَلِفُ بِهِ الْأُجْرَةُ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ وَصْفِ مَا يُبْنَى عَلَيْهَا] : لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ بَلْ يَكْفِي عِلْمُ الْمِسَاحَةِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ السَّعَةِ] : عِلَّةٌ لِلُزُومِ التَّعْيِينِ.

[أحوال من الإجارة يعمل فيها بالعرف]

الْمَذْكُورَاتُ وَصْفًا شَافِيًا. فَالْوَاجِبُ، إمَّا التَّعْيِينُ أَوْ الْوَصْفُ الشَّافِي الْمُفِيدُ لِلْمُرَادِ وَإِلَّا كَانَتْ إجَارَةً فَاسِدَةً. (وَ) عُيِّنَتْ (دَابَّةٌ) لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ وَلَا يَكْفِي الْوَصْفُ فِيهَا (إلَّا) الدَّابَّةَ (الْمَضْمُونَةَ) فِي الذِّمَّةِ لِيُتَوَصَّلَ بِهَا إلَى مَحَلٍّ كَمَكَّةَ وَذَلِكَ بِأَنْ لَمْ تُقْصَدْ عَيْنُهَا: (فَنَوْعٌ) أَيْ: فَالْوَاجِبُ تَعْيِينُ نَوْعِهَا كَإِبِلٍ أَوْ بِغَالٍ (وَصِنْفٌ) كَعِرَابٍ أَوْ بُخْتٍ (وَذُكُورَةٌ وَأُنُوثَةٌ) . فَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّابَّةَ أَوْ غَيْرَهَا لِرُكُوبٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا بُدَّ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا مِنْ التَّعْيِينِ بِالذَّاتِ أَوْ الْوَصْفِ. لَكِنْ إنْ عُيِّنَتْ بِالْإِشَارَةِ كَدَابَّتِكَ هَذِهِ، أَوْ: الَّتِي كَانَتْ مَعَك بِالْأَمْسِ، انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِهَا، وَإِلَّا فَلَا، وَعَلَى رَبِّهَا بَدَلُهَا. وَلَوْ قَالَ: دَابَّتُك الْبَيْضَاءُ - وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا - فَغَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ بِالْإِشَارَةِ مَضْمُونَةٌ عَلَى رَبِّهَا بَدَلُهَا إنْ تَلِفَتْ، وَإِلَّا انْفَسَخَتْ بِتَلَفِهَا. وَعِبَارَتُهُ لَا تُفِيدُ ذَلِكَ فَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: وَهِيَ مَضْمُونَةٌ إلَّا إذَا عُيِّنَتْ بِالْإِشَارَةِ فَتَأَمَّلْ. (وَلِرَاعٍ) اُسْتُؤْجِرَ عَلَى رَعْيِ غَنَمٍ أَوْ غَيْرِهَا عُيِّنَتْ لَهُ، كَهَذِهِ، أَمْ لَا؛ كَعَشَرَةٍ مِنْ الْغَنَمِ (رَعْيُ أُخْرَى) مَعَهَا (إنْ قَوِيَ) عَلَى رَعْيِ الْأُخْرَى (وَلَوْ بِمُشَارِكٍ) بِعَيْنِهِ عَلَى رَعْيِ الْأُخْرَى (إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ) رَبُّ الْأُولَى (عَدَمَهُ) : أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَالْوَاجِبُ إمَّا التَّعْيِينُ أَوْ الْوَصْفُ] : لَكِنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الْجِدَارِ لَا يُمْكِنُ فِيهِ إلَّا الْوَصْفُ. قَوْلُهُ: [وَعَلَى رَبِّهَا بَدَلُهَا] : رَاجِعٌ لِمَا بَعْدُ وَإِلَّا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ قَالَ دَابَّتُك الْبَيْضَاءُ] إلَخْ: مُبَالَغَةً فِيمَا بَعْدُ وَإِلَّا قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَوْ قَالَ دَابَّتُك الْبَيْضَاءُ أَوْ الْحَمْرَاءُ وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا لِاحْتِمَالِ إبْدَالِهَا مَا لَمْ يَقُلْ هَذِهِ أَوْ الَّتِي رَأَيْتهَا مَعَك بِالْأَمْسِ بِعَيْنِهَا (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَعِبَارَتُهُ لَا تُفِيدُ ذَلِكَ] : الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْمَتْنِ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ بِعَيْنِهِ يَرُدُّ عَلَى خَلِيلٍ. وَقَوْلُهُ: [فَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ] : وَهِيَ مَضْمُونَةٌ إلَخْ. أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ وَذُكُورَةً وَأُنُوثَةً وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا حَاجَةَ لِهَذَا الْبَحْثِ لِأَنَّ تَفْصِيلَ الْمَضْمُونَةِ وَالْمُعَيَّنَةِ سَيَأْتِي مُوَضَّحًا. [أحوال مِنْ الْإِجَارَة يَعْمَل فِيهَا بالعرف] قَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرِهَا] : أَيْ كَإِبِلٍ وَبَقَرٍ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِمُشَارِكٍ] : مُبَالَغَةً فِي الْقُوَّةِ، أَيْ هَذَا إذَا كَانَتْ قُوَّتُهُ عَلَى رَعْيِ

عَدَمُ رَعْيِ أُخْرَى مَعَ غَنَمِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرْعَى مَعَهَا أُخْرَى لَمْ يَجُزْ لَهُ فَإِنْ خَالَفَ وَرَعَى مَعَهَا غَيْرَهَا (فَأَجْرُهُ) الَّذِي أَخَذَهُ فِي نَظِيرِ الْأُخْرَى (لِمُسْتَأْجِرِهِ) وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَسْهَلُ مِنْ عِبَارَتِهِ. (كَأَجِيرٍ لِخِدْمَةٍ أَجَّرَ نَفْسَهُ) فِي خِدْمَةِ أُخْرَى أَوْ فِي عَمَلِ شَيْءٍ حَتَّى فَوَّتَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ مَا اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ أَوْ بَعْضَهُ، فَأُجْرَتُهُ تَكُونُ لِمُسْتَأْجِرِهِ الْأَوَّلِ. وَإِنْ شَاءَ أَسْقَطَ عَنْ نَفْسِهِ أُجْرَةَ مَا فَوَّتَهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَيْهِ شَيْئًا بِأَنْ وَفَّى بِجَمِيعِ مَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَيْهِ فَلَا كَلَامَ لِمُسْتَأْجِرِهِ وَمَفْهُومُ: " أَجَّرَ نَفْسَهُ " أَنَّهُ لَوْ عَمِلَ عَمَلًا مَجَّانًا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مِنْ أَجْرِهِ بِقَدْرِ مَا فَوَّتَهُ. (وَلَا يَلْزَمُهُ) : أَيْ الرَّاعِيَ (رَعْيُ الْوَلَدِ) الَّذِي وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْإِجَارَةِ، فَعَلَى رَبِّهَا أَنْ يَأْتِيَ لَهُ بِرَاعٍ آخَرَ لِرَعْيِهَا أَوْ يَجْعَلُ لِلْأَوَّلِ أُجْرَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُخْرَى مَعَهَا بِنَفْسِهِ، بَلْ وَلَوْ بِمُشَارِكٍ يَأْتِي بِهِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ شَاءَ أَسْقَطَ عَنْ نَفْسِهِ] : إلَخْ، رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ الْمُسْتَأْجِرُ إمَّا أَنْ يُنْقِصَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ الَّتِي سَمَّاهَا لَهُ أَوْ يُعْطِيَهَا لَهُ وَيَأْخُذَ مِنْهُ جَمِيعَ الْأَجْرِ. وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ التَّنْقِيصِ أَنْ يُقَالَ مَا أَجَّرْته عَلَى رَعْيِهَا وَحْدَهَا فَإِذَا قِيلَ عَشَرَةً مَثَلًا قِيلَ: وَمَا أُجْرَتُهُ إذَا كَانَ يَرْعَاهَا مَعَ غَيْرِهَا فَإِذَا قِيلَ ثَمَانِيَةٌ فَقَدْ نَقَصَ الْخُمُسَ فَيُخَيَّرُ حِينَئِذٍ إمَّا أَنْ يُنْقِصَهُ خُمُسَ الْمُسَمَّى أَوْ يَدْفَعَهُ لَهُ بِتَمَامِهِ وَيَأْخُذَ مِنْهُ الْأُجْرَةَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَيَجْرِي مِثْلُ هَذَا فِي أَجِيرِ الْخِدْمَةِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَيْهِ شَيْئًا] : مَخْصُوصٌ بِأَجِيرِ الْخِدْمَةِ وَأَمَّا أَجِيرُ الْغَنَمِ مَتَى خَالَفَ الشَّرْطَ كَانَ أَجْرُهُ لِمُسْتَأْجِرِهِ وَلَوْ قَوِيَ عَلَى الْجَمِيعِ وَلَمْ يُفَوِّتْ شَيْئًا كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [بِقَدْرِ مَا فَوَّتَهُ] : أَيْ فَإِنْ لَمْ يُفَوِّتْ شَيْئًا فَلَا يَسْقُطُ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ. قَوْلُهُ: [رَعَى الْوَلَدَ] : الْفَرْقُ بَيْنَ وَلَدِ الْغَنَمِ فَلَا يَلْزَمُهُ رَعْيُهُ وَوَلَدُ الْمَرْأَةِ الَّذِي وَضَعَتْهُ فِي السَّفَرِ يَلْزَمُ الْجَمَّالَ حَمْلُهُ أَنَّ الْحَاصِلَ مِنْ أَوْلَادِ الْغَنَمِ طُرُوُّ مَشَقَّةِ الرَّعْيِ وَحِينَ الْعَقْدِ لَمْ تَكُنْ، وَأَمَّا الضَّرَرُ الْحَاصِلُ لِلْجَمَّالِ مَشَقَّةُ حَمْلِ الْوَلَد وَهُوَ كَانَ مَحْمُولًا قَبْلَ الْوَضْعِ فَاسْتُصْحِبَ. قَوْلُهُ: [فَعَلَى رَبِّهَا أَنْ يَأْتِيَ لَهُ بِرَاعٍ آخَرَ] : أَيْ وَيَلْزَمُ الرَّاعِيَ الَّذِي يَأْتِي بِهِ أَنْ يَرْعَاهَا مَعَ الْأُمَّهَاتِ لِئَلَّا يَتْعَبَ رَاعِي الْأُمَّهَاتِ إذَا فَارَقَتْ أَوْلَادَهَا لَا لِمَنْعِ التَّفْرِقَةِ لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِمَنْ يَعْقِلُ عَلَى مَا مَرَّ كَذَا لِلْخَرَشِيِّ.

فِي نَظِيرِ رَعْيِهَا (إلَّا لِعُرْفٍ) أَوْ شَرْطٍ فَيُعْمَلُ بِهِ. (وَعُمِلَ بِهِ) ؛ أَيْ بِالْعُرْفِ (فِي الْخَيْطِ) فِي كَوْنِهِ عَلَى الْخَيَّاطِ أَوْ عَلَى رَبِّ الثَّوْبِ. (وَ) فِي (نَقْشِ الرَّحَى) الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلطَّحْنِ عَلَيْهَا، فِي كَوْنِهَا عَلَى الْمَالِكِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ. (وَ) عُمِلَ بِهِ (فِي آلَةِ بِنَاءٍ) فِي كَوْنِهَا عَلَى الْبَنَّاءِ أَوْ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ. (وَإِلَّا) يَكُنْ عُرْفٌ (فَعَلَى رَبِّهِ) : أَيْ رَبِّ الشَّيْءِ الْمَصْنُوعِ، وَهُوَ الثَّوْبُ وَالدَّقِيقُ، لَا الرَّحَى - كَمَا قِيلَ وَالْجِدَارُ. (وَ) عُمِلَ بِالْعُرْفِ أَيْضًا فِي (إكَافٍ) : بَرْذعَةٍ صَغِيرَةٍ (وَقَتَبٍ وَنَحْوِهِمَا) سَرْجٌ وَلِجَامٌ وَمِقْوَدٌ. (وَ) (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ (فَعَلَى رَبِّ الدَّابَّةِ) وَصَرَّحْنَا بِهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ: " عَكْسُ إكَافٍ وَشِبْهِهِ " يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فِي نَظِيرِ رَعْيِهَا] : أَيْ الْأَوْلَادُ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا أَوَّلًا بِالْوَلَدِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الطُّرَرِ: إذَا امْتَنَعَ رَاعِي قَوْمٍ أَنْ يَرْعَى لِأَحَدِهِمْ لَمْ يُجْبَرْ. وَفِي جَبْرِ الْفَرَّانِ وَرَبِّ الرَّحَى وَالْحَمَّامِ وَنَحْوِهِمْ إنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُمْ قَوْلَانِ: الْجَبْرُ اسْتِحْسَانٌ، وَعَدَمُهُ قِيَاسٌ. وَكَانَ الْقَضَاءُ بِطُلَيْطِلَةَ جَبْرُ الْفَرَّانِ عَلَى طَبْخِ خُبْزِ جَارِهِ بِأَجْرِ مِثْلِهِ. (اهـ) . وَنَقَلَهُ فِي التَّكْمِيلِ كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [وَعُمِلَ بِهِ] : أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ وَإِلَّا فَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ عِنْدَ وُجُودِهِ. قَوْلُهُ: [وَالدَّقِيقُ لَا الرَّحَى] : إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى صَاحِبِ الدَّقِيقِ إذَا كَانَ هُوَ صَاحِبُ الطَّاحُونِ كَأَنْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا يَطْحَنُ لَهُ فِيهَا دَقِيقَهُ وَأَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانٌ الطَّاحُونَ لِيَطْحَنَ فِيهَا لِلنَّاسِ أَوْ لِنَفْسِهِ كَانَ النَّقْشُ عِنْدَ عَدَمِ الْعُرْفِ عَلَى الْمَالِكِ لَهَا لَا عَلَى صَاحِبِ الدَّقِيقِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْعُرْفِ النَّقْشُ لَازِمٌ لِرَبِّ الرَّحَى سَوَاءٌ كَانَ هُوَ صَاحِبُ الدَّقِيقِ أَوْ كَانَ الدَّقِيقُ لِغَيْرِهِ كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُ شَارِحِنَا لَا الرَّحَى. . . إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَالْجِدَارُ] : بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ الثَّوْبُ فَهُوَ مُثْبَتٌ لَا مَنْفِيٌّ.

(وَ) عُمِلَ بِالْعُرْفِ فِي (السَّيْرِ) لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَلَا كَلَامَ لِرَبِّ الدَّابَّةِ وَلَا لِلْمُسْتَأْجِرِ مَعَ الْعُرْفِ (وَالْمَنَازِلِ) الَّتِي يَنْزِلُ بِهَا فِي سَيْرِ الْمَسَافَةِ وَقَدْرِ الْإِقَامَةِ. (وَ) عُمِلَ بِهِ أَيْضًا فِي (الْمَعَالِيقِ) : جَمْعُ مُعْلُوقٍ بِضَمِّ الْمِيمِ كَعُصْفُورٍ وَعَصَافِيرَ: أَيْ مَا يَعْلَقُ بِجَنْبِ الرَّحْلِ مِمَّا يَحْتَاجُ لَهُ الْمُسَافِرُ. وَكَسَمْنٍ وَزَيْتٍ وَعَسَلٍ. (وَ) فِي (الزَّامِلَةِ) : مَا يَضَعُ الْمُسَافِرُ فِيهِ حَاجَتَهُ كَخَرْجِ كِيسٍ وَنَحْوِهِمَا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ فَلَا بُدَّ فِي السَّيْرِ وَالْمَنَازِلِ مِنْ الْبَيَانِ وَإِلَّا فَسَدَ الْكِرَاءُ وَفُسِخَ. وَأَمَّا الْمَعَالِيقُ وَالزَّامِلَةُ فَلَا يُفْسَخُ وَلَا يَلْزَمُ الْمُكْرِي حَمْلُهَا (وَ) عُمِلَ بِالْعُرْفِ فِي (فِرَاشِ الْمَحْمَلِ) هَلْ هُوَ عَلَى رَبِّ الدَّابَّةِ أَوْ عَلَى الْمُكْتَرِي، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ لَمْ يَلْزَمْ الْمُكْرِي أَيْ رَبَّ الدَّابَّةِ. (وَ) عُمِلَ بِهِ فِي (بَدَلِ الطَّعَامِ الْمَحْمُولِ) عَلَى الْإِبِلِ إذَا نَقَصَ بِأَكْلٍ أَوْ بَيْعٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ فَعَلَيْهِ وَزْنُ الْحَمْلِ الْأَوَّلِ. (وَ) عُمِلَ بِهِ فِي (تَوْفِيرِهِ) أَيْ الطَّعَامِ الْمَحْمُولِ بِالْكِرَاءِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُوَفِّرَهُ مِنْ أَكْلٍ أَوْ بَيْعٍ وَنَازَعَهُ رَبُّ الدَّابَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ فَلَا كَلَامَ لِرَبِّ الدَّابَّةِ وَعَلَيْهِ حَمْلُهُ إلَى غَايَةِ الْمَسَافَةِ، وَلَوْ زَادَ الطَّعَامُ ثِقَلًا كَنُزُولِ مَطَرٍ عَلَيْهِ فَقَالَ سَحْنُونَ: لَمْ يَلْزَمْ الْمُكْرِي إلَّا زِنَةُ الْحَمْلِ الْمُشْتَرَطِ. (وَ) عُمِلَ بِهِ أَيْضًا فِي (نَزْعِ ثَوْبٍ) مِنْ قَمِيصٍ أَوْ عِمَامَةٍ أَوْ طَيْلَسَانٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فِي السَّيْرِ لَيْلًا] إلَخْ: أَيْ وَفِي بَاقِي أَحْوَالِهِ مِنْ كَوْنِهِ بِالْهُوَيْنَا أَوْ حَذَرًا أَوْ مُتَوَسِّطًا. قَوْلُهُ: [وَالْمَنَازِلُ] : أَيْ الْمَوَاضِعُ. قَوْلُهُ: [مَا يُوضِعُ الْمُسَافِرُ] إلَخْ: حَقُّهُ حَذْفُ الْوَاوِ لِلْقَاعِدَةِ التَّصْرِيفِيَّةِ قَالَ تَعَالَى {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4] . قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَسَدَ الْكِرَاءُ وَفُسِخَ] : أَيْ لِزِيَادَةِ الْغَرَرِ فَمُرَادُهُ بِالْفَسَادِ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَبِالْفَسْخِ إبْطَالُهُ وَعَدَمُ الْبَقَاءِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [أَيْ رَبُّ الدَّابَّةِ] : أَيْ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ وَلَا حَمْلُهُ. قَوْلُهُ: [فِي بَدَلِ الطَّعَامِ الْمَحْمُولِ] : أَيْ بَدَلَ نَقْصِ الطَّعَامِ الْمَحْمُولِ فَفِي الْكَلَامِ حَذْفُ مُضَافٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ طَيْلَسَانٍ] : هُوَ الشَّالُ الَّذِي يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ

[الضمان في الإجارة]

اسْتَأْجَرَهُ لِيَلْبَسَهُ (فِي نَحْوِ لَيْلٍ) كَقَائِلَةٍ: أَيْ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نَزْعُهُ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي جَرَى الْعُرْفُ بِنَزْعِهِ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ حُمِلَ عَلَى دَوَامِ اللُّبْسِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْعُرْفُ وَجَبَ الْبَيَانُ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى ضَمَانِهِ وَعَدَمِ ضَمَانِهِ، فَقَالَ: (وَهُوَ) : أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ لِشَيْءٍ - مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ عَرْضٍ - وَكَذَا الْأَجِيرُ كَالرَّاعِي. وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ الضَّمِيرَ عَائِدًا عَلَى مَنْ تَوَلَّى الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ؛ فَيَشْمَلُ الْمُؤَجَّرَ بِالْفَتْحِ كَالرَّاعِي وَالْمُسْتَأْجِرِ، كَمُكْتَرِي دَابَّةٍ وَنَحْوِهَا (أَمِينٍ؛ فَلَا ضَمَانَ) عَلَيْهِ إنْ ادَّعَى الضَّيَاعَ أَوْ التَّلَفَ، كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَمْ لَا. وَيَحْلِفُ إنْ كَانَ مُتَّهَمًا: لَقَدْ ضَاعَ وَمَا فَرَّطْت. وَلَا يَحْلِفُ غَيْرُهُ وَقِيلَ: يَحْلِفُ مَا فَرَّطَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَمِمَّا يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ فِي هَذَا الْبَابِ فِي الْمَكَانِ كَمَا رَجَعَ إلَيْهِ هُنَا فِي الزَّمَانِ مَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ: مَنْ اكْتَرَى عَلَى مَتَاعٍ دَوَابَّ إلَى مَوْضِعٍ، وَفِي الطَّرِيقِ نَهْرٌ لَا يُجَازُ إلَّا عَلَى الْمَرْكَبِ، وَقَدْ عَرَفَ ذَلِكَ كَالنِّيلِ وَشِبْهِهِ فَجَوَازُ الْمَتَاعِ عَلَى رَبِّهِ وَالدَّوَابُّ عَلَى رَبِّهَا، وَإِنْ كَانَ يُخَاضُ فِي الْمَخَاضِ فَاعْتَرَضَهُ حِمْلَانِ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ سَيْلٌ كَثِيرٌ لَمْ يَعْلَمُوا بِهِ فَحَمْلُ الْمَتَاعِ عَلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ وَتِلْكَ جَائِحَةٌ نَزَلَتْ بِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ النَّهْرُ شِتْوِيًّا يَحْمِلُ بِالْأَمْطَارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَقْتَ الْكِرَاءِ قَدْ عَلِمُوا جَرْيَهُ وَعَلَى ذَلِكَ دَخَلُوا فَيَكُونُ كَالنَّهْرِ الدَّائِمِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَجَبَ الْبَيَانُ] : أَيْ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ كَانَتْ فَاسِدَةً. [الضَّمَان فِي الْإِجَارَة] قَوْلُهُ: [وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ الضَّمِيرَ] : أَيْ فِي كَلَامِ خَلِيلٍ. قَوْلُهُ: [عَائِدٌ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ وَالْمُنَاسِبُ عَائِدًا بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ ثَانٍ لَجَعَلَ. قَوْلُهُ: [فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ] : مَحَلُّ كَوْنِهِ أَمِينًا فِي غَيْرِ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ يَحْلِفُ مَا فَرَّطَ] : الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى غَيْرِ الْمُتَّهَمِ أَيْ فَيَقْتَصِرُ فِي يَمِينِهِ عَلَى قَوْلِهِ مَا فَرَّطْت، وَلَا يَحْلِفُ عَلَى الضَّيَاعِ وَالْفَرْقُ أَنَّ غَيْرَ الْمُتَّهَمِ إذَا وَقَعَ مِنْهُ ضَيَاعٌ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ تَفْرِيطِهِ غَالِبًا فَيَكْفِي حَلِفُهُ مَا فَرَّطْت، وَهُنَاكَ قَوْلٌ ثَالِثٌ إنَّهُ كَالْمُتَّهَمِ يَحْلِفُ لَقَدْ ضَاعَ وَمَا فَرَّطْت.

وَبَالَغَ عَلَى عَدَمِ الضَّمَانِ بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ شَرَطَ) عَلَيْهِ (إثْبَاتَهُ) : أَيْ الضَّمَانِ، وَلَا عِبْرَةَ بِهَذَا الشَّرْطِ، لَكِنَّ هَذَا الْكَلَامَ يُوهِمُ صِحَّةَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ مَعَ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ مَعَ أَنَّهُ يُفْسِدُهَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَاقِضُ الْعَقْدَ. فَإِنْ وَقَعَ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ زَادَتْ عَلَى الْمُسَمَّى أَوْ نَقَصَتْ - قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَمَحَلُّ الْفَسَادِ إنْ لَمْ يَسْقُطْ الشَّرْطُ قَبْلَ الْفَوَاتِ، وَإِلَّا صَحَّتْ، وَالْفَوَاتُ هُنَا بِانْقِضَاءِ الْعَمَلِ فَانْقِضَاؤُهُ فِي أَثْنَائِهِ كَإِسْقَاطِهِ قَبْلَهُ فِي إفَادَةِ الصِّحَّةِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ شَرْطٌ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ مَا لَمْ يَسْقُطْ، لَكِنْ لَوْ عَثَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَمَلِ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَلَا يُعْمَلُ بِالشَّرْطِ. (أَوْ عَثَرَ) : بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ عَطْفٌ عَلَى الْمُقَدَّرِ، فَلَا ضَمَانَ، أَيْ إنْ ادَّعَى التَّلَفَ أَوْ عَثَرَ أَجِيرُ حَمْلٍ أَوْ عَثَرَتْ دَابَّتُهُ (بِدُهْنٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ) عَثَرَ (بِآنِيَةٍ فَانْكَسَرَتْ أَوْ انْقَطَعَ الْحَبْلُ) الَّذِي، رَبَطَ بِهِ الْأَمْتِعَةَ فَتَلِفَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. (مَا لَمْ يَتَعَدَّ) فِي فِعْلِهِ أَوْ سَوْقِهِ الدَّابَّةَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِتَعَدِّيهِ. فَإِنْ كَذَّبَهُ رَبُّهُ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَيُصَدَّقُ فِي غَيْرِهِ، وَالسَّفِينَةُ كَالدَّابَّةِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَ الْكِرَاءُ وَحْدَهُ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ إذَا قَالَ: سُرِقَ مِنِّي، حَمَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ دَابَّتِهِ أَوْ سَفِينَتِهِ. وَفِيهَا: وَمَنْ اسْتَأْجَرْته لِيَحْمِلَ لَك دُهْنًا أَوْ طَعَامًا فَحَمَلَهُ فَعَثَرَ بِهِ فَأَهْرَاقَهُ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ وَالْأَجِيرُ لَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى، فَإِنْ كَذَّبْته فِي ذَلِكَ وَقُلْت لَهُ: لَمْ تَعْثُرْ وَلَمْ يَذْهَبْ لَك شَيْءٌ فَهُوَ ضَامِنٌ فِي الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَكِنَّ هَذَا الْكَلَامَ يُوهِمُ صِحَّةَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ] : أَيْ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ لِلْمُصَنَّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى كَأَنْ يَقُولَ وَفَسَدَتْ بِشَرْطِهِ وَالْعُذْرُ لَهُ فِي أَنَّهُ تَابِعٌ لِخَلِيلٍ. قَوْلُهُ: [فَانْقِضَاؤُهُ فِي أَثْنَائِهِ] إلَخْ: صَوَابُهُ فَإِسْقَاطُهُ إلَخْ، كَمَا هُوَ عِبَارَةُ أُصُولِهِ. قَوْلُهُ: [بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ] : أَيْ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ. قَوْلُهُ: [عَطْفٌ عَلَى الْمُقَدَّرِ] : أَيْ الَّذِي قَدَّرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ عَثَرَ أَجِيرٌ حَمَلَ] : أَيْ حَمَلَ عَلَى نَفْسِهِ كَالْعَتَّالِينَ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ الْكِرَاءُ] : أَيْ الشَّخْصُ الْمُكْتَرِي عَلَى الْحَمْلِ. قَوْلُهُ: [فَهُوَ ضَامِنٌ فِي الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ] : أَيْ لِحَمْلِهِ عَلَى عَدَمِ الْأَمَانَةِ فِيهِمَا.

وَأَمَّا الْبَرْزُ وَالْعُرُوضُ إذَا حَمَلَهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى كَذِبِهِ (اهـ) وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَضْمَنُ الْأَكْرِيَاءُ سَائِرَ الْعُرُوضِ وَلَا شَيْئًا غَيْرَ الطَّعَامِ. وَعَلَى هَذَا فَكَانَ الْأَنْسَبُ بَعْدَ قَوْلِهِ: " وَهُوَ أَمِينٌ فَلَا ضَمَانَ "، أَنْ يَقُولَ: إلَّا فِي الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ وَفِيهَا مَعَ غَيْرِهَا لُزُومُ ضَمَانِ الْأَكْرِيَاءِ كَالطَّعَامِ وَالْإِدَامِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِهَلَاكِهِ أَوْ يَكُونَ مَعَهُ رَبُّهُ. وَالسَّفِينَةُ كَالدَّابَّةِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَفِي حَمْلِ الطَّعَامِ يَضْمَنُ مُطْلَقًا إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ يَصْحَبُهُ رَبُّهُ. (أَوْ) لَمْ (يَغُرَّ بِفِعْلٍ) بِأَنْ لَمْ يَغُرَّ أَصْلًا أَوْ غَرَّ بِقَوْلِهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذْ لَا أَثَرَ لِلْغُرُورِ الْقَوْلِيِّ، كَأَنْ يَأْتِيَ بِشَقَّةٍ لِخَيَّاطٍ وَيَقُولَ لَهُ: إنْ كَانَتْ تَكْفِي ثَوْبًا فَفَصِّلْهَا، فَقَالَ: تَكْفِي. فَفَصَّلَهَا فَلَمْ تَكْفِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْخَيَّاطِ وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَ كِفَايَتِهَا، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ: إنْ عَلِمْت أَنَّهَا تَكْفِي ثَوْبًا فَفَصِّلْهَا وَإِلَّا فَلَا. فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ [وَأَمَّا الْبَرْزُ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ بِرَاءٍ وَزَايٍ بَعْدَ الْبَاءِ وَفِي (بْن) بِزَايٍ بَعْدَ الْبَاءِ فَقَطْ فَيَكُونُ عَطْفُ الْعُرُوضِ عَلَيْهَا مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى كَذِبِهِ] : أَيْ كَمَا إذَا قَالَ ضَاعَ مِنِّي فِي الْيَوْمِ الْفُلَانِيِّ، وَقَالَتْ الْبَيِّنَةُ رَأَيْنَاهُ مَعَهُ بَعْدَ. قَوْلُهُ: [غَيْرُ الطَّعَامِ] : أَيْ وَمِنْهُ الْإِدَامُ. قَوْلُهُ: [فَكَانَ الْأَنْسَبَ] إلَخْ: أَيْ وَكَانَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ تُغْنِيه عَنْ قَوْلِهِ أَوْ عَثَرَ بِدُهْنٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ ذِكْرَهُ لِلدُّهْنِ يُوهِمُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ فِيهِ عَلَى الْأَمَانَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: [الْأَكْرِيَاءُ] : مَفْعُولٌ أَوَّلُ لِلُزُومِ وَكَالطَّعَامِ وَالْإِدَامِ مَفْعُولٌ ثَانٍ لَهُ وَالْكَافُ زَائِدَةٌ وَإِضَافَةُ لُزُومٍ لِلضَّمَانِ بَيَانِيَّةٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ ضَمَّنَ الْأَكْرِيَاءَ الطَّعَامَ وَالْإِدَامَ. فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ وَغَيْرِهِمَا حَيْثُ حُمِلَ فِي الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ عَلَى غَيْرِ الْأَمَانَةِ وَحُمِلَ عَلَيْهَا فِي غَيْرِهِمَا. قُلْت الْفَرْقُ تَعَبُّدِيٌّ. قَوْلُهُ: [وَالسَّفِينَةُ كَالدَّابَّةِ] : أَيْ فِي التَّفْصِيلِ بَيْنَ حَمْلِ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ وَمِثْلُهُمَا حَمْلُهُ بِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ: [إذْ لَا أَثَرَ لِلْغُرُورِ الْقَوْلِيِّ] : أَيْ مَا لَمْ يَنْضَمَّ بِهِ عَقْدٌ أَوْ شَرْطٌ فَمِثَالُ الْعَقْدِ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ اشْتَرِ مِنِّي السِّلْعَةَ الْفُلَانِيَّةَ فَإِنَّهَا سَالِمَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ فَظَهَرَ الْأَمْرُ بِخِلَافِهِ وَالشَّرْطُ سَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ.

تَكْفِي، مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهَا لَا تَكْفِي فَيَضْمَنُ. وَمِنْ الْغَرَرِ الْقَوْلِيِّ قَوْلُ الصَّيْرَفِيِّ فِي دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ إنَّهَا جَيِّدَةٌ - مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهَا رَدِيئَةٌ - فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: إنْ كَانَ بِأُجْرَةٍ وَاسْتَظْهَرَ. فَإِنْ غَرَّ بِفِعْلٍ كَرَبْطِهِ بِحَبْلٍ رَثٍّ أَوْ مَشْيِهِ بِمَكَانٍ زَلِقٍ ضَمِنَ. (كَحَارِسٍ) تَشْبِيهٌ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ: أَيْ أَنَّ حَارِسَ الدَّارِ أَوْ الْبُسْتَانِ أَوْ الزَّرْعِ أَوْ حَارِسَ طَعَامٍ أَوْ عَرْضٍ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ. (وَلَوْ حَمَّامِيًّا) إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى أَوْ يُفَرِّطَ. وَمِنْ التَّفْرِيطِ مَا لَوْ قَالَ: رَأَيْت رَجُلًا يَلْبَسُ الثِّيَابَ فَظَنَنْت أَنَّهُ صَاحِبُهَا، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْخُفَرَاءِ فِي الْحَارَاتِ وَالْأَسْوَاقِ. وَلَا عِبْرَةَ بِمَا كُتِبَ أَوْ شُرِطَ عَلَيْهِمْ مِنْ الضَّمَانِ مَا لَمْ يُفَرِّطُوا. وَكَذَا الْبَوَّابُونَ فِي الْخَانَاتِ وَغَيْرِهَا. (وَأَجِيرٍ لِصَانِعٍ) لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ لِلصَّانِعِ، كَانَ يَعْمَلُ بِحَضْرَةِ صَانِعِهِ أَمْ لَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهَا لَا تَكْفِي] : أَيْ وَلَا يُعْلَمُ هَذَا الْأَمْرُ إلَّا مِنْهُ. قَوْلُهُ: [وَاسْتَظْهَرَ] : قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ أَقُولُ وَمِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ الْقَوْلُ بِالضَّمَانِ حَيْثُ أَخَذَ أَجْرًا كَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْأُجْهُورِيِّ فِي الْخُفَرَاءِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَدْت عَنْ شَيْخِنَا عَبْدِ اللَّهِ مَا نَصُّهُ فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ الصَّوَابُ الضَّمَانُ إذَا انْضَمَّ لِغُرُورِهِ عَقْدٌ كَمَا إذَا عَقَدَ مَعَهُ بِجَدِيدٍ مَثَلًا وَقَلَّبَهُ وَوَزَنَهُ وَقَالَ لَهُ طَيِّبْ وَأَزِنْ وَهُوَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْغُرُورَ الْقَوْلِيَّ إذَا انْضَمَّ لَهُ عَقْدٌ صَارَ مِنْ الْفِعْلِيِّ فَالضَّمَانُ (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَلَوْ حَمَّامِيًّا] : أَيْ مَا لَمْ يَجْعَلْ رَبُّ الثِّيَابِ ثِيَابَهُ رَهْنًا عِنْدَهُ فِي الْأُجْرَةِ وَإِلَّا ضَمِنَ وَمَا لَمْ يَجْعَلْ حَارِسًا لِاتِّقَاءِ شَرِّهِ كَمَا إذَا كَانَ مَشْهُورًا بِالْحَرَامِ وَجَعَلَ حَارِسًا لِتَتَّقِي سَرِقَتَهُ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ كَمَا إذَا ظَهَرَ كَذِبُهُ. قَوْلُهُ: [وَمِنْ التَّفْرِيطِ] إلَخْ: وَمِنْهُ أَيْضًا مَا لَوْ نَامَ فِي وَقْتٍ لَا يَنَامُ فِيهِ الْحَارِسُ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا قَالَهُ شَارِحُنَا هُوَ أَصْلُ الْمَذْهَبِ مِنْ عَدَمِ تَضْمِينِ الْخُفَرَاءِ وَالْحُرَّاسِ وَالرُّعَاةِ، وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْأُجْهُورِيِّ تَضْمِينَهُمْ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتٍ تَفْرِيطٌ مِنْهُمْ نَظَرًا لِكَوْنِهِ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَأَجِيرٍ لِصَانِعٍ] : أَيْ وَأَمَّا الصَّانِعُ نَفْسُهُ فَسَيَأْتِي ضَمَانُهُ بِالشُّرُوطِ. قَوْلُهُ: [كَانَ يَعْمَلُ بِحَضْرَةِ صَانِعِهِ أَمْ لَا] : أَيْ عَلَى مَا قَالَ التَّتَّائِيُّ وَقَالَ أَشْهَبُ

(وَسِمْسَارٍ) يَطُوفُ بِالسِّلَعِ فِي الْأَسْوَاقِ لِيَبِيعَهَا (خَيِّرٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الْيَاءِ مُشَدَّدَةً: أَيْ ذِي خَيْرٍ وَأَمَانَةٍ، لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا ادَّعَى ضَيَاعَ شَيْءٍ مِمَّا بِيَدِهِ بِغَيْرِ تَعَدِّيهِ وَبِلَا تَفْرِيطٍ مِنْهُ. وَغَيْرُ مَنْ ظَهَرَ خَيْرُهُ يَضْمَنُ. كَذَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْدٍ، وَقِيلَ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا. قَالَ: عِيَاضٌ: وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، قَالَ: لِأَنَّهُمْ وُكَلَاءُ وَلَيْسُوا بِصُنَّاعٍ. (وَنُوتِيٍّ غَرِقَتْ سَفِينَتُهُ بِفِعْلِ سَائِغٍ) لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي نَفْسٍ وَلَا مَالٍ (وَإِلَّا) إنْ غَرِقَتْ بِفِعْلٍ لَا يَسُوغُ فِي سَيْرِهَا أَوْ حَمْلِهَا (ضَمِنَ) وَإِنْ تَعَمَّدَ الْفِعْلَ فَالْقِصَاصُ. (كَرَاعٍ خَالَفَ مَرْعًى شُرِطَ) عَلَيْهِ فَهَلَكَتْ أَوْ ضَاعَتْ الْمَاشِيَةُ، فَيَضْمَنُ (أَوْ أَنْزَى) الرَّاعِي: أَيْ أَطْلَقَ الْفَحْلَ عَلَى الْإِنَاثِ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ رَبِّهَا فَعَطِبَتْ أَوْ مَاتَتْ تَحْتَ الْفَحْلِ أَوْ عِنْدَ الْوِلَادَةِ فَيَضْمَنُ، إلَّا لِعُرْفٍ بِأَنَّ الرُّعَاةَ تُنْزِي وَلَا تَسْتَأْذِنُ فَلَا ضَمَانَ. (أَوْ غَرَّ بِفِعْلٍ) فَإِنَّهُ يَضْمَنُ كَالْغُرُورِ الْقَوْلِيِّ إنْ انْضَمَّ لَهُ شَرْطٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَإِذَا ضَمِنَ: (فَالْقِيمَةُ) يَضْمَنُهَا (يَوْمَ التَّلَفِ) لَا يَوْمَ التَّعَدِّي وَلَا يَوْمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْغَسَّالِ تَكْثُرُ عِنْدَهُ الثِّيَابُ فَيُؤَاجِرُ آخَرَ يَبْعَثُهُ لِلْبَحْرِ بِشَيْءٍ مِنْهَا يَغْسِلُهُ فَيَدَّعِي تَلَفَهُ إنَّهُ ضَامِنٌ (اهـ) ، وَكَلَامُ التَّوْضِيحِ يُفِيدُ أَنَّ كَلَامَ أَشْهَبَ تَقْيِيدٌ لِلْمَشْهُورِ وَلَا مُقَابِلَ لَهُ خِلَافًا لِلتَّتَّائِيِّ. قَوْلُهُ: [لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ] : أَيْ لَا فِي الثَّوْبِ مَثَلًا وَلَا فِي ثَمَنِهِ إذَا ضَاعَ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَلَا فِيمَا يَحْصُلُ فِيهَا مِنْ تَمْزِيقٍ أَوْ خَرْقٍ بِسَبَبِ نَشْرٍ أَوْ طَيٍّ إذَا لَمْ يَخْرُجْ عَمَّا أَذِنَ لَهُ فِيهِ كَمَا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ سِلْعَةً لِرَجُلٍ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الشِّرَاءَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُ لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ، وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ ضَمَانِ مَنْ ظَهَرَ خَيْرُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَنْصِبْ نَفْسَهُ لِلسَّمْسَرَةِ وَإِلَّا ضَمِنَ كَالصَّانِعِ، وَقَدْ اعْتَبَرَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا الْقَيْدَ كَمَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [بِفِعْلٍ سَائِغٍ] : أَيْ كَتَحْوِيلِ الرَّاجِعِ وَنَشْرِ الْقَلْعِ وَمَشْيٍ فِي رِيحٍ أَوْ مَوْجٍ إذَا كَانَ ذَلِكَ مُعْتَادًا، وَكَذَا وَسْقُهَا الْوَسْقِ الْمُعْتَادُ لِأَمْثَالِهَا بِحَيْثُ لَا يَقْرَبُ الْمَاءُ مِنْ حَافَّتِهَا، وَإِذَا كَانَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْفِعْلِ السَّائِغِ فَأَوْلَى إذَا غَرِقَتْ بِغَيْرِ فِعْلٍ كَهَيَجَانِ الْبَحْرِ وَاخْتِلَافِ الرِّيحِ مَعَ عَجْزِهِ عَنْ صَرْفِهَا.

الْحُكْمِ. وَهَذَا رَاجِعٌ لِرَاعٍ وَمَا بَعْدَهُ. (أَوْ صَانِعٍ) يَضْمَنُ (فِي مَصْنُوعِهِ) فَقَطْ، كَثَوْبٍ يَخِيطُهُ أَوْ حُلِيٍّ يَصُوغُهُ أَوْ خَشَبَةٍ يَنْشُرُهَا أَوْ حَبٍّ يَطْحَنُهُ. (لَا) فِي (غَيْرِهِ) فَلَا ضَمَانَ فِيهِ. كَمَا لَوْ جَعَلَ الشَّيْءَ الْمَصْنُوعَ فِي ظَرْفٍ فَادَّعَى الصَّانِعُ ضَيَاعَهَا، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَا لَهُ فِيهِ الصَّنْعَةُ لَا الظَّرْفُ (وَ) لَوْ كَانَ الْغَيْرُ (مُحْتَاجًا لَهُ) فِي الْعَمَلِ، فَلَا يَضْمَنُهُ كَقُفَّةِ الطَّحِينِ وَالْكِتَابِ الَّذِي يَنْسَخُ مِنْهُ، هَذَا قَوْلُ سَحْنُونَ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَضْمَنُ الصَّانِعُ مَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ سَوَاءٌ احْتَاجَ لَهُ الصَّانِعُ أَوْ الْمَصْنُوعُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يَضْمَنُ الصَّانِعُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي عِلْمِهِ كَالْكِتَابِ الَّذِي يَنْسَخُ مِنْهُ دُونَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَصْنُوعُ كَظَرْفِ الْقَمْحِ وَالْعَجِينِ وَيَضْمَنُ الصَّانِعُ مَصْنُوعَهُ. (وَإِنْ) كَانَ يَصْنَعُهُ (بِبَيْتِهِ) : أَيْ فِي بَيْتِهِ (أَوْ) كَانَ يَصْنَعُهُ (بِلَا أَجْرٍ) فَأَوْلَى بِأَجْرٍ فِي حَانُوتِهِ وَسَوَاءٌ تَلِفَ بِصَنْعَتِهِ أَوْ بِغَيْرِهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَنْعَتِهِ تَغْرِيرٌ كَثَقْبِ اللُّؤْلُؤِ، وَنَقْشِ الْفُصُوصِ، وَتَقْوِيمِ السُّيُوفِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَهَذَا رَاجِعٌ لِرَاعٍ وَمَا بَعْدَهُ] : أَيْ خِلَافًا لِمَا فِي الْخَرَشِيِّ مِنْ أَنَّ الرَّاعِيَ يَضْمَنُ يَوْمَ التَّعَدِّي تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْأُجْهُورِيُّ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ وَبَحَثَ فِيهِ بَعْضُ الشُّيُوخِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الضَّمَانَ يَوْمَ التَّلَفِ فِي الْجَمِيعِ وَيُوَافِقُهُ بَهْرَامُ، ثُمَّ إنَّ الَّذِي غَرَّ بِالْفِعْلِ لَهُ مِنْ الْكِرَاءِ بِحِسَابِهِ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ وَهَلْ لِرَبِّهِ أَنْ يُلْزِمَهُ حَمْلُ مِثْلِهِ بَقِيَّةَ الْمَسَافَةِ وَيُعْطِيهِ بَقِيَّةَ الْأُجْرَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ يَفْسَخُ الْعَقْدَ (اهـ) . قَوْلُهُ: [أَوْ صَانِعٍ] إلَخْ: مَعْطُوفٌ عَلَى كَرَاعٍ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ يَصْنَعُهُ بِبَيْتِهِ] : بَالَغَ عَلَيْهِ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ عَدَمِ ضَمَانِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَمِلَ فِي بَيْتِهِ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَنْصِبْ نَفْسَهُ لِلْعَمَلِ لِلنَّاسِ. قَوْلُهُ: [تَغْرِيرٌ] : أَيْ تَعْرِيضٌ لِلْإِتْلَافِ وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَضَمِنَ صَانِعٌ فِي مَصْنُوعِهِ، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يُؤَخِّرَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ بَيِّنَةٌ فَتَسْقُطَ الْأُجْرَةُ أَوْ يَحْضُرُهُ عَلَى الصِّفَةِ لِأَجْلِ أَنْ تَكُونَ الْحَالَاتُ الَّتِي لَا يَضْمَنُ فِيهَا مُجْتَمَعَةً بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ. قَوْلُهُ: [كَثَقْبِ اللُّؤْلُؤِ] : أَيْ وَكَذَا خَبْزُ الْعَيْشِ فِي الْفُرْنِ.

وَكَذَا الْخِتَانُ وَقَلْعُ الضِّرْسِ وَالطِّبُّ فَلَا ضَمَانَ إلَّا بِالتَّفْرِيطِ. وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الصَّانِعُ مَصْنُوعَهُ بِشَرْطَيْنِ أَشَارَ لَهُمَا بِقَوْلِهِ: (إنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ) لِلصَّنْعَةِ لِلنَّاسِ، احْتِرَازًا عَنْ الْأَجِيرِ لِشَخْصٍ خَاصٍّ أَوْ جَمَاعَةٍ مَخْصُوصِينَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. (وَغَابَ) الصَّانِعُ (عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الشَّيْءِ الْمَصْنُوعِ، احْتِرَازًا مِمَّا إذَا صَنَعَهُ بِحُضُورِ رَبِّهِ وَلَوْ فِي غَيْرِ بَيْتِهِ أَوْ بَيْتِ رَبِّهِ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا - فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَبَقِيَ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ أَيْضًا: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَصْنُوعُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، احْتِرَازًا مِنْ عَبْدٍ يَدْفَعُهُ سَيِّدُهُ لِمُعَلِّمٍ نَصَّبَ نَفْسَهُ فَادَّعَى هُرُوبَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي صَنْعَتِهِ تَغْرِيرٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَنْ لَا تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ بِتَلَفِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ. وَإِذَا ضَمِنَ: (فَالْقِيمَةُ) يَضْمَنُهَا (يَوْمَ دَفْعِهِ) لِلصَّانِعِ لَا يَوْمَ التَّلَفِ وَلَا يَوْمَ الْحُكْمِ (إلَّا أَنْ يُرَى) الْمَصْنُوعَ عِنْدَ الصَّانِعِ (بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ يَوْمِ الدَّفْعِ، فَإِنْ رُئِيَ بَعْدَهُ (فَبِآخِرِ رُؤْيَةٍ) . وَإِذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الدَّفْعِ فَلَا أُجْرَةَ لِلصَّانِعِ. وَكَذَا إذَا اُعْتُبِرَتْ بِآخِرِ رُؤْيَةٍ وَلَمْ يَكُنْ مَصْنُوعًا. فَإِنْ كَانَ مَصْنُوعًا ضَمِنَ قِيمَتَهُ مَصْنُوعًا وَعَلَى رَبِّهِ الْأُجْرَةُ. (وَلَوْ شَرَطَ) الصَّانِعُ (نَفْيَهُ) : أَيْ نَفْيَ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَلَا يُفِيدُهُ شَرْطُهُ. (وَهُوَ) شَرْطٌ (مُفْسِدٌ) لِلْعَقْدِ، وَلِأَنَّهُ يُنَاقِضُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، (فَفِيهِ) - إنْ وَقَعَ وَعَثَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَمَلِ - (أَجْرُ الْمِثْلِ) قَلَّ أَوْ كَثُرَ دُونَ مَا سَمَّى. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا بِالتَّفْرِيطِ] : هَذَا إذَا كَانَ الْخَاتِنُ وَالطَّبِيبُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَلَمْ يُخْطِئْ: فِي فِعْلِهِ، فَإِنْ أَخْطَأَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ عُوقِبَ وَفِي كَوْنِ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ أَوْ فِي مَالِهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَالثَّانِي لِمَالِكٍ وَهُوَ الرَّاجِحُ لِأَنَّ فِعْلَهُ عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لَا تُحْمَلُ عَمْدًا. قَوْلُهُ: [فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ] : مَحَلُّ عَدَمِ الضَّمَانِ إذَا ادَّعَى التَّلَفَ بِالْفِعْلِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهِ وَأَتَى بِهَا تَالِفَةً، أَمَّا لَوْ ادَّعَى ضَيَاعَهَا أَوْ تَلَفَهَا وَلَمْ يَأْتِ بِهَا فَالضَّمَانُ.

[تنبيه الملتقط يصدق إن ادعى خوف موت فنحر]

(إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ) : أَيْ لِلصَّانِعِ (بَيِّنَةٌ) بِضَيَاعِهِ أَوْ تَلَفِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ (فَتَسْقُطُ الْأُجْرَةُ) عَنْ رَبِّهِ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهَا إلَّا بِتَسْلِيمِهِ لِرَبِّهِ مَصْنُوعًا. (أَوْ يُحْضِرُهُ) الصَّانِعُ لِرَبِّهِ مَصْنُوعًا (عَلَى الصِّفَةِ) الْمُشْتَرَطَةِ، فَتَرَكَهُ عِنْدَهُ فَادَّعَى ضَيَاعَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ حِينَئِذٍ إلَى حُكْمِ الْإِيدَاعِ. وَهَذَا مَا لَمْ يَتْرُكْهُ عِنْدَهُ رَهْنًا فِي نَظِيرِ الْأُجْرَةِ، وَإِلَّا كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الرَّهْنِ. (وَصُدِّقَ) رَاعٍ (إنْ ادَّعَى ضَيَاعًا) لِبَعْضِ الْمَاشِيَةِ بِلَا تَفْرِيطٍ (أَوْ) ادَّعَى (خَوْفَ مَوْتٍ) لِبَعْضِهَا (فَنَحَرَ) أَوْ ذَبَحَ، وَخَالَفَهُ رَبُّهُ، وَقَالَ لَهُ: بَلْ تَعَدَّيْت. (أَوْ ادَّعَى سَرِقَةَ مَنْحُورِهِ) : أَيْ قَالَ: نَحَرْتهَا لِخَوْفِ مَوْتِهَا فَسُرِقَتْ، وَخَالَفَهُ رَبُّهَا، وَقَالَ: بَلْ أَكَلْتهَا. (وَحَلَفَ) الرَّاعِي إنْ اُتُّهِمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ] إلَخْ: فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ ضَمَانَ الصُّنَّاعِ ضَمَانُ تُهْمَةٍ يَنْتَفِي بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهَا إلَّا بِتَسْلِيمِهِ] : أَيْ وَهُوَ مُنْتَفٍ فَانْتَفَتْ الْأُجْرَةُ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ خَرَجَ حِينَئِذٍ إلَى حُكْمِ الْإِيدَاعِ] : أَيْ وَلَا تَسْقُطُ الْأُجْرَةُ لِأَنَّهَا بِالتَّسْلِيمِ وَقَدْ حَصَلَ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الرَّهْنِ] : أَيْ يَضْمَنُهُ ضَمَانَ الرِّهَانِ وَلَا تَسْقُطُ الْأُجْرَةُ سَوَاءٌ ضَمِنَهُ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا. [تَنْبِيهٌ الْمُلْتَقِطُ يُصَدَّقُ إنْ ادَّعَى خَوْفَ مَوْتٍ فَنَحَرَ] قَوْلُهُ: [فَنَحَرَ أَوْ ذَبَحَ] : مُقْتَضَى تَصْدِيقِهِ أَنَّهُ إنْ خَافَ مَوْتَهَا وَتَرَكَ زَكَاتَهَا حَتَّى مَاتَتْ ضَمِنَهَا بِالْأَوْلَى مِمَّا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الزَّكَاةِ فِي قَوْلِ خَلِيلٍ وَضَمِنَ مَارٌّ أَمْكَنَتْهُ ذَكَاتُهُ وَتَرَكَ. قَوْلُهُ: [أَوْ ادَّعَى سَرِقَةَ مَنْحُورِهِ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ قَالَ ذَبَحْتهَا خَوْفَ الْمَوْتِ وَأَكَلْتهَا لَمْ يُصَدَّقْ إذَا كَانَ مَحَلُّ الرَّعْيِ قَرِيبًا وَإِلَّا صُدِّقَ وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ تَصْدِيقِهِ مَا لَمْ يَجْعَلْ لَهُ رَبُّهَا أَكْلَهَا وَإِلَّا صُدِّقَ. تَنْبِيهٌ: مِثْلُ الرَّاعِي الْمُلْتَقِطُ فَيُصَدَّقُ إنْ ادَّعَى خَوْفَ مَوْتٍ فَنَحَرَ، وَأَمَّا الْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُسْتَعِيرُ وَالْمُرْتَهِنُ وَالْمُودَعُ وَالشَّرِيكُ فَلَا يُصَدَّقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي دَعْوَى التَّذْكِيَةِ لِخَوْفِ

[بيان ما يطرأ على الإجارة من فسخ]

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَطْرَأُ عَلَى الْإِجَارَةِ مِنْ فَسْخٍ وَعَدَمِهِ فَقَالَ: (وَفُسِخَتْ) الْإِجَارَةُ (بِتَعَذُّرِ مَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ) الْمَنْفَعَةُ: كَدَارٍ وَحَانُوتٍ وَحَمَّامٍ وَسَفِينَةٍ وَنَحْوِهَا - وَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ حَالَ الْعَقْدِ - وَدَابَّةٌ عُيِّنَتْ. وَالتَّعَذُّرُ أَعَمُّ مِنْ التَّلَفِ؛ فَيَشْمَلُ الضَّيَاعَ وَالْمَرَضَ وَالْغَصْبَ وَغَلْقَ الْحَوَانِيتِ قَهْرًا وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي. وَإِذَا فُسِخَتْ رَجَعَ لِلْمُحَاسَبَةِ بِاعْتِبَارِ مَا حَصَلَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَمَا لَمْ يَحْصُلْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوْتِ إلَّا بِلَطْخٍ أَوْ بَيِّنَةٍ، وَإِنْ كَانُوا يُصَدَّقُونَ فِي التَّلَفِ أَوْ الضَّيَاعِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَالرَّاعِي مَعَ كَوْنِ الْجَمِيعِ أُمَنَاءَ تَعَذُّرُ الْإِشْهَادِ مِنْ الرَّاعِي غَالِبًا. بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِمْ فِي الْإِشْهَادِ غَالِبًا وَأَحْرَى مِنْ هَؤُلَاءِ فِي الضَّمَانِ مَنْ مَرَّ عَلَى دَابَّةِ شَخْصٍ فَذَكَّاهَا وَادَّعَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ خَوْفَ مَوْتِهَا أَوْ سَلَخَ دَابَّةَ غَيْرِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ وَجَدَهَا مَيِّتَةً فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ لَطْخٍ. [بَيَانِ مَا يَطْرَأُ عَلَى الْإِجَارَةِ مِنْ فَسْخٍ] قَوْلُهُ: [وَفُسِخَتْ الْإِجَارَةُ] إلَخْ: أَشَارَ بِهَذَا إلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ كُلَّ عَيْنٍ يَسْتَوْفِي مِنْهَا الْمَنْفَعَةَ فَبِهَلَاكِهَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ كَمَوْتِ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ، وَكَانْهِدَامِ الدَّارِ، وَكُلُّ عَيْنٍ يَسْتَوْفِي بِهَا الْمَنْفَعَةَ فَبِهَلَاكِهَا لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَوْتِ الشَّخْصِ، الْمُسْتَأْجِرِ لِلْعَيْنِ الْمُعَيَّنَةِ، وَيَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَ مُوَرِّثِهِ إلَّا فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ: صَبِيَّانِ وَفَرَسَانِ صَبِيَّا التَّعْلِيمِ وَالرَّضَاعَةِ، وَفَرَسَا النُّزُوِّ وَالرِّيَاضَةِ فَحَيْثُ مَاتَ صَبِيُّ التَّعْلِيمِ أَوْ الرَّضَاعَةِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ وَرَجَعَا لِلْمُحَاسَبَةِ، وَكَذَلِكَ فَرَسُ النُّزُوِّ إذَا اُسْتُؤْجِرَ الْفَحْلُ عَلَى أَرْبَعِ مَرَّاتٍ فَحَمَلَتْ مِنْ مَرَّتَيْنِ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ التَّمَامِ انْفَسَخَتْ وَرَجَعَا لِلْمُحَاسَبَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا اُسْتُؤْجِرَ لِفَرَسٍ يُرَوِّضُهَا وَيُعَلِّمُهَا كَيْفِيَّةَ الْجَرْيِ فَمَاتَتْ فَتَنْفَسِخُ وَيَرْجِعَانِ لِلْمُحَاسَبَةِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ حَالَ الْعَقْدِ] : أَيْ فَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ الْمُعَيَّنَةِ وَغَيْرِهَا إنَّمَا هُوَ فِي الدَّابَّةِ، وَأَمَّا الدَّارُ وَالْحَانُوتُ وَالْحَمَّامُ وَالسَّفِينَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِدَابَّةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ فِيهِ ابْتِدَاءً، بَلْ مَتَى تَعَذَّرَ شَيْءٌ مِمَّا يُسْتَوْفَى مِنْهُ انْفَسَخَتْ قَالُوا لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَيْهَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي مُعَيَّنٍ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَظْهَرُ فِي السَّفِينَةِ بَلْ هِيَ بِالدَّابَّةِ أَشْبَهُ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ يَقْتَضِي تَسْوِيَتَهَا بِالْعَقَارَاتِ. قَوْلُهُ: [أَعَمُّ مِنْ التَّلَفِ] : أَيْ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ خَلِيلٌ. قَوْلُهُ: [رَجَعَ لِلْمُحَاسَبَةِ] إلَخْ: أَيْ فَمَا حَصَلَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ يَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ بِحِسَابِهِ

وَبِاعْتِبَارِ الْمَسَافَةِ طُولًا وَقِصَرًا وَسُهُولَةً وَصُعُوبَةً. (لَا) تَنْفَسِخُ بِتَعَذُّرِ مَا يُسْتَوْفَى (بِهِ) : كَالسَّاكِنِ وَالرَّاكِبِ وَمَا حُمِلَ. وَظَاهِرُهُ تَعَذَّرَ بِسَمَاوِيٍّ؛ كَمَوْتٍ لِرَاكِبٍ أَوْ سَاكِنٍ أَوْ بِغَيْرِهِ بِتَفْرِيطٍ مِنْ الْحَامِلِ؛ بِأَنْ فَرَّطَ فَتَلِفَ مَا حَمَلَهُ مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ أَمْ لَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ فَرَّطَ ضَمِنَ. وَإِذَا لَمْ تَنْفَسِخْ قِيلَ لِلسَّاكِنِ وَالرَّاكِبِ وَرَبِّ الْأَحْمَالِ أَوْ لِوَارِثِهِ: عَلَيْك جَمِيعُ الْأُجْرَةِ وَائْتِ بِمِثْلِ الْأَوَّلِ لِتَمَامِ الْمَسَافَةِ أَوْ الْمُدَّةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ. وَاَلَّذِي لَهُ فِي الْبَيَانِ: أَنَّ الْمَشْهُورَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّلَفِ بِسَمَاوِيٍّ فَلَا تُنْقَضُ الْإِجَارَةُ، وَيَأْتِيه الْمُسْتَأْجِرُ بِمِثْلِهِ وَعَلَيْهِ جَمِيعُ الْكِرَاءِ، وَبَيْنَ تَلَفِهِ مِنْ جِهَةِ الْحَامِلِ فَتُنْتَقَضُ وَلَا كِرَاءَ لَهُ، وَقِيلَ: لَهُ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ مَا سَارَ. وَظَاهِرُهُ فَرَّطَ أَمْ لَا، فَانْظُرْهُ. وَظَاهِرٌ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ، فَلَوْ مَشَى عَلَيْهِ لَقَالَ: لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بِسَمَاوِيٍّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَا لَمْ يَحْصُلْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا. وَقَوْلُهُ: [وَبِاعْتِبَارِ الْمَسَافَةِ] : خَاصٌّ بِتَعَذُّرِ السَّفِينَةِ وَالدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ، أَيْ فَيَرْجِعَانِ فِيهِمَا إلَى الْمُحَاسَبَةِ أَيْضًا وَيَنْظُرَانِ لِقِيمَةِ الْمَسَافَةِ الْمَاضِيَةِ وَالْبَاقِيَةِ صُعُوبَةً وَسُهُولَةً إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَمَا حُمِلَ] : أَيْ الْمَحْمُولُ غَيْرُ الرَّاكِبِ. قَوْلُهُ: [وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ فَرَّطَ ضَمِنَ] : أَيْ وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ لِوَارِثِهِ] : أَيْ إذَا مَاتَ الرَّاكِبُ أَوْ رَبُّ الْأَحْمَالِ. قَوْلُهُ: [فَانْظُرْهُ] : قَالَ (بْن) نَقْلًا عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: إنَّ فِي هَلَاكِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تُنْتَقَضُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْمَوَّازِ. وَالثَّانِي تُنْتَقَضُ بِتَلَفِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ. وَرِوَايَتُهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيَكُونُ لَهُ مِنْ كِرَائِهِ بِقَدْرِ مَا سَارَ مِنْ الطَّرِيقِ؛ وَالثَّالِثُ الْفَرْقُ بَيْنَ تَلَفِهِ مِنْ قِبَلِ الْحَامِلِ فَتُنْتَقَضُ وَلَهُ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ مَا سَارَ وَبَيْنَ تَلَفِهِ بِسَمَاوِيٍّ فَلَا تُنْتَقَضُ وَيَأْتِيه الْمُسْتَأْجِرُ بِمِثْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ. وَالرَّابِعُ إنْ كَانَ تَلَفُهُ مِنْ قِبَلِ الْحَامِلِ انْفَسَخَتْ وَلَا كِرَاءَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ السَّمَاءِ أَتَاهُ الْمُسْتَأْجِرُ بِمِثْلِهِ وَلَمْ يَنْفَسِخْ الْكِرَاءُ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ (اهـ) .

وَبَالَغَ عَلَى قَوْلِهِ: " وَفُسِخَتْ " إلَخْ بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ) كَانَ التَّعَذُّرُ (بِغَصْبٍ) لِمَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ - دَارًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا - (أَوْ غَصْبِ مَنْفَعَةٍ) لِمَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يَغْصِبْ الذَّاتَ إذَا كَانَ الْغَاصِبُ لَا تَنَالُهُ الْأَحْكَامُ (أَوْ أَمْرٍ ظَالِمٍ) لَا تَنَالُهُ الْأَحْكَامُ (بِإِغْلَاقِ الْحَوَانِيتِ) الْمُكْتَرَاةِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ مُسْتَأْجِرُهَا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَيَلْزَمُ الظَّالِمَ أُجْرَتُهَا لِرَبِّهَا إذَا قَصَدَ غَصْبَ الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ. (أَوْ حَمْلِ ظِئْرٍ) : أَيْ مُرْضَعٍ، لِتَعَذُّرِ الرَّضَاعِ عَادَةً إذَا حَصَلَ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْحَامِلِ يَضُرُّ الرَّضِيعَ. (أَوْ) حُدُوثِ (مَرَضٍ) لَهَا (لَا تَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى رَضَاعٍ) فَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ. وَالْمُرَادُ أَنَّ لَهُمْ الْفَسْخَ، لَا الْفَسْخَ بِالْفِعْلِ، فَالْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ حَقٌّ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَلَهُ الْبَقَاءُ عَلَى الْإِجَارَةِ. (وَمَرَضِ عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ) لَا قُدْرَةَ لَهُمَا عَلَى فِعْلِ مَا اُسْتُؤْجِرَا عَلَيْهِ (أَوْ هَرَبِهِ) : أَيْ الْعَبْدِ (لِكَالْعَدُوِّ) مِنْ كُلِّ مَكَان بَعُدَ وَتَعَذَّرَ رُجُوعُهُ مِنْهُ (إلَّا أَنْ يَرْجِعَ) الْعَبْدُ مِنْ هَرَبِهِ (أَوْ يَصِحَّ) مِنْ مَرَضِهِ (فِي الْمُدَّةِ) : أَيْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ (قَبْلَ الْفَسْخِ) : أَيْ قَبْلَ أَنْ يَتَفَاسَخَا، فَيَلْزَمُهُ بَقِيَّةُ الْعَمَلِ وَلَا تَنْفَسِخُ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ يَصِحَّ " يَرْجِعُ لِلظِّئْرِ أَوْ الدَّابَّةِ إذَا مَرِضَا. وَإِذَا رَجَعَ أَوْ صَحَّ مَنْ ذُكِرَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَلَزِمَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَيَلْزَمُ الظَّالِمَ أُجْرَتُهَا] إلَخْ: أَيْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْغَصْبِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ فَسْخِ الْإِجَارَةِ بِغَصْبِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ إذَا شَاءَ الْمُسْتَأْجِرُ وَإِنْ شَاءَ بَقِيَ عَلَى إجَارَتِهِ فَإِنْ فَسَخَهَا كَانَ لِمَالِكِ الذَّاتِ الْمَغْصُوبَةِ الْأُجْرَةُ عَلَى الْغَاصِبِ وَإِنْ أَبْقَاهَا مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ صَارَ ذَلِكَ الْمُسْتَأْجِرُ الْغَاصِبُ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ فَتَكُونُ الْأُجْرَةُ لَهُ فَمَعْنَى الْفَسْخِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهَا مُعَرَّضَةٌ لِلْفَسْخِ لَا أَنَّهَا تَنْفَسِخُ بِالْفِعْلِ وَسَيَأْتِي مَا يُفِيدُهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [أَوْ حَمْلِ ظِئْرٍ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْحَمْلُ قَبْلَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَظَهَرَ بَعْدَهُ أَوْ طَرَأَ بَعْدَ الْعَقْدِ كَمَا قَالَ ابْنُ نَاجِي. قَوْلُهُ: [لَا تَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى رَضَاعٍ] إلَخْ: مَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَوْ قَدَرَتْ مَعَهُ عَلَى الرَّضَاعِ لَمْ تَنْفَسِخْ إلَّا أَنْ يَضْرِبَهُ فَفِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ كَمَا قَالَ (عب) . قَوْلُهُ: [فَالْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ] : الْمُنَاسِبُ فَالْفَسْخُ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ الْفَسْخِ] : أَيْ بِالْفِعْلِ.

بَقِيَّةُ الْعَمَلِ سَقَطَ مِنْ الْأُجْرَةِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ مَا يُقَابِلُ أَيَّامَ الْهَرَبِ أَوْ الْمَرَضِ. وَقَوْلُهُ: " قَبْلَ الْفَسْخِ " مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ الْفَسْخُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الرُّجُوعِ أَوْ الصِّحَّةِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذِكْرِ عَمَلٍ فِيمَا بَقِيَ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَجَازَ أَنْ يَرْجِعَ الِاسْتِثْنَاءُ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ كَأَنَّهُ قَالَ: إلَّا أَنْ يَرْجِعَ الشَّيْءُ الْمُسْتَأْجَرِ عَنْ حَالَتِهِ مِنْ غَصْبٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَى حَالَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قَبْلَ الْمَانِعِ فَلَا تَنْفَسِخُ إذَا لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ تَفَاسُخٌ، لِأَنَّ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِلْمُسْتَأْجِرِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَخُيِّرَ) الْمُسْتَأْجِرُ فِي الْفَسْخِ وَعَدَمِهِ (إنْ تَبَيَّنَ) لَهُ (أَنَّهُ) : أَيْ الْأَجِيرُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ غَيْرِهِ (سَارِقٌ) : أَيْ شَأْنُهُ السَّرِقَةُ، لِأَنَّهَا عَيْبٌ يُوجِبُ الْخِيَارَ فِي الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ. (أَوْ رَشَدَ) فِعْلٌ مَاضٍ مَعْطُوفٌ عَلَى " تَبَيَّنَ " وَ (صَغِيرٌ) : فَاعِلُهُ، وَيَلْزَمُ مِنْ الرُّشْدِ الْبُلُوغُ: أَيْ وَخُيِّرَ إنْ رَشَدَ صَغِيرٌ (عَقَدَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى سِلْعَةِ وَلِيِّهِ) : مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ أَوْ مُقَدَّمٍ لَهُ، أَيْ: أَجَّرَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ ثُمَّ بَلَغَ رَشِيدًا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْإِبْقَاءِ لِتَمَامِ الْمُدَّةِ وَالْفَسْخِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [سَقَطَ مِنْ الْأُجْرَةِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ مَا يُقَابِلُ أَيَّامَ الْهَرَبِ] : جَوَابُ إذَا أَيْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى قَضَاءِ مُدَّةِ الْهَرَبِ أَوْ الْمَرَضِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَيَدْفَعُ الْأَجْرَ بِتَمَامِهِ إنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ نَقَدَ الْأُجْرَةَ حِينَ الْعَقْدِ، لِمَا فِيهِ مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ لَمْ يَنْقُدْهَا فَيَجُوزُ الِاتِّفَاقُ عَلَى ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ عِلَّة الْفَسْخِ الْمَذْكُورَةِ. قَوْلُهُ: [عَنْ حَالَتِهِ] : أَيْ الَّتِي يَتَعَذَّرُ مَعَهَا الِاسْتِيفَاءُ وَبَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ مِنْ غَصْبٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهَا عَيْبٌ يُوجِبُ الْخِيَارَ] : هَذَا حَيْثُ كَانَ اسْتِئْجَارُهُ لِخِدْمَةٍ فِي دَارِهِ أَوْ حَانُوتِهِ مَثَلًا مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَفُّظُ فِيهِ مِنْهُ، وَأَمَّا لَوْ آجَرَهُ دَارًا لِيَسْكُنَهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَبَيُّنِ سَرِقَتِهِ لِإِمْكَانِ التَّحَفُّظِ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [مَعْطُوفٌ عَلَى تَبَيَّنَ] : أَيْ فَهُوَ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ خُيِّرَ. قَوْلُهُ: [وَيَلْزَمُ مِنْ الرُّشْدِ الْبُلُوغُ] : أَيْ لِأَنَّ الرُّشْدَ أَخَصُّ فَكُلُّ رَشِيدٍ بَالِغٌ وَلَا عَكْسَ. قَوْلُهُ: [أَيْ أَجَّرَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ] : أَيْ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِخِدْمَةٍ مَثَلًا ثَلَاثَ سِنِينَ فَبَلَغَ رَشِيدًا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَلَهُ الْخِيَارُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ فَإِنْ بَلَغَ سَفِيهًا فَلَا خِيَارَ لَهُ.

(إلَّا لِظَنِّ عَدَمِ بُلُوغِهِ) قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ وَقْتَ الْعَقْدِ فَبَلَغَ (وَ) قَدْ (بَقِيَ الْيَسِيرُ) مِنْهَا - (كَالشَّهْرِ - فَيَلْزَمُ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهِ) بَقَاءُ الْمُدَّةِ بِهَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ، وَلَا خِيَارَ لَهُ، فَالْخِيَارُ فِيمَا إذَا ظَنَّ وَلِيُّهُ بُلُوغَهُ فِيهَا أَوْ لَا ظَنَّ عِنْدَهُ مُطْلَقًا أَوْ ظَنَّ عَدَمَهُ، وَبَقِيَ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهِ الْكَثِيرُ، قَالَ فِيهَا: وَمَنْ آجَرَ يَتِيمًا فِي حِجْرِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ فَاحْتَلَمَ بَعْدَ سَنَةٍ وَلَمْ يَظُنَّ ذَلِكَ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ بَاقِي الْمُدَّةِ، إلَّا أَنْ يَبْقَى كَالشَّهْرِ وَيَسِيرِ الْأَيَّامِ (انْتَهَى) . وَشَبَّهَ فِي اللُّزُومِ قَوْلَهُ: (كَالْعَقْدِ) : أَيْ عَقْدِ وَلِيِّ الصَّغِيرِ (عَلَى سِلَعِهِ) : أَيْ الصَّغِيرِ - كَدَابَّتِهِ وَدَارِهِ وَغَيْرِهِمَا - فَيَلْزَمُ فِيمَا إذَا ظَنَّ عَدَمَ بُلُوغِهِ مُطْلَقًا (وَلَوْ بَقِيَ) مِنْ الْمُدَّةِ (سِنِينَ) بَعْدَ رُشْدِهِ (عَلَى الْأَرْجَحِ) . وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ أَشْهَبَ: أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى سِلَعِهِ كَالْعَقْدِ عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا إذَا ظَنَّ الْوَلِيُّ عَدَمَ بُلُوغِهِ وَبَقِيَ كَالشَّهْرِ. وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الصَّغِيرَ إذَا عَقَدَ وَلِيُّهُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى سِلَعِهِ فَبَلَغَ رَشِيدًا فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا ظَنَّ الْوَلِيُّ بُلُوغَهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ مُطْلَقًا، بَقِيَ الْقَلِيلُ أَوْ الْكَثِيرُ، فَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ بُلُوغِهِ أَثْنَاءَ الْمُدَّةِ فَبَلَغَ رَشِيدًا لَزِمَهُ فِي الْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهِ إنْ بَقِيَ الْيَسِيرُ دُونَ الْكَثِيرِ وَلَزِمَهُ فِي الْعَقْدِ عَلَى سِلَعِهِ الْكَثِيرُ وَالْيَسِيرُ وَقَدْ تَقَدَّمَ. (كَسِلَعِ السَّفِيهِ مُطْلَقًا) : أَيْ كَعَقْدِ وَلِيِّ سَفِيهٍ عَلَى سِلَعِهِ فَإِنَّهُ لَازِمٌ لَهُ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِهَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ] : أَيْ اللَّذَيْنِ هُمَا ظَنُّ عَدَمِ الْبُلُوغِ وَبَقَاءُ الْيَسِيرِ. قَوْلُهُ: [مُطْلَقًا] : أَيْ بَقِيَ الْكَثِيرُ أَوْ الْقَلِيلُ كَانَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى سِلَعِهِ وَهُوَ رَاجِعٌ لَهُمَا هَذِهِ ثَمَانُ صُوَرٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ ظَنَّ عَدَمَهُ وَبَقِيَ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهِ الْكَثِيرُ صُورَةٌ تَاسِعَةٌ وَمَفْهُومُهَا لَوْ بَقِيَ الْيَسِيرُ لَا خِيَارَ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَقْدُ عَلَى سِلَعِهِ وَظَنَّ عَدَمَهُ لَا خِيَارَ لَهُ بَقِيَ الْكَثِيرُ أَوْ الْقَلِيلُ فَجُمْلَةُ الصُّوَرِ اثْنَتَا عَشْرَةَ الْخِيَارُ فِي تِسْعٍ وَاللُّزُومُ فِي ثَلَاثٍ أَفَادَهَا الشَّارِحُ وَالْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ سِنِينَ] : مُقْتَضَاهُ رَفَعَ سِنِينَ بِالْوَاوِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ بَقِيَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَشَى عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يُعْرِبُهَا إعْرَابَ حِينَ. قَوْلُهُ: [وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ] إلَخْ: هَذَا الْحَاصِلُ مُوَضَّحٌ لِلِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ صُورَةً الَّتِي تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا.

[تنبيه إقرار المالك للذات المؤجرة بأنه باعها أو وهبها أو أجرها لآخر]

رَشَدَ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، بَقِيَ مِنْهَا الْكَثِيرُ أَوْ الْيَسِيرُ، ظَنَّ وَلِيُّهُ رُشْدَهُ أَمْ لَا؛ إذْ الرُّشْدُ لَمْ تُعْلَمْ لَهُ غَايَةٌ بِخِلَافِ الصِّبَا. (وَلِلسَّفِيهِ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ لِعَيْشِهِ فَقَطْ) : أَيْ دُونَ سِلْعَةٍ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ لِسِلَعِهِ دُونَ نَفْسِهِ. (وَلَا كَلَامَ لِوَلِيِّهِ) فِي ذَلِكَ (إلَّا أَنْ يُحَابِيَ) فَلِوَلِيِّهِ الْكَلَامُ مِنْ حَيْثُ الْمُحَابَاةُ، بِأَنْ آجَرَ نَفْسَهُ بِدِرْهَمٍ وَالشَّأْنُ دِرْهَمَانِ. (وَ) كَذَا (لَا) كَلَامَ (لَهُ إنْ رَشَدَ) لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ كَالرَّشِيدِ، وَلَوْ آجَرَهُ وَلِيُّهُ لِغَيْرِ عَيْشِهِ فَلَهُ هُوَ الْفَسْخُ، لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَا تَسَلُّطَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ. وَإِنْ آجَرَهُ لِعَيْشِهِ فَلَا كَلَامَ لَهُ. (وَ) فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ (بِمَوْتِ مُسْتَحِقِّ وَقْفٍ أَجَّرَ) ذَلِكَ الْوَقْفَ مُدَّةً مُعَيَّنَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بَقِيَ مِنْهَا الْكَثِيرُ أَوْ الْيَسِيرُ] : أَيْ خِلَافًا لِتَقْيِيدِ خَلِيلٍ بِثَلَاثِ سِنِينَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ سِلَعِهِ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ. قَوْلُهُ: [أَمْ لَا] : تَحْتَهُ صُورَتَانِ وَهُمَا ظَنَّ عَدَمَ رُشْدِهِ أَوْ لَمْ يَظُنَّ شَيْئًا فَتَكُونُ صُوَرُ الْعَقْدِ عَلَى سِلَعِ السَّفِيهِ سِتًّا الْعَقْدُ فِيهَا لَازِمٌ لَا خِيَارَ لَهُ؛ وَإِيضَاحُهَا أَنْ تَقُولَ إذَا عَقَدَ وَلِيُّ السَّفِيهِ عَلَى سِلَعِهِ إمَّا أَنْ يَظُنَّ رُشْدَهَا أَوْ يَظُنَّ عَدَمَهُ أَوْ يَشُكَّ وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَبْقَى بَعْدَ الرُّشْدِ الْكَثِيرُ أَوْ الْيَسِيرُ. قَوْلُهُ: [إذْ الرُّشْدُ لَمْ تُعْلَمْ لَهُ غَايَةٌ] : هَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَقْدِ عَلَى سِلَعِ الصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ فَلَا يُعَدُّ فِيهِ الْوَلِيُّ مُفَرِّطًا. قَوْلُهُ: [وَلِلسَّفِيهِ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ] إلَخْ: أَيْ وَسَوَاءٌ ظَنَّ رُشْدَهُ أَوْ ظَنَّ عَدَمَهُ أَوْ لَمْ يَظُنَّ شَيْئًا بَقِيَ الْيَسِيرُ أَوْ الْكَثِيرُ فَهَذِهِ سِتٌّ أَيْضًا تَمَامُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَا تَسَلُّطَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ] : أَيْ فِي غَيْرِ عَيْشِهِ وَإِنَّمَا تَسَلُّطُهُ عَلَى مَالِهِ وَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مَفْسُوخٌ ابْتِدَاءً. [تَنْبِيه إقْرَارِ الْمَالِكِ لِلذَّاتِ الْمُؤَجَّرَةِ بِأَنَّهُ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ أَجَّرَهَا لِآخَرَ] قَوْلُهُ: [بِمَوْتِ مُسْتَحِقٍّ] : إلَخْ: مِثْلُ ذَلِكَ مَنْ يَتَقَرَّرُ فِي رِزْقِهِ مَرْصَدَةٌ آجَرَهَا مُدَّةً وَمَاتَ قَبْلَ تَقَضِّيهَا فَإِنَّ لِمَنْ يَتَقَرَّرُ بَعْدَهُ فَسْخَ إجَارَتِهِ، ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ وَمِثْلُ مَوْتِهِ فَرَاغُهُ عَنْهَا لِإِنْسَانٍ فَلِلْمَفْرُوغِ لَهُ إذَا تَقَرَّرَ فِيهَا فَسْخُ إجَارَتِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِفْرَاغَ أَسْقَطَ حَقَّ الْأَصْلِيِّ وَلَا يَثْبُتُ الْحَقُّ لِلثَّانِي إلَّا بِتَقْرِيرٍ مِنْ وَلِيِّ الْأَمْرِ، فَإِنْ مَاتَ الْمَفْرُوغُ لَهُ قَبْلَ الْمُفْرِغِ صَارَتْ مَحْلُولًا.

[كراء الدابة]

(وَمَاتَ قَبْلَ تَقَضِّيهَا) وَانْتَقَلَ الِاسْتِحْقَاقُ فِيهِ لِمَنْ فِي طَبَقَتِهِ أَوْ لِمَنْ يَلِيه وَلَوْ وَلَدُهُ وَبَقِيَ يَسِيرٌ مِنْ الْمُدَّةِ (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ الْمُسْتَحِقُّ الَّذِي آجَرَ (نَاظِرًا عَلَى الْأَصَحِّ، بِخِلَافِ نَاظِرٍ غَيْرِ مُسْتَحِقٍّ) أَجَّرَ مُدَّةً مَعْلُومَةً بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ ثُمَّ مَاتَ، فَلَا تَنْفَسِخُ. وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ: لَا تَنْفَسِخُ. (وَجَازَ) كِرَاءُ دَابَّةٍ (عَلَى أَنَّ عَلَيْك) أَيُّهَا الْمُكْرِي (عَلَفُهَا) مَعَ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ أَوْ مُجَرَّدُ الْعَلَفِ. (أَوْ) عَلَيْك (طَعَامُ رَبِّهَا) مَعَ شَيْءٍ آخَرَ كَدَرَاهِمَ أَوْ لَا. وَ (أَوْ) مَانِعَةُ خُلُوٍّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ لَا تَنْفَسِخُ] : أَيْ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ لِغَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِإِقْرَارِ الْمَالِكِ لِلذَّاتِ الْمُؤَجَّرَةِ بِأَنَّهُ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ أَجَّرَهَا لِآخَرَ قَبْلَ الْإِجَارَةِ الْمَذْكُورَةِ وَنَازَعَهُ الْمُكْتَرِي لَا بَيِّنَةَ لِاتِّهَامِهِ عَلَى نَقْضِهَا، وَيَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ فَيَأْخُذُهَا الْمُقَرُّ لَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الْمُسَمَّى الَّذِي أُكْرِيَتْ بِهِ، كِرَاءُ الْمِثْلِ عَلَى الْمُقِرِّ. وَكَذَلِكَ لَا يَنْفَسِخُ الْكِرَاءُ بِتَخَلُّفِ رَبِّ دَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ عَقَدَ عَلَيْهَا شَخْصٌ لِمُلَاقَاةِ رَجُلٍ أَوْ لِيُشَيِّعَ بِهَا رَجُلًا فَتَخَلَّفَ رَبُّهَا عَنْ الْإِتْيَانِ بِهَا، وَإِنْ فَاتَ مَا يَقْصِدُهُ وَيَرُومُهُ مِنْ التَّلَقِّي أَوْ التَّشْيِيعِ إنْ لَمْ يَكُنْ الزَّمَنُ مُعَيَّنًا وَلَمْ يَكُنْ حَجًّا. أَمَّا إنْ كَانَ الزَّمَنُ مُعَيَّنًا كَأَكْتَرِي مِنْك دَابَّتَك أَرْكَبُ عَلَيْهَا فِي هَذَا الْيَوْمِ، أَوْ تَخْدُمُنِي أَوْ تَخِيطُ لِي فِي هَذَا الْيَوْمِ، أَوْ قَالَ: أَحُجُّ عَلَيْهَا، فَلَمْ يَأْتِ الْمُكْرِي بِالشَّيْءِ الْمُكْرَى إلَى أَنْ انْقَضَى ذَلِكَ الزَّمَنُ الْمُعَيَّنُ، أَوْ فَاتَ الْحَجُّ فَإِنَّ الْكِرَاءَ يَنْفَسِخُ وَلَيْسَ لِلْمُكْتَرِي حِينَئِذٍ التَّرَاضِي مَعَ الْمُكْرِي بِالتَّمَادِي عَلَى الْإِجَارَةِ إذَا نَقَدَهُ الْكِرَاءَ لِلُزُومِ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ كَذَا فِي الْخَرَشِيِّ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ لَا تَنْفَسِخُ بِظُهُورِ فِسْقِ مُسْتَأْجِرٍ لِلدَّارِ يَضُرُّ بِهَا أَوْ بِالْجَارِ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْكَفِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُفَّ أَجَّرَهَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِ وَأُخْرِجَ مِنْهَا وَكَذَلِكَ لَا تَنْفَسِخُ بِعِتْقِ عَبْدٍ حَصَلَ بَعْدَ الْإِجَارَةِ وَيَسْتَمِرُّ عَلَى حُكْمِ الرَّقَبَةِ إلَى تَمَامِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ لِسَيِّدِهِ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ حُرٌّ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَعْتَقَهُ وَاسْتَثْنَى مَنْفَعَتَهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ حُرٌّ مِنْ يَوْمِ عِتْقِهِ فَأُجْرَتُهُ لِنَفْسِهِ مَعَ بَقَائِهِ إلَى تَمَامِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ. [كِرَاءُ الدَّابَّة] قَوْلُهُ: [وَجَازَ كِرَاءُ دَابَّةٍ] إلَخْ: نَبَّهَ عَلَى جَوَازِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ الْمَنْعِ فِيهَا لِلْجَهَالَةِ وَإِنَّمَا أُجِيزَتْ لِلضَّرُورَةِ. قَوْلُهُ: [أَيُّهَا الْمُكْرِي] : صَوَابُهُ الْمُكْتَرِي.

فَيَجُوزُ الْجَمْعُ. وَلَهُ الْفَسْخُ إنْ وَجَدَهَا أَوْ وَجَدَ رَبَّهَا أَكُولًا، مَا لَمْ يَرْضَ رَبُّهَا بِالْوَسَطِ، بِخِلَافِ وُجُودِ الزَّوْجَةِ أَكُولَةً فَيَلْزَمُ الزَّوْجَ شِبَعُهَا. (وَ) جَازَ كِرَاؤُهَا بِدَارِهَا مَثَلًا مَعْلُومَةً عَلَى أَنَّ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى رَبِّ الدَّابَّةِ (طَعَامُك) يَا مُكْرِي كَمَا يَقَعُ لِلْحُجَّاجِ كَثِيرًا، فَتَكُونُ الدَّرَاهِمُ فِي نَظِيرِ الرُّكُوبِ وَالطَّعَامِ مَعًا مَا لَمْ يَكُنْ الْكِرَاءُ طَعَامًا وَإِلَّا مُنِعَ لِمَا فِيهِ مِنْ الطَّعَامِ بِطَعَامٍ نَسِيئَةً. (أَوْ عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا فِي حَوَائِجِهِ) شَهْرًا مَثَلًا بِكَذَا. (أَوْ لِيَطْحَنَ عَلَيْهَا شَهْرًا مَثَلًا) بِكَذَا (إذَا كَانَ) مَا ذُكِرَ مِنْ الرُّكُوبِ وَالطَّحْنِ (مَعْرُوفًا) بِالْعَادَةِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لِمَزِيدِ الْجَهَالَةِ، بِأَنْ كَانَ الرُّكُوبُ إلَى سُوقٍ مَعْلُومٍ أَوْ بَلَدٍ مَعْلُومٍ وَالطَّحْنُ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِالْوَسَطِ] : أَيْ بِطَعَامٍ وَسَطٍ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِطَعَامِهِ، وَأَمَّا الدَّابَّةُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَسْخِ حَيْثُ طَلَبَ الْمُسْتَأْجِرُ ذَلِكَ وَلَوْ رَضِيَ رَبُّهَا بِطَعَامٍ وَسَطٍ إلَّا أَنْ يُكْمِلَ لَهَا رَبُّهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [وُجُودِ الزَّوْجَةِ أَكُولَةً] : أَيْ لِأَنَّ النِّكَاحَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُكَارَمَةِ، وَأَمَّا لَوْ وَجَدَهَا قَلِيلَةَ الْأَكْلِ أَوْ وَجَدَ رَبُّ الدَّابَّةِ قَلِيلَ الْأَكْلِ أَوْ الدَّابَّةَ قَلِيلَةَ الْأَكْلِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْأَكْلُ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ. خِلَافًا لِقَوْلِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّ لَهُمَا الزَّائِدَ يَصْرِفَانِهِ فِيمَا أَحَبَّا. قَوْلُهُ: [يَا مُكْرِي] : صَوَابُهُ يَا مُكْتَرِي فَإِنْ وَجَدَهُ أَكُولًا كَانَ لِرَبِّ الدَّابَّةِ الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ وَعَدَمِهِ مَا لَمْ يَرْضَ بِالْوَسَطِ. وَإِنْ كَانَ قَلِيلَ الْأَكْلِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا يَأْكُلُ. قَوْلُهُ: [فِي نَظِيرِ الرُّكُوبِ وَالطَّعَامِ مَعًا] : أَيْ وَإِنْ لَمْ تُوصَفْ النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ. قَوْلُهُ: [شَهْرًا مَثَلًا] : أَيْ فَلَا مَفْهُومَ لِتَقْيِيدِ خَلِيلٍ بِالشَّهْرِ، بَلْ الْمُرَادُ زَمَنًا مُعَيَّنًا. وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ مَفْهُومَهُ فَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ لِلْغَرَرِ وَلَكِنْ لَا وَجْهَ لَهُ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ كَانَ لِلرُّكُوبِ] إلَخْ: الْمُنَاسِبُ زِيَادَةُ الْكَافِ وَتَقْدِيمُ هَذَا التَّصْوِيرِ عَلَى قَوْلِهِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ هَذَا مِثَالٌ لِلْجَائِزِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا بِالْعَادَةِ أَوْ التَّسْمِيَةِ.

(وَ) جَازَ الْكِرَاءُ (عَلَى حَمْلِ آدَمِيٍّ لَمْ يَرَهُ) رَبُّ الدَّابَّةِ حَالَ الْعَقْدِ. (وَلَا يَلْزَمُهُ) إذَا جَاءَهُ بِإِنْسَانٍ (الْفَادِحُ) : أَيْ الْغَلِيظُ الْجَافِي وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْوَسَطُ (بِخِلَافِ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ) الْمَرْأَةُ الْمَحْمُولَةُ فَيَلْزَمُهُ حَمْلُهُ لِأَنَّهُ كَالْمَدْخُولِ عَلَيْهِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حَمْلُ صَغِيرٍ مَعَهَا إلَّا لِشَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ. (وَ) جَازَ (حِمْلٌ) بِكَسْرِ الْحَاءِ: أَيْ الْمَحْمُولُ أَيْ اكْتِرَاءُ دَابَّةٍ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ كِرَاؤُهُ لِمَنْ يُحَمِّلَهُ (بِرُؤْيَتِهِ) وَإِنْ لَمْ يُكَلْ أَوْ يُوزَنْ اكْتِفَاءً بِالرُّؤْيَةِ (أَوْ كَيْلِهِ) : كَإِرْدَبِّ قَمْحٍ أَوْ فُولٍ، وَإِنْ لَمْ يَرَهُ (أَوْ وَزْنِهِ) كَقِنْطَارٍ مِنْ كَذَا؛ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ النَّوْعِ لِأَنَّ قِنْطَارَ الْقُطْنِ لَيْسَ كَقِنْطَارِ الْحَطَبِ أَوْ الْحَجَرِ (أَوْ عَدَدِهِ إنْ لَمْ يَتَفَاوَتْ) الْعَدَدُ: كَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّفَاوُتُ يَسِيرًا كَالْبَيْضِ فَيُغْتَفَرُ. وَأَمَّا نَحْوُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَمْ يَرَهُ] : أَيْ وَلَمْ يُوصَفْ لَهُ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى خِيَارٍ بِالرُّؤْيَةِ. قَوْلُهُ: [وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْوَسَطُ] : أَيْ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. خِلَافًا لِابْنِ عَرَفَةَ حَيْثُ اسْتَظْهَرَ وُجُوبَ تَعْيِينِ كَوْنِ الرَّاكِبِ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً؛ لِأَنَّ رُكُوبَ النِّسَاءِ أَشَقُّ فَعَلَى كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ تَكُونُ الْمَرْأَةُ مُلْحَقَةً بِالْفَادِحِ فَلَا تَلْزَمُهُ إنْ لَمْ تُعَيَّنْ، وَمِثْلُ الْفَادِحِ الْمَرِيضُ وَالْمَيِّتُ، فَإِذَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَى حَمْلِ آدَمِيٍّ فَأُتِيَ لَهُ بِمَرِيضٍ أَوْ مَيِّتٍ لَمْ يَلْزَمْهُ حَمْلُهُ حَيْثُ جَزَمَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِأَنَّهُ يُتْعِبُ الدَّابَّةَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ النَّوْمُ أَوْ عَادَتُهُ عَقْرُ الدَّوَابِّ. قَوْلُهُ: [فَيَلْزَمُهُ حَمْلُهُ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي بَطْنِهَا حِينَ الْعَقْدِ أَوْ حَمَلَتْ بِهِ فِي السَّفَرِ. قَوْلُهُ: [أَيْ اكْتِرَاءُ دَابَّةٍ] إلَخْ: الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ التَّعْمِيمُ فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْحَمْلِ أَيْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهِ دَابَّةً أَوْ شَخْصًا يَحْمِلُهُ عَلَى نَفْسِهِ كَالْعَتَّالِينَ فَيَكْفِي رُؤْيَةُ الْحَمْلِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. قَوْلُهُ: [بِرُؤْيَتِهِ] : الْمُتَبَادَرُ مِنْ مُقَابَلَتِهِ بِالْكَيْلِ وَمَا بَعْدَهُ أَنَّ الرُّؤْيَةَ بَصَرِيَّةٌ، وَلَكِنْ قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ تَبَعًا لِشَيْخِهِ عَبْدِ اللَّهِ إنَّهَا عَلَيْهِ فَيَصْدُقُ بِجَسِّهِ. قَوْلُهُ: [فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ النَّوْعِ] : اعْلَمْ أَنَّ بَيَانَ النَّوْعِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا بَيَانُ قَدْرِ الْمَحْمُولِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ أَيْضًا وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ عِنْدَ الْقَرَوِيِّينَ، وَقَالَ الْأَنْدَلُسِيُّونَ لَا يُشْتَرَطُ وَيُصْرَفُ الْقَدْرُ لِلِاجْتِهَادِ فَإِذَا قَالَ أَكْتَرِي دَابَّتَك لِأَحْمِلَ

الْبِطِّيخِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ قَدْرِهِ. وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ النَّوْعِ فِي الثَّلَاثَةِ لَا مُطْلَقِ إرْدَبٍّ أَوْ قِنْطَارٍ أَوْ عَدَدٍ. (وَ) جَازَ (حَمْلُ مِثْلِهِ) كَيْلًا أَوْ وَزْنًا مِنْ جِنْسِهِ (أَوْ دُونِهِ) قَدْرًا كَنِصْفِ إرْدَبٍّ أَوْ قِنْطَارٍ بَدَلَ كَامِلٍ، أَوْ خِفَّةً كَإِرْدَبِّ شَعِيرٍ بَدَلَ إرْدَبِّ قَمْحٍ أَوْ فُولٍ. بِخِلَافِ الْأَكْثَرِ أَوْ الْأَثْقَلِ فَلَا يَجُوزُ وَيَضْمَنُ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَمِثْلُ الْحِمْلِ الرُّكُوبُ بِخِلَافَةِ الْمَسَافَةِ، فَلَا يَجُوزُ الْمُسَاوَى، وَكَذَا الدُّونُ عَلَى قَوْلٍ وَسَيَأْتِي. (وَ) جَازَ (الرِّضَا) : أَيْ رِضَا الْمُكْتَرِي لِدَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا مُعَيَّنًا (بِغَيْرِ) : أَيْ بِذَاتٍ أُخْرَى غَيْرِ (الْمُعَيَّنَةِ إنْ هَلَكَتْ) الْمُعَيَّنَةُ أَوْ ضَاعَتْ، وَمَحَلُّ الْجَوَازِ (إنْ اُضْطُرَّ) الْمُكْتَرِي، كَمَا لَوْ كَانَ فِي فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ وَلَوْ نَقْدَ الْكِرَاءَ لِرَبِّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهَا إرْدَبًّا قَمْحًا أَوْ قِنْطَارًا زَيْتًا أَوْ مِائَةَ بَيْضَةٍ جَازَ اتِّفَاقًا وَلَوْ قَالَ أَحْمِلْ عَلَيْهَا إرْدَبًّا أَوْ قِنْطَارًا أَوْ مِائَةَ بِطِّيخَةٍ مُنِعَ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ ذِكْرِ النَّوْعِ فِي الْإِرْدَبِّ وَالْقِنْطَارِ وَلِلتَّفَاوُتِ الْبَيِّنِ فِي الْبِطِّيخِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ: أَحْمِلُ عَلَيْهَا قَمْحًا أَوْ قُطْنًا أَوْ بِطِّيخًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَدْرَ فَمَمْنُوعٌ عِنْدَ الْقَرَوِيِّينَ وَجَائِزٌ عِنْدَ الْأَنْدَلُسِيِّينَ، وَيُصْرَفُ الْقَدْرُ الَّذِي يُحْمَلُ عَلَى الدَّابَّةِ إلَى الِاجْتِهَادِ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَشَارِحُنَا مَاشٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْقَرَوِيِّينَ. قَوْلُهُ: [فِي الثَّلَاثَةِ] : أَيْ وَيُزَادُ فِي الْمَعْدُودِ بَيَانُ الْوَصْفِ. قَوْلُهُ: [أَوْ خِفَّةً] : مَعْطُوفٌ عَلَى قَدْرًا. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْأَكْثَرِ] : أَيْ فِي الْكَيْلِ أَوْ الْعَدَدِ وَإِنْ كَانَ أَخَفَّ ثِقَلًا. وَقَوْلُهُ: [أَوْ الْأَثْقَلُ] : أَيْ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ عَدَدًا أَوْ كَيْلًا. قَوْلُهُ: [وَمِثْلُ الْحَمْلِ الرُّكُوبُ] : أَيْ فِي التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ فَيَجُوزُ حَمْلُ الْمِثْلِ وَالدُّونِ لَا الْأَثْقَلِ. قَوْلُهُ: [وَسَيَأْتِي] : أَيْ فِي قَوْلِهِ وَانْتِقَالُ مُكْتَرٍ لِبَلَدٍ وَإِنْ سَاوَى إلَّا بِإِذْنٍ. قَوْلُهُ: [أَيْ رِضَا الْمُكْتَرِي لِدَابَّةٍ] إلَخْ: هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ يَجُرُّ دَابَّةً بِاللَّامِ وَنَصَبَ عَبْدًا وَمَا بَعْدَهُ وَمُقْتَضَى الْعَرَبِيَّةِ إمَّا حَذْفُ اللَّامِ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ جَرَّ عَبْدًا وَمَا بَعْدَهُ.

إذْ الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ - أَوْ لَمْ يَضْطَرَّ (وَ) كَانَ (لَمْ يَنْقُدْ) الْكِرَاءَ. فَإِنْ نَقَدَهُ لَمْ يَجُزْ الرِّضَا بِبَدَلِهَا، لِمَا فِيهِ مِنْ فَسْخِ مَا وَجَبَ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ فِي مَنَافِعَ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا، وَهُوَ مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ. فَالْجَوَازُ فِي صُوَرٍ ثَلَاثٍ وَالْمَنْعُ فِي وَاحِدَةٍ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأُجْرَةُ مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ إذَا هَلَكَتْ، فَالْجَوَازُ مُطْلَقًا، بَلْ هُوَ الْوَاجِبُ بِهِ الْقَضَاءُ. (وَ) جَازَ (دَارٌ غَائِبَةٌ) : أَيْ جَازَ كِرَاؤُهَا كَذَا الْحَانُوتُ وَالْفُرْنُ وَنَحْوُ ذَلِكَ (كَالْبَيْعِ) لَهَا الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةٍ سَابِقَةٍ لَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَهَا وَلَوْ بَعُدَتْ أَوْ بِوَصْفٍ شَافٍ وَلَوْ مِنْ مُكْرِيهَا أَوْ عَلَى الْخِيَارِ بِالرُّؤْيَةِ (أَوْ نِصْفُهَا أَوْ نِصْفٌ كَعَبْدٍ) : يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ كِرَاءُ بَعْضِ الشَّيْءِ وَالْبَعْضُ الثَّانِي إمَّا لِرَبِّهِ أَوْ شَرِيكِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إذْ الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ] : أَيْ فَحَيْثُ كَانَ نَقْدُ الْكِرَاءِ لَا يَجُوزُ الرِّضَا بِغَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ إلَّا بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ فَبَعْدَ زَوَالِهَا لَا يَجُوزُ، فَالْجَوَازُ لَيْسَ مُطْلَقًا قَالَ (عب) : وَانْظُرْ هَلْ الِاضْطِرَارُ الْمَشَقَّةُ الشَّدِيدَةُ أَوْ خَوْفُ الْمَرَضِ أَوْ ضَيَاعُ الْمَالِ أَوْ الْمَوْتُ. قَوْلُهُ: [لِمَا فِيهِ مِنْ فَسْخِ مَا وَجَبَ لَهُ] إلَخْ: أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ لَيْسَ كَقَبْضِ الْأَوَاخِرِ. قَوْلُهُ: [فَالْجَوَازُ فِي صُوَرٍ ثَلَاثٍ] : وَاحِدَةٌ فِيمَا إذَا لَمْ يُنْقَضْ وَلَمْ يُضْطَرَّ وَاثْنَتَانِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ وَهُمَا نَقْدٌ أَمْ لَا وَالْمَنْعُ فِيمَا إذَا نَقَدَ وَلَمْ يَضْطَرَّ وَكُلٌّ مِنْ الْجَائِزِ وَالْمَمْنُوعِ كَانَتْ الْأُجْرَةُ فِيهِ مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً فَالْجَوَازُ فِي سِتٍّ وَالْمَنْعُ فِي اثْنَتَيْنِ. قَوْلُهُ: [فَالْجَوَازُ مُطْلَقًا] : أَيْ نَقَدَ أَمْ لَا اضْطَرَّ أَمْ لَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً. قَوْلُهُ: [وَنَحْوُ ذَلِكَ] : أَيْ مِنْ بَاقِي الْعَقَارَاتِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ مِنْ مُكْرِيهَا] : أَيْ كَمَا يُقَالُ فِي الْبَيْعِ يَكْفِي الْوَصْفُ وَلَوْ مِنْ بَائِعِهِ خِلَافًا لِمَنْ يَمْنَعُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [بِالرُّؤْيَةِ] : أَيْ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ أَيْ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى دَارٍ أَوْ حَانُوتٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ لِمَا ذُكِرَ وَلَا وَصْفٍ وَيُجْعَلُ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ رُؤْيَتِهَا.

ثُمَّ يَسْتَعْمِلَانِهِ أَوْ يَقْتَسِمَا أُجْرَتَهُ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ. (وَ) جَازَ الْكِرَاءُ (مُشَاهَرَةً) وَهُوَ مَا عَبَّرَ فِيهِ بِلَفْظِ: " كُلِّ "، نَحْوَ: كُلُّ يَوْمٍ أَوْ كُلُّ جُمُعَةٍ أَوْ كُلُّ شَهْرٍ أَوْ كُلُّ سَنَةٍ بِكَذَا. (وَلَا يَلْزَمُهُمَا) عَقْدُهَا؛ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حَلُّهُ عَنْ نَفْسِهِ مَتَى شَاءَ وَلَا كَلَامَ لِلْآخَرِ وَالْكِرَاءُ فِيهِ بَعْدَ كُلِّ يَوْمٍ أَوْ جُمُعَةٍ. . . إلَخْ أَوْ عَلَى مَا اتَّفَقَا. وَجَازَ تَقْدِيمُهُ وَتَأْخِيرُهُ لِبَعْدَ الْعَمَلِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ. (إلَّا بِنَقْدٍ) مِنْ الْمُكْرِي (فَبِقَدْرِهِ) : أَيْ فَيَلْزَمُ بِقَدْرِ مَا نَقَدَ. فَإِذَا قَالَ: كُلُّ يَوْمٍ بِدِرْهَمٍ وَنَقَدَ مِائَةَ دِرْهَمٍ لَزِمَ مِائَةُ يَوْمٍ وَهَكَذَا، وَلَوْ قَالَ كُلَّ شَهْرٍ بِعَشَرَةٍ وَنَقَدَ خَمْسَةً لَزِمَ نِصْفُ شَهْرٍ. (كَالْوَجِيبَةِ) : فَإِنَّهَا تَلْزَمُ، نَقَدَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْ، بِقَدْرِ مَا سَمَّى مِنْ الْمُدَّةِ، وَمَنْ أَرَادَ الْفَسْخَ مِنْهُمَا عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يُجَابُ لَهُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا مَعًا. وَهِيَ مَا لَمْ يُعَبَّرْ فِيهَا بِلَفْظِ " كُلَّ " كَمَا لَوْ وَقَعَتْ (بِشَهْرِ كَذَا) كَرَجَبٍ (أَوْ هَذَا الشَّهْرِ) أَوْ سَنَةَ كَذَا أَوْ هَذِهِ السَّنَةُ بِالْمَعْرِفَةِ (أَوْ) : أَكْتَرِيهَا (شَهْرًا أَوْ سَنَةً) أَوْ جُمُعَةً أَوْ يَوْمًا أَوْ نِصْفَ كُلًّا بِالنَّكِرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [ثُمَّ يَسْتَعْمِلَانِهِ] : إمَّا مَعًا إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ أَوْ يَقْتَسِمَانِهِ مُهَايَأَةً. قَوْلُهُ: [أَوْ يَقْتَسِمَا أُجْرَتَهُ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ بِغَيْرِ نُونٍ وَالْمُنَاسِبُ إثْبَاتُهَا لِعَدَمِ النَّاصِبِ وَالْجَازِمِ، وَمَعْنَى قِسْمَةِ الْأُجْرَةِ أَنَّهُمَا يُكْرِيَانِهِ لِلْغَيْرِ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [حَلَّهُ عَنْ نَفْسِهِ مَتَى شَاءَ] : هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ. حَاصِلُهَا: أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لَا يَلْزَمُ الْكِرَاءُ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَلَا فِيمَا بَعْدَهُ وَلِلْمُكْتَرِي أَنْ يَخْرُجَ مَتَى شَاءَ وَيَلْزَمُهُ مِنْ الْكِرَاءِ بِحِسَابِ مَا سَكَنَ. وَالثَّانِي يَلْزَمُهُمَا الْمُحَقَّقُ الْأَقَلُّ كَالشَّهْرِ الْأَوَّلِ لَا مَا بَعْدَهُ. وَالثَّالِثُ يَلْزَمُ الشَّهْرَ إنْ سَكَنَ بَعْضُهُ. قَالَ الشَّيْخُ مَيَّارَةُ: وَبِهَذَا الْأَخِيرِ جَرَى الْعَمَلُ عِنْدَنَا وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ دَاخِلَةٌ فِي الْكِرَاءِ مُسَانَاةً كَذَا فِي (بْن) وَفِيهِ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ كِرَاءِ الْمُشَاهَرَةِ مُنْحَلًّا فِي غَيْرِ الْمَطَامِيرِ الَّتِي يُخَزَّنُ فِيهَا الطَّعَامُ، وَأَمَّا هِيَ فَلَيْسَ، لِلْمُكْرِي إخْرَاجُ الطَّعَامِ مِنْهَا قَبْلَ أَوَانِهِ الَّذِي يُخْرِجُهُ الْمُكْتَرِي فِيهِ كَغُلُوِّ الْأَسْعَارِ وَإِخْرَاجِهَا لِلْبَذْرِ وَيُغْتَفَرُ جَهْلُ الْمُدَّةِ لِلضَّرُورَةِ. قَوْلُهُ: [إلَّا بِنَقْدٍ مِنْ الْمُكْرِي] : الْمُنَاسِبُ الْمُكْتَرِي أَوْ تُجْعَلُ مِنْ بِمَعْنَى اللَّامِ. قَوْلُهُ: [أَوْ يَوْمَ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ وَالْمُنَاسِبُ نَصْبُهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ نِصْفٌ كُلٌّ بِالنَّكِرَةِ] : الْأَخْصَرُ أَوْ نِصْفُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُعَرَّفِ وَالْمُنَكَّرِ.

أَوْ نِصْفُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَعْرِفَةِ (أَوْ) : أَكْتَرِيهَا مِنْك (إلَى كَذَا) إنْ كَانَ مَعْلُومًا، نَحْوَ: إلَى شَهْرِ كَذَا أَوْ سَنَةِ كَذَا أَوْ قُدُومِ زَيْدٍ، وَهُوَ مَعْلُومٌ كُلُّ ذَلِكَ وَجِيبَةٌ يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ إلَى الْغَايَةِ. (وَ) جَازَ (عَدَمُ بَيَانِ الِابْتِدَاءِ، وَحُمِلَ) إذَا لَمْ يُبَيِّنْهُ (مِنْ حِينِ الْعَقْدِ) وَجِيبَةً أَوْ مُشَاهَرَةً. (وَ) جَازَ (أَرْضٌ مَأْمُونَةُ الرَّيِّ) : أَيْ كِرَاؤُهَا (سِنِينَ كَثِيرَةً) : كَالثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ (وَإِنْ بِشَرْطِ النَّقْدِ) لِعَدَمِ التَّرَدُّدِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ. وَالْمَأْمُونَةُ: هِيَ الْمُتَحَقَّقُ رَيُّهَا عَادَةً، كَمُنْخَفَضِ أَرْضِ النِّيلِ، وَكَالْمُعِينَةِ بِكَسْرِ - الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ - وَهِيَ تُسْقَى بِالْعُيُونِ وَالْآبَارِ، وَكَأَرْضِ الْمَشْرِقِ الْمُتَحَقِّقِ رَيُّهَا بِالْمَطَرِ. (وَ) جَازَ (غَيْرُهَا) : أَيْ الْمَأْمُونَةِ (إنْ لَمْ يَنْقُدْ) : أَيْ لَمْ يَشْتَرِطْ النَّقْدَ، فَإِنْ اشْتَرَطَ النَّقْدَ لَمْ يَجُزْ (وَإِنْ سَنَةً) لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ، وَأَمَّا النَّقْدُ تَطَوُّعًا بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَضُرَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِعَدَمِ التَّرَدُّدِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ] : حَاصِلُهُ أَنَّ مَا كَانَ مَأْمُونًا مِنْ أَرْضِ النِّيلِ وَالْمَطَرِ وَالْآبَارِ وَالْعُيُونِ يَجُوزُ فِيهَا اشْتِرَاطُ النَّقْدِ وَلَوْ لِأَعْوَامٍ كَثِيرَةٍ، وَمَا كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ مِنْهَا لَا يَجُوزُ فِيهِ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ تُسْقَى] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ وَقَدْ سَقَطَ مِنْهُ الْمَوْصُولُ وَالْأَصْلُ وَهِيَ الَّتِي تُسْقَى. قَوْلُهُ: [وَكَأَرْضِ الْمَشْرِقِ] : أَيْ كَالشَّامِ وَالْأَنْدَلُسِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ سَنَةً] : مُبَالَغَةً فِي مَحْذُوفٍ قَدَّرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ اُشْتُرِطَ النَّقْدُ لَمْ يَجُزْ، وَالْمَعْنَى أَنَّ شَرْطَ النَّقْدِ فِي غَيْرِ الْمَأْمُونَةِ مُفْسِدٌ وَلَوْ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ. وَقَوْلُهُ: [لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ] : وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا إنْ رُوِيَتْ صَارَتْ الْأُجْرَةُ ثَمَنًا أَيْ تَمَّتْ فِي نَظِيرِ الْمَنَافِعِ وَإِنْ لَمْ تُرْوَ رَدَّهَا الْمُكْتَرِي لِصَاحِبِهَا كَانَتْ سَلَفًا مِنْ الْمُكْتَرِي لِلْمُكْرِي، ثُمَّ عَادَتْ لَهُ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا حَرَامًا لِأَنَّ فِيهِ سَلَفًا جَرَّ نَفْعًا وَالسَّلَفُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ لِوَجْهِ اللَّهِ وَالنَّفْعُ الَّذِي يَجُرُّهُ هُوَ احْتِمَالُ كَوْنِهَا تُرْوَى فَيَنْتَفِعُ بِهَا رَبُّ الدَّرَاهِمِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا النَّقْدُ تَطَوُّعًا] : مُقَابِلُ قَوْلِهِ أَيْ لَمْ يُشْتَرَطْ النَّقْدُ.

[كراء الأرض]

(وَوَجَبَ) الْكِرَاءُ (فِي أَرْضِ النِّيلِ إذَا رُوِيَتْ) بِالْفِعْلِ: أَيْ يَقْضِي بِهِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ. (وَ) يَجِبُ (فِي غَيْرِهَا) : أَيْ غَيْرِ أَرْضِ النِّيلِ، وَهِيَ أَرْضُ الْمَطَرِ وَالسَّقْيِ (إذَا تَمَّ الزَّرْعُ) وَاسْتَغْنَى عَنْ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ أَرْضَ النِّيلِ لَا تَفْتَقِرُ لِمَاءٍ بَعْدَ الزَّرْعِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا. (وَ) جَازَ كِرَاءُ الْأَرْضِ (عَلَى أَنْ يَحْرُثَهَا ثَلَاثًا) مَثَلًا، وَيَزْرَعَهَا فِي الرَّابِعَةِ، وَالْكِرَاءُ إلَى الْحَرْثِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ كَدَرَاهِمَ. وَكَذَا يُقَالُ فِي الزِّبْلِ الْآتِي. وَهَذَا فِي الْأَرْضِ الْمَأْمُونَةِ إذْ غَيْرُهَا يَفْسُدُ فِيهَا الْكِرَاءُ بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ شَرْطِ النَّقْدِ. (أَوْ) عَلَى شَرْطِ (أَنْ يُزَبِّلَهَا) بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ (إنْ عُرِفَ) مَا يُزَبِّلُهَا بِهِ نَوْعًا وَقَدْرًا؛ كَعَشَرَةِ أَحْمَالٍ، وَإِلَّا مُنِعَ لِلْجَهْلِ لِأَنَّهُ مِنْ الْأُجْرَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ يَقْضِي بِهِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ] : أَيْ إنْ شَحَّ رَبُّ الْأَرْضِ؛ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا عُقِدَ الْكِرَاءُ فِي أَرْضِ الزِّرَاعَةِ وَسَكَتَ عَنْ النَّقْدِ حِينَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهِ فِي أَرْضِ النِّيلِ إذَا رُوِيَتْ وَتَمَكَّنَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا لِكَشْفِ الْمَاءِ عَنْهَا، وَأَمَّا أَرْضُ الْمَطَرِ وَالْعُيُونِ وَالْآبَارِ فَلَا يَقْضِي بِالنَّقْدِ فِيهَا إلَّا إذَا زَرَعَهَا وَاسْتَغْنَى عَنْ الْمَاءِ. قَوْلُهُ: [وَيَجِبُ فِي غَيْرِهَا] : أَيْ إنْ شَحَّ رَبُّ الْأَرْضِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ أَرْضَ النِّيلِ لَا تَفْتَقِرُ لِمَاءٍ] إلَخْ: أَيْ افْتِقَارًا تَامًّا وَهَذَا فِي غَالِبِ الزُّرُوعَاتِ وَغَالِبُ الْأَرَاضِي، فَلَا يُنَافِي أَنَّ بَعْضَ الزُّرُوعَاتِ كَالْأُرْزِ وَالْقَصَبِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْمَاءِ بَعْدَ الزَّرْعِ وَبَعْضُ الْأَرَاضِي الْعَالِيَةِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ السَّقْيِ بَعْدَ الزَّرْعِ فِي أَيِّ زَرْعٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَقْضِي لِرَبِّ الْأَرْضِ بِالْأُجْرَةِ بِمُجَرَّدِ الرَّيِّ فِي جَمِيعِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ نَظَرًا لِلْغَالِبِ فَتَأَمَّلْ. [كِرَاءُ الْأَرْضِ] قَوْلُهُ: [وَكَذَا يُقَالُ فِي الزِّبْلِ الْآتِي] : أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً وَحْدَهُ أَوْ مَعَ كَالدَّرَاهِمِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ مِنْ شَرْطِ النَّقْدِ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْحَرْثُ وَالتَّزْبِيلُ هُوَ كُلُّ الْكِرَاءِ أَوْ بَعْضُهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ عَلَى شَرْطِ أَنْ يُزَبِّلَهَا] : أَيْ يَضَعُ فِيهَا سِبَاخًا زِبْلًا أَوْ غَيْرَهُ وَإِنَّمَا صَحَّ كَوْنُهَا أُجْرَةً لِأَنَّ لَهُ مَنْفَعَةً تَبْقَى فِي الْأَرْضِ بَعْدَ ذَلِكَ.

[كراء الدور ونحوها]

(وَ) جَازَ فِي كِرَاءِ الدُّورِ وَنَحْوِهَا (بِشَرْطِ كَنْسِ مِرْحَاضٍ) عَلَى غَيْرِ. مِنْ قَضَى الْعُرْفُ بِلُزُومِهِ لَهُ مِنْ مُكْرٍ أَوْ مُكْتَرٍ. وَعُرْفُ مِصْرَ أَنَّ الْمَمْلُوكَةَ عَلَى الْمُكْرِي وَالْمَوْقُوفَةَ عَلَى الْوَقْفِ. (أَوْ) شَرْطُ (مَرَمَّةٍ) عَلَى الْمُكْتَرِي: أَيْ إصْلَاحُ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الدَّارُ مَثَلًا مِنْ كِرَاءٍ وَجَبَ. (أَوْ) شَرْطُ (تَطْيِينٍ) لِلدَّارِ مَثَلًا عَلَى الْمُكْتَرِي (مِنْ كِرَاءٍ وَجَبَ) عَلَى الْمُكْتَرِي، إمَّا فِي مُقَابَلَةِ سُكْنَى مَضَتْ، أَوْ بِاشْتِرَاطِ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ، أَوْ لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِتَعْجِيلِهِ؛ احْتِرَازًا مِنْ شَرْطِ رَمِّهَا أَوْ تَطْيِينِهَا الْآنَ عَلَى أَنْ تَحْسِبَهُ مِمَّا سَيَجِبُ عَلَيْك، فَلَا يَجُوزُ لِفَسْخِ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (لَا إنْ لَمْ يَجِبْ أَوْ) كَانَ التَّطْيِينُ أَوْ الْمَرَمَّةُ (مِنْ عِنْدِ الْمُكْتَرِي) بِأَنْ شَرَطَ عَلَيْهِ رَبُّهَا: بِأَنْ تَرُمَّهَا أَوْ تُطَيِّنَهَا مِنْ عِنْدِك، بِحَيْثُ لَا يُحْسَبُ مِنْ الْأُجْرَةِ؛ فَلَا يَجُوزُ وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ لِلْجَهَالَةِ. إذْ التَّرْمِيمُ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ الْأُجْرَةِ، وَلَا يُعْلَمُ قَدْرُ مَا يُصْرَفُ فِيهِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقَعْ شَرْطٌ فِي الْعَقْدِ - وَكَانَ السَّاكِنُ يَرُمُّ مِنْ عِنْدِهِ تَبَرُّعًا - فَذَلِكَ جَائِزٌ. وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ النَّفْيِ قَوْلَهُ: (كَحَمِيمِ) : أَيْ كَاشْتِرَاطِ حَمِيمِ (أَهْلِ ذِي الْحَمَّامِ أَوْ نُورَتِهِمْ) بِضَمِّ النُّونِ أَيْ كِرَاءُ حَمَّامِهِ بِكَذَا عَلَى أَنَّ الْمُكْتَرِيَ يُحَمِّمُ أَهْلَهُ وَيَأْتِيهِمْ بِالنُّورَةِ فَلَا يَجُوزُ (مُطْلَقًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِرَاءِ الدُّورِ وَنَحْوِهَا] قَوْلُهُ: [عَلَى الْوَقْفِ] : أَيْ يُؤْخَذُ لَهَا مِنْ رِيعِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ شَرَطَ مَرَمَّةً] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ الْمَرَمَّةَ وَالتَّطْيِينَ إنْ كَانَا مَجْهُولَيْنِ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُمَا عَلَى الْمُكْتَرِي إلَّا مِنْ كِرَاءٍ وَجَبَ لَا مِنْ عِنْدِهِ كَأَنْ يَقُولَ كُلَّمَا احْتَاجَتْ لِمَرَمَّةٍ أَوْ تَطْيِينٍ كَالتَّبْيِيضِ فَرُمَّهُ أَوْ طَيِّنْهُ أَوْ بَيِّضْهُ مِنْ الْكِرَاءِ. وَأَمَّا إنْ كَانَا مَعْلُومَيْنِ كَأَنْ يُعَيِّنُ لِلْمُكْتَرِي مَا يَرُمُّهُ أَوْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ التَّبْيِيضَ فِي السَّنَةِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَيَجُوزُ مُطْلَقًا كَانَ تَبَرُّعًا مِنْ عِنْدِ الْمُكْتَرِي أَوْ مِنْ كِرَاءٍ وَجَبَ. قَوْلُهُ: [لِفَسْخِ مَا فِي الذِّمَّةِ] إلَخْ: ظَاهِرُ الْعِلَّةِ الْمَنْعُ وَلَوْ كَانَ التَّطْيِينُ وَالْمَرَمَّةُ مَعْلُومَيْ الْقَدْرِ خِلَافًا لِمَنْ فَهِمَ خِلَافَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ شَرَطَ عَلَيْهِ] : الْمُنَاسِبُ لِلسِّيَاقِ أَنْ يَقُولَ عَلَيْك. قَوْلُهُ: [وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ لِلْجَهَالَةِ] : أَيْ لَكِنْ إذَا وَقَعَ وَنَزَلَ فَلِلْمُكْرِي قِيمَةُ

عَلِمَ عَدَدَهُمْ أَمْ لَا لِلْجَهَالَةِ. وَلِذَا لَوْ عَلِمَ عَدَدَهُمْ وَعَلِمَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي الشَّهْرِ مَرَّةً مَثَلًا، وَأَنَّ قَدْرَ نُورَتِهِمْ كَذَا جَازَ، كَمَا لَوْ شُرِطَ شَيْءٌ مَعْلُومٌ فَيَجُوزُ. (أَوْ لَمْ يُعَيَّنْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (فِي الْأَرْضِ) الْمُكْتَرَاةِ (بِنَاءٌ) نَائِبُ فَاعِلِ يُعَيَّنُ، أَيْ حَيْثُ اُكْتُرِيَتْ لِلْبِنَاءِ فِيهَا (أَوْ غَرْسٌ) إذَا اُكْتُرِيَتْ لِلْغَرْسِ (وَبَعْضُهُ) ، أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ بَعْضَ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ (أَضَرُّ) مِنْ بَعْضٍ (وَلَا عُرْفَ) بَيْنَهُمْ يُصَارُ إلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ، وَيُفْسَخُ لِلْجَهَالَةِ، فَإِنْ بَيَّنَ نَوْعَ الْبِنَاءِ أَوْ مَا يُبْنَى فِيهَا مِنْ دَارٍ أَوْ مَعْصَرَةٍ أَوْ رَحًى وَكَذَا الْغَرْسُ، جَازَ. كَمَا لَوْ جَرَى عُرْفٌ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ. (وَ) لَا (كِرَاءُ وَكِيلٍ وَإِنْ مُفَوَّضًا) أَرْضَ أَوْ دَارَ أَوْ دَابَّةَ مُوَكِّلِهِ (بِمُحَابَاةٍ أَوْ بِعَرْضٍ) : أَيْ فَلَا يَجُوزُ وَيُفْسَخُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ كِرَاءُ مَا ذُكِرَ بِالنَّقْدِ بِكِرَاءِ الْمِثْلِ فَلِمُوَكِّلِهِ الْفَسْخُ إنْ لَمْ يَفُتْ وَإِلَّا رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْمُحَابَاةِ وَكِرَاءِ الْمِثْلِ فِي الْعَرْضِ فَإِنْ أُعْدِمَ الْوَكِيلُ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْوَكِيلِ: وَمِثْلُ الْوَكِيلِ نَاظِرُ الْوَقْفِ وَالْوَصِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا سَكَنَ الْمُكْتَرِي وَلِلْمُكْتَرِي قِيمَةُ مَا رَمَّ أَوْ طَيَّنَ مِنْ عِنْدِهِ. قَوْلُهُ: [وَلِذَا لَوْ عَلِمَ عَدَدَهُمْ] إلَخْ: أَيْ: فَيَجُوزُ بِتِلْكَ الْقُيُودِ الثَّلَاثَةِ عِلْمُ عَدَدِهِمْ وَقَدْرِ دُخُولِهِمْ وَقَدْرِ نَوْرَتِهِمْ. قَوْلُهُ: [كَمَا لَوْ شُرِطَ شَيْءٌ مَعْلُومٌ] : أَيْ مِنْ الْمَرَّاتِ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوْ مِنْ النُّورَةِ. قَوْله: [أَوْ لَمْ يُعَيَّنْ] إلَخْ: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا مَا شَاءَ مِنْ بِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ تَعْيِينِهِ وَلَا يُبَيِّنُ نَوْعَهُ وَالْحَالُ أَنَّ بَعْضَ ذَلِكَ أَضَرُّ مِنْ بَعْضِهِ وَلَيْسَ هُنَاكَ عُرْفٌ فِيمَا يُفْعَلُ فِي الْمُكْتَرَاةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ الْمَنْعُ. وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ لِلْمُكْتَرِي: اصْنَعْ بِهَا كَيْفَ شِئْت وَقِيلَ يَجُوزُ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ عَلَى الْأَضَرِّ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَجُوزُ وَيُفْسَخُ لِلْجَهَالَةِ] إلَخْ: الَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ التَّوْضِيحِ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ بِجَوَازِ الْعَقْدِ الْمَذْكُورِ وَصِحَّتِهِ عِنْدَ الْإِجْمَالِ لَكِنْ يُمْنَعُ الْمُكْتَرِي مِنْ فِعْلِ مَا فِيهِ ضَرَرٌ وَغَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَقُولُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. فَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الشَّارِحَ مَشَى عَلَى غَيْرِ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَوْلُهُ: [وَمِثْلُ الْوَكِيلِ نَاظِرُ الْوَقْفِ] : أَيْ فَإِذَا حَابَى النَّاظِرُ فِي الْكِرَاءِ خُيِّرَ الْمُسْتَحِقُّونَ فِي الْإِجَازَةِ وَالرَّدِّ إنْ لَمْ يَفُتْ الْكِرَاءُ. فَإِنْ فَاتَ كَانَ لِلْمُسْتَحِقِّينَ الرُّجُوعُ

[تنبيه خيار المكري عند حبس العين]

بِجَامِعِ التَّصَرُّفِ بِغَيْرِ الْمَصْلَحَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ. (وَ) لَا (انْتِقَالُ مُشْتَرٍ) لِدَابَّةٍ يَرْكَبُهَا أَوْ يَحْمِلُ عَلَيْهَا (لِبَلَدٍ) آخَرَ غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إذْ لَا يَجُوزُ الْمُخَالَفَةُ فِي الْمَسَافَةِ (وَإِنْ سَاوَتْ) الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي السُّهُولَةِ أَوْ الصُّعُوبَةِ أَوْ الْمِسَاحَةِ، لِأَنَّ أَحْوَالَ الطُّرُقِ تَخْتَلِفُ بِهَا الْأَغْرَاضُ كَعَدُوٍّ وَغَاصِبٍ فِي طَرِيقٍ دُونَ أُخْرَى - وَقَدْ يَكُونُ الْعَدُوُّ لِخُصُوصِ رَبِّ الدَّابَّةِ - وَلِذَا قِيلَ بِالْمَنْعِ لِلدُّونِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ (إلَّا بِإِذْنٍ) مِنْ رَبِّهَا. وَتَقَدَّمَ جَوَازُ الْحَمْلِ الْمُسَاوِي وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ. وَالْفَرْقُ مَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ أَحْوَالَ الطُّرُقِ تَخْتَلِفُ بِهَا الْأَغْرَاضُ. (وَضَمِنَ) إذَا انْتَقَلَ بِلَا إذْنٍ (إنْ عَطِبَتْ) الدَّابَّةُ وَلَوْ بِسَمَاوِيٍّ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْغَاصِبِ. (كَانَ أَكْرَى) الْمُكْتَرِي مَا اكْتَرَاهُ (لِغَيْرِ أَمِينٍ) فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، (أَوْ) أَكْرَى (لِأَثْقَلَ) مِنْهُ (أَوْ أَضَرَّ) فِي الْحَمْلِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَمِنْ الْأَضَرِّ: حَمْلُ الْمَرْأَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى النَّاظِرِ بِالْمُحَابَاةِ إنْ كَانَ مَلِيًّا وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُكْتَرِي، فَإِنْ كَانَ النَّاظِرُ مُعْدَمًا رَجَعَ الْمُسْتَحِقُّونَ عَلَى الْمُكْتَرِي وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى النَّاظِرِ، وَأَمَّا إنْ أَكْرَى النَّاظِرُ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ فَإِنْ كَانَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ فَلَا يُفْسَخُ كِرَاؤُهُ وَلَوْ بِزِيَادَةٍ زَادَهَا شَخْصٌ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا إنْ أَكْرَى بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ كِرَاؤُهُ وَلَوْ بِزِيَادَةٍ زَادَهَا عَلَيْهِ شَخْصٌ آخَرُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَإِلَّا فَلَا يُفْسَخُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ الزِّيَادَةُ فِي الْوَقْفِ مَقْبُولَةٌ، وَمَا قِيلَ فِي نَاظِرِ الْوَقْفِ يُقَالُ فِي الْوَصِيِّ. [تَنْبِيهٌ خِيَارُ الْمُكْرِي عِنْد حَبَسَ الْعَيْن] قَوْلُهُ: [أَوْ الصُّعُوبَةِ أَوْ الْمِسَاحَةِ] : أَيْ فِي الْمَحَلَّيْنِ بِمَعْنَى الْوَاوِ. الْمَعْنَى لَا يَجُوزُ وَإِنْ تَسَاوَتْ فِي كُلِّ الْأَوْصَافِ. قَوْلُهُ: [وَلِذَا قِيلَ بِالْمَنْعِ] : أَيْ لِأَجْلِ هَذَا التَّعْلِيلِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِسَمَاوِيٍّ] : أَيْ هَذَا إذَا كَانَ عَطَبُهَا بِفِعْلِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، بَلْ وَلَوْ كَانَ بِسَمَاوِيٍّ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَضْمَنُ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ نَفْسُ الْمُكْتَرِي غَيْرَ أَمِينٍ إذْ قَدْ يَدَّعِي رَبُّهَا أَنَّ الْأَوَّلَ يُرَاعِي حَقَّهُ وَيَحْفَظُ مَتَاعَهُ بِخِلَافِ الثَّانِي. قَوْلُهُ: [أَوْ أَضَرَّ فِي الْحَمْلِ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ دُونَهُ فِي النَّقْلِ بِأَنْ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ عَقْرُ الدَّوَابِّ. قَوْلُهُ: [وَمِنْ الْأَضَرِّ حَمْلُ الْمَرْأَةِ] : أَيْ فَإِذَا اكْتَرَى الدَّابَّةَ عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا

بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ. وَلِرَبِّهَا اتِّبَاعُ الثَّانِي إذَا عَلِمَ بِتَعَدِّي الْأَوَّلِ وَلَوْ عَطِبَتْ بِسَمَاوِيٍّ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ حَيْثُ تَعَمَّدَ الْجِنَايَةَ. وَفِي الْخَطَأِ قَوْلَانِ: قِيلَ: لَهُ اتِّبَاعُهُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَقِيلَ: يَتْبَعُ الْأَوَّلَ فَقَطْ كَالسَّمَاوِيِّ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الدَّابَّةَ إذَا تَلِفَتْ عِنْدَ الثَّانِي فَإِمَّا عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ بِسَمَاوِيٍّ، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَعْلَمَ بِتَعَدِّي الْأَوَّلِ أَوْ يَعْلَمَ بِأَنَّهُ مُكْتَرٍ فَقَطْ أَوْ يَظُنُّ أَنَّهُ الْمَالِكُ، فَهَذِهِ تِسْعَةٌ. فَإِنْ عَلِمَ بِتَعَدِّي الْأَوَّلِ ضَمِنَ مُطْلَقًا حَتَّى السَّمَاوِيَّ لِأَنَّهُ كَالْغَاصِبِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّعَدِّي ضَمِنَ الْعَمْدَ، وَكَذَا الْخَطَأُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لَا السَّمَاوِيُّ، لَكِنْ إذَا عَلِمَ بِأَنَّهُ مُكْتَرٍ فَقَطْ فَلِرَبِّهَا اتِّبَاعُهُ حَيْثُ أُعْدِمَ الْأَوَّلُ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ إنْ أَيْسَرَ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ الْمَالِكُ فَلَيْسَ لِرَبِّهَا اتِّبَاعُهُ. وَقَدْ عَلِمْت مِنْ هَذَا الْحَاصِلِ حُكْمَ مَفْهُومٍ لِغَيْرِ أَمِينٍ. . . إلَخْ. (أَوْ زَادَ) الْمُكْتَرِي (فِي الْمَسَافَةِ) الْمُشْتَرَطَةِ (وَلَوْ مِيلًا) فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَالْمُرَادُ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْمَسَافَةِ تُوجِبُ الضَّمَانَ وَلَوْ كَانَتْ قَلِيلَةً لَيْسَ الشَّأْنُ الْعَطَبَ بِمِثْلِهَا، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَأَمَّا مِثْلُ مَا يَعْدِلُ النَّاسُ إلَيْهِ فِي الْمَرْحَلَةِ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ. (أَوْ) زَادَ فِي الْحَمْلِ (حَمَلًا) بِفَتْحِ الْحَاءِ بِمَعْنَى مَحْمُولٍ (تَعْطُبُ بِهِ وَعَطِبَتْ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، أَيْ فِي زِيَادَةِ الْمَسَافَةِ مُطْلَقًا وَفِي زِيَادَةِ مَا تَعْطُبُ بِهِ فِي الْحَمْلِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ: أَيْ أَنَّ رَبَّهَا يُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِ كِرَاءِ مَا زَادَ مَعَ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ وَأَخْذِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِنَفْسِهِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا زَوْجَتَهُ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إنْ عَطِبَتْ ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَخَفَّ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [وَلِرَبِّهَا اتِّبَاعُ الثَّانِي] : أَيْ وَإِذَا اكْتَرَى الْمُكْتَرِي لِغَيْرِ أَمِينٍ أَوْ لِأَضَرَّ كَانَ لِرَبِّهَا اتِّبَاعُ الثَّانِي بِقِيمَتِهَا إذَا تَلِفَتْ، وَبِأَرْشِ عَيْبِهَا إذَا تَعَيَّبَتْ وَلَهُ الْبَقَاءُ عَلَى اتِّبَاعِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: [إذَا عَلِمَ] إلَخْ: أَيْ بِأَنْ عَلِمَ الثَّانِي أَنَّ الْأَوَّلَ يُعْطِيهَا لَهُ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا. قَوْلُهُ: [وَكَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ] : أَيْ بِأَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مَالِكٌ لَهَا أَوْ مُكْتَرٍ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [لَكِنْ إذَا عُلِمَ بِأَنَّهُ مُكْتَرٍ فَقَطْ] : أَيْ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِالتَّعَدِّي فِي إعْطَائِهَا لَهُ إنَّمَا كَانَ لِرَبِّهَا اتِّبَاعُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَيْثُ أُعْدِمَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ نَوْعَ تَفْرِيطٍ. بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ الْمَالِكُ فَلَيْسَ عِنْدَهُ تَفْرِيطٌ. قَوْلُهُ: [أَيْ فِي زِيَادَةِ الْمَسَافَةِ مُطْلَقًا] : أَيْ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً. قَوْلُهُ: [أَيْ أَنَّ رَبَّهَا يُخَيَّرُ] : أَيْ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ.

قِيمَتِهَا يَوْمَ التَّعَدِّي. فَإِنْ أَخَذَ قِيمَتَهَا فَلَا كِرَاءَ لَهُ. (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَعْطُبْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَوْ زَادَ فِي الْحَمْلِ مَا لَا تَعْطُبُ بِهِ، وَعَطِبَتْ (فَالْكِرَاءُ) : أَيْ كِرَاءُ الزِّيَادَةِ مَعَ الْأَوَّلِ، وَلَا يُخَيَّرُ رَبُّهَا. (وَلَك) إذَا اكْتَرَيْت دَابَّةً لِحَمْلٍ أَوْ رُكُوبٍ (فَسْخُ) كِرَاءِ دَابَّةٍ (عَضُوضٍ) : أَيْ تَعَضُّ مَنْ قَرُبَ مِنْهُ لِأَنَّهُ عَيْبٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُبَالَغَةَ فِي الْعَضِّ (أَوْ جَمُوحٍ) : أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ أَخَذَ قِيمَتَهَا فَلَا كِرَاءَ لَهُ] : أَيْ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ كِرَاءٍ أَصْلِيٍّ وَلَا زَائِدَ إنْ زَادَ فِي الْحَمْلِ مِنْ أَوَّلِ الْمَسَافَةِ، فَإِنْ زَادَ أَثْنَاءَهَا خُيِّرَ بَيْنَ أَخْذِ قِيمَتِهَا يَوْمَ التَّعَدِّي مَعَ كِرَاءِ مَا قَبْلَ الزِّيَادَةِ وَبَيْنَ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ وَالزِّيَادَةِ، وَأَمَّا زِيَادَةُ الْمَسَافَةِ فَإِنْ اخْتَارَ الْقِيمَةَ فَلَهُ كِرَاءُ أَصْلِ الْمَسَافَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الضَّمَانَ يَوْمَ التَّعَدِّي وَهُوَ طَارٍ بَعْدَ الْمَسَافَةِ الْأُولَى فَهِيَ عَلَى مِلْكِ رَبِّهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ لَمْ تَعْطَبْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ] : أَيْ مَسْأَلَةِ الْمَسَافَةِ مُطْلَقًا وَمَسْأَلَةِ الْحَمْلِ فَهَذِهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ زَادَ فِي الْحِمْلِ مَا لَا تَعْطَبُ بِهِ وَعَطِبَتْ صُورَةٌ رَابِعَةٌ وَأَوْلَى فِي الْحُكْمِ إذَا سَلِمَتْ فَهَذِهِ الْخَمْسُ لَيْسَ لِصَاحِبِهَا إلَّا كِرَاءُ الزَّائِدِ مَعَ الْأَوَّلِ فَتَحَصَّلَ أَنَّ الصُّوَرَ ثَمَانٌ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقِيمَةِ وَكِرَاءِ الزَّائِدِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَكِرَاءِ الزَّائِدِ مَعَ الْأَصْلِيِّ فِي تِلْكَ الْخَمْسِ. تَنْبِيهٌ: يُخَيَّرُ الْمُكْرِي أَيْضًا فِيمَا إذَا حَبَسَهَا الْمُكْتَرِي بَعْدَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ زَمَنًا كَثِيرًا حَتَّى تَغَيَّرَ سَوْقُهَا بَيْعًا أَوْ كِرَاءً بَيْنَ كِرَاءِ الزَّائِدِ الَّذِي حَبَسَهَا فِيهِ أَوْ قِيمَتِهَا يَوْمَ التَّعَدِّي مَعَ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِنَا كَثِيرًا أَنَّهُ لَوْ حَبَسَهَا يَسِيرًا كَالْيَوْمَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا كِرَاءُ الزَّائِدِ. قَوْلُهُ: [فَسْخُ كِرَاءِ دَابَّةٍ عَضُوضٍ] : الْمُرَادُ أَنَّهُ طَلَعَ عَلَى كَوْنِهَا عَضُوضًا بَعْدَ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: [مَنْ قَرُبَ مِنْهُ] : ذُكِرَ بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ بِعَضُوضٍ. قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُبَالَغَةَ فِي الْعَضِّ] : أَيْ بَلْ الْمُرَادُ النِّسْبَةُ، وَيَصِحُّ بَقَاءُ الْمُبَالَغَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ السَّاعَاتِ حَتَّى صَارَ شَأْنًا لَهَا، وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ الْعَضُّ فَلْتَةً فِي الْعُمُرِ مَثَلًا فَلَيْسَ بِعَيْبٍ قَطْعًا.

[ما يلزم به الكراء]

عَسِرَةُ الِانْقِيَادِ، تُعْرَفُ بِالْحُرُونِ (أَوْ أَعْشَى) لَا يُبْصِرُ لَيْلًا (أَوْ مَا دَبَرُهُ فَاحِشٌ) يَضُرُّ بِسَيْرِهَا أَوْ بِرَاكِبِهَا وَلَوْ بِشِدَّةِ رَائِحَتِهِ، بِخِلَافِ الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يَضُرُّ فَلَا فَسْخَ بِهِ. (وَالسُّنَّةُ) فِي كِرَاءِ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ تَكُونُ (فِي أَرْضِ النِّيلِ وَالْمَطَرِ بِالْحَصَادِ) : فَمَنْ اكْتَرَى فَدَّانًا لِيَزْرَعَهُ أَيَّامَ نُزُولِ الْمَطَرِ أَوْ أَيَّامَ ذَهَابِ النِّيلِ سَنَةً فَزَرَعَهُ، فَمُنْتَهَى الْأَجَلِ الْحَصَادُ وَلَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَقَلَّ. وَالْمُرَادُ بِالْحَصَادِ: أَخْذُ الزَّرْعِ مِنْهَا، فَيَشْمَلُ الرَّعْيَ. فَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ يُخَلِّفُ كَالْبِرْسِيمِ فَبِآخِرِ بَطْنٍ. (وَفِي) أَرْضٍ (السَّقْيِ) مِنْ الْعُيُونِ وَالْآبَارِ (بِالشُّهُورِ) اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ، فَإِنْ تَمَّتْ السَّنَةُ وَلَهُ فِيهَا زَرْعٌ أَخْضَرُ، لَزِمَ رَبَّ الْأَرْضِ إبْقَاؤُهُ لِحَصَادِهِ وَعَلَى الْمُكْتَرِي كِرَاءُ مِثْلِ الزَّائِدِ عَلَى السَّنَةِ بِمَا تَقُولُهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ. (وَلُزُومُ الْكِرَاءِ) : أَيْ كِرَاءِ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ (بِالتَّمَكُّنِ) مِنْ الزَّرْعِ وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ [أَوْ أَعْشَى لَا يُبْصِرُ لَيْلًا] : أَيْ وَسَوَاءٌ اكْتَرَاهُ لِيَسِيرَ بِهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَوْ فِيهِمَا فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، إمَّا أَنْ يَرُدَّ أَوْ يَتَمَاسَكَ بِجَمِيعِ الْكِرَاءِ الْمُسَمَّى، كَمَا أَنَّ عَلَيْهِ جَمِيعَ الْكِرَاءِ إذَا اكْتَرَاهُ لِيَسِيرَ بِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَمْ يَسِرْ بِهِ إلَّا نَهَارًا، وَمَا فِي (عب) مِنْ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ بِهِ وَتَمَاسَكَ يُحَطُّ عَنْهُ أَرْشُ الْعَيْبِ فَهُوَ خِلَافُ النَّقْلِ كَمَا فِي (بْن) نَعَمْ إذَا لَمْ يَطَّلِعْ الْمُكْتَرِي عَلَى كَوْنِهِ أَعْشَى إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمَسَافَةِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يُحَطُّ عَنْهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِحَسَبِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [أَوْ مَا دَبَرُهُ فَاحِشٌ] : الدَّبَرُ بِفَتْحَتَيْنِ جُرْحٌ فِي الظَّهْرِ كَمَا قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: أَقْسَمَ بِاَللَّهِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرْ ... مَا مَسَّهَا مِنْ نَقَبٍ وَلَا دَبَرْ قَوْلُهُ: [بِمَا تَقُولُهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ] : أَيْ وَلَا يُعْتَبَرُ الْكِرَاءُ بِالنَّظَرِ لِلسَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، بَلْ يُنْظَرُ لَهُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ إذْ قَدْ يَكُونُ أَغْلَى أَوْ أَرْخَصَ، وَهَذَا قَوْلُ سَحْنُونَ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مَا زَادَ عَلَى السَّنَةِ عَلَى حَسَبِ مَا أَكْرَى بِهِ فِيهَا، وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَوَّمَ كِرَاءُ الزِّيَادَةِ فَإِذَا قِيلَ دِينَارٌ قِيلَ وَمَا قِيمَةُ السَّنَةِ كُلِّهَا، فَإِذَا قِيلَ خَمْسَةٌ فَقَدْ وَقَعَ لِلزِّيَادَةِ مِثْلُ كِرَاءِ خُمُسِ الثَّمَنِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ الْكِرَاءُ الْمُسَمَّى وَمِثْلُ خُمُسِهِ. [مَا يَلْزَم بِهِ الْكِرَاءِ] قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْ] : أَيْ فَمَتَى تَمَكَّنَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ سَوَاءٌ اسْتَعْمَلَ أَوْ عَطَّلَ كَمَا إذَا

مَا لَمْ يَكُنْ الْمَانِعُ لَهُ مِنْ الزَّرْعِ أَكْلَ دُودٍ أَوْ فَأْرٍ لَهُ إبَّانَ الزَّرْعِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ. ثُمَّ بَالَغَ عَلَى لُزُومِ الْكِرَاءِ بِالتَّمَكُّنِ: (وَإِنْ فَسَدَ الزَّرْعُ لِجَائِحَةٍ) لَا دَخْلَ لِلْأَرْضِ فِيهَا؛ كَجَرَادٍ وَجَلِيدٍ وَبَرْدٍ وَجَيْشٍ وَغَاصِبٍ وَعَدَمِ نَبَاتِ بَذْرٍ، بِخِلَافِ مَا لَهَا فِيهِ دَخْلٌ كَدُودٍ كَمَا يَأْتِي. (أَوْ غَرَقٍ بَعْدَ) فَوَاتِ (الْإِبَّانِ) : أَيْ وَقْتِ الْحَرْثِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ وَسَيَأْتِي مَفْهُومٌ بَعْدَ الْإِبَّانِ (أَوْ لَمْ يَزْرَعْ) : الْمُكْتَرِي (لِعَدَمِ بَذْرٍ) : فَيَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ، وَلَا يُعْذَرُ بِعَدَمِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إيجَارِهَا لِغَيْرِهِ. وَلِذَا لَوْ عُدِمَ الْبَذْرُ مِنْ الْمَحَلِّ لَسَقَطَتْ الْأُجْرَةُ لِعُمُومِ الْعُذْرِ. (أَوْ سَجْنٍ) عُطِفَ عَلَى: " عُدِمَ "، أَيْ أَوْ لَمْ يَزْرَعْ لِسِجْنٍ فَيَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ، سُجِنَ ظُلْمًا أَوْ لَا، مَا لَمْ يُقْصَدْ مِنْ سِجْنِهِ مَنْعُهُ بِهِ عَنْ الزَّرْعِ. وَإِلَّا فَالْكِرَاءُ عَلَى مَنْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَوَّرَ الْأَرْضَ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ وَالتَّمَكُّنُ مِنْ مَنْفَعَةِ أَرْضِ النِّيلِ بِرَيِّهَا وَانْكِشَافِهَا وَمِنْ مَنْفَعَةِ أَرْضِ الْمَطَرِ بِاسْتِغْنَاءِ الزَّرْعِ عَنْ الْمَاءِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ التَّمَكُّنَ مِنْ التَّصَرُّفِ كَمَا قَالَ الْأَصْلُ و (عب) وَالْخَرَشِيُّ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْهُ حِينَ الْعَقْدِ قَالَهُ الْمِسْنَاوِيُّ كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [مَا لَمْ يَكُنْ الْمَانِعُ لَهُ مِنْ الزَّرْعِ أَكْلَ دُودٍ] إلَخْ: أَيْ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَانِعُ لَهُ مِنْ التَّمَكُّنِ فِتْنَةً أَوْ خَوْفًا مِنْ غَاصِبٍ لَا تَنَالُهُ الْأَحْكَامُ. تَنْبِيهٌ: إذَا تَنَازَعَا فِي التَّمَكُّنِ وَعَدَمِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُكْتَرِي بِيَمِينٍ أَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ إنْ أَقَرَّ الْمُكْتَرِي بِالتَّمَكُّنِ لَكِنْ ادَّعَى أَنَّهُ مَنَعَهُ مَانِعٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ لِلْمُكْرِي وَعَلَى الْمُكْتَرِي إثْبَاتُ الْمَانِعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ بَالَغَ عَلَى لُزُومِ الْكِرَاءِ بِالتَّمَكُّنِ وَإِنْ فَسَدَ] إلَخْ: هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ وَقَدْ أُسْقِطَ لَفْظُ بِقَوْلِهِ. قَوْلُهُ: [أَيْ وَقْتَ الْحَرْثِ] : أَيْ وَسَوَاءٌ حَصَلَ الْغَرَقُ بَعْدَ الْحَرْثِ أَوْ قَبْلَهُ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الْكِرَاءُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْغَرَقَ بِمَنْزِلَةِ الْجَرَادِ الطَّارِئِ عَلَى الزَّرْعِ. قَوْلُهُ: [وَسَيَأْتِي مَفْهُومٌ بَعْدَ الْإِبَّانِ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ أَوْ غَرِقَ قَبْلَ الْإِبَّانِ. قَوْلُهُ: [وَلِذَا لَوْ عُدِمَ الْبَذْرُ] إلَخْ: أَيْ عَدَمُوهُ مِلْكًا وَتَسَلُّفًا حَتَّى مِنْ الْبَلَدِ الْمُجَاوِرِ لَهُمْ. قَوْلُهُ: [مَا لَمْ يُقْصَدْ مِنْ سِجْنِهِ] إلَخْ: وَيُعْلَمُ قَصْدُهُ بِقَرِينَةٍ أَوْ بِقَوْلٍ.

سَجَنَهُ كَمَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى عَدَمِهِ. (بِخِلَافِ تَلَفِهِ) : أَيْ الزَّرْعِ (بِآفَةِ الْأَرْضِ) أَيْ النَّاشِئَةِ مِنْهَا (كَدُودِهَا أَوْ فَأْرِهَا أَوْ عَطَشٍ) فِي أَرْضِ الْمَطَرِ لِعَدَمِ نُزُولِهِ عَلَيْهِ كَعَدَمِ الرَّيِّ فِي النِّيلِ (أَوْ غَرَقٍ) لِلْأَرْضِ (قَبْلَ الْإِبَّانِ وَاسْتَمَرَّ) الْغَرَقُ عَلَيْهَا حَتَّى فَاتَ وَقْتُ مَا تُرَادُ لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ (وَلَوْ عَطَشَ الْبَعْضُ) دُونَ الْبَعْضِ (أَوْ غَرِقَ) الْبَعْضُ وَاسْتَمَرَّ دُونَ الْبَعْضِ (فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ) : وَهُوَ أَنَّ مَا عَطِشَ أَوْ لَمْ يُرْوَ أَوْ غَرِقَ قَبْلَ الْإِبَّانِ وَاسْتَمَرَّ فَلَا كِرَاءَ لَهُ، وَمَا لَمْ يَعْطَشْ وَلَمْ يَغْرَقْ فَعَلَيْهِ فِيهِ الْكِرَاءُ. (وَلَوْ جَرَّ السَّيْلُ) أَوْ النِّيلُ (حَبًّا) بُذِرَ فِي أَرْضٍ (أَوْ) جَرَّ (زَرْعًا) نَبَتَ فِي أَرْضٍ لِمَالِكِهَا أَوْ مَالِكِ مَنْفَعَتِهَا (لِأَرْضٍ) أُخْرَى (فَلِرَبِّهَا) : أَيْ فَالْحَبُّ الْمَجْرُورُ أَوْ الزَّرْعُ لِرَبِّ الْأَرْضِ الْمَجْرُورِ إلَيْهَا، لَا لِرَبِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا انْجَرَّ إلَى أَرْضٍ غَيْرِ أَرْضِهِ قَهْرًا عَنْهُ كَانَ ضَائِعًا فَيَثْبُتُ لِمَنْ نَبَتَ فِي أَرْضِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِرَبِّهِ مِنْ مِثْلٍ وَلَا قِيمَةٍ. (وَلَا يُجْبَرُ مُؤَجِّرٌ) لِدَارٍ أَوْ غَيْرِهَا (عَلَى إصْلَاحٍ) لِلْمُكْتَرِي مِنْهُ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ] : أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ الْبَاقِي قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ لِلتَّالِفِ كَخَمْسَةِ أَفْدِنَةٍ مِنْ مِائَةٍ إذَا كَانَتْ مُفَرَّقَةَ الْفَدَادِينِ فَلَا أُجْرَةَ لَهَا لِأَنَّهَا كَالْهَالِكِ، وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ لَهَا أُجْرَةٌ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُفَرَّقَةٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَاشِيَةِ، وَمِثْلُ عَطَشِ الْبَعْضِ بَاقِي آفَاتِ الْأَرْضِ الَّتِي تَمْنَعُ الْكِرَاءَ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ جَرَّ السَّيْلُ] : مِثْلَ ذَلِكَ مَا إذَا انْتَثَرَ لِلْمُكْتَرِي أَرْضًا حَبٌّ مِنْ زَرْعِهِ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ زَمَنَ الْحَصَادِ فَنَبَتَ فِيهَا فِي الْعَامِ الْقَابِلِ فَلَا يَكُونُ لِصَاحِبِهِ، بَلْ لِرَبِّ الْأَرْضِ لِإِعْرَاضِ رَبِّهِ عَنْهُ بِانْقِضَاءِ مُدَّتِهِ، وَلِذَا لَوْ بَقِيَتْ مُدَّةَ الْكِرَاءِ كَانَ الزَّرْعُ لَهُ. وَأَمَّا لَوْ بَذَرَهُ فِي الْأَرْضِ الَّتِي اكْتَرَاهَا فَلَمْ يَنْبُتْ فِي سَنَتِهِ بَلْ فِي قَابِلٍ كَانَ لِرَبِّهِ وَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْأَرْضِ، كَمَا أَنَّ عَلَيْهِ كِرَاءَ الْعَامِ الْمَاضِي إنْ كَانَ عَدَمُ النَّبَاتِ لِغَيْرِ عَطَشٍ وَنَحْوِهِ وَإِلَّا فَلَا كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [أَوْ الزَّرْعُ لِرَبِّ الْأَرْضِ الْمَجْرُورِ إلَيْهَا] : أَيْ وَهُوَ مَالِكُ ذَاتِهَا أَوْ مَنْفَعَتِهَا. قَوْلُهُ: [وَلَا يُجْبَرُ مُؤَجِّرٌ] : أَخَذَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ مَنْ لَهُ خَرِبَةٌ فِي جِوَارِ شَخْصٍ يَحْصُلُ لَهُ مِنْهَا ضَرَرٌ عَلَى عِمَارَتِهَا وَلَا عَلَى بَيْعِهَا وَيُقَالُ

حَصَلَ فِي الدَّارِ أَوْ الْحَانُوتِ أَوْ الْحَمَّامِ أَوْ الْبِئْرِ الْمُكْتَرَاةِ خَلَلٌ (مُطْلَقًا) كَانَ يُمْكِنُ مَعَهُ الِانْتِفَاعُ أَمْ لَا، يَضُرُّ بِالْمُكْتَرِي أَمْ لَا. بِاتِّفَاقٍ فِي الْكَثِيرِ الْمُضِرِّ، وَعَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْيَسِيرِ. فَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْيَسِيرِ وَلَوْ مُضِرًّا. (وَ) إذَا لَمْ يُجْبَرْ الْمُكْرِي عَلَى الْإِصْلَاحِ فَإِذَا لَمْ يَصْلُحْ (خُيِّرَ السَّاكِنُ) بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِبْقَاءِ (فِي) حُدُوثِ خَلَلٍ (مُضِرٍّ) وَلَوْ مَعَ نَقْصِ مَنَافِعَ، كَهَطْلٍ: أَيْ تَتَابُعِ الْمَطَرِ مِنْ السَّقْفِ لِلْخَلَلِ الْحَادِثِ بِهِ، وَكَهَدْمِ سَاتِرٍ أَوْ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهَا أَوْ الْبَاذَهْنَجُ. (فَإِنْ بَقِيَ فَالْكِرَاءُ) كُلُّهُ لَازِمٌ لَهُ. وَمَفْهُومُ: " مُضِرٍّ " أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَضُرُّ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَيَلْزَمُهُ السُّكْنَى. إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُنْقِصُ مِنْ الْكِرَاءِ شَيْئًا فَظَاهِرٌ، كَسُقُوطِ بَعْضِ شُرُفَاتِ الْبَيْتِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُعْتَنَى بِهِ عَادَةً. وَإِنْ كَانَ يُنْقِصُ مِنْ الْكِرَاءِ حَطَّ عَنْهُ بِقَدْرِهِ وَإِنْ قَلَّ؛ كَسُقُوطِ تَجْصِيصِهَا أَوْ ذَهَابِ بَلَاطِهَا أَوْ هَدْمِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهَا وَكَانَ لَا يَضُرُّ وَسُقُوطِ شُرُفَاتِهَا مَعَ تَنْقِيصِهِ مِنْ الْكِرَاءِ. فَإِنْ أَصْلَحَ الْمُكْتَرِي بِلَا إذْنٍ كَانَ مُتَبَرِّعًا لَا شَيْءَ لَهُ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ. فَإِنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ خُيِّرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ: ادْفَعْ عَنْ نَفْسِكَ الضَّرَرَ بِمَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى رَبِّهَا إنْ حَصَلَ بِسَبَبِهَا تَلَفٌ، وَبِهِ أَفْتَى الشَّيْخُ سَالِمٌ السَّنْهُورِيُّ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِلُزُومِ رَبِّ الْخَرِبَةِ بِمَا يَدْفَعُ الضَّرَرَ مِنْ عِمَارَةٍ أَوْ بَيْعٍ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ. قَوْلُهُ: [وَعَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْيَسِيرِ] : أَيْ وَأَمَّا ابْنُ حَبِيبٍ فَيَقُولُ: يُجْبَرُ الْمُكْرِي عَلَى الْإِصْلَاحِ فِيهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَبِهِ الْعَمَلُ. قَوْلُهُ: [أَوْ الْبَاذَهْنَجُ] : أَيْ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُلَقَّفِ. قَوْلُهُ: [فَالْكِرَاءُ كُلُّهُ لَازِمٌ لَهُ] : أَيْ لِأَنَّ خِيَرَتَهُ تَنْفِي ضَرَرَهُ. قَوْلُهُ: [بَعْضِ شُرُفَاتِ الْبَيْتِ] : الشِّينُ مَضْمُومَةٌ وَالرَّاءُ مَضْمُومَةٌ أَوْ مَفْتُوحَةٌ أَوْ سَاكِنَةٌ. قَوْلُهُ: [كَانَ مُتَبَرِّعًا] إلَخْ: هَذَا إذَا كَانَ الْعَقَارُ مِلْكًا وَأَمَّا مَنْ اسْتَأْجَرَ وَقْفًا يَحْتَاجُ لِإِصْلَاحٍ فَأَصْلَحَهُ الْمُكْتَرِي بِغَيْرِ إذْنِ نَاظِرِهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ قِيمَةَ بِنَائِهِ قَائِمًا لِقِيَامِهِ عَنْهُ بِوَاجِبٍ لِلْوَقْفِ عَلَى النَّاظِرِ لَا لِأَجْلِ الْمُسْتَأْجِرِ فَالْوُجُوبُ لِحَقِّ اللَّهِ لَا لِخُصُوصِ السَّاكِنِ. قَوْلُهُ: [فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ] : أَيْ وَهِيَ الْمُضِرُّ وَغَيْرُ الْمُضِرِّ وَلَا يَنْقُصُ الْكِرَاءُ وَغَيْرُ الْمُضِرِّ وَيَنْقُصُ.

[التنازع بين الأجير ومستأجره]

رَبُّ الدَّارِ بَيْنَ دَفْعِ قِيمَتِهِ مَنْقُوضًا أَوْ أَمَرَهُ بِنَقْضِهِ كَالْغَاصِبِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذِنَ فَلَهُ قِيمَتُهُ قَائِمًا إذَا لَمْ يَقُلْ رَبُّهَا: عَمِّرْ وَمَا صَرَفْته فَعَلَيَّ، فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ مَا صَرَفَهُ. وَقَوْلُنَا: " وَخُيِّرَ السَّاكِنُ فِي مُضِرٍّ ": أَيْ إذَا لَمْ يَصْلُحْ الْمُؤَجَّرُ كَمَا قَدَّمْنَا، فَإِنْ أَصْلَحَ لَهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ، بَلْ يُجْبَرُ عَلَى السُّكْنَى بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: بِخِلَافِ سَاكِنٍ أَصْلَحَ لَهُ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ قَبْلَ خُرُوجِهِ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: قَبْلَ خُرُوجِهِ أَنَّهُ لَوْ أَصْلَحَ لَهُ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ، فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ لَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ. (وَالْقَوْلُ) عِنْدَ التَّنَازُعِ بَيْنَ الْأَجِيرِ وَمُسْتَأْجِرِهِ (لِلْأَجِيرِ أَنَّهُ أَوْصَلَ مَا أُرْسِلَ بِهِ) مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ عَلَى إيصَالِهِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ غَيْرِهِ بِيَمِينِهِ إنْ أَشْبَهَ؛ بِأَنْ كَانَ الْأَمَدُ يَبْلُغُ فِي مِثْلِهِ عَادَةً فَيَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ لِأَنَّهُ أَمِينٌ. فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ حَلَفَ الْمُسْتَأْجِرُ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ يَضْمَنُ إذَا أَنْكَرَ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ الْوُصُولَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ لَا فِي الضَّمَانِ، فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ فِي الْوَدِيعَةِ مِنْ الضَّمَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بَلْ يُجْبَرُ عَلَى السُّكْنَى] : أَيْ حَيْثُ كَانَتْ وَجِيبَةً أَوْ نَقَدَ كِرَاءَهَا وَإِلَّا فَلَا يُجْبَرُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: [حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ] : حَتَّى غَائِيَّةٌ بِمَعْنَى " إلَى " مُفَرَّعٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ. تَنْبِيهٌ: إنْ غَارَتْ عَيْنُ الْمُكْرِي لِأَرْضِ زِرَاعَةٍ سِنِينَ بَعْدَ زَرْعِهَا وَأَبَى الْمُكْرِي مِنْ التَّعْمِيرِ أَنْفَقْت أَيُّهَا الْمُكْتَرِي أُجْرَةَ سَنَةٍ لِيَتِمَّ زَرْعُك فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَيَلْزَمُ الْمُكْرِي مَا أَنْفَقْت لِأَنَّك قُمْت عَنْهُ بِوَاجِبٍ، فَلَوْ كَانَ لَا يُصْلِحُهَا إلَّا أَكْثَرُ مِنْ أُجْرَةِ سَنَةٍ وَأَبَى رَبُّهَا مِنْ الْإِصْلَاحِ وَمِنْ الْإِذْنِ فَأَنْفَقَ الْمُكْتَرِي كَانَ مُتَبَرِّعًا بِالزَّائِدِ، فَإِنْ أَبَى مِنْ الْإِنْفَاقِ أَيْضًا كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ لِأَنَّ هَلَاكَ الزَّرْعِ مِنْ الْعَطَشِ كَذَا فِي الْأَصْلِ. [التَّنَازُعِ بَيْنَ الْأَجِيرِ وَمُسْتَأْجِرِهِ] [تَنْبِيهٌ ادَّعَى الصَّانِعُ الِاسْتِصْنَاعَ] قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ] : رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ بِيَمِينِهِ. قَوْلُهُ: [حَلَفَ الْمُسْتَأْجِرُ] : أَيْ إنْ حَقَّقَ عَلَيْهِ الدَّعْوَى وَإِلَّا فَلَا يَمِينَ وَلَا أُجْرَةَ. قَوْلُهُ: [لَا فِي نَفْيِ الضَّمَانِ] : أَيْ ضَمَانِ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ فِي الْوَدِيعَةِ مِنْ الضَّمَانِ] : قَالَ خَلِيلٌ فِي الْوَدِيعَةِ عَاطِفًا عَلَى مَا فِيهِ الضَّمَانُ أَوْ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ الْمُنْكِرُ وَلَا بَيِّنَةَ. وَقَالَ فِي الْوَكَالَةِ: وَضَمِنَ إنْ أَقْبَضَ الدَّيْنَ وَلَمْ يُشْهِدْ قَالَ شُرَّاحُهُ وَمِثْلُ الدَّيْنِ غَيْرُهُ.

(أَوْ أَنَّهُ اسْتَصْنَعَ) أَيْ: وَالْقَوْلُ لِلْأَجِيرِ إذَا كَانَ صَانِعًا وَدُفِعَ لَهُ شَيْءٌ لَهُ فِيهِ صَنْعَتُهُ كَخَيَّاطٍ دُفِعَ لَهُ ثَوْبٌ فَخَاطَهُ وَادَّعَى أَنَّهُ دُفِعَ لَهُ لِيَصْنَعَهُ، وَقَالَ رَبُّهُ: بَلْ دَفَعْته لَك وَدِيعَةً عِنْدَك؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ فِيمَا يُدْفَعُ لِلصُّنَّاعِ - الِاسْتِصْنَاعُ وَالْإِيدَاعُ نَادِرٌ - فَيَلْزَمُ رَبَّهُ الْأُجْرَةُ. (أَوْ أَنَّهُ عَلَى الصِّفَةِ) : الَّتِي قُلْت لِي عَلَيْهَا، وَقَالَ رَبُّهُ: بَلْ ذَكَرْت لَك صِفَةً أُخْرَى؛ فَالْقَوْلُ لِلْأَجِيرِ كَخَيَّاطٍ وَصَبَّاغٍ وَنَجَّارٍ وَنَحْوِهِمْ (إنْ أَشْبَهَ) الْأَجِيرَ فِي دَعْوَاهُ، فَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ حَلَفَ رَبُّهُ وَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فِي أَخْذِهِ وَدَفَعَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَتَرَكَهُ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَصْنُوعٍ، فَإِنْ نَكَلَ اشْتَرَكَا؛ هَذَا بِقِيمَةِ ثَوْبِهِ مَثَلًا غَيْرَ مَصْبُوغٍ وَهَذَا بِقِيمَةِ صَبْغِهِ. فَقَوْلُهُ أَوْ أَنَّهُ عَلَى الصِّفَةِ، مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الِاسْتِصْنَاعِ وَاخْتَلَفَا صِفَتُهَا. وَكَذَا الْقَوْلُ لِلْأَجِيرِ فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ إنْ أَشْبَهَ بِيَمِينِهِ، أَشْبَهَ رَبَّهُ أَمْ لَا. فَإِنْ انْفَرَدَ رَبُّهُ بِالشَّبَهِ، فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ لَمْ يُشْبِهَا حَلَفَا، وَكَانَ لِلْأَجِيرِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. كَأَنْ نَكَلَا مَعًا وَقُضِيَ لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَصْنُوعُ تَحْتَ يَدِ الصَّانِعِ، فَإِنْ حَازَهُ رَبُّهُ، أَوْ كَانَ الصَّانِعُ إنَّمَا يَصْنَعُهُ فِي بَيْتِ رَبِّهِ. وَلَا يُمْكِنُهُ مِنْ الْخُرُوجِ بِهِ، أَوْ كَالْبِنَاءِ، فَالْقَوْلُ فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ لِرَبِّهِ إذَا لَمْ يَنْفَرِدْ الصَّانِعُ بِالشَّبَهِ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لَهُ. (لَا فِي رَدِّهِ) : أَيْ الْمَصْنُوعِ لِرَبِّهِ (وَهُوَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ) . كَالثَّوْبِ وَالْحُلِيِّ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إنْ أَشْبَهَ] : أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمَالِكِهِ فِي اسْتِعْمَالِهِ كَصَبْغِهِ شَاشًا أَخْضَرَ لِشَرِيفٍ أَوْ أَزْرَقَ لِنَصْرَانِيٍّ فَلَا يُقْبَلُ دَعْوَى شَرِيفٍ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِصَبْغِهِ أَزْرَقَ لِيُهْدِيَهُ لِنَصْرَانِيٍّ، وَلَا دَعْوَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِصَبْغِهِ أَخْضَرَ لِيُهْدِيَهُ لِشَرِيفٍ، وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ تُؤَيِّدُ قَوْلَ الْمَالِكِ. وَقَوْلُهُ: [إنْ أَشْبَهَ] : رَاجِعٌ لِلْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ فَحَذَفَهُ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ لِدَلَالَةِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا الْقَوْلُ] إلَخْ: زِيَادَةٌ مِنْ الشَّارِحِ عَلَى الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: [كَأَنْ نَكَلَا مَعًا] : أَيْ فَفِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَصْنُوعُ] إلَخْ: تَقْيِيدٌ لِلتَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ فِي التَّنَازُعِ فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ. قَوْلُهُ: [لَا فِي رَدِّهِ] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى الصَّانِعُ رَدَّ الْمَصْنُوعِ لِرَبِّهِ وَأَنْكَرَ

[الأحوال التي تستحق فيها الأجرة بتمام العمل]

أَيْ فَلَيْسَ الْقَوْلُ قَوْلَ الصَّانِعِ إنَّهُ رَدَّهُ لِرَبِّهِ، بَلْ الْقَوْلُ لِرَبِّهِ بِيَمِينِهِ. وَأَمَّا مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ - كَدَابَّةٍ دَفَعَهَا رَبُّهَا لِمَنْ يَعْلَمُهَا بِأَجْرٍ وَادَّعَى رَدَّهَا - فَالْقَوْلُ لِلْأَجِيرِ فِي رَدِّهَا. وَلَمَّا كَانَ لَهُمْ مَسَائِلُ مِنْ الْإِجَارَةِ تُشْبِهُ الْجَعَالَةَ، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ فِيهَا الْأَجِيرُ أُجْرَتَهُ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ نَبَّهَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَالْأَصَحُّ) الَّذِي هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ (أَنَّ كِرَاءَ السُّفُنِ) ، إنَّمَا يُسْتَحَقُّ (بِالْبَلَاغِ) إلَى الْمَحَلِّ الْمُشْتَرَطِ: أَيْ مَعَ إمْكَانِ إخْرَاجِ مَا فِيهَا فَإِنْ غَرِقَتْ فِي الْأَثْنَاءِ أَوْ بَعْدَ الْبَلَاغِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ إخْرَاجِ مَا فِيهَا فَلَا أُجْرَةَ لِرَبِّهَا وَهِيَ إجَارَةٌ لَازِمَةٌ بِالْعَقْدِ لَا جَعَالَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQرَبُّهُ أَخْذَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّهِ، سَوَاءٌ كَانَ الصَّانِعُ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَصْنُوعُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ الْوَدِيعَةِ أَنَّ الْمُودَعَ بِالْفَتْحِ قَبَضَ الْوَدِيعَةَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الضَّمَانِ وَالصَّانِعَ قَبَضَ مَا فِيهِ صَنْعَتُهُ وَيُغَابُ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ. قَوْلُهُ: [فَالْقَوْلُ لِلْأَجِيرِ فِي رَدِّهَا] : أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَهَا بِبَيِّنَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلتَّوْثِيقِ وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ رَدًّا وَلَا تَلَفًا. تَنْبِيهٌ: إنْ ادَّعَى الصَّانِعُ الِاسْتِصْنَاعَ كَصَبَّاغٍ صَبَغَ الثَّوْبَ، وَقَالَ رَبُّهُ سُرِقَ مِنِّي، فَإِنْ أَرَادَ رَبُّهُ أَخْذَهُ دَفَعَ قِيمَةَ الصَّبْغِ بَعْدَ حَلِفِهِ أَنَّهُ مَا اسْتَصْنَعَهُ إنْ زَادَتْ دَعْوَى الصَّانِعِ عَلَى قِيمَةِ الصَّبْغِ وَإِلَّا أَخَذَهُ بِلَا يَمِينٍ وَدَفَعَ لِلصَّانِعِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْأُجْرَةِ وَإِنْ اخْتَارَ تَغْرِيمَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ، فَإِنْ دَفَعَ الصَّانِعُ قِيمَتَهُ أَبْيَضَ يَوْمَ الْحُكْمِ عَلَى الْأَظْهَرِ فَلَا يَمِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهَا حَلَفَا وَبُدِّئَ الصَّانِعُ، وَقِيلَ يَبْدَأُ رَبُّهُ وَاشْتَرَكَا إنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا وَقَضَى لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي لَتِّ السَّوِيقِ فَقَالَ اللَّاتُّ: أَمَرْتنِي أَنْ أَلِتَّهُ بِخَمْسَةِ أَرْطَالٍ مِنْ سَمْنٍ، وَقَالَ رَبُّهُ: مَا أَمَرْتُك بِشَيْءٍ أَصْلًا بَلْ سُرِقَ مِنِّي أَوْ غُصِبَ فَلَا يَحْلِفَانِ وَلَا يَشْتَرِكَانِ، بَلْ يُقَالُ لِرَبِّهِ ادْفَعْ لَهُ قِيمَةَ مَا ادَّعَاهُ فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلَّاتِّ ادْفَعْ لَهُ مِثْلَ السَّوِيقِ غَيْرَ مَلْتُوتٍ كَذَا فِي الْأَصْلِ. [الْأَحْوَال الَّتِي تَسْتَحِقّ فِيهَا الْأُجْرَة بِتَمَامِ الْعَمَل] قَوْلُهُ: [وَهِيَ إجَارَةٌ لَازِمَةٌ بِالْعَقْدِ لَا جَعَالَةٌ] : أَيْ مَا لَمْ يُصَرِّحْ عِنْدَ الْعَقْدِ بِالْجَعَالَةِ وَإِلَّا كَانَتْ جَعَالَةً غَيْرَ لَازِمَةٍ وَلَهَا حُكْمٌ يَخُصُّهَا كَمَا يَأْتِي.

(إلَّا أَنْ يُتِمَّ الْعَمَلَ غَيْرُهُ) : أَيْ غَيْرُ الْأَوَّلِ. فَإِذَا عَطِبَتْ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، فَجَاءَ رَبُّ سَفِينَةٍ أُخْرَى فَحَمَلَ مَا فِيهَا إلَى الْمَحَلِّ الْمَقْصُودِ بِأُجْرَةٍ كَثِيرَةٍ أَوْ قَلِيلَةٍ (فَلِلْأَوَّلِ) الَّذِي غَرِقَتْ سَفِينَتُهُ (بِحَسَبِ كِرَائِهِ) لَا بِحَسَبِ الْكِرَاءِ الثَّانِي. فَإِنْ غَرِقَ بَعْضُ مَا فِيهَا وَنَجَا الْبَعْضُ فَحَمَلَهُ غَيْرُهُ إلَى الْمَحَلِّ فَلَا كِرَاءَ لِمَا غَرِقَ، وَإِنَّمَا لَهُ كِرَاءُ مَا بَقِيَ إلَى مَحَلِّ الْغَرَقِ عَلَى حَسَبِ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ لَا بِنِسْبَةِ الثَّانِي. وَهَذَا فِيمَا إذَا لَمْ يَعْقِدْ عَلَى الْجَعَالَةِ وَهِيَ غَيْرُ لَازِمَةٍ كَمَا يَأْتِي. فَإِنْ عَقَدَا عَلَيْهَا؛ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ حَمَلْت مَتَاعِي هَذَا أَوْ: كُلُّ مَنْ حَمَلَهُ إلَى الْقَاهِرَةِ فَلَهُ كَذَا، فَحَمَلَهُ إنْسَانٌ فِي سَفِينَتِهِ فَغَرِقَتْ فَحَمَلَهُ غَيْرُهُ بِكِرَاءٍ أَوْ جُعْلٍ فَلَهُ بِحِسَابِ الثَّانِي كَمَا يَأْتِي فِي الْجَعَالَةِ. وَسَيَأْتِي أَيْضًا أَنَّ مَا جَازَ جَعَالَةً جَازَ إجَارَةً وَلَا عَكْسَ. (كَمُشَارَطَةِ طَبِيبٍ عَلَى الْبُرْءِ) فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ إلَّا بِحُصُولِهِ، فَإِنْ تُرِكَ قَبْلَ الْبُرْءِ فَلَا شَيْءَ لَهُ، إلَّا أَنْ يُتَمِّمَ غَيْرَهُ فَلَهُ بِحِسَابِ كِرَائِهِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ الْأُجْرَةَ عَلَى الْبُرْءِ فَلَهُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ. (وَ) مُشَارَطَةِ (مُعَلِّمٍ عَلَى حِفْظِ قُرْآنٍ) كُلًّا أَوْ بَعْضًا، فَلَا أُجْرَةَ لَهُ إلَّا بِالْحِفْظِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِذَا عَطِبَتْ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ] : الْمُرَادُ مَنَعَهَا مِنْ السَّفَرِ مَانِعٌ قَهْرِيٌّ، وَأَمَّا لَوْ أَخْرَجَ مَا فِي السَّفِينَةِ بِاخْتِيَارِهِ فَأَكْرَى رَبُّهُ عَلَيْهِ فَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ مِنْ الْأَجْرِ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ الرَّاكِبُ فِي السَّفِينَةِ قَبْلَ الْبَلَاغِ بِاخْتِيَارِهِ لَزِمَهُ جَمِيعُ الْأَجْرِ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [بِحَسَبِ كِرَائِهِ] إلَخْ: أَيْ كَمَا إذَا كَانَ كِرَاءُ، الْأَوَّلِ عَشَرَةً وَغَرِقَتْ فِي نِصْفِ الطَّرِيقِ فَاسْتَأْجَرَ عَلَيْهَا بِعِشْرِينَ فَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ إلَّا خَمْسَةٌ، وَلَوْ كَانَ لَهُ بِنِسْبَةِ الثَّانِي لَكَانَ لَهُ عِشْرُونَ. قَوْلُهُ: [فَلَهُ بِحِسَابِ الثَّانِي كَمَا يَأْتِي فِي الْجَعَالَةِ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُتِمَّهُ غَيْرُهُ فَبِنِسْبَةِ الثَّانِي. قَوْلُهُ: [وَسَيَأْتِي أَيْضًا أَنَّ مَا جَازَ جَعَالَةً] إلَخْ: أَيْ فِي قَوْلِهِ وَكُلُّ مَا جَازَ فِيهِ. الْجُعْلُ جَازَتْ فِيهِ الْإِجَارَةُ وَلَا عَكْسَ. قَوْلُهُ: [فَلَهُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بُرْءٌ بِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [فَلَا أُجْرَةَ لَهُ إلَّا بِالْحِفْظِ] : أَيْ فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ الْأُجْرَةَ عَلَى الْحِفْظِ، بَلْ عَلَى

وَكَذَا مُعَلِّمُ صَنْعَةٍ: عَلَى أَنَّهُ إنْ تَعَلَّمَهَا فَلِلْمُعَلِّمِ كَذَا. (وَ) مُشَارَطَةُ (حَافِرِ بِئْرٍ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْمَاءِ) فَلَا يَسْتَحِقُّ الْحَافِرُ أُجْرَةً إلَّا بِالتَّمَامِ وَاعْتَرَضَ هَذَا الْفَرْعَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: بِأَنَّهُ مِنْ الْجَعَالَةِ لَا مِنْ الْإِجَارَةِ، وَيُجَابُ: بِأَنَّهُ يُمْكِنُ جَعْلُهُ مِنْ الْإِجَارَةِ إذَا كَانَ بِأَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ وَدَخَلَا عَلَى الْإِجَارَةِ. (وَإِنْ فَرَّطَ) رَبُّ الْأَمْتِعَةِ (بَعْدَ الْبَلَاغِ) : أَيْ بَلَاغِ السَّفِينَةِ لِلْمَحَلِّ الْمَقْصُودِ (فِي إخْرَاجِ مَا فِيهَا) : أَيْ السَّفِينَةِ مِنْ الْأَمْتِعَةِ (فَتَلِفَ) مَا فِيهَا بِغَرَقٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَالْكِرَاءُ) لَازِمٌ لِرَبِّهَا (كَأَنْ أَخْرَجَ) مَا فِيهَا (فِي الْأَثْنَاءِ) : أَيْ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ أَيْ أَخْرَجَهُ رَبُّهُ اخْتِيَارًا مِنْهُ (لِغَيْرِ عِلْمٍ) تَقْتَضِي الْإِخْرَاجَ: أَيْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ حَدَثَتْ بِالسَّفِينَةِ مِنْ غَرَقٍ أَوْ عَطَبٍ أَوْ غَصْبٍ لَهَا، فَيَلْزَمُ رَبَّهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ. (وَجَازَ إنْ خِيفَ) عَلَيْهَا (الْغَرَقُ طَرْحُ مَا بِهِ) : أَيْ فِعْلُ مَا فِي طَرْحِهِ مِنْهَا (النَّجَاةُ) مِنْ الْغَرَقِ (غَيْرُ آدَمِيٍّ) . وَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَلَا يَجُوزُ طَرْحُهُ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا فَلَا يَجُوزُ طَرْحُ ذِمِّيٍّ لِنَجَاةِ مُسْلِمٍ وَلَا طَرْحُ عَبْدٍ لِنَجَاةِ حُرٍّ. (وَبُدِئَ) فِي الطَّرْحِ (بِمَا ثَقُلَ) : كَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ، وَبُدِئَ مِنْهُ بِمَا قَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّعْلِيمِ كَانَ لَهُ الْأَجْرُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَهُ حَصَلَ حِفْظٌ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ] إلَخْ: أَيْ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا جَازَتْ فِيهِ الْجَعَالَةُ. جَازَتْ فِيهِ الْإِجَارَةُ. قَوْلُهُ: [فَيَلْزَمُ رَبَّهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ] إلَخْ: لَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ كَوْنِ الْعَقْدِ جَعَالَةً أَوْ إجَارَةً. قَوْلُهُ: [مَا بِهِ] : أَيْ فَعَلَ مَا بِهِ النَّجَاةُ مِنْ طَرْحٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَمُرَادُهُ بِالْجَوَازِ الْإِذْنُ الصَّادِقُ بِالْوُجُوبِ، لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ وَاجِبٌ إذَا تَحَقَّقَ الْعَطَبُ بِالتَّرْكِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَلَا يَجُوزُ طَرْحُهُ] : أَيْ خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ الْقَائِلِ بِجَوَازِ طَرْحِ الْآدَمِيِّينَ بِالْقُرْعَةِ لِأَنَّ هَذَا كَالْخَرْقِ لِلْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إمَاتَةُ أَحَدٍ مِنْ الْآدَمِيِّينَ لِنَجَاةِ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [وَبُدِئَ فِي الطَّرْحِ بِمَا ثَقُلَ] إلَخْ: أَيْ وُجُوبًا لِأَجْلِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمَالِ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْمُحَافَظَةُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.

ثَمَنُهُ كَالْحَجَرِ (أَوْ عَظُمَ جِرْمُهُ) وَإِنْ لَمْ يَثْقُلْ: كَالتِّبْنِ وَالْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ. (وَوُزِّعَ) مَا طُرِحَ (عَلَى مَالِ التِّجَارَةِ فَقَطْ) : أَيْ دُونَ غَيْرِهِ، كَفَرْشِ الْإِنْسَانِ وَغِطَائِهِ وَزَادِهِ مِمَّا لَيْسَ فِي التِّجَارَةِ فِيهِ مَدْخَلٌ (طُرِحَ) مَالُ التِّجَارَةِ (أَوْ لَا بِقِيمَتِهِ) أَيْ بِقِيمَةِ الْمَطْرُوحِ مُتَعَلِّقٌ " بِوَزَّعَ " (يَوْمَ التَّلَفِ) : مُتَعَلِّقٌ " بِقِيمَتِهِ "، فَيُقَالُ: مَا قِيمَةُ الْمَطْرُوحِ يَوْمَ طَرْحِهِ؟ فَإِذَا قِيلَ: مِائَةٌ، وَمَا قِيمَةُ مَا لَمْ يُطْرَحْ؟ فَإِذَا قِيلَ مِائَتَانِ، فَصَارَ قِيمَةُ الْجَمِيعِ ثَلَثَمِائَةٍ فَقَدْ ضَاعَ ثُلُثُ الْمَالِ، فَيَرْجِعُ عَلَى مَنْ لَمْ يَطْرَحْ مَالَهُ بِثُلُثِ قِيمَتِهِ. وَلَوْ قِيلَ بِعَكْسِ مَا تَقَدَّمَ رَجَعَ عَلَى مَنْ لَمْ يَطْرَحْ مَالَهُ بِالثُّلُثَيْنِ؛ وَلَوْ كَانَ اثْنَانِ لِأَحَدِهِمَا مَا يُسَاوِي ثَلَثَمِائَةٍ وَالثَّانِي مَا يُسَاوِي سِتَّمِائَةٍ، وَطُرِحَ مِنْ الْأَوَّلِ مَا يُسَاوِي مِائَةً وَمِنْ الثَّانِي مَا يُسَاوِي مِائَتَيْنِ، فَلَا رُجُوعَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ مَا طُرِحَ ثُلُثُ الْجَمِيعِ وَعَلَى كُلِّ ثُلُثٍ مَا بِيَدِهِ، وَقَدْ حَصَلَ. وَلَوْ كَانَ الطَّرْحُ بِالْعَكْسِ، بِأَنْ طُرِحَ لِذِي السِّتِّمِائَةِ مَا يُسَاوِي مِائَةً وَلِذِي الثَّلَثِمِائَةِ مَا يُسَاوِي مِائَتَيْنِ، لَرَجَعَ عَلَى ذِي السِّتِّمِائَةِ بِمِائَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [جِرْمُهُ] : بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ جِسْمُهُ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ يَثْقُلْ] : أَيْ لِأَنَّ عِظَمَ الشَّيْءِ يَكُونُ سَبَبًا فِي الْغَرَقِ. قَوْلُهُ: [وَوُزِّعَ مَا طُرِحَ عَلَى مَالِ التِّجَارَةِ] : أَيْ إنْ كَانَ فِيهَا مَالُ تِجَارَةٍ وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَالُ تِجَارَةٍ وَإِنَّمَا فِيهَا ذَوَاتُ الْآدَمِيِّينَ وَغِطَاؤُهُمْ وَوِطَاؤُهُمْ فَيَرْمِي الْغِطَاءَ وَالْوِطَاءَ وَيُوَزِّعُ عَلَى بَاقِي أَمْوَالِهِمْ عَلَى الظَّاهِرِ. قَوْلُهُ: [فِي التِّجَارَةِ فِيهِ مَدْخَلٌ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ وَالْكَلَامُ فِيهَا عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَالْأَصْلُ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ مَدْخَلٌ فِي شَأْنِ التِّجَارَةِ. قَوْلُهُ: [طُرِحَ مَالُ التِّجَارَةِ] : هَكَذَا لَفْظُ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ فِي نُسْخَةِ الْمُؤَلِّفِ وَلَعَلَّ الْمَتْنَ سَقَطَ مِنْهُ مَا وَالْأَصْلُ مَا طُرِحَ وَسَقَطَ مِنْ الشَّارِحِ مِنْ الْأَصْلِ وَوُزِّعَ عَلَى مَالِ التِّجَارَةِ فَقَطْ مَا طُرِحَ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ أَوَّلًا، وَبَعْدَ ذَلِكَ فَلَا مَفْهُومَ لِمَالِ التِّجَارَةِ بَلْ يُوَزَّعُ عَلَى مَالِ التِّجَارَةِ مَا طُرِحَ لِلنَّجَاةِ كَانَ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ أَوْ غَيْرِهِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ قِيلَ بِعَكْسِ مَا تَقَدَّمَ] : أَيْ بِأَنْ قِيلَ قِيمَةُ الْمَطْرُوحِ مِائَتَانِ وَقِيمَةُ مَا لَمْ يُطْرَحْ مِائَةٌ. قَوْلُهُ: [رَجَعَ عَلَى مَنْ لَمْ يُطْرَحْ مَالُهُ بِالثُّلُثَيْنِ] : أَيْ فَيَصِيرُ الْبَاقِي لِكُلٍّ ثُلُثَ مَالِهِ.

(وَالْقَوْلُ) عِنْدَ التَّنَازُعِ (لِمَنْ طُرِحَ مَتَاعُهُ فِيمَا يُشْبِهُ) بِيَمِينِهِ، فَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ فَقَوْلُ غَيْرِهِ. وَلَوْ وَجَدَ إنْسَانٌ مَا طُرِحَ، فَهَلْ يَمْلِكُهُ؟ لِأَنَّهُ بِطَرْحِهِ زَالَ مِلْكُ رَبِّهِ عَنْهُ، أَوْ لُقَطَةٌ يُرَدُّ لِرَبِّهِ إنْ عُلِمَ؟ وَهُوَ الْأَصَحُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَهُوَ الْأَصَحُّ] : أَيْ لِأَنَّ الطَّرْحَ أَمْرٌ قَهْرِيٌّ فَلَيْسَ صَاحِبُهُ مُعْرِضًا عَنْهُ اخْتِيَارًا.

[فصل في الجعالة]

فَصْلٌ فِي الْجَعَالَةِ الْجَعَالَةُ فِي الْعُرْفِ: (الْتِزَامُ أَهْلِ الْإِجَارَةِ) : وَهُوَ الْمُتَأَهِّلُ لِعَقْدِهَا؛ وَهُوَ الْعَاقِلُ. (عِوَضًا عُلِمَ) : خَرَجَ الْمَجْهُولُ، فَلَا يَصِحُّ جَعَالَةً وَلَا إجَارَةً؛ كَالْبَيْعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْجَعَالَةِ] أَفْرَدَهُ عَنْ الْإِجَارَةِ لِاخْتِصَاصِهِ بِبَعْضِ أَحْكَامٍ. وَالْجَعَالَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا مَا يُجْعَلُ عَلَى الْعَمَلِ وَهُوَ رُخْصَةٌ فَهُوَ أَصْلٌ مُنْفَرِدٌ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَرَأَوْا أَنَّهُ مِنْ الْغَرَرِ وَالْخَطَرِ؛ وَرُدَّ عَلَيْهِمْ بِوُرُودِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] مَعَ الْعَمَلِ مِنْ كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَوْمَ حُنَيْنٍ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» . قَوْلُهُ: [فِي الْعُرْفِ] : أَيْ وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَهُوَ الْمَالُ الْمَجْعُولُ. قَوْلُهُ: [الْتِزَامُ أَهْلِ الْإِجَارَةِ] : قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَحَالَ عَاقِدَ الْإِجَارَةِ عَلَى الْبَيْعِ وَأَحَالَ الْجُعْلَ هُنَا عَلَى الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْجُعْلَ لِلْإِجَارَةِ أَقْرَبُ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي بَيْعِ الْمَنَافِعِ الْإِجَارَةُ وَالْجُعْلُ تَابِعٌ لَهَا. قَوْلُهُ: [وَهُوَ الْعَاقِلُ] : أَيْ الْمُكَلَّفُ الرَّشِيدُ الطَّائِعُ، وَهَذَا شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ لِدَافِعِ الْعِوَضِ. وَأَمَّا أَصْلُ الصِّحَّةِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى التَّمْيِيزِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ وَاكْتَفَى بِشَرْطِ الْجَاعِلِ عَنْ شَرْطِ الْمَجْعُولِ لَهُ لِأَنَّ مَا كَانَ شَرْطًا فِي الْجَاعِلِ كَانَ شَرْطًا فِي الْمَجْعُولِ لَهُ فَاكْتَفَى بِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَإِلَّا لَقَالَ عِوَضًا وَعَمَلًا لِيَكُونَ قَوْلُهُ الْتِزَامُ إلَخْ شَرْطًا فِي الْمَجْعُولِ لَهُ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [عُلِمَ] : أَيْ قَدْرُهُ وَبَاقِي صِفَاتِهِ الَّتِي تُمَيِّزُهُ وَهَذَا شَامِلٌ لِلْعَيْنِ وَغَيْرِهَا، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى عِلْمِ الْعِوَضِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ شُرُوطِهِ مِثْلِ كَوْنِهِ طَاهِرًا مُنْتَفَعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ عِلْمِهِ لِحُصُولِ الصِّحَّةِ بِالْعِوَضِ الْمَجْهُولِ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْمُجَاعَلِ عَلَيْهِ، بَلْ تَارَةً يَكُونُ مَجْهُولًا كَالْآبِقِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِي صِحَّةِ الْجُعْلِ

(لِتَحْصِيلِ أَمْرٍ) مِنْ أُمُورٍ؛ كَإِتْيَانٍ بِشَيْءٍ وَحَمْلٍ وَحَفْرٍ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ الْبَيْعُ، (يَسْتَحِقُّهُ السَّامِعُ) لِلْمُلْتَزِمِ الْعِوَضَ وَلَوْ لَمْ يُخَاطِبْهُ (بِالتَّمَامِ) لِلْعَمَلِ الْمَطْلُوبِ وَتَمَامُهُ: بِتَحْصِيلِ ثَمَرَتِهِ. وَخَرَجَ بِذَلِكَ الْإِجَارَةُ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُتِمَّ الْعَمَلَ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، وَهُوَ كَذَلِكَ. وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْمَفْهُومِ قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يُتِمَّهُ غَيْرُهُ) : أَيْ بِأَجْرٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (فَبِنِسْبَةِ الثَّانِي) : أَيْ فَإِنْ أَتَمَّهُ غَيْرُهُ فَلِلْأَوَّلِ مِنْ الْأَجْرِ بِنِسْبَةِ أَجْرِ عَمَلِ الْعَامِلِ الثَّانِي، وَلَوْ كَانَ الثَّانِي أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْجَاعِلَ حِينَئِذٍ قَدْ انْتَفَعَ بِمَا عَمِلَهُ لَهُ الْأَوَّلُ، مِثَالُهُ: أَنْ يَجْعَلَ لِلْأَوَّلِ خَمْسَةً عَلَى أَنْ يَحْمِلَ لَهُ خَشَبَةً لِمَكَانٍ مَعْلُومٍ، فَحَمَلَهَا لِنِصْفِ الطَّرِيقِ وَتَرَكَهَا. فَجَعَلَ لِآخَرَ عَشَرَةً عَلَى أَنْ يُوصِلَهَا لِذَلِكَ الْمَكَانِ فَأَوْصَلَهَا؛ فَلِلْأَوَّلِ عَشَرَةٌ مِثْلُ الثَّانِي لِأَنَّ الثَّانِيَ لِمَا اُسْتُؤْجِرَ مِنْ نِصْفِ الطَّرِيقِ بِعَشَرَةٍ عُلِمَ أَنَّ أُجْرَةَ الطَّرِيقِ كُلَّهَا عِشْرُونَ، وَكَانَ النَّظَرُ أَنْ يُنْظَرَ لِكِرَاءِ الْمِثْلِ لِأَنَّ رَبَّ الْخَشَبَةِ قَدْ يَخَافُ عَلَيْهَا الضَّيَاعَ وَهِيَ تُسَاوِي أَلْفًا فَيَجْعَلُ لِمَنْ يَأْتِي بِهَا الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةَ فَتَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ: " بِنِسْبَةِ الثَّانِي " أَيْ بِخِلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ مِنْ عَدَمِ عِلْمِ مَكَانِهِ كَمَا يَأْتِي، وَتَارَةً يَكُونُ مَعْلُومًا كَالْمُجَاعَلَةِ عَلَى حَفْرِ بِئْرٍ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ خِبْرَةُ الْأَرْضِ وَمَائِهَا كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ [وَخَرَجَ بِذَلِكَ الْبَيْعُ] : أَيْ بِقَوْلِهِ لِتَحْصِيلِ أَمْرٍ، لِأَنَّ التَّحْصِيلَ فِعْلٌ مِنْ الْأَفْعَالِ لَا ذَاتٌ وَالْبَيْعُ فِي الذَّوَاتِ. قَوْلُهُ: [يَسْتَحِقُّهُ السَّامِعُ] : أَيْ وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ وَلَوْ حُدِّدَتْ الْوَسَائِطُ إنْ ثَبَتَ أَنَّ الْجَاعِلَ وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: يَسْتَحِقُّهُ فِي قُوَّةِ الْحَصْرِ، أَيْ لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا بِالتَّمَامِ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ كَذَلِكَ] : أَيْ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنَّ لَهُ أَجْرَ عَمَلِهِ جَرْيًا عَلَى الْإِجَارَةِ، وَلَكِنْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِعَدَمِ لُزُومِ أُجْرَةِ عَمَلٍ لَمْ يَتِمَّ فِي الْجَعَالَةِ، وَبَقِيَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى حَالِهَا. قَوْلُهُ: [فَبِنِسْبَةِ الثَّانِي] : هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلُ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَهُ قِيمَةُ عَمَلِهِ. قَوْلُهُ: [أَنْ يُنْظَرَ لِكِرَاءِ الْمِثْلِ] : أَيْ كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ تُسَاوِي أَلْفًا] : أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ تِلْكَ الْخَشَبَةَ تُسَاوِي أَلْفًا، أَيْ وَشَأْنُ الشَّيْءِ الْغَالِي إذَا كَانَ فِي مَضْيَعَةٍ يُكْرَى عَلَيْهِ بِالْأَثْمَانِ الْغَالِيَةِ فَكَيْفَ يُقَاسُ عَلَيْهِ الْكِرَاءُ

[أركان الجعالة]

السَّفِينَةِ بِالْمُحَاسَبَةِ فِيهَا بِنِسْبَةِ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ الْكِرَاءَ فِيهَا لَازِمٌ بِخِلَافِ الْجَعَالَةِ. (وَرُكْنُهَا) : أَيْ الْجَعَالَةِ أَيْ أَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ (كَالْإِجَارَةِ) : الْعَاقِدُ، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، وَبِهِ، مَا يَدُلُّ مِنْ صِيغَةٍ. (وَشَرْطُهَا) : أَيْ شَرْطُ صِحَّتِهَا أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ: (عَدَمُ شَرْطِ النَّقْدِ) لِلْجُعْلِ فَشَرْطُ النَّقْدِ يُفْسِدُهَا لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ وَأَمَّا تَعْجِيلُهُ بِلَا شَرْطٍ فَلَا يُفْسِدُهَا. (وَ) الثَّانِي: عَدَمُ شَرْطِ (تَعْيِينِ الزَّمَنِ) بِأَنْ شَرَطَ عَدَمَ التَّعْيِينِ أَوْ سَكَتَ عَنْهُ فَإِنْ شَرَطَ تَعْيِينَهُ، كَإِنْ تَأْتِنِي بِالْآبِقِ أَوْ تَحْفِرْ لِي الْبِئْرَ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فِي مُدَّةِ كَذَا فَسَدَتْ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ، فَقَدْ يَنْقَضِي الزَّمَنُ قَبْلَ التَّمَامِ فَيَذْهَبُ عَمَلُهُ بَاطِلًا فَفِيهِ زِيَادَةُ غَرَرٍ، مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْغَرَرُ. وَإِنَّمَا أُجِيزَتْ لِإِذْنِ الشَّارِعِ بِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوَّلُ؟ هَذَا مُرَادُ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْجَعَالَةِ] : أَيْ فَلَمَّا كَانَ عَقْدُهَا مُنْحَلًّا مِنْ جَانِبِ الْعَامِلِ بَعْدَ الْعَمَلِ صَارَ تَرْكُهُ لِلْإِتْمَامِ إبْطَالًا لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ وَصَارَ الثَّانِي كَاشِفًا لِمَا يَسْتَحِقُّهُ الْأَوَّلُ كَمَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ. [أَرْكَانُ الْجَعَالَةِ] قَوْلُهُ: [الْعَاقِدُ] : أَيْ وَتَحْتَهُ شَخْصَانِ الْجَاعِلُ وَالْمُجَاعِلُ وَقَوْلُهُ: [وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ] : هُوَ تَحْصِيلُ الشَّيْءِ الْمَطْلُوبِ. وَقَوْلُهُ: [وَبِهِ] : هُوَ الْعِوَضُ. وَقَوْلُهُ: [مِنْ صِيغَةٍ] : بَيَانٌ لِمَا يَدُلُّ وَلَا يُشْرَطُ فِيهَا اللَّفْظُ كَالْإِجَارَةِ. [شُرُوط الْجَعَالَة] قَوْلُهُ: [وَشَرْطُهَا] : أَيْ الْجَعَالَةِ الْمُحْتَوِيَةِ عَلَى تِلْكَ الْأَرْكَانِ. قَوْلُهُ: [لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ] : أَيْ وَالتَّرَدُّدُ بَيْنَهُمَا مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا احْتِمَالًا. قَوْلُهُ: [فَإِنْ شَرَطَ تَعْيِينَهُ] : أَيْ أَوْ كَانَ الْعُرْفُ تَعْيِينَهُ لِأَنَّ الْعُرْفَ كَالشَّرْطِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْعَامِلَ] إلَخْ: تَعْلِيلٌ لِوَجْهِ الْفَسَادِ. قَوْلُهُ: [لِإِذْنِ الشَّارِعِ بِهَا] : أَيْ وُرُودِ النَّصِّ فِيهَا بِالْخُصُوصِ كَمَا تَقَدَّمَ.

(إلَّا بِشَرْطِ التَّرْكِ مَتَى شَاءَ) : أَيْ أَنَّ مَحِلَّ كَوْنِ شَرْطِ تَعْيِينِ الزَّمَنِ مُفْسِدًا مَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْعَامِلُ أَنَّ لَهُ التَّرْكَ مَتَى شَاءَ، فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ أَوْ شُرِطَ لَهُ ذَلِكَ لَمْ تَفْسُدْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَجَعَ فِيهَا حِينَئِذٍ لِأَصْلِهَا مِنْ عَدَمِ تَعْيِينِ الزَّمَانِ: أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَدْ صَارَ تَعْيِينُهُ مُلْغَى. وَاشْتَرَطَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَحْوِ الْآبِقِ أَنْ لَا يَكُونَا عَالِمَيْنِ بِمَحَلِّهِ، وَمَنْ عَلِمَهُ دُونَ صَاحِبِهِ فَهُوَ غَارٌّ، فَإِنْ عَلِمَ الْعَامِلُ فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ عَمَلِ مِثْلِهِ وَالْمُسَمَّى وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ اللَّخْمِيُّ. (وَلِكِلَيْهِمَا الْفَسْخُ) قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ عَقْدَهَا لَيْسَ بِلَازِمٍ. (وَلَزِمَتْ الْجَاعِلَ فَقَطْ) دُونَ الْعَامِلِ (بِالشُّرُوعِ) فِي الْعَمَلِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْجُعْلَ يَسْتَحِقُّهُ السَّامِعُ بِالتَّمَامِ. (وَلِمَنْ لَمْ يَسْمَعْ) قَوْلَ الْجَاعِلِ: مَنْ أَتَانِي بِعَبْدِي أَوْ بَعِيرِي أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَلَهُ كَذَا. وَهُوَ صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ: أَنْ يَقَعَ مِنْ الْجَاعِلِ قَوْلٌ بِذَلِكَ وَلَمْ يَسْمَعْهُ هَذَا الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ] : تَأَمَّلْ فِي هَذَا الْقَيْدِ، فَإِنَّ الْعَامِلَ لَهُ الْحِلُّ عَنْ نَفْسِهِ مُطْلَقًا اشْتَرَطَ لَهُ الْحِلَّ أَمْ لَا فَكَيْفَ يَصِحُّ عِنْدَ الشَّرْطِ وَيَفْسُدُ عِنْدَ السُّكُوتِ عَلَيْهِ؟ وَأَجَابَ عَنْهُ الْخَرَشِيُّ بِأَنَّ الْمَجْعُولَ لَهُ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ دَخَلَ عَلَى التَّمَامِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ التَّرْكُ وَحِينَئِذٍ فَغَرَرُهُ قَوِيٌّ، وَأَمَّا عِنْدَ الشَّرْطِ فَقَدْ دَخَلَ ابْتِدَاءً عَلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فَغَرَرُهُ خَفِيفٌ (اهـ) . قَوْلُهُ: [فَلَهُ الْأَقَلُّ] إلَخْ: هَذَا خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، إنَّمَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ لَهُ بِقَدْرِ تَعَبِهِ، وَقِيلَ لَا شَيْءَ لَهُ فَإِنْ عَلِمَهُ رَبُّهُ فَقَطْ لَزِمَهُ الْأَكْثَرُ مِمَّا سَمَّى وَجُعْلُ الْمِثْلِ، وَإِنْ عَلِمَاهُ مَعًا فَيَنْبَغِي أَنَّ لَهُ جُعْلَ مِثْلِهِ نَظَرًا لِسَبْقِ الْجَاعِلِ بِالْعَدَاءِ. قَوْلُهُ: [وَلِكِلَيْهِمَا الْفَسْخُ] : أَيْ التَّرْكُ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرَ اللَّازِمِ لَا يُطْلَقُ عَلَى تَرْكِهِ فَسْخٌ إلَّا بِطَرِيقِ التَّجَوُّزِ، إذْ حَقُّ الْفَسْخِ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي تَرْكِ الْأَمْرِ اللَّازِمِ وَالْعَلَاقَةِ الْمُشَابِهَةِ فِي الْجَمِيعِ. قَوْلُهُ: [وَلَزِمَتْ الْجَاعِلَ] : الْمُرَادُ بِهِ مُلْتَزِمُ الْجُعْلِ لَا مَنْ تَعَاطَى عَقْدَهُ فَقَطْ كَالْوَكِيلِ الَّذِي لَمْ يَلْتَزِمْ جُعْلًا وَظَاهِرُهُ اللُّزُومُ لِلْجَاعِلِ بِالشُّرُوعِ وَلَوْ فِيمَا لَا بَالَ لَهُ.

أَتَى بِهِ مِنْ الْقَائِلِ وَلَا بِالْوَاسِطَةِ، وَبِمَا إذَا لَمْ يَقَعْ مِنْهُ قَوْلٌ أَصْلًا. فَفِي الصُّورَتَيْنِ. (جُعْلَ مِثْلِهِ إنْ اعْتَادَهُ) : أَيْ كَانَ عَادَتُهُ الْإِتْيَانَ بِالْإِبَاقِ أَوْ غَيْرِهَا؛ فَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ اعْتَادَ جَلْبَ مَا ضَلَّ إذَا أَتَى بِشَيْءٍ مِنْهَا فَلَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ إذَا لَمْ يَسْمَعْ رَبَّهَا فَإِنْ سَمِعَهُ فَلَهُ مَا سَمَّى. (وَلِرَبِّهِ) : أَيْ الْآبِقِ مَثَلًا (تَرْكُهُ لَهُ) : أَيْ لِلْعَامِلِ الَّذِي شَأْنُهُ طَلَبُ الضَّوَالِّ إنْ لَمْ يَلْتَزِمْ رَبُّهُ لَهُ جُعْلَ الْمِثْلِ. فَإِنْ الْتَزَمَ لَهُ الْجُعْلَ فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ لَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَتُهُ قَدْرَ جُعْلِ الْمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ. وَلَا كَلَامَ لِلْعَامِلِ حَيْثُ لَمْ يَسْمَعْ قَوْلَ رَبِّهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَمِعَهُ سَمَّى شَيْئًا وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ فَلَهُ مَا سَمَّاهُ وَلَوْ زَادَ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ مَثَلًا؛ لِأَنَّ رَبَّهُ وَرَّطَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا بِالْوَاسِطَةِ] : عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ لَا بِنَفْسِهِ لَا بِالْوَاسِطَةِ. قَوْلُهُ: [بِالْإِبَاقِ] : بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ جَمْعُ آبِقٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرِهَا] : أَيْ كَالْإِتْيَانِ بِالضَّوَالِّ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ سَمِعَهُ فَلَهُ مَا سَمَّى] : أَيْ كَانَ قَدْرَ جُعْلِ الْمِثْلِ أَوْ لَا كَانَ عَادَتُهُ طَلَبَ الْإِبَاقِ أَوْ لَا. وَقَوْلُهُ: [فَإِنْ الْتَزَمَ لَهُ الْجُعْلَ لَزِمَهُ] : شَرْطٌ وَجَوَابٌ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ فَالْأَوْلَى إسْقَاطُهُ مِنْ هُنَا لِإِيهَامِهِ خِلَافَ الْمُرَادِ مَعَ كَوْنِهِ سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْعِبَارَةِ مَا يُفِيدُهُ. وَاخْتُلِفَ إذَا الْتَزَمَ رَبُّهُ جُعْلًا وَلَمْ يَسْمَعْهُ الْآتِي بِهِ فَهَلْ كَذَلِكَ لِرَبِّهِ تَرْكُهُ لِمَنْ جَاءَ بِهِ عِوَضًا عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ؟ وَهُوَ مَا قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ وَنَازَعَهُ (ر) بِأَنَّ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جُعْلَ مِثْلِهِ إنْ اعْتَادَ طَلَبَ الْإِبَاقِ وَإِلَّا فَالنَّفَقَةُ وَلَيْسَ لِرَبِّهِ أَنْ يَتْرُكَهُ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ (بْن) . قَوْلُهُ: [فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ] إلَخْ: جَوَابُ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَلْتَزِمْ إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَلَا كَلَامَ لِلْعَامِلِ] : مُرَتَّبٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ لَهُ، وَمَعْنَاهُ حَيْثُ لَمْ يَسْمَعْ الْعَامِلُ الْمُعْتَادُ لِطَلَبِ الْإِبَاقِ قَوْلَ رَبِّهِ مَنْ يَأْتِينِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَهُ كَذَا وَأَتَى بِهِ فَاخْتَارَ رَبُّهُ تَرْكَهُ فَلَيْسَ لِلْعَامِلِ كَلَامٌ بِحَيْثُ يَقُولُ لَا آخُذُ إلَّا جُعْلَ الْمِثْلِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ رَبَّهُ وَرَّطَهُ] : أَيْ أَوْقَعَهُ فِي التَّعَبِ.

[ما تجوز فيه الجعالة]

(وَإِلَّا) يَكُنْ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ مُعْتَادًا لِطَلَبِ الضَّوَالِّ (فَالنَّفَقَةُ) فَقَطْ: أَيْ فَلَهُ مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَرُكُوبٍ احْتَاجَ لَهُ وَمَا أَنْفَقَهُ الْعَامِلُ عَلَى نَفْسِهِ زَمَنَ تَحْصِيلِهِ أَوْ عَلَى دَابَّتِهِ وَلَا جُعْلَ لَهُ. (كُلُّ مَا جَازَ فِيهِ الْجُعْلُ) : كَحَفْرِ بِئْرٍ بِمَوَاتٍ، وَبَيْعِ ثَوْبٍ أَوْ شِرَائِهِ، وَحَمْلِ خَشَبَةٍ لِمَكَانٍ أَوْ حَمْلِ شَيْءٍ بِسَفِينَةٍ، وَاقْتِضَاءِ دَيْنٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ (جَازَتْ فِيهِ الْإِجَارَةُ) بِشَرْطِهَا. (وَلَا عَكْسَ) : أَيْ لَيْسَ مَا جَازَتْ فِيهِ الْإِجَارَةُ تَجُوزُ فِيهِ الْجَعَالَةُ، كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، وَخِدْمَةِ شَهْرٍ، وَبَيْعِ سِلَعٍ كَثِيرَةٍ، وَحَفْرِ بِئْرٍ يُمْلَكُ، وَسُكْنَى بَيْتٍ، فَالْإِجَارَةُ أَعَمُّ بِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ، وَقِيلَ: بَلْ بَيْنَهُمَا الْعُمُومُ الْوَجْهِيُّ لِانْفِرَادِ الْجَعَالَةِ فِيمَا جُهِلَ حَالُهُ وَمَكَانُهُ كَالْآبِقِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ مَا جُهِلَ تَجُوزُ فِيهِ الْإِجَارَةُ بِشَرْطِ الْعِلْمِ وَاسْتُبْعِدَ فَتَدَبَّرْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَالنَّفَقَةُ فَقَطْ] : أَيْ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ لَهُ. قَوْلُهُ: [وَلَا جُعْلَ لَهُ] : أَيْ أُجْرَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَا أَنْفَقَهُ الْعَامِلُ فِي تَحْصِيلِهِ. [مَا تَجُوزُ فِيهِ الْجَعَالَةُ] قَوْلُهُ: [بِشَرْطِهَا] : أَيْ بِشُرُوطِهَا فَهُوَ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ. قَوْلُهُ: [كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ] إلَخْ: أَيْ فَلَا يَصِحُّ فِي الْعَقْدِ عَلَى تِلْكَ الْمَسَائِلِ أَنْ يَكُونَ جَعَالَةً لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ تَمَامٌ انْتَفَعَ رَبُّ الشَّيْءِ وَضَاعَ عَمَلُ الْعَامِلِ هَدَرًا فِي الْجَمِيعِ وَهُوَ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ. قَوْلُهُ: [وَبَيْعِ سِلَعٍ كَثِيرَةٍ] : كَلَامُ الشَّارِحِ يُوهِمُ جَوَازَ الْجُعْلِ عَلَى بَيْعِ السِّلَعِ الْقَلِيلَةِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلَةِ وَالْكَثِيرَةِ فِي أَنَّهُ مَتَى انْتَفَعَ الْجَاعِلُ بِالْبَعْضِ بِأَنْ دَخَلَا عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا إلَّا بِالتَّمَامِ مُنِعَ الْجُعْلُ كَانَتْ السِّلَعُ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [بِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ] : أَيْ الَّذِي تَعَلَّقَا بِهِ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ حَقِيقَتِهِمَا وَمَفْهُومِهِمَا فَمُتَبَايِنَانِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ] قَائِلُهُ الْأُجْهُورِيُّ. قَوْلُهُ: [وَاسْتُبْعِدَ] : أَيْ بِأَنَّ هَذَا التَّوْجِيهَ لَا يَتِمُّ لِأَنَّ الْجَعَالَةَ لَمْ تَنْفَرِدْ عَنْ الْإِجَارَةِ بِمَحَلٍّ وَمَا جُهِلَ حَالُهُ وَمَكَانُهُ كَمَا يَصِحُّ فِيهِ الْجُعْلُ تَصِحُّ فِيهِ الْإِجَارَةُ كَأَنْ يُؤَاجِرَهُ عَلَى

[الجعالة الفاسدة]

(وَفِي) الْجَعَالَةِ (الْفَاسِدَةِ) لِفَقْدِ شَرْطٍ (جُعْلُ الْمِثْلِ) إنْ تَمَّ الْعَمَلُ لَا أُجْرَتُهُ رَدًّا لَهُ إلَى صَحِيحِ نَفْسِهِ. فَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَمَلُ فَلَا شَيْءَ فِيهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. (إلَّا) أَنْ تَقَعَ الْجَعَالَةُ (بِجُعْلٍ مُطْلَقًا) تَمَّ الْعَمَلُ أَوْ لَمْ يَتِمَّ، كَأَنْ يَقُولَ لَهُ: إنْ أَتَيْتنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَكَ كَذَا، وَإِنْ لَمْ تَأْتِ بِهِ فَلَكَ كَذَا (فَأُجْرَتُهُ) : أَيْ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ تَمَّ الْعَمَلُ أَمْ لَا لِخُرُوجِهَا حِينَئِذٍ عَنْ حَقِيقَتِهَا، لِأَنَّ سُنَّتَهَا أَنَّهُ لَا جُعْلَ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مِنْ الْأَرْضِ وَلَمَّا كَانَ مَوَاتُ الْأَرْضِ يُشْبِهُ الشَّيْءَ الضَّائِعَ وَإِحْيَاؤُهُ يُشْبِهُ الْجَعَالَةَ أَتَى بِهِ بَعْدَ الْجَعَالَةِ فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّفْتِيشِ عَلَى عَبْدِهِ الْآبِقِ كُلَّ يَوْمٍ بِكَذَا أَتَى بِهِ أَمْ لَا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْآبِقِ إنْ كَانَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ إلَّا بِالتَّمَامِ فَهُوَ جَعَالَةٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى التَّفْتِيشِ عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ بِكَذَا أَتَى بِهِ أَمْ لَا فَهُوَ إجَارَةٌ، فَالْحَقُّ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا مُطْلَقًا وَأَنَّ الْإِجَارَةَ أَعَمُّ. [الْجَعَالَةِ الْفَاسِدَةِ] قَوْلُهُ: [رَدًّا لَهُ إلَى صَحِيحِ نَفْسِهِ] : أَيْ الَّذِي لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُسَمًّى وَالْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَمَلُ إلَخْ لِأَجْلِ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا لِلْأَمْرَيْنِ. قَوْلُهُ: [هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ] : وَمُقَابِلُهُ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ تَمَّ الْعَمَلُ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [لِخُرُوجِهَا حِينَئِذٍ عَنْ حَقِيقَتِهَا] : أَيْ وَمَتَى خَرَجَ عَنْ حَقِيقَةِ الْبَابِ كَانَ فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ كَانَ الْجُعْلُ عَيْنًا ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً مُعَيَّنَةً امْتَنَعَ وَلِلْجَاعِلِ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَيَغْرَمُ الْمِثْلَ إذَا حَصَلَ الْمُجَاعَلُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ مَوْزُونًا لَا يُخْشَى تَغَيُّرُهُ إلَى حُصُولِ الْمُجَاعَلِ عَلَيْهِ أَوْ ثَوْبًا جَازَ وَيُوقَفُ، وَإِنْ خُشِيَ تَغَيُّرُهُ كَالْحَيَوَانِ امْتَنَعَ لِلْغَرَرِ كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ الْخَرَشِيِّ نَقْلًا عَنْ اللَّخْمِيِّ. [بَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مِنْ الْأَرْضِ] قَوْلُهُ: [يُشْبِهُ الشَّيْءَ الضَّائِعَ] : أَيْ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الِانْتِفَاعِ بِكُلٍّ، وَقَوْلُهُ وَإِحْيَاؤُهُ يُشْبِهُ الْجَعَالَةَ أَيْ مِنْ حَيْثُ تَحْصِيلُ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ.

بَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مِنْ الْأَرْضِ أَيْ: فِي بَيَانِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَأَسْبَابِهِ وَأَحْكَامِهِ. وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى بَيَانِ الْمَوَاتِ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (مَوَاتُ الْأَرْضِ) : أَيْ الْمَوَاتُ مِنْهَا (مَا سَلِمَ) : أَيْ خَلَا (عَنْ اخْتِصَاصٍ بِإِحْيَاءٍ) : لَهَا أَيْ عَنْ الِاخْتِصَاصِ بِسَبَبِ إحْيَاءٍ لَهَا بِشَيْءٍ مِمَّا يَأْتِي، فَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِاخْتِصَاصٍ. (وَمَلَكَهَا) : أَيْ الْأَرْضَ، مَنْ أَحْيَاهَا (بِهِ) : أَيْ بِإِحْيَائِهِ لَهَا (وَلَوْ انْدَرَسَتْ) بَعْدَ الْإِحْيَاءِ، فَانْدِرَاسُهَا بَعْدَ الْإِحْيَاءِ لَا يُزِيلُ مِلْكَهَا عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابٌ: الْمَوَاتُ بِضَمِّ الْمِيمِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ الْمَوْتُ، وَبِفَتْحِهَا مَا لَا رُوحَ فِيهِ وَأَيْضًا هُوَ الْأَرْضُ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا وَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا (اهـ) ، وَقَدْ عَلِمْت ضَبْطَ الْمَوَاتِ هُنَا بِأَنَّهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَأَنَّهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ. قَوْلُهُ: [أَيْ فِي بَيَانِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ] : الْمُرَادُ بَيَانُ الْحَقِيقَةِ فِي قَوْلِهِ مَا سَلِمَ عَنْ اخْتِصَاصٍ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: [وَأَسْبَابِهِ] : أَيْ السَّبْعَةِ الْآتِيَةِ فِي قَوْلِهِ وَالْإِحْيَاءُ بِتَفْجِيرِ مَاءٍ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: [وَأَحْكَامِهِ] : أَيْ مَسَائِلِهِ الَّتِي احْتَوَى عَلَيْهَا الْبَابُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» . قَوْلُهُ: [أَيْ الْمَوَاتُ مِنْهَا] : أَشَارَ ذَلِكَ إلَى أَنَّ الْإِضَافَةَ عَلَى مَعْنًى مِنْ نَظِيرِ: بَابِ سَاجٍ. قَوْلُهُ: [مَا سَلِمَ] : مَا وَاقِعَةٌ عَلَى أَرْضٍ وَذَكَرَ الْفِعْلَ نَظَرًا لِلَفْظِ مَا. قَوْلُهُ: [وَمَلَكَهَا] إلَخْ: جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ قَصَدَ بِهَا بَيَانَ بَعْضِ أَحْكَامِ الْإِحْيَاءِ وَلَيْسَتْ مِنْ جُمْلَةِ التَّعْرِيفِ. قَوْلُهُ: [لَا يُزِيلُ مِلْكَهَا عَنْهُ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ وَالْمُنَاسِبُ لَا يُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْهَا.

(إلَّا لِإِحْيَاءٍ مِنْ غَيْرِهِ) بَعْدَ انْدِرَاسِهَا لَا بِقُرْبِ الِانْدِرَاسِ بَلْ (بَعْدَ طُولٍ) يَرَى الْعُرْفُ أَنَّ مَنْ أَحْيَاهَا أَوَّلًا قَدْ أَعْرَضَ عَنْهَا، فَإِنَّهَا تَكُونُ لِلثَّانِي وَلَا كَلَامَ لِلْأَوَّلِ؛ بِخِلَافِ إحْيَائِهَا بِقُرْبٍ. لَكِنْ إنْ عَمَرَهَا الثَّانِي جَاهِلًا بِالْأَوَّلِ فَلَهُ قِيمَةُ عِمَارَتِهِ قَائِمًا، لِلشُّبْهَةِ. وَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَلَهُ قِيمَتُهَا مَنْقُوضًا. وَهَذَا مَا لَمْ يَسْكُتْ الْأَوَّلُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالثَّانِي بِلَا عُذْرٍ، وَإِلَّا كَانَ سُكُوتُهُ وَهُوَ حَاضِرٌ بِلَا عُذْرٍ دَلِيلًا عَلَى تَرْكِهَا لَهُ. وَقَوْلُنَا: " بَعْدَ طُولٍ " هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقِيلَ: تَكُونُ لِلثَّانِي وَلَوْ لَمْ يَطُلْ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَلَيْهِ دَرَجَ الشَّيْخُ. وَقِيلَ: لَا تَكُونُ لِلثَّانِي أَبَدًا، بَلْ هِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا وَلَوْ طَالَ الزَّمَنُ قِيَاسًا عَلَى مَنْ مَلَكَهَا بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ فَانْدَرَسَتْ، فَإِنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ وَلَا كَلَامَ لِمَنْ أَحْيَاهَا اتِّفَاقًا، إلَّا لِحِيَازَةٍ بِشُرُوطِهَا كَمَا يَأْتِي. (أَوْ بِحَرِيمِ عِمَارَةٍ) : عَطْفٌ عَلَى " بِإِحْيَاءٍ "، فَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ " لِأَنَّ الْحَرِيمَ سَبَبٌ فِي الِاخْتِصَاصِ كَالْإِحْيَاءِ: أَيْ مَا سَلِمَ عَنْ الِاخْتِصَاصِ بِإِحْيَاءٍ أَوْ بِكَوْنِهِ حَرِيمًا لِعِمَارَةٍ لِبَلَدٍ أَوْ دَارٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ بِئْرٍ، فَلِكُلٍّ حَرِيمٌ يَخُصُّهُ. فَبَيَّنَ حَرِيمَ الْبَلَدِ بِقَوْلِهِ: (كَمُحْتَطَبٍ) بِفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ: الْمَكَانُ الَّذِي يُقْطَعُ مِنْهُ الْحَطَبُ (وَمَرْعًى) مَحَلُّ رَعْيِ الدَّوَابِّ (لِبَلَدٍ) فَإِذَا عَمَرَ جَمَاعَةٌ بَلَدًا اخْتَصُّوا بِهِ وَبِحَرِيمِهِ، وَحَرِيمُهُ: مَا يُمْكِنُ الِاحْتِطَابُ مِنْهُ وَالرَّعْيُ فِيهِ عَلَى الْعَادَةِ مِنْ الذَّهَابِ وَالْإِيَابِ مَعَ مُرَاعَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَكِنْ إنْ عَمَرَهَا الثَّانِي] إلَخْ: اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْإِحْيَاءِ بِالْقُرْبِ وَالْمَعْنَى فَإِنْ أَحْيَا بِالْقُرْبِ فَلَا تَكُونُ لَهُ لَكِنْ إنْ عَمَرَهَا إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ لَا تَكُونُ لِلثَّانِي أَبَدًا] : أَيْ كَمَا هُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ، وَلِلثَّانِي قِيمَةُ الْبِنَاءِ قَائِمًا إنْ كَانَ جَاهِلًا لِلشُّبْهَةِ أَوْ مَنْقُوضًا إنْ كَانَ عَالِمًا. قَوْلُهُ: [كَمَا يَأْتِي] : أَيْ فِي آخِرِ بَابِ الشَّهَادَاتِ. قَوْلُهُ: [عَطْفٌ عَلَى بِإِحْيَاءٍ] : أَيْ فَهُوَ مِنْ تَتِمَّةِ التَّعْرِيفِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَوَاتَ الْأَرْضِ مَا سَلِمَ عَنْ الِاخْتِصَاصِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْآتِيَةِ الَّتِي هِيَ: الْإِحْيَاءُ، وَحَرِيمُ الْعِمَارَةِ، وَإِقْطَاعُ الْإِمَامِ، وَحِمَاهُ. قَوْلُهُ: [لِبَلَدٍ] : مُتَعَلِّقٌ بِكُلٍّ مِنْ مُحْتَطَبٍ وَمَرْعًى.

الْمَصْلَحَةِ وَالِانْتِفَاعِ بِالْحَطَبِ وَحَلْبِ الدَّوَابِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ غُدُوًّا وَرَوَاحًا فِي الْيَوْمِ، فَيَخْتَصُّونَ بِهِ. وَلَهُمْ مَنْعُ غَيْرِهِمْ مِنْهُ وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ، لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لِلْجَمِيعِ، وَمَنْ أَتَى مِنْهُمْ بِحَطَبٍ مِنْهُ أَوْ حَشِيشٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مَلَكَهُ وَحْدَهُ. نَعَمْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ مِنْهُ مَا شَاءَ لِمَنْ شَاءَ بِالنَّظَرِ كَمَا سَيَأْتِي. وَبَيَّنَ حَرِيمَ الْبِئْرِ بِقَوْلِهِ: (وَمَا يَضِيقُ عَلَى وَارِدٍ) لِشُرْبٍ أَوْ سَقْيٍ (وَيَضُرُّ بِمَاءٍ) لَوْ حُفِرَتْ بِئْرٌ أُخْرَى (لِبِئْرٍ) قَالَ عِيَاضٌ: حَرِيمُ الْبِئْرِ مَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي مِنْ حَقِّهَا أَنْ لَا يُحْدِثَ فِيهَا مَا يَضُرُّ بِهَا، لَا بَاطِنًا مِنْ حَفْرِ بِئْرٍ يُنَشِّفُ مَاءَهَا أَوْ يُذْهِبُهُ أَوْ يُغَيِّرُهُ بِطَرْحِ نَجَاسَةٍ يَصِلُ إلَيْهَا وَسَخُهَا. وَلَا ظَاهِرًا كَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ. وَبَيَّنَ حَرِيمَ الشَّجَرِ بِقَوْلِهِ: (وَمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ) عُرْفًا (لِشَجَرَةٍ) مِنْ نَخْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَلِرَبِّهَا مَنْعُ مَنْ أَرَادَ إحْدَاثَ شَيْءٍ بِقُرْبِهَا يَضُرُّ بِهَا مِنْ بِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [غُدُوًّا وَرَوَاحًا] : رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ مِنْ الذَّهَابِ وَالْإِيَابِ عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ. وَقَوْلُهُ: [فِي الْيَوْمِ] : ظَرْفٌ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاحْتِطَابِ وَالْمَرْعَى وَمَا بَعْدَهُمَا وَيُقَدَّرُ بِأَقْصَرِ الْأَيَّامِ عَلَى الظَّاهِرِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ] : أَيْ فَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يُحْيِيَهُ بِعِمَارَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَهُمْ مَنْعُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ كَمَا سَيَقُولُ. قَوْلُهُ: [مَلَكَهُ وَحْدَهُ] : لِأَنَّ مَنْ سَبَقَ إلَى مُبَاحٍ يَكُونُ لَهُ. قَوْلُهُ: [لِبِئْرٍ] : مُتَعَلِّقٌ بِ يَضِيقُ وَيَضُرُّ وَمِثْلُ الْبِئْرِ فِي الْحَرِيمِ النَّهْرُ فَحَرِيمُهُ مَا يَضِيقُ عَلَى وَارِدٍ أَوْ يَضُرُّ بِمَائِهِ وَقِيلَ حَرِيمُ النَّهْرِ أَلْفَا ذِرَاعٍ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ وَقَدْ وَقَعَتْ الْفَتْوَى قَدِيمًا بِهَدْمِ مَا بُنِيَ بِشَاطِئِ النَّهْرِ وَحُرْمَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ إنْ كَانَ مَسْجِدًا كَمَا فِي الْمَدْخَلِ وَغَيْرِهِ، وَنَقَلَ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ عَنْ سَحْنُونَ وَأَصْبَغَ وَمُطَرِّفٍ أَنَّ الْبَحْرَ إذَا انْكَشَفَ عَنْ أَرْضٍ وَانْتَقَلَ عَنْهَا فَإِنَّهَا تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا كَانَ الْبَحْرُ لَا لِمَنْ يَلِيهِ وَلَا لِمَنْ دَخَلَ الْبَحْرُ أَرْضَهُ، وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ إنَّهَا تَكُونُ لِمَنْ يَلِيهِ وَعَلَيْهِ حَمْدِيسٌ وَالْفُتْيَا وَالْقَضَاءُ عَلَى هَذَا. خِلَافًا لِقَوْلِ سَحْنُونَ وَمَنْ مَعَهُ كَمَا يُفِيدُهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْعَدَوِيِّ.

وَبَيَّنَ حَرِيمَ الدَّارِ غَيْرِ الْمَحْفُوفَةِ بِالدُّورِ بِقَوْلِهِ: (وَمَطْرَحُ تُرَابٍ وَمَصَبُّ مِيزَابٍ لِدَارٍ) : فَحَرِيمُهَا مَا يَرْتَفِقُ أَهْلُهَا بِهِ مِنْ ذَلِكَ، فَلَهُمْ مَنْعُ مَنْ أَرَادَ إحْدَاثَ شَيْءٍ مِنْ بِنَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ الْحَرِيمِ. (وَلَا تَخْتَصُّ) دَارٌ (مَحْفُوفَةٌ بِأَمْلَاكٍ بِحَرِيمٍ) . (وَلِكُلٍّ) مِنْ أَرْبَابِ الدُّورِ الْمُتَجَاوِرَةِ (الِانْتِفَاعُ) بِالزُّقَاقِ الْمُتَّسِعِ أَوْ الرَّحْبَةِ بَيْنَهُمْ (مَا لَمْ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ) مِنْ الْجِيرَانِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ. (أَوْ بِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ) عَطْفٌ عَلَى " إحْيَاءٍ " أَيْ: مَا سَلِمَ عَنْ الِاخْتِصَاصِ بِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ تِلْكَ الْأَرْضَ لِأَحَدٍ أَوْ لِجَمَاعَةٍ مِنْ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ مَعْمُورِ الْعَنْوَةِ، بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي. فَإِذَا أَقْطَعَ الْإِمَامُ أَرْضًا لِأَحَدٍ مَلَكَهَا - أَيْ كَانَتْ مِلْكًا لَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْمُرْهَا بِشَيْءٍ مِمَّا يَأْتِي - فَلَهُ بَيْعُهَا وَهِبَتُهَا وَتُورَثُ عَنْهُ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْإِحْيَاءِ بَلْ هُوَ تَمْلِيكٌ مُجَرَّدٌ. وَهَلْ الْإِرْثُ يَحْتَاجُ لِحِيَازَةٍ أَوْ لَا؟ وَرُجِّحَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمَصَبِّ مِيزَابٍ] : أَيْ وَنَحْوِهِ كَمِرْحَاضٍ. قَوْلُهُ: [فَلَهُمْ مَنْعُ مَنْ أَرَادَ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا بَنَى جَمَاعَةٌ بَلَدًا فِي الْفَيَافِي مَثَلًا فَمَا كَانَ مُجَاوِرًا لِلدَّارِ فَهُوَ حَرِيمٌ لَهَا يَخْتَصُّ بِهَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ بِحَيْثُ يُطْرَحُ فِيهِ التُّرَابُ وَيُصَبُّ فِيهِ مَاءُ الْمِيزَابِ أَوْ مَاءُ الْمِرْحَاضِ. قَوْلُهُ: [عَطْفٌ عَلَى إحْيَاءٍ] : أَيْ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ التَّعْرِيفِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَطْفٌ عَلَى بِحَرِيمٍ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ. قَوْلُهُ: [مِنْ غَيْرِ مَعْمُورِ الْعَنْوَةِ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا هُوَ فَإِنَّهُ لَا يُقْطِعُهُ الْإِمَامُ مِلْكًا بَلْ إمْتَاعًا. قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْإِحْيَاءِ] : أَيْ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ بِأُمُورٍ سَبْعَةٍ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا. قَوْلُهُ: [بَلْ هُوَ تَمْلِيكٌ مُجَرَّدٌ] : أَيْ عَنْ مُعَاوَضَةٍ، وَعَنْ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْإِحْيَاءِ. قَوْلُهُ: [وَرَجَّحَ] : أَيْ عَدَمَ احْتِيَاجِهِ لِحِيَازَةٍ وَعَلَيْهِ لَوْ مَاتَ الْمَقْطُوعُ لَهُ قَبْلَ حَوْزِهِ اسْتَحَقَّهُ وَارِثُهُ.

وَلَوْ اقْتَطَعَهُ الْإِمَامُ لِأَحَدٍ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ كَذَا أَوْ كُلَّ عَامٍ كَذَا، عُمِلَ بِهِ، وَكَانَ الْمَأْخُوذُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْإِمَامُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ لِمَا اقْتَطَعَهُ، وَإِنْ مَلَكَهُ الْمَقْطُوعُ لَهُ بِاقْتِطَاعِهِ. (وَلَا يُقْطِعُ) الْإِمَامُ (مَعْمُورَ) أَرْضِ (الْعَنْوَةِ) وَأَرْضُ الْعَنْوَةِ كَمِصْرِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ - أَيْ: الصَّالِحَةُ لِزَرْعِ الْحَبِّ مِلْكًا لِأَنَّهَا وَقْفٌ كَمَا تَقَدَّمَ، بَلْ يُقْطِعُهَا إمْتَاعًا وَانْتِفَاعًا. وَأَمَّا مَا لَا يَصْلُحُ لِزَرْعِ الْحَبِّ وَإِنْ صَلَحَ لِغَرْسِ الشَّجَرِ وَلَيْسَ مِنْ الْعَقَارِ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَوَاتِ، يُقْطِعُهُ مِلْكًا وَانْتِفَاعًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِنْ مَلَّكَهُ الْمَقْطُوعُ لَهُ] : أَيْ فَيُلْغَزُ بِهَا فَيُقَالُ شَخْصٌ جَعَلَ لَهُ الشَّارِعُ أَصَالَةً أَنْ يُمَلِّكَ غَيْرَهُ مَا لَا مِلْكَ فِيهِ لِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ: [الْعَنْوَةِ] : أَيْ الَّتِي فُتِحَتْ قَهْرًا. قَوْلُهُ: [كَمَا تَقَدَّمَ] : أَيْ فِي الْجِهَادِ. قَالَ خَلِيلٌ وَوُقِفَتْ الْأَرْضُ كَمِصْرِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ. قَوْلُهُ: [وَانْتِفَاعًا] : عَطْفُ تَفْسِيرٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا اقْتَطَعَهُ الْإِمَامُ مِنْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ إنْ كَانَ لِشَخْصٍ بِعَيْنِهِ انْحَلَّ عَنْهُ بِمَوْتِهِ وَاحْتَاجَ لِإِقْطَاعٍ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ لِشَخْصٍ وَذُرِّيَّتِهِ وَعَقِبِهِ اسْتَحَقَّتْهُ ذُرِّيَّتُهُ بَعْدَهُ الْأُنْثَى كَالذَّكَرِ إلَّا لِبَيَانِ تَفْضِيلٍ كَالْوَقْفِ وَبَقِيَ النَّظَرُ فِي الِالْتِزَامِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَنَا بِمِصْرَ أَوْ غَيْرِهَا هَلْ هُوَ مِنْ الْإِقْطَاعِ فَلِلْمُلْتَزِمِ أَنْ يَزِيدَ فِي الْأُجْرَةِ الْمَعْلُومَةِ عِنْدَهُمْ عَلَى الْفَلَّاحِينَ مَا شَاءَ وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُ مَنْ سَبَقَ، أَوْ لَيْسَ مِنْ الْإِقْطَاعِ وَإِنَّمَا الْمُلْتَزِمُ جَابٍ عَلَى الْفَلَّاحِينَ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ لَهُ زِيَادَةٌ وَلَا تَنْقِيصٌ لِمَا ضُرِبَ عَلَيْهِمْ مِنْ السُّلْطَانِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْإِجَارَةِ فِي شَيْءٍ كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا مَا لَا يَصْلُحُ لِزَرْعِ الْحَبِّ] إلَخْ: أَيْ كَأَرْضِ الْجِبَالِ وَالرِّمَالِ وَالتِّلَالِ. قَوْلُهُ: [يُقْطِعُهُ مِلْكًا وَانْتِفَاعًا] : أَيْ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِلْكًا بِحَيْثُ يُورَثُ عَنْ الْمَقْطُوعِ لَهُ أَوْ انْتِفَاعًا فَلَيْسَ لَهُ فِيهِ إلَّا الِانْتِفَاعُ وَلَا يَمْلِكُ الذَّاتَ فَعَطْفُ الِانْتِفَاعِ عَلَى الْمِلْكِ مُغَايِرٌ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ أَرْضَ الْعَنْوَةِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ إلَّا لِزِرَاعَةِ الْحَبِّ لَا يُقْطِعُهَا الْإِمَامُ إلَّا انْتِفَاعًا وَمِثْلُهَا عَقَارُ الْكُفَّارِ، وَأَمَّا أَرْضُ الصُّلْحِ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ تَصَرُّفٌ فِيهَا بِوَجْهٍ، وَأَمَّا

وَأَمَّا أَرْضُ الصُّلْحِ فَلَا يُقْطِعُهَا الْإِمَامُ لِأَحَدٍ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِأَرْبَابِهَا. (أَوْ بِحِمَاهُ) : أَيْ وَمَا سَلِمَ عَنْ الِاخْتِصَاصِ بِحِمَى الْإِمَامِ لَهُ (مُحْتَاجًا) أَيْ أَرْضًا مُحْتَاجًا (إلَيْهِ) لَا إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ؛ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْحِمَى (قَلَّ) الْمَحْمِيُّ لَا إنْ كَثُرَ. وَالْقَلِيلُ: مَا لَا يُضَيَّقُ فِيهِ عَلَى النَّاسِ (مِنْ بَلَدٍ عَفَا) : أَيْ خَلَا عَنْ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ. لَا لِنَفْسِهِ؛ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْمِيَ شَيْئًا لِنَفْسِهِ، وَإِنْ احْتَاجَ، بَلْ يَحْمِي مَا قَلَّ مِنْ بَلَدٍ عَفَا. (لِكَغَزْوٍ) : أَيْ لِدَوَابِّ الْغُزَاةِ وَالصَّدَقَةِ، وَضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَمِثْلُ الْإِمَامِ فِي الْحِمَى نَائِبُهُ. وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ بِخِلَافِ الْإِقْطَاعِ فَلَيْسَ لِنَائِبِ السُّلْطَانِ إقْطَاعٌ إلَّا بِإِذْنٍ. وَالْفَرْقُ: أَنَّ الْإِقْطَاعَ يَحْصُلُ بِهِ التَّمْلِيكُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْإِذْنِ بِخِلَافِ الْحِمَى - بِالْقَصْرِ لَيْسَ إلَّا - وَقِيلَ: يَجُوزُ مَدُّهُ وَهُوَ يَائِيُّ اللَّامِ مِنْ حَمَيْت. وَتَثْنِيَتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَرْضُ الْعَنْوَةِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِزِرَاعَةِ الْأَرْضِ وَأَرْضُ الْفَيَافِي وَالْجِبَالِ وَالْأَرْضُ الَّتِي اُنْجُلِيَ عَنْهَا فَيُقْطِعُهَا الْإِمَامُ عَلَى مَا يُرِيدُ مِلْكًا وَانْتِفَاعًا. قَوْلُهُ: [مُطْلَقًا] : أَيْ لَا مِلْكًا وَلَا انْتِفَاعًا سَوَاءٌ أَسْلَمَ أَهْلُهَا أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [أَوْ بِحِمَاهُ] : عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِإِقْطَاعٍ وَبِهِ التَّعْرِيفُ. قَوْلُهُ: [بِحِمَى الْإِمَامِ لَهُ] : أَصْلُ الْحِمَى عِنْدَ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الرَّئِيسَ، مِنْهُمْ إذَا نَزَلَ بِأَرْضٍ مُخْصَبَةٍ يَسْتَعْوِي كَلْبًا بِمَحَلٍّ عَالٍ فَحَيْثُ يَنْتَهِي إلَيْهِ صَوْتُهُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَمَاهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَرْعَى غَيْرُهُ فِيهِ مَعَهُ، وَيَرْعَى هُوَ فِي غَيْرِهِ مَعَ غَيْرِهِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ شَرْعًا وَإِنَّمَا الشَّرْعِيُّ يَكُونُ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ أَفَادَهَا الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [مِنْ بَلَدٍ] : أَيْ أَرْضٍ. قَوْلُهُ: [لَا لِنَفْسِهِ] : دُخُولٌ عَلَى قَوْلِهِ لِكَغَزْوٍ وَالْأَوْضَحُ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ لِيَكُونَ مُحْتَرِزًا لَهُ. قَوْلُهُ: [نَائِبُهُ] : أَيْ الْمُفَوَّضُ لَهُ لَا قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ أَيْ فِي الْحِمَى بِالْخُصُوصِ. قَوْلُهُ: [إلَّا بِإِذْنٍ] : أَيْ خَاصٍّ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْحِمَى] : أَيْ فَفِيهِ امْتِنَاعٌ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [بِالْقَصْرِ] : أَيْ بِمَعْنَى الْمَحْمِيِّ فَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ.

[الإحياء يكون بأحد أمور سبعة]

حِمَيَانِ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الِاخْتِصَاصَ أَنْوَاعٌ: الْأَوَّلُ: مَا كَانَ بِإِحْيَاءٍ، وَالثَّانِي: مَا كَانَ حَرِيمًا لِبَلَدٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ دَارٍ، وَالثَّالِثُ: مَا كَانَ بِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ، وَالرَّابِعُ: مَا كَانَ بِحِمَاهُ. (وَالْإِحْيَاءُ) يَكُونُ بِأَحَدِ أُمُورٍ سَبْعَةٍ: الْأَوَّلُ: (بِتَفْجِيرِ مَاءٍ) لِبِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ فَتُمْلَكُ بِهِ، وَكَذَا تُمْلَكُ الْأَرْضُ الَّتِي تُزْرَعُ بِهَا. (وَ) الثَّانِي: (بِإِزَالَتِهِ) : أَيْ الْمَاءِ مِنْهَا حَيْثُ كَانَتْ الْأَرْضُ غَامِرَةً بِالْمَاءِ. (وَ) الثَّالِثُ: (بِبِنَاءٍ) بِأَرْضٍ. (وَ) الرَّابِعُ: بِسَبَبِ (غَرْسٍ) لِشَجَرٍ بِهَا. (وَ) الْخَامِسُ: بِسَبَبِ (تَحْرِيكِ أَرْضٍ) بِحَرْثِهَا وَنَحْوِهِ. (وَ) السَّادِسُ: يَكُونُ بِسَبَبِ (قَطْعِ شَجَرٍ) بِهَا بِنِيَّةِ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا. (وَ) السَّابِعُ: بِسَبَبِ (كَسْرِ حَجَرِهَا مَعَ تَسْوِيَتِهَا) أَيْ الْأَرْضِ. (لَا) يَكُونُ الْإِحْيَاءُ (بِتَحْوِيطٍ) لِلْأَرْضِ بِنَحْوِ خَطٍّ عَلَيْهَا (وَ) لَا (رَعْيِ كَلَإٍ) بِهَا (وَ) لَا (حَفْرِ بِئْرِ مَاشِيَةٍ) بِهَا (إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ الْمِلْكِيَّةَ) حِينَ حَفَرَهَا. فَإِنْ بَيَّنَهَا فَإِحْيَاءٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَقَدْ عَلِمْت] : أَيْ مِنْ التَّعْرِيفِ الْمُتَقَدِّمِ. [الْإِحْيَاءُ يَكُونُ بِأَحَدِ أُمُورٍ سَبْعَةٍ] قَوْلُهُ: [لِبِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ] : أَيْ كَأَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا أَوْ يَفْتُقُ عَيْنًا فِي أَرْضِ الْفَيَافِي. قَوْلُهُ: [غَامِرَةً بِالْمَاءِ] : أَيْ يَبْقَى عَلَيْهَا الْمَاءُ صَيْفًا وَشِتَاءً فَتُحِيلُ فِي زَوَالِهِ وَصَارَ مُتَمَكَّنًا مِنْ مَنَافِعِ تِلْكَ الْأَرْضِ. قَوْلُهُ: [بِبِنَاءٍ بِأَرْضٍ] إلَخْ: اُخْتُلِفَ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ بِالْأَرْضِ عِظَمُ الْمُؤْنَةِ أَوْ لَا فَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَخَلِيلٍ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ، وَفِي الْجَوَاهِرِ اشْتِرَاطُهُ وَاعْتَمَدَهُ فِي الْحَاشِيَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [لَا يَكُونُ الْإِحْيَاءُ بِتَحْوِيطٍ لِلْأَرْضِ] إلَخْ: السَّبْعَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ مُتَّفَقٌ عَلَى كَوْنِهَا إحْيَاءً، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ إحْيَاءً، وَانْظُرْ لَوْ فَعَلَ فِي الْأَرْضِ تِلْكَ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ جَمِيعَهَا هَلْ يَكُونُ إحْيَاءً لَهَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ كُلِّ

[إذن الإمام في الإحياء]

(وَافْتَقَرَ) الْإِحْيَاءُ (إنْ قَرُبَ) لَلْعُمْرَانِ - بِأَنْ كَانَ حَرِيمَ بَلْدَةٍ - قَالَ الْحَطَّابُ: وَالْقَرِيبُ هُوَ حَرِيمُ الْعِمَارَةِ مِمَّا يَلْحَقُونَهُ غُدُوًّا وَرَوَاحًا. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَحَدُّ الْبَعِيدِ مِنْ الْعُمْرَانِ مَا لَمْ يَنْتَهِ إلَيْهِ مَسْرَحُ الْعُمْرَانِ وَاحْتِطَابُ الْمُحْتَطِبِينَ إذَا رَجَعُوا إلَى الْمَبِيتِ فِي مَوَاضِعِهِمْ، (لِإِذْنٍ) مِنْ الْإِمَامِ. وَلَا يَأْذَنُ إلَّا لِمُسْلِمٍ لَا ذِمِّيٍّ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَوْلُ الْبَاجِيِّ: لَوْ قِيلَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَبْعُدْ، ضَعِيفٌ. (وَإِلَّا) بِأَنْ تَعَدَّى الْمُسْلِمُ وَأَحْيَا فِيمَا قَرُبَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ (فَلِلْإِمَامِ إمْضَاؤُهُ) لَهُ فَيَمْلِكُهُ (وَجَعْلُهُ مُتَعَدِّيًا) فَيَرُدُّهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَيُعْطِيهِ قِيمَةَ غَرْسِهِ أَوْ بِنَائِهِ أَوْ حَفْرِهِ مَنْقُوضًا لِتَعَدِّيهِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ فِيمَا أَغَلَّهُ فِيمَا مَضَى، نَظَرًا إلَى أَنَّ لَهُ شُبْهَةً فِي الْجُمْلَةِ. (بِخِلَافِ الْبَعِيدِ) مِنْ الْعُمْرَانِ بِأَنْ خَرَجَ عَنْ حَرِيمِهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فَلَا يَفْتَقِرُ لِإِذْنٍ مِنْ الْإِمَامِ، وَمَا أَحْيَاهُ فَهُوَ لَهُ (وَلَوْ ذِمِّيًّا) حَيْثُ كَانَ إحْيَاؤُهُ فِي الْبَعِيدِ (بِغَيْرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) : وَهِيَ أَرْضُ الْحِجَازِ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَنُ وَمَا وَالَاهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ لَا يَحْصُلُ بِهَا إحْيَاءٌ أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعُهَا كَذَلِكَ لِقُوَّةِ الْهَيْئَةِ الْمُجْتَمِعَةِ عَنْ حَالَةِ الِانْفِرَادِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَمُقْتَضَى مَا فِي الْحَاشِيَةِ أَنْ يَكُونَ إحْيَاءً. [إذْنِ الْإِمَامِ فِي الْإِحْيَاءُ] قَوْلُهُ: [وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ] إلَخْ: مَآلُ الْقَوْلَيْنِ وَاحِدٌ فَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: [مَسْرَحُ الْعُمْرَانِ] : أَيْ أَهْلُهُ عَلَى حَدِّ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] . قَوْلُهُ: [وَقَوْلُ الْبَاجِيِّ] : مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ ضَعِيفٌ خَبَرٌ وَمَا بَيْنَهُمَا مَقُولُ الْقَوْلِ. قَوْلُهُ: [إلَى أَنَّ لَهُ شُبْهَةً فِي الْجُمْلَةِ] : أَيْ لِكَوْنِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَهُمْ فِيهِ حَقٌّ. قَوْلُهُ: [بِغَيْرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ] : اعْلَمْ أَنَّ الْجَزِيرَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْجَزْرِ الَّذِي هُوَ الْقَطْعُ وَمِنْهُ الْجَزَّارُ لِقَطْعِهِ الْحَيَوَانَ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ وَسَطَهَا إلَى أَجْنَابِهَا لِأَنَّ الْبَحْرَ مُحِيطٌ بِهَا مِنْ جِهَاتِهَا الثَّلَاثِ الَّتِي هِيَ الْمَغْرِبُ وَالْجَنُوبُ وَالْمَشْرِقُ، فَفِي مَغْرِبِهَا بَحْرُ جُدَّةَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ مُشَدَّدَةً وَيُسَمَّى بِالْقُلْزُمِ، وَبَحْرِ السُّوَيْسِ، وَفِي جَنُوبِهَا بَحْرُ الْهِنْدِ وَفِي مَشْرِقِهَا خَلِيجُ عُمَانَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ، وَأَمَّا عَمَّانُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ فَهِيَ قَرْيَةٌ بِنَاحِيَةِ الشَّامِ.

كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجِزْيَةِ. فَقَوْلُهُ: " بِغَيْرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ "، قَيْدٌ فِي الذِّمِّيِّ خَاصَّةً، لِأَنَّهُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ سُكْنَى فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ سُكْنَى] إلَخْ: أَيْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ» . تَتِمَّةٌ: إنْ سَالَ مَطَرٌ بِأَرْضٍ مُبَاحَةٍ سُقِيَ الْأَقْرَبُ إلَيْهَا إنْ تَقَدَّمَ فِي الْإِحْيَاءِ أَوْ تَسَاوَيَا حَتَّى يَبْلُغَ الْمَاءُ الْكَعْبَ ثُمَّ يُرْسَلَ لِلْأُخْرَى عَلَى التَّرْتِيبِ، وَأُمِرَ بِالتَّسْوِيَةِ لِلْأَرْضِ إنْ أَمْكَنَ. أَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ التَّسْوِيَةُ فَيُسْقَى الْأَعْلَى وَحْدَهُ وَالْأَسْفَلُ وَحْدَهُ وَإِنْ اسْتَوَتْ نِسْبَةُ الْأَرْضِ الَّتِي حَوْلَ الْمَاءِ قُرْبًا وَبُعْدًا قُسِمَ بِقِلْدٍ وَنَحْوِهِ كَمَا لَوْ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ وَأَجْرَوْا مَاءً لِأَرْضِهِمْ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالْقِلْدِ وَنَحْوِهِ وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمْ لِلتَّشَاحُحِ فِي السَّبْقِ وَلَا فَرْقَ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ بَيْنَ مَاءِ النِّيلِ وَالْمَطَرِ وَالْعُيُونِ.

[باب في الوقف وأحكامه]

بَابٌ فِي الْوَقْفِ وَأَحْكَامِهِ (الْوَقْفُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ " مَنْدُوبٌ "، فَهُوَ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ الْمَنْدُوبَةِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْحَبْسِ. وَقَدْ حَبَسَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ مِنْ بَعْدِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ مِمَّا اخْتَصَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ يُحَبِّسْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ دَارًا وَلَا أَرْضًا فِيمَا عَلِمْت. وَرَسَمَهُ بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ) أَيْ الْوَقْفُ (جَعْلُ مَنْفَعَةِ مَمْلُوكٍ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ أَيْ جَعْلُ مَالِكٍ مَنْفَعَةَ ذَلِكَ الْمَمْلُوكِ لَهُ لِذَاتِهِ، كَمَا هُوَ الْغَالِبُ. بَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْوَقْفِ وَأَحْكَامِهِ] بَابٌ: عُقِّبَ هَذَا الْبَابُ لِلْإِحْيَاءِ لِكَوْنِ الْعَيْنِ فِيهِمَا بِغَيْرِ عِوَضٍ يَدْفَعُهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْوَقْفِ وَالْمُحْيِي لِلْأَرْضِ. وَقَالَ فِي التَّنْبِيهِ: الْوَقْفُ مَصْدَرُ وَقَفْت الْأَرْضَ وَغَيْرَهَا أَقِفُهَا هَذِهِ هِيَ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ. قَوْلُهُ: [وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْحَبْسِ] : أَيْ فَيُسَمَّى وَقْفًا لِأَنَّ الْعَيْنَ مَوْقُوفَةٌ، وَحُبِسَا لِأَنَّ الْعَيْنَ مُحَبَّسَةٌ كَمَا يُفِيدُهُ التَّنْبِيهُ. قَوْلُهُ: [لَمْ يُحَبِّسْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ] إلَخْ: أَيْ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّرِ، وَأَمَّا بِنَاءُ الْكَعْبَةِ وَحَفْرُ زَمْزَمَ فَإِنَّمَا كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّفَاخُرِ. قَوْلُهُ: [جَعْلُ مَنْفَعَةِ مَمْلُوكٍ] إلَخْ: تَعْرِيفٌ لَهُ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَأَمَّا الْمَعْنَى الِاسْمِيُّ فَهُوَ الذَّاتُ الْمَمْلُوكَةُ الْمَجْعُولُ مَنْفَعَتُهَا إلَخْ، وَشَمِلَ قَوْلُهُ الْمَمْلُوكَ مَا جَازَ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ وَكَلْبِ الصَّيْدِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ. قَوْلُهُ: [أَيْ جَعْلُ مَالِكٍ مَنْفَعَةَ] إلَخْ: لَفْظُ مَالِكٍ هُوَ الْفَاعِلُ الْمَحْذُوفُ. وَقَوْلُهُ: [لَهُ] : مُتَعَلِّقٌ بِالْمَمْلُوكِ. وَقَوْلُهُ: [لِذَاتِهِ] : مُتَعَلِّقٌ بِمَالِكٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَالِكَ ذَاتِ الشَّيْءِ يَجْعَلُ مَنْفَعَتَهُ لِمُسْتَحِقٍّ إلَخْ هَذَا إذَا كَانَ مَالِكًا لِلذَّاتِ بِثَمَنٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إرْثٍ، بَلْ وَلَوْ كَانَ مَالِكًا

(وَلَوْ) كَانَ مَمْلُوكًا (بِأُجْرَةٍ أَوْ) جَعْلُ (غَلَّتِهِ) - كَدَرَاهِمَ - فِي نَظِيرِ إجَارَةِ الْوَقْفِ (لِمُسْتَحِقٍّ) مُتَعَلِّقٌ - بِ " جَعْلُ " (بِصِيغَةٍ) دَالَّةٍ عَلَيْهِ كَ حَبَسْت، وَوَقَفْت (مُدَّةَ مَا يَرَاهُ الْمُحَبِّسُ) فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْبِيدُ. (مَنْدُوبٌ) لِأَنَّهُ مِنْ الْبِرِّ وَفِعْلِ الْخَيْرِ. وَشَمِلَ قَوْلُهُ: " وَلَوْ بِأُجْرَةٍ " مَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا مَمْلُوكَةً أَوْ أَرْضًا مُدَّةً مَعْلُومَةً وَأَوْقَفَ مَنْفَعَتَهَا " - وَلَوْ مَسْجِدًا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ - وَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ وَقْفًا وَأَوْقَفَ مَنْفَعَتَهُ عَلَى مُسْتَحِقٍّ آخَرَ غَيْرِ الْأَوَّلِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ: وَأَمَّا الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ تَحْبِيسُ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا؛ لِأَنَّ الْحُبْسَ لَا يُحَبَّسُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَنْفَعَتِهِ بِأُجْرَةٍ. فَإِنْ قُلْت وَقْفُ السَّلَاطِينِ عَلَى الْخَيْرَاتِ صَحِيحٌ مَعَ عَدَمِ مِلْكِهِمْ لِمَا حَبَسُوهُ. قُلْت هَذَا لَا يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ السُّلْطَانَ وَكِيلٌ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ كَوَكِيلِ الْوَاقِفِ، وَلِلْقَرَافِيِّ فِي الْفُرُوقِ إذَا حَبَّسَ الْمُلُوكُ مُعْتَقِدِينَ أَنَّهُمْ وُكَلَاءُ الْمُلَّاكِ صَحَّ الْحُبْسُ، وَإِنْ حَبَسُوهُ مُعْتَقِدِينَ أَنَّهُ مِلْكُهُمْ بَطَلَ، وَبِذَلِكَ أَفْتَى الْعَبْدُوسِيُّ وَنَقَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ فِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ " مَنْفَعَةَ مَمْلُوكٍ " مِنْ وَقْفِ الْفُضُولِيِّ، فَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَوْ أَجَازَهُ الْمَالِكُ لِخُرُوجِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ. بِخِلَافِ بَيْعِهِ فَصَحِيحٌ لِخُرُوجِهِ، بِعِوَضٍ، وَمِثْلُ وَقْفِ الْفُضُولِيِّ هِبَتُهُ وَصَدَقَتُهُ وَعِتْقُهُ فَبَاطِلٌ وَلَوْ أَجَازَهُ الْمَالِكُ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ مِنْ جَعْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَالْبَيْعِ إنْ أَمْضَاهُ الْمَالِكُ مَضَى وَلَكِنْ يَرُدُّ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ طَلَاقُ الْفُضُولِيِّ. فَإِنَّهُ كَبَيْعِهِ كَمَا تَقَدَّمَ لَنَا فِي النِّكَاحِ مَعَ كَوْنِهِ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ يُحْتَاطُ فِي الْفُرُوجِ مَا لَا يُحْتَاطُ فِي غَيْرِهَا. قَوْلُهُ: [أَوْ غَلَّتَهُ] : مَعْطُوفٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ أَيْ إنْ كَانَ لَهُ غَلَّةٌ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْبِيدُ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ مَسْجِدًا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَفِعْلُ الْخَيْرِ] : تَفْسِيرٌ لِمَعْنَى الْبِرِّ قَالَ تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77] . قَوْلُهُ: [وَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ] إلَخْ: مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ شَمِلَ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْحُبْسَ لَا يُحَبَّسُ] : أَيْ وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ

نَعَمْ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ حَقَّهُ فِي ذَلِكَ الْحُبْسِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوْ مُدَّةَ اسْتِحْقَاقِهِ، فَإِذَا مَاتَ أَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ اسْتِحْقَاقِهِ رَجَعَ لِمَنْ يَلِيهِ فِي الرُّتْبَةِ. وَأَمَّا مَا يَقَعُ عِنْدَنَا بِمِصْرَ مِنْ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِوَقْفٍ أَوْ النَّاظِرَ عَلَى مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ يَبِيعُ الْوَقْفَ بِدَرَاهِمَ كَثِيرَةٍ وَيَجْعَلُ الْمُشْتَرِي عَلَى نَفْسِهِ لِجِهَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ أَوْ الْمَسْجِدِ حَكْرًا، ثُمَّ يُوقِفُ ذَلِكَ الْوَقْفَ عَلَى زَوْجَتِهِ وَعُتَقَائِهِ، وَإِذَا لَمْ يُوقِفْهُ بَاعَهُ وَوُرِثَ عَنْهُ - وَيُسَمُّونَهُ خُلُوًّا - فَهَذَا بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. وَبَعْضُ مَنْ يَدَّعِي الْعِلْمَ يُفْتِيهِمْ بِجَوَازِهِ وَيُسْنِدُ الْجَوَازَ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهِيَ فَتْوَى بَاطِلَةٌ قَطْعًا. وَحَاشَى الْمَالِكِيَّةُ أَنْ يَقُولُوا بِذَلِكَ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْخَرَشِيِّ: مَا لَمْ يَكُنْ مَنْفَعَةَ حُبْسٍ لِتَعَلُّقِ الْحَبْسِ بِهَا وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ الْحُبْسُ لَا يُحَبَّسُ كَالْخَلَوَاتِ، وَأَيْضًا هِيَ لَا تَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: " مَمْلُوكٍ " إذْ الْمُرَادُ مَمْلُوكٌ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرٍ (اهـ) . وَهُوَ كَلَامٌ حَقٌّ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَتَوْضِيحُهُ عَلَى مَا شَاهَدْنَاهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ؛ أَنَّ الْحَوَانِيتَ الْمَوْقُوفَةَ عَلَى الْمَسْجِدِ الْغُورِيِّ وَالْأَشْرَفِيِّ وَالنَّاصِرِيِّ وَغَيْرِهَا، يَبِيعُهَا النَّاظِرُ بِثَمَنٍ كَثِيرٍ، فَيَبِيعُ الْحَانُوتَ الْوَاحِدَ بِنَحْوِ خَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ لَا لِغَرَضٍ سِوَى حُبِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ إنَّمَا يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ لَا الْمَنْفَعَةَ. قَوْلُهُ: [نَعَمْ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ حَقَّهُ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ جَوَازُ ذَلِكَ وَلَوْ بِمَالٍ يَأْخُذُهُ لِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ: [رَجَعَ لِمَنْ يَلِيهِ فِي الرُّتْبَةِ] : أَيْ فَيَأْخُذُهُ مَجَّانًا بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ وَاضِعُ الْيَدِ دَافِعًا لِشَيْءٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ ضَاعَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [مِنْ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ] إلَخْ: أَيْ فِي الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ. قَوْلُهُ: [لِجِهَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ] : أَيْ أَنَّ الَّذِينَ يَتَجَدَّدُونَ بَعْدَ هَذَا الْمُسْتَحِقِّ الْبَائِعِ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ الْمَسْجِدَ] : رَاجِعٌ لِلنَّاظِرِ. وَقَوْلُهُ: [حَكْرًا] : أَيْ شَيْئًا قَلِيلًا كَالنِّصْفِ وَالنِّصْفَيْنِ كُلَّ شَهْرٍ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [عَلَى زَوْجَتِهِ وَعُتَقَائِهِ] : أَيْ مَثَلًا. قَوْلُهُ: [إذْ الْمُرَادُ مَمْلُوكٌ] : إلَخْ: أَيْ وَالْمَوْقُوفُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَتَوْضِيحُهُ] : أَيْ تَوْضِيحُ مَا قَالَهُ الْخَرَشِيُّ. قَوْلُهُ: [لَا لِغَرَضٍ] : أَيْ شَرْعِيٍّ.

الدُّنْيَا وَالْإِعْرَاضِ عَنْ حُبِّ الْآخِرَةِ. ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ يَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهِ حَكْرًا كُلَّ شَهْرٍ نِصْفَيْنِ فِضَّةً مِنْ الدَّرَاهِمِ الْعَدَدِيَّةِ وَيُسَكِّنُهُ أَوْ يُكْرِيهِ كُلَّ يَوْمٍ بِعَشَرَةِ أَنْصَافٍ. وَقَدْ يُوقِفُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَقَدْ يَبِيعُهُ وَقَدْ يُوفِي بِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ، فَانْظُرْ إلَى هَذَا الْخَيْطِ الْخَارِجِ عَنْ قَوَانِينِ الشَّرِيعَةِ. وَمِنْ الْعَجِيبِ أَنَّ الشَّيْخَ أَحْمَدَ الْغَرْقَاوِيَّ جَعَلَ لِبَعْضِ الْقُضَاةِ رِسَالَةً فِي ذَلِكَ وَجَوَّزَ فِيهَا مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ وَصَارَ النَّاسُ يُفْتُونَ بِجَوَازِ مَا ذُكِرَ مُعْتَمِدِينَ عَلَى مَا فِي الرِّسَالَةِ مِنْ الْكَلَامِ الْبَاطِلِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَصَدَ الْخَرَشِيُّ رَدَّهُ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَفْهَمْ مُرَادَهُ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ شَاعَ عِنْدَنَا بِمِصْرَ أَنَّ الْخُلُوَّ يَجُوزُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَيَجْعَلُونَ مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، حَتَّى لَزِمَ عَلَى ذَلِكَ إبْطَالُ الْأَوْقَافِ وَتَخْرِيبُ الْمَسَاجِدِ وَتَعْطِيلُ الشَّعَائِرِ الْإِسْلَامِيَّةِ. وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ فِي الرِّزْقِ الْكَائِنَةِ بَيْنَ الْجِيزَةِ؛ تَكُونُ مُرْصَدَةً عَلَى مَنَافِعِ زَاوِيَةِ الْإِمَامِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَوْ عَلَى مَنَافِعِ زَاوِيَةِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، فَيَبِيعُهَا النَّاظِرُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ. ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ يُوقِفُهَا عَلَى نَحْوِ زَاوِيَةِ الْإِمَامِ الشَّعْرَانِيِّ وَقَدْ يُوقِفُهَا عَلَى نَفْسِهِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ وَبَعْدَهُ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ، وَرُبَّمَا بَاعَهَا النَّاظِرُ لِذِمِّيٍّ فَأَوْقَفَهَا الذِّمِّيُّ عَلَى كَنِيسَةٍ. وَقَدْ وَقَعَ هَذَا فَإِنَّ رِزْقَةً كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى مَدْرَسَةِ السُّلْطَانِ حَسَنٍ بَاعَهَا نَاظِرُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ لِذِمِّيٍّ ثُمَّ إنَّ الذِّمِّيَّ أَوْقَفَهَا عَلَى كَنِيسَةٍ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَزْرَعُونَهَا وَيَدْفَعُونَ خَرَاجَهَا لِأَهْلِ الْكَنِيسَةِ، ثُمَّ تَغَلَّبَ النَّصَارَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِوَاسِطَةِ أُمَرَاءِ مِصْرَ الضَّالِّينَ فَنَزَعُوهَا مِنْ أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ وَصَارُوا يَزْرَعُونَهَا. هَذَا فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [نِصْفَيْنِ فِضَّةً] : كِنَايَةٌ عَنْ الشَّيْءِ الْقَلِيلِ. قَوْلُهُ: [وَيَسْكُنُهُ] : أَيْ بِنَفْسِهِ وَقَوْلُهُ بِعَشَرَةِ أَنْصَافٍ رَاجِعٌ لَيَكْرِيهِ. قَوْلُهُ: [وَقَدْ يُوقِفُهُ عَلَى نَفْسِهِ] : أَيْ مَثَلًا. قَوْلُهُ: [الْخَارِجُ عَنْ قَوَانِينِ الشَّرِيعَةِ] : أَيْ فَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ. قَوْلُهُ: [فَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ] : أَيْ حَيْثُ مَثَّلَ لِلْوَقْفِ الْفَاسِدِ بِالْخَلَوَاتِ قَائِلًا إنَّ هَذَا التَّمْثِيلَ لَا يَصِحُّ إذْ الْمُرَادُ بِالْخَلَوَاتِ الَّتِي لَا يَصِحُّ وَقْفُهَا هِيَ الَّتِي اسْتَوْفَتْ الشُّرُوطَ مَعَ أَنَّ الَّتِي اسْتَوْفَتْ الشُّرُوطَ يَجُوزُ فِيهَا الْبَيْعُ وَالْوَقْفُ وَالْإِرْثُ وَالْهِبَةُ وَيُقْضَى مِنْهَا الدَّيْنُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادَ الْخَرَشِيِّ، بَلْ مُرَادُهُ الْخَلَوَاتُ الْفَاسِدَةُ الَّتِي بِيعَتْ لَا لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ. قَوْلُهُ: [عَلَى مَنَافِعِ زَاوِيَةِ الْإِمَامِ] إلَخْ: أَيْ مَثَلًا.

[أركان الوقف]

زَمَانِنَا وَانْحَطَّ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. نَعَمْ الْخُلُوُّ الَّذِي وَقَعَتْ الْفَتْوَى بِجَوَازِ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ وَإِرْثِهِ، إنَّمَا هُوَ فِي وَقْفٍ خَرِبٍ لَمْ يَجِدْ النَّاظِرُ أَوْ الْمُسْتَحِقُّ مَا يَعْمُرُهُ بِهِ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ وَلَا أَمْكَنَهُ إجَارَتُهُ بِمَا يَعْمُرُهُ بِهِ، فَيَأْذَنُ لِمَنْ يَعْمُرُهُ بِبِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ عَلَى أَنَّ مَا عَمَرَهُ بِهِ يَكُونُ مِلْكًا لِلْمُعَمِّرِ وَتُفَضُّ الْغَلَّةُ بِالنَّظَرِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْوَقْفِ؛ فَمَا نَابَ الْوَقْفَ يَكُونُ لِلْمُسْتَحِقِّ وَمَا نَابَ الْعِمَارَةَ يَكُونُ لِرَبِّهَا، فَهَذَا لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ الْوَقْفِ وَلَا إخْرَاجُهُ عَنْ غَرَضِ الْوَاقِفِ، وَلَيْسَ هَذَا مُرَادَ الشَّيْخِ الْخَرَشِيِّ بِمَا تَقَدَّمَ حَتَّى يُعْتَرَضَ بِهِ عَلَيْهِ فَافْهَمْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. وَإِذَا عَلِمْت أَنَّ حَقِيقَةَ الْوَقْفِ مَا ذُكِرَ: (فَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ) : الْأَوَّلُ: (وَاقِفٌ وَهُوَ الْمَالِكُ لِلذَّاتِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ) الَّتِي أَوْقَفَهَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُكْرِيَ أَرْضَهُ عَلَى أَنْ تُتَّخَذَ مَسْجِدًا عَشْرَ سِنِينَ فَإِذَا انْقَضَتْ كَانَ النُّقْضُ لِلَّذِي بَنَاهُ. وَشَرْطُ صِحَّةِ وَقْفِهِ: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (إنْ كَانَ) الْوَاقِفُ (أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ) : وَهُوَ الْبَالِغُ الْحُرُّ الرَّشِيدُ الْمُخْتَارُ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا عَبْدٍ وَلَا سَفِيهٍ وَلَا مُكْرَهٍ. (وَ) الثَّانِي: (مَوْقُوفٌ: وَهُوَ مَا مُلِكَ) مِنْ ذَاتٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِجَوَازِ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ] : إلَخْ: أَيْ وَقْفَهُ. قَوْلُهُ: [وَإِذَا عَلِمْت] : أَيْ مِنْ التَّعْرِيفِ. [أَرْكَانُ الْوَقْفُ] قَوْلُهُ: [أَوْ الْمَنْفَعَةِ] : أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مِلْكُ الذَّاتِ. قَوْلُهُ: [عَلَى أَنْ تُتَّخَذَ مَسْجِدًا] : أَيْ فَالْمُكْتَرِي يُوقِفُهَا مَسْجِدًا وَقَصَدَ بِهِ الِاسْتِشْهَادَ عَلَى وَقْفِ الْمَنْفَعَةِ. قَوْلُهُ: [كَانَ النُّقْضُ لِلَّذِي بَنَاهُ] : ظَاهِرٌ يَفْعَلُ بِهِ مَا شَاءَ لِكَوْنِ الْوَقْفِ انْتَهَى أَجَلُهُ فَلَا يُعْطَى حُكْمَ أَنْقَاضِ الْمَسَاجِدِ الْمُؤَبَّدَةِ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ الْبَالِغُ] : أَيْ الْمُكَلَّفُ لِأَنَّهُ سَيُخْرِجُ بِهِ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ وَبَاقِيَ الْمُحْتَرَزَاتِ عَلَى تَرْتِيبِ اللَّفِّ.

(وَلَوْ حَيَوَانًا) رَقِيقًا أَوْ غَيْرَهُ يُوقَفُ عَلَى مُسْتَحِقٍّ لِلِانْتِفَاعِ بِخِدْمَتِهِ أَوْ رُكُوبِهِ أَوْ الْحَمْلِ عَلَيْهِ (أَوْ طَعَامًا وَعَيْنًا) يُوقَفُ كُلٌّ مِنْهُمَا (لِلسَّلَفِ) وَيُنَزَّلُ رَدُّ بَدَلِهِ مَنْزِلَةَ بَقَاءِ عَيْنِهِ. وَجَوَازُ وَقْفِ الطَّعَامِ وَالْعَيْنِ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فَلَا تَرَدُّدَ فِيهِ. نَعَمْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، فَلِذَا اُعْتُرِضَ عَلَى الشَّيْخِ فِي ذِكْرِ التَّرَدُّدِ. وَأَضْعَفُ مِنْهُ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ: لَا يَجُوزُ؛ إنْ حُمِلَ قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمَنْعِ: وَعَلَى كُلِّ حَالٍ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ شَاسٍ خِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ فَكَانَ عَلَى الشَّيْخِ أَنْ لَا يَلْتَفِتَ لِقَوْلِهِمَا. (وَ) الثَّالِثُ: (مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ: وَهُوَ الْأَهْلُ) : أَيْ الْمُسْتَحِقُّ لِصَرْفِ الْمَنَافِعِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ حَيَوَانًا عَاقِلًا كَزَيْدٍ أَوْ الْعُلَمَاءِ أَوْ الْفُقَرَاءِ أَوْ غَيْرَهُ (كَرِبَاطٍ وَقَنْطَرَةٍ) وَمَسْجِدٍ، فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ صَرْفَ غَلَّةِ الْوَقْفِ أَوْ مَنَافِعِهِ عَلَيْهَا لِإِصْلَاحِهَا وَإِقَامَةِ مَنَافِعِهَا (وَنَحْوِ مَنْ سَيُولَدُ) فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِزَيْدٍ مَثَلًا فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ. وَهُوَ لَازِمٌ لِعَقْدِهِ عَلَى مَا لِابْنِ الْقَاسِمِ، فَتُوقَفُ الْغَلَّةُ إلَى أَنْ يُوجَدَ، فَيُعْطَاهَا. فَإِنْ حَصَلَ مَانِعٌ مِنْ مَوْتٍ أَوْ يَأْسٍ مِنْهُ رَجَعَتْ لِلْوَاقِفِ أَوْ وَارِثِهِ، (وَلَوْ) كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ حَيَوَانًا] : رَدَّ بِلَوْ عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ الْقَصَّارِ مِنْ مَنْعِ وَقْفِ الْحَيَوَانِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمُعَقِّبِ أَوْ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ وَأَمَّا تَحْبِيسُ ذَلِكَ لِيُوضَعَ بِعَيْنِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لِتُصْرَفَ غَلَّتُهُ فِي وَجْهِ قُرْبَةٍ فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [رَقِيقًا] : أَيْ فَيَجُوزُ وَقْفُ عَبْدٍ عَلَى مَرْضَى مَثَلًا لِخِدْمَتِهِمْ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ السَّيِّدُ ضَرَرَهُ بِذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ، وَمِثْلُ الْعَبْدِ الْأَمَةُ عَلَى إنَاثٍ وَلَيْسَ لِلْوَاقِفِ حِينَئِذٍ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا صَارَتْ بِوَقْفِهَا لِلْغَيْرِ كَالْمُسْتَعَارَةِ وَالْمَرْهُونَةِ. قَوْلُهُ: [يُوقَفُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلسَّلَفِ] : أَيْ وَأَمَّا إنْ وَقَفَ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَوَقْفِهِ لِتَزْيِينِ الْحَوَانِيتِ مَثَلًا فَلَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا إذْ لَا مَنْفَعَةٌ شَرْعِيَّةٌ تَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [إنْ حُمِلَ قَوْلُهُ] : إلَخْ: قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ أَضْعَفُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرَهُ] : مَعْطُوفٌ عَلَى حَيَوَانًا وَهُوَ دُخُولٌ عَلَى قَوْلِهِ كَرِبَاطٍ وَالْمُرَادُ بِالرِّبَاطِ الثَّغْرُ. قَوْلُهُ: [وَنَحْوِ مَنْ سَيُولَدُ] : كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ أَيْ فَلَا فَرْقَ فِي الْأَهْلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا فِي الْحَالِ كَالْحَيَوَانِ الْعَاقِلِ وَنَحْوِ الرِّبَاطِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ كَمَنْ سَيُولَدُ.

الْمَوْجُودُ أَوْ مَنْ سَيُوجَدُ (ذِمِّيًّا) فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ ظَهَرَتْ قُرْبَةٌ (أَوْ لَمْ تَظْهَرْ قُرْبَةٌ) كَمَا لَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ غَنِيًّا. (وَ) الرَّابِعُ: (صِيغَةٌ) صَرِيحَةٌ (بِ وَقَفْت أَوْ حَبَسْت أَوْ سَبَّلْت، أَوْ) غَيْرُ صَرِيحَةٍ نَحْوُ: (تَصَدَّقْت، إنْ اقْتَرَنَ بِقَيْدٍ) يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ نَحْوَ: لَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ، أَوْ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى بَنِي فُلَانٍ طَائِفَةً بَعْدَ طَائِفَةٍ، أَوْ عَقِبِهِمْ وَنَسْلِهِمْ. فَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ تَصَدَّقْت بِقَيْدٍ يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا لِمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَحْصُرْ، كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، بِيعَ وَتُصُدِّقَ بِثَمَنِهِ عَلَيْهِمْ بِالِاجْتِهَادِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ حَبَسْت وَوَقَفْت يُفِيدَانِ التَّأْبِيدَ مُطْلَقًا قَيَّدَ أَوْ أُطْلِقَ. وَكَذَا سَبَّلْت - كَانَ عَلَى مُعَيَّنِينَ أَمْ لَا - حَتَّى يُقَيَّدَ بِأَجَلٍ أَوْ جِهَةٍ تَنْقَطِعُ وَأَمَّا تَصَدَّقْت؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الْمَوْجُودُ] : أَيْ الصَّالِحُ فِي الْحَالِ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ مَنْ سَيُوجَدُ] : أَيْ الصَّالِحُ فِي الِاسْتِقْبَالِ. قَوْلُهُ: [كَمَا لَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ] : أَيْ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَالْقُرْبَةُ فِيهِ ظَاهِرَةٌ وَلَوْ غَنِيًّا. قَوْلُهُ: [وَالرَّابِعُ صِيغَةٌ] : أَيْ وَمَا نَابَ عَنْهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَنَابَ عَنْهَا التَّخْلِيَةُ بِكَالْمَسْجِدِ. قَوْلُهُ: [طَائِفَةً بَعْدَ طَائِفَةٍ] إلَخْ: أَيْ فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ قَرِينَةٌ عَلَى الْوَقْفِ لَا عَلَى الصَّدَقَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي هِيَ التَّمْلِيكُ بِغَيْرِ عِوَضٍ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا لِمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ] : أَيْ فَإِنْ كَانَ مَحْصُورًا صَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [بِالِاجْتِهَادِ] : أَيْ فَلَا يَلْزَمُ التَّعْمِيمُ بَلْ لِمُتَوَلِّي التَّفْرِقَةِ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ شَاءَ، وَيَمْنَعَ مَنْ شَاءَ، وَإِنَّمَا كَانَتْ تُبَاعُ لِأَنَّ بَقَاءَهَا يُؤَدِّي لِلنِّزَاعِ. قَوْلُهُ: [مُطْلَقًا] : مِنْ جُمْلَةِ مَعْنَى الْإِطْلَاقِ كَانَ عَلَى مُعَيَّنِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ الْآتِي بَعْدُ وَإِنَّمَا أَفْرَدَ مَسْأَلَتَهُ رَدًّا عَلَى الْمُخَالِفِ. قَوْلُهُ: [حَتَّى يُقَيَّدَ بِأَجَلٍ] : أَيْ بِأَنْ يَضْرِبَ لِلْوَقْفِ أَجَلًا كَعَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا. وَقَوْلُهُ: [أَوْ جِهَةٍ تَنْقَطِعُ] : أَيْ كَمَا لَوْ قَيَّدَهُ بِحَيَاةِ شَخْصٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ.

فَلَا يُفِيدُ الْوَقْفَ إلَّا بِقَيْدٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ. (أَوْ) عَلَى (جِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ) : عَطْفٌ عَلَى " مُقَدَّرٍ " أَيْ: عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ جِهَةٍ. . . إلَخْ كَالْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاجِدِ فَإِنْ كَانَ بِحَبَسْت أَوْ وَقَفْت فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ بِ تَصَدَّقْت أَوْ مَنَحْت فَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدٍ يُفِيدُ الْوَقْفَ وَالتَّأْبِيدَ، وَإِلَّا كَانَ مِلْكًا لَهُمْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (أَوْ لِمَجْهُولٍ حُصِرَ) كَعَلَى فُلَانٍ وَعَقِبِهِ وَنَسْلِهِ، وَلَوْ بِلَفْظِ تَصَدَّقْت لِأَنَّ قَوْلَهُ: " وَعَقِبِهِ " وَمَا فِي مَعْنَاهُ يَدُلُّ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَالْمُرَادُ بِالْمَحْصُورِ مَا يُحَاطُ بِأَفْرَادِهِ وَبِغَيْرِهِ مَا لَا يُحَاطُ بِهَا كَالْفُقَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ. (وَنَابَ عَنْهَا) : أَيْ عَنْ الصِّيغَةِ (التَّخْلِيَةُ) بَيْنَ النَّاسِ (بِكَالْمَسْجِدِ) مِنْ رِبَاطٍ وَمَدْرَسَةٍ وَمَكْتَبٍ وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا يُفِيدُ الْوَقْفُ] : أَيْ أَصْلُ الْوَقْفِ مُؤَبَّدًا أَوْ غَيْرَ مُؤَبَّدٍ. قَوْلُهُ: [عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ] : إنَّمَا قَالَ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ وَلَمْ يَجْعَلْهُ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ بِقَيْدٍ؛ لِرُجُوعِهِ لِجَمِيعِ الصِّيَغِ الصَّرِيحَةِ وَغَيْرِهَا فَلِذَلِكَ فَصَّلَ الشَّارِحُ الْأَحْكَامَ بَعْدُ. قَوْلُهُ: [فَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدٍ يُفِيدُ الْوَقْفَ] : أَيْ كَقَوْلِهِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَكَقَوْلِهِ عَلَى بَنِي فُلَانٍ طَائِفَةً بَعْدَ طَائِفَةٍ. قَوْلُهُ: [وَالتَّأْبِيدَ] : لَا حَاجَةَ لَهُ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْبِيدُ. قَوْلُهُ: [أَوْ لِمَجْهُولٍ حَضَرَ] : مَعْطُوفٌ عَلَى جِهَةٍ وَاللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى. قَوْلُهُ: [كَعَلَى فُلَانٍ وَعَقِبِهِ] : وَجْهُ كَوْنِهِ مَجْهُولًا أَنَّ الْعَقِبَ وَالنَّسْلَ غَيْرُ مَعْلُومَيْنِ الصَّادِقُ بِمَنْ وُجِدَ وَمَنْ سَيُوجَدُ. قَوْلُهُ: [يَدُلُّ عَلَى التَّأْبِيدِ] : أَيْ مَا لَمْ يُقَيَّدْ بِأَجَلٍ. قَوْلُهُ: [كَالْفُقَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ] : مِثَالٌ لِغَيْرِ الْمَحْصُورِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهَا] : أَيْ كَمَا لَوْ بَنَى مَسْجِدًا وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ وَلَمْ يَخُصَّ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ لَا فَرْضًا دُونَ نَفْلٍ، وَيَثْبُتُ الْوَقْفُ بِالْإِشَاعَةِ بِشُرُوطِهَا بِأَنْ يَطُولَ زَمَنُ السَّمَاعِ. قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: وَصِفَةُ شَهَادَةِ السَّمَاعِ فِي الْأَحْبَاسِ أَنْ يَشْهَدَ الشَّاهِدُ أَنَّهُ يَعْرِفُ الدَّارَ الَّتِي بِمَوْضِعِ كَذَا، وَحَدُّهَا كَذَا وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَسْمَعُ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ عِشْرِينَ سَنَةً مُتَقَدِّمَةَ التَّارِيخِ عَنْ شَهَادَتِهِ هَذِهِ سَمَاعًا فَاشِيًا مُسْتَفِيضًا مِنْ

(وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ) : أَيْ فِي الْحُبْسِ (التَّنْجِيزُ) ، فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: هُوَ حُبْسٌ عَلَى كَذَا بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ. (وَحُمِلَ فِي الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى تَنْجِيزِ الْعِتْقِ. (كَتَسْوِيَةِ ذَكَرٍ لِأُنْثَى) ، فَإِنَّهُ يُحْمَلُ إذَا أَطْلَقَ عَلَيْهَا، فَإِنْ قَيَّدَ بِشَيْءٍ عُمِلَ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَهْلِ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ حُبْسٌ عَلَى كَذَا أَوْ حُبْسٌ فَقَطْ، وَيَشْهَدُ الْآخَرُ بِذَلِكَ بِهَذَا جَرَى الْعَمَلُ (اهـ) . وَإِنَّمَا يَقَعُ الْحُكْمُ بِهَا بَعْدَ أَنْ يُعْذِرَ الْحَاكِمُ لِمَنْ يُنَازِعُ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يُبْدِ رَافِعًا شَرْعِيًّا كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَيَقُومُ مَقَامَ الصِّيغَةِ أَيْضًا كِتَابَةُ الْوَقْفِ عَلَى الْكُتُبِ إنْ كَانَتْ وَقْفِيَّتُهَا مُقَيَّدَةً بِمَدَارِسَ مَشْهُورَةٍ وَإِلَّا فَلَا، وَيَقُومُ مَقَامَ الصِّيغَةِ أَيْضًا الْكِتَابَةُ عَلَى أَبْوَابِ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَالْأَشْجَارِ الْقَدِيمَةِ وَعَلَى الْحَيَوَانِ. قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ مَكْتُوبًا عَلَى كِتَابٍ وَقْفٌ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ وَقْفِيَّتُهُ حَيْثُ كَانَتْ وَقْفِيَّتُهُ مُطْلَقَةً، فَإِنْ وُجِدَ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ وَقْفٌ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ بِالْمَدْرَسَةِ الْفُلَانِيَّةِ فَإِنْ كَانَتْ مَشْهُورَةً بِالْكُتُبِ ثَبَتَتْ وَقْفِيَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشْهُورَةً بِذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ وَقْفِيَّتُهُ. قَوْلُهُ: [فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ هُوَ حُبْسٌ] إلَخْ: أَيْ وَيَلْزَمُ إذَا جَاءَ الْأَجَلُ كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إلَى أَجَلِ كَذَا فَإِنَّهُ يَكُونُ حُرًّا إذَا جَاءَ الْأَجَلُ الَّذِي عَيَّنَهُ وَلَا إشْكَالَ فِي لُزُومِ الْعَقْدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَقْفِ وَالْعِتْقِ، فَإِنْ حَدَثَ دَيْنٌ عَلَى الْوَاقِفِ أَوْ عَلَى الْمُعْتِقِ فِي ذَلِكَ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ عَقْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ لِلْحُرِّيَّةِ وَيَضُرُّ عَقْدَ الْحُبْسِ إذَا لَمْ يُحَزْ عَنْ الْوَاقِفِ فِي ذَلِكَ الْأَجَلِ، أَمَّا إنْ حِيزَ عَنْهُ أَوْ كَانَتْ مَنْفَعَتُهُ لِغَيْرِ الْوَاقِفِ فِي ذَلِكَ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ حُدُوثُ الدَّيْنِ كَذَا فِي الْخَرَشِيِّ. قَوْلُهُ: [كَتَسْوِيَةِ ذَكَرٍ لِأُنْثَى] : أَيْ كَمَا إذَا قَالَ الْوَاقِفُ دَارِي مَثَلًا وَقْفٌ عَلَى أَوْلَادِي أَوْ أَوْلَادِ زَيْدٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ تَفْضِيلَ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى تَسْوِيَةِ الْأُنْثَى بِالذَّكَرِ فِي الْمَصْرِفِ فَإِنْ بَيَّنَ شَيْئًا عُمِلَ بِهِ إلَّا فِي الْمَرْجِعِ فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِي الْمَرْجِعِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَلَوْ كَانَ الْوَاقِفُ شَرَطَ فِي أَصْلِ وَقْفِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِأَنَّ مَرْجِعَهُ لَيْسَ كَإِنْشَائِهِ وَإِنَّمَا هُوَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ وَسَيَأْتِي.

(وَلَا) يُشْتَرَطُ فِيهِ (التَّأْبِيدُ) : بَلْ يَجُوزُ وَقْفُهُ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ يَرْجِعُ مِلْكًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ. (وَلَا) يُشْتَرَطُ فِيهِ (تَعْيِينُ الْمَصْرِفِ) فِي مَحَلِّ صَرْفِهِ فَجَازَ أَنْ يَقُولَ: أَوْقَفْته لِلَّهِ تَعَالَى، مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَنْ يُصْرَفُ لَهُ. (وَصُرِفَ فِي غَالِبٍ) : أَيْ فِيمَا يُصْرَفُ لَهُ فِي غَالِبِ عُرْفِهِمْ، (وَإِلَّا) يَكُنْ غَالِبٌ فِي عُرْفِهِمْ (فَالْفُقَرَاءُ) يُصْرَفُ عَلَيْهِمْ. وَهَذَا إذَا لَمْ يَخْتَصَّ الْمَوْقُوفُ بِجَمَاعَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَإِلَّا صُرِفَ لَهُمْ كَكُتُبِ الْعِلْمِ (وَلَا) يُشْتَرَطُ (قَبُولُ مُسْتَحِقِّهِ) إذْ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مَحْصُورٍ أَوْ غَيْرَ مَوْجُودٍ أَوْ لَا يُمْكِنُ قَبُولُهُ كَمَسْجِدٍ (إلَّا الْمُعَيَّنَ الْأَهْلَ) أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحِقُّ مُعَيَّنًا وَكَانَ أَهْلًا لِلْقَبُولِ، بِأَنْ كَانَ رَشِيدًا، وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِوَلِيِّهِ؛ فَإِنْ رَدَّ الْمُعَيَّنُ الْأَهْلُ أَوْ وَلِيُّ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ (فَلِلْفُقَرَاءِ) وَلَا يَرْجِعُ مِلْكًا لِرَبِّهِ، وَقَالَ مُطَرِّفٌ: يَرْجِعُ مِلْكًا لِرَبِّهِ أَوْ لِوَارِثِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْبِيدُ] : يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ وَالْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ مَعْمُولٌ بِهِ وَفِي الْمُتَيْطِيِّ مَا يُفِيدُ مَنْعَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، وَيَمْضِي إنْ وَقَعَ وَفِي (ح) عَنْ النَّوَادِرِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ إنْ اشْتَرَطَ فِي وَقْفِهِ إنْ وَجَدَ فِيهِ رَغْبَةَ بَيْعٍ وَاشْتَرَى غَيْرَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. فَإِنْ وَقَعَ وَنَزَلَ مَضَى وَعُمِلَ بِشَرْطِهِ كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [فِي غَالِبِ عُرْفِهِمْ] : أَيْ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِي عُرْفِهِمْ الصَّرْفَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَوْ لِلْغُزَاةِ عُمِلَ بِهِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا يَكُنْ غَالِبٌ فِي عُرْفِهِمْ] : أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَوْقَافٌ أَوْ كَانَ وَلَا غَالِبَ فِيهَا. قَوْلُهُ: [فَالْفُقَرَاءُ يُصْرَفُ عَلَيْهِمْ] : أَيْ بِالِاجْتِهَادِ سَوَاءٌ كَانُوا فِي مَحَلِّ الْوَقْفِ أَوْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [وَقَالَ بَعْضُهُمْ] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ قَبِلَهُ الْمُعَيَّنُ الرَّشِيدُ أَوْ وَلِيُّ غَيْرِهِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ رَدَّهُ كَانَ حَبْسًا عَلَى غَيْرِهِ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، وَهَذَا إذَا جَعَلَهُ الْوَاقِفُ حَبْسًا مُطْلَقًا قَبِلَهُ مَنْ عَيَّنَهُ لَهُ أَمْ لَا، وَأَمَّا إنْ قَصَدَ الْمُعَيَّنَ بِخُصُوصِهِ فَإِنْ رَدَّهُ عَادَ مِلْكًا لِلْمُحَبِّسِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ قَالَ الْمِسْنَاوِيُّ وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ الرِّوَايَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ (اهـ) مُلَخَّصًا مِنْ (بْن) .

[مبطلات الوقف]

مَالِكٍ إنْ رَدَّ الْمُعَيَّنُ يَكُونُ لِغَيْرِهِ أَنَّ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ لَا لِخُصُوصِ الْفُقَرَاءِ فَتَأَمَّلْهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مُبْطِلَاتِ الْوَقْفِ بِقَوْلِهِ: (وَبَطَلَ) الْوَقْفُ (بِمَانِعٍ) : أَيْ بِحُصُولِ مَانِعٍ لِلْوَاقِفِ (قَبْلَ حَوْزِهِ) : أَيْ قَبْلَ أَنْ يَحُوزَهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يَحُزْهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ - وَلَوْ سَفِيهًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ وَلِيَّهُ - حَتَّى حَصَلَ لِلْوَاقِفِ مَانِعٌ مِنْ مَوْتٍ أَوْ فَلَسٍ أَوْ مَرَضٍ مُتَّصِلٍ بِمَوْتِهِ، بَطَلَ الْوَقْفُ وَرَجَعَ لِلْغَرِيمِ فِي الْفَلَسِ وَلِلْوَارِثِ فِي الْمَوْتِ، إنْ لَمْ يُجِزْهُ الْوَارِثُ، وَإِلَّا نَفَذَ. وَهَذَا إذَا حَبَّسَ فِي صِحَّتِهِ، وَأَمَّا مَنْ حَبَّسَ فِي مَرَضِهِ فَهُوَ كَالْوَصِيَّةِ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ إذَا كَانَ لِغَيْرِ وَارِثٍ وَإِلَّا بَطَلَ كَمَا يَأْتِي. وَلِلْوَاقِفِ فِي الْمَرَضِ الرُّجُوعُ فِيهِ لِأَنَّهُ كَالْوَصِيَّةِ بِخِلَافِ الْوَاقِفِ فِي الصِّحَّةِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ قَبْلَ الْمَانِعِ، وَيُجْبَرُ عَلَى التَّحْوِيزِ إلَّا إذَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ الرُّجُوعَ فَلَهُ ذَلِكَ. (أَوْ) بِحُصُولِ مَانِعٍ لَهُ (بَعْدَ عَوْدِهِ) : أَيْ الْوَقْفِ (لَهُ) أَيْ لِوَاقِفِهِ (قَبْلَ عَامٍ) بَعْدَ أَنْ حِيزَ عَنْهُ (وَلَهُ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ لِلْوَاقِفِ (غَلَّةً كَدَارٍ) وَحَانُوتٍ وَحَمَّامٍ وَدَابَّةٍ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الْوَقْفُ بِحُصُولِ الْمَانِعِ لِلْوَاقِفِ حَالَ اسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَامِ، وَسَوَاءٌ أَوْقَفَهُ عَلَى مَحْجُورِهِ أَوْ غَيْرِهِ عَادَ إلَيْهِ بِعِوَضٍ؛ كَإِجَارَةٍ أَوْ بِغَيْرِهِ مَا لَمْ يُحَزْ عَنْهُ ثَانِيًا قَبْلَ الْمَانِعِ؛ وَإِلَّا لَمْ يَبْطُلْ. وَمَفْهُومُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مُبْطِلَاتِ الْوَقْفِ] قَوْلُهُ: [وَلَوْ سَفِيهًا] إلَخْ: مُبَالَغَةٌ فِي مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فَإِنْ حَازَهُ صَحَّ هَذَا إذَا كَانَ الْحَائِزُ لَهُ رَشِيدًا، بَلْ وَلَوْ سَفِيهًا إلَخْ. وَقَوْلُهُ: [حَتَّى حَصَلَ لِلْوَاقِفِ مَانِعٌ] : غَايَةٌ فِي قَوْلِهِ لَمْ يَحُزْهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ فَلَسٍ] : الْمُرَادُ بِالْفَلَسِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الْأَخَصَّ وَالْأَعَمَّ الَّذِي هُوَ إحَاطَةُ الدَّيْنِ. وَقَوْلُهُ: [بَطَلَ الْوَقْفُ] : جَوَابُ إذَا وَالْمُرَادُ بِالْبُطْلَانِ عَدَمُ التَّمَامِ لِأَنَّ عَدَمَ إمْضَاءِ ذَلِكَ حَقٌّ لِلْغُرَمَاءِ فِي الْفَلَسِ وَلِلْوَرَثَةِ فِي الْمَوْتِ. قَوْلُهُ: [إنْ لَمْ يُجِزْهُ الْوَارِثُ] : أَيْ أَوْ الْغَرِيمُ وَالْمُرَادُ بِالْإِجَازَةِ الْإِمْضَاءُ. قَوْلُهُ: [وَسَوَاءٌ أَوْقَفَهُ عَلَى مَحْجُورِهِ] : وَسَيَأْتِي بِشُرُوطِ مَسْأَلَةِ الْوَقْفِ عَلَى الْمَحْجُورِ الْآتِيَةِ. قَوْلُهُ: [مَا لَمْ يُحَزْ عَنْهُ ثَانِيًا قَبْلَ الْمَانِعِ] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ عَادَ لِانْتِفَاعِهِ بِمَا وَقَفَهُ قَبْلَ عَامٍ وَحَصَلَ الْمَانِعُ قَبْلَ أَنْ يُحَازَ عَنْهُ ثَانِيًا بَطَلَ الْوَقْفُ مُطْلَقًا كَانَ عَلَى مَحْجُورِهِ

قَبْلَ عَامٍ " أَنَّهُ لَوْ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ الْعَامِ فَحَصَلَ الْمَانِعُ، لَمْ يَبْطُلْ؛ لِأَنَّهُ الْمُدَّةُ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا اشْتِهَارُ الْوَقْفِ غَالِبًا بِخِلَافِ الرَّهْنِ إذَا عَادَ لِلرَّاهِنِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِالْمَانِعِ وَلَوْ طَالَتْ حِيَازَةُ الْمُرْتَهِنِ لَهُ. وَذَكَرَ مَفْهُومَ " وَلَهُ غَلَّةٌ " بِقَوْلِهِ: (بِخِلَافِ) مَا لَا غَلَّةَ لَهُ (نَحْوِ كُتُبٍ) لِلْعِلْمِ (وَسِلَاحٍ) فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالْمَانِعِ إذَا عَادَ لِيَدِ الْوَاقِفِ قَبْلَ عَامٍ وَأَوْلَى بَعْدَهُ (إذَا صَرَفَهُ) قَبْلَ عَوْدِهِ لَهُ (فِي مَصْرِفِهِ) بِأَنْ حِيزَ عَنْهُ لِمَنْ يَقْرَأُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْكِتَابِ أَوْ لِمَنْ يُقَاتِلُ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلسِّلَاحِ أَوْ لِمَنْ يَنْجُرُ بِهِ فِي نَحْوِ الْقَدُومِ وَلَوْ كَانَتْ الْحِيَازَةُ لَهُ بِنَحْوِ تَغْيِيرَةِ الْكَرَّاسَ فَمَا بَعْدَهُ إلَخْ فَإِنَّهُ كَافٍ وَلَا يَبْطُلُ بِالْمَانِعِ قَبْلَ الْعَامِ. وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِنَا " بِخِلَافٍ " إلَخْ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: هُمَا سَوَاءٌ فِي الْبُطْلَانِ. وَقَوْلُنَا: " وَمَفْهُومُ قَبْلَ عَامٍ "، أَنَّهُ لَوْ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ الْعَامِ إلَخْ شَامِلٌ لِلْوَقْفِ عَلَى غَيْرِ الْمَحْجُورِ وَعَلَى الْمَحْجُورِ اتِّفَاقًا فِي الْأَوَّلِ، وَعَلَى الْأَرْجَحِ، فِي الثَّانِي قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَإِنْ عَادَ إلَيْهَا أَيْ الدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ بَعْدَ الْعَامِ نَفَذَتْ، وَإِنْ مَاتَ فِيهَا إذَا كَانَ رُجُوعُهُ إلَيْهَا بِالْكِرَاءِ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ الْعَمَلُ، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ. وَمُقَابِلُهُ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ الْقَائِلَةُ بِالْبُطْلَانِ إذَا عَادَ لِمَا حَبَّسَ عَلَى مَحْجُورِهِ وَلَوْ بَعْدَ أَعْوَامٍ وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهَا. قَالَ الْمُحَشِّي: وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ سَيِّدِي أَحْمَدُ الزَّوَاوِيُّ فَقَالَ: رُجُوعُ وَاقِفٍ لِمَا قَدْ وَقَفَا ... بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ قَدْ خَفَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ عَلَى غَيْرِهِ عَادَ بِكِرَاءٍ أَوْ إرْفَاقٍ، وَإِنْ عَادَ بَعْدَ عَامٍ بِكِرَاءٍ أَوْ إرْفَاقٍ فَلَا يَبْطُلُ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ مَحْجُورِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مَحْجُورِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ إنْ عَادَ لَهُ بِكِرَاءٍ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ عَادَ لَهُ بِإِرْفَاقٍ بَطَلَ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَبْطُلُ] إلَخْ: أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] ، فَجَعَلَ الْقَبْضَ وَصْفًا لَهَا. قَوْلُهُ: [وَعَلَى الْمَحْجُورِ] : أَيْ إلَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ. قَوْلُهُ: [قَالَ الْمُحَشِّي] : مُرَادُهُ بِهِ (بْن) . قَوْلُهُ: [قَدْ خَفَا] : أَيْ فَلَا يَبْطُلُ الْوَقْفُ.

[حصول المانع في الوقف]

عَلَى صَبِيٍّ كَانَ أَوْ ذِي رُشْدِ ... وَاعْتَرَضْت طَرِيقَةَ ابْنِ رُشْدٍ وَقَوْلُ الْمُتَيْطِيِّ: إذَا كَانَ رُجُوعُهُ إلَيْهَا بِكَالْكِرَاءِ وَأَشْهَدَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا عَادَ إلَيْهَا لَا بِكِرَاءٍ، بَلْ بِإِرْفَاقٍ بَطَلَ، أَيْ فِي الْمَحْجُورِ بَعْدَ الْعَامِ وَبِهِ جَزَمَ بَعْضُهُمْ. وَقَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِنَا: " وَبَطَلَ بِمَانِعٍ قَبْلَ الْحَوْزِ " أَنَّ الْحَوْزَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْحُبْسِ وَهُوَ الْإِخْرَاجُ عَنْ يَدِ الْمُحَبِّسِ وَكَذَا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ. وَلَا بُدَّ مِنْ مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ لِحَوْزِهِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَلَوْ أَقَرَّ الْمُعْطِي فِي صِحَّةٍ أَنَّ الْمُعْطَى قَدْ حَازَ وَقَبَضَ وَشَهِدَتْ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بَيِّنَةٌ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَقْضِ بِذَلِكَ إنْ أَنْكَرَتْ وَرَثَتُهُ حَتَّى تُعَايِنَ الْبَيِّنَةُ الْحَوْزَ (انْتَهَى) . وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ الْمَحْجُورُ إذَا وَقَفَ عَلَيْهِ وَلِيُّهُ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحِيَازَةُ الْحِسِّيَّةُ بِقَوْلِهِ: (إلَّا) أَنْ يُوقِفَ الْوَلِيُّ مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ أَوْ مُقَدَّمٍ. (لِمَحْجُورِهِ) الصَّغِيرِ أَوْ السَّفِيهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْزُ الْحِسِّيُّ بَلْ يَكْفِي الْحُكْمِيُّ، فَيَصِحُّ وَقْفُ الْوَلِيِّ عَلَيْهِ إذَا اسْتَمَرَّ الْوَقْفُ تَحْتَ يَدِهِ حَتَّى حَصَلَ الْمَانِعُ، لَكِنْ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ أَفَادَهَا بِقَوْلِهِ: (إنْ أَشْهَدَ) الْوَلِيُّ (عَلَى الْوَقْفِ) عَلَى مَحْجُورِهِ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَى الْحَوْزِ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ بَطَلَ بِالْمَانِعِ. (وَصَرَفَ) وَلِيُّهُ (لَهُ) : أَيْ لِلْمَحْجُورِ (الْغَلَّةَ) : أَيْ فِي مَصَالِحِهِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَلَى صَبِيٍّ كَأَنْ] إلَخْ: تَعْمِيمٌ فِيمَا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: [وَاعْتَرَضَتْ طَرِيقَةَ ابْنِ رُشْدٍ] : أَيْ حَيْثُ قَالَ بِالْبُطْلَانِ فِي الْمَحْجُورِ وَلَوْ كَانَ الرُّجُوعُ بَعْدَ أَعْوَامٍ وَلَوْ مَعَ الْإِشْهَادِ وَالْكِرَاءِ لَهُ. قَوْلُهُ: [وَبِهِ جَزَمَ بَعْضُهُمْ] : أَيْ بِهَذَا التَّفْصِيلِ. قَوْلُهُ: [وَقَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِنَا] إلَخْ: بِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ مَنْ أَوْقَفَ دَارَ سُكْنَاهُ مَثَلًا عَلَى ذُرِّيَّتِهِ وَبَقِيَ سَاكِنًا فِيهَا حَتَّى مَاتَ يَكُونُ وَقْفُهُ بَاطِلًا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَيَرْجِعُ مِيرَاثًا. قَوْلُهُ: [حَتَّى تُعَايِنَ الْبَيِّنَةُ الْحَوْزَ] : أَيْ وَالْإِشْهَادُ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْحَوْزِ لَا يَكْفِي. [حُصُول الْمَانِعُ فِي الْوَقْفِ] قَوْلُهُ: [وَصَرَفَ وَلِيُّهُ] : أَيْ وَلَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [كُلًّا أَوْ بَعْضًا] : قَالَ اللَّقَانِيُّ: وَصَرَفَ الْغَلَّةَ لَهُ أَيْ كُلَّهَا أَوْ جُلَّهَا قِيَاسًا عَلَى الْهِبَةِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَصْرِفْ الْغَلَّةَ بِالْمَرَّةِ أَوْ لَمْ يَصْرِفْ لَهُ إلَّا الْأَقَلَّ أَوْ النِّصْفَ بَطَلَ

[الوقف على وارث في مرض الموت]

مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَصْرِفْ مِنْهَا عَلَيْهِ بَطَلَ بِالْمَانِعِ. (وَلَمْ يَكُنْ الْمَوْقُوفُ) عَلَى الْمَحْجُورِ (دَارَ سُكْنَاهُ) : أَيْ الْوَاقِفِ، فَإِنْ كَانَتْ دَارَ سُكْنَاهُ بَطَلَ بِالْمَانِعِ إلَّا إذَا تَخَلَّى الْوَاقِفُ عَنْهَا وَعَايَنَتْ الْبَيِّنَةُ فَرَاغَهَا مِنْ شَوَاغِلِ الْمُحَبِّسِ. (إلَّا أَنْ يَسْكُنَ) الْوَلِيُّ مِنْهَا (الْأَقَلَّ وَيُكْرِيَ لَهُ) : أَيْ لِمَحْجُورِهِ (الْأَكْثَرَ) لِلصَّرْفِ عَلَيْهِ فَيَكْفِي وَلَا يَبْطُلُ لِأَنَّ الْأَقَلَّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ (وَإِنْ سَكَنَ النِّصْفَ بَطَلَ فَقَطْ) إنْ حَصَلَ مَانِعٌ، وَصَحَّ النِّصْفُ الَّذِي لَمْ يَسْكُنْهُ. وَإِنْ سَكَنَ الْأَكْثَرَ بَطَلَ الْجَمِيعُ، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ حِيَازَةَ الْأُمِّ مَا حَبَّسَتْهُ عَلَى وَلَدِهَا الصَّغِيرِ لَا يَكْفِي، إلَّا إذَا كَانَتْ وَصِيَّةً. وَتَقَدَّمَ أَنَّ السَّفِيهَ أَوْ الصَّغِيرَ أَوْ جَازَ لِنَفْسِهِ لَصَحَّتْ حِيَازَتُهُ فَلَا يَبْطُلُ الْحُبْسُ بِالْمَانِعِ بَعْدَهُ. (وَ) بَطَلَ الْوَقْفُ (عَلَى وَارِثٍ بِمَرَضِ مَوْتِهِ) لِأَنَّ الْوَقْفَ فِي الْمَرَضِ كَالْوَصِيَّةِ وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ. (وَإِلَّا) يَكُنْ الْوَقْفُ فِي الْمَرَضِ عَلَى وَارِثٍ بَلْ عَلَى غَيْرِهِ (فَمِنْ الثُّلُثِ) يَخْرُجُ فَإِنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ إلَّا مَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَقْفُ (اهـ) إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْمُرَادُ بِالْبَعْضِ الْحِلُّ. قَوْلُهُ: [وَيُكْرِي لَهُ] إلَخْ: مَفْهُومُهُ لَوْ أَبْقَى الْأَكْثَرَ خَالِيًا مِنْ غَيْرِ كِرَاءٍ بَطَلَ الْوَقْفُ، وَمِثْلُهُ مَا إذَا أَكْرَاهُ لِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ سَكَنَ النِّصْفَ بَطَلَ فَقَطْ] : وَهَذَا بِخِلَافِ صَرْفِ الْغَلَّةِ فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ صَرْفَ النِّصْفِ الْمَحْجُورِ مُبْطِلٌ لِلْوَقْفِ فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّ النِّصْفَ الَّذِي تَعَلَّقَ بِالسُّكْنَى مُتَمَيِّزٌ. بِخِلَافِ صَرْفِ الْغَلَّةِ فَلَا تَمْيِيزَ فِيهِ كَمَا يُفِيدُهُ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَفُهِمَ مِنْهُ] : أَيْ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا لِمَحْجُورِهِ. [الْوَقْفُ عَلَى وَارِثٍ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ] قَوْلُهُ: [بِمَرَضِ مَوْتِهِ] : أَيْ الْمَرَضِ الَّذِي يَعْقُبُهُ الْمَوْتُ وَلَوْ خَفِيفًا وَيَبْطُلُ وَلَوْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ لِأَنَّهُ كَالْوَصِيَّةِ وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ فِيمَا يَبْطُلُ فِيهِ الْوَقْفُ حَيْثُ لَمْ يُجِزْهُ الْوَارِثُ غَيْرُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَإِنْ أَجَازَهُ مَضَى وَلِذَا كَانَ دُخُولُ الْأُمِّ وَالزَّوْجَةِ فِيمَا لِلْأَوْلَادِ حَيْثُ لَمْ يُجِيزَا، فَإِنْ أَجَازَا لَمْ يَدْخُلَا كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ.

ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ بُطْلَانِ وَقْفِ الْمَرِيضِ عَلَى الْوَارِثِ مَسْأَلَةً تُعْرَفُ بِمَسْأَلَةِ وَلَدِ الْأَعْيَانِ فَقَالَ: (إلَّا) وَقْفًا (مُعَقَّبًا) : كَانَ لَهُ غَلَّةٌ أَمْ لَا أَوْقَفَهُ الْمَرِيضُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهِ (خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ) : أَيْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ فَيَصِحُّ، فَإِنْ حَمَلَ الثُّلُثُ بَعْضَهُ جَرَى فِيهِ مَا سَيَذْكُرُ فِيمَا يَحْمِلُهُ الثُّلُثُ. (فَكَمِيرَاثٍ لِلْوَارِثِ) : فِي الْقَسْمِ مِمَّا يَخُصُّ الْوَارِثَ، وَلَيْسَ مِيرَاثًا حَقِيقَةً إذْ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ فَيَكُونُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ فِي الْمِثَالِ مِنْ مَنَابِ الْأَوْلَادِ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، فَيَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ وَإِنْ لَمْ يُوقِفْ عَلَيْهِمْ. وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِالْمِثَالِ، فَقَالَ: (كَثَلَاثَةِ أَوْلَادٍ) لِصُلْبِهِ هُمْ أَوْلَادُ الْأَعْيَانِ (وَأَرْبَعَةِ أَوْلَادِ أَوْلَادٍ) أَوْقَفَ عَلَيْهِمْ فِي مَرَضِهِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ كَدَارٍ وَعَقَّبَهُ بِأَنْ قَالَ: وَعَقِبَهُمْ. فَالتَّعْقِيبُ شَرْطٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَالْخُرُوجِ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ لَمْ يُعَقِّبْهُ بَطَلَ عَلَى الْأَوْلَادِ وَصَحَّ عَلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [تُعْرَفُ بِمَسْأَلَةِ وَلَدِ الْأَعْيَانِ] : أَيْ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: فِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ قُصُورٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَخْتَصُّ بِالْوَقْفِ عَلَى وَلَدِ الْأَعْيَانِ، بَلْ الْوَقْفُ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْوَرَثَةِ كَذَلِكَ فَلَوْ وَقَفَ فِي مَرَضِهِ عَلَى إخْوَتِهِ وَأَوْلَادِهِمْ وَعَقِبِهِمْ، أَوْ عَلَى إخْوَتِهِ وَأَوْلَادِ عَمِّهِ وَعَقِبِهِمْ، وَأَخَوَاتِهِ وَعَقِبِهِنَّ، أَوْ أَوْلَادِ عَمِّهِ وَعَقِبِهِمْ. فَالْحُكْمُ لَا يَخْتَلِفُ وَضَابِطُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُوقِفَ الْمَرِيضُ عَلَى وَارِثٍ وَغَيْرِ وَارِثٍ وَعَقِبِهِمْ. قَوْلُهُ: [مُعَقَّبًا] : أَيْ أَدْخَلَ فِي الْوَقْفِ عَقِبًا. قَوْلُهُ: [فَيَكُونُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ] : أَيْ وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ تَسَاوِيَهُمَا. قَوْلُهُ: [وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ] : أَيْ وَالْبَاقِي لِلْأَوْلَادِ. قَوْلُهُ: [وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِالْمِثَالِ] : وَهَذَا الْمِثَالُ لِلْمُدَوَّنَةِ فَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ كَخَلِيلٍ، وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُوقِفَ الْوَاقِفُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَلَى وَارِثٍ وَعَلَى غَيْرِ وَارِثٍ وَعَلَى عَقِبِهِمْ فَلَا مَفْهُومَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [هُمْ أَوْلَادُ الْأَعْيَانِ] : أَيْ وَهُمْ الَّذِينَ سُمِّيَتْ الْمَسْأَلَةُ بِهِمْ. قَوْلُهُ: [وَعَقَّبَهُ] : بِالتَّشْدِيدِ فِعْلٌ مَاضٍ: أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ عَقَّبَهُ بِأَنْ قَالَ إلَخْ. قَوْلُهُ: [بَطَلَ عَلَى الْأَوْلَادِ وَصَحَّ عَلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ] : أَيْ وَحِينَئِذٍ تُقْسَمُ ذَاتُ

(وَتَرَكَ) مَعَ السَّبْعَةِ مِمَّنْ يَرِثُ (زَوْجَةً وَأُمًّا، فَيَدْخُلَانِ فِي مَالِ الْأَوْلَادِ) . وَكَذَا كُلُّ مَنْ يَرِثُ مِمَّنْ لَمْ يُوقِفْ عَلَيْهِ كَالْأَبِ فَمَا يَنُوبُ الْأَوْلَادَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ مِنْ سَبْعَةٍ سَوَاءٌ كَانُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا أَوْ بَعْضُهُمْ أَطْلَقَ أَوْ سَوَّى بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى أَوْ جَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، إذْ شَرْطُهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيمَا لِأَوْلَادِ الْأَعْيَانِ، بَلْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: " فَكَمِيرَاثٍ لِلْوَارِثِ؛ فَلِلزَّوْجَةِ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَسْهُمُ الثُّمُنِ وَلِلْأُمِّ مِنْهَا السُّدُسُ (وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِهِ لِوَلَدِ الْوَلَدِ وَقْفٌ) عَلَيْهِمْ يُعْمَلُ فِيهَا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ مِنْ تَفَاضُلٍ أَوْ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ مَالِ أَوْلَادِ الصُّلْبِ فَإِنَّهُ كَالْمِيرَاثِ لِلذَّكَرِ فِيهِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَوْ شَرَطَ خِلَافَهُ. وَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ يَرِثُ، إلَّا إذَا لَمْ يُوقِفْ عَلَيْهِ وَلِكَوْنِهِ مُعَقِّبًا لَمْ يَبْطُلْ مَا نَابَ الْأَوْلَادَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِهِمْ بِهِ، وَلِكَوْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَقْفِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ، فَمَا نَابَ الْأَوْلَادَ تَكُونُ ذَاتُهُ إرْثًا وَمَا نَابَ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ يَكُونُ وَقْفًا كَمَا فِي (بْن) عَنْ التَّوْضِيحِ. قَوْلُهُ: [فَيَدْخُلَانِ] : أَيْ إنْ مَنَعَتَا مَا فَعَلَهُ مُوَرِّثُهُمَا مِنْ وَقْفِهِ فِي الْمَرَضِ، وَأَمَّا إنْ أَجَازَتَا فِعْلَهُ فَلَا يَدْخُلَانِ أَصْلًا كَمَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [عَلَى كُلِّ حَالٍ] : أَيْ شَرَطَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ. قَوْلُهُ: [مِنْ تَفَاضُلٍ أَوْ غَيْرِهِ] : أَيْ كَانَ التَّفْضِيلُ لِلذُّكُورِ أَوْ لِلْإِنَاثِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ شَرَطَ خِلَافَهُ] : أَيْ لِكَوْنِهِ بِالنِّسْبَةِ لَهُمْ كَالْمِيرَاثِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ. قَوْلُهُ: [إذَا لَمْ يُوقِفْ عَلَيْهِ] : هَذَا الْقَيْدُ اعْتَبَرَهُ (عب) وَتَبِعَهُ فِي الْحَاشِيَةِ، فَقَالَ: وَمَحَلُّ كَوْنِهِ كَالْمِيرَاثِ إذَا حَبَّسَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ دُونَ الْأُمِّ وَالزَّوْجَةِ فَإِنْ حَبَّسَ عَلَيْهِمَا مَعَ مَنْ ذُكِرَ فَإِنَّ الْوَقْفَ يَكُونُ بَيْنَ الْجَمِيعِ بِالسَّوِيَّةِ لَا بِحَسَبِ الْفَرَائِضِ فِي الْوِرَاثَةِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْوَاقِفِ تَفْضِيلٌ فَلَا يُقَالُ حِينَئِذٍ فَلَا يَدْخُلَانِ فِيمَا لِلْأَوْلَادِ (اهـ) قَالَ (بْن) : هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ حَيْثُ عُلِمَ أَنَّ نَصِيبَ الْوَرَثَةِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى حُكْمِ الْإِرْثِ لِأَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ لَزِمَ قَسْمُهُ عَلَى الْفَرَائِضِ، وَعَدَمُ تَسْوِيَةِ الْأُمِّ وَالزَّوْجَةِ مَعَ الْأَوْلَادِ سَوَاءٌ أَدْخَلَهُمَا حَسَبَ رُءُوسِهِمَا فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ أَوْ لَا تَأَمَّلْهُ (اهـ) . قَوْلُهُ: [لِتَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِهِمْ بِهِ] : أَيْ وَهُمْ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ.

الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ فِي الْمَرَضِ لَا يَصِحُّ شَارَكَهُمْ غَيْرُهُمْ مِنْ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ. وَحَاصِلُ قَسْمِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى طَرِيقَةِ الْفَرْضِيِّينَ: أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ سَبْعَةٍ لِأَوْلَادِ الْأَعْيَانِ، مِنْهَا ثَلَاثَةٌ لِلْأُمِّ مِنْهَا السُّدُسُ مِنْ سِتَّةٍ وَلِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَبَيْنَ الْمَخْرَجَيْنِ مُوَافَقَةٌ بِالْأَنْصَافِ، فَيُضْرَبُ نِصْفُ أَحَدِهِمَا فِي كَامِلِ الْآخَرِ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ؛ لِلْأُمِّ سُدُسُهَا أَرْبَعَةٌ وَلِلزَّوْجَةِ ثُمُنُهَا ثَلَاثَةٌ، يَبْقَى سَبْعَةَ عَشَرَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْلَادِ الْأَعْيَانِ لَا تَنْقَسِمُ وَتُبَايَنُ، فَتُضْرَبُ الرُّءُوسُ الثَّلَاثَةُ الْمُنْكَسِرَةُ عَلَيْهَا سِهَامُهَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ الْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ بِاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ، ثُمَّ يُقَالُ: مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي ثَلَاثَةٍ؛ فَلِلْأُمِّ أَرْبَعَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ وَلِلزَّوْجَةِ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِتِسْعَةٍ وَلِلْأَوْلَادِ سَبْعَةَ عَشَرَ فِي ثَلَاثَةٍ بِوَاحِدٍ وَخَمْسِينَ لِكُلِّ وَاحِدٍ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَأَمَّا أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ فَأَرْبَعَتُهُمْ مُنْقَسِمَةٌ عَلَيْهِمْ. (وَانْتَقَضَ الْقَسْمُ) الْمَذْكُورُ (بِحُدُوثِ وَلَدٍ) أَوْ أَكْثَرَ لِلْفَرِيقَيْنِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا فَإِذَا حَدَثَ وَاحِدٌ صَارَتْ الْقِسْمَةُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَاثْنَانِ صَارَتْ مِنْ تِسْعَةٍ وَهَكَذَا. (كَمَوْتِهِ) : أَيْ كَمَوْتِ وَلَدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ أَوْ أَكْثَر فَتَنْتَقِضُ. فَإِذَا مَاتَ وَاحِدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [شَارَكَهُمْ غَيْرُهُمْ] : أَيْ الَّذِي هُوَ الزَّوْجَةُ وَالْأُمُّ أَيْ إنَّمَا قُسِمَ كَالْمِيرَاثِ وَشَارَكَهُمْ فِيهِ الْأُمُّ وَالزَّوْجَةُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ فِي الْمَرَضِ. قَوْلُهُ: [عَلَى طَرِيقَةِ الْفَرْضِيِّينَ] : أَيْ الَّذِينَ لَا يُعْطُونَ كَسْرًا. قَوْلُهُ: [مِنْهَا] : أَيْ مِنْ الثَّلَاثَةِ الَّتِي تَخُصُّ أَوْلَادَ الْأَعْيَانِ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ وَالْأُمَّ لَا دُخُولَ لَهُمَا فِيمَا لِأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ فِيهِ. قَوْلُهُ: [وَبَيْنَ الْمَخْرَجَيْنِ] : أَيْ الَّذِي هُوَ السِّتَّةُ وَالثَّمَانِيَةُ. قَوْلُهُ: [الْمُنْكَسِرَةُ عَلَيْهَا سِهَامُهَا] : أَيْ الَّتِي هِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ. قَوْلُهُ: [الْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ] : بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ. قَوْلُهُ: [مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ] : أَيْ الَّتِي هِيَ الْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ. قَوْلُهُ: [أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي ثَلَاثَةٍ] : أَيْ الَّتِي هِيَ عَدَدُ رُءُوسِ أَوْلَادِ الْأَعْيَانِ. قَوْلُهُ: [وَانْتَقَضَ الْقَسْمُ الْمَذْكُورُ] : أَيْ الَّذِي هُوَ عَلَى سَبْعَةٍ. قَوْلُهُ: [فَإِذَا حَدَثَ وَاحِدٌ] : يُتَصَوَّرُ حُدُوثُ وَلَدٍ مِنْ أَوْلَادِ الْأَعْيَانِ فِيمَا إذَا كَانَ لِلْوَاقِفِ وَلَدٌ غَائِبٌ لَمْ يُعْلَمْ بِهِ حِين الْقَسْمِ ثُمَّ حَضَرَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُ ابْنُ الْوَاقِفِ فَتُنْقَضُ الْقِسْمَةُ.

مِنْ أَوْلَادِ الْأَعْيَانِ فَالْقِسْمَةُ مِنْ سِتَّةٍ لِأَوْلَادِ الْأَعْيَانِ سَهْمَانِ لِلْأُمِّ سُدُسُهَا وَلِلزَّوْجَةِ ثُمُنُهُمَا وَالْبَاقِي يُقْسَمُ عَلَى ثَلَاثَةِ الِاثْنَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ مِنْ أَوْلَادِ الْأَعْيَانِ وَأَخِيهِمْ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ حَيَاتُهُ، وَنَصِيبُهُ يَكُونُ لِوَارِثِهِ عَلَى حَسَبِ الْفَرَائِضِ. فَإِذَا كَانَتْ زَوْجَةُ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورَةُ أُمَّهُ كَانَ لَهَا مِنْ نَصِيبِهِ الثُّلُثُ أَوْ السُّدُسُ، إنْ كَانَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ أَوْ بَعْضُهُمْ أَبْنَاءَهُ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ لِأُمِّ الْوَاقِفِ لِأَنَّهَا جَدَّتُهُ حُجِبَتْ بِأُمِّهِ. وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ لَيْسَتْ بِأُمِّهِ كَانَ لِأُمِّ الْوَاقِفِ السُّدُسُ مِنْهُ لِأَنَّهَا جَدَّتُهُ. وَإِنْ كَانَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ أَبْنَاءَهُ كَانَ لَهُمْ الْبَاقِي. وَإِنْ كَانَ أَبْنَاؤُهُ بَعْضَهُمْ اخْتَصَّ بِهِ. وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَبْنَاءَ أَخِيهِ اخْتَصَّ بِهِ أَخَوَاهُ الْبَاقِيَانِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ اثْنَانِ مِنْ أَوْلَادِ الْأَعْيَانِ. فَلَوْ مَاتَ الثَّلَاثَةُ رَجَعَ الْوَقْفُ جَمِيعُهُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ مَعَ مَا بِيَدِ الزَّوْجَةِ وَالْأُمِّ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُمَا كَانَ بِالتَّبَعِ لِأَوْلَادِ الْأَعْيَانِ. وَلَوْ مَاتَتْ أُمُّ الْمُحَبِّسِ أَوْ زَوْجَتُهُ أَوْ وَارِثُ الِابْنِ الْمَيِّتِ مِمَّا لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْوَقْفِ - كَزَوْجَتِهِ وَأَخِيهِ لِأُمِّهِ - فَسَهْمُهُ عَلَى وَرَثَتِهِ عَلَى حَسَبِ الْفَرَائِضِ، إلَى أَنْ يَمُوتَ أَوْلَادُ الْأَعْيَانِ جَمِيعُهُمْ فَيَنْتَقِلُ الْوَقْفُ لِأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ. وَلَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ كَانَتْ الْقِسْمَةُ مِنْ سِتَّةٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْبَاقِي يُقْسَمُ عَلَى ثَلَاثَةٍ] إلَخْ: أَيْ فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [فَإِذَا كَانَتْ زَوْجَةُ الْوَاقِفِ] إلَخْ: تَفْصِيلٌ لِمَا أَجْمَلَ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: [كَانَ لَهَا مِنْ نَصِيبِهِ الثُّلُثُ] : لَا يَظْهَرُ فِي هَذَا الْمِثَالِ بَلْ لَهَا السُّدُسُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِوُجُودِ جَمْعٍ مِنْ الْإِخْوَةِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ فِي الْفَرَائِضِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَمْعِ الَّذِي يَحْجُبُ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ فَلَا يَظْهَرُ التَّفْصِيلُ الَّذِي قَالَهُ إلَّا إنْ كَانَ الْمَيِّتُ مِنْ أَوْلَادِ الْأَعْيَانِ اثْنَيْنِ كَالْمِثَالِ الْآتِي. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهَا جَدَّتُهُ] : أَيْ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ وَلَيْسَ لَهُ أُمٌّ تَحْجُبُهَا. قَوْلُهُ: [لَيْسَتْ بِأُمِّهِ] : أَيْ بَلْ زَوْجَةِ أَبِيهِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [كَانَ لَهُمْ الْبَاقِي] : أَيْ لِأَنَّ جِهَةَ الْبُنُوَّةِ تَحْجُبُ جِهَةَ الْأُخُوَّةِ. قَوْلُهُ: [اخْتَصَّ بِهِ أَخَوَاهُ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ جِهَةَ الْأُخُوَّةِ تُقَدَّمُ عَلَى جِهَةِ بَنِيهَا. قَوْلُهُ: [فَسَهْمُهُ عَلَى وَرَثَتِهِ] : أَيْ الَّذِي نَابَهُ مِنْ الشَّيْءِ الْمَوْقُوفِ. قَوْلُهُ: [فَيَنْتَقِلُ الْوَقْفُ لِأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ] : أَيْ فَيَحُوزُونَ جَمِيعَ الشَّيْءِ الْمَوْقُوفِ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَخَذَ مِنْ وَرَثَةِ أَوْلَادِ الْأَعْيَانِ أَوْ وَرَثَةِ الْأُمِّ أَوْ الزَّوْجَةِ شَيْئًا رَدَّهُ لِأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَقَدْ فَازَ بِالْغَلَّةِ الْمَاضِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ مَاتَ وَاحِدٌ] إلَخْ: مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ فَإِذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ أَوْلَادِ الْأَعْيَانِ

لِأَوْلَادِ الْأَعْيَانِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ. وَلَوْ مَاتَ اثْنَانِ كَانَتْ الْقِسْمَةُ مِنْ خَمْسَةٍ لِأَوْلَادِ الْأَعْيَانِ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُمِّ سُدُسُهَا وَلِلزَّوْجَةِ ثُمُنُهَا. وَلَوْ مَاتَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ كُلُّهُمْ بَقِيَ الْوَقْفُ لِأَوْلَادِ الْأَعْيَانِ كُلِّهِمْ؛ فَإِنْ مَاتُوا أَيْضًا رَجَعَ مَرَاجِعَ الْأَحْبَاسِ لِأَقْرَبِ عَصَبَةِ فُقَرَاءِ الْمُحَبِّسِ. (لَا) يَنْتَقِضُ الْقَسْمُ (بِمَوْتِ إحْدَاهُمَا) : أَيْ الزَّوْجَةِ أَوْ الْأُمِّ وَيَرْجِعُ مَنَابُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا لِوَرَثَتِهِ - كَانَ وَارِثُهُمَا مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْوَقْفِ أَوْ غَيْرِهِ - مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِ الْأَعْيَانِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَارِثٌ فَلِبَيْتِ الْمَالِ حَتَّى تَنْقَرِضَ أَوْلَادُ الْأَعْيَانِ. وَعُلِمَ مِنْ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الطَّبَقَةَ الْعُلْيَا وَهِيَ أَوْلَادُ الْأَعْيَانِ لَا تَحْجُبُ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى لَا مِنْ نَفْسِهَا وَلَا مِنْ غَيْرِهَا، وَأَنَّ الْأُمَّ وَالزَّوْجَةَ قَدْ يَعْتَرِيهِمَا النَّقْصُ وَالزِّيَادَةُ بِاعْتِبَارِ الْحُدُوثِ وَالْمَوْتِ، وَقَدْ يَسْقُطَانِ عِنْدَ مَوْتِ أَوْلَادِ الْأَعْيَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِأَوْلَادِ الْأَعْيَانِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ] : أَيْ وَتَأْخُذُ الْأُمُّ وَالزَّوْجَةُ نَصِيبَهُمَا مِنْهَا وَالْعَمَلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [بَقِيَ الْوَقْفُ لِأَوْلَادِ الْأَعْيَانِ] : أَيْ بِأَيْدِيهِمْ وَتَأْخُذُ الْأُمُّ وَالزَّوْجَةُ نَصِيبَهُمَا مِنْهَا وَالْعَمَلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [رَجَعَ مَرَاجِعَ الْأَحْبَاسِ] : أَيْ وَنَزَعَ مَا كَانَ بِيَدِ الزَّوْجَةِ وَالْأُمِّ أَوْ وَرَثَتِهِمَا، وَيَصِيرُ الْجَمِيعُ لِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ وَلِامْرَأَةٍ لَوْ كَانَتْ ذَكَرًا عَصَّبَتْ وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَلَوْ شَرَطَ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ التَّفْضِيلَ وَسَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ انْقَطَعَ مُؤَبَّدٌ رَجَعَ حَبْسًا لِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ إلَخْ. قَوْلُهُ: [مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِ الْأَعْيَانِ] : ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ: يَرْجِعُ. أَيْ يَرْجِعُ مَنَابُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا لِوَرَثَتِهِ مُدَّةَ بَقَاءِ أَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِ الْأَعْيَانِ. قَوْلُهُ: [حَتَّى تَنْقَرِضَ أَوْلَادُ الْأَعْيَانِ] : غَايَةٌ فِي بَقَائِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ أَيْ فَإِنْ انْقَرَضَتْ رَدَّهُ بَيْتُ الْمَالِ لِأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ. قَوْلُهُ: [لَا مِنْ نَفْسِهَا وَلَا مِنْ غَيْرِهَا] : رَاجِعٌ لِلسُّفْلَى وَالْمَعْنَى أَنَّ السُّفْلَى لَا تُحْجَبُ بِالْعُلْيَا كَانَتْ السُّفْلَى مِنْ نَفْسِ الْعُلْيَا كَأَوْلَادِ صُلْبِهِمْ أَوْ مِنْ غَيْرِ صُلْبِهِمْ كَأَوْلَادِ إخْوَتِهِمْ. قَوْلُهُ: [بِاعْتِبَارِ الْحُدُوثِ] : رَاجِعٌ لِلنَّقْصِ وَالزِّيَادَةِ. قَوْلُهُ: [وَالْمَوْتِ] : رَاجِعٌ لِلنَّقْصِ وَالزِّيَادَةِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [وَقَدْ يَسْقُطَانِ] : قَدْ لِلتَّحْقِيقِ لَا لِلتَّقْلِيلِ.

[الوقف على معصية]

(وَ) بَطَلَ الْوَقْفُ (عَلَى مَعْصِيَةٍ كَكَنِيسَةٍ) وَكَصَرْفِ غَلَّتِهِ عَلَى خَمْرٍ أَوْ شِرَاءٍ لِلسِّلَاحِ لِقِتَالٍ حَرَامٍ (أَوْ) عَلَى (حَرْبِيٍّ) وَتَقَدَّمَ صِحَّتُهُ عَلَى ذِمِّيٍّ (أَوْ) وَقْفٌ (عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ بِشَرِيكٍ) : أَيْ يَبْطُلُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ مَعَ شَرِيكٍ غَيْرِ وَارِثٍ، كَ أَوْقَفْته عَلَى نَفْسِي مَعَ فُلَانٍ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ مَا يَخُصُّهُ وَكَذَا مَا يَخُصُّ الشَّرِيكَ. (إلَّا أَنْ يَحُوزَهُ الشَّرِيكُ قَبْلَ الْمَانِعِ) فَإِنْ كَانَ شَائِعًا فَإِنْ حَازَ الْجَمِيعَ قَبْلَ الْمَانِعِ صَحَّ لَهُ مَنَابُهُ وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ أَوْقَفَهُ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ وَعَقِبِهِ رَجَعَ حَبْسًا بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى عَقِبِهِ، إنْ حَازُوا قَبْلَ الْمَانِعِ، وَإِلَّا بَطَلَ، هَذَا إنْ أَوْقَفَ فِي صِحَّتِهِ فَإِنْ أَوْقَفَ فِي مَرَضِهِ صَحَّ، إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ، وَرَجَعَ الْأَمْرُ لِلتَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ فِي مَسْأَلَةِ أَوْلَادِ الْأَعْيَانِ. (أَوْ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ لَهُ) : أَيْ لِلْوَاقِفِ؛ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْجِيرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْوَقْفُ عَلَى مَعْصِيَةٍ] قَوْلُهُ: [كَكَنِيسَةٍ] : ظَاهِرُهُ كَانَ عَلَى عُبَّادِهَا أَوْ مَرَمَّتِهَا كَانَ الْوَاقِفُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا وَهَذَا هُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَسَيَأْتِي عَنْ ابْنِ رُشْدٍ قَوْلٌ بِالصِّحَّةِ إنْ كَانَ مِنْ ذِمِّيٍّ عَلَى مَرَمَّتِهَا أَوْ الْمَرْضَى بِهَا. قَوْلُهُ: [وَتَقَدَّمَ صِحَّتُهُ عَلَى ذِمِّيٍّ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ ذِمِّيًّا وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَاقِفُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا. قَوْلُهُ: [فَإِنْ أَوْقَفَهُ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى النَّفْسِ بَاطِلٌ وَعَلَى غَيْرِهِ يَصِحُّ تَقَدَّمَ الْوَقْفُ عَلَى النَّفْسِ أَوْ تَأَخَّرَ أَوْ تَوَسَّطَ، كَأَنْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى نَفْسِي ثُمَّ عَقِبِي، أَوْ وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى نَفْسِي، أَوْ وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى نَفْسِي ثُمَّ عَلَى عَمْرٍو. فَالْأَوَّلُ يُقَالُ لَهُ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي مُنْقَطِعُ الْآخِرِ. وَالثَّالِثُ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ. وَكَذَا يَكُونُ مُنْقَطِعَ الطَّرَفَيْنِ كَالْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى مَيِّتٍ لَا يَنْتَفِعُ بِالْوَقْفِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يَبْطُلُ فِيمَا لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَيَصِحُّ فِيمَا يَصِحُّ عَلَيْهِ وَلَا يَضُرُّ الِانْقِطَاعُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَصِحُّ مُنْقَطِعُ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ أَوْ الِابْتِدَاءِ فَقَطْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَبْطُلُ مُنْقَطِعُ الِانْتِهَاءِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: يَبْطُلُ مُنْقَطِعُ الِانْتِهَاءِ وَالْوَسَطِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ لَهُ] : مَحَلُّ بُطْلَانِ الْوَقْفِ إنْ جَعَلَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ مَا لَمْ يَكُنْ

[الجائز من الشروط في الوقف]

هَذَا إنْ حَصَلَ مَانِعٌ لَهُ. فَإِنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ قَبْلَ حُصُولِ مَانِعٍ كَانَ صَحِيحًا وَأُجْبِرَ عَلَى جَعْلِ النَّظَرِ لِغَيْرِهِ. (أَوْ جُهِلَ سَبْقُهُ) : أَيْ الْوَقْفِ (لِدَيْنٍ إنْ كَانَ) الْوَقْفُ (عَلَى مَحْجُورِهِ) ، وَهَذَا فِيمَا إذَا حَازَهُ الْوَاقِفُ لِمَحْجُورِهِ، مَعَ وُجُودِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ: مِنْ الْإِشْهَادِ، وَصَرْفِ الْغَلَّةِ، وَكَوْنِ الْوَقْفِ غَيْرَ دَارِ سُكْنَاهُ، وَإِلَّا بَطَلَ، وَلَوْ عُلِمَ تَقَدُّمُهُ عَلَى الدَّيْنِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى مَحْجُورِهِ وَقْفًا وَحَازَهُ لَهُ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ وَعَلَى الْوَاقِفِ دَيْنٌ وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ الدَّيْنُ قَبْلَ الْوَقْفِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنَّ الْوَقْفَ يَبْطُلُ وَيُبَاعُ لِلدَّيْنِ تَقْدِيمًا لِلْوَاجِبِ عَلَى التَّبَرُّعِ عِنْدَ الْجَهْلِ مَعَ ضَعْفِ الْحَوْزِ، وَلِذَا لَوْ حَازَهُ لِلْمَحْجُورِ أَجْنَبِيٌّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ لَصَحَّ وَلَمْ يَبْطُلْ عِنْدَ جَهْلِ سَبْقِهِ لِلدَّيْنِ؛ كَالْوَلَدِ الْكَبِيرِ وَالْأَجْنَبِيِّ يَحُوزُ لِنَفْسِهِ قَبْلَ الْمَانِعِ فَلَا يَبْطُلُ بِجَهْلِ السَّبْقِ بَلْ بِتَحَقُّقِهِ. وَأَمَّا لَوْ حَازَ الْمَحْجُورُ لِنَفْسِهِ، فَهَلْ يُعْتَبَرُ حَوْزُهُ فَلَا يَبْطُلُ الْوَقْفُ عِنْدَ جَهْلِ السَّبْقِ؟ وَهُوَ الصَّحِيحُ، سَفِيهًا كَانَ أَوْ صَبِيًّا وَقَدْ تَقَدَّمَ. (أَوْ لَمْ يُخْلِ) بِسُكُونِ الْخَاءِ: أَيْ لَمْ يَتْرُكْ الْوَاقِفُ (بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ كَمَسْجِدٍ) وَرِبَاطٍ وَمَدْرَسَةٍ (قَبْلَهُ) : أَيْ قَبْلَ الْمَانِعِ؛ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ، وَيَكُونُ مِيرَاثًا. فَإِنْ أَخْلَى قَبْلَ الْمَانِعِ صَحَّ لِأَنَّ الْإِخْلَاءَ الْمَذْكُورَ حَوْزٌ حُكْمِيٌّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقْفُهُ عَلَى مَحْجُورِهِ وَإِلَّا فَلَهُ النَّظَرُ، وَيَكُونُ الشَّرْطُ مُؤَكَّدًا كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا السَّيِّدُ الْبُلَيْدِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى (عب) . [الْجَائِز مِنْ الشُّرُوط فِي الْوَقْف] قَوْلُهُ: [وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ الدَّيْنُ] إلَخْ: أَيْ وَأَوْلَى إذَا عُلِمَ تَقَدُّمُ الدَّيْنِ عَلَى الْوَقْفِ، فَإِنْ تَحَقَّقَ تَقَدُّمُ الْوَقْفِ عَلَى الدَّيْنِ فَلَا بُطْلَانَ وَتُتَّبَعُ ذِمَّةُ الْوَاقِفِ بِالدَّيْنِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إنْ عُلِمَ تَقَدُّمُ الدَّيْنِ عَلَى الْوَقْفِ بَطَلَ سَوَاءٌ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مَحْجُورِهِ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ عُلِمَ تَقَدُّمُ الْوَقْفِ عَلَى الدَّيْنِ فَلَا بُطْلَانَ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مَحْجُورِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ جُهِلَ سَبْقُهُ لَهُ فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مَحْجُورِهِ بَطَلَ إنْ حَازَهُ لَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا بُطْلَانَ إنْ حَازَهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمَانِعِ. قَوْلُهُ: [بَلْ بِتَحَقُّقِهِ] : أَيْ بِتَحَقُّقِ سَبْقِ الدَّيْنِ عَلَى الْوَقْفِ. قَوْلُهُ: [أَيْ لَمْ يَتْرُكْ الْوَاقِفُ] : مَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ الْحَجْرُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ مَانِعٌ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى حَجْرِهِ وَتَحْتَ حَوْزِهِ. قَوْلُهُ: [حَوْزٌ حُكْمِيٌّ] : أَيْ عَنْ الْوَاقِفِ.

(وَ) بَطَلَ الْوَقْفُ (مِنْ كَافِرٍ لِكَمَسْجِدٍ) وَرِبَاطٍ (وَمَدْرَسَةٍ) مِنْ الْقُرَبِ الْإِسْلَامِيَّةِ. وَأَمَّا وَقْفُ الذِّمِّيِّ عَلَى كَنِيسَةٍ فَإِنْ كَانَ عَلَى مَرَمَّتِهَا أَوْ عَلَى الْمَرْضَى بِهَا فَالْوَقْفُ صَحِيحٌ مَعْمُولٌ بِهِ. فَإِنْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا حُكِمَ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ أَيْ مِنْ إمْضَائِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى عُبَّادِهَا حُكْمٌ بِبُطْلَانِهِ كَذَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ. (وَكُرِهَ) الْوَقْفُ (عَلَى بَنِيهِ) الذُّكُورِ (دُونَ بَنَاتِهِ) فَإِنْ وَقَعَ مَضَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَذَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ] : وَهُنَاكَ قَوْلٌ ثَانٍ بِالْبُطْلَانِ مُطْلَقًا. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا، وَأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَسَوَاءٌ أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ الْوَقْفِ أَمْ لَا، بِأَنَّ مَنْ تَحْتَ يَدِ الْوَاقِفِ أَمْ لَا، وَلِلْوَاقِفِ الرُّجُوعُ فِيهِ مَتَى شَاءَ. قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ الْوَقْفُ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ الْوَقْفُ عَلَى الْبَنِينَ دُونَ الْبَنَاتِ أَقْوَالًا: أَوَّلُهَا: الْبُطْلَانُ مَعَ حُرْمَةِ الْقُدُومِ عَلَى ذَلِكَ. ثَانِيهَا: الْكَرَاهَةُ مَعَ الصِّحَّةِ وَالْكَرَاهَةِ عَلَى بَابِهَا. ثَالِثُهَا: جَوَازُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. رَابِعُهَا: الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يُحَازَ عَنْهُ فَيَمْضِي عَلَى مَا حَبَّسَهُ عَلَيْهِ أَوْ لَا يُحَازُ فَيُرَدُّ لِلْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ مَعًا. خَامِسُهَا: مَا رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ حُرْمَةُ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ حَيًّا فَسَخَهُ وَجَعَلَهُ لِلذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَإِنْ مَاتَ مَضَى. سَادِسُهَا: فَسْخُ الْحُبْسِ وَجَعْلُهُ مَسْجِدًا إنْ رَضِيَ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ لَمْ يَجُزْ فَسْخُهُ وَيُقَرُّ عَلَى حَالِهِ حَبْسًا وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ حَيًّا وَالْمُعْتَمَدُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ ثَانِيهَا الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا حَصَلَ الْوَقْفُ عَلَى الْبَنِينَ دُونَ الْبَنَاتِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَحَصَلَ الْحَوْزُ الْمَانِعُ. أَمَّا لَوْ كَانَ الْوَقْفُ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ فَبَاطِلٌ اتِّفَاقًا وَلَوْ حِيزَ لِأَنَّهُ عَطِيَّةٌ لِوَارِثٍ، أَوْ كَانَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَحَصَلَ الْمَانِعُ قَبْلَ الْحَوْزِ كَمَا لَوْ بَقِيَ الْوَاقِفُ سَاكِنًا فِيهِ حَتَّى مَاتَ فَبَاطِلٌ اتِّفَاقًا أَيْضًا فَلْيُحْفَظْ هَذَا الْمَقَامُ، وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فِي بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ لِصُلْبِهِ، وَأَمَّا بَنُو بَنِيهِ دُونَ بَنَاتِ بَنِيهِ فَيَصِحُّ وَقْفُهُ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا هِبَةُ الرَّجُلِ لِبَعْضِ وَلَدِهِ مَالَهُ كُلَّهُ أَوْ جُلَّهُ فَمَكْرُوهٌ اتِّفَاقًا، وَكَذَا يُكْرَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَالَهُ كُلَّهُ لِأَوْلَادِهِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ إنْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا، وَإِنْ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ يَصِحُّ الْوَقْفُ بِاتِّفَاقٍ فِي الْعَكْسِ كَوَقْفِهِ عَلَى بَنَاتِهِ دُونَ بَنِيهِ، وَإِنَّمَا بَطَلَ الْوَقْفُ عَلَى الْبَنِينَ دُونَ الْبَنَاتِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ لِقَوْلِ مَالِكٍ إنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ، أَيْ يُشْبِهُ عَمَلَهُمْ لِأَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا إذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ وَرَّثُوا الذُّكُورَ دُونَ

وَلَا يُفْسَخُ (عَلَى الْأَصَحِّ) وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. وَمُقَابِلُهُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَيُفْسَخُ إنْ وَقَعَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ. (وَاتُّبِعَ شَرْطُهُ) : أَيْ الْوَاقِفِ وُجُوبًا (إنْ جَازَ) ، وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ: مَا قَابَلَ الْمَمْنُوعَ فَيَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ، فَإِنْ لَمْ يَجُزْ لَمْ يُتَّبَعْ. وَمَثَّلَ لِلْجَائِزِ بِقَوْلِهِ: (كَتَخْصِيصِ) أَهْلِ (مَذْهَبٍ) مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ بِصَرْفِ الْغَلَّةِ لَهُمْ أَوْ بِتَدْرِيسٍ فِي مَدْرَسَتِهِ أَوْ بِكَوْنِهِ إمَامًا فِي مَسْجِدِهِ (أَوْ) تَخْصِيصِ (نَاظِرٍ) مُعَيَّنٍ وَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ، فَيُوَلِّي الْوَاقِفُ غَيْرَهُ مِمَّنْ شَاءَ؛ وَإِلَّا فَالْحَاكِمُ. فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ نَاظِرًا فَالْمُسْتَحِقُّ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا رَشِيدًا هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى أَمْرَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَشِيدًا فَوَلِيُّهُ. وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ فَالْحَاكِمُ يُوَلِّي مَنْ شَاءَ، وَأُجْرَتُهُ مِنْ رَيْعِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِنَاثِ فَصَارَ فِيهِمْ حِرْمَانُ الْإِنَاثِ دُونَ الذُّكُورِ. فَالْوَقْفُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُشْبِهُ عَمَلَ الْجَاهِلِيَّةِ (اهـ) مُلَخَّصًا مِنْ الْحَاشِيَةِ وَحَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَاتُّبِعَ شَرْطُهُ إنْ جَازَ] : أَيْ إنْ كَانَ بِاللَّفْظِ أَوْ بِالْكِتَابَةِ. قَوْلُهُ: [فَيَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ] : أَيْ وَذَلِكَ كَتَخْصِيصِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ. وَكَفَرْشِ الْمَسْجِدِ بِالْبُسُطِ وَكَأُضْحِيَّةٍ عَنْهُ كُلَّ عَامٍ بَعْدَ مَوْتِهِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يَجُزْ لَمْ يُتَّبَعْ] : أَيْ إنْ كَانَ مَمْنُوعًا بِاتِّفَاقٍ. وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ كَاشْتِرَاطِ إخْرَاجِ الْبَنَاتِ مِنْ وَقْفِهِ إذَا تَزَوَّجْنَ فَهَذَا لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ، فَإِذَا وَقَعَ مَضَى كَمَا فِي (ح) نَقَلَهُ (بْن) . قَوْلُهُ: [أَوْ تَخْصِيصِ نَاظِرٍ مُعَيَّنٍ] : أَيْ بِأَنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنَّ فُلَانًا نَاظِرُ وَقْفِهِ فَيَجِبُ اتِّبَاعُ شَرْطِهِ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ لَهُ الْإِيصَاءُ بِالنَّظَرِ لِغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ لَهُ الْوَاقِفُ ذَلِكَ، وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إيصَاءٌ بِهِ، فَإِنْ مَاتَ النَّاظِرُ وَالْوَاقِفُ حَيٌّ جَعَلَ النَّظَرَ لِمَنْ شَاءَ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَوَصِيُّهُ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَالْحَاكِمُ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَالْحَاكِمُ] : أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ النَّاظِرُ حَيًّا وَلَا وَصِيَّ لَهُ فَالْحَاكِمُ. تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَعْزِلُ النَّاظِرَ إلَّا بِجُنْحَةٍ وَلِلْوَاقِفِ عَزْلُهُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: [وَأُجْرَتُهُ مِنْ رَيْعِهِ] : أَيْ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ لِلنَّاظِرِ أُجْرَةً مِنْ رَيْعِ

وَكَذَا إنْ كَانَ الْوَاقِفُ عَلَى مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ، وَأُقْرِعَ بَيْنَ رُشَدَاءَ مُعَيَّنِينَ. (أَوْ تَبْدِئَةِ فُلَانٍ) : مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ (بِكَذَا) مِنْ غَلَّتِهِ ثُمَّ يُقْسَمُ الْبَاقِي عَلَى الْبَقِيَّةِ، فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ. (أَوْ) شَرَطَ أَنَّهُ: (إنْ احْتَاجَ مِنْ حُبِسَ عَلَيْهِ) إلَى الْبَيْعِ مِنْ الْوَقْفِ (بَاعَ) فَيُعْمَلُ بِشَرْطِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ الْحَاجَةِ وَالْحَلِفِ عَلَيْهَا، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يُصَدَّقَ بِلَا يَمِينٍ. (أَوْ) شَرَطَ أَنَّهُ (إنْ تَسَوَّرَ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْوَقْفِ (ظَالِمٌ رَجَعَ) الْوَقْفُ مِلْكًا (لَهُ) إنْ كَانَ حَيًّا (أَوْ لِوَارِثِهِ) إنْ مَاتَ (أَوْ) رَجَعَ (لِفُلَانٍ مِلْكًا) . فَإِنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَاقِفِ عَلَى حَسَبِ الْمَصْلَحَةِ خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ عَتَّابٍ إنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ، بَلْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إلَّا إذَا عَيَّنَ الْوَاقِفُ شَيْئًا. قَوْلُهُ: [وَكَذَا إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مَسْجِدٍ] : أَيْ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُوَلِّي عَلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ مِمَّنْ يَرْتَضِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْوَاقِفُ حَيًّا وَلَا وَصِيَّ لَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا مَاتَ الْوَاقِفُ وَعُدِمَ كِتَابُ الْوَقْفِ قُبِلَ قَوْلُ النَّاظِرِ فِي الْجِهَاتِ الَّتِي يُصْرَفُ عَلَيْهَا إنْ كَانَ أَمِينًا، وَإِذَا ادَّعَى النَّاظِرُ أَنَّهُ صَرَفَ الْغَلَّةَ صُدِّقَ إنْ كَانَ أَمِينًا مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شُهُودٌ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ فَلَا يَصْرِفُ إلَّا بِاطِّلَاعِهِمْ، وَلَا يُقْبَلُ بِدُونِهِمْ وَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ صَرَفَ عَلَى الْوَقْفِ مَالًا مِنْ عِنْدِهِ صُدِّقَ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ إنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّهَمًا وَإِلَّا فَيُحَلَّفُ. وَلَوْ الْتَزَمَ حِينَ أَخَذَ النَّظَرَ أَنْ يَصْرِفَ عَلَى الْوَقْفِ مِنْ مَالِهِ إنْ احْتَاجَ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ وَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا صَرَفَهُ، وَلَهُ أَنْ يَقْتَرِضَ لِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ وَيُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ عَنْ (شب) . قَوْلُهُ: [أَوْ تَبْدِئَةِ فُلَانٍ] : أَيْ كَأَنْ يَقُولَ يُبْدَأُ بِفُلَانٍ مِنْ غَلَّةِ وَقْفِي كُلَّ سَنَةٍ أَوْ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا فَيُعْطَى ذَلِكَ مُبْدَأً عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ مِنْ غَلَّةِ ثَانِي عَامٍ إنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ غَلَّةِ كُلِّ عَامٍ. فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ لَا يُعْطَى مِنْ رَيْعِ الْمُسْتَقْبَلِ عَنْ الْمَاضِي إذَا لَمْ يَفِ بِحَقِّهِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْغَلَّةَ إلَى كُلِّ عَامٍ. قَوْلُهُ: [فَيُعْمَلُ بِشَرْطِهِ] : اعْلَمْ أَنَّ الِاحْتِيَاجَ شَرْطٌ لِجَوَازِ اشْتِرَاطِ الْبَيْعِ لَا لِصِحَّةِ اشْتِرَاطِهِ إذْ يَصِحُّ شَرْطُ الْبَيْعِ بِدُونِ قَيْدِ الِاحْتِيَاجِ. وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً فَيُعْمَلُ بِالشَّرْطِ بَعْدَ الْوُقُوعِ.

[انقطاع المحبس عليه]

يُعْمَلُ بِشَرْطِهِ. وَقَوْلُهُ: " مِلْكًا " رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ مَا إذَا انْقَطَعَ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: (وَإِنْ انْقَطَعَ) وَقْفٌ (مُؤَبَّدٌ) عَلَى جِهَةٍ بِانْقِطَاعِ الْجِهَةِ الَّتِي وُقِفَ عَلَيْهَا (رَجَعَ حَبْسًا لِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ) : فَيُقَدَّمُ الِابْنُ فَابْنُهُ فَالْأَبُ فَالْأَخُ فَابْنُهُ فَالْجَدُّ فَالْعَمُّ فَابْنُهُ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْوَقْفُ وَلَوْ فَقِيرًا وَلَا مَوَالِيهِ. فَإِنْ كَانَ الْأَقْرَبُ غَنِيًّا فَلِمَنْ يَلِيهِ فِي الرُّتْبَةِ، كَمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ (وَ) رَجَعَ (لِامْرَأَةٍ لَوْ كَانَتْ ذَكَرًا عَصَّبَتْ) كَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ وَالْعَمَّةِ (يَسْتَوِي فِيهِ) : أَيْ فِي الرُّجُوعِ (الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى) وَلَوْ شَرَطَ فِي أَصْلِ وَقْفِهِ عَلَى الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ أَوْ عَكْسُهُ، لِأَنَّ الْمَرْجِعَ لَيْسَ بِإِنْشَاءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ. (لَا) يَرْجِعُ لِأُنْثَى لَوْ كَانَتْ ذَكَرًا لَمْ تُعَصِّبْ (كَبِنْتِ بِنْتٍ) بِخِلَافِ بِنْتِ الِابْنِ. (فَإِنْ ضَاقَ) الْوَقْفُ (عَنْ الْكِفَايَةِ قُدِّمَ الْأَقْرَبُ مِنْ الْإِنَاثِ) فَلَا يَدْخُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَقَوْلُهُ مِلْكًا] : الْمُنَاسِبُ التَّفْرِيعُ بِالْفَاءِ. وَقَوْلُهُ: [لِلثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ] : أَيْ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ لَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ أَوْ لِفُلَانٍ. [انْقِطَاع الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ] قَوْلُهُ: [مُؤَبَّدٌ] : أَيْ وَأَمَّا الْمُؤَقَّتُ فَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُؤَبِّدْ بِأَنْ قَيَّدَ بِحَيَاتِهِمْ إلَخْ. قَوْلُهُ: [فَالْأَخُ فَابْنُهُ فَالْجَدُّ] : أَيْ كَالنِّكَاحِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْوَاقِفُ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ مِلْكًا، بَلْ بَاقٍ عَلَى الْوَقْفِيَّةِ وَالْوَقْفُ لَا يَكُونُ عَلَى النَّفْسِ. قَوْلُهُ: [كَمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ] : أَيْ فَيُقَدَّرُ هَذَا الْغِنَى عَدَمًا. قَوْلُهُ: [وَرَجَعَ لِامْرَأَةٍ] إلَخْ: مَعْنَاهُ يَرْجِعُ لِأَقْرَبِ امْرَأَةٍ مِنْ فُقَرَاءِ أَقَارِبِ الْمُحَبِّسِ لَوْ خُلِقَتْ ذَكَرًا لَكَانَتْ عَصَبَةً. قَوْلُهُ: [وَإِنَّمَا هُوَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ] : أَيْ وَالْأَصْلُ فِي إطْلَاقِ الْوَقْفِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ: [قُدِّمَ الْأَقْرَبُ] : حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا ذُكُورًا فَقَطْ قَدَّمَ فِي الْكِفَايَةِ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ وَإِنْ كُنَّ إنَاثًا فَقَطْ اشْتَرَكْنَ سَعَةً وَضِيقًا إلَّا الْبَنَاتِ فَيُقَدَّمْنَ فِي الضِّيقِ، وَإِنْ كُنَّ ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَإِنْ كَانَ الذُّكُورُ أَقْرَبَ قُدِّمُوا عَلَى الْإِنَاثِ سَعَةً وَضِيقًا، وَإِنْ كَانُوا مُتَسَاوِينَ اشْتَرَكَ الْكُلُّ سَعَةً وَضِيقًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَإِنْ كَانَ الْإِنَاثُ

مَعَهُنَّ الْأَبْعَدُ مِنْ الْعَصَبَةِ. فَإِذَا كَانَ لَهُ بَنَاتٌ وَإِخْوَةٌ وَضَاقَ الْوَقْفُ عَنْ كِفَايَةِ الْجَمِيعِ قُدِّمَ الْبَنَاتُ؛ أَيْ اخْتَصَصْنَ بِمَا يُغْنِيهِنَّ لَا إيثَارُهُنَّ بِالْجَمِيعِ. وَلَوْ زَادَ عَلَى مَا يَكْفِيهِنَّ وَأَمَّا الْمُسَاوِي لِلْأُنْثَى فَيُشَارِكُهَا مُطْلَقًا قَالَ ابْنُ هَارُونَ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْبِنْتَ إنْ كَانَتْ مُسَاوِيَةً لِلْعَاصِبِ شَارَكَتْهُ فِي السَّعَةِ وَالضِّيقِ، وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْهُ قُدِّمَتْ عَلَيْهِ فِي الضِّيقِ. وَإِنْ كَانَتْ أَبْعَدَ مِنْهُ قُدِّمَ الْعَاصِبُ عَلَيْهَا فِي السَّعَةِ وَالضِّيقِ وَهُوَ كَقَوْلِ الشَّارِحِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةٌ: مُشَارَكَةٌ فِي الضِّيقِ وَالسَّعَةِ إذَا تَسَاوَى النِّسَاءُ مَعَ الْعَصَبَةِ كَأَخٍ وَأَخَوَاتٍ، وَعَدَمُ مُشَارَكَةٍ فِي الضِّيقِ وَالسَّعَةِ إذَا كَانَ النِّسَاءُ أَبْعَدَ مِنْ الْعَاصِبِ كَأَخٍ وَعَمَّةٍ، وَمُشَارَكَةٍ فِي السَّعَةِ دُونَ الضِّيقِ إذَا كَانَ النِّسَاءُ أَقْرَبَ. (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى مُعَيَّنِينَ) كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَخَالِدٍ (وَبَعْدَهُمْ) يَكُونُ (لِلْفُقَرَاءِ، فَنَصِيبُ كُلِّ مَنْ مَاتَ) مِنْ الْمُعَيَّنِينَ يَكُونُ (لِلْفُقَرَاءِ) لَا لِلْحَيِّ مِنْهُمْ وَسَوَاءٌ قَالَ: حَيَاتَهُمْ، أَمْ لَا. وَأَمَّا لَوْ قَالَ: وَقْفٌ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ، سَوَاءٌ قَالَ: الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا تَحْجُبُ السُّفْلَى أَمْ لَا، فَإِنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ وَإِلَّا فَلِإِخْوَتِهِ؛ كَذَا أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ بِنَاءً عَلَى التَّرْتِيبِ فِي الْوَقْتِ بِاعْتِبَارِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ، كَأَنَّهُ قَالَ: عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ وَلَدِهِ، وَعَلَى فُلَانٍ ثُمَّ وَلَدِهِ وَهَكَذَا. فَكُلُّ مَنْ مَاتَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ لَا لِإِخْوَتِهِ، فَيَكُونُ مَعْنَى: " الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا تَحْجُبُ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى ": مِنْ فَرْعِهَا دُونَ فَرْعِ غَيْرِهَا. وَمَعْنَى " عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ ": أَيْ عَلَى وَلَدِي فُلَانٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى وَلَدِهِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ. وَخَالَفَهُ ابْنُ الْحَاجِّ وَقَالَ: بَلْ يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقْرَبَ اشْتَرَكَ الْكُلُّ فِي السَّعَةِ وَعِنْدَ الضِّيقِ تُقَدَّمُ الْبَنَاتُ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ زَادَ] إلَخْ: رَاجِعٌ لِلنَّفْيِ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ وَلَوْ زَائِدَةٌ، وَالْمَعْنَى لَا إيثَارُهُنَّ بِالْجَمِيعِ فِي حَالِ الزِّيَادَةِ بَلْ فِي حَالِهَا تُعْطَى الزِّيَادَةُ لِلْأَخَوَاتِ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ كَقَوْلِ الشَّارِحِ] : الْمُرَادُ بِهِ بَهْرَامُ. وَقَوْلُهُ: [وَاعْلَمْ] إلَخْ: مَقُولُ قَوْلِ الشَّارِحِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَصْلُهَا لِلْبُنَانِيِّ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَلِإِخْوَتِهِ] : أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ. قَوْلُهُ: [بِاعْتِبَارِ كُلِّ وَاحِدٍ] : أَيْ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْكُلِّيَّةِ لَا الْكُلِّ. قَوْلُهُ: [وَخَالَفَهُ ابْنُ الْحَاجِّ] : أَيْ وَكَانَ مُعَاصِرًا لِابْنِ رُشْدٍ.

نَصِيبُ مَنْ مَاتَ لِإِخْوَتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ بِاعْتِبَارِ الْمَجْمُوعِ أَيْ لَا يَنْتَقِلُ لِلطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ إلَّا إذَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ الْأُولَى (انْتَهَى) وَهَذَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِشَيْءٍ أَوْ لَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِهِ وَإِلَّا عُمِلَ عَلَيْهِ وَبِالْعُرْفِ عِنْدَنَا بِمِصْرَ عَلَى فَتْوَى ابْنِ رُشْدٍ. ثُمَّ ذَكَرَ مَفْهُومَ: " مُؤَبَّدٍ " بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ لَمْ يُؤَبَّدْ) الْوَقْفُ؛ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُقَيَّدَ بِشَيْءٍ أَوْ لَا: (فَإِنْ قُيِّدَ بِحَيَاتِهِمْ) أَوْ حَيَاتِي (أَوْ حَيَاةِ فُلَانٍ) كَزَيْدٍ (أَوْ) قُيِّدَ (بِأَجَلٍ) كَعَشَرَةِ أَعْوَامٍ وَالْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنِينَ كَقَوْلِهِ: وَقَفْته عَلَى أَوْلَادِي أَوْ عَلَى أَوْلَادِ فُلَانٍ مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوْ مُدَّةَ حَيَاتِي إلَى آخِرِهِ (فَلِلْبَاقِي) : أَيْ فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَنَصِيبُهُ لِبَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ حَتَّى يَنْقَرِضُوا، (ثُمَّ) إذَا انْقَرَضُوا وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ (يَرْجِعُ مِلْكًا) لِرَبِّهِ أَوْ لِوَارِثِهِ إنْ مَاتَ (وَإِلَّا) يُقَيَّدْ بِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ بِأَنْ أُطْلِقَ (فَمَرْجِعُ الْأَحْبَاسِ) : أَيْ فَيَرْجِعُ بَعْدَ انْقِرَاضِ جَمِيعِهِمْ مَرْجِعَ الْأَحْبَاسِ لِأَقْرَبِ عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ وَلِامْرَأَةٍ لَوْ فُرِضَتْ ذَكَرًا عُصِّبَتْ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ أَوْ انْقَرَضُوا فَلِلْفُقَرَاءِ بِالِاجْتِهَادِ مِنْ النَّاظِرِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ يَرْجِعُ نَصِيبُ مَنْ مَاتَ لِأَصْحَابِهِ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا يَرْجِعُ نَصِيبُهُ لِلْفُقَرَاءِ؛ أَنَّهُ لَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِاعْتِبَارِ الْمَجْمُوعِ] : أَيْ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْكُلِّ لَا مِنْ بَابِ الْكُلِّيَّةِ. قَوْلُهُ: [لَا يَنْتَقِلُ لِلطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ] إلَخْ: فَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ إذَا انْقَرَضَتْ الْعُلْيَا وَانْتَقَلَ الْوَقْفُ هَلْ يُسَوِّي فِيهِ بَيْنَ أَفْرَادِ السُّفْلَى. وَبِهِ قَالَ (ح) أَوْ يُعْطِي لِكُلِّ سِلْسِلَةٍ مَا لِأَصْلِهَا وَبِهِ قَالَ النَّاصِرُ كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [وَالْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنِينَ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ كَالْفُقَرَاءِ فَلَا يَتَأَتَّى انْقِطَاعُهُ بَلْ هُوَ مُؤَبَّدٌ. قَوْلُهُ: [إلَى آخِرِهِ] : أَيْ بِأَنْ قَالَ حَيَاةَ فُلَانٍ أَوْ قَيَّدَ بِأَجَلٍ كَعَشَرَةِ أَعْوَامٍ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا يُقَيَّدْ بِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ] : أَيْ مِنْ قَوْلِهِ حَيَاتِي أَوْ حَيَاةَ فُلَانٍ أَوْ بِأَجَلٍ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ عَلَى مُعَيَّنِينَ. قَوْلُهُ: [لِأَقْرَبِ عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ] : أَيْ مِنْ فُقَرَائِهِمْ. قَوْلُهُ: [يَرْجِعُ نَصِيبُ مَنْ مَاتَ لِأَصْحَابِهِ] : أَيْ لِلْبَاقِي مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا يَرْجِعُ مِلْكًا أَوْ مَرَاجِعَ الْأَحْبَاسِ إلَّا بِانْقِرَاضِ جَمِيعِهِمْ. قَوْلُهُ: [وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا] : أَيْ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ وَإِنْ وَقَفَ عَلَى مُعَيَّنِينَ إلَخْ. وَهَذَا

[تنبيه حبس على طلبة العلم بمحل عينه]

كَانَ الْوَقْفُ فِيمَا قَبْلَهَا مُسْتَمِرًّا اُحْتِيطَ لِجَانِبِ الْفُقَرَاءِ، فَكَانَ لَهُمْ نَصِيبُ كُلِّ مَنْ مَاتَ، وَفِي هَذِهِ لَمَّا كَانَ يَرْجِعُ مِلْكًا اُحْتِيطَ لِجَانِبِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ لِيَسْتَمِرَّ الْوَقْفُ بِتَمَامِهَا طُولَ حَيَاتِهِمْ. (وَ) رَجَعَ الْوَقْفُ (فِي) التَّحْبِيسِ عَلَى (كَقَنْطَرَةٍ) وَمَسْجِدٍ وَمَدْرَسَةٍ خَرِبَتْ وَ (لَمْ يُرْجَ عَوْدُهَا فِي مِثْلِهَا) حَقِيقَةً إنْ أَمْكَنَ، فَيُصْرَفُ فِي قَنْطَرَةٍ أُخْرَى أَوْ مَسْجِدٍ آخَرَ أَوْ مَدْرَسَةٍ أُخْرَى. فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَفِي مِثْلِهَا نَوْعًا؛ أَيْ فِي قَرْيَةٍ. وَمِنْ ذَلِكَ مَدَارِسُ مِصْرَ وَمَسَاجِدُهَا الَّتِي كَانَتْ بِالْقَرَافَةِ. (وَإِلَّا) بِأَنْ رُجِيَ عَوْدُهَا (وُقِفَ لَهَا) لِيُصْرَفَ فِي تَرْمِيمِهَا وَتَجْدِيدِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِإِصْلَاحِهَا. (وَبَدَأَ) النَّاظِرُ وُجُوبًا مِنْ غَلَّتِهِ (بِإِصْلَاحِهِ) إنْ حَصَلَ بِهِ خَلَلٌ. (وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ) : إنْ كَانَ يَحْتَاجُ لِنَفَقَةٍ كَالْحَيَوَانِ (مِنْ غَلَّتِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِ ": بَدَأَ " (وَإِنْ شَرَطَ) الْوَاقِفُ (خِلَافَهُ) فَلَا يُتَّبَعُ شَرْطُهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِهِ وَعَدَمِ بَقَائِهِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَوْضُوعُهُ فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى مُعَيَّنِينَ وَقَيَّدَ بِقَيْدٍ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَبَيْنَ الْوَقْفِ عَلَى مُعَيَّنِينَ وَلَمْ يُقَيِّدْ الدَّاخِلَ تَحْتَ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَمَرْجِعُ الْأَحْبَاسِ. وَحَاصِلُ الْفَرْقِ أَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إنَّمَا كَانَ نَصِيبُ مَنْ مَاتَ لِلْفُقَرَاءِ، وَلَا يَرْجِعُ لِبَاقِي أَصْحَابِهِ لِلنَّصِّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فِيهَا، وَأَمَّا فِي الْوَقْفِ عَلَى مُعَيَّنِينَ وَلَمْ يُقَيِّدْ إنَّمَا رَجَعَ نَصِيبُ مَنْ مَاتَ لِلْبَاقِي مَعَ أَنَّهُ بَعْدَهُمْ يَكُونُ لِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِمْ، بَلْ إنَّمَا الرُّجُوعُ لَهُمْ بِحُكْمِ الشَّرْعِ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فَتَأَمَّلْ. [تَنْبِيه حَبَّسَ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ بِمَحَلٍّ عَيَّنَهُ] قَوْلُهُ: [فِي مِثْلِهَا حَقِيقَةً إنْ أَمْكَنَ] : أَيْ كَمَا فِي (عب) وَقِيلَ الْمَدَارُ عَلَى نَوْعِهَا لَا شَخْصِهَا وَهُمَا قَوْلَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَنَّ فِي كَلَامِ الْأُجْهُورِيِّ مَا يُفِيدُ تَأْيِيدَ مَا قَالَهُ شَارِحُنَا تَبَعًا (لعب) . تَنْبِيهٌ: يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ حَبَّسَ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ بِمَحَلٍّ عَيَّنَهُ ثُمَّ تَعَذَّرَ ذَلِكَ الْمَحَلُّ فَإِنَّ الْحُبْسَ لَا يَبْطُلُ بَلْ يُنْقَلُ لِمِثْلِهِ. قَوْلُهُ: [وَمِنْ ذَلِكَ مَدَارِسُ مِصْرَ] إلَخْ: يُنَاقِضُ هَذَا مَا يَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ لَا عَقَارَ وَإِنْ خَرِبَ. وَالْحَقُّ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ مَسَاجِدَ الْقَرَافَةِ وَمَدَارِسَهَا وَقْفٌ بَاطِلٌ يَجِبُ هَدْمُهَا قَطْعًا وَنَقْضُهَا مَحَلُّهُ بَيْتُ الْمَالِ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.

(أُخْرِجَ سَاكِنٌ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ) دَارٌ (لِلسُّكْنَى) فِيهَا إذَا حَصَلَ بِهَا خَلَلٌ (إنْ لَمْ يُصْلِحْ) بِأَنْ أَبَى الْإِصْلَاحَ بَعْدَ أَنْ طُلِبَ مِنْهُ (لِتُكْرَى لَهُ) : أَيْ لِلْإِصْلَاحِ، وَهَذَا عِلَّةٌ لِلْإِخْرَاجِ: أَيْ أُخْرِجَ لِأَجْلِ أَنْ تُكْرَى لِلْإِصْلَاحِ بِذَلِكَ الْكِرَاءِ، فَإِذَا أُصْلِحَتْ رَجَعَتْ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَصْلَحَ ابْتِدَاءً لَمْ يُخْرَجْ (وَأُنْفِقَ عَلَى كَفَرَسٍ) : وَبَعِيرٍ وَبَغْلٍ وَقْفٌ (لِكَغَزْوٍ) وَرِبَاطٍ وَخِدْمَةِ مَسْجِدٍ (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) وَلَا يَلْزَمُ الْمُحَبِّسَ نَفَقَتُهُ وَلَا يُؤَاجِرُ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ غَلَّتِهِ، فَعَلَى السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ إجْرَاءُ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: " لِكَغَزْوٍ " مِمَّا إذَا وُقِفَ عَلَى مُعَيَّنٍ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، (وَإِلَّا) يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ التَّوَصُّلُ إلَيْهِ (بِيعَ وَعُوِّضَ بِهِ سِلَاحٌ) ، وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا نَفَقَةَ لَهُ (وَبِيعَ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ) فِيمَا حُبِّسَ عَلَيْهِ وَيُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِهِ إذَا شَرَطَ الْمَبِيعُ الِانْتِفَاعَ بِهِ (مِنْ غَيْرِ عَقَارٍ) بَيَانٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأُخْرِجَ سَاكِنٌ] إلَخْ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ لِلْوَقْفِ رَيْعٌ كَمَا لَوْ وَقَفَ دَارًا عَلَى فُلَانٍ يَسْكُنُ فِيهَا. وَأَمَّا لَوْ جَعْلَ وَقْفَ الْمَسْجِدِ بَيْتًا مِنْ بُيُوتِهِ الْمَوْقُوفَةِ لِإِمَامٍ وَنَحْوِهِ يَسْكُنُ فِيهِ، فَإِنَّ مَرَمَّتَهُ مِنْ رَيْعِ الْوَقْفِ لَا عَلَى الْإِمَامِ وَنَحْوِهِ وَلَا يُكْرَى الْبَيْتُ لِذَلِكَ كَذَا فِي (عب) . قَوْلُهُ: [لِتُكْرَى لَهُ] : إنْ قُلْت إكْرَاؤُهَا بِغَيْرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ تَغْيِيرٌ لِلْحَبْسِ لِأَنَّهَا. لَمْ تُحَبَّسْ إلَّا لِلسُّكْنَى لَا لِلْكِرَاءِ. قُلْت لَوْ سَلِمَ أَنَّهَا لَمْ تُحَبَّسْ إلَّا لِلسُّكْنَى لِأَنَّ الْمُحَبِّسَ يَعْلَمُ أَنَّهَا تَحْتَاجُ لِلْإِصْلَاحِ وَلَمْ يُوقِفْ لَهَا مَا تَصْلُحُ بِهِ فَبِالضَّرُورَةِ يَكُونُ آذِنًا فِي كِرَائِهَا لِغَيْرِ مَنْ حُبِّسَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ لِذَلِكَ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ، نَقَلَ (بْن) عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّ نَفَقَةَ الْوَقْفِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: فَدُورُ الْغَلَّةِ وَالْحَوَانِيتِ وَالْفَنَادِقِ تُصْلَحُ مِنْ غَلَّتِهَا وَدُورُ السُّكْنَى يُخَيَّرُ مَنْ حُبِّسَتْ عَلَيْهِ بَيْنَ إصْلَاحِهَا وَإِكْرَائِهَا بِمَا تُصْلَحُ بِهَا مِنْهُ وَالْبَسَاتِينُ إنْ حُبِّسَتْ عَلَى مَنْ لَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ، بَلْ تُقْسَمُ غَلَّتُهَا عَلَيْهِ تُسَاقَى أَوْ يُسْتَأْجَرُ عَلَيْهَا مِنْ غَلَّتِهَا وَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنِينَ هُمْ يَلُونَهَا بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهَا وَالْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ كَالثِّمَارِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَلَا يَلْزَمُ الْمُحَبِّسَ نَفَقَتُهُ] : أَيْ وَلَا الْحُبْسُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ. قَوْلُهُ: [مِمَّا إذَا وَقَفَ عَلَى مُعَيَّنٍ] : أَيْ فِي غَيْرِ الْجِهَادِ بَلْ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي أُمُورِ نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: [وَعُوِّضَ بِهِ سِلَاحٌ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِغَرَضِ الْوَاقِفِ.

[نسل الأنعام التي أوقفها لينتفع بألبانها وأصوافها]

لِ " مَا ": كَثَوْبٍ وَحَيَوَانٍ وَعَبْدٍ يَهْرَمُ وَكُتُبِ عِلْمٍ تَبْلَى أَوْ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا فِي تِلْكَ الْمَدْرَسَةِ (وَجُعِلَ فِي مِثْلِهِ) كَامِلًا إنْ أَمْكَنَ (أَوْ شِقْصِهِ) : أَيْ فِي جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ شِرَاءٌ كَامِلٌ، بِأَنْ يُشَارِكَ بِهِ فِي شَيْءٍ. فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ. (كَأَنْ أُتْلِفَ) الْحُبْسُ، فَإِنَّ مَنْ أَتْلَفَهُ يَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ وَيَشْتَرِي بِهَا مِثْلَهُ أَوْ شِقْصَهُ. وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ كَانَ غَيْرَ عَقَارٍ. وَأَمَّا الْعَقَارُ فَيُعَادُ بِقِيمَتِهِ فَنَقْضُهُ وَقْفٌ؛ فَيُقَوَّمُ سَالِمًا وَمَهْدُومًا وَيُؤْخَذُ مِنْ مُتْلِفِهِ قِيمَةُ النَّقْضِ يُقَوَّمُ بِهَا مَعَ النُّقْضِ الْحُبْسُ. فَقَوْلُهُ: (وَلَوْ عَقَارًا) نَاظِرٌ لِأَخْذِ الْقِيمَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا مَا قَبْلَهُ، كَأَنَّهُ قَالَ: كَأَنْ أُتْلِفَ، فَالْقِيمَةُ وَلَوْ عَقَارًا يُؤْخَذُ بِهَا مِثْلُهُ أَوْ شِقْصُهُ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ وَيُقَامُ الْعَقَارُ بِهَا، وَقَصَدَ بِذَلِكَ الرَّدَّ عَلَى قَوْلِ الشَّيْخِ: " وَمَنْ هَدَمَ وَقْفًا فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُ " إذْ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ وَيُقَامُ بِهَا الْوَقْفُ. (وَبِيعَ فَضْلُ الذُّكُورِ) عَنْ النَّزْوِ (وَ) بِيعَ (مَا كَبِرَ) بِكَسْرِ الْبَاءِ (مِنْ الْإِنَاثِ) جُعِلَ ثَمَنُهَا (فِي إنَاثٍ) لِتَحْصِيلِ اللَّبَنِ وَالنِّتَاجِ مِنْهَا لِيَدُومَ الْوَقْفُ؛ يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَوْقَفَ شَيْئًا مِنْ الْأَنْعَامِ لِيُنْتَفَعَ بِأَلْبَانِهَا وَأَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا، فَنَسْلُهَا كَأَصْلِهَا فِي التَّحْبِيسِ. فَمَا فَضَلَ مِنْ ذُكُورِ نَسْلِهَا عَنْ النَّزْوِ وَمَا كَبِرَ مِنْ إنَاثِهَا فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُعَوَّضُ عَنْهُ إنَاثٌ صِغَارٌ لِتَمَامِ النَّفْعِ بِهَا. (لَا) يُبَاعُ (عَقَارٌ) حُبِّسَ: أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا يَصِحُّ (وَإِنْ خَرِبَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تُصُدِّقَ بِالثَّمَنِ] : أَيْ إذَا لَمْ يُمْكِنْ إبْدَالُهُ شِقْصًا أَوْ كُلًّا. قَوْلُهُ: [قِيمَةُ النَّقْصِ] : بِفَتْحِ النُّونِ وَبِالصَّادِ. وَقَوْلُهُ: [مَعَ النُّقْضِ] : بِضَمِّ النُّونِ وَبِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ. قَوْلُهُ: [وَيُقَامُ بِهَا الْوَقْفُ] : أَيْ عَلَى حَسَبِ الطَّاقَةِ. [نَسْل الْأَنْعَام الَّتِي أوقفها لِيَنْتَفِع بِأَلْبَانِهَا وَأَصْوَافهَا] قَوْلُهُ: [وَبِيعَ فَضْلُ الذُّكُورِ] إلَخْ: أَيْ يُبَاعُ مَا زَادَ مِنْهَا عَلَى الْحَاجَةِ نَزْوًا أَوْ غَيْرَهُ. قَوْلُهُ: [بِكَسْرِ الْبَاءِ] : أَيْ لِأَنَّ ضَمَّهَا يَكُونُ فِي الْمَعَانِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ} [غافر: 35] الْآيَةَ، وَأَمَّا الْفَتْحُ فَمَعْنَاهُ الطَّبْلُ الْكَبِيرُ. قَوْلُهُ: [وَيُعَوَّضُ عَنْهُ إنَاثٌ صِغَارٌ] : أَيْ يُرْجَى مِنْهَا النَّسْلُ وَاللَّبَنُ وَتُجْعَلُ حَبْسًا كَأَصْلِهَا. [بَيْع الْعَقَار الْمَحْبُوس] قَوْلُهُ: [لَا يُبَاعُ عَقَارٌ] : مَفْهُومُ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ عَقَارٍ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ خَرِبَ] : أَشَارَ بِذَلِكَ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يُبَاعُ الْعَقَارُ الْمُحَبَّسُ

بِكَسْرِ الرَّاءِ وَصَارَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ دَارًا أَوْ حَوَانِيتَ أَوْ غَيْرَهَا (وَلَوْ بِغَيْرِهِ) مِنْ جِنْسِهِ كَاسْتِبْدَالِهِ بِمِثْلِهِ غَيْرَ خَرِبٍ، فَلَا يَجُوزُ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ نَقْضِهِ مِنْ أَحْجَارٍ أَوْ أَخْشَابٍ؛ فَإِنْ تَعَذَّرَ عَوْدُهَا فِيمَا حُبِّسَتْ فِيهِ جَازَ نَقْلُهَا فِي مِثْلِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. هَذَا فِي الْوَقْفِ الصَّحِيحِ، وَأَمَّا الْبَاطِلُ كَالْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ الَّتِي بَنَاهَا الْمُلُوكُ وَالْأُمَرَاءُ بِقَرَافَةِ مِصْرَ وَنَبَشُوا مَقَابِرَ الْمُسْلِمِينَ وَضَيَّقُوا عَلَيْهِمْ فَهَذِهِ يَجِبُ هَدْمُهَا قَطْعًا وَنَقْضُهَا مَحَلُّهُ بَيْتُ الْمَالِ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا مَسَاجِدُهُمْ وَمَدَارِسُهُمْ الَّتِي بِوَسَطِ الْبَلَدِ فَنَافِذَةٌ لِأَنَّهَا مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ . وَإِذَا مُنِعَ بَيْعُ الْوَقْفِ وَأَنْقَاضُهُ - وَلَوْ خَرِبَ - فَهَلْ يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ إذَا تَعَذَّرَ عَوْدُهُ مِنْ غَلَّةٍ وَأُجْرَةٍ أَنْ يَأْذَنَ لِمَنْ يَعْمُرُهُ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى أَنَّ الْبِنَاءَ يَكُونُ لِلْبَانِي مِلْكًا وَخُلُوًّا، وَيَجْعَلُ فِي نَظِيرِ الْأَرْضِ حَكْرًا يُدْفَعُ لِلْمُسْتَحِقِّينَ أَوْ لِخِدْمَةِ الْمَسْجِدِ؟ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِالْجَوَازِ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُسَمَّى خُلُوًّا، لَا مَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ مِصْرَ مِنْ الْمُفَاصَلَةِ الَّتِي تَقَدَّمَ بَعْضُهَا. وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ مِنْ النُّظَّارِ بَيْعُ مَوَاقِفِ الْمَسْجِدِ وَخَلَوَاتِهِ لِيُتَوَصَّلُوا بِذَلِكَ إلَى الِاسْتِيلَاءِ عَلَى نَفْسِ الْمَسَاجِدِ وَيُدْخِلُونَ فِيهَا دَوَابَّهُمْ، وَبِالْجُمْلَةِ مَتَى أَمْكَنَهُمْ شَيْءٌ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ خَرِبَ، وَبَقَاءُ أَحْبَاسِ السَّلَفِ دَائِرَةً دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ، وَرَدَّ بِلَوْ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي الْفَرَجِ عَنْ مَالِكٍ إنْ رَأَى الْإِمَامُ بَيْعَ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ جَازَ وَيَجْعَلُ ثَمَنَهُ فِي مِثْلِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فَعِنْدَهُمْ يَجُوزُ بَيْعُ الْوَقْفِ إذَا خَرِبَ وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ. قَوْلُهُ: [يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ] : قَالَ فِي الْأَصْلِ تُبَاعُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ يُبْنَى بِهَا مَسَاجِدُ فِي مَحَلٍّ جَائِزٍ أَوْ قَنَاطِرُ لِنَفْعِ الْعَامَّةِ وَلَا تَكُونُ لِوَارِثِهِمْ إذْ هُمْ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهَا شَيْئًا، وَأَنَّى لَهُمْ مِلْكُهَا وَهُمْ السَّمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ الْأَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ يَكُونُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ، فَإِذَا اسْتَوْلَى بِظُلْمِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَلَبَهُمْ أَمْوَالَهُمْ وَصَرَفَهَا فِيمَا يُغْضِبُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ، وَأَمَّا مَا رَتَّبُوهُ عَلَيْهَا مِنْ الْوَظَائِفِ فَيَجُوزُ تَنَاوُلُهُ بِوَصْفِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَوْ لَمْ يَعْمَلْ بِمَا رُتِّبَ فِيهِ مِنْ أَذَانٍ أَوْ قِرَاءَةٍ أَوْ تَدْرِيسٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (اهـ) . قَوْلُهُ: [أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِالْجَوَازِ] : الْمُرَادُ بِهِ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ وَعَلَيْهِ الْأُجْهُورِيُّ وَأَتْبَاعُهُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَخَلَوَاتِهِ] : بِفَتَحَاتٍ جَمْعُ خَلْوَةٍ وَهُوَ عَطْفُ خَاصٍّ لِأَنَّ الْمَرَافِقَ تَشْمَلُهُ.

[ما تتناوله ألفاظ الواقف]

(إلَّا) أَنْ يَبِيعَ الْعَقَارَ الْحُبْسَ (لِتَوْسِيعِ مَسْجِدٍ) جَامِعٍ فَيَجُوزَ (أَوْ) تَوْسِعَةِ (مَقْبَرَةٍ أَوْ طَرِيقٍ) لِمُرُورِ النَّاسِ فَيَجُوزَ بَيْعٌ بِالْوَقْفِ لِذَلِكَ (وَلَوْ جَبْرًا) عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ أَوْ لِلنَّاظِرِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْحُبْسِ فَالْمِلْكُ أَوْلَى. (وَأُمِرُوا) : أَيْ الْمُسْتَحِقُّونَ وُجُوبًا (بِجَعْلِ ثَمَنِهِ فِي حُبْسٍ غَيْرِهِ) : وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ (وَلَا جَبْرَ) : أَيْ لَا يُجْبِرُهُمْ الْحَاكِمُ عَلَى الْجَعْلِ فِي حُبْسٍ غَيْرِهِ: أَيْ لَا يَقْضِي عَلَيْهِمْ بِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا تَتَنَاوَلُهُ أَلْفَاظُ الْوَاقِفِ بِقَوْلِهِ: (وَتَنَاوَلَ: " الذُّرِّيَّةُ ") فَاعِلُ تَنَاوَلَ: أَيْ لَفْظُ الذُّرِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ: ذُرِّيَّتِي أَوْ ذُرِّيَّةِ فُلَانٍ (الْحَافِدَ) مَفْعُولُهُ: وَهُوَ وَلَدُ الْبِنْتِ فَيَدْخُلُ الْأَوْلَادُ وَأَوْلَادُهُمْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا (كَوَلَدِ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ) وَأَوْلَادِهِمْ أَوْ وَلَدِي (الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَأَوْلَادِهِمْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَيَجُوزُ] : أَيْ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ لِتَوْسِيعِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَمَا بَعْدَهُ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَمَعْنَى الْجَامِعِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ قَالَ فِي الْمَوَّاقِ ابْنُ رُشْدٍ ظَاهِرُ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ أَيْضًا وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ مَالِكٍ وَالْأَخَوَيْنِ وَأَصْبَغَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ ذَلِكَ فِي مَسَاجِدِ الْجَوَامِعِ إنْ اُحْتِيجَ لِذَلِكَ لَا فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ إذْ لَيْسَتْ الضَّرُورَةُ فِيهَا كَالْجَوَامِعِ (اهـ بْن) . قَوْلُهُ: [وَأُمِرُوا] إلَخْ: ذَكَرَ الْمِسْنَاوِيُّ فِي فَتْوَى أَبِي سَعِيدِ بْنِ لُبٍّ أَنَّ مَا وُسِّعَ بِهِ الْمَسْجِدُ مِنْ الرِّبَاعِ لَا يَجِبُ أَنْ يُعَوَّضَ فِيهِ ثَمَنٌ إلَّا مَا كَانَ مِلْكًا أَوْ حَبْسًا عَلَى مُعَيَّنٍ، وَأَمَّا مَا كَانَ حَبْسًا عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ فَلَا يَلْزَمُ تَعْوِيضُهُ أَيْ دَفْعُ ثَمَنٍ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِمُعَيَّنٍ وَمَا يَحْصُلُ مِنْ الْأَجْرِ لِوَاقِفِهِ إذَا دَخَلَ فِي الْمَسْجِدِ أَعْظَمُ مِمَّا قَصَدَ تَحْبِيسَهُ لِأَجْلِهِ أَوَّلًا (اهـ بْن) . [مَا تَتَنَاوَلُهُ أَلْفَاظُ الْوَاقِفِ] قَوْلُهُ: [أَيْ لَفْظُ الذُّرِّيَّةِ] : قَدَّرَ لَفْظَ إشَارَةً إلَى أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ حُذِفَ ذَلِكَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَارْتَفَعَ ارْتِفَاعَهُ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ وَلَدُ الْبِنْتِ] : كَلَامُهُمْ هُنَا يُفِيدُ أَنَّ الْحَافِدَ مَقْصُورٌ عَلَى وَلَدِ الْبِنْتِ وَاَلَّذِي يُفِيدُهُ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: 72] ، أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ أَوْلَادُ الذُّكُورِ وَأَوْلَادُ الْبَنَاتِ، وَفِي الْقَامُوسِ السِّبْطُ وَلَدُ الْوَلَدِ ظَاهِرُهُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَهُوَ مُرَادِفٌ لِلْحَفِيدِ.

فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْحَافِدَ (أَوْ) قَالَ: (أَوْلَادِي وَأَوْلَادُهُمْ) فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْحَافِدَ. بِخِلَافِ قَوْلِهِ: (وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي) فَلَا يَتَنَاوَلُ الْحَافِدَ، بَلْ أَوْلَادَهُ ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَأَوْلَادَ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ، رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَرَجَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: يَدْخُلُ فِي وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي: الْحَافِدُ، وَتَأَوَّلَ كَلَامَ الْإِمَامِ. (وَ) بِخِلَافِ (أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي) : لَا يَدْخُلُ الْحَافِدُ عَلَى الرَّاجِحِ، وَقِيلَ بِدُخُولِهِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ. (وَبِخِلَافِ بَنِي وَبَنِي بَنِيَّ) : بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ فِي الطَّرَفَيْنِ، فَلَا يَدْخُلُ الْحَافِدُ. (كَنَسْلِي) : لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْحَافِدُ (وَعَقِبِي) : لَا يَدْخُلُ فِيهِ حَافِدٌ لِأَنَّ النَّسْلَ أَوْ الْعَقِبَ لَا يَتَنَاوَلُهُ عُرْفًا كَالثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ. فَإِذَا كَانَ الْعُرْفُ عِنْدَهُمْ شُمُولَهُ، دَخَلَ؛ لِأَنَّ مَبْنَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْعُرْفُ. ثُمَّ الْأَلْفَاظُ الْمُتَقَدِّمَةُ الَّتِي ذَكَرْنَا فِيهَا أَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْحَافِدَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَإِنْ سَفَلَ، وَرَدَّهُ الْمُحَشِّي بِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ كَرَّرَ التَّعْقِيبَ لَدَخَلَ وَلَدُ الْبَنَاتِ إلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي انْتَهَى إلَيْهَا الْمُحَبِّسُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشُّيُوخُ. ثُمَّ اسْتَظْهَرَهُ، وَقَالَ: إنَّهُ الْمَعْمُولُ بِهِ، وَتَبِعَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا (انْتَهَى) . (وَتَنَاوَلَ الْإِخْوَةُ) ، أَيْ لَفْظُ الْإِخْوَةِ، كَوَقْفٍ عَلَى إخْوَتِي أَوْ إخْوَةِ زَيْدٍ (الْأُنْثَى) مِنْهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا يَتَنَاوَلُ الْحَافِدُ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ الْوَلَدَ فِي الْعُرْفِ مَقْصُورٌ عَلَى الذَّكَرِ وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ عَامًّا. قَوْلُهُ: [الذُّكُورِ] : صِفَةٌ لِأَوْلَادِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ أَوْلَادُ هَؤُلَاءِ الذُّكُورِ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا. وَقَوْلُهُ: [دُونَ الْإِنَاثِ] : أَيْ دُونَ أَوْلَادِ الْإِنَاثِ كَانُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا. قَوْلُهُ: [وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ] : إلَخْ: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. قَوْلُهُ: [دَخَلَ] : أَيْ فِي جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ. قَوْلُهُ: [قَالَ بَعْضُهُمْ وَإِنْ سَفَلَ] : مُرَادُهُ بِهِ (عب) وَالْخَرَشِيُّ وَتَبِعَهُمَا الْمَجْمُوعُ. قَوْلُهُ: [وَرَدَّهُ الْمُحَشِّي] : مُرَادُهُ بِهِ (بْن) .

(وَ) تَنَاوَلَ (رِجَالُ إخْوَتِي وَنِسَاؤُهُمْ: الصَّغِيرَ) مِنْهُمْ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. (وَ) تَنَاوَلَ (بَنُو أَبِي) : أَيْ هَذَا اللَّفْظُ (إخْوَتُهُ الذُّكُورُ) : أَشِقَّاءَ أَوْ لِأَبٍ دُونَ الْأَخَوَاتِ (وَأَوْلَادُهُمْ) الذُّكُورُ خَاصَّةً. وَيَدْخُلُ أَيْضًا ابْنُ الْوَاقِفِ دُونَ بَنَاتِهِ. لِتَعْبِيرِهِ بِبَنِي. (وَ) تَنَاوَلَ (آلِي وَأَهْلِي: الْعَصَبَةُ) الذُّكُورُ (وَمَنْ) : أَيْ وَامْرَأَةً، (لَوْ رُجِّلَتْ) : أَيْ فُرِضَتْ رَجُلًا (عُصِّبَتْ) : كَالْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ وَالْعَمَّةِ دُونَ بِنْتِ الْبِنْتِ وَالْخَالَةِ. (وَ) تَنَاوَلَ (أَقَارِبِي) : أَوْ أَقَارِبُ فُلَانٍ: (أَقَارِبَ جِهَتَيْهِ) : أَيْ جِهَةِ أَبِيهِ وَجِهَةِ أُمِّهِ (مُطْلَقًا) ذُكُورًا وَإِنَاثًا، كَانَ مَنْ يَقْرُبُ لِأُمِّهِ فِي جِهَةِ أَبِيهَا وَأُمِّهَا أَيْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ أَصْحَابِ مَالِكٍ (انْتَهَى) . وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَدْخُلُ الْخَالُ وَلَا الْخَالَةُ وَلَا قَرَابَتُهُ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرَابَةٌ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، أَيْ حِينَ الْإِيقَافِ. وَالْمُعْتَمَدُ دُخُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَتَنَاوَلَ رِجَالُ إخْوَتِي] إلَخْ: إنَّمَا تَنَاوَلَ الصَّغِيرَ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ لِأَنَّ الْعَطْفَ قَرِينَةُ التَّعْمِيمِ. بِخِلَافِ مَا لَوْ أَفْرَدَ أَحَدُهُمَا مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ فَلَا يَتَنَاوَلُ الصَّغِيرَ. قَوْلُهُ: [وَتَنَاوَلَ الرِّجَالُ إخْوَتِي] إلَخْ: أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ رِجَالُ إخْوَتِي فَقَطْ فَلَا يَتَنَاوَلُ الصَّغِيرَ. قَوْلُهُ: [وَيَدْخُلُ أَيْضًا ابْنُ الْوَاقِفِ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا دُخُولُ الْوَاقِفِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَفِيهِ قَوْلَانِ، قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَعَلَّهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي دُخُولِ الْمُتَكَلِّمِ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ وَعَدَمِ دُخُولِهِ، وَلَا يَرُدُّ عَلَى الْقَوْلِ بِدُخُولِهِ مَا مَرَّ مِنْ بُطْلَانِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ لِأَنَّهُ فِي الْقَصْدِيِّ وَلَوْ بِشَرِيكٍ، وَمَا هُنَا تَبَعٌ لِعُمُومِ كَلَامِهِ فَلَيْسَ مَقْصُودًا دُخُولُهُ كَذَا أَجَابَ بَعْضُهُمْ وَرَدَّهُ الْأُجْهُورِيُّ بِأَنَّ ظَاهِرَ النُّصُوصِ بُطْلَانُ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ مُطْلَقًا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَصْدِ وَالتَّبَعِ (اهـ) ، وَعُرْفُ مِصْرَ الْآنَ لَا يَدْخُلُ الْوَاقِفُ وَلَا وَلَدُهُ. قَوْلُهُ: [وَالْعَمَّةِ] : أَيْ وَمِثْلُهَا بِنْتُ الْعَمِّ. قَوْلُهُ: [ذُكُورًا وَإِنَاثًا] : الْمُنَاسِبُ أَوْ وَتُجْعَلُ مَانِعَةَ خُلُوٍّ وَالْمَقْصُودُ التَّعْمِيمُ. قَوْلُهُ: [وَلَا قَرَابَتُهُ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ] : عَطْفُ عَامٍّ عَلَى مَا قَبْلَهُ.

الْجِهَتَيْنِ (وَإِنْ كَانُوا ذِمِّيِّينَ) (وَ) تَنَاوَلَ (مَوَالِيهِ) : أَيْ لَفْظُ الْمَوَالِي كُلُّ (مَنْ لَهُ) وَلَاؤُهُ وَلَوْ بِالْجَرِّ (أَوْ) كُلُّ مَنْ (لِأَصْلِهِ) كَأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَجَدِّهِ (أَوْ) كُلُّ مَنْ (لِفَرْعِهِ) كَأَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ (وَلَاؤُهُ وَلَوْ بِالْجَرِّ) بِوِلَادَةٍ أَوْ عِتْقٍ. (لَا) يَتَنَاوَلُ (الْأَعْلَوْنَ) : كَمَنْ أَعْتَقَهُ أَوْ أَعْتَقَ أَصْلَهُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ (إلَّا لِقَرِينَةٍ) فَيُعْمَلُ بِهَا. وَخَرَجَ مَنْ لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ: كَعَتِيقِ جَدِّهِ لِأُمِّهِ وَعَتِيقِ حَفَدَتِهِ. (وَ) تَنَاوَلَ (قَوْمُهُ عَصَبَتَهُ) الذُّكُورَ (فَقَطْ) لَا النِّسَاءَ، وَلَوْ مَنْ لَوْ رُجِّلَتْ عُصِّبَتْ، إذْ الْقَوْمُ حَقِيقَةً فِي الذُّكُورِ دُونَ النِّسَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانُوا ذِمِّيِّينَ] : أَيْ وَإِنْ كَانَ أَقَارِبُ جِهَتَيْهِ ذِمِّيِّينَ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ لِصِدْقِ اسْمِ الْقَرَابَةِ عَلَيْهِ. هَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْبَابِيُّ عَنْ أَشْهَبَ وَمَفْهُومُ ذِمِّيِّينَ أَنَّ الْحَرْبِيِّينَ لَا يَدْخُلُونَ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِالْجَرِّ] بِوِلَادَةٍ أَوْ عِتْقٍ مِثَالُ الْجَرِّ بِالْوِلَادَةِ وِلَادَةُ الْعَتِيقِ الَّذِي أَعْتَقَهُ الْوَاقِفُ. فَإِنَّ أَوْلَادَهُ جَاءَهُمْ الْوَلَاءُ مِنْ الْمُعْتِقِ بِالْجَرِّ أَيْ بِوَاسِطَةِ وِلَادَةِ الْعَتِيقِ لَهُمْ وَمِثَالُ الْجَرِّ بِالْعِتْقِ أَنْ يُعْتِقُ الْعَتِيقُ عَتِيقًا فَإِنَّ الْعَتِيقَ الثَّانِيَ مَنْسُوبٌ لِلْأَوَّلِ بِوَاسِطَةِ عَتِيقِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ هَذَا الْعَتِيقِ الَّذِي حَصَلَ مِنْهُ إيلَادٌ أَوْ أَعْتَقَ عَتِيقًا لِلْمُعْتِقِ أَوْ لِأَبِيهِ أَوْ لِفَرْعِهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كُلُّ مَنْ لَهُ أَوْ لِأَصْلِهِ أَوْ لِفَرْعِهِ وَلَاؤُهُ فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: [وَجَدِّهِ] : أَيْ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ لَا مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُرُّ. قَوْلُهُ: [كَأَوْلَادِهِ] : الْمُرَادُ بِهِمْ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ. وَقَوْلُهُ: [وَأَوْلَادِهِمْ] : الْمُرَادُ خُصُوصُ أَوْلَادِ الذُّكُورِ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا لَا أَوْلَادُ الْبَنَاتِ لِأَنَّهُمْ حَفَدَةٌ وَسَيُخْرِجُهُمْ مَعَ إخْرَاجِ الْجَدِّ لِلْأُمِّ. قَوْلُهُ: [إلَّا لِقَرِينَةٍ] : أَيْ عَلَى دُخُولِ الْمَوْلَى الْأَعْلَى. بَقِيَ لَوْ قَالَ وَقْفٌ عَلَى مَمَالِيكِي فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْأَبْيَضَ حَيْثُ كَانَ الْعُرْفُ كَذَلِكَ كَمَا عِنْدَنَا بِمِصْرَ. وَكَذَا لَوْ قَالَ عَبِيدِي فَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْأَسْوَدَ لِلْعُرْفِ الْجَارِي. قَوْلُهُ: [إذْ الْقَوْمُ حَقِيقَةً فِي الذُّكُورِ] إلَخْ: أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} [الحجرات: 11] وَعَطَفَ النِّسَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، وَقَوْلِ الشَّاعِرِ: وَمَا أَدْرِي وَلَسْت إخَالُ أَدْرِي ... أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ

[تملك عين الوقف]

(وَ) تَنَاوَلَ (الطِّفْلُ وَالصَّبِيُّ وَالصَّغِيرُ) : أَيْ لَفْظُ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ: (مَنْ لَمْ يَبْلُغْ) ، فَإِنْ بَلَغَ فَلَا شَيْءَ لَهُ. (وَ) تَنَاوَلَ (الشَّابُّ وَالْحَدَثُ مِنْهُ) : أَيْ مِنْ الْبُلُوغِ أَيْ مَنْ بَلَغَ (لِلْأَرْبَعِينَ) : أَيْ لِتَمَامِهَا، فَإِنْ تَمَّ الْأَرْبَعِينَ فَلَا شَيْءَ لَهُ. (وَ) تَنَاوَلَ (الْكَهْلُ) : أَيْ لَفْظُهُ: (مِنْهَا) : أَيْ مِنْ تَمَامِ الْأَرْبَعِينَ (لِلسِّتِّينَ) أَيْ لِتَمَامِهَا. (وَ) تَنَاوَلَ (الشَّيْخُ) : أَيْ لَفْظُهُ: (مَنْ فَوْقَهَا) : أَيْ السِّتِّينَ لِآخِرِ الْعُمْرِ، وَلَيْسَ فَوْقَ الشَّيْخِ شَيْءٌ. (وَشَمَلَ) مَا ذُكِرَ مِنْ الطِّفْلِ وَمَا بَعْدَهُ: (الْأُنْثَى) : فَلَا يَخْتَصُّ بِالذَّكَرِ؛ (كَالْأَرَامِلِ) فَإِنَّهُ يَشْمَلُ الْأُنْثَى لِأَنَّ الْمُرَادَ الشَّخْصُ الْأَرْمَلُ أَيْ الْخَالِي مِنْ زَوْجٍ. (وَمِلْكُ الذَّاتِ) : أَيْ ذَاتِ الْوَقْفِ مُبْتَدَأٌ (فَقَطْ) : أَيْ دُونَ الْغَلَّةِ كَالْأُجْرَةِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ وَالثَّمَرَةِ، كَائِنٌ وَثَابِتٌ (لِلْوَاقِفِ) خَبَرُهُ. وَإِذَا كَانَ مِلْكُ الْعَيْنِ لِلْوَاقِفِ (فَلَهُ) إنْ كَانَ حَيًّا (وَلِوَارِثِهِ) إنْ مَاتَ (مَنْعُ مَنْ أَرَادَ إصْلَاحَهُ) : أَيْ إذَا احْتَاجَ لِلْإِصْلَاحِ وَهَذَا (إنْ أَرَادُوهُ) : أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَابَلَ الْقَوْمَ بِالنِّسَاءِ. قَوْلُهُ: [أَيْ لَفْظُ كُلٍّ] إلَخْ: أَيْ بِأَنْ قَالَ عَلَى أَطْفَالِ قَوْمِي أَوْ أَطْفَالِي أَوْ صِغَارِ قَوْمِي أَوْ صِغَارِي أَوْ صِبْيَانِ قَوْمِي أَوْ صِبْيَانِي، وَفِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ قَلْبٌ وَالْأَصْلُ أَيْ كُلُّ لَفْظٍ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ بَلَغَ فَلَا شَيْءَ لَهُ] : أَيْ فَيَسْتَحِقُّ مِنْ الْوَقْفِ مَا لَمْ يَبْلُغْ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ تَمَّ الْأَرْبَعِينَ] إلَخْ: أَيْ يَبْطُلُ حَقُّهُ بِتَمَامِ الْأَرْبَعِينَ وَكَذَا يُقَالُ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَخْتَصُّ بِالذَّكَرِ] : أَيْ بِخِلَافِ لَفْظِ قَوْمِي فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالذَّكَرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعِبَارَةُ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ الْمَشْهُورِ الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ، فَإِنَّ الْمُتَعَارَفَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ الشَّيْخَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ وَيَرْوُونَهُ عَنْ عَلِيٍّ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْمَبْحَثَ يُعْمَلُ بِهِ عَلَى طِبْقِ مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ إنْ كَانَ الْوَقْفُ مُلَاحِظًا اصْطِلَاحَ الْفُقَهَاءِ وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِالْعُرْفِ الشَّائِعِ فَيَدْخُلُ فِي الشُّيُوخِ مِنْ الْأَرْبَعِينَ إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ. [تَمْلِك عَين الْوَقْف] ، قَوْلُهُ: [خَبَرُهُ] : أَيْ خَبَرُ قَوْلِهِ مِلْكُ. قَوْلُهُ: [مَنْعُ مَنْ أَرَادَ إصْلَاحَهُ] : أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِ

[إجارة الوقف]

الْإِصْلَاحَ؛ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ. (وَأَكْرَى) الْوَقْفَ (نَاظِرُهُ) : أَيْ جَازَ لَهُ أَنْ يُكْرِيَ (السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ إنْ كَانَ) أَرْضًا (عَلَى مُعَيَّنٍ) : كَزَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو أَوْ أَوْلَادِي (وَإِلَّا) يَكُنْ عَلَى مُعَيَّنٍ - بِأَنْ كَانَ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ الْعُلَمَاءِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ - (فَكَالْأَرْبَعَةِ) مِنْ الْأَعْوَامِ لَا أَكْثَرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ؛ وَلِأَنَّ إصْلَاحَ الْغَيْرِ مَظِنَّةُ الضَّرَرِ. وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَنْعِ لَهُ وَلِلْوَارِثِ فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ هُوَ وَلَا الْوَارِثُ قَالَ (عب) فَلِلْإِمَامِ الْمَنْعُ (اهـ) وَرَدَّهُ (بْن) قَائِلًا اُنْظُرْ مَنْ قَالَ هَذَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ لَهُ مَنْعُ مَنْ أَرَادَ التَّبَرُّعَ بِإِصْلَاحِ الْوَقْفِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُمْ الْمَنْعُ] : أَيْ بَلْ الْأَوْلَى لَهُمْ تَمْكِينُ مَنْ أَرَادَهُ لِأَنَّهُ مِنْ التَّعَاوُنِ عَلَى الْخَيْرِ، وَمَحَلُّ كَوْنِ الْمِلْكِ لِلْوَاقِفِ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ. وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ ارْتَفَعَ مِلْكُهُ عَنْهَا قَطْعًا. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ بَابِ إسْقَاطِ الْمِلْكِ كَالْعِتْقِ، قِيلَ: إنَّ الْمِلْكَ لِلْوَاقِفِ حَتَّى فِي الْمَسَاجِدِ وَهُوَ ظَاهِرُ الشَّرْحِ وَنَحْوِهِ فِي النَّوَادِرِ. وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْوَاقِفَ لَيْسَ مِنْ بَابِ إسْقَاطِ الْمِلْكِ وَقِيلَ إنَّهُ مِنْ بَابِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مِلْكُ فُلَانٍ بِالدُّخُولِ فِي وَقْفِهِ عَلَى الثَّانِي، وَيَحْنَثُ عَلَى الْأَوَّلِ وَهَذَا الْخِلَافُ قِيلَ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ وَأَمَّا فِيهَا فَهُوَ إسْقَاطٌ قَطْعًا كَمَا قَالَ الْقَرَافِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الْأَصْلِ، وَقِيلَ: الْخِلَافُ جَارٍ فِيهَا أَيْضًا. فَإِنْ قُلْت الْقَوْلُ بِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْوَاقِفِ حَتَّى فِي الْمَسَاجِدِ مُشْكِلٌ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِيهَا وَالْجُمُعَةُ لَا تُقَامُ فِي الْمَمْلُوكِ. أُجِيبَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِمِلْكِ الْوَاقِفِ لِلْوَقْفِ الْمِلْكَ الْحَقِيقِيَّ حَتَّى تُمْنَعَ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ بَلْ الْمُرَادُ مَنْعُ الْغَيْرِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ. [إجَارَة الْوَقْفَ] قَوْلُهُ: [وَأَكْرَى الْوَقْفَ نَاظِرُهُ] : الْمُرَادُ بِالنَّاظِرِ مَنْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْعِبَارَةِ. قَوْلُهُ: [إنْ كَانَ أَرْضًا] : أَيْ إنَّمَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ إنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ، فَإِنْ كَانَ دَارًا وَنَحْوَهَا فَلَا تُؤَاجَرُ غَيْرَ إصْلَاحٍ وَلِغَيْرٍ مِنْ مَرْجِعِهَا لَهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ كَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ مُعَيَّنِينَ أَوْ غَيْرَهُمْ. قَوْلُهُ: [كَزَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو] إلَخْ: مِثْلُهُ لَوْ قَالَ وَقْفٌ عَلَى زَيْدٍ وَأَوْلَادِهِ. قَوْلُهُ: [لَا أَكْثَرَ] : أَيْ كَمَا قَالَ الْمَوَّاقُ وَاسْتَحْسَنَهُ قُضَاةُ قُرْطُبَةَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَجُوزُ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ.

هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَرْجِعُهُ لِلْمُكْرِي وَلَا ضَرُورَةَ أَنْ يُكْرِيَ. (وَ) جَازَ أَنْ يُكْرِيَ (لِمَنْ مَرْجِعُهَا) : أَيْ الذَّاتِ الْمَوْقُوفَةِ (لَهُ) وَقْفًا أَوْ مِلْكًا (كَالْعَشَرَةِ) مِنْ السِّنِينَ لِخِفَّةِ الْأَمْرِ فِيهِ. وَصُورَتُهَا أَنَّهُ حَبَّسَهَا عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَهُ لِعَمْرٍو مِلْكًا أَوْ وَقْفًا، فَجَازَ لِزَيْدٍ أَنْ يُكْرِيَهَا لِعَمْرٍو عَشَرَةَ أَعْوَامٍ. (وَ) جَازَ كِرَاؤُهَا (لِضَرُورَةِ إصْلَاحٍ) لِوَقْفٍ خَرِبٍ (كَالْأَرْبَعِينَ) سَنَةً. وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ عَشَرَةً؛ فَالْجُمْلَةُ خَمْسُونَ لَا أَزْيَدُ. فَأَرْضُ الزِّرَاعَةِ لَا تُكْرَى لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ إنْ كَانَتْ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ إذْ لَا خَرَابَ يَلْحَقُهَا، بِخِلَافِ نَحْوِ الدُّورِ فَإِنَّهُ قَدْ يَلْحَقُهَا الْخَرَابُ. فَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنٍ فَالسَّنَتَانِ وَمَضَى الْأَكْثَرُ إنْ كَانَ نَاظِرًا كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِلَّا فُسِخَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْمُرَادُ بِالنَّاظِرِ هُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَهُ؛ كَالنَّاظِرِ عَلَى وَقْفِ الْفُقَرَاءِ أَوْ مُعَيَّنِينَ - وَلَيْسَ هُوَ مِنْهُمْ - فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُكْرِيَ بِأَزْيَدَ مِمَّا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ بِمَوْتِهِ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ. (وَلَا يُفْسَخُ الْكِرَاءُ) لِوَقْفٍ إذَا وَقَعَ وَجِيبَةً أَوْ نَقَدَ الْمُكْرِيَ كِرَاءَ مُدَّةٍ مَحْدُودَةٍ (لِزِيَادَةٍ) : أَيْ لِأَجْلِ طُرُوُّ زِيَادَةٍ مِنْ آخَرَ (إنْ وَقَعَ) الْكِرَاءُ لِلْأَوَّلِ (بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ) وَقْتَ الْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَتْ وَقْتَ الْعَقْدِ أَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ قُبِلَتْ الزِّيَادَةُ وَفُسِخَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَرْجِعُهُ لِلْمُكْرِي] : الْمُنَاسِبُ الْمُكْتَرِي. قَوْلُهُ: [كَالْعَشَرَةِ مِنْ السِّنِينَ] : الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ لَا تُدْخِلُ شَيْئًا كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [فَأَرْضُ الزِّرَاعَةِ لَا تُكْرَى لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ] إلَخْ: أَيْ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ مُدَّةً وَإِلَّا عُمِلَ عَلَيْهَا كَثُرَتْ أَوْ قَلَّتْ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ قَدْ يَلْحَقُهَا الْخَرَابُ] : أَيْ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي كِرَائِهَا عَلَى الْخَمْسِينَ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنٍ] : مَفْهُومُ قَوْلِهِ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَالضَّمِيرُ فِي كَانَتْ عَائِدٌ عَلَى أَرْضِ الزِّرَاعَةِ. قَوْلُهُ: [قَالَ بَعْضُهُمْ] إلَخْ: أَيْ كَمَا فِي (عب) وَكَبِيرُ الْخَرَشِيِّ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ وَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْإِطْلَاقُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَجِيبَةً] : أَيْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً نَقَدَ الْكِرَاءَ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [أَوْ نَقَدَ الْمُكْرِيَ] : أَيْ فِي الْمُشَاهَرَةِ.

[الوقف على غير معينين]

الْأَوَّلُ لَهَا. وَلَوْ الْتَزَمَ الْأَوَّلُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ الَّتِي زِيدَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى زِيَادَةِ مَنْ زَادَ إذَا لَمْ يَبْلُغْ مَنْ زَادَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ؛ فَإِنْ بَلَغَهَا لَمْ يُلْتَفَتْ لِزِيَادَةِ مَنْ زَادَ بَعْدَهُ. (وَلَا يُقْسَمُ) : أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْسَمَ مِنْ أُجْرَةِ الْوَقْفِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ (إلَّا مَاضٍ زَمَنُهُ) ، فَلَوْ أَكْرَى مُدَّةً مُسْتَقْبَلَةً وَتَعَجَّلَ قَبْضَ أُجْرَتِهَا لَمْ يَجُزْ قَسْمُهَا عَلَى الْحَاضِرِينَ (خَشْيَةَ مَوْتٍ) مَنْ أَخَذَ فَيُؤَدِّي إلَى إعْطَاءِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ وَحِرْمَانِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ (أَوْ) خَشْيَةَ (طُرُوُّ مُسْتَحِقٍّ) فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَيُحْرَمُ مِنْ حَقِّهِ. وَهَذَا إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنِينَ أَوْ عَلَى خِدْمَةِ مَسْجِدٍ أَوْ عَلَى مُدَرِّسِينَ وَنَحْوِهِمْ. وَأَمَّا عَلَى فُقَرَاءَ فَيَجُوزُ لِلْأَمْنِ مِنْ إحْرَامِ مُسْتَحِقٍّ وَإِعْطَاءِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ لِعَدَمِ لُزُومِ تَعْمِيمِهِمْ. (وَفَضَّلَ) النَّاظِرُ (أَهْلَ الْحَاجَةِ وَأَهْلَ الْعِيَالِ) : أَيْ زَادَهُ عَلَى غَيْرِهِ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ؛ كَالْفُقَرَاءِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَالْغُزَاةِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ أَوْ عَلَى قَوْمٍ وَأَعْقَابِهِمْ أَوْ عَلَى كَإِخْوَتِهِ أَوْ بَنِي عَمِّهِ (فِي غَلَّةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ الْتَزَمَ الْأَوَّلُ] إلَخْ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمُعْتَدَّةِ فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي وَقْفٍ ثُمَّ زَادَ شَخْصٌ عَلَيْهَا أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَطَلَبَتْ الْبَقَاءَ بِالزِّيَادَةِ فَإِنَّهَا تُجَابُ لِذَلِكَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا تَزِيدُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَطَلَبَتْ الْبَقَاءَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَقَطْ فَإِنَّهَا تُجَابُ لِذَلِكَ كَمَا فِي (عب) . قَوْلُهُ: [إلَّا مَاضٍ زَمَنُهُ] : صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ هُوَ نَائِبُ الْفَاعِلِ وَزَمَنُهُ مَرْفُوعٌ بِمَاضٍ، أَيْ وَلَا يُقْسَمُ إلَّا خَرَاجٌ أَوْ كِرَاءٌ مَاضٍ زَمَنُهُ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْحُبْسَ إذَا كَانَ عَلَى مُعَيَّنِينَ وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّ النَّاظِرَ عَلَيْهِمْ لَا يَقْسِمُ مِنْ غَلَّتِهِ إلَّا الْغَلَّةَ الَّتِي مَضَى زَمَنُهَا فَإِذَا آجَرَ الدَّارَ أَوْ الْأَرْضَ مُدَّةً فَلَا يُفَرِّقُ الْأُجْرَةَ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ سَوَاءٌ قُبِضَتْ الْأُجْرَةُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ أَوْ عَجَّلَهَا الْمُسْتَأْجِرُ. [الْوَقْف عَلَى غَيْر معينين] قَوْلُهُ: [وَأَهْلَ الْعِيَالِ] : ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَا حَاجَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الِاحْتِيَاجِ. قَوْلُهُ: [فِي غَلَّةٍ] : أَيْ إنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْوَقْفِ تَفْرِيقَ الْغَلَّةِ عَلَيْهِمْ.

وَسُكْنَى) مُتَعَلِّقٌ بِ فَضَّلَ (بِالنَّظَرِ) أَيْ بِالِاجْتِهَادِ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ (إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُمْ) كَفُلَانٍ وَفُلَانٍ فَلَا تَفْضِيلَ. (وَلَا يُخْرَجُ سَاكِنٌ) : بِوَقْفٍ سَكَنَ بِوَصْفِ اسْتِحْقَاقِهِ أَوْ فُضِّلَ بِالسُّكْنَى لِحَاجَتِهِ كَانَ الْوَقْفُ مُعَقَّبًا أَمْ لَا (لِغَيْرِهِ) مِمَّنْ طَرَأَ عَلَيْهِ (وَإِنْ اسْتَغْنَى) الْأَوَّلُ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مَحْصُورٍ كَبَنِي فُلَانٍ (إلَّا لِشَرْطٍ) مِنْ الْوَاقِفِ كَأَنْ يَقُولَ: مَا دَامَ فَقِيرًا أَوْ مُحْتَاجًا، وَمِثْلُهُ الْعُرْفُ وَالْقَرِينَةُ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ: مَنْ حَبَّسَ عَلَى الْفُقَرَاءِ لِفَقْرِهِمْ فَسَكَنَ فَقِيرٌ أُخْرِجَ إنْ اسْتَغْنَى (أَوْ سَفَرِ انْقِطَاعٍ أَوْ سَفَرٍ بَعِيدٍ) فَيَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ السُّكْنَى. وَالْبَعِيدُ مَا يُحْمَلُ صَاحِبُهُ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ؛ فَإِنْ جُهِلَ حَالُ سَفَرِهِ حُمِلَ عَلَى سَفَرِ الْعَوْدِ مَا لَمْ تَظْهَرْ قَرِينَةٌ عَلَى خِلَافِهِ. (وَإِنْ بَنَى مُحَبَّسٌ عَلَيْهِ) . بِنَاءً فِي الْوَقْفِ (أَوْ غَرَسَ) فِيهِ شَجَرًا (فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ) أَنَّهُ وَقْفٌ أَوْ مِلْكٌ (فَوَقْفٌ) وَلَا شَيْءَ فِيهِ لِوَارِثِهِ، وَإِنْ بَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: [وَسُكْنَى] : أَيْ إنْ كَانَ الْمَقْصُودُ سُكْنَاهُمْ. قَوْلُهُ: [مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ] : أَيْ فَتَارَةً يَكُونُ التَّفْضِيلُ فِي السُّكْنَى بِالتَّخْصِيصِ أَوْ بِالزِّيَادَةِ. وَكَذَا الْغَلَّةُ إنْ قَبِلَتْ الِاشْتِرَاكَ كَانَ التَّفْضِيلُ بِالزِّيَادَةِ وَإِلَّا فَبِالتَّخْصِيصِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَفْضِيلِ ذِي الْحَاجَةِ وَالْعِيَالِ هُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ، وَصَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِمَشْهُورِيَّتِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُخْرَجُ سَاكِنٌ] : إلَخْ: مِثْلُ السُّكْنَى فِي ذَلِكَ الْغَلَّةُ. قَوْلُهُ: [إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مَحْصُورٍ] : أَيْ وَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ أَوْ الشَّبَابِ أَوْ الْأَحْدَاثِ فَإِنَّ مَنْ زَالَ وَصْفُهُ بَعْدَ سُكْنَاهُ يُخْرَجُ لِأَنَّهُ عُلِّقَ بِوَصْفٍ وَقَدْ زَالَ فَيَزُولُ الِاسْتِحْقَاقُ بِزَوَالِهِ. وَهَذَا مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْآتِي. قَوْلُهُ: [فَوَقْفٌ] : اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاقِفِهِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ، وَيُجَابُ بِتَبَعِيَّتِهِ لِمَا بَنَى فِيهِ فَأُعْطِيَ حُكْمَهُ فَهُوَ مَحُوزٌ بِحَوْزِ الْأَصْلِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْبَانِيَ فِي الْوَقْفِ إمَّا مُحَبَّسٌ عَلَيْهِ أَوْ أَجْنَبِيٌّ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يُبَيِّنَ قَبْلَ مَوْتِهِ أَنَّ مَا بَنَاهُ مِلْكٌ أَوْ وَقْفٌ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ شَيْئًا، فَإِنْ بَيَّنَ قَبْلَ مَوْتِهِ أَنَّهُ وَقْفٌ كَانَ وَقْفًا وَإِنْ بَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكٌ كَانَ لَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، وَإِنَّ لَهُ لَمْ يُبَيِّنْ كَانَ وَقْفًا إنْ كَانَ ذَلِكَ الْبَانِي مُحَبَّسًا عَلَيْهِ وَلَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ إنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا. فَالْخِلَافُ بَيْنَ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ وَالْأَجْنَبِيِّ

فَهُوَ لِوَارِثِهِ فَيُؤْمَرُ بِنَقْضِهِ أَوْ بِأَخْذِ قِيمَتِهِ مَنْقُوضًا بَعْدَ إسْقَاطِ كُلْفَةٍ لَمْ يَتَوَلَّهَا كَالْأَجْنَبِيِّ. وَهَذَا إذَا كَانَ الْوَقْفُ لَا يَحْتَاجُ لِمَا بَنَاهُ، وَإِلَّا كَانَ وَقْفًا وَوُفِّيَ لَهُ مَا صَرَفَهُ مِنْ غَلَّتِهِ؛ كَالنَّاظِرِ إذَا بَنَى أَوْ أَصْلَحَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ عَدَمِ الْبَيَانِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [فَيُؤْمَرُ بِنَقْضِهِ] : بِفَتْحِ النُّونِ أَوْ هَدْمِهِ وَأَخْذِ أَنْقَاضِهِ. قَوْلُهُ: [وَوُفِّيَ لَهُ مَا صَرَفَهُ] : أَيْ جَمِيعُ مَا صَرَفَهُ. قَوْلُهُ: [فَلَا شَيْءَ لَهُ] : أَيْ وَيُعَدُّ مُتَبَرِّعًا.

[باب في الهبة والصدقة وأحكامها]

بَابٌ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَأَحْكَامِهَا وَالْهِبَةُ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ الْمَنْدُوبَةِ كَالصَّدَقَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَحَبَّةِ وَتَأْلِيفِ الْقُلُوبِ، وَهَذَا إنْ صَحَّ الْقَصْدُ. (الْهِبَةُ) : بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ: وَهُوَ فِعْلُ الْعَبْدِ (تَمْلِيكُ مَنْ لَهُ التَّبَرُّعُ) مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَأَحْكَامِهَا] [أَرْكَانَ الْهِبَة] بَابٌ: الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَقْفِ ظَاهِرَةٌ وَهِيَ الْمَعْرُوفُ وَالْخَيْرُ وَنَفْيُ الْعِوَضِيَّةِ، وَأَمَّا هِبَةُ الثَّوَابِ فَكَالْبَيْعِ وَلِذَا ذَكَرَهَا آخَرَ الْبَابِ كَالتَّبَعِ، وَهَبَ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرٌ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ وَهَبْت لَهُ وَهْبًا بِإِسْكَانِ الْهَاءِ وَفَتْحِهَا وَهِبَةً. وَالِاسْمُ الْمَوْهِبُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْهَاءِ، وَالْمَوْهِبَةُ وَالِاتِّهَابُ قَبُولُ الْهِبَةِ، وَالِاسْتِيهَابُ سُؤَالُ الْهِبَةِ وَتَوَاهَبَ الْقَوْمُ إذَا وَهَبَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَوَهَبْته كَذَا لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْكَثِيرُ تَعْدِيَتُهُ بِاللَّامِ وَرَجُلٌ وَهَّابٌ وَوَهَّابَةٌ، أَيْ كَثِيرُ الْهِبَةِ لِأَمْوَالِهِ. قَوْلُهُ: [الْمَنْدُوبَةِ] إلَخْ: أَيْ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ، وَحَكَى ابْنُ رَاشِدٍ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ. قَالَ (بْن) وَقَدْ قِيلَ لَا ثَوَابَ فِيهَا وَمِنْ لَازِمِ الْمَنْدُوبِ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُهْدِيَ إذَا قَصَدَ الرِّيَاءَ وَالْمَدْحَ فَلَا ثَوَابَ لَهُ، وَإِنْ قَصَدَ التَّوَدُّدَ لِلْمُعْطِي غَافِلًا عَنْ حَدِيثِ: «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» . فَكَذَلِكَ وَإِنْ اسْتَحْضَرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُثَابُ قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ (اهـ) وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ، وَهَذَا إنْ صَحَّ الْقَصْدُ لِأَنَّ مَعْنَى صِحَّةِ الْقَصْدِ مُطَابَقَتُهُ لِلْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ. قَوْلُهُ: [بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ] : إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ " تَمْلِيكُ " إذْ هُوَ فِعْلٌ وَهُوَ صِفَةُ الْمُمَلِّكِ الَّذِي هُوَ الْوَاهِبُ لِيَحْتَرِزَ بِذَلِكَ مِنْ الْهِبَةِ بِمَعْنَى الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ، إذْ لَا يَصِحُّ الْإِخْبَارُ عَنْهُ بِتَمْلِيكٍ وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ هُنَا الْمَعْنَى الِاسْمِيِّ، وَيُقَدَّرُ مُضَافٌ فِي الْخَبَرِ فَيُقَالُ الْهِبَةُ ذَاتُ تَمْلِيكٍ فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَارْتَفَعَ ارْتِفَاعَهُ. قَوْلُهُ: [مَنْ لَهُ التَّبَرُّعُ] : أَيْ مَنْ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِالذَّاتِ الْمَوْهُوبَةِ فِي غَيْرِ هِبَةٍ،

إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ (ذَاتًا) خَرَجَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ كَالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْوَقْفِ وَالْعُمْرَى وَإِخْدَامِ الرَّقِيقِ (تُنْقَلُ شَرْعًا) خَرَجَ بِهِ مَا لَا يَقْبَلُهُ شَرْعًا كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ (بِلَا عِوَضٍ) خَرَجَ بِهِ الْبَيْعُ وَمِنْهُ هِبَةُ الثَّوَابِ (لِأَهْلٍ) : أَيْ مُسْتَحِقٍّ، خَرَجَ الْحَرْبِيُّ وَنَحْوُ الْمُصْحَفِ وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِذِمِّيٍّ (بِصِيغَةٍ) صَرِيحَةٍ (أَوْ مَا يَدُلُّ) عَلَى التَّمْلِيكِ، وَإِنْ مُعَاطَاةً، إنْ كَانَ لِذَاتِ الْمُعْطِي فَقَطْ. (وَ) التَّمْلِيكُ، (لِثَوَابِ الْآخِرَةِ) وَلَوْ مَعَ قَصْدِ الْمُعْطِي أَيْضًا (صَدَقَةً) ؛ فَعُلِمَ أَنَّ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيرًا قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَلِثَوَابِ الْآخِرَةِ " دَلَّ عَلَيْهِ الْعَطْفُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: " مَنْ لَهُ التَّبَرُّعُ " الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، وَالرَّقِيقُ، وَالسَّفِيهُ وَمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ، وَالسَّكْرَانُ، وَكَذَا الْمَرِيضُ، وَالزَّوْجَةُ فِيمَا زَادَ عَلَى ثُلُثِهِمَا. إلَّا أَنَّ هِبَتَهُمَا فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ صَحِيحَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْوَارِثِ وَالزَّوْجِ، فَكَذَا مَنْ أَحَاطَ الدِّينُ بِمَالِهِ، فَإِنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ - بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ وَالصَّغِيرِ فَبَاطِلَةٌ - كَالْمُرْتَدِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّمَا قَدَّرْنَا ذَلِكَ لِئَلَّا يَلْزَمَ شَرْطُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ كَأَنَّهُ قَالَ مِمَّنْ لَهُ التَّبَرُّعُ بِالْهِبَةِ وَقْفًا أَوْ صَدَقَةً أَيْ أَنَّ مَنْ لَهُ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَهَبَ تِلْكَ الذَّاتَ وَمَنْ لَا فَلَا. قَوْلُهُ: [كَالْإِجَارَةِ] إلَخْ: أَيْ وَكَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْوَكَالَةِ. فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَمْلِيكُ ذَاتٍ. قَوْلُهُ: [كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ] : أَيْ فَلَا يَصِحُّ تَمْلِيكُ ذَاتِهِمَا لِلْغَيْرِ. قَوْلُهُ: [خَرَجَ الْحَرْبِيُّ] : أَيْ فَلَا تَصِحُّ لَهُ الْهِبَةُ بِأَيِّ شَيْءٍ مِنْ الْأَمْوَالِ مَا دَامَ حَرْبِيًّا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَفْعُهُ وَلَا التَّوَدُّدُ مَعَهُ. قَوْلُهُ: [لِذِمِّيٍّ] : قَيْدٌ فِي الْمُصْحَفِ وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا هِبَةُ غَيْرِ الْمُصْحَفِ وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِذِمِّيٍّ فَجَائِزَةٌ. وَالْمُرَادُ بِالذِّمِّيِّ مَا عَدَا الْحَرْبِيَّ. قَوْلُهُ: [بِصِيغَةٍ] إلَخْ: مُتَعَلِّقٌ بِتَمْلِيكِ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ أَيْ تَمْلِيكٌ مُصَاحِبٌ لِصِيغَةٍ. قَوْلُهُ: [فَعُلِمَ أَنَّ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيرًا] : أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ إنْ كَانَ لِذَاتِ الْمُعْطَى، فَقَطْ. قَوْلُهُ: [دَلَّ عَلَيْهِ الْعَطْفُ] : أَيْ لِأَنَّ الْعَاطِفَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ شَيْءٍ يُعْطَفُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْكَلَامِ صَرِيحًا. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ] إلَخْ: إنَّمَا كَانَتْ بَاطِلَةً فِي الْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ وَالصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ فِي فِعْلِهِمْ عَدَمُ الْمَصْلَحَةِ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ وَالزَّوْجَةِ وَالْغَرِيمِ،

[الهبة المجهولة جنسا وقدرا]

وَعُلِمَ مِنْ تَعْرِيفِ الْهِبَةِ كَالصَّدَقَةِ أَنَّ أَرْكَانَهَا أَرْبَعَةٌ: وَاهِبٌ، وَمَوْهُوبٌ، وَمَوْهُوبٌ لَهُ، وَصِيغَةٌ. وَأَنَّ شَرْطَ الْأَوَّلِ: أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ. وَأَنَّ شَرْطَ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلْوَاهِبِ. وَأَنَّ شَرْطَ الثَّالِثِ: أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لَأَنْ يَمْلِكَ مَا وُهِبَ لَهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ لِذَلِكَ. فَمَتَى وُجِدَتْ الشُّرُوطُ صَحَّتْ الْهِبَةُ. (وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً) جِنْسًا أَوْ قَدْرًا حَيْثُ حَصَلَ الْقَبُولُ كَ وَهَبَتْك مَا فِي يَدِي أَوْ بَيْتِي أَوْ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ (أَوْ كَلْبًا) لِصَيْدٍ أَوْ حِرَاسَةٍ وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ الْحَجْرَ لِحَقِّ غَيْرِهِمْ لَا لِعَدَمِ الْمَصْلَحَةِ، وَأَمَّا بُطْلَانُهَا فِي الْمُرْتَدِّ فَلِزَوَالِ مِلْكِهِ حَالَ الرِّدَّةِ. قَوْلُهُ: [كَالصَّدَقَةِ] : أَيْ كَمَا عُلِمَ مِنْ تَعْرِيفِ الصَّدَقَةِ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ جَامِعٌ لَهُمَا، وَإِنَّمَا التَّغَايُرُ بِقَصْدِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَقَصْدِ وَجْهِ الْمُعْطَى. قَوْلُهُ: [وَاهِبٌ] إلَخْ: أَيْ وَيُقَالُ فِي الصَّدَقَةِ مُتَصَدِّقٌ وَمُتَصَدَّقٌ بِهِ وَمُتَصَدَّقٌ عَلَيْهِ وَصِيغَةٌ. قَوْلُهُ: [وَإِنَّ شَرْطَ الْأَوَّلِ] : أَيْ وَهُوَ الْوَاهِبُ وَالْمُتَصَدِّقُ. قَوْلُهُ: [أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلْوَاهِبِ] : أَيْ أَوْ لِلْمُتَصَدِّقِ. فَهِبَةُ الْفُضُولِيِّ أَوْ صَدَقَتُهُ بَاطِلَةٌ. بِخِلَافِ بَيْعِهِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ فَيَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ إمْضَاءِ الْمَالِكِ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْعَقْدِ تُرَتِّبُ أَثَرَهُ عَلَيْهِ مِنْ جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَهِبَتِهِ أَنَّ بَيْعَهُ فِي نَظِيرِ عِوَضٍ يَعُودُ عَلَى الْمَالِكِ. بِخِلَافِ هِبَتِهِ وَصَدَقَتِهِ وَكُلُّ مَا لَيْسَ فِيهِ مُعَاوَضَةٌ كَعِتْقِهِ وَوَقْفِهِ فَلَا تَصِحُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَلَوْ أَجَازَهَا الْمَالِكُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوَقْفِ. قَوْلُهُ: [وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ لِذَلِكَ] : أَيْ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ لِأَهْلٍ. [الْهِبَة الْمَجْهُولَة جنسا وَقَدْرًا] قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً] : دَخَلَ فِيهِ الْمُكَاتَبُ بِتَقْدِيرِ عَجْزِهِ وَهِبَةُ مِلْكِ غَيْرِهِ بِتَقْدِيرِ مِلْكِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ كَلْبًا لِصَيْدٍ] : أَيْ وَأَمَّا الْكَلْبُ غَيْرُ الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ فَلَا تَصِحُّ هِبَتُهُ وَلَا بَيْعُهُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَمْلُوكٍ شَرْعًا.

[هبة الدين]

(وَآبِقًا وَدَيْنًا) فَتَصِحُّ هِبَتُهُ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَلِغَيْرِهِ. (وَهُوَ) : أَيْ الدَّيْنُ، أَيْ: هِبَتُهُ (إبْرَاءٌ إنْ وُهِبَ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ) ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ يَحْتَاجُ لِلْقَبُولِ (وَإِلَّا) يَهَبُهُ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ بَلْ لِغَيْرِهِ (فَكَرَهْنِهِ) أَيْ فَهُوَ كَرَهْنِ الدَّيْنِ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْإِشْهَادُ، وَكَذَا دَفْعُ الْوَثِيقَةِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ. وَقِيلَ: دَفْعُ الْوَثِيقَةِ شَرْطُ كَمَالٍ لَا صِحَّةٍ، كَالْجَمْعِ بَيْنَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَبَيْنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ. وَإِنَّمَا شُرِطَ فِيهِ ذَلِكَ لِيَكُونَ كَالْحَوْزِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَآبِقًا] : أَيْ فَتَصِحُّ هِبَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ. [هِبَة الدِّين] قَوْلُهُ: [فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ] : أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَقْلٌ لِلْمِلْكِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الْإِبْرَاءِ، فَقِيلَ إنَّهُ نَقْلٌ لِلْمِلْكِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْهِبَةِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَقِيلَ إنَّهُ إسْقَاطٌ لِلْحَقِّ. فَعَلَى الْأَوَّلِ يَحْتَاجُ لِقَبُولٍ، وَعَلَى الثَّانِي فَلَا يَحْتَاجُ لَهُ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ فَإِنَّهُمَا مِنْ قَبِيلِ الْإِسْقَاطِ فَلَا تَحْتَاجُ الْمَرْأَةُ لِقَبُولِ فَضِّ الْعِصْمَةِ وَلَا الْعَبْدُ لِقَبُولِ الْحُرِّيَّةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ جَوَازُ تَأْخِيرِ الْقَبُولِ عَنْ الْإِيجَابِ كَمَا قَالَ الْقَرَافِيُّ وَهُوَ صَرِيحُ نَقْلِ ابْنِ عَرَفَةَ وَنَصَّهُ ابْنُ عَتَّابٍ: وَمَنْ سَكَتَ عَنْ قَبُولِ صَدَقَتِهِ زَمَانًا فَلَهُ قَبُولُهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ طَلَبَ غَلَّتَهَا حَلَفَ مَا سَكَتَ تَارِكًا لَهَا وَأَخَذَ الْغَلَّةَ. قَوْلُهُ: [أَيْ فَهُوَ كَرَهْنِ الدَّيْنِ] إلَخْ: صُورَةُ رَهْنِ الدَّيْنِ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً مِنْ زَيْدٍ بِعَشَرَةٍ لِأَجَلٍ وَيَرْهَنَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا دَيْنَهُ الَّذِي عَلَى خَالِدٍ فَيَجُوزُ إنْ أَشْهَدَ عَلَى الرَّهْنِيَّةِ وَجَمَعَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَدَفَعَ لِلْبَائِعِ ذَكَرَ الدَّيْنَ، وَأَعْلَمَ أَنَّهُ إذَا وَهَبَهُ الدَّيْنَ وَقَامَ بِذَلِكَ الدَّيْنِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ حَلَفَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَا الْوَاهِبُ لِأَنَّ الشَّخْصَ لَا يَحْلِفُ لِيَسْتَحِقَّ غَيْرُهُ، وَأَمَّا إنْ دَفَعَ الْمَدِينُ الدَّيْنَ لِلْوَاهِبِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْهِبَةِ ضَمِنَ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ فَكَرِهَهُ صِحَّةُ التَّصَرُّفِ فِي الْوَظَائِفِ وَهُوَ أَنْ يَتَجَمَّدَ لِإِنْسَانٍ مَالٌ مَعْلُومٌ مِنْ وَظِيفَةٍ أَوْ جَامَكِيَّةٍ فَيَنْزِلَ عَنْهَا لِغَيْرِهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ النُّزُولُ مِنْ غَيْرِ مُقَابَلَةِ شَيْءٍ بَلْ هِبَةً. أَمَّا إنْ كَانَ مُقَابَلَةَ شَيْءٍ يُؤْخَذُ فَإِنْ سَلِمَ مِنْ الرِّبَا جَازَ وَإِلَّا مُنِعَ. قَوْلُهُ: [كَالْجَمْعِ بَيْنَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ] : اعْلَمْ أَنَّ فِي دَفْعِ ذِكْرِ الْحَقِّ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَمَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ قَوْلَانِ فِي كُلٍّ قِيلَ شَرْطُ صِحَّةٍ، وَقِيلَ شَرْطُ كَمَالٍ وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ شَرْطُ صِحَّةٍ، وَفِي الثَّانِي شَرْطُ كَمَالٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ (بْن) .

[ما تبطل به الهبة]

(وَبَطَلَتْ) : الْهِبَةُ (بِمَانِعٍ) : أَيْ بِحُصُولِهِ (قَبْلَ الْحَوْزِ) : أَيْ قَبْلَ حَوْزِهَا مِنْ وَاهِبِهَا وَإِنْ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَبَيْنَ الْمَانِعِ بِقَوْلِهِ: (مِنْ إحَاطَةِ دَيْنٍ) : بِالْوَاهِبِ (أَوْ جُنُونٍ) لَهُ (أَوْ مَرَضٍ اتَّصَلَا) : أَيْ كُلٌّ مِنْ الْجُنُونِ وَالْمَرَضِ (بِمَوْتِهِ) : أَيْ الْوَاهِبِ (أَوْ مَوْتٍ) لِلْوَاهِبِ قَبْلَ الْحَوْزِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى " إحَاطَةِ دَيْنٍ " (وَإِنْ) مَاتَ الْوَاهِبُ (قَبْلَ إيصَالِهَا) لِلْمَوْهُوبِ لَهُ (إنْ اسْتَصْحَبَهَا) : أَيْ الْوَاهِبُ مَعَهُ فِي سَفَرٍ (أَوْ أَرْسَلَهَا لَهُ) : فَإِنَّهَا تَبْطُلُ، وَتَرْجِعُ مِيرَاثًا إذَا مَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ إيصَالِهَا لَهُ - كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مُعَيَّنًا أَمْ لَا. وَشَبَّهَ فِي الْبُطْلَانِ قَوْلُهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا تَبْطُل بِهِ الْهِبَةُ] تَنْبِيهٌ: يَصِحُّ هِبَةُ الرَّهْنِ لِأَجْنَبِيٍّ حَيْثُ لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ إنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا، أَوْ رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ وَإِنَّمَا أَبْطَلْت الْهِبَةَ مِنْ الرَّهْنِ مَعَ تَأَخُّرِهَا عَنْهُ لِأَنَّا لَوْ أَبْطَلْنَاهَا لَذَهَبَ الْحَقُّ فِيهَا جُمْلَةً. بِخِلَافِ الرَّهْنِ إذَا أَبْطَلْنَاهُ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ بِغَيْرِ إذْنِهِ] : مُبَالَغَةٌ فِي الْحَوْزِ الْمَانِعِ لِلْبُطْلَانِ، وَتَقْرِيرُهُ هَذَا إذَا كَانَ الْحَوْزُ الْمَانِعُ لِلْبُطْلَانِ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ، بَلْ وَإِنْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلِذَلِكَ يُجْبَرُ الْوَاهِبُ عَلَى تَمْكِينِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مِنْ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ لِأَنَّ الْهِبَةَ تُمْلَكُ بِالْقَبُولِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَلَهُ طَلَبُهَا مِنْهُ حَيْثُ امْتَنَعَ وَلَوْ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِيُجْبِرَهُ عَلَى تَمْكِينِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْقَبُولُ وَالْحِيَازَةُ مُعْتَبَرَانِ إلَّا أَنَّ الْقَبُولَ رُكْنٌ وَالْحِيَازَةَ شَرْطٌ كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [بِالْوَاهِبِ] : أَيْ بِمَالِهِ وَلَوْ كَانَتْ الْإِحَاطَةُ بَعْدَ عَقْدِهَا فَالْمُرَادُ ثُبُوتُ دَيْنٍ مُحِيطٍ عَلَى الْوَاهِبِ كَانَ سَابِقًا عَلَى الْهِبَةِ أَوْ لَاحِقًا. قَوْلُهُ: [أَوْ مَوْتٌ لِلْوَاهِبِ قَبْلَ الْحَوْزِ] : أَيْ فَهُوَ مُبْطِلٌ لِلْهِبَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِانْتِقَالِ الْمَالِ لِغَيْرِهِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالْأَوْلَى مِنْ الْجُنُونِ وَالْمَرَضِ الْمُتَّصِلَيْنِ بِالْمَوْتِ، وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ لِأَجْلِ الْمُبَالَغَةِ بَعْدُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ قَبْلَ إيصَالِهَا إلَخْ.

[مات الواهب قيل إيصال الهبة للموهوب]

(كَمَوْتِ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ الْمُعَيَّنِ) قَبْلَ إيصَالِهَا لَهُ مِنْ رَبِّهَا أَوْ رَسُولِهِ فَتَبْطُلُ (إنْ لَمْ يُشْهَدْ) الْوَاهِبُ حِين الِاسْتِصْحَابِ أَوْ الْإِرْسَالِ (أَنَّهَا لَهُ) : أَيْ لِفُلَانٍ، (وَإِلَّا) بِأَنْ أَشْهَدَ أَنَّهَا لَهُ (فَلَا) تَبْطُلُ، وَيَسْتَحِقُّهَا وَارِثُهُ كَمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْهِبَةُ مُعَيَّنَةً لَهُ، بَلْ حَمَلَهَا أَوْ أَرْسَلَهَا لَهُ وَلِعِيَالِهِ فَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ. (وَ) بَطَلَتْ (بِهِبَةٍ) مِنْ وَاهِبِهَا (لِثَانٍ) : أَيْ لِشَخْصٍ ثَانٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ (وَحَازَ) الثَّانِي قَبْلَ الْأَوَّلِ؛ فَتَكُونُ لِلثَّانِي لِتَقَوِّي جَانِبِهِ بِالْحِيَازَةِ. وَلَا قِيمَةَ عَلَى الْوَاهِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَاتَ الواهب قِيلَ إيصَال الْهِبَة لِلْمَوْهُوبِ] قَوْلُهُ: [إذَا مَاتَ الْوَاهِبُ] : إلَخْ: الْأَوْضَحُ حَذْفُ ذَلِكَ وَيُعْقِبُ قَوْلُهُ وَتَرْجِعُ مِيرَاثًا بِقَوْلِهِ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مُعَيَّنًا أَمْ لَا. فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ وَفِي كُلٍّ أَشْهَدَ أَمْ لَا فَهَذِهِ ثَمَانٍ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ وَيُضَمُّ لِتِلْكَ الثَّمَانِ الْبَاطِلَةِ. قَوْلُهُ: [كَمَوْتِ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ الْمُعَيَّنِ إنْ لَمْ يُشْهِدْ] : وَتَحْتَهُ صُورَتَانِ وَهُمَا اسْتَصْحَبَ أَوْ أَرْسَلَ. قَوْلُهُ: [كَمَوْتِ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ] : حَاصِلُ تِلْكَ الصُّوَرِ أَنَّ الْوَاهِبَ إمَّا أَنْ يَسْتَصْحِبَ الْهَدِيَّةَ مَعَهُ أَوْ يُرْسِلَهَا مَعَ رَسُولٍ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَقْصِدَ بِالْهِبَةِ عَيْنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَمْ لَا. وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَمُوتَ الْوَاهِبُ أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْلَ، الْهِبَةِ فَهَذِهِ ثَمَانٍ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يُشْهِدَ حِينَ الِاسْتِصْحَابِ أَوْ الْإِرْسَالِ أَنَّهَا لِفُلَانٍ أَمْ لَا فَهَذِهِ سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً الْبُطْلَانُ فِي عَشَرَةٍ مِنْهَا وَالصِّحَّةُ فِي سِتَّةٍ تُؤْخَذُ مِنْ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ. قَوْلُهُ: [وَبَطَلَتْ بِهِبَةٍ مِنْ وَاهِبِهَا لِثَانٍ] : أَيْ وَيُقْضَى بِهَا لِلثَّانِي حَيْثُ حَازَ وَلَوْ كَانَ الْوَاهِبُ حَيًّا لَمْ يَقُمْ بِهِ مَانِعٌ مِنْ مَوَانِعِ الْهِبَةِ عِنْدَ أَشْهَبَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: الْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهَا إنْ كَانَ الْوَاهِبُ حَيًّا وَهُوَ مُقَابِلٌ لِلْمَشْهُورِ، وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هِبَةَ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ ثُمَّ هِبَتُهُ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ قَبْلَ قَبْضِ الْأَوَّلِ الْمُصَوَّرِ بِالْإِشْهَادِ، وَدَفَعَ ذِكْرَ الْحَقِّ إنْ كَانَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَشَمِلَ أَيْضًا طَلَاقَ امْرَأَةٍ عَلَى بَرَاءَتِهَا مِنْ مُؤَخَّرِ صَدَاقِهَا ثُمَّ تَبَيَّنَّ أَنَّهَا وَهَبَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ، فَإِنْ كَانَتْ أَشْهَدَتْ أَنَّهَا وَهَبَتْهُ لِأَجْنَبِيِّ وَدَفَعَتْ لَهُ ذِكْرَ الصَّدَاقِ طَلُقَتْ بَائِنًا وَلَزِمَ الزَّوْجَ دَفْعُ مُؤَخَّرِهِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُشْهِدْ وَلَمْ تَدْفَعْ الذِّكْرَ لِلْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّ الزَّوْجَ يَسْقُطُ عَنْهُ الْمُؤَخَّرُ بِبَرَاءَتِهَا لَهُ مِنْهُ وَيُطْلَقُ عَلَيْهِ وَلَا يَشْمَلُ كَلَامُ الْمَتْنِ مَا إذَا وَهَبَ لِلثَّانِي الْمَنْفَعَةَ فَقَطْ بِإِعَارَةٍ أَوْ إخْدَامٍ، وَحَازَهُ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ الْمُخْدَمُ بَعْدَ أَنْ وَهَبَ أَوَّلًا ذَاتَه وَمَنْفَعَتَهُ لِشَخْصٍ، فَإِنَّ الْحَقَّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَوَّلًا فِي الْمَنْفَعَةِ وَالذَّاتِ دُونَ الثَّانِي لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ حَوْزَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُخْدَمِ حَوْزٌ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ.

[أوصى بأمته لشخص ثم وطئها]

لِلْأَوَّلِ وَلَوْ جَدَّ فِي الطَّلَبِ عَلَى الْمَشْهُورِ. (أَوْ تَدْبِيرٍ) لِمَا وَهَبَهُ قَبْلَ الْحَوْزِ (أَوْ اسْتِيلَادٍ) لِأَمَةٍ وَهَبَهَا قَبْلَ الْحَوْزِ، فَتَبْطُلُ الْهِبَةُ. وَأَوْلَى: الْعِتْقُ وَالْكِتَابَةُ. وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِيلَادِ: حَمْلُهَا مِنْ سَيِّدِهَا الْوَاهِبِ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْوَطْءِ فَلَا يُبْطِلُهَا. (وَلَا قِيمَةَ) عَلَى الْوَاهِبِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فِي الْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ. (لَا) تَبْطُلُ الْهِبَةُ (بِبَيْعٍ) مِنْ وَاهِبِهَا (قَبْلَ عِلْمِ الْمَوْهُوبِ لَهُ) بِالْهِبَةِ. وَكَذَا بَعْدَ عِلْمِهِ وَلَمْ يُفَرِّطْ فِي حَوْزِهَا. وَإِذَا لَمْ تَبْطُلْ خُيِّرَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي رَدِّ الْبَيْعِ وَفِي إجَازَتِهِ وَأَخْذِ الثَّمَنِ. (وَإِلَّا) - بِأَنْ بَاعَهَا وَاهِبُهَا بَعْدَ عِلْمِ الْمَوْهُوبِ لَهُ: أَيْ وَفَرَّطَ فِي حَوْزِهَا - مَضَى الْبَيْعُ. وَإِذَا مَضَى (فَلَهُ) : أَيْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ (الثَّمَنُ) وَقِيلَ: الثَّمَنُ لِلْوَاهِبِ. (وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى مُودَعٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ (وُهِبَ لَهُ) مَا أُودِعَ عِنْدَهُ فَحَصَلَ لِلْوَاهِبِ مَانِعٌ مِنْ مَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَنَّهُ قَبِلَ) الْهِبَةَ (قَبْلَهُ) : أَيْ قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ. وَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ بِالْقَبُولِ قَبْلَهُ. وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْوَاهِبَ إذَا وَهَبَ وَدِيعَةً لِمَنْ هِيَ عِنْدَهُ، فَإِنْ عَلِمَ وَقَبِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَلَى الْمَشْهُورِ] : قَدْ عَلِمْت مُقَابِلَهُ. [أَوْصَى بِأُمَّتِهِ لِشَخْصِ ثُمَّ وَطِئَهَا] قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْوَطْءِ] : أَيْ الْوَطْءِ الْمُجَرَّدِ مِنْ الْإِيلَادِ فَلَا يُفِيتُ، وَمِثْلُ الْهِبَةِ فِيمَا ذُكِرَ الْوَصِيَّةُ فَإِذَا أَوْصَى بِأَمَتِهِ لِشَخْصٍ ثُمَّ وَطِئَهَا فَإِنْ حَمَلَتْ مِنْهُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِلَّا فَلَا، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ: [وَلَا قِيمَةَ عَلَى الْوَاهِبِ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّهُمْ رَاعَوْا فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ مَعَ تَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ وَتَقَوَّى الثَّانِي بِالْقَبْضِ فَلِذَا قِيلَ بِبُطْلَانِ الْهِبَةِ فِيهَا وَعَدَمِ الْقِيمَةِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى الْوَاهِبِ. [قَبْضِ الْهِبَةِ وَحَوْزهَا] قَوْلُهُ: [وَلَمْ يُفَرِّطْ فِي حَوْزِهَا] : أَيْ بِأَنْ جَدَّ فِي طَلَبِهَا. قَوْلُهُ: [فِي رَدِّ الْبَيْعِ] : أَيْ وَيَأْخُذُ الشَّيْءَ الْمَوْهُوبَ. قَوْلُهُ: [أَيْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ الثَّمَنُ] : أَيْ وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَهُوَ الرَّاجِحُ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ الثَّمَنُ لِلْوَاهِبِ] : هُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَكُلٌّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ.

قَبْلَ مَوْتِ الْوَاهِبِ صَحَّتْ اتِّفَاقًا، وَإِنْ قَبِلَ بَعْدَ مَوْتِهِ بَطَلَتْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى مَاتَ بَطَلَتْ اتِّفَاقًا. فَإِنْ ادَّعَى الْقَبُولَ قَبْلَهُ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ، وَمِثْلُ الْوَدِيعَةِ الدَّيْنُ؛ فَإِنْ وَهَبَهَا لِغَيْرِ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَحُزْ حَتَّى مَاتَ بَطَلَتْ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ. (وَصَحَّ الْقَبُولُ) بَعْدَ الْمَانِعِ (إنْ) كَانَ (قَبَضَ لِيَتَرَوَّى) فِي أَمْرِهِ هَلْ يَقْبَلُ أَوْ لَا، ثُمَّ بَدَا لَهُ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا اسْتَمَرَّ عَلَى قَبْضِ الْوَدِيعَةِ الْأَصْلِيِّ وَفِي هَذِهِ حَصَلَ مِنْهُ إنْشَاءُ قَبْضٍ بَعْدَ الْهِبَةِ وَهُوَ أَقْوَى (كَأَنْ جَدَّ) الْمَوْهُوبُ لَهُ (فِيهِ) : أَيْ فِي الْحَوْزِ أَيْ قَبْضِ الْهِبَةِ مِنْ الْوَاهِبِ وَالْوَاهِبُ يُسَوِّفُ بِهِ حَتَّى مَاتَ (أَوْ) جَدَّ (فِي تَزْكِيَةِ شَاهِدِهِ) حَيْثُ أَنْكَرَ الْوَاهِبُ الْهِبَةَ فَأَقَامَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَيِّنَةً عَلَيْهَا فَاحْتَاجَتْ لِتَزْكِيَةٍ فَجَدَّ فِي تَزْكِيَتِهَا (فَمَاتَ) الْوَاهِبُ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ فَتَصِحُّ الْهِبَةُ وَيَأْخُذُهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ بَعْدَ التَّزْكِيَةِ لِتَنْزِيلِ الْجَدِّ الْمَذْكُورِ مَنْزِلَةَ الْحَوْزِ. فَالْمُرَادُ بِالشَّاهِدِ الْجِنْسُ. (وَ) صَحَّ (حَوْزُ مُخْدَمٍ) لِعَبْدٍ فَ " مُخْدَمٌ " بِالْفَتْحِ. (وَ) حَوْزُ (مُسْتَعِيرٍ) لِعَبْدٍ (أَوْ غَيْرِهِ) (وَ) حَوْزُ (مُودَعٍ) بِالْفَتْحِ: أَيْ أَنَّ مَنْ أَخَدَمَ عَبْدَهُ لِشَخْصٍ أَوْ أَعَارَهُ أَوْ أَوْدَعَ شَيْئًا عِنْدَ شَخْصٍ، ثُمَّ وَهَبَهُ لِشَخْصٍ آخَرَ، فَمَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِخْدَامِ أَوْ الْإِعَارَةِ أَوْ قَبْلَ أَخْذِ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْمُودَعِ، فَإِنَّ حِيَازَةَ مَنْ ذُكِرَ صَحِيحَةٌ. وَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَخْذُ الْهِبَةِ، وَلَا كَلَامَ لِوَارِثِ الْوَاهِبِ بِأَنَّ الْمَانِعَ حَصَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بَطَلَتْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] : أَيْ وَصَحَّتْ عِنْدَ أَشْهَبَ. قَوْلُهُ: [بَطَلَتْ اتِّفَاقًا] : أَيْ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَفْتَقِرُ لِقَبُولِ. قَوْلُهُ: [وَمِثْلُ الْوَدِيعَةِ الدَّيْنُ] : أَيْ وَكَذَا الْعَارِيَّةُ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ وَهَبَهَا لِغَيْرِ مَنْ هِيَ يَدُهُ] إلَخْ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ لِمَنْ هِيَ عِنْدَهُ وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ فَإِنْ وَهَبَهَا لِغَيْرِ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ فَسَيَأْتِي وَيُحْذَفُ قَوْلُهُ وَلَمْ يَحُزْ إلَخْ. قَوْلُهُ: [فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ] : أَيْ وَهِيَ مَا إذَا عَلِمَ وَقَبِلَ قَبْلَ مَوْتِهِ، أَوْ عَلِمَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَبِلَ بَعْدُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يَقْبَلْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ. قَوْلُهُ: [فَالْمُرَادُ بِالشَّاهِدِ الْجِنْسُ] : أَيْ الْمُتَحَقِّقُ فِي الْمُتَعَدِّدِ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّ حِيَازَةَ مِنْ ذُكِرَ صَحِيحَةٌ] : أَيْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُخْدَمِ وَالْمُسْتَعِيرِ حَائِزٌ لِنَفْسِهِ. وَحَوْزُهُ لِنَفْسِهِ مُخَرَّجٌ مِنْ حَوْزِ الْوَاهِبِ فَلِذَلِكَ صَحَّ حَوْزُهُمَا وَلَوْ لَمْ يَعْلَمَا بِالْهِبَةِ

قَبْلَ حَوْزِ الْمَوْهُوبِ لَهُ؛ لِأَنَّ حَوْزَ مَنْ ذُكِرَ صَحِيحٌ شَرْعًا إذَا عَلِمُوا بِأَنَّ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ وَهَبَهُ رَبُّهُ لِزَيْدٍ، بَلْ (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمُوا) عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمُخْدَمُ وَالْمُعَارُ إلَى أَجَلٍ فَقَبْضُ الْمُخْدِمِ وَالْمُسْتَعِيرِ لَهُ قَبْضٌ لِلْمَوْهُوبِ، وَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إنْ مَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ ذَلِكَ (انْتَهَى) ، وَالنَّقْلُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْأَوَّلَيْنِ بِذَلِكَ وَلَا رِضَاهُمَا، وَقَيَّدَ الشَّيْخُ الْمُودَعَ بِالْعِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَجَّحَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ. وَلَكِنْ اعْتَمَدَ بَعْضُهُمْ صِحَّةَ حَوْزِ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمُوا بِالْهِبَةِ. (لَا) يَصِحُّ حَوْزُ (غَاصِبٍ) لِشَيْءٍ وَهَبَهُ رَبُّهُ لِغَيْرِ غَاصِبِهِ، لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَمْ يَقْبِضْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، بَلْ قَبَضَ لِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ قَبْضُهُ حَوْزًا إلَّا إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ غَائِبًا وَأَمَرَهُ رَبُّهُ أَيْ يَحُوزُهُ لَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ أَخْذًا لَهُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. فَقَوْلُ الْعَلَّامَةِ الْخَرَشِيِّ قَوْلُهُ: وَلَا أَمَرَهُ بِهِ، يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِهِ لَجَازَ. . . إلَخْ مَحْمُولٌ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ الْغَائِبِ لَا الْحَاضِرِ الرَّشِيدِ؛ فَلَا يَصِحُّ حَوْزُ غَاصِبٍ لَهُ وَلَوْ أَمَرَهُ رَبُّهُ بِالْحَوْزِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQاتِّفَاقًا، وَأُلْحِقَ بِهِمَا الْمُودَعُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَمَحَلُّ صِحَّةِ حَوْزِ مَنْ ذُكِرَ إذَا أَشْهَدَ الْوَاهِبُ عَلَى الْهِبَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ شَاسٍ وَإِلَّا فَلَا كَمَا يُفِيدُهُ (بْن) . قَوْلُهُ: [إذَا عَلِمُوا] : بَيَانٌ لِمَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ فِي الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [الْأَوَّلَيْنِ] : أَيْ الْمُخْدَمِ وَالْمُسْتَعِيرِ. قَوْلُهُ: [وَقَيَّدَ الشَّيْخُ الْمُودَعَ بِالْعِلْمِ] : إنَّمَا قُيِّدَ بِالْعِلْمِ لِأَنَّ حَوْزَهُ لَمْ يَكُنْ لِنَفْسِهِ، بَلْ لِلْوَاهِبِ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ، وَالثَّالِثُ فَالْمُخْدَمُ وَالْمُسْتَعِيرُ لَمَّا كَانَ حَوْزُهُمَا لِأَنْفُسِهِمَا صَحَّ حَوْزُهُمَا مُطْلَقًا وَلَوْ لَمْ يَرْضَيَا بِذَلِكَ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ حَوْزَ الْمُخْدَمِ وَالْمُسْتَعِيرِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ صَحِيحٌ مُطْلَقًا عَلِمَا بِالْهِبَةِ أَمْ لَا، تَقَدَّمَ الْإِخْدَامُ وَالْإِعَارَةُ عَلَى الْهِبَةِ بِقَلِيلٍ أَوْ بِكُثْرٍ رَضِيَا بِالْحَوْزِ أَمْ لَا بِشَرْطِ أَنْ يَشْهَدَ الْوَاهِبُ عَلَى الْهِبَةِ، وَأُلْحِقَ بِهِمَا الْمُودَعُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: [لَا يَصِحُّ حَوْزُ غَاصِبٍ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. قَوْلُهُ: [لَمْ يَقْبِضْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ] : لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ جَارٍ فِي الْمُخْدَمِ وَالْمُسْتَعِيرِ مَعَ أَنَّ حَوْزَهُمَا صَحِيحٌ فَلَعَلَّ الْمُنَاسِبَ فِي التَّعْلِيلِ أَنْ يَقُولَ لِأَنَّ هَذَا قَابِضٌ لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَاهِبِ فَقَبْضُهُ كَلَا قَبْضٍ. قَوْلُهُ: [فَقَوْلُ الْعَلَّامَةِ الْخَرَشِيِّ قَوْلُهُ وَلَا أَمَرَهُ] إلَخْ: أَيْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ

(وَ) لَا حَوْزُ (مُرْتَهِنٍ) : بِالْكَسْرِ. فَإِذَا وَهَبَ رَبُّ الرَّهْنِ مَا رَهَنَهُ لِغَيْرِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَكُونُ حَوْزُ الْمُرْتَهِنِ حَوْزًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ. فَإِذَا مَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ رَجَعَ الرَّهْنُ لِلْوَارِثِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ. (وَ) لَا يَصِحُّ حَوْزُ (مُسْتَأْجِرٍ) : بِالْكَسْرِ: أَيْ أَنَّ مَنْ أَجَّرَ شَيْئًا لِشَخْصٍ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ، ثُمَّ وَهَبَهُ لِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ حَوْزُ الْمُسْتَأْجِرِ حَوْزًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ (إلَّا أَنْ يَهَبَ) الْوَاهِبُ (الْأُجْرَةَ) أَيْضًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ (قَبْلَ قَبْضِهَا) مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ حَوْزُ الْمُسْتَأْجِرِ حَوْزًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، لِجَوَلَانِ يَدِهِ فِي الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ بِقَبْضِ أُجْرَتِهِ بِخِلَافِ هِبَتِهَا بَعْدَ قَبْضِهَا فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَالًا مُسْتَقِلًّا مِنْ مَالِهِ. (وَ) لَا يَصِحُّ حَوْزُ الْمَوْهُوبِ لَهُ السَّابِقُ (إذَا رَجَعَتْ) الْهِبَةُ (لِوَاهِبِهَا بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ الْحَوْزِ (قَبْلَ سَنَةٍ) : وَهُوَ مُرَادُ الشَّيْخِ بِالْقُرْبِ (بِإِيجَارٍ) مُتَعَلِّقٌ بِ " رَجَعَتْ " أَيْ: رَجَعَتْ لِوَاهِبِهَا بِسَبَبِ إيجَارٍ لَهَا مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ (أَوْ إرْفَاقٍ) : كَإِعَارَةٍ أَوْ إخْدَامٍ أَوْ عُمْرَى فَمَاتَ الْوَاهِبُ وَهِيَ تَحْتَ يَدِهِ؛ فَيَبْطُلُ الْحَوْزُ الْأَوَّلُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْخَرَشِيَّ قَالَ نَقْلًا عَنْ الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ مَالِكٌ: لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَمْ يَقْبِضْ لِلْمَوْهُوبِ وَلَا أَمَرَهُ الْوَاهِبُ بِذَلِكَ ثُمَّ قَالَ قَوْلُهُ وَلَا أَمَرَهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَلَا حَوْزُ مُرْتَهِنٍ] إلَخْ: إنْ قُلْت الْمُرْتَهِنُ قَادِرٌ عَلَى رَدِّ الرَّهْنِ وَإِبْقَاءِ دَيْنِهِ بِلَا رَهْنٍ فَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَنَّ حَوْزَهُ يَكْفِي. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى رَدِّ الرَّهْنِ كَمَا أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ قَادِرٌ عَلَى رَدِّ الْعَارِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إنَّمَا قَبَضَ لِلتَّوَثُّقِ لِنَفْسِهِ. بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ فَإِنَّهُ وَإِنْ قَبَضَ لِنَفْسِهِ لَكِنْ لَا لِتَوَثُّقٍ هَكَذَا أَجَابَ مُحَشِّي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَصِحُّ حَوْزُ مُسْتَأْجِرٍ] : قَالَ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ أَنَّ الْإِجَارَةَ فِي نَظِيرِ مُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ فَهِيَ لَازِمَةٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا. بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ فَلَيْسَتْ لَازِمَةً لِلْمُسْتَعِيرِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا فَلِذَا كَانَ حَوْزُهُ حَوْزًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَأَيْضًا يَدُ الْمُؤَجِّرِ جَائِلَةٌ فِي الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ بِقَبْضِ أُجْرَتِهِ، وَلِذَا لَوْ وَهَبَ الْأُجْرَةَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ قَبْلَ قَبْضِهَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ صَحَّ حَوْزُ الْمُسْتَأْجِرِ لِعَدَمِ جَوَلَانِ يَدِ الْوَاهِبِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَلَا يَصِحُّ حَوْزُ الْمَوْهُوبِ لَهُ السَّابِقُ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ لِلْهِبَةِ غَلَّةٌ أَمْ لَا وَهُوَ الصَّوَابُ، وَتَقْيِيدُ الْمَوَّاقِ لَهُ بِمَا إذَا كَانَ لَهُ غَلَّةٌ رَدَّهُ (ر) كَمَا يُفِيدُهُ (بْن) .

بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ مَانِعٌ فَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَخْذُهَا مِنْهُ بَعْدَ الْإِرْفَاقِ قَهْرًا عَنْهُ لِيَتِمَّ الْحَوْزُ الْأَوَّلُ. وَمَفْهُومُ " قَبْلَ سَنَةٍ " أَنَّهَا لَوْ رَجَعَتْ لَهُ بَعْدَ سَنَةٍ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ فِي الْحَوْزِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: " بِإِيجَارٍ " أَوْ إرْفَاقٍ: أَنَّهُ لَوْ رَجَعَتْ لَهُ بِغَصْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ أَيْضًا، وَهُوَ كَذَلِكَ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ: " بِخِلَافِ سَنَةٍ أَوْ رَجَعَ مُخْتَفِيًا أَوْ ضَيْفًا فَمَاتَ ". (وَ) صَحَّ (حَوْزُ وَاهِبٍ) شَيْئًا وَهَبَهُ (لِمَحْجُورِهِ) مِنْ، صَغِيرٍ أَوْ سَفِيهٍ أَوْ مَجْنُونٍ كَانَ وَلِيُّهُ الْوَاهِبُ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَحُوزُ لَهُ. وَهَذَا (إنْ أَشْهَدَ) الْوَاهِبُ لِمَحْجُورِهِ أَنَّهُ وَهَبَهُ كَذَا، فَالْإِشْهَادُ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَوْزِ فِي غَيْرِ الْمَحْجُورِ. فَهَذَا الْقَيْدُ لَا بُدَّ مِنْهُ. وَلَا يُشْتَرَطُ مُعَايَنَةُ الْمَحْجُورِ لَهَا وَلَا صَرْفُ الْغَلَّةِ لَهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ صَرْفِ الْغَلَّةِ فِي مَصَالِحِهِ كَمَا فِي الْوَقْفِ فَإِنْ صَرَفَهَا الْوَلِيُّ عَلَى نَفْسِهِ بَطَلَتْ وَرُجِّحَ، وَبَعْضُهُمْ رَجَّحَ الْأَوَّلَ. (إلَّا) إذَا وَهَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَنَّهُ لَا يَضُرُّ فِي الْحَوْزِ الْأَوَّلِ] : مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ الضَّرَرِ فِي رُجُوعِهَا بَعْدَ سَنَةٍ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ لِغَيْرِ مَحْجُورِهِ وَأَمَّا لِمَحْجُورِهِ فَتَبْطُلُ بِرُجُوعِهَا لِلْوَاهِبِ مُطْلَقًا كَمَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَطَرِيقَةُ غَيْرِهِ أَنَّ الْمَحْجُورَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الْبُطْلَانِ فِي الرُّجُوعِ بَعْدَ عَامٍ وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ عَوَّلَ الْمُتَيْطِيُّ وَبِهَا أَفْتَى ابْنُ لُبٍّ وَجَرَى الْعَمَلُ اُنْظُرْ الْمَوَّاقَ (اهـ بْن) ، وَمِثْلُ الْهِبَةِ الصَّدَقَةُ فِي التَّفْصِيلِ فِي رُجُوعِهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ لِلرَّاهِنِ وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ حَوْزِهِ، وَأَمَّا الْوَقْفُ إنْ كَانَ لَهُ غَلَّةٌ فَكَالْهِبَةِ فِي التَّفْصِيلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ كَالْكُتُبِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ وَقْفُ مَا عَادَ لَهُ بَعْدَ صَرْفِهِ وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُشْتَرَطُ مُعَايَنَةُ الْمَحْجُورِ لَهَا] : أَيْ لِلْحِيَازَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ الْحَوْزِ وَلَا يُشْتَرَطُ مُعَايَنَةُ الشُّهُودِ لَهَا أَيْضًا. فَمَتَى قَالَ الْوَلِيُّ لِلشُّهُودِ اشْهَدُوا أَنِّي وَهَبْت الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ لِمَحْجُورِي كَفَى سَوَاءٌ أُحْضِرَ لَهُمْ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [وَرَجَّحَ] : الْمُرَجِّحُ لَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ. وَقَوْلُهُ: [وَبَعْضُهُمْ رَجَّحَ الْأَوَّلَ] : أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ الْوَقْفِ حَيْثُ اُشْتُرِطَ فِي الْوَقْفِ صَرْفُ الْغَلَّةِ قَوْلًا وَاحِدًا أَنَّ الْوَقْفَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ، وَالْخَارِجُ عَنْ مِلْكِهِ إنَّمَا هُوَ الْغَلَّةُ فَلِذَلِكَ اُشْتُرِطَ صَرْفُهَا قَوْلًا وَاحِدًا.

لِمَحْجُورِهِ (مَالًا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ) : كَالدَّرَاهِمِ وَسَائِرِ الْمِثْلِيَّاتِ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَعْدُودٍ أَوْ مَوْزُونٍ وَنَحْوِ جَوَاهِرَ، فَلَا تَصِحُّ حِيَازَتُهُ لِمَحْجُورِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِهِ عَنْ حَوْزِهِ قَبْلَ الْمَانِعِ وَإِلَّا بَطَلَتْ وَرَجَعَتْ مِيرَاثًا، وَلَوْ خَتَمَ عَلَيْهَا مَعَ بَقَائِهَا عِنْدَهُ وَلَا يَكْفِي فِيهِ الْإِشْهَادُ كَمَا فِي الَّذِي يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ، لِأَنَّ مَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَأَنَّهُ مَعَ الْإِشْهَادِ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ بِخِلَافِ مَا لَا يُعْرَفُ. (أَوْ) إلَّا إذَا وَهَبَ لِمَحْجُورِهِ (دَارَ سُكْنَاهُ) : فَلَا تَصِحُّ حِيَازَتُهَا لِمَحْجُورِهِ؛ وَتَبْطُلُ إذَا اسْتَمَرَّ سَاكِنًا بِهَا حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ. وَيَكْفِي إخْلَاؤُهَا مِنْ شَوَاغِلِهِ وَمُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ لِذَلِكَ؛ وَلَوْ بَقِيَتْ بَعْدُ تَحْتَ يَدِهِ، كَمَا فِي النَّقْلِ. بِخِلَافِ مَا لَا يُعْرَفُ فَلَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِهِ عَنْ يَدِهِ كَمَا تَقَدَّمَ (إلَّا أَنْ يَسْكُنَ) الْوَاهِبُ (أَقَلَّهَا، وَيُكْرِي لَهُ الْأَكْثَرَ) فَتَصِحُّ الْهِبَةُ فِي الْجَمِيعِ، وَتَكُونُ كُلُّهَا لِلْمَحْجُورِ بَعْدَ الْمَانِعِ؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ. مِثْلُ دَارِ السُّكْنَى غَيْرِهَا كَالثِّيَابِ يَلْبَسُهَا، وَالدَّوَابِّ تُرْكَبُ وَكَذَا مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاعْلَمْ أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا وَهَبَ لِمَحْجُورِهِ فَإِنَّهُ يَحُوزُ لَهُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ رَشِيدًا فَإِذَا بَلَغَ رَشِيدًا حَازَ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَحُزْ لِنَفْسِهِ بَعْدَ الرُّشْدِ وَحَصَلَ مَانِعٌ لِلْوَاهِبِ بَطَلَتْ، فَإِنْ جَهِلَ الْحَالَ وَلَمْ يَدْرِ هَلْ بَلَغَ رَشِيدًا أَوْ سَفِيهًا وَالْحَالُ أَنَّ الْوَاهِبَ حَصَلَ مَانِعٌ وَالشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ تَحْتَ يَدِهِ فَقَوْلَانِ الْمُعْتَمَدُ مِنْهُمَا حَمْلُهُ عَلَى السَّفَهِ وَحِينَئِذٍ فَتَصِحُّ الْهِبَةُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الرُّشْدَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِهِ عَنْ حَوْزِهِ] : أَيْ لَا بُدَّ فِي صِحَّةِ الْهِبَةِ مِنْ إخْرَاجِهِ عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ قَبْلَ الْمَانِعِ، سَوَاءٌ أَخْرَجَهُ غَيْرَ مَخْتُومٍ عَلَيْهِ أَوْ مَخْتُومًا عَلَيْهِ. خِلَافًا لِظَاهِرِ (عب) مِنْ أَنَّهُ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ الْخَتْمِ. وَقَوْلُهُ: [وَيَكْفِي إخْلَاؤُهَا مِنْ شَوَاغِلِهِ] : حَاصِلُهُ أَنَّ دَارَ السُّكْنَى لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ إخْلَاءِ الْوَلِيِّ لَهَا مِنْ شَوَاغِلِهِ وَمُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ لِتَخْلِيَتِهَا، سَوَاءٌ أَكْرَاهَا أَوْ لَا، وَمِثْلُهَا لَوْ وَهَبَهُ شَيْئًا مِنْ مَلْبُوسِهِ. وَأَمَّا غَيْرُ دَارِ السُّكْنَى وَالْمَلْبُوسِ مِنْ كُلِّ مَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ فَيَكْفِي الْإِشْهَادُ بِالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَإِنْ لَمْ تُعَايِنْ الْبَيِّنَةُ الْحِيَازَةَ فَالْإِشْهَادُ يُغْنِي عَنْهَا. وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ خَاصٌّ بِدَارِ السُّكْنَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ جَارٍ فِي هِبَةِ الدَّارِ مُطْلَقًا كَمَا فِي (بْن) .

[اعتصار الهبة]

إذَا أَخْرَجَ بَعْضَهُ؛ وَأَبْقَى الْبَعْضَ بِيَدِهِ، فَالْأَقَلُّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ، وَإِنْ سَكَنَ النِّصْفَ بَطَلَ النِّصْفُ الَّذِي سَكَنَ (فَقَطْ) وَصَحَّ مَا لَمْ يَسْكُنْ (وَ) إنْ سَكَنَ (الْأَكْثَرَ) ، وَأَكْرَى الْأَقَلَّ (بَطَلَ الْجَمِيعُ) : لِأَنَّ الْأَقَلَّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِثْلَ الدَّارِ غَيْرُهَا؛ فَتَحَصَّلَ أَنَّ حِيَازَةَ الْوَلِيِّ لِمَا وَهَبَهُ لِمَحْجُورِهِ صَحِيحَةٌ، إلَّا فِيمَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَإِلَّا فِي دَارِ سُكْنَاهُ، مَا لَمْ يَتَخَلَّ عَنْ الْأَكْثَرِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْجَمِيعُ. وَإِنْ اسْتَعْمَلَ النِّصْفَ بَطَلَ فَقَطْ. وَإِنْ اسْتَعْمَلَ الْأَكْثَرَ بَطَلَ الْجَمِيعُ حَتَّى فِيمَا تَصِحُّ لَهُ حِيَازَتُهُ، وَإِلَّا خَرَجَ عَنْ الْيَدِ فِيمَا لَا يُعْرَفُ، كَالِاسْتِعْمَالِ فِي غَيْرِهِ فَتَدَبَّرْ فِي ذَلِكَ. قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ الَّتِي سَكَنَ تَبَعًا لِمَا لَمْ يَسْكُنْ، وَالثِّيَابُ الَّذِي لَبِسَ تَبَعًا لِمَا لَمْ يَلْبَسْ، وَالنَّاضُّ الَّذِي لَمْ يُخْرِجْهُ تَبَعًا لِمَا أَخْرَجَ مِنْ يَدِهِ وَحَازَهُ الْغَيْرُ، جَازَ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ (انْتَهَى) . (وَجَازَ لِلْأَبِ) فَقَطْ لَا الْجَدِّ (اعْتِصَارُهَا) : أَيْ الْهِبَةِ أَيْ أَخْذُهَا (مِنْ وَلَدِهِ) قَهْرًا عَنْهُ بِلَا عِوَضٍ (مُطْلَقًا) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، فَقِيرًا أَوْ غَنِيًّا، سَفِيهًا أَوْ رَشِيدًا، حَازَهَا الْوَلَدُ أَوْ لَا. وَالْحَقُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الِاعْتِصَارَ يَكُونُ بِكُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَالْأَقَلُّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ] : أَيْ فَيُقَالُ إذَا كَانَ الْبَعْضُ الَّذِي خَرَجَ هُوَ الْأَكْثَرُ صَحَّتْ كُلُّهَا وَإِلَّا بَطَلَتْ كُلُّهَا. تَنْبِيهٌ: تَصِحُّ هِبَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ مَتَاعًا مُعَيَّنًا وَإِنْ لَمْ تُرْفَعْ يَدُ الْوَاهِبِ عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ حَيْثُ حَصَلَ الْإِشْهَادُ فِي غَيْرِ دَارِ السُّكْنَى، وَأَمَّا دَارُ السُّكْنَى فَإِنْ كَانَ الْوَاهِبُ الزَّوْجَةَ لِزَوْجِهَا صَحَّ وَكَفَى الْإِشْهَادُ وَوَضْعُ يَدِ الزَّوْجَةِ لَا يَضُرُّ لِأَنَّ السُّكْنَى لِلرَّجُلِ وَهِيَ تَبَعٌ لَهُ. بِخِلَافِ الْعَكْسِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ خَلِيلٍ وَشُرَّاحِهِ. قَوْلُهُ: [صَحِيحَةٌ] : أَيْ مَعَ الْإِشْهَادِ. قَوْلُهُ: [كَالِاسْتِعْمَالِ] إلَخْ: أَيْ فَيَجْرِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمُتَقَدِّمُ. وَقَوْلُهُ: [قَالَ الْمُتَيْطِيُّ] إلَخْ: تَوْضِيحٌ لَهُ. قَوْلُهُ: [الَّذِي] : حَقُّهُ الَّتِي وَقَدْ يُقَالُ ذُكِرَ بِاعْتِبَارِ الْمَلْبُوسِ. قَوْلُهُ: [وَالنَّاضُّ] : مُرَادُهُ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ، وَإِنْ كَانَ النَّاضُّ فِي الْأَصْلِ مَعْنَاهُ النَّقْدُ. [اعْتِصَارُ الْهِبَةِ] قَوْلُهُ: [عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ] : أَيْ كَمَا نَقَلَ (بْن) عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ رُشْدٍ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ

لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى اسْتِرْجَاعِ الْهِبَةِ مِنْ وَلَدِهِ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ اعْتِصَارٍ أَوْ غَيْرِهِ. (كَأُمٍّ) يَجُوزُ لَهَا الِاعْتِصَارُ لَكِنْ إذَا (وَهَبَتْ) صَغِيرًا (ذَا أَبٍ) فَأَوْلَى الْكَبِيرُ، لَا يَتِيمًا فَلَيْسَ لَهَا الِاعْتِصَارُ مِنْهُ. وَمَحَلُّ كَوْنِهَا لَهَا الِاعْتِصَارُ مِنْ ذِي الْأَبِ: (مَا لَمْ يَتَيَتَّمْ) بَعْدَ الْهِبَةِ، فَإِنْ تَيَتَّمَ فَلَيْسَ لَهَا الِاعْتِصَارُ مِنْهُ، لِأَنَّ يُتْمَهُ مُفَوِّتٌ لِلِاعْتِصَارِ عَلَى الْمَذْهَبِ، خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأُمَّ لَهَا اعْتِصَارُ مَا وَهَبَتْهُ لِوَلَدِهَا غَيْرِ الْيَتِيمِ لَا مَنْ تَيَتَّمَ وَلَوْ بَعْدَ الْهِبَةِ. (إلَّا فِيمَا) وُهِبَ لِلْوَلَدِ وَ (أُرِيدَ بِهِ الْآخِرَةُ) : أَيْ ثَوَابُهَا لَا مُجَرَّدُ ذَاتِ الْوَلَدِ، فَلَا اعْتِصَارَ لَهُمَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ حِينَئِذٍ كَالصَّدَقَةِ وَكَذَا إذَا أُرِيدَ بِهَا الصِّلَةُ وَالْحَنَانُ. (كَصَدَقَةٍ) عَلَى وَلَدٍ فَلَا اعْتِصَارَ فِيهَا (مَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ) : أَيْ اعْتِصَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَهَبَ هِبَةً ثُمَّ يَعُودَ فِيهَا إلَّا الْوَالِدَ» ، مَا يَدُلُّ عَلَى شَرْطِ لَفْظِ الِاعْتِصَارِ. قَوْلُهُ: [لَكِنْ إذَا وَهَبَتْ صَغِيرًا ذَا أَبٍ] : أَيْ فَمَحَلُّ جَوَازِ اعْتِصَارِ الْأُمِّ مِنْ الصَّغِيرِ بِشَرْطَيْنِ إذَا كَانَ ذَا أَبٍ حِينَ الْهِبَةِ وَلَمْ يَتَيَتَّمْ حِينَ إرَادَةِ الِاعْتِصَارِ، وَأَمَّا الْكَبِيرُ الْبَالِغُ فَلَهَا الِاعْتِصَارُ مُطْلَقًا كَانَ ذَا أَبٍ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَيَتَّمُ لِفَقْدِ أَبِيهِ وَلَوْ جُنَّ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ بَعْدَ الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ هَلْ لِوَلِيِّهِ الِاعْتِصَارُ أَمْ لَا قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ وَلِيَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ. قَوْلُهُ: [فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأُمَّ] إلَخْ: حَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْأُمَّ إذَا وَهَبَتْ لِوَلَدِهَا فَإِنْ كَانَ وَقْتَ الْهِبَةِ كَبِيرًا كَانَ لَهَا الِاعْتِصَارُ كَانَ لِلْوَلَدِ أَبٌ أَمْ لَا، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا كَانَ لَهَا الِاعْتِصَارُ إنْ كَانَ لَهُ أَبٌ، عَاقِلًا كَانَ الْأَبُ أَوْ مَجْنُونًا مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا فَإِنْ تَيَتَّمَ الصَّغِيرُ بَعْدَ الْهِبَةِ فَهَلْ لَهَا الِاعْتِصَارُ نَظَرًا إلَى حَالَةِ وَقْتِ الْهِبَةِ وَلَيْسَ لَهَا الِاعْتِصَارُ نَظَرًا لِلْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ قَوْلَانِ الْمُعْتَمَدُ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ الصَّغِيرُ حِينَ الْهِبَةِ يَتِيمًا فَلَيْسَ لَهَا الِاعْتِصَارُ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَوْ بَعْدَ بُلُوغِهِ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا إذَا أُرِيدَ بِهَا الصِّلَةُ وَالْحَنَانُ] : أَيْ فَإِرَادَةُ الصِّلَةِ وَالْحَنَانِ مِنْ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ تَمْنَعُ مِنْ الِاعْتِصَارِ، وَأَمَّا الْإِشْهَادُ عَلَى الْهِبَةِ فَلَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ اعْتِصَارِهَا خِلَافًا لِمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَ (عب) قَالَ (بْن) وَانْظُرْ مِنْ أَيْنَ إتْيَانُهُ. قَوْلُهُ: [كَصَدَقَةٍ] : فِيهِ أَنَّ مَا أُرِيدَ بِهِ ثَوَابُ الْآخِرَةِ صَدَقَةٌ فَفِي كَلَامِهِ تَشْبِيهُ

[موانع اعتصار الهبة]

الصَّدَقَةِ أَوْ الصِّلَةِ. فَإِنْ اشْتَرَطَهُ فَلَهُ ذَلِكَ. ثُمَّ ذَكَرَ مَوَانِعَ الِاعْتِصَارِ بِقَوْلِهِ: (إنْ لَمْ تَفُتْ) الْهِبَةُ عِنْدَ الْوَلَدِ، فَإِنْ فَاتَتْ - (لَا بِحَوَالَةِ سُوقٍ) - بَلْ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ فِي ذَاتِهَا، فَلَا اعْتِصَارَ. وَأَمَّا حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ بِغُلُوٍّ أَوْ رُخْصٍ فَلَا تَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: تَغْيِيرُ الْأَسْوَاقِ لَغْوٌ (وَلَمْ يُنْكَحْ) الْوَلَدُ (أَوْ يُدَايَنْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فِيهِمَا فَهُوَ بِضَمِّ يَاءِ الْمُضَارَعَةِ وَفَتْحِ الْكَافِ (لَهَا) : أَيْ لِأَجْلِهَا؛ قَيَّدَ فِيهِمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَالْمُرَادُ بِالْإِنْكَاحِ الْعَقْدُ، فَمَتَى عَقَدَ لِذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى لِأَجْلِ يُسْرِهَا بِالْهِبَةِ، أَوْ أَعْطَى دَيْنًا، أَوْ اشْتَرَيَا شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِمَا لِذَلِكَ، فَلَا اعْتِصَارَ، لَا لِمُجَرَّدِ ذَاتِهِمَا أَوْ لِأَمْرٍ غَيْرِ الْهِبَةِ. فَلِلْوَالِدِ الِاعْتِصَارُ عَلَى الْمَذْهَبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّيْءِ بِنَفْسِهِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ شَبَّهَ الصَّدَقَةَ الَّتِي وَقَعَتْ بِلَفْظِهَا بِالصَّدَقَةِ الْوَاقِعَةِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ اشْتَرَطَهُ فَلَهُ ذَلِكَ] : فَإِنْ قُلْت سُنَّةُ الصَّدَقَةِ عَدَمُ الرُّجُوعِ فِيهَا فَكَانَ مُقْتَضَاهُ عَدَمَ الْعَمَلِ بِالشَّرْطِ. يُقَالُ وَسُنَّةُ الْحُبْسِ عَدَمُ الرُّجُوعِ فِيهِ، وَإِذَا اشْتَرَطَ الْمُحْبِسُ فِي نَفْسِ الْحُبْسِ بَيْعَهُ كَانَ لَهُ شَرْطُهُ. [مَوَانِعَ اعْتِصَار الْهِبَةِ] قَوْلُهُ: [بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ] : كَمَا إذَا كَبِرَ الصَّغِيرُ أَوْ سَمِنَ الْهَزِيلُ أَوْ هَزِلَ الْكَبِيرُ وَمِنْ بَابِ أَوْلَى الْعِتْقُ أَوْ التَّدْبِيرُ. قَوْلُهُ: [تَغْيِيرُ الْأَسْوَاقِ لَغْوٌ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّ الْهِبَةَ وَزِيَادَةَ الْقِيمَةِ وَنَقْصَهَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهَا كَنَقْلِهَا مِنْ مَوْضِعٍ لِآخَرَ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ. قَوْلُهُ: [قَيْدٌ فِيهِمَا] : أَيْ فِي الْمُدَايَنَةِ وَالْإِنْكَاحِ وَالتَّقْيِيدُ بِكَوْنِهِمَا لِأَجْلِهَا هُوَ الَّذِي فِي الْمُوَطَّإِ وَالرِّسَالَةِ وَسَمَاعِ عِيسَى. قَوْلُهُ: [أَوْ أَعْطَى] أَيْ مَنْ ذُكِرَ وَحَقُّهُ الْأَلِفُ. قَوْلُهُ: [لَا لِمُجَرَّدِ ذَاتِهِمَا] : أَيْ لَا إنْ كَانَ الْإِنْكَاحُ أَوْ الْمُدَايَنَةُ لِمُجَرَّدِ ذَاتِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. وَقَوْلُهُ: [أَوْ لِأَمْرٍ غَيْرِ الْهِبَةِ] إلَخْ: تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ اعْتِصَارِ الْأَبَوَيْنِ قَصْدُ الْأَجْنَبِيِّ الْمُدَايَنَةَ أَوْ عَقْدَ النِّكَاحِ لِأَجْلِ يُسْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْهِبَةِ، وَأَمَّا قَصْدُ الْوَلَدِ وَحْدَهُ فَلَا يَمْنَعُ، وَقِيلَ يَكْفِي فِي مَنْعِ الِاعْتِصَارِ قَصْدُ الْوَلَدِ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ فَضَبْطُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ.

[تملك الصدقة]

(أَوْ بِمَرَضِ) الْوَلَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَا اعْتِصَارَ، لَتَعَلُّقِ حَقِّ وَرَثَتِهِ بِالْهِبَةِ. (كَوَاهِبٍ) : أَيْ كَمَرَضِهِ الْمَخُوفِ؛ فَإِنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الِاعْتِصَارِ؛ لِأَنَّ اعْتِصَارَهَا قَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ (إلَّا أَنْ يَهَبَ) الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ (عَلَى هَذِهِ) : أَيْ عَلَى حَالَةٍ مِنْ هَذِهِ (الْأَحْوَالِ) كَأَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مُتَزَوِّجًا أَوْ مَدِينًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ يَكُونَ الْوَالِدُ مَرِيضًا فَلَهُ الِاعْتِصَارُ. (أَوْ يَزُولَ الْمَرَضُ) الْقَائِمُ بِالْوَاهِبِ أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ، فَلَهُ الِاعْتِصَارُ بِخِلَافِ زَوَالِ النِّكَاحِ أَوْ الدَّيْنِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنَّ الْمَرَضَ لَمْ يُعَامِلْهُ النَّاسُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالدَّيْنِ (انْتَهَى) ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّ زَوَالَ الْفَوَاتِ كَزَوَالِ الْمَرَضِ. (وَكُرِهَ) لِمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ (تَمَلُّكُ صَدَقَةٍ) تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ (بِغَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ بِمَرَضِ الْوَلَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ] : أَيْ مَرَضًا مَخُوفًا. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَهَبَ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ عَلَى هَذِهِ] : اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ كَانَتْ الْهِبَةُ لِغَيْرِ مَدِينٍ وَمُتَزَوِّجٍ وَمَرِيضٍ بِخِلَافِ الْمُسْتَثْنَى. قَوْلُهُ: [لَمْ يُعَامِلْهُ النَّاسُ عَلَيْهِ] : أَيْ بَلْ هُوَ أَمْرٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَإِذَا زَالَ عَادَ الِاعْتِصَارُ. بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالدَّيْنِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَمْرٌ عَامَلَهُ النَّاسُ بَعْدَ الْهِبَةِ عَلَيْهِ فَيَسْتَمِرُّونَ عَلَى الْمُعَامَلَةِ لِأَجْلِهِ لِانْفِتَاحِ بَابِهَا فَيَسْتَمِرُّ عَلَى عَدَمِ الِاعْتِصَارِ. قَوْلُهُ: [كَزَوَالِ الْمَرَضِ] : أَيْ فِي كَوْنِهِ يُسَوِّغُ الِاعْتِصَارَ. [تَمَلُّكُ الصَّدَقَة] قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ لِمَنْ تَصَدَّقَ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا، وَهُوَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالتَّوْضِيحِ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ وَجَمَاعَةٌ بِالتَّحْرِيمِ وَارْتَضَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِتَشْبِيهِهِ فِي الْحَدِيثِ بِأَقْبَحِ شَيْءٍ وَهُوَ عَوْدُ الْكَلْبِ فِي قَيْئِهِ. لَمَّا «أَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شِرَاءَ فَرَسٍ تَصَدَّقَ بِهَا نَهَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ: لَا تَشْتَرِهِ وَلَوْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» ، وَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ إنَّهُ مَثَّلَ بِغَيْرِ مُكَلَّفٍ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُرْمَةٌ شَنَّعَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ إنَّ الْقَصْدَ مِنْ التَّشْبِيهِ الذَّمُّ وَزِيَادَةُ التَّنْفِيرِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْحُرْمَةِ (اهـ بْن) وَلَا فَرْقَ فِي كَرَاهَةِ تَمَلُّكِ الصَّدَقَةِ بِالْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ كَوْنِهَا وَاجِبَةً كَالزَّكَاةِ وَالنَّذْرِ أَوْ مَنْدُوبَةً وَلَوْ تَدَاوَلَتْهَا الْأَمْلَاكُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ وَكُرِهَ تَمَلُّكُ صَدَقَةٍ الصَّدَقَةُ الْمُسَمَّاةُ بِالْعَارِيَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ، وَجَازَ لِمُعْرٍ وَقَائِمٍ مَقَامَهُ اشْتِرَاءُ ثَمَرَةٍ أَعْرَاهَا إلَخْ، وَالْعُمْرَى فَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ يَجُوزُ لِلْمُعْمِرِ أَوْ

إرْثٍ) : بَلْ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، وَأَمَّا تَمَلُّكُهَا بِالْإِرْثِ فَجَبْرِيٌّ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَأَمَّا الْهِبَةُ فَلَا كَرَاهَةَ فِي تَمَلُّكِهَا. وَكَمَا يُكْرَهُ تَمَلُّكُ الذَّاتِ يُكْرَهُ تَمَلُّكُ الْمَنْفَعَةِ؛ أَيْ يُكْرَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَ) كُرِهَ (رُكُوبُهَا) : وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى وَلَدِهِ، وَأَوْلَى الْحَرْثُ أَوْ الطَّحْنُ عَلَيْهَا. (وَ) كُرِهَ (انْتِفَاعٌ) لِمُتَصَدِّقٍ بِهَا (بِغَلَّتِهَا) مِنْ ثَمَرَةٍ وَلَبَنٍ وَكِرَاءٍ. وَيَشْمَلُ ذَلِكَ الْقِرَاءَةَ فِيهَا إنْ كَانَتْ كِتَابًا. (وَيُنْفِقَ) : أَيْ يَجُوزُ لِوَلَدٍ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَالِدُهُ بِصَدَقَةٍ أَنْ يُنْفِقَ (عَلَى وَالِدٍ افْتَقَرَ) أَبًا كَانَ أَوْ أُمًّا (مِنْهَا) : أَيْ مِنْ الصَّدَقَةِ الَّتِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى وَلَدِهِ لِوُجُوبِ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْوَلَدِ حِينَئِذٍ. (وَلَهُ) : أَيْ لِلْوَالِدِ الْمُتَصَدِّقِ عَلَى وَلَدِهِ بِعَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ (تَقْوِيمُ جَارِيَةٍ أَوْ عَبْدٍ) تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ السَّفِيهِ وَلِذَا قَالَ (لِمَحْجُورِهِ) الصَّغِيرِ أَوْ السَّفِيهِ. وَقَوْلُهُ: (لِلضَّرُورَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِ " جَازَ " الْمُقَدَّرِ أَيْ: أَنَّ مَحَلَّ الْجَوَازِ إنْ اقْتَضَتْ الضَّرُورَةُ ذَلِكَ؛ كَأَنْ تَعَلَّقَتْ نَفْسُهُ بِالْجَارِيَةِ أَوْ احْتَاجَ لِخِدْمَةِ الْعَبْدِ بِحَيْثُ إذَا لَمْ يُقَوِّمْهُ عَلَى نَفْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَثَتِهِ أَنْ يَبْتَاعُوا مِنْ الْمُعْمَرِ بِالْفَتْحِ مَا أُعْمِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ حَيَاةَ الْمُعْمِرِ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَعْرُوفِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُعَيَّنَةً فَيُمْنَعُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَةِ الْمُعْمِرِ بِالْكَسْرِ أَنْ يَشْتَرِيَ قَدْرَ مِيرَاثِهِ مِنْهَا لَا أَكْثَرَ (اهـ) بِاخْتِصَارٍ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْضًا التَّصَدُّقُ بِالْمَاءِ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْفُقَرَاءُ فَقَطْ، بَلْ هُمْ وَالْأَغْنِيَاءُ كَمَا لِبَعْضِ شُرَّاحِ الرِّسَالَةِ، وَفِي الْعَلَمِيِّ عَلَيْهَا مَنْ أَخْرَجَ كِسْرَةً لِسَائِلٍ فَلَمْ يَجِدْهُ فَلِابْنِ رُشْدٍ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا أَكَلَهَا مُخْرِجُهَا وَإِلَّا فَلَا، وَفِي النَّوَادِرِ إنْ أَخْرَجَهَا لَهُ فَلَمْ يَقْبَلْهَا فَلْيُعْطِهَا لِغَيْرِهِ وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ الَّذِي لَمْ يَجِدْهُ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْهِبَةُ فَلَا كَرَاهَةَ] إلَخْ: أَيْ الَّتِي تُعْتَصَرُ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَكَمَا يُكْرَهُ تَمَلُّكُ الذَّاتِ يُكْرَهُ تَمَلُّكُ الْمَنْفَعَةِ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا مَنْ تَصَدَّقَ بِغَلَّةِ الْحَيَوَانِ دُونَ ذَاتِهِ ثُمَّ بَاعَ الذَّاتَ فَلَهُ شِرَاءُ الذَّاتِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ مَالِكٍ. قَوْلُهُ: [وَيُنْفِقُ] إلَخْ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ وَكُرِهَ تَمَلُّكُ صَدَقَةٍ. قَوْلُهُ: [أَنْ يُنْفِقَ عَلَى وَالِدٍ افْتَقَرَ] إلَخْ: أَيْ وَكَذَا يُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ مِنْ صَدَقَةٍ تَصَدَّقَتْ بِهَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ لِلنِّكَاحِ لَا لِلْفَقْرِ. قَوْلُهُ: [تَقْوِيمُ جَارِيَةٍ] إلَخْ: أَوْ شِرَاءُ مَا ذُكِرَ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ تَقْوِيمُهَا

[الهبة بشرط]

لَتَعَدَّى عَلَيْهِ وَاسْتَخْدَمَهُ وَارْتَكَبَ الْحُرْمَةَ. (وَيَسْتَقْصِي) فِي الْقِيمَةِ بِأَنْ يَأْخُذَهُ بِأَعْلَى الْقَيِّمِ، لَا بِدُونِ قِيمَةِ الْمِثْلِ. وَاحْتُرِزَ بِالْمَحْجُورِ عَنْ الرَّشِيدِ. فَلَيْسَ لِوَلَدِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَأَجْنَبِيٍّ وَمِثْلُ الصَّدَقَةِ الْهِبَةُ الَّتِي لَا تُعْتَصَرُ. (وَجَازَ) لِلْوَاهِبِ (شَرْطُ الثَّوَابِ) عَلَى هِبَتِهِ: أَيْ الْعِوَضِ عَلَيْهَا. وَتُسَمَّى هِبَةُ ثَوَابٍ، وَسَوَاءٌ عَيَّنَ الثَّوَابَ أَمْ لَا. (وَلَزِمَ) الثَّوَابُ (بِتَعْيِينِهِ) إذَا قَبِلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ؛ فَيَلْزَمُهُ دَفْعُ مَا عُيِّنَ كَمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ هَذَا الثَّوْبُ أَوْ الدَّابَّةُ وَالْمُرَادُ التَّعْيِينُ وَلَوْ بِالْوَصْفِ كَثَوْبٍ صِفَتُهُ كَذَا. (وَصُدِّقَ الْوَاهِبُ) عِنْدَ التَّنَازُعِ (فِي قَصْدِهِ) : أَيْ الثَّوَابَ بِيَمِينٍ بَعْدَ الْقَبْضِ (إنْ لَمْ يَشْهَدْ عُرْفٌ بِضِدِّهِ) : أَيْ الثَّوَابِ، فَإِنْ شَهِدَ الْعُرْفُ بِضِدِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمَعْدُولِ، بَلْ الْمُرَادُ يَشْتَرِي مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ بِالسَّدَادِ كَمَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [فَلَيْسَ لِوَلَدِهِ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ وَالْمُنَاسِبُ وَالِدُهُ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ كَأَجْنَبِيِّ] : أَيْ وَحَيْثُ كَانَ حُكْمُ الْأَجْنَبِيِّ فَالتَّصَرُّفُ فِي الْعَبْدِ أَوْ الْجَارِيَةِ لِذَلِكَ الرَّشِيدِ لَا لِأَبِيهِ فَلَهُ أَنْ يُوَاسِيَهُ بِهِمَا بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [وَمِثْلُ الصَّدَقَةِ الْهِبَةُ] إلَخْ: أَيْ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ. [الْهِبَة بِشَرْطِ] قَوْلُهُ: [شَرْطُ الثَّوَابِ] : أَيْ اشْتِرَاطُهُ حَالَ كَوْنِ الِاشْتِرَاطِ مُقَارِنًا لِلَفْظِهَا قَوْلُهُ: [عُيِّنَ الثَّوَابُ أَمْ لَا] : أَيْ فَالتَّعْيِينُ غَيْرُ لَازِمٍ قِيَاسًا عَلَى نِكَاحِ التَّفْوِيضِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقِيلَ إنْ اشْتَرَطَ الْعِوَضِ فِي عَقْدِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: [بِتَعْيِينِهِ] : أَيْ بِتَعْيِينِ قَدْرِهِ وَنَوْعِهِ كَانَ التَّعْيِينُ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْوَاهِبِ وَيَرْضَى الْآخَرُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إذَا عَيَّنَ الثَّوَابَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَرَضِيَ الْآخَرُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ دَفْعُهُ إذَا قَبِلَ الْهِبَةَ وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الثَّوَابِ بَعْدَ تَعْيِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْهِبَةَ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [فِي قَصْدِهِ] : أَيْ لَا فِي شَرْطِهِ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى الْوَاهِبُ اشْتِرَاطَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ وَلَا يُنْظَرُ لِعُرْفٍ وَلَا غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [إنْ لَمْ يَشْهَدْ عُرْفٌ] : أَيْ إنْ انْتَفَتْ شَهَادَةُ الْعُرْفِ بِضِدِّهِ بِأَنْ شَهِدَ الْعُرْفُ لَهُ أَوْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ.

فَلَا يُصَدَّقُ. وَأَمَّا التَّنَازُعُ قَبْلَ قَبْضِهَا، فَالْقَوْلُ لِلْوَاهِبِ مُطْلَقًا؛ وَلَوْ شَهِدَ الْعُرْفُ بِعَدَمِ الثَّوَابِ. وَقَوْلُنَا " بِيَمِينٍ "، ظَاهِرُهُ: أَشْكَلَ الْأَمْرُ أَمْ لَا، وَهُوَ أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْوَاهِبَ إنَّمَا يَحْلِفُ إذَا أَشْكَلَ الْأَمْرُ بِأَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْعُرْفُ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ وَلَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ تُرَجِّحُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ، وَإِلَّا عُمِلَ عَلَى الْعُرْفِ أَوْ الْقَرَائِنِ وَلَا يَمِينَ. وَمَحَلُّ تَصْدِيقِ الْوَاهِبِ فِي دَعْوَى الثَّوَابِ (فِي غَيْرِ) النَّقْدِ (الْمَسْكُوكِ) ، وَأَمَّا هُوَ فَلَا يُصَدَّقُ الْوَاهِبَ؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ فِيهِ عَدَمُ الْإِثَابَةِ إلَّا لِشَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ. وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ " وَصُدِّقَ الْوَاهِبُ " إلَخْ قَوْلُهُ: (إلَّا الزَّوْجَيْنِ وَالْوَالِدَيْنِ) وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْأَقَارِبِ الَّذِينَ بَيْنَهُمْ الصِّلَةُ، فَلَا يُصَدَّقُ الْوَاهِبُ فِي دَعْوَاهُ الثَّوَابَ لِقَضَاءِ الْعُرْفِ بِعَدَمِهِ فِيمَنْ ذُكِرَ كَالْمَسْكُوكِ (إلَّا لِشَرْطٍ) حَالَ الْهِبَةِ فَيُعْمَلُ بِهِ مُطْلَقًا حَتَّى فِي الْمَسْكُوكِ، (أَوْ قَرِينَةٍ) تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ، وَيُقْضَى لَهُ بِالثَّوَابِ لَكِنْ فِي غَيْرِ الْمَسْكُوكِ وَأَمَّا هُوَ فَلَا تَكْفِي فِيهِ الْقَرِينَةُ، وَلَا بُدَّ مِنْ الشَّرْطِ وَيَكُونُ ثَوَابُ الْمَسْكُوكِ عِنْدَ الشَّرْطِ عَرْضًا أَوْ طَعَامًا لَا مَسْكُوكًا لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّرْفِ أَوْ الْبَدَلِ الْمُؤَخَّرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَمَّا التَّنَازُعُ قَبْلَ قَبْضِهَا] : مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ. قَوْلُهُ: [أَشْكَلَ الْأَمْرُ] : أَيْ بِأَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْعُرْفُ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: [أَمْ لَا] : أَيْ بِأَنْ شَهِدَ الْعُرْفُ لَهُ. قَوْلُهُ: [وَالثَّانِي] إلَخْ: هَذَا هُوَ أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [فِي دَعْوَى الثَّوَابِ] : أَيْ دَعْوَى قَصْدِهِ وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي غَيْرِ الْمَسْكُوكِ مُتَعَلِّقٌ بِصُدِّقَ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ مُتَّحِدَيْ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بِعَامِلٍ وَاحِدٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الثَّانِيَ أَخَصُّ مِنْ الْأَوَّلِ نَحْوُ جَلَسْت فِي الْمَسْجِدِ فِي مِحْرَابِهِ وَهُوَ جَائِزٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ قَرِينَةٍ] : مِنْ ذَلِكَ جَرَيَانُ الْعُرْفِ بِهَا. قَوْلُهُ: [عِنْدَ الشَّرْطِ] : أَيْ أَوْ الْعُرْفِ. قَوْلُهُ: [لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّرْفِ] : أَيْ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ الْبَدَلِ أَيْ إنْ كَانَ مِنْ صِنْفِهِ. قَوْلُهُ: [الْمُؤَخَّرِ] : رَاجَعَ لِلِاثْنَيْنِ.

[مسألة المثيب عن الصدقة]

(وَلَزِمَ) عِنْدَ عَدَمِ تَعْيِينِ الثَّوَابِ (وَاهِبَهَا) مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ (لَا الْمَوْهُوبَ لَهُ) عَطْفٌ عَلَيْهِ بِلَا (الْقِيمَةُ) فَاعِلُ " لَزِمَ " أَيْ يَلْزَمُ الْوَاهِبَ قَبُولُ الْقِيمَةِ إذَا دَفَعَهَا لَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ، وَأَمَّا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ دَفْعُهَا لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: خُذْ هِبَتك لَا حَاجَةَ لِي بِهَا. وَهَذَا إذَا قَبَضَهَا، وَأَمَّا قَبْلَ قَبْضِهَا فَلَا يَلْزَمُ الْوَاهِبَ قَبُولُهَا بَلْ لَهُ الِامْتِنَاعُ وَلَوْ دَفَعَ لَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَضْعَافَ الْقِيمَةِ، وَلَا يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ دَفْعُ الْقِيمَةِ وَلَوْ قَبَضَ الْهِبَةَ كَمَا تَقَدَّمَ. (إلَّا لِفَوْتٍ) عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ (بِزَيْدٍ) : أَيْ زِيَادَةٍ فِي ذَاتِهَا؛ كَكِبَرِ الصَّغِيرِ أَوْ سِمَنِ الْهَزِيلِ (أَوْ نَقْصٍ) كَعَمًى وَعَوَرٍ وَعَرَجٍ وَشَلَلٍ وَهَرَمٍ، وَأَوْلَى خُرُوجٌ مِنْ يَدِهِ بِمَوْتٍ أَوْ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ، وَلَا يَعْتَبِرُ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ فَيَلْزَمُهُ حِينَئِذٍ دَفْعُ الْقِيمَةِ يَوْمَ قَبْضِ الْهِبَةِ. (وَأُثِيبَ) الْوَاهِبُ أَيْ أَثَابَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ (مَا يَقْضِي عَنْهُ) : أَيْ عَنْ الْمَوْهُوبِ (بِبَيْعٍ) : أَيْ فِي الْبَيْعِ، أَيْ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ بِأَنْ يَكُونَ سَالِمًا مِنْ الرِّبَا وَالْغِشِّ، فَلَا يَقْضِي عَنْ النَّقْدِ نَقْدًا لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّرْفِ أَوْ الْبَدَلِ الْمُؤَخَّرِ وَلَا عَنْ الطَّعَامِ طَعَامًا وَلَا عَنْ اللَّحْمِ حَيَوَانًا مِنْ جِنْسِهِ وَلَا عَكْسَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَسْأَلَة الْمُثِيبِ عَنْ الصَّدَقَةِ] مَسْأَلَةٌ: قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ اُخْتُلِفَ فِي الَّذِي يُثِيبُ جَهْلًا عَمَّا لَا ثَوَابَ فِيهِ أَوْ الْمُثِيبِ عَنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ مَالِكٌ يُرَدُّ إلَيْهِ ثَوَابُهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ إذَا فَاتَ (اهـ شب) . قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْمَوْهُوبُ لَهُ] إلَخْ: أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّ الثَّوَابَ لَمْ يُعَيَّنْ، وَأَمَّا إذَا عُيِّنَ وَرَضِيَ بِهِ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ قَبَضَهَا أَوْ لَا كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: [عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ] : اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا إذَا فَاتَتْ بِيَدِ الْوَاهِبِ فَلَا يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ دَفْعُ الْقِيمَةِ وَلَا يَلْزَمُ الْوَاهِبَ الْقَبْضُ وَلَوْ بَذَلَ لَهُ أَضْعَافَ الْقِيمَةِ. قَوْلُهُ: [أَيْ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ] : أَيْ عِوَضًا عَنْ الشَّيْءِ الْمَبِيعِ فِي السَّلَمِ بِأَنْ يُرَاعَى فِيهِ شُرُوطُ بَيْعِ السَّلَمِ زِيَادَةً عَلَى أَصْلِ شُرُوطِ الْبَيْعِ مَا عَدَا الْأَجَلَ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ هُنَا فَيُقَالُ: يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَا طَعَامَيْنِ وَلَا نَقْدَيْنِ وَلَا شَيْئًا فِي أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَجْوَدَ إلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ الْمَنْفَعَةُ كَفَارِهِ الْحُمُرِ فِي الْأَعْرَابِيَّةِ. قَوْلُهُ: [وَلَا عَكْسُهُ] : أَيْ بِأَنْ يَقْضِيَ عَنْ الْحَيَوَانِ لَحْمًا مِنْ جِنْسِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ الْمُبَاحَةَ الْأَكْلِ كُلُّهَا جِنْسٌ كَمَا أَنَّ الطُّيُورَ كُلَّهَا جِنْسٌ وَحَيَوَانَاتُ الْبَحْرِ كُلُّهَا جِنْسٌ وَمَفْهُومُ: " مِنْ جِنْسِهِ " أَنَّ قَضَاءَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ يَجُوزُ مَا لَمْ يَكُنْ الْحَيَوَانُ طَعَامًا

وَلَا عَنْ الْعَرْضِ عَرْضًا مِنْ جِنْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّلَمِ الْفَاقِدِ لِشَرْطِهِ، وَلَا فِيهِ مِنْ سَلَمِ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ، فَيُثَابُ عَنْ الْعَرْضِ طَعَامٌ وَدَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ وَعَكْسُهُ، وَعَرْضٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ. فَهِبَةُ الثَّوَابِ كَالْبَيْعِ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ لِأَنَّهَا تُخَالِفُهُ فِي الْبَعْضِ كَجَهْلِ الْعِوَضِ وَالْأَجَلِ وَلَا يُفِيتُهَا حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ. وَلَا يَلْزَمُ عَاقِدَهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَإِذَا أَثَابَهُ مَا يَقْضِي عَنْهُ فِي الْبَيْعِ لَزِمَ الْوَاهِبَ قَبُولُهُ وَإِنْ مَعِيبًا حَيْثُ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ بِالْقِيمَةِ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ حِينَئِذٍ: لَا آخُذُ إلَّا سَلِيمًا. (إلَّا) أَنْ يُثِيبَهُ (نَحْوَ حَطَبٍ) وَتِبْنٍ مِمَّا لَا تَجْرِي الْعَادَةُ بِإِثْبَاتِهِ كَالطِّينِ وَالْآجُرِّ بِضَمِّ الْجِيمِ (فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ) : فَإِنْ جَرَى عُرْفٌ بِإِثْبَاتِهِ لَزِمَهُ الْقَبُولُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحُكْمًا كَحَيَوَانٍ قَلَّتْ مَنْفَعَتُهُ أَوْ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ إلَّا اللَّحْمَ أَوْ لَا تَطُولُ حَيَاتُهُ فَلَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَنْهُ لَحْمًا وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَلَا الْقَضَاءُ بِهِ لِأَنَّهُ طَعَامٌ بِطَعَامٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا عَنْ الْعَرْضِ عَرْضٌ] : نُسْخَةُ الْمُؤَلَّفِ نَصْبُ نَقْدًا وَتَرْكُ النَّصْبِ فِي حَيَوَانٍ وَعَرْضٍ وَكَانَ مُقْتَضَى الْعَرَبِيَّةِ نَصْبَ الْجَمِيعِ وَبِنَاءَ الْفِعْلِ لِلْفَاعِلِ أَوْ رَفْعَ الْجَمِيعِ وَبِنَاءَهُ لِلْمَفْعُولِ. قَوْلُهُ: [الْفَاقِدِ لِشَرْطِهِ] : أَيْ شُرُوطِهِ هُوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ فَلَا يُقْضَى إلَخْ، وَكَذَا قَوْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ سَلَمِ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ الْأَوْلَى عَطْفُهُ بِالْوَاوِ لِأَنَّهُ عِلَّةٌ ثَانِيَةٌ أَوْ يُقَالُ تُرِكَ لِأَنَّهُ عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ. قَوْلُهُ: [فَيُثَابُ عَنْ الْعَرْضِ] : إلَخْ: تَفْرِيعٌ لِمَا اسْتَوْفَى الشُّرُوطَ. قَوْلُهُ: [وَعَكْسُهُ] : أَيْ يُثَابُ عَنْ الطَّعَامِ عَرْضٌ وَدَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا. قَوْلُهُ: [وَعَرْضٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ] : رَاجِعٌ لِلْإِثَابَةِ عَنْ الْعَرْضِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهَا تُخَالِفُهُ فِي الْبَعْضِ] : تَعْلِيلٌ لِلتَّقْيِيدِ بِالْغَالِبِ. قَوْلُهُ: [وَإِذَا أَثَابَهُ مَا يَقْضِي عَنْهُ فِي الْبَيْعِ] : مِنْ جُمْلَةِ مَا خَالَفَتْ فِيهِ الْهِبَةُ الْبَيْعَ فَتَحَصَّلَ أَنَّهَا تُخَالِفُهُ فِي جَهْلِ الْعِوَضِ وَالْأَجَلِ وَلَا يُفِيتُهَا حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ وَلَا يَلْزَمُ عَاقِدَهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، وَإِذَا أَثَابَهُ مَا يَقْضِي عَنْهُ فِي الْبَيْعِ لَزِمَ الْوَاهِبَ قَبُولُهُ إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبَضَ الْهِبَةَ، وَإِنْ كَانَ مَعِيبًا إلَخْ مَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [بِضَمِّ الْجِيمِ] : أَيْ مَعَ مَدِّ الْهَمْزَةِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ جَرَى عُرْفٌ بِإِثَابَتِهِ لَزِمَهُ] : هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ وَقْتَ

[العمرى وحكمها]

(وَلِلْمَأْذُونِ لَهُ) فِي التِّجَارَةِ هِبَةُ الثَّوَابِ مِنْ مَالِهِ (وَالْأَبِ مِنْ مَالِ مَحْجُورِهِ) الصَّغِيرِ أَوْ السَّفِيهِ (هِبَةُ الثَّوَابِ) لَا غَيْرُهَا، فَلَا يَجُوزُ. كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِبْرَاءُ مِنْ مَالِ مَحْجُورِهِ. وَلَا يَجُوزُ لِوَصِيٍّ وَلَا حَاكِمٍ وَلَا غَيْرِ مَأْذُونٍ لَهُ هِبَةُ ثَوَابٍ وَإِلَّا إبْرَاءٌ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْهِبَةِ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْعُمْرَى وَحُكْمِهَا، لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْهِبَةِ، فَقَالَ: (وَجَازَتْ الْعُمْرَى) ، وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ: الْإِذْنُ فِيهَا شَرْعًا، فَهِيَ مَنْدُوبَةٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَعْرُوفِ، وَعَرَّفَهَا بِقَوْلِهِ: (وَهِيَ) : أَيْ الْعُمْرَى (تَمْلِيكُ مَنْفَعَةِ) شَيْءٍ (مَمْلُوكٍ) : عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ، إنْسَانًا أَوْ غَيْرَهُ كَفَرَسٍ وَبَعِيرٍ (حَيَاةَ الْمُعْطَى) بِفَتْحِ الطَّاءِ، وَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِتَمْلِيكِ أَيْ مُدَّةَ حَيَاةِ الْمُعْطَى (بِغَيْرِ عِوَضٍ) . فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: " تَمْلِيكُ مَنْفَعَةِ " تَمْلِيكُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْهِبَةِ فَيَلْزَمُهُ قَبُولُهُ إنْ جَازَ شَرْعًا وَإِنْ لَمْ يَجْرِ بِهِ عُرْفٌ وَلَا عَادَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ. تَنْبِيهٌ: قَالَ (عب) : جَمِيعُ مَا مَرَّ فِي الْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً فَإِنْ فَاتَتْ لَزِمَ فِيهَا الْقِيمَةُ وَيُقْضَى عَنْهَا بِمَا يُقْضَى بِهِ عَنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ مِنْ الْعَيْنِ، أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَتُرَدُّ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَإِنْ فَاتَتْ لَزِمَ عِوَضَهَا مِثْلُ الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةُ الْمُقَوَّمِ قَوْلُهُ: [وَلِلْمَأْذُونِ] : خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَالْأَبِ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَهِبَةُ الثَّوَابِ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ. قَوْلُهُ: [لَا غَيْرُهَا] : أَيْ كَالتَّبَرُّعَاتِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَجُوزُ لِوَصِيٍّ وَلَا حَاكِمٍ] : مُحْتَرَزُ الْأَبِ. وَقَوْلُهُ: [وَلَا غَيْرِ مَأْذُونٍ لَهُ] : مُحْتَرَزُ الْمَأْذُونِ فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا إبْرَاءٌ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ وَالْمُنَاسِبُ حَذْفُ الْأَلِفِ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى هِبَةُ. [الْعُمْرَى وَحُكْمِهَا] قَوْلُهُ: [الْإِذْنُ] : أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْمُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [إنْسَانًا أَوْ غَيْرَهُ] : أَيْ كَثِيَابٍ وَحُلِيٍّ وَسِلَاحٍ وَحَيَوَانٍ. قَالَ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قِيلَ فَإِنْ أَعْمَرَ ثَوْبًا أَوْ حُلِيًّا قَالَ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي الثِّيَابِ شَيْئًا، وَأَمَّا الْحُلِيُّ فَأَرَاهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ وَفِيهَا فِي الْعَارِيَّةِ وَلَمْ أَسْمَعْ فِي الثِّيَابِ شَيْئًا وَهِيَ عِنْدِي عَلَى مَا أَعَارَهَا عَلَيْهِ مِنْ الشَّرْطِ، أَبُو الْحَسَنِ يُرِيدُ أَنَّهُ إذَا بَقِيَ مِنْ الثَّوْبِ شَيْءٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمُعْمَرِ رَدَّهُ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لِرَبِّهِ (اهـ) .

الذَّاتِ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِهِ؛ وَالْأَوَّلُ بَيْعٌ وَالثَّانِي هِبَةٌ أَوْ صَدَقَةٌ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: " مَمْلُوكٍ " مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ كَإِقْطَاعٍ مِنْ إمَامٍ أَوْ إسْقَاطِ حَقٍّ، مِنْ نَحْوِ وَقْفٍ وَإِلَّا فَبَاطِلٌ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: " حَيَاةَ الْمُعْطَى " الْوَقْفُ الْمُؤَبَّدُ، وَكَذَا الْمُؤَقَّتُ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَخَرَجَ بِهِ الْإِعَارَةُ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ: " الْمُعْطَى " بِالْفَتْحِ يَقْتَضِي أَنَّهَا إذَا كَانَتْ حَيَاةُ الْمُعْطِي بِالْكَسْرِ أَوْ حَيَاةُ أَجْنَبِيٍّ - كَزَيْدٍ لَا تُسَمَّى عُمْرَى حَقِيقَةً وَإِنْ جَازَتْ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَنْصَرِفُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِحَيَاةِ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ. فَإِذَا قَالَ الْمَالِكُ: أَعْمَرْتُكَ دَارِي مَثَلًا، حُمِلَ عَلَى عُمْرِ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ فَلَا كَلَامَ لِوَارِثِ الْمُعْطِي بِالْكَسْرِ إذَا مَاتَ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: " بِغَيْرِ عِوَضٍ " الْإِجَارَةُ وَهِيَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ لِلْجَهْلِ بِالْأَجَلِ. (كَأَعْمَرْتُكَ) أَوْ أَعْمَرْت زَيْدًا (أَوْ) أَعْمَرْت (وَارِثَك) مَثَلًا وَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الْإِعْمَارِ، بَلْ مَا دَلَّ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ: وَ " أَوْ " مَانِعَةِ خُلُوٍّ، فَتُجَوَّزَ الْجَمْعُ كَأَعْمَرْتُكَ وَوَارِثُك، فَيُصَدَّقُ كَلَامُهُ بِثَلَاثِ صُوَرٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْأَوَّلُ بَيْعٌ] : أَيْ أَوْ هِبَةُ ثَوَابٍ. قَوْلُهُ: [كَإِقْطَاعٍ مِنْ إمَامٍ] : أَيْ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَمْلِكُ الْأَقْطَاعَ الَّتِي يُقْطِعُهَا لِبَعْضِ النَّاسِ وَتَقَدَّمَ اللُّغْزُ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [أَوْ إسْقَاطِ حَقٍّ] : أَيْ كَسَاكِنِ بَيْتٍ مَوْقُوفٍ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ لِآخِرِ حَيَاتِهِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَبَاطِلٌ] : اُنْظُرْ مَا مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ وَقَدْ يُقَالُ مَعْنَاهُ وَإِلَّا يَكُنْ الشَّيْءُ غَيْرَ الْمَمْلُوكِ إقْطَاعًا مِنْ إمَامٍ أَوْ إسْقَاطَ حَقٍّ مِنْ نَحْوِ وَقْفٍ بَلْ كَانَ تَمْلِيكَ مَنْفَعَةِ مِلْكِ الْغَيْرِ بِلَا شُبْهَةٍ فَبَاطِلٌ وَإِنَّمَا كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْفُضُولِيِّ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ بَاطِلٌ. قَوْلُهُ: [وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ حَيَاةَ الْمُعْطَى] إلَخْ: أَيْ فَلَا يُقَالُ لِمَا ذُكِرَ عُمْرَى. قَوْلُهُ: [وَخَرَجَ بِهِ الْإِعَارَةُ أَيْضًا] : أَيْ مُدَّةً مَعْلُومَةً غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِحَيَاةِ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ وَإِلَّا كَانَتْ عُمْرَى لِأَنَّ الْعُمْرَى لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا لَفْظٌ مَخْصُوصٌ. قَوْلُهُ: [وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ] إلَخْ: إنَّمَا كَانَتْ إجَارَةً لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ. قَوْلُهُ: [لِلْجَهْلِ بِالْأَجَلِ] : أَيْ لِأَنَّ مُدَّةَ حَيَاةِ الْمُعْطَى مَجْهُولَةٌ. قَوْلُهُ: [بَلْ مَا دَلَّ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ] : أَيْ بِغَيْرِ عِوَضٍ مُدَّةَ حَيَاةِ الْمُعْطَى. قَوْلُهُ: [فَيُصَدَّقُ كَلَامُهُ بِثَلَاثِ صُوَرٍ] : إلَّا أَنَّهُ إنْ أَعْمَرَهُ وَوَارِثَهُ مَعًا لَا يَسْتَحِقُّ الْوَارِثُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ كَوَقْفٍ عَلَيْك وَوَلَدِك عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ حَيْثُ كَانَ الْوَالِدُ أَحْوَجَ.

(دَارِي أَوْ نَحْوَهَا) مِمَّا يَمْلِكُهُ: كَعَبْدِي أَوْ فَرَسِي أَوْ بَعِيرِي. وَأَمَّا الْأَمَةُ فَإِنْ أَعْمَرَهَا لِامْرَأَةٍ أَوْ لِمَحْرَمِهَا جَازَ، وَإِلَّا فَلَا لِمَا فِيهِ مِنْ إعَارَةِ الْفُرُوجِ. (وَرَجَعَتْ) الْعُمْرَى بِمَعْنَى الشَّيْءِ الْمُعَمَّرِ إذَا مَاتَ، الْمُعَمَّرُ بِالْفَتْحِ (لِلْمُعَمِّرِ) بِالْكَسْرِ إنْ كَانَ حَيًّا (أَوْ وَارِثِهِ يَوْمَ مَوْتِهِ) إذَا مَاتَ لَا يَوْمَ الْمَرْجِعِ فَلَوْ مَاتَ عَنْ أَخٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ وَابْنٍ كَافِرٍ أَوْ رَقِيقٍ فَأَسْلَمَ، أَوْ تَحَرَّرَ ثُمَّ مَاتَ الْمُعَمَّرُ بِالْفَتْحِ رَجَعَتْ لِلْأَخِ، لِأَنَّهُ الْوَارِثُ يَوْمَ مَوْتِ الْمُعَمِّرِ بِالْكَسْرِ. (وَهِيَ) : أَيْ الْعُمْرَى (فِي الْحَوْزِ كَالْهِبَةِ) . فَإِنْ حَازَهَا الْمُعَمَّرُ بِالْفَتْحِ قَبْلَ حُدُوثِ مَانِعٍ تَمَّتْ، وَإِلَّا بَطَلَتْ فَيَجْرِي فِيهِ قَوْلُهُ. وَبَطَلَتْ بِمَانِعٍ قَبْلَ الْحَوْزِ إلَخْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَكِنَّ الْمَعْمُولَ بِهِ فِي الْوَقْفِ قَوْلُ الْمُغِيرَةِ وَهُوَ مُسَاوَاةُ الْوَالِدِ لِلْوَلَدِ وَلَوْ كَانَ أَحْوَجَ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْعُمْرَى لَا تَكُونُ لِلْوَارِثِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَبَيْنَ الْوَقْفِ حَيْثُ سَوَّى فِيهِ بَيْنَ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ عَلَى قَوْلِ الْمُغِيرَةِ إنَّ مَدْلُولَ الْعُمْرَى الْعُمُرُ فَكَأَنَّهُ إنَّمَا أَعْمَرَ الْوَارِثَ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ، وَأَمَّا إذَا أَعْمَرَهُ فَقَطْ أَوْ وَارِثَهُ فَقَطْ فَإِنَّ الْمُعْمَرَ يَسْتَحِقُّ الْمَنْفَعَةَ حَالًا. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَلَا] : أَيْ بِأَنْ أَعْمَرَهَا لِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ غَيْرِ مَحْرَمٍ. قَوْلُهُ: [لِلْمُعَمِّرِ بِالْكَسْرِ] : إلَخْ فَلَوْ حَرَثَ الْمُعَمَّرُ بِالْفَتْحِ أَرْضًا أُعْمِرَتْ لَهُ وَمَاتَ أَخَذَهَا رَبُّهَا وَدَفَعَ لِوَرَثَتِهِ أُجْرَةَ الْحَرْثِ وَإِنْ شَاءَ أَسْلَمَهَا لَهُمْ بِحَرْثِهَا تِلْكَ السَّنَةَ وَأَخَذَ مِنْهُمْ أُجْرَةَ مِثْلِهَا فَإِنْ فَاتَ الْمُعَمَّرُ بِالْفَتْحِ وَبِهَا زَرْعٌ وَفَاتَ الْإِبَّانُ فَلِوَرَثَتِهِ الزَّرْعُ الْمَوْجُودُ وَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ مُوَرِّثَهُمْ ذُو شُبْهَةٍ وَقْتَ الزَّرْعِ وَالْغَلَّةُ لِذِي الشُّبْهَةِ فَإِنْ لَمْ يَفُتْ الْإِبَّانُ كَانَ لَهُمْ الزَّرْعُ وَعَلَيْهِمْ الْأُجْرَةُ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ الْوَارِثُ يَوْمَ مَوْتِ الْمُعَمَّرِ] : أَيْ فَقَدْ مَلَكَ الذَّاتَ مِنْ يَوْمِهِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ قَالَ حُبْسٌ عَلَيْكُمَا حَيَاتَكُمَا وَهِيَ لِآخِرِكُمَا فَهُوَ حَبْسٌ عَلَيْهِمَا مَا دَامَا حَيَّيْنِ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا رَجَعَتْ لِلْآخَرِ مِلْكًا يَصْنَعُ بِهَا مَا شَاءَ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ حُبْسٌ عَلَيْكُمَا فَقَطْ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ لِلْآخَرِ حَبْسًا فَإِذَا مَاتَ الْآخَرُ رَجَعَتْ مَرَاجِعَ الْأَحْبَاسِ وَقِيلَ تَرْجِعُ مِلْكًا لِلْمُحْبِسِ أَوْ وَارِثِهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَأَمَّا الرُّقْبَى فَلَا تَجُوزُ حَبْسًا وَلَا مِلْكًا كَذَوِي دَارَيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ أَوْ دَارٍ وَعَبْدٍ قَالَ كُلٌّ لِصَاحِبِهِ إنْ مِتَّ قَبْلِي فَهُمَا لِي وَإِنْ مِتّ قَبْلَك فَهُمَا لَك؛ فَالْمُرَادُ إنْ مِتَّ قَبْلِي فَدَارُك لِي مَضْمُومَةٌ لِدَارِي، وَإِنْ مِتّ قَبْلَك فَدَارِي لَك

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَضْمُومَةٌ لِدَارِك، وَإِنَّمَا مُنِعَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَالْمُخَاطَرَةِ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَاطُّلِعَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمَوْتِ فُسِخَ، وَإِنْ لَمْ يُطَّلَعْ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ رَجَعَتْ لِوَارِثِهِمَا وَلَا تَرْجِعُ مَرَاجِعَ الْأَحْبَاسِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ كَذَا فِي الْأَصْلِ، وَلَكِنْ قَالَ (شب) مَحَلُّ فَسَادِ الْعَقْدِ فِيمَا ذُكِرَ إنْ وَقَعَ مَا ذُكِرَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا مَنْ فَعَلَ بِصَاحِبِهِ هَذَا فِي وَقْتٍ فَفَعَلَ بِهِ الْآخَرُ مِثْلَهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ أَيْ وَتَصِيرُ كَالْوَصِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب في اللقطة وأحكامها]

بَابٌ فِي اللَّقْطَةِ وَأَحْكَامِهَا (اللُّقَطَةُ) : بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ: اسْمٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِمَا يُلْتَقَطُ بِفَتْحِ الْقَافِ. وَالْقِيَاسُ لُغَةً: أَنَّ فُعَلَةَ بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْفَاعِلِ الَّذِي يَقَعُ مِنْهُ الْفِعْلُ كَثِيرًا؛ كَضُحَكَةٍ وَهُمَزَةٍ وَلُمَزَةٍ: لِكَثِيرِ الضَّحِكِ وَالْهَمْزِ وَاللَّمْزِ. وَأَنَّ مَا يُلْتَقَطُ بِفَتْحِ الْقَافِ يُسَمَّى لُقْطَةً بِسُكُونِهَا. (مَالٌ) فَغَيْرُهُ، لَا يُسَمَّى لُقَطَةً كَالصَّيْدِ وَالْحُرِّ، إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ صَغِيرًا يُسَمَّى لَقِيطًا (مَعْصُومٌ) : أَيْ مُحْتَرَمٌ شَرْعًا فَخَرَجَ الرِّكَازُ، وَمَالُ الْحَرْبِيِّ (عَرَضَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ (لِلضَّيَاعِ) بِأَنْ وُجِدَ بِمَضْيَعَةٍ فِي غَامِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي اللَّقْطَةِ وَأَحْكَامِهَا] بَابٌ: أَيْ فِي حَقِيقَتِهَا، وَالْمُرَادُ بِأَحْكَامِهَا مَسَائِلُهَا. وَمُنَاسَبَةُ هَذَا الْبَابِ لِمَا قَبْلَهُ أَنَّ فِي كُلٍّ فِعْلَ خَيْرٍ؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ فَعَلَ خَيْرًا يَعُودُ عَلَيْهِ ثَوَابُهُ فِي الْآخِرَةِ وَالْمُلْتَقِطَ فَعَلَ خَيْرًا وَهُوَ الْحِفْظُ وَالتَّعْرِيفُ يَعُودُ عَلَيْهِ ثَوَابُهُ فِي الْآخِرَةِ. قَوْلُهُ: [اسْمٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِمَا يُلْتَقَطُ] : أَيْ وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَوُجُودُ الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِ طَلَبٍ، وَهَذِهِ اللُّغَةُ أَشْهَرُ لُغَاتِهَا الْأَرْبَعِ. الثَّانِيَةُ: ضَمُّ اللَّامِ وَسُكُونُ الْقَافِ. الثَّالِثَةُ: لُقَاطَةٌ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ مَمْدُودَةً. الرَّابِعَةُ: لَقَطٌ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْقَافِ بِلَا هَاءٍ قَوْلُهُ: [كَالصَّيْدِ] أَيْ فَاصْطِيَادُ السَّمَكِ مِنْ الْمَاءِ وَالطَّيْرِ وَالْوَحْشِ مِنْ الْبَرَارِيِّ؛ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي حَوْزِ الْغَيْرِ لَا يُسَمَّى مَالًا فَهُوَ خَارِجٌ بِهَذَا الْقَيْدِ كَخُرُوجِ الْحُرِّ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ مُشْكِلٌ بَلْ يُقَالُ إنَّهُ مَالٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ أَيْ مُحْتَرَمٍ شَرْعًا فَيَخْرُجُ بِمَا خَرَجَ بِهِ الرِّكَازُ وَمَالُ الْحَرْبِيِّ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [يُسَمَّى لَقِيطًا] : أَيْ لِأَنَّ اللَّقِيطَ صَغِيرٌ آدَمِيٌّ لَمْ يُعْلَمْ أَبُوهُ وَلَا أُمُّهُ حُرٌّ أَوْ مَشْكُوكٌ فِيهِ. قَوْلُهُ: [بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ] : أَيْ مُخَفَّفًا مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ لَا بِالتَّشْدِيدِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ لِإِيهَامِهِ أَنَّ مَا ضَاعَ وَلَمْ يَقْصِدْ ضَيَاعَهُ لَا يُسَمَّى لُقَطَةً، وَمَعْنَى عَرَضَ لِلضَّيَاعِ أَيْ

[رد اللقطة لمن عرفها]

بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ أَوْ عَامِرٍ بِالْمُهْمَلَةِ: ضِدُّ الْأَوَّلِ، وَخَرَجَ بِهِ السَّرِقَةُ وَنَحْوُهَا مِمَّا كَانَ فِي حِفْظِ صَاحِبِهِ وَلَوْ حُكْمًا، كَمَا لَوْ وَضَعَهُ فِي مَكَان لِيَرْجِعَ إلَيْهِ، وَكَالثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ وَالْحَبِّ فِي الزَّرْعِ وَالْجَرِينِ، وَخَرَجَ الْإِبِلُ أَيْضًا إذَا لَمْ يَعْرِضْ لَهَا ضَيَاعٌ. (وَإِنْ) كَانَ الْمَالُ الْمَعْصُومُ (كَلْبًا) مَأْذُونًا فِيهِ. وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَيْسَ بِمَالٍ، (وَفَرَسًا وَحِمَارًا) وَبَالَغَ عَلَى الْكَلْبِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مِنْ مَنْعِ بَيْعِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَعَلَى مَا بَعْدَهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ كَضَالَّةِ الْإِبِلِ لَا يُلْتَقَطُ. (وَرُدَّتْ) اللُّقَطَةُ وُجُوبًا (بِمَعْرِفَةِ الْعِفَاصِ) : بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ: ظَرْفُهَا مِنْ خِرْقَةٍ صُرَّتْ بِهَا أَوْ كِيسٍ (وَ) مَعْرِفَةِ (الْوِكَاءِ) بِالْمَدِّ: وَهُوَ الْخَيْطُ الَّذِي رُبِطَتْ بِهِ. (وَقُضِيَ لَهُ) : أَيْ لِمَنْ عَرَفَهَا (عَلَى ذِي الْعَدَدِ وَالْوَزْنِ) : أَيْ عَلَى مَنْ عَرَفَهُمَا دُونَ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ (بِيَمِينٍ) . وَأَمَّا إنْ عَرَفَ الْعَدَدَ فَقَطْ أَوْ الْوَزْنَ فَقَطْ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَرَضَ لَهُ الضَّيَاعُ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ نَحْوُ عَرَضَ الْحَوْضَ عَلَى النَّاقَةِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ] : هُوَ الْخَرَابُ: قَوْلُهُ: [وَخَرَجَ بِهِ السَّرِقَةُ وَنَحْوُهَا] إلَخْ: الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ خَرَجَ بِهِ مَا كَانَ فِي حِفْظِ صَاحِبِهِ إلَخْ: فَإِنَّ أَخْذَهُ يُسَمَّى سَرِقَةً لَا لُقَطَةً. قَوْلُهُ: [وَالْجَرِينِ] : يَصْلُحُ لِلتَّمْرِ وَالْحَبِّ. قَوْلُهُ: [إذَا لَمْ يَعْرِضْ لَهَا] : ضَيَاعٌ أَيْ بِأَنْ كَانَتْ فِي مَحَلِّ أَمْنٍ شَأْنُهَا تُوجَدُ فِيهِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا غَيْرُهُ] : أَيْ غَيْرُ الْمَأْذُونِ فِيهِ مِنْ الْكِلَابِ. قَوْلُهُ: [مِنْ مَنْعِ بَيْعِهِ] : أَيْ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ حَيْثُ قَالَ أَبِيعُهُ وَأَحُجُّ بِثَمَنِهِ. قَوْلُهُ: [وَعَلَى مَا بَعْدَهُ] : يَعْنِي الْفَرَسَ وَالْحِمَارَ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا. [رد اللُّقَطَةِ لِمَنْ عَرَفَهَا] قَوْلُهُ: [وَرُدَّتْ اللُّقَطَةُ] إلَخْ: أَيْ وَلَا يَجُوزُ لِوَاجِدِهَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ رَبِّهَا أُجْرَةً وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْحَلَاوَةِ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ قَوْلُهُ: [ظَرْفُهَا] : إنَّمَا سُمِّيَ عِفَاصًا أَخْذًا لَهُ مِنْ الْعَفْصِ وَهُوَ الثَّنْيُ لِأَنَّ الظَّرْفَ يُثْنَى عَلَى مَا فِيهِ. قَوْلُهُ: [أَيْ عَلَى مَنْ عَرَفَهُمَا] : أَيْ الْعَدَدَ وَالْوَزْنَ وَمَعْنَاهُ أَنَّ أَحَدَ الشَّخْصَيْنِ عَرَفَ

فَيُقْضَى لِمَنْ عَرَفَ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ بِلَا يَمِينٍ. (وَإِنْ وَصَفَ) شَخْصٌ (ثَانٍ وَصْفَ) شَخْصٍ (أَوَّلَ وَلَمْ يَنْفَصِلْ) الْأَوَّلُ (بِهَا) انْفِصَالًا يُمْكِنُ مَعَهُ إشَاعَةُ الْخَبَرِ (حَلَفَا وَقُسِمَتْ بَيْنَهُمَا) . وَأَمَّا لَوْ انْفَصَلَ انْفِصَالًا لَا يُمْكِنُ مَعَهُ إشَاعَةُ الْخَبَرِ؛ اخْتَصَّ بِهَا الْأَوَّلُ. (كَنُكُولِهِمَا) مَعًا؛ فَتُقْسَمُ بَيْنَهُمَا وَقُضِيَ لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ. (كَبَيِّنَتَيْنِ) تَسَاوَيَا فِي الْعَدَالَةِ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً (لَمْ يُؤَرِّخَا) مَعًا أَيْ لَمْ تَذْكُرْ كُلٌّ مِنْهُمَا تَارِيخًا، فَإِنَّهُمَا يَحْلِفَانِ وَتُقْسَمُ بَيْنَهُمَا وَيُقْضَى لِلْحَالِفِ مِنْهُمَا عَلَى النَّاكِلِ كَمَا يُقْضَى لِذِي الْأَعْدَلِ (وَإِلَّا) - بِأَنْ أَرَّخَا مَعًا - (فَلِلْأَقْدَمِ تَارِيخًا لَا لِلْأَعْدَلِ) ، وَلَوْ تَأَخَّرَتْ تَارِيخًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ وَالْآخَرَ عَرَفَ الْعَدَدَ وَالْوَزْنَ فَيَقْضِي لِعَارِفِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ بِيَمِينٍ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ وَصَفَ شَخْصٌ ثَانٍ] : حَاصِلُهُ أَنَّ اللُّقَطَةَ إذَا وَصَفَهَا شَخْصٌ وَصْفًا يَسْتَحِقُّهَا بِهِ وَلَمْ يَنْفَصِلْ بِهَا انْفِصَالًا يُمْكِنُ مَعَهُ إشَاعَةُ الْخَبَرِ بِأَنْ لَمْ يَنْفَصِلْ أَصْلًا أَوْ انْفَصَلَ بِهَا لَكِنْ لَا يُمْكِنُهُ مَعَهُ إشَاعَةُ الْخَبَرِ، ثُمَّ جَاءَ شَخْصٌ آخَرُ وَوَصَفَهَا بِوَصْفٍ مِثْلِ الْأَوَّلِ فِي كَوْنِهِ مُوجِبًا لِاسْتِحْقَاقِهَا سَوَاءٌ كَانَ عَيْنَ وَصْفِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنْ نَكَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا يَحْلِفُ أَنَّهَا لَهُ وَتُقْسَمُ بَيْنَهُمَا إنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا وَيُقْضَى لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ، أَمَّا لَوْ انْفَصَلَ بِهَا الْأَوَّلُ انْفِصَالًا يُمْكِنُ مَعَهُ إشَاعَةُ الْخَبَرِ فَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ وَصْفَ الْأَوَّلِ أَوْ رَآهَا مَعَهُ فَعَرَفَ أَوْصَافَهَا. قَوْلُهُ: [فَتُقْسَمُ بَيْنَهُمَا] : أَيْ وَلَا يُرَجَّحُ الْأَوَّلُ الَّذِي أَخَذَهَا بِوَضْعِ الْيَدِ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْحَوْزِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَجْهُولَاتِ وَهَذَا مَالٌ عُلِمَ أَنَّهُ لُقَطَةٌ كَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: إنَّهَا تَكُونُ لِلْأَوَّلِ الَّذِي أَخَذَهَا لِتَرْجِيحِ جَانِبِهِ بِالْحَوْزِ كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [كَمَا يَقْضِي لِذِي الْأَعْدَلِ] : أَيْ إذَا أَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً عَادِلَةً لَكِنَّ إحْدَاهُمَا أَشَدُّ عَدَالَةً فَيُقْضَى لِصَاحِبِهَا وَلَعَلَّهُ بِيَمِينٍ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْعَدَالَةِ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدٍ كَمَا يَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ. قَوْلُهُ: [تَأَخَّرَتْ تَارِيخًا] : الْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ أَعَدَلَ أَيْ لَا تُقَدِّمْ الْأَعْدَلَ فِي حَالِ تَأَخُّرِ تَارِيخِهَا.

[ضمان اللقطة]

(وَلَا ضَمَانَ عَلَى) مُلْتَقِطٍ (دَافِعٍ بِوَجْهٍ جَائِزٍ) حَيْثُ أَتَى ثَانٍ بِأَثْبَتَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَلَوْ بِبَيِّنَةٍ. وَيَصِيرُ الْكَلَامُ بَعْدَ ذَلِكَ بَيْنَ الْمُدَّعِي الثَّانِي وَبَيْنَ مَنْ أَخَذَهَا، وَيَجْرِي الْحُكْمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَذُو الْبَيِّنَةِ يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ. وَوَاصِفُ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ يُقَدَّمُ عَلَى وَاصِفِ غَيْرِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا وَذُو الْبَيِّنَةِ الْمُؤَرَّخَةِ يُقَدَّمُ عَلَى مَا لَمْ تُؤَرَّخْ. فَإِنْ أَرَّخَا مَعًا قُدِّمَ صَاحِبُ الْأَقْدَمِ تَأْرِيخًا فَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَا لِعَدَمِ الْأَعْدَلِ. فَإِنْ تَسَاوَيَا قُسِمَتْ بَيْنَهُمَا إنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا؛ هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ. (وَاسْتُؤْنِيَ) : أَيْ يَجِبُ التَّرَبُّصُ وَعَدَمُ الدَّفْعِ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ لِمَنْ أَتَى (بِالْوَاحِدَةِ) فَقَطْ مِنْ صِفَتَيْ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ لَا مِنْ غَيْرِهِمَا كَمَا فِي النَّقْلِ (إنْ جَهِلَ) الْوَاصِفُ (غَيْرَهَا) : أَيْ غَيْرَ الْوَاحِدَةِ لَعَلَّ غَيْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِأَثْبَتَ مِمَّا وَصَفَهَا فَيَسْتَحِقَّهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [ضَمَان اللُّقَطَة] قَوْلُهُ: [حَيْثُ أَتَى ثَانٍ بِأَثْبَتَ مِنْ الْأَوَّلِ] : أَيْ بِأَنْ بَيَّنَ الثَّانِي الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ وَالْأَوَّلَ الْعَدَدَ وَالْوَزْنَ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِبَيِّنَةٍ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ ثُبُوتُهَا لِلثَّانِي بِالْبَيِّنَةِ. قَوْلُهُ: [فَذُو الْبَيِّنَةِ يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ] : أَيْ وَتُنْزَعُ لَهُ مِنْ يَدِ ذَلِكَ الْغَيْرِ. قَوْلُهُ: [عَلَى وَاصِفِ غَيْرِهِمَا] : أَيْ بِأَنْ وَصَفَ الْعَدَدَ وَالْوَزْنَ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ أَحَدِهِمَا] : أَيْ بِأَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى غَيْرِهِمَا. قَوْلُهُ: [عَلَى مَا لَمْ تُؤَرَّخْ] : مَا وَاقِعَةٌ عَلَى بَيِّنَةٍ فَالْأَوْلَى مَنْ. قَوْلُهُ: [لَمْ يُؤَرَّخَا] : أَيْ الْمِلْكُ وَقِيلَ السُّقُوطُ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ تَسَاوَيَا] : أَيْ فِي الْعَدَالَةِ وَالتَّارِيخِ وُجُودًا وَعَدَمًا. قَوْلُهُ: [إنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا] : أَيْ فَنُكُولُهُمَا كَحَلِفِهِمَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّهُمَا إذَا نَكَلَا تَبْقَى بِيَدِ الْمُلْتَقِطِ وَلَا تُعْطَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: [إنْ جَهِلَ الْوَاصِفُ غَيْرَهَا] : أَيْ بِأَنْ قَالَ حِينَ السُّؤَالِ لَا أَدْرِي مَا هُوَ أَوْ كُنْت أَعْلَمُهُ وَنَسِيته وَلَا يُعَارِضُ الِاسْتِينَاءُ مَا مَرَّ مِنْ دَفْعِهَا لِوَاصِفِ الْعِفَاصِ دُونَ مَنْ عَرَفَ الْوَزْنَ وَالْعَدَدَ؛ لِأَنَّ دَفْعَهَا لَا يُنَافِي الِاسْتِينَاءُ.

فَإِنْ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَثْبَتَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَصْلًا أَخَذَهَا الْأَوَّلُ. (لَا) إنْ (غَلِطَ) : أَيْ ادَّعَى الْغَلَطَ بِأَنْ ذَكَرَ الصِّفَةَ الثَّانِيَةَ عَلَى خِلَافِ مَا هِيَ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: كَذَبْت، فَادَّعَى الْغَلَطَ؛ فَلَا يُسْتَأْنَى وَلَا تُدْفَعُ لَهُ أَصْلًا، بِخِلَافِ الْجَاهِلِ فَإِنَّهُ مَعْذُورٌ حَيْثُ قَالَ لَا أَدْرِي أَوْ نَسِيته. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " عَلَى الْأَظْهَرِ، ثَانِيهَا: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْقَبُولِ، ثَالِثُهَا: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي عَدَمِهِ. (فَإِنْ أَثْبَتَ غَيْرُهُ) : أَيْ غَيْرُ الْجَاهِلِ بِالْأُخْرَى (أَكْثَرَ) بِأَنْ عَرَفَ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ مَعًا (أَخَذَهَا) دُونَ الْأَوَّلِ الْآتِي بِالْوَحْدَةِ فَقَطْ، وَيَبْقَى مَا إذَا ذَكَرَ الْأَوَّلُ الْعِفَاصَ فَقَطْ أَوْ الْوِكَاءَ، وَذَكَرَ الثَّانِي الصِّفَةَ الثَّانِيَةَ فَقَطْ، هَلْ تَكُونُ بَعْدَ الِاسْتِينَاءُ لِلْأَوَّلِ؟ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَمْ يَأْتِ بِأَثْبَتَ - كَمَا يُفِيدُهُ مَا تَقَدَّمَ - أَوْ تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ حَلِفِهِمَا؟ وَاسْتُظْهِرَ لِتَعَادُلِهِمَا فِي الْوَصْفِ، وَالْأَسْبَقِيَّةُ لَا تَقْتَضِي اسْتِحْقَاقًا. (وَوَجَبَ) عَلَى مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً (أَخْذُهَا لِخَوْفِ خَائِنٍ) : أَيْ عِنْدَ خَوْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَثْبَتَ مِنْ الْأَوَّلِ] : أَيْ بِأَنْ كَانَ وَصْفُ الْأَوَّلِ أَكْثَرَ إثْبَاتًا هَذَا هُوَ الْمُرَادُ، وَأَمَّا إذَا تَسَاوَيَا فِي الْإِثْبَاتِ فَإِنَّهَا تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: [قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ] : أَيْ قَالَ وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ عِنْدِي. بِخِلَافِ مَا إذَا عَرَفَ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ أَوْ أَحَدَهُمَا وَغَلِطَ فِي الصِّفَةِ فَقَطْ كَأَنْ قَالَ بَنَادِقَةٌ فَإِذَا هِيَ مَحَابِيبُ أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ قَالَ هِيَ يَزِيدِيَّةٌ فَإِذَا هِيَ مُحَمَّدِيَّةٌ أَوْ الْعَكْسُ، فَإِنَّهَا لَا تُدْفَعُ لَهُ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [وَوَجَبَ عَلَى مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً] : حَاصِلُ هَذَا الْمَبْحَثِ أَنَّ مُرِيدَ الِالْتِقَاطِ إمَّا أَنْ يَعْلَمَ أَمَانَةَ نَفْسِهِ أَوْ خِيَانَتَهَا أَوْ يَشُكَّ فِيهَا، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَخَافَ الْخَائِنَ لَوْ تَرَكَ الْأَخْذَ أَوْ لَا فَيَجِبُ الْأَخْذُ بِشَرْطَيْنِ إنْ خَافَ الْخَائِنَ وَلَمْ يَعْلَمْ خِيَانَةَ نَفْسِهِ بِأَنْ عَلِمَ أَمَانَتَهَا أَوْ شَكَّ فِيهَا، فَإِنْ عَلِمَ خِيَانَةَ نَفْسِهِ حَرُمَ الْأَخْذُ خَافَ الْخَائِنَ أَمْ لَا، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ الْخَائِنَ كُرِهَ عَلِمَ أَمَانَةَ نَفْسِهِ أَوْ شَكَّ فِيهَا فَالْوُجُوبُ فِي صُورَتَيْنِ وَكَذَا الْحُرْمَةُ وَكَذَا الْكَرَاهَةُ. هَذَا حَاصِلُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الشَّارِحِ وَهُوَ التَّحْرِيرُ.

[تعريف اللقطة]

خَائِنٍ لَا يَعْرِفُهَا لِيَحْفَظَهَا لِرَبِّهَا مِنْ الْخَائِنِ (إلَّا أَنْ يَعْلَمَ خِيَانَتَهُ هُوَ فَيَحْرُمُ) أَخْذُهَا. (وَإِلَّا) يَخَفْ خَائِنًا (كُرِهَ) أَخْذُهَا مَعَ عِلْمِهِ أَمَانَةَ نَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي خِيَانَةِ نَفْسِهِ بِالْأَوْلَى. (وَ) وَجَبَ (تَعْرِيفُهَا) عَلَى مَنْ الْتَقَطَهَا (سَنَةً) كَامِلَةً (إنْ كَانَ لَهَا بَالٌ وَ) يُعَرِّفُ (نَحْوَ الدَّلْوِ وَالدِّينَارِ) - فَأَقَلَّ - (الْأَيَّامَ) لِأَنَّهَا لَا تَلْتَفِتُ إلَيْهَا النُّفُوسُ كُلَّ الِالْتِفَاتِ. قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: مَا قَلَّ وَلَهُ قَدْرٌ وَمَنْفَعَةٌ وَيَشِحُّ رَبُّهُ بِهِ وَيَطْلُبُهُ يُعَرَّفُ اتِّفَاقًا، وَفِي تَعْرِيفِهِ سَنَةً أَوْ أَيَّامًا قَوْلَانِ. وَمَا قَلَّ وَلَا يَطْلُبُهُ عَادَةً فَلِابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ لِمَنْ وَجَدَهُ لَيْسَ عَلَيْهِ تَعْرِيفُهُ فَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ (انْتَهَى) . قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَوَّلَ بَعْضُهُمْ الْمُدَوَّنَةَ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِمْ (انْتَهَى) ، فَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَرَكَ قَوْلَ الْأَكْثَرِ وَرَدَّ عَلَيْهِ بِ " لَوْ " بِقَوْلِهِ: " وَلَوْ كَدَلْوٍ "، وَنَحْنُ دَرَجْنَا عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ لِأَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ وَالتَّعْرِيفُ يَكُونُ. (بِمَظَانِّ طَلَبِهَا وَبِبَابِ الْمَسْجِدِ) لَا دَاخِلِهِ (فِي كُلِّ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ) مَرَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا يَعْرِفُهَا] : صِفَةٌ لِخَائِنٍ. وَقَوْلُهُ: [لِيَحْفَظَهَا] : عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ " أَخَذَهَا ". قَوْلُهُ: [وَإِلَّا يَخَفْ خَائِنًا كُرِهَ] : اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَخَفْ خَائِنًا وَعَلِمَ أَمَانَةَ نَفْسِهِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الِاسْتِحْبَابُ وَالْكَرَاهَةُ وَالتَّفْصِيلُ، يُسْتَحَبُّ فِيمَا لَهُ بَال وَيُكْرَهُ فِي غَيْرِهِ وَاخْتَارَ التُّونُسِيُّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْكَرَاهَةَ مُطْلَقًا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَخَفْ خَائِنًا وَشَكَّ فِي أَمَانَةِ نَفْسِهِ فَالْكَرَاهَةُ اتِّفَاقًا. [تَعْرِيف اللُّقَطَة] قَوْلُهُ: [إنْ كَانَ لَهَا بَالٌ] : أَيْ بِأَنْ كَانَتْ فَوْقَ الدَّلْوِ وَالدِّينَارِ. وَقَوْلُهُ: [فَأَقَلَّ] : أَيْ أَقَلِّيَّةً لَا تَصِلُ لِلتَّافِهِ. قَوْلُهُ: [قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ] : أَيْ ابْنُ رُشْدٍ. قَوْلُهُ: [وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي] : أَيْ فِي تَعْرِيفِ الشَّيْءِ الْقَلِيلِ الَّذِي لَهُ قَدْرٌ وَمَنْفَعَةٌ أَيَّامًا. قَوْلُهُ: [بِقَوْلِهِ وَلَوْ كَدَلْوٍ] : أَيْ حَيْثُ قَالَ وَتَعْرِيفُهُ سَنَةً وَلَوْ كَدَلْوٍ. قَوْلُهُ: [وَبِبَابِ الْمَسْجِدِ] : أَيْ وَمِثْلُهُ السُّوقُ. قَوْلُهُ: [لَا دَاخِلَهُ] : أَيْ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِاحْتِرَامِ الْمَسْجِدِ. قَوْلُهُ: [فِي كُلِّ يَوْمَيْنِ] : هَذَا فِي غَيْرِ أَوَّلِ زَمَانِ التَّعْرِيفِ إذْ فِي أَوَّلِهِ يَنْبَغِي أَنْ

(بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَنْ يَثِقُ بِهِ) لِأَمَانَتِهِ. وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ دَفَعَهَا لِأَمِينٍ يُعَرِّفُهَا. (أَوْ) يُعَرِّفُهَا غَيْرُهُ (بِأُجْرَةٍ مِنْهَا، إنْ لَمْ يَلِقْ) التَّعْرِيفُ (بِمِثْلِهِ) لِكَوْنِهِ مِنْ أُولِي الْهَيْئَاتِ؛ وَإِلَّا ضَمِنَ؛ كَمَا لَوْ تَرَاخَى فِي التَّعْرِيفِ حَتَّى هَلَكَتْ. (وَ) عَرَّفَهَا (بِالْبَلَدَيْنِ إنْ وُجِدَتْ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ مِنْ مَظَانِّ طَلَبِهَا. (وَلَا يَذْكُرُ) الْمُعَرِّفُ (جِنْسَهَا) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، بَلْ بِوَصْفٍ عَامٍّ: كَأَمَانَةٍ أَوْ مَالٍ أَوْ شَيْءٍ، لِأَنَّ ذِكْرَ جِنْسِهَا الْخَاصِّ رُبَّمَا أَدَّى بَعْضَ أَذْهَانِ الْحُذَّاقِ إلَى ذِكْرِ عِفَاصِهَا وَوِكَائِهَا بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. فَفِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً، ثُمَّ فِي كُلِّ يَوْمَيْنِ مَرَّةً، ثُمَّ فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَرَّةً، ثُمَّ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً، كَمَا ذَكَرَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّإِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [بِنَفْسِهِ] : مُتَعَلِّقٌ بِتَعْرِيفِهَا كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ بِمَظَانِّ طَلَبِهَا كَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ مَعْنَى الْبَاءَيْنِ لِأَنَّ الْبَاءَ الْأُولَى بِمَعْنَى فِي وَالثَّانِيَةَ لِلْآلَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ دَفَعَهَا لِأَمِينٍ] إلَخْ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسَاوِهْ فِي الْأَمَانَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُودَعِ حَيْثُ يَضْمَنُ إنْ أَوْدَعَ وَلَوْ أَمِينًا لِغَيْرِ عُذْرٍ أَنَّ رَبَّهَا هُنَا لَمْ يُعَيِّنْهُ لِحِفْظِهَا بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ. قَوْلُهُ: [إنْ لَمْ يَلِقْ التَّعْرِيفُ بِمِثْلِهِ] : قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ أَوْ بِأُجْرَةٍ مِنْهَا. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا ضَمِنَ] : أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ مِمَّنْ يُعَرِّفُ مِثْلَهُ وَاسْتَأْجَرَ مَنْ يُعَرِّفُهَا مِنْهَا وَضَاعَتْ مِنْهُ ضَمِنَ وَهَذَا الْقَيْدُ تَبِعَ فِيهِ الْمُصَنِّفُ خَلِيلًا التَّابِعَ لِابْنِ الْحَاجِبِ، ابْنُ عَرَفَةَ وَظَاهِرُ اللَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ أَنَّ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَدْفَعَهَا لِمَنْ يُعَرِّفُهَا بِأُجْرَةٍ مِنْهَا وَلَوْ كَانَ مِمَّنْ يَلِي تَعْرِيفَهَا بِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ (اهـ بْن) . قَوْلُهُ: [وَعَرَّفَهَا بِالْبَلَدَيْنِ] إلَخْ: قَالَ اللَّقَانِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَقْرَبَ مِنْ الْأُخْرَى، وَيَنْبَغِي إذَا كَانَتْ أَقْرَبَ إلَى إحْدَاهُمَا مِنْ الْأُخْرَى قُرْبًا مُتَأَكِّدًا بِحَيْثُ يَقْطَعُ الْقَاطِعُ بِأَنَّهَا مِنْ هَذِهِ دُونَ الْأُخْرَى أَنَّهُ إنَّمَا يُعَرِّفُهَا فِي الَّتِي هِيَ أَقْرَبُ. قَوْلُهُ: [كَأَمَانَةٍ] : مِثْلُ ذَلِكَ مَنْ ضَاعَ لَهُ ضَائِعٌ.

[حبس اللقطة]

(وَلَا يُعَرَّفُ) شَيْءٌ (تَافِهٌ) وَهُوَ مَا لَا تَلْتَفِتُ إلَيْهِ النَّفْسُ عَادَةً؛ كَدُونَ الدِّرْهَمِ الشَّرْعِيِّ وَعَصًا وَسَوْطٍ، وَكَقَلِيلٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ وَلَهُ أَكْلُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ رَبَّهُ، وَإِلَّا مُنِعَ وَضَمِنَ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَا فَوْقَ التَّافِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَالٌ قَوِيٌّ؛ كَالدَّلْوِ وَالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ الشَّرْعِيِّ يُعَرَّفُ أَيَّامًا بِمُقْتَضَى النَّظَرِ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ؛ فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ. (وَلَهُ) : أَيْ لِلْمُلْتَقِطِ (حَبْسُهَا) : أَيْ اللُّقَطَةِ عِنْدَهُ (بَعْدَهَا) : أَيْ السَّنَةِ لَعَلَّهُ أَنْ يَظْهَرَ صَاحِبُهَا (أَوْ التَّصَدُّقُ بِهَا) عَنْ رَبِّهَا أَوْ عَنْ نَفْسِهِ (أَوْ التَّمَلُّكُ) لَهَا بِأَنْ يَنْوِيَ تَمَلُّكَهَا، (وَلَوْ) وَجَدَهَا (بِمَكَّةَ) فَلَهُ أَحَدُ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ. وَقِيلَ: إنَّ لُقَطَةَ مَكَّةَ يَجِبُ تَعْرِيفُهَا أَبَدًا عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَلَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا وَلَا التَّصَدُّقُ بِهَا. (وَضَمِنَ) الْمُلْتَقِطُ (فِيهِمَا) : أَيْ فِي التَّصَدُّقِ بِهَا وَلَوْ عَنْ رَبِّهَا وَفِي نِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا يُعَرَّفُ شَيْءٌ تَافِهٌ] : قَدَّمَ أَوَّلًا أَنَّ مَا لَهُ بَالٌ مِمَّا كَانَ فَوْقَ الدِّينَارِ وَنَحْوِهِ يُعَرَّفُ سَنَةً وَنَحْوُ الدَّلْوِ وَالدِّينَارِ يُعَرَّفُ الْأَيَّامَ وَأَفَادَ هُنَا أَنَّ التَّافِهَ لَا يُعَرَّفُ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا مُنِعَ] : أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ عُلِمَ رَبُّهُ وَإِنَّمَا مُنِعَ أَكْلُهُ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لُقَطَةً، بَلْ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ. [حَبْسُ اللُّقَطَةِ] قَوْلُهُ: [أَيْ لِلْمُلْتَقِطِ حَبْسُهَا] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَخْيِيرِ الْمُلْتَقِطِ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ إذَا كَانَ غَيْرَ الْإِمَامِ، وَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا حَبْسُهَا أَوْ بَيْعُهَا لِصَاحِبِهَا وَوَضْعُ ثَمَنِهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَلَيْسَ لَهُ التَّصَدُّقُ بِهَا وَلَا تَمَلُّكُهَا لِمَشَقَّةِ خَلَاصِ مَا فِي ذِمَّتِهِ. بِخِلَافِ غَيْرِهِ (اهـ عب) . [لقطة مَكَّة] قَوْلُهُ: [وَقِيلَ إنَّ لُقَطَةَ مَكَّةَ] إلَخْ: أَيْ كَمَا هُوَ لِلْبَاجِيِّ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ. قَوْلُهُ: [عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ] : أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تَحِلُّ لُقَطَةُ الْحَاجِّ» ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ لُقَطَتَهَا لَا تَحِلُّ إلَّا لِمُنْشِدٍ» ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْبَاجِيُّ: إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِعْيَارُ الْعُمُومِ وَلِذِكْرِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بَعْدَ جُمْلَةِ لَا تَحِلُّ فِيهَا أَبَدًا وَهِيَ: «وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا» ؛ أَيْ لَا يُقْطَعُ حَشِيشُهَا، وَالْأَصْلُ تَجَانُسُ الْمَعْطُوفَاتِ فِي النَّفْيِ الْأَبَدِيِّ. وَأَجَابَ الْمَشْهُورُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ لَا تَحِلُّ قَبْلَ السَّنَةِ، وَإِنَّمَا نَبَّهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ فِي مَكَّةَ مَعَ أَنَّ عَدَمَ حِلِّهَا قَبْلَ السَّنَةِ عَامٌّ فِي مَكَّةَ وَغَيْرِهَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَدَمُ تَعْرِيفِ لَقَطَهَا بِانْصِرَافِ الْحُجَّاجِ فَتَأَمَّلْ.

[التصدق باللقطة]

تَمَلُّكِهَا إذَا جَاءَ رَبُّهَا. (كَنِيَّةِ أَخْذِهَا) : أَيْ كَمَا يَضْمَنُ إذَا أَخَذَهَا بِنِيَّةِ تَمَلُّكِهَا (قَبْلَهَا) : أَيْ قَبْلَ السَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ بِتِلْكَ النِّيَّةِ صَارَ كَالْغَاصِبِ فَيَضْمَنُهَا لِرَبِّهَا وَلَوْ تَلِفَتْ بِسَمَاوِيٍّ بَعْدَ تِلْكَ النِّيَّةِ. وَأَوْلَى لَوْ نَوَى التَّمَلُّكَ عِنْدَ الْتِقَاطِهَا. (وَ) ضَمِنَ فِي (رَدِّهَا لِمَوْضِعِهَا) ؛ الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُ وَأَوْلَى لِغَيْرِهِ (بَعْدَ أَخْذِهَا لِلْحِفْظِ) وَالتَّعْرِيفِ، سَوَاءٌ رَدَّهَا بَعْدَ بُعْدٍ أَوْ قُرْبٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ رَدَّهَا بِقُرْبٍ فَلَا ضَمَانَ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ: " إلَّا بِقُرْبٍ فَتَأْوِيلَانِ ". وَمَفْهُومٌ لِلْحِفْظِ - أَيْ التَّعْرِيفِ - أَنَّهُ إنْ أَخَذَهَا بِنِيَّةِ الِاغْتِيَالِ فَلَا ضَمَانَ بِرَدِّهَا لِمَوْضِعِهَا مُطْلَقًا لِوُجُوبِ رَدِّهَا عَلَيْهِ؛ وَأَمَّا لَوْ أَخَذَهَا لِيَسْأَلَ عَنْهَا مُعَيِّنًا فَلَا ضَمَانَ إنْ رَدَّهَا بِقُرْبٍ لِوُجُوبِ الرَّدِّ عَلَيْهِ فَوْرًا. وَضَمِنَ إنْ رَدَّهَا بِبُعْدٍ، وَهَذَا الثَّالِثُ؛ هُوَ مَحْمَلُ قَوْلِنَا فِي شَرْحِ كَلَامِ الشَّيْخِ: " وَعَنْ بُعْدٍ ضَمِنَ " أَخَذَهَا لِلْحِفْظِ أَمْ لَا، أَيْ بِأَنْ أَخَذَهَا لِيَسْأَلَ عَنْهَا مُعَيِّنًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [التَّصَدُّقِ بِاللُّقَطَةِ] قَوْلُهُ: [وَأَوْلَى لَوْ نَوَى التَّمَلُّكَ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ الصُّوَرَ ثَلَاثٌ: الْأُولَى مَا إذَا رَآهَا مَطْرُوحَةً فَنَوَى أَخْذَهَا تَمَلُّكًا ثُمَّ تَرَكَهَا وَلَمْ يَأْخُذْهَا فَتَلِفَتْ. الثَّانِيَةُ مَا إذَا نَوَى تَمَلُّكَهَا وَأَخَذَهَا فَتَلِفَتْ. الثَّالِثَةُ مَا إذَا أَخَذَهَا لِلتَّعْرِيفِ ثُمَّ نَوَى تَمَلُّكَهَا قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ؛ فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ نِيَّةَ الِاغْتِيَالِ وَحْدَهَا لَا تُعْتَبَرُ، وَفِي الثَّانِيَةِ الضَّمَانُ قَطْعًا لِمُصَاحَبَةِ فِعْلِهِ لِنِيَّتِهِ، وَفِي الثَّالِثَةِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ نَظَرًا إلَى أَنَّ نِيَّةَ الِاغْتِيَالِ مُجَرَّدَةٌ عَنْ مُصَاحَبَةِ فِعْلِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ بِالضَّمَانِ نَظَرًا إلَى أَنَّ نِيَّةَ الِاغْتِيَالِ قَدْ صَاحَبَهَا فِعْلٌ وَهُوَ الْكَفُّ عَنْ التَّعْرِيفِ، وَارْتَضَاهُ (ح) وَمَشَى عَلَيْهِ شَارِحُنَا. قَوْلُهُ: [وَالتَّعْرِيفِ] : عَطْفُ تَفْسِيرٍ. قَوْلُهُ: [فَلَا ضَمَانَ بِرَدِّهَا لِمَوْضِعِهَا] : أَيْ بَلْ الضَّمَانُ بِإِبْقَائِهَا لِمُخَالَفَةِ الْوَاجِبِ. قَوْلُهُ: [وَضَمِنَ إنْ رَدَّهَا بِبُعْدٍ] : إنَّمَا ضَمِنَ فِي الْبُعْدِ لِأَنَّ الشَّأْنَ أَنَّ صَاحِبَهَا جَاءَ لِلْمَكَانِ بِقُرْبٍ وَأَيِسَ مِنْهَا فَلَا يَعُودُ فِي الْبُعْدِ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ مَحْمَلُ قَوْلِنَا فِي شَرْحِ كَلَامِ الشَّيْخِ] إلَخْ: لَكِنَّ قَوْلَهُ فِيهِ أَخَذَهَا لِلْحِفْظِ أَمْ لَا خُرُوجٌ عَنْ الْمَوْضُوعِ: لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ أَنَّهُ أَخَذَهَا لَا لِلْحِفْظِ بَلْ لِيَسْأَلَ عَنْهَا.

[أكل ما يفسد من اللقطة]

(وَالرَّقِيقُ) فِي الِالْتِقَاطِ (كَالْحُرِّ) فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ حُرْمَةٍ أَوْ كَرَاهَةٍ وَتَعْرِيفٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ. (وَ) الضَّمَانُ إنْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِمَا مَرَّ (قَبْلَ السَّنَةِ) يَكُونُ (فِي رَقَبَتِهِ) فَيُبَاعُ فِيهَا مَا لَمْ يَفْدِهِ سَيِّدُهُ. وَلَيْسَ لَهُ إسْقَاطُهُ عَنْهُ وَبَعْدَ السَّنَةِ يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ فَيُتْبَعُ بِهَا إنْ عَتَقَ وَلَا يُبَاعُ فِيهَا. (وَلَهُ) : أَيْ لِلْمُلْتَقِطِ - حُرًّا أَوْ رَقِيقًا - (أَكْلُ مَا يَفْسُدُ) لَوْ تَرَكَهُ؛ كَثَرِيدٍ وَلَحْمٍ وَفَاكِهَةٍ وَخُضَرٍ، بِخِلَافِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَفْسُدُ، فَلَيْسَ لَهُ أَكْلُهُ (وَلَوْ) وَجَدَهُ (بِقَرْيَةٍ) كَمَا لَوْ وَجَدَهُ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ (وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) فِي أَكْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالرَّقِيقُ] : أَيْ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ. قَوْلُهُ: [مِنْ وُجُوبٍ] : أَيْ وَهُوَ فِي صُورَتَيْنِ. قَوْلُهُ [أَوْ حُرْمَةٍ] : أَيْ وَهِيَ فِي صُورَتَيْنِ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ: [أَوْ كَرَاهَةٍ] : أَيْ وَهِيَ فِي صُورَتَيْنِ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ: [وَتَعْرِيفٍ] : أَيْ وَوُجُوبِ تَعْرِيفٍ مِنْ سَنَةٍ أَوْ أَيَّامٍ. وَقَوْلُهُ: [وَغَيْرِ ذَلِكَ] : أَيْ كَالْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا بَعْدَ أَمَدِ التَّعْرِيفِ وَبَاقِي الْأَحْكَامِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ. قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ] : أَيْ الِالْتِقَاطِ لِأَنَّهُ يُعَرِّفُهَا حَالَ خِدْمَتِهِ فَلَا تَشْغَلُهُ. قَوْلُهُ: [وَبَعْدَ السَّنَةِ] : أَيْ إذَا ضَاعَتْ بَعْدَ السَّنَةِ بِتَفْرِيطٍ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا وَتَمَلَّكَهَا [أَكْلُ مَا يَفْسُدُ مِنْ اللُّقَطَةِ] قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ التَّمْرِ] : إلَخْ سَيَأْتِي يُصَرِّحُ الْمَتْنُ بِهَذَا الْمَفْهُومِ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ هُنَا فَإِنَّهُ أَوْجَبَ التَّعْقِيدَ قَوْلُهُ: [وَلَوْ وَجَدَهُ بِقَرْيَةٍ] : مُبَالَغَةٌ عَلَى أَكْلِ مَا يَفْسُدُ. وَقَوْلُهُ: [كَمَا لَوْ وَجَدَهُ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ] : تَشْبِيهٌ فِي جَوَازِ الْأَكْلِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَدَّرَ قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ جَوَازِ أَكْلٍ حَيْثُ كَانَ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا يُتَوَهَّمُ لَوْ وُجِدَ بِقَرْيَةٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي أَكْلِهِ] : الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى مَا يَفْسُدُ، وَالْمَعْنَى لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي أَكْلِهِ بَعْدَ الِاسْتِينَاءُ بِقَدْرِ مَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا قَلَّ ثَمَنُهُ أَوْ كَثُرَ، وَلَكِنْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ بِيعَ وَوُقِفَ ثَمَنُهُ. وَقَالَ فِي

(كَغَيْرِهِ) : أَيْ غَيْرِ مَا يُفْسِدُهُ كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فَلَهُ أَكْلُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَمَنٌ) لِقِلَّتِهِ جِدًّا؛ نَحْوُ التَّمْرَةِ وَالزَّبِيبَةِ فَإِنْ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ فَلَيْسَ لَهُ أَكْلُهُ. فَإِنْ أَكَلَهُ ضَمِنَ. (وَ) لَهُ أَكْلُ (شَاةٍ) مِنْ ضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ وَجَدَهَا (بِفَيْفَاءَ) لَا بِعُمْرَانٍ وَعَسُرَ عَلَيْهِ حَمْلُهَا لِلْعُمْرَانِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي أَكْلِهَا. فَإِنْ تَيَسَّرَ حَمْلُهَا وَجَبَ عَلَيْهِ حَمْلُهَا وَتَعْرِيفُهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ. (فَإِنْ حَمَلَهَا) : أَيْ الشَّاةَ الَّتِي يَجُوزُ أَكْلُهَا لِعُسْرِ حَمْلِهَا، بِأَنْ تَكَلَّفَ حَمْلَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَجْمُوعِ لَهُ أَكْلُ مَا يَفْسُدُ وَضَمِنَ مَا لَهُ ثَمَنٌ (اهـ) . قَوْلُهُ: [فَلَيْسَ لَهُ أَكْلُهُ] : هَذَا ظَاهِرٌ إنْ كَانَ مِمَّا يُعَرَّفُ بِأَنَّهُ كَانَ ثَمَنُهُ يَزِيدُ عَلَى الدَّرَاهِمِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعَرَّفُ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ أَكْلِهِ، وَإِنَّمَا إذَا أَكَلَهُ ضَمِنَهُ لِرَبِّهِ إنْ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ أَكَلَهُ ضَمِنَ] : أَيْ حَيْثُ وُجِدَ رَبُّهُ. وَحَاصِلُ التَّحْرِيرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّهُ إذَا الْتَقَطَ طَعَامًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَفْسُدَ بِالتَّأْخِيرِ أَوْ لَا، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُعَرَّفُ أَوْ أَقَلَّ مِمَّا يُعَرَّفُ أَوْ لَا ثَمَنَ لَهُ أَصْلًا كَالتَّمْرَةِ وَالزَّبِيبَةِ وَالْعِنَبَةِ. فَهَذِهِ سِتٌّ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَفْسُدُ أُكِلَ بَعْدَ الِاسْتِينَاءُ قَلِيلًا، فَإِنْ ظَهَرَ رَبُّهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا عَلَى مَا لِلْمُصَنِّفِ وَخَلِيلٍ، وَضَمِنَ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ عَلَى مَا لِابْنِ رُشْدٍ وَالْمَجْمُوعِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَفْسُدُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُعَرَّفُ عَرَّفَهُ وَجَرَى فِيهِ أَحْكَامُ التَّعْرِيفِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعَرَّفُ أَكَلَهُ وَضَمِنَهُ لِرَبِّهِ إنْ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي أَكْلِهَا] : هَذَا يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ فِي الطَّعَامِ الَّذِي يَفْسُدُ مُطْلَقًا، بَلْ هُوَ أَحْرَوِيٌ وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ شَارِحُنَا وَخَلِيلٌ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ تَيَسَّرَ حَمْلُهَا وَجَبَ عَلَيْهِ] إلَخْ: أَيْ فَإِنْ أَكَلَهَا حِينَئِذٍ ضَمِنَ إنْ عُلِمَ رَبُّهَا. قَوْلُهُ: [وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ] : أَيْ وَمَا فِي (عب) مِنْ جَوَازِ الْأَكْلِ مُطْلَقًا تَيَسَّرَ حَمْلُهَا أَوْ لَا فَضَعِيفٌ كَمَا فِي (بْن) .

لِلْعُمْرَانِ (حَيَّةً عُرِّفَتْ) وُجُوبًا وَعَلَى رَبِّهَا أُجْرَةُ حَمْلِهَا. وَإِنْ حَمَلَهَا مَذْبُوحَةً فَرَبُّهَا أَحَقُّ بِهَا إنْ عَلِمَ قَبْلَ أَكْلِهَا وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ حَمْلِهَا. (وَ) لَهُ أَكْلُ (بَقَرَةٍ بِمَحَلِّ خَوْفٍ) مِنْ سِبَاعٍ أَوْ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ بِفَيْفَاءَ - وَعَسُرَ سَوْقُهَا - لِلْعُمْرَانِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. فَإِنْ تَكَلَّفَ سَوْقَهَا عُرِّفَتْ كَالشَّاةِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ سَوَّى بَيْنَ الْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ بِمَحَلِّ الْخَوْفِ فِي عُسْرِ الْإِتْيَانِ بِهِمَا إلَى الْعُمْرَانِ فَلِذَا قُلْنَا: (عَسُرَ سَوْقُهُمَا) لِلْعُمْرَانِ. فَإِنْ تَيَسَّرَ وَجَبَ حَمْلُهُمَا وَتَعْرِيفُهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا. (وَ) إنْ وُجِدَتْ (بِأَمْنٍ) : أَيْ بِمَحَلٍّ مَأْمُونٍ (تُرِكَتْ) . فَإِنْ أَكَلَهَا ضَمِنَ، وَإِنْ حَمَلَهَا لِلْعُمْرَانِ عُرِّفَتْ كَمَا لَوْ وَجَدَهَا بِهِ. (كَإِبِلٍ) : فَإِنَّهَا تُتْرَكُ وُجُوبًا (مُطْلَقًا) وَجَدَهَا بِصَحْرَاءَ أَوْ بِالْعُمْرَانِ. إنْ خَافَ عَلَيْهَا أَمْ لَا، وَقِيلَ: إنْ خِيفَ عَلَيْهَا مِنْ خَائِنٍ أُخِذَتْ وَعُرِّفَتْ أَوْ بِيعَتْ وَوُقِفَ ثَمَنُهَا لِصَاحِبِهَا، وَقِيلَ: إنْ خِيفَ عَلَيْهَا مِنْ السِّبَاعِ كَأَنْتَ فِي حُكْمِ الْغَنَمِ لِوَاجِدِهَا أَكْلُهَا. وَقِيلَ: بَلْ تُؤْخَذُ لِتُعَرَّف إذْ لَا مَشَقَّةَ فِي حَمْلِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَعَلَى رَبِّهَا أُجْرَةُ حَمْلِهَا] : أَيْ يُخَيَّرُ رَبُّهَا بَيْنَ أَخْذِهَا وَدَفْعِ أُجْرَةِ حَمْلِهَا أَوْ تَرْكِهَا لِمَنْ حَمَلَهَا فَحَمْلُهَا كَالنَّفَقَةِ عَلَيْهَا لَا يَتْبَعُ بِهِ ذِمَّةَ رَبِّهَا، بَلْ فِي عَيْنِهَا إنْ شَاءَ رَبُّهَا دَفَعَهُ أَوْ تَرَكَهَا فِيهِ. خِلَافًا لِمَا تُوهِمُهُ عِبَارَتُهُ أَوَّلًا وَآخِرًا مِنْ تَحَتُّمِ أُجْرَةِ الْحَمْلِ عَلَى رَبِّهَا. قَوْلُهُ: [وَجَبَ حَمْلُهُمَا وَتَعْرِيفُهُمَا] : أَيْ وَيُؤْخَذُ مِنْ رَبِّهِمَا أُجْرَةُ الْحَمْلِ أَوْ يَتْرُكُهُمَا لِمَنْ جَاءَ بِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ فَقَوْلُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الشَّاةِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ حَمَلَهَا لَلْعُمْرَانِ عُرِّفَتْ] : أَيْ إنْ تَجَرَّأَ وَخَالَفَ الْوَاجِبَ مِنْ التَّرْكِ وَانْظُرْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ هَلْ يَلْزَمُ رَبَّهَا أُجْرَةُ حَمْلِهَا أَوْ لَا لِتَعْدِيهِ بِالْحَمْلِ؟ قَوْلُهُ: [خَافَ عَلَيْهِمَا أَمْ لَا] : أَيْ فَفِي (بْن) الْمُعْتَمَدُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ تَرْكُهَا مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ - بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَدَمَ الْتِقَاطِ الْإِبِلِ - قِيلَ إنَّ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الزَّمَانِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ، وَقِيلَ هُوَ خَاصٌّ بِزَمَنِ الْعَدْلِ وَصَلَاحِ النَّاسِ، وَأَمَّا فِي الزَّمَانِ الَّذِي فَسَدَ فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهَا تُؤْخَذُ وَتُعَرَّفُ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ رَبُّهَا بِيعَتْ وَوُقِفَ ثَمَنُهَا فَإِنْ أَيِسَ مِنْهُ تَصَدَّقَ بِهِ كَمَا فَعَلَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا دَخَلَ

[النفقة على اللقطة]

(فَإِنْ أُخِذَتْ) الْإِبِلُ لِلْعُمْرَانِ تَعَدِّيًا (عُرِّفَتْ) سَنَةً (ثُمَّ) بَعْدَ تَعْرِيفِهَا سَنَةً (تُرِكَتْ) بِمَحَلِّهَا الَّذِي أُخِذَتْ مِنْهُ. (وَلَهُ) : أَيْ لِمَنْ الْتَقَطَ دَابَّةً - مِنْ حِمَارٍ وَبَقَرٍ وَفَرَسٍ - (كِرَاءُ دَابَّةٍ) الْتَقَطَهَا (لِعَلَفِهَا) : أَيْ لِأَجْلِ عَلْفِهَا (مِنْهُ كِرَاءً مَأْمُونًا) : أَيْ لَا يَخْشَى عَلَيْهَا مِنْهُ وَجِيبَةً أَوْ مُشَاهَرَةً. (وَ) لَهُ (رُكُوبُهَا) مِنْ مَوْضِعِ الْتِقَاطِهَا (لِمَوْضِعِهِ) وَإِنْ لَمْ يَعْسُرْ قَوْدُهَا. (وَإِلَّا) بِأَنْ أَكْرَاهَا لِغَيْرِ عَلَفِهَا أَوْ أَزْيَدَ مِنْهُ أَوْ كِرَاءً غَيْرَ مَأْمُونٍ فَعَطِبَتْ أَوْ هَلَكَتْ أَوْ رَكِبَهَا لِغَيْرِ مَوْضِعِهِ أَوْ فِي حَوَائِجِهِ (ضَمِنَ) قِيمَتَهَا إنْ هَلَكَتْ أَوْ أَرْشَ الْعَيْبِ إنْ تَعَيَّبَتْ؛ وَمَا زَادَ عَلَى عَلَفِهَا إنْ لَمْ تَهْلَكْ (وَ) لَهُ (غَلَّتُهَا) مِنْ لَبَنٍ وَسَمْنٍ وَإِنْ زَادَ عَلَى عَلَفِهَا، (لَا) : أَيْ لَيْسَ لَهُ (نَسْلُهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّاسَ فِي زَمَنِهِ الْفَسَادُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا (اهـ) . قَوْلُهُ: [ثُمَّ بَعْدَ تَعْرِيفِهَا سَنَةً تُرِكَتْ] : قَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا فِي زَمَنِ الْعَدْلِ وَالصَّلَاحِ لَا فِي مِثْلِ زَمَانِنَا. [النَّفَقَة عَلَى اللُّقَطَةِ] قَوْلُهُ: [كِرَاءُ دَابَّةٍ] إلَخْ: إنَّمَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ رَبَّهَا لَمْ يُوَكِّلْهُ فِيهِ لِأَنَّهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ نَفَقَةٍ عَلَيْهِ فَكَانَ ذَلِكَ أَصْلَحُ لِرَبِّهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا أَكْرَاهَا وَجِيبَةً كِرَاءً مَأْمُونًا ثُمَّ جَاءَ رَبُّهَا قَبْلَ تَمَامِهِ فَلَيْسَ لَهُ فَسْخُهُ لِوُقُوعِ ذَلِكَ الْعَقْدِ بِوَجْهٍ جَائِزٍ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [ضَمِنَ قِيمَتَهَا إنْ هَلَكَتْ] : أَيْ وَيُقَدَّمُ فِي الضَّمَانِ الْمُسْتَأْجِرُ فِي الْكِرَاءِ لِغَيْرِ الْمَأْمُونِ لِأَنَّهُ مُبَاشِرُهُ وَالْمُلْتَقِطُ مُتَسَبِّبٌ. قَوْلُهُ: [وَمَا زَادَ عَلَى عَلَفِهَا] : أَيْ فَإِذَا أُكْرِمَتْ لِأَجْلِ الْعَلَفِ وَزَادَ مِنْ كِرَائِهَا شَيْءٌ عَلَى الْعَلَفِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُلْتَقِطِ أَخْذُهُ لِنَفْسِهِ، بَلْ يُبْقِيهِ لِرَبِّهَا إذَا جَاءَ عِنْدَ سَلَامَتِهَا. قَوْلُهُ: [وَلَهُ غَلَّتُهَا] : أَيْ فِي مُقَابَلَةِ نَفَقَتِهَا إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ عِنْدِهِ وَلَمْ يُكْرِهَا فِي عَلَفِهَا وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهَا فِي مَصَالِحِهِ. قَوْلُهُ: [مِنْ لَبَنٍ وَسَمْنٍ] : بَيَانٌ لِلْغَلَّةِ الْمُرَادَةِ هُنَا. قَوْلُهُ: [وَإِنْ زَادَ عَلَى عَلَفِهَا] : أَيْ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِرِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ خِلَافًا لِظَاهِرِ نَقْلِ ابْنُ رُشْدٍ وَسَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ مِنْ أَنَّ لَهُ مِنْ الْغَلَّةِ بِقَدْرِ عَلَفِهِ وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ لُقَطَةٌ مَعَهَا. قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ وَفِي كَلَامِ الْأُجْهُورِيِّ مَيْلٌ لِتَرْجِيحِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ.

[اللقيط]

وَصُوفُهَا وَشَعْرُهَا. (وَوَجَبَ لَقْطُ طِفْلٍ) : أَيْ صَغِيرٍ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ نَفْسِهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَغَيْرِهَا. وَالْمُرَادُ بِلَقْطِهِ: أَخْذُهُ لِلْحِفْظِ (كِفَايَةً) : أَيْ وُجُوبَ كِفَايَةٍ إذَا وَجَدَهُ جَمَاعَةٌ بِمَضْيَعَةٍ، أَوْ كَانَ الْمَكَانُ مَطْرُوقًا لِلنَّاسِ. وَإِلَّا تَعَيَّنَ عَلَى مَنْ وَجَدَهُ لَقْطُهُ. وَيُسَمَّى الطِّفْلُ الْمَلْقُوطُ؛ لَقِيطًا، وَعَرَّفَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّقِيطَ بِقَوْلِهِ: صَغِيرٌ آدَمِيٌّ لَمْ يُعْلَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَصُوفُهَا] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ تَامًّا أَوْ غَيْرَ تَامٍّ فَهُوَ لِرَبِّهَا مِثْلُ النَّسْلِ يَكُونُ لُقَطَةً مَعَهَا. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ عَلَى اللُّقَطَةِ مِنْ عِنْدِهِ كُلَّ النَّفَقَةِ أَوْ بَعْضَهَا كَمَا لَوْ أَكْرَاهَا فَنَقَصَ الْكِرَاءُ عَنْ نَفَقَتِهَا وَكَمَّلَ الْمُلْتَقِطُ نَفَقَتَهَا مِنْ عِنْدِهِ فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُسْلِمَ لَهُ اللُّقَطَةَ فِي نَفَقَتِهِ أَوْ يَفْتَدِيهَا مِنْ الْمُلْتَقِطِ بِدَفْعِ النَّفَقَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِي ذَاتِ اللُّقَطَةِ كَالْجِنَايَةِ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ إنْ أَسْلَمَهُ الْمَالِكُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادَ أَخْذَهُ غَرِمَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ وَحَيْثُ قُلْنَا بِخِيَارِ رَبِّهَا وَرَضِيَ بِتَرْكِهَا فِي النَّفَقَةِ، ثُمَّ أَرَادَ أَخْذَهَا ثَانِيَةً وَدَفْعَ النَّفَقَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا لِلْمُتَلَقِّطِ بِمُجَرَّدِ رِضَاهُ، وَالظَّاهِرُ - كَمَا قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ - أَنَّ عَكْسَهُ كَذَلِكَ أَيْ إذَا دَفَعَ لَهُ النَّفَقَةَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُسْلِمَهُ الشَّيْءَ الْمُلْتَقَطَ وَيَأْخُذَ مِنْهُ النَّفَقَةَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. [اللَّقِيط] قَوْلُهُ: [وَوَجَبَ لَقْطُ طِفْلٍ] : ظَاهِرُهُ وَلَوْ عَلَى امْرَأَةٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَقْتَ إرَادَتِهَا الْأَخْذَ أَوْ لَهَا وَأَذِنَ لَهَا فِيهِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا لِأَنَّ لَهُ مَنْعَهَا، فَإِنْ أَخَذَتْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَانَ لَهُ رَدُّهُ لِمَحَلٍّ مَأْمُونٍ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ وَكَانَ لَهَا مَالٌ أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَإِنْ أَذِنَ لَهَا فِي أَخْذِهِ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ لَهَا مَالٌ لِأَنَّهُ بِالْإِذْنِ صَارَ كَأَنَّهُ الْمُلْتَقِطُ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [بِمَضْيَعَةٍ] : إنَّمَا قَالَ بِمَضْيَعَةٍ لِأَجْلِ أَنْ يَشْمَلَ مَنْ نُبِذَ قَصْدًا وَمَنْ ضَلَّ عَنْهُ أَهْلُهُ، وَيُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُوجَدَ فِي غَيْرِ حِرْزٍ إذْ أَخْذُ مَنْ فِي الْحِرْزِ سَرِقَةٌ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا تَعَيَّنَ] : أَيْ وَجَبَ عَيْنًا كَمَا فِي الْإِشْهَادِ، وَلَوْ عَلِمَ خِيَانَةَ نَفْسِهِ فِي دَعْوَى رِقِّيَّتِهِ مَثَلًا فَيَلْزَمُ الِالْتِقَاطُ، وَتَرْكُ الْخِيَانَةِ، وَلَا يَكُونُ عِلْمُهُ بِالْخِيَانَةِ عُذْرًا يُسْقِطُ عَنْهُ الْوُجُوبَ لِعِظَمِ حُرْمَةِ الْآدَمِيِّ.

أَبُوهُ وَلَا رِقُّهُ، فَخَرَجَ وَلَدُ الزَّانِيَةِ الْمَعْلُومَةِ. وَمَنْ عُلِمَ رِقُّهُ لُقَطَةٌ لَا لَقِيطٌ (انْتَهَى) . (وَنَفَقَتُهُ) وَحَضَانَتُهُ وَاجِبَةٌ (عَلَى مُلْتَقِطِهِ) حَتَّى يَبْلُغَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ (إنْ لَمْ يُعْطَ) مَا يَكْفِيهِ (مِنْ الْفَيْءِ) : أَيْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ أُعْطِيَ مِنْهُ لَمْ تَجِبْ النَّفَقَةُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ) أَيْ اللَّقِيطِ (مَالٌ مِنْ كَهِبَةٍ) أَدْخَلَتْ الْكَافُ: الصَّدَقَةَ وَالْحُبْسَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَنَفَقَتُهُ مِنْ مَالِهِ وَيُجَوِّزُهُ لَهُ مُلْتَقَطُهُ، فَعُلِمَ تَقْدِيمُ مَالِهِ ثُمَّ الْفَيْءِ ثُمَّ الْحَاضِنِ (أَوْ يُوجَدُ مَعَهُ) مَالٌ مَرْبُوطٌ بِثَوْبِهِ (أَوْ) يُوجَدُ مَالٌ (مَدْفُونًا) بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ وَالرَّفْعِ عَلَى النَّعْتِ (تَحْتَهُ) فَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ (إنْ كَانَ مَعَهُ رُقْعَةٌ) : أَيْ وَرَقَةٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا أَنَّ الْمَالَ الْمَدْفُونَ تَحْتَهُ لِلطِّفْلِ فَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَإِلَّا كَانَ لُقَطَةً يُعَرَّفُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَخَرَجَ وَلَدُ الزَّانِيَةِ] : أَيْ بِقَوْلِهِ لَمْ يُعْلَمْ أَبَوَاهُ وَأَمَّا هَذَا فَقَدْ عُلِمَ أَحَدُهُمَا. قَوْلُهُ: [وَمَنْ عُلِمَ رِقُّهُ لُقَطَةٌ] : مَعْطُوفٌ عَلَى وَلَدِ الزَّانِيَةِ وَقَوْلُهُ: [لُقَطَةٌ] : خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ لُقَطَةٌ فَيَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُهَا. قَوْلُهُ: [حَتَّى يَبْلُغَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ] : هَذَا إذَا كَانَ اللَّقِيطُ ذَكَرًا فَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَإِلَى دُخُولِ الزَّوْجِ الْبَالِغِ بِهَا أَوْ الدَّعْوَى إلَيْهِ بَعْدَ الْإِطَاقَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ] : أَيْ لِأَنَّهُ بِالْتِقَاطِهِ أَلْزَمَ نَفْسَهُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [فَعُلِمَ تَقْدِيمُ مَالِهِ] : أَيْ فَإِنْ أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ بِمَالِهِ فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ إنْ حَلَفَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ أَوْ أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا مَرَّ، وَأَنْ يَكُونَ غَيْرَ سَرِفٍ، وَأَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ وَقْتَ الْإِنْفَاقِ قَصَدَ الرُّجُوعَ، وَأَنْ يَكُونَ وَقْتَ الْإِنْفَاقِ مَالُ الطِّفْلِ مُتَعَسِّرَ الْإِنْفَاقِ مِنْهُ لِكَوْنِهِ عَرْضًا أَوْ عَقَارًا أَوْ فِي ذِمَّةِ النَّاسِ مَثَلًا كَمَا مَرَّ فِي النَّفَقَاتِ. قَوْلُهُ: [بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ] : سَوَّغَ مَجِيءَ الْحَالِ مِنْ النَّكِرَةِ تَخْصِيصُهَا بِالظَّرْفِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ تَحْتَهُ. قَوْلُهُ: [وَالرَّفْعِ عَلَى النَّعْتِ] : أَيْ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ قَدَّرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ مَالٌ، قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَمَا مِنْ الْمَنْعُوتِ وَالنَّعْتِ عُقِلْ ... يَجُوزُ حَذْفُهُ وَفِي النَّعْتِ يَقِلُّ قَوْلُهُ: [إنْ كَانَ مَعَهُ رُقْعَةٌ] : قَيْدٌ فِي الْأَخِيرَةِ فَقَطْ دُونَ مَا قَبْلَهَا كَمَا يُفِيدُهُ الشَّارِحُ.

[اللقيط حر وولاؤه للمسلمين]

(وَرَجَعَ) : الْمُلْتَقَطُ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى الطِّفْلِ (عَلَى أَبِيهِ) إنْ عُلِمَ (إنْ) كَانَ أَبُوهُ (طَرَحَهُ عَمْدًا) وَثَبَتَ بِإِقْرَارٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ. فَلَا رُجُوعَ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى مُلْتَقِطِهِ أَنَّهُ طَرَحَهُ عَمْدًا. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ مُوسِرًا وَقْتَ الْإِنْفَاقِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمُلْتَقِطُ أَنْفَقَ حِسْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى. (وَالْقَوْلُ لَهُ) : أَيْ لِلْمُلْتَقِطِ عِنْدَ التَّنَازُعِ مَعَ الْأَبِ (أَنَّهُ لَمْ يُنْفِقْ حِسْبَةً لِلَّهِ بِيَمِينٍ) : فَإِنْ حَلَفَ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا. (وَهُوَ) : أَيْ اللَّقِيطُ (حُرٌّ) : لَا رَقِيقٌ لِمَنْ الْتَقَطَهُ (وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَرَجَعَ الْمُلْتَقِطُ بِمَا أَنْفَقَهُ] إلَخْ: أَيْ بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ أَفَادَهَا الْمَتْنُ وَالشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [إنْ عُلِمَ] : هَذَا مَوْضُوعُ الرُّجُوعِ فَلَا يُعَدُّ شَرْطًا. قَوْلُهُ: [إنْ كَانَ أَبُوهُ طَرَحَهُ عَمْدًا] : اُنْظُرْ هَلْ مِنْ الطَّرْحِ عَمْدًا طَرْحُهُ لِوَجْهٍ أَمْ لَا وَجَعَلَهُ الْبِسَاطِيُّ خَارِجًا عَنْ الْعَمْدِ وَسَلَّمَهُ (ح) قَالَ (بْن) : وَكَلَامُ الْبِسَاطِيِّ فِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ سَلَّمَهُ (ح) ، بَلْ الْحَقُّ أَنَّهُ مِنْ الْعَمْدِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [وَثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ] : أَيْ الْأَبِ. قَوْلُهُ: [فَلَا رُجُوعَ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى مُلْتَقِطِهِ] : أَيْ لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ الْأَبُ مِنْ الْحَنَانِ وَالشَّفَقَةِ. قَوْلُهُ: [أَنْ يَكُونَ الْأَبُ مُوسِرًا] : أَيْ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ يَسَارُهُ وَقْتَ الْإِنْفَاقِ. قَوْلُهُ: [وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمُلْتَقِطُ أَنْفَقَ حِسْبَةً] : أَيْ فَمَحَلُّ رُجُوعِهِ إنْ نَوَى الرُّجُوعَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ حَلَفَ رَجَعَ] : مَحَلُّ حَلِفِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ يُنْفِقُ لِيَرْجِعَ وَإِذَا تَنَازَعَا فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهَا وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَبِ بِيَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَيُعْتَمَدُ فِي يَمِينِهِ عَلَى الظَّنِّ الْقَوِيِّ. [اللَّقِيطُ حُرٌّ وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ] قَوْلُهُ: [حُرٌّ] : أَيْ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ شَرْعًا وَلَوْ أَقَرَّ اللَّقِيطُ بِرِقِّيَّتِهِ لِأَحَدٍ أُلْغِيَ إقْرَارُهُ سَوَاءٌ الْتَقَطَهُ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ أَوْ كَافِرٌ، وَإِنَّمَا حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ. قَوْلُهُ: [وَوَلَاؤُهُ] : أَيْ مِيرَاثُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْوَلَاءَ الْحَقِيقِيَّ الَّذِي هُوَ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ.

[وجد اللقيط ببلد كفر]

أَيْ أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ وَارِثٌ فَمَالُهُ لِلْمُسْلِمِينَ؛ أَيْ يَكُونُ مَالُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَا لِمُلْتَقِطِهِ (وَحُكِمَ بِإِسْلَامِهِ) : إنْ وُجِدَ (فِي بَلَدِ الْمُسْلِمِينَ) : وَلَوْ كَانَتْ بَيْنَ بِلَادِ الْكُفَّارِ (كَأَنْ) وُجِدَ بِبَلَدٍ (لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا بَيْتٌ) وَاحِدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَوْلَى بَيْتَانِ وَثَلَاثَةٌ وَهَذَا (إنْ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ، وَإِلَّا) يَلْتَقِطُهُ مُسْلِمٌ بَلْ كَافِرٌ (فَكَافِرٌ) . (كَأَنْ. وُجِدَ فِي قَرْيَةِ شِرْكٍ) : أَيْ كُفْرٍ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ (وَإِنْ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ) تَغْلِيبًا لِلدَّارِ، حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بِهَا بَيْتٌ لِلْمُسْلِمِينَ؛ نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إنْ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَغْلِيبًا لِلَاقِطِهِ. (وَلَا يُلْحَقُ) اللَّقِيطُ (بِمُلْتَقِطٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ بِأَنَّهُ ابْنُهُ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُهَا إنَّهُ ضَاعَ لَهُ وَلَدٌ. (أَوْ وَجْهٍ) يُصَدِّقُ الْمُدَّعِيَ: أَيْ يُفِيدُ بِصِدْقِهِ كَمَنْ عَرَفَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ لَهُ وَلَدٌ فَزَعَمَ أَنَّهُ وَلَدُهُ، وَإِنَّمَا طَرَحَهُ لَمَّا سَمِعَ قَوْلَ النَّاسِ إنَّ الْجَنِينَ إذَا طُرِحَ يَعِيشُ، أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَمَالُهُ لِلْمُسْلِمِينَ] : هَذَا مُقَيَّدٌ بِغَيْرِ الْمَحْكُومِ بِكُفْرِهِ لِأَنَّ الْمَحْكُومَ بِكُفْرِهِ لَا يَرِثُهُ الْمُسْلِمُونَ كَذَا قِيلَ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا مَانِعَ مِنْ وَضْعِ مَالِ الْكَافِرِ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُعَاهِدَ إذَا مَاتَ عِنْدَنَا وَلَيْسَ مَعَهُ وَارِثٌ فَإِنَّ مَالَهُ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. [وجد اللَّقِيط بِبَلَدِ كُفْر] قَوْلُهُ: [لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ] : أَيْ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ (ح) وَإِلَّا فَأَصْلُ النَّصِّ عَلَى بَيْتَيْنِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَلَوْ سُئِلَ أَهْلُ ذَلِكَ الْبَيْتِ فَجَزَمُوا بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ قَدْ يُنْكِرُونَهُ لِنَبْذِهِمْ إيَّاهُ، وَاسْتَظْهَرَ الْأُجْهُورِيُّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا حَيْثُ أَنْكَرُوهُ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا إنْ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ] : أَيْ قِيَاسًا عَلَى إسْلَامِ الْمَسْبِيِّ تَبَعًا لِإِسْلَامِ سَابِيهِ قَوْلُهُ: [فَكَافِرٌ] : رَاجِعٌ لِمَا بَعْدَ الْكَافِ وَأَمَّا الْبَلَدُ الَّذِي كَثُرَ بُيُوتُ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ اللَّقِيطِ وَلَوْ الْتَقَطَهُ كَافِرٌ. قَوْلُهُ: [وَقَالَ غَيْرُهُ إنْ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ] إلَخْ: قَالَ (بْن) ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. قَوْلُهُ: [إلَّا بِبَيِّنَةٍ] : أَيْ فَإِنْ أَقَامَهَا وَاحِدٌ لَحِقَ بِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ اللَّقِيطُ مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ أَوْ كُفْرِهِ كَانَ الْمُسْتَلْحِقُ لَهُ الَّذِي شَهِدَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ الْمُلْتَقَطُ أَوْ غَيْرُهُ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فَهَذِهِ ثَمَانٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ وَجْهٍ] : اُنْظُرْ هَلْ الْوَجْهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيِّنَةِ فِي الثَّمَانِ صُوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالتَّتَّائِيُّ، أَوْ فِي أَرْبَعٍ مِنْهَا فَقَطْ وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَلْحِقُ مُسْلِمًا

[نزع اللقيط المحكوم بإسلامه من الكافر]

طَرَحَهُ لِغَلَاءٍ أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ بَيَّنَهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، فَيُلْحَقُ بِصَاحِبِ الْوَجْهِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ وَلَدُهُ. (وَنُزِعَ) لَقِيطٌ (مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ مِنْ كَافِرٍ) الْتَقَطَهُ. (وَنُدِبَ أَخْذُ) عَبْدٍ (آبِقٍ) لِيُوصِلَهُ لِرَبِّهِ (لِمَنْ عَرَفَ رَبَّهُ) مُتَعَلِّقٌ (بِنُدِبَ) : أَيْ نُدِبَ لِمَنْ وَجَدَ آبِقًا وَعَرَفَ رَبَّهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لَهُ لِأَنَّهُ مِنْ حِفْظِ الْأَمْوَالِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَخْشَ ضَيَاعَهُ إنْ تَرَكَهُ وَإِلَّا وَجَبَ أَخْذُهُ لَهُ. (وَإِلَّا) يَعْرِفُ رَبَّهُ (كُرِهَ) لَهُ أَخْذُهُ. فَإِنْ أَخَذَهُ رَفَعَهُ لِلْإِمَامِ وَوُقِفَ عِنْدَهُ سَنَةً رَجَاءَ أَنْ يَأْتِيَ رَبُّهُ، ثُمَّ بِيعَ لَهُ وَجُعِلَ ثَمَنُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ عُلِمَ رَبُّهُ أَخَذَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ الْمُلْتَقِطُ أَوْ غَيْرُهُ مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ أَوْ كُفْرِهِ وَهَذَا لِلشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيُّ، وَأَمَّا إذَا اسْتَلْحَقَهُ كَافِرٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ. [نزع اللَّقِيط الْمَحْكُوم بِإِسْلَامِهِ مِنْ الْكَافِر] قَوْلُهُ: [وَنُزِعَ لَقِيطٌ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ] : أَيْ بِوَجْهٍ مِمَّا تَقَدَّمَ. [أَخْذُ عَبْدٍ آبِقٍ] تَنْبِيهٌ: لَا يَجُوزُ رَمْيُ اللَّقِيطِ بَعْدَ أَخْذِهِ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ حِفْظُهُ بِالْتِقَاطِهِ إذْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ يَتَعَيَّنُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نِيَّتُهُ فِي أَخْذِهِ رَفْعَهُ لِحَاكِمٍ فَرَفَعَهُ فَلَمْ يَقْبَلْهُ وَالْمَوْضِعُ مَطْرُوقٌ لِلنَّاسِ بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّ غَيْرَهُ يَأْخُذُهُ فَلَهُ رَدُّهُ حِينَئِذٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَطْرُوقًا وَرَدَّهُ تَحَقَّقَ عَدَمُ أَخْذِهِ حَتَّى مَاتَ اُقْتُصَّ مِنْهُ، وَإِنْ شُكَّ فَالدِّيَةُ وَمِثْلُ نِيَّةِ أَخْذِهِ لِلْحَاكِمِ أَخْذُهُ لِيَسْأَلَ عَنْهُ مُعَيَّنًا هَلْ هُوَ وَلَدُهُ أَمْ لَا. مَسْأَلَةٌ: لَوْ تَسَابَقَ جَمَاعَةٌ عَلَى لَقِيطٍ أَوْ لُقَطَةٍ وَكُلٌّ أَمِينٌ قُدِّمَ الْأَسْبَقُ وَهُوَ مَنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي وَضْعِ الْيَدِ قُدِّمَ الْأَصْلَحُ لِلْحِفْظِ فَإِنْ اسْتَوَوْا فَالْقُرْعَةُ. مَسْأَلَةٌ أُخْرَى: لَيْسَ لِعَبْدٍ أَخْذُ لَقِيطٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّ الْتِقَاطَهُ يَشْغَلُهُ عَنْ خِدْمَةِ سَيِّدِهِ. بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ فَتَقَدَّمَ أَنَّ لَهُ أَخْذَهَا وَتَعْرِيفَهَا لِأَنَّهُ لَا يَشْغَلُهُ عَنْ خِدْمَةِ السَّيِّدِ. قَوْلُهُ: [مُتَعَلِّقٌ] : أَيْ وَلَا يُقَالُ إنَّ فِيهِ فَصْلًا بَيْنَ الْعَامِلِ وَالْمَعْمُولِ لِأَنَّ الْمُضِرَّ الْفَصْلُ بِالْأَجْنَبِيِّ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا وَجَبَ أَخْذُهُ لَهُ] : أَيْ وَإِنْ عَلِمَ خِيَانَةَ نَفْسِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَخْذُ وَتَرْكُ الْخِيَانَةِ وَلَا يَكُونُ عِلْمُهُ بِخِيَانَتِهِ عُذْرًا مُسْقِطًا لِلْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: [وَوُقِفَ عِنْدَهُ سَنَةً] : أَيْ وَيُنْفِقُ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ فِيهَا. قَوْلُهُ: [ثُمَّ بِيعَ لَهُ] : أَيْ بَعْدَ السَّنَةِ يُبَاعُ لِرَبِّهِ وَهَذَا مَا لَمْ يُخْشَ عَلَيْهِ وَإِلَّا بِيعَ

(وَلِرَبِّهِ) : أَيْ الْآبِقِ (عِتْقُهُ) : حَالَ إبَاقِهِ وَالتَّصَدُّقُ وَالْإِيصَاءُ بِهِ (وَهِبَتُهُ لِغَيْرِ ثَوَابٍ) لَا لَهُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَبَيْعُهُ لَا يَجُوزُ. (وَضَمِنَهُ) الْمُلْتَقِطُ (إنْ أَرْسَلَهُ) بَعْدَ أَخْذِهِ لِوُجُوبِ حِفْظِهِ لِرَبِّهِ بِأَخْذِهِ، فَيَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ إرْسَالِهِ. (إلَّا) أَنْ يَكُونَ أَرْسَلَهُ (لِخَوْفٍ مِنْهُ) عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ فَلَا يَضْمَنُ، وَصُدِّقَ فِي دَعْوَاهُ الْخَوْفَ مِنْهُ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ. (أَوْ اسْتَأْجَرَهُ) : أَيْ وَضَمِنَ مَنْ اسْتَأْجَرَ الْآبِقَ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ مُلْتَقِطِهِ (فِيمَا) : أَيْ فِي عَمَلٍ (يَعْطَبُ فِيهِ) : أَيْ شَأْنُهُ الْعَطَبُ فِيهِ، أَيْ وَعَطِبَ. وَإِلَّا ضَمِنَ أُجْرَةَ مِثْلِهِ. وَسَوَاءٌ عَلِمَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنَّهُ أَبَقَ أَمْ لَا. (لَا إنْ أَبَقَ مِنْهُ) : أَيْ مِنْ مُلْتَقِطِهِ (أَوْ تَلِفَ) عِنْدَهُ (بِلَا تَفْرِيطٍ) مِنْهُ فَلَا يَضْمَنُ. (وَإِنْ نَوَى) مُلْتَقِطُهُ (تَمَلُّكَهُ) : أَيْ الْآبِقِ (قَبْلَ السَّنَةِ فَغَاصِبٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ كَمَا رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَوْلُهُ: [إنْ أَرْسَلَهُ] : أَيْ سَوَاءٌ أَرْسَلَهُ قَبْلَ سَنَةٍ أَوْ بَعْدَهَا. قَوْلُهُ: [لِخَوْفٍ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ] : مِثْلُ الْخَوْفِ مِنْهُ الْخَوْفُ مِنْ السُّلْطَانِ بِسَبَبِ أَخْذِهِ أَنْ يَقْتُلَهُ، أَوْ يَأْخُذَ مَالَهُ أَوْ يَضْرِبَهُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَدَمَ الضَّمَانِ إذَا أَرْسَلَهُ لِخَوْفٍ مِنْهُ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ رَفْعُهُ لِلْإِمَامِ وَإِلَّا رَفَعَهُ إلَيْهِ وَلَا يُرْسِلُهُ فَإِنْ أَرْسَلَهُ مَعَ إمْكَانِ الرَّفْعِ ضَمِنَ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ التَّحَفُّظُ مِنْهُ بِحِيلَةٍ أَوْ بِحَارِسٍ وَإِلَّا فَلَا يُرْسِلُهُ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، وَالظَّاهِرُ رُجُوعُهُ بِالْأُجْرَةِ كَالنَّفَقَةِ لِأَنَّهُمَا مِنْ تَعَلُّقَاتِ حِفْظِهِ. قَوْلُهُ: [بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ] : مِنْ بَابِ أَوْلَى الْبَيِّنَةُ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا ضَمِنَ أُجْرَةَ مِثْلِهِ] : أَيْ فَيَدْفَعُهَا الْمُسْتَأْجِرُ لِرَبِّهِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ إنْ كَانَ دَفَعَ لَهُ أَوْ عَلَى الْعَبْدِ إنْ كَانَ دَفَعَ لَهُ وَكَانَتْ الْأُجْرَةُ قَائِمَةً وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [لَا إنْ أَبَقَ] : هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا قَالَ تَعَالَى: {إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [الصافات: 140] : وَفِي مُضَارِعِهِ الضَّمُّ وَالْفَتْحُ وَالْكَسْرُ مِنْ بَابِ دَخَلَ وَمَنَعَ وَضَرَبَ.

فَيَضْمَنُهُ لِرَبِّهِ وَلَوْ تَلِفَ بِسَمَاوِيٍّ (وَاسْتَحَقَّهُ سَيِّدُهُ) مِنْ الْمُلْتَقَطِ (بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ) بِلَا اسْتِينَاءٍ، فَأَوْلَى بِشَاهِدَيْنِ. (وَأَخَذَهُ) مُدَّعِيهِ حَوْزًا لَا مِلْكًا (إنْ ادَّعَاهُ وَصَدَّقَهُ الْعَبْدُ) بَعْدَ الرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ وَالِاسْتِينَاءِ، وَكَذَا يَأْخُذُهُ إنْ وَصَفَهُ بِمَا هُوَ فِيهِ وَلَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الْعَبْدُ. فَإِنْ جَاءَ غَيْرُهُ بِأَثْبَتَ مِمَّا جَاءَ بِهِ أَخَذَهُ مِنْهُ وَلِذَا قَالَ: " وَأَخَذَهُ ". الْمُفِيدُ لِمُجَرَّدِ الْحَوْزِ. وَقَالَ فِيمَا قَبْلَهُ: " وَاسْتَحَقَّهُ " الْمُقْتَضِي لِلْمِلْكِ. (وَإِنْ جَاءَ) : رَجُلٌ مِنْ قُطْرٍ إلَى قَاضِي قُطْرٍ آخَرَ عِنْدَهُ عَبْدٌ آبِقٌ (بِكِتَابِ قَاضٍ) : بِقُطْرِهِ، مَضْمُونُهُ: (أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ صَاحِبَ كِتَابِي هَذَا أَبَقَ لَهُ عَبْدٌ صِفَتُهُ كَذَا دَفَعَ) ذَلِكَ الْعَبْدَ (إلَيْهِ) : أَيْ لِمَنْ جَاءَ بِالْكِتَابِ الْمَذْكُورِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى بَيِّنَةٍ وَلَا غَيْرِهَا (إنْ طَابَقَ) : الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَصْفَهُ الْخَارِجِيَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ] : أَيْ لِأَنَّهُ مَالٌ وَالْمَالُ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ. قَوْلُهُ: [وَصَدَّقَهُ الْعَبْدُ] : أَيْ وَسَوَاءٌ وَصَفَهُ سَيِّدُهُ أَمْ لَا بَقِيَ الْعَبْدُ عَلَى تَصْدِيقِهِ أَمْ لَا قَوْلُهُ: [بَعْدَ الرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ وَالِاسْتِينَاءِ] : أَيْ الْإِمْهَالِ فِي الدَّفْعِ لَهُ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَانْظُرْ مَا فَائِدَةُ الِاسْتِينَاءُ مَعَ كَوْنِ الدَّفْعِ لَهُ حَوْزًا لَا مِلْكًا، وَقَدْ يُقَالُ فَائِدَتُهُ دَفْعُ النِّزَاعِ مِمَّنْ يَطْرَأُ. قَوْلُهُ: [دُفِعَ ذَلِكَ الْعَبْدُ إلَيْهِ] : مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا لَا يُخَالِفُ مَا يَأْتِي فِي الْقَضَاءِ مِنْ أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي وَحْدَهُ لَا يُفِيدُ؛ لِاحْتِمَالِ تَخْصِيصِ مَا يَأْتِي بِهَذَا وَذَلِكَ لِخِفَّةِ الْأَمْرِ هُنَا لِأَنَّ لَهُ أَخْذَهُ حَوْزًا مِنْ غَيْرِ كِتَابٍ بِمُجَرَّدِ الْوَصْفِ.

[باب في بيان أحكام القضاء]

بَابٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَضَاءِ وَشُرُوطِهِ الْقَضَاءُ فِي اللُّغَةِ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ؛ مَرْجِعُهَا إلَى انْقِضَاءِ الشَّيْءِ وَتَمَامِهِ؛ فَيُطْلَقُ عَلَى الْأَمْرِ، نَحْوُ: {وَقَضَى رَبُّكَ} [الإسراء: 23] : أَيْ أَمَرَ {أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] . وَعَلَى الْأَدَاءِ نَحْوُ قَضَيْت الدَّيْنَ، وَمِنْهُ {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 103] وَعَلَى الْفَرَاغِ، نَحْوُ. {قُضِيَ الأَمْرُ} [يوسف: 41] : أَيْ فَرَغَ. وَعَلَى الْفِعْلِ نَحْوُ: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه: 72] وَعَلَى الْإِرَادَةِ نَحْوُ: {إِذَا قَضَى أَمْرًا} [آل عمران: 47] . وَعَلَى الْمَوْتِ نَحْوُ: {قَضَى نَحْبَهُ} [الأحزاب: 23] ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَضَاءِ] بَابٌ: أَيْ مَسَائِلُهُ وَقَوْله: [وَشُرُوطُهُ] : أَيْ الْأَرْبَعَةُ الْآتِيَةُ، وَهُوَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَالْجَعَالَةِ وَالْقِرَاضِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، وَالْمُغَارَسَةِ وَالتَّحْكِيمِ وَالْوَكَالَةِ وَأَصْلُهُ قَضَايٌ لِأَنَّهُ مِنْ قَضَيْت إلَّا أَنَّ الْيَاءَ لَمَّا جَاءَتْ بَعْدَ الْأَلِفِ قُلِبَتْ هَمْزَةً وَالْجَمْعُ الْأَقْضِيَةُ وَالْقَضَايَا. قَوْله: [يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ] : ذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْهَا سَبْعَةً فَهُوَ مِنْ الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ كَعَيْنٍ. قَوْله: [أَيْ أَمَرَ] إلَخْ: أَيْ أَمْرًا جَازِمًا. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى أَمَرَ لَا حَكَمَ إذْ لَوْ كَانَ بِمَعْنَى حَكَمَ لَمْ يَقَعْ غَيْرُ مَا حَكَمَ بِهِ، ابْنُ عَطِيَّةَ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى حَكَمَ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ، لِلْمُؤْمِنِينَ. قَوْله: [نَحْوُ {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه: 72]] : أَيْ افْعَلْ الَّذِي تُرِيدُهُ وَهُوَ مِنْ كَلَامِ السَّحَرَةِ لِفِرْعَوْنَ حِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ. قَوْله: [نَحْوُ {قَضَى نَحْبَهُ} [الأحزاب: 23]] : النَّحْبُ فِي الْأَصْلِ النَّذْرُ أَيْ قَضَى نَذْرَهُ، وَذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ الْمَوْتِ، لِأَنَّ النَّذْرَ لَازِمُ الْحُصُولِ كَالْمَوْتِ.

وَمِنْهُ: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77] . وَعَلَى الْحُكْمِ وَالْإِلْزَامِ، نَحْوُ: قَضَيْت عَلَيْك كَذَا. وَفِي الشَّرْعِ: هُوَ حُكْمُ حَاكِمٍ أَوْ مُحَكَّمٍ بِأَمْرٍ ثَبَتَ عِنْدَهُ؛ كَدَيْنٍ، وَحَبْسٍ، وَقَتْلٍ، وَجَرْحٍ، وَضَرْبٍ، وَسَبٍّ، وَتَرْكِ صَلَاةٍ وَنَحْوِهَا، وَقَذْفٍ، وَشُرْبٍ، وَزِنًا، وَسَرِقَةٍ، وَغَصْبٍ، وَعَدَالَةٍ وَضِدِّهَا، وَذُكُورَةٍ، وَأُنُوثَةٍ، وَمَوْتٍ، وَحَيَاةٍ، وَجُنُونٍ، وَعَقْلٍ، وَسَفَهٍ، وَرَشَدٍ، وَصِغَرٍ، وَكِبَرٍ، وَنِكَاحٍ، وَطَلَاقٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِيُرَتِّبَ عَلَى مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مُقْتَضَاهُ أَوْ حُكْمَهُ بِذَلِكَ الْمُقْتَضَى. مِثَالُهُ: لَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ دَيْنٌ أَوْ طَلَاقٌ، فَالْحُكْمُ تَارَةً بِالدَّيْنِ أَوْ الطَّلَاقِ، لِيُرَتِّبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمِنْهُ] : أَيْ مِنْ مَعْنَى الْمَوْتِ، فَمَعْنَى: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77] أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ الْمَوْتَ لِأَنْفُسِهِمْ مِنْ اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى: فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} [إبراهيم: 17] ، وَفِي آيَةٍ: {لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [الأعلى: 13] ، وَبَقِيَ مِنْ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ إتْيَانُهُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ نَحْوُ قَضَيْت لَك بِكَذَا أَعْلَمْتُك بِهِ، وَمِنْ هُنَا يُسَمَّى الْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسُ قَاضِيًا لِأَنَّهُ مُعْلِمٌ بِالْحُكْمِ وَالْكِتَابَةِ وَمِنْهُ {وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا} [مريم: 21] ، وَالْفَصْلِ وَمِنْهُ: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} [الزمر: 69] ، وَالْخَلْقِ وَمِنْهُ: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12] ، كَذَا فِي (بْن) . قَوْله: [حَاكِمٍ أَوْ مُحَكَّمٍ] الْحَاكِمُ مَا كَانَ مُقَامًا مِنْ طَرَفِ السُّلْطَانِ، وَالْمُحَكَّمُ مَا كَانَ مُقَامًا مِنْ طَرَفِ الْأَخْصَامِ، وَحُكْمُ الْمُحَكَّمِ لَا يَكُونُ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ بِخِلَافِ حُكْمِ الْحَاكِمِ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ. قَوْله: [كَدَيْنٍ] إلَخْ: جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ يَأْتِي فِيهِ قَضَاءُ الْحَاكِمِ وَلَا يَأْتِي قَضَاءُ الْمُحَكَّمِ إلَّا فِي الْبَعْضِ، لِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي وَجَازَ تَحْكِيمُ عَدْلٍ إلَخْ. قَوْله: [لِيُرَتِّبَ] : مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ عِلَّةٌ غَائِيَّةٌ لِقَوْلِهِ حُكْمُ حَاكِمٍ إلَخْ، تَقْدِيرُهُ هُوَ إنَّمَا جَعَلَ لَهُ الْحُكْمَ فِيمَا ذَكَرَ لِيُرَتِّبَ. قَوْله: [أَوْ حُكْمُهُ بِذَلِكَ الْمُقْتَضَى] : هَذَا التَّنْوِيعُ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ التَّعْرِيفُ تَامُّ الْمَعْنَى بِدُونِ هَذَا التَّنْوِيعِ وَتَمْثِيلُهُ الْآتِي لَا يَظْهَرُ مِنْهُ صِحَّةُ هَذَا التَّنْوِيعِ فَتَأَمَّلْ.

[شرط القضاء]

عَلَى ذَلِكَ الْغُرْمَ أَوْ فِرَاقَهَا وَعِدَّتَهَا أَوْ يَحْكُمَ بِالْغُرْمِ أَوْ الْفِرَاقِ لِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ مِنْ الرَّفْعِ لَهُ. . وَالْحُكْمُ: الْإِعْلَامُ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ. وَالْقَاضِي: الْحَاكِمُ بِالْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ؛ أَيْ مَنْ لَهُ الْحُكْمُ، حَكَمَ أَوْ لَمْ يَحْكُمْ وَلَا يَسْتَحِقُّهُ شَرْعًا إلَّا مَنْ تَوَافَرَتْ فِيهِ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ، أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ: (شَرْطُ الْقَضَاءِ) : أَيْ شَرْطُ صِحَّتِهِ: (عَدَالَةٌ) : أَيْ كَوْنُهُ عَدْلًا: أَيْ عَدْلُ شَهَادَةٍ، وَلَوْ عَتِيقًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَالْعَدَالَةُ تَسْتَلْزِمُ الْإِسْلَامَ وَالْبُلُوغَ وَالْعَقْلَ وَالْحُرِّيَّةَ وَعَدَمَ الْفِسْقِ. (وَذُكُورَةٌ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ أُنْثَى وَلَا خُنْثَى. (وَفَطِنَةٌ) : فَلَا يَصِحُّ مِنْ بَلِيدٍ مُغَفَّلٍ يَنْخَدِعُ بِتَحْسِينِ الْكَلَامِ وَلَا يَتَنَبَّهُ لِمَا يُوجِبُ الْإِقْرَارَ أَوْ الْإِنْكَارَ وَتَنَاقُضَ الْكَلَامِ؛ فَالْفَطِنَةُ: جَوْدَةُ الذِّهْنِ وَقُوَّةُ إدْرَاكِهِ لِمَعَانِي الْكَلَامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [شَرْطُ الْقَضَاءِ] قَوْله: [وَالْحُكْمُ الْإِعْلَامُ] إلَخْ: رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلَ التَّعْرِيفِ حُكْمُ حَاكِمٍ. قَوْله: [وَالْقَاضِي] إلَخْ: أَيْ الْمُشْتَقُّ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ قَوْله: [أَيْ مَنْ لَهُ الْحُكْمُ] : أَيْ اسْتِحْقَاقُ الْحُكْمِ. قَوْله: [عَدَالَةٌ] : أَيْ فَغَيْرُ الْعَدْلِ لَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ. قَوْلُهُ: [عَدْلَ شَهَادَةٍ] : أَيْ لَا رِوَايَةٍ وَسَيَأْتِي شُرُوطُ عَدْلِ الشَّهَادَةِ. قَوْلُهُ: [عِنْدَ الْجُمْهُورِ] : أَيْ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ حَيْثُ قَالَ: يَمْتَنِعُ تَوْلِيَةُ الْعَتِيقِ قَاضِيًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يُسْتَحَقَّ فَتُرَدُّ أَحْكَامُهُ. قَوْلُهُ: [تَسْتَلْزِمُ] إلَخْ: أَيْ مِنْ اسْتِلْزَامِ الْكُلِّ لِأَجْزَائِهِ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ وَصْفٌ مُرَكَّبٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ مِنْ أُنْثَى وَلَا خُنْثَى] : أَيْ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهَا. قَوْلُهُ: [يَنْخَدِعُ بِتَحْسِينِ الْكَلَامِ] : أَيْ كَلَامِ الْأَخْصَامِ. قَوْلُهُ: [جَوْدَةُ الذِّهْنِ] : أَيْ الْعَقْلِ أَيْ فَمُجَرَّدُ الْعَقْلِ التَّكْلِيفِيِّ لَا يَكْفِي لِمُجَامَعَتِهِ لِلْغَفْلَةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَصْلِ الْفِطْنَةِ وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ غَيْرَ زَائِدٍ فِيهَا كَمَا يَأْتِي.

(وَفِقْهٌ) : أَيْ عِلْمٌ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي وُلِّيَ لِلْقَضَاءِ بِهَا (وَلَوْ مُقَلِّدًا) : لِمُجْتَهِدٍ عِنْدَ وُجُودِ مُجْتَهِدٍ مُطْلَقٍ. (وَزِيدَ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ) : شَرْطٌ خَامِسٌ: وَهُوَ (قُرَشِيٌّ) : أَيْ كَوْنُهُ قُرَشِيًّا: أَيْ مِنْ قُرَيْشٍ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْخِلَافَةَ فِي قُرَيْشٍ. وَقُرَيْشٌ هُوَ فِهْرٌ، وَقِيلَ: هُوَ النَّضْرُ. وَفِهْرٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ. وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَبَّاسِيًّا وَلَا عَلَوِيًّا، وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ عَبَّاسِيًّا. فَدَعْوَى أَنَّ الْأَوْلَى كَوْنُهُ عَبَّاسِيًّا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الَّتِي وَلِيَ لِلْقَضَاءِ بِهَا] : أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِجَمِيعِ أَحْكَامِ الْفِقْهِ إلَّا إنْ كَانَ مُوَلَّى فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، وَيُسَمَّى عِنْدَ الْفُقَهَاءِ بِقَاضِي الْجَمَاعَةِ، فَإِنْ كَانَ مُوَلَّى فِي شَيْءٍ خَاصٍّ كَالْأَنْكِحَةِ اُشْتُرِطَ عِلْمُهُ بِهَا فَقَطْ، وَهَكَذَا قَوْلُهُ: [وَلَوْ مُقَلِّدًا لِمُجْتَهِدٍ] : أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ، حَيْثُ قَالَ مُجْتَهِدٌ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَأَمْثَلُ مُقَلِّدٍ، وَالْمُرَادُ بِالْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ كَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مُجْتَهِدٌ مُطْلَقٌ، وَمُجْتَهِدُ مَذْهَبٍ، وَمُجْتَهِدُ فَتْوَى؛ فَالْمُطْلَقُ كَالصَّحَابَةِ وَأَهْلِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَمُجْتَهِدُ الْمَذْهَبِ هُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى إقَامَةِ الْأَدِلَّةِ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ كَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَمُجْتَهِدُ الْفَتْوَى هُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى التَّرْجِيحِ كَكِبَارِ الْمُؤَلَّفِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ فِي الْقَضَاءِ مَنْدُوبٌ. قَوْلُهُ: [وَزِيدَ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ] : اعْلَمْ أَنَّ تِلْكَ الشُّرُوطَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي وِلَايَةِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ ابْتِدَاءً لَا فِي دَوَامِ وِلَايَتِهِ إذْ لَا يَنْعَزِلُ بَعْدَ مُبَايَعَةِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ لَهُ بِطُرُوِّ فِسْقٍ غَيْرِ كُفْرٍ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [جَعَلَ الْخِلَافَةَ فِي قُرَيْشٍ] : أَيْ لِأَمْرِهِ بِذَلِكَ فِي جُمْلَةِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ صَحِيحَةٍ مُتَوَاتِرَةٍ. قَوْلُهُ: [وَقُرَيْشٌ هُوَ فِهْرٌ] : أَيْ لِقَوْلِ الْعِرَاقِيِّ فِي السِّيرَةِ: أَمَّا قُرَيْشٌ فَالْأَصَحُّ فِهْرٌ ... جِمَاعُهَا وَالْأَكْثَرُونَ النَّضْرُ قَوْلُهُ: [وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَبَّاسِيًّا] إلَخْ: أَيْ وَلَا يُنْدَبُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدُ. قَوْلُهُ: [فَدَعْوَى أَنَّ الْأَوْلَى كَوْنُهُ عَبَّاسِيًّا] : أَيْ كَمَا قَالَ بَهْرَامُ وَالتَّتَّائِيُّ، وَتَبِعَهُمَا عَلَى ذَلِكَ الْأُجْهُورِيُّ.

خَالِيَةٌ عَنْ دَلِيلٍ. وَقَدْ اجْتَمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ وَهُوَ تَيْمِيٌّ، ثُمَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ عَدَوِيٌّ، ثُمَّ عُثْمَانَ وَهُوَ أُمَوِيٌّ، ثُمَّ عَلِيٍّ وَهُوَ هَاشِمِيٌّ، وَالْكُلُّ مِنْ قُرَيْشٍ. ثُمَّ اسْتَقَرَّتْ الْخِلَافَةُ فِي بَنِي أُمَيَّةَ أَوَّلُهُمْ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثُمَّ فِي بَنِي الْعَبَّاسِ، ثُمَّ اخْتَلَطَتْ حَتَّى جُعِلَتْ فِي الْعُتَقَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَحُكْمُ) الْمُقَلِّدِ مِنْ خَلِيفَةٍ أَوْ قَاضٍ وُجُوبًا (بِقَوْلِ مُقَلَّدِهِ) بِفَتْحِ اللَّامِ يَعْنِي بِالرَّاجِحِ مِنْ مَذْهَبِهِ سَوَاءٌ كَانَ قَوْلُهُ أَوْ قَوْلُ أَصْحَابِهِ، لَا بِالضَّعِيفِ وَلَا بِقَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَذَاهِبِ، وَإِلَّا نُقِضَ حُكْمُهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلضَّعِيفِ مُدْرَكًا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ. وَكَذَا الْمُفْتِي. وَيَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَعْمَلَ بِالضَّعِيفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَهُوَ تَيْمِيٌّ] : أَيْ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ، بَيْتٌ مَشْهُورٌ فِي قُرَيْشٍ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [وَهُوَ عَدَوِيٌّ] : أَيْ مِنْ بَنِي عَدِيٍّ، بَيْتٌ مَشْهُورٌ فِي قُرَيْشٍ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [وَهُوَ أُمَوِيٌّ] : بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، بَيْتٌ مَشْهُورٌ فِي قُرَيْشٍ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [وَهُوَ هَاشِمِيٌّ] : نِسْبَةٌ لِبَنِي هَاشِمٍ سَادَاتِ قُرَيْشٍ. قَوْلُهُ: [أَوَّلُهُمْ مُعَاوِيَةُ] : أَيْ بَعْدَ نُزُولِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْهَا لَهُ، ثُمَّ تَغَلَّبَ عَلَيْهَا وَلَدُهُ الْيَزِيدُ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ وَلَدُ الْيَزِيدُ وَهُوَ الْوَلِيدُ وَهَكَذَا، ثُمَّ انْتَزَعَهَا مِنْهُمْ بَنُو الْعَبَّاسِ فَمَكَثَتْ فِيهِمْ دَهْرًا طَوِيلًا، ثُمَّ اخْتَلَطَتْ حَتَّى جُعِلَتْ فِي الْعُتَقَاءِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ قَوْلُهُ: [يَعْنِي بِالرَّاجِحِ] : دَفَعَ بِهَذَا التَّقْيِيدِ مَا يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ خُصُوصُ قَوْلِ مَالِكٍ مَثَلًا وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا. قَوْلُهُ: [وَلَا بِقَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَذَاهِبِ] : أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِقَوْلِ غَيْرِ مَذْهَبِهِ، وَإِنْ حَكَمَ بِهِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ. قَوْلُهُ: [مُدْرَكًا] : هَكَذَا بِالنَّصْبِ فِي نُسْخَةِ الْمُؤَلَّفِ وَالْمُنَاسِبُ الرَّفْعُ لِأَنَّهُ اسْمُ يَكُونَ مُؤَخَّرًا عَنْ خَبَرِهَا. قَوْلُهُ: [وَكَذَا الْمُفْتِي] : أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ بِالْإِفْتَاءِ إلَّا بِالرَّاجِحِ مِنْ مَذْهَبِهِ لَا بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ وَلَا بِالضَّعِيفِ مِنْ مَذْهَبِهِ إلَّا إذَا كَانَ قَوِيَّ الْمُدْرَكِ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ.

لِأَمْرٍ اقْتَضَى ذَلِكَ عِنْدَهُ، وَقِيلَ: بَلْ يُقَلِّدُ قَوْلَ الْغَيْرِ إذَا كَانَ رَاجِحًا فِي مَذْهَبِ ذَلِكَ الْغَيْرِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ ذِكْرِ الْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ فِي كَلَامِهِمْ إذَا كَانَ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهَا وَلَا الْفَتْوَى؟ قُلْنَا: أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: اتِّسَاعُ النَّظَرِ وَالْعِلْمُ بِأَنَّ الرَّاجِحَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِمُتَّفَقٍ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: مَعْرِفَةُ مَدَارِكِ الْأَقْوَالِ، فَلِمَنْ لَهُ التَّرْجِيحُ تَرْجِيحُ مَا ضُعِّفَ لِقُوَّةِ الْمُدْرَكِ عِنْدَهُ. وَالثَّالِثُ: الْعَمَلُ بِهِ فِي نَفْسِهِ إذَا اقْتَضَتْ الضَّرُورَةُ ذَلِكَ. ثُمَّ إنَّ الْخَلِيفَةَ إذَا وُلِّيَ مُسْتَوْفِيًا لِلشُّرُوطِ لَا يَجُوزُ عَزْلُهُ إذَا تَغَيَّرَ وَصْفُهُ؛ كَأَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْفِسْقُ وَظُلْمُ النَّاسِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ قَاضٍ وَوَالٍ وَكَذَا الْوَصِيُّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي. وَجَازَ لِلْمُوَكِّلِ عَزْلُ وَكِيلِهِ مُطْلَقًا. . وَلَا يَجُوزُ تَعَدُّدُ الْخَلِيفَةِ إلَّا إذَا اتَّسَعَتْ وَبَعُدَتْ الْأَقْطَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِأَمْرٍ اقْتَضَى ذَلِكَ عِنْدَهُ] : أَيْ لِضَرُورَةٍ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَلَا يُفْتَى بِهِ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الضَّرُورَةَ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ كَمَا يَتَحَقَّقُهَا مِنْ نَفْسِهِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ كَمَا يُفِيدُهُ (بْن) . قَوْلُهُ: [وَقِيلَ: بَلْ يُقَلِّدُ قَوْلَ الْغَيْرِ] إلَخْ: أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِجَوَازِ التَّقْلِيدِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ. قَوْلُهُ: [أُمُورٌ] : خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هِيَ أُمُورُ الْكَلَامِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ عِدَّةُ أُمُورٍ. قَوْلُهُ: [وَالثَّانِي مَعْرِفَةُ مَدَارِكِ الْأَقْوَالِ] : هَذَا أَيْضًا لَازِمٌ لِاتِّسَاعِ النَّظَرِ وَالْمُرَادُ بِمَدَارِكِ الْأَقْوَالِ أَدِلَّتُهَا. قَوْلُهُ: [كَأَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْفِسْقُ] : أَيْ بِغَيْرِ الْكُفْرِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ: إلَّا بِكُفْرٍ فَانْبِذَنَّ عَهْدَهُ ... فَاَللَّهُ يَكْفِينَا أَذَاهُ وَحْدَهُ بِغَيْرِ هَذَا لَا يُبَاحُ صَرْفُهُ ... وَلَيْسَ يُعْزَلُ إنْ أُزِيلَ وَصْفُهُ وَإِنَّمَا لَمْ يُعْزَلْ بِالْفِسْقِ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ لِمَا فِي عَزْلِهِ مِنْ عِظَمِ الْفِتَنِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ قَاضٍ وَوَالٍ] : أَيْ فَيَعْزِلُهُ الْإِمَامُ لِزَوَالِ وَصْفِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْشَى مِنْ عَزْلِهِ فِتَنٌ كَمَا يُخْشَى مِنْ عَزْلِ السُّلْطَانِ. قَوْلُهُ: [مُطْلَقًا] : أَيْ زَالَ وَصْفُهُ أَمْ لَا بِسَبَبٍ وَبِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [إلَّا إذَا اتَّسَعَتْ وَبَعُدَتْ الْأَقْطَارُ] : أَيْ كَمَا فِي زَمَانِنَا.

[تعين القضاء على منفرد في عصره]

وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ سَمِيعًا بَصِيرًا مُتَكَلِّمًا. (وَوَجَبَ عَزْلُ أَعْمَى أَوْ أَصَمُّ أَوْ أَبْكَمُ) ، وَلَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ بَعْدَ تَوْلِيَتِهِ. (وَنَفَذَ حُكْمُهُ) : إنْ وَقَعَ صَوَابًا لِأَنَّ اتِّصَافَهُ بِالثَّلَاثَةِ وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ وَفَقْدُ اثْنَيْنِ مِنْهَا مُضِرٌّ لَا يَنْفُذُ بِهِ حُكْمُهُ إذْ لَا تَنْعَقِدُ وِلَايَتُهُ بِفَقْدِ اثْنَيْنِ. وَأَمَّا فَاقِدُ الثَّلَاثَةِ فَلَا تَصِحُّ مُعَامَلَتُهُ. وَفِي مُعَامَلَةِ فَاقِدِ الِاثْنَيْنِ خِلَافٌ، الْأَظْهَرُ عَدَمُ صِحَّتِهَا لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ. . (وَتَعَيَّنَ الْقَضَاءُ عَلَى مُنْفَرِدٍ) فِي عَصْرِهِ (بِشُرُوطِهِ) . (أَوْ) عَلَى (خَائِفِ فِتْنَةٍ) عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ عَلَى النَّاسِ إنْ لَمْ يَتَوَلَّ الْقَضَاءَ. (أَوْ) : عَلَى خَائِفِ (ضَيَاعِ حَقٍّ) لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ (إنْ لَمْ يَتَوَلَّ) . وَمَعْنَى " تَعَيَّنَ " بِالنِّسْبَةِ لِلْآخَرِينَ: وَجَبَ. وَإِذَا وَجَبَ؛ هَلْ يَجُوزُ بَذْلُ مَالٍ عَلَيْهِ؟ قِيلَ: نَعَمْ، لِأَنَّهُ لِتَحْصِيلِ أَمْرٍ وَاجِبٍ. وَقِيلَ: لَا، وَاسْتُظْهِرَ. وَأَمَّا بَذْلُ مَالٍ فِي طَلَبِ مَا لَمْ يَجِبْ فَحَرَامٌ قَطْعًا، وَوِلَايَتُهُ بَاطِلَةٌ، وَقَضَاؤُهُ مَرْدُودٌ. وَقُضَاةُ مِصْرَ يَبْذُلُونَ الْأَمْوَالَ فِي نَظِيرِ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ بِلَا شُبْهَةٍ، وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانُوا يَتَامَى أَوْ ضُعَفَاءَ. فَلَا يُبْقِي لَهُمْ الْقُضَاةُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إلَّا مَا قَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ سَمِيعًا] إلَخْ: دُخُولٌ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْ فَتَجِبُ لَهُ هَذِهِ الصِّفَاتُ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا. . قَوْلُهُ: [فَلَا تَصِحُّ مُعَامَلَتُهُ] : أَيْ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ إنْ وُلِدَ بِهَذَا الْأَمْرِ وَعَجْزِهِ عَنْ غَالِبِ الْأَحْكَامِ إنْ طَرَأَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّكْلِيفِ. . [تعين الْقَضَاء عَلَى مُنْفَرِد فِي عَصْره] قَوْلُهُ: [أَوْ عَلَى خَائِفِ فِتْنَةٍ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِالشُّرُوطِ بِدَلِيلِ عَطْفِهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَفِتْنَةٍ إمَّا بِالنَّصْبِ مَعْمُولٌ لِخَائِفِ أَوْ بِالْجَرِّ بِالْإِضَافَةِ. قَوْلُهُ: [وَمَعْنَى تَعَيَّنَ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَخِيرَيْنِ وَجَبَ] : إنْ قُلْت كَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّ الْأَوَّلَ غَيْرُ وَاجِبٍ مَعَ أَنَّهُ أَوْلَوِيٌّ فِي الْوُجُوبِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَخِيرَيْنِ يَقْتَضِيَانِ الْوُجُوبَ الْغَيْرَ الشَّرْطِيِّ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَفِيهِ الْوُجُوبُ الشَّرْطِيُّ الْمُتَوَقِّفُ الصِّحَّةِ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَلَوْ بِالضَّرْبِ. قَوْلُهُ: [وَاسْتُظْهِرَ] : أَيْ اسْتَظْهَرَ (ح) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ

[الهدية للقاضي]

نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ: فَأَحْكَامُهُمْ لَا تَنْفُذُ بِالضَّرُورَةِ - عَلَى أَنَّ قَاضِيَ الْقَاهِرَةِ فِي الْغَالِبِ لَا يَسْمَعُ دَعْوَى وَلَا يَعْرِفُ حَقِيقَتَهَا، وَإِنَّمَا يَضْبِطُ الشَّاهِدُ مِنْ شُهُودِ الْمَحْكَمَةِ الْقَضِيَّةَ وَيَكْتُبُهَا، ثُمَّ يَمْضِي بِهَا إلَى الْقَاضِي فَيَكْتُبُ اسْمَهُ وَيَضَعُ خَتْمَهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ. . (وَحَرُمَ) عَلَى الْقَاضِي أَوْ غَيْرِهِ مِنْ خَلِيفَةٍ أَوْ عَامِلِهِ (أَخْذُ مَالٍ مِنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ) لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ بِخِلَافِ أَخْذِ مَالٍ مِنْ وَقْفٍ عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَا يَحْرُمُ. . (وَ) حَرُمَ عَلَيْهِ (قَبُولُ هَدِيَّةٍ) : مِنْ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُهَادِيهِ قَبْلَ تَوْلِيَتِهِ الْقَضَاءَ لِقَرَابَةٍ أَوْ صُحْبَةٍ أَوْ صِلَةٍ. . (وَنُدِبَ غَنِيٌّ وَرِعٌ) : أَيْ كَوْنُهُ غَنِيًّا، لَا فَقِيرًا وَرِعًا، لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ التَّنَزُّهِ عَنْ الطَّمَعِ لِمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ. (نَزِهٌ) : أَيْ كَثِيرُ النَّزَاهَةِ وَالْبُعْدِ عَنْ شَوَائِبِ الطَّمَعِ وَمَا لَا يَلِيقُ مِنْ سَفَاسِفِ الْأُمُورِ بِأَنْ يَكُونَ كَامِلَ الْمُرُوءَةِ. (حَلِيمٌ) : لِأَنَّ الْحِلْمَ مَظِنَّةُ الْخَيْرِ وَالْكَمَالِ، وَسُوءَ الْخُلُقِ مَظِنَّةُ الشَّرِّ وَالظُّلْمِ وَأَذِيَّةِ النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَأَحْكَامُهُمْ لَا تَنْفُذُ بِالضَّرُورَةِ] : أَيْ وَإِنَّمَا سُكُوتُ الْمُفْتِينَ عَنْهَا لِعَجْزِهِمْ عَنْ التَّكَلُّمِ بِالْحَقِّ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: هَذَا الزَّمَانُ زَمَانُ السُّكُوتِ وَلُزُومِ الْبُيُوتِ وَالرِّضَا بِأَدْنَى الْقُوتِ وَمِنْ يَقُولُ الْحَقَّ فِيهِ يَمُوتُ. قَوْلُهُ: [عَلَى أَنَّ قَاضِيَ الْقَاهِرَةِ] إلَخْ: اسْتِدْرَاكٌ عَلَى بُطْلَانِ حُكْمِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ رِشْوَةً لِخُلُوِّ الْحُكْمِ عَنْ جَمِيعِ الشُّرُوطِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ لِأَهْلِ الْبَصَائِرِ. . قَوْلُهُ: [فَلَا يَحْرُمُ] : أَيْ بَلْ يُنْدَبُ إذَا كَانَ فِي ضِيقِ عَيْشٍ وَأَرَادَ التَّوْسِعَةَ عَلَى عِيَالِهِ مِنْ ذَلِكَ. . [الْهَدِيَّة لِلْقَاضِي] قَوْلُهُ: [وَحَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُ هَدِيَّةٍ] : مِثْلُهُ كُلُّ صَاحِبِ جَاهٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْقَرْضِ. قَوْلُهُ: [وَرِعٌ] : هُوَ مَنْ يَتْرُكُ الشُّبُهَاتِ خَوْفَ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، وَأَمَّا الْأَوْرَعُ فَهُوَ مَنْ يَتْرُكُ بَعْضَ الْمُبَاحَاتِ خَوْفَ الْوُقُوعِ فِي الشُّبُهَاتِ. قَوْلُهُ: [أَيْ كَثِيرُ النَّزَاهَةِ] : أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ نَزِهٌ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ.

(نَسِيبٌ) : أَيْ مَعْرُوفُ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ مَجْهُولَهُ لَا يُهَابُ وَيَتَسَارَعُ النَّاسُ فِي الطَّعْنِ فِيهِ. (بِلَا دَيْنٍ) عَلَيْهِ (وَ) بِلَا (حَدٍّ) : لِأَنَّ الْمَدِينَ مُنْحَطُّ الرُّتْبَةِ عِنْدَ النَّاسِ، وَأَحَطُّ مِنْهُ الْمَحْدُودُ فِي زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا. (وَ) بِلَا (زَائِدٍ فِي الدَّهَاءِ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ: هُوَ جُودَةُ الذِّهْنِ، فَجُودَتُهُ هِيَ الْمَطْلُوبَةُ لِأَنَّ الْفَطَانَةَ شَرْطُ صِحَّةٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَزِيَادَتُهَا رُبَّمَا أَدَّتْهُ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ بِالْفِرَاسَةِ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَتَرْكِ الْقَوَانِينِ الشَّرْعِيَّةِ. (وَ) نُدِبَ (مَنْعُ الرَّاكِبِينَ مَعَهُ وَالْمُصَاحِبِينَ) لَهُ بِلَا رُكُوبٍ مَعَهُ إذْ لَا خَيْرَ فِي كَثْرَةِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ، وَلِلْحُمَيْدِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لِقَاءُ النَّاسِ لَيْسَ يُفِيدُ شَيْئًا ... سِوَى الْهَذَيَانِ مِنْ قِيلٍ وَقَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ مَعْرُوفُ النَّسَبِ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قُرَشِيًّا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مِنْ الصِّفَاتِ الْمُسْتَحْسَنَةِ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ لَيْسَ بِابْنِ لِعَانٍ (اهـ) . وَلِذَلِكَ جَوَّزَ سَحْنُونَ تَوْلِيَةَ وَلَدِ الزِّنَا، وَلَكِنْ لَا يَحْكُمُ فِي الزِّنَا لِعَدَمِ شَهَادَتِهِ فِيهِ. قَوْلُهُ: [بِلَا دَيْنٍ] : لَا يُغْنِي عَنْ هَذَا قَوْلُهُ غَنِيٌّ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَنِيًّا وَعَلَيْهِ الدَّيْنُ. قَوْلُهُ: [وَبِلَا حَدٍّ] : عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ تَوْلِيَةَ الْمَحْدُودِ جَائِزَةٌ وَأَنَّ حُكْمَهُ نَافِذٌ وَظَاهِرُهُ قَضَى فِيمَا حُدَّ فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا لِسَحْنُونٍ. بِخِلَافِ الشَّاهِدِ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيمَا حُدَّ فِيهِ وَلَوْ تَابَ وَتُقْبَلُ فِي غَيْرِهِ إذَا تَابَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاضِي وَالشَّاهِدِ اسْتِنَادُ الْقَاضِي لِبَيِّنَةٍ فَبَعُدَتْ التُّهْمَةُ فِيهِ دُونَ الشَّاهِدِ. قَوْلُهُ: [بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ] : وَهَمْزَتُهُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ الْيَاءِ لَا عَنْ الْوَاوِ. قَوْلُهُ: [رُبَّمَا أَدَّتْهُ] إلَخْ: أَيْ فَلِذَلِكَ كُرِهَتْ زِيَادَتُهَا فِيهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَمِيرِ فَزِيَادَتُهَا فِيهِ لَا كَرَاهَةَ فِيهَا لِوُسْعِ عَمَلِهِ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ مَنْعُ الرَّاكِبِينَ مَعَهُ] : إلَخْ: أَيْ يُنْدَبُ لِلْقَاضِي أَنْ يَمْنَعَ الرِّكَابَ مَعَهُ وَالْمُصَاحِبِينَ لَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَإِنْ كَانَ شَأْنُهُ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ. قَوْلُهُ: [وَلِلْحُمَيْدِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -] إلَخْ: هَذَانِ الْبَيْتَانِ مِنْ بَحْرِ الْوَافِرِ وَأَجْزَاؤُهُ مَفَاعَلَتُنْ مُفَاعَلَتُنْ فَعُولُنْ. قَوْلُهُ: [الْهَذَيَانِ] : هُوَ الْكَلَامُ السَّاقِطُ الَّذِي لَا يَعُودُ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْهُ خَيْرٌ

فَأَقْلِلْ مِنْ لِقَاءِ النَّاسِ إلَّا ... لِأَخْذِ الْعِلْمِ أَوْ إصْلَاحِ حَالِ إلَّا الْأَعْوَانَ مِنْ خَادِمٍ وَكَاتِبٍ وَشُهُودٍ وَرَسُولٍ وَسَجَّانٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (وَ) نُدِبَ (تَخْفِيفُ الْأَعْوَانِ) وَالِاقْتِصَارُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ. (وَ) نُدِبَ (اتِّخَاذُ مَنْ يُخْبِرُهُ) مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالصَّلَاحِ (بِمَا يُقَالُ فِيهِ) مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، لِيَحْمَدَ اللَّهَ عَلَى مَا يُقَالُ فِيهِ مِنْ خَيْرٍ وَيَتَبَاعَدَ عَمَّا يُقَالُ فِيهِ مِنْ شَرٍّ إنْ وَقَعَ، أَوْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ أَوْ يُبَيِّنَ الْوَجْهَ، فَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِفِعْلِ شَيْءٍ. وَهُوَ فِي الْوَاقِعِ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا عَلَيْهِ لِضَرُورَةٍ اقْتَضَتْهُ (أَوْ) بِمَا يُقَالُ (فِي شُهُودِهِ) مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ لِيُبْقِيَ عِنْدَهُ أُولِي الْخَيْرِ وَيَعْزِلَ الْأَشْرَارَ. (وَ) نُدِبَ (تَأْدِيبُ مَنْ أَسَاءَ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْقَاضِي (بِمَجْلِسِهِ) لِلْحُكْمِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ: حُكْمُك بَاطِلٌ، أَوْ: أَنْتَ تَحْكُمُ بِغَيْرِ الْحَقِّ، أَوْ: تَأْخُذُ الرِّشْوَةَ، أَوْ لَوْ كَانَ فِي جَاهٍ أَوْ أَعْطَيْتُك مَالًا لَحَكَمْت لِي، أَوْ لَقَبِلْت شَهَادَتِي، وَنَحْوُ ذَلِكَ. (إلَّا فِي نَحْوِ) قَوْلِهِ لَهُ: (اتَّقِ اللَّهَ) ، أَوْ: خَفْ اللَّهَ، أَوْ: اُذْكُرْ وُقُوفَك بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ، فَلَا يُؤَدِّبُهُ، بَلْ يَرْفُقُ بِهِ، وَيَقُولُ لَهُ: رَزَقَنَا اللَّهُ تَقْوَاهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQدُنْيَوِيٌّ وَلَا أُخْرَوِيٌّ. قَوْلُهُ: [وَنَحْوِ ذَلِكَ] : أَيْ كَالتُّرْجُمَانِ. وَقَوْلُهُ: [إنْ وَقَعَ] : مُعْتَرِضٌ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ يُبَيِّنَ] : مَعْطُوفٌ عَلَى يَتَبَاعَدَ. قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ تَأْدِيبُ مَنْ أَسَاءَ عَلَيْهِ] : مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ نَدْبِ تَأْدِيبِ مَنْ أَسَاءَ عَلَيْهِ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وُجُوبُ التَّأْدِيبِ لِحُرْمَةِ الشَّرْعِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَسَاءَ عَلَى الْقَاضِي، وَأَمَّا إذَا أَسَاءَ عَلَى غَيْرِهِ كَشَاهِدٍ أَوْ خَصْمٍ فَالْأَدَبُ وَاجِبٌ قَطْعًا كَمَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [بَلْ يَرْفُقُ بِهِ] : أَيْ لِئَلَّا يَدْخُلَ فِي وَعِيدِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ} [البقرة: 206] الْآيَةُ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ إذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ مَرَّغَ خَدَّيْهِ عَلَى التُّرَابِ

وَمِنْ الْإِرْفَاقِ أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَنْتَ قَدْ لَزِمَك الْإِقْرَارُ بِالْحَقِّ بِقَوْلِك: قَدْ وَفَّيْتُهُ، أَوْ أَرْسَلَ لِي رَسُولًا أَوْ كِتَابًا يَدْفَعُهُ لِفُلَانٍ، أَوْ بِقَوْلِك: إنْ شَهِدَ عَلَى فُلَانٍ فَدَعْوَاهُ صَحِيحَةٌ وَقَدْ شَهِدَ عَلَيْك فَلَا يُقْبَلُ مِنْك تَجْرِيحُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ: بِنُكُولِك عَنْ الْيَمِينِ، أَوْ: بِرَدِّك الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي وَتَحْلِيفِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقَوْلُنَا: " بِمَجْلِسِهِ " احْتِرَازًا عَمَّا إذَا أَسَاءَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَلَا يُؤَدِّبُهُ، بَلْ يَرْفَعُهُ لِغَيْرِهِ إنْ شَاءَ وَالْعَفْوُ أَوْلَى. (وَ) نُدِبَ لِلْقَاضِي (إحْضَارُ الْعُلَمَاءِ) فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ لِظُهُورِ الصَّوَابِ (أَوْ مُشَاوَرَتِهِمْ) لِذَلِكَ. وَهَذَا فِي مُشْكِلَاتِ الْمَسَائِلِ. وَأَمَّا الضَّرُورِيَّاتُ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهَا لِذَلِكَ. (وَلَهُ) : أَيْ لِلْقَاضِي إذَا وُلِّيَ عَلَى الْقَضَاءِ بِبِلَادٍ (أَنْ يَسْتَخْلِفَ إنْ اتَّسَعَ عَمَلُهُ) : لَا إنْ لَمْ يَتَّسِعْ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِخْلَافٌ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُ مَنْ اسْتَخْلَفَهُ إلَّا أَنْ يُنْفِذَهُ هُوَ (بِجِهَةٍ) : أَيْ فِي جِهَةٍ (بَعُدَتْ) عَنْهُ بِأَمْيَالٍ كَثِيرَةٍ يَشُقُّ حُضُورُ الْخَصْمَيْنِ وَالشُّهُودِ مِنْهُ إلَى مَحَلِّ الْقَضَاءِ، لَا إنْ قَرُبَتْ فَلَا يَجُوزُ. (مَنْ) مَفْعُولُ يَسْتَخْلِفَ أَيْ يَسْتَخْلِفَ رَجُلًا عَدْلًا (عَلِمَ مَا اُسْتُخْلِفَ فِيهِ) ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ جَمِيعَ أَبْوَابِ الْفِقْهِ. فَإِذَا وَلَّاهُ عَلَى الْأَنْكِحَةِ فَقَطْ اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَسَائِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَنْ يَقُولَ لَهُ] : أَيْ يَقُولَ الْقَاضِي لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَرْسَلَ لِي رَسُولًا] : مَعْطُوفٌ عَلَى قَدْ وَفَّيْتُهُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ الْقَوْلُ. قَوْلُهُ: [أَوْ بِقَوْلِك إنْ شَهِدَ] إلَخْ: مَعْطُوفٌ عَلَى بِقَوْلِك الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: [وَالْعَفْوُ أَوْلَى] : قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] . قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ لِلْقَاضِي إحْضَارُ الْعُلَمَاءِ] : أَيْ فَإِنْ أَحْضَرَهُمْ أَوْ شَاوَرَهُمْ وَوَافَقُوهُ عَلَى مَا يُرِيدُ الْحُكْمَ بِهِ، فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ، وَإِنْ خَالَفُوهُ وَأَظْهَرُوا لَهُ فَسَادَ مَا أَرَادَ الْحُكْمَ بِهِ وَافَقَهُمْ، وَنُدِبَ إحْضَارُ الْعُلَمَاءِ وَالْمُشَاوِرَةُ فِي الْمُشْكِلَاتِ، وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا فَإِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الظَّاهِرُ لَهُ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ غَيْرَ الظَّاهِرِ لَهُمْ، فَإِذَا أَحْضَرَهُمْ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَا ظَهَرَ لَهُمْ وَيَرْجِعَ عَنْ اجْتِهَادِهِ كَمَا كَانَ يَقَعُ لِكِبَارِ الصَّحَابَةِ. . قَوْلُهُ: [بِأَمْيَالٍ كَثِيرَةٍ] : أَيْ زَائِدَةٍ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ.

النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا. وَإِنْ اسْتَخْلَفَهُ فِي الْقِسْمَةِ وَالْمَوَارِيثِ وَجَبَ عِلْمُهُ بِذَلِكَ، وَهَكَذَا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَسْتَخْلِفَ جَاهِلًا بِمَا وُلِّيَ فِيهِ (أَوْ أَذِنَ لَهُ) فِي الِاسْتِخْلَافِ، بِأَنْ أَذِنَ لَهُ السُّلْطَانُ فِيهِ فَلَهُ الِاسْتِخْلَافُ وَلَوْ لَمْ يَتَّسِعْ عَمَلُهُ أَوْ فِي جِهَةٍ قَرُبَتْ. (وَ) إذَا أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ وَاسْتَخْلَفَ (لَا يَنْعَزِلُ) الْخَلِيفَةُ (بِمَوْتِهِ) : أَيْ بِمَوْتِ مَنْ اسْتَخْلَفَهُ، وَكَذَا إنْ جَرَى الْعُرْفُ بِالِاسْتِخْلَافِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَوْ جَرَيَانَ الْعُرْفِ بِهِ كَأَنَّهُ تَوْلِيَةٌ مِنْ السُّلْطَانِ فَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي الْمُسْتَخْلِفِ لَهُ. وَأَمَّا إنْ اسْتَخْلَفَ لِاتِّسَاعِ عَمَلِهِ بِجِهَةٍ بَعُدَتْ فَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِ مَنْ وَلَّاهُ؛ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ: " وَانْعَزَلَ بِمَوْتِهِ "، لِأَنَّ كَلَامَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ فَلَا اعْتِرَاض عَلَيْهِ، فَتَأَمَّلْ. (وَلَا) يَنْعَزِلُ (غَيْرُهُ) : أَيْ غَيْرُ خَلِيفَةِ الْقَاضِي الْمَأْذُونِ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ مِنْ قَاضٍ وَوَالٍ وَعَامِلٍ (بِمَوْتِ مَنْ وَلَّاهُ) مِنْ الْأُمَرَاءِ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي وَلَّاهُ هُوَ الْخَلِيفَةُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْخَلِيفَةَ أَوْ غَيْرَهُ إذَا اسْتَخْلَفَ قَاضِيًا أَوْ غَيْرَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ الْمُوَلَّى بِمَوْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ] : مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ اتَّسَعَ. وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الصُّوَرَ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً لِأَنَّ السُّلْطَانَ إمَّا أَنْ يَنُصَّ لِلْقَاضِي عَلَى الِاسْتِخْلَافِ أَوْ عَلَى عَدَمِهِ أَوْ يَسْكُتَ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَسْتَخْلِفَ لِعُذْرٍ أَوْ لِرَاحَةِ نَفْسِهِ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي جِهَةٍ قَرِيبَةٍ أَوْ بَعِيدَةٍ، فَإِنْ نَصَّ عَلَى اسْتِخْلَافٍ جَازَ مُطْلَقًا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ فِي الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ، وَإِنْ نَصَّ عَلَى عَدَمِهِ مُنِعَ مُطْلَقًا، وَإِنْ سَكَتَ فَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ الِاسْتِخْلَافَ فَكَالنَّصِّ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ أَوْ كَانَ الْعُرْفُ عَدَمَهُ فَإِنْ كَانَتْ الْجِهَةُ قَرِيبَةً فَالْمَنْعُ إنْ كَانَ الِاسْتِخْلَافُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ فَقَوْلَانِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِهَةُ بَعِيدَةً فَالْجَوَازُ كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي اسْتِخْلَافِ كَوْنِ الْمُسْتَخْلِفِ بِالْكَسْرِ وَقْتَ الِاسْتِخْلَافِ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، وَمِثْلُ الِاسْتِخْلَافِ الْعَزْلُ فَيَجُوزُ أَنْ يَعْزِلَ وَاحِدًا مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ وَهُوَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ. بِخِلَافِ حُكْمِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ. قَوْلُهُ: [لَا يَنْعَزِلُ الْخَلِيفَةُ بِمَوْتِهِ] : مِثْلُهُ مَنْ قَدَّمَهُ الْقَاضِي لِلنَّظَرِ فِي أَيْتَامٍ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي الَّذِي قَدَّمَهُ وَلَا يَعْزِلُهُ. قَوْلُهُ: [فَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِ مَنْ وَلَّاهُ] : أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ اسْتِخْلَافَهُ بِسَبَبِ اتِّسَاعِ

مَنْ وَلَّاهُ، إلَّا خَلِيفَةَ الْقَاضِي إذَا وَلَّاهُ الْقَاضِي بِجِهَةٍ بَعُدَتْ لِاتِّسَاعِ عَمَلِهِ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي الَّذِي وَلَّاهُ، هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِمْ فَتَأَمَّلْهُ. وَأَمَّا إذَا عَزَلَهُ مَنْ وَلَّاهُ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ قَطْعًا، إلَّا الْخَلِيفَةَ؛ فَلَا يُعْزَلُ إنْ أُزِيلَ وَصْفُهُ إذَا وُلِّيَ مُسْتَجْمِعًا لِشُرُوطِهَا. . (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ) : أَيْ الْقَاضِي إذَا شَهِدَ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ (أَنَّهُ قَضَى بِكَذَا) وَسَوَاءٌ شَهِدَ بِذَلِكَ قَبْلَ عَزْلِهِ أَوْ بَعْدَهُ، لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَهِيَ بَاطِلَةٌ. وَأَمَّا الْإِخْبَارُ فَيُقْبَلُ مِنْهُ قَبْلَ الْعَزْلِ لَا بَعْدُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ إخْبَارَهُ بِذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَمَلِ بِغَيْرِ إذْنٍ وَلَا عُرْفٍ جَارٍ بِالْإِذْنِ وَإِلَّا فَيَكُونُ دَاخِلًا فِيمَا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: [إلَّا خَلِيفَةَ الْقَاضِي] : أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ وَلَّاهُ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ الْإِمَامِ، وَالْفَرْقُ كَمَا فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ نَائِبًا عَنْ نَفْسِ الْخَلِيفَةِ. بِخِلَافِ نَائِبِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ نَائِبٌ عَنْ نَفْسِ الْقَاضِي، فَلِذَا انْعَزَلَ بِمَوْتِهِ وَبَحَثَ (بْن) فِي هَذَا الْفَرْقِ بِقَوْلِهِ: إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي نَائِبًا عَنْ الْخَلِيفَةِ لَمْ يَكُنْ لِلْخَلِيفَةِ عَزْلُهُ، كَيْفَ. وَأَصْلُ الْقَضَاءِ لِلْخُلَفَاءِ، وَلَوْ سَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ نَائِبًا عَنْ الْخَلِيفَةِ، فَلِمَ لَا يُقَالُ مِثْلُهُ فِي نَائِبِ الْقَاضِي. فَإِنْ قُلْت: إنَّ ذَلِكَ لِلتَّخْفِيفِ عَنْ الْقَاضِي. قُلْت: السُّلْطَانُ أَيْضًا إنَّمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَقْضِيَ لِأَجْلِ التَّخْفِيفِ عَنْ نَفْسِهِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [فَتَأَمَّلْهُ] : أَمْرٌ بِالتَّأَمُّلِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ الْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ: [إلَّا الْخَلِيفَةَ] : أَيْ السُّلْطَانَ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُعْزَلُ إنْ أُزِيلَ وَصْفُهُ] : أَيْ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكْفُرْ وَإِلَّا وَجَبَ عَزْلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ. . قَوْلُهُ: [وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ] : إلَخْ: صُورَتُهَا أَنَّ الْقَاضِيَ حَكَمَ فِي قَضِيَّةٍ وَمَضَى زَمَنُهَا ثُمَّ تَنَازَعَ الْخَصْمَانِ وَأَنْكَرَ أَحَدُهُمَا الْحُكْمَ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى حُكْمِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ لِمَنْ ادَّعَى الْحُكْمَ، وَيَقُومُ مَقَامَ شَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ وُجُودُ الْقَضِيَّةِ فِي السِّجِلِّ الْكَائِنِ بِيَدِ الْعُدُولِ، وَلِذَلِكَ جُعِلَتْ سِجِلَّاتُ الْقَضَاءِ لِرَفْعِ النِّزَاعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. قَوْلُهُ: [أَنَّهُ قَضَى بِكَذَا] : أَيْ وَأَوْلَى فِي عَدَمِ الْقَبُولِ مَا إذَا قَالَ بَعْدَ عَزْلِهِ: شَهِدَ عِنْدِي شَاهِدَانِ بِكَذَا. وَقَدْ كُنْت قَبِلْت شَهَادَتَهُمَا غَيْرَ أَنِّي لَمْ يَصْدُرْ مِنِّي حُكْمٌ. قَوْلُهُ: [إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ] : أَيْ بِأَنْ تَقَدَّمَ الْإِخْبَارَ دَعْوَى مِنْ الْأَخْصَامِ.

[التحكيم]

لَمْ تُقْبَلْ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْإِعْلَامِ فَيُقْبَلُ قَبْلَ الْعَزْلِ لَا بَعْدَهُ. (وَجَازَ) لِلْخَصْمَيْنِ (تَحْكِيمُ) رَجُلٍ (عَدْلٍ) عَدْلِ شَهَادَةٍ: بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، حُرًّا، بَالِغًا، عَاقِلًا، غَيْرَ فَاسِقٍ. (غَيْرِ خَصْمٍ) : أَيْ غَيْرِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ بِحَيْثُ يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ أَوْ عَلَيْهَا. وَلَا يَجُوزُ تَحْكِيمُ الْخَصْمِ، فَإِنْ وَقَعَ مَضَى إنْ حَكَمَ صَوَابًا، وَقِيلَ: يَجُوزُ ابْتِدَاءً - ابْنُ عَرَفَةَ، وَالْقَوْلُ بَعْدَ مُضِيِّهِ مُطْلَقًا لَا أَعْرِفُهُ (انْتَهَى) . (وَ) غَيْرِ (جَاهِلٍ) بِأَنْ يَكُونَ غَالِبًا عَالِمًا بِمَا حَكَمَ بِهِ إذْ شَرْطُ الْحَاكِمِ أَوْ الْمُحَكَّمِ الْعِلْمُ بِمَا يَحْكُمُ بِهِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ. (فِي مَالٍ) مِنْ دَيْنٍ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ فَلَهُ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ مَا ذُكِرَ أَوْ عَدَمِ ثُبُوتِهِ وَلُزُومِهِ وَعَدَمِ لُزُومِهِ وَجَوَازِهِ وَعَدَمِهِ. (وَجَرْحٍ) وَلَوْ عَظُمَ، كَجَائِفَةٍ وَآمَّةٍ وَمُنَقِّلَةٍ وَمُوضِحَةٍ أَوْ قَطْعٍ لِنَحْوِ يَدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْإِعْلَامِ] : أَيْ بِأَنْ لَمْ يَتَقَدَّم إخْبَارَهُ دَعْوَى، بَلْ إنَّمَا قَصَدَ مُجَرَّدَ الْإِعْلَامِ. . [التَّحْكِيم] قَوْلُهُ: [تَحْكِيمُ رَجُلٍ عَدْلٍ] : لَمَّا كَانَ التَّعْرِيفُ الْمُتَقَدِّمُ أَوَّلَ الْبَابِ شَامِلًا لِحُكْمٍ لِمُحَكَّمٍ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: حُكْمُ حَاكِمٍ أَوْ مُحَكَّمٍ إلَخْ، تَعَرَّضَ الْمُصَنِّفُ لَهُ هُنَا. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا يَحْتَاجُ التَّحْكِيمُ لِإِشْهَادٍ عَلَى كَوْنِهِ حُكْمًا. قَوْلُهُ: [غَيْرِ خَصْمٍ] إلَخْ: هَذَا الْوَصْفُ وَمَا بَعْدَهُ زِيَادَةٌ عَلَى وَصْفِ عَدْلِ الشَّهَادَةِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ وَقَعَ مَضَى] إلَخْ: سَيَأْتِي إعَادَةُ تِلْكَ الْأَقْوَالِ فِي آخِرِ الْعِبَارَةِ وَإِيضَاحُهَا. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَنْفُذْ] : أَيْ إنْ حَكَمَ بِالْجَهْلِ، وَأَمَّا لَوْ شَاوَرَ الْعُلَمَاءَ وَحَكَمَ فَيَصِحُّ وَيَنْفُذُ وَلَا يُقَالُ لَهُ حِينَئِذٍ حُكْمُ جَاهِلٍ. قَوْلُهُ: [فِي مَالٍ] : أَيْ غَيْرِ مُتَعَلِّقٍ بِغَائِبٍ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [بِثُبُوتِ مَا ذُكِرَ] : إلَخْ: الثُّبُوتُ وَعَدَمُهُ وَاللُّزُومُ وَعَدَمُهُ وَالْجَوَازُ وَعَدَمُهُ يَصْلُحُ كُلٌّ لِكُلٍّ مِنْ الدَّيْنِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَجَرْحٍ] : أَيْ عَمْدًا أَوْ خَطَأً. قَوْلُهُ: [أَوْ قَطْعٍ] : اُنْظُرْ مَا حِكْمَةُ الْعَطْفِ بِأَوْ مَعَ أَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْجِرَاحَاتِ الْعَظِيمَةِ.

(إلَّا) فِي (حَدٍّ) مِنْ الْحُدُودِ كَقِصَاصٍ أَوْ جَلْدٍ أَوْ رَجْمٍ. (وَ) لَا فِي (قَتْلٍ) فِي رِدَّةٍ أَوْ حِرَابَةٍ أَوْ قِصَاصٍ. (وَ) لَا فِي (لِعَانٍ) . (وَ) لَا فِي (وَلَاءٍ) لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ. (وَ) لَا فِي (نَسَبٍ) كَذَلِكَ. (وَ) لَا فِي (طَلَاقٍ) . (وَ) لَا فِي (فَسْخٍ) لِنِكَاحٍ وَنَحْوِهِ. (وَ) لَا فِي (عِتْقٍ) . (وَ) لَا فِي (رُشْدٍ وَسَفَهٍ) . (وَ) لَا فِي (أَمْرٍ غَائِبٍ) مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ وَزَوْجَتِهِ وَحَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ. (وَ) لَا فِي (حَبْسٍ) . (وَ) لَا فِي (عَقْدٍ) مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِصِحَّتِهِ وَفَسَادِهِ. لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ إنَّمَا يَحْكُمُ فِيهَا الْقُضَاةُ، فَلَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهَا لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ فِيهَا بِغَيْرِ الْخَصْمَيْنِ: إمَّا لِلَّهِ تَعَالَى كَالْحُدُودِ وَالْقَتْلِ وَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ، وَإِمَّا لِآدَمِيٍّ كَاللِّعَانِ وَالْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ. فَفِي اللِّعَانِ حَقُّ الْوَلَدِ بِقَطْعِ نَسَبِهِ وَفِي الْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ تَرْتِيبُ أَحْكَامِهَا مِنْ نِكَاحٍ وَعَدَمِهِ وَإِرْثٍ وَعَدَمِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى الذُّرِّيَّةِ الَّتِي سَتُوجَدُ. (فَإِنْ حَكَمَ) الْمُحَكَّمُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ فِيهَا بِأَنْ جُعِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَقِصَاصٍ] : أَيْ فِي النَّفْسِ لَا فِي الْأَطْرَافِ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَحْكُمُ فِيهَا، وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ قِصَاصٍ مُكَرَّرٍ فَالْأَوْلَى حَذْفُ إحْدَاهُمَا، وَدَخَلَ فِي الْحُدُودِ قَطْعُ السَّرِقَةِ فَلَا يَحْكُمُ فِيهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحْكُمُ فِي الْأَمْوَالِ وَالْجِرَاحَاتِ عَمْدِهَا وَخَطَئِهَا لَا فِي الْحُدُودِ، وَمِنْهَا قَطْعُ الْيَدِ فِي السَّرِقَةِ وَلَا فِي النُّفُوسِ. قَوْلُهُ: [كَالْحُدُودِ] : أَيْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحُدُودِ الزَّجْرُ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ. قَوْلُهُ: [وَالْقَتْلِ] : أَيْ لِأَنَّهُ إمَّا لِرِدَّةٍ أَوْ حِرَابَةٍ وَكُلُّهُ حَقٌّ لِلَّهِ لِتَعَدِّي حُرُمَاتِهِ. قَوْلُهُ: [وَالْعِتْقُ] : أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ رَدُّ الْعَبْدِ إلَى الرِّقِّ وَلَوْ رَضِيَ بِذَلِكَ، وَكَذَا الطَّلَاقُ الْبَائِنُ لَا يَجُوزُ رَدُّ الْمَرْأَةِ إلَى الْعِصْمَةِ وَلَوْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ.

فِيهَا حَكَمًا - فَحَكَمَ (صَوَابًا مَضَى) ، حُكْمُهُ وَلَا يُنْقَضُ، لِأَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ. (وَأُدِّبَ) لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْحَاكِمِ. وَمَحَلُّ تَأْدِيبِهِ إنْ نَفَذَ حُكْمُهُ بِأَنْ اقْتَصَّ أَوْ حَدَّ أَوْ طَلَّقَ، لَا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ: حَكَمْت، وَنَحْوُهُ. وَمَفْهُومُ قَوْلِنَا: " عَدْلٌ " أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَحْكِيمُ غَيْرِهِ. لَكِنْ إنْ كَانَ كَافِرًا فَلَا يَمْضِي قَطْعًا، وَكَذَا إنْ كَانَ صَبِيًّا لَا تَمْيِيزَ لَهُ أَوْ كَانَ مَجْنُونًا. فَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا أَوْ كَانَ امْرَأَةً أَوْ فَاسِقًا أَوْ عَبْدًا فَهَلْ يَمْضِي أَوْ لَا؟ أَوْ يَمْضِي فِي غَيْرِ الصَّبِيِّ وَالْفَاسِقِ، وَأَمَّا هُمَا فَلَا يَمْضِي؟ أَقْوَالٌ: الْأَوَّلُ: لِأَصْبَغَ، وَالثَّانِي: لِمُطَرِّفٍ، وَالثَّالِثُ: لِأَشْهَبَ، وَالرَّابِعُ: لِابْنِ الْمَاجِشُونِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: وَفِي صَبِيٍّ وَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ وَفَاسِقٍ: ثَالِثُهَا: إلَّا الصَّبِيَّ، وَرَابِعُهَا: وَفَاسِقٌ. وَمَفْهُومُ " غَيْرِ خَصْمٍ " أَنَّ الْخَصْمَ لَا يَجُوزُ، لَكِنَّهُ إنْ وَقَعَ مَضَى إنْ كَانَ صَوَابًا. وَقِيلَ: بَلْ يَجُوزُ ابْتِدَاءً. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ مُضِيِّهِ مُطْلَقًا لَا أَعْرِفُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَمَفْهُومُ غَيْرِ جَاهِلٍ: أَنَّ الْجَاهِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَحَكَمَ صَوَابًا] : أَيْ وَأَمَّا إنْ لَمْ يُصِبْ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، فَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى حُكْمِهِ إتْلَافُ عُضْوٍ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا إتْلَافُ مَا كَانَ الضَّمَانُ فِي مَالِهِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَأُدِّبَ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْحَاكِمِ] : أَيْ إنْ كَانَ هُنَا حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا هَذَا فَوُجُودُهُ كَالْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ. قَوْلُهُ: [فَهَلْ يَمْضِي] : هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ. وَقَوْلُهُ: [أَوَّلًا] : هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي. فَالْمَعْنَى فَهَلْ يَمْضِي مُطْلَقًا فِي الْأَرْبَعَةِ أَوْ لَا يَمْضِي فِي وَاحِدٍ مِنْهَا. وَقَوْلُهُ: [أَوْ يَمْضِي فِي غَيْرِ الصَّبِيِّ] : هَذَا هُوَ الثَّالِثُ وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْبَالِغَ عِنْدَهُ كَمَالُ الْعَقْلِ وَالصَّبِيُّ بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ يَمْضِي فِي غَيْرِ الصَّبِيِّ وَالْفَاسِقِ] : هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الرَّابِعُ وَوَجْهُ عَدَمِ مُضِيِّهِ فِي الْفَاسِقِ عَدَمُ دِيَانَتِهِ فَأُلْحِقَ بِالصَّبِيِّ. قَوْلُهُ: [وَقَدْ تَقَدَّمَ] : أَيْ هَذَا الْمَفْهُومُ.

[ما يجوز للقاضي من اتخاذ أعوان]

لَا يَجُوزُ تَحْكِيمُهُ، فَإِنْ حَكَمَ لَا يَمْضِي حُكْمُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا، وَأَعَدْنَاهُ لِمَعْرِفَةِ حَاصِلِ الْمَسْأَلَةِ وَسُهُولَةِ ضَبْطِهَا. وَأَنَّ مَا خَالَفَ ذَلِكَ مِمَّا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. (وَ) جَازَ لِحَاكِمٍ أَوْ مُحَكَّمٍ (خَفِيفُ تَعْزِيرٍ بِمَسْجِدٍ) ، هُوَ مَحَطُّ الْجَوَازِ، أَيْ: وَلَوْ ضَرْبًا خَفِيفًا شَأْنُهُ عَدَمُ النَّجَاسَةِ. (لَا) يَجُوزُ (حَدٌّ) بِالْمَسْجِدِ، وَلَا تَعْزِيرٌ ثَقِيلٌ خَشْيَةَ خُرُوجِ نَجَاسَةٍ مِنْهُ. . (وَ) جَازَ لِلْقَاضِي (اتِّخَاذُ حَاجِبٍ وَبَوَّابٍ) يَحْجُبُ الدَّاخِلَ بِلَا حَاجَةٍ، وَتَأْخِيرُ مَنْ جَاءَ بَعْدَ غَيْرِهِ حَتَّى يَفْرُغَ السَّابِقُ مِنْ حَاجَتِهِ. . (وَ) جَازَ لَهُ (عَزْلٌ) لِمَنْ وَلَّاهُ بِمَحِلٍّ (لِمَصْلَحَةٍ) اقْتَضَتْ عَزْلَهُ، كَكَوْنِ غَيْرِهِ أَفْقَهَ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ (وَ) إذَا عَزَلَهُ (بَرَّأَهُ) بِأَنْ يَقُولَ لِلنَّاسِ: مَا عَزَلْتُهُ لِظُلْمٍ وَلَا جُنْحَةٍ، وَلَكِنِّي رَأَيْت مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ عَلَى الْقَضَاءِ، كَمَا وَقَعَ لِشُرَحْبِيلَ لَمَّا عَزَلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا] : أَيْ وَتَقَدَّمَ أَنَّنَا قَيَّدْنَا عَدَمَ حُكْمِهِ بِمَا إذَا لَمْ يُشَاوِرْ الْعُلَمَاءَ وَيَحْكُمُ وَإِلَّا كَانَ حُكْمَ عَالَمٍ. قَوْلُهُ: [وَأَعَدْنَاهُ] : أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ مَفْهُومِ غَيْرِ الْخَصْمِ وَغَيْرِ الْجَاهِلِ. قَوْلُهُ: [وَأَنَّ مَا خَالَفَ ذَلِكَ مِمَّا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ] : مُرَادُهُ بِبَعْضِ الشُّرَّاحِ التَّتَّائِيُّ (وعب) : فَإِنَّهُمَا جَعَلَا الْخِلَافَ فِي الصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا لَا فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ الَّذِي اخْتَارَهُ شَارِحُنَا وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ كَمَا أَفَادَهُ (بْن) . قَوْلُهُ: [خَفِيفُ تَعْزِيرٍ] : أَيْ بِيَدِهِ أَوْ أَعْوَانِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَا تَعْزِيرٌ ثَقِيلٌ] : هَذَا مَفْهُومُ خَفِيفُ وَهَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ اُنْظُرْ فِي ذَلِكَ. . [مَا يَجُوز لِلْقَاضِي مِنْ اتِّخَاذ أَعْوَان] قَوْلُهُ: [اتِّخَاذُ حَاجِبٍ وَبَوَّابٍ] : أَيْ عَدْلَيْنِ وَالْمُرَادُ بِالْحَاجِبِ بَوَّابُ الْمَحِلِّ الَّذِي يَجْلِسُ فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِالْبَوَّابِ الْمُلَازِمُ لَبَابِ الْبَيْتِ. قَوْلُهُ: [لِمَصْلَحَةٍ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جُرْحَةً فَإِنْ عُزِلَ لَا لِمَصْلَحَةٍ، فَالنَّقْلُ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ لَكِنْ بَحَثَ فِيهِ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ عَقِبَهُ، قُلْتُ فِي عَدَمِ نُفُوذِ عَزْلِهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى لَغْوِ تَوْلِيَةِ غَيْرِهِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى تَعْطِيلِ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ. قَوْلُهُ: [لِشُرَحْبِيلَ] هُوَ بِضَمِّ الشِّينِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ وَهُوَ ابْنُ حَسَنَةَ.

عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَقَالَ: أَعَنْ سَخَطٍ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: لَا. وَلَكِنْ وَجَدْت مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْك. فَقَالَ: إنَّ عَزْلَك لِي عَيْبٌ فَأَخْبِرْ النَّاسَ بِعُذْرِي، فَفَعَلَ. (إلَّا) أَنْ يَكُونَ عَزَلَهُ (عَنْ ظُلْمٍ) : أَيْ لِأَجْلِهِ فَلَا يُبْرِيهِ بَلْ لَهُ إظْهَارُهُ إنْ خَفَّ، فَإِنْ كَثُرَ تَعَيَّنَ إظْهَارُهُ خَشْيَةَ تَوْلِيَتِهِ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ غَيْرِ مَنْ عَزَلَهُ. (وَ) جَازَ لِلْقَاضِي (تَوْلِيَةٌ) لِأَحَدٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَكَذَا الْعَزْلُ (وَلَوْ) كَانَ (بِغَيْرِ وِلَايَتِهِ) بِخِلَافِ الْحُكْمِ فَلَا يَحْكُمُ إلَّا إذَا كَانَ بِوِلَايَتِهِ لَا بِغَيْرِهَا، وَلَوْ كَانَ الْخَصْمُ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ كَمَا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ. (وَرَتَّبَ) الْقَاضِي وُجُوبًا (كَاتِبًا) يَكْتُبُ وَقَائِعَ الْخُصُومِ (وَمُزَكِّيًا) : يُخْبِرُهُ بِحَالِ الشُّهُودِ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عَلَى الْخَصْمِ مِنْ عَدَالَةٍ وَغَيْرِهَا سِرًّا، فَالْمُرَادُ بِالْمُزَكِّي: مُزَكِّي السِّرِّ (وَشُهُودًا) يَشْهَدُونَ عَلَى الْإِقْرَارِ مِنْ الْخَصْمِ إذَا أَقَرَّ عِنْدَهُ، وَقِيلَ يُنْدَبُ تَرْتِيبُ مَنْ ذُكِرَ وَقَوْلُهُ: (عُدُولًا شَرْطًا) رَاجِعٌ لِلْكَاتِبِ وَمَنْ بَعْدَهُ: أَيْ يُشْتَرَطُ فِيهِمْ الْعَدَالَةُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ التَّرْتِيبَ شَرْطٌ، بَلْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ، وَقِيلَ: بِنَدْبِهِ. وَ " شَرْطًا " حَالٌ أَيْ: حَالَ كَوْنِ الْعَدَالَةِ فِيهِمْ شَرْطًا. (وَالتُّرْجُمَانُ) : وَهُوَ الَّذِي يُخْبِرُ الْحَاكِمَ بِمَعْنَى لُغَةِ الْخَصْمِ، وَيُخْبِرُ الْخَصْمَ بِمَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي عِنْدَ اخْتِلَافِ اللُّغَةِ (كَالشَّاهِدِ) فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ (وَكَفَى إنْ رُتِّبَ الْوَاحِدُ) : " الْوَاحِدُ " فَاعِلُ " كَفَى ". وَ " رُتِّبَ " بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، يَعْنِي: يَكْفِي الْوَاحِدُ إنْ رَتَّبَهُ الْقَاضِي وَأَمَّا غَيْرُ الْمُرَتَّبِ - بِأَنْ أَتَى بِهِ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ أَوْ طَلَبَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [يَكْتُبُ وَقَائِعَ الْخُصُومِ] : أَيْ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَحْكُمَ فِيهَا. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ يُنْدَبُ تَرْتِيبُ مَنْ ذُكِرَ] : مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ وُجُوبًا وَالْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ لِلشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيُّ وَالنَّدْبُ إلَخْ. قَوْلُهُ: [بَلْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ] : أَيْ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [وَالتُّرْجُمَانُ] : مُثَلَّثُ التَّاءِ. قَوْلُهُ: [عِنْدَ اخْتِلَافِ اللُّغَةِ] : أَيْ وَأَمَّا عِنْدَ اتِّحَادِهَا فَلَا حَاجَةَ لَهُ. قَوْلُهُ: [فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ] : أَيْ وَالذُّكُورَةِ. قَوْلُهُ: [الْوَاحِدُ] : فَاعِلُ كَفَى أَيْ وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ.

[ما يبدأ القاضي بنظره أول ولايته]

الْقَاضِي لِلتَّبْلِيغِ - فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّعَدُّدِ، لِأَنَّهُ صَارَ كَالشَّاهِدِ. قِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ تَعَدُّدِهِ وَلَوْ رُتِّبَ، وَكَذَا الْمُحَلِّفُ الَّذِي يُحَلِّفُ الْخَصْمَ عِنْدَ تَوَجُّهِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْمُتَرْجِمُ مُخْبِرٌ كَالْمُحَلِّفِ. أَيْ: فَيَكْفِي الْوَاحِدُ فِيهِمَا. (وَبَدَأَ) الْقَاضِي (أَوَّلَ وِلَايَتِهِ بِالْكَشْفِ عَنْ الشُّهُودِ) الْمُرَتَّبِينَ لِلْقُضَاةِ السَّابِقِينَ لِيُبْقِيَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ عَدْلًا عَارِفًا وَيَطْرُدَ مَنْ كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ. (فَالْمَسْجُونِينَ) : لِأَنَّ السَّجْنَ عَذَابٌ، فَيَنْظُرُ فِي حَالِهِمْ، فَمَنْ اسْتَحَقَّ الْإِفْرَاجَ عَنْهُ - كَكَوْنِهِ مُعْسِرًا - خَلَّى سَبِيلَهُ وَأَفْلَتَهُ، وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ يَمِينٌ حَلَّفَهُ، وَمَنْ اسْتَحَقَّ الْإِبْقَاءَ أَبْقَاهُ. (فَأَوْلِيَاءُ الْأَيْتَامِ) : مِنْ وَصِيٍّ أَوْ مُقَدَّمٍ، هَلْ هُوَ مُسْتَقِيمٌ فِي تَرْبِيَتِهِمْ وَالتَّصَرُّفِ فِي شَأْنِهِمْ؟ لِأَنَّ الْيَتِيمَ قَاصِرٌ عَنْ الرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ. (وَ) الْكَشْفِ عَنْ (مَالِهِمْ) : أَلَهُمْ عَلَيْهِ وَصِيٌّ أَمْ لَا؟ . (وَنَادَى) : أَيْ أَمَرَ مُنَادِيًا يُنَادِي (بِمَنْعِ مُعَامَلَةِ يَتِيمٍ وَسَفِيهٍ) مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّعَدُّدِ] : أَيْ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ تَعَدُّدِهِ] : الْقَائِلُ بِهِ ابْنُ شَاسٍ لَكِنْ حَمَلَ (ح) كَلَامَ ابْنِ شَاسٍ عَلَى إذَا أَتَى بِهِ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا الْمُحَلِّفُ] : أَيْ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْعَدَالَةِ. قَوْلُهُ: [قَالَ الْمُصَنِّفُ] : أَيْ خَلِيلٌ وَكَثِيرًا مَا يُخَالِفُ اصْطِلَاحَهُ. . [مَا يَبْدَأ الْقَاضِي بِنَظَرِهِ أَوَّلَ وِلَايَتِهِ] قَوْلُهُ: [بِالْكَشْفِ عَنْ الشُّهُودِ] : أَيْ الْمُوَثِّقِينَ الَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْوَثَائِقَ وَيَسْمَعُونَ الدَّعَاوَى، وَتُوَضَّحُ شَهَادَتُهُمْ فِي الْوَثَائِقِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالْبَدْءِ بِهِ لِأَنَّ الْمَدَارَ كُلَّهُ عَلَيْهِمْ، وَكَيْفِيَّةُ الْكَشْفِ أَنْ يَدْعُوَ صُلَحَاءَ أَهْلِ الْبَلَدِ وَيَسْأَلَهُمْ عَنْ عَدَالَتِهِمْ، فَمَنْ شَهِدُوا لَهُ بِالْعَدَالَةِ أَبْقَاهُ وَمَنْ نَفَوْهَا عَنْهُ عَزَلَهُ. قَوْلُهُ: [فَالْمَسْجُونِينَ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانُوا مَسْجُونِينَ فِي الدِّمَاءِ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَكِنْ يُقَدِّمُ الْمَسْجُونِينَ فِي دَعَاوَى الدِّمَاءِ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ مَا يُقْضَى فِيهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَوْلُهُ: [فَأَوْلِيَاءُ الْأَيْتَامِ] : أَيْ فَيَسْتَخْبِرُ مِنْ عُدُولِ أَهْلِ هَذَا الْمَكَانِ عَنْ تَصَرُّفِهِمْ فِي شَأْنِ الْأَيْتَامِ. قَوْلُهُ: [وَنَادَى] : فَائِدَةُ الْمُنَادَاةِ انْكِفَافُ النَّاسِ عَنْهُمَا لَكِنْ فِي السَّفِيهِ تَمْضِي

مِنْهُ أَوْ لَهُ وَمُدَايِنَتِهِ، وَمَنْ عَامَلَ يَتِيمًا أَوْ سَفِيهًا لَا وَلِيَّ لَهُ فَهُوَ مَرْدُودٌ. (وَ) نَادَى (بِرَفْعِ أَمْرِهِمَا) : أَيْ الْيَتِيمِ وَالسَّفِيهِ (لَهُ) : بِأَنْ يُنَادِيَ: أَنَّ مَنْ عَامَلَ يَتِيمًا أَوْ سَفِيهًا لَا وَلِيَّ لَهُ فَلْيَرْفَعْهُ إلَيْنَا لِنُوَلِّيَ عَلَيْهِ مَنْ يَصُونُ مَالَهُ. . (ثُمَّ) يَنْظُرُ (فِي الْخُصُومِ؛ فَيَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ) فَالْأَهَمِّ (كَالْمُسَافِرِ) : يُقَدِّمُهُ عَلَى غَيْرِهِ لِضَرُورَةِ سَفَرِهِ، وَلَوْ تَأَخَّرَ فِي الْمَجِيءِ عَنْ غَيْرِهِ. (وَمَا يُخْشَى فَوَاتُهُ) لَوْ قَدَّمَ غَيْرَهُ عَلَيْهِ لِضَرُورَةِ الْفَوَاتِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ مُسَافِرٌ وَمَا يُخْشَى فَوَاتُهُ قَدَّمَ الْأَهَمَّ مِنْهُمَا. وَمِثَالُ مَا يُخْشَى فَوَاتُهُ: الطَّعَامُ الَّذِي يَتَغَيَّرُ بِالتَّأْخِيرِ وَالنِّكَاحُ الْفَاسِدُ يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ. (فَالْأَسْبَقُ) : أَيْ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ أَمْرِ الْمُسَافِرِ أَوْ مَا يُخْشَى فَوَاتُهُ أَوْ لَمْ يُوجَدَا قَدَّمَ الْأَسْبَقَ فِي الْمَجِيءِ إلَيْهِ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ مَجِيئًا. (وَإِلَّا) يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَوْ أَحَدُهُمْ سَابِقًا بِأَنْ جَاءَا مَعًا أَوْ جُهِلَ الْأَسْبَقُ (أَقْرَعَ) بَيْنَهُمَا أَوْ بَيْنَهُمْ، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ بِالتَّقْدِيمِ قُدِّمَ. . (وَيَنْبَغِي) لِلْقَاضِي (أَنْ يُفْرِدَ يَوْمًا أَوْ وَقْتًا) كَبَعْدِ الْعَصْرِ (لِلنِّسَاءِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُعَامَلَاتُهُ الْحَاصِلَةُ قَبْلَ النِّدَاءِ، وَأَمَّا الْحَاصِلَةُ بَعْدَهُ فَمَرْدُودَةٌ، وَأَمَّا الْيَتِيمُ فَمَرْدُودَةٌ قَبْلَ النِّدَاءِ وَبَعْدَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ رُتْبَةَ الْمُنَادَاةِ فِي رُتْبَةِ النَّظَرِ فِي أَمْرِهِمَا فَهِيَ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ النَّظَرِ فِي الْمَحْبُوسِ، وَحُكْمُ الْمُنَادَاةِ الْمَذْكُورَةِ النَّدْبُ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ بَهْرَامَ وَالتَّتَّائِيِّ وَالْوُجُوبُ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ التَّبْصِرَةِ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ يَنْظُرُ فِي الْخُصُومِ] : هَذِهِ مَرْتَبَةٌ رَابِعَةٌ. قَوْلُهُ: [قَدَّمَ الْأَهَمَّ مِنْهُمَا] : أَيْ وَلَوْ كَانَ الْآخَرُ سَابِقًا فِي الْحُضُورِ. قَوْلُهُ: [يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ] : صِفَةٌ لِلنِّكَاحِ الْفَاسِدِ أَيْ النِّكَاحِ الَّذِي شَأْنُهُ يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَمْضِي بَعْدَهُ فَإِنَّهُ أَهَمُّ مِنْ غَيْرِهِ لِلتَّعْجِيلِ بِالْفَسْخِ امْتِثَالًا لِحُكْمِ اللَّهِ وَخَوْفَ الْغَفْلَةِ عَنْهُ فَيَمْضِي بِالدُّخُولِ، وَذَلِكَ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِصَدَاقِهِ وَكَمَنْ خَطَبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ ثُمَّ عَقَدَ. قَوْلُهُ: [أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا] : أَيْ بِأَنْ يَأْتِيَ الْقَاضِي بِأَوْرَاقٍ بِعَدَدِهِمْ يَكْتُبُ فِي وَاحِدَةٍ يُقَدَّمُ وَفِي الْأُخْرَى لَا يُقَدَّمُ وَيَأْمُرَ كُلَّ وَاحِدٍ بِأَخْذِ وَرِقَّةٍ فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ بِالتَّقْدِيمِ قُدِّمَ. قَوْلُهُ: [كَبَعْدِ الْعَصْرِ لِلنِّسَاءِ] : أَيْ اللَّاتِي يَخْرُجْنَ لَا الْمُخَدَّرَاتِ اللَّاتِي يُمْنَعُ

[لا يحكم الحاكم مع ما يدهش العقل]

وَلَوْ مَعَ رِجَالٍ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُنَّ. (كَالْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسِ) : تَشْبِيهٌ فِي كُلِّ مَا تَقَدَّمَ، فَيُقَدِّمُ الْمُسَافِرَ وَمَا يُخْشَى فَوَاتُهُ فَالْأَسْبَقُ ثُمَّ أَقْرَعَ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْرِدَ النِّسَاءَ بِوَقْتٍ أَوْ يَوْمٍ، وَكَذَا أَرْبَابُ الْحِرَفِ كَالْخَبَّازِ وَالطَّحَّانِ. (وَلَا يَحْكُمُ) الْحَاكِمُ - وَكَذَا لَا يُفْتِي الْمُفْتِي وَلَا يُدَرِّسُ الْمُدَرِّسُ - (مَعَ مَا يُدْهِشُ) الْعَقْلَ كَمَرَضٍ وَضَجَرٍ وَخَوْفٍ وَضِيقِ نَفْسٍ. (وَمَضَى) حُكْمُهُ إنْ حَكَمَ مَعَ مَا يُدْهِشُ، وَلَا يُنْقَضُ، إلَّا أَنْ يَعْظُمَ الْمُدْهِشُ فَلَا يَجُوزُ مَعَهُ حُكْمٌ قَطْعًا، وَلْيُتَعَقَّبْ. (وَلْيُسَوِّ) الْقَاضِي (بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ) : فَلَا يُقَدِّمُ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ (وَإِنْ) كَانَ أَحَدُهُمَا (مُسْلِمًا) (وَ) الْآخَرُ (كَافِرًا) لِأَنَّ التَّسْوِيَةَ مِنْ الْعَدْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ سَمَاعِ كَلَامِهِنَّ فَإِنَّهُنَّ يُوَكِّلْنَ أَوْ يَبْعَثُ الْقَاضِي لَهُنَّ فِي مَنْزِلِهِنَّ وَاحِدًا مِنْ طَرَفِهِ يَسْمَعُ دَعْوَاهُنَّ كَمَا قَرَّرَ الْأَشْيَاخُ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ مَعَ رِجَالٍ] : أَيْ هَذَا إذَا كَانَتْ دَعَاوِيهِنَّ مَعَ نِسَاءٍ، بَلْ وَلَوْ كَانَتْ مَعَ رِجَالٍ. قَوْلُهُ: [كَالْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسِ] : أَيْ وَكَذَا الْمُقْرِئُ الَّذِي يُقْرِئُ الْقُرْآنَ لِلنَّاسِ. قَوْلُهُ: [كَالْخَبَّازِ وَالطَّحَّانِ] : أَيْ فَيُقَدِّمُ الْمُسَافِرَ، ثُمَّ الْأَسْبَقَ، ثُمَّ الْقُرْعَةَ، هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِهِ، وَاَلَّذِي فِي ابْنِ غَازِيٍّ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ وَإِلَّا عَمِلَ بِهِ، وَاَلَّذِي فِي الْمَوَّاقِ عَنْ الْبُرْزُلِيِّ أَنَّ أَرُبَابَ الصَّنَائِعِ إنْ كَانَ بَيْنَهُمْ عُرْفٌ عَمِلَ بِهِ، وَإِلَّا قَدَّمَ الْآكَدَ فَالْآكَدَ كَالْأَشَدِّ جُوعًا أَوْ الْأَقْرَبِ لِفَسَادِ شَيْئِهِ وَفِي الْحَقِيقَةِ عِبَارَاتُ الْجَمِيعِ مُتَقَارِبَةٌ. [لَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ مَعَ مَا يُدْهِشُ الْعَقْلَ] قَوْلُهُ: [وَلَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ] إلَخْ: أَيْ يُكْرَهُ أَوْ يَحْرُمُ قَوْلَانِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَجُوزُ] : أَيْ يَحْرُمُ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [وَلْيُتَعَقَّبْ] : أَيْ فَإِنْ كَانَ صَوَابًا أُمْضِيَ وَإِلَّا رُدَّ. قَوْلُهُ: [وَلْيُسَوِّ الْقَاضِي] : أَيْ وُجُوبًا. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا] إلَخْ: أَيْ هَذَا إذَا كَانَا مُسْلِمِينَ أَوْ كَافِرِينَ، بَلْ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا إلَخْ، وَرَدَ بِالْمُبَالَغَةِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ الْقَائِلِ

[تعزير شاهد الزور]

(وَعَزَّرَ) وُجُوبًا (شَاهِدَ الزُّورِ) : وَهُوَ مَنْ شَهِدَ بِمَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ وَلَوْ صَادَفَ الْوَاقِعَ (فِي الْمَلَأِ) : بِالْهَمْزَةِ مَعَ الْقَصْرِ: أَيْ جَمَاعَةِ النَّاسِ (بِنِدَاءٍ) : أَيْ يُعَزِّرُهُ بِضَرْبٍ مُؤْلِمٍ مَعَ نِدَائِهِ وَطَوَافِهِ فِي الْأَسْوَاقِ وَالْأَزِقَّةِ لِإِشْهَارِ أَمْرِهِ وَارْتِدَاعِ غَيْرِهِ. (لَا) يُعَزِّرُهُ (بِحَلْقِ لِحْيَتِهِ) وَلَا (تَسْخِيمِ وَجْهِهِ) بِطِينٍ أَوْ سَوَادٍ. ثُمَّ لَا تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ وَلَوْ تَابَ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ اتِّفَاقًا، إنْ كَانَ حِينَ شَهَادَتِهِ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ. وَعَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ: إنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرَهَا. وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، وَهُوَ مُرَادُهُ بِالتَّرَدُّدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِجَوَازِ رَفْعِ الْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ وَنَسَبَهُ فِي التَّوْضِيحِ لِمَالِكٍ كَذَا فِي (بْن) . [تَعْزِير شَاهِدَ الزُّورِ] قَوْلُهُ: [بِمَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ] : صَادِقٌ بِأَنْ يَكُونَ عَلِمَ خِلَافَهُ أَوْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ بِشَيْءٍ. قَوْلُهُ: [بِضَرْبٍ مُؤْلِمٍ] : أَيْ عَلَى حَسَبِ اجْتِهَادِهِ. قَوْلُهُ: [مَعَ نِدَائِهِ] : أَيْ بِأَنَّ هَذَا شَاهِدُ زُورٍ وَانْظُرْ هَلْ الْوُجُوبُ مُنْصَبٌّ عَلَى التَّعْزِيرِ وَالنِّدَاءِ عَلَيْهِ أَوْ مُنْصَبٌّ عَلَى خُصُوصِ التَّعْزِيرِ وَكَوْنُهُ فِي الْمَلَأِ وَالنِّدَاءُ عَلَيْهِ مَنْدُوبٌ فَقَطْ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [بِحَلْقِ لِحْيَتِهِ وَلَا تَسْخِيمِ وَجْهِهِ] : أَيْ يَحْرُمُ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ فِي الْحُرْمَةِ مَا يُفْعَلُ فِي الْأَفْرَاحِ مِنْ تَسْخِيمِ الْوَجْهِ بِسَوَادٍ أَوْ دَقِيقٍ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِخَلْقِ اللَّهِ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ مُرَادُهُ بِالتَّرَدُّدِ] أَيْ فَمُرَادُ خَلِيلٍ بِالتَّرَدُّدِ الطَّرِيقَتَانِ، الطَّرِيقَةُ الْأُولَى تَقُولُ: إنْ كَانَ ظَاهِرَ الصَّلَاحِ حِينَ شَهِدَ بِالزُّورِ لَا تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا، لِاحْتِمَالِ بَقَائِهِ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُظْهِرٍ لِلصَّلَاحِ حِينَ الشَّهَادَةِ فَفِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا ظَهَرَتْ تَوْبَتُهُ قَوْلَانِ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ عَكْسُهَا لِابْنِ رُشْدٍ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ نَقْلًا عَنْ التَّتَّائِيِّ: وَطَرِيقَةُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنْسَبُ بِالْفِقْهِ وَطَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ أَقْرَبُ لِظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ، فَإِنْ شَهِدَ قَبْلَ التَّوْبَةِ لَمْ تُقْبَلْ اتِّفَاقًا، لِأَنَّهُ فَاسِقٌ. وَإِنْ شَهِدَ بَعْدَهَا وَقَبْلَ التَّعْزِيرِ فَمُقْتَضَى الْعِلَّةِ جَرَى التَّرَدُّدُ فِيهِ، وَكَذَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَوَّاقِ وَأَفَادَ ذِكْرُ التَّرَدُّدِ فِيمَنْ فَسُقْهُ بِالزُّورِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِسْقُهُ بِغَيْرِهِ ثُمَّ شَهِدَ بَعْدَمَا تَابَ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ (اهـ) وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ النُّورِ: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] الْآيَةُ.

[تعزير من أساء على خصمه في مجلس القضاء]

وَالْقَاضِي إذَا عُزِلَ لِجُنْحَةٍ فَلَا تَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ بَعْدُ وَلَوْ صَارَ أَعْدَلَ، أَهْلِ زَمَانِهِ. وَالسُّخَامُ - بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ: هُوَ الدُّخَانُ اللَّاصِقُ بِأَوَانِي الطَّبْخِ. وَقِيلَ: لَهُ حَلْقُ لِحْيَتِهِ وَتَسْخِيمُ وَجْهِهِ، قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. (وَ) عَزَّرَ (مَنْ أَسَاءَ عَلَى خَصْمِهِ) فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ بِقَبِيحٍ، نَحْوُ: فَاجِرٍ وَظَالِمٍ وَفَاسِقٍ وَكَذَّابٍ، وَأَوْلَى مَا كَانَ أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ كَالسَّبِّ الْقَبِيحِ، وَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ لِبَيِّنَةٍ، بَلْ يَسْتَنِدُ فِي ذَلِكَ لِعِلْمِهِ؛ لِأَنَّ مَجْلِسَ الْقَضَاءِ يُصَانُ عَنْ ذَلِكَ. وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ لِلَّهِ فَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَرْكُهُ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ الثُّبُوتِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ. (أَوْ) أَسَاءَ عَلَى (مُفْتٍ) نَحْوُ أَنْتَ تُفْتِي بِالْبَاطِلِ أَوْ: بِهَوَاك وَنَحْوِ ذَلِكَ. (أَوْ) أَسَاءَ عَلَى (شَاهِدٍ) نَحْوُ: مُزَوِّرٌ وَتَشْهَدُ بِالزُّورِ. (لَا بِشَهَدْتُ) : أَيْ لَا يُعَزِّرُ بِقَوْلِهِ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَهِدْت (بِبَاطِلٍ) بِخِلَافِ زُورٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْبَاطِلِ الزُّورُ إذْ الْبَاطِلُ أَعَمُّ مِنْ الزُّورِ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَقِيلَ لَهُ حَلْقُ لِحْيَتِهِ] أَيْ لِقَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ عَلَى حَسَبِ مَا أَحْدَثُوهُ مِنْ الْفُجُورِ وَالْبِدَعِ. . [تَعْزِير مَنْ أَسَاءَ عَلَى خَصْمِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ] قَوْلُهُ: [بِقَبِيحٍ] : مُتَعَلِّقٌ بَأْسَاءَ وَالتَّعْزِيرُ يَكُونُ عَلَى حُكْمِ مُقْتَضَى الشَّرْعِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ قَذْفٌ لِعَفِيفٍ أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ. قَوْلُهُ: [وَفَاسِقٍ] : الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ وَجَعْلُهُ مِثَالًا لِلسَّبِّ الْقَبِيحِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ لِبَيِّنَةٍ] : اسْمُ الْإِشَارَةِ عَائِدٌ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْإِسَاءَةِ. قَوْلُهُ: [بَلْ يَسْتَنِدُ فِي ذَلِكَ لِعِلْمِهِ] : اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ الْأَرْبَعَ وَهِيَ تَأْدِيبُ الْقَاضِي لِمَنْ أَسَاءَ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى خَصْمِهِ، أَوْ عَلَى الشَّاهِدِ، أَوْ عَلَى الْمُفْتِي بِمَجْلِسِهِ مُسْتَنِدًا لِعِلْمِهِ، تُزَادُ عَلَى قَوْلِهِمْ: لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَنِدَ لِعِلْمِهِ إلَّا فِي التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ] : أَيْ وَلَا يَسْتَنِدُ فِيهِمَا الْقَاضِي لِعِلْمِهِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ زُورٍ] : فِي الْمَوَّاقِ ابْنِ كِنَانَةَ لَوْ قَالَ: شَهِدْت عَلَيَّ بِزُورٍ فَإِنْ عَنَى أَنَّهُ شَهِدَ عَلَيْهِ بِبَاطِلٍ لَمْ يُعَاقَبْ، وَإِنْ قَصَدَ أَذَاهُ وَإِشْهَارَهُ بِأَنَّهُ مُزَوِّرٌ نُكِّلَ بِقَدْرِ حَالِ الشَّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (اهـ) وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا أَرَادَهُ إلَّا لِقَرِينَةٍ تُكَذِّبُهُ (اهـ عب) .

[ترتيب الكلام بين المدعي والمدعي عليه]

الْبَاطِلَ بِالنَّسِيَةِ لِلْوَاقِعِ وَالزُّورَ بِالنِّسْبَةِ لِعِلْمِ الشَّاهِدِ، فَقَدْ يَشْهَدُ بِشَيْءٍ يَعْلَمُهُ وَيَكُونُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ قَضَاهُ أَوْ أُحِيلَ عَلَيْهِ بِهِ أَوْ أُبْرِئَ مِنْهُ أَوْ عُفِيَ عَنْهُ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى الشَّاهِدِ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ الزُّورِ فَإِنَّهُ تَعَمَّدَ الْإِخْبَارَ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ. (وَلَا بِكَذَبْتُ لِخَصْمِهِ) : أَيْ وَلَا يُعَزَّرُ بِقَوْلِهِ لِخَصْمِهِ: كَذَبْت أَوْ: ظَلَمْتَنِي، بِخِلَافِ كَذَّابٍ وَظَالِمٍ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَأَمَرَ) الْقَاضِي أَوَّلًا عِنْدَ إقَامَةِ الدَّعْوَى (مُدَّعِيًا) : وَهُوَ مَنْ (تَجَرَّدَ) عَنْ أَصْلٍ (أَوْ مَعْهُودٍ بِالْكَلَامِ) مُتَعَلِّقٌ " بِأَمَرَ " أَيْ: يَأْمُرُ الْمُدَّعِي ابْتِدَاءً بِالْكَلَامِ بِإِقَامَةِ دَعْوَاهُ، وَالْمُدَّعِي: هُوَ الَّذِي تَجَرَّدَ قَوْلُهُ عَنْ أَصْلٍ أَوْ مَعْهُودٍ عُرْفًا يُصَدِّقُهُ حِينَ دَعْوَاهُ، فَلِذَا طُلِبَتْ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ لِتَصْدِيقِهِ؛ كَطَالِبِ دَيْنٍ عَلَى آخَرَ أَوْ جِنَايَةٍ، أَوْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ بِفِعْلٍ مِنْ الْأَفْعَالِ، كَطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ قَذْفٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِالنِّسْبَةِ لِعِلْمِ الشَّاهِدِ] : أَيْ فَبَيْنَ الزُّورِ وَالْبَاطِلِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ، فَإِذَا شَهِدَ بِمَا هُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ كَانَ بَاطِلًا وَزُورًا، وَإِذَا شَهِدَ بِخِلَافِ الْوَاقِعِ وَكَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ الْوَاقِعُ كَانَ بَاطِلًا لَا زُورًا، وَإِذَا شَهِدَ بِمَا هُوَ مُطَابِقٌ لِلْوَاقِعِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ كَانَ ذَلِكَ زُورًا لَا بَاطِلًا. قَوْلُهُ: [بِمَا لَمْ يَعْلَمْ] : أَيْ بِثُبُوتِهِ بَلْ إمَّا عَلِمَ عَدَمَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مَعَ الشَّكِّ زُورٌ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ كَذَّابٍ وَظَالِمٍ] : الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ أَنَّ قَوْلَهُ: كَذَبْت تَعَلَّقَ بِخُصُوصِ دَعْوَتِهِ لَيْسَ فِيهِ انْتِهَاكٌ لِمَجْلِسِ الشَّرْعِ. بِخِلَافِ كَذَّابٍ وَظَالِمٍ فَإِنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْخُصُوصِ، بَلْ فِيهِ مُشَاتَمَةٌ لِلْخَصْمِ عَامَّةٌ وَهَذَا انْتِهَاكٌ لِحُرْمَةِ الشَّرْعِ. . [تَرْتِيب الْكَلَام بَيْن الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعِي عَلَيْهِ] قَوْلُهُ: [وَأَمَرَ الْقَاضِي] : أَيْ وَجُوَبًا. قَوْلُهُ: [بِالْكَلَامِ] : مُتَعَلِّقٌ بِأَمَرَ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ. وَقَوْلُهُ: [بِإِقَامَةِ] : مُتَعَلِّقٌ بِأَمَرَ أَيْضًا وَالْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ فَاخْتَلَفَ مَعْنَى الْبَاءَيْنِ. قَوْلُهُ: [تَجَرَّدَ قَوْلُهُ عَنْ أَصْلٍ أَوْ مَعْهُودٍ] : أَيْ وَلَيْسَ مُجَرَّدًا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ مُتَمَسِّكٌ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يُقَالُ: إنَّ دَعْوَاهُ مُجَرَّدَةٌ عَنْ جَمِيعِ الْمُسْتَنَدَاتِ، بَلْ عَنْ شَيْءٍ خَاصٍّ وَهُوَ الْأَصْلُ أَوْ الْمَعْهُودُ.

فَإِنَّ الْأَصْلَ وَالْمَعْهُودَ عَدَمُ مَا ذُكِرَ. وَإِنَّمَا يَأْمُرُ الْمُدَّعِيَ إذَا عَلِمَهُ وَلَوْ بِقَوْلِهِ لَهُمَا: مَنْ الْمُدَّعِي مِنْكُمَا؟ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا، وَسَلَّمَ لَهُ الْآخَرُ. وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ مَنْ تَرَجَّحَ قَوْلُهُ بِأَصْلٍ أَوْ مَعْهُودٍ. (وَإِلَّا) يَعْلَمَ الْمُدَّعِيَ مِنْهُمَا بِأَنْ قَالَ كُلٌّ: أَنَا الْمُدَّعِي (فَالْجَالِبُ) لِصَاحِبِهِ عِنْدَ الْقَاضِي هُوَ الَّذِي يُؤْمَرُ بِالْكَلَامِ ابْتِدَاءً، لِأَنَّ الشَّأْنَ أَنَّ الْجَالِبَ هُوَ الطَّالِبُ. (وَإِلَّا) يَكُنْ جَالِبٌ بِأَنْ جَاءَا مَعًا (أَقْرَعَ) بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ بِالتَّقَدُّمِ قُدِّمَ. وَإِذَا أُمِرَ بِالْكَلَامِ. (فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ) نَحْوُ: لِي عَلَيْهِ دِينَارٌ مِنْ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ، وَاحْتُرِزَ: " بِمَعْلُومٍ " مِنْ نَحْوِ لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ وَ " بِمُحَقَّقٍ " مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ: فِي ظَنِّيّ أَوْ: أَظُنُّ أَنَّ لِي عَلَيْهِ كَذَا. (وَبَيَّنَ فِي) دَعْوَى (الْمَالِ: السَّبَبَ) : كَالْقَرْضِ وَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ. (وَإِلَّا) يُبَيِّنَ السَّبَبَ (سَأَلَهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ) : أَيْ عَنْ السَّبَبِ وُجُوبًا. (وَإِلَّا) بِأَنْ ادَّعَى بِمَجْهُولٍ أَوْ بِمَعْلُومٍ غَيْرِ مُحَقَّقٍ، أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ (لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنَّ الْأَصْلَ وَالْمَعْهُودَ عَدَمُ مَا ذُكِرَ] : أَيْ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْعَدَمُ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِقَوْلِهِ لَهُمَا] : أَيْ هَذَا إذَا كَانَ عَلِمَهُ بِأَمْرٍ سَابِقٍ بَلْ وَلَوْ بِقَوْلِهِ لَهُمَا إلَخْ. قَوْلُهُ: [مَنْ تَرَجَّحَ قَوْلُهُ بِأَصْلٍ] إلَخْ: أَيْ لِكَوْنِهِ ضِدَّ الْمُدَّعِي. قَوْلُهُ: [أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا] : أَيْ فِيمَنْ يَبْتَدِئُ بِالْكَلَامِ. قَوْلُهُ: [فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ] : اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِعِلْمِ الْمُدَّعِي بِهِ تَصَوُّرُهُ وَتَمَيُّزُهُ. فِي ذِهْنِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْقَاضِي. وَأَمَّا تَحَقُّقُهُ فَهُوَ رَاجِعٌ لِجَزْمِ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُ. قَوْلُهُ: [بِمَجْهُولٍ] : مُحْتَرَزُ مَعْلُومٍ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ بِمَعْلُومٍ] : غَيْرِ مُحَقَّقٍ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ مُحَقَّقٍ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ] : مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَبَيَّنَ فِي الْمَالِ السَّبَبَ.

تُسْمَعْ دَعْوَاهُ كَأَظُنُّ) أَنَّ لِي عَلَيْهِ دِينَارًا، لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُدَّعِي بِهِ وَلَوْ قَالَ: أَظُنُّ ظَنًّا قَوِيًّا. وَمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْبَاتَّ يَعْتَمِدُ فِي يَمِينِهِ عَلَى الظَّنِّ الْقَوِيِّ فَذَاكَ فِي الْيَمِينِ وَمَا هُنَا فِي الدَّعْوَى. وَإِذَا لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ لَمْ يَطْلُبْ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَوَابٌ. (إلَّا أَنْ يَنْسَى السَّبَبَ) : أَيْ يَدَّعِي نِسْيَانَهُ فَيُعْذَرَ بِذَلِكَ، وَتُسْمَعَ دَعْوَاهُ؛ فَيُطْلَبُ الْجَوَابُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: لَا أُبَيِّنُهُ، أَوْ لَا أَعْرِفُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَأَظُنُّ أَنَّ لِي عَلَيْهِ دِينَارًا] : مِثَالٌ لِلْمَعْلُومِ الْغَيْرِ الْمُحَقَّقِ وَتَقَدَّمَ مِثَالُ الْمَجْهُولِ فِي قَوْلِهِ لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ. قَوْلُهُ: [فَذَاكَ فِي الْيَمِينِ وَمَا هُنَا فِي الدَّعْوَى] : وَقَدْ يُقَالُ يَلْزَمُ مِنْ الظَّنِّ فِي الْيَمِينِ الظَّنُّ فِي الدَّعْوَى. فَالْإِشْكَالُ بَاقٍ وَالْمَأْخُوذُ مِنْ كَلَامِ (بْن) وَالْحَاشِيَةِ جَوَابٌ آخَرُ أَوْضَحُ مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنَّ مَا هُنَا طَرِيقَةٌ. وَمَا يَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ سَمَاعِ دَعْوَى الِاتِّهَامِ الْمُفِيدِ عَدَمَ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمُدَّعَى بِهِ مُحَقَّقًا طَرِيقَةٌ أُخْرَى، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى كُلِّ الْخِلَافِ فِي تَوَجُّهِ يَمِينِ التُّهْمَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَوَجُّهُهَا وَالْمُعْتَمَدُ مَا يَأْتِي، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَذِكْرُ الْمُصَنِّفِ هَذَا الشَّرْطَ وَتَقْيِيدَهُ بِدَعْوَى الِاتِّهَامِ فِيهِ نَوْعُ تَنَاقُضٍ وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا قَوْلُهُ فِي الْحَاشِيَةِ بَاحِثًا مَعَ الْخَرَشِيِّ فِيهِ أَنَّ دَعْوَى الِاتِّهَامِ تَرْجِعُ لِلظَّنِّ أَوْ الشَّكِّ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ مَشَى هُنَا عَلَى قَوْلٍ وَهُنَاكَ عَلَى قَوْلٍ. قَوْلُهُ: [لَمْ يُطْلَبْ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَوَابٌ] : أَيْ وَسَوَاءٌ بَيَّنَ السَّبَبَ أَمْ لَا عَلَى الْمَشْهُورِ. وَمُقَابَلَةُ مَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ مِنْ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى بِمَجْهُولٍ لَمْ يُقْبَلْ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ، فَإِنْ بَيَّنَ السَّبَبَ أَمَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ إمَّا بِتَعْيِينِهِ أَوْ الْإِنْكَارِ، قَالَ (شب) فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ لِلْمُدَّعِي بِشَيْءٍ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يَعْلَمَ قَدْرَ الَّذِي يَدَّعِي بِهِ وَيَقُولُ شَيْئًا وَيَأْبَى مِنْ ذِكْرِ قَدْرِهِ وَفِي هَذِهِ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ اتِّفَاقًا. الثَّانِيَةُ أَنْ يَدَّعِيَ جَهْلَ الْمُدَّعَى بِهِ وَتَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَرِينَةٌ كَشَهَادَةِ بَيِّنَةٍ بِأَنَّ لَهُ حَقًّا لَا يَعْلَمُونَ قَدْرَهُ وَفِي هَذِهِ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ اتِّفَاقًا. الثَّالِثَةُ أَنْ يَدَّعِيَ جَهْلَ قَدْرِهِ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةِ قَرِينَةٍ بِذَلِكَ فَهِيَ مَحَلُّ الْخِلَافِ الَّذِي اخْتَارَ فِيهِ الْمَازِرِيُّ سَمَاعَ الدَّعْوَى بِهِ (اهـ) .

(وَيُتَّهَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) : هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ نَاظِرٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: " وَبَيَّنَ السَّبَبَ " الدَّاخِلَ تَحْتَ: " وَإِلَّا " إلَخْ: أَيْ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ - إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ نِسْيَانَهُ أَوْ يَتَّهِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَأَظُنُّ أَنَّك سَرَقْت لِي كَذَا أَوْ: غَصَبْتَهُ مِنِّي، أَوْ: فَرَّطْتَ فِيهِ حَتَّى تَلِفَ - فَتُسْمَعَ دَعْوَاهُ وَيَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُتَّهَمِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ إذَا أَنْكَرَ الْمُتَّهَمُ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ: " أَظُنُّ " إلَخْ فِيهِ ذِكْرُ السَّبَبِ، لَكِنْ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَيَانِ بَلْ الظَّنِّ. فَالسَّرِقَةُ مَثَلًا سَبَبٌ لِلْمُدَّعَى بِهِ لَكِنَّهُ مَظْنُونٌ لَا مُحَقَّقٌ. وَجَعَلْنَا بَيَانَ السَّبَبِ مِنْ بَيَانِ صِحَّةِ الدَّعْوَى، هُوَ الرَّاجِحُ. وَقِيلَ: لَيْسَ هُوَ مِنْ تَمَامِ صِحَّتِهَا؛ وَقَوْلُهُ: " وَبَيَّنَ فِي الْمَالِ السَّبَبَ " مَفْهُومُهُ: أَنَّ غَيْرَ الْمَالِ لَا يُبَيَّنُ فِيهِ سَبَبٌ كَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَذْكُرَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ يَأْمُرُ الْقَاضِي (مُدَّعًى عَلَيْهِ) : وَهُوَ مَنْ (تَرَجَّحَ قَوْلُهُ بِمَعْهُودٍ) شَرْعِيٍّ: كَالْأَمَانَةِ، فَإِنَّهُ عُهِدَ شَرْعًا أَنَّ رَبَّهَا مُصَدَّقٌ فِي قَوْلِهِ، كَالْوَدِيعِ وَعَامِلِ الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ (أَوْ أَصْلٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ] : أَيْ الْكَائِنُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَعْنِي قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَنْسَى السَّبَبَ أَوْ يَتَّهِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَكَذَا ظَاهِرُ حِلِّهِ، وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ لِمَفْهُومٍ مُحَقَّقٍ وَبَيَانِ السَّبَبِ عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ، فَإِنَّ الِاتِّهَامَ عَائِدٌ عَلَى مَفْهُومِ مُحَقَّقٍ وَنِسْيَانَ السَّبَبِ رَاجِعٌ لِمَفْهُومِ بَيَانٍ. فَتَأَمَّلْ. فَقَدْ عَلِمْت بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُمَا طَرِيقَتَانِ أَنَّ الْأَوْلَى حَذْفُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي. قَوْلُهُ: [كَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ] : فَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا الطَّلَاقَ فَلَا تُسْأَلُ عَنْ بَيَانِ السَّبَبِ. وَقَوْلُهُ: [وَالنِّكَاحِ] : أَيْ إذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ الزَّوْجِيَّةَ لِلْآخَرِ فَلَا يَلْزَمُ بَيَانُ السَّبَبِ. قَوْلُهُ: [عَلَى مَا تَقَدَّمَ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ. وَقَوْلُهُ: [أَنَّ رَبَّهَا] : الْمُرَادُ بِهِ مَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ. قَوْلُهُ: [فِي قَوْلِهِ] : مُتَعَلِّقٌ بِمُصَدِّقٍ. وَقَوْلُهُ: [كَالْوَدِيعِ] : وَمَا بَعْدَهُ أَمْثِلَةٌ لِلْأَمَانَةِ أَيْ فَالْوَدِيعُ وَعَامِلُ الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ تَرَجَّحَ قَوْلُهُ بِمَعْهُودٍ شَرْعِيٍّ حَيْثُ قَالَ: رَدَدْت الْوَدِيعَةَ أَوْ مَالَ الْقِرَاضِ أَوْ ثَمَرَ الْحَائِطِ.

كَالْمَدِينِ؛ فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الدَّيْنِ، وَكَذَا الْحُرِّيَّةُ؛ فَإِنَّهَا الْأَصْلُ. فَإِذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى غَيْرِهِ بِأَنَّهُ رَقِيقٌ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ. وَالْأَصْلُ فِي مَعْلُومِ الرِّقِّ عَدَمُ الْحُرِّيَّةِ فَإِنْ ادَّعَى الْعِتْقَ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ (بِالْجَوَابِ) : مُتَعَلِّقٌ بِأَمَرَ الْمُقَدَّرِ إمَّا بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ. (فَإِنْ أَقَرَّ فَلَهُ) : أَيْ الْمُدَّعِي (الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ) وَلِلْحَاكِمِ إنْ غَفَلَ الْمُدَّعِي تَنْبِيهُهُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَقُولَ لِلْعُدُولِ: اشْهَدُوا بِأَنَّهُ أَقَرَّ. (وَإِنْ أَنْكَرَ قَالَ) الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي: (أَلَكَ بَيِّنَةٌ) تَشْهَدُ لَك عَلَيْهِ؟ (فَإِنْ نَفَاهَا) بِأَنْ قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي بَيِّنَةٌ (فَلَهُ) : أَيْ لِلْمُدَّعِي (اسْتِحْلَافُهُ) : أَيْ طَلَبُ حَلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكَرِ. هَذَا إذَا ثَبَتَتْ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ مِنْ مُعَامَلَةٍ أَوْ غَيْرِهَا بَلْ (وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ) بَيْنَهُمَا (خُلْطَةٌ) بِدَيْنٍ أَوْ تَكَرُّرِ بَيْعٍ، وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ اسْتِحْلَافُهُ إلَّا إذَا ثَبَتَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنَّهَا الْأَصْلُ] : أَيْ الْأَصْلُ فِي النَّاسِ شَرْعًا الْحُرِّيَّةُ وَإِنَّمَا طَرَأَ لَهُمْ الرِّقُّ مِنْ جِهَةِ السَّبْيِ بِشَرْطِ الْكُفْرِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ السَّبْيِ. قَوْلُهُ: [مُتَعَلِّقٌ بِأَمَرَ] : الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ مُتَعَلِّقٌ بِيَأْمُرُ. قَوْلُهُ: [إنْ غَفَلَ الْمُدَّعِي] : أَيْ إذَا غَفَلَ الْمُدَّعِي عَنْ الْإِشْهَادِ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُنَبِّهُهُ الْحَاكِمُ لِيَرْتَاحَ مِنْ كَثْرَةِ النِّزَاعِ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ يَقُولَ] إلَخْ: تَصْوِيرٌ لِمَقَالَةِ الْمُدَّعِي إمَّا مِنْ نَفْسِهِ أَوْ بِتَنْبِيهِ الْحَاكِمِ لَهُ. قَوْلُهُ: [بَلْ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ] : أَيْ كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ وَصَاحِبِ الْمَبْسُوطِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ اسْتِحْلَافُهُ] : هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَلَكِنْ جَرَى الْعَمَلُ بِقَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ فَلِذَلِكَ ضَعَّفَ الشَّارِحُ. هَذَا، وَاسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ الْخُلْطَةِ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ ثَمَانَ مَسَائِلَ تَتَوَجَّهُ فِيهَا الْيَمِينُ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ خُلْطَةٌ اتِّفَاقًا: الْأُولَى: الصَّانِعُ يُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا لَهُ فِيهِ صَنْعَةٌ فَتَتَوَحَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَلَوْ لَمْ تَثْبُتْ خُلْطَةٌ لِأَنَّ نَصْبَ نَفْسِهِ لِلنَّاسِ فِي مَعْنَى الْخُلْطَةِ، وَمِثْلُهُ التَّاجِرُ يُنَصِّبُ نَفْسَهُ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. الثَّانِيَةُ: الْمُتَّهَمُ بَيْنَ النَّاسِ يُدَّعَى عَلَيْهِ بِسَرِقَةٍ أَوْ غَصْبٍ فَتَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَلَوْ لَمْ تَثْبُتْ خُلْطَةٌ، وَفِي مَجْهُولِ الْحَالِ قَوْلَانِ. الثَّالِثَةُ: الضَّيْفُ يَدَّعِي أَوْ يُدَّعَى عَلَيْهِ. الرَّابِعَةُ: الدَّعْوَى فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ كَثَوْبٍ بِعَيْنِهِ. الْخَامِسَةُ: الْوَدِيعَةُ عَلَى أَهْلِهَا بِأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي مِمَّنْ يَمْلِكُ تِلْكَ الْوَدِيعَةَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّنْ يُودَعُ عِنْدَهُ مِثْلُهَا وَالْحَالُ يَقْتَضِي

[إعذار الشاهد في القضاء]

بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ بِذَلِكَ وَلَوْ بِامْرَأَةٍ، وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. (فَإِنْ حَلَفَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ طَلَبَ الْمُدَّعِي مِنْهُ الْيَمِينَ بَرِئَ، وَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ مُطَالَبَةٌ عَلَيْهِ. وَإِذَا بَرِئَ (فَلَا بَيِّنَةَ) تُقْبَلُ لِلْمُدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ (إلَّا لِعُذْرٍ كَنِسْيَانٍ) لَهَا عِنْدَ تَحْلِيفِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَحَلَفَ إنْ أَرَادَ الْقِيَامَ بِهَا أَنَّهُ نَسِيَهَا (وَعَدَمِ عِلْمٍ) بِهَا قَبْلَ تَحْلِيفِهِ، فَلَهُ إقَامَتُهَا وَحَلَفَ. وَكَذَا إذَا ظَنَّ أَنَّهَا لَا تَشْهَدُ لَهُ أَوْ أَنَّهَا مَاتَتْ. (كَأَنْ حَلَفَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لِرَدِّ) شَهَادَةِ (شَاهِدٍ) أَقَامَهُ الْمُدَّعِي، وَكَانَتْ الدَّعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، فَطَلَبَ مِنْهُ الثَّانِي، فَقَالَ: لَيْسَ عِنْدِي إلَّا هَذَا، وَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينًا لِرَدِّ شَهَادَةِ هَذَا الشَّاهِدِ فَوَجَدَ ثَانِيًا، كَأَنْ نَسِيَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، فَلَهُ أَنْ يُقِيمَهُ وَيَضُمَّهُ لِلْأَوَّلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِيدَاعَ كَالسَّفَرِ وَالْغُرْبَةِ. السَّادِسَةُ: الْمُسَافِرُ يَدَّعِي عَلَى رُفْقَتِهِ. السَّابِعَةُ: مَرِيضٌ يَدَّعِي فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَلَى غَيْرِهِ بِدَيْنٍ مَثَلًا. الثَّامِنَةُ: بَائِعٌ يَدَّعِي عَلَى شَخْصٍ حَاضِرٍ الْمُزَايَدَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى سِلْعَتَهُ بِكَذَا وَالْحَاضِرُ يُنْكِرُ الشِّرَاءَ كَذَا فِي خَلِيلٍ وَشُرَّاحِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِامْرَأَةٍ] : بَالَغَ عَلَى ذَلِكَ لِبَيَانِ أَنَّ الْخُلْطَةَ عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِهَا تَثْبُتُ وَلَوْ بِالْعَدْلِ الْوَاحِدِ وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً فَلَا يُشْتَرَطُ تَعَدُّدُ الْعُدُولِ. [إعْذَارِ الشَّاهِدِ فِي الْقَضَاءِ] قَوْلُهُ: [بَعْدَ أَنْ طَلَبَ الْمُدَّعِي مِنْهُ الْيَمِينَ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ حَلَفَ مِنْ نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَ فَلَا يُعْتَدُّ بِحَلِفِهِ. قَوْلُهُ: [بَعْدَ ذَلِكَ] : أَيْ بَعْدَ أَنْ نَفَى بَيِّنَةَ نَفْسِهِ مَعَهُ وَطَلَبَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ وَحَلَفَ. قَوْلُهُ: [إنَّهُ نَسِيَهَا] : مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ حَلَفَ. قَوْلُهُ: [وَحَلَفَ] : أَيْ مَا لَمْ يُشْتَرَطْ أَنَّهُ إنْ ظَهَرَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ يُقِيمُهَا وَلَا يَحْلِفُ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِذَلِكَ وَلَا يَحْلِفُ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا إذَا ظَنَّ أَنَّهَا لَا تَشْهَدُ لَهُ] : مِثْلُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ بَعِيدَةَ الْغَيْبَةِ. قَوْلُهُ: [فَلَهُ أَنْ يُقِيمَهُ] : أَيْ بَعْدَ حَلِفِهِ إنَّهُ نَسِيَهُ مَثَلًا وَيَلْغَى الْيَمِينُ الَّذِي رَدَّ بِهِ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ لِكَوْنِهِ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا.

(وَإِنْ أَقَامَهَا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " فَإِنْ نَفَاهَا "، يَعْنِي إذَا قَالَ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي حِينَ أَنْكَرَ عَلَيْهِ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ فَإِنْ نَفَاهَا فَقَدْ تَقَدَّمَ؛ وَإِنْ أَقَامَهَا (أَعْذَرَ إلَى الْمَطْلُوبِ) : وَهُوَ الْمُدَّعِي، بِأَنْ يَسْأَلَهُ الْقَاضِي عَنْ عُذْرٍ بِ (أَبَقِيَتْ لَك حُجَّةٌ) أَيْ يَقُولُ الْقَاضِي لِلْمَطْلُوبِ بَعْدَ سَمَاعِ بَيِّنَةِ الطَّالِبِ: أَبَقِيَتْ لَك حُجَّةٌ وَعُذْرٌ فِي هَذِهِ الْبَيِّنَةِ؟ فَإِمَّا أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ، وَإِمَّا أَنْ يَعْجَزَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ. وَاسْتَثْنَى مِنْ الْإِعْذَارِ أَرْبَعَةً لَا إعْذَارَ فِيهِمْ بِقَوْلِهِ: (إلَّا شَاهِدَ الْإِقْرَارِ) . مِنْ الْمَطْلُوبِ الْكَائِنِ (بِالْمَجْلِسِ) : أَيْ مَجْلِسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ نَفَاهَا] : أَيْ عَلَى وَجْهِ الْمُقَابَلَةِ. قَوْلُهُ: [أَعْذَرَ إلَى الْمَطْلُوبِ] : أَيْ زَالَ عُذْرُهُ فَالْهَمْزَةُ لِلسَّلْبِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَثْبَتَ عُذْرَهُ وَحُجَّتَهُ إنَّمَا هُوَ كَقَوْلِهِ: أَعْجَمْت الْكِتَابَ، أَيْ أَزَلْت عُجْمَتَهُ بِالنَّقْطِ، وَشَكَا إلَيَّ زَيْدٌ فَأَشْكَيْتُهُ، أَيْ أَزَلْت شِكَايَتَهُ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَالْإِعْذَارُ وَاجِبٌ إنْ ظَنَّ الْقَاضِي جَهْلَ مَنْ يُرِيدُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِأَنَّ لَهُ الطَّعْنَ أَوْ ضَعَّفَهُ، وَأَمَّا إنْ ظَنَّ عِلْمَهُ بِأَنَّ لَهُ الطَّعْنَ وَأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ بَلْ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِدُونِهِ وَحَيْثُ وَجَبَ الْإِعْذَارُ وَحَكَمَ بِدُونِهِ نُقِضَ الْحُكْمُ وَاسْتُؤْنِفَ الْإِعْذَارُ. قَوْلُهُ: [بِأَبْقَيْت لَك حُجَّةٌ] : تَصْوِيرٌ لِمَا يُزِيلُ بِهِ عُذْرَهُ وَحُجَّةٌ فَاعِلُ أَبَقِيَتْ وَكَلَامُهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ حُضُورِ الْمَطْلُوبِ وَهُوَ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ لَهُ سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ، فَإِذَا جَاءَ الْخَصْمُ ذَكَرَ لَهُ أَسْمَاءَ الشُّهُودِ وَأَنْسَابَهُمْ وَمَسَاكِنَهُمْ فَإِنْ ادَّعَى مَطْعَنًا كَلَّفَهُ إثْبَاتَهُ وَإِلَّا حَكَمَ عَلَيْهِ وَإِنْ طَلَبَ إحْضَارَ الْبَيِّنَةِ ثَانِيًا لَمْ يُجَبْ لِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ أَنْظَرَهُ لَهَا إلَخْ. قَوْلُهُ: [مِنْ الْمَطْلُوبِ] : مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٍ مِنْ الْإِقْرَارِ. وَقَوْلُهُ: [بِالْمَجْلِسِ] : مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٍ لِلْإِقْرَارِ قَدَّرَهُ بِقَوْلِهِ الْكَائِنِ، وَإِنَّمَا قَدَّرَهُ صِفَةً لِأَنَّ الظَّرْفَ وَالْمَجْرُورَ الْوَاقِعَ بَعْدَ الْمَقْرُونِ بِأَلْ الْجِنْسِيَّةِ يَجُوزُ جَعْلُهُ صِفَةً أَوْ حَالًا.

الْقَاضِي، فَلَا إعْذَارَ فِيهِ لِمُشَارَكَةِ الْقَاضِي لَهُ فِي سَمَاعِ الْإِقْرَارِ. (وَ) إلَّا (مَنْ) : أَيْ مَطْلُوبًا (يُخْشَى مِنْهُ) الضَّرَرُ عَلَى مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَوْ طَالِبًا يُخْشَى مِنْهُ الضَّرَرُ عَلَى مَنْ يَجْرَحُ بَيِّنَتَهُ، فَلَا إعْذَارَ لَهُ، بَلْ لَا تُسَمَّى الْبَيِّنَةُ لِلْأَوَّلِ وَلَا مَنْ جَرَحَ بَيِّنَةَ الثَّانِي. (وَ) إلَّا (مُزَكِّي السِّرِّ) : وَهُوَ مَنْ يُخْبِرُ الْقَاضِيَ سِرًّا بِعَدَالَةِ الشُّهُودِ أَوْ تَجْرِيحِهِمْ فَلَا إعْذَارَ فِيهِ، وَلَيْسَ عَلَى الْحَاكِمِ تَسْمِيَتُهُ بَلْ لَوْ سُئِلَ عَنْهُ لَمْ يُلْتَفَت لِلسَّائِلِ. (وَ) إلَّا (الْمُبَرَّزُ) فِي الْعَدَالَةِ: أَيْ الْفَائِقُ فِيهَا لَا إعْذَارَ فِيهِ (بِغَيْرِ عَدَاوَةٍ) لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (أَوْ قَرَابَةٍ) لِلْمَشْهُودِ لَهُ، وَأَمَّا بِهِمَا، فَيُعْذَرُ (فَإِنْ قَالَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: (نَعَمْ) لِي حُجَّةٌ وَمَطْعَنٌ فِي هَذِهِ الْبَيِّنَةِ (أَنْظَرَهُ) الْقَاضِي (لَهَا) : أَيْ لِلْحُجَّةِ أَيْ لِبَيَانِهَا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِهَا (بِالِاجْتِهَادِ) مِنْهُ فَلَيْسَ لِلْإِنْظَارِ حَدٌّ مُعَيَّنٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْكُولٌ لِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا إعْذَارَ فِيهِ] : أَيْ فَلَا يُبْقِي الْقَاضِي لِلْمَطْلُوبِ حُجَّةً فِيهِ لِأَنَّهُ عَلِمَ مَا عَلِمَهُ الشَّاهِدُ فَلَوْ أَعْذَرَ فِيهِ لَكَانَ إعْذَارًا فِي نَفْسِهِ. تَنْبِيهٌ قَالَ (شب) مِمَّا لَا إعْذَارَ فِيهِ شُهُودُ الْإِعْذَارِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّسَلْسُلِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْعَاصِمِيَّةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بِوَكَالَةٍ فِي شَيْءٍ كَمَا ذَكَرَهُ (ح) أَوَّلَ بَابِ الْوَكَالَةِ، وَكَذَا مَنْ شَهِدَ بِجُرْحَةِ الْقَاضِي كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الْبُرْزُلِيِّ نَقْلًا عَنْ ابْنِ الْحَاجِّ، وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ طَلَبَ الْإِعْذَارِ طَلَبٌ لِخُطَّةِ الْقَضَاءِ وَإِرَادَةٌ لَهَا وَحِرْصٌ عَلَيْهَا وَذَلِكَ جُرْحُهُ، وَكَذَا الشُّهُودُ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ تَطْلِيقَ الْمَرْأَةِ وَأَخْذَهَا بِشَرْطِهَا فِي مَسَائِلِ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ وَمَنْ يُوَجِّهُهُ الْقَاضِي لِسَمَاعِ دَعْوَى أَوْ لِتَحْلِيفٍ أَوْ حِيَازَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُمْ مَقَامَ نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: [أَيْ الْفَائِقُ فِيهَا] : أَيْ عَلَى أَقْرَانِهِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا بِهِمَا فَيُعْذَرُ] : الْحَاصِلُ أَنَّ الْمُبْرَزَ لَا يُسْمَعُ الْقَدَحُ فِيهِ إلَّا بِالْعَدَاوَةِ أَوْ الْقَرَابَةِ وَأَمَّا بِغَيْرِهِمَا فَلَا يُسْمَعُ الْقَدَحُ فِيهِ، وَأَمَّا مَا قَبْلَ الْمُبْرَزِ فَيُقْبَلُ الْقَدَحُ فِيهِ بِأَيِّ قَادِحٍ وَلَوْ بِغَيْرِ الْعَدَاوَةِ أَوْ الْقَرَابَةِ. قَوْلُهُ: [بِالِاجْتِهَادِ] : أَيْ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَدَدُهُ وَإِلَّا حَكَمَ عَلَيْهِ مِنْ حِينِ تَبَيَّنَ اللَّدَدَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ بَعِيدَةُ الْغَيْبَةِ هِيَ الَّتِي تَجْرَحُ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ.

[التعجيز في القضاء]

(ثُمَّ) - إذَا لَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ شَرْعًا - (حَكَمَ) عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى الدَّعْوَى مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ. (كَنَفْيِهَا) : أَيْ كَمَا يُحْكَمُ إذَا نَفَى حُجَّتَهُ وَقَالَ: لَا حُجَّةَ عِنْدِي. (وَعَجَّزَهُ) : أَيْ حَكَمَ بِعَجْزِهِ بَعْدَ إنْظَارِهِ (وَسَجَّلَهُ) : أَيْ التَّعْجِيزَ أَيْ كَتَبَهُ فِي سِجِلِّهِ بِأَنْ يَكْتُبَ فِيهِ: إنَّا طَلَبْنَا مِنْهُ حُجَّةً فِي الْبَيِّنَةِ وَأَنْظَرْنَاهُ فَلَمْ يَأْتِ بِهَا فَحَكَمْنَا عَلَيْهِ، فَلَا تُقْبَلُ لَهُ حُجَّةٌ بَعْدَ ذَلِكَ. وَفَائِدَةُ التَّسْجِيلِ مَخَافَةُ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حُجَّتِهِ وَأَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يُنْظِرْهُ. وَاسْتَثْنَى مِنْ التَّعْجِيزِ خَمْسَ مَسَائِلَ لَيْسَ لِلْقَاضِي فِيهَا تَعْجِيزٌ فَقَالَ: (إلَّا فِي) دَعْوَى (دَمٍ) : كَأَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ قَتَلَ وَلِيَّهُ عَمْدًا وَلَهُ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ، فَأَنْظَرَهُ الْقَاضِي لِيَأْتِيَ بِهَا، فَلَمْ يَأْتِ بِهَا فَلَا يُعَجِّزُهُ. فَمَتَى أَتَى بِهَا حُكِمَ بِقَتْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (وَعِتْقٍ) ادَّعَاهُ الرَّقِيقُ عَلَى سَيِّدِهِ الْمُنْكِرِ، وَقَالَ: عِنْدِي بَيِّنَةٌ، فَأَنْظَرَهُ لَهَا فَلَمْ يَأْتِ بِهَا، فَلَا يُعَجِّزُهُ بَلْ مَتَى أَقَامَهَا حَكَمَ بِعِتْقِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَحْكُمُ عَلَيْهِ مِنْ الْآنَ إلَّا أَنَّهُ فِي هَذِهِ يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى حُجَّتِهِ، إذَا قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ وَيُقِيمُهَا عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ. [التَّعْجِيزِ فِي الْقَضَاء] قَوْلُهُ: [فَلَا تُقْبَلُ لَهُ حُجَّةٌ بَعْدَ ذَلِكَ] : اعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الَّذِي كُتِبَ عَجْزُهُ إذَا أَتَى بِبَيِّنَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: قِيلَ لَا تُسْمَعُ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا أَوْ مَطْلُوبًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَقِيلَ: تُقْبَلُ مُطْلَقًا إذَا كَانَ لَهُ وَجْهٌ كَنِسْيَانِهَا أَوْ عَدَمِ عِلْمِهِ بِهَا أَوْ غَيْبَتِهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ثَالِثُهَا صَرَّحَ فِي الْبَيَانِ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ الْمَطْلُوبُ وَقُضِيَ عَلَيْهِ أَنَّ الْحُكْمَ يَمْضِي وَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ مَا أَتَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا عَجَزَ الطَّالِبُ فَإِنَّ تَعْجِيزَهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ سَمَاعِ مَا أَتَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا عَجَّزَهُ الْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعَجْزِ، وَأَمَّا إذَا عَجَّزَهُ بَعْدَ التَّلَوُّمِ وَالْإِعْذَارِ وَهُوَ يَدَّعِي أَنَّ لَهُ حُجَّةً فَلَا تُقْبَلُ لَهُ حُجَّةٌ بَعْدَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا، وَلَوْ ادَّعَى نِسْيَانَهَا وَحَلَفَ (اهـ بْن) . قَوْلُهُ: [لَيْسَ لِلْقَاضِي فِيهَا تَعْجِيزٌ] : أَيْ اتِّفَاقًا وَلَوْ حَكَمَ بِالتَّعْجِيزِ بَطَلَ حُكْمُهُ وَضَابِطُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةِ الدَّمِ أَنَّ كُلَّ حَقٍّ لَيْسَ لِمُدَّعِيهِ إسْقَاطُهُ بَعْدَ

(وَطَلَاقٍ) ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا وَأَنَّ لَهَا بَيِّنَةً بِذَلِكَ وَلَمْ تَأْتِ بِهَا فَلَا يُعَجِّزُهَا، فَمَتَى أَقَامَتْهَا حَكَمَ بِطَلَاقِهَا. (وَحَبْسٍ) : ادَّعَاهُ إنْسَانٌ عَلَى الْوَاقِفِ أَوْ وَاضِعِ الْيَدِ الْمُنْكِرِ، وَقَالَ: لِي بَيِّنَةٌ عَلَى وَقْفِهِ، فَأَنْظَرَهُ الْحَاكِمُ فَلَمْ يَأْتِ بِهَا، فَلَا يُعَجِّزُهُ، فَمَتَى أَتَى بِهَا حَكَمَ بِالْوَقْفِ. (وَنَسَبٍ) : ادَّعَاهُ إنْسَانٌ، وَأَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ فُلَانٍ وَلَهُ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا بَعْدَ الْإِنْظَارِ لَمْ يَحْكُمْ بِتَعْجِيزِهِ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى حُجَّتِهِ، مَتَى أَقَامَهَا حَكَمَ بِنَسَبِهِ. فَهَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتُ إنَّمَا هِيَ مَفْرُوضَةٌ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي الطَّالِبِ. وَأَمَّا الْمَطْلُوبُ فَيُعَجِّزُهُ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ. (وَإِنْ لَمْ يُجِبْ) عَطْفٌ عَلَى " إنْ أَقَرَّ " أَيْ وَإِنْ لَمْ يُجِبْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِقْرَارٍ وَلَا إنْكَارٍ، بَلْ سَكَتَ (حُبِسَ وَضُرِبَ) لِيُجِيبَ (ثُمَّ) إنْ اسْتَمَرَّ عَلَى عَدَمِ الْجَوَابِ (حُكِمَ) عَلَيْهِ بِالْحَقِّ (بِلَا يَمِينٍ) مِنْ الْمُدَّعِي، لِأَنَّ الْيَمِينَ فَرْعُ الْجَوَابِ وَهُوَ لَمْ يُجِبْ. (وَإِنْ أَنْكَرَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (الْمُعَامَلَةَ) مِنْ أَصْلِهَا فَقَالَ: لَا مُعَامَلَةَ بَيْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــQثُبُوتِهِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالتَّعْجِيزِ لَا يَقْطَعُ الْحُجَّةَ فِيهِ، وَقَوْلُنَا فِي غَيْرِ الدَّمِ، وَأَمَّا هُوَ فَلِوَلِيِّ الدَّمِ إسْقَاطُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ الْقَتْلُ غِيلَةً وَإِلَّا فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ إسْقَاطُهُ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ، فَالضَّابِطُ يَشْمَلُهُ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْمَطْلُوبُ] : أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا إذَا أُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى الْقَاتِلِ أَوْ عَلَى الْمُعْتِقِ أَوْ الْمُطَلِّقِ أَوْ الْمُحْبِسِ أَوْ الْمُنْكِرِ لَا لِلنَّسَبِ فَقَالَ: إنَّ لِي فِيهَا مَطْعَنًا ثُمَّ عَجَزَ عَنْ الْإِتْيَانِ بِهِ فَلِلْقَاضِي تَعْجِيزُهُ. . قَوْلُهُ: [حُبِسَ وَضُرِبَ] : أَيْ بِاجْتِهَادِ الْقَاضِي فِي قَدْرِ الْحَبْسِ وَالضَّرْبِ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ إنْ اسْتَمَرَّ] : مِثْلُ اسْتِمْرَارِهِ عَلَى عَدَمِ الْجَوَابِ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِلَا يَمِينِ شَكِّهِ فِي أَنَّهُ لَهُ عِنْدَهُ مَا يَدَّعِيهِ، فَإِذَا أَمَرَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ فَقَالَ: عِنْدِي شَكٌّ فِيمَا يَدَّعِيهِ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِهِ بِلَا يَمِينٍ مِنْ الْمُدَّعِي كَمَا فِي التَّوْضِيحِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ طَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينَ الْمُدَّعِي وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا لَوْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِهِ وَقَالَ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي وَيَأْخُذُ مَا ادَّعَى بِهِ فَإِنَّهُ يُجَابُ لِذَلِكَ.

[ما يكون فيه اليمين]

وَبَيْنَهُ (فَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ) بِالْحَقِّ الْمَطْلُوبِ فَأَقَامَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِالْقَضَاءِ (لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ بِالْقَضَاءِ) لِذَلِكَ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُ الْمُعَامَلَةَ تَكْذِيبٌ لِبَيِّنَتِهِ بِالْقَضَاءِ. (بِخِلَافِ) قَوْلِهِ: (لَا حَقَّ لَك عَلَيَّ) فَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِهِ فَأَقَامَ هُوَ بَيِّنَةً بِالْقَضَاءِ، فَتُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ أَصْلَ الْمُعَامَلَةِ، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ الْحَقَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ فَقَطْ وَلَيْسَ فِيهِ تَكْذِيبٌ لِبَيِّنَتِهِ بِالْقَضَاءِ. (وَكُلُّ دَعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ، فَلَا يَمِينَ) عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِمُجَرَّدِهَا) وَذَلِكَ: (كَنِكَاحٍ) وَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَقَذْفٍ وَقَتْلٍ، بَلْ حَتَّى يُقِيمَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَاحِدًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ] : إلَخْ: مِثْلُ قِيَامِهَا إقْرَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ كَذَا وَقَضَاهُ إيَّاهُ ثُمَّ أَقَامَ عَلَى الْقَضَاءِ بَيِّنَةً فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْقَضَاءِ كَمَا فِي النَّوَادِرِ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُ أَوَّلًا تَكْذِيبٌ لَهَا كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا حَقَّ لَك عَلَيَّ] : ظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَامِّيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَكِنْ فِي (ح) أَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْعَامِّيِّ، وَأَمَّا هُوَ فَيُعْذَرُ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فِي الصِّيغَتَيْنِ اُنْظُرْ (بْن) . [مَا يَكُون فِيهِ الْيَمِين] قَوْلُهُ: [بَلْ حَتَّى يُقِيمَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا] : أَيْ فِي دَعْوَى الطَّلَاقِ وَمَا بَعْدَهُ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا مَسَائِلُ: مِنْهَا لَوْ اعْتَرَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْحَقِّ وَادْعِي الْإِعْسَارَ وَأَنَّ الطَّالِبَ يَعْلَمُ عُسْرَهُ، وَأَنْكَرَ الطَّالِبُ الْعِلْمَ بِعُسْرِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمَطْلُوبِ، فَإِنَّ الطَّالِبَ يَحْلِفُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِعُسْرِهِ وَيُؤْمَرُ الْمَطْلُوبُ، بِإِثْبَاتِ عُسْرِهِ. وَمِنْهَا أَوْ قَالَ الْمَطْلُوبُ لِلطَّالِبِ: إنَّك عَالِمٌ بِفِسْقِ شُهُودِكَ. وَمِنْهَا أَنَّ الطَّالِبَ لَوْ أَرَادَ تَحْلِيفَ الْمَطْلُوبِ فَقَالَ لَهُ: حَلَّفْتَنِي فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الطَّالِبُ. وَمِنْهَا لَوْ ادَّعَى الْقَاتِلُ أَنَّ الْوَلِيَّ عَفَا عَنْهُ وَأَنْكَرَ الْوَلِيُّ ذَلِكَ. وَمِنْهَا الْمُتَّهَمُ يُدَّعَى عَلَيْهِ الْغَصْبُ أَوْ السَّرِقَةُ لِأَجْلِ ثُبُوتِ مُوجِبِهِمَا مِنْ أَدَبٍ أَوْ قَطْعٍ فَيُنْكِرُ، مَعَ أَنَّ أَدَبَ الْغَاصِبِ وَقَطْعَ السَّارِقِ لَا يَكُونُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ. وَمِنْهَا مَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَذَفَهُ وَأَنْكَرَ فَتَوَجَّهَ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْذِفْهُ إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِمُنَازَعَةٍ بَيْنَهُمَا وَإِلَّا لَمْ تَتَوَجَّهْ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ لَمْ تَثْبُتْ إلَّا بِعَدْلَيْنِ أَنَّ الدَّعْوَى

[لا يحكم الحاكم لمن لا يشهد له]

وَيَعْجَزَ عَنْ الثَّانِي فَتَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ عَلَيْهِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَإِلَّا) تَتَجَرَّدَ بَلْ أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا فَقَطْ (تَوَجَّهَتْ) الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ. فَإِنْ حَلَفَ تُرِكَ. وَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ. فَإِنْ طَالَ حَبْسُهُ دُيِّنَ وَمَحَلُّ تَوَجُّهِهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: (فِي غَيْرِ نِكَاحٍ) : كَعِتْقٍ وَطَلَاقٍ. وَأَمَّا فِي النِّكَاحِ فَلَا تَتَوَجَّهُ، كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّ فُلَانًا زَوَّجَهُ بِنْتَه فَأَنْكَرَ أَبُوهَا، فَأَقَامَ الزَّوْجُ شَاهِدًا، فَلَا يَمِينَ عَلَى أَبِيهَا لِرَبِّهِ وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ. (وَلَا يَحْكُمُ) الْحَاكِمُ (لِمَنْ لَا يَشْهَدُ لَهُ) كَأَبِيهِ وَابْنِهِ، وَأَخِيهِ وَزَوْجَتِهِ وَجَازَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَا يَحْكُمُ عَلَى مَنْ لَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ كَعَدُوِّهِ وَجَازَ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّتِي تَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَيَمِينٍ تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ بِمُجَرَّدِهَا وَتُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعِي، إنْ أَرَادَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ رَدَّهَا عَلَيْهِ وَكَذَا الْيَمِينُ الَّتِي يَحْلِفُهَا الْمُدَّعِي مَعَ الشَّاهِدِ أَوْ الْمَرْأَتَيْنِ إذَا نَكَلَ عَنْهَا تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ بِنُكُولِهِ وَشَهَادَةِ الشَّاهِدِ وَلَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ رَدُّهَا عَلَى الْمُدَّعِي لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ لَا تَرُدُّ، وَيَسْتَثْنِي مِنْ ذَلِكَ الْمَفْهُومِ مَنْ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَأَنْكَرَ فَلَا يَمِينَ عَلَى ذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. مَعَ أَنَّ الرِّقَّ مِمَّا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ فَدَعْوَى ذَلِكَ الْمُدَّعِي رِقِّيَّةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خِلَافُ الْأَصْلِ مَعَ تَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ضُعِّفَتْ دَعْوَاهُ جِدًّا فَلَمْ تَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لِإِبْطَالِهَا (اهـ مُلَخَّصًا مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [فِي غَيْرِ نِكَاحٍ] : الْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْغَالِبَ فِي النِّكَاحِ الشُّهْرَةُ فَشَهَادَةُ الْوَاحِدِ فِيهِ رِيبَةٌ وَلِذَا لَمْ يُطْلَبْ الْوَلِيُّ بِالْيَمِينِ لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ. بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ عِتْقٍ وَطَلَاقٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْغَالِبُ فِيهِ الشُّهْرَةَ فَلَا رِيبَةَ فِي شَهَادَةِ الْوَاحِدِ فِيهِ فَلِذَا أُمِرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ لِرَدِّ شَهَادَتِهِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. [لَا يَحْكُم الْحَاكِم لِمِنْ لَا يَشْهَد لَهُ] قَوْلُهُ: [وَلَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ لِمَنْ لَا يَشْهَدُ لَهُ] : أَيْ عَلَى مُخْتَارِ اللَّخْمِيِّ وَمُقَابِلُهُ يَجُوزُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ التُّهْمَةِ وَهُوَ لِأَصْبَغَ.

[الأمر بالصلح]

(إلَّا بِإِقْرَارٍ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَهُ فِي مَجْلِسِهِ (اخْتِيَارًا) بِلَا إكْرَاهٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ حِينَئِذٍ؛ إذْ لَا يُتَّهَمُ الْقَاضِي إذَا أَقَرَّ الْخَصْمُ اخْتِيَارًا، فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ: " وَلَا يَحْكُمُ " إلَخْ فِيمَا إذَا كَانَ الْحُكْمُ يَحْتَاجُ لِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُتَّهَمُ فِيهِ بِالتَّسَاهُلِ فِي الْحُكْمِ لِمَنْ ذُكِرَ. (وَأَمَرَ) الْحَاكِمُ نَدْبًا (ذَوِي الْفَضْلِ) : كَأَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَ مُخَاصَمَتِهِمْ (وَ) ذَوِي (الرَّحِمِ) : أَيْ الْأَقَارِبِ عِنْدَ مُخَاصَمَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا (بِالصُّلْحِ) : لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِجَمْعِ الْخَوَاطِرِ وَتَأْلِيفِ النُّفُوسِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا، بِخِلَافِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ يُوجِبُ الشَّحْنَاءَ وَالتَّفَرُّقَ. (فَإِنْ خَشِيَ) الْحَاكِمُ (تَفَاقُمَ الْأَمْرِ) : أَيْ شِدَّةَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمِينَ (وَجَبَ) أَمْرُهُمْ بِالصُّلْحِ سَدًّا لِلْفِتْنَةِ. (وَنُبِذَ حُكْمُ جَائِرٍ) فِي أَحْكَامِهِ: وَهُوَ الَّذِي يَمِيلُ عَنْ الْحَقِّ عَمْدًا، وَمِنْهُ مِنْ يَحْكُمُ بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِتَعْدِيلٍ وَلَا تَجْرِيحٍ؛ فَيَنْقُضُهُ مَنْ تَوَلَّى بَعْدَهُ، وَلَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَلَوْ كَانَ ظَاهِرَ الصِّحَّةِ فِي ظَاهِرِ الْحَالِ، مَا لَمْ تَثْبُتْ صِحَّةُ بَاطِنِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ (وَ) نُبِذَ حُكْمُ (جَاهِلٍ لَمْ يُشَاوِرْ) الْعُلَمَاءَ، وَلَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَلَوْ كَانَ ظَاهِرُهُ الصِّحَّةَ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْحَدْسِ وَالتَّخْمِينِ لَا يُفِيدُ، فَإِنْ ثَبَتَ صِحَّةُ بَاطِنِهِ لَمْ يُنْقَضْ كَالْجَائِرِ، وَقِيلَ: يُنْقَضُ مُطْلَقًا. (وَإِلَّا) بِأَنْ شَاوَرَ الْعُلَمَاءَ (تُعُقِّبَ) فَمَا كَانَ خَطَأً نُبِذَ (وَمَضَى الصَّوَابُ) ، كَذَا قَالَ الشَّيْخُ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. وَالْكَلَامُ فِي الْجَاهِلِ الْعَدْلِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ وَاللَّخْمِيُّ وَالْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ: أَنَّ مَحَلَّ تَعَقُّبِهِ إنْ لَمْ يُشَاوِرْ الْعُلَمَاءَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْأَمْر بِالصُّلْحِ] قَوْلُهُ: [وَأَمَرَ الْحَاكِمُ نَدْبًا ذَوِي الْفَضْلِ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَأْمُرُ مَنْ ذُكِرَ بِالصُّلْحِ وَلَوْ ظَهَرَ وَجْهُ الْحُكْمِ فَيَكُونُ مُخَصِّصًا لِقَوْلِ خَلِيلٍ، وَلَا يَدْعُو لِصُلْحٍ إنْ ظَهَرَ وَجْهُهُ ثُمَّ الْأَمْرُ بِالصُّلْحِ فِيمَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ لَا فِي نَحْوِ طَلَاقٍ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ الصُّلْحُ فِيهِ يُغْضِبُ اللَّهَ تَعَالَى. . [أثر الْحُكْمِ وَنَقْضِهِ] قَوْلُهُ: [وَقِيلَ يُنْقَضُ مُطْلَقًا] : هَذَا الْقَوْلُ لِبَهْرَامَ الْمَازِرِيِّ.

فَإِنْ شَاوَرَهُمْ مَضَى قَطْعًا وَلَمْ يَتَعَقَّبْ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ ضَعِيفٌ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: " وَجَاهِلٍ " أَيْ غَيْرِ عَدْلٍ لَمْ يُشَاوِرْ، فَإِنْ شَاوَرَ تُعُقِّبَ لِأَنَّ عَدَمَ عَدَالَتِهِ تُؤَدِّيهِ إلَى الْحُكْمِ بِغَيْرِ مَا دَلَّهُ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ. وَيُبْعِدُهُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ جَائِرًا فَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْجَائِرُ الْمُتَقَدِّمُ يُحْمَلُ عَلَى الْعَالِمِ وَهَذَا جَاهِلٌ فَاسِقٌ فَتَأَمَّلْ. (وَلَا يُتَعَقَّبُ حُكْمُ الْعَدْلِ الْعَالَمِ) : أَيْ لَا يَنْظُرُ فِيهِ مَنْ تَوَلَّى بَعْدَهُ لِئَلَّا يُكْثِرَ الْهَرَجُ وَالْخِصَامُ الْمُؤَدِّي إلَى تَفَاقُمِ الْأَمْرِ وَالْفَسَادِ. وَحُمِلَ عِنْدَ جَهْلِ الْحَالِ عَلَى الْعَدَالَةِ إنْ وَلَّاهُ عَدْلٌ. (وَرَفَعَ) حُكْمُ الْعَدْلِ الْعَالِمِ (الْخِلَافَ) الْوَاقِعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. وَكَذَا غَيْرُ الْعَدْلِ الْعَالِمِ إنْ حَكَمَ صَوَابًا - كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ - فَإِنَّهُ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَلَا يُنْقَضُ، وَكَذَا الْمُحَكَّمُ. وَالْمُرَادُ: أَنَّهُ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ فِي خُصُوصِ مَا حَكَمَ بِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي " وَلَا يَتَعَدَّى لِمُمَاثِلٍ ". فَإِذَا حَكَمَ بِفَسْخِ عَقْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ] : أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ شَرْطُ كَمَالٍ فِي تَوْلِيَتِهِ لَا شَرْطُ صِحَّةٍ، وَأَمَّا الطَّرِيقَةُ الْأُولَى فَعَلَى أَنَّ الْعِلْمَ شَرْطُ صِحَّةٍ فِي أَصْلِ التَّوْلِيَةِ. قَوْلُهُ: [فَتَأَمَّلْ] : أَيْ فِي هَذَا الْجَوَابِ الْأَخِيرِ الدَّافِعِ لِلتَّكْرَارِ وَقَدْ تَأَمَّلْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ وَجِيهًا. قَوْلُهُ: [وَلَا يُتَعَقَّبُ حُكْمُ الْعَدْلِ] : إلَخْ لَكِنْ إنْ عُثِرَ عَلَى خَطَئِهِ مِنْ غَيْرِ تَفَحُّصٍ وَجَبَ نَقْضُهُ عَلَى مَنْ عَثَرَ عَلَيْهِ كَانَ هُوَ أَوْ غَيْرَهُ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَرَفَعَ حُكْمُ الْعَدْلِ الْعَالِمِ الْخِلَافَ] : ظَاهِرُهُ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَعْوَى وَهُوَ كَذَلِكَ، وَبِهِ صَرَّحَ اللَّقَانِيُّ وَالْقَرَافِيُّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَصِيَّ يَرْفَعُ لِلْحَاكِمِ إذَا أَرَادَ زَكَاةَ مَالِ الصَّبِيِّ كَمَا يَأْتِي فِي الْوَصِيَّةِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا غَيْرُ الْعَدْلِ] : إلَخْ تَفْصِيلٌ فِي مَفْهُومِ الْعَدْلِ الْعَالِمِ وَالْمَفْهُومُ إذَا كَانَ فِيهِ تَفْصِيلٌ لَا يُعْتَرَضُ بِهِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [فَإِذَا حَكَمَ بِفَسْخِ عَقْدٍ] : أَيْ كَمَا إذَا عَقَدَ رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ مَبْتُوتَةٍ

أَوْ صِحَّتِهِ لِكَوْنِهِ يَرَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِقَاضٍ غَيْرِهِ يَرَى خِلَافَهُ - وَلَا لَهُ - نَقْضُهُ. وَلَا يَجُوزُ لِمُفْتٍ عَلِمَ بِحُكْمِهِ أَنْ يُفْتِيَ بِخِلَافِهِ، وَإِذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ عَقْدٍ لِكَوْنِهِ يَرَاهُ وَحَكَمَ آخَرُ بِفَسَادِ مِثْلِهِ لِكَوْنِهِ يَرَاهُ، صَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فِي خُصُوصِ مَا وَقَعَ الْحُكْمُ بِهِ. وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ وَلَا لَهُ. قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْحِمَارِيَّةِ: ذَاكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي. وَلَمْ يَنْقُضْ حُكْمَهُ الْأَوَّلَ. وَهَلْ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ فِيمَا بَنَى عَلَيْهِ الْحُكْمَ؟ كَمَا لَوْ قَالَ إنْسَانٌ فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ بَنَاهُ غَيْرُ الْعَتِيقِ: إنْ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنِيَّتُهُ التَّحْلِيلُ وَرُفِعَ لِلْمَالِكِيِّ وَحَكَمَ بِفَسْخِ النِّكَاحِ فَلَيْسَ لِلْحَنَفِيِّ تَصْحِيحُهُ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ صِحَّتِهِ] : أَيْ كَمَا إذَا سَبَقَ حُكْمُ الْحَنَفِيِّ بِصِحَّةِ عَقْدِ مَنْ نِيَّتُهُ التَّحْلِيلُ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِيِّ نَقْضُهُ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَجُوزُ لِمُفْتٍ] : أَيْ فِي خُصُوصِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ كَمَا هُوَ السِّيَاقُ. قَوْلُهُ: [وَإِذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ عَقْدٍ] إلَخْ: أَيْ كَمَا فِي الْمِثَالِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. قَوْلُهُ: [قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] : إلَخْ شَاهِدٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا لَهُ لِأَنَّهُ الْقَاضِي فِي الْحِمَارِيَّةِ أَوَّلًا وَثَانِيًا وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكَةُ الَّتِي قَالَ فِيهَا صَاحِبُ الرَّحَبِيَّةِ: وَإِنْ تَجِدْ زَوْجًا وَأَمَّا وِرْثَا ... وَإِخْوَةً لِلْأُمِّ حَازُوا الثُّلُثَا وَإِخْوَةً أَيْضًا لِأُمٍّ وَأَبٍ ... وَاسْتَغْرَقُوا الْمَالَ بِفَرْضِ النُّصُبِ فَاجْعَلْهُمْ كُلَّهُمْ لِأُمِّ ... وَاجْعَلْ أَبَاهُمْ حَجَرًا فِي الْيَمِّ وَاقْسِمْ عَلَى الْإِخْوَةِ ثُلُثَ التَّرِكَهْ ... فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكَهْ فَكَانَ أَوَّلًا قَضَى فِيهَا بِحِرْمَانِ الْأَشِقَّاءِ لِاسْتِغْرَاقِ الْفُرُوضِ التَّرِكَةَ وَمَتَى اسْتَغْرَقَتْهَا سَقَطَ الْعَاصِبُ. ثُمَّ رُفِعَتْ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى نَظِيرَتُهَا فَأَرَادَ الْقَضَاءَ فِيهَا كَالْأَوَّلِ فَقَامَ عَلَيْهِ الْأَشِقَّاءُ وَقَالُوا لَهُ: هَبْ أَنَّ أَبَانَا كَانَ حِمَارًا أَوْ حَجَرًا مُلْقًى فِي الْيَمِّ أَلَيْسَتْ أُمُّنَا وَاحِدَةً فَقَضَى لَهُمْ بِالتَّشْرِيكِ فِي الثُّلُثِ مَعَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ فِي الْفَرْضِ لَا بِالتَّعْصِيبِ فَقِيلَ لَهُ: قَضَيْت فِي السَّابِقَةِ بِحِرْمَانِهِمْ فَقَالَ ذَاكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا، وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي. قَوْلُهُ: [بَنَاهُ] : صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِمَسْجِدٍ، وَقَوْلُهُ غَيْرِ الْعَتِيقِ صِفَةٌ ثَالِثَةٌ. قَوْلُهُ: [إنْ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ] إلَخْ: مَقُولُ الْقَوْلِ.

فِي مَسْجِدِي هَذَا فَعَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ، فَرَفَعَ الْعَبْدُ أَمْرَهُ الْحَنَفِيُّ يَرَى صِحَّةَ تَعَدُّدِ الْجَامِعِ، فَحَكَمَ بِعِتْقِهِ، فَالْعِتْقُ مَحَلُّ الْحُكْمِ فَيَرْتَفِعُ فِيهِ الْخِلَافُ قَطْعًا. وَأَمَّا صِحَّةُ الصَّلَاةِ فِيهِ لِلْمَالِكِيِّ فَيَرْتَفِعُ فِيهَا الْخِلَافُ أَيْضًا، أَفْتَى النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ بِرَفْعِهِ وَسَلَّمَهُ لَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ عَنْهُ وَفِيهِ نَظَرٌ. إذْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْعِتْقِ - لِكَوْنِهِ يَرَى صِحَّةَ الْجُمُعَةِ - لَا يَسْتَلْزِمُ الْحِصَّةَ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، إذْ حُكْمُهُ بِالْعِتْقِ لَا يَتَعَدَّى لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ؛ فَفَتْوَاهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - غَيْرُ صَوَابٍ. (لَا أَحَلَّ) حُكْمُهُ (حَرَامًا) فِي الْوَاقِعِ بِحَيْثُ لَوْ اطَّلَعَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ مَا حَكَمَ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ حُكْمَهُ صَحِيحٌ فِي ظَاهِرِ الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ فِعْلُ الْحَرَامِ، فَحُكْمُهُ الْمَذْكُورُ لَا يُحِلُّ ذَلِكَ الْحَرَامَ. كَمَا لَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ عَلَى رَجُلٍ بِدَيْنٍ دَعْوَى بَاطِلَةً، وَأَقَامَ عَلَيْهَا بَيِّنَةَ زُورٍ، فَطَلَبَ الْحَاكِمُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَجْرِيحَهَا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَجْرِيحِهَا، فَحَكَمَ لَهُ بِهِ، فَالْحُكْمُ صَحِيحٌ فِي الظَّاهِرِ، وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ لِلْمُدَّعِي أَخْذُ ذَلِكَ الدَّيْنِ فِي الْوَاقِعِ. وَكَذَا إذَا لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً فَطَلَبَ الْحَاكِمُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الْحَنَفِيُّ] : أَيْ قَاضٍ حَنَفِيٌّ وَقَوْلُهُ يَرَى صِحَّةَ تَعَدُّدِ الْجَامِعِ أَيْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، لِأَنَّ الْمَدَارَ عِنْدَهُمْ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ عَلَى وُجُودِ الْأَحْكَامِ الْمُنَصَّبَةِ لِإِقَامَةِ الشَّرِيعَةِ وَإِنْ لَمْ يُقِيمُوهَا بِالْفِعْلِ، فَمَتَى وُجِدَتْ تِلْكَ الْهَيْئَةُ وَجَبَتْ الْجُمُعَةُ وَلَا يَضُرُّ تَعَدُّدُهَا. قَوْلُهُ: [فَيَرْتَفِعُ فِيهِ الْخِلَافُ قَطْعًا] : أَيْ فَلَيْسَ لِمَالِكِيٍّ وَلَا شَافِعِيٍّ مَنْعُ الْعِتْقِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ هَذَا الْحُكْمِ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا صِحَّةُ الصَّلَاةِ فِيهِ لِلْمَالِكِيِّ] . أَيْ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [فَيَرْتَفِعُ فِيهَا الْخِلَافُ] : فِيهِ حَذْفُ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ، وَالْأَصْلُ فَهَلْ يَرْتَفِعُ؟ . قَوْلُهُ: [أَيْضًا] : كَمَا ارْتَفَعَ الْخِلَافُ فِي الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْعِتْقِ. قَوْلُهُ: [أَفْتَى النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ بِرَفْعِهِ] : أَيْ لِبَعْضِ مُلُوكِ مِصْرَ. وَقَوْلُهُ: [وَسَلَّمَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ] : أَيْ كَالْأُجْهُورِيِّ وَأَتْبَاعِهِ. قَوْلُهُ: [وَفِيهِ نَظَرٌ] إلَخْ: أَيْ مِنْ كَلَامِ شَارِحِنَا. . قَوْلُهُ: [إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ] إلَخْ: الْمُنَاسِبُ إلَّا إنْ لَزِمَ إلَخْ وَيَكُونُ جَوَابُ الشَّرْطِ قَوْلَهُ فَحُكْمُهُ الْمَذْكُورُ. قَوْلُهُ: [فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَجْرِيحِهَا] : أَيْ لَوْ كَانَ الْحَاكِمُ لَا يَرَى الْبَحْثَ عَنْ الْعَدَالَةِ.

الْيَمِينَ فَرَدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي فَحَلَفَ. وَكَذَا لَوْ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ بِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ لَهُ - أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةَ زُورٍ، فَطَلَبَ الْحَاكِمُ مِنْهَا تَجْرِيحَهَا فَعَجَزَتْ فَحَكَمَ لَهُ بِهَا، فَلَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا لِعِلْمِهِ بِإِنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَتِهِ وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ صَحِيحًا فِي ظَاهِرِ الْحَالِ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا. وَكَذَا إذَا طَلَّقَ رَجُلٌ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا فَرَفَعَتْهُ لِلْحَاكِمِ وَعَجَزَتْ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَحَكَمَ لَهُ بِالزَّوْجِيَّةِ وَعَدَمِ الطَّلَاقِ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا فِي الْبَاطِنِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا وَهَكَذَا. (إلَّا مَا خَالَفَ إجْمَاعًا) : هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ مِنْ قَوْلِهِ: " وَرَفَعَ الْخِلَافَ " أَيْ: لَكِنَّ حُكْمَهُ الْمُخَالِفَ لِلْإِجْمَاعِ لَا يَرْفَعُ خِلَافًا وَيَجِبُ نَقْضُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا] : قَالَ فِي الْأَصْلِ كَأَنَّهُمْ نَظَرُوا إلَى أَنَّ حُكْمَهُ صَيَّرَهَا زَوْجَةً كَالْعَقْدِ. قَوْلُهُ: [وَهَكَذَا] : أَيْ فَقِسْ عَلَى تِلْكَ الْأَمْثِلَةِ مِنْ ذَلِكَ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ ثُمَّ وَفَّاهُ إيَّاهُ بِدُونِ بَيِّنَةٍ فَطَلَبَهُ عِنْدَ الْقَاضِي فَقَالَ: وَفَّيْتُهُ لَك فَطَلَبَ مِنْهُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَفَاءِ فَعَجَزَ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يُوفِهِ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ لَهُ بِالدَّيْنِ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُدَّعِي أَخْذُهُ ثَانِيَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: لَا أُحِلُّ حَرَامًا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَحْكُومِ لَهُ. وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي (بْن) أَنَّ مَا بَاطِنُهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِهِ بِحَيْثُ لَوْ اطَّلَعَ الْحَاكِمُ عَلَى بَاطِنِهِ لَمْ يَحْكُمْ، فَحُكْمُ الْحَاكِمِ فِي هَذَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَلَا يُحِلُّ الْحَرَامَ، وَهَذَا مَحْمَلُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: لَا أُحِلُّ حَرَامًا. وَأَمَّا مَا بَاطِنُهُ كَظَاهِرِهِ كَحُكْمِ الشَّافِعِيِّ بِحِلِّ الْمَبْتُوتَةِ بِوَطْءِ الصَّغِيرِ فَحُكْمُهُ رَافِعٌ لِلْخِلَافِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَلَا حُرْمَةَ عَلَى الْمُقَلِّدِ لَهُ فِي ذَلِكَ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُلَفَّقَةُ. وَفِي الْحَاشِيَةِ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ: أَنَّ الْمُضِرَّ فِي التَّلْفِيقِ الدُّخُولُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَحْصُلْ الدُّخُولُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا حَصَلَ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ جَازَ، كَمَا لَوْ عَقَدَ مَالِكِيٌّ لِصَبِيٍّ فِي حِجْرِهِ عَلَى امْرَأَةٍ مَبْتُوتَةٍ، وَدَخَلَ بِهَا وَأَصَابَهَا ثُمَّ رُفِعَ أَمْرُهُ لِحَاكِمٍ مَالِكِيٍّ فَطَلَّقَ عَلَى الصَّبِيِّ لِمَصْلَحَةٍ، ثُمَّ رُفِعَ الْأَمْرُ لِحَاكِمٍ شَافِعِيٍّ فَحَكَمَ بِحِلِّيَّةِ وَطْءِ الصَّغِيرِ لِلْمَبْتُوتَةِ فَيَجُوزُ لِلْبَاتِّ الْمَالِكِيِّ الْعَقْدُ عَلَى زَوْجَتِهِ الْمَبْتُوتَةِ قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا (انْتَهَى) .

عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ؛ كَمَا لَوْ حَكَمَ بِأَنَّ الْمِيرَاثَ كُلَّهُ لِلْأَخِ دُونَ الْجَدِّ فَهَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ: الْمَالُ كُلُّهُ لِلْجَدِّ أَوْ يُقَاسِمُ الْأَخَ، وَأَمَّا حِرْمَانُ الْجَدِّ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ. (أَوْ) خَالَفَ (نَصًّا) كَأَنْ يَحْكُمَ بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ وَارِدٌ بِاخْتِصَاصِهَا بِالشَّرِيكِ دُونَ الْجَارِ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ مُعَارِضٌ صَحِيحٌ، وَكَأَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَةِ كَافِرٍ عَلَى مِثْلِهِ أَوْ عَلَى مُسْلِمٍ، لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَمْ يَثْبُتُ لَهُ مُعَارِضٌ صَحِيحٌ] : اسْتَبْعَدَ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ نَقْضَ الْحُكْمِ فِي شُفْعَةِ الْجَارِ لِوُرُودِ الْحَدِيثِ فِيهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَامَّةَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا سِيَّمَا عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ، لَمْ يَقُولُوا بِهَا.

(أَوْ) خَالَفَ (جَلِيَّ قِيَاسٍ) أَيْ قِيَاسًا جَلِيًّا؛ وَهُوَ مَا قُطِعَ فِيهِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ: كَقِيَاسِ الْأَمَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي التَّقْوِيمِ عَلَى مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَهُوَ مُوسِرٌ، فَإِنْ حَكَمَ بِعَدَمِ التَّقْوِيمِ فِي الْأَمَةِ نُقِضَ. (أَوْ) إلَّا مَا (شَذَّ) : أَيْ ضَعُفَ (مُدْرَكُهُ) : أَيْ دَلِيلُهُ: كَالْحُكْمِ بِغَيْرِ الْعُدُولِ أَوْ بِالْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ الْمَرْدُودَةِ فِي مَذْهَبِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ: الْحُكْمُ بِتَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالشُّفْعَةُ لِلْجَارِ وَاسْتِسْعَاءُ الْعَبْدِ إذَا أَعْتَقَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ فِيهَا نَصِيبَهُ مِنْهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ. (فَيُنْقَضُ) مَا خَالَفَ الْإِجْمَاعَ - وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ - وُجُوبًا مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ قِيَاسًا جَلِيًّا] : أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ. قَوْلُهُ: [وَمِنْ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِتَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ] : أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ مُنْتَظِمٌ وَإِلَّا فَلَا نَقْضَ وَإِنَّمَا نُقِضَ الْحُكْمُ بِمِيرَاثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَ انْتِظَامِ بَيْتِ الْمَالِ لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» . قَوْلُهُ: [وَالشُّفْعَةُ لِلْجَارِ] : أَيْ إذَا حَكَمَ بِهَا حَنَفِيٌّ فَلِلْمَالِكِيِّ نَقْضُهُ وَإِنْ حَكَمَ بِهَا مَالِكِيٌّ فَلَهُ وَلِغَيْرِهِ نَقْضُهُ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ مُعْسِرٌ] : إنَّمَا قُيِّدَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا كَمَّلَ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ الْعَبْدَ اسْتِسْعَاءٌ فِي جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّرِيكَ الْمُعْتِقَ إذَا كَانَ مُعْسِرًا، وَقُلْنَا: لَا يُكْمِلُ عَلَيْهِ فَحَكَمَ عَلَى الْعَبْدِ حَاكِمٌ بِالسَّعْيِ لَلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ بِقِيمَةِ نَصِيبِهِ نُقِضَ حُكْمُهُ، لَكِنْ إنْ كَانَ يَرَى ذَلِكَ كَالْحَنَفِيِّ نَقَضَهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَرَى ذَلِكَ نَقَضَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا نُقِضَ فِي الِاسْتِسْعَاءِ وَالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ، وَتَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ مَعَ انْتِظَامِ بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ فِيهَا حَنَفِيًّا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ فِيهَا لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ لِضَعْفِ مَدَارِكِهَا بَيْنَ الْأَئِمَّةِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ حُكْمُهُ بِحِلِّيَّةِ شُرْبِ النَّبِيذِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَحُدُّ شَارِبَ النَّبِيذِ وَإِنْ قَالَ: أَنَا حَنَفِيٌّ. قَوْلُهُ: [مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ] : ظَاهِرُهُ يُؤْمَرُ بِنَقْضِهِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ يَرَاهُ مَذْهَبًا وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ، وَلَكِنْ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ كَرِيمُ الدِّينِ إنْ كَانَ.

[ما يعتبر حكما والفرق بينه وبين الفتوى]

وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْعَدْلَ الْعَالِمَ لَا تُتَعَقَّبُ أَحْكَامُهُ لَكِنْ إنْ ظَهَرَ مِنْهَا شَيْءٌ مِمَّا تَقَدَّمَ نُقِضَ. وَأَمَّا الْجَائِرُ وَالْجَاهِلُ فَتُتَعَقَّبُ أَحْكَامُهُمَا وَيُنْقَضُ مِنْهَا مَا لَيْسَ بِصَوَابٍ وَيَمْضِ مَا كَانَ صَوَابًا. وَالصَّوَابُ: مَا وَافَقَ قَوْلًا مَشْهُورًا أَوْ مُرَجَّحًا وَلَوْ كَانَ الْأَرْجَحُ خِلَافَهُ. (وَ) إذَا نُقِضَ (بَيَّنَ) النَّاقِضُ (السَّبَبَ) الَّذِي نَقَضَ الْحُكْمَ مِنْ أَجْلِهِ، لِئَلَّا يُنْسَبَ النَّاقِضُ لِلْجَوْرِ وَالْهَوَى بِنَقْضِهِ الْأَحْكَامَ الَّتِي حَكَمَ بِهَا الْقُضَاةُ. ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَوْلِهِ: حَكَمْت بَلْ كُلُّ مَا دَلَّ عَلَى الْإِلْزَامِ - فَهُوَ حُكْمٌ - بِقَوْلِهِ. (وَ) قَوْلُ الْحَاكِمِ: (نَقَلْت الْمِلْكَ) لِهَذِهِ السِّلْعَةِ لِزَيْدٍ أَوْ مَلَّكْتَهَا لِمُدَّعِيهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، حُكْمٌ. (وَفَسَخْت هَذَا الْعَقْدَ) مِنْ نِكَاحٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ أَبْطَلْتُهُ أَوْ رَدَدْتُهُ (أَوْ قَرَّرْتُهُ) وَنَحْوُهَا وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ بَعْدَ حُصُولِ مَا يَجِبُ فِي شَأْنِ الْحُكْمِ مِنْ تَقَدُّمِ دَعْوَى وَإِقْرَارٍ أَوْ ثُبُوتِ بَيِّنَتِهِ وَإِعْذَارٍ وَتَزْكِيَةٍ - وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: لَا بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ تَقَدُّمِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ، وَصِحَّتُهَا لِكَوْنِهَا تُقْبَلُ وَتُسْمَعُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مُقْتَضَاهَا مِنْ إقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةِ عُدُولٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ -: (حُكْمٌ) وَإِنْ لَمْ يَقُلْ حَكَمْت ـــــــــــــــــــــــــــــQيَرَاهُ مَذْهَبًا نَقَضَهُ غَيْرُهُ لَا هُوَ. قَوْلُهُ: [مِمَّا تَقَدَّمَ] : أَيْ مِنْ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ أَوْ النَّصِّ أَوْ الْقِيَاسِ وَإِلَخْ. قَوْلُهُ: [بَيَّنَ النَّاقِضُ السَّبَبَ] أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ. [مَا يُعْتَبَرُ حُكْمًا والفرق بَيْنه وَبَيْن الْفَتْوَى] قَوْلُهُ: [نَقَلْت الْمِلْكَ] : وَهُوَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ قَدَّرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَقَوْلُ الْحَاكِمِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي حُكْمُ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ تَقَدُّمِ دَعْوَى] إلَخْ: فِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَنَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَقَدُّمُ دَعْوِي أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْغَائِبِ وَيَحْكُمَ عَلَيْهِ وَإِذَا جَاءَ سَمَّى لَهُ الْبَيِّنَةَ وَأَعْذَرَ لَهُ فِيهَا؛ فَإِنْ أَبْدَى مَطْعَنًا نُقِضَ الْحُكْمُ وَإِلَّا فَلَا. وَأُجِيبَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا بُدَّ فِي الْحُكْمِ إلَخْ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَاضِرِ وَقَرِيبِ الْغَيْبَةِ بِأَنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمَيْنِ مَعَ الْأَمْنِ، وَأَمَّا بَعِيدُ الْغَيْبَةِ فَيَجُوزُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ كَمَا يَأْتِي كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ.

وَمِنْ ذَلِكَ: خُذُوهُ فَاقْتُلُوهُ، أَوْ: حُدُّوهُ، أَوْ: عَزِّرُوهُ. (لَا) إنْ قَالَ فِي أَمْرٍ رُفِعَ إلَيْهِ، كَتَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا بِلَا وَلِيٍّ وَكَبَيْعٍ وَقْتَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ: (لَا أُجِيزُهُ) : فَلَا يَكُونُ حُكْمًا وَلَا يَرْفَعُ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْفَتْوَى كَمَا قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ، فَلِغَيْرِهِ الْحُكْمُ بِمَا يَرَاهُ مِنْ مَذْهَبِهِ. (أَوْ أَفْتَى) بِحُكْمٍ سُئِلَ عَنْهُ بِأَنْ قِيلَ لَهُ: يَجُوزُ كَذَا؟ أَوْ: يَصِحُّ أَوْ لَا؟ فَأَجَابَ بِالصِّحَّةِ أَوْ عَدَمِهَا فَلَا يَكُونُ إفْتَاؤُهُ حُكْمًا يَرْفَعُ الْخِلَافَ؛ لِأَنَّ الْإِفْتَاءَ إخْبَارٌ بِالْحُكْمِ لَا إلْزَامٌ. وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَ الْحَاكِمِ: لَا أُجِيزُهُ - إنْ كَانَ بَعْدَ تَقَدُّمِ الدَّعْوَى - فَهُوَ حُكْمٌ يَرْفَعُ الْخِلَافَ، وَإِنْ كَانَ بِمُجَرَّدِ إخْبَارٍ، كَمَا لَوْ قِيلَ لَهُ: إنَّ امْرَأَةً زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِلَا وَلِيٍّ؟ فَقَالَ: لَا أُجِيزُهُ فَهُوَ مِنْ الْفَتْوَى. وَعِبَارَةُ الْخَرَشِيِّ تُشِيرُ إلَى ذَلِكَ؛ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مُقْتَضَى جَعْلِهِ فَتْوَى أَنَّ لِمَنْ وَلِيَ بَعْدَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ ضَرُورَةَ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [خُذُوهُ فَاقْتُلُوهُ] إلَخْ: أَيْ عِنْدَ ثُبُوتِ مُوجِبِ الْقَتْلِ أَوْ الْحَدِّ أَوْ التَّعْذِيرِ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ قِيلَ لَهُ يَجُوزُ كَذَا] : أَيْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِفْهَامِ فَحَذَفَ الْهَمْزَةَ تَخْفِيفًا. وَقَوْلُهُ: [أَوْ لَا] : مُقَابِلٌ لِكُلٍّ مَنْ يَجُوزُ أَوْ يَصِحُّ. وَقَوْلُهُ: [فَأَجَابَ بِالصِّحَّةِ أَوْ عَدَمِهَا] : رَاجَعَ لِقَوْلِهِ أَوْ يَصِحُّ وَحُذِفَ جَوَابُ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: [وَعِبَارَةُ الْخَرَشِيِّ تُشِيرُ إلَى ذَلِكَ] : أَيْ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا إذَا رَفَعَ إلَيْهِ قَضِيَّةَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ لَا أُجِيزُ نِكَاحًا بِغَيْرِ وَلِيٍّ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى فَسْخِ هَذَا النِّكَاحِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِحُكْمٍ انْتَهَى، فَمَفْهُومُ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى فَسْخِ هَذَا النِّكَاحِ إنْ قَصَدَ الْفَسْخَ بِهَذَا اللَّفْظِ يُعَدُّ حُكْمًا. قَوْلُهُ: [وَقَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ] إلَخْ: هَذَا فِيهِ إجْمَالٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْمُفَصَّلِ أَوْ لِلْمُطْلَقِ، فَعَلَى طَرِيقَةِ الْمُفَصَّلِ يُقَالُ فِيهِ إنْ تَقَدَّمَهُ دَعْوَى فَحُكْمٌ قَطْعًا وَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ دَعْوَى فَجَوَازُ نَقْضِهِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ فَتْوَى. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْقَاضِي ثَبَتَ عِنْدِي صِحَّةُ الْبَيْعِ أَوْ فَسَادُهُ أَوْ مَلَكَ فُلَانٌ بِسِلْعَةِ كَذَا نَحْوُ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ حُكْمًا كَمَا فِي التَّوْضِيحِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَقَدْ أَلَّفَ الْمَازِرِيُّ جُزْءًا فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْحَقُّ أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ كَذَا فِي (بْن) .

لَمْ يَحْكُمْ بِهِ الْأَوَّلُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلثَّانِي نَقْضُهُ (اهـ) . (وَلَا يَتَعَدَّى) حُكْمُ الْحَاكِمِ فِي نَازِلَةٍ (لِمُمَاثِلٍ) لَهَا. (بَلْ إنْ تَجَدَّدَ) الْمُمَاثِلُ (فَالِاجْتِهَادُ) مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ. فَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا فَلْيَحْكُمْ بِمَا حَكَمَ بِهِ أَوَّلًا مِنْ رَاجِحِ قَوْلِ مُقَلَّدِهِ، وَلِغَيْرِهِ مِنْ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ أَنْ يَحْكُمَ بِضِدِّهِ، كَمَا لَوْ حَكَمَ مَالِكِيٌّ بِفَسْخِ نِكَاحِ مَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِلَا وَلِيٍّ، ثُمَّ تَجَدَّدَ مِثْلُهَا فَرَفَعَتْ الْأُخْرَى لِحَنَفِيٍّ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ. وَكُلٌّ مِنْهُمَا ارْتَفَعَ فِيهَا الْخِلَافُ وَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ. وَقَوْلُنَا: " وَلَا يَتَعَدَّى لِمُمَاثِلٍ " إلَخْ: أَيْ وَلَوْ فِي الذَّاتِ الْمَحْكُومِ فِيهَا أَوَّلًا؛ كَمَا إذَا فَسَخَ نِكَاحَ مَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا لِكَوْنِهِ يَرَى ذَلِكَ. ثُمَّ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ الْفَسْخِ لِنَفْسِ ذَلِكَ الزَّوْجِ بِلَا وَلِيٍّ؛ فَإِنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلِاجْتِهَادِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَهُ تَصْحِيحُ الثَّانِي إنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ، وَلِغَيْرِهِ - كَالْحَنَفِيِّ - الْحُكْمُ بِتَصْحِيحِهِ وَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ أَيْضًا. وَ (كَأَنْ حَكَمَ فِي نَازِلَةٍ بِمُجَرَّدِ الْفَسْخِ) : دُونَ التَّأْبِيدِ، وَإِنْ كَانَ يَرَى حِينَ حُكْمِهِ بِمُجَرَّدِ الْفَسْخِ تَأْيِيدَ التَّحْرِيمِ (كَفَسْخٍ) لِنِكَاحٍ (بِرَضْعِ) طِفْلٍ (كَبِيرٍ) أَيْ بِسَبَبِهِ؛ وَالْكَبِيرُ: مَنْ زَادَ عُمْرُهُ عَلَى عَامَيْنِ وَشَهْرَيْنِ، فَلَوْ تَزَوَّجَ بِبِنْتِ مَنْ أَرْضَعَتْهُ كَبِيرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَالِاجْتِهَادُ مِنْهُ] : أَيْ مِثْلُ وَاقِعَةِ عُمَرَ فِي الْحِمَارِيَّةِ. قَوْلُهُ: [مِنْ رَاجِحِ قَوْلِ مُقَلَّدِهِ] : أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ وَظَهَرَ لَهُ أَرْجَحِيَّةُ غَيْرِ مَا حَكَمَ بِهِ أَوَّلًا فَيَحْكُمُ ثَانِيًا بِغَيْرِ مَا حَكَمَ بِهِ أَوَّلًا. قَوْلُهُ: [ثُمَّ تَجَدَّدَ مِثْلُهَا] : أَيْ وَلَوْ فِي عَيْنِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ كَمَا يَأْتِي فِي الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا] : أَيْ جَدَّدَتْ عَقْدًا آخَرَ. قَوْلُهُ: [وَكَأَنْ حَكَمَ] : قَدَّرَ الْوَاوَ لِأَجْلِ الْمِثَالِ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ كَمَا لَوْ حَكَمَ مَالِكِيٌّ إلَخْ فَمَزَجَهُ مَعَ الْمَتْنِ وَجَعَلَ مِثَالَهُ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالْمُصَنَّفُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ لِتَقْدِيرِ الْوَاوِ، وَهَذِهِ الْأَمْثِلَةُ لِلْمُتَجَدِّدِ الْمُعَرَّضِ لِلِاجْتِهَادِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ يَرَى] إلَخْ: أَيْ لَكِنْ لَمْ يَقْصِدْ بَعْدُ بِالْحُكْمِ عِنْدَ الْفَسْخِ التَّأْيِيدَ وَإِلَّا فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ حُكْمٌ بِالتَّحْلِيلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. قَوْلُهُ: [فَلَوْ تَزَوَّجَ بِبِنْتِ مَنْ أَرْضَعَتْهُ كَبِيرًا] : لَا مَفْهُومَ بِالتَّزَوُّجِ بِبِنْتِهَا بَلْ كَذَلِكَ التَّزَوُّجُ بِهَا لِأَنَّ مَنْ يَرَى التَّحْرِيمَ فِي التَّزَوُّجِ بِبِنْتِهَا يَقُولُ: إنَّهَا أُخْتُهُ وَفِي

[لا يستند الحاكم في حكمه لعلمه]

فَرُفِعَ لِمَنْ يَرَى التَّحْرِيمَ بِرَضْعِ الْكَبِيرِ فَفَسَخَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا، كَانَ النِّكَاحُ الثَّانِي مُمَاثِلًا لَا يَتَعَدَّى لَهُ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ وَصَارَ هَذَا مُعَرَّضًا لِلِاجْتِهَادِ، فَلِمَنْ حَكَمَ بِفَسَادِهِ إنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ أَوْ لِغَيْرِهِ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ. (أَوْ) فَسْخٍ بِسَبَبِ (عَقْدِ نِكَاحٍ بِعِدَّةٍ) : أَيْ فِي عِدَّةٍ وَإِنْ كَانَ يَرَى هُوَ تَأْبِيدَ التَّحْرِيمِ حِينَ فَسْخِهِ، فَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا ثَانِيًا بَعْدَ الْفَسْخِ (فَهِيَ) : أَيْ الْمَنْكُوحَةُ ثَانِيًا الْمَفْسُوخُ نِكَاحُهَا أَوَّلًا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (كَغَيْرِهَا) مِمَّنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهَا فَسْخٌ (فِي الْمُسْتَقْبَلِ) : فَلَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنْ يُزَوِّجَهَا لِمَنْ فَسَخَ نِكَاحَهُ وَيَحْكُمَ بِصِحَّتِهِ إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ. (وَلَا يَسْتَنِدُ) الْحَاكِمُ فِي حُكْمِهِ (لِعِلْمِهِ) : بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ (إلَّا فِي الْعَدَالَةِ) : كَشَاهِدٍ عَلِمَ الْقَاضِي بِعَدَالَتِهِ فَيَسْتَنِدُ لِعِلْمِهِ (وَالْجَرْحِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ: فَيَسْتَنِدُ لِعِلْمِهِ (كَالشُّهْرَةِ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْعَدَالَةِ وَالْجَرْحِ فَيَسْتَنِدُ لَهَا، إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْقَاضِي مِنْهُ خِلَافَ مَا اشْتَهَرَ. شَهِدَ الْمُزَنِيّ عِنْدَ الْقَاضِي بَكَّارٍ فَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّزَوُّجِ بِهَا يَقُولُ: إنَّهَا أُمُّهُ. قَوْلُهُ: [فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ] : هَكَذَا قَالَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِأُصُولِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا هُوَ صَوَابٌ فِي مَسْأَلَةِ الْعِدَّةِ لَا فِي مَسْأَلَةِ رَضَاعِ الْكَبِيرِ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالْفَسْخِ فِي رَضَاعِ الْكَبِيرِ يَمْنَعُ مِنْ تَجَدُّدِ الِاجْتِهَادِ فِيهَا؛ لِأَنَّ مُسْتَنَدَهُ فِيهَا أَنَّ رَضْعَ الْكَبِيرِ يُحَرِّمُ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ ثُبُوتَ التَّحْرِيمِ لَا يَكُونُ إلَّا مُؤَبَّدًا. بِخِلَافِ فَسْخِ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّ مُسْتَنَدَهُ تَحْرِيمُ النِّكَاحِ فِيهَا، وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي كَوْنِهِ مُؤَبَّدًا أَوَّلًا انْتَهَى. [لَا يَسْتَنِدُ الْحَاكِمُ فِي حُكْمِهِ لِعِلْمِهِ] قَوْلُهُ: [وَلَا يَسْتَنِدُ الْحَاكِمُ فِي حُكْمِهِ لِعِلْمِهِ] : أَيْ وَلَوْ مُجْتَهِدًا وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكَشْفِ، وَمِنْ الضَّلَالِ الْبَيِّنِ الِاعْتِمَادُ فِي التُّهَمِ عَلَى ضَرْبِ الْمَنْدَلِ وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْقَاضِي مِنْهُ خِلَافَ مَا اشْتَهَرَ] إلَخْ: حَاصِلُ التَّحْرِيرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا عَلِمَ عَدَالَةَ شَاهِدٍ تَبِعَ عِلْمَهُ وَلَا يَحْتَاجُ لِطَلَبِ تَزْكِيَةٍ مَا لَمْ يَجْرَحْهُ أَحَدٌ وَإِلَّا فَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى عِلْمِهِ لِأَنَّ غَيْرَهُ عَلِمَ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ وَإِذَا عَلِمَ جُرْحَةَ شَاهِدٍ فَلَا يَقْبَلُهُ وَلَوْ عَدَّلَهُ غَيْرُهُ وَلَوْ كَانَ الْمُعَدِّلُ لَهُ كُلَّ النَّاسِ لِأَنَّهُ عَلِمَ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ غَيْرُهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَطُولَ مَا بَيْنَ عِلْمِهِ بِجُرْحَتِهِ وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ بِتَعْدِيلِهِ وَإِلَّا قُدِّمَ الْمُعَدِّلُ لَهُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ الْقَاضِي، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا فِي (بْن) .

[غيبة الخصوم]

لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ الْمُزَنِيّ: صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ. فَقَالَ الْقَاضِي: الِاسْمُ اسْمُ عَدْلٍ، وَمَنْ يَشْهَدُ أَنَّك الْمُزَنِيّ؟ فَقَالَ الْحَاضِرُونَ: هُوَ الْمُزَنِيّ، فَحَكَمَ بِشَهَادَتِهِ. فَقَالَ الْمُزَنِيّ: سَتَرَنِي الْقَاضِي سَتَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى. (أَوْ إقْرَارِ الْخَصْمِ) الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (بِالْعَدَالَةِ) لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَيَحْكُمُ بِهَا، وَلَوْ عَلِمَ الْقَاضِي خِلَافَ ذَلِكَ، لِأَنَّ إقْرَارَ الْخَصْمِ بِعَدَالَةِ الشَّاهِدِ كَالْإِقْرَارِ بِالْحَقِّ. (وَقَرِيبُ الْغَيْبَةِ) : كَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ مَعَ الْأَمْنِ حُكْمُهُ (كَالْحَاضِرِ) فِي سَمَاعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَالْبَيِّنَةِ، ثُمَّ يُرْسِلُ إلَيْهِ بِالْأَعْذَارِ فِيهَا وَأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَقْدَمَ أَوْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا عَنْهُ فِي الدَّعْوَى. فَإِنْ لَمْ يَقْدَمَ وَلَا وَكَّلَ عَنْهُ وَكِيلًا حَكَمَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَبِيعَ عَقَارُهُ فِي الدَّيْنِ وَيُعَجِّزُهُ إلَّا فِي دَمٍ وَعِتْقٍ وَنَسَبٍ وَطَلَاقٍ وَحَبْسٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَ) الْغَائِبُ (الْبَعِيدُ جِدًّا) كَإِفْرِيقِيَّةَ مِنْ الْمَدِينَةِ (يُقْضَى) عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ بَعْدَ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَتَزْكِيَتِهَا (بِيَمِينِ الْقَضَاءِ) مِنْ الْمُدَّعِي: أَنَّ حَقَّهُ هَذَا ثَابِتٌ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ مَا أَبْرَأهُ بِهِ وَلَا وَكَّلَ الْغَائِبُ مَنْ يَقْضِيهِ عَنْهُ وَلَا أَحَالَهُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ فِي الْكُلِّ وَلَا الْبَعْضِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [غيبَة الخصوم] قَوْلُهُ: [وَقَرِيبُ الْغَيْبَةِ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ الْقَاضِي يَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ إذَا كَانَ غَائِبًا عَنْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ إنْ كَانَ مُتَوَطِّنًا بِوِلَايَتِهِ أَوْ لَهُ مَالٌ أَوْ وَكِيلٌ أَوْ حَمِيلٌ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَمَاعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَلَا حُكْمٌ كَمَا فِي (عب) . قَوْلُهُ: [وَالثَّلَاثَةِ] : أَيْ وَمَا قَارَبَهَا. قَوْلُهُ: [وَيُعَجِّزُهُ] : أَيْ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِعَدَمِ قَبُولِ حُجَّتِهِ إذَا قَدِمَ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ وَالتَّوْضِيحِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْخَرَشِيِّ إنَّهُ بَاقٍ عَلَى حُجَّتِهِ إذَا قَدِمَ فَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ كَمَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [إلَّا فِي دَمٍ] : هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مُشْكِلٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ فِي تَعْجِيزِ الطَّالِبِ لَا الْمَطْلُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي قَوْلِهِ فَهَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتُ إنَّمَا هِيَ مَفْرُوضَةٌ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي الطَّالِبِ، وَأَمَّا الْمَطْلُوبُ فَيُعَجِّزُهُ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ.

وَيَمِينُ الْقَضَاءِ وَاجِبَةٌ لَا يَتِمُّ الْحُكْمُ إلَّا بِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ (كَالْمَيِّتِ) يُدَّعَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ الْقَضَاءِ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ بِالدَّيْنِ. (وَالْيَتِيمِ) يُدَّعَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ تَحْتَ يَدِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ الْقَضَاءِ مِنْ الْمُدَّعِي بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَأَنَّهُ مَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ وَلَا وَهَبَهُ وَلَا حَبَسَهُ عَلَيْهِ. (أَوْ الْفُقَرَاءِ) كَذَلِكَ. ثُمَّ أَشَارَ لَلْغَيْبَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَيَمِينُ الْقَضَاءِ وَاجِبَةٌ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي تَشْهَدُ بِدَيْنٍ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْغَائِبِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ تَشْهَدُ بِأَنَّ الْغَائِبَ أَقَرَّ أَنَّ عِنْدَهُ لِفُلَانٍ كَذَا لِأَنَّهُ قَدْ يَقْضِيهِ بَعْدَ إقْرَارِهِ أَوْ يُبَرِّئُهُ أَوْ يُحِيلُ شَخْصًا عَلَيْهِ، هَذَا هُوَ الْحَقُّ كَمَا فِي (بْن) خِلَافًا (لعب) حَيْثُ قَالَ بِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ لِيَمِينِ الْقِصَاءِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: [الْمَذْهَبِ] : وَمُقَابِلُهُ أَنَّهَا اسْتِظْهَارٌ أَيْ مُقَوِّيَةٌ لِلْحُكْمِ فَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِدُونِهَا عَلَى هَذَا. قَوْلُهُ: [كَالْمَيِّتِ يُدَّعَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ] : أَيْ كَمَا إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى مَنْ مَاتَ أَنَّ لَهُ عِنْدَهُ كَذَا مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ وَلَمْ يُقِرَّ وَرَثَتُهُ بِهِ فَلَا يَحْكُمُ الْقَاضِي لِذَلِكَ الشَّخْصِ الْمُدَّعِي بِهَذَا الدَّيْنِ إلَّا إذَا حَلَفَ يَمِينَ الْقَضَاءِ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ أَقَرَّ وَرَثَتُهُ الْكِبَارُ قَبْلَ رَفْعِ الْمُدَّعِي لِلْحَاكِمِ فَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَأَمَّا إنْ أَقَرُّوا بَعْدَ الرَّفْعِ وَرَضُوا بِعَدَمِ حَلِفِهِ فَهَلْ كَذَلِكَ لَا تَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ لِبَعْضِ الشُّيُوخِ أَفَادَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَالْيَتِيمِ] : مِثْلُهُ الصَّغِيرُ وَالسَّفِيهُ. قَوْلُهُ: [أَنَّهُ مِلْكُهُ] : أَيْ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ إلَى الْآنِ. قَوْلُهُ: [أَوْ الْفُقَرَاءِ كَذَلِكَ] : أَيْ فَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِمْ أَنَّ مَا حَبَسَهُ فُلَانٌ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجُزْ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ الْقَضَاءِ بَعْدَ شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الدَّعْوَى عَلَى بَيْتِ الْمَالِ كَمَا إذَا ادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّهُ مُعْدَمٌ لِيَأْخُذَ حَقَّهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ الَّذِي مَاتَ وَوَضَعَ مَالَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِظَنِّ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ الْقَضَاءِ مَعَ الْبَيِّنَةِ.

(وَالْعَشَرَةُ) الْأَيَّامُ مَعَ الْأَمْنِ (وَالْيَوْمَانِ مَعَ الْخَوْفِ) كَذَلِكَ: أَيْ يُقْضَى عَلَيْهِ فِيهَا مَعَ يَمِينِ الْقَضَاءِ (فِي غَيْرِ اسْتِحْقَاقِ الْعَقَارِ) مِنْ دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَأَمَّا فِي دَعْوَى اسْتِحْقَاقِ عَقَارٍ فَلَا يُقْضَى بِهِ بَلْ تُؤَخَّرُ الدَّعْوَى حَتَّى يَقْدَمَ لِقُوَّةِ الْمُشَاحَّةِ فِي الْعَقَارِ، بِخِلَافِ بَعِيدِ الْغَيْبَةِ جِدًّا فَإِنَّ فِي الصَّبْرِ لِقُدُومِهِ شِدَّةُ ضَرَرٍ عَلَى الْمُدَّعِي. (وَسَمَّى الْقَاضِي لَهُ) : أَيْ لِلْغَائِبِ الْبَعِيدِ أَوْ الْمُتَوَسِّطِ (الشُّهُودَ إذَا قَدِمَ) مِنْ غَيْبَتِهِ. وَكَذَا مَنْ عَدَلَهُمْ إنْ احْتَاجُوا لِلتَّعْدِيلِ. (وَإِلَّا) يُسَمِّ لَهُ الشُّهُودَ وَلَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعِي يَمِينَ الْقَضَاءِ (نُقِصَ) حُكْمُهُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: مَا لَمْ يَشْتَهِرْ الْقَاضِي بِالْعَدَالَةِ وَإِلَّا فَلَا يُنْقَضُ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُتَوَسِّطَ الْغَيْبَةِ كَبَعِيدِهَا حَتَّى عَقَارَهُ لِدَيْنٍ أَوْ نَفَقَةٍ إلَّا فِي دَعْوَى اسْتِحْقَاقِ الْعَقَارِ فَيَفْتَرِقَانِ. وَلَمَّا ذَكَرَ الْحُكْمَ عَلَى الْغَائِبِ ذَكَرَ الْحُكْمَ بِالْغَائِبِ بِقَوْلِهِ: (وَحَكَمَ) الْحَاكِمُ (بِغَائِبٍ) : أَيْ بِشَيْءٍ غَائِبٍ عَنْ بَلَدِ الْحُكْمِ وَلَوْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْعَشَرَةُ الْأَيَّامِ مَعَ الْأَمْنِ] : أَيْ وَمَا قَارَبَهَا، فَمَا قَارَبَ كُلًّا مِنْ الْغَيْبَاتِ الثَّلَاثِ يُعْطَى حُكْمَهُ، فَالْأَرْبَعَةُ أَيَّامٍ تُلْحَقُ بِالْقَرِيبَةِ وَالثَّمَانِيَةُ وَالتِّسْعَةُ تُلْحَقُ بِالْمُتَوَسِّطَةِ، وَالْخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ تُلْحَقُ بِالْأَحْوَطِ أَفَادَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [لِقُوَّةِ الْمُشَاحَّةِ فِي الْعَقَارِ] : أَيْ تَشَاحُحِ النُّفُوسُ بِسَبَبِهِ وَحُصُولُ الضَّغَائِنِ وَالْحِقْدِ وَالنِّزَاعِ عِنْدَ أَخْذِهِ فَتُؤَخَّرُ الدَّعْوَى لِيَكُونَ حُضُورُهُ أَقْطَعَ لِلنِّزَاعِ. قَوْلُهُ: [نُقِضَ حُكْمُهُ] : هَذَا يُفِيدُ أَنَّ تَسْمِيَةَ الشُّهُودِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ وَقِيلَ: تَسْمِيَةُ الشُّهُودِ مُسْتَحَبَّةٌ. قَوْلُهُ: [قَالَ بَعْضُهُمْ] : أَيْ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْجَزِيرِيِّ وَابْنِ فَرْحُونٍ كَمَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [حَكَمَ الْحَاكِمُ بِغَائِبٍ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ إذَا كَانَ غَائِبًا عَنْ بَلَدِ الْحُكْمِ وَهُوَ مِمَّا يَتَمَيَّزُ بِالصِّفَةِ فِي غَيْبَتِهِ كَالْعَقَارِ وَالْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ عَلَى حُضُورِهِ، بَلْ تُمَيِّزُهُ الْبَيِّنَةُ بِالصِّفَةِ وَيَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الدَّيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَإِذَا ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍو وَهُمَا بِرَشِيدٍ مَثَلًا أَنَّ لَهُ عِنْدَهُ.

فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ (يَتَمَيَّزُ) : نَعْتٌ لِ: " غَائِبٍ " أَيْ: إذَا كَانَ الْغَائِبُ يَتَمَيَّزُ (بِالصِّفَةِ) مِنْ حَيَوَانٍ؛ كَعَبْدٍ وَغَيْرِهِ كَثَوْبٍ (وَلَوْ عَقَارًا) مِنْ سَائِرِ الْمُقَوَّمَاتِ. وَلَا يَطْلُبُ حُضُورَهُ، فَلَوْ كَانَ لَا يَتَمَيَّزُ بِالصِّفَةِ كَقُطْنٍ وَحَرِيرٍ، فَإِنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِقِيمَتِهِ - سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْمُقَوَّمَاتِ أَوْ الْمِثْلِيَّاتِ - حَكَمَ بِهِ أَيْضًا، وَإِلَّا فَلَا. وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ فِي الْمِثْلِيِّ لِلْجَهْلِ بِصِفَتِهِ. وَاحْتُرِزَ بِالْغَائِبِ مِنْ الْحَاضِرِ فِي الْبَلَدِ، فَلَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِهِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ بِتَمَيُّزِهِ بِالصِّفَةِ أَمْ لَا، إلَّا أَنْ يَعْسُرَ إحْضَارُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةِ الْحِيَازَةِ. وَإِذَا كَانَ لَهُ الْحُكْمُ بِالْغَائِبِ - وَلَوْ عَقَارًا - (فَالدَّعْوَى حَيْثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْأَرْجَحِ) فَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِ: حَتَّى تَحْضُرَ مَحَلَّ الْمُدَّعَى بِهِ، فَلِلطَّالِبِ إقَامَةُ الدَّعْوَى عَلَى خَصْمِهِ حَيْثُ وَجَدَهُ. وَقِيلَ: مَحَلُّ الدَّعْوَى حَيْثُ الْمُدَّعَى بِهِ فَيُجَابُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا طَلَبَ الدَّعْوَى فِيهِ. وَالْخِلَافُ فِي الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُعَيَّنَاتِ. وَأَمَّا الدَّيْنُ فَحَيْثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اتِّفَاقًا. وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُتَوَطِّنًا بِغَيْرِ وِلَايَةِ الْقَاضِي فَدَخَلَ بَلَدَ الْقَاضِي فَتَعَلَّقَ بِهِ خَصْمُهُ. وَأَمَّا قَاضِي بَلَدِهِ فَيَحْكُمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكِتَابًا مَثَلًا بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْكِتَابَ الْفُلَانِيَّ الَّذِي صِفَتُهُ كَذَا مِلْكٌ لِذَلِكَ الْمُدَّعِي، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ لَهُ بِهِ كَمَا يَحْكُمُ بِالدَّيْنِ الْمُتَمَيِّزِ بِالصِّفَةِ، وَإِنْ كَانَ تَمْيِيزُهُ نَوْعِيًّا لَا شَخْصِيًّا كَمَا إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّ لَهُ عِنْدَهُ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْمَحَابِيبِ أَوْ الرِّيَالَاتِ كَذَا أَوْ أَنَّ لَهُ عِنْدَهُ إرْدَبَّ قَمْحٍ سَمْرَاءَ أَوْ مَحْمُولَةً قَدْرُهَا كَذَا فَإِنَّهُ يَحْكُمُ لَهُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [حَكَمَ بِهِ أَيْضًا] : أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْقِيمَةِ لَا بِالْمُقَوَّمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُهُ، وَلَوْ قَالَ حَكَمَ بِهَا أَيْضًا كَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: [فَلَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِهِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ] : هَكَذَا قَالَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْخَرَشِيِّ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ لَوْ قَالَ فَلَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى عَيْنِهِ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ مَنْ حَقَّقَ. قَوْلُهُ: [فَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةِ الْحِيَازَةِ] : اُنْظُرْ مَا مَعْنَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ. قَوْلُهُ: [عَلَى الْأَرْجَحِ] : أَيْ وَبِهِ الْعَمَلُ وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ وَسَحْنُونٍ. قَوْلُهُ: [مِنْ الْمُعَيَّنَاتِ] : أَيْ وَلَوْ مِثْلِيَّاتٍ.

عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ إذَا كَانَ الْغِيبَةُ بَعِيدَةً جِدًّا وَلَوْ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعَقَارِ أَوْ مُتَوَسِّطَةً فِي غَيْرِ اسْتِحْقَاقِ الْعَقَارِ، وَالْقَرِيبُ كَالْحَاضِرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا مُتَوَطِّنٌ بِبَلَدِ الْقَاضِي ادَّعَى عَلَيْهِ بِغَائِبٍ فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِنَا: " وَحَكَمَ بِغَائِبٍ يَتَمَيَّزُ بِالصِّفَةِ ". (وَمُكِّنَ مُدَّعٍ لِغَائِبٍ بِلَا تَوْكِيلٍ) لَهُ مِنْ الْغَائِبِ بَلْ حِسْبَةً لِلَّهِ (إنْ خِيفَ ضَيَاعُ الْمَالِ) : أَيْ مَالِ الْغَائِبِ، بِأَنْ كَانَ مَنْ لَهُ الْمَالُ غَائِبًا فَخَافَ حَاضِرٌ أَنْ يُضَيِّعَ مَالَهُ فَرَفَعَ الْحَاضِرُ الْأَمْرَ لِلْقَاضِي وَادَّعَى عَنْ الْغَائِبِ حِسْبَةً لِحِفْظِ مَالِ الْغَائِبِ فَيُمَكَّنُ مِنْ الدَّعْوَى عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يُمَكَّنُ. (وَلَا حُكْمَ لَهُ) : أَيْ لِلْقَاضِي (بِغَيْرِ وِلَايَتِهِ) : بَلْ هُوَ كَآحَادِ النَّاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [حِسْبَةً] : بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ السِّينِ عَلَى وَزْنِ قِرْبَةٍ. قَوْلُهُ: [فَيُمَكَّنُ مِنْ الدَّعْوَى عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] إلَخْ: مَحَلُّ الْقَوْلَيْنِ إذَا كَانَ مَنْ يُرِيدُ الدَّعْوَى لَا حَقَّ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ، أَمَّا مَا لَهُ فِيهِ حَقٌّ كَزَوْجَةِ الْغَائِبِ وَأَقَارِبِهِ الَّذِينَ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ فَيُمَكَّنُونَ مِنْ الدَّعْوَى اتِّفَاقًا، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ عَلَيْهِ فِيهِ ضَمَانٌ كَمُسْتَعِيرٍ لِمَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَمُرْتَهِنٍ كَذَلِكَ وَحَمِيلِ مَدِينٍ أَرَادَ فِرَارًا أَوْ سَفَرًا بَعِيدًا فَإِنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ الدَّعْوَى اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [بَلْ هُوَ كَآحَادِ النَّاسِ] : أَيْ فَقَاضِي رَشِيدٍ لَا حُكْمَ لَهُ بِصَوْمٍ مَثَلًا فِي إسْكَنْدَرِيَّةَ كَانَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَوْ نَازِلًا بِهَا، فَلَوْ أَرَادَتْ امْرَأَةٌ التَّزَوُّجَ وَلَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ إلَّا الْقَاضِي فَلَا يُزَوِّجُهَا إلَّا الْقَاضِي الَّذِي هُوَ بِمَحِلِّ وِلَايَتِهِ؛ مَثَلًا لَوْ كَانَتْ امْرَأَةٌ بِإِسْكَنْدَرِيَّةِ لَا وَلِيَّ لَهَا إلَّا الْقَاضِي فَلَا يُزَوِّجُهَا قَاضِي رَشِيدٍ وَإِنَّمَا يُزَوِّجُهَا قَاضِي إسْكَنْدَرِيَّةَ، وَإِنْ كَانَ قَاضِي رَشِيدٍ نَازِلًا بِإِسْكَنْدَرِيَّةِ بَلْ هُوَ كَعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ تَرْتَحِلْ الْمَرْأَةُ لِمَحِلِّ وِلَايَتِهِ وَتُرِيدُ التَّزَوُّجَ بِهَا وَإِلَّا فَالْحَقُّ لَهُ، وَقِسْ عَلَى هَذَا. وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ وِلَايَةِ قَاضِي الْقَاهِرَةِ جَمِيعُ الْبِلَادِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ لَهَا قَاضٍ مُسْتَقِلٌّ مِنْ السُّلْطَانِ فَجَمِيعُ الْبِلَادِ الَّتِي تَأْخُذُ قُضَاتُهَا النِّيَابَةَ مِنْهُ يُقَالُ لَهَا: مَحَلُّ وِلَايَتِهِ. تَتِمَّةٌ: يَجْلِبُ الْقَاضِي الْخَصْمَ بِخَاتَمٍ أَوْ رَسُولٍ أَوْ وَرَقَةٍ أَوْ أَمَارَةٍ إنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَأَقَلَّ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَالْحَالُ أَنَّهُ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَأَرَادَ جَلْبَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ لِدَعْوَى الْمُدَّعِي إلَّا بِشَاهِدٍ يَشْهَدُ بِالْحَقِّ فَيَجْلِبُهُ وَلَكِنْ لَا يُجْبِرُهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَكْتُبُ لَهُ إمَّا أَنْ تَحْضُرَ أَوْ تُوَكِّلَ أَوْ تُرْضِي خَصْمَك فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ قَضَيْنَا عَلَيْك.

[باب في الشهادة]

بَابٌ فِي الشَّهَادَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ وَتُطْلَقُ لُغَةً عَلَى الْإِعْلَامِ وَعَلَى الْحُضُورِ، نَحْوُ: شَهِدَ زَيْدٌ مَجْلِسَ الْقَوْمِ. وَعَلَى الْعِلْمِ نَحْوُ: " شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ " وَهِيَ عُرْفًا: إخْبَارُ عَدْلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الشَّهَادَةِ] [شَرْطُ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ] ِ] : أَيْ فِي شُرُوطِهَا وَقَوْلُهُ: [وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ] : أَيْ الْمَسَائِلِ قَوْلُهُ: [وَتُطْلَقُ لُغَةً عَلَى الْإِعْلَامِ وَعَلَى الْحُضُورِ] : قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: الشَّهَادَةُ مَعْنَاهَا الْبَيَانُ وَبِهِ سُمِّيَ الشَّاهِدُ أَيْ لِأَنَّهُ يُبَيِّنُ الْحُكْمَ وَالْحَقَّ مِنْ الْبَاطِلِ، وَهُوَ أَحَدُ مَعَانٍ تَثْنِيَتُهُ شَاهِدَانِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بَعْضُهُمْ فِي مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} [آل عمران: 18] أَيْ بَيَّنَ، وَقِيلَ هِيَ فِيهَا بِمَعْنَى الْعِلْمِ انْتَهَى قَوْلُهُ: [وَهِيَ عُرْفًا إخْبَارُ عَدْلٍ إلَخْ] : تَعَرَّضَ لِتَعْرِيفِهَا اصْطِلَاحًا لِلرَّدِّ عَلَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْقَائِلِ لَا حَاجَةَ لِتَعْرِيفِ حَقِيقَتِهَا لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ، وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِ الْقَرَافِيِّ أَقَمْت ثَمَانَ سِنِينَ أَطْلُبُ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرِّوَايَةِ وَأَسْأَل الْفُضَلَاءَ عَنْهُ بِتَحْقِيقِ مَاهِيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيَقُولُونَ: الشَّهَادَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّعَدُّدُ وَالذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ فَأَقُولُ لَهُمْ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فَرْعُ تَصَوُّرِهَا حَتَّى طَالَعْت شَرْحَ الْبَرَاهِينَ لِلْمَازِرِيِّ فَوَجَدْتُهُ حَقَّقَ الْمَسْأَلَةَ فَقَالَ: هُمَا خَبَرَانِ غَيْرَ أَنَّ الْمُخْبَرَ عَنْهُ إنْ كَانَ عَامًّا لَا يَخْتَصُّ بِمُعَيَّنٍ فَالرِّوَايَةُ كَخَبَرِ: " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ "، وَ: " الشُّفْعَةُ فِيمَا يَنْقَسِمُ "

حَاكِمًا بِمَا عَلِمَ وَلَوْ بِأَمْرٍ عَامٍّ لِيَحْكُمَ بِمُقْتَضَاهُ، فَقَدْ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى تَقَدُّمِ دَعْوَى؛ كَإِعْلَامِ الْعُدُولِ بِرُؤْيَتِهِمْ الشَّهْرَ فَيَحْكُمُ بِثُبُوتِهَا. وَيَتَرَتَّبُ عَلَى حُكْمِهِ أُمُورٌ، كَوُجُوبِ الصِّيَامِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَتَمَامِ عِدَّةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ تَمَامِ أَجَلٍ لِدَيْنٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ: وَقَوْلُهُمْ: حُكْمُ الْحَاكِمِ يَتَوَقَّفُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ، مُرَادُهُمْ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْخُصُومَاتِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ قَوْلِ الْعُدُولِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِهَذَا عَلَى هَذَا كَذَا إلْزَامٌ لِمُعَيَّنٍ لَا يَتَعَدَّاهُ فَالشَّهَادَةُ، ابْنُ عَرَفَةَ: حَاصِلُ مَا قَرَّرَهُ الْمَازِرِيُّ أَنَّ الشَّهَادَةَ هِيَ الْخَبَرُ الْمُتَعَلِّقُ بِجُزْئِيٍّ وَالرِّوَايَةَ الْمُتَعَلِّقُ بِكُلِّيٍّ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ قَدْ تَتَعَلَّقُ بِجُزْئِيٍّ كَخَبَرِ: «يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ» وَخَبَرِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فِي السَّفِينَةِ الَّتِي لَعِبَ بِهِمْ الْمَوْجُ فِيهَا وَذَكَرَ قِصَّةَ الدَّجَّالِ إلَى غَيْرِهَا مِنْ أَحَادِيثَ مُتَعَلِّقَةٍ بِجُزْئِيٍّ وَكَآيَةِ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] وَنَحْوُهَا كَثِيرٌ انْتَهَى. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْحَقُّ فِي الْفَرْقِ مَا قَالَهُ (بْن) وَهُوَ أَنَّ الْخَبَرَ إمَّا أَنْ يُقْصَدَ أَنْ يُرَتَّبَ عَلَيْهِ فَصْلُ قَضَاءٍ وَإِبْرَامُ حُكْمٍ أَمْ لَا، فَإِنْ قُصِدَ بِهِ ذَلِكَ فَهُوَ الشَّهَادَةُ وَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ ذَلِكَ فَإِمَّا أَنْ يُقْصَدَ بِهِ تَعْرِيفُ دَلِيلِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ يُشَرِّعُهُ أَوْ لَا فَإِنْ قُصِدَ بِهِ ذَلِكَ فَهُوَ الرِّوَايَةُ وَإِلَّا فَهُوَ سَائِرُ أَنْوَاعِ الْخَبَرِ انْتَهَى وَتَعْرِيفُ شَارِحِنَا يُفِيدُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: إخْبَارُ عَدْلٍ: مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَحَاكِمًا مَفْعُولُهُ قَوْلُهُ: [حَاكِمًا] : أَيْ أَوْ مُحَكَّمًا وَقَوْلُهُ: [بِمَا عَلِمَ] : أَيْ إخْبَارٍ نَاشِئٍ عَنْ عِلْمٍ لَا عَنْ ظَنٍّ أَوْ شَكٍّ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي تَأْدِيَةِ الشَّهَادَةِ لَفْظُ أَشْهَدُ بِخُصُوصِهِ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ؟ قَوْلَانِ: أَظْهَرُهُمَا عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ بَلْ الْمَدَارُ فِيهَا عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى حُصُولِ عِلْمِ الشَّاهِدِ بِمَا شَهِدَ بِهِ كَرَأَيْت كَذَا أَوْ سَمِعْت كَذَا أَوْ لِهَذَا عِنْدَ هَذَا كَذَا فَلَا يُشْتَرَطُ لِأَدَائِهَا صِيغَةٌ مُعَيَّنَةٌ قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِأَمْرٍ عَامٍّ] : رَدٌّ بِالْمُبَالَغَةِ عَلَى الْمَازِرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ حَيْثُ خَصُّوهَا بِالْجُزْئِيِّ. قَوْلُهُ: [كَإِعْلَامِ الْعُدُولِ بِرُؤْيَتِهِمْ الشَّهْرَ] : مِثَالٌ لِلْأَمْرِ الْعَامِّ. قَوْلُهُ: [يَتَوَقَّفُ عَلَى دَعْوَى] : أَيْ عَلَى تَقَدُّمِ دَعْوَى. قَوْلُهُ: [مُرَادُهُمْ فِي الْمُعَامَلَاتِ إلَخْ] : أَيْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ لَمْ يَتَمَحَّضْ الْحَقُّ

كَالدِّينِ وَالْقَذْفِ وَالْقَتْلِ وَالْعِتْقِ وَالنَّسَبِ، وَقَدْ لَا يَتَوَقَّفُ؛ كَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا، فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ تَكْفِي فِي ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَتَقَدَّم دَعْوَى مِنْ غَيْرِهَا. وَأَشَارَ بِشَرْطِ الشَّهَادَةِ بِقَوْلِهِ: (شَرْطُ) صِحَّةِ (الشَّهَادَةِ) عِنْدَ الْحَاكِمِ (الْعَدَالَةُ) : وَهِيَ الِاتِّصَافُ بِمَا يَأْتِي ذِكْرُهُ (وَالْعَدْلُ) هُنَا: (الْحُرُّ) وَلَوْ أُنْثَى فِي بَعْضِ الْأُمُورِ؛ كَالْمَالِ وَالْوِلَادَةِ فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ رَقِيقٍ وَلَوْ ذَكَرًا. (الْمُسْلِمُ) : فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ كَافِرٍ وَلَوْ لِكَافِرٍ عَلَى كَافِرٍ. (الْبَالِغُ) : فَلَا تَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ إلَّا إذَا شَهِدَ الصِّبْيَانُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَتْلِ بِشُرُوطٍ تَأْتِي. (الْعَاقِلُ) : فَلَا تَصِحُّ مِنْ مَعْتُوهٍ وَمَجْنُونٍ لِعَدَمِ ضَبْطِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ لِلَّهِ، وَأَمَّا الْأُمُورُ الَّتِي تَمَحَّضَ الْحَقُّ فِيهَا لِلَّهِ فَلَا تَتَوَقَّفُ الشَّهَادَةُ فِيهَا عَلَى تَقَدُّمِ دَعْوَى، كَمَا أَفَادَهُ بَعْدُ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِيهَا حِسْبَةٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ وَإِنْ لَمْ يُسْتَشْهَدْ. قَوْلُهُ: [مِنْ غَيْرِهَا] : أَيْ مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْبَيِّنَةِ. قَوْلُهُ: [بِمَا يَأْتِي ذِكْرُهُ] : أَيْ وَهِيَ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا بِقَوْلِهِ: وَالْعَدْلُ الْحُرُّ إلَخْ، وَلَوْ قَالَ: وَهِيَ الِاتِّصَافُ بِمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ إلَخْ لَكَانَ أَظْهَرَ. قَوْلُهُ: [هُنَا] : يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ الْعَدَالَةِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْحُرِّيَّةُ. وَقَوْلُهُ: [الْحُرُّ] : أَيْ وَلَوْ عَتِيقًا لَكِنْ إنْ شَهِدَ لِمُعْتَقِهِ فَلَهُ شَرْطٌ آخَرُ وَهُوَ التَّبْرِيزُ. قَوْلُهُ: [فِي بَعْضِ الْأُمُورِ] : رَاجِعٌ لِلْمُبَالَغِ عَلَيْهِ أَيْ فَالْأُنْثَى تُعَدُّ مِنْ الْعُدُولِ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهَا فِي بَعْضِ الْأُمُورِ الَّتِي مَثَّلَ لَهَا. قَوْلُهُ: [وَالْوِلَادَةِ] : أَيْ وَنَحْوِهَا مِنْ كُلِّ مَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ. قَوْلُهُ: [فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ رَقِيقٍ] : أَيْ مَنْ فِيهِ شَائِبَةُ رِقٍّ وَلَوْ قَلَّتْ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ لِكَافِرٍ عَلَى كَافِرٍ] : أَيْ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ حَيْثُ، قَالَا: يَجُوزُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى مِثْلِهِ. قَوْلُهُ: [بِشُرُوطٍ تَأْتِي] : أَيْ فِي قَوْلِهِ وَجَازَ شَهَادَةُ الصَّبِيَّانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي جَرْحٍ وَقَتْلٍ فَقَطْ إلَخْ. قَوْلُهُ: [الْعَاقِلُ] : أَيْ حَالَ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ مَعًا. بِخِلَافِ الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ

(بِلَا فِسْقٍ) بِجَارِحَةٍ؛ فَلَا تَصِحُّ مِنْ الزَّانِي وَالشَّارِبِ وَالسَّارِقِ وَنَحْوِهِمْ وَكَذَا مَجْهُولُ الْحَالِ. (وَ) بِلَا (حَجْرٍ) عَلَيْهِ لِسَفَهٍ فَلَا تَصِحُّ مِنْ سَفِيهٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ. (وَ) بِلَا (بِدْعَةٍ) وَلَوْ تَأَوَّلَ (كَقَدَرِيٍّ) وَخَارِجِيٍّ. (ذُو الْمُرُوءَةِ) وَهِيَ: كَمَالُ النَّفْسِ بِصَوْنِهَا عَمَّا يُوجِبُ ذَمَّهَا عُرْفًا وَلَوْ مُبَاحًا فِي ظَاهِرِ الْحَالِ، كَأَكْلٍ بِسُوقٍ لِغَيْرِ أَهْلِهِ، وَلِذَا قَالَ: (بِتَرْكِ) أَيْ بِسَبَبِ تَرْكِ شَيْءٍ (غَيْرِ لَائِقٍ مِنْ لَعِبٍ بِكَحَمَامٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْبُلُوغِ فَتُشْتَرَطُ حَالَ الْأَدَاءِ لَا حَالَ التَّحَمُّلِ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا مَجْهُولُ الْحَالِ] : إنَّمَا خَرَجَ مَجْهُولُ الْحَالِ بِقَوْلِهِ بِلَا فِسْقٍ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ الْجُرْحَةُ فَيُسْتَصْحَبُ الْأَصْلُ إلَّا لِدَلِيلٍ يُثْبِتُ الضِّدَّ. قَوْلُهُ: [فَلَا تَصِحُّ مِنْ سَفِيهٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ] : أَيْ لِأَنَّهُ مَخْدُوعٌ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: مَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَنَّ شَهَادَةَ السَّفِيهِ غَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ صَحِيحَةٌ. قَوْلُهُ: [كَقَدَرِيٍّ وَخَارِجِيٍّ] : الْقَدَرِيُّ هُوَ الْقَائِلُ بِأَنَّ الْأَسْبَابَ تُؤَثِّرُ بِقُوَّةٍ أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِيهَا وَهُوَ عَاصٍ وَفِي كُفْرِهِ قَوْلَانِ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُهُ، وَالْخَارِجِيُّ هُوَ الَّذِي يُكَفِّرُ بِالذَّنْبِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُتَعَمِّدًا لِلْبِدْعَةِ أَوْ مُتَأَوِّلًا لِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِالتَّأْوِيلِ وَهُوَ فَاسِقٌ، وَفِي كُفْرِهِ قَوْلَانِ أَيْضًا وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُهُ. قَوْلُهُ: [ذُو الْمُرُوءَةِ] : هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا مَعَ الْهَمْزَةِ وَبِغَيْرِهَا مَعَ تَشْدِيدِ الْوَاوِ. فَفِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَتْ الْمُرُوءَةُ فِي الْعَدَالَةِ لِأَنَّ مَنْ تَخَلَّقْ بِمَا لَا يَلِيقُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا جَرَّهُ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى دِينِهِ وَاتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ وُجُودُ الْعَدْلِ الْمَوْصُوفِ بِتِلْكَ الْأَوْصَافِ كَمَا فِي زَمَانِنَا هَذَا اكْتَفِي بِالْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْمَسْتُورِ الْحَالِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ عَلَيْهِ فِسْقٌ، وَقِيلَ: يُؤْمَرُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ. قَوْلُهُ: [لِغَيْرِ أَهْلِهِ] : الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى السُّوقِ أَيْ فَأَهْلُ السُّوقِ الْجَالِسُونَ فِيهِ لَا يُخِلُّ بِمُرُوءَتِهِمْ الْأَكْلُ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ. قَوْلُهُ: [مِنْ لَعِبٍ بِكَحَمَامٍ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا كَاللَّعِبِ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْمُسَابَقَةِ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ

بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ: هُوَ الطَّيْرُ الْمَعْرُوفُ، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ غَيْرَهُ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي يُلْعَبُ بِهِ طَيْرًا أَوْ غَيْرَهُ: كَالْعَصَافِيرِ وَتُيُوسِ الْغَنَمِ. (وَشَطْرَنْجٍ) وَالشَّطْرَنْجُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُهْمَلَةِ مَكْسُورَةً وَمَفْتُوحَةً وَقِيلَ الْفَتْحُ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامّ وَسِيجَةٌ وَطَابٍ وَنَرْدٍ وَمِنْقَلَةٍ بِلَا قِمَارٍ، وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْفِسْقِ. (وَ) بِتَرْكِ (سَمَاعِ غِنَاءٍ) مُتَكَرِّرٍ إذَا لَمْ يَكُنْ بِقَبِيحِ الْقَوْلِ أَوْ بِآلَةٍ، وَإِلَّا حَرُمَ، وَلَوْ فِي عُرْسٍ وَكَانَ مِنْ الْفِسْقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَى رَجُلًا يَتْبَعُ حَمَامَةً فَقَالَ: شَيْطَانٌ يَتْبَعُ شَيْطَانَةً» . قَوْلُهُ: [وَتُيُوسِ الْغَنَمِ] : أَيْ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ كَتَسْلِيطِ الْكِبَاشِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَشِطْرَنْجٍ] : فِي (بْن) قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ اللَّخْمِيُّ فِي لَحْنِ الْعَامَّةِ يَقُولُونَ شَطْرَنْجٌ بِفَتْحِ الشَّيْنِ، وَحَكَى ابْنُ جِنِّي أَنَّ الصَّوَابَ كَسْرُهَا عَلَى بِنَاءِ جِرْدَحْلٍ وَذَكَرَ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ بِالشِّينِ وَبِالسِّينِ لِأَنَّهُ إمَّا مُشْتَقٌّ مِنْ الْمُشَاطَرَةِ أَوْ التَّسْطِيرِ انْتَهَى. وَفِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ (ح) أَنَّهُ مُعَرَّبُ شُرْنَك وَمَعْنَاهُ سِتَّةُ أَلْوَانٍ: الشَّاةُ وَالْفَرْزُ وَالْفِيلُ وَالْفَرَسُ وَالرُّخُّ وَالْبَيْدَقُ، فَعَلَى هَذَا لَا يُقَالُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمُشَاطَرَةِ بِالْمُعْجَمَةِ وَلَا مِنْ التَّسْطِيرِ بِالْإِهْمَالِ عَلَى مَا فِي (بْن) انْتَهَى، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ لَعِبَهُ حَرَامٌ وَقِيلَ مَكْرُوهٌ، وَفِي (ح) قَوْلٌ بِجَوَازِ لَعِبِهِ فِي الْخَلْوَةِ مَعَ نَظِيرِهِ لَا مَعَ الْأَوْبَاشِ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلِ بِالْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِلَعِبِهِ لَكِنْ عِنْدَ الْإِدَامَةِ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ لَا خِلَافَ بَيْنَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْإِدْمَانَ عَلَى اللَّعِبِ بِهَا جُرْحَةٌ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ الْإِدْمَانُ فِي الشَّطْرَنْجِ دُونَ مَا عَدَاهُ مِنْ النَّرْدِ وَالطَّابِ وَالْمِنْقَلَةِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي إبَاحَتِهِ. بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَجُرْحَةٌ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: [بِلَا قِمَارٍ] : أَيْ بِلَا أَخْذِ مَالٍ فِي لَعِبِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ بِآلَةٍ] : أَيْ كَعُودٍ وَقَانُونٍ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا حَرُمَ] : أَيْ بِأَنْ تَخَلَّفَ شَرْطٌ مِنْ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ كَانَ حَرَامًا

(وَ) بِتَرْكِ (سَفَاهَةٍ) مِنْ الْقَوْلِ، كَالْهَزْلِ الْخَارِجِ عَنْ عُرْفِ أَهْلِ الْكَمَالِ مِنْ الْمُجُونِ وَالدُّعَابَةِ. (وَ) بِتَرْكِ (صَغِيرَةِ خِسَّةٍ) : كَتَطْفِيفٍ بِحَبَّةٍ وَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ وَنَحْوِهَا، إذْ فَاعِلُ ذَلِكَ لَا مُرُوءَةَ عِنْدَهُ، وَمِمَّا يُخِلُّ بِهَا: الرَّقْصُ وَالصَّفْقُ بِالْأَكُفِّ بِلَا مُوجِبٍ يَقْتَضِيهِ، وَكَذَا سَائِرُ اللَّعِبِ. إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ كَالْمُسَابَقَةِ، وَاللَّعِبِ مَعَ الزَّوْجَةِ وَالطِّفْلِ الصَّغِيرِ إذَا لَمْ يَكْثُرْ، وَالْكَلَامُ فِي اللَّعِبِ بِمَا ذُكِرَ، إنَّمَا هُوَ إذَا أَدْمَنَ ذَلِكَ. قَالَ الْأَبْهَرِيُّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِدْمَانِ وَعَدَمِهِ: إنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَسْلَمَ مِنْ يَسِيرِ اللَّهْوِ فَالْعَدْلُ الْمَذْكُورُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. (وَإِنْ) كَانَ (أَعْمَى فِي الْقَوْلِ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تُقْبَلُ فِيهِ. وَمِثْلُ الْقَوْلِ غَيْرُهُ مِمَّا عَدَا الْمُبْصَرَاتِ، كَالْمَشْمُومَاتِ وَالْمَلْمُوسَاتِ. وَإِنَّمَا بَالَغَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ فِي الْأَعْرَاسِ، وَهَلْ تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ وَلَوْ فَعَلَهُ مَرَّةً فِي السَّنَةِ؟ وَهُوَ مَا لِلتَّتَّائِيِّ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ التَّكَرُّرِ فِي السَّنَةِ وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ الْمَوَّاقُ وَتَقَدَّمَ هَذَا الْمَبْحَثُ فِي الْوَلِيمَةِ مُسْتَوْفًى. قَوْلُهُ: [كَالْهَزْلِ الْخَارِجِ عَنْ عُرْفِ أَهْلِ الْكَمَالِ] : أَيْ كَمَا إذَا كَانَ يُضْحِكُ الْقَوْمَ بِالْأَكَاذِيبِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ» . قَوْلُهُ: [مِنْ الْمُجُونِ وَالدُّعَابَةِ] : بَيَانٌ لِمَعْنَى الْهَزْلِ فَمِنْ ذَلِكَ النُّطْقُ بِأَلْفَاظِ الْخَنَا فِي الْمَجَالِسِ. قَوْلُهُ: [كَتَطْفِيفٍ بِحَبَّةٍ] : ظَاهِرُهُ أَنَّهَا صَغِيرَةٌ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ فَقِيرًا وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ فَقِيرًا وَإِلَّا كَانَ كَبِيرَةً. قَوْلُهُ: [فَالْعَدْلُ الْمَذْكُورُ] : دُخُولٌ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [فِي الْقَوْلِ] : أَيْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي الْأَقْوَالِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ تَحَمَّلَهَا قَبْلَ الْعَمَى أَمْ لَا لِضَبْطِهِ الْأَقْوَالَ بِسَمْعِهِ. قَوْلُهُ: [وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ] إلَخْ: لَكِنْ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا وَلَوْ تَحَمَّلَهَا قَبْلَ الْعَمَى وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَا لَمْ يَتَحَمَّلْهَا قَبْلَ الْعَمَى وَإِلَّا قُبِلَتْ. قَوْلُهُ: [مِمَّا عَدَا الْمُبْصَرَاتِ] : أَيْ الْأُمُورِ الَّتِي تَتَوَقَّفُ عَلَى الْبَصَرِ كَالْأَفْعَالِ وَالْأَلْوَانِ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِيهَا مُطْلَقًا عَلِمَهَا قَبْلَ الْعَمَى أَمْ لَا، وَفِي الْإِرْشَادِ تَجُوزُ

[شرط قبول شهادة العدل]

عَلَى الْقَوْلِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ وَغَيْرَهَا مَحَلُّ اتِّفَاقٍ. وَكَذَا قَوْلُهُ: (أَوْ) كَانَ (أَصَمَّ فِي الْفِعْلِ) : كَالضَّرْبِ وَالْأَكْلِ وَالْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَنْ الْمَسْمُوعَاتِ لَا عَنْ الْمَشْمُومَاتِ وَالْمَلْمُوسَاتِ وَالْمَطْعُومَاتِ فَإِنَّهَا اتِّفَاقٌ. وَأَمَّا الْأَعْمَى الْأَصَمِّ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي شَيْءٍ وَلَا مُعَامَلَتُهُ كَالْمَجْنُونِ، وَإِنَّمَا يُوَلَّى عَلَيْهِمَا مِنْ يَتَوَلَّى أَمْرَهُمَا بِالْمَصْلَحَةِ. (وَشَرْطُهُ) : أَيْ الْعَدْلِ؛ أَيْ شَرْطُ قَبُولِ شَهَادَتِهِ (أَنْ يَكُونَ فَطِنًا) لَا مُغَفَّلًا (جَازِمًا) فِي شَهَادَتِهِ (بِمَا أَدَّى) لَا شَاكًّا أَوْ ظَانًّا (غَيْرَ مُتَّهَمٍ فِيهَا) : أَيْ فِي شَهَادَتِهِ (بِوَجْهٍ) مِنْ الْوُجُوهِ الْآتِيَةِ؛ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: (فَلَا شَهَادَةَ) تُقْبَلُ (لِمُغَفَّلٍ) تَلْتَبِسُ عَلَيْهِ الْأُمُورُ الْعَادِيَّةُ (إلَّا فِيمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQشَهَادَتُهُ عَلَى الْفِعْلِ إنْ عَلِمَهُ قَبْلَ الْعَمَى أَوْ بِحَبْسٍ كَمَا فِي الزِّنَا وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [وَغَيْرُهَا] : الْمُنَاسِبُ غَيْرُهُ لِأَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الْقَوْلِ أَيْ مَحَلِّ الْخِلَافِ بَيْنَ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ الْأَقْوَالُ، وَأَمَّا الْمَلْمُوسَاتُ وَالْمَطْعُومَاتُ وَالْمَشْمُومَاتُ فَهِيَ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ فِي الْقَبُولِ. قَوْلُهُ: [أَوْ كَانَ أَصَمَّ فِي الْفِعْلِ] : أَيْ وَهُوَ بَصِيرٌ لِأَنَّ الْأَصَمَّ الْبَصِيرَ يَضْبِطُ الْأَفْعَالَ بِبَصَرِهِ دُونَ الْأَقْوَالِ لِتَوَقُّفِ ضَبْطِهَا عَلَى السَّمْعِ وَهُوَ مَعْدُومٌ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي الْأَقْوَالِ مَا لَمْ يَكُنْ سَمِعَهَا قَبْلَ الصَّمَمِ وَإِلَّا جَازَتْ، قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَخْرَسِ وَيُؤَدِّيهَا بِإِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهَا اتِّفَاقٌ] : أَيْ بَيْنَ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ قَبْلُ. قَوْلُهُ: [وَإِنَّمَا يُوَلِّي عَلَيْهِمَا] : هَكَذَا بِالتَّثْنِيَةِ فِي نُسْخَةِ الْمُؤَلَّفِ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْأَعْمَى الْأَصَمِّ وَالْمَجْنُونِ، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرَهُمَا أَوْ يُفْرِدَ الضَّمِيرَ فِي عَلَيْهِ وَيَكُونَ عَائِدًا عَلَى الْأَعْمَى الْأَصَمِّ فَقَطْ، وَالْمَجْنُونُ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ فِي بَابِ الْحَجْرِ قَالَ (بْن) : قَالَ (عب) فِي الْأَعْمَى الْأَصَمِّ: لَا يَتَزَوَّجُ إلَخْ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا يَلِي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ مَنْ يَنْظُرُ لَهُ بِالْأَصْلَحِ لَهُ، كَمَا يُقِيمُ الْحَاكِمُ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ مَنْ يَنْظُرُ لَهُمَا انْتَهَى. وَقَدْ أَفَادَ هَذَا شَارِحُنَا بِالتَّشْبِيهِ. . [شَرْطُ قَبُولِ شَهَادَة الْعَدْلِ] قَوْلُهُ: [لِمُغَفَّلٍ] : هُوَ مَنْ لَا يَسْتَعْمِلُ الْقُوَّةَ الْمُنَبِّهَةَ مَعَ وُجُودِهَا فِيهِ، وَأَمَّا الْبَلِيدُ فَهُوَ خَالٍ مِنْهَا بِالْمَرَّةِ فَمُرَادُهُ بِالْمُغَفَّلِ مَا يَشْمَلُهُ بِالْأَوْلَى.

لَا يَلْبِسُ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَمَاضِيهِ بِفَتْحِهَا: أَيْ يَخْتَلِطُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9] . وَأَمَّا لَبِسَ الثَّوْبَ فَبِالْعَكْسِ. إلَّا فِي الْأُمُورِ الْوَاضِحَةِ الَّتِي لَا لَبْسَ فِيهَا، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. (وَلَا) شَهَادَةَ (لَمُتَأَكِّدِ الْقُرْبِ) لِاتِّهَامِهِ بِجَرِّ النَّفْعِ لِقَرِيبِهِ (كَوَالِدٍ) لِوَلَدِهِ (وَإِنْ عَلَا) : (كَالْجَدِّ وَأَبِيهِ وَوَلَدٍ) لِوَالِدِهِ (وَإِنْ سَفَلَ) كَابْنِ الِابْنِ أَوْ الْبِنْتِ (وَزَوْجِهِمَا) : أَيْ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ، فَلَا يَشْهَدُ الْوَالِدُ لَزَوْجَةِ ابْنِهِ، وَلَا لِزَوْجِ بِنْتِهِ، وَلَا الْوَلَدُ لَزَوْجَةِ أَبِيهِ وَزَوْجِ أُمِّهِ؛ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَشْهَدَ لِزَوْجَتِهِ. (بِخِلَافِ) شَهَادَةِ (أَخٍ) لِأَخِيهِ (أَوْ مَوْلًى) لِعَتِيقِهِ (وَ) صَدِيقٍ (مُلَاطِفٍ) فَتَجُوزُ (إنْ بَرَزَ) الشَّاهِدُ مِنْهُمْ فِي الْعَدَالَةِ، بِأَنْ فَاقَ أَقْرَانَهُ فِيهَا وَاشْتُهِرَ بِهَا. (وَلَمْ يَكُنْ) الشَّاهِدُ (فِي عِيَالِهِ) : أَيْ عِيَالِ الْمَشْهُودِ لَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ وَلَوْ بَرَزَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمَاضِيهِ بِفَتْحِهَا] : أَيْ فَهُوَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ. قَوْلُهُ: [فَبِالْعَكْسِ] : أَيْ فَهُوَ مِنْ بَابِ عَلِمَ وَتَعِبَ. قَوْلُهُ: [أَيْ إلَّا فِي الْأُمُورِ الْوَاضِحَةِ] : هَذَا إيضَاحٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ إلَّا فِيمَا لَا يَلْبِسُ. قَوْلُهُ: [وَصَدِيقٍ مُلَاطِفٍ] : قَالَ (ح) : الْمُلَاطِفُ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِالرَّجُلِ الَّذِي يُلَاطِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وَمَعْنَى اللُّطْفِ الْإِحْسَانِ وَالْبِرِّ وَالتَّكَرُّمَةِ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: الْمُلَاطِفُ هُوَ الَّذِي قِيلَ فِيهِ: إنَّ أَخَاكَ الْحَقَّ مَنْ كَانَ مَعَك ... وَمَنْ يَضُرُّ نَفْسَهُ لِيَنْفَعكَ وَمَنْ إذَا رَيْبُ الزَّمَانِ صَدَّعَكَ ... شَتَّتْ فِيك نَفْسَهُ لِيَجْمَعكَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ بَعِيدٌ قَلَّ أَنْ يُوجَدَ أَحَدٌ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ فَالْأَوْلَى تَفْسِيرُهُ بِمَا فِي التَّنَبُّهَاتِ انْتَهَى (بْن) . قَوْلُهُ: [إنْ بَرَزَ] : فِي (بْن) الصَّوَابُ إنْ بَرَّزَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ فِعْلٌ لَازِمٌ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ وَاسْمُ الْفَاعِلِ مِنْهُ مُبَرِّزٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ، وَفِي الْقَامُوسِ بَرُزَ كَكَرُمَ، وَبَرَّزَ تَبْرِيزًا: فَاقَ أَصْحَابَهُ فَضْلًا وَشُجَاعَةً، وَبَرَّزَ الْفَرَسُ عَلَى الْخَيْلِ سَبَقَهَا انْتَهَى. فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ مُشَدَّدًا وَمُخَفَّفًا عَلَى وَزْنِ فَعُلَ الْمَضْمُومِ الْعَيْنِ وَلَيْسَتْ هُنَاكَ لُغَةٌ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْعَيْنِ مَعَ التَّخْفِيفِ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَكُنْ الشَّاهِدُ فِي عِيَالِهِ] : بَقِيَ شَرْطٌ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ بِغَيْرِ

(كَأَجِيرٍ) فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ إنْ بَرَزَ وَلَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ. (وَشَرِيكٍ) تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِشَرِيكِهِ (فِي غَيْرِهَا) : أَيْ فِي غَيْرِ مَالِ الشَّرِكَةِ إنْ بَرَزَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ، لَا فِي مَالِ الشَّرِكَةِ وَلَوْ بَرَزَ. وَقَيَّدَهَا الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْمُدَوَّنَةِ بِشَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّ شَرِكَةَ الْعِنَانِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّبْرِيزُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الشَّرِكَةُ مُطْلَقًا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّبْرِيزُ فَلِذَا أَطْلَقْنَا. (وَزَائِدٍ) فِي شَهَادَتِهِ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ بِأَنْ شَهِدَ أَوَّلًا بِعَشَرَةٍ ثُمَّ قَالَ: بَلْ هُوَ أَحَدَ عَشَرَ فَتُقْبَلُ إنْ بَرَزَ (وَمُنْقِصٍ) عَنْهَا بَعْدَ أَنْ أَدَّاهَا فَتَقْبَلُ إنْ بَرَزَ. وَأَمَّا لَوْ شَهِدَ ابْتِدَاءً بِأَزْيَدَ مِمَّا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي أَوْ بِأَنْقَصَ فَتُقْبَلُ مُطْلَقًا وَلَوْ لَمْ يَبْرُزْ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي لَا يُقْضَى لَهُ بِالزَّائِدِ لِعَدَمِ ادِّعَائِهِ لَهُ. (وَذَاكِرٍ) لِمَا شَهِدَ بِهِ (بَعْدَ شَكٍّ) بِأَنْ قَالَ أَوَّلًا: لَا أَدْرِي أَوْ لَا عِلْمَ عِنْدِي، ثُمَّ قَالَ: تَذَكَّرْت، فَتُقْبَلُ إنْ بَرَزَ (أَوْ) تَذَكَّرَ بَعْدَ (نِسْيَانٍ) فَتُقْبَلُ إنْ بَرَزَ. وَأَمَّا الزَّائِدُ أَوْ الْمُنْقِصُ الْمُتَقَدِّمُ فَجَزَمَ بِمَا شَهِدَ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَزَادَ أَوْ نَقَصَ (وَبِخِلَافِهِمَا) : أَيْ الشَّهَادَةِ مِنْ وَلَدٍ (لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ) عَلَى الْآخَرِ فَتَقْبَلُ. (أَوْ) مِنْ وَالِدٍ لِأَحَدِ (وَلَدَيْهِ) عَلَى الْآخَرِ فَتُقْبَلُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ (إنْ لَمْ يَظْهَرْ ـــــــــــــــــــــــــــــQجَرْحِ عَمْدٍ فِيهِ قِصَاصٌ وَإِلَّا فَلَا تُقْبَلُ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّ الْحَمِيَّةَ تَأْخُذُ فِي الْقِصَاصِ وَإِنَّمَا يَشْهَدُ فِي الْأَمْوَالِ أَوْ فِي الْجِرَاحِ الَّتِي فِيهَا مَالٌ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ قَوْلُهُ: [وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الشَّرِكَةُ مُطْلَقًا] : إلَخْ: مُرَادُهُ بِهِ الْأُجْهُورِيُّ وَرَدَّهُ (بْن) تَبَعًا لَرُبَّمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةٌ: مَرْدُودَةٌ مُطْلَقًا مُبَرِّزًا أَوْ غَيْرَ مُبَرِّزٍ فِي شَهَادَةِ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فِيمَا فِيهِ الشَّرِكَةُ كَانَ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَهُ لِأَنَّهَا تَجُرُّ نَفْعًا لِنَفْسِهِ. وَمَقْبُولَةٌ بِشَرْطِ التَّبْرِيزِ اتِّفَاقًا وَهِيَ شَهَادَةُ شَرِيكِ الْمُفَاوَضَةِ فِي غَيْرِ مَا فِيهِ الشَّرِكَةُ، وَمَقْبُولَةٌ مُطْلَقًا مُبَرِّزًا أَوْ غَيْرَ مُبَرِّزٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي شَهَادَةِ شَرِيكِ غَيْرِ الْمُفَاوَضَةِ فِي غَيْرِ مَا فِيهِ الشَّرِكَةُ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي لَا يَقْضِي لَهُ بِالزَّائِدِ] : أَيْ وَكَذَا فِي شَهَادَتِهِ بِأَنْقَصَ فِي دَعْوَى الْمُدَّعِي فَلَا يُقْضَى لِلْمُدَّعِي بِالزَّائِدِ إلَّا بِشُهُودٍ أُخَرَ غَيْرِ هَذَا. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الزَّائِدُ] : جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ وَارِدٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [فَتُقْبَلُ] : أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّبْرِيزُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.

مِيلٌ) مِنْ الْوَلَدِ أَوْ الْوَالِدِ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ، فَإِنْ ظَهَرَ مِيلٌ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ (وَلَا) شَهَادَةَ (لِعَدُوٍّ عَلَى عَدُوِّهِ فِي) أَمْرٍ (دُنْيَوِيٍّ) مُتَعَلِّقٌ بِعَدُوٍّ أَيْ عَدَاوَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ مُسْلِمٍ عَلَى كَافِرٍ، احْتِرَازًا مِنْ الْأُخْرَوِيَّةِ؛ كَشَهَادَةِ مُسْلِمٍ عَلَى كَافِرٍ لَيْسَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ فَتَجُوزُ. (أَوْ) شَهَادَةَ عَدُوٍّ لِرَجُلٍ (عَلَى ابْنِهِ) : أَيْ ابْنِ الْعَدُوِّ فَلَا تُقْبَلُ. (وَلَا) شَهَادَةَ لِشَاهِدٍ (إنْ حَرَصَ بِشَهَادَتِهِ) : أَيْ إنْ كَانَ فِيهَا حِرْصٌ (عَلَى إزَالَةِ نَقْصٍ) : يَعْنِي إنْ اُتُّهِمَ عَلَى الْحِرْصِ لِقَبُولِ شَهَادَتِهِ عِنْدَ إزَالَةِ نَقْصٍ (فِيمَا رُدَّ فِيهِ) أَوَّلًا، بِأَنْ أَدَّى سَابِقًا شَهَادَةً فَرُدَّتْ (لِفِسْقٍ، أَوْ صِبًا، أَوْ رِقٍّ) فَلَمَّا زَالَ الْمَانِعُ - بِأَنْ تَابَ الْفَاسِقُ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ عَتَقَ الرَّقِيقُ - أَدَّاهَا، فَلَا تُقْبَلُ لِاتِّهَامِهِ عَلَى الْحِرْصِ عَلَى قَبُولِهَا عِنْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ، لِأَنَّ الطَّبْعَ قَدْ جُبِلَ عَلَى دَفْعِ الْمَعَرَّةِ الَّتِي حَصَلَتْ بِالرَّدِّ أَوَّلًا. وَلِذَا لَوْ لَمْ يُحْكَمْ بِرَدِّهَا حَتَّى زَالَ الْمَانِعُ فَأَدَّاهَا، قُبِلَتْ لِعَدَمِ الْحِرْصِ، وَكَذَا إنْ رُدَّتْ لِمَانِعٍ فَأَدَّى عِنْدَ زَوَالِهِ شَهَادَةً بِحَقٍّ آخَرَ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ. (أَوْ) حَرَصَ (عَلَى التَّأَسِّي) : أَيْ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ فِي الْمَعَرَّةِ الْقَائِمَةِ بِهِ لِيُهَوِّنَّ عَلَيْهِ مُصِيبَتَهَا؛ لِأَنَّ الْمُصِيبَةَ إذَا عَمَّتْ هَانَتْ، وَإِذَا خَصَّتْ هَالَتْ: (كَشَهَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ ظَهَرَ مِيلٌ] إلَخْ: أَيْ كَشَهَادَةِ الْأَبِ لِوَلَدِهِ الْبَارِّ عَلَى الْعَاقِّ أَوْ الصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ أَوْ السَّفِيهِ عَلَى الرَّشِيدِ وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ عَلَى أَبِيهِ بِطَلَاقِ أُمِّهِ إنْ كَانَتْ مُنْكِرَةً لِلطَّلَاقِ. وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَتْ هِيَ الْقَائِمَةُ بِذَلِكَ فَمَنَعَهَا أَشْهَبُ وَأَجَازَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنْ شَهِدَ بِطَلَاقِ أَبِيهِ لِغَيْرِ أُمِّهِ لَمْ تَجُزْ إنْ كَانَتْ أُمُّهُ فِي عِصْمَةِ أَبِيهِ أَوْ مُطَلَّقَةً وَيَرْجُو رُجُوعَهَا لِأَبِيهِ، وَلَوْ شَهِدَ لِأَبِيهِ عَلَى جَدِّهِ أَوْ لِوَلَدِهِ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ لَمْ تَجُزْ قَوْلًا وَاحِدًا، وَبِالْعَكْسِ جَازَ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا ذَكَرَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ الْأُجْهُورِيِّ. قَوْلُهُ: [لِعَدُوٍّ عَلَى عَدُوِّهِ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ مُبَرِّزًا فِي الْعَدَالَةِ. قَوْلُهُ: [إذَا عَمَّتْ هَانَتْ] : إنَّمَا هَانَتْ بِالْعُمُومِ لِذِكْرِ مُصِيبَةِ غَيْرِهِ فَيَتَسَلَّى عَنْ مُصِيبَتِهِ. بِخِلَافِ مَا إذَا خَصَّتْ فَلَمْ يَجِدْ مُصِيبَةً غَيْرَهَا نَظِيرَتَهَا لِغَيْرِهِ يَتَسَلَّى بِهَا فَتَعْظُمُ عَلَيْهِ مُصِيبَتُهُ.

وَلَدِ الزِّنَا فِيهِ) : أَيْ فِي الزِّنَا أَوْ شَهَادَةِ (مَنْ حُدَّ) لِسُكْرٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ زِنًا (فِيمَا) : أَيْ فِي مِثْلِ مَا (حُدَّ فِيهِ) بِخُصُوصِهِ، فَلَا تُقْبَلُ لِلتَّأَسِّي. وَمِثْلُ الْحَدِّ: التَّعْزِيرُ، فَلَا يَشْهَدُ فِي مِثْلِ مَا عُزِّرَ فِيهِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَتَصِحُّ. (أَوْ حَرَصَ عَلَى الْقَبُولِ؛ كَأَنْ شَهِدَ وَحَلَفَ) عَلَى صِحَّةِ شَهَادَتِهِ أَوْ عَلَى ثُبُوتِ الْحَقِّ. لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَنْبَغِي أَنْ يُعْذَرَ الْعَوَامُّ فِي ذَلِكَ. (أَوْ) حَرَصَ (عَلَى الْأَدَاءِ: كَأَنْ رَفَعَ) شَهَادَتَهُ لِلْحَاكِمِ قَبْلَ الطَّلَبِ (فِي مَحْضِ حَقِّ الْآدَمِيِّ) وَهُوَ مَا لَهُ إسْقَاطُهُ كَالدِّينِ وَالْقِصَاصِ. (أَمَّا فِي حَقِّ اللَّهِ) : وَهُوَ مَا لَيْسَ لِلْمُكَلَّفِ إسْقَاطُهُ (فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مَنْ حُدَّ] : أَيْ بِالْفِعْلِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا عُفِيَ عَنْهُ وَشَهِدَ فِي مِثْلِهِ إنْ كَانَ قَذْفًا فَيُقْبَلُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، لَا إنْ كَانَ قَتْلًا فَلَا يَشْهَدُ فِي مِثْلِهِ كَمَا فِي الْوَاضِحَةِ عَنْ الْأَخَوَيْنِ، وَانْظُرْ لَوْ جَلَدَ الْبِكْرَ فِي الزِّنَا هَلْ لَهُ الشَّهَادَةُ بِاللِّوَاطِ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْحَدِّ أَوْ لَا نَظَرًا لِدُخُولِهِ فِي الزِّنَا؟ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [كَأَنْ شَهِدَ وَحَلَفَ] : قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ وَأَمَّا الْحِرْصُ عَلَى الْقَبُولِ فَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَهَادَتِهِ إذَا أَدَّاهَا وَذَلِكَ قَادِحٌ فِيهَا لِأَنَّ الْيَمِينَ دَلِيلٌ عَلَى التَّعَصُّبِ وَشِدَّةِ الْحِرْصِ عَلَى نُفُوذِهَا (اهـ) . تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ لِلْقَاضِي تَحْلِيفُ الشَّاهِدِ وَلَوْ بِالطَّلَاقِ إنْ اتَّهَمَهُ، أَيْ لِقَاعِدَةِ: تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوهُ مِنْ الْفُجُورِ، وَهُوَ مِنْ كَلَامِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ اسْتَحْسَنَهُ مَالِكٌ لِأَنَّ مِنْ قَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ مُرَاعَاةُ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ كَذَا أَفَادَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ] : أَيْ وَسَلَّمَهُ لَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ. قَوْلُهُ: [كَأَنْ رَفَعَ شَهَادَتَهُ لِلْحَاكِمِ قَبْلَ الطَّلَبِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ رَفْعَ الشَّاهِدِ لِلْحَاكِمِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ لَا يَجُوزُ وَمُبْطِلٌ لِشَهَادَتِهِ نَعَمْ يَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يُعْلِمَ صَاحِبَ الْحَقِّ بِأَنَّهُ شَاهِدٌ لَهُ وُجُوبًا عَيْنِيًّا إنْ تَوَقَّفَ الْحَقُّ عَلَى شَهَادَتِهِ وَكِفَائِيًّا إنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ مَا لَهُ إسْقَاطُهُ] : أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِمَحْضِ حَقِّ الْآدَمِيِّ مَا لَا حَقَّ فِيهِ لِلَّهِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ إذْ مَا مِنْ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ إلَّا وَلِلَّهِ فِيهِ حَقٌّ.

بِالرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ (بِالْإِمْكَانِ) : أَيْ بِقَدْرِهِ، وَذَلِكَ (إنْ اُسْتُدِيمَ التَّحْرِيمُ) عِنْدَ عَدَمِ الرَّفْعِ: (كَعِتْقٍ) لِرَقِيقٍ مَعَ كَوْنِ السَّيِّدِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ مِنْ اسْتِخْدَامٍ، وَبَيْعٍ وَوَطْءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (وَطَلَاقٍ) لَزَوْجَةٍ مَعَ كَوْنِ الْمُطَلِّقِ لَمْ يُنْكَفَّ عَنْهَا فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِالرَّفْعِ. (وَوَقْفٍ) عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ - وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مَسْجِدًا أَوْ رِبَاطًا أَوْ مَدْرَسَةً وَوَاضِعُ الْيَدِ عَلَيْهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ، فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِالرَّفْعِ لِرَدِّهِ إلَى أَصْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِالْإِمْكَانِ] : أَيْ فَإِنْ أَخَّرَ الرَّفْعَ زِيَادَةً عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي يُمْكِنُ فِيهِ الرَّفْعُ كَانَ جُرْحَةً فِي شَهَادَتِهِ وَبِهَذَا الْقِسْمُ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ انْدَفَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَعْرَضِ الذَّمِّ: «ثُمَّ يَكُونُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ» وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تُبَادِرُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ» وَبَيْنَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا» فَحُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي عَلَى الثَّانِي (اهـ بْن) . قَوْلُهُ: [إنْ اُسْتُدِيمَ التَّحْرِيمُ] : الْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ إنْ اُسْتُدِيمَ ارْتِكَابُ التَّحْرِيمِ وَإِلَّا فَكُلُّ مُحَرَّمٍ مُسْتَدَامُ التَّحْرِيمِ. قَوْلُهُ: [وَوَقْفٍ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ] إلَخْ: حَاصِلُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْوَقْفَ إمَّا عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ وَفِي كُلٍّ الْوَاضِعُ يَدَهُ عَلَيْهِ الْمُتَصَرِّفُ فِيهِ إمَّا الْوَاقِفُ أَوْ غَيْرُهُ،

(وَرَضَاعٍ) : بَيْنَ زَوْجَيْنِ. (وَإِلَّا) يَسْتَدِمْ التَّحْرِيمُ (خُيِّرَ) فِي الرَّفْعِ وَعَدَمِهِ: (كَالزِّنَا) وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَالتَّرْكُ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ السِّتْرِ الْمَطْلُوبِ فِي غَيْرِ الْمُجَاهِرِ بِالْفِسْقِ وَإِلَّا فَالرَّفْعُ أَوْلَى. (بِخِلَافِ حِرْصٍ عَلَى تَحَمُّلٍ) لِشَهَادَةٍ، فَلَا يَقْدَحُ: (كَالْمُخْتَفِي) عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِيَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهِ إنْ أَقَرَّ - وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ الْمُقِرُّ مَخْدُوعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَالْوَاضِعُ يَدَهُ عَلَيْهِ غَيْرَ الْوَاقِفِ وَجَبَ عَلَى الشُّهُودِ الْمُبَادَرَةُ بِالرَّفْعِ لِلْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ الْوَاضِعُ يَدَهُ عَلَيْهِ هُوَ الْوَاقِفُ فَلَا يَرْفَعُونَ إذْ لَا ثَمَرَةَ فِي رَفْعِهِمْ، لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي بِهِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَخْرَجَهُ مِنْ حَوْزِهِ كَمَا سَبَقَ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَلَا يَرْفَعُونَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ إلَّا إذَا طُلِبُوا لِلشَّهَادَةِ كَانَ الْوَاضِعُ يَدَهُ عَلَيْهِ الْوَاقِفَ أَوْ غَيْرَهُ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَوَاضِعُ الْيَدِ الْمُتَصَرِّفُ غَيْرَ الْوَاقِفِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا يَسْتَدِمْ التَّحْرِيمُ] : أَيْ بِأَنْ كَانَ التَّحْرِيمُ يَنْقَضِي بِالْفَرَاغِ مِنْ مُتَعَلِّقِهِ. قَوْلُهُ: [كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ] : أَيْ فَحَقُّ اللَّهِ فِيهِمَا النَّهْيُ عَنْهُمَا، فَإِذَا زَنَى الشَّخْصُ أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ حَصَلَ التَّحْرِيمُ وَانْقَضَى بِالْفَرَاغِ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: [لِمَا فِيهِ مِنْ السِّتْرِ الْمَطْلُوبِ] : أَيْ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ لَا عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ وَإِلَّا كَانَ التَّرْكُ وَاجِبًا وَهَذَا قَوْلٌ لِبَعْضِهِمْ، وَفِي الْمَوَّاقِ أَنَّ سَتْرَ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَاجِبٌ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ تَرْكُ الرَّفْعِ وَاجِبًا. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَالرَّفْعُ أَوْلَى] : أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يَرْتَدِعَ عَنْ فِسْقِهِ وَكَرِهَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ السِّتْرَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ حِرْصٍ عَلَى تَحَمُّلٍ] : مُخَرَّجٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا إنْ حَرَصَ عَلَى إزَالَةِ نَقْصٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: [كَالْمُخْتَفِي] : أَيْ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُقِرِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ: اشْهَدْ عَلَيَّ بِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ كَلَامَهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي بِهِ الْعَمَلُ. قَوْلُهُ: [مَخْدُوعًا] : أَيْ مَغْرُورًا بِشَيْءٍ فِي نَظِيرِ الْإِقْرَارِ، وَقَوْلُهُ، أَوْ خَائِفًا أَيْ كَإِقْرَارِ مَنْ فِي السِّجْنِ الْخَائِفِ مِنْ الْعَذَابِ وَفِي الْحَقِيقَةِ الْمَخْدُوعُ وَالْخَائِفُ

أَوْ خَائِفًا - وَإِلَّا فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ. (وَلَا إنْ اُسْتُبْعِدَتْ) الشَّهَادَةُ (كَبَدْوِيٍّ) يَشْهَدُ فِي الْحَضَرِ (لِحَضَرِيٍّ) عَلَى حَضَرِيٍّ بِدَيْنٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُسْتَبْعَدُ حُضُورُ الْبَدْوِيِّ فِيهِ دُونَ الْحَضَرِيِّ، فَلَا تُقْبَلُ (بِخِلَافِ إنْ سَمِعَهُ) يُقِرُّ بِشَيْءٍ لِحَضَرِيٍّ، أَوْ رَآهُ يَفْعَلُ بِحَضَرِيٍّ شَيْئًا مِنْ غَصْبٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ إتْلَافِ مَالٍ أَوْ رَآهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُقْصَدُ الْإِشْهَادُ بِهِ عَلَيْهِ، فَيَجُوزُ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. كَمَا يَجُوزُ فِيمَا يَقَعُ بِالْبَادِيَةِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى حَضَرِيٍّ وَبَدْوِيٍّ. وَأَمَّا شَهَادَةُ حَضَرِيٍّ عَلَى بَدْوِيٍّ فَفِيهَا خِلَافٌ، وَبِالْجُمْلَةِ فَمَدَارُ الْمَنْعِ عَلَى الِاسْتِبْعَادِ عَادَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تُقْبَلُ عَلَيْهِ شَهَادَةٌ مُطْلَقًا وَلَوْ قَالَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ فَهَذَا التَّقْيِيدُ غَيْرُ ضَرُورِيٍّ. . قَوْلُهُ: [وَلَا إنْ اُسْتُبْعِدَتْ] : مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا إنْ حَرَصَ، وَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلْعَدِّ وَالنِّسْبَةِ نَحْوُ اسْتَحْسَنْت كَذَا أَيْ عَدَدْتُهُ حَسَنًا، وَنَسَبْتُهُ لِلْحُسْنِ. وَفَاعِلُ اسْتَبْعَدَ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى تَحَمَّلَهَا. قَوْلُهُ: [كَبَدْوِيٍّ يَشْهَدُ فِي الْحَضَرِ] إلَخْ: إنَّمَا مُنِعَتْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَشْهَدُ بَدْوِيٌّ عَلَى حَضَرِيٍّ» وَفِي طَرِيقٍ أُخْرَى: " عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ " فَجُعِلَ هَذَا النَّهْيُ عَلَى مَا فِيهِ اسْتِبْعَادٌ بِالْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَالْمَعْنَى كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ أَنَّهُ إذَا طُلِبَ مِنْ الْبَدْوِيِّ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ فِي الْحَضَرِ لِحَضَرِيٍّ بِدَيْنٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُقْصَدُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ مِنْ سَائِرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ، وَكَالْوَصِيَّةِ وَالْعِتْقِ فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ إذَا أَدَّاهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ تَرْكَ إشْهَادِ الْحَضَرِيِّ وَطَلَبَ الْبَدْوِيِّ لِتَحَمُّلِ تِلْكَ الشَّهَادَةِ فِيهِ رِيبَةٌ فَلِلْخَصْمِ التَّجْرِيحُ فِيهِمْ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: [فَمَدَارُ الْمَنْعِ عَلَى الِاسْتِبْعَادِ] : أَيْ فَمَتَى حَصَلَ الِاسْتِبْعَادُ مَنَعَ وَلَوْ مِنْ قَرَوِيٍّ لِقَرَوِيٍّ.

[جر بشهادته نفعا]

(وَلَا) شَهَادَةَ لِشَاهِدٍ (إنْ جَرَّ بِهَا) : أَيْ بِشَهَادَتِهِ (نَفْعًا؛ كَشَهَادَتِهِ بِعِتْقٍ مِنْ) أَيْ عَبْدٍ (يُتَّهَمُ) الشَّاهِدُ (فِي وَلَائِهِ) : كَأَنْ يَشْهَدَ أَنَّ أَبَاهُ مَثَلًا قَدْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فُلَانًا وَفِي الْوَرَثَةِ مَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْوَلَاءِ، كَالْبَنَاتِ وَالزَّوْجَاتِ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ التُّهْمَةُ حَاصِلَةً فِي الْحَالِ، بِأَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ - لَوْ مَاتَ الْآنَ - وَرِثَهُ الشَّاهِدُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ قَدْ يَرْجِعُ إلَيْهِ الْوَلَاءُ بَعْدَ حِينٍ؛ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَنَّ أَخَاهُ قَدْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَلِلْأَخِ ابْنٌ، فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. كَمَا تُقْبَلُ إذَا كَانَ لَا وَارِثَ مَعَهُ أَوْ مَعَهُ وَارِثٌ يُشَارِكُهُ فِي الْوَلِيِّ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ. (أَوْ) شَهَادَتِهِ (بِمَالٍ لِمَدِينِهِ) : أَيْ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى أَخْذِ ذَلِكَ الْمَالِ فِي دَيْنِهِ الَّذِي عَلَى الْمَدِينِ، وَقَوْلُنَا: " بِمَالٍ " شَامِلٌ لِلدَّيْنِ وَالْإِرْثِ وَالشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ؛ فَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِ: " بِدَيْنٍ ". وَخَرَجَ بِهِ شَهَادَتُهُ لَهُ بِقَذْفٍ أَوْ بِمُوجِبِ قِصَاصٍ مِنْ جُرْحٍ أَوْ قَتْلٍ، فَتُقْبَلُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ. وَمِنْ الشَّهَادَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [جَرَّ بِشَهَادَتِهِ نَفْعًا] قَوْلُهُ: [وَلَا شَهَادَةَ لِشَاهِدٍ] : لَا نَافِيَةُ لِلْجِنْسِ وَشَهَادَةُ اسْمُهَا وَلِشَاهِدٍ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ خَبَرُهَا تَقْدِيرُهُ مُعْتَبَرَةٌ أَوْ مَقْبُولَةٌ. قَوْلُهُ: [فِي وَلَائِهِ] : أَيْ فِي أَخْذِ مَالِهِ بِالْوَلَاءِ. قَوْلُهُ: [كَالْبَنَاتِ وَالزَّوْجَاتِ] : إنَّمَا لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ حَقٌّ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا تَرِثُهُ إلَّا الذُّكُورُ. قَوْلُهُ: [وَرِثَهُ الشَّاهِدُ] : أَيْ لِعَدَمِ وُجُودِ وَارِثٍ مِنْ الْعَصَبِ لِذَلِكَ الْعَتِيقِ. قَوْلُهُ: [وَلِلْأَخِ ابْنٌ] : مِثْلُهُ لَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى أَبِيهِ وَكَانَ لِلْمَعْتُوقِ وَارِثٌ مِنْ عَصِيبِهِ. قَوْلُهُ: [يُشَارِكُهُ فِي الْوَلِيِّ] : نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ هُنَا بِالْيَاءِ بَعْدَ اللَّامِ وَحَقُّهَا الْأَلِفُ بَعْدَ اللَّامِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ مَمْدُودٌ لَا مَقْصُورٌ، أَيْ وَقَدْ اسْتَوَى ثُبُوتُ عِتْقِهِ وَعَدَمِهِ عِنْدَ الشَّاهِدِ وَأَمَّا لَوْ كَانَ فِي ثُبُوتِ الْعِتْقِ مَزِيَّةٌ كَمَا لَوْ كَانَ إنْ بَقِيَ رِقُّهُ صَارَ لَهُ فِي الْعَبْدِ الرُّبْعُ مَثَلًا، وَإِنْ ثَبَتَ عِتْقُهُ كَانَ لَهُ النِّصْفُ فِي الْوَلَاءِ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَرْبَعَ بَنَاتٍ وَابْنَيْنِ هُوَ أَحَدُهُمَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِحُصُولِ التُّهْمَةِ قَوْلُهُ: [أَيْ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ] : أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الدَّيْنَ حَالٌّ أَوْ قَرِيبٌ مِنْ الْحُلُولِ وَالْمَدِينُ مُعْسِرٌ وَإِلَّا فَلَا تُهْمَةَ. قَوْلُهُ: [أَوْ بِمُوجِبِ قِصَاصٍ] : أَيْ وَأَمَّا بِمُوجِبِ دِيَةٍ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي شَهَادَتِهِ لَهُ بِالْمَالِ

[شهادة مدين معسر لرب الدين]

الْجَارَّةِ نَفْعًا: شَهَادَةُ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ لِلْمُنْفِقِ، بِخِلَافِ شَهَادَةِ الْمُنْفِقِ لِمُنْفَقٍ عَلَيْهِ. (وَلَا) شَهَادَةَ لِشَاهِدٍ (إنْ دَفَعَ بِهَا) : أَيْ بِشَهَادَتِهِ ضَرَرًا (كَشَهَادَةِ بَعْضِ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ الْقَتْلِ) خَطَأً، لِأَنَّهُ دَفَعَ بِهَا الْغُرْمَ فِي الدِّيَةِ عَنْ نَفْسِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَدِيمًا لَا يَلْزَمُهُ مِنْ الدِّيَةِ شَيْءٌ فَتَجُوزُ. (أَوْ) شَهَادَةَ (مَدِينٍ مُعْسِرٍ لِرَبِّهِ) : أَيْ لِرَبِّ الدَّيْنِ بِمَالٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَلَا تُقْبَلُ لِاتِّهَامِهِ عَلَى دَفْعِ ضَرَرِ مُطَالَبَةِ رَبِّ الدَّيْنِ لَهُ بِدَيْنِهِ. وَلِذَا لَوْ ثَبَتَ عُسْرُهُ عِنْدَ حَاكِمٍ جَازَتْ لِعَدَمِ الْمُطَالَبَةِ. كَمَا تَجُوزُ مِنْ الْمَلِيءِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْوَفَاءِ. (وَلَا) شَهَادَةَ لِشَاهِدٍ (إنْ شَهِدَ) لِشَخْصٍ (بِاسْتِحْقَاقٍ) لِشَيْءٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِخِلَافِ شَهَادَةِ الْمُنْفِقِ لِمُنْفَقٍ عَلَيْهِ] : أَيْ نَفَقَةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ أَصَالَةً. وَأَمَّا مَنْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةٌ أَصَالَةً فَقَدْ مَرَّ أَنَّهَا مُمْتَنِعَةٌ لِأَجْلِ الْقَرَابَةِ، قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ مِنْ قَرَابَةِ الشَّاهِدِ كَالْأَخِ وَنَحْوِهِ يَنْبَغِي أَلَّا تَجُوزَ شَهَادَتُهُ لَهُ بِمَالٍ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ لَا تَلْزَمُهُ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ بِعَدَمِ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ مَعَرَّةٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ أَجْنَبِيًّا مِنْ الشَّاهِدِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ لَهُ، الصَّقَلِّيُّ: هَذَا اسْتِحْسَانٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْقَرِيبِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ (اهـ كَذَا فِي بْن) . وَاعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمُصَنِّفِ تُقَيَّدُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ وَإِلَّا كَانَ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ: أَوْ بِمَالٍ لِمَدِينِهِ وَكَمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِلْمُنْفَقِ عَلَيْهِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ بِقَتْلٍ أَوْ زِنًا وَهُوَ مُحْصَنٌ، لِضَعْفِ التُّهْمَةِ لِكَوْنِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ غَيْرَ وَاجِبَةٍ أَصَالَةً. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَكُونَ عَدِيمًا] : هَذَا الْقَيْدُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَإِطْلَاقُ الْخَرَشِيِّ ضَعِيفٌ كَمَا أَفَادَهُ (بْن) . [شَهَادَة مدين مُعْسِر لِرَبِّ الدِّين] قَوْلُهُ: [أَوْ شَهَادَةُ مَدِينٍ مُعْسِرٍ] : أَيْ وَلَمْ يَثْبُتْ عُسْرُهُ وَإِلَّا قُبِلَتْ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [بِمَالٍ أَوْ غَيْرِهِ] : أَيْ خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهُ بِالْمَالِ فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: [كَمَا تَجُوزُ مِنْ الْمَلِيءِ] : أَيْ الَّذِي لَا يَتَضَرَّرُ بِالدَّفْعِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَدِينِ الَّذِي لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ مَنْ كَانَ يَتَضَرَّرُ بِأَخْذِ الدَّيْنِ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ ثَابِتَ الْعُسْرِ أَوْ مَلِيًّا لَا يَتَضَرَّرُ انْتَفَتْ التُّهْمَةُ.

[فسق الشاهد بعد الإدلاء بشهادته وقبل الحكم بها]

(وَقَالَ فِي شَهَادَتِهِ بِاسْتِحْقَاقِهِ) : (أَنَا بِعْتُهُ لَهُ) لِاتِّهَامِهِ عَلَى رُجُوعِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ لَوْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ؛ فَهُوَ مِنْ أَمْثِلَةِ الدَّفْعِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عِلَّةُ الْمَنْعِ أَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ النَّفْسِ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ الْعَطْفِ بِ " لَا ". وَإِلَّا لَقَالَ: أَوْ شَهِدَ إلَخْ. وَعَلَى الْأَوَّلِ، لَوْ قَالَ: وَأَنَا وَهَبْتُهُ لَهُ، أَوْ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيْهِ، لَقُبِلَ لِعَدَمِ رُجُوعِ الْمُشْتَرِي. بِخِلَافِهِ عَلَى الثَّانِي لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى فِعْلِ النَّفْسِ. قَالَ الْمُحَشِّي: أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَالنَّقْلُ عَنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ، لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ بِالشِّرَاءِ حَتَّى تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ بِمِلْكِ الْبَائِعِ لَهُ، فَإِذَا قَالَ: أَنَا بِعْتُهُ أَوْ وَهَبْتُهُ، فَقَدْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِمِلْكِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ، وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ " بِعْتُهُ " أَوْ " وَهَبْتُهُ " - اُنْظُرْ ابْنَ مَرْزُوقٍ وَغَيْرَهُ (اهـ) . (وَلَا) شَهَادَةَ تُقْبَلُ (إنْ حَدَثَ) لِلشَّاهِدِ (فِسْقٌ بَعْدَ الْإِدْلَاءِ) عِنْدَ الْحَاكِمِ (وَقَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا) لِدَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَامِنًا فِي نَفْسِهِ، فَإِنْ حَدَثَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِاتِّهَامِهِ عَلَى رُجُوعِ الْمُشْتَرِي] : هَذَا التَّعْلِيلُ لِلْأُجْهُورِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ. قَوْلُهُ: [وَقَالَ بَعْضُهُمْ] : أَيْ نَقْلًا عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ الْعَطْفِ بِلَا] : أَيْ فَيُقْضَى بِأَنَّهُ مَبْحَثٌ آخَرُ. قَوْلُهُ: [وَعَلَى الْأَوَّلِ] : أَيْ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ لِلْأُجْهُورِيِّ. قَوْلُهُ: [قَالَ الْمُحَشِّي] : الْمُرَادُ بِهِ (بْن) وَمَا قَالَهُ مَحَلُّ مَأْخَذِ التَّعْلِيلِ الثَّانِي. قَوْلُهُ: [فَقَدْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِمِلْكِ ذَلِكَ الشَّيْءِ] : أَيْ فَهِيَ دَعْوَى مِنْهُ تَحْتَاجُ لِبَيِّنَةٍ مِنْهُ عَلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ الْمِلْكِ. [فَسَقٍ الشَّاهِد بَعْد الْإِدْلَاء بِشَهَادَتِهِ وَقَبْل الْحُكْمِ بِهَا] قَوْلُهُ: [إنْ حَدَثَ لِلشَّاهِدِ فِسْقٌ] : أَيْ ثَبَتَ حُدُوثُ فِسْقٍ، وَأَمَّا التُّهْمَةُ بِحُدُوثِهِ فَلَا تَضُرُّ. قَوْلُهُ: [لِدَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَامِنًا] : لِهَذَا التَّعْلِيلِ قَيَّدَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ بِالْفِسْقِ الَّذِي يَسْتَتِرُ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ كَشُرْبِ خَمْرٍ وَزِنًا، لَا نَحْوُ قَتْلٍ وَقَذْفٍ، وَاخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ، وَلَكِنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ الْإِطْلَاقُ، وَعَلَى كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ وَيَقُولَانِ رَأَيْنَاهُ يَطَؤُهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ وَكَانَتْ شَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةً؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمَا ذَلِكَ قَذْفٌ لِعَدَمِ تَمَامِ شُهُودِ الزِّنَا، وَقَدْ حَكَى (ح) خِلَافًا.

بَعْدَ الْحُكْمِ مَضَى وَلَا يُنْقَضُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا مَثَلًا قَبْلَ الْأَدَاءِ فَيُنْقَضُ. (بِخِلَافِ حُدُوثِ عَدَاوَةٍ) بَعْدَ الْأَدَاءِ، فَلَا يَضُرُّ إنْ تَحَقَّقَ حُدُوثُهَا، وَإِلَّا مُنِعَتْ؛ كَمَا لَوْ قَالَ الشَّاهِدُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْأَدَاءِ مُخَاصِمًا: تَتَّهِمُنِي وَتُشَبِّهُنِي بِالْمَجَانِينِ؟ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَدَاوَةَ سَابِقَةٌ عَلَى الْأَدَاءِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ سَابِقًا. (وَ) بِخِلَافِ (احْتِمَالِ جَرٍّ) بَعْدَ الْأَدَاءِ فَلَا يَضُرُّ، كَشَهَادَتِهِ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْحُكْمِ، أَوْ شَهِدَ لَهَا بِحَقٍّ عَلَى شَخْصٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا. (أَوْ) احْتِمَالِ (دَفْعٍ) بَعْدَ الْأَدَاءِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ؛ كَشَهَادَتِهِ بِفِسْقِ رَجُلٍ، ثُمَّ شَهِدَ الرَّجُلُ عَلَى آخَرَ بِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا خَطَأً وَالشَّاهِدُ عَلَيْهِ بِالْفِسْقِ مِنْ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ فَلَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ بِفِسْقِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حَدِّهِمَا نَظَرًا لِكَوْنِهِ قَذْفًا وَعَدَمِهِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ لَمَّا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا بِالطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ الْمَرْمِيُّ بِهِ زِنًا. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا مَنَعَتْ] : الْفَاعِلُ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الْعَدَاوَةِ، وَالْمَعْنَى وَإِلَّا يَتَحَقَّقْ حُدُوثُ الْعَدَاوَةِ بَلْ احْتَمَلَ تَقَدُّمُهَا عَلَى الْأَدَاءِ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ. قَوْلُهُ: [مُخَاصِمًا] : أَيْ لَا شَاكِيًا لِلنَّاسِ مَا فَعَلَ بِهِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُمْ اُنْظُرُوا مَا فَعَلَ مَعِي وَمَا قَالَ فِي حَقِّي فَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ هَذَا التَّقْيِيدِ تَبِعَ فِيهِ خَلِيلًا وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ، وَلِابْنِ الْمَاجِشُونِ تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ بِهَذَا الْقَوْلِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ كَوْنِهِ شَاكِيًا أَوْ مُخَاصِمًا وَصَوَّبَهُ ابْنُ رُشْدٍ. قَوْلُهُ: [كَشَهَادَةٍ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ] إلَخْ: أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ خَطَبَهَا قَبْلَ زَوَاجِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِطَلَاقِهِمَا وَإِلَّا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ الْحُكْمِ] : الصَّوَابُ حَذْفُهُ أَوْ يُؤَخِّرُهُ بَعْدَ الْمِثَالِ الثَّانِي، لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى زَوَاجُهُ لَهَا قَبْلَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الزَّوْجَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ يُنَاكِرُ فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ مُسْتَرْسِلٌ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: [وَقَبْلَ الْحُكْمِ] : أَيْ وَأَوْلَى بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [فَلَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ بِفِسْقِهِ] : أَيْ لِبُعْدِ التُّهْمَةِ.

(وَ) بِخِلَافِ (شَهَادَةِ كُلٍّ) مِنْ الشَّاهِدَيْنِ لِلْآخَرِ بِحَقٍّ وَلَوْ بِالْمَجْلِسِ، فَلَا تَضُرُّ، إلَّا أَنْ تَظْهَرَ تُهْمَةُ الْمُكَافَأَةِ. (وَ) بِخِلَافِ شَهَادَةِ (الْقَافِلَةِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فِي حِرَابَةٍ) عَلَى مَنْ حَارَبَهُمْ؛ فَلَا تَضُرُّ، وَلَا يُلْتَفَتُ لِلْعَدَاوَةِ الطَّارِئَةِ بَيْنَهُمْ بِالْحِرَابَةِ لِلضَّرُورَةِ، وَسَوَاءٌ شَهِدَ لِصَاحِبِهِ بِمَالٍ أَوْ نَفْسٍ. (وَلَا) تُقْبَلُ شَهَادَةٌ (إنْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِكَثِيرٍ) مِنْ الْمَالِ عُرْفًا (وَشَهِدَ لِغَيْرِهِ) بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ (بِوَصِيَّةٍ) : أَيْ فِي وَصِيَّةٍ كَأَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنَّهُ أَوْصَى لِي بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَلِزَيْدٍ أَوْ لِلْفُقَرَاءِ بِمِثْلِ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَلَا تَصِحُّ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ لِتُهْمَةِ جَرِّ النَّفْعِ لِنَفْسِهِ. (وَإِلَّا) بِأَنْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِقَلِيلٍ أَيْ تَافِهٍ وَلِغَيْرِهِ بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ (قَبْلَ) مَا شَهِدَ بِهِ (لَهُمَا) مَعًا: أَيْ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا هَذَا الشَّاهِدُ حَلَفَ الْغَيْرُ مَعَهُ وَاسْتَحَقَّ وَصِيَّتَهُ وَلَا يَمِينَ عَلَى الشَّاهِدِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَبِخِلَافِ شَهَادَةِ الْقَافِلَةِ] : أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ الشُّهُودَ فِيهَا عُدُولٌ كَمَا قَيَّدَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِلتَّتَّائِيِّ. قَوْلُهُ: [عَلَى مَنْ حَارَبَهُمْ] : أَيْ وَأَمَّا شَهَادَةُ الْقَافِلَةِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَنَقَلَ الْمَوَّاقُ رِوَايَةَ الْأَخَوَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ إجَازَتَهَا لِلضَّرُورَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ عَدَالَةٌ وَحُرِّيَّةٌ مُحَقَّقَةٌ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ وَعَلَيْهِ شَرْحُ صَاحِبِ التُّحْفَةِ حَيْثُ قَالَ: وَمَنْ عَلَيْهِ وَسْمُ خَيْرٍ قَدْ ظَهَرَ ... زُكِّيَ إلَّا فِي ضَرُورَةِ السَّفَرِ كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [فَلَا تَصِحُّ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ] : أَيْ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إذَا بَطَلَ بَعْضُهَا بَطَلَ كُلُّهَا، بِخِلَافِ مَا بَطَلَ بَعْضُهَا لِلسَّنَةِ فَإِنَّهُ يَمْضِي مِنْهَا مَا أَجَازَتْهُ فَقَطْ كَشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ بِوَصِيَّةٍ بِعِتْقٍ وَبِمَالٍ فَإِنَّهَا تُرَدُّ فِي الْعِتْقِ لَا فِي الْمَالِ. قَوْلُهُ: [حَلَفَ الْغَيْرُ مَعَهُ] : إنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَزَيْدٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَمَا إذَا كَانَ الْغَيْرُ هُمْ الْفُقَرَاءُ فَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُمْ يَمِينٌ، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوجَدْ شَاهِدٌ ثَانٍ لَا شَيْءَ لَهُمْ وَلَا لَهُ لِتَوَقُّفِ نُفُوذِهَا عَلَى الْيَمِينِ أَوْ شَاهِدٌ ثَانٍ وَلَمْ يُوجَدْ وَانْظُرْ فِي ذَلِكَ.

[شهادة المماطل]

تَبَعًا لِلْحَالِفِ، فَإِنْ نَكَلَ الْغَيْرُ فَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَهَذَا إذَا كَتَبَ الْوَصِيَّةَ بِكِتَابٍ وَاحِدٍ بِغَيْرِ خَطِّ الشَّاهِدِ، فَإِنْ كَتَبَ بِخَطِّ الشَّاهِدِ - أَوْ لَمْ تُكْتَبْ أَصْلًا - قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِغَيْرِهِ لَا لِنَفْسِهِ. وَكَذَا إنْ كَتَبَ بِكِتَابَيْنِ أَحَدُهُمَا لِلشَّاهِدِ وَالثَّانِي لِلْآخَرِ، فَلَا تَصِحُّ لَهُ وَتَصِحُّ لِلْآخَرِ لِعَدَمِ التَّبَعِيَّةِ حِينَئِذٍ وَأَمَّا شَهَادَتُهُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ فِي غَيْرِ وَصِيَّةٍ كَدَيْنٍ فَلَا تُقْبَلُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ مُطْلَقًا لِتُهْمَةِ جَرِّ النَّفْعِ لِنَفْسِهِ. (وَلَا) شَهَادَةَ لِشَاهِدٍ (إنْ تَعَصَّبَ) : أَيْ اُتُّهِمَ بِالْعَصَبِيَّةِ وَالْحَمِيَّةِ لِكَوْنِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مِنْ قَبِيلَةٍ تَكْرَهُ قَبِيلَةَ الشَّاهِدِ؛ كَمَا يَقَعُ لِلتُّرْكِ مَعَ أَبْنَاءِ الْعَرَبِ. (وَلَا) شَهَادَةَ (لِمُمَاطِلٍ) : وَهُوَ مَنْ يُؤَخِّرُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ الطَّلَبِ بِلَا عُذْرٍ شَرْعِيٍّ لِظُلْمِهِ وَفِي الْحَدِيثِ «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [تَبَعًا لِلْحَالِفِ] : أَيْ الَّذِي هُوَ الْمَشْهُودُ لَهُ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ لِيَسَارَتِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَنْظُورٍ إلَيْهِ. وَبِهَا يُلْغَزُ فَيُقَال دَعْوَى أُخِذَتْ بِشَاهِدٍ بِلَا يَمِينٍ أَوْ يُقَالُ شَيْءٌ أُخِذَ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى أَوْ يُقَالُ شَهَادَةٌ لِلنَّفْسِ مَضَتْ. قَوْلُهُ: [فَلَا تُقْبَلُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ مُطْلَقًا] : أَيْ سَوَاءٌ شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِكَثِيرٍ أَوْ بِقَلِيلٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْمُوصِيَ قَدْ يَخْشَى مُعَاجَلَةَ الْمَوْتِ وَلَا يَجِدُ حَاضِرًا غَيْرَ الْمُوصَى لَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ قَوْلُهُ: [كَمَا يَقَعُ لِلتُّرْكِ مَعَ أَبْنَاءِ الْعَرَبِ] : هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ خَلِيلٌ لَا الْمَجْلُوبِينَ إلَّا كَعِشْرِينَ. قَالَ: الْأَصْلُ الْمُرَادُ بِالْمَجْلُوبِينَ قَوْمٌ مِنْ الْجُنْدِ يُرْسِلُهُمْ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ لِسَدِّ ثَغْرٍ أَوْ حِرَاسَةِ قَرْيَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَعَلَّلَ الْمَنْعَ بِحَمِيَّةِ الْبَلَدِيَّةِ وَلَعَلَّ هَذَا بِاعْتِبَارِ الْقُرُونِ الْأُولَى، وَأَمَّا الْمُشَاهَدُ فِيهِمْ الْآنَ فَحَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ وَشِدَّةُ التَّعَصُّبِ عَلَى أُمَّةِ خَيْرِ الْبَرِّيَّةِ قَاسِيَةً قُلُوبُهُمْ فَاشِيَّةً عُيُوبُهُمْ فَأَنَّى تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ شَرْعًا وَلَكِنَّهُمْ يُمْضُونَهَا طَبْعًا (اهـ بِحُرُوفِهِ) . [شَهَادَة المماطل] قَوْلُهُ: [وَلَا شَهَادَةَ لِمُمَاطِلٍ] : أَيْ لِأَنَّ الْمَطْلَ قَادِحٌ مِنْ مُبْطِلَاتِ الشَّهَادَةِ لِكَوْنِهِ يَصِيرُ بِهِ فَاسِقًا وَقَيَّدَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِمَا إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ.

[شهادة الأقلف]

(وَ) لَا (حَالِفٍ) : أَيْ مِنْ شَأْنِهِ الْحَلِفُ (بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ) لِأَنَّهُ مِنْ يَمِينِ الْفُسَّاقِ. (وَلَا) شَهَادَةَ لِشَاهِدٍ (بِالْتِفَاتٍ) : أَيْ بِسَبَبِ الْتِفَاتِهِ (فِي صَلَاةٍ أَوْ تَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا) الِاخْتِيَارِيِّ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اكْتِرَاثِهِ بِهَا فَلَا اكْتِرَاثَ لَهُ بِغَيْرِهَا بِالْأَوْلَى (أَوْ) عَدَمِ إحْكَامِ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ. (أَوْ زَكَاةٍ لِمَنْ لَزِمَتْهُ) ، وَمِنْهُ: التَّسَاهُلُ فِيهَا، وَكَذَا الصَّوْمُ وَالْحَجُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ مِنْ يَمِينِ الْفُسَّاقِ] : أَيْ وَيُؤَدَّبُ الْحَالِفُ بِهِ قَالَ بْن الْأَدَبُ فِي ذَلِكَ وَاجِبٌ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا ثَبَتَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» وَمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَحْلِفُوا بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِنَّهُمَا مِنْ أَيْمَانِ الْفُسَّاقِ» . وَالثَّانِي أَنَّ مَنْ اعْتَادَ الْحَلِفَ بِهِ لَمْ يَكُنْ سَالِمًا مِنْ الْحِنْثِ فِيهِ فَتَكُونُ زَوْجَتُهُ تَحْتَهُ مُطَلَّقَةً مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ، وَقَدْ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنَّ مَنْ لَازَمَ ذَلِكَ وَاعْتَادَهُ فَهُوَ جُرْحَةٌ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ حِنْثُهُ، وَقِيلَ لِمَالِكٍ: إنَّ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ كَتَبَ أَنْ يُضْرَبَ فِي ذَلِكَ عَشْرَةَ أَسْوَاطٍ، فَقَالَ: قَدْ أَحْسَنَ إذْ أَمَرَ فِيهِ بِالضَّرْبِ، وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ أَنْ يُضْرَبَ فِي ذَلِكَ أَرْبَعِينَ سَوْطًا (اهـ) . قَوْلُهُ: [بِالْتِفَاتٍ] : أَيْ حَيْثُ كَثُرَ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَا فَرَّقَ بَيْنَ كَوْنِ الصَّلَاةِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا. قَوْلُهُ: [أَوْ تَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا] : هَذَا خَاصٌّ بِالْفَرْضِ فَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ اسْتِخْدَامٌ. قَوْلُهُ: [وَمِنْهُ التَّسَاهُلُ فِيهَا] : أَيْ فِي الزَّكَاةِ بِأَنْ يُؤَخِّرَ إخْرَاجَهَا عَنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ أَوْ يُخْرِجَ بَعْضَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ دُونَ بَعْضٍ. [شَهَادَة الْأَقْلَف] 1 تَنْبِيهٌ: الْأَقْلَفُ الَّذِي لَا عُذْرَ لَهُ فِي تَرْكِ الْخِتَانِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِإِخْلَالِ ذَلِكَ بِالْمُرُوءَةِ. قَوْلُهُ: [وَالْحَجُّ] : أَيْ فَإِذَا كَانَ كَثِيرَ الْمَالِ قَوِيًّا عَلَى الْحَجِّ وَطَالَ زَمَنُ تَرْكِهِ لَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فِي الطَّرِيقِ كَانَ ذَلِكَ جُرْحَةً فِي شَهَادَتِهِ كَمَا قَالَ سَحْنُونَ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ طُولُ زَمَانِ التَّرْكِ لِاخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي.

[القدح في الشهود وتزكيتهم]

وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ بِحَقٍّ لَدَى حَاكِمٍ أَوْ مُحَكَّمٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعْذَارِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) إذَا أَعْذَرَ لَهُ (قُدِحَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ: أَيْ جَازَ الْقَدْحُ. وَقُبِلَ (فِي) الشَّاهِدِ (الْمُتَوَسِّطِ) فِي الْعَدَالَةِ - وَهُوَ مَا لَيْسَ بِمُبَرَّزٍ فِيهَا - (بِكُلِّ قَادِحٍ) مِنْ تَجْرِيحٍ، أَوْ قَرَابَةٍ، أَوْ عَدَاوَةٍ، أَوْ كَوْنِهِ فِي عِيَالِ الْمَشْهُودِ لَهُ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ. (وَ) قُدِحَ (فِي الْمُبَرَّزِ) بِالْعَدَالَةِ (بِعَدَاوَةٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ إجْرَاءِ نَفَقَةٍ عَلَيْهِ) مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ. (وَإِنْ) ثَبَتَ الْقَدْحُ (مِنْ دُونِهِ) : أَيْ مِنْ دُونِ الْمُبَرَّزِ فِي الْعَدَالَةِ؛ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَادِحِ فِي مُبَرَّزٍ أَنْ يَكُونَ مُبَرَّزًا مِثْلَهُ. وَأَمَّا لَوْ قُدِحَ فِي الْمُبَرَّزِ بِغَيْرِ عَدَاوَةٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ فَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ الْقَدْحُ إذَا أَرَادَ الْقَادِحُ إثْبَاتَهُ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ: يُقْبَلُ مِنْهُ الْقَدْحُ بِغَيْرِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَيْضًا، وَارْتَضَاهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ، فَهُوَ كَالْمُتَوَسِّطِ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ مِمَّا يَكْتُمُهُ الْإِنْسَانُ فَلَا يَكَادُ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا الْقَلِيلُ مِنْ النَّاسِ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَكَذَا) يُقْدَحُ فِي الْمُبَرَّزِ (بِغَيْرِهَا) : أَيْ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (عَلَى الْأَرْجَحِ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا إذَا صَرَّحَ بِالْجُرْحِ فَإِنْ قَالَ الْمُجَرِّحُ: هُوَ غَيْرُ عَدْلٍ أَوْ غَيْرُ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ، لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُجَرِّحُ مُبَرَّزًا عَارِفًا بِوُجُوهِ التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ] إلَخْ: دُخُولٌ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ] : أَيْ كَجَرِّ الْمَنْفَعَةِ وَدَفْعِ الْمَضَرَّةِ وَالْعَصَبِيَّةِ. [الْقَدَح فِي الشُّهُود وَتَزْكِيَتهمْ] قَوْلُهُ: [بِعَدَاوَةٍ] : أَيْ دُنْيَوِيَّةٍ بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ قَرَابَةٍ] : أَيْ بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ لَهُ قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُجَرِّحُ مُبَرَّزًا] : حَاصِلُهُ أَنَّ مُطَرِّفًا يَقُولُ: إنَّ الْمُبَرَّزَ يُجَرِّحُهُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ، وَلَوْ بِالْفِسْقِ، وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ. وَأَمَّا سَحْنُونَ فَهُوَ وَإِنْ قَالَ: الْمُبَرَّزُ يُجَرَّحُ بِالْفِسْقِ لَكِنْ يَقُولُ لَا يُجَرَّحُ إلَّا مُبَرَّزٌ فِي الْعَدَالَةِ مِثْلُهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ إذَا نَصُّوا عَلَى الْجُرْحَةِ، وَأَمَّا لَوْ قَالُوا: هُوَ غَيْرُ عَدْلٍ وَلَا جَائِزِ الشَّهَادَةِ فَلَا يُقْبَلُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ الْمُبَرَّزِينَ فِي الْعَدَالَةِ الْعَارِفِينَ

[من يصح منه التزكية]

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ التَّزْكِيَةُ، وَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ قَدَّمَهُ عَمَّا هُنَا - وَذِكْرُهُ هُنَا أَنْسَبُ - فَقَالَ: (وَإِنَّمَا يُزَكِّي) الشُّهُودَ (مُبَرَّزٌ) : فِي الْعَدَالَةِ، لَا مُطْلَقَ عَدْلٍ، وَإِلَّا لَاحْتَاجَ لِمَنْ يُعَدِّلُهُ أَيْضًا وَيَتَسَلْسَلُ (مَعْرُوفٌ) عِنْدَ الْحَاكِمِ وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ، كَأَنْ يَعْرِفَهُ الْعُدُولُ عِنْدَهُ وَيُخْبِرُوهُ بِأَنَّهُ مُبَرَّزٌ (عَارِفٌ) بِأَحْوَالِ التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ (فَطِنٌ) : أَيْ نَبِيهٌ (لَا يُخْدَعُ) فِي عَقْلِهِ كَالتَّفْسِيرِ لِفَطِنٍ: أَيْ لَا يَلْتَبِسُ عَلَيْهِ أَحْوَالُ النَّاسِ الْمُمَوَّهَةِ الظَّاهِرِ بِإِظْهَارِ الصَّلَاحِ، وَلَا يَغْتَرُّ بِظَاهِرِ حَالِهِمْ مَعَ مُخَالِفَتِهَا لِسَرَائِرِهِمْ، كَمَا يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ. (مُعْتَمِدٌ) فِي مَعْرِفَةِ أَحْوَالِهِمْ (عَلَى طُولِ عِشْرَةٍ) لِمَنْ يُزَكِّيهِ وَلَا سِيَّمَا إذَا انْضَمَّ إلَيْهَا سَفَرُهُ مَعَهُ، لِأَنَّ مُجَرَّدَ الصُّحْبَةِ لَا تُفِيدُ مَعْرِفَةَ أَحْوَالِ الصَّاحِبِ (مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ؛ أَوْ) أَهْلِ (مَحَلَّتِهِ) : فَالْمُزَكِّي إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ وَلَا مَحَلَّتِهِ تُوجِبُ الرِّيبَةَ فِي الشَّاهِدِ، حَيْثُ زَكَّاهُ الْبَعِيدُ مَعَ وُجُودِ أَهْلِ سُوقِهِ وَمَحَلَّتِهِ (إلَّا لِعُذْرٍ) : كَأَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ السُّوقِ وَلَا مَحَلَّتِهِ مَنْ يَصْلُحُ لِلتَّزْكِيَةِ بِأَنْ قَامَ مَانِعٌ مِنْ عَدَمِ التَّبْرِيزِ أَوْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ عَدَاوَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَمِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِوُجُوهِ التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ اتِّفَاقًا اُنْظُرْ (بْن) . [مِنْ يَصِحّ مِنْهُ التَّزْكِيَة] قَوْلُهُ: [مَعْرُوفٌ] : صِفَةٌ لِمُبَرَّزٍ. قَوْلُهُ: [عَلَى طُولِ عِشْرَةٍ] : أَيْ وَيَرْجِعُ فِي طُولِهَا لِلْعُرْفِ. قَوْلُهُ: [مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ أَوْ أَهْلِ مَحَلَّتِهِ] : أَيْ الْعَارِفِينَ بِهِ وَأَشْعَرَ الْإِتْيَانَ بِأَوْصَافِ الْمُزَكَّى مُذَكَّرًا أَنَّ النِّسَاءَ لَا تَقْبَلُ تَزْكِيَتَهُنَّ لَا لِرِجَالٍ وَلَا لِنِسَاءٍ وَلَوْ فِيمَا يَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ فِيهِ كَمَا فِي (عب) . قَوْلُهُ: [فَالْمُزَكِّي] : الْمُنَاسِبُ فَالتَّزْكِيَةُ لِأَجْلِ الْإِخْبَارِ بِقَوْلِهِ تُوجِبُ الرِّيبَةَ.

مُتَعَدِّدٍ) وَلَا يَكْفِي فِيهَا الْوَاحِدُ. نَعَمْ تَزْكِيَةُ السِّرِّ يَكْفِي فِيهَا الْوَاحِدُ وَتَصِحُّ التَّزْكِيَةُ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ (وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ) الْمُزَكِّي (الِاسْمَ) : أَيْ اسْمَ الشَّاهِدِ الَّذِي زَكَّاهُ؛ لِأَنَّ مَدَارَهَا عَلَى مَعْرِفَةِ الذَّاتِ وَالْأَحْوَالِ (بِأَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًا) : أَيْ أَنَّ التَّزْكِيَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِهَذَا الْقَوْلِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إنْ حَذَفَ وَاحِدًا مِنْهَا لَمْ يَكْفِ أَوْ أَبْدَلَهُ بِمُرَادِفِهِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ قَالَ: هُوَ عَدْلٌ رِضًا كَفَى، وَقَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى عَدْلٍ أَوْ عَلَى رِضًا كَفَى. وَالْأَرْجَحُ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ - ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ. (وَوَجَبَتْ) التَّزْكِيَةُ (إنْ بَطَلَ حَقٌّ) بِتَرْكِهَا (أَوْ ثَبَتَ بَاطِلٌ) . كَالتَّجْرِيحِ لِلشَّاهِدِ يَجِبُ إنْ ثَبَتَ بِتَرْكِهِ بَاطِلٌ أَوْ بَطَلَ حَقٌّ. (وَهُوَ) : أَيْ التَّجْرِيحُ (يُقَدَّمُ) عَلَى التَّعْدِيلِ: يَعْنِي أَنَّ بَيِّنَةَ التَّجْرِيحِ تُقَدَّمُ عَلَى بَيِّنَةِ التَّعْدِيلِ؛ لِأَنَّهَا حَفِظَتْ مَا لَمْ تَحْفَظْهُ بَيِّنَةُ التَّعْدِيلِ، مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [نَعَمْ تَزْكِيَةُ السِّرِّ يَكْفِي فِيهَا الْوَاحِدُ] : أَيْ وَالتَّعَدُّدُ فِيهَا مَنْدُوبٌ عَلَى الرَّاجِحِ كَمَا فِي (بْن) وَيَفْتَرِقَانِ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ مُزَكِّي السِّرِّ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْرِيزُ، بَلْ الْمَدَارُ عَلَى عِلْمِ الْقَاضِي بِعَدَالَتِهِ وَلَا يُعْذَرُ فِيهِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إذَا عَدَلَ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي كَمَا مَرَّ. بِخِلَافِ مُزَكِّي الْعَلَانِيَةِ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: [إنَّمَا تَكُونُ بِهَذَا الْقَوْلِ] : أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] مَعَ قَوْله تَعَالَى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] . قَوْلُهُ: [وَالْأَرْجَحُ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ] : أَيْ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ عَدْلٍ وَرِضًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ أَشْهِدْ. قَوْلُهُ: [وَوَجَبَتْ التَّزْكِيَةُ] : أَيْ الشَّهَادَةُ بِهَا. قَوْلُهُ: [تُقَدَّمُ عَلَى بَيِّنَةِ التَّعْدِيلِ] : أَيْ وَلَوْ كَانَتْ بَيِّنَةُ التَّعْدِيلِ أَعْدَلَ أَوْ أَكْثَرَ عَلَى الْأَشْهَرِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهَا حَفِظَتْ مَا لَمْ تَحْفَظْهُ بَيِّنَةُ التَّعْدِيلِ] : أَيْ وَذَلِكَ لِأَنَّ بَيِّنَةَ التَّعْدِيلِ تَحْكِي عَنْ ظَاهِرِ الْحَالِ وَالْمُجَرَّحَةُ تُخْبِرُ عَمَّا خَفِيَ فَهِيَ أَزْيَدُ عِلْمًا

[شهادة الصبيان]

فِي النَّاسِ الْجَرْحُ لَا الْعَدَالَةُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، بَلْ وُجُودُ الْعَدْلِ فِي زَمَانِنَا هَذَا نَادِرٌ جِدًّا. (وَجَازَ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ) : اعْلَمْ أَنَّ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ الْأَصْلُ فِيهَا عَدَمُ الْجَوَازِ فِي كُلِّ شَيْءٍ لِعَدَمِ الْعَدَالَةِ وَالضَّبْطِ فِيهِمْ، إلَّا أَنَّ أَئِمَّتَنَا جَوَّزُوهَا فِي شَيْءٍ خَاصٍّ لِلضَّرُورَةِ بِشُرُوطٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ عَلَى بَعْضِهِمْ، لَا عَلَى كَبِيرٍ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ (فِي جُرْحٍ وَقَتْلٍ فَقَطْ) لَا فِي مَالٍ وَلَا فِي غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِهِمَا. وَ " الْوَاوُ " بِمَعْنَى " أَوْ ". وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ: ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَالشَّاهِدُ) مِنْهُمْ (حُرٌّ) لَا عَبْدٌ (مُسْلِمٌ) لَا كَافِرٌ (ذَكَرٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ] [شُرُوط شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ] قَوْلُهُ: [وَجَازَ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ] : أَيْ وَأَمَّا النِّسَاءُ فِي كَالْأَعْرَاسِ وَالْحَمَّامَاتِ وَالْمَآتِمِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ فِي جُرْحٍ وَلَا قَتْلٍ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُنَّ غَيْرُ مَشْرُوعٍ. بِخِلَافِ الصِّبْيَانِ فَإِنَّ اجْتِمَاعَهُمْ مَشْرُوعٌ لِتَدْرِيبِهِمْ عَلَى مَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَالْغَالِبُ عَدَمُ حُضُورِ الْكِبَارِ مَعَهُمْ، فَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ لِبَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ لَأَدَّى إلَى هَدَرِ دِمَائِهِمْ كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [لِعَدَمِ الْعَدَالَةِ] : أَيْ لِأَنَّ الْعَدْلَ حُرٌّ بَالِغٌ عَاقِلٌ رَشِيدٌ بَرِيءٌ مِنْ الْفِسْقِ. قَوْلُهُ: [بِشُرُوطٍ] : ذَكَرَهَا الشَّارِحُ أَحَدَ عَشَرَ وَفِي الْحَقِيقَةِ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ. قَوْلُهُ: [لَا عَلَى كَبِيرٍ] : أَيْ وَلَا لِكَبِيرٍ فَشَهَادَةُ الصِّبْيَانِ لَا تُقْبَلُ إلَّا إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مِنْهُمْ. قَوْلُهُ: [لَا فِي مَالٍ وَلَا فِي غَيْرِهِ] : وَيُلْغَزُ فِي ذَلِكَ فَيُقَالُ شَخْصٌ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي الْقَتْلِ وَالْجُرْحِ لَا فِي الْمَالِ وَنَحْوِهِ مَعَ أَنَّ الْمَالَ يُخَفَّفُ فِيهِ. قَوْلُهُ: [وَالْخَامِسُ] : الْأُولَى أَنْ يَزِيدَ وَالسَّادِسُ وَالسَّابِعُ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ خَمْسَةً بَعْدَ الِاثْنَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَالشَّاهِدُ مِنْهُمْ حُرٌّ] إلَخْ: تَخْصِيصُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ بِالشَّاهِدِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ فِي الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ الشَّاهِدِ بِذَلِكَ.

لَا أُنْثَى (مُتَعَدِّدٌ) اثْنَانِ فَأَكْثَرَ لَا وَاحِدٌ (لَمْ يَشْتَهِرْ) الشَّاهِدُ (بِالْكَذِبِ) : لَا إنْ اُشْتُهِرَ بِهِ فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ. وَتَضَمَّنَ هَذَا أَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا؛ فَهُوَ شَرْطٌ سَادِسٌ، لِأَنَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ لَا يَضْبِطُ مَا يَقُولُ، فَلَا يُوصَفُ بِصِدْقٍ وَلَا كَذِبٍ. السَّابِعُ وَالثَّامِنُ: أَشَارَ لَهُمَا بِقَوْلِهِ: (غَيْرُ عَدُوٍّ) لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ (وَلَا قَرِيبٍ) لِلْمَشْهُودِ لَهُ وَلَوْ بَعُدَتْ: كَابْنِ الْعَمِّ وَابْنِ الْخَالِ أَوْ الْخَالَةِ. التَّاسِعُ: أَنْ لَا يَخْتَلِفُوا فِي شَهَادَتِهِمْ؛ فَإِنْ اخْتَلَفُوا بِأَنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: قَتَلَهُ فُلَانٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ قَتَلَهُ فُلَانٌ آخَرُ لَمْ تُقْبَلْ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا اخْتِلَافَ) فِي الشَّهَادَةِ (بَيْنَهُمْ) اتَّفَقُوا، أَوْ سَكَتَ الْبَاقِي، أَوْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ. الْعَاشِرُ: أَنْ لَا يَتَفَرَّقُوا بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمْ إلَى نَحْوِ مَنَازِلِهِمْ، فَإِنْ تَفَرَّقُوا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ تَفْرِيقَهُمْ مَظِنَّةُ تَعْلِيمِهِمْ مَا لَمْ يَكُنْ وَقَعَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQفَائِدَةٌ نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْ عَدَمِ شَهَادَتِهِمْ عَلَى الْمَالِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا وَإِلَّا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْوَالِ وَهُمْ لَا يَشْهَدُونَ فِيهَا أَفَادَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [لَا أُنْثَى] : هَذَا يُفِيدُ أَنَّ لَفْظَ صِبْيَانٍ يُسْتَعْمَلُ فِي الْإِنَاثِ أَيْضًا وَإِلَّا كَانَ الْمَوْضُوعُ يُخْرِجُهُ. قَوْلُهُ: [مُتَعَدِّدٌ] : هَذَا هُوَ الشَّرْطُ السَّادِسُ الَّذِي أَشَرْنَا لَهُ وَجَعَلَهُ لَمْ يَشْتَهِرْ بِالْكَذِبِ شَرْطًا سَادِسًا الْمُنَاسِبُ كَوْنُهُ ثَامِنًا. قَوْلُهُ: [السَّابِعُ وَالثَّامِنُ] : صَوَابُهُ التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ. قَوْلُهُ: [غَيْرُ عَدُوٍّ] : أَيْ كَانَتْ الْعَدَاوَةُ بَيْنَ الصِّبْيَانِ أَوْ بَيْنَ آبَائِهِمْ. قَالَ الْخَرَشِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُطْلَقَ الْعَدَاوَةِ هُنَا مُضِرٌّ سَوَاءٌ كَانَتْ دُنْيَوِيَّةً أَوْ دِينِيَّةً (اهـ) أَيْ لِشِدَّةِ تَأْثِيرِهَا عِنْدَ الصِّبْيَانِ وَضَعْفِ شَهَادَتِهِمْ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بَعُدَتْ] : أَيْ فَلَيْسُوا كَالْبَالِغِينَ. قَوْلُهُ: [التَّاسِعُ] : صَوَابُهُ الْحَادِيَ عَشَرَ. قَوْلُهُ: [الْعَاشِرُ] : صَوَابُهُ الثَّانِيَ عَشَرَ. قَوْلُهُ: [مَا لَمْ يَكُنْ وَقَعَ] : مَا اسْمٌ مَوْصُولٌ وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهَا صِلَتُهَا أَوْ نَكِرَةٌ.

(وَلَا فُرْقَةَ) بَيْنَهُمْ، فَإِنْ تَفَرَّقُوا فَلَا. (إلَّا أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِمْ قَبْلَهَا) : أَيْ قَبْلَ فُرْقَتِهِمْ فَإِنْ شَهِدَ عَلَيْهِمْ الْعُدُولُ قَبْلَ فُرْقَتِهِمْ صَحَّتْ الْحَادِيَ عَشَرَ: قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَحْضُرْ) بَيْنَهُمْ (كَبِيرٌ) : أَيْ بَالِغٌ وَقْتَ الْقَتْلِ أَوْ الْجُرْحِ، فَإِنْ حَضَرَ وَقْتَهُ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ تُقْبَلْ لِإِمْكَانِ تَعْلِيمِهِمْ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ كَانَ الْكَبِيرُ غَيْرَ عَدْلٍ، فَإِنْ كَانَ عَدْلًا وَخَالَفَهُمْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ وَافَقَهُمْ قُبِلَتْ. وَقِيلَ: لَا؛ فَإِنْ قَالَ الْعَدْلُ: لَا أَدْرِي مَنْ رَمَاهُ، فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ. ثُمَّ إذَا قُبِلَتْ - عِنْدَ الشُّرُوطِ - فَلَا قَسَامَةَ إذْ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِمْ، إنَّمَا عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْجُمْلَةُ بَعْدَهَا صِفَةٌ لَهَا وَهِيَ مَعْمُولَةٌ لِقَوْلِهِ: وَتَعْلِيمِهِمْ، وَالْمَعْنَى أَنَّ تَفْرِيقَهُمْ مَظِنَّةُ تَعَلُّمِهِمْ مِنْ الْكِبَارِ الشَّيْءَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ وَقَعَ أَوْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ وَقَعَ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ تَفَرَّقُوا فَلَا] : أَيْ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَكَرَّرَهُ تَوْطِئَةً لِلِاسْتِثْنَاءِ بَعْدُ. قَوْلُهُ: [صَحَّتْ] : أَيْ قَبْلَ مَا حَكَاهُ عَنْهُمْ الْعُدُولُ وَالْمُرَادُ عَدْلَانِ فَأَكْثَرُ. قَوْلُهُ: [الْحَادِيَ عَشَرَ] : صَوَابُهُ الثَّالِثَ عَشَرَ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ كَانَ عَدْلًا وَحَالَفَهُمْ] : قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ حَاصِلُ مَا فِي (ح) أَنَّهُ إذَا حَضَرَ الْكَبِيرُ وَقْتَ الْقَتْلِ أَوْ الْجُرْحِ وَكَانَ عَدْلًا فَلَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْمَشْهُورِ أَيْ لِلِاسْتِغْنَاءِ بِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَ مُتَعَدِّدًا مُطْلَقًا أَوْ وَاحِدًا وَالشَّهَادَةُ فِي جُرْحٍ، أَيْ فَيَحْلِفُ مَعَهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي قَتْلٍ فَلَا يَضُرُّ حُضُورُ ذَلِكَ الْوَاحِدِ فِي شَهَادَتِهِمْ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ فَقَوْلَانِ جَوَازُ شَهَادَتِهِمْ وَعَدَمُ جَوَازِهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَانَ وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا. وَأَمَّا إذَا حَضَرَ بَعْدَ الْمَعْرَكَةِ وَقَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ إذَا كَانَ عَدْلًا. وَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ فَلَا، فَتَمَسَّكْ بِهَذَا وَاتْرُكْ خِلَافَهُ (اهـ) . فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَكَلَامُ شَارِحنَا مُجْمَلٌ، وَقَوْلُ (ح) : فَلَا يَضُرُّ حُضُورُ ذَلِكَ الْوَاحِدِ فِي شَهَادَتِهِمْ، ظَاهِرُهُ وَافَقَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ، وَلَكِنْ يُقَيَّدُ بِمَا قُيِّدَ بِهِ شَرْحُنَا.

[مراتب الشهادة]

وَأَصْلُ الْقَسَامَةِ الْقِصَاصُ. وَإِذَا انْتَفَتْ فِي عَمْدِهِمْ انْتَفَتْ فِي خَطَئِهِمْ - ابْنُ عَرَفَةَ. قَالَ الْبَاجِيُّ: إذَا جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ فِي الْقَتْلِ فَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ: لَا تَجُوزُ حَتَّى تَشْهَدَ الْعُدُولُ بِرُؤْيَةِ الْبَدَنِ مَقْتُولًا - ابْنُ رُشْدٍ: رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. (وَلَا يَقْدَحُ) فِي شَهَادَتِهِمْ (رُجُوعُهُمْ) بَعْدَهَا عَنْهَا قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ (وَلَا تَجْرِيحُهُمْ) بِشَيْءٍ (إلَّا بِكَثْرَةِ كَذِبٍ) مِنْ جَمِيعِ الشَّاهِدِينَ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ شُرُوطِ الشَّهَادَةِ وَمَوَانِعِهَا، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَرَاتِبِهَا. وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: إمَّا أَرْبَعَةُ عُدُولٍ وَإِمَّا عَدْلَانِ وَإِمَّا عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ، وَإِمَّا امْرَأَتَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَصْلُ الْقَسَامَةِ الْقِصَاصُ] : أَيْ وَأَمَّا دُخُولُهَا فِي الْخَطَأِ فَخِلَافُ الْأَصْلِ وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ فِي الدِّيَاتِ يُحَلِّفُهَا فِي الْخَطَأِ مَنْ يَرِثُ. قَوْلُهُ: [انْتَفَتْ فِي خَطَئِهِمْ] : أَيْ مِنْ بَابٍ أَوْلَى لِأَنَّهَا فِيهِ خِلَافُ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [لَا تَجُوزُ حَتَّى تَشْهَدَ الْعُدُولُ] إلَخْ: هَذَا يُضَمُّ لِلشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَتَكُونُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْمَجْمُوعِ شَرْطَانِ آخَرَانِ وَهُمَا كَوْنُهُ ابْنَ عَشْرٍ وَكَوْنُهُ مِنْ الصِّبْيَانِ الْمُجْتَمَعِينَ لَا صَبِيٌّ مَرَّ عَلَيْهِمْ فَتَكُونُ الشُّرُوطُ سِتَّةَ عَشَرَ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ] : أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ رُجُوعَهُمْ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَأَمَّا لَوْ تَأَخَّرَ الْحُكْمُ لِبُلُوغِهِمْ ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ الْبُلُوغِ لَقُبِلَ رُجُوعُهُمْ. قَوْلُهُ: [وَلَا تَجْرِيحُهُمْ بِشَيْءٍ] : أَيْ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ الَّذِي هُوَ رَأْسُ أَوْصَافِ الْعَدَالَةِ. قَوْلُهُ: [مِنْ جَمِيعِ الشَّاهِدِينَ] : أَيْ بِأَنْ تَشْهَدَ الْعُدُولُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الصِّبْيَانَ الشَّاهِدِينَ مُجَرَّبُونَ بِالْكَذِبِ. [مَرَاتِب الشَّهَادَة] [الْمَرْتَبَة الأولي مَا يُطْلَبُ فِيهِ أَرْبَعَةُ عُدُولٍ] قَوْلُهُ: [وَهِيَ أَرْبَعَةٌ] : بَقِيَتْ خَامِسَةٌ وَهِيَ ذَكَرٌ فَقَطْ أَوْ أُنْثَى فَقَطْ فِي مَسْأَلَةِ إثْبَاتِ الْخُلْطَةِ الْمُوجِبَةِ لِتَوَجُّهِ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمِينَ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْقَوْلُ الْآخَرُ هُوَ الْمُرَجَّحُ لَمْ يَلْتَفِتْ لَهَا الْمُصَنِّفُ

وَبَدَأَ بِالْأُولَى فَقَالَ: (وَلِلزِّنَا وَاللِّوَاطِ) : أَيْ لِلشَّهَادَةِ عَلَى حُصُولِهِمَا (أَرْبَعَةٌ) مِنْ الْعُدُولِ. وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِهِمَا فَيَكْفِي فِيهِ الْعَدْلَانِ. وَإِنَّمَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُمْ: (إنْ اتَّحَدَ) الزِّنَا عِنْدَهُمْ أَوْ اللِّوَاطُ (كَيْفِيَّةً) : أَيْ فِي الصِّفَةِ، وَأَدَّوْا الشَّهَادَةَ كَذَلِكَ مِنْ اضْطِجَاعٍ أَوْ قِيَامٍ أَوْ هُوَ فَوْقَهَا أَوْ تَحْتَهَا فِي مَكَانِ كَذَا فِي وَقْتِ كَذَا. وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ ذَلِكَ كُلِّهِ لِلْحَاكِمِ عَلَى انْفِرَادِهِمْ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ قَبْلَ الْأَدَاءِ. بِأَمْكِنَةٍ. (وَرُؤْيَا) : بِأَنْ يَرَوْا ذَلِكَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ جَمِيعًا. (وَأَدَاءً) يُؤَدُّوهَا مَعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لَا مُتَفَرِّقِينَ فِي أَوْقَاتٍ، وَإِلَّا لَمْ تُقْبَلْ؛ وَحُدُّوا لِلْقَذْفِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَيَكْفِي فِيهَا الْعَدْلَانِ] : مُقْتَضَى قَبُولِ رُجُوعِ الْمُقِرِّ بِالزِّنَا وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِشُبْهَةٍ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِشَهَادَتِهِمَا عَلَى الْإِقْرَارِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ قَبُولَ رُجُوعِهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْمُقِرَّ بِالزِّنَا لَا يُقْبَلُ بِرُجُوعِهِ عَلَى أَنَّهُ إذَا اسْتَمَرَّ عَلَى إقْرَارِهِ عَلِمَ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ حَدُّهُ إلَّا إذَا شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَدْلَانِ، فَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ حَتَّى عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، لِأَنَّهُ لَوْ حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْحَدِّ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْإِقْرَارِ لَكَانَ لِأَوْلِيَاءِ الدَّمِ طَلَبُ الْحَاكِمِ بِهِ فَتَأَمَّلْ. وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ عَلَى فِعْلِ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّ الْفَضِيحَةَ فِيهِمَا أَشْنَعُ مِنْ سَائِرِ الْمَعَاصِي فَشَدَّدَ الشَّارِعُ فِيهِمَا طَلَبًا لِلسَّتْرِ. قَوْلُهُ: [إنْ اتَّحَدَ] : أَفْرَدَ الضَّمِيرَ الْعَائِدَ لِأَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ، وَأَفَادَ هَذَا الشَّارِحُ بِعِطْفِهِ بِأَوْ. قَوْلُهُ: [وَأَدُّوا الشَّهَادَةَ كَذَلِكَ] : أَيْ عَلَى طِبْقِ مَا رَأَوْا وَلَا يَكْفِي الْإِجْمَالُ. قَوْلُهُ: [وَرُؤْيَا] : عَطْفٌ عَلَى كَيْفِيَّةً، وَالْمَعْنَى أَنَّ تَحَمُّلَهُمْ الشَّهَادَةَ يَكُونُ بِرُؤْيَا وَاحِدَةٍ أَيْ يَرَوْنَهُ دَفْعَةً أَوْ مُتَعَاقِبًا مَعَ الِاتِّصَالِ كَمَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [وَحُدُّوا لِلْقَذْفِ] : أَيْ حَيْثُ تَخَلَّفَ شَرْطٌ مِمَّا ذُكِرَ وَكَانَ الْمَقْذُوفُ عَفِيفًا.

يَشْهَدُونَ (بِأَنَّهُ أَوْلَجَ) : أَيْ أَدْخَلَ (الذَّكَرَ فِي الْفَرْجِ كَالْمِرْوَدِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ: أَيْ كَإِيلَاجِ الْمِرْوَدِ (فِي الْمُكْحُلَةِ) : وَلَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، لَا أَنَّهَا تُنْدَبُ فَقَطْ، زِيَادَةً فِي التَّشْدِيدِ عَلَيْهِمْ وَطَلَبًا لِلسَّتْرِ مَا أَمْكَنَ. (وَ) إذَا أَرَادُوا أَدَاءَ الشَّهَادَةِ (جَازَ لَهُمْ) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (نَظَرُ الْعَوْرَةِ) لِتَأْدِيَتِهَا عَلَى وَجْهِهَا، وَالسَّتْرُ أَوْلَى إلَّا أَنْ يَشْتَهِرَ الزَّانِي بِالزِّنَا أَوْ يَتَجَاهَرَ بِهِ. (وَفَرَّقُوا) وُجُوبًا فِي الزِّنَا وَاللِّوَاطِ خَاصَّةً (عِنْدَ الْأَدَاءِ، وَسَأَلَ) الْحَاكِمُ (كُلًّا) مِنْهُمْ (بِانْفِرَادِهِ) عَلَى الْكَيْفِيَّةِ وَالرُّؤْيَا، فَإِنْ تَخَلْخَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَوْ لَمْ يُوَافِقْ، غَيْرَهُ حُدُّوا لِلْقَذْفِ. وَنَقَلَ الْمَوَّاقُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَجْهَ الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَا: أَنْ يَأْتِيَ الْأَرْبَعَةُ الشُّهَدَاءُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ يَشْهَدُونَ عَلَى وَطْءٍ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ بِهَذَا تَتِمُّ الشَّهَادَةُ (اهـ.) وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا: وَيَنْبَغِي إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عِنْدَهُ بِالزِّنَا أَنْ يَكْشِفَهُمْ عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَكَيْفَ رَأَوْهُ وَكَيْفَ صَنَعَ، فَإِنْ رَأَى فِي شَهَادَتِهِمْ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشَّهَادَةُ أُبْطِلَتْ (اهـ.) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: اُنْظُرْ قَوْلَهُ " يَنْبَغِي " هَلْ مَعْنَاهُ يَجِبُ؟ أَوْ هُوَ عَلَى بَابِهِ؟ الْأَقْرَبُ الْوُجُوبُ (انْتَهَى) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِأَنَّهُ أَوْلَجَ] : مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ قَدَّرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ يَشْهَدُونَ. قَوْلُهُ: [وَلَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ] : أَيْ كَمَا قَالَ بَهْرَامُ وَالْمَوَّاقُ. وَقَوْلُهُ: [لَا أَنَّهَا تُنْدَبُ فَقَطْ] : أَيْ كَمَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ. قَوْلُهُ: [جَازَ لَهُمْ] : الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْإِذْنُ لِأَنَّ ذَلِكَ مَطْلُوبٌ لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ وَهُوَ كَيْفَ تَصِحُّ الشَّهَادَةُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مَعَ أَنَّ النَّظَرَ لِلْعَوْرَةِ مَعْصِيَةٌ؟ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ حِينَئِذٍ بَلْ مَأْذُونٌ فِيهِ لِتَوَقُّفِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ جَوَازُ النَّظَرِ لِلْعَوْرَةِ وَلَوْ قَدَرُوا عَلَى مَنْعِهِمْ مِنْ فِعْلِ الزِّنَا ابْتِدَاءً وَلَا يَقْدَحُ فِيهِمْ الْإِقْرَارُ عَلَى الزِّنَا كَمَا فِي (ح) وَغَيْرِهِ، لَكِنَّ الَّذِي فِي ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُمْ إذَا قَدَرُوا عَلَى مَنْعِهِمْ مِنْ فِعْلِ الزِّنَا ابْتِدَاءً فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ النَّظَرُ لِلْعَوْرَةِ لِبُطْلَانِ شَهَادَتِهِمْ بِعِصْيَانِهِمْ بِسَبَبِ عَدَمِ مَنْعِهِمْ مِنْهُ ابْتِدَاءً وَنَحْوِهِ لِابْنِ رُشْدٍ كَمَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَشْتَهِرَ الزَّانِي بِالزِّنَا] : أَيْ فَرَفْعُهُمْ لِلْقَاضِي أَوْلَى مِنْ السَّتْرِ. قَوْلُهُ: [أَنْ يَكْشِفَهُمْ] : أَيْ يَطْلُبَ مِنْهُمْ إيضَاحَ الشَّهَادَةِ.

[المرتبة الثانية ما يطلب فيه عدلان]

وَأَشَارَ لِلْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ: (وَلِمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا آيِلٍ لَهُ) : أَيْ لِلْمَالِ (كَعِتْقٍ) وَطَلَاقٍ وَنَسَبٍ (وَوَلَاءِ رَجْعَةٍ) ادَّعَتْهَا هِيَ أَوْ وَلِيُّهَا عَلَى زَوْجِهَا الْمُنْكِرِ لَهَا وَنِكَاحٍ (وَرِدَّةٍ وَإِحْصَانٍ وَكِتَابَةٍ) وَتَدْبِيرٍ (وَتَوْكِيلٍ بِغَيْرِ مَالٍ) : أَيْ شَيْءٍ غَيْرِ مَالٍ كَتَوْكِيلٍ عَلَى نِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ وَكَشُرْبِ خَمْرٍ وَقَذْفٍ وَقَتْلٍ: (عَدْلَانِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْمَرْتَبَة الثَّانِيَة مَا يُطْلَبُ فِيهِ عَدْلَانِ] قَوْلُهُ: [وَطَلَاقٍ] : أَيْ كَانَ خُلْعًا أَوْ لَا فَإِذَا ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَهُوَ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ، وَالْعِتْقُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعَدْلَيْنِ لِأَنَّهُ مَالٌ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ. قَوْلُهُ: [ادَّعَتْهَا هِيَ أَوْ وَلِيُّهَا] : أَيْ وَأَمَّا ادِّعَاءُ الزَّوْجِ الرَّجْعَةَ فَإِنْ كَانَ إلَى الْعِدَّةِ فَهُوَ مَقْبُولٌ، وَإِنْ ادَّعَى بَعْدَهَا أَنَّهُ كَانَ رَاجَعَهَا فِيهَا وَأَنْكَرَتْ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى حُصُولِ الرَّجْعَةِ فِي الْعِدَّةِ فَالْمُنَاسِبُ إطْلَاقُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَرَجْعَةٌ أَيْ ادَّعَتْهَا الزَّوْجَةُ أَوْ ادَّعَاهَا الزَّوْجُ وَيُقَيَّدُ بِمَا إذَا كَانَتْ دَعْوَاهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ، فَإِنَّ التَّقْيِيدَ يُوهِمُ أَنَّ دَعْوَى الزَّوْجِ مَقْبُولَةٌ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [وَنِكَاحٍ] : أَيْ كَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ تَزَوَّجَ فُلَانَةَ وَهِيَ تُنْكِرُ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ وَعَكْسُهُ تَدَّعِي عَلَيْهِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ يُنْكِرُ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ، وَحَيْثُ قَامَ الْعَدْلَانِ ثَبَتَ النِّكَاحُ وَلَا يُعَدُّ إنْكَارُ الزَّوْجِ طَلَاقًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَنَازُعِ الزَّوْجَيْنِ. قَوْلُهُ: [عَدْلَانِ] : مُبْتَدَأٌ تَقَدَّمَ خَبَرُهُ فِي قَوْلِهِ وَلَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يَئُولُ إلَيْهِ لَا يَكْفِي فِيهِ إلَّا عَدْلَانِ مِنْ ذَلِكَ الْعِتْقِ، وَهُوَ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى عَاقِدَيْنِ، وَفِيهِ إخْرَاجٌ وَمِثْلُهُ الْوَقْفُ وَالطَّلَاقُ غَيْرُ الْخُلْعِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْوَصِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَالِ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَاءُ وَالتَّدْبِيرُ وَمِنْ ذَلِكَ الرَّجْعَةُ، وَهِيَ كَالْعِتْقِ إلَّا أَنَّ فِيهَا إدْخَالًا وَمِثْلُهُ الِاسْتِلْحَاقُ وَالْإِسْلَامُ وَالرِّدَّةُ، وَيُنَاسِبُهُ الْإِحْلَالُ وَالْإِحْصَانُ، وَمِنْ ذَلِكَ الْكِتَابَةُ وَهِيَ عَقْدٌ يَفْتَقِرُ لِعَاقِدَيْنِ وَمِثْلُهُ النِّكَاحُ وَالْوَكَالَةُ فِي غَيْرِ الْمَالِ، وَكَذَا الْخُلْعُ وَيُلْحَقُ بِهِ الْعِدَّةُ أَيْ تَارِيخُ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ لَا فِي انْقِضَائِهَا لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا، فَظَهَرَ مِنْ هَذَا الْمَقَامِ تَغَايُرُ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي مَثَّلَ بِهَا الْمُصَنِّفُ وَمَا يَأْتِي مِنْ الْحَلِفِ مَعَ شَاهِدِ الْمَوْتِ وَيَرِثُ فِي دَعْوَى النِّكَاحِ فَلِأَنَّ الدَّعْوَى فِي مَالٍ.

[المرتبة الثالثة ما يطلب فيه عدل وامرأتان]

وَأَشَارَ لِلْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ بِقَوْلِهِ: (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ مَالًا أَوْ آيِلًا لِمَالٍ: (فَعَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ) عَدْلَتَانِ (أَوْ أَحَدُهُمَا) : أَيْ: عَدْلٌ فَقَطْ (مَعَ يَمِينٍ؛ كَبَيْعٍ) وَشِرَاءِ؛ (وَأَجَلٍ) ادَّعَاهُ مُشْتَرٍ وَخَالَفَهُ الْبَائِعُ أَوْ اخْتَلَفَا فِي طُولِهِ أَوْ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ قَدْرِهِ (وَخِيَارٍ) ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا وَخَالَفَهُ الْآخَرُ لِأَنَّهُ يَئُولُ لِمَالٍ (وَشُفْعَةٍ) ادَّعَى الْمُشْتَرِي إسْقَاطَهَا مِنْ الشَّفِيعِ أَوْ ادَّعَى الشَّفِيعُ بَعْدَ سَنَةٍ أَنَّهُ كَانَ غَائِبًا وَنَحْوُ ذَلِكَ (وَإِجَارَةٍ) عَقْدًا أَوْ أَجَلًا (وَجَرْحِ خَطَأٍ) لِأَنَّهُ يَئُولُ لِمَالٍ (أَوْ) جَرْحِ (مَالٍ) عَمْدًا كَجَائِفَةٍ (وَأَدَاءِ) نُجُومِ (كِتَابَةٍ) ادَّعَاهُ الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ فَأَنْكَرَ. (وَإِيصَاءٍ) أَوْ تَوْكِيلٍ (بِتَصَرُّفٍ فِيهِ) : أَيْ فِي الْمَالِ إلَّا أَنَّ الْوَكَالَةَ وَالْوَصِيَّةَ بِالتَّصَرُّفِ بِالْمَالِ لَا يَكُونُ فِيهِمَا الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: اُخْتُلِفَ إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى وَكَالَةٍ عَنْ غَائِبٍ هَلْ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ مَعَ الشَّاهِدِ؟ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ، وَهَذَا أَحْسَنُ إنْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ لِحَقِّ الْغَائِبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْمَرْتَبَة الثَّالِثَةُ مَا يُطْلَبُ فِيهِ عَدْل وَامْرَأَتَانِ] قَوْلُهُ: [عَدْلَتَانِ] : ثُنِّيَ لِلْإِيضَاحِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ تَرْكُ التَّثْنِيَةِ فِي مِثْلِ هَذَا. قَوْلُهُ: [أَوْ أَحَدُهُمَا] إلَخْ: ظَاهِرُهُ كَانَ ذَلِكَ الْعَدْلُ مُبَرَّزًا فِي الْعَدَالَةِ أَمْ لَا وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ وَارْتَضَاهُ (بْن) وَقِيلَ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُبَرَّزًا. قَوْلُهُ: [وَأَجَلٍ] : أَيْ لِثَمَنٍ مَبِيعٍ. قَوْلُهُ: [عَقْدًا أَوْ أَجَلًا] : أَيْ فَالنِّزَاعُ إمَّا فِي أَصْلِ الْإِجَارَةِ أَوْ فِي مُدَّتِهَا أَوْ فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ جُرْحِ مَالٍ] : لَا مَفْهُومَ لِمَالٍ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْجُرْحَ مُطْلَقًا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ هُنَا بِالْمَالِ لِأَنَّهُ فِي أَمْثِلَةِ الْمَالِ وَمَا يَئُولُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَأَدَاءِ نُجُومِ كِتَابَةٍ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ التَّنَازُعُ فِي تَأْدِيَتِهَا كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا فَإِذَا ادَّعَى الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ الْقَبْضَ حَلَفَ الْعَبْدُ مَعَ شَاهِدِهِ حَتَّى فِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ وَإِنْ أَدَّى لِلْعِتْقِ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا أَحْسَنُ إنْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ لِحَقِّ الْغَائِبِ] : تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا أَنَّ دَعْوَى أَنَّهُ وَصِيٌّ أَوْ وَكِيلٌ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَالٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَكَذَا دَعْوَى أَنَّهُ وَصِيٌّ فِي غَيْرِ الْمَالِ كَالنَّظَرِ فِي أَحْوَالِ أَوْلَادِهِ أَوْ تَزْوِيجِ بَنَاتِهِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ،

فَقَطْ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْوَكِيلِ؛ كَأَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ دَيْنٌ أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَالُ بِيَدِهِ قِرَاضًا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ، حَلَفَ، وَاسْتَحَقَّ إنْ أَقَرَّ الْمُوَكَّلُ عَلَيْهِ بِالْمَالِ لِلْغَائِبِ (اهـ) . وَمِثْلُهُ الْمُوصِي الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا يَحْلِفُهَا إلَّا مَنْ لَهُ فِيهَا نَفْعٌ، وَلَا يَحْلِفُ الْإِنْسَانُ لِجَرِّ نَفْعٍ لِغَيْرِهِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ لَا يُقْضَى بِهِمَا فِي الْوَكَالَةِ، لَكِنَّ مَنْعَ الْقَضَاءِ بِهَا لَيْسَ مِنْ نَاحِيَةِ قُصُورِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ؛ بَلْ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ فِيهَا مُتَعَذِّرَةٌ، لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا يَحْلِفُهَا إلَّا مَنْ لَهُ فِيهَا نَفْعٌ، وَالْوَكِيلُ لَا نَفْعَ لَهُ فِيهَا. وَمَا وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَكِيلَ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ بِالْوَكَالَةِ وَيَقْبِضُ الْحَقَّ، فَتَأَوَّلَ الْأَشْيَاخُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا وَكَالَةٌ بِأُجْرَةٍ يَأْخُذُهَا الْوَكِيلُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي يَقْبِضُهُ فَحَلْفُهُ مَعَ الشَّاهِدِ لِمَنْفَعَةٍ لَهُ فِيهِ (اهـ) . (وَنِكَاحٍ) ادَّعَتْهُ امْرَأَةٌ (بَعْدَ مَوْتٍ) لِرَجُلٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، فَيَكْفِي فِيهِ الشَّاهِدُ وَالْمَرْأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَعَ يَمِينِهَا مِنْ حَيْثُ الْمَالُ فَيُقْضَى لَهَا بِالْإِرْثِ وَالصَّدَاقِ، لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ، فَلَا تَحْرُمُ عَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فِي ظَاهِرِ الْحَالِ. (أَوْ سَبْقِيَّتِهِ) : أَيْ الْمَوْتِ وَهُوَ بِالْجَرِّ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَجْرُورَاتِ بِالْكَافِ قَبْلَهُ، أَيْ: أَوْ إذَا شَهِدَ بِسَبْقِيَّةِ الْمَوْتِ بَيْنَ مُتَوَارِثَيْنِ فَيَكْفِي الشَّاهِدُ وَالْمَرْأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَعَ الْيَمِينِ: أَيْ إذَا مَاتَ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مَثَلًا، وَشَهِدَ شَاهِدٌ بِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا دَعْوَى أَنَّهُ وَكِيلٌ أَوْ وَصِيٌّ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ نَفْعٌ يَعُودُ عَلَى الْوَصِيِّ أَوْ الْوَكِيلِ كَفَى الْعَدْلُ وَالْمَرْأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَعَ يَمِينٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَفْعٌ يَعُودُ عَلَيْهِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ أَوْ عَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. قَوْلُهُ: [فَيُقْضَى لَهَا بِالْإِرْثِ وَالصَّدَاقِ] : أَيْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يَثْبُتُ الْمِيرَاثُ وَلَا الصَّدَاقُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ النِّكَاحِ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ، وَعَلَى كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ يُلْغَزُ بِهَا فَيُقَالُ لَنَا شَخْصٌ يَرِثُ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتِ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْإِرْثِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [فِي ظَاهِرِ الْحَالِ] : أَيْ وَأَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَيُقَالُ لَهَا إنْ كُنْت صَادِقَةً فِي دَعْوَاك فَلَا تَحِلِّي لِغَيْرِهِ إلَّا بِالْعِدَّةِ وَلَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَأْخُذِي مِنْ أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ. قَوْلُهُ: [الْمَجْرُورَاتِ بِالْكَافِ قَبْلَهُ] : أَيْ الدَّاخِلَةِ عَلَى بَيْعٍ وَمَا بَعْدَهُ

الزَّوْجَ سَبَقَ مَوْتُهُ الزَّوْجَةَ أَوْ الْعَكْسُ، فَيَكْفِي الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ، فَيَرِثُ الْمُتَأَخِّرُ مَوْتًا صَاحِبَهُ. (أَوْ مَوْتٍ) لِرَجُلٍ (وَلَا زَوْجَةَ) لَهُ (وَلَا مُدَبَّرَ) لَهُ (وَنَحْوُهُ) : كَمُوصًى بِعِتْقِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مَعَ الْيَمِينِ، إذْ لَيْسَ حِينَئِذٍ إلَّا مُجَرَّدُ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ. وَأَشَارَ بِهَذَا الْفَرْعِ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا مَاتَ رَجُلٌ فَشَهِدَ بِمَوْتِهِ امْرَأَتَانِ وَرَجُلٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ وَلَا أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ وَلَيْسَ لَهُ مُدَبَّرٌ وَلَيْسَ إلَّا قِسْمَةُ التَّرِكَةِ فَشَهَادَتُهُنَّ جَائِزَةٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا تَجُوزُ (وَكَتَقَدُّمِ دَيْنٍ عِتْقًا) : ادَّعَاهُ الْغَرِيمُ، وَقَالَ الْمَدِينُ: بَلْ عِتْقِي لِلْعَبْدِ سَابِقٌ عَلَى الدَّيْنِ؛ فَلَا يَبْطُلُ الْعِتْقُ فَيَكْفِي رَبَّ الدَّيْنِ الشَّاهِدُ أَوْ الْمَرْأَتَانِ مَعَ يَمِينِهِ وَيَبْطُلُ الْعِتْقُ وَيُبَاعُ الْعَبْدُ فِي الدَّيْنِ. (وَقِصَاصٍ فِي جُرْحٍ) : يَكْفِي فِيهِ الشَّاهِدُ وَالْمَرْأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَلَى يَمِينِ الْمَجْرُوحِ. وَيُقْتَصُّ مِنْ الْجَارِحِ؛ وَهَذِهِ إحْدَى الْمُسْتَحْسَنَاتِ الْأَرْبَعِ إذْ لَيْسَتْ بِمَالٍ وَلَا آيِلَةٍ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَيَرِثُ الْمُتَأَخِّرُ مَوْتًا صَاحِبَهُ] : مَعْنَاهُ وَرَثَةُ الْمُتَأَخِّرِ مَوْتًا يَرِثُونَ مَا كَانَ يَرِثُهُ مُوَرِّثُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمُتَقَدِّمِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ أَنَّ كُلًّا مَاتَ وَالِاخْتِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي السَّابِقِ. قَوْلُهُ: [وَلَا زَوْجَةَ لَهُ وَلَا مُدَبَّرَ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ أَوْ مُدَبَّرٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ أَوْ أَوْصَى بِعِتْقٍ فَلَا يَثْبُتُ مَوْتُهُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ اتِّفَاقًا لِمَا يَلْزَمُ عَلَى مَوْتِهِ مِنْ ثُبُوتِ الْعِدَّةِ لِلزَّوْجَةِ وَإِبَاحَتِهَا بَعْدَهَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَزْوَاجِ، وَخُرُوجُ الْمُدَبَّرِ مِنْ الثُّلُثِ وَأُمِّ الْوَلَدِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَتَنْجِيزُ عِتْقِ الْمُوصَى بِهِ مِنْ الثُّلُثِ، وَهَذِهِ إنَّمَا تَكُونُ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ. قَوْلُهُ: [قِصَاصٌ فِي جُرْحٍ] : أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ عَمْدٌ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَكُونُ إلَّا فِيهِ فَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ هُنَا، وَمِمَّا مَرَّ أَنَّ الْجُرْحَ سَوَاءٌ كَانَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا فِيهِ مَالٌ كَاَلَّذِي فِيهِ الْمَتَالِفُ أَوْ عَمْدًا فِيهِ قِصَاصٌ يَثْبُتُ بِالْعَدْلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا مَعَ يَمِينٍ. قَوْلُهُ: [وَهَذِهِ إحْدَى الْمُسْتَحْسَنَاتِ الْأَرْبَعِ] : أَيْ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا مَالِكٌ وَتَقَدَّمَ بَسْطُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ نَظْمًا وَنَثْرًا فِي بَابِ الشُّفْعَةِ فَانْظُرْهُ إنْ شِئْت. فَرْعٌ: لَوْ قَامَ شَاهِدٌ لِشَخْصٍ أَصَمَّ أَبْكَمَ بِدَيْنٍ وَرِثَهُ عَنْ أَبِيهِ فَهَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَحِينَئِذٍ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّيْنَ وَيَبْقَى بِيَدِ ذَلِكَ الْمُدَّعِي.

[المرتبة الرابعة ما يطلب فيه امرأتان]

وَإِذَا ادَّعَى مُدَّعٍ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ سَرَقَ لَهُ مَالًا أَوْ أَنَّهُ حَارَبَ وَأَخَذَ مِنْهُ مَالًا وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا (وَ) حَلَفَ (ثَبَتَ الْمَالُ) بِذَلِكَ (دُونَ الْحَدِّ) : مِنْ قَطْعٍ أَوْ غَيْرِهِ (بِسَرِقَةٍ وَحِرَابَةٍ) : لِأَنَّ الْحَدَّ يَثْبُتُ بِالْعَدْلَيْنِ بِخِلَافِ الْمَالِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمَرْتَبَةَ الرَّابِعَةَ بِقَوْلِهِ: (وَلَمَّا لَمْ يَظْهَرْ لِلرِّجَالِ: امْرَأَتَانِ) عَدْلَتَانِ. (كَعَيْبِ فَرْجٍ) لِامْرَأَةٍ حُرَّةٍ ادَّعَاهُ الزَّوْجُ وَأَنْكَرَتْ وَرَضِيَتْ أَنْ يَنْظُرَهَا النِّسَاءُ، أَوْ أَمَةٍ، ادَّعَاهُ مُشْتَرِيهَا وَأَنْكَرَهُ الْبَائِعُ. (وَاسْتِهْلَالٍ) لِمَوْلُودٍ أَوْ عَدَمِهِ، وَكَذَا ذُكُورَتُهُ وَأُنُوثَتُهُ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ الْإِرْثُ وَعَدَمُهُ. (وَحَيْضٍ) لِأَمَةٍ فِي مُوَاضَعَةٍ أَوْ مُجَرَّدِ اسْتِبْرَاءٍ عِنْدَ مُنَازَعَةِ الْمُتَبَايِعَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ إلَى أَنْ يَزُولَ الْمَانِعُ فَيَحْلِفَ، فَإِنْ لَمْ يَزُلْ حَتَّى مَاتَ انْتَقَلَ الْحَقُّ لِوَارِثِهِ مَعَ الشَّاهِدِ وَلَوْ عَلَى وَارِثِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَذَا يَظْهَرُ، فَإِنْ مَاتَ الشَّاهِدُ فَإِنْ كَانَتْ شَهَادَتُهُ كُتِبَتْ أَوْ أَدَّاهَا أَوْ شَهِدَ بِهَا عَدْلَانِ عُمِلَ بِهَا وَإِلَّا فَلَا (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . [الْمَرْتَبَة الرَّابِعَة مَا يُطْلَبُ فِيهِ امْرَأَتَانِ] قَوْلُهُ: [وَرَضِيَتْ أَنْ يَنْظُرَهَا النِّسَاءُ] : فَإِنْ لَمْ تَرْضَ فَلَا تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ وَتُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ عَيْبَ الْحُرَّةِ إنْ كَانَ قَائِمًا بِوَجْهِهَا وَيَدَيْهَا فَلَا بُدَّ مِنْ رَجُلَيْنِ، وَمَا كَانَ بِفَرْجِهَا فَهِيَ مُصَدَّقَةٌ فِيهِ وَإِنْ رَضِيَتْ بِرُؤْيَةِ النِّسَاءِ لَهُ كَفَى فِيهِ امْرَأَتَانِ، وَمَا كَانَ بِغَيْرِ فَرْجِهَا وَأَطْرَافِهَا مِنْ بَقِيَّةِ جَسَدِهَا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَاسْتِهْلَالِ الْمَوْلُودِ] إلَخْ: أَيْ لِمَوْلُودِ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ نُزُولُ الْوَلَدِ غَيْرَ مُسْتَهِلٍّ فَمُدَّعِي عَدَمَ الِاسْتِهْلَالِ لَا يَحْتَاجُ لِإِثْبَاتِ وَمُدَّعِيهِ يَحْتَاجُ لِإِثْبَاتٍ وَيَكْفِي فِيهِ الْمَرْأَتَانِ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ حَذْفُ قَوْلِهِ أَوْ عَدَمِهِ. قَوْلُهُ: [وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ الْإِرْثُ] : أَيْ عِنْدَ ثُبُوتِ الِاسْتِهْلَالِ يَثْبُتُ الْإِرْثُ، وَثُبُوتُ الذُّكُورِيَّةِ لَهَا حُكْمٌ فِي الْمِيرَاثِ غَيْرُ حُكْمِ الْأُنُوثَةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي الْفَرَائِضِ. قَوْلُهُ: [حَيْضٍ لِأَمَةٍ] : أَيْ فَلَا يُصَدَّقُ السَّيِّدُ فِي حَيْضِهَا إلَّا بِشَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ

(وَوِلَادَةٍ) ادَّعَتْهَا الْمَرْأَةُ وَلَمْ يَحْضُرْ شَخْصٌ فَيَكْفِي الْمَرْأَتَانِ. (وَثَبَتَ النَّسَبُ وَالْإِرْثُ) بِشَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ عَلَى الْوِلَادَةِ أَوْ الِاسْتِهْلَالِ فَتَكُونُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ حَيْثُ أَقَرَّ سَيِّدُهَا بِوَطْئِهَا وَأَنْكَرَ الْوِلَادَةَ (لَهُ) : أَيْ لِلْوَلَدِ؛ فَيَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا نِسْبَةٌ إذَا كَانَ مَوْجُودًا مَعَهَا وَارِثُهُ إنْ اسْتَهَلَّ فَيَرِثُ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَوْلُهُ: " لَهُ " رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ النَّسَبِ وَالْإِرْثِ، وَقَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ) : خَاصٌّ بِالْإِرْثِ، يَعْنِي: إذَا اسْتَهَلَّ وَمَاتَ عَنْ مَالٍ ثَبَتَ الْإِرْثُ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ فَيَرِثُهُ الْحَيُّ بَعْدَهُ (بِلَا يَمِينٍ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: " امْرَأَتَانِ " أَيْ: يَكْفِي امْرَأَتَانِ بِلَا يَمِينٍ مِنْ الْمُدَّعِي فِيمَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ. (وَجَازَتْ) الشَّهَادَةُ: أَيْ أَدَاؤُهَا (عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ) : أَيْ بِأَنَّ هَذَا خَطُّ فُلَانٍ. وَفِي خَطِّهِ: أَقَرَّ فُلَانٌ بِأَنَّ فِي ذِمَّتِهِ كَذَا لِفُلَانٍ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْوَثِيقَةُ كُلُّهَا بِخَطِّهِ؛ أَوْ الَّذِي بِخَطِّهِ مَا يُفِيدُ الْإِقْرَارَ، أَوْ أَنَّهُ كَتَبَ بَعْدَ تَمَامِهِ: الْمَنْسُوبُ إلَيَّ فِيهِ صَحِيحٌ وَلَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ مِنْ عَدْلَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مِمَّا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْخَطِّ كَالنَّقْلِ، وَلَا يَنْقُلُ عَنْ الْوَاحِدِ الِاثْنَانِ وَلَوْ فِي الْمَالِ عَلَى الرَّاجِحِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ الرَّاجِحُ وَالْمُعْتَمَدُ ثُبُوتُهَا بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَقَوْلُهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَوِلَادَةٍ ادَّعَتْهَا الْمَرْأَةُ] : أَيْ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً. قَوْلُهُ: [حَيْثُ أَقَرَّ سَيِّدُهَا] : أَيْ الْحُرُّ. قَوْلُهُ: [فَيَرِثُ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ] : أَيْ وَيَأْخُذُ الْمِيرَاثَ وَارِثُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ. قَوْلُهُ: [بِلَا يَمِينٍ مِنْ الْمُدَّعِي] : أَيْ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا تَظْهَرُ لِلرِّجَالِ. قَوْلُهُ: [عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ حَيًّا وَأَنْكَرَ، أَوْ مَيِّتًا أَوْ غَائِبًا، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْوَثِيقَةِ الَّتِي فِيهَا خَطُّ الْمُقِرِّ شُهُودٌ أَوْ كَانَتْ مُجَرَّدَةً عَنْ الشُّهُودِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَنَّهُ كُتِبَ بَعْدَ تَمَامِهِ] : أَيْ بِيَدِهِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مِمَّا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ] : مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ الْعَمَلِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ فِي الْمَالِيَّاتِ تَبِعَ فِيهِ (عب) وَالْخَرَشِيَّ. قَوْلُهُ: [وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ الرَّاجِحُ] إلَخْ: مُرَادُهُ بِهِ (بْن)

(بِلَا يَمِينٍ) : أَيْ مِنْ الْمُدَّعِي مَعَ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ عَلَى الْخَطِّ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ كَالشَّهَادَةِ عَلَى اللَّفْظِ. وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الشَّاهِدُ وَاحِدًا حَلَفَ مَعَهُ الْمُدَّعِي وَيَثْبُتُ الْحَقُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْمَوَّاقُ. وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ حُضُورِ الْخَطِّ عِنْدَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ، فَلَا تَصِحُّ فِي غَيْبَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي بِهِ الْعَمَلُ. (وَ) جَازَتْ (عَلَى خَطِّ شَاهِدٍ مَاتَ أَوْ) عَلَى خَطِّ (غَائِبٍ بَعُدَ) وَجَهْلُ الْمَكَانِ كَبُعْدِهِ. وَالْمَرْأَةُ الْمَشْهُودُ عَلَى خَطِّهَا بِشَهَادَتِهَا بِشَيْءٍ كَالرَّجُلِ؛ لَا بُدَّ مِنْ مَوْتِهَا أَوْ بُعْدِ غَيْبَتِهَا. وَلَيْسَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّهَا كَالنَّقْلِ عَنْهَا يَجُوزُ وَلَوْ لَمْ تَغِبْ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ ضَعِيفَةٌ لَا يُصَارُ إلَيْهَا مَعَ إمْكَانِ غَيْرِهَا. وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ وَعَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ الْغَائِبِ أَوْ الْمَيِّتِ (وَإِنْ بِغَيْرِ مَالٍ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِلَا يَمِينٍ] : أَيْ اسْتِظْهَارًا لِأَجْلِ الْخَطِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ خَطٌّ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ قَدْ يَحْلِفُ يَمِينَ الْقَضَاءِ أَنَّهُ مَا وَهَبَ وَمَا أَبْرَأَ وَنَحْوَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُقِرُّ بِخَطِّهِ مَيِّتًا أَوْ غَائِبًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ مَوْجُودًا وَأَنْكَرَ كَوْنَهُ خَطَّهُ فَلَا يَحْتَاجُ مَعَ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى خَطِّهِ لِيَمِينِ الْقَضَاءِ وَلَا مَعَ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: [وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ حُضُورِ الْخَطِّ] : أَيْ فَإِذَا نَظَرَ شَاهِدَانِ وَثِيقَةً بِيَدِ رَجُلٍ بِخَطِّ مُقِرٍّ بِدَيْنٍ وَحَفِظَاهُ وَتَحَقَّقَا فِيهَا ثُمَّ ضَاعَتْ الْوَثِيقَةُ فَشَهِدَ الشَّاهِدَانِ بِمَا فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِشَهَادَةِ تِلْكَ الْبَيِّنَةِ فِي غَيْبَةِ تِلْكَ الْوَثِيقَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُتَيْطِيُّ، وَمُقَابِلُهُ مَا لِأَبِي الْحَسَنِ مِنْ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ إذْ لَا فَرْقَ عِنْدَ الْقَاضِي بَيْنَ غَيْبَةِ الْوَثِيقَةِ وَحُضُورِهَا حَيْثُ اسْتَوْفَى الشَّاهِدَانِ جَمِيعَ مَا فِيهَا أَفَادَهُ (بْن) . قَوْلُهُ: [أَوْ عَلَى خَطِّ غَائِبٍ] : الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَعَلَى خَطِّ شَاهِدٍ غَائِبٍ بَعْدُ لِيُفِيدَ أَنَّ قَوْلَ الْمَتْنِ أَوْ غَائِبٍ مَعْطُوفٌ عَلَى مَاتَ لِأَنَّهُ تَنْوِيعٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ كَمَا يُفِيدُهُ آخِرُ الْعِبَارَةِ. قَوْلُهُ: [وَالْمَرْأَةُ الْمَشْهُودُ عَلَى خَطِّهَا] إلَخْ: أَيْ وَحِينَئِذٍ فَيَجُوزُ شَهَادَةُ الرِّجَالِ عَلَى خَطِّ النِّسَاءِ وَلَوْ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِنَّ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ عَلَى خَطِّ رِجَالٍ وَلَا نِسَاءٍ وَلَوْ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِنَّ كَمَا يُفِيدُهُ (عب)

[الشهادة على الخط]

كَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ (فِيهِمَا) : أَيْ فِي الْمُقِرِّ وَالشَّاهِدِ بِنَوْعَيْهِ. وَأَشَارَ إلَى شُرُوطِ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ: الْأَوَّلُ مِنْهَا: عَامٌّ، وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ: خَاصَّانِ بِالْقِسْمِ الثَّانِي بِنَوْعَيْهِ بِقَوْلِهِ: (إنْ عَرَفَتْهُ) الْبَيِّنَةُ مَعْرِفَةً تَامَّةً (كَالْمُعَيَّنِ) : أَيْ كَمَعْرِفَةِ الشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَطْعِ بِأَنَّهُ خَطُّ فُلَانٍ. وَأَشَارَ لِلشَّرْطَيْنِ الْمُخْتَصَّيْنِ بِخَطِّ الشَّاهِدِ بِنَوْعَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَ) عَرَفَتْ (أَنَّهُ) : أَيْ الشَّاهِدَ الَّذِي كَتَبَ خَطَّهُ وَمَاتَ أَوْ غَابَ (كَانَ يَعْرِفُ مُشْهَدَهُ) : أَيْ مَنْ أَشْهَدَهُ بِنَسَبِهِ أَوْ عَيْنِهِ وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فِيهِمَا] : تَبِعَ فِيهِ خَلِيلًا وَضَعَّفَ هَذَا التَّعْمِيمَ فِي الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِمَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَقَالَ: الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ الْغَائِبِ أَوْ الْمَيِّتِ مَخْصُوصَةٌ بِالْمَالِ قَوْلُهُ: [وَالشَّاهِدُ بِنَوْعَيْهِ] : أَيْ الْغَائِبِ وَالْمَيِّتِ [الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ] [شُرُوط الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ] . قَوْلُهُ: [الْأَوَّلُ مِنْهَا عَامٌّ] : أَيْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ، وَعَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ بِنَوْعَيْهِ. قَوْلُهُ: [إنْ عَرَفَتْهُ الْبَيِّنَةُ مَعْرِفَةً تَامَّةً] : أَيْ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْفَطِنِ الْعَارِفِ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ صَاحِبَ الْخَطِّ وَإِنَّمَا عَرَفَ الْخَطَّ بِالتَّوَاتُرِ كَالْأَشْيَاخِ الْمُتَقَدِّمِينَ الَّذِينَ اُشْتُهِرَ خَطُّهُمْ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ. قَوْلُهُ: [كَانَ يَعْرِفُ مُشْهَدَهُ] إلَخْ: أَوْرَدَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى مَنْ لَا يُعْرَفُ مِنْ شَهَادَةِ الزُّورِ، وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ الْكَاتِبَ عَدْلٌ وَالْعَدْلُ لَا يَشْهَدُ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: الصَّوَابُ إسْقَاطُ هَذَا الشَّرْطِ لِأَنَّهُ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ مَاهِيَّةِ الْعَدْلِ، فَاشْتِرَاطُهُ يُشْبِهُ اشْتِرَاطَ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ وَقَدْ جَرَى الْعَمَلُ بِقَفِصَةِ عَلَى خِلَافِهِ. قَوْلُهُ: [أَيْ مَنْ أَشْهَدَهُ] : الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ أَيْ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ الْبَيِّنَةُ ذَلِكَ لَمْ تَشْهَدْ عَلَى خَطِّهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ شَهِدَ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ

(وَ) عَرَفَتْ أَنَّهُ (تَحَمَّلَهَا عَدْلًا) : أَيْ كَتَبَ خَطَّهُ بِالشَّهَادَةِ وَهُوَ عَدْلٌ. وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُذْكَرَ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِ، بَلْ شَرْطُ جَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى الشَّهَادَةِ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ وَضَعَ خَطَّهُ وَهُوَ عَدْلٌ وَاسْتَمَرَّ عَدْلًا حَتَّى مَاتَ أَوْ غَابَ. (لَا) يَشْهَدُ شَاهِدٌ (عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ) بِقَضِيَّةٍ (حَتَّى يَتَذَكَّرَهَا) فَيَشْهَدَ حِينَئِذٍ بِمَا عَلِمَ، لَا عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ. (وَ) إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ (أَدَّى) الشَّهَادَةَ عَلَى أَنَّ هَذَا خَطِّي وَلَكِنِّي لَمْ أَذْكُرْ الْقَضِيَّةَ (بِلَا نَفْعٍ) لِلطَّالِبِ. وَفَائِدَةُ الْأَدَاءِ: لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْحَاكِمَ يَرَى نَفْعَهَا، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ. وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ أَوَّلًا: إنْ عَرَفَ خَطَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّهَادَةَ وَلَا شَيْئًا مِنْهَا - وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ مَحْوٌ وَلَا رِيبَةٌ - فَلْيَشْهَدْ، وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ أَصْحَابِهِ: مُطَرِّفٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَالْمُغِيرَةُ وَابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَابْنُ دِينَارٍ وَابْنُ وَهْبٍ وَسَحْنُونٌ وَابْنُ حَبِيبٍ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: صَوَّبَ جَمَاعَةٌ أَنْ يَشْهَدَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحْوٌ وَلَا رِيبَةٌ؛ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ ذَلِكَ، وَلِكَثْرَةِ نِسْيَانِ الشَّاهِدِ الْمُنْتَصِبِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ يَشْهَدُ حَتَّى يَذْكُرَهَا لَمْ يَكُنْ لِوَضْعِ خَطِّهِ فَائِدَةٌ (اهـ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ كَتَبَ خَطَّهُ بِالشَّهَادَةِ وَهُوَ عَدْلٌ] : أَيْ لِأَنَّ كَتْبَهُ لَهَا بِمَنْزِلَةِ أَدَائِهَا فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عِنْدَنَا الْعَدَالَةُ فِي التَّحَمُّلِ بَلْ فِي الْأَدَاءِ، ثُمَّ إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ أَنْ تَكُونَ لِنَفْسِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْخَطِّ بَلْ بِهِمْ أَوْ بِغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ: [حَتَّى يَتَذَكَّرَهَا] : أَيْ بِتَمَامِهَا وَأَمَّا إذَا تَذَكَّرَ بَعْضَهَا فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ شَيْئًا مِنْهَا وَحِينَئِذٍ فَيُؤَدِّي بِلَا نَفْعٍ خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ. قَوْلُهُ: [بِلَا نَفْعٍ لِلطَّالِبِ] : أَيْ بِاعْتِبَارِ مَا عِنْدَ الشَّاهِدِ عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: [لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْحَاكِمَ يَرَى نَفْعَهَا] : مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ جَزَمَ بِعَدَمِ نَفْعِهَا عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يُؤَدِّيهَا. قَوْلُهُ: [صَوَّبَ جَمَاعَةٌ أَنْ يَشْهَدَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحْوٌ] إلَخْ: مَحَلُّ ضَرَرِ الْمَحْوِ مَا لَمْ يَكُنْ مُبَدَّلًا مِنْ خَطِّ الْأَصْلِ وَإِلَّا لَمْ يَضُرَّ كَمَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ ذَلِكَ] : أَيْ وَلِذَلِكَ نُقِلَ عَنْ شَيْخِ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَتَى وَجَدْت خَطِّي شَهِدْت عَلَيْهِ، لِأَنِّي لَا أَكْتُبُ إلَّا عَلَى يَقِينٍ مِنْ نَفْسِي

(وَلَا) يَشْهَدُ (عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ) الشَّاهِدُ (نَسَبَهُ) حِينَ التَّحَمُّلِ أَوْ الْأَدَاءِ، أَوْ عَرَفَ نَسَبَهُ وَتَعَدَّدَ (إلَّا عَلَى شَخْصِهِ وَسَجَّلَ) الْقَاضِي: أَيْ كَتَبَ فِي سِجِلِّهِ - إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَاتِ شَخْصٍ بِدَيْنٍ وَلَمْ تَعْلَمْ نَسَبَهُ أَوْ أَقَرَّ بِأَنَّ فِي ذِمَّتِهِ دَيْنًا لِفُلَانٍ وَلَمْ يَعْلَمْ نَسَبَهُ، فَأَخْبَرَ بِأَنَّ اسْمَهُ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ - فَلْيُكْتَبْ فِي الْوَثِيقَةِ: (مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ) : لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ اسْمِهِ وَاسْمَ أَبِيهِ لِلْجَحْدِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. (لَا) يَشْهَدُ (عَلَى) امْرَأَةٍ (مُنْتَقِبَةٍ) : أَيْ لَا يَجُوزُ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا حَتَّى تَكْشِفَ عَنْ وَجْهِهَا لِتَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِهَا وَشَخْصِهَا، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا وَهِيَ مُنْتَقِبَةٌ (لِتَتَعَيَّنَ لِلْأَدَاءِ) : أَيْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا. فَقَوْلُهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ عَرَفَ نَسَبَهُ وَتَعَدَّدَ] : أَيْ كَمَا إذَا تَعَدَّدَ الْمَنْسُوبُ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ كَمَنْ لَهُ بِنْتَانِ فَاطِمَةُ وَزَيْنَبُ وَأَرَادَ الشَّاهِدُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى فَاطِمَةَ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ عَيْنَ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ فَلَا يَشْهَدُ إلَّا عَلَى عَيْنِهَا مَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْعِلْمُ بِهَا وَإِنْ بِامْرَأَةٍ. وَإِمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُعَيَّنِ إلَّا بِنْتٌ وَاحِدَةٌ وَكَانَ الشَّاهِدُ يَعْلَمُ ذَلِكَ فَلَا تَتَوَقَّفُ الشَّهَادَةُ عَلَى عَيْنِهَا. قَوْلُهُ: [إلَّا عَلَى شَخْصِهِ] : اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ مِنْ عُمُومِ الْأَحْوَالِ، أَيْ لَا يَشْهَدُ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ نَسَبَهُ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي حَالِ تَعْيِينِ شَخْصِهِ وَحِلْيَتِهِ بِحَيْثُ يَكُونُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَنْ وُجِدَتْ فِيهِ تِلْكَ الْأَوْصَافُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَضَعَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ اسْمَ غَيْرِهِ عَلَى نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: [لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ] إلَخْ: أَيْ فَائِدَةُ التَّسْجِيلِ بَيَانُ عَدَمِ ثُبُوتِ النَّسَبِ الْمَذْكُورِ عِنْدَ الشُّهُودِ وَالْقَاضِي. قَوْلُهُ: [وَشَخْصِهَا] : عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْمُنْتَقِبَةِ تَحَمُّلًا أَوْ أَدَاءً، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ كَشْفِ وَجْهِهَا فِيهِمَا لِأَجْلِ الشَّهَادَةِ عَلَى عَيْنِهَا وَصِفَتِهَا وَهَذَا فِي غَيْرِ مَعْرُوفَةٍ لِلنَّسَبِ، وَفِي مَعْرِفَتِهِ الَّتِي تَخْتَلِطُ بِغَيْرِهَا، وَأَمَّا مَعْرُوفَةُ النَّسَبِ الْمُنْفَرِدَةِ أَوْ الْمُتَمَيِّزَةِ عِنْدَ الشَّاهِدِ عَنْ الْمُشَارِكَةِ فَلَهُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا مُنْتَقِبَةً فِي التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ.

[الشهادة بفشو السماع]

لِتَتَعَيَّنَ " عِلَّةً لِلنَّفْيِ - أَيْ عَدَمِ الْجَوَازِ لَا لِلْمَنْفِيِّ - أَيْ مُنْتَقِبَةٍ (وَ) جَازَتْ الشَّهَادَةُ مِنْ عَدْلَيْنِ عِنْدَ حَاكِمٍ (بِسَمَاعٍ فَشَا) بَيْنَ النَّاسِ أَيْ اشْتَهَرَ بَيْنَهُمْ وَتُسَمَّى شَهَادَةَ السَّمَاعِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: شَهَادَةُ السَّمَاعِ لَقَبٌ لِمَا يُصَرِّحُ الشَّاهِدُ فِيهِ بِاسْتِنَادِ شَهَادَتِهِ لِسَمَاعٍ مِنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَتَخْرُجُ شَهَادَةُ الْبَتِّ وَالنَّقْلِ (عَنْ ثِقَاتٍ وَغَيْرِهِمْ) فَتَعْتَمِدُ الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ (بِمِلْكٍ) مُتَعَلِّقٍ بِ " سَمَاعٍ " أَيْ تَشْهَدُ بِسَمَاعِهِمْ بِمِلْكِ الشَّيْءِ مِنْ عَقَارٍ أَوْ غَيْرِهِ (لِحَائِزٍ) لَهُ، لَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي حَوْزِهِ. فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَشْهَدَ بِهِ لِغَيْرِ حَائِزِهِ (بِ: لَمْ) أَيْ بِقَوْلِهِمْ لِلْحَاكِمِ: لَمْ (نَزَلْ نَسْمَعُ مِمَّنْ ذُكِرَ) أَيْ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ (أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الشَّيْءُ الَّذِي فِي حَوْزِهِ (لَهُ) أَيْ لِهَذَا الْحَائِزِ. ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الَّذِي بِهِ الْعَمَلُ وَعَلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ وَالْبَاجِيُّ وَالْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ فَتُّوحٍ وَغَيْرُهُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عِلَّةً لِلنَّفْيِ] : فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ قَدَّرَهُ بِقَوْلِهِ: لِتَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِهَا وَشَخْصِهَا قَوْلُهُ: [لَا لِلْمَنْفِيِّ] : إلَخْ: أَيْ لِفَسَادِ الْمَعْنَى 1 - تَنْبِيهٌ: إنْ طَلَبَ الشُّهُودُ لِلشَّهَادَةِ عَلَى امْرَأَةٍ فَقَالُوا: أَشْهَدَتْنَا مُنْتَقِبَةٌ وَنَحْنُ نَعْرِفُهَا عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ وَإِنْ كَشَفَتْ وَجْهَهَا لَا نَعْرِفُهَا قَلَّدُوا وَعُمِلَ بِجَوَابِهِمْ فِي تَعْيِينِهَا، إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُمْ عُدُولٌ لَا يُتَّهَمُونَ. فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُفِيدُ أَنَّ مَحَلَّ مَنْعِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُنْتَقِبَةِ غَيْرِ الْمَعْرُوفَةِ النَّسَبِ إذَا كَانُوا لَا يَعْرِفُونَهَا مُنْتَقِبَةً وَإِلَّا جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهَا وَقَلَّدُوا، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَتْ الشُّهُودَ عَلَى ذَاتِ امْرَأَةٍ فَأَنْكَرَتْ نَفْسَهَا وَقَالَتْ: لَا يَعْرِفُونَ ذَاتِي خُلِطَتْ بِنِسَاءٍ وَقِيلَ لَهُمْ عَيِّنُوهَا، فَإِنْ عَيَّنُوهَا عُمِلَ بِشَهَادَتِهِمْ. وَالدَّابَّةُ وَالرَّقِيقُ كَالْمَرْأَةِ فَإِذَا شَهِدُوا بِدَابَّةٍ أَوْ رَقِيقٍ بِعَيْنِهِ لِشَخْصٍ خُلِطَ بِغَيْرِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَعَلَيْهِمْ إخْرَاجُ مَا شَهِدُوا بِهِ حَيْثُ غَلَّطَهُمْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ كَمَا فِي الْأَصْلِ وَ (بْن) خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّهُ خَطَأٌ مِمَّنْ فَعَلَ. [الشَّهَادَة بِفَشْوِ السَّمَاع] قَوْلُهُ: [فَتَخْرُجُ شَهَادَةُ الْبَتِّ وَالنَّقْلِ] : أَمَّا خُرُوجُ شَهَادَةِ الْبَتِّ فَلِعَدَمِ اسْتِنَادِهِ لِشَيْءٍ أَصْلًا، وَأَمَّا شَهَادَةُ النَّقْلِ فَبِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ لِأَنَّهَا سَمَاعٌ مِنْ مُعَيَّنٍ. قَوْلُهُ: [عَلَى ذَلِكَ] : أَيْ السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: [بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ] : أَيْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ.

قَالَ ابْنُ فَتُّوحٍ: شَهَادَةُ السَّمَاعِ لَا تَكْمُلُ إلَّا أَنْ يَنْضَمَّ فِيهَا أَهْلُ الْعَدْلِ وَغَيْرُهُمْ، عَلَى هَذَا مَضَى عَمَلُ النَّاسِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَقَرَّهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَجَمَاعَةٌ: يَكْفِي أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ، وَشَهَرَ أَيْضًا وَاعْلَمْ أَنَّ بَيِّنَةَ السَّمَاعِ إنَّمَا جَازَتْ لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ؛ إذْ الْأَصْلُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَشْهَدُ إلَّا بِمَا عَلِمَ مِمَّا تُدْرِكُهُ حَوَاسُّهُ كَمَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ. وَإِذَا شَهِدَتْ بِسَمَاعِ الْمِلْكِ لِحَائِزٍ لَمْ يُنْزَعْ ذَلِكَ الشَّيْءُ مِنْ يَدِ حَائِزِهِ. وَلَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُهُمْ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ وَلَا طُولَ الْحِيَازَةِ - خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ - فَإِنَّهُ لَا قَائِلَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا سَبَقَ فَهْمُهُ لَهُ مِنْ كَلَامِ الْجَوَاهِرِ بِلَا تَأَمُّلٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْجَوَاهِرِ فِي بَيِّنَةِ الْبَتِّ بِالْمِلْكِ، وَسَتَأْتِي لَهُ فِي الْحِيَازَةِ بِقَوْلِهِ: " وَصِحَّةُ الْمِلْكِ بِالتَّصَرُّفِ " إلَخْ - ذَكَرَهُ الْمُحَشِّي. (وَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْبَتِّ) بِالْمِلْكِ عَلَى بَيِّنَةِ السَّمَاعِ؛ فَإِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّا لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ بِأَنَّ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذَا الْعَبْدَ لِهَذَا الْحَائِزِ، وَشَهِدَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَشَهَرَ أَيْضًا] : اعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ الثَّابِتَ فِي نُطْقِ الشُّهُودِ كَمَا عَلِمْت، وَأَمَّا اعْتِمَادُهُمْ فَفِيهِ طَرِيقَتَانِ: الْأُولَى تَحْكِي الْخِلَافَ أَيْضًا فَقِيلَ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ إلَّا إذَا اعْتَمَدَ الشُّهُودُ عَلَى سَمَاعٍ فَاشٍ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: يَكْفِي فِي قَبُولِهَا اعْتِمَادُهُمْ عَلَى سَمَاعٍ فَاشٍ مِنْ الثِّقَاتِ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ تَقُولُ: الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي نُطْقِ الشُّهُودِ، أَمَّا الِاعْتِمَادُ فَلَا بُدَّ مِنْ السَّمَاعِ الْفَاشِيِّ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ قَوْلًا وَاحِدًا، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الَّتِي مَالَ إلَيْهَا (بْن) حَيْثُ قَالَ: الَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي التَّعَلُّقِ لَا فِي الِاعْتِمَادِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [مِمَّا تُدْرِكُهُ حَوَاسُّهُ] : أَيْ بِلَا وَاسِطَةٍ. قَوْلُهُ: [خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ] : يَعْنِي خَلِيلًا حَيْثُ قَالَ: " وَجَازَتْ بِسَمَاعٍ فَشَا عَنْ ثِقَاتٍ وَغَيْرِهِمْ بِمِلْكِ الْحَائِزِ وَتَصَرُّفٍ طَوِيلٍ " (اهـ) . قَوْلُهُ: [ذَكَرَهُ الْمُحَشِّي] : مُرَادُهُ بِهِ (بْن) نَقْلًا عَنْ (ر) . قَوْلُهُ: [أَوْ أَهَذَا الْعَبْدُ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ بِهَمْزَةٍ قَبْلَ هَذَا وَمُقْتَضَى الظَّاهِرِ حَذْفُ تِلْكَ الْهَمْزَةِ

أُخْرَى بَتًّا بِأَنَّهُ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ يَدَّعِيهِ، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْبَتِّ وَنُزِعَ مِنْ يَدِ الْحَائِزِ، وَأُعْطِيَ لِمَنْ ادَّعَاهُ وَأَقَامَ بِبَيِّنَةِ الْبَتِّ. (إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةُ السَّمَاعِ بِنَقْلِ الْمِلْكِ) لِذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى بِهِ (مِنْ كَأَبِي الْقَائِمِ) الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَهُ، وَأَقَامَ بَيِّنَةَ الْبَتِّ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ السَّمَاعِ: يَعْنِي أَنَّ مَحَلَّ تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْبَتِّ مَا لَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةُ السَّمَاعِ بِأَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ قَدْ انْتَقَلَ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ مِنْ أَبِي الْقَائِمِ أَوْ جَدِّهِ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ. وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ صَاحِبَ بَيِّنَةِ السَّمَاعِ حَائِزٌ لِلشَّيْءِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، وَإِلَّا قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْبَتِّ. وَالْكَلَامُ فِي حِيَازَةٍ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْمِلْكُ، إمَّا لِقَصْرِهَا، وَإِمَّا لِكَوْنِ الْمُدَّعِي الْقَائِمِ عَلَى الْحَائِزِ كَانَ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا قَامَ بِهِ مَانِعٌ. وَأَمَّا الْحَاضِرُ الَّذِي لَا مَانِعَ لَهُ إذَا سَكَتَ الْعَشْرَ سِنِينَ فَلَا تُسْمَعُ لَهُ دَعْوَى وَلَا بَيِّنَةٌ فِي الْعَقَارِ. وَكَذَا غَيْرُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَهَاهُنَا بَحْثٌ قَوِيٌّ: وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ دَعْوَى الْقَائِمِ عَلَى الْحَائِزِ مُجَرَّدَةً فَالْحَوْزُ كَافٍ فِي دَفْعِهَا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى بَيِّنَةٍ بِسَمَاعٍ، وَكَذَا إذَا كَانَ مَعَ دَعْوَى الْقَائِمِ بَيِّنَةُ سَمَاعٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْزَعُ بِهَا مِنْ يَدِ حَائِزٍ، فَإِنْ كَانَ مَعَهَا بَيِّنَةُ قَطْعٍ فَبَيِّنَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَنُزِعَ مِنْ يَدِ الْحَائِزِ] : أَيْ وَالْكَلَامُ فِي حِيَازَةٍ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْمِلْكُ وَإِلَّا لَمْ يُنْزَعْ مِنْ يَدِ الْحَائِزِ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةُ السَّمَاعِ] إلَخْ: نَحْصُلُ أَنَّهُ لَا تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ عَلَى بَيِّنَةِ السَّمَاعِ إلَّا بِشَرْطَيْنِ: أَلَّا تَمْضِيَ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ الَّتِي ثَبَتَ بِهَا الْمِلْكُ، وَأَلَّا تَشْهَدَ بَيِّنَةُ السَّمَاعِ بِنَقْلِ الْمِلْكِ مِنْ كَأَبِي الْقَائِمِ. قَوْلُهُ: [أَوْ حَاضِرًا قَامَ بِهِ مَانِعٌ] : أَيْ كَالْخَوْفِ مِنْ الْحَائِزِ. قَوْلُهُ: [إذَا سَكَتَ الْعَشْرَ سِنِينَ] : أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَجَانِبِ غَيْرِ الشُّرَكَاءِ، وَأَمَّا الْأَقَارِبُ فَمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ. وَسَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ: [مُجَرَّدَةً] : أَيْ عَنْ بَيِّنَةِ الْبَتِّ أَوْ السَّمَاعِ. قَوْلُهُ: [فِي دَفْعِهَا] : الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الدَّعْوَى. قَوْلُهُ: [فَإِنْ كَانَ مَعَهَا] : أَيْ مَعَ دَعْوَاهُ

[شهادة السماع]

السَّمَاعِ لِلْحَائِزِ لَا تَنْفَعُهُ إلَّا بِسَمَاعٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ كَ: أَبِي الْقَائِمِ فَلَمْ يَبْقَ لِقَوْلِكُمْ بِمِلْكٍ لِحَائِزٍ مَحَلٌّ. (وَبِمَوْتِ غَائِبٍ) عَطْفٌ عَلَى " بِمِلْكٍ لِحَائِزٍ ": أَيْ وَجَازَتْ بِسَمَاعٍ فَشَا بِمَوْتِ غَائِبٍ (بَعُدَ) كَأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأُلْحِقَ بِهَا الشَّهْرُ فَيَثْبُتُ مَوْتُهُ بِبَيِّنَةِ السَّمَاعِ (أَوْ) لَمْ يَطُلْ، وَ (طَالَ زَمَنُ سَمَاعِهِ) : أَيْ الْمَوْتِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَطُلْ الزَّمَنُ فَلَا يَثْبُتُ بِالسَّمَاعِ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةِ الْقَطْعِ كَالْحَاضِرِ لِسُهُولَةِ الْكَشْفِ عَنْ حَالِهِ. (أَوْ بِوَقْفٍ) فَيَثْبُتُ بِبَيِّنَةِ السَّمَاعِ؛ فَإِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةُ سَمَاعٍ بِأَنَّ هَذَا وَقْفٌ عَلَى فُلَانٍ الْحَائِزِ لَهُ أَوْ عَلَى فُلَانٍ - وَلَيْسَتْ الذَّاتُ بِيَدِ أَحَدٍ - ثَبَتَ بِهَا الْوَقْفُ. وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ بِيَدِ حَائِزٍ يَدَّعِي مِلْكَهَا فَفِيهِ خِلَافٌ؛ قِيلَ: لَا يُنْزَعُ بِهَا مِنْ يَدِ الْحَائِزِ كَالْمِلْكِ، وَقِيلَ: يُنْزَعُ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْوَقْفِ، وَرُجِّحَ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى شُرُوطِ إفَادَةِ بَيِّنَةِ السَّمَاعِ بِقَوْلِهِ: (إنْ طَالَ الزَّمَنُ) : أَيْ زَمَنُ السَّمَاعِ كَعِشْرِينَ سَنَةً فَأَقَلَّ مِنْهَا لَا يَكْفِي، وَلَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ الْبَتِّ. وَهَذَا الشَّرْطُ اعْتَبَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ: طُولُ الزَّمَانِ لَيْسَ شَرْطًا فِي جَمِيعِهَا بَلْ فِي الْأَمْلَاكِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا تَنْفَعُهُ] : أَيْ لَا تُثْبِتُ لَهُ مِلْكًا. قَوْلُهُ: [إلَّا بِسَمَاعٍ] : أَيْ أَوْ بِالْحِيَازَةِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [بَعُدَ] : أَيْ بِبَلَدٍ بَعِيدَةٍ. وَجَهِلَ الْمَكَانَ كَبُعْدِهِ فِيمَا يَظْهَرُ قَوْلُهُ: [أَوْ لَمْ يَطُلْ] : أَيْ لَمْ يَبْعُدْ الْبَلَدُ. وَقَوْلُهُ: [وَطَالَ زَمَنُ سَمَاعِهِ] : أَيْ كَعِشْرِينَ سَنَةً كَمَا يَأْتِي بَعْدُ فِي ذِكْرِ شُرُوطِ بَيِّنَةِ السَّمَاعِ. قَوْلُهُ: [قِيلَ لَا يُنْزَعُ بِهَا مِنْ يَدِ الْحَائِزِ] : أَيْ وَهُوَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ وَالتَّوْضِيحِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ بَهْرَامُ وَالْبِسَاطِيُّ. وَقَوْلُهُ: [وَقِيلَ يُنْزَعُ] : وَهُوَ مَا لِابْنِ عَرَفَةَ وَبِهِ أَفْتَى الْأُجْهُورِيُّ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ الْوَقْفُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ لَا يُنْزَعُ بِبَيِّنَةِ السَّمَاعِ مِنْ يَدِ حَائِزٍ. [شَهَادَةِ السَّمَاعِ] [مَا يَقْبَل فِيهِ شَهَادَةِ السَّمَاعِ] قَوْلُهُ: [كَعِشْرِينَ سَنَةً] : هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَبِهِ الْعَمَلُ بِقُرْطُبَةَ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَرْبَعُونَ سَنَةً

وَالشِّرَاءِ وَالْأَحْبَاسِ وَالْأَنْكِحَةِ وَالْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ وَالْحِيَازَةِ، وَأَمَّا مَوْتُ الْغَائِبِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ تَنَائِي الْبُلْدَانِ أَوْ طُولُ الزَّمَانِ، وَاعْتُمِدَ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَرَفَةَ: أَنَّهُ فِي الْمَوْتِ مَعَ الطُّولِ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةِ الْقَطْعِ وَلَوْ بِالنَّقْلِ إذْ يَبْعُدُ عَادَةُ مَوْتِهِ مَعَ عَدَمِ مَنْ يَأْتِي مِنْ هَذَا الْبَلَدِ يُخْبِرُ بِمَوْتِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ. (بِلَا رِيبَةٍ) فِي بَيِّنَةِ السَّمَاعِ فَإِنْ وُجِدَتْ رِيبَةٌ لَمْ يُعْمَلْ بِهَا، كَمَا إذَا لَمْ يَسْمَعْ بِذَلِكَ غَيْرُهُمَا مِنْ ذَوِي أَسْنَانِهِمَا. (وَشَهِدَ) بِهِ (عَدْلَانِ) فَلَا يَكْفِي الْوَاحِدُ فِيهَا مَعَ الْيَمِينِ. (وَحَلَفَ) الْمُدَّعِي الَّذِي أَقَامَهُمَا مَعَ الْعَدْلَيْنِ لِضَعْفِهَا؛ لِأَنَّهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَمَّا مَوْتُ الْغَائِبِ] : حَاصِلُهُ أَنَّ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ بِالْمَوْتِ طُرُقًا ثَلَاثَةً: طَرِيقَةُ ابْنِ عَرَفَةَ: اشْتِرَاطُ تَنَائِي الْبَلَدَيْنِ وَقِصَرِ الزَّمَانِ، وَطَرِيقَةُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: اشْتِرَاطُ تَنَائِي الْبَلَدَيْنِ وَطُولِ الزَّمَانِ، وَطَرِيقَةُ ابْنِ هَارُونَ: اشْتِرَاطُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا تَنَائِي الْبَلَدَيْنِ أَوْ طُولِ الزَّمَانِ. وَاعْتَمَدَ شَارِحُنَا هَذِهِ الطَّرِيقَةَ وَاعْتَمَدَ مُحَشِّي الْأَصْلِ الطَّرِيقَةَ الْأُولَى. قَوْلُهُ: [كَمَا إذَا لَمْ يَسْمَعْ بِذَلِكَ غَيْرُهُمَا] : أَيْ كَمَا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ فَقَطْ بِمَوْتِ رَجُلٍ وَفِيهَا عَدَدٌ كَثِيرٌ مِنْ ذَوِي أَسْنَانِهِمَا لَمْ يَعْلَمُوا بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَشَهِدَ بِهِ عَدْلَانِ] : أَيْ فَيُكْتَفَى بِهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَكْفِي الْوَاحِدُ فِيهَا مَعَ الْيَمِينِ] : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ شَهِدَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى السَّمَاعِ لَمْ يُقْضَ لَهُ بِالْمَالِ وَإِنْ حَلَفَ؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ نَقْلُ شَهَادَةٍ وَلَا يَكْفِي شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ، وَيُشْكَلُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْخُلْعِ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَرْجِعُ فِي الْعِوَضِ مَتَى أَقَامَتْ عَلَى الضَّرَرِ شَاهِدًا وَلَوْ شَاهِدَ سَمَاعٍ وَحَلَفَتْ مَعَهُ، وَلَكِنْ فِي الشَّامِلِ أَنَّ فِي رَدِّ الْمَالِ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ بِالسَّمَاعِ مَعَ الْيَمِينِ قَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ فَيَكُونُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْخُلْعِ مَاشِيًا عَلَى قَوْلٍ، وَمَا هُنَا عَلَى قَوْلٍ. قَوْلُهُ: [مَعَ الْعَدْلَيْنِ] : الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُمَا يَحْلِفَانِ أَيْضًا

ثُمَّ شَبَّهَ مَسَائِلَ بِالثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ السَّمَاعِ فِيهَا فَقَالَ: (كَتَوْلِيَةٍ) تُقْبَلُ فِيهَا بَيِّنَةُ السَّمَاعِ: أَيْ تَوْلِيَةُ قَاضٍ أَوْ وَالٍ أَوْ وَكِيلٍ. (وَتَعْدِيلٍ) لِبَيِّنَةٍ، نَحْوُ: لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًا. (وَإِسْلَامٍ) لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ نَحْوُ، لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ إلَخْ أَنَّهُ مُسْلِمٌ أَوْ: أَنَّهُ أَسْلَمَ. (وَرُشْدٍ) كَذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [ثُمَّ شَبَّهَ مَسَائِلَ] : أَيْ عِشْرِينَ عَلَى مُقْتَضَى حِلِّ الشَّارِحِ. وَقَوْلُهُ: [بِالثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ] : أَعْنِي قَوْلَهُ: بِمِلْكٍ لِحَائِزٍ وَمَوْتِ الْغَائِبِ الْبَعِيدِ إلَخْ وَالْوَقْفُ. فَالْجُمْلَةُ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ وَبَعْضُهُمْ أَنْهَاهَا لِاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَقَدْ جُمِعَتْ فِي أَبْيَاتٍ وَنَصُّهَا: أَيَا سَائِلِي عَمَّا يَنْفُذُ حُكْمُهُ ... وَيَثْبُتُ سَمْعًا دُونَ عِلْمٍ بِأَصْلِهِ فَفِي الْعَزْلِ وَالتَّجْرِيحِ وَالْكُفْرِ ... بَعْدَهُ وَفِي سَفَهٍ أَوْ ضِدِّ ذَلِكَ كُلِّهِ وَفِي الْبَيْعِ وَالْإِحْبَاسِ وَالصَّدَقَاتِ ... وَالرَّضَاعِ وَخُلْعٍ وَالنِّكَاحِ وَحَلِّهِ وَفِي قِسْمَةٍ أَوْ نِسْبَةٍ وَوِلَايَةٍ ... وَمَوْتٍ وَحَمْلٍ وَالْمُضِرِّ بِأَهْلِهِ وَمِنْهَا الْهِبَاتُ وَالْوَصِيَّةُ فَاعْلَمَنْ ... وَمِلْكٌ قَدِيمٌ قَدْ يُضَنُّ بِمِثْلِهِ وَمِنْهَا وِلَادَاتٌ وَمِنْهَا حِرَابَةٌ ... وَمِنْهَا الْإِبَاقُ فَلْيُضَمَّ لِشَكْلِهِ وَقَدْ زِيدَ فِيهَا الْأَسْرُ وَالْفَقْدُ ... وَالْمَلَا وَلَوْثٌ وَعِتْقٌ فَاظْفَرْنَ بِنَقْلِهِ فَصَارَتْ لَدَيَّ عَدَّ ثَلَاثِينَ أُتْبِعَتْ ... بِثِنْتَيْنِ فَاطْلُبْ نَصَّهَا فِي مَحَلِّهِ (انْتَهَى عب) . وَقَوْلُهُ: مِلْكٌ قَدِيمٌ: أَيْ مَحُوزٌ لَهُ مِنْ زَمَانٍ سَابِقٍ. وَقَوْلُهُ: قَدْ يُضَنُّ بِمِثْلِهِ: أَيْ يَعِزُّ أَنْ يَكُونَ لِمِثْلِ هَذَا الْحَائِزِ بَلْ هُوَ لَهُ فَالْبَاءُ بِمَعْنَى اللَّامِ هَذَا مَا ظَهَرَ. قَوْلُهُ: [أَيْ تَوْلِيَةِ قَاضٍ أَوْ وَالٍ] إلَخْ: وَيَنْفُذُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ حُكْمُ الْقَاضِي وَالْوَالِي وَتَصَرُّفُ الْوَكِيلِ. قَوْلُهُ: [وَتَعْدِيلٍ] : أَيْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُعَدَّلِ. قَوْلُهُ: [وَإِسْلَامٍ] : أَيْ وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ. قَوْلُهُ: [وَرُشْدٍ] : أَيْ حَيْثُ قَالُوا لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ أَنَّ وَلِيَّ السَّفِيهِ الْفُلَانِيِّ أُطْلِقَ لَهُ التَّصَرُّفُ وَرُشْدُهُ فَتُقْبَلُ تِلْكَ الشَّهَادَةُ وَيَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ.

(وَنِكَاحٍ) ادَّعَاهُ الْحَيُّ مِنْهُمَا عَلَى الْمَيِّتِ لِيَرِثَهُ أَوْ ادَّعَاهُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْحَيَّيْنِ وَلَمْ يُنْكِرْ الْآخَرُ، وَكَانَتْ الزَّوْجَةُ تَحْتَهُ. وَأَمَّا لَوْ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ فَلَا يَثْبُتُ بِهَا النِّكَاحُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: يُشْتَرَطُ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ عَلَى النِّكَاحِ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا أَنْكَرَ أَحَدُهُمَا فَلَا (اهـ) . لَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: تَكُونُ حَتَّى فِيمَا إذَا ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ. (وَضِدُّهَا) : أَيْ الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ الْعَزْلُ وَالْجُرْحُ وَالْكُفْرُ وَالسَّفَهُ وَالطَّلَاقُ، وَإِنْ خُلْعًا. وَيَثْبُتُ بِهَا الطَّلَاقُ لَا دَفْعُ الْعِوَضِ فَهَذِهِ عَشْرُ مَسَائِلَ. (وَضَرَرِ زَوْجٍ) لِزَوْجَتِهِ نَحْوُ: لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ يُضَارِرْهَا فَيُطَلِّقُهَا عَلَيْهِ الْحَاكِمُ. (وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ) : أَيْ أَنَّهُ وَهَبَ لِفُلَانٍ كَذَا، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ. (وَوَصِيَّةٍ) كَ: لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ إلَخْ أَنَّ فُلَانًا أَقَامَ فُلَانًا وَصِيًّا عَنْهُ فِي مَالِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ أَنَّ فُلَانًا تَحْتَ وِلَايَةِ فُلَانٍ يَتَوَلَّى النَّظَرَ لَهُ وَالْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ بِإِيصَاءِ أَبِيهِ أَوْ بِتَقْدِيمِ قَاضٍ لَهُ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَمَّا لَوْ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا] : إلَخْ: أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ كُلًّا حَيٌّ. قَوْلُهُ: [أَنْ يَكُونَ الزَّوْجَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَيْهِ] : الْفَصِيحُ مُتَّفِقَيْنِ. قَوْلُهُ: [لَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ] : هُوَ ابْنُ رَحَّالٍ فِي حَاشِيَةِ قَائِلًا هُوَ ظَاهِرُ النَّقْلِ قَالَ (بْن) : وَهُوَ فِي عُهْدَتِهِ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ الْعَزْلُ] : أَيْ فِي الْقَاضِي وَالْوَالِي أَوْ الْوَكِيلِ وَحَيْثُ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ الْعَزْلُ فَلَا يَمْضِي حُكْمٌ لِقَاضٍ وَلَا وَالٍ وَلَا تَصَرُّفٌ لِوَكِيلٍ. قَوْلُهُ: [وَالْجُرْحُ] : أَيْ فَلَا تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ. قَوْلُهُ: [وَالْكُفْرُ] : أَيْ وَيَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ. وَقَوْلُهُ: [وَالسَّفَهُ] : أَيْ فَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ. قَوْلُهُ: [لَا دَفْعُ الْعِوَضِ] : أَيْ وَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي جُعِلَ فِي نَظِيرِ الطَّلَاقِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ بَتًّا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَصَدَقَةٍ] : الْأَوْلَى حَذْفُهَا مِنْ هُنَا لِأَنَّهُ سَيَأْتِي يُدْخِلُهَا تَحْتَ النَّحْوِ

(وَنَحْوِهَا) : أَيْ الْمَذْكُورَاتِ كَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْوِلَادَةِ وَالْحِرَابَةِ وَالْإِبَاقِ وَالْعُسْرِ وَالْيُسْرِ. وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ تَثْبُتُ بِبَيِّنَةِ السَّمَاعِ لَا بِقَيْدِ الطُّولِ، فَلِذَا قَرَنَهَا بِكَافِ التَّشْبِيهِ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. (وَالتَّحَمُّلِ) لِلشَّهَادَةِ - (إنْ افْتَقَرَ إلَيْهِ) - بِأَنْ خِيفَ بِتَرْكِهِ ضَيَاعُ الْحَقِّ مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ - (فَرْضُ كِفَايَةٍ) وَيَتَعَيَّنُ بِمَا يَتَعَيَّنُ بِهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا وَقْتَ التَّحَمُّلِ أَوْ مَجْرُوحًا بِشَيْءٍ آخَرَ لِجَوَازِ زَوَالِ الْمَانِعِ وَقْتَ الْأَدَاءِ، وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ الْخَصْمُ. وَمَفْهُومُ: " افْتَقَرَ إلَيْهِ " أَنَّهُ إنْ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَيْهِ لَا يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ بَلْ تَجُوزُ. وَقَدْ لَا تَجُوزُ كَشَهَادَةٍ عَلَى زِنًا مِنْ دُونِ أَرْبَعَةِ عُدُولٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْوِلَادَةِ] : أَيْ بِأَنْ تَقُولَ الْبَيِّنَةُ لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ أَنَّ هَذِهِ الْأَمَةَ وَلَدَتْ مِنْ فُلَانٍ، أَوْ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ قَدْ وَلَدَتْ لِأَجْلِ خُرُوجِهَا مِنْ الْعِدَّةِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: [وَالْحِرَابَةِ] : أَيْ بِأَنْ يَقُولُوا: لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةَ هُمْ الْمُحَارِبُونَ أَوْ الْآخِذُونَ لِمَالِ فُلَانٍ حِرَابَةً فَيُحْكَمُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَالْإِبَاقِ] : أَيْ بِأَنْ يَقُولُوا لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ أَنَّ فُلَانًا أَبَقَ لَهُ عَبْدٌ صِفَتُهُ كَذَا فَيَعْتَمِدُ الْحَاكِمُ عَلَى كَلَامِهِمْ وَيَحْكُمُ لَهُ لِصَاحِبِهِ. قَوْلُهُ: [لَا بِقَيْدِ الطُّولِ] : أَيْ وَلَا الْقِصَرِ. قَوْلُهُ: [وَالتَّحَمُّلِ لِلشَّهَادَةِ] : هُوَ لُغَةً الِالْتِزَامُ، فَإِذَا الْتَزَمَ دَفْعَ مَا عَلَى الْمَدِينِ، يُقَالُ: إنَّهُ تَحَمَّلَ بِالدَّيْنِ. وَأَمَّا فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ فَهُوَ عِلْمُ مَا يَشْهَدُ بِهِ بِسَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ؛ فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: بِسَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ عِلْمُهُ لِمَا يَشْهَدُ بِهِ بِدُونِ اخْتِيَارٍ كَمَا إذَا كَانَ مَارًّا فَسَمِعَ مَنْ يَقُولُ لِزَوْجَتِهِ هِيَ طَالِقٌ فَلَا يُسَمَّى تَحَمُّلًا. قَوْلُهُ: [وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا] إلَخْ: قَالَ بَعْضُهُمْ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ تَحَمُّلَهُ لِلشَّهَادَةِ فِيهِ تَعْرِيصٌ لِضَيَاعِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ رَدُّ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ. نَعَمْ إنْ لَمْ يُوجَدْ سِوَاهُ ظَهَرَ تَحَمُّلُهَا اُنْظُرْ (بْن) . قَوْلُهُ: [كَشَهَادَةٍ عَلَى زِنًا] إلَخْ: إنَّمَا مُنِعَتْ الشَّهَادَةُ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَهَادَةٌ. بَلْ قَذْفٌ وَيُحَدُّ لَهُ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ عَفِيفًا

(وَتَعَيَّنَ الْأَدَاءُ) عَلَى الْمُتَحَمِّلِ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يُقِرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (مِنْ) مَسَافَةٍ (كَبَرِيدَيْنِ) وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ الْبَرِيدَ الثَّالِثَ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: " لَا مِنْ أَرْبَعَةٍ ". (وَ) تَعَيَّنَ الْأَدَاءُ (عَلَى) شَاهِدٍ (ثَالِثٍ) بَلْ وَرَابِعٍ وَخَامِسٍ (إنْ لَمْ يَجْتَزْ بِهِمَا) : أَيْ بِالشَّاهِدَيْنِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِاتِّهَامِهِمَا بِأَمْرٍ مِمَّا مَرَّ حَتَّى تَتِمَّ الشَّهَادَةُ. (وَإِنْ انْتَفَعَ) مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ: بِأَنْ امْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ إلَّا بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ غَيْرِهَا يُنْتَفَعُ بِهِ (فَجَرْحٌ) قَادِحٌ فِي الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ رِشْوَةٌ فِي نَظِيرِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ سَقَطَ لِشَهَادَتِهِ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] وَهَذَا قَدْ كَتَمَهَا حَتَّى يَأْخُذَ رِشْوَةً. (إلَّا رُكُوبُهُ) لِدَابَّةٍ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ (لِعُسْرِ مَشْيِهِ، وَلَا دَابَّةَ لَهُ) : فَيَجُوزُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَتَعَيَّنَ الْأَدَاءُ] إلَخْ: قَالَ الْخَرَشِيُّ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُكْتَفَى فِي الْأَدَاءِ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ وَقَدْ عَرَّفَ ابْنُ عَرَفَةَ الْأَدَاءَ بِقَوْلِهِ: الْأَدَاءُ عُرْفًا إعْلَامُ الشَّاهِدِ الْحَاكِمَ بِشَهَادَةٍ بِمَا يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ بِمَا شَهِدَ بِهِ، فَقَوْلُهُ: بِشَهَادَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِإِعْلَامٍ وَالْبَاءُ لِلتَّعَدِّيَةِ. وَقَوْلُهُ: بِمَا يَحْصُلُ إلَخْ: بَيَانٌ لِمَا قَبْلَهُ وَمَعْنَاهُ إعْلَامُ الشَّاهِدِ الْحَاكِمَ بِشَهَادَتِهِ بِشَيْءٍ يَحْصُلُ الْعِلْمُ لِلْحَاكِمِ بِمَا شَهِدَ بِهِ وَالضَّمِيرُ فِي لَهُ يَتَعَيَّنُ عَوْدُهُ عَلَى الْحَاكِمِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [بِأَمْرٍ مِمَّا مَرَّ] : أَيْ كَتَأَكُّدِ الْقَرَابَةِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ أَوْ الْعَدَاوَةِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ جُرْحٍ بِوَجْهٍ مِمَّا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ امْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ أَنَّ انْتِفَاعَهُ مِنْ غَيْرِ امْتِنَاعٍ مِنْ الْأَدَاءِ لَيْسَ بِجُرْحَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ انْتِفَاعُ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ جُرْحَةً امْتَنَعَ أَوْ لَا كَمَا فِي (ر) . قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ] : إسْنَادُ الْإِثْمِ لِلْقَلْبِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ لِأَنَّ أَثَرَ الْعِصْيَانِ يَظْهَرُ فِيهِ فَهُوَ مِنْ إسْنَادِ الشَّيْءِ إلَى مَكَانِ ظُهُورِ أَثَرِهِ. قَوْلُهُ: [إلَّا رُكُوبُهُ] : أَيْ إذَا دَفَعَ الْمَشْهُودُ لَهُ لِلشَّاهِدِ أُجْرَةَ رُكُوبِهِ أَوْ أَرْكَبَهُ دَابَّتَهُ فَلَيْسَ بِجُرْحٍ، فَإِنْ دَفَعَ الْمَشْهُودُ لَهُ لِلشَّاهِدِ أُجْرَةَ الرُّكُوبِ فَأَخَذَهَا وَمَشَى

[دعوى العبد وغير الرشيد والصبي]

وَلَيْسَ بِجَرْحٍ. وَأَمَّا الِانْتِفَاعُ عَلَى التَّحَمُّلِ - إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ - فَيَجُوزُ، فَإِنْ تَعَيَّنَ لَمْ يَجُزْ، وَقِيلَ بِالْجَوَازِ إنْ كَانَ يَكْتُبُهَا فِي وَثِيقَةٍ مِمَّنْ انْتَصَبَ لِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَنْتَصِبْ فِي نَظِيرِ كِتَابَتِهِ، وَكَذَا الْمُفْتِي. (لَا أَرْبَعَةً) مِنْ الْبُرُدِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ السَّفَرُ لِلْأَدَاءِ لِأَنَّ مَسَافَةَ الْقَصْرِ شَأْنُهَا الْمَشَقَّةُ وَلِذَا قَصُرَتْ فِيهَا الصَّلَاةُ وَجَازَ فِيهَا الْفِطْرُ بِرَمَضَانَ. (وَلَهُ) أَيْ لِمَنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ الِانْتِفَاعُ (مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَيْهِ (وَلَوْ بِنَفَقَةٍ) يَأْخُذُهَا فِي نَظِيرِ سَفَرِهِ ذَهَابًا وَإِيَابًا. فَأَوْلَى الِانْتِفَاعُ بِدَابَّةٍ يَرْكَبُهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الدَّعْوَى لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى حُرِّيَّةٍ وَلَا بُلُوغٍ وَلَا رُشْدٍ فَإِذَا ادَّعَى وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِحَقٍّ وَأَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا قُبِلَتْ مِنْهُ الدَّعْوَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَانْظُرْ هَلْ يَكُونُ جُرْحَةً أَمْ لَا وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ وَلَعَلَّهُ مَا لَمْ تَشْتَدَّ الْحَاجَةُ، وَانْظُرْ إذَا عَسُرَ مَشْيُهُ وَعُدِمَتْ دَابَّتُهُ وَلَكِنَّهُ مُوسِرٌ هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُكْرِيَ لِنَفْسِهِ دَابَّةً يَرْكَبُهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الدَّابَّةِ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُكْرِيَ لِنَفْسِهِ دَابَّةً وَيَجُوزُ لَهُ أَخْذُ أُجْرَتِهَا مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ أَوْ يُرْكِبُهُ دَابَّةً وَاسْتَظْهَرَ الْأَوَّلَ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ بِالْجَوَازِ إنْ كَانَ يَكْتُبُهَا فِي وَثِيقَةٍ] : قَالَ (بْن) لَكِنْ بِشَرْطٍ أَلَّا يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِقُّهُ وَهُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا الْمُفْتِي] : تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مَبْسُوطًا فِي الْإِجَارَةِ. قَوْلُهُ: [الِانْتِفَاعُ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ] : أَيْ فِي نَظِيرِ السَّفَرِ لَا فِي نَظِيرِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَلَا يَجُوزُ حَيْثُ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [لِعَدَمِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَيْهِ] : أَيْ السَّفَرِ لِلْأَدَاءِ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا عِنْدَ قَاضِي بَلَدِهِ، وَيَكْتُبُ بِهَا إنْهَاءً لِلْقَاضِي الَّذِي عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَوْ تُنْقَلَ تِلْكَ الشَّهَادَةُ عَنْ هَذَا الشَّاهِدِ بِأَنْ يُؤَدِّيَهَا عِنْدَ رَجُلَيْنِ يَنْقُلَانِهَا عَنْهُ وَيُؤَدِّيَانِهَا عِنْدَ الْقَاضِي الَّذِي عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ [دعوى الْعَبْد وَغَيْر الرَّشِيد وَالصَّبِيّ] قَوْلُهُ: [وَاعْلَمْ أَنَّ الدَّعْوَى] إلَخْ: دُخُولٌ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [فَإِذَا ادَّعَى وَاحِدٌ مِنْهُمْ] : الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى مَنْ عُدِمَ مِنْهُ أَحَدُ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ

(وَحَلَفَ عَبْدٌ وَسَفِيهٌ مَعَ شَاهِدِهِ) الَّذِي أَقَامَهُ وَاسْتَحَقَّ مَا ادَّعَى بِهِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، أَوْ بِامْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ، وَلَا يُؤَخَّرُ الْعَبْدُ لِلْعِتْقِ وَلَا السَّفِيهُ لِلرُّشْدِ، وَلَا يَحْلِفُ وَلِيُّهُمَا عَنْهُمَا. فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَرِئَ وَإِلَّا غَرِمَ. (لَا) يَحْلِفُ (صَبِيٌّ) مَعَ شَاهِدِهِ الَّذِي أَقَامَهُ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ يَمِينٌ. (وَ) لَا (وَلِيُّهُ) عَنْهُ وَلَوْ كَانَ أَبًا يُنْفِقُ عَلَيْهِ. وَهَذَا فِيمَا إذَا لَمْ يَلِ الْأَبُ وَلَا وَصِيُّهُ الْمُعَامَلَةَ لِلصَّبِيِّ، فَإِنْ وَلِيَهَا حَلَفَ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْلِفْ غَرِمَ، وَكَذَا وَلِيُّ السَّفِيهِ إنْ تَوَلَّى مُعَامَلَتَهُ حَلَفَ وَإِلَّا غَرِمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَحَلَفَ عَبْدٌ] إلَخْ: حَاصِلُ فِقْهِ هَذَا الْمَبْحَثِ أَنَّ الْعَبْدَ سَوَاءٌ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ لَا إذَا أَقَامَ شَاهِدًا بِحَقٍّ مَالِيٍّ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ وَيَأْخُذُهُ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ نَكَلَ الْعَبْدُ عَنْ الْيَمِينِ فَإِذَا كَانَ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ حَلَفَ سَيِّدُهُ وَاسْتَحَقَّ وَإِلَّا رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ السَّفِيهُ إذَا ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ بِحَقٍّ مَالِيٍّ وَأَقَامَ بِذَلِكَ شَاهِدًا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ لَكِنْ يَقْبِضُهُ وَلِيُّهُ، فَإِنْ نَكَلَ السَّفِيهُ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ وَبَرِئَ. وَمَحَلُّ حَلِفِ السَّفِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ وَلِيُّهُ تَوَلَّى الْمُبَايَعَةَ وَإِلَّا فَهُوَ الَّذِي يَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ قَالَهُ (ر) وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ السَّفِيهَ أَوْ الْعَبْدَ مُدَّعٍ مَعَ الشَّاهِدِ، وَأَمَّا إذَا ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى عَبْدٍ أَوْ سَفِيهٍ فَأَنْكَرَ وَلَمْ يُقِمْ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً فَلَا يَمِينَ عَلَى ذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، إذْ لَا فَائِدَةَ لِلْيَمِينِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَتَوَجَّهُ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُؤَاخَذُ بِالْإِقْرَارِ فِي الْمَالِ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَحْلِفُ وَلِيُّهُمَا عَنْهُمَا] : أَيْ مَا لَمْ تَكُنْ الْمُعَامَلَةُ بِيَدِ الْوَلِيِّ أَوْ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْعَبْدِ، وَنَكَلَ وَهُوَ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ فَإِنَّهُ يُحَلَّفُ كُلٌّ مِنْ الْوَلِيِّ وَالسَّيِّدِ وَيَسْتَحِقُّ، وَسَيَأْتِي هَذَا الْقَيْدُ فِي الْوَلِيِّ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَ أَبًا يُنْفِقُ عَلَيْهِ] : رَدَّ بِلَوْ عَلَى ابْنِ كِنَانَةَ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْأَبَ يَحْلِفُ إذَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَى الْوَلَدِ إنْفَاقًا وَاجِبًا، لِأَنَّ لِيَمِينِهِ فَائِدَةً وَهُوَ سُقُوطُ النَّفَقَةِ عَنْهُ لَكِنْ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ وَلِيَهَا حَلَفَ] : أَيْ كَمَا لَوْ بَاعَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ مُقَدَّمُ الْقَاضِي سِلْعَةَ الصَّبِيِّ لِإِنْسَانٍ بِثَمَنٍ ثُمَّ طُولِبَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَأَنْكَرَهُ وَوَجَدَ.

(وَ) إذَا لَمْ يَحْلِفْ الصَّبِيُّ وَلَا وَلِيُّهُ مَعَ الشَّاهِدِ (حَلَفَ الْمَطْلُوبُ) : أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الصَّبِيَّ لَا يَسْتَحِقُّ عِنْدِي شَيْءٌ أَوْ لَيْسَ هَذَا الْمُدَّعَى بِهِ لَهُ (لِيُتْرَكَ) الْمُتَنَازَعُ فِيهِ (بِيَدِهِ) : أَيْ يَدِ الْمَطْلُوبِ حَوْزًا لَا مِلْكًا إلَى بُلُوغِ الصَّبِيِّ. (وَأُسْجِلَ) : الْمُدَّعَى بِهِ أَيْ أَسْجَلَهُ الْحَاكِمُ عَلَى طِبْقِ مَا وَقَعَ مِنْ الدَّعْوَى وَالشَّاهِدِ، وَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَوْنًا لِمَالِ الصَّبِيِّ وَخَوْفًا مِنْ مَوْتِ الشَّاهِدِ أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لِيَحْلِفَ) الصَّبِيُّ (إذَا بَلَغَ) : عِلَّةً لِلْإِسْجَالِ. (فَإِنْ نَكَلَ) الْمَطْلُوبُ عَنْ الْيَمِينِ حِينَ الدَّعْوَى (أَخَذَهُ الصَّبِيُّ) لِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ قِيَامِ الشَّاهِدِ بِهِ عَلَيْهِ. (وَإِنْ) حَلَفَ فَتَرَكَ الْمُدَّعَى بِهِ بِيَدِهِ لِبُلُوغِ الصَّبِيِّ لِيَحْلِفَ وَ (نَكَلَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQشَاهِدًا يَشْهَدُ لَهُ، فَإِنَّ الْأَبَ وَمَنْ مَعَهُ يَحْلِفُ مَعَ ذَلِكَ الشَّاهِدِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْلِفْ غَرِمَ. قَوْلُهُ: [لَا يَسْتَحِقُّ عِنْدِي شَيْءٌ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ بِرَفْعِ شَيْءٌ وَالْإِعْرَابُ يَقْتَضِي نَصْبَهُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِيَسْتَحِقَّ. قَوْلُهُ: [لِيُتْرَكَ] : بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ عِلَّةٌ لِلْحَلِفِ، وَهَذَا إنْ كَانَ مُعَيَّنًا فَإِنْ كَانَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ دَيْنًا بَقِيَ بِذِمَّتِهِ، وَإِذَا كَانَ مُعَيَّنًا وَبَقِيَ بِيَدِهِ فَغَلَّتُهُ لَهُ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ بِهِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَرْكِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ يَمِينِهِ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا هُوَ قَوْلُ الْأَخَوَيْنِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ، وَقِيلَ: إنَّهُ يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ وَيُوقَفُ ذَلِكَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ الْمُعَيَّنُ تَحْتَ يَدِ عَدْلٍ لِبُلُوغِ الصَّبِيِّ وَنَسَبَهُ فِي التَّوْضِيحِ لِظَاهِرِ الْمَوَّازِيَّةِ كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [أَيْ أَسْجَلَهُ الْحَاكِمُ] : أَيْ يَكْتُبُ فِي سِجِلِّهِ الْحَادِثَةَ وَشَهَادَةَ الْعَدْلِ وَمَا حَصَلَ عَلَيْهِ الِانْفِصَالُ لِلْخُصُومَةِ. قَوْلُهُ: [عِلَّةً لِلْإِسْجَالِ] : أَيْ كَذَا وَقَوْلُ الشَّارِحِ صَوْتًا وَخَوْفًا فَإِنَّهُمَا عِلَّتَانِ لِلْإِسْجَالِ أَيْضًا فَإِذَا حَصَلَ التَّسْجِيلُ وَتَغَيَّرَ حَالُهُ عَنْ الْعَدَالَةِ فَلَا يَضُرُّ لِأَنَّ فِسْقَهُ بَعْدَ الْإِسْجَالِ بِمَنْزِلَةِ طُرُوُّ فِسْقِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ وَهُوَ لَا يَضُرُّ فَلَا يُعَارِضُ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ طُرُوُّ الْفِسْقِ بَعْدَ الْأَدَاءِ مُضِرٌّ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ نَكَلَ الْمَطْلُوبُ] : مُقَابِلُ قَوْلِهِ وَحَلَفَ الْمَطْلُوبُ. قَوْلُهُ: [فَتُرِكَ الْمُدَّعَى بِهِ] : أَيْ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا أَعَادَهُ تَمْهِيدًا لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ

الصَّبِيُّ (بَعْدَ بُلُوغِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ) . (وَحَلَفَ وَارِثُهُ) : أَيْ وَارِثُ الصَّبِيِّ (إنْ مَاتَ) الصَّبِيُّ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَاسْتَحَقَّ الْمُدَّعَى بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَحَلَفَ وَارِثُهُ] : مَحَلُّ حَلِفِ الْوَارِثِ وَاسْتِحْقَاقِهِ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْوَارِثُ بَيْتَ الْمَالِ أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ غَيْرَ مَرْجُوِّ الْإِفَاقَةِ، وَإِلَّا فَلَا يَحْلِفُ وَتُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَيَسْتَحِقُّ وَلَا حَقَّ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَا لِلْوَارِثِ الْمَجْنُونِ أَوْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَمَحَلُّ رَدِّهَا عَلَى الْمَطْلُوبِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مَا لَمْ يَكُنْ حَلَفَ أَوَّلًا وَإِلَّا فَلَا تُعَادُ، فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ مَجْنُونًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ مَرْجُوًّا كُلُّ الْإِفَاقَةِ اُنْتُظِرَ وَلَا يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ وَيُوضَعُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بِيَدِ أَمِينٍ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. تَنْبِيهٌ إنْ تَعَذَّرَ يَمِينُ بَعْضٍ أَوْ كُلٍّ فَالْأَوَّلُ كَمَنْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى بَنِيهِ وَعَقِبِهِ وَقَامَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَإِنَّ الْيَمِينَ مُتَعَذِّرَةٌ مِنْ الْعَقِبِ لِعَدَمِ وُجُودِهِ، وَالثَّانِي كَمَنْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَقَامَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ، فَالْيَمِينُ مُتَعَذِّرَةٌ مِنْ جَمِيعِهِمْ حَلَفَ مَنْ يُخَاطَبُ بِالْيَمِينِ وَهُوَ الْبَعْضُ الْمَوْجُودُ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فِي الْأَوَّلِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الثَّانِي، فَإِنْ حَلَفَ الْمَوْجُودُ مَعَ الشَّاهِدِ ثَبَتَ الْوَقْفُ، وَإِنْ حَلَفَ بَعْضُ الْمَوْجُودِينَ دُونَ بَعْضٍ ثَبَتَ نَصِيبُ مَنْ حَلَفَ دُونَ غَيْرِهِ، فَإِنْ نَكَلَ الْجَمِيعُ بَطَلَ الْوَقْفُ إنْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ نَكَلَ فَحُبِسَ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ وَنُكُولِهِ، فَإِنْ مَاتَ الْبَعْضُ الْحَالِفُ مُتَّحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا وَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَنَاكِلُ، فَهَلْ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَ الْمَيِّتِ الْحَالِفِ أَهْلُ طَبَقَتِهِ النَّاكِلُونَ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُمْ عَنْ الْحَلِفِ أَوَّلًا عَنْ نَصِيبِهِمْ لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ نَصِيبِ الْحَالِفِ الْمَيِّتِ؟ أَوْ يَسْتَحِقُّهُ أَهْلُ الْبَطْنِ الثَّانِي لِبُطْلَانِ حَقِّ بَقِيَّةِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ بِنُكُولِهِمْ وَأَهْلُ الْبَطْنِ الثَّانِي إنَّمَا تَلْقَوْهُ عَنْ جَدِّهِمْ الْمُحْبِسِ فَلَا يَضُرُّهُمْ نُكُولُ أَبِيهِمْ إنْ كَانَ هُوَ النَّاكِلُ؟ تَرَدَّدَ، الرَّاجِحُ الثَّانِي وَكُلُّ مَنْ اسْتَحَقَّ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ لِأَنَّ أَصْلَ الْوَقْفِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ غَيْرُ وَلَدِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ وَلَدَهُ يَأْخُذُ بِالْوِرَاثَةِ عَنْ أَبِيهِ وَمَحَلُّ التَّرَدُّدِ الْمَذْكُورِ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَطْنِ الثَّانِي شَيْئًا إلَّا بَعْدَ انْقِرَاضِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ، وَإِلَّا كَانَ لِأَهْلِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ اتِّفَاقًا، وَمَوْضُوعُ التَّرَدُّدِ أَيْضًا فِي مَوْتِ الْبَعْضِ الْحَالِفِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا النَّاكِلُ، وَأَمَّا إذَا بَقِيَ بَعْضُ مَنْ حَلَفَ مَعَ الْبَعْضِ النَّاكِلِينَ فَلَا شَيْءَ لِلنَّاكِلِينَ، وَيَسْتَحِقُّ نَصِيبَ الْمَيِّتِ الْحَالِفِ.

[نقل الشهادة]

(وَجَازَ نَقْلُهَا) : أَيْ الشَّهَادَةِ عَنْ الشَّاهِدِ الْأَصْلِيِّ، وَتُسَمَّى: شَهَادَةَ النَّقْلِ. وَإِنَّمَا تَصِحُّ بِشُرُوطٍ سِتَّةٍ. أَشَارَ لِأَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ: (إنْ قَالَ) الشَّاهِدُ الْأَصْلِيُّ لِلنَّاقِلِ عَنْهُ: (اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي) - أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا يُرَادِفُهُ كَمَا نَقَلَهَا عَنِّي أَوْ مَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: (أَوْ سَمِعَهُ يُؤَدِّيهَا عِنْدَ حَاكِمٍ) إذْ سَمَاعُهُ يُؤَدِّيهَا عِنْدَ حَاكِمٍ بِمَنْزِلَةِ. قَوْلِهِ: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي. وَأَمَّا إذَا سَمِعَهُ يُخْبِرُ غَيْرَهُ بِأَنِّي قَدْ شَهِدْت عَلَى كَذَا فَلَا يَنْقُلُ عَنْهُ. نَعَمْ إذَا سَمِعَهُ يَقُولُ لِغَيْرِهِ: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي فَهَلْ لِلسَّامِعِ النَّقْلُ؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي كَلَامِنَا لِأَنَّ الْمَعْنَى: وَقَالَ لِغَيْرِهِ: اشْهَدْ إلَخْ، فَيَجُوزُ وَلَوْ لِغَيْرِ الْمُخَاطَبِ مِنْ السَّامِعِينَ. وَشَمَلَ كَلَامُهُ نَقْلَ النَّقْلِ لِأَنَّ الْمُرَادَ وَلَوْ تَسَلْسَلَ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: النَّقْلُ عُرْفًا إخْبَارُ الشَّاهِدِ عَنْ سَمَاعِهِ شَهَادَةَ غَيْرِهِ أَوْ سَمَاعُهُ إيَّاهُ لِقَاضٍ، فَيَدْخُلُ نَقْلُ النَّقْلِ وَيَخْرُجُ الْإِخْبَارُ بِذَلِكَ لِغَيْرِ قَاضٍ (اهـ) . وَلِثَانِيهَا بِقَوْلِهِ: (وَغَابَ الْأَصْلُ وَهُوَ رَجُلٌ) الْوَاوُ لِلْحَالِ، فَلَا يَصِحُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَقِيَّةُ الْحَالِفِينَ، وَهَلْ يَحْلِفُونَ أَيْضًا أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ (اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْأَصْلِ وَحَاشِيَتِهِ) [نَقْلُ الشَّهَادَةِ] قَوْلُهُ: [وَجَازَ نَقْلُهَا] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ شَهَادَةَ النَّقْلِ تَجُوزُ فِي الْحُدُودِ وَالطَّلَاقِ وَالْوَلَاءِ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ كَمَا أَفَادَهُ (بْن) . قَوْلُهُ: [وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ] : قَالَ الْمَوَّاقُ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ سَمِعَهُ يُؤَدِّيهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ سَمِعَهُ يُشْهِدُ غَيْرَهُ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ (اهـ بْن) . وَقَوْلُهُ: [لِقَاضٍ] : مُتَعَلِّقٌ بِإِخْبَارٍ. قَوْلُهُ: [فَيَدْخُلُ نَقْلُ النَّقْلِ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ أَوْ سَمَاعِهِ إيَّاهُ. وَحَاصِلُ هَذَا التَّعْرِيفِ أَنَّ قَوْلَهُ إخْبَارُ الشَّاهِدِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَشَهَادَةَ مَفْعُولٌ لِسَمَاعِهِ. بِمَعْنَى أَنَّ الشَّاهِدَ يُخْبِرُ الْقَاضِيَ أَنَّهُ سَمِعَ تِلْكَ الشَّهَادَةَ مِنْ غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ قَالَ لَهُ: اُنْقُلْهَا عَنِّي أَوْ سَمِعَهُ يُؤَدِّيهَا عِنْدَ حَاكِمٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ سَمَاعُهُ إيَّاهُ الضَّمِيرُ فِي إيَّاهُ يَعُودُ عَلَى الْإِخْبَارِ بِمَعْنَى الشَّهَادَةِ أَيْ سَمِعَ الشَّهَادَةَ عَنْ نَاقِلٍ غَيْرِ صَاحِبِهَا الْأَصْلِيِّ فَلِذَلِكَ قُلْنَا يَدْخُلُ فِيهِ نَقْلُ النَّقْلِ

النَّقْلُ مَعَ حُضُورِ الْأَصْلِ إذَا كَانَ رَجُلًا. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَصِحُّ مَعَ حُضُورٍ، لِأَنَّ شَأْنَ النِّسَاءِ عَدَمُ الْخُرُوجِ فِي الدَّعَاوَى. وَلِثَالِثِهَا بِقَوْلِهِ: (بِمَكَانٍ) : أَيْ إنْ غَابَ بِمَكَانٍ (لَا يَلْزَمُ) الْأَصْلِيَّ (الْأَدَاءُ مِنْهُ) : كَمَسَافَةِ الْقَصْرِ. وَظَاهِرُهُ فِي الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ مَذْهَبُ سَحْنُونَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: لَا يَكْفِي الْغَيْبَةُ فِي الْحُدُودِ ثَلَاثَةَ الْأَيَّامِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: " وَلَا يَكْفِي فِي الْحُدُودِ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامُ " وَفِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَلَمْ يَبْعُدْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَلْزَمْ الْأَصْلِيَّ الْإِتْيَانُ لِمَحَلِّ الْحُكْمِ كَمَا مَرَّ، فَلِمَ لَمْ يَجُزْ النَّقْلُ عَنْهُ؟ وَعَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ " أَوْ غَابَ " قَوْلَهُ: (أَوْ مَاتَ) الْأَصْلُ (أَوْ مَرِضَ) مَرَضًا يَعْسُرُ مَعَهُ الْحُضُورُ عِنْدَ الْحَاكِمِ. وَلِرَابِعِهَا بِقَوْلِهِ: (وَلَمْ يَطْرَا) لِلْأَصِيلِ (فِسْقٌ أَوْ عَدَاوَةٌ) لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ. (بِخِلَافِ) طُرُوُّ (جِنٍّ) : أَيْ جُنُونٍ لِلْأَصْلِ بَعْدَ تَحَمُّلِ الْأَدَاءِ فَلَا يَضُرُّ فِي النَّقْلِ عَنْهُ كَالْمَوْتِ وَالْمَرَضِ. وَلِخَامِسِهَا بِقَوْلِهِ: (وَلَمْ يُكَذِّبْهُ) أَيْ النَّاقِلَ (أَصْلُهُ) : فَإِنْ كَذَّبَهُ حَقِيقَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مَعَ حُضُورٍ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ وَالْمُنَاسِبُ مَعَ حُضُورِهَا، وَالْمُرَادُ بِحُضُورِهَا كَوْنُهَا عَلَى ثَلَاثَةِ بُرُدٍ فَأَقَلَّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ حُضُورَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَإِلَّا كَانَ النَّقْلُ عَنْهَا عَبَثًا. قَوْلُهُ: [وَفِيهَا إشْكَالٌ] : وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الشَّاهِدُ بِمُوجِبِ حَدٍّ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ يَرْفَعُ شَهَادَتَهُ إلَى قَاضِي بَلَدِهِ وَيُخَاطِبُ الْقَاضِي بِهِ قَاضِي الْمِصْرِ الَّذِي يُرَادُ نَقْلُ الشَّهَادَةِ إلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَاشِرٍ: وَانْظُرْ لِمَ لَمْ يَكْتَفِ بِنَقْلِ الشَّهَادَةِ هُنَا وَاكْتَفَوْا بِالْخِطَابِ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْخُصُومَةِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ النُّفُوسَ تَثِقُ بِنَقْلِ الْقَاضِي عَنْ الشُّهُودِ أَعْظَمَ مِنْ وُثُوقِهَا بِنَفْسِ الشُّهُودِ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَطْرَا] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ بِالْأَلِفِ وَالْفَصِيحُ حَذْفُهَا لِلْجَازِمِ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ الْأَدَاءِ] : أَيْ وَأَمَّا طُرُّوهُ لِلْمَنْقُولِ عَنْهُ بَعْدَ أَدَاءِ النَّاقِلِ فَلَا يَضُرُّ ظَاهِرُهُ وَلَوْ قَبْلَ الْحُكْمِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ (بْن) وَالْحَاشِيَةِ.

أَوْ حُكْمًا - كَشَكِّهِ فِي أَصْلِ شَهَادَتِهِ - لَمْ يَصِحَّ النَّقْلُ عَنْهُ (قَبْلَ الْحُكْمِ) بِشَهَادَةِ النَّقْلِ. (وَإِلَّا) بِأَنْ كَذَّبَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهَا (مَضَى) الْحُكْمُ (وَلَا غُرْمَ) عَلَى النَّاقِلِ وَلَا عَلَى الْأَصْلِ الْمُكَذِّبِ لَهُ. وَلِسَادِسِهَا بِقَوْلِهِ: (وَنَقَلَ) عَطْفٌ عَلَى " غَابَ " (عَنْ كُلٍّ) : أَيْ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شَاهِدِي الْأَصْلِ (اثْنَانِ) : وَهُوَ صَادِقٌ بِأَرْبَعَةٍ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ مُتَغَايِرَانِ. وَبِاثْنَيْنِ نَقْلًا عَنْ هَذَا وَعَنْ الْآخَرِ، وَبِثَلَاثَةٍ نَقَلَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَنْ زَيْدٍ وَأَحَدِهِمَا مَعَ الثَّالِثِ عَنْ عَمْرٍو. (لَيْسَ أَحَدُهُمَا) : أَيْ النَّاقِلِينَ (أَصْلًا) أَدَّى شَهَادَتَهُ بِلَا نَقْلٍ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَصْلًا لَزِمَ ثُبُوتُ الْحَقِّ بِشَاهِدٍ فَقَطْ لِأَنَّ النَّاقِلَ الْمُنْفَرِدَ كَالْعَدَمِ. (وَ) نَقَلَ (فِي الزِّنَا أَرْبَعَةٌ عَنْ كُلٍّ) مِنْ الْأَرْبَعَةِ، صَادِقٌ بِسِتَّةَ عَشَرَ وَبِأَرْبَعَةٍ فَقَطْ، نُقِلَتْ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [قَبْلَ الْحُكْمِ] : قَيْدٌ فِي عَدَمِ التَّكْذِيبِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفِسْقَ وَالْعَدَاوَةَ لَا يَضُرُّ طُرُّوهُمَا بَعْدَ الْأَدَاءِ وَلَوْ قَبْلَ الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا يَضُرُّ طُرُوُّهُمَا قَبْلَ الْأَدَاءِ وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ. وَتَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ أَنَّ حُدُوثَ الْفِسْقِ يَضُرُّ بَعْدَ الْأَدَاءِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ، بِخِلَافِ حُدُوثِ الْعَدَاوَةِ فَلَا يَضُرُّوهُمَا طَرِيقَتَانِ، وَأَمَّا تَكْذِيبُ الْأَصْلِ لِفَرْعِهِ أَوْ شَكُّهُ فَمُضِرٌّ إذَا كَانَ قَبْلَ الْأَدَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْحُكْمِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ لَمْ يَضُرَّ. قَوْلُهُ: [بِأَرْبَعَةٍ] : أَيْ كَوْنُ النَّاقِلِ أَرْبَعَةً. قَوْلُهُ: [وَبِاثْنَيْنِ] : مَعْطُوفٌ عَلَى بِأَرْبَعَةٍ وَكَذَا قَوْلُهُ وَبِثَلَاثَةٍ. قَوْلُهُ: [أَيْ النَّاقِلَيْنِ] : بِالْجَرِّ تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ جَرٍّ بِالْإِضَافَةِ. قَوْلُهُ: [صَادِقٌ بِسِتَّةَ عَشَرَ] : أَيْ مِنْ ضَرْبِ أَرْبَعَةٍ فِي أَرْبَعَةٍ. قَوْلُهُ: [نُقِلَتْ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ] : رَاجِعٌ لِلثَّانِيَةِ، وَأَمَّا الْأُولَى فَكُلُّ أَرْبَعَةٍ تُنْقَلُ عَنْ وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: [وَبِغَيْرِ ذَلِكَ] : أَيْ كَثَمَانِيَةٍ يَنْقُلُ كُلُّ أَرْبَعَةٍ مِنْهُمْ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ مِنْ الْأُصُولِ، وَاثْنَيْ عَشَرَ تَنْقُلُ كُلُّ أَرْبَعَةٍ مِنْهَا عَنْ وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ مِنْ

(أَوْ) نَقَلَ أَرْبَعَةٌ فِي الزِّنَا (اثْنَانِ) مِنْهُمْ (عَنْ كُلِّ اثْنَيْنِ) مِنْ الْأَصْلِ كَأَنْ نَقَلَا عَنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَنَقَلَ الْآخَرَانِ عَنْ بَكْرٍ وَخَالِدٍ، فَيَكْفِي، فَإِنْ نَقَلَ اثْنَانِ عَنْ ثَلَاثَةٍ وَعَنْ الرَّابِعِ اثْنَانِ آخَرَانِ لَمْ تَصِحَّ - خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ - لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرْعِ لَا تَصِحُّ إلَّا إذَا صَحَّتْ شَهَادَةُ الْأَصْلِ لَوْ حَضَرَ وَالرَّابِعُ لَوْ حَضَرَ مَعَ الِاثْنَيْنِ النَّاقِلَيْنِ لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ مَعَهُمَا لِنَقْصِ الْعَدَدِ. (وَ) جَازَ (تَلْفِيقُ نَاقِلٍ بِأَصْلٍ) : أَيْ مَعَهُ فِي الزِّنَا وَغَيْرِهِ كَأَنْ يَنْقُلَ اثْنَانِ عَنْ اثْنَيْنِ فِي الزِّنَا مَعَ أَصْلَيْنِ. (وَ) جَازَ (تَزْكِيَةُ نَاقِلٍ أَصْلَهُ) النَّاقِلُ هُوَ عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُصُولِ وَتَزِيدُ أَرْبَعَةً مِنْهَا بِالنَّقْلِ عَنْ الرَّابِعِ. قَوْلُهُ: [كَأَنْ نَقَلَا] : أَيْ الِاثْنَانِ مَعًا بِأَنْ سَمِعَاهَا مِنْ زَيْدٍ ثُمَّ سَمِعَاهَا مِنْ عَمْرٍو. قَوْلُهُ: [وَنَقَلَ الْآخَرَانِ] : أَيْ الِاثْنَانِ الْآخَرَانِ أَيْ سَمِعَاهَا مِنْ بَكْرٍ ثُمَّ سَمِعَاهَا مِنْ خَالِدٍ فَهَذِهِ صُورَةٌ خَامِسَةٌ. قَوْلُهُ: [لِنَقْصِ الْعَدَدِ] : أَيْ لِأَنَّ النَّاقِلَ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْأَصْلِيِّ وَيُلْغَى الْأَصْلِيُّ. وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ النَّاقِلَ عَنْ الثَّلَاثَةِ اثْنَانِ فَإِذَا حَضَرَ مَعَهُمَا الرَّابِعُ الْأَصْلِيُّ كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ ثَالِثًا وَكَذَلِكَ لَا تَصِحُّ لَوْ نَقَلَ ثَلَاثَةٌ عَنْ ثَلَاثَةٍ وَوَاحِدٌ عَنْ الْأَرْبَعَةِ، لِأَنَّهَا آلَتْ إلَى أَنَّ الْأَرْبَعَةَ نَقَلُوا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَنَقَلَ عَنْ الرَّابِعِ وَاحِدٌ فَقَطْ. وَأَمَّا لَوْ نَقَلَ ثَلَاثَةٌ عَنْ ثَلَاثَةٍ وَاثْنَانِ عَنْ وَاحِدٍ لَكَفَى كَمَا فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ كَذَا فِي بْن. تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ شَهَادَةِ النَّقْلِ فِي الزِّنَا أَنْ يَقُولَ الشُّهُودُ لِمَنْ يَنْقُلُ عَنْهُمْ: اشْهَدُوا عَنَّا أَنَّنَا رَأَيْنَا فُلَانًا يَزْنِي وَهُوَ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَلَا يَجِبُ الِاجْتِمَاعُ وَقْتَ النَّقْلِ وَلَا تَفْرِيقُ النَّاقِلِينَ وَقْتَ شَهَادَتِهِمْ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِخِلَافِ الْأُصُولِ. قَوْلُهُ: [كَأَنْ يَنْقُلَ اثْنَانِ عَنْ اثْنَيْنِ] : أَيْ وَكَأَنْ يَشْهَدَ ثَلَاثَةٌ بِالرُّؤْيَةِ وَيَنْقُلُ اثْنَانِ عَنْ رَابِعٍ. وَمَحَلُّ جَوَازِ التَّلْفِيقِ إذَا كَانَ النَّقْلُ صَحِيحًا كَمَا ذُكِرَ فِي الْمِثَالَيْنِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا نُقِلَ عَنْ ثَلَاثَةٍ وَشَهِدَ الرَّابِعُ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ تَزْكِيَةُ نَاقِلٍ أَصْلَهُ] : أَيْ بَعْدَ أَنْ يَنْقُلَ عَنْ شَهَادَتِهِ وَكُلُّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا إلَى التُّهْمَةِ فِي تَرْوِيجِ نَقْلِهِ؛ لِأَنَّهُ خُفِّفَ فِي شَهَادَةِ النَّقْلِ مَا لَمْ يُخَفَّفْ فِي.

[كذب الشهود وأثره]

(وَ) جَازَ (نَقْلُ امْرَأَتَيْنِ) : عَنْ رَجُلٍ أَوْ عَنْ امْرَأَةٍ (مَعَ رَجُلٍ) نَاقِلٍ مَعَهُمَا عَمَّنْ ذُكِرَ لَا مَعَ رَجُلٍ أَصْلِيٍّ، لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَلَا نَقْلُ لِوَاحِدٍ إذْ هُوَ كَالْعَدَمِ كَمَا مَرَّ (فِيمَا يَشْهَدْنَ فِيهِ) : وَهِيَ الْأَمْوَالُ وَمَا آلَ إلَيْهَا وَمَا لَا يَظْهَرُ إلَّا لِلنِّسَاءِ كَالْوِلَادَةِ وَعَيْبِ الْفَرْجِ، لَا فِي نَحْوِ طَلَاقٍ وَقِصَاصٍ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ رُجُوعِ الشَّاهِدَيْنِ عَنْ شَهَادَتِهِمَا فَقَالَ: (وَبَطَلَتْ) الشَّهَادَةُ (إنْ رَجَعَ) الشَّاهِدُ أَيْ جِنْسُهُ الصَّادِقُ بِالْمُتَعَدِّدِ (قَبْلَ الْحُكْمِ) وَبَعْدَ الْأَدَاءِ فَأَوْلَى قَبْلَهُ. (لَا) إنْ رَجَعَ (بَعْدَهُ) أَيْ الْحُكْمِ فَلَا تَبْطُلُ وَقَدْ تَمَّ الْحُكْمُ وَمَضَى فِي الْمَالِ فَيَغْرَمُهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي بِمُقْتَضَى شَهَادَتِهِمَا. (وَغَرِمَ) الشَّاهِدُ (الْمَالَ وَالدِّيَةَ) لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ غَرِمَهُ لِلْمُدَّعِي ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصْلِيَّةِ وَلِذَا لَا يَجُوزُ تَزْكِيَةُ الْأَصْلِ لِلنَّاقِلِ عَنْهُ. قَوْلُهُ: [مَعَ رَجُلٍ نَاقِلٍ مَعَهُمَا] : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا رَجُلٌ فَلَا يَجْتَزِئُ بِنَقْلِ الْمَرْأَتَيْنِ وَلَوْ فِيمَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا يُفِيدُهُ ابْنُ عَرَفَةَ (اهـ بْن) . قَوْلُهُ: [لَا مَعَ رَجُلٍ أَصْلِيٍّ] : أَيْ خِلَافًا لِلتَّتَّائِيِّ حَيْثُ اجْتَرَأَ بِهِ. قَوْلُهُ: [لَا فِي نَحْوِ طَلَاقٍ وَقِصَاصٍ] : أَيْ مِنْ كُلِّ مَا لَا تَصِحُّ فِيهِ شَهَادَتُهُنَّ اسْتِقْلَالًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ يَمِينٍ أَوْ مَعَ رَجُلٍ وَهُوَ الْمَالُ وَمَا يَئُولُ إلَيْهِ، وَكَذَا مَا يَخْتَصُّ بِشَهَادَتِهِنَّ كَالْوِلَادَةِ وَالِاسْتِهْلَالِ وَعَيْبِ الْفَرْجِ يَجُوزُ نَقْلُ النِّسَاءِ فِيهِ إذَا تَعَدَّدْنَ مَعَ رَجُلٍ نَاقِلٍ مَعَهُنَّ، سَوَاءٌ نَقَلْنَ عَنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، فَإِنْ نَقَلْنَ لَا مَعَ رَجُلٍ أَصْلًا أَوْ مَعَ رَجُلٍ أَصْلِيٍّ لَمْ يَقْبَلْ النَّقْلَ وَلَوْ كَثُرْنَ جِدًّا، وَمَا لَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ أَصْلًا لَا يُقْبَلُ فِيهِ نَقْلُهُنَّ وَلَوْ صَاحَبَهُنَّ رَجُلٌ نَاقِلٌ [كَذَبَ الشُّهُود وَأَثَره] قَوْلُهُ: [إنْ رَجَعَ الشَّاهِدُ] إلَخْ: مَحَلُّ الْبُطْلَانِ مَا لَمْ يَبْقَ مِنْ الشُّهُودِ مَا يَسْتَقِلَّ بِهِ الْحُكْمُ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ وَإِلَّا فَلَا يُعْتَدُّ بِالرَّاجِعِ، فَلَوْ بَقِيَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فِي الْأَمْوَالِ، وَمَا يَئُولُ إلَيْهَا وَحَلَفَ مَعَهُ الْمُدَّعِي كَفَى. قَوْلُهُ: [فَأَوْلَى قَبْلَهُ] : أَيْ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَفِي الْحَقِيقَةِ قَبْلَ الْأَدَاءِ لَمْ تُوجَدْ صُورَتُهَا فَلَا يُتَوَهَّمُ قَبُولُهَا

الْمَشْهُودِ لَهُ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا رَجَعَا فِي طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ قِيمَةَ الْمُعْتَقِ، وَفِي الطَّلَاقِ إنْ دَخَلَ بِالزَّوْجَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ ضَمِنَا نِصْفَ الصَّدَاقِ لِلزَّوْجِ، وَيَضْمَنَانِ الدَّيْنَ وَالْعَقْلَ فِي الْقِصَاصِ فِي أَمْوَالِهِمَا (اهـ) وَقَالَ أَشْهَبُ: يُقْتَصُّ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْعَمْدِ: أَيْ لِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا فِي قَتْلِ نَفْسٍ بِلَا شُبْهَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَهَذَا إنْ رَجَعُوا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ فِي الْقَتْلِ وَمِثْلُهُ الرَّجْمُ. (وَنُقِضَ) الْحُكْمُ (وَإِنْ ثَبَتَ كَذِبُهُمْ) بَعْدَ الْحُكْمِ وَ (قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ) فِي الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ وَالْحَدِّ (لِحَيَاةِ مَنْ شَهِدُوا بِقَتْلِهِ، أَوْ جَبِّهِ قَبْلَ الزِّنَا) : أَيْ جَبِّ مَنْ شَهِدُوا بِزِنَاهُ: أَيْ ثَبَتَ أَنَّهُ مَجْبُوبٌ قَبْلَ شَهَادَتِهِمْ بِالزِّنَا أَيْ قَبْلَ الزِّنَا الَّذِي شَهِدُوا بِهِ. وَلَا يَلْزَمُهُمْ حَدُّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ مَنْ رَمَى الْمَجْبُوبَ بِالزِّنَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. (وَإِلَّا) يَثْبُتْ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ - بَلْ ثَبَتَ كَذِبُهُمْ بَعْدَهُ - (غَرِمُوا) الدِّيَةَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ] : هَذَا دَلِيلٌ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَلَا مَحْظُورَ فِيهِ. قَوْلُهُ: [وَفِي الطَّلَاقِ إنْ دَخَلَ بِالزَّوْجَةِ] : أَيْ لِأَنَّهُ بَعْدَ الدُّخُولِ اسْتَحَقَّتْ عَلَيْهِ جَمِيعَ الصَّدَاقِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ طَلَاقٌ فَلَمْ يَفُوتَاهُ إلَّا التَّمَتُّعَ بِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ لَا قِيمَةَ لَهُ وَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [ضَمِنَا نِصْفَ الصَّدَاقِ] : أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ شَيْئًا وَهُوَ مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ. قَوْلُهُ: [وَيَضْمَنَانِ الدَّيْنَ وَالْعَقْلَ] : إلَخْ: ظَاهِرُهُ تَعَمَّدَا الزُّورَ ابْتِدَاءً أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [وَقَالَ أَشْهَبُ: يُقْتَصُّ] إلَخْ: أَيْ وَيَغْرَمَانِ الدِّيَةَ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدَا. قَوْلُهُ: [وَهَذَا] : أَيْ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَنُقِضَ الْحُكْمُ] إلَخْ: أَيْ لِحُرْمَةِ الدَّمِ وَحِينَئِذٍ فَلَا غُرْمَ عَلَى الشُّهُودِ وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَقِيلَ: لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ. قَوْلُهُ: [غَرِمُوا الدِّيَةَ] إلَخْ: أَيْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَمَّا أَشْهَبُ فَإِنَّهُ يَقُولُ

أَيْ دِيَةَ مَنْ قُتِلَ قِصَاصًا أَوْ رَجْمًا بِشَهَادَتِهِمْ. (وَلَا يُشَارِكُمْ) فِي الْغُرْمِ (شَاهِدَا الْإِحْصَانِ) : أَيْ إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِزِنَا شَخْصٍ وَشَهِدَ اثْنَانِ بِإِحْصَانِهِ فَرُجِمَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مَجْبُوبًا قَبْلَ الزِّنَا فَالدِّيَةُ عَلَى شَاهِدِي الزِّنَا فَقَطْ وَلَا يُشَارِكُهُمْ فِيهَا شَاهِدَا الْإِحْصَانِ، لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا فِي نَفْسِهَا لَا تُوجِبُ حَدًّا، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ الرَّاجِحُ. وَقَالَ أَشْهَبُ: يُشَارِكُهُمْ فِي الْغُرْمِ بَيِّنَةُ الْإِحْصَانِ إذْ لَوْلَاهَا مَا رُجِمَ. (وَأُدِّبَا) : أَيْ الشَّاهِدَانِ إذَا رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِالْحَدِّ (فِي كَقَذْفٍ) : أَدْخَلَ بِالْكَافِ: شُرْبَ الْخَمْرِ وَالشَّتْمَ وَاللَّطْمَ وَضَرْبَ السَّوْطِ. وَأَمَّا شُهُودُ الزِّنَا إذَا رَجَعُوا قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ وَعَلَيْهِمْ أَيْضًا غُرْمُ الدِّيَةِ إنْ رُجِمَ كَمَا تَقَدَّمَ، مَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِهِ كَانَ مَجْبُوبًا أَوْ غَيْرَ عَفِيفٍ فَلَا حَدَّ قَذْفٍ عَلَى، الرَّاجِحِ. وَالْمَسْأَلَةُ اسْتَوْفَاهَا الشَّيْخُ - عَمَّتْ بَرَكَاتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْقِصَاصِ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: [وَلَا يُشَارِكُهُمْ فِي الْغُرْمِ] : الضَّمِيرُ الْبَارِزُ فِي يُشَارِكُهُمْ يَعُودُ عَلَى شُهُودِ الزِّنَا الْمَفْهُومِينَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ جَبَّهُ قَبْلَ الزِّنَا. قَوْلُهُ: [عَلَى شَاهِدِي الزِّنَا] : بِكَسْرِ الدَّالِ جَمْعُ شَاهِدٍ. قَوْلُهُ: [وَقَالَ أَشْهَبُ يُشَارِكُهُمْ] إلَخْ: اُخْتُلِفَ عَلَى قَوْلِهِ هَلْ السِّتَّةُ يَسْتَوُونَ فِي الْغُرْمِ أَوْ عَلَى شَاهِدِي الْإِحْصَانِ نِصْفُهَا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ نَوْعَانِ فَيَكُونُ عَلَى كُلٍّ نِصْفُهَا، قَوْلَانِ كَمَا فِي (بْن) وَلَا يَقُولُ أَشْهَبُ فِي هَذِهِ بِالْقِصَاصِ عَلَى مُتَعَمِّدِ الزُّورِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَا تَسْتَلْزِمُ قَتْلَهُمْ لِكَوْنِهِمْ لَا يَشْهَدُونَ بِإِحْصَانِهِ. قَوْلُهُ: [وَأُدِّبَا] إلَخْ: مَحَلُّ أَدَبِهِمَا حَيْثُ تَبَيَّنَ كَذِبُهُمَا عَمْدًا فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمَا فَلَا أَدَبَ وَإِنْ أُشْكِلَ الْأَمْرُ فَقَوْلَانِ بِالتَّأْدِيبِ وَعَدَمِهِ قَوْلُهُ: [وَاللَّطْمَ] : أَيْ الضَّرْبَ بِالْكَفِّ. قَوْلُهُ: [فَلَا حَدَّ قَذْفٍ عَلَى الرَّاجِعِ] : أَيْ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ عَفِيفًا ذَا آلَةٍ. قَوْلُهُ: [وَالْمَسْأَلَةُ اسْتَوْفَاهَا الشَّيْخُ] : حَاصِلُ مَا بَقِيَ مِنْ الَّذِي اسْتَوْفَاهُ الشَّيْخُ أَنَّ شُهُودَ الزِّنَا الرَّاجِعِينَ يُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ مُطْلَقًا رَجَعُوا قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ.

(وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُمَا عَنْ الرُّجُوعِ) عَنْ الشَّهَادَةِ، فَإِذَا شَهِدَا بِحَقٍّ ثُمَّ رَجَعَا قَبْلَ الْحُكْمِ بَطَلَ شَهَادَتُهُمَا. فَإِنْ رَجَعَا عَنْ الرُّجُوعِ إلَى الشَّهَادَةِ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُمْ، وَإِذَا رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ عَنْ الشَّهَادَةِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهَا لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُمْ وَيَغْرَمَانِ. مَا أَتْلَفَاهُ بِشَهَادَتِهِمَا؛ كَالرَّاجِعِ الْمُتَمَادِي؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُمَا عَنْ الرُّجُوعِ يُعَدُّ نَدَمًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِيفَاءِ أَوْ بَعْدَهُ مَعَ غُرْمِ الدِّيَةِ فِي الرَّجْمِ كَرُجُوعِ أَحَدِ الْأَرْبَعَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَهُ حُدَّ الرَّاجِعُ فَقَطْ. وَأَمَّا إنْ ظَهَرَ أَنَّ أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ عَبْدٌ أَوْ كَافِرٌ حُدَّ الْجَمِيعُ وَإِنْ رَجَعَ اثْنَانِ مِنْ سِتَّةٍ فَلَا غُرْمَ وَإِلَّا حُدَّ، وَإِنَّمَا يُؤَدَّبَانِ بِالِاجْتِهَادِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ عَبْدٌ أَوْ كَافِرٌ فَيُحَدُّ الرَّاجِعَانِ وَالْعَبْدُ وَلَا حَدَّ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ شَهِدَ مَعَهُمْ اثْنَانِ وَلَا عِبْرَةَ بِرُجُوعِهِمَا فِي حَقِّهِمْ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا مَعْمُولٌ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ وَغَرِمَ الرَّاجِعَانِ فَقَطْ دُونَ الْعَبْدِ رُبْعَ الدِّيَةِ ثُمَّ إنْ رَجَعَ ثَالِثٌ مِنْ السِّتَّةِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ عَبْدٌ حُدَّ هُوَ وَالسَّابِقَانِ وَغَرِمُوا رُبْعَ الدِّيَةِ، وَإِنْ رَجَعَ رَابِعٌ غَرِمُوا نِصْفَهَا أَرْبَاعًا بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ مَعَ حَدِّ الرَّابِعِ أَيْضًا وَخَامِسٍ فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا بَيْنَهُمْ أَخْمَاسًا وَسَادِسٌ فَجَمِيعُهَا أَسْدَاسًا مَعَ حَدِّهِ أَيْضًا، وَإِنْ شَهِدَ سِتَّةٌ بِزِنَا مُحْصَنٍ وَرَجَعَ أَحَدُهُمْ بَعْدَ فَقْءِ عَيْنِهِ وَثَانِيهِمْ بَعْدَ مُوضِحَتِهِ وَثَالِثُهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ سُدُسُ دِيَةِ الْعَيْنِ لِذَهَابِهَا بِشَهَادَتِهِ وَعَلَى الثَّانِي سُدُسُ دِيَةِ الْعَيْنِ وَخُمُسُ دِيَةِ الْمُوضِحَةِ وَعَلَى الثَّالِثِ رُبْعُ دِيَةِ النَّفْسِ لِأَنَّهَا ذَهَبَتْ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ هُوَ أَحَدُهُمْ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ دِيَةِ الْعَيْنِ وَالْمُوضِحَةِ لِانْدِرَاجِهِمَا فِي النَّفْسِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْمَوَّازِ مِنْ أَنَّ الرُّجُوعَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ يَمْنَعُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الثَّلَاثَةِ الرَّاجِعِينَ رُبْعُ دِيَةِ النَّفْسِ دُونَ الْعَيْنِ وَالْمُوضِحَةِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ بِشَهَادَةِ السِّتَّةِ وَدِيَةُ الْأَعْضَاءِ تَنْدَرِجُ فِيهَا (اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا] : أَيْ وَلَا يَحْكُمُ الْقَاضِي عَلَى الْخَصْمِ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ. قَوْلُهُ: [لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُمْ] : أَيْ لِجُرْحَتِهِمْ بِذَلِكَ فَلَا يُعْتَدُّ بِشَهَادَتِهِمْ مُطْلَقًا رَجَعَا لَهَا أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [رَجَعَا] : فَلَا يُعْتَدُّ بِرُجُوعِهِمَا وَالْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمَا مَاضٍ. قَوْلُهُ: [عَنْ الشَّهَادَةِ] : مُتَعَلِّقٌ بِرَجَعَا أَيْ بَعْدَ أَنْ حَكَمَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا. قَوْلُهُ: [وَيَغْرَمَانِ مَا أَتْلَفَاهُ] : أَيْ مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ أَوْ الْمَالِ، وَرُجُوعُهُمَا.

وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَقَرَّ وَرَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ. (وَإِنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ بِكَذِبِهِمْ) فِي شَهَادَتِهِمْ (وَحَكَمَ) بِمَا شَهِدُوا بِهِ مِنْ قَتْلٍ أَوْ رَجْمٍ أَوْ قَطْعٍ (فَالْقِصَاصُ) عَلَيْهِ دُونَ الشُّهُودِ وَسَوَاءٌ بَاشَرَ الْقَتْلَ أَوْ لَا. (كَوَلِيِّ الدَّمِ) : إذَا عَلِمَ بِكَذِبِهِمْ وَأَقَامَهُمْ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِهِمْ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ، فَإِنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ وَالْوَلِيُّ اقْتَصَّ مِنْهُمَا. وَمَفْهُومُ: " عَلِمَ بِكَذِبِهِمْ " أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَا قِصَاصَ وَإِنْ عَلِمَ بِقَادِحٍ فِيهِمْ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَإِنَّمَا عَلَى الْحَاكِمِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ. (وَإِنْ رَجَعَا عَنْ طَلَاقٍ) : أَيْ عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِطَلَاقٍ بَعْدَ الْحُكْمِ (فَلَا غُرْمَ) عَلَيْهِمَا (إنْ دَخَلَ) الزَّوْجُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ بِزَوْجَتِهِ الْمَشْهُودِ بِطَلَاقِهَا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتْلَفَا عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا مَالًا وَإِنَّمَا فَوَّتَاهُ الِاسْتِمْتَاعَ وَلَا قِيمَةَ لَهُ وَقَدْ اسْتَحَقَّتْ جَمِيعَ الصَّدَاقِ بِالدُّخُولِ. (وَإِلَّا) يَدْخُلْ الزَّوْجُ بِهَا (فَنِصْفُ الصَّدَاقِ) يَغْرَمَانِهِ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يَجِبُ لَهَا النِّصْفُ بِالطَّلَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلشَّهَادَةِ ثَانِيًا لَا يَدْفَعُ عَنْهُمَا غُرْمًا لِأَنَّهُ يُعَدُّ نَدَمًا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَقَرَّ] : أَيْ بِحَقٍّ مَالِيٍّ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ مَا يُؤْخَذُ فِيهِ بِالْإِقْرَارِ. قَوْلُهُ [وَإِنْ عَلِمَ] إلَخْ: أَيْ ثَبَتَ عِلْمُهُ بِذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ لَا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ فَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ إنْ كَانَ مُنْكِرًا لِلْعِلْمِ، وَذَلِكَ لِفِسْقِهِمْ بِكَتْمِهِمْ الشَّهَادَةَ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ هَكَذَا قَالُوا، وَلَكِنْ هَذَا ظَاهِرٌ إنْ لَمْ تَتَعَذَّرْ الْبَيِّنَةُ وَقْتَ الِاسْتِيفَاءِ بِغَيْبَةٍ مَثَلًا، وَإِلَّا كَانَ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ. قَوْلُهُ: [وَسَوَاءٌ بَاشَرَ الْقَتْلَ أَوْ لَا] : أَيْ فَالْمُبَاشِرُ لِلْقَتْلِ بِأَمْرِهِ كَالْجَلَّادِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِكَذِبِ الشُّهُودِ أَيْضًا وَإِلَّا اُقْتُصَّ مِنْهُ كَالْحَاكِمِ وَالْوَلِيِّ لِتَمَالُئِهِمْ عَلَى الْقَتْلِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ عَلِمَ بِقَادِحٍ فِيهِمْ] : أَيْ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْقَادِحِ فِي الشَّاهِدِ كَذِبُهُ. قَوْلُهُ: [وَإِنَّمَا عَلَى الْحَاكِمِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ] : أَيْ وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهَا الْمُدَّعِي إنْ كَانَ يَعْلَمُ الْقَادِحَ كَالْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ عَنْ الْقَادِحِ مِنْ وَظِيفَةِ الْقَاضِي لَا الْمُدَّعِي. قَوْلُهُ [بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ شَيْئًا] : أَيْ فَهُوَ مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعْفٍ

ثُمَّ شَبَّهَ فِي غُرْمِهِمَا نِصْفَ الصَّدَاقِ بِقَوْلِهِ: (كَرُجُوعِهِمَا) : أَيْ الشَّاهِدَيْنِ (عَنْ دُخُولٍ) أَيْ شَهَادَتِهِمَا بِدُخُولِ (ثَابِتَةِ الطَّلَاقِ) بِإِقْرَارِ زَوْجِهَا بِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ عَلَيْهِ بِهِ وَأَنْكَرَ الدُّخُولَ بِهَا فَشَهِدَا عَلَيْهِ بِهِ، فَغَرِمَ لَهَا جَمِيعَ الصَّدَاقِ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِالدُّخُولِ، فَيَغْرَمَانِ لَهُ نِصْفَهُ. فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا غَرِمَ لَهُ الرُّبْعَ. وَهَذَا فِي نِكَاحِ التَّسْمِيَةِ. وَأَمَّا فِي التَّفْوِيضِ فَيَغْرَمَانِ لَهُ جَمِيعَ صَدَاقِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ بِالدُّخُولِ لَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَهُ. (وَاخْتَصَّ بِهِ) أَيْ بِغُرْمِ نِصْفِ الصَّدَاقِ (الرَّاجِعَانِ عَنْ) شَهَادَةِ (الدُّخُولِ عَنْ الرَّاجِعَيْنِ عَنْ) شَهَادَةِ (طَلَاقٍ) : أَيْ إذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِأَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَشَهِدَ آخَرَانِ بِأَنَّهُ دَخَلَ بِهَا، فَحَكَمَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ بِالطَّلَاقِ وَجَمِيعِ الصَّدَاقِ، ثُمَّ رَجَعَ الْأَرْبَعَةُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ، فَقَدْ تَمَّ الْحُكْمُ وَلَا يُنْقَضُ، وَاخْتَصَّ شَاهِدَا الدُّخُولِ؛ بِغُرْمِ نِصْفِ الصَّدَاقِ لِلزَّوْجِ دُونَ بَيِّنَةِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهَا بِمَنْزِلَةِ رُجُوعِ شَهَادَةِ طَلَاقِ مَدْخُولٍ بِهَا وَلَا غُرْمَ عَلَيْهَا كَمَا تَقَدَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَمَّا فِي التَّفْوِيضِ] : أَيْ كَمَا إذَا عَقَدَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ صَدَاقٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَادَّعَى عَدَمَ الدُّخُولِ وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَشَهِدَا عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ غَرِمَ جَمِيعَ الصَّدَاقِ لَهَا، فَإِذَا رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ غَرِمَا لَهُ كُلَّ الصَّدَاقِ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّهُ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ إلَّا بِالدُّخُولِ وَلَمْ يَحْصُلْ. قَوْلُهُ: [وَاخْتَصَّ شَاهِدَا الدُّخُولِ بِغُرْمِ نِصْفِ الصَّدَاقِ] : مَا ذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ شَاهِدِي الدُّخُولِ إذَا رَجَعَا يَغْرَمَانِ نِصْفَ الصَّدَاقِ لِلزَّوْجِ هُوَ مَا فِي التَّتَّائِيِّ وَحُلُولُو وَابْنِ مَرْزُوقٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ النِّصْفَ وَالنِّصْفُ الثَّانِي مَا أَوْجَبَهُ إلَّا شَاهِدَا الدُّخُولِ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ وَبَهْرَامُ يَغْرَمَانِ كُلَّ الصَّدَاقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ شَيْئًا وَالدُّخُولُ الَّذِي شَهِدَا بِهِ أَوْجَبَ كُلَّ الصَّدَاقِ فَإِذَا رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ غَرِمَا مَا أَتْلَفَاهُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ. قَوْلُهُ: [رُجُوعُ شَهَادَةٍ] : الْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ أَصْحَابِ شَهَادَةٍ هَكَذَا عَلَّلَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْبُنَانِيِّ. تَتِمَّةٌ إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ فِي مَسْأَلَةِ رُجُوعِ شَاهِدِي الطَّلَاقِ وَالدُّخُولِ، وَاسْتَمَرَّ الزَّوْجُ عَلَى إنْكَارِهِ لِلطَّلَاقِ فَإِنَّ شَاهِدِي الدُّخُولِ يَرْجِعَانِ عَلَيْهِ بِمَا غَرِمَاهُ لَهُ، لِأَنَّ مَوْتَهَا

(وَ) إنْ رَجَعَا (عَنْ عِتْقٍ) أَيْ عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهِ (غَرِمَا) لِسَيِّدِ الْعَبْدِ (قِيمَتَهُ يَوْمَ الْحُكْمِ، وَوَلَاؤُهُ لَهُ) : أَيْ لِسَيِّدِهِ دُونَ الشَّاهِدَيْنِ (فَإِنْ كَانَ) الْعِتْقُ الَّذِي شَهِدَا بِهِ ثُمَّ رَجَعَا (لِأَجَلٍ) غَرِمَا قِيمَتَهُ يَوْمَ الْحُكْمِ لِسَيِّدِهِ. وَإِذَا غَرِمَاهَا (فَمَنْفَعَتُهُ) : أَيْ الْعَبْدِ (لَهُمَا) : أَيْ الشَّاهِدَيْنِ الرَّاجِعَيْنِ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْأَجَلِ يَسْتَوْفِيَانِ مِنْهَا الْقِيمَةَ الَّتِي غَرِمَاهَا لِسَيِّدِهِ. (إلَّا أَنْ يَسْتَوْفِيَاهَا قَبْلَهُ) : أَيْ قَبْلَ تَمَامِ الْأَجَلِ فَيَرْجِعُ الْبَاقِي مِنْ الْمَنْفَعَةِ لِلسَّيِّدِ. وَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهَا ضَاعَ الْبَاقِي عَلَيْهِمَا. وَهَذَا قَوْلُ سَحْنُونَ، وَهُوَ أَرْجَحُ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ. الثَّانِي: يَغْرَمَانِ الْقِيمَةَ بَعْدَ أَنْ يَسْقُطَ مِنْهَا قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ الْأَجَلِ عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ. الثَّالِثُ: يُخَيَّرُ السَّيِّدُ بَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَنْفَعَةَ لَهُمَا بَعْدَ أَخْذِ الْقِيمَةِ مِنْهُمَا وَبَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهَا تَحْتَ يَدِهِ وَيَدْفَعَ لَهُمَا قِيمَتَهَا شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى التَّقَضِّي حَتَّى يَتِمَّ الْأَجَلُ. (وَ) إنْ رَجَعَا (عَنْ مِائَةٍ) شَهِدَا بِهَا (لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو) مَعًا عَلَى السَّوِيَّةِ، ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِهَا لَهُمَا وَ (قَالَا: بَلْ هِيَ) أَيْ الْمِائَةُ كُلُّهَا (لِزَيْدٍ) وَلَا شَيْءَ مِنْهُمَا لِعَمْرٍو (اقْتَسَمَاهَا) : أَيْ زَيْدٌ وَعَمْرٌو؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِهَا لَهُمَا لَا يُنْقَضُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي عِصْمَتِهِ يُكْمِلُ عَلَيْهِ الصَّدَاقَ وَرَجَعَ الزَّوْجُ عَلَى شَاهِدِي الطَّلَاقِ بِمَا فَوَّتَاهُ مِنْ إرْثِهِ مِنْهَا إذْ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا لَوَرِثَهَا، وَإِنْ مَاتَ هُوَ رَجَعَتْ عَلَى شَاهِدِي الطَّلَاقِ بِمَا فَوَّتَاهُ مِنْ الْإِرْثِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ. قَوْلُهُ: [وَوَلَاؤُهُ لَهُ] : أَيْ فَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ وَلَا وَارِثَ لَهُ أَخَذَ سَيِّدُهُ مَالَهُ، وَانْظُرْ لَوْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ هَلْ يَرْجِعُ السَّيِّدُ عَلَى الشُّهُودِ بِمَا أَخَذَهُ الْوَارِثُ لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا لَأَخَذَ مَالَهُ بِالرِّقِّ أَوَّلًا لِأَنَّهُمَا غَرِمَا لَهُ قِيمَتَهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ (اهـ عب) . قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَسْتَوْفِيَاهَا] : اسْتِثْنَاءٌ مِنْ اسْتِمْرَارِ الْمَنْفَعَةِ لِلْأَجَلِ. قَوْلُهُ: [الثَّانِي يَغْرَمَانِ الْقِيمَةَ] : هُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. قَوْلُهُ: [الثَّالِثُ يُخَيَّرُ السَّيِّدُ] : هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ. قَوْلُهُ: [شَهِدَا بِهَا لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو] : أَيْ عَلَى بَكْرٍ مَثَلًا

[رجع أحد الشاهدين عن شهادته ولم يرجع الأخر]

(وَغَرِمَا لِلْمَدِينِ خَمْسِينَ فَقَطْ) عِوَضًا عَنْ الْخَمْسِينَ الَّتِي أَخَذَهَا عَمْرٌو مِنْهُ وَلَا يَغْرَمَانِ لَهُ جَمِيعَ الْمِائَةِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى زَيْدٍ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ عَنْهُ وَلَيْسَ لِزَيْدٍ سِوَى الْخَمْسِينَ الَّتِي تَخُصُّهُ مِنْ الْمِائَةِ. (وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا) : أَيْ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِ الرُّجُوعِ دُونَ الْآخَرِ (غَرِمَ) الرَّاجِعُ (النِّصْفَ) : أَيْ نِصْفَ الْحَقِّ فَيَغْرَمُ نِصْفَ الدِّيَةِ فِي الْقَتْلِ وَنِصْفَ الْمَالِ فِي غَيْرِهِ، فَيَغْرَمُ لِلْمَدِينِ فِي مَسْأَلَةِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو خَمْسًا وَعِشْرِينَ. وَاخْتُلِفَ: إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدُ بَعْدَ الْحُكْمِ هَلْ يَغْرَمُ جَمِيعَ الْحَقِّ؟ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، أَوْ يَغْرَمَ نِصْفَهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَعَهُ كَشَاهِدٍ؟ (كَرَجُلٍ) شَهِدَ (مَعَ نِسَاءٍ) ثُمَّ رَجَعَ فَيَغْرَمُ نِصْفَ الْحَقِّ. (وَعَلَيْهِنَّ) - إنْ رَجَعْنَ - (وَإِنْ كَثُرْنَ النِّصْفَ) : لِأَنَّهُنَّ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ وَلَوْ كُنَّ أَلْفًا أَوْ أَكْثَرَ (إلَّا أَنْ يَبْقَى مِنْهُنَّ اثْنَتَانِ) : فَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّاجِعَاتِ لِتَمَامِ الشَّهَادَةِ بِالِاثْنَتَيْنِ (فَإِنْ بَقِيَتْ) مِنْهُنَّ (وَاحِدَةٌ) فَقَطْ (فَالرُّبْعُ) : يَلْزَمُ جَمِيعَ الرَّاجِعَاتِ بِالسَّوِيَّةِ وَلَوْ تَرَتَّبُوا فِي رُجُوعِهِنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَغَرِمَا لِلْمَدِينِ] : أَيْ الَّذِي هُوَ بَكْرٌ. قَوْلُهُ: [عِوَضًا عَنْ الْخَمْسِينَ الَّتِي أَخَذَهَا عَمْرٌو] : أَيْ لِإِتْلَافِهِمَا تِلْكَ الْخَمْسِينَ عَلَى الْمَدِينِ الَّذِي هُوَ بَكْرٌ لَيْسَ بِشَهَادَتِهِمَا. قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ لِزَيْدٍ سِوَى الْخَمْسِينَ الَّتِي تَخُصُّهُ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ يَدَّعِي الْمِائَةَ بِتَمَامِهَا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالشَّهَادَةِ الْأُولَى الَّتِي ثَبَتَ بِهَا الْحُكْمُ [رجع أَحَد الشَّاهِدين عَنْ شَهَادَته وَلَمْ يرجع الْأُخَر] قَوْلُهُ: [غَرِمَ الرَّاجِعُ النِّصْفَ] : أَيْ إنْ كَانَ رُجُوعُهُ عَنْ جَمِيعِ الْحَقِّ الَّذِي شَهِدَ بِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ رُجُوعُهُ عَنْ بَعْضِ الْحَقِّ فَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَهُوَ الْمَشْهُورُ] : أَيْ وَإِنْ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى ضَعِيفٍ مِنْ أَنَّ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ اسْتِظْهَارٌ أَيْ مُقَوِّيَةٌ لِلشَّاهِدِ فَقَطْ وَالْحَقُّ ثَابِتٌ بِالشَّاهِدِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْيَمِينَ مَعَهُ كَشَاهِدٍ] : أَيْ مُكَمِّلَةٌ لِنِصَابِ الشَّهَادَةِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ بَقِيَتْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ] : إلَخْ: فَإِنْ رَجَعَتْ تِلْكَ الْوَاحِدَةُ غَرِمَ الْجَمِيعُ النِّصْفَ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَلَوْ تَرَتَّبُوا] : الْمُنَاسِبُ تُرَتَّبْنَ

(وَهُوَ) أَيْ الرَّجُلُ (مَعَهُنَّ فِي) مَا يُقْبَلُ فِيهِ الْمَرْأَتَانِ (كَرَضَاعٍ) وَوِلَادَةٍ، (كَامْرَأَةٍ) فَقَطْ لَا كَاثْنَتَيْنِ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ؛ فَإِنَّهُ مَعَهُنَّ كَامْرَأَتَيْنِ. فَإِذَا شَهِدَ رَجُلٌ وَمِائَةُ امْرَأَةٍ بِمَالٍ وَرَجَعَ الرَّجُلُ بَعْدَ الْحُكْمِ فَعَلَيْهِ نِصْفُهُ، وَكَذَا إنْ رَجَعَ مَعَهُ مَا عَدَا امْرَأَتَيْنِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّاجِعَاتِ إذْ لَا تُضَمُّ النِّسَاءُ لِلرَّجُلِ فِي الْأَمْوَالِ. فَإِذَا رَجَعَتْ الْبَاقِيَتَانِ كَانَ عَلَى جَمِيعِهِنَّ النِّصْفُ وَعَلَى الرَّجُلِ النِّصْفُ. وَأَمَّا فِي الرَّضَاعِ وَنَحْوِهِ فَكَامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا شَهِدَ بِرَضَاعٍ مَعَ مِائَةِ امْرَأَةٍ ثُمَّ رَجَعَ مَعَ ثَمَانِيَةٍ وَتِسْعِينَ مِنْهُنَّ فَلَا غُرْمَ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَسْتَقِلُّ بِالْحُكْمِ. فَإِنْ رَجَعَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْبَاقِيَتَيْنِ كَانَ نِصْفُ الْغَرَامَةِ عَلَيْهِ وَعَلَى الرَّاجِعَاتِ، فَإِنْ رَجَعَتْ الْبَاقِيَةُ كَانَ الْغُرْمُ بِجَمِيعِ الْحَقِّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِنَّ وَهُوَ كَامْرَأَةٍ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ قَوْلُ الشَّيْخِ فِي بَابِ الرَّضَاعِ: " وَثَبَتَ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَبِامْرَأَتَيْنِ " فَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: " وَبِامْرَأَتَيْنِ " أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ امْرَأَةٍ فِي الرَّضَاعِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ هُنَا " كَاثْنَتَيْنِ " فَخِلَافُ الْمَذْهَبِ. فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْغُرْمُ فِي الرَّضَاعِ عَلَى شَاهِدِي الرُّجُوعِ فِيهِ لِأَنَّهُمَا - إنْ شَهِدَا بِالرَّضَاعِ قَبْلَ الدُّخُولِ - فُسِخَ النِّكَاحُ بِلَا مَهْرٍ، وَإِنْ شَهِدَا بِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَالْمَهْرُ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ لِلْوَطْءِ، وَإِنَّمَا فَوَّتَا عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا الْعِصْمَةَ وَهِيَ لَا قِيمَةَ لَهَا؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ إذَا مَاتَ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ فَيَغْرَمُ الرَّاجِعُ لِلْحَيِّ مِنْهُمَا مَا فَوَّتَهُ مِنْ الْإِرْثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَرَضَاعٍ وَوِلَادَةٍ] : أَيْ وَاسْتِهْلَالٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ: [كَامْرَأَةٍ] أَيْ فِي الْغُرْمِ عِنْدَ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. قَوْلُهُ: [مَا عَدَا امْرَأَتَيْنِ] : أَيْ بِأَنْ رَجَعَ مَعَهُ ثَمَانٍ وَتِسْعُونَ. قَوْلُهُ: [إذْ لَا تُضَمُّ النِّسَاءُ لِلرَّجُلِ فِي الْأَمْوَالِ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ يُعَدُّ شَطْرًا مُسْتَقِلًّا وَالشَّطْرُ الْآخَرُ إمَّا امْرَأَتَانِ أَوْ الْيَمِينُ. قَوْلُهُ: [كَانَ عَلَى جَمِيعِهِنَّ النِّصْفُ] : أَيْ عَلَى الصَّوَابِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّ النِّصْفَ يَلْزَمُ الْبَاقِيَتَيْنِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [عَلَيْهِ وَعَلَى الرَّاجِعَاتِ] : أَيْ وَيُعَدُّ رَأْسًا مَعَهُنَّ. قَوْلُهُ: [وَثَبَتَ بِرَجُلٍ] إلَخْ: مَقُولُ قَوْلِ الشَّيْخِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا قَوْلُهُ هُنَا كَاثْنَتَيْنِ] : أَيْ حَيْثُ قَالَ وَهُوَ مَعَهُنَّ فِي الرَّضَاعِ كَاثْنَتَيْنِ. قَوْلُهُ: [مَا فَوَّتَهُ مِنْ الْإِرْثِ] : أَيْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ

وَيَغْرَمُ لِلْمَرْأَةِ مَا فَوَّتَاهَا مِنْ الصَّدَاقِ إنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ وَالرُّجُوعُ عَنْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ. (وَإِنْ رَجَعَ) الشَّاهِدُ عَنْ بَعْضِ مَا شَهِدَ بِهِ غَرِمَ نِصْفَهُ - أَيْ نِصْفَ الْبَعْضِ - فَإِنْ رَجَعَ عَنْ نِصْفِ مَا شَهِدَ بِهِ غَرِمَ رُبْعَ الْحَقِّ، وَإِنْ رَجَعَ عَنْ ثُلُثِهِ غَرِمَ سُدُسَ الْحَقِّ. (وَإِنْ رَجَعَ) بَعْدَ الْحُكْمِ مِنْ الشُّهُودِ (مَنْ يَسْتَقِلُّ الْحُكْمُ بِدُونِهِ) - كَوَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَكَاثْنَيْنِ مِنْ أَرْبَعَةٍ - (فَلَا غُرْمَ) عَلَى الرَّاجِعِ لِاسْتِقْلَالِ الْحُكْمِ بِالْبَاقِي. (فَإِنْ رَجَعَ) بَعْدَهُ (غَيْرُهُ) مِمَّنْ يَسْتَقِلُّ الْحُكْمُ بِهِ (فَالْجَمِيعُ) : أَيْ جَمِيعُ الرَّاجِعِينَ يَغْرَمُونَ مَا رَجَعُوا عَنْهُ فَإِنْ رَجَعَ مَا عَدَا وَاحِدٍ فَالنِّصْفُ عَلَى الْجَمِيعِ سَوِيَّةً. فَإِنْ رَجَعَ الْأَخِيرُ فَالْحَقُّ كُلُّهُ عَلَى الْجَمِيعِ. ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةً تَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ، تُعْرَفُ بِمَسْأَلَةِ غَرِيمِ الْغَرِيمِ بِقَوْلِهِ: (وَلِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ) بِالْحَقِّ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ الرَّاجِعَيْنِ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ دَفْعِهِ الْحَقَّ لِلْمُدَّعِي (مُطَالَبَتُهُمَا) : أَيْ الشَّاهِدَيْنِ الرَّاجِعَيْنِ (بِالدَّفْعِ) : أَيْ دَفْعِ الْحَقِّ (لِلْمَقْضِيِّ لَهُ) : وَهُوَ الْمُدَّعِي بِأَنْ يَقُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَهُمَا: ادْفَعَا الْحَقَّ الَّذِي رَجَعْتُمْ عَنْ شَهَادَتِكُمَا بِهِ لِلْمُدَّعِي. (وَلِلْمَقْضِيِّ لَهُ) بِالْحَقِّ وَهُوَ الْمُدَّعِي (الْمُطَالَبَةُ) لَهُمَا أَيْضًا وَذَلِكَ (إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَيَغْرَمُ لِلْمَرْأَةِ مَا فَوَّتَاهَا مِنْ الصَّدَاقِ] : أَيْ مَعَ الْإِرْثِ. لَا يُقَالُ إنَّهُ سَبَقَ فِي النِّكَاحِ أَنَّ الْفَسْخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَا شَيْءَ فِيهِ إلَّا فِي نِكَاحِ الدِّرْهَمَيْنِ وَفُرْقَةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَالْمُتَرَاضَعِينَ فَإِنَّ فِيهِ نِصْفَ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّنَا نَقُولُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ الرَّضَاعَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَهِيَ تُنْكِرُهُ وَلَا بَيِّنَةَ، أَمَّا لَوْ كَانَ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ شَهِدَتْ بِهِ كَمَا هُنَا فَالْفَسْخُ مِنْ غَيْرِ لُزُومِ شَيْءٍ أَصْلًا. قَوْلُهُ: [مَا عَدَا وَاحِدٍ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ وَالْمُنَاسِبُ النَّصْبُ. قَوْلُهُ: [الَّذِي رَجَعْتُمْ] : الْمُنَاسِبُ رَجَعْتُمَا قَوْلُهُ: [وَلِلْمَقْضِيِّ لَهُ] إلَخْ: أَيْ خِلَافًا لِابْنِ الْمَوَّازِ الْقَائِلِ: لَا يَلْزَمُ الشَّاهِدَيْنِ غُرْمٌ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ إذَا طَالَبَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ لَوْ حَضَرَ مِنْ غَيْبَتِهِ لَأَقَرَّ بِالْحَقِّ فَلَا يَغْرَمَانِ كَذَا وَجَّهَ بِهِ كَلَامَ الْمَوَّازِيَّةِ وَهُوَ لَا يَظْهَرُ فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ مَعَ جَعْلِ التَّعَذُّرِ شَامِلًا لَهُمَا، وَنَصُّ الْمَوَّازِيَّةِ إذَا حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ رَجَعَ فَهَرَبَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ فَطَلَبَ الْمَقْضِيُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الشَّاهِدَيْنِ بِمَا كَانَ يَغْرَمَانِ لِغَرِيمِهِ لَوْ غَرِمَ لَمْ يَلْزَمْهُمَا غُرْمٌ حَتَّى

[حكم تعارض البينتين]

تَعَذَّرَ) الطَّلَبُ (مِنْ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ) لِمَوْتِهِ أَوْ عُسْرِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ لَا إنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ وَإِنَّمَا يُطَالَبُ غَرِيمُهُ وَهُوَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى رُجُوعِ الشَّاهِدِينَ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى حُكْمِ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ فَقَالَ: (وَإِنْ تَعَارَضَ بَيِّنَتَانِ وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ) بَيْنَهُمَا (جُمِعَ) : وَلَا تَسْقُطُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا؛ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ إرْدَبًّا مِنْ قَمْحٍ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بِهِ بَيِّنَةً ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ بِإِرْدَبٍّ وَأَقَامَ عَلَيْهِ أُخْرَى، أَوْ ادَّعَى بِأَنَّهُ أَسْلَمَهُ ثَوْبًا فِي مِائَةِ إرْدَبِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَغْرَمَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ فَيَغْرَمَانِ لَهُ حِينَئِذٍ، وَلَكِنْ يَنْفُذُ الْحُكْمُ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ عَلَى الرَّاجِعَيْنِ بِالْغُرْمِ هَرَبَ أَوْ لَمْ يَهْرُبْ. فَإِنْ أَغْرَمَ أَغْرَمَهُمَا. قَوْلُهُ: [فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ] : الْمُنَاسِبُ مُطَالَبَتُهُمَا. [حُكْمِ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ] قَوْلُهُ: [عَلَى رُجُوعِ الشَّاهِدِينَ] : يُقْرَأُ بِكَسْرِ الدَّالِ جَمْعُ شَاهِدٍ وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِالْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدِ قَوْلُهُ: [وَإِنْ تَعَارَضَ بَيِّنَتَانِ] : عَرَّفَ التَّعَارُضَ بِأَنَّهُ اشْتِمَالُ كُلٍّ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى مَا يُنَافِي الْأُخْرَى. قَوْلُهُ: [وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ] : أَيْ عَقْلًا. قَوْلُهُ: [جُمِعَ] : أَيْ بِالْفِعْلِ أَيْ عُمِلَ بِهِ وَصُيِّرَ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: [كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ] : الْأَظْهَرُ بِنَاؤُهُ لِلْفَاعِلِ وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْمُدَّعِي الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [بِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ إرْدَبًّا مِنْ قَمْحٍ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي هَذَا الْمِثَالِ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْإِرْدَبَّيْنِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تُقَدَّمُ فِي الْإِقْرَارِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا شَهِدَ فِي ذِكْرٍ بِمِائَةٍ وَفِي آخَرَ بِمِائَةٍ فَالْمِائَتَانِ لِأَنَّ الْأَذْكَارَ أَمْوَالٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ. بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْكِتَابَةِ فَمَالٌ وَاحِدٌ عَلَى التَّحْقِيقِ. كَمَا إذَا أَقَرَّ عِنْدَ جَمَاعَةٍ بِأَنَّ عَلَيْهِ لِفُلَانٍ مِائَةً، ثُمَّ أَقَرَّ عِنْدَ أُخْرَى بِأَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ مِائَةً فَمِائَةٌ فَقَطْ وَهَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ اخْتِلَافَ السَّبَبِ وَاتَّفَقَا صِفَةً وَقَدْرًا وَإِلَّا فَالْمِائَتَانِ نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ مِنْ بَيْعٍ ثُمَّ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ مِنْ قَرْضٍ أَوْ قَالَ: مِائَةٌ مُحَمَّدِيَّةٌ، ثُمَّ مِائَةٌ يَزِيدِيَّةٌ (اهـ) فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِرْدَبَّانِ فِي مِثَالِ الشَّارِحِ إلَّا إذَا اخْتَلَفَ سَبَبُهُمَا أَوْ صِفَتُهُمَا وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا وَاحِدٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمِثَالَ لَيْسَ مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي شَيْءٍ

حِنْطَةٍ بِبَيِّنَةٍ، ثُمَّ ادَّعَى بِأَنَّهُ أَسْلَمَهُ ثَوْبَيْنِ فِي مِائَةٍ، أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فُلَانَ وَأُخْرَى بِأَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ. (وَإِلَّا) يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (رُجِّحَ) : أَيْ وَجَبَ التَّرْجِيحُ (بِبَيَانِ السَّبَبِ) لِلْمِلْكِ؛ فَإِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ هَذَا مِلْكٌ لِزَيْدٍ وَأَطْلَقَتْ، وَشَهِدَتْ أُخْرَى بِأَنَّهُ مِلْكُ عَمْرٍو وَبَيَّنَتْ سَبَبَ الْمِلْكِ - (كَنَسْجٍ وَنَتَاجٍ) بِأَنْ قَالَ: نَسَجَهُ أَوْ كَتَبَهُ أَوْ وَرِثَهُ أَوْ نَتَجَ عِنْدَهُ أَوْ اصْطَادَهُ - فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى مَنْ أَطْلَقَتْ لِزِيَادَتِهَا بَيَانَ سَبَبِ الْمِلْكِ. (أَوْ) بِسَبَبِ ذِكْرِ (تَأْرِيخٍ) فَتُقَدَّمُ عَلَى مَنْ لَمْ تُؤَرِّخْ (أَوْ تَقَدُّمِهِ) : أَيْ التَّأْرِيخِ، فَتُقَدَّمُ عَلَى الْمُتَأَخِّرَةِ بِهِ وَلَوْ كَانَتْ الْمُتَأَخِّرَةُ أَعْدَلَ، وَكَذَا مَنْ بَيَّنَتْ السَّبَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [ثُمَّ ادَّعَى بِأَنَّهُ أَسْلَمَهُ ثَوْبَيْنِ] : الْمُنَاسِبُ ثُمَّ أَنْكَرَ الْخَصْمُ وَادَّعَى أَنَّهُ تَعَاقَدَ مَعَهُ عَلَى ثَوْبَيْنِ فِي الْمِائَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْأَصْلِ وَالْخَرَشِيِّ لِصِحَّةِ التَّعَارُضِ، وَإِلَّا فَلَوْ بَقِيَ الْمِثَالُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ لَجَرَى عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُقَدَّمِ الْمَأْخُوذِ مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ وَلَيْسَ فِيهِ تَعَارُضُ الْبَيِّنَتَيْنِ. قَوْلُهُ: [عَبْدَهُ فُلَانَ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ بِصُورَةِ الْمَرْفُوعِ وَالْمُنَاسِبُ النَّصْبُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ وَهُوَ مَنْصُوبُ مَفْعُولٍ لِلْفِعْلِ قَبْلَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ الْجَمْعُ جُمِعَ كَانَتْ الْبَيِّنَتَانِ بِمَجْلِسٍ أَوْ مَجْلِسَيْنِ قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَجْلِسَيْنِ وَالْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ أَثْبَتَتْ حُكْمًا غَيْرَ مَا أَثْبَتَهُ صَاحِبَتُهَا وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بِلَا تَنَاقُضٍ، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ الْعَمَلِ بِالْبَيِّنَتَيْنِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ طَرِيقَةُ الْمَدَنِيِّينَ. وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ وَبَاقِي الْمِصْرِيِّينَ فَيُقَدِّمُونَ الْأَعْدَلَ، فَإِنْ تَكَافَأَتَا سَقَطَتَا، وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ اتِّحَادُ الْوَقْتِ الَّذِي تَسْتَنِدُ إلَيْهِ كُلٌّ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ مَعَ نَفْيِ مَا قَالَتْهُ الْأُخْرَى حَتَّى يَأْتِيَ التَّعَارُضُ. قَوْلُهُ: [بِبَيَانِ السَّبَبِ] : أَيْ بِسَبَبِ ذِكْرِ سَبَبِ الْمِلْكِ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى مَنْ أَطْلَقَتْ] : أَيْ شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا مَنْ بَيَّنَتْ السَّبَبَ] : أَيْ فَتُقَدَّمُ وَلَوْ كَانَتْ مَنْ لَمْ تُبَيِّنْهُ أَعْدَلَ.

(أَوْ) بِسَبَبِ (مَزِيدِ) أَيْ زِيَادَةِ (عَدَالَةٍ) فِي إحْدَاهُمَا فَتُقَدَّمُ عَلَى الْأُخْرَى. (لَا) بِمَزِيدِ (عَدَدٍ) وَلَوْ كَثُرَ، مَا لَمْ تُفِدْ الْكَثْرَةُ الْعِلْمَ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّرْجِيحَ بِمَا مَرَّ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ وَمَا آلَ إلَيْهَا خَاصَّةً، وَهُوَ مَا يَثْبُتُ الْحَقُّ فِيهِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَأَمَّا غَيْرُهَا - مِمَّا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ - كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْحُدُودِ - فَلَا يَقَعُ التَّرْجِيحُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِزِيَادَةِ الْعَدَالَةِ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ لَا يُفِيدُ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ. وَلِذَا كَانَ يَحْلِفُ مُقِيمُهَا فِي الْأَمْوَالِ مَعَهَا عَلَى الرَّاجِحِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: اُخْتُلِفَ إذَا كَانَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ أَعْدَلَ هَلْ يَحْلِفُ صَاحِبُ الْأَعْدَلِ؟ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَحْلِفُ (اهـ) وَقِيلَ: زِيَادَةُ الْعَدَالَةِ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدَيْنِ فَيَثْبُتُ التَّرْجِيحُ بِهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ. (وَ) رَجَحَ (بِشَاهِدَيْنِ) مِنْ جَانِبٍ (عَلَى شَاهِدٍ وَيَمِينٍ) مِنْ آخَرَ (أَوْ) عَلَى شَاهِدٍ وَ (امْرَأَتَيْنِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ زِيَادَةِ عَدَالَةٍ] : أَيْ فِي الْبَيِّنَةِ الْأَصْلِيَّةِ لَا فِي الْمُزَكِّيَةِ. قَوْلُهُ: [مَا لَمْ تُفِدْ الْكَثْرَةُ الْعِلْمَ] : أَيْ بِحَيْثُ يَكُونُ جَمْعًا يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ زِيَادَةَ الْعَدَدِ لَا تُعَدُّ مُرَجِّحًا إلَّا إذَا أَفَادَتْ الْعِلْمَ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: إنَّهُ يُرَجَّحُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ كَزِيَادَةِ الْعَدَالَةِ وَفَرَّقَ لِلْمَشْهُورِ بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْقَضَاءِ قَطْعُ النِّزَاعِ وَمَزِيدَ الْعَدَالَةِ أَقْوَى فِي التَّعَدُّدِ مِنْ زِيَادَةِ الْعَدَدِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ يُمْكِنُهُ زِيَادَةُ عَدَدِ الشُّهُودِ بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ. قَوْلُهُ: [مِمَّا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ] : أَيْ وَكَذَا مَا يَثْبُتُ بِامْرَأَةٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَقَعُ التَّرْجِيحُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ] : هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَيْهِ مَشَى خَلِيلٌ فِي بَابِ النِّكَاحِ حَيْثُ قَالَ: وَأَعْدَلِيَّةُ إحْدَى بَيِّنَتَيْنِ مُتَنَاقِضَتَيْنِ مُلْغَاةٌ وَلَوْ صَدَّقَتْهُمَا الْمَرْأَةُ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ زِيَادَةُ الْعَدَالَةِ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدَيْنِ] : أَيْ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي سَمَاعِ يَحْيَى وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: [عَلَى شَاهِدٍ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ أَعْدَلَ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ. قَوْلُهُ: [أَوْ عَلَى شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ] : مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَرْجِيحِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الشَّاهِدِ

(وَ) رَجَحَ (بِيَدٍ) : أَيْ بِوَضْعِ الْيَدِ، بِأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى بِهِ مِنْ عَقَارٍ أَوْ عَرْضٍ فِي حَوْزِ أَحَدِهِمَا مَعَ تَسَاوِي الْبَيِّنَتَيْنِ؛ فَالْحَوْزُ مِنْ الْمُرَجَّحَاتِ عِنْدَ التَّسَاوِي، وَلِذَا قَالَ: (إنْ لَمْ تُرَجَّحْ بَيِّنَةُ مُقَابِلِهِ) بِمُرَجَّحٍ مِنْ الْمُرَجَّحَاتِ وَإِلَّا قُدِّمَتْ وَنُزِعَ مِنْ ذِي الْيَدِ (فَيَحْلِفُ) مَنْ قُضِيَ لَهُ بِهِ، وَهُوَ ذُو الْيَدِ عِنْدَ عَدَمِ التَّرْجِيحِ وَمُقَابِلُهُ عِنْدَ تَرْجِيحِ بَيِّنَتِهِ بِمُرَجَّحٍ فَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى مَنْطُوقٍ " بِيَدٍ " وَمَفْهُومُ " إنْ لَمْ تُرَجَّحْ ". (وَ) رَجَحَ (بِالْمِلْكِ عَلَى الْحَوْزِ) : فَمَنْ شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ قُدِّمَتْ عَلَى مَنْ شَهِدَتْ بِالْحَوْزِ وَلَوْ تَقَدَّمَ تَارِيخُ الْحَوْزِ عَلَى تَارِيخِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْحَوْزَ قَدْ يَكُونُ عَنْ مِلْكٍ وَغَيْرِهِ. (وَ) رَجَحَ (بِنَقْلٍ عَنْ أَصْلٍ عَلَى مُسْتَصْحَبَةٍ) لَهُ فَإِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَرْأَتَيْنِ هُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَأَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ. وَالْمَرْجُوعُ عَنْهُ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَا يُقَدَّمَانِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُمْ مُسْتَوُونَ فِي الْعَدَالَةِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ الشَّاهِدُ الَّذِي مَعَهُمَا أَعْدَلَ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ مَعَ الْمَرْأَتَيْنِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [فِي حَوْزِ أَحَدِهِمَا] : أَيْ أَحَدِ الْمُتَنَازِعَيْنِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ أَصْلَهُ وَاحْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا لَمْ يَعْرِفْ أَصْلَهُ عَمَّا لَوْ مَاتَ شَخْصٌ وَأَخَذَ مَالَهُ إنْسَانٌ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ وَارِثُهُ أَوْ مَوْلَاهُ وَأَقَامَ غَيْرُهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ وَارِثُهُ أَوْ مَوْلَاهُ وَتَعَادَلَتَا فَإِنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ وَضْعُ الْيَدِ. قَوْلُهُ: [مَعَ تَسَاوِي الْبَيِّنَتَيْنِ] : أَيْ فِي الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ بِأَنْ تَشْهَدَ إحْدَاهُمَا أَنَّ هَذَا الْمُتَنَازَعَ فِيهِ لِزَيْدٍ مِلْكٌ وَالْأُخْرَى لِعَمْرٍو مِلْكٌ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ سَبَبِ الْمِلْكِ. قَوْلُهُ: [وَرَجَحَ بِالْمِلْكِ عَلَى الْحَوْزِ] : اعْلَمْ أَنَّ مَوْضُوعَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ الشَّاهِدَةَ بِالْحَوْزِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْمِلْكِ أُقِيمَتْ قَبْلَ الْحِيَازَةِ الْمُعْتَبَرَةِ شَرْعًا وَهِيَ عَشْرُ سِنِينَ بِقُيُودِهَا الْآتِيَةِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ شَرِيكٍ إلَخْ. قَوْلَهُ: [وَرَجَحَ بِنَقْلٍ عَنْ أَصْلٍ] : أَيْ وَلَوْ كَانَتْ النَّاقِلَةُ تَشْهَدُ بِالسَّمَاعِ. وَقَوْلُهُ: [عَلَى مُسْتَصْحَبَةٍ لَهُ] : أَيْ وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الْمُسْتَصْحَبَةُ بَيَّنَتْ الْمِلْكَ وَسَبَبَهُ كَمِثَالِ الشَّارِحِ

لِزَيْدٍ أَنَّ هَذِهِ السِّلْعَةَ لَهُ لِكَوْنِهِ نَسَجَهَا أَوْ كَتَبَهَا أَوْ اصْطَادَهَا أَوْ بَنَاهَا، وَشَهِدَتْ أُخْرَى أَنَّهَا لِعَمْرٍو اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ أَوْ وَرِثَهَا مِنْهُ أَوْ وَهَبَهَا لَهُ، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ النَّقْلِ عَلَى بَيِّنَةِ الِاسْتِصْحَابِ. (وَاعْتُمِدَتْ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ) : أَيْ الشَّاهِدَةُ بِهِ لِحَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ عَلَى أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ؛ فَلَا يَصِحُّ أَنْ تَشْهَدَ بِمِلْكِ شَيْءٍ لِإِنْسَانٍ إلَّا إذَا اعْتَمَدَتْ عَلَى ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ تَعْتَمِدَ (عَلَى) أُصُولِ (التَّصَرُّفِ) مِنْ وَاضِعِ الْيَدِ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ مِنْ رُكُوبٍ أَوْ سُكْنَى أَوْ لُبْسٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. (وَ) الثَّانِي: أَنْ تَعْتَمِدَ عَلَى (حَوْزٍ طَالَ) لِذَلِكَ الشَّيْءِ (كَعَشَرَةِ أَشْهُرٍ) فَأَكْثَرَ لَا أَقَلَّ. وَالثَّالِثُ: أَنْ تَعْتَمِدَ عَلَى (عَدَمِ مُنَازِعٍ) لَهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ. وَأَشَارَ لِلرَّابِعِ بِقَوْلِهِ: (مَعَ نِسْبَتِهِ إلَيْهِ) : أَيْ إلَى وَاضِعِ الْيَدِ وَإِنْ لَمْ تُصَرِّحْ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ فِي شَهَادَتِهَا. وَيُشْتَرَطُ صِحَّةُ شَهَادَتِهَا بِالْمِلْكِ أَيْضًا أَنْ تَقُولَ فِي شَهَادَتِهَا: وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فِي عِلْمِنَا، وَقَدْ أَشَارَ لِذَلِكَ بِالْعَطْفِ عَلَى: " اعْتَمَدَتْ " بِقَوْلِهِ: (وَقَالَتْ) فِي شَهَادَتِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ (وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فِي عِلْمِنَا) بِنَاقِلٍ شَرْعِيٍّ. فَإِنْ قَطَعُوا بِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ، فَإِنْ أَطْلَقُوا فَفِي بُطْلَانِهَا خِلَافٌ. فَعُلِمَ أَنَّ شُرُوطَ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ بَتًّا خَمْسَةٌ: الِاعْتِمَادُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ - وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوهَا فِي الشَّهَادَةِ - وَالْخَامِسُ: عَدَمُ عِلْمِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ النَّقْلِ] : مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا تَقْدِيمُ الْبَيِّنَةِ بِالتَّنَصُّرِ لِلْأَسِيرِ كُرْهًا عَلَى الْبَيِّنَةِ بِالطَّوْعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي تَنَصُّرِ الْأَسِيرِ الطَّوْعُ. تَنْبِيهٌ. إذَا تَعَارَضَتْ الْأَصَالَةُ وَالْفَرْعِيَّةُ قُدِّمَتْ الْأَصَالَةُ كَبَيِّنَةِ السَّفَهِ وَالرُّشْدِ وَالْعُسْرِ وَالْيَسَارِ وَالْجُرْحَةِ وَالْعَدَالَةِ وَالصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ فَإِنَّ بَيِّنَةَ السَّفَهِ تُقَدَّمُ وَكَذَا بَيِّنَةُ الْعُسْرِ وَالْجُرْحَةِ وَالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ هِيَ الْأَصْلُ وَأَضْدَادُهَا فُرُوعٌ كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ (بْن) نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [الِاعْتِمَادُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ] : أَيْ الَّتِي هِيَ التَّصَرُّفُ

[المرجحات عند تنازع بينتان]

بِالْخُرُوجِ عَنْ يَدِ ذَلِكَ الْمُتَصَرِّفِ مَعَ ذِكْرِهِمْ لَهُ فِي أَدَائِهَا: إنْ كَانَ الشَّاهِدُ يَعْرِفُ مَا تَصِحُّ بِهِ الشَّهَادَةُ قُبِلَ مِنْهُ إطْلَاقُ مَعْرِفَةِ الْمِلْكِ، وَإِلَّا فَلَا، حَتَّى يُفَسِّرَ الْخَمْسَةَ الْأَشْيَاءَ بِأَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنَّ يَدَهُ عَلَى مَا يَدَّعِي، وَأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ مُدَّةً طَوِيلَةً عَشْرَةَ أَشْهُرٍ أَوْ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ، وَأَنَّهُ يَنْسُبُهُ لِنَفْسِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُنَازِعْهُ فِيهِ مُنَازِعٌ، وَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فِي عِلْمِي. أَوْ يَقُولَ: وَمَا عَلِمْتُهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ. وَقِيلَ: ذِكْرُ الْخَامِسِ فِي الشَّهَادَةِ شَرْطُ كَمَالٍ، وَقَدْ أَشَارَ لَهُ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: " وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى الْكَمَالِ فِي الْأَخِيرِ ". وَعَلَيْهِ: فَيَحْلِفُ الْمَشْهُودُ لَهُ أَنَّهَا فِي مِلْكِي وَلَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِي بِنَاقِلٍ شَرْعِيٍّ بَتًّا، وَيَحْلِفُ وَارِثُهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. (وَإِنْ شَهِدَتْ) الْبَيِّنَةُ عَلَى مُكَلَّفٍ غَيْرِ مَحْجُورٍ (بِإِقْرَارٍ مِنْ أَحَدِهِمَا) : أَيْ مِنْ أَحَدِ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِي الشَّيْءِ لِلْآخَرِ بِأَنْ تَقُولَ الْبَيِّنَةُ: نَشْهَدُ بِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ سَابِقًا بِأَنَّ هَذَا الشَّيْءَ لِفُلَانٍ وَهُوَ الْآنَ يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ (اُسْتُصْحِبَ) إقْرَارُهُ وَقَضَى بِهِ لِفُلَانٍ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَحْجُورِ مُؤَاخَذٌ بِإِقْرَارِهِ، فَلَا يَصِحُّ لَهُ دَعْوَى الْمِلْكِ فِيهِ لِنَفْسِهِ إلَّا بِإِثْبَاتِ انْتِقَالِهِ إلَيْهِ. (وَإِنْ تَعَذَّرَ تَرْجِيحٌ) لِإِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ بِوَجْهٍ مِنْ الْمُرَجَّحَاتِ (وَهُوَ) : أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ (بِيَدِ غَيْرِهِمَا) أَيْ غَيْرِ الْمُتَنَازِعَيْنِ (سَقَطَتَا) لِتَعَارُضِهِمَا (وَبَقِيَ) الْمُتَنَازَعُ فِيهِ (بِيَدِ حَائِزِهِ) : وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا لَكَانَ التَّرْجِيحُ بِالْيَدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَطُولُ الْحَوْزِ وَعَدَمُ الْمُنَازَعِ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَعَلَيْهِ فَيُحَلَّفُ الْمَشْهُودُ لَهُ] : أَيْ بِالْقَوْلِ بِأَنَّ الْخَامِسَ شَرْطُ كَمَالٍ [الْمُرَجَّحَاتِ عِنْد تَنَازَعَ بَيِّنَتَانِ] قَوْلُهُ: [بِوَجْهٍ مِنْ الْمُرَجَّحَاتِ] : أَيْ مِنْ قَوْلِهِ بِبَيَانِ السَّبَبِ إلَى هُنَا. قَوْلُهُ: [أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ بِيَدِ غَيْرِهِمَا] : حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ أَنَّ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ ثَمَانِي صُوَرٍ: لِأَنَّ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ تَارَةً يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ وَتَارَةً يُقَرِّبُهُ لِأَحَدِهِمَا، وَتَارَةً لِغَيْرِهِمَا، وَتَارَةً لَا يَدَّعِيهِ لِأَحَدٍ. وَفِي الْأَرْبَعِ: تَارَةً يَكُونُ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ بَيِّنَةٌ وَتَسْقُطُ الْبَيِّنَتَانِ بِعَدَمِ التَّرْجِيحِ، وَتَارَةً تَنْعَدِمُ بَيِّنَةُ كُلٍّ؛ فَهَذِهِ ثَمَانِ صُوَرٍ. فَفِي صُوَرِ الْبَيِّنَةِ إذَا ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ وَسَقَطَتْ الْبَيِّنَتَانِ بَقِيَ بِيَدِهِ حَوْزًا وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِأَحَدِهِمَا فَهُوَ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِيَمِينٍ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِمَا، أَوْ قَالَ: لَا أَدْرِي لِمَنْ هُوَ، لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ وَيُقْسَمُ

(أَوْ) يَكُونُ (لِمَنْ يُقِرُّ) الْحَائِزَ لَهُ (بِهِ مِنْهُمَا) : أَيْ مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ اللَّذَيْنِ أَقَامَا الْبَيِّنَتَيْنِ الْمُتَعَارِضَتَيْنِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لِأَحَدِهِمَا كَأَنَّهُ تَرْجِيحٌ لِبَيِّنَتِهِ فَإِنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِمَا لَمْ يُعْمَلْ بِإِقْرَارِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَجَرَّدَتْ دَعْوَى كُلٍّ عَنْ الْبَيِّنَةِ فَيُعْمَلُ بِإِقْرَارِهِ وَلَوْ لِغَيْرِهِمَا. (وَمَنْ) لَهُ حَقٌّ عَلَى آخَرَ وَأَنْكَرَهُ، وَلَمْ يَجِدْ بَيِّنَةً أَوْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا أَوْ غَصَبَهُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى خَلَاصِهِ مِنْهُ بِحَاكِمٍ وَ (قَدَرَ عَلَى) أَخْذِ (حَقِّهِ) بَاطِنًا بِسَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا (فَلَهُ أَخْذُهُ) بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ أَفَادَهَا بِقَوْلِهِ: (إنْ أَمِنَ فِتْنَةً) ، أَيْ وُقُوعَ فِتْنَةٍ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ جُرْحٍ أَوْ حَبْسٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (وَ) أَمِنَ (رَذِيلَةً) تُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ سَرِقَةٍ أَوْ غَصْبٍ. (وَكَانَ) الْحَقُّ (غَيْرَ عُقُوبَةٍ) فَإِنْ كَانَ عُقُوبَةً فَلَا يَسْتَوْفِيهَا بِنَفْسِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْحَاكِمِ، فَلَا يَضْرِبُ مَنْ ضَرَبَهُ وَلَا يَجْرَحُ مَنْ جَرَحَهُ وَلَا يَسُبُّ مَنْ سَبَّهُ. (وَيُجِيبُ الرَّقِيقُ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى - إذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِعُقُوبَةٍ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ جُرْحٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَهُمَا، وَفِي صُوَرِ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ إنْ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ حَلَفَ وَبَقِيَ بِيَدِهِ وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا أَخَذَهُ الْمُقَرُّ لَهُ بِلَا يَمِينٍ لِقُوَّةِ الْإِقْرَارِ هُنَا وَضَعْفِهِ مَعَ الْبَيِّنَةِ، فَلِذَا حَلَفَ مَعَ الْبَيِّنَةِ وَلَمْ يَحْلِفْ هُنَا. وَإِنْ سَكَتَ أَوْ قَالَ: لَا أَدْرِي، قُسِمَ عَلَى الدَّعْوَى (اهـ مُلَخَّصًا مِنْ بْن) . قَوْلُهُ: [وَمَنْ لَهُ حَقٌّ] : أَيْ مَالِيٌّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ وَإِنَّمَا كَرَّرَهَا لِأَنَّ هَذَا الْبَابَ يُغْتَفَرُ فِيهِ التَّكْرَارُ لِمُنَاسِبَةِ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ. قَوْلُهُ: [وَأَنْكَرَهُ] : مِثْلُهُ لَوْ أَقَرَّ وَكَانَ مُمَاطِلًا. قَوْلُهُ: [فَلَا يَسْتَوْفِيهَا] : إثْبَاتُ الْيَاءِ يُفِيدُ أَنْ لَا نَافِيَةٌ أَيْ فَالْحُكْمُ أَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِيهَا. قَوْلُهُ: [بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْحَاكِمِ] : أَيْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ مُنْصِفٌ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّفْوِيضُ لِلَّهِ الْحَكَمِ الْعَدْلِ، وَلَا يَأْخُذُ ثَأْرَهُ بِنَفْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْهَرْجِ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ. قَوْلُهُ: [وَيُجِيبُ الرَّقِيقُ] : مَحَلُّ اعْتِبَارِ جَوَابِ الرَّقِيقِ فِي دَعْوَى جِنَايَةِ الْقِصَاصِ مَا لَمْ يُتَّهَمْ فَإِنْ اُتُّهِمَ فِي جَوَابِهِ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ كَإِقْرَارِهِ بِقَتْلِ مُمَاثِلِهِ وَقَدْ اسْتَحْيَاهُ سَيِّدُ مُمَاثِلِهِ لِيَأْخُذَهُ فَإِنَّهُ لَمَّا اسْتَحْيَاهُ يُتَّهَمُ أَنَّهُ تَوَاطَأَ مَعَ سَيِّدِ الْعَبْدِ عَلَى نَزْعِهِ مِنْ تَحْتِ يَدِ سَيِّدِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُعْمَلُ بِجَوَابِهِ وَلَا يُمَكَّنُ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمُمَاثِلِ مِنْ أَخْذِهِ وَيَبْطُلُ حَقُّ ذَلِكَ السَّيِّدِ مِنْ

أَوْ قَتْلٍ أَوْ بِمُوجِبِ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ مِنْ كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِبَدَنِهِ (عَنْ الْعُقُوبَةِ) : لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ لَا سَيِّدُهُ. (وَ) يُجِيبُ (سَيِّدُهُ عَنْ) مُوجِبِ (الْأَرْشِ) : لِأَنَّ الْجَوَابَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيمَا يَأْخُذُ الْمُكَلَّفُ بِهِ لَوْ أَقَرَّ، وَالْعَبْدُ لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ لَمْ يَلْزَمْهُ. فَلَوْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ فَلَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ لِسَيِّدِهِ إلَّا لِقَرِينَةٍ ظَاهِرَةٍ تُوجِبُ قَبُولَ إقْرَارِهِ. فَفِي كِتَابِ الدِّيَاتِ فِي عَبْدٍ رَاكِبٍ عَلَى بِرْذَوْنٍ مَشَى عَلَى أُصْبُعِ صَغِيرٍ فَقَطَعَهَا فَتَعَلَّقَ بِهِ الصَّغِيرُ وَهِيَ تُدْمِي وَيَقُولُ: فَعَلَ بِي هَذَا، وَصَدَّقَهُ الْعَبْدُ: أَنَّ الْأَرْشَ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهِ (اهـ) . (وَإِنْ قَالَ) مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ لِوَكِيلِ رَبِّ الْحَقِّ الْغَائِبِ حِينَ طَالَبَهُ الْوَكِيلُ: (أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك الْغَائِبُ) أَوْ: قَضِيَّتُهُ حَقُّهُ (أُنْظِرَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِكَفِيلٍ بِالْمَالِ إلَى أَنْ يَعْلَمَ حَقِيقَةَ الْحَالِ (إنْ قَرُبَتْ) غَيْبَةُ رَبِّ الْحَقِّ، فَإِنْ بَعُدَتْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالدَّفْعِ لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِالْحَقِّ مُدَّعِيًا الْإِبْرَاءَ أَوْ الْقَضَاءَ. فَإِنْ حَضَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِصَاصِ، إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ يَجْهَلُ أَنَّ الِاسْتِحْيَاءَ كَالْعَفْوِ يُسْقِطُ الْقِصَاصَ وَإِلَّا فَلَهُ الرُّجُوعُ لِلْقِصَاصِ، بَعْدَ حَلِفِهِ أَنَّهُ جَهِلَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [أَوْ بِمُوجِبِ حَدٍّ] : أَيْ كَزِنًا أَوْ شُرْبٍ، قَوْلُهُ أَوْ تَعْزِيرٍ أَيْ كَسْبِ مَنْ لَا يَجُوزُ سَبُّهُ بِغَيْرِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ. قَوْلُهُ: [عَنْ الْعُقُوبَةِ] : مُتَعَلِّقٌ بِ يُجِيبُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَتَوَلَّى الْجَوَابَ عَنْ الدَّعْوَى الَّتِي تُسَبَّبُ عَنْهَا الْعُقُوبَةُ. قَوْلُهُ: [فَفِي كِتَابِ الدِّيَاتِ] : خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَأَنَّ الْأَرْشَ مُؤَوَّلٌ بِالْمَصْدَرِ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ. قَوْلُهُ: [أَنَّ الْأَرْشَ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهِ] : أَيْ وَحِينَئِذٍ فَيُخَيَّرُ سَيِّدُهُ بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَهُ أَوْ يُسَلِّمَهُ فِي أَرْشِهِ. قَوْلُهُ: [إنْ قَرُبَتْ غَيْبَةُ رَبِّ الْحَقِّ] إلَخْ: التَّفْرِقَةُ الْمَذْكُورَةُ بَيْنَ الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالْمَنْصُوصُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى أَنَّهُ يُقْضَى بِالْحَقِّ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَلَا يُؤَخَّرُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُوَكَّلِ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا، ابْنُ رُشْدٍ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عِنْدِي تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ

الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ الْإِبْرَاءَ أَوْ الْقَضَاءَ حَلَفَ أَنَّهُ مَا أَبْرَأَ أَوْ مَا قُضِيَ، وَتَمَّ الْأَخْذُ. فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْغَرِيمُ وَرَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ. (وَمَنْ اسْتَمْهَلَ) : أَيْ طَلَبَ الْمُهْلَةَ (لِدَفْعِ بَيِّنَةٍ) أُقِيمَتْ عَلَيْهِ بِحَقٍّ (أَوْ لِحِسَابٍ وَنَحْوِهِ) : كَمَا لَوْ طَلَبَ الْمُهْلَةَ لِيُفَتِّشَ عَلَى الْوَثِيقَةِ أَوْ دَفْتَرِ الْحِسَابِ بَيْنَهُمَا أَوْ لِيَسْأَلَ مَنْ كَانَ حَاضِرًا بَيْنَهُمَا لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي جَوَابِهِ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ، (أَوْ) طَلَبَ الْمُدَّعِي الْمُهْلَةَ (لِإِقَامَةِ) شَاهِدٍ (ثَانٍ) وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ مَعَ الْأَوَّلِ الَّذِي أَقَامَهُ (أُمْهِلَ) الطَّالِبُ (بِالِاجْتِهَادِ) مِنْ الْحَاكِمِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِجُمُعَةٍ (بِكَفِيلٍ بِالْمَالِ) فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ. وَلَا يَكْفِي حَمِيلٌ بِالْوَجْهِ إنْ أَبَى الْمَطْلُوبُ. وَأَمَّا لَوْ طَلَبَ الْمُدَّعِي إقَامَةَ بَيِّنَةٍ عَلَى أَصْلِ دَعْوَاهُ وَطَلَبَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَمِيلًا، فَيَكْفِي حَمِيلُ الْوَجْهِ اتِّفَاقًا. وَفِيهَا أَيْضًا: أَنَّهُ لَا يُجَابُ الْمُدَّعِي لِحَمِيلٍ بِالْوَجْهِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي " الضَّمَانِ ". وَلِذَا حَذَفْنَاهُ وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَهُ هُنَا أَيْضًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَنْكَرَ الْإِبْرَاءَ أَوْ الْقَضَاءَ] : لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ. قَوْلُهُ: [وَرَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ] : أَيْ بِمَا دَفَعَهُ لَهُ وَلِلْغَرِيمِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُوَكَّلِ فَلَهُ غَرِيمَانِ كَمَا فِي (ح) . قَوْلُهُ: [وَمَنْ اسْتَمْهَلَ] إلَخْ: يَعْنِي أَنَّ مَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِحَقٍّ لِشَخْصٍ فَطَلَبَ الْمُهْلَةَ لِدَفْعِ تِلْكَ الْبَيِّنَةِ أَوْ لِإِقَامَتِهَا فَإِنَّهُ يُمْهَلُ لِأَجْلِ انْقِطَاعِ حُجَّتِهِ، وَالْمُهْلَةُ يُؤَجِّلُهَا الْحَاكِمُ وَلَا تَحْدِيدَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ لَكِنْ بِكَفِيلٍ بِالْمَالِ. قَوْلُهُ: [لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ] : مُتَعَلِّقٌ بِ اسْتَمْهَلَ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَتَقَيَّدُ بِجُمُعَةٍ] : أَيْ خِلَافًا لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ التَّحْدِيدِ بِجُمُعَةٍ، وَمَحَلُّ الْإِمْهَالِ الْمَطْلُوبِ إنْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ الَّتِي يَدْفَعُ بِهَا الْبَيِّنَةَ الشَّاهِدَةَ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ غَائِبَةً غَيْبَةً قَرِيبَةً كَجُمُعَةٍ، وَإِلَّا قُضِيَ عَلَيْهِ وَبَقِيَ عَلَى حُجَّتِهِ إذَا أَحْضَرَهَا. قَوْلُهُ: [بِكَفِيلٍ بِالْمَالِ] : أَيْ يَأْتِي بِهِ الْمَطْلُوبُ. قَوْلُهُ: [إنْ أَبَى الْمَطْلُوبُ] : الْمُنَاسِبُ الطَّالِبُ. قَوْلُهُ: [لِحَمِيلٍ بِالْوَجْهِ] : أَيْ وَمِنْ بَابِ أَوْلَى حَمِيلٌ بِالْمَالِ

[صيغة اليمين في الشهادة]

(وَالْيَمِينُ فِي كُلِّ حَقٍّ) : غَيْرِ اللِّعَانِ وَالْقَسَامَةِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مِنْ مُدَّعٍ أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ (بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ) : أَيْ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَالْوَاوُ كَالْبَاءِ. وَأَمَّا اللِّعَانُ فَالْيَمِينُ فِيهِ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ، وَلَا يَزِيدُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ. وَكَذَا فِي الْقَسَامَةِ لَا يَزِيدُهَا بَعْدَ قَوْلِهِ: أُقْسِمُ بِاَللَّهِ، وَقِيلَ: يَزِيدُهَا فِيهِمَا. وَ (لَوْ) كَانَ الْحَالِفُ (كِتَابِيًّا) وَلَا يَزِيدُ شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ. وَقِيلَ يَزِيدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [صِيغَة الْيَمِين فِي الشَّهَادَة] قَوْلُهُ: [وَالْيَمِينُ] : أَيْ فِي الْمُعْتَبَرِ لِقَطْعِ النِّزَاعِ وَهِيَ الْمُتَوَجِّهَةُ مِنْ الْحَاكِمِ أَوْ الْمُحَكَّمِ. فَمُجَرَّدُ طَلَبِ الْخَصْمِ الْيَمِينَ مِنْ خَصْمِهِ بِدُونِ تَوْجِيهِ مَنْ ذُكِرَ لَا يَلْزَمُهُ الْحَلِفُ لَهُ، فَإِنْ أَطَاعَ بِهَا ثُمَّ تَرَافَعَا لِحَاكِمٍ أَوْ مُحَكَّمٍ كَانَ لَهُ تَحْلِيفُهُ ثَانِيًا لِأَنَّ يَمِينَهُ الْأُولَى لَمْ تُصَادِفْ مَحَلًّا. قَوْلُهُ: [فِي كُلِّ حَقٍّ] : أَيْ مَالِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالِيُّ جَلِيلًا أَوْ حَقِيرًا وَلَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ. قَوْلُهُ: [مِنْ مُدَّعٍ] : أَيْ تَكْمِلَةً لِلنِّصَابِ كَمَا إذَا أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا، أَوْ كَانَتْ اسْتِظْهَارًا كَأَنْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ أَوْ مَيِّتٍ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ بِالْحَقِّ أَوْ رُدَّتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ] : أَيْ عِنْدَ عَجْزِ الْمُدَّعِي عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِمَا ادَّعَاهُ. قَوْلُهُ: [أَيْ بِهَذَا اللَّفْظِ] : أَيْ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ وَلَا نَقْصٍ عَنْهُ فَلَا يُزَادُ: عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الِاسْمِ بِدُونِ وَصْفِهِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ كَانَ يَمِينًا تُكَفَّرُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ هُنَا زِيَادَةُ التَّخْوِيفِ وَالْإِرْهَابِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ نَقْلًا عَنْ الْمَازِرِيِّ: الْمَنْصُوصُ عِنْدَ جَمِيعِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ: بِاَللَّهِ، فَقَطْ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: وَاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [وَالْوَاوُ كَالْبَاءِ] : أَيْ كَمَا فِي أَبِي الْحَسَنِ قَالَ (ح) : لَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي الْمُثَنَّاةِ فَوْقٍ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ كِتَابِيًّا] : أَوْ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. قَالَ خَلِيلٌ: وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى أَنَّ النَّصْرَانِيَّ يَقُولُ: بِاَللَّهِ فَقَطْ (اهـ) أَيْ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِالتَّثْلِيثِ وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا أَنَّ الذِّمِّيَّ مُطْلَقًا يَقُولُ بِاَللَّهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْيَهُودِيَّ يَقُولُ: الْعُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ فَالتَّأْوِيلَاتُ ثَلَاثَةٌ

الْيَهُودِيُّ: الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى. وَيَزِيدُ النَّصْرَانِيُّ: الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى. (وَغُلِّظَتْ) الْيَمِينُ عَلَى الْحَالِفِ (فِي رُبْعِ دِينَارٍ) فَأَكْثَرَ (بِالْقِيَامِ) : بِأَنْ يَحْلِفَهَا وَهُوَ قَائِمٌ. (وَبِالْجَامِعِ) لِلْمُسْلِمِ (وَبِمِنْبَرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) لِمَنْ بِالْمَدِينَةِ أَيْ عِنْدَهُ لَا فَوْقَهُ (فَقَطْ) لَا بِمِنْبَرِ غَيْرِهِ، وَلَا بِالزَّمَنِ كَبَعْدِ الْعَصْرِ، وَ (لَا بِاسْتِقْبَالٍ) لِلْقِبْلَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَغُلِّظَتْ الْيَمِينُ] : أَيْ وُجُوبًا إنْ طَلَبَ الْمُحَلِّفُ التَّغْلِيظَ بِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ التَّغْلِيظَ فِي الْيَمِينِ وَالتَّشْدِيدَ فِيهَا مِنْ حَقِّهِ، فَإِنْ أَبَى مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ مِمَّا طَلَبَهُ الْمُحَلِّفُ مِنْ التَّغْلِيظِ عُدَّ نَاكِلًا. قَوْلُهُ: [فِي رُبْعِ دِينَارٍ] : أَيْ إذَا كَانَ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ وَلَوْ عَلَى اثْنَيْنِ مُتَضَامِنَيْنِ لِأَنَّ كُلًّا كَفِيلٌ عَنْ الْآخَرِ يَلْزَمُهُ أَدَاءُ الْجَمِيعِ لَا إنْ كَانَ مِنْ ذَكَرٍ عَلَى شَخْصَيْنِ لِوَاحِدٍ؛ لِأَنَّ التَّغْلِيظَ لَا يَكُونُ فِي أَقَلَّ مِنْ الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: [وَبِالْجَامِعِ] : الْبَاءُ لِلْآلَةِ لَا لِلظَّرْفِيَّةِ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي أَنَّ الْيَمِينَ إذَا وَقَعَتْ فِي الْجَامِعِ تُغَلَّظُ بِصِفَاتٍ أُخْرَى زَائِدَةٍ عَلَى الْوَصْفِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْيَمِينُ وَاحِدَةٌ فِي الْجَامِعِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ فِي رُبْعِ دِينَارٍ تُغَلَّظُ بِوُقُوعِهَا فِي الْجَامِعِ، وَالْمُرَادُ بِالْجَامِعِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ فَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ لَا جَامِعَ لَهُمْ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: يَحْلِفُونَ حَيْثُ هُمْ، وَقِيلَ: يُجْلَبُونَ لِلْجَامِعِ بِقَدْرِ مَسَافَةِ وُجُوبِ السَّعْيِ لِلْجُمُعَةِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَثُلُثٌ، وَقِيلَ: بِنَحْوِ الْعَشَرَةِ أَيَّامٍ وَإِلَّا حَلَفُوا بِمَوْضِعِهِمْ نَقَلَهُ فِي الْمِعْيَارِ وَأَقْوَاهَا أَوْسَطُهَا. قَوْلُهُ: [وَبِمِنْبَرِهِ] : إنَّمَا اخْتَصَّ مِنْبَرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَلَفَ عِنْدَ مِنْبَرِي كَاذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» وَأَمَّا التَّغْلِيطُ بِمَكَّةَ فَيَكُونُ بِالْحَلِفِ عِنْدَ الرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مَكَان فِي الْمَسْجِدِ. قَوْلُهُ: [لَا بِمِنْبَرِ غَيْرِهِ] : أَيْ وَلَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ مِنْهُ، وَقِيلَ: الَّذِي جَرَى

وَلَا بُدَّ فِي الْيَمِينِ مِنْ حُضُورِ الْخَصْمِ: فَإِنْ حَلَّفَهُ الْقَاضِي بِغَيْرِ حُضُورِهِ لَمْ تَجُزْ - نَصَّ عَلَيْهِ الْبَاجِيُّ. (كَالْكَنِيسَةِ) لِلنَّصْرَانِيِّ (وَالْبِيعَةِ) لِلْيَهُودِيِّ: أَيْ فَإِنَّهَا تُغَلَّظُ عَلَيْهِمَا بِهِمَا، لِأَنَّ الْقَصْدَ إرْهَابُ الْحَالِفِ، وَإِنْ كَانَتَا حَقِيرَتَيْنِ شَرْعًا. (وَخَرَجَتْ الْمُخَدَّرَةُ لَهَا) : أَيْ لِلْيَمِينِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُدَّعِيَةً وَأَقَامَتْ شَاهِدًا فَقَطْ أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهَا. (إلَّا الَّتِي لَا تُخْرَجُ) : أَيْ شَأْنُهَا عَدَمُ الْخُرُوجِ أَصْلًا؛ كَنِسَاءِ الْمُلُوكِ فَلَا تُخْرَجُ لِلتَّغْلِيظِ، وَلِتَحْلِفَ بِبَيْتِهَا، بِأَنْ يُرْسِلَ لَهَا الْقَاضِي مَنْ يُحَلِّفُهَا بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ. وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْحُرَّةِ فِيمَنْ تَخْرُجُ أَوْ لَا تَخْرُجُ. وَمِنْ شَأْنِهَا الْخُرُوجُ بِاللَّيْلِ فَقَطْ أَوْ النَّهَارِ فَقَطْ أُخْرِجَتْ فِيمَا تَخْرُجُ فِيهِ. (وَاعْتَمَدَ الْبَاتُّ) فِي يَمِينِهِ: أَيْ جَازَ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْيَمِينِ بَتًّا مُسْتَنِدًا (عَلَى ظَنٍّ قَوِيٍّ أَوْ قَرِينَةٍ) تُفِيدُ قُوَّةَ الظَّنِّ؛ (كَخَطِّ أَبِيهِ) : أَوْ أَخِيهِ، بِأَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَكَنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَكَقِيَامِ شَاهِدٍ لِلْمُدَّعِي بِدَيْنٍ لِأَبِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ الْعَمَلُ أَنَّهُ يَحْلِفُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ حَتَّى فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ. وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ قَالَهُ (بْن) . قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْقَصْدَ إرْهَابُ الْحَالِفِ] : قَالَ فِي الْأَصْلِ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: يَجُوزُ تَحْلِيفُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُصْحَفِ وَعَلَى سُورَةِ بَرَاءَةٌ، وَفِي ضَرِيحِ وَلِيٍّ حَيْثُ كَانَ لَا يَنْكَفُّ إلَّا بِذَلِكَ وَيَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْفُجُورِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَخَرَجَتْ الْمُخَدَّرَةُ] : أَيْ وَهِيَ الَّتِي يَزْرِي بِهَا مَجْلِسُ الْقَاضِي لِمُلَازِمَتِهَا لِلْخِدْرِ أَيْ السَّتْرِ. قَوْلُهُ: [عَلَى ظَنٍّ قَوِيٍّ] : أَيْ وَقِيلَ: إنَّمَا يَعْتَمِدُ عَلَى الْيَقِينِ. وَنَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَا يَحْلِفُ فِيهِ بَتًّا يُكْتَفَى فِيهِ بِظَنٍّ قَوِيٍّ وَقِيلَ: الْمُعْتَبَرُ الْيَقِينُ. قَوْلُهُ: [كَخَطِّ أَبِيهِ] : أَيْ كَالظَّنِّ الْحَاصِلِ لَهُ بِرُؤْيَةِ خَطِّ أَبِيهِ إلَخْ. وَتَقْيِيدُ الظَّنِّ بِالْقَوِيِّ يُفِيدُ أَنَّ الظَّنَّ الضَّعِيفَ كَالشَّكِّ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ، بَلْ الْيَمِينُ فِيهِ غَمُوسٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْيَمِينِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْبَاتُّ أَنَّ مَنْ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ

[يمين المدعي ويمين المدعى عليه]

(وَيَمِينُ الطَّالِبِ) : أَيْ الْمُدَّعِي: (أَنَّ لِي) عِنْدَهُ (فِي ذِمَّتِهِ كَذَا، أَوْ: لَقَدْ فَعَلَ كَذَا) : كَقَتْلِ عَبْدِي أَوْ دَابَّتِي أَوْ أَتْلَفَ مَالِي حَيْثُ أَقَامَ شَاهِدًا فَقَطْ. (وَ) يَمِينُ (الْمَطْلُوبِ) : أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: (مَا لَهُ عِنْدِي كَذَا) - أَيْ مَا ادَّعَى بِهِ الْمُدَّعِي - (وَلَا شَيْءَ مِنْهُ) وَلَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ، بِمِائَةٍ مَثَلًا مُدَّعٍ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا وَحَقُّ الْيَمِينِ نَفْيُ كُلِّ مُدَّعًى بِهِ. (وَنَفَى) الْحَالِفُ (السَّبَبَ وَغَيْرَهُ إنْ عَيَّنَ) مَنْ الْمُدَّعِي، فَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِمِائَةٍ مِنْ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ حَلَفَ: مَا لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَلَا شَيْءَ مِنْهَا؛ لَا مِنْ قَرْضٍ وَلَا غَيْرِهِ، أَوْ لَا مِنْ بَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ. فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ سَبَبًا كَفَاهُ نَفْيُ الْمُدَّعَى بِهِ نَحْوُ: مَا لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَلَا شَيْءَ مِنْهُمَا. (فَإِنْ) كَانَ الْمَطْلُوبُ، (قَضَى) مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَجَحَدَهُ الْمُدَّعِي وَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ (نَوَى) الْحَالِفُ بِيَمِينِهِ مَا لَهُ عَلَيَّ كَذَا (وَ) لَا شَيْءَ مِنْهُ (يَجِبُ قَضَاؤُهُ الْآنَ) لِأَنَّهُ قَدْ قَضَى مَا كَانَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِلْمِ يَعْتَمِدُ عَلَى الظَّنِّ وَإِنْ لَمْ يَقْوَ بَلْ وَعَلَى الشَّكِّ [يَمِينُ الْمُدَّعِي وَيَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ] قَوْلُهُ: [وَحَقُّ الْيَمِينِ نَفْيُ كُلِّ مُدَّعًى بِهِ] : أَيْ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إلَّا بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ لَا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ مَا لَهُ عِنْدِي كَذَا؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْكُلِّ إثْبَاتٌ لِكُلِّ أَجْزَائِهِ وَنَفْيَهُ لَيْسَ نَفْيًا لِكُلِّ أَجْزَائِهِ، وَقَدْ يُقَالُ: الْعِبْرَةُ بِنِيَّةِ الْمُحَلِّفِ وَنِيَّتُهُ نَفْيُ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمُدَّعَى بِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَحْتَاجُ لِقَوْلِهِ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ. فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْقَصْدَ هُنَا زِيَادَةُ التَّشْدِيدِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. فَإِنْ أُسْقِطَ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ وَجَبَ الْإِتْيَانُ بِهَا مَعَ الْقُرْبِ وَإِعَادَةِ الْيَمِينِ بِتَمَامِهَا مَعَ الْبُعْدِ. قَوْلُهُ: [إنْ عُيِّنَ مِنْ الْمُدَّعِي] : أَيْ سَوَاءٌ ذَكَرَهُ الْمُدَّعِي بِدُونِ سُؤَالٍ عَنْهُ أَوْ بَعْدَ أَنْ سَأَلَهُ عَنْهُ الْحَاكِمُ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَضَى مَا عَلَيْهِ] : إلَخْ حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ تَسَلَّفَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا وَقَضَاهُ لَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ ثُمَّ قَامَ صَاحِبُ الْمَالِ وَطَلَبَهُ فَأَنْكَرَ وَقَالَ: لَا شَيْءَ لَك عِنْدِي وَطَلَبَ أَنْ يُحَلِّفَهُ أَنَّهُ مَا تَسَلَّفَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا تَسَلَّفَ مِنْهُ وَيَنْوِي سَلَفًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْآنَ رَدُّهُ وَيَبْرَأُ مِنْ الْإِثْمِ وَمِنْ الدَّيْنِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ حِينَ طَلَبَهُ مِنْهُ: رَدَدْتُهُ عَلَيْهِ لَزِمَهُ وَكَانَ عَلَيْهِ إثْبَاتُ الرَّدِّ. فَإِنْ قُلْت: الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُحَلِّفِ وَنِيَّةُ الْمُحَلِّفِ أَنَّهُ مَا تَسَلَّفَ

(وَحَلَفَ) مَنْ دَفَعَ لِغَيْرِهِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ دَيْنًا أَوْ سَلَفًا لِطَالِبِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَادَّعَى آخِذُهَا أَنَّهُ وَجَدَهَا أَوْ بَعْضًا مِنْهَا مَغْشُوشًا أَوْ وَجَدَهَا نَاقِصَةً (فِي الْغِشِّ: عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ) لَا الْبَتِّ: بِأَنْ يَحْلِفَ: مَا دَفَعْت إلَّا جَيِّدَةً فِي عِلْمِي وَلَا أَعْلَمُ فِيهَا غِشًّا. (وَ) يَحْلِفُ (فِي النَّقْصِ بَتًّا) : بِأَنْ يَحْلِفَ: مَا دَفَعْتهَا لَك إلَّا كَامِلَةً. فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ وَلَا يَكْفِي الْحَلِفُ فِي النَّقْصِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. (وَإِنْ نَكَلَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ (فِي مَالٍ) وَمَا يَئُولُ إلَيْهِ؛ كَخِيَارٍ وَأَجَلٍ (اسْتَحَقَّهُ الطَّالِبُ) : أَيْ فَإِنَّ الطَّالِبَ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الْمَالَ (بِهِ) أَيْ بِالنُّكُولِ (وَبِالْيَمِينِ) مَعًا: بِأَنْ يَحْلِفَ الطَّالِبُ بَعْدَ نُكُولِ الْمَطْلُوبِ أَنَّ لِي عِنْدَهُ كَذَا (إنْ حَقَّقَ) عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّعْوَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُ أَصْلًا فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتِلْكَ الْيَمِينِ وَلَا تَنْفَعُهُ نِيَّتُهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْيَمِينَ هُنَا لَيْسَتْ عَلَى نِيَّةِ الْمُحَلِّفِ لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ فِي مُقَابَلَةِ حَقٍّ بِاعْتِبَارِ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَقَوْلُهُمْ الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُحَلِّفِ فِيمَا إذَا كَانَ لِلْمُحَلِّفِ حَقٌّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. تَنْبِيهٌ: إنْ ادَّعَيْت أَيّهَا الْمَدِينُ أَنَّك قَضَيْت الْمَيِّتَ حَقَّهُ وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ لَمْ يَحْلِفْ مِنْهُمْ إلَّا الْبَالِغُ الَّذِي يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفْتَ أَنَّك وَفَّيْت وَسَقَطَ عَنْك مَنَابُ النَّاكِلِ فَقَطْ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُظَنَّ بِهِمْ الْعِلْمُ أَوْ لَمْ يَكُونُوا بَالِغِينَ عِنْدَ الْمَوْتِ فَحَقُّهُمْ ثَابِتٌ عَلَى الْمَدِينِ لَا يَبْرَأُ مِنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَيَمِينٍ، وَأَمَّا لَوْ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى وَرَثَةِ مَيِّتٍ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنًا وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ بِهِ فَالْحُكْمُ أَنَّهُمْ إنْ عَلِمُوا بِهِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ قَضَاؤُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ بَعْدَ يَمِينِ الْقَضَاءِ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ أَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ إلَى الْآنَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا بِهِ حَلَفُوا عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ إنْ ادَّعَى عَلَيْهِمْ الْعِلْمَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِمْ فَلَمْ يُجِيبُوا كَانَ مِنْ أَفْرَادِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ حُبِسَ وَأُدِّبَ ثُمَّ حَكَمَ بِلَا يَمِينٍ قَوْلُهُ: [وَيَحْلِفُ فِي النَّقْصِ بَتًّا] : تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا هُنَا لِمُنَاسِبَةِ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَاتِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحْلِفُ فِي النَّقْصِ الْمَذْكُورِ بَتًّا سَوَاءٌ كَانَ صَيْرَفِيًّا أَمْ لَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ نَقْصَ الْوَزْنِ كَنَقْصِ الْعَدَدِ وَهَذَا فِي الْمُتَعَامَلِ بِهِ وَزْنًا، وَأَمَّا فِي الْمُتَعَامَلِ بِهِ عَدَدًا فَنَقْصُ الْوَزْنِ كَالْغِشِّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ طَرِيقَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هَذَا التَّفْصِيلُ إنْ كَانَ الدَّافِعُ غَيْرَ صَيْرَفِيٍّ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ صَيْرَفِيًّا

(وَإِلَّا) يُحَقِّقْ الدَّعْوَى عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَتْ دَعْوَتُهُ عَلَيْهِ دَعْوَى اتِّهَامٍ (فَبِمُجَرَّدِهِ) : أَيْ فَالطَّالِبُ يَسْتَحِقُّ مَا ادَّعَاهُ بِمُجَرَّدِ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الِاتِّهَامِ لَا تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعِي. (وَلِيُبَيِّنَ الْحَاكِمُ) لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ (حُكْمَهُ) : أَيْ حُكْمَ النُّكُولِ؛ أَيْ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِي دَعْوَى التَّحْقِيقِ أَوْ التُّهْمَةِ، بِأَنْ يَقُولَ الْحَاكِمُ لَهُ فِي دَعْوَى التَّحْقِيقِ: إنْ نَكَلْت عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاسْتَحَقَّ مَا ادَّعَاهُ، وَفِي الِاتِّهَامِ: إنْ نَكَلْت اسْتَحَقَّ الْمُدَّعِي مَا ادَّعَاهُ عَلَيْك بِمُجَرَّدِ نُكُولِك. وَهَذَا الْبَيَانُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ كَالْإِعْذَارِ فِي مَحَلِّهِ. (وَلَا يُمَكَّنُ) مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ مِنْ مُدَّعٍ أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ (مِنْهَا) : أَيْ مِنْ الْيَمِينِ (إنْ نَكَلَ) مِنْهَا بِأَنْ قَالَ: لَا أَحْلِفُ، أَوْ قَالَ لِخَصْمِهِ احْلِفْ أَنْتَ وَخُذْ مَا تَدَّعِيهِ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا أَحْلِفُ. وَأَمَّا لَوْ الْتَزَمَهَا ابْتِدَاءً وَقَالَ: أَحْلِفُ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: لَا أَحْلِفُ، وَأَرَادَ تَحْلِيفَ خَصْمِهِ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ رُجُوعُهُ عَنْ الْيَمِينِ بَعْدَ الْتِزَامِهَا مُوجِبًا لِعَدَمِ رَدِّهَا عَلَى خَصْمِهِ. هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ مُطْلَقًا لَا فَرْقَ بَيْنَ نَقْصِ الْعَدَدِ وَالْوَزْنِ وَالْغِشِّ، وَظَاهِرُ (ح) فِي بَابِ الْبَيْعِ اعْتِمَادُ هَذَا الثَّانِي، وَمَحَلُّ هَذَا إنْ قَبَضَهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُفَاصَلَةِ، وَأَمَّا إنْ قَبَضَهَا لِيُرِيَهَا أَوْ لِيَزِنَهَا فَهُوَ مُصَدَّقٌ لِأَنَّهُ أَمِينٌ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ دَعْوَى الِاتِّهَامِ لَا تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعِي] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ. قَوْلُهُ: [وَلِيُبَيِّنَ الْحَاكِمُ] : أَيْ وَكَذَلِكَ الْمُحَكَّمُ. قَوْلُهُ: [شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ] : أَيْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِهِ، وَمَحَلُّ كَوْنِ الْحَاكِمِ أَوْ الْمُحَكَّمِ يُطْلَبُ بِالْبَيَانِ الْمَذْكُورِ إذَا لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَعْرِفُ هَذَا الْحُكْمَ وَإِلَّا فَلَا يُطْلَبُ الْبَيَانُ لَهُ. قَوْلُهُ: [مِنْ مُدَّعٍ أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ] : فَالْأَوَّلُ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَامْتَنَعَ مِنْ الْحَلِفِ مَعَهُ وَطَلَبَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالثَّانِي كَمَا لَوْ عَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ الْبَيِّنَةِ وَطَلَبَ الْيَمِينَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَنَكَلَ وَقَالَ: لَا أَحْلِفُ. وَقَوْلُهُ: [إنْ نَكَلَ] : أَيْ عِنْدَ السُّلْطَانِ أَوْ الْقَاضِي أَوْ الْمُحَكَّمِ وَلَا عِبْرَةَ بِنُكُولِهِ عِنْدَ الْخَصْمِ.

[الحيازة في عقار أو غيره]

بِخِلَافِ مُدَّعٍ الْتَزَمَهَا " إلَخْ أَيْ: أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ الْتَزَمَهَا ثُمَّ رَجَعَ. (فَإِنْ سَكَتَ) مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ (زَمَنًا) مِنْ غَيْرِ إظْهَارِ نُكُولٍ (فَلَهُ الْحَلِفُ) وَلَا يُعَدُّ سُكُوتُهُ نُكُولًا. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْحِيَازَةِ فِي عَقَارٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَالْحَائِزُ فِي كُلٍّ؛ إمَّا أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ شَرِيكٍ، وَإِمَّا شَرِيكٌ، وَإِمَّا قَرِيبٌ فَقَالَ: (وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ شَرِيكٍ) فِي الشَّيْءِ الْمُحَازِ (عَقَارًا) مَفْعُولُ " حَازَ ". وَالْحِيَازَةُ: وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الشَّيْءِ وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ (وَتَصَرَّفَ) فِيهِ بِهَدْمٍ أَوْ بِنَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ غَرْسٍ أَوْ إيجَارٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ قَطْعِ شَجَرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَالتَّصَرُّفُ فِي الرَّقِيقِ: بِالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْوَطْءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ وَفِي الثِّيَابِ. زِيَادَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِمَّا يَأْتِي فِيهِ بِاللُّبْسِ وَالتَّقْطِيعِ. وَفِي الدَّوَابِّ: بِالرُّكُوبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ سَكَتَ] : أَيْ وَأَوْلَى لَوْ طَلَبَ الْمُهْلَةَ لِيَتَرَوَّى فِي الْإِقْدَامِ عَلَيْهَا وَالْإِحْجَامِ، ثُمَّ طَلَبَ الْحَلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ [الْحِيَازَةِ فِي عَقَارٍ أَوْ غَيْرِهِ] قَوْلُهُ: [ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْحِيَازَةِ] : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُعْرَفُ بِمَسْأَلَةِ الْحِيَازَةِ وَإِنَّمَا أَلْحَقُوهَا بِالشَّهَادَةِ لِأَنَّ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهَا مَا تُسْمَعُ فِيهَا الْبَيِّنَةُ، وَفِي بَعْضِهَا مَا لَا تُسْمَعُ فِيهَا وَرُبَّمَا يَذْكُرُونَهَا مَعَ الْأَقْضِيَةِ لِأَنَّ بَعْضَهَا يَقَعُ فِيهِ الْقَضَاءُ. قَوْلُهُ [وَالْحَائِزُ فِي كُلٍّ] إلَخْ: أَيْ فَتَكُونُ الْأَقْسَامُ سِتَّةً وَسَيُوَضَّحُ تَفْصِيلُهَا، وَهَذَا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِ الْقَرِيبِ شَرِيكًا أَوْ غَيْرَ شَرِيكٍ وَإِلَّا فَتَكُونُ الْأَقْسَامُ ثَمَانِيَةً. قَوْلُهُ: [غَيْرَ شَرِيكٍ] : أَيْ لِلْمُدَّعِي. وَقَوْلُهُ: [وَتَصَرَّفَ] : أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْ التِّسْعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْعَقَارِ. قَوْلُهُ: [بِهَدْمٍ أَوْ بِنَاءٍ] : أَيْ كَثِيرَيْنِ لِغَيْرِ إصْلَاحٍ لَا لَهُ أَوْ كَانَا يَسِيرَيْنِ عُرْفًا قَوْلُهُ: [وَنَحْوِ ذَلِكَ] : أَيْ كَفَتْقِ عَيْنٍ أَوْ إجْرَاءِ نَهْرٍ. قَوْلُهُ: [وَالتَّصَرُّفُ فِي الرَّقِيقِ] إلَخْ: خُرُوجٌ عَنْ مَوْضِعِ الْمُصَنِّفِ فَحَقُّ تَصَرُّفَاتِ الرَّقِيقِ وَمَا بَعْدَهُ تُذْكَرُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَغَيْرِ الْعَقَارِ. قَوْلُهُ: [وَنَحْوِ ذَلِكَ] : أَيْ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْبَيْعِ. قَوْلُهُ: [مِمَّا يَأْتِي فِيهِ] : أَيْ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِيجَارِ. قَوْلُهُ: [بِالرُّكُوبِ] : أَيْ زِيَادَةَ مَا تَقَدَّمَ

وَنَحْوِهِ (ثُمَّ ادَّعَى) عَلَى الْحَائِزِ (حَاضِرٌ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ) لَهُ مِنْ التَّكَلُّمِ (عَشْرَ سِنِينَ) مَعْمُولٌ لِ " حَازَ " وَمَا بَعْدَهُ. إلَّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّصَرُّفِ أَنْ يَكُونَ فِي جَمِيعِهَا، وَكَذَا التَّصَرُّفُ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ كَالْهِبَةِ. لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الطُّولُ الْمَذْكُورُ أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي قَرِيبًا (لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ) الَّتِي أَقَامَهَا عَلَى دَعْوَاهُ وَاسْتَحَقَّهُ الْحَائِزُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَازَ شَيْئًا عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ لَهُ» . وَفِي الْمُدَوَّنَةِ الْحِيَازَةُ الْقَاطِعَةُ لَا يَحْتَاجُ مَعَهَا لِيَمِينٍ: أَيْ مِنْ الْحَائِزِ. وَهَذَا فِي مَحْضِ حَقِّ الْآدَمِيِّ وَأَمَّا الْوَقْفُ فَتُسْمَعُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ وَلَوْ طَالَ الزَّمَنُ. وَكَذَا إنْ كَانَ الْمُدَّعِي - غَائِبًا أَوْ كَانَ حَاضِرًا وَمَنَعَهُ مِنْ التَّكَلُّمِ مَانِعٌ - فَإِنَّهَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ. وَمَحَلُّ عَدَمِ سَمَاعِ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي: مَا لَمْ يَكُنْ الْحَائِزُ مَشْهُورًا بِالْعَدَاءِ وَالْغَصْبِ لِأَمْوَالِ النَّاسِ، فَإِنَّ الْحِيَازَةَ لَا تَنْفَعُهُ كَمَا فِي النَّقْلِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى حِيَازَةِ الشَّرِيكِ بِقَوْلِهِ: (كَشَرِيكٍ) فِي الْعَقَارِ الْمُحَازِ (أَجْنَبِيٍّ حَازَ فِيهَا) : أَيْ فِي الْعَشْرِ سِنِينَ (إنْ هَدَمَ) الْحَائِزُ (أَوْ بَنَى) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: [وَنَحْوِهِ] : أَيْ مِنْ سَائِرِ الْغَلَّاتِ كَالطَّحْنِ وَالدَّرْسِ. قَوْلُهُ: [حَاضِرٌ] : أَيْ بِالْبَلَدِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ أَمْرَ ذَلِكَ الْمَحُوزِ لِقُرْبِهِ مِنْهُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ فَلَهُ الْقِيَامُ إذَا أَثْبَتَ عَدَمَ عِلْمِهِ. قَوْلُهُ: [سَاكِتٌ] : مَفْهُومُهُ لَوْ نَازَعَ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ. قَوْلُهُ: [عَشْرَ سِنِينَ] : تَحْدِيدُ الْحِيَازَةِ فِي الْعَقَارِ بِالْعَشْرِ نَحْوُهُ فِي الرِّسَالَةِ، وَعَزَاهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِرَبِيعَةَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَا قَارَبَ الْعَشْرَ كَتِسْعٍ وَثَمَانٍ كَالْعَشْرِ، وَقَالَ مَالِكٌ: يُحَدَّدُ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ. قَوْلُهُ: [وَمَنَعَهُ مِنْ التَّكَلُّمِ مَانِعٌ] : مِنْ الْعُذْرِ الْمَانِعِ الصِّغَرُ وَالسَّفَهُ فَلَا تُعْتَبَرُ فِيهِ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ إلَّا بَعْدَ زَوَالِهِمَا. بِخِلَافِ جَهْلِهِ أَنَّ الْحِيَازَةَ تُسْقِطُ الْحَقَّ وَتَقْطَعُ الْبَيِّنَةَ فَإِنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِذَلِكَ الْجَهْلِ. قَوْلُهُ: [إنْ هَدَمَ الْحَائِزُ أَوْ بَنَى] : أَيْ وَشَرِيكُهُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ عَالِمٌ بِالتَّصَرُّفِ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ لَهُ مِنْ التَّكَلُّمِ.

وَكَذَا إنْ غَرَسَ أَوْ قَطَعَ الشَّجَرَ، فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَلَا بَيِّنَتُهُ. وَهَذَا فِي الْفِعْلِ الْكَثِيرِ عُرْفًا. فَهَدْمُ شَيْءٍ يَسِيرٍ أَوْ بِنَاؤُهُ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ عَادَةً؛ كَفُرْنٍ أَوْ غَرْسٍ أَوْ قَطْعِ شَجَرَةٍ وَنَحْوِهَا لَا يُعْتَبَرُ. (وَفِي الْقَرِيبِ وَنَحْوِهِ) كَالْمَوَالِي وَالْأَصْهَارِ عَلَى أَظْهَرْ الْأَقْوَالِ (مُطْلَقًا) شَرِيكًا: أَوْ غَيْرَ شَرِيكٍ. (مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً) لَا الْأَرْبَعِينَ فَقَطْ عَلَى الْأَرْجَحِ. (إلَّا الْأَبُ وَابْنُهُ فِيمَا) : أَيْ فَلَا حِيَازَةَ بَيْنَهُمَا إلَّا بِزَمَنٍ (تَهْلَكُ فِيهِ الْبَيِّنَاتُ) عَادَةً (وَيَنْقَطِعُ) فِيهِ (الْعِلْم) بِحَقِيقَةِ الْحَالِ، وَالْحَائِزُ يَهْدِمُ وَيَبْنِي؛ كَالسِّتِّينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَكَذَا إنْ غَرَسَ أَوْ قَطَعَ الشَّجَرَ] : أَيْ بِدَارٍ أَوْ أَرْضٍ وَأَوْلَى مِنْ تِلْكَ الْأَرْبَعَةِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ، فَخَالَفَ الشَّرِيكُ الْأَجْنَبِيُّ الَّذِي لَمْ يَكُنْ شَرِيكًا مِنْ حَيْثُ إنَّ الشَّرِيكَ لَا يُعَدُّ حَائِزًا إلَّا بِأَحَدِ تِلْكَ الْأُمُورِ السَّبْعَةِ. بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ الْغَيْرِ الشَّرِيكِ فَيُعَدُّ حَائِزًا بِالتَّصَرُّفِ بِهَذِهِ السَّبْعَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِيمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [عَلَى أَظْهَرْ الْأَقْوَالِ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَوَالِيَ وَالْأَصْهَارَ الَّذِينَ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمْ فِيهِمْ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ كُلُّهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ، الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ كَالْأَقَارِبِ فَلَا تَحْصُلُ الْحِيَازَةُ بَيْنَهُمْ إلَّا مَعَ الطُّولِ جِدًّا بِأَنْ تَزِيدَ مُدَّتُهَا عَلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَسَوَاءٌ كَانَ التَّصَرُّفُ بِالْهَدْمِ أَوْ الْبِنَاءِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ كُلٍّ مِنْهُمَا، أَوْ كَانَ بِالِاسْتِغْلَالِ بِالْكِرَاءِ أَوْ الِانْتِفَاعِ بِنَفْسِهِ بِسُكْنَى أَوْ زَرْعٍ. الثَّانِي: أَنَّهُمْ كَالْأَجَانِبِ غَيْرِ الشُّرَكَاءِ فَيَكْفِي فِي الْحِيَازَةِ عَشْرُ سِنِينَ مَعَ التَّصَرُّفِ مُطْلَقًا بِهَدْمٍ أَوْ بِنَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ اسْتِغْلَالٍ أَوْ سُكْنَى أَوْ زَرْعٍ. الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ كَالْأَجَانِبِ الشُّرَكَاءِ فَيَكْفِي فِي الْحِيَازَةِ عَشْرُ سِنِينَ مَعَ التَّصَرُّفِ بِالْهَدْمِ أَوْ الْبِنَاءِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا كَغَرْسِ الشَّجَرِ أَوْ قَطْعِهِ وَبَاقِي السَّبْعَةِ لَا بِاسْتِغْلَالٍ أَوْ سُكْنَى أَوْ زَرْعٍ. قَوْلُهُ: [مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً] : فِي (عب) مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ وَإِلَّا فَالْأَجَانِبُ الشُّرَكَاءُ تَكْفِي الْحِيَازَةُ عَشْرَ سِنِينَ مَعَ التَّصَرُّفِ بِوَاحِدٍ مِنْ سَبْعَةِ أُمُورٍ. قَوْلُهُ: [إلَّا الْأَبُ وَابْنُهُ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْحِيَازَةَ بَيْنَ الْأَبِ وَابْنِهِ لَا تَثْبُتُ إلَّا إذَا كَانَ تَصَرُّفُ الْحَائِزِ مِنْهُمَا بِمَا يُفِيتُ الذَّاتَ أَوْ كَانَ بِالْهَدْمِ أَوْ الْبِنَاءِ أَوْ مَا أُلْحِقَ بِهِمَا وَطَالَتْ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ جِدًّا كَالسِّتِّينَ سَنَةً، وَالْآخَرُ حَاضِرٌ عَالِمٌ سَاكِتٌ الْمُدَّةَ بِلَا مَانِعٍ لَهُ مِنْ التَّكَلُّمِ.

سَنَةً فَأَكْثَرَ، وَالْآخِذُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ. هَذَا كُلُّهُ فِي حِيَازَةِ الْعَقَارِ. (وَغَيْرُ الْعَقَارِ) مِنْ الْعُرُوضِ وَالدَّوَابِّ وَالرَّقِيقِ فَالْحِيَازَةُ (فِي الْقَرِيبِ) فِيهِ (الزِّيَادَةُ عَلَى عَشْرٍ) مِنْ السِّنِينَ. وَلَا يَكْفِي الْعَشْرُ مَعَ الْحُضُورِ وَالسُّكُوتِ بِلَا مَانِعٍ. (وَفِي الْأَجْنَبِيِّ: مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ) السِّنِينَ مَعَ التَّصَرُّفِ فِيمَا حَازَهُ، وَالْآخَرُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ فَلَا كَلَامَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا تُسْمَعُ لَهُ دَعْوَى. (إلَّا الدَّابَّةَ) فِي رُكُوبٍ وَنَحْوِهِ (وَأَمَةَ الْخِدْمَةِ) تُسْتَخْدَمُ لِلْأَجْنَبِيِّ غَيْرِ الشَّرِيكِ (فَالسَّنَتَانِ) فَقَطْ يَكُونُ حِيَازَةً، وَلَا تُسْمَعُ بَعْدَهُمَا فِيهِمَا دَعْوَى مُدَّعٍ حَاضِرٍ سَاكِتٍ بِلَا مَانِعٍ. وَأَمَّا الثَّوْبُ يُلْبَسُ فَالْعَامُ فَقَطْ. وَأَمَّا أَمَةُ الْوَطْءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [هَذَا كُلُّهُ فِي حِيَازَةِ الْعَقَارِ] : أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ مِنْ أَوَّلِ مَسْأَلَةِ الْحِيَازَةِ إلَى هُنَا. قَوْلُهُ: [فَالْحِيَازَةُ فِي الْقَرِيبِ] : ظَاهِرُهُ شَرِيكًا أَوْ غَيْرَهُ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ. قَوْلُهُ: [فِيهِ] : أَيْ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ مِنْ عُرُوضٍ وَدَوَابَّ وَرَقِيقٍ. قَوْلُهُ: [مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ] : ظَاهِرُهُ كَانَ شَرِيكًا أَوْ غَيْرَ شَرِيكٍ. قَوْلُهُ: [مَعَ التَّصَرُّفِ فِيمَا حَازَهُ] : أَيْ فَالتَّصَرُّفُ فِي الرَّقِيقِ بِالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْوَطْءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، وَفِي الثِّيَابِ بِاللُّبْسِ وَالتَّقْطِيعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْبَيْعِ وَالْإِيجَارِ، وَفِي الدَّوَابِّ بِالرُّكُوبِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْبَيْعِ وَالْإِيجَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [إلَّا الدَّابَّةَ] : هُوَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ وَفِي الْأَجْنَبِيِّ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ. قَوْلُهُ: [لِلْأَجْنَبِيِّ غَيْرِ الشَّرِيكِ] : الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ رُجُوعُهُ لِلدِّيَةِ وَأَمَةِ الْخِدْمَةِ وَتَقْيِيدُهُ بِغَيْرِ الشَّرِيكِ يُفِيدُ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ الشَّرِيكَ لَا يُعَدُّ حَائِزًا فِي الدَّابَّةِ وَأَمَةِ الْخِدْمَةِ إلَّا بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ سِنِينَ مَعَ التَّصَرُّفِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الثَّوْبُ يُلْبَسُ فَالْعَامُ] : ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْأَجْنَبِيِّ غَيْرِ الشَّرِيكِ أَيْضًا

فَتَفُوتُ بِوَطْئِهَا بِالْفِعْلِ مَعَ عِلْمِ رَبِّهَا وَسُكُوتِهِ بِلَا عُذْرٍ. وَكَذَا الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ، إلَّا أَنَّ الْبَيْعَ يَجْرِي عَلَى الْفُضُولِيِّ الْآتِي. (وَلَا حِيَازَةَ) فِي شَيْءٍ مِنْ عَقَارٍ أَوْ غَيْرِهِ (إنْ شَهِدَتْ) الْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي عَلَى وَاضِعِ الْيَدِ (بِإِعَارَةٍ وَنَحْوِهَا) : كَإِجَارَةٍ وَعُمْرَى وَإِخْدَامٍ وَمُسَاقَاةٍ فَتُسْمَعُ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ. وَيُقْضَى لِلْمُدَّعِي بِمُقْتَضَى الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ مِنْ وَاضِعِ الْيَدِ بِذَلِكَ كَالْبَيِّنَةِ بَلْ أَقْوَى. وَمَحَلُّ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ: مَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْحَائِزِ بِحَضْرَةِ الْمُدَّعِي وَسُكُوتِهِ بِلَا عُذْرٍ مَا لَا يَحْصُلُ إلَّا مِنْ الْمَالِكِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَإِلَّا فَلَا تُسْمَعُ، كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَصَرَّفَ غَيْرُ مَالِكٍ مُطْلَقًا) قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا، شَرِيكًا أَوْ لَا (بِهِبَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا) : كَصَدَقَةٍ وَعِتْقٍ وَبَيْعٍ (وَهُوَ) أَيْ الْمُدَّعِي (حَاضِرٌ) حِينَ التَّصَرُّفِ (عَالِمٌ) بِهِ (لَمْ يُنْكِرْهُ) مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْإِنْكَارِ (مَضَى) فِعْلُ غَيْرِ الْمَالِكِ وَ (لَا كَلَامَ لَهُ) : أَيْ لِلْمَالِكِ. (وَلَهُ) فِي الْبَيْعِ بِحُضُورِهِ وَسُكُوتِهِ بِلَا مَانِعٍ (أَخْذُ ثَمَنِ الْمَبِيعِ) : لِأَنَّ حُضُورَهُ مَعَ سُكُوتِهِ بِلَا مَانِعٍ إذْنٌ مِنْهُ وَإِقْرَارٌ بِالْبَيْعِ (إنْ لَمْ يَطُلْ كَسَنَةٍ) . فَإِنْ مَضَى الْعَامُ فَلَا ثَمَنَ لَهُ أَيْضًا وَلَعَلَّهُ إنْ قَبَضَهُ الْفُضُولِيُّ. وَأَمَّا لَوْ بَاعَهُ لِأَجَلٍ - كَالْعَامِ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَتَفُوتُ بِوَطْئِهَا] : أَيْ مُطْلَقًا كَانَ الْوَاطِئُ لَهَا أَجْنَبِيًّا أَوْ غَيْرَهُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ إعَارَةِ الْفُرُوجِ لَوْ بَقِيَتْ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ] : أَيْ مِثْلُ وَطْءِ الْأَمَةِ كَمَا سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [بِإِعَارَةٍ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ مَحَلَّ ثُبُوتِ الْحِيَازَةِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَالتَّفَاصِيلُ الْمُتَقَدِّمَةُ مَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْمَالِكَ أَعَارَهَا لِلْحَائِزِ أَوْ آجَرَهَا أَوْ أَعْمَرَهَا أَوْ أَخْدَمَهَا إنْ كَانَ رَقِيقًا أَوْ سَاقَاهَا إنْ كَانَ بُسْتَانًا، وَأَوْلَى مِنْ ثُبُوتِ الْبَيِّنَةِ إقْرَارُ الْحَائِزِ بِذَلِكَ، وَإِلَّا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمُدَّعِي إلَّا بِتَصَرُّفٍ بِهِبَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ بَيْعٍ، وَالْآخَرُ حَاضِرٌ عَالِمٌ سَاكِتٌ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ إلَّا أَنَّهُ فِي الْبَيْعِ يَجْرِي فِيهِ قَوْلُهُ، وَلَهُ أَخْذُ ثَمَنِ الْمَبِيعِ إلَخْ.

فَلِرَبِّهِ قَبْضُهُ بَعْدَ الْأَجَلِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَتَحْصُلُ الْحِيَازَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْوَطْءِ وَلَوْ بَيْنَ أَبٍ وَابْنِهِ وَلَوْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ، إلَّا أَنَّهُ إنْ حَضَرَ مَجْلِسَ الْبَيْعِ فَسَكَتَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ وَكَانَ لَهُ الثَّمَنُ. وَإِنْ سَكَتَ بَعْدَ الْعَامِ وَنَحْوِهِ اسْتَحَقَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ بِالْحِيَازَةِ مَعَ يَمِينِهِ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْبَيْعِ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِهِ فَقَامَ حِينَ عَلِمَ فَلَهُ أَخْذُ حَقِّهِ. وَإِنْ سَكَتَ الْعَامَ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الثَّمَنَ. وَإِنْ لَمْ يَقُمْ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَاسْتَحَقَّهُ الْحَائِزُ، وَإِنْ حَضَرَ مَجْلِسَ الْهِبَةِ وَالْعِتْقِ فَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ ثُمَّ عَلِمَ فَإِنْ قَامَ حِينَئِذٍ كَانَ لَهُ حَقُّهُ. وَإِنْ قَامَ بَعْدَ الْعَامِ فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَاخْتُلِفَ فِي الْكِتَابَةِ: هَلْ تُحْمَلُ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ عَلَى الْعِتْقِ؟ قَوْلَانِ (اهـ.) . وَأَمَّا الدُّيُونُ الثَّابِتَةُ فِي الذِّمَمِ فَقِيلَ: يُسْقِطُهَا مُضِيُّ عِشْرِينَ عَامًا مَعَ حُضُورِ رَبِّ الدَّيْنِ وَسُكُوتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ. وَقِيلَ: مُضِيُّ ثَلَاثِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلِرَبِّهِ قَبْضُهُ بَعْدَ الْأَجَلِ] : أَيْ مَا لَمْ يَسْكُتْ عَامًا بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ. قَوْلُهُ: [قَالَ ابْنُ رُشْدٍ] : قَصْدُهُ بِتِلْكَ الْعِبَارَةِ الِاسْتِدْلَال عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَلَيْسَ مُكَرَّرًا. قَوْلُهُ: [فِي كُلِّ شَيْءٍ] : أَيْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ الشَّيْءِ الْعَارِضِ. قَوْلُهُ: [اسْتَحَقَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ] : أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ مَبِيعًا لِأَجَلٍ فَلَا يَضُرُّهُ إلَّا مُضِيُّ عَامٍ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ. قَوْلُهُ: [فَلَهُ أَخْذُ حَقِّهِ] : أَيْ بِنَقْضِ الْبَيْعِ أَوْ إمْضَائِهِ وَالْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ سَكَتَ الْعَامَ] : أَيْ بَعْدَ الْعِلْمِ قَوْلُهُ: [حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ] : قَالَ فِي الْأَصْلِ فَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَلَهُ الرَّدُّ بَعْدَ حُضُورِهِ وَعِلْمِهِ مَا لَمْ يَمْضِ عَامٌ، فَإِنْ مَضَى فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ وَلَهُ أَخْذُ الثَّمَنِ مَا لَمْ يَمْضِ ثَلَاثَةُ أَعْوَامٍ مِنْ الْبَيْعِ وَإِلَّا سَقَطَ حَقُّهُ مِنْهُ أَيْضًا. كَذَا ذَكَرُوا فَتَأَمَّلْهُ (اهـ) فَلَعَلَّ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ هُنَا: وَإِنْ لَمْ يَقُمْ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ قَامَ حِينَئِذٍ] : أَيْ دُونَ الْعَامِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ مَضَى ثَلَاثِينَ] : هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ

وَقِيلَ: لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. إلَّا أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يُسْقِطُهَا مُضِيُّ السَّنَتَيْنِ بَعِيدٌ جِدًّا، وَالْأَظْهَرُ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ لِلِاجْتِهَادِ فِي حَالِ الزَّمَنِ وَالدَّيْنِ وَالنَّاسِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَقِيلَ لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ] : هَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبُنْيَانِ، وَنَصَّهُ إذَا تَقَرَّرَ الدَّيْنُ فِي الذِّمَّةِ وَثَبَتَ فِيهَا لَا يَبْطُلُ، وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ وَكَانَ رَبُّهُ حَاضِرًا سَاكِتًا قَادِرًا عَلَى الطَّلَبِ بِهِ لِعُمُومِ خَبَرِ: «لَا يَبْطُلُ حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَإِنْ قَدُمَ» (اهـ) وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ التُّونُسِيُّ وَالْغُبْرِينِيُّ. قَوْلُهُ: [فِي حَالِ الزَّمَنِ وَالدَّيْنِ وَالنَّاسِ] : أَيْ فَيُعْمَلُ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ فَشَأْنُ الْغَنِيِّ يُمْهِلُ أَحِبَّاءَهُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ وَشَأْنُ الْفَقِيرِ الْمُحْتَاجِ لَا مُهْلَةَ عِنْدَهُ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ غَيْرَ صَاحِبٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب في أحكام الجناية على النفس أو على ما دونها]

بَابٌ فِي أَحْكَامِ الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ أَوْ عَلَى مَا دُونَهَا مِنْ طَرَفٍ أَوْ غَيْرِهِ، كَمُوضِحَةٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ قِصَاصٍ وَغَيْرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَاب فِي أَحْكَامِ الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ أَوْ عَلَى مَا دُونَهَا] بَابٌ إنَّمَا أَتَى الْمُؤَلِّفُ بِهَذَا الْبَابِ إثْرَ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ أَوَّلًا لِأَنَّهُ أَوْكَدُ الضَّرُورِيَّاتِ الَّتِي يَجِبُ مُرَاعَاتُهَا فِي جَمِيعِ الْمِلَلِ بَعْدَ حِفْظِ الدِّينِ وَحِفْظِ النُّفُوسِ وَفِي الصَّحِيحِ: «أَوَّلُ مَا يُقْضَى بِهِ بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ» وَلِهَذَا يَنْبَغِي التَّهَمُّمُ بِشَأْنِهَا. قَوْلُهُ: [عَلَى النَّفْسِ] : أَيْ الذَّاتِ بِرُمَّتِهَا. وَقَوْلُهُ: [مِنْ طَرَفٍ] : بِالتَّحْرِيكِ كَقَطْعِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ فَقْءِ عَيْنٍ، وَهُوَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ بَيَانٌ لِمَا. وَقَوْلُهُ: [كَمُوضِحَةٍ] : تَمْثِيلٌ لِلْغَيْرِ. قَوْلُهُ: [عَمْدًا أَوْ خَطَأً] : تَمْيِيزٌ لِلْجِنَايَةِ أَيْ مِنْ جِهَةِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ. قَوْلُهُ: [وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] : اسْمُ الْإِشَارَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْعَمْدِ أَوْ الْخَطَأِ وَكُلٌّ صَحِيحٌ. وَقَوْلُهُ: [مِنْ قِصَاصٍ أَوْ غَيْرِهِ] : بَيَانٌ لِمَا. قَوْلُهُ: [وَغَيْرِهِ] : أَيْ كَالدِّيَةِ وَالصُّلْحِ وَالْعَفْوِ وَالْحُكُومَةِ.

[موجب القصاص وشرطه]

وَمُوجِبُ الْقِصَاصِ ثَلَاثَةٌ: جَانٍ: وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ وَالْعِصْمَةُ وَأَنْ لَا يَكُونَ أَزْيَدَ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِإِسْلَامٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ. وَمَجْنِيٌّ عَلَيْهِ: وَشَرْطُهُ الْعِصْمَةُ وَالْمُكَافَأَةُ لِلْجَانِي أَوْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ لَا أَنْقَصَ مِنْهُ. وَجِنَايَةٌ: وَشَرْطُهَا الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ. وَإِلَى بَيَانِ ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (إنْ أَتْلَفَ مُكَلَّفٌ) : أَيْ بَالِغٌ عَاقِلٌ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى حُرًّا أَوْ رَقِيقًا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، وَلَوْ سَكْرَانَ بِحَرَامٍ؛ فَلَا قِصَاصَ عَلَى غَيْرِ مُكَلَّفٍ مِنْ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ جَنَى حَالَ جُنُونِهِ. فَإِنْ جَنَى حَالَ إفَاقَتِهِ اُقْتُصَّ مِنْهُ، فَإِنْ جُنَّ اُنْتُظِرَ حَتَّى يُفِيقَ فَإِنْ لَمْ يُفِقْ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ. وَالسَّكْرَانُ بِحَلَالٍ كَالْمَجْنُونِ. (غَيْرُ حَرْبِيٍّ) : نَعْتٌ " لِمُكَلَّفٍ ". وَغَيْرُ الْحَرْبِيِّ: هُوَ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ. فَالْحَرْبِيُّ لَا يُقْتَلُ قِصَاصًا، بَلْ يُهْدَرُ دَمُهُ، وَلِذَا لَوْ أَسْلَمَ أَوْ دَخَلَ عِنْدَنَا بِأَمَانٍ لَمْ يُقْتَلْ، فَقَوْلُهُ: غَيْرُ حَرْبِيٍّ فِي قُوَّةِ قَوْلِنَا: " مَعْصُومٌ " ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مُوجِبُ الْقِصَاصِ وَشَرْطُهُ] قَوْلُهُ: [وَمُوجِبُ الْقِصَاصِ ثَلَاثَةٌ] : الْمُنَاسِبُ أَرْكَانُ الْقِصَاصِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْأَصْلِ وَفِي الْخَرَشِيِّ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْقِصَاصِ الْجِنَايَةُ بِشُرُوطِهَا وَهِيَ أَحَدُ الْأَرْكَانِ. قَوْلُهُ: [وَالْعِصْمَةُ] : أَيْ بِإِيمَانٍ أَوْ أَمَانٍ، فَالْمُرَادُ عِصْمَةٌ مَخْصُوصَةٌ. قَوْلُهُ: [أَوْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ] : أَيْ كَمَا إذَا جَنَى عَبْدٌ مُسْلِمٌ عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ، أَوْ جَنَى ذِمِّيٌّ عَلَى مُسْلِمٍ. قَوْلُهُ: [لَا أَنْقَصُ مِنْهُ] : أَيْ كَمَا لَوْ جَنَى حُرٌّ مُسْلِمٌ عَلَى عَبْدٍ أَوْ مُسْلِمٌ عَلَى ذِمِّيٍّ. قَوْلُهُ: [وَإِلَى بَيَانِ ذَلِكَ] : اسْمُ الْإِشَارَةِ عَائِدٌ عَلَى مُوجِبِ الْقِصَاصِ الَّذِي تَقَدَّمَ، فَقَوْلُهُ إنْ أَتْلَفَ مُكَلَّفٌ هَذَا هُوَ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَسَيَأْتِي الثَّانِي فِي قَوْلِهِ مَعْصُومًا. قَوْلُهُ: [وَالسَّكْرَانُ بِحَلَالٍ كَالْمَجْنُونِ] : أَيْ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. قَوْلُهُ: [فِي قُوَّةِ قَوْلِنَا مَعْصُومٌ] : أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ لَنَا مِنْ أَنَّ الْعِصْمَةَ تَكُونُ بِإِيمَانٍ أَوْ أَمَانٍ

(وَلَا زَائِدُ حُرِّيَّةٍ وَإِسْلَامٍ) عَنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِأَنْ مُمَاثِلًا لَهُ أَوْ أَنْقَصَ مِنْهُ - فَيُقْتَلُ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ بِمِثْلِهِ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى وَبِالذَّكَرِ الْمُمَاثِلِ لَهَا، وَعَكْسُهُ. وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ وَالذِّمِّيُّ بِالْمُسْلِمِ وَلَوْ رَقِيقًا. (حِينَ الْقَتْلِ) : مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ: أَيْ يُشْتَرَطُ فِي الْجَانِي أَنْ يَكُونَ مُتَّصِفًا بِمَا ذُكِرَ حِينَ الْقَتْلِ، لَا قَبْلَهُ فَقَطْ وَلَا بَعْدَهُ. وَمَفْهُومُ: " لَا زَائِدَ " أَنَّ الْمُكَلَّفَ الْجَانِيَ لَوْ كَانَ زَائِدًا عَنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِحُرِّيَّةٍ أَوْ إسْلَامٍ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ، فَلَا يُقْتَلُ حُرٌّ مُسْلِمٌ بِرَقِيقٍ وَلَا بِذِمِّيٍّ، وَلَا يُقْتَلُ رَقِيقٌ مُسْلِمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِأَنْ مُمَاثِلًا لَهُ] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ وَسَقَطَ مِنْهَا لَفْظُ كَانَ، وَالْمُرَادُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَضِدَّيْهِمَا. وَلَا يُشْتَرَطُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الذُّكُورَةِ وَلَا فِي الْأُنُوثَةِ. قَوْلُهُ: [فَيُقْتَلُ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ] إلَخْ: تَفْرِيعٌ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ إلَى آخِرِ مَا قُلْنَاهُ. قَوْلُهُ: [وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ] : أَيْ الْمُسْتَوِيَيْنِ فِي الدِّينِ أَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ مُسْلِمًا وَالْقَاتِلُ ذِمِّيًّا وَيُقَالُ فِي قَوْلِهِ: وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى مَا قِيلَ فِي الْعَبْدِ بِالْعَبْدِ. قَوْلُهُ: [وَبِالذَّكَرِ الْمُمَاثِلِ لَهَا] : أَيْ إسْلَامًا وَحُرِّيَّةً. وَقَوْلُهُ: [وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ] إلَخْ: مِثَالٌ لِكَوْنِ الْجَانِي أَنْقَصَ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْحَالُ أَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الدِّينِ، أَوْ الْمَقْتُولُ مُسْلِمًا وَالْقَاتِلُ ذِمِّيًّا لَا الْعَكْسُ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ رَقِيقًا] : أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُ الْمَقْتُولُ رَقِيقًا وَالذِّمِّيُّ الْقَاتِلُ حُرًّا لِأَنَّ خَيْرِيَّةَ الدِّينِ أَفْضَلُ مِنْ الْحُرِّيَّةِ. قَوْلُهُ: [حِينَ الْقَتْلِ] : الْمُرَادُ بِهِ الْمَوْتُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْجَانِي لِلْقِصَاصِ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا غَيْرَ حَرْبِيٍّ وَلَا زَائِدَ حُرِّيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ وَقْتَ الْقَتْلِ أَيْ إزْهَاقِ الرُّوحِ، فَلَوْ قَتَلَ مَعْصُومًا وَهُوَ حَرْبِيٌّ أَوْ زَائِدُ حُرِّيَّةٍ أَوْ إسْلَامٍ أَوْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَلَا قِصَاصَ. وَلَوْ بَلَغَ أَوْ عَقَلَ أَوْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ بِأَثَرِ ذَلِكَ، وَلَوْ رَمَى عَبْدًا وَجَرَحَ مِثْلَهُ ثُمَّ عَتَقَ الْجَانِي فَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْ الْجَانِي لِأَنَّهُ حِينَ الْمَوْتِ زَائِدُ حُرِّيَّةٍ، وَكَذَا لَوْ رَمَى ذِمِّيٌّ مِثْلَهُ أَوْ جَرَحَهُ وَأَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ.

بِذِمِّيٍّ حُرٍّ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ أَعْلَى مِنْ حُرِّيَّةِ الذِّمِّيِّ، وَالْأَعْلَى لَا يُقْتَلُ بِالْأَدْنَى. وَسَيَأْتِي حُكْمُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِقِيمَةِ رَقِيقٍ أَوْ دِيَةٍ. وَالْكَلَامُ هُنَا فِي غَيْرِ قَتْلِ الْغِيلَةِ. وَأَمَّا فِيهَا: فَيُقْتَلُ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ بِالْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ كَمَا سَيَأْتِي وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ: " إلَّا الْغِيلَةَ ". وَحَذَفْنَا هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ لِأَنَّ حُكْمَ الْغِيلَةِ سَيَأْتِي مُسْتَقِلًّا بِفَصْلٍ. وَقَوْلُهُ (مَعْصُومًا) : مَفْعُولٌ لِقَوْلِهِ " أَتْلَفَ " وَهُوَ إشَارَةٌ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ. وَشُرُوطُهُ: أَيْ إنْ أَتْلَفَ الْمُكَلَّفُ الْمَذْكُورُ مَعْصُومًا مُكَلَّفًا أَمْ لَا، فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ التَّكْلِيفُ بَلْ الْعِصْمَةُ، فَخَرَجَ الْحَرْبِيُّ وَالْمُرْتَدُّ، فَلَا يُقْتَصُّ مِنْ قَاتِلِهِ لِعَدَمِ عِصْمَتِهِ بِالِارْتِدَادِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ شَرْطِ عَدَمِ زِيَادَةِ الْجَانِي بِحُرِّيَّةٍ أَوْ إسْلَامٍ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَكُونَ أَنْقَصَ مِنْ الْجَانِي، فَإِنْ كَانَ أَنْقَصَ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْ الْجَانِي، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَدْ قَدَّمَ مِثَالَهُ. (لِلتَّلَفِ) مُتَعَلِّقٌ " بِمَعْصُومٍ ": أَيْ مَعْصُومًا لِلتَّلَفِ: أَيْ مِنْ وَقْتِ الضَّرْبِ أَوْ الرَّمْيِ بِالسَّهْمِ لِلْمَوْتِ؛ فَمَنْ ضَرَبَ أَوْ رَمَى مَعْصُومًا فَارْتَدَّ قَبْلَ خُرُوجِ رُوحِهِ لَمْ يُقْتَصَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مِمَّا يَتَعَلَّقُ] إلَخْ: بَيَانٌ لِحُكْمٍ. قَوْلُهُ: [فِي غَيْرِ قَتْلِ الْغِيلَةِ] : بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ: وَهِيَ قَتْلٌ لِأَخْذِ الْمَالِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الشُّرُوطُ الْمُتَقَدِّمَةُ بَلْ يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَالْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ، وَلِذَا قَالَ مَالِكٌ: لَا عَفْوَ فِيهِ وَلَا صُلْحَ، وَصُلْحُ الْوَلِيِّ مَرْدُودٌ وَالْحُكْمُ فِيهِ لِلْإِمَامِ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [مَعْصُومًا] : صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ أَيْ شَخْصًا مَعْصُومًا. قَوْلُهُ: [فَلَا يُقْتَصُّ مِنْ قَاتِلِهِ] : أَيْ الْمُرْتَدِّ. وَقَوْلُهُ: [لِعَدَمِ عِصْمَتِهِ بِالِارْتِدَادِ] : تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ الْقِصَاصِ مِنْ قَاتِلِ الْمُرْتَدِّ وَتَرَكَ التَّعْلِيلَ لِلْحَرْبِيِّ لِظُهُورِهِ، لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ دَمُهُ هَدَرٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ يُسَوَّغُ لَهُ الْقُدُومُ عَلَيْهِ. بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ فَقَتْلُهُ لَيْسَ إلَّا لِلْحَاكِمِ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ فِيهِ الْقِصَاصُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ثُلُثُ خُمُسِ دِيَةِ مُسْلِمٍ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثَالُهُ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ فَلَا يُقْتَلُ حُرٌّ مُسْلِمٌ بِرَقِيقٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: [أَيْ مَعْصُومًا لِلتَّلَفِ] : الْأَوْضَحُ حَذْفُ قَوْلِهِ لِلتَّلَفِ وَأَيْ الَّتِي بَعْدَهَا.

[ما تكون به العصمة]

مِنْ الضَّارِبِ أَوْ الرَّامِي لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا وَقْتَ التَّلَفِ وَكَذَا تُعْتَبَرُ حَالَةُ الرَّمْيِ، فَمَنْ رَمَى غَيْرَ مَعْصُومٍ أَوْ أَنْقَصَ مِنْهُ بِرِقٍّ أَوْ كُفْرٍ، فَأَسْلَمَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ أَوْ عَتَقَ الرَّقِيقُ لَمْ يُقْتَصَّ. وَأَمَّا مَنْ قَطَعَ يَدَ مَعْصُومٍ مَثَلًا فَارْتَدَّ الْمَقْطُوعُ ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْقَطْعِ مُرْتَدًّا ثَبَتَ الْقِصَاصُ فِي الْقَطْعِ فَقَطْ، لِأَنَّهُ كَانَ مَعْصُومًا حَالَ الْقَطْعِ فَقَوْلُهُ: " لِلتَّلَفِ " أَيْ: لَا حِينَ الْجُرْحِ أَوْ الضَّرْبِ أَوْ الرَّمْيِ فَقَطْ وَقَوْلُ الشَّيْخِ: " وَالْإِصَابَةِ " الْأَوْلَى حَذْفُهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي النَّفْسِ لَا الْجُرْحِ. وَسَيَأْتِي لَهُ الْكَلَامُ عَلَى الْجُرْحِ. وَكَذَا قَوْلُهُ: " قَبْلَهُ حِينَ الْقَتْلِ " لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ إلَّا حِينَ الْقَتْلِ خَاصَّةً، مَعَ أَنَّهَا تُعْتَبَرُ حِينَ الْقَتْلِ وَحِينَ الْجُرْحِ أَوْ الرَّمْيِ مَعًا كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْعِصْمَةَ تَكُونُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ بِقَوْلِهِ: (بِإِيمَانٍ) أَيْ إسْلَامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [غَيْرَ مَعْصُومٍ] : أَيْ لِكَوْنِهِ حَرْبِيًّا مَثَلًا. قَوْلُهُ: [أَوْ كُفْرٍ] : أَيْ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ. قَوْلُهُ: [فَأَسْلَمَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ] : رَاجِعٌ لِغَيْرِ الْمَعْصُومِ وَلِلْكَافِرِ الذِّمِّيِّ. قَوْلُهُ: [أَوْ عَتَقَ الرَّقِيقُ] : رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ بِرِقٍّ فَاتَّكَلَ فِي التَّفْرِيغِ عَلَى صَرْفِ الْكَلَامِ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ. قَوْلُهُ: [وَقَوْلُ الشَّيْخِ وَالْإِصَابَةِ] : أَيْ حَيْثُ قَالَ خَلِيلٌ لِلتَّلَفِ وَالْإِصَابَةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا أَيْ حِينَ تَلَفِ النَّفْسِ أَيْ مَوْتِهَا، وَإِلَى الْإِصَابَةِ فِي الْجُرْحِ فَاللَّامُ بِمَعْنَى إلَى فَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [وَسَيَأْتِي لَهُ الْكَلَامُ عَلَى الْجُرْحِ] : أَيْ وَمُصَنِّفُنَا مِثْلُهُ فَلَوْ ذَكَرَ الْإِصَابَةَ لَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ [مَا تَكُونُ بِهِ الْعِصْمَةَ] قَوْلُهُ: [بِإِيمَانٍ] : أَيْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا» .

(أَوْ أَمَانٍ) لِحَرْبِيٍّ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ. شَمَلَ الْأَمَانُ عَقْدَ الْجِزْيَةِ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: أَوْ جِزْيَةٍ. (فَالْقَوَدُ) : جَوَابُ الشَّرْطِ أَيْ: إنْ أَتْلَفَ مُكَلَّفٌ مَعْصُومًا فَالْقَوَدُ: أَيْ الْقِصَاصُ وَاجِبٌ لِوَلِيِّ الدَّمِ عَلَيْهِ لَا لِغَيْرِ وَلِيِّ الدَّمِ، بَلْ هُوَ مَعْصُومٌ بِالنِّسْبَةِ لَهُ. فَإِذَا قَتَلَ غَيْرُ وَلِيِّ الدَّمِ قَاتِلًا لِمَعْصُومٍ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: " كَالْقَاتِلِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ ". وَبَالَغَ عَلَى ثُبُوتِ الْقَوَدِ لِلْوَلِيِّ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ قَالَ) الْمَعْصُومُ لِإِنْسَانٍ: (إنْ قَتَلْتَنِي أَبْرَأْتُك) فَقَتَلَهُ: فَلَا يَسْقُطُ الْقَوَدُ عَنْ قَاتِلِهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهُ بَعْدَ أَنْ جَرَحَهُ وَلَمْ يُنْفِذْ مَقْتَلَهُ: أَبْرَأْتُك مِنْ دَمِي، لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقًّا قَبْلَ وُجُوبِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْرَأَهُ بَعْدَ إنْفَاذِ مَقْتَلِهِ أَوْ قَالَ لَهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ أَمَانٍ] : أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] إلَى قَوْلِهِ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] قَوْلُهُ: [فَالْقَوَدُ] : إنَّمَا سُمِّيَ الْقَتْلُ قِصَاصًا بِذَلِكَ لِأَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يَقُودُونَ الْجَانِي لِمُسْتَحِقِّهَا بِحَبْلٍ وَنَحْوِهِ. هَذَا، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ هَلْ الْقِصَاصُ مِنْ الْجَانِي يُكَفِّرُ عَنْهُ إثْمَ الْقَتْلِ أَمْ لَا؟ فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يُكَفِّرُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا» فَعَمَّمَ وَلَمْ يُخَصِّصْ قَتْلًا مِنْ غَيْرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُهَا لِأَنَّ الْمَقْتُولَ الْمَظْلُومَ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ مِنْ الْقِصَاصِ، وَإِنَّمَا الْقِصَاصُ مَنْفَعَتُهُ لِلْأَحْيَاءِ لِيَنْتَهِيَ النَّاسُ عَنْ الْقَتْلِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] وَيُخَصُّ الْحَدِيثُ بِالْحُدُودِ الَّتِي الْحَقُّ فِيهَا لِلَّهِ فَقَطْ وَالْحَقُّ الْأَوَّلُ.

[استحقاق دم القاتل]

إنْ مِتّ فَقَدْ أَبْرَأْتُك، فَيَبْرَأُ، ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ تَعَيُّنِ الْقَوَدِ إذَا لَمْ يَعْفُ وَلِيُّ الدَّمِ عَنْ الْجَانِي (وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ عَفْوٌ) عَنْ الْجَانِي (عَلَى الدِّيَةِ إلَّا بِرِضَا الْجَانِي) : بَلْ لَهُ الْعَفْوُ مَجَّانًا أَوْ عَلَى الدِّيَةِ إنْ رَضِيَ الْجَانِي فَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْجَانِي بِهَا خُيِّرَ الْوَلِيُّ بَيْنَ أَنْ يُقْتَصَّ بِهَا أَوْ يَعْفُوَ مَجَّانًا. وَقَالَ أَشْهَبُ: الْخِيَارُ لِلْوَلِيِّ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: الْقِصَاصِ، وَالْعَفْوِ مَجَّانًا، وَالْعَفْوِ عَلَى الدِّيَةِ. وَلَا كَلَامَ لِلْجَانِي وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ. (وَلَا قَوَدَ) : أَيْ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ قَوَدٌ (إلَّا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ) مِنْ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ. (وَإِلَّا) بِأَنْ اقْتَصَّ الْوَلِيُّ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ (أُدِّبَ) لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ. (وَلَا دِيَةَ لَهُ) : أَيْ لِوَلِيِّ الدَّمِ (إنْ عَفَا) عَنْ الْجَانِي (وَأَطْلَقَ) فِي عَفْوِهِ: أَيْ لَمْ يُقَيِّدْ بِدِيَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، فَيُقْضَى بِالْعَفْوِ مُجَرَّدًا عَنْ الدِّيَةِ. (إلَّا أَنْ) تَظْهَرَ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ (إرَادَتُهَا) : أَيْ مَعَ الدِّيَةِ حَالَ الْعَفْوِ وَيَقُولُ: إنَّمَا عَفَوْت لِأَخْذِ الدِّيَةِ (فَيَحْلِفُ) أَيْ فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ. (وَيَبْقَى) الْوَلِيُّ بَعْدَ حَلِفِهِ (عَلَى حَقِّهِ) فِي الْقِصَاصِ (إنْ امْتَنَعَ الْجَانِي مِنْ دَفْعِهَا) : وَإِلَّا دَفَعَهَا وَتَمَّ الْعَفْوُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: لَا شَيْءَ لَك إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّك أَرَدْتَهَا، فَتَحْلِفَ أَنَّك مَا عَفَوْت إلَّا لِأَخْذِهَا، ثُمَّ لَك ذَلِكَ (اهـ) وَظَاهِرُهَا الْإِطْلَاقُ: أَيْ تَبَيَّنَ بِالْقَرَائِنِ حَالَ الْعَفْوِ إرَادَتُهَا وَادَّعَى ذَلِكَ حَلَفَ مُطْلَقًا بِالْقُرْبِ أَوْ بَعْدَ طُولٍ. وَقَالَ أَصْبَغُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَغَيْرُهُمَا: يُقْبَلُ إلَّا إذَا قَامَ بِالْحَضْرَةِ، لَا إنْ قَامَ بَعْدَ طُولٍ. وَهَلْ هُوَ قَيْدٌ لَهَا أَوْ خِلَافٌ؟ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْبَاجِيِّ، وَأَنَّ الْمَشْهُورَ ظَاهِرُهَا مِنْ الْإِطْلَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ قَالَ لَهُ إنْ مِتّ فَقَدْ أَبْرَأْتُك] : أَيْ وَلَوْ كَانَ قَبْلَ إنْفَاذِ مَقْتَلِهِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْبَرَاءَةِ بَعْدَ الْجُرْحِ [اسْتِحْقَاق دَم الْقَاتِل] قَوْلُهُ: [وَقَالَ أَشْهَبُ] : مُقَابِلٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ الَّذِي هُوَ طَرِيقَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَلِذَلِكَ قَالَ فِي آخِرِ الْعِبَارَةِ: وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَ وَجِيهًا لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] . قَوْلُهُ: [أُدِّبَ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ] : مَحَلُّ أَدَبِهِ حَيْثُ كَانَ الْحَاكِمُ يُنْصِفُهُ. قَوْلُهُ: [أَيْ تَبَيَّنَ] : الْمُنَاسِبُ أَنْ يَزِيدَ إنْ بَعُدَ أَيْ. قَوْلُهُ: [وَأَنَّ الْمَشْهُورَ ظَاهِرُهَا مِنْ الْإِطْلَاقِ] : أَيْ فَالْمَدَارُ عَلَى الْقَرِينَةِ

(كَعَفْوِهِ) : أَيْ وَلِيِّ الدَّمِ (عَنْ عَبْدٍ) قَتَلَ غَيْرَهُ مِنْ حُرٍّ أَوْ رَقِيقٍ، وَقَالَ: إنَّمَا عَفَوْت لِأَخْذِهِ، وَأَخَذَ قِيمَةَ الْمَقْتُولِ أَوْ دِيَتَهُ إنْ كَانَ حُرًّا، فَلَا شَيْءَ لَهُ، إلَّا أَنْ تَظْهَرَ إرَادَةُ ذَلِكَ، فَيَحْلِفَ وَيَبْقَى عَلَى حَقِّهِ إنْ امْتَنَعَ سَيِّدُهُ مِنْ الدَّفْعِ الْمَذْكُورِ. فَالتَّشْبِيهُ تَامٌّ، قَالَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ. وَالْمُعْتَمَدُ: أَنَّهُ إنْ حَلَفَ فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ امْتِنَاعٌ بَلْ يُخَيَّرُ أَنْ يَدْفَعَ الْعَبْدَ أَوْ قِيمَتَهُ أَوْ قِيمَةَ الْمَقْتُولِ أَوْ دِيَتَهُ. (وَاسْتَحَقَّ) الْوَلِيُّ (دَمَ مَنْ قَتَلَ الْقَاتِلَ) : فَلَوْ قَتَلَ زَيْدٌ عَمْرًا. فَقَتَلَ أَجْنَبِيٌّ زَيْدًا فَوَلِيُّ عَمْرٍو يَسْتَحِقُّ دَمَ الْأَجْنَبِيِّ الْقَاتِلِ لِزَيْدٍ، إنْ شَاءَ عَفَا وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ، وَلَا كَلَامَ لِوَلِيِّ زَيْدٍ عَلَى قَاتِلِهِ. (وَ) اسْتَحَقَّ مَقْطُوعُ عُضْوٍ (مَنْ قَطَعَ الْقَاطِعَ) لَهُ عَمْدًا عُدْوَانًا؛ كَمَا لَوْ قَطَعَ زَيْدٌ يَدَ عَمْرٍو فَقَطَعَ أَجْنَبِيٌّ يَدَ زَيْدٍ. فَعَمْرٌو يَسْتَحِقُّ يَدَ الْأَجْنَبِيِّ وَلَا كَلَامَ لِزَيْدٍ هَذَا فِي الْعَمْدِ. (وَ) اسْتَحَقَّ مَنْ ذُكِرَ فِي الْخَطَأِ (دِيَةَ الْخَطَأِ) مِنْ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَالْقَطْعَ عَلَى مَا سَيَأْتِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَيَحْلِفُ وَيَبْقَى] : أَيْ طَالَ الْأَمْرُ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [فَالتَّشْبِيهُ تَامٌّ] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ عَبْدًا وَالْقَاتِلُ عَبْدًا خُيِّرَ سَيِّدُ الْقَاتِلِ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَهُ لِأَوْلِيَاءِ الدَّمِ أَوْ يَدْفَعَ لَهُمْ قِيمَتَهُ، أَوْ قِيمَةَ الْمَقْتُولِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ حُرًّا، خُيِّرَ سَيِّدُ الْقَاتِلِ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَهُ لِأَوْلِيَاءِ الدَّمِ أَوْ يَدْفَعَ لَهُمْ قِيمَتَهُ، أَوْ يَدْفَعَ لَهُمْ الدِّيَةَ، وَمَحَلُّ الْخِيَارِ إنْ لَمْ يَعْفُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ مَجَّانًا، فَإِنْ عَفَا وَقَالَ: أَرَدْت أَخْذَهُ أَوْ أَخْذَ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ أَوْ دِيَتِهِ كَانَ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [وَلَا كَلَامَ لِوَلِيِّ زَيْدٍ] : أَيْ وَلَوْ عَفَا عَنْهُ وَلِيُّ عَمْرٍو. قَوْلُهُ: [وَلَا كَلَامَ لِزَيْدٍ] : أَيْ وَلَوْ عَفَا عَنْهُ عَمْرٌو. قَوْلُهُ: [هَذَا] : أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ اسْتِحْقَاقِ دَمِ مَنْ قَتَلَ الْقَاتِلَ وَعُضْوٍ مِنْ قَطْعِ الْقَاطِعِ. قَوْلُهُ: [وَاسْتَحَقَّ مَنْ ذُكِرَ فِي الْخَطَأِ] : الْمُرَادُ بِمَنْ ذُكِرَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلُ أَوْ نَفْسُ الْمَقْطُوعِ الْأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ: [فِي الْخَطَأِ] : أَيْ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ خَطَأٌ وَالْأُولَى عَمْدٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

[شرط الجناية التي بها القود]

(فَإِنْ أَرْضَاهُ) أَيْ الْوَلِيَّ (وَلِيُّ) الْمَقْتُولِ (الثَّانِي) : كَمَا لَوْ أَرْضَى وَلِيُّ زَيْدٍ وَهُوَ الْمَقْتُولُ الثَّانِي فِي الْمِثَالِ وَلِيَّ عَمْرٍو الْمَقْتُولِ أَوَّلًا (فَلَهُ) : أَيْ فَيَصِيرُ دَمُ الْقَاتِلِ الثَّانِي - الَّذِي هُوَ الْأَجْنَبِيُّ - لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ الثَّانِي، الَّذِي هُوَ زَيْدٌ، إنْ شَاءَ عَفَا وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ. ثُمَّ بَيَّنَ شَرْطَ الْجِنَايَةِ الَّتِي بِهَا الْقَوَدُ بِقَوْلِهِ: (إنْ تَعَمَّدَ) الْجَانِي (ضَرْبًا لَمْ يَجُزْ) بِمُحَدَّدٍ بَلْ (وَإِنْ بِقَضِيبٍ) : أَيْ عَصًا أَوْ سَوْطٍ أَوْ نَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يُقْتَلُ بِهِ غَالِبًا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ أَوْ قَصَدَ زَيْدًا فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو، وَقَوْلُهُ: " لَمْ يَجُزْ " اُحْتُرِزَ بِهِ مِنْ التَّأْدِيبِ الْجَائِزِ مِنْ حَاكِمٍ أَوْ مُعَلِّمٍ أَوْ وَالِدٍ فَلَا قَوَدَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَدُوٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا لَوْ كَانَتْ الْأُولَى خَطَأً وَالثَّانِيَةُ خَطَأً لَكَانَ الْأَوَّلُ يَتْبَعُ عَاقِلَةَ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي يَتْبَعُ عَاقِلَةَ الثَّانِي، فَتَحَصَّلَ أَنَّ التَّفْصِيلَ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ مَوْضُوعُهُ فِي كَوْنِ الْجِنَايَةِ الْأُولَى عَمْدًا وَالثَّانِيَةِ إمَّا عَمْدًا وَإِمَّا خَطَأً. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ سِتَّ عَشْرَةَ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْأُولَى إمَّا عَلَى النَّفْسِ أَوْ الطَّرَفِ، وَفِي كُلٍّ إمَّا عَمْدًا وَإِمَّا خَطَأً، وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا وَأَرْبَعَةٌ فِي مِثْلِهَا بِسِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً مَوْضُوعُ الْمُصَنَّفِ، وَالشَّرْحِ هُنَا فِي أَرْبَعَةٍ وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْأَوَّلَ عَمْدًا فِي النَّفْسِ وَالثَّانِي عَمْدًا أَوْ خَطَأً فِي النَّفْسِ أَوْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ عَمْدًا فِي الطَّرَفِ، وَالثَّانِي عَمْدًا أَوْ خَطَأً فِي الطَّرَفِ، وَانْظُرْ بَاقِي تَفْصِيلِ الْمَسْأَلَةِ فِي فُرُوعِ الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ: [أَيْ الْوَلِيَّ] : بِالنَّصْبِ تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ الْبَارِزِ وَهُوَ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ. وَقَوْلُهُ: [وَلِيُّ الْمَقْتُولِ] : فَاعِلٌ مُؤَخَّرٌ [شَرْطَ الْجِنَايَةِ الَّتِي بِهَا الْقَوَدُ] قَوْلُهُ: [ثُمَّ بَيَّنَ شَرْطَ الْجِنَايَةِ] إلَخْ: شُرُوعٌ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْفِعْلُ الْمُوجِبُ لِلْقِصَاصِ، فَتَارَةً يَكُونُ بِالْمُبَاشَرَةِ وَهُوَ مَا هُنَا، وَتَارَةً يَكُونُ بِالسَّبَبِ وَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [أَوْ قَصَدَ زَيْدًا فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو] : أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ كُلًّا يَمْتَنِعُ قَتْلُهُ وَأَمَّا لَوْ كَانَ قَاصِدًا زَيْدًا الْحَرْبِيَّ مَثَلًا فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو الْمُسْلِمُ فَخَطَأٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَتْلَ عَلَى أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَقْصِدَ ضَرْبًا، كَرَمْيِهِ شَيْئًا أَوْ حَرْبِيًّا فَيُصِيبَ مُسْلِمًا فَهَذَا خَطَأٌ بِإِجْمَاعٍ فِيهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ. الثَّانِي أَنْ يَقْصِدَ الضَّرْبَ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ فَهُوَ خَطَأٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِمُطَرِّفٍ

(أَوْ مُثَقَّلٍ) : كَحَجَرٍ لَا حَدَّ فِيهِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ (كَخَنْقٍ وَمَنْعِ طَعَامٍ) حَتَّى مَاتَ أَوْ مَنْعِ شُرْبٍ حَتَّى مَاتَ، فَالْقَوَدُ إنْ قَصَدَ بِذَلِكَ مَوْتَهُ، فَإِنْ قَصَدَ مُجَرَّدَ التَّعْذِيبِ فَالدِّيَةُ، إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَمُوتُ فَعِلْمُ الْمَوْتِ مُلْحَقٌ بِقَصْدِهِ كَمَا فِي النَّقْلِ. (وَسَقْيِ سُمٍّ) عَمْدًا فِيهِ الْقَوَدُ. (وَلَا قَسَامَةَ) حَيْثُ تَعَمَّدَ مَا ذُكِرَ (إنْ أَنْفَذَ) الضَّارِبُ (مَقْتَلَهُ أَوْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَمِثْلُهُ إذَا قَصَدَ بِهِ الْأَدَبَ الْجَائِزَ بِأَنْ كَانَ بِآلَةٍ يُؤَدَّبُ بِهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَ الضَّرْبُ لِلنَّارِيَّةِ وَالْغَضَبِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ عَمْدٌ يُقْتَصُّ مِنْهُ إلَّا فِي حَقِّ الْوَالِدِ فَلَا قِصَاصَ، بَلْ فِيهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ. الثَّالِثُ أَنْ يَقْصِدَ الْقَتْلَ عَلَى وَجْهِ الْغِيلَةِ فَيَتَحَتَّمَ الْقَتْلُ وَلَا عَفْوَ. قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ] : رَاجِعٌ لِلْقَضِيبِ وَمَا بَعْدَهُ فَعِنْدَهُمْ لَا قِصَاصَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَصَدَ قَتْلَهُ بِهِ وَإِنَّمَا الْقِصَاصُ عِنْدَهُمْ فِي الْقَتْلِ بِالْمُحَدَّدِ سَوَاءٌ كَانَ حَدِيدًا أَوْ حَجَرًا أَوْ خَشَبًا أَوْ بِمَا كَانَ مَعْرُوفًا بِالْقَتْلِ كَالْمَنْجَنِيقِ وَالْإِلْقَاءِ فِي النَّارِ. قَوْلُهُ: [كَمَا فِي النَّقْلِ] : وَلَفْظُ ابْنِ عَرَفَةَ مِنْ صُوَرِ الْعَمْدِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّ مَنْ مَنَعَ فَضْلَ مَائِهِ مُسَافِرًا عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ مَنْعُهُ، وَأَنَّهُ يَمُوتُ إنْ لَمْ يَسْقِهِ قُتِلَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَلِ قَتْلَهُ بِيَدِهِ (اهـ) فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ سَوَاءٌ قَصَدَ بِمَنْعِهِ قَتْلَهُ أَوْ تَعْذِيبَهُ. فَإِنْ قُلْت قَدْ مَرَّ فِي بَابِ الذَّكَاةِ أَنَّ مَنْ مَنَعَ شَخْصًا فَضْلَ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الدِّيَةُ. قُلْت: مَا مَرَّ فِي الذَّكَاةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا مَنَعَ مُتَأَوِّلًا، وَمَا هُنَا غَيْرُ مُتَأَوِّلٍ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: [إنْ أَنْفَذَ الضَّارِبُ مَقْتَلَهُ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْقِصَاصَ عَلَى الْمَنْفَذِ وَلَوْ أَجْهَزَ عَلَيْهِ شَخْصٌ آخَرُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيُؤَدَّبُ الْمُجْهِزُ فَقَطْ عَلَى أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالْقَتْلِ هُوَ مَنْ أَنْفَذَ الْمَقَاتِلَ كَمَا هُوَ سَمَاعُ يَحْيَى بْنِ الْقَاسِمِ وَمُقَابِلُهُ مَا فِي سَمَاعِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّ الَّذِي يُقْتَلُ هُوَ الْمُجْهِزُ الثَّانِي وَعَلَى الْأَوَّلِ الَّذِي أَنْفَذَ الْمَقَاتِلَ الْأَدَبُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ إنْفَاذِهَا مَعْدُودٌ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْيَاءِ وَيَرِثُ وَيُورَثُ وَيُوصِي بِمَا شَاءَ مِنْ عِتْقٍ وَغَيْرِهِ، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ رُشْدٍ الْأَوَّلَ.

لَمْ يَنْفُذْهُ وَ (مَاتَ مَغْمُورًا) مِمَّا ذُكِرَ بِأَنْ ضَرَبَهُ فَرُفِعَ مَغْمُورًا مِنْ الضَّرْبِ أَوْ الْجُرْحِ حَتَّى مَاتَ، بَلْ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِلَا قَسَامَةٍ؛ كَمَا لَوْ رُفِعَ مَيِّتًا مِمَّا ذُكِرَ؛ فَإِنْ لَمْ يُنْفَذْ لَهُ مَقْتَلٌ وَأَفَاقَ بَعْدَ الضَّرْبِ أَوْ الْجُرْحِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يُقْتَصَّ إلَّا بِالْقَسَامَةِ، وَكَذَا لَا دِيَةَ فِي الْخَطَأِ إلَّا بِهَا وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ أَوْ يَشْرَبْ حَالَ إفَاقَتِهِ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ مِنْ أَمْرٍ عَارِضٍ. (وَكَطَرْحِ) مَعْصُومٍ (غَيْرِ مُحْسِنِ عَوْمٍ) فِي نَهْرٍ (مُطْلَقًا) لِعَدَاوَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. (أَوْ) طَرْحِ (مَنْ يُحْسِنُهُ عَدَاوَةً) فَغَرِقَ فَالْقَوَدُ. (وَإِلَّا) يَكُنْ لِعَدَاوَةٍ بَلْ لَعِبًا (فَدِيَةٌ) وَهَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُحْسِنُهُ أَوْ لَا يُحْسِنُهُ، فَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ فَالْقِصَاصُ فِي الْعَدَاوَةِ وَالدِّيَةُ فِي اللَّعِبِ؛ فَالدِّيَةُ فِي صُورَتَيْنِ وَالْقِصَاصُ فِي الْبَاقِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمَاتَ مَغْمُورًا] : الْمَغْمُورُ هُوَ مَنْ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى مَاتَ. قَوْلُهُ: [وَأَفَاقَ بَعْدَ الضَّرْبِ أَوْ الْجُرْحِ] : مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ فَيُرْفَعُ مَغْمُورًا. قَوْلُهُ: [وَكَذَا لَا دِيَةَ فِي الْخَطَأِ إلَّا بِهَا] : أَيْ بِالْقَسَامَةِ عِنْدَ نَفْيِ الْإِنْفَاذِ وَنَفْيِ الْمَغْمُورِ. قَوْلُهُ: [فَالْقَوَدُ] : جَوَابٌ عَنْ الثَّلَاثِ صُوَرٍ وَهِيَ طَرْحُ غَيْرِ مُحْسِنِ الْعَوْمِ مُطْلَقًا أَوْ غَيْرِهَا وَمَنْ يُحْسِنُهُ عَدَاوَةً. قَوْلُهُ: [فَدِيَةٌ] : أَيْ مُخَمَّسَةٌ لَا مُغَلَّظَةٌ خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ لَا يُحْسِنُهُ] : أَيْ بِأَنْ عَلِمَ ضِدَّهُ وَهُوَ تَوْطِئَةٌ لِمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [فَالدِّيَةُ فِي صُورَتَيْنِ وَالْقِصَاصُ فِي الْبَاقِي] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَطْرَحَهُ عَالِمًا بِأَنَّهُ يُحْسِنُ الْعَوْمَ أَوْ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا يُحْسِنُهُ أَوْ يَشُكُّ فِي ذَلِكَ، وَالطَّرْحُ إمَّا عَلَى وَجْهِ الْعَدَاوَةِ أَوْ اللَّعِبِ؛ فَإِنْ طَرَحَهُ عَالِمًا بِأَنَّهُ يُحْسِنُ الْعَوْمَ فَفِيهِ الْقِصَاصُ إنْ كَانَ عَدَاوَةً وَإِنْ كَانَ لَعِبًا فَالدِّيَةُ وَإِنْ طَرَحَهُ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا يُحْسِنُ الْعَوْمَ فَالْقِصَاصُ طَرَحَهُ عَدَاوَةً أَوْ لَعِبًا، وَإِنْ طَرَحَهُ شَاكًّا فَإِنْ كَانَ الطَّرْحُ عَدَاوَةً فَالْقِصَاصُ أَوْ لَعِبًا فَالدِّيَةُ فَجُمْلَةُ الصُّوَرِ سِتٌّ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَالْقِصَاصُ فِي الْبَاقِي مُرَادُهُ فِي أَرْبَعٍ.

[الجناية بالسبب]

وَمَا تَقَدَّمَ كُلُّهُ فِي الْجِنَايَةِ مُبَاشَرَةً، وَأَمَّا الْجِنَايَةُ بِالسَّبَبِ فَأَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (أَوْ تَسَبَّبَ) الْجَانِي فِي الْإِتْلَافِ: (كَحَفْرِ بِئْرٍ، وَإِنْ) حَفَرَهَا (بِبَيْتِهِ) فَوَقَعَ فِيهَا الْمَقْصُودُ. (أَوْ وَضْعِ) شَيْءٍ (مُزْلِقٍ) : كَقِشْرِ بِطِّيخٍ، أَوْ مَاءٍ بِنَحْوِ طِينٍ مُزْلِقٍ بِطَرِيقٍ لِمَقْصُودٍ. (أَوْ رَبْطِ دَابَّةٍ بِطَرِيقٍ) لِمَقْصُودٍ. (أَوْ) اتِّخَاذِ (كَلْبٍ عَقُورٍ) : أَيْ شَأْنُهُ الْعَقْرُ. (لِمُعَيَّنٍ) رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ. (وَهَلَكَ) الْمُعَيَّنُ (الْمَقْصُودُ) بِالْبِئْرِ وَمَا بَعْدَهُ؛ فَالْقَوَدُ مِنْ الْمُتَسَبِّبِ. (وَإِلَّا) يَهْلَكْ الْمَقْصُودُ بَلْ غَيْرُهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لِمُعَيَّنٍ بَلْ قَصَدَ مُطْلَقَ الضَّرَرِ فَهَلَكَ بِهَا إنْسَانٌ (فَالدِّيَةُ) فِي الْحُرِّ الْمَعْصُومِ، وَالْقِيمَةُ فِي غَيْرِهِ. وَمَفْهُومُ قَصْدِ مُطْلَقِ الضَّرَرِ: أَنَّهُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ ضَرَرًا بِالْحَفْرِ وَمَا بَعْدَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ هَدَرًا. وَهَذَا إنْ حَفَرَ الْبِئْرَ بِمِلْكِهِ أَوْ بِمَوَاتٍ لِمَنْفَعَةٍ وَلَوْ لِعَامَّةٍ أَوْ وَضَعَ الْمُزْلِقَ لَا بِطَرِيقِ النَّاسِ أَوْ رَبَطَ الدَّابَّةَ بِبَيْتِهِ أَوْ بِطَرِيقٍ عَلَى وَجْهِ الِاتِّفَاقِ؛ كَسُوقٍ وَعِنْدَ مَسْجِدٍ أَوْ بَيْتِ أَحَدٍ لِنَحْوِ ضِيَافَةٍ أَوْ اتَّخَذَ الْكَلْبَ بِبَيْتِهِ لِحِرَاسَةٍ، وَإِلَّا فَالدِّيَةُ أَيْضًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْجِنَايَةُ بِالسَّبَبِ] قَوْلُهُ: [مُزْلِقٍ] : اسْمُ فَاعِلٍ. قَوْلُهُ: [طِينِ مُزْلِقٍ] : اُحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَنْ الطِّينِ الْغَيْرِ الْمُزْلِقِ كَالْأَرْضِ الْمُرَمَّلَةِ فَلَا يُقْتَصُّ مِنْ فَاعِلِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ رَبْطِ دَابَّةٍ] : أَيْ شَأْنُهَا الْإِيذَاءُ إمَّا بِرَفْسٍ أَوْ نَطْحٍ أَوْ عَضٍّ. قَوْلُهُ: [بِطَرِيقٍ لِمَقْصُودٍ] : قَيَّدَ فِي الدَّابَّةِ وَالْمُزْلِقِ بِدَلِيلِ تَقْدِيرِ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ] : أَيْ وَلِذَلِكَ قَدَّرَ الشَّارِحُ فِي الْكُلِّ قَوْلَهُ لِمَقْصُودٍ. قَوْلُهُ: [فَالدِّيَةُ] : أَيْ فِي صُورَتَيْنِ وَهُمَا مَا إذَا هَلَكَ بِهَا غَيْرُ الْمَقْصُودِ أَوْ قَصَدَ بِهَا مُطْلَقَ الضَّرَرِ وَهَلَكَ بِهَا مُطْلَقُ إنْسَانٍ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا إنْ حَفَرَ الْبِئْرَ بِمِلْكِهِ] إلَخْ: تَقْيِيدٌ لِلتَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ: [لِحِرَاسَةٍ] : ظَاهِرُهُ أَنَّ اتِّخَاذَهُ لِلْحِرَاسَةِ وَنَحْوِهَا يَنْفِي عَنْهُ الضَّمَانَ وَإِنْ كَانَ عَقُورًا وَاشْتُهِرَ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ لَمْ يُقَدِّمْ لِصَاحِبِهِ إنْذَارًا عِنْدَ حَاكِمٍ وَإِلَّا ضَمِنَ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَالدِّيَةُ] : رَاجِعٌ لِمَفَاهِيمِ هَذِهِ الْقُيُودِ مِنْ قَوْلِهِ: إنْ حَفَرَ الْبِئْرَ

(وَكَالْإِكْرَاهِ) : عَطْفٌ عَلَى " كَحَفْرِ " بِئْرٍ: فَمَنْ أَكْرَهَ غَيْرَهُ عَلَى قَتْلِ نَفْسٍ فَيُقْتَلُ الْمُكْرِهُ - بِالْكَسْرِ - لِتَسَبُّبِهِ كَمَا يُقْتَلُ الْمُكْرَهُ - بِالْفَتْحِ - لِمُبَاشَرَتِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَأْمُورُ مُكْرَهًا إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الْمُخَالَفَةُ كَخَوْفٍ مِنْ الْآمِرِ، فَإِنْ لَمْ يَخَفْ اُقْتُصَّ مِنْهُ فَقَطْ. (وَتَقْدِيمِ مَسْمُومٍ) لِمَعْصُومٍ (عَالِمًا) بِأَنَّهُ مَسْمُومٌ، فَتَنَاوَلَهُ غَيْرَ عَالِمٍ فَمَاتَ؛ فَالْقِصَاصُ، فَإِنْ تَنَاوَلَهُ عَالِمًا بِسُمِّهِ فَهُوَ الْقَاتِلُ لِنَفْسِهِ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُقَدِّمُ فَهُوَ مِنْ الْخَطَأِ. (وَرَمْيِهِ حَيَّةً عَلَيْهِ) حَيَّةً فَمَاتَ وَإِنْ لَمْ تَلْدَغْهُ، فَالْقَوَدُ، لَا مَيِّتَةً فَالدِّيَةُ. وَكَذَا إنْ كَانَ شَأْنُهَا عَدَمَ اللَّدْغِ لِصِغَرِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمِلْكِهِ إلَى هُنَا بِأَنْ يُقَالَ فِيهَا حَفَرَ الْبِئْرَ بِغَيْرِ مِلْكِهِ وَغَيْرِ مَوَاتٍ كَكَوْنِهَا بِطَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ بِمَوَاتٍ عَبَثًا أَوْ وَضَعَ الْمُزْلِقَ بِالطَّرِيقِ، أَوْ وَضَعَ الدَّابَّةَ بِغَيْرِ بَيْتِهِ كَبَيْتِ الْغَيْرِ لَا عَلَى وَجْهِ الضِّيَافَةِ، أَوْ بِطَرِيقٍ لَا عَلَى وَجْهِ الِاتِّفَاقِ بَلْ اتَّخَذَهَا عَادَةً بِسُوقٍ، أَوْ بِبَابِ مَسْجِدٍ، أَوْ اتَّخَذَ الْكَلْبَ بِبَيْتِهِ لَا لِمَنْفَعَةٍ شَرْعِيَّةٍ، فَإِنْ هَلَكَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ حُرٌّ مَعْصُومٌ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَفِي الْمَعْصُومِ غَيْرِهِ الْقِيمَةُ. قَوْلُهُ: [اُقْتُصَّ مِنْهُ فَقَطْ] : أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْآمِرُ حَاضِرًا وَتَمَالَأَ مَعَ الْمُبَاشِرِ عَلَى الْقَتْلِ وَإِلَّا فَيُقْتَصُّ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: [وَتَقْدِيمِ مَسْمُومٍ] : أَيْ مِنْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ لِبَاسٍ عَالِمًا مُقَدِّمُهُ بِأَنَّهُ مَسْمُومٌ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُتَنَاوِلُ بِدَلِيلِ تَقْيِيدِ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [فَهُوَ الْقَاتِلُ لِنَفْسِهِ] : أَيْ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُقَدَّمِ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُتَسَبِّبًا. قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُقَدِّمُ] : بِكَسْرِ الدَّالِ وَلَا الْآكِلُ. قَوْلُهُ: [فَهُوَ مِنْ الْخَطَأِ] أَيْ فَفِيهِ الدِّيَةُ. قَوْلُهُ: [فَالدِّيَةُ] : أَيْ إنْ رَمَاهَا عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ لَا عَلَى وَجْهِ الْعَدَاوَةِ وَإِلَّا فَالْقَوَدُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْحَيَّةُ حَيَّةً كَبِيرَةً شَأْنُهَا الْقَتْلُ وَمَاتَ فَالْقَوَدُ مَاتَ مِنْ لَدْغِهَا أَوْ مِنْ الْخَوْفِ رَمَاهَا عَلَى وَجْهِ الْعَدَاوَةِ أَوْ اللَّعِبِ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَيْسَ

(وَإِشَارَتِهِ) عَلَيْهِ (بِسِلَاحٍ) كَسَيْفٍ وَخَنْجَرٍ (فَهَرَبَ) الْمُشَارُ عَلَيْهِ (وَطَلَبَهُ) الْمُشِيرُ فِي هُرُوبِهِ (لِعَدَاوَةٍ) بَيْنَهُمَا، فَمَاتَ بِلَا سُقُوطٍ: فَالْقَوَدُ بِلَا قَسَامَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَضْرِبْهُ بِالْفِعْلِ. (وَإِنْ سَقَطَ) حَالَ هُرُوبِهِ (فَبِقَسَامَةٍ) لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ مِنْ سُقُوطِهِ، (وَإِشَارَتِهِ فَقَطْ) : بِلَا عَدَاوَةٍ وَلَا هَرَبٍ (فَخَطَأٌ) : فَالدِّيَةُ مُخَمَّسَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَكَذَا إنْ هَرَبَ وَلَا عَدَاوَةَ. (وَكَإِمْسَاكِهِ لِلْقَتْلِ، وَلَوْلَاهُ) : أَيْ الْإِمْسَاكُ (مَا قَدَرَ الْقَاتِلُ) عَلَى قَتْلِهِ: فَالْقَوَدُ عَلَيْهِمَا الْمُمْسِكُ لِتَسَبُّبِهِ وَالْقَاتِلُ لِمُبَاشَرَتِهِ (وَإِلَّا) : بِأَنْ أَمْسَكَهُ لِغَيْرِ الْقَتْلِ أَوْ لَهُ وَكَانَ الْقَاتِلُ يُدْرِكُهُ مُطْلَقًا (فَالْمُبَاشِرُ) هُوَ الَّذِي يُقْتَلُ (فَقَطْ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQشَأْنُهَا الْقَتْلَ أَوْ مَيِّتَةً فَرَمَاهَا عَلَيْهِ فَمَاتَ مِنْ الْخَوْفِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ فَالدِّيَةُ وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْعَدَاوَةِ فَالْقَوَدُ. قَوْلُهُ: [وَإِشَارَتُهُ عَلَيْهِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَشَارَ عَلَيْهِ بِآلَةِ الْقَتْلِ فَهَرَبَ فَطَلَبَهُ فَمَاتَ، فَإِمَّا أَنْ يَمُوتَ بِدُونِ سُقُوطٍ أَوْ بِهِ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ فَالدِّيَةُ سَقَطَ حَالَ هُرُوبِهِ أَوْ لَا؛ لَكِنْ فِي السُّقُوطِ بِقَسَامَةٍ وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ فَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ فَالْقِصَاصُ بِدُونِ قَسَامَةٍ وَإِنْ سَقَطَ فَالْقِصَاصُ بِقَسَامَةٍ. قَوْلُهُ: [وَإِشَارَتُهُ فَقَطْ] : أَيْ وَإِنْ مَاتَ مَكَانَهُ مِنْ إشَارَتِهِ عَلَيْهِ بِآلَةِ الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِ هُرُوبٍ وَطَلَبٍ فَخَطَأٌ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، لَكِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ بِلَا عَدَاوَةٍ الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ لَا كَمَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْحَاشِيَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ (عب) : وَانْظُرْ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ هَلْ الدِّيَةُ بِقَسَامَةٍ أَوْ لَا دِيَةَ أَصْلًا (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَكَذَا إنْ هَرَبَ وَلَا عَدَاوَةَ] : أَيْ وَمَاتَ فَدِيَةُ خَطَأٍ. قَوْلُهُ: [فَالْقَوَدُ عَلَيْهِمَا] : حَاصِلُهُ أَنَّهُمَا يُقْتَلَانِ جَمِيعًا بِقُيُودٍ ثَلَاثَةٍ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْمُمْسِكِ وَهِيَ أَنْ يُمْسِكَهُ لِأَجْلِ الْقَتْلِ وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الطَّالِبَ قَاصِدٌ قَتْلَهُ وَأَنْ يَكُونَ لَوْلَا مُمْسِكُهُ مَا أَدْرَكَهُ الْقَاتِلُ، فَإِنْ أَمْسَكَهُ لِأَجْلِ أَنْ يَضْرِبَهُ ضَرْبًا مُعْتَادًا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يَقْصِدُ قَتْلَهُ أَوْ كَانَ قَتْلُهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْسَاكٍ لَهُ قُتِلَ الْمُبَاشِرُ وَحْدَهُ وَضُرِبَ الْآخَرُ مِائَةَ سَوْطٍ وَحُبِسَ سَنَةً.

[قتل الأعلى بالأدنى]

دُونَ الْمُمْسِكِ وَأُدِّبَ. (وَيُقْتَلُ الْأَدْنَى) صِفَةً (بِالْأَعْلَى) (كَحُرٍّ كِتَابِيٍّ بِعَبْدٍ مُسْلِمٍ) فَالْإِسْلَامُ أَعْلَى مِنْ الْحُرِّيَّةِ (لَا الْعَكْسُ) أَيْ لَا يُقْتَلُ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى كَمُسْلِمٍ بِحُرٍّ كِتَابِيٍّ. (وَ) يُقْتَلُ (الْجَمْعُ) كَاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (بِوَاحِدٍ) : إنْ تَعَمَّدُوا الضَّرْبَ لَهُ وَضَرَبُوهُ (وَلَمْ تَتَمَيَّزْ الضَّرَبَاتُ) أَوْ تَمَيَّزَتْ وَتَسَاوَتْ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (وَإِلَّا) بِأَنْ تَمَيَّزَتْ وَكَانَ بَعْضُهَا أَقْوَى شَأْنُهُ إزْهَاقُ الرُّوحِ (قُدِّمَ الْأَقْوَى) ضَرْبًا فِي الْقَتْلِ دُونَ غَيْرِهِ (إنْ عُلِمَ) : فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قُتِلَ الْجَمِيعُ. (أَوْ تَمَالَئُوا) عَلَى قَتْلِهِ؛ بِأَنْ قَصَدَ الْجَمِيعُ قَتْلَهُ وَضَرْبَهُ وَحَضَرُوا وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْهُ إلَّا أَحَدُهُمْ لَكِنْ بِحَيْثُ إذَا لَمْ يُبَاشِرْهُ هَذَا لَمْ يَتْرُكْهُ الْآخَرُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّمَالُؤَ مُوجِبٌ لِقَتْلِ الْجَمِيعِ وَإِنْ وَقَعَ الضَّرْبُ مِنْ الْبَعْضِ، أَوْ كَانَ الضَّرْبُ بِنَحْوِ سَوْطٍ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَأَمَّا تَعَمُّدُ الضَّرْبِ بِلَا تَمَالُؤٍ فَإِنَّمَا يُوجِبُ قَتْلَ الْجَمِيعِ إذَا لَمْ تَتَمَيَّزْ الضَّرَبَاتُ أَوْ تَمَيَّزَتْ وَتَسَاوَتْ أَوْ لَمْ تَتَسَاوَ وَلَمْ يُعْلَمْ صَاحِبُ الْأَقْوَى وَالْأَقْدَمِ وَعُوقِبَ غَيْرُهُ. وَهَذَا إذَا رُفِعَ مَيِّتًا أَوْ مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ يُقْتَصُّ مِنْ الْعَائِنِ الْقَاتِلِ عَمْدًا بِعَيْنِهِ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ مِنْهُ وَتَكَرَّرَ، وَأَمَّا الْقَاتِلُ بِالْمُحَالِ فَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِي (عب) وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ إذَا تَكَرَّرَ وَثَبَتَ قِيَاسًا عَلَى الْعَائِنِ الْمُجَرَّبِ، وَاسْتَبْعَدَ بْن ذَلِكَ، وَأَمَّا الْقَاتِلُ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمُجَرَّبِ فَكَالْعَائِنِ جَزْمًا. [قَتْلَ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى] قَوْلُهُ: [وَيُقْتَلُ الْأَدْنَى] : تَفْرِيعٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ شُرُوطِ الْقِصَاصِ وَأَرْكَانِهِ. وَقَوْلُهُ: [وَلَمْ تَتَمَيَّزْ الضَّرَبَاتُ] : أَيْ ضَرْبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَوْتُ يَنْشَأُ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ أَوْ عَنْ بَعْضِهَا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ قَتْلِ الْجَمْعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ هُوَ مَا فِي النَّوَادِرِ فِي اللَّخْمِيِّ خِلَافُهُ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَنْفَذَ أَحَدُ الضَّارِبِينَ مَقَاتِلَهُ وَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيِّ الضَّرَبَاتِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ وَفِي أَمْوَالِهِمْ إذَا لَمْ يَتَمَالَئُوا عَلَى قَتْلِهِ كَذَا فِي (عب) . قَوْلُهُ: [أَوْ كَانَ الضَّرْبُ بِنَحْوِ سَوْطٍ] : أَيْ هَذَا إذَا ضَرَبُوهُ بِآلَةٍ يُقْتَلُ بِهَا عَادَةً، بَلْ وَإِنْ حَصَلَ بِآلَةٍ لَا يُقْتَلُ بِهَا عَادَةً فَالْمَدَارُ عَلَى التَّمَالُؤِ أَيْ التَّعَاقُدِ وَالِاتِّفَاقِ

مَغْمُورًا حَتَّى مَاتَ، وَإِلَّا فَفِيهِ الْقَسَامَةُ، وَلَا يُقْتَلُ بِهَا إلَّا وَاحِدٌ كَمَا يَأْتِي. (وَ) يُقْتَلُ (الذَّكَرُ بِالْأُنْثَى، وَالصَّحِيحُ بِالْمَرِيضِ) . يُقْتَلُ (الْكَامِلُ) الْأَعْضَاءِ وَالْحَوَاسِّ (بِالنَّاقِصِ عُضْوًا) : كَيَدٍ أَوْ رِجْلٍ (أَوْ حَاسَّةٍ) كَسَمْعٍ وَبَصَرٍ. (وَ) يُقْتَلُ (الْمُتَسَبِّبُ مَعَ الْمُبَاشِرِ) : كَحَافِرِ بِئْرٍ لِمُعَيَّنٍ، فَرَدَّاهُ غَيْرُهُ فِيهَا وَكَمُكْرِهٍ - بِالْكَسْرِ - مَعَ مُكْرَهٍ بِالْفَتْحِ؛ هَذَا لِتَسَبُّبِهِ وَهَذَا لِمُبَاشَرَتِهِ. (وَ) يُقْتَلُ (أَبٌ أَوْ مُعَلِّمٌ) صَنْعَةً أَوْ قُرْآنًا (أَمَرَ) كُلٌّ مِنْ الْأَبِ أَوْ الْمُعَلِّمِ (صَبِيًّا) بِقَتْلِ إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ، وَلَا يُقْتَلُ الصَّغِيرُ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ. (وَ) يُقْتَلُ (سَيِّدٌ أَمَرَ) عَبْدَهُ بِقَتْلِ حُرٍّ فَقَتَلَهُ، وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ أَيْضًا إنْ كَانَ كَبِيرًا لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ. فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ أَوْ الْمُتَعَلِّمُ كَبِيرًا قُتِلَ وَحْدَهُ إنْ لَمْ يُكْرَهْ، وَإِلَّا قُتِلَا مَعًا كَمَا تَقَدَّمَ. وَعَلَى عَاقِلَةِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ أَوْ الْمُتَعَلِّمِ نِصْفُ الدِّيَةِ مَعَ الْقِصَاصِ مِنْ الْأَبِ أَوْ الْمُعَلِّمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَمَا يَأْتِي] : أَيْ آخِرَ الْبَابِ. قَوْلُهُ: [وَيُقْتَلُ الذَّكَرُ بِالْأُنْثَى] : أَيْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْقَاتِلُ زَائِدًا حُرِّيَّةً أَوْ إسْلَامًا كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [بِالْمَرِيضِ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَرِيضُ مُشْرِفًا وَمُحْتَضَرًا لِلْمَوْتِ. قَوْلُهُ: [مَعَ مُكْرَهٍ بِالْفَتْحِ] : أَيْ حَيْثُ كَانَ الْإِكْرَاهُ بِخَوْفِ الْقَتْلِ وَإِلَّا فَيُقْتَصُّ مِنْهُ هُوَ فَقَطْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْآمِرُ حَاضِرًا وَإِلَّا فَيُقْتَلُ أَيْضًا لِقُدْرَتِهِ عَلَى التَّخْلِيصِ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَالْمَجْمُوعِ، وَمَحَلُّ اشْتِرَاطِ خَوْفِ الْقَتْلِ مِنْ الْمُكْرَهِ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَأْمُورُ عَبْدًا لِذَلِكَ الْآمِرِ، وَإِلَّا كَانَ أَمْرُهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِكْرَاهِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَلَا يُقْتَلُ الصَّغِيرُ] : أَيْ وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَإِنَّمَا عَلَى عَاقِلَتِهِ نِصْفُهَا كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: [إنْ كَانَ كَبِيرًا] : أَيْ بَالِغًا وَأَمَرَ السَّيِّدُ فِيهِ كَالْإِكْرَاهِ فَلِذَلِكَ يُقْتَلُ مَعَهُ. قَوْلُهُ: [وَعَلَى عَاقِلَةِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا الْعَبْدُ الصَّغِيرُ الْمَأْمُورُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْعَاقِلَةِ لَهُ.

(وَ) يُقْتَلُ (شَرِيكُ صَبِيٍّ) دُونَ الصَّبِيِّ (إنْ تَمَالَآ) مَعًا عَلَى قَتْلِ شَخْصٍ، وَعَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ نِصْفُ الدِّيَةِ، لِأَنَّ عَمْدَهُ كَخَطَئِهِ. فَإِنْ لَمْ يَتَمَالَآ عَلَى قَتْلِهِ وَتَعَمَّدَاهُ أَوْ الْكَبِيرُ فَقَطْ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ وَعَلَى عَاقِلَةِ الصَّغِيرِ نِصْفُهَا وَإِنْ قَتَلَاهُ أَوْ الْكَبِيرُ خَطَأً، فَعَلَى عَقِلَةِ كُلٍّ نِصْفُ الدِّيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يَتَمَالَآ عَلَى قَتْلِهِ] إلَخْ: مَحَلُّ قَسْمِ الدِّيَةِ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَدَّعِ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ - فَإِنَّهُمْ يَقْسِمُونَ عَلَيْهِ وَيَقْتُلُونَهُ، وَيَسْقُطُ نِصْفُ الدِّيَةِ عَنْ عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ إنَّمَا يُقْتَلُ بِهَا وَيُسْتَحَقُّ بِهَا وَاحِدٌ. قَوْلُهُ: [فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ نِصْفُ الدِّيَةِ] : إنَّمَا كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي عَمْدِهِ وَخَطَئِهِ لِأَنَّ عَمْدَهُ كَخَطَئِهِ. تَنْبِيهٌ: هَلْ يُقْتَصُّ مِنْ شَرِيكِ سَبْعٍ نَظَرًا لِتَعَمُّدِ قَتْلِهِ وَمِنْ شَرِيكِ جَارِحِ نَفْسِهِ جُرْحًا يَنْشَأُ عَنْهُ الْمَوْتُ غَالِبًا وَمِنْ شَرِيكِ حَرْبِيٍّ لَمْ يَتَمَالَأْ مَعَهُ عَلَى الْقَتْلِ أَوْ لَا يُقْتَصُّ مِمَّا ذُكِرَ، بَلْ إنَّمَا عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَيُضْرَبُ مِائَةً وَيُحْبَسُ عَامًا؟ قَوْلَانِ وَالْقَوْلُ بِالْقِصَاصِ يَكُونُ بِقَسَامَةٍ وَبِنِصْفِ الدِّيَةِ بِلَا قَسَامَةٍ 1 - مَسْأَلَةٌ: إنْ تَصَادَمَ الْمُكَلَّفَانِ أَوْ تَجَاذَبَا حَبْلًا أَوْ غَيْرَهُ فَسَقَطَا رَاكِبَيْنِ أَوْ مَاشِيَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ قَصْدًا فَمَاتَا فَلَا قِصَاصَ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَحُكْمُ الْقَوَدِ يَجْرِي بَيْنَهُمَا أَوْ حَمْلًا عَلَى الْقَصْدِ عِنْدَ جَهْلِ الْحَالِ لَا عَلَى الْخَطَأِ عَكْسُ السَّفِينَتَيْنِ إذَا تَصَادَمَتَا، وَجُهِلَ الْحَالُ فَيُحْمَلَانِ عَلَى عَدَمِ الْقَصْدِ مِنْ رُؤَسَائِهِمَا فَلَا قَوَدَ وَلَا ضَمَانَ، لِأَنَّ جَرْيَهُمَا بِالرِّيحِ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ أَرْبَابِهِمَا كَالْعَجْزِ الْحَقِيقِيِّ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنْ يَصْرِفَ دَابَّتَهُ أَوْ سَفِينَتَهُ عَنْ الْآخَرِ فَلَا ضَمَانَ بَلْ هُوَ هَدَرٌ، لَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ الْعَجْزَ الْحَقِيقِيَّ فِي الْمُتَصَادِمَيْنِ فِيهِ ضَمَانُ الدِّيَةِ فِي النَّفْسِ وَالْقِيمَةُ فِي الْأَمْوَالِ. بِخِلَافِ السَّفِينَتَيْنِ فَهَدَرٌ وَحُمِلَا عَلَيْهِ عِنْدَ جَهْلِ الْحَالِ، وَأَمَّا لَوْ قَدَرَ أَهْلُ السَّفِينَتَيْنِ عَلَى الصَّرْفِ وَمَنَعَهُمْ خَوْفُ الْغَرَقِ أَوْ النَّهْبِ أَوْ الْأَسْرِ حَتَّى أَهْلَكَتْ إحْدَى السَّفِينَتَيْنِ الْأُخْرَى فَضَمَانُ الْأَمْوَالِ فِي أَمْوَالِهِمْ وَالدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُسَلِّمُوا بِهَلَاكِ غَيْرِهِمْ (اهـ مُلَخَّصًا مِنْ خَلِيلٍ وَشُرَّاحِهِ) . فَائِدَةٌ قَالَ (شب) : ذَكَرَ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ فُرُوعًا لَا بَأْسَ بِذِكْرِهَا لِتَعَلُّقِهَا بِمَا هُنَا؛ أَحَدُهَا: لَوْ قَادَ بَصِيرٌ أَعْمَى فَوَقَعَ الْبَصِيرُ وَوَقَعَ الْأَعْمَى عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ فَقَالَ

(لَا) يُقْتَلُ (شَرِيكُ مُخْطِئٍ وَ) لَا شَرِيكُ (مَجْنُونٍ) : بَلْ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ وَعَلَى عَاقِلَةِ الْمُخْطِئِ أَوْ الْمَجْنُونِ نِصْفُهَا. هَذَا إنْ تَعَمَّدَ، وَإِلَّا فَالنِّصْفُ عَلَى عَاقِلَتِهِ أَيْضًا. ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْجِنَايَةِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَقَالَ: (وَمَا دُونَ النَّفْسِ - كَجُرْحٍ) وَقَطْعٍ وَضَرْبٍ وَإِذْهَابِ مَنْفَعَةٍ؛ كَسَمْعٍ (وَبَصَرٍ: كَالنَّفْسِ) : أَيْ كَالْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ (فِعْلًا) : أَيْ فِي الْفِعْلِ مِنْ كَوْنِهِ عَمْدًا عُدْوَانًا (وَفَاعِلًا) : أَيْ مِنْ كَوْنِهِ مُكَلَّفًا غَيْرَ حَرْبِيٍّ وَلَا زَائِدَ حُرِّيَّةً أَوْ إسْلَامًا (وَمَفْعُولًا) : مِنْ كَوْنِهِ مَعْصُومًا لِلْإِصَابَةِ بِإِيمَانٍ أَوْ أَمَانٍ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مُتَعَلِّقُ الْجِنَايَةِ: غَيْرُ النَّفْسِ؛ إنْ أَفَاتَتْ بَعْضَ الْجِسْمِ فَقَطْعٌ، وَإِلَّا فَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ: الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَعْمَى. ثَانِيهَا لَوْ طَلَب غَرِيقًا فَلَمَّا أَخَذَهُ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ فَتَرَكَهُ وَمَاتَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ثَالِثُهَا: لَوْ سَقَطَ مِنْ عَلَى دَابَّتِهِ عَلَى رَجُلٍ فَمَاتَ الرَّجُلُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ السَّاقِطِ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ، وَلَوْ انْكَسَرَتْ سِنٌّ مِنْ السَّاقِطِ وَانْكَسَرَتْ سِنٌّ مِنْ الْآخَرِ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا أَنَّ عَلَى السَّاقِطِ دِيَةُ سِنِّ الَّذِي سَقَطَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَى الْآخَرِ دِيَتُهَا. وَقَالَ رَبِيعَةُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ دِيَةُ صَاحِبِهِ وَدَلِيلُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْجِنَايَةَ بِسَبَبِ السَّاقِطِ دُونَ سَبَبٍ آخَرَ (اهـ) قَوْلُهُ: [كَجَرْحٍ] : بِفَتْحِ الْجِيمِ الْفِعْلُ وَأَثَرُهُ بِالضَّمِّ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَ الْجُرْحِ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ. قَوْلُهُ: [مِنْ كَوْنِهِ عَمْدًا] : أَيْ قَصْدًا. وَقَوْلُهُ: [عُدْوَانًا] : أَيْ تَعَدِّيًا يُحْتَرَزُ عَنْ اللَّعِبِ وَالْأَدَبِ فَيَنْشَأُ عَنْهُ جُرْحٌ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ. قَوْلُهُ: [غَيْرَ حَرْبِيٍّ] : أَيْ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ أَوْ أَمَّنَّاهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِيمَا فَعَلَهُ؛ وَتَقَدَّمَ إيضَاحُ تِلْكَ الْقُيُودِ أَوَّلَ الْبَابِ. قَوْلُهُ [مِنْ كَوْنِهِ مَعْصُومًا] : أَيْ مِنْ حِينِ الرَّمْيِ إلَى حِينِ التَّلَفِ كَمَا تَقَدَّمَ إيضَاحُهُ. قَوْلُهُ: [إنْ أَفَاتَتْ بَعْضَ الْجِسْمِ] : أَيْ أَذْهَبَتْهُ.

أَزَالَتْ اتِّصَالَ عَظْمٍ لَمْ يَبِنْ فَكَسْرٌ. وَإِلَّا فَإِنْ أَثَّرَتْ فِي الْجِسْمِ فَجُرْحٌ وَإِلَّا فَإِتْلَافُ مَنْفَعَةٍ (اهـ) . وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ: " كَالنَّفْسِ " - يَقْتَضِي مِنْ حَيْثُ الْفَاعِلُ - أَنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْ النَّاقِصِ - كَالْعَبْدِ - إنْ جَرَحَ كَامِلًا كَالْحُرِّ اسْتَثْنَى ذَلِكَ مِنْهُ بِقَوْلِهِ: (إلَّا نَاقِصًا) لِحُرِّيَّةٍ أَوْ إسْلَامٍ (كَعَبْدٍ) أَوْ كَافِرٍ (جَنَى عَلَى طَرَفٍ) أَوْ مَنْفَعَةِ (كَامِلٍ؛ كَحُرٍّ) أَوْ مُسْلِمٍ (فَلَا قِصَاصَ) مِنْ النَّاقِصِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ النَّاقِصِ عَلَى الْكَامِلِ - كَجِنَايَةِ ذِي يَدٍ شَلَّاءَ عَلَى صَحِيحَةٍ، وَإِنْ كَانَ يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي النَّفْسِ كَمَا مَرَّ، وَدِيَةُ الْجُرْحِ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَذِمَّةِ الْكَافِرِ - فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ فَحُكُومَةٌ إنْ بَرَأَ عَلَى شَيْنٍ، وَإِلَّا فَلَيْسَ عَلَى الْجَانِي الْمُتَعَمِّدِ إلَّا الْعُقُوبَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَمْ يَبِنْ] : أَيْ لَمْ يَنْفَصِلْ بَلْ بَقِيَ مُعَلَّقًا بِبَعْضِ الْعُرُوقِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا] : أَيْ بِأَنْ لَمْ تَحْصُلْ إفَاتَةُ بَعْضِ الْجِسْمِ وَلَا إزَالَةُ اتِّصَالِ عَظْمٍ لَمْ يَبِنْ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَإِتْلَافُ مَنْفَعَةٍ] : أَيْ بِأَنْ لَمْ تَحْصُلْ إفَاتَةُ بَعْضِ الْجِسْمِ وَلَا إزَالَةُ اتِّصَالِ عَظْمٍ لَمْ يَبِنْ وَلَا غَاصَتْ فِي الْجِسْمِ، وَإِنَّمَا أُذْهِبَتْ مَنْفَعَةٌ مِنْ الْجِسْمِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [يَقْتَضِي مِنْ حَيْثُ الْفَاعِلِ] : أَيْ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّشْبِيهِ أَنْ يَكُونَ تَامًّا فَأَفَادَ بِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ التَّشْبِيهَ غَيْرُ تَامٍّ. قَوْلُهُ: [مِنْ النَّاقِصِ] : مُرَادُهُ بِالنَّاقِصِ وَالْكَامِلِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى لَا بِاعْتِبَارِ الْحِسِّ، فَإِنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْأَعْضَاءَ مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْجَمِيعِ. قَوْلُهُ: [كَعَبْدٍ] : مِثَالٌ لِنَقْصِ الْحُرِّيَّةِ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ كَافِرٍ] : مِثَالٌ لِنَقْصِ الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: [كَجِنَايَةِ ذِي يَدٍ شَلَّاءَ] : أَيْ تَنْزِيلًا لِلنَّقْصِ الْمَعْنَوِيِّ مَنْزِلَةَ النَّقْصِ الْحِسِّيِّ. قَوْلُهُ: [كَمَا مَرَّ] : أَيْ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا زَائِدَ حُرِّيَّةٍ أَوْ إسْلَامٍ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ] : أَيْ مِنْ الشَّارِعِ وَسَتَأْتِي دِيَاتُ الْجِرَاحَاتِ الَّتِي قَدَّرَهَا الشَّارِعُ. وَقَوْلُهُ: [فَحُكُومَةٌ] إلَخْ: أَيْ مَالٌ يَحْكُمُ بِهِ الْقَاضِي بَعْدَ تَقْوِيمِ الذَّاتِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهَا سَالِمَةً وَمَعِيبَةً، وَيَنْظُرُ لِمَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ فَيَحْكُمُ الْقَاضِي بِهِ عَلَى الْجَانِي وَسَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ.

[القصاص فيما دون النفس]

(وَإِنْ تَعَدَّدَ مُبَاشِرٌ) عَادَ مَا دُونَ النَّفْسِ (بِلَا تَمَالُؤٍ) مِنْهُمْ (وَتَمَيَّزَتْ) الْجِرَاحَاتُ: أَيْ تَمَيَّزَ وَعُلِمَ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (فَمِنْ كُلٍّ) يُقْتَصُّ (بِقَدْرِ مَا فَعَلَ) : فَإِنْ تَمَالَئُوا اُقْتُصَّ مِنْ كُلٍّ بِقَدْرِ الْجَمِيعِ، تَمَيَّزَتْ أَمْ لَا، قِيَاسًا عَلَى قَتْلِ النَّفْسِ مِنْ أَنَّ الْجَمِيعَ عِنْدَ التَّمَالُؤِ يُقْتَلُونَ بِالْوَاحِدِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ تَتَمَيَّزْ عِنْدَ التَّمَالُؤِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُمْ دِيَةُ الْجَمِيعِ وَلَا قِصَاصَ؟ أَوْ يُقْتَصُّ مِنْ كُلٍّ بِقَدْرِ الْجَمِيعِ؟ فَإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً قَلَعَ أَحَدُهُمْ عَيْنَهُ وَقَطَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ وَالثَّالِثُ رِجْلَهُ وَلَمْ يُعْلَمْ مَنْ الَّذِي فَقَأَ الْعَيْنَ وَمَنْ قَطَعَ الرِّجْلَ وَمَنْ قَطَعَ الْيَدَ - وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا تَمَالُؤَ بَيْنَهُمْ - اُقْتُصَّ مِنْ كُلٍّ بِفَقْءِ عَيْنِهِ وَقَطْعِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ لَمْ يَقَعْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ إلَّا فِعْلٌ وَاحِدٌ ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُقْتَصُّ مِنْهُ مِمَّا دُونَ النَّفْسِ، وَمَا لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ بِقَوْلِهِ: (وَاقْتُصَّ مِنْ مُوضِحَةٍ) بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ (وَهِيَ: مَا أَوْضَحَتْ عَظْمَ الرَّأْسِ) : أَيْ أَظْهَرَتْهُ (أَوْ) عَظْمَ (الْجَبْهَةِ) : مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ وَشَعْرِ الرَّأْسِ (أَوْ) عَظْمَ (الْخَدَّيْنِ) فَمَا أَوْضَحَتْ عَظْمَ غَيْرِ مَا ذُكِرَ - وَلَوْ بِالْوَجْهِ كَأَنْفٍ وَلَحْيٍ أَسْفَلَ - لَا يُسَمَّى مُوضِحَةً عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. وَإِنْ اُقْتُصَّ مِنْ عَمْدِهِ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُوضِحَةِ مَا لَهُ بَالٌ وَاتِّسَاعٌ بَلْ (وَإِنْ) ضَاقَ (كَإِبْرَةٍ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَمِنْ كُلٍّ يُقْتَصُّ بِقَدْرِ مَا فَعَلَ] : أَيْ بِالْمِسَاحَةِ وَلَا يُنْظَرُ لِتَفَاوُتِ الْعُضْوِ بِالرِّقَّةِ وَالْغِلَظِ. قَوْلُهُ: [وَفِيهِ نَظَرٌ] : أَيْ فَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ. . [الْقِصَاص فِيمَا دُونَ النَّفْسِ] [الْقِصَاصُ فِي الْمُوضِحَة وَغَيْرهَا مِنْ الْجِرَاحَات] قَوْلُهُ: [مَا بَيْنَ الْحَاجِبِينَ وَشَعْرِ الرَّأْسِ] : مُرَادُهُ مَا عَلَا عَلَى الْحَاجِبَيْنِ وَسَفَلَ عَنْ شَعْرِ الرَّأْسِ فَيَشْمَلُ الْجَبِينَيْنِ. قَوْلُهُ: [لَا يُسَمَّى مُوضِحَةً عِنْدَ الْفُقَهَاءِ] إلَخْ: قَالَ الْبِسَاطِيُّ إنَّمَا يَظْهَرُ تَعْرِيفُ الْمُوضِحَةِ بِمَا ذُكِرَ بِاعْتِبَارِ الدِّيَةِ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ الْقِصَاصِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا. قَوْلُهُ: [وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُوضِحَةِ] : أَيْ قِصَاصًا أَوْ دِيَةً. قَوْلُهُ: [بَلْ وَإِنْ ضَاقَ] : أَيْ بَلْ يَثْبُتُ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا كَإِبْرَةٍ إلَخْ.

أَيْ كَقَدْرِ مَغْرِزِهَا فَيُقْتَصُّ مِنْهُ. (وَ) يُقْتَصُّ (مِمَّا قَبْلَهَا) أَيْ الْمُوضِحَةِ مِنْ كُلِّ مَا لَا يَظْهَرُ بِهِ الْعَظْمُ، وَهِيَ سِتَّةٌ بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ: (مِنْ دَامِيَةٍ) : وَهِيَ مَا أَضْعَفَتْ الْجِلْدَ حَتَّى رَشَحَ مِنْهُ دَمٌ بِلَا شَقٍّ لَهُ، (وَحَارِصَةٍ: مَا شَقَّتْ الْجِلْدَ) (وَسِمْحَاقٍ) : بِكَسْرِ السِّينِ: مَا (كَشَطَتْهُ) أَيْ الْجِلْدَ عَنْ اللَّحْمِ، وَ (بَاضِعَةٍ) : وَهِيَ مَا (شَقَّتْ اللَّحْمَ) ، (وَمُتَلَاحِمَةٍ) وَهِيَ مَا (غَاصَتْ فِيهِ بِتَعَدُّدٍ) : أَيْ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْهُ وَلَمْ تَقْرَبْ لِلْعَظْمِ. (وَمِلْطَأَةٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ: وَهِيَ مَا (قَرُبَتْ لِلْعَظْمِ) وَلَمْ تَصِلْ لَهُ، وَإِلَّا فَمُوضِحَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ. فَالسِّتَّةُ: ثَلَاثَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْجِلْدِ، وَثَلَاثَةٌ بِاللَّحْمِ. (وَ) يُقْتَصُّ (مِنْ جِرَاحِ الْجَسَدِ) غَيْرِ الرَّأْسِ (وَإِنْ مُنَقِّلَةً) وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَيُقْتَصُّ مِمَّا قَبْلَهَا] : أَيْ مِنْ السَّابِقِ عَلَيْهَا فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ. قَوْلُهُ: [وَحَارِصَةٍ] : بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ فَأَلِفٍ فَرَاءٍ فَصَادٍ مُهْمَلَتَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَبَاضِعَةٍ] : بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ. قَوْلُهُ: [أَيْ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ] : أَيْ بِأَنْ أَخَذَتْ فِيهِ يَمِينًا وَشِمَالًا. قَوْلُهُ: [بِكَسْرِ الْمِيمِ] : أَيْ وَبِالْهَمْزِ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ تَصِلْ لَهُ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْمِلْطَأَةَ هِيَ الَّتِي أَزَالَتْ اللَّحْمَ وَقَرُبَتْ لِلْعَظْمِ وَلَمْ تَصِلْ إلَيْهِ بَلْ بَقِيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ سَتْرٌ رَقِيقٌ، فَإِنْ زَالَ ذَلِكَ السِّتْرُ سُمِّيَتْ مُوضِحَةً. قَوْلُهُ: [ثَلَاثَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْجِلْدِ] : أَيْ وَهِيَ الدَّامِيَةُ وَالْحَارِصَةُ وَالسِّمْحَاقُ. وَقَوْلُهُ: [وَثَلَاثَةٌ بِاللَّحْمِ] : أَيْ وَهِيَ الْبَاضِعَةُ وَالْمُتَلَاحِمَةُ وَالْمِلْطَأَةُ. قَوْلُهُ: [غَيْرِ الرَّأْسِ] : أَيْ وَالْجَبْهَةِ وَالْخَدَّيْنِ، وَأَمَّا الرَّأْسُ فَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى سَبْعِ جِرَاحَاتٍ فِيهِ، وَسَيَأْتِي اثْنَتَانِ لَيْسَ فِيهِمَا إلَّا الدِّيَةُ وَهُمَا الْمُنَقِّلَةُ وَالْآمَّةُ. قَوْلُهُ: [وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهَا] : أَيْ فِي قَوْلِهِ: مَا يَنْقُلُ بِهَا فَرَاشَ الْعَظْمِ لِلدَّوَاءِ

وَتُعْتَبَرُ (بِالْمِسَاحَةِ) طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا، وَهَذَا: (إنْ اتَّحَدَ الْمَحَلُّ) : أَيْ يُشْتَرَطُ اتِّحَادُهُ؛ فَلَا يُقْتَصُّ مِنْ جُرْحِ عُضْوٍ أَيْمَنَ فِي أَيْسَرَ وَلَا عَكْسُهُ، وَلَا تُقْطَعُ سَبَّابَةٌ مَثَلًا بِإِبْهَامٍ، وَلَوْ كَانَ عُضْوُ الْجَانِي قَصِيرًا لَمْ يَكْمُلْ بَقِيَّةُ الْجُرْحِ مِنْ عُضْوِهِ الثَّانِي. (وَ) اقْتَصَّ (مِنْ طَبِيبٍ) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا: مَنْ يُبَاشِرُ الْقِصَاصَ مِنْ الْجَانِي (زَادَ) ؛ عَلَى الْمِسَاحَةِ الْمَطْلُوبَةِ (عَمْدًا) فَيُقْتَصُّ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا زَادَ فَلَوْ نَقَصَ وَلَوْ عَمْدًا فَلَا يُقْتَصُّ ثَانِيًا، فَإِنْ مَاتَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ مِنْ الْقِصَاصِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الطَّبِيبِ إذَا لَمْ يَزِدْ عَمْدًا وَإِلَّا فَالْقِصَاصُ. (وَإِلَّا) يَتَّحِدَ الْمَحَلُّ أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الطَّبِيبُ الزِّيَادَةَ بَلْ أَخْطَأَ (فَالْعَقْلُ) : عَلَى الْجَانِي؛ فَإِذَا قَطَعَ خِنْصَرًا وَلَا خِنْصَرَ لَهُ فَلَا قِصَاصَ لِعَدَمِ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ وَتَعَيَّنَ الْعَقْلُ. فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا أَوْ دُونَ الثُّلُثِ فَفِي مَا لَهُ، وَإِلَّا فَعَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا سَيَأْتِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَحَثَ بْن فِي تَسْمِيَتِهَا مُنَقِّلَةً بِقَوْلِهِ: صَوَابُهُ: وَإِنْ هَاشِمَةً، فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُنَقِّلَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ - اُنْظُرْ الْمَوَّاقَ (اهـ) . قَوْلُهُ: [بِالْمِسَاحَةِ] : هِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا إنْ اتَّحَدَ الْمَحَلُّ] : أَيْ وَاعْتِبَارُ الْقِصَاصِ بِالْمِسَاحَةِ إنَّمَا يَكُونُ إنْ اتَّحَدَ الْمَحَلُّ. قَوْلُهُ: [لَمْ يَكْمُلْ بَقِيَّةُ الْجُرْحِ] إلَخْ: أَيْ فَمَحَلُّ اعْتِبَارِ الْقِصَاصِ بِالْمِسَاحَةِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ إزَالَةُ عُضْوٍ وَإِلَّا فَيُقْطَعُ الْعُضْوُ الصَّغِيرُ بِالْكَبِيرِ وَعَكْسُهُ. قَوْلُهُ: [الْمُرَادُ بِهِ هُنَا] : أَيْ وَأَمَّا الطَّبِيبُ بِمَعْنَى الْمُدَاوِي فَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا. قَوْلُهُ: [فَلَوْ نَقَصَ وَلَوْ عَمْدًا] : أَيْ عَلَى الْمِسَاحَةِ الْمَطْلُوبَةِ لِأَنَّهُ قَدْ اجْتَهَدَ. قَوْلُهُ: [فَلَا شَيْءَ عَلَى الطَّبِيبِ] : أَيْ فَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ فَلَا يُنَافِي أَنَّ عَلَيْهِ إنْ زَادَ الدِّيَةَ كَمَا يَأْتِي بَعْدُ. قَوْلُهُ: [فَإِذَا قَطَعَ خِنْصَرًا] : مِثَالٌ لِمَا لَمْ يَتَّحِدْ فِيهِ الْمَحَلُّ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا] أَيْ فَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ عَمْدًا وَالْفَرْضُ عَدَمُ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ فِي الْجَانِي أَوْ كَانَ مِنْ زِيَادَةِ الطَّبِيبِ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ دُونَ الثُّلُثِ] : أَيْ أَوْ كَانَ خَطَأً وَعَقْلُهُ دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ. وَقَوْلُهُ: [فَفِي مَالِهِ] : أَيْ فَالْعَقْلُ فِي مَالِهِ.

وَشَبَّهَ فِي لُزُومِ الْعَقْلِ قَوْلَهُ: (كَعَيْنِ أَعْمَى) : أَيْ حَدَقَتِهِ جَنَى عَلَيْهَا ذُو سَالِمَةٍ بِأَنْ قَلَعَهَا؛ فَإِنَّ السَّالِمَةَ لَا تُؤْخَذُ بِهَا لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ، بَلْ يَلْزَمُهُ حُكُومَةٌ بِالِاجْتِهَادِ، وَفِي الْعَكْسِ الدِّيَةُ. (وَلِسَانِ أَبْكَمَ) : لَا يُقْطَعُ بِالنَّاطِقِ وَلَا عَكْسُهُ، وَفِي النَّاطِقِ الدِّيَةُ وَفِي الْأَبْكَمِ الْحُكُومَةُ. (وَمَا بَعْدَ مُوضِحَةٍ) مِنْ الْجِرَاحِ: لَا قِصَاصَ فِيهِ وَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الْعَقْلُ، وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (مِنْ مُنَقِّلَةٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْقَافِ مُشَدَّدَةً؛ وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الرَّأْسِ أَوْ الْوَجْهِ (وَهِيَ: مَا يُنْقَلُ بِهَا) : أَيْ فِيهَا (فَرَاشُ الْعَظْمِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا: أَيْ الْعَظْمُ الرَّقِيقُ الْكَائِنُ فَوْقَ الْعَظْمِ كَقِشْرِ الْبَصَلِ: أَيْ مَا يُزِيلُ مِنْهَا الطَّبِيبُ فَرَاشَ الْعَظْمِ (لِلدَّوَاءِ) : أَيْ لِأَجْلِهِ لِيَلْتَئِمَ الْجُرْحُ: أَيْ مَا شَأْنُهَا ذَلِكَ. وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا قِصَاصٌ لِشِدَّةِ خَطَرِهَا. (وَآمَّةٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مَمْدُودَةً: وَهِيَ مَا (أَفَضْت لِأُمِّ الدِّمَاغِ) وَأُمُّ الدِّمَاغِ: جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ مَفْرُوشَةٌ عَلَيْهِ مَتَى انْكَشَفَتْ عَنْهُ مَاتَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَفِي الْعَكْسِ الدِّيَةُ] : أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْجَانِي أَعْمَى وَفَقَأَ عَيْنَ الْبَصِيرِ. قَوْلُهُ: [وَفِي النَّاطِقِ الدِّيَةُ] إلَخْ: أَيْ كَمَا قِيلَ فِي الْعَيْنِ الْعَمْيَاءِ وَالْعَيْنِ الْبَصِيرَةِ. قَوْلُهُ: [وَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الْعَقْلُ] : أَيْ فَيَسْتَوِي عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الرَّأْسِ أَوْ الْوَجْهِ] : هَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ بَحْثَ (بْن) الْمُتَقَدِّمَ. قَوْلُهُ: [أَيْ فِيهَا] جَعْلُ الْبَاءِ بِمَعْنَى فِي يُشْكِلُ عَلَيْهِ آخِرَ الْعِبَارَةِ، فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى مِنْ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ مَا أَفَضْت لِأُمِّ الدِّمَاغِ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْآمَّةَ هِيَ الْجُرْحُ الْوَاصِلَةُ لِأُمِّ الدِّمَاغِ وَلَمْ تَخْرِقْهَا، وَذَكَرَ خَلِيلٌ بَعْدَهَا الدَّامِغَةَ بِعَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَهِيَ مَا خَرَقَتْ خَرِيطَةَ الدِّمَاغِ وَلَمْ تَنْكَشِفْ بَلْ نَحْوُ قَدْرِ مَغْرِزِ إبْرَةٍ فَعَلَى كَلَامِ خَلِيلٍ مَا بَعْدَ الْمُوضِحَةِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْأَظْهَرُ أَنَّ الْآمَّةَ وَالدَّامِغَةَ مُتَرَادِفَانِ أَوْ كَالْمُتَرَادَفِينَ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا مُصَنِّفُنَا وَجَعَلَ مَا بَعْدَ الْمُوضِحَةِ شَيْئَيْنِ. قَوْلُهُ: [جَلْدَةٌ رَقِيقَةٌ] : مُحَصِّلُهُ أَنَّ الدِّمَاغَ اسْمٌ لِلْمُخِّ وَأُمُّهُ هِيَ الْجَلْدَةُ الرَّقِيقَةُ.

(وَلَا مِنْ لَطْمَةٍ) عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ اُسْتُفِيدَ مِمَّا قَبْلَهُ أَيْ فَلَا قِصَاصَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا مِنْ لَطْمَةٍ: أَيْ ضَرْبَةٍ عَلَى الْخَدِّ إذَا لَمْ يَنْشَأْ عَنْهَا جُرْحٌ وَلَا ذَهَابُ مَنْفَعَةٍ وَلَا عَقْلٍ فِيهَا كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ. (وَ) لَا مِنْ (ضَرْبَةٍ) : بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ بِغَيْرِ وَجْهٍ؛ كَصَفْعٍ بِقَفَا (لَمْ تَجْرَحْ) : أَيْ لَمْ يَنْشَأْ عَنْهَا جُرْحٌ أَيْ وَلَا ذَهَابُ مَنْفَعَةٍ كَاللَّطْمَةِ. (وَ) لَا مِنْ إزَالَةِ (لَحْيَةٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ. (وَ) لَا مِنْ إزَالَةِ (شُفْرِ عَيْنٍ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ الْهُدْبُ. (وَ) لَا مِنْ شَعْرِ (حَاجِبٍ) . (وَعَمْدِهَا) : أَيْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ مِنْ اللَّطْمَةِ وَمَا بَعْدَهَا (كَالْخَطَأِ) فِي عَدَمِ الْقِصَاصِ وَالْعَقْلِ. (إلَّا فِي الْأَدَبِ) : فَيَجِبُ فِي عَمْدِهَا دُونَ خَطَئِهَا. وَمَفْهُومُ " لَمْ تَجْرَحْ " أَنَّهَا إنْ نَشَأَ عَنَّا جُرْحٌ أَوْ ذَهَابُ مَنْفَعَةٍ أَنَّ فِيهَا الْقِصَاصَ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ. (بِخِلَافِ ضَرْبِهِ بِسَوْطٍ) فَفِي عَمْدِهَا الْقِصَاصُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا عَقْلَ فِيهَا] : أَيْ بَلْ فِيهَا الْأَدَبُ إنْ كَانَتْ عَمْدًا. قَوْلُهُ: [بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ] : الْبَاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى الْآلَةِ. وَقَوْلُهُ: [بِغَيْرِ وَجْهٍ] : الْبَاءُ بِمَعْنَى عَلَى. قَوْلُهُ: [بِغَيْرِ وَجْهٍ] : إنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ اللَّطْمَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَا مِنْ إزَالَةِ لِحْيَةٍ] : هِيَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى اللَّحْيِ الْأَسْفَلِ. قَوْلُهُ: [بِفَتْحِ اللَّامِ] : لَعَلَّهُ بِكَسْرِهَا لِأَنَّهُ الْأَفْصَحُ فِيهَا قَالَ تَعَالَى: {لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي} [طه: 94] . قَوْلُهُ: [إلَّا فِي الْأَدَبِ] : أَيْ وَتَجِبُ الْحُكُومَةُ فِي اللِّحْيَةِ وَشَعْرِ الْعَيْنِ وَالْحَاجِبِ إنْ لَمْ يَنْبُتْ كَمَا كَانَ أَوَّلًا. قَوْلُهُ: [وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ جَرَحَهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: [فَفِي عَمْدِهَا الْقِصَاصُ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْشَأْ عَنْهُ جُرْحٌ وَلَا ذَهَابُ مَنْفَعَةٍ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ بِالسَّوْطِ عَهْدٌ لِلْأَدَبِ وَالْحُدُودِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَتَالِفُ عَادَةً.

(وَلَا) قِصَاصَ (إنْ عَظُمَ الْخَطَرُ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالطَّاءِ أَيْ الْخَوْفُ (فِي غَيْرِهَا) : أَيْ غَيْرِ الْجِرَاحِ الَّتِي بَعْدَ الْمُوضِحَةِ أَيْ جِرَاحِ الْجَسَدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ؛ (كَعَظْمِ الصَّدْرِ) : أَيْ كَسْرِهِ وَعَظْمِ الصُّلْبِ أَوْ الْعُنُقِ (وَرَضِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وَفِيهَا الْعَقْلُ كَامِلًا بَعْدَ الْبُرْءِ وَمَفْهُومُ: " رَضِّ " أَنَّ فِي قَطْعِهِمَا أَوْ جُرْحِهِمَا الْقِصَاصَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَتَالِفِ. (وَإِنْ جَرَحَهُ) جُرْحًا فِيهِ الْقِصَاصُ كَمُوضِحَةٍ (فَذَهَبَ) بِسَبَبِهِ (نَحْوُ بَصَرِهِ أَوْ شُلَّتْ يَدُهُ اُقْتُصَّ مِنْهُ) : أَيْ يُفْعَلُ بِالْجَانِي بَعْدَ بُرْءِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الَّتِي بَعْدَ الْمُوضِحَةِ] : أَيْ وَهِيَ الْمُنَقِّلَةُ وَالْآمَّةُ؛ فَالتَّقْيِيدُ بِعِظَمِ الْخَطَرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْجِرَاحَاتِ الَّتِي فِي الْجَسَدِ غَيْرِ الْمُنَقِّلَةِ وَالْآمَّةِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهَا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِعِظَمِ الْخَطَرِ لِأَنَّ شَأْنَهُمَا عِظَمُ الْخَطَرِ، وَقَوْلُهُ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ أَيْ مِنْ الْمُوضِحَةِ وَمَا قَبْلَهَا مِنْ كُلِّ مَا فِي عَمْدِهِ الْقِصَاصُ فَالضَّمِيرُ فِي غَيْرِهَا عَائِدٌ عَلَى الْجِرَاحِ الَّتِي بَعْدَ الْمُوضِحَةِ. قَوْلُهُ: [أَيْ جِرَاحِ الْجَسَدِ] : تُفَسَّرُ لِلْغَيْرِ. قَوْلُهُ: [غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ] : قَيْدٌ فِي جِرَاحِ الْجَسَدِ. قَوْلُهُ: [بَعْدَ الْبُرْءِ] : أَيْ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ حَيَاتِهِ، وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ الْأُنْثَيَيْنِ وَمَا قَبْلَهُمَا ذَهَبَتْ مِنْهُ الْمَنْفَعَةُ وَإِلَّا فَلَوْ بَرِئَ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَمْدِ إلَّا الْأَدَبُ. وَإِنَّمَا وَجَبَ الْعَقْلُ دُونَ الْقِصَاصِ لِقَوْلِ مَالِكٍ: أَخَافُ أَنْ يُتْلَفَ الْجَانِي. قَوْله: [أَيْ يَفْعَل بِالْجَانَّيْ] : وُجِدَ بِطُرَّتِهِ هَذَا أَوَّلُ مَا نَقَلَهُ الْفَقِيرُ مُصْطَفَى الْعُقْبَاوِيُّ تِلْمِيذُ الْمُؤَلِّفِ مِنْ شَرْحِهِ عَلَى الْأَصْلِ مَعَ تَجْرِيدٍ مِنْ مَجْمُوعٍ وَحَاشِيَةِ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ سَيِّدِي الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِيرِ، وَذَلِكَ بِإِذْنٍ مِنْ وَلِيِّ اللَّهِ تَعَالَى الشَّيْخِ صَالِحٍ السِّبَاعِيِّ يَقِظَةً وَمُؤَلِّفُهُ الْقُطْبُ شَيْخُنَا الدَّرْدِيرِ مَنَامًا قُلْت لَهُ: يَا سَيِّدِي أَنْقُلُ كَلَامَك لِكَلَامِك؟ فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: خَيْرًا، نَسْأَلُ اللَّهَ الْقَبُولَ وَالرِّضَا (اهـ) . قَوْلُهُ: [بَعْدَ بُرْءِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ] : أَيْ كَمَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي كُلِّ الْجِرَاحَاتِ الَّتِي لَمْ يُتَحَقَّقْ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا. وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [مِثْلُ مَا فَعَلَ] : أَيْ مِنْ الْجُرْحِ مُوضِحَةً أَوْ غَيْرَهَا.

(فَإِنْ حَصَلَ) لِلْجَانِي (مِثْلُهُ) : أَيْ مِثْلُ الذَّاهِبِ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (أَوْ زَادَ) الذَّاهِبُ مِنْ الْجَانِي بِأَنْ ذَهَبَ شَيْءٌ آخَرُ مَعَ الذَّاهِبِ، بِأَنْ أَوْضَحَ فَذَهَبَ بَصَرُهُ وَسَمْعُهُ، فَلَا كَلَامَ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ يَسْتَحِقُّ. (وَإِلَّا) يَحْصُلْ لِلْجَانِي مِثْلُ الذَّاهِبِ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ - بِأَنْ لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ أَوْ حَصَلَ غَيْرُهُ - (فَالْعَقْلُ) : لَازِمٌ لِلْجَانِي فِي مَالِهِ؛ أَيْ عَقْلُ مَا ذَهَبَ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَعِبَارَتُهُ أَوْضَحُ مِنْ عِبَارَةِ الْأَصْلِ. (كَأَنْ ضَرَبَهُ) ضَرْبَةً لَا قِصَاصَ فِيهَا؛ كَلَطْمَةٍ أَوْ ضَرْبَةٍ بِقَضِيبٍ مِمَّا لَا قِصَاصَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ لَا يُقْتَصُّ فِيهِ إنَّمَا يُقْتَصُّ مِنْ الْجُرُوحِ كَمَا فِي الْآيَةِ (فَذَهَبَ) بَصَرُهُ مَثَلًا؛ فَإِنَّهُ لَا يُضْرَبُ بَلْ عَلَيْهِ الْعَقْلُ. (إلَّا أَنْ يُمْكِنَ الْإِذْهَابُ) مِنْ الْجَانِي بِفِعْلٍ فِيهِ يَذْهَبُ مِنْهُ مِثْلُ مَا أَذْهَبَ بِمَا لَا قِصَاصَ فِيهِ؛ كَحِيلَةٍ تُذْهِبُ بَصَرَهُ (بِلَا ضَرْبٍ) فَإِنَّهُ يُفْعَلُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ مِثْلُ الذَّاهِبِ] : الْأَوْلَى حَذْفُ مِثْلُ. وَقَوْلُهُ: [مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ] صِفَةٌ لِلذَّاهِبِ الَّذِي هُوَ الْبَصَرُ أَوْ شَلَلُ الْيَدِ. قَوْلُهُ: [وَسَمْعُهُ] : هَذَا هُوَ الَّذِي زَادَ. قَوْلُهُ: [فَلَا كَلَامَ] : أَيْ لِذَلِكَ الْجَانِي الَّذِي اُقْتُصَّ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ ظَالِمٌ يَسْتَحِقُّ] : أَيْ يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ بِالْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَ بِهِ وَلِزِيَادَةِ أَمْرٍ مِنْ اللَّهِ. قَوْلُهُ: [فَالْعَقْلُ لَازِمٌ لِلْجَانِي فِي مَالِهِ] : أَيْ الْجَانِي وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: إنَّهَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَالْوَجْهُ مَعَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْجُرْحَ عَمْدٌ. قَوْلُهُ: [الْأَصْلِ] : يَعْنِي بِهِ خَلِيلًا وَلَوْ جَرَى عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِهِ لَعَبَّرَ بِالشَّيْخِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الضَّرْبَ لَا يُقْتَصُّ فِيهِ] : أَيْ الضَّرْبَ بِغَيْرِ السَّوْطِ إنْ لَمْ يَنْشَأْ عَنْهُ جُرْحٌ لَا يُقْتَصُّ فِيهِ. قَوْلُهُ: [كَمَا فِي الْآيَةِ] : أَيْ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] . قَوْلُهُ: [بِفِعْلٍ فِيهِ] إلَخْ: الْأَوْضَحُ فِي الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِلَا ضَرْبٍ بَلْ بِحِيلَةٍ فَإِنَّهُ يُفْعَلُ بِهِ وَيُحْذَفُ مَا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ.

(وَإِنْ قُطِعَ) بَعْدَ الْجِنَايَةِ (عُضْوُ قَاطِعٍ) لِعُضْوِ غَيْرِهِ عَمْدًا (بِسَمَاوِيٍّ) مُرْتَبِطٍ " بِقَطْعٍ " بِمَعْنَى سَقَطَ (أَوْ) قُطِعَ بِسَبَبِ (سَرِقَةٍ أَوْ) قُطِعَ (بِقِصَاصٍ لِغَيْرِهِ) : أَيْ لِغَيْرِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوَّلًا (فَلَا شَيْءَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ) : لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِالْعُضْوِ الْمُمَاثِلِ وَقَدْ ذَهَبَ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْقَاطِعُ بِخِلَافِ مَقْطُوعِ الْعُضْوِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ. (وَيُؤْخَذُ) مِنْ الْجَانِي (عُضْوٌ قَوِيٌّ بِضَعِيفٍ) جَنَى عَلَيْهِ؛ فَإِذَا جَنَى صَاحِبُ عَيْنٍ سَلِيمَةٍ عَلَى عَيْنٍ ضَعِيفَةِ الْإِبْصَارِ خِلْقَةً أَوْ مَنْ كَبِرَ صَاحِبُهَا فَإِنَّ السَّلِيمَةَ تُؤْخَذُ بِالضَّعِيفَةِ مَا لَمْ يَكُنْ الضَّعْفُ جِدًّا، وَإِلَّا فَالدِّيَةُ. (وَإِنْ فَقَأَ سَالِمٌ) : أَيْ سَالِمُ الْعَيْنَيْنِ (عَيْنَ أَعْوَرَ) فَيُخَيَّرُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَيْنَ فَقْءِ الْمُمَاثِلَةِ مِنْ الْجَانِي وَبَيْنَ أَخْذِ دِيَةٍ كَامِلَةٍ مِنْ مَالِ الْجَانِي - وَلَوْ كَانَ أَخْذُ دِيَةِ الْأَوَّلِ عَلَى الْأَصْوَبِ لِلسُّنَّةِ، وَلِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِالْوَاحِدَةِ انْتِفَاعُ الْعَيْنَيْنِ - كَمَا قَالَ. (فَلَهُ) : أَيْ لِلْأَعْوَرِ، وَتَسْمِيَتُهُ أَعْوَرَ بِحَسَبِ مَا كَانَ وَإِلَّا فَوَقْتُ التَّخْيِيرِ هُوَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مَا لَمْ يَكُنْ الضَّعْفُ جِدًّا] : اُنْظُرْ مَنْ ذَكَرَ هَذَا الْقَيْدَ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الشُّرَّاحِ الَّتِي بِأَيْدِينَا أَنَّ السَّلِيمَةَ تُؤْخَذُ بِالضَّعِيفَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِهَذَا الْقَيْدِ وَتَرْكُ الشَّرْحِ تَتْمِيمُ الْمَسْأَلَةِ. وَحَاصِلُ فِقْهِهَا أَنَّ الْعَيْنَ السَّلِيمَةَ تُؤْخَذُ بِالضَّعِيفَةِ خِلْقَةً أَوْ لِكِبَرٍ أَوْ لِجُدَرِيٍّ أَوْ لِرَمْيَةٍ أَوْ نَحْوِهَا كَطُرْفَةٍ، وَلَوْ أَخَذَ صَاحِبُهَا لَهَا عَقْلًا حَيْثُ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى تِلْكَ الضَّعِيفَةِ عَمْدًا كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً فَإِنْ كَانَ ضَعْفُهَا خِلْقَةً أَوْ لِكِبَرٍ أَوْ لِجُدَرِيٍّ أَوْ لِكَرْمِيَّةٍ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ صَاحِبُهَا مِنْ أَخْذِ عَقْلِهَا مِنْ الرَّامِي الْأَوَّلِ فَالدِّيَةُ كَامِلَةٌ، وَأَمَّا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ أَخْذِ عَقْلِهَا مِنْهُ غَرِمَ الْجَانِي الْمُخْطِئُ لِرَبِّهَا بِحِسَابِ مَا بَقِيَ مِنْ نُورِهَا. قَوْلُهُ: [وَبَيْنَ أَخْذِ دِيَةٍ كَامِلَةٍ] : أَيْ وَهِيَ دِيَةُ عَيْنِ نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَ أَخَذَ دِيَةَ الْأُولَى عَلَى الْأَصْوَبِ] : أَيْ كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَلِذَا قَالَ الْمِسْنَاوِيّ: الْفِقْهُ صَحِيحٌ لَكِنَّ تَخَيُّرَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَيْنَ الدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ مَشْهُورَ الْمَذْهَبِ تَحَتُّمُ الْقِصَاصِ فِي الْعَمْدِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلتَّخْيِيرِ هُوَ عَدَمُ مُسَاوَاةِ عَيْنِ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ دِيَةَ عَيْنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَلْفُ دِينَارٍ، بِخِلَافِ عَيْنِ الْجَانِي فَدِيَتُهَا خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ، فَلَوْ

أَعْمَى (الْقَوَدُ) : أَيْ الْقِصَاصُ (أَوْ أَخْذِ دِيَةٍ كَامِلَةٍ مِنْ مَالِهِ) : لِأَنَّهُ عَمْدٌ. (وَإِنْ فَقَأَ أَعْوَرُ مِنْ سَالِمٍ مُمَاثِلَتَهُ) أَيْ مُمَاثِلَةَ الْجَانِي السَّالِمَةِ (فَلَهُ) أَيْ لِسَالِمِ الْعَيْنَيْنِ عَلَيْهِ (الْقِصَاصُ) مِنْ الْأَعْوَرِ الْجَانِي بِأَنْ يَفْقَأَ عَيْنَهُ السَّالِمَةَ فَيُصَيِّرَهُ أَعْمَى (أَوْ) يَتْرُكَ الْقِصَاصَ وَيَأْخُذَ مِنْ الْجَانِي (دِيَةَ مَا تَرَكَهُ) : وَهِيَ عَيْنُ الْجَانِي، وَدِيَتُهَا أَلْفُ دِينَارٍ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ. (وَ) إنْ فَقَأَ الْأَعْوَرُ مِنْ السَّالِمِ (غَيْرَهَا) : أَيْ غَيْرَ الْمُمَاثِلَةِ لِعَيْنِهِ، بِأَنْ فَقَأَ مِنْ السَّالِمِ مُمَاثِلَةَ الْعَوْرَاءِ (فَنِصْفُ دِيَةٍ فَقَطْ) تَلْزَمُ الْجَانِيَ (فِي مَالِهِ) وَلَيْسَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يُقْتَصَّ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ الْمُمَاثِلِ. (وَإِنْ فَقَأَهُمَا) : أَيْ إنْ فَقَأَ الْأَعْوَرُ عَيْنَيْ السَّالِمِ عَمْدًا فِي مَرَّةٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ؛ وَسَوَاءٌ فَقَأَ الَّتِي لَيْسَ لَهُ مِثْلُهَا أَوَّلًا أَوْ ثَانِيًا عَلَى الرَّاجِحِ (فَالْقَوَدُ) حَقُّ الْمَجْنِيِّ بِأَنْ يَفْقَأَ الْمُمَاثِلَةَ مِنْ الْجَانِي فَيُصَيِّرَهُ أَعْمَى لِبَقَاءِ سَالِمَتِهِ (وَنِصْفُ الدِّيَةِ) : يَأْخُذُهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِنْ الْجَانِي بَدَلَ مَا لَيْسَ لَهَا مُمَاثِلَةٌ. وَلَمْ يُخَيَّرْ سَالِمُ الْعَيْنَيْنِ فِي الْمُمَاثِلَةِ بِحَيْثُ يَكُونُ لَهُ الْقِصَاصُ أَوْ أَخْذُ الدِّيَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَيْهِ أَخْذُ دِيَةٍ وَنِصْفٍ، وَهُوَ خِلَافُ مَا وَرَدَ عَنْ الشَّارِعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQأَلْزَمْنَاهُ بِالْقِصَاصِ لَكَانَ أَخْذُ الْأَدْنَى فِي الْأَعْلَى وَهُوَ ظُلْمٌ لَهُ كَمَنْ كَفُّهُ مَقْطُوعَةٌ، وَقَطَعَ يَدَ رَجُلٍ مِنْ الْمِرْفَقِ (اهـ) وَهَذَا الْجَوَابُ يُقَوِّي إشْكَالَ التَّخْيِيرِ فِي صُورَةِ مَا إذَا فَقَأَ أَعْوَرُ مِنْ سَالِمٍ مُمَاثِلَتَهُ كَذَا فِي (بْن) وَالْجَوَابُ الْأَتَمُّ قَوْلُهُمْ لِلسُّنَّةِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ عَمْدٌ] : عِلَّةٌ لِكَوْنِ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ. قَوْلُهُ: [عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ] : أَيْ كَمَا سَيَأْتِي فِي تَفَاصِيلِ الدِّيَاتِ. قَوْلُهُ: [وَسَوَاءٌ فَقَأَ] إلَخْ: أَيْ كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ بَدَأَ بِاَلَّتِي لَهُ مِثْلُهَا وَثَنَّى بِالْأُخْرَى فَالْقِصَاصُ وَأَلْفُ دِينَارٍ لِتَعْيِينِ الْقِصَاصِ بِالْمُمَاثَلَةِ، وَصَارَتْ الثَّانِيَةُ عَيْنَ أَعْوَرَ فِيهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَإِنْ فَقَأَهُمَا مَعًا أَوْ بَدَأَ بِاَلَّتِي لَيْسَ لَهُ مِثْلُهَا فَالْقَوَدُ فِي الْمُمَاثِلَةِ وَنِصْفُ الدِّيَةِ فِي غَيْرِهَا. قَوْلُهُ: [لِبَقَاءِ سَالِمَتِهِ] : الْأَوْضَحُ مُمَاثِلَتُهُ وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فَالْقَوَدُ. قَوْلُهُ: [لِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَيْهِ أَخْذُ دِيَةٍ وَنِصْفٍ] : أَيْ حَيْثُ اخْتَارَ الدِّيَةَ فِي الْعَيْنَيْنِ.

[الاستيفاء في القصاص]

(وَالِاسْتِيفَاءُ) فِي النَّفْسِ (لِلْعَاصِبِ) الذَّكَرِ: فَلَا دَخْلَ فِيهِ لِزَوْجٍ وَلَا لِأَخٍ لِأُمٍّ أَوْ جَدٍّ لَهَا، وَالِاحْتِرَازُ بِقَيْدِ " النَّفْسِ " عَنْ الْجُرْحِ لِأَنَّهُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا لِلْعَاصِبِ (عَلَى تَرْتِيبِ الْوَلَاءِ) فَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، فَيُقَدَّمُ ابْنٌ، فَابْنُهُ إلَخْ. (إلَّا الْجَدُّ) الْأَدْنَى (وَالْإِخْوَةُ؛ فَسِيَّانِ) هُنَا فِي الْقَتْلِ وَالْعَفْوِ، وَلَا كَلَامَ لِلْجَدِّ الْأَعْلَى مَعَ الْإِخْوَةِ وَلَا لِبَنِي الْإِخْوَةِ مَعَ الْجَدِّ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِمْ. وَلَا كَلَامَ لَهُمْ مَعَ أَبِيهِمْ، فَكَذَا مَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ، وَقَوْلُنَا هُنَا: " فِي الْقَتْلِ " إلَخْ احْتِرَازٌ عَنْ إرْثِ الْوَلَاءِ؛ فَلَيْسَ الْجَدُّ مُسَاوِيًا لِلْإِخْوَةِ بَلْ يُقَدَّمُ الْإِخْوَةُ وَبَنُوهُمْ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الِاسْتِيفَاءُ فِي الْقَصَّاص] قَوْلُهُ: [لِلْعَاصِبِ] : أَيْ وَاسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ مِنْ الْجَانِي لِعَاصِبِ الْمَقْتُولِ لَا لِغَيْرِهِ، وَلِذَا قَالُوا لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الْقَتْلُ بِمُجَرَّدِ ثُبُوتِهِ وَلَوْ عَايَنَهُ أَوْ شَهِدَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ بَيِّنَةٌ، بَلْ يُحْبَسُ الْجَانِي حَتَّى يَحْضُرَ الْعَاصِبُ إذَا وُجِدَ عَلَى التَّرْتِيبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاصِبٌ فَالنَّظَرُ لِلْحَاكِمِ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْقَتْلِ غِيلَةً، وَأَمَّا هُوَ فَالنَّظَرُ فِيهِ لِلْحَاكِمِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ. قَوْلُهُ: [الذَّكَرِ] : أَيْ وَهُوَ الْعَاصِبُ بِنَفْسِهِ خَرَجَ الْعَاصِبُ لِغَيْرِهِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ، وَتَقْيِيدُ الشَّارِحِ الْعَاصِبَ بِالذَّكَرِ أَغْلَى وَإِلَّا فَالْمُعْتِقُ عَاصِبٌ بِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى. قَوْلُهُ: [فَلَا دَخْلَ فِيهِ لِزَوْجٍ] : أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ ابْنَ عَمٍّ لِزَوْجَتِهِ الْمَقْتُولَةِ. قَوْلُهُ: [وَالِاحْتِرَازُ بِقَيْدِ النَّفْسِ] : أَيْ الَّذِي زَادَهُ الشَّارِحُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالِاسْتِيفَاءُ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ] : أَيْ إنْ كَانَ رَشِيدًا وَإِلَّا فَلِوَلِيِّهِ. قَوْلُهُ: [عَلَى تَرْتِيبِ الْوَلَاءِ] : الْمُنَاسِبُ عَلَى تَرْتِيبِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ الْمُتَقَدِّمُ. قَوْلُهُ: [فَسِيَّانِ هُنَا] : أَيْ كَمَا قَالَ الْأُجْهُورِيُّ فِي نَظْمِهِ الْمَشْهُورِ. وَسَوِّهِ مَعَ الْآبَاءِ فِي الْإِرْثِ وَالدَّمِ. قَوْلُهُ: [وَلَا كَلَامَ لِلْجَدِّ الْأَعْلَى] : مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ الْأَدْنَى، لِأَنَّ الْجَدَّ الْأَعْلَى فِي نِسْبَتِهِ كَالْأَعْمَامِ وَإِنْ كَانَ يُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ: [وَلَا لِبَنِي الْإِخْوَةِ مَعَ الْجَدِّ] : أَيْ الْأَدْنَى. قَوْلُهُ [عَنْ إرْثِ الْوَلَاءِ] : أَيْ لَا إرْثَ النَّسَبِ. فَسِيَّانِ كَمَا فِي النَّظْمِ قَوْلُهُ: [بَلْ يُقَدَّمُ الْإِخْوَةُ وَبَنُوهُمْ عَلَيْهِ] : أَيْ كَمَا أَفَادَهُ الْأُجْهُورِيُّ فِي نَظْمِهِ بِقَوْلِهِ:

(وَحَلَفَ) الْجَدُّ (الثُّلُثَ) مِنْ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ (إنْ وَرِثَهُ) : أَيْ وَرِثَ الثُّلُثَ، بِأَنَّ مَعَهُ أَخَوَيْنِ. فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَخٌ حَلَفَ النِّصْفَ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي الصُّورَتَيْنِ اتِّفَاقًا، كَمَا يَحْلِفُ الثُّلُثَ فِي الْخَطَأِ اتِّفَاقًا حَيْثُ كَانَ مَعَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَخَوَيْنِ. أَمَّا لَوْ كَانَ عَمْدًا وَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ مِثْلَيْهِ فَقِيلَ: يَحْلِفُ الثُّلُثَ، وَقِيلَ: كَأَخٍ: أَيْ يُقَدَّرُ أَخًا زَائِدًا عَلَى الْإِخْوَةِ وَيَحْلِفُ مَا يَنُوبُهُ كَالرُّبْعِ حَيْثُ كَانَ الْإِخْوَةُ ثَلَاثَةً وَالْخَمْسُ إلَخْ. (وَانْتُظِرَ غَائِبٌ) مِنْ الْعَصَبَةِ (قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ) بِحَيْثُ تَصِلُ إلَيْهِ الْأَخْبَارُ. وَمَحَلُّ الِانْتِظَارِ: حَيْثُ أَرَادَ الْحَاضِرُ الْقِصَاصَ، إذْ لَوْ أَرَادَ الْعَفْوَ فَلَهُ ذَلِكَ بِدُونِ انْتِظَارٍ، وَلِلْغَائِبِ - إذَا حَضَرَ - نَصِيبُهُ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ، كَمَا لَا يُنْتَظَرُ إنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ جِدًّا بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ وُصُولُ الْخَبَرِ إلَيْهِ كَأَسِيرٍ وَمَفْقُودٍ كَمَا قَالَ: (لَا بَعِيدٌ. وَ) لَا يُنْتَظَرُ مَجْنُونٌ (مُطْبَقٌ) بِخِلَافِ مَنْ يُفِيقُ أَحْيَانًا فَتُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِغُسْلٍ وَإِيصَاءٍ وَلَاءُ جِنَازَةٍ نِكَاحُ أَخًا وَابْنًا عَلَى الْجَدِّ قُدِّمَ قَوْلُهُ: [حَلَفَ النِّصْفَ] : أَيْ كَمَا يَحْلِفُ الْأَخُ النِّصْفَ الثَّانِيَ لِأَنَّهُ مِيرَاثُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. قَوْلُهُ: [فِي الصُّورَتَيْنِ] : أَيْ صُورَةُ مَا إذَا كَانَ مَعَهُ أَخَوَانِ أَوْ أَخٌ. قَوْلُهُ: [وَانْتُظِرَ غَائِبٌ مِنْ الْعَصَبَةِ] : أَيْ لَهُ حَقٌّ فِي الِاسْتِيفَاءِ بِأَنْ كَانَ مُسَاوِيًا لِلْحَاضِرِ فِي الدَّرَجَةِ لِيَعْفُوَ وَيَقْتَصَّ وَيَحْبِسَ الْقَاتِلَ مُدَّةَ الِانْتِظَارِ وَيُحَدَّدُ لِأَنَّ الْعَادَةَ الْفِرَارُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَلَا يُطْلَقُ بِكَفِيلٍ إذْ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ فِي الْقَوَدِ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ انْتَفَيَا فَفِي (ح) يُطْلَقُ وَلَا يُحْبَسُ حَتَّى يَمُوتَ جُوعًا، وَفِي الْبَدْرِ الْقَرَافِيِّ يُنْفِقُ عَلَيْهِ الْوَلِيُّ الْحَاضِرُ وَيُرْجَعُ إلَى أَخِيهِ إذَا قَدِمَ إنْ تَمَام بِحَقِّهِ. قَوْلُهُ: [قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ] : هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ. وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَأَبِي عِمْرَانَ: أَنَّ الْغَائِبَ يُنْتَظَرُ وَإِنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ إذَا غَابَ بَعْضُ الْعَصَبَةِ دُونَ بَعْضٍ، فَلَوْ غَابُوا كُلُّهُمْ فَالظَّاهِرُ انْتِظَارُهُمْ مُطْلَقًا، وَلَوْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُمْ وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ مَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ (اهـ مُلَخَّصًا مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .

[استيفاء النساء للقصاص]

(وَ) لَا يُنْتَظَرُ (صَبِيٌّ) أَيْ بُلُوغُهُ حَيْثُ (لَمْ يَتَوَقَّفْ الثُّبُوتُ عَلَيْهِ) : كَأَخٍ صَغِيرٍ مَعَهُ عَاصِبَانِ وَلَوْ أَبْعَدَ مِنْهُ كَعَمَّيْنِ، فَلَهُمَا الْقَسَامَةُ وَالْقِصَاصُ، أَوْ يَكُونُ عَاصِبٌ كَبِيرٌ مُسَاوٍ لَهُ يَسْتَعِينُ بِعَاصِبِهِ - كَعَمِّهِ - وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَعَانُ بِهِ أَجْنَبِيًّا مِنْ الْمَقْتُولِ؛ كَأَنْ تُقْتَلَ امْرَأَةُ وَتَتْرُكَ ابْنًا صَغِيرًا وَابْنَ ابْنٍ كَبِيرٍ، فَلِلْكَبِيرِ الْبَعِيدِ أَنْ يَقْسِمَ وَيَسْتَعِينَ بِعَمٍّ لَهُ مِنْ أَبِيهِ. فَلَوْ تَوَقَّفَ الثُّبُوتُ عَلَى الصَّغِيرِ - كَأَنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْعَصَبَةِ غَيْرُهُ أَوْ مَعَهُ كَبِيرٌ وَاحِدٌ وَلَا عَاصِبَ يَسْتَعِينُ بِهِ الْكَبِيرُ - فَإِنَّ الْكَبِيرَ يَحْلِفُ حِصَّتَهُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَمِينًا مَعَ إحْضَارِ الصَّغِيرِ، ثُمَّ يُنْتَظَرُ بُلُوغُ الصَّغِيرِ فَيَحْلِفُ الْبَاقِيَ وَيَثْبُتُ الْقِصَاصُ. فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَحْتَاجُ لِقَسَامَةٍ، وَأَمَّا مَا ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ فَفِيهِ الْقِصَاصُ بِدُونِ انْتِظَارٍ. هَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الشُّرَّاحُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ كَثِيرٌ (وَ) الِاسْتِيفَاءُ (لِلنِّسَاءِ) أَيْضًا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ، أَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (إنْ وَرِثْنَ) : أَيْ كُنَّ وَارِثَاتٍ، احْتِرَازًا عَنْ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَنَحْوِهِمَا. وَلِلثَّانِي بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ أَبْعَدَ مِنْهُ] : أَيْ هَذَا إذَا سَاوَيَاهُ فِي الدَّرَجَةِ، بَلْ وَلَوْ بَعُدَا عَنْهُ كَمِثَالِ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [وَيَسْتَعِينُ بِعَمٍّ لَهُ مِنْ أَبِيهِ] : مِثَالٌ لِلْأَجْنَبِيِّ مِنْ الْمَرْأَةِ الْمَقْتُولَةِ ثُمَّ إنْ اقْتَصَّا بَعْدَ الْقَسَامَةِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ عَفَا الْعَمَّانِ فِي الْأُولَى أَوْ ابْنُ الِابْنِ الْكَبِيرِ فِي الثَّانِيَةِ سَقَطَ الْقَتْلُ وَلِلصَّغِيرِ نَصِيبُهُ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ هَذَا هُوَ الْمُرْتَضَى وَالْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. قَوْلُهُ: [فَفِيهِ الْقِصَاصُ بِدُونِ انْتِظَارٍ] : أَيْ لِلصَّغِيرِ لِأَنَّ صِغَرَهُ بِمَنْزِلَةِ بُعْدِ الْغَيْبَةِ، فَإِنْ حَصَلَ عَفْوٌ مِنْ بَعْضِ الْكِبَارِ فَلَا قِصَاصَ، وَلِمَنْ لَمْ يَعْفُ نَصِيبُهُ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ. قَوْلُهُ: [وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ كَثِيرٌ] : لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرْتَضَى وَالْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ [اسْتِيفَاءُ النِّسَاء لِلْقِصَاصِ] قَوْلُهُ: [وَنَحْوِهِمَا] : أَيْ مِنْ بَاقِي ذَوِي الرَّحِمِ مِنْ النِّسَاءِ الْغَيْرِ الْوَارِثَاتِ.

(وَلَمْ يُسَاوِهِنَّ عَاصِبٌ) فِي الدَّرَجَةِ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ عَاصِبٌ أَصْلًا، أَوْ يُوجَدُ أَنْزَلُ؛ كَعَمٍّ مَعَ بِنْتٍ أَوْ أُخْتٍ. فَخَرَجَتْ الْبِنْتُ مَعَ الِابْنِ أَوْ الْأُخْتُ مَعَ الْأَخِ فَلَا كَلَامَ لَهَا مَعَهُ فِي عَفْوٍ وَلَا قَوَدٍ. وَأَشَارَ لِلثَّالِثِ بِقَوْلِهِ: (وَكُنَّ عَصَبَةً لَوْ كُنَّ ذُكُورًا) : فَلَا كَلَامَ لِلْجَدَّةِ مِنْ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ لِلْأُمِّ وَالزَّوْجَةِ. فَإِنْ كُنَّ الْوَارِثَاتِ مَعَ عَاصِبٍ غَيْرِ مُسَاوٍ فَلَهُنَّ وَلَهُ الْقَوَدُ؛ أَيْ كُلُّ مَنْ طَلَبَهُ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ أُجِيبَ لَهُ. وَلَا يُعْتَبَرُ عَفْوٌ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الْفَرِيقَيْنِ أَوْ بِوَاحِدٍ مِنْ كُلِّ فَرِيقٍ كَالْبَنَاتِ مَعَ الْإِخْوَةِ، سَوَاءٌ ثَبَتَ الْقَتْلُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ قَسَامَةٍ أَوْ إقْرَارٍ - كَأَنْ حُزْنَ الْمِيرَاثَ كَالْبِنْتِ مَعَهَا أُخْتٌ لِغَيْرِ أُمٍّ مَعَ الْأَعْمَامِ - وَثَبَتَ قَتْلُ مُوَرِّثِهِنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فِي الدَّرَجَةِ] : أَيْ وَفِي الْقُوَّةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِإِخْرَاجِ الْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ مَعَ الْأَخِ لِلْأَبِ، فَإِنْ لَهَا حَقًّا فِي الِاسْتِيفَاءِ لِكَوْنِهِ أَنْزَلَ مِنْهَا بِالْقُوَّةِ، وَإِنْ سَاوَاهَا فِي الدَّرَجَةِ فَتَحَصَّلَ أَنَّ الشَّرْطَ الْمَنْفِيَّ مُسَاوَاةُ النِّسَاءِ لِلْعَصَبَةِ فِي الدَّرَجَةِ وَالْقُوَّةِ مَعًا. قَوْلُهُ: [أَوْ الْأُخْتُ مَعَ الْأَخِ] : أَيْ الْمُسْتَوِيَيْنِ فِي الدَّرَجَةِ وَالْقُوَّةِ كَكَوْنِهِمَا شَقِيقَتَيْنِ أَوْ لِأَبٍ. وَأَمَّا الشَّقِيقَةُ مَعَ أَخٍ لِأَبٍ فَلَهَا الْكَلَامُ مَعَهُ فِي الْعَفْوِ وَالْقَوَدِ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [وَكُنَّ عَصَبَةً لَوْ كُنَّ ذُكُورًا] : الْمَعْنَى لَوْ فُرِضَ كَوْنُهُنَّ ذُكُورًا كُنَّ عَصَبَةً، فَكُنَّ عَصَبَةً فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ دَلِيلُ جَوَابِ لَوْ، أَوْ هُوَ الْجَوَابُ. قَوْلُهُ: [فَلَا كَلَامَ لِلْجَدَّةِ] إلَخْ: أَيْ فَلَيْسَ لَهُنَّ كَلَامٌ فِي شَأْنِ الدَّمِ مُطْلَقًا عَفْوًا أَوْ قِصَاصًا لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ الْأَخِيرِ مِنْهُنَّ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ كُنَّ الْوَارِثَاتِ] : الضَّمِيرُ يَرْجِعُ لِلنِّسْوَةِ الْمُسْتَوْفِيَاتِ الشُّرُوطَ الثَّلَاثَةَ بِدَلِيلِ الْمِثَالِ الْآتِي، فَالْمَقْصُودُ التَّفْرِيعُ عَلَى مُقْتَضَى اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ، وَعَجَّلَ بِتِلْكَ التَّفَاصِيلِ مَعَ أَنَّهَا سَتَأْتِي فِي الْمَتْنِ لِلْإِيضَاحِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ. قَوْلُهُ: [كَالْبَنَاتِ مَعَ الْإِخْوَةِ] : مِثَالٌ لِقَوْلِهِ فَإِنْ كُنَّ الْوَارِثَاتِ. قَوْلُهُ: [كَالْبِنْتِ مَعَهَا أُخْتٌ لِغَيْرِ أُمٍّ] : مِثَالٌ لِحِيَازَةِ الْمِيرَاثِ. وَقَوْلُهُ: [وَثَبَتَ قَتْلُ مُوَرِّثِهِنَّ] إلَخْ: قَيْدٌ فِي الْمِثَالِ الْأَخِيرِ

بِقَسَامَةٍ مِنْ الْأَعْمَامِ، فَلِكُلٍّ الْقَتْلُ وَلَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ. فَلَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ فَلَا كَلَامَ لِلْعَصَبَةِ غَيْرِ الْوَارِثِينَ وَالْحَقُّ فِي الْقَتْلِ لِلنِّسَاءِ. (وَالْوَارِثُ كَمُوَرِّثِهِ) : يَنْتَقِلُ لَهُ مِنْ الْكَلَامِ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَعَدَمِهِ مَا كَانَ لِمُوَرِّثِهِ الَّذِي هُوَ وَلِيُّ الدَّمِ. فَإِذَا قُتِلَ شَخْصٌ وَلَهُ ابْنٌ مَاتَ ذَلِكَ الِابْنُ عَنْ ابْنٍ وَبِنْتٍ - فَيَنْتَقِلُ لَهُمَا الْكَلَامُ إلَى آخِرِهِ؛ فَلَهَا الْكَلَامُ مَعَ أَخِيهَا وَتَخْرُجُ الزَّوْجَةُ وَالزَّوْجُ، فَإِذَا مَاتَ ابْنُ الْمَقْتُولِ عَنْ ابْنٍ وَزَوْجَةٍ أَوْ مَاتَتْ فَلَا كَلَامَ لِلزَّوْجَةِ أَوْ الزَّوْجِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ حَصَلَ عَفْوٌ مِنْ كَبِيرٍ مَعَهُ صَغِيرٌ فَلَيْسَ لِلصَّغِيرِ إلَّا نَصِيبُهُ مِنْ الدِّيَةِ. وَلَا يَسْرِي عَفْوُ الْكَبِيرِ عَلَيْهِ؛ فَلَوْ كَانَ لِلصَّغِيرِ وَلِيٌّ مِنْ أَبٍ وَنَحْوِهِ - كَوَصِيٍّ - وَاسْتَحَقَّ الصَّغِيرُ قِصَاصًا بِلَا مُشَارِكٍ لَهُ، فَعَلَى وَلِيِّهِ النَّظَرُ بِالْمَصْلَحَةِ فِي الْقَتْلِ وَأَخَذَ الدِّيَةَ كَامِلَةً، وَيُخَيَّرُ إنْ اسْتَوَتْ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ بَعْضِ الدِّيَةِ مَعَ يُسْرِ الْجَانِي، وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ لَوْ قَطَعَ أَحَدَ يَدِ الصَّغِيرِ مَثَلًا. فَإِنْ كَانَ الْجَانِي مُعْسِرًا فَلَهُ الصُّلْحُ بِأَقَلَّ. أَمَّا لَوْ قُتِلَ الصَّغِيرُ فَلَا كَلَامَ لِوَلِيِّهِ لِانْقِطَاعِ نَظَرِهِ بِالْمَوْتِ، وَالْكَلَامُ لِلْعَاصِبِ، فَإِنْ قَتَلَ شَخْصٌ عَبْدَ الصَّبِيِّ أَوْ جَرَحَهُ فَالْأَوْلَى لِلْوَلِيِّ أَخْذُ الْقِيمَةِ وَالْأَرْشِ دُونَ الْقِصَاصِ إذْ لَا نَفْعَ لِلصَّبِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: [فَلَا كَلَامَ لِلْعَصَبَةِ غَيْرِ الْوَارِثِينَ] : الْمُنَاسِبُ الْغَيْرُ الْوَارِثِينَ. قَوْلُهُ: [وَالْحَقُّ فِي الْقَتْلِ لِلنِّسَاءِ] : مُرَادُهُ اللَّاتِي حُزْنَ الْمِيرَاثَ. قَوْلُهُ: [فَلَهَا الْكَلَامُ مَعَ أَخِيهَا] : أَيْ لِتَنْزِيلِهِمَا مَنْزِلَةَ مُوَرِّثِهِمَا، وَاشْتِرَاطُ عَدَمِ مُسَاوَاةِ الْعَاصِبِ لِلنِّسَاءِ إنْ كُنَّ أُصُولًا وَسَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [فَلَا كَلَامَ لِلزَّوْجَةِ أَوْ الزَّوْجِ] : لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، أَيْ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ لِلِابْنِ فِي الْأُولَى وَالْبِنْتِ فِي الثَّانِيَةِ وَالزَّوْجَةُ لَا حَقَّ لَهَا لِبُعْدِهَا مِنْ الْعَصَبَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ بَعْضِ الدِّيَةِ] إلَخْ: أَيْ فَإِنْ صَالَحَ وَلِيُّ الصَّغِيرِ الْجَانِيَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ مَعَ مَلَاءِ الْجَانِي رَجَعَ الصَّغِيرُ بَعْدَ رُشْدِهِ عَلَى الْقَاتِلِ وَلَا يَرْجِعُ الْقَاتِلُ عَلَى وَلِيِّهِ بِشَيْءٍ. قَوْلُهُ: [عَبْدَ الصَّبِيِّ] : مِثْلُهُ السَّفِيهُ. قَوْلُهُ: [إذْ لَا نَفْعَ لِلصَّبِيِّ] : مَحَلُّ هَذَا مَا لَمْ يَخْشَ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ الْقَاتِلِ وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْقِصَاصُ.

[تأخير القصاص فيما دون النفس لعذر]

(وَأُخِّرَ) الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ (لِعُذْرٍ كَبَرْدٍ) أَوْ حَرٍّ يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ، لِئَلَّا يَمُوتَ فَيَلْزَمَ أَخْذُ نَفْسٍ بِدُونِ نَفْسٍ، وَكَذَا يُؤَخَّرُ الْجَانِي إذَا كَانَ مَرِيضًا حَتَّى يَبْرَأَ وَيُؤَخَّرَ أَيْضًا الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ حَتَّى يَبْرَأَ الْمَجْرُوحُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمُوتَ فَيَكُونَ الْوَاجِبُ الْقَتْلَ بِقَسَامَةٍ. (كَعَقْلٍ) : أَيْ دِيَةِ الْجُرْحِ (الْخَطَأِ) : فَيُؤَخَّرُ إلَى بُرْءِ الْمَجْرُوحِ خَوْفَ أَنْ يَسْرِيَ عَلَى النَّفْسِ فَتُؤْخَذَ الدِّيَةُ كَامِلَةً، فَإِنْ بَرِئَ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ فَلَا عَقْلَ وَلَا أَدَبَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ وَإِنْ بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ فَحُكُومَةٌ. (وَأَحَدُ حَدَّيْنِ) : وَجَبَا لِلَّهِ تَعَالَى كَشُرْبٍ، وَزِنَا بِكْرٍ (لَمْ يَقْدِرْ) الْمَحْدُودُ (عَلَيْهِمَا) : فِي فَوْرٍ، خَوْفَ مَوْتِهِ، فَيُؤَخَّرُ أَحَدُهُمَا. (وَقُدِّمَ الْأَشَدُّ) كَحَدِّ الزِّنَا (إذَا لَمْ يُخَفْ مِنْهُ) الْهَلَاكُ بِتَقْدِيمِهِ، فَإِنْ خِيفَ مِنْهُ قُدِّمَ الْأَخَفُّ كَحَدِّ الشُّرْبِ وَالْقَذْفِ، فَإِنْ خِيفَ مِنْ الْأَخَفِّ الْهَلَاكُ قُدِّمَ الْأَشَدُّ مُفَرَّقًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [تَأْخِير الْقِصَاص فِيمَا دُون النَّفْس لِعُذْرِ] قَوْلُهُ: [وَأُخِّرَ الْقِصَاصُ] : أَيْ وُجُوبًا. وَقَوْلُهُ: [فِيمَا دُونَ النَّفْسِ] : أَيْ وَأَمَّا الْجَانِي عَلَى النَّفْسِ فَلَا يُؤَخَّرُ الْقِصَاصُ مِنْهُ لِمَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا يُؤَخَّرُ الْجَانِي] : أَيْ وَلَوْ تَأَخَّرَ الْبُرْءُ سَنَةً. قَوْلُهُ: [وَيُؤَخَّرُ أَيْضًا الْقِصَاصُ] : أَيْ مِنْ أَسْبَابِ تَأْخِيرِ الْجَانِي انْتِظَارُ بُرْءِ الْمَجْرُوحِ. قَوْلُهُ: [أَيْ دِيَةُ الْجُرْحِ الْخَطَأِ] : أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ الْحُكُومَةَ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ مِنْ الشَّارِعِ، بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ: فَإِنْ بَرِئَ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ إلَخْ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهَا تُؤَخَّرُ دِيَةُ الْخَطَأِ لِلْبُرْءِ كَانَتْ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ أَمْ لَا وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِقَوْلِ أَشْهَبَ مَتَى بَلَغَ عَقْلُ الْجُرْحِ الْخَطَأِ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَلَا تَأْخِيرَ لِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ سَاعَةَ الْجُرْحِ كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ] : عِلَّةٌ لِنَفْيِ الْأَدَبِ وَتَرْكِ عِلَّةِ نَفْيِ الْعَقْلِ وَهِيَ الْبُرْءُ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ. قَوْلُهُ: [وَأَحَدُ حَدَّيْنِ] : بِالرَّفْعِ مَعْطُوفٌ عَلَى نَائِبِ فَاعِلٍ آخَرَ الَّذِي هُوَ الْقِصَاصُ. قَوْلُهُ: [كَحَدِّ الشُّرْبِ وَالْقَذْفِ] : مِثَالٌ لِلْأَخَفِّ لِأَنَّ كُلًّا ثَمَانُونَ فِي الْحُرِّ وَحَدُّ الزِّنَا مِائَةٌ.

[تنبيه دخل جان الحرم]

فَإِنْ لَمْ يُطِقْ قُدِّمَ الْأَخَفُّ مُفَرَّقًا، فَإِنْ لَمْ يُطِقْ اُنْتُظِرَ قُدْرَتُهُ فَإِنْ كَانَ حَدٌّ لِلَّهِ - كَشُرْبٍ - وَحَدٌّ لِعَبْدٍ - كَقَذْفٍ - قُدِّمَ حَقُّ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا عَفْوَ فِيهِ. فَإِنْ كَانَ لِلْآدَمِيِّينَ؛ كَقَطْعٍ لِزَيْدٍ وَقَذْفٍ لِعَمْرٍو فَالتَّقْدِيمُ بِالْقُرْعَةِ تَنْبِيهٌ: لَوْ دَخَلَ جَانٍ الْحَرَمَ فَلَا يُؤَخَّرُ بَلْ يُخْرَجُ مِنْهُ وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ خَارِجَهُ وَلَوْ مُحْرِمًا وَلَا يُنْتَظَرُ لِإِتْمَامِهِ. (وَسَقَطَ الْقِصَاصُ) إنْ عَفَا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْتَحَقِّينَ، حَيْثُ كَانَ الْعَافِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يُطِقْ] : بِأَنْ خِيفَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ مِنْ تَفْرِقَةِ الْأَشَدِّ. قَوْلُهُ: [اُنْتُظِرَ قُدْرَتُهُ] : أَيْ أَوْ الْمَوْتُ. قَوْلُهُ: [كَشُرْبٍ] إلَخْ: أَيْ وَزِنًا. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ لَا عَفْوَ فِيهِ] : أَيْ لِمَخْلُوقٍ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الشَّفَاعَةُ فِيهِ، وَقَوْلُهُمْ حَقُّ اللَّهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُجَازَاةِ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ كَانَ لِآدَمِيِّينَ] : بَقِيَ عَلَيْهِ مَا إذَا كَانَ الْحَقَّانِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ كَمَا لَوْ قَذَفَهُ وَقَطَعَ يَدَهُ وَالْحُكْمُ فِيهِ مِثْلُ مَا إذَا كَانَ الْحَقَّانِ لِلَّهِ [تَنْبِيهٌ دَخَلَ جَانٍ الْحَرَمَ] قَوْلُهُ: [بَلْ يُخْرَجُ مِنْهُ] أَيْ وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِيهِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَنْجِيسِهِ، وَسَوَاءٌ فَعَلَ مُوجِبَ الْحَدِّ فِي الْحَرَمِ أَوْ خَارِجَهُ وَلَجَأَ إلَيْهِ أَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] فَقِيلَ: إنَّهُ إخْبَارٌ عَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ بِدَلِيلِ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: 67] وَقِيلَ إنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وَقِيلَ كَانَ آمِنًا مِنْ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ الْجُمْلَةُ إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى أَيْ أَمَّنُوهُ مِنْ الْقَتْلِ وَالظُّلْمِ إلَّا بِمُوجِبٍ شَرْعِيٍّ وَهَذَا هُوَ الْأَتَمُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25] . [أَسْبَاب سُقُوط الْقِصَاصُ] [سُقُوط الْقِصَاص بِالْعَفْوِ] قَوْلُهُ: [وَسَقَطَ الْقِصَاصُ] : أَيْ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ بِالْقَوَدِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَائِمُ بِالدَّمِ رِجَالًا فَقَطْ مُسْتَوِينَ فِي الدَّرَجَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ، فَإِنْ اجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ عَلَى الْقِصَاصِ وَجَبَ، وَإِنْ طَلَبَ بَعْضُهُمْ الْقِصَاصَ وَبَعْضُهُمْ

مُسَاوِيًا (فِي دَرَجَةِ الْبَاقِي) وَالِاسْتِحْقَاقِ؛ كَابْنَيْنِ أَوْ عَمَّيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ، وَأَوْلَى إنْ كَانَ الْعَافِي أَعْلَى كَعَفْوِ ابْنٍ مَعَ أَخٍ فَإِنْ كَانَ أَنْزَلَ دَرَجَةً لَمْ يُعْتَبَرْ عَفْوُهُ؛ كَعَفْوِ أَخٍ مَعَ ابْنٍ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَافِي لَمْ يُسَاوِ الْبَاقِيَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَإِخْوَةٍ لِأُمٍّ مَعَ إخْوَةٍ لِأَبٍ. (وَالْبِنْتُ) أَوْ بِنْتُ الِابْنِ (أَحَقُّ مِنْ الْأُخْتِ فِي عَفْوٍ وَضِدِّهِ) : فَمَتَى طَلَبَتْ الْقِصَاصَ الثَّابِتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ اعْتِرَافٍ أَوْ الْعَفْوَ عَنْ الْقَتْلِ فَلَهَا، وَلَا كَلَامَ لِلْأُخْتِ وَإِنْ كَانَتْ مُسَاوِيَةً لَهَا فِي الْإِرْثِ وَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الدِّيَةِ. أَمَّا لَوْ احْتَاجَ الْقِصَاصُ لِقَسَامَةِ فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَقْسِمَا؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ لَا يَقْسِمْنَ فِي الْعَمْدِ بَلْ الْعَصَبَةُ. فَحَيْثُ أَقْسَمُوا وَأَرَادُوا الْقَتْلَ وَعَفَتْ الْبِنْتُ، فَلَا عَفْوَ لَهَا، وَإِنْ عَفَوْا أَوْ أَرَادَتْ الْقَتْلَ فَلَا عَفْوَ لَهُمْ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الْجَمِيعِ أَوْ بَعْضِ الْبَنَاتِ وَبَعْضٍ مِنْهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَفْوَ فَالْقَوْلُ لِطَالِبِ الْعَفْوِ وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَلِمَنْ يَعْفُ نَصِيبُهُ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ. قَوْلُهُ: [وَالِاسْتِحْقَاقُ] : قَيْدٌ تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ وَزَادَهُ الشَّارِحُ وَسَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ فِي الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَخَوَيْنِ] : أَيْ أَشِقَّاءَ أَوْ لِأَبٍ وَمِثْلُهُمَا الْعَمَّانِ. قَوْلُهُ: [فِي الِاسْتِحْقَاقِ] : أَيْ فِي أَصْلِ اسْتِحْقَاقِ الدَّمِ إذْ لَا اسْتِحْقَاقَ لِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ فِيهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لِلْعَاصِبِ وَهُمْ غَيْرُ عَصَبَةٍ. قَوْلُهُ: [وَالْبِنْتُ] إلَخْ: هَذِهِ مَرْتَبَةٌ ثَانِيَةٌ وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْقَائِمُ بِالدَّمِ نِسَاءً فَقَطْ وَذَلِكَ لِعَدَمِ مُسَاوَاةِ عَاصِبٍ لَهُنَّ فِي الدَّرَجَةِ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ أَصْلًا أَوْ وُجِدَ وَكَانَ أَنْزَلَ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَتْ مُسَاوِيَةً لَهَا فِي الْإِرْثِ] : أَيْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُسَاوَاتِهَا لَهَا فِي الْإِرْثِ مُسَاوَاتُهَا لَهَا فِي الدَّمِ. قَوْلُهُ: [وَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الدِّيَةِ] : أَيْ دِيَةِ عَمْدٍ لِعَدَمِ مُسَاوَاتِهَا فِي التَّعْصِيبِ كَتَسَاوِي الْعَصَبَةِ مِنْ الرِّجَالِ. قَوْلُهُ: [أَمَّا لَوْ احْتَاجَ الْقِصَاصُ لِقَسَامَةٍ] : مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ الثَّابِتُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ اعْتِرَافٍ. قَوْلُهُ: [فَلَا عَفْوَ لَهَا] : أَيْ وَالْقَوْلُ لِلْعَصَبَةِ فِي الْقِصَاصِ. قَوْلُهُ: [فَلَا عَفْوَ لَهُمْ] : أَيْ وَالْقَوْلُ لَهَا فِي طَلَبِ الْقِصَاصِ.

(وَإِنْ عَفَتْ وَاحِدَةٌ مِنْ كَبَنَاتٍ) : أَوْ بَنَاتِ ابْنٍ أَوْ أَخَوَاتٍ، وَلَمْ يَكُنْ عَاصِبٌ أَوْ كَانَ وَلَا كَلَامَ (نَظَرَ الْحَاكِمُ) الْعَدْلَ فِي الصَّوَابِ مِنْ إمْضَاءٍ وَرَدٍّ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَاصِبِ إذْ يَرِثُ الْبَاقِيَ لِبَيْتِ الْمَالِ. (وَفِي) اجْتِمَاعِ (رِجَالٍ وَنِسَاءٍ) - أَعْلَى دَرَجَةً مِنْهُمْ وَلَا يَحُزْنَ الْمِيرَاثَ - (لَمْ يَسْقُطْ) الْقِصَاصُ (إلَّا بِهِمَا) : أَيْ بِعَفْوِ الْفَرِيقَيْنِ، فَمَنْ أَرَادَ الْقِصَاصَ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَكَرَّرَ هَذَا لِأَجْلِ قَوْلِهِ: (أَوْ بِبَعْضٍ عَنْ كُلٍّ) : مِنْ الْفَرِيقَيْنِ؛ (وَمَهْمَا عَفَا الْبَعْضُ) مِنْ الْمُسْتَحَقِّينَ لِلدَّمِ - مَعَ تَسَاوِي دَرَجَتِهِمْ بَعْدَ ثُبُوتِ الدَّمِ مُطْلَقًا بِبَيِّنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا - فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ. وَإِذَا سَقَطَ (فَلِمَنْ بَقِيَ) مِمَّنْ لَمْ يَعْفُ، وَلَهُ التَّكَلُّمُ أَوْ مَعَ مَنْ لَهُ التَّكَلُّمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ كَانَ وَلَا كَلَامَ] : أَيْ لِكَوْنِ الْبِنْتِ أَعْلَى دَرَجَةً مِنْهُ وَالْقَتْلُ ثَابِتٌ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ. قَوْلُهُ: [فِي الصَّوَابِ مِنْ إمْضَاءٍ وَرَدٍّ] : أَيْ فَإِذَا أَمْضَى بِنَظَرِهِ عَفْوَ بَعْضِ الْبَنَاتِ فَلِمَنْ بَقِيَ مِنْهُنَّ نَصِيبُهُ مِنْ الدِّيَةِ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ وَاحِدَةٌ مِنْ كَبَنَاتٍ أَنَّهُ لَوْ عَفَوْنَ كُلُّهُنَّ أَوْ أَرَدْنَ الْقَتْلَ كُلُّهُنَّ لَمْ يَكُنْ لِلْحَاكِمِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَاصِبِ] : هَذَا التَّعْلِيلُ غَيْرُ تَامٍّ لِأَنَّ الْحُكْمَ أَنَّ الْحَاكِمَ يَنْظُرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا كَمَا إذَا قُتِلَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ بِنْتَيْنِ وَأُخْتًا وَعَفَتْ إحْدَى الْبِنْتَيْنِ فَالْأَظْهَرُ فِي التَّعْلِيلِ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا جُعِلَ النَّظَرُ لِلْحَاكِمِ لِضَعْفِ رَأْيِ النِّسَاءِ بِخِلَافِ الرِّجَالِ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَحُزْنَ الْمِيرَاثَ] : وَمِثْلُهُ لَوْ حُزْنَ الْمِيرَاثَ وَكَانَ الْقَتْلُ بِقَسَامَةٍ. قَوْلُهُ: [وَكَرَّرَ هَذِهِ] : الصَّوَابُ حَذْفُهُ لِأَنَّهُ لَا تَكْرَارَ، فَإِنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَمْ تَتَقَدَّمْ بِعَيْنِهَا وَإِنَّمَا يُرَدُّ عَلَى قَوْلِ خَلِيلٍ حَيْثُ قَدَّمَ عَلَى تِلْكَ الْعِبَارَةِ، وَلِكُلٍّ الْقَتْلُ وَلَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ أَعْلَى دَرَجَةً وَكَانَ لِلرِّجَالِ كَلَامٌ لِكَوْنِهِمْ وَارِثِينَ ثَبَتَ الْقَتْلُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ قَسَامَةٍ أَوْ كَانُوا غَيْرَ وَارِثِينَ وَثَبَتَ الْقَتْلُ بِقَسَامَةٍ لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ إلَّا بِكُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ أَوْ بِبَعْضٍ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: [وَلَهُ التَّكَلُّمُ] إلَخْ: يَعْنِي أَنَّ مَنْ عَفَا سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الدَّمِ وَمِنْ الدِّيَةِ

(نَصِيبَهُ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ) : وَكَذَا لَوْ عَفَا جَمِيعُ مَنْ لَهُ التَّكَلُّمُ مُرَتَّبًا، فَلِمَنْ بَقِيَ مِمَّنْ لَا تَكَلُّمَ لَهُ نَصِيبُهُ كَوَلَدَيْنِ وَزَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ - لِأَنَّهُ مَالٌ ثَبَتَ بِعَفْوِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ لَوْ عَفْوًا فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ فَلَا شَيْءَ لِمَنْ لَا تَكَلُّمَ لَهُ، كَمَا إذَا كَانَ مَنْ لَهُ التَّكَلُّمُ وَاحِدًا وَعَفَا. (كَإِرْثِهِ) : أَيْ الدَّمَ؛ تَشْبِيهٌ فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ: كَمَا لَوْ قَتَلَ أَحَدُ وَلَدَيْنِ أَبَاهُ ثُمَّ مَاتَ غَيْرُ الْقَاتِلِ وَلَا وَارِثَ لَهُ سِوَى الْقَاتِلِ فَقَدْ وَرِثَ الْقَاتِلُ دَمَ نَفْسِهِ كُلَّهُ وَكَذَا لَوْ وَرِثَ بَعْضَ الدَّمِ، كَمَا قَالَ: (وَلَوْ قِسْطًا) كَمَا لَوْ كَانَ غَيْرُ الْقَاتِلِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ مَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ الْقَاتِلِ وَغَيْرِهِ، فَقَدْ وَرِثَ الْقَاتِلُ بَعْضَ دَمِ نَفْسِهِ، فَيَسْقُطُ، وَلِمَنْ بَقِيَ نَصِيبُهُ مِنْ الدِّيَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَا بَقِيَ مِنْهَا يَكُونُ لِمَنْ بَقِيَ مِمَّنْ لَهُ التَّكَلُّمُ وَلِغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ كَالزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ وَالْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ عَفَا أَحَدُ ابْنَيْنِ سَقَطَ حَظُّهُ مِنْ الدِّيَةِ وَبَقِيَّتُهَا لِمَنْ بَقِيَ تَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجَةُ وَغَيْرُهَا. قَوْلُهُ: [كَوَلَدَيْنِ وَزَوْجٍ] : أَيْ وَعَفَا أَحَدُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ هُمَا مُرَتَّبَيْنِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ التَّفْصِيلِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَقَعَ الْعَفْوُ مَجَّانًا، أَمَّا إذَا وَقَعَ عَلَى مَالٍ فَلِمَنْ بَقِيَ مِنْ الْوَرَثَةِ نَصِيبُهُ مِنْ الدِّيَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَكَلُّمٌ سَوَاءٌ وَقَعَ الْإِسْقَاطُ مُرَتَّبًا أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [فَقَدْ وَرِثَ الْقَاتِلُ دَمَ نَفْسِهِ كُلَّهُ] : أَيْ وَحَيْثُ وَرِثَ الْقَاتِلُ دَمَ نَفْسِهِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا صَارَ مَعْصُومًا فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ قَتْلُهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ نَفْسَهُ لِلْقَتْلِ وَصَارَ الْحَقُّ لِلَّهِ وَلِلْمَقْتُولِ، فَحَقُّ اللَّهِ يُقْبَلُ بِالتَّوْبَةِ وَحَقُّ الْمَقْتُولِ مَعْجُوزٌ عَنْ وَفَائِهِ فَعَلَيْهِ التَّضَرُّعُ لِلَّهِ فِي إرْضَائِهِ عَنْهُ وَهَذَا بِخِلَافِ حَدٍّ نَحْوِ الزِّنَا مِنْ كُلِّ حَدٍّ الْحَقُّ فِيهِ لِلَّهِ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وَلِيٍّ يَطْلُبُهُ بَلْ مَتَى ثَبَتَ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ إقَامَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُثْبِتَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْإِقْرَارِ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ إقَامَتُهُ وَجَازَ لَهُ السَّتْرُ وَإِخْلَاصُ التَّوْبَةِ لِلَّهِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ قِسْطًا] إلَخْ: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ وَرِثَ الْقَاتِلُ أَحَدَ وَرَثَةِ الْقَتِيلِ بَطَلَ قَوَدُهُ لِأَنَّهُ مَلَكَ مِنْ دَمِهِ حِصَّةً، وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يَسْقُطُ الْقَوَدُ عَنْ الْجَانِي إذَا وَرِثَ جُزْءًا مِنْ دَمِ نَفْسِهِ إلَّا إذَا كَانَ مَنْ بَقِيَ يَسْتَقِلُّ الْوَاحِدُ مِنْهُ بِالْعَفْوِ، وَأَمَّا إذَا

[سقوط القصاص بالإرث]

هَذَا إنْ اسْتَقَلَّ الْبَاقِي بِالْعَفْوِ، وَأَمَّا لَوْ عَفَا مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ بِالْعَفْوِ لَا يَسْقُطُ الْقَوَدُ عَمَّنْ وَرِثَ قِسْطًا إلَّا بِعَفْوِ الْجَمِيعِ أَوْ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ؛ كَمَا لَوْ قَتَلَ شَقِيقٌ أَخَاهُ وَتَرَكَ الْمَقْتُولُ بَنَاتًا وَثَلَاثَةَ إخْوَةٍ أَشِقَّاءٍ غَيْرِ الْقَاتِلِ فَمَاتَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ فَقَدْ وَرِثَ الْقَاتِلُ قِسْطًا وَلَا يَسْقُطُ الْقَوَدُ إلَّا بِعَفْوٍ إلَخْ (وَإِرْثُهُ) : أَيْ الْقِصَاصِ (كَالْمَالِ) : أَيْ كَإِرْثِ الْمَالِ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَخْلَ فِي ذَلِكَ لِزَوْجَةِ وَلِيِّ الدَّمِ وَلَا لِزَوْجِ مَنْ لَهَا كَلَامٌ. فَإِذَا مَاتَ وَلِيُّ الدَّمِ عَنْ بِنْتٍ وَابْنٍ وَأُمٍّ فَيُنَزَّلُ وَرَثَتُهُ مَنْزِلَتَهُ وَلِلْبِنْتِ وَالْأُمِّ التَّكَلُّمُ لِأَنَّهُمَا وَرِثَاهُ عَمَّنْ لَهُ التَّكَلُّمُ وَلَيْسَ كَالِاسْتِيفَاءِ إذْ مَنْ قُتِلَ وَتَرَكَ ابْنًا وَبِنْتًا لَا كَلَامَ لِلْبِنْتِ عَلَى الرَّاجِحِ، وَقِيلَ كَالِاسْتِيفَاءِ. (وَجَازَ صُلْحُهُ) : أَيْ الْجَانِي مَعَ وَلِيِّ الدَّمِ (فِي) الْقَتْلِ (الْعَمْدِ) وَمَعَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي الْجُرْحِ الْعَمْدِ (بِأَقَلَّ) مِنْ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (أَوْ أَكْثَرَ) مِنْهَا حَالًّا وَمُؤَجَّلًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ عَرْضٍ؛ لِأَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهَا فِي الْعَمْدِ غَيْرُ مُتَقَرِّرَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ لَا يَسْتَقِلُّ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ بِالْعَفْوِ وَلَا بُدَّ فِي الْعَفْوِ مِنْ اجْتِمَاعِهِمْ فَلَا يَسْقُطُ الْقَوَدُ عَنْ الْجَانِي الْوَارِثِ لِجُزْءٍ مِنْ دَمِهِ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ عَدَمِ التَّقْيِيدِ، فَإِنَّ الْمُعْتَمَدَ بَقَاؤُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا قَالَهُ (بْن) قَوْلُهُ: [هَذَا إنْ اسْتَقَلَّ الْبَاقِي بِالْعَفْوِ] : أَيْ بِأَنْ كَانَ الْبَاقِي إخْوَةً فَقَطْ مُتَسَاوِينَ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ لِأَشْهَبَ. قَوْلُهُ: [إلَّا بِعَفْوٍ] إلَخْ: أَيْ إلَّا بِعَفْوِ الْجَمِيعِ أَوْ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ. [سُقُوط الْقِصَاصِ بِالْإِرْثِ] قَوْلُهُ: [لَا كَلَامَ لِلْبِنْتِ عَلَى الرَّاجِحِ] : أَيْ كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَوْلُهُ: [وَقِيلَ كَالِاسْتِيفَاءِ] أَيْ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ صُلْحُهُ] : لِمَا قُدِّمَ أَنَّ الْعَمْدَ لَا عَقْلَ فِيهِ مُسَمًّى وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْقَوَدُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ نَبَّهَ هُنَا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الصُّلْحُ فِيهِ بِمَا شَاءَ الْوَلِيُّ وَالْإِضَافَةُ فِي صُلْحِهِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ، أَيْ جَازَ أَنْ يُصَالِحَ الْجَانِي وَلِيَّ الدَّمِ أَوْ الْمَجْرُوحِ فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ بِأَقَلَّ إلَخْ.

[قتل القاتل بما قتل به]

(وَالْخَطَأُ كَبَيْعِ الدَّيْنِ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ فَيَجُوزُ الصُّلْحُ حَيْثُ لَا مَانِعَ كَبَنْقَدَ عَنْ إبِلٍ - حَالٍّ، أَمَّا لَوْ وُجِدَ مَانِعٌ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ مَالٌ مُتَقَرِّرٌ فِي الذِّمَّةِ وَمَا صُولِحَ بِهِ عَنْهَا مَالٌ مَأْخُوذٌ عَنْهَا، فَيَجِبُ مَا يَجُوزُ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ؛ فَلَا يَجُوزُ صُلْحٌ عَنْ ذَهَبٍ بِوَرِقٍ وَعَكْسُهُ لِأَنَّهُ نَسِيئَةٌ فِي الصَّرْفِ وَلَا أَحَدُهُمَا عَنْ إبِلٍ وَعَكْسُهُ مُؤَجَّلًا لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَلَا بِأَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ نَقْدًا، لِأَنَّ فِيهِ: ضَعًّا وَتَعَجُّلًا، وَلَا بِأَكْثَرَ مِنْ أَجَلِهَا لِلسَّلَفِ مِنْ وَلِيِّ الدَّمِ بِزِيَادَةٍ مِنْ الْجَانِي وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصُّلْحِ عَلَى النَّفْسِ أَوْ الْجُرْحِ (وَقُتِلَ) الْقَاتِلُ (بِمَا قَتَلَ) بِهِ (وَلَوْ نَارًا) عَلَى الْمَشْهُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] وقَوْله تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْحَقَّ فِي الْقَتْلِ لِلْوَلِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ] : أَيْ فَالْخَطَأُ مُبْتَدَأٌ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ خَبَرٌ أَيْ كَائِنٌ فِي حُكْمِهِ كَبَيْعِ الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: [حَالٍّ] : صِفَةٌ لِنَقْدٍ، وَأَمَّا بِنَقْدٍ مُؤَجَّلٍ عَنْ الْإِبِلِ الَّتِي فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ، وَلَا مَفْهُومَ لِإِبِلٍ بَلْ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ دِيَةِ الْخَطَأِ مُعَجَّلٍ فِي جَمِيعِ الْأَقْسَامِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَعٌّ وَتَعَجُّلٌ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ نَسِيئَةٌ فِي الصَّرْفِ] : أَيْ صَرْفِ مَا فِي الذِّمَّةِ. قَوْلُهُ: [مُؤَجَّلًا] : رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَحَدُهُمَا. قَوْلُهُ: [نَقْدًا] : أَيْ مُعَجَّلًا قَبْلَ مَجِيءِ أَجَلِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَا بِأَكْثَرَ مِنْ أَجَلِهَا] : فِي الْكَلَامِ سَقْطٌ وَالْأَصْلُ لِأَبْعَدَ مِنْ أَجَلِهَا. قَوْلُهُ: [لِلسَّلَفِ مِنْ وَلِيِّ الدَّمِ] : الْمُرَادُ بِالسَّلَفِ التَّأْخِيرُ فِي الْأَجَلِ وَزِيَادَةُ الْجَانِي ظَاهِرَةٌ. قَوْلُهُ: [وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصُّلْحِ عَلَى النَّفْسِ أَوْ الْجُرْحِ] : أَيْ فِي جَمِيعِ الْأَقْسَامِ [قَتْلَ الْقَاتِلُ بِمَا قَتَلَ بِهِ] قَوْلُهُ: [وَلَوْ نَارًا] : أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ بِهِ نَارًا وَرَدَّ بِلَوْ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ الْقَائِلِ إنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِالنَّارِ لِحَدِيثِ: «لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ» . فَعَلَى الْمَشْهُورِ يَكُونُ الْقِصَاصُ بِالنَّارِ مُسْتَثْنًى مِنْ النَّهْيِ عَنْ التَّعْذِيبِ بِهَا. قَوْلُهُ: [فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ] : تَسْمِيَةُ الْقِصَاصِ اعْتِدَاءً

بِمِثْلِ مَا قَتَلَ بِهِ الْجَانِي فَلَا يُنَافِي قَوْلُهُ بَعْدَ: " وَمُكِّنَ " إلَخْ. وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ " وَقُتِلَ " أَنَّ الْجُرْحَ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِذَا أَوْضَحَ بِحَجَرٍ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ بِالْأَخَفِّ كَالْمُوسَى. وَمَحْمَلُ الْمُصَنِّفِ: حَيْثُ ثَبَتَ الْقَتْلُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ اعْتِرَافٍ. أَمَّا لَوْ ثَبَتَ بِقَسَامَةٍ فَيُقْتَلُ بِالسَّيْفِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ. (إلَّا) أَنْ يَثْبُتَ الْقَتْلُ (بِخَمْرٍ) : فَيَتَعَيَّنُ قَتْلُ الْجَانِي بِالسَّيْفِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ. (وَ) كَذَا لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِ (لِوَاطٍ) إذْ لَوْ ثَبَتَ بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ فَحَدُّهُ الرَّجْمُ. (وَسِحْرٍ) ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَنَّهُ قَتَلَ بِهِ فَيَتَعَيَّنُ السَّيْفُ وَلَا يَلْزَمُ بِفِعْلِ السِّحْرِ مَعَ نَفْسِهِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى الرَّاجِحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُشَاكَلَةٌ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الِاعْتِدَاءِ الْخُرُوجُ عَنْ الْحُدُودِ وَهُوَ فَاحِشَةٌ وَاَللَّهُ لَا يَأْمُرُ بِهَا. قَوْلُهُ: [بِمِثْلٍ مَا قَتَلَ بِهِ الْجَانِي] : أَيْ إلَّا مَا اسْتَثْنَى بِقَوْلِهِ إلَّا بِخَمْرٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: [أَنَّ الْجُرْحَ] : أَيْ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. قَوْلُهُ: [فَيُقْتَصُّ مِنْهُ بِالْأَخَفِّ] : حِفْظًا لِلنُّفُوسِ. قَوْلُهُ: [فَيُقْتَلُ بِالسَّيْفِ] : أَيْ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ لِسُهُولَتِهِ وَلِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثِلِ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَثْبُتَ الْقَتْلُ بِخَمْرٍ] : أَيْ بِأَنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَنَّهُ أَكْرَهَهُ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنْ شُرْبِهِ حَتَّى مَاتَ. قَوْلُهُ: [وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِلِوَاطٍ] : أَيْ وَثَبَتَ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يُقْتَلُ بِمَا قَتَلَ بِهِ بَلْ بِالسَّيْفِ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَى إقْرَارِهِ بَلْ رَجَعَ عَنْهُ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ مَنْ أَقَرَّ بِالزِّنَا وَرَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ لِأَنَّ قَبُولَ رُجُوعِهِ مِنْ حَيْثُ عَدَمِ رَجْمِهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ لِإِقْرَارِهِ بِالْقَتْلِ وَرُجُوعُهُ لَا يَنْفِي عَنْهُ الْقِصَاصَ. قَالَ الْبِسَاطِيُّ: مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا يُقْتَلُ بِلِوَاطٍ أَنَّهُ لَا يُجْعَلُ لَهُ خَشَبَةٌ فِي دُبُرِهِ حَتَّى يَمُوتَ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الِاسْتِيفَاءُ بِاللِّوَاطِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ. قَوْلُهُ: [إذْ لَوْ ثَبَتَ بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ] إلَخْ: حَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِلِوَاطٍ وَلَمْ يَسْتَمِرَّ إذْ لَوْ اسْتَمَرَّ أَوْ ثَبَتَ بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَلْزَمُ بِفِعْلِ السِّحْرِ مَعَ نَفْسِهِ] : أَيْ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ خِلَافًا لِلْبِسَاطِيِّ الْقَائِلِ: إنَّهُ إذَا أَقَرَّ يُؤْمَرُ بِفِعْلِهِ لِنَفْسِهِ فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا فَالسَّيْفُ.

(وَمَا يَطُولُ) : كَمَنْعِ طَعَامٍ أَوْ مَاءٍ أَوْ نَخْسَةٍ بِإِبْرَةٍ حَتَّى مَاتَ عَلَى الرَّاجِحِ؛ فَلَا يُفْعَلُ بِالْجَانِي ذَلِكَ بَلْ يَتَعَيَّنُ السَّيْفُ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى كَوْنِهِ يُقْتَلُ بِمَا قُتِلَ بِهِ قَوْلُهُ: (فَيُغْرَقُ) إنْ صَدَرَ مِنْهُ الْقَتْلُ بِالْغَرَقِ. (وَيُخْنَقُ) : إنْ صَدَرَ مِنْهُ الْقَتْلُ بِالْخَنْقِ. (وَبِحَجَرٍ) فَإِذَا قَتَلَ بِضَرْبٍ بِحَجَرٍ فَيُقْتَلُ بِضَرْبٍ بِحَجَرٍ. (وَيُضْرَبُ بِالْعَصَا لِلْمَوْتِ) حَيْثُ قَتَلَ بِضَرْبٍ بِعَصًا فَيُضْرَبُ بِعَصًا حَتَّى يَمُوتَ (وَمُكِّنَ مُسْتَحِقٌّ) لِلْقِصَاصِ (مِنْ السَّيْفِ مُطْلَقًا) كَانَ الْقَتْلُ مِنْ الْجَانِي بِهِ أَوْ غَيْرِهِ، لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِي الْقَتْلِ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ. (وَانْدَرَجَ طَرَفٌ) بِفَتْحِ الرَّاءِ؛ كَقَطْعِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ فَقْءِ عَيْنٍ مِنْ شَخْصٍ ثُمَّ قَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَنْدَرِجُ فِي النَّفْسِ (إنْ تَعَمَّدَهُ) الْجَانِي: أَيْ تَعَمَّدَ الطَّرَفَ ثُمَّ قَتَلَهُ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الطَّرَفِ خَطَأً فَلَا تَنْدَرِجُ فِي النَّفْسِ بَلْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ لِلطَّرَفِ ثُمَّ الْقِصَاصُ، هَذَا إذَا كَانَ الطَّرَفُ مِنْ الْمَقْتُولِ بَلْ: (وَإِنْ) كَانَ الطَّرَفُ (لِغَيْرِهِ) : أَيْ لِغَيْرِ الْمَقْتُولِ؛ كَقَطْعِ يَدِ شَخْصٍ وَفَقْءِ عَيْنِ آخَرَ وَقَتْلِ آخَرَ عَمْدًا فَتَنْدَرِجُ الْأَطْرَافُ فِي النَّفْسِ وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ ثُمَّ يُقْتَلُ. وَمَحَلُّ انْدِرَاجِ طَرَفِ الْمَقْتُولِ فِي النَّفْسِ: (إنْ لَمْ يَقْصِدْ) الْجَانِي (مُثْلَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ اُخْتُلِفَ فِي الْقَتْلِ بِالسُّمِّ هَلْ يُقْتَلُ بِهِ وَيُجْتَهَدُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَمُوتُ بِهِ أَوْ لَا يُقْتَلُ إلَّا بِالسَّيْفِ؟ تَأْوِيلَانِ. قَوْلُهُ: [كَمَنْعِ طَعَامٍ] : دَخَلَتْ تَحْتَ الْكَافِ قَتْلُهُ بِالسَّلْخِ أَوْ بِكَثْرَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. قَوْلُهُ: [فَيُقْتَلُ بِضَرْبٍ بِحَجَرٍ] : أَيْ فِي مَحَلِّ خَطَرٍ بِحَيْثُ يَمُوتُ بِسُرْعَةٍ لَا أَنَّهُ يُرْمَى بِحِجَارَةٍ حَتَّى يَمُوتَ. قَوْلُهُ: [فَيُضْرَبُ بِعَصًا حَتَّى يَمُوتَ] : مُرَادُهُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ لَا يُقْتَصَرُ عَلَى مِقْدَارِ ضَرْبِ الْجَانِي بَلْ الْمَدَارُ عَلَى مَوْتِهِ بِالضَّرْبِ. قَوْلُهُ: [مِنْ السَّيْفِ مُطْلَقًا] : أَيْ وَلَوْ كَانَ الْجَانِي قَتَلَ بِشَيْءٍ أَخَفَّ مِنْ السَّيْفِ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْقَائِلِ: إنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ الْجَانِي قَتَلَ بِأَخَفَّ مِنْ السَّيْفِ كَلَحْسِ فَصٍّ وَإِلَّا فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ

[دية الحر المسلم في القتل الخطأ]

بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ قَصَدَ مُثْلَةً فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ لِلطَّرَفِ ثُمَّ يُقْتَلُ، وَأَمَّا طَرَفُ غَيْرِ الْمَقْتُولِ فَيَنْدَرِجُ وَلَوْ قَصَدَ مُثْلَةً عَلَى الرَّاجِحِ هَكَذَا فِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ (وَدِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فِي) الْقَتْلِ (الْخَطَأِ عَلَى الْبَادِي) : سَاكِنِ الْبَادِيَةِ (مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ مُخَمَّسَةٌ) رِفْقًا بِالْمُخْطِئِ: (بِنْتُ مَخَاضٍ، وَوَلَدَا لَبُونٍ) أَيْ بِنْتُ لَبُونٍ وَابْنُ لَبُونٍ (وَحِقَّةٌ وَجَذَعَةٌ) مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْأَنْوَاعِ الْخَمْسَةِ وَعِشْرِينَ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ إبِلٌ فَقِيمَتُهَا. وَقِيلَ: يُنْظَرُ لِأَقْرَبَ حَاضِرَتِهِمْ وَيَدْفَعُونَ مِمَّا عِنْدَهُمْ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ، وَقِيلَ: يُكَلَّفُونَ الْإِبِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَمَّا طَرَفُ غَيْرِ الْمَقْتُولِ فَيَنْدَرِجُ] إلَخْ: هَذِهِ الْعِبَارَةُ تَبِعَ الْأَصْلَ فِيهَا ابْنُ مَرْزُوقٍ وَالْمَوَّاقُ وَكَلَامُ التَّوْضِيحِ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَيْدٌ فِيهِمَا وَاسْتَظْهَرَهُ (بْن) . تَنْبِيهٌ كَمَا تَنْدَرِجُ الْأَطْرَافُ فِي النَّفْسِ تَنْدَرِجُ الْأَصَابِعُ إذَا قُطِعَتْ عَمْدًا فِي قَطْعِ الْيَدِ عَمْدًا بَعْدَهَا مَا لَمْ يُقْصَدْ مِثْلُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ يَدِ مَنْ قُطِعَتْ أَصَابِعُهُ أَوْ يَدِ غَيْرِهِ، فَإِذَا قَطَعَ أَصَابِعَ شَخْصٍ عَمْدًا ثُمَّ قَطَعَ كَفَّهُ عَمْدًا بَعْدَ ذَلِكَ قُطِعَ الْجَانِي مِنْ الْكُوعِ وَلَوْ قَطَعَ أَصَابِعَ رَجُلٍ وَيَدَ آخَرَ مِنْ الْكُوعِ وَيَدَ آخَرَ مِنْ الْمِرْفَقِ قُطِعَ لَهُمْ مِنْ الْمِرْفَقِ إنْ لَمْ يَقْصِدْ مِثْلَهُ وَإِلَّا لَمْ تَنْدَرِجْ فِي الصُّورَتَيْنِ، بَلْ تُقْطَعُ أَصَابِعُهُ أَوَّلًا ثُمَّ كَفُّهُ فِي الْأُولَى، وَفِي الثَّانِيَةِ تُقْطَعُ أَصَابِعُهُ ثُمَّ يَدُهُ مِنْ الْكُوعِ ثُمَّ مِنْ الْمِرْفَقِ. [دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ] قَوْلُهُ: [وَدِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ] إلَخْ: لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْقِصَاصِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الدِّيَةِ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْوَدَى بِوَزْنِ الْفَتَى وَهُوَ الْهَلَاكُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مُسَبَّبَةٌ عَنْهُ وَدِيَةٌ كَعِدَّةٍ مَحْذُوفَةُ الْفَاءِ وَهِيَ الْوَاوُ وَعُوِّضَ عَنْهَا هَاءَ التَّأْنِيثِ وَذُكِرَ أَنَّهَا تَخْتَلِفُ اخْتِلَافَ النَّاسِ بِحَسَبِ أَمْوَالِهِمْ مِنْ إبِلٍ وَذَهَبٍ وَوَرِقٍ وَقَوْلُهُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ أَيْ الذَّكَرِ وَسَيَأْتِي مُحْتَرِزَاتُ تِلْكَ الْقُيُودِ. قَوْلُهُ: [عَلَى الْبَادِي] : أَيْ إذَا كَانَ الْجَانِي مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ.

وَأَوَّلُ مَنْ سَنَّ الدِّيَةَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ عَبْدُ الْمُطَّلَبِ وَقِيلَ النَّضْرُ وَمَضَتْ السُّنَّةُ عَلَى ذَلِكَ. وَلَا يُؤْخَذُ بَقَرٌ وَلَا عَرْضٌ وَلَا غَنَمٌ بِغَيْرِ رِضَا الْأَوْلِيَاءِ. (وَرُبِّعَتْ) الدِّيَةُ (فِي عَمْدٍ) لَا قِصَاصَ فِيهِ كَعَفْوٍ عَلَيْهَا مُبْهَمَةٍ أَوْ لِعَفْوِ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ مَجَّانًا فَلِلْبَاقِي نَصِيبُهُ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ (بِحَذْفِ ابْنِ اللَّبُونِ) مِنْ الْأَنْوَاعِ الْخَمْسَةِ؛ فَتَكُونُ الْمِائَةُ مِنْ الْأَصْنَافِ الْبَاقِيَةِ مِنْ كُلِّ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ. (وَثُلِّثَتْ) : غُلِّظَتْ بِالتَّثْلِيثِ (فِي الْأَصْلِ) : أَيْ عَلَيْهِ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْأَصْلِ أَعَمُّ؛ فَيَشْمَلُ الْأُمَّ وَالْأَجْدَادَ كَانَ الْأَصْلُ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا بَلْ (وَلَوْ مَجُوسِيًّا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمَضَتْ السُّنَّةُ عَلَى ذَلِكَ] : أَيْ حَكَمَتْ الشَّرِيعَةُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [بِغَيْرِ رِضَا الْأَوْلِيَاءِ] : أَيْ وَأَمَّا بِرِضَاهُمْ فَيَجُوزُ إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُ الصُّلْحِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَالْخَطَأُ كَبَيْعِ الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: [فِي عَمْدٍ لَا قِصَاصَ فِيهِ] : أَيْ عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِمْ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ دِيَةَ الْعَمْدِ حَالَّةٌ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ الْأَجَلُ، وَقِيلَ: إنَّهَا تَنْجُمُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَدِيَةِ الْخَطَأِ، وَأَمَّا إذَا صَالَحَ الْجَانِي عَلَى دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ عُرُوضٍ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهَا تَكُونُ حَالَّةً. قَوْلُهُ: [مُبْهَمَةٍ] : أَيْ بِأَنْ قَالَ الْأَوْلِيَاءُ عَفَوْنَا عَلَى الدِّيَةِ، وَأَمَّا إذَا قَيَّدُوا بِشَيْءٍ تَعَيَّنَ. قَوْلُهُ: [أَيْ عَلَيْهِ] : أَفَادَ أَنَّ فِي الْأُولَى بِمَعْنَى عَلَى وَالثَّانِيَةِ لِلظَّرْفِيَّةِ فَحَصَلَ التَّغَايُرُ بَيْنَ حَرْفَيْ الْجَرِّ الْمُتَعَلِّقَيْنِ بِثُلُثٍ. قَوْلُهُ: [بَلْ وَلَوْ مَجُوسِيًّا] : أَيْ وَلَوْ كَانَ الْوَالِدُ الْقَاتِلُ لِوَلَدِهِ مَجُوسِيًّا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي تَغْلِيظِهَا عَلَى الْأَبِ الْمَجُوسِيِّ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا قَتَلَ وَلَدَهُ الْمَجُوسِيَّ، فَإِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ قَالَ: لَا تُغَلَّظُ عَلَيْهِ إذَا حَكَمَ بَيْنَهُمْ لِأَنَّ دِيَةَ الْمَجُوسِيِّ تُشْبِهُ الْقِيمَةَ، وَأَنْكَرَهُ سَحْنُونَ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يُرِيدُونَ أَنَّهَا تُغَلَّظُ عَلَيْهِ إذَا حَكَمَ بَيْنَهُمْ لِأَنَّ عِلَّةَ التَّغْلِيظِ سُقُوطُ الْقَوَدِ، وَأَمَّا إذَا قَتَلَ وَلَدَهُ الْمُسْلِمَ فَإِنَّهَا تُغَلَّظُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا كَذَا فِي (بْن) ؛ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُ شَارِحِنَا لَا يُقْتَلُ بِفَرْعِهِ وَلَوْ كَانَ مُسْلِمًا خِلَافُ الْمَوْضُوعِ: لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي التَّغْلِيظِ وَعَدَمِهِ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْوَلَدَ مَجُوسِيٌّ لَا فِي الْقَتْلِ وَعَدَمِهِ وَحَيْثُ غُلِّظَتْ فِي الْوَلَدِ الْمَجُوسِيِّ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ حِقَّتَانِ وَجَذَعَتَانِ وَثَلَاثُ

فَلَا يُقْتَلُ بِفَرْعِهِ وَلَوْ كَانَ مُسْلِمًا (فِي عَمْدٍ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ) : أَيْ فِي قَتْلِ عَمْدٍ لِوَلَدِهِ لَمْ يُقْتَلْ الْأَصْلُ بِهِ: وَضَابِطُهُ عَدَمُ قَصْدِهِ إزْهَاقَ الرُّوحِ، فَإِنْ قَصَدَهُ مِنْهُ - كَأَنْ يَرْمِ عُنُقَ الْفَرْعِ بِالسَّيْفِ أَوْ يُضْجِعَهُ وَيَذْبَحَهُ - فَيُقْتَصَّ مِنْهُ عِنْدَنَا. وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ؛ وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ ابْنًا آخَرَ. وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِغَيْرِهِ بِالْأَوْلَى مِنْ عَدَمِ تَحْلِيفِ الْوَلَدِ؛ فَإِنْ عَفَا عَنْهُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ إزْهَاقَ رُوحِهِ فَتُغَلَّظُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ. وَقَدْ بَيَّنَ مَا بِهِ التَّغْلِيظُ بِقَوْلِهِ: (بِثَلَاثِينَ حِقَّةً وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْفَاءِ: الْحَامِلُ مِنْ الْإِبِلِ (بِلَا حَدِّ سَنٍّ) فَالْمَدَارُ عَلَى أَنْ تَكُونَ حَامِلًا كَانَتْ حِقَّةً أَوْ جَذَعَةً أَوْ غَيْرَهُمَا وَشَبَّهَ فِي التَّغْلِيظِ فِي النَّفْسِ قَوْلَهُ: (كَجُرْحِ الْعَمْدِ) : فَتُغَلَّظُ الدِّيَةُ فِيهِ كَمَا تُغَلَّظُ فِي النَّفْسِ مِنْ تَثْلِيثٍ وَتَرْبِيعٍ، لَا فَرْقَ فِي الْجُرْحِ بَيْنَ مَا يُقْتَصُّ فِيهِ - كَالْمُوضِحَةِ أَوْ لَا كَالْجَائِفَةِ - فَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ مُغَلَّظًا عَلَى قَدْرِ نِسْبَتِهِ مِنْ الدِّيَةِ، فَالثَّلَاثُونَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمِائَةِ خُمُسٌ وَنِصْفُ خُمُسٍ، وَالْأَرْبَعُونَ خُمُسَانِ؛ فَعَنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ يُؤْخَذُ مِنْ الْحِقَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَلِفَاتٍ إلَّا ثُلُثًا أَفَادَهُ (شب) . قَوْلُهُ: [فَإِنْ قَصَدَهُ مِنْهُ] : أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَالْأَوَّلُ كَأَنْ يَرْمِيَ عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ أَوْ يَضْرِبَهُ بِعَصًا أَوْ بِسَيْفٍ قَاصِدًا بِمَا ذُكِرَ إزْهَاقَ رُوحِهِ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مِنْهُ وَالْحُكْمِيُّ كَمَا إذَا أَضْجَعَهُ وَشَقَّ جَوْفَهُ، وَقَالَ: فَعَلْت ذَلِكَ حَمَاقَةً وَلَمْ أَقْصِدْ إزْهَاقَ رُوحِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَيُقْتَصُّ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [كَأَنْ يَرْمِ] : الْمُنَاسِبُ إثْبَاتُ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا لِنَصْبِهِ بِأَنْ الْمَصْدَرِيَّةِ. قَوْلُهُ: [وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِغَيْرِهِ] : مُرَادُهُ بِهِ (بْن) . قَوْلُهُ: [فَإِنْ عَفَا عَنْهُ] إلَخْ: هَذَا مُحَصَّلُ مَعْنَى الْمَتْنِ وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ رِكَّةٌ لَا تَخْفَى. قَوْلُهُ: [مِنْ تَثْلِيثٍ] : أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِجُرْحِ الْأَبِ وَلَدَهُ. قَوْلُهُ: [وَتَرْبِيعٍ] : أَيْ كَجُرْحِ الْعَمْدِ الصَّادِرِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ. قَوْلُهُ: [كَالْمُوضِحَةِ] : أَيْ فَفِي عَمْدِهَا الدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ بِالتَّثْلِيثِ إنْ حَصَلَتْ مِنْ الْأَبِ، لِأَنَّ الْجِرَاحَ لَا قِصَاصَ فِيهَا عَلَى الْأَبِ مُطْلَقًا فَلَيْسَتْ كَالنَّفْسِ،

خُمُسُ وَنِصْفُ خُمُسِ الثُّلُثِ وَمِنْ الْجَذَعَاتِ كَذَلِكَ وَمِنْ الْخَلِفَاتِ خُمُسَانِ. (وَعَلَى الشَّامِيِّ وَالْمِصْرِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ: أَلْفُ دِينَارٍ) شَرْعِيَّةً؛ وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا أَكْبَرُ مِنْ الْمِصْرِيَّةِ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مَا لَمْ يَكُنْ الْغَالِبُ الْفِضَّةَ، وَإِلَّا كَانُوا كَأَهْلِ الْعِرَاقِ الْمُشَارِ لَهُمْ بِقَوْلِهِ: (وَعَلَى الْعِرَاقِيِّ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ) وَمِثْلُهُ الْخُرَاسَانِيُّ وَالْفَارِسِيُّ مَا لَمْ يَغْلِبْ الذَّهَبُ عِنْدَهُمْ، فَمِنْهُ وَلَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ مُرَبَّعَةٍ مِنْ أَجْنَبِيٍّ إنْ حَصَلَ الْعَفْوُ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَلَى الدِّيَةِ مُبْهَمًا. قَوْلُهُ: [خُمُسٌ وَنِصْفُ خُمُسِ الثُّلُثِ] : أَيْ وَذَلِكَ عَشْرَةٌ. وَقَوْلُهُ: [وَمِنْ الْجَذَعَاتِ كَذَلِكَ] : أَيْ عَشْرَةٌ. قَوْلُهُ: [وَمِنْ الْخَلِفَاتِ خُمُسَانِ] : أَيْ وَذَلِكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَثُلُثٌ فَصَارَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْحِقَاقِ ثُلُثُ الثَّلَاثِينَ، وَمِنْ الْجِذَاعِ كَذَلِكَ وَمِنْ الْخَلِفَاتِ ثُلُثُ الْأَرْبَعِينَ وَمَجْمُوعُ الْكُلِّ ثُلُثُ الْمِائَةِ وَهُوَ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ هَذَا فِي حَالَةِ التَّثْلِيثِ وَفِي حَالَةِ التَّرْبِيعِ يُؤْخَذُ مِنْ الْحَقَائِقِ وَالْجِذَاعِ وَبَنَاتِ الْمَخَاضِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ ثَمَانِيَةٌ وَثُلُثٌ مِنْ كُلٍّ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَثُلُثًا. قَوْلُهُ: [وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا أَكْبَرُ مِنْ الْمِصْرِيَّةِ] : لَمْ يَتَقَدَّمْ ذَلِكَ فِي الشَّارِحِ لَا فِي الزَّكَاةِ وَلَا فِي النِّكَاحِ وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ سَابِقًا مَا فِي الزَّكَاةِ أَنَّ الدِّينَارَ الشَّرْعِيَّ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةً مِنْ مُطْلَقِ الشَّعِيرِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الدِّينَارَ الْمِصْرِيَّ أَرْبَعٌ وَخَمْسُونَ حَبَّةً مِنْ الْقَمْحِ. قَوْلُهُ: [وَكَذَلِكَ أَهْلُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ] : أَيْ كَمَا أَشَارَ لَهُ أَصْبَغُ قَالَ الْبَاجِيُّ: وَعِنْدِي أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى غَالِبِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي الْبِلَادِ، فَأَيُّ بَلَدٍ غَلَبَ عَلَى أَهْلِهِ شَيْءٌ كَانُوا مِنْ أَهْلِهِ. تَنْبِيهٌ اُسْتُفِيدَ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ وَلَا يُؤْخَذُ فِي الدِّيَةِ عِنْدَنَا بَقَرٌ وَلَا غَنَمٌ وَلَا عَرْضٌ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْبَلَدِ خِلَافُ ذَلِكَ فَاَلَّذِي اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُمْ يُكَلَّفُونَ مَا فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ مِنْ أَحَدِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ وَلَا يُؤْخَذُ مِمَّا وُجِدَ عِنْدهمْ خِلَافًا لِمَا فِي (عب) وَذَلِكَ كَمَا فِي بِلَادِ السُّودَانِ.

(إلَّا فِي الْمُثَلَّثَةِ فَيُزَادُ بِنِسْبَةِ مَا بَيْنَ دِيَةِ الْخَطَأِ عَلَى تَأْجِيلِهَا، وَالْمُثَلَّثَةِ حَالَّةً) حَاصِلُهُ: أَنَّهَا تُقَوَّمُ الْمُثَلَّثَةُ مِنْ الْإِبِلِ حَالَّةً، وَتُقَوَّمُ الْمُخَمَّسَةُ عَلَى تَأْجِيلِهَا. وَيُؤْخَذُ مَا زَادَتْهُ الْمُثَلَّثَةُ عَلَى الْمُخَمَّسَةِ وَيُنْسَبُ إلَى الْمُخَمَّسَةِ فَمَا بَلَغَ بِالنِّسْبَةِ يُزَادُ عَلَى دِيَةِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ. مِثَالُهُ: لَوْ كَانَتْ الْمُخَمَّسَةُ عَلَى آجَالِهَا تُسَاوِي مِائَةً، وَالْمُثَلَّثَةُ عَلَى حُلُولِهَا تُسَاوِي مِائَةً وَعِشْرِينَ؛ فَنِسْبَةُ الْعِشْرِينَ إلَى الْمِائَةِ خُمُسٌ، فَيُزَادُ عَلَى الدِّيَةِ مِثْلُ خُمُسِهَا فَيَكُونُ مِنْ الذَّهَبِ أَلْفًا وَمِائَتَانِ وَمِنْ الْوَرِقِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَرْبَعُمِائَةٍ. وَعُلِمَ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ الدِّيَةَ الْمُرَبَّعَةَ لَا تُغَلَّظُ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ. (وَالْكِتَابِيُّ وَلَوْ) كَانَ الْكِتَابِيُّ (مُعَاهَدًا) : أَيْ هَذَا إذَا كَانَ ذِمِّيًّا بَلْ وَلَوْ كَانَ حَرْبِيًّا مُؤَمَّنًا (نِصْفُهُ) : أَيْ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ. (وَالْمَجُوسِيُّ) الْمُعَاهَدُ (وَالْمُرْتَدُّ) دِيَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا (ثُلُثُ خُمُسٍ) : خَطَأً وَعَمْدًا، فَيَكُونُ مِنْ الذَّهَبِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ دِينَارًا وَثُلُثَا دِينَارٍ وَمِنْ الْوَرِقِ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَمِنْ - الْإِبِلِ سِتَّةُ أَبْعِرَةٍ وَثُلُثَا بَعِيرٍ. (وَ) دِيَةُ (أُنْثَى كُلٍّ) مِنْ ذَلِكَ (نِصْفُهُ) فَدِيَةُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا فِي الْمُثَلَّثَةِ] : اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مُقَدَّرٍ قَدَّرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَلَا يُزَادُ إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَمِائَتَانِ] : حَقُّهُ وَمِائَتَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَالْكِتَابِيُّ] : الْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ وَدِيَةُ الْكِتَابِيِّ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ نِصْفُهُ وَيُقَالُ فِي الْمَجُوسِيِّ مِثْلُهُ. قَوْلُهُ: [وَالْمُرْتَدُّ] : هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَوَاءٌ قُتِلَ زَمَنَ الِاسْتِتَابَةِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ: فِيهِ دِيَةُ أَهْلِ الدِّينِ الَّذِي ارْتَدَّ إلَيْهِ، وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا دِيَةَ لِلْمُرْتَدِّ وَإِنَّمَا عَلَى قَاتِلِهِ الْأَدَبُ فِي الْعَمْدِ. قَوْلُهُ: [خَطَأً وَعَمْدًا] : أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَتْلِهِ خَطَأً أَوْ عَمْدًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [وَثُلُثَا دِينَارٍ] : حَقُّهُ وَثُلُثَيْ دِينَارٍ. قَوْلُهُ [مِنْ ذَلِكَ] : أَيْ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ وَالذِّمِّيِّ وَالْمَجُوسِيِّ وَالْمُرْتَدِّ.

[دية الجنين]

الْإِبِلِ خَمْسُونَ وَهَكَذَا، وَدِيَةُ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْمُرْتَدَّةِ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهَكَذَا. (وَفِي) قَتْلِ (الرَّقِيقِ قِيمَتُهُ) وَيُقَوَّمُ عَلَى أَنَّهُ قِنٌّ وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُبَعَّضًا وَمُعْتَقٌ لِأَجَلٍ يُقَوَّمُ لِذَلِكَ الْأَجَلِ (وَإِنْ زَادَتْ) قِيمَتُهُ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمُتْلَفَةِ فَفِيهَا الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ (وَفِي) إلْقَاءِ (الْجَنِينِ) : بِسَبَبِ ضَرْبٍ أَوْ تَخْوِيفٍ لِغَيْرِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ، أَوْ شَمِّ رِيحٍ - كَحُقْنَةٍ أَوْ فَتْحِ كَنِيفٍ - (وَإِنْ) كَانَ (عَلَقَةً) : دَمٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [خَمْسُونَ وَهَكَذَا] : أَيْ وَمِنْ الذَّهَبِ خَمْسُمِائَةٍ وَمِنْ الْوَرِقِ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَأَمَّا الْحُرَّةُ الْكِتَابِيَّةُ فَدِيَتُهَا مِنْ الْإِبِلِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ وَمِنْ الذَّهَبِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ وَمِنْ الْوَرِقِ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ. قَوْلُهُ: [وَهَكَذَا] : أَيْ وَمِنْ الذَّهَبِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ دِينَارًا وَثُلُثُ دِينَارٍ، وَمِنْ الْأَبْعِرَةِ ثَلَاثَةُ أَبْعِرَةٍ وَثُلُثُ بَعِيرٍ. قَوْلُهُ: [وَفِي قَتْلِ الرَّقِيقِ قِيمَتُهُ] : أَيْ إذَا قَتَلَهُ حُرٌّ عَمْدًا أَوْ خَطَأً. وَأَمَّا إنْ قَتَلَهُ مُكَافِئٌ أَوْ أَدْنَى مِنْهُ فَيُقْتَلُ بِهِ إنْ شَاءَ سَيِّدُهُ. قَوْلُهُ: [وَمُعْتَقٌ لِأَجَلٍ] : وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَهَلْ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ قِنًّا أَوْ مُكَاتَبًا تَأْوِيلَانِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ] : وَذَلِكَ يُفْرَضُ فِي الْأَبْيَضِ [دِيَة الْجَنِين] قَوْلُهُ: [لِغَيْرِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ] : أَيْ وَأَمَّا لِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ كَالضَّرْبِ لِلتَّأْدِيبِ مَثَلًا فَلَا شَيْءَ فِيهِ. قَوْلُهُ: [كَحُقْنَةٍ] : مِنْ ذَلِكَ شَمُّ رَائِحَةِ الْمِسْكِ وَلَوْ عَلِمَ الْجِيرَانُ أَنَّ رِيحَ الطَّعَامِ أَوْ الْمِسْكِ يُسْقِطُ الْمَرْأَةَ فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ وَإِنْ كَانَ حِفْظُهَا يَكُونُ بِتَعَاطِيهِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعْطُوهَا مِنْهُ. قَالَ الْخَرَشِيُّ فِي الْكَبِيرِ: وُجِدَ عِنْدِي مَا نَصُّهُ: مِثْلُ الضَّرْبِ الرَّائِحَةُ كَرَائِحَةِ الْمِسْكِ وَالسَّرَابِ لَكِنَّ الضَّمَانَ عَلَى السَّرَبَاتِيَّةِ وَعَلَى الصَّانِعِ لَا عَلَى رَبِّ الْكَنِيفِ، فَلَوْ نَادَوْا بِالسَّرَابِ وَمَكَثَتْ الْأُمُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ عَلَقَةً] : أَيْ هَذَا إنْ أَلْقَتْهُ مُضْغَةً أَوْ كَامِلًا بَلْ وَإِنْ أَلْقَتْهُ عَلَقَةً

لَا يَذُوبُ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ الْحَارِّ عَلَيْهِ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا، مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ أُمٍّ - كَشُرْبِهَا مَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَمْلُ فَأَسْقَطَتْهُ - ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، كَانَ مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًا (عُشْرُ) وَاجِبِ (أُمِّهِ) : هَذَا إنْ كَانَتْ أُمُّهُ حُرَّةً فَفِيهِ عُشْرُ دِيَتِهَا، بَلْ (وَلَوْ) كَانَتْ الْأُمُّ (أَمَةً) فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَتِهَا، وَهَلْ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الضَّرْبِ أَوْ يَوْمَ الْإِلْقَاءِ؟ قَوْلَانِ، وَرَدَّ بِ " لمو " قَوْلَ ابْنِ وَهْبٍ مِنْ أَنَّ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ مَا نَقَصَهَا لِأَنَّهَا مَالٌ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ. (أَوْ جَنَى أَبٌ) فَإِنَّ عَلَيْهِ عُشْرَ دِيَةِ أُمِّ الْجَنِينِ لِغَيْرِهِ وَلَا يَرِثُ مِنْهُ وَيَكُونُ الْعُشْرُ (نَقْدًا) أَيْ عَيْنًا (مُعَجَّلًا) : حَالًّا وَيَكُونُ فِي مَالِ الْجَانِي عَمْدًا أَوْ خَطَأً مَا لَمْ تَبْلُغْ ثُلُثَ دِيَتِهِ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ؛ كَمَا لَوْ ضَرَبَ مَجُوسِيٌّ حُرَّةً مُسْلِمَةً فَأَلْقَتْ جَنِينًا. (أَوْ غُرَّةً) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى " عُشْرٌ ". وَالتَّخْيِيرُ لِلْجَانِي لَا لِلْمُسْتَحِقِّ. وَهَذَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ وَأَمَّا جَنِينُ الْأَمَةِ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ النَّقْدُ، وَقَوْلُهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا يَذُوبُ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَذُوبُ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ خِلَافًا لِلتَّتَّائِيِّ. قَوْلُهُ: [لِغَيْرِهِ] : أَيْ فَيَرِثُهُ غَيْرُ الْأَبِ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ كَالْأُمِّ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ. قَوْلُهُ: [أَيْ عَيْنًا مُعَجَّلًا حَالًّا] : أَيْ فَلَا يَكُونَ عَرَضًا وَلَا يَكُونُ مُنَجَّمًا كَالدِّيَةِ وَلَا يَكُونُ مِنْ الْإِبِلِ وَلَوْ كَانُوا أَهْلَ إبِلٍ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ الْقَائِلِ: تُؤْخَذُ الْإِبِلُ مِنْ أَهْلِهَا خَمْسَ فَرَائِضَ حَالَّةً. قَوْلُهُ: [عَمْدًا] : أَيْ مُطْلَقًا بَلَغَتْ الثُّلُثَ أَمْ لَا. وَقَوْلُهُ: [مَا لَمْ تَبْلُغْ ثُلُثَ دِيَتِهِ] : قَيْدٌ فِي الْخَطَأِ. قَوْلُهُ: [كَمَا لَوْ ضَرَبَ مَجُوسِيٌّ] : مِثَالٌ لِمَا إذَا زَادَ الْعُشْرُ عَلَى ثُلُثِ دِيَةِ الْجَانِي بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَجُوسِيَّ دِيَتُهُ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ دِينَارًا وَثُلُثَا دِينَارٍ، وَعُشْرُ دِيَةِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ خَمْسُونَ دِينَارًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَمْسِينَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ الْجَانِي. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا جَنِينُ الْأَمَةِ] : أَيْ الْكَائِنُ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا الْحُرِّ بِأَنْ كَانَ مِنْ زِنًا أَوْ زَوْجٍ وَلَوْ حُرًّا مُسْلِمًا أَوْ مِنْ سَيِّدِهَا الْعَبْدِ. وَأَمَّا وَلَدُ الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا الْحُرِّ كُلُّ

(عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ) : بَدَلٌ مِنْ " غُرَّةٌ " وَالْوَلِيدَةُ: الْأَمَةُ الصَّغِيرَةُ بَلَغَتْ سَبْعَ سِنِينَ لِتَجَوُّزِ التَّفْرِقَةِ، وَقَوْلُهُ: (تُسَاوِي الْعُشْرَ) : نَعْتٌ لِ " غُرَّةٌ ". . وَمَحِلُّ وُجُوبِ الْعُشْرِ أَوْ الْغُرَّةِ: (إنْ انْفَصَلَ عَنْهَا) كُلُّهُ (مَيِّتًا وَهِيَ حَيَّةٌ. فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ انْفِصَالِهِ) : بِأَنْ انْفَصَلَ كُلُّهُ أَوْ بَاقِيهِ بَعْدَ مَوْتِهَا (فَلَا شَيْءَ فِيهِ) لِانْدِرَاجِهِ فِي الْأُمِّ. (وَإِنْ اسْتَهَلَّ) : أَيْ نَزَلَ صَارِخًا أَوْ رَضَعَ مِنْ كُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً (فَالدِّيَةُ) لَازِمَةٌ فِيهِ (إنْ أَقْسَمُوا) : أَيْ أَوْلِيَاؤُهُ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلِ الْجَانِي. (وَإِنْ مَاتَ عَاجِلًا) بَعْدَ تَحَقُّقِ حَيَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يُقْسِمُوا فَلَا غُرَّةَ وَلَا دِيَةَ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ مَوْتُهُ بِغَيْرِ فِعْلِ الْجَانِي. فَإِنْ مَاتَتْ أُمُّهُ وَهُوَ مُسْتَهِلٌّ وَمَاتَ فَدِيَتَانِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَةٍ كَانَ وَلَدُهَا حُرًّا كَالْغَارَّةِ لِلْحُرِّ وَكَأَمَةِ الْجَدِّ فَفِي ذَلِكَ عُشْرُ دِيَةِ حُرَّةٍ. وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجَةُ بِشَرْطِ حُرِّيَّةِ أَوْلَادِهَا فَهَلْ كَذَلِكَ لِأَنَّ أَوْلَادَهَا أَحْرَارٌ بِالشَّرْطِ أَمْ لَا؟ أَفَادَهُ شب. قَوْلُهُ: [لِتَجَوُّزِ التَّفْرِقَةِ] : أَيْ إنَّمَا اُعْتُبِرَ فِيهَا مَا ذَكَرَ لِأَجْلِ صِحَّةِ التَّفْرِقَةِ. قَوْلُهُ: [مِنْ كُلِّ مَا يَدُلُّ] : بَيَانٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَوْ حَصَلَ أَمْرٌ مِنْ كُلِّ إلَخْ قَوْلُهُ: [وَإِنْ مَاتَ عَاجِلًا] : رُدَّ بِالْمُبَالَغَةِ قَوْلُ أَشْهَبَ بِنَفْيِ الْقَسَامَةِ مَعَ لُزُومِ الدِّيَةِ إذَا مَاتَ عَاجِلًا وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ قَائِلًا: إنَّ مَوْتَهُ بِالْفَوْرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ ضَرْبِ الْجَانَّيْ مَاتَ، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا الْمَوْلُودَ لِضَعْفِهِ يُخْشَى عَلَيْهِ الْمَوْتُ بِأَدْنَى الْأَسْبَابِ فَيُمْكِنُ أَنَّ مَوْتَهُ بِغَيْرِ ضَرْبِ الْجَانِي (اهـ بْن) . قَوْلُهُ: [فَلَا غُرَّةَ] : أَيْ لِأَنَّ الْجَنِينَ إذَا اسْتَهَلَّ صَارَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْيَاءِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ غُرَّةٌ وَعَدَمُ الدِّيَةِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى الْقَسَامَةِ، وَقَدْ امْتَنَعَ الْأَوْلِيَاءُ مِنْهَا، وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ هُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْحَقِّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَالَ بَعْضُ أَشْيَاخِهِ: إنْ لَمْ يُقْسِمُوا لَهُمْ الْغُرَّةُ فَقَطْ كَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ تُرِكَ فَمَاتَ وَأَبَوْا أَنْ يُقْسِمُوا فَلَهُمْ دِيَةُ الْيَدِ، وَرُدَّ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ لِأَنَّ مَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ إلَخْ قَدْ تَقَرَّرَتْ دِيَةُ الْيَدِ بِالْقَطْعِ وَالْجَنِينِ إذَا اسْتَهَلَّ صَارِخًا لَمْ يَتَقَرَّرْ فِيهِ غُرَّةٌ.

(وَإِنْ تَعَمَّدْهُ) : أَيْ الْجَانِي تَعَمَّدَ الْجَنِينَ (بِضَرْبِ بَطْنٍ) لِأُمِّهِ (أَوْ ظَهْرٍ) فَنَزَلَ مُسْتَهِلًّا وَمَاتَ (فَالْقِصَاصُ بِهَا) : أَيْ بِالْقَسَامَةِ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ الْخِلَافِ. وَأَمَّا تَعَمُّدُهُ بِضَرْبِ رَأْسِ أُمِّهِ فَالرَّاجِحُ الدِّيَةُ كَتَعَمُّدِهِ بِضَرْبِ يَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ فِي ضَرْبِ الْبَطْنِ وَالظَّهْرِ وَالرَّأْسِ خِلَافًا: وَقَدْ عَلِمْت الرَّاجِحَ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَالدِّيَةُ. . (وَتَعَدَّدَ الْوَاجِبُ) : مِنْ عُشْرٍ أَوْ غُرَّةٍ إنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ، وَدِيَةٌ إنْ اسْتَهَلَّ (بِتَعَدُّدِهِ) : أَيْ الْجَنِينِ، ثُمَّ إنْ كَانَ خَطَأً وَبَلَغَ الثُّلُثَ، فَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَإِلَّا فَفِي مَالِ الْجَانِي. . (وَوُرِثَ) الْوَاجِبُ مِنْ عُشْرٍ أَوْ غُرَّةٍ (عَلَى الْفَرَائِضِ) الْمَعْلُومَةِ الشَّامِلَةِ لِلْفَرْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [تَعَمَّدَ الْجَنِينَ] : الْمُنَاسِبُ حَذْفُ تَعَمَّدَ الَّتِي زَادَهَا الشَّارِحُ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهَا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ إذَا خَرَجَ حَيًّا وَمَاتَ فَالدِّيَةُ إنْ أَقْسَمُوا مَحِلَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَمِّدًا الْجَنِينَ بِضَرْبٍ إلَخْ، وَأَمَّا إنْ تَعَمَّدَ الْجَنِينَ بِتِلْكَ الْمَوَاضِعِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَسَامَةٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَجْمُوعَةِ (اهـ) قَالَ أَشْهَبُ: لَا قَوَدَ فِيهِ بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْجَانِي بِقَسَامَةٍ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا تَعَمُّدُهُ بِضَرْبِ رَأْسِ أُمِّهِ] : إنَّمَا قِيلَ بِإِلْحَاقِ الرَّأْسِ بِالْبَطْنِ دُونَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ لِأَنَّ فِي الرَّأْسِ عِرْقًا يُسَمَّى عِرْقَ الْأَبْهَرِ وَاصِلٌ إلَى الْقَلْبِ فَمَا أَثَّرَ فِي الرَّأْسِ أَثَّرَ فِيهِ وَمَحِلُّ الْقِصَاصِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْجَانِي الْأَبُ وَإِلَّا فَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ إلَّا إذَا قَصَدَ قَتْلَ الْجَنِينِ بِضَرْبِ الْبَطْنِ خَاصَّةً. قَوْلُهُ: [مِنْ عُشْرٍ أَوْ غُرَّةٍ] إلَخْ: أَيْ فَأَلْ لِلْعَهْدِ الذَّكَرِيِّ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَفِي مَالِ الْجَانِي] : أَيْ بِأَنْ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَلَمْ يَبْلُغْ الثُّلُثَ. قَوْلُهُ: [الْوَاجِبُ مِنْ عُشْرٍ أَوْ غُرَّةٍ] : الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ الْوَاجِبَاتُ مِنْ عُشْرٍ أَوْ غُرَّةٍ أَوْ دِيَةٍ وَلَوْ تَعَدَّدَتْ بِتَعَدُّدِ الْجَنِينِ. قَوْلُهُ: [الْمَعْلُومَةُ] إلَخْ: جَوَابٌ عَنْ سُؤَالِ كَيْفَ يَقُولُ وَرِثْت عَلَى الْفَرَائِضِ مَعَ أَنَّهَا تُورَثُ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ. فَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرَائِضِ الْفَنُّ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ لَا الْفَرْضُ الْمُقَابِلُ لِلتَّعْصِيبِ وَحَيْثُ وَرِثَتْ عَلَى الْفَرَائِضِ فَلِلْأَبِ الثُّلُثَانِ وَلِلْأُمِّ

[الحكومة في جرح لا قصاص فيه]

وَالتَّعْصِيبُ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: تَخْتَصُّ الْأُمُّ إذَا لَمْ تَكُنْ هِيَ الْجَانِيَةُ؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ لَا يَأْخُذُ مِنْهَا؛ أُمًّا أَوْ غَيْرَهَا. . (وَفِي جُرْحٍ لَا قِصَاصَ فِيهِ) : لِكَوْنِهِ خَطَأً - وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ مِنْ الشَّارِعِ - دَلِيلُ مَا يَأْتِي - أَوْ عَمْدًا لَا قِصَاصَ فِيهِ؛ كَعَظْمِ الصَّدْرِ وَكَسْرِ الْفَخِذِ (حُكُومَةٌ) : أَيْ شَيْءٌ مَحْكُومٌ بِهِ يَحْكُمُ بِهِ الْعَارِفُ: (إذَا بَرِئَ) : الْمَجْرُوحُ، وَإِنَّمَا أَخَّرَ لِلْبُرْءِ أَيْ لِلصِّحَّةِ خَوْفَ أَنْ يَئُولَ إلَى النَّفْسِ أَوْ إلَى مَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ. وَالْحُكُومَةُ إذَا بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ؛ وَإِلَّا فَفِيهِ الْأَدَبُ فِي الْعَمْدِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ، وَمَعْنَى الْحُكُومَةِ: أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى فَرْضِ أَنَّهُ رَقِيقٌ سَالِمًا بِعَشْرَةٍ مَثَلًا ثُمَّ مَعِيبًا بِتِسْعَةٍ مَثَلًا فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ هُوَ الْعُشْرُ فِي الْمِثَالِ فَقَدْ نَقَصَتْ الْجِنَايَةُ الْعُشْرَ فَيُلْزِمُهُ الْجَانِيَ بِنِسْبَةِ ذَلِكَ مِنْ الدِّيَةِ؛ كَمِائَةِ دِينَارٍ كَجَنِينِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالثُّلُثُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إخْوَةٌ وَإِلَّا كَانَ لِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَ. قَوْلُهُ: [خِلَافًا لِمَنْ قَالَ تَخْتَصُّ بِهِ الْأُمُّ] : الْقَائِلُ بِهِ رَبِيعَةُ قَائِلًا لِأَنَّهَا كَالْعِوَضِ عَنْ جُزْءٍ مِنْهَا وَخِلَافًا أَيْضًا لِقَوْلِ ابْنِ هُرْمُزَ لِلْأُمِّ وَالْأَبِ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ وَلَوْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ وَكَانَ مَالِكٌ أَوَّلًا يَقُولُ بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ لِلْأَوَّلِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُسْقِطُ لِلْجَنِينِ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ أَوْ الْإِخْوَةُ كَانَ كَالْقَاتِلِ فَلَا يَرِثُ مِنْ الْوَاجِبِ الْمَذْكُورِ شَيْئًا، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَرِثَتْ عَلَى الْفَرَائِضِ لَا يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ: إنَّ الْجَنِينَ إذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ لَا يُورَثُ عَنْهُ مَالٌ يَمْلِكُهُ وَالْمَوْرُوثُ عَنْهُ هُنَا عِوَضُ ذَاتِهِ. [الْحُكُومَة فِي جُرْحٍ لَا قِصَاصَ فِيهِ] قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ مِنْ الشَّارِعِ] : الَّذِي اسْتَحْسَنَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْجُرْحِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ الْقَوْلَ بِأَنَّ عَلَى الْجَانِي أُجْرَةَ الطَّبِيبِ وَثَمَنَ الدَّوَاءِ سَوَاءٌ بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ أَمْ لَا مَعَ الْحُكُومَةِ فِي الْأَوَّلِ، وَأَمَّا مَا فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ فَلَيْسَ فِيهِ سِوَاهُ وَلَوْ بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ سِوَى مُوضِحَةِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ فَيَلْزَمُ مَعَ الْمُقَدَّرِ فِيهَا أُجْرَةُ الطَّبِيبِ. قَوْلُهُ: [أَيْ شَيْءٌ مَحْكُومٌ بِهِ] إلَخْ: أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى تَفْسِيرِ الْحُكُومَةِ بِالشَّيْءِ الْمَحْكُومِ بِهِ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْن عَاشِرِ الْأَنْقَالُ اتَّفَقَتْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكُومَةِ الِاجْتِهَادُ وَإِعْمَالُ الْفِكْرِ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِنْ الْجَانِي وَحِينَئِذٍ فَلَا تُفَسَّرُ بِالْمَحْكُومِ بِهِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ.

الْبَهِيمَةِ إذَا ضَرَبَ أُمَّهُ فَأَلْقَتْهُ فَفِيهَا مَا نَقَصَهَا بِتَقْوِيمِهَا سَلِيمَةً ثُمَّ نَاقِصَةً، وَيَلْزَمُ الضَّارِبَ أَرْشُ مَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ، وَأَمَّا الْجَنِينُ فَإِنْ نَزَلَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الْقِيمَةُ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ فِيهِ. (إلَّا الْجَائِفَةَ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ مِنْ قَوْلِهِ: " وَفِي الْجُرْحِ حُكُومَةٌ "، وَالْجَائِفَةُ مُخْتَصَّةٌ بِالْبَطْنِ وَالظَّهْرِ، عَمْدًا كَانَتْ أَوْ خَطَأً. (وَالْآمَّةُ الْمُخْتَصَّةُ بِالرَّأْسِ: فَثُلُثُ دِيَةٍ) : وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُخَمَّسَةٌ وَمِثْلُهَا الدَّامِغَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِتَقْوِيمِهَا سَلِيمَةً] : أَيْ حَامِلًا. وَقَوْلُهُ: [ثُمَّ نَاقِصَةً] : أَيْ سَاقِطَةَ الْحَمْلِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا إذَا قُوِّمَتْ بِالْجَنِينِ بِعَشْرَةٍ وَبَعْدَ طَرْحِهِ بِخَمْسَةٍ غَرِمَ نِصْفَ قِيمَتِهَا فَقَطْ إنْ نَزَلَ الْجَنِينُ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا وَاسْتَمَرَّ، فَإِنْ نَزَلَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ] : أَيْ لِأَنَّ مَا قَبْلَ إلَّا فِي الْجِرَاحِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مُقَدَّرٌ وَمَا بَعْدَهَا فِيمَا فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ هَكَذَا قَالَ شُرَّاحُ خَلِيلٍ: قَالَ بْن وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ مُتَّصِلٌ لِأَنَّ لَفْظَ الْجِرَاحِ يَشْمَلُ مَا فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ وَمَا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَكُلُّ جُرْحٍ فِيهِ حُكُومَةٌ إلَّا الْجَائِفَةَ فَمَا قَبْلَ إلَّا عُمُومُهُ مُرَادٌ تَنَاوُلًا لَا حُكْمًا مِثْلُ قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا. قَوْلُهُ: [مُخْتَصَّةٌ بِالْبَطْنِ وَالظَّهْرِ] : أَيْ لِأَنَّهَا مَا أَفَضْت لِلْجَوْفِ وَلَوْ قَدْرُ إبْرَةٍ فَمَا خَرَقَ جِلْدَةَ الْبَطْنِ وَلَمْ يَصِلْ لِلْجَوْفِ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا حُكُومَةٌ وَمُرَادُهُ بِالظَّهْرِ وَالْبَطْنِ مَا يَشْمَلُ الْجَنْبَ. قَوْلُهُ: [عَمْدًا كَانَتْ أَوْ خَطَأً] : أَيْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ عَمْدِهَا وَخَطَئِهَا إذْ لَا قِصَاصَ فِيهَا لِعِظَمِ خَطَرِهَا وَمِثْلُهَا يُقَالُ فِي الْآمَّةِ. قَوْلُهُ: [وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُخَمَّسَةٌ] : الْأَوْضَحُ كَمَا هُوَ عِبَارَةُ الْأَصْلِ أَنْ يَقُولَ مُخَمَّسَةٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَهَذَا فِي الْخَطَأِ. وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَمُثَلَّثٌ أَوْ مُرَبَّعٌ كَمَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ كَجُرْحِ الْعَمْدِ. . قَوْلُهُ: [وَمِثْلُهَا الدَّامِغَةُ] : أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِمُغَايَرَتِهَا لِلْأَمَةِ وَقِيلَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِيهَا حُكُومَةٌ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ التَّرَادُفُ فَلِذَا تَرَكَهَا الْمُصَنِّفُ.

(وَ) إلَّا (الْمُوضِحَةَ) خَطَأً (فَنِصْفُ عُشْرٍ) وَفِي عَمْدِهَا الْقِصَاصُ. (وَ) إلَّا (الْمُنَقِّلَةَ) : مُرَادِفَةٌ لِلْهَاشِمَةِ عَلَى الرَّاجِحِ (فَعُشْرٌ وَنِصْفُهُ) : أَيْ نِصْفُ الْعُشْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دِينَارًا، وَهَكَذَا وَلَا يُزَادُ شَيْءٌ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي تِلْكَ الْجِرَاحِ. (وَإِنْ) بَرِئَتْ (بِشَيْنٍ فِيهِنَّ) : كَمَا لَا يَنْقُصُ الْقَدْرُ إنْ بَرِئَتْ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ: الْمُوضِحَةُ فِي الْوَجْهِ أَوْ الرَّأْسِ تَبْرَأُ عَلَى شَيْنٍ؛ فَفِيهَا دِيَتُهَا وَمَا حَصَلَ بِالشَّيْنِ. . (وَالْقِيمَةُ لِلْعَبْدِ) فِي الْجِرَاحَاتِ الْأَرْبَعَةِ (كَالدِّيَةِ) : لِلْحُرِّ؛ فَكَمَا يُؤْخَذُ فِي مُوضِحَةِ الْحُرِّ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ، يُؤْخَذُ فِي مُوضِحَةِ الْعَبْدِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ. وَفِي جَائِفَتِهِ أَوْ آمَّتِهِ ثُلُثُ قِيمَتِهِ وَهَكَذَا. فَإِنْ جُرِحَ فِي يَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ الْجَائِفَةِ إلَخْ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ. -. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِلَّا الْمُنَقِّلَةَ] : أَيْ عَمْدًا أَوْ خَطَأً إذْ لَا قِصَاصَ فِي عَمْدِهَا حَيْثُ كَانَتْ فِي الرَّأْسِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا الَّتِي يَطِيرُ فِرَاشُ الْعَظْمِ مِنْهَا لِأَجْلِ الدَّوَاءِ. وَقَوْلُهُ: [مُرَادِفَةٌ لِلْهَاشِمَةِ] : أَيْ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا أَرَاهَا إلَّا الْمُنَقِّلَةَ. قَوْلُهُ: [وَهَكَذَا] : أَيْ وَمِنْ الْفِضَّةِ أَلْفٌ وَثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ. قَوْلُهُ: [الْمُوضِحَةُ فِي الْوَجْهِ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ. قَوْلُهُ: [الْأَرْبَعَةُ] : أَعْنِي الْجَائِفَةَ وَالْآمَّةَ وَالْمُوضِحَةَ وَالْمُنَقِّلَةَ. قَوْلُهُ: [كَالدِّيَةِ لِلْحُرِّ] : أَيْ فَيُنْسَبُ الْقَدْرُ الْمَأْخُوذُ لِلْقِيمَةِ كَمَا يُنْسَبُ لِلدِّيَةِ وَقَدْ أَوْضَحَ الشَّارِحُ ذَلِكَ بِالْمِثَالِ. قَوْلُهُ: [فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ] : أَيْ بَعْدَ حُصُولِ الْبُرْءِ عَلَى شَيْنٍ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ فِيهَا أَصْلًا. بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ الْأَرْبَعَةِ فَلَا يَنْقُصُ فِيهَا الْقَدْرُ الْمَفْرُوضُ وَإِنْ بَرِئَتْ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ جِرَاحَاتِ الْعَبْدِ الْغَيْرِ الْأَرْبَعَةِ إنْ بَرِئَتْ عَلَى شَيْنٍ يُقَوَّمُ سَالِمًا وَنَاقِصًا وَيُنْظَرُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ وَيُؤْخَذُ لَهُ بِنِسْبَةِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقُولُهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ.

[تعدد الواجب بتعدد الجراح]

(وَتَعَدَّدَ الْوَاجِبُ) : وَهُوَ ثُلُثُ الدِّيَةِ (بِجَائِفَةٍ نَفَذَتْ) : فَإِذَا ضَرَبَهُ فِي ظَهْرِهِ فَنَفَذَتْ لِبَطْنِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ بِجَنْبِهِ فَنَفَذَتْ لِلْجَنْبِ الْآخَرِ فَعَلَيْهِ دِيَةُ جَائِفَتَيْنِ. (كَتَعَدُّدِ مُوضِحَةٍ وَمُنَقِّلَةٍ وَآمَّةٍ إنْ لَمْ تَتَّصِلْ) بِبَعْضِهَا بَلْ كَانَ بَيْنَ كُلِّ وَاحِدَةٍ فَاصِلٌ فَيَتَعَدَّدُ الْوَاجِبُ الْمُتَقَدِّمُ بِتَعَدُّدِهَا، فَإِنْ اتَّصَلَتْ الْمُوضِحَاتُ إلَخْ فَلَا يَتَعَدَّدُ الْوَاجِبُ؛ لِأَنَّهَا وَاحِدَةٌ مُتَّسِعَةٌ إنْ كَانَ بِضَرْبَةِ وَاحِدَةً أَوْ ضَرَبَاتٍ فِي فَوْرٍ. فَلَوْ تَعَدَّدَ بِضَرَبَاتٍ فِي زَمَنٍ مُتَرَاخٍ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ وَلَوْ اتَّصَلَتْ. (وَفِي إذْهَاب الْعَقْلِ) : خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَقَوْلُهُ: " دِيَةٌ " مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، فَإِذَا ضَرَبَهُ فَأَذْهَبَ عَقْلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَعَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَقَدْ قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِذَلِكَ. فَإِنْ ذَهَبَ عَقْلُهُ فِي الشَّهْرِ يَوْمًا فَعَلَيْهِ جُزْءٌ مِنْ ثَلَاثِينَ جُزْءًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [تَعَدَّدَ الْوَاجِبُ بِتَعَدُّدِ الْجِرَاح] قَوْلُهُ: [فَعَلَيْهِ دِيَةُ جَائِفَتَيْنِ] : أَيْ وَذَلِكَ ثُلُثَا دِيَةِ النَّفْسِ. قَوْلُهُ: [إنْ لَمْ تَتَّصِلْ بِبَعْضِهَا] : قَيْدٌ فِيمَا بَعْدَ الْكَافِ وَلَا يُتَصَوَّرُ رُجُوعُهُ لِمَا قَبْلَهَا وَهُوَ نُفُوذُ الْجَائِفَةِ لِجِهَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا الِاتِّصَالُ حَالَةَ النُّفُوذِ فَتَعَدُّدُ الْجَائِفَةِ مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً مُوجِبٌ لِتَعَدُّدِ الْوَاجِبِ. بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْكَافِ فَلَا يُوجِبُهُ إلَّا الِانْفِصَالُ أَوْ تَرَاخِي الضَّرَبَاتِ. قَوْلُهُ: [بَلْ كَانَ بَيْنَ كُلِّ وَاحِدَةٍ فَاصِلٌ] : أَيْ مَوْضِعٌ سَالِمٌ مِنْ ذَاتِ الْجُرْحِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ سَلْخٌ لِلْجِلْدِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: [فَإِنْ اتَّصَلَتْ الْمُوضِحَاتُ] : أَيْ بِأَنْ تَصِيرَ الْمُوضِحَاتُ شَيْئًا وَاحِدًا وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي الْمُنَقِّلَةِ وَالْآمَّةِ. قَوْلُهُ: [فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ] : أَيْ فَلِكُلِّ جُرْحٍ دِيَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ عَلَى حَسَبِهِ. [حُكْم مَا يَنْتِجُ مِنْ عَاهَة] قَوْلُهُ: [خَبَرٌ مُقَدَّمٌ] : أَيْ وَكَذَا الْمَعْطُوفَاتُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [عَمْدًا أَوْ خَطَأً] : أَيْ وَتُرَبَّعُ فِي الْعَمْدِ. قَوْلُهُ: [يَوْمًا] : أَيْ مَعَ لَيْلَةٍ وَإِلَّا لَوْ كَانَ يَوْمًا فَقَطْ أَوْ لَيْلَةً فَقَطْ فَجُزْءٌ مِنْ سِتِّينَ جُزْءًا مِنْ الدِّيَةِ وَلَا يُرَاعَى طُولُ النَّهَارِ وَلَا قِصَرُهُ، وَلَا طُولُ اللَّيْلِ وَلَا قِصَرُهُ، حَيْثُ كَانَ يَعْتَرِيهِ الْجُنُونُ فِي اللَّيْلِ فَقَطْ أَوْ فِي النَّهَارِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ الطَّوِيلَ وَالنَّهَارَ الْقَصِيرَ لَمَّا عَادَ لَهُمَا مَا يَأْتِي فِي لَيْلٍ قَصِيرٍ وَنَهَارٍ طَوِيلٍ

مِنْ الدِّيَةِ وَهَكَذَا بِالنِّسْبَةِ. فَإِنْ وَضَّحَهُ فَأَذْهَبَ عَقْلَهُ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ وَنِصْفُ عُشْرِ دِيَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: دِيَةُ الْعَقْلِ فَقَطْ. . (أَوْ كُلِّ حَاسَّةٍ) : كَالسَّمْعِ أَوْ الْبَصَرِ أَوْ الشَّمِّ أَوْ الذَّوْقِ أَوْ اللَّمْسِ: أَيْ الْقُوَّةُ الْمُنْبَثَّةُ فِي ظَاهِرِ الْبَدَنِ يُدْرِكُ بِهَا الْحَرَارَةَ وَالنُّعُومَةَ وَضِدَّهُمَا عِنْدَ الْمُمَاسَّةِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الْأَصْلِ اللَّمْسَ كَوْنُهُ فِيهِ حُكُومَةٌ بَلْ فِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ؛ فَقِيَاسُهُ عَلَى الذَّوْقِ الَّذِي هُوَ قُوَّةٌ فِي اللِّسَانِ يُدْرِكُ بِهَا الطَّعْمَ ظَاهِرٌ، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ: " كُلِّ حَاسَّةٍ " أَنَّهُ لَوْ أَذْهَبَ بَعْضَ الْحَاسَّةِ لَيْسَ عَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ بَلْ بِحِسَابِهِ مِنْ الدِّيَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQصَارَ أَمْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مُسْتَوِيًا فَلَمْ يُعَوِّلُوا عَلَى طُولٍ وَلَا قِصَرٍ قَالَهُ الزَّرْقَانِيُّ كَذَا فِي بْن. قَوْلُهُ: [وَنِصْفُ عُشْرِ دِيَةٍ] : أَيْ لِلْمُوضِحَةِ إنْ كَانَتْ خَطَأً وَإِلَّا فَالْقِصَاصُ، ثُمَّ إنْ زَالَ الْعَقْلُ فَلَا كَلَامَ وَإِلَّا فَدِيَتُهُ كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: [أَيْ الْقُوَّةُ الْمُنْبَثَّةُ فِي ظَاهِرِ الْبَدَنِ] : تَفْسِيرٌ لِلْمَسِّ. قَوْلُهُ: [مَنْ تَرَكَ الْأَصْلَ] : أَيْ خَلِيلٍ. قَوْلُهُ: [فَقِيَاسُهُ عَلَى الذَّوْقِ] : أَيْ لِأَنَّ شُرَّاحَ خَلِيلٍ ذَكَرُوا أَنَّهُ مَقِيسٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [بَلْ بِحِسَابِهِ مِنْ الدِّيَةِ] : أَيْ فَإِذَا أَذْهَبَ بَعْضَ السَّمْعِ اُخْتُبِرَ نُقْصَانُهُ حَيْثُ ادَّعَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ النَّقْصَ مِنْ إحْدَى أُذُنَيْهِ بِأَنْ يُصَاحَ مِنْ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ وَوَجْهُ الصَّائِحِ لِوَجْهِهِ مَعَ سَدِّ الصَّحِيحَةِ سَدًّا مُحْكَمًا وَقْتَ سُكُونِ الرِّيحِ، وَيَكُونُ النِّدَاءُ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ ثُمَّ يَقْرُبُ مِنْهُ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَسْمَعَ، أَوْ يُصَاحُ مِنْ مَكَان قَرِيبٍ ثُمَّ يَتَبَاعَدُ الصَّائِحُ حَتَّى يَنْقَطِعَ السَّمَاعُ ثُمَّ تُفْتَحُ الصَّحِيحَةُ وَتُسَدُّ الْأُخْرَى وَيُصَاحُ بِهِ كَذَلِكَ، ثُمَّ يَنْظُرُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ مَا نَقَصَ بِالنِّسْبَةِ لِسَمْعِ الصَّحِيحَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي الْأُذُنَيْنِ مَعًا اُعْتُبِرَ سَمْعُ وَسَطٍ لَا فِي غَايَةِ الْحِدَّةِ وَلَا الثِّقَلِ مِنْ شَخْصٍ مِثْلِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي السِّنِّ وَالْمِزَاجِ فَيُوقَفُ فِي مَكَان وَيُصَاحُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ حَتَّى يُعْلَمَ انْتِهَاءُ سَمْعِهِ ثُمَّ يُوقَفُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مَكَانَهُ فَيُصَاحُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ وَيُنْظَرُ مَا نَقَصَ مِنْ سَمْعِهِ عَنْ سَمْعِ الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ وَيُؤْخَذُ مِنْ الدِّيَةِ تِلْكَ النِّسْبَةُ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُعْلَمُ سَمْعُهُ قَبْلَ الْجِنَايَةِ وَإِلَّا عُمِلَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ قُوَّةٍ أَوْ ضَعْفٍ بِلَا اعْتِبَارِ سَمْعٍ وَسَطٍ وَمَحِلُّ أَخْذِهِ الدِّيَةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ إنْ حَلَفَ عَلَى مَا ادَّعَى وَلَمْ يَخْتَلِفْ. قَوْلُهُ عِنْدَ اخْتِلَافِ

(أَوْ النُّطْقِ) : صَوْتٌ بِحُرُوفٍ فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ قَوْلِهِ: (أَوْ الصَّوْتِ) لِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِالسَّاذَجِ. . (أَوْ قُوَّةِ الْجِمَاعِ) : بِأَنْ فَعَلَ مَعَهُ فِعْلًا كَضَرْبِهِ أَبْطَلَ إنْعَاظَهُ. وَلَا تَنْدَرِجُ فِيهِ دِيَةُ الصُّلْبِ وَإِنْ كَانَتْ قُوَّةُ الْجِمَاعِ فِيهِ؛ فَلَوْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَأَبْطَلَ إنْعَاظَهُ فَعَلَيْهِ دِيَتَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجِهَاتِ وَإِلَّا فَهَدَرٌ، فَإِنْ كَانَ النَّقْصُ فِي إحْدَى الْعَيْنَيْنِ أُغْلِقَتْ الصَّحِيحَةُ وَيُؤْمَرُ بِالنَّظَرِ مِنْ بُعْدٍ ثُمَّ يُقَرَّبُ مِنْهُ حَتَّى يُعْلَمَ انْتِهَاءُ مَا أَبْصَرَتْ ثُمَّ تُغْلَقُ الْمُصَابَةُ وَتُفْتَحُ الصَّحِيحَةُ وَيُفْعَلُ بِهَا مِثْلُ الْمُصَابَةِ وَيُنْظَرُ فِي النِّسْبَةِ، فَإِنْ جَنَى عَلَيْهِمَا وَفِيهِمَا بَقِيَّةٌ اُعْتُبِرَ بَصَرٌ وَسَطٌ وَلَهُ مِنْ الدِّيَةِ بِنِسْبَةِ ذَلِكَ بِشَرْطِ الْحَلِفِ وَعَدَمِ اخْتِلَافِ الْقَوْلِ، وَهَذَا مَا لَمْ يُعْلَمُ بَصَرُهُ قَبْلَ الْجِنَايَةِ وَإِلَّا عُمِلَ عَلَيْهِ وَجُرِّبَ الشَّمُّ بِرَائِحَةٍ حَادَّةٍ مُنْفَرِدَةِ الطَّبْعِ كَرَائِحَةِ جِيفَةٍ وَأُمِرَ بِالْمُكْثِ عِنْدَهَا مِقْدَارًا مِنْ الزَّمَنِ وَهَذَا إنْ ادَّعَى عَدَمَهُ بِالْمَرَّةِ وَإِلَّا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَنُسِبَ لِشَمٍّ وَسَطٍ جُرِّبَ نَقْصُ الْمَنْطِقِ بِالْكَلَامِ بِاجْتِهَادِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ مِنْ ثُلُثٍ أَوْ رُبْعٍ، فَإِنْ شَكُّوا أَوْ اخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ النَّقْصِ عُمِلَ بِالْأَحْوَطِ وَالظَّالِمُ أَحَقُّ بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ وَجُرِّبَ الذَّوْقُ بِالشَّيْءِ الْمُرِّ الَّذِي لَا يُصْبَرُ عَلَيْهِ عَادَةً فَإِنْ ادَّعَى النَّقْصَ صُدِّقَ بِيَمِينٍ وَنُسِبَ لِذَوْقٍ وَسَطٍ وَجُرِّبَ الْعَقْلُ بِالْخَلَوَاتِ حَيْثُ شَكَّ فِي زَوَالِ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ بِأَنْ يُحْبَسَ وَيُتَجَسَّسَ عَلَيْهِ فِيهَا هَلْ يَفْعَلُ أَفْعَالَ الْعُقَلَاءِ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّنَا نَجْلِسُ مَعَهُ وَنُحَادِثُهُ وَنُسَايِرُهُ فِي الْكَلَامِ حَتَّى نَعْلَمَ خِطَابَهُ وَجَوَابَهُ، فَإِنْ عَلِمَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ مَا نَقَصَ مِنْهُ بِالْجِنَايَةِ عُمِلَ بِذَلِكَ، وَإِنْ شَكُّوا أَوْ اخْتَلَفُوا عُمِلَ بِالْأَحْوَطِ وَالظَّالِمُ أَحَقُّ بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْأَكْثَرِ فِي الْعَمْدِ وَعَلَى الْأَقَلِّ فِي الْخَطَأِ (اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ الصَّوْتُ] : أَيْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَهَابِ الْأَخَصِّ ذَهَابُ الْأَعَمُّ فَلِذَلِكَ عَطَفَ الْأَعَمَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [كَضَرْبِهِ] : مِثَالٌ لِلْفِعْلِ. وَقَوْلُهُ: [أَبَطَلُ] : صِفَةٌ لِلْفِعْلِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الضَّرْبِ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ السِّحْرَ. قَوْلُهُ: [وَلَا تَنْدَرِجُ] إلَخْ: سَيَأْتِي وَجْهُهُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا الْمَنْفَعَةَ بِمَحِلِّهَا.

(أَوْ نَسْلِهِ) : بِأَنْ فَعَلَ مَعَهُ فِعْلًا أَفْسَدَ مَنِيَّهُ، فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرَ (دِيَةٌ) . وَشَبَّهَ فِي لُزُومِ الدِّيَةِ قَوْلَهُ: (كَتَجْذِيمِهِ) : أَيْ إذَا فَعَلَ مَعَهُ فِعْلًا أَحْدَثَ فِي بَدَنِهِ جُذَامًا: دَاءٌ يَأْكُلُ الْأَعْضَاءَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى. (أَوْ تَبْرِيصِهِ أَوْ تَسْوِيدِهِ) : أَيْ تَسْوِيدِ جَسَدِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ غَيْرَ أَسْوَدَ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْبَرَصِ؛ فَإِنْ سَوَّدَهُ وَجَذَّمَهُ فَدِيَتَانِ. (أَوْ قِيَامِهِ) وَحْدَهُ (أَوْ جُلُوسِهِ) : مَعَ ذَهَابِ قِيَامِهِ. أَمَّا لَوْ أَذْهَبَ بِفِعْلِ جُلُوسِهِ وَحْدَهُ فَفِيهِ حُكُومَةٌ، كَبَعْضِ قِيَامِهِ وَجُلُوسِهِ. . (وَمَارِنِ الْأَنْفِ) : مَا لَانَ مِنْهُ دُونَ الْعَظْمِ، وَيُسَمَّى أَرْنَبَةً، وَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ. . (وَالْحَشَفَةِ) إذَا قَطَعَهَا شَخْصٌ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ. . (وَفِي) قَطْعِ (بَعْضِهِمَا) : أَيْ الْمَارِنِ وَالْحَشَفَةِ (بِحِسَابِهَا) : أَيْ الدِّيَةُ (مِنْهُمَا) : أَيْ مِنْ الْمَارِنِ وَالْحَشَفَةِ، فَيُقَاسُ الْمَارِنُ لَا الْأَنْفُ، وَتُقَاسُ الْحَشَفَةُ لَا الذَّكَرُ، كَمَا قَالَ: (لَا) يُقَاسُ (مِنْ أَصْلِهِ) وَأَصْلُ الْمَارِنِ: الْأَنْفُ، وَأَصْلُ الْحَشَفَةِ: الذَّكَرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَفْسَدَ مَنِيَّهُ] : أَيْ بِحَيْثُ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ نَسْلٌ. قَوْلُهُ: [كَتَجْذِيمِهِ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ الْجُذَامُ جَسَدَهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ تَسْوِيدُهُ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْبَرَصِ] : أَيْ لِأَنَّ الْبَرَصَ مِنْهُ أَبْيَضُ وَمِنْهُ أَسْوَدُ. قَوْلُهُ: [مَعَ ذَهَابِ قِيَامِهِ] : أَيْ بِأَنْ صَارَ مُلْقًى. قَوْلُهُ: [فَفِيهِ حُكُومَةٌ] : أَيْ خِلَافًا لِقَوْلِ التَّتَّائِيِّ إنَّ فِيهِ الدِّيَةَ. قَوْلُهُ: [كَبَعْضِ قِيَامِهِ وَجُلُوسِهِ] : أَيْ بَعْضِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَأَوْلَى فِي الْحُكُومَةِ بَعْضُ أَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ: [وَيُسَمَّى أَرْنَبَةً] : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَيُقَالُ لَهَا الرَّوْثَةُ بِرَاءٍ مُهْمَلَةٍ فَوَاوٍ فَثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ. قَوْلُهُ: [وَالْحَشَفَةُ] : هِيَ رَأْسُ الذَّكَرِ. قَوْلُهُ: [وَأَصْلُ الْمَارِنِ الْأَنْفُ] : أَيْ وَأَمَّا قَطْعُ بَاقِي الْأَنْفِ وَالذَّكَرِ بَعْدَ قَطْعِ الْأَرْنَبَةِ وَالْحَشَفَةِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ كَمَا يَأْتِي

لِأَنَّ بَعْضَ مَا فِيهِ الدِّيَةُ، إنَّمَا نُسِبَ إلَيْهِ لَا إلَى أَصْلِهِ. وَالرَّاجِحُ أَنَّ فِي قَطْعِ ذَكَرِ الْعِنِّينِ دِيَةً، وَقِيلَ: حُكُومَةٌ، وَأَمَّا ذَكَرُ الْخُنْثَى فَفِيهِ نِصْفُ دِيَةٍ وَنِصْفُ حُكُومَةٍ. (وَالْأُنْثَيَيْنِ) : فِي قَطْعِهِمَا أَوْ سَلِّهِمَا أَوْ رَضِّهِمَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَفِي الْوَاحِدَةِ نِصْفُ دِيَةٍ. وَفِي قَطْعِهِمَا مَعَ الذَّكَرِ دِيَتَانِ. . (وَشَفْرَيْ الْمَرْأَةِ) : أَيْ قَطْعُ لَحْمِ جَانِبَيْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ (إنْ بَدَا الْعَظْمُ) فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ الْعَظْمُ فَحُكُومَةٌ. وَفِي أَحَدِ الشُّفْرَيْنِ إنْ بَدَا الْعَظْمُ نِصْفُ دِيَةٍ وَالشُّفْرَانِ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ: اللَّحْمَانِ الْمُحِيطَانِ بِالْفَرْجِ الْمُغَطِّيَانِ الْعَظْمَ. (وَثَدْيَيْهَا) إذَا قَطَعَهُمَا شَخْصٌ مِنْ أَصْلِهِمَا عَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، أَبْطَلَ اللَّبَنَ أَوْ لَا، شَابَّةً أَوْ عَجُوزًا. أَمَّا ثَدْيُ الرَّجُلِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ. (أَوْ حَلَمَتَيْهِمَا) : أَيْ فِي قَطْعِ الْحَلَمَتَيْنِ (إنْ أَبْطَلَ اللَّبَنَ) دِيَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [ذَكَرُ الْعِنِّينِ] : أَيْ وَهُوَ مَنْ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْجِمَاعُ لِصِغَرِهِ، أَوْ لِعَدَمِ إنْعَاظِهِ لِكِبَرٍ أَوْ عِلَّةٍ عَنْ جَمِيعِ النِّسَاءِ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: لِلذَّكَرِ سِتَّةُ أَحْوَالٍ يَجِبُ الدِّيَةُ فِي ثَلَاثَةٍ وَتَسْقُطُ فِي حَالَةٍ وَتَخْتَلِفُ فِي اثْنَتَيْنِ، فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي قَطْعِهِ جُمْلَةً أَوْ الْحَشَفَةِ وَحْدَهَا أَوْ إبْطَالِ النَّسْلِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْطُلْ الْإِنْعَاظُ وَتَسْقُطُ إذَا قُطِعَ بَعْدَ قَطْعِ الْحَشَفَةِ، وَفِيهِ حِينَئِذٍ حُكُومَةٌ وَيَخْتَلِفُ إذَا قُطِعَ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ النَّسْلُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الِاسْتِمْتَاعِ أَوْ عَاجِزٌ عَنْ إتْيَانِ النِّسَاءِ لِصِغَرِ ذَكَرِهِ أَوْ لِعِلَّةٍ كَالشَّيْخِ الْفَانِي فَقِيلَ دِيَةٌ وَقِيلَ حُكُومَةٌ وَالْقَوْلَانِ لِمَالِكٍ. قَوْلُهُ: [فَفِيهِ نِصْفُ دِيَةٍ وَنِصْفُ حُكُومَةٍ] : أَمَّا نِصْفُ الدِّيَةِ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ وَنِصْفُ الْحُكُومَةِ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْحُكُومَةِ هُنَا مَا يَجْتَهِدُ فِيهِ الْإِمَامُ لِهَذَا الْقَدْرِ لَا مَا سَبَقَ فِي تَقْوِيمِهِ لِأَنَّ قَطْعَ ذَكَرِ الْمَرْأَةِ لَا يَنْقُصُهَا. قَوْلُهُ: [فِي قَطْعِهِمَا أَوْ سَلِّهِمَا] : أَيْ خَطَأً. وَقَوْلُهُ: [أَوْ رَضِّهِمَا] : أَيْ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لِأَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ فِي الرَّضِّ. قَوْلُهُ: [وَفِي الْوَاحِدَةِ نِصْفُ دِيَةٍ] : أَيْ وَالْيُمْنَى وَالْيُسْرَى عِنْدَ مَالِكٍ سَوَاءٌ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْيُسْرَى الدِّيَةُ كَامِلَةٌ لِأَنَّ النَّسْلَ مِنْهَا خَاصَّةً. قَوْلُهُ: [وَفِي قَطْعِهِمَا مَعَ الذَّكَرِ] : أَيْ خَطَأً وَأَمَّا عَمْدًا فَفِيهِ الْقِصَاصُ.

كَامِلَةٌ، وَمِثْلُ إبْطَالِ اللَّبَنِ إفْسَادُهُ؛ فَالدِّيَةُ لِقَطْعِ اللَّبَنِ لَا لِقَطْعِ الْحَلَمَتَيْنِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَبْطَلَ اللَّبَنَ بِدُونِ قَطْعٍ فِيهِ الدِّيَةُ، وَلَوْ قَطَعَهُمَا فَلَمْ يُفْسِدْ اللَّبَنَ فَحُكُومَةٌ. فَلَوْ قَطَعَ حَلَمَتَيْ صَغِيرَةٍ فَيُسْتَأْنَى بِهَا لِزَمَنِ الْإِيَاسِ مِنْ اللَّبَنِ وَتَمَامِ سِنِّهِ، فَإِنْ أَيِسَ فَدِيَةٌ. (أَوْ عَيْنِ أَعْوَرَ) : فِيهَا الدِّيَةُ كَمَا تَقَدَّمَ. . (بِخِلَافِ كُلِّ زَوْجٍ) كَيَدَيْنِ وَرِجْلَيْنِ بِخِلَافِ الْأُذُنَيْنِ كَمَا يَأْتِي: (فَفِي) أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا وَفِيهِمَا الدِّيَةُ كَامِلَةٌ (إلَّا الْأُذُنَيْنِ) : فَلَيْسَ فِي قَطْعِهِمَا دِيَةٌ بَلْ حُكُومَةٌ حَيْثُ فِي السَّمْعِ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ فَلِذَا اسْتَثْنَاهُمَا وَقَالَ: (فَحُكُومَةٌ) كَلِسَانِ الْأَخْرَسِ فِي قَطْعِهِ حُكُومَةٌ بِالِاجْتِهَادِ، حَيْثُ لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّ بِهِ ذُوقَا وَإِلَّا فَالدِّيَةُ. . (وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ) : الَّتِي لَا نَفْعَ بِهَا أَصْلًا، فِي قَطْعِهَا حُكُومَةٌ. فَإِنْ كَانَ بِهَا نَفْعٌ فَكَالسَّلِيمَةِ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةُ. وَالسَّاعِدُ فِي قَطْعِهِ حُكُومَةٌ: وَهُوَ مَا عَدَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمِثْلُ إبْطَالِ اللَّبَنِ إفْسَادُهُ] : أَيْ فَمُرَادُهُ بِالْإِبْطَالِ قَطْعُهُ رَأْسًا وَبِالْإِفْسَادِ صَيْرُورَتُهُ دَمًا مَثَلًا. قَوْلُهُ: [فَإِنْ أَيِسَ فَدِيَةٌ] : أَيْ وَإِنْ حَصَلَ اللَّبَنُ فِي مُدَّةِ الِاسْتِينَاءِ فَفِيهِمَا حُكُومَةٌ. قَوْلُهُ: [كَمَا تَقَدَّمَ] : أَيْ مِنْ أَنَّهُ لِلسَّنَةِ. قَوْلُهُ: [فَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا] : وَالْفَرْقُ بَيْنَ عَيْنِ الْأَعْوَرِ وَالْوَاحِدِ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ مِمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْعَيْنَ تُقَوَّمُ مَقَامَ الْعَيْنَيْنِ فِي مُعْظَمِ الْغَرَضِ. بِخِلَافِ إحْدَى الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَالْيَدُ الشَّلَّاءُ] : مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ قَدَّرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فِي قَطْعِهَا حُكُومَةٌ، وَكَذَا مَا عُطِفَ عَلَيْهِ فَالْمُنَاسِبُ رَفْعُ أَلْيَتَيْ الْمَرْأَةِ بِالْأَلِفِ، وَمِثْلُ الْيَدِ الشَّلَّاءِ الرِّجْلُ الشَّلَّاءُ وَظَاهِرُهُ كَغَيْرِهِ أَنَّ الْحُكُومَةَ فِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَمِثْلُهَا الرِّجْلُ وَلَوْ كَانَ الْجَانِي مُتَعَمِّدًا وَلَهُ مِثْلُ ذَلِكَ، لَكِنَّ فِي شب أَنَّ هَذَا عِنْدَ عَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ وَإِلَّا فَفِي الْعَمْدِ الْقِصَاصُ. قَوْلُهُ: [فَكَالسَّلِيمَةِ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ] : أَيْ لِقَوْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيُؤْخَذُ عُضْوٌ قَوِيٌّ بِضَعِيفٍ.

الْأَصَابِعَ إلَى الْمَنْكِبِ، وَسَوَاءٌ ذَهَبَ الْكَفُّ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ جِنَايَةٍ، أُخِذَ لَهَا عَقْلٌ أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَ السَّاعِدُ فِيهِ أُصْبُعٌ فَدِيَتُهُ وَالْحُكُومَةُ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ فَدِيَةُ الْأَصَابِعِ فَقَطْ. (وَأَلْيَتَا الْمَرْأَةِ) : فِي قَطْعِهِمَا خَطَأً حُكُومَةٌ قِيَاسًا عَلَى أَلْيَتَيْ الرَّجُلِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: فِيهِمَا الدِّيَةُ، أَمَّا عَمْدًا فَالْقِصَاصُ. . (وَسِنٍّ مُضْطَرِبَةٍ جِدًّا) إذَا أَتْلَفَهَا شَخْصٌ فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ، وَلَوْ كَانَ أَخَذَ مِمَّنْ صَيَّرَهَا مُضْطَرِبَةً عَقْلًا عَلَى الرَّاجِحِ، إذْ فِي بَقَائِهَا جَمَالٌ، أَمَّا لَوْ كَانَ يُرْجَى ثُبُوتُ الْمُضْطَرِبَةِ فَفِي قَلْعِهَا دِيَتُهَا. . (وَعَسِيبِ حَشَفَةٍ) : أَيْ فِي قَطْعِ قَصَبَةِ الذَّكَرِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ حَشَفَةٌ لِقَطْعِهَا قِيلَ: حُكُومَةٌ. وَعَلِمْت أَنَّ قَطْعَ الْحَشَفَةِ فِيهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ، وَإِنْ اسْتَظْهَرَ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ فِي الْعَسِيبِ دِيَةً. . (وَحَاجِبٍ) : أَيْ فِي إزَالَةِ شَعْرِهِ، حُكُومَةٌ، وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا لِأَنَّ فِي الشَّعْرِ جَمَالًا: " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مَنْ كَانَ حَاجِبُهُ يَزِينُهُ وَلَيْسَ فِي الْخَلْقِ مِثْلُهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ فَدِيَةُ الْأَصَابِعِ فَقَطْ] : ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْأَكْثَرِيَّةُ بِأُنْمُلَةٍ وَلَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأَكْثَرِيَّةَ تَكُونُ بِأُصْبُعٍ أُخْرَى قَالَ شب: فَمَنْ قَطَعَ يَدَ شَخْصٍ فِيهَا أُصْبُعَانِ فَعَلَيْهِ دِيَتُهُمَا فَقَطْ سَوَاءً قَطَعَهُمَا مِنْ الْكُوعِ أَوْ مِنْ الْمَنْكِبِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ دِيَتِهِمَا وَمَعَ قَطْعِ يَدِ شَخْصٍ فِيهَا أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْأُصْبُعِ، وَحُكُومَةٌ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأُصْبُعِ سَوَاءٌ قَطَعَهَا مِنْ الْكُوعِ أَوْ مِنْ الْمِرْفَقِ أَوْ مِنْ الْمَنْكِبِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [وَقَالَ أَشْهَبُ: فِيهِمَا الدِّيَةُ] : أَيْ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ بُدُوِّ الْعَظْمِ وَعَدَمِهِ كَمَا فَصَلُوا فِي شُفْرَيْهَا. قَوْلُهُ: [فَفِي قَلْعِهَا دِيَتُهَا] أَيْ إنْ كَانَ خَطَأً فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَفِيهِ الْقِصَاصُ. قَوْلُهُ: [وَعَسِيبِ حَشَفَةٍ] : إطْلَاقُ الْعَسِيبِ عَلَى الْبَاقِي بَعْدَ الْحَشَفَةِ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ إذْ قَصَبَةُ الذَّكَرِ، إنَّمَا يُقَالُ لَهَا عَسِيبٌ مَعَ وُجُودِ الْحَشَفَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ فِي عَسِيبِ الذَّكَرِ حُكُومَةً نَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. قَوْلُهُ: [أَنَّ فِي الْعَسِيبِ دِيَةً] : أَيْ لِأَنَّهُ يُجَامِعُ بِهِ فَتَحْصُلُ بِهِ اللَّذَّةُ. قَوْلُهُ: [أَيْ فِي إزَالَةِ شَعْرِهِ حُكُومَةٌ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً.

(وَهُدْبٍ) بِضَمِّ الْهَاءِ: الشَّعْرُ عَلَى شَفْرِ الْعَيْنِ. (فِي الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ) : " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مَنْ كَانَ أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ جَمِيلَهَا بِدُونِ اكْتِحَالٍ ". وَمَحِلُّ الْحُكُومَةِ فِي شَعْرِ الْحَاجِبِ وَالْهُدْبِ: إنْ لَمْ يُنْبِتْ، وَإِلَّا فَفِي عَمْدِهِ الْأَدَبُ فَقَطْ. . (وَظُفْرٍ) : فِي قَلْعِهِ خَطَأً حُكُومَةٌ (وَفِي عَمْدِهِ) : أَيْ قَطْعُ الظُّفْرِ (الْقِصَاصُ) بِخِلَافِ عَمْدِ غَيْرِهِ فَالْأَدَبُ. . (وَإِفْضَاءٍ) بِالْجَرِّ: عَطْفٌ عَلَى مَا فِيهِ الْحُكُومَةُ، وَهُوَ إزَالَةُ الْحَاجِزِ الَّذِي بَيْنَ مَحِلِّ الْبَوْلِ وَالْجِمَاعِ، وَمِثْلُهُ اخْتِلَاطُ مَحِلِّ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ. وَمَعْنَى الْحُكُومَةِ أَنْ يَغْرَمَ مَا عَابَهَا عِنْدَ الْأَزْوَاجِ بِأَنْ يُقَالَ: مَا صَدَاقُهَا عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُفْضَاةٍ؟ فَيَغْرَمُ النَّقْصَ. ثُمَّ إنْ كَانَ الْفِعْلُ مِنْ الزَّوْجِ فَيُلْحَقُ بِالْخَطَأِ لِإِذْنِ الشَّارِعِ فِي الْفِعْلِ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِنْ بَلَغَ الثُّلُثَ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ وَإِلَّا فُضَّ مَالُهُ، وَاسْتَظْهَرَ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ فِي الْإِفْضَاءِ الدِّيَةَ. (وَلَا يَنْدَرِجُ) الْإِفْضَاءُ (تَحْتَ مَهْرٍ) : بَلْ يَغْرَمُ الْحُكُومَةَ مَعَ الصَّدَاقِ زَوْجًا أَوْ أَجْنَبِيًّا غَصَبَهَا وَوَطِئَهَا. . (بِخِلَافِ) إزَالَةِ (الْبَكَارَةِ) مِنْ الزَّوْجِ أَوْ الْغَاصِبِ فَلَا يَغْرَمُ لِلْبَكَارَةِ شَيْئًا زَائِدًا عَلَى الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْوَطْءُ إلَّا بِإِزَالَتِهَا فَهِيَ مِنْ لَوَاحِقِ الْوَطْءِ بِخِلَافِ الْإِفْضَاءِ. (إلَّا) إنْ أَزَالَهَا (بِأُصْبُعِهِ) فَلَا تَنْدَرِجُ فِي الْمَهْرِ زَوْجًا أَوْ أَجْنَبِيًّا، فَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ الْحُكُومَةُ وَلَوْ لَمْ يَطَأْ، وَهِيَ مَعَ الْمَهْرِ إنْ وَطِئَ أَمَّا الزَّوْجُ فَيَلْزَمُهُ أَرْشُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِخِلَافِ عَمْدِ غَيْرِهِ فَالْأَدَبُ] : مُرَادُهُ بِالْغَيْرِ شَعْرُ الْحَاجِبِ وَالْهُدْبِ. وَقَوْلُهُ: [فَالْأَدَبُ] : أَيْ مَعَ الْحُكُومَةِ إنْ لَمْ يُنْبِتْ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [بِالْجَرِّ] : صَوَابُهُ الرَّفْعُ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْيَدِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ. قَوْلُهُ: [وَاسْتَظْهَرَ فِي التَّوْضِيحِ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَّلَهُ ابْنُ شَعْبَانَ بِأَنَّهُ يَمْنَعُهَا مِنْ اللَّذَّةِ، وَلَا تُمْسِكُ الْوَدْيَ وَلَا الْبَوْلَ إلَى الْخَلَاءِ، وَلِأَنَّ مُصِيبَتَهَا أَعْظَمُ مِنْ قَطْعِ الشُّفْرَيْنِ، وَقَدْ نَصُّوا عَلَى وُجُوبِ الدِّيَةِ فِيهِمَا كَذَا فِي بْن.

الْبَكَارَةِ الَّتِي أَزَالَهَا بِأُصْبُعِهِ مَعَ نِصْفِ الصَّدَاقِ حَيْثُ طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ، فَإِنْ بَنَى وَطَلَّقَ فَتَنْدَرِجُ فِي الْمَهْرِ، فَإِنْ أَمْسَكَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِزَالَةُ الْبَكَارَةِ بِالْأُصْبُعِ حَرَامٌ فَيُؤَدَّبُ الزَّوْجُ عَلَيْهِ. . (وَفِي) قَطْعِ (كُلِّ أُصْبُعٍ) : خَطَأً مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ إبْهَامًا أَوْ خِنْصَرًا مِنْ أُنْثَى أَوْ ذَكَرٍ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ (عُشْرُهَا) بِضَمِّ الْعَيْنِ: أَيْ عُشْرُ دِيَةِ مَنْ قُطِعَتْ أُصْبُعُهُ، فَيَشْمَلُ الْكِتَابِيَّ وَالْمَجُوسِيَّ. وَالْإِبِلَ وَغَيْرَهَا مُخَمَّسَةً وَمُرَبَّعَةً. . (وَ) فِي قَطْعِ (الْأُنْمُلَةِ) خَطَأً (ثُلُثُهُ) : أَيْ ثُلُثُ الْعُشْرِ: وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثُ بَعِيرٍ مِنْ الْإِبِلِ (إلَّا فِي الْإِبْهَامِ) مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ (فَنِصْفٌ) : أَيْ نِصْفُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ وَهُوَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ خَمْسُونَ دِينَارًا، وَهَذِهِ إحْدَى الْمُسْتَحْسِنَاتِ الْأَرْبَعِ. وَتَقَدَّمَ الشُّفْعَةُ فِي الشَّجَرِ أَوْ الْبِنَاءِ بِأَرْضٍ مُحْبَسَةٍ أَوْ مُعَارَةٍ وَالشُّفْعَةُ فِي الثِّمَارِ، وَالرَّابِعَةُ تَأْتِي: وَهِيَ الْقِصَاصُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فِي جُرْحِ الْعَمْدِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [حَيْثُ طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ] : أَيْ وَيُتَصَوَّرُ فِعْلُهُ بِهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ إنْ فَعَلَهُ بِحَضْرَةِ نِسَاءٍ وَلَمْ يَحْصُلْ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ خَلْوَةٌ. قَوْلُهُ: [خَطَأً] : مِثْلُهُ الْعَمْدُ الَّذِي لَا قِصَاصَ فِيهِ، إمَّا لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ أَوْ لِلْعَفْوِ عَلَى الدِّيَةِ. قَوْلُهُ: [مِنْ أُنْثَى أَوْ ذَكَرٍ] : لَا يُقَالُ شُمُولُهُ لِلْأُنْثَى يُنَافِي مَا سَيَأْتِي مِنْ مُسَاوَاةِ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ لِثُلُثِ دِيَتِهِ فَتَرْجِعُ لِدِيَتِهَا لِأَنَّنَا نَقُولُ مَا يَأْتِي كَالِاسْتِثْنَاءِ مِمَّا هُنَا. قَوْلُهُ: [وَمُرَبَّعَةً] : أَيْ فِي الْعَمْدِ الَّذِي لَا قِصَاصَ فِيهِ، لَكِنَّ الَّذِي فِي ح نَقْلًا عَنْ النَّوَادِرِ أَنَّ دِيَةَ الْأَصَابِعِ وَالْأَسْنَانِ وَالْجِرَاحِ تُؤْخَذُ مُخَمَّسَةً وَلَا تُرَبَّعُ دِيَةُ الْعَمْدِ إلَّا فِي النَّفْسِ. وَفِي الْحَقِيقَةِ هُمَا طَرِيقَتَانِ. قَوْلُهُ [وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثُ بَعِيرٍ] : أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ الذَّكَرِ. قَوْلُهُ: [إلَّا فِي الْإِبْهَامِ] : أَيْ خِلَافًا لِبَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ حَيْثُ قَالُوا: فِي الْأُنْمُلَةِ ثُلُثُ الْعُشْرِ وَلَوْ فِي الْإِبْهَامِ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ] : أَيْ بِالنَّسِيَةِ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ الذَّكَرِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْله: [أَوْ خَمْسُونَ دِينَارًا] : أَيْ لِأَهْلِ الذَّهَبِ وَسِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ لِأَهْلِ الْفِضَّةِ. قَوْلُهُ: [الْمُسْتَحْسَنَاتُ الْأَرْبَعُ] : تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي بَابِ الشُّفْعَةِ.

[تتعدد الدية بتعدد الجناية]

(وَفِي) ، صَحِيحِ (كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ الْعُشْرِ) هَذَا يَشْمَلُ الْمُسْلِمَ وَغَيْرَهُ. فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْأَصْلِ. (بِقَلْعٍ) مِنْ أَصْلِهَا أَوْ لَمْ يَبْقَ إلَّا الْمُغَيَّبُ فِي اللَّحْمِ (أَوْ اسْوِدَادٍ) بَعْدَ أَنْ كَانَتْ بَيْضَاءَ فَصَارَتْ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا سَوْدَاءُ؛ لِأَنَّهُ أَذْهَبَ جَمَالَهَا. وَمِثْلُهَا إذَا اسْوَدَّتْ ثُمَّ انْقَلَعَتْ (أَوْ بِحُمْرَةٍ أَوْ صُفْرَةٍ) بَعْدَ بَيَاضِهَا (إنْ كَانَا) الْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ (فِي الْعُرْفِ) : أَيْ يَقُولُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ: إنَّهُمَا (كَالسَّوَادِ) فِي إذْهَابِ جَمَالِهَا، وَإِلَّا فَبِحِسَابِ مَا نَقَصَ. (وَتَعَدَّدَتْ) الدِّيَةُ (بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ) : فَإِذَا قَطَعَ يَدَهُ فَزَالَ عَقْلُهُ فَدِيَتَانِ؛ دِيَةٌ لِلْيَدِ وَدِيَةٌ لِلْعَقْلِ: وَلَوْ زَالَ مَعَ ذَلِكَ بَصَرُهُ فَثَلَاثٌ وَهَكَذَا. (إلَّا الْمَنْفَعَةَ) الْكَائِنَةَ (بِمَحِلِّهَا) : أَيْ مَحِلُّ الْجِنَايَةِ فَلَا تَتَعَدَّدُ الدِّيَةُ فِي ذَهَابِهَا مَعَ ذَهَابِ مَحِلِّهَا؛ كَمَا لَوْ ضَرَبَهُ فَقَطَعَ أُذُنَيْهِ فَزَالَ سَمْعُهُ فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ، أَوْ ضَرَبَهُ فَقَلَعَ عَيْنَهُ فَزَالَ بَصَرُهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ بِمَحِلِّ الْجِنَايَةِ، وَلَا حُكُومَةَ فِي مَحِلِّ كُلٍّ. وَالْمُرَادُ بِالْمَحِلِّ: الَّذِي لَمْ يُشَارِكْهُ غَيْرُهُ، وَلِذَا لَوْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَأَقْعَدَهُ عَنْ الْقِيَامِ وَأَذْهَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَفِي صَحِيحِ كُلِّ سِنٍّ] إلَخْ: أَيْ وَيُخَصَّصُ عُمُومُ مَا هُنَا بِمَا سَيَأْتِي فِي مُسَاوَاةِ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ فِي الْأَسْنَانِ كَالْأَصَابِعِ. قَوْلُهُ: [فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْأَصْلِ] : أَيْ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ لِقُصُورِهِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ فِي الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الذَّكَرِ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ انْقَلَعَتْ] : أَيْ بِنَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ أُخْرَى عَلَيْهَا فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ. أَمَّا لَوْ تَعَمَّدَ قَلْعَ سِنٍّ سَوْدَاءَ أَوْ حَمْرَاءَ أَوْ صَفْرَاءَ وَكَانَ الصُّفْرَةُ أَوْ الْحُمْرَةُ كَالسَّوَادِ فَهَلْ كَذَلِكَ فِيهَا نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ لِكَوْنِهَا غَيْرَ مُسَاوِيَةٍ لِسِنِّ الْجَانِي أَوْ الْقِصَاصُ لِلتَّعَمُّدِ؟ قَالَ بْن وَالظَّاهِرُ الثَّانِي بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْعَقْلِ فِيهَا خَطَأً. [تَتَعَدَّد الدِّيَةُ بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ] قَوْلُهُ: [وَتَعَدَّدَتْ الدِّيَةُ] : مُرَادُهُ بِالدِّيَةِ الْوَاجِبُ كَانَ دِيَةً أَوْ بَعْضَهَا أَوْ حُكُومَةً. وَقَوْلُهُ بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ أَيْ مَا يَنْشَأُ عَنْهَا. قَوْلُهُ: [فَقَطْع أُذُنَيْهِ] : أَيْ أَوْ قَلَعَهُمَا. قَوْلُهُ: [الَّذِي لَمْ يُشَارِكْهُ غَيْرُهُ] : أَيْ الَّذِي لَا تُوجَدُ إلَّا بِهِ، فَإِنْ وُجِدَتْ

قُوَّةَ الْجِمَاعِ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ لِمَنْعِ قِيَامِهِ وَدِيَةٌ لِعَدَمِ قُوَّةِ الْجِمَاعِ. . (وَسَاوَتْ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ) مِنْ أَهْلِ دِينِهَا فِي قَطْعِ أَصَابِعِهَا مِثْلًا (لِثُلُثِ دِيَتِهِ) بِإِخْرَاجِ الْغَايَةِ، فَإِذَا قُطِعَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ فَفِيهَا ثَلَاثُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَلَوْ بَلَغَتْ الثُّلُثَ لَرَجَعَتْ لِدِيَتِهَا كَمَا قَالَ: (فَتُرَدُّ لِدِيَتِهَا) : كَمَا لَوْ قُطِعَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ وَثُلُثُ أُصْبُعٍ، فَدِيَتُهَا سِتَّةَ عَشَرَ بَعِيرًا وَثُلُثَا بَعِيرٍ أَوْ أَرْبَعَةُ أَصَابِعَ فِي فَوْرٍ فَفِيهَا عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ لِرُجُوعِهَا لِدِيَتِهَا وَهِيَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ دِينِهَا. . (إنْ اتَّحَدَ الْفِعْلُ، وَلَوْ) كَانَ اتِّحَادُ الْفِعْلِ (حُكْمًا) : كَضَرَبَاتٍ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جَمَاعَةٍ، وَقَالَ الْأُجْهُورِيُّ: إنْ تَعَدَّدَ الْجَانِي - كَأَرْبَعَةٍ - فَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ عَشْرَةٌ مِنْ الْإِبِلِ لَكِنَّ النَّقْلَ مَا عَلِمْت (مُطْلَقًا) : وَلَوْ تَعَدَّدَ الْمَحِلُّ كَالْمِثَالِ أَوْ فِي الْأَسْنَانِ وَالْأَصَابِعِ وَالْمَوَاضِحِ وَالْمَنَاقِلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَنْفَعَةُ بِهِ وَبِغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ الْمَوْجُودُ فِيهِ أَكْثَرُهَا تَعَدَّدَتْ الدِّيَةُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [فِي قَطْعِ أَصَابِعِهَا مَثَلًا] : أَيْ وَمُنْقِلَاتِهَا وَبَقِيَّةِ جِرَاحَاتِهَا. قَوْلُهُ: [وَثُلُثُ أُصْبُعٍ] : أَيْ وَهِيَ أُنْمُلَةٌ كَامِلَةٌ، وَأَمَّا لَوْ قَطَعَ لَهَا ثَلَاثَةَ أَصَابِعَ وَنِصْفَ أُنْمُلَةٍ لَكَانَ لَهَا اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ وَنِصْفٌ مِنْ الْإِبِلِ. قَوْلُهُ: [فَفِيهَا عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ] : إلَخْ رَوَى مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ: قُلْت لِابْنِ الْمُسَيِّبِ: كَمْ فِي ثَلَاثَةِ أَصَابِعِ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: ثَلَاثُونَ. قُلْت: وَأَرْبَعَةٌ؟ قَالَ: عِشْرُونَ. قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ لَمَّا عَظُمَ جُرْحُهَا قَلَّ عَقْلُهَا فَقَالَ: أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ؟ قُلْت: بَلْ جَاهِلٌ مُتَعَلِّمٌ أَوْ عَالِمٌ مُتَثَبِّتٌ، فَقَالَ: تِلْكَ السُّنَّةُ يَا ابْنَ أَخِي. قَوْلُهُ: [إنْ اتَّحَدَ الْفِعْلُ] : أَيْ إنْ كَانَتْ الْجِرَاحَاتُ نَشَأَتْ عَنْ فِعْلٍ مُتَّحِدٍ وَلَوْ حُكْمًا إلَخْ. قَوْلُهُ: [كَالْمِثَالِ] : أَيْ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ كَمَا لَوْ قَطَعَ لَهَا ثَلَاثَةَ أَصَابِعَ وَثُلُثَ أُصْبُعٍ، فَإِنَّ هَذَا الْمِثَالَ صَادِقٌ بِكَوْنِهِ مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مِنْ يَدَيْنِ وَهُوَ تَعَدُّدُ الْمَحِلِّ. قَوْلُهُ: [أَوْ فِي الْأَسْنَانِ] إلَخْ: حَقُّ الْعِبَارَةِ وَشَمِلَ الْإِطْلَاقُ الْأَسْنَانَ وَالْأَصَابِعَ إلَخْ.

(كَالْمَحِلِّ) أَيْ كَاتِّحَادِ الْمَحِلِّ (فِي الْأَصَابِعِ) وَلَوْ تَرَاخَى الْفِعْلُ، فَإِذَا قَطَعَ لَهَا ثَلَاثًا مِنْ يَدٍ فَفِيهَا ثَلَاثُونَ، ثُمَّ إذَا قَطَعَ ثَلَاثًا مِنْ الْأُخْرَى فَفِيهَا ثَلَاثُونَ أَيْضًا لِاخْتِلَافِ الْمَحِلِّ مَعَ التَّرَاخِي، ثُمَّ إنْ قَطَعَ لَهَا أُصْبُعًا أَوْ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَيِّ يَدٍ كَانَتْ كَانَ لَهَا فِي كُلِّ أُصْبُعٍ خَمْسٌ لِاتِّحَادِ الْمَحِلِّ. وَلَوْ قَطَعَ لَهَا أُصْبُعَيْنِ مِنْ يَدٍ ثُمَّ بَعْدَ تَرَاخٍ قَطَعَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ تِلْكَ الْيَدِ، كَانَ لَهَا فِي الْأَوَّلَيْنِ عِشْرُونَ وَفِي الْأَخِيرَيْنِ عَشْرَةٌ لِاتِّحَادِ الْمَحِلِّ، وَلَوْ كَانَا مِنْ الْيَدِ الْأُخْرَى لَكَانَ فِيهِمَا عِشْرُونَ لِاخْتِلَافِ الْمَحِلِّ. (فَقَطْ) : لَا فِي اتِّحَادِ الْمَحِلِّ فِي الْأَسْنَانِ فَإِنَّهَا فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، إذَا كَانَ بَيْنَ الضَّرَبَاتِ تَرَاخٍ لَا إنْ كَانَ فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي فَوْرٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَحِلُّ الْأَسْنَانِ مُتَّحِدٌ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ فَكَّيْنِ. . (وَنُجِّمَتْ) سَيَأْتِي بَيَانُ التَّنْجِيمِ فِي قَوْلِهِ: " الْكَامِلَةُ " (دِيَةُ الْحُرِّ) . أَمَّا الرَّقِيقُ فَلَا دِيَةَ لَهُ، وَإِنَّمَا عَلَى الْجَانِي قِيمَتُهُ حَالَّةٌ كَانَ الْحُرُّ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى مُسْلِمًا أَوْ غَيْرَهُ (الْخَطَأُ) سَيَذْكُرُ مُحْتَرَزَهُ (بِلَا اعْتِرَافٍ) مِنْ الْجَانِي بَلْ بِبَيِّنَةِ، أَوْ لَوَثٍ فَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ مَا اعْتَرَفَ بِهِ مِنْ قَتْلٍ أَوْ جُرْحٍ، بَلْ هِيَ حَالَّةٌ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ تَرَاخَى الْفِعْلُ] : الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ لِأَنَّ مَحِلَّ تَخْصِيصِ الْأَصَابِعِ بِذَلِكَ عِنْدَ تَرَاخِي الْفِعْلِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَالْأَسْنَانِ وَالْمَوَاضِحِ وَالْمَنَاقِلِ. قَوْلُهُ: [لَا فِي اتِّحَادِ الْمَحِلِّ فِي الْأَسْنَانِ] : مِثْلُهَا الْمَوَاضِحُ وَالْمَنَاقِلُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُتَّحِدَ أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ يُضَمُّ فِي الْأَصَابِعِ وَالْأَسْنَانِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا إذَا اتَّحَدَ الْمَحِلُّ وَتَعَدَّدَ الْفِعْلُ مَعَ التَّرَاخِي فَيُضَمُّ فِي الْأَصَابِعِ لَا فِي غَيْرِهَا. قَوْلُهُ: [وَمَحِلُّ الْأَسْنَانِ مُتَّحِدٌ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ فَكَّيْنِ] : أَيْ خِلَافًا لِلشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيِّ الْقَائِلِ إنَّ الْفَكَّيْنِ مَحِلَّانِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا الْخِلَافَ لَا ثَمَرَةَ لَهُ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ الضَّمِّ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِالضَّمِّ الَّذِي رَجَعَ عَنْهُ. قَوْلُهُ: [دِيَةُ الْحُرِّ] : مِثْلُهَا تَنْجِيمُ الْحُكُومَةِ وَالْغُرَّةِ حَيْثُ بَلَغَ كُلٌّ مِنْهُمَا الثُّلُثَ أَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَكِنْ وَجَبَ مَعَ دِيَةٍ وَكَذَا مُوضِحَةٌ وَمُنَقِّلَةٌ مَعَ دِيَةٍ. قَوْلُهُ: [سَيَذْكُرُ مُحْتَرَزَهُ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ كَعَمْدٍ. قَوْلُهُ: [فَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ مَا اعْتَرَفَ] : أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ خَطَأٌ.

وَلَوْ كَانَ عَدْلًا مَأْمُونًا، لَا يَقْبَلُ رِشْوَةً مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ عَلَى الرَّاجِحِ. . (عَلَى الْجَانِي وَعَاقِلَتِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِ " نُجِّمَتْ " فَعَلَى الْجَانِي كَرَجُلٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ كَمَا يَأْتِي. (إنْ بَلَغَتْ ثُلُثَ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ) : شَرَطَ فِي التَّنْجِيمِ عَلَى الْجَانِي وَالْعَاقِلَةِ؛ كَأَنْ جَنَى مُسْلِمٌ عَلَى مَجُوسِيَّةٍ خَطَأً مَا يَبْلُغُ ثُلُثَ دِيَتِهَا كَأَنْ أَجَافَهَا (أَوْ الْجَانِي) : كَأَنْ تَعَدَّدَتْ الْجَائِفَةُ مِنْهُ فِيهَا حَمَلَتْهُ عَاقِلَتُهُ، وَإِنْ جَنَى مَجُوسِيٌّ أَوْ مَجُوسِيَّةٌ عَلَى مُسْلِمٍ مَا يَبْلُغُ ثُلُثَ الْجَانِي حَمَلَتْهُ عَاقِلَتُهُ. (وَإِلَّا) تَبْلُغُ ثُلُثَ أَحَدِهِمَا (فَعَلَيْهِ) : أَيْ الْجَانِي فَقَطْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَلَى الرَّاجِحِ] : مُقَابِلُهُ أَقْوَالٌ قِيلَ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِقَسَامَةٍ وَسَوَاءٌ مَاتَ الْمَقْتُولُ فِي الْحَالِ أَمْ لَا، وَقِيلَ: تَبْطُلُ الدِّيَةُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُتَّهَمَ الْمُقِرُّ فِي إغْنَاءِ وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ، وَقِيلَ عَلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا، وَقِيلَ يُفَضُّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ فَمَا نَابَهُ يَلْزَمُ وَيَسْقُطُ مَا عَلَيْهِمْ كَذَا فِي بْن. قَوْلُهُ: [عَلَى الْجَانِي] : أَيْ الذَّكَرُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْمَلِيءُ كَمَا يَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُعْدَمُ فَلَا يَعْقِلُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلَا عَنْ غَيْرِهِمْ كَمَا فِي (بْن) خِلَافًا لِمَا فِي (عب) مِنْ أَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَلَا يَعْقِلُونَ عَنْ غَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ: [شَرْطٌ فِي التَّنْجِيمِ] : فِيهِ نَظَرٌ إذْ هَذَا شَرْطٌ فِي حَمْلِ الْعَاقِلَةِ لَا فِي التَّنْجِيمِ. قَوْلُهُ: [عَلَى مَجُوسِيَّةٍ] : أَيْ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَجُوسِيَّةَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْمَجُوسِيِّ فَدِيَتُهَا ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ دِينَارًا وَثُلُثُ دِينَارٍ. قَوْلُهُ: [كَأَنْ أَجَافَهَا] : أَيْ أَوْ أَمَّهَا فَيَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ أَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا وَتُسْعُ دِينَارٍ وَهِيَ ثُلُثُ دِيَتِهَا. قَوْلُهُ: [أَوْ الْجَانِي] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ثُلُثَ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [كَأَنْ تَعَدَّدَتْ الْجَائِفَةُ] : الْمُنَاسِبُ كَأَنْ تَعَدَّدَتْ الْجِنَايَاتُ مِنْهُ فِيهَا بِأَنْ أَذْهَبَ حَوَاسَّهَا الْخَمْسَ وَصُلْبَهَا وَقُوَّةَ جِمَاعِهَا وَيَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا وَشَفْرَيْهَا، فَإِنَّ فِي هَذِهِ ثَلَثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَثُلُثًا، وَأَمَّا بُلُوغُ ثُلُثِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ مِنْ تَعَدُّدِ جَائِفَةِ الْمَجُوسِيَّةِ فَبَعِيدٌ وَتَكَلُّفٌ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ جَنَى مَجُوسِيٌّ] : الْمُنَاسِبُ أَوْ جَنَى وَيَكُونُ تَنْوِيعًا فِي الْمِثَالِ وَهُوَ مِثَالٌ لِبُلُوغِهَا ثُلُثَ دِيَةِ الْجَانِي دُونَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ.

[العاقلة]

(حَالَّةٌ كَعَمْدٍ) : مُحْتَرَزٌ " خَطَأٌ " كَانَ الْعَمْدُ عَلَى نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ عُفِيَ عَنْهُ عَلَى الدِّيَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ فِي مَالِهِ حَالَّةً. (وَدِيَةٌ غَلَظَتْ) عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ إذْ الْمُغَلَّظَةُ عَلَى الْأَبِ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْعَمْدِ، وَأَتَى بِهِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ: أَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ الْقِصَاصُ تَصِيرُ كَالْخَطَأِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ " كَعَمْدٍ " قَوْلَهُ: (إلَّا مَا لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ) مِنْ الْجِرَاحِ: كَالْجَائِفَةِ وَالْأَمَةِ وَكَسْرِ الْفَخِذِ (لِإِتْلَافِهِ) : أَيْ لِخَوْفِ إتْلَافِ النَّفْسِ لَوْ اقْتَصَّ مِنْهُ فَيُؤَدِّي إلَى قَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ (فَعَلَيْهَا) : أَيْ فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْعَمْدِ كَالْخَطَأِ إنْ بَلَغَتْ ثُلُثَ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ الْجَانِي. (وَهِيَ) أَيْ الْعَاقِلَةُ عِدَّةُ أُمُورٍ. (أَهْلُ دِيوَانِهِ) الدِّيوَانُ: اسْمٌ لِلدَّفْتَرِ يُضْبَطُ فِيهِ أَسْمَاءُ الْجُنْدِ وَعَدَدُهُمْ وَإِعْطَاؤُهُمْ وَقَدَّمَهُ لِقَوْلِهِ بَعْدُ: " وَبَدَأَ بِالدِّيوَانِ ". وَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ الْأَصْلَ، وَلَكِنَّ مُحَشِّي التَّتَّائِيِّ وَالْبَنَّانِيِّ ضَعَّفَا اعْتِبَارَ الدِّيوَانِ فِي الْعَاقِلَةِ، قَالَهُ شَيْخُنَا الْأَمِيرُ فِي مَجْمُوعِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَعَمْدٍ] : هَذَا شَامِلٌ لِلْمُثَلَّثَةِ وَالْمُرَبَّعَةِ لِأَنَّ التَّغْلِيظَ بِالتَّرْبِيعِ وَالتَّثْلِيثَ خَاصٌّ بِهِ. قَوْلُهُ: [فِي الْعَمْدِ كَالْخَطَأِ] : أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ الْجَانِي مُكَافِئًا أَوْ غَيْرَ مُكَافِئٍ كَأَنْ يَجْرَحَ مُسْلِمٌ نَصْرَانِيًّا جُرْحًا لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لِلْإِتْلَافِ، فَإِنَّ دِيَتَهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُسْلِمِ، فَإِنْ كَانَ الْمَانِعُ مِنْ الْقِصَاصِ عَدَمَ الْمُسَاوَاةِ فَقَطْ فَإِنَّهُ مَالُ الْجَانِي. [الْعَاقِلَةُ] [نقص أَهْل الديوان عَنْ سَبْعمِائَةِ] قَوْلُهُ: [أَيْ الْعَاقِلَةُ] : لَمَّا جَرَى ذِكْرُ الْعَاقِلَةِ بَيَّنَ أَنَّهَا عِدَّةُ أُمُورٍ أَهْلُ الدِّيوَانِ وَالْعَصَبَةُ وَالْمَوَالِي وَبَيْتُ الْمَالِ. قَوْلُهُ: [وَإِعْطَاؤُهُمْ] : الْمُنَاسِبُ عَطَاؤُهُمْ بِغَيْرِ هَمْزٍ لِأَنَّ الَّذِي يَضْبِطُ الشَّيْءَ الْمُعْطِي لَا الْإِعْطَاءُ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ فِعْلِ الْفَاعِلِ. قَوْلُهُ: [وَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ الْأَصْلَ] : أَيْ خَلِيلًا وَنَحْوَهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ وَهُوَ لِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ. قَوْلُهُ: [ضَعَّفَا اعْتِبَارَ الدِّيوَانِ] إلَخْ: أَيْ لِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الدِّيَةَ تَكُونُ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ الْعَاقِلَةِ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى عَصَبَةُ

(وَعَصَبَتُهُ وَمَوَالِيهِ وَبَيْتُ الْمَالِ) (وَبُدِئَ بِالدِّيوَانِ) : أَيْ بِأَهْلِهِ، فَيُقَدَّمُونَ عَلَى الْعَصَبَةِ حَيْثُ كَانَ الْجَانِي مِنْ الْجُنْدِ وَلَوْ كَانُوا مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى (إنْ أُعْطُوا) ؛ شَرْطٌ فِي التَّبْدِئَةِ لَا فِي كَوْنِهِمْ عَاقِلَةً، إذْ هُمْ عَاقِلَةٌ وَلَوْ لَمْ يُعْطَوْا أَرْزَاقَهُمْ الْمُعَيَّنَةَ لَهُمْ فِي الدَّفْتَرِ مِنْ الْعَلُوفَاتِ وَالْجَمَكِيَّاتِ. لَكِنَّ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ إنَّهُ شَرْطٌ فِي كَوْنِهِمْ عَاقِلَةً. (فَالْعَصَبَةُ) : أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ دِيوَانٌ، أَوْ كَانَ وَلَيْسَ الْجَانِي مِنْهُمْ، أَوْ مِنْهُمْ وَلَمْ يُعْطُوا فَالْعَصَبَةُ تَبْدَأُ عَلَى الْمَوَالِي إلَخْ، الْأَقْرَبُ يُقَدَّمُ مِنْ الْعَصَبَةِ فَالْأَقْرَبُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَاتِلِ كَانُوا أَهْلَ دِيوَانٍ أَمْ لَا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَفَادَهُ بْن. وَاعْلَمْ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ الدِّيوَانِ فَالْمُرَادُ بِهِ أَهْلُ دِيوَانِ الْإِقْلِيمِ فَجُنْدُ مِصْرَ أَهْلُ دِيوَانٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانُوا طَوَائِفَ سَبْعَةً عَرَبٌ وَانْكِشَارِيَّةٌ وَشَرَاكِسَةٌ إلَخْ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: [لَكِنَّ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ] إلَخْ: قَالَ بْن نَصَّ ابْنُ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَطَاءٌ فَإِنَّمَا يَحْمِلُ عَنْهُ قَوْمُهُ. قَوْلُهُ: [إنَّهُ شَرْطٌ فِي كَوْنِهِمْ عَاقِلَةً] : أَيْ عَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي مَشَى عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ. تَنْبِيهٌ إذَا نَقَصَ أَهْلُ الدِّيوَانِ عَنْ السَّبْعِمِائَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْعَاقِلَةِ سَبْعُمِائَةٍ أَوْ عَنْ الْأَلْفِ بِنَاءً عَلَى مُقَابِلَةٍ ضُمَّ إلَيْهِمْ عَصَبَةُ الْجَانِي الَّذِينَ لَيْسُوا مَعَهُ فِي الدِّيوَانِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَنْقُولُ لِلْمَذْهَبِ لَا عَصَبَةُ أَهْلِ الدِّيوَانِ خِلَافًا لِلْأُجْهُورِيِّ. قَوْلُهُ: [فَالْعَصَبَةُ] : أَيْ وَيُبْدَأُ بِالْعَشِيرَةِ وَهُمْ الْإِخْوَةُ، ثُمَّ بِالْفَصِيلَةِ وَهُمْ الْأَعْمَامُ، ثُمَّ بِالْفَخِذِ ثُمَّ بِالْبَطْنِ، ثُمَّ بِالْعِمَارَةِ ثُمَّ بِالْقَبِيلَةِ ثُمَّ بِالشَّعْبِ، ثُمَّ أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ لِأَنَّ طَبَقَاتِ الْعَرَبِ سَبْعَةٌ الشَّعْبُ بِالْفَتْحِ، ثُمَّ الْقَبِيلَةُ، ثُمَّ الْعَمَارَةُ (بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ) ، ثُمَّ الْبَطْنُ ثُمَّ الْفَخِذُ ثُمَّ الْفَصِيلَةُ ثُمَّ الْعَشِيرَةُ. وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِذِكْرِ نَسَبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَهُوَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ بْنِ قُصَيِّ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ، فَأَوْلَادُ الْجَدِّ الْأَعْلَى شَعْبٌ، وَأَوْلَادُ مَا دُونَهُ قَبِيلَةٌ، وَأَوْلَادُ مَا دُونَهُ عِمَارَةٌ، وَأَوْلَادُ مَا دُونَهُ بَطْنٌ، وَأَوْلَادُ مَا دُونَهُ فَخِذٌ، وَأَوْلَادُ الْعَمِّ كَأَوْلَادِ الْعَبَّاسِ

عَلَى تَرْتِيبِ النِّكَاحِ، فَإِذَا كَمُلَ مِنْ الْأَبْنَاءِ سَبْعُمِائَةٍ فَلَا يَدْفَعُ أَوْلَادُهُمْ شَيْئًا، وَإِنْ نَقَصَ كَمَّلَ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَبْنَاءِ وَهَكَذَا، وَالْجَدُّ يُؤَخَّرُ عَنْ بَنِي الْإِخْوَةِ هُنَا. (فَالْمَوَالِي الْأَعْلَوْنَ) : وَهُمْ الْمُعْتِقُونَ - بِكَسْرِ التَّاءِ لِأَنَّهُمْ عَصَبَةُ سَبَبٍ وَلَوْ أُنْثَى حَيْثُ بَاشَرَتْ الْعِتْقَ. وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ عَلَى نَحْوِ التَّرْتِيبِ الْآتِي فِي الْوَلَاءِ. (فَالْأَسْفَلُونَ) حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ مَنْ بَقِيَ مِنْ الْأَعْلَيْنَ. (فَبَيْتُ الْمَالِ، إنْ كَانَ الْجَانِي مُسْلِمًا) : لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ لَا يَعْقِلُ عَنْ كَافِرٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَلَى الْجَانِي مَعَ بَيْتِ الْمَالِ بِقَدْرِ مَا يَنُوبُهُ أَنْ لَوْ كَانَتْ عَاقِلَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ فَتُنَجَّمُ عَلَى الْجَانِي، وَقَوْلُهُ " إنْ كَانَ " إلَخْ شَرْطٌ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصِيلَةٌ وَالْإِخْوَةُ يُقَالُ لَهُمْ عَشِيرَةٌ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: فَخُزَيْمَةُ شَعْبٌ وَكِنَانَةُ قَبِيلَةٌ وَقُرَيْشٌ عِمَارَةٌ وَقُصَيٌّ بَطْنٌ وَهَاشِمٌ فَخِذٌ وَالْعَبَّاسُ فَصِيلَةٌ وَالْعَشِيرَةُ الْإِخْوَةُ (اهـ) . قَوْلُهُ: [سَبْعُمِائَةٍ] : أَيْ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّ أَقَلَّهَا سَبْعُمِائَةٍ. قَوْلُهُ: [وَهَكَذَا] : أَيْ يُصْنَعُ فِي الْإِخْوَةِ وَبَنِيهِمْ الْمُسَمَّوْنَ بِالْعَشِيرَةِ، ثُمَّ يُنْتَقَلُ لِلْفَصِيلَةِ وَهَكَذَا، فَمَتَى كَمُلَ الْعَدَدُ مِنْ بَطْنٍ لَا يُنْتَقَلُ لِأَعْلَى مِنْهَا، فَإِنْ لَمْ يَكْمُلْ إلَّا بِجَمِيعِ الْبُطُونِ كَمُلَ بِهَا. قَوْلُهُ: [يُؤَخَّرُ عَنْ بَنِي الْإِخْوَةِ هُنَا] : وَيَشْهَدُ لَهُ نَظْمُ الْأُجْهُورِيِّ الْمَشْهُورُ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُمْ عَصَبَةُ سَبَبٍ] : أَيْ وَهُمْ كَعَصَبَةِ النَّسَبِ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَلِقَوْلِهِمْ: الْوَلَاءُ عُصُوبَةٌ سَبَبُهَا نِعْمَةُ الْمُعْتِقِ. قَوْلُهُ: [فَالْأَسْفَلُونَ] : أَيْ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْأَسْفَلِينَ الْمَرْأَةُ الْعَتِيقَةُ كَمَا فِي شب. قَوْلُهُ: [مِنْ الْأَعْلَيْنَ] : بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ نَظِيرُ الْمُصْطَفَيْنَ، وَأَصْلُهُ الْأَعْلَوَيْنَ تَحَرَّكَتْ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلْفًا فَالْتَقَى سَاكِنَانِ حُذِفَتْ الْأَلْفُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَبَقِيَتْ الْفَتْحَةُ دَلِيلًا عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: [بِقَدْرِ مَا يَنُوبُهُ أَنْ لَوْ كَانَتْ عَاقِلَةً] : أَيْ بِأَنْ يُقَدَّرَ أَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ سَبْعِمِائَةٍ. قَوْلُهُ: [فَتُنَجَّمُ عَلَى الْجَانِي] : أَيْ فَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَائِمٌ مَقَامَ الْعَاقِلَةِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْقِلُ إنْ كَانَ ذَكَرًا بَالِغًا عَاقِلًا مَلِيئًا. قَوْلُهُ [شَرْطٌ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ] : الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ ذَلِكَ دُخُولًا عَلَى

(وَإِلَّا فَالذِّمِّيُّ ذُو دِينِهِ) : وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الْمَوَّاقُ فَلَيْسَتْ عَاقِلَةُ الذِّمِّيِّ عَصَبَتَهُ وَأَهْلَ دِيوَانِهِ إلَخْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَالْمُرَادُ بِذِي دِينِهِ: مَنْ يَحْمِلُ مَعَهُ الْجِزْيَةَ أَنْ لَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَقَارِبِهِ، فَالنَّصْرَانِيُّ يَعْقِلُ عَنْهُ النَّصَارَى الَّذِينَ فِي بَلَدِهِ لَا الْيَهُودُ وَعَكْسُهُ. وَلَا يَعْقِلُ عَنْ كَافِرٍ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ مُعْتِقُهُ، بَلْ بَيْتُ الْمَالِ لِأَنَّهُ يَرِثُهُ كَالْمُرْتَدِّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. (وَالصُّلْحِيُّ) يُؤَدِّي عَنْهُ (أَهْلُ صُلْحِهِ) : مِنْ أَهْلِ دِينِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ أَهْلُ دِيوَانٍ وَلَا عَصَبَةٌ إلَخْ عَلَى الرَّاجِحِ. (وَضُرِبَ عَلَى كُلٍّ) : مِمَّنْ لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ مِنْ أَهْلِ دِيوَانٍ وَعَصَبَةٍ وَمَوَالٍ وَذِمِّيٍّ وَصُلْحِيٍّ إنْ تَحَاكَمُوا إلَيْنَا - (مَا لَا يَضُرُّ) بِهِ بَلْ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ. . (وَعُقِلَ عَنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَامْرَأَةٍ وَفَقِيرٍ وَغَارِمٍ) : إذَا جَنَوْا. وَالْغَارِمُ: أَخَصُّ مِنْ الْفَقِيرِ فَتَغْرَمُ عَاقِلَتُهُمْ عَنْهُمْ. (وَلَا يَعْقِلُونَ) عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَلَا عَنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ ضَرْبِهَا التَّنَاصُرُ وَالْمَرْأَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُصَنِّفِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَإِلَّا إلَخْ. قَوْلُهُ: [عَلَى الْمُعْتَمَدِ] : وَقَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ الشَّرْطُ خَاصٌّ بِبَيْتِ الْمَالِ. قَوْلُهُ: [أَنْ لَوْ كَانَتْ] : أَيْ أَنْ لَوْ فُرِضَتْ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْجَانِي جِزْيَةٌ بِالْفِعْلِ، بَلْ الْمَدَارُ عَلَى كَوْنِهِ لَوْ وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْجِزْيَةِ لَكَانَ مُشَارِكًا لَهُمْ فِيهَا وَذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ وَمَنْ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: [أَهْلُ صُلْحِهِ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا عَصَبَةً وَلَا أَهْلَ دِيوَانٍ. قَوْلُهُ: [إنْ تَحَاكَمُوا إلَيْنَا] : قَيْدٌ فِي الذِّمِّيِّ وَالصُّلْحِيِّ. قَوْلُهُ: [أَخَصُّ مِنْ الْفَقِيرِ] : اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَقِيرِ مَنْ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى الْقُوتِ، وَالْغَارِمُ مَنْ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ مَا فِي يَدِهِ أَوْ يَفْضُلُ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَدْرُ قُوتِهِ، فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ الْقَضَاءِ مَا يَزِيدُ عَلَى قُوتِهِ فَهَذَا يَعْقِلُ عَنْ غَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا فَالْغَارِمُ أَعَمُّ مِنْ الْفَقِيرِ لَا أَخَصُّ مِنْهُ تَأَمَّلْ هَكَذَا قَالَ بْن وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ أُرِيدَ بِالْغَارِمِ الْمَدِينُ مُطْلَقًا، وَأَمَّا إنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَدِينُ الَّذِي يَصِيرُ بِدَيْنِهِ عَاجِزًا وَهُوَ الْمَعْنِيُّ فِي الزَّكَاةِ فَأَخَصُّ قَطْعًا. قَوْلُهُ: [عَنْ أَنْفُسِهِمْ] : أَيْ خِلَافًا لِمَا فِي عب تَبَعًا لِلشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيِّ

وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَيْسَ مِنْهُمْ تَنَاصُرٌ. وَالْفَقِيرُ وَالْغَارِمُ مُحْتَاجَانِ. وَذَكَرَ الْمَرْأَةَ لِأَنَّ الْمَوَالِيَ شَمِلُوهَا وَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ قَوْلِهِ: " الْعَصَبَةُ " وَجَعَلَ الْخَرَشِيُّ الْمَرْأَةَ شَامِلَةً لِلْخُنْثَى لِأَنَّهُ امْرَأَةٌ حُكْمًا وَبَحَثَ مَعَهُ. (وَالْعِبْرَةُ) : أَيْ الْمُعْتَبَرُ فِي الصِّبَا وَالْجُنُونِ وَضِدِّهِمَا، وَالْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَالْغَيْبَةِ وَالْحُضُورِ - (وَقْتُ الضَّرْبِ) أَيْ التَّوْزِيعُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَمَا وُجِدَتْ فِيهِ الْأَوْصَافُ وَقْتَ التَّوْزِيعِ وُزِّعَ عَلَيْهِ وَمَا لَا فَلَا، كَمَا قَالَ. (لَا إنْ قُدِّمَ غَائِبٌ) غَيْبَةَ انْقِطَاعٍ وَقْتَ التَّوْزِيعِ فَلَا تُضْرَبُ عَلَيْهِ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ التَّوْزِيعِ. فَإِنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ غَيْرَ انْقِطَاعٍ فَتُوَزَّعُ عَلَيْهِ وَلَوْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ، فَإِنْ جَهِلَ الْحَالَ فَإِنْ بَعُدَتْ - كَإِفْرِيقِيَّةَ مِنْ الْمَدِينَةِ - فَلَا تُضْرَبُ عَلَيْهِ،. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَعْقِلُ عَنْ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ فِي الْغُرْمِ لِمُبَاشَرَتِهِ لِلْإِتْلَافِ قَالَ (ر) : وَلَا مُسْتَنَدَ لَهُ فِي ذَلِكَ كَذَا فِي بْن. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْمَوَالِيَ شَمِلُوهَا] : أَيْ لَفْظُ عُمُومِ الْمَوَالِي يَشْمَلُهَا وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْمَوَالِي الْأَسْفَلِينَ وَالْأَعْلَيْنَ مَا عَدَا الْمُعْتَقَةَ. قَوْلُهُ: [وَبَحَثَ مَعَهُ] : نَصَّ الْخَرَشِيِّ قَالَ: وَقَوْلُهُ: وَامْرَأَةٌ حَقِيقَةً أَوْ احْتِمَالًا كَالْخُنْثَى الْمُشَكَّلِ، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ كَالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ اُنْظُرْ لِمَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ نِصْفُ مَا عَلَى الذَّكَرِ الْمُحَقَّقِ؟ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْبَحْثُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ إلْحَاقِهِ بِالْمَرْأَةِ مَعَ أَنَّهُ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَلَكِنَّ الْفِقْهَ مُسَلَّمٌ. قَوْلُهُ: [وَالْعِبْرَةُ وَقْتَ الضَّرْبِ] : مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ الْوَصْفُ الْمُعْتَبَرُ وَصْفٌ وَقْتَ الضَّرْبِ، أَيْ الْوَصْفُ الْمَوْجُودُ وَقْتَ الضَّرْبِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ غَيْرَ انْقِطَاعٍ] : هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْعَاقِلَةِ، وَأَمَّا الْجَانِي فَانْتِقَالُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عَلَيْهِ مُطْلَقًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجَانِيَ تُضْرَبُ عَلَيْهِ سَوَاءً انْتَقَلَ مِنْ الْبَلَدِ قَبْلَ ضَرْبِهَا أَوْ بَعْدَهُ كَانَ انْتِقَالُهُ بِقَصْدِ الْفِرَارِ مِنْهُ أَوْ لَا، رَفَضَ سُكْنَى بَلَدِهِ الَّذِي مِنْهُ انْتَقَلَ مِنْهَا أَمْ لَا، وَأَمَّا انْتِقَالُ أَحَدِ الْعَاقِلَةِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ ضَرْبِهَا فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ مَا ضُرِبَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ قَبْلَ ضَرْبِهَا عَلَيْهِ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فَارًّا أَوْ كَانَ انْتِقَالُهُ لِحَاجَةٍ كَحَجٍّ أَوْ غَزْوٍ لَا إنْ كَانَ رَافِضًا لِلسُّكْنَى.

وَإِلَّا ضُرِبَتْ. (أَوْ أَيْسَرَ فَقِيرٌ أَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ) أَوْ عَقَلَ مَجْنُونٌ أَوْ اتَّضَحَتْ ذُكُورَةُ خُنْثَى بَعْدَ التَّوْزِيعِ، فَلَا شَيْءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ. . (وَلَا تَسْقُطُ) إذَا وُزِّعَتْ عَلَى مُوسِرٍ عَاقِلٍ لَيْسَ غَائِبًا غَيْبَةَ انْقِطَاعٍ (بِعُسْرٍ) طَرَأَ (أَوْ مَوْتٍ) أَوْ جُنُونٍ أَوْ غَيْبَةِ انْقِطَاعٍ (وَحَلَّتْ بِهِ) : أَيْ بِالْمَوْتِ، وَكَذَا بِالْفَلَسِ؛ فَإِذَا مَاتَتْ الْعَاقِلَةُ أَوْ وَاحِدٌ مِنْهَا أَوْ فَلِسَ فَيَحِلُّ مَا كَانَ مُنَجَّمًا عَلَيْهِمْ أَوْ عَلَيْهِ. (وَلَا دُخُولَ لِبَدَوِيٍّ) : مِنْ عَصَبَةِ الْجَانِي (مَعَ حَضَرِيٍّ) مِنْ عَصَبَتِهِ، وَلَا عَكْسُهُ لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ بَيْنَهُمَا. فَإِذَا لَمْ تَكْمُلْ الْعَاقِلَةُ مِنْ عَصَبَةِ الْحَاضِرِ، وَلَهُ عَصَبَةٌ بَدْوٌ فَيَنْتَقِلُ لِلْمَوَالِي إلَى آخِرِهِ، وَهَكَذَا قَوْلُهُ: (وَلَا شَامِيٍّ) مَثَلًا (مَعَ مِصْرِيٍّ) : لِأَنَّ كُلًّا إقْلِيمٌ، وَكَذَا الْحِجَازُ. أَمَّا أَهْلُ إقْلِيمٍ وَاحِدٍ حَضَرٌ مَثَلًا فَيَضُمُّونَ فَإِذَا لَمْ تَكْمُلْ الْعَاقِلَةُ مِنْ أَهْلِ بَلَدٍ ضُمَّ إلَيْهَا مَا قَرُبَ مِنْهَا مِنْ الْعَصَبَةِ؛ كَأَهْلِ بُولَاقِ لِمِصْرِ إلَخْ. . (الْكَامِلَةُ) : أَيْ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ لِمُسْلِمٍ أَوْ غَيْرِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَلَى مُوسِرٍ] : أَيْ ذَكَرٌ. قَوْلُهُ: [فَيَحِلُّ مَا كَانَ مُنَجَّمًا عَلَيْهِمْ أَوْ عَلَيْهِ] : أَيْ لِكَوْنِهِمَا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَالدَّيْنُ يَحِلُّ بِالْمَوْتِ وَالْفَلِسِ وَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، وَالْمُرَادُ الْفَلَسُ وَالْمَوْتُ الطَّارِيَانِ بَعْدَ الضَّرْبِ. قَوْلُهُ: [فَيَنْتَقِلُ لِلْمَوَالِي] إلَخْ: أَيْ الْأَعْلَيْنَ ثُمَّ الْأَسْفَلِينَ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ كُلًّا إقْلِيمٌ] : أَيْ وَالشَّأْنُ عَدَمُ تَنَاصُرِ إقْلِيمٍ بِمَنْ فِي آخَرَ، فَلَوْ كَانَتْ إقَامَةُ الْجَانِي فِي أَحَدِ الْإِقْلِيمَيْنِ أَكْثَرَ أَوْ مُسَاوِيًا نُظِرَ لِمَحِلِّ جِنَايَتِهِ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلَا دُخُولَ لِبَدَوِيٍّ إلَخْ كَالتَّقْيِيدِ لِقَوْلِهِ وَعَصَبَتِهِ قَوْلُهُ: [حَضَرٌ] : بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِأَهْلٍ أَوْ بِالْجَرِّ صِفَةٌ لِإِقْلِيمٍ بِاعْتِبَارِ سُكَّانِهِ. قَوْلُهُ: [الْكَامِلَةُ] إلَخْ: جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ نَشَأَ مِنْ قَوْلِهِ: وَنُجِّمَتْ دِيَةُ الْحُرِّ، كَأَنَّهُ قِيلَ فِي كَمْ مِنْ الزَّمَنِ تُنَجَّمُ فَقَالَ: الْكَامِلَةُ إلَخْ.

نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ؛ تُنَجَّمُ (فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) : أَوَّلُهَا مِنْ (يَوْمِ الْحُكْمِ) : فَيُبْتَدَأُ التَّنْجِيمُ مِنْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، لَا مِنْ يَوْمِ الْقَتْلِ (تَحِلُّ) أَجْزَاءُ الْكَامِلَةِ (بِأَوَاخِرِهَا) : فَيَحِلُّ النَّجْمُ الْأَوَّلُ - وَهُوَ الثُّلُثُ فِي آخِرِ السَّنَةِ الْأُولَى وَهَكَذَا. (وَالثُّلُثُ) كَدِيَةِ الْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ يُنَجَّمُ (فِي سَنَةٍ) ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ: لَا يُنَجَّمُ إلَّا الْكَامِلَةُ. (وَالثُّلُثَانِ) كَجَائِفَيْنِ أَوْ جَائِفَةٍ مَعَ مَأْمُومَةٍ فَيُنَجَّمَانِ: (فِي سَنَتَيْنِ. كَالنِّصْفِ) : فَيُنَجَّمُ فِي سَنَتَيْنِ فِي كُلِّ سَنَةٍ رُبْعٌ؛ كَقَلْعِ عَيْنٍ أَوْ قَطْعِ يَدٍ. هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ. (وَثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ) تُنَجَّمُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي كُلِّ سَنَةٍ رُبْعٌ. (وَحْدَهَا) : أَيْ الْعَاقِلَةُ (الَّذِي لَا يُضَمُّ إلَيْهِ مَا بَعْدَهُ: سَبْعُمِائَةٍ) : فَإِذَا وُجِدَ مِنْ الْعَصَبَةِ هَذَا الْعَدَدُ فَلَا يُضَمُّ إلَيْهِمْ الْمَوَالِي، وَإِنْ نَقَصُوا عَنْ هَذَا الْعَدَدِ - وَلَوْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ - ضُمَّ إلَيْهِمْ مَا يُكْمِلُهُمْ مِنْ الْمَوَالِي وَهَكَذَا. وَمَا ذَكَرَهُ أَحَدُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: [مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ] : صِفَةٌ أُولَى. قَوْلُهُ: [أَوْ طَرَفٍ] : أَيْ كَعَيْنِ الْأَعْوَرِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَمُرَادُهُ بِالطَّرَفِ الْجِنْسُ وَقَدَّرَ الشَّارِحُ قَوْلَهُ: تُنَجَّمُ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ. قَوْلُهُ: [لَا مِنْ يَوْمِ الْقَتْلِ] : هَذَا مُقَابِلٌ لِلْمَشْهُورِ وَهُوَ لِلْأَبْهَرِيِّ وَمُقَابِلُهُ أَيْضًا مَا قِيلَ إنَّ ابْتِدَاءَهُ يَوْمُ الْخِصَامِ. وَقَوْلُهُ: [تَحِلّ بِأَوَاخِرِهَا] : صِفَةٌ ثَانِيَةٌ قَوْلُهُ: [وَقِيلَ لَا يُنَجَّمُ إلَّا الْكَامِلَةُ] : أَيْ وَغَيْرُهَا عَلَى الْحُلُولِ. قَوْلُهُ: [هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ] : وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ: يَجْعَلُ الثُّلُثَ فِي سَنَةٍ وَالسُّدُسَ الْبَاقِيَ فِي سَنَةٍ أُخْرَى. قَوْلُهُ: [وَثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ] : أَيْ كَمَا لَوْ قَطَعَ لَهُ سَبْعَةَ أَصَابِعَ وَنِصْفًا وَهُوَ مُبْتَدَأٌ قَدَّرَ الشَّارِحُ خَبَرَهُ بِقَوْلِهِ تُنَجَّمُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ. قَوْلُهُ: [فِي كُلِّ سَنَةٍ رُبْعٌ] : مُقَابِلُهُ يَقُولُ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثٌ يَبْقَى نِصْفُ سُدُسٍ لِلسَّنَةِ الثَّالِثَةِ. قَوْلُهُ: [مَا بَعْدَهُ] : أَيْ مِنْ الْمَرْتَبَةِ الْبَعِيدَةِ.

مَشْهُورَيْنِ، وَالْآخَرُ مَا زَادَتْ عَلَى أَلْفٍ بِنَحْوِ عِشْرِينَ. وَلَيْسَ هَذَا حَدًّا لِمَنْ يُضْرَبُ عَلَيْهِ - بِحَيْثُ لَوْ نَقَصُوا أَوْ زَادُوا لَا يُضْرَبُ عَلَيْهِمْ - بَلْ يُضْرَبُ عَلَى مَنْ وَجَدَ وَلَوْ أَلْفَيْنِ فَأَكْبَرَ أَوْ كَانُوا نَحْوَ عَشْرَةٍ وَتَكْمُلُ مِمَّنْ يَلِيهِمْ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مَا زَادَتْ عَلَى أَلْفٍ بِنَحْوِ عِشْرِينَ] : أَيْ كَمَا قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ. وَقَالَ الْأُجْهُورِيُّ مَعَ زِيَادَةِ أَرْبَعَةٍ وَبَقِيَ قَوْلٌ ثَالِثٌ سَكَتَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا حَدَّ لَهَا وَظَاهِرُ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ لِأَنَّهُ صَدَّرَ بِهِ وَنَصُّهُ رَوَى الْبَاجِيُّ لَا حَدَّ لِمَنْ تُقْسَمُ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ مِنْ الْعَاقِلَةِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِالِاجْتِهَادِ وَقَالَ سَحْنُونَ: سَبْعُمِائَةِ رَجُلٍ، ابْنُ عَاتٍ الْمَشْهُورُ عَنْ سَحْنُونَ إنْ كَانَتْ الْعَاقِبَةُ أَلْفًا فَهُمْ قَلِيلٌ فَيُضَمُّ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ إلَيْهِمْ (اهـ بْن) . قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ هَذَا حَدًّا لِمَنْ يُضْرَبُ عَلَيْهِ] إلَخْ: فِي عِبَارَتِهِ إجْمَالٌ وَأَوْضَحُ مِنْهَا مَا قَالَهُ بْن وَنَصُّهُ وَقَوْلُ الزَّرْقَانِيِّ أَيْ حَدُّ أَقَلِّ الْعَاقِلَةِ أَيْ الْحَدُّ الَّذِي لَا يُضَمُّ مَنْ بَعْدَهُمْ لَهُمْ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ لَهُ فَإِذَا وُجِدَ هَذَا الْعَدَدُ مِنْ الْفَصِيلَةِ فَلَا يُضَمُّ إلَيْهِمْ الْفَخِذُ، وَهَكَذَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا حَدٌّ لِمَنْ يُضْرَبُ عَلَيْهِمْ بِحَيْثُ إذَا قَصُرُوا عَنْهُ لَا يُضْرَبُ عَلَيْهِمْ (اهـ) . قَوْلُهُ: [أَوْ زَادُوا] : أَيْ وَكَانُوا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الزَّائِدُ فِي مَرْتَبَةٍ بُعْدَى فَلَا يُضْرَبُ عَلَيْهِ قَطْعًا. قَوْلُهُ: [وَتَكْمُلُ مِمَّنْ يَلِيهِمْ] : الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ نَقَصُوا إلَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُمْ تَكْمِلَةٌ أَصْلًا، وَأَمَّا إذَا وُجِدَتْ التَّكْمِلَةُ فَلَا يُقَالُ نَاقِصَةٌ، بَلْ يُعْتَبَرُ سَبْعُمِائَةٍ مِنْ الْقُرْبَى وَالْبُعْدَى، فَإِذَا فَرَضَتْ الْإِخْوَةُ خَمْسَمِائَةٍ وَالْأَعْمَامُ كَذَلِكَ فُرِضَ عَلَى الْإِخْوَةِ عَلَى حِسَابِ السَّبْعِمِائَةِ يَبْقَى مَا يَخُصُّ مِائَتَيْنِ يُفَضُّ عَلَى الْأَعْمَامِ جَمِيعًا وَلَا يُخَصُّ بِهِ بَعْضٌ دُونَ بَعْضٍ لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ، هَذَا مَا ظَهَرَ. تَنْبِيهٌ حُكْمُ مَا وَجَبَ عَلَى عَوَاقِلَ مُتَعَدِّدَةٍ كَعَشْرَةِ رِجَالٍ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى قَتَلُوا رَجُلًا خَطَأً كَحَمْلِهِمْ صَخْرَةً فَسَقَطَتْ عَلَيْهِ كَحُكْمِ الْعَاقِلَةِ الْوَاحِدَةِ فَيُنَجَّمُ مَا يَنُوبُ كُلَّ عَاقِلَةٍ، وَإِنْ كَانَ دُونَ الثُّلُثِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ تَحِلُّ بِأَوَاخِرِهَا كَتَعَدُّدِ الْجِنَايَاتِ عَلَى الْعَاقِلَةِ الْوَاحِدَةِ كَمَا لَوْ قَتَلَ رَجُلٌ ثَلَاثَةَ رِجَالٍ فَعَلَيْهِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ ثَلَاثٌ تُنَجَّمُ

(وَعَلَى الْقَاتِلِ) : خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَقَوْلُهُ: " عِتْقُ رَقَبَةٍ " مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ: أَيْ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ قَتْلِ الْخَطَأِ، وَلَا تَكُونُ إلَّا عَلَى. (الْمُسْلِمِ) : أَيْ الْحُرِّ؛ إذْ لَا كَفَّارَةَ عَلَى كَافِرٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبِ وَلَا عَلَى عَبْدٍ قَتَلَ غَيْرَهُ خَطَأً. . (وَإِنْ) كَانَ قَاتِلُ الْخَطَأِ (صَبِيًّا) فَيَلْزَمُهُ، مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ؛ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي ثَلَاثِ سِنِينَ. قَوْلُهُ: [وَعَلَى الْقَاتِلِ] إلَخْ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ الدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ وَهُنَا حَقٌّ لِلَّهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ دُونَ الْعَمْدِ مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ الْعَكْسُ لِخَطَرِ الدِّمَاءِ، وَلِأَنَّ مَعَ الْمُخْطِئِ تَفْرِيطًا إذْ لَوْ تَحَرَّزَ وَاحْتَاطَ لَتَرَكَ الْفِعْلَ الَّذِي تَسَبَّبَ عَنْهُ الْقَتْلُ مِنْ أَصْلِهِ وَلِأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ الْعَامِدَ لَا تَكْفِيهِ الْكَفَّارَةُ فِي الْجِنَايَةِ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُكَفَّرَ كَمَا قَالُوا فِي يَمِينِ الْغَمُوسِ وَأَيْضًا قَدْ أَوْجَبُوا عَلَيْهِ ضَرْبَ مِائَةٍ وَحَبْسَ سَنَةٍ كَذَا فِي بْن. قَوْلُهُ: [وَلَا عَلَى عَبْدٍ] : إنَّمَا لَمْ تَجِبْ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ أَحَدَ شِقَّيْهَا مُتَعَذِّرٌ مِنْهُ وَهُوَ الْعِتْقُ لِأَنَّهُ لَا يُحَرَّرُ غَيْرُهُ، وَسُقُوطُ الصِّيَامِ لِاشْتِغَالِهِ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ. إنْ قُلْت إنَّ الظِّهَارَ لَا تَسْقُطُ عَنْ الْعَبْدِ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَتَكُونُ فِيهِ بِالصِّيَامِ ثُمَّ بِالْإِطْعَامِ فَمَا الْفَرْقُ؟ أُجِيبُ بِأَنَّهُ يُشَدَّدُ فِي الظِّهَارِ مَا لَا يُشَدَّدُ فِي كَفَّارَةِ الْخَطَأِ، فَإِنَّ الظِّهَارَ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ وَلَا مَنْدُوحَةَ عَنْ التَّخَلُّصِ مِنْهُ إلَّا بِهَا وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّهُ يُلْزَمُ الْعَبْدُ بِالصِّيَامِ لِعُمُومِ الْآيَةِ مَرْدُودٌ نَصَّ أَهْلُ الْمَذْهَبِ عَلَى خِلَافِهِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ قَاتِلُ الْخَطَأِ صَبِيًّا] : قَدَّرَ ذَلِكَ الشَّارِحُ إشَارَةً إلَى أَنَّ صَبِيًّا خَبَرٌ لِكَانَ الْمَحْذُوفَةِ. قَوْلُهُ: [مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ] : أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْلِيفُ لِأَنَّهَا كَالْعِوَضِ عَنْ الْمُتْلَفِ فَصَارَتْ كَسِلْعَةٍ أَتْلَفَهَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنْ كَانَ هُنَاكَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ مِنْ إجْمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ فَحَسَنٌ، وَإِلَّا فَمُقْتَضَى النَّظَرِ سُقُوطُهَا عَنْهُمَا يَعْنِي الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ وَرَدَّهَا إلَى خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَقَدْ جَعَلَ الشَّرْعُ بَدَلًا عَنْ الرَّقَبَةِ الصِّيَامَ الَّذِي هُوَ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَلَمَّا لَمْ يَجِدْ ابْنُ عَرَفَةَ سَبِيلًا لِلرَّدِّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ قَالَ: قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ يَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَاضِحٌ كَالزَّكَاةِ وَلَمْ

فَقَتْلُهُ سَبَبٌ لِلْكَفَّارَةِ وَيُخَاطَبُ وَلِيُّهُ خِطَابَ تَكْلِيفٍ. (أَوْ مَجْنُونًا) فَقَتَلَهُ كَذَلِكَ سَبَبٌ لَهَا. (أَوْ شَرِيكًا) لِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ غَيْرِهِمَا؛ فَعَلَى كُلٍّ كَفَّارَةٌ كَامِلَةٌ وَلَوْ كَثُرُوا. . (إذَا قَتَلَ مِثْلَهُ) : خَرَجَ الْمُرْتَدُّ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى قَاتِلِهِ (مَعْصُومًا) : مِنْ الْقَتْلِ: خَرَجَ الزِّنْدِيقُ وَالزَّانِي الْمُحْصَنُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى قَاتِلِهِمَا. (خَطَأً) : لَا عَمْدًا عُفِيَ عَنْهُ فَتُنْدَبُ. وَمِنْ الْخَطَأِ إذَا انْتَبَهَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ فَوَجَدَتْ وَلَدَهَا مَيِّتًا لِانْقِلَابِهَا عَلَيْهِ وَهِيَ نَائِمَةٌ فَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ وَعَلَى الْعَاقِلَةِ دِيَةُ الْخَطَأِ. أَمَّا لَوْ انْتَبَهَا فَوَجَدَاهُ مَيِّتًا بَيْنَهُمَا فَهَدَرٌ، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. (عِتْقُ رَقَبَةٍ) : مُؤْمِنَةٍ سَلِيمَةٍ. وَ (لِعَجْزِهَا) : أَيْ لِلْعَجْزِ عَنْ الرَّقَبَةِ (شَهْرَانِ) : أَيْ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ (كَالظِّهَارِ) : فَمَا يُطْلَبُ فِي الرَّقَبَةِ وَالشَّهْرَيْنِ فِيهِ يُطْلَبُ هُنَا؛ مِنْ كَوْنِهَا سَلِيمَةً مِنْ قَطْعِ أُصْبُعٍ وَجُنُونٍ - وَإِنْ قَلَّ - وَمَرَضٍ مُشْرِفٍ - إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي - وَمِنْ كَوْنِ الشَّهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ بِالْهِلَالِ وَتَمَّمَ الْأَوَّلَ إنْ انْكَسَرَ مِنْ الثَّالِثِ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي. . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَجِدْهُ لِغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ نَصًّا، بَلْ فِي وَجِيزِ الْغَزَالِيِّ (اهـ. مِنْ شب) . قَوْلُهُ: [أَوْ مَجْنُونًا] : مَعْطُوفٌ عَلَى صَبِيًّا فَهُوَ فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ. وَالْخِلَافُ فِيهِ كَالْخِلَافِ فِي الصَّبِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. قَوْلُهُ: [فَعَلَى كُلٍّ كَفَّارَةٌ كَامِلَةٌ] : أَيْ لِأَنَّهَا لَا تَتَبَعَّضُ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا يَصِحُّ الِاشْتِرَاكُ فِيهَا. قَوْلُهُ: [خَرَجَ الْمُرْتَدُّ] : أَيْ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مِثْلُهُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَلِذَلِكَ يَخْرُجُ الْعَبْدُ. قَوْلُهُ: [خَرَجَ الزِّنْدِيقُ وَالزَّانِي الْمُحْصَنُ] : أَيْ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مَعْصُومَيْنِ وَفِي الْحَقِيقَةِ الْمُرْتَدُّ خَارِجٌ بِهَذَا الْقَيْدِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [أَمَّا لَوْ انْتَبَهَا] : ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ يَعُودُ عَلَى الْأَبَوَيْنِ الْمَعْلُومَيْنِ مِنْ الْمَقَامِ. وَقَوْلُهُ: [فَهَدَرٌ] : إنَّمَا كَانَ هَدَرًا لَا كَفَّارَةَ وَلَا دِيَةَ فِيهِ لِلْجَهْلِ بِعَيْنِ الْقَاتِلِ. قَوْلُهُ: [إلَى آخَرِ مَا يَأْتِي] : صَوَابُهُ مَا مَرَّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.

[القسامة]

(وَنُدِبَتْ) الْكَفَّارَةُ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ (فِي) قَتْلِ (جَنِينٍ) عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ: لَا تُنْدَبُ. (وَرَقِيقٍ) : لِلْقَاتِلِ أَوْ لِغَيْرِهِ (وَعَمْدٍ) لَمْ يُقْتَلْ بِهِ لِكَوْنِهِ عُفِيَ عَنْهُ أَوْ لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ. (وَذِمِّيٍّ) قَتَلَهُ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، فَتُنْدَبُ لِلْقَاتِلِ. . (وَعَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْقَاتِلِ عَمْدًا إذَا كَانَ بَالِغًا وَلَمْ يُقْتَلْ لِنَحْوِ عَفْوٍ (مُطْلَقًا) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى حُرًّا أَوْ رَقِيقًا مُسْلِمًا أَوْ غَيْرَهُ (جُلِدَ مِائَةً وَحُبِسَ سَنَةً) مِنْ غَيْرِ تَغْرِيبٍ (وَإِنْ) كَانَ قَتْلُهُ الْعَمْدُ مُتَلَبِّسًا (بِقَتْلِ مَجُوسِيٍّ أَوْ) قَتْلِ (عَبْدِهِ) أَوْ عَبْدِ غَيْرِهِ. (وَسَبَبُ الْقَسَامَةِ) الَّتِي تُوجِبُ الْقِصَاصَ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ: (قَتْلُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ) : دُونَ الرَّقِيقِ وَالْكَافِرِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْحُرُّ بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا، قُتِلَ بِجُرْحٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ سُمٍّ (بِلَوْثٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْوَاوِ: الْأَمْرُ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْهُ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ؛ (كَشَاهِدَيْنِ عَلَى قَوْلِ حُرٍّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ: قَتَلَنِي، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فِي قَتْلِ جَنِينٍ] : الظَّاهِرُ أَنَّ مَحِلَّ النَّدْبِ إنْ كَانَ فِيهِ الْعُشْرُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ فِيهِ الدِّيَةُ وَقَتَلَهُ خَطَأً فَيَجِبُ وَانْظُرْ فِي ذَلِكَ وَحَيْثُ قُلْنَا بِالنَّدْبِ فِي الْجَنِينِ الَّذِي فِيهِ الْعُشْرُ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً. قَوْلُهُ: [لِنَحْوِ عَفْوٍ] : دَخَلَ فِي النَّحْوِ عَدَمُ الْمُكَافَأَةِ. قَوْلُهُ: [جُلِدَ مِائَةً وَحُبِسَ سَنَةً] : اُخْتُلِفَ فِي الْمُقَدَّمِ مِنْهَا فَقِيلَ الْجَلْدُ، وَقِيلَ الْحَبْسُ وَلَمْ يَشْطُرُوهَا بِالرِّقِّ لِعِظَمِ الْخَطَرِ فِي الْقَتْلِ. قَوْلُهُ: [بِقَتْلِ مَجُوسِيٍّ] : أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ. [الْقَسَامَةِ] [سَبَب الْقَسَامَة] قَوْلُهُ: [وَسَبَبُ الْقَسَامَةِ] : هِيَ اسْمُ مَصْدَرٍ لِأَقْسَمَ لَا مَصْدَرَ لَهُ لِأَنَّ مَصْدَرَهُ الْإِقْسَامُ، وَكَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأُقِرَّتْ فِي الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: [قَتْلُ الْحُرِّ] : مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ أَيْ سَبَبُهَا أَنْ يَقْتُلَ حُرًّا مُسْلِمًا. قَوْلُهُ: [الْأَمْرُ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْهُ غَلَبَةُ الظَّنِّ] : هَذَا التَّعْرِيفُ فِي التَّوْضِيحِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ لِصِدْقِهِ بِالسُّنَّةِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ قَرِينَةَ السِّيَاقِ تَخْرُجُهَا إذْ لَا تَحْتَاجُ لِأَيْمَانٍ مَعَهَا.

أَوْ: جَرَحَنِي، أَوْ ضَرَبَنِي فُلَانٌ) ذَكَرَ خَمْسَةَ أَمْثِلَةٍ لِلَّوْثِ أَوَّلُهَا: قَوْلُ حُرٍّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ إلَخْ، وَشَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ فُلَانٌ عَدْلَانِ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى إقْرَارِهِ، وَكَانَ بِهِ جُرْحٌ أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ أَوْ سُمٍّ. وَقَوْلُنَا " وَكَانَ بِهِ جُرْحٌ " إلَخْ: هِيَ التَّدْمِيَةُ الْحَمْرَاءُ. فَلَوْ قَالَ: فُلَانٌ بَلْ فُلَانٌ أَوْ تَرَدَّدَ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَثَرُ جُرْحٍ - وَهِيَ التَّدْمِيَةُ الْبَيْضَاءُ - بَطَلَ اللَّوْثُ فَلَا قَسَامَةَ، وَاحْتَرَزَ " بِالْحُرِّ " عَنْ قَوْلِهِ " الْعَبْدُ "، وَ " بِالْمُسْلِمِ " عَنْ الْكَافِرِ، وَ " بِالْبَالِغِ " عَنْ قَوْلِهِ: " الصَّبِيُّ "، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ وَالْمُرَادُ بِفُلَانٍ: اسْمُ الْقَاتِلِ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. (أَوْ) قَالَ: (دَمِي عِنْدَهُ) : فَإِنَّهُ مِثْلُ قَوْلِهِ: قَتَلَنِي، يَجْرِي فِيهِ شُرُوطُهُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَسَوَاءٌ كَانَ قَوْلُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ: قَتَلَنِي (عَمْدًا أَوْ خَطَأ) فَفِي الْعَمْدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوَّلُهَا] إلَخْ: وَثَانِيهَا شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ عَلَى مُعَايَنَةِ الضَّرْبِ أَوْ الْجُرْحِ أَوْ أَثَرِ الضَّرْبِ. وَثَالِثُهَا شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى مُعَايَنَةِ الْجُرْحِ أَوْ الضَّرْبِ. وَرَابِعُهَا شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ. وَخَامِسُهَا أَنْ يُوجَدَ الْقَتِيلُ وَبِقُرْبِهِ شَخْصٌ عَلَيْهِ أَثَرُ الْقَتْلِ. قَوْلُهُ: [وَاسْتَمَرَّ عَلَى إقْرَارِهِ] : أَيْ إلَى الْمَوْتِ. قَوْلُهُ: [هِيَ التَّدْمِيَةُ الْحَمْرَاءُ] : أَلْغَى كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْعَمَلَ بِهَا وَرَأَوْا أَنَّ قَوْلَ الْمَقْتُولِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ دَعْوَى مِنْ الْمَقْتُولِ وَالنَّاسُ لَا يُعْطَوْنَ بِدَعْوَاهُمْ وَالْأَيْمَانُ لَا تُثْبِتُ الدَّعَاوَى وَرَأَى عُلَمَاؤُنَا أَنَّ الشَّخْصَ عِنْدَ مَوْتِهِ لَا يَتَجَاسَرُ عَلَى الْكَذِبِ فِي سَفْكِ دَمِ غَيْرِهِ كَيْفَ وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي يَحِقُّ فِيهِ النَّدَمُ وَيُقْلِعُ فِيهِ الظَّالِمُ، وَمَدَارُ الْأَحْكَامِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ، وَأَيَّدُوا ذَلِكَ بِالْقَسَامَةِ وَهِيَ أَيْمَانٌ مُغَلَّظَةٌ احْتِيَاطًا فِي الدِّمَاءِ؛ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْقَاتِلِ إخْفَاءُ الْقَتْلِ عَنْ الْبَيِّنَاتِ فَاقْتَضَى الِاسْتِحْسَانُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [بَطَلَ اللَّوْثُ] : أَيْ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِلسَّنْهُورِيِّ وَعَبْدِ الْحَمِيدِ الصَّائِغِ الْقَائِلَيْنِ بِقَبُولِ قَوْلِهِ، وَيَكُونُ لَوْثًا تَحْلِفُ الْوُلَاةُ مَعَهُ أَيْمَانَ الْقَسَامَةِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ] : أَيْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَأَمَّا الْمَسْخُوطُ وَالْمَرْأَةُ فَهُمَا مِنْ أَهْلِهَا فِي الْجُمْلَةِ فَلِذَلِكَ قُبِلَ قَوْلُهُمَا. قَوْلُهُ: [أَوْ قَالَ دَمِي عِنْدَهُ] : تَنْوِيعٌ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: [عَمْدًا أَوْ خَطَأً] : تَعْمِيمٌ فِي الْمِثَالِ الْمُتَقَدِّمِ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَعْبِيرِهِ بِقَتَلَنِي أَوْ جَرَحَنِي أَوْ ضَرَبَنِي أَوْ دَمِي فَقَوْلُ شَارِحِنَا وَسَوَاءٌ كَانَ قَوْلُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ قَتَلَنِي أَيْ

[كيفية القسامة]

يَسْتَحِقُّونَ بِالْقَسَامَةِ الْقِصَاصَ وَفِي الْخَطَأِ الدِّيَةَ (وَلَوْ) كَانَ الْقَائِلُ: قَتَلَنِي إلَخْ (مَسْخُوطًا) : أَيْ فَاسِقًا (لِعَدْلٍ) : أَيْ ادَّعَى عَلَى عَدْلٍ وَلَوْ أَعْدَلَ وَأَوْرَعَ أَهْلِ زَمَانِهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ إلَخْ. (أَوْ) كَانَ الْقَائِلُ (ابْنًا) : أَيْ وَلَدًا لِأَبِيهِ: أَيْ ادَّعَى عَلَى أَبِيهِ أَنَّهُ ذَبَحَهُ أَوْ شَقَّ جَوْفَهُ أَوْ رَمَاهُ بِحَدِيدَةٍ قَاصِدًا قَتْلَهُ، فَيُقْسِمُونَ وَيُقْتَلُ فِيهِ. وَإِلَّا فَيُقْسِمُونَ وَيَأْخُذُونَ الدِّيَةَ مُغَلَّظَةً. (وَإِنْ أَطْلَقَ) الْقَائِلُ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِعَمْدٍ وَلَا خَطَأٍ (بَيَّنُوا) : أَيْ أَوْلِيَاؤُهُ أَنَّهُ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ وَأَقْسَمُوا عَلَى مَا بَيَّنُوا. (وَبَطَلَتْ) الْقَسَامَةُ (إنْ قَالُوا: لَا نَعْلَمُ) هَلْ الْقَتْلُ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ أَوْ لَا نَعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ (أَوْ اخْتَلَفُوا) بِأَنْ قَالَ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ: قَتَلَهُ عَمْدًا. وَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَا عَطَفَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَفِي الْخَطَأِ الدِّيَةُ] : أَيْ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِ، قَالَ فِي الْمُقَدَّمَاتِ: إنْ قَالَ قَتَلَنِي خَطَأً فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ: إحْدَاهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ يُقْبَلُ وَيَكُونُ مَعَهُ الْقَسَامَةُ وَلَا يُتَّهَمُ وَهَذَا أَشْهَرُ، وَالثَّانِيَةُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ إغْنَاءَ وَرَثَتِهِ فَهُوَ شَبِيهٌ بِقَوْلِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ لِي عِنْدَ فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَظْهَرُ فِي الْقِيَاسِ وَإِنْ كَانَ خَلِيلٌ رَدَّ عَلَيْهَا بِلَوْ أَفَادَهُ بْن. قَوْلُهُ: [قَاصِدًا قَتْلَهُ] : قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ أَوْ رَمَاهُ بِحَدِيدَةٍ. قَوْلُهُ: [وَيُقْتَلُ فِيهِ] : أَيْ فِي الْأَمْثِلَةِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَقَوْلُهُ: [وَإِلَّا] : أَيْ بِأَنْ قَالَ: دَمِي عِنْدَ أَبِي مَثَلًا أَوْ رَمَانِي بِحَدِيدَةٍ وَلَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِ الْقَصْدَ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يُقَيِّدْ بِعَمْدٍ وَلَا خَطَأً] : عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [كَيْفِيَّة الْقَسَامَة] قَوْلُهُ: [أَوْ لَا نَعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ] : أَيْ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى مُعَيَّنٍ فَإِنْ قُلْت: مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَاتِلَ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِ الْمَقْتُولِ فَكَيْفَ يَقُولُونَ لَا نَعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَالَ قَتَلَنِي زَيْدٌ مَثَلًا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُشَارِكٌ فِي الِاسْمِ فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ قَوْلُهُمْ لَا نَعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ

بَعْضُهُمْ: لَا نَعْلَمُ هَلْ قَتَلَهُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا؛ فَيَبْطُلُ الدَّمُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى أَنَّ وَلِيَّهُمْ قُتِلَ عَمْدًا حَتَّى يَسْتَحِقُّوا الْقَوَدَ، وَلَا عَلَى مَنْ قَتَلَهُ فَيُقْسِمُونَ عَلَيْهِ، أَمَّا لَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ: قَتَلَهُ خَطَأً، وَقَالَ الْبَعْضُ: لَا نَعْلَمُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا، فَلِمُدَّعِي الْخَطَأِ الْحَلِفُ لِجَمِيعِ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ مِنْ الدِّيَةِ لِأَنَّ الثَّابِتَ فِي الْخَطَأِ مَالٌ أَمْكَنَ تَوْزِيعُهُ، وَلَا شَيْءَ لِغَيْرِهِ. وَمِثْلُهُ لَوْ قَالُوا جَمِيعًا: خَطَأً، وَنَكَلَ الْبَعْضُ. فَلَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ: خَطَأً وَبَعْضُهُمْ: عَمْدًا، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الدَّرَجَةِ - كَالْبَنِينَ أَوْ الْإِخْوَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَيَبْطُلُ الدَّمُ] : هَذَا هُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ صَرَّحَ بِهِ لِلْإِيضَاحِ وَإِلَّا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَبَطَلَتْ يَدُلُّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَّفِقُوا] : إلَخْ: لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ لَمْ يُتَّفَقُوا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ لَا نَعْلَمُ هَلْ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً. قَوْلُهُ: [حَتَّى يَسْتَحِقُّوا الْقَوَدَ] : أَيْ وَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى أَنَّهُ خَطَأٌ حَتَّى يَسْتَحِقُّوا الدِّيَةَ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: [وَلَا عَلَى مَنْ قَتَلَهُ] : رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ لَا نَعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَدِّمَ هَذَا التَّفْرِيعَ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، أَوْ اخْتَلَفُوا وَلَمْ يُفَرِّعْ عَلَى حَلِّ قَوْلِهِ أَوْ اخْتَلَفُوا وَلَوْ فَرَّعَ عَلَيْهِ لَقَالَ فَيَبْطُلُ الدَّمُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى الْعَمْدِ حَتَّى يُقْتَصَّ لَهُمْ وَالدَّمُ لَا يَتَبَعَّضُ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَحْسُنُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، أَمَّا لَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ: قَتَلَهُ خَطَأً وَفِي الْعِبَارَةِ تَعْقِيدٌ وَخَلَلٌ لَا يَخْفَى. قَوْلُهُ: [فَيُقْسِمُونَ عَلَيْهِ] : الْمُنَاسِبُ حَذْفُ النُّونِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا لَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ] إلَخْ: هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ بِأَنْ قَالَ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ: قَتَلَهُ عَمْدًا. قَوْلُهُ: [وَمِثْلُهُ] : أَيْ فِي كَوْنِ مَنْ لَمْ يَنْكُلْ يَحْلِفُ جَمِيعَ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ مِنْ الدِّيَةِ. قَوْلُهُ: [وَنَكَلَ الْبَعْضُ] : أَيْ وَحَلَفَ الْبَعْضُ جَمِيعَ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ. قَوْلُهُ: [فَلَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ] : إلَخْ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَفْهُومِ قَوْلِ الشَّارِحِ بِأَنْ قَالَ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ إلَخْ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الدَّرَجَةِ] : أَيْ وَهِيَ فِي كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ لَهُ التَّكَلُّمُ

فَيَحْلِفُ الْجَمِيعُ عَلَى كُلٍّ طِبْقَ دَعْوَاهُ عَلَى قَدْرِ إرْثِهِ، وَيُقْضَى لِلْجَمِيعِ بِدِيَةِ الْخَطَأِ. فَلَوْ نَكَلَ مُدَّعِي الْخَطَأَ عَنْ الْحَلِفِ فَلَا شَيْءَ لِلْجَمِيعِ وَإِنْ نَكَلَ بَعْضُ مُدَّعِي الْخَطَأَ فَلِمُدَّعِي الْعَمْدَ الدُّخُولُ فِي حِصَّةِ مَنْ حَلَفَ. (أَوْ عَلَى مُعَايَنَةِ الضَّرْبِ) هَذَا ثَانِي أَمْثِلَةِ اللَّوْثِ، فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " أَوْ عَلَى قَوْلِ حُرٍّ ": أَيْ شَهِدَ عَدْلَانِ عَلَى مُعَايَنَةِ الضَّرْبِ. (أَوْ) مُعَايَنَةِ (الْجُرْحِ) خَطَأً أَوْ عَمْدًا أَيْ جُرْحُ أَوْ ضَرْبُ حُرٍّ مُسْلِمٍ. (وَتَأَخُّرُ الْمَوْتِ) شَرْطٌ فِي الْقَسَامَةِ أَمَّا إذَا لَمْ يَتَأَخَّرْ فَيَسْتَحِقُّونَ الدَّمَ أَوْ الدِّيَةَ بِدُونِ قَسَامَةٍ. وَبَيَّنَ كَيْفِيَّةَ الْقَسَامَةِ فِي هَذَا الْمِثَالِ بِقَوْلِهِ: (يُقْسِمُ) أَوْلِيَاؤُهُ (لِمَنْ ضَرَبَهُ) أَوْ جَرَحَهُ (مَاتَ) بِتَقْدِيمِ الْجَارِّ لِإِفَادَةِ الْحَصْرِ (أَوْ إنَّمَا مَاتَ مِنْهُ) وَأَمَّا فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ فَيَحْلِفُونَ: لَقَدْ قَتَلَهُ، وَذَكَرَ الْمِثَالَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ: (أَوْ) شَهَادَةُ (عَدْلٍ بِذَلِكَ) : أَيْ بِمُعَايَنَةِ الضَّرْبِ وَالْجُرْحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا مَثَّلَ الشَّارِحُ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ اسْتَوَوْا فِي الدَّرَجَةِ أَنَّهُمْ لَوْ اخْتَلَفُوا فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَاخْتَلَفَتْ مَرْتَبَتُهُمْ قُرْبًا وَبُعْدًا وَكَانَ الْجَمِيعُ لَهُ التَّكَلُّمُ كَبَنَاتٍ وَأَعْمَامٍ فَإِنْ قَالَتْ الْعَصَبَةُ: عَمْدًا وَالْبَنَاتُ خَطَأً كَانَ الدَّمُ هَدَرًا لَا قَسَامَةَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ وَلَا قَوَدَ، وَإِنْ قَالَتْ الْعَصَبَةُ: خَطَأً وَالْبَنَاتُ عَمْدًا حَلَفَتْ الْعَصَبَةُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَكَانَ لَهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْبَنَاتِ لِأَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ عَصَبَةً كَمَا يَأْتِي، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَاسْتَوَتْ دَرَجَتُهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لِلْجَمِيعِ التَّكَلُّمُ كَبَنَاتٍ مَعَ بَنِينَ فَالْعِبْرَةُ بِكَلَامِ الْبَنِينَ كَمَا أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِكَلَامِ الْأَعْمَامِ مَعَ الْبَنِينَ. قَوْلُهُ: [الدُّخُولُ فِي حِصَّةِ مَنْ حَلَفَ] : أَيْ عَلَى مَا لِلشَّيْخِ يُوسُفَ الْفِيشِيِّ فَإِذَا كَانَ مُدَّعِي الْخَطَأَ اثْنَيْنِ وَمُدَّعِي الْعَمْدَ اثْنَيْنِ وَحَلَفَ وَاحِدٌ مِنْ مُدَّعِي الْخَطَأَ كَانَ لِمُدَّعِي الْعَمْدَ الْحَلِفُ مَعَهُ، وَتَأْخُذُ الثَّلَاثَةُ نِصْفَ الدِّيَةِ يُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ: [أَوْ عَلَى مُعَايَنَةِ الضَّرْبِ] إلَخْ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَثَرٌ. قَوْلُهُ: [بِدُونِ قَسَامَةٍ] : أَيْ لِكَوْنِهَا شَهَادَةً عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ. قَوْلُهُ: [أَوْلِيَاؤُهُ] : الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ أَيْ الْمُسْتَحِقُّ لِأَنَّ الْفَاعِلَ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ مُفْرَدٌ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْفَاعِلَ اسْمٌ ظَاهِرٌ مَحْذُوفٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ

(مُطْلَقًا) : عَمْدًا أَوْ خَطَأً تَأَخَّرَ الْمَوْتُ أَوْ لَمْ يَتَأَخَّرْ. (يُقْسِمُ) الْأَوْلِيَاءُ خَمْسِينَ يَمِينًا صِيغَتُهَا الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْيَمِينِ الْمُكَمِّلَةُ لِلنِّصَابِ مِنْ الْعَدْلِ: (لَقَدْ جَرَحَهُ) أَوْ ضَرَبَهُ (وَمَاتَ مِنْهُ) : مِنْ الْجُرْحِ أَوْ الضَّرْبِ. وَقِيلَ: يَحْلِفُ وَاحِدٌ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ يَمِينًا مُكَمِّلَةً الشَّهَادَةَ أَنَّهُ ضَرَبَهُ أَوْ جَرَحَهُ ثُمَّ يَحْلِفُونَ الْخَمْسِينَ إلَخْ: لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي صِفَةِ الْقَسَامَةِ. (أَوْ) شَهِدَ عَدْلٌ (بِإِقْرَارِ الْمَقْتُولِ بِعَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ) أَيْ قَالَ بَالِغٌ: إنَّ فُلَانًا جَرَحَنِي أَوْ ضَرَبَنِي عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَشَهِدَ عَدْلٌ عَلَى قَوْلِهِ، فَشَهَادَتُهُ لَوْثٌ يَحْلِفُ الْأَوْلِيَاءُ خَمْسِينَ يَمِينًا بِالصِّيغَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْيَمِينِ الْمُكَمِّلَةِ لِلنِّصَابِ، فَلَا يَحْتَاجُونَ لِيَمِينٍ مُنْفَرِدَةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْفَاعِلَ لَا يُحْذَفُ إلَّا فِي مَوَاضِعَ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا. قَوْلُهُ: [أَوْ لَمْ يَتَأَخَّرْ] : عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ تَأَخَّرَ أَوْ لَمْ يَتَأَخَّرْ. قَوْلُهُ: [يُقْسِم الْأَوْلِيَاءُ] : يُقَالُ فِيهِ مَا قِيلَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: [مِنْ الْجُرْحِ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَأْتِيَ بِأَيْ التَّفْسِيرِيَّةِ بَدَلَ مِنْ. قَوْلُهُ: [لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي صِيغَةِ الْقَسَامَةِ] : أَيْ مَعَ كُلِّ يَمِينٍ فَلَا حَاجَةَ لِيَمِينٍ أُخْرَى مِنْ أَحَدِ الْأَوْلِيَاءِ حَيْثُ يُعَبِّرُ فِي كُلِّ يَمِينٍ لَقَدْ جَرَحَهُ وَمَاتَ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ شَهِدَ عَدْلٌ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْمِثَالُ الرَّابِعُ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ شَهِدَ عَدْلٌ بِرُؤْيَتِهِ] : هُوَ الْمِثَالُ الْخَامِسُ. قَوْلُهُ: [بِعَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ] : هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِقَوْلِ خَلِيلٍ أَنَّهُ لَوْثٌ فِي الْعَمْدِ دُونَ الْخَطَأِ، فَقَدْ اعْتَرَضَهُ بْن بِقَوْلِهِ إنَّ هَذِهِ التَّفْرِقَةَ لَمْ يَقُلْ بِهَا أَحَدٌ وَإِنَّمَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ: التَّوَقُّفُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ مُطْلَقًا، وَالِاكْتِفَاءُ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: [أَيْ قَالَ بَالِغٌ] : أَيْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ بِالْجُرْحِ أَوْ الضَّرْبِ بَالِغًا إذْ إقْرَارُ غَيْرِهِ لَا يُعْتَبَرُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ حُرًّا مُسْلِمًا أَيْضًا، وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى مُعَايَنَةِ الْجُرْحِ أَوْ الضَّرْبِ فَتُعْتَبَرُ فِي الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ كَذَا فِي شب.

(يُقْسِمُونَ: لَقَدْ قَتَلَهُ أَوْ) : شَهِدَ عَدْلٌ (بِرُؤْيَتِهِ) : أَيْ الْمَقْتُولُ حَالَ كَوْنِ الْمَقْتُولِ (يَتَشَحَّطُ) بِحَاءٍ وَطَاءٍ مُهْمَلَتَيْنِ: يَتَحَرَّك (فِي دَمِهِ. وَ) الشَّخْصُ (الْمُتَّهَمُ) بِالْقَتْلِ (قَرَّبَهُ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْمُتَّهَمِ (أَثَرُهُ) : أَيْ أَثَرُ الْقَتْلِ؛ كَكَوْنِ الْآلَةِ بِيَدِهِ مُلَطَّخَةً بِدَمٍ أَوْ خَارِجًا مِنْ مَكَانِ الْمَقْتُولِ وَلَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُ، فَتَكُونُ شَهَادَةُ الْعَدْلِ عَلَى مَا ذُكِرَ لَوْثًا يُحَلِّفُونَ الْأَوْلِيَاءَ أَيْمَانَ الْقَسَامَةِ، وَيَسْتَحِقُّونَ الْقَوَدَ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْقَسَامَةُ وَلَوْ تَعَدَّدَ اللَّوْثُ؛ كَشَهَادَةِ عَدْلٍ بِمُعَايَنَةِ الْقَتْلِ مَعَ عَدْلَيْنِ عَلَى قَوْلِ الْمَقْتُولِ: قَتَلَنِي فُلَانٌ، فَلَا يَقْتَصُّونَ وَلَا يَأْخُذُونَ الدِّيَةَ إلَّا بَعْدَ الْقَسَامَةِ. . (وَلَيْسَ مِنْهُ) : أَيْ مِنْ اللَّوْثِ (وُجُودُهُ) : أَيْ الْمَقْتُولِ (بِقَرْيَةِ قَوْمٍ) : وَلَوْ مُسْلِمًا بِقَرْيَةِ كُفَّارٍ، وَهَذَا إذَا كَانَ يُخَالِطُهُمْ غَيْرُهُمْ فِي الْقَرْيَةِ، وَإِلَّا كَانَ لَوْثًا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ. «كَمَا جَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَسَامَةَ لِابْنَيْ عَمِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [يُقْسِمُونَ لَقَدْ قَتَلَهُ] : أَيْ فَصِيغَةُ يَمِينِهِمْ فِي الْخَمْسِينَ يَمِينًا يَقُولُونَ ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَأَخُّرِ الْمَوْتِ وَعَدَمِهِ فِي هَذَا الْمِثَالِ وَالْمَدَارُ عَلَى ثُبُوتِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ شَهِدَ عَدْلٌ بِرُؤْيَتِهِ] : لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْعَدْلِ بِذَلِكَ بَلْ كَذَلِكَ عَدْلَانِ أَوْ أَكْثَرَ إذْ لَيْسَ الْمُوجِبُ لِلْقَسَامَةِ انْفِرَادَ الْعَدْلِ كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَتُهُ، بَلْ قُوَّةَ التُّهْمَةِ وَعَدَمَ التَّحَقُّقِ كَمَا يُفِيدُهُ ابْنُ عَرَفَةَ كَذَا فِي بْن. قَوْلُهُ: [يُحَلِّفُونَ الْأَوْلِيَاءَ] : أَيْ وَصِيغَةُ أَيْمَانِهِمْ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. قَوْلُهُ: [وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ] : لَكِنَّ مِثَالَ رُؤْيَةِ الْعَدْلِ الْمَقْتُولِ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ وَالْمُتَّهَمُ بِقُرْبِهِ عَلَيْهِ أَثَرُهُ بِبُعْدِ كَوْنِ الْقَتْلِ خَطَأً بَلْ الشَّأْنُ أَنَّهُ عَمْدٌ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ بَعِيدٌ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَقْتَصُّونَ] : أَيْ فِي الْعَمْدِ. وَقَوْلُهُ: [وَلَا يَأْخُذُونَ الدِّيَةَ] : أَيْ فِي الْخَطَأِ. قَوْلُهُ: [بِقَرْيَةِ قَوْمٍ] : أَيْ وَلَيْسَ مِنْهُ أَيْضًا مَوْتُهُ بِالزِّحَامِ بَلْ هُوَ هَدَرٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَوْثٌ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَفَادَهُ بْن. قَوْلُهُ: [لِابْنَيْ عَمِّ عَبْدِ اللَّهِ] : وَهُمَا حُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مُصَغَّرًا فِيهِمَا. فَعَنْ سَهْلِ بْنِ حَثْمَةَ قَالَ: «انْطَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ بْنُ مَسْعُودٍ إلَى

» حَيْثُ وُجِدَ مَقْتُولًا بِخَيْبَرَ، لِأَنَّ خَيْبَرَ مَكَانٌ لَا يُخَالِطُ الْيَهُودَ فِيهَا غَيْرُهُمْ. (أَوْ) وُجِدَ مَقْتُولًا (بِدَارِهِمْ) : لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَتَلَهُ غَيْرُ أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَالدَّارِ وَرَمَاهُ عِنْدَهُمْ حَيْثُ كَانَ يُخَالِطُهُمْ غَيْرُهُمْ فِي الدَّارِ أَيْضًا. . (وَإِنْ انْفَصَلَتْ بُغَاةٌ) : أَيْ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا تَحْتَ طَاعَةِ الْإِمَامِ (عَنْ قَتْلَى) مُتَعَلِّقٌ بِانْفَصَلَتْ، (وَلَمْ يُعْلَمُ الْقَاتِلُ) فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا قَسَامَةَ وَلَا قَوْدَ وَدَمُهُمْ هَدَرٌ قَالَ الْمَقْتُولُ: قَتَلَنِي فُلَانٌ أَمْ لَا، قَامَ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ الْبُغَاةِ أَمْ لَا. إذْ لَوْ قَامَ شَاهِدٌ مِنْ غَيْرِهِمْ لَكَانَ لَوْثًا قَطْعًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَفْسِيرًا لِقَوْلِ الْإِمَامِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: " لَا قَسَامَةَ وَلَا قَوَدَ ": إنْ تَجَرَّدَ الْقَتْلُ عَنْ تَدْمِيَةٍ وَعَنْ شَاهِدٍ. أَمَّا لَوْ قَالَ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ، أَوْ شَهِدَ بِالْقَتْلِ شَاهِدٌ مِنْ الْبُغَاةِ فَالْقَسَامَةُ وَالْقَوْدُ، -. ـــــــــــــــــــــــــــــQخَيْبَرَ وَهِيَ يَوْمئِذٍ صُلْحٌ فَتَفَرَّقَا فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَهُوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ قَتِيلًا فَدَفَنَهُ، ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْمٍ وَمُحَيِّصَةَ وَحُوَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ: كَبِّرْ كَبِّرْ وَهُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ فَسَكَتَ فَتَكَلَّمَا فَقَالَ: أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ قَاتِلِكُمْ أَوْ صَاحِبِكُمْ؟ قَالُوا: كَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَرَ؟ قَالَ: فَسَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ خَمْسِينَ يَمِينًا مِنْهُمْ قَالُوا: وَكَيْفَ نَأْخُذُ بِأَيْمَانِ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ فَعَقَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: بِمِائَةِ بَعِيرٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ» . قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانُوا تَحْتَ طَاعَةِ الْإِمَامِ] : أَيْ هَذَا إذَا كَانُوا خَارِجِينَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ وَهُمْ الْبُغَاةُ بِالْمَعْنَى الْآتِي، بَلْ وَإِنْ كَانُوا تَحْتَ طَاعَتِهِ وَلَا يُسَمُّونَ بُغَاةً بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. قَوْلُهُ: [عَنْ قَتْلَى] : جَمْعُ قَتِيلٍ. . قَوْلُهُ: [وَدَمُهُمْ هَدَرٌ] : نَحْوُهُ فِي عب وَالْخَرَشِيِّ، وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَنَقَلَهُ ر عَنْ الْفَاكِهَانِيِّ، وَاعْتَرَضَهُ ر قَائِلًا: لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي حَمَلَ عَلَيْهِ عِيَاضٌ وَالْأَبِيُّ قَوْلَ الْمُدَوَّنَةِ لَا قَسَامَةَ وَلَا قَوَدَ فِي قَتِيلِ الصَّفَّيْنِ أَنَّ فِيهِ الدِّيَةَ عَلَى الْفِئَةِ مَتَى نَازَعَتْهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْفِئَتَيْنِ فَدِيَتُهُ عَلَيْهِمَا لَا أَنَّهُ هَدَرٌ كَذَا فِي بْن.

[تعريف القسامة]

وَهُوَ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لِكَوْنِهِ الْمُفْتَى بِهِ، بِقَوْلِهِ: (فَالْقَسَامَةُ وَالْقَوْدُ بِتَدْمِيَةٍ أَوْ شَاهِدٍ) وَلَمْ يَجْعَلُوا هَذَا مِنْ التَّمَالُؤِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ مَوْتَهُ مِنْ فِعْلِهِ أَوْ فِرْقَتِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ مُؤَوِّلًا لِلْمُدَوَّنَةِ " لَا قَسَامَةَ ": إنْ تَجَرَّدَ قَوْلُهُ عَنْ شَاهِدٍ بَلْ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ: قَتَلَنِي فُلَانٌ، وَعَلَيْهِ لَوْ قَامَ شَاهِدٌ بِمُعَايَنَةِ الْقَتْلِ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ لَكَانَ لَوْثًا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَالْقَوَدَ. وَقَوْلُهُ: " وَلَمْ يُعْلَمُ الْقَاتِلُ " أَمَّا لَوْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لَعُمِلَ بِمُقْتَضَاهَا. (وَإِنْ تَأَوَّلُوا) : أَيْ الْبُغَاةُ: أَيْ قَامَتْ شُبْهَةٌ لِكُلِّ طَائِفَةٍ تَقْتَضِي جَوَازَ الْمُقَاتِلَةِ (فَهَدَرٌ) أَيْ فَالْمَقْتُولُ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ هَدَرٌ؛ فَلَوْ تَأَوَّلَتْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ فَفِي، مَقْتُولِهَا الْقِصَاصُ وَفِي الْأُخْرَى هَدَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُتَأَوِّلَةَ دَافِعَةُ الظَّالِمَةِ عَنْ نَفْسِهَا، كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (كَزَاحِفَةٍ) : مُتَعَدِّيَةٌ غَيْرُ مُتَأَوِّلَةٍ بَلْ ظُلْمًا (عَلَى دَافِعَةٍ) . وَلَمَّا قَدَّمَ سَبَبَ الْقَسَامَةِ ذَكَرَ تَفْسِيرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَهِيَ) : أَيْ الْقَسَامَةُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا (خَمْسُونَ يَمِينًا) : عَلَى مَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْأَصْلِ يَحْلِفُهَا الْبَالِغُ الْعَاقِلُ (مُتَوَالِيَةً) بِدُونِ تَفْرِيقٍ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان وَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ الْأَصْلَ التَّابِعَ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ، قَالَ شَيْخُنَا فِي الْمَجْمُوعِ:. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَهُوَ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ] : أَيْ لِكَوْنِهِ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَجْعَلُوا هَذَا مِنْ التَّمَالُؤِ] : أَيْ بِحَيْثُ يُقْتَلُ الْجَمْعُ بِالْوَاحِدِ. وَقَوْلُهُ: [لِاحْتِمَالِ أَنَّ مَوْتَهُ] : عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْجَعْلِ. قَوْلُهُ: [مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ] : أَيْ مِنْ إحْدَاهُمَا. قَوْلُهُ: [وَإِنْ تَأَوَّلُوا] إلَخْ: أَيْ كَالْوَقَائِعِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ. [تَعْرِيف الْقَسَامَة] قَوْلُهُ: [مُتَوَالِيَةً] : أَيْ فِي نَفْسِهَا لِأَنَّهُ أَرْهَبُ وَأَوْقَعُ فِي النَّفْسِ، لَكِنْ فِي الْعَمْدِ يَحْلِفُ هَذَا يَمِينًا وَهَذَا يَمِينًا حَتَّى تَتِمَّ أَيْمَانُهُمْ، وَلَا يَحْلِفُ وَاحِدٌ جَمِيعَ حَظِّهِ قَبْلَ حَظِّ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ إذَا نَكَلَ فِيهِ وَاحِدٌ بَطَلَ الدَّمُ، وَإِذَا بَطَلَ بِنُكُولِ وَاحِدٍ ذَهَبَتْ أَيْمَانُ غَيْرِهِ بِلَا فَائِدَةٍ، وَأَمَّا فِي الْخَطَأِ فَيَحْلِفُ كُلٌّ جَمِيعَ مَا يَنُوبُهُ قَبْلُ لِأَنَّ حَلِفَ أَصْحَابِهِ مَنْ نَكَلَ لَا يُبْطِلُ عَلَى أَصْحَابِهِ

وَلَمْ أَذْكُرْ قَيْدَ التَّوَالِي لِقَوْلِ الْبُنَانِيّ عَنْ ابْنِ مَرْزُوقٍ: لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِمَا. (بَتًّا) أَيْ يَحْلِفُونَ عَلَى الْبَتِّ وَالْجَزْمِ، فَلَا يَكْفِي: لَا نَعْلَمُ غَيْرَهُ قَتَلَهُ، بَلْ يَقُولُونَ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ لِمَنْ ضَرْبِهِ مَاتَ أَوْ: لَقَدْ قَتَلَهُ، وَاعْتَمَدَ الْبَاتُّ عَلَى ظَنٍّ قَوِيٍّ. (وَإِنْ) كَانَ الْيَمِينُ (مِنْ أَعْمَى أَوْ) مِنْ (غَائِبٍ) حَالَ الْقَتْلِ إذْ قَدْ يَحْصُلُ لَهُمَا الْعِلْمُ بِالْخَبَرِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْمُعَايَنَةِ. (وَجُبِرَتْ الْيَمِينُ) إذَا وُزِّعَتْ عَلَى عَدَدٍ وَحَصَلَ كَسْرَانِ أَوْ أَكْثَرَ (فَقَطْ) فَإِنَّهَا تُكْمَلُ (عَلَى) ذِي (أَكْثَرِ كَسْرِهَا) : وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ أَكْثَرِ الْكَسْرِ أَقَلَّ نَصِيبًا؛ كَبِنْتٍ مَعَ ابْنٍ فَعَلَيْهَا سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ، وَعَلَى الِابْنِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ، فَكَسْرُهَا أَكْثَرُ، فَتَحْلِفُ سَبْعَةَ عَشَرَ وَالِابْنُ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ، وَكَأُمٍّ وَأَخٍ لِأُمٍّ وَزَوْجَةٍ وَعَاصِبٍ، عَلَى الزَّوْجَةِ اثْنَا عَشَرَ يَمِينًا وَنِصْفٌ، وَعَلَى الْأَخِ لِلْأُمِّ ثَمَانِيَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِمَا] : قَدْ يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ رُؤْيَتِهِ كَوْنُهُ لَيْسَ مَنْصُوصًا وَأَيْضًا مَنْ حَفِظَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَكْفِي لَا نَعْلَمُ غَيْرَهُ قَتَلَهُ] : أَيْ فَلَا يَكْفِي الْحَلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. قَوْلُهُ: [وَاعْتَمَدَ الْبَاتُّ] : جَوَابٌ عَنْ سُؤَالِ كَيْفَ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَا جَزْمَ عِنْدَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ يَكْفِي الِاعْتِمَادُ عَلَى الظَّنِّ الْقَوِيِّ وَهُوَ يُؤْخَذُ مِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ. قَوْلُهُ: [إذْ قَدْ يَحْصُلُ لَهُمَا الْعِلْمُ] إلَخْ: الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ لِاعْتِمَادِ كُلٍّ عَلَى اللَّوْثِ وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ وَغَيْرِهِمَا. قَوْلُهُ: [وَجُبِرَتْ الْيَمِينُ] : هَذَا كَالتَّخْصِيصِ لِقَوْلِهِ وَهِيَ خَمْسُونَ يَمِينًا فَمَحِلُّ كَوْنِهَا خَمْسِينَ يَمِينًا إنْ لَمْ يَكُنْ كَسْرٌ وَإِلَّا زَادَتْ كَمَا فِي بَعْضِ الْأَمْثِلَةِ الْآتِيَةِ وَسَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [فَقَطْ] : اُحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَنْ الدِّيَةِ فَلَا جَبْرَ فِيهَا، بَلْ كُلٌّ يَأْخُذُ أَوْ يَدْفَعُ مَا يَخُصُّهُ وَلَوْ مَكْسُورًا. قَوْلُهُ: [كَبِنْتٍ مَعَ ابْنٍ] : هَذَا مِثَالٌ لِمَا حَصَلَ فِيهِ كَسْرَانِ. قَوْلُهُ: [وَكَأُمٍّ وَزَوْجَةٍ] : مِثَالٌ لِلْأَكْثَرِ مِنْ كَسْرَيْنِ وَمَسْأَلَتُهُمْ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ

وَثُلُثٌ، وَعَلَى الْأُمِّ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ، فَتَحْلِفُ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَيُكْمِلُ الْعَاصِبُ وَالزَّوْجَةُ يَمِينَهُ لِلتَّسَاوِي، وَسَقَطَ كَسْرُ الْأَخِ لِلْأُمِّ فَقَطْ، خِلَافًا لِعَبْدِ الْبَاقِي. (وَإِلَّا) بِأَنْ سَاوَتْ الْكُسُورَ (فَعَلَى) كُلٍّ مِنْ (الْجَمِيعِ) تَكْمِيلُ مَا انْكَسَرَ عَلَيْهِ لِلتَّسَاوِي؛ كَثَلَاثَةِ بَنِينَ عَلَى كُلٍّ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ، فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ سَبْعَةَ عَشَرَ. فَقَوْلُهُ: " وَهِيَ خَمْسُونَ " يَمِينًا إذَا لَمْ يَكُنْ كَسْرٌ وَإِلَّا فَتَزِيدُ. . (يَحْلِفُهَا) : أَيْ أَيْمَانَ الْقَسَامَةِ (فِي الْخَطَأِ مَنْ يَرِثُ) : الْمَقْتُولَ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ، وَتُوَزَّعُ هَذِهِ الْأَيْمَانُ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ. وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَأْخُذُ حَظَّهُ مِنْ الدِّيَةِ، أَوْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا قَالَ: (وَإِنْ وَاحِدًا أَوْ امْرَأَةً وَلَا يَأْخُذُ أَحَدٌ) : مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الْحَاضِرِينَ الْبَالِغِينَ إذَا غَابَ بَعْضُهُمْ أَوْ كَانَ صَغِيرًا شَيْئًا مِنْ الدِّيَةِ مِنْ الْعَاقِلَةِ (إلَّا بَعْدَهَا) : أَيْ بَعْدَ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ فِيهَا ثُلُثًا وَرُبْعًا فَكُلٌّ يَحْلِفُ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِ، فَالْأُمُّ ثُلُثُهَا وَالزَّوْجَةُ رُبْعُهَا وَالْأَخُ لِلْأُمِّ سُدُسُهَا وَالْعَاصِبُ الْبَاقِي وَهُوَ رُبْعُهَا. قَوْلُهُ: [فَتَحْلِفُ سَبْعَةَ عَشَرَ] : أَيْ تَكْمِلَةً لِكَسْرِهَا لِكَوْنِهِ الْأَكْبَرَ مِنْ كَسْرِ الْأَخِ لِلْأُمِّ. قَوْلُهُ: [وَيُكْمِلُ الْعَاصِبُ وَالزَّوْجَةُ] : أَيْ يَحْلِفُ كُلٌّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ. قَوْلُهُ: [سَقَطَ كَسْرُ الْأَخِ لِلْأُمِّ] : أَيْ فَيَحْلِفُ ثَمَانِيَةً فَقَطْ فَتَصِيرُ الْأَيْمَانُ إحْدَى وَخَمْسِينَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِانْكِسَارَ إذَا وَقَعَ فِي الْأَيْمَانِ فَكُلٌّ يَنْظُرُ لَهَا عَلَى حِدَةٍ فَمَتَى كَانَ فِيهَا كُسُورٌ مُخْتَلِفَةٌ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ كَمُلَ أَكْثَرُهَا وَتُرِكَ أَقَلُّهَا وَإِنْ تَسَاوَتْ كُسُورُهَا كَمُلَ كُلٌّ. قَوْلُهُ: [فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ سَبْعَةَ عَشَرَ] : أَيْ فَتَصِيرُ الْأَيْمَانُ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَلَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ ثَلَاثُونَ ابْنًا كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ يَمِينٌ وَثُلُثَانِ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمِينَيْنِ فَالْجُمْلَةُ سِتُّونَ بِجَبْرِ الْكُسُورِ كُلِّهَا لِتَسَاوِيهَا. قَوْلُهُ: [مَنْ يَرِثُ الْمَقْتُولَ] : أَيْ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْأُمِّ وَالزَّوْجَةِ وَالْأَخِ لِلْأُمِّ وَالْعَاصِبِ. قَوْلُهُ: [مِنْ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ] : أَيْ مَثَلًا.

حَلِفِهِ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ وَيَأْخُذُ حِصَّتَهُ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا يُخَاطَبُونَ بِالدِّيَةِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الدَّمِ. (ثُمَّ) بَعْدَ حَلِفِ الْحَاضِرِ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ (حَلَفَ) مَنْ حَضَرَ مِنْ الْغَيْبَةِ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ (حِصَّتَهُ) مِنْ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ فَقَطْ وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ مِنْ الدِّيَةِ. . (وَلَا يَحْلِفُ) أَيْمَانَ الْقَسَامَةِ (فِي الْعَمْدِ أَقَلَّ مِنْ رَجُلَيْنِ) : لِأَنَّ النِّسَاءَ لَا يَحْلِفْنَ فِي الْعَمْدِ لِعَدَمِ شَهَادَتِهِنَّ فِيهِ، فَإِنْ انْفَرَدْنَ عَنْ رَجُلَيْنِ صَارَ الْمَقْتُولُ كَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ فَتُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (عَصَبَةً) وَلَوْ لَمْ يَرِثُوا. بِأَنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَحْجُبُهُمْ كَمَا يَأْتِي، كَانَتْ الْعَصَبَةُ مِنْ النَّسَبِ أَوْ مِنْ الْوَلَاءِ كَمَا قَالَ: (وَلَوْ مَوْلًى) : فَإِنَّهُ إذَا وُجِدَ اثْنَانِ مِنْ الْأَعْلَيْنَ أَيْ الْمُعْتِقِينَ لِلْمَقْتُولِ فَيُقْسِمُونَ وَيَسْتَحِقُّونَ الْقِصَاصَ فِي الْعَمْدِ أَوْ الدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ، بِخِلَافِ الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا يُخَاطَبُونَ الدِّيَةَ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الدَّمِ] : أَيْ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ حَلِفِ جَمِيعِهَا. قَوْلُهُ: [حِصَّتَهُ] : أَيْ يَحْلِفُ مَا يَنُوبُهُ عَلَى حَسَبِ الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ رَجَعَ الْأَوَّلُ عَنْ دَعْوَى الدَّمِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي نَقْلِ ابْنِ عَرَفَةَ لِأَنَّ حَلِفَهُ قَبْلَ ذَلِكَ حُكْمٌ مَضَى، فَإِنْ مَاتَ الْغَائِبُ أَوْ الصَّبِيُّ قَبْلَ قُدُومِهِ أَوْ بُلُوغِهِ وَكَانَ الْحَالِفُ الَّذِي حَلَفَ جَمِيعَ أَيْمَانِهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَارِثَهُ فَهَلْ لَا بُدَّ مِنْ حَلِفِهِ مَا كَانَ يَحْلِفُهُ مُورِثُهُ، أَوْ يَكْتَفِي بِأَيْمَانِهِ السَّابِقَةِ؟ قَوْلَانِ، رَجَّحَ ابْنُ رُشْدٍ ثَانِيَهُمَا كَمَا فِي بْن. قَوْلُهُ: [فَإِنْ انْفَرَدْنَ عَنْ رَجُلَيْنِ] إلَخْ: أَيْ أَوْ كَانَ لَهُ عَاصِبٌ وَاحِدٌ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ. قَوْلُهُ: [فَتُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ] : أَيْ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِلَّا حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ، وَلَوْ طَالَ سَجْنُهُ وَلَا يُقْتَلُ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ لَمْ يَرِثُوا] : أَيْ هَذَا إذَا وَرِثُوا كَأَخَوَيْنِ لِلْمَقْتُولِ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمَا، أَوْ لَمْ يَرِثُوا كَعَمَّيْنِ لَهُ وَالْحَالُ أَنَّ الْوَارِثَ لَهُ بِنْتٌ وَأُخْتٌ مَثَلًا. قَوْلُهُ: [فَيُقْسِمُونَ وَيَسْتَحِقُّونَ] : الْمُنَاسِبُ فَيُقْسِمَانِ وَيَسْتَحِقَّانِ لِأَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الِاثْنَيْنِ

فَلَيْسَ عَصَبَةً. وَالْمُعْتِقَةُ لَا دَخْلَ لَهَا فِي الْعَمْدِ. (وَلَا يُقْسَمُ فِيهِ) : أَيْ فِي الْعَمْدِ (إلَّا عَلَى وَاحِدٍ) مِنْ الْجَمَاعَةِ الْمُلَوَّثِينَ بِالْقَتْلِ (يُعَيَّنُ) : أَيْ يُعَيِّنُهُ الْمُدَّعَى (لَهَا) لِلْقَسَامَةِ، يَقُولُونَ فِي الْأَيْمَانِ لِمَنْ ضَرْبِهِ مَاتَ لَا مِنْ ضَرْبِهِمْ. . وَلَا يُقْتَلُ بِهَا أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي قَتْلِ الْعَمْدِ، كَحَمْلِ صَخْرَةٍ وَرَمَوْهَا عَلَيْهِ فَمَاتَ فَيَقْسِمُونَ عَلَى الْجَمِيعِ حَيْثُ رُفِعَ حَيًّا وَأَكَلَ ثُمَّ مَاتَ، فَلَوْ مَاتَ مَكَانَهُ أَوْ أَنْفَذَتْ مُقَاتِلَهُ قُتِلَ الْجَمِيعُ بِدُونِ قَسَامَةٍ، هَذَا مَا رَجَّحَهُ شَيْخُنَا رَادًّا عَلَى عَبْدِ الْبَاقِي. فَلَوْ أَمْسَكَ شَخْصًا وَقَالَ لِآخَرَ: اضْرِبْهُ فَضَرَبَهُ وَهُوَ يُمْسِكُهُ حَتَّى مَاتَ فَكَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَالَ عَبْدُ الْبَاقِي: يُقْسِمُ عَلَيْهِمَا وَيُقْتَلَانِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْمُعْتَقَةُ لَا دَخْلَ لَهَا فِي الْعَمْدِ] : أَيْ وَإِنْ كَانَتْ تُعَدُّ فِي الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ النِّسَاءَ لَا يَحْلِفْنَ فِي الْعَمْدِ لِعَدَمِ شَهَادَتِهِنَّ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُقْتَلُ بِهَا أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ] : الْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِالْقَسَامَةِ فِي الْعَمْدِ إلَّا وَاحِدٌ وَلَوْ تَعَدَّدَ نَوْعُ الْفِعْلِ وَاخْتَلَفَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَوَّاقِ وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَعَدَّدَ نَوْعُ الْفِعْلِ وَاخْتَلَفَ فَيُقْتَلُ بِالْقَسَامَةِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ فَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا فِي بْن. قَوْلُهُ: [فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي قَتْلِ الْعَمْدِ] : قَالَ شب وَقَوْلُهُ مِنْ وَاحِدٍ يُعَيَّنُ لَهَا يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا احْتَمَلَ مَوْتُهُ مِنْ فِعْلِ أَحَدِهِمَا، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَحْتَمِلْ كَرَمْيِ جَمَاعَةٍ صَخْرَةً لَا يَقْدِرُ بَعْضُهُمْ عَلَى رَفْعِهَا فَإِنَّ الْقَسَامَةَ تَقَعُ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَيُقْتَلُونَ أَيْ وَاحِدٌ لِمُسَاوَاتِهِمْ كَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ، وَإِذَا قُتِلَ وَاحِدٌ مِنْ الَّذِينَ رَمَوْا الصَّخْرَةَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ بَقِيَ جَلْدُ مِائَةٍ وَحَبْسُ سَنَةٍ كَمَا يُفِيدُهُ مَا ذَكَرَهُ التَّتَّائِيُّ عَنْ أَصْبَغَ، وَإِذَا وَقَعَتْ الْقَسَامَةُ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ اعْتَرَفَ آخَرُ بِالْقَتْلِ فَإِنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ مُخَيَّرٌ فِي قَتْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَقَطْ، وَإِذَا قُتِلَ أَحَدُهُمَا حُبِسَ الثَّانِي عَامًا وَجُلِدَ مِائَةً (اهـ) وَمِثْلُهُ فِي الْحَاشِيَةِ وَالْمَجْمُوعِ، إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَيُقْتَلُ الْجَمِيعُ صَوَابُهُ وَيَخْتَارُونَ وَاحِدًا لِلْقَتْلِ. قَوْلُهُ: [فَكَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ] : أَيْ يُقْتَلَانِ بِغَيْرِ قَسَامَةٍ. وَقَوْلُهُ: [وَقَالَ عب] إلَخْ: مُقَابِلٌ لِلْمَشْهُورِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.

(وَلِلْوَلِيِّ) : أَيْ عَلَيْهِ إنْ كَانَ وَاحِدًا أَوْ تَخْيِيرًا إنْ تَعَدَّدَ (الِاسْتِعَانَةُ) فِي الْقَسَامَةِ (بِعَاصِبِهِ) : أَيْ عَاصِبِ الْوَلِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاصِبَ الْمَقْتُولِ كَامْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ لَيْسَ لَهَا عَاصِبٌ غَيْرُ ابْنِهَا وَلَهُ إخْوَةٌ مِنْ أَبِيهِ، فَيَسْتَعِينُ بِهِمْ أَوْ بِبَعْضِهِمْ أَوْ بِعَمِّهِ مَثَلًا، فَقَوْلُهُ " بِعَاصِبِهِ " أَيْ جِنْسِهِ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ كَمَا قَالَ: (وَإِنْ أَجْنَبِيًّا) . (وَوُزِّعَتْ) : أَيْ الْأَيْمَانُ عَلَى مُسْتَحَقِّي الدَّمِ فَإِنْ زَادُوا عَلَى خَمْسِينَ اُجْتُزِئَ مِنْهُمْ بِخَمْسِينَ (وَكَفَى) فِي حَلِفِ جَمِيعِهَا (اثْنَانِ) مِنْ الْأَوْلِيَاءِ (طَاعَا مِنْ أَكْثَرَ) : أَيْ إذَا كَانَ الْأَوْلِيَاءُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ وَطَاعَ مِنْهُمْ اثْنَانِ فَيَكْفِي حَيْثُ كَانَ الْبَاقِي (غَيْرَ نَاكِلِينَ) . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الِاسْتِعَانَةُ فِي الْقَسَامَةِ بِغَاصِبِهِ] : هَذَا فِي الْعَمْدِ، وَأَمَّا فِي الْخَطَأِ فَيَحْلِفُهَا وَإِنْ وَاحِدًا بِشَرْطِ كَوْنِهِ وَارِثًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُهَا فِي الْخَطَأِ إلَّا الْوَرَثَةُ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا اتَّحَدَ الْوَارِثُ أَوْ تَعَدَّدَ، وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَلَا يَحْلِفُهَا إلَّا الْعَدَدُ مِنْ الْعَصَبَةِ سَوَاءً كَانُوا كُلُّهُمْ عَصَبَةَ الْمَقْتُولِ أَوْ بَعْضُهُمْ عَصَبَتَهُ وَالْبَعْضُ عَصَبَةَ عَصَبَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ عَاصِبُ الْمَقْتُولِ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ أَجْنَبِيًّا] : أَيْ مِنْ الْمَقْتُولِ لَا مِنْ الْوَلِيِّ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَصَبَةً لَهُ كَأَمْثِلَةِ الشَّارِحِ الْمُتَقَدِّمَةِ. قَوْلُهُ: [عَلَى مُسْتَحِقِّي الدَّمِ] : أَيْ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ وَهَذَا فِي الْعَمْدِ، وَأَمَّا فِي الْخَطَأِ فَتُوَزَّعُ عَلَى قَدْرِ الْإِرْثِ. قَوْلُهُ: [اُجْتُزِئَ مِنْهُمْ بِخَمْسِينَ] : فَإِذَا طَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْحَلِفَ دَخَلَتْ الْقُرْعَةُ فِيمَنْ يَحْلِفُهَا مِنْهُمْ عِنْدَ الْمُشَاحَّةِ. قَوْلُهُ: [غَيْرَ نَاكِلِينَ] : حَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّ أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُولِ إنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ وَالْحَالُ أَنَّهُمْ فِي دَرَجَةٍ كَإِخْوَةٍ أَوْ أَعْمَامٍ فَطَاعَ مِنْهُمْ اثْنَانِ بِحَلِفِ جَمِيعِ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ فَإِنَّهُ يَجْتَزِئُ بِذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي لَمْ يَحْلِفْ غَيْرَ نَاكِلٍ فَلَوْ كَانَ نَاكِلًا بَطَلَ الدَّمُ وَلَا يَجْتَزِئُ بِحَلِفِ مَنْ أَطَاعَ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ الْجَمِيعَ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا عَلِمْت وَإِلَّا فَلَا عِبْرَةَ بِنُكُولِ مَنْ نَكَلَ إنْ كَانَ بَعِيدًا.

(وَنُكُولِ الْمُعَيَّنِ) : مِنْ عَصَبَةِ الْوَلِيِّ (لَا يُعْتَبَرُ) فَيَسْتَعِينُ بِغَيْرِ النَّاكِلِ مِنْ عَصَبَةِ الْوَلِيِّ. (بِخِلَافِ) نُكُولِ (غَيْرِهِ) : أَيْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّهُ مُعْتَبَرٌ إذَا كَانُوا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ؛ كَبَنِينَ أَوْ إخْوَةٍ نَكَلَ بَعْضُهُمْ. وَلَا يَضُرُّ نُكُولُ أَبْعَدَ مَعَ أَقْرَبَ، فَإِذَا نَكَلَ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ الْمُسْتَوِينَ فِي الدَّرَجَةِ. (فَتُرَدُّ) الْأَيْمَانُ (عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) بِالْقَتْلِ، كَمَا تُرَدُّ لَوْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ إلَّا رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ مُعَيَّنٌ (فَيَحْلِفُ كُلٌّ) مِنْهُمْ (خَمْسِينَ) يَمِينًا إنْ تَعَدَّدُوا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُتَّهَمٌ بِالْقَتْلِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُقْتَلُ بِالْقَسَامَةِ إلَّا وَاحِدٌ فَإِذَا كَانَ الْمُتَّهَمُ وَاحِدًا حَلَفَ الْخَمْسِينَ يَمِينًا. . (وَمَنْ نَكَلَ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ (حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ) خَمْسِينَ أَوْ يَمُوتَ فِي السَّجْنِ حَيْثُ كَانَ مُتَمَرِّدًا، وَإِلَّا فَبَعْدَ سَنَةٍ يُضْرَبُ مِائَةً وَيُطْلَقُ كَمَا فِي عَبْدِ الْبَاقِي، وَلَكِنَّ الَّذِي فِي التَّوْضِيحِ: لَا يُطْلَقُ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يَمُوتَ مُطْلَقًا، وَرَجَّحَهُ الْأَشْيَاخُ. . (وَإِنْ أَقَامَ) الْمُدَّعِي (شَاهِدًا) وَاحِدًا (عَلَى جُرْحٍ) خَطَأً أَوْ عَمْدًا فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا فَيَحْلِفُ إلَخْ، فَلَوْ كَانَ الْجُرْحُ عَمْدًا لَا شَيْءَ فِيهِ مُقَدَّرٌ اقْتَصَّ بِالشَّاهِدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَنُكُولُ الْمُعَيِّنِ] : بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ الْمُسَاعِدِ وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ لِبُعْدِهِ فِي الدَّرَجَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَضُرُّ نُكُولُ أَبْعَدَ مَعَ أَقْرَبَ] : أَيْ كَابْنِ عَمٍّ مَعَ أَخٍ. قَوْلُهُ: [كَمَا فِي (عَبّ) ] : لَيْسَ ذَلِكَ نَصَّ (عَبّ) إنَّمَا نَصُّهُ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يَطُولَ سَجْنُهُ فَيُعَاقَبُ وَيُخَلَّى سَبِيلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَمَرِّدًا إلَخْ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ التَّقْيِيدُ بِسَنَةٍ وَلَا بِمِائَةٍ. قَوْلُهُ: [خَطَأً أَوْ عَمْدًا] : الْأَوْلَى جَرُّهُ لِأَنَّهُ صِفَةُ جُرْحٍ. قَوْلُهُ: [فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ] : قَيْدٌ فِي الْعَمْدِ وَذَلِكَ كَالْجَائِفَةِ وَالْآمَّةِ. قَوْلُهُ: [فَيَحْلِفُ] إلَخْ: أَيْ وَاحِدَةً وَيَأْخُذُ الْعَقْلَ. قَوْلُهُ: [لَا شَيْءَ فِيهِ مُقَدَّرٌ] : أَيْ فِي عَمْدِهِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ الْمَتَالِفِ وَذَلِكَ كَقَطْعِ الْيَدِ وَقَلْعِ الْعَيْنِ.

وَالْيَمِينِ كَمَا تَقَدَّمَ. (أَوْ) أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى (قَتْلِ كَافِرٍ) ؛ أَوْ جُرْحِهِ مِنْ مُسْلِمٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ مِنْ كَافِرٍ خَطَأً (أَوْ عَبْدٍ) عَمْدًا أَوْ خَطَأً كَانَ الْقَاتِلُ مُسْلِمًا أَوْ عَبْدًا أَوْ لَا. (أَوْ) أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى (جَنِينٍ) أَلْقَتْهُ مَيِّتًا أَوْ مُسْتَهِلًّا. (حَلَفَ) مُقِيمُ الشَّاهِدِ يَمِينًا (وَاحِدَةً) فِي الْجَمِيعِ. (وَأَخَذَ الْعَقْلَ) : أَيْ الْمَالَ فَيَشْمَلُ دِيَةَ الْجُرْحِ وَقِيمَةَ الرَّقِيقِ وَالْغُرَّةَ فِي الْجَنِينِ إنْ نَزَلَ مَيِّتًا وَالدِّيَةُ إنْ اسْتَهَلَّ بِقَسَامَةٍ فِي الْخَطَأِ. (فَإِنْ نَكَلَ) الْمُدَّعِي عَنْ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ (بَرِئَ الْجَانِي) : تَعْبِيرُهُ " بِالْجَانِي " أَشْمَلُ مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ: الْجَارِحُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مِنْ مُسْلِمٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً] : أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ عَمْدِ الْمُسْلِمِ وَخَطَئِهِ فِي قَتْلِ الْكَافِرِ لِعَدَمِ مُكَافَأَتِهِ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ مِنْ كَافِرٍ خَطَأً] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ لِلْكَافِرِ كَافِرًا عَمْدًا لَاقْتُصَّ مِنْهُ بِشَاهِدَيْنِ إنْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا وَلَا يَكْفِي فِي ثُبُوتِهِ عَلَيْهِ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَفِي جُرْحِهِ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ. قَوْلُهُ: [أَوْ عَبْدٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً] : أَيْ فَالرَّقِيقُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ مَالٌ وَالْعَمْدُ وَالْخَطَأُ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ. قَوْلُهُ: [أَوْ عَبْدًا أَوْ لَا] : قَالَ شب وَالْخَرَشِيُّ لَكِنْ إنْ كَانَ الْقَاتِلُ لِلْعَبْدِ عَمْدًا رَقِيقًا خُيِّرَ سَيِّدُهُ بَيْنَ إسْلَامِهِ وَفِدَائِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ مُسْتَهِلًّا] : أَيْ وَمَاتَ. قَوْلُهُ: [يَمِينًا وَاحِدَةً] إلَخْ: هَذَا إذَا كَانَ مُقِيمُ الشَّاهِدِ وَاحِدًا فَإِنْ تَعَدَّدَ وَلِيُّ الْكَافِرِ أَوْ الْجَنِينِ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ يَمِينًا كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ سَيِّدَ الْعَبْدِ كَذَلِكَ إذَا تَعَدَّدَ (اهـ عب) . قَوْلُهُ: [فَيَشْمَلُ دِيَةَ الْجُرْحِ] إلَخْ: أَيْ حَيْثُ فَسَّرَ الْعَقْلَ بِالْمَالِ. قَوْلُهُ: [فِي الْخَطَأِ] : أَيْ وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَالْقَوَدُ بِقَسَامَةٍ.

وَمَحِلُّ كَوْنِ الْجَانِي يَبْرَأُ: (إنْ حَلَفَ) يَمِينًا وَاحِدَةً. (وَإِلَّا) يَحْلِفُ (غَرِمَ) مَا يَلْزَمُهُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ. (إلَّا الْجَارِحَ عَمْدًا) فَإِنَّهُ إنْ نَكَلَ (فَيُحْبَسُ) : فَإِنْ طَالَ عُوقِبَ وَأُطْلِقَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إنْ حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً] أَيْ فِي غَيْرِ مَا فِيهِ الْقَسَامَةُ كَمَسْأَلَةِ الْجَنِينِ إذَا اسْتَهَلَّ صَارِخًا ثُمَّ مَاتَ وَإِلَّا فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ وَفِي الْعَمْدِ سَجْنٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي النَّاكِلِ الَّذِي رُدَّتْ عَلَيْهِ أَيْمَانُ الْقَسَامَةِ. قَوْلُهُ: [مَا يَلْزَمُهُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ] : أَيْ مِنْ دِيَةٍ وَقِيمَةٍ وَغُرَّةٍ. قَوْلُهُ: [إنْ نَكَلَ فَيُحْبَسُ] : الْأَوْلَى حَذْفُ الْفَاءِ وَيَقْتَصِرُ عَلَى الْفَاءِ الْأُولَى وَيَجْعَلُهَا فَاءَ الْمَتْنِ.

[باب البغي]

بَابُ الْبَغْيِ ذَكَرَ فِيهِ تَعْرِيفَ الْبَغْيِ لُزُومًا مِنْ تَعْرِيفِهِ الْبَاغِيَةَ، وَهُوَ لُغَةً: ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْبَغْيِ] بَابٌ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْقَتْلِ وَالْجُرْحِ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْجِنَايَاتِ الَّتِي تُوجِبُ الْعُقُوبَةَ بِسَفْكِ الدِّمَاءِ أَوْ مَا دُونَهُ وَهِيَ سَبْعَةٌ: الْبَغْيُ وَالرِّدَّةُ وَالزِّنَا وَالْقَذْفُ وَالسَّرِقَةُ وَالْحِرَابَةُ وَالشُّرْبُ، وَبَدَأَ بِالْبَغْيِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُهَا مَفْسَدَةً إذْ فِيهِ إذْهَابُ النَّفْسِ وَالْأَمْوَالِ غَالِبًا كَذَا فِي بْن. قَوْلُهُ: [لُزُومًا] : أَيْ لَا بِطَرِيقِ الصَّرَاحَةِ لِأَنَّ الْبَاغِيَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْبَغْيِ وَمَعْرِفَةُ الْمُشْتَقِّ تَسْتَلْزِمُ مَعْرِفَةَ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ.

التَّعَدِّي، وَشَرْعًا: الِامْتِنَاعُ مِنْ طَاعَةِ مَنْ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [التَّعَدِّي] : أَيْ لِأَنَّهُ يُقَالُ بَغَى الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ اسْتَطَالَ وَتَعَدَّى عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ هُوَ الطَّلَبُ إلَّا أَنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى طَلَبٍ خَاصٍّ، وَهُوَ أَنْ يَبْغِيَ عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي ابْتِغَاؤُهُ. قَوْلُهُ: [مَنْ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ] : قَالَ بْن وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَةَ تَثْبُتُ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: إمَّا بَيْعَةُ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، وَإِمَّا بِعَهْدِ الْإِمَامِ الَّذِي قَبْلَهُ لَهُ، وَإِمَّا بِتَغَلُّبِهِ عَلَى النَّاسِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَرْطٌ لِأَنَّ مَنْ اشْتَدَّتْ وَطْأَتُهُ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ، وَأَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثُ صِفَاتٍ: الْعَدَالَةُ وَالْعِلْمُ بِشُرُوطِ الْإِمَامَةِ وَالرَّأْيُ. وَشُرُوطُ الْإِمَامَةِ ثَلَاثَةٌ: كَوْنُهُ مُسْتَجْمِعًا لِشُرُوطِ الْفُتْيَا، وَكَوْنُهُ قُرَشِيًّا، وَكَوْنُهُ ذَا نَجْدَةٍ وَكِفَايَةٍ فِي الْمُعْضِلَاتِ وَنُزُولِ الدَّوَاهِي وَالْمُلِمَّاتِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ] : زَادَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي تَعْرِيفِهِ بِمُبَالَغَةٍ وَلَوْ تَأْوِيلًا فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ زِيَادَتُهُ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْرِيفِ الْبَاغِيَةِ.

(الْبَاغِيَةُ: فِرْقَةٌ) أَيْ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا بِالنَّظَرِ لِلْغَالِبِ، وَإِلَّا فَالْوَاحِدُ قَدْ يَكُونُ بَاغِيًا (أَبَتْ طَاعَةَ الْإِمَامِ الْحَقِّ) : الَّذِي ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ بِإِيصَاءِ الْخَلِيفَةِ عِنْدَ مَوْتِهِ لَهُ - حَيْثُ كَانَ مُتَأَهِّلًا - وَإِلَّا فَأَهْلُ الْعِلْمِ فَشَرْطُ الْإِمَامِ: تَسْلِيمُ الْعُدُولِ ذَوِي الرَّأْيِ؛ فَلَا يَرِدُ قِتَالُ الْإِمَامِ الْحُسَيْنِ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ؛ لِأَنَّ يَزِيدَ لَمْ يُسَلِّمْ أَهْلَ الْحِجَازِ إمَامَتَهُ لِظُلْمِهِ. وَمِثْلُ الْإِمَامِ: نَائِبُهُ (فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ) مُتَعَلِّقٌ " بِطَاعَةٍ ". (بِمُغَالَبَةٍ) : أَيْ إظْهَارِ الْقَهْرِ، وَلَوْ لَمْ يُقَاتِلْ الْإِمَامَ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهَا بِالْمُقَاتِلَةِ، وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ تَأْوِيلًا) : فِي عَدَمِ طَاعَتِهِ لِشُبْهَةٍ قَامَتْ عِنْدَهُمْ، وَلَا إثْمٌ. فَالْمُبَالَغَةُ فِي كَوْنِهِمْ بَاغِيَةً: أَيْ أَنَّهُمْ بَاغِيَةٌ وَلَوْ كَانُوا مُتَأَوِّلِينَ، وَغَيْرُ الْمَعْصِيَةِ الْمُمْتَنِعُونَ مِنْ طَاعَتِهِ فِيهَا؛ كَمَنْعِ حَقٍّ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ وَجَبَ عَلَيْهِمْ كَزَكَاةٍ وَأَدَاءِ مَا عَلَيْهِمْ مِمَّا جَبَوْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِإِيصَاءِ الْخَلِيفَةِ] : مِثْلُ ذَلِكَ تَغَلُّبُهُ وَدَخَلَ عُمُومُ النَّاسِ تَحْتَ طَاعَتِهِ. قَوْلُهُ: [حَيْثُ كَانَ مُتَأَهِّلًا] : قَيْدٌ فِي تَنْفِيذِ وَصِيَّةِ الْخَلِيفَةِ. وَقَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَأَهْلُ الْعِلْمِ] : أَيْ وَإِلَّا يُوصِي أَوْ أَوْصَى لِغَيْرِ مُتَأَهِّلٍ فَالْكَلَامُ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَيْ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ. قَوْلُهُ: [فَشَرْطُ الْإِمَامِ تَسْلِيمُ الْعُدُولِ] إلَخْ: مُفَرَّعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِجْمَالِ؛ فَالْمُنَاسِبُ تَعْبِيرُهُ كَالْأَصْلِ حَيْثُ قَالَ: فِرْقَةٌ خَالَفَتْ الْإِمَامَ الَّذِي ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَيَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ لَمْ تَثْبُتْ إمَامَتُهُ لِأَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ لَمْ تُسْلِمْ لَهُ الْإِمَامَةَ لِظُلْمِهِ (اهـ) فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْمُتَغَلِّبَ لَا تَثْبُتُ لَهُ الْإِمَامَةُ إلَّا إنْ دَخَلَ عُمُومُ النَّاسِ تَحْتَ طَاعَتِهِ وَإِلَّا فَالْخَارِجُ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ بَاغِيًا كَقَضِيَّةِ الْحُسَيْنِ مَعَ الْيَزِيدِ. قَوْلُهُ: [وَقَوْلُهُ وَلَوْ تَأْوِيلًا] : الصَّوَابُ حَذْفُ لَفْظِ وَقَوْلُهُ. قَوْلُهُ: [فَالْمُبَالَغَةُ فِي كَوْنِهِمْ بَاغِيَةً] : أَيْ مُخْطِئِينَ غَيْرَ مُصِيبِينَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْخَطَأِ حُصُولُ الْإِثْمِ. قَوْلُهُ: [وَغَيْرِ الْمَعْصِيَةِ] إلَخْ: مَعْنَاهُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ الْمُمْتَنِعُونَ مِنْ طَاعَتِهِ فِيهَا إلَخْ، وَفِي التَّرْكِيبِ رِكَّةٌ وَتَعْقِيدٌ لَا يَخْفَى.

[قتال البغاة]

لِبَيْتِ الْمَالِ؛ كَخَرَاجِ الْأَرْضِ أَوْ أَبَوْا طَاعَتَهُ يُرِيدُونَ عَزْلَهُ وَلَوْ جَارٍ، إذْ لَا يُعْزَلُ بَعْدَ انْعِقَادِ إمَامَتِهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ وَعْظُهُ عَلَى مَنْ لَهُ قُدْرَةٌ. (فَلَهُ) : أَيْ لِلْإِمَامِ (قِتَالُهُمْ) : وَيَجِبُ كِفَايَةً عَلَى النَّاسِ مُعَاوَنَتُهُ عَلَيْهِمْ حَيْثُ كَانَ عَدْلًا، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لَهُ قِتَالُهُمْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ خُرُوجَهُمْ عَلَيْهِ لِعَدَمِ عَدْلِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ (وَقَتْلُهُمْ) : بِسَيْفٍ وَرَمْيٍ بِنَبْلٍ وَتَغْرِيقٍ وَقَطْعِ الْمِيرَةِ وَالْمَاءِ عَنْهُمْ وَرَمْيِهِمْ بِنَارٍ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ نِسْوَةٌ وَذُرِّيَّةٌ. (وَأُنْذِرُوا) : فَيَدْعُوهُمْ لِطَاعَتِهِ. وَإِنْ هُمْ لَمْ يُطِيعُوا قَاتَلَهُمْ مَا لَمْ يُعَاجِلُوهُ (بِالْقِتَالِ) . . (وَحَرُمَ) سَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ وَ (إتْلَافُ مَالِهِمْ) وَأَخْذُهُ بِدُونِ احْتِيَاجٍ لَهُ كَمَا يَأْتِي (وَرَفْعُ رُءُوسِهِمْ) بَعْدَ قَتْلِهِمْ (بِرِمَاحٍ) فَيَحْرُمُ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ بِالْمُسْلِمِينَ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَخَرَاجِ الْأَرْضِ] : أَيْ الْعَنْوِيَّةُ الَّذِي أُمِرُوا بِدَفْعِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ فَامْتَنَعُوا، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْرِيفِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا كَلَّفَ النَّاسَ بِمَالٍ ظُلْمًا فَامْتَنَعُوا مِنْ إعْطَائِهِ وَقَاتَلَهُمْ فَقَاتَلُوهُ لَا يَكُونُونَ بُغَاةً بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [إذْ لَا يُعْزَلُ بَعْدَ انْعِقَادِ إمَامَتِهِ] : أَيْ بِمُجَرَّدِ الْجَوْرِ وَإِنَّمَا يُعْزَلُ بِالْكُفْرِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ: إلَّا بِكُفْرٍ فَانْبِذَنْ عَهْدَهُ قَوْلُهُ: [وَإِنَّمَا يَجِبُ وَعْظُهُ] : أَيْ بِالْكَلَامِ الَّذِي يَلِينُ بِهِ الْقَلْبُ وَيُرْضِي الرَّبَّ. [قِتَالُ الْبُغَاةِ] قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لَهُ قِتَالُهُمْ] : قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَعْهُ يَعْنِي غَيْرَ الْعَدْلِ وَمَا يُرَادُ مِنْهُ يَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْ الظَّالِمِ بِظَالِمٍ ثُمَّ يَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْ كِلَيْهِمَا. قَوْلُهُ: [قَطْعُ الْمِيرَةِ] إلَخْ: الْمِيرَةُ فِي الْأَصْلِ الْإِبِلُ الَّتِي تَحْمِلُ الطَّعَامَ أُرِيدَ بِهَا هُنَا نَفْسُ الطَّعَامِ. قَوْلُهُ: [وَأَنْذِرُوا] : أَيْ وُجُوبًا. قَوْلُهُ: [وَحَرُمَ سَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ] : مُرَادُهُ مَا يَشْمَلُ النِّسَاءَ. قَوْلُهُ: [وَرَفْعُ رُءُوسِهِمْ] : أَيْ لَا بِمَحِلِّ قَتْلِهِمْ وَلَا غَيْرِهِ هَذَا ظَاهِرُ الشَّارِحِ. قَالَ بْن: وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ إنَّمَا يُمْنَعُ حَمْلُ رُءُوسِهِمْ لِمَحِلٍّ آخَرَ كَبَلَدٍ أَوْ وَالٍ وَأَمَّا رَفْعُهَا عَلَى الرِّمَاحِ فِي مَحِلِّ قَتْلِهِمْ فَقَطْ فَجَائِزٌ كَالْكُفَّارِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكُفَّارِ وَالْبُغَاةِ فِي هَذَا، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ شَاسٍ فِي الْأُمُورِ الَّتِي يَمْتَازُ فِيهَا قِتَالُهُمْ عَنْ قِتَالِ

[ضمان البغاة]

(وَاسْتُعِينَ عَلَيْهِمْ) عَلَى قِتَالِهِمْ (بِمَالِهِمْ) : مِنْ سِلَاحٍ وَخَيْلٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَحُوزَهُ (إنْ اُحْتِيجَ) لِلِاسْتِعَانَةِ بِهِ عَلَيْهِمْ. (ثُمَّ) بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ (رُدَّ) إلَيْهِمْ (كَغَيْرِهِ) : أَيْ كَمَا يُرَدُّ غَيْرُ مَا اسْتَعَانَ بِهِ إذَا وَقَعَ وَحَازَهُ، أَوْ أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهِ بِالْقُدْرَةِ كَالْحَوْزِ. . (وَإِنْ أُمِنُوا) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ مُخَفَّفَةً: أَيْ حَصَلَ الْأَمَانُ لِلْإِمَامِ بِالظُّهُورِ عَلَيْهِمْ (تُرِكُوا) : وَلَا يُسْتَرَقُّوا وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَخْذُ مَالٍ مِنْهُمْ كَالْجِزْيَةِ، بَلْ إنْ تَرَكَهُمْ مَعَ الْأَمْنِ مِنْهُمْ يَتْرُكُهُمْ مَجَّانًا. . (وَلَا يُذَفَّفُ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ أَوْ مُهْمَلَةٍ: أَيْ لَا يُجْهَزُ (عَلَى جَرِيحِهِمْ) وَلَا يُتْبَعُ مُنْهَزِمُهُمْ فَإِنْ لَمْ يُؤْمَنُوا أُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَأُتْبِعَ مُنْهَزِمُهُمْ. . (وَكُرِهَ لِرَجُلٍ قَتْلُ أَبِيهِ) الْبَاغِي وَلَا يُكْرَهُ قَتْلُ جَدِّهِ أَوْ ابْنِهِ (وَ) إنْ قَتَلَهُ (وَرِثَهُ) : لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا لَكِنَّهُ غَيْرُ عُدْوَانٍ (وَلَا يَضْمَنُ) بَاغٍ (مُتَأَوِّلٌ) فِي خُرُوجِهِ عَلَى الْإِمَامِ (مَالًا وَلَا نَفْسًا) أَتْلَفَهُمَا وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ لِتَأَوُّلِهِ. بِخِلَافِ الْبَاغِي غَيْرِ الْمُتَأَوِّلِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَالْإِثْمُ حَيْثُ كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا إذْ الْخَارِجُ عَلَى غَيْرِ الْعَدْلِ كَالْمُتَأَوِّلِ. - ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكُفَّارِ وَنَصُّهُ: يَمْتَازُ قِتَالُ الْبُغَاةِ عَنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ بِأَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا: أَنْ يَقْصِدَ بِالْقِتَالِ رَدْعَهُمْ لَا قَتْلَهُمْ، وَأَنْ يَكُفَّ عَنْ مُدْبِرِهِمْ وَلَا يُجْهِزْ عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَلَا تُقْتَلْ أَسْرَاهُمْ وَلَا تُغْنَمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا تُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ، وَلَا يَسْتَعِنْ عَلَيْهِمْ بِمُشْرِكٍ وَلَا يُوَادِعْهُمْ عَلَى مَالٍ وَلَا تُنَصَّبْ عَلَيْهِمْ الرَّدَعَاتُ، وَلَا تُحْرَقْ مَسَاكِنُهُمْ وَلَا يُقْطَعْ شَجَرُهُمْ (اهـ) وَقَوْلُهُ وَلَا يُسْتَعَنْ عَلَيْهِمْ بِمُشْرِكٍ وَلَوْ خَرَجَ مِنْ نَفْسِهِ طَائِعًا بِخِلَافِ الْكُفَّارِ. قَوْلُهُ: [أَيْ حَصَلَ الْأَمَانُ لِلْإِمَامِ] : أَيْ لِأَنَّهُمْ مَا دَامُوا خَارِجِينَ لَمْ يَأْمَنْ الْإِمَامُ مِنْهُمْ لِخُرُوجِهِمْ عَنْ طَاعَتِهِ، فَإِذَا انْهَزَمُوا وَعَجَزُوا أَمِنَ مِنْهُمْ لِدُخُولِهِمْ تَحْتَ طَاعَتِهِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يُؤْمَنُوا أَجْهَزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ] : أَيْ يَجُوزُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [قَتْلُ أَبِيهِ] : مِثْلُهُ الْأُمُّ بَلْ هِيَ أَوْلَى لِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْحَنَانِ وَالشَّفَقَةِ وَلِضَعْفِ مُقَاتَلَتِهَا عَنْ مُقَاتَلَةِ الرِّجَالِ. [ضمان البغاة] قَوْلُهُ: [وَلَا يَضْمَنُ بَاغٍ مُتَأَوِّلٌ] : أَيْ بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَهْدَرَتْ الدِّمَاءَ الَّتِي كَانَتْ فِي خُرُوجِهِمْ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُمْ كَانُوا مُتَأَوِّلِينَ.

[حكم قاضي البغاة]

(وَمَضَى حُكْمُ قَاضِيهِ) : أَيْ قَاضِي الْبَاغِي الْمُتَأَوِّلِ الَّذِي وَلَّاهُ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ، فَلَا يَتَعَقَّبُ، وَيَرْفَعُ الْخِلَافَ، فَلَا يُعَادُ الْحَدُّ الَّذِي أَقَامَهُ إنْ كَانَ غَيْرَ قَتْلٍ وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَتْلًا. (وَرُدَّ ذِمِّيٌّ مَعَهُ لِذِمَّتِهِ) : أَيْ خَرَجَ مَعَهُ طَائِعًا وَلَا يُعَدُّ خُرُوجُهُ مَعَ الْمُتَأَوِّلِ نَقْضًا لِلْعَهْدِ فَلَا يَضْمَنُ نَفْسًا وَلَا مَالًا. (وَ) الْبَاغِي (الْمُعَانِدُ) : غَيْرُ الْمُتَأَوِّلِ الْخَارِجُ عَنْ الْإِمَامِ الْعَدْلِ (ضَامِنٌ) النَّفْسَ وَالطَّرَفَ وَالْمَالَ لِعَدَمِ عُذْرِهِ. . (وَالذِّمِّيُّ) الْخَارِجُ طَوْعًا (مَعَهُ) : أَيْ مَعَ الْمُعَانِدِ (نَاقِضٌ لِلْعَهْدِ) فَهُوَ وَمَالُهُ فَيْءٌ. (وَالْمَرْأَةُ إنْ قَاتَلَتْ بِسِلَاحٍ قُتِلَتْ حَالَ الْقِتَالِ فَقَطْ) : لَا إنْ قَاتَلَتْ بِغَيْرِ سِلَاحٍ فَلَا تُقْتَلُ، مَا لَمْ تَقْتُلْ شَخْصًا؛ فَإِنْ كَانَتْ مُقَاتَلَتُهَا إلَخْ بَعْدَ الْقِتَالِ بِالْمُتَأَوِّلَةِ لَا تَضْمَنُ. وَغَيْرُهَا يَتَضَمَّنُ. وَإِنْ كَانَتْ ذِمِّيَّةً رُقَّتْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [حُكْمُ قَاضِي الْبُغَاة] قَوْلُهُ: [وَمَضَى حُكْمُ قَاضِيهِ] : أَيْ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَأَوِّلِ فَأَحْكَامُهُ الَّتِي حُكِمَ بِهَا تَتَعَقَّبُ فَمَا وُجِدَ مِنْهَا صَوَابًا مَضَى وَإِلَّا رُدَّ. قَوْلُهُ: [وَرُدَّ ذِمِّيٌّ مَعَهُ لِذِمَّتِهِ] : أَيْ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [نَاقِضٌ لِلْعَهْدِ] : مَحِلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْمُعَانِدُ أَكْرَهَ ذَلِكَ الذِّمِّيَّ عَلَى الْخُرُوجِ مَعَهُ عَلَى الْإِمَامِ وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ نَاقِضًا مَا لَمْ يُقَاتِلْ وَإِلَّا كَانَ نَاقِضًا كَمَا فِي بْن. قَوْلُهُ: [مَا لَمْ تَقْتُلْ شَخْصًا] : أَيْ فَتُقْتَلُ قَوْلُهُ: [فَإِنْ كَانَتْ مُقَاتَلَتُهَا] إلَخْ: الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ فَإِنْ كَانَتْ الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا بَعْدَ انْفِضَاضِ الْقِتَالِ فَالْمُتَأَوِّلَةُ لَا تَضْمَنُ وَغَيْرُهَا يَضْمَنُ.

[باب في تعريف الردة وأحكامها]

بَابٌ. فِي تَعْرِيفِ الرِّدَّةِ وَأَحْكَامِهَا وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْهَا الرِّدَّةُ: (كُفْرُ مُسْلِمٍ) : مُتَقَرِّرٌ إسْلَامُهُ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ مُخْتَارًا يَكُونُ: (بِصَرِيحٍ) مِنْ الْقَوْلِ كَقَوْلِهِ أُشْرِكُ بِاَللَّهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي تَعْرِيفِ الرِّدَّةِ وَأَحْكَامِهَا] بَابٌ: أَيْ مَسَائِلُهَا الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: [مُتَقَرِّرٌ إسْلَامُهُ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَتَقَرَّرُ بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ مُخْتَارًا، وَإِنْ لَمْ يُوقَفْ عَلَى الدَّعَائِمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَا بُدَّ فِي تَقَرُّرِ الْإِسْلَامِ مِنْ الْوُقُوفِ عَلَى الدَّعَائِمِ وَالْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ بَعْدَ نُطْقِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، فَمَنْ نَطَقَ بِهِمَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ عَلَى الدَّعَائِمِ فَلَا يَكُونُ مُرْتَدًّا، وَحِينَئِذٍ فَيُؤَدَّبُ فَقَطْ وَهَذَا فِي كَافِرٍ لَمْ يَكُنْ مُخَالِطًا لِلْمُسْلِمِينَ وَإِلَّا فَنُطْقُهُ كَافٍ اتِّفَاقًا لِشُهْرَةِ دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ عِنْدَهُ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [وَيَكُونُ بِصَرِيحٍ مِنْ الْقَوْلِ] : أَيْ كُفْرُ الْمُسْلِمِ يَكُونُ بِأَحَدِ أُمُورٍ

(أَوْ قَوْلٌ يَقْتَضِيهِ) : أَيْ يَقْتَضِي الْكُفْرَ كَقَوْلِهِ: جِسْمٌ كَالْأَجْسَامِ. (أَوْ فِعْلٌ يَتَضَمَّنُهُ) : أَيْ يَسْتَلْزِمُهُ لُزُومًا بَيِّنًا: - ـــــــــــــــــــــــــــــQثَلَاثَةٍ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بِصَرِيحٍ إلَخْ لَيْسَ مِنْ تَمَامِ التَّعْرِيفِ بَلْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ مُسْتَأْنَفٍ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ التَّعْرِيفُ غَيْرَ جَامِعٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الشَّكَّ فِي قِدَمِ الْعَالَمِ وَبَقَائِهِ مَثَلًا إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الشَّكَّ إمَّا أَنْ يُصَرَّحَ بِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَانَ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ أَوْ لَفْظٌ يَقْتَضِيهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَانَ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ أَوْ فِعْلٌ يَتَضَمَّنُهُ لِأَنَّ الشَّكَّ مِنْ أَفْعَالِ الْقَلْبِ. قَوْلُهُ: [أَيْ يَقْتَضِي الْكُفْرَ] : أَيْ يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلَالَةً الْتِزَامِيَّةً كَقَوْلِهِ جِسْمٌ مُتَحَيِّزٌ أَوْ كَالْأَجْسَامِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ: جِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ فَهُوَ فَاسِقٌ، وَفِي كُفْرِهِ قَوْلَانِ رَجَّحَ عَدَمَ كُفْرِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ فِعْلٌ يَتَضَمَّنُهُ] : إسْنَادُ التَّضَمُّنِ لِلْفِعْلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا الِالْتِزَامُ لَا حَقِيقَةُ التَّضَمُّنِ الَّذِي هُوَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ

(كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ) : أَوْ بَعْضِهِ وَلَوْ كَلِمَةً، وَكَذَا حَرْقُهُ اسْتِخْفَافًا لَا صَوْنًا أَوْ لِمَرِيضٍ، وَمِثْلُ إلْقَائِهِ تَرْكُهُ (بِ) مَكَان (قَذِرٍ) : وَلَوْ طَاهِرًا كَبُصَاقٍ، أَوْ تَلْطِيخُهُ بِهِ لَا نَحْوُ تَقْلِيبِ وَرَقٍ بِهِ، وَمِثْلُ الْمُصْحَفِ: الْحَدِيثُ، وَأَسْمَاءُ اللَّهِ، وَكُتُبُ الْحَدِيثِ وَكَذَا كُتُبُ الْفِقْهِ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ بِالشَّرِيعَةِ. (وَشَدُّ زُنَّارٍ) : أَيْ لُبْسُهُ مِيلًا لِكُفْرٍ، لَا لَعِبًا، فَحَرَامٌ. (مَعَ دُخُولِ كَنِيسَةٍ) : مُرْتَبِطٌ بِشَدِّ زُنَّارٍ، وَهُوَ - بِضَمِّ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ - الْمُرَادُ بِهِ مَلْبُوسُ الْكَافِرِ الْخَاصِّ بِهِ لَا خُصُوصُ الْمُلَوَّنِ. (وَسِحْرٌ) : فَيَكْفُرُ بِتَعَلُّمِهِ؛ وَهُوَ كَلَامٌ يُعَظَّمُ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَيُنْسَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ: أَيْ يَسْتَلْزِمُهُ وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا قَوْلُهُمْ لَازِمُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ لِأَنَّهُ فِي اللَّازِمِ الْخَفِيِّ وَعَبَّرَ أَوَّلًا بِيَقْتَضِيهِ وَثَانِيًا بِيَتَضَمَّنَهُ تَفَنُّنًا. قَوْلُهُ: [وَكَذَا حَرْقُهُ] : الْمُنَاسِبُ تَأْخِيرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ تَعَذَّرَ لِيَكُونَ كَلَامُ الْمَتْنِ مُرْتَبِطًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ لِمَرِيضٍ] : أَيْ لِتَبْخِيرِهِ. قَوْلُهُ: [تَرْكُهُ] : أَيْ فَتَرْكُهُ بِمَكَانٍ قَذِرٍ وَلَوْ طَاهِرًا كُفْرٌ وَلَوْ كَانَ فِي صَلَاةٍ ضَاقَ وَقْتُهَا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ طَاهِرًا] : أَيْ وَهَذَا بِخِلَافِ تَلْطِيخِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْبَيْتِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رِدَّةً إلَّا إذَا كَانَ التَّلْطِيخُ بِالنَّجَاسَةِ. قَوْلُهُ: [لَا نَحْوُ تَقْلِيبِ وَرَقٍ بِهِ] : أَيْ فَلَيْسَ بِرِدَّةٍ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا وَمِثْلُهُ مَنْ رَأَى وَرَقَةً مَكْتُوبَةً مَطْرُوحَةً فِي الطَّرِيقِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَا كُتِبَ فِيهَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَرْكُهَا مَطْرُوحَةً فَقَطْ، وَأَمَّا إنْ عَلِمَ أَنْ فِيهَا آيَةً أَوْ حَدِيثًا وَتَرَكَهَا كَانَ رِدَّةً كَذَا فِي بْن. قَوْلُهُ: [وَأَسْمَاءُ اللَّهِ] : أَيْ وَأَسْمَاءُ الْأَنْبِيَاءِ إذَا كَانَ بِقَصْدِ التَّحْقِيرِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِهَا حَيْثُ عُيِّنَتْ بِوَصْفٍ يَخُصُّهَا كَمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ مَقْرُونَةً بِصَلَاةٍ. قَوْلُهُ: [الْمُرَادُ بِهِ مَلْبُوسُ الْكَافِرِ] : أَيْ فَيَشْمَلُ بُرْنِيطَةَ النَّصْرَانِيِّ وَطُرْطُورَ الْيَهُودِيِّ. قَوْلُهُ: [وَسِحْرٌ] : أَيْ مُبَاشَرَتُهُ كَانَتْ الْمُبَاشَرَةُ مِنْ جِهَةِ تَعَلُّمِهِ أَوْ تَعْلِيمِهِ أَوْ عَمَلِهِ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ الشَّارِحِ تَعَلُّمُهُ.

إلَيْهِ الْمَقَادِيرُ. ثُمَّ إنْ تَجَاهَرَ بِهِ فَيُقْتَلُ إنْ لَمْ يَتُبْ، وَإِنْ أَسَرَّهُ فَحُكْمُ الزِّنْدِيقِ؛ يُقْتَلُ بِدُونِ اسْتِتَابَةٍ، وَشَهَرَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ الِاسْتِتَابَةِ مُطْلَقًا. (وَقَوْلٌ بِقَدَمِ الْعَالَمِ) : وَهُوَ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الصَّانِعِ (أَوْ بَقَائِهِ) : أَيْ الْعَالَمِ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ إنْكَارَ الْقِيَامَةِ، وَلَوْ اعْتَقَدَ حُدُوثَهُ وَهُوَ تَكْذِيبٌ لِلْقُرْآنِ. (أَوْ شَكَّ فِيهِ) : أَيْ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ الْقِدَمِ وَالْقَضَاءِ بَلْ وَالْوَهْمِ. (أَوْ) قَوْلٌ (بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ) : أَيْ إنَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ مَنْ يَمُوتُ تَنْتَقِلُ رُوحُهُ إلَى مِثْلِهِ أَوْ لِأَعْلَى مِنْهُ إنْ كَانَتْ فِي مُطِيعٍ أَوْ لِأَدْنَى مِنْهُ أَوْ مِثْلِهِ إنْ كَانَتْ فِي عَاصٍ فَهُوَ كَافِرٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ إنْكَارَ الْبَعْثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَشَهَرَ بَعْضُهُمْ] : الْمُرَادُ بِهِ ح. قَوْلُهُ: [مُطْلَقًا] : أَيْ أَسَرَّهُ أَوْ أَظْهَرَهُ فَحُكْمُ الزِّنْدِيقِ عَلَى كُلِّ حَالٍ إنْ جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: [وَقَوْلٌ بِقَدَمِ الْعَالَمِ] : أَيْ سَوَاءٌ قَالَ إنَّهُ قَدِيمٌ بِالذَّاتِ أَوْ بِالزَّمَنِ كَمَا تَقُولُ الْفَلَاسِفَةُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقِدَمَ عِنْدَ الْفَلَاسِفَةِ قِسْمَانِ: قِدَمٌ بِالذَّاتِ وَهُوَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ الْمُؤَثِّرِ. وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ، وَقِدَمٌ زَمَانِيٌّ وَهُوَ عَدَمُ الْمَسْبُوقِيَّةِ بِالْعَدَمِ كَانَ هُنَاكَ اسْتِنَادٌ لِمُؤَثِّرٍ أَمْ لَا، فَالثَّانِي أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ فَالْمَوْلَى عِنْدَهُمْ قَدِيمٌ بِالذَّاتِ أَوْ الزَّمَنِ وَالْأَفْلَاكُ وَالْعَنَاصِرُ وَأَنْوَاعُ الْحَيَوَانَاتِ وَالنَّبَاتَاتِ وَالْمَعَادِنِ قَدِيمَةٌ بِالزَّمَانِ لَا بِالذَّاتِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ عِنْدَهُمْ غَيْرَ مَسْبُوقَةٍ بِالْعَدَمِ لِأَنَّ ذَاتَ الْوَاجِبِ أَثَّرَتْ فِيهَا بِالْعِلَّةِ فَلَا أَوَّلَ لَهَا كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: (أَوْ بَقَائِهِ) : أَيْ أَنَّهُ لَا يَفْنَى لِمَا تَقُولُ الدَّهْرِيَّةُ، وَإِنَّمَا عَطَفَ الْبَقَاءَ بِأَوْ وَإِنْ اسْتَلْزَمَهُ الْقِدَمُ لِأَنَّ إحْدَى الْعَقِيدَتَيْنِ كَافِيَةٌ فِي الْكُفْرِ وَإِنْ لَمْ تُلَاحَظْ الْعَقِيدَةُ الْأُخْرَى. قَوْلُهُ: [لَوْ اعْتَقَدَ حُدُوثَهُ] : أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْبَقَاءِ ثُبُوتُ الْقِدَمِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ فِيهِ إنْكَارَ الْبَعْثِ] : أَيْ بِالْأَجْسَادِ مَعَ الْأَرْوَاحِ إنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ، وَقِيلَ إلَى أَنْ تَصِلَ الرُّوحُ الطَّائِعَةُ إلَى الْجَنَّةِ وَالْعَاصِيَةُ إلَى

(أَوْ أَنْكَرَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ) : كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ أَوْ تَحْرِيمِ الزِّنَا، أَوْ حِلَّ مُجْمَعٍ عَلَى عَدَمِ إبَاحَتِهِ (مِمَّا عُلِمَ) مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً (بِكِتَابٍ) الْقُرْآنُ (أَوْ سُنَّةٍ) : مُتَوَاتِرَةٍ؛ فَلَا يَكْفُرُ بِإِنْكَارِ إعْطَاءِ السُّدُسِ لِبِنْتِ الِابْنِ مَعَ الْبِنْتِ وَإِنْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ ضَرُورَةً، وَلَا بِإِنْكَارِ خِلَافَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَحْوِهِ، أَوْ وُجُودِ بَغْدَادَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الدِّينِ وَلَا يَتَضَمَّنُ تَكْذِيبَ قُرْآنٍ. بِخِلَافِ إنْكَارِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ الْأَقْصَى أَوْ فِرْعَوْنَ مِنْ كُلِّ مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَعُلِمَ إلَخْ. (أَوْ جَوَّزَ اكْتِسَابَ النُّبُوَّةِ) : أَيْ تَحْصِيلَهَا بِسَبَبِ رِيَاضَةٍ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ وُقُوعِهَا بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (أَوْ سَبَّ نَبِيًّا) مُجْمَعًا عَلَى نُبُوَّتِهِ أَوْ مَلَكًا مُجْمَعًا عَلَى مَلَكِيَّتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّارِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ مَنْ يُنْكِرُ الْبَعْثَ الْجُسْمَانِيَّ وَيُثْبِتُ الرُّوحَانِيَّ وَكُلٌّ كُفْرٌ. قَوْلُهُ: [أَوْ حِلٌّ مُجْمَعٌ عَلَى إبَاحَتِهِ] : مَعْطُوفٌ عَلَى وُجُوبٍ أَيْ أُنْكِرَ حِلٌّ مُجْمَعٌ عَلَى إبَاحَتِهِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ: وَمَنْ لِمَعْلُومٍ ضَرُورَةً جَحَدْ ... مِنْ دِينِنَا يُقْتَلُ كُفْرًا لَيْسَ حَدّ لَا مِثْلَ هَذَا مَنْ نَفَى لِمُجْمَعِ ... أَوْ اسْتَبَاحَ كَالزِّنَا فَلْتَسْمَعْ قَوْلُهُ: [الْقُرْآنِ] : بَدَلٌ مِنْ كِتَابٍ وَيَجُوزُ إبْدَالُ الْمَعْرِفَةِ مِنْ النَّكِرَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَا بِإِنْكَارِ خِلَافَةِ عَلِيٍّ] : أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَيْهَا مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ وُقُوعِهَا] إلَخْ: وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ لِوُجُودِ النُّصُوصِ مَعَ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى خِلَافِهِ، وَأَمَّا الْوَلَايَةُ فَقِيلَ إنَّهَا تَحْصُلُ بِالْكَسْبِ وَقَدْ تَكُونُ وَهْبِيَّةً. وَقَالَ الشَّيْخ إبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيُّ: الْوَلَايَةُ لَا تُكْتَسَبُ بِحَالٍ كَالنُّبُوَّةِ وَلَنَا فِي ذَلِكَ مَزِيدُ تَحْقِيقٍ فَانْظُرْهُ فِي كِتَابَتِنَا عَلَى الْجَوْهَرَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ مُكْتَسَبَهُ ... وَلَوْ رَقَى فِي الْخَيْرِ أَعْلَى عَقَبَهُ قَوْلُهُ: [مُجْمَعًا عَلَى نُبُوَّتِهِ] : خَرَجَ نَحْوُ الْخَضِرِ وَلُقْمَانَ وَذِي الْقَرْنَيْنِ فَسَبُّهُمْ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ الشَّدِيدَ فَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ. قَوْلُهُ: [أَوْ مَلَكًا مُجْمَعًا عَلَى مَلَكِيَّتِهِ] : خَرَجَ نَحْوُ هَارُوتَ وَمَارُوتَ فَسَبُّهُمْ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ الشَّدِيدَ أَيْضًا.

[الشهادة علي المرتد]

(أَوْ عَرَّضَ) بِسَبٍّ لِنَبِيٍّ أَوْ مَلَكٍ بِأَنْ قَالَ عِنْدَ ذِكْرِهِ: أَمَّا أَنَا فَلَسْت بِزَانٍ أَوْ بِسَاحِرٍ. (أَوْ أَلْحَقَ بِهِ) : أَيْ بِنَبِيٍّ أَوْ مَلَكٍ (نَقْصًا وَإِنْ بِبَدَنِهِ) : كَعَرَجٍ، وَشَلَلٍ (أَوْ وُفُورِ عِلْمِهِ) : إذْ كُلُّ نَبِيٍّ أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِهِ وَسَيِّدُهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمُ الْخَلْقِ (أَوْ زُهْدِهِ) . (وَفُصِّلَتْ الشَّهَادَةُ فِيهِ) : أَيْ فِي الْكُفْرِ وُجُوبًا؛ فَإِذَا شَهِدَ بِأَنَّهُ كُفْرٌ، فَيَقُول الْقَاضِي: بِأَيِّ شَيْءٍ؟ فَيَقُولُ الشَّاهِدُ: بِقَوْلِ كَذَا أَوْ بِفِعْلِ كَذَا، لِئَلَّا يَكُونَ فِي الْوَاقِعِ لَيْسَ كُفْرًا وَاعْتَقَدَ الشَّاهِدُ أَنَّهُ كُفْرٌ. (يُسْتَتَابُ) الْمُرْتَدُّ وُجُوبًا (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) بِلَيَالِيِهَا وَابْتِدَاءُ الثَّلَاثَةِ (مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ عَرَّضَ] : أَيْ قَالَ قَوْلًا وَهُوَ يُرِيدُ خِلَافَهُ اعْتِمَادًا عَلَى قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ فِي الِانْتِقَالِ لِلْمُرَادِ كَمَا مَثَّلَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [بِسَبٍّ لِنَبِيٍّ أَوْ مَلَكٍ] : أَيْ مُجْمَعٍ عَلَى مَا ذَكَرَ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَلْحَقَ بِهِ] : أَيْ بِالْمُجْمَعِ عَلَى نُبُوَّتِهِ أَوْ مَلَكِيَّتِهِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ بِبَدَنِهِ] : أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ فِي بَدَنِهِ بِأَنْ قَالَ: أَسْوَدُ أَوْ أَعْوَرُ، أَوْ فِي أَخْلَاقِهِ بِأَنْ قَالَ: أَحْمَقُ أَوْ جَبَانٌ أَوْ بَخِيلٌ أَوْ فِي دِينِهِ بِأَنْ قَالَ: فَاسِقٌ أَوْ تَارِكُ الصَّلَاةِ، أَوْ مَانِعُ الزَّكَاةِ وَمِثْلُ ذَلِكَ ذِكْرُ الْمَلَائِكَةِ بِالْأَوْصَافِ الْقَبِيحَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ وُفُورِ عِلْمِهِ] : أَيْ بِأَنْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ عَلَى غَايَةٍ مِنْ الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ. [الشَّهَادَة عَلَيَّ الْمُرْتَدُّ] قَوْلُهُ: [وُجُوبًا] : أَيْ صَوْنًا لِلدِّمَاءِ وَدَرْءًا لِلْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ. تَنْبِيهٌ: لَا بُدَّ فِي الشَّاهِدَيْنِ مِنْ اتِّحَادِ الْمَشْهُودِ بِهِ فَلَا يُلَفَّقُ شَاهِدًا فِعْلٍ مُخْتَلِفٍ كَشَهَادَةِ شَاهِدٍ عَلَيْهِ بِإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِقَذِرٍ وَآخَرَ بِشَدِّ زُنَّارٍ لَا شَاهِدَ بِفِعْلٍ كَالْإِلْقَاءِ الْمَذْكُورِ، وَالْآخَرُ بِقَوْلٍ وَإِنَّمَا يُلَفَّقُ الْقَوْلَانِ الْمُخْتَلِفَا اللَّفْظِ الْمُتَّفِقَا الْمَعْنَى كَشَاهِدٍ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يُكَلِّمْ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا وَآخَرُ بِقَوْلِهِ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا كَذَا فِي عب، وَوَجْهُ الِاتِّحَادِ فِي الْمَعْنَى أَنَّ شَهَادَةَ كُلٍّ آلَتْ إلَى أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ مُكَذِّبٌ لِلْقُرْآنِ. [يُسْتَتَابُ الْمُرْتَدُّ وُجُوبًا] قَوْلُهُ: [يُسْتَتَابُ الْمُرْتَدُّ وُجُوبًا] : أَيْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ اسْتِتَابَتُهُ

[المرتد إن تاب ترك وإن لم يتب قتل]

يَوْمِ الْحُكْمِ) : أَيْ ثُبُوتِ الرِّدَّةِ عَلَيْهِ، لَا مِنْ يَوْمِ الْكُفْرِ، وَلَا مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ وَيُلْغَى يَوْمُ الثُّبُوتِ إنْ سَبَقَ بِالْفَجْرِ. (بِلَا جُوعٍ وَعَطَشٍ) : بَلْ يُطْعَمُ وَيُسْقَى مِنْ مَالِهِ وَلَا يُنْفَقُ عَلَى وَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُوقَفُ فَيَكُونُ مُعْسِرًا بِرِدَّتِهِ. (وَ) بِلَا (مُعَاقَبَةٍ) : بِكَضَرَبَ وَلَوْ أَصَرَّ عَلَى عَدَمِ الرُّجُوعِ. (فَإِنْ تَابَ) تُرِكَ. (وَإِلَّا) يَتُبْ (قُتِلَ) : بِغُرُوبِ الثَّالِثِ. (وَمَالُهُ) أَيْ الْمَقْتُولِ بِسَبَبِ الرِّدَّةِ (فَيْءٌ) يُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَوْ ارْتَدَّ لِدِينِ وَارِثِهِ. (إلَّا الرَّقِيقَ) الْمُرْتَدَّ وَلَوْ بِشَائِبَةٍ؛ كَمُكَاتَبٍ وَمُبَعَّضٍ؛ إذَا قُتِلَ مُرْتَدًّا (فَلِسَيِّدِهِ) وَلَا يُؤْخَذُ حَالَةَ الرِّدَّةِ بَلْ يُوقَفُ؛ إنْ أَسْلَمَ رَجَعَ لَهُ، وَإِنْ قُتِلَ أَخَذَهُ مِلْكًا لَا إرْثًا. (وَأُخِّرَتْ) وُجُوبًا (الْمُرْضِعُ) : الْمُرْتَدَّةُ بِلَا قَتْلٍ (لِوُجُودِ مُرْضِعٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَإِنَّمَا كَانَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَخَّرَ قَوْمَ صَالِحٍ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَعَلَّهُمْ أَنْ يَتُوبُوا فِيهِ، فَلَوْ حَكَمَ الْإِمَامُ بِقَتْلِهِ قَبْلَهَا مَضَى لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ: يُسْتَتَابُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَوْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: [وَيُلْغَى يَوْمُ الثُّبُوتِ] : أَيْ وَلَا يُلَفَّقُ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامِ احْتِيَاطًا لِعِظَمِ الدِّمَاءِ خِلَافًا لِلشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيِّ الْقَائِلِ: إنَّ يَوْمَ الثُّبُوتِ يَكْمُلُ مِنْ الرَّابِعِ وَلَا يُلْغَى إذَا كَانَ الثُّبُوتُ مَسْبُوقًا بِالْفَجْرِ. قَوْلُهُ: [بِلَا جُوعٍ وَعَطَشٍ] : أَيْ وَسَوَاءٌ وَعَدَ بِالتَّوْبَةِ أَوْ لَمْ يَعِدْ. قَوْلُهُ: [مِنْ مَالِهِ] : أَيْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ [الْمُرْتَدُّ إنْ تَابَ تُرِكَ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ] قَوْلُهُ: [قُتِلَ بِغُرُوبِ الثَّالِثِ] : أَيْ بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ. [حُكْم مَال الْمُرْتَدّ] قَوْلُهُ: [كَمُكَاتَبٍ] : قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُكَاتَبُ وَقُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ وَتَرَكَ وَلَدًا كَانَ مَعَهُ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ أَوْ حَدَثَ لَهُ بَعْدَهُ فَهَلْ يَنْتَفِعُ الْوَلَدُ بِذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي خَلَفَهُ أَبُوهُ فَيَخْرُجُ بِهِ حُرًّا أَوْ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَيَسْعَى فِي نُجُومِ الْكِتَابَةِ فَإِذَا أَدَّى خَرَجَ حُرًّا وَإِنْ عَجَزَ رَجَعَ رَقِيقًا؟ قَوْلَانِ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ الْمَالُ لِسَيِّدِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَاتَ حُرًّا؟ قَوْلَانِ.

[قتل الزنديق بلا استتابة]

يَقْبَلُهُ الْوَلَدُ، وَإِلَّا أُخِّرَتْ لِتَمَامِ رَضَاعِهِ. . (وَ) أُخِّرَتْ (ذَاتُ زَوْجٍ وَسَيِّدٍ) : وَشَمِلَ الرَّجْعِيَّةَ؛ أَمَّا الْبَائِنَ إنْ ارْتَدَّتْ بَعْدَ حَيْضٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَا تُؤَخَّرُ وَإِلَّا أُخِّرَتْ (لِحَيْضَةٍ) : إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ، وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا فِي كُلِّ خَمْسِ سِنِينَ مَرَّةً، وَمَا زَادَ عَلَى الْحَيْضَةِ فِي الْعِدَّةِ تَعَبُّدٌ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ هُنَا. (وَقُتِلَ الزِّنْدِيقُ) : بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ بِلَا اسْتِتَابَةٍ: وَهُوَ مَنْ أَسَرَّ الْكُفْرَ وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ. وَكَانَ يُسَمَّى فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ: مُنَافِقًا (بِلَا) قَبُولِ (تَوْبَةٍ) مِنْ حَيْثُ قَتْلُهُ. وَلَا بُدَّ مِنْ تَوْبَتِهِ، لَكِنْ إنْ تَابَ قُتِلَ حَدًّا، وَإِلَّا كُفْرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [يَقْبَلُهُ الْوَلَدُ] : الْمُنَاسِبُ يَقْبَلُهَا. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا أُخِّرَتْ لِتَمَامِ رَضَاعِهِ] : أَيْ إنْ لَمْ يُوجَدْ مُرْضِعٌ أَوْ لَمْ يَقْبَلْهَا الْوَلَدُ. قَوْلُهُ: [إنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ] : أَيْ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ لِضَعْفٍ أَوْ إيَاسٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ اُسْتُبْرِئَتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ يُتَوَقَّعُ حَمْلُهَا، إلَّا أَنْ تَحِيضَ أَثْنَاءَهَا فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يُتَوَقَّعُ حَمْلُهَا قُتِلَتْ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ لَمْ تُسْتَبْرَأْ إلَّا إنْ ادَّعَتْ حَمْلًا، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ أَوْ شَكُّوا وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا هُنَا وَبَيْنَ الْقِصَاصِ مِنْ أَنَّهَا لَا تُؤَخَّرُ بِدَعْوَاهَا الْحَمْلَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَرِينَةِ صِدْقِهَا كَظُهُورِ الْحَمْلِ أَوْ تَحَرُّكِهِ أَوْ شَهَادَةِ النِّسَاءِ أَنَّ الْقَتْلَ هُنَا حَقٌّ لِلَّهِ، وَفِي الْقِصَاصِ حَقٌّ آدَمِيٌّ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُشَاحَّةِ بِخِلَافِ مَا هُنَا. قَوْلُهُ: [لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ] : أَيْ فِي الرِّدَّةِ وَمِثْلُهَا الِاسْتِبْرَاءُ لِحَدِّ الزِّنَا وَاعْتِمَادُ الزَّوْجِ فِي اللِّعَانِ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: وَالْحُرَّةُ اسْتِبْرَاؤُهَا كَالْعِدَّهْ ... لَا فِي لِعَانٍ وَزِنًا وَرِدَّهْ فَإِنَّهَا فِي كُلِّ ذَا تُسْتَبَرَا ... بِحَيْضَةٍ فَقَطْ وُقِيتَ الضَّرَّا [قَتْلَ الزِّنْدِيق بِلَا اسْتِتَابَةٍ] قَوْلُهُ: [بِلَا اسْتِتَابَةٍ] : أَيْ بِلَا طَلَبِ تَوْبَةٍ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [وَلَا بُدَّ] : مَعْطُوفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فَيُقْتَلُ. قَوْلُهُ: [قُتِلَ حَدًّا] : أَيْ وَيُحْكَمُ لَهُ بِالْإِسْلَامِ فَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ.

[حكم مال الزنديق]

(إلَّا أَنْ يَجِيءَ) : قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ فَلَا يُقْتَلُ. . (وَمَالُهُ) : أَيْ مَالُ الزِّنْدِيقِ (إنْ تَابَ) وَجَاءَ تَائِبًا أَوْ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ، أَوْ مَاتَ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ ثُمَّ ثَبَتَتْ زَنْدَقَتُهُ (لِوَارِثِهِ) : أَمَّا لَوْ اُطُّلِعَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَتُبْ حَتَّى قُتِلَ أَوْ مَاتَ فَمَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ. (كَالسَّابِّ) لِنَبِيٍّ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ؛ فَيُقْتَلُ بِدُونِ اسْتِتَابَةٍ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، ثُمَّ إنْ تَابَ قُتِلَ حَدًّا. (وَلَا يُعْذَرُ) السَّابُّ (بِجَهْلٍ) : لِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِي الْكُفْرِ بِالْجَهْلِ (أَوْ سُكْرٍ) حَرَامًا (أَوْ تَهَوُّرٍ) : كَثْرَةُ الْكَلَامِ بِدُونِ ضَبْطٍ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ سَبْقُ اللِّسَانِ (أَوْ غَيْظٍ) فَلَا يُعْذَرُ إذَا سَبَّ حَالَ الْغَيْظِ بَلْ يُقْتَلُ إلَخْ. (أَوْ بِقَوْلِهِ: أَرَدْت كَذَا) : أَيْ أَنَّهُ إذَا قِيلَ لَهُ: بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ فَلَعَنَ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْت الْعَقْرَبَ: أَيْ لِأَنَّهَا مُرْسَلَةٌ لِمَنْ تَلْدَغُهُ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَيُقْتَلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [حُكْم مَال الزِّنْدِيق] قَوْلُهُ: [أَوْ مَاتَ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ] إلَخْ: تَحَصَّلَ أَنَّ الصُّوَرَ خَمْسٌ ثَلَاثٌ مَالُهُ فِيهَا لِوَارِثِهِ وَهِيَ مَا إذَا جَاءَنَا تَائِبًا أَوْ تَابَ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ تَثْبُتْ زَنْدَقَتُهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَثِنْتَانِ مَالُهُ فِيهَا لِبَيْتِ الْمَالِ وَهُمَا مَا إذَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَقَتَلْنَاهُ بِغَيْرِ تَوْبَةٍ أَوْ مَاتَ بِغَيْرِ تَوْبَةٍ. إنْ قُلْت كَيْفَ تَرِثُهُ وَرَثَتُهُ مَعَ ثُبُوتِ كُفْرِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ أُجِيبُ بِأَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ ظَاهِرًا وَلَوْ كَانَ حَيًّا رُبَّمَا أَبْدَى مَطْعَنًا فِي الْبَيِّنَةِ فَاحْتِيطَ لِلْإِسْلَامِ وَالْوَرَثَةِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [كَالسَّابِّ لِنَبِيٍّ] : السَّبُّ هُوَ الشَّتْمُ وَكُلُّ كَلَامٍ قَبِيحٍ، وَحِينَئِذٍ فَالْقَذْفُ وَالِاسْتِخْفَافُ بِحَقِّهِ أَوْ إلْحَاقُ النَّقْصِ لَهُ دَخَلَ فِي السَّبِّ، وَيَحِلُّ قَتْلُ السَّابِّ إنْ كَانَ مُكَلَّفًا وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا الصَّغِيرُ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ عَمَّا قَالَ. قَوْلُهُ: [حَرَامًا] : الْمُنَاسِبُ الْجَرُّ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِسُكْرٍ وَهُوَ مَجْرُورٌ بِالْعَطْفِ عَلَى جَهْلٍ وَيُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ السُّكْرِ بِحَلَالٍ فَكَالْمَجْنُونِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُعْذَرُ إذَا سَبَّ حَالَ الْغَيْظِ] : وَمِنْ هُنَا حُرِّمَ عَلَى مَنْ يَقُولُ لِمَنْ قَامَ بِهِ غَيْظٌ صَلِّ عَلَى النَّبِيِّ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَيُقْتَلُ] : أَيْ لِعَبْدِ تِلْكَ الْإِرَادَةِ الَّتِي ادَّعَاهَا.

[ما يسقط بالردة]

(إلَّا أَنْ يُسْلِمَ) السَّابُّ (الْكَافِرُ) : الْأَصْلِيُّ، فَلَا يُقْتَلُ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ. أَمَّا السَّابُّ الْمُسْلِمُ إذَا ارْتَدَّ بِغَيْرِ السَّبِّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَا يَسْقُطُ قَتْلُهُ. (وَسَبُّ اللَّهِ كَذَلِكَ) : أَيْ كَسَبِّ النَّبِيِّ يُقْتَلُ الْكَافِرُ مَا لَمْ يُسْلِمْ. (وَفِي اسْتِتَابَةِ الْمُسْلِمِ خِلَافٌ) : هَلْ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ تُرِكَ وَإِلَّا قُتِلَ؟ أَوْ يُقْتَلُ وَلَوْ تَابَ؟ وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ. (وَأَسْقَطَتْ) : الرِّدَّةُ، فِي الْحَقِيقَةِ الْمُسْقَطُ هُوَ الْإِسْلَامُ (صَلَاةً وَصَوْمًا وَزَكَاةً) إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ أَوْ ثَوَابُهَا إنْ كَانَ فَعَلَهَا، فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ فِعْلُهَا بَعْدَ رُجُوعِهِ لِلْإِسْلَامِ، إلَّا أَنْ يُسْلِمَ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ. (وَطَهَارَةً) صُغْرَى قَطْعًا، وَعَلَى الرَّاجِحِ فِي الْكُبْرَى (وَحَجًّا تَقَدَّمَ) مِنْهُ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يُسْلِمَ السَّابُّ الْكَافِرُ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ إسْلَامُهُ خَوْفًا مِنْ الْقَتْلِ. قَوْلُهُ: [أَمَّا السَّابُّ الْمُسْلِمُ] إلَخْ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ الْأَصْلِيِّ وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ سَبَّ الْكَافِرِ مِنْ جُمْلَةِ كُفْرِهِ بِحَيْثُ إنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِذَلِكَ السَّبِّ؛ لِأَنَّنَا لَمْ نُعْطِهِمْ الْعَهْدَ عَلَى ذَلِكَ فَسَبُّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُنْقَضُ بِهِ عَهْدُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجِزْيَةِ وَالْأَوْضَحُ فِي الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ: أَمَّا الْمُسْلِمُ إذَا ارْتَدَّ بِغَيْرِ السَّبِّ ثُمَّ سَبَّ زَمَنَ الرِّدَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَا يَسْقُطُ قَتْلُ السَّبِّ. قَوْلُهُ: [وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ] : أَيْ قَبُولُ تَوْبَتِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ حَتَّى فِي سَبِّ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ سَبِّ اللَّهِ فَيُقْبَلُ وَبَيْنَ سَبِّ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ لَا يُقْبَلُ أَنَّ اللَّهَ لَمَّا كَانَ مُنَزَّهًا عَنْ لُحُوقِ النَّقْصِ لَهُ عَقْلًا قَبِلَ مِنْ الْعَبْدِ التَّوْبَةَ، بِخِلَافِ خَوَاصِّ عِبَادِهِ فَاسْتِحَالَةُ النَّقْصِ عَلَيْهِمْ مِنْ إخْبَارِ اللَّهِ لَا مِنْ ذَوَاتِهِمْ فَشَدَّدَ فِيهِمْ. [مَا يَسْقُطُ بِالرِّدَّةِ] قَوْلُهُ: [فِي الْحَقِيقَةِ الْمُسْقِطُ هُوَ الْإِسْلَامُ] : أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَهَذَا ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِإِسْقَاطِ الْقَضَاءِ، وَأَمَّا إحْبَاطُ ثَوَابِ الْعَمَلِ السَّابِقِ فَبِالرِّدَّةِ قَطْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] . قَوْلُهُ: [وَعَلَى الرَّاجِحِ فِي الْكُبْرَى] : أَيْ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ فِي الْحَاشِيَةِ فِي بَابِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ هُنَاكَ وَفِي بْن تَرْجِيحُ عَدَمِ الْغُسْلِ إلَّا بِمُوجِبٍ

[ما لا يسقط بالردة]

فَيَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ إنْ أَسْلَمَ لِبَقَاءِ وَقْتِهِ وَهُوَ الْعُمُرُ. (وَ) أَسْقَطَتْ (نَذْرًا وَيَمِينًا بِاَللَّهِ) كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا، ثُمَّ كَلَّمَهُ بَعْدَ رِدَّتِهِ أَوْ بَعْدَ إسْلَامِهِ؛ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. (أَوْ بِعِتْقٍ) كَانَ مُعَيَّنًا أَمْ لَا: نَحْوُ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَعَلَيَّ عِتْقُ عَبْدٍ أَوْ عَبْدِي سَعِيدٍ، عَلَى الرَّاجِحِ ثُمَّ دَخَلَ كَذَلِكَ. (أَوْ ظِهَارٍ) كَقَوْلِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، ثُمَّ ارْتَدَّ فَدَخَلَ بَعْدَ رِدَّتِهِ أَوْ إسْلَامِهِ. (أَوْ طَلَاقٍ) أَيْ يَمِينًا بِطَلَاقٍ؛ كَإِنْ: دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ دَخَلَ بَعْدَ رِدَّتِهِ أَوْ تَوْبَتِهِ. (وَ) أَبْطَلَتْ (إحْصَانًا) : فَإِذَا ارْتَدَّ الْمُحْصَنُ بَطَلَ إحْصَانُهُ فَإِذَا أَسْلَمَ وَزَنَى لَا يُرْجَمُ. (وَ) أَبْطَلَتْ (وَصِيَّتَهُ) : هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْأَصْلُ. وَفِي الْحَطَّابِ - وَأَقَرَّهُ الْبُنَانِيّ - صِحَّتُهَا إذَا رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ، كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. (لَا طَلَاقًا) : لَا تُسْقِطُ الرِّدَّةُ طَلَاقًا صَدَرَ مِنْهُ قَبْلَهَا؛ فَإِذَا طَلَّقَ ثَلَاثًا ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَغْتَسِلْ لَهُ. قَالَ: وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوُضُوءَ عُلِّقَ بِالْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ وَالْإِحْبَاطُ الْعَامُّ فِي الثَّوَابِ لِإِمْضَاءِ مَا فَعَلَ. قَوْلُهُ: [فَيَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ] : أَيْ إنْ وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُهُ. قَوْلُهُ: [عَبْدٌ أَوْ عَبْدِي سَعِيدٌ] : لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ. قَوْلُهُ: [عَلَى الرَّاجِحِ] : أَيْ خِلَافًا لِحَمْلِ ابْنِ الْكَاتِبِ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَلَا يَسْقُطُ الْحَلِفُ بِهِ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ دَخَلَ بَعْدَ رِدَّتِهِ] : أَيْ زَمَنَ الرِّدَّةِ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ تَوْبَتِهِ] : أَيْ عَوْدُهُ لِلْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: [وَفِي الْحَطَّابِ] : صَوَابُهُ كَمَا فِي الْحَطَّابِ وَيَقُولُ: وَفِي الْمَوَّاقِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَحِلَّ بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ إذَا مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ لَا إنْ عَادَ لِلْإِسْلَامِ وَأَقَرَّهُ الْبُنَانِيُّ. [مَا لَا يَسْقُطُ بِالرِّدَّةِ] قَوْلُهُ: [لَا طَلَاقًا] أَيْ ثَلَاثًا أَوْ أَقَلَّ. وَمِثْلُ الطَّلَاقِ الْعِتْقُ وَالْحَاصِلُ بِغَيْرِ تَعْلِيقٍ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ إسْقَاطِهَا الْعِتْقَ وَالْيَمِينَ بِاَللَّهِ فَهُوَ فِي الْأَيْمَانِ الْمُعَلَّقَةِ.

ارْتَدَّ ثُمَّ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، مَا لَمْ يَرْتَدَّا مَعًا ثُمَّ يَرْجِعَا لِلْإِسْلَامِ، فَتَحِلُّ بِدُونِ زَوْجٍ وَيُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ: طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا وَحَلَّتْ قَبْلَ زَوْجٍ. (وَ) لَا تُسْقِطُ الرِّدَّةُ (إحْلَالَ مُحَلِّلٍ) فَإِذَا ارْتَدَّ الْمُحَلِّلُ لِلْمَبْتُوتَةِ فَلَا يَبْطُلُ إحْلَالُهُ بَلْ تَحِلُّ لِمَنْ أَبَتَّهَا. (بِخِلَافِ حِلِّ الْمَرْأَةِ) : فَإِنَّهُ تُبْطِلُهُ رِدَّتُهَا؛ فَإِذَا حَلَّلَهَا شَخْصٌ، ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَرَجَعَتْ لِلْإِسْلَامِ؛ لَا تَحِلُّ لَمُبِتِّهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا؛ لِأَنَّهَا أَبْطَلَتْ النِّكَاحَ الَّذِي أَحَلَّهَا كَمَا أَبْطَلَتْ الَّذِي صَيَّرَهَا مُحْصَنَةً. (وَأُقِرَّ كَافِرٌ انْتَقَلَ لِكُفْرٍ آخَرَ) : فَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» مَحْمُولٌ عَلَى الدِّينِ الْحَقِّ. (وَقُبِلَ عُذْرُ مَنْ أَسْلَمَ) مِنْ الْكُفَّارِ ثُمَّ رَجَعَ لِلْكُفْرِ (وَقَالَ) مُعْتَذِرًا، حِينَ أَرَدْنَا قَتْلَهُ إنْ لَمْ يَتُبْ: كُنْت (أَسْلَمْت عَنْ ضِيقٍ) : مِنْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ (إنْ ظَهَرَ) عُذْرُهُ بِقَرِينَةٍ، وَإِلَّا حُكِمَ فِيهِ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَتَحِلُّ بِدُونِ زَوْجٍ] : أَيْ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِالرِّدَّةِ الْإِحْلَالَ وَإِلَّا فَلَا يَحِلَّانِ وَالْفَقِيهُ الَّذِي يَأْمُرُهُمَا بِهَا مُرْتَدٌّ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْعِتْقَ الْغَيْرَ الْمُعَلَّقِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ أَوْ الطَّلَاقَ لَا تُبْطِلُهُمَا الرِّدَّةُ، عَادَ لِلْإِسْلَامِ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ. وَمِثْلُهُمَا الْهِبَةُ وَالْوَقْفُ إذَا حِيزَا قَبْلَهَا عَادَ لِلْإِسْلَامِ أَوْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ، وَأَمَّا لَوْ تَأَخَّرَ الْحَوْزُ حَتَّى ارْتَدَّ وَمَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ بَطَلَا وَانْظُرْ لَوْ تَأَخَّرَ الْحَوْزُ بَعْدَهَا وَعَادَ لِلْإِسْلَامِ هَلْ يُحْكَمُ بِالْبُطْلَانِ أَوْ بِعَدَمِهِ (اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ تُبْطِلُهُ رِدَّتُهَا] : أَيْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الرِّدَّةَ إنَّمَا تُبْطِلُ وَصْفَ مَنْ تَلَبَّسَ بِهَا لَا وَصْفَ غَيْرِهِ، وَإِنْ نَشَأَ عَنْ وَصْفِ مَنْ تَلَبَّسَ بِهَا فَرِدَّةُ الزَّوْجِ إنَّمَا تُبْطِلُ إحْصَانَهُ لَا إحْصَانَهَا، وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ، وَرِدَّةُ الْمُحَلِّلِ إنَّمَا تُبْطِلُ وَصْفَهُ وَهُوَ كَوْنُهُ مُحَلِّلًا وَلَا تُبْطِلُ وَصْفَهَا وَهُوَ كَوْنُهَا مُحَلَّلَةً بِالْفَتْحِ وَإِنْ كَانَ نَاشِئًا عَنْ وَصْفِهِ وَكَذَا الْعَكْسُ. قَوْلُهُ: [انْتَقَلَ لِكُفْرٍ آخَرَ] : أَيْ كَنَصْرَانِيٍّ انْتَقَلَ لِلْيَهُودِيَّةِ أَوْ الْمَجُوسِيَّةِ. قَوْلُهُ: [إنْ ظَهَرَ عُذْرُهُ بِقَرِينَةٍ] : قُيِّدَ بِمَا إذَا لَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ ذَهَابِ

[ما يوجب الأدب مما يشبه الردة]

(وَأُدِّبَ مَنْ تَشَهَّدَ) : أَيْ نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ (وَلَمْ يَقِفْ عَلَى الدَّعَائِمِ) : أَيْ لَمْ يَلْتَزِمْ أَرْكَانَ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا رَجَعَ لَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ. لَكِنَّ هَذَا فِي غَيْرِ مَنْ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَيَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْنَا صَلَاةً وَصَوْمًا إلَخْ، وَإِلَّا فَهُوَ مُرْتَدٌّ. (وَ) أُدِّبَ (سَاحِرٌ ذِمِّيٌّ) سَحَرَ مُسْلِمًا (إنْ لَمْ يُدْخِلْ) بِسِحْرِهِ (ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ) : فَإِنْ أَدْخَلَ عَلَى مُسْلِمٍ أَيَّ ضَرَرٍ كَانَ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ يَفْعَلُ فِيهِ الْإِمَامُ الْقَتْلَ أَوْ الِاسْتِرْقَاقَ مَا لَمْ يُسْلِمْ. فَإِنْ أَدْخَلَ ضَرَرًا عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ أُدِّبَ مَا لَمْ يَقْتُلْ مِنْهُمْ أَحَدًا وَإِلَّا قُتِلَ. (وَشُدِّدَ) بِالضَّرْبِ وَالسَّجْنِ (عَلَى مَنْ سَبَّ مَنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى نُبُوَّتِهِ) : كَالْخَضِرِ وَلُقْمَانَ، وَكَذَلِكَ مَرْيَمُ بِغَيْرِ الزِّنَا، أَوْ خَالِدُ بْنُ سِنَانٍ فَإِنَّهُ قِيلَ إنَّهُ نَبِيُّ أَهْلِ الرَّسِّ. . (أَوْ) سَبَّ (صَحَابِيًّا) : ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَوْفِ عَنْهُ وَإِلَّا فَيُعَدُّ كَالْمُرْتَدِّ أَيْضًا. [مَا يُوجِبُ الْأَدَب مِمَّا يُشْبِه الرِّدَّة] قَوْلُهُ: [سَحَر مُسْلِمًا] : الْأَوْضَحُ حَذْفُهُ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ أَدْخَلَ ضَرَرًا عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ] : يَعْنِي بِهِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ عَلَيْهِ ضَرَرًا فَمُقْتَضَاهُ لَا أَدَبٌ. قَوْلُهُ: [مَنْ لَمْ يُجْمَعُ عَلَى نُبُوَّتِهِ] : أَيْ أَوْ مَلَكِيَّتِهِ، وَأَمَّا مَنْ أُجْمِعَ عَلَى نُبُوَّتِهِ أَوْ مَلَكِيَّتِهِ فَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُقْتَلُ سَابُّهُ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ وَمِثْلُهُمَا الْحُورُ الْعَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَكَذَلِكَ مَرْيَمُ بِغَيْرِ الزِّنَا] : أَيْ وَأَمَّا بِهِ فَيَكْفُرُ لِتَكْذِيبِهِ الْقُرْآنَ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ قِيلَ: إنَّهُ نَبِيُّ أَهْلِ الرَّسِّ] : أَيْ وَكَانَ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُ الرَّسِّ هُمْ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْله تَعَالَى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ} [ق: 12] وَهُوَ الرَّاجِحُ وَأَمَّا الْخَضِرُ وَلُقْمَانُ وَمَرْيَمُ وَذُو الْقَرْنَيْنِ فَالرَّاجِحُ عَدَمُ نُبُوَّتِهِمْ. قَوْلُهُ: [أَوْ سَبَّ صَحَابِيًّا] : قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: أَيْ جِنْسَهُ أَيْ فَيَشْمَلُ سَبَّ الْكُلِّ، وَمِثْلُ السَّبِّ تَكْفِيرُ بَعْضِهِمْ وَلَوْ مِنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، بَلْ كَلَامُ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُسْلِمٍ يُفِيدُ عَدَمَ كُفْرِ مَنْ كَفَّرَ الْأَرْبَعَةَ، وَأَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ فَيُؤَدَّبُ

شَمِلَ عَائِشَةَ بِغَيْرِ الزِّنَا. (أَوْ) سَبَّ (أَحَدًا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) : فَإِنَّهُ يُشَدَّدُ عَلَيْهِ فِي التَّأْدِيبِ بِالضَّرْبِ السَّجْنِ إلَخْ (إنْ عَلِمَهُ) : أَيْ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ آلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، لَا إنْ سَبَّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ آلِهِ. (كَأَنْ انْتَسَبَ لَهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَيْرِ حَقٍّ، بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَادَّعَى صَرَاحَةً أَوْ احْتِمَالًا أَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ؛ كَلُبْسِ عِمَامَةٍ خَضْرَاءَ، أَوْ قَوْلُهُ لِمَنْ آذَاهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَطْ. وَقَالَ سَحْنُونَ: مَنْ كَفَّرَ الْأَرْبَعَةَ فَهُوَ مُرْتَدٌّ، وَقَدْ عَوَّلَ عَلَيْهِ أَشْيَاخُنَا وَأَمَّا مَنْ كَفَّرَ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ بِاتِّفَاقٍ، كَمَا فِي الشَّامِلِ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَكَذَّبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. قَوْلُهُ: [بِغَيْرِ الزِّنَا] : أَيْ لِأَنَّ اللَّهَ بَرَّأَهَا مِنْهُ لِقَوْلِهِ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ: {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} [النور: 26] وَظَاهِرُهُ أَنَّ رَمْيَهَا بِالزِّنَا كُفْرٌ وَلَوْ بِغَيْرِ وَاقِعَةِ صَفْوَانَ. قَوْلُهُ: [إلَخْ] : لَا مَعْنَى لِهَذِهِ اللَّفْظَةِ وَقَدْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِذِكْرِهَا كَثِيرًا مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ. قَوْلُهُ: [لَا إنْ سَبَّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ آلِهِ] : أَيْ فَلَا يُبَالَغُ فِي تَعْزِيرِهِ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ] : أَيْ لَا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ. قَوْلُهُ: [وَادَّعَى صَرَاحَةً] : أَوْ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا فَمَثَّلَ لِلْفِعْلِ بِقَوْلِهِ: كَلُبْسِ عِمَامَةٍ خَضْرَاءَ، وَلَمْ يَذْكُرْ صَرَاحَةً الْقَوْلَ بِوُضُوحِهَا وَمَثَّلَ لِلِاحْتِمَالِ بِقَوْلِهِ: أَوْ قَوْلُهُ لِمَنْ آذَاهُ إلَخْ، وَإِنَّمَا عَزَّرَ الْمُنْتَسِبَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَنَ اللَّهُ الدَّاخِلَ فِينَا مِنْ غَيْرِ نَسَبٍ وَالْخَارِجَ عَنَّا بِغَيْرِ سَبَبٍ» وَلِقَوْلِ مَالِكٍ: مَنْ ادَّعَى الشَّرَفَ كَاذِبًا ضُرِبَ ضَرْبًا وَجِيعًا ثُمَّ شُهِرَ وَيُحْبَسُ مُدَّةً طَوِيلَةً حَتَّى تَظْهَرَ لَنَا تَوْبَتُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِخْفَافٌ بِحَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُدِّبَ وَلَمْ يُحَدَّ مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ حَمْلُ غَيْرِ أَبِيهِ عَلَى أُمِّهِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِانْتِسَابِهِ لَهُ شَرَفُهُ لَا الْحَمْلُ الْمَذْكُورُ، وَلِأَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ. قَوْلُهُ: [كَلُبْسِ عِمَامَةٍ خَضْرَاءَ] : أَيْ وَلَوْ مِنْ صُوفٍ، وَأَمَّا الِائْتِزَارُ بِهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ عَلَامَةَ الشَّرِيفِ إنَّمَا هِيَ الْعِمَامَةُ فَقَطْ.

مِثْلُك يُؤْذِي آلَ الْبَيْتِ؟ (أَوْ قَالَ: كُلُّ صَاحِبٍ كَذَا) : نَحْوُ صَاحِبِ خَانٍ أَوْ طَاحُونَةٍ أَوْ فُرْنٍ (قَرْنَانَ) : مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ لِلْوَصْفِيَّةِ وَزِيَادَةُ الْأَلْفِ وَالنُّونِ: أَيْ يُقْرِنُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ (وَلَوْ كَانَ نَبِيًّا) هَذَا هُوَ الْمُوجِبُ لِلتَّشْدِيدِ فِي الْأَدَبِ فَإِنْ لَمْ يَزِدْ وَلَوْ كَانَ إلَخْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلٌ) فَقَطْ (أَوْ لَفِيفٌ) جَمَاعَةٌ مِنْ النَّاسِ غَيْرِ مَقْبُولِينَ (بِسَبٍّ) لِنَبِيٍّ مُجْمَعٍ عَلَى نُبُوَّتِهِ مَثَلًا (أَوْ قَالَ) مُتَضَجِّرًا: (لَقِيت) مِنْ شِدَّةِ الْمَشَقَّةِ (فِي مَرَضِي هَذَا مَا لَوْ قَتَلْت أَبَا بَكْرٍ مَا اسْتَوْجَبَتْهُ) . أَمَّا لَوْ قَصَدَ الِاعْتِرَاضَ عَلَى اللَّهِ فَمُرْتَدٌّ بِدُونِ خِلَافٍ، لِأَنَّهُ نَسَبَ الْحَيْفَ إلَى مَلِكِ الْأَمْلَاكِ وَهُوَ الَّذِي أَوْجَبَ كُفْرَ إبْلِيسَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مَثَلًا] : أَيْ أَوْ مَلَكًا مُجْمَعًا عَلَى مَلَكِيَّتِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ قَالَ مُتَضَجِّرًا] : أَيْ فَيُعَزَّرُ عَلَى الرَّاجِحِ لِحَمْلِهِ عَلَى الشَّكْوَى لَا عَلَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا لَوْ قَصَدَ] إلَخْ: أَيْ وَالْقَصْدُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ. قَوْلُهُ: الْحَيْفُ: بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ الظُّلْمُ وَالْجَوْرُ.

[باب حد الزنا وأحكامه]

بَابٌ ذُكِرَ فِيهِ حَدُّ الزِّنَا وَأَحْكَامُهُ وَهُوَ بِالْقَصْرِ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32] . وَبِالْمَدِّ لُغَةُ نَجْدٍ وَلِذَا حَدَّ بَعْضُ الْقُضَاةِ مَنْ قَالَ لِشَخْصٍ يَا ابْنَ الْمَقْصُورِ وَالْمَمْدُودِ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ بِالزِّنَا الَّذِي يُقْصَرُ وَيُمَدُّ قَالَهُ شَيْخُنَا الْأَمِيرُ. (الزِّنَا) الَّذِي فِيهِ الْحَدُّ الْآتِي (إيلَاجُ) : أَيْ تَغْيِيبُ (مُسْلِمٍ) لَا كَافِرٍ، فَلَيْسَ زِنًا شَرْعًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. (مُكَلَّفٍ) حُرًّا أَوْ عَبْدًا يُحْتَرَزُ عَنْ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ. (حَشَفَةً) أَوْ قَدْرَهَا وَلَوْ بِغَيْرِ انْتِشَارٍ أَوْ مَعَ حَائِلٍ خَفِيفٍ لَا يَمْنَعُ اللَّذَّةَ. (فِي فَرْجِ آدَمِيٍّ) خَرَجَ الْإِيلَاجُ فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ كَحَيَوَانٍ بَهِيمِيٍّ وَالْجِنِّيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ حَدُّ الزِّنَا وَأَحْكَامُهُ] بَابٌ: قَوْلُهُ: [وَهُوَ بِالْقَصْرِ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ] : أَيْ وَعَلَيْهِ فَيُكْتَبُ بِالْيَاءِ لِوُقُوعِ الْأَلْفِ ثَالِثَةً. قَوْلُهُ: [وَبِالْمَدِّ لُغَةُ نَجْدٍ] : أَيْ وَهُمْ تَمِيمٌ وَعَلَيْهِ فَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ قَالَ الْخَرَشِيُّ نَقْلًا عَنْ التَّنْبِيهَاتِ: الزِّنَا يُمَدُّ وَيُقْصَرُ فَمَنْ مَدَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ فُعِلَ مِنْ اثْنَيْنِ كَالْمُقَاتَلَةِ وَالْمُضَارَبَةِ، وَمَنْ قَصَرَهُ جَعَلَهُ اسْمَ الشَّيْءِ نَفْسِهِ انْتَهَى وَهُوَ مُحَرَّمٌ كِتَابًا وَسُنَّةً وَإِجْمَاعًا وَجَاحِدُ حُرْمَتِهِ كَافِرٌ. قَوْلُهُ: [لَا كَافِرٍ] : أَيْ وَسَوَاءٌ وَطِئَ كَافِرَةً أَوْ مُسْلِمَةً، وَإِنْ كَانَتْ الْمُسْلِمَةُ تُحَدُّ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى زِنَاهَا وَطْءُ مُسْلِمٍ كَمَا أَنَّهَا تُحَدُّ إذَا مَكَّنَتْ مَجْنُونًا أَوْ أَدْخَلَتْ ذَكَرَ نَائِمٍ بَالِغٍ فِي فَرْجِهَا. قَوْلُهُ: [فَلَيْسَ زِنًا شَرْعًا] : أَيْ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا وَفِيهِ الْعِقَابُ. قَوْلُهُ: [مُكَلَّفٌ] : أَيْ وَلَوْ سَكْرَانَ حَيْثُ أَدْخَلَ السُّكْرَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِلَّا فَكَالْمَجْنُونِ. قَوْلُهُ: [فَرْجِ آدَمِيٍّ] : أَيْ غَيْرِ خُنْثَى مُشْكِلٍ فَلَا حَدَّ عَلَى وَاطِئِهِ فِي قُبُلٍ

إنْ تَصَوَّرَ بِصُورَةٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ أَوْ كَانَ عَلَى جِهَةِ التَّخَيُّلِ لَا التَّحَقُّقِ. (مُطِيقٌ) : لِلْوَطْءِ عَادَةً لِوَاطِئِهَا فَيُحَدُّ الْوَاطِئُ وَإِنْ كَانَ الْمُطِيقُ غَيْرَ مُكَلَّفٍ (عَمْدًا) : خَرَجَ النَّاسِي طَلَاقَهَا وَالْجَاهِلُ. (بِلَا شُبْهَةٍ) : خَرَجَ وَطْءُ أَمَةِ الشَّرِكَةِ وَالْقِرَاضِ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي. (وَإِنْ) كَانَ الْفَرْجُ الْمَوْلَجُ فِيهِ (دُبُرًا) لِذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حَيًّا (أَوْ مَيِّتًا) : فَإِنَّ تَغْيِيبَ الْحَشَفَةِ فِي دُبُرِ الذَّكَرِ يُسَمَّى زِنًا شَرْعًا؛ مَمْلُوكًا أَوْ غَيْرَهُ، وَلَا شُبْهَةَ لِلسَّيِّدِ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْإِيلَاجِ فَفِيهِ الْحَدُّ الْآتِي، حَالَ كَانَ الْمُغَيَّبُ فِي دُبُرِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ. (غَيْرَ زَوْجٍ) : وَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ. (أَوْ مُسْتَأْجَرَةً) : مُطْلَقًا فَيُحَدُّ، إلَّا مِنْ السَّيِّدِ لِلْوَطْءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ كَثُقْبَةٍ فَإِنْ وَطِئَ فِي دُبُرِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقَدَّرُ أُنْثَى فَيَكُونُ فِيهِ الْجَلْدُ كَإِتْيَانِ أَجْنَبِيَّةً بِدُبُرٍ. وَلَا يُقَدَّرُ ذَكَرًا مَلُوطًا بِهِ بِحَيْثُ يَكُونُ فِيهِ الرَّجْمُ وَإِنْ كَانَ بِكْرًا وَأَمَّا إنْ وَطِئَ هُوَ غَيْرَهُ بِذَكَرِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ إذْ لَيْسَ ذَكَرًا مُحَقَّقًا إلَّا أَنْ يُمْنِيَ مِنْ ذَكَرِهِ فَلَا إشْكَالَ. قَوْلُهُ: [أَوْ كَانَ عَلَى جِهَةِ التَّخَيُّلِ] : أَيْ كَانَ بِصُورَةِ آدَمِيٍّ عَلَى جِهَةِ التَّخَيُّلِ. قَوْلُهُ: [وَالْجَاهِلُ] : أَيْ لِلْحُكْمِ كَحَدِيثِ عَهْدٍ بِإِسْلَامِ أَوْ لِذَاتِهَا. قَوْلُهُ: [دُبُرِ الذَّكَرِ] إلَخْ: لَكِنَّ دُبُرَ الذَّكَرِ فِيهِ الرَّجْمُ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُ بِكْرًا. قَوْلُهُ: [وَلَا شُبْهَةَ لِلسَّيِّدِ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْإِيلَاجِ] : أَيْ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ النِّسَاءُ وَلَا مَفْهُومَ لِلْإِيلَاجِ، بَلْ التَّلَذُّذُ بِالْمَمْلُوكِ الذَّكَرِ مُحَرَّمٌ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ: [أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ مُطْلَقًا] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ مِنْ نَفْسِهَا حُرَّةً أَوْ أَمَةً، أَوْ مِنْ وَلِيِّ الْحُرَّةِ لِلْوَطْءِ أَوْ لِلْخِدْمَةِ أَوْ مِنْ سَيِّدِ الْأَمَةِ لِلْخِدْمَةِ. قَوْلُهُ: [إلَّا مِنْ السَّيِّدِ لِلْوَطْءِ] : أَيْ نَظَرًا لِقَوْلِ عَطَاءٍ بِجَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ الَّتِي أَحَلَّ سَيِّدُهَا وَطْأَهَا لِلْوَاطِئِ وَهُوَ صَادِقٌ بِمَا إذَا كَانَ بِعِوَضٍ وَبِدُونِهِ، وَحِينَئِذٍ فَالْمُسْتَأْجَرَةُ مِنْ سَيِّدِهَا مُحَلَّلَةٌ فَلَا حَدَّ فِيهَا كَذَا فِي بْن وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا حَدَّ فِي وَطْءِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْوَطْءِ، وَظَاهِرُهُ كَانَ الْمُؤَجِّرُ وَلِيَّهَا أَوْ سَيِّدَهَا أَوْ نَفْسَهَا لِأَنَّ

(أَوْ مَمْلُوكَةً تَعْتِقُ عَلَيْهِ) : بِالْمِلْكِ، كَبِنْتِهِ فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَاهَا مَثَلًا وَوَطِئَهَا فَيُحَدُّ إنْ عَلِمَ بِالتَّحْرِيمِ. (أَوْ مَرْهُونَةً) : أَيْ بِدُونِ إذْنِ الرَّاهِنِ وَإِلَّا فَلَا حَدَّ. (أَوْ ذَاتَ مَغْنَمٍ) : قَبْلَ الْقَسْمِ وَلَوْ حِيزَتْ. (أَوْ حَرْبِيَّةً) : فِي بِلَادِ الْحَرْبِ. أَوْ دَخَلَتْ بِأَمَانٍ، لَا إنْ خَرَجَ بِهَا لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِخُرُوجِهِ بِهَا أَوْ دَخَلَتْ بِدُونِ أَمَانٍ فَحَازَهَا. (أَوْ مَبْتُوتَةً) لَهُ (وَإِنْ) غَيَّبَ الْحَشَفَةَ (بِعِدَّةٍ) بِنِكَاحٍ فَأَوْلَى بِدُونِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَقْدَ الْإِجَارَةِ عِنْدَهُ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الْحَدَّ وَإِنْ حَرُمَ عِنْده الْإِقْدَامُ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [تُعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ] : أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا يَرَى أَنَّ عِتْقَ الْقَرَابَةِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْحُكْمِ لَا بِنَفْسِ الْمِلْكِ أَوْ قَلَّدَ مَنْ يَرَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ، وَانْظُرْ لِمَ لَمْ يَدْرَأْ عَنْهُ الْحَدَّ إذَا لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا وَلَا مُقَلِّدًا لِمَنْ يَرَى ذَلِكَ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِذَلِكَ، وَقَدْ اسْتَشْكَلَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَكَذَا خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ عَنْ شَيْخِهِ (اهـ بْن) . قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَلَا حَدَّ] : أَيْ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ عَطَاءٍ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ حِيزَتْ] : أَيْ بِأَنْ قَدَرْنَا عَلَيْهِمْ وَهَزَمْنَاهُمْ وَظَاهِرُهُ كَانَ الْجَيْشُ كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْأَقْرَبُ سُقُوطُ الْحَدِّ لِتَحَقُّقِ الشَّرِكَةِ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ لِإِرْثِ نَصِيبِهِ عَنْهُ وَلَا سِيَّمَا مَعَ كَثْرَةِ الْغَنِيمَةِ وَقِلَّةِ الْجَيْشِ (اهـ) . وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مَا لَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ فِي عَبْدٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ هَلْ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ الْبَاقِي أَمْ لَا وَهَذَا فِيمَنْ لَهُ سَهْمٌ مِنْهَا وَإِلَّا حُدَّ وَلَوْ قَلَّ الْجَيْشُ. إنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ حَدِّهِ مُطْلَقًا فِي الزِّنَا وَحَدِّ السَّارِقِ مِنْهَا إنْ حِيزَ الْمَغْنَمُ مَعَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي مِلْكِهَا هَلْ بِمُجَرَّدِ حُصُولِهَا أَوْ حَتَّى تُقَسَّمَ جَازَ فِي الْجَمِيعِ؟ . قُلْت: أُجِيبُ بِأَنَّ حَدَّ السَّرِقَةِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الْحِرْزِ وَهِيَ قَبْلَ الْحَوْزِ لَيْسَتْ فِي حِرْزٍ مِثْلِهَا كَذَا فِي عب. قَوْلُهُ: [بِعِدَّةٍ بِنِكَاحٍ] إلَخْ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْبَاتَّ لِزَوْجَتِهِ إذَا وَطِئَهَا بَعْدَ الْبَتَاتِ مُتَعَمِّدًا يُحَدُّ سَوَاءٌ كَانَ الْوَاطِئُ مُسْتَنِدًا لِعَقْدٍ فِي الْعِدَّةِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ بِدُونِ عَقْدٍ أَوْ بَعْدَهَا، وَلَوْ قَالَ فِي حَلِّ الْمَتْنِ هَذَا إذَا كَانَ وَطِئَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ بَلْ وَإِنْ كَانَ بِعِدَّةٍ بِدُونِ عَقْدٍ بَلْ وَإِنْ كَانَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى.

وَبَعْدَ الْعِدَّةِ كَانَ الْبَتُّ فِي مَرَّةٍ أَوْ مَرَّاتٍ عَلَى الرَّاجِحِ. (أَوْ خَامِسَةٍ) : عَلِمَ بِتَحْرِيمِهَا وَلَا الْتِفَاتَ لِمَنْ زَعَمَ جَوَازَهَا مِنْ الْخَوَارِجِ. (أَوْ مُحَرَّمَةِ صِهْرٍ بِنِكَاحٍ) : فَيُحَدُّ بِإِيلَاجِ الْحَشَفَةِ فِيهَا، وَمَفْهُومٌ " بِنِكَاحٍ " لَوْ كَانَتْ بِمِلْكٍ وَتَعْتِقُ عَلَيْهِ فَيُحَدُّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا يَأْتِي وَلَمْ يَقُلْ مُؤَبَّدٌ كَالْأَصْلِ بِمَا وَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَتْ الصِّهَارَةُ لَا تَكُونُ إلَّا مُؤَبَّدَةً مِثْلُ أَنْ يَدْخُلَ بِأُمٍّ ثُمَّ يَعْقِدَ عَلَى الْبِنْتِ وَيُولِجَ. (أَوْ مُطَلَّقَةٍ) مِنْهُ (قَبْلَ الْبِنَاءِ) فَأَوْلَجَ الْحَشَفَةَ فِيهَا بِدُونِ عَقْدٍ. (أَوْ مُعْتَقَةٍ) لَهُ فَأَوْلَجَ إلَخْ. (أَوْ مَكَّنَتْ مَمْلُوكَهَا) : فَأَوْلَجَ الْحَشَفَةَ. (بِلَا عَقْدٍ) : رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ، أَمَّا بَعْدَ الْعَقْدِ فَجَائِزٌ فِي الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَالْمُعْتَقَةِ. وَأَمَّا فِي الْمَالِكَةِ فَيُدْرَأُ الْحَدُّ وَلَوْ كَانَ فَاسِدًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (لَا إنْ عَقَدَ) فَلَا حَدَّ. (أَوْ وَطِئَ مُعْتَدَّةً مِنْهُ) فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ فَلَا حَدَّ بَلْ عَلَيْهِ الْأَدَبُ، حَيْثُ لَمْ يَنْوِ الرَّجْعَةَ كَفِي عِدَّةِ بَائِنٍ مِنْهُ غَيْرِ مَبْتُوتَةٍ. أَمَّا بَعْدَ الْعِدَّةِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا الْتِفَاتَ لِمَنْ زَعَمَ جَوَازَهَا مِنْ الْخَوَارِجِ] : أَيْ فَإِنَّ الْخَوَارِجَ أَجَازُوا تِسْعًا مُسْتَدِلِّينَ بِجَمْعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُنَّ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وَرُدَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى أَرْبَعٍ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَنَّ الْوَاوَ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى أَوْ الَّتِي لِلتَّخْيِيرِ. قَوْلُهُ: [أَوْ مُحَرَّمَةِ صِهْرٍ بِنِكَاحٍ] : أَيْ وَذَلِكَ كَأُمِّ الزَّوْجَةِ وَبِنْتِهَا وَزَوْجَةِ الْأَبِ وَزَوْجَةِ الِابْنِ. قَوْلُهُ: [وَتَعْتِقُ عَلَيْهِ] : أَيْ كَمَا إذَا اشْتَرَى أُمَّ أَمَتِهِ وَعَلَّقَ عِتْقَهَا عَلَى نَفْسِ الشِّرَاءِ. قَوْلُهُ: [كَمَا تَقَدَّمَ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ أَوْ مَمْلُوكَةٍ تَعْتِقُ عَلَيْهِ وَالتَّشْبِيهُ فِي مُطْلَقِ الْحَدِّ. قَوْلُهُ: [بِمَا وَرَدَ عَلَيْهِ] : أَيْ فَالْقَيْدُ ضَائِعٌ. قَوْلُهُ: [أَوْ مُطَلَّقَةٍ مِنْهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ] : أَيْ وَلَوْ طَلْقَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ بَائِنٌ بِالْإِجْمَاعِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عَقْدٍ. قَوْلُهُ: [فَأَوْلَجَ] إلَخْ: أَيْ الْحَشَفَةَ فِيهَا بِدُونِ عَقْدٍ.

عَلَى الرَّاجِحِ كَفِي عِدَّةٍ مِنْ غَيْرِهِ. (أَوْ مِنْ غَيْرِهِ) : أَيْ مُتَّعِدَةٍ مِنْ غَيْرِهِ (وَهِيَ مَمْلُوكَتُهُ) فَلَا حَدَّ. (أَوْ زَوْجَتُهُ) إذَا وَطِئَهَا فِي حَالِ عِدَّتِهَا مِنْ غَيْرِهِ، أَيْ اسْتِبْرَائِهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. (أَوْ مُشْتَرَكَةً) وَطِئَهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ الشُّرَكَاءُ، فَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ، لَكِنَّهُ يُؤَدَّبُ. (أَوْ مُحَرَّمَةً) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ: أَيْ كَانَ تَحْرِيمُهَا (لِ) أَجْلِ (عَارِضٍ) كَحَائِضٍ فَلَا حَدَّ وَيُؤَدَّبُ. (أَوْ غَيْرَ مُطِيقَةٍ) فَيُؤَدَّبُ. (أَوْ حَلِيلَةً) : أَيْ زَوْجَتَهُ إذَا غَيَّبَ حَشَفَتَهُ بِدُبُرِهَا فَيُؤَدَّبُ. (أَوْ مَمْلُوكَةً لَا تَعْتِقُ) : أَيْ اشْتَرَى - مَثَلًا - مَنْ لَا تَعْتِقُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ وَوَطِئَهَا؛ وَهِيَ عَمَّتُهُ أَوْ بِنْتُ أَخِيهِ مَثَلًا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، فَلَا حَدَّ وَيُؤَدَّبُ وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ. (أَوْ بِنْتًا بِعَقْدٍ) عَلَى أُمٍّ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فَإِذَا وَطِئَ الْبِنْتَ بَعْدَ عَقْدِهِ عَلَيْهَا حَالَةَ عَقْدِهِ عَلَى أُمِّهَا غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ وَلَا يُحَدُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَفِي عِدَّةٍ مِنْ غَيْرِهِ] : أَيْ كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ أَوْ مِنْ وَفَاةٍ، وَالْحَالُ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لَهُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [أَيْ اسْتِبْرَائِهَا] : إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْعِدَّةِ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ طَلَاقِ زَوْجٍ أَوْ وَفَاتِهِ وَمَا عَدَاهُ يُقَالُ لَهُ اسْتِبْرَاءٌ، وَلَوْ قَالَ إذَا وَطِئَهَا فِي حَالِ اسْتِبْرَائِهَا مِنْ غَيْرِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ مِنْ هَذَا التَّعْقِيدِ. قَوْلُهُ: [كَحَائِضٍ] : أَيْ وَمُحَرَّمَةٍ وَنُفَسَاءَ وَمُعْتَكِفَةٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرَ مُطِيقَةٍ] : أَيْ كَبِنْتِ أَرْبَعِ سِنِينَ وَلَوْ أَجْنَبِيَّةً. قَوْلُهُ: [أَيْ زَوْجَتَهُ] : مِثْلُهَا أَمَتُهُ لِأَنَّ الْأَدَبَ مُرَتَّبٌ عَلَى التَّغْيِيبِ فِي الدُّبُرِ. قَوْلُهُ: [أَوْ مَمْلُوكَةً لَا تَعْتِقُ] : الْمَعْنَى أَوْ مُحَرَّمٌ مَمْلُوكَةٌ. قَوْلُهُ: [وَيُؤَدَّبُ] : أَيْ إنْ عَلِمَ بِالْحُرْمَةِ وَإِلَّا فَيُعْذَرُ بِالْجَهْلِ. قَوْلُهُ. [فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ وَلَا يُحَدُّ] : أَيْ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْأُمِّ يُحَرِّمُ الْبِنْتَ مَا دَامَتْ الْأُمُّ فِي عِصْمَتِهِ فَهُوَ تَحْرِيمٌ عَارِضٌ، فَإِذَا طَلَّقَ الْأُمَّ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا حَلَّتْ لَهُ

(أَوْ) وَطِئَ (أُخْتًا) تَزَوَّجَهَا (عَلَى أُخْتِهَا) . (أَوْ) وَطِئَ (بَهِيمَةً) مَأْكُولَةَ اللَّحْمِ أَوْ غَيْرَهَا بِقُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ فَلَا حَدَّ. (أُدِّبَ) فِي الْجَمِيعِ الَّذِي لَا حَدَّ فِيهِ. (كَمُسَاحَقَةٍ) فِعْلُ شِرَارِ النِّسَاءِ بَعْضِهِنَّ بِبَعْضٍ، فَفِيهِ الْأَدَبُ فَقَطْ. (وَأَمَةً مُحَلَّلَةً) فَإِنَّ مَنْ وَطِئَهَا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا لَهُ فِي الْوَطْءِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيُؤَدَّبُ، مُرَاعَاةً لِقَوْلِ عَطَاءٍ بِجَوَازِ التَّحْلِيلِ؛ فَالْمُحَلَّلَةُ مَنْ يَقُولُ سَيِّدُهَا لِغَيْرِهِ: أَذِنْت لَك فِي وَطْئِهَا أَوْ أَبَحْتُهُ لَك إلَخْ. (وَقُوِّمَتْ) الْمُحَلَّلَةُ (عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْوَاطِئِ بِمُجَرَّدِ الْوَطْءِ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْوَطْءِ حَمَلَتْ أَمْ لَا، فَإِنْ أَعْدَمَ بِيعَتْ عَلَيْهِ إنْ لَمْ تَحْمِلْ وَلَهُ الزِّيَادَةُ وَعَلَيْهِ النَّقْصُ وَإِنْ حَمَلَتْ فَالْقِيمَةُ فِي ذِمَّتِهِ وَالْوَلَدُ حُرٌّ لَاحِقٌ بِهِ وَتَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ. (وَإِنْ أَبَيَا) : امْتَنَعَ كُلٌّ مِنْ الْمُحَلِّلِ وَالْمُحَلَّلِ لَهُ مِنْ التَّقْوِيمِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْوِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنَتُهَا فَصَارَ الْعَقْدُ شُبْهَةً تَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ الْغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنَّهُ إنْ كَانَ مَدْخُولًا بِهَا حُدَّ لِضَعْفِ الشُّبْهَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ وَطِئَ أُخْتًا] إلَخْ: أَيْ فَالْعَقْدُ عَلَى الْأُخْتِ الْمَوْطُوءَةِ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ، لِأَنَّ حُرْمَتَهَا مَا دَامَتْ الْأُخْتُ الْأُولَى فِي الْعِصْمَةِ فَالتَّحْرِيمُ عَارِضٌ، وَسَوَاءٌ دَخَلَ بِالْأُخْتِ السَّابِقَةِ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [وَأُدِّبَ فِي الْجَمِيعِ] : الْمُنَاسِبُ حَذْفُ أَلْ وَمَحِلُّ الْأَدَبِ مَا لَمْ يُعْذَرُ بِجَهْلٍ وَالْبَهِيمَةُ الْمَوْطُوءَةُ كَغَيْرِهَا فِي الذَّبْحِ وَالْأَكْلِ. قَوْلُهُ: [كَمُسَاحَقَةٍ] : أَيْ لِأَنَّهُ لَا إيلَاجَ فِيهِ فَلَا يُقَالُ إنَّهُ زِنًا. قَوْلُهُ: [وَأَمَةً مُحَلَّلَةً] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ قِنًّا أَوْ فِيهَا شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ. قَالَ الْخَرَشِيُّ بَلَغَنَا عَنْ بَعْضِ الْبَرْبَرِ وَبَعْضِ بِلَادِ فرباش أَنَّهُمْ يُحَلِّلُونَ أَزْوَاجَهُمْ لِلضِّيفَانِ يَعْتَقِدُونَهُ كَرْمًا جَهْلًا مِنْهُمْ فَعَلَيْهِمْ الْأَدَبُ إنْ جَهِلُوا ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَبَحْتُهُ لَك] : إلَخْ: لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ إلَخْ فَالْمُنَاسِبُ حَذْفُهُ. قَوْلُهُ: [وَلَهُ الزِّيَادَةُ] : أَيْ إنْ زَادَ ثَمَنُهَا يَوْمَ الْبَيْعِ عَنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْوَطْءِ. وَقَوْلُهُ: [وَعَلَيْهِ النَّقْصُ] : أَيْ إنْ نَقَصَ ثَمَنُهَا يَوْمَ الْبَيْعِ عَنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْوَطْءِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ أَبَيَا] : مُبَالَغَةٌ فِي التَّقْوِيمِ أَيْ هَذَا إذَا رَضِيَا بَلْ وَإِنْ أَبَيَا.

[ثبوت الزنا]

دَفْعًا لِإِعَارَةِ الْفُرُوجِ. (بِخِلَافِ الْمُكْرَهَةِ) فَلَا تُؤَدَّبُ لِعُذْرِهَا بِالْإِكْرَاهِ أَمَّا الْمُكْرَهُ - بِفَتْحِ الرَّاءِ - فَالْمَشْهُورُ يُحَدُّ وَيَدْفَعُ الصَّدَاقَ لِلْمُكْرَهَةِ - بِفَتْحِ الرَّاءِ - ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُكْرِهِ - بِكَسْرِ الرَّاءِ. (وَثَبَتَ) الزِّنَا (بِإِقْرَارِهِ) وَلَوْ مَرَّةً (إنْ لَمْ يَرْجِعْ) : عَنْ إقْرَارِهِ، فَإِنْ رَجَعَ فَلَا يَثْبُتُ، كَانَ رُجُوعُهُ بِشُبْهَةٍ، كَقَوْلِهِ: وَطِئْت زَوْجَتِي فِي حَيْضِهَا وَظَنَنْت أَنَّهُ زِنًا، أَوْ بِدُونِ شُبْهَةٍ؛ وَلِذَا قَالَ: (مُطْلَقًا) . وَقَوْلُهُ: (أَوْ يَهْرَبْ) هَذَا إذَا كَانَ الْهُرُوبُ قَبْلَ الْحَدِّ بَلْ (وَإِنْ فِي أَثْنَائِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَالْمَشْهُورُ يُحَدُّ] : أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ انْتَشَرَ أَمْ لَا كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَالشَّامِلِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُحَدُّ وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُكْرِهَةَ لَهُ عَلَى الزِّنَا بِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا صَدَاقَ لَهَا عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَمَحِلُّ الْخِلَافِ فِي حَدِّهِ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا بِهَا وَكَانَتْ طَائِعَةً وَلَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ وَإِلَّا حَدَّ اتِّفَاقًا نَظَرًا لِحَقِّ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ وَقَهْرِهَا بِالْإِكْرَاهِ. [ثُبُوت الزِّنَا] قَوْلُهُ: [وَلَوْ مَرَّةً] : أَيْ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ حَيْثُ قَالَا: لَا يَثْبُتُ الزِّنَا بِالْإِقْرَارِ إلَّا إذَا أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ بِدُونِ شُبْهَةٍ] : أَيْ عَلَى مَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ حَيْثُ قَالَ: لَا يُعْذَرُ إلَّا إذْ رَجَعَ لِشُبْهَةٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ رُجُوعَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا إنَّمَا يَنْفَعُهُ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ لَا فِي لُزُومِ الصَّدَاقِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ مَهْرُ الْمَغْصُوبَةِ الَّتِي أَقَرَّ بِوَطْئِهَا ثُمَّ رَجَعَ. قَوْلُهُ: [أَوْ يَهْرَبْ] : مَعْطُوفٌ عَلَى يَرْجِعْ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ أَيْ لَمْ فَمَحَلُّ لُزُومِ الْإِقْرَارِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ رُجُوعٌ عَنْهُ بِالْإِنْكَارِ إلَخْ، أَوْ هُرُوبٌ إلَخْ. وَزِيَادَةُ الشَّارِحِ لَفْظَ. وَقَوْلُهُ: قَبْلَ الْمَتْنِ لَا مَعْنَى لَهَا، وَسُقُوطُ الْحَدِّ بِالْهُرُوبِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ ثُبُوتُ الزِّنَا عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ، أَمَّا لَوْ كَانَ ثُبُوتُهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ حَمْلٍ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ بِالْهُرُوبِ مُطْلَقًا.

لَكِنَّ الْمُنَاسِبَ قَلْبُ الْمُبَالَغَةِ؛ لِأَنَّ النِّزَاعَ فِي هُرُوبِهِ قَبْلَ الْحَدِّ، كَمَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ وَالتَّتَّائِيُّ وَابْنُ مَرْزُوقٍ، لَا فَرْقَ فِي الْهُرُوبِ قَبْلُ أَوْ فِيهِ. (وَبِالْبَيِّنَةِ) الْعَادِلَةِ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ يَرَوْنَهُ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ. وَمَتَى ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ أَوْ نِسَاءٍ بِبَقَاءِ بَكَارَتِهَا وَقِيلَ يَسْقُطُ؛ هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ. (أَوْ بِحَمْلِ) : أَيْ وَثَبَتَ أَيْضًا بِظُهُورِ حَمْلِ (غَيْرِ مُتَزَوِّجَةٍ) بِمَنْ يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ، بِأَنْ لَا تَكُونَ مُتَزَوِّجَةً أَصْلًا أَوْ مُتَزَوِّجَةً بِصَبِيٍّ أَوْ مَجْبُوبٍ أَوْ أَتَتْ بِهِ كَامِلًا لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ دُخُولِ زَوْجِهَا. (وَ) غَيْرِ (ذَاتِ سَيِّدٍ مُقِرٍّ بِهِ) : أَيْ بِالْوَطْءِ، بِأَنْ أَنْكَرَ وَطْأَهَا، فَخَرَجَ ظُهُورُهُ بِمُتَزَوِّجَةٍ بِمَنْ يُلْحَقُ بِهِ وَبِذَاتِ سَيِّدٍ مُقِرٍّ بِالْوَطْءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَكِنَّ الْمُنَاسِبَ قَلْبُ الْمُبَالَغَةِ] إلَخْ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِبَقَاءِ الْمُبَالَغَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا لِدَفْعِ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ فِرَارَهُ فِي الْحَدِّ مِنْ شِدَّةِ الْأَلَمِ لَا رُجُوعًا مِنْهُ عَنْ الْإِقْرَارِ كَمَا قَرَّرَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ، وَفِي حَدِيثِ «مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ: لَمَّا هَرَبَ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ فَاتَّبَعُوهُ فَقَالَ: رُدُّونِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَرُدُّوهُ وَرَجَمُوهُ حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ أَخْبَرُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ فَقَالَ: هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ» ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْهُرُوبَ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ نَافِعٌ، وَأَمَّا قَبْلَهُ فَشَيْءٌ آخَرُ فَلِذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِيهِ. قَوْلُهُ [إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ] : أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلِلزِّنَا وَاللِّوَاطِ أَرْبَعَةٌ إنْ اتَّحِدَا كَيْفِيَّةً وَرُؤْيَا وَأَدَاءً بِأَنَّهُ أَوْلَجَ الذَّكَرَ فِي الْفَرْجِ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ] : أَيْ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ يَسْقُطُ] : قَصْدُهُ بِقِيلِ النِّسْبَةُ لَا التَّضْعِيفُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ قَوْلُهُ: [هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ] : أَيْ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ شُبْهَةٌ وَهِيَ طَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ أَفَادَهُ بْن نَقْلًا عَنْ التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ. قَوْلُهُ: [لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ] : أَيْ إلَّا سِتَّةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ، وَأَمَّا الْخَمْسَةُ الْأَيَّامِ فَمُلْحَقَةٌ بِالسِّتَّةِ الْأَشْهُرِ.

[أثر ثبوت الزنا]

(وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَاهَا) : أَيْ مَنْ ظَهَرَ بِهَا الْحَمْلُ (الْغَصْبَ بِلَا قَرِينَةٍ) تُصَدِّقُهَا، بَلْ تُحَدُّ. بِخِلَافِ مَا لَوْ تَعَلَّقَتْ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَاسْتِغَاثَتِهَا عِنْدَ النَّازِلَةِ فَلَا تُحَدُّ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى ثُبُوتِ الزِّنَا تَرَتُّبَ الْحَدِّ بِأَنْوَاعِهِ فَقَالَ: (فَيَرْجُمُ الْمُحْصَنُ) : وَهُوَ مَنْ وَطِئَ مُبَاحًا بِنِكَاحٍ لَازِمٍ مَعَ انْتِشَارٍ بِلَا نَكِرَةٍ، وَهُوَ حُرٌّ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ، وَمَتَى اخْتَلَّ شَرْطٌ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا فَلَا يُرْجَمُ. (بِحِجَارَةٍ) : مُتَعَلِّقٌ بِ " يُرْجَمُ " (مُعْتَدِلَةٍ) : بَيْنَ الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ قَدْرَ مَا يُطِيقُ الرَّامِي بِدُونِ تَكَلُّفٍ وَمَحِلُّ الرَّجْمِ الظَّهْرُ وَالْبَطْنُ (حَتَّى يَمُوتَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَاهَا] إلَخْ: أَيْ وَلَا دَعْوَاهَا أَنَّ هَذَا الْحَمْلَ مِنْ مَنِيٍّ شَرِبَهُ فَرْجُهَا فِي حَمَّامٍ وَلَا مِنْ وَطْءِ جِنِّيٍّ وَأَمَّا دَعْوَاهَا الْوَطْءَ بِشُبْهَةٍ أَوْ غَلَطٍ وَهِيَ نَائِمَةٌ فَتُقْبَلُ لِأَنَّ هَذَا يَقَعُ كَثِيرًا كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ لَوْ تَعَلَّقَتْ] : لَوْ مَصْدَرِيَّةٌ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ أَيْ بِخِلَافِ تَعَلُّقِهَا وَاسْتِغَاثَتِهَا. [أثر ثُبُوتِ الزِّنَا] قَوْلُهُ: [فَيُرْجَمُ الْمُحْصَنُ] : أَيْ يَرْجُمُهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجُمَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ مَنْ فَعَلَ مُوجِبَ الْقَتْلِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ، بَلْ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ وَيُخْلِصَ التَّوْبَةَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ. قَوْلُهُ: [الْمُحْصَنُ] : وَشُرُوطُ الْإِحْصَانِ عَشَرَةٌ أَفَادَ الشَّارِحُ مِنْهَا تِسْعَةً. وَالْعَاشِرُ أَنْ تَكُونَ مَوْطُوءَتُهُ مُطِيقَةً وَلَوْ لَمْ تَكُنْ بَالِغًا وَسَيَأْتِي بِأَنْوَاعِ أُخُرَ ثَلَاثَةٍ. رَجْمٌ لِمُحْصَنٍ أَوْ لَائِطٍ مُطْلَقًا، وَجَلْدٌ مَعَ تَغْرِيبٍ لِلْبِكْرِ الْحُرِّ الذَّكَرِ، وَجَلْدٌ فَقَطْ لِلْأُنْثَى الْبِكْرِ وَالْعَبْدِ. قَوْلُهُ: [بَيْنَ الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ] : أَيْ لَا بِحِجَارَةٍ عِظَامٍ خَشْيَةَ التَّشْوِيهِ وَلَا بِحَصَيَاتٍ صِغَارٍ خَشْيَةَ التَّعْذِيبِ بَلْ بِقَدْرِ مَا يَحْمِلُ الرَّامِي بِلَا كُلْفَةٍ كَمَا قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ لِسُرْعَةِ الْإِجْهَازِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَمَحِلُّ الرَّجْمِ الظَّهْرُ وَالْبَطْنُ] : أَيْ وَيَخُصُّ بِالْمَوَاضِعِ الَّتِي هِيَ مَقَاتِلُ مِنْ الظَّهْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ السُّرَّةِ إلَى مَا فَوْقَ، وَيَتَّقِي الْوَجْهَ وَالْفَرْجَ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُحْفَرُ لِلْمَرْجُومِ حُفْرَةٌ، وَقِيلَ يُحْفَرُ لِلْمَرْأَةِ فَقَطْ، وَقِيلَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ دُونَ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ يُتْرَكُ إنْ هَرَبَ وَيُجَرِّدَا عَلَى الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ وَلَا يُرْبَطُ الْمَرْجُومُ،

[جلد غير المحصن]

(وَ) يُرْجَمُ (اللَّائِطُ) وَالْمُلُوطُ بِهِ (مُطْلَقًا) أَحْصَنَ أَمْ لَا بِشَرْطِ التَّكْلِيفِ؛ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْفَاعِلِ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولُهُ بَالِغًا بَلْ مُطِيقًا، وَشَرْطُ رَجْمِ الْمَفْعُولِ: بُلُوغُ فَاعِلِهِ فَلَا يُرْجَمُ مَنْ مَكَّنَ صَبِيًّا. (وَإِنْ عَبْدَيْنِ وَكَافِرَيْنِ) : كَالْحُرَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ وَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِإِسْلَامِ الْكَافِرِ. (وَيُجْلَدُ) الْمُكَلَّفُ (الْبِكْرُ) : أَيْ غَيْرُ الْمُحْصَنِ (الْحُرُّ) : ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (مِائَةً) . (وَتُشَطَّرُ لِلرِّقِّ) : فَعَلَيْهِ خَمْسُونَ جَلْدَةً (وَإِنْ قَلَّ) الْجُزْءُ الرَّقِيقُ، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَمُعْتَقٌ لِأَجَلٍ وَمُدَبَّرٌ. (أَوْ تَزَوَّجَ) الرَّقِيقُ وَزَنَى حَالَ رِقِّهِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ مَا عَلَى الْحُرِّ (وَتَحَصَّنَ) : أَيْ صَارَ (كُلٌّ) مِنْ الزَّوْجَيْنِ الرَّقِيقَيْنِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مُحْصَنًا (دُونَ صَاحِبِهِ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ جَمَاعَةٍ قِيلَ نَدْبًا وَقِيلَ وُجُوبًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] فَإِنَّهُ فِي مُطْلَقِ الزَّانِي، وَأَقَلُّ الطَّائِفَةِ أَرْبَعَةٌ عَلَى أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ قِيلَ لِيَشْتَهِرَ الزَّجْرُ وَقِيلَ لِيَدْعُوَا لَهُمَا بِالرَّحْمَةِ وَالتَّوْبَةِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَالِكٌ بُدَاءَةَ الْبَيِّنَةِ بِالرَّجْمِ ثُمَّ الْحَاكِمِ بِهِ ثُمَّ النَّاسِ عَقِبَهُ وَالْحَدِيثُ الدَّالُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنْ تَمَسَّك بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُرْجَمُ مَنْ مَكَّنَ صَبِيًّا] : أَيْ وَإِنْ كَانَ هُوَ بَالِغًا وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَفْعُولِ أَيْضًا طَوْعُهُ فَتَحَصَّلَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِمَا التَّكْلِيفُ، وَيُزَادُ فِي الْمَفْعُولِ طَوْعُهُ وَكَوْنُ الْفَاعِلِ بِهِ بَالِغًا. قَوْلُهُ: [وَإِنْ عَبْدَيْنِ وَكَافِرَيْنِ] : قَالَ عب لَمْ يَكْتَفِ بِدُخُولِهِمَا تَحْتَ الْإِطْلَاقِ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْعَبْدَ يُجْلَدُ خَمْسِينَ وَإِنَّ الْكَافِرَ يُرَدُّ إلَى حُكَّامِ مِلَّتِهِ. [جلد غَيْرُ الْمُحْصَنِ] قَوْلُهُ: [أَيْ غَيْرُ الْمُحْصَنِ] : أَيْ مَنْ لَمْ يَسْتَوْفِ شُرُوطَ الْإِحْصَانِ. قَوْلُهُ: [وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ] إلَخْ: أَيْ فَمَتَى كَانَ فِي الشَّخْصِ شَائِبَةُ رِقٍّ كَانَ حَدُّهُ الْجَلْدَ وَتُشَطَّرُ. قَوْلُهُ: [أَوْ تَزَوَّجَ الرَّقِيقُ] : فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ لِأَنَّ تَزَوُّجَهُ لَا يُصَيِّرُهُ مُحْصَنًا لِفَقْدِ الْحُرِّيَّةِ.

[تغريب غير المحصن]

إذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ سَبَبُ الْإِحْصَانِ، وَقَوْلُهُ: (بِالْعِتْقِ) مُتَعَلِّقٌ " بِتَحَصُّنٍ " (وَالْوَطْءُ بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ الْعِتْقِ فَإِذَا عَتَقَ وَزَوْجَتُهُ مُطِيقَةٌ غَيْرُ بَالِغَةٍ، أَوْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً أَوْ أَمَةً وَأَصَابَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ، تَحَصَّنَ دُونَهَا. وَقَدْ يَتَحَصَّنَانِ إذَا عَتَقَا مَعًا وَحَصَلَ وَطْءٌ بَعْدَ الْعِتْقِ إلَى آخِرِ شُرُوطِ الْإِحْصَانِ الْمُتَقَدِّمَةِ. (كَإِسْلَامِ الزَّوْجِ) : فَإِنَّهُ إذَا أَسْلَمَ وَأَصَابَ زَوْجَتَهُ يَتَحَصَّنُ وَلَا يَصِحُّ الْعَكْسُ. (وَغُرِّبَ) بَعْدَ الْحَدِّ (الذَّكَرُ) الْبِكْرُ (الْحُرُّ فَقَطْ) : دُونَ الْعَبْدِ وَلَوْ رَضِيَ سَيِّدُهُ، وَدُونَ الْأُنْثَى وَلَوْ رَضِيَتْ وَرَضِيَ زَوْجُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَقَدْ يَتَحَصَّنَانِ] : الْحَاصِلُ أَنَّ الذَّكَرَ الْمُكَلَّفَ الْحُرَّ الْمُسْلِمَ يَتَحَصَّنُ بِوَطْءِ زَوْجَتِهِ الْمُطِيقَةِ وَلَوْ صَغِيرَةً أَوْ كَافِرَةً أَوْ أَمَةً أَوْ مَجْنُونَةً، وَالْأُنْثَى الْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ تَتَحَصَّنُ بِوَطْءِ زَوْجِهَا إنْ كَانَ بَالِغًا وَلَوْ عَبْدًا أَوْ مَجْنُونًا فَعُلِمَ أَنَّ شَرْطَ تَحَصُّنِ الذَّكَرِ زِيَادَةً عَلَى الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ إطَاقَةُ مَوْطُوءَتِهِ وَشَرْطَ تَحْصِينِ الْأُنْثَى زِيَادَةً عَلَى الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ بُلُوغُ وَاطِئِهَا فَقَطْ، وَلَا يُقَالُ: وَإِسْلَامُهُ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ لِمُسْلِمَةٍ فَهُوَ خَارِجٌ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ إذَا أَسْلَمَ وَأَصَابَ زَوْجَتَهُ يَتَحَصَّنُ] : أَيْ وَلَوْ كَانَتْ هِيَ كِتَابِيَّةً. قَوْلُهُ: [وَلَا يَصِحُّ الْعَكْسُ] : أَيْ فَلَا يَصِحُّ أَنَّ الْمُسْلِمَةَ فِي عِصْمَةِ الْكَافِرِ. [تَغْرِيب غَيْرُ الْمُحْصَنِ] قَوْلُهُ: [وَغُرِّبَ بَعْدَ الْحَدِّ] : أَيْ بَعْدَ الْجَلْدِ مِائَةً، وَإِنَّمَا غُرِّبَ زِيَادَةً فِي عُقُوبَتِهِ لِأَجْلِ أَنْ يَنْقَطِعَ عَنْ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَمَعَاشِهِ وَتَلْحَقَهُ الذِّلَّةُ، وَمَحِلُّ تَغْرِيبِ الْحُرِّ الذَّكَرِ إذَا كَانَ مُتَوَطِّنًا فِي الْبَلَدِ الَّذِي زَنَى فِيهِ، وَأَمَّا الْغَرِيبُ الَّذِي زَنَى بِفَوْرِ نُزُولِهِ فِي بَلَدٍ فَإِنَّهُ يُجْلَدُ وَيُسْجَنُ بِهِ لِأَنَّ سَجْنَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي زَنَى فِيهِ تَغْرِيبٌ لَهُ، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ غُرِّبَ أَنَّهُ غَرَّبَ نَفْسَهُ لَا يَكْفِي لِأَنَّ تَغْرِيبَ نَفْسِهِ قَدْ يَكُونُ مِنْ شَهَوَاتِهِ فَلَا يَكُونُ زَاجِرًا لَهُ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ رَضِيَتْ وَرَضِيَ زَوْجُهَا] : أَيْ لِمَا يُخْشَى عَلَيْهَا مِنْ الزِّنَا بِسَبَبِ ذَلِكَ التَّغْرِيبِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تُغَرَّبُ وَلَوْ مَعَ مَحْرَمٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ تُنْفَى الْمَرْأَةُ إذَا كَانَ لَهَا وَلِيٌّ أَوْ تُسَافِرُ مَعَ جَمَاعَةٍ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ كَخُرُوجِ الْحَجِّ، فَإِنْ عُدِمَ جَمِيعُ ذَلِكَ سُجِنَتْ بِمَوْضِعِهَا عَامًا لِأَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ التَّغْرِيبُ لَمْ يَسْقُطْ السَّجْنُ هَذَا كَلَامُهُ وَقَدْ عَلِمْت ضَعْفَهُ.

[تتمة إن ثبت الزنا على امرأة متزوجة فأريد رجمها فقالت لست بمحصنة]

(فَيُسْجَنُ) : فِي الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ (عَامًا) كَامِلًا مِنْ يَوْمِ سَجْنِهِ (كَفَدَكِ) بِالصَّرْفِ وَعَدَمِهِ: قَرْيَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ يَوْمَانِ وَقِيلَ ثَلَاثُ مَرَاحِلَ (وَخَيْبَرُ) : قَرْيَةٌ أَيْضًا عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (مِنْ الْمَدِينَةِ) عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ السَّلَامِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ نَفَى مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى خَيْبَرَ. . (وَجَازَ لِلسَّيِّدِ إقَامَتُهُ) : أَيْ إقَامَةُ حَدِّ الزِّنَا عَلَى رَقِيقِهِ الذَّكَرِ أَوْ الْأُنْثَى (إنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ) رَقِيقُهُ (بِغَيْرِ مِلْكِهِ) : أَيْ مِلْكِ سَيِّدِهِ، بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ زَوْجَةٌ أَصْلًا، أَوْ عِنْدَهُ زَوْجَةٌ هِيَ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ؛ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ زَوْجَةٌ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ لِغَيْرِ سَيِّدِهِ فَلَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ (وَثَبَتَ) الزِّنَا عَلَى الرَّقِيقِ (بِغَيْرِهِ) : أَيْ غَيْرِ سَيِّدِهِ؛ بِأَنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ، أَوْ ظُهُورِ حَمْلٍ، أَوْ أَرْبَعَةِ عُدُولٍ لَيْسَ السَّيِّدُ أَحَدَهُمْ، فَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ أَحَدَهُمْ رُفِعَ لِلْإِمَامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَامًا كَامِلًا مِنْ يَوْمِ سَجْنِهِ] : ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَهُوَ مُعْسِرٌ يُنْظَرُ، وَأُجْرَةُ حَمْلِهِ فِي الْغُرْبَةِ ذَهَابًا وَإِيَابًا وَمُؤْنَتُهُ بِمَوْضِعِ سَجْنِهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ عَادَ الَّذِي غُرِّبَ إلَى وَطَنِهِ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ أُخْرِجَ مَرَّةً ثَانِيَةً إلَى الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ لِإِكْمَالِ السَّنَةِ. قَوْلُهُ: [نَفَى مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى خَيْبَرَ] : أَيْ وَنَفَى عَلِيٌّ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى الْبَصْرَةِ. [تَتِمَّةٌ إنْ ثَبَتَ الزِّنَا عَلَى امْرَأَةٍ مُتَزَوِّجَةٍ فَأُرِيدَ رَجْمُهَا فَقَالَتْ لَسْت بِمُحْصَنَةٍ] قَوْلُهُ: [فَلَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ] : أَيْ وَإِنَّمَا يُقِيمُهُ الْحَاكِمُ. قَوْلُهُ: [وَثَبَتَ الزِّنَا عَلَى الرَّقِيقِ بِغَيْرِهِ] : أَيْ فَالسَّيِّدُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ عَلَى عَبْدِهِ بِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَكُونَ مُتَزَوِّجًا بِغَيْرِ مِلْكِهِ. وَالثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ مُوجِبُ الْحَدِّ ثَابِتًا بِعِلْمِهِ، وَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا قَيْدٌ فِي إقَامَةِ السَّيِّدِ وَالثَّانِي قَيْدٌ فِيهِ وَفِي كُلِّ حَاكِمٍ. تَتِمَّةٌ: إنْ ثَبَتَ الزِّنَا عَلَى امْرَأَةٍ مُتَزَوِّجَةٍ مَضَى لَهَا مَعَ زَوْجِهَا عِشْرُونَ سَنَةً فَأُرِيدَ رَجْمُهَا، فَقَالَتْ: لَسْت بِمُحْصَنَةٍ، وَأَنْكَرَتْ وَطْءَ زَوْجِهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَخَالَفَهَا الزَّوْجُ وَادَّعَى وَطْأَهَا فَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهَا وَتُرْجَمُ، وَعَنْ الْإِمَامِ فِي الرَّجْمِ يُقِيمُ مَعَ زَوْجَتِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً ثُمَّ تَشْهَدُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِالزِّنَا فَيُنْكِرُ الْإِحْصَانَ لِعَدَمِ وَطْئِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQزَوْجَتَهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الرَّجْمُ وَيُجْلَدُ مَا لَمْ يُقِرَّ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ يُولَدْ لَهُ مِنْهَا، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْأَشْيَاخُ فِي الْمَحِلَّيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ. وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ الْمَذْهَبِ فَعَيَّنَهُ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ فِي حُكْمِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعَيَّنَهُ سَحْنُونَ فِي حُكْمِ الْأُولَى، وَمِنْهُمْ مَنْ وَفَّقَ بَيْنَهُمَا وَالْمُعْتَمَدُ الْخِلَافُ؛ وَإِنْ قَالَتْ امْرَأَةٌ: زَنَيْت مَعَهُ، فَادَّعَى الْوَطْءَ وَالزَّوْجِيَّةَ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ أَوْ وُجِدَا بِبَيْتٍ وَأَقَرَّا بِالْوَطْءِ وَادَّعَيَا النِّكَاحَ مَعًا وَصَدَقَهُمَا الْوَلِيُّ وَقَالَا: لَمْ نَشْهَدْ حَدًّا إلَّا أَنْ يَكُونَا طَارِيَيْنِ أَوْ يَحْصُلَ فُشُوٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ. خَاتِمَةٌ: إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بَعْدَ وِلَادَةِ زَوْجَتِهِ مِنْهُ بِمُفْسِدٍ لِوَطْئِهِ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتٍ لَهُ، كَأَنْ قَالَ: عَقَدْت عَلَيْهَا عَالِمًا بِأَنَّهَا رَقِيقَةٌ أَوْ أَنَّهَا خَامِسَةٌ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِحَقِّ اللَّهِ وَيُلْحَقُ الْوَلَدُ بِهِ، قَالَ النَّفْرَاوِيُّ عَلَى الرِّسَالَةِ: وَحَدُّهُ وَلُحُوقُ الْوَلَدِ بِهِ مُسْتَغْرَبٌ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْحَدِّ أَنَّهُ زِنًا وَمُقْتَضَى اللُّحُوقِ أَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا، أَفَادَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.

[باب في القذف]

بَابٌ فِي الْقَذْفِ (الْقَذْفُ) : مُبْتَدَأٌ: وَيُسَمَّى فِرْيَةً وَرَمْيًا وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ. (رَمْيُ) خَبَرٌ (مُكَلَّفٍ) : هُوَ فَاعِلُ الرَّمْيِ، مَجْرُورٌ بِالْإِضَافَةِ. (وَلَوْ) كَانَ الرَّامِي (كَافِرًا) أَوْ سَكْرَانَ بِحَرَامٍ، وَخَرَجَ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَسَكْرَانَ بِحَلَالٍ وَقَوْلُهُ: (حُرًّا) مَفْعُولُ الْمَصْدَرِ: وَهُوَ الْمَقْذُوفُ. (مُسْلِمًا) مُسْتَمِرٌّ إسْلَامُهُ لِوَقْتِ إقَامَةِ الْحَدِّ؛ فَإِنْ ارْتَدَّ الْمَقْذُوفُ فَلَا حَدَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْقَذْفِ] [قَذْفَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ] بَابٌ: هُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَأَصْلُهُ الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ وَنَحْوِهَا ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ مَجَازًا فِي الرَّمْيِ بِالْمَكَارِهِ. قَوْلُهُ: [وَيُسَمَّى فِرْيَةً وَرَمْيًا] : أَمَّا تَسْمِيَتُهُ فِرْيَةً كَأَنَّهُ مِنْ الِافْتِرَاءِ وَالْكَذِبِ وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ رَمْيًا فَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] . قَوْلُهُ: [وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ] : أَيْ وَلِذَلِكَ أَوْجَبَ اللَّهُ فِيهِ الْحَدَّ. فَإِنْ قُلْت: لَوْ نَسَبَ شَخْصٌ غَيْرَهُ لِلْكُفْرِ لَمْ يُحَدَّ وَلَوْ نَسَبَهُ لِلزِّنَا حُدَّ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ النِّسْبَةَ لِلزِّنَا أَشَدُّ مِنْ النِّسْبَةِ لِلْكُفْرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْكُفْرَ يُوجِبُ الْخُلُودَ فِي النَّارِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ النِّسْبَةَ لِلْكُفْرِ لَا تُسَلَّمُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا بِخِلَافِ النِّسْبَةِ لِلزِّنَا فَيُمْكِنُ التَّسْلِيمُ وَتَلْحَقهُ الْمَعَرَّةُ نَظِيرَ مَا قَالُوهُ فِيمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْتَلُ مُطْلَقًا. بِخِلَافِ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى يُقْتَلُ مَا لَمْ يَتُبْ أَفَادَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [كَافِرًا] : أَيْ تَحْتَ ذِمَّتِنَا. قَوْلُهُ: [وَخَرَجَ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ] إلَخْ: أَيْ فَلَا يَلْزَمُهُ حَدُّ الْقَذْفِ. قَوْلُهُ: [مَفْعُولُ الْمَصْدَرِ] : أَيْ لِقَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ: وَبَعْدَ جَرِّهِ الَّذِي أُضِيفَ لَهُ ... كُمِّلَ بِنَصْبٍ أَوْ بِرَفْعِ عَمَلِهِ قَوْلُهُ: [مُسْتَمِرٌّ إسْلَامُهُ] : الْمُنَاسِبُ نَصْبُهُ لِأَنَّهُ نَعْتُ سَبَبِيٌّ لِمُسْلِمًا.

عَلَى قَاذِفِهِ وَلَوْ أَسْلَمَ، كَمَا لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِ عَبْدٍ أَوْ كَافِرٍ أَصْلِيٍّ، وَقَوْلُهُ: (بِنَفْيِ نَسَبٍ) مُرْتَبِطٌ بِرَمْيٍ: أَيْ قَطْعِهِ (عَنْ أَبٍ) دَنِيَّةٌ (أَوْ جَدٍّ) مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا، وَلَوْ كَانَ أَبُو الْمَقْذُوفِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا عَلَى الرَّاجِحِ. (أَوْ بِزِنًا) عَطْفٌ عَلَى " بِنَفْيِ ": أَيْ رَمَى الْمُكَلَّفُ حُرًّا بِزِنًا. (إنْ كُلِّفَ) الْمَقْذُوفُ - بِأَنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا - زِيَادَةً عَلَى شَرْطَيْ الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، فَمَنْ جُنَّ مِنْ وَقْتِ الْبُلُوغِ إلَى وَقْتِ الْقَذْفِ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ بِالزِّنَا (وَعَفَّ عَنْهُ) : أَيْ عَنْ الزِّنَا قَبْلَ الْقَذْفِ وَبَعْدَهُ لِوَقْتِ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ، وَالرَّاجِحُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَمَا لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِ عَبْدٍ] : أَيْ بِزِنًى أَوْ بِنَفْيِ نَسَبٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبَوَاهُ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ فَيُحَدُّ لَهُمَا، وَكَذَا إنْ كَانَ أَبُوهُ حُرًّا مُسْلِمًا وَأُمُّهُ كَافِرَةً أَوْ أَمَةً عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ: لَسْت ابْنًا لِفُلَانٍ فَقَدْ قَذَفَ فُلَانًا بِأَنَّهُ أَحْبَلَ أُمَّهُ فِي الزِّنَا قَبْلَ نِكَاحِهَا فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَذَفَ حُرًّا مُسْلِمًا، وَقَدْ تَوَقَّفَ مَالِكٌ فِي الْحَدِّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ نَظَرًا لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ أَنَّ أُمَّ ذَلِكَ الْمَقْذُوفِ حَمَلَتْ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ فُلَانٍ الْمَذْكُورِ فَيَكُونُ الْقَاذِفُ قَذَفَ كَافِرَةً أَوْ أَمَةً. قَوْلُهُ: [عَنْ أَبٍ] : أَيْ وَأَمَّا قَطْعُهُ عَنْ الْأُمِّ كَقَوْلِهِ لَسْت ابْنًا لِفُلَانَةَ فَلَا يُسَمَّى قَذْفًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَطْعُهُ عَنْهَا وَيُؤَدَّبُ قَائِلُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [مِنْ جِهَةِ الْأَبِ] : مُقْتَضَاهُ أَنَّ نَفْيَهُ عَنْ جَدِّهِ لِأُمِّهِ كَنَفَيْهِ. قَوْلُهُ: [عَلَى الرَّاجِحِ] : أَيْ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. قَوْلُهُ: [إنْ كُلِّفَ الْمَقْذُوفُ] : قَيْدٌ فِي الثَّانِي وَأَمَّا نَفْيُ النَّسَبِ فَلَا يَشْتَرِطُ تَكْلِيفَ الْمَقْذُوفِ، بَلْ يَشْتَرِطُ حُرِّيَّتَهُ وَإِسْلَامَهُ فَقَطْ وَإِنْ مَجْنُونًا أَوْ رَضِيعًا بَلْ وَلَوْ حَمْلًا. قَوْلُهُ: [فَمَنْ جُنَّ] إلَخْ: مَفْهُومُهُ لَوْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ أَنْ يُحَدَّ رَامِيهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ رَمْيُهُ حَالَةَ الصِّحَّةِ وَالْبُلُوغِ. قَوْلُهُ: [وَعَفَّ عَنْهُ] : أَيْ كَانَ سَالِمًا مِنْ الزِّنَا. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَفَافُ الْمَقْذُوفِ الْمُوجِبِ لَحَدِّ قَاذِفِهِ هُوَ السَّلَامَةُ مِنْ فِعْلِ الزِّنَا قَبْلَ الْقَذْفِ وَبَعْدَهُ وَمِنْ ثُبُوتِ حَدِّهِ لِاسْتِلْزَامِهِ إيَّاهُ.

حَمْلُ الْمَقْذُوفِ عَلَى الْعِفَّةِ حَتَّى يُثْبِتَ الْقَاذِفُ خِلَافَهَا بِأَرْبَعَةٍ، وَلَا يَنْفَعُ الْقَاذِفَ عَدْلًا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ حَدَّ الْمَقْذُوفَ فِيمَا قَذَفَهُ بِهِ بَلْ يُحَدُّ هُوَ وَالشَّاهِدَانِ. (ذَا آلَةٍ) حَالٌ مِنْ نَائِبِ فَاعِلِ " كُلِّفَ ": أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْمَقْذُوفِ مُلْتَبِسًا بِآلَةِ الزِّنَا، فَمَنْ قَذَفَ مَقْطُوعَ الذَّكَرِ بِالزِّنَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إنْ قُطِعَ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَوْ بَعْدَهُ وَرَمَاهُ بِوَقْتٍ كَانَ فِيهِ مَجْبُوبًا. فَإِنْ رَمَاهُ بِالزِّنَا قَبْلَ الْجَبِّ حُدَّ. (أَوْ أَطَاقَتْ) الْمَقْذُوفَةُ (الْوَطْءَ) وَالذَّكَرُ الْمُطِيقُ إنْ رُمِيَ بِكَوْنِهِ مَفْعُولًا بِهِ يُحَدُّ قَاذِفُهُ. (بِمَا) : أَيْ بِلَفْظٍ (يَدُلُّ) عَلَى نَفْيِ النَّسَبِ أَوْ الزِّنَا (عُرْفًا، وَلَوْ تَعْرِيضًا كَأَنَا مَعْرُوفُ النَّسَبِ) فَكَأَنَّهُ قَالَ لِلْمُخَاطَبِ: أَبُوهُ لَيْسَ مَعْرُوفًا (أَوْ) قَالَ: أَنَا (لَسْت بِزَانٍ) فَكَأَنَّهُ قَالَ لِلْمُخَاطَبِ: إنَّهُ زَانٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَأَنَا عَفِيفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِأَرْبَعَةٍ] : أَيْ عُدُولٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] الْآيَةُ. فَالْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَاذِفَ لَا يَنْتَفِي عَنْهُ الْحَدُّ إلَّا بِأَرْبَعَةِ عُدُولٍ تَشْهَدُ بِرُؤْيَةِ الزِّنَا، وَمُقَابِلُ الرَّاجِحِ مَا قَالَهُ عب مِنْ أَنَّ عَلَى الْمَقْذُوفِ أَنْ يُثْبِتَ الْعَفَافَ. قَوْلُهُ: [بَلْ يُحَدُّ هُوَ وَالشَّاهِدَانِ] : وَأَصْلُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي الْمَجْمُوعِ وَنَصُّهُ فِي النَّفْرَاوِيِّ وَلَا يَنْفَعُ الْقَاذِفَ عَدْلَانِ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ حَدَّ الْمَقْذُوفَ فِيمَا قَذَفَهُ بِهِ، بَلْ يُحَدُّ هُوَ وَالشَّاهِدَانِ وَإِنَّمَا يَنْفَعُهُ أَرْبَعٌ عَلَى الْفِعْلِ وَفِيهِ يَعْنِي النَّفْرَاوِيُّ إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ بِأَنَّهُ قَذَفَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَآخَرُ بِأَنَّهُ قَذَفَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ لُفِّقَ كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ (اهـ) . وَلَكِنَّ مُؤَاخَذَةَ الْعَدْلَيْنِ وَحَدَّهُمَا مُشْكِلٌ. تَنْبِيهٌ قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَذْفَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ تَابِعٌ لَحَدِّهِ كَمَا سَبَقَ فَإِذَا رَمَاهُ شَخْصٌ بِالزِّنَا بِفَرْجِهِ الذَّكَرِ أَوْ فِي فَرْجِهِ الَّذِي لِلنِّسَاءِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا زَنَى بِهِمَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ رَمَاهُ بِأَنَّهُ أُتِيَ فِي دُبُرِهِ حُدَّ رَامِيهِ لِأَنَّهُ إذَا زَنَى بِهِ حُدَّ حَدَّ الزِّنَا. قَوْلُهُ: [أَوْ أَطَاقَتْ الْمَقْذُوفَةُ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْأُنْثَى يُحَدُّ قَاذِفُهَا مَتَى كَانَتْ حُرَّةً مُسْلِمَةً عَفِيفَةً مُطِيقَةً لِلْوَطْءِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَالِغَةً، وَالذَّكَرُ الْمَقْذُوفُ بِكَوْنِهِ. مَفْعُولًا مِثْلُهَا.

الْفَرْجِ) فَعَلَيْهِ - لَوْ لَمْ يُزِدْ الْفَرْجَ. لَا حَدَّ عَلَيْهِ بَلْ الْأَدَبُ إلَّا لِقَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ فَيُحَدُّ كَمَا يَأْتِي. (وَكَقَحْبَةٍ) أَيْ زَانِيَةٍ، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ نَحْوُ: فَاجِرَةٍ وَعَاهِرَةٍ، لَكِنَّ الْعُرْفَ الْآنَ لَا يَدُلُّ فِيهِمَا عَلَى الزِّنَا، فَيُحْمَلُ عَلَى وُجُودِ قَرِينَةٍ. (وَصُبَيَّةٍ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ: لِأَنَّهُ يَدُلُّ عُرْفًا عَلَى الزِّنَا (وَعِلْقٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (وَمُخَنَّثٍ) : يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ. فَيُحَدُّ قَائِلُ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ الْمَقْذُوفُ مُطِيقًا كَمَا تَقَدَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَاصِلُ أَنَّ شُرُوطَ إقَامَةِ الْحَدِّ بِالْقَذْفِ تِسْعَةٌ: اثْنَانِ فِي الْقَاذِفِ، وَهُمَا الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ، وَأَحَدُ أَمْرَيْنِ فِي الْمَقْذُوفِ بِهِ وَهُمَا نَفْيُ النَّسَبِ وَالزِّنَى، وَسِتَّةٌ فِي الْمَقْذُوفِ لَكِنْ إنْ كَانَ بِنَفْيِ النَّسَبِ اُشْتُرِطَ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ فَقَطْ، وَيُزَادُ عَلَيْهِمَا فِي الْقَذْفِ بِالزِّنَا أَرْبَعَةٌ الْبُلُوغُ فِي الذَّكَرِ الْفَاعِلِ وَالْإِطَاقَةُ فِي الْأُنْثَى وَالذَّكَرِ الْمَفْعُولِ بِهِ وَالْعَقْلُ وَالْعِفَّةُ وَالْآلَةُ. قَوْلُهُ: [فَعَلَيْهِ] : مُفَرَّعٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فَحَدُّهُ بِقَيْدِ زِيَادَةِ الْفَرْجِ فَعَلَيْهِ إلَخْ. قَوْلُهُ: [لَا حَدَّ عَلَيْهِ بَلْ الْأَدَبُ] : أَيْ لِأَنَّ الْعِفَّةَ تَكُونُ فِي الْفَرْجِ وَغَيْرِهِ كَالْمَطْعَمِ وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ: [تَدُلُّ عَلَيْهِ] : أَيْ عَلَى الْفَرْجِ. قَوْلُهُ: [وَكَقَحْبَةٍ] : الْقَحْبُ فِي الْأَصْلِ فَسَادُ الْجَوْفِ أَوْ السُّعَالُ أُطْلِقَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى الزَّانِيَةِ لِأَنَّهَا تَرْمِزْ لِأَصْحَابِهَا بِالْقَحْبِ الَّذِي هُوَ السُّعَالُ. قَوْلُهُ: [وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ نَحْوَ فَاجِرَةٍ] إلَخْ: أَيْ يُحَدُّ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ إذَا قَالَهَا لِامْرَأَةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ زَوْجَةً لَهُ أَوْ أَجْنَبِيَّةً مِنْهُ، وَكَذَا إذَا قَالَهَا لِأَمْرَدَ، وَأَمَّا إنْ قَالَ ذَلِكَ لِرَجُلٍ كَبِيرٍ نُظِرَ لِلْقَرَائِنِ فَإِنْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ رَمْيُهُ بِالِابْنَةِ حُدَّ وَإِلَّا فَلَا هَذَا مَا اسْتَحْسَنَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [لَكِنَّ الْعُرْفَ الْآنَ] إلَخْ: أَيْ فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ تَدُورُ مَعَ الْعُرْفِ. قَوْلُهُ: [وَعِلْقٍ] : هُوَ فِي الْأَصْلُ الشَّيْءُ النَّفِيسُ وَاشْتَهَرَ الْآنَ فِي الْقَذْفِ بِالْمَفْعُولِيَّةِ فَفِيهِ الْحَدُّ، وَلَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَذْفًا. قَوْلُهُ: [حَيْثُ كَانَ الْمَقْذُوفُ مُطِيقًا] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا.

[كرر القذف مرارا]

(بِجَلْدِ) مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْقَذْفُ (ثَمَانِينَ جَلْدَةً) لِنَصِّ الْقُرْآنِ. (وَالرَّقِيقُ) : ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَلَوْ بِشَائِنَةٍ وَالْعِبْرَةُ بِحَالِ الْقَذْفِ، وَلَوْ تَحَرَّرَ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ (نِصْفُهَا) : أَيْ نِصْفُ الثَّمَانِينَ. (وَإِنْ كَرَّرَ) الْقَذْفَ مِرَارًا (لِوَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ) قَالَ لَهُمْ: يَا زُنَاةُ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْجَلْدُ بِتَكَرُّرِ الْقَذْفِ وَلَا يَتَعَدَّدُ الْمَقْذُوفُ (إلَّا) أَنْ يُكَرِّرَ الْقَذْفَ (بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ الْحَدِّ، فَإِنَّهُ يُعَادُ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يُصَرِّحْ، بِأَنْ قَالَ بَعْدَ الْحَدِّ: مَا كَذَبْت أَوْ: لَقَدْ صَدَقْت فِيمَا قُلْت. (وَإِنْ قَذَفَ) شَخْصًا كَانَ هُوَ الْمَقْذُوفَ الْأَوَّلَ أَوْ غَيْرَهُ (فِي أَثْنَائِهِ) : أَيْ الْحَدِّ أُلْغِيَ مَا مَضَى وَ (اُبْتُدِئَ لَهُمَا) : أَيْ لِلْقَذْفَيْنِ حَدٌّ وَاحِدٌ. (إلَّا أَنْ يَبْقَى) مِنْ الْأَوَّلِ (الْيَسِيرُ) مَا دُونَ النِّصْفِ أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَدُونَ (فَيُكَمَّلُ الْأَوَّلُ) ثُمَّ يُسْتَأْنَفُ لِلثَّانِي الْحَدُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِجَلْدِ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْقَذْفُ] : جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ قَصَدَ بِهَا بَيَانَ عَدَدِ الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ وَمَنْ الَّتِي قَدَّرَهَا الشَّارِحُ نَائِبُ فَاعِلِ يُجْلَدُ. قَوْلُهُ: [لِنَصِّ الْقُرْآنِ] : أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] الْآيَةَ وَالْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ الْحَرَائِرُ الْعَفِيفَاتُ وَإِنْ لَمْ يَتَزَوَّجْنَ. فَإِنْ قُلْت: إنَّ الدَّلِيلَ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى لِأَنَّهَا فِي شَأْنِ مَنْ يَرْمِي النِّسَاءَ وَالْمُدَّعَى عَامٌّ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. أُجِيبُ بِأَنَّ الرِّجَالَ مَقِيسُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِالْمُسَاوَاةِ. قَوْلُهُ: [وَالْعِبْرَةُ بِحَالِ الْقَذْفِ] : أَيْ الْعِبْرَةُ بِكَوْنِهِ رَقِيقًا فِي حَالِ الْقَذْفِ. قَوْلُهُ: [نِصْفُهَا] : أَيْ لِأَنَّ جَمِيعَ حُدُودِ الْأَحْرَارِ تَتَشَطَّرُ بِالرِّقِّ. [كَرَّرَ القذف مِرَارًا] قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَرَّرَ الْقَذْفَ] إلَخْ: أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَذْفُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِكَلِمَاتٍ، ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَوْ قَذَفَ قَذْفَيْنِ لِوَاحِدٍ فَحُدَّ وَاحِدٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَمُقَابِلُهُ يُحَدُّ بِعَدَدِ مَا قَذَفَ وَسَوَاءٌ كَانَ بِكَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ (اهـ بْن) . قَوْلُهُ: [أَوْ جَمَاعَةٍ] : أَيْ أَوْ كَانَ الْقَذْفُ لِجَمَاعَةٍ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى وَاحِدٍ وَسَوَاءٌ قَذَفَهُمْ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ بِكَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَذَفَ جَمَاعَةً فِي مَجْلِسٍ أَوْ مُتَفَرِّقِينَ فِي مَجَالِسَ شَتَّى فَعَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ فَإِنْ قَامَ بِهِ أَحَدُهُمْ

(وَأُدِّبَ فِي: فَاجِرٍ) حَيْثُ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الزِّنَا، فَلَا يُعَارِضُ مَا تَقَدَّمَ فِي: " كَقَحْبَةٍ " (وَحِمَارٍ وَابْنِ النَّصْرَانِيِّ أَوْ ابْنِ الْكَلْبِ) أَوْ الْيَهُودِيِّ، أَوْ الْكَافِرِ؛ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ لِارْتِكَابِهِ الْقَوْلَ الْمُحَرَّمَ الَّذِي لَمْ يَدُلَّ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّهُ نَفْيُ نَسَبٍ وَلَا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَيْهِ. (وَأَنَا عَفِيفٌ) بِدُونِ زِيَادَةِ لَفْظِ الْفَرْجِ، وَلَا قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ قَالَ) رَجُلٌ (لِامْرَأَةٍ) : لَيْسَتْ زَوْجَتَهُ: (زَنَيْت، فَقَالَتْ) فِي جَوَابِهِ: (بِك، حُدَّتْ لِلْقَذْفِ) ؛ لِأَنَّهَا قَذَفَتْهُ فِي قَوْلِهَا: " بِك " (وَالزِّنَا) : أَيْ: وَتُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا لِتَصْدِيقِهَا لَهُ؛ فَهُوَ إقْرَارٌ مِنْهَا مَا لَمْ تَرْجِعْ. (وَلَهُ الْقِيَامُ بِهِ، وَإِنْ عَلِمَهُ مِنْ نَفْسِهِ) : أَيْ لِلْمَقْذُوفِ الْقِيَامُ بِحَدِّ قَاذِفِهِ، وَإِنْ عَلِمَ الْمَقْذُوفُ أَنَّ مَا رُمِيَ بِهِ مُتَّصِفٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ عِرْضَهُ. وَلَيْسَ لِلْقَاذِفِ تَحْلِيفُ الْمَقْذُوفِ عَلَى أَنَّهُ بَرِيءَ مِمَّا رَمَاهُ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَضُرِبَ لَهُ كَانَ ذَلِكَ الضَّرْبُ لِكُلِّ قَذْفٍ كَانَ عَلَيْهِ وَلَا حَدَّ لِمَنْ قَامَ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [حَيْثُ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ] : أَيْ وَلَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [مَا لَمْ تَرْجِعْ] : أَيْ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا فَلَا تُحَدَّ لَهُ وَتُحَدُّ لِقَذْفِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَنَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ لَهُ بِك زَنَيْت فَقَالَ مَالِكٌ: تُحَدُّ لِلرَّجُلِ وَلِلزِّنَا، وَلَا يُحَدُّ لِأَنَّهَا صَدَّقَتْهُ إلَّا أَنْ تَرْجِعَ عَنْ قَوْلِهَا فَتُحَدُّ لِلرَّجُلِ فَقَطْ، وَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ رَجَعَتْ وَقَالَتْ: مَا قُلْت ذَلِكَ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْمُجَاوَبَةِ وَلَمْ أُرِدْ قَذْفًا وَلَا إقْرَارًا فَلَا تُحَدُّ وَيُحَدُّ الرَّجُلُ (اهـ) هَكَذَا فِي بْن وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: يَا زَانِي فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي لَمْ يُحَدُّ الْقَائِلُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ قَذَفَ غَيْرَ عَفِيفٍ وَحُدَّ الثَّانِي لِلزِّنَا وَالْقَذْفِ، فَإِنْ قَالَ لَهُ: يَا مُعَرَّصُ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ أَعَرْصُ مِنِّي حُدَّ الْأَوَّلُ لَزَوْجَةِ الْآخَرِ وَأُدِّبَ لَهُ، وَحُدَّ الثَّانِي لِزَوْجَتِهِ وَلِزَوْجَةِ الْأَوَّلِ حَدًّا وَاحِدًا، وَأُدِّبَ لَهُ، هَذَا إذَا لَمْ يُلَاعِنْ الثَّانِي لِزَوْجَتِهِ، فَإِنْ لَاعَنَ لَهَا حُدَّ لَزَوْجَةِ الْأَوَّلِ إنْ قَامَتْ بِهِ بَعْدَ أَنْ لَاعَنَ زَوْجَتَهُ، فَإِنْ قَامَتْ بِهِ قَبْلُ فَحَدُّهُ لَهَا حَدٌّ لِزَوْجَتِهِ ذَكَرَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ عَلِمَهُ مِنْ نَفْسِهِ] : أَيْ وَلَوْ عَلِمَ بِأَنَّ الْقَاذِفَ رَآهُ يَزْنِي لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالسِّتْرِ عَلَى نَفْسِهِ لِخَبَرِ: «مَنْ أَتَى مِنْكُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ فَلْيَسْتَتِرْ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَةَ وَجْهِهِ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ» ، وَلِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي

[العفو عن القاذف]

(كَوَارِثِهِ) وَلَوْ قَامَ بِهِ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ فَلَهُ الْقِيَامُ بِحَقِّ مُورِثِهِ الْمَقْذُوفِ قَبْلَ الْمَوْتِ، بَلْ (وَإِنْ قَذَفَ بَعْدَ الْمَوْتِ) لِأَنَّ الْمَعَرَّةَ تَلْحَقُ الْوَارِثَ بِقَذْفِ مُورِثِهِ. وَلَهُ أَنْ لَا يَقُومَ بِهِ بَلْ يَعْفُوَ مَا لَمْ يُوصِ الْمَيِّتُ بِالْحَدِّ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ عَفْوٌ. (وَلِلْأَبْعَدِ) : مِنْ الْوَرَثَةِ - كَابْنِ الِابْنِ - الْقِيَامُ بِطَلَبِ حَقِّ مُورِثِهِ مِنْ الْحَدِّ فَيُقَدَّمُ ابْنٌ فَابْنُهُ إلَخْ إنْ سَكَتَ إلَخْ (مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ) كَالِابْنِ حَيْثُ سَكَتَ وَلَا كَلَامَ لِلزَّوْجَيْنِ. (وَلَهُ) لِلْمَقْذُوفِ (الْعَفْوُ) عَنْ قَاذِفِهِ (إنْ لَمْ يَطَّلِعْ الْإِمَامُ) أَوْ نَائِبُهُ، وَلَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ بَعْدَ عِلْمِ مَنْ ذَكَرَ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ) الْمَقْذُوفُ (السِّتْرَ) : عَلَى نَفْسِهِ مِنْ كَثْرَةِ اللَّغَطِ فِيهِ. (وَلَيْسَ لَهُ) : أَيْ لِمَنْ قَذَفَهُ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ تَصْرِيحًا (حَدُّ وَالِدَيْهِ) عَلَى الرَّاجِحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَاطِنِ غَيْرُ عَفِيفٍ فَهُوَ عَفِيفٌ فِي الظَّاهِرِ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ (اهـ عب) . قَوْلُهُ: [كَوَارِثِهِ] : مِثْلُهُ وَصِيُّ الْمَيِّتِ الْمَقْذُوفِ الَّذِي أَوْصَاهُ بِالْقِيَامِ بِاسْتِيفَاءِ الْحَدِّ كَمَا فِي الشَّامِلِ. قَوْلُهُ: [فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ عَفْوٌ] : أَيْ بَلْ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ تَنْفِيذُهُ. قَوْلُهُ: [حَيْثُ سَكَتَ] : هَذَا التَّقْيِيدُ لِأَشْهَبَ وَالْمُنَاسِبُ بَقَاءُ الْمَتْنِ عَلَى إطْلَاقِهِ مِنْ أَنَّ لِلْأَبْعَدِ الْقِيَامَ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ، وَإِنْ لَمْ يَسْكُتْ الْأَقْرَبُ لِأَنَّ الْمَعَرَّةَ تَلْحَقُ الْجَمِيعَ. قَوْلُهُ: [وَلَا كَلَامَ لِلزَّوْجَيْنِ] : أَيْ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ وَلِيًّا لِلْآخَرِ مَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَوْصَاهُ الْآخَرُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ كَمَا تَقَدَّمَ. [الْعَفْوُ عَنْ الْقَاذِفِ] قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمَقْذُوفُ السِّتْرَ عَلَى نَفْسِهِ] : أَيْ كَأَنْ يَخْشَى أَنَّهُ إنْ ظَهَرَ ذَلِكَ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِمَا رَمَاهُ بِهِ أَوْ يُقَالُ لِمَ حُدَّ فُلَانٌ؟ فَيُقَالُ لِقَذْفِهِ فُلَانًا فَيَشْتَهِرُ الْأَمْرُ وَرُبَّمَا يُسَاءُ بِالْمَقْذُوفِ الظَّنُّ لِقَوْلِهِمْ مَنْ يُسْمَعْ يُخَلُّ وَلِقَوْلِ الشَّارِحِ: قَدْ قِيلَ مَا قِيلَ إنْ صِدْقًا وَإِنْ كَذِبًا ... فَمَا اعْتِذَارُك مِنْ قَوْلٍ إذَا قِيلَا فَيَئُولُ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ أَشْنَعُ مِنْ قَذْفِهِ لَهُ. قَوْلُهُ: [أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ] : مُرَادُهُ الْأَبُ وَإِنْ عَلَا وَالْأُمُّ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: [عَلَى الرَّاجِحِ] : أَيْ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ لَهُ حَدُّهُمَا فِي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّصْرِيحِ وَيُحْكَمُ بِفِسْقِهِ، وَأَمَّا فِي التَّعْرِيضِ فَلَا يُحَدُّ الْأَبَوَانِ اتِّفَاقًا وَاسْتَشْكَلَ تَفْسِيقَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ حَدِّهِ لَهُمَا لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ حَرَامًا. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِتَفْسِيقِهِ عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَتِهِ وَهَذَا يَحْصُلُ بِارْتِكَابِ مُبَاحٍ يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ كَأَكْلٍ فِي سُوقٍ لِغَيْرِ غَرِيبٍ.

[باب في أحكام السرقة وتعريفها]

بَابٌ ذَكَرَ فِيهِ أَحْكَامَ السَّرِقَةِ وَتَعْرِيفَهَا فَقَالَ: (السَّرِقَةُ) : الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْقَطْعُ (أَخْذُ مُكَلَّفٍ) : مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ. (نِصَابًا) مَفْعُولُ الْمَصْدَرِ، وَسَيُبَيِّنُهُ بِقَوْلِهِ: " وَالنِّصَابُ " إلَخْ (فَأَكْثَرَ) مِنْ نِصَابٍ. (مِنْ مَالٍ مُحْتَرَمٍ لِغَيْرِهِ) : سَيَذْكُرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُحْتَرَزَاتِ مُوَضَّحَةً، وَيَدْخُلُ فِي الْمُحْتَرَمِ: مَالُ الْحَرْبِيِّ الَّذِي دَخَلَ بِأَمَانٍ، فَيُقْطَعُ سَارِقُهُ. (بِلَا شُبْهَةٍ قَوِيَتْ) لِلسَّارِقِ. وَلَيْسَ مِنْ الشُّبْهَةِ السَّرِقَةُ مِنْ سَارِقٍ، بَلْ الشُّبْهَةُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحْتَرَزَاتِ. فَمَنْ سَرَقَ نِصَابًا ثُمَّ سَرَقَهُ مِنْهُ آخَرُ فَإِنَّهُمَا يُقْطَعَانِ. (خُفْيَةً؛ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ حِرْزٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ) : أَيْ فِي دُخُولِهِ. وَهَذَا إذَا خَرَجَ السَّارِقُ بِالنِّصَابِ بَلْ. (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ هُوَ) : فَالْمَدَارُ عَلَى إخْرَاجِ النِّصَابِ دَخَلَ السَّارِقُ الْحِرْزَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي أَحْكَامَ السَّرِقَةِ وَتَعْرِيفَهَا] بَابٌ: ذَكَرَ فِيهِ أَحْكَامَ السَّرِقَةِ إلَخْ. هِيَ بِفَتْحِ السِّينِ مَعَ كَسْرِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا يُقَالُ سَرَقَ بِفَتْحِ الرَّاءِ يَسْرِقُ بِكَسْرِهَا سَرَقًا بِسُكُونِ الرَّاءِ وَسَرِقَةً بِكَسْرِهَا وَفَتْحِ الْقَافِ فَهُوَ سَارِقٌ وَالشَّيْءُ مَسْرُوقٌ وَصَاحِبُهُ مَسْرُوقٌ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [أَخْذُ مُكَلَّفٍ] : أَيْ بَالِغٍ عَاقِلٍ وَهُوَ تَعْرِيفٌ لَهَا بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ، وَلَوْ عَرَّفَهَا بِالْمَعْنَى الِاسْمِيِّ لَقَالَ نِصَابٌ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَالِ إلَخْ أَوْ صَبِيٍّ إلَخْ. قَوْلُهُ: [فَيُقْطَعُ سَارِقُهُ] : أَيْ إنْ اسْتَوْفَى شُرُوطَ الْقَطْعِ. قَوْلُهُ: [مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحْتَرَزَاتِ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا إنْ قَوِيَتْ الشُّبْهَةُ كَوَالِدٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ سَرَقَهُ مِنْهُ آخَرُ] : أَيْ بِأَنْ أَخْرَجَهُ الثَّانِي مِنْ حِرْزِ السَّارِقِ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ السَّارِقُ مِنْ حِرْزِ صَاحِبِهِ.

[حد السرقة]

أَمْ لَا، خَرَجَ - إذَا دَخَلَ - أَمْ لَا. (بِقَصْدٍ وَاحِدٍ) شَمِلَ مَا إذَا سَرَقَ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ وَكَرَّرَ الْأَخْذَ بِقَصْدٍ وَاحِدٍ حَتَّى كَمَّلَ النِّصَابَ، فَيُقْطَعُ كَمَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ. (أَوْ حُرًّا) عَطْفٌ عَلَى " نِصَابًا " أَخْرَجَهُ مِنْ بَيْتِهِ إنْ كَانَ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْبَلَدِ، إنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الْبَيْتِ، أَوْ سَرَقَهُ مِنْ كَبِيرٍ حَافِظٍ لَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (لَا يُمَيِّزُ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ) . (فَتُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى) : مِنْ الْكُوعِ، لِمَا بَيَّنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عُمُومِ الْآيَةِ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ أَعْسَرَ، لَكِنَّ الَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ وَالْحَطَّاب وَالْأُجْهُورِيِّ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَمْ لَا] : أَيْ أَمْ لَمْ يَدْخُلْ كَمَا إذَا أَخْرَجَهُ بِعَصًا وَهُوَ خَارِجُ الْحِرْزِ. قَوْلُهُ: [خَرَجَ إذَا دَخَلَ أَمْ لَا] : أَيْ أَمْ لَمْ يَخْرُجْ كَمَا إذَا رَمَى لِغَيْرِهِ وَأَمْسَكَ وَهُوَ دَاخِلُ الْحِرْزِ. قَوْلُهُ: [وَكَرَّرَ الْأَخْذَ بِقَصْدٍ وَاحِدٍ] : أَيْ إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقٍ وَصَارَ يَأْخُذُ نِصْفًا بَعْدَ نِصْفٍ حَتَّى كَمَّلَ النِّصَابَ، فَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ تَكْمِيلَ النِّصَابِ قُطِعَ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا الْقَصْدُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ حُرًّا] : أَيْ حَيًّا بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَقَدْ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ: نِصَابًا لِأَنَّهُ مَالٌ فَيُنْظَرُ لَقِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَسْرُوقِ، فَإِنْ كَانَتْ قَدْرَ النِّصَابِ قُطِعَ وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا الْحُرُّ فَيُقْطَعُ سَارِقُهُ وَلَا يُنْظَرُ لَقِيمَتِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ مِنْ الْبَلَدِ] إلَخْ: مَحِلُّهُ إنْ كَانَ يَمْشِي فِي جَمِيعِهَا عَادَةً، فَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ كَبِيرًا وَشَأْنُهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ نَاحِيَةٍ مَخْصُوصَةٍ فَإِخْرَاجُهُ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ لِجِهَةٍ أُخْرَى يُعَدُّ سَرِقَةً. قَوْلُهُ: [وَسَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى] : تَعْمِيمٌ فِي الْحُرِّ الْمَسْرُوقِ. [حَدّ السَّرِقَة] قَوْلُهُ: [فَتُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى] : الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ السَّارِقِ لِلنِّصَابِ أَوْ الْحُرِّ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمُكَلَّفُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. قَوْلُهُ: [مِنْ عُمُومِ الْآيَةِ] : أَيْ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] فَالْآيَةُ شَامِلَةٌ لِلْيُمْنَى وَالْيُسْرَى مِنْ الْكُوعِ أَوْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [لَكِنَّ الَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ] : اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ أَعْسَرَ، وَمَا حَكَاهُ

يُبْدَأُ بِقَطْعِ يَدِهِ الْيُسْرَى. (إلَّا لِشَلَلٍ) : بِالْيُمْنَى أَوْ قَطْعٍ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ قِصَاصٍ سَابِقٍ. (أَوْ نَقْصِ أَكْثَرِ الْأَصَابِعِ) مِنْ الْيَمِينِ كَثَلَاثَةٍ (فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى) : أَيْ فَيَنْتَقِلُ الْحُكْمُ لِقَطْعِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَتَكُونُ ثَانِيَةَ الْمَرَاتِبِ. وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. ثُمَّ إنْ سَرَقَ بَعْدَ قَطْعِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى: (فَيَدُهُ) الْيُسْرَى تُقْطَعُ ثُمَّ إنْ سَرَقَ (فَرِجْلُهُ) الْيُمْنَى. (ثُمَّ) إنْ سَرَقَ سَالِمُ الْأَعْضَاءِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ أَوْ سَرَقَ الْأَشَلُّ مَرَّةً رَابِعَةً (عُزِّرَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْمَجْمُوعِ وَ (ح) وَالْأُجْهُورِيِّ أَصْلُهُ لِلَّخْمِيِّ، وَكَتَبَ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ شَيْخِهِ سَيِّدِي مُحَمَّدٍ الزَّرْقَانِيِّ أَنَّ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ هُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى أَعْسَرَ لَا يَتَصَرَّفُ بِالْيَمِينِ إلَّا نَادِرًا بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي فِي الشَّارِحِ، وَأَمَّا الْأَضْبَطُ فَتُقْطَعُ يُمْنَاهُ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [إلَّا لِشَلَلٍ بِالْيُمْنَى] : أَيْ لِفَسَادٍ فِيهَا وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الشَّلَلُ بَيِّنًا أَمَّا إذَا كَانَ خَفِيفًا فَلَا يَمْنَعُ الْقَطْعَ قَالَهُ ح. قَوْلُهُ: [أَوْ قَطْعٌ بِسَمَاوِيٍّ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا لَوْ قُطِعَتْ بِسَرِقَةٍ سَابِقَةٍ فَإِنَّهَا تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى اتِّفَاقًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى بِهَا شَلَلٌ أَوْ قَطْعٌ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ قِصَاصٌ أَوْ نَقْصٌ لِأَكْثَرِ الْأَصَابِعِ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى لَا يَدُهُ الْيُسْرَى، وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى قُطِعَتْ بِسَرِقَةٍ سَابِقَةٍ قُطِعَتْ رِجْلُهُ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [وَتَكُونُ ثَانِيَةَ الْمَرَاتِبِ] : أَيْ بِأَنْ يَنْزِلَ مَنْزِلَةَ مَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى لِسَرِقَةٍ ثُمَّ عَادَ لِلسَّرِقَةِ. قَوْلُهُ: [بَعْدَ الرَّابِعَةِ] : أَيْ الَّتِي قُطِعَتْ فِيهَا رِجْلُهُ الْيُمْنَى وَصَارَ مَقْطُوعَ الْأَطْرَافِ الْأَرْبَعَةِ، فَقَوْلُهُ سَالِمُ الْأَعْضَاءِ أَيْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ. قَوْلُهُ: [أَوْ سَرَقَ الْأَشَلُّ مَرَّةً رَابِعَةً] : أَيْ بَعْدَ قَطْعِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى أَيْ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَشَلُّ الْيَدِ الْيُمْنَى كَمَا هُوَ مَوْضُوعُ الْكَلَامِ السَّابِقِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَشَلَّ الْيَدِ الْيُمْنَى إذَا سَرَقَ أَوَّلًا تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ يَدُهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ رِجْلُهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ الرَّابِعَةُ عُزِّرَ، وَأَمَّا أَشَلُّ الْيَدِ الْيُسْرَى فَتُقْطَعُ أَوَّلًا يَدُهُ الْيُمْنَى ثُمَّ رِجْلُهُ الْيُسْرَى ثُمَّ رِجْلُهُ الْيُمْنَى فَفِي الرَّابِعَةِ

[النصاب في السرقة]

بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ (وَحُبِسَ) إلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ، وَلَا يُقْتَلُ عَلَى الْمَشْهُورِ. فَلَوْ تَعَمَّدَ الْإِمَامُ قَطْعَ يُسْرَاهُ أَوَّلًا بِدُونِ عُذْرٍ أَجْزَأَ عَلَى الرَّاجِحِ خِلَافًا لِمَا فِي الْأَصْلِ. (وَالنِّصَابُ) الْمُتَقَدِّمُ الَّذِي يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ (رُبْعُ دِينَارٍ) شَرْعِيٍّ (أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ) شَرْعِيَّةٍ (خَالِصَةٍ) مِنْ الْغِشِّ، أَوْ نَاقِصَةٍ رَاجَتْ كَالْكَامِلَةِ، أَوْ مُجْمَعٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا مَعَ عَرَضٍ. (أَوْ مَا يُسَاوِيهَا) : مِنْ الْعَرَضِ وَالْحَيَوَانِ، رَقِيقًا أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ تَعَدَّدَ مَالِكُ النِّصَابِ، فَمَتَى سَرَقَ مَا قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ قُطِعَ، فَإِنْ لَمْ يُسَاوِهَا وَلَوْ سَاوَى رُبْعَ دِينَارٍ لَا يُقْطَعُ، إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ فِي الْبَلَدِ، إلَّا الذَّهَبُ. وَالْمُسَاوَاةُ مُعْتَبَرَةٌ (بِالْبَلَدِ) الَّذِي بِهِ السَّرِقَةُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْبَلَدِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ قَوَّمَهُ بِالدَّرَاهِمِ بِالنَّظَرِ لِأَقْرَبِ بَلَدٍ يُوجَدُ فِيهَا دَرَاهِمُ إلَخْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَحْصُلُ التَّعْزِيرُ أَيْضًا فَقَوْلُهُ الْأَشَلُّ صَادِقٌ بِأَشَلِّ الْيُسْرَى أَيْضًا بَلْ وَبِأَحَدِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ. قَوْلُهُ: [وَحُبِسَ] : أَيْ وَأُجْرَةُ الْحَبْسِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ كَنَفَقَتِهِ وَإِلَّا فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ إنْ وَجَدُوا وَإِلَّا فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ. قَوْلُهُ: [فَلَوْ تَعَمَّدَ الْإِمَامُ] : لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ مَأْمُورُهُ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَلَا يُجْزِي وَالْحَدُّ بَاقٍ وَيَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ. [النِّصَابُ فِي السَّرِقَةِ] قَوْلُهُ: [رُبْعَ دِينَارٍ شَرْعِيٍّ] : أَيْ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْمِصْرِيِّ وَالرُّبْعُ بِالْوَزْنِ لَا بِالْقِيمَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ شَرْعِيَّةٍ] : أَيْ كَامِلَةٍ وَلَوْ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَوَازِينِ فَإِنْ نَقَصَتْ بِاتِّفَاقِ الْمَوَازِينِ لَمْ يُقْطَعْ إنْ كَانَ التَّعَامُلُ بِهَا وَزْنًا فَإِنْ كَانَ التَّعَامُلُ بِالْعَدَدِ فَإِنْ لَمْ يَرُجْ كَالْكَامِلِ لَمْ يُقْطَعْ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ النَّقْصُ لِاخْتِلَافِ الْمَوَازِينِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الدِّرْهَمَ الشَّرْعِيَّ خَمْسُونَ وَخُمْسَا حَبَّةٍ مِنْ مُطْلَقِ الشَّعِيرِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ تَعَدَّدَ مَالِكُ النِّصَابِ] : أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْمَالِكِ لَهُ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يُوجَدَ فِي الْبَلَدِ إلَّا الذَّهَبُ] : أَيْ وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِهِ. قَوْلُهُ: [بِالنَّظَرِ لِأَقْرَبِ بَلَدٍ] : أَيْ كَمَا قَالَ عَبْدِ الْحَقِّ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ شُيُوخِ صِقِلِّيَةَ وَصَوَّبَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَكْفِي فِي التَّقْوِيمِ وَاحِدٌ إنْ كَانَ مُوَجَّهًا مِنْ طَرَفِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ

وَالْمُعْتَبَرُ قِيمَةُ الشَّيْءِ وَقْتَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ. وَالْعِبْرَةُ بِالتَّقْوِيمِ شَرْعًا بِأَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ شَرْعِيَّةً (وَإِنْ) كَانَ الْمَسْرُوقُ مُحَقَّرًا. (كَمَاءٍ) أَوْ حَطَبٍ أَوْ تِبْنٍ مِمَّا أَصْلُهُ مُبَاحٌ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي عَدَمِ الْقَطْعِ فِي الْمُبَاحِ الْأَصْلِ الْمَمْلُوكِ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فَاكِهَةً رَطْبَةً خِلَافًا لَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْجَمِيعِ (أَوْ جَارِحٍ) : يُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ (لِتَعْلِيمِهِ) الصَّيْدَ؛ لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَلَمْ يَنْهَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِهِ. (أَوْ سَبُعٍ لِجِلْدِهِ بَعْدَ ذَبْحِهِ) : أَيْ لِكَوْنِ جِلْدِهِ يُسَاوِي بَعْدَ ذَبْحِهِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ. وَلَا يُرَاعَى قِيمَةُ لَحْمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ لَحْمَهُ وَحْدَهُ لَا يُقْطَعُ وَلَوْ سَاوَى نِصَابًا (أَوْ جِلْدِ مَيْتَةٍ) وَلَوْ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ فَمَنْ سَرَقَهُ بَعْدَ الدَّبْغِ فَيُقْطَعُ (إنْ زَادَهُ الدَّبْغُ) : عَلَى قِيمَةِ أَصْلِهِ (نِصَابًا) : كَمَا لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ الدَّبْغِ دِرْهَمَيْنِ عَلَى تَقْدِيرِ جَوَازِ بَيْعِهِ وَبَعْدَ الدَّبْغِ خَمْسَةً، فَيُقْطَعُ سَارِقُهُ لَا أَقَلَّ. أَوْ سَرَقَهُ قَبْلَ الدَّبْغِ وَلَوْ عَلَى فَرْضِ أَنَّ قِيمَتَهُ نِصَابٌ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ بَابِ الْخَبَرِ لَا الشَّهَادَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُقَوِّمُ مُوَجَّهًا مِنْ طَرَفِ الْقَاضِي فَلَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَيُعْمَلُ بِشَهَادَتِهِمَا وَإِنْ خُولِفَا بِأَنْ قَالَ غَيْرُهُمَا لَا يُسَاوِيهَا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا يُقَالُ مُقْتَضَى دَرْءِ الْحَدِّ بِالشُّبُهَاتِ عَدَمُ الْقَطْعِ إذَا خُولِفَا لِأَنَّ النَّصَّ مُتَّبَعٌ وَلِأَنَّ الْمُثْبِتَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي. قَوْلُهُ: [خِلَافًا لَهُ] : أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَوَافَقَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَوَّلِ، وَوَافَقَنَا فِي الثَّانِي. قَوْلُهُ: [أَوْ جَارِحٌ] : أَيْ مِنْ الطَّيْرِ. وَقَوْلُهُ: [لِتَعْلِيمِهِ الصَّيْدَ] : أَيْ وَإِنْ كَانَ لَا يُسَاوِيهَا بِالنَّظَرِ لِلَحْمِهِ وَرِيشِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا قُطِعَ سَارِقُهُ إنْ سَاوَى لَحْمُهُ فَقَطْ أَوْ رِيشُهُ فَقَطْ، أَوْ لَحْمُهُ وَرِيشُهُ مَعًا نِصَابًا وَإِلَّا فَلَا وَمِثْلُ تَعْلِيمِ الْجَارِحِ الصَّيْدَ تَعْلِيمُ الطَّيْرِ حَمْلَ الْكُتُبِ لَلْبَلَدَانِ كَمَا أَفَادَهُ بْن. قَوْلُهُ: [لَا يُقْطَعُ وَلَوْ سَاوَى نِصَابًا] : أَيْ لِمَا مَرَّ مِنْ النَّظَرِ لِكَرَاهَتِهِ أَوْ مِنْ مُرَاعَاةِ الْقَوْلِ بِحُرْمَتِهِ. قَوْلُهُ: [فَمَنْ سَرَقَهُ بَعْدَ الدَّبْغِ فَيُقْطَعُ] : أَيْ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ شَرْعًا فِي الْيَابِسَاتِ وَالْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ الدَّبْغُ لَا يُطَهِّرُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَيُقْطَعُ الْمُكَلَّفُ وَحْدَهُ أَيْ وَلَوْ كَانَ

[محترزات القطع في السرقة]

(أَوْ شَارَكَهُ) : أَيْ السَّارِقُ الْمُكَلَّفُ (غَيْرُ مُكَلَّفٍ) : كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ فَيُقْطَعُ الْمُكَلَّفُ وَحْدَهُ. (لَا) إنْ شَارَكَهُ (وَالِدٌ) : لِرَبِّ الْمَالِ فَلَا قَطْعَ لِدُخُولِهِ مَعَ ذِي شُبْهَةٍ قَوِيَّةٍ وَلَوْ الْجَدَّ لِلْأُمِّ. ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزَاتِ مَا قَدَّمَهُ زِيَادَةً فِي الْإِيضَاحِ فَقَالَ: (فَلَا قَطْعَ لِغَيْرِ مُكَلَّفٍ) : دَخَلَ فِي الْغَيْرِ: مَنْ سَكِرَ بِحَلَالٍ. (وَلَا) قَطْعَ (فِي) سَرِقَةِ (أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ) حِينَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ. (وَلَا) قَطْعَ فِي سَرِقَةِ (غَيْرِ مُحْتَرَمٍ كَخَمْرٍ) : وَخِنْزِيرٍ وَلَوْ لِكَافِرٍ سَرَقَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ. نَعَمْ يَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِلذِّمِّيِّ إنْ أَتْلَفَهَا وَإِلَّا رَدَّ عَيْنَهَا لَا إنْ كَانَتْ لِمُسْلِمٍ لِوُجُوبِ إرَاقَتِهَا عَلَيْهِ. (وَ) لَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ (آلَةِ لَهْوٍ) كَطُنْبُورٍ (إلَّا أَنْ تُسَاوِيَهُ) : أَيْ النِّصَابَ (بَعْدَ) تَقْدِيرِهِ (كَسْرَهَا) (وَلَا) يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ (كَلْبًا مُطْلَقًا) : وَلَوْ مُعَلَّمًا أَوْ لِلْحِرَاسَةِ، لِأَنَّهُ نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِهِ. بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْكَلْبِ نِصَابًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ الْمَجْنُونَ أَوْ الصَّبِيَّ صَاحِبَ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ كَمَا إذَا كَانَ تَحْتَ يَدِ الْوَلِيِّ لِأَنَّ مُصَاحَبَةَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ كَالْعَدَمِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ الْجَدَّ لِلْأُمِّ] : قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِي الْجَدِّ قَوْلَانِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: اُخْتُلِفَ فِي الْأَجْدَادِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَالْأَبِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُقْطَعَ لِأَنَّهُ أَبٌ لِأَنَّهُ مِمَّنْ تَغْلُظُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَقَدْ وَرَدَ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» وَقَالَ أَشْهَبُ: يُقْطَعُونَ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُمْ فِي مَالِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَلَا نَفَقَةَ لَهُمْ عَلَيْهِمْ، وَلَا خِلَافَ فِي قَطْعِ بَاقِي الْقَرَابَاتِ (اهـ) . وَقَالَ بْن وَقَدْ تَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَدِّ مُطْلَقًا لَا فِي خُصُوصِ الْجَدِّ لِلْأُمِّ. [مُحْتَرَزَاتِ الْقَطْع فِي السَّرِقَة] قَوْلُهُ: [لَا إنْ كَانَتْ لِمُسْلِمٍ] : أَيْ فَلَا يَغْرَمُ لَهُ شَيْئًا. وَقَوْلُهُ: [لِوُجُوبِ إرَاقَتِهَا عَلَيْهِ] : عِلَّةٌ لِلنَّفْيِ. قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ تُسَاوِيَهُ] : أَيْ تِلْكَ الْآلَةُ كَالْخَشَبَةِ وَنَحْوِهَا. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ] : أَيْ فَمُرَادُهُ بِالْجَارِحِ الْمُتَقَدِّمِ

(كَأُضْحِيَّةٍ ذُبِحَتْ) : وَسُرِقَتْ وَهِيَ تُسَاوِي نِصَابًا، فَلَا يُقْطَعُ سَارِقُهَا لِخُرُوجِهَا لِلَّهِ بِالذَّبْحِ: وَكَذَلِكَ الْهَدْيُ. أَمَّا لَوْ سُرِقَتْ قَبْلَ الذَّبْحِ لَقُطِعَ سَارِقُهَا وَلَوْ نَذَرَهَا رَبُّهَا. كَمَا لَوْ سَرَقَ قَدْرَ نِصَابٍ مِنْ لَحْمِهَا أَوْ جِلْدِهَا الَّذِي مَلَكَهُ الْفَقِيرُ بِصَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ فَيُقْطَعُ. (وَلَا) قَطْعَ فِي سَرِقَةِ مَا هُوَ مُسْتَمِرٌّ (فِي مِلْكِهِ كَمَرْهُونٍ) : أَيْ كَشَيْءٍ يُسَاوِي نِصَابًا مَرْهُونًا عِنْدَ غَيْرِهِ (كَانَ مَلَكَهُ) بِنَحْوِ إرْثٍ (قَبْلَ إخْرَاجِهِ) مِنْ الْحِرْزِ ثُمَّ خَرَجَ بِهِ، فَلَا قَطْعَ بِخِلَافِ لَوْ مَلَكَهُ بَعْدَ إخْرَاجِهِ فَيُقْطَعُ. (وَلَا إنْ قَوِيَتْ الشُّبْهَةُ؛ كَوَالِدٍ) سَرَقَ نِصَابًا مِنْ مِلْكِ وَلَدِهِ، فَلَا قَطْعَ بِخِلَافِ الْعَكْسِ (وَجَدٍّ وَإِنْ لِأُمٍّ) سَرَقَ مِنْ مَالِ وَلَدِ وَلَدِهِ. (بِخِلَافِ بَيْتِ الْمَالِ) سَرَقَ مِنْهُ نِصَابًا فَيُقْطَعُ، وَمِنْهُ الشُّوَنُ. (وَالْغَنِيمَةُ) : بَعْدَ حَوْزِهَا إنْ كَثُرَ الْجَيْشُ، كَأَنْ قَلَّ وَأَخَذَ فَوْقَ حَقِّهِ نِصَابًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرُ الْكَلْبِ وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ الْقَائِلِ بِالْقَطْعِ فِي الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ. قَوْلُهُ: [وَكَذَلِكَ الْهَدْيُ] : مِثْلُهُ الْفِدْيَةُ وَانْظُرْ لَوْ سَرَقَ الْهَدْيَ بَعْدَ التَّقْلِيدِ أَوْ الْإِشْعَارِ هَلْ يُقْطَعُ سَارِقُهُ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ نَذَرَهَا رَبُّهَا] : أَيْ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِالنَّذْرِ. قَوْلُهُ: [كَمَرْهُونٍ] : مِثْلُهُ الْمُسْتَأْجَرُ وَإِنَّمَا لَمْ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ سَارِقٌ لِمِلْكِهِ، وَهَذَا فِي سَرِقَةِ الرَّاهِنِ أَوْ الْمُؤَجِّرِ، وَأَمَّا سَرِقَةُ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ مِنْ الرَّاهِنِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْهُ وَالْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْمُؤَجِّرِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْقَطْعَ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ لَوْ مَلَكَهُ بَعْدَ إخْرَاجِهِ فَيُقْطَعُ] : أَيْ لِحَقِّ اللَّهِ فِي انْتِهَاكِ الْحُرْمَةِ وَإِنْ كَانَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ. قَوْلُهُ: [كَوَالِدٍ] : أَيْ أَبًا أَوْ أُمًّا، وَإِنَّمَا لَمْ يُقْطَعْ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» . قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ بَيْتِ الْمَالِ] : أَيْ مُنْتَظِمًا أَوْ لَا. ، قَوْلُهُ: [إنْ كَثُرَ الْجَيْشُ] إلَخْ: هَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا لِابْنِ يُونُسَ

(وَ) بِخِلَافِ (مَالِ الشَّرِكَةِ إنْ حُجِبَ عَنْهُ) : بِأَنْ كَانَ عِنْدَ أَمِينٍ أَوْ كَانَ مِفْتَاحُهُ مَعَ غَيْرِهِ (وَسَرَقَ فَوْقَ حَقِّهِ) : الَّذِي يَخُصُّهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا (نِصَابًا) كَأَنْ سَرَقَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا تِسْعَةٌ، فَإِنْ كَانَ مُقَوَّمًا، فَمِمَّا سَرَقَ، لَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. (وَلَا) قَطْعَ (إنْ اخْتَلَسَ) : أَيْ أَخَذَهُ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ جَهْرًا هَارِبًا بِهِ سَوَاءٌ جَاءَ جِهَارًا أَوْ سِرًّا. (أَوْ كَابَرَ) : أَيْ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ وَأَخَذَهُ قَهْرًا؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِسَارِقٍ بَلْ غَاصِبٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQخِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ كَلَامِ خَلِيلٍ مِنْ أَنَّ السَّارِقَ مِنْ الْغَنِيمَةِ يُقْطَعُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: [وَبِخِلَافِ مَالِ الشَّرِكَةِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَسْرِقَ فَوْقَ حَقِّهِ نِصَابًا مِنْ جَمِيعِ مَالِ الشَّرِكَة مَا سُرِقَ وَمَا لَمْ يُسْرَقْ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا كَمَا إذَا كَانَ جُمْلَةُ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا اثْنَيْ عَشَرَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا سِتَّةٌ وَسَرَقَ مِنْهُ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُقَوَّمًا كَثِيَابٍ يَسْرِقُ مِنْهَا ثَوْبًا فَالْمُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا سُرِقَ نِصَابٌ فَوْقَ حَقِّهِ فِي الْمَسْرُوقِ فَقَطْ كَمَا إذَا كَانَتْ الشَّرِكَةُ فِي ثِيَابٍ جُمْلَتُهَا تُسَاوِي اثْنَيْ عَشَرَ فَسَرَقَ مِنْهَا ثَوْبًا يُسَاوِي سِتَّةً فَيُقْطَعُ، لِأَنَّ حَقَّهُ فِي نِصْفِهِ فَقَدْ سَرَقَ فَوْقَ حَقِّهِ فِي ذَلِكَ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمِثْلِيِّ وَالْمُقَوَّمِ حَيْثُ اعْتَبِرُوا فِي الْمِثْلِيِّ كَوْنَ النِّصَابِ الْمَسْرُوقِ فَوْقَ حَقِّهِ فِي جَمِيعِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ مَا سُرِقَ وَمَا لَمْ يُسْرَقْ، وَاعْتَبِرُوا فِي الْمُقَوَّمِ فَوْقَ حَقِّهِ فِيمَا سُرِقَ فَقَطْ أَنَّ الْمُقَوَّمَ لَمَّا كَانَ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ حَظِّهِ مِنْهُ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِيهِ كَانَ مَا سَرَقَهُ بَعْضُهُ حَظُّهُ وَبَعْضُهُ حَظُّ صَاحِبِهِ وَمَا بَقِيَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الْمِثْلِيُّ فَلَمَّا كَانَ لَهُ أَخْذُ حَظِّهِ مِنْهُ وَإِنْ أَبَى صَاحِبُهُ لِعَدَمِ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِيهِ غَالِبًا لَمْ يَتَعَيَّنْ أَنْ يَكُونَ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بَلْ يُقَدَّرُ لَهُ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ وَلَا يُقْطَعُ إلَّا فِي النِّصَابِ الزَّائِدِ عَنْ جَمِيعِ نَصِيبِهِ. قَوْلُهُ: [أَيْ أَخَذَهُ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ] إلَى آخِرِهِ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُخْتَلِسَ هُوَ الَّذِي يَخْطَفُ الْمَالَ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ فِي غَفْلَتِهِ وَيَذْهَبُ بِسُرْعَةٍ جَهْرَةً سَوَاءٌ كَانَ مَجِيئُهُ سِرًّا أَوْ جَهْرًا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [أَيْ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ "] : لَيْسَ، هَذَا بِلَازِمٍ، بَلْ وَلَوْ اعْتَرَفَ بِالْغَصْبِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُكَابِرَ هُوَ الْآخِذُ لِلْمَالِ مِنْ صَاحِبِهِ بِقُوَّةٍ مِنْ غَيْرِ حِرَابَةٍ سَوَاءً

[الحرز في السرقة]

(أَوْ هَرَبَ) بِالْمَسْرُوقِ (بَعْدَ أَخْذِهِ) أَيْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (فِي الْحِرْزِ) : ثُمَّ فَسَّرَ الْحِرْزَ بِقَوْلِهِ: (وَالْحِرْزُ: مَا لَا يُعَدُّ الْوَاضِعُ فِيهِ مُضَيَّعًا عُرْفًا) : وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَا يُجْعَلُ فِيهِ كَمَا يَأْتِي. وَالْمَدَارُ عَلَى إخْرَاجِ النِّصَابِ، وَلَوْ فِي جَوْفِهِ إذَا كَانَ لَا يَفْسُدُ كَمَا قَالَ: (وَلَوْ ابْتَلَعَ فِيهِ) : أَيْ فِي الْحِرْزِ (مَا لَا يَفْسُدُ) بِالِابْتِلَاعِ: كَجَوْهَرٍ قَدْرَ نِصَابٍ ثُمَّ خَرَجَ فَيُقْطَعُ، بِخِلَافِ لَوْ ابْتَلَعَ فِيهِ نَحْوَ لَحْمٍ وَعِنَبٍ يُسَاوِي نِصَابًا، فَلَا قَطْعَ. بَلْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ. كَمَا لَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا فِي الْحِرْزِ بِحَرْقٍ أَوْ كَسْرٍ. (أَوْ) كَانَ السَّارِقُ خَارِجَ الْحِرْزِ وَ (أَشَارَ إلَى حَيَوَانٍ بِكَعَلَفٍ فَخَرَجَ) مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ فَيُقْطَعُ. (كَخِبَاءٍ) : الْخَيْمَةُ الْمَنْصُوبَةُ فِي سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ، كَانَ فِيهِ أَهْلُهُ أَمْ لَا. فَإِنَّهُ حِرْزٌ لِمَا فِيهِ، وَحِرْزٌ لِنَفْسِهِ أَيْضًا. فَإِذَا أَخَذَ شَيْئًا مِنْهَا أَوْ أَخَذَهَا وَكَانَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ أَوْ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ غَاصِبٌ. قَوْلُهُ: [أَيْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فِي الْحِرْزِ] : أَيْ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ أَمْسَكَ فِي دَاخِلِ الْحِرْزِ بِالْمَالِ وَقَدَرَ عَلَيْهِ فِيهِ هَرَبَ مِنْهُمْ بِالْمَالِ الْمَسْرُوقِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ هُرُوبُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ اخْتِلَاسًا عَلَى مَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ خِلَافًا لِأَصْبَغَ الْقَائِلِ بِالْقَطْعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ سَرِقَةٌ وَهُنَاكَ قَوْلٌ ثَالِثٌ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ أَنَّ السَّارِقَ إنْ رَأَى رَبَّ الْمَالِ خَرَجَ لِيَأْتِيَ لَهُ بِالشُّهُودِ فَأَخَذَ الْمَالَ وَهَرَبَ كَانَ مُخْتَلِسًا لَا يُقْطَعُ وَإِنْ هَرَبَ بِالْمَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَى رَبَّ الْمَالِ خَرَجَ لِيَأْتِيَ بِالشُّهُودِ فَهُوَ سَارِقٌ يَجِبُ قَطْعُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ أَفَادَهُ بْن. [الْحِرْزُ فِي السَّرِقَة] قَوْلُهُ: [مَا لَا يُعَدُّ الْوَاضِعُ] إلَخْ: أَيْ هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي لَوْ وُضِعَ فِيهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ قَصْدًا لَا يُقَالُ إنَّ صَاحِبَهُ عَرَّضَهُ لِلضَّيَاعِ فَيُقْطَعُ السَّارِقُ الْمُخْرِجُ لَهُ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهُ وَضَعَ ذَلِكَ الشَّيْءَ قَصْدًا أَمْ لَا كَمَا أَفَادَهُ بْن. قَوْلُهُ: [وَالْمَدَارُ عَلَى إخْرَاجِ النِّصَابِ] أَيْ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ السَّارِقُ مِنْ الْحِرْزِ. قَوْلُهُ: [فِي الْحِرْزِ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ أَخْرَجَهُ سَالِمًا وَتَلِفَ بَعْدَ الْخُرُوجِ فَيُقْطَعُ. قَوْلُهُ: [كَخِبَاءٍ] : أَدْخَلَتْ الْكَافُ كُلَّ مَحَلٍّ اُتُّخِذَ مَنْزِلًا وَتُرِكَ بِهِ مَتَاعٌ

الْمَأْخُوذُ يُسَاوِي نِصَابًا فَيُقْطَعُ. (أَوْ حَانُوتٍ) : فَإِذَا سَرَقَ مِنْهُ نِصَابًا فَيُقْطَعُ، لِأَنَّهُ حِرْزٌ لِمَا فِيهِ، مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَيْسَارِيَّةٌ تُغْلَقُ كَالشُّرُبِ وَالْجَمَلُونِ بِمِصْرَ، فَلَا قَطْعَ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الْحَانُوتِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْقَيْسَارِيَّةِ (وَفِنَائِهِمَا) : أَيْ الْخِبَاءِ وَالْحَانُوتِ فَإِنَّهُ حِرْزٌ لِمَا فِيهِ. (وَكُلُّ مَوْضِعٍ اُتُّخِذَ مَنْزِلًا) لِشَيْءٍ فَإِنَّهُ حِرْزٌ لِمَا فِيهِ وَلِنَفْسِهِ؛ كَصُنْدُوقِ الصَّيْرَفِيِّ فَمَنْ أَخْرَجَ مِنْهُ نِصَابًا فَإِنَّهُ يُقْطَعُ. (وَمَحْمَلٍ) : فَإِنَّهُ حِرْزٌ لِمَا فِيهِ وَلِنَفْسِهِ، كَانَ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَمْ لَا. لَكِنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى ظَهْرِهَا فَيُنْظَرُ لِمَا فِيهِ إنْ كَانَ الْمَحْمَلُ حِرْزًا لَهُ - كَفُرُشِهِ - أَوْ لَيْسَ حِرْزًا كَدَرَاهِمَ. (وَظَهْرِ دَابَّةٍ) : حِرْزٌ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ سُرُجٍ وَخُرْجٍ وَدَرَاهِمَ كَانَ رَبُّ الدَّابَّةِ حَاضِرًا عِنْدَهَا أَوْ غَائِبًا، إلَّا الْمُخْتَلِسَ وَالْمُكَابِرَ كَمَا تَقَدَّمَ. لَكِنَّ التَّحْقِيقَ يَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا حَافِظٌ. . (وَجَرِينٍ) : لِأَنَّهُ حِرْزٌ لِمَا فِيهِ مِنْ زَرْعٍ وَثَمَرٍ وَلَوْ بَعُدَ عَنْ الْبَلَدِ (وَسَاحَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَهَبَ صَاحِبُهُ لِحَاجَةٍ مَثَلًا قَالَ بْن وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا ضَرَبَهُ بِمَحِلٍّ لَا يُعَدُّ ضَارِبُهُ فِيهِ مُضَيِّعًا لَهُ. قَوْلُهُ: [حَتَّى يُخْرِجَ مِنْ الْقَيْسَارِيَّةِ] : لَعَلَّ هَذَا التَّقْيِيدَ مَقِيسٌ عَلَى الْإِخْرَاجِ مِنْ الْمَحِلِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إلَى مَحَلِّ الْإِذْنِ الْعَامِّ، وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ مَذْكُورٌ فِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ الْبُلَيْدِيِّ وَنَصُّهُ فَرْعٌ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ السُّوقَ الْمَجْعُولَ عَلَيْهَا قَيْسَارِيَّةٌ تُغْلَقُ بِأَبْوَابٍ وَيُحِيطُ بِهَا مَا يَمْنَعُ وَذَلِكَ كَالْجَمَلُونِ وَالشُّرُبِ وَالتَّرْبِيعَةِ بِمِصْرَ لَا يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ مِنْ حَوَانِيتِهِ لَا إذَا أَخْرَجَهُ خَارِجَ الْقَيْسَارِيَّةِ لِأَنَّهُ حِرْزٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِ مَا فِيهِ قَالَ وَهُوَ فَرْعٌ مُهِمٌّ. قَوْلُهُ: [حِرْزٌ لِمَا عَلَيْهِ] : أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَتْ سَائِرَةً أَوْ نَازِلَةً فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَمَحِلُّ الْقَطْعِ بِسَرِقَةِ مَا عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ بِحِرْزٍ مِثْلِهَا وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ حِرْزًا لِمَا عَلَيْهَا فَقَوْلُهُ لَكِنَّ التَّحْقِيقَ إلَخْ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ فِي حِرْزٍ مِثْلِهَا. قَوْلُهُ: [وَجَرِينٍ] : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِذَا جَمَعَ فِي الْجَرِينِ الْحَبَّ أَوْ التَّمْرَ

دَارٍ) فَإِنَّهُ إنْ سَرَقَ مِنْهُ غَيْرَ السَّاكِنِ فِيهَا - وَلَوْ مَلَكَ ذَاتَ الدَّارِ وَكَانَ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِإِذْنٍ - فَيُقْطَعُ، كَانَ الْمَسْرُوقُ شَأْنُهُ الْوَضْعُ فِي السَّاحَةِ كَالْأَثْقَالِ، أَوْ لَا كَثَوْبٍ. فَإِنْ كَانَ سَاكِنًا فِي الدَّارِ فَيُقْطَعُ إنْ سَرَقَ نَحْوَ الْأَثْقَالِ وَالدَّوَابِّ بِنَقْلِهِ مِنْ مَحِلِّهِ نَقْلًا بَيِّنًا وَلَوْ لَمْ يُخْرِجْهُ. لَا نَحْوَ ثَوْبٍ؛ فَإِنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتٍ فِي الدَّارِ فَأَخْرَجَهُ لِسَاحَتِهِ فَيُقْطَعُ إنْ كَانَ سَاكِنًا اتِّفَاقًا، وَعَلَى الرَّاجِحِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ السُّكَّانِ. (وَقَبْرٍ لِكَفَنٍ) شَرْعِيٍّ كَانَ الْقَبْرُ قَرِيبًا مِنْ الْبَلَدِ أَمْ لَا، كَبَحْرٍ لِغَرِيقٍ. (وَسَفِينَةٍ) : سَرَقَ مِنْ كَخُنِّهَا نِصَابًا وَلَوْ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْهَا، كَانَ مِنْ الرُّكَّابِ أَمْ لَا، بِحَضْرَةِ رَبِّهِ أَمْ لَا. كَمِنْ غَيْرِ الْخُنِّ بِحَضْرَةِ رَبِّهِ مُطْلَقًا، كَغَيْرِ حَضْرَتِهِ، وَكَانَ أَجْنَبِيًّا أُخْرِجَ مِنْهَا، لَا إنْ كَانَ مِنْ الرُّكَّابِ وَسَرَقَ مِنْ غَيْرِ نَحْوِ الْخُنِّ مَعَ غَيْرِ رَبِّهِ وَلَوْ أُخْرِجَ مِنْهَا. . (وَمَسْجِدٍ) : فَإِنَّهُ حِرْزٌ (لِنَحْوِ حُصُرِهِ) وَبُسُطِهِ، حَيْثُ كَانَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَغَابَ رَبُّهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَابٌ وَلَا غَلْقٌ وَلَا حَائِطٌ قُطِعَ مَنْ سَرَقَ مِنْهُ؛ وَفِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ الْبُلَيْدِيِّ سَرِقَةُ الْفُولِ مِنْ السَّاحِلِ مُغَطًّى بِحَصِيرٍ فِيهَا الْقَطْعُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا غَابَ عَنْهُ رَبُّهُ أَمْ لَا كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا قَطْعَ ثُمَّ قَالَ: رَاجِعْ التَّوْضِيحَ. قَوْلُهُ: [وَقَبْرٍ لِكَفَنٍ] : أَيْ فَهُوَ حِرْزٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْكَفَنِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَيِّتِ فَلَا يُقْطَعُ سَارِقُ الْمَيِّتِ نَفْسُهُ بِغَيْرِ كَفَنٍ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ شَرْعِيٍّ أَنَّ غَيْرَ الْمَأْذُونِ فِيهِ شَرْعًا لَا يَكُونُ مَا ذَكَرَ حِرْزًا لَهُ فَمَنْ سَرَقَ مِنْ كَفَنِ شَخْصٍ مَا زَادَ عَلَى الشَّرْعِيِّ لَا يَقَعُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [كَانَ الْقَبْرُ قَرِيبًا مِنْ الْبَلَدِ أَمْ لَا] : أَيْ وَسَوَاءٌ بَقِيَ الْمَيِّتُ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [كَبَحْرٍ لِغَرِيقٍ] : أَيْ إنْ بَقِيَ الْغَرِيقُ فِي الْكَفَنِ فَإِنْ أَزَالَهُ الْبَحْرُ مِنْهُ فَانْظُرْ هَلْ يَكُونُ الْبَحْرُ حِرْزًا لَهُ أَمْ لَا؟ فَقَوْلُهُ كَبَحْرٍ لِغَرِيقٍ كَلَامٌ مُجْمَلٌ مُوهِمٌ خِلَافَ الْمُرَادِ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ كَبَحْرٍ لِمَنْ رُمِيَ بِهِ مُكَفَّنًا فَالْبَحْرُ حِرْزٌ لِلْكَفَنِ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: رُمِيَ بِهِ عَنْ الْغَرِيقِ فَلَا قَطْعَ لِسَارِقٍ مَا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَسَفِينَةٍ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الصُّوَرَ سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً يُؤْخَذُ تَفْصِيلُهَا مِنْ الشَّارِحِ فَيُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ مِنْ الْخُنِّ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ فِي ثَمَانٍ وَهِيَ أَخْرَجَهُ مِنْهَا أَمْ لَا كَانَ مِنْ الرُّكَّابِ أَمْ لَا بِحَضْرَةِ رَبِّهِ أَمْ لَا، وَيُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِ

تُتْرَكُ فِيهِ فَإِنْ كَانَتْ تُفْرَشُ نَهَارًا فَقَطْ فَتُرِكَتْ لَيْلَةً فَسَرَقَ مِنْهَا فَلَا قَطْعَ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي قَطْعِ مَنْ سَرَقَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْهُ بَلْ (وَلَوْ بِإِزَالَتِهَا) عَنْ مَحِلِّهَا إزَالَةً بَيِّنَةً. وَشَمِلَ بَلَاطَهُ وَقَنَادِيلَهُ وَبَابَهُ وَسَقْفَهُ. . (وَخَانٍ) فَإِنَّهُ حِرْزٌ (لِلْأَثْقَالِ) الَّتِي فِي سَاحَتِهِ؛ كَالزِّلَعِ، فَيُقْطَعُ وَلَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا، بَلْ نَقَلَهَا إنْ كَانَتْ تُبَاعُ بِمَا فِيهَا وَكَانَ مِنْ السُّكَّانِ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِخْرَاجِ. وَمَفْهُومُ " الْأَثْقَالِ "؛ أَنَّ نَحْوَ الثَّوْبِ فِي سَاحَةِ الْخَانِ لَا يُقْطَعُ مُخْرِجُهُ. أَمَّا مِنْ بَيْتٍ فِي الْخَانِ أَخْرَجَ مَا فِيهِ لِلْحَوْشِ فَيُقْطَعُ، كَانَ مِنْ السُّكَّانِ أَمْ لَا. (وَقِطَارٍ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ آخِرُهُ رَاءٌ مُهْمَلَةٌ: وَهُوَ الْمَرْبُوطُ مِنْ نَحْوِ إبِلٍ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، فَإِذَا حَلَّ حَيَوَانًا وَبَانَ بِهِ قُطِعَ. وَشَرْطُ الْإِبَانَةِ بِهِ فِي الْبَرَاذِعِيِّ وَالْأُمَّهَاتِ فَيُعْتَبَرُ كَمَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَن وَغَيْرِ الْمَرْبُوطَةِ كَالسَّائِرَةِ إلَى الْمَرْعَى كَذَلِكَ مَتَى أَبَانَ شَيْئًا مِنْهَا قُطِعَ حَيْثُ كَانَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخُنِّ فِي خَمْسٍ وَهِيَ: إنْ كَانَ بِحَضْرَةِ رَبِّهِ أَخْرَجَهُ مِنْهَا أَمْ لَا أَجْنَبِيًّا أَوْ مِنْ رُكَّابِهَا، وَالْخَامِسَةُ أَجْنَبِيٌّ أَخْرَجَهُ مِنْهَا بِغَيْرِ حَضْرَةِ رَبِّهِ وَبَقِيَ ثَلَاثٌ لَا قَطْعَ فِيهَا، وَهِيَ مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ حَضْرَةِ رَبِّهِ وَكَانَ مِنْ رُكَّابِهَا أَخْرَجَهُ أَمْ لَا أَوْ أَجْنَبِيًّا وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْهَا. قَوْلُهُ: [فَلَا قَطْعَ] : أَيْ عَلَى سَارِقِهَا وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَسْجِدِ غَلْقٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ لِأَجْلِهَا كَمَا أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مَتَاعًا نَسِيَهُ رَبُّهُ بِالْمَسْجِدِ وَمَنْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ دَاخِلِ الْكَعْبَةِ، فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ أُذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِلَّا قُطِعَ إنْ أَخْرَجَهُ لِمَحِلِّ الطَّوَافِ، وَمِمَّا فِيهِ الْقَطْعُ حُلِيُّهَا وَمَا عُلِّقَ بِالْمَقَامِ وَنَحْوُ الرَّصَاصِ الْمُسَمَّرِ فِي الْأَسَاطِينِ أَفَادَهُ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ ح. قَوْلُهُ: [بِمَا فِيهَا] : صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ إنْ كَانَتْ تُبَاعُ فِيهِ أَيْ فِي الْخَانِ. قَوْلُهُ: [لَا يُقْطَعُ مُخْرِجُهُ] : أَيْ لِأَنَّ السَّاحَةَ لَيْسَتْ حِرْزًا لَهُ كَانَ السَّارِقُ أَجْنَبِيًّا أَوْ سَاكِنًا. قَوْلُهُ: [فِي الْبَرَاذِعِيِّ] : أَيْ وَهُوَ مُخْتَصِرُ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَوْلُهُ: [وَالْأُمَّهَاتُ] : أَيْ الْوَاضِحَةُ وَالْمَوَّازِيَّةُ وَالْعُتْبِيَّةُ فَيَكُونُ فِي الْأُمَّهَاتِ الْأَرْبَعِ. قَوْلُهُ: [كَالسَّائِرِ إلَى الْمَرْعَى] : أَيْ وَذَلِكَ كَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ الَّتِي تَسِيرُ مَعَ

كَمَا قَالَ. (وَنَحْوِهِ) أَيْ الْقِطَارِ (وَمَطْمَرٍ) : مَحِلٌّ يُجْعَلُ فِي الْأَرْضِ يُخَزَّنُ فِيهِ فَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ مَا الْعَادَةُ أَنْ يُخَزَّنَ فِيهِ: كَالطَّعَامِ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ حَيْثُ (قَرُبَ) مِنْ الْمَسَاكِنِ بِحَيْثُ يَكُونُ تَحْتَ نَظَرِ رَبِّهِ وَإِلَّا فَلَا. . (وَمَوْقِفِ دَابَّةِ الْبَيْعِ) : فَإِنَّهُ حِرْزٌ لَهَا يُقْطَعُ مَنْ أَبَانَهَا مِنْهُ (أَوْ) وَقَفَتْ (لِغَيْرِهِ) بِزُقَاقٍ اُعْتِيدَتْ فِيهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا كَانَتْ مَعَ صَاحِبِهَا أَمْ لَا. (1) (وَمَا حُجِرَ فِيهِ) : أَيْ وَالْمَكَانُ الَّذِي حُجِرَ فِيهِ (أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَنْ الْآخَرِ) فَإِنَّهُ حِرْزٌ لِمَا فِيهِ إذَا سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْهُ نِصَابًا يُقْطَعُ، لَا إنْ سَرَقَ أَحَدُهُمَا مَتَاعَ الْآخَرِ مِنْ مَكَان غَيْرِ مَحْجُورٍ عَنْهُ فَلَا قَطْعَ؛ لِأَنَّهُ خَائِنٌ لَا سَارِقٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضِهَا مِنْ غَيْرِ رَبْطٍ وَلَا مَفْهُومَ لِلْمَرْعَى، بَلْ السَّائِرَةُ الْمُنْضَمَّةُ لِبَعْضِهَا فِي أَيِّ مَقْصِدٍ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: [حَيْثُ قَرُبَ مِنْ الْمَسَاكِنِ] إلَخْ: لَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَطْمَرِ وَالْجَرِينِ حَيْثُ اشْتَرَطَ فِي الْمَطْمَرِ الْقُرْبَ دُونَ الْجَرِينِ أَنَّ الْجَرِينَ مَكْشُوفٌ فَهُوَ أَقْوَى فِي الْحِرْزِيَّةِ وَلَوْ بَعُدَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَطْمَرِ وَالْقَبْرِ حَيْثُ جَعَلَ الْقَبْرَ حِرْزًا مُطْلَقًا أَنَّ الْقَبْرَ تَأْنَفُ النُّفُوسُ فِي الْغَالِبِ عَنْ سَرِقَةِ مَا فِيهِ، بِخِلَافِ الْمَطْمَرِ لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ فِي الْبُعْدِ حِرْزٌ لِعِظَمِ الْتِفَاتِ النُّفُوسِ إلَيْهِ أَفَادَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ. (1) قَوْلُهُ: [الْبَيْعِ] : أَيْ بِالسُّوقِ أَوْ غَيْرِهِ كَانَتْ مَرْبُوطَةً أَمْ لَا كَانَ مَعَهَا رَبُّهَا أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [اُعْتِيدَتْ] : أَيْ فَصَارَ بِالِاعْتِيَادِ حِرْزًا لَهَا، وَأَمَّا أَخْذُهُ مِنْ مَوْقِفٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ فَلَا قَطْعَ فِيهِ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا حَارِسٌ. قَوْلُهُ: [إذَا سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْهُ نِصَابًا يُقْطَعُ] : أَيْ فَيُقْطَعُ كُلٌّ بِسَرِقَتِهِ مِنْ مَالِ الْآخَرِ وَحُكْمُ أَمَةِ الزَّوْجَةِ فِي السَّرِقَةِ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ كَالزَّوْجَةِ وَحُكْمُ عَبْدِ الزَّوْجِ إذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ الزَّوْجَةِ كَالزَّوْجِ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمَكَانُ الَّذِي حُجِرَ عَنْ الْآخَرِ خَارِجًا عَنْ مَسْكَنِهِمَا أَوْ دَاخِلًا فِيهِ بِلَا خِلَافٍ فِي الْأَوَّلِ، وَعَلَى مَا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الثَّانِي خِلَافًا لِمَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ اللَّخْمِيُّ، وَعَدَمُ الْقَطْعِ أَحْسَنُ إنْ كَانَ الْقَصْدُ مِنْ الْغَلْقِ التَّحَفُّظُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ كَانَ لِتَحَفُّظِ كُلٍّ مِنْ الْآخَرِ قُطِعَ أَفَادَهُ بْن.

وَلَيْسَ الْمَنْعُ بِالْكَلَامِ حَجْرًا بَلْ بِغَلْقٍ. (كَكُلِّ شَيْءٍ بِحَضْرَةِ حَافِظِهِ) بِأَنْ غَافَلَهُ وَسَرَقَ نِصَابًا، كَانَ فِي فَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا، كَانَ حَافِظُهُ نَائِمًا أَمْ لَا. وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَخَذَهُ وَهُوَ نَاظِرٌ لَهُ، لِأَنَّهُ يَكُونُ إمَّا مُخْتَلِسًا أَوْ غَاصِبًا فَلَا يُقْطَعُ. (وَحَمَّامٍ) : بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ يُقْطَعُ مَنْ أَخْرَجَ مِنْهُ نِصَابًا مِنْ ثِيَابِ الدَّاخِلِينَ أَوْ مِمَّا فِيهِ (إنْ دَخَلَ لِلسَّرِقَةِ) : بِأَنْ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ دَخَلَ لَهَا (أَوْ نَقْبٍ) وَأَخَذَ مِنْهُ لَا بِمُجَرَّدِ النَّقْبِ (أَوْ تَسَوَّرَ) : مِنْ سَطْحِهِ مَثَلًا، وَأَخَذَ مَا قِيمَتُهُ نِصَابًا. وَلَيْسَ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ حَارِسٌ. (أَوْ بِحَارِسٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ) أَيْ لِلْآخِذِ (فِي تَقْلِيبِ) ثِيَابِهِ، فَإِنْ أَذِنَ فَأَخَذَ ثِيَابَ غَيْرِهِ فَلَا قَطْعَ، وَلَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ دَخَلَ لِلسَّرِقَةِ لِأَنَّهُ خَائِنٌ. وَمِثْلُ الْإِذْنِ الْعُرْفُ كَمَا فِي مِصْرَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ يَلْبَسُونَ ثِيَابَهُمْ بِدُونِ إذْنٍ مِنْ الْحَارِسِ، وَحَيْثُ دَخَلَ الْحَمَّامَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِحَضْرَةِ حَافِظِهِ] : أَيْ الْحَيِّ الْمُمَيِّزِ لَا إنْ كَانَ مَيِّتًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ، وَيُشِيرُ لِمَا ذَكَرَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِحَضْرَةِ حَافِظِهِ لِأَنَّ الْحَضْرَةَ وَالْحِفْظَ تَقْتَضِي الشُّعُورَ وَلَوْ حُكْمًا كَالنَّائِمِ لِسُرْعَةِ انْتِبَاهِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَاشِرٍ أَنَّ هَذَا مَحِلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَافِظُ لَهُ فِي حِرْزٍ وَإِلَّا فَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ بِهِ مِنْ الْحِرْزِ، فَحِرْزُ الْإِحْضَارِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ فَقْدِ حِرْزِ الْأَمْكِنَةِ كَذَا فِي بْن، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْقَطْعِ فِي الْأَخْذِ بِحَضْرَةِ حَافِظِ الْمَوَاشِي إذَا كَانَتْ فِي الْمَرْعَى، فَإِنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْهَا فِي حَضْرَةِ حَافِظِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ وَالنَّوَادِرِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [إنْ دَخَلَ لِلسَّرِقَةِ] : أَيْ مِنْ الْبَابِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: بِأَنْ اعْتَرَفَ إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَأَخَذَ مِنْهُ] : أَيْ أَخْرَجَ مِنْهُ أَيْ أَخْرَجَ الْمَسْرُوقَ مِنْ النَّقْبِ. وَقَوْلُهُ: [لَا بِمُجَرَّدِ النَّقْبِ] : أَيْ لَا يُقْطَعُ بِمُجَرَّدِهِ وَلَا بِنَقْلِ الْمَسْرُوقِ مِنْ غَيْرِ إخْرَاجٍ. قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ حَارِسٌ] : أَيْ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ. قَوْلُهُ: [أَوْ بِحَارِسٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ] : أَيْ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [فَإِنَّ النَّاسَ يَلْبَسُونَ ثِيَابَهُمْ] : أَيْ فَجَرَيَانُ الْعُرْفِ بِذَلِكَ مُنْزَلٌ

مِنْ بَابِهِ وَلَبِسَ ثِيَابَ غَيْرِهِ فَاطَّلَعَ عَلَيْهِ فَقَالَ: إنَّ أَخْذِي فِيهَا لِظَنِّي أَنَّهَا ثِيَابِي، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ، كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَصُدِّقَ مُدَّعِي الْخَطَأَ) وَمَحِلُّ تَصْدِيقِهِ (إنْ أَشْبَهَ) مَلْبُوسَهُ، وَإِلَّا فَلَا يُصَدَّقُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ. (لَا) يُقْطَعُ (إنْ أَخَذَ دَابَّةً) أَوْقَفَهَا رَبُّهَا (بِبَابِ مَسْجِدٍ) بِدُونِ حَافِظٍ (أَوْ) أَوْقَفَهَا (بِسُوقٍ) لِغَيْرِ بَيْعٍ بِدُونِ حَافِظٍ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ. وَفِي شَارِحِ الْمُؤَلِّفِ: وَكَذَا إنْ أَخَذَ دَابَّةً بِمَرْعَى. (أَوْ) أَخَذَ (ثَوْبًا) مَنْشُورًا عَلَى حَائِطِ الدَّارِ (بَعْضُهُ بِالطَّرِيقِ) وَبَعْضُهُ دَاخِلُ الدَّارِ فَلَا يُقْطَعُ آخُذُهُ مِنْ خَارِجِ الدَّارِ تَغْلِيبًا لِمَا لَيْسَ فِي الْحِرْزِ، فَإِنْ جَذَبَهُ مِنْ دَاخِلِهَا فَيُقْطَعُ. (وَلَا إنْ أَذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهِ) : كَضَيْفٍ دَخَلَ بِإِذْنِ رَبِّ الدَّارِ، أَوْ مُرْسَلٍ لِحَاجَةٍ، فَأَخَذَ نِصَابًا فَلَا قَطْعَ؛ لِأَنَّهُ خَائِنٌ لَا سَارِقٌ وَلَوْ أَخَذَ مِنْ بَيْتٍ فِيهَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ. (أَوْ نَقَلَهُ) : أَيْ النِّصَابَ (وَلَمْ يُخْرِجْهُ) : عَنْ حِرْزِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْزِلَةَ الْإِذْنِ. قَوْلُهُ: [وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ] : أَيْ فَإِنْ كَانَ خَائِنًا لَا قَطْعَ وَإِنْ خَرَجَ بِهَا وَكَانَ سَارِقًا وَاسْتَوْفَى شُرُوطَهَا قُطِعَ. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوَاضِعِ الْمَأْذُونِ فِيهَا لِكُلِّ أَحَدٍ حَيْثُ نَفَوْا الْقَطْعَ مُطْلَقًا، وَبَيْنَ الْحَمَّامِ حَيْثُ قَالُوا: إذَا دَخَلَ لِلسَّرِقَةِ قُطِعَ؟ قُلْت أَجَابَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ عِيَاضٍ بِأَنَّهُ فِي الْحَمَّامِ حَيْثُ اعْتَرَفَ بِأَنَّ دُخُولَهُ لِلسَّرِقَةِ لَا غَيْرُ فَقَدْ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ لَا إذْنَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَفَادَهُ بْن. قُلْت: وَهَذَا الْجَوَابُ لَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ. قَوْلُهُ: [لَا يُقْطَعُ إنْ أَخَذَ دَابَّةً] : إلَخْ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ تَقْيِيدُ عَدَمِ الْقَطْعِ بِمَا إذَا لَمْ يُصَرْ مُعْتَادًا لَهَا. قَوْلُهُ: [وَكَذَا إنْ أَخَذَ دَابَّةً بِمَرْعًى] : أَيْ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَلَوْ بِحَضْرَةِ رَاعِيهَا أَوْ مَالِكِهَا كَمَا مَرَّ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِمَرْعًى عَمَّا إذَا أَخَذَهَا مِنْ الْمَرَاحِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا أَحَدٌ

[الشبهة المانعة من الحد]

(أَوْ) أَخَذَ (مَا عَلَى صَبِيٍّ) : غَيْرِ مُمَيَّزٍ مِنْ حُلِيٍّ وَثِيَابٍ (أَوْ مَعَهُ) فِي جَيْبِهِ مَثَلًا (بِلَا حَافِظٍ) مَعَ الصَّبِيِّ، وَلَيْسَ الصَّبِيُّ بِدَارِ أَهْلِهِ، لِأَنَّ غَيْرَ الْمُمَيَّزِ لَيْسَ حِرْزًا لِمَا عَلَيْهِ، وَمِثْلُ الصَّبِيِّ: الْمَجْنُونُ. . (وَلَا) قَطْعَ (عَلَى دَاخِلٍ) فِي حِرْزٍ (تَنَاوَلَ) النِّصَابَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الدَّاخِلِ (الْخَارِجُ) : بِأَنْ مَدَّ الْخَارِجُ يَدَهُ لِدَاخِلِ الْحِرْزِ وَأَخَذَهُ مِنْ يَدِ الدَّاخِلِ فِيهِ؛ فَيُقْطَعُ الْخَارِجُ فَقَطْ، فَلَوْ مَدَّ الدَّاخِلُ يَدَهُ بِالشَّيْءِ إلَى خَارِجِ الْحِرْزِ وَتَنَاوَلَهُ غَيْرُهُ مِنْ خَارِجٍ فَالْقَطْعُ عَلَى الدَّاخِلِ فَقَطْ. (وَإِنْ الْتَقَيَا) : أَيْ الدَّاخِلُ فِي الْحِرْزِ وَالْخَارِجُ عَنْهُ بِأَيْدِيهِمَا (وَسَطَ النَّقْبِ) : أَيْ فِي أَثْنَائِهِ، فَأَخْرَجَ الْخَارِجُ الشَّيْءَ بِمُنَاوَلَةِ الدَّاخِلِ (أَوْ رَبَطَهُ) الدَّاخِلُ بِحَبْلٍ وَنَحْوِهِ (فَجَذَبَهُ الْخَارِجُ) عَنْ الْحِرْزِ (قُطِعَا) مَعًا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَمَنْ جَعَلَ عَلَى ظَهْرِ غَيْرِهِ فِي الْحِرْزِ شَيْئًا، فَخَرَجَ بِهِ - وَلَوْلَا الْجَاعِلُ مَا قَدَرَ عَلَى حَمْلِهِ - فَيُقْطَعَانِ. فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمِثْلُ الصَّبِيِّ الْمَجْنُونُ] : أَيْ وَكَذَا السَّكْرَانُ بِحَلَالٍ، وَأَمَّا السَّكْرَانُ بِحَرَامٍ فَهُوَ مُنْزَلٌ مَنْزِلَةَ الْعَاقِلِ لِتَكْلِيفِهِ. [الشُّبْهَة الْمَانِعَة مِنْ الْحَدّ] قَوْلُهُ: [فَيُقْطَعُ الْخَارِجُ فَقَطْ] : أَيْ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْ حِرْزِهِ. قَوْلُهُ: [فَالْقَطْعُ عَلَى الدَّاخِلِ فَقَطْ] : أَيْ لِأَنَّهُ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْ حِرْزِهِ. [تَنْبِيهٌ نَقَبَ الْحِرْزَ وَلَمْ يُخْرِجْ النِّصَابَ مِنْهُ] قَوْلُهُ: [قُطِعَا مَعًا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ] : أَيْ مَسْأَلَةِ الِالْتِقَاءِ وَسَطَ النَّقْبِ وَمَسْأَلَةِ رَبْطِ الدَّاخِلِ مَعَ جَذْبِ الْخَارِجِ، وَإِنَّمَا قُطِعَا مَعًا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحِرْزِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ: وَلَا عَلَى دَاخِلٍ تَنَاوَلَ مِنْهُ الْخَارِجُ أَنَّ فِعْلَ الرَّابِطِ مُصَاحِبٌ لِفِعْلِ الْجَاذِبِ حَالَ الْخُرُوجِ مِنْ الْحِرْزِ وَلَا كَذَلِكَ فِعْلُ الْمُنَاوِلِ أَفَادَهُ عب. تَنْبِيهٌ: إذَا نَقَبَ الْحِرْزَ وَلَمْ يُخْرِجْ النِّصَابَ مِنْهُ فَلَا يُقْطَعُ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ غَيْرُهُ فَلَا قَطْعَ أَيْضًا لِذَلِكَ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ النَّقْبَ يُصَيِّرُ الْمَالَ فِي غَيْرِ حِرْزِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا يَنْقُبُ وَالْآخَرَ يُخْرِجُهُ مِنْ الْحِرْزِ وَإِلَّا قُطِعَ الْمُخْرِجُ فَقَطْ مُعَامَلَةً لَهُ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ حِفْظًا لِمَالِ النَّاسِ، فَلَا يُقَالُ: إنَّ الْمَكَانَ صَارَ غَيْرَ حِرْزٍ بِسَبَبِ النَّقْبِ. وَقِيلَ: يُقْطَعَانِ مَعًا عِنْدَ الِاتِّفَاقِ وَعَلَيْهِ ابْنُ شَاسٍ أَفَادَهُ (بْن) .

دُونَهُ قُطِعَ الْخَارِجُ فَقَطْ. (وَلَا) قَطْعَ (عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ) بُيُوتِ (ذِي الْإِذْنِ الْعَامِّ) لِجَمِيعِ النَّاسِ؛ كَبَيْتِ الْحَاكِمِ وَالْعَالِمِ وَالْكَرِيمِ الَّذِي يَدْخُلُهُ النَّاسُ بِدُونِ إذْنٍ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ الْبَابِ، فَلَا قَطْعَ لِأَنَّهُ خَائِنٌ. (إلَّا) إذَا سَرَقَ (مِمَّا حُجِرَ مِنْهُ) : كَحَاصِلٍ أَوْ حَانُوتٍ دَاخِلِ الْبَيْتِ الْعَامِّ (فَبِإِخْرَاجِهِ) : أَيْ عَنْ مَحِلِّ ذِي الْإِذْنِ الْعَام، بِأَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ بَابِ الدَّارِ فَيُقْطَعُ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ لِلْحَوْشِ فَلَا قَطْعَ. (وَلَا) قَطْعَ (فِي سَرِقَةِ ثَمَرٍ) : بِمُثَلَّثَةٍ مِنْ نَخْلٍ أَوْ غَيْرِهِ مُعَلَّقٍ خِلْقَةً بِأَصْلِهِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) فِي بُسْتَانٍ مُلْتَبِسًا (بِغَلَقٍ) : بِفَتْحِ اللَّامِ وَبِسُكُونِهَا (فَقَوْلَانِ) فِي عَدَمِ قَطْعِ سَارِقِ الثَّمَرِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَقَطْعُهُ، وَقَوْلُنَا: " فِي بُسْتَانٍ " احْتِرَازٌ عَنْ نَخْلٍ فِي دَارٍ، فَيُقْطَعُ سَارِقُ ثَمَرِهِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ فِي حِرْزِهِ. وَقَوْلُنَا " مُعَلَّقٌ خِلْقَةً " احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ قُطِعَ وَعُلِّقَ عَلَى الشَّجَرِ، فَلَا قَطْعَ وَلَوْ بِغَلَقٍ فَلَوْ قَطَعَ الثَّمَرُ وَجُعِلَ فِي مَحِلِّ الْبُسْتَانِ اُعْتِيدَ وَضْعُهُ فِيهِ قَبْلَ نَقْلِهِ لِلْجَرِينِ فَسُرِقَ مِنْهُ نِصَابٌ، فَثَالِثُ الْأَقْوَالِ: يُقْطَعُ إنْ جَمَعَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، لَا إنْ كَانَ مُفَرَّقًا. وَقِيلَ: يُقْطَعُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: لَا مُطْلَقًا. (وَتَثْبُتُ) السَّرِقَةُ (بِبَيِّنَةِ) عَدْلَيْنِ. (أَوْ بِإِقْرَارٍ) مِنْ السَّارِقِ (طَوْعًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا قَطْعَ لِأَنَّهُ خَائِنٌ] : ظَاهِرُهُ وَلَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِوَضْعِ ذَلِكَ الْمَسْرُوقِ فِي الْمَحِلِّ الْعَامِّ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْخَانِ الْمُعَدِّ لِلْأَثْقَالِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ أَخْرَجَهُ لِلْحَوْشِ فَلَا قَطْعَ] : ظَاهِرُهُ كَانَ مِنْ السُّكَّانِ أَمْ لَا فَقَدْ خَلَفَ الْخَانَ فِي تَفْصِيلِهِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ مِثْلُهُ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ الْمَنْصُوصُ] : أَيْ أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْقَطْعِ مَنْصُوصٌ وَالْقَوْلَ بِالْقَطْعِ غَيْرُ مَنْصُوصٍ، بَلْ هُوَ مُخَرَّجٌ لِلَّخْمِيِّ عَلَى السَّرِقَةِ مِنْ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي الدَّارِ. قَوْلُهُ: [وَعَلَّقَ عَلَى الشَّجَرِ] : أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ بِالْبُسْتَانِ، وَأَمَّا فِي الدَّارِ فَيُقْطَعُ. قَوْلُهُ: [فَثَالِثُ الْأَقْوَالِ] إلَخْ: هَذَا الِاخْتِلَافُ مَحِلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ حَارِسٌ وَإِلَّا فَلَا خِلَافَ فِي قَطْعِ سَارِقِهِ.

[إثبات السرقة]

(وَإِلَّا) بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَلَوْ بِضَرْبٍ - وَأَمَّا الْإِقْدَامُ عَلَى السَّرِقَةِ فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ بِالْقَتْلِ عَلَى الرَّاجِحِ - (فَلَا) قَطْعَ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. (وَلَوْ أَخْرَجَ السَّرِقَةَ) : أَيْ الشَّيْءَ الْمَسْرُوقَ لِاحْتِمَالِ وُصُولِ الْمَسْرُوقِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ (أَوْ) أَخْرَجَ (الْقَتِيلَ) الْمُتَّهَمُ فِي قَتْلِهِ: فَلَا يُقْطَعُ وَلَا يُقْتَلُ، إلَّا إذَا أَقَرَّ بَعْدَ الْإِكْرَاهِ آمِنًا. (إلَّا ذَا التُّهْمَةِ) : فَيُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ عِنْدَ سَحْنُونَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَبِهِ الْحُكْمُ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ مُتَّهَمٌ عِنْدَ حَاكِمٍ. وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَلَا يَلْزَمُ الْمُكْرَهَ شَيْءٌ وَلَوْ مُتَّهَمًا، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوَاعِدِ الشَّرْعِ. (وَ) إذَا أَقَرَّ طَائِعًا وَرَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ (قُبِلَ رُجُوعُهُ) فَلَا يُقْطَعُ وَإِنْ لَزِمَهُ الْمَالُ حَيْثُ عَيَّنَهُ وَعَيَّنَ صَاحِبَهُ، نَحْوُ سَرَقْت دَابَّةَ زَيْدٍ، بِخِلَافِ: سَرَقْت أَوْ سَرَقْت دَابَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــQ [إثْبَات السَّرِقَةُ] [الْإِكْرَاه عَلَى الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ] قَوْلُهُ: [وَإِلَّا بِأَنْ أُكْرِهَ] : اعْلَمْ أَنَّ الْقَطْعَ يَسْقُطُ بِالْإِكْرَاهِ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ بِضَرْبٍ أَوْ سَجْنٍ؛ لِأَنَّهُ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الْحَدَّ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ بِالْقَتْلِ] إلَخْ: أَيْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ وَحَكَى عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ، وَنَقَلَ ذَلِكَ ح فِي بَابِ الطَّلَاقِ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ عب هُنَا مِنْ جَوَازِ الْقُدُومِ عَلَيْهَا بِخَوْفِ الْقَتْلِ كَذَا فِي (بْن) وَالْمُنَاسِبُ تَأْخِيرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بَعْدَ جَوَابِ الشَّرْطِ. قَوْلُهُ: [وَبِهِ الْحُكْمُ إنْ ثَبَتَ] إلَخْ: أَيْ بِهِ الْقَضَاءُ كَمَا فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ وَمَتْنِ التُّحْفَةِ لِابْنِ عَاصِمٍ وَنَسَبَهُ فِيهَا لِمَالِكٍ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ يَكُنْ مُطَالِبًا مَنْ يُتَّهَمُ ... فَمَالِكٌ بِالسَّجْنِ وَالضَّرْبِ حَكَمَ وَحَكَمُوا بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ ... مِنْ ذَاعِرٍ يُحْبَسُ لِاخْتِيَارٍ وَالذَّاعِرُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْخَائِفُ وَبِالْمُهْمَلَةِ الْمُفْسِدُ، وَبِالزَّايِ الشَّرِسُ وَاعْتَمَدَ عب مَا لِسَحْنُونٍ وَحَمَلَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى غَيْرِ الْمُتَّهَمِ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ فِيهَا مَحِلَّانِ: أَحَدُهُمَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الْعَمَلِ بِإِقْرَارِ الْمُكْرَهِ، ثَانِيهِمَا حَلِفُ الْمُتَّهَمِ وَتَهْدِيدُهُ وَسَجْنُهُ، وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مَا لِسَحْنُونٍ مُوَافِقٌ لِلْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ. [أقر بِالسَّرِقَةِ طَائِعًا ثُمَّ رجع عَنْ إقْرَاره] قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ سَرَقْت] : إلَخْ أَيْ فَلَا قَطْعَ وَلَا غُرْمَ حَيْثُ رَجَعَ.

(وَلَوْ) كَانَ رُجُوعُهُ (بِلَا شُبْهَةٍ) كَقَوْلِهِ: كَذَبْت فِي إقْرَارِي، فَأَوْلَى لِشُبْهَةٍ كَقَوْلِهِ: أَخَذْت مَالِي الْمَرْهُونَ خُفْيَةً وَسَمَّيْتُهُ سَرِقَةً. (كَزَانٍ) أَقَرَّ بِأَنَّهُ زَنَى. (وَشَارِبٍ) أَقَرَّ بِأَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا. (وَمُحَارِبٍ) أَقَرَّ بِأَنَّهُ قَاطِعُ الطَّرِيقِ، ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ إقْرَارِهِمْ فَيُقْبَلُ. (إلَّا فِي الْمَالِ) فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ بَلْ يَغْرَمُ. . (وَإِنْ شَهِدَ) عَلَى السَّارِقِ - حُرًّا أَوْ عَبْدًا - بِالسَّرِقَةِ (رَجُلٌ) وَاحِدٌ (أَوْ) شَهِدَ (امْرَأَتَانِ، وَحَلَفَ) الْمُدَّعِي مَعَ الرَّجُلِ أَوْ مَعَ الْمَرْأَتَيْنِ (أَوْهَمَا) أَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَلَا يُحْتَاجُ لِيَمِينِ الْمُدَّعِي (فَالْغُرْمُ) لِلْمَسْرُوقِ (بِلَا قَطْعٍ) فِي الْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ (كَأَنْ رَدَّ الْمُتَّهَمُ الْيَمِينَ) : حَيْثُ حَقَّقَ الْمُدَّعِي الدَّعْوَةَ فَلَمَّا رَدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي (فَحَلَفَهَا الطَّالِبُ) : فَالْغُرْمُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِدُونِ قَطْعٍ، فَلَوْ لَمْ يُحَقِّقْ الطَّالِبُ الدَّعْوَى بَلْ اتَّهَمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَبِمُجَرَّدِ نُكُولِهِ يَغْرَمُ بِدُونِ حَلِفِ الطَّالِبِ، وَلَا قَطْعَ أَيْضًا. . وَإِنْ أَقَرَّ سَيِّدٌ عَلَى عَبْدِهِ بِسَرِقَةِ شَيْءٍ مِنْ شَخْصٍ فَالْغُرْمُ لِلْمَالِ يَلْزَمُ السَّيِّدَ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِدُونِ يَمِينٍ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ. (وَإِنْ أَقَرَّ رَقِيقٌ) بِسَرِقَةِ نِصَابٍ (فَالْعَكْسُ) : أَيْ الْقَطْعُ بِدُونِ غُرْمٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَ رُجُوعُهُ بِلَا شُبْهَةٍ] : أَيْ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. قَوْلُهُ: [إلَّا فِي الْمَالِ] : أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ رُجُوعَ السَّارِقِ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ إنَّمَا يُقْبَلُ بِالنِّسْبَةِ لِحَقِّ اللَّهِ فَيَنْتَفِي الْحَدُّ عَنْهُ الَّذِي هُوَ حَقٌّ لَهُ لَا بِالنِّسْبَةِ لِغُرْمِ الْمَالِ الَّذِي هُوَ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ. قَوْلُهُ: [بِلَا قَطْعٍ فِي الْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ] : أَيْ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ مِنْ الذُّكُورِ. قَوْلُهُ: [كَأَنْ رَدَّ الْمُتَّهَمُ الْيَمِينَ] : تَشْبِيهٌ فِي الْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: [وَلَا قَطْعَ أَيْضًا] : هَذَا فَرْعٌ خَامِسٌ. قَوْلُهُ: [فَالْغُرْمُ لِلْمَالِ يَلْزَمُ السَّيِّدَ] : أَيْ وَلَا قَطْعَ لِلْعَبْدِ وَهُوَ فَرْعٌ سَادِسٌ. قَوْلُهُ: [أَيْ الْقَطْعُ بِدُونِ غُرْمٍ] : أَيْ لِلْعَبْدِ.

[أحوال الغرم في السرقة]

لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُفِيدُ بِالنَّظَرِ لِلْمَالِ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى سَيِّدِهِ. (وَوَجَبَ) عَلَى السَّارِقِ (الْغُرْمُ) لِلْمَسْرُوقِ فَيَرُدُّهُ بِعَيْنِهِ إنْ بَقِيَ أَوْ قِيمَةُ الْمُقَوَّمِ وَمِثْلُ الْمِثْلِيِّ إنْ فَاتَ (إنْ لَمْ يُقْطَعْ) لِمَانِعٍ كَسُقُوطِ الْعُضْوِ بَعْدَ السَّرِقَةِ، أَوْ لِعَدَمِ كَمَالِ نِصَابٍ فِي الشُّهُودِ أَوْ الْمَسْرُوقِ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ أَعْسَرَ أَوْ أَيْسَرَ بَقِيَ الْمَسْرُوقُ أَوْ تَلِفَ، وَيُحَاصِصُ رَبُّهُ غُرَمَاءَ السَّارِقِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَفِ مَا عِنْدَهُ بِالدُّيُونِ. (أَوْ قُطِعَ) لِأَجْلِ السَّرِقَةِ الْمُسْتَكْمِلَةِ لِلشُّرُوطِ (وَأَيْسَرَ) : أَيْ اسْتَمَرَّ يَسَارُهُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى وَقْتِ الْقَطْعِ (مِنْ يَوْمِ الْأَخْذِ) ؛ لِأَنَّ الْيَسَارَ الْمُتَّصِلَ كَالْمَالِ الْقَائِمِ بِعَيْنِهِ. فَلَمْ يَجْتَمِعْ عَلَيْهِ عُقُوبَتَانِ بَلْ الْقَطْعُ فَقَطْ؛ فَلَوْ أَعْسَرَ فِي أَيِّ وَقْتٍ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالْقَطْعِ سَقَطَ الْغُرْمُ وَلَوْ أَيْسَرَ بَعْدَ الْوَقْتِ الْقَطْعُ. (وَسَقَطَ الْحَدُّ) أَيْ الْقَطْعُ (إنْ سَقَطَ الْعُضْوُ) الَّذِي يَجِبُ قَطْعُهُ (بَعْدَهَا) : أَيْ بَعْدَ السَّرِقَةِ، سَوَاءٌ كَانَ سُقُوطُهُ بَعْدَ السَّرِقَةِ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ بِقِصَاصٍ أَوْ بِجِنَايَةِ أَجْنَبِيٍّ. وَلَا يَلْزَمُ الْأَجْنَبِيَّ الَّذِي قَطَعَ عُضْوَ السَّارِقِ بَعْدَ السَّرِقَةِ إلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: [لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُفِيدُ] : تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ الْغُرْمِ. [أحوال الْغُرْم فِي السَّرِقَة] قَوْلُهُ: [فَيَرُدُّهُ بِعَيْنِهِ إنْ بَقِيَ] : أَيْ إجْمَاعًا وَلَيْسَ لِلسَّارِقِ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ وَيَدْفَعُ لَهُ غَيْرَهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ قِيمَةَ الْمُقَوَّمِ] : مِثْلُهُ الْمِثْلِيُّ الْمَجْهُولُ الْقَدْرُ أَوْ الْمَعْدُومُ الْمِثْلُ. قَوْلُهُ: [كَسُقُوطِ الْعُضْوِ بَعْدَ السَّرِقَةِ] : سَيَأْتِي مَفْهُومُهُ وَدَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ سُقُوطُهُ بِقِصَاصٍ أَوْ جِنَايَةٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً. قَوْلُهُ: [أَوْ لِعَدَمِ كَمَالِ النِّصَابِ فِي الشُّهُودِ] : أَيْ بِأَنْ كَانَا غَيْرَ عَدْلَيْنِ مِنْ الذُّكُورِ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ الْمَسْرُوقِ] : أَيْ بِأَنْ كَانَ دُونَ نِصَابٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ قُطِعَ] إلَخْ: أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ عَيْنَ الْمَسْرُوقِ ذَهَبَتْ وَإِلَّا فَيُؤْخَذُ مُطْلَقًا أَعْسَرَ أَوْ أَيْسَرَ. قَوْلُهُ: [فَلَمْ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ عُقُوبَتَانِ] : أَيْ وَهُمَا الْقَطْعُ وَاتِّبَاعُ ذِمَّتِهِ. [سُقُوط الْحَدّ فِي السَّرِقَة] قَوْلُهُ: [أَوْ بِجِنَايَةِ أَجْنَبِيٍّ] : أَيْ عَمْدًا أَوْ خَطَأً. قَوْلُهُ: [وَلَا يَلْزَمُ الْأَجْنَبِيَّ] إلَخْ: إنَّمَا أُدِّبَ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ.

[تداخل الجدود]

الْأَدَبُ حَيْثُ تَعَمَّدَ فَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: " بَعْدَهَا " عَمَّا لَوْ سَقَطَ الْعُضْوُ بِشَيْءٍ وَمِمَّا ذَكَرَ قَبْلَ السَّرِقَةِ فَلَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ، بَلْ يَنْتَقِلُ لِلْعُضْوِ بَلْ فِي الْحَقِيقَةِ لَا انْتِقَالَ إذْ الْبَاقِي هُوَ الْمَطْلُوبُ قَطْعُهُ. . (لَا) يَسْقُطُ الْحَدُّ (بِتَوْبَةٍ) : أَيْ نَدَمٍ وَعَزْمٍ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ. (وَ) لَا يَسْقُطُ بِ (عَدَالَةٍ) : أَيْ صَيْرُورَةِ السَّارِقِ عَدْلًا، (وَلَوْ طَالَ الزَّمَنُ) : أَيْ زَمَنُ التَّوْبَةِ وَالْعَدَالَةِ بَعْدَ السَّرِقَةِ: وَمَحِلُّ عَدَمِ سُقُوطِ الْقَطْعِ: إذَا بَلَغَ الْإِمَامَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هَلَّا كَانَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنَا» أَمَّا إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْإِمَامَ فَيَسْقُطُ بِنَحْوِ شَفَاعَةٍ أَوْ هِبَةِ الشَّيْءِ لِلسَّارِقِ؛ لِأَنَّهُ تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ لِلسَّارِقِ قَبْلَ بُلُوغِ الْإِمَامِ حَيْثُ لَمْ يُعْرَفْ بِالْفَسَادِ وَإِلَّا فَلَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ. (وَتَدَاخَلَتْ الْحُدُودُ) فَإِذَا أُقِيمَ وَاحِدٌ سَقَطَ الْآخَرُ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ إلَّا الْأَوَّلَ أَوْ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ قَالَ: هُوَ لِهَذَا دُونَ هَذَا. وَأَمَّا لَوْ ضُرِبَ ثَمَانِينَ بِدُونِ نِيَّةِ حَدٍّ فَلَا يَصِحُّ صَرْفُهُ لِحَدٍّ بَعْدُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [حَيْثُ تَعَمَّدَ] : قَيْدٌ فِي الْأَدَبِ وَأَمَّا الْخَطَأُ فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِأَنَّهَا لَمَّا خَانَتْ هَانَتْ. وَقَوْلُهُ: [فَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ] : الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ لِعِلْمِهِ مِمَّا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَسْقُطُ بِعَدَالَةٍ] : هَذَا أَخَصُّ مِنْ التَّوْبَةِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ ثُبُوتُهَا وَلَا عَكْسُ. [تداخل الْجُدُود] قَوْلُهُ: [أَوْ قَالَ] إلَخْ: أَيْ الْحَاكِمُ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ صَرْفُهُ لِحَدٍّ بَعْدُ] : أَيْ بَعْدَ مُضِيِّ الضَّرْبِ لِأَنَّ شَرْطَ النِّيَّةِ

(إنْ اتَّحَدَتْ) قَدْرًا (كَحَدِّ شُرْبٍ وَقَذْفٍ) : لِأَنَّ كُلًّا ثَمَانُونَ جَلْدَةً، وَكَمَا لَوْ جَنَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ فَقَطَعَ يَمِينَهُ ثُمَّ سَرَقَ الْجَانِي أَوْ عَكْسَهُ فَيَكْفِي الْقَطْعُ لِأَحَدِهِمَا. (وَانْدَرَجَتْ) الْحُدُودُ (فِي الْقَتْلِ) كَرِدَّةٍ وَقِصَاصٍ وَحِرَابَةٍ (إلَّا حَدَّ الْفِرْيَةِ) : أَيْ الْقَذْفِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ، ثُمَّ يُقْتَلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُقَارَنَتُهَا لِلْمَنْوِيِّ وَلَوْ كَانَ مُوجِبُ الْحَدِّ الَّذِي يُصْرَفُ لَهُ ثَابِتًا مِنْ قَبْلُ. قَوْلُهُ: [إنْ اتَّحَدَتْ قَدْرًا] : مَفْهُومُهُ لَوْ اخْتَلَفَ قَدْرُهُمَا كَحَدِّ زِنَا بِكْرٍ وَشُرْبٍ فَلَا يُغْنِي أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [وَانْدَرَجَتْ الْحُدُودُ فِي الْقَتْلِ] : هَذَا كَقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَكُلٌّ حَقٌّ لِلَّهِ أَوْ قِصَاصٌ اجْتَمَعَ مَعَ الْقَتْلِ فَالْقَتْلُ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا حَدَّ الْقَذْفِ (اهـ) .

[باب في الحرابة]

بَابٌ ذَكَرَ فِيهِ الْحِرَابَةَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ وَعَرَّفَ الْمُحَارِبَ الْمُشْتَقَّ مِنْ الْحِرَابَةِ، فَيُعْلَمُ مِنْهُ تَعْرِيفُهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُحَارِبُ قَاطِعَ الطَّرِيقِ إلَخْ كَانَتْ الْحِرَابَةُ قَطْعَ الطَّرِيقِ إلَخْ (الْمُحَارِب) : الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْحِرَابَةِ (قَاطِعُ الطَّرِيقِ) : أَيْ مُخِيفُهَا (لِمَنْعِ سُلُوكٍ) : أَيْ مُرُورٍ فِيهَا، وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ أَخْذَ مَالِ الْمَارِّينَ، كَانَتْ الطَّرِيقُ فِي فَلَاةٍ أَوْ عُمْرَانٍ كَمَا يَأْتِي فِي الْأَزِقَّةِ. (أَوْ آخِذُ) بِالْمَدِّ: اسْمُ فَاعِلٍ مَعْطُوفٌ عَلَى " قَاطِعُ ". (مَالٍ مُحْتَرَمٍ) : مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ مُعَاهِدٍ، وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا، وَالْبُضْعُ أَحْرَى. (عَلَى وَجْهٍ) : أَيْ حَالٍ (يَتَعَذَّرُ مَعَهُ) : أَيْ مَعَ حَالِهِ (الْغَوْثُ) : أَيْ الْإِغَاثَةُ وَالْإِعَانَةُ وَالتَّخْلِيصُ مِنْهُ، فَشَمِلَ جَبَابِرَةَ الظَّلَمَةِ الَّذِينَ يَسْلُبُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْحِرَابَة] [يُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِي الْمُحَارِبِ] بَابٌ: أَيْ حَدُّهَا ضِمْنًا وَإِنَّمَا أَتَى بِهَا بَعْدَ السَّرِقَةِ لِاشْتِرَاكِهَا مَعَهَا فِي بَعْضِ حُدُودِهَا الَّذِي هُوَ الْقَطْعُ فِي الْجُمْلَةِ. قَوْلُهُ: [مِنْ الْأَحْكَامِ] : أَيْ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا. قَوْلُهُ: [فَيُعْلَمُ مِنْهُ تَعْرِيفُهَا] : أَيْ ضِمْنًا لِأَنَّ الْحِرَابَةَ جُزْءٌ مِنْ مَفْهُومِ الْمُحَارِبِ وَالْكُلُّ يَتَضَمَّنُ الْجُزْءَ. قَوْلُهُ: [لِمَنْعِ سُلُوكٍ] : خَرَجَ قَطْعُهَا لِطَلَبِ إمَارَةٍ أَوْ عَدَاوَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَمَاعَةٍ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ أَخْذَ مَالِ الْمَارِّينَ] : أَيْ بَلْ قَصَدَ مُجَرَّدَ مَنْعِ الِانْتِفَاعِ بِالْمُرُورِ فِيهَا. قَوْلُهُ: [وَالْبُضْعُ أَحْرَى] : أَيْ مِنْ الْمَالِ كَمَا لِلْقُرْطُبِيِّ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ، فَمَنْ خَرَجَ لِإِخَافَةِ السَّبِيلِ قَصْدًا لِهَتْكِ الْحَرِيمِ فَهُوَ مُحَارِبٌ كَمَا هُوَ الْآنَ عِنْدَنَا بِمِصْرَ. قَوْلُهُ: [فَشَمِلَ جَبَابِرَةَ الظَّلَمَةِ] : قَالَ فِي الْأَصْلِ وَجَبَابِرَةُ أُمَرَاءِ مِصْرَ وَنَحْوِهَا

وَلَا يُفِيدُ فِيهِمْ الِاسْتِغَاثَةُ بِعُلَمَاءَ وَغَيْرِهِمْ. (أَوْ مُذْهِبُ عَقْلٍ) عُطِفَ عَلَى " قَاطِعُ ". وَلَا يُشْتَرَطُ تَعَدُّدُ الْمُحَارِبِ بَلْ يُعَدُّ مُحَارِبًا: (وَلَوْ انْفَرَدَ بِبَلَدٍ) وَقَصَدَ أَذِيَّةَ بَعْضِ النَّاسِ، فَلَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ عُمُومِ النَّاسِ فَفِيهِ مُبَالَغَتَانِ. (كَمُسْقِي نَحْوِ سَيْكَرَانٍ) بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَعَ فَتْحِ الْكَافِ أَوْ مُعْجَمَةٍ مَعَ ضَمِّ الْكَافِ: نَبْتٌ مَعْلُومٌ، وَأَدْخَلَ بِ " نَحْوِ ": الْبَنْجِ، وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ السَّيْكَرَانِ، وَالدَّاتُورَةِ أَشَدُّ الْجَمِيعِ (لِذَلِكَ) : أَيْ لِأَجْلِ أَخْذِ الْمَالِ. (وَمُخَادِعُ مُمَيِّزٍ لِأَخْذِ مَا مَعَهُ) : فَإِنَّهُ مُحَارِبٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُمَيِّزُ صَغِيرًا أَوْ بَالِغًا، خَدَعَهُ وَأَدْخَلَهُ مَوْضِعًا وَأَخَذَ مَالَهُ وَلَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ. وَبِقَوْلِهِ: " مُمَيِّزٍ " خَرَجَتْ السَّرِقَةُ بِتَعَذُّرِ غَوْثٍ. (وَدَاخِلُ زُقَاقٍ) : أَيْ وَكَدَاخِلٍ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى: " مُسْقِي ". ـــــــــــــــــــــــــــــQيَسْلُبُونِ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ وَيَمْنَعُونَهُمْ أَرْزَاقَهُمْ وَيُغِيرُونَ عَلَى بِلَادِهِمْ وَلَا تَتَيَسَّرُ اسْتِغَاثَةٌ مِنْهُمْ بِعُلَمَاءَ وَلَا بِغَيْرِهِمْ (اهـ) أَيْ فَهُمْ مُحَارِبُونَ لَا غُصَّابٌ. قَوْلُهُ: [عَطْفٌ عَلَى قَاطِعُ] : أَيْ فَهُوَ مُحَارِبٌ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ قَطْعُ طَرِيقٍ. قَوْلُهُ: [فَفِيهِ مُبَالَغَتَانِ] : أَيْ مُبَالَغَةٌ عَلَى كَوْنِهِ لَا يُشْتَرَطُ تَعَدُّدُ الْقَاطِعِ وَمُبَالَغَةٌ عَلَى كَوْنِهِ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعُهُ الطَّرِيقَ عَنْ النَّاسِ عُمُومًا، بَلْ يَكْفِي وَلَوْ كَانَ قَاصِدًا أُنَاسًا مَخْصُوصِينَ وَكَلَامُ الشَّارِحِ لَا يَحْسُنُ إلَّا لَوْ زَادَ قَبْلَ قَوْلِهِ: بَلْ يُعَدُّ مُحَارِبًا إلَخْ وَلَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ عُمُومِ النَّاسِ. قَوْلُهُ: [نَبْتٌ مَعْلُومٌ] : أَيْ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْحَشِيشَةِ وَلَهُ حَبٌّ تَأْكُلُهُ النَّاسُ وَلَا يُغَيِّبُ الْعَقْلَ يُسَمَّى بِالشَّرَانِقِ. قَوْلُهُ: [الْبَنْجُ] : بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ النُّونِ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ مُحَارِبٌ] : أَيْ حَيْثُ كَانَ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْغَوْثُ. قَوْلُهُ: [خَرَجَتْ السَّرِقَةُ] : أَيْ فَأَخْذُ الصَّبِيِّ الْغَيْرِ الْمُمَيِّزِ أَوْ أَخْذُ مَا عَلَيْهِ سَرِقَةٌ. قَوْلُهُ: [بِتَعَذُّرِ غَوْثٍ] : مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ أَوْ مُذْهِبُ عَقْلٍ وَمَا بَعْدُ. قَوْلِهِ: [فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى مُسْقِي] : الْمُنَاسِبُ عَطْفُ مُخَادِعٍ وَمَا بَعْدَهُ

(أَوْ دَارٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لِأَخْذِ مَالٍ بِقِتَالٍ) : عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْغَوْثُ: أَيْ الْإِغَاثَةُ وَالْإِعَانَةُ فَقَاتَلَ حَتَّى أَخَذَهُ. أَمَّا لَوْ أَخَذَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ، ثُمَّ بَعْدَ عِلْمِنَا بِهِ قَاتَلَ لِيَنْجُوَ بَعْدَ أَخْذِهِ، فَإِذَا قُدِرَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ مُحَارِبًا، بَلْ سَارِقًا إنْ اُطُّلِعَ عَلَيْهِ خَارِجَ الْحِرْزِ، أَمَّا فِيهِ فَلَيْسَ سَارِقًا. (فَيُقَاتَلُ) الْمُحَارِبَ جَوَازًا وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ قِتَالُهُ (بَعْدَ الْمُنَاشَدَةِ) ، بِأَنْ يَقُولَ لَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: نَاشَدْتُك اللَّهَ إلَّا مَا خَلَّيْت سَبِيلِي. وَمَحَلُّ نَدْبِ الْمُنَاشَدَةِ: (إنْ أَمْكَنَ) بِأَنْ لَمْ يُعَاجِلْ الْمُحَارِبُ بِالْقِتَالِ، وَإِلَّا فَيُعَاجِلُ بِالْقِتَالِ بِالسَّيْفِ وَنَحْوِهِ. وَثَمَرَةُ الْقِتَالِ كَمَا قَالَ: (فَيُقْتَلُ) الْمُحَارِبُ. (وَتَعَيَّنَ قَتْلُهُ) : أَيْ الْمُحَارِبِ (إنْ قَتَلَ) : سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ مُكَافِئًا كَمُسْلِمٍ حُرٍّ بَلْ (وَلَوْ كَافِرًا وَرَقِيقًا) قَتَلَهُ مُسْلِمٌ حُرٌّ، أَوْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ وَلَوْ بِجَاهِهِ؛ فَيُقْتَلُ لِلْحِرَابَةِ بِلَا صَلْبٍ أَوْ مَعَ صَلْبٍ. وَلَا يَجُوزُ قَطْعُهُ وَلَا نَفْيُهُ وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الدَّمِ عَفْوٌ عَنْهُ قَبْلَ مَجِيئِهِ تَائِبًا. فَإِنْ جَاءَ تَائِبًا فَلِلْوَلِيِّ الْعَفْوُ لِأَنَّ قَتْلَهُ حِينَئِذٍ قِصَاصٌ لَا يَسْقُطُ بِمَجِيئِهِ تَائِبًا بَلْ بِعَفْوِ الْوَلِيِّ عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى قَوْلِهِ: أَوْ مُذْهِبُ عَقْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَمْثِلَةِ مُذْهِبِ الْعَقْلِ. قَوْلُهُ: [بَلْ سَارِقًا إنْ اُطُّلِعَ عَلَيْهِ] إلَخْ: أَيْ فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ السَّرِقَةِ. قَوْلُهُ: [أَمَّا فِيهِ فَلَيْسَ سَارِقًا] : أَيْ بَلْ هُوَ مُخْتَلِسٌ. قَوْلُهُ: [فَيُقَاتَلُ الْمُحَارِبُ جَوَازًا] : مَحَلُّ كَوْنِ الْمُقَاتَلَةِ جَائِزَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ دَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ الْقَتْلَ أَوْ الْجُرْحَ أَوْ عَنْ أَهْلِهِ الْقَتْلَ أَوْ الْجُرْحَ أَوْ الْفَاحِشَةَ وَإِلَّا كَانَتْ وَاجِبَةً. قَوْلُهُ: [إلَّا مَا خَلَّيْت سَبِيلِي] : مَا مَصْدَرِيَّةٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ مَحْذُوفٍ، أَيْ نَاشَدْتُك بِاَللَّهِ أَلَّا تَفْعَلَ شَيْئًا إلَّا تَخْلِيَةَ سَبِيلِي. قَوْلُهُ: [وَتَعَيَّنَ قَتْلُهُ] إلَخْ: أَيْ مَا لَمْ تَكُنْ الْمَصْلَحَةُ فِي إبْقَائِهِ بِأَنْ يُخْشَى بِقَتْلِهِ فَسَادٌ أَعْظَمُ مِنْ قَبِيلَتِهِ الْمُتَفَرِّقِينَ مَثَلًا بَلْ يُطْلَقُ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الشَّبِيبِيُّ وَأَبُو مَهْدِيٍّ وَابْنُ نَاجِي كَذَا فِي (عب) . قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِجَاهِهِ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِهِ وَلَا تَسَبَّبَ فِيهِ وَذَلِكَ كَمَا لَوْ

كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا فَالْقِصَاصُ) . (وَإِلَّا) يَقْتُلُ الْمُحَارِبُ أَحَدًا. وَقُدِرَ عَلَيْهِ فَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِي أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ وَيُنْدَبُ لَهُ الْعَمَلُ بِالْمَصْلَحَةِ كَمَا قَالَ: (فَلِلْإِمَامِ قَتْلُهُ) : بِدُونِ صَلْبٍ. (وَلَهُ صَلْبُهُ) عَلَى نَحْوِ جِذْعٍ غَيْرِ مُنَكَّسٍ (فَقَتْلُهُ) : مَصْلُوبًا فَالصُّلْبُ مِنْ صِفَاتِ الْقَتْلِ، فَالنَّوْعُ الثَّانِي: الصَّلْبُ وَالْقَتْلُ وَهُوَ مَصْلُوبٌ. ثُمَّ إذَا خِيفَ تَغَيُّرُهُ بَعْدَ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ أُنْزِلَ وَصَلَّى عَلَيْهِ غَيْرُ فَاضِلٍ. (وَقَطْعُ يَمِينِهِ) : أَيْ وَلِلْإِمَامِ قَطْعُ يَمِينِهِ أَيْ الْمُحَارِبِ مِنْ الْكُوعِ. (وَ) قَطْعُ (رِجْلِهِ الْيُسْرَى) مِنْ مِفْصَلِ الْكَعْبِ، وَهَذَا هُوَ الْحَدُّ الثَّالِثُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQانْحَازَ شَخْصٌ لِقَاطِعِ طَرِيقٍ وَقَتَلَ ذَلِكَ الشَّخْصُ أَحَدًا فَيُقْتَلَانِ. قَوْلُهُ: [فَالْقِصَاصُ] : أَيْ فَيُقْتَلُ إنْ قَتَلَ مُكَافِئًا وَلَمْ يَعْفُ وَلِيُّ الْمُكَافِئِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي غَايَةِ الْأَمَانِي لَوْ قَتَلَ الْمُحَارِبَ أَحَدُ وَرَثَتِهِ فَقِيلَ يَرِثُهُ وَقِيلَ لَا، وَاسْتَظْهَرَ (عب) الْأَوَّلَ وَقَاسَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَاغِيَةِ مِنْ قَوْلِ خَلِيلٍ، وَكُرِهَ لِلرَّجُلِ قَتْلُ أَبِيهِ وَوَارِثِهِ. قَوْلُهُ: [فِي أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْحُدُودَ الْأَرْبَعَةَ وَاجِبَةٌ لَا يَخْرُجُ الْإِمَامُ عَنْهَا مُخَيَّرَةٌ لَا يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْهَا إلَّا أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْظُرَ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ وَاللَّائِقُ بِحَالِ ذَلِكَ الْمُحَارِبِ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مَا هُوَ اللَّائِقُ نُدِبَ لَهُ فِعْلُهُ فَإِنْ خَالَفَ وَفَعَلَ غَيْرَ مَا ظَهَرَ لَهُ أَصْلَحِيَّتُهُ أَجْزَأَ مَعَ الْكَرَاهَةِ. قَوْلُهُ: [الصَّلْبُ وَالْقَتْلُ] : أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا} [المائدة: 33] مَعْنَاهُ بِغَيْرِ صَلْبٍ وَقَوْلُهُ: (أَوْ يُصَلَّبُوا) مَعْنَاهُ: " ثُمَّ يُقْتَلُوا " فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ الثَّانِي الصَّلْبُ إلَخْ وَلَيْسَتْ الْآيَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ أَنَّ أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ الصَّلْبُ فَقَطْ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [وَالْقَتْلُ وَهُوَ مَصْلُوبٌ] : أَيْ يُقْتَلُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَا يُنْزَلُ ثُمَّ يُقْتَلُ. قَوْلُهُ: [أُنْزِلَ] إلَخْ: أَيْ وُجُوبًا لِوُجُوبِ دَفْنِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَصَلَاةُ غَيْرِ الْفَاضِلِ، عَلَيْهِ مَنْدُوبَةٌ فِي كُلِّ مَنْ قُتِلَ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ.

وَيَقْطَعُهُمَا وَلَاءٌ وَلَوْ خِيفَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ. فَإِنْ كَانَ مَقْطُوعَ الْيَدِ الْيُمْنَى أَوْ أَشَلَّهَا قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى، وَإِنْ كَانَ مَقْطُوعَ الرِّجْلِ الْيُسْرَى فَيَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا يَدٌ أَوْ رِجْلٌ قُطِعَتْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ يَدَانِ فَقَطْ أَوْ رِجْلَانِ فَقَطْ قُطِعَتْ الْيَدُ الْيُمْنَى فَقَطْ أَوْ الرِّجْلُ الْيُسْرَى فَقَطْ. وَأَشَارَ إلَى الْحَدِّ الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ: (وَنُفِيَ الذَّكَرُ الْحُرُّ كَمَا يُنْفَى فِي الزِّنَا) : إلَى مِثْلِ فَدَكَ وَخَيْبَرَ وَيُحْبَسُ لِلْأَقْصَى مِنْ السَّنَةِ وَظُهُورِ التَّوْبَةِ. (وَضُرِبَ) قَبْلَ النَّفْيِ (اجْتِهَادًا) بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ. وَهَذِهِ الْحُدُودُ الْأَرْبَعُ يُخَيَّرُ فِيهَا الْإِمَامُ وَلَيْسَ الْكَلَامُ لِمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ مَثَلًا؛ لِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ بِالْمُحَارِبِ لَيْسَ لِخُصُوصِ هَذَا الشَّخْصِ الْمُصَابِ بَلْ لِأَجْلِ الْحِرَابَةِ وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْأَرْبَعِ فِي حَقِّ الْمُحَارِبِ الذَّكَرِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تُصْلَبُ وَلَا تُنْفَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ خِيفَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ] : أَيْ لِأَنَّهُ أَحَدُ حُدُودِهِ. قَوْلُهُ: [قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى] : إلَخْ: إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ الْقَطْعُ مِنْ خِلَافٍ لِمُطَابَقَةِ الْآيَةِ. قَوْلُهُ: [قُطِعَتْ] : أَيْ الْيَدُ أَوْ الرِّجْلُ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . قَوْلُهُ: [قُطِعَتْ الْيَدُ الْيُمْنَى فَقَطْ] إلَخْ: لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ قَطْعِ الْيَدَيْنِ وَلَا الرِّجْلَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَدٍّ شَرْعِيٍّ. قَوْلُهُ: [لِلْأَقْصَى مِنْ السَّنَةِ وَظُهُورِ التَّوْبَةِ] : أَيْ لِلْأَبْعَدِ مِنْهُمَا، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إنْ ظَهَرَتْ تَوْبَتُهُ قَبْلَ السَّنَةِ كَمَّلَ بِحَبْسِهِ السَّنَةَ وَإِنْ مَضَتْ السَّنَةُ وَلَمْ تَظْهَرْ تَوْبَتُهُ بَقِيَ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ أَوْ يَمُوتَ، وَظُهُورُ التَّوْبَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ظُهُورًا بَيِّنًا لَا مُجَرَّدَ كَثْرَةِ صَوْمِهِ وَصَلَاتِهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [وَضُرِبَ قَبْلَ النَّفْيِ اجْتِهَادًا] : الضَّرْبُ لَمْ يُؤْخَذْ صَرِيحًا مِنْ الْقُرْآنِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ النَّفْيُ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [فَلَا تُصْلَبُ وَلَا تُنْفَى] : أَيْ لِمَا فِي الصَّلْبِ مِنْ الْفَضِيحَةِ وَفِي النَّفْيِ زِيَادَةُ مَفَاسِدَ، وَسَكَتَ عَنْ الصَّبِيِّ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُعَاقَبُ وَلَا يُفْعَلْ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ

إنَّمَا حَدُّهَا الْقَتْلُ أَوْ الْقَطْعُ مِنْ خِلَافٍ. وَأَمَّا حَدُّ الرَّقِيقِ فَمَا عَدَا النَّفْيَ. (وَدُفِعَ مَا بِأَيْدِيهِمْ) : أَيْ الْمُحَارَبِينَ (لِمُدَّعِيهِ) حَيْثُ وَصَفَهُ كَاللُّقَطَةِ (بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ) لَعَلَّ أَنْ يَأْتِيَ غَيْرُهُ بِأَثْبَتَ مِمَّا وَصَفَ (بِيَمِينٍ) مِنْ الْمُدَّعِي لِذَلِكَ الشَّيْءِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ حَمِيلٌ. نَعَمْ إنْ جَاءَ غَيْرُهُ بِأَثْبَتَ مِنْهُ نَزَعَهُ الْإِمَامُ لَهُ (أَوْ بِبَيِّنَةِ) رَجُلَيْنِ (مِنْ الرُّفْقَةِ) : أَيْ رُفْقَةِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ، وَأَوْلَى غَيْرُهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ وَمِثْلُهُمَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِيَمِينٍ. وَالْمُحَارِبُونَ حُمَلَاءُ: فَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْهُ جَمِيعُ مَا سَلَبَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَلَوْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا - كَالْبُغَاةِ وَالْغُصَّابِ وَاللُّصُوصِ - وَيُتَّبَعُ الْمُحَارِبُ كَالسَّارِقِ إذَا لَمْ يُحَدَّ أَوْ أَيْسَرَ مِنْ الْأَخْذِ لِلْحَدِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذِهِ الْحُدُودِ وَلَوْ حَارَبَ بِالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: [حَيْثُ وَصَفَهُ كَاللُّقَطَةِ] : حَاصِلُهُ أَنَّ مُدَّعِي الْمَالَ الَّذِي بِأَيْدِي الْمُحَارَبِينَ لَا يُدْفَعُ لَهُ إذَا لَمْ يُثْبِتْهُ بِالْبَيِّنَةِ إلَّا بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ، وَبَعْدَ الْيَمِينِ، وَبَعْدَ وَصْفِهِ كَاللُّقَطَةِ، وَمَحَلُّ أَخْذِ الْمُدَّعَى لَهُ بِتِلْكَ الشُّرُوطِ كَمَا قَالَ ابْنُ شَاسٍ نَقْلًا عَنْ أَشْهَبَ إذَا أَقَرَّ اللُّصُوصُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَتَاعَ مِمَّا قَطَعُوا فِيهِ الطَّرِيقَ، فَإِنْ قَالُوا هُوَ مِنْ أَمْوَالِنَا كَانَ لَهُمْ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا يَمْلِكُونَ مِثْلَهُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ أَفَادَهُ (بْن) . قَوْلُهُ: [وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ حَمِيلٌ] : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ سَحْنُونَ بَلْ بِحَمِيلٍ. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ فَبِحَمِيلٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ فَبِلَا حَمِيلٍ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ حَمِيلًا أَفَادَهُ (بْن) . قَوْلُهُ: [رَجُلَيْنِ مِنْ الرُّفْقَةِ] : أَيْ الْمُقَاتِلِينَ لِلْمُحَارِبِينَ وَاشْتَرَطَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَدَمَ التُّهْمَةِ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُ التُّحْفَةِ. وَمَنْ عَلَيْهِ وَسْمُ خَيْرٍ قَدْ ظَهْرِ. . . إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِتَوَسُّمِ الْخَيْرِ كَمَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [كَالْبُغَاةِ] إلَخْ: أَيْ مَتَى ظَفِرَ بِوَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ عَنْ الْجَمِيعِ كَمَا فِي الرِّسَالَةِ، وَمَشَى عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ. قَوْلُهُ: [وَيُتَّبَعُ الْمُحَارِبُ السَّارِقُ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ.

[لا يؤمن المحارب]

(وَلَا يُؤَمَّنُ) الْمُحَارِبُ أَيْ لَا يُعْطِيهِ الْإِمَامُ أَمَانًا (إنْ سَأَلَهُ) الْأَمَانَ فَإِنْ امْتَنَعَ بِنَحْوِ حِصْنٍ حَتَّى أَمِنَ فَهَلْ لَا يُتِمُّ لَهُ الْأَمَانَ؟ خِلَافٌ. (وَيَثْبُتُ الْحَدُّ) الْمُتَقَدِّمُ مِنْ قَتْلِ مَنْ قَتَلَ إلَخْ (بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الشَّخْصَ هُوَ (الْمَشْهُورُ بِهَا) : أَيْ بِالْحِرَابَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَإِنْ لَمْ يُعَايِنَاهُ حَالَةَ الْحِرَابَةِ. (وَيَسْقُطُ) حَدُّهَا فَقَطْ دُونَ حَدِّ الزِّنَا وَالْقَذْفِ وَالشُّرْبِ وَالْقَتْلِ (بِإِتْيَانِهِ) : أَيْ الْمُحَارِبِ (الْإِمَامَ) أَوْ نَائِبَهُ (طَائِعًا) قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ فَلَا يَسْقُطُ حُكْمُهَا بِتَوْبَتِهِ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، كَمَا لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ بِإِتْيَانِهِ طَائِعًا مُطْلَقًا، وَعُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ بِإِتْيَانِهِ. (أَوْ بِتَرْكِ) الْمُحَارِبِ (مَا هُوَ عَلَيْهِ) مِنْ الْحِرَابَةِ وَلَوْ لَمْ يَأْتِ الْإِمَامَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [لَا يُؤَمَّنُ الْمُحَارِبُ] قَوْلُهُ: [وَلَا يُؤَمَّنُ الْمُحَارِبُ] : أَيْ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِ لِأَنَّ الْمُشْرِكَ يُقَرُّ عَلَى حَالِهِ إذَا أُمِّنَ وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْمُحَارِبِ. [سُقُوط حَدّ الحرابة] قَوْلُهُ: [وَيَسْقُطُ حَدُّهَا] إلَخْ: أَيْ إذَا كَانَ لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا وَإِلَّا وَجَبَ قَتْلُهُ قِصَاصًا وَإِنْ جَاءَ تَائِبًا إنْ لَمْ يَعْفُ وَلِيُّ الدَّمِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [طَائِعًا] : أَيْ مُلْقِيًا سِلَاحَهُ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ تَوْبَتُهُ، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ وَعْدَهُ بِأَنَّهُ يَأْتِي طَائِعًا لَا يُسْقِطُ عَنْهُ حَدَّهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ سُقُوطِهَا بِمَا ذَكَرَ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ وَبَيْنَ عَدَمِ سُقُوطِ حَدِّ السَّرِقَةِ بِتَوْبَتِهِ وَعَدَالَتِهِ أَنَّ السَّرِقَةَ أَخْذُ الْمَالِ خُفْيَةً وَالتَّوْبَةَ أَمْرٌ خَفِيٌّ فَلَا يُزَالُ حَدُّ شَيْءٍ خَفِيٍّ بِأَمْرٍ خَفِيٍّ، وَالْحِرَابَةُ ظَاهِرَةٌ لِلنَّاسِ فَإِذَا كَفَّ أَذَاهُ لَمْ يَبْقَ لَنَا فَائِدَةٌ فِي قَتْلِهِ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ تَتْبَعُ الْمَصَالِحَ.

[باب في حد الشارب]

بَابٌ ذَكَرَ فِيهِ حَدَّ الشَّارِبِ وَأَشْيَاءَ تُوجِبُ الضَّمَانَ فَقَالَ: (يُجْلَدُ) : ثَمَانِينَ عَلَى ظَهْرِهِ كَمَا يَأْتِي. (الْمُسْلِمُ) : فَلَا يُحَدُّ الشَّارِبُ الْكَافِرُ، وَيُؤَدَّبُ إنْ أَظْهَرَهُ. (الْمُكَلَّفُ) الْحُرُّ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى بِعِلْمٍ مِنْهُ أَنَّهُ طَائِعٌ، إذْ الْمُكْرَهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا. وَخَرَجَ أَيْضًا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَيُؤَدَّبُ الصَّبِيُّ. (بِسَبَبِ شُرْبٍ) : وَلَا يَكُونُ إلَّا بِالْفَمِ إذَا وَصَلَ لِحَلْقِهِ وَلَوْ لَمْ يَصِلْ لِجَوْفِهِ، لَا مَا وَصَلَ مِنْ أَنْفٍ وَنَحْوِهِ وَلَوْ سَكِرَ بِالْفِعْلِ. (مَا يُسْكِرُ جِنْسُهُ) : وَلَوْ لَمْ يُسْكِرْ بِالْفِعْلِ لِقِلَّتِهِ، أَوْ لِاعْتِيَادِهِ، لَا بِمَا لَا يُسْكِرُ جِنْسُهُ، وَلَوْ اعْتَقَدَهُ مُسْكِرًا. نَعَمْ عَلَيْهِ إثْمُ الْجَرَاءَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي حَدَّ الشَّارِبِ] [حَدَّ الشَّارِبِ الْمُضْطَرّ] بَابٌ أَيْ بَيَّنَ فِيهِ حَقِيقَةَ الشَّارِبِ وَقَدْرَ حَدِّهِ وَكَيْفِيَّتَهُ. قَوْلُهُ: [عَلَى ظَهْرِهِ] : أَيْ وَكَتِفَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَيُؤَدَّبُ إنْ أَظْهَرَهُ] : أَيْ إنْ كَانَ ذِمِّيًّا. قَوْلُهُ: [الْحُرُّ] : زَادَهُ الشَّارِحُ أَخْذًا لَهُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَتَشَطَّرَ بِالرِّقِّ. قَوْلُهُ: [وَيُؤَدَّبُ الصَّبِيُّ] : أَيْ الْمُمَيِّزُ لِلْإِصْلَاحِ لَا لِكَوْنِهِ فَعَلَ حَرَامًا. قَوْلُهُ: [بِسَبَبِ شُرْبٍ] : يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْحَدَّ مُخْتَصٌّ بِالْمَائِعَاتِ، أَمَّا الْيَابِسَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ فِي الْعَقْلِ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا الْأَدَبُ كَمَا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مِنْهَا إلَّا الْقَدْرُ الَّذِي يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْلِ لَا مَا قَلَّ؛ لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ بِخِلَافِ الْخَمْرِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَفَادَهُ (بْن) . قَوْلُهُ: [وَلَا يَكُونُ إلَّا بِالْفَمِ] : أَيْ كَالنَّظَرِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْعَيْنِ، وَالسَّمْعِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْأُذُنِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ لَمْ يَصِلْ لِجَوْفِهِ] : أَيْ بِأَنْ رَدَّهُ بَعْدَ وُصُولِهِ لِحَلْقِهِ. قَوْلُهُ: [وَنَحْوِهِ] أَيْ كَالْأُذُنِ وَالْعَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ اعْتَقَدَهُ مُسْكِرًا] : أَيْ فَإِذَا شَرِبَ شَيْئًا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ خَمْرٌ فَتَبَيَّنَ

(مُخْتَارًا) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ التَّكْلِيفُ (بِلَا عُذْرٍ) احْتِرَازًا عَمَّنْ ظَنَّهُ غَيْرَ مُسْكِرٍ. (وَ) بِلَا (ضَرُورَةٍ) : فَلَا حُرْمَةَ عَلَى مَنْ شَرِبَهُ لِغُصَّةٍ كَمَا يَأْتِي، وَهِيَ مِنْ الْعُذْرِ فَيُغْنِي عَنْهُ مَا قَبْلَهُ. (وَإِنْ قَلَّ) جِدًّا بَلْ وَلَوْ غَمَسَ إبْرَةً فِي مُسْكِرٍ وَوَضَعَهَا فِي فِيهِ وَبَلَعَ رِيقَهُ، فَيُحَدُّ كَمَنْ شَرِبَ كَقِنْطَارٍ. وَقِيلَ: لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ شُرْبًا، وَاسْتُظْهِرَ. (أَوْ جَهِلَ وُجُوبَ الْحَدِّ) مَعَ عِلْمِ الْحُرْمَةِ، أَوْ جَهِلَ الْحُرْمَةَ لِقُرْبِ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَلَوْ كَانَ حَنَفِيًّا يَشْرَبُ النَّبِيذَ وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ مَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ غَيْرُ خَمْرٍ فَلَا يُحَدُّ وَعَلَيْهِ إثْمُ الْجَرَاءَةِ. قَوْلُهُ: [احْتِرَازًا عَمَّنْ ظَنَّهُ غَيْرَ مُسْكِرٍ] : أَيْ بِأَنْ ظَنَّهُ خَلًّا مَثَلًا. قَوْلُهُ: [فَلَا حُرْمَةَ عَلَى مَنْ شَرِبَهُ] : أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ وَلَا حَدَّ أَيْضًا، وَلَوْ سَكِرَ مِنْهُ قَالَ (عب) وَالظَّاهِرُ كَرَاهَةُ قُدُومِهِ عَلَى شُرْبِهِ مَعَ ظَنِّهِ غَيْرَهُ وَأَمَّا مَعَ شَكِّهِ فَيَحْرُمُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ لِدَرْئِهِ بِشُبْهَةِ الشَّكِّ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ مِنْ الْعُذْرِ فَيُغْنِي عَنْهُ مَا قَبْلَهُ] : أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُذْرِ الْغَلَطُ وَهُوَ غَيْرُ الضَّرُورَةِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ قَلَّ جِدًّا] : أَيْ لِخَبَرِ: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» . قَوْلُهُ: [قِيلَ لَا يُحَدُّ] إلَخْ: قَائِلُهُ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيُّ وَأَفَادَ أَنَّ الْحَدَّ فِيهِ مِنْ التَّعَمُّقِ فِي الدِّينِ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يُحَدُّ] : فَإِنْ قِيلَ لَمْ يُعْذَرْ هُنَا وَعُذِرَ فِي الزِّنَا بِجَهْلِ الْحُكْمِ إنْ جُهِلَ مِثْلُهُ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الشُّرْبَ أَكْثَرُ وُقُوعًا مِنْ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ مَفَاسِدَهُ أَشَدُّ مِنْ مَفَاسِدِ الزِّنَا لِكَثْرَتِهَا لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَصَلَ بِشُرْبِهِ زِنًا وَسَرِقَةٌ وَقَتْلٌ وَلِذَا وَرَدَ أَنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ أَفَادَهُ (عب) . قَوْلُهُ: [يَشْرَبُ النَّبِيذَ] : أَيْ يَرَى حِلَّ شُرْبِ الْقَدْرِ الَّذِي لَا يُسْكِرُ مِنْهُ. وَحَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّ الْخَمْرَ وَهُوَ مَا اُتُّخِذَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَدَخَلَتْهُ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ شُرْبُهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَمُوجِبٌ لِلْحَدِّ إجْمَاعًا لَا فَرْقَ بَيْنَ كَثِيرِهِ وَقَلِيلِهِ الَّذِي لَا يُسْكِرُ، وَأَمَّا النَّبِيذُ وَهُوَ مَا اُتُّخِذَ مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ أَوْ الْبَلَحِ وَدَخَلَتْهُ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ فَشُرْبُ

الْعِنَبِ وَشَرِبَ مِنْهُ قَدْرًا لَا يُسْكِرُ، وَرُفِعَ لِمَالِكِيٍّ، فَيُحَدُّ. (ثَمَانِينَ) جَلْدَةً: مَعْمُولُ " يُجْلَدُ " (بَعْدَ صَحْوِهِ) : فَإِنْ جُلِدَ قَبْلَ صَحْوِهِ فَيَكْفِي إنْ كَانَ عِنْدَهُ شُعُورٌ بِأَلَمِ الْجَلْدِ، وَإِلَّا أُعِيدَ. (وَتَشَطَّرَ) الْحَدُّ (بِالرِّقِّ) وَإِنْ قَلَّ الرِّقُّ فَيُجْلَدُ أَرْبَعِينَ. (إنْ أَقَرَّ) : بِالشُّرْبِ، لَكِنْ إنْ رَجَعَ بَعْدَ إقْرَارِهِ يُقْبَلُ وَلَوْ لِغَيْرِ شُبْهَةٍ. (أَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِشُرْبٍ أَوْ شَمٍّ) لِرَائِحَتِهِ فِي فَمِهِ لِعِلْمِهِمْ ذَلِكَ، إذْ قَدْ يَعْرِفُهَا مَنْ لَا يَشْرَبُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَدْرِ الْمُسْكِرِ مِنْهُ كَبِيرَةٌ، وَمُوجِبٌ لِلْحَدِّ إجْمَاعًا، وَأَمَّا شُرْبُ الْقَدْرِ الَّذِي لَا يُسْكِرُ مِنْهُ لِقِلَّتِهِ فَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ كَذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ صَغِيرَةٌ وَلَا يُوجِبُ حَدًّا وَلَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا إثْمَ فِي شُرْبِهِ بَلْ هُوَ جَائِزٌ فَلَا حَدَّ فِيهِ وَلَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ، فَإِنْ كَانَ لَا يُسْكِرُ الشَّخْصَ إلَّا أَرْبَعَةُ أَقْدَاحٍ فَلَا يَحْرُمُ عِنْدَهُ إلَّا الْقَدَحُ الرَّابِعُ، وَقَيَّدَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ الْجَوَازَ بِمَا إذَا كَانَ الشُّرْبُ لِلتَّقَوِّي عَلَى الْجِهَادِ وَنَحْوِهِ لَا لِمُجَرَّدِ اللَّهْوِ. قَوْلُهُ: [وَرُفِعَ لِمَالِكِيٍّ] : أَيْ فَيَحُدُّهُ الْمَالِكِيُّ، وَلَوْ قَالَ لَهُ: أَنَا حَنَفِيٌّ لِضَعْفِ مَدْرَكِ حِلِّهِ وَقِيلَ لَا يُحَدُّ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ. قَوْلُهُ: [مَعْمُولُ يَجْلِدُ] : وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِيمَا تَقَدَّمَ بِلَصْقِهِ بِطُولِ الْفَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا أُعِيدَ] : أَيْ مِنْ أَوَّلِهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إحْسَاسٌ حَالَ الضَّرْبِ أَصْلًا، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَحُسَّ فِي أَوَّلِهِ وَأَحَسَّ فِي أَثْنَائِهِ حُسِبَ مِنْ أَوَّلِ مَا أَحَسَّ كَمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ. قَوْلُهُ: [وَتَشَطَّرَ الْحَدُّ بِالرِّقِّ] : أَيْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. قَوْلُهُ: [إنْ أَقَرَّ] إلَخْ: شَرْطٌ فِي قَوْلِهِ يُجْلَدُ. قَوْلُهُ: [إذْ قَدْ يَعْرِفُهَا مَنْ لَا يَشْرَبُهَا] : جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّهُ لَا يَعْرِفُ رَائِحَتَهَا إلَّا مَنْ شَرِبَهَا وَمَنْ شَرِبَهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهَا لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَتُبْ كَانَ فَاسِقًا، وَإِنْ تَابَ وَحُدَّ لَا تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فِيمَا حُدَّ فِيهِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ رَائِحَتَهَا إلَّا مَنْ شَرِبَهَا، بَلْ قَدْ يَعْرِفُ رَائِحَتَهَا مَنْ لَمْ يَكُنْ شَرِبَهَا قَطُّ كَمَنْ رَآهَا مُرَاقَةً أَوْ رَأَى إنْسَانًا يَشْرَبُهَا

[كيفية الضرب في حد الشرب]

(أَوْ) شَهِدَ (أَحَدُهُمَا بِوَاحِدٍ) : كَشَهَادَةِ عَدْلٍ بِرُؤْيَةِ الشُّرْبِ (وَ) شَهَادَةِ (الثَّانِي بِالْآخَرِ) : أَيْ رَائِحَتِهَا. (أَوْ بِتَقَايُئِهِ) : أَيْ الْخَمْرِ. وَمَتَى شَهِدَا بِالشُّرْبِ إلَخْ فَيُحَدُّ الشَّارِبُ، وَلَوْ شَهِدَ فُلَانٌ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا؛ كَأَنْ شَهِدَا عَلَى الرَّائِحَةِ فَشَهِدَ غَيْرُهُمَا عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ رَائِحَةَ خَمْرٍ فَلَا تُعْتَبَرُ الْمُخَالَفَةُ؛ لِأَنَّ الْمُثْبِتَ يُقَدَّمُ عَلَى النَّافِي وَلَمْ يَجْعَلُوا الْمُخَالَفَةَ شُبْهَةً تَدْرَأُ الْحَدَّ. (وَجَازَ) : أَيْ انْتَفَتْ حُرْمَتُهُ فَيُصَدُّ بِوُجُوبِ الشُّرْبِ (لِإِسَاغَةِ غُصَّةٍ إنْ خَافَ) الْهَلَاكَ مِنْهَا (وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ) : أَيْ الْمُسْكِرَ فَلَهُ شُرْبُهُ عَلَى الرَّاجِحِ. وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْخَمْرِ لِدَوَاءٍ وَلَوْ خَافَ الْمَوْتَ؛ لِأَنَّهُ لَا شِفَاءَ فِيهِ وَلَا لِعَطَشٍ بَلْ لِحَرَارَتِهِ يَزِيدُ، وَلَوْ طِلَاءٍ فِي ظَاهِرٍ الْجَسَدِ. (وَالْحُدُودُ كُلُّهَا) : كَالزِّنَا وَالْقَذْفِ وَالشُّرْبِ تَكُونُ (بِسَوْطٍ) مِنْ جِلْدٍ (لَيِّنٍ بِلَا رَأْسَيْنِ) بَلْ بِرَأْسٍ وَاحِدٍ، فَلَا يَكُونُ بِقَضِيبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ عِلْمِهِ بِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ شَهِدَ فُلَانٌ] : أَيْ وَلَوْ خَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ الْعُدُولِ بِأَنْ قَالَ عَدْلَانِ آخَرَانِ شَرِبَ خَلًّا مَثَلًا. قَوْلُهُ: [وَلَوْ خَافَ الْمَوْتَ] : أَيْ فَإِنْ وَقَعَ وَنَزَلَ وَتَدَاوَى بِهِ شُرْبًا حُدَّ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ تَرَدَّدَ عُلَمَاؤُنَا فِي دَوَاءٍ فِيهِ خَمْرٌ وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ وَالْحَدُّ انْتَهَى وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحَدِّ إذَا سَكِرَ بِالْفِعْلِ وَإِلَّا لَمْ يُحَدَّ وَلَا يُرَدُّ. قَوْلُهُمْ مَا يُسْكِرُ جِنْسُهُ وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ بِالْفِعْلِ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي غَيْرِ الْمَخْلُوطِ بِدَوَاءٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا لِعَطَشٍ] : مِثْلُهُ الْجُوعُ فَلَا يَجُوزُ شُرْبُهُ لِخَوْفِ الْمَوْتِ مِنْ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ، لِأَنَّهُمَا لَا يَزُولَانِ بِهِ لِمَا فِي طَبْعِهِ مِنْ الْحَرَارَةِ وَالْهَضْمِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ طِلَاءٍ فِي ظَاهِرِ الْجَسَدِ] : مُبَالَغَةٌ فِي حُرْمَةِ التَّدَاوِي وَحَقُّهُ التَّقْدِيمُ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا لِعَطَشٍ. لَكِنْ قَالَ (عب) : مَحَلُّ مَنْعِ الطِّلَاءِ بِهِ مُنْفَرِدًا أَوْ مُخْتَلِطًا بِدَوَاءٍ مَا لَمْ يَخَفْ الْمَوْتَ بِتَرْكِهِ وَإِلَّا جَازَ. [كَيْفِيَّةُ الضَّرْبِ فِي حَدّ الشُّرْب] قَوْلُهُ: [كَالزِّنَا] إلَخْ: الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ كَانَتْ لِزِنًا أَوْ لَقَذْفٍ أَوْ لِشُرْبٍ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَكُونُ بِقَضِيبٍ] : أَيْ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالنَّبُّوتِ.

وَلَا شِرَاكٍ وَلَا دُرَّةٍ. وَمَا كَانَتْ لِسَيِّدِنَا عُمَرَ فَهِيَ لِلتَّأْدِيبِ لَا لِلْحَدِّ. (وَضَرْبٍ) عَطْفٌ عَلَى سَوْطٍ (مُتَوَسِّطٍ) لَا خَفِيفٍ وَلَا شَدِيدٍ حَالَةَ كَوْنِ الْمَحْدُودِ (قَاعِدًا) فَلَا يُمَدُّ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ بَطْنِهِ (بِلَا رَبْطٍ) عَلَى نَحْوِ جِذْعٍ (إلَّا لِعُذْرٍ) : كَكَوْنِهِ لَا يَسْتَقِرُّ أَوْ يَضْطَرِبُ اضْطِرَابًا شَدِيدًا بِحَيْثُ لَا يَقَعُ الضَّرْبُ مَوْقِعَهُ فَيُرْبَطُ. (وَلَا شَدِيدٍ) : أَيْ وَبِلَا رَبْطِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ إلَّا لِعُذْرٍ أَيْضًا وَلَوْ أَخَّرَ قَوْلَهُ إلَّا لِعُذْرٍ لَكَانَ أَوْلَى. (بِظَهْرِهِ وَكَتِفَيْهِ) : أَيْ إنَّ الْجَلْدَ عَلَى الظَّهْرِ وَالْكَتِفَيْنِ لَا غَيْرِهِمَا مِنْ الْبَدَنِ. وَشَرْطُ الضَّارِبِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا. (وَجُرِّدَ الرَّجُلُ مِنْ) كُلِّ شَيْءٍ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ بَدَنِهِ (مَا سِوَى الْعَوْرَةِ) مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ. (وَالْمَرْأَةُ) تُجَرَّدُ (مِمَّا يَقِي الضَّرْبَ) : أَيْ أَلَمَهُ. (وَنُدِبَ) : لِأَجْلِ السِّتْرِ عَلَيْهَا فِيمَا يَخْرُجُ مِنْهَا (جَعْلُهَا) حَالَ الضَّرْبِ (فِي كَقُفَّةٍ بِتُرَابٍ) مَبْلُولٍ وَيُوَالِي الضَّرْبَ إلَّا لِخَوْفِ هَلَاكٍ فَيُفَرِّقُ. (وَعَزَّرَ الْحَاكِمُ) : بِاجْتِهَادِهِ - لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي أَقْوَالِهِمْ، وَأَفْعَالِهِمْ وَذَوَاتِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: [وَلَا شِرَاكٍ] : هُوَ السَّيْرُ الرَّفِيعُ مِنْ الْجِلْدِ. وَقَوْلُهُ: [وَلَا دُرَّةٍ] : هِيَ سَوْطٌ رَفِيعٌ مَجْدُولٌ مِنْ الْجِلْدِ فَإِنْ وَقَعَ وَضُرِبَ فِي الْحَدِّ بِقَضِيبٍ أَوْ شِرَاكٍ أَوْ دُرَّةٍ لَمْ يَكْفِ وَأُعِيدَ. قَوْلُهُ: [وَمَا كَانَتْ لِسَيِّدِنَا عُمَرَ] إلَخْ: مَا وَاقِعَةٌ عَلَى دُرَّةٍ أَيْ وَالدُّرَّةُ الَّتِي كَانَتْ لِسَيِّدِنَا عُمَرَ إنَّمَا كَانَتْ لِلتَّأْدِيبِ لَا لِلْحَدِّ وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، وَكَانَتْ مِنْ جِلْدٍ مُرَكَّبٍ بَعْضِهِ فَوْقَ بَعْضٍ. قَوْلُهُ: [لَا غَيْرَهُمَا مِنْ الْبَدَنِ] : أَيْ فَلَوْ جُلِدَ عَلَى أَلْيَتَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ لَمْ يَكْفِ وَالْحَدُّ بَاقٍ يُعَادُ ثَانِيًا فَإِنْ تَعَذَّرَ الْجَلْدُ بِظَهْرِهِ وَكَتِفَيْهِ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ أُخِّرَ، فَإِنْ أَمْكَنَ فِعْلُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا فُعِلَ، وَأَمَّا التَّأْدِيبُ فَمَوْكُولٌ مَحَلُّهُ لِلْإِمَامِ. قَوْلُهُ: [وَجُرِّدَ الرَّجُلُ] إلَخْ: فَإِنْ لَمْ يُجَرَّدْ الرَّجُلُ مُطْلَقًا وَلَا الْمَرْأَةُ مِمَّا يَقِي الضَّرْبَ فَانْظُرْ هَلْ يَجْتَزِئُ بِذَلِكَ إنْ تَأَلَّمَ مِنْهُ كَمَا يَتَأَلَّمُ الْمُجَرَّدُ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَهُوَ

[التعزير]

(لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ) تَعَالَى: وَهِيَ مَا لَيْسَ لِأَحَدٍ إسْقَاطُهَا؛ كَأَكْلٍ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَتَأْخِيرِ صَلَاةٍ. (أَوْ لِحَقِّ آدَمِيٍّ) : وَهُوَ مَا لَهُ إسْقَاطُهُ كَسَبٍّ وَضَرْبٍ وَكُلِّ حَقٍّ لِمَخْلُوقٍ؛ فَلَهُ فِيهِ حَقٌّ. وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْحَاكِمِ تَأْدِيبٌ إلَّا لِلسَّيِّدِ فِي رَقِيقِهِ وَالزَّوْجِ فِي زَوْجَتِهِ أَوْ وَالِدٍ فِي وَلَدِهِ غَيْرِ الْبَالِغِ أَوْ مُعَلِّمٍ، وَلَا يَجُوزُ لِحَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ لَعْنٌ وَلَا سَبٌّ لَلْمُؤَدَّبِ أَوْ لِوَالِدَيْهِ أَوْ ضَرْبٌ عَلَى وَجْهٍ أَوْ شَيْنُ عُضْوٍ. وَيَكُونُ التَّعْزِيرُ: (حَبْسًا) مُدَّةً يَنْزَجِرُ بِهَا بِحَسْبِ حَالِهِ (وَلَوْمًا) يَنْزَجِرُ بِهِ؛ كَتَوْبِيخٍ بِكَلَامٍ. وَهُمَا مَنْصُوبَانِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَقِيلَ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (وَبِالْقِيَامِ مِنْ الْمَجْلِسِ وَبِنَزْعِ الْعِمَامَةِ) مِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ (وَضَرْبًا بِسَوْطٍ وَغَيْرِهِ) كَقَضِيبٍ وَدُرَّةٍ وَصَفْعٍ بِالْقَفَا، وَقَدْ يَكُونُ بِالنَّفْيِ؛ كَالْمُزَوِّرِينَ، وَبِإِخْرَاجٍ مِنْ الْحَارَةِ؛ كَمُؤْذِي الْجَارِ، وَبِالتَّصَدُّقِ عَلَيْهِ بِمَا غَشَّ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الْأَشْيَاخُ. [التَّعْزِير] قَوْلُهُ: [وَتَأْخِيرُ صَلَاةٍ] : أَيْ عَنْ وَقْتِهَا وَلَوْ اخْتِيَارِيًّا. قَوْلُهُ: [وَكُلُّ حَقٍّ لِمَخْلُوقٍ] : الْمُنَاسِبُ وَإِلَّا فَكُلُّ حَقٍّ إلَخْ فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: [وَالزَّوْجُ فِي زَوْجَتِهِ] : ظَاهِرُهُ وَلَوْ بَالِغَةً رَشِيدَةً وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ أَوْ مُعَلَّمَةً. وَقَوْلُهُ: [غَيْرُ الْبَالِغِ] : ظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَالِدَ لَيْسَ لَهُ تَعْزِيرُ الْبَالِغِ وَلَوْ كَانَ سَفِيهًا وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ وُجِدَ الْحَاكِمُ الْعَدْلُ. قَوْلُهُ: [وَهُمَا مَنْصُوبَانِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ] : لَا يَظْهَرُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَبْسَ وَاللُّوَّمَ مَصْدَرَانِ، فَالْأَوْلَى جَعْلُهُمَا خَبَرَيْنِ لِيَكُونَ كَمَا حَلَّ بِهِ أَوَّلًا وَأَيْضًا ظَرْفُ الْمَكَانِ لَا يَكُونُ مُخْتَصًّا فَلَا يُقَالُ جَلَسْت الْحَبْسَ وَلَا الدَّارَ. قَوْلُهُ: [وَبِالْقِيَامِ مِنْ الْمَجْلِسِ] : يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ إيقَافُهُ بِأَنْ يَأْمُرَهُ الْحَاكِمُ بِوُقُوفِهِ عَلَى قَدَمَيْهِ ثُمَّ يُقْعِدَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَمْرُهُ بِالذَّهَابِ مِنْ الْمَجْلِسِ. قَوْلُهُ: [وَغَيْرُهُ] : أَيْ بِخِلَافِ الْحَدِّ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالسَّوْطِ. قَوْلُهُ: [وَبِإِخْرَاجٍ مِنْ الْحَارَةِ] : أَيْ وَبِبَيْعِ مِلْكِهِ. قَوْلُهُ: [وَبِالتَّصَدُّقِ عَلَيْهِ بِمَا غَشَّ] : أَيْ وَأَمَّا التَّعْزِيرُ بِأَخْذِ الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ

(وَإِنْ زَادَ) التَّعْزِيرَ (عَلَى الْحَدِّ) بِالْجَلْدِ كَأَنْ زَادَ عَلَى مِائَةٍ (أَوْ أَتَى عَلَى النَّفْسِ) : بِأَنْ نَشَأَ عَنْهُ مَوْتٌ، فَلَا إثْمَ وَلَا دِيَةَ (إنْ ظَنَّ السَّلَامَةَ) مِنْ فِعْلِهِ. وَإِنَّمَا قَصَدَ التَّشْدِيدَ لِمَا صَدَرَ مِنْهُ كَسَبِّ الصَّحَابَةِ. (وَإِلَّا) يَظُنُّ السَّلَامَةَ، فَإِنْ شَكَّ مُنِعَ. وَ (ضَمِنَ) مَا سَرَى عَلَى نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ: أَيْ ضَمِنَ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَهُوَ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ فَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ السَّلَامَةِ فَالْقَوَدُ: فَتَحَصَّلَ أَنَّهُ إنْ ظَنَّ السَّلَامَةَ فَخَابَ ظَنُّهُ وَسَرَى لِمَوْتٍ أَوْ عُضْوٍ فَهَدَرٌ، وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَهَا فَالْقِصَاصُ، وَإِنْ شَكَّ فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ. هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ. وَيُعْلَمُ ظَنُّ السَّلَامَةِ أَوْ الشَّكُّ مِنْ إقْرَارِ الْحَاكِمِ وَنَحْوِهِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ. (كَتَأْجِيجِ نَارٍ بِرِيحٍ عَاصِفٍ) : أَيْ شَدِيدٍ فَأَحْرَقَتْ مَالًا فَيَضْمَنُهُ فِي مَالِهِ أَوْ نَفْسًا، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ بِمَكَانٍ بَعِيدٍ لَا يَظُنُّ فِيهِ الْوُصُولَ إلَى الْمَحْرُوقِ عَادَةً فَلَا ضَمَانَ. (وَكَسُقُوطِ جِدَارٍ) عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ فَأَتْلَفَهُ، فَيَضْمَنُ الْمَالَ فِي مَالِهِ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ: (مَالَ) : بَعْدَ أَنْ كَانَ مُسْتَقِيمًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQإجْمَاعًا، وَمَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ جَوَازِ التَّعْزِيرِ لِلسُّلْطَانِ بِأَخْذِ الْمَالِ فَمَعْنَاهُ كَمَا قَالَ الْبَرَادِعِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَمْسِكَ الْمَالَ عِنْدَهُ مُدَّةً لِيَنْزَجِرَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إلَيْهِ لَا أَنَّهُ يَأْخُذُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ الظَّلَمَةُ، إذْ لَا يَجُوزُ أَخْذُ مَالِ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ وَفِي نَظْمِ الْعَمَلِيَّاتِ: وَلَمْ تَجُزْ عُقُوبَةٌ بِالْمَالِ ... أَوْ فِيهِ عَنْ قَوْلٍ مِنْ الْأَقْوَالِ قَوْلُهُ: [بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ] : مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ ضَمَانِ صَاحِبِهِ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ صَاحِبُ الْجِدَارِ إلَّا إذَا قَضَى عَلَيْهِ الْحَاكِمُ بِالْهَدْمِ فَلَمْ يَفْعَلْ وَهَذَا قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَابْنِ وَهْبٍ، وَقِيلَ إنْ بَلَغَ حَدًّا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ هَدْمُهُ لِشِدَّةِ مَيَلَانِهِ فَتَرَكَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ، إشْهَادٌ وَلَا حُكْمٌ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ.

(وَأَنْذَرَ صَاحِبَهُ) بِأَنْ قِيلَ لَهُ: أَصْلِحْ جِدَارَك وَيُشْهِدُ عَلَيْهِ بِالْإِنْذَارِ، وَيَكْفِي عِنْدَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ حَاكِمٍ، وَهَذَا إنْ لَمْ يَظْهَرُ مَيَلَانُهُ، وَإِلَّا فَلَا يَحْتَاجُ لِلْإِنْذَارِ، كَمَا لَوْ بَنَاهُ مِنْ الْأَصْلِ مَائِلًا وَاحْتُرِزَ عَنْ " غَيْرِ صَاحِبِهِ ". كَمُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَلَوْ أُنْذِرُوا. (وَأَمْكَنَ تَدَارُكُهُ) : أَيْ إصْلَاحُهُ قَبْلَ السُّقُوطِ؛ وَلَمْ يُصْلِحْهُ حَتَّى سَقَطَ، فَيَضْمَنُ. لَا إنْ لَمْ يُمْكِنْ تَدَارُكُهُ بِأَنْ سَقَطَ قَبْلَ زَمَنٍ يُمْكِنُهُ الْإِصْلَاحُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الشُّرُوطَ حَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ لِصَاحِبِهِ مَيَلَانُهُ وَلَمْ يَبْنِهِ مِنْ الْأَصْلِ مَائِلًا. (أَوْ عَضَّهُ) شَخْصٌ (فَسَلَّ) الْمَعْضُوضُ (يَدَهُ) عَنْ فَمِ الْعَاضِّ (فَقَلَعَ) الْمَعْضُوضُ (أَسْنَانَهُ) : أَيْ الْعَاضِّ (قَصْدًا) لِقَلْعِ أَسْنَانِهِ، فَيَضْمَنُ دِيَةَ الْأَسْنَانِ فِي مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَلَمْ يُمْكِنْ تَخْلِيصُ يَدِهِ إلَّا بِقَلْعِ أَسْنَانِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَحْمَلُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا عَضَّ رَجُلٌ آخَرَ فَنَزَعَ يَدَهُ فَقَلَعَ سِنَّهُ: «أَيَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ؟ لَا دِيَةَ لَهُ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَنْذَرَ صَاحِبَهُ] : الْمُرَادُ بِهِ مَالِكُهُ الْمُكَلَّفُ أَوْ وَكِيلُهُ الْخَاصُّ أَوْ الْعَامُّ الَّذِي هُوَ الْحَاكِمُ إذَا كَانَ رَبُّ الْجِدَارِ غَائِبًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَكِيلٌ خَاصٌّ، وَمِنْ الْوَكِيلِ الْخَاصِّ نَاظِرُ الْوَقْفِ وَوَصِيُّ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ، فَإِذَا سَقَطَ الْجِدَارُ مَعَ وُجُودِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ ضَمِنَ وَصِيُّ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ فِي مَالِهِ، وَلَوْ كَانَ لِغَيْرِ الْمُكَلَّفِ مَالٌ وَضَمِنَ نَاظِرُ وَقْفٍ وَوَكِيلٌ خَاصٌّ مَعَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ حَيْثُ كَانَ لَهُ مَالٌ يَصْلُحُ مِنْهُ لِتَقْصِيرِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَأَمْكَنَهُمَا التَّسَلُّفُ عَلَى ذِمَّتِهِ وَهُوَ مَلِيءٌ وَتَرَكَا حَتَّى سَقَطَ ضَمِنَا فِيمَا يَظْهَرُ أَفَادَهُ (عب) . قَوْلُهُ: [فَيَضْمَنُ دِيَةَ الْأَسْنَانِ] : إنَّمَا لَمْ يَقْتَصَّ مِنْهُ لِتَعَدِّي الْعَاضِّ فِي الِابْتِدَاءِ. قَوْلُهُ: [لَمَّا عَضَّ رَجُلٌ آخَرَ] : أَيْ حِينَ عَضَّ رَجُلٌ رَجُلًا آخَرَ. وَقَوْلُهُ: «أَيَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ» ؟ : الِاسْتِفْهَامُ لِلتَّوْبِيخِ. وَقَوْلُهُ: «كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ» : الْمُرَادُ فَحْلُ الْإِبِلِ وَإِنَّمَا سَقَطَتْ الدِّيَةُ عَنْ

[ما أتلفته البهائم]

(أَوْ نَظَرَ لَهُ مِنْ كُوَّةٍ) طَاقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَبَابٍ (فَقَصَدَ عَيْنَهُ) : بِأَنْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ قَاصِدًا قَلْعَ عَيْنِهِ فَقَلَعَهَا أَوْ أَذْهَبَ بَصَرَهَا فَيُقْتَصُّ مِنْهُ. (وَإِلَّا) يَقْصِدْ قَلْعَ عَيْنِهِ بِأَنْ قَصَدَ الزَّجْرَ (فَلَا) قِصَاصَ بَلْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَلَى الرَّاجِحِ. وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بِرَمْيِ النَّاظِرِ مِنْ كُوَّةٍ خُرِّجَتْ مَخْرَجَ الزَّجْرِ أَوْ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} [النحل: 126] الْآيَةَ. (وَمَا أَتْلَفَتْهُ الْبَهَائِمُ) مِنْ الزَّرْعِ وَالْحَوَائِطِ - مَأْكُولَةَ اللَّحْمِ أَمْ لَا - وَهِيَ غَيْرُ مَعْلُومَةِ الْعَدَاءِ وَلَمْ يَحْفَظْهَا رَبُّهَا بِرَبْطٍ أَوْ غَلْقِ بَابٍ (لَيْلًا) : مَعْمُولُ " أَتْلَفَتْهُ " (فَعَلَى رَبِّهَا) ضَمَانُهُ. فَإِنْ عُرِفَتْ بِالْعَدَاءِ فَعَلَى رَبِّهَا وَلَوْ نَهَارًا حَيْثُ لَمْ يَحْفَظْهَا. فَإِنْ رَبَطَهَا رَبْطًا مُحْكَمًا أَوْ غَلَقَ الْبَابَ فَانْفَلَتَتْ فَلَا ضَمَانَ مُطْلَقًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَعْضُوضِ لِأَنَّ الظَّالِمَ أَحَقُّ بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [فَقَصَدَ عَيْنَهُ] : أَيْ قَصَدَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ رَمْيَ عَيْنِ النَّاظِرِ لِقَلْعِهَا. قَوْلُهُ: [عَلَى الرَّاجِحِ] : أَيْ خِلَافًا لِبَهْرَامَ وَالتَّتَّائِيِّ أَيْ حَيْثُ قَالَا بِلُزُومِ الدِّيَةِ إنْ قَصَدَ بِالرَّمْيِ فَقْءَ عَيْنِهِ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الزَّجْرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعَلَى الرَّاجِحِ إنْ ادَّعَى الْمَرْمِيُّ أَنَّ الرَّامِيَ قَصَدَ عَيْنَهُ وَادَّعَى الرَّامِي عَدَمَ قَصْدِهَا وَلَا بَيِّنَةَ وَلَا قَرِينَةَ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِدَعْوَى الرَّامِي لِأَنَّ الْقَصْدَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ بِالشَّكِّ وَمُقْتَضَى الْقِيَاسِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْعَضِّ تَرْجِيحُ كَلَامِ بَهْرَامَ وَالتَّتَّائِيِّ، وَقَدْ يُفَرَّقُ لِلرَّاجِحِ بِأَنَّ التَّعَدِّيَ بِالْعَضِّ أَعْظَمُ مِنْ التَّعَدِّي فِي النَّظَرِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ] : أَيْ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ عَيْنَهُ هَدَرٌ لِتَعَدِّيهِ. قَوْلُهُ: [بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} [النحل: 126]] : أَيْ لِعُمُومِهَا. [مَا أَتْلَفَتْهُ الْبَهَائِمُ] قَوْلُهُ: [مِنْ الزَّرْعِ وَالْحَوَائِطِ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ أَتْلَفَتْ غَيْرَهُمَا مِنْ مَالٍ أَوْ آدَمِيٍّ فَإِنْ كَانَتْ عَادِيَةً ضَمِنَ رَبُّهَا مَا أَتْلَفَتْهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا حَيْثُ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ عَادِيَةٍ فَلَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَلَوْ لَمْ يَرْبِطْهَا أَوْ يَغْلِقْ عَلَيْهَا وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مَعَهَا وَإِلَّا ضَمِنَ.

وَإِذَا لَزِمَهُ الضَّمَانُ: فَعَلَيْهِ (وَإِنْ زَادَ) مَا أَتْلَفَتْهُ مِنْ زَرْعٍ (عَلَى قِيمَتِهَا) وَلَيْسَ لِرَبِّهَا أَنْ يُسَلِّمَهَا فِيمَا أَتْلَفَتْهُ، فَلَيْسَتْ كَالْعَبْدِ الْجَانِي لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ. (وَقُوِّمَ إنْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ) : بِأَنْ يُقَوَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ، بِأَنْ يُقَالَ: مَا قِيمَتُهُ عَلَى تَقْدِيرِ سَلَامَتِهِ وَتَقْدِيرِ جَائِحَتِهِ؟ فَمَا قَالَهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ. فَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ حَتَّى عَادَ كَمَا كَانَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ. فَلَوْ أَتْلَفَهُ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ فَقِيمَتُهُ وَقْتَ إتْلَافِهِ. (لَا) مَا أَتْلَفَهُ غَيْرُ الْعَادِيَةِ (نَهَارًا) ، فَلَيْسَ عَلَى رَبِّهَا ضَمَانٌ بِشَرْطَيْنِ: (إنْ سَرَحَتْ بِبُعْدِ الْمَزَارِعِ) جِدًّا بِحَيْثُ لَا يُظَنُّ وُصُولُهَا لِلزَّرْعِ فَاتَّفَقَ أَنَّهَا وَصَلَتْ؛ فَلَا ضَمَانَ. فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِهِ فَعَلَى رَبِّهَا الضَّمَانُ لَقِيمَةِ الزَّرْعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (وَلَمْ يَكُنْ مَعَهَا رَاعٍ) فِيهِ قُدْرَةٌ عَلَى حِفْظِهَا. (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ مَعَهَا رَاعٍ فِيهِ كِفَايَةٌ لِحِفْظِهَا (فَعَلَى الرَّاعِي) الضَّمَانُ لِلزَّرْعِ وَلَوْ صَبِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَمِّنْ عَلَى الْمُتْلِفِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قُدْرَةٌ عَلَى حِفْظِهَا فَالضَّمَانُ عَلَى رَبِّهَا. وَهَذَا فِيمَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ. أَمَّا مِثْلُ الْحَمَامِ وَالنَّحْلِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى رَبِّهِ وَعَلَى رَبِّ الزَّرْعِ حِفْظُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ] : عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَيْسَتْ كَالْعَبْدِ. قَوْلُهُ: [فَمَا قَالَهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ] : مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ يُعْمَلُ بِهِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا لَوْ حَكَمَ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ عَادَ لِهَيْئَتِهِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ؛ فَقَالَ مُطَرِّفٌ تَمْضِي الْقِيمَةُ لِرَبِّ الزَّرْعِ، وَقَالَ غَيْرُهُ تُرَدُّ وَالرَّاجِحُ قَوْلُ مُطَرِّفٍ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ نَقَلَهُ (بْن) وَالظَّاهِرُ أَنَّ الزَّرْعَ عَلَى قَوْلِ مُطَرِّفٍ لِلْجَانِي. قَوْلُهُ: [عَلَى مَا تَقَدَّمَ] : أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي التَّقْوِيمِ بِأَنْ يُقَالَ مَا قِيمَتُهُ عَلَى تَقْدِيرِ سَلَامَتِهِ إلَخْ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَمِّنْ] : هَكَذَا بِالتَّشْدِيدِ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا فِيمَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ] : حَاصِلُ مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهَا وَلَا الْحِرَاسَةُ لَهَا كَحَمَامٍ وَنَحْوِهِ فَقِيلَ يُمْنَعُ أَرْبَابُهَا مِنْ

وَأَمَّا مَا أَتْلَفَتْهُ الدَّابَّةُ بِفِعْلِ شَخْصٍ فَعَلَى فَاعِلِهِ وَإِنْ سَقَطَ رَاكِبُهَا فَأَتْلَفَ مَالًا، فَفِي مَالِهِ وَغَيْرُ الْمَالِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَمَا أَتْلَفَتْهُ بِذَنَبِهَا أَوْ أَتْلَفَهُ وَلَدُهَا فَهَدَرٌ. كَأَنْ أَتْلَفَتْ مُمْسِكَهَا الْبَالِغَ الْحُرَّ، وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ أَمَرَهُمَا. وَإِنْ أَتْلَفَتْ بِغَيْرِ فِعْلٍ بَلْ بِسَيْرِهَا؛ كَحَجَرٍ أَطَارَتْهُ ضَمِنَ الْقَائِدُ أَوْ السَّائِقُ أَوْ الرَّاكِبُ - وَلَوْ حَصَلَ مِنْهُ إنْذَارٌ - لِأَنَّ مَنْ بِالطَّرِيقِ لَا يَلْزَمُهُ التَّنَحِّي، فَلَا يَنْفَعُ قَوْلُهُمْ: يَمِينُك شِمَالُك إذَا حَصَلَ تَلَفُ شَيْءٍ فَإِنْ اجْتَمَعُوا ضَمِنَ الْقَائِدُ وَالسَّائِقُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِعْلٌ مِنْ الرَّاكِبِ. فَإِنْ تَعَدَّدَ الرَّاكِبُ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُقَدَّمِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ عَلَى جَنْبِ الدَّابَّةِ اشْتَرَكَا. فَإِنْ حَصَلَ شَكٌّ هَلْ مِنْ الدَّابَّةِ أَوْ مِنْ الْفِعْلِ: فَهَدَرٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQاتِّخَاذِهَا إنْ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ، وَرِوَايَةُ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ، وَقِيلَ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ اتِّخَاذِهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَتْلَفَتْهُ، وَعَلَى أَرْبَابِ الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ حِفْظُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ كِنَانَةَ وَأَصْبَغَ، وَصَوَّبَ ابْنُ عَرَفَةَ الْأَوَّلَ لِإِمْكَانِ اسْتِغْنَاءِ رَبِّهَا عَنْهَا وَضَرُورَةِ النَّاسِ لِلزَّرْعِ وَالشَّجَرِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَاعِدَةُ ارْتِكَابِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ] : أَيْ إنْ بَلَغَتْ ثُلُثَ دِيَةِ الْجَانِي أَوْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [كَأَنْ أَتْلَفْت مُمْسِكَهَا] إلَخْ: هَذَا اخْتِصَارٌ مُخِلٌّ وَأَصْلُ الْعِبَارَةِ فِي (عب) فَإِنْ انْفَلَتَتْ دَابَّةٌ فَنَادَى رَبُّهَا رَجُلًا بِإِمْسَاكِهَا فَأَمْسَكَهَا أَوْ أَمَرَهُ بِسَقْيِهَا فَفَعَلَ فَقَتَلَتْهُ أَوْ قَطَعَتْ لَهُ عُضْوًا لَمْ يَضْمَنْ رَبُّهَا كَعَدَمِ ضَمَانِ رَاكِبٍ وَسَائِقٍ وَقَائِدٍ مَا حَصَلَ مِنْ فَلُوِّهَا يَعْنِي وَلَدَهَا، فَإِنْ نَادَى صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا بِإِمْسَاكِهَا أَوْ سَقْيِهَا فَأَتْلَفَتْهُ فَقِيمَةُ الْعَبْدِ، وَدِيَةُ الصَّبِيِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْآمِرِ، كَنَاخِسِ دَابَّةٍ فَقَتَلَتْ رَجُلًا فَعَلَى عَاقِلَةِ النَّاخِسِ، فَإِنْ قَتَلَتْ رَجُلًا فِي مَسْكِ الصَّبِيِّ أَوْ الْعَبْدِ أَوْ أَمَرَهُمَا بِسَقْيِهَا فَعَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ وَلَا رُجُوعَ لَهُمْ عَلَى عَاقِلَةِ الْآمِرِ وَيُخَيَّرُ سَيِّدُ الْعَبْدِ بَيْنَ إسْلَامِهِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْآمِرِ وَبَيْنَ فِدَائِهِ بِدِيَةِ الْحُرِّ (اهـ) .

[باب العتق]

بَابُ الْعِتْقِ فِعْلُهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَدَخَلَ وَهُوَ لَازِمٌ يَتَعَدَّى بِالْهَمْزِ فَلَا يُقَالُ: عَتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ بَلْ أَعْتَقَ. وَلَا يُقَالُ: عَتَقَ الْعَبْدُ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بَلْ أُعْتِقَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ (الْعِتْقُ خُلُوصُ الرَّقَبَةِ مِنْ الرِّقِّ بِصِيغَةٍ) سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ (وَهُوَ مَنْدُوبٌ مُرَغَّبٌ فِيهِ) فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرَبِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْعِتْقِ] [أَرْكَانُ الْعِتْقِ] بَابٌ قَوْلُهُ: [وَلَا يُقَالُ عَتَقَ الْعَبْدُ] : لِأَنَّ الْفِعْلَ اللَّازِمَ لَا يُبْنَى لِلْمَجْهُولِ. قَوْلُهُ: [خُلُوصُ الرَّقَبَةِ مِنْ الرِّقِّ] : خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ، وَأَمَّا لُغَةً فَهُوَ الْخُلُوصُ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْعِتْقُ الْكَرَمُ يُقَالُ، مَا أَبَيْنَ الْعِتْقَ فِي وَجْهِ فُلَانٍ يَعْنِي الْكَرَمَ، وَالْعِتْقُ الْجَمَالُ وَالْعِتْقُ الْحُرِّيَّةُ وَكَذَلِكَ الْعَتَاقُ بِالْفَتْحِ وَالْعَتَاقَةُ تَقُولُ مِنْهُ عَتَقَ الْعَبْدُ يَعْتِقُ عِتْقًا وَعَتَاقَةً وَعَتَاقًا (اهـ) . وَسُمِّيَ الْبَيْتُ بِالْعَتِيقِ إمَّا لِخُلُوصِهِ مِنْ يَدِ الْجَبَابِرَةِ إذْ لَمْ يَمْلِكْهُ جَبَّارٌ، وَإِمَّا لِأَنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ مِنْ الْغَرَقِ بِالطُّوفَانِ. قَوْلُهُ: [فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرَبِ] : أَيْ وَلِذَا شُرِعَ كَفَّارَةً لِلْقَتْلِ، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى مَنْعِ عِتْقِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ مِنْ الْحَيَوَانِ لِأَنَّهُ السَّائِبَةُ الْمُحَرَّمَةُ فِي الْقُرْآنِ كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُ إنْ قَدِمْت مِنْ سَفَرِي فَنَاقَتِي سَائِبَةٌ وَيَصِيرُ الِانْتِفَاعُ بِهَا حَرَامًا عِنْدَهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ} [المائدة: 103] . فَالْآيَةُ وَإِنْ لَمْ تُصَرِّحْ بِالتَّحْرِيمِ لَكِنَّهَا مُسْتَلْزِمَةٌ لَهُ.

مِنْ النَّارِ حَتَّى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ» . وَمَعَ ذَلِكَ: صِلَةُ الرَّحِمِ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّتِي أَعْتَقَتْ رَقَبَةً: «لَوْ كُنْتِ أَخْدَمْتِيهَا أَقَارِبَك كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِك» . «وَقَدْ أَعْتَقَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثًا وَسِتِّينَ رَقَبَةً» . (وَأَرْكَانُهُ) أَرَادَ بِالرُّكْنِ: مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ (ثَلَاثَةٌ) : (الْمُعْتِقُ) بِكَسْرِ التَّاءِ. (وَشَرْطُهُ: التَّكْلِيفُ) : شَمِلَ السَّكْرَانَ بِحَرَامٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمَعَ ذَلِكَ] إلَخْ: هَذَا الْكَلَامُ لَا مَحَلَّ لَهُ وَلَا مُنَازِعَ فِيهِ. قَوْلُهُ: [ثَلَاثًا وَسِتِّينَ رَقَبَةً] : هَذَا الْعَدَدُ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَإِلَّا فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ أَعْتَقَ مِنْ هَوَازِنَ سِتَّةَ آلَافِ نَسَمَةٍ» . قَوْلُهُ: [وَأَرْكَانُهُ] : أَيْ الْعِتْقُ. قَوْلُهُ: [أَرَادَ بِالرُّكْنِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ] : جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ وَهُوَ أَنَّ الرُّكْنَ مَا كَانَ دَاخِلَ الْمَاهِيَّةِ وَالْمُعْتِقُ وَالْمَعْتُوقُ لَيْسَا دَاخِلَيْنِ وَإِلَّا لَصَحَّ حَمْلُهُمَا عَلَى الْعِتْقِ كَمَا يُحْمَلُ الْحَيَوَانُ وَالنَّاطِقُ عَلَى الْإِنْسَانِ وَهُوَ بَاطِلٌ. وَقَوْلُهُ: [ثَلَاثَةٌ] : أَيْ وَقَدْ أَفَادَهَا بِقَوْلِهِ: الْمُعْتِقُ وَرَقِيقٌ الَّذِي هُوَ الذَّاتُ الْمَعْتُوقَةُ وَصِيغَةٌ. قَوْلُهُ: [شَمِلَ السَّكْرَانَ بِحَرَامٍ] : أَيْ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ وَمُقَابِلُهُ عَدَمُ صِحَّةِ عِتْقِهِ، وَالْخِلَافُ فِي السَّكْرَانِ الَّذِي عِنْدَهُ نَوْعٌ مِنْ الْعَقْلِ، وَأَمَّا الطَّافِحُ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ: وَأَقْوَالِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ إلَّا مَا ذَهَبَ وَقْتُهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ ذَكَرَ (ح) أَنَّ التَّفْصِيلَ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ: لَا يَلْزَمُ السَّكْرَانَ إقْرَارُ عُقُودٍ ... بَلْ مَا جَنَى عِتْقٌ طَلَاقٌ وَحُدُودٌ

لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَلْزَمُ جِنَايَتُهُ وَطَلَاقُهُ وَعِتْقُهُ وَالْحُدُودُ بِخِلَافِ الْمُعَامَلَاتِ. (وَالرُّشْدُ) : فَلَا يَلْزَمُ السَّفِيهَ عِتْقٌ؛ وَلَوْ عَلَّقَ وَهُوَ سَفِيهٌ فَحَصَلَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ وَهُوَ رَشِيدٌ عَلَى الْأَظْهَرِ. أَمَّا الصَّبِيُّ إذَا عَلَّقَ ثُمَّ حَصَلَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَلَوْ أَعْتَقَ السَّفِيهُ أُمَّ وَلَدِهِ لَزِمَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِيهَا غَيْرُ الِاسْتِمْتَاعِ وَقَلِيلُ الْخِدْمَةِ. (وَلَزِمَ) الْعِتْقُ مُكَلَّفًا (غَيْرَ مَحْجُورٍ) . (لَا مَرِيضًا) فِي زَائِدِ ثُلُثِهِ كَمَا قَالَ فَلِلْوَارِثِ رَدُّهُ (وَزَوْجَةً فِيمَا زَادَ عَلَى ثُلُثِهِ) : أَيْ ثُلُثِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مِنْ مَرِيضٍ وَزَوْجَةٍ. وَرَدُّ الْوَارِثِ إيقَافٌ، وَالزَّوْجُ قِيلَ: إيقَافٌ، وَقِيلَ: إبْطَالٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي السَّكْرَانِ الَّذِي مَعَهُ ضَرْبٌ مِنْ الْعَقْلِ، قَالَ: وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ (اهـ مُلَخَّصًا مِنْ بْن) . قَوْلُهُ: [لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ] : أَيْ الْحَالُ وَالشَّانُّ. وَقَوْلُهُ: [يَلْزَمُ جِنَايَتَهُ] : بَيَانٌ لِمَرْجِعِ الضَّمِيرِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَلْزَمُ السَّفِيهُ عِتْقٌ] : أَيْ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَهُ إمْضَاؤُهُ إذَا رَشَدَ مَا لَمْ يَكُنْ رَدَّهُ وَلِيُّهُ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِيهَا] إلَخْ: أَيْ وَهُوَ غَيْرُ مُتَمَوِّلٍ وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَالِيَّاتِ. قَوْلُهُ: [وَلَزِمَ الْعِتْقُ مُكَلَّفًا] : خَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ. وَقَوْلُهُ: [غَيْرَ مَحْجُورٍ] : خَرَجَ السَّفِيهُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْمَرِيضِ وَالزَّوْجَةِ فِي زَائِدِ الثُّلُثِ، وَالْمَدِينِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَلِذَاكَ ذَكَرَ الْمُحْتَرَزَاتِ بِقَوْلِهِ لَا مَرِيضًا إلَخْ. قَوْلُهُ: [كَمَا قَالَ فَلِلْوَارِثِ رَدُّهُ] : كَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّ الْقَائِلَ الْمُصَنِّفُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالصَّوَابُ حَذْفُ قَوْلِهِ كَمَا قَالَ. قَوْلُهُ: [وَالزَّوْجُ قِيلَ إيقَافٌ وَقِيلَ إبْطَالٌ] : صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ وَالزَّوْجُ قِيلَ إبْطَالٌ وَقِيلَ لَا إبْطَالَ وَلَا إيقَافَ؛ لِأَنَّ أَشْهَبَ يَقُولُ بِالْأَوَّلِ وَابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ

(وَمَدِينًا) فَلَا يَلْزَمُ عِتْقُهُ إنْ (أَحَاطَ دِينُهُ) بِمَالِهِ وَلَوْ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ (فَلِغَرِيمِهِ رَدُّهُ) : أَيْ الْعِتْقِ حَيْثُ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ جَمِيعَ الرَّقَبَةِ (أَوْ) رَدُّ (بَعْضِهِ) إنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْ جَمِيعَهَا. فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ عِشْرُونَ وَالْعَبْدُ يُسَاوِيهَا فَلِلْغَرِيمِ رَدُّ الْعِتْقِ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ يُسَاوِي أَرْبَعِينَ فَلِرَبِّ الدَّيْنِ الرَّدُّ بِقَدْرِ دَيْنِهِ، فَيُبَاعُ مِنْ الرَّقِيقِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ إنْ وُجِدَ مُشْتَرٍ لِذَلِكَ، وَإِلَّا رَدَّ الْجَمِيعَ. وَمَحَلُّ كَوْنِ الْغَرِيمِ لَهُ الرَّدُّ: (إلَّا أَنْ يَعْلَمَ) بِالْعِتْقِ وَلَمْ يَرُدَّ فَلَيْسَ لَهُ رَدٌّ (أَوْ يَطُولَ) زَمَنُ الْعِتْقِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، وَالطُّولُ؛ بِأَنْ يَشْتَهِرَ الْمَعْتُوقُ بِالْحُرِّيَّةِ وَتُقْبَلُ شَهَادَاتُهُ مِمَّا هُوَ مِنْ أَحْكَامِ الْحُرِّيَّةِ. وَقِيلَ: زِيَادَةٌ عَلَى أَرْبَعِ سِنِينَ فَإِذَا طَالَ فَلَا رَدَّ؛ لِأَنَّ الطُّولَ مَظِنَّةُ الْعِلْمِ، فَلَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ: لَمْ أَعْلَمْ بِالْعِتْقِ؛ بِخِلَافِ هِبَةِ الْمَدِينِ وَصَدَقَتِهِ فَيُرَدَّانِ وَلَوْ طَالَ الزَّمَنُ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ لِلْحُرِّيَّةِ (أَوْ يَسْتَفِيدَ) السَّيِّدُ (مَالًا) بَعْدَ الْعِتْقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالثَّانِي وَحَجَّةُ ابْنِ الْقَاسِمِ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي لَوْ رَدَّ عِتْقَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَقْضِ عَلَيْهَا بِالْعِتْقِ وَلَا يَنْبَغِي لَهَا مِلْكُهُ (اهـ) . أَيْ فَلَوْ كَانَ إبْطَالًا لَجَازَ لَهَا مِلْكُهُ وَلَمْ يُطْلَبْ مِنْهَا تَنْفِيذُ عِتْقِهِ، وَقَدْ يُقَالُ هُوَ إبْطَالٌ كَمَا قَالَ أَشْهَبُ، وَلَكِنْ لِمَا كَانَتْ نَجَّزَتْ عِتْقَهُ حَالَ الْحَجْرِ طَلَبَ مِنْهَا نَدْبًا تَنْفِيذَهُ عِنْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا رَدَّ الْجَمِيعَ] : أَيْ وَيُبَاعُ كُلُّهُ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَرُدَّ] : أَيْ حِينَ عِلْمِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ يَطُولُ زَمَنُ الْعِتْقِ] إلَخْ: أَيْ مَعَ حُضُورِ رَبِّ الدَّيْنِ. وَقَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ] : أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ غَرِيمَهُ فَالطُّولُ وَحْدَهُ كَافٍ وَلَا يُنْظَرُ لِقَوْلِ الْغُرَمَاءِ مَا لَمْ يَعْلَمْ كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِ، إمَّا لِأَنَّ الطُّولَ مَظِنَّةٌ لِلْعِلْمِ، وَإِمَّا لِاحْتِمَالِ أَنَّ السَّيِّدَ اسْتَفَادَ مَالًا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ طَالَ الزَّمَنُ] : أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ الْغَرِيمَ لَمْ يَعْلَمْ، وَأَمَّا إنْ عَلِمَ بِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَسَكَتَ فَيَمْضِيَانِ كَالْعِتْقِ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [أَوْ يَسْتَفِيدُ السَّيِّدُ مَالًا] : مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَعْلَمُ أَيْ فَمَوَانِعُ رَدِّ الْغَرِيمِ لِلْعِتْقِ أَحَدُ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ؛ إمَّا عِلْمُ الْغَرِيمِ بِهِ مَعَ السُّكُوتِ، أَوْ الطُّولُ، أَوْ اسْتِفَادَةُ مَالٍ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ يَفِي بِالدَّيْنِ بَعْدَ عِتْقِهِ لَوْ لَمْ يَقُمْ الْغَرِيمُ حَتَّى ضَاعَ ذَلِكَ

يَفِي بِالدَّيْنِ وَلَمْ يَرُدَّ الْعِتْقَ حَتَّى أَعْسَرَ فَلَا رَدَّ (وَإِنْ) كَانَتْ اسْتِفَادَةُ الْمَالِ (قَبْلَ نُفُوذِ الْبَيْعِ) لِلْعَبْدِ: بِأَنْ رَدَّ السُّلْطَانُ عِتْقَ الْمَدِينِ وَبَاعَ عَلَيْهِ الْعَبْدَ بِالْخِيَارِ كَمَا هُوَ الْمَطْلُوبُ، فَقَبْلَ مُضِيِّ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ أَفَادَ السَّيِّدُ مَالًا يَفِي بِالدَّيْنِ فَيَمْضِي الْعِتْقُ وَلَيْسَ لِلْغَرِيمِ رَدُّهُ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْغَرِيمِ إيقَافٌ، وَالْحَاكِمُ كَمَنْ نَابَ مَنَابَهُ وَأَمَّا رَدُّ الْوَصِيِّ وَالسَّيِّدِ فَإِبْطَالٌ. (وَرَقِيقٌ) عُطِفَ عَلَى " الْمُعْتَقُ " وَسَوَاءٌ كَانَ كَامِلَ الرِّقِّ أَوْ ذَا شَائِبَةٍ. وَوَصَفَ الرَّقِيقَ بِقَوْلِهِ: (لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ) أَيْ بِرَقَبَتِهِ (حَقٌّ لَازِمٌ) : بِأَنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ أَصْلًا أَوْ غَيْرُ لَازِمٍ؛ كَحَقٍّ لِلسَّيِّدِ إسْقَاطُهُ، احْتِرَازًا عَنْ الْمَرْهُونِ وَالْجَانِي وَرَبُّهُ مُعْسِرٌ، وَإِلَّا عَجَّلَ الدَّيْنَ وَالْأَرْشَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَالُ وَرَجَعَ لِلْإِعْسَارِ. قَوْلُهُ: [فَقَبْلَ مُضِيِّ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ] : أَيْ مُدَّةِ خِيَارِ بَيْعِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ بَيْعِ الْحَاكِمِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ فِي الرَّقِيقِ أَكْثَرَ، وَأَمَّا لَوْ اسْتَفَادَ الْمَالَ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ الْخِيَارِ فَلَا رَدَّ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْبَائِعُ السُّلْطَانَ كَمَا صَوَّبَهُ الشَّارِحُ أَوْ الْمُفْلِسُ أَوْ الْغُرَمَاءُ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْبَائِعُ الْغُرَمَاءُ أَوْ الْمُفْلِسُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيُرَدُّ الْبَيْعُ حَتَّى بَعْدَ نُفُوذِهِ أَيْضًا حَيْثُ اسْتَفَادَ الْمَدِينُ مَالًا كَمَا فِي (ح) ذَكَرَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا رَدُّ الصَّبِيِّ وَالسَّيِّدِ فَإِبْطَالٌ] : أَشَارَ ابْنُ غَازِيٍّ إلَى ضَبْطِ جَمِيعِ أَقْسَامِ الرَّدِّ بِقَوْلِهِ: أَبْطِلْ صَنِيعَ الْعَبْدِ وَالسَّفِيهِ ... بِرَدِّ مَوْلَاهُ وَمَنْ يَلِيهِ وَأَوْقِفَنْ فِعْلَ الْغَرِيمِ وَاخْتَلِفْ ... فِي الزَّوْجِ وَالْقَاضِي كَمُبْدَلٍ عُرِفْ قَوْلُهُ: [كَحَقٍّ لِلسَّيِّدِ إسْقَاطُهُ] : أَيْ وَذَلِكَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِهِ لِفُلَانٍ ثُمَّ نَجَّزَ عِتْقَهُ فَإِنَّ عِتْقَهُ صَحِيحٌ مَاضٍ، لِأَنَّهُ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ وَهُوَ الْمُوصَى لَهُ بِهِ إلَّا أَنَّ هَذَا الْحَقَّ غَيْرُ لَازِمٍ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي وَصِيَّتِهِ وَتَنْجِيزُ الْعِتْقِ هُنَا يُعَدُّ رُجُوعًا عَنْهَا.

[صيغة العتق]

(وَصِيغَةٌ) عَطْفٌ عَلَى " الْمُعْتِقُ ". وَهِيَ: إمَّا صَرِيحَةٌ - وَهِيَ مَا لَا تَنْصَرِفْ عَنْ الْعِتْقِ بِنِيَّةِ غَيْرِهِ وَتَنْصَرِفُ عَنْهُ بِقَرِينَةٍ، وَإِمَّا كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ: وَهِيَ مَا لَا تَنْصَرِفُ عَنْهُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَإِمَّا كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ: وَهِيَ مَا لَا تَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ. وَبَدَأَ بِالصَّرِيحَةِ فَقَالَ: (بِعَتَقْتُ) رَقَبَتَك أَوْ عَتَقْتُك (وَفَكَكْت) رَقَبَتَك أَوْ: أَنْتَ مَفْكُوكُ الرَّقَبَةِ (وَحَرَّرْت) كَذَلِكَ. وَلَوْ قَيَّدَ بِزَمَنٍ، فَإِنَّ الْعِتْقَ يَتَأَبَّدُ؛ كَقَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ فِي هَذَا الْيَوْمِ. " وَالْوَاوُ " بِمَعْنَى " أَوْ " وَمَحَلُّ الْعِتْقِ بِالصِّيغَةِ الصَّرِيحَةِ: حَيْثُ كَانَتْ (بِلَا قَرِينَةِ مَدْحٍ) فَإِنْ وُجِدَتْ صَرَفَتْهَا عَنْ الْعِتْقِ؛ كَفِعْلِ الْعَبْدِ فِعْلًا حَسَنًا فَقَالَ سَيِّدُهُ: أَنْتَ حُرٌّ، وَلَمْ يَنْوِ بِهِ الْعِتْقَ بَلْ: أَنْتَ تَفْعَلُ فِعْلَ الْحُرِّ (أَوْ غَيْرَهُ) : أَيْ غَيْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [صِيغَة الْعِتْق] قَوْلُهُ: [وَهِيَ مَا لَا تَنْصَرِفُ عَنْ الْعِتْقِ] إلَخْ: أَيْ مَا لَا تَنْصَرِفُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَلَوْ بِنِيَّةِ صَرْفِهِ. وَقَوْلُهُ: [وَتَنْصَرِفُ عَنْهُ بِقَرِينَةٍ] : بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِدْرَاكِ كَأَنَّهُ قَالَ لَكِنْ تَنْصَرِفُ لِغَيْرِهِ بِقَرِينَةٍ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ مَا لَا تَنْصَرِفُ عَنْهُ] إلَخْ: أَيْ لِغَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ: [إلَّا بِالنِّيَّةِ] : أَيْ أَوْ بِالْقَرِينَةِ بَلْ هِيَ أَوْلَى لِأَنَّهَا تَنْفَعُ فِي الصَّرِيحِ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ مَا لَا تَنْصَرِفُ إلَيْهِ] إلَخْ: هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّرِيحَ هُوَ مَا لَا يَنْصَرِفُ لِلْغَيْرِ وَلَوْ بِالنِّيَّةِ بَلْ بِالْقَرِينَةِ وَالْبِسَاطُ وَالْكِنَايَةُ الظَّاهِرَةُ مَا لَا تَنْصَرِفُ عَنْهُ إلَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ الْقَرِينَةِ وَالْبِسَاطِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ صَرْفُهَا لَهُ عَلَى نِيَّةٍ بَلْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ تَكُونُ لَهُ وَالْخَفِيَّةُ مَا لَا تَنْصَرِفُ لَهُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالطَّلَاقُ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ كَالْعِتْقِ. قَوْلُهُ: [بِعَتَقْتُ] : الْمُنَاسِبُ لِلْمُصَنِّفِ أَعْتَقْت لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ عَتَقَ لَازِمٌ لَا يَنْصِبُ الْمَفْعُولَ بِنَفْسِهِ بَلْ بِالْهَمْزَةِ فَمُسَايَرَةُ الشَّارِحِ لَهُ غَفْلَةٌ عَمَّا قَدَّمَهُ. قَوْلُهُ: [وَالْوَاو بِمَعْنَى أَوْ] : أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَفَكَكْت وَحَرَّرْت. قَوْلُهُ: [بِلَا قَرِينَةِ مَدْحٍ] : أَيْ حَالَ كَوْنِ الصَّرِيحِ مُلْتَبِسًا بِعَدَمِ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى مَدْحِ ذَلِكَ الْعَبْدِ.

الْمَدْحِ، كَقَرِينَةِ ذَمٍّ وَزَجْرٍ كَمُخَالَفَةِ سَيِّدِهِ فَقَالَ: أَنْتَ حُرٌّ: إلَخْ فَلَا يَلْزَمُهُ عِتْقٌ فِي فُتْيَا وَلَا قَضَاءٍ، وَقَرِينَةُ مَكْسٍ؛ فَلَوْ طَلَبَ الْمُكَّاسُ مَكْسَ الْعَبْدِ فَقَالَ سَيِّدُهُ: هُوَ حُرٌّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ حَلَّفَهُ. وَأَشَارَ لِلْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ بِقَوْلِهِ: (وب: كَوَهَبْتُ) لَك نَفْسَك أَوْ خِدْمَتَك أَوْ: عَمَلَك أَوْ: غَلَّتَك طُولَ عُمْرِك، وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ (أَوْ: لَا مِلْكَ) لِي عَلَيْك (أَوْ: لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك) وَلَا يَنْفَعُهُ دَعْوَى أَنَّهُ أَرَادَ غَيْرَ الْعِتْقِ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ (لِجَوَابٍ) لِكَلَامٍ قَبْلَهُ وَقَعَ مِنْ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي إرَادَةِ غَيْرِ الْعِتْقِ. وَأَشَارَ لِلْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ الَّتِي لَا تَنْصَرِفُ لِلْعِتْقِ إلَّا بِنِيَّةٍ بِقَوْلِهِ: (وب: كَاسْقِنِي) الْمَاءَ (وَ) بِقَوْلِهِ لِلْعَبْدِ: (اذْهَبْ) وَأَدْخَلَ بِالْكَافِ كُلَّ كَلَامٍ يَنْوِي بِهِ الْعِتْقَ وَقَوْلُهُ: (إنْ نَوَاهُ بِهِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: (وَبِكَاسْقِنِي) إلَخْ لَا لِمَا قَبْلَهُ عَلِمْت أَنَّ الظَّاهِرَةَ لَا تَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ. فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْعِتْقَ بِنَحْوِ اسْقِنِي، فَلَا عِتْقَ. وَعَلِمْت أَنَّ الظَّاهِرَةَ هُنَا تَنْصَرِفُ عَنْهُ بِالنِّيَّةِ خِلَافًا لِمَا فِي عَبْدِ الْبَاقِي. (وَهُوَ) : أَيْ الْعِتْقُ (فِي خُصُوصِهِ) كَالطَّلَاقِ فَيَلْزَمُ إذَا قَالَ: إنْ مَلَكْت ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَخْ] : أَيْ إلَى آخَرِ الْأَلْفَاظِ الصَّرِيحَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ حَلَّفَهُ] : أَيْ مِنْ جِهَةِ الْعِتْقِ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْيَمِينِ فَإِنْ وُجِدَتْ شُرُوطُ الْإِكْرَاهِ فَلَا حِنْثَ وَإِلَّا فَفِيهِ الْحِنْثُ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَنْفَعُهُ دَعْوَى] إلَخْ: مُقْتَضَى كَوْنِ هَذِهِ الصِّيَغِ مِنْ الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ أَنَّ الدَّعْوَى تَنْفَعُهُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْكِنَايَةَ الظَّاهِرَةَ تَصْرِفُهَا النِّيَّةُ. قَوْلُهُ: [وَأَدْخَلَ بِالْكَافِ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ حَتَّى صَرِيحَ الطَّلَاقِ فَإِذَا قَالَ لِرَقِيقِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إذْ هُوَ أَوْلَى مِنْ اسْقِنِي الْمَاءَ لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ كُلُّ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابٍ لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ قَوْلُهُ: [وَعَلِمْت أَنَّ الظَّاهِرَةَ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَنَا مُقْتَضَى كَوْنِ هَذِهِ الصِّيَغِ إلَخْ. قَوْلُهُ: [فَيَلْزَمُ إذَا قَالَ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَخُصُّ بِمَا عَيَّنَهُ فَيَلْزَمُهُ عِتْقُ مَنْ

عَبْدًا مِنْ الزِّنْجِ أَوْ مِنْ بَلَدِ كَذَا فَهُوَ حُرٌّ. أَوْ: كُلُّ عَبْدٍ مَلَكْته فِي سَنَةِ كَذَا فَهُوَ حُرٌّ؛ فَيَلْزَمُ عِتْقُ مَنْ مَلَكَهُ لِتَخْصِيصِهِ (وَعُمُومِهِ) : كَالطَّلَاقِ؛ فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ فِي قَوْلِهِ كُلُّ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ، لِدَفْعِ الْحَرَجِ فِي التَّعْمِيمِ. (وَ) الْعِتْقُ (فِي مَنْعِ وَطْءٍ أَوْ) فِي مَنْعِ (بَيْعٍ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ) كَالطَّلَاقِ نَحْوَ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَأَمَتِي حُرَّةٌ؛ فَيُمْنَعُ مِنْ وَطْئِهَا وَبَيْعِهَا، أَوْ: فَعَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ؛ فَيُمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ حَتَّى يَفْعَلَ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ. فَإِنْ قُيِّدَ بِأَجَلٍ فَيُمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ وَلَهُ الْوَطْءُ إلَى ضِيقِ الْأَجَلِ بِحَيْثُ لَوْ وَطِئَ لَفَرَغَ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُضَادُّ الْعِتْقَ بِخِلَافِ الْوَطْءِ. وَهُوَ فِي (عِتْقِ بَعْضٍ) : كَالطَّلَاقِ " فَإِذَا قَالَ: نِصْفُك أَوْ رُبُعُك ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مِلْكِهِ وَمَا يَتَجَدَّدُ عَلَّقَهُ أَمْ لَا إذَا لَمْ يُقَيِّدْ بِالْآنِ وَلَا بِأَبَدًا وَنَحْوِهِ، فَإِنْ قَيَّدَ بِالْآنِ كَكُلِّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ مِنْ الصَّقَالِبَةِ الْآنَ حُرٌّ لَزِمَهُ فِيهِ فَقَطْ مُعَلَّقًا أَمْ لَا لَا فِيمَنْ يَتَجَدَّدُ مِنْ الصَّقَالِبَةِ مَثَلًا، وَإِنْ قَيَّدَ بِأَبَدًا وَنَحْوِهِ فَالْعَكْسُ أَيْ فَيَلْزَمُهُ فِيمَنْ يَتَجَدَّدُ لَا فِيمَنْ عِنْدَهُ مُعَلِّقًا فِيهِمَا أَمْ لَا فَالصُّوَرُ سِتٌّ أَفَادَهُ (عب) . قَوْلُهُ: [وَعُمُومُهُ كَالطَّلَاقِ] : أَيْ فِي الْجُمْلَةِ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ وَلَمْ يَقُلْ أَبَدًا وَلَا فِي الْمُسْتَقْبِلِ مُعَلِّقًا لَهُ عَلَى شَيْءٍ كَدُخُولِ الدَّارِ مَثَلًا أَوْ غَيْرَ مُعَلِّقٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ عِتْقُ مَنْ يَمْلِكُهُ حَالَ حَلِفِهِ فَقَطْ لَا فِيمَنْ يَتَجَدَّدُ مِلْكُهُ وَهُوَ يُخَالِفُ: كُلَّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِيمَنْ تَحْتَهُ وَلَا فِيمَنْ يَتَزَوَّجُهَا بَعْدَ ذَلِكَ سَوَاءٌ عَلَّقَهُ أَمْ لَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ لِلْحُرِّيَّةِ، وَأَمَّا إذَا قَيَّدَ بِ أَبَدًا أَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيَسْتَوِي الْبَابَانِ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ لَا فِيمَنْ تَحْتَهُ وَلَا فِي غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ] : أَيْ مُطْلَقَةٌ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِأَجَلٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ وَالْبَيْعِ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ غَيْرِ الْمُقَيَّدَةِ بِأَجَلٍ، وَأَمَّا صِيغَةُ الْبِرِّ فَلَا يُمْنَعُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَأَمَّا صِيغَةُ الْحِنْثِ الْمُقَيَّدَةُ بِأَجَلٍ كَقَوْلِهِ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فِي شَهْرِ كَذَا فَأَمَتِي حُرَّةٌ فَيُمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الْعِتْقَ وَيُضَادُّهُ وَالشَّارِعُ مُتَشَوِّفٌ لَهُ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ لِأَنَّهُ لَا يَقْطَعُ الْعِتْقَ وَلَا يُضَادُّهُ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ فِي عِتْقِ بَعْضٍ] إلَخْ: أَيْ وَيَأْتِي قَوْلُهُ فِي الطَّلَاقِ وَأَدَبِ الْمُجْزِئِ

حُرٌّ عَتَقَ جَمِيعُهُ (أَوْ عُضْوٍ) كَقَوْلِهِ: يَدُك حُرَّةٌ، فَيَعْتِقُ جَمِيعُهُ (وَنَحْوِهِ) كَكَلَامِك أَوْ: شَعْرِكَ، عَتَقَ الْجَمِيعُ لَكِنَّ التَّكْمِيلَ فِي عِتْقِ بَعْضٍ إلَخْ يَحْتَاجُ لِحُكْمِ حَاكِمٍ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، فَالتَّشْبِيهُ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ يَتَكَمَّلُ. (وَ) الْعِتْقُ (فِي تَمْلِيكِهِ) لِلْعَبْدِ أَمْرَ نَفْسِهِ أَوْ تَفْوِيضِهِ لَهُ: كَتَمْلِيكِ الزَّوْجَةِ أَمْرَ نَفْسِهَا. (وَ) هُوَ فِي (جَوَابِهِ كَالطَّلَاقِ) : فَإِذَا قَالَ فِي جَوَابِ سَيِّدِهِ: أَعْتَقْت نَفْسِي فَيَعْتِقُ اتِّفَاقًا؛ كَاخْتَرْتُ نَفْسِي، وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ. فَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ بِ " اخْتَرْت نَفْسِي " فَالْمَذْهَبُ لَا يَعْتِقُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: يَعْتِقُ فَخَالَفَ الزَّوْجَةَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ (إلَّا) الْعِتْقُ (لِأَجَلٍ) فَإِنَّهُ يُخَالِفُ الطَّلَاقَ إذْ مَنْ طَلَّقَ لِأَجَلٍ يُنَجَّزُ عَلَيْهِ وَمَنْ أَعْتَقَ لِأَجَلٍ يَبْلُغُهُ عُمْرُهُ ظَاهِرًا فَلَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْأَجَلُ (أَوْ) قَالَ لِأَمَتَيْهِ: (إحْدَاكُمَا) حُرَّةٌ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ، فَلَيْسَ كَالطَّلَاقِ إذَا قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ فَيُطَلَّقَانِ مَعًا حَيْثُ لَا نِيَّةَ وَأَمَّا فِي الْأَمَتَيْنِ (فَلَهُ الِاخْتِيَارُ) فِي عِتْقِ وَاحِدَةٍ وَإِمْسَاكُ الْأُخْرَى فَإِنْ نَسِيَ مَنْ نَوَاهَا عَتَقَا كَالطَّلَاقِ؛ فَالْمُخَالَفَةُ حَيْثُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي (بْن) أَنَّ التَّجْزِئَةَ فِي الْعِتْقِ مَكْرُوهَةٌ فَقَطْ وَلَا أَدَبَ فِيهَا. قَوْلُهُ: [وَقَالَ أَشْهَبُ يَعْتِقُ] : أَيْ بِقَوْلِهِ اخْتَرْت نَفْسِي وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْعِتْقَ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِاخْتِيَارِهِ نَفْسِهِ إلَّا إرَادَةَ الْعِتْقِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. قَوْلُهُ: [إذْ مَنْ طَلَّقَ لِأَجَلٍ يُنَجَّزُ عَلَيْهِ] : إنَّمَا نَجَّزَ عَلَيْهِ لِأَنَّ بَقَاءَهُ لِلْأَجَلِ يُشْبِهُ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ. قَوْلُهُ: [يَبْلُغُهُ عُمْرُهُ ظَاهِرًا] : قَيَّدَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَحَذَفَهُ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ، وَمَفْهُومُ هَذَا الْقَيْدِ أَنَّهُ إنْ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ لِأَجَلٍ لَا يَبْلُغُهُ عُمْرُهُمَا ظَاهِرًا كَقَوْلِهِ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ فَأَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ طَالِقٌ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: [فَيُطَلَّقَانِ مَعًا] : أَيْ الْآنَ وَلَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ وَاحِدَةٍ وَخَيَّرَهُ الْمَدَنِيُّونَ كَالْعِتْقِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَنَّ الطَّلَاقَ فَرْعُ النِّكَاحِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ فِيهِ الِاخْتِيَارُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتًا يَخْتَارُهَا مِنْ بَنَاتِ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَالْعِتْقُ فَرْعُ الْمِلْكِ وَهُوَ يَجُوزُ فِيهِ الِاخْتِيَارُ فَيَجُوزُ أَنْ تَشْتَرِيَ أَمَةً بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ تَخْتَارَهَا مِنْ إمَاءٍ مُعَيَّنَةٍ.

[العتق بنفس الملك]

لَا نِيَّةَ وَيَسْتَوِي الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ فِي النِّسْيَانِ (أَوْ) إلَّا إنْ قَالَ لِأَمَتِهِ (إنْ حَمَلْت) مِنِّي فَأَنْتِ حُرَّةٌ (فَلَهُ وَطْؤُهَا فِي كُلِّ طُهْرٍ مَرَّةً) حَتَّى تَحْمِلَ فَإِذَا حَمَلَتْ عَتَقَتْ، وَتَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْغَلَّةِ مِنْ يَوْمِ الْوَطْءِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ إذَا قَالَ لَهَا: إنْ حَمَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَلَهُ وَطْؤُهَا مَرَّةً، وَمَتَى وَطِئَهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي حَلَفَ فِيهِ حَنِثَ وَلَوْ كَانَ الْوَطْءُ قَبْلَ يَمِينِهِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ. (وَإِنْ قَالَ) لِأَمَتَيْهِ: (إنْ دَخَلْتُمَا) الدَّارَ مَثَلًا فَأَنْتُمَا حُرَّتَانِ (فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ) مِنْهُمَا الدَّارَ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِمَا) : أَيْ فَلَا تَعْتِقُ الدَّاخِلَةُ وَلَا غَيْرُهَا حَتَّى يَدْخُلَا فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ حَمْلًا عَلَى كَرَاهَةِ الِاجْتِمَاعِ، فَلَوْ دَخَلَتْ وَاحِدَةٌ بَعْدَ أُخْرَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَالزَّوْجَتَانِ فِي هَذَا كُلِّهِ كَالْأَمَتَيْنِ. (وَعَتَقَ بِنَفْسِ الْمِلْكِ) الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ: أَيْ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ بِدُونِ حُكْمِ حَاكِمٍ عَلَى الْمَشْهُورِ (أَصْلُهُ) : أَيْ الْمَالِكِ غَيْرِ الْمَدِينِ نَسَبًا لَا رَضَاعًا وَإِنْ عَلَا؛ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ الْجَدُّ إلَخْ (وَفَرْعُهُ) وَإِنْ سَفُلَ بِالْإِنَاثِ فَأَوْلَى بِالذُّكُورِ (وَإِخْوَتُهُ مُطْلَقًا) : ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ إلَّا إنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ حَمَلْت مِنِّي] إلَخْ: أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهَا كَانَتْ غَيْرَ حَامِلٍ وَأَمَّا إذَا قَالَ لَهَا وَهِيَ حَامِلٌ إنْ حَمَلْت فَأَنْتِ حُرَّةٌ لَمْ تَعْتِقْ إلَّا بِحَمْلٍ مُسْتَأْنَفٍ، وَأَمَّا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْحَامِلِ إنْ حَمَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَفِي بَهْرَامَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُنَجِّزُ طَلَاقَهَا وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ الطَّلَاقَ كَالْعِتْقِ فَلَا تَطْلُقُ إلَّا بِحَمْلٍ مُسْتَأْنَفٍ. قَوْلُهُ: [هَذَا هُوَ الصَّوَابُ] : أَيْ لِاحْتِمَالِ حَمْلِهَا وَلَا يَجُوزُ الْبَقَاءُ عَلَى عِصْمَةٍ مَشْكُوكٍ فِيهَا. قَوْلُهُ: [أَيْ فَلَا تَعْتِقُ الدَّاخِلَةُ] إلَخْ: أَيْ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ دَخَلْت هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا فَإِنَّهَا تَعْتِقُ عَلَى قَاعِدَةِ التَّحْنِيثِ بِالْبَعْضِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ دَخَلْت هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَطْلُقُ عَلَيْهِ إذَا دَخَلَتْ إحْدَاهُمَا أَفَادَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ. [الْعِتْق بِنَفْسِ الْمِلْكِ] قَوْلُهُ: [وَعَتَقَ بِنَفْسِ الْمِلْكِ] : وَيَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونَ الرَّقِيقُ وَالْمَالِكُ مُسْلِمَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَا كَافِرَيْنِ إذْ لَا نَتَعَرَّضُ لَهُمَا إلَّا إذَا تَرَافَعَا إلَيْنَا.

[العتق بالحكم]

وَلَوْ لِأُمٍّ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْعِتْقِ بِالْقَرَابَةِ الرُّشْدُ عَلَى التَّحْقِيقِ. (لَا) يَعْتِقُ بِالْمِلْكِ (ابْنُ أَخٍ وَعَمٍّ) فَقَدْ تَوَسَّطَ الْمَالِكِيَّةُ فِي قِيَاسِ الْحَاشِيَةِ الْقَرِيبَةِ وَمَحَلِّ الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ لِلْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَالْحَاشِيَةِ الْقَرِيبَةِ. (إلَّا) أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ (بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَخْ دَيْنًا (فَيُبَاعُ) فِي الدَّيْنِ وَلَا يَعْتِقُ، وَلَوْ عَلِمَ بَائِعُهُ أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَتَقَ بِنَفْسِ الْمِلْكِ وَلَوْ كَانَ الشِّرَاءُ مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ وَيَكُونُ فَوْتًا وَفِيهِ الْقِيمَةُ عَلَى التَّحْقِيقِ. (وَ) عَتَقَ (بِالْحُكْمِ) لَا بِمُجَرَّدِ التَّمْثِيلِ فَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ حُكْمٌ فَلَا يَعْتِقُ وَبَيْعُهُ صَحِيحٌ (إنْ تَعَمَّدَ) السَّيِّدُ (مُثْلَةً) وَهَلْ يُؤَدَّبُ مَعَ الْعِتْقِ قَوْلَانِ: وَيَدُلُّ عَلَى تَعَمُّدِ الْمُثْلَةِ إقْرَارُهُ أَوْ قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ. وَاحْتَرَزَ عَنْ الْخَطَأِ؛ فَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ لِلسَّيِّدِ فِي نَفْيِ الْعَمْدِ مَا لَمْ يُعْلَمْ عَدَاهُ (بِرَقِيقِهِ) وَلَوْ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُكَاتَبَهُ وَيَرْجِعُ بَعْدَ عِتْقِهِ بِفَضْلِ الْأَرْشِ عَلَى كِتَابَتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَلَى التَّحْقِيقِ] : أَيْ كَمَا أَفَادَهُ (بْن) خِلَافًا لِمَا فِي الْأَصْلِ وَ (عب) . قَوْلُهُ: [فِي قِيَاسِ الْحَاشِيَةِ الْقَرِيبَةِ] : أَيْ عَلَى الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ: [وَالْحَاشِيَةُ الْقَرِيبَةُ] : الْمُرَادُ بِهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ وَمَحَلُّ عَدَمِ عِتْقِ الْحَاشِيَةِ الْبَعِيدَةِ بِالْقَرَابَةِ كَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ مَا لَمْ يُولِدْهَا جَاهِلًا بِقَرَابَتِهَا لَهُ وَإِلَّا فَيُنَجَّزُ عِتْقُهَا؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ أُمِّ وَلَدٍ حَرُمَ وَطْؤُهَا تَنَجَّزَ عِتْقُهَا أَفَادَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [وَفِيهِ الْقِيمَةُ] : قَدْ يُقَالُ حَيْثُ كَانَ مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ يَكُونُ فَوْتُهُ بِالثَّمَنِ لَا بِالْقِيمَةِ وَأَمَّا الْمُجْمَعُ عَلَى فَسَادِهِ فَأَفَادَ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ لَا يَنْقُلُ مِلْكًا اُنْظُرْ (بْن) وَلَا يَعْتِقُ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّهِ وَفِي الْمُوَاضَعَةِ بَعْدَ رُؤْيَةِ الدَّمِ. [الْعِتْقِ بِالْحُكْمِ] قَوْلُهُ: [وَبَيْعُهُ صَحِيحٌ] : أَيْ مَاضٍ. قَوْلُهُ: [مُثْلَةً] : هِيَ بِمُثَلَّثَةٍ. قَوْلُهُ: [وَهَلْ يُؤَدَّبُ] : قَدْ يُقَالُ أَدَبُهُ مَعَ الْعِتْقِ يُلْزِمُ عَلَيْهِ اجْتِمَاعَ عُقُوبَتَيْنِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْهُودِ فِي الْحُدُودِ. قَوْلُهُ: [وَيَرْجِعُ بَعْدَ عِتْقِهِ بِفَضْلِ الْأَرْشِ] إلَخْ: أَيْ يَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ بِمَا يَزِيدُهُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ، وَأَمَّا إنْ زَادَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى أَرْشِ الْجِنَايَةِ

(أَوْ رَقِيقِ رَقِيقِهِ) : الَّذِي لَهُ نَزْعُ مَالِهِ احْتِرَازًا عَنْ رَقِيقِ مُكَاتَبِهِ. (أَوْ) مَثَّلَ (بِرَقِيقِ مَحْجُورِهِ) كَانَ الْمَحْجُورُ وَلَدًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا سَفِيهًا. أَمَّا الْكَبِيرُ الرَّشِيدُ فَكَالْأَجْنَبِيِّ (أَوْ غَيْرِ مَحْجُورٍ) فَاعِلُ تَعَمَّدَ يَحْتَرِزُ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ وَالْعَبْدِ فَإِنَّهُ إذَا مَثَّلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِرَقِيقِهِ فَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ. (وَ) غَيْرُ (ذِمِّيٍّ) مَثَّلَ (بِمِثْلِهِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ بَعْدَهَا: ضَمِيرٌ عَائِدٌ عَلَى الذِّمِّيِّ فَمَنْطُوقُهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ فِيهَا الْعِتْقُ: تَمْثِيلُ مُسْلِمٍ بِعَبْدِهِ الذِّمِّيِّ، أَوْ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ، وَتَمْثِيلُ ذِمِّيٍّ بِعَبْدِهِ الْمُسْلِمِ. وَمَفْهُومُهُ صُورَةٌ: وَهِيَ ذِمِّيٌّ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ الذِّمِّيِّ. (كَقَطْعِ ظُفْرٍ) شُرُوعٌ فِي الْأَمْثِلَةِ الَّتِي تُوجِبُ الْحُكْمَ بِالْعِتْقِ وَكَانَ مُثْلَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُفُهُ غَالِبًا إلَّا بَعْضُهُ وَهُوَ شَيْنٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ سَاوَتْ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَعَلَّ جَعْلَهُمْ الرُّجُوعَ بِزِيَادَةِ الْأَرْشِ لِتَنْزِيلِهِ حِينَئِذٍ مَنْزِلَةَ الْحُرِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [احْتِرَازًا عَنْ رَقِيقِ مُكَاتَبِهِ] : أَيْ فَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ أَرْشُ جِنَايَتِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُثْلَتُهُ مُفِيتَةً لِلْمَقْصُودِ مِنْ ذَلِكَ الْعَبْدِ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [أَمَّا الْكَبِيرُ الرَّشِيدُ] إلَخْ: أَيْ فَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَيَغْرَمُ لِصَاحِبِهِ أَرْشَ الْجِنَايَاتِ إلَّا أَنْ يُبْطِلَ مَنَافِعَهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ وَيَغْرَمُ لِصَاحِبِهِ قِيمَتَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي رَقِيقِ مُكَاتَبِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُثْلَةَ لَيْسَتْ مِنْ خَوَاصِّ الْعِتْقِ فَلَوْ مَثَّلَ بِزَوْجَتِهِ كَانَ لَهَا الرَّفْعُ لِلْحَاكِمِ فَتُثْبِتُ ذَلِكَ وَتَطْلُقُ عَلَيْهِ لِأَنَّ لَهَا التَّطْلِيقَ بِالضَّرَرِ وَلَوْ لَمْ تَشْهَدْ الْبَيِّنَةُ بِتَكَرُّرِهِ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ إذَا مَثَّلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ] إلَخْ: أَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَلَا يَلْزَمُهُمَا عِتْقٌ بِالْمُثْلَةِ اتِّفَاقًا لِوُجُوبِ حِفْظِ مَالِهِمَا وَكَذَا السَّفِيهُ عَلَى الرَّاجِحِ لِوُجُوبِ حِفْظِ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ يُؤَدَّبُ لِذَلِكَ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلِأَنَّ فِي الْعِتْقِ زِيَادَةً فِي إتْلَافِ مَالِ السَّيِّدِ. قَوْلُهُ: [وَمَفْهُومُهُ صُورَةٌ] إلَخْ: أَيْ لَا عِتْقَ فِيهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعَاهِدَ لَيْسَ كَالذِّمِّيِّ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ بَلْ إذَا مَثَّلَ بِعَبْدِهِ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ مُسْلِمًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مُلْتَزِمًا لِأَحْكَامِنَا فَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُ (أَفَادَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَكَانَ مُثْلَةً] : أَيْ وَإِنَّمَا كَانَ قَلْعُ الظُّفْرِ مُثْلَةً إلَخْ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ لَا يَخْلُفُهُ غَالِبًا إلَّا بَعْضُهُ] : الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الظُّفْرِ أَيْ

(أَوْ سِنٍّ) قَلَعَهَا أَوْ بَرَدَهَا بِالْمِبْرَدِ حَتَّى أَذْهَبَ مَنْفَعَتَهَا. (أَوْ قَطَعَ بَعْضَ أُذُنٍ) : أَوْ شَرَطَهَا. (أَوْ) قَطَعَ بَعْضَ (جَسَدٍ) : مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ؛ فَيَشْمَلُ الْجَبَّ وَالْخِصَاءَ وَلَوْ قَصَدَ زِيَادَةَ الثَّمَنِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ لِلْعِتْقِ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ. (أَوْ خَرَمَ أَنْفًا) فَإِنَّهُ يَكُونُ مُثْلَةً يَعْتِقُ بِهِ؛ إلَّا لِزِينَةٍ كَجَعْلِ خِزَامٍ فِيهِ لِلْأُنْثَى وَهَلْ حَلْقُ شَعْرِ رَأْسِ الْعَلِيَّةِ وَلِحْيَةِ عَبْدٍ نَبِيلٍ - كَتَاجِرٍ - مُثْلَةً يَعْتِقُ بِهِ؟ وَهُوَ مَا فِي الْأَصْلِ، وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ، أَوَّلًا؟ لِسُرْعَةِ عَوْدِهِمَا لِأَصْلِهِمَا، وَرَجَّحَهُ عَبْدُ الْبَاقِي وَالْمُصَنِّفُ فِي الشَّارِحِ وَلِذَا حَذَفَهُ هُنَا. (أَوْ وَسْمٍ بِنَارٍ) بِأَيِّ عُضْوٍ (أَوْ بِوَجْهٍ وَلَوْ بِغَيْرِهَا) : أَيْ بِغَيْرِ النَّارِ كَوَسْمٍ بِإِبْرَةٍ بِمِدَادٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ أَيْضًا أَنَّهُ مُثْلَةٌ يَعْتِقُ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ لِلزِّينَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْغَالِبُ أَنَّ الظُّفْرَ إذَا زَالَ لَا يَعُودُ كُلُّهُ بَلْ بَعْضُهُ. قَوْلُهُ: [أَوْ بِرَدِّهَا] : تَبِعَ فِي ذَلِكَ خَلِيلًا وَشُرَّاحَهُ قَالَ (بْن) لَمْ يَذْكُرْ اللَّخْمِيُّ وَعِيَاضٌ وَابْنُ عَرَفَةَ وَالتَّوْضِيحُ الْخِلَافَ إلَّا فِي قَلْعِ السِّنِّ أَوْ السِّنَّيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِذَلِكَ فِي بَرْدِ الْوَاحِدَةِ أَوْ الِاثْنَيْنِ (اهـ) إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَذَكَرَ خَلِيلٌ لَهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عَلَى الْقَلْعِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ قَصَدَ زِيَادَةَ الثَّمَنِ] : أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ أَبِي زَمَنِينَ وَابْنِ أَبِي زَيْدٍ كَذَا قَالَ (ح) ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ إذَا خَصَاهُ لِيَزِيدَ ثَمَنَهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ بِإِجْمَاعٍ أَفَادَهُ (بْن) . قَوْلُهُ: [لِلْعِتْقِ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ] : الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ لِأَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ. قَوْلُهُ: [وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ] : نَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ رَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ حَلْقُ لِحْيَةِ الْعَبْدِ النَّبِيلِ وَرَأْسِ الْأَمَةِ الرَّفِيعَةِ مُثْلَةٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا وَلَمْ يَذْكُرْ مُقَابِلًا لَهُ قَالَهُ (بْن) . قَوْلُهُ: [أَوْ وَسْمٍ بِنَارٍ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْوَسْمَ بِالنَّارِ إذَا كَانَ مُجَرَّدَ عَلَامَةٍ فَلَا يَكُونُ مُثْلَةً فِي الْوَجْهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ كِتَابَةً ظَاهِرَةً أَوْ غَيْرَ كِتَابَةٍ وَكَانَ مُتَفَاحِشًا فَإِنْ كَانَ فِي الْوَجْهِ فَمُثْلَةٌ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ فَقَوْلَانِ مُتَسَاوِيَانِ

[إعتاق جزء وتكميل العتق في الباقي]

(وَ) عَتَقَ بِالْحُكْمِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ: يَكْمُلُ بِنَفْسِ الْعِتْقِ وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْبَاقِي لَهُ لَمْ يَحْتَجْ لِحَاكِمٍ (جَمِيعُهُ) : أَيْ الرَّقِيقُ (إنْ أَعْتَقَ) السَّيِّدُ (جُزْءًا) مِنْ رَقِيقِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ قِنٍّ أَوْ مُدَبَّرٍ أَوْ مُعْتَقٍ لِأَجَلٍ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ (وَالْبَاقِي لَهُ) : أَيْ لِلسَّيِّدِ الْمُعْتِقِ لِلْجُزْءِ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا (كَأَنْ بَقِيَ لِغَيْرِهِ) : بِأَنْ كَانَ الرَّقِيقُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ، فَإِذَا أَعْتَقَ بَعْضُهُمْ نَصِيبَهُ فَيَعْتِقُ بَاقِيهِ وَهُوَ حِصَّةُ الشَّرِيكِ عَلَى مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ. (بِقِيمَتِهِ) وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ (يَوْمَهُ) أَيْ يَوْمَ الْحُكْمِ لَا يَوْمَ الْعِتْقِ، وَقَوْلُهُ: (إنْ دَفَعَهَا) : أَيْ مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ، لَيْسَ الدَّفْعُ بِالْفِعْلِ شَرْطًا فِي عِتْقِ حِصَّةِ الشَّرِيكِ، بَلْ يَعْتِقُ وَيَلْزَمُهُ الْقِيمَةَ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهَا بِالْفِعْلِ. (وَ) شَرَطَ التَّكْمِيلَ عَلَيْهِ إنْ (كَانَ) الْمُعْتِقُ لِنَصِيبِهِ (مُسْلِمًا أَوْ) لَمْ يَكُنْ الْمُعْتِقُ لِلْجُزْءِ مُسْلِمًا وَلَا شَرِيكَهُ لَكِنَّ (الْعَبْدَ) مُسْلِمًا نَظَرًا لِحَقِّ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ، فَلَوْ كَانَ الْجَمِيعُ الْمُعْتِقُ وَشَرِيكُهُ وَالْعَبْدُ كُفَّارًا فَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا أَفَادَهُ (بْن) . [إعْتَاق جُزْء وَتَكْمِيل الْعِتْق فِي الْبَاقِي] قَوْلُهُ: [عَلَى الْمَشْهُورِ] : أَيْ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ: [جَمِيعُهُ] : فِيهِ مُسَامَحَةٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُتَوَقِّفَ عَلَى الْحُكْمِ بَقِيَّتُهُ لَا جَمِيعُهُ. قَوْلُهُ: [وَالْبَاقِي لَهُ] : جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنْ فَاعِلِ أَعْتَقَ. قَوْلُهُ: [أَوْ مُعْسِرًا] : أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ يَسْتَغْرِقُ الْبَاقِي مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ الْبَاقِي بِالْحُكْمِ. قَوْلُهُ: [لَا يَوْمَ الْعِتْقِ] : أَيْ لِحِصَّتِهِ. قَوْلُهُ: [لَيْسَ الدَّفْعُ بِالْفِعْلِ شَرْطًا] : أَيْ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ دَفْعُهَا بِالْقُوَّةِ بِأَنْ يَكُونَ مُوسِرًا بِهَا. قَوْلُهُ: [إنْ كَانَ الْعِتْقُ لِنَصِيبِهِ مُسْلِمًا] : أَيْ كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا وَالشَّرِيكُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَدَارُ عَلَى إسْلَامِ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ كَذَا قِيلَ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الشَّارِحِ، وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ الَّذِي نَقَلَهُ الْخَرَشِيُّ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إسْلَامُ الشَّرِيكِ فِي الْحُكْمِ بِالْعِتْقِ حَيْثُ كَانَ الْمُعْتِقُ وَالْعَبْدُ كَافِرَيْنِ.

إلَّا أَنْ يَرْضَى الشَّرِيكَانِ بِحُكْمِنَا. (وَ) شَرْطُ التَّكْمِيلِ أَيْضًا: إنْ (أَيْسَرَ) مُعْتِقُ الْجُزْءِ (بِهَا) : أَيْ بِقِيمَةِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ جَمِيعُهَا (أَوْ) أَيْسَرَ (بِبَعْضِهَا) فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ مِنْ حِصَّةِ شَرِيكِهِ بِقَدْرِ مَا أَيْسَرَ بِهِ فَقَطْ وَلَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ مَا أَعْسَرَ بِهِ فَقَطْ وَلَوْ رَضِيَ شَرِيكُهُ بِاتِّبَاعِ ذِمَّتِهِ. وَيُعْرَفُ عُسْرُهُ بِعَدَمِ ظُهُورِ مَالٍ لَهُ، وَيَسْأَلُ عَنْهُ جِيرَانَهُ وَمَنْ يَعْرِفُهُ. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا لَهُ مَالًا حَلَفَ وَلَا يُسْجَنُ. (وَ) أَيْسَرَ بِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا بِأَنْ (فَضَلَتْ) قِيمَةُ حِصَّةِ الْغَيْرِ (عَنْ مَتْرُوكِ الْمُفْلِسِ) : فَلَيْسَ قَوْلُهُ: " وَفَضَلَتْ " شَرْطًا مُسْتَقِلًّا كَمَا قَالَهُ فِي الشَّارِحِ بِأَنْ زَادَتْ عَنْ قُوَّتِهِ وَقُوَّةِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ لِظَنِّ الْيَسَارِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهِ الْكِسْوَةُ الزَّائِدَةُ وَالدَّارُ إلَخْ. (وَ) شَرْطُ عِتْقِ حِصَّةِ الشَّرِيكِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ (عِتْقُهُ) : أَيْ الْجُزْءِ بِاخْتِيَارِهِ (لَا) إنْ كَانَ عَتَقَ عَلَيْهِ جَبْرًا كَدُخُولِ جُزْءِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فِي مِلْكِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَرْضَى الشَّرِيكَانِ بِحُكْمِنَا] : أَيْ فَإِنْ رَضِيَا بِهِ نَظَرَ فَإِنْ أَبَانَ الْمُعْتِقُ الْعَبْدَ أَيْ أَبْعَدَهُ عَنْهُ وَلَمْ يُؤْوِهِ عِنْدَهُ حُكِمَ بِالتَّقْوِيمِ كَمَا فِي عِتْقِ الْكَافِرِ عَبْدَهُ الْكَافِرَ ابْتِدَاءً وَإِنْ لَمْ يُبِنْهُ فَلَا يُحْكَمُ بِتَقْوِيمِهِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ إذَا رَضِيَا بِحُكْمِنَا يُحْكَمُ عَلَيْهِمَا بِالتَّقْوِيمِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الشَّارِحِ كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ (عب) . قَوْلُهُ: [إنْ أَيْسَرَ مُعْتِقُ الْجُزْءِ بِهَا] : لَا يُقَالُ هَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ إنْ دَفَعَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّفْعِ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ بِالْفِعْلِ لِاسْتِلْزَامِهِ لِلْيَسَارِ بِهَا لِأَنَّنَا نَقُولُ الِاسْتِلْزَامُ مَمْنُوعٌ، إذْ قَدْ يَدْفَعُهَا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُوسِرٍ بِهَا، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا بِهَا فَلَا يَكْمُلُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [حَلَفَ وَلَا يُسْجَنُ] : أَيْ عَلَى مَا قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَنَقَلَ سَحْنُونَ عَنْ بَاقِي الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ. قَوْلُهُ: [فَلَيْسَ قَوْلُهُ وَفَضَلَتْ شَرْطًا] : أَيْ بَلْ الْوَاوُ حَالِيَّةٌ. قَوْلُهُ: [وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهِ الْكِسْوَةُ] : أَيْ تَقَدَّمَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَتَرَكَ لَهُ قُوتَهُ وَالنَّفَقَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ.

(بِإِرْثٍ) فَإِنَّهُ لَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ وَلَا يَعْتِقُ جُزْءُ الشَّرِيكِ وَلَوْ كَانَ مَنْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ الْجُزْءُ جَبْرًا مَلِيًّا (وَ) يُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ (ابْتَدَأَ الْعِتْقَ) فِي الرَّقَبَةِ (لَا إنْ كَانَ) الرَّقِيقُ (حُرَّ الْبَعْضِ) قَبْلَ عِتْقِ الْجُزْءِ فَلَا يُقَوَّمُ عَلَى مَنْ أَعْتَقَ الْجُزْءَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِئْ الْعِتْقَ مَثَلًا: كَانَتْ الرَّقَبَةُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ فَأَعْتَقَ وَاحِدٌ حِصَّتَهُ، ثُمَّ أَعْتَقَ الثَّانِي حِصَّتَهُ، فَلَا يُقَوَّمُ عَلَى الثَّانِي نَصِيبُ الثَّالِثِ وَلَوْ كَانَ الثَّانِي مَلِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِئْ الْعِتْقَ بَلْ عَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَعَلِمَ أَنَّهُ الْأَوَّلَ. (وَقُوِّمَ) الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ عَلَى الشَّرِيكِ الْمُعْتِقِ (كَامِلًا) إذْ فِي تَقْوِيمِ الْبَعْضِ ضَرَرٌ عَلَى الشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ (بِمَالِهِ) : أَيْ مَعَ مَالِهِ وَوَلَدِهِ مِنْ أَمَتِهِ وَالتَّقْوِيمُ إنَّمَا يَكُونُ (بَعْدَ امْتِنَاعِ شَرِيكِهِ مِنْ الْعِتْقِ) فَيُؤْمَرُ شَرِيكُهُ بِعِتْقِ حِصَّتِهِ مِنْ غَيْرِ جَبْرٍ، فَإِنْ امْتَنَعَ قُوِّمَ عَلَى مَنْ أَعْتَقَ حِصَّتَهُ (إنْ كَانَ) أَعْتَقَ حِصَّتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِإِرْثٍ] : مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَنَّهُ يَكْمُلُ عَلَيْهِ الْجُزْءُ الْآخَرُ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ قُدُومَهُ عَلَى الشِّرَاءِ وَعَلَى قَبُولِ الْهِبَةِ يُعَدُّ عِتْقًا اخْتِيَارِيًّا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [أَنْ يَكُونَ ابْتَدَأَ الْعِتْقَ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ شُرُوطَ تَقْوِيمِ الْبَاقِي عَلَى الشَّرِيكِ الْمُعْتِقِ خَمْسَةٌ إنْ قَوِيَ عَلَى دَفْعِ الْقِيمَةِ وَكَانَ الْمُعْتِقُ أَوْ الْمَعْتُوقُ مُسْلِمًا وَأَيْسَرَ بِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا وَكَانَ الْعِتْقُ اخْتِيَارًا لَهُ وَابْتَدَأَهُ. قَوْلُهُ: [كَانَتْ الرَّقَبَةُ] : الْمُنَاسِبُ كَأَنْ كَانَتْ الرَّقَبَةُ لِأَنَّهُ تَصْوِيرٌ لِلْمِثَالِ. قَوْلُهُ: [كَامِلًا] : أَيْ عَلَى أَنَّهُ رَقِيقٌ لَا عِتْقَ فِيهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَقَ بَعْضُهُ يُقَوَّمُ عَلَى الْمُعْتَقِ كَامِلًا مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَعْتَقَ بَعْضَهُ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ أَمْ لَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ نِصْفُهُ مَثَلًا عَلَى أَنَّ النِّصْفَ الثَّانِي حُرٌّ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ، وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: إنْ أَعْتَقَ شَرِيكُهُ بِإِذْنِهِ فَكَقَوْلِ أَحْمَدَ، وَإِنْ أَعْتَقَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَكَالْمَشْهُورِ وَهَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَيَنْبَغِي عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ لَلشَّرِيكِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُعْتِقِ بِقِيمَةِ عَيْبِ نَقْصِ الْعِتْقِ إذَا مَنَعَ الْإِعْسَارُ مِنْ التَّقْوِيمِ عَلَيْهِ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ (اهـ بْن) . قَوْلُهُ: [بِمَالِهِ] : أَيْ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ بَعْضُهُ بِمَنْعِ انْتِزَاعِ مَالِهِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ فَلِذَا وَجَبَ تَقْوِيمُهُ مَعَ مَالِهِ وَيُعْتَبَرُ مَالُهُ يَوْمَ تَقْوِيمِهِ عَلَى الْمُعْتِقِ الْكَائِنِ فِي مَحَلِّ الْعِتْقِ

[أثر العتق في البيع]

(بِغَيْرِ إذْنِهِ) : أَيْ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ الْمُمْتَنِعِ عَنْ الْعِتْقِ (وَمَلَكَاهُ) : أَيْ الشَّرِيكَانِ مَعًا. (وَنُقِضَ لَهُ) : أَيْ لِلْعِتْقِ (بَيْعٌ) : أَيْ الْبَيْعُ الصَّادِرُ مِنْ الثَّانِي الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ، وَكَذَا مِمَّنْ بَعْدَهُ سَوَاءٌ عَلِمَ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ وَبَاعَ بِعِتْقِ شَرِيكِهِ قَبْلَ الْبَيْعِ أَمْ لَا مَا لَمْ يُعْتِقْهُ الْمُشْتَرِي. (وَ) نُقِضَ (تَدْبِيرٌ) : أَيْ تَدْبِيرُ الثَّانِي وَيُقَوَّمُ أَيْضًا قِنًّا. (وَ) نُقِضَتْ (كِتَابَةٌ) : أَيْ كِتَابَةٌ صَدَرَتْ مِنْ الثَّانِي وَيُقَوَّمُ أَيْضًا. (وَ) نُقِضَ (تَأْجِيلٌ) : أَيْ إذَا أَعْتَقَهُ الثَّانِي لِأَجَلٍ، فَإِنَّهُ يُنْقَضُ وَيُقَوَّمُ عَلَى الْمُعْتِقِ الْأَوَّلِ قِنًّا فَلَوْ دَبَّرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَوَّلًا، ثُمَّ أَعْتَقَ الثَّانِي بَتًّا قُوِّمَ نَصِيبُ الْمُدَبَّرِ عَلَى مَنْ أَعْتَقَ بَتًّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِذَا كَانَ لَهُ حِينَ التَّقْوِيمِ مَالٌ مَوْجُودٌ بِمِصْرَ وَمَالٌ بِمَكَّةَ اُعْتُبِرَ الْمَالُ الْمَوْجُودُ فِي مَحَلِّ الْعِتْقِ دُونَ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [وَمَلَكَاهُ] : أَيْ الشَّرِيكَانِ مَعًا أَيْ وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَيَاهُ فِي صَفْقَتَيْنِ فَلَا يُقَوَّمُ كَامِلًا وَمَحِلُّهُ أَيْضًا مَا لَمْ يُبَعِّضْ الثَّانِي حِصَّتَهُ بِأَنْ يُعْتِقَ الثَّانِي بَعْضَ حِصَّتِهِ بَعْدَ عِتْقِ الْأَوَّلِ جَمِيعَ حِصَّتِهِ أَوْ بَعْضَهَا فَيُقَوَّمُ عَلَى الْأَوَّلِ الْبَعْضُ الْبَاقِي مِنْ حِصَّةِ الثَّانِي فَقَطْ؛ لِأَنَّ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا يُقَوَّمُ عَلَيَّ كَامِلًا إذَا كَانَ الْوَلَاءُ كُلُّهُ لِي. [أثر الْعِتْق فِي الْبَيْع] قَوْلُهُ: [وَكَذَا مِمَّنْ بَعْدَهُ] : لَا يُقَالُ الْبَيْعُ مِنْ مُفَوِّتَاتِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِأَنَّنَا نَقُولُ لَا يَكُونُ مُفَوِّتًا إلَّا إذَا كَانَ الْبَيْعُ الثَّانِي صَحِيحًا وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فَاسِدًا لِلْغَرَرِ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ قَدْ وَجَبَ فِيهِ قَبْلُ فَدَخَلَ الْمُشْتَرِي عَلَى قِيمَةٍ مَجْهُولَةٍ. قَوْلُهُ: [بِعِتْقِ شَرِيكِهِ] : مُتَعَلِّقٌ بِعَلِمَ. قَوْلُهُ: [مَا لَمْ يُعْتِقْهُ الْمُشْتَرِي] : أَيْ أَوْ يَفُوتُ بِمُفَوِّتٍ مِنْ مُفَوِّتَاتِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَتَغَيُّرِ سُوقٍ أَوْ بَدَنٍ أَوْ زِيَادَةِ مَالٍ أَوْ حُدُوثِ وَلَدٍ لَهُ مِنْ أَمَتِهِ فَإِذَا حَصَلَ فِي الْعَبْدِ مُفَوِّتٌ مِمَّا ذُكِرَ فَلَا يُنْقَضُ الْبَيْعُ فِي الْجُزْءِ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ الْجُزْءَ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ ثُمَّ يَدْفَعُ الْمُعْتِقُ الْقِيمَةَ لَهُ لِيُكْمِلَ عَلَيْهِ عِتْقَ جَمِيعِهِ أَفَادَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ.

وَ (لَا) تُنْقَضُ (هِبَةٌ) صَدَرَتْ مِنْ الثَّانِي بَلْ الْقِيمَةُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ. (وَ) لَا تُنْقَضُ (صَدَقَةٌ) صَدَرَتْ مِنْ الثَّانِي بِحِصَّةٍ لِشَخْصٍ. (وَإِنْ ادَّعَى) الْمُعْتِقُ عِنْدَ التَّقْوِيمِ (عَيْبَهُ) الْخَفِيَّ كَسَرِقَةٍ وَادَّعَى شَرِيكُهُ نَفْيَ الْعَيْبِ (فَلَهُ) : أَيْ لِمَنْ أَعْتَقَ حِصَّتَهُ (تَحْلِيفُهُ) فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْعَيْبَ، فَإِنْ حَلَفَ قُوِّمَ سَلِيمًا مِنْ عَيْبٍ نَحْوِ السَّرِقَةِ وَلِإِبَاقٍ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَقُوِّمَ مَعِيبًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا تَنْقُضُ هِبَةٌ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ إذَا حَصَلَتَا مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بَعْدَ عِتْقِ الْآخَرِ فَإِنَّهُمَا يَمْضِيَانِ وَلَا يَنْقُضَانِ وَكَانَتْ الْقِيمَةُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَا لَمْ يَحْلِفْ الْوَاهِبُ أَوْ الْمُتَصَدِّقُ أَنَّهُ مَا وَهَبَ أَوْ مَا تَصَدَّقَ لِتَكُونَ الْقِيمَةُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا كَذَا قَالُوا هُنَا. قَوْلُهُ: [وَإِنْ ادَّعَى الْمُعْتِقُ] إلَخْ: ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ سَوَاءٌ ادَّعَى عِلْمَ شَرِيكِهِ بِالْعَيْبِ أَمْ لَا، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الْبَاجِيِّ لَوْ ادَّعَى الْمُعْتِقُ عَيْبًا بِالْعَبْدِ وَأَنْكَرَهُ شَرِيكُهُ فَفِي وُجُوبِ حَلِفِهِ قَوْلَانِ؛ فَتَقْيِيدُ الشَّارِحِ لَهُ بِالْعِلْمِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى. تَتِمَّةٌ: إنْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ فِي عِتْقِ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ، لَكِنْ أَجَازَ عِتْقَهُ قُوِّمَ نَصِيبُ الشَّرِيكِ فِي مَالِ السَّيِّدِ الْأَعْلَى لِأَنَّهُ الْمُعْتِقُ حَقِيقَةً حَيْثُ أَذِنَ أَوْ أَجَازَ وَالْوَلَاءُ لَهُ فَإِنْ كَانَ عِنْدَ السَّيِّدِ مَا يَفِي بِالْقِيمَةِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ اُحْتِيجَ لِبَيْعِ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ بِالْكَسْرِ لِعَدَمِ مَا يَفِي بِالْقِيمَةِ عِنْدَ سَيِّدِهِ بِيعَ ذَلِكَ الْمُعْتَقُ لِيُوَفِّيَ مِنْهُ قِيمَةَ شَرِيكِهِ بَلْ وَيَجُوزُ لِسَيِّدِهِ بَيْعُهُ لِلْوَفَاءِ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَالِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ يَشَاءُ بَلْ وَيَجُوزُ لِلْمَعْتُوقِ شِرَاؤُهُ، إذَا بِيعَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَثِيرًا مَا تَقَع فِي الْمُعَايَاةِ، فَيُقَالُ فِي أَيْ مَوْضِعٍ يُبَاعُ السَّيِّدُ فِي عِتْقِ عَبْدِهِ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى قَالَ بَعْضُهُمْ: يَحِقُّ لِجَفْنِ الْعَيْنِ إرْسَالَ دَمْعِهِ ... عَلَى سَيِّدٍ قَدْ بِيعَ فِي عِتْقِ عَبْدِهِ وَمَا ذَنْبُهُ حَتَّى يُبَاعَ وَيُشْتَرَى ... وَقَدْ بَلَغَ الْمَمْلُوكُ غَايَةَ قَصْدِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَمْلِكُهُ بِالْبَيْعِ إنْ شَاءَ فَاعْلَمَنْ ... كَذَا حَكَمُوا وَالْعَقْلُ قَاضٍ بِرَدِّهِ فَهَذَا دَلِيلُ أَنَّهُ لَيْسَ مُدْرِكًا ... لِحُسْنٍ وَلَا قُبْحٍ فَقِفْ عِنْدَ حَدِّهِ وَمَفْهُومُ قَوْلِنَا إنْ أَذِنَ أَوْ أَجَازَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ السَّيِّدُ حَتَّى أَعْتَقَ الْعَبْدَ الَّذِي أَعْتَقَ الْجُزْءَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ السَّيِّدُ لَمْ يَسْتَثْنِ مَالَ ذَلِكَ الْعَبْدِ الَّذِي أَعْتَقَ الْجُزْءَ نَفَذَ عِتْقُ الْعَبْدِ لِلْجُزْءِ وَكَانَ الْوَلَاءُ لِلْعَبْدِ دُونَ السَّيِّدِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ السَّيِّدُ اسْتَثْنَى مَالَهُ بَطَلَ عِتْقُ الْعَبْدِ لِلْجُزْءِ.

[باب في التدبير]

بَابٌ فِي التَّدْبِيرِ وَأَحْكَامِهِ (نُدِبَ التَّدْبِيرُ) : لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْعِتْقِ. (وَأَرْكَانُهُ كَالْعِتْقِ) مُدَبِّرٌ، وَمُدَبَّرٌ، وَصِيغَةٌ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ تَعْلِيقُ مُكَلَّفٍ) : فَلَا يَكُونُ مِنْ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا مُكْرَهٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي التَّدْبِيرِ] [أَرْكَان التَّدْبِيرِ] بَابٌ: هُوَ فِي اللُّغَةِ النَّظَرُ فِي عَاقِبَةِ الْأَمْرِ وَالتَّفَكُّرُ فِيهِ، وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي التَّنْبِيهَاتِ التَّدْبِيرُ مَأْخُوذٌ مِنْ إدْبَارِ الْحَيَاةِ، وَدُبُرُ كُلِّ شَيْءٍ مَا وَرَاءَهُ بِسُكُونِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا، وَالْجَارِحَةُ بِالضَّمِّ لَا غَيْرُ (اهـ) وَفِي (بْن) جَوَازُ الضَّمِّ وَالسُّكُونِ فِيهَا كَغَيْرِهَا. وَاصْطِلَاحًا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ تَعْلِيقُ مُكَلَّفٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: [نُدِبَ التَّدْبِيرُ] : أَصْلُ مَشْرُوعِيَّتِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ قَالَ تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْمُدَبَّرُ مِنْ الثُّلُثِ» وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ قُرْبَةٌ. قَوْلُهُ: [مُدَبِّرٌ] : بِكَسْرِ الْبَاءِ مُشَدَّدَةً أَيْ مُنْشِئُ التَّدْبِيرِ. وَقَوْلُهُ: [مُدَبَّرٌ] بِصِيغَةِ اسْم الْمَفْعُولِ اسْمٌ لِلرَّقَبَةِ وَالْمُرَادُ بِالرُّكْنِ مَا تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ الشَّيْءِ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الْعِتْقِ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ تَعْلِيقُ مُكَلَّفٍ] : أَيْ وَلَوْ سَكْرَانَ بِحَرَامٍ إذَا كَانَ عِنْدَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ طَافِحًا فَهُوَ كَالْبَهِيمَةِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اتِّفَاقًا، وَمَا فِي (عب) فِيهِ نَظَرٌ، وَأَمَّا السَّكْرَانُ بِحَلَالٍ فَكَالْمَجْنُونِ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: [فَلَا يَكُونُ مِنْ صَبِيٍّ] إلَخْ: أَيْ فَتَدْبِيرُهُ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ وَكَذَا يُقَالُ فِي تَدْبِيرِ الْعَبْدِ وَالسَّفِيهِ فِيمَا يَأْتِي، أَمَّا بُطْلَانُهُ مِنْ الْمَجْنُونِ وَالْمُكْرَهِ وَالْعَبْدِ فَبِاتِّفَاقٍ، وَأَمَّا بُطْلَانُهُ مِنْ الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ فَعَلَى الرَّاجِحِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:

(رَشِيدٍ) خَرَجَ تَعْلِيقُ الْعَبْدِ وَالسَّفِيهِ (وَإِنْ) كَانَ الْمُكَلَّفُ الرَّشِيدُ (زَوْجَةً) دُبِّرَتْ (فِي زَائِدِ الثُّلُثِ) عَنْ مَالِهَا الْآنَ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ غَيْرُ الْمُدَبَّرِ، فَيَلْزَمُهَا وَلَا كَلَامَ لِزَوْجِهَا؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ فِي مِلْكِهَا لِلْمَوْتِ، فَبَعْدَ الْمَوْتِ يَكُونُ الزَّوْجُ كَبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، (عِتْقَ رَقِيقِهِ) مَعْمُولُ: " تَعْلِيقِ " أَيْ تَعْلِيقِهِ نُفُوذَ الْعِتْقِ (عَلَى مَوْتِهِ) : أَيْ مَوْتِ الْمُعَلِّقِ - بِكَسْرِ اللَّامِ - (لُزُومًا) خَرَجَ تَعْلِيقُ الْوَصِيَّةِ كَمَا يَأْتِي. (بِدَبَّرْتُ) أَيْ تَعْلِيقٌ إلَخْ أَيْ: دَبَّرْتُكَ أَوْ: دَبَّرْت فُلَانًا (وَأَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ) أَنْتَ: (حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي) بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَضَمِّهَا: فَيَقُومُ التَّدْبِيرُ بِهَذِهِ الصِّيَغِ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِمَا يَصْرِفُهُ لِلْوَصِيَّةِ كَقَوْلِهِ لَهُ: أَنْتَ مُدَبَّرٌ وَلِي الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّهُ مِنْ الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ وَصِيَّةٌ بِلَفْظِ التَّدْبِيرِ فَإِطْلَاقُ التَّدْبِيرِ عَلَيْهِ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ، وَحِينَئِذٍ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَهُمَا الرُّجُوعُ بَعْدَ الرُّشْدِ. وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ زَوْجَةٌ دَبَّرَتْ فِي زَائِدِ الثُّلُثِ] : أَيْ دَبَّرَتْ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَزْيَدُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهَا، وَرَدَ بِالْمُبَالَغَةِ قَوْلُ سَحْنُونَ إنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ يَصِحُّ مِنْ الزَّوْجَةِ فِي زَائِدِ الثُّلُثِ خَطَأٌ أَفَادَهُ (بْن) نَقْلًا عَنْ الْمَوَّاقِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الرَّقِيقَ فِي مِلْكِهَا لِلْمَوْتِ] : أَيْ فَلَهَا اسْتِخْدَامُهُ وَالتَّجَمُّلُ بِهِ وَفِي هَذَا مَنْفَعَةٌ لِلزَّوْجِ فَلَمْ يَخْرُجْ الْعَبْدُ بِالتَّدْبِيرِ عَنْ انْتِفَاعِ الزَّوْجِ بِهِ إلَى مَوْتِهَا وَبَعْدَهُ، فَالزَّوْجُ كَبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ. بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَخْرُجُ عَنْ انْتِفَاعِ الزَّوْجِ بِهِ. قَوْلُهُ: [خَرَجَ تَعْلِيقُ الْوَصِيَّةِ] : لِأَنَّ تَعْلِيقَهَا غَيْرُ لَازِمٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَصَارَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالتَّدْبِيرِ اللُّزُومَ وَعَدَمَهُ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى افْتِرَاقِ حَقِيقَتِهِمَا. وَحَاصِلُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا نَقَلَهُ (بْن) عَنْ الْمِعْيَارِ أَنَّ الْعِتْقَ فِي التَّدْبِيرِ أَلْزَمَهُ ذِمَّتَهُ وَأَنْشَأَهُ مِنْ الْآنِ وَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى الْمَوْتِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَرْجِعَ فِيهِ وَالْوَصِيَّةُ أَمْرٌ بِالْعِتْقِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ يَعْقِدْ عَلَى نَفْسِهِ عِتْقًا الْآن، فَالْعِتْقُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ كَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا لِيَبِيعَ عَبْدَهُ أَوْ يَهَبَهُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ بِمَا شَاءَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ مَا لَمْ يُنَفِّذْ الْوَكِيلُ مَا أَمَرَهُ بِهِ.

وَإِلَّا كَانَ وَصِيَّةً كَمَا قَالَ: (لَا) إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِالْمَوْتِ عَلَى وَجْهِ الْوَصِيَّةِ فَيَكُونُ غَيْرَ لَازِمٍ إلَى آخِرِ مَا قَالَ: (إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي) هَذَا فَأَنْتَ، أَوْ: فَفُلَانٌ حُرٌّ (أَوْ) قَالَ: إنْ مِتُّ مِنْ (سَفَرِي هَذَا) فَأَنْتَ حُرٌّ (أَوْ) قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي؛ (فَوَصِيَّةٌ لَا تَلْزَمُ) فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَمَحَلُّ كَوْنِ هَذِهِ الصِّيَغِ وَصِيَّةً لَا تَلْزَمُ (إنْ لَمْ يُرِدْهُ) : أَيْ إنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّدْبِيرَ، فَإِنْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ أَرَادَهُ لَزِمَ (أَوْ يُعَلِّقْهُ) : عَلَى شَيْءٍ. فَإِنْ عَلَّقَهُ عَلَى شَيْءٍ وَحَصَلَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ اللَّازِمُ تَدْبِيرًا أَوْ وَصِيَّةً، كَقَوْلِهِ: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْتَ حُرٌّ إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا، فَكَلَّمَهُ. (وَ) إذَا دَبَّرَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ الْحَامِلَ (تَنَاوَلَ) التَّدْبِيرُ (حَمْلَهَا) الْكَائِنَ فِيهَا وَقْتَ التَّدْبِيرِ. وَأَوْلَى الْحَاصِلَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَاتِ رَحِمٍ فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا (كَوَلَدِ مُدَبَّرٍ) حَصَلَ حَمْلُهُ (مِنْ أَمَتِهِ) : أَيْ أَمَةِ ذَلِكَ الْمُدَبَّرِ (إنْ حَمَلَتْ) بِهِ مِنْ أَبِيهِ (بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ تَدْبِيرِ أَبِيهِ فَالْحَمْلُ مُدَبَّرٌ تَبَعًا لِأَبِيهِ لِانْفِصَالِ مَائِهِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ، بِخِلَافِ لَوْ كَانَتْ حَامِلَةً بِهِ قَبْلَ تَدْبِيرِ أَبِيهِ فَلَا يَدْخُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ تَعْلِيقٌ إلَى آخِرِهِ] : كَلَامٌ نَاقِصٌ لَا مَعْنَى لَهُ وَلَعَلَّ حَقَّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ تَعْلِيقُ مُكَلَّفٍ إلَخْ مُصَوَّرٌ بِدَبَّرْتُ إلَخْ. قَوْلُهُ: [إلَى آخِرِ مَا قَالَ] : الْمُنَاسِبُ حَذْفُهُ وَيَقُولُ كَقَوْلِهِ إنْ مِتُّ إلَخْ. قَوْلُهُ: [أَيْ لَمْ يَقْصِدْ التَّدْبِيرَ] : فِي (بْن) النِّيَّةُ كَافِيَةٌ، وَأَمَّا إذَا أَتَى بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ إذَا مِتُّ فَعَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ لَا يُغَيَّرُ فَهَذَا مِنْ قَبِيلِ التَّدْبِيرِ الصَّرِيحِ لَا النِّيَّةِ فَقَطْ خِلَافًا لعب (اهـ) . قَوْلُهُ: [فَيَكُونُ اللَّازِمُ تَدْبِيرًا أَوْ وَصِيَّةً] : الصَّوَابُ لَا وَصِيَّةً. قَوْلُهُ: [وَأَوْلَى الْحَاصِلُ بَعْدَهُ] : أَيْ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهَا قَبْلَ تَدْبِيرِهَا فَإِنَّهُ رَقِيقٌ لِلسَّيِّدِ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ تَدْبِيرِ أَبِيهِ] إلَخْ: أَيْ سَوَاءٌ وَضَعَتْهُ قَبْلَ تَدْبِيرِهِ أَيْضًا أَوْ وَضَعَتْهُ بَعْدَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا انْفَصَلَ قَبْلَ التَّدْبِيرِ فَهُوَ رَقِيقٌ سَوَاءٌ كَانَ التَّدْبِيرُ لِلْأَمَةِ أَوْ لِلْعَبْدِ

الْحَمْلُ فِي التَّدْبِيرِ لِانْفِصَالِ مَائِهِ قَبْلَهُ (وَصَارَتْ) أَمَتُهُ (أُمَّ وَلَدٍ) لِذَلِكَ الْمُدَبَّرِ (بِهِ) : أَيْ بِوَلَدِهَا الَّذِي حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ تَدْبِيرِ أَبِيهِ (إنْ عَتَقَ) الْوَلَدُ: بِأَنْ حَمَّلَهُ الثُّلُثَ مَعَ أَبِيهِ، فَإِنْ ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا تَحَاصَّا؛ أَيْ الْوَلَدُ وَأَبُوهُ، فَإِذَا عَتَقَ بَعْضُ الْوَلَدِ لِتَحَاصُصٍ فَلَا تَكُونُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ الْحُرِّ حَمْلُهَا كُلُّهُ حُرٌّ، وَكَذَا تُحَاصِصُ الْمُدَبَّرَةُ وَوَلَدُهَا عِنْدَ الضِّيقِ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ وَقَوْلُ الْأَصْلِ " قُدِّمَ الْأَبُ عِنْدَ الضِّيقِ " تَبِعَ فِيهِ اسْتِظْهَارَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. (وَلِلسَّيِّدِ) : أَيْ سَيِّدِ مَنْ دَبَّرَهُ (نَزْعُ مَالِهِ) : لِأَنَّهُ رَقِيقٌ. وَمَحَلُّ كَوْنِهِ لَهُ النِّزَاعُ: (إنْ لَمْ يَمْرَضْ) السَّيِّدُ مَرَضًا مَخُوفًا، وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ نَزْعُ مَالِ الْمُدَبَّرِ، لِأَنَّهُ يَنْزِعُهُ لِغَيْرِهِ مَا لَمْ يَكُنْ اشْتَرَطَ وَقْتَ التَّدْبِيرِ أَنَّ لَهُ الِانْتِزَاعَ إذَا مَرِضَ مَرَضًا مَخُوفًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسْتَرْسِلِ عَلَيْهَا وَمَا حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ فَهُوَ مُدَبَّرٌ كَانَ التَّدْبِيرُ لِلْأَمَةِ أَوْ الْعَبْدِ الْمُسْتَرْسِلِ، وَأَمَّا مَا كَانَ حَمْلُهُ حِينَ التَّدْبِيرِ فَهُوَ مُدَبَّرٌ إنْ دُبِّرَتْ أُمُّهُ لَا إنْ دُبِّرَ أَبُوهُ وَإِنَّمَا دَخَلَ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ الَّذِي حَمَلَتْ بِهِ قَبْلَ تَدْبِيرِهَا فِي عَقْدِ تَدْبِيرِهَا دُونَ حَمْلِهَا مِنْ أَبِيهِ قَبْلَ تَدْبِيرِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ كَجُزْءٍ مِنْهَا حَتَّى تَضَعَ فَإِذَا دَبَّرَهَا فَقَدْ دَبَّرَهُ، وَإِذَا دَبَّرَ الْأَبَ لَمْ يَدْخُلْ تَدْبِيرُ الْأُمِّ وَلَا حَمْلُهَا حَتَّى تَحْمِلَ بِهِ بَعْدَ تَدْبِيرِ الْأَبِ. قَوْلُهُ: [وَصَارَتْ أَمَتُهُ أُمَّ وَلَدٍ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُدَبَّرَ إذَا عَتَقَ وَلَدُهُ الَّذِي حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَذَلِكَ الْعِتْقُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ الَّذِي دُبِّرَ أَبَاهُ بِأَنْ حَمَّلَهُ الثُّلُثَ هُوَ وَأَبُوهُ أَوْ عَتَقَا مَعًا فَإِنَّ الْأَمَةَ الَّتِي حَمَلَتْ بِهِ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِذَلِكَ الْوَلَدِ فَتَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ مَالِ سَيِّدِهَا وَهُوَ الْمُدَبَّرُ الْمَذْكُورُ. قَوْلُهُ: [تَحَاصَّا] : أَيْ فَإِذَا كَانَ ثُلُثُ مَالِ السَّيِّدِ عَشْرَةً وَكَانَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ وَالْأَبِ مَعًا ثَلَاثِينَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ بِمِقْدَارِ خَمْسَةٍ وَهُوَ سُدُسُهُ. قَوْلُهُ: [أَيْ سَيِّدُ مَنْ دَبَّرَهُ] : الْأَسْهَلُ سَيِّدُ الْمُدَبِّرِ. قَوْلُهُ: [نَزَعَ مَالَهُ] : مُرَادُهُ مَا وُهِبَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ اكْتَسَبَهُ بِتِجَارَةٍ أَوْ خُلْعِ زَوْجَةٍ، وَأَمَّا مَا نَشَأَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَخَرَاجِهِ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ فَلِلسَّيِّدِ نَزْعُهُ وَلَوْ مَرِضَ مَرَضًا مَخُوفًا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لِشَرْطٍ عَلَى أَنَّ إطْلَاقَ الِانْتِزَاعِ عَلَيْهِ مَجَازٌ إذْ هُوَ لِلسَّيِّدِ أَصَالَةً.

[لا يجوز للسيد إخراج المدبر لغير حرية]

وَإِلَّا فَلَهُ. كَمَا أَنَّ لَهُ عِنْدَ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ أَخْذُ خَرَاجِهِ وَأَرْشِهِ. (وَ) لِلسَّيِّدِ (رَهْنُهُ) : أَيْ رَهْنُ رَقَبَةِ الْمُدَبَّرِ لِيُبَاعَ لِلْغُرَمَاءِ وَلَوْ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ إنْ سَبَقَ الدَّيْنُ عَلَى التَّدْبِيرِ، فَإِنْ تَأَخَّرَ الدَّيْنُ عَنْ التَّدْبِيرِ فَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ رَهْنُهُ لِيُبَاعَ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ حَيْثُ لَا مَالَ لَهُ. قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَيُبْطِلُ التَّدْبِيرَ دَيْنٌ سَبَقَا ... إنْ سَيِّدٌ حَيًّا وَإِلَّا مُطْلَقَا وَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ (وَ) لِسَيِّدِ الْمُدَبَّرِ (كِتَابَتُهُ) : فَإِنْ أَدَّى عَتَقَ وَإِنْ عَجَزَ رَجَعَ مُدَبَّرًا، فَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ عَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ وَسَقَطَ عَنْهُ بَاقِي النُّجُومِ. (وَ) لِسَيِّدِ الْمُدَبَّرَةِ (وَطْؤُهَا) : لِأَنَّهَا مَا زَالَتْ أَمَةً لَهُ. [لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ إخْرَاجُ الْمُدَبَّرِ لِغَيْرِ حُرِّيَّةٍ] (لَا) يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ (إخْرَاجُهُ) : أَيْ الْمُدَبَّرِ (لِغَيْرِ حُرِّيَّةٍ) : كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَمَا أَنَّ لَهُ عِنْدَ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ أَخْذَ خَرَاجِهِ وَأَرْشِهِ] : أَيْ لِكَوْنِهِمَا لِلسَّيِّدِ حَقِيقَةً كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَلِسَيِّدِ الْمُدَبَّرِ كِتَابَتُهُ] : أَيْ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّ الْكِتَابَةَ مِنْ قَبِيلِ الْعِتْقِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ الْبَيْعِ، أَمَّا جَوَازُ كِتَابَتِهِ عَلَى الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَلِأَنَّ مَرْجِعَهَا لِلْعِتْقِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ أَدَّى] : أَيْ نُجُومَ الْكِتَابَةِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ عَجَزَ رَجَعَ مُدَبَّرًا] : أَيْ إذَا كَانَ عَجْزُهُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ الْأَدَاءِ] : أَيْ وَقَبْلَ عَجْزِهِ. قَوْلُهُ: [عَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ] : أَيْ إنْ حَمَلَهُ فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ عَتَقَ مِنْهُ مَحْمَلُهُ وَأَقَرَّ مَالَهُ بِيَدِهِ وَوَضَعَ عَنْهُ مِنْ كُلِّ نَجْمٍ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ، فَإِنْ عَتَقَ مِنْهُ نِصْفُهُ وَضَعَ عَنْهُ نِصْفَ كُلِّ نَجْمٍ، وَإِنْ لَمْ يُتْرَكْ غَيْرُهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَوُضِعَ عَنْهُ ثُلُثُ كُلِّ نَجْمٍ وَلَا يُنْظَرُ لِمَا أَدَّاهُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ غَيْرُ نَجْمٍ عَتَقَ ثُلُثُ الْمُدَبَّرِ وَحُطَّ عَنْهُ ثُلُثُ ذَلِكَ النَّجْمِ وَيَسْعَى فِيمَا بَقِيَ، فَإِنْ أَدَّاهُ خَرَجَ حُرًّا وَإِنْ عَجَزَ رُقَّ مِنْهُ مَا عَدَا مَحْمَلَ الثُّلُثِ. قَوْلُهُ: [لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ] إلَخْ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ إخْرَاجِ الْمُدَبَّرِ لِغَيْرِ حُرِّيَّةٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ

وَصَدَقَةٍ لِأَنَّهُ صَارَ فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ وَالْبَيْعُ إلَخْ يُنَافِي ذَلِكَ. (وَ) إنْ وَقَعَ مِنْ السَّيِّدِ بَيْعٌ لِلْمُدَبَّرِ أَوْ هِبَةٌ أَوْ صَدَقَةٌ (فُسِخَ بَيْعُهُ) وَهِبَتُهُ أَوْ صَدَقَتُهُ (إنْ لَمْ يُعْتِقْ) أَيْ لَمْ يُعْتِقْهُ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبُ لَهُ وَالْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَصَلَ مِنْهُمْ عِتْقٌ قَبْلَ الْفَسْخِ مَضَى وَيَصِيرُ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ لَا لِلْمُدَبَّرِ، وَلَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى مَنْ دَبَّرَهُ. (كَالْمُكَاتَبِ) : تَشْبِيهٌ تَامٌّ؛ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَيُفْسَخُ إنْ لَمْ يُعْتِقْ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ مُشْتَرِيهِ مَضَى وَالْوَلَاءُ لَهُ لَا لِمَنْ كَاتَبَهُ. (وَعَتَقَ الْمُدَبَّرُ) أَيْ نَفَذَ عِتْقُهُ وَتَمَّ (بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ) : الَّذِي دَبَّرَهُ (مِنْ ثُلُثِهِ) : أَيْ السَّيِّدِ، فَمَتَى حَمَلَهُ الثُّلُثُ خَرَجَ كُلُّهُ حُرًّا. (وَقُوِّمَ) الْمُدَبَّرُ (بِمَالِهِ) : أَيْ مَعَ مَالِهِ، حَيْثُ لَمْ يَسْتَثْنِهِ السَّيِّدُ فَيُقَالُ: كَمْ يُسَاوِي هَذَا الْعَبْدُ مَثَلًا عَلَى أَنَّ لَهُ مِنْ الْمَالِ كَذَا؟ فَإِنْ قِيلَ: مِائَةٌ، قِيلَ: وَكَمْ تَرَكَ سَيِّدُهُ؟ فَإِنْ قِيلَ: مِائَتَيْنِ فَيَخْرُجُ كُلُّهُ حُرًّا. (فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثُ إلَّا بَعْضَهُ عَتَقَ مِنْهُ) مَحْمَلُ الثُّلُثِ وَرُقَّ الْبَاقِي. مَثَلًا: قِيمَتُهُ بِلَا مَالٍ مِائَةٌ، وَمَالُهُ مِائَةٌ، وَتَرَكَ السَّيِّدُ مِائَةً؛ فَيَعْتِقُ مِنْهُ النِّصْفُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُفْتِي بِبَيْعِهِ إذَا تَعَنَّتَ عَلَى مَوْلَاهُ وَأَحْدَثَ أُمُورًا قَبِيحَةً لَا تُرْضَى وَقَدْ أَفْتَى الْقُورِيُّ بِمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَفَادَهُ (بْن) . قَوْلُهُ: [وَلَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ عِتْقَهُ لَهُ فَوْتٌ لِلْبَيْعِ وَالْبَيْعُ الْمُخْتَلَفُ فِي فَسَادِهِ إذَا فَاتَ يَمْضِي بِالثَّمَنِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ مُضِيِّ عِتْقِ الْمُشْتَرِي وَثُبُوتِ الْوَلَاءِ لَهُ مَا لَمْ يَتَأَخَّرْ عِتْقُهُ إلَى مَوْتِ الْمُدَبِّرِ بِالْكَسْرِ، فَإِنْ تَأَخَّرَ فَإِنَّهُ لَا يَمْضِي عِتْقُهُ لِأَنَّ الْوَلَاءَ قَدْ انْعَقَدَ لِمُدَبِّرِهِ، إمَّا لِحَمْلِ الثُّلُثِ لِكُلِّهِ فَيَعْتِقُ كُلُّهُ أَوْ لِبَعْضِهِ فَيَعْتِقُ بَعْضُهُ وَحَيْثُ انْعَقَدَ الْوَلَاءُ لِمُدَبِّرِهِ قَبْلَ عِتْقِ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ صَارَ عِتْقُ مَنْ ذُكِرَ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا فَلِلْمُشْتَرِي الَّذِي لَمْ يَمْضِ عِتْقُهُ حِينَئِذٍ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى تَرِكَةِ الْمُدَبِّرِ. قَوْلُهُ: [وَقُوِّمَ الْمُدَبَّرُ بِمَالِهِ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ عَيْنًا أَوْ عَرْضَا.

(وَتُرِكَ لَهُ مَالُهُ) : كُلُّهُ مِلْكًا. وَوَجْهُ عِتْقِ النِّصْفِ: أَنَّهُ بِمَالِهِ مِائَتَانِ، وَهُمَا مَعَ مِائَةِ السَّيِّدِ ثَلَثُمِائَةٍ، وَثُلُثُهَا مِائَةٌ، وَهِيَ نِصْفُ قِيمَتِهِ مَعَ مَا لَهُ؛ فَيَعْتِقُ نِصْفُهُ لِحَمْلِ الثُّلُثِ النِّصْفَ. وَكَذَا لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ بِلَا مَالٍ مِائَتَيْنِ، وَتَرَكَ السَّيِّدُ مِائَةً، فَيُعْتِقُ النِّصْفُ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَتَرَكَ السَّيِّدُ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ، فَمَجْمُوعُ التَّرِكَةِ مِائَتَانِ وَأَرْبَعُونَ، وَثُلُثُهَا ثَمَانُونَ، نِسْبَتُهَا مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ؛ فَيَعْتِقُ مِنْهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ، لِأَنَّكَ تَنْظُرُ نِسْبَةَ ثُلُثِ الْمَالِ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَتِلْكَ النِّسْبَةُ بِعِتْقٍ مِنْ الْعَبْدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَتُرِكَ لَهُ مَالُهُ كُلُّهُ] : هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُوَطَّإِ وَفِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ لَا يَبْقَى بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ إلَّا مِقْدَارُ مَا عَتَقَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ الْمَالُ كُلُّهُ بِيَدِهِ لَكَانَ فِيهِ غَبْنٌ عَلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ عِتْقُهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْمَالِ إلَّا بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ وَاعْتَرَضَهُ (ح) بِمُخَالَفَتِهِ لِمَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ قَائِلًا: إنَّ مَا فِي التَّوْضِيحِ سَهْوٌ (اهـ) . وَشُبْهَةُ مَا فِي التَّوْضِيحِ جَوَابُهَا أَنَّ بَقَاءَ نِصْفِ الْمُدَبَّرِ مَثَلًا رِقًّا لِلْوَرَثَةِ مَعَ كُلِّ مَالِهِ أَكْثَرُ حَظًّا لَهُمْ إذَا بَاعُوهُ مِمَّا إذَا كَانَ نِصْفُهُ رِقًّا لَهُمْ مَعَ بَعْضِ مَالِهِ لِأَنَّ قِيمَتَهُ إذَا كَانَ مَالُهُ مِائَةً أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ إذَا كَانَ مَالُهُ خَمْسِينَ. قَوْلُهُ: [وَهُمَا مَعَ مِائَةِ السَّيِّدِ ثَلَثُمِائَةٍ] : أَيْ وَالْجَمِيعُ يُقَالُ لَهُ مَالُ السَّيِّدِ. قَوْلُهُ: [بِلَا مَالٍ] : أَيْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْعَبْدِ مَالٌ أَصْلًا وَإِنَّمَا قِيمَةُ ذَاتِهِ مِائَتَانِ. قَوْلُهُ: [أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ] : أَيْ لِأَنَّ خُمُسَ الْمِائَةِ عِشْرُونَ فَالثَّمَانُونَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا. تَنْبِيهٌ: إذَا ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ حَمْلِ الْمُدَبَّرِ وَكَانَ لِلسَّيِّدِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ عَلَى حَاضِرٍ مُوسِرٍ قُوِّمَ عَاجِلًا، فَإِذَا كَانَ عَيْنًا قُوِّمَ بِالْعُرُوضِ وَقُوِّمَتْ الْعُرُوض بِعَيْنٍ وَإِذَا كَانَ عَرْضًا قُوِّمَ بِعَيْنٍ فَإِذَا قُوِّمَ الدَّيْنُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ وَتَرَكَ السَّيِّدُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ خَمْسَةَ عَشَرَ عَتَقَ كُلُّهُ لِحَمْلِ الثُّلُثِ لَهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى غَائِبٍ غَيْبَةٍ قَرِيبَةٍ كَالشَّهْرِ وَهُوَ حَالٌّ أَوْ قَرِيبٌ مِنْ الْحُلُولِ، فَإِنَّهُ يُسْتَأْنَى بِالْعِتْقِ إلَى أَنْ يَقْبِضَ ذَلِكَ الدَّيْنَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى غَائِبٍ غِيبَةٍ بَعِيدَةٍ أَوْ حَاضِرٍ مُعْسِرٍ فَإِنَّ الْمُدَبَّرَ يُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ أَوْ مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ مِنْهُ فَإِذَا حَضَرَ الشَّخْصُ الْغَائِبُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَوْ أَيْسَرَ الْمُعْسِرُ بَعْدَ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ ثُلُثِ السَّيِّدِ بِنِسْبَةِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ

[مبطلات التدبير]

(وَبَطَلَ) تَدْبِيرُ الْعَبْدِ وَيَرْجِعُ رَقِيقًا لِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ إنْ اسْتَحْيَوْهُ (بِقَتْلِ) الْعَبْدِ الْمُدَبَّرِ (سَيِّدَهُ) فَإِضَافَةُ " قَتْلِ " " لِلسَّيِّدِ " مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ وَفَاعِلُ الْقَتْلِ هُوَ الْعَبْدُ (عَمْدًا) عُدْوَانًا، لَا إنْ كَانَ السَّيِّدُ فِي بَاغِيَةٍ وَقَتَلَهُ عَبْدُهُ الْمُدَبَّرُ فَلَا يَبْطُلُ تَدْبِيرُهُ. فَلَوْ قَتَلَ سَيِّدَهُ خَطَأً فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ وَقْتَ الْجِنَايَةِ رَقِيقٌ. (وَ) بَطَلَ التَّدْبِيرُ (بِاسْتِغْرَاقِ الدَّيْنِ لَهُ) : أَيْ لِلْمُدَبَّرِ أَيْ لَقِيمَتِهِ (وَلِلتَّرِكَةِ) : وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ سَابِقًا أَوْ لَاحِقًا حَيْثُ مَاتَ السَّيِّدُ، وَسَيَذْكُرُ حُكْمَهُ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ، فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنُ مِائَةٍ، وَالْعَبْدُ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ، وَتَرَك سَيِّدُهُ خَمْسِينَ فَأَقَلَّ، بَطَلَ التَّدْبِيرُ كُلُّهُ. (وَ) بَطَلَ (بَعْضُهُ) : أَيْ التَّدْبِيرِ (بِمُجَاوَزَةِ الثُّلُثِ) : أَيْ بِمُجَاوَزَةِ الْبَعْضِ ثُلُثَ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ إنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ. فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ خَمْسَةً، وَتَرَكَ سَيِّدُهُ خَمْسَةً وَلَا دَيْنَ عَلَى سَيِّدِهِ، فَثُلُثُ التَّرِكَةِ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ هِيَ قِيمَةُ ثُلُثَيْ الْمُدَبَّرِ فَيَعْتِقُ ثُلُثَاهُ وَيُرَقُّ ثُلُثُهُ. (وَلَهُ) : أَيْ لِلْمُدَبَّرِ (حُكْمُ الرِّقِّ) : فِي خِدْمَتِهِ وَحُدُودِهِ وَعَدَمِ حَدِّ قَاذِفِهِ - ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَبْدُ بِيَدِ الْوَرَثَةِ أَوْ مُشْتَرِيهِ وَلَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَمْلَاكُ (اهـ مُلَخَّصًا مِنْ شُرَّاحِ خَلِيلٍ) . [مُبْطِلَات التَّدْبِيرِ] قَوْلُهُ: [بِقَتْلِ الْعَبْدِ الْمُدَبَّرِ سَيِّدَهُ] : هَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلَّقَ السَّيِّدُ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى مَوْتِ شَخْصٍ فَقَتَلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ الشَّخْصَ فَلَا يَبْطُلُ عِتْقُهُ بَلْ يَعْتِقُ لِحُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَلُزُومِ الْقِصَاصِ شَيْءٌ آخَرُ. قَوْلُهُ: [فِي بَاغِيَةٍ] : مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: عُدْوَانًا. وَقَوْلُهُ: [فَلَوْ قَتَلَ سَيِّدَهُ خَطَأً] : مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ عَمْدًا فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ وَقْتَ الْجِنَايَةِ رَقِيقٌ] : أَيْ وَالرَّقِيقُ لَا عَاقِلَةَ لَهُ، وَأَمَّا قَتْلُ أُمِّ الْوَلَدِ سَيِّدَهَا عَمْدًا فَلَا يَبْطُلُ عِتْقُهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَتُقْتَلُ بِهِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْوَرَثَةُ عَنْهَا وَلَا تُتْبَعُ بِعَقْلٍ فِي الْخَطَأِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَيُلْغَزُ عَمْدٌ فِيهِ الْقِصَاصُ وَلَا شَيْءَ فِي خَطَئِهِ. [أَحْكَام التَّدْبِيرِ] قَوْلُهُ: [وَحُدُودُهُ] : أَيْ فَيُحَدُّ فِي الْقَذْفِ وَالشُّرْبِ أَرْبَعِينَ وَفِي الزِّنَا خَمْسِينَ.

وَعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ - بَلْ (وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ - حَتَّى يَعْتِقُ فِيمَا وُجِدَ) مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ (وَقْتَ التَّقْوِيمِ) : فَلَوْ تَلَفَ بَعْضُ مَالِ السَّيِّدِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ التَّقْوِيمِ، فَإِنَّمَا يَعْتِقُ فِيمَا بَقِيَ وَلَا يُنْظَرُ لِمَا هَلَكَ قَبْلَ التَّقْوِيمِ. (وَلِلْغَرِيمِ رَدُّهُ) : أَيْ التَّدْبِيرِ (فِي حَيَاتِهِ) أَيْ حَيَاةِ السَّيِّدِ (إنْ أَحَاطَ دَيْنٌ سَبَقَهُ) : أَيْ سَبَقَ التَّدْبِيرَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظْمِ الْأُجْهُورِيِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَغَيْرُ ذَلِكَ] : أَيْ كَعَدَمِ قَتْلِ قَاتِلِهِ إذَا كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا. قَوْلُهُ: [كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظْمِ الْأُجْهُورِيِّ] : حَقُّ مَا تَقَدَّمَ يَكُونُ هُنَا. تَتِمَّةٌ: إذَا قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَمَوْتِ فُلَانٍ، تَوَقَّفَ عِتْقُهُ عَلَى مَوْتِهِمَا وَعَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ أَيْضًا وَيَبْقَى بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ يَخْدُمُ الْوَرَثَةَ حَتَّى يَمُوتَ فُلَانٌ، فَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ قَبْلَ السَّيِّدِ اسْتَمَرَّ يَخْدُمُ السَّيِّدَ إلَى أَنْ يَمُوتَ، وَإِنْ قَالَ السَّيِّدُ فِي صِحَّتِهِ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ بِشَهْرٍ مَثَلًا أَوْ لَمْ يَقُلْ بِشَهْرٍ فَمُعْتَقٌ لِأَجَلٍ يَعْتِقُ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا يَلْحَقُهُ دَيْنٌ وَيَخْدُمُ إلَى الْأَجَلِ، فَإِنْ قَالَ مَا ذُكِرَ فِي مَرَضِهِ عَتَقَ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ مِنْ الثُّلُثِ وَخَدَمَ الْوَرَثَةَ حَتَّى يُتِمَّ الْأَجَلَ وَأَمَّا لَوْ قَالَ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ وَصِيَّةً مَا لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّدْبِيرَ أَوْ يُعَلِّقْهُ كَمَا تَقَدَّمَ (اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْأَصْلِ) .

[باب في أحكام الكتابة]

بَابٌ فِي أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ وَبَيَّنَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَهَا بِقَوْلِهِ: (نُدِبَ مُكَاتَبَةُ أَهْلِ التَّبَرُّعِ) : إذَا طَلَبَهَا الرَّقِيقُ، وَإِضَافَةُ " مُكَاتَبَةُ " " لِأَهْلِ " مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ أَهْلُ تَبَرُّعٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ أَوْ بِبَعْضِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ] [أَرْكَان الْكِتَابَةِ] بَابٌ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْكِتَابِ بِمَعْنَى الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [الحجر: 4] أَيْ أَجَلٌ مُقَدَّرٌ أَوْ مِنْ الْكَتْبِ بِمَعْنَى الْإِلْزَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] وَ: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54] وَيُقَالُ فِي الْمَصْدَرِ كِتَابٌ وَكِتَابَةٌ وَكَتَبَةً وَمُكَاتَبَةً قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] الْآيَةُ. قَوْلُهُ: [إذَا طَلَبَهَا الرَّقِيقُ] : إنْ قُلْت قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] يَقْتَضِي وُجُوبَهَا إذَا طَلَبَهَا الرَّقِيقُ. أُجِيبُ بِأَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ إمَّا بَيْعٌ أَوْ عِتْقٌ، وَكِلَاهُمَا لَا يَجِبُ وَالْأَمْرُ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ لِغَيْرِ الْوُجُوبِ كَثِيرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَالصَّيْدُ بَعْدَ الْإِحْلَالِ لَا يَجِبُ إجْمَاعًا وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] وَكُلٌّ مِنْ الِانْتِشَارِ وَالِابْتِغَاءِ لَا يَجِبُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ بَلْ الْأَمْرُ فِيمَا ذُكِرَ لِلْإِبَاحَةِ وَالْكِتَابَةُ لَمَّا كَانَتْ عَقْدًا فِيهِ غَرَرٌ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَأَذِنَ الْمَوْلَى فِيهَا لِلنَّاسِ بِقَوْلِهِ: {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] فَالْآيَةُ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ مَأْخُوذٌ مِنْ

فَيَشْمَلُ الزَّوْجَةَ وَالْمَرِيضَ. وَمَفْهُومُهُ: أَنَّ غَيْرَ أَهْلِ التَّبَرُّعِ لَا تُنْدَبُ لَهُ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ. فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا فَبَاطِلَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا عِتْقٌ وَصَحِيحَةٌ مُتَوَقِّفٌ لُزُومُهَا عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ، فَإِنْ كَانَ الْمَكَاتِبُ مَرِيضًا أَوْ زَوْجَةً فِي زَائِدِ الثُّلُثِ فَصَحِيحَةٌ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ أَوْ الزَّوْجِ. ثُمَّ عَرَّفَ الْكِتَابَ تَبَعًا لِابْنِ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: (وَهِيَ) أَيْ الْكِتَابَةُ شَرْعًا (عِتْقٌ عَلَى مَالٍ مُؤَجَّلٍ) : خَرَجَتْ الْقَطَاعَةُ لِأَنَّهَا عَلَى مُعَجَّلٍ. (مِنْ الْعَبْدِ) : خَرَجَ عِتْقُهُ عَلَى مُؤَجَّلٍ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، فَلَا يُسَمَّى كِتَابَةً. وَخَرَجَ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَالٍ أَصْلًا كَالْعِتْقِ الْمُبْتَلِّ وَالْمُؤَجَّلِ وَالتَّدْبِيرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعُمُومٍ قَوْله تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77] . قَوْلُهُ: [فَيَشْمَلُ الزَّوْجَةَ وَالْمَرِيضَ] : تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ بَعْضِهِ. قَوْلُهُ: [بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ] : وَكَذَلِكَ تَصِحُّ مِنْ السَّكْرَانِ بِحَرَامٍ إنْ كَانَ عِنْدَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا عِتْقٌ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ وَتَبْطُلُ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ فَهُوَ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ الصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ. قَوْلُهُ: [عِتْقٌ عَلَى مَالٍ] : قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ صَوَابُهُ عَقْدٌ يُوجِبُ عِتْقًا عَلَى مَالٍ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ سَبَبٌ فِي الْعِتْقِ لَا نَفْسُهُ كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [خَرَجَتْ الْقَطَاعَةُ] : أَيْ فَهِيَ مُغَايِرَةٌ لِلْكِتَابَةِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ كِتَابَةُ أُمِّ الْوَلَدِ، وَيَجُوزُ عِتْقُهَا عَلَى مَالٍ مُعَجَّلٍ، وَقَدْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ مُتَعَارِفَةً قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَأَقَرَّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ ابْنُ التِّينِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ. وَقَوْلُ الرُّويَانِيِّ الْكِتَابَةُ إسْلَامِيَّةٌ وَلَمْ تُعْرَفْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِلَافُ الصَّحِيحِ، وَقِيلَ «أَوَّلُ مَنْ كُوتِبَ فِي الْإِسْلَامِ أَبُو الْمُؤَمَّلِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَعِينُوا أَبَا الْمُؤَمَّلِ فَأُعِينَ فَقَضَى كِتَابَتَهُ وَفَضَلَتْ عِنْدَهُ فَضْلَةٌ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنْفِقْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . وَقِيلَ أَوَّلُ مَنْ كُوتِبَ فِي الْإِسْلَامِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ ثُمَّ بَرِيرَةُ أَفَادَهُ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ الْمُوَطَّإِ. قَوْلُهُ: [خَرَجَ عِتْقُهُ عَلَى مُؤَجَّلِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ] : أَيْ فَتَجُوزُ وَذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ الْأَجْنَبِيُّ لِلسَّيِّدِ خُذْ مِنِّي مِائَةً بَعْدَ سَنَةٍ وَأَعْتِقْ عَبْدَك.

(مَوْقُوفٌ) صِفَةٌ لَهُ: " لِمُعْتَقٍ " (عَلَى أَدَائِهِ) : أَيْ عَلَى أَدَاءِ ذَلِكَ الْمَالِ الْمَعْتُوقِ عَلَيْهِ. (وَأَرْكَانُهَا) الَّتِي تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ (أَرْبَعَةٌ) : أَوَّلُهَا: (مَالِكٌ) لِلرَّقَبَةِ. وَشَرْطُهُ الرُّشْدُ، فَإِنْ كَانَ سَفِيهًا فَكَالصَّبِيِّ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ. (وَ) جَازَ (لِوَلِيٍّ مَحْجُورٍ) : صَبِيٍّ أَوْ سَفِيهٍ أَوْ مَجْنُونٍ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ (مُكَاتَبَةِ رَقِيقِهِ) : أَيْ رَقِيقِ الْمَحْجُورِ (بِالْمَصْلَحَةِ) : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابَةِ مَصْلَحَةٌ فَلَا. وَمَفْهُومُ " مُكَاتَبَةٍ " أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِتْقُهُ نَاجِزًا عَلَى مَالٍ مُعَجَّلٍ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَنْزِعَ مَالَهُ مِنْ الْمَحْجُورِ بِدُونِ عِتْقٍ. (وَ) ثَانِي الْأَرْكَانِ (رَقِيقُ: وَإِنْ أَمَةٌ) بَالِغَةٌ بِرِضَاهَا (وَصَغِيرًا) : ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرَّقِيقَ يُجْبَرُ عَلَى الْكِتَابَةِ، لَا عَلَى الْمَشْهُورِ، إذْ لَا بُدَّ - عَلَى الْمَشْهُورِ - مِنْ رِضَاهُ، وَرِضَا الصَّغِيرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ؛ فَهُوَ مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ وَالصَّغِيرُ: (بِلَا مَالٍ) لَهُمَا (وَ) لَا (كَسْبٍ) لَهُمَا: لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ قُدْرَتِهِمَا عَلَى الْكَسْبِ، وَإِلَّا فَلَا تَجُوزُ كِتَابَتُهُمَا. (وَلَا يُجْبَرُ الرَّقِيقُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى قَبُولِ الْكِتَابَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَأُخِذَ مِنْهَا أَيْضًا الْجَبْرُ وَمَحِلُّ عَدَمِ الْجَبْرِ عَلَى الْمَشْهُورِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَكَالصَّبِيِّ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ] : أَيْ مِنْ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا عِتْقٌ وَصَحِيحَةٌ مُتَوَقِّفٌ لُزُومُهَا عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ. قَوْلُهُ: [بِالْمَصْلَحَةِ] : أَيْ حَيْثُ اسْتَوَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الْكِتَابَةِ وَعَدَمِهَا فَالْجَوَازُ عَلَى بَابِهِ، وَإِنْ تَعَيَّنَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الْكِتَابَةِ وَجَبَتْ وَإِنْ تَعَيَّنَتْ فِي عَدَمِهَا مُنِعَتْ. قَوْلُهُ: [لَا عَلَى الْمَشْهُورِ] : أَيْ مِنْ أَنَّ الرَّقِيقَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْكِتَابَةِ. قَوْلُهُ: [مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ] : أَيْ وَهُوَ الْقَوْلُ بِجَبْرِ الْعَبْدِ عَلَى الْكِتَابَةِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَلَا تَجُوزُ] : أَيْ بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ عَدَمِ جَبْرِ الْعَبْدِ عَلَى الْكِتَابَةِ. قَوْلُهُ: [وَأُخِذَ مِنْهَا أَيْضًا الْجَبْرُ] : الَّذِي أَخَذَ الْجَبْرَ مِنْهَا أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ وَاَلَّذِي أَخَذَ مِنْهَا عَدَمَ الْجَبْرِ ابْنُ رُشْدٍ.

(إلَّا) أَنْ يَكُونَ (غَائِبًا أَدْخَلَهُ حَاضِرٌ مَعَهُ) . وَذَكَرَ الرُّكْنَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ: (وَصِيغَةُ) مُصَوَّرَةٌ (بِ كَاتَبْتُك بِكَذَا وَنَحْوِهِ) : أَيْ نَحْوُ: كَاتَبْتُك: كَ بِعْتُك نَفْسَك بِكَذَا، أَوْ: أَنْتَ مُكَاتَبٌ عَلَى كَذَا، أَوْ: مُعْتَقٌ عَلَى كَذَا، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ التَّنْجِيمَ؛ لِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ بِدُونِهِ قَطْعًا وَإِنْ لَزِمَ. وَيَلْزَمُهُ التَّنْجِيمُ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ أَيْ التَّأْخِيرُ لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ وَلَوْ نَجْمًا وَاحِدًا. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَلْزَمُ التَّأْجِيلُ لَكِنَّهَا تَكُونُ قَطَاعَةً. وَصَرَّحَ بِالرُّكْنِ الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَكُونَ غَائِبًا] إلَخْ: أَيْ فَيُجْبَرُ اتِّفَاقًا أَيْ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى عَبْدٍ لِلسَّيِّدِ غَائِبٍ لَزِمَ الْعَبْدُ الْغَائِبُ وَإِنْ كَرِهَ، لِأَنَّ هَذَا الْحَاضِرَ يُؤَدِّي عَنْهُ. قَوْلُهُ: [بِكَذَا] : اُنْظُرْ لَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ بِكَذَا هَلْ تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ وَهُوَ يَبْطُلُ بِجَهْلِ الثَّمَنِ أَوْ تَصِحُّ وَيَكُونُ عَلَى الْعَبْدِ كِتَابَةُ مِثْلِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا عِتْقٌ، وَالْعِتْقُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَسْمِيَةُ عِوَضٍ. إنْ قُلْت لِمَ لَمْ يَجْزِمْ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْمُكَاتَبَ بِهِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا وَالْمَاهِيَّةُ تَنْعَدِمُ بِانْعِدَامِهِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالرُّكْنِ أَنْ لَا يَشْتَرِطَ عَدَمُهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَذْكُرَ أَوْ يَسْكُتَ عَنْ ذِكْرِهِ كَرُكْنِيَّةِ الصَّدَاقِ مَعَ صِحَّةِ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَزِمَ] : الْمُرَادُ بِلُزُومِهِ وُجُوبُهُ وَالْمُرَادُ بِتَنْجِيمِهِ تَأْجِيلُهُ لِأَجَلٍ مُعَيَّنٍ فَالْمَشْهُورُ لُزُومُهُ وَتَنْجِيمُهُ. قَوْلُهُ: [لَكِنَّهَا تَكُونُ قَطَاعَةً] : أَيْ يُقَالُ لَهَا قَطَاعَةٌ كَمَا يُقَالُ لَهَا كِتَابَةٌ فَالْقَطَاعَةُ عِنْدَهُ مِنْ أَفْرَادِ الْكِتَابَةِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَمَحَلُّ لُزُومِ التَّنْجِيمِ عَلَى الْأَوَّلِ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ مُرَادَ السَّيِّدِ الْقَطَاعَةُ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ تَنْجِيمُهَا، وَتَكُونُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَطَاعَةً لَا كِتَابَةً، فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ مَعْنَوِيٌّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَرَى أَنَّ التَّنْجِيمَ ابْتِدَاءً وَاجِبٌ، وَإِذَا وَقَعَتْ بِدُونِهِ لَزِمَ التَّنْجِيمُ بَعْدَ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى الْقَطَاعَة، وَالثَّانِي يَرَى أَنَّ التَّنْجِيمَ ابْتِدَاءً لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَإِذَا وَقَعَتْ غَيْرُ مُنَجَّمَةٍ لَمْ يَلْزَمْ تَنْجِيمُهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهَذِهِ فِي الْحَالَةِ يُقَالُ لَهَا

[الغرر في الكتابة]

(وَعِوَضٌ) لَيْسَ فِيهِ غَرَرٌ، بَلْ (وَلَوْ) كَانَ الْعِوَضُ (بِغَرَرٍ) : لَمْ يَشْتَدَّ كَمَا يَأْتِي؛ إذْ الْأَصْلُ فِي الْعِتْقِ بِدُونِ عِوَضٍ فَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ عَلَى شَيْءٍ يَتَرَقَّبُ حُصُولُهُ. (كَآبِقٍ) : يَمْلِكُهُ الْمَكَاتِبُ، وَبَعِيرٍ شَارِدٍ، وَثَمَرٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ (وَجَنِينٍ) لِحَيَوَانِ نَاطِقٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَعَبْدِ فُلَانٍ) وَهُوَ غَيْرُ آبِقٍ وَإِلَّا فَلَا لِشِدَّةِ الْغَرَرِ. (لَا) تَصِحُّ الْكِتَابَةُ (بِمَا) : أَيْ بِجَنِينٍ (تَحْمِلُ بِهِ) : أَمَتُهُ أَوْ غَيْرُهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِشِدَّةِ الْغَرَرِ. (وَ) لَا يَصِحُّ ب (جَوْهَرٍ) كَلُؤْلُؤٍ (لَمْ يُوصَفْ) : وَقِيلَ تَصِحُّ، وَيَلْزَمُ كِتَابَةُ الْمِثْلِ. (وَكَخَمْرٍ) : فَلَا تَجُوزُ بِهِ وَلَكِنْ تَصِحُّ. (وَرَجَعَ لِكِتَابَةِ الْمِثْلِ) . وَهَلْ وَلَوْ حَصَلَ حَالَ إسْلَامِهِمَا؟ أَوْ هَذَا فِيمَا لَوْ حَصَلَتْ الْكِتَابَةُ بِالْخَمْرِ حَالَ كُفْرِهِمَا ثُمَّ حَصَلَ إسْلَامٌ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَطَاعَةٌ كَمَا يُقَالُ لَهَا كِتَابَةٌ. [الْغَرَر فِي الْكِتَابَةُ] قَوْلُهُ: [لَيْسَ فِيهِ غَرَرٌ] : الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ هَذَا إذْ كَانَ لَيْسَ فِيهِ غَرَرٌ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: [بِدُونِ عِوَضٍ] : مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفِ خَبَرِ قَوْلِهِ الْأَصْلُ. قَوْلُهُ: [يَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ] : أَيْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْآبِقِ وَمَا بَعْدَهُ فِي مِلْكِ الْمُكَاتَبِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. قَوْلُهُ: [وَجَنِينٌ] : ظَاهِرُهُ أَنَّهُ سَبَقَ لَهُ وُجُودٌ قَبْلَ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ وُجُودِهِ لَا يُسَمَّى جَنِينًا فَلِذَلِكَ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى مَا تَحْمِلُ بِهِ أَمَتُهُ لَا يَصِحُّ وَانْظُرْ هَلْ لَا يَحْصُلُ الْعِتْقُ بِالْكِتَابَةِ عَنْ الْجَنِينِ إلَّا بِقَبْضِ السَّيِّدِ لَهُ كَالْآبِقِ وَالْبَعِيرِ وَالثَّمَرَةِ، أَوْ يُقَالُ إنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِ السَّيِّدِ بِالْعَقْدِ فَضَمَانُهُ مِنْهُ لَوْ نَزَلَ مَيِّتًا اسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ (أَفَادَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [كَلُؤْلُؤٍ لَمْ يُوصَفْ] : أَيْ وَأَوْلَى فِي عَدَمِ الْجَوَازِ كِتَابَتُهُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ هَلْ هُوَ مُتَمَوِّلٌ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [حَالَ كُفْرِهِمَا] : أَيْ لِقَوْلِ (عب) مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْكِتَابَةُ بِالْخَمْرِ مِنْ كَافِرَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا، وَأَمَّا إنْ وَقَعَتْ بِالْخَمْرِ وَأَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ أَوْ هُمَا لَبَطَلَتْ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا يَرْجِعُ لِكِتَابَةِ الْمِثْلِ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا وَقَعَتْ عَلَى

[تنجيم عوض الكتابة]

(وَنُجِّمَ) : الْعِوَضُ أَيْ لَزِمَ تَنْجِيمُهُ إلَى آخِرِ مَا عَلِمْت. (وَ) لَمَّا كَانَ عِوَضُ الْكِتَابَةِ لَيْسَ كَغَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ (جَازَ) لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ (فَسْخُ مَا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَكَاتِبِهِ مِنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ (فِي مُؤَخَّرٍ) : أَيْ فِي شَيْءٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ كَمَنَافِعِ دَارٍ لِلْعَبْدِ أَوْ دَابَّةٍ يَسْتَوْفِي النُّجُومُ مِنْ أُجْرَتِهَا لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ. (وَ) جَازَ لِلسَّيِّدِ أَخْذُ (ذَهَبٍ) مِنْ الْعَبْدِ الْمُكَاتَبِ لَمْ يُكَاتِبْهُ عَلَيْهِ مُؤَجَّلًا (عَنْ وَرِقٍ) كَاتَبَهُ عَلَيْهِ (وَعَكْسُهُ) : أَخْذُ وَرِقٍ عَنْ ذَهَبٍ كُوتِبَ بِهِ. (وَ) جَازَ لِلسَّيِّدِ (بَيْعُ طَعَامٍ) كَاتَبَهُ رَقِيقُهُ عَلَيْهِ (قَبْلَ قَبْضِهِ) : مِنْ الْمُكَاتَبِ. (وَ) جَازَ لِلسَّيِّدِ: (ضَعْ) يَا مُكَاتَبُ مِمَّا عَلَيْك (وَتَعَجَّلْ) الْبَاقِيَ: لِمَا عَلِمْت أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِغَيْرِهَا لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ. (وَ) جَازَ لِلسَّيِّدِ (بَيْعُ نَجْمٍ) مِنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ (عُلِمَتْ نِسْبَتُهُ) بِمَعْرِفَةِ قَدْرِهِ وَقَدْرِ بَاقِي النُّجُومِ؛ كَمَا لَوْ كَانَتْ النُّجُومُ ثَلَاثَةً كُلُّ نَجْمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَيَجُوزُ بَيْعُ نَجْمٍ يَعْلَمُ الْمُشْتَرِي قَدْرَهُ وَقَدْرَ النُّجُومِ، فَيَعْلَمُ نِسْبَتُهُ أَنَّهُ الثُّلُثُ مَثَلًا، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ نَجْمٍ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَهُ أَوْ عَلِمَ وِجْهَاتِ نِسْبَتِهِ لِبَاقِي النُّجُومِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQخَمْرٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى مُعَيَّنٍ بَطَلَتْ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا يَرْجِعُ لِكِتَابَةِ الْمِثْلِ لَكِنْ عَزَا بَعْضُهُمْ لِأَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ يَخْرُجُ حُرًّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَا يَتَّبِعُ بِشَيْءٍ وَانْظُرْهُ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إنْ كَانَ الْعَبْدُ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا إنْ أَدَّى بَعْضَهُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا قَبْلَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ أَحَدُهُمَا فَإِنَّمَا يَرْجِعُ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ كِتَابَةِ مِثْلِهِ، فَإِنْ أَدَّاهُ كُلَّهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا خَرَجَ حُرًّا وَلَا يَتَّبِعُ بِشَيْءٍ انْتَهَى. [تَنْجِيمُ عوض الْكِتَابَة] قَوْلُهُ: [إلَى آخِرِ مَا عَلِمْت] : أَيْ مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ. قَوْلُهُ: [لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ] : عِلَّةٌ لِلْجَوَازِ. قَوْلُهُ: [مُؤَجَّلًا] : أَيْ وَأَمَّا إنْ أَرَادَ السَّيِّدُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ حَالًا فِي نَظِيرِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْمُؤَجَّلِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكِتَابَةِ وَغَيْرِهَا فِي الْجَوَازِ. قَوْلُهُ: [وَجَازَ لِلسَّيِّدِ بَيْعُ طَعَامٍ] إلَخْ: وَكَذَا يَجُوزُ فِيهَا أَيْضًا سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا لِلْمُقْرِضِ كَأَنَّ يُسَلِّفَ الْمُكَاتَبُ شَيْئًا لِسَيِّدِهِ لِأَجْلِ أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ شَيْئًا

[تضامن الجماعة المكاتبين]

وَشَرْطُ جَوَازِ بَيْعِ النَّجْمِ الْمَعْلُومِ: حُضُورُ الْمُكَاتَبِ لَا يَكْفِي قُرْبُ غَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ مَبِيعَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ عَجْزِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا. (وَ) جَازَ لِلسَّيِّدِ بَيْعُ (جُزْءٍ) مِمَّا كَاتَبَهُ عَلَيْهِ كَرُبْعٍ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ لِلْمُشْتَرِي وَالْعَبْدُ حَاضِرٌ إلَخْ. (كَالْجَمِيعِ) : أَيْ يَجُوزُ بَيْعُ نَجْمٍ وَجُزْءٌ كَمَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ بَيْعُ جَمِيعِ الْكِتَابَةِ أَوْ بَعْضِهَا وَحَيْثُ جَازَ بَيْعُ الْكِتَابَةِ أَوْ بَعْضِهَا (فَإِنْ وَفَّى) الْمُكَاتَبُ مَا عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي - إنْ اشْتَرَاهَا كُلَّهَا - أَوْ وَفَّى لَهُ وَلِلْبَائِعِ - إنْ اشْتَرَى بَعْضَهَا - فَيَخْرُجُ حُرًّا (فَالْوَلَاءُ لِلْأَوَّلِ) وَهُوَ الْبَائِعُ: لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي عَقَدَ الْكِتَابَةَ فَانْعَقَدَ لَهُ الْوَلَاءُ وَالْمُشْتَرِي قَدْ اسْتَوْفَى مَا اشْتَرَاهُ. (وَإِلَّا) يُوفِ (رُقَّ لِلْمُشْتَرِي) جَمِيعُهُ حَيْثُ اشْتَرَاهَا كُلَّهَا وَقَدْرُ مَا يُقَابِلُ مَا اشْتَرَى بَعْضَ النُّجُومِ، وَيَصِيرُ الْعَبْدُ مُشْتَرِكًا، وَلَوْ اشْتَرَى النَّجْمُ الْأَخِيرُ. فَلَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ كِتَابَتَهُ وَعَجَزَ رُقَّ لِسَيِّدِهِ. (وَ) جَازَتْ (مُكَاتَبَةُ جَمَاعَةٍ) مِنْ عَبِيدٍ جَمِيعُهُمْ (لِمَالِكٍ) وَاحِدٍ (فِي عَقْدٍ) وَاحِدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْكِتَابَةِ وَظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّرْحِ جَوَازُ مَا ذَكَرَ وَإِنْ لَمْ يُعَجِّلْ السَّيِّدُ الْعِتْقَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ سَحْنُونَ الْجَوَازُ بِشَرْطِ تَعْجِيلِ الْعِتْقِ. قَوْلُهُ: [حُضُورُ الْمُكَاتَبِ] : أَيْ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ وَلَا إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ فِي الْكِتَابَةِ مُغْتَفَرٌ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الِاغْتِفَارَ إنَّمَا هُوَ فِي عَقْدِهَا لِأَنَّهُ طَرِيقُ الْعِتْقِ لَا فِي بَيْعِهَا. تَنْبِيهٌ: لَوْ اطَّلَعَ مُشْتَرِي الْكِتَابَةِ عَلَى عَيْبٍ فِي الْمُكَاتَبِ نَظَرَ فَإِنْ أَدَّى فَلَا رُجُوعَ لِلْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ لَهُ مَا اشْتَرَاهُ، وَإِنْ عَجَزَ كَانَ لَهُ رَدُّ الْبَيْعِ وَيَرُدُّ جَمِيعَ مَا أَخَذَ مِنْ الْكِتَابَةِ كَالْغَلَّةِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ وَقِيلَ لَا يُرَدُّ ذَلِكَ بَلْ يَفُوزُ بِهِ. قَوْلُهُ: [وَقَدْرُ مَا يُقَابِلُ] : أَيْ وَرِقُّ قَدْرَ مَا يُقَابَلُ إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَعَجْزُ رِقٍّ لِسَيِّدِهِ] : أَيْ وَأَمَّا إنْ وَفَّى لِسَيِّدِهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ حُرًّا وَالْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ. [تضامن الْجَمَاعَةُ الْمُكَاتَبِينَ] قَوْلُهُ: [لِمَالِكٍ وَاحِدٍ] : مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَ الْمَالِكُ لِجَمَاعَةِ مِنْ الْعَبِيدِ وَلَمْ

(وَ) إذَا وَقَعَتْ (وُزِّعَتْ) : عَلَى الْجَمَاعَةِ الْمُكَاتَبِينَ (عَلَى) قَدْرِ (قُوَّتِهِمْ عَلَى الْأَدَاءِ) وَتُعْتَبَرُ قُوَّتُهُمْ (يَوْمَ الْعَقْدِ) لِكِتَابَتِهِمْ: فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقْدِ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى الْأَدَاءِ كَصَغِيرٍ وَزَمَنٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ طَرَأَتْ الْقُوَّةُ بَعْدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ لِمَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَا لِعَدَدِهِمْ. (وَهُمْ) : أَيْ الْجَمَاعَةُ الْمُكَاتَبُونَ فِي عَقْدِ (حُمَلَاءُ) بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ (مُطْلَقًا) : اُشْتُرِطَتْ حُمَالَةُ بَعْضِهِمْ وَقْتَ الْعَقْدِ أَمْ لَا، بِخِلَافِ حُمَالَةِ الدُّيُونِ إنَّمَا تَكُونُ بِالشَّرْطِ. (وَإِنْ زَمِنَ بَعْضُهُمْ) : أَيْ طَرَأَتْ زَمَانَتُهُ فَلَا يُحَطُّ عَنْهُمْ شَيْءٌ لِزَمَانَةِ بَعْضِهِمْ كَمَا يَأْتِي. وَإِذَا عَلِمْت أَنَّهُمْ حُمَلَاءُ وَكَانَ بَعْضُهُمْ فَقِيرًا وَبَعْضُهُمْ مَلِيًّا: (فَيُؤْخَذُ مِنْ الْمَلِيِّ) مِنْهُمْ (الْجَمِيعُ) : أَيْ جَمِيعُ نُجُومِ الْكِتَابَةِ وَلَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إلَّا بِأَدَاءِ الْجَمِيعِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْحُمَالَةِ، فَلَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَمْلِيَاءَ فَيَتْبَعُ كُلٌّ بِمَا يَنُوبُهُ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ. (وَ) إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ مَلِيًّا وَأُخِذَ مِنْهُ مَا عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ فَإِنَّهُ أَوْ وَارِثُهُ (يَرْجِعُ) عَلَى مَنْ أَدَّى عَنْهُ بِحُكْمِ التَّوْزِيعِ (عَلَى غَيْرِ زَوْجٍ) فَلَا يَرْجِعُ بِمَا دَفَعَ عَنْ الزَّوْجِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُنْ بَيْنَهُمْ شَرِكَةٌ أَنَّهُ يَجُوزُ جَمْعُهُمْ بِعَقْدٍ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ حُمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ وَتُوَزَّعُ عَلَى قُوَّتِهِمْ. وَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا قَدْرَ قُوَّةِ عَبْدِهِ فَإِنْ اشْتَرَطَ حُمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ مُنِعَ وَمَضَى بَعْدَ الْوُقُوعِ عِنْدَ سَحْنُونَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ جَمْعُهُمْ بِعَقْدٍ إذَا تَعَدَّدَ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَجَزَ أَحَدُ الْعَبِيدِ أَوْ مَاتَ أَخَذَ سَيِّدُهُ مَالَ الْآخَرِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَكُونُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَظَاهِرُهُ اشْتَرَطَ حُمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ أَوَّلًا. قَوْلُهُ: [فَيَتَّبِعُ كُلٌّ بِمَا يَنُوبُهُ] : أَيْ وَلَا يُعْتَقُ الْمُؤَدِّي مِنْهُمْ إلَّا بِأَدَاءِ الْجَمِيعِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. قَوْلُهُ: [عَلَى غَيْرِ زَوْجٍ] : أَيْ ذَكَرًا كَانَ الزَّوْجُ أَوْ أُنْثَى وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَلَوْ أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ عَنْهُ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِفِدَاءِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ مِنْ الْكُفَّارِ، فَإِنَّهُ إذَا دَفَعَ عَنْهُ بِإِذْنِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَرْجِعُ

[ما يجوز للمكاتب وما لا يجوز]

(وَ) لَا يَرْجِعُ بِمَا دَفَعَ عَنْ (مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) بِقَرَابَةٍ كَالْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَالْإِخْوَةِ. (وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ شَيْءٌ) مِمَّا عُقِدَ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ (مَوْتِ بَعْضِ) مِنْهُمْ (أَوْ عَجْزِهِ) أَوْ غَصْبِهِ إمَّا بِاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِمْ بِرِقٍّ أَوْ حُرِّيَّةٍ فَيَسْقُطُ عَنْهُمْ بِقَدْرِ حَالِهِ، وَقَوْلُهُ " بِمَوْتِ بَعْضِهِمْ " وَلَوْ أَكْثَرُهُمْ وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلَّا وَاحِدٌ، فَإِنَّهُ يَغْرَمُ الْجَمِيعُ لَمَّا عَلِمْت أَنَّهُمْ حُمَلَاءُ. (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُكَاتَبِ (تَصَرُّفٌ) بِدُونِ إذْنِ سَيِّدِهِ (بِمَا لَا يُؤَدَّى لِعَجْزِهِ) : وَمَثَّلَ لِمَا يُؤَدَّى لِعَجْزِهِ بِقَوْلِهِ: (كَبَيْعِ) لِشَيْءِ يَمْلِكُهُ (وَشِرَاءٍ وَمُشَارَكَةٍ وَمُقَارَضَةٍ) : دَفْعُ مَالٍ قِرَاضًا (وَمُكَاتَبَةً) لِرَقِيقِهِ (بِالنَّظَرِ) : أَيْ طَلَبِ الْفَضْلِ، فَإِنْ عَجَزَ الْأَعْلَى أَدَّى الْأَسْفَلَ، لِلسَّيِّدِ الْأَعْلَى وَعَتَقَ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لِلْأَعْلَى. وَلَا يَرْجِعُ الْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ الْأَسْفَلِ الَّذِي كَاتَبَهُ إنْ عَتَقَ بَعْدَهُ. (وَ) لِلْمُكَاتَبِ (سَفَرٌ) بِلَا إذْنٍ حَيْثُ كَانَ (لَا يَحِلُّ فِيهِ نَجْمٌ) . (وَ) لِلْمُكَاتَبِ (إقْرَارٌ) بِدَيْنٍ (فِي ذِمَّتِهِ) وَكَذَا بِحَدٍّ وَتَعْزِيرٍ فِي بَدَنِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَانْظُرْ الْفَرْقَ. تَنْبِيهٌ: لِلسَّيِّدِ عِتْقُ مَنْ قَوِيَ مِنْهُمْ عَلَى الْأَدَاءِ مَجَّانًا بِشَرْطَيْنِ إنْ رَضِيَ الْجَمِيعُ بِذَلِكَ وَقَدَرُوا عَلَى الْأَدَاءِ وَتَسْقُطُ عَنْهُمْ حِينَئِذٍ حِصَّتَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قُوَّةٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ عِتْقُهُ وَلَا عِبْرَةَ بِرِضَاهُمْ كَمَا أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِرِضَاهُمْ وَلَا بِقُوَّتِهِمْ إذَا أَعْتَقَ ضَعِيفًا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى السَّعْيِ، وَلَا مَالَ عِنْدَهُ كَمَا لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْعَجْزُ نَعَمْ إنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْعَجْزُ سَقَطَ عَنْهُمْ مَنَابُهُ وَأَمَّا الْعَجْزُ أَصَالَةً فَلَا يَسْقُطُ مِنْ أَجَلِهِ شَيْءٌ. [مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ وَمَا لَا يَجُوز] قَوْلُهُ: [دَفْعُ مَالٍ قِرَاضًا] : أَيْ فَهُوَ بِالْقَافِ وَالرَّاءِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ لَا بِالْفَاءِ وَالْوَاوِ؛ لِأَنَّهُ يُغْنِي عَنْهَا وَمُشَارَكَةٌ. قَوْلُهُ: [حَيْثُ كَانَ لَا يَحِلُّ فِيهِ نَجْمٌ] : أَيْ وَالْمَوْضُوعُ عَلَى أَنَّهُ قَرِيبٌ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [فِي ذِمَّتِهِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةٌ مَا يَرْجِعُ لِلْمَالِ فِي الذِّمَّةِ كَالدَّيْنِ وَهَذَا يَقْبَلُ الْإِقْرَارَ بِهِ مِنْ الْمُكَاتَبِ دُونَ الْقِنِّ وَمَا يَرْجِعُ لِلْمَالِ فِي

(لَا عِتْقَ) لِرَقِيقِهِ وَلَوْ كَانَ وَلَدُهُ فَلِلسَّيِّدِ رَدُّهُ. (وَ) لَا (صَدَقَةً وَ) لَا (هِبَةً إلَّا) الشَّيْءَ (التَّافِهَ) : كَكِسْرَةٍ وَمُرَادُهُ هِبَةُ غَيْرِ الثَّوَابِ. (وَ) لَا (تُزَوَّجُ) ؛ لِأَنَّهُ يَعِيبُهُ (وَ) لَا (سَفَرٌ بَعُدَ) يَحِلُّ فِيهِ نَجْمٌ أَمْ لَا كَقَرِيبٍ يَحِلُّ فِيهِ نَجْمٌ، وَقَوْلُهُ: (إلَّا بِإِذْنٍ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " لَا عِتْقٌ " وَجَمِيعُ مَا بَعْدَهُ. وَيَجُوزُ لَهُ التَّسَرِّي بِدُونِ إذْنٍ. وَلِسَيِّدِهِ رَدُّ تَزَوُّجِهِ وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَهَا رُبُعُ دِينَارٍ وَلَا تَتْبَعُهُ بِمَا زَادَ إنْ عَتَقَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّقَبَةِ وَهُوَ لَا يُقْبَلُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَمَا يَرْجِعُ لِلرَّقَبَةِ فَقَطْ كَالْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ وَهُوَ يُقْبَلُ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: [لَا عِتْقٌ لِرَقِيقِهِ] إلَخْ: إنَّمَا كَانَ لِلسَّيِّدِ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِعَجْزِهِ وَالشَّارِعُ مُتَشَوِّفٌ لِلْحُرِّيَّةِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَ وَلَدَهُ] : أَيْ كَمَا إذَا كَانَ لِلْمُكَاتَبِ أَمَةٌ فَحَمَلَتْ مِنْهُ وَأَتَتْ بِوَلَدِهِ فَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ وَلَا بِإِنْشَاءِ صِيغَةٍ، وَأَمَّا دُخُولُهُ مَعَهُ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ. قَوْلُهُ: [غَيْرُ الثَّوَابِ] : أَيْ وَأَمَّا هِبَةُ الثَّوَابِ فَهِيَ بَيْعٌ. قَوْلُهُ: [وَلَا تُزَوِّجُ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ نَظَرًا أَوْ غَيْرَ نَظَرٍ؛ لِأَنَّهُ يَعِيبُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلِلسَّيِّدِ رَدُّهُ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ وَلَهُ إجَازَتُهُ وَإِذَا أَجَازَهُ جَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِرِضَا ذَلِكَ الْغَيْرِ إنْ كَانَ بَالِغًا رَشِيدًا وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: [كَقَرِيبٍ يَحِلُّ فِيهِ نَجْمٌ] : أَيْ كَمَا عَلِمَ مِنْ مَفْهُومِ مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [وَيَجُوزُ لَهُ التَّسَرِّي] : أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي لِعَجْزِهِ فِي شَيْءٍ. قَوْلُهُ: [وَلَهَا رُبُعُ دِينَارٍ] : أَيْ إنْ رَدَّهُ بَعْدَ الدُّخُولِ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا شَيْءَ لَهَا. قَوْلُهُ: [وَلَا تَتَّبِعُهُ بِمَا زَادَ إنْ عَتَقَ] : أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ غَرَّهَا بِحُرِّيَّةٍ وَإِلَّا أُتْبِعَتْ بِالزَّائِدِ إنْ لَمْ يُسْقِطْهُ عَنْهُ سَيِّدٌ أَوْ سُلْطَانٌ.

(وَكَفَّرَ بِالصَّوْمِ) : إذَا لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِغَيْرِهِ. (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُكَاتَبِ بَعْدَ حُلُولِ الْكِتَابَةِ (تَعْجِيزُ نَفْسِهِ) : فَيَرْجِعُ رَقِيقًا (إنْ وَافَقَهُ السَّيِّدُ) عَلَى التَّعْجِيزِ اتِّفَاقًا أَوْ خَالَفَهُ عَلَى الْأَرْجَحِ، (وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ) : فَإِنْ ظَهَرَ لِلْمُكَاتَبِ مَالٌ فَلَا تَعْجِيزَ وَلَوْ وَافَقَهُ السَّيِّدُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ. وَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ وَعَجَّزَ نَفْسَهُ (فَيَرِقُّ) : أَيْ يَرْجِعُ قِنًّا لَا شَائِبَةَ فِيهِ (بِلَا حُكْمٍ) . (وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ) بَعْدَ تَعْجِيزِ نَفْسِهِ وَرُجُوعِهِ قِنًّا (مَالٌ) فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ مُكَاتَبًا عَلَى الرَّاجِحِ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ " تَعْجِيزُ " إلَخْ أَنَّ السَّيِّدَ لَيْسَ لَهُ تَعْجِيزُ الْمُكَاتَبِ إذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ، بَلْ حَيْثُ أَرَادَ تَعْجِيزَ مُكَاتَبِهِ فَيُرْفَعُ لِلْحَاكِمِ يَنْظُرُ بِاجْتِهَادِهِ فَيَتَلَوَّمُ لِلْمَرْجُوِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِغَيْرِهِ] : أَيْ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ وَجَازَ لَهُ بِإِذْنِهِ التَّكْفِيرُ بِالْإِطْعَامِ أَوْ الْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَأَمَّا بِالْعِتْقِ فَلَيْسَ لَهُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: [وَلَهُ تَعْجِيزُ نَفْسِهِ] : أَيْ لِلْمُكَاتَبِ الْمُسْلِمِ تَعْجِيزُ نَفْسِهِ أَيْ إظْهَارُ الْعَجْزِ وَعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى أَدَاءِ الْكِتَابَةِ بِأَنْ يَقُولَ عَجَزَتْ نَفْسِي. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ] : الْوَاوُ لِلْحَالِ أَيْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ فِي حَالِ عَدَمِ ظُهُورِ مَالٍ لِلْمُكَاتَبِ وَلَا بُدَّ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ مَعَهُ أَحَدٌ فِي الْكِتَابَةِ وَإِلَّا فَلَا تَعْجِيزَ لَهُ وَيُؤْمَرُ بِالسَّعْيِ قَهْرًا عَنْهُ وَإِنْ تَبَيَّنَ لَدَدُهُ وَامْتِنَاعُهُ مِنْ السَّعْيِ عُوقِبَ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ بَعْدَ تَعْجِيزِ نَفْسِهِ] إلَخْ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ عَالِمًا بِذَلِكَ الْمَالِ وَأَخْفَاهُ عَنْ السَّيِّدِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ. قَوْلُهُ: [فَيُتَلَوَّمُ لِلْمَرْجُوِّ] : أَيْ يَتَلَوَّمُ الْحَاكِمُ لِمَنْ يَرْجُو يَسَارَهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ الْحَاضِرَ الْعَاجِزَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ إنَّمَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِعَجْزِهِ إنْ طَلَبَ سَيِّدُهُ ذَلِكَ وَأَبَى الْعَبْدُ بَعْدَ التَّلَوُّمِ لَهُ إنْ كَانَ يُرْجَى يَسَارُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُرْجَى يَسَارُهُ حُكِمَ بِعَجْزِهِ مِنْ غَيْرِ تَلَوُّمٍ، وَأَمَّا الْغَائِبُ بِلَا إذْنٍ وَحَلَّ مَا عَلَيْهِ فَقِيلَ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِعَجْزِهِ وَفَسْخِ كِتَابَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَلَوُّمٍ مُطْلَقًا وَقِيلَ إنْ قَرُبَتْ الْغَيْبَةُ لَا يُحْكَمُ بِالْفَسْخِ إلَّا بَعْدَ التَّلَوُّمِ إنْ كَانَ يُرْجَى قُدُومُهُ وَيُسْرُهُ فَإِنْ لَمْ يُرْجَ ذَلِكَ حَكَمَ بِالْفَسْخِ مِنْ غَيْرِ تَلَوُّمٍ كَبَعِيدِ الْغَيْبَةِ وَمَجْهُولِ الْحَالِ.

[فسخ الكتابة]

وَلَوْ شَرَطَ السَّيِّدُ أَنَّ لَهُ التَّعْجِيزَ بِدُونِ رَفْعٍ وَبِدُونِ تَلَوُّمٍ فَلَا يُعْمَلُ بِشَرْطِهِ. (فَإِنْ عَجَزَ) الْمُكَاتَبُ (عَنْ شَيْءٍ) مِنْ النُّجُومِ - وَلَوْ دِرْهَمًا - فَيَرِقُّ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْبَعْضِ كَالْعَجْزِ عَنْ الْكُلِّ، وَلَا يَحْتَاجُ لِحَاكِمِ إنْ وَافَقَ الْعَبْدُ سَيِّدَهُ (أَوْ غَابَ) الْمُكَاتَبُ (عِنْدَ الْحُلُولِ) : أَيْ حُلُولِ نُجُومِ الْكِتَابَةِ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ سَيِّدِهِ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَا مَالَ لَهُ) يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَعْجِزُ عَنْ الْكِتَابَةِ وَيَرْجِعُ قِنًّا. (وَفَسْخُ الْحَاكِمِ) : أَيْ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْ شَيْءٍ وَقُلْنَا يَعْجَزُ وَخَالَفَ الْعَبْدُ سَيِّدَهُ؛ فَيُرْفَعُ لِلْحَاكِمِ يُنْظَرُ فِيهِ وَيَتَلَوَّمُ الْحَاكِمُ لِمَنْ يَرْجُوهُ. وَعَلِمْت أَنَّ هَذَا حَيْثُ لَمْ يُوَافِقْ سَيِّدِهِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْغَائِبِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْحُكْمِ بِالتَّعْجِيزِ، قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ أَوْ بَعُدَتْ، كَانَ مَعَهُ مَالٌ أَمْ لَا لِاحْتِمَالِ ذَهَابِهِ مِنْ يَدِهِ. (وَتَلَوَّمَ لِمَنْ يَرْجُوهُ) : أَيْضًا فَهُوَ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْمُصَنِّفِ وَعَلِمْت أَنَّهُ إنْ طَلَبَهُ السَّيِّدُ وَحْدَهُ كَذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِشَرْطِ السَّيِّدِ خِلَافَهُ. (وَفُسِخَتْ) الْكِتَابَةُ (إنْ مَاتَ) الْمُكَاتَبُ قَبْلَ الْوَفَاءِ أَوْ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَى السَّيِّدِ بِقَبْضِهَا أَوْ قَبْلَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ (وَإِنْ) مَاتَ الْمُكَاتَبُ (عَنْ مَالٍ) يَفِي بِالْكِتَابَةِ؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ رَقِيقًا وَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ؛ فَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ عَلَى السَّيِّدِ بِقَبْضِهَا وَأَحْضَرَهَا الْمُكَاتَبُ لِلسَّيِّدِ فَلَمْ يَقْبَلْهَا فَأَشْهَدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ فَلَا تُفْسَخُ وَيَكُونُ حُرًّا وَتَنْفُذُ وَصَايَاهُ وَمَالُهُ لِوَارِثِهِ. وَمَحَلُّ فَسْخِهَا: إنْ مَاتَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا يَحْتَاجُ لِحَاكِمٍ] إلَخْ: هَذَا مَعْلُومٌ مِمَّا سَبَقَ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يُعَجَّزُ] : هَكَذَا بِالتَّشْدِيدِ أَيْ يُعَجِّزُهُ الْحَاكِمُ. قَوْلُهُ: [أَيْضًا] : الْأَوْلَى حَذْفُهَا لِإِبْهَامِهِ أَنَّ لَفْظَ التَّلَوُّمِ تَقَدَّمَ لِلْمُصَنَّفِ مَرَّةً أُخْرَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ. [فَسْخُ الْكِتَابَة] قَوْلُهُ: [إنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ الْوَفَاءِ] إلَخْ: أَيْ بِأَنْ مَاتَ قَبْلَ إتْيَانِهِ بِهَا لِلسَّيِّدِ أَوْ بَعْدَ إتْيَانِهِ بِهَا فَلَمْ يَقْبَلْهَا وَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ حَاكِمٌ بِقَبْضِهَا، وَلَمْ يَشْهَدْ الْعَبْدُ أَنَّهُ أَحْضَرَهَا لَهُ وَأَبَى قَبُولَهَا مِنْهُ وَحَيْثُ فُسِخَتْ الْكِتَابَةُ كَانَتْ وَصَايَاهُ بَاطِلَةً وَمَالُهُ لِلسَّيِّدِ لَا لِوَارِثِهِ.

(إلَّا لِوَلَدٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَأَجْنَبِيِّ (دَخَلَ) كُلٌّ (مَعَهُ) فِي الْكِتَابَةِ (بِشَرْطٍ) كَأَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ وَأَمَتُهُ حَامِلٌ مِنْهُ قَبْلَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ، وَأَوْلَى: لَوْ كَانَ مَوْلُودًا قَبْلَ عَقْدِهَا، فَلَا يَدْخُلُ إلَّا بِشَرْطٍ. وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِشَرْطٍ (أَوْ غَيْرِهِ) : أَيْ دَخَلَ كُلٌّ مِنْ الْوَلَدِ وَالْأَجْنَبِيِّ بِغَيْرِ شَرْطٍ؛ كَأَنْ يَحْدُثَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِ أَمَتِهِ بَعْدَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ وَدُخُولِ الْأَجْنَبِيِّ أَيْ غَيْرِ الْوَلَدِ بِلَا شَرْطٍ فَكَأَنْ يَشْتَرِيَ الْمُكَاتَبُ فِي زَمَنِ الْكِتَابَةِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ فَإِنَّهُ يَصِيرُ كَمَنْ عُقِدَتْ الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ. وَإِذَا لَمْ تَنْفَسِخْ وَتَرَكَ الْمُكَاتَبُ مَا يَفِي بِهِ (فَتُؤَدَّى) مِمَّا تَرَكَهُ (حَالَّةً) : لِأَنَّهُ يَحِلُّ بِالْمَوْتِ مَا أَحَلَّ. (وَ) إذَا أُدِّيَتْ حَالَّةً وَفَضَلَ بَعْدَ الْأَدَاءِ شَيْءٌ مِمَّا تَرَكَهُ (يَرِثُهُ مَنْ) كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا لِوَلَدٍ أَوْ غَيْرِهِ] إلَخْ: أَيْ فَإِذَا دَخَلَ مَعَهُ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ وَلَدٌ أَوْ أَجْنَبِيٌّ بِشَرْطٍ أَوْ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَلَا تَنْفَسِخُ كِتَابَتُهُ بَلْ تَحِلُّ بِمَوْتِهِ وَيَتَعَجَّلُهَا مِنْ مَالِهِ حَيْثُ تَرَكَ مَا يَفِي بِالْكِتَابَةِ وَيُعْتِقُ بِذَلِكَ مَنْ مَعَهُ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ كَمَا سَيُفَصِّلُهُ الْمَتْنُ وَالشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِشَرْطٍ] : الصَّوَابُ حَذْفُهُ لِمُنَافَاتِهِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [فَكَأَنْ يَشْتَرِيَ] : الْأَوْلَى حَذْفُ الْفَاءِ؛ لِأَنَّ الْكَافَ وَمَدْخُولَهَا فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مُتَعَلِّقٍ خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ دُخُولُ تَقْدِيرِهِ، وَدُخُولُ الْأَجْنَبِيِّ حَاصِلٌ وَمُتَعَلِّقٌ وَمُتَأَتٍّ فِي مِثْلِ أَنْ يَشْتَرِيَ وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا التَّرْكِيبِ مِنْ الرِّكَّةِ. قَوْلُهُ: [فَتُؤَدَّى حَالَّةً] : أَيْ يُؤَدَّى جَمِيعُ مَا بَقِيَ مِنْ النُّجُومِ عَلَى الْمَيِّتِ وَعَلَى مَنْ مَعَهُ وَإِنَّمَا حَلَّ الْجَمِيعُ بِمَوْتِهِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مَدِينٌ بِالْجَمِيعِ بَعْضُهُ بِالْأَصَالَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَبَعْضُهُ بِالْحُمَالَةِ عَنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُمْ حُمَلَاءُ وَحَيْثُ أَدَّى جَمِيعَ مَا بَقِيَ مِنْ النُّجُومِ مِمَّا عَلَى الْمَيِّتِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ مَعَهُ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ رَجَعَ وَارِثُ الْمُكَاتَبِ بِمَا أَدَّى مِنْ تَرِكَتِهِ عَلَى غَيْرِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى ذَلِكَ الْمُكَاتَبِ، كَمَا يَرْجِعُ هُوَ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ حَيًّا. وَأَمَّا مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْوَارِثُ كَمَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمُكَاتَبُ لَوْ كَانَ حَيًّا، فَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ هُوَ السَّيِّدُ تَبِعَ الْأَجْنَبِيَّ بِالْحِصَّةِ الْمُؤَدَّاةِ عَنْهُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ وَحَاصَّ بِهِ غُرَمَاءَهُ بَعْدَ عِتْقِهِ أَفَادَهُ (بْن) نَقْلًا عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ.

(مَعَهُ) فِي الْكِتَابَةِ (فَقَطْ) : دُونَ مَنْ لَيْسَ مَعَهُ وَلَوْ ابْنًا؛ فَلَوْ كَانَ مَعَهُ أَخٌ فِي الْكِتَابَةِ وَلَهُ وَلَدٌ لَيْسَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ فَالْإِرْثُ لِلْأَخِ (إنْ عَتَقَ عَلَيْهِ) : كَفَرْعِهِ وَأَصْلِهِ وَإِخْوَتِهِ دُونَ مَنْ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ، كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ فَزَوْجَتُهُ الَّتِي مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ لَا تَرِثُهُ لِأَنَّهَا لَا تُعْتَقُ عَلَيْهِ وَكَذَا عَمُّهُ وَنَحْوُهُ. (فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً) : بِأَنْ تَرَكَ شَيْئًا لَا يُوَفِّي أَوْ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا (وَقَوِيَ مَنْ مَعَهُ) : فِي الْكِتَابَةِ (عَلَى السَّعْيِ: سَعَى) : فَمَتَى قَوِيَ مَنْ مَعَهُ لَزِمَهُ السَّعْيُ سَوَاءٌ تَرَكَ شَيْئًا أَمْ لَا، كَانَ مَنْ قَوِيَ يُعْتَقُ عَلَيْهِ أَمْ لَا. لَكِنْ إنْ تَرَكَ شَيْئًا وَلَهُ وَلَدٌ فَيَتْرُكُ مَا تَرَكَهُ لِوَلَدِهِ يَسْتَعِينُ بِهِ وَلَا يَدْفَعُ لِأُمِّ وَلَدِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ قُوَّةٌ عَلَى السَّعْيِ وَعِنْدَهُ أَمَانَةٌ، وَإِلَّا فَيَتْرُكُ لِأُمِّ الْوَلَدِ إنْ قَوِيَتْ وَأَمِنَتْ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهَا قُوَّةٌ أَيْضًا رِقًّا لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ، مَا لَمْ يَكُنْ فِي ثَمَنِهَا وَفَاءٌ وَإِلَّا فَتُبَاعُ لِيُعْتَقَ الْوَلَدُ، كَمَا قَالَ. (وَتَرَكَ لِلْوَلَدِ مَتْرُوكَهُ إنْ أَمِنَ وَقَوِيَ، وَإِلَّا فَلِأُمِّ وَلَدِهِ كَذَلِكَ) : وَإِذَا ادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ سَيِّدَهُ كَاتَبَهُ، وَادَّعَى السَّيِّدُ نَفْيَ الْكِتَابَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ، كَمَا قَالَ: (وَالْقَوْلُ لِلسَّيِّدِ فِي نَفْيِ الْكِتَابَةِ) : فَإِنْ ادَّعَاهَا السَّيِّدُ وَادَّعَى الْعَبْدُ نَفْيَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَوْ ابْنًا] : حُرًّا أَوْ فِي عَقْدِ كِتَابَةٍ أُخْرَى فَتَحْصُلُ أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ، وَكَانَ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ كُلٌّ مِنْهُمْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَالْإِرْثُ بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى فَيُحْجَبُ الْأَخُ بِالْأَبِ، أَوْ الِابْنُ وَالْجَدُّ بِالْأَبِ، وَهَكَذَا. قَوْلُهُ: [عَلَى السَّعْيِ] : أَيْ عَلَى أَدَاءِ النُّجُومِ. قَوْلُهُ: [لَكِنْ إنْ تَرَكَ شَيْئًا وَلَهُ وَلَدٌ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا مَاتَ وَكَانَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ غَيْرُهُ فَإِنَّ مَنْ مَعَهُ يُطَالَبُ بِالسَّعْيِ إنْ قَوِيَ مُطْلَقًا تَرَكَ شَيْئًا لَا يَفِي أَمْ لَا كَانَ مَنْ مَعَهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ أَمْ لَا، وَأَمَّا مَتْرُوكُهُ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ وَفَاءٌ فَإِنَّمَا يُتْرَكُ لِلْوَلَدِ إنْ قَوِيَ، وَأَمِنَ وَإِلَّا فَلِأُمِّهِ إنْ كَانَتْ قَوِيَّةً وَأَمِنَتْ وَإِلَّا اسْتَوْفَاهُ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ وَبَاعَ أُمَّ الْوَلَدِ لِيُكَمِّلَ مَا يَفِي بِالنُّجُومِ لِيُعْتَقَ الْوَلَدُ، فَإِنْ لَمْ يُوفِ ثَمَنَهَا رُقَّ الْجَمِيعُ فَلَوْ كَانَتْ النُّجُومُ مِائَةً وَتَرَكَ الْمُكَاتَبُ خَمْسِينَ وَلَمْ يَكُنْ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ الْكِتَابَةِ وَلَدٌ وَلَا أُمُّ وَلَدٍ فَسَيِّدُهُ يَأْخُذُ الْخَمْسِينَ وَلَا يَتْرُكُهَا لِأَحَدٍ، وَيُقَالُ

[التنازع في الكتابة]

فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهَا كَالْعِتْقِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ. فَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ. (وَ) إذَا ادَّعَى الْمُكَاتَبُ أَنَّهُ أَدَّى النُّجُومَ لِسَيِّدِهِ وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ فَالْقَوْلُ لِلسَّيِّدِ فِي نَفْيِ (الْأَدَاءِ) بِيَمِينٍ: فَإِنْ نَكَلَ السَّيِّدُ حَلَفَ الْعَبْدُ وَعَتَقَ فَإِنْ نَكَلَ فَالْقَوْلُ لِلسَّيِّدِ بِلَا يَمِينٍ. (لَا الْقَدْرُ) : أَيْ لَا إنْ اخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ؛ كَقَوْلِ السَّيِّدِ كَاتَبْته عَلَى عَشْرَةٍ، وَقَالَ الْعَبْدُ: عَلَى خَمْسَةٍ مَثَلًا (وَالْأَجَلُ) إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ أَوْ انْقِضَائِهِ (وَالْجِنْسِ) إذَا اخْتَلَفَا فِيهِ، كَقَوْلِ السَّيِّدِ: كَاتَبْته عَلَى نَقْدٍ، وَقَالَ الْعَبْدُ: بَلْ عَلَى عَرَضٍ (فَكَالْبَيْعِ) : الْقَوْلُ لِلْعَبْدِ إنْ أَشْبَهَ وَلَوْ أَشْبَهَ قَوْلُ السَّيِّدِ، ثُمَّ قَوْلُ السَّيِّدِ إنْ انْفَرَدَ بِالشَّبَهِ فَإِنْ لَمْ يُشْبِهَا تَحَالَفَا وَرُدَّ لِكِتَابَةِ الْمِثْلِ، وَنُكُولُهُمَا كَحَلِفِهِمَا وَيَقْضِي لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْعَيْنِ عَلَى مُدَّعِي الْعَرَضِ لِأَنَّهَا ` الْغَالِبُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ، إلَّا أَنْ يَنْفَرِدَ الْآخَرُ بِالشَّبَهِ فَقَوْلُهُ بِيَمِينٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَنْ مَعَهُ إنْ كَانَ فِيكُمْ قُوَّةٌ فَاسْعَوْا وَإِلَّا حَكَمَ بِرِقِّكُمْ أَفَادَهُ فِي الْأَصْلِ. [التَّنَازُع فِي الْكِتَابَة] قَوْلُهُ: [لِأَنَّهَا كَالْعِتْقِ] إلَخْ: فِيهِ أَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ لَا تَتَأَتَّى هُنَا؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ هُنَا هُوَ السَّيِّدُ وَالْعِتْقُ بِيَدِهِ فَدَعْوَاهُ الْكِتَابَةَ إقْرَارٌ بِالْعِتْقِ وَدَعْوَى بِعِمَارَةِ ذِمَّةِ الْعَبْدِ بِالْمَالِ فَلَيْسَ هُنَا دَعْوَى الْعِتْقِ أَصْلًا، وَلِذَا عَلَّلَ بَعْضُهُمْ كَوْنَ الْقَوْلِ قَوْلَ الْعَبْدِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ يَدَّعِي عِمَارَةَ ذِمَّةِ الْعَبْدِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ، وَيَكُونُ مُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَبْدِ بِيَمِينٍ لَا بِلَا يَمِينٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى بِمَالٍ فَتَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ السَّيِّدُ بِمُجَرَّدِهَا وَمُقَابِلُ هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُ الْقَوْلُ لِلسَّيِّدِ ادَّعَى نَفْيَهَا أَوْ ثُبُوتَهَا، وَمَشَى عَلَيْهِ الْخَرَشِيُّ تَبَعًا لِلْفِيشِيِّ وَسَلَّمَهُ فِي الْحَاشِيَةِ وَلَمْ يَتَعَقَّبُهُ وَهُمَا قَوْلَانِ. قَوْلُهُ: [فِي نَفْيِ الْأَدَاءِ] : أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا، وَإِنَّمَا كَانَ بِيَمِينٍ لِأَنَّ دَعْوَى الْعَبْدِ الْأَدَاءُ دَعْوَى بِمَالٍ وَهِيَ تَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَتَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ السَّيِّدُ هُنَا بِمُجَرَّدِهَا وَمَحَلُّ حَلِفِ السَّيِّدِ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ فِي صُلْبِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ التَّصْدِيقَ بِلَا يَمِينٍ وَإِلَّا عَمِلَ بِهِ كَمَا فِي وَثَائِقِ الْحَرِيرِيِّ أَفَادَهُ (عب) . قَوْلُهُ: [وَلَوْ أَشْبَهَ قَوْلَ السَّيِّدِ] : أَيْ بِأَنَّ أَشْبَهَا مَعًا. قَوْلُهُ: [وَرُدَّ لِكِتَابَةِ الْمِثْلِ] : أَيْ مِنْ الْعَيْنِ وَهَذَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ وَقَعَتْ بِعُرُوضٍ وَاخْتَلَفَا فِي جِنْسِهِ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا بِثَوْبٍ وَالْآخَرُ بِكِتَابٍ مَثَلًا

[خاتمة اشترط وطء المكاتبة أو استثنى حملها]

(وَإِنْ أُعِينَ) الْمُكَاتَبُ (بِشَيْءٍ) : بِأَنْ دَفَعَ لَهُ جَمَاعَةٌ أَوْ وَاحِدٌ دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرِهَا يَسْتَعِينُ بِهَا (فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِ) : بِأَنْ قَصَدَ فَكَّ الرَّقَبَةِ أَوْ لَا قَصَدَ (رَجَعَ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْعَبْدِ (بِالْفَضْلَةِ إنْ عَتَقَ) فَيَأْخُذُ الْمُعَيَّنُ مِنْ الْعَبْدِ الزَّائِدِ (وَ) رَجَعَ (عَلَى السَّيِّدِ بِمَا قَبَضَهُ) مِنْ مَالِهِمْ (إنْ عَجَزَ، وَإِلَّا) بِأَنْ قَصَدَ بِمَا دَفَعَ لَهُ الصَّدَقَةُ (فَلَا) رُجُوعَ عَلَى الْعَبْدِ بِالْفَضْلَةِ وَلَا عَلَى السَّيِّدِ بِمَا قَبَضَ. (وَإِنْ قَالَ) شَخْصٌ لِرَقِيقِهِ: (أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنَّ عَلَيْك أَلْفًا) مَثَلًا (أَوْ) قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ (وَعَلَيْك) أَلْفٌ أَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ (لَزِمَ الْعِتْقُ) حَالًا (وَ) لَزِمَ (الْمَالُ) لِلْعَبْدِ مُعَجَّلًا إنْ أَيْسَرَ، وَإِلَّا اتَّبَعَتْ ذِمَّتُهُ؛ لِأَنَّهَا قَطَاعَةٌ لَازِمَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا وَقَعَتْ بِعَيْنٍ وَالْآخَرُ بِعَرَضٍ كَمَا مَثَّلَ الشَّارِحُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَفِيهِ خِلَافُ اللَّخْمِيِّ الْآتِي، فَالْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ التَّمْثِيلُ بِمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ وَقَعَتْ بِعَرَضٍ وَاخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الْعَرَضِ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [رَجَعَ عَلَيْهِ بِالْفَضْلَةِ إنْ عَتَقَ] : ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ يَسِيرَةً أَوْ كَثِيرَةً وَقَيَّدَهَا بَعْضُهُمْ بِالْكَثِيرَةِ وَاسْتَشْهَدَ بِمَا قَالُوهُ فِي رَدِّ فَضْلَةِ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْغَنِيمَةِ فِي الْجِهَادِ، وَفَضْلَةِ مَنْ دَفَعَ لِامْرَأَةٍ نَفَقَةً سَنَةً وَكِسْوَتَهَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا، وَفَضْلَةِ مُؤْنَةِ عَامِلِ الْقِرَاضِ. قَالَ الْجُزُولِيُّ فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ اثْنَانِ فَدَفَعَ مَالَ أَحَدِهِمَا وَخَرَجَ حُرًّا فَإِنَّهُ يَرُدُّ مَالَ الْآخَرِ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمُ مَالُ مَنْ بَقِيَ فَإِنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ فِيهِ عَلَى قَدْرِ مَا دَفَعَا إلَيْهِ وَقَالَ الْجُزُولِيُّ أَيْضًا وَكَذَا مَنْ دُفِعَ لَهُ مَالٌ لِكَوْنِهِ صَالِحًا أَوْ عَالِمًا أَوْ فَقِيرًا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تِلْكَ الْخَصْلَةِ حُرِّمَ عَلَيْهِ أَخْذُهُ كَذَا فِي (بْن) وَفِي الْحَاشِيَةِ مَا صُورَتُهُ مَنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ شَيْئًا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ فَلَا يَصْرِفُهُ إلَّا فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا مَنْ دَفَعَ لِفَقِيرٍ زَكَاةً فَبَقِيَتْ عِنْدَهُ حَتَّى اسْتَغْنَى فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ بَلْ تُبَاحُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِوَجْهٍ جَائِزٍ. تَنْبِيهٌ: إذَا تَنَازَعَ الْعَبْدُ مَعَ مَنْ أَعْطَاهُ فَقَالَ الْعَبْدُ هُوَ صَدَقَةٌ وَقَالَ الْمُعْطِي لَيْسَ صَدَقَةً بَلْ إعَانَةً عَلَى فَكِّ الرَّقَبَةِ، فَإِنْ كَانَ عُرْفٌ عُمِلَ بِهِ وَإِنْ جَرَى عُرْفٌ بِالْأَمْرَيْنِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ أَصْلًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْطِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ. [خَاتِمَةٌ اشْتَرَطَ وَطْءَ الْمُكَاتَبَةِ أَوْ اسْتَثْنَى حَمْلَهَا] قَوْلُهُ: [لَزِمَ الْعِتْقُ حَالًّا] إلَخْ: أَيْ وَسَوَاءٌ زَادَ مَعَ قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ السَّاعَةَ أَوْ

(وَخَيْرُ الْعَبْدِ) فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ مَا لَمْ يَطُلْ (فِي الِالْتِزَامِ) لِلْمَالِ فَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْمَالِ جَبْرًا عَلَى السَّيِّدِ (وَالرَّدِّ) لِقَوْلِ السَّيِّدِ، فَيَسْتَمِرُّ رَقِيقًا (فِي) قَوْلِ سَيِّدِهِ لَهُ أَنْتَ (حُرٌّ عَلَى أَنْ تَدْفَعَ) لِي مِائَةً مَثَلًا (أَوْ) قَوْلِ سَيِّدِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ (تُؤَدِّيَ) لِي مِائَةً (أَوْ) أَنْتَ حُرٌّ (إنْ أَعْطَيْت) لِي مِائَةً (وَنَحْوُهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيَوْمَ أَوْ لَمْ يَزِدْ بَلْ أَطْلَقَ كَمَا فِي أَبِي الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنَّمَا لَزِمَ الْمَالُ هُنَا بِخِلَافِ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ أَوْ عَلَيْك أَلْفٌ فَتَطْلُقُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ هُنَا يَمْلِكُ ذَاتَ الْعَبْدِ وَمَالَهُ فَكَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَاسْتَثْنَى مَالَهُ، وَفِي الزَّوْجَةِ إنَّمَا يَمْلِكُ عِصْمَتَهَا فَقَطْ لَا ذَاتِهَا وَلَا مَالِهَا. قَوْلُهُ: [وَخَيْرُ الْعَبْدِ] إلَخْ: مَحَلُّ التَّخْيِيرِ إذَا لَمْ يَقُلْ السَّاعَةَ أَوْ يَنْوِهَا وَإِلَّا لَزِمَ الْعِتْقُ وَالْمَالُ كَمَا قَالَهُ (ح) وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ لُزُومِ الْعِتْقِ وَالْمَالُ إذَا قُيِّدَ بِالسَّاعَةِ أَوْ نَوَاهَا إذَا جَعَلَ السَّاعَةَ ظَرْفًا لِلْحُرِّيَّةِ فَإِنْ جَعَلَهَا ظَرْفًا لِتُدْفَعَ أَوْ تُؤَدَّى خَيْرٌ كَمَا إذَا لَمْ يَذْكُرْهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ قَبْلُ وَأَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنَّ عَلَيْك أَلْفًا إلَخْ أَنَّهُ عَلَّقَ الدَّفْعَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ فَلِذَلِكَ خَيْرٌ، وَأَمَّا فِي الَّتِي قَبْلَهَا فَقَدْ عَبَّرَ بِمَا يُفِيدُ الْإِلْزَامَ وَلَمْ يَكِلْهُ إلَيْهِ تَأَمَّلْ. خَاتِمَةٌ: إذَا اشْتَرَطَ وَطْءَ الْمُكَاتَبَةِ أَوْ اسْتَثْنَى حَمْلَهَا الْمَوْجُودِ حَالَ الْكِتَابَةِ أَوْ مَا يُولَدُ لَهَا فَهُوَ لَغْوٌ وَكَذَا اشْتِرَاطُ قَلِيلِ الْخِدْمَةِ عَلَيْهِ لِلسَّيِّدِ إنْ وَفَّى فَلَا يُعْمَلُ بِشَرْطِهِ فِي الْجَمِيعِ وَأَمَّا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ كَثِيرُ الْخِدْمَةِ إنْ وَفَّى فَلَا يُلْغِي؛ لِأَنَّ كَثْرَتَهَا تُشْعِرُ بِالِاعْتِنَاءِ بِهَا فَكَأَنَّ عَقْدَهَا وَقَعَ عَلَيْهَا مَعَ الْمَالِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ لِعَبْدِ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ وَلَكِنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَفَادَهُ فِي الْأَصْلِ.

[باب في أحكام أم الولد وتعريفها]

بَابٌ فِي أَحْكَامِ أُمِّ الْوَلَدِ وَتَعْرِيفِهَا (أُمُّ الْوَلَدِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: جَرَتْ الْعَادَةُ بِالتَّرْجَمَةِ بِأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَلَعَلَّ سَبَبَ ذَلِكَ تَنْوِيعُ الْوَلَدِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْحُرِّيَّةُ لِلْأُمِّ: فَقَدْ يَكُونُ مُضْغَةً وَقَدْ يَكُونُ عَلَقَةً، وَقَدْ يَكُونُ تَامَّ الْخِلْقَةِ. وَالْمُصَنِّفُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَظَرَ إلَى أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى أُمِّ وَلَدٍ. (هِيَ الْحُرُّ حَمْلُهَا مِنْ وَطْءِ مَالِكِهَا) لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ ابْنِ عَرَفَةَ: عَلَيْهِ جَبْرًا؛ لِأَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ تَعْلِيقٌ " مِنْ وَطْءٍ " بِ " حُرٍّ ". ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي أَحْكَامِ أُمِّ الْوَلَدِ وَتَعْرِيفِهَا] بَابٌ: الْأُمُّ فِي اللُّغَةِ أَصْلُ الشَّيْءِ وَالْجَمْعُ أُمَّاتٌ وَأَصْلُ أُمٍّ أُمَّهَةٌ وَلِذَلِكَ يُجْمَعُ عَلَى أُمَّهَاتِ وَقِيلَ الْأُمَّهَاتُ لِلنَّاسِ وَالْأُمَّاتُ لِلنَّعَمِ. وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ مَنْ وُلِدَ لَهَا وَهِيَ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ خَاصَّةً بِالْأَمَةِ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا الْحُرِّ. قَوْلُهُ: [هِيَ الْحُرُّ حَمْلُهَا] : هَذَا جِنْسٌ فِي التَّعْرِيفِ صَادِقٌ بِالْأَمَةِ الَّتِي حَمَلَتْ مِنْ سَيِّدِهَا الْحُرِّ، وَبِالْأَمَةِ الَّتِي أَعْتَقَ سَيِّدُهَا حَمْلَهَا مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًا، وَبِأَمَةِ الْجَدِّ يَتَزَوَّجُهَا ابْنُ ابْنِهِ وَتَحْمِلُ مِنْهُ، فَإِنَّ الْحَمْلَ حُرٌّ يُعْتَقُ عَلَى الْجَدِّ، وَبِالْأَمَةِ الْغَارَّةِ لِحُرٍّ فَيَتَزَوَّجُهَا، فَإِنَّ حَمْلَهَا حُرٌّ وَبِأَمَةِ الْعَبْدِ إذَا أَعْتَقَ سَيِّدُهُ حَمْلُهَا. وَقَوْلُهُ: [مِنْ وَطْءِ مَالِكِهَا] : مُتَعَلِّقٌ بِحُرٍّ مُخْرَجٍ لِمَا عَدَا الصُّورَةَ الْأُولَى أَيْ الَّتِي نَشَأَتْ الْحُرِّيَّةُ لِحَمْلِهَا مِنْ وَطْءِ مَالِكِهَا. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ تَعْلِيقُ مَنْ وَطِئَ بِحُرٍّ] : أَيْ وَأَمَّا ابْنُ عَرَفَةَ فَجَعَلَهُ نَعْتًا لِحَمْلِهَا أَيْ حَمْلِهَا الْكَائِنِ مِنْ مَالِهَا فَاحْتَاجَ لِزِيَادَةِ جَبْرًا عَلَيْهِ لِأَجَلِ إخْرَاجِ أَمَةِ الْعَبْدِ إذَا أَعْتَقَ السَّيِّدُ حَمْلَهَا؛ لِأَنَّهُ يَصْدُق عَلَيْهَا أَنَّهُ حُرٌّ حَمْلُهَا الْكَائِنُ مِنْ مَالِكِهَا وَهُوَ الْعَبْدُ لَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ الْعِتْقُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ الْمَالِكُ الَّذِي هُوَ الْعَبْدُ كَذَا قَالُوا فَتَأَمَّلْ.

(وَتُعْتَقُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ) بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» (إنْ أَقَرَّ) السَّيِّدُ (بِوَطْئِهَا) وَأَنْزَلَ، أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ فَيَثْبُتُ كَوْنُهَا أُمَّ وَلَدٍ بِإِقْرَارِهِ. (وَوُجِدَ الْوَلَدُ) مَعَ إقْرَارِهِ، فَلَا يَحْتَاجُ لِإِثْبَاتِ وِلَادَةٍ. (أَوْ ثَبَتَ إلْقَاءُ عَلَقَةٍ) : دَمٌ مُجْتَمَعٌ لَا يَذُوبُ مِنْ صَبِّ مَاءٍ حَارٍّ عَلَيْهِ (فَفَوْقَ) : فَأَعْلَى مِنْ الْعَلَقَةِ - كَمُضْغَةٍ - كَانَ ثُبُوتُ إلْقَاءِ الْحَمْلِ بِعَدْلَيْنِ بَلْ (وَلَوْ امْرَأَتَيْنِ) : إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا الْوَلَدُ، وَالسَّيِّدُ مُقِرٌّ بِالْوَطْءِ أَوْ عِنْدَهَا بَيِّنَةٌ بِإِقْرَارِهِ بِالْوَطْءِ حَيْثُ أَنْكَرَ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ إلْقَاؤُهُ وَلَوْ بِامْرَأَتَيْنِ، بِأَنْ كَانَتْ مُجَرَّدَ دَعْوَى، أَوْ شَهِدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، لَمْ تَكُنْ بِإِلْقَائِهِ أُمَّ وَلَدٍ، مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا الْوَلَدُ وَسَيِّدُهَا مُقِرٌّ بِالْوَطْءِ فَتَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ وَلَا تَحْتَاجُ لِثُبُوتِ الْإِلْقَاءِ؛ فَقَوْلُهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَتُعْتَقُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ] : أَيْ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ سَيِّدِهَا تُعْتَقُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَإِنْ قَتَلَتْهُ عَمْدًا وَتُقْتَلُ بِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بُطْلَانِ تَدْبِيرِ الْعَبْدِ بِقَتْلِ سَيِّدِهِ كَمَا مَرَّ وَإِنْ قُتِلَ بِهِ ضَعَّفَ التُّهْمَةَ فِيهَا لِقُرْبِهَا مِنْ الْحَرَائِرِ فِي مَنْعِ إجَارَتِهَا وَبَيْعِهَا فِي دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ وَرَهْنِهَا وَهِبَتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا] : أَيْ الْحُرِّ. قَوْلُهُ: [عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ] : أَيْ عَقِبَ مَوْتِهِ. قَوْلُهُ: [فَأَعْلَى] : تَفْسِيرٌ لِ فَوْقَ عَلَى حَذْفِ أَيْ التَّفْسِيرِيَّةِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِامْرَأَتَيْنِ] : مُقَابِلُهُ مَا لِسَحْنُونٍ مِنْ أَنَّهَا لَا تَكُونُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ أَيْ هَذَا إذَا كَانَ بِرَجُلَيْنِ بَلْ وَلَوْ بِامْرَأَتَيْنِ، وَيَتَصَوَّرُ شَهَادَةُ الرَّجُلَيْنِ بِمَا إذَا كَانَتْ مَعَهُمَا فِي مَوْضِعٍ لَا يُمَكِّنُهَا أَنْ تَأْتِيَ فِيهِ بِوَلَدٍ تَدْعِيهِ كَالسَّفِينَةِ وَهِيَ وَسَطُ الْبَحْرِ فَيَحْصُلُ لَهَا التَّوَجُّعُ لِلْوِلَادَةِ ثُمَّ يُرَى أَثَرُ ذَلِكَ أَفَادَهُ فِي الْحَاشِيَةِ.

(لَا إنْ أَنْكَرَ) الْوَطْءُ فَلَا تَثْبُتُ الْأُمُومَةُ وَلَا يَلْزَمُهُ يَمِينٌ: أَيْ مَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْوَطْءِ. (أَوْ اسْتَبْرَأَهَا) : أَيْ الْأَمَةُ بَعْدَ وَطْئِهَا (بِحَيْضَةٍ) وَقَالَ: لَمْ أَطَأْ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، فَقَدْ تَنْفِي كَوْنَ الْوَلَدِ مِنْهُ وَخَالَفَتْهُ الْأَمَةُ (وَ) الْحَالُ أَنَّهَا (وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ) يَوْمِ (الِاسْتِبْرَاءِ) : لَا مِنْ يَوْمِ تَرْكِ الْوَطْءِ السَّابِقِ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ كَمَا فِي (عب) لِأَنَّهُ يَعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ الْحَيْضَ أَثْنَاءَ الْحَمْلِ، فَيَكُونُ الِاسْتِبْرَاءُ لَغْوًا. فَالصَّوَابُ: مِنْ يَوْمِ الِاسْتِبْرَاءِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَوْلُ الْخَرَشِيِّ: مِنْ يَوْمِ الْإِقْرَارِ يَحْمِلُ عَلَى أَنَّهُ أَقَرَّ يَوْمَ الِاسْتِبْرَاءِ. (وَإِلَّا) يَسْتَبْرِئُهَا أَوْ لَمْ يَنْفِهِ أَوْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (لَحِقَ) الْوَلَدُ بِهِ وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ. (كَادِّعَائِهَا) : أَيْ الْأَمَةُ أَنَّهَا أَسْقَطَتْ (سِقْطًا رَأَيْنَ) النِّسَاءُ - وَلَوْ امْرَأَتَيْنِ - (أَثَرَهُ) مِنْ تَوَرُّمِ الْمَحَلِّ، وَالسِّقْطُ لَيْسَ مَعَهَا، وَالسَّيِّدُ مُقِرٌّ بِالْوَطْءِ مُنْكِرٌ لِكَوْنِهِ مِنْهُ، فَيَلْحَقُ بِهِ وَتَكُونُ بِهِ أُمُّ وَلَدٍ فَلَوْ كَانَ السِّقْطُ مَعَهَا لَصَدَقَتْ. فَلَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا يَلْزَمُهُ يَمِينٌ] : أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ دَعْوَى الْعِتْقِ وَكُلُّ دَعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا. قَوْلُهُ: [أَيْ مَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ] : أَيْ عَدْلَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكْفِي النِّسَاءُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْوَطْءِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ. قَوْلُهُ: [كَمَا فِي عب] : رَاجِعٌ لِلْمَنْفِيِّ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ يَعْلَمُ بِذَلِكَ] إلَخْ: عَلَّهُ لِلنَّفْيِ. قَوْلُهُ: [فِي الْمُدَوَّنَةِ] : أَيْ وَقَدْ مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [لَحِقَ الْوَلَدُ بِهِ] إلَخْ: أَيْ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ إلَّا أَنَّهُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ يَلْحَقُ بِهِ وَلَوْ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ الْحَمْلِ. قَوْلُهُ: [وَالسَّيِّدُ مُقِرٌّ بِالْوَطْءِ] : أَيْ وَمِثْلُهُ لَوْ أَنْكَرَ وَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِالْإِقْرَارِ. قَوْلُهُ: [لَصَدَقَتْ] : أَيْ بِاتِّفَاقٍ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ إذَا كَانَ حَاضِرًا وَالسَّيِّدُ مُسْتَمِرٌّ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْوَطْءِ أَوْ مُنْكِرٌ وَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِإِقْرَارِهِ بِهِ كَفَى فِي ثُبُوتِ أُمُومَتِهَا نِسْبَتُهَا الْوَلَدَ إلَيْهِ وَلَا يُشْتَرَطُ ثُبُوتُ الْوِلَادَةِ.

أَنْكَرَ الْوَطْءَ لَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ حَيْثُ لَمْ يُقِرَّ قَبْلَ ذَلِكَ بِالْوَطْءِ وَلَمْ تَشْهَدْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِالْإِقْرَارِ. (أَوْ اشْتَرَى) الزَّوْجُ (زَوْجَتَهُ) الرَّقِيقَةَ مِنْ سَيِّدِهَا حَالَ كَوْنِهَا (حَامِلًا) مِنْهُ بِوَلَدٍ لَا يُعْتَقُ عَلَى السَّيِّدِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ تُعْتَقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَهَا حَامِلًا كَأَنَّهَا حَمَلَتْ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ. (لَا) تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ (بِوَلَدِ سَبَقَ) الشِّرَاءُ (أَوْ حَمْلٌ مِنْ وَطْءٍ شُبْهَةٍ) : أَيْ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى أَمَةً حَامِلًا مِنْهُ بِوَطْءِ شُبْهَةٍ - بِأَنْ غَلَطَ فِيهَا - فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَإِنْ لَحِقَ بِهِ، هَذَا هُوَ الَّذِي اُشْتُهِرَ وَعَلَيْهِ الْأَصْلُ. قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَقَبْلَهُ ابْنُ عَاشِرٍ: إنَّهَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ. (إلَّا أَمَةَ مُكَاتَبِهِ) : أَيْ أَنَّ مَنْ وَطِئَ أَمَةَ عَبْدِهِ الْمُكَاتَبِ فَحَمَلَتْ مِنْهُ. فَأُمُّهَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْوَاطِئِ وَحَدَّ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِمُكَاتَبِهِ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْحَمْلِ فَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ فَلَا يَمْلِكُهَا. (أَوْ) وَطِئَ (أَمَةَ وَلَدِهِ) الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ الذَّكَرِ أَوْ الْأُنْثَى فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَإِنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِلْوَلَدِ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْوَطْءِ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ لِوَلَدِهَا، فَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ فَتَقُومُ عَلَيْهِ وَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا يُعْتَقُ عَلَى السَّيِّدِ] : أَيْ فَمَحَلُّ عِتْقِهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا بِمَنْ يُعْتَقُ عَلَى السَّيِّدِ، كَمَا إذَا تَزَوَّجَ بِأَمَةِ جَدِّهِ وَأَحْبَلَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ حَامِلًا فَلَا تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَمْلِكُهَا] : أَيْ وَلَا يَغْرَمُ لَهَا قِيمَةً. قَوْلُهُ: [وَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِلْوَلَدِ] : أَيْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ الْمَالِكِ لَهَا. قَوْلُهُ: [وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْوَطْءِ] : وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَمَةِ الْمُكَاتِبِ وَأَمَةِ الْوَلَدِ أَنَّ أَمَةَ الْوَلَدِ بِمُجَرَّدِ وَطْءِ أَبِيهِ تُحَرَّمُ عَلَى الْوَلَدِ فَاعْتُبِرَتْ قِيمَتُهَا حِينَئِذٍ وَأَمَةٌ الْمُكَاتِبِ لَا تَفُوتُ عَلَيْهِ إلَّا بِحَمْلِهَا مِنْ سَيِّدِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ لِوَلَدِهَا] : أَيْ لِتَخَلُّقِهِ عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَكَذَلِكَ أَمَةُ الْمُكَاتِبِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ فَتَقُومِي عَلَيْهِ] : أَيْ لِكَوْنِهِ فَوَّتَهَا عَلَى وَلَدِهِ وَهَذَا كُلُّهُ إنْ

(أَوْ) وَطِئَ الْأَمَةَ (الْمُشْتَرَكَةَ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَتَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ. (أَوْ) وَطِئَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ (الْمُحَلَّلَةَ) : فَحَمَلَتْ مِنْهُ، فَتَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ، وَلَا عِبْرَةَ بِتَحْلِيلِهَا لِلْغَيْرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَمَتَى صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ بِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ عَتَقَتْ وَبَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. (وَلَا يَرُدُّهُ) : أَيْ الْعِتْقُ (دَيْنٌ) عَلَى سَيِّدِهَا (سَبَقَ) اسْتِيلَادُهَا حَيْثُ وَطِئَهَا قَبْلَ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ، أَمَّا لَوْ وَطِئَ بَعْدَ تَفْلِيسِهِ فَحَمَلَتْ فَتُبَاعُ عَلَيْهِ وَمَفْهُومُ " سَبَقَ ": أَوْلَوِيٌّ. (وَلَا يَنْدَفِعُ الْحَمْلُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ السَّيِّدِ (بِعَزْلٍ) : لِأَنَّهُ مَتَى وَطِئَ وَأَنْزَلَ خَارِجَ الْفَرْجِ رُبَّمَا سَبَقَ الْمَاءُ فِي الرَّحِمِ فَإِذَا حَمَلَتْ وَأَنْكَرَ أَنَّ الْحَمْلَ مِنْهُ - لِكَوْنِهِ كَانَ يَعْزِلُ - لَا يَنْفَعُهُ وَيَلْحَقُ بِهِ وَتَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَكُنْ سَبْقُ الْوَلَدِ الْبَالِغِ لِوَطْئِهَا وَإِلَّا فَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ بِالْحَمْلِ وَلَا تَقُومُ عَلَى الْأَبِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] . قَوْلُهُ: [فَحَمَلَتْ مِنْهُ] إلَخْ: أَيْ وَيَقُومُ عَلَيْهِ نَصِيبُ الْآخَرُ حِينَئِذٍ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ. ، قَوْلُهُ: [الْمُحَلَّلَةُ] : أَيْ الَّتِي أُحِلَّ وَطْأَهَا لِلْغَيْرِ وَالْفَرْضُ أَنَّ السَّيِّدَ وَطِئَهَا قَبْلَ وَطْءِ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَإِلَّا فَلَوْ وَطِئَهَا الْغَيْرُ مُسْتَنِدًا لِتَحْلِيلِ السَّيِّدِ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ الْوَاطِئُ بِالْقِيمَةِ حَمَلَتْ أَمْ لَا، وَلَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ وَطْؤُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَيَكُونُ وَطْؤُهُ زِنًا. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ] : عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِتَحْلِيلِهَا لِلْغَيْرِ وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ خِلَافًا لِعَطَاءٍ. قَوْلُهُ: [عَتَقَتْ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ] : كَرَّرَهُ مَعَ تَقَدُّمِهِ فِي الْمَتْنِ تَوْطِئَةً لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَرُدُّهُ دَيْنٌ إلَخْ. تَنْبِيهٌ: مِثْلُ الْمُشْتَرَكَةِ وَالْمُحَلَّلَةِ الْمُكَاتَبَةُ إذَا اخْتَارَتْ أُمُومَةَ الْوَلَدِ، وَالْأَمَةُ الْمُتَزَوِّجَةُ إذَا اسْتَبْرَأَهَا سَيِّدُهَا أَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ يَوْمِ الِاسْتِبْرَاءِ أَوْ الْوَطْءِ لِأَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ وَتَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَتَسْتَمِرُّ فِي عِصْمَةِ زَوْجِهَا (اهـ مِنْ الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [فَتُبَاعُ عَلَيْهِ] : أَيْ وَهِيَ إحْدَى الْمَسَائِلِ الَّتِي تُبَاعُ فِيهَا أُمُّ الْوَلَدِ. قَوْلُهُ: [وَمَفْهُومُ سَبَقَ أَوْلَوِيٌّ] : أَيْ وَهَذَا بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ الدَّيْنُ السَّابِقُ إنْ كَانَ السَّيِّدُ حَيًّا وَإِلَّا رَدَّهُ السَّابِقُ وَاللَّاحِقُ.

[أحكام أم الولد]

(أَوْ وَطِئَ بِدُبْرٍ) فَلَا يَنْدَفِعُ الْحَمْلُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ يَسْبِقُ لِلْفَرْجِ. (أَوْ) وَطِئَ (بَيْنَ فَخِذَيْنِ) . (إنْ أَنْزَلَ) : شَرْطٌ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ مَتَى أَنْكَرَ الْإِنْزَالَ صَدَقَ بِيَمِينٍ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْحَمْلُ وَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ. (وَلَهُ) : أَيْ لِسَيِّدِ أُمِّ وَلَدِهِ (قَلِيلُ خِدْمَةٍ فِيهَا) : أَيْ فِي أُمِّ الْوَلَدِ أَدْنَى مِنْ خِدْمَةِ الْقِنِّ وَأَعْلَى مِنْ خِدْمَةِ الزَّوْجَةِ، وَالزَّوْجَةُ يَلْزَمُهَا نَحْوُ عَجْنٍ وَطَبْخٍ لَا غَزْلٍ وَتَكْسِبُ، وَالْقِنُّ يَلْزَمُهَا كُلُّ مَا أَمَرَهَا بِهِ مِمَّا فِي طَاقَتِهَا وَهَذِهِ تَتَوَسَّطُ. (وَ) لِسَيِّدِ أُمِّ الْوَلَدِ (كَثِيرُهَا) أَيْ الْخِدْمَةُ (فِي وَلَدِهَا) الْحَادِثِ (مِنْ غَيْرِهِ) بَعْدَ ثُبُوتِ أُمُومَةِ الْوَلَدِ لَهَا وَلَهُ غَلَّتُهُ وَإِجَارَتُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ رِضَاهُ (وَعِتْقُ) مَنْ حَدَثَ لَهَا مِنْ الْأَوْلَادِ مِنْ غَيْرِهِ (مَعَهَا) : أَيْ مَعَ أُمّ الْوَلَدِ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَا يَنْدَفِعُ الْحَمْلُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ] إلَخْ: أَيْ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ نَاشِئٌ مِنْ مَاءٍ سَبَقَ لِلْفَرْجِ لِخَبَرٍ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» . قَوْلُهُ: [شَرْطٌ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ] : يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْإِنْزَالِ فِيهَا الْإِنْزَالُ فِي غَيْرِهَا أَوْ مِنْ احْتِلَامٍ وَلَمْ يَبُلْ حَتَّى وَطِئَهَا وَلَمْ يُنْزِلْ، فَقَوْلُهُ شَرْطٌ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ أَيْ حَتَّى الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ. [أَحْكَام أُمّ الْوَلَد] قَوْلُهُ: [وَهَذِهِ تَتَوَسَّطُ] : أَيْ لِأَنَّ الْقِنَّ لَهُ مُؤَاجَرَتُهَا وَلَوْ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَالزَّوْجَةُ لَيْسَ لَهُ إجَارَتُهَا أَصْلًا وَهَذِهِ يُؤَاجِرُهَا بِرِضَاهَا، فَإِنْ أَجَّرَ أُمَّ الْوَلَدِ بِغَيْرِ رِضَاهَا فُسِخَ فَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا حَتَّى تَمَّتْ فَازَ بِهَا السَّيِّدُ وَلَا تَرْجِعُ أُمُّ الْوَلَدِ وَلَا الْمُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَمَا فِي الْأُجْهُورِيِّ مِنْ أَنَّ الْأُجْرَةَ تَكُونُ لِأُمِّ الْوَلَدِ تَأْخُذُهَا مِنْ مُسْتَأْجِرِهَا وَإِنْ قَبَضَهَا السَّيِّدُ وَرَجَعَ الْمُسْتَأْجَرُ بِهَا عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَبَضَهَا فَقَدْ تَعَقَّبَهُ (ر) بِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ لِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِغَيْرِ رِضَاهُ] : أَيْ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ خِلَافًا لِمَا فِي (عب) مِنْ أَنَّ الْوَلَدَ كَأُمِّهِ لَا تَصِحُّ إجَارَةُ السَّيِّدِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِرِضَاهُ، فَإِنَّهُ خِلَافُ النَّقْلِ كَذَا فِي (بْن) وَالظَّاهِرُ فَسْخُ إجَارَتِهِ بِعِتْقِهِ بِمَوْتِ السَّيِّدِ وَأَمَّا أُمُّهُ إذَا أُوجِرَتْ بِرِضَاهَا فَفِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ الظَّاهِرُ عَدَمُ الْفَسْخِ لِرِضَاهَا بِذَلِكَ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَعِتْقُ مَنْ حَدَثَ لَهَا مِنْ الْأَوْلَادِ] : أَيْ بَعْدَ ثُبُوتِ أُمُومَةِ الْوَلَدِ لَهَا.

بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. (وَ) لِسَيِّدِ أُمِّ الْوَلَدِ (انْتِزَاعُ مَالِهَا إنْ لَمْ يَمْرَضْ) مَرَضًا مَخُوفًا، وَكَذَا لَهُ انْتِزَاعُ مَالِ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ كَثِيرَ الْخِدْمَةِ مَا لَمْ يَمْرَضْ أَيْضًا. وَيَأْتِي أَنَّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا بِخِلَافِ وَلَدِهَا الْأُنْثَى، فَلَيْسَ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الرَّبِيبَةِ. وَلَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ فَإِنْ وَقَعَ رُدَّ، كَمَا قَالَ: (وَرُدَّ بَيْعُهَا وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَلَحِقَ الْوَلَدُ بِهِ) : أَيْ بِالْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ أَبَاحَ فَرْجَهَا لَهُ، فَوَلَدُهَا حُرٌّ لَاحِقٌ بِأَبِيهِ وَلَا قِيمَةَ عَلَى أَبِيهِ فِيهِ، مَا لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْوَلَدِ. (وَ) يَرُدُّ - (عِتْقُهَا) : إنْ أَعْتَقَهَا الْمُشْتَرِي مُعْتَقِدًا أَنَّهَا قِنٌّ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ، مَا لَمْ يَشْتَرِهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ بِالشِّرَاءِ، وَإِلَّا تَحَرَّرَتْ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ وَيَغْرَمُ الثَّمَنَ. فَلَوْ اشْتَرَاهَا عَلَى شَرْطِ الْعِتْقِ وَأَعْتَقَهَا تَحَرَّرَتْ وَيَسْتَحِقُّ سَيِّدُهَا الثَّمَنَ إنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي وَقْتَ الشِّرَاءِ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ فَكَّهَا بِهِ. أَمَّا لَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا قِنٌّ فَلَا ثَمَنَ عَلَيْهِ وَالْوَلَاءُ لِلْبَائِعِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إنْ لَمْ يَمْرَضْ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ مَرَضَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَنْتَزِعُهُ لِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْوَلَدِ] : الْمُنَاسِبُ أَنْ يَزِيدَ وَإِلَّا. قَوْلُهُ: [وَيَرُدُّ عِتْقُهَا] : أَيْ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرَةِ الْمُكَاتَبَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ أَدْخَلُ فِي الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَةَ قَدْ يَرُدُّهَا ضِيقُ الثُّلُثِ وَالْمُكَاتَبَةِ قَدْ تُعَجَّزُ. قَوْلُهُ: [وَيَغْرَمُ الثَّمَنَ] : الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ وَيَقْضِي السَّيِّدُ بِالثَّمَنِ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [فَلَا ثَمَنَ عَلَيْهِ] : أَيْ فَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ السَّيِّدُ رَدَّهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةٍ مَا إذَا اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ مَا إذَا اشْتَرَاهَا عَلَى شَرْطِ الْعِتْقِ حَيْثُ قُلْتُمْ فِي الْأُولَى يَفُوزُ السَّيِّدُ بِالثَّمَنِ مُطْلَقًا عَلِمَ بِأَنَّهَا أُمَّ وَلَدٍ أَمْ لَا، وَفَصَّلْتُمْ فِي الثَّانِيَةِ قُوَّةَ يَدِ الْمُشْتَرِي فِي عِتْقِهَا فِي الْأُولَى حَيْثُ لَمْ يَتَوَقَّفْ عِتْقُهَا عَلَى إنْشَاءِ صِيغَةٍ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: [عَلَى كُلِّ حَالِ] : أَيْ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا لِأَنَّ عَقْدَ الْحُرِّيَّةِ كَانَ عَلَى يَدِهِ.

(وَمُصِيبَتُهَا) : إذَا بِيعَتْ وَمَاتَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي (مِنْ بَائِعِهَا) : لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَنْتَقِلْ فَيُرَدُّ الثَّمَنُ إنْ قَبَضَهُ، وَلَا يُطَالَبُ بِهِ إنْ لَمْ يَقْبِضْهُ. (وَ) لِسَيِّدِ أُمِّ الْوَلَدِ (اسْتِمْتَاعٌ بِهَا) وَلَوْ مَرِضَ (كَالْمُدَبَّرَةِ) : لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا (بِخِلَافِ مُكَاتَبَةٍ وَمُبَعَّضَةٍ) : فَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ، وَسَيَأْتِي يَتَكَلَّمُ عَلَى بَقِيَّةِ أَحْكَامِهَا. (وَإِنْ قَالَ فِي مَرَضِهِ) الْمَخُوفِ: فُلَانَةُ أَمَتِي (وَلَدَتْ مِنِّي) فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ - (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَا وَلَدَ لَهَا - صَدَقَ) : وَتَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ تُعْتَقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمُصِيبَتُهَا إذَا بِيعَتْ] : أَيْ إذَا بَاعَهَا سَيِّدُهَا مُرْتَكِبًا لِلْحُرْمَةِ. قَوْلُهُ: [فَيَرُدُّ الثَّمَنَ] : أَيْ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا ثَمَرَةُ قَوْلِهِ وَمُصِيبَتُهَا مِنْ بَائِعِهَا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ مُصِيبَتَهَا مِنْ الْبَائِعِ مَحَلُّهُ إذَا ثَبَتَتْ أُمُومَةُ الْوَلَدِ لَهَا بِغَيْرِ إقْرَارِ الْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَمُصِيبَتُهَا مِنْهُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا مِنْ الْبَائِعِ (أَفَادَهُ مِحَشِّي الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [وَلَا يُطَالَبُ بِهِ] إلَخْ: أَيْ وَلَا يَلْزَمُ الْبَائِعُ شَيْءٌ مِمَّا أَنْفَقَهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا وَلَيْسَ لَهُ مِنْ قِيمَةِ خِدْمَتِهَا شَيْءٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَقَالَ سَحْنُونَ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهَا بِنَفَقَتِهَا وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ الْخِدْمَةِ وَيَتَقَاصَّانِ (أَفَادَهُ بْن) . قَوْلُهُ: [اسْتِمْتَاعٌ بِهَا] : أَيْ فَإِنْ مَنَعَتْ الِاسْتِمْتَاعَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ لَهَا بِشَائِبَةِ الرِّقِّ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ، وَلِعَدَمِ سُقُوطِ نَفَقَةِ الرَّقِيقِ وَلَوْ كَانَ فِيهِ شَائِبَةً حُرِّيَّةٍ بِعُسْرِ سَيِّدِهِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ. قَوْلُهُ: [وَسَيَأْتِي يَتَكَلَّمُ عَلَى بَقِيَّةِ أَحْكَامِهَا] : أَيْ أَحْكَامِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْأَوْلَى حَذْفُ تِلْكَ الْعِبَارَةَ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ أَحْكَامِ أُمِّ الْوَلَدِ فَلَا حَاجَةَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَيْهَا مَعَ إيهَامِهِ أَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَى غَيْرِ أُمِّ الْوَلَدِ وَهُوَ لَا مَعْنًى لَهُ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ قَالَ فِي مَرَضِهِ الْمَخُوفِ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ صُوَرَ الْإِقْرَارِ فِي الْمَرَضِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَقُولَ فِي مَرَضِهِ أَوْلَدْتهَا فِي الْمَرَضِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ أَوْ يُطْلِقُ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ مِنْهَا وَمِنْ غَيْرِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ أَصْلًا فَإِنْ كَانَ لَهُ الْوَلَدُ مِنْهَا فَقَطْ أَوْ مِنْهَا وَمِنْ غَيْرِهَا عَتَقَتْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مُطْلَقًا كَأَنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهَا عَلَى الْأَصَحِّ لَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ أَصْلًا فَلَا تُعْتَقْ لَا مِنْ ثُلُثٍ وَلَا مِنْ رَأْسِ مَالٍ بَلْ تَبْقَى رِقًّا.

مِنْ رَأْسِ مَالِهِ (إنْ وَرِثَهُ وَلَدٌ، وَإِلَّا) يَرِثُهُ وَلَدٌ (فَلَا) يُصَدَّقُ وَلَا تُعْتَقُ مِنْ ثُلُثٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْوَصِيَّةَ وَلَا مِنْ رَأْسِ مَالٍ، لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمَرِيضِ لَا تَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. (كَأَنْ أَقَرَّ) فِي مَرَضِهِ (أَنَّهُ أَعْتَقَ) قِنًّا (فِي صِحَّتِهِ) : فَلَا يَصَدَّقُ وَلَا يُعْتَقُ الرَّقِيقُ مِنْ ثُلُثِهِ. وَمَفْهُومُ " فِي صِحَّتِهِ ": أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَ فِي الْمَرَضِ أَوْ أُطْلِقَ فَيُعْتَقُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ. (وَإِنْ وَطِئَ شَرِيكٌ) أَمَةً مُشْتَرَكَةً (فَحَمَلَتْ) فَإِنَّهَا تَقُومُ عَلَى الْوَاطِئِ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ شَرِيكُهُ فِي وَطِئَهَا أَمْ لَا، وَيَغْرَمُ لَهُ قِيمَةُ حِصَّتِهِ وَتُعْتَبَر الْقِيمَةُ يَوْمَ الْوَطْءِ. (أَوْ) لَمْ تَحْمِلْ وَ (أَذِنَ لَهُ) أَيْ لِلْوَاطِئِ (فِيهِ) : أَيْ فِي الْوَطْءِ شَرِيكُهُ (الْآخَرُ) الَّذِي لَمْ يَطَأْ (قُوِّمَتْ عَلَيْهِ إنْ أَيْسَرَ) : أَيْ عَلَى الْوَاطِئِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إنْ وَرِثَهُ وَلَدٌ] : أَيْ مِنْ غَيْرِهَا كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ. قَوْلُهُ: [فَلَا يُصَدَّقُ وَلَا يُعْتَقُ الرَّقِيقُ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَرِيضَ لَا يُصَدَّقُ فِي إقْرَارِهِ بِالْعِتْقِ فِي صِحَّتِهِ سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي أَقَرَّ بِعِتْقِهِ قِنًّا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ، سَوَاءٌ وَرِثَهُ وَلَدٌ أَمْ لَا وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا إنْ وَرِثَهُ وَلَدٌ صُدِّقَ وَعَتَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِلَّا لَمْ يُصَدَّقْ مِثْلُ مَا ذَكَرَ فِي الْإِقْرَارِ بِالْإِيلَادِ. فَالْخِلَافُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيهِمَا سَوَاءٌ. قَوْلُهُ: [فَيُعْتَقُ مِنْ الثُّلُثِ] إلَخْ: تَحْصُلُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ بِالْإِيلَادِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يُسْنِدَهُ لِلصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ فِي التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ، وَأَمَّا إقْرَارٌ بِالْعِتْقِ فَإِنْ أَسْنَدَهُ لِلصِّحَّةِ فَالْحُكْمُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ الْعِتْقِ وَإِنْ أَسْنَدَهُ لِلْمَرَضِ فَهُوَ تَبَرُّعُ مَرِيضٍ يُخْرَجُ مِنْ الثُّلُثِ بِلَا إشْكَالٍ وَسَكَتَ الشَّارِحُ عَنْ مَفْهُومٍ أَقَرَّ الْمَرِيضُ وَهُوَ مَا إذَا أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهَا أَوْ أَوْلَدَهَا. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إقْرَارِهِ فِي صِحَّتِهِ أَنَّهُ أَوْلَدَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا فَإِنَّهَا تُعْتَقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَانَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: [وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْوَطْءِ] : أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ يَوْمَ الْحَمْلِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ. قَوْلُهُ: [قُوِّمَتْ عَلَيْهِ إنْ أَيْسَرَ] : أَيْ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَهِيَ مَا إذَا وَطِئَهَا

لِتَتِمَّ لَهُ الشُّبْهَةُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ. (وَإِلَّا) يَأْذَنُ لَهُ أَوْ كَانَ الْوَاطِئُ مُعْسِرًا فَيُخَيِّرُ شَرِيكُهُ فِي إبْقَائِهَا عَلَى الشَّرِكَةِ وَعَدَمِهِ، فَإِنْ اخْتَارَ عَدَمَ إبْقَائِهَا لِلشَّرِكَةِ (خُيِّرَ فِي اتِّبَاعِهِ) : أَيْ الْوَاطِئُ (بِالْقِيمَةِ) أَيْ قِيمَةِ حِصَّتِهِ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ (يَوْمَ الْحَمْلِ) هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ وَرَجَّحَ، وَقِيلَ يَوْمَ الْوَطْءِ (أَوْ بَيْعِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ) : الْمُقَامُ لِلضَّمِيرِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُخَيَّرُ هُوَ غَيْرُ الْوَاطِئِ، وَالْمُقَوَّمُ الَّذِي يُبَاعُ هُوَ نَصِيبُهُ لَا نَصِيبَ شَرِيكِهِ الْوَاطِئِ وَعِبَارَةُ الْخَرَشِيِّ: أَوْ بَيْعُ جُزْئِهَا، وَهُوَ نَصِيبُ غَيْرِ الْوَاطِئِ (لِذَلِكَ) : أَيْ لِأَجْلِ الْقِيمَةِ فَإِنْ وَفَّى الْجُزْءَ الَّذِي لِغَيْرِ الْوَاطِئِ الْمُبَاعِ قَدْرُ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْقِيمَةِ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ زَادَ فَإِنَّهُ لَا يُبَاعُ مِنْهَا إلَّا بِقَدْرِ الْقِيمَةِ وَإِنْ نَقَصَ فَيَأْخُذُ مَا بِيعَ بِهِ. (وَتَبِعَهُ) : أَيْ تَبِعَ مَنْ لَمْ يَطَأْ الْوَاطِئُ (بِمَا بَقِيَ) : مِنْ قِيمَةِ حِصَّتِهِ، مَثَلًا: كَانَ لَهُ النِّصْفُ وَقُوِّمَتْ بِأَرْبَعِينَ وَبِيعَ نِصْفُهَا بِعِشْرِينَ فَلَا كَلَامَ. وَإِنْ قِيلَ: إنَّ نِصْفَهَا يُسَاوِي ثَلَاثِينَ فَإِنَّهُ لَا يُبَاعُ مِنْهَا إلَّا بِقَدْرِ الْعِشْرِينَ، وَإِنْ بِيعَ نِصْفُهَا بِعَشْرَةِ أَتْبَعَهُ بِعَشْرَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَحَمَلَتْ أَذِنَ لَهُ فِي وَطْئِهَا أَمْ لَا أَوْ لَمْ تَحْمِلْ وَأَذِنَ لَهُ فِي وَطْئِهَا. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا يَأْذَنُ لَهُ] : أَيْ مَعَ كَوْنِهَا لَمْ تَحْمِلْ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ كَانَ الْوَاطِئُ مُعْسِرًا] : أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهَا حَمَلَتْ أَذِنَ أَمْ لَا هَذَا مُقْتَضَى حِلِّ الشَّارِحِ، وَلَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ خَيْرٌ فِي اتِّبَاعِهِ يَوْمَ الْحَمْلِ إلَخْ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَقُولَ وَإِلَّا يَكُنْ مُوسِرًا بَلْ أُعْسِرَ وَحَمَلَتْ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي وَطْئِهَا فَمَا بَعْدَ إلَّا صُورَةً وَاحِدَةً، وَأَمَّا إنْ أَذِنَ لَهُ وَكَانَ مُعْسِرًا فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَتَّبِعُهُ بِقِيمَتِهَا فَقَطْ لَا بِقِيمَةِ الْوَلَدِ وَلَا يُبَاعُ مِنْهَا شَيْءٌ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَلَمْ تَحْمِلْ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ الشَّرِيكُ الْآخَرُ بَيْنَ إبْقَائِهَا لِلشَّرِكَةِ أَوْ تَقْوِيمِهَا عَلَيْهِ فَيَغْرَمُ لَهُ قِيمَتَهَا وَلَوْ بِبَيْعِهَا؛ لِأَنَّهَا قِنٌّ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَسَوَاءً فِي ذَلِكَ كَانَ مُعْسِرًا أَوْ مُوسِرًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ ثَمَانُ أَرْبَعٍ فِي حَالَةِ يُسْرِ الْوَاطِئِ وَأَرْبَعٌ فِي حَالَةِ عُسْرِهِ، أَمَّا الَّتِي فِي حَالَةِ يُسْرِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْوَاطِئَ الْقِيمَةُ لِلْجَارِيَةِ فَقَطْ إنْ حَمَلَتْ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ لَمْ تَحْمِلْ وَأَذِنَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تَحْمِلْ وَلَمْ يَأْذَنْ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ إبْقَائِهَا

[أم ولد المرتد إذا لحق بدار الحرب]

(وَ) يَتْبَعُهُ أَيْضًا (بِقِيمَةِ الْوَلَدِ) : أَيْ بِقَدْرِ مَا يَخُصُّهُ مِنْهُ؛ كَالنِّصْفِ مَثَلًا عَلَى فَرْضِ أَنَّهُ رِقٌّ؛ سَوَاءٌ اخْتَارَ أَلَّا تُبَاعَ بِقِيمَةِ أُمِّهِ أَوْ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ لَاحِقٌ بِالْوَاطِئِ. (وَحُرِّمَتْ) أُمُّ الْوَلَدِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى سَيِّدِهَا (إنْ ارْتَدَّ) وَتَسْتَمِرُّ الْحُرْمَةُ وَلَا تُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ (حَتَّى يُسْلِمَ) : فَإِنْ أَسْلَمَ زَالَتْ الْحُرْمَةُ وَاسْتَمَرَّتْ عَلَى رَقِّهَا أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ فَلَيْسَتْ الزَّوْجَةُ الَّتِي تُبَيَّنُ بِالرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِبَاحَةِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ الْمِلْكُ، وَهُوَ بَاقٍ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ سَبَبُهَا الْعِصْمَةُ وَقَدْ زَالَتْ بِالرِّدَّةِ، فَإِنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ عَتَقَتْ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. (كَأَنْ ارْتَدَّتْ) : فَإِنَّهُ يُحَرَّمُ عَلَى سَيِّدِهَا وَطْؤُهَا حَتَّى تُسْلِمَ. (وَلَا يَجُوزُ كِتَابَتُهَا) : أَيْ لَا يَجُوزُ لِسَيِّدِ أُمِّ الْوَلَدِ أَنْ يُكَاتِبَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا وَتَفْسَخُ إنْ عُثِرَ عَلَى ذَلِكَ قَبْل أَدَاءِ النُّجُومِ. (فَإِنْ أَدَّتْ عَتَقَتْ) : وَلَا تَرْجِعُ بِمَا أَدَّتْهُ. أَمَّا بِرِضَاهَا فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا إذَا عَجَزَتْ رَجَعَتْ أُمَّ وَلَدٍ كَمَا كَانَتْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلشَّرِكَةِ أَوْ تَقْوِيمِهَا عَلَيْهِ وَأَمَّا الَّتِي فِي حَالَةِ الْعُسْرِ فَإِنْ حَمَلَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ خُيِّرَ بَيْنَ إبْقَائِهَا لِلشَّرِكَةِ وَاتِّبَاعِهِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ أَوْ بَيْعِ حِصَّتِهِ فِيهَا وَاتِّبَاعِهِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ، وَإِنْ حَمَلَتْ بِإِذْنِهِ فَلَيْسَ إلَّا اتِّبَاعُهُ بِقِيمَتِهَا وَلَا يَجُوزُ إبْقَاؤُهَا لِلشَّرِكَةِ وَلَا بَيْعُهَا وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ اتَّبَعَهُ بِقِيمَتِهَا وَلَوْ بِبَيْعِهَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ خُيِّرَ بَيْنَ إبْقَائِهَا لِلشَّرِكَةِ أَوْ أَخْذِ قِيمَتِهَا وَلَوْ بِبَيْعِهَا عَلَيْهِ هَذَا الْمَأْخُوذُ مِنْ عِبَارَةِ الْأَصْلِ مُوَافَقَةً لِشُرَّاحِ خَلِيلٍ وَمَا فِي الشَّارِحِ وَالْمَتْنِ هُنَا مُجْمَلٌ وَغَيْرُ مُحَرَّرٍ. قَوْلُهُ: [وَيَتَّبِعُهُ أَيْضًا بِقِيمَةِ الْوَلَدِ] : أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لَهُ فِي وَطِئَهَا وَإِلَّا فَلَا قِيمَةَ لَهُ فِي الْوَلَدِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْوَلَدِ يَوْمَ الْوَضْعِ. قَوْلُهُ: [وَحُرِّمَتْ أُمُّ الْوَلَدِ عَلَيْهِ] : أَيْ فَتُنْزَعُ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ بِالرِّدَّةِ كَمَالِهِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ وَطْئِهَا وَلَوْ ارْتَدَّتْ بَعْدَهُ. [أُمُّ وَلَدِ الْمُرْتَدُّ إذَا لحق بِدَارِ الْحَرْبِ] قَوْلُهُ: [أَيْ لَا يَجُوزُ لِسَيِّدِ أُمِّ وَلَدٍ أَنْ يُكَاتِبَهَا] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُكَاتِبَهَا فَظَاهِرُهَا بِرِضَاهَا أَوْ بِغَيْرِ رِضَاهَا. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَعَلَيْهِ عَبْدُ الْحَقِّ وَحَمَلَهَا اللَّخْمِيُّ عَلَى عَدَمِ رِضَاهَا وَيَجُوزُ بِرِضَاهَا، وَنَحْوُهُ فِي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّوْضِيحِ اُنْظُرْ (بْن) . تَنْبِيهٌ: إذَا فَرَّ الْمُرْتَدُّ لِدَارِ الْحَرْبِ وَقَفَتْ أُمُّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرَتُهُ حَتَّى يُسْلِمَ وَيَعُودَ فَتَعُودَ لَهُ أَوْ يَمُوتَ كَافِرًا فَتُعْتَقَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَيَكُونَ مَالُهُ فَيْئًا. خَاتِمَةٌ: لَوْ وَطِئَ الشَّرِيكَانِ الْأَمَةَ بِطُهْرٍ وَمِثْلُهُمَا الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ وَلَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي وَادَّعَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا فَالْقَافَةُ تُدْعَى لَهُمَا، فَمَنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِ فَهُوَ ابْنُهُ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذِمِّيًّا وَالْآخَرُ مُسْلِمًا أَوْ أَحَدُهُمَا عَبْدًا وَالْآخَرُ حُرًّا، وَإِنْ أَشْرَكَتْهُمَا فِيهِ فَمُسْلِمٌ وَحُرٌّ تَغْلِيبًا لِلْأَشْرَفِ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَعَلَى كُلِّ نِصْفٍ نَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ كَمَا لِابْنِ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ إنْ أَشْرَكَتْ فِيهِ حُرًّا وَعَبْدًا فَيُعْتَقُ عَلَى الْحُرِّ لِعِتْقِ نِصْفِهِ عَلَيْهِ وَيَقُومُ عَلَيْهِ النِّصْفُ الثَّانِي وَيَغْرَمُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ ذَلِكَ وَوَالِي الْوَلَدِ الْمُلْحَقِ بِهِمَا إذَا بَلَغَ أَحَدُهُمَا فَإِنْ وَالَى الْكَافِرَ فَمُسْلِمٌ مِنْ كَافِرٍ وَإِنْ وَالَى الْعَبْدَ فَحُرٌّ ابْنُ عَبْدٍ؛ لِأَنَّهُ بِمُوَالَاتِهِ لِشَخْصٍ مِنْهُمَا كَانَ ابْنًا لَهُ ذَكَرَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَغَيْرُهُ، وَثَمَرَةُ الْمُوَالَاةِ الْإِرْثُ وَعَدَمُهُ فَإِنْ وَالَى مُوَافِقَهُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ تَوَارَثَا وَإِلَّا فَلَا وَحُكْمُ عَدَمِ الْقَافَةِ كَالْقَافَةِ يُؤْمَرُ إذَا بَلَغَ بِمُوَالَاةِ أَحَدِهِمَا وَيَجْرِي فِيمَا إذَا مَاتَ، وَقَدْ وَالَى أَحَدَهُمَا مَا تَقَدَّمَ وَوَرِثَهُ الْأَبَوَانِ الْمُشْتَرَكَانِ فِيهِ بِحُكْمِ الْقَافَةِ أَوْ لِعَدَمِ وُجُودِهَا إنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ مُوَالَاةِ أَحَدِهِمَا مِيرَاثُ أَبٍ وَاحِدٍ نِصْفُهُ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِلْعَبْدِ أَوْ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ قَبْلَ الْمُوَالَاةِ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ وَالتَّعْبِيرُ بِالْإِرْثِ بِالنِّسْبَةِ لَهُمَا مَجَازٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ مَالٍ تَنَازَعَهُ اثْنَانِ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا (اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْأَصْلِ) .

[باب في الولاء]

بَابٌ ذُكِرَ فِيهِ الْوَلَاءُ قَدْ عَرَّفَهُ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ؛ وَلِذَا لَمْ يُعَرِّفْهُ ابْنُ عَرَفَةَ اكْتِفَاءً بِمَا فِي الْحَدِيثِ فَلِذَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُفْتَتِحًا بِالْحَدِيثِ الَّذِي صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» بِفَتْحِ الْوَاوِ مَمْدُودٌ، لُحْمَةٌ، بِضَمِّ اللَّامِ: أَيْ اتِّصَالٌ بَيْنَ الْمُعْتَقِ وَالْمُعْتِقِ كَاتِّصَالٍ هُوَ النَّسَبُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا كَانَ عَلَيْهِ الرِّقُّ كَالْمَعْدُومِ وَالْمُعْتَقِ صَيَّرَهُ بِتَحْرِيرِهِ مَوْجُودًا كَالْوَلَدِ الْمَعْدُومِ الَّذِي تَسَبَّبَ أَبُوهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْوَلَاءُ] [الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ] بَابٌ: هُوَ أَحَدُ خَوَاصِّ الْعِتْقِ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَلَايَةِ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَهُوَ مِنْ النَّسَبِ وَالْعِتْقِ وَأَصْلُهُ مِنْ الْوَلِيِّ وَهُوَ الْقُرْبُ، وَأَمَّا مِنْ الْإِمَارَةِ وَالتَّقْدِيمِ فَبِالْكَسْرِ وَقِيلَ بِالْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا وَلِلْمَوْلَى لُغَةٌ يُقَالُ لِلْمُعْتَقِ وَالْمُعْتِقِ وَأَبْنَائِهِمَا وَالنَّاصِرُ وَابْنُ الْعَمِّ وَالْقَرِيبُ وَالْعَاصِبُ وَالْحَلِيفُ وَالْقَائِمُ بِالْأَمْرِ وَنَاظِرُ الْيَتِيمِ وَالنَّافِعُ الْمُحِبُّ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا وِلَايَةُ الْإِنْعَامِ بِالْعِتْقِ وَسَبَبُهُ زَوَالُ الْمِلْكِ بِالْحُرِّيَّةِ، فَمَنْ زَالَ مِلْكُهُ بِالْحُرِّيَّةِ عَنْ رَقِيقٍ فَهُوَ مَوْلَاهُ سَوَاءٌ نَجَزَ أَوْ عَلَّقَ أَوْ دَبَّرَ أَوْ كَاتَبَ أَوْ أَعْتَقَ بِعِوَضٍ أَوْ بَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ أَعْتَقَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ السَّيِّدُ كَافِرًا وَالْعَبْدُ مُسْلِمًا وَإِلَّا فَلَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَسْلَمَ وَحُكْمُ الْوَلَاءِ حُكْمُ الْعُصُوبَةِ كَمَا أَفَادَهُ الْحَدِيثُ. قَوْلُهُ: [لُحْمَةٌ بِضَمِّ اللَّامِ] : الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَلُحْمَةُ إلَخْ. قَوْلُهُ: [هُوَ النَّسَبُ] : الْمُنَاسِبُ حَذْفُ هُوَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِاللُّحْمَةِ الِاتِّصَالُ وَالِارْتِبَاطُ وَالْمُرَادُ بِالنَّسَبِ الْقَرَابَةُ وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ وَتَقْدِيمُ الضَّمِيرِ يُوهِمُ أَنَّ الْإِضَافَةَ بَيَانِيَّةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا كَانَ عَلَيْهِ الرِّقُّ] : الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ فِي حَالِ اتِّصَافِهِ بِالرِّقِّ كَالْمَعْدُومِ. وَقَوْلُهُ: [مَوْجُودًا] : أَيْ كَالْمَوْجُودِ.

فِي وُجُودِهِ (لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ) مِنْ تَتِمَّةِ الْحَدِيثِ. (وَهُوَ) : أَيْ الْوَلَاءُ ثَابِتٌ (لِمَنْ أَعْتَقَ) حَقِيقَةً كَقَوْلِهِ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ، أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ، أَوْ مُدَبَّرُ، أَوْ كَاتَبَ. أَوْ اسْتَوْلَدَ وَلَوْ قَالَ الْمُعْتِقُ: وَلَا وَلَاءَ لِي عَلَيْك، فَإِنَّ قَوْلَهُ لَغْوٌ. خِلَافٌ لِابْنِ الْقَصَّارِ الْقَائِلِ، إنَّهُ يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ، كَانَ الْمُعْتَقُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى بَلْ (وَلَوْ) كَانَ الْعِتْقُ (حُكْمًا كَعِتْقِ غَيْرِ عَنْهُ) بِإِذْنِهِ اتِّفَاقًا فِي أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ، بَلْ: (وَإِنْ بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ، فَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ. وَإِنْ كَانَ عَنْ مَيِّتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ الْوَلَاءُ ثَابِتٌ لِمَنْ أَعْتَقَ] : اعْلَمْ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ إذَا كَانَ مُعَرَّفًا بِأَلْ الْجِنْسِيَّةِ وَكَانَ خَبَرُهُ ظَرْفًا أَوْ جَارًا وَمَجْرُورًا أَفَادَ الْحَصْرَ أَيْ حَصْرُ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ كَالْكَرْمِ فِي الْعَرَبِ، «وَالْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» أَيْ لَا كَرَمَ إلَّا فِي الْعَرَبِ وَلَا أَئِمَّةَ إلَّا مِنْ قُرَيْشٍ وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَا وَلَاءَ إلَّا لَمُعْتِقٍ لَا لِغَيْرِهِ، وَيَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ الْحَصْرِ ثُبُوتُ الْوَلَاءِ بِعَصَبَةِ الْمُعْتَقِ وَمَنْ أَعْتَقَ عَنْهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنٍ وَقَدْ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ حُكْمًا إلَخْ. فَإِنَّ مَنْ أَعْتَقَ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَالْمُنَجَّرُ إلَيْهِ الْوَلَاءُ مِنْ عَصَبَةِ الْمُعْتَقِ فِي حُكْمِ الْمُعْتَقِ أَوْ الْحَصْرِ إضَافِيٌّ أَيْ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ لَا لِغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا فَإِذَا بَاعَ شَخْصٌ الْعَبْدَ وَشَرَطَ عَلَى مُشْتَرِيهِ أَنْ يَعْتِقَهُ وَيَجْعَلَ الْوَلَاءَ لَهُ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الشَّرْطُ وَالْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَهُ لَا لِلْبَائِعِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: " وَهُوَ لِمَنْ أَعْتَقَ " مُسْتَغْرِقُ الذِّمَّةِ بِالتَّبَعَاتِ فَوَلَاءُ مَنْ أَعْتَقَهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَثَوَابُ الْعِتْقِ لِأَرْبَابِ التَّبَعَاتِ وَهَذَا إذَا جَهِلَ أَرْبَابُ التَّبَعَاتِ، فَإِنْ عَلِمُوا وَأَجَازُوا عِتْقَهُ مَضَى وَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُمْ وَإِنْ رَدُّوهُ رُدَّ وَاقْتَسَمُوا مَالَهُ. قَوْلُهُ: [أَنْتَ حُرٌّ] : أَيْ الْآنَ وَقَوْلُهُ أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ أَيْ أَعْتَقَهُ لِأَجَلٍ وَقَوْلُهُ أَوْ كَاتَبَ أَوْ اسْتَوْلَدَ مَعْطُوفٌ عَلَى أَنْتَ حُرٌّ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ فَلَا يُقَالُ إنْ فِيهِ عَطْفُ الْفِعْلِ عَلَى الِاسْمِ الْخَالِصِ. قَوْلُهُ: [بَلْ وَلَوْ كَانَ الْعِتْقُ حُكْمًا] : مَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ قَوْلُهُ حَقِيقَةً. قَوْلُهُ: [وَإِنْ بِلَا إذْنٍ] : اعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ مَوْجُودٌ فِيمَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ وَمَا بَعْدَهَا كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ، فَقَوْلُ شَارِحِنَا اتِّفَاقًا تَبِعَ فِيهِ (عب) وَنَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ فِي ذَلِكَ أَبُو عُمَرَ مَنْ أَعْتَقَ عَنْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ

[سريان العتق إلى الولد]

فَالْوَلَاءُ لِوَرَثَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ عِتْقُ الْغَيْرِ عَنْهُ نَاجِزًا أَوْ لِأَجَلٍ أَوْ كِتَابَةً أَوْ تَدْبِيرًا. وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُعْتَقُ عَنْهُ حُرًّا وَإِلَّا كَانَ لِسَيِّدِهِ وَلَا يَعُودُ بِعِتْقِ الْعَبْدِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَلَوْ بَاعَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ مِنْ نَفْسِهِ فَالْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ. (وَجَرَّ) الْعِتْقُ أَوْ الْوَلَاءُ (الْأَوْلَادَ) : أَيْ أَوْلَادِ الْمُعْتَقِ - بِالْفَتْحِ - فَيَنْجَرُّ وَلَاؤُهُمْ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا وَإِنْ سَفَلُوا، وَجَرَّ أَوْلَادَ الْمُعْتَقَةِ - بِالْفَتْحِ - وَأَوْلَادَ أَوْلَادِهَا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا. (إلَّا وَلَدَ أُنْثَى) : أَمَةً مَعْتُوقَةً (لَهُ) لِذَلِكَ الْوَلَدِ (نَسَبٌ مِنْ حُرٍّ) فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ أَصْحَابِهِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ الْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ وَقَالَهُ اللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ كَذَا فِي (بْن) . قَوْلُهُ: [أَوْ لِأَجَلٍ] : أَيْ وَسَوَاءٌ رَضِيَ بِهِ الْعَبْدُ أَمْ لَا وَمَا فِي (عب) مِنْ تَقْيِيدِ الْمُؤَجَّلِ بِرِضَا الْعَبْدِ سَهْوٌ كَمَا قَالَ بْن لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الرِّضَا فِي خُصُوصِ أُمِّ الْوَلَدِ تُعْتَقُ عَلَى مَالٍ مُؤَجَّلٍ، وَأَمَّا الْقِنُّ فَعِتْقُهُ عَلَى مَالٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ مُعَجَّلٍ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاهُ. قَوْلُهُ: [عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ] : أَيْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَعُودُ الْوَلَاءُ لِلْعَبْدِ الْمُعْتَقِ عَنْهُ إذَا أُعْتِقَ وَكَمَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَعْتُوقِ عَنْهُ الْحُرِّيَّةَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِسْلَامُ. [سريان الْعِتْق إلَى الْوَلَد] قَوْلُهُ: [وَجَرَّ الْعِتْقُ أَوْ الْوَلَاءُ] : أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ فَاعِلَ جَرَّ ضَمِيرٌ عَائِدٌ عَلَى الْعِتْقِ أَوْ الْوَلَاءِ، فَالْمَعْنَى عَلَى الْأَوَّلِ جَرَّ الْعِتْقُ وَلَاءَ وَلَدِ الْمُعْتِقِ وَعَلَى الثَّانِي وَجَرَّ الْوَلَاءُ لِعَتِيقٍ وَلَاءَ وَلَدِ الْمُعْتِقِ. قَوْلُهُ: [أَيْ أَوْلَادِ الْمُعْتَقِ بِالْفَتْحِ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْوَلَدُ حُرًّا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ كَمَنْ أُمُّهُ حُرَّةٌ وَأَبُوهُ رَقِيقٌ ثُمَّ عَتَقَ الْأَبُ فَالْوَلَدُ حُرٌّ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ وَوَلَاءُ ذَلِكَ الْوَلَدِ لِمُعْتِقِ أَبِيهِ. قَوْلُهُ: [وَأَوْلَادُ أَوْلَادِهَا] إلَخْ: أَيْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ إلَّا أَنَّ جَرَّ الْعِتْقِ لِوَلَاءِ أَوْلَادِ الْمُعْتَقَةِ بِالْفَتْحِ وَأَوْلَادِهِمْ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَسَبٌ مِنْ حُرٍّ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ نَسَبٌ مِنْ حُرٍّ فَلَا يَجُرُّ عِتْقُ الْمُعْتَقِ بِالْفَتْحِ الْوَلَاءَ الْوَلَاءَ مِنْ أَوْلَادِ قَوْمٍ آخَرِينَ. قَوْلُهُ: [إلَّا وَلَدَ أُنْثَى] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْوَلَاءَ ثَابِتٌ لِلْمُعْتَقِ عَلَى مَنْ أَعْتَقَهُ

يَنْجَرُّ الْوَلَاءُ عَلَى الْأَوْلَادِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْحُرِّيَّةُ أَصَالَةً أَوْ طَارِئَةً، كَانَ الْحُرُّ الْأَبَ أَوْ الْجَدَّ. فَشَمَلَ الْجَرُّ أَوْلَادَ الْمَعْتُوقَةِ، مِنْ زِنًا، أَوْ غَصْبٍ، أَوْ حَصَلَ فِيهِمْ لِعَانٌ، أَوْ أُصُولُهُمْ أَرِقَّاءُ، أَوْ الْأَبُ حَرْبِيًّا بِدَارِ الْحَرْبِ، وَقَوْلُهُ: (أَوْ وَلَدًا) عَطْفٌ عَلَى وَلَدِ أُنْثَى أَيْ وَإِلَّا وَلَدًا (مَسَّهُ رِقٌّ لِغَيْرِهِ) : فَإِنَّهُ لَا يَنْجَرُّ لَهُ وَلَاؤُهُ كَأَنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ أَمَةَ غَيْرِهِ فَحَمَلَتْ مِنْهُ ثُمَّ بَعْدَ الْحَمْلِ أَعْتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ وَأَعْتَقَ الْآخَرُ أَمَتَهُ ثُمَّ وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرِ مِنْ عِتْقِهَا فَإِنَّ وَلَاءَ الْأَبِ لَا يَجُرُّ وَلَاءَ وَلَدِهَا؛ لِأَنَّهُ مَسَّهُ الرِّقُّ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِ أُمِّهِ، وَقَوْلُهُ: (وَالْمُعْتَقُ) عَطْفٌ عَلَى " الْأَوْلَادِ " الْمَعْمُولُ الْجَرُّ أَيْ: وَجَرُّ وَلَاءُ الْمُعْتَقِ الْأَوَّلِ وَلَاءُ مُعْتَقِهِ (وَإِنْ سَفَلَ) فَيَجُرُّ وَلَاءُ عُتَقَائِهِ وَعُتَقَاءِ عُتَقَائِهِ وَهَكَذَا. فَإِذَا أَعْتَقَ شَخْصٌ رَقِيقًا فَلَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ وَإِذَا أَعْتَقَ ذَلِكَ الْمَعْتُوقُ رَقِيقًا وَهَكَذَا فَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِلسَّيِّدِ الْأَوَّلِ بِالْجَرِّ إلَخْ، وَقَيَّدَ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْجَرَّ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ حُرًّا فِي الْأَصْلِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ أَعْتَقَ النَّصْرَانِيُّ عَبْدًا نَصْرَانِيًّا ثُمَّ هَرَبَ السَّيِّدُ لِدَارِ الْحَرْبِ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ ثُمَّ سُبِيَ فَبِيعَ وَأُعْتِقَ فَإِنَّهُ لَا يَجُرُّ إلَى مُعْتَقِهِ وَلَاءَ مَنْ كَانَ أَعْتَقَهُ قَبْلَ لُحُوقِهِ دَارَ الْحَرْبِ. (وَرَجَعَ) الْوَلَاءُ (لِمُعْتَقِ الْأَبِ مِنْ مُعْتَقِ الْجَدِّ أَوْ) مُعْتَقِ (الْأُمِّ) مِثَالُهُ: تَزَوَّجَتْ مُعْتَقَةٌ - بِفَتْحِ التَّاءِ - بِعَبْدٍ وَأَتَتْ مِنْهُ بِأَوْلَادٍ أَحْرَارٍ تَبَعًا لَهَا وَأَبُوهُمْ وَجَدُّهُمْ رَقِيقَانِ، فَوَلَاءُ وِلَادِهَا لِمَوَالِيهَا. فَإِذَا أُعْتِقَ جَدُّ الْأَوْلَادِ رَجَعَ الْوَلَاءُ لِمُعْتَقِهِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَا عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ مَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِهِ أُنْثَى فَيُوقَفُ عِنْدَهَا وَلَا يَتَعَدَّاهَا الْوَلَاءُ لِأَوْلَادِهَا إنْ كَانَ لَهُمْ نَسَبٌ مِنْ حُرٍّ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ ذِكْرًا تَعَدَّى الْوَلَاءُ لِأَوْلَادِهِ، ثُمَّ يُقَالُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أُنْثَى وَقَفَ الْوَلَاءُ عِنْدَهَا وَلَا يَتَعَدَّاهَا الْوَلَاءُ لِأَوْلَادِهِمْ إنْ كَانَ لَهُمْ نَسَبٌ مِنْ حُرٍّ وَإِلَّا تَعَدَّى وَإِنْ كَانَ مِنْهُ ذِكْرٌ تَعَدَّى الْوَلَاءُ لِأَوْلَادِهِ وَهَكَذَا يُقَالُ فِيهِمْ وَفِيمَنْ بَعْدَهُمْ أَفَادَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [مِثَالُهُ تَزَوَّجَتْ مُعْتَقَةٌ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ وَلَاءَ الْأَوْلَادِ إنَّمَا يَرْجِعُ مِنْ مُعْتِقِ الْأُمِّ لِمُعْتِقِ الْجَدِّ أَوْ لِمُعْتِقِ الْأَبِ إذَا كَانَ لَمْ يَمَسَّهُ الرِّقُّ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِأَنْ تَزَوَّجَتْ الْأَمَةُ بَعْدَ عِتْقِهَا أَوْ قَبْلَهُ وَعَتَقَتْ قَبْلَ أَنْ تَحْمِلَ، وَأَمَّا إذَا مَسَّهُ الرِّقُّ فِي بَطْنِ أُمِّهِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ وَهِيَ قِنٌّ ثُمَّ حَمَلَتْ وَهِيَ كَذَلِكَ ثُمَّ عَتَقَتْ بَعْدَ الْوِلَادَةِ أَوْ

[الميراث بالولاء]

مُعْتَقِ الْأُمِّ لَمَّا عَلِمَتْ أَنَّ الْأَوْلَادَ صَارَ لَهُمْ نَسَبٌ مِنْ حُرٍّ. فَإِذَا أُعْتِقَ أَبُو الْأَوْلَادِ رَجَعَ وَلَاءُ الْأَوْلَادِ لِمُعْتَقِهِ مِنْ مُعْتَقِ الْجَدِّ وَالْأُمِّ. وَبِهَذَا عَلِمَتْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ ظَاهِرَ الْأَصْلِ مِنْ أَنَّ الْوَلَاءَ كَانَ لِمُعْتَقِ الْجَدِّ وَمُعْتَقِ الْأُمِّ مَعًا، بَلْ كَانَ أَوَّلًا لِمُعْتَقِ الْأُمِّ ثُمَّ لِمُعْتَقِ الْجَدِّ ثُمَّ رَجَعَ لِمُعْتَقِ الْأَبِ؛ فَلَوْ أُعْتِقَ الْأَبُ قَبْلَ الْجَدِّ رَجَعَ الْوَلَاءُ لِمُعْتَقِهِ مِنْ مُعْتَقِ الْأُمِّ. (وَلَا تَرِثُ بِهِ أُنْثَى) : فَإِنْ تَرَكَ الْمُعْتِقُ - بِكَسْرِ التَّاءِ ابْنًا أَوْ ابْنَ ابْنٍ وَبِنْتًا، فَإِنَّ الِابْنَ وَابْنَهُ يَرِثُ الْوَلَاءَ دُونَ الْبِنْتِ. وَلَوْ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا بَنَاتًا أَوْ أَخَوَاتٍ فَلَا حَقَّ لَهُمْ بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ. (إلَّا أَنْ تُبَاشِرَهُ) : بِأَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُعْتِقَةُ - بِكَسْرِ التَّاءِ فَإِنَّهَا تَرِثُ الْمُخَلَّفُ بِسَبَبِ الْوَلَاءِ (أَوْ يَجُرُّهُ لَهَا) : أَيْ الْمُبَاشَرَةُ وَلَاءٌ مُلْتَبَسٌ (بِ) ذِي (وِلَادَةٍ) فَإِذَا أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرًا فَلَهَا وَلَاءُ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهِيَ حَامِلٌ فَلَا يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ عَنْ مُعْتِقِ الْأُمِّ إذَا عَتَقَ الْجَدُّ لِمُعْتِقِهِ وَلَا لِمُعْتِقِ الْأَبِ إذَا عَتَقَ الْأَبُ. قَوْلُهُ: [ظَاهِرُ الْأَصْلِ] : أَيْ خَلِيلٍ وَإِنَّمَا كَانَ ظَاهِرُهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَطْفٌ بِالْوَاوِ. [الْمِيرَاث بِالْوَلَاءِ] قَوْلُهُ: [لَا تَرِثُ بِهِ أُنْثَى] : اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْعُمُومِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» . قَوْلُهُ: [يَرِثُ الْوَلَاءُ] : أَيْ يَرِثُ الْمَالَ بِسَبَبِ الْوَلَاءِ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا بَنَاتًا أَوْ أَخَوَاتٍ] إلَخْ: هَكَذَا مَنْصُوبَانِ بِالْفَتْحِ مَعَ التَّنْوِينِ وَالصَّوَابُ نَصْبُهُمَا بِالْكَسْرَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا جَمْعُ مُؤَنَّثٍ سَالِمٍ. وَقَوْلُهُ: [فَلَا حَقَّ لَهُمْ] : صَوَابُهُ لَهُنَّ. قَوْلُهُ: [بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ] : أَيْ مَحَلُّهُ بَيْتُ الْمَالِ. قَوْلُهُ: [الْمُخَلَّفُ] : بِفَتْحِ اللَّامِ اسْمُ مَفْعُولٍ أَيْ الْمَالِ الْمَتْرُوكِ لِلْعَتِيقِ بَعْدَ مَوْتِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَاءٌ] : قَدَّرَهُ الشَّارِحُ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ يَجُرُّ الضَّمِيرَ الْبَارِزَ فِي يَجُرُّهُ وَاقِعٌ عَلَى الْإِرْثِ مَفْعُولُ يَجُرُّ. قَوْلُهُ: [بِذِي وِلَادَةٍ] : لَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ ذِي وَلَا لِجَعْلِ الْبَاءِ لِلْمُلَابَسَةِ بَلْ الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ مُلْتَبَسٌ بِسَبَبِ وِلَادَةٍ.

الذُّكُورِ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا. وَأَمَّا وَلَدُ الْبِنْتِ فَلَا تَرِثُهُ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا كَمَا أَنَّهَا لَوْ أَعْتَقَتْ أُنْثَى لَا شَيْءَ لَهَا فِي أَوْلَادِهَا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا حَيْثُ كَانَ فِي نَسَبِهِمْ حُرٌّ. (أَوْ) يَجُرُّهُ لَهَا (بِعِتْقٍ) : فَلَهَا وَلَاءُ مَنْ أَعْتَقَتْهُ وَوَلَاءُ مَنْ أَعْتَقَهُ، وَكَذَلِكَ لَهَا وَلَاءُ أَوْلَادِ الْأَمَةِ الَّتِي أَعْتَقَتْهَا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي نَسَبِهِمْ حُرٌّ. (وَقُدِّمَ عَاصِبُ النَّسَبِ) : عَلَى عَاصِبِ الْوَلَاءِ، فَإِذَا مَاتَ الْمُعْتَقُ - بِفَتْحِ التَّاءِ - وَتَرَكَ مَالًا فَيَرِثُهُ عَاصِبُ النَّسَبِ كَابْنِهِ وَأَبِيهِ إلَخْ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْ عَصَبَةِ النَّسَبِ. (فَالْمُعْتَقُ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُعْتَقُ مُبَاشَرَةً. (فَعَصَبَتُهُ) : أَيْ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ بِكَسْرِ التَّاءِ تَرِثُ. كَالصَّلَاةِ، فَيُقَدَّمُ ابْنٌ فَابْنُهُ فَأَبٌ فَأَخٌ فَابْنُهُ فَجَدُّ دَنِيَّةٍ فَعَمٌّ فَابْنُهُ فَأَبُو الْجَدِّ وَهَكَذَا. وَأَمَّا عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ بِالْكَسْرِ فَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْوَلَاءِ؛ كَمَا لَوْ أَعْتَقَتْ امْرَأَةٌ عَبْدًا وَلَهَا ابْنٌ مِنْ زَوْجٍ أَجْنَبِيٍّ مِنْهَا، فَإِذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ فَالْوَلَاءُ لِوَلَدِهَا، فَإِذَا مَاتَ لَمْ يَنْتَقِلْ الْوَلَاءُ لِأَبِيهِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ - ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُعْتِقِ - بِالْكَسْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [حَيْثُ كَانَ فِي نَسَبِهِمْ حُرٌّ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَسَبٌ مِنْ حُرٍّ فَلَهَا الْوَلَاءُ فِيهِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [أَوْ يَجُرُّهُ] : الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ وَاقِعٌ عَلَى الْوَلَاءِ فَاعِلِهِ وَالْبَارِزُ وَاقِعٌ عَلَى الْإِرْثِ مَفْعُولِهِ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ. قَوْلُهُ: [وَقُدِّمَ عَاصِبُ النَّسَبِ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ عَصَبَةَ الْوَلَاءِ كَمَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ عَصَبَةُ النَّسَبِ يُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَرِثُ بِالْفَرْضِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لَكِنْ لَمَّا كَانَ عَصَبَةُ النَّسَبِ مُشَارِكِينَ لِعَصَبَةِ الْوَلَاءِ فِي كَوْنِهِمْ عَصَبَةً رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مُشَارَكَتُهُمْ لَهُمْ بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ عَاصِبَ النَّسَبِ يُقَدَّمُ وَتَرَكَ أَصْحَابَ الْفُرُوضِ لِعَدَمِ تَوَهُّمِ دُخُولِ عَصَبَةِ الْوَلَاءِ مَعَهُمْ لِتَقْدِيمِهِمْ عَلَى الْعَصَبَةِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: [إلَى آخِرِهِ] : أَيْ إلَى آخِرِ تَعْدَادِ أَفْرَادِ عَصَبَةِ النَّسَبِ. قَوْلُهُ: [فَعَصَبَتُهُ] : أَيْ الْمُتَعَصِّبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمَّا الْعَاصِبُ بِغَيْرِهِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ. قَوْلُهُ: [لَمْ يَنْتَقِلْ الْوَلَاءُ لِأَبِيهِ] : أَيْ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَصَبَةً لِابْنِ الْمُعْتَقَةِ

عَصَبَةٌ فَيَرِثُهُ (مُعْتَقُ الْمُعْتِقِ فَعَصَبَتُهُ) فَإِذَا اجْتَمَعَ مُعْتِقُ الْمُعْتِقِ وَمُعْتِقُ أَبِيهِ قُدِّمَ مُعْتِقُ الْمُعْتِقِ عَلَى مُعْتِقِ أَبِيهِ (كَالصَّلَاةِ) . (وَإِنْ شَهِدَ عَدْلٌ) وَاحِدٌ (بِالْوَلَاءِ) أَوْ النَّسَبِ (أَوْ) شَهِدَ (اثْنَانِ بِأَنَّا لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ أَنَّهُ مَوْلَاهُ أَوْ ابْنُ عَمِّهِ) مَثَلًا (لَمْ يَثْبُتْ) بِذَلِكَ نَسَبٌ وَلَا وَلَاءٌ. وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ فُشُوٌّ، فَإِنْ كَانَ فَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ وَالنَّسَبُ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ الْعِتْقِ. وَفِي بَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّهُمْ إذَا قَالُوا: لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَالْعِتْقُ وَالْوَلَاءُ (لَكِنَّهُ) وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ بِمَا ذَكَرَهُ (يَحْلِفُ وَيَأْخُذُ الْمَالَ بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ) : رُبَّمَا يَأْتِي غَيْرُهُ بِأَوْثَقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَيْسَ عَصَبَةً لَهَا وَإِنْ كَانَ زَوْجَهَا. قَوْلُهُ: [لَمْ يَثْبُتْ بِذَلِكَ نَسَبٌ وَلَا وَلَاءٌ] : لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ فُشُوًّا] : جَوَابٌ عَنْ الْمُعَارِضَةِ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ. وَأُجِيبُ أَيْضًا بِأَنَّ مَا هُنَا طَرِيقَةٌ وَمَا تَقَدَّمَ طَرِيقَةٌ أُخْرَى، وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ مَقْبُولٌ إنْ كَانَ بِبَلَدِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ. قَوْلُهُ: [يَحْلِفُ وَيَأْخُذُ الْمَالَ] أَيْ عَلَى وَجْهِ الْحَوْزِ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِرْثِ. وَقَوْلُهُ: [رُبَّمَا يَأْتِي غَيْرُهُ بِأَوْثَقَ] : عِلَّةٌ لِلِاسْتِينَاءِ. خَاتِمَةٌ: لَوْ اشْتَرَى ابْنٌ وَبِنْتٌ أَبَاهُمَا وَعَتَقَ عَلَيْهِمَا سَوِيَّةً بِنَفْسِ الْمِلْكِ ثُمَّ مَلَكَ الْأَبُ عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَرِثَهُ الِابْنُ وَالْبِنْتُ بِالنَّسَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِتَقَدُّمِ الْإِرْثِ بِالنَّسَبِ عَلَى الْإِرْثِ بِالْوَلَاءِ. فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمَعْتُوقُ بَعْدَ ذَلِكَ وَرِثَهُ الِابْنُ وَحْدَهُ دُونَ الْبِنْتِ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ مِنْ النَّسَبِ وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ بِالْوَلَاءِ بَلْ لَوْ اشْتَرَتْهُ الْبِنْتُ وَحْدَهَا لَكَانَ الْحُكْمُ مَا ذَكَرَ وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الْأَبِ وَكَانَ لِلْأَبِ عَمٌّ أَوْ ابْنُ عَمٍّ لَكَانَ هُوَ الَّذِي يَرِثُ الْمَعْتُوقَ، وَأَمَّا لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ مَوْتِ الْأَبِ وَرِثَهُ الْأَبُ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ لَكَانَ الْمَالُ بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ مَاتَ الِابْنُ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ وَقَبْلَ مَوْتِ الْعَتِيقِ ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ كَانَ لِلْبِنْتِ مِنْ مَالِ الْعَتِيقِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ النِّصْفُ لِعِتْقِهَا نِصْفُ أَبِيهَا الْمُعْتِقِ لِلْعَبْدِ وَالنِّصْفُ الْبَاقِي لِشَرِيكِهَا فِي عِتْقِ الْأَبِ وَهُوَ أَخُوهَا وَهِيَ تَسْتَحِقُّ نِصْفَ وَلَائِهِ الَّذِي هُوَ الرُّبْعُ؛ لِأَنَّهَا مُعْتِقَةُ نِصْفِ أَبِيهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَصِيرُ لَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الْأَخَ قَدْ مَاتَ قَبْلَ الْعَبْدِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ فَكَيْفَ تَرِثُهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ بِمَوْتِ أَخِيهَا اسْتَحَقَّتْ نِصْفَ مَا تَرَكَهُ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا تَرَكَهُ نِصْفُ الْوَلَاءِ وَهِيَ تَرِثُ مِنْ أَخِيهَا نِصْفَهُ الَّذِي هُوَ الرُّبُعُ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا تَرِثُهُ أُنْثَى. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ إرْثَ الرُّبُعِ بِفَرْضِ حَيَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْعَبْدِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا إنْ مَاتَ الِابْنُ وَوَرِثَهُ الْأَبُ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ فَلِلْبِنْتِ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهَا سَبْعَةُ أَثْمَانِهَا النِّصْفُ بِالنَّسَبِ فَرْضًا وَالرُّبُعُ بِالْوَلَاءِ الَّذِي لَهَا فِي أَبِيهَا وَالثُّمُنُ؛ لِأَنَّ الرُّبُعَ الْبَاقِيَ لِأَخِيهَا الَّذِي مَاتَ قَبْلَ أَبِيهَا تَرِثُ مِنْهُ نِصْفَهُ وَنِصْفَ الرُّبُعِ ثُمُنُهُ وَفِيهِ الْإِشْكَالُ الْمُتَقَدِّمُ (اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْأَصْلِ) . قَالَ (شب) نَقْلًا عَنْ ابْنِ خَرُوفٍ: وَتُعْرَفُ بِمَسْأَلَةِ الْقُضَاةِ؛ لِأَنَّهُ غَلِطَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعُمِائَةِ قَاضٍ فَوَرَّثُوا الْبِنْتَ فِيهَا بِالْوَلَاءِ وَالْمِيرَاثِ بِالنَّسَبِ مُقَدَّمٌ عَلَى عُصُوبَةِ الْوَلَاءِ فَمَحَلُّ الْغَلَطِ حَيْثُ سَوَّوْا بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ فِي مِيرَاثِ أَبِيهِمَا فَتَأَمَّلْ.

[باب في أحكام الوصية]

بَابٌ ذَكَرَ فِيهِ أَحْكَامَ الْوَصِيَّةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا (الْوَصِيَّةُ مَنْدُوبَةٌ) وَلَوْ لِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَنْزِلُ فَجْأَةً. وَيَعْرِضُ لَهَا بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي أَحْكَامَ الْوَصِيَّةِ] بَابٌ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ وَصَيْت الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ إذَا وَصَلْته بِهِ كَأَنَّ الْمُوصِيَ لِمَا أَوْصَى بِهَا وَصَلَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِمَا قَبْلَهُ فِي نُفُوذِ التَّصَرُّفِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْخَيْرِ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] فَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّهُ الْمَالُ الْكَثِيرُ وَعَلَيْهِ فَالتَّرْغِيبُ فِيهَا إذَا كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا لِمَا يَأْتِي أَنَّهَا تُكْرَهُ فِي الْقَلِيلِ. قَوْلُهُ: [الْوَصِيَّةُ مَنْدُوبَةٌ] : هِيَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ عَقْدٌ يُوجِبُ حَقًّا فِي ثُلُثِ مَالِ عَاقِدِهِ يَلْزَمُ بِمَوْتِهِ أَوْ نِيَابَةٌ عَنْهُ بَعْدَهُ، وَعِنْدَ الْفَرَّاضِ خَاصَّةٌ بِمَا يُوجِبُ الْحَقَّ فِي الثُّلُثِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْرِيفِ ابْنِ عَرَفَةَ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْمَوْتَ يَنْزِلُ فَجْأَةً] : عِلَّةٌ لِلْمُبَالَغَةِ. قَوْلُهُ: [وَيَعْرِضُ لَهَا بَقِيَّةَ الْأَحْكَامِ] : قَالَ (شب) : وَأَمَّا حُكْمُهُ فَقَسَّمَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ لِلْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ دِينًا أَوْ نَحْوَهُ، وَيُنْدَبُ إلَيْهَا إذَا كَانَتْ بِقِرْبَةٍ فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ، وَتُحَرَّمُ بِمُحَرَّمٍ كَالنِّيَاحَةِ وَنَحْوِهَا وَتُكْرَهُ إذَا كَانَتْ بِمَكْرُوهٍ أَوْ فِي مَالٍ قَلِيلٍ وَتُبَاحُ إذَا كَانَتْ بِمُبَاحٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، ثُمَّ إنَّ إنْفَاذَ مَا عَدَا الْمُحَرَّمَ مَأْمُورٌ بِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ وَكَذَلِكَ يَنْقَسِمُ إنْفَاذُهَا عَلَى الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَالْمُرَادُ إنْفَاذُهَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَيَجِبُ إنْفَاذُ مَا يَجِبُ مِنْهَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَيَنْدُبُ إنْفَاذُ مَا يَنْدُبُ مِنْهَا، فَإِنْ خَالَفَ وَلَمْ يُنَفِّذْ فَقَدْ ارْتَكَبَ خِلَافَ الْمَنْدُوبِ وَهُوَ إمَّا الْكَرَاهَةُ أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَإِنْفَاذُ مَا يُكْرَهُ مِنْهَا مَكْرُوهٌ وَالْمَطْلُوبُ مِنْهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَإِنْفَاذُ مَا يُبَاحُ مِنْهَا مُبَاحٌ فَلَهُ فِعْلُهُ وَالرُّجُوعُ عَنْهُ، وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِعَمَلِ الْمَوْلِدِ الشَّرِيفِ فَذَكَرَ الْفَاكِهَانِيُّ أَنَّهُ

[أركان الوصية]

لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الزَّادِ لِلْمَيِّتِ. (وَرُكْنُهَا) : الَّذِي تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ. (مُوصٍ: وَهُوَ الْحُرُّ) : فَالْعَبْدُ وَلَوْ بِشَائِبَةٍ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ. (الْمَالِكُ) لِلْمُوصَى بِهِ مِلْكًا تَامًّا. فَمُسْتَغْرِقُ الذِّمَّةِ وَغَيْرُ الْمَالِكِ لِلْمُوصَى بِهِ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُمَا. وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَالِكَ أَمْرِ نَفْسِهِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدُ. (الْمُمَيِّزُ) : لَا مَجْنُونٌ وَسَكْرَانُ وَصَبِيٌّ لَا تَمْيِيزَ عِنْدَهُمْ حَالَ الْإِيصَاءِ. وَتَصِحُّ مِنْ السَّكْرَانِ الْمُمَيِّزِ، وَمِنْ الْحُرِّ الْمَالِكِ: (وَإِنْ سَفِيهًا وَصَغِيرًا) : مُمَيِّزًا لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِمَا لَحِقَ أَنْفُسَهُمَا فَلَوْ مُنِعَا مِنْهَا لَكَانَ الْحَجْرُ عَلَيْهِمَا لَحِقَ غَيْرَهُمَا. (أَوْ) إنْ كَانَ (كَافِرًا) : فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ مَا لَمْ يُوصِ لِمُسْلِمٍ بِنَحْوِ خَمْرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَكْرُوهٌ وَالْمَكْرُوهُ يَلْزَمُ الْوَارِثَ (اهـ) . قَوْلُهُ: [لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الزَّادِ] : عِلَّةٌ لِلنَّدْبِ. [أَرْكَانُ الْوَصِيَّةُ] قَوْلُهُ: [فَمُسْتَغْرِقُ الذِّمَّةِ] إلَخْ: اُعْتُرِضَ بِأَنَّ مُسْتَغْرِقَ الذِّمَّةِ مِنْ أَفْرَادِ غَيْرِ الْمَالِكِ وَلَيْسَ خَارِجًا بِقَيْدِ التَّمَامِ إنَّمَا خَرَجَ بِهِ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ تَامٍّ وَهُوَ قَدْ خَرَجَ بِالْحُرِّيَّةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ لِقَيْدِ التَّمَامِ، وَقَدْ يُقَالُ بَلْ مُسْتَغْرِقُ الذِّمَّةِ مَالِكٌ لِمَا بِيَدِهِ وَإِلَّا لَمَا وُفِيَتْ مِنْهُ دُيُونُهُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ عِتْقَهُ مَاضٍ حَيْثُ جَهِلَتْ أَرْبَابُ التَّبَعَاتِ نَعَمْ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ لِعَدَمِ تَمَامِ الْمِلْكِ وَلَوْ رُزِقَ بِمَا يَفِي لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ سَفِيهًا] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَوْلًى عَلَيْهِ أَوْ غَيْرَ مَوْلًى عَلَيْهِ كَمَا فِي (ح) . قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِذَا تَدَايَنَ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهِ فَيَجُوزُ مِنْهُ ثُلُثُهُ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ إذَا بَاعَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ وَلَمْ يُرَدَّ بَيْعُهُ حَتَّى مَاتَ يَلْزَمُهُ بَيْعُهُ، ابْنُ زَرْقُونٍ وَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ الدَّيْنُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَتَأَمَّلْهُ أَفَادَهُ (بْن) . قَوْلُهُ: [وَصَغِيرًا] : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ ابْنِ عَشَرِ سِنِينَ فَأَقَلَّ مِمَّا يُقَارِبُهَا إذَا أَصَابَ وَجْهَ الْوَصِيَّةِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ اخْتِلَاطٌ. قَوْلُهُ: [بِنَحْوِ خَمْرٍ] : أَيْ مِنْ كُلِّ مَا لَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ لِمُسْلِمٍ فَإِنْ أَوْصَى لِكَافِرٍ بِذَلِكَ صَحَّ لِصِحَّةِ تَمَلُّكِهِ ذَلِكَ وَثَمَرَةُ الصِّحَّةِ الْحُكْمُ بِإِنْفَاذِهَا إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا.

وَمُوصًى بِهِ: وَهُوَ مَا مُلِّكَ أَوْ اُسْتُحِقَّ؛ كَوِلَايَةٍ فِي قَرْيَةٍ، غَيْرِ زَائِدٍ عَلَى ثُلُثِهِ. (وَمُوصًى لَهُ: وَهُوَ مَا صَحَّ تَمَلُّكُهُ) لِلْمُوصَى بِهِ (وَإِنْ) كَانَ الْمُوصَى لَهُ (كَمَسْجِدٍ) وَرِبَاطٍ وَقَنْطَرَةٍ (وَصَرْفٌ) الْمُوصَى بِهِ (فِي مَصَالِحِهِ) : مِنْ مِرَمَّةٍ وَحُصْرِ وَزَيْتٍ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَعَلَى خِدْمَتِهِ مِنْ إمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ وَنَحْوِهِمْ، احْتَاجُوا أَمْ لَا. كَمَا إذَا لَمْ يَحْتَجْ الْمَسْجِدُ لِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ فَلَهُمْ. وَتَصِحُّ لِمَنْ يَمْلِكُ - وَلَوْ فِي ثَانِي حَالٍ - كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (أَوْ مَنْ سَيَكُونُ) مِنْ حَمْلٍ مَوْجُودٍ أَوْ سَيُوجَدُ فَيَسْتَحِقُّهُ (إنْ اسْتَهَلَّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمُوصًى بِهِ] : هَذَا هُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي. قَوْلُهُ: [وَهُوَ مَا مُلِكَ] : هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْوَصِيَّةِ بِالْأَمْوَالِ وَيُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ أَوْ بِمَا لَا يُمْلَكُ أَصْلًا كَالْوَصِيَّةِ بِالْخَمْرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِ. وَقَوْلُهُ: [وَاسْتُحِقَّ كَوِلَايَةٍ] : مِثَالٌ لِلْوَصِيَّةِ بِمَعْنَى النِّيَابَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَقَوْلُهُ: [فِي قَرْيَةٍ] : مُتَعَلِّقٌ بِمُوصَى بِهِ قَيْدٌ فِي كُلٍّ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ وَالْوَصِيَّةِ بِالنِّيَابَةِ. وَقَوْلُهُ: [غَيْرِ زَائِدٍ عَلَى ثُلُثِهِ] : قَيْدٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ. وَقَوْلُهُ: [وَمُوصًى لَهُ] : هَذَا هُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ. قَوْلُهُ: [لِلْمُوصَى بِهِ] : أَيْ إنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ مَالًا فَإِنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ نِيَابَةً قِيلَ فِيهِ وَهُوَ مَا صَلُحَ لَهَا. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ كَمَسْجِدٍ] : أَيْ هَذَا إذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَالِ آدَمِيًّا بَلْ وَإِنْ كَانَ كَمَسْجِدٍ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِلْمِلْكِ بِاعْتِبَارِ انْتِفَاعِ الْآدَمِيِّ بِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَصَرْفٍ فِي مَصَالِحِهِ إلَخْ. قَوْلُهُ: [فَلَهُمْ] : أَيْ فَيُصْرَفُ جَمِيعُهَا لِمَنْ ذُكِرَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ فِي ثَانِي حَالٍ] : أَيْ هَذَا إذَا كَانَ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ حَالَ الْوَصِيَّةِ بَلْ وَلَوْ كَانَ يَصِحُّ تَمَلُّكُ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ فِي ثَانِي حَالٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ كَوْنُ الْمُوصَى لَهُ مِمَّنْ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ حِينَهَا بَلْ وَلَوْ فِي الْمُسْتَقْبِلِ قَوْلُهُ: [أَوْ مَنْ سَيَكُونُ] : أَيْ فَإِذَا قَالَ أَوْصَيْت لِمَنْ سَيَكُونُ مِنْ وَلَدِ فُلَانٍ فَيَكُونُ لِمَنْ يُولَدُ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ مَوْجُودًا بِأَنْ كَانَ حَمْلًا حِينَ الْوَصِيَّةِ أَوْ غَيْرَ مَوْجُودٍ

صَارِخًا وَنَحْوَهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَحَقُّقِ حَيَاتِهِ؛ كَوَضْعٍ كَثِيرٍ لَكِنْ لَا يُؤْخَذُ مِنْ غَلَّةِ الْمُوصَى بِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا بَعْدَ وَضْعِهِ حَيًّا فَهِيَ لِوَارِثِ الْمُوصِي. (وَوُزِّعَ) الشَّيْءُ الْمُوصَى بِهِ لِمَنْ سَيَكُونُ إنْ وَلَدَتْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ (عَلَى الْعَدَدِ) الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ نَصَّ الْمُوصِي عَلَى تَفْضِيلٍ عُمِلَ بِهِ؛ كَمَا قَالَ: (إلَّا لِنَصٍّ) ، أَوْ أَوْصَى (لِمَيِّتِ عَلِمَ) الْمُوصِي (بِمَوْتِهِ) حِينَ الْوَصِيَّةِ (وَصُرِفَ) الشَّيْءُ الْمُوصَى بِهِ لِلْمَيِّتِ (فِي) وَفَاءِ (دَيْنِهِ) : إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. (وَإِلَّا) يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ (فَلِوَارِثِهِ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا وَارِثَ لَهُ بَطَلَتْ، وَلَا يَأْخُذُهَا بَيْتَ الْمَالِ. (وَذِمِّيٌّ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ. وَلَا تُمْنَعُ إنْ كَانَ قَرِيبًا أَوْ جَارًا أَوْ سَبَقَ مِنْهُ مَعْرُوفٌ، وَإِلَّا مُنِعَتْ خِلَافًا لِإِطْلَاقِ الشُّرَّاحِ. - ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصْلًا فَيُؤَخَّرُ الْمُوصَى بِهِ لِلْوَضْعِ عَلَى كُلِّ حَالُ، فَإِذَا وَضَعَ وَاسْتَهَلَّ أَخَذَ ذَلِكَ الشَّيْءَ الْمُوصَى بِهِ وَمِثْلُهُ أَوْصَيْت لِمَنْ يُولَدُ لِفُلَانٍ فَيَكُونُ لِمَنْ يُولَدُ لَهُ لَا لِوَلَدِ الْمَوْجُودِ بِالْفِعْلِ سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّ لَهُ حِينَ الْوَصِيَّةِ وَلَدًا أَمْ لَا. تَنْبِيهٌ: إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِحَمْلٍ وَنَزَلَ مَيِّتًا أَوْ انْفَشَّ رَجَعَ الْمُوصَى بِهِ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِغَيْرِ مَوْجُودٍ انْتَظَرَ إلَى الْيَأْسِ مِنْ الْوِلَادَةِ ثُمَّ يُرَدُّ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي. قَوْلُهُ: [فَهِيَ لِوَارِثِ الْمُوصِي] : أَيْ الْغَلَّةُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ وَالثَّانِي أَنَّهَا تُوقَفُ وَتُدْفَعُ لِلْمُوصَى لَهُ إذَا اسْتَهَلَّ كَالْمُوصَى بِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي كَوْنِ الِاسْتِهْلَالِ شَرْطًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ. وَاخْتُلِفَ أَيْضًا إذَا أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ وَمَنْ سَيُولَدُ لَهُ وَقُلْتُمْ بِدُخُولِ الْمَوْجُودِ مِنْ الْأَحْفَادِ وَمَنْ سَيُوجَدُ هَلْ يَسْتَبِدُّ الْمَوْجُودُ بِالْغَلَّةِ إلَى أَنْ يُوجَدَ غَيْرُهُ فَيَدْخُلَ مَعَهُمْ وَبِهِ أَفْتَى أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ أَوْ يُوقَفُ الْجَمِيعُ إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ وِلَادَةُ الْأَوْلَادِ وَحِينَئِذٍ يُقَسَّمُ الْأَصْلُ وَالْغَلَّةُ فَمَنْ كَانَ حَيًّا أَخَذَ حِصَّتَهُ وَمَنْ مَاتَ أَخَذَ وَرَثَتُهُ حِصَّتَهُ قَوْلَانِ لِلشُّيُوخِ أَفَادَهُ (بْن) . قَوْلُهُ: [عَلَى تَفْضِيلٍ] : هُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مُفَاضَلَةٍ بِأَنْ قَالَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا مُنِعْت] : أَيْ مَعَ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلذِّمِّيِّ صَحِيحَةٌ عَلَى

(وَقَبُولُ) الْمُوصَى لَهُ (الْمُعَيَّنُ) الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُوصِي كَزَيْدٍ (شَرْطٌ) فِي وُجُوبِهَا وَتَنْفِيذِهَا حَيْثُ كَانَ بَالِغًا رَشِيدًا. وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَنْفَعُهُ قَبُولُهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَلَا يَضُرُّهُ رَدُّهُ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي فَلَهُ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ. فَإِنْ مَاتَ الْمُعَيَّنُ فَلِوَارِثِهِ الْقَبُولُ، كَمَا يَقُومُ مَقَامَ غَيْرِ الرَّشِيدِ وَلِيُّهُ. وَاحْتُرِزَ بِ " الْمُعَيَّنِ ": مِنْ الْفُقَرَاءِ، فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لِتَعَذُّرِهِ. وَلَا يَحْتَاجُ رَقِيقٌ (لِإِذْنٍ) مِنْ سَيِّدِهِ (فِيهِ) : أَيْ فِي الْقَبُولِ، بَلْ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ مَنْ أَوْصَى لَهُ بِهِ بِدُونِ إذْنٍ. (كَإِيصَائِهِ) : أَيْ السَّيِّدِ فَهُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ (بِعِتْقِهِ) : أَيْ عِتْقِ رَقِيقِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي نُفُوذِ الْعِتْقِ لِإِذْنٍ مِنْ السَّيِّدِ، بَلْ يَعْتِقُ بِتَمَامِهِ أَوْ مَحْمَلِ الثُّلُثِ. (وَقُوِّمَ) الْمُوصَى بِهِ (بِغَلَّةٍ حَصَلَتْ) : أَيْ حَدَثَتْ فِيهِ (بَعْدَ الْمَوْتِ) : أَيْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبْلَ الْقَبُولِ: فَإِذَا أَوْصَى لَهُ بِحَائِطٍ يُسَاوِي أَلْفًا، وَتَرَكَ أَلْفَيْنِ فَزَادَ الْحَائِطُ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِثَمَرَةِ مِائَتَيْنِ فَلِلْمُوصَى لَهُ الْحَائِطُ - أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلِّ حَالٍ، وَأَمَّا الْجَوَازُ وَعَدَمُهُ فَشَيْءٌ آخَرَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ بِالْجَوَازِ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ بِأَنْ كَانَتْ لِأَجْلِ قَرَابَةٍ وَنَحْوِهَا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَإِلَّا كُرِهَتْ، وَأَجَازَهَا أَشْهَبُ مُطْلَقًا لَكِنْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَقَيَّدَ ابْنُ رُشْدٍ إطْلَاقَ قَوْلِ أَشْهَبَ بِجَوَازِهَا لِلذِّمِّيِّ بِكَوْنِهِ ذَا سَبَبٍ مِنْ جِوَارٍ أَوْ يَدٍ سَبَقَتْ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ فَالْوَصِيَّةُ لَهُ مَحْظُورَةٌ إذْ لَا يُوصِي لِلْكَافِرِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ وَيُتْرَكُ الْمُسْلِمَ إلَّا مُسْلِمَ سُوءٍ مَرِيضِ الْإِيمَانِ أَفَادَهُ (بْن) وَخَرَجَ بِالذِّمِّيِّ الْحَرْبِيُّ فَلَا تَصِحُّ لَهُ الْوَصِيَّةُ عَلَى مَا قَالَهُ أَصْبَغُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ عَبْدِ الْوَهَّابِ مِنْ صِحَّتِهَا لَهُ. قَوْلُهُ: [فِي حَيَاةِ الْمُوصِي] : أَيْ وَلَوْ كَانَ رَدُّهُ حَيَاءً مِنْ الْمُوصِي كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا، وَأَمَّا إنْ رَدَّهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَيْسَ لَهُ قَبُولُهَا بَعْدَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [فَلِوَارِثِهِ الْقَبُولُ] : أَيْ وَسَوَاءٌ مَاتَ الْمُعَيَّنُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْوَصِيَّةِ أَوْ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهَا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمُوصِي الْمُوصَى لَهُ بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ لِوَارِثِهِ الْقَبُولُ.

[بطلان الوصية بالردة]

الْأُصُولُ - بِتَمَامِهِ، وَلَهُ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ؛ ثُلُثُ الْمِائَتَيْنِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ بِالْمَوْتِ. وَالْعِبْرَةُ بِيَوْمِ التَّنْفِيذِ وَتُقَدَّرُ أَنَّ الثَّمَرَةَ مَعْلُومَةٌ لِلْمُوصِي لِكَوْنِهِ أَوْصَى بِأَصْلِهَا. (وَصِيغَةٌ) : بِلَفْظٍ يَدُلُّ بَلْ (وَلَوْ بِإِشَارَةٍ) مُفْهِمَةٍ وَلَوْ مِنْ قَادِرٍ عَلَى النُّطْقِ (وَبَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ (بِرِدَّةٍ) أَيْ رِدَّةِ الْمُوصِي أَوْ الْمُوصَى لَهُ، لَا بِرِدَّةِ الْمُوصَى بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ بِالْمَوْتِ] : حَاصِلُهُ أَنَّ غَلَّةَ الْمُوصَى بِهِ الْحَادِثَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ قِيلَ كُلُّهَا لِلْمُوصِي، وَقِيلَ كُلُّهَا لِلْمُوصَى لَهُ وَقِيلَ لَهُ ثُلُثُهَا فَقَطْ وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَسَبَبُ هَذَا الْخِلَافِ الْوَاقِعِ فِي الْغَلَّةِ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ هَلْ هُوَ وَقْتُ قَبُولِ الْمُعَيَّنِ لَهَا، فَإِذَا تَأَخَّرَ الْقَبُولُ حَتَّى حَدَّثَتْ الْغَلَّةُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهَا لِلْمُوصَى لَهُ بَلْ كُلُّهَا لِلْمُوصِي أَوْ الْمُعْتَبَرُ فِي تَنْفِيذِهَا وَقْتُ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْمَوْتِ وَمُقْتَضَى كَوْنِ الْمِلْكِ لَهُ بِالْمَوْتِ أَنَّ الْغَلَّةَ الْمَذْكُورَةَ كُلُّهَا لِلْمُوصَى لَهُ أَوْ الْمُعْتَبَرُ فِي تَنْفِيذِهَا الْأَمْرَانِ مَعًا، وَهُمَا وَقْتُ الْقَبُولِ وَوَقْتُ الْمَوْتِ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ فَمَنْ اعْتَبَرَ فِي تَنْفِيذِهَا وَقْتَ الْقَبُولِ قَالَ الْغَلَّةُ كُلُّهَا لِلْمُوصِي وَمَنْ اعْتَبَرَ وَقْتَ الْمَوْتِ قَالَ كُلُّهَا لِلْمُوصَى لَهُ، وَمَنْ اعْتَبَرَ الْأَمْرَيْنِ أَعْطَى لِلْمُوصَى لَهُ مِنْهَا ثُلُثَهَا وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَأَعْدَلُ الْأَقْوَالِ؛ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ بِالْمَوْتِ وَالْقَبُولِ. قَوْلُهُ: [بِلَفْظٍ يَدُلُّ] : أَيْ عَلَيْهَا صَرَاحَةً كَأَوْصَيْتُ أَوْ كَانَ غَيْرَ صَرِيحٍ فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهَا لَكِنْ يُفْهَمُ مِنْهُ إرَادَةُ الْوَصِيَّةِ بِالْقَرِينَةِ كَأَعْطُوا الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ لِفُلَانٍ بَعْدَ مَوْتِي. قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِإِشَارَةٍ] : مِثْلُهَا الْكِتَابَةُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. قَوْلُهُ: [وَلَوْ مِنْ قَادِرٍ عَلَى النُّطْقِ] : أَيْ خِلَافًا لِابْنِ شَعْبَانَ. [بُطْلَانِ الْوَصِيَّةُ بِالرَّدَّةِ] قَوْلُهُ: [أَيْ رِدَّةِ الْمُوصِي] إلَخْ: أَيْ فَإِنْ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ فَقَالَ أَصْبَغُ إنْ كَانَتْ مَكْتُوبَةً جَازَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَاسْتَبْعَدَ (ر) بُطْلَانَهَا بِرِدَّةِ الْمُوصَى لَهُ قَائِلًا إنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ فِعْلِهِ حَتَّى تَبْطُلَ بِرِدَّتِهِ قَالَ (بْن) وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: [لَا بِرِدَّةِ الْمُوصَى بِهِ] : أَيْ بِأَنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ عَبْدًا.

[بطلان الوصية بأكثر من الثلث]

(وَبِمَعْصِيَةٍ) : أَيْ أَوْصَى بِمَالٍ لَهَا أَوْ بِفِعْلِهَا، فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَيَفْعَلُ الْوَرَثَةُ بِالْمَالِ مَا شَاءَ لَهُمَا؛ كَوَصِيَّةٍ بِمَالٍ يَشْتَرِي بِهِ خَمْرًا يُشْرَبُ، أَوْ دَفَعَهُ لِمَنْ يَقْتُلُ نَفْسًا ظُلْمًا، أَوْ يَبْنِي بِهِ مَسْجِدًا فِي أَرْضٍ مُحْبَسَةٍ لِلْمَوْتَى كَقَرَافَةِ مِصْرَ، أَوْ لِمَنْ يُصَلِّي عَنْهُ، أَوْ يَصُومُ عَنْهُ، أَوْ بِقِنْدِيلِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يُعَلَّقُ فِي قُبَّةِ وَلِيٍّ. (وَ) بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ (لِوَارِثٍ) لِحَدِيثِ: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَبِمَعْصِيَةٍ] : الْمُرَادُ بِهَا الْأَمْرُ الْمُحَرَّمُ فَالْوَصِيَّةُ بِالْمَكْرُوهِ وَالْمُبَاحِ يَجِبُ تَنْفِيذُهَا كَمَا قَالَ الْأُجْهُورِيُّ قَالَ (ر) وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ بِالْمَكْرُوهِ مَكْرُوهٌ وَفِي تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ بِالْمُبَاحِ وَعَدَمِ تَنْفِيذِهَا قَوْلَانِ، وَكَأَنَّ الْأُجْهُورِيَّ قَاسَ مَا قَالَهُ عَلَى اتِّبَاعِ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَإِنْ كَرِهَ وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِالْمَنْدُوبِ فَتَنْفُذُ وُجُوبًا وَمَا فِي التَّتَّائِيِّ مِنْ نَدْبِ تَنْفِيذِهَا فَمَرْدُودٌ. قَوْلُهُ: [كَوَصِيَّةٍ بِمَالٍ يَشْتَرِي بِهِ خَمْرًا] : أَيْ وَمِنْهُ أَيْضًا الْوَصِيَّةُ بِنِيَاحَةٍ عَلَيْهِ أَوْ بِلَهْوٍ مُحَرَّمٍ فِي عُرْسٍ قَوْلُهُ: [أَوْ يَبْنِي بِهِ مَسْجِدًا] : قَالَ (بْن) : وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا أَنْ يُوصِيَ بِبِنَاءِ قُبَّةٍ عَلَيْهِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ يُوصِيَ بِإِقَامَةِ الْمَوْلِدِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقَعُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ مِنْ اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَالنَّظَرِ لِلْمُحَرَّمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمُنْكَرِ، وَكَأَنْ يُوصِي بِكَتْبِ جَوَابِ سُؤَالِ الْقَبْرِ وَجَعْلِهِ مَعَهُ فِي كَفَنِهِ أَوْ قَبْرِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ فِي صُورَةٍ مِنْ نُحَاسٍ وَيُجْعَلَ فِي جِدَارِ الْقَبْرِ لِتَنَالَهُ بَرَكَتُهُ كَمَا قَالَهُ الْمِسْنَاوِيُّ. قَوْلُهُ: [أَوْ لِمَنْ يُصَلِّي عَنْهُ] إلَخْ: أَيْ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ فَإِنَّهَا نَافِذَةٌ كَالْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ عَنْهُ. [بُطْلَان الْوَصِيَّةِ بِأَكْثَر مِنْ الثُّلُث] قَوْلُهُ: [وَبَطُلَتْ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ] : أَيْ وَلَوْ بِقَلِيلِ زِيَادَةٍ عَلَى حَقِّهِ فَإِنْ أَوْصَى لِلْوَارِثِ وَلِغَيْرِهِ بَطَلَتْ حِصَّةُ الْوَارِثِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [لِحَدِيثِ «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» ] : أَيْ وَهُوَ نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ} [البقرة: 180] الْآيَةُ وَهَذَا عَجْزُ الْحَدِيثِ وَصَدْرُهُ: «إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ أَعْطَى لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» .

(كَغَيْرِهِ) أَيْ الْوَارِثِ (بِزَائِدِ الثُّلُثِ) : وَيُعْتَبَرُ الزَّائِدُ (يَوْمَ التَّنْفِيذِ) لَا يَوْمَ الْمَوْتِ. وَظَاهِرُهُ: بُطْلَانُ الزَّائِدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ لَحِقَ بَيْتَ الْمَالِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى صِحَّتِهَا كَأَحْمَدَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. (وَإِنْ أُجِيزَ) : مَا أَوْصَى بِهِ لِلْوَارِثِ أَوْ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ: أَيْ أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ (فَعَطِيَّةٌ مِنْهُمْ) : أَيْ ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ، لَا تَنْفِيذٌ لِوَصِيَّةِ الْمُوصِي. فَلَا بُدَّ مِنْ حِيَازَةِ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ حُصُولِ مَانِعٍ لِلْمُجِيزِ، وَكَوْنِ الْمُجِيزِ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ. وَلَمْ يَذْكُرْ شَرْطَ الْقَبُولِ لِقَوْلِ الرَّمَاصِيِّ: لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِ الْأُجْهُورِيِّ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْأَمِيرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِزَائِدِ الثُّلُثِ] : أَيْ فَإِذَا أَوْصَى لِأَجْنَبِيٍّ بِنِصْفِ مَالِهِ مَثَلًا أَوْ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ يَبْلُغُ ذَلِكَ نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ وَرُدَّ مَا زَادَ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ لَحِقَ بَيْتَ الْمَالِ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [فَعَطِيَّةٌ مِنْهُمْ] : هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. قَوْلُهُ: [لَا تَنْفِيذٌ لِوَصِيَّةِ الْمُوصِي] : أَيْ خِلَافًا لِابْنِ الْقَصَّارِ وَابْنِ الْعَطَّارِ الْقَائِلَيْنِ بِذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَإِنْ أُجِيزَتْ فَلَا تَحْتَاجُ لِقَبُولٍ ثَانٍ وَنَحْتَاجُ لَهُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا يَكُونُ فِعْلُ الْمَيِّتِ مَحْمُولًا عَلَى الصِّحَّةِ حَتَّى يُرَدَّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى الرَّدِّ حَتَّى يُجَازَ، وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْخِلَافِ أَيْضًا لَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ جَارِيَةٍ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا فَأَجَازَ الْوَارِثُ فَهَلْ الْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمَيِّتِ أَوْ ثُلُثُهُ، وَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى بِجَارِيَةٍ لِوَارِثِهِ وَهِيَ زَوْجَةٌ لِذَلِكَ الْوَارِثِ فَأَجَازَ بَاقِي الْوَرَثَةِ تِلْكَ الْوَصِيَّةَ فَهَلْ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِالْمَوْتِ أَوْ بَعْدَ الْإِجَازَةِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ لَا تَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ لِلزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ آيِلٌ أَمْرُهُ لِمِلْكِ الْكُلِّ بِالْإِجَازَةِ أَوْ الْبَعْضِ بِالْمَوْتِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ النِّكَاحَ يَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [فَلَا بُدَّ مِنْ حِيَازَةِ الْمُوصَى لَهُ] : أَيْ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ] : أَيْ بِأَنْ يَكُونَ رَشِيدًا لَا دَيْنَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَذْكُرْ شَرْطَ الْقَبُولِ] الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ وَلَمْ أَذْكُرْ شَرْطَ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ يُوهِمُ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الْمَتْنِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ الشُّرُوطِ أَصْلًا.

[بطلان الوصية برجوع الموصي فيها]

(وَ) بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ (بِرُجُوعٍ) مِنْ الْمُوصِي (فِيهَا) سَوَاءٌ وَقَعَ مِنْهُ الْإِيصَاءُ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ (وَإِنْ) كَانَ الرُّجُوعُ (بِمَرَضٍ) : أَيْ فِيهِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ انْتِزَاعٌ لِلْغَيْرِ لَا يُعْتَبَرُ، وَيَجُوزُ - وَتَبْطُلُ بِهِ - وَلَوْ كَانَ الْتَزَمَ حِينَ الْوَصِيَّةِ عَدَمَ الرُّجُوعِ عَلَى الرَّاجِحِ. وَأَمَّا الَّذِي بَتَلَهُ فِي مَرَضِهِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ حَبْسٍ فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مُخْرِجِهِ مِنْ الثُّلُثِ. وَبَيَّنَ مَا بِهِ الرُّجُوعُ فِيهَا بِقَوْلِهِ: (بِقَوْلٍ) صَرِيحٍ كَأَبْطَلْتُ وَصِيَّتِي أَوْ رَجَعْت عَنْهَا. (أَوْ عِتْقٍ) لِلرَّقَبَةِ الَّتِي أَوْصَى بِهَا لِزَيْدٍ مَثَلًا. (وَإِيلَادٍ) : بِأَنْ وَطِئَ الْأَمَةَ الْمُوصَى بِهَا لِزَيْدٍ فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَإِنَّهُ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ. (وَتَخْلِيصِ حَبِّ زَرْعٍ) بِتَذْرِيَتِهِ: فَإِذَا أَوْصَى بِزَرْعٍ ثُمَّ حَصَدَهُ وَدَرَسَهُ بِدُونِ تَذْرِيَةٍ لَا تَبْطُلُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ (وَنَسْجِ غَزْلٍ) : أَوْصَى بِهِ (وَصَوْغِ مَعْدِنٍ) : مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (وَذَبْحِ حَيَوَانٍ) أَوْصَى بِهِ (وَتَفْصِيلِ شُقَّةٍ) : كَمُقَطَّعٍ أَوْ بُفْتَةٍ أَوْصَى بِهِ ثُمَّ فَصَّلَهُ ثَوْبًا مَثَلًا فَإِنَّهُ؛ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِهِ لِزَوَالِ الِاسْمِ فِي قَوْلِهِ: أَوْصَيْت بِالْمُقَطَّعِ أَوْ الْبُفْتَةِ مَثَلًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت بِالثَّوْبِ ثُمَّ فَصَلَهُ فَلَا تَبْطُلُ. (كَأَنْ قَالَ) الْمُوصِي فِي صِيغَةِ وَصِيَّتِهِ: (إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي) هَذَا (أَوْ) : إنْ مِتُّ مِنْ (سَفَرِي هَذَا) فَلِفُلَانٍ كَذَا (وَلَمْ يَمُتْ) مِنْ مَرَضِهِ أَوْ سَفَرِهِ فَتَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْوَصِيَّةَ عَلَى الْمَوْتِ فِيهِمَا وَلَمْ يَحْصُلْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بُطْلَان الْوَصِيَّة بِرُجُوعِ الْمُوصِي فِيهَا] قَوْلُهُ: [دَفْعًا لِتَوَهُّمِ] إلَخْ: عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَبَالَغَ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [لَا تَبْطُلُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ] : أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُزَلْ عَنْهُ اسْمُ الزَّرْعِ. قَوْلُهُ: [وَنَسْجِ غَزْلٍ] : أَيْ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْغَزْلِ انْتَقَلَ عَنْهُ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْوَصِيَّةَ عَلَى الْمَوْتِ] : ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالْقَيْدِ الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مَتَى أَشْهَدَ عَلَى وَصِيَّتِهِ فِي مَرَضِهِ أَوْ سَفَرِهِ وَكَانَتْ بِغَيْرِ كِتَابٍ فَلَا تَنْفُذُ إلَّا إذَا مَاتَ فِيهِ سَوَاءٌ صَرَّحَ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي أَوْ سَفَرِي هَذَا فَلِفُلَانٍ كَذَا، أَوْ لَمْ يُصَرِّحْ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ مِتُّ فَلِفُلَانٍ كَذَا، أَوْ قَالَ يُخْرَجُ لِفُلَانٍ مِنْ مَالِي كَذَا وَلَمْ يَقُلْ إنْ مِتُّ أَوْ لَمْ يَقُلْ

[صور لا تبطل فيها الوصية]

وَمَحَلُّ بُطْلَانِهَا: (إنْ لَمْ يَكْتُبْهَا) فِي كِتَابٍ (وَأَخْرَجَهُ وَلَمْ يَسْتَرِدَّهُ) : فَإِنْ كَتَبَهَا وَأَخْرَجَهُ وَلَمْ يَسْتَرِدَّهُ وَلَمْ يَمُتْ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَبْطُلُ فَإِنْ كَتَبَهَا بِأَنْ قَالَ فِي كِتَابِهِ: إنْ مِتُّ فِي مَرَضِي هَذَا فَلِفُلَانٍ كَذَا، أَوْ: فَعَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ وَلَمْ يُخْرِجْهُ وَلَمْ يَمُتْ فَتَبْطُلُ، أَوْ أَخْرَجَهُ وَاسْتَرَدَّهُ فَتَبْطُلُ وَلَوْ مَاتَ فِي مَرَضِهِ نَظَرًا لِكَوْنِ الرَّدِّ إبْطَالًا. وَقِيلَ: إنْ مَاتَ لَا تَبْطُلُ، وَلَكِنَّهُ مَشَى عَلَى الْإِبْطَالِ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ: (فَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَتْ) : وَيُحْتَمَلُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ " وَلَمْ يَمُتْ " وَقَدْ اعْتَمَدَ شَيْخُنَا الْبُطْلَانَ. (كَالْمُطَلَّقَةِ) : الَّتِي لَمْ تُقَيَّدْ بِمَرَضِهِ وَكَتَبَتْ؛ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِرَدِّ الْكِتَابِ وَلَا تَبْطُلُ إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ أَوْ كَانَتْ بِغَيْرِ كِتَاب. (لَا) تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِدَارٍ لِزَيْدٍ (بِهَدْمٍ) لِتِلْكَ (الدَّارِ) عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَهَلْ لَهُ النَّقْضُ أَوْ لَا؟ خِلَافٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQشَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، بَلْ أَشْهَدَ أَنَّ لِفُلَانٍ كَذَا وَصِيَّةً؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّعْمِيمِ كَمَتَى مِتُّ أَفَادَهُ بْن. قَوْلُهُ: [وَمَحَلُّ بُطْلَانِهَا إنْ لَمْ يَكْتُبُهَا] إلَخْ: أَيْ فَصُوَرُهَا أَرْبَعٌ الْبُطْلَانُ فِي ثَلَاثٍ وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ كِتَابٍ أَوْ بِكِتَابٍ وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَوْ بِكِتَابٍ وَأَخْرَجَهُ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ، وَالصِّحَّةُ فِي وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ بِكِتَابٍ وَأَخْرَجَهُ وَلَمْ يَسْتَرِدَّهُ. وَهَذِهِ الصُّوَرُ الْأَرْبَعَةُ إذَا انْتَفَى الْقَيْدُ بِأَنْ لَمْ يَمُتْ مِنْ مَرَضِهِ أَوْ سَفَرِهِ، وَأَمَّا إنْ حَصَلَ بِأَنْ مَاتَ فِي الْمَرَضِ أَوْ السَّفَرِ فَفِيهَا أَرْبَعَةٌ أَيْضًا تَصِحُّ فِي ثَلَاثٍ وَهِيَ إنْ كَانَتْ بِغَيْرِ كِتَابٍ أَوْ بِكِتَابٍ وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَوْ أَخْرَجَهُ وَلَمْ يَسْتَرِدَّهُ فَإِنْ أَخْرَجَهُ وَاسْتَرَدَّهُ فَقَوْلَانِ بِالصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ (أَفَادَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ) . قَوْلُهُ: [كَالْمُطَلَّقَةِ] : أَيْ وَصُوَرُهَا أَرْبَعٌ تَبْطُلُ فِي وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ بِكِتَابٍ وَأَخْرَجَهُ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ، وَتَصِحُّ فِي ثَلَاثٍ، وَهِيَ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ بِكِتَابٍ أَصْلًا أَوْ بِكِتَابٍ وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَوْ أَخْرَجَهُ وَلَمْ يَسْتَرِدَّهُ فَجُمْلَةُ الصُّوَرِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً قَدْ عَلِمْتهَا. [صُوَر لَا تَبْطُلُ فِيهَا الْوَصِيَّةُ] قَوْلُهُ: [خِلَافٌ] : أَيْ مَسْتُورٌ وَاسْتَظْهَرَ فِي الْحَاشِيَةِ أَنَّهُ لِلْمُوصَى لَهُ.

(وَلَا) تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ (بِرَهْنِهِ) الشَّيْءَ الْمُوصَى بِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُوصِي لَمْ يَنْتَقِلْ فَإِذَا مَاتَ فَتَخْلِيصُهُ عَلَى الْوَارِثِ. (وَ) لَا تَبْطُلُ (بِتَزْوِيجِ رَقِيقٍ) : أَيْ أَوْصَى بِهِ لِشَخْصٍ ثُمَّ زَوَّجَهُ. (وَ) لَا تَبْطُلُ بِ (تَعْلِيمِهِ) صَنْعَةً: فَإِذَا أَوْصَى بِرَقِيقٍ لِزَيْدٍ ثُمَّ عَلَّمَهُ صَنْعَةً فَلَا تَبْطُلُ، وَشَارَكَهُ الْوَارِثُ بِقِيمَةِ التَّعْلِيمِ. (وَ) لَا تَبْطُلُ (بِوَطْءٍ) : مِنْ الْمُوصِي لِجَارِيَتِهِ الَّتِي أَوْصَى بِهَا لِزَيْدٍ وَتَتَوَقَّفُ لِيَنْظُرَ هَلْ حَمَلَتْ فَتَبْطُلُ أَوْ لَا فَيَأْخُذُهُ الْمُوصَى لَهُ. (أَوْ بَاعَهُ) : أَيْ بَاعَ الْمُوصِي الشَّيْءَ الْمُوصَى بِهِ الْمُعَيَّنَ (وَرَجَعَ لَهُ) بِذَاتِهِ بِنَحْوِ شِرَاءٍ فَلَا تَبْطُلُ، أَمَّا إنْ لَمْ تَرْجِعْ بِذَاتِهَا وَاسْتَخْلَفَ غَيْرَهَا فَتَبْطُلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَثِيَابِ بَدَنِهِ غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ وَاسْتَخْلَفَ غَيْرَهَا فَلَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ وَيَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ مَا اسْتَخْلَفَ. وَلَيْسَ مِنْ التَّعَيُّنِ أَنْ يَكُونَ لَهُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ. (أَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ) : فَبَاعَهُ أَيْ الْمَالَ وَاسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ فَلَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا يَمْلِكُ يَوْمَ الْمَوْتِ سَوَاءٌ زَادَ أَوْ نَقَصَ. (وَلَا) تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ (إنْ جَصَّصَ) الْمُوصِي (الدَّارَ) الْمُوصَى بِهَا: أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِتَزْوِيجِ رَقِيقٍ] : أَيْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى. قَوْلُهُ: [وَشَارَكَهُ الْوَارِثُ] إلَخْ: أَيْ يَكُونُ لِلْوَارِثِ شِرْكَةً فِي تِلْكَ الرَّقَبَةِ بِنِسْبَةِ مَا زَادَتْهُ الصَّنْعَةُ كَمَا لَوْ فُرِضَ أَنَّهَا بِدُونِ صَنْعَةٍ تُسَاوِي عَشَرَةً بِالصَّنْعَةِ تُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ كَانَ شَرِيكًا مَعَهُ بِالثُّلُثِ. قَوْلُهُ: [وَلَا تَبْطُلُ بِوَطْءٍ] : أَيْ لَا تَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الْوَطْءِ بَلْ يَنْظُرُ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [بِنَحْوِ شِرَاءٍ] : دَخَلَ فِي ذَلِكَ الْإِرْثُ. قَوْلُهُ: [أَمَّا إنْ لَمْ تَرْجِعْ بِذَاتِهَا] : الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَرْجِعْ بِذَاتِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَاسْتَخْلَفَ غَيْرَهَا. قَوْلُهُ: [وَاسْتَخْلَفَ غَيْرَهَا] : أَيْ مِنْ جِنْسِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا. قَوْلُهُ: [وَيَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ مَا اُسْتُخْلِفَ] : أَيْ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ ثِيَابُ بَدَنِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ مِنْ التَّعَيُّنِ أَنْ يَكُونَ لَهُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ] : أَيْ كَمَا يُفِيدُهُ نَقْلُ

[تعدد الوصية]

جَعَلَ عَلَيْهَا جَصًّا مِنْ جِيرٍ وَنَحْوِهِ (أَوْ صَبَغَ الثَّوْبَ) : أَيْ صَبَغَ الْمُوصِي الثَّوْبَ الَّذِي أَوْصَى بِهِ، فَلَا تَبْطُلُ (وَأَخَذَهُ بِزِيَادَتِهِ) : أَيْ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَأْخُذُ الشَّيْءَ الْمُوصَى بِهِ حَيْثُ قُلْنَا لَمْ تَبْطُلُ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ زِيَادَةٌ؛ كَصَبْغٍ، أَوْ سَوِيقٍ لُتَّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي مُقَابِلَةِ الزِّيَادَةِ. (وَإِنْ أَوْصَى لَهُ) : لِشَخْصٍ وَاحِدٍ (بِوَصِيَّةٍ بَعْدَ) وَصِيَّةٍ (أُخْرَى) مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَهُمَا مُتَسَاوِيَتَانِ كَقَوْلِهِ: أَوْصَيْت لِزَيْدٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، ثُمَّ قَالَ: أَوْصَيْت لَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ أَوْ نَوْعَيْنِ، كَقَوْلِهِ: أَوْصَيْت لَهُ بِدَنَانِيرَ، ثُمَّ قَالَ: أَوْصَيْت لَهُ بِثَوْبٍ (فَالْوَصِيَّتَانِ) لِلْمُوصَى لَهُ. (إلَّا مِنْ نَوْعٍ وَإِحْدَاهُمَا أَكْثَرُ) كَعَشَرَةٍ ثُمَّ خَمْسَةٍ وَعَكْسُهُ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ فَالْأَكْثَرُ يَأْخُذُهُ (وَإِنْ تَقَدَّمَ) فِي الْإِيصَاءِ وَلَا يَكُونُ الثَّانِي نَاسِخًا وَلَا يَأْخُذُ لِوَصِيَّتَيْنِ كَانَتَا بِكِتَابٍ أَوْ كِتَابَيْنِ أَخْرَجَهُمَا أَوْ لَا مَا لَمْ يَسْتَرِدَّ الْكِتَابَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوَّاقِ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَ ذَلِكَ الثَّوْبِ، بَلْ قَالَ أَوْصَيْت لَهُ بِثَوْبٍ أَوْ بِثَوْبِي مَثَلًا. قَوْلُهُ: [وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي مُقَابِلَةِ الزِّيَادَةِ] : أَيْ لَا مُشَارَكَةَ لِلْوَارِثِ فِيهِ بِقِيمَةِ مَا زَادَ بِخِلَافِ الرَّقِيقِ يُعَلِّمُهُ صَنْعَةً فَإِنَّهُ يُشَارِكُ الْمُوصَى لَهُ بِقِيمَتِهِ كَمَا مَرَّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّقِيقَ تَزِيدُ قِيمَتُهُ بِالتَّعْلِيمِ زِيَادَةً كَثِيرَةً أَفَادَهُ فِي الْأَصْلِ تَأَمَّلْ. [تعدد الْوَصِيَّة] قَوْلُهُ: [لِشَخْصٍ] : فِيهِ حَذْفُ أَيْ التَّفْسِيرِيَّةِ. قَوْلُهُ: [فَالْوَصِيَّتَانِ لِلْمُوصَى لَهُ] : أَيْ بِتَمَامِهِمَا إنْ حَمَّلَهُمَا الثُّلُثَ أَوْ مَا حَمَلَهُ مِنْهُمَا وَسَوَاءٌ كَانَتَا بِكِتَابٍ أَوْ بِدُونِهِ. قَوْلُهُ: [كَانَتَا بِكِتَابٍ أَوْ كِتَابَيْنِ] : أَتَى بِهَذَا التَّعْمِيمِ رَدًّا عَلَى الْمُخَالِفِ إذْ قَدْ رَوَّى عَنْ مَالِكٍ وَمُطَرِّفٍ إنْ تَقَدَّمَ الْأَكْثَرُ فَلَهُ الْوَصِيَّتَانِ وَإِلَّا فَلَهُ الْأَكْثَرُ فَقَطْ، وَحَكَى اللَّخْمِيُّ عَنْ مُطَرِّفٍ إنْ كَانَتَا بِكِتَابَيْنِ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْهُمَا تَأَخَّرَ أَوْ تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَتَا فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ وَقَدَّمَ الْأَكْثَرَ فَهُمَا لَهُ مَعًا، وَإِنْ تَأَخَّرَ الْأَكْثَرُ فَهُوَ لَهُ فَقَطْ وَحَكَى ابْنُ زَرْقُونٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ إذَا كَانَا بِكِتَابَيْنِ فَلَهُ الْأَكْثَرُ وَإِلَّا فَهُمَا لَهُ مَعًا تَقَدَّمَ الْأَكْثَرُ أَوْ تَأَخَّرَ.

[أثر تغير الحال في الوصية]

وَإِلَّا بَطَلَتْ كَمَا لَوْ رَجَعَ بِالْقَوْلِ. وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِعَدَدٍ كَمِائَةٍ ثُمَّ بِجُزْءٍ كَرُبْعٍ أَوْ عَكَسَهُ فَيُعْتَبَرُ الْأَكْثَرُ وَيَأْخُذُهُ الْمُوصَى لَهُ. (وَإِنْ أَوْصَى) فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ (لِوَارِثٍ) : كَأَخٍ لَيْسَ لِلْمُوصِي وَقْتَ الْوَصِيَّةِ ابْنٌ (أَوْ) أَوْصَى لِ (غَيْرِهِ) : أَيْ لِغَيْرِ وَارِثٍ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ كَامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ (فَتَغَيَّرَ الْحَالُ) الْأَوَّلُ: بِأَنْ حَدَثَ لَهُ ابْنٌ أَوْ تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ (الْمُعْتَبَرُ الْمَآلُ) : مَآلُ الْحَالِ لَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ فَإِذَا مَاتَ الْمُوصِي صَحَّتْ فِي الْأَوَّلِ لِلْأَخِ لِحَجْبِهِ بِالِابْنِ فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ غَيْرَ وَارِثٍ وَبَطَلَتْ فِي الثَّانِيَةِ لِصَيْرُورَةِ الْمَرْأَةِ وَارِثَةً (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُوصِي) : بِصَيْرُورَةِ الْوَارِثِ غَيْرَ وَارِثٍ، كَمَا لَوْ أَوْصَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا ثُمَّ ابْنِهَا فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ وَلَوْ لَمْ تَعْلَمْ خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ عَلِمَتْ بِطَلَاقِهَا وَلَمْ تُغَيِّرْهُ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ فَلَا شَيْءَ لَهُ. (وَ) إذَا أَوْصَى لِلْمَسَاكِينِ (دَخَلَ الْفَقِيرُ فِي الْمِسْكِينِ وَعَكْسِهِ) أَوْصَى لِلْفَقِيرِ فَيَدْخُلُ الْمِسْكِينُ نَظَرًا لِلْعُرْفِ مَتَى أُطْلِقَ أَحَدُهُمَا شَمِلَ الْآخَرَ فَلَوْ كَانَ الْعُرْفُ افْتِرَاقَهُمَا اُتُّبِعَ. (وَ) دَخَلَ (فِي الْأَقَارِبِ) - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِلَّا بَطَلَتْ] : أَيْ بَطَلَ مَا اسْتَرَدَّهُ. [أثر تغير الْحَال فِي الْوَصِيَّة] قَوْلُهُ: [لَيْسَ لِلْمُوصِي] إلَخْ: الْمُنَاسِبُ الْإِتْيَانُ بِالْوَاوِ وَتَكُونُ الْجُمْلَةُ حَالِيَّةً. قَوْلُهُ: [وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُوصِي] : الْمُبَالَغَةُ رَاجِعَةٌ لِلصُّورَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ خِلَافَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا، وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهَا لِلْأُولَى لِعَدَمِ وُجُودِ الْخِلَافِ فِيهَا بَلْ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ فِيهَا بِاتِّفَاقٍ، سَوَاءٌ عَلِمَ الْمُوصِي بِمَوْتِ ابْنِهِ وَلَمْ يُغَيِّرْ الْوَصِيَّةَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. [مِنْ يَدْخُل قَيْءٍ الْوَصِيَّةُ عِنْد التَّعْمِيم] قَوْلُهُ: [نَظَرًا لِلْعُرْفِ] : أَيْ مِنْ أَنَّهُمَا إذَا افْتَرَقَا اجْتَمَعَا وَإِذَا اجْتَمَعَا افْتَرَقَا وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ تَرَادُفِهِمَا، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِتَرَادُفِهِمَا فَهُوَ عَيْنُهُ فَلَا مَعْنَى لِلدُّخُولِ، وَمَحَلُّ الدُّخُولِ أَيْضًا حَيْثُ لَمْ يَقَعْ مِنْ الْمُوصِي النَّصُّ عَلَى الْمَسَاكِينِ دُونَ الْفُقَرَاءِ أَوْ عَكَسَهُ. قَوْلُهُ: [وَدَخَلَ فِي الْأَقَارِبِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَوْصَيْت لِأَهْلِي أَوْ لِأَقَارِبِي أَوْ لِذَوِي رَحِمِي بِكَذَا اخْتَصَّ بِالْوَصِيَّةِ أَقَارِبُهُ لِأُمِّهِ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ وَرَثَةٍ لِلْمُوصِي، وَلَا يَدْخُلُ أَقَارِبُهُ لِأَبِيهِ حَيْثُ كَانُوا يَرِثُونَهُ، هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَقَارِبُ

أَقَارِبُهُ لِأُمِّهِ إلَخْ كَقَوْلِهِ: أَوْصَيْت لِأَقَارِبِي أَوْ أَقَارِبِ فُلَانٍ فَيَدْخُلُ شَرْعًا فِي صِيغَتِهِ أَقَارِبُهُ لِأُمِّهِ. (وَ) فِي (الْأَهْلِ) كَقَوْلِهِ: أَوْصَيْت لِأَهْلِي أَوْ أَهْلِ فُلَانٍ. (وَ) فِي (الْأَرْحَامِ) كَقَوْلِهِ: أَوْصَيْت لِأَرْحَامِي أَوْ: أَرْحَامِ فُلَانٍ فَيَدْخُلُ (أَقَارِبُهُ لِأُمِّهِ) كَأَبِيهَا وَعَمِّهَا لِأَبِيهَا أَوْ لِأُمِّهَا وَأَخِيهَا وَابْنِ عَمَّتِهَا وَمَحَلُّ دُخُولِ أَقَارِبِ أُمِّهِ (إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ لِلْمُوصِي (أَقَارِبٌ لِأَبٍ) : غَيْرُ وَرَثَةٍ. فَإِنْ كَانَ، فَلَا يَدْخُلُ أَقَارِبُ أُمِّهِ وَيَخْتَصُّ بِهَا أَقَارِبُ أَبِيهِ لِشَبَهِ الْوَصِيَّةِ بِالْإِرْثِ مِنْ حَيْثُ تَقَدُّمُ الْعُصْبَةِ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ. وَإِذَا قَالَ: أَوْصَيْت لِأَقَارِبِ فُلَانٍ فَيَشْمَلُ الْوَارِثَ مِنْهُمْ لِفُلَانٍ وَغَيْرَ الْوَارِثِ، كَمَا قَالَ: (وَالْوَارِثُ كَغَيْرِهِ) أَمَّا لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لِأَقَارِبِي أَوْ أَهْلِي أَوْ لِذِي، رَحِمِي فَلَا يَشْمَلُ وَارِثَهُ لِأَنَّهُ لَا وَصِيَّهُ لِوَارِثٍ، كَمَا قَالَ: (بِخِلَافِ أَقَارِبِهِ هُوَ. وَ) إذَا دَخَلَ أَقَارِبُ فُلَانٍ أَوْ أَقَارِبُهُ هُوَ (أُوثِرَ) : أَيْ خُصَّ بِشَيْءٍ زَائِدٍ عَلَى غَيْرِهِ لَا بِالْجَمِيعِ (الْمُحْتَاجُ الْأَبْعَدُ) : نَصَّ عَلَى الْمُتَوَهَّمِ إذْ يُعْلَمُ إيثَارُ الْمُحْتَاجِ الْأَقْرَبِ مِنْ بَابِ أَوْلَى (إلَّا لِبَيَانٍ) مِنْ الْمُوصِي حَالَ وَصِيَّتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَبِيهِ غَيْرُ وَارِثِينَ وَإِلَّا اخْتَصُّوا بِهَا وَلَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَقَارِبُهُ لِأُمِّهِ، وَإِنْ قَالَ: أَوْصَيْت لِأَقَارِبِ فُلَانٍ أَوْ لِأَهْلِهِ أَوْ لِذِي رَحِمِهِ اخْتَصَّ بِهَا أَقَارِبُهُ لِأُمِّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَقَارِبٌ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ وَإِلَّا اخْتَصُّوا بِهَا كَانُوا وَرَثَةً لِفُلَانٍ الْمَذْكُورِ أَوْ لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَقَارِبُهُ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ. قَوْلُهُ: [أَقَارِبُهُ لِأُمِّهِ إلَخْ] : أَيْ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي فِي الْمَتْنِ فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَقَارِبُ لِأَبٍ. قَوْلُهُ: [إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَقَارِبُ لِأَبٍ] إلَخْ: هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُنَا وَفِي الْحَبْسِ وَقَالَ غَيْرُهُ يَدْخُلُ أَقَارِبُ الْأُمِّ مَعَ أَقَارِبِ الْأَبِ هُنَا وَفِي الْحَبْسِ. قَوْلُهُ: [أَيْ خُصَّ بِشَيْءٍ زَائِدٍ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لِأَهْلِهِ أَوْ أَقَارِبِهِ أَوْ ذَوِي رَحِمِهِ أَوْ لِأَهْلِ فُلَانٍ أَوْ أَقَارِبِهِ أَوْ ذَوِي رَحِمِهِ اخْتَصَّ بِالْوَصِيَّةِ الْأَقَارِبُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَقَارِبُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، أَوْ اخْتَصَّ بِهَا الْأَقَارِبُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ عِنْدَ وُجُودِهِمْ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْحَاجَةِ سَوَّى بَيْنَهُمْ فِي

كَقَوْلِهِ: أَعْطُوا الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ، أَوْ: فُلَانًا ثُمَّ فُلَانًا، فَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ بِالتَّفْضِيلِ وَلَوْ غَيْرَ مُحْتَاجٍ لَا بِالْجَمِيعِ. (وَ) دَخَلَ (الْحَمْلُ فِي الْجَارِيَةِ) : كَأَنْ أَوْصَى بِجَارِيَتِهِ الْحَامِلِ مِنْ غَيْرِهِ لِشَخْصٍ، فَإِنَّهَا تَكُونُ مَعَ حَمْلِهَا لِذَلِكَ الشَّخْصِ؛ لِأَنَّهُ كَجُزْءٍ مِنْهَا مَا لَمْ تَضَعْهُ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ، أَوْ يَسْتَثْنِهِ كَمَا قَالَ: (إنْ لَمْ يَسْتَثْنِهِ) : أَيْ الْحَمْلَ كَقَوْلِهِ، أَوْصَيْت بِهَا دُونَ حَمْلِهَا، فَلَا يَدْخُلُ. وَإِذَا أَوْصَى بِثُلُثِهِ أَوْ بِعَدَدٍ لِجَمَاعَةٍ غَيْرِ مَحْصُورِينَ كَالْفُقَرَاءِ أَوْ الْغُزَاةِ أَوْ بَنِي تَمِيمٍ، فَلَا يَلْزَمُ تَعْمِيمُ الْمُوصَى لَهُمْ بِالْإِعْطَاءِ، كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَلْزَمُ تَعْمِيمُ نَحْوِ الْغُزَاةِ) : بِخِلَافِ خِدْمَةِ مَسْجِدٍ أَوْ أَهْلِ رِوَاقٍ لِحَصْرِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِعْطَاءِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُحْتَاجٌ أَوْ أَحْوَجُ وَجَبَ إيثَارُهُ عَلَى غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمُحْتَاجُ أَقْرَبَ أَوْ أَبْعَدَ. قَوْلُهُ: [بِالتَّفْضِيلِ] : أَيْ بِالْإِيثَارِ وَالزِّيَادَةِ وَيَأْتِي هُنَا قَوْلُ الْأُجْهُورِيِّ: بِغُسْلٍ وَإِيصَاءٍ وَلَاءُ جِنَازَةٍ ... نِكَاحٌ أَخًا وَابْنًا عَلَى الْجَدِّ قُدِّمَ وَإِنَّمَا لَمْ يَخْتَصَّ الْمُقَدَّمُ بِالْجَمِيعِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ. قَوْلُهُ: [كَأَنْ أَوْصَى بِجَارِيَتِهِ] : احْتَرَزَ بِذَلِكَ مِنْ الْمُوصِي بِعِتْقِهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ الْحَمْلُ وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ لَمْ يَسْتَثْنِهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا فِي (بْن) ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى بِعِتْقِهَا مِثْلُ مَنْ أَعْتَقَهَا بِالْفِعْلِ وَهِيَ لَا يَصِحُّ فِيهَا اسْتِثْنَاءُ الْحَمْلِ، وَإِنَّمَا صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ فِي الْمُوصَى بِهَا لِشَخْصٍ، وَلَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ مَعَ عِتْقِهَا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ كَمَّلَ عَلَيْهِ الْعِتْقَ إذَا أَعْتَقَ جُزْءًا مِنْهَا وَلَمْ يُكَمِّلْ عَلَيْهِ الْهِبَةَ إذَا وَهَبَ جُزْءًا مِنْهَا وَالْوَصِيَّةُ كَالْهِبَةِ. قَوْلُهُ: [الْحَامِلِ مِنْ غَيْرِهِ] : أَيْ مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًا، وَأَمَّا الْحَامِلُ مِنْهُ فَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ لِلْغَيْرِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَلْزَمُ تَعْمِيمُ نَحْوِ الْغُزَاةِ] : أَيْ وَلَا التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ وَيَدْخُلُ فِي نَحْوِ الْغُزَاةِ فُقَرَاءُ الرِّبَاطِ وَالْمَدَارِسِ وَالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ. قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ خِدْمَةِ مَسْجِدٍ] : أَيْ مَحْصُورَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ وَمِنْهُمْ خِدْمَةُ الْأَزْهَرِ؛ لِأَنَّ خَدَمَتَهُ مَحْصُورُونَ وَمُجَاوِرُوهُ غَيْرُ مَحْصُورِينَ، وَكَذَا يُقَالُ فِي مِثْلِ

[الوصية بجزء من رقيق]

فَيَلْزَمُ تَعْمِيمُهُمْ (وَاجْتَهَدَ) مُتَوَلِّي تَفْرِقَةِ الْوَصِيَّةِ فِي الْقِسْمَيْنِ فَيَزِيدُ الْأَحْوَجَ. وَإِنْ (أَوْصَى) شَخْصٌ (لِعَبْدِهِ) : أَيْ رَقِيقِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (بِثُلُثِهِ) : أَيْ ثُلُثِ مَالِ السَّيِّدِ الْمُوصِي أَوْ بِجُزْءٍ كَرُبْعٍ (عَتَقَ) الرَّقِيقُ الْمُوصَى لَهُ بِمَا ذَكَرَ (إنْ حَمَلَهُ) : أَيْ الثُّلُثَ الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ الرَّقِيقُ، فَإِذَا تَرَكَ السَّيِّدُ مِائَتَيْنِ وَالْعَبْدُ يُسَاوِي مِائَةً عَتَقَ وَيَخْتَصُّ بِمَالِهِ دُونَ الْوَرَثَةِ فَلَوْ تَرَكَ السَّيِّدُ ثَلَثُمِائَةٍ وَالرَّقِيقُ يُسَاوِي مِائَةً عَتَقَ لِحَمْلِ الثُّلُثِ لَهُ (وَأَخَذَ) الرَّقِيقُ (بَاقِيهِ) : أَيْ الثُّلُثِ فَيَأْخُذُ مِنْ الْمِائَةِ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَثُلُثًا. كَمَا قَالَ: (إنْ زَادَ، وَإِلَّا) يُحَمِّلُهُ الثُّلُثَ (قُوِّمَ فِي مَالِهِ) : أَيْ يَقُومُ عَلَى الرَّقِيقِ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ فِي مَالِهِ (فَإِنْ حَمَلَهُ) عَتَقَ كُلُّهُ. كَمَا لَوْ كَانَ بِيَدِ الرَّقِيقِ مِائَتَانِ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ فَيُعْتِقُ مِنْهُ ثُلُثَهُ - إذْ لَا مَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّيِّدِ الْبَدَوِيِّ. قَوْلُهُ: [وَاجْتَهَدَ مُتَوَلِّي تَفْرِقَةِ الْوَصِيَّةِ فِي الْقِسْمَيْنِ] : أَيْ قِسْمِ غَيْرِ الْمَحْصُورِينَ وَلَا يَلْزَمُ تَعْمِيمُهُمْ وَالْمَحْصُورِينَ وَيَلْزَمُ تَعْمِيمُهُمْ فِي أَصْلِ الْإِعْطَاءِ، وَكَذَلِكَ يَجْتَهِدُ فِيمَا إذَا قَالَ الْمُوصِي أَوْصَيْت لِزَيْدٍ وَلِلْفُقَرَاءِ بِثُلُثِ مَالِي مَثَلًا فَيَجْتَهِدُ فِيمَا يُعْطِيهِ لِزَيْدٍ مِنْ قِلَّةٍ وَكَثْرَةٍ بِحَسَبِ الْقَرَائِنِ وَالْأَحْوَالِ؛ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ هُنَا دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْمُوصِيَ أَعْطَى الْمَعْلُومَ حُكْمَ الْمَجْهُولِ وَأَلْحَقَهُ بِهِ وَأَجْرَاهُ عَلَى حُكْمِهِ حَيْثُ ضَمَّهُ إلَيْهِ وَلَا شَيْءَ لِوَارِثِ زَيْدٍ إنْ مَاتَ زَيْدٌ قَبْلَ التَّفْرِقَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى لِمُعَيَّنَيْنِ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا قَبْلَ الْقِسْمِ فَوَارِثُهُ يَقُومُ مَقَامَهُ. [الْوَصِيَّةُ بِجُزْءِ مِنْ رَقِيق] : قَوْلُهُ: [أَيْ الثُّلُثَ] : أَيْ مِنْ جَمِيعِ مَالِ السَّيِّدِ وَمَالِ الْعَبْدِ الْمُقَدَّرِ أَنَّهُ لِلسَّيِّدِ. قَوْلُهُ: [وَيَخْتَصُّ بِمَالِهِ دُونَ الْوَرَثَةِ] : أَيْ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ. قَوْلُهُ: [فَلَوْ تَرَكَ السَّيِّدُ ثَلَثَمِائَةٍ] إلَخْ: دُخُولٌ عَلَى كَلَامِ الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: [فَيَأْخُذُ مِنْ الْمِائَةِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَثُلُثًا] : الْأَسْهَلُ حَذْفُ قَوْلِهِ مِنْ الْمِائَةِ وَاقْتِصَارٌ عَلَى مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّنَا نَنْسِبُ ثُلُثَ مَالِ السَّيِّدِ لَقِيمَةِ الْعَبْدِ نَجِدُهُ يَزِيدُ عَنْهَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَثُلُثًا فَيَأْخُذُهَا الْعَبْدُ فِي هَذَا الْمِثَالِ. قَوْلُهُ: [أَيْ يَقُومُ عَلَى الرَّقِيقِ بَقِيَّةِ نَفْسِهِ] : أَيْ بَعْدَ عَجْزِ ثُلُثِ السَّيِّدِ عَنْ اسْتِغْرَاقِ الْعَبْدِ بِجَعْلِ الْقَدْرِ الَّذِي يُكَمِّلُ عِتْقَ الْعَبْدِ مِنْ جُمْلَةِ مَالِ السَّيِّدِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ حَمَلَهُ] : أَيْ حَمَلَ مَالَهُ بَاقِيهِ.

[ما يتطلب إجازة الورثة في الوصية]

لِلسَّيِّدِ إلَّا الرَّقِيقَ وَهُوَ بِمِائَةٍ ثُمَّ يَنْظُرُ لِمَا بِيَدِهِ - وَهُوَ الْمِائَتَانِ - فَيُعْتَقُ مِنْهُ ثُلُثَاهُ فِي نَظِيرِ سِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ يَأْخُذُهَا مِنْهُ الْوَارِثُ مِنْ الْمِائَتَيْنِ مَا لَهُ، وَمَا بَقِيَ مِنْ الْمِائَتَيْنِ لِلْعَبْدِ. وَكَذَا لَوْ تَرَكَ السَّيِّدُ مِائَةً وَقِيمَةُ الْعَبْدِ مِائَةٌ وَمَالُهُ الَّذِي بِيَدِهِ مِائَةٌ أَوْ خَمْسُونَ فَيُعْتَقُ مِنْهُ ابْتِدَاءً ثُلُثًا نَظَرًا لِمَالِ السَّيِّدِ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ - وَهُوَ مِائَتَانِ - إذْ هُمَا مَالُ السَّيِّدِ ثُمَّ يُعْتَقُ مِنْهُ ثُلُثُهُ الْبَاقِيَ مِنْ مَالِهِ الَّذِي بِيَدِهِ - وَهُوَ الْمِائَةُ أَوْ الْخَمْسُونَ - فِي نَظِيرِ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ يَأْخُذُهَا مِنْ الْوَارِثِ وَمَا بَقِيَ لِلرَّقِيقِ، فَلَيْسَ مَعْنَى قُوِّمَ فِي مَالِهِ جُعِلَ مَالُهُ مِنْ جُمْلَةِ مَالِ السَّيِّدِ حَتَّى يُعْتَقَ الْعَبْدُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ مَالِهِ كَمَا فِي الشُّرَّاحِ. هَذَا هُوَ التَّحْرِيرُ، وَإِلَّا يُحَمِّلُهُ الثُّلُثَ - كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ غَيْرُ الْعَبْدِ وَلَا مَالَ لِلْعَبْدِ - عَتَقَ ثُلُثُهُ، كَمَا قَالَ: (وَإِلَّا خَرَجَ مِنْهُ مَحْمِلُهُ) . وَإِذَا أَوْصَى شَخْصٌ لِوَارِثٍ أَوْ بِزَائِدٍ عَنْ الثُّلُثِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ، فَلِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ أَوْ الْوُرَّاثِ الْإِجَازَةُ وَالرَّدُّ. فَإِنْ أَجَازَ حَالَ مَرَضِ الْمُوصِي لَزِمَتْهُ الْإِجَازَةُ فَلَا رَدَّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ الْمُوصِي صِحَّةً بَيِّنَةً وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُجِيزِ عُذْرٌ بِجَهْلٍ، كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَزِمَ إجَازَةُ الْوَارِثِ) : أَيْ كَمَا إذَا أَوْصَى بِزَائِدٍ عَنْ الثُّلُثِ، أَوْ أَجَازَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فِي نَظِيرِ سِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ] : أَيْ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَجْعَلُ مَالًا لِلسَّيِّدِ. قَوْلُهُ: [مَالَهُ] : بَدَلٌ مِنْ الْمِائَتَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَمَا بَقِيَ مِنْ الْمِائَتَيْنِ لِلْعَبْدِ] : أَيْ وَهُوَ مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ. قَوْلُهُ: [وَمَا بَقِيَ لِلرَّقِيقِ] : أَيْ وَهُوَ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ فِي الْأُولَى وَسِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ فِي الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: [كَمَا فِي الشُّرَّاحِ] مِثَالٌ لِلْمَنْفِيِّ. قَوْلُهُ: [هَذَا هُوَ التَّحْرِيرُ] : أَيْ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى نَصُّ ابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا خَرَجَ مِنْهُ مَحْمِلُهُ] : أَيْ مَحْمِلُ ثُلُثِ السَّيِّدِ وَهُوَ ثُلُثُ الْعَبْدِ فِي الْمِثَالِ. [مَا يَتَطَلَّب إجَازَة الْوَرَثَة فِي الْوَصِيَّة] قَوْلُهُ: [وَلَزِمَ إجَازَةُ الْوَارِثِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْإِجَازَةُ بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ: أَوَّلُهَا كَوْنُ الْإِجَازَةِ بِمَرَضِ الْمُوصِي الْمَخُوفِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ فِيهِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ. ثَانِيهَا أَنْ لَا يَصِحَّ الْمُوصِي بَعْدَ ذَلِكَ. ثَالِثُهَا أَنْ لَا يَكُونَ مَعْذُورًا بِكَوْنِهِ فِي نَفَقَةِ

بَعْضُ الْوَرَثَةِ - إنْ أَوْصَى لِبَعْضِهِمْ - حَيْثُ كَانَتْ إجَازَةُ الْمُجِيزِ (بِمَرَضٍ) مَخُوفٍ قَائِمٍ بِالْمُوصِي، سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ، بِشَرْطِ أَنَّ الْمُوصِيَ (لَمْ يَصِحَّ) صِحَّةً بَيِّنَةً (بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ الْمَرَضِ الَّذِي أَجَازَ فِيهِ الْوَارِثُ. فَإِنْ صَحَّ ثُمَّ مَرِضَ فَمَاتَ لَمْ يَلْزَمْ الْوَارِثُ إجَازَتَهُ الْوَاقِعَةَ مِنْهُ سَابِقًا بَلْ الرَّدُّ. وَأَشَارَ لِشَرْطٍ آخَرَ فِي لُزُومِ الْإِجَازَةِ بِقَوْلِهِ: (إلَّا لِتَبَيُّنِ عُذْرٍ) فِي إجَازَةِ الْوَارِثِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ فَلَا يَلْزَمُهُ بَلْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ كَكَوْنِ الْمُجِيزِ فِي نَفَقَةِ الْمُوصِي أَوْ خَوْفِهِ مِنْ الْمُوصَى لَهُ. (وَمِنْهُ) : أَيْ الْعُذْرِ (الْجَهْلُ) بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِجَازَةُ فِي الْمَرَضِ (إنْ كَانَ مِثْلُهُ يَجْهَلُ) أَنَّ لَهُ رَدُّ الزَّائِدِ أَوْ رَدُّ مَا أَوْصَى بِهِ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِجَازَةُ. (وَ) إنْ (حَلَفَ) بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ: إنِّي لَا أَعْلَمُ حِينَ الْإِجَازَةِ أَنَّ لِي الرَّدَّ، أَيْ اعْتَقَدَ أَنَّ لَهُ التَّصَرُّفَ لِمَنْ شَاءَ وَبِمَا شَاءَ. فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا أَجَازَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُوصِي أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَهُ أَوْ خَائِفٌ مِنْ سَطْوَتِهِ. رَابِعُهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمُجِيزُ مِمَّنْ يَجْهَلُ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ وَالْإِجَازَةَ. خَامِسُهَا أَنْ يَكُونَ الْمُجِيزُ رَشِيدًا، إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْوَارِثُ أَنْ يُجِيزَ وَإِنَّمَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا أَجَازَ وَصِيَّةَ مُورِثِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ فِيمَا لَهُ فِيهِ الرَّدُّ بَعْدَهُ لَزِمَتْهُ تِلْكَ الْإِجَازَةُ بِتِلْكَ الشُّرُوطِ سَوَاءٌ تَبَرَّعَ بِالْإِجَازَةِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ طَلَبَهَا مِنْهُ الْمُوصِي كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ الرَّدُّ مُتَمَسِّكًا بِأَنَّهُ مِنْ إسْقَاطِ الشَّيْءِ قَبْلَ وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ وُجِدَ سَبَبُ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْمَرَضُ. قَوْلُهُ: [وَأَشَارَ لِشَرْطٍ آخَرَ] : هَذَا هُوَ ثَالِثُ الشُّرُوطِ. قَوْلُهُ: [كَكَوْنِ الْمُجِيزِ فِي نَفَقَةِ الْمُوصِي] : مِثَالٌ لِلْعُذْرِ. قَوْلُهُ: [أَوْ خَوْفِهِ مِنْ الْمُوصَى لَهُ] : أَيْ لِكَوْنِهِ ذَا سَطْوَةٍ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: [الْجَهْلُ] : غَيْرُ الْمُصَنِّفِ جَعَلَهُ شَرْطًا آخَرَ وَكُلٌّ صَحِيحٌ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ] : شَرْطٌ فِي قَبُولِ الْعُذْرِ بِالْجَهْلِ فَهُوَ شَرْطٌ فِي الشَّرْطِ. قَوْلُهُ: [أَيْ اعْتَقَدَ] : أَيْ مَنْ أَجَازَ. وَقَوْلُهُ: [أَنَّ لَهُ التَّصَرُّفَ] : أَيْ الْمُوصِي.

كَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَأَجَازَ بِالشُّرُوطِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَمِينٌ. (وَإِنْ أَوْصَى) لِشَخْصٍ (بِنَصِيبِ ابْنِهِ) : بِأَنْ قَالَ: أَوْصَيْت لِزَيْدٍ بِنَصِيبِ ابْنِي أَوْ بِمِثْلِهِ بِأَنْ قَالَ: أَوْصَيْت لِزَيْدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِي، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا ابْنٌ فَيَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ جَمِيعَ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْمُوصِي إنْ أَجَازَ الِابْنُ الْوَصِيَّةَ، وَإِلَّا فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ التَّرِكَةِ فَقَطْ فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ وَمَعَهُ ابْنَانِ فَيَأْخُذُ نِصْفَ التَّرِكَةِ إنْ أَجَازَ وَإِلَّا فَالثُّلُثُ وَلَا كَلَامَ لَهُمْ وَإِنْ زَادُوا فَلَهُ قَدْرُ نَصِيبِ وَاحِدٍ وَلَا كَلَامَ لَهُمْ فَإِنْ كَانَ مَعَ الِابْنِ ذُو فَرْضٍ: فَلِلْمُوصَى لَهُ جَمِيعُ التِّرْكَةِ بَعْدَ ذَوِي الْفَرْضِ إنْ أَجَازَ إلَى آخِرِ مَا عَلِمْته. وَقَدْ أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (فَبِجَمِيعِ نَصِيبِهِ) فَإِنْ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ: اجْعَلُوا فُلَانًا مَنْزِلَةَ ابْنِي أَوْ أَلْحِقُوهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَجَازَ بِالشُّرُوطِ] أَيْ مَا عَدَا عَدَمَ الْجَهْلِ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْضُوعُ. قَوْلُهُ: [أَوْ بِمِثْلِهِ] : اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ مِثْلِ وَنَصِيبٍ فَظَاهِرٌ أَنَّ لَهُ الْجَمِيعُ بِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا إنْ حَذَفَ مِثْلَ وَاقْتَصَرَ عَلَى نَصِيبٍ فَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ أَنَّهُ كَذَلِكَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ يَجْعَلُ الْمُوصَى لَهُ زَائِدًا وَتَكُونُ التَّرِكَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِابْنِ نِصْفَيْنِ اتِّفَاقًا أَفَادَهُ (بْن) . قَوْلُهُ: [فَيَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ جَمِيعَ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ] : أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الِابْنُ مَوْجُودًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْت لَهُ بِنَصِيبِ ابْنِي وَلَا ابْنَ لَهُ فَتَبْطُلُ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا أَوْ يَحْدُثَ لَهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَقَبْلَ الْمَوْتِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَلَدُ مُعَيَّنًا، وَأَمَّا لَوْ قَالَ أَوْصَيْت لَهُ بِنَصِيبِ أَحَدِ أَوْلَادِي وَكَانَ لَهُ وَرَثَةٌ يَخْتَلِفُ إرْثُهُمْ فَسَيَذْكُرُهُ فِي فَبِجُزْءٍ مِنْ عَدَدِ رُءُوسِهِمْ وَأَنْ لَا يَقُومَ بِذَلِكَ الْوَلَدِ مَانِعٌ كَكَوْنِهِ رَقِيقًا أَوْ كَافِرًا فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَوْصَيْت لَهُ بِنَصِيبِ ابْنِي لَوْ كَانَ يَرِثُ فَيُعْطَى نَصِيبَهُ حِينَئِذٍ وَتَتَوَقَّفُ الْوَصِيَّةُ عَلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ فَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ. قَوْلُهُ: [إلَى آخِرِ مَا عَلِمْته] : أَيْ فِي السَّوَادَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ مَاتَ الْمُوصِي لِزَيْدٍ بِنَصِيبِ ابْنِهِ وَتَرَكَ صَاحِبَ فَرْضٍ كَزَوْجَةٍ مَثَلًا، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ ابْنٌ وَأَجَازَ كَانَتْ السَّبْعَةُ الْأَثْمَانِ لِلْمُوصَى لَهُ وَإِنْ لَمْ يُجِزْ أَحَدٌ ثُلُثَ التَّرِكَةِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ ابْنَانِ كَانَ لَهُ نِصْفُ مَا بَقِيَ بَعْدَ الْفَرْضِ إنْ أَجَازَ وَإِلَّا فَلَهُ ثُلُثُ التَّرِكَةِ فَإِنْ زَادُوا كَانَ لَهُ مِثْلُ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ أَجَازُوا أَوْ لَا.

بِهِ، أَوْ: أَنْزِلُوهُ مَنْزِلَتَهُ، أَوْ: اجْعَلُوهُ وَارِثًا مَعَهُ، أَوْ: مِنْ عِدَادِ وَلَدِي؛ فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ يُقَدَّرُ زَائِدًا عَلَى ذُرِّيَّتِهِ فَتَكُونُ التَّرِكَةُ نِصْفَيْنِ إنْ كَانَ لَهُ ابْنٌ وَاحِدٌ وَأَجَازَ، وَإِلَّا فَالثُّلُثُ لِلْمُوصَى لَهُ. فَإِنْ كَانَ لِلْمُوصِي ابْنَانِ فَلِلْمُوصَى لَهُ الثُّلُثُ أَجَازَ أَمْ لَا. وَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَهُوَ كَرَابِعٍ وَهَكَذَا فَلَوْ كَانَ مَعَ الذُّكُورِ إنَاثٌ فَهُوَ كَذَكَرٍ. فَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِأُنْثَى لَكَانَ لَهَا مِثْلُ أُنْثَى مِنْ بَنَاتِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَقُدِّرَ زَائِدًا فِي: اجْعَلُوهُ أَوْ أَلْحِقُوهُ أَوْ: نَزِّلُوهُ مَنْزِلَتَهُ) فَإِنْ قَالَ الْمُوصِي: أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِضِعْفِ نَصِيبِ وَلَدِي، وَأَجَازَ الْوَلَدُ، فَهَلْ يُعْطَى نَصِيبُ ابْنِهِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَإِذَا كَانَ الْوَلَدُ ابْنًا وَابْنَتَيْنِ أَوْ كَانَا ابْنَيْنِ وَأَجَازَا فَيَكُونُ لَهُ نِصْفُ التَّرِكَةِ أَوْ جَمِيعُهَا؟ قَوْلَانِ؛ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ ضِعْفُ الشَّيْءِ: قَدْرُهُ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَقِيلَ: ضِعْفُ الشَّيْءِ مَا سَاوَاهُ فَثَمَرَةُ الْخِلَافِ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْوَلَدِ كَمَا مَثَّلْنَا أَمَّا مَعَ ابْنٍ وَاحِدٍ فَلِلْمُوصَى لَهُ جَمِيعُ التَّرِكَةِ إنْ أَجَازَ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ، كَمَا قَالَ: (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ ضَعْفَهُ مِثْلَاهُ، وَ) إنْ أَوْصَى لِشَخْصٍ (بِ) مِثْلِ (نَصِيبِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ) فَيُحَاسِبُهُمْ الْمُوصَى لَهُ (فَبِجُزْءٍ مِنْ عَدَدِ رُءُوسِهِمْ) : أَيْ يُقَسَّمُ الْمَالُ عَلَى الْوَرَثَةِ وَعَلَى الْمُوصَى لَهُ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى، ثُمَّ بَعْدَ أَخْذِهِ مَا نَابَهُ يُقَسَّمُ الْبَاقِي عَلَى الْوَرَثَةِ عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [يُقَدَّرُ زَائِدًا عَلَى ذُرِّيَّتِهِ] : أَيْ فَإِنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ ذَكَرًا قُدِّرَ زَائِدًا عَلَى الْأَوْلَادِ الذُّكُورِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى قُدِّرَ زَائِدًا عَلَى الْأَوْلَادِ الْإِنَاثِ فَإِنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ خُنْثَى مُشَكَّلًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْطَى نِصْفُ نَصِيبِي ذَكَرٍ وَأُنْثَى كَمَا نَقَلَهُ سَيِّدِي عَبْدُ اللَّهِ الْمَغْرِبِيُّ عَنْ شَيْخِهِ مُحَمَّدٍ الزَّرْقَانِيِّ. قَوْلُهُ: [قِيلَ ضَعْفُ الشَّيْءِ] إلَخْ: قَائِلُهُ شَيْخُ ابْنُ الْقَصَّارِ. قَوْلُهُ: [فَبِجُزْءٍ] : الْمُنَاسِبُ إدْخَالُ هَذِهِ الْفَاءِ عَلَى قَوْلِهِ يُحَاسِبُهُمْ وَيُسْتَغْنَى عَنْ الْفَاءِ الْأُولَى. قَوْلُهُ: [الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى] : أَيْ فَإِنْ كَانَ عَدَدُ رُءُوسِ وَرَثَتِهِ ثَلَاثَةٌ فَلَهُ الثُّلُثُ أَوْ أَرْبَعَةٌ فَلَهُ الرُّبْعُ أَوْ خَمْسَةٌ فَلَهُ الْخَمْسُ، وَهَكَذَا وَلَا نَظَرَ لِمَا يَسْتَحِقُّهُ كُلُّ وَارِثٍ بَلْ يَجْعَلُ الذَّكَرَ رَأْسًا وَالْأُنْثَى كَذَلِكَ.

[أوصى لشخص بجزء من ماله]

(وَ) إنْ أَوْصَى لِشَخْصٍ (بِجُزْءٍ) مِنْ مَالِهِ، كَقَوْلِهِ: أَوْصَيْت لِزَيْدٍ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِي (أَوْ) قَالَ: أَوْصَيْت لَهُ (بِسَهْمٍ) مِنْ مَالِي (فَبِسَهْمٍ) يُحَاسَبُ بِهِ وَيَأْخُذُهُ (مِنْ فَرِيضَتِهِ) إنْ لَمْ تَكُنْ عَائِلَةً، كَقَوْلِ امْرَأَةٍ: أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِي، وَمَاتَتْ عَنْ زَوْجٍ وَأُمٍّ، فَيَأْخُذُ وَاحِدًا مِنْ سِتَّةٍ ثُمَّ يُقَسَّمُ الْبَاقِي عَلَى الْوَرَثَةِ. أَوْ كَانَتْ عَائِلَةً فَيَأْخُذُ سَهْمًا مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ حَيْثُ عَالَتْ الْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ؛ لِأَنَّ الْعَوْلَ مِنْ جُمْلَةِ التَّأْصِيلِ. فَالْوَصِيَّةُ تُقَدَّمُ عَلَى الْإِرْثِ ثُمَّ يُقَسَّمُ عَلَى الْوَرَثَةِ الْبَاقِي، فَالضَّرَرُ يَدْخُلُ عَنْ الْجَمِيعِ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ فَرِيضَةٌ - بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ - فَهَلْ لَهُ سَهْمٌ مِنْ سِتَّةٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، أَوْ مِنْ ثَمَانِيَةٍ؟ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [أَوْصَى لِشَخْصٍ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ] قَوْلُهُ: [مِنْ فَرِيضَتِهِ] : أَيْ مِنْ أَصْلِ فَرِيضَتِهِ. قَوْلُهُ: [فَيَأْخُذُ وَاحِدًا مِنْ سِتَّةٍ] : أَيْ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ فِي الْمِثَالِ لَهُ النِّصْفُ مَخْرَجُهُ اثْنَانِ وَالْأُمُّ لَهَا الثُّلُثُ مَخْرَجُهُ ثَلَاثَةٌ وَبَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ فَيُضْرَبُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ بِسِتَّةٍ يُعْطِي الْمُوصَى لَهُ وَاحِدًا تَبْقَى خَمْسَةٌ لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ وَهِيَ نِصْفُ التَّرِكَةِ وَلِلْأُمِّ اثْنَانِ هُمَا ثُلُثُهَا. قَوْلُهُ: [حَيْثُ عَالَتْ الْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ] : أَيْ وَذَلِكَ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَتُسَمَّى بِالْمِنْبَرِيَّةِ كَمَا يَأْتِي وَهِيَ مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ زَوْجَةً وَأَبَوَيْنِ وَبِنْتَيْنِ فَأَصْلُهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ؛ لِأَنَّ فِيهَا ثُمُنًا وَسُدُسًا أَوْ ثُلُثًا فَلِلْبِنْتَيْنِ سِتَّةُ عَشَرَ وَلِلْأَبَوَيْنِ ثُمُنًا فَفُضِّلَتْ الزَّوْجَةُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ فَيُعَالُ لَهَا بِمِثْلِ ثَمَنِهَا فَيَصِيرُ ثَمَنُ الْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ تِسْعًا لِكَوْنِهِ ثَلَاثَةً مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَسَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ فَيُعْطَى الْمُوصَى لَهُ وَاحِدًا مِنْ السَّبْعَةِ وَالْعِشْرِينَ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [فَالضَّرَرُ يَدْخُلُ عَلَى الْجَمِيعِ] : أَيْ فَهَذَا الْوَاحِدُ الَّذِي أَخَذَهُ الْمُوصَى لَهُ نِسْبَتُهُ لِلْمَسْأَلَةِ عَائِلَةٌ ثُلُثَ تُسْعٍ فَيَنْقُصُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ سِهَامِهِ عَائِلَةً ثُلُثَ تِسْعَةٍ فَلْيُفْهَمْ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ] : أَيْ أَصْلًا لَا بِالْفَرْضِ وَلَا بِالتَّعْصِيبِ. قَوْلُهُ: [فَهَلْ لَهُ سَهْمٌ مِنْ سِتَّةٍ] : أَيْ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ يَخْرُجُ مِنْهُ الْفَرَائِضُ الْمُقَدَّرَةُ لِأَهْلِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ السِّتَّةَ مَخْرَجٌ لِلسُّدُسِ وَهُوَ أَقَلُّ سَهْمٍ مَفْرُوضٍ لِأَهْلِ النَّسَبِ. قَوْلُهُ: [أَوْ مِنْ ثَمَانِيَةٍ] ؛ لِأَنَّهُ مَخْرَجُ أَقَلِّ السِّهَامِ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ وَاسْتَقَرَّ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَفَادَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ.

(وَهِيَ) أَيْ الْوَصِيَّةُ الصَّادِرَةُ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ (وَمُدَبَّرٌ) إنْ كَانَ التَّدْبِيرُ (بِمَرَضٍ) مَاتَ مِنْهُ كِلَاهُمَا (فِيمَا عَلِمَ) مِنْ الْمَالِ: أَيْ عَلِمَهُ الْمُوصِي وَالسَّيِّدُ وَلَوْ كَانَ الْعِلْمُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَالتَّدْبِيرِ. أَمَّا مُدَبَّرُ الصِّحَّةِ فَيَكُونُ حَتَّى فِي الْمَجْهُولِ، وَلَوْ تَجَدَّدَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى مَاتَ؛ لِأَنَّ قَصْدَ السَّيِّدِ عِتْقَهُ مِنْ مَالِهِ الَّذِي يَمُوتُ عَنْهُ وَالْمَرِيضُ يَتَوَقَّعُ الْمَوْتَ فَلَا يَقْصِدُ إلَّا عِتْقَهُ مِمَّا عُلِمَ. فَإِنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ صِحَّةً بَيِّنَةً ثُمَّ مَاتَ كَانَ كَمُدَبَّرِ الصِّحَّةِ. وَإِنَّمَا لَمْ تَدْخُلْ وَصِيَّةُ الصِّحَّةِ فِي الْمَجْهُولِ بِخِلَافِ مُدَبَّرِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ بِخِلَافِهِ. (لَا) تَدْخُلُ الْوَصِيَّةُ (فِيمَا أَقَرَّ بِهِ) فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ (فَبَطَلَ) لِكَوْنِهِ لِصَدِيقٍ مُلَاطِفٍ أَوْ لِزَوْجٍ بِمَرَضٍ أَوْ أَقَرَّ سَفِيهٌ بِدَيْنٍ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ فَكَلَامُهُ أَعَمُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فِيمَا عُلِمَ مِنْ الْمَالِ] : أَيْ فِي ثُلُثِ مَا عَلِمَهُ الْمُوصِي وَالْمُدَبَّرُ فَإِنْ تَنَازَعَ الْوَرَثَةُ وَالْمُوصَى لَهُ فِي الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ فَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ بِيَمِينٍ فَإِنْ نَكَلُوا فَلِلْمُوصَى لَهُ بِيَمِينٍ وَانْظُرْ لَوْ نَكَلَ أَفَادَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [أَمَّا مُدَبَّرُ الصِّحَّةِ] : إلَخْ: مِثْلُهُ صَدَاقُ الْمَرِيضِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ] : أَيْ الَّذِي دَبَّرَ فِيهِ الْعَبْدَ. قَوْلُهُ: [كَانَ كَمُدَبَّرِ الصِّحَّةِ] : أَيْ فَيَكُونُ فِي الْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ. تَنْبِيهٌ: تَدْخُلُ الْوَصِيَّةُ الْمُقَدَّمَةُ عَلَى التَّدْبِيرِ فِي الْمُدَبَّرِ فَيُبَاعُ لِأَجْلِهَا عِنْدَ الضِّيقِ وَسَوَاءٌ دَبَّرَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ فَمَنْ أَوْصَى بِفَكِّ أَسِيرٍ وَكَانَ فَكُّهُ يَزِيدُ عَلَى ثُلُثِ الْمَيِّتِ الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ مِائَةٌ وَفَكُّ الْأَسِيرِ مِائَةٌ فَيَبْطُلُ التَّدْبِيرُ، وَتَدْخُلُ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا فِي الْعُمْرَى الرَّاجِعَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ بِسِنِينَ، وَكَذَا تَدْخُلُ فِي الْحَبْسِ الرَّاجِعِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَفَادَهُ فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [لَا تَدْخُلُ الْوَصِيَّةُ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ] إلَخْ: أَيْ وَإِذَا لَمْ تَدْخُلْ الْوَصِيَّةُ فِي ذَلِكَ بَطَلَتْ وَرَجَعَ مِيرَاثًا. قَوْلُهُ: [فَكَلَامُهُ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ] إلَخْ: أَيْ لِإِفَادَتِهِ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْإِقْرَارِ الَّذِي فِيهِ تُهْمَةٌ. قَوْلُهُ: [وَمَالِ بِضَاعَةٍ] : أَيْ أَوْ قِرَاضٍ يُرْسِلُهُمَا وَيَشْتَهِرُ تَلَفُهُمَا قَبْلَ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ تَظْهَرُ السَّلَامَةُ.

[كتابة الوصية والإشهاد عليها]

مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ أَقَرَّ بِهِ فِي مَرَضِهِ. (أَوْ أَوْصَى بِهِ لِوَارِثٍ) : وَلَمْ يُجِزْهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ، فَلَا تَدْخُلُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ حَيْثُ مَاتَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ بَطَلَ، وَلَا عَلِمَ بِرَدِّ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ. فَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ مَوْتِهِ دَخَلَتْ فِيهِ. (وَالْأَظْهَرُ) : مِنْ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي الْأَصْلِ (الدُّخُولُ) : أَيْ دُخُولُ الْوَصِيَّةِ (فِيمَا) : أَيْ فِي الشَّيْءِ الَّذِي (شُهِرَ) عِنْدَ النَّاسِ (تَلَفُهُ) مِنْ مَالِ الْوَصِيِّ (فَظَهَرَتْ السَّلَامَةُ؛ كَالْآبِقِ) وَالسَّفِينَةِ وَمَالِ بِضَاعَةٍ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ: " وَفِي سَفِينَةٍ أَوْ عَبْدٍ قَوْلَانِ ". (وَنُدِبَ كِتَابَتُهَا) : أَيْ الْوَصِيَّةُ. (وَ) نُدِبَ (بَدْءٌ بِتَسْمِيَةٍ وَثَنَاءٍ) عَلَى اللَّهِ كَالْحَمْدِ (وَتَشَهُّدٍ) بِكِتَابَةِ ذَلِكَ أَوْ نَطَقَ بِهِ إنْ لَمْ يَكْتُبْ. (وَأَشْهَدَ) الْمُوصِي عَلَى وَصِيَّتِهِ لِأَجْلِ صِحَّتِهَا وَنُفُوذِهَا. وَحَيْثُ أَشْهَدَ فَيَجُوزُ لِلشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى مَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ وَصِيَّتُهُ؛ كَمَا قَالَ: (وَلَهُمْ الشَّهَادَةُ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهَا) عَلَيْهِمْ (وَلَمْ يَفْتَحْ الْكِتَابَ) الَّذِي فِيهِ الْوَصِيَّةُ. (وَتَنْفُذُ) الْوَصِيَّةُ حَيْثُ أَشْهَدَ، بِقَوْلِهِ لَهُمْ: اشْهَدُوا بِمَا فِي هَذِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا مَحْوٌ (وَلَوْ كَانَتْ) الْوَصِيَّةُ (عِنْدَهُ) : أَيْ الْكِتَابِ الَّذِي هِيَ فِيهِ عِنْدَ الْمُوصِي لَمْ يُخْرِجْهُ حَتَّى مَاتَ. (وَلَوْ ثَبَتَ) عِنْدَ الْحَاكِمِ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ (إنَّ عَقْدَهَا خَطَّهُ) : أَيْ الْمُوصِي؛ أَيْ ثَبَتَ أَنَّ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْوَرَقَةُ بِخَطِّهِ (أَوْ قَرَأَهَا) عَلَى الشُّهُودِ (وَلَمْ يُشْهِدْ) فِي الصُّورَتَيْنِ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ: اشْهَدُوا عَلَى وَصِيَّتِي (أَوْ) لَمْ (يَقُلْ: نَفِّذُوهَا، لَمْ تُنَفَّذْ) بَعْدَ مَوْتِهِ: لِاحْتِمَالِ رُجُوعِهِ عَنْهَا. وَلَوْ وُجِدَ فِيهَا بِخَطِّهِ أَنْفَذُوهَا فَلَا يُفِيدُ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: اشْهَدُوا أَوْ قَالَ أَنْفِذُوهَا نَفَذَتْ. - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ] إلَخْ: هُوَ خَلِيلٌ وَعِبَارَتُهُ وَفِي سَفِينَةٍ أَوْ عَبْدٍ شُهِرَ تَلَفُهُمَا ثُمَّ ظَهَرَتْ السَّلَامَةُ قَوْلَانِ (اهـ) فَالشَّارِحُ اخْتَصَرَهَا. [كِتَابَة الْوَصِيَّةُ وَالْإِشْهَاد عَلَيْهَا] قَوْلُهُ: [وَتَشَهُّدٍ] : أَيْ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَبْدَأَهَا بِالشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدِ لِلَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(وَإِنْ قَالَ) الْمُوصِي: (كَتَبْتهَا) أَيْ الْوَصِيَّةُ وَوَضَعْتهَا (عِنْدَ فُلَانٍ) فَصَدَّقُوهُ إلَخْ، فَإِنَّ فُلَانًا يُصَدَّقُ فِي أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ بِمَا فِيهِ هُوَ وَصِيَّةُ الْمَيِّتِ. ثُمَّ إنْ كَانَ بِخَطِّ الْمَيِّتِ فَيُقْبَلُ مَا فِيهِ وَلَوْ كَانَ الْمَكْتُوبُ فِيهِ: أَنَّهُ لِفُلَانٍ ابْنِ مَنْ عِنْدَهُ الْوَصِيَّةُ. وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ خَطِّهِ وَوُجِدَ فِيهِ أَنَّ أَكْثَرَ الثُّلُثِ لِابْنِ فُلَانٍ أَوْ صَدِيقِهِ مِمَّنْ يُتَّهَمُ فِيهِ لَا يُصَدَّقُ. أَمَّا بِقَلِيلٍ مِنْ الثُّلُثِ فَيُصَدَّقُ. (أَوْ) قَالَ الْمُوصِي (أَوْصَيْته) : أَيْ فُلَانًا (بِثُلُثِي) : أَيْ بِتَفْرِقَتِهِ، (فَصَدَّقُوهُ) فَقَالَ فُلَانٌ: هَذِهِ وَصِيَّتُهُ الَّتِي عِنْدِي إلَى آخِرِ مَا عَلِمْت، أَوْ قَالَ: هُوَ أَمَرَنِي أَنْ أُفَرِّقَهُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ أَوْ عَلَى جَمَاعَةِ كَذَا (صُدِّقَ) فِي قَوْلِهِ (إنْ لَمْ يَقُلْ) إنَّهُ أَمَرَنِي أَنْ أَدْفَعَ الثُّلُثَ أَوْ أَكْثَرَهُ (لِابْنِي) أَوْ نَحْوِهِ مِمَّنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ كَصَدِيقِهِ أَوْ أَخِيهِ الْمُلَاطِفِ. (وَ) إنْ قَالَ الْمُوصِي لِجَمَاعَةٍ: اشْهَدُوا عَلَى أَنَّ فُلَانًا (وَصِيِّي فَقَطْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَصَدَّقُوهُ] إلَخْ: الْأَوْلَى حَذْفُهُ مِنْ هُنَا وَيَكْتَفِي فِي الْحِلِّ بِمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [ابْنِ مَنْ عِنْدَهُ الْوَصِيَّةُ] : صِفَةٌ لِفُلَانٍ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَقُلْ لِابْنِي لَا يَرْجِعُ لِهَذِهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الَّذِي لِابْنِهِ أَكْثَرَ الْوَصِيَّةِ أَوْ كُلَّهَا. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ خَطِّهِ] : أَيْ وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَتَبْتهَا عِنْدَ فُلَانٍ أَمَرْته بِكِتَابَتِهَا. قَوْلُهُ: [وَوُجِدَ فِيهِ أَنَّ أَكْثَرَ الثُّلُثِ لِابْنِ فُلَانٍ] : تَرْكِيبٌ فِيهِ ثِقَلٌ فِي الْمَعْنَى وَاللَّفْظِ وَالْأَوْضَحُ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَكْتُوبُ لِابْنِهِ فِيهَا كَثِيرًا فِي نَفْسِهِ كَانَ أَكْثَرُ الثُّلُثِ أَوْ أَقَلُّهُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [إلَى آخَرِ مَا عَلِمْت] : أَيْ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابَةِ فَهُوَ تَفْرِيعٌ مِنْ الشَّارِحِ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: [أَوْ قَالَ هُوَ أَمَرَنِي] إلَخْ: مُفَرَّعٌ عَلَى الثَّانِيَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا كِتَابَةٌ أَصْلًا وَبِالْجُمْلَةِ فَتَضَرَّعَ إلَى اللَّهِ فِي تَعْقِيدِهَا هَذَا الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [أَوْ أَكْثَرَهُ] : لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى كَوْنِ الْمُسَمَّى لِابْنِهِ كَثِيرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرُ الثُّلُثِ كَمَا تَقَدَّمَ.

[الوصي المعين]

وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يُقَيَّدْ بِشَيْءٍ فَلَفْظُهُ مُطْلَقٌ (يَعُمُّ) كُلَّ شَيْءٍ فَيَكُونُ فُلَانٌ وَصِيَّهُ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ؛ فَيُزَوِّجُ الصِّغَارَ بِشُرُوطِهِنَّ وَالْكِبَارَ بِإِذْنِهِنَّ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْإِجْبَارِ إلَخْ فَيَجْرِي مَا هُنَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ مِنْ الْإِجْبَارِ وَعَدَمِهِ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: " يَعُمُّ " أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُوصِي وَصِيًّا عَلَى أَيْتَامٍ يَكُونُ فُلَانٌ وَصِيًّا عَلَيْهِمْ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقِيلَ لَا يَدْخُلُونَ إلَّا بِنَصٍّ مِنْهُ. (وَ) إنْ قَالَ (فُلَانٌ وَصِيِّ) (عَلَى كَذَا) لِشَيْءٍ عَيَّنَهُ (خُصَّ بِهِ) فَلَا يَتَعَدَّاهُ لِغَيْرِهِ فَإِنْ تَعَدَّاهُ لَمْ يَنْفَدْ. (كَ) قَوْلِهِ: زَيْدٌ وَصِيِّ (حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ) كَعَمْرٍو، فَإِنَّ زَيْدًا يَكُونُ وَصِيَّهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَقْدَمَ عَمْرٌو فَيَنْعَزِلَ زَيْدٌ بِمُجَرَّدِ قُدُومِ عَمْرٍو. فَإِنْ مَاتَ عَمْرٌو فِي السَّفَرِ اسْتَمَرَّ زَيْدٌ وَصِيًّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْوَصِيّ المعين] قَوْلُهُ: [فَلَمْ يُقَيِّدْ بِشَيْءٍ] : مُفَرَّعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ. وَلَوْ قَالَ فِي الْحِلِّ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ أَيْ لَمْ يُقَيِّدْ بِشَيْءٍ كَمَا قَالَ فِي الْأَصْلِ لَكَانَ أَظْهَرَ وَأَسْهَلَ. وَاعْلَمْ أَنَّ طَرِيقَةَ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْوَكَالَةَ كَالْوَصِيَّةِ فَإِذَا قَالَ: فُلَانٌ وَكِيلِي فَإِنَّهُ يَعُمُّ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَهَذَا هُوَ قَوْلُهُمْ فِي الْوَكَالَةِ إذَا قَصُرَتْ طَالَتْ وَإِذَا طَالَتْ قَصُرَتْ، وَطَرِيقَةُ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ شَاسٍ الْإِطْلَاقُ فِي الْوَكَالَةِ مُبْطِلٌ حَتَّى يَعُمَّ أَوْ يَخُصَّ وَكَأَنَّهُمْ لَاحَظُوا أَنَّ الْمُوَكِّلَ حَيٌّ يُمْكِنُهُ الِاسْتِدْرَاكُ بِخِلَافِ الْمُوصِي أَفَادَهُ (بْن) . فَرْعٌ: لَوْ قَالَ فُلَانٌ وَصِيِّي فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مَيِّتٌ وَلَهُ وَصِيٌّ فَإِنْ عَلِمَ بِمَوْتِهِ كَانَ وَصِيُّهُ وَصِيًّا وَإِلَّا فَلَا، وَبَطَلَتْ كَمَا تَبْطُلُ إنْ عَلِمَ بِمَوْتِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ أَفَادَهُ الْأُجْهُورِيُّ. قَوْلُهُ: [بِشُرُوطِهِنَّ] : الْمُرَادُ بِالشُّرُوطِ الْجِنْسُ؛ لِأَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ مِنْ الشُّرُوطِ إنَّمَا هُوَ خَوْفُ الْفَسَادِ عَلَيْهَا فِي مَالِهَا أَوْ حَالِهَا. قَوْلُهُ: [فَيَجْرِي مَا هُنَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ] : إلَخْ: قَالَ الْمَتْنُ فَمَا تَقَدَّمَ فَوَصِيُّهُ إنْ عَيَّنَ لَهُ الزَّوْجُ أَوْ أَمَرَهُ بِهِ أَوْ بِالنِّكَاحِ كَأَنْتَ وَصِيِّي عَلَيْهَا عَلَى الْأَرْجَحِ. قَالَ هُنَاكَ شُرَّاحُ خَلِيلٍ: وَالرَّاجِحُ الْجُبْرَانُ ذَكَرَ الْبِضْعَ أَوْ النِّكَاحَ أَوْ التَّزْوِيجَ بِأَنْ قَالَ لَهُ الْأَبُ أَنْتَ وَصِيِّي عَلَى بِضْعِ بَنَاتِي أَوْ عَلَى نِكَاحِهِنَّ أَوْ عَلَى تَزْوِيجِهِنَّ أَوْ عَلَى بِنْتِي تُزَوِّجُهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ مِمَّنْ شِئْت وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا

[إيصاء الأم على أولادها وشروطه]

(أَوْ) قَالَ الْمُوصِي: زَوْجَتِي فُلَانَةُ وَصِيَّتِي إلَّا أَنْ (تَتَزَوَّجَ) فَتَسْتَمِرَّ إلَى تَزَوُّجِهَا فَتُعْزَلَ. (وَإِنَّمَا) (يُوصَى عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ) لِصِغَرٍ أَوْ سَفَهٍ (أَبٌ رَشِيدٌ) : فَالْأَبُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَا وَصِيَّةَ لَهُ عَلَى وَلَدِهِ، وَكَذَا لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ رَشِيدًا ثُمَّ حَصَلَ لَهُ السَّفَهُ وَإِنَّمَا النَّظَرُ لِلْحَاكِمِ. (أَوْ وَصِيُّهُ) : أَيْ وَصِيُّ الْأَبِ لَهُ الْإِيصَاءُ عَلَى الْأَوْلَادِ الَّذِينَ كَانَ وَصِيًّا عَلَيْهِمْ وَهَكَذَا، وَلَيْسَ لِمُقَدَّمِ الْقَاضِي إيصَاءٌ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْأَقَارِبِ. (إلَّا الْأُمَّ) فَلَهَا الْإِيصَاءُ عَلَى أَوْلَادِهَا بِشُرُوطٍ أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ: (إنْ قَلَّ الْمَالُ) الْمُوصَى عَلَيْهِ قِلَّةً نِسْبِيَّةً كَسِتِّينَ دِينَارًا إلَّا إنْ كَثُرَ فَلَيْسَ لَهَا الْإِيصَاءُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الثَّلَاثَةِ، فَالرَّاجِحُ عَدَمُ الْجَبْرِ كَمَا إذَا قَالَ وَصِيِّي عَلَى بَنَاتِي أَوْ عَلَى بَعْضِ بَنَاتِي أَوْ عَلَى بِنْتِي فُلَانَةَ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ وَصِيِّي فَقَطْ أَوْ عَلَى مَالِي أَوْ عَلَى تَرِكَتِي فَلَا جَبْرَ لَهُ اتِّفَاقًا، فَلَوْ زَوَّجَ جَبْرًا حِينَئِذٍ فَاسْتَظْهَرَ الْأُجْهُورِيُّ الْإِمْضَاءَ وَتَوَقَّفَ فِيهِ الشَّيْخُ أَحْمَدُ النَّفْرَاوِيُّ، وَإِنْ زَوَّجَ مِنْ غَيْرِ جَبْرٍ صَحَّ أَفَادَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ هُنَا. قَوْلُهُ: [فَتَسْتَمِرَّ إلَى تَزَوُّجِهَا] : أَيْ وَكَذَا إذَا أَوْصَى لَهَا أَوْ لِأُمِّ وَلَدِهِ بِسُكْنَى أَوْ بِغَلَّةٍ إلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِمَا شَرَطَ، فَإِذَا عَقَدَ لَهَا فَلَا سُكْنَى لَهَا وَلَا غَلَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا يَنْزِعُ مِنْهَا الْمَاضِيَ مِنْ الْغَلَّةِ بِزَوَاجِهَا. [إيصَاءُ الْأُمِّ عَلَى أَوْلَادِهَا وَشُرُوطه] قَوْلُهُ: [وَإِنَّمَا يُوصَى عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ] إلَخْ: الْحَصْرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَوْرُوثِ عَنْ الْمُوصِي، أَمَّا إنَّ تَبَرَّعَ مَيِّتٌ عَلَى مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ لِمَا تَبَرَّعَ بِهِ مَنْ شَاءَ نَاظِرًا وَلَوْ كَانَ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ حَصَلَ لَهُ السَّفَهُ] : أَيْ كَالْجُنُونِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: [أَوْ وَصِيُّهُ] : مَحَلُّ كَوْنِ وَصِيِّ الْأَبِ لَهُ أَنْ يُوَصِّيَ إنْ لَمْ يَمْنَعْهُ الْأَبُ مِنْ الْإِيصَاءِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُك عَلَى أَوْلَادِي وَلَيْسَ لَك أَنْ تُوَصِّيَ عَلَيْهِمْ فَلَا يَجُوزُ لِوَصِيِّ الْأَبِ حِينَئِذٍ إيصَاءٌ. قَوْلُهُ: [وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَقَارِبِ] : أَيْ كَالْأَجْدَادِ وَالْأَعْمَامِ وَالْإِخْوَةِ. قَوْلُهُ: [كَسِتِّينَ دِينَارًا] : قَالَ ابْنُ الْمَنْظُورِ لَهُ فِي الْقِلَّةِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ

(وَوُرِثَ) الْمَالُ (عَنْهَا) بِأَنْ كَانَ الْمَالُ لَهَا وَمَاتَتْ عَنْهُ. أَمَّا لَوْ كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ مِنْ غَيْرِهَا - كَأَبِيهِ أَوْ مِنْ هِبَةٍ - فَلَيْسَ لَهَا الْإِيصَاءُ بَلْ تُرْفَعُ لِلْحَاكِمِ. (وَلَا وَلِيَّ لَهَا) : أَيْ لِلْمُوصَى عَلَيْهِ مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ مِنْ الْأَبِ أَوْ مُقَدَّمِ قَاضٍ، فَلَا وَصِيَّةَ لَهَا عَلَى أَوْلَادِهَا عِنْدَ وُجُودِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَقَوْلُنَا فِيمَا تَقَدَّمَ: تُرْفَعُ لِلْحَاكِمِ إنْ كَانَ عَدْلًا، وَإِلَّا فَوَاحِدٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ عَدْلٌ يَتَصَرَّفُ لَهُمْ. وَمِنْهُ: إذَا مَاتَ وَلَمْ يُوصِ فَتَصَرَّفَ أَخُوهُمْ الْكَبِيرُ أَوْ عَمُّهُمْ أَوْ جَدُّهُمْ فَتَصَرُّفُهُ مَاضٍ بِحَيْثُ لَوْ بَلَغُوا لَا رَدَّ لَهُمْ. (مُسْلِمًا) مَعْمُولٌ لِ: " يُوصِي "، فَلَا يَصِحُّ كَوْنُ الْكَافِرِ وَصِيًّا (رَشِيدًا) : ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلسِّتِّينَ؛ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: قِلَّةً عُرْفِيَّةً بَدَلَ قَوْلِهِ نِسْبِيَّةً. قَوْلُهُ: [وَوُرِثَ الْمَالُ عَنْهَا] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ وَهَبَتْ مَالًا لِأَوْلَادِهَا الصِّغَارِ أَوْ تَصَدَّقَتْ بِهِ عَلَيْهِمْ فَلَهَا أَنْ تَجْعَلَ نَاظِرًا عَلَى ذَلِكَ مَنْ شَاءَتْ كَانَ الْمَالُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، بَلْ وَلَوْ كَانَ لِلْأَوْلَادِ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ. قَوْلُهُ: [أَوْ مِنْ هِبَةٍ] : أَيْ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا لِمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [وَلَا وَلِيَّ لَهُ] : تَحَصَّلَ أَنَّ الشُّرُوطَ ثَلَاثَةٌ فَإِنْ فُقِدْت أَوْ بَعْضُهَا وَأَوْصَتْ وَتَصَرَّفَ وَصِيُّهَا فَتَصَرُّفُهُ غَيْرُ نَافِذٍ وَلِلصَّبِيِّ إذَا رَشَدَ أَوْ الْحَاكِمِ رَدُّهُ مَا لَمْ يُنْفِقْهُ عَلَيْهِ فِي الْأُمُورِ الضَّرُورِيَّةِ بِالْمَعْرُوفِ. قَوْلُهُ: [وَمِنْهُ إذَا مَاتَ] إلَخْ: أَيْ مِمَّنْ يَقُومُ مَقَامَ الْحَاكِمِ. قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَبَقِيَ هُنَا مَسْأَلَةٌ ضَرُورِيَّةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ وَهِيَ أَنْ يَمُوتَ الرَّجُلُ عَنْ أَوْلَادٍ صِغَارٍ وَلَمْ يُوصِ عَلَيْهِمْ فَتَصَرَّفَ فِي أَمْوَالِهِمْ عَمُّهُمْ أَوْ أَخُوهُمْ الْكَبِيرُ أَوْ جَدُّهُمْ بِالْمَصْلَحَةِ فَهَلْ هَذَا التَّصَرُّفُ مَاضٍ أَوْ لَا وَلِلصِّغَارِ إذَا رَشَدُوا إبْطَالُهُ؟ ذَكَرَ أَشْيَاخُنَا أَنَّهُ مَاضٍ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِأَنَّ مِنْ ذُكِرَ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ وَلَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الَّتِي عَظُمَ فِيهَا جَوْرُ الْحُكَّامِ بِحَيْثُ لَوْ رُفِعَ لَهُمْ حَالُ الصِّغَارِ لَاسْتَأْصَلُوا مَالَ الْأَيْتَامِ. قَوْلُهُ: [بِحَيْثُ لَوْ بَلَغُوا] : أَيْ وَرَشَدُوا. قَوْلُهُ: [مُسْلِمًا] إلَخْ: هَذِهِ شُرُوطُ الْوَصِيِّ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ ذَكَرَ هُنَا ثَلَاثَةً وَتَقَدَّمَ الرَّابِعُ وَهُوَ كَوْنُهُ مُقَامًا مِنْ طَرَفِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ أَوْ الْحَاكِمِ، وَكَمَا تُعْتَبَرُ فِي الْوَصِيِّ عَلَى

فَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ صَبِيًّا أَوْ سَفِيهًا أَوْ مَجْنُونًا (عَدْلًا) فِيمَا وُلِّيَ عَلَيْهِ، فَلَا يَصِحُّ لِخَائِنٍ وَلَا لِمَنْ يَتَصَرَّفُ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ. (وَإِنْ) كَانَ الْوَصِيُّ عَلَى الْأَوْلَادِ (امْرَأَةً) أَجْنَبِيَّةً أَوْ زَوْجَةَ الْمُوصِي أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرَةً (وَأَعْمَى) فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ وَصِيًّا، كَانَ الْعَمَى أَصْلِيًّا أَوْ طَارِئًا، (وَعَبْدًا) فَيَصِحُّ جَعْلُهُ وَصِيًّا (بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ رُجُوعٌ بَعْدَ الرِّضَا. وَدَخَلَ فِي الْعَبْدِ: مُدَبَّرُهُ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُبَعَّضُ وَالْمُعْتَقُ لِأَجَلٍ. وَإِذَا كَانَ الْوَصِيُّ عَدْلًا ابْتِدَاءً ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الْفِسْقُ فَإِنَّهُ يُعْزَلُ، فَإِنْ تَصَرَّفَ فَهُوَ مَرْدُودٌ إذْ تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا، كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَعُزِلَ بِطُرُوِّ فِسْقٍ) . (وَلَا يَبِيعُ) الْوَصِيُّ (عَبْدًا) تَرَكَهُ الْمُوصِي وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ حَيْثُ كَانَ الرَّقِيقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ تُعْتَبَرُ فِي الْوَصِيِّ عَلَى اقْتِضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ قَضَائِهِ، وَاشْتُرِطَ فِيهِ الْعَدَالَةُ خَوْفَ أَنْ يَدَّعِيَ غَيْرُ الْعَدْلِ الضَّيَاعَ، وَأَمَّا الْوَصِيُّ عَلَى تَفْرِيقِ الثُّلُثِ أَوْ عَلَى الْعِتْقِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ. نَعَمْ لَا بُدَّ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا مُكَلَّفًا قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ بِمَا أُوصِيَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [فِيمَا وُلِّيَ عَلَيْهِ] إلَخْ: مَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِسْلَامُ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ أَنَّهُ يُسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْعَدَالَةِ عَنْ الْإِسْلَامِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الِاسْتِغْنَاءَ يَكُونُ إنْ أُرِيدَ بِالْعَدَالَةِ عَدَالَةُ الشَّهَادَةِ أَوْ عَدَالَةُ الرِّوَايَةِ وَلَيْسَ كُلٌّ مُرَادًا هُنَا بَلْ الْمُرَادُ هُنَا حُسْنُ التَّصَرُّفِ. قَوْلُهُ: [وَدَخَلَ فِي الْعَبْدِ] : أَيْ فِي عُمُومِهِ. وَقَوْلُهُ: [مُدَبَّرُهُ] : أَيْ الْمُوصِي وَلَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ مِثْلُهُ مُدَبَّرُ الْغَيْرِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: [وَعُزِلَ بِطُرُوِّ فِسْقٍ] : الْمُرَادُ بِطُرُوِّ الْفِسْقِ الَّذِي يُعْزَلُ بِهِ ظُهُورُ عَدَمِ إنْصَافِهِ فِيمَا وُلِّيَ فِيهِ، وَمِثْلُ الطُّرُوِّ الْمَذْكُورِ حُدُوثُ الْعَدَاوَةِ لِلْمَحْجُورِ إذْ لَا يُؤْمِنُ الْعَدُوُّ عَلَى عَدُوِّهِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَبِيعُ الْوَصِيُّ عَبْدًا] إلَخْ: مِنْ هَذَا الْمَعْنَى لَوْ أَوْصَى عَبْدًا لَهُ عَلَى أَوْلَادِهِ

(يُحْسِنُ الْقِيَامَ بِالصِّغَارِ) : لِأَنَّ بَيْعَهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ مَصْلَحَةً وَالْوَصِيُّ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ الْمَصْلَحَةِ. (وَلَا) يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَبِيعَ (التَّرِكَةَ) أَوْ شَيْئًا مِنْهَا لِقَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ تَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ (إلَّا بِحَضْرَةِ الْكَبِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي حِصَّتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ غَابَ الْكَبِيرُ أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْبَيْعِ نَظَرَ الْحَاكِمُ. (وَلَا يَقْسِمُ) الْوَصِيُّ (عَلَى غَائِبٍ) مِنْ الْوَرَثَةِ (بِلَا حَاكِمٍ) فَإِنْ قَسَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصَاغِرِ وَأَرَادَ أَوْلَادُهُ الْكِبَارُ بَيْعَ ذَلِكَ الْعَبْدِ الْمُوصِيَ اشْتَرَى ذَلِكَ الْعَبْدَ لِلْأَصَاغِرِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ حِصَّةَ الْكِبَارِ لَهُمْ إنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ يَحْمِلُهُ وَإِلَّا بَاعَ الْكِبَارُ حِصَّتَهُمْ خَاصَّةً إلَّا أَنْ يَنْقُصَ ثَمَنُهَا أَوْ لَمْ يُوجَدُ مَنْ يَشْتَرِيهَا مُفْرَدَةً فَيُبَاعُ الْعَبْدُ جَمِيعُهُ، ثُمَّ إنْ أَبْقَاهُ الْمُشْتَرِي وَصِيًّا عَلَى حَالِهِ فَظَاهِرٌ وَإِلَّا بَطَلَ. قَوْلُهُ: [إلَّا بِحَضْرَةِ الْكَبِيرِ] : هَذَا إذَا كَانَ فِي الْحَضَرِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي السَّفَرِ فَلَهُ الْبَيْعُ فَفِي (ح) فَرَّعَ لَوْ مَاتَ شَخْصٌ فِي سَفَرِهِ فَلِوَصِيِّهِ بَيْعُ مَتَاعِهِ وَعُرُوضِهِ؛ لِأَنَّهُ يَثْقُلُ حَمْلُهُ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ، بَلْ ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي كِتَابِ السَّلَمِ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ: أَنَّ مَنْ مَاتَ فِي سَفَرٍ بِمَوْضِعٍ لَا قُضَاةَ بِهِ وَلَا عُدُولَ وَلَمْ يُوصِ وَاجْتَمَعَ الْمُسَافِرُونَ وَقَدَّمُوا رَجُلًا فَبَاعَ هُنَاكَ تَرِكَتَهُ ثُمَّ قَدِمُوا بَلَدَ الْمَيِّتِ فَأَرَادَ الْوَرَثَةُ نَقْضَ الْبَيْعِ إذْ لَمْ يُبَعْ بِإِذْنِ حَاكِمٍ وَبَلَدُهُ بَعِيدٌ مِنْ مَوْضِعِ الْمَوْتِ أَنَّ مَا فَعَلَهُ جَمَاعَةُ الرُّفْقَةِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ جَائِزٌ، قَالَ وَقَدْ وَقَعَ هَذَا لِعِيسَى بْنِ عَسْكَرٍ وَصَوَّبَ فِعْلَهُ وَأَمْضَاهُ أَفَادَهُ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ غَابَ الْكَبِيرُ] : أَيْ غِيبَةً قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً. وَقَوْلُهُ: [أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْبَيْعِ] : أَيْ أَوْ كَانَ حَاضِرًا وَامْتَنَعَ مِنْ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: [نَظَرَ الْحَاكِمُ] : أَيْ فَإِمَّا أَنْ يَأْمُرَ الْوَصِيَّ بِالْبَيْعِ أَوْ يَأْمُرَ مَنْ يَبِيعُ مَعَهُ لِلْغَائِبِ، أَوْ يَقْسِمُ مَا يَنْقَسِمُ فَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ وَبَاعَ رُدَّ بَيْعُهُ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا فَإِنْ فَاتَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي بِهِبَةٍ أَوْ صَبْغِ ثَوْبٍ أَوْ نَسْجِ غَزْلٍ أَوْ أَكْلِ طَعَامٍ وَكَانَ قَدْ أَصَابَ وَجْهَ الْبَيْعِ فَهَلْ يَمْضِي وَهُوَ الْمُسْتَحْسَنُ أَوْ لَا يَمْضِي وَهُوَ الْقِيَاسُ؟ قَوْلَانِ أَفَادَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ (ح) .

بِدُونِ حَاكِمٍ نُقِضَتْ، وَالْمُشْتَرُونَ حُكْمُهُمْ حُكْمُ الْغَاصِبِ لَا غَلَّةَ لَهُمْ، وَيَضْمَنُونَ حَتَّى السَّمَاوِيَّ. (وَ) إنْ أَوْصَى (لِاثْنَيْنِ) بِلَفْظٍ وَاحِدٍ: كَ جَعَلْتُكُمَا وَصِيَّيْنِ، أَوْ بِلَفْظَيْنِ فِي زَمَنٍ أَوْ زَمَنَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِاجْتِمَاعٍ أَوْ افْتِرَاقٍ (حُمِلَ) عَلَى قَصْدِ (التَّعَاوُنِ) وَلَيْسَ إيصَاؤُهُ لِلثَّانِي عَزْلًا لِلْأَوَّلِ فَلَا يَسْتَقِلُّ أَحَدُهُمَا بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا بِتَوْكِيلٍ. أَمَّا لَوْ قَيَّدَ الْمُوصِي بِاجْتِمَاعٍ أَوْ افْتِرَاقٍ عُمِلَ بِهِ. (فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) : أَيْ الْوَصِيَّيْنِ (أَوْ اخْتَلَفَا) فِي أَمْرٍ: كَبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ تَزْوِيجٍ (فَالْحَاكِمُ) يَنْظُرُ فِيمَا فِيهِ الْأَصْلَحُ مِنْ إبْقَاءِ الْحَيِّ وَصِيًّا أَوْ جَعْلِ غَيْرِهِ مَعَهُ، أَوْ يَرُدَّ فِعْلَ أَحَدِهِمَا فِي الِاخْتِلَافِ أَوْ يَمْضِيَ. (وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا) أَيْ الْوَصِيَّيْنِ (إيصَاءٌ) لِغَيْرِهِ فِي حَيَاتِهِ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ صَاحِبِهِ أَمَّا بِإِذْنِهِ فَيَجُوزُ (وَلَا) يَجُوزُ (لَهُمَا قَسْمُ الْمَالِ) الَّذِي أَوْصَاهُمَا عَلَيْهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ قَسَمَاهُ بَيْنَهُمَا وَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ يَتَصَرَّفُ فِي حِصَّتِهِ (ضَمِنَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْمُشْتَرُونَ] : أَيْ لِلتَّرِكَةِ أَوْ بَعْضِهَا الَّتِي بَاعَهَا الْوَصِيُّ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْكَبِيرِ أَوْ وَكِيلِهِ، وَمِنْ غَيْرِ رَفْعٍ لِلْحَاكِمِ الْعَالِمُونَ بِذَلِكَ وَهَذَا مُرْتَبِطٌ بِكُلٍّ مِنْ مَسْأَلَةِ الْقِسْمِ وَالْبَيْعِ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ أَوْصَى لِاثْنَيْنِ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا لَوْ أَوْصَى وَاحِدًا وَجَعَلَ آخَرَ نَاظِرًا عَلَيْهِ فَإِنَّمَا لِذَلِكَ النَّاظِرِ النَّظَرُ فِي تَصَرُّفَاتِ الْوَصِيِّ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ السَّدَادِ مِنْ تَصَرُّفِهِ وَلَا نَزْعَ الْمَالِ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [إلَّا بِتَوْكِيلٍ] : أَيْ مِنْ الْآخَرِ لَهُ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا] إلَخْ: مَحَلُّ نَظَرِ الْحَاكِمِ فِي مَوْتِ أَحَدِهِمَا إنْ لَمْ يُوَصِّ ذَلِكَ الْمَيِّتُ لِصَاحِبِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَإِلَّا فَلَا نَظَرَ لَهُ. قَوْلُهُ: [أَمَّا بِإِذْنِهِ فَيَجُوزُ] : أَيْ كَمَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُوصِيَ لِصَاحِبِهِ بِقِيَامِهِ مَقَامَهُ إذَا مَاتَ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَجُوزُ لَهُمَا قَسْمُ الْمَالِ] : ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَالُ لِصَبِيَّيْنِ وَاقْتَسَمَاهُمَا فَلَا يَأْخُذُ كُلٌّ حِصَّةَ الصَّبِيِّ الَّذِي عِنْدَهُ.

[سلطات الوصي]

مَا تَلِفَ مِنْهُ وَلَوْ بِسَمَاوِيٍّ لِلتَّفْرِيطِ. فَيَضْمَنُ كُلُّ مَا تَلِفَ وَلَوْ بِيَدِ صَاحِبِهِ لِرَفْعِ يَدِهِ عَنْهُ. (وَلِلْوَصِيِّ اقْتِضَاءُ الدَّيْنِ) مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ. (وَ) لِلْوَصِيِّ (تَأْخِيرُهُ) أَيْ الدَّيْنِ إذَا كَانَ حَالًّا (لَنَظَرٍ) أَيْ مَصْلَحَةٍ فِي التَّأْخِيرِ. (وَ) لِلْوَصِيِّ (النَّفَقَةُ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الطِّفْلِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ (بِالْمَعْرُوفِ) بِحَسَبِ حَالِ الطِّفْلِ وَالْمَالِ مِنْ قِلَّةِ أَكْلٍ أَوْ قِلَّةِ مَالٍ وَضِدِّهِمَا وَكِسْوَةٍ. (كَخَتْنِهِ) : فَيَجُوزُ لِلْوَصِيِّ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ فِي خَتْنِهِ، وَيَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهَا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ سَرَفًا (وَعُرْسِهِ وَعَبْدِهِ) : فَيُوَسِّعُ عَلَيْهِ نَفَقَةَ الْعَبْدِ مِمَّا هُوَ مُعْتَادٌ شَرْعًا، لَا فِي نَحْوِ لَعِبٍ فِي خَتْنٍ أَوْ عُرْسٍ فَيَضْمَنُ. (وَ) يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ (دَفْعُ نَفَقَةٍ لَهُ) : أَيْ لِمُوصٍ (عَلَيْهِ إنْ قَلَّتْ) مِمَّا لَا يَخَافُ عَلَيْهِ إتْلَافَهُ؛ كَجُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ. فَإِنْ خَافَ إتْلَافَهُ فَيَوْمُ يَوْمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِرَفْعِ يَدِهِ عَنْهُ] : أَيْ لِتَعَدِّيهِ بِرَفْعِ يَدِهِ عَمَّا كَانَ يَجِبُ وَضْعُهَا عَلَيْهِ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ ضَمَانِ كُلِّ مَا تَلِفَ مِنْهُ أَوْ مِنْ صَاحِبِهِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقِيلَ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَضْمَنُ مَا هَلَكَ بِيَدِ صَاحِبِهِ فَقَطْ دُونَ مَا هَلَكَ بِيَدِهِ، وَدَرَجَ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ إمَّا غَرِيمٌ بِجَمِيعِ الْمَالِ أَوْ بِمَا قَبَضَهُ صَاحِبُهُ فَقَطْ. [سلطات الْوَصِيّ] قَوْلُهُ: [بِحَسَبِ حَالِ الطِّفْلِ وَالْمَالِ] إلَخْ: أَيْ فَلَا يُضَيِّقُ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ الْكَثِيرِ دُونَ نَفَقَةِ مِثْلِهِ وَلَا يُسْرِفُ وَلَا يُوَسِّعُ عَلَى قَلِيلِهِ. قَوْلُهُ: [فَيَضْمَنُ] : أَيْ الْوَصِيُّ السَّرْفَ وَمَا أَتْلَفَهُ فِي الْمَلَاهِي، وَأَمَّا الْآكِلُونَ مِنْ يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّةِ الْوَصِيِّ بِمُجَرَّدِ تَفْوِيتِهِ. قَوْلُهُ: [دَفْعُ نَفَقَةٍ لَهُ] : رُبَّمَا يُشْعِرُ قَوْلُهُ لَهُ أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ نَفَقَةَ زَوْجَتِهِ وَلَا وَلَدِهِ وَلَا أُمِّ وَلَدِهِ وَرَقِيقِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الرَّاجِحِ الَّذِي أَقَامَهُ ابْنُ الْهِنْدِيِّ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، بَلْ يُسَلِّمْ نَفَقَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَهُ فِي يَدِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ نَفَقَةُ أُمِّ وَلَدِهِ وَرَقِيقِهِ يُدْفَعَانِ إلَيْهِ دُونَ نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهَا.

(وَ) لِلْوَصِيِّ (إخْرَاجُ فِطْرَتِهِ) : أَيْ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ كَأُمِّهِ الْفَقِيرَةِ. (وَ) لَهُ إخْرَاجُ (زَكَاتِهِ) مِنْ حَرْثٍ وَمَاشِيَةٍ وَنَقْدٍ وَعُرُوضٍ، وَيَرْفَعُ لِحَاكِمٍ مَالِكِيٍّ يَحْكُمُ بِذَلِكَ خَوْفَ أَنْ يَرْفَعَ الصَّبِيُّ لِلْحَاكِمِ الْحَنَفِيِّ الَّذِي لَا يَرَى الزَّكَاةَ عَلَى الصَّبِيِّ فَيَضْمَنَ الْوَصِيَّةَ. (وَ) لِلْوَصِيِّ (دَفْعُ مَالِهِ) : أَيْ الْمُوصَى عَلَيْهِ لِلْغَيْرِ يَعْمَلُ فِيهِ (قِرَاضًا) بِجُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ (وَأَبْضَاعًا) : أَيْ بِدَفْعِ دَرَاهِمَ لِمَنْ يَشْتَرِي بِهَا سِلْعَةً؛ كَعَبْدٍ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهَا لِلشَّيْءِ الْمَطْلُوبِ لِكَوْنِهِ فِيهِ نَفْعٌ لِلصَّبِيِّ وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ لَا يَدْفَعَ إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَنْمِيَةُ مَالِ الْيَتِيمِ. (وَلَا يَعْمَلُ هُوَ) : أَيْ الْوَصِيُّ بِالْمَالِ لِئَلَّا يُحَابِي لِنَفْسِهِ. وَالنَّهْيُ لِلْكَرَاهَةِ، فَإِنْ عَمِلَ لِلْيَتِيمِ خَاصَّةً لَيْسَ لَهُ فِيهِ شَيْءٌ فَذَلِكَ مَعْرُوفٌ لَا يُنْهَى عَنْهُ. (وَلَا يَشْتَرِي) الْوَصِيُّ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ] إلَخْ: أَيْ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ مَحْجُورِهِ إنْ كَانَ الْوَصِيُّ مَالِكِيًّا كَانَ الْوَلَدُ كَذَلِكَ أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْوَصِيُّ حَنَفِيًّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا. وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ مَالِكِيًّا فَالْعِبْرَةُ بِمَذْهَبِ الْوَصِيِّ لَا بِمَذْهَبِ الطِّفْلِ أَوْ أَبِيهِ. قَوْلُهُ: [وَيَرْفَعُ لِحَاكِمٍ مَالِكِيٍّ] : أَيْ إنْ كَانَ هُنَاكَ حَنَفِيٌّ وَكَانَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَمْرُ الْيَتِيمِ وَيَخْشَى مِنْ رَفْعِهِ إلَيْهِ وَإِلَّا أُخْرِجَ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ وَذَلِكَ كَبَعْضِ بِلَادِ الْمَغْرِبِ وَالسُّودَانِ الَّتِي لَمْ يُوجَدْ فِيهَا غَيْرُ الْحَاكِمِ الْمَالِكِيِّ. قَوْلُهُ: [وَلِلْوَصِيِّ دَفْعُ مَالِهِ] إلَخْ: أَيْ وَلَوْ كَانَ عَمَلُ الْقِرَاضِ أَوْ شِرَاءُ الْبِضَاعَةِ يَحْتَاجُ لِسَفَرٍ فِي الْبَرِّ أَوْ الْبَحْرِ. قَوْلُهُ: [إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَنْمِيَةُ مَالِ الْيَتِيمِ] : أَيْ بَلْ يَنْدُبُ. وَقَوْلُ عَائِشَةَ: " اتَّجِرُوا فِي مَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلْهَا الزَّكَاةُ ". حَمَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى النَّدْبِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِوُجُوبِ التَّنْمِيَةِ عَلَى حَسَبَ الطَّاقَةِ أَخَذَا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَعْمَلُ هُوَ] : أَيْ بِجُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْجُزْءُ يُشْبِهُ قِرَاضَ مِثْلِهِ.

[تنبيه مخاصمة وارث الطفل للوصي]

عَلَى الْمُحَابَاةِ (وَ) إنْ وَقَعَ وَعَمِلَ بِنَفْسِهِ قِرَاضًا أَوْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ (تَعَقَّبَ) أَيْ تَعَقَّبَهُ الْحَاكِمُ (بِالنَّظَرِ) فِي الْمَصْلَحَةِ، فَإِنْ كَانَ صَوَابًا أَمْضَاهُ وَإِلَّا رَدَّهُ. (إلَّا) اشْتِرَاءَ (مَا قَلَّ وَانْتَهَتْ فِيهِ الرَّغَبَاتُ) بَعْدَ شُهْرَتِهِ لِلْبَيْعِ فِي سُوقِهِ فَيَجُوزُ لِلْوَصِيِّ شِرَاؤُهُ. (وَالْقَوْلُ لَهُ) : أَيْ لِلْوَصِيِّ وَكَذَلِكَ وَصِيُّهُ وَلَوْ تَسَلْسَلَ وَمُقَدَّمُ الْقَاضِي وَالْكَافِرُ (فِي النَّفَقَةِ) : أَيْ فِي أَصْلِهَا إذَا تَنَازَعَ مَعَ الْمَحْجُورِ فِي ذَلِكَ مُدَّةَ حَضَانَتِهِ وَأَشْبَهَ قَوْلَ الْوَصِيِّ بِيَمِينِهِ. فَإِنْ كَانَ فِي حَضَانَةِ غَيْرِهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، كَمَا لَمْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ إذَا لَمْ يُشْبِهْ أَوْ لَمْ يَحْلِفْ. (وَ) الْقَوْلُ لِلْوَصِيِّ إذَا تَنَازَعَ مِنْ كَانَ فِي حِجْرِهِ. (فِي قَدْرِهَا) : أَيْ النَّفَقَةِ حَيْثُ أَشْبَهَ وَحَلَفَ، كَمَا قَالَ، (إنْ أَشْبَهَ بِيَمِينٍ) (لَا) يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ (فِي تَارِيخِ الْمَوْتِ) بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [تَنْبِيه مُخَاصَمَةَ وَارِثُ الطِّفْل لِلْوَصِيِّ] قَوْلُهُ: [وَالْقَوْلُ لَهُ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا تَنَازَعَ مَعَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الْإِنْفَاقِ أَوْ فِي قَدْرِهِ أَوْ فِيهِمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ كَوْنُ الْمَحْجُورِ فِي حَضَانَتِهِ وَأَنْ يُشْبِهَ فِيمَا يَدَّعِيهِ وَيَحْلِفُ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ كَانَ فِي حَضَانَةِ غَيْرِهِ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْحَاضِنُ مَلِيًّا أَوْ مُعْدِمًا وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَلِلْجُزُولِيِّ إنْ كَانَتْ الْحَاضِنَةُ فَقِيرَةً وَسَكَتَتْ لِآخِرِ الْمُدَّةِ. وَالْحَالُ أَنَّ الْوَلَدَ يَظْهَرُ عَلَيْهِ النِّعْمَةُ وَالْخَيْرُ صُدِّقَ الْوَصِيُّ بِيَمِينِهِ لِوُجُودِ الْقَرِينَةِ الْمُصَدِّقَةِ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَاضِنَةُ غَنِيَّةً فَلَا يُصَدِّقُ الْوَصِيُّ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ اسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ. تَنْبِيهٌ: لَيْسَ لِوَارِثِ الطِّفْلِ أَنْ يَنْكَشِفَ عَلَى مَا بِيَدِ الْوَصِيِّ وَيَأْخُذُ وَثِيقَةً بِعِلْمِ عَدَدِهِ عَلَيْهِ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ إذَا مَاتَ صَارَ الْمَالُ لَهُ فَلَا مُخَاصَمَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْوَصِيِّ وَعَلَى الْوَصِيِّ أَنْ يَشْهَدَ لِيَتِيمِهِ بِمَالِهِ الْكَائِنِ بِيَدِهِ. [لِلْوَصِيِّ أَنْ يُرَشِّدَ مَحْجُورَهُ وَلَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى رُشْدِهِ] قَوْلُهُ: [لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ] : أَيْ فَإِذَا قَالَ الْوَصِيُّ: مَاتَ مُنْذُ سَنَتَيْنِ مَثَلًا، وَقَالَ الصَّغِيرُ: بَلْ سَنَةً فَالْقَوْلُ لِلصَّغِيرِ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ يَرْجِعُ لِقِلَّةِ النَّفَقَةِ وَكَثْرَتِهَا؛ لِأَنَّ الْأَمَانَةَ الَّتِي أَوْجَبَتْ صِدْقَهُ فِيهَا لَمْ تَتَنَاوَلْ الزَّمَانَ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ.

(وَلَا) يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ (فِي الدَّفْعِ) لِمَالِ الْمَحْجُورِ (بَعْدَ الرُّشْدِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) . وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ طَالَ الزَّمَنُ بَعْدَ الرُّشْدِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [النساء: 6] . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بَعْدَ الرُّشْدِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ] : مُتَعَلِّقٌ بِالدَّفْعِ، وَكَذَا لَوْ دَفَعَ لَهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَلَا يُصَدِّقُ وَلَوْ وَافَقَهُ الْوَلَدُ قَبْلَ بُلُوغِهِ، بَلْ وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ لِتَفْرِيطِهِ حَيْثُ لَمْ يُبْقِ بِيَدِهِ الْوَلَدَ لِلْبُلُوغِ. قَوْلُهُ: {فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] : أَيْ فَالْأَمْرُ بِالْإِشْهَادِ لِئَلَّا يَغْرَمُوا عَلَى هَذَا الْمَشْهُورِ وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ فِي ذَلِكَ بِيَمِينِهِ وَالْأَمْرُ بِالْإِشْهَادِ لِئَلَّا يَحْلِفُوا، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ بِالدَّفْعِ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ. ابْنُ عَرَفَةَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ مَا لَمْ يُطِلْ كَثَمَانِيَةِ أَعْوَامٍ وَقِيلَ عِشْرُونَ عَامًا. تَنْبِيهٌ: لِلْوَصِيِّ أَنْ يُرَشِّدَ مَحْجُورَهُ وَلَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى رُشْدِهِ، لَكِنْ لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِاتِّصَالِ سَفَهِهِ رُدَّ إلَى الْحَجْرِ وَيُوَلَّى عَلَيْهِ وَصِيٌّ آخَرُ وَيُعْزَلُ الْأَوَّلُ، لَكِنْ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ اجْتِهَادًا. وَفِي الْبَدْرِ الْقَرَافِيِّ آخَرُ بَابِ الْقَضَاءِ: أَنَّ الْوَارِثَ إذَا كَانَ بِغَيْرِ بَلَدِ الْمَيِّتِ فَإِنَّ الْوَصِيَّ أَوْ الْقَاضِيَ يُرْسِلُ يُعْلِمُهُ بِالْمَالِ وَلَا يُرْسِلُهُ إلَيْهِ، فَإِنْ جَهِلَ الْقَاضِي وَأَرْسَلَهُ إلَيْهِ قَبْلَ اسْتِئْذَانِهِ فَتَلِفَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَيَضْمَنُ غَيْرُ الْقَاضِي إذَا أَرْسَلَهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَتَلِفَ. خَاتِمَةٌ: نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَهَا لَوْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِوَصَايَا أَوْ لَزِمَهُ أُمُورٌ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ وَضَاقَ عَنْ جَمِيعِهَا قَدَّمَ فِيمَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ مِنْهُ وَصِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا فَكُّ أَسِيرٍ أَوْصَى بِهِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَإِلَّا فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ، ثُمَّ مُدَبَّرُ صِحَّةٍ وَمِنْهُ مُدَبَّرُ مَرِيضٍ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ صِحَّةً بَيِّنَةً، ثُمَّ صَدَاقُ مَرِيضٍ لِمَنْكُوحَةٍ فِيهِ وَدَخَلَ بِهَا وَمَاتَ فِيهِ أَوْصَى بِهِ أَوْ لَا، وَتَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ أَنَّ لَهَا الْأَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى وَصَدَاقَ الْمِثْلِ مِنْ الثُّلُثِ، ثُمَّ زَكَاةَ الْعَيْنِ أَوْ غَيْرَهَا أَوْصَى بِإِخْرَاجِهَا وَقَدْ فَرَّطَ فِيهَا فِي سَالِفِ الْأَزْمَانِ، فَإِنْ لَمْ يُوَصِّ بِهَا تَخْرُجُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَخْرَجَهَا. وَأَمَّا الَّتِي اعْتَرَفَ بِحُلُولِهَا عَامَ مَوْتِهِ وَأَوْصَى بِإِخْرَاجِهَا فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يُوَصِّ فَإِنْ عَلِمَتْ الْوَرَثَةُ بِهَا أَخْرَجُوهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ثُمَّ يَلِي الزَّكَاةَ الْمَاضِيَةَ الْمُوصَى بِهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQزَكَاةُ الْفِطْرِ الْمَاضِيَةِ الَّتِي فَاتَ وَقْتُهَا بِغُرُوبِ يَوْمِ الْفِطْرِ. وَأَمَّا الْحَاضِرَةُ كَأَنْ مَاتَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ أَوْ يَوْمَهُ فَتَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا الْوَارِثُ إنْ أَوْصَى بِهَا وَإِلَّا فَيُؤْمَرُ بِهَا الْوَارِثُ مِنْ غَيْرِ جَبْرٍ، ثُمَّ يَلِي زَكَاةَ الْفِطْرِ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ وَقَتْلُ خَطَأٍ أَوْ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا إنْ ضَاقَ الثُّلُثُ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، ثُمَّ كَفَّارَةُ فِطْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ كَفَّارَةُ التَّفْرِيطِ فِي قَضَائِهِ، ثُمَّ النَّذْرُ الَّذِي لَزِمَهُ، ثُمَّ الْعِتْقُ الْمُبَتَّلُ فِي مَرَضِهِ وَمُدَبَّرُ الْمَرَضِ فَهُمَا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ الْمُوصِي بِعِتْقِهِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا عِنْدَهُ كَعَبْدِي فُلَانٍ أَوْ مُعَيَّنًا يُشْتَرَى بَعْدَ مَوْتِهِ حَالًا أَوْ لِكَشَهْرٍ أَوْ أَوْصَى بِعِتْقٍ مُعَيَّنٍ عِنْدَهُ بِمَالٍ يَدْفَعُهُ الْعَبْدُ لِلْوَرَثَةِ فَعَجَّلَهُ الْعَبْدُ، وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ يَقَعُ التَّحَاصُصُ فِيهَا عِنْدَ الضَّيِّقِ ثُمَّ الْمُوصِي بِكِتَابَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَالْمُعْتَقُ عَلَى مَالٍ وَلَمْ يُعَجِّلْهُ عَقِبَ مَوْتِ سَيِّدِهِ وَالْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ زَائِدٍ عَلَى شَهْرٍ وَأَقَلِّ مِنْ سَنَةٍ، ثُمَّ الْمُعْتَقُ لِسَنَةٍ، ثُمَّ الْمُعْتَقُ لِأَكْثَرَ، ثُمَّ وَصِيَّةٌ بِعِتْقٍ لَمْ يُعَيَّنْ ثُمَّ وَصِيَّةٌ بِحَجٍّ عَنْهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ، فَمَنْ عَتَقَ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ فِي مَرْتَبَةٍ يَتَحَاصَّانِ إنْ ضَاقَ الثُّلُثُ، وَكَذَا عِتْقُ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ مَعَ مُعَيَّنٍ غَيْرِ عِتْقٍ كَأَنْ يُوصِيَ بِعِتْقِ غَيْرِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ جُزْئِهِ مَعَ ثُبُوتِ مُعَيَّنٍ فَيَتَحَاصَّانِ (اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْأَصْلِ) .

[باب في الفرائض]

بَابٌ فِي الْفَرَائِضِ وَيُسَمَّى عِلْمُ الْفَرَائِضِ وَعِلْمُ الْمَوَارِيثِ. وَهُوَ عِلْمٌ يُعْرَفُ بِهِ مَنْ يَرِثُ وَمَنْ لَا يَرِثُ وَمِقْدَارُ مَا لِكُلِّ وَارِثٍ وَمَوْضُوعُهُ التَّرِكَاتُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْفَرَائِضِ] بَابٌ: قَالَ شب: عِلْمُ الْفَرَائِضِ عِلْمٌ قُرْآنِيٌّ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ وَرَدَ بِهِ وَقَدْ حَضَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى تَعَلُّمِهِ وَتَعْلِيمِهِ فَقَالَ: «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ وَإِنَّ الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ حَتَّى يَخْتَلِفَ الِاثْنَانِ فِي الْفَرِيضَةِ وَلَا يَجِدَانِ مِنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا» . رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَطَعَ مِيرَاثًا فَرَضَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَطَعَ اللَّهُ مِيرَاثَهُ مِنْ الْجَنَّةِ» (اهـ ابْنُ حَبِيبٍ) مَعْنَى قَطَعَهُ بِالْجَهْلِ بِالْعِلْمِ مِنْهُ بِالْفَرِيضَةِ، وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ فَإِنَّهَا مِنْ دِينِكُمْ وَهِيَ أَوَّلُ مَا يُنْسَى وَهُوَ نِصْفُ الْعِلْمِ وَهُوَ أَوَّلُ عِلْمٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي وَيُنْسَى» . قَوْلُهُ: [وَهُوَ عِلْمٌ] : أَيْ قَوَاعِدُ وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَلَكَةَ الْحَاصِلَةَ مِنْ مُزَاوَلَةِ الْقَوَاعِدِ. قَوْلُهُ: [وَمَوْضُوعُهُ التَّرِكَاتُ] : أَيْ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي يَبْحَثُ فِيهَا عَنْ عَوَارِضِهَا الذَّاتِيَّةِ أَيْ الَّتِي تَلْحَقُهَا لِذَاتِهَا لَا بِوَاسِطَةِ أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا كَكَوْنِ نِصْفِهَا لِلزَّوْجِ عِنْدَ عَدَمِ الْفَرْعِ الْوَارِثِ، وَكَوْنِ ثُمُنِهَا لِلزَّوْجَةِ عِنْدَ وُجُودِ الْفَرْعِ الْوَارِثِ وَهَكَذَا، وَالْمُرَادُ بِالْبَحْثِ عَنْ الْعَوَارِضِ الذَّاتِيَّةِ حَمْلُ تِلْكَ الْعَوَارِضِ عَلَيْهَا فَتَحْصُلُ مَسَائِلُ الْعِلْمِ بِحَيْثُ يُقَالُ التَّرِكَةُ رُبْعُهَا لِلزَّوْجِ عِنْدَ وُجُودِ الْفَرْعِ الْوَارِثِ وَهَكَذَا، وَوَصَفَ الْعَوَارِضَ بِالذَّاتِيَّةِ لِلتَّخْصِيصِ مَثَلًا كَكَوْنِ رُبْعِ التَّرِكَةِ لِلزَّوْجَةِ أَمْرٌ عَارِضٌ ذَاتِيٌّ لَهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَحِقَ التَّرِكَةَ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا تَرِكَةً لَا بِوَاسِطَةِ شَيْءٍ بِخِلَافِ مَا يَعْرِضُ لَهَا مِنْ حَرْقٍ مَثَلًا فَإِنَّهُ عَارِضٌ غَرِيبٌ عَنْهَا بِوَاسِطَةِ النَّارِ لَا يُبْحَثُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ

[الحقوق المتعلقة بالتركة]

وَغَايَتُهُ: إيصَالُ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ مِنْ التَّرِكَةِ. وَالتَّرِكَةُ: حَقٌّ يَقْبَلُ التَّجَزِّي، يَثْبُتُ لِمُسْتَحِقِّهِ بَعْدَ مَوْتِ مَنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ. وَالْحُقُوقُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالتَّرِكَةِ خَمْسَةٌ بِاسْتِقْرَاءِ الْفُقَهَاءِ أَشَارَ لَهَا عَلَى التَّرْتِيبِ بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِلْمِ أَفَادَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [وَغَايَتُهُ إيصَالُ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ] إلَخْ: أَيْ وَيُقَالُ فِي تَفْسِيرِ الْغَايَةِ أَيْضًا هِيَ حُصُولُ مَلَكَةٍ لِلْإِنْسَانِ تُوجِبُ سُرْعَةَ الْجَوَابِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ وَالصَّوَابِ. قَوْلُهُ: [حَقٌّ] : هَذَا جِنْسٌ يَتَنَاوَلُ الْمَالَ وَغَيْرَهُ كَالْخِيَارِ وَالشُّفْعَةِ وَالْقِصَاصِ وَالْوَلَاءِ وَالْوَلَايَةِ، فَإِذَا اشْتَرَى زَيْدٌ سِلْعَةً بِالْخِيَارِ وَمَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ أَمَدِهَا انْتَقَلَ الْخِيَارُ لِوَارِثِهِ، وَإِذَا كَانَتْ دَارُ شَرِكَةٍ بَيْنَ زَيْدٍ وَعُمْرٍ وَبَاعَ زَيْدٌ حِصَّتَهُ وَثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ لِعَمْرٍو وَمَاتَ عَمْرٌو قَبْلَ أَخْذِهِ بِهَا انْتَقَلَ الْحَقُّ فِي الشُّفْعَةِ لِوَارِثِهِ، وَإِذَا قَتَلَ زَيْدٌ عَمْرًا وَكَانَ بَكْرٌ أَخًا لِعَمْرٍو وَمَاتَ بَكْرٌ انْتَقَلَ الْحَقُّ فِي الْقِصَاصِ لِوَارِثِهِ، وَكَمَا إذَا مَاتَ الْمُعْتَقُ فَإِنَّ عَصَبَتَهُ تَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِ، وَكَمَا إذَا كَانَتْ الْوَلَايَةُ لِلِابْنِ وَمَاتَ فَيَنْتَقِلُ الْحَقُّ فِيهَا لِابْنِهِ. قَوْلُهُ: [يَقْبَلُ التَّجَزِّي] : خَرَجَ وِلَايَةُ النِّكَاحِ لِعَدَمِ قَبُولِهَا التَّجَزِّي. قَوْلُهُ: [يَثْبُتُ لِمُسْتَحِقِّهِ] : أَيْ بِقَرَابَةٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ وَلَاءٍ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ لِإِخْرَاجِ الْوَصِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تُمْلَك بِالْمَوْتِ لَا بِالتَّنْفِيذِ. قَوْلُهُ: [بَعْدَ مَوْتِ] إلَخْ: خَرَجَ بِهِ الْحُقُوقُ الثَّابِتَةُ بِالشِّرَاءِ وَالِاتِّهَابِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا تُسَمَّى تَرِكَةً. [الْحُقُوقُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالتَّرِكَةِ] قَوْلُهُ: [بِاسْتِقْرَاءِ الْفُقَهَاءِ] : أَيْ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ تَتَبَّعُوا مَسَائِلَ الْفِقْهِ فَلَمْ يَجِدُوهَا تَزِيدُ عَلَى هَذِهِ الْمَرَاتِبِ الْخَمْسِ، وَبَعْضُهُمْ جَعَلَهُ عَقْلِيًّا وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ يُجَوِّزُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْحَصْرَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا وَجَدَ فِي الْخَارِجِ لِقَوْلِهِ الْحَقُّ الْمُتَعَلِّقُ بِالتَّرِكَةِ إمَّا ثَابِتٌ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ بِالْمَوْتِ، وَالثَّابِتُ قَبْلَهُ إمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ أَوْ لَا، فَالْأَوَّلُ الْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ وَهُوَ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالثَّانِي الدَّيْنُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ بِقَضَاءِ دِينِهِ، وَالثَّابِتُ بِالْمَوْتِ إمَّا لِلْمَيِّتِ وَهُوَ مُؤَنُ تَجْهِيزِهِ وَثَنَّى بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَإِمَّا لِغَيْرِهِ مِنْهُ بِاخْتِيَارِهِ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ وَبِهَا رَبَّعَ الْمُصَنِّفُ، وَإِمَّا لِغَيْرِهِ بِسَبَبِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَهُوَ الْمِيرَاثُ وَذَكَرَهُ خَامِسًا وَأَخَّرَهُ لِطُولِ الْكَلَامِ

(يَبْدَأُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ) : مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَوْ أُتِيَ عَلَى جَمِيعِ التَّرِكَةِ (بِحَقٍّ تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ) : أَيْ ذَاتٍ (كَمَرْهُونٍ) فِي دَيْنٍ فَيُقَدَّمُ وُجُوبًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ عَلَى مُؤَنِ التَّجْهِيزِ (وَ) كَعَبْدٍ (جَانٍ) : غَيْرِ مَرْهُونٍ فَإِنَّهُ فِي مَرْتَبَةِ الْمَرْهُونِ، أَمَّا لَوْ كَانَ مَرْهُونًا فِي دَيْنٍ وَجَنَى فَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقَّانِ، وَتُقَدَّمُ الْجِنَايَةُ عَلَى الرَّهْنِ كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي بَابِ الرَّهْنِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ ثَبَتَتْ - أَيْ جِنَايَةُ - الرَّهْنِ فَإِنْ أَسْلَمَهُ مُرْتَهِنَهُ فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِمَالِهِ إلَخْ. وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ زَكَاةَ الْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ فِي عَامِ مَوْتِهِ حَيْثُ مَاتَ بَعْدَ وُجُوبِهَا وَأُمَّ الْوَلَدِ وَسِلْعَةَ الْمُفْلِسِ بِالْفِعْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالْبَابِ. قَوْلُهُ: [لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ] : أَيْ بِذَاتِهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمَرْهُونُ كَفَنَ الْمَيِّتِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مَا يُكَفَّنُ بِهِ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: [فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ] : أَيْ فَهُوَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعَ مَالِهِ وَيَصِيرُ الدَّيْنُ بِلَا رَهْنٍ وَإِنْ فَدَاهُ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ فَفِدَاؤُهُ فِي رَقَبَتِهِ فَقَطْ إنْ لَمْ يَرْهَنْ بِمَالِهِ وَبِإِذْنِهِ فَلَيْسَ رَهْنًا فِي الْفِدَاءِ بَلْ فِي الدَّيْنِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [حَيْثُ مَاتَ بَعْدَ وُجُوبِهَا] : أَيْ فَإِذَا مَاتَ الْمَالِكُ بَعْدَ الْحَوْلِ أَوْ الطِّيبِ أُخْرِجَتْ زَكَاتُهُمَا أَوَّلًا قَبْلَ الْكَفَنِ وَقَبْلَ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَالْمِيرَاثِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْحَرْثُ غَيْرُ مَرْهُونٍ، فَإِنْ كَانَ مَرْهُونًا، وَالدَّيْنُ يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَهَا فَاسْتَظْهَرَ الْأُجْهُورِيُّ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ يُقَدَّمُ بِدَيْنِهِ عَلَى الزَّكَاةِ مُسْتَنِدًا فِي ذَلِكَ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ: إنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ تَقْدِيمُ رَبِّ الدَّيْنِ بِدَيْنِهِ عَلَى الزَّكَاةِ، قَالَ (بْن) : وَفِي هَذَا الِاسْتِنَادِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ، وَأَمَّا الْحَبُّ فَالْفُقَرَاءُ شُرَكَاءُ فِي عَيْنِهِ فَلَا مِلْكَ لِلْمَيِّتِ فِي حَظِّهِمْ حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهُ دِينَهُ. قَوْلُهُ: [وَسِلْعَةُ الْمُفْلِسِ بِالْفِعْلِ] : أَيْ الَّذِي حَكَمَ عَلَيْهِ الْقَاضِي بِالْفَلَسِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُقَالُ إنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَلَسِ مِنْ أَنَّ لِلْغَرِيمِ أَخْذُ عَيْنِ مَالِهِ الْمُحَازِ عَنْهُ فِي الْفَلَسِ لَا الْمَوْتِ لِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا قَامَ بَائِعُهَا بِثَمَنِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ مَوْتِهِ فَوَجَدَهُ مُفْلِسًا وَحَكَمَ لَهُ بِأَخْذِهَا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَخْذِ صَاحِبِهَا لَهَا بِالْفِعْلِ فَيَأْخُذُهَا وَيُقَدَّمُ بِهَا عَلَى مُؤَنِ التَّجْهِيزِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ وَدَخَلَ أَيْضًا

(فَمُؤَنِ تَجْهِيزِهِ) : تُقَدَّمُ عَلَى الدُّيُونِ مِنْ كَفَنٍ وَغُسْلٍ وَحَمْلٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ (بِالْمَعْرُوفِ) : بِمَا يُنَاسِبُ حَالُهُ مِنْ فَقْرٍ وَغِنًى، وَضَمِنَ مَنْ أَسْرَفَ. وَكَذَلِكَ يُقَدَّمُ مُؤَنُ تَجْهِيزِ عَبْدِهِ عَلَى دَيْنِ السَّيِّدِ بِأَنْ مَاتَ سَيِّدٌ وَعَبْدُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا كَفَنٌ وَاحِدٌ قُدِّمَ الرَّقِيقُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. (فَقَضَاءُ دِينِهِ) : يُقَدَّمُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى الْوَصَايَا أَيْ دِينِهِ الَّذِي عَلَيْهِ لِآدَمِيٍّ، كَانَ بِضَامِنٍ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ بِمَوْتِ الْمَضْمُونِ. ثُمَّ هَدْيٌ تَمَتَّعَ أَوْصَى بِهِ أَمْ لَا. ثُمَّ زَكَاةُ فِطْرٍ فَرَّطَ فِيهَا. وَكَفَّارَاتٌ أَشْهَدَ فِي صِحَّتِهِ أَنَّهُمَا بِذِمَّتِهِ أَوْ أَوْصَى فَقَطْ. وَمِثْلُ كَفَّارَاتٍ أَشْهَدَ بِهَا: زَكَاةُ عَيْنٍ حَلَّتْ وَأَوْصَى بِهَا. (فَوَصَايَاهُ) مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ. (ثُمَّ الْبَاقِي) بَعْدَ الْوَصَايَا يَكُونُ (لِوَارِثِهِ) فَرْضًا أَوْ تَعْصِيبًا، أَوْ هُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُعْتَقُ لِأَجَلٍ وَهَدْيٌ قُلِّدَ وَأُضْحِيَّةٌ تَعَيَّنَتْ بِذَبْحِهَا. بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ صَاحِبُهَا قَبْلَ الذَّبْحِ فَإِنَّهَا تُبَاعُ فِي الْكَفَنِ وَالدَّيْنِ، وَلَوْ كَانَتْ مَنْذُورَةً وَقَوْلُنَا هَدْيٌ قُلِّدَ أَيْ فِيمَا يُقَلَّدُ، وَأَمَّا مَا لَا يُقَلَّدُ كَالْغَنَمِ فَيَنْزِلُ سَوْقُهَا فِي الْإِحْرَامِ لِلذَّبْحِ مَنْزِلَةَ التَّقْلِيدِ. قَوْلُهُ: [مِنْ كَفَنٍ وَغُسْلٍ] : أَيْ مِنْ ثَمَنِ كَفَنٍ وَأُجْرَةِ غُسْلٍ. قَوْلُهُ: [قُدِّمَ الرَّقِيقُ] : أَيْ وَكَفَنُ السَّيِّدِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. قَوْلُهُ: [كَانَ بِضَامِنٍ أَمْ لَا] : أَيْ حَلَّ أَجَلُهُ أَمْ لَا بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ. قَوْلُهُ: [أَشْهَدَ فِي صِحَّتِهِ أَنَّهُمَا بِذِمَّتِهِ] : الضَّمِيرُ يَرْجِعُ لِزَكَاةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ الَّتِي فَرَّطَ فِيهَا وَالْكَفَّارَاتِ الَّتِي لَزِمَتْهُ مِثْلُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالصَّوْمِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ إذَا أَشْهَدَ فِي صِحَّتِهِ أَنَّهُمَا بِذِمَّتِهِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ سَوَاءٌ أَوْصَى بِإِخْرَاجِهِمَا أَوْ لَمْ يُوصِ. فَائِدَةٌ: يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مُعَيَّنٌ وَلَا بَيْتُ مَالِ مُنْتَظِمٌ أَنْ يَتَحَيَّلَ عَلَى إخْرَاجِ مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَشْهَدَ فِي صِحَّتِهِ بِشَيْءٍ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذِمَّتِهِ كَزَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَاتٍ وَجَبَ إخْرَاجُهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَوْ أَتَى عَلَى جَمِيعِهَا بَعْدَ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعَيْنِ نَقَلَهُ (ح) عَنْ الْبُرْزُلِيِّ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [فَرْضًا أَوْ تَعْصِيبًا] : أَيْ بِالْفَرْضِ أَوْ التَّعْصِيبِ.

[الوارثون من الرجال]

(وَالْوَارِثُونَ مِنْ الرِّجَالِ عَشَرَةٌ) بِطَرِيقِ الِاخْتِصَارِ: (الِابْنُ وَابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ) . (وَالْأَبُ وَالْجَدُّ لِلْأَبِ وَإِنْ عَلَا) . (وَالْأَخُ وَابْنُهُ) . وَالْعَمُّ وَابْنُهُ وَ (الزَّوْجُ) . (وَذُو الْوَلَاءِ) : أَيْ الْمُعْتِقُ. (وَكُلُّهُمْ عَصَبَةٌ) : إذَا انْفَرَدَ وَاحِدٌ حَازَ جَمِيعَ الْمَالِ (إلَّا الزَّوْجَ وَالْأَخَ لِلْأُمِّ) : فَإِنَّهُمَا أَصْحَابُ فَرْضٍ كَمَا يَأْتِي. وَإِنْ اجْتَمَعَ جَمِيعُ الذُّكُورِ فَلَا يَرِثُ مِنْهُمْ إلَّا ثَلَاثَةٌ الزَّوْجُ وَالِابْنُ وَالْأَبُ كَمَا يَأْتِي. (وَ) الْوَارِثَاتُ (مِنْ النِّسَاءِ سَبْعٌ) بِطَرِيقِ الِاخْتِصَارِ: (الْبِنْتُ، وَبِنْتُ الِابْنِ، وَالْأُمُّ، وَالْجَدَّةُ مُطْلَقًا، وَالْأُخْتُ مُطْلَقًا، وَالزَّوْجَةُ، وَذَاتُ الْوَلَاءِ) : أَيْ الْمُعْتِقَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْوَارِثُونَ مِنْ الرِّجَالِ] قَوْلُهُ: [بِطَرِيقِ الِاخْتِصَارِ] : أَيْ وَأَمَّا بِطَرِيقِ الْبَسْطِ فَخَمْسَةَ عَشَرَ. قَوْلُهُ: [وَالْأَخُ] : أَيْ مُطْلَقًا شَقِيقًا أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ فَدَخَلَ تَحْتَهُ ثَلَاثَةٌ. قَوْلُهُ: [وَابْنُهُ] : أَيْ مُطْلَقًا أَيْ شَقِيقًا أَوْ لِأَبٍ. قَوْلُهُ: [وَالْعَمُّ] : أَيْ مُطْلَقًا شَقِيقًا أَوْ لِأَبٍ. وَأَمَّا الْعَمُّ لِلْأُمِّ وَابْنُ الْأَخِ لِلْأُمِّ فَمِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ. قَوْلُهُ: [وَابْنُهُ] : أَيْ مُطْلَقًا شَقِيقًا أَوْ لِأَبٍ لَا لِأُمٍّ فَمِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَرِثُ مِنْهُمْ إلَّا ثَلَاثَةٌ] : أَيْ وَمَسْأَلَتُهُمْ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِتَوَافُقِ مَخْرَجِ رُبْعِ الزَّوْجِ وَسُدُسِ الْأَبِ بِالنِّصْفِ فَتَضْرِبُ نِصْفَ أَحَدِ الْمَخْرَجَيْنِ فِي كُلِّ الْآخَرِ بِاثْنَيْ عَشْرَ لِلزَّوْجِ رُبْعُهَا ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأَبِ سُدُسُهَا اثْنَانِ وَالْبَاقِي هُوَ سَبْعَةٌ لِلِابْنِ تَعْصِيبًا. [الْوَارِثَاتُ مِنْ النِّسَاءِ] قَوْلُهُ: [بِطَرِيقِ الِاخْتِصَارِ] : أَيْ وَأَمَّا بِطَرِيقِ الْبَسْطِ فَعَشْرٌ. قَوْلُهُ: [وَالْجَدَّةُ مُطْلَقًا] : أَيْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ. قَوْلُهُ: [وَالْأُخْتُ مُطْلَقًا] : أَيْ شَقِيقَةً أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ.

[الفروض في الميراث]

(وَكُلُّهُنَّ ذَوَاتُ فَرْضٍ، إلَّا الْأَخِيرَةَ) : وَهِيَ الْمُعْتِقَةُ؛ فَإِنْ اجْتَمَعْنَ فَلَا يَرِثُ مِنْهُنَّ إلَّا الزَّوْجَةُ وَالْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَالْأُمُّ وَالْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ كَمَا يَأْتِي لَهُ آخِرُ الْفَرَائِضِ. وَالْفُرُوضُ سِتَّةٌ: النِّصْفُ، وَالرُّبُعُ، وَالثُّمُنُ، وَالثُّلُثَانِ، وَالثُّلُثُ، وَالسُّدُسُ (فَالنِّصْفُ لِخَمْسَةٍ) : (الزَّوْجِ) يَرِثُهُ مِنْ زَوْجَتِهِ (عِنْدَ عَدَمِ الْفَرْعِ الْوَارِثِ) : ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ وَلَدَ الْوَلَدِ كَذَلِكَ وَإِنْ سَفَلَ - كَانَ الْوَلَدُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ - فَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ لِوَصْفٍ - كَرِقٍّ - فَكَالْعَدِمِ. (وَالْبِنْتِ إذَا انْفَرَدَتْ) عَمَّنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَكُلُّهُنَّ ذَوَاتُ فَرْضٍ إلَّا الْأَخِيرَةَ] إلَخْ: أَيْ لِقَوْلِ صَاحِبِ الرَّحَبِيَّةِ: وَلَيْسَ فِي النِّسَاءِ طُرًّا عَصْبَهُ ... إلَّا الَّتِي مَنَّتْ بِعِتْقِ الرَّقَبَةِ قَوْلُهُ [فَلَا يَرِثُ مِنْهُنَّ إلَّا الزَّوْجَةُ] إلَخْ: أَيْ وَمَسْأَلَتُهُنَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِتَوَافُقِ مَخْرَجِ ثُمُنِ الزَّوْجَةِ وَسُدُسِ الْأُمِّ بِالنِّصْفِ فَتَضْرِبُ نِصْفَ أَحَدِ الْمَخْرَجَيْنِ فِي كَامِلِ الْآخَرِ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِلْبِنْتِ نِصْفُهَا اثْنَا عَشَرَ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ سُدُسُهَا أَرْبَعَةٌ، وَلِلزَّوْجَةِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ أَرْبَعَةٌ سُدُسُهَا يَبْقَى وَاحِدٌ تَأْخُذُهُ الْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ تَعْصِيبًا؛ لِأَنَّهَا عَصَبَةٌ مَعَ الْغَيْرِ، فَإِنْ اجْتَمَعَ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ وَرِثَ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ الْأَبَوَانِ وَالِابْنُ وَالْبِنْتُ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، فَإِنْ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ كَانَتْ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ. [الْفُرُوضُ فِي الْمِيرَاث] قَوْلُهُ: [النِّصْفُ وَالرُّبْعُ] : قَدْ ارْتَكَبَ الْمُصَنِّفُ طَرِيقَ التَّدَلِّي وَهِيَ إحْدَى الطُّرُقِ الْمُسْتَحْسَنَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ وَلَدُ الْوَلَدِ كَذَلِكَ] : أَيْ ذُرِّيَّةُ أَوْلَادِهَا الذُّكُورِ لَا الْإِنَاثِ فَوُجُودُهُمْ كَالْعَدَمِ. وَالْحَاصِلُ أَنْ مَحَلَّ إرْثِ الزَّوْجِ النِّصْفُ مِنْ زَوْجَتِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى وَلَا وَلَدُ ابْنٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ مِنْ زِنًا إنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ مَانِعٌ مِنْ كُفْرٍ أَوْ رِقٍّ وَأَمَّا وَلَدُ الْبِنْتِ فَوُجُودُهُ كَالْعَدَمِ قَالَ تَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12] . قَوْلُهُ: [وَالْبِنْتُ] : أَيْ بِنْتُ الصُّلْبِ. وَقَوْلُهُ: [إذَا انْفَرَدَتْ] : أَيْ عَنْ أُخْتٍ أَوْ أَخٍ قَالَ تَعَالَى:

يَعْصِبُهَا؛ وَهُوَ أَخُوهَا الْمُسَاوِي لَهَا احْتِرَازًا عَنْ أَخِيهَا لِأَبِيهَا كَمَا يَأْتِي. (وَبِنْتِ الِابْنِ) : تَرِثُ النِّصْفَ (إنْ لَمْ يَكُنْ) لِلْمَيِّتِ (بِنْتٌ) وَلَا ابْنُ ابْنٍ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي (وَالْأُخْتِ شَقِيقَةٍ أَوْ لِأَبٍ إنْ لَمْ تَكُنْ) : أَيْ تُوجَدْ (شَقِيقَةٌ) مَعَهَا (وَعَصَبَ كُلًّا) مِنْ النِّسْوَةِ الْأَرْبَعِ (أَخٌ) : أَيْ تَصِيرُ بِهِ عَصَبَةً لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ حَيْثُ كَانَ الْأَخُ (يُسَاوِيهَا) فِي الدَّرَجَةِ. وَشَمِلَ كَلَامُهُ ابْنَ الِابْنِ مَعَ بِنْتِ ابْنٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ أَخٌ لَهَا حُكْمًا لِتُسَاوِيهَا دَرَجَةً. (وَ) عَصَبَ (الْجَدُّ الْأُخْتَ) فَتَرِثُ مَعَهُ تَعْصِيبًا لَا فَرْضًا فَهِيَ عَصَبَةٌ بِالْغَيْرِ. (وَهِيَ) أَيْ الْأُخْتُ شَقِيقَةٌ أَوْ لِأَبٍ (مَعَ الْأُولَيَيْنِ) : أَيْ الْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ (عَصَبَةٌ) مَعَ الْغَيْرِ؛ فَلَا يُفْرَضُ لِلْأُخْتِ مَعَهُمَا بَلْ تَأْخُذُ مَا بَقِيَ بَعْدَ فَرْضِ الْبِنْتِ وَهُوَ النِّصْفُ أَوْ الْبِنْتَيْنِ وَهُوَ الثُّلُثُ تَعْصِيبًا وَكَذَلِكَ مَعَ بِنْتِ الِابْنِ. (وَالرُّبْعُ لِلزَّوْجِ لِفَرْعٍ) مِنْ الزَّوْجَةِ (يَرِثُ) : كَبِنْتٍ أَوْ ابْنٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ مِنْ زِنًا لِلُحُوقِهِ بِالْأُمِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] قَوْلُهُ: [احْتِرَازًا عَنْ أَخِيهَا لِأَبِيهَا] : الْأَوْلَى حَذْفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ. قَوْلُهُ: [إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ بِنْتٌ] : أَيْ وَإِلَّا كَانَ لَهَا مَعَهَا السُّدُسُ. وَقَوْلُهُ: [وَلَا ابْنُ ابْنٍ] : أَيْ وَإِلَّا كَانَ مُعَصِّبًا لَهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كَانَ أَخَاهَا أَوْ ابْنُ عَمِّهَا. قَوْلُهُ: [أَيْ تُوجَدُ شَقِيقَةٌ مَعَهَا] : أَيْ مَعَ الْأُخْتِ الَّتِي لِلْأَبِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهَا شَقِيقَةٌ كَانَ لِلَّتِي لِلْأَبِ السُّدُسُ فَقَطْ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ. قَوْلُهُ: [يُسَاوِيهَا فِي الدَّرَجَةِ] : الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي الْقُوَّةِ وَيُحْتَرَزُ بِذَلِكَ عَنْ أَخٍ لِأَبٍ مَعَ شَقِيقَةٍ فَهُوَ مُسَاوٍ لَهَا فِي الدَّرَجَةِ وَلَيْسَ مُسَاوِيًا لَهَا فِي الْقُوَّةِ. قَوْلُهُ: [مَعَ الْأُولَيَيْنِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْأُخْتَ الشَّقِيقَةَ وَالْأُخْتَ لِلْأَبِ كَمَا يُعْصَبُ كُلًّا مِنْهُمَا أَخُوهَا الْمُسَاوِي لَهَا يَعْصِبُهَا الْجَدُّ، وَالْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ. قَوْلُهُ: [وَالرُّبْعُ لِلزَّوْجِ لِفَرْعٍ] إلَخْ: أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} [النساء: 12] .

[المسألتان الغراويان أو العمريتان]

(وَ) الرُّبْعُ (لِلزَّوْجَةِ) الْوَاحِدَةِ (أَوْ الزَّوْجَاتِ لِفَقْدِهِ) : أَيْ الْفَرْعِ الْوَارِثِ لِلزَّوْجِ مِنْ وَلَدٍ أَوْ وَلَدِ ابْنٍ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا. وَخَرَجَ بِالْوَارِثِ: وَلَدُ الزِّنَا وَمَنْ نَفَاهُ بِلِعَانٍ فَكَالْعَدِمِ لَا يُحَجِّبُهَا لِلثَّمَنِ. (وَالثَّمَنُ لَهُنَّ) : أَيْ لِلزَّوْجَةِ أَوَالزَّوْجَاتِ (لِوُجُودِهِ) : أَيْ الْفَرْعِ اللَّاحِقِ. (وَالثُّلُثَانِ لِأَرْبَعَةٍ) : أَيْ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ الْمُشَارِ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (لِذَوَاتِ النِّصْفِ إنْ تَعَدَّدْنَ) : وَهِيَ الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَالْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ وَالْأُخْتُ لِلْأَبِ (وَالثُّلُثُ) فَرْضٌ (لِلْأُمِّ إنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا (وَلَا اثْنَانِ فَأَكْثَرُ مِنْ الْإِخْوَةِ أَوْ الْأَخَوَاتِ مُطْلَقًا) أَشِقَّاءٌ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ أَوْ مُخْتَلِفِينَ أَوْ مَحْجُوبِينَ، حَجَبَ شَخْصٍ - كَإِخْوَةٍ لِأُمٍّ مَعَ جَدٍّ - فَيَسْقُطُونَ بِالْجَدِّ وَيَحْجُبُونَ الْأُمَّ قَالَ فِي التِّلْمِسَانِيَّة: وَفِيهِمْ فِي الْحَجْبِ أَمْرٌ عَجَبٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ حُجِبُوا وَحَجَبُوا. (وَ) الثُّلُثُ فَرْضٌ (لِوَلَدَيْهَا) : أَيْ الْأُمِّ (فَأَكْثَرَ) مِنْ وَلَدَيْنِ فَلَا يَزِيدُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالرُّبُعُ لِلزَّوْجَةِ] إلَخْ: أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ} [النساء: 12] . قَوْلُهُ: [وَالثَّمَنُ لَهُنَّ] إلَخْ: أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12] . [الْمَسْأَلَتَانِ الغراويان أَوْ العمريتان] قَوْلُهُ: [وَالثُّلُثُ فَرْضٌ لِلْأُمِّ إنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ] إلَخْ: الْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] قَوْلُهُ: [حَجْبُ شَخْصٍ] : يُحْتَرَزُ عَنْ حَجْبِ الْوَصْفِ كَكَوْنِهِمْ أَرِقَّاءَ أَوْ كُفَّارًا فَلَا يَحْجُبُونَهَا. قَوْلُهُ: [؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ حَجَبُوا] : أَيْ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ. وَقَوْلُهُ: [وَحُجِبُوا] بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ: أَيْ حَجَبَهُمْ الْجَدُّ؛ لِأَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ يُحْجَبُونَ بِسِتَّةٍ بِالْجَدِّ وَالْأَبِ وَالِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ وَالْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ كَمَا يَأْتِي.

عَنْ الثُّلُثِ وَيَسْتَوِي الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] وَالشَّرِكَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ تُفِيدُ الْمُسَاوَاةَ. (وَلَهَا) أَيْ لِلْأُمِّ (ثُلُثُ الْبَاقِي) بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ فِي الْغَرَّاوَيْنِ: لِأَنَّ الْأُمَّ غُرَّتْ فِيهِمَا بِقَوْلِهِمْ لَهَا الثُّلُثُ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ سُدُسٌ كَمَا فِي الْأُولَى أَوْ رُبْعٌ كَمَا فِي الثَّانِيَةِ (فِي) زَوْجَةٍ مَاتَتْ عَنْ (زَوْجٍ) وَأَبَوَيْنِ أَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْنِ مَخْرَجَ نَصِيبِ الزَّوْجِ فَلَهُ النِّصْفُ يَبْقَى وَاحِدٌ عَلَى ثَلَاثَةٍ مُبَايِنٍ، فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي اثْنَيْنِ بِسِتَّةٍ فَلَهَا وَاحِدٌ بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ، إذْ لَوْ أُعْطِيت ثُلُثَ التَّرِكَةِ لَلَزِمَ تَفْضِيلُ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ فَيُخَالِفُ الْقَاعِدَةَ الْقَطْعِيَّةَ: مَتَى اجْتَمَعَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى يُدْلِيَانِ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ. فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. فَخَصَّصَتْ الْقَاعِدَةُ عُمُومَ آيَةِ: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} [النساء: 11] . وَأَشَارَ لِثَانِيَةِ الْغَرَّاوَيْنِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ زَوْجَةٍ) مَاتَ زَوْجُهَا عَنْهَا وَعَنْ أَبَوَيْنِ فَهِيَ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِلزَّوْجَةِ الرُّبْعُ، وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ الْبَاقِي وَلِلْأَبِ الْبَاقِي إذْ لَوْ أَعْطَيْنَاهَا ثُلُثَ الْمَالِ لَلَزِمَ عَدَمُ تَفْضِيلِ الذَّكَرِ عَلَيْهَا التَّفْضِيلَ الْمَعْهُودَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12]] : إنَّمَا اسْتَدَلَّ بِهَا؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَهَا فِي الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ. قَوْلُهُ: [تُفِيدُ الْمُسَاوَاةَ] : أَيْ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الرَّحَبِيَّةِ: وَيَسْتَوِي الْإِنَاثُ وَالذُّكُورُ ... فِيهِ كَمَا أَوْضَحَ الْمَسْطُورُ أَيْ الْقُرْآنُ. قَوْلُهُ: [وَلَهَا ثُلُثُ الْبَاقِي] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ لِلْأُمِّ حَالَتَيْنِ تَرِثُ فِي إحْدَاهُمَا الثُّلُثَ وَفِي أُخْرَى السُّدُسَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَثَبَتَ بِاجْتِهَادٍ حَالَةٌ ثَالِثَةٌ تَرِثُ فِيهَا ثُلُثَ الْبَاقِي وَقَدْ ذَكَرَهَا هُنَا الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [فِي الْغَرَّاوَيْنِ] : أَيْ وَتُلَقَّبُ بِالْعُمْرِيَّتَيْنِ لِقَضَاءِ عُمَرَ فِيهَا بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي اثْنَيْنِ بِسِتَّةٍ] : فَالسِّتَّةُ تَصْحِيحٌ لَا تَأْصِيلٌ خِلَافًا لِلتَّتَّائِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا تَأْصِيلٌ. قَوْلُهُ: [لَلَزِمَ عَدَمُ تَفْضِيلِ الذَّكَرِ عَلَيْهَا] إلَخْ: وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ تَأْخُذُ الزَّوْجَةُ ثَلَاثَةً يَبْقَى تِسْعَةٌ، فَلَوْ أَعْطَيْت الْأُمَّ الثُّلُثَ كَامِلًا لَأَخَذَتْ

هَذَا مَا قَضَى بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَوَافَقَهُ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ فَقَوْلُهُ: (وَأَبَوَيْنِ) رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ. (وَالسُّدُسُ) فَرْضٌ (لِسَبْعَةٍ: لِلْأُمِّ إنْ وُجِدَ مَنْ ذُكِرَ) مِنْ فَرْعٍ وَارِثٍ كَابْنٍ وَابْنِ ابْنٍ وَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَاثْنَيْنِ فَفَوْقُ مِنْ الْإِخْوَةِ مُطْلَقًا. (وَ) السُّدُسُ فَرْضٌ (لِوَلَدِ الْأُمِّ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (إنْ انْفَرَدَ) قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12] إذْ الْمُرَادُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ لِأُمٍّ كَمَا قُرِئَ بِهِ شَاذًّا. (وَ) السُّدُسُ فَرْضٌ (لِبِنْتِ الِابْنِ) وَإِنْ سَفَلَتْ أَوْ بَنَاتِ الِابْنِ الْمُتَسَاوِيَاتِ. فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَقْرَبَ فَهُوَ لَهَا إنْ كَانَتْ أَوْ كُنَّ (مَعَ الْبِنْتِ) الْوَاحِدَةِ تَكْمِلَةِ الثُّلُثَيْنِ لِلْإِجْمَاعِ وَلِقَوْلِ «ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُخْتٍ: لَأَقْضِيَنَّ فِيهَا بِقَضَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَرْبَعَةً يَبْقَى خَمْسَةٌ لِلْأَبِ فَلَمْ يُفَضَّلْ عَلَيْهَا التَّفْضِيلَ الْمَعْهُودَ وَهُوَ كَوْنُهُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. قَوْلُهُ: [هَذَا مَا قَضَى بِهِ عُمَرُ] : أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. قَوْلُهُ: [مِنْ الْإِخْوَةِ مُطْلَقًا] : أَيْ ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ شَقِيقَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ. قَوْلُهُ: [يُورَثُ كَلَالَةً] : الْكَلَالَةُ هِيَ أَنْ يَمُوتَ الْمَيِّتُ وَلَمْ يَتْرُكْ فَرْعًا وَلَا أَصْلًا. قَوْلُهُ: [كَمَا قُرِئَ بِهِ شَاذًّا] : أَيْ وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ لِكَوْنِهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي ثَبَتَتْ بِالْآحَادِ. قَوْلُهُ: [وَلِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ] إلَخْ: رَوَى الْبُخَارِيُّ: " أَنْ هُزَيْلًا بِالزَّايِ وَابْنَ شُرَحْبِيلَ سَأَلَا أَبَا مُوسَى وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُخْتٍ فَقَالَ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَلَا شَيْءَ لِبِنْتِ الِابْنِ وَائْتِيَا ابْنَ مَسْعُودٍ فَسَيُتَابِعُنِي فَأَتَيَاهُ وَأَخْبَرَاهُ بِمَا قَالَ أَبُو مُوسَى فَقَالَ: ضَلَلْت إذًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُهْتَدِينَ، لَأَقْضِيَنَّ فِيهَا بِمَا قَضَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ فَأَتَيَا أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ ".

[العاصب]

تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَمَا بَقِيَ لِلْأُخْتِ» ، أَيْ لِأَنَّهَا عَصَبَةٌ مَعَ الْبِنْتِ. وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ كُلَّ بِنْتِ ابْنٍ نَازِلَةٍ فَأَكْثَرَ مَعَ بِنْتِ ابْنٍ وَاحِدَةٍ أَعْلَى مِنْهَا. (وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ) أَيْ أُخْتِ الْمَيِّتِ الَّتِي أَدْلَتْ بِالْأَبِ فَقَطْ فَأَكْثَرَ فَرْضَهَا أَوْ فَرْضَهُنَّ السُّدُسُ (مَعَ الْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ) : الْوَاحِدَةِ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ. وَالتَّقْيِيدُ بِالْوَاحِدَةِ فِي الْأُخْتِ وَالْبِنْتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ بِنْتُ الِابْنِ مَعَ بِنْتَيْنِ أَوْ الْأُخْتُ لِلْأَبِ مَعَ شَقِيقَتَيْنِ لَسَقَطَتَا مَا لَمْ تُعْصَبْ كَمَا يَأْتِي. (وَ) السُّدُسُ فَرْضُ (أَبٍ وَجَدٍّ) عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ (مَعَ فَرْعٍ وَارِثٍ) لِلْمَيِّتِ فَإِنْ كَانَ الْفَرْعُ ذَكَرًا فَلَيْسَ لِلْأَبِ أَوْ الْجَدِّ غَيْرُ السُّدُسِ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَلَهُ السُّدُسُ فَرْضًا وَالْبَاقِي تَعْصِيبًا كَمَا يَأْتِي. (وَ) السُّدُسُ فَرْضُ (الْجَدَّةِ مُطْلَقًا) مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ أَوْ الْأَبِ كُلٌّ مَنْ انْفَرَدَتْ أَخَذَتْهُ وَإِنْ اجْتَمَعَتَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا (إذَا لَمْ تُدْلِ بِذَكَرٍ غَيْرِ الْأَبِ) : كَأُمِّ الْأُمِّ وَأُمِّ الْأَبِ، فَإِنْ أَدْلَتْ بِذَكَرٍ غَيْرِ الْأَبِ فَلَا تَرِثُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ مَالِكًا لَا يُوَرِّثُ أَكْثَرَ مِنْ جَدَّتَيْنِ كَمَا يَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي بَابِ الْحَجْبِ مَعَ زِيَادَةِ حُكْمِ الْقُرْبَى وَالْبُعْدَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَالْعَاصِبُ هُوَ مَنْ وَرِثَ الْمَالَ) كُلَّهُ إنْ انْفَرَدَ (أَوْ) وَرِثَ (الْبَاقِيَ) بَعْدَ جِنْسِ (الْفَرْضِ) الصَّادِقِ بِالْفَرْضِ الْوَاحِدِ أَوْ الْفُرُوضِ. وَهَذَا إشَارَةٌ لِتَفْسِيرِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَرَّفَ وَكَرَّمَ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مَا لَمْ تُعْصَبْ] : أَيْ بِأَنْ يَكُونَ لَهَا أَخٌ أَوْ ابْنُ عَمٍّ مُسَاوٍ لَهَا. [الْعَاصِب] قَوْلُهُ: [أَوْ وَرِثَ الْبَاقِيَ بَعْدَ جِنْسِ الْفَرْضِ] : أَيْ وَيَسْقُطُ إذَا اسْتَغْرَقَتْ الْفُرُوضُ التَّرِكَةَ إلَّا أَنْ يَنْقَلِبَ مِنْ حَالَةِ الْعُصُوبَةِ إلَى الْفَرْضِيَّةِ كَالْأَشِقَّاءِ فِي الْحِمَارِيَّةِ وَالْأُخْتِ فِي الْأَكْدَرِيَّةِ وَلَعَلَّهُ أَسْقَطَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لِعَدَمِ اطِّرَادِهَا إذْ الِابْنُ وَنَحْوُهُ لَا يَسْقُطُ بِحَالٍ، وَعَرَّفَ أَيْضًا الْعَاصِبَ بِأَنَّهُ مَنْ لَهُ وَلَاءٌ وَكُلُّ ذَكَرٍ يُدْلِي لِلْمَيِّتِ لَا بِوَاسِطَةِ أُنْثَى. وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ الْعَصَبِ الشِّدَّةُ وَالْقُوَّةُ وَمِنْهُ عَصَبُ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّهُ يُعِينُهُ عَلَى الشِّدَّةِ وَالْمُدَافَعَةِ فَعَصَبَةُ الرَّجُلِ بَنُوهُ وَقَرَابَتُهُ لِأَبِيهِ وَسُمُّوا بِذَلِكَ لِتَقَوِّيهِ بِهِمْ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَقِيلَ سُمُّوا عَصَبَةً؛ لِأَنَّهُمْ عَصَبُوا بِهِ أَيْ أَحَاطُوا بِهِ فَالْأَبُ طَرَفٌ وَالِابْنُ طَرَفٌ

بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» وَمَتَى أُطْلِقَ فَهُوَ عَاصِبٌ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ عُصُوبَةِ النِّسْوَةِ الْأَرْبَعِ ذَوَاتِ النِّصْفِ إذَا كَانَ أَخٌ لَهُنَّ فَعَصَبَةٌ بِالْغَيْرِ أَيْ فَالْغَيْرُ عَاصِبٌ. وَبِخِلَافِ الْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ أَوْ لِأَبٍ مَعَ بِنْتٍ أَوْ بِنْتِ ابْنٍ فَعَصَبَةٍ مَعَ الْغَيْرِ أَيْ لِأَنَّ الْغَيْرَ لَيْسَ بِعَاصِبٍ. وَلَمَّا بَيَّنَ الْعَاصِبَ بِالْحَدِّ بَيَّنَهُ بِالْعَدِّ فَقَالَ: (وَهُوَ الِابْنُ) وَاصْطِلَاحُهُمْ الِابْنُ الذَّكَرُ بِخِلَافِ الْوَلَدِ فَيَعُمُّ. (فَابْنُهُ) أَيْ ابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْأَقْرَبَ يَحْجُبُ الْأَبْعَدَ وَلَا يَرِثُ مَعَ الِابْنِ أَوْ ابْنِ الِابْنِ مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ إلَّا الْأَبُ وَالْأُمُّ أَوْ الْجَدَّةُ وَالزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ. (وَعَصَّبَ كُلٌّ) مِنْ الِابْنِ أَوْ ابْنِهِ (أُخْتَهُ) وَلَوْ حُكْمًا؛ كَابْنٍ مَعَ بِنْتِ عَمِّهِ الْمُسَاوِيَةِ فِي الرُّتْبَةِ فَإِنَّهُ أَخُوهَا حُكْمًا كَمَا تَقَدَّمَ لَنَا. وَكَذَا يُعَصِّبُ ابْنُ الِابْنِ النَّازِلُ بِنْتَ الِابْنِ الْأَعْلَى مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ فِي الثُّلُثَيْنِ كَبِنْتَيْنِ وَبِنْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَخُ جَانِبٌ وَكَذَا الْعَمُّ وَأَخَّرَ الْمُصَنِّفُ ذِكْرَ الْعَاصِبِ لِتَقَدُّمِ أَهْلِ الْفَرْضِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [أَيْ فَالْغَيْرُ عَاصِبٌ] : مُقَوٍّ؛ لِأَنَّ الْأُنْثَى قَدْ تَسْقُطُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ لَوْلَا وُجُودُ الذَّكَرِ الْمُسَاوِي لَهَا أَوْ الْأَدْنَى مِنْهَا. قَوْلُهُ: [أَيْ؛ لِأَنَّ الْغَيْرَ لَيْسَ بِعَاصِبٍ] : أَيْ فَإِنَّ الْبِنْتَ لَمْ تَكُنْ مُقَوِّيَةً لِلْأُخْتِ فِي أَخْذِ الْأُخْتِ الْبَاقِيَ وَإِنَّمَا حَصَلَتْ الْمُصَاحَبَةُ فِي الْأَخْذِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [أَوْ الْجَدَّةُ] : أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ أُمٌّ لِقَوْلِهِ فِي الرَّحَبِيَّةِ: وَتَسْقُطُ الْجَدَّاتُ مِنْ كُلِّ جِهَةْ ... بِالْأُمِّ فَافْهَمْهُ وَقِسْ مَا أَشْبَهَهُ وَقَوْلُهُ: [وَالزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ] : أَيْ فَالزَّوْجُ يَرِثُ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ زَوْجَةً وَالزَّوْجَةُ تَرِثُ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ زَوْجًا، وَلَا يَتَأَتَّى اجْتِمَاعُ الزَّوْجَيْنِ فِي مِيرَاثٍ وَاحِدٍ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمَلْفُوفِ وَالْمَشْهُورَةِ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهَا. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ أَخُوهَا حُكْمًا] : أَيْ وَيُعْطَى لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. قَوْلُهُ: [إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ فِي الثُّلُثَيْنِ] : مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا شَيْءٌ فِي

ابْنٍ وَابْنِ ابْنِ ابْنٍ وَهِيَ عَصَبَةٌ بِالْغَيْرِ وَلَوْلَاهُ لَسَقَطَتْ كَمَا تَقَدَّمَ. (فَالْأَبُ) : عَاصِبٌ يَحُوزُ جَمِيعَ الْمَالِ عِنْدَ عَدَمِ الِابْنِ أَوْ ابْنِهِ. (فَالْجَدُّ) وَإِنْ عَلَا عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ وَيَحْجُبُ الْأَقْرَبُ الْأَبْعَدَ. (وَالْإِخْوَةُ وَالْأَشِقَّاءُ) فِي مَرْتَبَةِ الْجَدِّ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي. (ثُمَّ) الْإِخْوَةُ (لِلْأَبِ) عِنْدَ عَدَمِ الشَّقِيقِ. (وَعَصَّبَ كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ الْإِخْوَةُ الْأَشِقَّاءُ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ (أُخْتَهُ الَّتِي فِي دَرَجَتِهِ؛ فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) . (فَابْنُ كُلٍّ) مِنْ الْأَشِقَّاءِ أَوْ لِلْأَبِ مَرْتَبَتُهُ بَعْدَ مَرْتَبَةِ أَبِيهِ فَيُقَدَّمُ ابْنُ الْأَخِ الشَّقِيقِ عَلَى ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ. (فَالْعَمُّ الشَّقِيقُ) وَالْعَمُّ (لِلْأَبِ) ، وَعَلِمْت أَنَّ الْعَمَّ لِلْأُمِّ لَيْسَ بِوَارِثٍ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ بَنُو أَبْنَاءٍ فِي طَبَقَةٍ وَاحِدَةٍ، فَالْمَالُ أَوْ الْبَاقِي بَعْدَ الْفُرُوضِ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ؛ فَلَيْسَ لِكُلٍّ مَا كَانَ لِأَبِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ تَلَقَّوْا الْمَالَ عَنْ جَدِّهِمْ لَا عَنْ أَبِيهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالثُّلُثَيْنِ لَا يَعْصِبُهَا بَلْ يَأْخُذُ الْبَاقِيَ وَحْدَهُ، وَذَلِكَ كَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَابْنِ ابْنِ ابْنٍ أَنْزَلَ فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ لِلْبِنْتِ نِصْفُهَا ثَلَاثَةٌ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ سُدُسُهَا وَاحِدُ الِاثْنَانِ يَأْخُذُهُمَا ابْنُ الِابْنِ النَّازِلِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْلَاهُ لَسَقَطَتْ] : أَيْ لِعَدَمِ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ الثُّلُثَيْنِ وَيُسَمَّى بِابْنِ الْأَخِ الْمُبَارَكِ وَلَا يُقَالُ إنَّ ابْنَ الْأَخِ لَا يَعْصِبُ عَمَّتَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي ابْنِ الْأَخِ لِلْمَيِّتِ كَمَا إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ وَتَرَكَ أُخْتَيْنِ شَقِيقَتَيْنِ وَأُخْتًا لِأَبٍ وَابْنَ أَخٍ، فَإِنَّ ابْنَ الْأَخِ يَأْخُذُ الثُّلُثَ الْبَاقِيَ وَتَسْقُطُ الْأُخْتُ لِلْأَبِ، وَأَمَّا هُنَا فَهُوَ ابْنُ ابْنِ ابْنِ الْمَيِّتِ فَيَعْصِبُ مَنْ فَوْقَهُ وَإِنْ كَانَتْ تُسَمَّى عَمَّةً لَهُ. قَوْلُهُ: [وَيَحْجُبُ الْأَقْرَبُ الْأَبْعَدَ] : أَيْ فَأَبٌ الْأَبِ يَحْجُبُ مَنْ فَوْقَهُ وَهَكَذَا. قَوْلُهُ: [وَعَلِمْت أَنَّ الْعَمَّ لِلْأُمِّ لَيْسَ بِوَارِثٍ] : أَيْ مِنْ اقْتِصَارِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْعَمِّ الشَّقِيقِ وَاَلَّذِي لِلْأَبِ وَالِاقْتِصَارُ فِي مَقَامِ الْبَيَانِ يُفِيدُ الْحَصْرَ. قَوْلُهُ: [؛ لِأَنَّهُمْ تَلَقَّوْا الْمَالَ عَنْ جَدِّهِمْ] : أَيْ وَنِسْبَتُهُمْ لَهُ وَاحِدَةٌ فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَوْلَادِ الصُّلْبِ.

وَكَذَلِكَ أَبْنَاءُ الْإِخْوَةِ وَأَبْنَاءُ الْأَعْمَامِ. (فَأَبْنَاؤُهُمَا) : أَيْ أَبْنَاءُ الْعَمِّ الشَّقِيقِ وَالْعَمِّ لِلْأَبِ، فَيُقَدَّمُ ابْنُ الْعَمِّ الشَّقِيقِ عَلَى ابْنِ الْعَمِّ لِلْأَبِ. (فَعَمُّ الْجَدِّ فَابْنُهُ) فِي جَمِيعِ الْمَرَاتِبِ: (يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ) فِي الدَّرَجَةِ عَلَى الْأَبْعَدِ. وَإِنْ كَانَ الْأَبْعَدُ أَقْوَى مِنْهُ فَجِهَةُ الْبُنُوَّةِ تُقَدَّمُ عَلَى جِهَةِ الْأُبُوَّةِ، وَالِابْنُ يُقَدَّمُ عَلَى ابْنِ ابْنِهِ وَهَكَذَا. وَجِهَةُ الْأُبُوَّةِ تُقَدَّمُ عَلَى جِهَةِ الْجُدُودَةِ وَالْإِخْوَةِ، وَالْأَخُ وَإِنْ كَانَ لِأَبٍ يُقَدَّمُ عَلَى ابْنِ الْأَخِ وَلَوْ شَقِيقًا. وَلَا يَنْظُرُ لِقُوَّتِهِ وَجِهَةُ الْأُخُوَّةِ تُقَدَّمُ عَلَى جِهَةِ الْعُمُومَةِ فَابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَمِّ الشَّقِيقِ، وَيُقَدَّمُ الْعَمُّ عَلَى عَمِّ الْعَمِّ لِلْقُرْبِ. ثُمَّ جِهَةُ بَنِي الْعُمُومَةِ، فَيُقَدَّمُ ابْنُ الْعَمِّ وَلَوْ غَيْرُ شَقِيقٍ عَلَى ابْنِ ابْنِ الْعَمِّ الشَّقِيقِ لِلْقُرْبِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ غَيْرِ شَقِيقٍ) : فَلَا يَنْظُرُ لِلْقُوَّةِ إلَّا مَعَ التَّسَاوِي. كَمَا قَالَ: (وَمَعَ التَّسَاوِي) فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ (الشَّقِيقُ) كَالْإِخْوَةِ وَبَنِيهِمْ وَالْأَعْمَامِ وَبَنِيهِمْ وَأَعْمَامِ الْأَبِ وَبَنِيهِمْ (مُطْلَقًا) أَيْ فِي جَمِيعِ الْمَرَاتِبِ الشَّقِيقُ عَلَى الَّذِي لِلْأَبِ كَمَا قَالَ الْجَعْبَرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَنَا بِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَكَذَلِكَ أَبْنَاءُ الْإِخْوَةِ] إلَخْ: أَيْ فَتَنْزِيلُ أَبْنَاءِ الْإِخْوَةِ مَنْزِلَةَ آبَائِهِمْ فِي أَصْلِ التَّعْصِيبِ لَا فِيمَا يَأْخُذُونَهُ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ إذَا مَاتَ شَقِيقَانِ أَوْ لِأَبٍ أَحَدُهُمَا عَنْ وَلَدٍ وَاحِدٍ وَالْآخَرُ عَنْ خَمْسَةٍ ثُمَّ مَاتَ جَدُّهُمْ عَنْ مَالٍ فَإِنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَهُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ بِالسَّوِيَّةِ لِاسْتِوَاءِ رُتْبَتِهِمْ، وَلَا يَرِثُ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمَا مَا كَانَ يَرِثُهُ أَبُوهُ؛ لِأَنَّ مِيرَاثَهُمَا بِأَنْفُسِهِمَا لِآبَائِهِمَا. قَالَ التَّتَّائِيُّ وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي عَصْرِنَا فَأَفْتَى فِيهَا قَاضِي الْحَنَفِيَّةِ نَاصِرُ الدِّينِ الْأَخْمِيمِيِّ بِأَنَّهُ يَرِثُ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمَا مَا كَانَ لِأَبِيهِ فَيُقْسَمُ الْمَالُ نِصْفَيْنِ، وَغَلَّطَهُ فِي ذَلِكَ بَدْرُ الدَّيْنِ سِبْطُ الْمَارْدِينِيُّ وَشَنَّعَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَفَادَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ جِهَةُ بَنِي الْعُمُومَةِ] : كَلَامُهُ يُفِيدُ أَنَّ جِهَةَ بَنِي الْعُمُومَةِ الْقَرِيبَةِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ جِهَةِ الْعُمُومَةِ وَإِنْ عَلَتْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ بَنُو الْعُمُومَةِ الْقَرِيبَةِ يُقَدَّمُونَ عَلَى الْأَعْمَامِ الْأَبَاعِدِ فَأَوْلَادُ عَمِّ الْمَيِّتِ يُقَدَّمُونَ عَلَى أَعْمَامِ أَبِيهِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ.

وَبِالْجِهَةِ التَّقْدِيمُ ثُمَّ بِقُرْبِهِ ... وَبَعْدَهُمَا التَّقْدِيمَ بِالْقُوَّةِ اجْعَلَا (فَذُو الْوَلَاءِ) : أَيْ الْمُعْتِقِ ذَكَرًا وَأُنْثَى، فَعَصَبَتُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَلَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَقَدِّمْ عَاصِبَ النَّسَبِ " إلَخْ. (فَبَيْتُ الْمَالِ) : وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا، فَيَأْخُذُ جَمِيعَ الْمَالِ أَوْ مَا أَبْقَتْ الْفُرُوضُ. (وَلَا يَرُدُّ) لِذَوِي السِّهَامِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَاصِبِ بَلْ يَدْفَعُ الْبَاقِيَ لِبَيْتِ الْمَالِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَبِالْجِهَةِ التَّقْدِيمُ] : الْجَارُ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَالتَّقْدِيمُ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وَالْمَعْنَى التَّقْدِيمُ يُعْتَبَرُ أَوَّلًا بِالْجِهَةِ. وَقَوْلُهُ: [ثُمَّ بِقُرْبِهِ] : مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالْجِهَةِ، أَيْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ اخْتِلَافٌ فِي الْجِهَةِ بَلْ اتَّحَدَتْ فَالتَّقْدِيمُ يَكُونُ بِالْقُرْبِ كَالْبُنُوَّةِ وَإِنْ نَزَلَتْ وَالْجُدُودَةِ وَإِنْ عَلَتْ، فَإِنَّ لِكُلٍّ جِهَةً فَتَقْدِيمُ الِابْنِ عَلَى ابْنِ الِابْنِ بِاعْتِبَارِ الْقُرْبِ لَا بِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ لِاتِّحَادِهَا وَكَذَلِكَ الْجَدُّ الْأَدْنَى مَعَ الْأَعْلَى. قَوْلُهُ: [وَبَعْدَهُمَا] : مُتَعَلِّقٌ بِاجْعَلَا وَالتَّقْدِيمُ بِالنَّصْبِ مَفْعُولًا لِاجْعَلَا، وَبِالْقُوَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِاجْعَلَا، وَالْأَلِفُ فِي اجْعَلَا مُنْقَلِبَةٌ عَنْ نُونِ التَّوْكِيدِ الْخَفِيفَةِ وَالضَّمِيرُ فِي بَعْدَهُمَا عَائِدٌ عَلَى الْجِهَةِ وَالْقُرْبِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا حَصَلَ اتِّحَادٌ فِي الْجِهَةِ وَالْقُرْبِ مَعًا اُعْتُبِرَ التَّقْدِيمُ بِالْقُوَّةِ فَمَنْ يُدْلِي بِجِهَتَيْنِ أَقْوَى مِمَّنْ يُدْلِي بِجِهَةٍ، فَالِاعْتِبَارُ بِالْقُوَّةِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْإِخْوَةِ وَبَنِيهِمْ وَالْعُمُومَةِ وَبَنِيهِمْ. قَوْلُهُ: [كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَلَاءِ] : أَيْ مِنْ تَأْخِيرِ الْمُعْتَقِ عَنْ عَصَبَةِ النَّسَبِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى عَصَبَةِ نَفْسِهِ وَتَقْدِيمِ عَصَبَةِ نَسَبِهِ عَلَى مُعْتِقِهِ، وَمُعْتِقِهِ عَلَى مُعْتِقِ مُعْتِقِهِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [فَبَيْتُ الْمَالِ] : أَيْ ثُمَّ يَلِيهِ فِي الْإِرْثِ بِالْعُصُوبَةِ بَيْتُ الْمَالِ الَّذِي لِوَطَنِهِ مَاتَ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ الْبِلَادِ كَانَ مَالُهُ أَوْ بِغَيْرِهِ كَمَا فِي (ح) وَانْظُرْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطَنٌ هَلْ الْمُعْتَبَرُ مَحَلُّ الْمَالِ أَوْ الْمَيِّتُ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُرَدُّ لِذَوِي السِّهَامِ] : الرَّدُّ ضِدُّ الْعَوْلِ فَهُوَ زِيَادَةٌ فِي أَنْصِبَاءِ الْوَرَثَةِ نُقْصَانٌ فِي السِّهَامِ.

(وَلَا يُدْفَعُ) الْمَالُ أَوْ الْبَاقِي (لِذَوِي الْأَرْحَامِ) : هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَلَكِنَّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ: الرَّدُّ عَلَى ذَوِي السِّهَامِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ. (وَعَلَى الرَّدِّ: فَيُرَدُّ عَلَى كُلِّ ذِي سَهْمٍ بِقَدْرِ مَا وَرِثَ إلَّا الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ) : فَلَا رَدَّ عَلَيْهِمَا إجْمَاعًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَكِنَّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ] : أَيْ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبِرِّ وَعَنْ الطُّرْطُوشِيِّ وَعَنْ الْبَاجِيِّ وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ وَذَكَرَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ الْبُحَيْرِيُّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ عَنْ عُيُونِ الْمَسَائِلِ، أَنَّهُ حَكَى اتِّفَاقَ شُيُوخِ الْمَذْهَبِ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ عَلَى تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَالرَّدُّ عَلَى ذَوِي السِّهَامِ لِعَدَمِ انْتِظَامِ بَيْتِ الْمَالِ، وَقِيلَ: إنَّ بَيْتَ الْمَالِ إذَا كَانَ غَيْرَ مُنْتَظِمٍ يَتَصَدَّقُ بِالْمَالِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ لَا عَنْ الْمَيِّتِ، وَالْقِيَاسُ صَرْفُهُ فِي مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ إنْ أَمْكَنَ. فَإِنْ كَانَ ذُو رَحِمِ الْمَيِّتِ مِنْ جُمْلَةِ مَصَارِيفِ بَيْتِ الْمَالِ فَهُمْ أَوْلَى. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي كَيْفِيَّةِ تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ مَذَاهِبُ أَصَحُّهَا مَذْهَبُ أَهْلِ التَّنْزِيلِ وَحَاصِلُهُ أَنَّنَا نُنَزِّلُهُمْ مَنْزِلَةَ مَنْ أُدْلُوا بِهِ لِلْمَيِّتِ دَرَجَةً فَيُقَدَّمُ السَّابِقُ لِلْمَيِّتِ فَإِنْ اسْتَوَوْا فَاجْعَلْ الْمَسْأَلَةَ لِمَنْ أَدْلَوْا بِهِ، وَالْمُرَادُ بِذَوِي الْأَرْحَامِ مَنْ لَا يَرِثُ مِنْ الْأَقَارِبِ لَا بِالْفَرْضِ وَلَا بِالتَّعْصِيبِ وَعَدَهُمْ فِي الْجَلَّابِ خَمْسَةَ عَشَرَ: الْجَدُّ أَبُو الْأُمِّ وَالْجَدَّةُ أُمُّ أَبِي الْأَبِ وَوَلَدُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتُ لِلْأُمِّ، وَالْخَالُ وَأَوْلَادُهُ وَالْخَالَةُ وَأَوْلَادُهَا، وَالْعَمُّ لِلْأُمِّ وَأَوْلَادُهُ، وَالْعَمَّةُ وَأَوْلَادُهَا، وَوَلَدُ الْبَنَاتِ وَوَلَدُ الْأَخَوَاتِ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ كُلِّهَا، وَبَنَاتُ الْعُمُومَةِ (اهـ) أَفَادَهُ (شب) . قَوْلُهُ: [فَيُرَدُّ عَلَى كُلِّ ذِي سَهْمٍ] : أَيْ فَإِنْ كَانَ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ شَخْصًا وَاحِدًا كَأُمٍّ أَوْ وَلَدِ أُمٍّ فَلَهُ الْمَالُ فَرْضًا وَرَدًّا وَإِنْ كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا كَأَوْلَادِ أُمٍّ أَوْ جَدَّاتٍ فَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ عَدَدِهِمْ كَالْعَصَبَةِ وَإِنْ كَانَ صِنْفَيْنِ جُمِعَتْ فُرُوضُهُمْ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لِتِلْكَ الْفُرُوضِ، فَالْمُجْتَمِعُ أَصْلٌ لِمَسْأَلَةِ الرَّدِّ فَاقْطَعْ النَّظَرَ عَنْ الْبَاقِي مِنْ أَصْلِ مَسْأَلَةِ تِلْكَ الْفُرُوضِ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ. وَاعْلَمْ أَنْ مَسَائِلَ الرَّدِّ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ كُلُّهَا مُقْتَطَعَةٌ مِنْ سِتَّةٍ، وَأَنَّهَا قَدْ تَحْتَاجُ لِتَصْحِيحٍ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَخُذْ لَهُ فَرْضَهُ مِنْ مَخْرَجِ

(فَإِنْ انْفَرَدَ أَخَذَ الْجَمِيعَ) . (وَيَرِثُ بِفَرْضٍ وَعُصُوبَةٍ: الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ مَعَ بِنْتٍ أَوْ بِنْتِ ابْنٍ فَأَكْثَرَ) : فَيُفْرَضُ لِلْأَبِ مَعَ مَنْ ذُكِرَ السُّدُسُ وَيَأْخُذُ الْبَاقِيَ تَعْصِيبًا، وَكَذَلِكَ الْجَدُّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ مَعَ بِنْتَيْنِ فَأَكْثَرَ أَوْ بِنْتِي ابْنٍ فَأَكْثَرَ. (كَابْنِ عَمٍّ هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ) فَيَرِثُ السُّدُسَ لِكَوْنِهِ أَخًا لِأُمٍّ وَالْبَاقِيَ تَعْصِيبًا لِكَوْنِهِ ابْنِ عَمٍّ. وَأَدْخَلَ بِالْكَافِ: ابْنَ عَمٍّ هُوَ زَوْجٌ وَمُعْتِقًا هُوَ زَوْجٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَرْضِ الزَّوْجِيَّةِ فَقَطْ وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ أَوْ أَرْبَعَةٍ أَوْ ثَمَانِيَةٍ وَاقْسِمْ الْبَاقِيَ عَلَى مَسْأَلَةِ مِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ شَخْصًا وَاحِدًا أَوْ صِنْفًا وَاحِدًا فَأَصْلُ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ مَخْرَجُ فَرْضِ الزَّوْجِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ صِنْفٍ فَاعْرِضْ عَلَى مَسْأَلَةِ الرَّدِّ الْبَاقِيَ مِنْ مَخْرَجِ فَرْضِ الزَّوْجِيَّةِ، فَإِنْ انْقَسَمَ فَمَخْرَجُ فَرْضِ الزَّوْجِيَّةِ أَصْلٌ لِمَسْأَلَةِ الرَّدِّ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَوَلَدَيْهَا وَإِنْ لَمْ يُقْسَمْ ضَرَبْت مَسْأَلَةَ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ فِي مَخْرَجِ فَرْضِ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مُبَايِنًا فَمَا بَلَغَ فَهُوَ أَصْلُ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ، وَقَدْ تَحْتَاجُ مَسْأَلَةُ الرَّدِّ الَّتِي فِيهَا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِتَصْحِيحٍ أَيْضًا؛ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَأُصُولُ مَسَائِلِ الرَّدِّ كَانَ فِيهَا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَمْ لَا ثَمَانِيَةُ أُصُولٍ اثْنَانِ كَجَدَّةٍ وَأَخٍ لِأُمٍّ وَكَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ، وَثَلَاثَةٌ كَأُمٍّ وَوَلَدَيْهَا، وَأَرْبَعَةٌ كَأُمٍّ وَبِنْتٍ وَكَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَوَلَدَيْهَا، وَخَمْسَةٌ كَأُمٍّ وَشَقِيقَةٍ وَثَمَانِيَةٌ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتٍ، وَسِتَّةَ عَشَرَ كَزَوْجَةٍ وَشَقِيقَةٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ، وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأَرْبَعُونَ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَجَدَّةٍ أَفَادَهُ الشِّنْشَوْرِيُّ عَلَى الرَّحَبِيَّةِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ انْفَرَدَ أَخَذَ الْجَمِيعَ] : أَيْ فَإِنْ انْفَرَدَ ذُو السَّهْمِ كَمَا إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ عَنْ أُمٍّ مَثَلًا فَإِنَّهَا تَأْخُذُ الْجَمِيعَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُنْفَرِدِ سَهْمُهُ الْمَجْعُولُ لَهُ بِحَسَبِ الْأَصَالَةِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا فَلَا شَيْءَ لِذَوِي الْأَرْحَامِ مَا دَامَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ السِّهَامِ مَوْجُودًا غَيْرَ الزَّوْجَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَيَرِثُ بِفَرْضٍ وَعُصُوبَةٍ] إلَخْ: لِمَا ذَكَرَ مَنْ يَرِثُ بِالْفَرْضِ فَقَطْ وَبِالتَّعْصِيبِ فَقَطْ ذَكَرَ مَنْ يَرِثُ بِهِمَا. قَوْلُهُ: [كَابْنِ عَمٍّ] إلَخْ: أَشْعَرَ إفْرَادُهُ ابْنَ الْعَمِّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَالسُّدُسُ لِلْأَخِ لِلْأُمِّ ثُمَّ يُقْسَمُ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَقَالَ

[ميراث ذي الفرضين]

(وَوَرِثَ ذُو فَرْضَيْنِ بِالْأَقْوَى) فَقَطْ لَا بِالْجِهَتَيْنِ. ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْقُوَّةَ تَكُونُ بِكَوْنِهَا لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ كَالْبُنُوَّةِ وَالْأُمُومَةِ مَعَ الْإِخْوَةِ فَقَالَ: (وَهِيَ مَا لَا تَسْقُطُ) : كَأُمٍّ أَوْ بِنْتٍ هِيَ أُخْتٌ يَقَعُ فِي الْمُسْلِمِينَ غَلَطًا وَفِي الْمَجُوسِ عَمْدًا. فَإِذَا وَطِئَ بِنْتَه فَوَلَدَتْ مِنْهُ بِنْتًا ثُمَّ أَسْلَمَ مَعَهُمَا وَمَاتَ فَالْبِنْتُ الصُّغْرَى بِنْتٌ لِلْكُبْرَى وَأُخْتُهَا لِأَبِيهَا. فَإِذَا مَاتَتْ الْكُبْرَى بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِمَا وَرِثَتْهَا الصُّغْرَى بِالْبُنُوَّةِ؛ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ، بِخِلَافِ الْأُخُوَّةِ فَلَهَا النِّصْفُ فَقَطْ. وَمَنْ وَرِثَهَا بِالْجِهَتَيْنِ أَعْطَاهَا الْبَاقِيَ بِالتَّعْصِيبِ. وَلَوْ مَاتَتْ الصُّغْرَى أَوَّلًا وَرِثَتْهَا الْكُبْرَى بِالْأُمُومَةِ فَلَهَا الثُّلُثُ وَعَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ: " مَا لَا تَسْقُطُ " قَوْلَهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQأَشْهَبُ: يَأْخُذُ الْأَخُ لِلْأُمِّ جَمِيعَ الْمَالِ كَالشَّقِيقِ مَعَ الْأَخِ لِلْأَبِ. [مِيرَاث ذِي الْفَرْضَيْنِ] قَوْلُهُ: [وَوَرِثَ ذُو فَرْضَيْنِ] : مُرَادُهُ بِالْفَرْضَيْنِ غَيْرُ التَّعْصِيبِ بِالنَّفْسِ وَهَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ الشَّخْصِ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ فَرْضَانِ وَحُكْمُ مِيرَاثِهِ بِأَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ: [تَكُونُ بِكَوْنِهَا لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْقُوَّةَ تَقَعُ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا لَا تَحْجُبُ أَصْلًا بِخِلَافِ الْأُخْرَى، الثَّانِي أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا تَحْجُبُ الْأُخْرَى فَالْحَاجِبَةُ أَقْوَى، الثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا أَقَلَّ حَجْبًا مِنْ الْأُخْرَى وَقَدْ تَكَفَّلَ الشَّارِحُ بِأَمْثِلَتِهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ. قَوْلُهُ: [مَعَ الْإِخْوَةِ] : حَذَفَهُ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [كَأُمٍّ أَوْ بِنْتٍ] : أَيْ فَالْأُمُّ أَوْ الْبِنْتُ لَا تُحْجَبُ بِحَالٍ بِخِلَافِ الْأُخْتِ فَقَدْ تُحْجَبُ. قَوْلُهُ: [وَفِي الْمَجُوسِ عَمْدًا] : أَيْ وَلَكِنْ إسْلَامُهُ بَعْدَ ذَلِكَ يُصَحِّحُ أَنْسَابَهُمْ فَلِذَلِكَ حَكَمَ بِالْمِيرَاثِ بَيْنَهُمْ، وَأَمَّا الْعَمْدُ فِي الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ صِحَّةُ النَّسَبِ. قَوْلُهُ: [أَعْطَاهَا الْبَاقِيَ بِالتَّعْصِيبِ] : أَيْ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْأُخْتَ مَعَ الْبِنْتِ عَصَبَةٌ مَعَ الْغَيْرِ فَهِيَ هُنَا غَيْرُ نَفْسِهَا بِاعْتِبَارِ الْبُنُوَّةِ وَالْأُخُوَّةِ. قَوْلُهُ: [وَرِثَتْهَا الْكُبْرَى بِالْأُمُومَةِ] : أَيْ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ بِخِلَافِ وَصَفِّ الْأُخُوَّةِ فَقَدْ يَسْقُطُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهَا الثُّلُثُ لِكَوْنِهَا أُمًّا وَلَا شَيْءَ لَهَا بِالْأُخُوَّةِ خِلَافًا لِمَنْ وَرِثَهَا بِالْجِهَتَيْنِ فَقَالَ لَهَا الثُّلُثُ بِالْأُمُومَةِ وَالنِّصْفُ بِالْأُخُوَّةِ. قَوْلُهُ: [وَعَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ مَا لَا تَسْقُطُ] : هَذَا هُوَ الْأَمْرُ الثَّانِي مِنْ الثَّلَاثَةِ.

(أَوْ مَا تَحْجُبُ الْأُخْرَى) فَالْجِهَةُ الَّتِي تَحْجُبُ بِهَا غَيْرَهَا أَقْوَى فَتَرِثُ بِهَا، كَأَنْ يَطَأَ أُمَّهُ فَتَلِدَ وَلَدًا فَهِيَ أُمُّهُ وَجَدَّتُهُ أُمُّ أَبِيهِ فَتَرِثُ بِالْأُمُومَةِ اتِّفَاقًا. وَإِلَى مَا ذَكَرْنَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (كَأُمٍّ أَوْ بِنْتٍ هِيَ أُخْتٌ) وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ أَقَلَّ حَجْبًا مِنْ الْأُخْرَى فَهِيَ أَقْوَى تَرِثُ بِهَا كَأُمِّ أُمٍّ هِيَ أُخْتٌ لِأَبٍ؛ كَأَنْ يَطَأَ بِنْتَه فَتَلِدَ بِنْتًا ثُمَّ يَطَأَ الثَّانِيَةَ فَتَلِدَ بِنْتًا ثُمَّ تَمُوتَ الصُّغْرَى عَنْ الْعُلْيَا بَعْدَ مَوْتِ الْوُسْطَى وَالْأَبِ فَالْكُبْرَى جَدَّتُهَا وَأُخْتُهَا لِأَبِيهَا، فَتَرِثَهَا بِالْجُدُودَةِ فَلَهَا السُّدُسُ دُونَ الْأُخْتِيَّة؛ لِأَنَّ الْجَدَّةَ أُمُّ الْأُمِّ تَحْجُبُهَا الْأُمُّ فَقَطْ وَالْأُخْتُ تُحْجَبُ بِكَثِيرٍ لِأَبٍ وَالِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ. وَقِيلَ تَرِثُ بالأختية؛ لِأَنَّ نَصِيبَهَا أَكْثَرُ، فَلَوْ كَانَتْ مَحْجُوبَةً بِالْقَوِيَّةِ لَوَرِثَتْ بِالضَّعِيفَةِ؛ كَأَنْ تَمُوتَ الصُّغْرَى فِي هَذَا الْمِثَالِ عَنْ الْعُلْيَا وَالْوُسْطَى فَتَرِثُهَا الْوُسْطَى بِالْأُمُومَةِ فَتَأْخُذُ الثُّلُثَ وَتَرِثُهَا الْعُلْيَا بِالْأُخُوَّةِ فَتَأْخُذُ النِّصْفَ؛ لِأَنَّهَا مَحْجُوبَةٌ مِنْ جِهَةِ الْجُدُودَةِ بِالْأُمِّ. وَيُلْغَزُ بِهَا: امْرَأَةٌ مَاتَتْ عَنْ أُمِّهَا وَجَدَّتِهَا فَأَخَذَتْ الْأُمُّ الثُّلُثَ وَالْجَدَّةُ النِّصْفَ. وَقَوْلُهُ: (كَعَاصِبٍ بِجِهَتَيْنِ) : إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ: " ذُو فَرْضَيْنِ " مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ بِأَقْوَاهُمَا أَيْضًا (كَأَخٍ أَوْ عَمٍّ هُوَ) : أَيْ مِنْ ذَكَرٍ مِنْ الْأَخِ وَالْعَمِّ (مُعْتَقٍ) فَيَرِثُ بِعُصُوبَةِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ عُصُوبَةِ السَّبَبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَتَرِثُهُ بِالْأُمُومَةِ اتِّفَاقًا] : أَيْ وَلَا تَرِثُهُ بِالْجُدُودَةِ اتِّفَاقًا لِمَا مَرَّ أَنَّ الْإِرْثَ بِالْجُدُودَةِ لَا يَكُونُ مَعَ الْأُمُومَةِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَى مَا ذَكَرْنَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ كَأُمٍّ أَوْ بِنْتٍ هِيَ أُخْتٌ] : هَذَا الْمِثَالُ لَا يَصِحُّ إلَّا لِلْأُولَى مِنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْأَمْرُ الثَّالِثُ. قَوْلُهُ: [كَعَاصِبٍ] : أَيْ بِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ: [مِنْ عُصُوبَةِ النَّسَبِ] : الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ الْوَلَاءَ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ وَالنِّكَاحَ يُقَالُ لَهُمَا سَبَبٌ أَيْضًا قَالَ فِي الرَّحَبِيَّةِ: أَسْبَابُ مِيرَاثِ الْوَرَى ثَلَاثَهْ ... كُلٌّ يُفِيدُ رَبَّهُ الْوِرَاثَهْ

[فصل الجد مع الإخوة]

فَصْلٌ الْجَدُّ مَعَ الْإِخْوَةِ (لِلْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ الْأَشِقَّاءِ أَوْ الْأَخَوَاتِ أَوْ لِأَبٍ) وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ صَاحِبُ فَرْضٍ (الْأَفْضَلُ) مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: (الثُّلُثُ) : أَيْ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ (أَوْ الْمُقَاسَمَةُ) : كَأَنَّهُ أَخٌ مَعَهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ الْجَدُّ مَعَ الْإِخْوَةِ] [الْمَسْأَلَة الْأَكْدَرِيَّةِ] فَصْلٌ: اعْلَمْ أَنَّ إرْثَ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ مَذْهَبُ زَيْدٍ وَعَلِيٍّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: وَمَذْهَبُ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لِلْإِخْوَةِ مَعَ الْجَدِّ بَلْ هُوَ يَحْجُبُهُمْ كَالْأَبِ. قَوْلُهُ: [الْأَشِقَّاءِ] : قَدَّرَهُ الشَّارِحُ إشَارَةً إلَى أَنَّ فِيهِ حَذْفَ النَّعْتِ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ صَاحِبُ فَرْضٍ] : أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَلَهُ مَعَ ذِي فَرْضٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: [الْأَفْضَلُ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ] : اعْلَمْ أَنَّ أَحْوَالَ الْجَدِّ خَمْسَةٌ: إحْدَاهَا أَنْ يَكُونَ مَعَ الِابْنِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَهُ وَمَعَ غَيْرِهِ مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ. الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ مَعَ بِنْتٍ أَوْ بِنْتَيْنِ وَحْدِهِمَا أَوْ مَعَهُمَا وَمَعَ غَيْرِهِمَا مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ. الثَّالِثَةُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِخْوَةِ لِغَيْرِ أُمٍّ. الرَّابِعَةُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِخْوَةِ ذُو فَرْضٍ. الْخَامِسَةُ أَنْ لَا يَكُونَ مَعَهُ وَلَدٌ وَلَا إخْوَةٌ فَلَهُ الْمَالُ كُلُّهُ أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ بِالتَّعْصِيبِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ ابْنٌ فَقَطْ أَوْ ابْنٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ فَلَهُ السُّدُسُ فَرْضًا فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ بِنْتٌ أَوْ بِنْتَانِ فَقَطْ أَوْ مَعَهُمَا وَمَعَ غَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ كَانَ لَهُ السُّدُسُ فَرْضًا، وَإِنْ بَقِيَ لَهُ شَيْءٌ بَعْدَ فَرْضِ غَيْرِهِ أَخَذَهُ تَعْصِيبًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَوْلَادِ وَلَا مِنْ الْإِخْوَةِ أَخَذَ الْمَالَ كُلَّهُ تَعْصِيبًا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ صَاحِبُ فَرْضٍ وَإِلَّا أَخَذَ مَا فَضَلَ عَنْهُ تَعْصِيبًا فَهُوَ كَالْأَبِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ.

(فَيُقَاسَمُ) الْإِخْوَةُ (إذَا كَانُوا أَقَلَّ مِنْ مِثْلَيْهِ) : لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ. وَذَلِكَ فِي خَمْسِ صُوَرٍ: جَدٍّ وَأَخٍ أَوْ أُخْتَانِ أَوْ أُخْتٍ أَوْ أَخٍ وَأُخْتٍ أَوْ ثَلَاثِ أَخَوَاتٍ؛ إذْ يَنُوبُهُ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ نِصْفَ الْمَالِ، وَفِي الثَّالِثَةِ الثُّلُثَانِ، وَفِي الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ الْخُمُسَانِ. (وَ) يَأْخُذُ (الثُّلُثَ) : أَيْ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ (إنْ زَادُوا) : أَيْ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ عَنْ مِثْلَيْهِ؛ بِأَنْ زَادَتْ الْإِخْوَةُ عَنْ اثْنَيْنِ أَوْ الْأَخَوَاتُ عَلَى أَرْبَعٍ كَجَدٍّ وَأَخَوَيْنِ وَأُخْتٍ، فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سَبْعَةٍ، لَوْ قَاسَمَ لَأَخَذَ سُبْعَيْنِ - بِضَمِّ السِّينِ - وَالثُّلُثُ سُبْعَانِ وَثُلُثُ سَبْعٍ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَمَا بَقِيَ لِلْإِخْوَةِ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِمْ. وَهَذَا مِمَّا يَفْتَرِقُ فِيهِ الْأَبُ مِنْ الْجَدِّ، لِأَنَّ الْأَبَ يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ وَالْجَدُّ لَا يَحْجُبُ إلَّا الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ. فَلَمَّا كَانَ لَا يَسْقُطُ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ. أَشَارَ لِحُكْمِهِمْ مَعَهُ بِقَوْلِهِ: (وَعَدَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَيُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ] : حَاصِلُهُ أَنَّ لَهُ مَعَ الْإِخْوَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ صَاحِبُ فَرْضٍ حَالَيْنِ وَهُمَا الْمُقَاسَمَةُ وَثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ صَاحِبُ فَرْضٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالِ تَكَفَّلَ الْمَتْنُ وَالشَّارِحُ بِإِيضَاحِهَا. قَوْلُهُ: [وَذَلِكَ فِي خَمْسِ صُوَرٍ] : أَيْ يَتَحَقَّقُ كَوْنُهُمْ أَقَلَّ مِنْ مِثْلَيْهِ فِي تِلْكَ الْخَمْسِ. قَوْلُهُ: [إذْ يَنُوبُهُ فِي الْأُولَى] : أَيْ وَتَصِحُّ مِنْ اثْنَيْنِ. وَقَوْلُهُ: [وَالثَّانِيَةُ] : أَيْ وَأَصْلُهَا اثْنَانِ وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ؛ لِأَنَّ نَصِيبَيْ الْأُخْتَيْنِ وَاحِدٌ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا فَيُضْرَبُ عَدَدُ الْأُخْتَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ يَكُونُ الْحَاصِلُ أَرْبَعَةً لِلْجَدِّ اثْنَانِ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَاحِدٌ. قَوْلُهُ: [وَفِي الثَّالِثَةِ] : أَيْ وَهِيَ جَدٌّ وَأُخْتٌ فَقَطْ وَتَصِحُّ مِنْ أَصْلِهَا ثَلَاثَةٌ. قَوْلُهُ: [وَفِي الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ الْخُمُسَانِ] : أَيْ وَأَصْلُ كُلِّ خَمْسَةٍ تَصِحُّ مِنْهَا. قَوْلُهُ: [إنْ زَادُوا] إلَخْ: لَمْ يُعَيَّنْ لِلزِّيَادَةِ أَمْثِلَةٌ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ أَمْثِلَةَ الزِّيَادَةِ عَلَى مِثْلَيْهِ لَا تُحْصَرُ. قَوْلُهُ: [فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سَبْعَةٍ] : أَيْ وَهِيَ عِدَّةُ رُءُوسِهِمْ. قَوْلُهُ: [وَالثُّلُثُ سُبْعَانِ وَثُلُثُ سُبْعٍ] : أَيْ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ انْكَسَرَتْ عَلَى مَخْرَجِ

الشَّقِيقَ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْجَدِّ (إخْوَةُ الْأَبِ) عِنْدَ الْمُقَاسَمَةِ لِيَمْنَعَهُ كَثْرَةَ الْمِيرَاثِ. وَكَذَلِكَ يُعَدُّ الشَّقِيقُ الْأُخْتُ لِلْأَبِ كَانَ مَعَهُمْ ذُو سَهْمٍ أَمْ لَا؛ كَجَدٍّ وَأَخٍ شَقِيقٍ وَأَخٍ لِأَبٍ أَوْ مَعَهُمْ زَوْجَةٌ، فَيُعَدُّ فَرْضُهَا بِأَخْذِ الْجَدِّ نَصِيبَهُ، فَالْأَخُ الشَّقِيقُ يُعَدُّ الْأَخِ لِلْأَبِ فَيَسْتَوِي لِلْجَدِّ الْمُقَاسَمَةُ وَالثُّلُثُ فَيَأْخُذُهُ، وَيَأْخُذُ الشَّقِيقُ الْبَاقِيَ. وَكَذَلِكَ بَعْدَ أَخْذِ الزَّوْجَةِ الرُّبُعَ يَأْخُذُ الْجَدُّ ثُلُثَ الْبَاقِي لِاسْتِوَائِهِ مَعَ الْمُقَاسَمَةِ وَيَأْخُذُ الشَّقِيقُ الْبَاقِيَ وَهُوَ نِصْفُ الْمَالِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (ثُمَّ رَجَعَ) أَيْ الشَّقِيقُ (عَلَيْهِمْ) : أَيْ عَلَى الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ فَيَمْنَعُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَحْجُوبُونَ بِهِ. (كَالشَّقِيقَةِ) : تُعَدُّ عَلَى الْجَدِّ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ ثُمَّ تَرْجِعُ عَلَيْهِمْ (بِمَالِهَا) : وَهُوَ النِّصْفُ لِلْوَاحِدَةِ وَالثُّلُثَانِ لِلْأَكْثَرِ (لَوْ لَمْ يَكُنْ جَدٌّ) وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ لِلْأَخِ لِلْأَبِ؛ كَجَدٍّ وَشَقِيقَةٍ وَأَخٍ لِأَبٍ الْمُقَاسَمَةُ خَيْرٌ لِلْجَدِّ: أَصْلُهَا خَمْسَةٌ لَهُ سَهْمَانِ ثُمَّ اضْرِبْ مَقَامَ النِّصْفِ فِي خَمْسَةٍ بِعَشْرَةٍ لِلْجَدِّ أَرْبَعَةٌ وَلَهَا خَمْسَةٌ وَلِلْأَخِ لِلْأَبِ سَهْمٌ. (وَلَهُ) أَيْ لِلْجَدِّ (مَعَ فَرْضٍ مَعَهُمَا) : أَيْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ الْأَشِقَّاءِ أَوْ لِأَبٍ بَعْدَ أَخْذِ صَاحِبِ الْفَرْضِ الْأَفْضَلَ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــQالثُّلُثِ لِأَنَّ السَّبْعَةَ لَا ثُلُثَ لَهَا صَحِيحٌ فَنَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي سَبْعَةٍ بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ لِلْجَدِّ سَبْعَةٌ يَبْقَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ عَلَى خَمْسَةٍ لَا تَنْقَسِمُ، وَتُبَايَنُ فَتُضْرَبُ فِي أَحَدٍ وَعِشْرِينَ بِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ لِلْجَدِّ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ يَبْقَى سَبْعُونَ لِكُلِّ رَأْسٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ. قَوْلُهُ: [لِيَمْنَعَهُ كَثْرَةَ الْمِيرَاثِ] : عِلَّةٌ لِلْعَدِّ أَيْ فَالثَّمَرَةُ فِي عَدِّهِمْ مَنْعُ الْجَدِّ كَثْرَةَ الْمِيرَاثِ مِنْ غَيْرِ عَوْدِ ثَمَرَةٍ لَهُمْ لِحَجْبِهِمْ بِالشَّقِيقِ. قَوْلُهُ: [كَجَدٍّ وَأَخٍ شَقِيقٍ وَأَخٍ لِأَبٍ] : مِثَالٌ لِقَوْلِهِ أَمْ لَا وَقَوْلُهُ أَوْ مَعَهُمْ زَوْجَةٌ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ كَانَ مَعَهُمْ ذُو سَهْمٍ فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ. قَوْلُهُ: [أَصْلُهَا خَمْسَةٌ] : أَيْ مِنْ عِدَّةِ رُءُوسِهَا. قَوْلُهُ: [ثُمَّ اضْرِبْ مَقَامَ النِّصْفِ] : إنَّمَا اُحْتِيجَ لِلضَّرْبِ لِانْكِسَارِهِ عَلَى مَخْرَجِ النِّصْفِ لِأَنَّ الْأُخْتَ لَهَا النِّصْفُ وَالْخَمْسَةَ لَا نِصْفَ لَهَا صَحِيحٌ.

(السُّدُسُ) مِنْ أَصْلِ الْفَرِيضَةِ كَبِنْتَيْنِ وَزَوْجَةٍ وَأَخٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِضَرْبِ مَخْرَجِ الثُّلُثِ فِي الثُّمُنِ لِلْبِنْتَيْنِ سِتَّةَ عَشَرَ وَلِلزَّوْجَةِ ثَلَاثَةٌ يَبْقَى خَمْسَةٌ فَسُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ أَرْبَعَةٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي الَّذِي هُوَ وَاحِدٌ وَثُلُثَانِ وَمِنْ الْمُقَاسَمَةِ إذْ يَنُوبُهُ لَوْ قَاسَمَ اثْنَانِ وَنِصْفٌ (أَوْ ثُلُثُ الْبَاقِي) : كَأُمٍّ وَجَدٍّ وَخَمْسَةِ إخْوَةٍ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِلْأُمِّ سُدُسُهَا يَبْقَى خَمْسَةَ عَشَرَ ثُلُثُ الْبَاقِي خَمْسَةٌ خَيْرٌ لِلْجَدِّ مِنْ سُدُسِ جَمِيعِ الْمَالِ وَمِنْ الْمُقَاسَمَةِ (أَوْ الْمُقَاسَمَةُ) : كَجَدَّةٍ وَجَدٍّ وَأَخٍ مِنْ سِتَّةٍ سُدُسُهَا وَاحِدٌ فَالْمُقَاسَمَةُ خَيْرٌ لِلْجَدِّ مِنْ السُّدُسِ وَمِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي فَيَنُوبُهُ بِالْمُقَاسَمَةِ اثْنَانِ وَنِصْفٌ فَتُضْرَبُ مَخْرَجُ النِّصْفِ فِي سِتَّةٍ وَمِنْهَا تَصِحُّ وَأَوْ فِي كَلَامِهِ مَانِعَةُ خُلُوٍّ تُجَوِّزُ الْجَمْعَ بَيْنَ اثْنَيْنِ مِنْهَا أَوْ الثَّلَاثَةِ كَزَوْجٍ وَجَدَّةٍ وَجَدٍّ وَأَخٍ: مِنْ سِتَّةٍ يَأْخُذُ الزَّوْجُ النِّصْفَ وَالْجَدَّةُ السُّدُسَ فَتَسْتَوِي لَهُ الْمُقَاسَمَةُ وَالسُّدُسُ وَفِي أُمٍّ وَجَدٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [السُّدُسُ] : أَيْ سُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ. قَوْلُهُ: [مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ] : أَيْ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْفِرَاضِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ فِيهَا سُدُسٌ وَثُلُثٌ مَا بَقِيَ وَمَا بَقِيَ فَهِيَ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ. وَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ فَيَقُولُونَ إنَّ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ تَصْحِيحٌ لَا تَأْصِيلَ، فَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَهُمْ سِتَّةٌ لِلْأُمِّ سُدُسُهَا وَاحِدٌ وَإِنْ قَاسَمَ الْجَدُّ الْإِخْوَةَ أَخَذَ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا، وَإِنْ أَخَذَ سُدُسَ الْمَالِ أَخَذَ سَهْمًا وَاحِدًا، وَإِنْ أَخَذَ ثُلُثَ الْبَاقِي أَخَذَ وَاحِدًا وَثُلُثَيْنِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، لَكِنَّ الْخَمْسَةَ لَا ثُلُثَ لَهَا صَحِيحٌ فَتَضْرِبُ مَخْرَجَ الثُّلُثِ فِي سِتَّةٍ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ. قَوْلُهُ: [فَتَضْرِبُ مَخْرَجَ النِّصْفِ] : أَيْ لِانْكِسَارِهَا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [وَمِنْهَا تَصِحُّ] : أَيْ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلْجَدَّةِ اثْنَانِ يَبْقَى عَشْرَةٌ الْجَدُّ خَمْسَةٌ وَالْأَخُ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَأَوْ فِي كَلَامِهِ مَانِعَةُ خُلُوٍّ] : أَيْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَقَوْلُهُ: [بَيْنَ اثْنَيْنِ مِنْهَا] : أَيْ مِنْ السُّدُسِ وَثُلُثِ الْبَاقِي وَالْمُقَاسَمَةِ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ الثَّلَاثَةِ] : أَيْ اسْتِوَائِهَا كَمَا وَضَّحَهُ فِي الْمِثَالِ. قَوْلُهُ: [مِنْ سِتَّةٍ] : أَيْ لَانْدَرَجَ مَخْرَجُ النِّصْفِ فِي السُّدُسِ.

وَأَخَوَيْنِ لِلْأُمِّ وَاحِدٌ مِنْ سِتَّةٍ، فَإِنْ قَاسَمَ فِي الْبَاقِي سَاوَى مَا يَأْخُذُهُ ثُلُثَ الْبَاقِي فَقَدْ اسْتَوَيَا وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَفِي زَوْجٍ وَجَدٍّ وَثَلَاثَةِ إخْوَةٍ يَسْتَوِي ثُلُثُ الْبَاقِي وَالسُّدُسُ وَفِي زَوْجٍ وَجَدٍّ وَأَخَوَيْنِ تَسْتَوِي الثَّلَاثَةُ. (وَلَا يُفْرَضُ لِأُخْتٍ) شَقِيقَةٍ أَوْ لِأَبٍ (مَعَهُ) : أَيْ الْجَدُّ فِي فَرِيضَةٍ مِنْ الْفَرَائِضِ (إلَّا فِي الْأَكْدَرِيَّةِ) : لِأَنَّهَا إنْ انْفَرَدَتْ مَعَهُ عَصَبَهَا، وَإِنْ اجْتَمَعَتْ مَعَ غَيْرِهَا مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ أَوْ الْإِخْوَةِ فَحُكْمُ الْجَدِّ مَا تَقَدَّمَ وَحُكْمُهَا مَعَ إخْوَتِهَا كَذَلِكَ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ لَا يُفْرَضُ لَهَا إلَّا فِي الْأَكْدَرِيَّةِ. وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: (زَوْجٌ وَأُمٌّ وَجَدٌّ وَأُخْتٌ شَقِيقَةٌ أَوْ لِأَبٍ) فَهِيَ مِنْ سِتَّةٍ يَبْقَى بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ وَالْأُمِّ وَاحِدٌ لِلْجَدِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْهُ بِحَالٍ، فَأَسْقَطَ الْحَنَفِيَّةُ الْأُخْتَ، وَأَمَّا الْمَذَاهِبُ الثَّلَاثَةُ (فَيُفْرَضُ لَهَا) : أَيْ لِلْأُخْتِ (النِّصْفَ وَلَهُ السُّدُسُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَخَوَيْنِ] : أَيْ شَقِيقَيْنِ أَوْ لِأَبٍ فَقَوْلُهُ لِلْأُمِّ إلَخْ شُرُوعٌ فِي التَّقْسِيمِ. قَوْلُهُ: [وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ] : أَيْ لِانْكِسَارِهَا عَلَى مَخْرَجِ الثُّلُثِ. قَوْلُهُ: [يَسْتَوِي ثُلُثُ الْبَاقِي وَالسُّدُسُ] : أَيْ وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِانْكِسَارِهَا عَلَى مَخْرَجِ الثُّلُثِ. قَوْلُهُ: [تَسْتَوِي الثَّلَاثَةُ] : أَيْ وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ وَهِيَ أَصْلُهَا. قَوْلُهُ: [إلَّا فِي الْأَكْدَرِيَّةِ] : أَيْ وَتُسَمَّى بِالْغَرَّاءِ وَلُقِّبَتْ بِالْأَكْدَرِيَّةِ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ طَرَحَهَا عَلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ أَكْدَرُ فَأَخْطَأَ فِيهَا، أَوْ لِأَنَّ الْجَدَّ كَدَّرَ عَلَى الْأُخْتِ فَرْضَهَا وَبِالْغَرَّاءِ لِشُهْرَتِهَا فِي الْفَرَائِضِ كَغُرَّةِ الْفَرَسِ. قَوْلُهُ: [فَهِيَ مِنْ سِتَّةٍ] : أَيْ لِأَنَّ فِيهَا نِصْفًا وَثُلُثًا وَمَخْرَجُهُمَا مُتَبَايِنٌ. قَوْلُهُ: [فَأَسْقَطَ الْحَنَفِيَّةُ الْأُخْتَ] : أَيْ لِأَنَّ الْجَدَّ يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ عِنْدَهُمْ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْمَذَاهِبُ الثَّلَاثَةُ فَيُفْرَضُ لَهَا] إلَخْ: تَرْكِيبٌ فِيهِ ثِقَلٌ لَا يَخْفَى مَعَ وُضُوحِ الْمَعْنَى.

ثُمَّ يُقَاسِمُهَا) : فَقَدْ عَالَتْ بِفَرْضِ النِّصْفِ إلَى تِسْعَةٍ. فَلَوْ اسْتَقَلَّتْ بِمَا فُرِضَ لَهَا لَزَادَتْ فَتُرَدُّ بَعْدَ الْفَرْضِ إلَى التَّعْصِيبِ، فَتُضَمُّ حِصَّتُهَا لِحِصَّتِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُمْ مَعَهَا كَأَخٍ وَالْأَرْبَعَةُ مُبَايِنَةٌ لِلثَّلَاثَةِ فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةُ الرُّءُوسِ فِي تِسْعَةٍ فَتُصْبِحُ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ التِّسْعَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي ثَلَاثَةٍ. وَيُلْغَزُ بِهَا مِنْ وُجُوهٍ: خَلَّفَ أَرْبَعَةً مِنْ الْوَرَثَةِ فَأَخَذَ أَحَدُهُمْ جُزْءًا مِنْ الْمَالِ وَالثَّانِي نِصْفَ ذَلِكَ الْجُزْءِ وَالثَّالِثُ نِصْفَ الْجُزْأَيْنِ وَالرَّابِعُ نِصْفَ الْأَجْزَاءِ (وَلَوْ كَانَ بَدَلَهَا) : أَيْ الْأُخْتِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ (أَخٌ) : لَمْ يُقَيِّدْهُ لِيَشْمَلَ الْمَالِكِيَّةَ إنْ كَانَ لِأَبٍ. وَشَبَهَ الْمَالِكِيَّةِ إنْ كَانَ شَقِيقًا (وَمَعَهُ إخْوَةٌ لِأُمٍّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَتُضَمُّ حِصَّتُهَا] : أَيْ الَّتِي أَخَذَتْهَا بِالْعَوْلِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ. وَقَوْلُهُ: [لِحِصَّتِهِ] : أَيْ وَهُوَ الْوَاحِدُ الَّذِي كَانَ لَهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ. قَوْلُهُ: [وَالْأَرْبَعَةُ مُبَايِنَةٌ لِلثَّلَاثَةِ] : الْمُرَادُ بِالْأَرْبَعَةِ السِّهَامُ، وَالْمُرَادُ بِالثَّلَاثَةِ الرُّءُوسُ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ بِرَأْسَيْنِ وَهِيَ بِرَأْسٍ. قَوْلُهُ: [فَمَنْ لَهُ شَيْءٌ فِي التِّسْعَةِ] إلَخْ: أَيْ فَلِلزَّوْجِ تِسْعَةٌ وَلِلْأُمِّ سِتَّةٌ وَلِلْجَدِّ وَالْأُخْتِ اثْنَا عَشَرَ لَهَا أَرْبَعَةٌ وَلَهُ ثَمَانِيَةٌ. قَوْلُهُ: [فَأَخَذَ أَحَدُهُمْ جُزْءًا مِنْ الْمَالِ] : أَيْ وَهُوَ الْجَدُّ فَقَدْ أَخَذَ ثَمَانِيَةً. وَقَوْلُهُ: [وَالثَّانِي نِصْفُ ذَلِكَ الْجُزْءِ] : أَيْ وَهُوَ الْأُخْتُ فَقَدْ أَخَذَتْ أَرْبَعَةً. وَقَوْلُهُ: [وَالثَّالِثُ نِصْفَ الْجُزْأَيْنِ] : وَهُوَ الْأُمُّ فَقَدْ أَخَذَتْ سِتَّةً وَهِيَ نِصْفُ الِاثْنَيْ عَشَرَ. وَقَوْلُهُ: [وَالرَّابِعُ نِصْفَ الْأَجْزَاءِ] : أَيْ وَهُوَ الزَّوْجُ فَقَدْ أَخَذَ تِسْعَةً وَهِيَ نِصْفُ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ وَمِنْ الْوُجُوهِ مَاتَ مَيِّتٌ وَتَرَكَ وَرَثَةً أَخَذَ أَحَدُهُمْ ثُلُثَ الْجَمِيعِ، وَالثَّانِي أَخَذَ ثُلُثَ الْبَاقِي، وَالثَّالِثُ ثُلُثَ بَاقِي السَّبَّاقِي، وَالرَّابِعُ الْبَاقِيَ فَالْآخِذُ لِثُلُثِ الْجَمِيعِ هُوَ الزَّوْجُ وَالثُّلُثُ الْبَاقِي هُوَ الْأُمُّ وَلِثُلُثِ بَاقِي الْبَاقِي هُوَ الْأُخْتُ وَلِلْبَاقِي هُوَ الْجَدُّ. قَوْلُهُ: [لِيَشْمَلَ الْمَالِكِيَّةَ] : إنَّمَا سُمِّيَتْ مَالِكِيَّةٌ قِيلَ لِأَنَّ مَالِكًا لَمْ يُخَالِفْ زَيْدًا إلَّا فِيهَا لِأَنَّ زَيْدًا قَالَ فِيهَا لِلْأَخِ لِأَبٍ السُّدُسُ؛ وَمَالِكٌ يُسْقِطُهُ وَسُمِّيَتْ شَبَهُ الْمَالِكِيَّةِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِمَالِكٍ فِيهَا نَصٌّ، وَإِنَّمَا أَلْحَقَهَا الْأَصْحَابُ بِالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى.

اثْنَانِ فَصَاعِدًا (سَقَطَ) الْأَخُ شَقِيقًا أَوْ الْأَبُ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ يَقُولُ لِلْأَخِ لَوْ كُنْت دُونِي لَمْ تَرِثْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الزَّوْجِ وَالْأُمِّ يَأْخُذُهُ أَوْلَادُ الْأُمِّ وَأَنَا أَحْجُبُ كُلَّ مَنْ يَرِثُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فَيَأْخُذُ الْجَدُّ حِينَئِذٍ الثُّلُثَ وَحْدَهُ كَامِلًا وَذَكَرَ قَوْلَهُ وَمَعَهُ إخْوَةٌ لِأُمٍّ تَكُونُ الْمَالِكِيَّةُ الَّتِي خَالَفَ مَالِكٌ فِيهَا زَيْدًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَإِلَّا فَالْأَخُ سَاقِطٌ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إخْوَةٌ لِأُمٍّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَالْأَخُ سَاقِطٌ] : أَيْ لِاسْتِغْرَاقِ الْفُرُوضِ التَّرِكَةَ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ تَأْخُذُ الْأُمُّ الثُّلُثَ كَامِلًا يَبْقَى السُّدُسُ وَاحِدًا يَأْخُذُهُ الْجَدُّ وَلَيْسَ عَنْهُ نَازِلًا بِحَالٍ. تَتِمَّةٌ: لَوْ كَانَ بَدَلَ الْأُخْتِ أُخْتَانِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ فَلَا عَوْلَ لِرُجُوعِ الْأُمِّ لِلسُّدُسِ بِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ فَصَاعِدًا، أَوْ يَكُونُ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ وَاحِدٌ وَهُوَ وَالْمُقَاسَمَةُ هُنَا سَوَاءٌ، وَإِنْ زَادَتْ الْأَخَوَاتُ عَلَى اثْنَيْنِ كَانَ السُّدُسُ أَفْضَلَ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ وَثُلُثُ الْبَاقِي فَيَبْقَى وَاحِدٌ عَلَى اثْنَيْنِ لَا يَصِحُّ عَلَيْهِمَا فَتَضْرِبُ الِاثْنَيْنِ عَدَدَ رُءُوسِ الْأُخْتَيْنِ فِي سِتَّةٍ بِاثْنَتَيْ عَشَرَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ الْفَاكِهَانِيُّ وَهُنَا إشْكَالٌ أَعَضَلَ سِرُّ فَهْمِهِ الْفَرَّاضَ، وَهُوَ أَنَّ الْأُخْتَيْنِ فَأَكْثَرَ إذَا أَخَذَتَا السُّدُسَ هُنَا فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ لَا جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا؛ لِأَنَّ فَرْضَهُمَا الثُّلُثَانِ وَلَا تَعْصِيبًا؛ لِأَنَّ الْجَدَّ الَّذِي يُعَصِّبُهُمَا هُوَ صَاحِبُ فَرْضٍ هُنَا وَصَاحِبُ الْفَرْضِ لَا يُعَصِّبُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِنْتٌ مَعَ أُخْتٍ أَوْ أَخَوَاتٍ كَمَا سَلَفَ فَانْظُرْ الْجَوَابَ عَنْهُ أَفَادَهُ شب.

[فصل الأصول السبعة لمسائل الفرائض]

فَصْلٌ الْأُصُولُ السَّبْعَةُ لِمَسَائِلِ الْفَرَائِضِ وَالْمُرَادُ بِالْأَصْلِ: الْعَدَدُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ سِهَامُ الْفَرِيضَةِ صَحِيحًا (سَبْعَةٌ) بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ (اثْنَانِ وَ) ضِعْفُهُمَا (أَرْبَعَةٌ) ضِعْفُ ضَعْفِهِمَا (ثَمَانِيَةٌ) (وَثَلَاثَةٌ وَ) ضِعْفُهَا (سِتَّةٌ) . وَهَذِهِ الْأُصُولُ الْخَمْسَةُ هِيَ مَخَارِجُ الْفُرُوضِ السِّتَّةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: النِّصْفُ وَالرُّبُعُ وَالثُّمُنُ وَالثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ وَالسُّدُسُ وَلَمْ تَكُنْ سِتَّةً كَأَصْلِهَا لِاتِّحَادِ مَخْرَجِ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ، وَكُلُّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ مَادَّةِ عَدَدِهَا إلَّا الْأَوَّلَ. (وَاثْنَا عَشَرَ) ضَعْفُ السِّتَّةِ: كَزَوْجَةٍ وَإِخْوَةٍ لِأُمٍّ فَمَخْرَجُ الرُّبُعِ أَرْبَعَةٌ وَالثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ وَبَيْنَ الْمَخْرَجَيْنِ تَبَايُنٌ فَنَضْرِبُ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ بِاثْنَيْ عَشَرَ. (وَأَرْبَعَةٍ وَعِشْرُونَ) : ضِعْفُ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَلِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ ثُمُنٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ الْأُصُولُ السَّبْعَةُ لِمَسَائِلِ الْفَرَائِضِ] فَصْلٌ: جَمْعُ أَصْلٍ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مَا يُبْنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَمُنَاسَبَتُهُ لِلْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ ظَاهِرَةٌ فَإِنَّ تَصْحِيحَ الْمَسَائِلِ وَقِسْمَةَ التَّرِكَاتِ وَسَائِرِ أَعْدَادِ الْأَعْمَالِ تَنْبَنِي عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ سِهَامُ الْفَرِيضَةِ صَحِيحًا] : الْمُرَادُ بِالسِّهَامِ أَجْزَاءُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ نِصْفٍ وَرُبْعٍ، وَهَكَذَا فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِطَرِيقِ اسْتِقْرَاءٍ انْحِصَارُ أُصُولِ فَرَائِضِ اللَّهِ الصَّحِيحَةِ الْأَجْزَاءِ فِي تِلْكَ السَّبْعَةِ. قَوْلُهُ: [مِنْ مَادَّةٍ عَدَدُهَا] : أَيْ مِنْ مَادَّةِ الْعَدَدِ الَّذِي هُوَ أَسْمَاءُ مَخَارِجِهَا فَالثُّلُثُ مَأْخُوذٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَالرُّبْعُ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَالسُّدُسُ مِنْ سِتَّةٍ، وَالثُّمُنُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ وَالسِّتَّةَ وَالثَّمَانِيَةَ أَسْمَاءُ مَخَارِجِ تِلْكَ الْفُرُوضِ. وَقَوْلُهُ: [إلَّا الْأَوَّلُ] : أَيْ الْفَرْضُ الْأَوَّلُ وَهُوَ النِّصْفُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مَأْخُوذًا مِنْ لَفْظِ الْعَدَدِ الَّذِي هُوَ مَخْرَجُهُ إذْ لَوْ أُخِذَ مِنْهُ لَقِيلَ فِيهِ ثُنَاءٌ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ مُكَبَّرًا. قَوْلُهُ: [ضِعْفُ السِّتَّةِ] إلَخْ: ضِعْفُ الشَّيْءِ قَدْرُهُ مَرَّتَيْنِ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَإِلَّا فَقَدْ يُرَادُ بِضِعْفِ الشَّيْءِ مِثْلُهُ.

وَسُدُسٌ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَوَلَدٍ وَبَيْنَ الْمَخْرَجَيْنِ تَوَافُقٌ بِالنِّصْفِ، فَيُضْرَبُ نِصْفُ أَحَدِهِمَا فِي كَامِلِ الْآخَرِ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَالْوَلَدُ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَعَاصِبٌ لَهُ الْبَاقِي وَإِنْ كَانَ أُنْثَى وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ مَخْرَجُهُ دَاخِلٌ فِي الثَّمَانِيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَعَدِّدَةً فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ وَمَخْرَجُهُمَا دَاخِلٌ فِي السِّتَّةِ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي خُصُوصِ بَابِ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ أَصْلَيْنِ زِيَادَةً عَلَى السَّبْعَةِ وَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، كَأُمٍّ وَجَدٍّ وَأَرْبَعَةِ إخْوَةٍ لِغَيْرِ أُمٍّ لِلْأُمِّ السُّدُسُ مِنْ سِتَّةٍ وَالْبَاقِي خَمْسَةٌ لِلْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي لِأَنَّهُ أَفْضَلُ وَلَا ثُلُثَ لَهُ صَحِيحٌ فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي سِتَّةٍ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ. وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ السِّتَّةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي ثَلَاثَةٍ وَسِتَّةٍ وَثَلَاثُونَ كَأُمٍّ وَزَوْجَةٍ وَجَدٍّ وَأَرْبَعَةِ إخْوَةٍ لِلزَّوْجَةِ الرُّبْعُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ؛ فَأَصْلُهَا اثْنَا عَشَرَ لِلْأُمِّ اثْنَانِ وَلِلزَّوْجَةِ ثَلَاثَةٌ يَبْقَى سَبْعَةٌ الْأَفْضَلُ لِلْجَدِّ ثُلُثُ الْبَاقِي وَلَيْسَ لَهُ ثُلُثٌ صَحِيحٌ فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ بِسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُمَا أَصْلَانِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: إنَّهُمَا نَشَآ مِنْ أَصْلِ السِّتَّةِ وَضِعْفِهَا فَهُمَا تَصْحِيحٌ لَا أَصْلَانِ. (فَالنِّصْفُ) مَخْرَجُهُ (مِنْ اثْنَيْنِ) : فَإِنْ كَانَتْ فَرِيضَةً فِيهَا نِصْفَانِ فَمِنْ اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُتَمَاثِلَيْنِ يُكْتَفَى بِأَحَدِهِمَا كَزَوْجٍ وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ أَوْ لِأَبٍ وَتُسَمَّى هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ بِالْيَتِيمَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا نَظِيرَ لَهُمَا، إذْ لَيْسَ فِي الْفَرَائِضِ مَسْأَلَةٌ يُورَثُ فِيهَا نِصْفَانِ غَيْرُهُمَا أَعْنِي مَسْأَلَةَ الشَّقِيقَةِ وَمَسْأَلَةَ الَّتِي لِلْأَبِ وَتُسَمَّى عَادِلَةٌ. أَوْ نِصْفٌ وَمَا بَقِيَ كَزَوْجٍ أَوْ بِنْتٍ أَوْ بِنْتِ ابْنٍ أَوْ أُخْتٍ شَقِيقَةٍ أَوْ لِأَبٍ وَعَمٍّ مَعَ كُلٍّ فَأَصْلُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمَخْرَجُهُمَا دَاخِلٌ فِي السِّتَّةِ] : أَيْ لِأَنَّ مَخْرَجَ الثُّلُثَيْنِ ثَلَاثَةً. قَوْلُهُ: [وَسِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ] : مَعْطُوفٌ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَهِيَ ضِعْفُهَا. قَوْلُهُ: [فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً] : أَيْ الَّتِي هِيَ مَخْرَجُ ثُلُثِ الْبَاقِي. قَوْلُهُ: [وَالرَّاجِحُ أَنَّهُمَا أَصْلَانِ] : أَيْ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَحْتَاجَانِ هُنَا إلَى تَصْحِيحٍ آخَرَ فَبَطَلَ كَوْنُهُمَا تَصْحِيحَيْنِ أَفَادَهُ شب. قَوْلُهُ: [بِالْيَتِيمَتَيْنِ] : أَيْ وَبِالنَّصِيفَتَيْنِ لِاشْتِمَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى نِصْفَيْنِ. قَوْلُهُ: [يُورَثُ فِيهَا نِصْفَانِ غَيْرَهُمَا] : أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ فَلَا يُرَدُّ بِنْتٌ مَعَ أُخْتٍ، فَإِنْ أَخَذَتْ الْأُخْتُ النِّصْفَ بِالتَّعْصِيبِ لَا بِالْفَرْضِ. قَوْلُهُ: [وَتُسَمَّى عَادِلَةٌ] : الْعَادِلَةُ هِيَ الَّتِي سَاوَتْ سِهَامُهَا أَصْحَابُهَا.

اثْنَانِ وَتُسَمَّى نَاقِصَةٌ. (وَالرُّبُعُ) مَخْرَجُهُ (مِنْ أَرْبَعَةٍ) فَالْأَرْبَعَةُ أَصْلٌ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ اشْتَمَلَتْ عَلَى رُبُعٍ وَمَا بَقِيَ كَزَوْجٍ وَابْنٍ أَوْ رُبْعٍ وَنِصْفٍ وَمَا بَقِيَ كَزَوْجٍ وَبِنْتٍ وَأَخٍ أَوْ رُبْعٍ وَثُلُثٍ مَا بَقِيَ وَمَا بَقِيَ كَزَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ. (وَالثُّمُنُ) مَخْرَجُهُ (مِنْ ثَمَانِيَةٍ) فَالثَّمَانِيَةُ أَصْلٌ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فِيهَا ثُمُنٌ وَنِصْفٌ وَمَا بَقِيَ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتٍ وَأَخٍ أَوْ ثُمُنٌ وَمَا بَقِيَ كَزَوْجَةٍ وَابْنٍ وَلَا يَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَالثَّمَانِيَةِ إلَّا نَاقِصًا لَا عَادِلًا كَمَا رَأَيْت فِي الْأَمْثِلَةِ. (وَالثُّلُثُ) مَخْرَجُهُ (مِنْ ثَلَاثَةٍ) فَهِيَ أَصْلٌ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فِيهَا ثُلُثٌ فَقَطْ، كَأُمٍّ وَعَمٍّ، أَوْ ثُلُثٌ وَثُلُثَانِ: كَإِخْوَةٍ لِأُمٍّ وَأَخَوَاتٍ لِأَبٍ، أَوْ ثُلُثَانِ وَمَا بَقِيَ: كَبِنْتَيْنِ وَعَمٍّ، فَفَرِيضَةُ الثُّلُثِ تَارَةً نَاقِصَةٌ وَتَارَةً عَادِلَةٌ كَمَا رَأَيْت. وَ (السُّدُسُ مِنْ سِتَّةٍ) : فَهِيَ أَصْلٌ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فِيهَا سُدُسٌ وَمَا بَقِيَ كَجَدَّةٍ وَعَمٍّ، أَوْ سُدُسٌ وَثُلُثٌ وَمَا بَقِيَ: كَجَدَّةٍ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَأَخٍ لِأَبٍ، أَوْ سُدُسٌ وَثُلُثَانِ وَمَا بَقِيَ: كَأُمٍّ وَبِنْتَيْنِ وَأَخٍ، أَوْ نِصْفٌ وَثُلُثٌ وَمَا بَقِيَ كَأُخْتٍ وَأُمٍّ وَعَاصِبٍ، أَوْ سُدُسٌ وَنِصْفٌ وَثُلُثٌ: كَأُمٍّ وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ. أَوْ سُدُسٌ وَنِصْفٌ وَسُدُسٌ وَسُدُسٌ ثَالِثٌ: كَأُمٍّ وَثَلَاثِ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ أَوْ سُدُسٌ وَثُلُثَانِ وَسُدُسٌ وَآخَرُ كَأُمٍّ وَشَقِيقَتَيْنِ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ فَفَرَائِضُ السُّدُسِ نَاقِصَةٌ وَعَادِلَةٌ وَتَكُونُ مِنْ فَرْضٍ وَفَرْضَيْنِ وَأَكْثَرَ كَمَا رَأَيْت. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَتُسَمَّى نَاقِصَةٌ] : أَيْ لِزِيَادَةِ فُرُوضِهَا عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا. قَوْلُهُ: [كَزَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ] : أَيْ وَهِيَ إحْدَى الْغَرَّاوَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ. قَوْلُهُ: [كَمَا رَأَيْت فِي الْأَمْثِلَةِ] : أَيْ مِنْ عَدَمِ اسْتِغْرَاقِ الْفُرُوضِ التَّرِكَةَ. قَوْلُهُ: [تَارَةً نَاقِصَةٌ] : أَيْ وَهِيَ الْأَمْثِلَةُ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا الْعَاصِبَ وَالْعَادِلَةَ هِيَ الَّتِي لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا الْعَاصِبَ. قَوْلُهُ: [فَفَرَائِضُ السُّدُسِ نَاقِصَةٌ وَعَادِلَةٌ] : قَدْ عَلِمْت أَنَّ النَّاقِصَ مَا ذُكِرَ فِيهِ الْعَاصِبُ وَالْعَادِلُ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ. قَوْلُهُ: [وَتَكُونُ مِنْ فَرْضٍ] : أَيْ وَذَلِكَ كَالْمِثَالِ الْأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ: [وَفَرْضَيْنِ] : أَيْ وَذَلِكَ كَالْمِثَالِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ. وَقَوْلُهُ: [وَأَكْثَرُ] : أَيْ كَالْبَاقِي بَعْدَ ذَلِكَ.

(وَالرُّبُعُ وَالثُّلُثُ أَوْ) الرُّبُعُ (السُّدُسُ) أَوْ الرُّبُعُ وَالثُّلُثَانِ أَوْ الرُّبُعُ مَعَ النِّصْفِ وَالسُّدُسُ مَخْرَجُهُ (مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ) : لِأَنَّ مَخْرَجَ الرُّبُعِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَالثُّلُثِ مِنْ ثَلَاثَةٍ تَبَايُنًا، فَيُضْرَبُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ بِاثْنَيْ عَشَرَ، وَمَخْرَجُ السُّدُسِ مِنْ سِتَّةٍ فَيُوَافِقُ مَخْرَجَ الرُّبْعِ بِالنِّصْفِ فَيُضْرَبُ نِصْفُ أَحَدِهِمَا فِي كَامِلِ الْآخَرِ بِاثْنَيْ عَشَرَ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ، وَكَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَابْنٍ وَكَزَوْجٍ وَبِنْتَيْنِ وَأَبٍ وَكَزَوْجٍ وَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَفَرَائِضُ الِاثْنَيْ عَشَرَ كُلِّهَا نَاقِصَةٌ كَمَا رَأَيْت. (وَالثُّمُنُ وَالسُّدُسُ) وَمَا بَقِيَ: كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَابْنٍ، أَوْ ثُمُنٌ وَنِصْفٌ وَسُدُسٌ: كَزَوْجَةٍ وَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَعَمٍّ، أَوْ الثُّمُنُ وَالثُّلُثَانِ وَالسُّدُسُ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ وَعَمٍّ (مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ) لِتَوَافُقِ الْمَخْرَجَيْنِ بِالْإِنْصَافِ فَيُضْرَبُ نِصْفُ أَحَدِهِمَا فِي كَامِلِ الْآخَرِ وَالنِّصْفُ يَدْخُلُ فِي السُّدُسِ وَالثُّمُنِ مَعَ الثُّلُثَيْنِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِتَبَايُنِ مَخْرَجِ الثُّمُنِ وَالثُّلُثِ فَيُضْرَبُ أَحَدُهُمَا فِي كَامِلِ الْآخَرِ، كَزَوْجَةٍ وَبِنْتَيْنِ وَابْنِ ابْنٍ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَجْتَمِعَ الثُّمُنُ مَعَ الثُّلُثِ وَلَا مَعَ الرُّبُعِ وَفَرِيضَةُ الْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ نَاقِصَةٌ دَائِمًا. (وَمَا لَا فَرْضَ فِيهَا) مِنْ الْمَسَائِلِ: كَابْنَيْنِ مَعَ بِنْتٍ فَأَكْثَرَ أَوْ إخْوَةٍ مَعَ أَخَوَاتٍ (فَأَصْلُهَا عَدَدُ رُءُوسِ عَصَبَتِهَا) فَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا كُلُّهُمْ فَظَاهِرٌ. (وَ) عِنْدَ اجْتِمَاعِ ذَكَرٍ وَأُنْثَى فَصَاعِدًا (لِلذَّكَرِ ضِعْفًا الْأُنْثَى) : كَابْنٍ وَبِنْتٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَابْنَيْنِ وَبِنْتٍ مِنْ خَمْسَةٍ وَهَكَذَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ] : مِثَالٌ لِلرُّبْعِ وَالثُّلُثِ. وَقَوْلُهُ: [وَكَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَابْنٍ] : مِثَالٌ لِلرُّبْعِ وَالسُّدُسِ. وَقَوْلُهُ: [وَكَزَوْجٍ وَبِنْتَيْنِ وَأَبٍ] : مِثَالٌ لِلرُّبْعِ وَالثُّلُثَيْنِ. وَقَوْلُهُ: [وَكَزَوْجٍ وَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ] : مِثَالٌ لِلرُّبْعِ مَعَ النِّصْفِ وَالسُّدُسِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَجْتَمِعَ الثُّمُنُ مَعَ الثُّلُثِ] إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَكُونُ لِلزَّوْجَةِ مَعَ الْفَرْعِ الْوَارِثِ وَالثُّلُثَ يَكُونُ لِلْأُمِّ إنْ لَمْ يَكُنْ فَرْعٌ وَارِثٌ، وَلَا جَمْعَ مِنْ الْإِخْوَةِ أَوْ لِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ مَعَ عَدَمِ الْفَرْعِ الْوَارِثِ، وَالرُّبْعُ إمَّا لِلزَّوْجِ مَعَ الْفَرْعِ الْوَارِثِ وَلَا يَتَأَتَّى اجْتِمَاعُهُ مَعَ الزَّوْجَةِ أَوْ لِلزَّوْجَةِ مَعَ عَدَمِ الْفَرْعِ الْوَارِثُ.

[العول]

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْعَوْلِ وَعَرَّفَهُ فَقَالَ: (وَإِنْ زَادَتْ الْفُرُوضُ) : أَيْ سِهَامُ الْوَرَثَةِ (عَلَى أَصْلِهَا) أَيْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ (عَالَتْ) الْفُرُوضُ: أَيْ زِيدَ فِيهَا بِأَنْ تُجْعَلَ الْفُرُوضُ بِقَدْرِ السِّهَامِ فَيَدْخُلَ النَّقْصُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ كَمَا قَالَ: (وَهُوَ) : أَيْ الْعَوْلُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ (زِيَادَةٌ فِي السِّهَامِ وَنَقْصٌ فِي الْأَنْصِبَاءِ) : كَزَوْجٍ وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ فَفِيهَا نِصْفَانِ وَسُدُسٍ فَهِيَ مِنْ سِتَّةٍ يَسْتَغْرِقُهَا النِّصْفَانِ فَيُزَادُ عَلَيْهَا بِمِثْلِ سُدُسِهَا فَتَبْلُغُ سَبْعَةً كَمَا يَأْتِي. (وَالْعَائِلُ مِنْ الْأُصُولِ) السَّبْعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (ثَلَاثَةٌ) : وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ فَلَا تَعُولُ وَهِيَ الِاثْنَانِ وَالثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ وَالثَّمَانِيَةُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الِاثْنَيْنِ إمَّا نَاقِصَةٌ أَوْ عَادِلَةٌ، وَكَذَلِكَ الثَّلَاثَةُ وَأَنَّ الْأَرْبَعَةَ وَالثَّمَانِيَةَ دَائِمًا نَاقِصَتَانِ فَتَعُولُ. (السِّتَّةُ) أَرْبَعٌ عَوْلَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ فَتَعُولُ (لِسَبْعَةٍ) بِمِثْلِ سُدُسِهَا: (كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ) شَقِيقَتَيْنِ أَوْ لِأَبٍ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ وَهَذِهِ أَوَّلُ فَرِيضَةٍ عَالَتْ فِي الْإِسْلَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْعَوْلِ] قَوْلُهُ: [ثُمَّ شَرَعَ فِي الْعَوْلِ] : هُوَ لُغَةً الزِّيَادَةُ وَاصْطِلَاحًا مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَمْ يَقَعْ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا فِي زَمَنِ الصِّدِّيقِ، وَأَوَّلُ مَنْ نَزَلَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي زَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ لِغَيْرِ أُمٍّ الْعَائِلَةِ لِسَبْعَةٍ فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَنْ أَخَّرَهُ الْكِتَابُ فَأُؤَخِّرُهُ وَلَا مَنْ قَدَّمَهُ فَأُقَدِّمُهُ، وَلَكِنْ قَدْ رَأَيْت رَأْيًا فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ، وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنْ عُمَرَ وَهُوَ أَنْ يَدْخُلَ الضَّرَرُ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَيُنْقَصَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ سَهْمِهِ. وَيُقَالُ إنَّ الَّذِي أَشَارَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْعَبَّاسُ أَوَّلًا، وَقِيلَ عَلِيٌّ وَقِيلَ زَيْدٌ، وَقِيلَ جَمْعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَقَالَ لَهُمْ: فَرَضَ اللَّهُ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ وَلِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ، فَإِنْ بَدَأْت بِالزَّوْجِ لَمْ يَبْقَ لِلْأُخْتَيْنِ حَقُّهُمَا وَإِنْ بَدَأْت بِالْأُخْتَيْنِ لَمْ يَبْقَ لِلزَّوْجِ حَقُّهُ فَأَشِيرُوا إلَيَّ، فَأَشَارَ الْعَبَّاسُ بِالْعَوْلِ، وَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ سِتَّةَ دَرَاهِمَ وَلِرَجُلٍ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ وَلِآخَرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ أَلَيْسَ يُجْعَلُ الْمَالُ سَبْعَةَ أَجْزَاءٍ؟ فَأَخَذَتْ الصَّحَابَةُ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ إلَّا ابْنُ عَبَّاسٍ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ الْخِلَافُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ، وَقَالَ إنَّ الَّذِي أَحْصَى رَمْلَ عَالَجَ عَدَدًا لَمْ يَجْعَلْ فِي الْمَالِ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا كَمَا فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ، وَعَلَى هَذَا فَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي وَقَعَتْ حَالَ مُخَالَفَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَتْ زَوْجًا وَأُخْتًا لِغَيْرِ أُمٍّ وَأُمًّا. أَفَادَهُ عب.

وَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ قَدْرِ مَا عَالَتْ بِهِ وَقَدْرِ مَا نَقَصَ كُلُّ وَارِثٍ، فَانْسِبْ مَا زِدْته وَهُوَ مَا عَالَتْ بِهِ الْفَرِيضَةُ لِأَصِلْهَا بِدُونِ عَوْلٍ، فَتَعْرِفُ قَدْرَهُ. وَإِذَا نَسَبْته لَهَا عَائِلَةً عَلِمْت قَدْرَ مَا نَقَصَ كُلَّ وَارِثٍ. مَثَلًا السِّتَّةُ إذَا عَالَتْ لِسَبْعَةٍ فَتَنْسِبُ وَاحِدًا لِسِتَّةٍ فَتَعْلَمُ أَنَّهَا عَالَتْ بِمِثْلِ سُدُسِهَا وَتَنْسِبُ الْوَاحِدَ لِلسَّبْعَةِ فَهُوَ سُبْعٌ فَتَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ وَارِثٍ نَقَصَ سُبْعَ مَا بِيَدِهِ وَهَكَذَا، قَالَ الْأُجْهُورِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَعِلْمُك قَدْرَ النَّقْصِ مِنْ كُلِّ وَارِثٍ ... بِنِسْبَةِ عَوْلٍ لِلْفَرِيضَةِ عَائِلَهُ وَمِقْدَارُ مَا عَالَتْ بِنِسْبَتِهِ لَهَا ... بِلَا عَوْلِهَا فَارْحَمْ بِفَضْلِك قَائِلَهُ رَحِمُهُ اللَّهُ تَعَالَى رَحْمَةً وَاسِعَةً وَرَحِمَنَا بِهِ. (وَ) تَعُولُ السِّتَّةُ (لِثَمَانِيَةٍ) فَتَكُونُ عَالَتْ بِمِثْلِ ثُلُثِهَا؛ لِأَنَّهَا عَالَتْ بِاثْنَيْنِ تَنْسِبُهُمَا لِلسِّتَّةِ تَجِدُهُمَا ثُلُثًا فَتَعْرِفُ قَدْرَ مَا عَالَتْ بِهِ وَتَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ وَارِثٍ نَقَصَ مَا بِيَدِهِ رُبُعًا؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ الِاثْنَيْنِ لَهَا عَائِلَةً رُبُعٌ كَمَا عَلِمْت. (كَمَنْ ذَكَرَ) وَهُوَ الزَّوْجُ وَالْأُخْتَانِ (مَعَ أُمٍّ) لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُخْتَيْنِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَاحِدٌ. (وَ) تَعُولُ السِّتَّةُ (لِتِسْعَةٍ) بِمِثْلِ نِصْفِهَا، فَيَكُونُ نَقْصُ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَ مَا بِيَدِهِ لِمَا عَلِمْت (كَمَنْ ذَكَرَ) زَوْجٌ إلَخْ (مَعَ أَخٍ لِأُمٍّ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَعِلْمُك] : مُبْتَدَأٌ وَهُوَ مَصْدَرٌ يَعْمَلُ عَمَلَ الْفِعْلِ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ وَهُوَ الْكَافُ، وَقَدْرَ مَفْعُولُهُ وَمِنْ كُلِّ وَارِثٍ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٌ لِلنَّقْصِ. وَقَوْلُهُ: [بِنِسْبَةِ عَوْلٍ] : مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ خَبَرٌ وَعَائِلَهُ حَالٌ مِنْ الْفَرِيضَةِ وَوَقَفَ عَلَيْهِ بِالسُّكُونِ لِأَجْلِ الرَّوِيِّ، وَمِقْدَارٌ مَعْطُوفٌ عَلَى قَدْرَ. قَوْلُهُ: [بِنِسْبَتِهِ لَهَا] : مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ يَكُونُ. وَقَوْلُهُ: [بِلَا عَوْلِهَا] : حَالٌ مِنْ الْهَاءِ فِي لَهَا. وَقَوْلُهُ: [فَارْحَمْ بِفَضْلِك قَائِلَهُ] : تَكْمِلَةٌ قَصَدَ بِهَا طَلَبَ الدُّعَاءِ. قَوْلُهُ: [نَقَصَ مَا بِيَدِهِ رُبْعًا] : تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْفَاعِلِ عَلَى حَدِّ: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} . قَوْلُهُ: [وَهُوَ الزَّوْجُ وَالْأُخْتَانِ] : الْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ. قَوْلُهُ: [كَمَنْ ذُكِرَ] : أَيْ وَهُوَ زَوْجٌ وَأُخْتَانِ لِغَيْرِ أُمٍّ وَأُمٍّ. قَوْلُهُ: [زَوْجٌ] إلَخْ: أَيْ زَوْجٌ وَأُخْتَانِ وَأُمٌّ.

وَتَعُولُ السِّتَّةُ (لِعَشْرَةٍ) بِمِثْلِ ثُلُثَيْهَا فَيَنْقُصُ كُلَّ وَاحِدٍ مِمَّا لَهُ خُمُسَانِ مِنْ نِسْبَةِ أَرْبَعَةٍ لَهَا بِعَوْلِهَا (كَمَنْ ذَكَرَ مَعَ إخْوَةٍ لِأُمٍّ وَكَأُمِّ الْفُرُوخِ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ مَا فَرَّخَتْ فِي الْعَوْلِ: (أُمٌّ وَزَوْجٌ وَوَلَدَا أُمٍّ وَأُخْتَانِ) لِغَيْرِ أُمٍّ. (وَ) الثَّانِي مِنْ الثَّلَاثَةِ الَّتِي قَدْ تَعُولُ: (الِاثْنَا عَشَرَ) : تَعُولُ ثَلَاثُ عَوْلَاتٍ أَفْرَادًا إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ فَتَعُولُ (لَثَلَاثَةَ عَشَرَ) بِمِثْلِ نِصْفِ سُدُسِهَا لِمَا عَلِمْت أَنَّك تَنْسِبُ مَا عَالَتْ بِهِ إلَيْهَا قَبُولَ الْعَوْلِ وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ نَقَصَ مَا بِيَدِهِ جُزْءٌ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ وَاحِدٍ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِغَيْرِ أُمٍّ وَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَبِنْتَانِ (وَ) تَعُولُ الِاثْنَا عَشَرَ لِ (خَمْسَةَ عَشَرَ) بِمِثْلِ رُبْعِهَا، وَيَكُونُ نَقْصُ كُلٍّ خُمُسَ مَا بِيَدِهِ كَزَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَبِنْتَيْنِ. (وَ) تَعُولُ لِ (سَبْعَةَ عَشَرَ) بِمِثْلِ رُبْعِهَا وَسُدُسِهَا، وَيَنْقُصُ كُلَّ وَارِثٍ مِمَّا بِيَدِهِ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ وَاحِدٍ؛ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَوَلَدَيْهَا وَأُخْتِ شَقِيقَةٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ. وَمِنْ أَمْثِلَتِهَا: أُمُّ الْأَرَامِلِ وَتُسَمَّى بِأُمِّ الْفُرُوجِ بِالْجِيمِ وبالدينارية الصُّغْرَى، وَهِيَ: ثَلَاثُ زَوْجَاتٍ وَجَدَّتَانِ وَأَرْبَعُ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ وَثَمَانِ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ وَالتَّرِكَةُ سَبْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا، وَأَمَّا الدِّينَارِيَّةِ الْكُبْرَى فَمِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَكَأُمِّ الْفُرُوخِ] : الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَهِيَ أُمُّ الْفُرُوخِ؛ لِأَنَّ الْمِثَالَ الْآتِيَ بَعْدُ هُوَ عَيْنُ مَا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: [بِمِثْلِ رُبْعِهَا وَسُدُسِهَا] : أَيْ فَرُبْعُهَا ثَلَاثَةٌ وَسُدُسُهَا اثْنَانِ. قَوْلُهُ: [مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ وَاحِدٍ] : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَارِثٍ يَفْرِضُ وَاحِدًا هَوَائِيًّا كَامِلًا وَيُجْعَلُ أَجْزَاءً بِقَدْرِ الْمَسْأَلَةِ بِعَوْلِهَا وَيُنْقَصُ مِنْهُ عَدَدُ مَا عَالَتْ بِهِ. قَوْلُهُ: [أُمُّ الْأَرَامِلِ] إلَخْ: سُمِّيَتْ بِأُمِّ الْأَرَامِلِ وَأُمِّ الْفُرُوجِ بِالْجِيمِ لِعَدَمِ وُجُودِ الذَّكَرِ فِيهَا. قَوْلُهُ: [وَالتَّرِكَةُ سَبْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا] : أَيْ وَهِيَ مَقْسُومَةٌ عَلَيْهِنَّ كُلِّ رَأْسٍ بِدِينَارٍ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ زَوْجَةٌ وَابْنَتَانِ] إلَخْ: أَيْ فَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ سِتَّةَ عَشَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَلِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ أَرْبَعَةٌ يَفْضُلُ وَاحِدٌ عَلَى خَمْسَةٍ

وَلَيْسَ فِيهَا عَوْلٌ، وَهِيَ زَوْجَةٌ وَابْنَتَانِ وَأُمٌّ وَاثْنَا عَشَرَ أَخًا وَأُخْتٌ. وَقَدْ جَاءَتْ الْأُخْتُ لِسَيِّدِنَا عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنَا بِهِ وَقَالَتْ لَهُ: مَاتَ أَخِي عَنْ سِتِّمِائَةِ دِينَارٍ فَلَمْ أُعْطِ مِنْهَا إلَّا دِينَارًا وَاحِدًا؟ فَقَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَعَلَّ أَخَاك مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ وَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ وَاثْنَيْ عَشَرَ أَخًا وَأَنْتِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ مَعَك حَقُّ الَّذِي خَصَّك. (وَ) تَعُولُ (الْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ) عَوْلَةً وَاحِدَةً بِمِثْلِ ثُمُنِهَا (لِسَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ) فَيَكُونُ نَقْصُ كُلِّ وَاحِدٍ تُسْعَ مَا بِيَدِهِ لِمَا عَلِمْت: (زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ وَابْنَتَانِ؛ وَهِيَ الْمِنْبَرِيَّةُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: صَارَ ثُمُنُهَا تِسْعًا أَيْ صَارَ مَا كَانَ ثُمُنًا بِنِسْبَتِهِ لَهَا قَبْلَ الْعَوْلِ تِسْعًا بِالنِّسْبَةِ لَهَا بَعْدَ عَوْلِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعِشْرِينَ رَأْسًا عَدَدِ رُءُوسِ الْإِخْوَةِ مَعَ الْأُخْتِ فَتَضْرِبُ الْخَمْسَةَ وَالْعِشْرِينَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ بِسِتِّمِائَةٍ لِلْبِنْتَيْنِ أَرْبَعُمِائَةٍ مِنْ ضَرْبِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فِي سِتَّةَ عَشَرَ، وَلِلْأُمِّ مِائَةٌ مِنْ ضَرْبِ أَرْبَعَةٍ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، وَلِلزَّوْجَةِ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، وَلِلِاثْنَيْ عَشَرَ أَخًا مَعَ الْأُخْتِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ ضَرْبِ وَاحِدٍ فِيهَا. قَوْلُهُ: [وَأُخْتٌ] : بِالرَّفْعِ عُطِفَ عَلَى اثْنَا عَشَرَ. قَوْلُهُ: [وَزَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ] إلَخْ: الْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ مِثَالُهَا زَوْجَةٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَهِيَ الْمِنْبَرِيَّةُ] : أَيْ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَعُولَ إلَّا وَالْمَيِّتُ فِيهَا ذُكِرَ هُوَ زَوْجٌ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ] : أَيْ مِنْبَرِ الْكُوفَةِ، قِيلَ إنَّ صَدْرَ الْخُطْبَةِ الَّتِي قِيلَ لَهُ فِي أَثْنَائِهَا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَحْكُمُ بِالْحَقِّ قَطْعًا وَيَجْزِي كُلَّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى وَإِلَيْهِ الْمَآلُ وَالرُّجْعَى. فَسُئِلَ حِينَئِذٍ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: صَارَ ثُمُنُهَا تُسْعًا وَتُسَمَّى أَيْضًا بِالْبَخِيلَةِ لِقِلَّةِ عَوْلِهَا، وَبِالْحَيْدَرِيِّ لِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ يُلَقَّبُ بِحَيْدَرَةَ الَّذِي هُوَ اسْمٌ لِلْأَسَدِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ كَامِلٌ فِي الشَّجَاعَةِ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ مَا رَأَيْت أَحْسَبَ مِنْ عَلِيٍّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ بَدِيهَةً لِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ مِنْ غَزَارَةِ الْعِلْمِ وَقُوَّةِ الْفَهْمِ فَكَانَ يَفْهَمُ عَلَى الْبَدِيهَةِ مَا لَا يَفْهَمْهُ الْمُتَبَحِّرُ فِي الْعُلُومِ الْمُشْتَغِلُ بِدَرْسِهَا وَتَفْهِيمِهَا طُولَ عُمُرِهِ، وَكَيْفَ لَا وَقَدْ بَعَثَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاضِيًا إلَى الْيَمَنِ وَهُوَ شَابٌّ؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَدْرِي مَا الْقَضَاءُ؟ فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدْرَهُ وَقَالَ اللَّهُمَّ اهْدِ قَلْبَهُ وَسَدِّدْ لِسَانَهُ فَقَالَ عَلِيٌّ فَوَاَللَّهِ مَا شَكَكْت بَعْدُ فِي قَضَاءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ.

[فصل في الحجب وأحكامه]

فَصْلٌ فِي الْحَجْبِ وَأَحْكَامِهِ لَا يَحْجُبُ الْأَبَوَانِ أَيْ حَجْبَ حِرْمَانٍ (وَالزَّوْجَانِ وَالْوَلَدُ) لِلْمَيِّتِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، فَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ حَجْبَ حِرْمَانٍ بِالْأَشْخَاصِ. وَأَمَّا حَجْبٌ بِالْأَوْصَافِ - كَرِقٍّ إلَخْ - فَيَدْخُلُ عَلَى الْجَمِيعِ. (بَلْ يُحْجَبُ) : أَيْ يُمْنَعُ مِنْ الْإِرْثِ بِالْكُلِّيَّةِ (ابْنُ الِابْنِ بِابْنٍ) : لِأَنَّ الِابْنَ أَقْرَبُ لِلْمَيِّتِ، وَكُلُّ مَنْ أَدْلَى بِوَاسِطَةِ حَجَبَتْهُ تِلْكَ الْوَاسِطَةُ إلَّا الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ (وَكُلُّ أَسْفَلَ) مَحْجُوبٌ (بِأَعْلَى) مِنْهُ فَابْنٌ ابْنُ ابْنٍ مَحْجُوبٌ بِابْنِ ابْنٍ (وَ) يُحْجَبُ (الْجَدُّ بِالْأَبِ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْمَيِّتِ مِنْ الْجَدِّ. (وَ) يُحْجَبُ (الْأَخُ مُطْلَقًا) شَقِيقًا أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْحَجْبِ وَأَحْكَامِهِ] [قَوَاعِد الحجب وَأَحْوَاله] فَصْلٌ: الْحَجْبُ لُغَةً الْمَنْعُ، وَاصْطِلَاحًا مَنْعُ مَنْ قَامَ بِهِ سَبَبُ الْإِرْثِ مِنْ الْإِرْثِ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ مِنْ أَوْفَرِ حَظَّيْهِ. قَوْلُهُ: [أَيْ حَجْبُ حِرْمَانٍ] : أَيْ وَأَمَّا حَجْبُ النُّقْصَانِ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِمْ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِمَّا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: [كَرِقٍّ] إلَخْ: أَيْ مِنْ بَاقِي مَوَانِعِ الْإِرْثِ. قَوْلُهُ: [فَيَدْخُلُ عَلَى الْجَمِيعِ] : مِثْلُهُ حَجْبُ النُّقْصَانِ فَإِنَّهُ يَطْرَأُ عَلَى الْجَمِيعِ وَبِاعْتِبَارِ مَسَائِلِ الْعَوْلِ. قَوْلُهُ: [ابْنُ الِابْنِ] : أَيْ وَكَذَا بِنْتُ الِابْنِ. قَوْلُهُ: [وَيُحْجَبُ الْجَدُّ بِالْأَبِ] : قَالَ فِي الرَّحَبِيَّةِ: وَالْجَدُّ مَحْجُوبٌ عَنْ الْمِيرَاثِ ... بِالْأَبِ فِي أَحْوَالِهِ الثَّلَاثِ يَعْنِي بِالْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ الْإِرْثَ بِالْفَرْضِ أَوْ التَّعْصِيبِ أَوْ أَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ: [وَيُحْجَبُ الْأَخُ مُطْلَقًا] : قَالَ فِي الرَّحَبِيَّةِ: وَتَسْقُطُ الْإِخْوَةُ بِالْبَنِينَا ... وَبِالْأَبِ الْأَدْنَى كَمَا رَوَيْنَا

(بِابْنٍ) لِلْمَيِّتِ (وَابْنِهِ) وَإِنْ نَزَلَ (وَبِالْأَبِ) الْأَدْنَى دُونَ الْجَدِّ فَلَا يُحْجَبُ الْإِخْوَةُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَلِلْأُمِّ) : أَيْ الْأَخُ لِلْأُمِّ يُحْجَبُ بِمَنْ ذَكَرَ، وَيَزِيدُ بِأَنَّهُ يُحْجَبُ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (بِالْجَدِّ) وَبِالْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ يُحْجَبُونَ بِسِتَّةٍ كَمَا رَأَيْت. (وَ) يُحْجَبُ (ابْنُ الْأَخِ وَإِنْ) كَانَ (لِأَبَوَيْنِ) : وَهُوَ الشَّقِيقُ، (بِأَخٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْأَخُ (لِأَبٍ) . (وَ) يُحْجَبُ (الْعَمُّ وَابْنُهُ) : أَيْ ابْنُ الْعَمِّ (بِالْأَخِ وَابْنِهِ) : أَيْ ابْنِ الْأَخِ لِمَا عَلِمْت أَنَّ جِهَةَ الْإِخْوَةِ وَإِنْ نَزَلَتْ، مُقَدَّمَةٌ عَلَى جِهَةِ الْعُمُومَةِ. فَإِذَا اتَّحَدَتْ جِهَةُ أُخُوَّةٍ أَوْ جِهَةُ عُمُومَةٍ فَيُحْجَبُ الْأَبْعَدُ بِالْأَقْرَبِ؛ كَابْنِ عَمٍّ مَحْجُوبٍ بِالْعَمِّ وَهَكَذَا. وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَالْأَبْعَدُ مِنْ الْجِهَتَيْنِ بِالْأَقْرَبِ) وَإِنْ كَانَ الْأَقْرَبُ غَيْرَ شَقِيقٍ. (فَيُقَدَّمُ الْأَخُ لِلْأَبِ عَلَى ابْنِ الْأَخِ الشَّقِيقِ) : وَالْعَمُّ لِلْأَبِ يُقَدَّمُ عَلَى ابْنِ الْعَمِّ الشَّقِيقِ وَابْنُ الْعَمِّ لِلْأَبِ يُقَدَّمُ عَلَى عَمِّ الْأَبِ الشَّقِيقِ. (وَمَا لِأَبٍ مِنْهُمَا) مَحْجُوبٌ (بِمَا لِلْأَبَوَيْنِ) : لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَاعِدَةِ الْجَعْبَرِيِّ. (وَ) تُحْجَبُ (الْجَدَّةُ مُطْلَقًا) لِأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ (بِالْأُمِّ) لِإِدْلَاءِ الَّتِي مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ بِالْأُمِّ. وَحُجِبَتْ الَّتِي مِنْ جِهَةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ أَقْرَبُ مَنْ يَرِثُ بِالْأُمُومَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِبَنِيَّ الْبَنِينَ كَيْفَ كَانُوا ... سِيَّانِ فِيهِ الْجَمْعُ وَالْوُحْدَانُ قَوْلُهُ: [فَلَا يُحْجَبُ الْإِخْوَةُ] : أَيْ بَلْ يُشَارِكُهُمْ. قَوْلُهُ: [يُحْجَبُونَ بِسِتَّةٍ كَمَا رَأَيْت] : أَيْ وَهُمْ الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ وَالْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَالْأَبُ وَالْجَدُّ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُ] : أَيْ فِي الدَّرَجَةِ وَإِنْ كَانَتْ جِهَتُهُمَا وَاحِدَةً. قَوْلُهُ: [فَيُحْجَبُ الْأَبْعَدُ بِالْأَقْرَبِ] : أَيْ الْأَبْعَدُ فِي الدَّرَجَةِ بِالْأَقْرَبِ فِيهَا. قَوْلُهُ: [وَمَا لِأَبٍ مِنْهُمَا] : أَيْ الَّذِي أَدْلَى بِالْأَبِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَبَنِيهِمْ وَالْأَعْمَامِ وَبَنِيهِمْ مَحْجُوبٌ بِمِنْ أَدْلَى بِالْأَبَوَيْنِ.

وَالْجَدَّةُ لِلْأَبِ وَرِثَتْ بِالْأُمُومَةِ بِوَاسِطَةِ الْأَبِ. (وَ) تُحْجَبُ الْجَدَّةُ (لِأَبٍ بِأَبٍ) لِإِدْلَائِهَا بِهِ. (وَ) تُحْجَبُ الْجَدَّةُ (الْبُعْدَى مِنْ جِهَةٍ) : كَأُمِّ أُمِّ أُمٍّ (بِقُرْبَاهَا) : كَأُمِّ أُمٍّ وَكَأُمِّ أُمِّ أَبٍ بِأُمٍّ أَبٍ لِإِدْلَائِهَا بِهَا. (وَ) تُحْجَب جَدَّةٌ (بُعْدَى لِأَبٍ) : أَيْ جِهَتُهُ مَنْ (بِقُرْبَى لِأُمٍّ) كَأُمِّ: أُمِّ أَبٍ مَعَ أُمِّ أُمٍّ فَلَيْسَ لَهَا فِي السُّدُسِ شَيْءٌ. (وَإِلَّا) تَكُنْ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ بَلْ كَانَتْ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ، فَإِنَّ الْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ لَا تَحْجُبُهَا لِقُوَّتِهَا؛ لِأَنَّ نَصَّ الْحَدِيثِ فِيهَا، وَقَاسَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الَّتِي لِلْأَبِ فَلِذَلِكَ (اشْتَرَكَا) فِي السُّدُسِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَالْآخَرُ: يَحْجُبُهَا جَرْيًا عَلَى الْقَاعِدَةِ مِنْ حَجْبِ الْقُرْبَى. (وَلَا تَرِثُ مَنْ أَدْلَتْ) : مِنْ الْجَدَّاتِ (بِذَكَرٍ) : كَأُمِّ أَبِ الْأُمِّ (سِوَى) مَنْ أَدْلَتْ بِذَكَرٍ هُوَ (لِأَبٍ) كَأُمِّ الْأَبِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) تُحْجَبُ (بَنَاتُ ابْنٍ بِابْنٍ أَوْ بِنْتَيْنِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَفْضُلْ لَهُنَّ مِنْ الثُّلُثَيْنِ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ بِنْتَا ابْنٍ مَعَ بِنْتِ ابْنِ ابْنٍ لَهُمَا الثُّلُثَانِ وَلَا شَيْءَ لِبِنْتِ ابْنِ الِابْنِ وَهَكَذَا، (أَوْ ابْنُ ابْنٍ أَعْلَى) : فَإِذَا مَاتَ عَنْ بِنْتٍ وَابْنِ ابْنِ وَبِنْتِ ابْنِ ابْنِ ابْنٍ حُجِبَتْ وَاسْتَقَلَّ ابْنُ الِابْنِ بِالْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الْبِنْتِ أَوْ بِجَمِيعِ الْمَالِ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ بِنْتٌ. (وَإِلَّا) يَكُنْ أَعْلَى بَلْ كَانَ مُسَاوِيًا (عَصَّبَهُنَّ) مُطْلَقًا كَانَ لِبَنَاتِ الِابْنِ شَيْءٌ فِي الثُّلُثَيْنِ؛ كَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَابْنِ ابْنٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ كَبِنْتَيْنِ وَابْنِ ابْنٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَتُحْجَبُ جَدَّةٌ بُعْدَى لِأَبٍ] إلَخْ: أَفَادَ هَذَا فِي الرَّحَبِيَّةِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ تَكُنْ قُرْبَى لِأُمٍّ حَجَبَتْ ... أُمَّ أَبٍ بَعُدَ أَوْ سُدُسًا سُلِبَتْ وَإِنْ تَكُنْ بِالْعَكْسِ فَالْقَوْلَانِ ... فِي كُتُبِ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْصُوصَانِ لَا تَسْقُطُ الْبُعْدَى عَلَى الصَّحِيحِ ... وَاتَّفَقَ الْجُلُّ عَلَى التَّصْحِيحِ قَوْلُهُ: [وَلَا تَرِثُ مَنْ أَدْلَتْ مِنْ الْجَدَّاتِ بِذَكَرٍ] : قَالَ فِي الرَّحَبِيَّةِ: وَكُلُّ مَنْ أَدْلَتْ بِغَيْرِ وَارِثْ ... فَمَا لَهَا حَظٌّ مِنْ الْمَوَارِثْ قَوْلُهُ: [وَهَكَذَا] : أَيْ فَكُلُّ اثْنَتَيْنِ عَلَتْ دَرَجَتُهُمَا حَجَبَتَا مَا بَعْدَهُمَا مِنْ الْإِنَاثِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُعَصَّبٌ مِنْ الذُّكُورِ لِمَنْ بَعْدَهُ.

[سقوط العاصب باستغراق ذوي الفروض]

وَبِنْتِ ابْنٍ كَانَ أَخَاهَا أَوْ ابْنَ عَمِّهَا أَوْ كَانَ أَنْزَلَ مِنْهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا فِي الثُّلُثَيْنِ شَيْءٌ كَبِنْتَيْنِ وَبِنْتِ ابْنٍ وَابْنِ ابْنِ ابْنٍ. فَإِنْ كَانَ أَنْزَلَ وَلَهَا السُّدُسُ فَتَأْخُذُهُ وَيَسْتَقِلُّ هُوَ بِالْبَاقِي. وَقَدْ يَكُونُ ابْنُ الِابْنِ مَشْئُومًا عَلَى بِنْتِ الِابْنِ لَوْلَاهُ لَوَرِثَتْ كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَأَبٍ وَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ فَلَهَا السُّدُسُ فَتَعُولُ لِخَمْسَةَ عَشَرَ؛ فَلَوْ كَانَ ابْنُ ابْنٍ مَعَهَا أَخَاهَا أَوْ ابْنَ عَمِّهَا لَسَقَطَ وَسَقَطَتْ مَعَهُ لِاسْتِغْرَاقِ الْفُرُوضِ وَتَعُولُ لَثَلَاثَةَ عَشَرَ. (وَ) تُحْجَبُ (أُخْتٌ أَوْ أَخَوَاتٌ لِأَبٍ بِأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ) : لِاسْتِغْرَاقِهِمَا الثُّلُثَيْنِ إلَّا إذَا كَانَ مَعَ الْأُخْتِ لِلْأَبِ أَخٌ لِأَبٍ فَيُعَصِّبُهَا. (وَ) سَقَطَ (عَاصِبٌ بِاسْتِغْرَاقِ ذَوِي الْفُرُوضِ) : كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ لِأُمٍّ وَشَقِيقَةٍ وَأَخٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ فَهِيَ مِنْ سِتَّةٍ وَعَالَتْ لِثَمَانِيَةٍ. وَسَقَطَ أَوْلَادُ الْأَبِ لِأَنَّهُمْ عُصْبَةٌ. (وَابْنُ الْأَخِ لِغَيْرِ أُمٍّ) بِأَنْ كَانَ شَقِيقًا أَوْ لِأَبٍ (كَأَبِيهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الْأُمَّ لِلسُّدُسِ) إذَا تَعَدَّدَ بِخِلَافِ أَبِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا يَرِثُ) ابْنُ الْأَخِ (مَعَ الْجَدِّ) : بِخِلَافِ الْإِخْوَةِ لِغَيْرِ أُمٍّ فَيَرِثُونَ مَعَهُ. (وَلَا يُعَصِّبُ) ابْنُ الْأَخِ (أُخْتَهُ) : بَلْ يَخْتَصُّ بِجَمِيعِ الْمَالِ أَوْ بِمَا أَبْقَتْ الْفُرُوضُ وَلَيْسَ لِبِنْتِ الْأَخِ مَعَ أَخِيهَا أَوْ ابْنِ عَمِّهَا شَيْءٌ فَهِيَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ. (وَيَسْقُطُ) ابْنُ الْأَخِ (فِي) الْمَسْأَلَةِ (الْمُشْتَرَكَةِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا: وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَإِخْوَةٌ لِأُمٍّ وَإِخْوَةٌ أَشِقَّاءُ أَصْلُهَا سِتَّةٌ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُمِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَمْ يَكُنْ لَهَا فِي الثُّلُثَيْنِ شَيْءٌ] : قُيِّدَ فِي كَوْنِهِ أَنْزَلَ مِنْهَا. قَوْلُهُ: [وَتَعُولُ لِثَلَاثَةَ عَشَرَ] : أَيْ عِنْدَ سُقُوطِ بِنْتِ الِابْنِ. [سُقُوط الْعَاصِب بِاسْتِغْرَاقِ ذَوِي الْفُرُوضِ] قَوْلُهُ: [أَخٌ لِأَبٍ] : أَيْ وَأَمَّا الشَّقِيقُ فَإِنَّمَا يُعَصِّبُ أَخَوَاتِهِ الْأَشِقَّاءَ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ صَاحِبُ فَرْضٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُعَصِّبُ ابْنَ الْأَخِ أُخْتَهُ] : قَالَ فِي الرَّحَبِيَّةِ: وَلَيْسَ ابْنُ الْأَخِ بِالْمُعَصِّبِ ... مَنْ مِثْلُهُ أَوْ فَوْقَهُ فِي النَّسَبِ قَوْلُهُ: [بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا] : أَيْ كَمَا ضَبَطَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ أَيْ الْمُشَارِكُ فِيهَا وَتُسَمَّى بِالْحِمَارِيَّةِ وَبِالْحَجَرِيَّةِ وَبِالْيَمِّيَّةِ. قَوْلُهُ: [وَلِلْأُمِّ] : أَيْ أَوْ الْجَدَّةِ إنْ لَمْ تَكُنْ أُمٌّ.

السُّدُسُ وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ فَشَارَكَهُمْ الْأَشِقَّاءُ فَلَوْ كَانَ ابْنُ أَخٍ لَسَقَطَ. (وَالْعَمُّ لِغَيْرِ أُمٍّ كَأَخٍ كَذَلِكَ كَذَا بَاقِي عُصْبَةِ النَّسَبِ وَتَقَدَّمَ مَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ حَجْبُ النَّقْصِ) : كَالزَّوْجِ مَعَ الْفَرْعِ الْوَارِثِ وَالْأُمِّ وَالزَّوْجَةِ. (فَلَوْ اجْتَمَعَ الذُّكُورُ) الْخَمْسَةَ عَشَرَ (فَالْوَارِثُ) مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ (أَبٌ وَابْنٌ وَزَوْجٌ) فَمَسْأَلَتُهُمْ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ مَخْرَجٍ الرُّبُعُ وَالثُّلُثُ لِلزَّوْجِ وَثَلَاثَةٌ لِلْأَبِ اثْنَانِ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ. (أَوْ) اجْتَمَعَ (الْإِنَاثُ) فَيَرِثُ مِنْهُنَّ، خَمْسَةٌ أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ: (فَبِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ وَزَوْجَةٌ) مَسْأَلَتُهُنَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِلثُّمُنِ وَالسُّدُسِ يَبْقَى مِنْهَا وَاحِدٌ لِلشَّقِيقَةِ؛ لِأَنَّهَا عَصَبَةٌ بِالْغَيْرِ. (وَلَوْ اجْتَمَعَا) : أَيْ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ أَيْ الْمُمْكِنُ مِنْهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ] : أَيْ وَهُوَ اثْنَانِ فَلَمْ يَبْقَ لِلْأَشِقَّاءِ شَيْءٌ فَكَانَ مُقْتَضَى الْحُكْمِ السَّابِقِ أَنْ يَسْقُطُوا لِاسْتِغْرَاقِ الْفُرُوضِ التَّرِكَةَ وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي قَضَى بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوَّلًا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ، ثُمَّ وَقَعَتْ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثَانِيَةً فَأَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَبْ أَنَّ أَبَاهُمْ حِمَارٌ مَا زَادَهُمْ الْأَبُ إلَّا قُرْبًا، وَقِيلَ قَائِلُ ذَلِكَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ، وَقِيلَ قَالَ بَعْضُهُمْ هَبْ أَنَّ أَبَانَا كَانَ حَجَرًا مُلْقًى فِي الْيَمِّ فَلَمَّا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ قَضَى بِالتَّشْرِيكِ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ وَالْإِخْوَةِ الْأَشِقَّاءِ كَأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَوْلَادُ أُمٍّ. فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: ذَاكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ زَيْدٌ وَذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ. قَوْلُهُ: [بِالْغَيْرِ] : الْمُنَاسِبُ مَعَ الْغَيْرِ. قَوْلُهُ: [أَيْ الْمُمْكِنُ مِنْهُمَا] : إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُ زَوْجَةٍ وَزَوْجٍ يَطْلُبَانِ الْإِرْثَ بِالزَّوْجِيَّةِ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمَلْفُوفِ الْمَشْهُورَةِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي غَايَةِ الْوُصُولِ فِي عِلْمِ الْفُصُولِ: فَإِذَا قِيلَ لَك اجْتَمَعَتْ الْخَمْسَةُ وَالْعِشْرُونَ فَقُلْ لَمْ يَمُتْ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ مِنْهُمْ الزَّوْجَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي فَرِيضَةٍ فَيَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُ الصِّنْفَيْنِ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ يُتَصَوَّرُ بِثَلَاثِ صُوَرٍ: إحْدَاهَا لَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً عَلَى مَيِّتٍ مَلْفُوفٍ فِي كَفَنٍ أَنَّهُ امْرَأَتُهُ وَهَؤُلَاءِ أَوْلَادُهُ مِنْهَا وَأَقَامَتْ

(فَأَبَوَانِ وَابْنٌ وَبِنْتٌ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ) : فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ الزَّوْجَ فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِلثُّمُنِ وَالسُّدُسِ، وَتَصِحُّ مِنْ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لِلْمُبَايَنَةِ بَيْنَ رُءُوسِ الْأَوْلَادِ وَسِهَامِهِمْ إذْ الْبَاقِي لَهُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ عَلَى ثَلَاثَةٍ، فَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَصْلِهَا أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي ثَلَاثَةٍ. وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ الزَّوْجَةَ فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ مَخْرَجٍ الرُّبُعُ وَالسُّدُسُ، يَبْقَى لِلْأَوْلَادِ الثَّلَاثَةِ خَمْسَةٌ، فَتُضْرَبُ رُءُوسُهُمْ فِي أَصْلِهَا بِسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQامْرَأَةٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ زَوْجُهَا وَهَؤُلَاءِ أَوْلَادُهَا مِنْهُ فَكُشِفَ عَنْهُ فَإِذَا هُوَ خُنْثَى مُشْكِلٌ لَهُ آلَتَانِ آلَةُ الرِّجَالِ وَآلَةُ النِّسَاءِ فَعَنْ النَّصِّ أَنَّ الْمَالَ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا وَخَالَفَ الْأُسْتَاذُ أَبُو طَاهِرٍ النَّصَّ وَقَدَّمَ بَيِّنَةَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ وِلَادَتَهَا صَحَّتْ بِطَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ وَالْإِلْحَاقِ بِالْأَبِ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ وَالْمُشَاهَدَةُ أَقْوَى، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَعَلَّ مَا ذُكِرَ عَنْ النَّصِّ عَلَى قَوْلِ اسْتِعْمَالِ الْبِنْتَيْنِ وَعَلَيْهِ لِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ بِكُلِّ حَالٍ وَقَضِيَّةُ بَيِّنَةِ الرَّجُلِ أَنَّ لَهُ الرُّبْعَ وَالْبَاقِي لِأَوْلَادِهِ، وَقَضِيَّةُ بَيِّنَةِ الْمَرْأَةِ أَنَّ لَهَا الثُّمُنَ وَالْبَاقِي لِأَوْلَادِهَا فَرُبْعُ الزَّوْجِيَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ الزَّوْجُ بَلْ تُنَازِعُهُ الزَّوْجَةُ فِي ثُمُنٍ مِنْهُ فَيُقَسَّمُ الثُّمُنُ بَيْنَهُمَا وَيُنَازِعُهُ أَوْلَادُهَا فِي الثُّمُنِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَهُ لِكَوْنِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْبَاقِي بَعْدَ الْفُرُوضِ بِمُقْتَضَى بَيِّنَةِ أُمِّهِمْ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ نِصْفَيْنِ ثُمَّ يُقَسَّمُ الْبَاقِي بَعْدَ السُّدُسَيْنِ وَالرُّبْعِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَأَصْلُهَا اثْنَا عَشَرَ بِاعْتِبَارِ السُّدُسِ مَعَ رُبْعِ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ بِاعْتِبَارِهِمَا مَعَ رُبْعِ الزَّوْجِ وَثُمُنِ الزَّوْجَةِ نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ وَإِنْ لَمْ يُؤْخَذْ إلَّا الرُّبْعُ مُوَزَّعًا عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ فَرْضَيْهِمَا، ثَانِيَتُهُمَا لَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ عَلَى مَيِّتٍ بَعْدَ الدَّفْنِ أَوْ عَلَى غَائِبٍ لَمْ يَظْهَرْ حَالُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ (اهـ مُلَخَّصًا) . قَوْلُهُ: [فَأَبَوَانِ] : أَيْ فَالْوَارِثُ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ أَبَوَانِ إلَخْ. قَوْلُهُ: [لِلْمُبَايَنَةِ بَيْنَ رُءُوسِ الْأَوْلَادِ وَسِهَامِهِمْ] . أَيْ فَتُضْرَبُ الرُّءُوسُ الْمُنْكَسِرَةُ عَلَيْهَا سِهَامُهَا فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ تَصِحُّ مِمَّا قَالَ الشَّارِحُ.

[فصل في فن الحساب في علم الفرائض]

فَصْلٌ فِي جُمْلَةٍ كَافِيَةٍ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا جَمَعَتْ أُصُولًا وَفُرُوعًا كَثِيرَةً مِنْ فَنِّ الْحِسَابِ (الْحِسَابُ) لُغَةً: الْعَدُّ. يُقَالُ: حَسَبَ الشَّيْءَ عَدَّهُ، وَاصْطِلَاحًا: عِلْمٌ بِأُصُولٍ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مَعْرِفَةِ الْمَجْهُولَاتِ الْعَدَدِيَّةِ. وَفَائِدَتُهُ: صَيْرُورَةُ الْمَجْهُولِ مَعْلُومًا، وَغَايَتُهُ: سُرْعَةُ الْجَوَابِ عَلَى الصِّحَّةِ، وَمَوْضُوعُهُ: الْعَدَدُ. (يُحْتَاجُ لَهَا) : أَيْ لِلْجُمْلَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ الْحِسَابِ (الْفَرْضِيِّ) : مَنْ يُرِيدُ عِلْمَ الْفَرَائِضِ (وَغَيْرِهِ) : أَيْ غَيْرِ الْفَرْضِيِّ كَمَنْ يُرِيدُ الْبَيْعَ وَالْقَرْضَ وَالْهِبَةَ وَسَائِرَ الْمُعَامَلَاتِ. (اعْلَمْ أَنَّ) (الْعَدَدَ) هُوَ مَا تَأَلَّفَ مِنْ الْآحَادِ، فَالْوَاحِدُ لَيْسَ عَدَدًا حَقِيقَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي فَنِّ الْحِسَابِ فِي عِلْمَ الْفَرَائِضِ] فَصْلٌ: قَوْلُهُ: [لُغَةُ الْعَدِّ] : لَمَّا كَانَ يَجِبُ عَلَى كُلِّ شَارِعٍ فِي عِلْمٍ أَنْ يَتَصَوَّرَهُ بِوَجْهٍ مَا إمَّا بِتَعْرِيفِهِ أَوْ بِمَوْضُوعِهِ أَوْ غَايَتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَبَادِيهِ الْعَشَرَةِ وَإِلَّا كَانَ شُرُوعُهُ فِيهِ عَبَثًا بَيَّنَ الشَّارِحُ الْمُهِمَّ مِنْهَا وَهِيَ خَمْسَةٌ وَبَقِيَ خَمْسَةٌ، وَهِيَ حُكْمُهُ، وَنِسْبَتُهُ، وَاسْتِمْدَادُهُ، وَمَسَائِلُهُ، وَوَاضِعُهُ، فَحُكْمُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَعِلْمِ الْفَرَائِضِ لَتَوَقُّفِهِ عَلَيْهِ، وَنِسْبَتُهُ آلَةٌ لِغَيْرِهِ، وَاسْتِمْدَادُهُ مِنْ الْعَقْلِ، وَمَسَائِلُهُ قَضَايَاهُ الْعَدَدِيَّةُ، وَوَاضِعُهُ عُلَمَاءُ الْغُبَارِ. قَوْلُهُ: [وَمَوْضُوعُهُ الْعَدَدُ] : أَيْ مِنْ حَيْثُ تَحْلِيلِهِ بِالْقِسْمَةِ وَالطَّرْحِ وَالتَّضْعِيفِ وَالتَّجْذِيرِ وَهُوَ ضَرْبُ الْعَدَدِ فِي مِثْلِهِ كَضَرْبِ أَرْبَعَةٍ فِي أَرْبَعَةٍ. قَوْلُهُ: [اعْلَمْ أَنَّ الْعَدَدَ] : هُوَ لُغَةٌ مِنْ عَدَّ الشَّيْءَ يَعُدُّهُ إذَا حَسَبَهُ وَالِاسْمُ الْعَدَدُ. قَوْلُهُ: [هُوَ مَا تَأَلَّفَ مِنْ الْآحَادِ] : أَيْ مَعْنَاهُ اصْطِلَاحًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ مَا اجْتَمَعَ مِنْ الْآحَادِ أَوْ الْكَثْرَةِ الْمُجْتَمِعَةِ مِنْ الْآحَادِ.

وَقِيلَ: الْعَدَدُ مَا يُسَاوِي نِصْفَ مَجْمُوعِ حَاشِيَتَيْهِ الْقَرِيبَتَيْنِ أَوْ الْبَعِيدَتَيْنِ. وَمِنْ خَوَاصِّهِ زِيَادَةُ مُرَبَّعِهِ عَلَى مُسَطَّحِ حَاشِيَتَيْهِ الْقَرِيبَتَيْنِ بِوَاحِدٍ، وَالْبَعِيدَتَيْنِ بِقَدْرِ مُرَبَّعِ نِصْفِ الْفَضْلِ بَيْنَهُمَا (قِسْمَانِ: أَصْلِيٌّ وَفَرْعِيٌّ) . (فَ) الْعَدَدُ (الْأَصْلِيُّ) ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ (آحَادٌ) وَهُوَ النَّوْعُ الْأَوَّلُ؛ فَالْآحَادُ (مِنْ وَاحِدٍ إلَى تِسْعَةٍ) بِزِيَادَةِ وَاحِدٍ وَاحِدٍ وَالْغَايَةُ دَاخِلَةٌ فِي الْآحَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الْقَرِيبَتَيْنِ أَوْ الْبَعِيدَتَيْنِ] : أَيْ الْمُسْتَوِيَتَيْنِ قُرْبًا وَبُعْدًا وَهَذَا تَعْرِيفٌ بِالْخَاصَّةِ كَالِاثْنَيْنِ مَثَلًا فَإِنَّهَا تَأَلَّفَتْ مِنْ أَحَدَيْنِ، أَوْ كَثْرَةٍ مُجْتَمِعَةٍ مِنْ الْأَحَدَيْنِ وَسَاوَتْ نِصْفَ مَجْمُوعِ الْوَاحِدِ لِلثَّلَاثَةِ، وَكَالْخَمْسَةِ فَإِنَّهَا سَاوَتْ نِصْفَ مَجْمُوعِ الْأَرْبَعَةِ وَالسِّتَّةِ، وَنِصْفَ مَجْمُوعِ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ، وَنِصْفَ مَجْمُوعِ الِاثْنَيْنِ وَالثَّمَانِيَةِ وَنِصْفَ مَجْمُوعِ الْوَاحِدِ وَالتِّسْعَةِ، وَأَخْصَرُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنْ يُقَالَ هُوَ الْآحَادُ الْمُجْتَمِعَةُ وَيَنْبَنِي عَلَى تَعْرِيفِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ عَدَدًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَاشِيَتَانِ وَلَيْسَ آحَادًا مُجْتَمِعَةً، بَلْ يُسَمَّى عَدَدًا مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ مَبْدَأُ الْعَدَدِ، وَقِيلَ يُسَمَّى عَدَدًا حَقِيقَةً لِتَأَلُّفِ الْعَدَدِ مِنْهُ، وَلِقَوْلِ الْحِسَابِ الْعَدَدُ يَنْقَسِمُ إلَى صَحِيحٍ وَكَسْرٍ وَصَوَّبَهُ النَّظَّامُ النَّيْسَابُورِيُّ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ تَأْخِيرُ قَوْلِهِ فَالْوَاحِدُ لَيْسَ عَدَدًا حَقِيقَةً بَعْدَ تَمَامِ الْأَقْوَالِ. قَوْلُهُ: [زِيَادَةُ مُرَبَّعِهِ] : التَّرْبِيعُ ضَرْبُ الْعَدَدِ فِي مِثْلِهِ وَالْمُسَطَّحُ هُوَ الْخَارِجُ مِنْ ضَرْبِ الْعَدَدَيْنِ كَالسِّّتَّةِ عَشَرَ الْخَارِجَةِ مِنْ ضَرْبِ أَرْبَعَةٍ فِي مِثْلِهَا، وَالْمَعْنَى زِيَادَةُ مُسَطَّحِ مُرَبَّعِهِ عَلَى مُسَطَّحِ حَاشِيَتَيْهِ كَالْمِثَالِ، فَإِنَّ ضَرْبَ الْأَرْبَعَةِ فِي الْأَرْبَعَةِ بِسِتَّةَ عَشَرَ، وَضَرْبَ حَاشِيَتَيْ الْأَرْبَعَةِ الْقَرِيبَتَيْنِ وَهُمَا الثَّلَاثَةُ وَالْخَمْسَةُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَقَدْ زَادَ مُسَطَّحُ مُرَبَّعِهِ عَنْ سَطْحِ حَاشِيَتَيْهِ بِوَاحِدٍ. وَقَوْلُهُ: [وَالْبَعِيدَتَيْنِ بِقَدْرِ مُرَبَّعِ نِصْفِ الْفَضْلِ بَيْنَهُمَا] : فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ أَيْ بِقَدْرِ مُسَطَّحِ مُرَبَّعٍ إلَخْ كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا قَبْلَهُ، مِثَالُ ذَلِكَ الِاثْنَانِ وَالسِّتَّةُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمِثَالِ فَإِنَّ مُسَطَّحَهُمَا اثْنَا عَشَرَ فَقَدْ زَادَتْ عَنْهُ السِّتَّةَ عَشَرَ الْمَذْكُورَةُ بِأَرْبَعَةٍ وَهِيَ مُسَطَّحُ مُرَبَّعِ نِصْفِ الْفَضْلِ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفُهَا اثْنَانِ يُضْرَبَانِ فِي اثْنَيْنِ بِأَرْبَعَةٍ وَالْمُرَادُ بِالْحَاشِيَتَيْنِ الْبَعِيدَتَيْنِ بِمَرْتَبَةٍ فَقَطْ فَتَأَمَّلْ وَقِسْ. قَوْلُهُ: [وَالْغَايَةُ دَاخِلَةٌ] : أَيْ الَّذِي هُوَ تِسْعَةٌ.

(وَعَشْرَاتٌ: مِنْ عَشَرَةٍ إلَى تِسْعِينَ) : بِزِيَادَةِ عَشَرَةٍ عَشَرَةٍ فَهِيَ عَشَرَةٌ وَعِشْرُونَ وَثَلَاثُونَ وَأَرْبَعُونَ وَخَمْسُونَ وَسِتُّونَ وَسَبْعُونَ وَثَمَانُونَ وَتِسْعُونَ. وَ (مِئَاتٌ: مِنْ مِائَةٍ إلَى تِسْعِمِائَةٍ) : بِزِيَادَةِ مِائَةٍ مِائَةٍ فَهِيَ مِائَةٌ مِائَتَانِ وَثَلَثِمِائَةٍ إلَى تِسْعِمِائَةٍ بِإِدْخَالِ الْغَايَةِ؛ فَكُلُّ نَوْعٍ مِنْهَا تِسْعَةُ أَعْدَادٍ مُتَفَاضِلَةٍ بِمِثْلِ أَوَّلِهَا وَتُسَمَّى عُقُودًا؛ فَالْعَقْدُ الْأَوَّلُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ يُسَمَّى عَقْدًا مُفْرَدًا وَمَا بَعْدَهُ عَقْدًا مُكَرَّرًا مِنْ ذَلِكَ الْعَقْدِ الْمُفْرَدِ. (وَ) الْعَدَدُ (الْفَرْعِيُّ مَا فِيهِ) لَفْظٌ (أُلُوفٌ: كَآحَادِ أُلُوفٍ مِنْ أَلْفٍ إلَى تِسْعَةِ آلَافٍ) بِزِيَادَةِ أَلْفٍ أَلْفٍ وَالْغَايَةُ دَاخِلَةُ فِي آحَادِ الْأُلُوفِ (ثُمَّ عَشْرَاتُ أُلُوفٍ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ إلَى تِسْعِينَ أَلْفًا) بِزِيَادَةٍ عَشَرَةِ آلَافٍ عَشَرَةِ آلَافٍ (ثُمَّ مِئَاتُ أُلُوفٍ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ إلَى تِسْعِمِائَةِ أَلْفٍ) بِزِيَادَةٍ مِائَةِ أَلْفٍ (وَهَكَذَا) : كَأَلْفِ أَلْفٍ (إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَكُلُّ نَوْعٍ مِنْهَا تِسْعَةُ أَعْدَادٍ] : أَيْ فَالْآحَادُ تِسْعَةُ أَعْدَادٍ وَالْعَشَرَاتُ كَذَلِكَ وَالْمِئَاتُ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: [مُتَفَاضِلَةٌ بِمِثْلِ أَوَّلِهَا] : أَيْ فَفِي الْآحَادِ تَفَاضُلُهَا بِوَاحِدٍ وَاحِدٍ، وَفِي الْعَشَرَاتِ بِعَشَرَةٍ عَشَرَةٍ وَفِي الْمِئَاتِ بِمِائَةٍ مِائَةٍ. قَوْلُهُ: [مِنْ كُلِّ نَوْعٍ] : أَيْ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. قَوْلُهُ: [مُكَرَّرًا مِنْ ذَلِكَ الْعَقْدِ الْمُفْرَدِ] : أَيْ أَمَّا مِنْ الْآحَادِ أَوْ الْعَشَرَاتِ أَوْ الْمِئَاتِ، وَمَنْزِلَةُ الْأُولَى وَأُسُّهَا وَاحِدٌ، وَمَنْزِلَةُ الثَّانِيَةِ وَأُسُّهَا اثْنَانِ، وَمَنْزِلَةُ الثَّالِثَةِ وَأُسُّهَا ثَلَاثَةٌ، وَهَذِهِ الْمَنَازِلُ الثَّلَاثُ تُسَمَّى الْمَنَازِلُ الْأَصْلِيَّةِ. قَوْلُهُ: [وَالْعَدَدُ الْفَرْعِيُّ] : قَدَّرَ الشَّارِحُ لَفْظَ الْعَدَدِ إشَارَةً لِتَقْدِيرِ الْمَوْصُوفِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ. قَوْلُهُ: [بِزِيَادَةِ أَلْفٍ أَلْفٍ] : أَيْ أَلْفٍ فَوْقَ أَلْفٍ. قَوْلُهُ: [وَالْغَايَةُ دَاخِلَةٌ] : أَيْ الَّذِي هُوَ تِسْعَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي آحَادِ الْأُصُولِ. قَوْلُهُ: [بِزِيَادَةِ عَشْرَةِ آلَافٍ] : أَيْ فَالزِّيَادَةُ فِيهَا بِعَشَرَاتِ الْأُلُوفِ. قَوْلُهُ: [بِزِيَادَةِ مِائَةِ أَلْفٍ] : أَيْ فَالزِّيَادَةُ بِمِئَاتِ الْأُلُوفِ. قَوْلُهُ: [إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ] : الْحَاصِلُ أَنَّ مَا فِيهِ لَفْظَةُ الْأُلُوفِ مُفْرَدَةٌ

(وَهِيَ) أَيْ الْأَنْوَاعُ الْفَرْعِيَّةُ (دَائِرَةٌ عَلَى الْأَصْلِيَّةِ؛ فَكُلُّ نَوْعٍ مِنْهَا تِسْعَةُ أَعْدَادٍ) مُتَفَاضِلَةٌ بِمِثْلِ أَوَّلِهَا عَلَى قِيَاسِ الْأَصْلِيَّةِ كَمَا رَأَيْت (يُسَمَّى عَقْدًا) ؛ فَالْعَقْدُ الْأَوَّلُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ يُسَمَّى عَقْدًا مُفْرَدًا كَمَا تَقَدَّمَ. (وَيَنْقَسِمُ الْعَدَدُ مِنْ حَيْثُ مَرْتَبَتِهِ) : أَيْ تَرْتِيبِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضِ (إلَى مُفْرَدٍ) : احْتِرَازًا عَنْ الْأَجْزَاءِ فَإِنَّهُ مِنْ حِينِهَا يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: تَامٌّ وَنَاقِصٌ، وَزَائِدٌ؛ فَالْأَوَّلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَأَلْفٍ أَوْ مُكَرَّرَةٌ كَأَلْفِ أَلْفٍ هُوَ الْأَعْدَادُ الْفَرْعِيَّةُ وَمَنَازِلُهَا أَيْضًا فَرْعِيَّةٌ، كَمَا أَنَّ مَنَازِلَ الْأَصْلِيَّةِ أَصْلِيَّةٌ فَأَوَّلُ آحَادِ الْفَرْعِيَّةِ آحَادُ الْأُلُوفِ وَهِيَ الْمَنْزِلَةُ الرَّابِعَةُ فَأُسُّهَا أَرْبَعَةٌ، ثُمَّ عَشَرَاتُ أُلُوفٍ وَهِيَ الْمَنْزِلَةُ الْخَامِسَةُ وَأُسُّهَا خَمْسَةُ، ثُمَّ مِئَاتُ الْأُلُوفِ وَهِيَ الْمَنْزِلَةُ السَّادِسَةُ وَأُسُّهَا سِتَّةٌ، ثُمَّ آحَادُ أُلُوفِ الْأُلُوفِ مَرَّتَيْنِ وَهِيَ أَوَّلُ الدَّوْرُ الثَّانِي مِنْ الْفَرْعِيَّاتِ وَمَنْزِلَتُهَا سَابِعَةٌ وَأُسُّهَا سَبْعَةٌ، ثُمَّ عَشْرَاتُ أُلُوفِ الْأُلُوفِ وَمَنْزِلَتُهَا ثَامِنَةٌ وَأُسُّهَا ثَمَانِيَةٌ، ثُمَّ مِئَاتُ أُلُوفِ الْأُلُوفِ وَمَنْزِلَتُهَا تَاسِعَةٌ وَأُسُّهَا تِسْعَةٌ، ثُمَّ آحَادُ أُلُوفِ أُلُوفِ الْأُلُوفِ ثَلَاثَةٌ وَهِيَ أَوَّلُ الدَّوْرِ الثَّالِثِ مِنْ الْفُرُوعِ وَمَنْزِلَتُهَا عَاشِرَةٌ وَأُسُّهَا عَشْرَةٌ، ثُمَّ عَشَرَاتُ أُلُوفِ الْأُلُوفِ وَمَنْزِلَتُهَا حَادِيَةَ عَشَرَ وَأُسُّهَا أَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ مِئَاتُهَا وَمَنْزِلَتُهَا ثَانِيَةَ عَشَرَ وَأُسُّهَا اثْنَا عَشَرَ، وَهِيَ آخَرُ الدَّوْرِ الثَّالِثِ مِنْ الْفُرُوعِ وَهَكَذَا إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ. قَالَ الشِّنْشَوْرِيُّ فِي شَرْحِ التُّحْفَةِ: وَيُعْرَفُ أُسُّ النَّوْعِ الْفَرْعِيِّ بِضَرْبِ عَدَدِ لَفْظِهِ أَوْ لَفَظَاتِ الْأُلُوفِ فِي ثَلَاثَةٍ أَبَدًا وَزِيَادَةِ أُسِّ أَوَّلِ مَذْكُورٍ فِي السُّؤَالِ عَلَى الْحَاصِلِ، وَلَوْ قِيلَ آحَادُ أُلُوفِ الْأُلُوفِ خَمْسَ مَرَّاتٍ كَمْ أُسُّهَا فَاضْرِبْ خَمْسَةً فِي ثَلَاثَةٍ يَحْصُلُ خَمْسَةَ عَشَرَ زِدْ عَلَيْهَا أُسَّ الْآحَادِ يَجْتَمِعُ سِتَّةَ عَشَرَ وَهُوَ الْجَوَابُ، وَلَوْ قِيلَ عَشَرَاتُ أُلُوفِ الْأُلُوفِ سِتَّ مَرَّاتٍ كَمْ أُسُّهَا فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي سِتَّةٍ وَزِدْ عَلَى الْحَاصِلِ اثْنَيْنِ أُسَّ الْعَشَرَاتِ يَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ وَذَلِكَ عِشْرُونَ، وَإِنْ أَرَدْت أُسَّ مِئَاتِ أُلُوفِ الْأُلُوفِ عَشْرًا فَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ لِمَا عَرَفْت وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [إلَى مُفْرَدٍ] : أَيْ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [احْتِرَازًا عَنْ الْأَجْزَاءِ] : أَيْ بِالْحَيْثِيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. قَوْلُهُ: [فَالْأَوَّلُ] : أَيْ التَّامُّ.

مَا سَاوَتْ أَجْزَاؤُهُ مَقَامَهُ كَالسِّتَّةِ؛ فَإِنَّك إذَا جَمَعْت نِصْفَ السِّتَّةِ وَثُلُثَهَا وَسُدُسَهَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ السِّتَّةُ، وَالثَّانِي: مَا نَقَصَتْ أَجْزَاؤُهُ عَنْهُ؛ كَالثَّمَانِيَةِ نِصْفُهَا أَرْبَعَةٌ وَرُبُعُهَا اثْنَانِ وَثُمُنُهَا وَاحِدٌ الْمَجْمُوعُ سَبْعَةٌ، وَالثَّالِثُ: مَا زَادَتْ أَجْزَاؤُهُ عَنْهُ كَالِاثْنَيْ عَشَرَ نِصْفُهَا وَثُلُثُهَا وَرُبُعُهَا وَسُدُسُهَا إذَا جُمِعَتْ زَادَتْ. (وَهُوَ) أَيْ الْمُفْرَدُ (مَا كَانَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ أَصْلِيٍّ أَوْ فَرْعِيٍّ) . ثُمَّ مَثَّلَ لِلْأَصْلِيِّ بِقَوْلِهِ: (كَثَلَاثَةٍ) وَسَبْعَةٍ وَكَأَرْبَعِينَ (وَكَأَرْبَعِمِائَةٍ) . وَمَثَّلَ لِلْفَرْعِيِّ بِقَوْلِهِ: (وَكَخَمْسَةِ آلَافٍ) وَثَلَاثِينَ أَلْفًا وَهَكَذَا. (وَمُرَكَّبٌ) : (وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ نَوْعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ) : مِثَالُ مَا كَانَ مِنْ نَوْعَيْنِ (كَأَحَدَ عَشَرَ) : فَإِنَّهُ مَرْكَبٌ مِنْ الْوَاحِدِ وَهُوَ آحَادٌ وَمِنْ الْعَشَرَةِ وَهُوَ مِنْ الْعَشَرَاتِ، وَهَذَا الْمِثَالُ أَوَّلُ الْأَعْدَادِ الْمُرَكَّبَةِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ (وَكَاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ وَ) مِثَالُ مَا رُكِّبَ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ نَوْعَيْنِ (كَثَلَثِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ) : مُرَكَّبٌ مِنْ نَوْعِ الْمِئَاتِ وَالْآحَادِ وَالْعَشْرَاتِ فَهُوَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ، وَكَأَلْفَيْنِ وَثَلَثِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ، وَكَتِسْعِمِائَةِ أَلْفٍ وَتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ أَلْفًا وَتِسْعمِائَةٍ وَتِسْعِينَ مِنْ سِتَّةِ أَنْوَاعٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: [مَا سَاوَتْ أَجْزَاؤُهُ] : أَيْ الصَّحِيحَةُ. قَوْلُهُ: [إذَا جُمِعَتْ زَادَتْ] : أَيْ فَتَنْتَهِي لِخَمْسَةَ عَشَرَ. قَوْلُهُ: [كَثَلَاثَةٍ] : أَدْخَلَتْ الْكَافُ بَاقِيَ الْآحَادِ إلَى التِّسْعَةِ فَلَا مَعْنًى لِقَوْلِ الشَّارِحِ وَسَبْعَةٍ. قَوْلُهُ: [وَكَأَرْبَعِينَ] : أَدْخَلَتْ الْكَافُ بَاقِيَ الْعَشَرَاتِ إلَى التِّسْعِينَ. قَوْلُهُ: [وَكَأَرْبَعِمِائَةٍ] : أَدْخَلَتْ الْكَافُ بَاقِيَ الْمِئَاتِ إلَى التِّسْعِمِائَةِ. قَوْلُهُ: [وَهَكَذَا] : أَيْ كَمِائَةِ أَلْفٍ. قَوْلُهُ: [وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَكَاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ] : ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِثَالٌ لِأَوَّلِ الْأَعْدَادِ الْمُرَكَّبَةِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: [مِنْ سِتَّةِ أَنْوَاعٍ] : الْأَوَّلُ مِئَاتُ الْأُلُوفِ، وَالثَّانِي آحَادُ الْأُلُوفِ، وَالثَّالِثُ عَشَرَاتُ الْأُلُوفِ، وَالرَّابِعُ الْمِئَاتُ، وَالْخَامِسُ الْآحَادُ، وَالسَّادِسُ الْعَشَرَاتُ.

[فصل في معرفة ضرب الصحيح في الصحيح]

فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ ضَرْبِ الصَّحِيحِ فِي الصَّحِيحِ الضَّرْبُ لُغَةً: الشَّكْلُ، يُقَالُ: فُلَانٌ عَلَى ضَرْبِ فُلَانٍ: أَيْ شَكْلِهِ، وَاصْطِلَاحًا مَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ. (وَهُوَ تَضْعِيفُ الْعَدَدَيْنِ) : الْمَضْرُوبِ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ (بِقَدْرِ مَا فِي الْعَدَدِ الْآخَرِ مِنْ الْآحَادِ) كَمَا وَضَّحَهُ بِقَوْلِهِ. (فَضَرْبُ الثَّلَاثَةِ فِي خَمْسَةٍ تَكْرِيرُ الثَّلَاثَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ أَوْ الْخَمْسَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) فَالتَّضْعِيفُ وَالتَّكْرِيرُ مُتَرَادِفَانِ (الْخَارِجُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ ضَرْبِ الصَّحِيحِ فِي الصَّحِيحِ] فَصْلٌ: احْتَرَزَ بِهِ عَنْ ضَرْبِ الْكَسْرِ فِي الصَّحِيحِ أَوْ فِي الْكَسْرِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا. قَوْلُهُ: [وَهُوَ تَضْعِيفُ الْعَدَدَيْنِ] : الْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ أَحَدِهِمَا لَا كُلٍّ مِنْهُمَا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ الْمَتْنُ وَالشَّارِحُ، قَالَ فِي التُّحْفَةِ ضَرْبُ الصَّحِيحِ تَكْرِيرُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ بِقَدْرِ عِدَّةِ آحَادِ الْآخَرِ (اهـ) وَالضِّعْفُ الْمِثْلُ وَالضِّعْفَانِ الْمِثْلَانِ وَالْأَضْعَافُ الْأَمْثَالُ وَالتَّضْعِيفُ وَالْإِضْعَافُ وَالْمُضَاعَفَةُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُجْمَلِ وَالصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ قَالَهُ فِي شَرْحِ اللُّمَعِ. قَوْلُهُ: [فَالتَّضْعِيفُ وَالتَّكْرِيرُ مُتَرَادِفَانِ] : أَيْ وَهُوَ الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ الْحِسَابُ وَالْمُهَنْدِسُونَ وَقَدْ تَسْتَعْمِلُ الْحِسَابُ ضِعْفَ الْعَدَدِ فِي غَيْرِ تَعْرِيفِ الضَّرْبِ بِمَعْنَى مِثْلَيْهِ، وَضِعْفَيْهِ بِمَعْنَى أَرْبَعَةِ أَمْثَالِهِ، وَثَلَاثَةَ أَضْعَافِهِ بِمَعْنَى ثَمَانِيَةِ أَمْثَالِهِ وَهَكَذَا وَهُوَ قَلِيلٌ فِي اللُّغَةِ. قَوْلُهُ: [الْخَارِجُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ] : أَيْ تَقْدِيرِ تَكْرِيرِ الثَّلَاثَةِ أَوْ الْخَمْسَةِ، قَالَ فِي شَرْحِ التُّحْفَةِ وَمِنْ خَوَاصِّ الضَّرْبِ مُطْلَقًا أَنَّ نِسْبَةَ الْوَاحِدِ لِأَحَدِ الْمَضْرُوبَيْنِ كَنِسْبَةِ الْآخَرِ إلَى الْجَوَابِ وَأَنَّهُ مَتَى قُسِمَ الْجَوَابُ عَلَى أَحَدِ الْمَضْرُوبَيْنِ خَرَجَ الْآخَرُ، أَلَا تَرَى أَنَّك إذَا نَسَبْت الْوَاحِدَ إلَى الْخَمْسَةِ تَجِدُهُ خَمْسًا

وَهُوَ أَيْ الضَّرْبُ (ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ) : الْأَوَّلُ (ضَرْبُ) عَدَدٍ (مُفْرَدٍ فِي) عَدَدٍ (مُفْرَدٍ) كَأَرْبَعَةٍ فِي خَمْسَةٍ. (وَ) الثَّانِي (ضَرْبُ مُفْرَدٍ فِي مُرَكَّبٍ) كَخَمْسَةٍ فِي اثْنَيْ عَشَرَ. (وَ) الثَّالِثُ ضَرْبُ (مُرَكَّبٍ فِي مُرَكَّبٍ) : كَخَمْسَةٍ عَشَرَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ. وَوَجْهُ الْحَصْرِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَضْرُوبَيْنِ إمَّا مُفْرَدٌ أَوْ مُرَكَّبٌ، فَهُمَا إمَّا مُفْرَدَانِ أَوْ مُرَكَّبَانِ أَوْ مُخْتَلِفَانِ لَا رَابِعَ لَهَا، وَكُلٌّ مِنْ الْمَضْرُوبِينَ لَك أَنْ تَعْتَبِرَهُ مَضْرُوبًا أَوْ مَضْرُوبًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَقُولَ: اضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي أَرْبَعَةٍ أَوْ اضْرِبْ أَرْبَعَةً فِي ثَلَاثَةٍ وَ (كُلُّهَا تَرْجِعُ إلَى ضَرْبِ الْمُفْرَدِ فِي الْمُفْرَدِ) : لِأَنَّ كُلَّ نَوْعٍ غَيْرَ الْآحَادِ يُرَدُّ فِي الضَّرْبِ إلَى عِدَةِ عُقُودِهِ، فَيَرْجِعُ إلَى الْآحَادِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ عِدَّةُ عُقُودِهِ تِسْعَةٌ وَهِيَ آحَادٌ (كَمَا يَأْتِي) فِي قَوْلِهِ: " وَأَصْلُهَا الْآحَادُ فِي الْآحَادِ ". (فَضَرْبُ الْمُفْرَدِ فِي الْمُفْرَدِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مُنْحَصِرٌ فِي خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ صُورَةً) : لِأَنَّ كُلَّ نَوْعٍ تِسْعَةُ أَعْدَادٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَتِسْعَةٌ فِي مِثْلِهَا بِإِحْدَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّلَاثَةَ إلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَجَدْتهَا كَذَلِكَ أَوْ إلَى الثَّلَاثَةِ كَانَتْ ثُلُثًا وَالْخَمْسَةِ إلَى الْجَوَابِ كَذَلِكَ، فَإِنَّك إذَا قَسَمْت الْخَمْسَةَ عَشَرَ عَلَى الْخَمْسَةِ خَرَجَتْ الثَّلَاثَةُ أَوْ عَلَى الثَّلَاثَةِ خَرَجَتْ الْخَمْسَةُ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ أَيْ الضَّرْبُ] : أَيْ ضَرْبُ الصَّحِيحِ فِي الصَّحِيحِ. قَوْلُهُ: [لَا رَابِعَ لَهَا] : أَيْ فِي الْوَاقِعِ وَإِنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ الْعَقْلِيَّةُ تَقْتَضِي الرَّابِعَ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ مُفْرَدٌ فِي مُرَكَّبٍ وَعَكْسُهُ. قَوْلُهُ: [كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَأَصْلُهَا الْآحَادُ] : أَيْ وَيُقَالُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ النَّوْعُ الْمَضْرُوبُ فِيهِ عَشَرَاتٍ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَاصِلِ مِنْ ضَرْبِ الْآحَادِ فِي الْعُقُودِ يَبْسُطُ عَشْرَةً؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ عُقُودِ الْعَشَرَاتِ، وَإِنْ كَانَ النَّوْعُ الْمَضْرُوبُ فِيهِ مِئَاتٍ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَاصِلِ يَبْسُطُ مِائَةً؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ عُقُودِ الْمِائَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمَضْرُوبُ فِيهِ أُلُوفًا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَاصِلِ يَبْسُطُ أَلْفًا؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ عُقُودِ الْأُلُوفِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يُقَالُ فِي عَشَرَاتِ الْأُلُوفِ وَمِائَتِهَا وَسَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ.

[تنبيه أنواع ضرب الأعداد الأصلية بعضها في بعض]

وَثَمَانِينَ صُورَةً يَسْقُطُ مِنْهَا الْمُكَرَّرُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ كَمَا يَتَّضِحُ لَك فِي ضَرْبِ الْآحَادِ فِي الْآحَادِ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ (الْأَصْلُ فِيهَا ضَرْبُ الْآحَادِ فِي الْآحَادِ) عَلِمْت وَجْهَهُ. (وَحِفْظُهَا) : أَيْ تِلْكَ الصُّوَرِ (وَكَثْرَةُ اسْتِحْضَارِهَا) الَّذِي يَنْشَأُ مِنْ كَثْرَةِ الْمُمَارَسَةِ (مُسَهِّلٌ لِلضَّرْبِ) . (وَضَرْبُ الْأَعْدَادِ الْأَصْلِيَّةِ) : وَهِيَ الْآحَادُ وَالْعَشَرَاتُ وَالْمِئَاتُ (بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ مُنْحَصِرٌ فِي سِتَّةِ أَنْوَاعٍ) : الْأَوَّلُ (ضَرْبُ الْآحَادِ فِي الْآحَادِ، وَ) الثَّانِي: (ضَرْبُهَا) أَيْ الْآحَادُ (فِي الْعَشَرَاتِ، وَ) الثَّالِثُ: (ضَرْبُهَا) أَيْ الْآحَادُ (فِي الْمِئَاتِ، وَ) الرَّابِعُ: (ضَرْبُ الْعَشَرَاتِ فِي الْعَشَرَاتِ، وَ) الْخَامِسُ: (ضَرْبُ الْعَشَرَاتِ فِي الْمِئَاتِ) وَسَقَطَ مِنْهَا ضَرْبُ الْعَشَرَاتِ فِي الْآحَادِ؛ لِأَنَّهُ بِعَيْنِهِ ضَرْبُ الْآحَادِ فِي الْعَشَرَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ (وَ) السَّادِسُ (ضَرْبُ الْمِئَاتِ فِي الْمِئَاتِ) وَسَقَطَ مِنْهَا ضَرْبُ الْمِئَاتِ فِي الْعَشَرَاتِ وَضَرْبُ الْمِئَاتِ فِي الْآحَادِ؛ لِأَنَّهُمَا عَيْنُ ضَرْبِ الْآحَادِ فِي الْمِئَاتِ (وَضَرْب الْعَشْرَاتِ فِي الْمِئَاتِ) وَتَقَدَّمَا لَهُ. (وَالْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ الْآحَادِ فِي الْآحَادِ: آحَادٌ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ حَاصِلِ الضَّرْبِ هُوَ وَاحِدٌ (وَ) الْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ الْآحَادِ (فِي الْعَشَرَاتِ عَشَرَاتٌ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ حَاصِلِ الضَّرْبِ عَشَرَةٌ كَمَا وَضَّحَهُ بَعْدُ فِي الْأَمْثِلَةِ (وَ) الْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ الْآحَادِ (فِي الْمِئَاتِ مِئَاتٌ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ حَاصِلِ الضَّرْبِ مِائَةٌ (وَ) الْحَاصِلُ (مِنْ ضَرْبِ الْعَشَرَاتِ فِي الْعَشَرَاتِ مِئَاتٌ) : أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [يَسْقُطُ مِنْهَا الْمُكَرَّرُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ] : قَالَ شَارِحُ اللُّمَعِ هَذَا وَاضِحٌ فِي مُتَّحِدِي النَّوْعِ كَالْآحَادِ فِي الْآحَادِ وَالْعَشَرَاتِ فِي الْعَشَرَاتِ وَالْمِئَاتِ فِي الْمِئَاتِ، وَأَمَّا فِي مُخْتَلِفِي النَّوْعِ كَالْأَحَادِ فِي الْعَشَرَاتِ أَوْ فِي الْمِئَاتِ وَضَرْبِ الْعَشَرَاتِ فِي الْمِئَاتِ فَلَا يُحْذَفُ مِنْ الْأَحَدِ وَالثَّمَانِينَ شَيْءٌ لِعَدَمِ التَّكْرَارِ فَتَأَمَّلْ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا لَمَّا كَانَتْ تَرْجِعُ لِلْأَصْلِ وَهُوَ ضَرْبُ الْآحَادِ فِي الْآحَادِ فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَتَأَتَّى حَذْفُ السِّتَّةِ وَالثَّلَاثِينَ لِلتَّكْرَارِ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّك تَرُدُّ كُلًّا مِنْ الضَّرْبَيْنِ غَيْرِ الْآحَادِ إلَى عِدَّةِ عُقُودٍ فَيَرْجِعَانِ إلَى ضَرْبِ الْآحَادِ فِي الْآحَادِ (اهـ) . [تَنْبِيه أَنْوَاعٍ ضَرْبُ الْأَعْدَادِ الْأَصْلِيَّةِ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ] قَوْلُهُ: [فِي سِتَّةِ أَنْوَاعٍ] : أَيْ الْخَالِيَةِ مِنْ التَّكْرَارِ وَأَمَّا بِالْمُكَرَّرِ فَهِيَ تِسْعَةٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الشَّارِحِ.

الْحَاصِلِ بِالضَّرْبِ مِائَةٌ (وَ) الْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ الْعَشَرَاتِ (فِي الْمِئَاتِ أُلُوفٌ) أَيْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَاصِلِ أَلْفٌ (وَ) الْحَاصِلِ (مِنْ) ضَرْبِ (الْمِئَاتِ فِي الْمِئَاتِ عَشَرَاتُ أُلُوفٍ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ حَاصِلِ الضَّرْبِ عَشَرَةُ آلَافٍ؛ فَاحْفَظْ هَذَا الضَّابِطَ فَإِنَّهُ نَافِعٌ جِدًّا. (وَ) هَذِهِ الْأَبْوَابُ السِّتَّةُ (أَصْلُهَا: ضَرْبُ الْآحَادِ فِي الْآحَادِ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ مِنْ ضَرْبِ الْوَاحِدِ فِي الْوَاحِدِ وَاحِدٌ وَ) مِنْ ضَرْبِ الْوَاحِدِ (فِي الِاثْنَيْنِ اثْنَانِ وَ) مِنْ ضَرْبِ الْوَاحِدِ (فِي الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةٌ وَهَكَذَا) : أَيْ ضَرْبُ الْوَاحِدِ فِي الْأَرْبَعَةِ أَرْبَعَةٌ وَفِي الْخَمْسَةِ خَمْسَةٌ وَفِي السِّتَّةِ سِتَّةٌ وَفِي السَّبْعَةِ سَبْعَةٌ وَفِي الثَّمَانِيَةِ ثَمَانِيَةٌ (إلَى التِّسْعَةِ تِسْعَةٌ؛ فَضَرْبُ الْوَاحِدِ فِي كُلِّ عَدَدٍ لَا أَثَرَ لَهُ) : لِأَنَّهُ لَا تَضْعِيفَ فِيهِ (إذْ الْحَاصِلُ هُوَ ذَلِكَ الْعَدَدُ نَفْسُهُ) كَمَا رَأَيْت فِي ضَرْبِ الْوَاحِدِ فِي الصُّوَرِ التِّسْعِ فَلَمْ يَزِدْ شَيْئًا. (وَالْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ فِي اثْنَيْنِ أَرْبَعَةٌ وَ) مِنْ ضَرْبِهِمَا (فِي ثَلَاثَةٍ سِتَّةٌ وَ) مِنْ ضَرْبِهِمَا (فِي أَرْبَعَةٍ ثَمَانِيَةٌ وَ) مِنْ ضَرْبِهِمَا (فِي خَمْسَةٍ عَشَرَةٌ وَ) مِنْ ضَرْبِهِمَا (فِي سِتَّةٍ اثْنَا عَشَرَ وَ) مِنْ ضَرْبِهِمَا (فِي سَبْعَةٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَ) مِنْ ضَرْبِهِمَا (فِي ثَمَانِيَةٍ سِتَّةَ عَشَرَ وَ) مِنْ ضَرْبِهِمَا (فِي تِسْعَةٍ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) : لِأَنَّ الْحَاصِلَ مِنْ ضَرْبِ الِاثْنَيْنِ فِي كُلِّ عَدَدٍ مِثْلَاهُ فَهَذِهِ ثَمَانِ صُوَرٍ وَسَقَطَ مِنْهَا صُورَةٌ مُتَكَرِّرَةٌ وَهِيَ ضَرْبُ الِاثْنَيْنِ فِي الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ عَيْنُ ضَرْبِ الْوَاحِدِ فِي الِاثْنَيْنِ (وَالْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ الثَّلَاثَةِ فِي الثَّلَاثَةِ تِسْعَةٌ وَ) مِنْ ضَرْبِهَا (فِي أَرْبَعَةٍ اثْنَا عَشَرَ وَ) مِنْ ضَرْبِهَا (فِي خَمْسَةٍ خَمْسَةَ عَشَرَ وَ) مِنْ ضَرْبِهَا (فِي سِتَّةٍ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَفِي سَبْعَةٍ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَفِي ثَمَانِيَةٍ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَفِي تِسْعَةٍ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ) : لِأَنَّ الْحَاصِلَ مِنْ ضَرْبِ الثَّلَاثَةِ فِي كُلِّ عَدَدٍ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِ الْمَضْرُوبِ فِيهِ، وَسَقَطَ صُورَتَانِ مُتَكَرِّرَتَانِ وَهُمَا ضَرْبُ الثَّلَاثَةِ فِي الِاثْنَيْنِ وَفِي الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُمَا ضَرْبُ الْوَاحِدِ فِي الثَّلَاثَةِ وَضَرْبُ الِاثْنَيْنِ فِي الثَّلَاثَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتَا (وَ) الْحَاصِلُ (مِنْ ضَرْبِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْأَرْبَعَةِ سِتَّةَ عَشَرَ وَ) مِنْ ضَرْبِهَا (فِي خَمْسَةٍ عِشْرُونَ وَ) مِنْ ضَرْبِهَا (فِي سِتَّةٍ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَفِي سَبْعَةٍ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَفِي ثَمَانِيَةٍ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ وَفِي تِسْعَةٍ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ) : لِأَنَّ الْحَاصِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ لَا تَضْعِيفَ فِيهِ] : أَيْ لَا تَكْرَارَ فِيهِ.

مِنْ ضَرْبِ الْأَرْبَعَةِ فِي كُلِّ عَدَدٍ أَرْبَعَةُ أَمْثَالِ الْمَضْرُوبِ فِيهِ وَسَقَطَ مِنْهَا ثَلَاثُ صُوَرٍ: ضَرْبُ الْأَرْبَعَةِ فِي الثَّلَاثَةِ وَفِي الِاثْنَيْنِ وَفِي الْوَاحِدِ لِتَكَرُّرِهَا (وَ) الْحَاصِلُ (مِنْ ضَرْبِ الْخَمْسَةِ فِي الْخَمْسَةِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَ) مِنْ ضَرْبِهَا (فِي السِّتَّةِ ثَلَاثُونَ وَفِي السَّبْعَةِ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ وَفِي الثَّمَانِيَةِ أَرْبَعُونَ وَفِي التِّسْعَةِ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ) لِأَنَّ ضَرْبَ خَمْسَةٍ فِي كُلِّ عَدَدٍ يَحْصُلُ خَمْسَةُ أَمْثَالِهِ وَسَقَطَ مِنْهَا أَرْبَعُ صُوَرٍ: ضَرْبُ الْخَمْسَةِ فِي الْأَرْبَعَةِ وَفِي الثَّلَاثَةِ وَفِي الِاثْنَيْنِ وَفِي الْوَاحِدِ لِتَكَرُّرِهَا. (وَ) الْحَاصِلُ (مِنْ ضَرْبِ السِّتَّةِ فِي السِّتَّةِ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ وَ) مِنْ ضَرْبِهَا (فِي السَّبْعَةِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ وَ) مِنْ ضَرْبِهَا (فِي الثَّمَانِيَةِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَ) مِنْ ضَرْبِهَا (فِي التِّسْعَةِ أَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ) لِأَنَّهُ يَحْصُلُ سِتَّةُ أَمْثَالِهِ وَسَقَطَ مِنْهَا خَمْسَةُ صُوَرٍ لِتَكَرُّرِهَا وَهِيَ ضَرْبُ السِّتَّةِ فِي الْخَمْسَةِ وَمَا تَحْتَهَا. (وَ) الْحَاصِلُ (مِنْ ضَرْبِ السَّبْعَةِ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَ) مِنْ ضَرْبهَا (فِي الثَّمَانِيَةِ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ وَ) مِنْ ضَرْبِهَا (فِي التِّسْعَةِ ثَلَاثَةٌ وَسِتُّونَ) وَسَقَطَ مِنْهُمَا سِتُّ صُوَرٍ لِتَكَرُّرِهَا وَهِيَ ضَرْبُ السَّبْعَةِ فِي السِّتَّةِ وَفِيمَا تَحْتَهَا (وَ) الْحَاصِلُ (مِنْ ضَرْبِ الثَّمَانِيَةِ فِي الثَّمَانِيَةِ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ وَ) مِنْ ضَرْبِهَا (فِي التِّسْعَةِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ) وَسَقَطَ مِنْهَا سَبْعُ صُوَرٍ لِتَكَرُّرِهَا وَهِيَ ضَرْبُ الثَّمَانِيَةِ فِي السَّبْعَةِ وَفِيمَا تَحْتَهَا (وَ) الْحَاصِلُ (مِنْ ضَرْبِ التِّسْعَةِ فِي التِّسْعَةِ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ) وَسَقَطَ مِنْهَا ثَمَانِ صُوَرٍ وَهِيَ ضَرْبُ التِّسْعَةِ فِي الثَّمَانِيَةِ وَفِيمَا تَحْتَهَا (وَإِذَا ضَرَبْت آحَادًا فِي نَوْعٍ مُفْرَدٍ مِنْ غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الْآحَادِ كَالْعَشَرَاتِ وَالْمِئَاتِ وَالْأُلُوفِ (فَرُدَّ ذَلِكَ النَّوْعُ) الْمَضْرُوبَ فِيهِ (إلَى عِدَّةِ عُقُودِهِ فَيَرْجِعُ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَسَقَطَ مِنْهَا ثَمَانِ صُوَرٍ] : أَيْ فَإِذَا جَمَعْت الصُّوَرَ السَّاقِطَةَ حِينَئِذٍ وَجَدْتهَا سِتَّةً وَثَلَاثِينَ. تَنْبِيهٌ: إنْ عَسُرَ عَلَيْك سُرْعَةُ الْجَوَابِ فِي بَعْضِ هَذِهِ الصُّوَرِ فَقَدْ ذَكَرَ الْحِسَابَ لِتَسْهِيلِ الْجَوَابِ طُرُقًا مِنْهَا أَنْ تَجْمَعَ الْمَضْرُوبَيْنِ وَمَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ فَابْسُطْهُ عَشَرَاتٍ وَتَزِيدُ عَلَى الْحَاصِلِ مَا يَحْصُلُ مِنْ ضَرْبِ فَضْلِ الْعَشَرَةِ عَلَى أَحَدِهِمَا فِي فَضْلِهَا عَلَى الْآخَرِ، كَمَا لَوْ قِيلَ اضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي تِسْعَةٍ فَمَجْمُوعُ الِاثْنَيْنِ وَالتِّسْعَةِ أَحَدَ عَشَرَ، فَخُذْ لِلْوَاحِدِ الزَّائِدِ عَلَى الْعَشَرَةِ عَشَرَةً وَتَضْرِبُ مَا زَادَتْ بِهِ الْعَشَرَةُ عَلَى الِاثْنَيْنِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ فِيمَا زَادَتْ بِهِ عَلَى التِّسْعَةِ وَهُوَ وَاحِدٌ يَحْصُلُ ثَمَانِيَةٌ

الْآحَادِ) لِمَا عَلِمْت أَنَّ أَكْثَرَ عُقُودِهِ تِسْعَةٌ وَهِيَ آحَادٌ (ثُمَّ اضْرِبْ الْآحَادَ) الْأَصْلِيَّةَ (فِي الْآحَادِ) : الَّتِي هِيَ عِدَّةُ الْعُقُودِ (وَخُذْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجِ) بِالضَّرْبِ (أَقَلَّ عُقُودِ ذَلِكَ النَّوْعِ، فَمَا حَصَلَ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ النَّوْعُ) الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْآحَادِ (عَشْرَاتٌ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَاصِلِ) بِالضَّرْبِ (عَشَرَةٌ وَإِنْ كَانَ) ذَلِكَ النَّوْعُ غَيْرَ الْآحَادِ (مِئَاتٍ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَاصِلِ مِائَةٌ وَإِنْ كَانَ أُلُوفًا فَكُلُّ وَاحِدٍ أَلْفٌ وَهَكَذَا. مَثَلًا: إذَا ضَرَبْت ثَلَاثَةً فِي أَرْبَعِينَ) فَالثَّلَاثَةُ آحَادٌ وَالْأَرْبَعُونَ عَشَرَاتٌ فَ (رُدَّ) أَنْتَ (الْأَرْبَعِينَ إلَى عِدَّةِ عُقُودِهَا أَرْبَعَةٍ) فَرَجَعَتْ إلَى الْآحَادِ (وَاضْرِبْهَا) أَيْ الْأَرْبَعَةَ (فِي الثَّلَاثَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQاجْمَعْهَا لِلْعَشَرَةِ فَالْجَوَابُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَلَوْ قِيلَ اضْرِبْ تِسْعَةً فِي تِسْعَةٍ فَمَجْمُوعُهُمَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَخُذْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّمَانِيَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْعَشَرَةِ عَشَرَةً وَزِدْ عَلَى الْحَاصِلِ وَهُوَ ثَمَانُونَ الْحَاصِلَ مِنْ ضَرْبِ مَا فَضَلَ بِهِ الْعَشَرَةُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ وَاحِدٌ، فَالْجَوَابُ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ، وَيَتَأَتَّى الْعَمَلُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ فِي عِشْرِينَ صُورَةً وَهِيَ كُلُّ صُورَةٍ يَتَأَتَّى فِيهَا زِيَادَةُ الْعَدَدَيْنِ عَلَى عَشَرَةٍ، وَقِسْ عَلَى هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِشْرِينَ، وَمِنْهَا أَنْ تَجْعَلَ لِلْخِنْصَرِ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْيَدَيْنِ سِتَّةً وَلِلْبِنْصِرِ سَبْعَةً وَلِلْوُسْطَى ثَمَانِيَةً وَلِلسَّبَّابَةِ تِسْعَةً ثُمَّ مَتَى كَانَ كُلٌّ مِنْ الْمَضْرُوبَيْنِ هُوَ أَحَدُ هَذِهِ الْأَعْدَادِ الْأَرْبَعَةِ فَتُطَبِّقُ مَا لَهُ مِنْ إحْدَى الْيَدَيْنِ وَمَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَصَابِعِ مِنْ جِهَةِ الْخِنْصَرِ، وَتُطَبِّقُ لِلْعَدَدِ الْآخَرِ مِنْ الْيَدِ الْأُخْرَى مَعَ مَا قَبْلَهُ كَذَلِكَ ثُمَّ تَأْخُذُ لِكُلِّ أُصْبُعٍ مُنْطَبِقٍ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْيَدَيْنِ عَشَرَةً وَتُزِيدُ عَلَى الْمُجْتَمِعِ مَا يَحْصُلُ مِنْ ضَرْبٍ عَادَةً مَا يَبْقَى قَائِمًا مِنْ أَصَابِعِ إحْدَى الْيَدَيْنِ فِي الْقَائِمِ مِنْ الْأُخْرَى بَعْدَ الْمُنْطَبِقِ مِنْهُمَا، وَمَا اجْتَمَعَ يَكُونُ هُوَ الْجَوَابُ كَمَا لَوْ قِيلَ: اضْرِبْ سِتَّةً فِي سِتَّةٍ فَتُطَبِّقُ الْخِنْصَرَ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْيَدَيْنِ وَخُذْ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَشَرَةً وَتَزِيدُ عَلَى الْحَاصِلِ وَهُوَ عِشْرُونَ مَضْرُوبُ مَا بَقِيَ قَائِمًا مِنْ إحْدَى الْيَدَيْنِ فِيمَا بَقِيَ قَائِمًا مِنْ الْأُخْرَى وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ فَالْجَوَابُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ، وَيَتَأَتَّى الْعَمَلُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ فِي عَشْرِ صُوَرٍ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ بَقِيَّتَهَا (اهـ مِنْ شَرْحِ اللُّمَعِ) . قَوْلُهُ: [ثُمَّ اضْرِبْ الْآحَادَ] : أَيْ ثُمَّ بَعْدَ رَدِّهِ إلَى مَا ذَكَرَا ضَرْبِ الْآحَادِ إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَهَكَذَا] : أَيْ الْقِيَاسُ يُقَالُ عَشَرَاتُ الْأُلُوفِ وَمِئَاتُهَا إلَى مَا لَا نِهَايَةَ.

أَوْ الثَّلَاثَةَ فِي الْأَرْبَعَةِ (حَصَلَ اثْنَا عَشَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَشَرَةٌ هِيَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ، وَإِذَا ضَرَبْت أَرْبَعَةً) هَذِهِ آحَادٌ (فِي خَمْسِمِائَةٍ) هَذَا غَيْرُ آحَادٍ؛ لِأَنَّهُ مِئَاتٌ فَرُدَّ الْخَمْسُمِائَةِ إلَى عِدَّةِ عُقُودِهَا خَمْسَةٍ (فَاضْرِبْ الْأَرْبَعَةَ فِي خَمْسَةٍ، عَدَدَ عُقُودِ الْمِئَاتِ حَصَلَ عِشْرُونَ مِائَةً، هِيَ أَلْفَانِ. وَإِذَا ضَرَبْت خَمْسَةً فِي سِتَّةِ آلَافٍ، فَاضْرِبْ الْخَمْسَةَ فِي سِتَّةِ عُقُودِ الْأَلْفِ، يَحْصُلُ ثَلَاثُونَ أَلْفًا. وَإِذَا ضَرَبْت غَيْرَ الْآحَادِ فِي غَيْرِهَا) فَرُدَّ كُلًّا مِنْهُمَا إلَى عِدَّةِ عُقُودٍ فَيَرْجِعَانِ إلَى الْآحَادِ (فَاضْرِبْ عِدَّةَ عُقُودِ أَحَدِهِمَا فِي عِدَّةِ عُقُودِ الْآخَرِ، فَمَا بَلَغَ) : أَيْ مَا حَصَلَ مِنْ ضَرْبٍ احْفَظْهُ (فَابْسُطْهُ مِنْ نَوْعِ أَحَدِ الْمَضْرُوبِينَ ثُمَّ اُبْسُطْ حَاصِلَ الْبَسْطِ مِنْ نَوْعِ الْمَضْرُوبِ الْآخَرِ يَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ) كَمَا وَضَّحَهُ بِقَوْلِهِ: (فَإِذَا ضَرَبْت عِشْرِينَ فِي ثَلَاثِينَ) : لَا شَكَّ أَنَّ الْمَضْرُوبَ وَالْمَضْرُوبَ فِيهِ غَيْرُ آحَادٍ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَشَرَاتٌ. (فَعِدَّةُ عُقُودِ الْعِشْرِينَ اثْنَانِ وَ) عِدَّةُ عُقُودِ (الثَّلَاثِينَ ثَلَاثَةٌ وَاثْنَانِ) عِدَّةُ عُقُودِ الْعِشْرِينَ إذَا ضُرِبَتْ (فِي ثَلَاثَةٍ) عِدَّةَ عُقُودِ الثَّلَاثِينَ (تَبْلُغُ) بِالضَّرْبِ (سِتَّةً: بَسْطُهَا) أَيْ السِّتَّةُ (عَشَرَاتٌ) تَكُونُ (بِسِتِّينَ، ثُمَّ اُبْسُطْ السِّتِّينَ الْحَاصِلَةَ عَشَرَاتٍ يَحْصُلُ سِتُّمِائَةٍ وَهَكَذَا) كَمَا لَوْ قِيلَ: اضْرِبْ خَمْسِينَ فِي سِتِّينَ فَتَرُدُّ الْخَمْسِينَ إلَى خَمْسَةٍ وَتَرُدُّ السِّتِّينَ إلَى سِتَّةٍ وَتَضْرِبُ خَمْسَةً فِي سِتَّةٍ بِثَلَاثِينَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثِينَ مِائَةٌ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ ضَرْبِ الْعَشَرَاتِ فِي الْعَشَرَاتِ مِئَاتٌ، فَيَحْصُلُ ثَلَاثُونَ مِائَةً يَكُونُ الْجَوَابُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَسَيُوَضِّحُ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا كَمَا قَالَ. (وَالْأَسْهَلُ أَنْ تَقُولَ: إذَا ضَرَبْت الْعَشَرَاتِ فِي الْعَشَرَاتِ فَرُدَّهُمَا مِنْ كِلَا الْجَانِبَيْنِ إلَى الْآحَادِ، ثُمَّ اضْرِبْ الْآحَادَ فِي الْآحَادِ، فَمَا حَصَلَ فَخُذْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِائَةً وَلِكُلِّ عَشَرَةٍ أَلْفًا؛ فَفِي الْمِثَالِ الْمُقَدَّمِ) وَهُوَ ضَرْبُ عِشْرِينَ فِي ثَلَاثِينَ (تَضْرِبُ اثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ تَبْلُغُ سِتَّةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِائَةٌ بِسِتِّمِائَةٍ، وَإِذَا ضَرَبْت خَمْسِينَ فِي خَمْسِينَ) فَتَرُدُّهُمَا إلَى خَمْسَةٍ وَخَمْسَةٍ (وَتَضْرِبُ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ يَحْصُلُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ) تَبْسُطُهَا مِئَاتٍ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَاصِلَ مِنْ ضَرْبِ الْعَشَرَاتِ فِي الْعَشَرَاتِ مِئَاتٌ فَتَكُونُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ مِائَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَشَرَةٌ] : أَيْ لِأَنَّهَا أَوَّلُ عُقُودِ الْعَشَرَاتِ.

(يَكُونُ الْجَوَابُ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةٍ، وَأَمَّا ضَرْبُ الْعَشَرَاتِ فِي الْمِئَاتِ فَرُدَّهُمَا) أَيْ الْعَشَرَاتِ وَالْمِئَاتِ (إلَى الْآحَادِ ثُمَّ اضْرِبْ الْآحَادَ فِي الْآحَادِ فَمَا حَصَلَ) مِنْ الضَّرْبِ (فَخُذْ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَلْفًا مَثَلًا إذَا ضَرَبْت ثَلَاثِينَ فِي ثَلَثِمِائَةٍ) فَرُدَّ الثَّلَاثِينَ إلَى ثَلَاثَةٍ وَكَذَلِكَ الثَّلَثُمِائَةِ (فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي ثَلَاثَةٍ يَحْصُلُ تِسْعَةٌ) وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ ضَرْبِ الْعَشَرَاتِ فِي الْمِئَاتِ آحَادُ أُلُوفٍ فَهِيَ (بِتِسْعَةِ آلَافٍ، وَإِذَا ضَرَبْت سِتِّينَ فِي سِتِّمِائَةٍ) فَرُدَّهُمَا إلَى سِتَّةٍ وَسِتَّةٍ (فَاضْرِبْ سِتَّةً فِي سِتَّةٍ تَبْلُغُ) بِالضَّرْبِ (سِتَّةً وَثَلَاثِينَ) تَبْسُطُهَا آلَافًا (فَهِيَ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ أَلْفًا وَهَكَذَا) . كَمَا لَوْ قِيلَ: اضْرِبْ سِتِّينَ فِي تِسْعِمِائَةٍ فَتَفْعَلُ كَمَا تَقَدَّمَ يَكُونُ الْجَوَابُ أَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ أَلْفًا. (وَأَمَّا ضَرْبُ الْعَشَرَاتِ فِي الْأُلُوفِ فَرَدُّهُمَا إلَى الْآحَادِ، ثُمَّ اضْرِبْ الْآحَادَ فِي الْآحَادِ فَمَا حَصَلَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ عَشَرَةُ آلَافٍ، وَلِكُلِّ عَشَرَةٍ مِائَةُ أَلْفٍ، مَثَلًا: إذَا ضَرَبْت عِشْرِينَ) هَذِهِ عَشَرَاتٌ (فِي أَلْفَيْنِ) هَذِهِ أُلُوفٌ فَتَرُدُّ الْعِشْرِينَ إلَى اثْنَيْنِ وَكَذَلِكَ الْأَلْفَانِ (فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي اثْنَيْنِ بِأَرْبَعَةٍ فَتَكُونُ بِأَرْبَعِينَ أَلْفًا، وَإِذَا ضَرَبْت ثَلَاثِينَ فِي خَمْسَةِ آلَافٍ) فَرُدَّ الثَّلَاثِينَ لِثَلَاثَةٍ وَالْخَمْسِينَ لِخَمْسَةٍ (فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي خَمْسَةٍ تَبْلُغُ) بِالضَّرْبِ (خَمْسَةَ عَشَرَ، فَذَلِكَ مِائَةُ أَلْفٍ وَخَمْسُونَ أَلْفًا) . (وَأَمَّا ضَرْبُ الْمِئَاتِ فِي الْمِئَاتِ فَرُدَّهُمَا إلَى الْآحَادِ، ثُمَّ اضْرِبْ الْآحَادَ فَمَا بَلَغَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ عَشَرَةُ آلَافٍ) وَلِكُلِّ عَشَرَةٍ مِائَةُ أَلْفٍ (فَإِذَا ضَرَبْت مِائَتَيْنِ فِي ثَلَثِمِائَةٍ) فَرُدَّ الْمِائَتَيْنِ إلَى اثْنَيْنِ وَالثَّلَثِمِائَةِ إلَى ثَلَاثَةٍ (فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ بِسِتِّينَ أَلْفًا) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَاحِدَ بِعَشَرَةٍ (وَإِذَا ضَرَبْت ثَلَثَمِائَةٍ فِي أَرْبَعِمِائَةٍ) فَرُدَّ الثَّلَثَمِائَةِ لِثَلَاثَةٍ وَالْأَرْبَعمِائَةِ لِأَرْبَعَةٍ (فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي أَرْبَعَةٍ تَبْلُغُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ) وَعَلِمْت أَنَّ الْحَاصِلَ مِنْ ضَرْبِ الْمِئَاتِ فِي الْمِئَاتِ عَشَرَاتُ أُلُوفٍ، وَأَقَلُّ عُقُودِهَا عَشَرَةُ آلَافٍ فَكُلُّ عَشَرَةٍ بِمِائَةِ أَلْفٍ وَالِاثْنَانِ كُلُّ وَاحِدٍ بِعَشَرَةٍ (وَذَلِكَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، وَأَمَّا إذَا ضَرَبْت الْمِئَاتِ فِي الْأُلُوفِ فَرُدَّهُمَا) أَيْ الْمِئَاتِ وَالْأُلُوفِ (إلَى الْآحَادِ ثُمَّ اضْرِبْ الْآحَادَ فِي الْآحَادِ فَمَا بَلَغَ) : أَيْ حَصَلَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الضَّرْبِ (فَخُذْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِائَةَ أَلْفٍ) بِإِفْرَادِ الْأَلْفِ (وَ) خُذْ (لِكُلِّ عَشَرَةٍ أَلْفَ أَلْفٍ) بِإِضَافَةِ أَلْفٍ لِمِثْلِهَا (مَثَلًا، إذَا ضَرَبْت مِائَتَيْنِ فِي أَلْفَيْنِ فَاضْرِبْ الِاثْنَيْنِ فِي الِاثْنَيْنِ بِأَرْبَعَةٍ وَذَلِكَ أَرْبَعُمِائَةِ أَلْفٍ) وَادْخُلْ بِقَوْلِهِ مَثَلًا ضَرْبُ مِائَتَيْنِ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَهَكَذَا عَلَى قَاعِدَةِ مَا تَقَدَّمَ (وَإِذَا ضَرَبْت أَرْبَعَمِائَةٍ فِي سِتَّةِ آلَافٍ فَاضْرِبْ أَرْبَعَةً فِي سِتَّةٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَذَلِكَ أَلْفَا أَلْفٍ وَأَرْبَعُمِائَةِ أَلْفٍ) فَلَوْ قِيلَ اضْرِبْ خَمْسَمِائَةٍ فِي سِتَّةِ آلَافٍ فَالْجَوَابُ ثَلَاثُونَ أَلْفَ أَلْفٍ مَرَّتَيْنِ لِمَا مَرَّ. (وَأَمَّا ضَرْبُ الْأُلُوفِ فِي الْأُلُوفِ فَرُدَّهُمَا إلَى الْآحَادِ، ثُمَّ اضْرِبْ الْآحَادَ فِي الْآحَادِ فَمَا بَلَغَ فَخُذْ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَلْفَ أَلْفٍ) مَرَّتَيْنِ (وَلِكُلِّ عَشَرَةٍ عَشَرَةَ آلَافِ أَلْفٍ) فَإِذَا قِيلَ لَك: اضْرِبْ أَلْفَيْنِ فِي مِثْلِهَا أَوْ ثَلَاثَةَ آلَافٍ فِي مِثْلِهَا أَوْ أَرْبَعَةَ آلَافٍ فِي مِثْلِهَا فَيَكُونُ جَوَابُ الْأَوَّلِ أَرْبَعَةَ آلَافِ أَلْفٍ وَجَوَابُ الثَّانِي تِسْعَةَ آلَافِ أَلْفٍ بِتَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ عَلَى السِّينِ، وَجَوَابُ الثَّالِثِ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفٍ (فَإِذَا ضَرَبْت خَمْسَةَ آلَافٍ فِي مِثْلِهَا) فَرُدَّهُمَا إلَى الْآحَادِ مَا تَقَدَّمَ (فَاضْرِبْ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ يَكُونُ) الْحَاصِلُ (خَمْسَةً وَعِشْرِينَ) فَتَأْخُذُ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَلْفَ أَلْفٍ وَلِكُلِّ عَشَرَةٍ عَشَرَةَ آلَافِ أَلْفٍ (وَذَلِكَ عِشْرُونَ أَلْفَ أَلْفٍ) مَرَّتَيْنِ وَخَمْسَةِ آلَافِ أَلْفٍ. (وَأَمَّا إذَا أَرَدْت) أَيُّهَا النَّاظِرُ فِي هَذَا الْكِتَابِ (ضَرْبَ) عَدَدٍ (مُفْرَدٍ فِي) عَدَدٍ (مُرَكَّبٍ مِنْ نَوْعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ) مِنْ نَوْعَيْنِ (فَ) حُلَّ الْمُرَكَّبَ إلَى مُفْرَدَاتِهِ الَّتِي تَرَكَّبَ مِنْهَا وَ (اضْرِبْ) ذَلِكَ (الْمُفْرَدَ) الْمُنْفَرِدَ (فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ مُفْرَدَاتِ) أَنْوَاعِ (الْمُرَكَّبِ، وَاجْمَعْ مَا تَحَصَّلَ) مِنْ الضَّرْبِ فِي ذِهْنِك أَوْ كِتَابِك (فَهُوَ الْمَطْلُوبُ فَلَوْ ضَرَبْت) : أَيْ أَرَدْت أَنْ تَضْرِبَ (خَمْسَةً فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَمَّا إذَا أَرَدْت] إلَخْ: مَا تَقَدَّمَ كَانَ فِي ضَرْبِ الْمُفْرَدِ فِي الْمُفْرَدِ وَشَرَعَ يَذْكُرُ ضَرْبَ الْمُفْرَدِ فِي الْمُرَكَّبِ وَضَرْبَ الْمُرَكَّبِ فِي الْمُرَكَّبِ، فَأَفَادَ ضَرْبَ الْمُفْرَدِ فِي الْمُرَكَّبِ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا إذَا أَرَدْت إلَخْ ثُمَّ يَذْكُرُ بَعْدَ ذَلِكَ ضَرْبَ الْمُرَكَّبِ فِي الْمُرَكَّبِ. قَوْلُهُ: [فِي كُلِّ نَوْعٍ] إلَخْ: أَيْ مُقَدِّمًا الْأَكْبَرَ فَالْأَكْبَرَ اخْتِيَارًا.

الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ، فَالثَّمَانِيَةَ عَشْرَةَ مُرَكَّبَةٌ) مِنْ نَوْعَيْنِ (مِنْ عَشَرَةٍ وَثَمَانِيَةٍ) فَحُلَّ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَةَ إلَى عَشَرَةٍ وَثَمَانِيَةٍ (فَاضْرِبْ الْخَمْسَةَ) الَّتِي هِيَ آحَادٌ (فِي الْعَشَرَةِ يَحْصُلُ خَمْسُونَ) فَاحْفَظْهَا (ثُمَّ) اضْرِبْ الْخَمْسَةَ (فِي الثَّمَانِيَةِ يَحْصُلُ أَرْبَعُونَ) وَقَدْ تَمَّ الْعَمَلُ بِالضَّرْبَتَيْنِ (وَحَاصِلُ مَجْمُوعِهِمَا) أَيْ الْخَمْسِينَ وَالْأَرْبَعِينَ (تِسْعُونَ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَإِذَا أَرَدْت ضَرْبَ الثَّمَانِيَةِ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَاضْرِبْهَا) أَيْ الثَّمَانِيَةَ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَضْرُوبِ فِيهِ وَاحْفَظْهُ وَاجْمَعْ الْحَوَاصِلَ يَكُنْ الْمُتَحَصِّلُ هُوَ الْمَطْلُوبُ فَاضْرِبْهَا (فِي الْخَمْسَةِ بِأَرْبَعِينَ) وَاحْفَظْهَا (ثُمَّ) اضْرِبْ الثَّمَانِيَةَ (فِي الْعِشْرِينَ بِمِائَةٍ وَسِتِّينَ وَمَجْمُوعِهِمَا) أَيْ الْأَرْبَعِينَ وَالْمِائَةِ وَسِتِّينَ (مِائَتَانِ وَإِذَا ضَرَبْتهَا) : أَيْ أَرَدْت ضَرْبَ الثَّمَانِيَةِ الْمُفْرَدَةِ (فِي) مُرَكَّبٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ آحَادٍ وَعَشَرَاتٍ وَمِئَاتٍ كَ (مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَاضْرِبْهَا) أَيْ الثَّمَانِيَةَ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَضْرُوبِ فِيهِ وَتَحْفَظُ الْحَاصِلَ ثُمَّ تَجْمَعُهُ يَكُنْ الْمَطْلُوبُ بِأَنْ تَضْرِبَهَا (فِي الْمِائَةِ) يَحْصُلُ ثَمَانِمِائَةٍ (ثُمَّ) اضْرِبْ الثَّمَانِيَةَ (فِي الْخَمْسَةِ) يَحْصُلُ أَرْبَعُونَ (ثُمَّ) اضْرِبْ الثَّمَانِيَةَ (فِي الْعِشْرِينَ) يَحْصُلُ مِائَةٌ وَسِتُّونَ فَاجْمَعْ الْحَوَاصِلَ الثَّلَاثَةَ الثَّمَانِمِائَةِ وَالْأَرْبَعِينَ وَالْمِائَةَ وَسِتِّينَ (يَحْصُلُ أَلْفٌ) فَقَدْ يَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ بِثَلَاثَةِ ضَرْبَاتٍ. (وَإِذَا أَرَدْت ضَرْبَ) عَدَدٍ (مُرَكَّبٍ فِي) عَدَدٍ (مُرَكَّبٍ) فَحُلَّ كُلًّا مِنْهُمَا إلَى مُفْرَدَاتِهِ الَّتِي تَرَكَّبَ مِنْهَا (فَاضْرِبْ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ أَحَدِهِمَا فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْآخَرِ، وَاجْمَعْ الْحَوَاصِلَ فَهُوَ) مَا تَحْصُلُ مِنْ جَمْعِ الْحَوَاصِلِ (الْمَطْلُوبُ) فَيُتِمُّ الْعَمَلُ بِضَرْبَاتٍ عِدَّتُهَا كَعِدَّةِ الْحَاصِلِ مِنْ ضَرْبِ عِدَّةِ أَنْوَاعِ الْمَضْرُوبِ فِي عِدَّةِ أَنْوَاعِ الْمَضْرُوبِ فِيهِ كَأَرْبَعِ ضَرْبَاتٍ فِي قَوْلِهِ: (فَضَرْبُ اثْنَيْ عَشَرَ فِي مِثْلِهَا، كُلُّ) مِنْ الْمَضْرُوبِ وَالْمَضْرُوبِ فِيهِ (مُرَكَّبٌ مِنْ اثْنَيْنِ وَعَشَرَةٍ: فَحُلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِذَا أَرَدْت ضَرْبَ عَدَدٍ مُرَكَّبٍ] إلَخْ: شُرُوعٌ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ. قَوْلُهُ: [فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْآخَرِ] : أَيْ مُقَدِّمًا الْأَكْبَرَ فَالْأَكْبَرَ اخْتِيَارًا كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [بِضَرْبَاتٍ] : هَكَذَا بِالتَّنْوِينِ. وَقَوْلُهُ: [عِدَّتُهَا الْحَاصِلُ] : مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ.

كُلًّا مِنْ الْمَضْرُوبِ وَالْمَضْرُوبِ فِيهِ) إلَى عَشَرَةٍ وَاثْنَيْنِ (فَاضْرِبْ الِاثْنَيْنِ فِي الِاثْنَيْنِ بِأَرْبَعَةٍ ثُمَّ) اضْرِبْ الِاثْنَيْنِ أَيْضًا (فِي الْعَشَرَةِ بِعِشْرِينَ ثُمَّ) اضْرِبْ (الْعَشَرَةَ فِي الْعَشَرَةِ بِمِائَةٍ ثُمَّ) اضْرِبْ الْعَشَرَةَ أَيْضًا (فِي الِاثْنَيْنِ بِعِشْرِينَ) الْمَجْمُوعُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ (مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ) فَقَدْ تَمَّ الْعَمَلُ بِأَرْبَعِ ضَرْبَاتٍ (وَضَرْبُهَا) أَيْ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْمُرَكَّبَةِ مِنْ نَوْعَيْنِ مِنْ عَشَرَةٍ وَاثْنَيْنِ (فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ) مُرَكَّبٌ أَيْضًا مِنْ نَوْعَيْنِ مِنْ عِشْرِينَ وَخَمْسَةٍ فَالْعَمَلُ يُتِمُّ بِأَرْبَعِ ضَرْبَاتٍ بِ (أَنْ تَضْرِبَ الِاثْنَيْنِ فِي الْخَمْسَةِ) يَحْصُلُ عَشَرَةً فَاحْفَظْهَا (ثُمَّ) اضْرِبْ الِاثْنَيْنِ (فِي الْعِشْرِينَ) يَحْصُلُ أَرْبَعُونَ فَاحْفَظْهَا (ثُمَّ) اضْرِبْ (الْعَشَرَةَ فِي الْخَمْسَةِ) يَحْصُلُ خَمْسُونَ (ثُمَّ) اضْرِبْ الْعَشَرَةَ (فِي الْعِشْرِينَ) يَحْصُل مِائَتَانِ (وَمَجْمُوعُ الْحَوَاصِلِ الْأَرْبَعِ) الْعَشَرَةُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ (ثَلَثُمِائَةٍ وَلَوْ ضَرَبْت خَمْسَةً وَثَمَانِينَ فِي مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ كَذَلِكَ) . مُرَكَّبًا مِنْ نَوْعَيْنِ فِي مُرَكَّبٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ فَيَتِمُّ الْعَمَلُ بِسِتِّ ضَرْبَاتٍ بِأَنْ تَضْرِبَ الْخَمْسَةَ فِي الْمِائَةِ ثُمَّ فِي الْخَمْسَةِ ثُمَّ فِي الْعِشْرِينَ ثُمَّ فِي الثَّمَانِينَ فِي الْمِائَةِ ثُمَّ فِي الْخَمْسَةِ ثُمَّ فِي الْعِشْرِينَ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ كَذَلِكَ (فَمَجْمُوعُ الْحَوَاصِلِ) السِّتَّةِ الْخَمْسِمِائَةِ وَالْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ وَالثَّمَانِ آلَافِ وَالْأَرْبَعمِائَةِ وَالْأَلْفُ وَسِتِّمِائَةِ وَعَشَرَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ. (وَهُنَا وُجُوهٌ كَثِيرَةٌ فِي الضَّرْبِ مُخْتَصَرَةٌ) أَخْصَرُ مِنْ الطُّرُقِ الْمُتَقَدِّمَةِ (مِنْهَا) : أَيْ مِنْ الطُّرُقِ الْمُخْتَصَرَةِ طَرِيقٌ مُخْتَصٌّ بِالضَّرْبِ فِي الْعُقُودِ وَهِيَ: (أَنَّ كُلَّ عَدَدٍ يُضْرَبُ فِي عَقْدٍ مُفْرَدٍ) أَصْلِيٌّ أَوْ فَرْعِيٌّ (يُبْسَطُ مِثْلُ ذَلِكَ الْعَقْدُ) الْمَضْرُوبُ فِيهِ (فَإِذَا أَرَدْت ضَرْبَ مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ فِي عَشَرَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَاضْرِبْ الِاثْنَيْنِ فِي الِاثْنَيْنِ] : قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ ضَرْبَ الْأَصْغَرِ قَبْلَ الْأَكْبَرِ مَعَ أَنَّ شُرَّاحَ هَذَا الْفَنِّ نَبَّهُوا عَلَى تَقْدِيمِ الْأَكْبَرِ فَالْأَكْبَرِ فَمُقْتَضَى الصِّنَاعَةِ أَنْ يَقُولَ فَاضْرِبْ الْعَشَرَةَ فِي الْعَشَرَةِ ثُمَّ الِاثْنَيْنِ فِي الْعَشَرَةِ، ثُمَّ الِاثْنَيْنِ فِي الِاثْنَيْنِ وَهَكَذَا يُقَالُ فِيمَا يَأْتِي وَإِنْ كَانَ كُلٌّ صَحِيحًا. قَوْلُهُ: [مُرَكَّبًا مِنْ نَوْعَيْنِ] : أَيْ اللَّذَيْنِ هُمَا الثَّمَانُونَ وَالْخَمْسَةُ. قَوْلُهُ: [فِي مُرَكَّبٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ] : أَيْ الَّتِي هِيَ الْمِائَةُ وَالْعِشْرُونَ وَالْخَمْسَةُ.

فَابْسُطْهَا) أَيْ الْمِائَةَ وَالْخَمْسَةَ وَالثَّلَاثِينَ (عَشَرَاتٍ) مِثْلَ الْعَشَرَةِ الْمَضْرُوبِ فِيهَا (بِأَنْ تَجْعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ) مِنْهَا (عَشَرَةً) مِثْلَ الْمَضْرُوبِ فِيهِ (يَحْصُلُ أَلْفٌ) بَسْطُ الْمِائَةِ عَشَرَاتٍ (وَثَلَثُمِائَةٍ) بَسْطُ الثَّلَاثِينَ (وَخَمْسُونَ) بَسْطُ الْخَمْسَةِ (وَإِذَا ضَرَبْتهَا) : أَيْ أَرَدْت ضَرْبَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسَةِ وَالثَّلَاثِينَ (فِي مِائَةٍ فَابْسُطْهَا مِئَاتٍ) بِأَنْ تَجْعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِائَةً (تَبْلُغُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ أَوْ) أَرَدْت ضَرْبَهَا (فِي أَلْفٍ فَابْسُطْهَا) أَيْ الْمِائَةَ وَالْخَمْسَةَ وَالثَّلَاثِينَ (أُلُوفًا تَبْلُغُ مِائَةَ أَلْفٍ وَخَمْسَةً وَثَلَاثِينَ أَلْفًا) . وَمِنْهَا طَرِيقُ التَّضْعِيفِ وَالتَّنْصِيفِ وَهِيَ: أَنْ تُضَعِّفَ الْمَضْرُوبَ مَرَّةً وَتُنَصِّفَ الْمَضْرُوبَ فِيهِ وَتَضْرِبَ مَا بَلَغَهُ الْأَوَّلُ مُضَعَّفًا فِيمَا صَارَ إلَيْهِ الثَّانِي بِالتَّنْصِيفِ يَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ؛ كَمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَتُضَعِّفُ الْأَوَّلَ مَرَّةً يَحْصُلُ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ وَتُنَصِّفُ الثَّانِيَ إلَى تِسْعَةٍ وَتَضْرِبُ التِّسْعَةَ فِي مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ يَحْصُلُ أَلْفَانِ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَابْسُطْهَا عَشَرَاتٍ] : أَيْ وَالْحَاصِلُ مِنْ ذَلِكَ الْبَسْطِ هُوَ الَّذِي كَانَ يَحْصُلُ مِنْ الضَّرْبِ الْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ: [وَمِنْهَا طَرِيقُ التَّضْعِيفِ وَالتَّنْصِيفِ] : أَيْ التَّضْعِيفُ فِي أَحَدِ الْمَضْرُوبَيْنِ وَالتَّنْصِيفُ فِي الْآخَرِ.

[فصل في شيء من القسمة]

فَصْلٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْقِسْمَةِ الْقِسْمَةُ لُغَةً: التَّفْرِقَةُ، وَالتَّقْسِيمُ: التَّفْرِيقُ، وَالْقِسْمُ: النَّصِيبُ؛ وَاصْطِلَاحًا تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: إلَى مَا الْغَرَضُ فِيهِ مَا يَخُصُّ الْوَاحِدَ وَذَلِكَ فِي قِسْمَةِ الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِ مُجَانِسِهِ؛ كَقِسْمَةِ دَنَانِيرَ عَلَى رِجَالٍ وَإِلَى مَا الْغَرَضُ فِيهِ نِسْبَةُ أَحَدِ الْمِقْدَارَيْنِ إلَى الْآخَرِ، وَذَلِكَ فِي قِسْمَةِ الشَّيْءِ عَلَى مُجَانِسِهِ؛ كَقِسْمَةِ خَشَبَةٍ طُولُهَا عَشَرَةٌ عَلَى خَشَبَةٍ طُولُهَا خَمْسَةٌ، وَقَدْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (وَهِيَ تَفْصِيلُ الْمَقْسُومِ إلَى أَجْزَاءٍ مُتَسَاوِيَةٍ مِثْلِ عَدَدِ آحَادِ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ) كَمَا فِي الْمِثَالِ الْآتِي: فَإِنَّك تُحِلُّ الْعَشَرَةَ الْمَقْسُومَةَ إلَى خَمْسَةِ أَجْزَاءٍ مِثْلِ عَدَدٍ إلَخْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْقِسْمَةِ] [تَعْرِيف الْقِسْمَةِ] فَصْلٌ: أَيْ فِي شَيْءٍ مِنْ كَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ الْعَدَدِ الصَّحِيحِ عَلَى الصَّحِيحِ قَوْلُهُ: [وَالْقِسْمُ النَّصِيبُ] : أَيْ بِكَسْرِ الْقَافِ وَأَمَّا بِفَتْحِهَا فَالْمَصْدَرُ الَّذِي هُوَ التَّقْسِيمُ. قَوْلُهُ: [وَاصْطِلَاحًا تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ] إلَخْ: هَذِهِ عِبَارَةُ شَرْحِ التُّحْفَةِ وَأَوْضَحُ مِنْهَا عِبَارَةُ شَرْحِ اللُّمَعِ وَنَصُّهَا، وَاصْطِلَاحًا تَفْصِيلُ الْمَقْسُومِ إلَى أَجْزَاءٍ مُتَسَاوِيَةٍ عِدَّتُهَا بِقَدْرِ عِدَّةِ آحَادِ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ لِيُعْرَفَ مَا يَخُصُّ الْوَاحِدَ وَهَذَا فِي قِسْمَةِ الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِ مُجَانِسِهِ، كَقِسْمَةِ دَنَانِيرَ عَلَى رِجَالٍ أَوْ مَعْرِفَةِ مَا فِي الْمَقْسُومِ مِنْ أَمْثَالِ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ، وَذَا فِي قِسْمَةِ الشَّيْءِ عَلَى مُجَانِسِهِ كَقِسْمَةِ خَشَبَةٍ طُولُهَا مِائَةٌ عَلَى خَشَبَةٍ طُولُهَا خَمْسَةٌ. (اهـ) وَلِذَلِكَ سَلَكَهَا الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [إلَى مَا الْغَرَضُ] : بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مَعْنَاهُ الْمَقْصُودُ. قَوْلُهُ: [مُتَسَاوِيَةٌ] : أَيْ عَدَدُهَا؛ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَقْسُومَ عَلَيْهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ، وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَقْسُومُ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَا عَمَلَ فِي الْأَوَّلَيْنِ أَعْنِي كَوْنَ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ وَاحِدًا أَوْ مُمَاثِلًا لِلْمَقْسُومِ.

(وَ) إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ (الْغَرَضَ مِنْهَا مَعْرِفَةُ مَا يَخُصُّ الْوَاحِدَ) فَيَخُصُّ الْوَاحِدَ اثْنَانِ وَقَدْ وَضَّحَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ: (اعْلَمْ أَنَّ نِسْبَةَ الْوَاحِدِ إلَى الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ) هُوَ الْخَمْسَةُ فِي قِسْمَةِ الْعَشَرَةِ عَلَى الْخَمْسَةِ أَوْ الْعَشَرَةِ فِي الْعَكْسِ (كَنِسْبَةِ خَارِجِ الْقِسْمَةِ إلَى الْمَقْسُومِ) وَقَدْ وَضَّحَهُ بِقَوْلِهِ: (فَإِذَا نَسَبْت الْوَاحِدَ إلَى الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ وَأَخَذْت مِنْ الْمَقْسُومِ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ كَانَ الْمَأْخُوذُ) مِنْ الْمَقْسُومِ (هُوَ الْخَارِجُ الْمَطْلُوبُ كَانَ الْمَقْسُومُ أَكْثَرَ مِنْ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ) كَالْعَشَرَةِ عَلَى الْخَمْسَةِ (أَوْ) كَانَ الْمَقْسُومُ (أَقَلَّ) مِنْ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ كَالْخَمْسَةِ عَلَى الْعَشَرَةِ، (فَإِذَا قَسَمْت) أَيْ أَرَدْت أَنْ تَقْسِمَ (عَشَرَةً عَلَى خَمْسَةٍ فَانْسُبْ الْوَاحِدَ لِلْخَمْسَةِ تَجِدْهُ) خَمْسًا (فَخُذْ خُمُسَ الْعَشْرِ) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّك تَأْخُذُ مِنْ الْمَقْسُومِ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ (تَجِدْهُ اثْنَيْنِ فَهُوَ الْخَارِجُ لِكُلٍّ، وَإِنْ عَكَسْت) بِأَنْ أَرَدْت قَسْمَ خَمْسَةٍ عَلَى عَشَرَةٍ (فَانْسُبْ الْوَاحِدَ لِلْعَشَرَةِ) الْمَقْسُومِ عَلَيْهَا لِمَا عَلِمْت (تَجِدْهُ عَشْرًا فَخُذْ عُشْرَ الْخَمْسَةِ) الْمَقْسُومِ لِمَا تَقَدَّمَ (فَالْخَارِجُ نِصْفٌ) : فَتَعْلَمُ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَشَرَةِ نِصْفُ دِينَارٍ مَثَلًا. وَلَوْ أَرَدْت قِسْمَةَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَنْسُبُ وَاحِدًا إلَى الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ وَتَأْخُذُ مِنْ الْمَقْسُومِ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ وَنِسْبَةُ وَاحِدٍ إلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ثُلُثُ ثُمُنٍ فَتَأْخُذُ ثُلُثَ ثُمُنِ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ خَمْسَةً هِيَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ (وَلَوْ قِيلَ اقْسِمْ ثَلَاثِينَ عَلَى خَمْسَةٍ) فَتَنْسُبُ وَاحِدًا إلَى الْخَمْسَةِ الْمَقْسُومِ عَلَيْهَا تَجِدْهُ خَمْسًا (فَخُذْ خُمُسَ الثَّلَاثِينَ) الْمَقْسُومَةِ (فَهُوَ سِتَّةٌ) فَتَعْلَمْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَهُ سِتَّةٌ (وَإِنْ عَكَسْت) بِأَنْ تَقْسِمَ خَمْسَةً عَلَى ثَلَاثِينَ (فَانْسُبْ الْوَاحِدَ إلَى الثَّلَاثِينَ) الْمَقْسُومِ عَلَيْهَا (تَجِدْهُ) ، أَيْ الْوَاحِدَ (ثُلُثَ الْعَشْرِ) لِأَنَّ عُشْرَ الثَّلَاثِينَ ثَلَاثَةٌ وَالْوَاحِدُ مِنْ الثَّلَاثَةِ ثُلُثٌ فَخُذْ ثُلُثَ عُشْرِ الْخَمْسَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَيَخُصُّ الْوَاحِدَ اثْنَانِ] : أَيْ فِي الْمِثَالِ الْآتِي وَهُوَ قِسْمَةُ عَشَرَةٍ عَلَى خَمْسَةٍ. قَوْلُهُ: [فَهُوَ الْخَارِجُ لِكُلٍّ] : أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَمْسَةِ، وَمِنْ خَوَاصِّهَا أَيْضًا أَنَّك إذَا ضَرَبْت الْخَارِجَ فِي الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ يَخْرُجُ الْمَقْسُومُ، فَلَوْ قَسَمْت عَشَرَةً عَلَى خَمْسَةٍ وَخَرَجَ اثْنَانِ فَنِسْبَةُ الْوَاحِدِ إلَى الْخَمْسَةِ خُمْسٌ كَمَا أَنَّ نِسْبَةَ الِاثْنَيْنِ إلَى الْعَشَرَةِ خُمْسٌ وَإِذَا ضَرَبْت الِاثْنَيْنِ فِي الْخَمْسَةِ خَرَجَتْ الْعَشَرَةُ.

الْمَقْسُومَةِ فَتَعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ سُدُسَ الْمَقْسُومِ؛ لِأَنَّ عُشْرَ الْخَمْسَةِ نِصْفٌ وَثُلُثُ النِّصْفِ سُدُسٌ كَمَا قَالَ (فَهُوَ) أَيْ ثُلُثُ عُشْرِ الْخَمْسَةِ (سُدُسٌ فَاسْتَعْمِلْ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ حَيْثُ تَيَسَّرَتْ وَإِلَّا فَغَيْرَهَا) وَقَدْ بَيَّنَ بَعْضُ الْغَيْرِ بِقَوْلِهِ: (مِنْ ذَلِكَ: إذَا أَرَدْت قِسْمَةَ عَدَدٍ) كَأَرْبَعَةٍ أَوْ عَشَرَةٍ مَثَلًا (عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ) كَاثْنَيْنِ فَالِاثْنَانِ أَقَلُّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ إلَخْ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا (فَأَسْقِطْ مِنْ الْمَقْسُومِ مِثْلَ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ مَرَّةً فَأَكْثَرَ) أَيْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ (إلَى أَنْ يَفْنَى الْمَقْسُومُ) كَمَا يَأْتِي فِي قَسْمِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى الِاثْنَيْنِ فَتُسْقِطُ اثْنَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ إلَخْ (أَوْ يَفْضُلُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَقْسُومِ (أَقَلُّ مِنْ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ) كَمَا يَأْتِي فِي قَسْمِ عَشَرَةٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ فَإِنَّهُ يَفْضُلُ وَاحِدٌ بَعْدَ الْإِسْقَاطِ الْمَذْكُورِ فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ (فَعَدَدُ مَرَّاتِ الْإِسْقَاطِ هُوَ خَارِجُ الْقِسْمَةِ إنْ فَنِيَ الْمَقْسُومُ) : أَيْ لَمْ يَفْضُلْ مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِنْ فَنِيَ فِي مَرَّتَيْنِ كَمَا فِي الْأَرْبَعَةِ عَلَى اثْنَيْنِ فَالْخَارِجُ اثْنَانِ أَوْ فِي ثَلَاثِ مَرَّاتِ كَقِسْمَةِ تِسْعَةٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ فَالْخَارِجُ ثَلَاثَةٌ. (وَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ) كَالْوَاحِدِ فِي قَسْمِ عَشَرَةٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ (فَانْسُبْهُ) : أَيْ الْفَاضِلَ كَالْوَاحِدِ مَثَلًا (إلَى الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ) كَالثَّلَاثَةِ فَمَرَّاتُ الْإِسْقَاطِ ثَلَاثَةٌ وَالْكَسْرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ ثُلُثٌ فَيُجْمَعُ الثُّلُثُ إلَى الثَّلَاثَةِ يَكُونُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةً وَثُلُثًا كَمَا قَالَ (وَاجْمَعْ الْكَسْرَ الْحَاصِلَ إلَى عِدَّةِ مَرَّاتِ الْإِسْقَاطِ يَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ) مِنْ الْقِسْمَةِ (فَإِنْ قِيلَ: اقْسِمْ أَرْبَعَةً عَلَى اثْنَيْنِ: فَأَسْقِطْهُمَا) أَيْ الِاثْنَيْنِ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِمَا (مِنْ الْأَرْبَعَةِ) الْمَقْسُومَةِ لِمَا تَقَدَّمَ فَتُسْقِطُهُمَا يَفْضُلُ اثْنَانِ فَتَسْقُطُهُمَا ثَانِيًا تَفْنَى الْأَرْبَعَةُ كَمَا قَالَ. (فَفِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ تَفْنَى الْأَرْبَعَةُ) وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ الْمَقْسُومِ (فَالْخَارِجُ النِّصْفُ: اثْنَانِ) فَتَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَهُ اثْنَانِ (وَإِنْ قِيلَ: اقْسِمْ، عَشَرَةً عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى اثْنَيْنِ فَتُسْقِطُ الِاثْنَيْنِ مِنْ الْعَشَرَةِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ (فَفِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَغَيْرَهَا] : أَيْ وَإِلَّا فَاسْتَعْمِلْ غَيْرَهَا مِنْ الطُّرُقِ الْآتِيَةِ. قَوْلُهُ: [عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ] : أَذًى بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَلِيلًا فِي نَفْسِهِ أَوْ كَثِيرًا. قَوْلُهُ: [أَقَلُّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ] إلَخْ: أَيْ وَأَقَلُّ مِنْ الْعَشَرَةِ. قَوْلُهُ: [مِنْ الْأَرْبَعَةِ] إلَخْ: أَيْ وَالِاثْنَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ مِنْهُمَا أَيْضًا.

الْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ تَفْنَى الْعَشَرَةُ) وَلَمْ يَفْضُلْ مِنْهَا شَيْءٌ (فَالْخَارِجُ خَمْسَةٌ) هِيَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ (وَإِذَا قِيلَ: اقْسِمْ عَشَرَةً عَلَى ثَلَاثَةٍ فَأَسْقِطْ الثَّلَاثَةَ مِنْهَا) : أَيْ مِنْ الْعَشَرَةِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ (تَفْنَى) الْعَشَرَةُ (فِي ثَالِثِ مَرَّةٍ، فَالْخَارِجُ ثَلَاثَةٌ يَفْضُلُ وَاحِدٌ) مِنْ الْعَشَرَةِ (اُنْسُبْهُ إلَى الثَّلَاثَةِ يَكُونُ ثُلُثًا، فَالْخَارِجُ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ) : هِيَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ (وَلَوْ قَسَمْت مِائَةً عَلَى عِشْرِينَ) : أَيْ لَوْ أَرَدْت قِسْمَتَهَا عَلَى ذَلِكَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَأَسْقِطْ الْعِشْرِينَ مِنْ الْمِائَةِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَى أَنْ تَفْنَى الْمِائَةُ فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ (لَفَنِيَتْ الْمِائَةُ بِالْعِشْرِينِ فِي الْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ فَالْخَارِجُ خَمْسَةٌ) فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِشْرِينَ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِمْ لَهُ خَمْسَةٌ (وَلَوْ كَانَ الْمَقْسُومُ مِائَةً وَعَشَرَةً) عَلَى الْعِشْرِينَ فَتُسْقِطُ الْعِشْرِينَ مِنْ الْمِائَةِ وَالْعَشَرَةِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ مَعَ خَامِسِ مَرَّةٍ يَفْضُلُ عَشْرَةٌ، فَتَنْسُبُ الْعَشَرَةَ إلَى الْعِشْرِينَ، تَكُنْ نِسْبَتُهَا نِصْفًا تَجْمَعُ النِّصْفَ إلَى الْخَمْسَةِ عِدَّةَ مَرَّاتِ الْإِسْقَاطِ، يَكُونُ الْخَارِجُ خَمْسَةً وَنِصْفًا. فَهِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِشْرِينَ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (لَفَضَلَتْ الْعَشَرَةُ بَعْدَ الْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ: نِسْبَتُهَا إلَى الْعِشْرِينَ نِصْفٌ، فَالْخَارِجُ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ) : وَلَوْ كَانَ الْمَقْسُومُ مِائَةً وَخَمْسَةً عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتُسْقِطُ الْمَقْسُومَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَقْسُومِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ يَفْنَى مِنْهُ فِي أَرْبَعِ مَرَّاتٍ سِتَّةٌ وَتِسْعُونَ وَيَفْضُلُ تِسْعَةٌ وَنِسْبَتُهَا لِلْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ رُبُعٌ وَثُمُنٌ، فَتَجْمَعُ الْأَرْبَعَةَ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةٌ وَرُبُعٌ وَثُمُنٌ وَهَكَذَا. (وَلَوْ كَانَ الْمَقْسُومُ وَالْمَقْسُومُ عَلَيْهِ عَقْدَيْنِ) : مُفْرَدَيْنِ وَأَرَدْت الْعَمَلَ بِالْأَسْهَلِ (فَالْأَسْهَلُ أَنْ تَقْسِمَ عِدَّةَ عُقُودِ الْمَقْسُومِ عَلَى عِدَّةِ عُقُودِ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ) بِطَرِيقٍ مِمَّا عَرَفْت (سَوَاءٌ كَانَ الْعَدَدُ) الْمَقْسُومُ (مَقْسُومًا عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ) عَلَى (أَكْثَرَ، يَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ) لَكِنَّ هَذَا إذَا كَانَ الْمَقْسُومُ وَالْمَقْسُومُ عَلَيْهِ (مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ) بِأَنْ كَانَا مُفْرَدَيْنِ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ قِيلَ: اقْسِمْ ثَمَانِينَ عَلَى عِشْرِينَ) أَوْ اقْسِمْ ثَمَانِمِائَةٍ عَلَى مِائَتَيْنِ (أَوْ) اقْسِمْ (ثَمَانِيَةَ آلَافٍ عَلَى أَلْفَيْنِ) فَكُلٌّ مِنْ الْمَقْسُومِ وَالْمَقْسُومِ عَلَيْهِ مُفْرَدٌ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ كَمَا بَيَّنَّهُ بِقَوْلِهِ: (فَعِدَّةُ عُقُودِ الْمَقْسُومِ) يَعْنِي الثَّمَانِينَ (ثَمَانِيَةٌ فِي) الْمِثْلِ (الثَّلَاثَةُ وَعِدَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [قَسَمْتهَا] : أَيْ الْمِائَةَ وَقَوْلُهُ عَلَى ذَلِكَ أَيْ الْعِشْرِينَ.

عُقُودِ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ اثْنَانِ) فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ (فَاقْسِمْ الثَّمَانِيَةَ) عِدَّةَ عُقُودِ الْمَقْسُومِ (عَلَى اثْنَيْنِ) عِدَّةَ عُقُودِ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ (فَالْمَطْلُوبُ أَرْبَعَةٌ فِي الْكُلِّ) : أَيْ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ (وَلَوْ عُكِسَ السُّؤَالُ فِيهَا) : أَيْ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ؛ بِأَنْ قِيلَ: اقْسِمْ عِشْرِينَ عَلَى ثَمَانِينَ أَوْ مِائَتَيْنِ عَلَى ثَمَانِمِائَةٍ أَوْ أَلْفَيْنِ عَلَى ثَمَانِيَةِ آلَافٍ وَعَرَفْت أَنَّ عُقُودَ الْمَقْسُومِ اثْنَانِ وَعُقُودَ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةٌ (فَاقْسِمْ الِاثْنَيْنِ عَلَى الثَّمَانِيَةِ فَالْخَارِجُ رُبُعٌ) فَهُوَ الَّذِي يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ. (وَقِسْمَةُ ثَمَانِينَ عَلَى ثَلَاثِينَ) أَوْ ثَمَانِمِائَةٍ عَلَى ثَلَثِمِائَةٍ أَوْ ثَمَانِيَةِ آلَافٍ عَلَى ثَلَاثَةِ آلَافٍ فَعُقُودُ الْمَقْسُومِ ثَمَانِيَةٌ وَعُقُودُ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ فَتَقْسِمُ ثَمَانِيَةً عَلَى ثَلَاثَةٍ (الْخَارِجُ اثْنَانِ وَثُلُثَانِ. وَعَكْسُهُ) : قِسْمَةُ ثَلَاثِينَ عَلَى ثَمَانِينَ أَوْ ثَلَثِمِائَةٍ عَلَى ثَمَانِمِائَةٍ أَوْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ عَلَى ثَمَانِيَةِ آلَافٍ فَعُقُودُ الْمَقْسُومِ ثَلَاثَةٌ وَعُقُودُ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةٌ فَتَقْسِمُ ثَلَاثَةً عَلَى ثَمَانِيَةٍ فَتَجِدُ الْخَارِجَ (ثَلَاثَةَ أَثْمَانٍ) هِيَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي صُورَةِ الْمُصَنِّفِ وَالصُّورَتَيْنِ بَعْدَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[فصل الكسور]

[فَصْلُ الْكُسُورِ] ِ جَمْعُ كَسْرٍ: وَهُوَ بَعْضُ ذِي أَجْزَاءٍ حَقِيقَةً كَالْوَاحِدِ مِنْ الِاثْنَيْنِ فَهُوَ نِصْفٌ أَوْ حُكْمًا وَهُوَ بَعْضُ أَجْزَاءِ الْمِقْدَارِ الْوَاحِدِ كَرُبْعِ دِرْهَمٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَسْرَ أَعَمُّ مِنْ الْجُزْءِ لِأَنَّ كَسْرَ الْمِقْدَارِ بَعْضُهُ وَأَمَّا جُزْؤُهُ فَهُوَ بَعْضُهُ الَّذِي إذَا سُلِّطَ عَلَيْهِ أَفْنَاهُ. (الْكُسُورُ قِسْمَانِ) : كُسُورٌ (طَبِيعِيَّةٌ) : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَعْرِفُهَا بِطَبْعِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى مُعَلِّمٍ وَلِأَنَّهَا عَلَى النَّظْمِ الطَّبِيعِيِّ (وَهِيَ) أَيْ الطَّبِيعِيَّةُ (تِسْعَةٌ: النِّصْفُ وَالثُّلُثُ وَالرُّبْعُ إلَى الْعُشْرُ) الْخُمُسُ وَالسُّدُسُ وَالسُّبُعُ وَالثُّمُنُ وَالتُّسْعُ وَالْعُشْرُ عَطْفُهَا بِالْوَاوِ الْمُفِيدَةِ لِلْجَمْعِ وَالْأَوْلَى عَطْفُهَا بِالْفَاءِ الْمُفِيدَةِ لِلتَّرْتِيبِ وَالتَّعْقِيبِ. (وَكُسُورٌ غَيْرُ طَبِيعِيَّةٍ وَهِيَ) أَيْ غَيْرُ الطَّبِيعِيَّةِ (مَا عَدَاهَا) أَيْ مَا عَدَا التِّسْعَةِ. (وَالْكَسْرُ إمَّا مُنْطِقٌ: وَهُوَ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ حَقِيقَتِهِ (بِغَيْرِ لَفْظِ الْجُزْئِيَّةِ) كَمَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِلَفْظِ الْجُزْئِيَّةِ (وَهُوَ) أَيْ الْمُنْطِقُ الْكَسْرُ (الطَّبِيعِيِّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ: قَوْلُهُ: [أَوْ حُكْمًا وَهُوَ بَعْضُ أَجْزَاءِ الْمِقْدَارِ الْوَاحِدِ] إلَخْ: هَذَا تَعْرِيفُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ عِنْدَهُمْ اسْمٌ لِلْمَنْسُوبِ وَعِنْدَ عَبْدِ الْحَقِّ وَابْنِ الْبَنَّاءِ وَأَتْبَاعِهِمَا أَنَّهُ اسْمٌ لِنِسْبَةٍ بَيْنَ عَدَدٍ لَهُ بِجُزْءٍ وَاحِدٍ أَوْ أَجْزَاءٍ فَهُوَ عِنْدَهُمْ اسْمٌ لِلنِّسْبَةِ لَا لِلْمَنْسُوبِ وَلَا لِلْمَنْسُوبِ إلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْهَوَّارِيُّ تِلْمِيذُ ابْنِ الْبَنَّاءِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [الَّذِي إذَا سُلِّطَ عَلَيْهِ أَفْنَاهُ] : أَيْ فَهُوَ بَعْضٌ خَاصٌّ. قَوْلُهُ: [وَالْأَوْلَى عَطْفُهَا بِالْفَاءِ] : أَيْ وَلَكِنَّ الْعُذْرَ لِلْمُصَنِّفِ اتِّبَاعُهُ لِلْأُصُولِ الَّتِي نَقَلَ مِنْهَا كَالتُّحْفَةِ وَاللُّمَعِ. قَوْلُهُ: [وَالْكَسْرُ إمَّا مُنْطِقٌ] : أَيْ مِنْ حَيْثُ هُوَ. قَوْلُهُ: [كَمَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِلَفْظِ الْجُزْئِيَّةِ] : أَيْ فَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْعِبَارَتَيْنِ

وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ تِسْعَةٌ، وَمَا أُخِذَ مِنْ الطَّبِيعِيِّ مُنْطِقٌ كَالطَّبِيعِيِّ، كَقَوْلِنَا فِي الْوَاحِدِ مِنْ الْخَمْسَةِ: جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةِ أَجْزَاءٍ مِنْ الْوَاحِدِ (وَإِمَّا أَصَمُّ: وَهُوَ مَا لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ) : أَيْ عَنْ حَقِيقَتِهِ (إلَّا بِلَفْظِ الْجُزْئِيَّةِ) : (كَجُزْءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ) وَجُزْءٍ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (وَكُلٌّ مِنْهُمَا) : أَيْ مِنْ الْكَسْرِ الْمُنْطِقُ وَالْأَصَمُّ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: (إمَّا مُفْرَدٌ أَوْ مُكَرَّرٌ أَوْ مُضَافٌ أَوْ مَعْطُوفٌ) فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ ثَمَانِيَةً أَرْبَعَةٌ فِي الْمُنْطِقِ وَأَرْبَعَةٌ فِي الْأَصَمِّ. (وَ) الْكَسْرُ (الْمُفْرَدُ) مَا اسْمُهُ بَسِيطٌ (عَشْرَةٌ) : كُسُورُ الْكُسُورِ (الطَّبِيعِيَّةِ) التِّسْعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (وَ) الْعَاشِرُ (الْجُزْءُ وَ) الْكَسْرُ (الْمُكَرَّرُ: مَا تَعَدَّدَ) بِتَثْنِيَةٍ أَوْ جَمْعٍ (مِنْ الْمُفْرَدِ كَثَلَاثَةِ أَرْبَاعٍ وَكَجُزْأَيْنِ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَقَوْلِنَا فِي الْوَاحِدِ] إلَخْ: تَمْثِيلٌ مِنْهُ لِلْمَأْخُوذِ مِنْ الطَّبِيعِيِّ وَهُوَ غَيْرُ وَاضِحٍ، بَلْ هُوَ مِنْ أَمْثِلَةِ الطَّبِيعِيِّ غَيْرَ أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْجُزْئِيَّةِ وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُمَثِّلَ لَهُ كَمَا مَثَّلَ فِي شَرْحِ التُّحْفَةِ بِقَوْلِهِ: كَثُلُثَيْنِ وَرُبْعٍ وَثُلُثِ رُبْعٍ فِي نِسْبَةِ الِاثْنَيْنِ لِلثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ لِلِاثْنَيْ عَشَرَ، وَالْوَاحِدُ لَهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ جُزْءَانِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَسَبْعَةِ أَجْزَاءٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَجُزْءٌ مِنْهَا (اهـ) . قَوْلُهُ: [إلَّا بِلَفْظِ الْجُزْئِيَّةِ] : أَيْ فَلَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِغَيْرِهَا. بِخِلَافِ الْمُنْطِقِ فَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِعِبَارَتَيْنِ بِالْجُزْئِيَّةِ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: [وَغَيْرُ ذَلِكَ] : أَيْ وَكَجُزْأَيْنِ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ وَثَلَاثَةِ أَجْزَاءٍ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ وَهَكَذَا. قَوْلُهُ: [إمَّا مُفْرَدٌ] : أَيْ إمَّا نَوْعٌ مُفْرَدٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: [فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ ثَمَانِيَةً] : أَيْ حَاصِلَةً مِنْ ضَرْبِ أَرْبَعَةٍ فِي اثْنَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَالْعَاشِرُ الْجُزْءُ] : أَيْ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِلَفْظِ الْجُزْئِيَّةِ. قَوْلُهُ: [وَالْكَسْرُ الْمُكَرَّرُ] : أَيْ وَيَنْتَهِي إلَى مَا فِي الْوَاحِدِ مِنْ أَمْثَالِ ذَلِكَ الْمُفْرَدِ سِوَى وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: [كَثَلَاثَةِ أَرْبَاعٍ] : مِثَالٌ لِلْمُكَرَّرِ مِنْ الْمُنْطِقِ وَقَوْلُهُ وَكَجُزْأَيْنِ إلَخْ مِثَالٌ لِلْمُكَرَّرِ مِنْ الْأَصَمِّ

(وَ) النَّوْعُ (الْمُضَافُ: مَا تَرَكَّبَ بِالْإِضَافَةِ) : أَيْ بِنِسْبَةِ أَحَدِ الْكَسْرَيْنِ إلَى الْآخَرِ (مِنْ اسْمَيْنِ) مُنْطِقَيْنِ أَوْ أَصَمَّيْنِ أَوْ مُضَافِ مُنْطِقٍ وَمُضَافٍ إلَيْهِ أَصَمِّ أَوْ بِالْعَكْسِ. وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَا مُفْرَدِينَ أَوْ مُكَرَّرَيْنِ أَوْ الْمُضَافُ مُفْرَدًا وَالْمُضَافُ إلَيْهِ مُكَرَّرًا أَوْ بِالْعَكْسِ فَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ قِسْمًا وَقَوْلُهُ (أَوْ أَكْثَرَ) مِنْ اسْمَيْنِ لَا تَنْحَصِرُ صُوَرُهُ (كَنِصْفِ ثُمُنٍ) هَذَا مِنْ اسْمَيْنِ مُنْطِقَيْنِ مُفْرَدَيْنِ (وَثُلُثَيْ خُمُسٍ) هَذَا الْأَوَّلُ فِيهِ مُكَرَّرٌ وَالثَّانِي مُفْرَدٌ (وَكَثُلُثِ سَبْعَ عَشَرَ) هَذَا مُضَافٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَسْمَاءٍ مُنْطِقَةٍ (وَكَرُبُعِ جُزْءٍ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الْوَاحِدِ) هَذَا مِنْ مُنْطِقٍ وَأَصَمَّ. (وَ) النَّوْعُ (الْمَعْطُوفُ: مَا عُطِفَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ) بِالْوَاوِ الْمُفِيدَةِ مُطْلَقَ الْجَمْعِ (كَنِصْفٍ وَرُبْعٍ) مِنْ مُنْطِقَيْنِ مُفْرَدَيْنِ (وَكَثَلَاثَةِ أَخْمَاسٍ وَجُزْءٍ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ) مِنْ مُنْطِقٍ مُكَرَّرٍ وَأَصَمَّ مُفْرَدٍ (وَكَجُزْءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ وَجُزْءٍ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ) هَذَا مِنْ أَصَمَّيْنِ مُفْرَدَيْنِ (وَكَخُمُسٍ وَسُدُسٍ وَسُبْعٍ) مِنْ مَعْطُوفَاتٍ ثَلَاثَةٍ مُنْطِقَةٍ مُفْرَدَةٍ. (وَالْكُسُورُ الْمُفْرَدَةُ) الطَّبِيعِيَّةُ التِّسْعَةُ وَالْعَاشِرُ الْجُزْءُ؛ فَالْأَسْمَاءُ الْبَسِيطَةُ عَشْرَةُ أَسْمَاءٍ (تُسَمَّى) تِلْكَ الْكُسُورُ الْمُفْرَدَةُ (بَسِيطَةٌ وَغَيْرُهَا) وَهُوَ الْأَسْمَاءُ الْمُرَكَّبَةُ - كَأَسْمَاءِ الْمُكَرَّرَاتِ وَأَسْمَاءِ الْمُضَافَةِ وَأَسْمَاءِ الْمَعْطُوفَةِ - تُسَمَّى (مُرَكَّبَةً) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[فصل في معرفة تعريف واستخراج مخرج الكسر]

فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ تَعْرِيفٍ وَاسْتِخْرَاجِ مَخْرَجِ الْكَسْرِ (وَيُسَمَّى) الْمَخْرَجُ (مَقَامًا) فَيُقَالُ: مَقَامُ الْكَسْرِ. وَعِنْدَ الْمَغَارِبَةِ يُسَمَّى إمَامًا فَيُقَالُ إمَامُ الْكَسْرِ (أَيْضًا) كَمَا يُسَمَّى مَخْرَجًا (وَهُوَ) : أَيْ مَخْرَجُ الْكَسْرِ (عِبَارَةٌ) أَيْ يُعَبَّرُ بِهِ (عَنْ أَقَلَّ عَدَدٍ يَصِحُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْعَدَدِ (الْكَسْرِ الْمَفْرُوضِ) : أَيْ الْمَطْلُوبِ مَخْرَجَهُ. وَهَذَا تَعْرِيفٌ عَامٌّ لِكُلِّ مَخْرَجٍ مُفْرَدًا أَوْ مُكَرَّرًا أَوْ مُضَافًا أَوْ مَعْطُوفًا. إذَا عَرَفْت هَذَا التَّعْرِيفَ فَمَخْرَجُ الْمُفْرَدِ عَدَدٌ فِيهِ مِنْ الْآحَادِ بِقَدْرِ مَا فِي الْوَاحِدِ مِنْ أَمْثَالِ الْكَسْرِ الْمُفْرَدِ. (فَمَخْرَجُ النِّصْفِ اثْنَانِ) : لِأَنَّ فِيهِمَا أَحَدَيْنِ وَذَلِكَ بِقَدْرِ مَا فِي الْوَاحِدِ مِنْ الْأَنْصَافِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ فِيهِ نِصْفَانِ، وَأَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ لَهُ نِصْفٌ صَحِيحٌ. وَمَقَامُ كُلِّ كَسْرٍ مُفْرَدٍ غَيْرِ النِّصْفِ سَمِيُّهُ) : أَيْ الَّذِي اُشْتُقَّ مِنْهُ اسْمُهُ إنْ كَانَ مَنْطِقًا أَوْ نُسِبَ إلَيْهِ إنْ كَانَ أَصَمَّ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: " وَمَقَامُ جُزْءٍ " وَأَمَّا النِّصْفُ فَلَيْسَ مَقَامُهُ سَمِيَّهُ لَمَّا عُرِفَ أَنَّ النِّصْفَ مَخْرَجُهُ وَمَقَامُهُ وَإِمَامُهُ اثْنَانِ (فَمَقَامُ وَالثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ) : لِأَنَّهَا سَمِيُّ الثُّلُثِ وَفِيهَا ثَلَاثَةُ آحَادٍ كَمَا أَنَّ فِي الْوَاحِدِ ثَلَاثَةُ آحَادٍ (وَالرُّبْعِ أَرْبَعَةٌ) أَيْ مَقَامُ الرُّبْعِ أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ سَمِيَّةُ الرُّبْعِ وَفِيهَا أَرْبَعَةُ آحَادٍ كَمَا أَنَّ فِي الْوَاحِدِ أَرْبَعَةُ آحَادٍ (وَهَكَذَا) تَقُولُ مَخْرَجُ الْخُمْسِ خَمْسَةٌ وَالسُّدُسِ سِتَّةٌ وَالسُّبْعِ سَبْعَةٌ إلَى مَخْرَجِ الْعُشْرِ عَشْرَةٌ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا خَمْسَةَ آحَادٍ كَمَا أَنَّ فِي الْوَاحِدِ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ (وَهَكَذَا) تَقُولُ مَخْرَجُ الْخُمْسِ خَمْسَةٌ وَالسُّدُسِ سِتَّةٌ وَالسُّبْعِ سَبْعَةٌ إلَى مَخْرَجِ الْعُشْرِ عَشْرَةٌ. لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ تَعْرِيفٍ وَاسْتِخْرَاجِ مَخْرَجِ الْكَسْرِ] فَصْلٌ: قَوْلُهُ: [إذَا عَرَفْت هَذَا التَّعْرِيفَ] إلَخْ: دُخُولٌ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [فَمَخْرَجُ الْمُفْرَدُ] : أَيْ كَالنِّصْفِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ عَدَدٌ. وَقَوْلُهُ: [فِيهِ مِنْ الْآحَادِ] : الْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِعَدَدِ. قَوْلُهُ: [كَمَا أَنَّ فِي الْوَاحِدِ ثَلَاثَةُ آحَادٍ] : أَيْ أَمْثَالُ الثُّلُثِ.

فِيهَا خَمْسَةَ آحَادٍ كَمَا أَنَّ فِي الْوَاحِدِ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ وَهَكَذَا فِي الْوَاحِدِ عَشْرَةَ أَعْشَارٍ وَمَا بَيْنَهُمَا أَيْ بَيْنَ الْعَشَرَةِ وَالْخَمْسَةِ (وَمَقَامُ جُزْءٍ) أَيْ وَمَخْرَجُ جُزْءٍ (مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا وَهُوَ) أَيْ مَخْرَجُهُ وَمَقَامُهُ (أَحَدَ عَشَرَ) الَّتِي نُسِبَ لَهَا الْجُزْءُ وَفِي الْوَاحِدِ مِنْ أَمْثَالِهِ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا (وَمَقَامُ) وَمَخْرَجُ وَإِمَامُ الْكَسْرِ (الْمُكَرَّرِ هُوَ مَقَامُ مُفْرَدِهِ) الَّذِي هُوَ مُكَرَّرُهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَمَقَامُ الثُّلُثَيْنِ ثَلَاثَةٌ) لِأَنَّهَا مَخْرَجُ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَانِ مُكَرَّرُ ثُلُثٍ (وَ) مَخْرَجُ وَمَقَامُ (ثَلَاثَةِ أَتْسَاعِ تِسْعَةٍ) : لِأَنَّهَا مُكَرَّرَةُ تِسْعٍ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَخْرَجَ التِّسْعَةِ تِسْعَةٌ وَهَكَذَا تَقُولُ مَخْرَجُ أَرْبَعَةِ أَثْمَانٍ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعَةِ أَعْشَارٍ عَشْرَةٌ لَمَّا عَلِمْت تَأَمَّلْ (وَمَقَامُ خَمْسَةِ أَجْزَاءٍ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ هُوَ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ) لِأَنَّهُ مَقَامٌ مُفْرَدٌ (وَمَقَامُ) الْكَسْرِ (الْمُضَافِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ضَرْبِ مَقَامِ) الْكَسْرِ الْمُضَافِ فِي مَقَامِ الْمُضَافِ إلَيْهِ (إنْ كَانَ مُضَافًا مِنْ اسْمَيْنِ) فَقَطْ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى نِسْبَةٍ بَيْنَ الْمَخْرَجَيْنِ إذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَمَقَامُ خُمْسِ الْخُمْسِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ الْحَاصِلَةُ مِنْ ضَرْبِ خَمْسَةٍ) مَخْرَجِ الْمُضَافِ (فِي خَمْسَةٍ) مَخْرَجِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَلَا يُنْظَرُ لِتَمَاثُلِهِمَا (وَإِنْ كَانَ) الْكَسْرُ الْمَطْلُوبُ مَخْرَجُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَمَا بَيْنَهُمَا] : أَيْ بَيْنَ الْعَشَرَةِ وَالْخَمْسَةِ أَيْ يُقَالُ فِيهِمَا مَا قِيلَ فِي السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ. قَوْلُهُ: [الَّذِي هُوَ مُكَرَّرُهُ] : أَيْ مُكَرَّرُ ذَلِكَ الْمُفْرَدِ. قَوْلُهُ: [لَمَّا عَلِمْت] : أَيْ مِنْ أَنَّ مَقَامَ الْمُكَرَّرِ هُوَ مَقَامُ مُفْرَدِهِ. قَوْلُهُ: [وَمَقَامُ خَمْسَةِ أَجْزَاءٍ] : هَذَا هُوَ الْمُكَرَّرُ الْأَصَمُّ. قَوْلُهُ: [وَمَقَامُ الْكَسْرِ الْمُضَافِ] : أَيْ كَانَ ذَلِكَ الْمُضَافُ مُفْرَدًا أَمْ لَا. قَوْلُهُ: [إنْ كَانَ مُضَافًا مِنْ اسْمَيْنِ] : أَيْ لِأَنَّهُ يُنْظَرُ لَهُ قَبْلَ الْعَمَلِ هَلْ هُوَ مُضَافٌ مِنْ اسْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَ مِنْ اسْمَيْنِ فَهُوَ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى نِسْبَةٍ] : مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَخْرُجُ أَيْ هُوَ مَا حَصَلَ بِالضَّرْبِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى نِسْبَةٍ بَيْنَ الْكَسْرِ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: [فَمَقَامُ خُمْسِ الْخُمْسِ] : أَيْ وَكَذَا مَقَامُ ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الْخُمْسِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ؛ لِأَنَّ مَقَامَ الْمُكَرَّرِ هُوَ مَقَامُ الْمُفْرَدِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُنْظَرُ لِتَمَاثُلِهِمَا] : زِيَادَةٌ فِي الْإِيضَاحِ؛ لِأَنَّهُ أَفَادَهُ فِي قَوْلِهِ مِنْ

مُضَافًا (مِنْ أَكْثَرَ مِنْ اسْمَيْنِ فَهُوَ) أَيْ الْمَقَامُ (مَا يَحْصُلُ مِنْ ضَرْبِ مَقَامَاتِ الْأَسْمَاءِ) : أَيْ أَسْمَاءِ الْكُسُورِ (الْمُتَضَايِفَةِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ) مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى نِسْبَةٍ بَيْنَهُمَا (فَمَقَامُ ثُلُثِ خُمْسِ السُّبْعِ) الْمَخَارِجُ الْمُتَضَايِفَةُ ثَلَاثَةٌ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعَةٌ فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي خَمْسَةٍ يَحْصُلُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَلِضَرْبِهَا فِي سَبْعَةٍ يَحْصُلُ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ كَمَا قَالَ (مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي خَمْسَةٍ، وَالْحَاصِلُ فِي السَّبْعَةِ) : وَهَكَذَا. لَوْ قِيلَ: كَمْ مَخْرَجُ سُدُسِ ثُمُنِ التُّسْعِ؟ فَالْمَخَارِجُ الْمُتَضَايِفَةُ سِتَّةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَتِسْعَةٌ فَتُضْرَبُ سِتَّةٌ فِي ثَمَانِيَةٍ يَحْصُلُ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ تَضْرِبُهَا فِي التِّسْعَةِ فَيَكُونُ الْمَخْرَجُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ. (وَأَمَّا مَخْرَجُ الْمَعْطُوفِ فَهُوَ أَقَلُّ عَدَدٍ يَنْقَسِمُ عَلَى كُلٍّ مِنْ مَقَامَيْ الْمُتَعَاطِفَيْنِ) (أَوْ مَقَامَاتِ الْمُتَعَاطِفَاتِ) : اعْلَمْ أَنَّ الْعَدَدَيْنِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ مُتَمَاثِلَانِ إنْ تَسَاوَيَا كَخَمْسَةٍ وَخَمْسَةٍ وَيُكْتَفَى فِي الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا وَمُتَدَاخِلَانِ إنْ أَفْنَى أَصْغَرُهُمَا أَكْبَرَهُمَا بِطَرْحِهِ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ كَثَلَاثَةٍ وَتِسْعَةٍ فَتُفْنِيهَا بِطَرْحِهَا فِي ثَالِثِ مَرَّةٍ وَيُكْتَفَى فِي الْعَمَلِ بِأَكْبَرِهِمَا وَمُتَوَافِقَانِ إنْ أَفْنَاهُمَا عَدَدٌ ثَالِثٌ غَيْرُ الْوَاحِدِ بِطَرْحِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِ نَظَرٍ إلَى نِسْبَةٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: [مِنْ أَكْثَرَ مِنْ اسْمَيْنِ] : مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ إنْ كَانَ مُضَافًا مِنْ اسْمَيْنِ. قَوْلُهُ: [مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى نِسْبَةٍ بَيْنَهُمَا] : مُتَعَلِّقٌ بِيَحْصُلُ. قَوْلُهُ: [الْمَخَارِجُ الْمُتَضَايِفَةُ] : أَيْ مَخَارِجُ الْكُسُورِ الْمُتَضَايِفَةِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ ثَلَاثَةٌ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعَةٌ. قَوْلُهُ: [فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً] : أَيْ تَضْرِبُ مَخْرَجَ الثُّلُثِ فِي مَخْرَجِ الْخُمْسِ وَالْحَاصِلُ فِي مَخْرَجِ السُّبْعِ. قَوْلُهُ: [حَاصِلَةٌ] : خَبَرٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَهِيَ حَاصِلَةٌ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا مَخْرَجُ الْمَعْطُوفِ] : شُرُوعٌ فِي الْقِسْمِ الرَّابِعِ. قَوْلُهُ: [إنْ أَفْنَى أَصْغَرُهُمَا أَكْبَرَهُمَا] : بِرَفْعِ الْأَصْغَرِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ وَنَصْبِ الْأَكْبَرِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ. قَوْلُهُ: [أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ أَفْنَاهُ فِي مَرَّةٍ فَهُوَ الْمُتَمَاثِلُ. قَوْلُهُ: [وَمُتَوَافِقَانِ] : أَيْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا مُتَمَاثِلَيْنِ وَلَا مُتَدَاخِلَيْنِ فَمُتَوَافِقَانِ إلَخْ.

مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ؛ كَالْأَرْبَعَةِ وَالسِّتَّةِ إذَا سَلَّطْت عَدَدًا ثَالِثًا غَيْرَ الْوَاحِدِ، كَمَا إذَا سَلَّطْت اثْنَيْنِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ مَرَّتَيْنِ أَفْنَتْهَا وَعَلَى السِّتَّةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَفْنَتْهَا وَيَكُونُ الِاتِّفَاقُ بَيْنَهُمَا بِاسْمِ الْوَاحِدِ مِنْ الْعَدَدِ الثَّالِثِ الْمُفْنَى لَهُمَا فَفِي هَذَا الْمِثَالِ الْمُفْنَى لَهُمَا اثْنَانِ وَاسْمُ الْوَاحِدِ مِنْهُمَا نِصْفٌ فَالْأَرْبَعَةُ وَالسِّتَّةُ مُتَوَافِقَانِ بِالنِّصْفِ وَالسِّتَّةِ وَالتَّبَعِيَّةِ مُتَوَافِقَانِ بِالثُّلُثِ وَالْعَشَرَةِ وَالْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ بِالْخَمْسِ وَوَجْهُ الْعَمَلِ أَنْ تَضْرِبَ أَحَدَهُمَا فِي وَفْقِ الْآخَرِ، وَالْمُتَبَايِنَانِ هُمَا اللَّذَانِ لَا يُفْنِيهِمَا إلَّا الْوَاحِدُ كَاثْنَيْنِ وَسَبْعَةٍ وَالْعَمَلُ فِيهِمَا أَنْ تَضْرِبَ أَحَدَهُمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ بِأَوْسَعِ عِبَارَةٍ وَإِنَّمَا ذَكَرْته هُنَا لِلِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ. إذْ عَرَفْت ذَلِكَ (فَمَقَامُ النِّصْفِ وَالثُّمُنِ ثَمَانِيَةٌ لِتَدَاخُلِ مَقَامَيْ الْمُتَعَاطِفَيْنِ) : النِّصْفِ وَالثُّمُنِ: فَإِنَّ الِاثْنَيْنِ تُفْنِي الثَّمَانِيَةَ فِي مَرَّاتٍ وَأَكْبَرُهُمَا هُوَ الثَّمَانِيَةُ (وَمَقَامُ الرُّبْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إذَا سَلَّطْت عَدَدًا ثَالِثًا] : أَيْ هَوَائِيًّا. قَوْلُهُ: [غَيْرَ الْوَاحِدِ] : أَيْ وَأَمَّا الْوَاحِدُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي التَّسْلِيطِ؛ لِأَنَّهُ مُفْنٍ لِكُلِّ عَدَدٍ. قَوْلُهُ: [وَيَكُونُ الِاتِّفَاقُ] : أَيْ الْمُوَافَقَةُ. قَوْلُهُ: [بِاسْمِ الْوَاحِدِ] : أَيْ بِنِسْبَةِ الْوَاحِدِ الْهَوَائِيِّ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [مُتَوَافِقَانِ بِالثُّلُثِ] : أَيْ لِأَنَّ الْعَدَدَ الْمُفْنِي لَهُمَا مَعًا ثَلَاثَةُ السِّتَّةِ فِي مَرَّتَيْنِ وَالتِّسْعَةُ فِي ثَلَاثٍ وَنِسْبَةُ الْوَاحِدِ لِلثَّلَاثَةِ ثُلُثٌ. قَوْلُهُ: [وَالْعِشْرِينَ] : هَكَذَا بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى الْمَعِيَّةِ. وَقَوْلُهُ: [بِالْخَمْسِ] : إنَّمَا كَانَتْ الْمُوَافَقَةُ بِالْخَمْسِ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ الْمُفْنِيَ لِلْعَشَرَةِ فِي مَرَّتَيْنِ وَالْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ فِي خُمْسِ خَمْسَةٍ وَنِسْبَةُ الْوَاحِدِ الْهَوَائِيِّ لَهَا خُمْسٌ. قَوْلُهُ: [وَالْمُتَبَايِنَانِ] : فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ فَإِنْ انْتَفَى التَّمَاثُلُ وَالتَّدَاخُلُ وَالتَّوَافُقُ فَالْمُتَبَايِنَانِ إلَخْ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ رَبَاعِيَةٌ لَا تَخْرُجُ عَنْهَا. قَوْلُهُ: [وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ فَصْلٌ إذَا فُرِضَ عَدَدَانِ إلَخْ. قَوْلُهُ: [لِلِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ] : دَفَعَ بِذَلِكَ مَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ ذِكْرَهُ هُنَا يُغْنِي عَنْهُ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [فِي مَرَّاتٍ] : أَيْ أَرْبَعٍ.

وَالسُّدُسِ اثْنَا عَشَرَ لِتَوَافُقِهِمَا بِالنِّصْفِ) : لِأَنَّ الْعَدَدَ الْمُفْنِيَ لَهُمَا نِسْبَةُ الْوَاحِدِ إلَيْهِ نِصْفٌ وَحَاصِلُ ضَرْبِ اثْنَيْنِ فِي سِتَّةٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ فِي أَرْبَعَةٍ مَا ذُكِرَ (وَمَخْرَجُ الثُّلُثِ وَالْخُمُسِ خَمْسَةَ عَشَرَ لِلتَّبَايُنِ) وَحَاصِلُ ضَرْبِ الثَّلَاثَةِ فِي الْخَمْسَةِ مَا ذُكِرَ (وَمَقَامُ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ اثْنَا عَشَرَ) مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ لِلتَّبَايُنِ بِسِتَّةٍ وَالسِّتَّةُ الْحَاصِلَةُ فِي اثْنَيْنِ لِلتَّوَافُقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْعَدَدَ الْمُفْنِيَ لَهُمَا] : أَيْ لِلْأَرْبَعَةِ وَالسِّتَّةِ وَهُوَ اثْنَانِ. قَوْلُهُ: [مَا ذُكِرَ] : أَيْ اثْنَا عَشَرَ. قَوْلُهُ: [لِلتَّبَايُنِ] : أَيْ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ وَالْخَمْسَةَ لَا يُفْنِيهِمَا إلَّا الْوَاحِدُ. قَوْلُهُ: [فِي الْخَمْسِ مَا ذُكِرَ] : أَيْ خَمْسَةَ عَشَرَ. قَوْلُهُ: [وَمَقَامُ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ] إلَخْ: مَا تَقَدَّمَ أَمْثِلَةٌ لِلْمُتَعَاطِفِينَ وَمَا هُنَا مِثَالٌ لِلْمُتَعَاطِفَاتِ وَفِيهِ التَّبَايُنُ وَالتَّوَافُقُ. تَتِمَّةٌ: قَالَ فِي التُّحْفَةِ: وَمَقَامُ الْكُسُورِ الطَّبِيعِيَّةِ كُلِّهَا أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ وَعِشْرُونَ؛ لِأَنَّ مَقَامَ مُفْرَدَاتِهَا مِنْ اثْنَيْنِ إلَى عَشَرَةٍ عَلَى تَوَالِي الْأَعْدَادِ وَأَقَلُّ عَدَدٍ يَنْقَسِمُ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا مَا ذَكَرْنَا.

[فصل في معرفة بسط الكسور]

فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ بَسْطِ الْكُسُورِ (وَبَسْطُ الْكَسْرِ: عِبَارَةٌ عَنْ مِقْدَارِ الْكَسْرِ الْمَفْرُوضِ مِنْ مَقَامِهِ) : أَيْ مِنْ مَخْرَجِهِ. (فَإِذَا أَخَذْت الْكَسْرَ مِنْ مَقَامِهِ فَالْمَأْخُوذُ بَسْطُهُ) فَإِذَا عَرَفْت مَخْرَجَ الْكَسْرِ فَخُذْ مِنْهُ كَسْرَهُ فَمَا أَخَذْته فَهُوَ بَسْطُهُ، سَوَاءٌ كَانَ مُفْرَدًا أَوْ مُكَرَّرًا أَوْ مُضَافًا أَوْ مَعْطُوفًا كَمَا يَأْتِي، إذَا عَرَفْت ذَلِكَ. (فَبَسْطُ الْمُفْرَدِ وَاحِدٌ أَبَدًا) لِأَنَّهُ مِقْدَارُهُ مِنْ مَخْرَجِهِ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْمُفْرَدِ أَمْثِلَةً ثَلَاثَةً لَهُ فَقَالَ (فَبَسْطُ النِّصْفِ) وَاحِدٌ لِأَنَّ الْوَاحِدَ نِصْفُ مَخْرَجِهِ (وَ) بَسْطُ (الْعُشْرِ وَاحِدٌ) لِأَنَّ الْوَاحِدَ عُشْرُ مَقَامِهِ (وَ) بَسْطُ (الْجُزْءِ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَاحِدٌ) لِمَا عَرَفْت (وَبَسْطُ الْمُكَرَّرِ عِدَّةُ تَكْرَارِهِ أَبَدًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ بَسْطِ الْكُسُورِ] [تَعْرِيف الْبَسْط] فَصْلٌ: أَيْ وَحْدَهَا وَأَمَّا بَسْطُ الْكَسْرِ مَعَ الصَّحِيحِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَمَا يُسَمَّى بَسْطًا يُسَمَّى تَجْنِيسًا. قَوْلُهُ: [فَإِذَا أَخَذْت الْكَسْرَ مِنْ مَقَامِهِ] : أَيْ الْخَاصَّ بِهِ الْجَامِعَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: [فَالْمَأْخُوذُ بَسْطُهُ] : أَيْ يُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ. قَوْلُهُ: [فَبَسْطُ الْمُفْرَدِ وَاحِدٌ أَبَدًا] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمُفْرَدُ مُنْطِقًا أَوْ أَصَمَّ كَمَا سَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي الْأَمْثِلَةِ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْمُفْرَدِ أَمْثِلَةً ثَلَاثَةً] : أَوَّلُ الْمُفْرَدَاتِ الْمُنْطِقَةِ وَآخِرُهَا وَوَاحِدٌ مِنْ الْأَصَمِّ يُعْلَمُ مِنْ تِلْكَ الْأَمْثِلَةِ بَاقِيهَا. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْوَاحِدَ نِصْفُ مَخْرَجِهِ] : أَيْ لِأَنَّ مَخْرَجَهُ اثْنَانِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْوَاحِدَ عُشْرُ مَقَامِهِ] : أَيْ فَالْمَقَامُ عَشْرَةٌ وَالْوَاحِدُ عُشْرُهَا. قَوْلُهُ: [لِمَا عَرَفْت] : أَيْ؛ لِأَنَّ مَقَامَ الْجُزْءِ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَجُزْؤُهَا وَاحِدٌ. قَوْلُهُ: [عِدَّةُ تَكْرَارِهِ أَبَدًا] : أَيْ فِي الْمُنْطِقِ وَالْأَصَمِّ.

فَبَسْطُ الثُّلُثَيْنِ اثْنَانِ؛ لِأَنَّهُمَا) : أَيْ الِاثْنَيْنِ (ثُلُثَا مَقَامِهِمَا) أَيْ الثُّلُثَيْنِ إذْ مَخْرَجُ الثُّلُثَيْنِ ثَلَاثَةٌ وَالِاثْنَانِ ثُلُثَا الثَّلَاثَةِ (وَبَسْطُ ثَلَاثَةِ أَسْبَاعٍ ثَلَاثَةٌ) ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ الْمَخْرَجِ (وَبَسْطُ خَمْسَةِ أَجْزَاءٍ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ خَمْسَةٌ) لِمَا عَرَفْت (وَبَسْطُ الْمُضَافِ وَاحِدٌ إنْ كَانَ مُضَافًا مُفْرَدًا) كَمَا يَأْتِي مِثَالُهُ (وَعِدَّةُ تَكْرَارِهِ إنْ كَانَ مُكَرَّرًا) يَأْتِي لَهُ مِثَالَانِ أَيْضًا. (فَبَسْطُ نِصْفِ الثُّمُنِ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَاحِدَ (نِصْفُ ثُمُنِ مَقَامِهِ) أَيْ مَخْرَجُهُ وَالضَّمِيرُ يَعُودُ لِنِصْفِ الثُّمُنِ (وَبَسْطُ رُبْعِ جُزْءٍ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ وَاحِدٍ وَاحِدٌ. وَبَسْطُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْخُمُسِ ثَلَاثَةٌ وَبَسْطُ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ جُزْءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّهُ عَدَدُ تَكْرَارِ الْمُضَافِ فِيهِمَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ الْمَخْرَجِ] : أَيْ الَّذِي هُوَ السَّبْعَةُ وَلَا يُقَالُ لِهَذَا الْمِثَالِ مُضَافٌ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ فِيهِ بَيَانِيَّةٌ بَلْ يُسَمَّى مُكَرَّرًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [وَبَسْطُ خَمْسَةِ أَجْزَاءٍ] : إلَخْ: مِثَالٌ لِلْمُكَرَّرِ الْأَصَمِّ. وَقَوْلُهُ: [لِمَا عَرَفْت] : أَيْ مِنْ أَنَّ الْمَخْرَجَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَهَذِهِ الْخَمْسَةُ أَجْزَاءٍ مِنْهَا. قَوْلُهُ: [وَبَسْطُ الْمُضَافِ] : أَيْ الْمُرَكَّبُ تَرْكِيبًا إضَافِيًّا. وَقَوْلُهُ: [إنْ كَانَ مُضَافُهُ مُفْرَدًا] : أَيْ إنْ كَانَ الْجُزْءُ الْمُضَافُ لِمَا بَعْدَهُ غَيْرَ مُكَرَّرٍ. قَوْلُهُ: [فَبَسْطُ نِصْفِ الثُّمُنِ وَاحِدٌ] : هَذَا أَوَّلُ مِثَالِ الْمُضَافِ الْمُفْرَدِ. قَوْلُهُ: [نِصْفُ ثُمُنِ مَقَامِهِ] : الَّذِي هُوَ اثْنَانِ. قَوْلُهُ: [وَبَسْطُ رُبْعِ جُزْءٍ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْمِثَالُ الثَّانِي لَهُ وَهُوَ مِثَالٌ لِلْأَصَمِّ وَالْأَوَّلُ مِثَالٌ لِلْمُنْطِقِ. قَوْلُهُ: [وَبَسْطُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْخُمُسِ] : هَذَا أَوَّلُ مِثَالِ الْمُضَافِ الْمُكَرَّرِ وَإِنَّمَا كَانَ ثَلَاثَةً؛ لِأَنَّ الْخُمُسَ مَخْرَجُهُ خَمْسَةٌ وَالثَّلَاثَةَ الْأَرْبَاعَ مَخْرَجُهَا أَرْبَعَةٌ، وَبَيْنَ الْأَرْبَعَةِ وَالْخَمْسَةِ تَبَايُنٌ فَيُضْرَبُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ بِعِشْرِينَ، فَهُوَ الْمَخْرَجُ لِهَذَيْنِ الْكَسْرَيْنِ وَخُمُسُ الْعِشْرِينَ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا ثَلَاثَةٌ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ عَدَدُ تَكْرَارِ الْمُضَافِ فِيهِمَا] : هَذَا التَّعْلِيلُ مُطَّرِدٌ فِي الْأَصَمِّ وَالْمُنْطِقِ.

[كان مع الكسر صحيح مقدم عليه وأردت أن تبسط المجتمع]

(وَأَمَّا) بَسْطُ (الْمَعْطُوفِ فَبِحَسْبِهِ؛ فَبَسْطُ النِّصْفِ وَالثُّمُنِ خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّ مَقَامَهُ) : أَيْ مَخْرَجَ النِّصْفِ وَالثُّمُنِ (ثَمَانِيَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَدَاخِلَانِ، فَيُكْتَفَى بِأَكْبَرِهِمَا. وَنِصْفُهُ) أَيْ الْمَقَامُ (أَرْبَعَةٌ وَثُمُنُهُ) : أَيْ الْمَقَامُ (وَاحِدٌ وَمَجْمُوعُهُمَا خَمْسَةٌ. وَبَسْطُ الثُّلُثِ وَالسُّبْعِ عَشْرَةٌ؛ لِأَنَّ مَقَامَهُمَا) : أَيْ مَخْرَجَ الثُّلُثِ وَالسُّبْعِ (أَحَدٌ وَعِشْرُونَ) لِلتَّبَايُنِ (وَثُلُثُهُ) : أَيْ الْمَقَامُ (سَبْعَةٌ، وَسُبْعُهُ) : أَيْ الْمَقَامُ (ثَلَاثَةٌ وَمَجْمُوعُهُمَا) أَيْ الثُّلُثُ وَالسُّبْعُ (عَشْرَةٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كَانَ مَعَ الْكَسْرِ صَحِيحٌ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَأَرَدْت أَنْ تَبْسُطَ الْمُجْتَمِعَ] قَوْلُهُ: [فَبِحَسْبِهِ] : أَيْ فَقَدْ يَكُونُ الْمَعْطُوفُ مِنْ كَسْرَيْنِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ أَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ مِنْ كَسْرَيْنِ فَخُذْ بِحَسْبِهِ مِنْ الْمَقَامِ كَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْأَكْثَرِ. قَوْلُهُ: [أَحَدٌ وَعِشْرُونَ] : أَيْ لِلتَّبَايُنِ بَيْنَ مَخْرَجَيْ الثُّلُثِ وَالسُّبْعِ فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي سَبْعَةٍ يَكُونُ الْحَاصِلُ أَحَدًا وَعِشْرِينَ ثُلُثُهَا سَبْعَةٌ وَسُبْعُهَا ثَلَاثَةٌ. تَتِمَّةٌ إنْ كَانَ مَعَ الْكَسْرِ صَحِيحٌ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَأَرَدْت أَنْ تَبْسُطَ الْمُجْتَمِعَ فَاضْرِبْ الصَّحِيحَ فِي مَقَامِ الْكَسْرِ الْمَقْرُونِ بِهِ يَحْصُلُ بَسْطُ الصَّحِيحِ مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ زِدْ عَلَيْهِ بَسْطَ الْكَسْرِ يَحْصُلُ مَجْمُوعُ الصَّحِيحِ وَالْكَسْرِ فَبَسْطُ الْوَاحِدِ وَالنِّصْفِ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ ضَرْبِ الْوَاحِدِ فِي اثْنَيْنِ مَخْرَجُ النِّصْفِ اثْنَيْنِ وَيُزَادُ بَسْطُ النِّصْفِ وَهُوَ وَاحِدٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَبَسْطُ الِاثْنَيْنِ وَالنِّصْفِ خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ مِنْ ضَرْبِ الِاثْنَيْنِ فِي الِاثْنَيْنِ مَخْرَجُ النِّصْفِ أَرْبَعَةٍ يُزَادُ عَلَيْهَا وَاحِدٌ بَسْطُ النِّصْفِ يَحْصُلُ مَا ذُكِرَ، وَبَسْطُ الثَّلَاثَةِ وَالثُّلُثِ عَشْرَةٌ حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ الثَّلَاثَةِ فِي الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ مَخْرَجُ الثُّلُثِ، وَيُزَادُ عَلَيْهَا بَسْطُ الثُّلُثِ وَاحِدٌ وَبَسْطُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ فِي خَمْسَةٍ مَخْرَجِ الْخُمُسِ يُزَادُ عَلَيْهَا بَسْطُ الْكَسْرِ فَاضْرِبْهُ فِي بَسْطِ الْكَسْرِ ثَلَاثَةٍ، وَلْيُقَسْ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الصَّحِيحُ مُؤَخَّرًا عَنْ الْكَسْرِ فَاضْرِبْهُ فِي بَسْطِ الْكَسْرِ يَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ، فَلَوْ قِيلَ كَمْ بَسْطُ رُبْعِ خَمْسَةٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَسْبَاعِهَا فَاضْرِبْ الْخَمْسَةَ فِي الْوَاحِدِ أَوْ فِي الثَّلَاثَةِ. فَالْجَوَابُ خَمْسَةٌ فِي الْأَوَّلِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ فِي الثَّانِي. وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ كَسْرَيْنِ فَلَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُرَادَ إضَافَةُ الْمُقَدَّمِ إلَى الصَّحِيحِ وَالْمُؤَخَّرِ فَابْسُطْ الصَّحِيحَ مَعَ الْمُؤَخَّرِ عَنْهُ بَسْطَ الصَّحِيحِ الْمُقَدَّمِ عَلَى الْكَسْرِ مَعَهُ وَاضْرِبْ الْحَاصِلَ فِي بَسْطِ الْمُقَدَّمِ، فَلَوْ قِيلَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ خَمْسَةٍ وَرُبْعٍ أَيْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مَجْمُوعِهِمَا فَابْسُطْ الْخَمْسَةَ وَالرُّبْعَ يَحْصُلُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ، اضْرِبْهَا فِي بَسْطِ ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ يَحْصُلُ ثَلَاثَةٌ وَسِتُّونَ. الثَّانِي أَنْ يُرَادَ إضَافَةُ الْمُقَدَّمِ إلَى الصَّحِيحِ فَقَطْ فَابْسُطْ الصَّحِيحَ مَعَ الْكَسْرِ الْمُقَدَّمِ عَلَيْهِ بَسْطَ الْكَسْرِ مَعَ الْمُؤَخَّرِ عَنْهُ وَاضْرِبْ الْحَاصِلَ فِي مَخْرَجِ الْمُؤَخَّرِ وَاضْرِبْ بَسْطَ الْمُؤَخَّرِ فِي مَخْرَجِ الْمُقَدَّمِ وَاجْمَعْ الْحَاصِلَيْنِ يَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ، فَفِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ لَوْ أُرِيدَ إضَافَةُ ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ إلَى الْخَمْسَةِ فَقَطْ وَعَطْفُ الرُّبْعِ الْآخَرِ عَلَى ذَلِكَ فَابْسُطْ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْخَمْسَةِ يَكُنْ خَمْسَةَ عَشَرَ اضْرِبْهَا فِي أَرْبَعَةِ مَخْرَجِ الرُّبْعِ يَحْصُلُ سِتُّونَ ثُمَّ اضْرِبْ وَاحِدًا بَسْطَ الرُّبْعِ فِي أَرْبَعَةٍ اجْمَعْهَا عَلَى السِّتِّينَ يَحْصُلُ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ (اهـ مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ التُّحْفَةِ) .

[فصل في ضرب ما فيه كسر]

فَصْلٌ فِي ضَرْبِ مَا فِيهِ كَسْرٌ (تَقَدَّمَ أَنَّ ضَرْبَ الصَّحِيحِ فِي الصَّحِيحِ تَضْعِيفٌ) لِأَحَدِ الْمَضْرُوبَيْنِ بِقَدْرِ عِدَّةِ آحَادِ الْآخَرِ؛ (وَأَمَّا ضَرْبُ الْكُسُورِ فَهُوَ تَبْعِيضٌ) : وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ (لِأَنَّ ضَرْبَ الْكَسْرِ فِي كُلِّ مِقْدَارٍ هُوَ عَلَى مَعْنَى لَفْظَةِ " فِي ") الْجَارَّةِ مِنْ اللَّفْظِ. (وَإِضَافَةِ الْكَسْرِ إلَى ذَلِكَ الْمِقْدَارِ، فَإِذَا قِيلَ: اضْرِبْ نِصْفًا فِي عَشْرَةٍ) فَتَحْذِفُ " فِي " وَتُضِيفُ النِّصْفَ لِلْعَشْرَةِ (فَكَأَنَّهُ قِيلَ: كَمْ نِصْفُ الْعَشَرَةِ) فَخُذْ نِصْفَ الْعَشَرَةِ وَهُوَ خَمْسَةٌ كَمَا قَالَ (وَالْجَوَابُ: خَمْسَةٌ. وَإِذَا قِيلَ اضْرِبْ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسٍ فِي ثَلَاثِينَ، فَخُذْ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ الثَّلَاثِينَ) مَعْلُومٌ أَنَّ خُمُسَهَا سِتَّةٌ فَإِذَا أَخَذْت ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِهَا (تَجِدُهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) فَهِيَ الْجَوَابُ (فَكَأَنَّهُ قِيلَ: كَمْ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا وَهَكَذَا) تَعْمَلُ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ (وَلَوْ قِيلَ: اضْرِبْ خُمُسًا وَسُدُسًا فِي سَبْعَةٍ) فَكَأَنَّهُ قَالَ: كَمْ خُمُسُ السَّبْعَةِ وَسُدُسهَا؟ (فَخُذْ خُمُسَ السَّبْعَةِ - وَهُوَ وَاحِدٌ وَخُمُسَانِ - وَخُذْ سُدُسُهَا؛ وَاحِدٌ وَسُدُسٌ فَالْمَجْمُوعُ اثْنَانِ وَخُمُسَانِ وَسُدُسٌ) هُوَ الْجَوَابُ (فَلَوْ عَسُرَ أَخْذُ الْكَسْرِ مِنْ الْعَدَدِ الصَّحِيحِ فَاضْرِبْ الصَّحِيحَ فِي بَسْطِ الْكَسْرِ وَاقْسِمْ الْحَاصِلَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي ضَرْبِ مَا فِيهِ كَسْرٌ] [خَاتِمَة قِسْمَةِ مَا فِيهِ كَسْرٌ مِنْ جَانِبٍ أَوْ جَانِبَيْنِ] فَصْلٌ أَيْ فِي صَحِيحٍ مُنْفَرِدٍ أَوْ فِي كَسْرٍ مُنْفَرِدٍ أَوْ فِي كَسْرٍ وَصَحِيحٍ. قَوْلُهُ [وَأَمَّا ضَرْبُ الْكُسُورِ] : أَيْ كَانَ ضَرْبُ الْكُسُورِ مَقْرُونًا بِالصَّحِيحِ أَوْ مُجَرَّدًا. قَوْلُهُ: [فِي كُلِّ مِقْدَارٍ] : أَيْ صَحِيحًا ذَلِكَ الْمِقْدَارِ أَوْ كَسْرًا أَوْ هُمَا. قَوْلُهُ: [وَإِضَافَةُ الْكَسْرِ] : أَيْ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ مَا مَعَهُ مِنْ الصَّحِيحِ. قَوْلُهُ: [وَهَكَذَا تَعْمَلُ] : أَيْ فِيمَا يَرِدُ عَلَيْك. قَوْلُهُ: [بَسْطِ الْكَسْرِ] : بَدَلٌ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ وَمُرَادُهُ بِالْكَسْرِ الْجِنْسُ؛ لِأَنَّ هَذَا بَسْطُ كَسْرَيْنِ.

مِنْ الضَّرْبِ (عَلَى مَخْرَجِهِ يَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ. فَفِي الْمِثَالِ الْمُتَقَدِّمِ) : وَهُوَ ضَرْبُ خُمُسٍ وَسُدُسٍ، فِي سَبْعَةٍ (اضْرِبْ السَّبْعَةَ) هِيَ الْعَدَدُ الصَّحِيحُ (فِي أَحَدَ عَشَرَ بَسْطِ الْكَسْرِ) : أَيْ الْخُمُسِ وَالسُّدُسِ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ ذَلِكَ الْكَسْرِ ثَلَاثُونَ وَخُمُسُ الْمَخْرَجِ سِتَّةٌ وَسُدُسُهُ خَمْسَةٌ وَمَجْمُوعُهُمَا أَحَدَ عَشَرَ. فَإِذَا ضَرَبْت السَّبْعَةَ فِي أَحَدَ عَشَرَ حَصَلَ سَبْعَةٌ وَسَبْعُونَ فَاحْفَظْهُ (وَاقْسِمْ) ذَلِكَ (الْحَاصِلَ وَهُوَ سَبْعَةٌ وَسَبْعُونَ عَلَى مَخْرَجِهِ) أَيْ مَخْرَجِ ذَلِكَ الْكَسْرِ أَعْنِي الْخُمُسَ وَالسُّدُسَ (وَهُوَ) أَيْ الْمَخْرَجُ (ثَلَاثُونَ) فَإِذَا قَسَمْت (يَحْصُلُ مَا ذُكِرَ) . ثُمَّ بَيَّنَ مَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ: (اثْنَانِ وَخُمُسَانِ وَسُدُسٌ وَلَوْ قِيلَ: اضْرِبْ أَحَدَ عَشَرَ فِي الْخُمُسِ وَالسُّدُسِ) فَالْمَخْرَجُ ثَلَاثُونَ وَالْبَسْطُ أَحَدَ عَشَرَ (فَاضْرِبْهَا) : أَيْ الْأَحَدَ عَشَرَ (فِي بَسْطِهِ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ ضَرْبَ أَحَدَ عَشَرَ فِي أَحَدَ عَشَرَ يَحْصُلُ مِائَةٌ وَوَاحِدٌ وَعِشْرُونَ فَاحْفَظْهَا (وَاقْسِمْ) ذَلِكَ (الْحَاصِلَ عَلَى الْمَخْرَجِ) وَهُوَ ثَلَاثُونَ (يَحْصُلُ) لِكُلِّ وَاحِدٍ (أَرْبَعَةٌ وَثُلُثُ عُشْرٍ) وَلَوْ قِيلَ: اضْرِبْ وَاحِدًا وَنِصْفًا فِي اثْنَيْنِ فَمَخْرَجُ الْكَسْرِ اثْنَانِ وَبَسْطُهُ مَعَ الصَّحِيحِ ثَلَاثَةٌ أَيْ الْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ الْكَسْرِ أَعْنِي وَاحِدًا وَنِصْفًا فِي اثْنَيْنِ ثَلَاثَةٌ فَاضْرِبْ الِاثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ يَكُونُ سِتَّةً تُقْسَمُ عَلَى اثْنَيْنِ لِكُلٍّ ثَلَاثَةٌ (وَإِذَا كَانَ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَمَخْرَجِ الْكَسْرِ اشْتِرَاكٌ فِي جُزْءٍ أَوْ أَجْزَاءٍ، فَالْأَخْصَرُ أَنْ تَضْرِبَ بَسْطَ الْكَسْرِ فِي وَفْقِ الصَّحِيحِ) فَوَفْقُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِأَنَّ مَخْرَجَ الْكَسْرِ ثَلَاثُونَ] : أَيْ حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ خَمْسَةٍ فِي سِتَّةٍ. قَوْلُهُ: [يَحْصُلُ مِائَةٌ وَوَاحِدٌ وَعِشْرُونَ] : وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ ضَرْبَ الْعَشَرَةِ فِي الْعَشَرَةِ بِمِائَةٍ، ثُمَّ تَضْرِبُ الْعَشَرَةَ فِي الْوَاحِدِ يَحْصُلُ عَشْرَةٌ، ثُمَّ تَضْرِبُ الْوَاحِدَ فِي الْعَشَرَةِ يَحْصُلُ عَشْرَةٌ، ثُمَّ الْوَاحِدَ فِي الْوَاحِدِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ قِيلَ اضْرِبْ وَاحِدًا وَنِصْفًا فِي اثْنَيْنِ] : هَذَا الْمِثَالُ فِيهِ ضَرْبُ الصَّحِيحِ وَالْكَسْرِ فِي الصَّحِيحِ. قَوْلُهُ: [وَبَسْطُهُ مَعَ الصَّحِيحِ ثَلَاثَةٌ] : أَيْ لِأَنَّ بَسْطَ الْكَسْرِ وَاحِدٌ وَالْوَاحِدُ الصَّحِيحُ اثْنَانِ. وَقَوْلُهُ: [أَيْ الْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ الْكَسْرِ] إلَخْ: غَيْرُ ظَاهِرٍ فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا قَالَهُ شَرْحُ التُّحْفَةِ وَنَصُّهُ وَلَوْ قِيلَ: اضْرِبْ وَاحِدًا وَنِصْفًا فِي اثْنَيْنِ فَمَقَامُ الْكَسْرِ

قَائِمٌ مَقَامَهُ (وَتَقْسِمُ الْحَاصِلَ) مِنْ الضَّرْبِ (عَلَى وَفْقِ مَخْرَجِ الْكَسْرِ) فَوَفْقُهُ أَيْضًا يَقُومُ مَقَامَهُ (فَإِذَا ضَرَبْت) أَيْ أَرَدْت أَنْ تَضْرِبَ (ثُلُثًا وَرُبْعًا فِي ثَمَانِيَةٍ) فَمَخْرَجُ الْكَسْرِ الَّذِي هُوَ ثُلُثٌ وَرُبْعٌ اثْنَا عَشَرَ لَهَا رُبْعٌ وَلِلثَّمَانِيَةِ الصَّحِيحَةِ رُبْعٌ كَمَا قَالَ (فَبَيْنَ الثَّمَانِيَةِ وَالْمَخْرَجِ - وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ - مُوَافَقَةٌ بِالرُّبْعِ) فَرُدَّ كُلًّا مِنْهُمَا إلَى رُبْعِهِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَاثْنَانِ (وَاضْرِبْ الْبَسْطَ - وَهُوَ سَبْعَةٌ - فِي اثْنَيْنِ) وَفْقَ الصَّحِيحِ يَحْصُلُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ (وَاقْسِمْ) ذَلِكَ (الْحَاصِلَ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَفْقِ الْمَخْرَجِ يَحْصُلُ أَرْبَعَةٌ وَثُلُثَانِ) : هِيَ الْجَوَابُ. (وَلَوْ ضَرَبْت صَحِيحًا فِي صَحِيحٍ وَكَسْرٍ، فَاضْرِبْ الصَّحِيحَ فِي الصَّحِيحِ ثُمَّ فِي الْكَسْرِ وَاجْمَعْ الْحَاصِلَ) مِنْ الضَّرْبِ يَكُنْ مَا تَحَصَّلَ هُوَ الْجَوَابُ (فَإِذَا ضَرَبْت أَرْبَعَةً فِي خَمْسَةٍ وَثُلُثٍ فَاضْرِبْ الْأَرْبَعَةَ فِي الْخَمْسَةِ) يَحْصُلُ عَشَرُونِ: وَهُوَ ضَرْبُ الصَّحِيحِ فِي الصَّحِيحِ (ثُمَّ) اضْرِبْ الْأَرْبَعَةَ الصَّحِيحَةَ (فِي الثُّلُثِ) يَحْصُلُ وَاحِدٌ وَثُلُثٌ (فَالْمَجْمُوعُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَثُلُثٌ) هِيَ الْجَوَابُ (وَإِذَا أَرَدْت ضَرْبَ الْكَسْرِ فَقَطْ) فِي الْكَسْرِ (أَوْ الْكَسْرِ وَالصَّحِيحِ فِي الْكَسْرِ فَقَطْ، أَوْ) ضَرْبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQاثْنَانِ وَبَسْطُهُ مَعَ الصَّحِيحِ ثَلَاثَةٌ، فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ وَاقْسِمْ الْحَاصِلَ عَلَى اثْنَيْنِ يَخْرُجُ ثَلَاثَةٌ. قَوْلُهُ: [اثْنَا عَشَرَ] : أَيْ حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي أَرْبَعَةٍ. قَوْلُهُ: [فَإِذَا ضَرَبْت أَرْبَعَةً] إلَخْ: أَيْ أَرَدْت ضَرْبَ أَرْبَعَةٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَإِذَا أَرَدْت ضَرْبَ الْكَسْرِ فَقَطْ] : هَذَا تَنْوِيعٌ آخَرُ فِي ضَرْبِ الْكُسُورِ. خَاتِمَةٌ لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى قِسْمَةِ مَا فِيهِ كَسْرٌ مِنْ جَانِبٍ أَوْ جَانِبَيْنِ. قَالَ فِي التُّحْفَةِ: اعْلَمْ أَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى الصَّحِيحِ تَبْعِيضٌ وَعَلَى الْكَسْرِ تَضْعِيفٌ عَكْسُ الضَّرْبِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا مَعْرِفَةُ مَا يَخُصُّ الْوَاحِدَ الْكَامِلَ، فَإِذَا أَرَدْت قِسْمَةَ صَحِيحٍ عَلَى كَسْرٍ أَوْ عَلَى صَحِيحٍ وَكَسْرٍ أَوْ عَكْسِهِ فَابْسُطْ كُلًّا مِنْ الْمَقْسُومِ وَالْمَقْسُومِ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ، بِأَنْ تَضْرِبَهُ فِي مَقَامِهِ ثُمَّ اقْسِمْ بَسْطَ الْمَقْسُومِ عَلَى بَسْطِ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ يَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ، فَلَوْ قِيلَ اقْسِمْ أَرْبَعَةً عَلَى نِصْفٍ فَابْسُطْ كُلًّا مِنْهُمَا وَاقْسِمْ بَسْطَ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ عَلَى وَاحِدٍ بَسْطِ النِّصْفِ يَحْصُلُ ثَمَانِيَةٌ وَإِنْ عُكِسَ خَرَجَ ثُمُنٌ، وَلَوْ قِيلَ اقْسِمْ عَشْرَةً عَلَى اثْنَيْنِ وَنِصْفٍ فَبَسْطُ الْمَقْسُومِ

الْكَسْرِ وَالصَّحِيحِ (فِيهِ) : أَيْ فِي الْكَسْرِ (وَالصَّحِيحِ) فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (فَابْسُطْ) كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَضْرُوبَيْنِ (سَوَاءٌ كَانَ كَسْرًا مُجَرَّدًا) مِنْ الصَّحِيحِ كَمَا يَأْتِي فِي ضَرْبِ نِصْفٍ فِي نِصْفٍ (أَوْ) كَسْرًا مَقْرُونَا (مَعَ الصَّحِيحِ) كَمَا يَأْتِي وَخُذْ مَخْرَجَ كُلٍّ مِنْهُمَا (وَاضْرِبْ بَسْطَ كُلِّ جَانِبٍ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْمَضْرُوبَيْنِ (فِي بَسْطِ) الْجَانِبِ (الْآخَرِ وَمَخْرَجَهُ فِي مَخْرَجِهِ وَاقْسِمْ مُسَطَّحَ الْبَسْطَيْنِ: أَيْ مَضْرُوبَهُمَا عَلَى مُسَطَّحِ الْمَخْرَجَيْنِ، يَخْرُجُ الْمَطْلُوبُ، فَإِذَا ضَرَبْت) أَيْ أَرَدْت أَنْ تَضْرِبَ (نِصْفًا فِي نِصْفٍ) هَذَا ضَرْبُ كَسْرٍ فِي كَسْرٍ فَقَطْ فَمَقَامُ كُلٍّ مِنْهُمَا اثْنَانِ وَبَسْطُهُ وَاحِدٌ فَاقْسِمْ مُسَطَّحَ بَسْطَيْهِمَا - (وَهُوَ) أَيْ الْمُسَطَّحُ (وَاحِدٌ - عَلَى مُسَطَّحِ مَقَامَيْهِمَا وَهُوَ أَرْبَعَةٌ يَحْصُلُ رُبْعٌ) وَهُوَ الْجَوَابُ (وَلَوْ ضَرَبْت) : أَيْ أَرَدْت أَنْ تَضْرِبَ (ثُلُثَيْنِ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعٍ فَمَخْرَجُ الْأَوَّلِ) أَيْ الثُّلُثَيْنِ (ثَلَاثَةٌ وَبَسْطُهُ اثْنَانِ وَمَخْرَجُ الثَّانِي) : أَيْ الْأَرْبَاعِ (أَرْبَعَةٌ وَبَسْطُهُ ثَلَاثَةٌ فَاقْسِمْ سِتَّةً - مُسَطَّحَ الْبَسْطَيْنِ) يَعْنِي الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ. (عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ مُسَطَّحِ الْمَقَامَيْنِ) يَعْنِي الثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ (يَخْرُجُ) مِنْ الْقِسْمَةِ (نِصْفٌ) وَهُوَ الْجَوَابُ (وَلَوْ أَرَدْت ضَرْبَ وَاحِدٍ وَخُمُسٍ فِي وَاحِدٍ وَثُلُثٍ، فَاقْسِمْ مُسَطَّحَ الْبَسْطَيْنِ) يَعْنِي بَسْطَ الْأَوَّلِ وَهُوَ سِتَّةُ أَخْمَاسٍ وَبَسْطَ الثَّانِي وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَثْلَاثٍ، ثُمَّ بَيَّنَ الْمُسَطَّحَ بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ مُسَطَّحِ الْمَقَامَيْنِ) خَمْسَةٌ مَقَامُ الْخُمُسِ وَثَلَاثَةٌ مَقَامُ الثُّلُثِ (يَخْرُجُ وَاحِدٌ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ، وَلَوْ ضَرَبْت اثْنَيْنِ وَنِصْفًا فِي ثَلَاثَةٍ وَثُلُثٍ فَمَخْرَجُ الْأَوَّلِ اثْنَانِ وَبَسْطُهُ خَمْسَةٌ) وَمَخْرَجُ الثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ وَبَسْطُهُ عَشْرَةٌ (فَاقْسِمْ الْحَاصِلَ) مِنْ ضَرْبِ الْبَسْطَيْنِ الْخَمْسَةِ فِي الْعَشَرَةِ كَمَا قَالَ: (وَهُوَ خَمْسُونَ عَلَى) سِتَّةٍ (مَضْرُوبِ الِاثْنَيْنِ) مَقَامِ الْأَوَّلِ (فِي ثَلَاثَةٍ) مَقَامِ الثَّانِي (وَالْحَاصِلُ) مِنْ الْقِسْمَةِ (ثَمَانِيَةٌ وَثُلُثٌ) : وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. وَمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ غَيْرَ هَذَا سَهْوٌ مِنْ الْكَاتِبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعِشْرُونَ اقْسِمْهُ عَلَى خَمْسَةٍ بَسْطِ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ فَالْجَوَابُ أَرْبَعَةٌ، وَإِنْ عُكِسَ فَالْجَوَابُ رُبْعٌ (اهـ) .

[فصل في التساوي والتفاضل]

فَصْلٌ فِي التَّسَاوِي وَالتَّفَاضُلِ إذَا فُرِضَ عَدَدَانِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا أَيْ الْعَدَدَيْنِ (التَّسَاوِي: كَخَمْسَةٍ وَخَمْسَةٍ، وَهُمَا.) أَيْ الْمُتَسَاوِيَانِ: (الْمُتَمَاثِلَانِ) فَلَهُمَا اسْمَانِ. (أَوْ التَّفَاضُلُ) عَطْفٌ عَلَى التَّسَاوِي: أَيْ أَوْ يَكُونَ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ التَّفَاضُلُ (فَإِنْ كَانَ الْقَلِيلُ جُزْءًا وَاحِدًا) : أَيْ مُفْرَدًا لَيْسَ مُكَرَّرًا (مِنْ الْكَثِيرِ، كَالِاثْنَيْنِ وَالْأَرْبَعَةِ) فَإِنَّ الِاثْنَيْنِ جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ جُزْءَانِ بِالتَّنْصِيفِ (وَكَالثَّلَاثَةِ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ) فَلِأَنَّ الثَّلَاثَةَ جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ، لِأَنَّهَا خُمُسُهَا وَبِقَوْلِهِ: " جُزْءٌ وَاحِدٌ " أَيْ مُفْرَدٌ خَرَّجَ نَحْوَ الْأَرْبَعَةِ وَالسِّتَّةِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْبَعَةُ جُزْءًا مِنْ السِّتَّةِ لَكِنْ جُزْءٌ غَيْرُ مُفْرَدٍ بَلْ مُكَرَّرٌ إذْ هِيَ ثُلُثَانِ فَهُمَا مُتَوَافِقَانِ كَمَا يَأْتِي (فَمُتَدَاخِلَانِ) هَذِهِ عِبَارَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعَبَّرَ عَنْهُمَا الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ بِالْمُتَنَاسِبِينَ أَيْ، نَاسَبَ الْعَدَدُ الصَّغِيرُ عَدَدًا أَكْثَرَ مِنْهُ بِكَوْنِهِ جُزْءًا وَاحِدًا مِنْهُ إلَخْ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُزْءًا وَاحِدًا مِنْهُ) : بِأَنْ كَانَ جُزْءًا مُكَرَّرًا (فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا) : أَيْ الْعَدَدَيْنِ (مُوَافَقَةٌ فِي جُزْءٍ) مَثَّلَهُ بِأَرْبَعَةٍ وَسِتَّةٍ (أَوْ أَكْثَرَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي التَّسَاوِي وَالتَّفَاضُلِ] فَصْلٌ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْجُمْلَةِ الْكَافِيَةِ فِي الْحِسَابِ الَّتِي وَعَدَ بِهَا رَجَعَ لِتَتْمِيمِ مَسَائِلِ الْفَرَائِضِ وَإِنَّمَا أَخَّرَ تِلْكَ الْمَسَائِلَ عَنْ الْحِسَابِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَيْهِ فَجَزَاهُ اللَّهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا فِي حُسْنِ هَذَا الصُّنْعِ الَّذِي تَمَيَّزَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ مُتُونِ الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ: [فَلَهُمَا اسْمَانِ] : أَيْ التَّسَاوِي وَالتَّمَاثُلُ. قَوْلُهُ: [فَمُتَدَاخِلَانِ] : جَوَابُ الشَّرْطِ، وَقُرِنَ بِالْفَاءِ لِكَوْنِهِ جُمْلَةً اسْمِيَّةً. قَوْلُهُ: [وَعَبَّرَ عَنْهُمَا الْمُتَقَدِّمُونَ] : أَيْ فَلَهُمَا اسْمَانِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [مُوَافِقَةٌ فِي جُزْءٍ] : أَيْ وَاحِدٍ فَقَطْ فَإِنَّ الْأَرْبَعَةَ لَمْ تُوَافِقْ السِّتَّةَ إلَّا بِالنِّصْفِ. قَوْلُهُ: [مَثَّلَهُ بِأَرْبَعَةٍ وَسِتَّةٍ] : أَيْ فِيمَا يَأْتِي.

مَثَّلَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالثَّمَانِيَةِ وَاثْنَيْ عَشَرَ (فَمُتَوَافِقَانِ) وَيُقَالُ لَهُمَا: مُشْتَرَكَانِ أَيْضًا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ آخِرَ الْفَصْلِ. وَيُقَالُ فِي تَعْرِيفِهِمَا أَيْضًا: هُمَا اللَّذَانِ لَا يُفْنِي أَصْغَرُهُمَا أَكْبَرَهُمَا وَإِنَّمَا يُفْنِيهِمَا عَدَدٌ ثَالِثٌ (كَأَرْبَعَةٍ وَسِتَّةٍ فَإِنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفًا صَحِيحًا) فَقَدْ تَوَافَقَا فِي جُزْءٍ وَلَا تُفْنِي الْأَرْبَعَةُ السِّتَّةَ وَيُفْنِي - كُلًّا مِنْهُمَا الِاثْنَانِ، وَإِنَّمَا الْتَفَتَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِتَعْرِيفِهِمَا بِمَا قَالَ دُونَ قَوْلِهِمْ: هُمَا اللَّذَانِ إلَخْ؛ لِأَنَّ تَعْرِيفَهُمْ بِالْأَعَمِّ إذْ يَصْدُقُ بِالْمُتَبَايِنِينَ (وَكَثَمَانِيَةٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ) مِثَالٌ لِقَوْلِهِ " أَوْ أَكْثَرَ " كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ (فَإِنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا) : أَيْ مِنْ الثَّمَانِيَةِ وَالِاثْنَيْ عَشَرَ (نِصْفًا وَرُبْعًا) فَقَدْ تَوَافَقَا فِي أَكْثَرَ مِنْ جُزْءٍ لِأَنَّهُمَا تَوَافَقَا فِي جُزْأَيْنِ كَمَا رَأَيْت (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْعَدَدَيْنِ (مُوَافَقَةٌ) فِي جُزْءٍ (فَمُتَبَايِنَانِ وَمُتَخَالَفَانِ) لِأَنَّ كُلَّ عَدَدٍ مِنْهُمَا يُخَالِفُ الْآخَرَ. (وَالْوَاحِدُ يُبَايِنُ كُلَّ عَدَدٍ، وَالْأَعْدَادُ الْأَوَائِلُ كُلُّهَا مُتَبَايِنَةٌ) ثُمَّ عَرَّفَ الْعَدَدَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ: (وَالْعَدَدُ الْأَوَّلُ: مَا لَا يُفْنِيهِ إلَّا الْوَاحِدُ: كَالِاثْنَيْنِ) فَإِنَّهُ يُقَالُ لِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ: عَدَدٌ أَوَّلٌ لِانْطِبَاقِ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِ وَالثَّلَاثَةُ وَالْخَمْسَةُ وَالسَّبْعَةُ وَالْأَحَدَ عَشَرَ وَالثَّلَاثَةَ عَشَرَ وَنَحْوُهَا. وَالْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ: يَعْنِي الِاثْنَيْنِ وَالسَّبْعَةَ وَمَا بَيْنَهُمَا (تُسَمَّى: أَوَائِلَ مُنْطِقَةً) تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُنْطِقَ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِغَيْرِ لَفْظِ الْجُزْئِيَّةِ وَبِالْجُزْئِيَّةِ (وَمَا عَدَاهَا) : أَيْ الْأَرْبَعَةُ كَالْأَحَدَ عَشَرَ إلَخْ (أَوَائِلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِالثَّمَانِيَةِ وَاثْنَيْ عَشَرَ] : أَيْ لِأَنَّ بَيْنَ الثَّمَانِيَةِ وَالِاثْنَيْ عَشَرَ مُوَافَقَةً بِالنِّصْفِ وَالرُّبْعِ. قَوْلُهُ: [وَيُقَالُ لَهُمَا مُشْتَرَكَانِ] : أَيْ فَلَهُمَا اسْمَانِ أَيْضًا قَوْلُهُ: [وَإِنَّمَا الْتَفَتَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -] : أَيْ إنَّمَا لَمْ يَسْلُكْ مَسْلَكَهُمْ فِي تَعْرِيفِ الْمُتَوَافِقِينَ؛ لِأَنَّ تَعْرِيفَهُمْ غَيْرُ مَانِعٍ إذْ يَصْدُقُ بِالْمُتَبَايِنِينَ. قَوْلُهُ: [وَمُتَخَالَفَانِ] : أَيْ فَلَهُمَا اسْمَانِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [وَالْعَدَدُ الْأَوَّلُ مَا لَا يُفْنِيهِ إلَّا الْوَاحِدُ] : أَيْ وَمِثْلُهُ الْأَعْدَادُ الْمُتَلَاصِقَةُ فَإِنَّهَا مُتَبَايِنَةٌ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [كَالْأَحَدَ عَشَرَ] إلَخْ: أَيْ وَالثَّلَاثَةَ عَشَرَ وَنَحْوُهَا.

أَصَمُّ) : لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَمَّ مَا لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ إلَّا بِلَفْظِ الْجُزْئِيَّةِ (فَلَوْ الْتَبَسَتْ النِّسْبَةُ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ) بِأَنْ لَمْ يَدْرِ أَمُتَبَايِنَانِ أَمْ مُتَدَاخِلَانِ مَثَلًا وَأَرَدْتَ مَعْرِفَةَ الْوَاقِعِ (فَأَسْقِطْ الْأَصْغَرَ مِنْ الْأَكْبَرِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَإِنْ فَنِيَ الْأَكْبَرُ فَمُتَدَاخِلَانِ) تَقَدَّمَ مِثَالُهُ كَالِاثْنَيْنِ وَالْأَرْبَعَةِ فَإِنَّك أَسْقَطْت الِاثْنَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ مَرَّتَيْنِ فَنِيَتْ الْأَرْبَعَةُ وَهَكَذَا بَقِيَّةُ أَمْثِلَتِهِمَا (وَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْأَكْبَرِ) بَعْدَ إسْقَاطِ الْأَصْغَرِ مِنْهُ مَرَّةً فَأَكْثَرَ (وَاحِدٌ فَمُتَبَايِنَانِ؛ كَثَلَاثَةٍ وَسَبْعَةٍ أَوْ عَشْرَةٍ) فَإِنَّك إنْ أَسْقَطْت الثَّلَاثَةَ مَرَّتَيْنِ مِنْ السَّبْعَةِ بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْ السَّبْعَةِ، وَإِنْ أَسْقَطْت الثَّلَاثَةَ مِنْ الْعَشَرَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بَقِيَ مِنْ الْعَشَرَةِ وَاحِدٌ. (وَإِنْ بَقِيَ) مِنْ الْأَكْبَرِ بَعْدَ إسْقَاطِ الْأَصْغَرِ مِنْهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى (أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ فَأَسْقِطْهُ) : أَيْ أَسْقِطْ الْبَاقِيَ الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ (مِنْ) الْعَدَدِ (الْأَصْغَرِ مَرَّةً فَأَكْثَرَ) مِنْ مَرَّةٍ (فَإِنْ فَنِيَ بِهِ الْأَصْغَرُ) : أَيْ فَنِيَ الْأَصْغَرُ بِإِسْقَاطِ الْبَاقِي مِنْهُ (فَمُتَوَافِقَانِ كَعَشْرَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ) فَإِنَّك إذَا أَسْقَطْت الْأَصْغَرَ وَهُوَ الْعَشَرَةُ مِنْ الْأَكْبَرِ وَهُوَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ بَقِيَ مِنْ الْأَكْبَرِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ، إذْ الْبَاقِي خَمْسَةٌ تَسْقُطُ الْخَمْسَةُ مِنْ الْعَشَرَةِ مَرَّتَيْنِ فَيَفْنَى الْأَصْغَرُ (وَكَعِشْرِينَ وَأَرْبَعَةٍ وَثَمَانِينَ) : فَإِذَا أَسْقَطْت الْعِشْرِينَ مِنْ الْأَكْبَرِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ يَبْقَى أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ فَأَسْقِطْ الْأَرْبَعَةَ مِنْ الْعِشْرِينَ خَمْسَ مَرَّاتٍ تُفْنِي الْعِشْرِينَ فَتَعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ النِّسْبَةَ بَيْنَ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ التَّوَافُقُ (وَإِلَّا) يَفْنَى الْأَصْغَرُ بِإِسْقَاطِ الْبَاقِي (فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْأَصْغَرِ (وَاحِدٌ فَمُتَبَايِنَانِ؛ كَخَمْسَةٍ وَتِسْعَةٍ) فَإِنَّك إذَا أَسْقَطْت الْخَمْسَةَ مِنْ التِّسْعَةِ يَبْقَى أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ تُسْقِطُ الْأَرْبَعَةَ مِنْ الْأَصْغَرِ يَبْقَى وَاحِدٌ (وَكَثَلَاثِينَ وَسَبْعَةٍ) فَإِنَّك إذَا أَسْقَطْت السَّبْعَةَ مِنْ الثَّلَاثِينَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ وَهُوَ اثْنَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَهَكَذَا بَقِيَّةُ أَمْثِلَتِهِمَا] : أَيْ الْمُتَدَاخِلَيْنِ. قَوْلُهُ: [أَوْ عَشْرَةٌ] : أَيْ بَدَلُ السَّبْعَةِ. قَوْلُهُ: [فَيَفْنَى الْأَصْغَرُ] : أَيْ بِالْفَاضِلِ مِنْ الْأَكْبَرِ. قَوْلُهُ: [فَأَسْقِطْ الْأَرْبَعَةَ مِنْ الْعِشْرِينَ] : أَيْ الْفَاضِلَةَ مِنْ الْعَدَدِ الْأَكْبَرِ. قَوْلُهُ: [تُفْنِي الْعِشْرِينَ] : أَيْ الَّذِي هُوَ الْعَدَدُ الْأَصْغَرُ. قَوْلُهُ: [التَّوَافُقُ] : أَيْ بِالْجُزْءِ الَّذِي يُنْسَبُ لَهُ الْوَاحِدُ الْهَوَائِيُّ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ.

تُسْقِطُهُمَا مِنْ السَّبْعَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَبْقَى وَاحِدٌ (وَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرُ) : أَيْ لَمْ يَفْنَ الْأَصْغَرُ وَبَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ (فَاطْرَحْهُ) : أَيْ ذَلِكَ الْبَاقِيَ الْأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ (مِنْ بَقِيَّةِ) الْعَدَدِ (الْأَكْبَرِ، فَإِنْ فَنِيَتْ) الْبَقِيَّةُ (بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْأَكْثَرِ (فَمُتَوَافِقَانِ؛ كَعِشْرِينَ وَخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ) فَإِنَّك إذَا سَلَّطْت الْأَصْغَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى الْأَكْبَرِ يَبْقَى خَمْسَةَ عَشَرَ تُسْقِطُهَا مِنْ الْأَصْغَرِ يَبْقَى خَمْسَةٌ سَلِّطْهَا عَلَى بَقِيَّةِ الْأَكْبَرِ فَتُفْنِيهَا فِي ثَلَاثِ مَرَّاتٍ (أَوْ بَقِيَ مِنْهَا وَاحِدٌ فَمُتَبَايِنَانِ، أَوْ أَكْثَرُ فَاطْرَحْهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَصْغَرِ وَهَكَذَا تُسَلِّطُ بَقِيَّةَ كُلِّ عَدَدٍ عَلَى الْعَدَدِ الَّذِي طَرَحْته بِهِ. فَإِنْ بَقِيَ وَاحِدٌ فَمُتَبَايِنَانِ أَوْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ فَمُتَوَافِقَانِ بِمَا لِلْعَدَدِ الْأَخِيرِ الْمُفْنِي) بِكَسْرِ النُّونِ (لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْأَجْزَاءِ وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مُتَمَاثِلَيْنِ مُتَوَافِقَانِ بِمَا لِأَحَدِهِمَا مِنْ الْأَجْزَاءِ) لَكِنْ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا مُتَوَافِقَانِ اصْطِلَاحًا (وَكَذَا كُلُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرُ فَاطْرَحْهُ] إلَخْ: مَا تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ مَا إذَا أَفْنَى بَقِيَّةُ الْأَكْبَرِ الْأَصْغَرَ، وَمَا هُنَا فِيمَا إذَا أَفْنَى بَقِيَّةُ الْأَصْغَرِ بَقِيَّةَ الْأَكْبَرِ فَلَا تَكْرَارَ فِي كَلَامِهِ. قَوْلُهُ: [سَلِّطْهَا عَلَى بَقِيَّةِ الْأَكْبَرِ] : أَيْ الْفَاضِلِ مِنْهُ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ بَقِيَ مِنْهَا] : أَيْ مِنْ الْبَقِيَّةِ الْمُفْنِيَةِ. قَوْلُهُ: [بِمَا لِلْعَدَدِ الْأَخِيرِ] : الَّذِي هُوَ الْعَدَدُ الثَّالِثُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُوَافَقَةَ تَكُونُ بِنِسْبَةِ مُفْرَدٍ هَوَائِيٍّ لِلْعَدَدِ الْمُفْنِي آخَرَ كَالْأَرْبَعَةِ وَالسِّتَّةِ فَإِذَا سَلَّطْت الْأَرْبَعَةَ عَلَى السِّتَّةِ يَفْضُلُ اثْنَانِ تُسَلِّطُهُمَا عَلَى الْأَرْبَعَةِ فَتُفْنِيهِمَا فِي مَرَّتَيْنِ فَالْعَدَدُ الْمُفْنِي آخَرَ اثْنَانِ وَنِسْبَةُ الْمُفْرَدِ الْهَوَائِيِّ لَهُمَا النِّصْفُ فَتَكُونُ الْمُوَافَقَةُ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ وَالسِّتَّةِ بِالنِّصْفِ، وَكَعِشْرِينَ وَخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ، فَإِنَّ نِسْبَةَ الْمُفْرَدِ الْهَوَائِيِّ لِلْعَدَدِ الْأَخِيرِ خُمُسٌ فَالْمُوَافَقَةُ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ بِالْخُمُسِ وَكَمَا يَجْرِي فِي الْمُنْطِقِ يَجْرِي فِي الْأَصَمِّ، فَالِاثْنَانِ وَالْعِشْرُونَ تُوَافِقُ الثَّلَاثَةَ وَالثَّلَاثِينَ بِجُزْءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا لِأَنَّك إذَا سَلَّطْت الِاثْنَيْنِ وَالْعِشْرِينَ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَالثَّلَاثِينَ يَفْضُلُ أَحَدَ عَشَرَ تُسَلِّطُهَا عَلَى الِاثْنَيْنِ وَالْعِشْرِينَ فَتُفْنِيهَا فِي مَرَّتَيْنِ، فَالْعَدَدُ الْمُفْنِي آخَرَ أَحَدَ عَشَرَ وَنِسْبَةُ الْوَاحِدِ الْهَوَائِيِّ لَهَا جُزْءٌ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا وَهَكَذَا. قَوْلُهُ: [مُتَوَافِقَانِ بِمَا لِأَحَدِهِمَا مِنْ الْأَجْزَاءِ] : أَيْ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْأَجْزَاءِ.

مُتَدَاخِلَيْنِ مُتَوَافِقَانِ بِمَا لِأَصْغَرِهِمَا) : وَلَكِنْ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا مُتَوَافِقَانِ اصْطِلَاحًا؛ لِأَنَّ الْمُتَوَافِقَيْنِ هُمَا مُشْتَرِكَانِ لَيْسَا مُتَمَاثِلَيْنِ وَلَا مُتَدَاخِلَيْنِ. وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ أَجْزَاءِ الْمُوَافَقَةِ إذَا تَعَدَّدَتْ أَقَلُّهَا طَلَبًا لِلِاخْتِصَارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[فصل انقسام السهام على الورثة]

فَصْلُ انْقِسَامِ السِّهَامِ عَلَى الْوَرَثَةِ (إنْ انْقَسَمَتْ السِّهَامُ عَلَى الْوَرَثَةِ) فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ (كَزَوْجَةٍ وَثَلَاثَةِ إخْوَةٍ) الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ: لِلزَّوْجَةِ وَاحِدٌ، وَلِكُلِّ أَخٍ وَاحِدٌ. (أَوْ تَمَاثَلَتْ) السِّهَامُ (مَعَ الرُّءُوسِ: كَثَلَاثَةِ بَنِينَ) فَالسِّهَامُ ثَلَاثَةٌ كَالْوَرَثَةِ (وَتَدَاخَلَتْ؛ كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَأَخَوَيْنِ) لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَاحِدٌ وَلِكُلِّ أَخٍ وَاحِدٌ (فَظَاهِرٌ) . (وَإِلَّا) تَنْقَسِمُ السِّهَامُ وَلَا تَمَاثَلَتْ وَلَا تَدَاخَلَتْ، بِأَنْ انْكَسَرَتْ السِّهَامُ عَلَى الْوَرَثَةِ فَإِنَّك تَنْظُرُ بَيْنَ سَهْمِ الْمُنْكَسِرِ عَلَيْهِمْ وَبَيْنَهُمْ بِالْمُوَافَقَةِ وَالْمُبَايَنَةِ فَقَطْ، فَإِنْ تَوَافَقَتْ فَ (رُدَّ كُلَّ صِنْفٍ انْكَسَرَتْ عَلَيْهِ سِهَامُهُ إلَى وَفْقِهِ؛ كَزَوْجَةٍ وَسِتَّةِ إخْوَةٍ لِغَيْرِ أُمٍّ) أَشِقَّاءٍ أَوْ لِأَبٍ: فَلِلزَّوْجَةِ الرُّبْعُ وَاحِدٌ يَبْقَى ثَلَاثَةٌ مُنْكَسِرَةٌ عَلَى السِّتَّةِ إخْوَةٍ، وَلَكِنْ تُوَافِقُ بِالثُّلُثِ؛ فَاضْرِبْ وَفْقَ الرُّءُوسِ وَهُوَ اثْنَانِ فِي أَصْلِ الْفَرِيضَةِ أَرْبَعَةٍ بِثَمَانِيَةٍ: لِلزَّوْجَةِ وَلِكُلِّ أَخٍ وَاحِدٌ. (وَإِلَّا) تُوَافِقُ السِّهَامُ الرُّءُوسَ - بِأَنْ بَايَنَتْهَا - فَلَا تَرُدَّ الصِّنْفَ الْمُنْكَسِرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلُ انْقِسَامِ السِّهَامِ عَلَى الْوَرَثَةِ] [تَتِمَّةٌ فِي انْكِسَارِ السِّهَامِ عَلَى الصِّنْفَيْنِ] فَصْلٌ: هَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الرَّحْبَةِ: وَإِنْ تَكُنْ مِنْ أَصْلِهَا تَصِحُّ فَتَرْكُ تَطْوِيلِ الْحِسَابِ رِبْحٌ قَوْلُهُ: [فَالسِّهَامُ ثَلَاثَةٌ كَالْوَرَثَةِ] : أَيْ فَمَسْأَلَتُهُمْ مِنْ عَدَدِ رُءُوسِهِمْ. قَوْلُهُ: [فَظَاهِرٌ] : أَيْ لَا يَحْتَاجُ إلَى عَمَلٍ آخَرَ وَهُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ. قَوْلُهُ: [بِالْمُوَافَقَةِ وَالْمُبَايَنَةِ] : أَيْ بِهَذَيْنِ النَّظَرَيْنِ. وَأَمَّا إنَّ مَا ثَلَّثَ السِّهَامُ الرُّءُوسَ فَتَقَدَّمَ أَنَّهُ ظَاهِرٌ وَكَذَا إنْ تَدَاخَلَتْ بِأَنْ كَانَتْ الرُّءُوسُ دَاخِلَةً فِي السِّهَامِ. قَوْلُهُ: [وَلَكِنْ تُوَافِقُ بِالثُّلُثِ] : أَيْ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ ثُلُثُهَا وَاحِدٌ كَمَا أَنَّ السِّتَّةَ ثُلُثُهَا اثْنَانِ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ بَايَنَتْهَا] : إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا انْتَفَى أَحَدُ النَّقِيضَيْنِ ثَبَتَ الْآخَرُ.

عَلَيْهِ سِهَامُهُ بَلْ (اضْرِبْهُ) بِتَمَامِهِ (فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ؛ كَبِنْتٍ وَثَلَاثَةِ أَخَوَاتٍ لِغَيْرِ أُمٍّ) أَشِقَّاءٍ أَوْ لِأَبٍ: الْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْنِ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْأَخَوَاتِ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُنَّ عَصَبَاتٌ مَعَ الْبِنْتِ، وَهُوَ مُبَايِنٌ لَهُنَّ؛ فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي اثْنَيْنِ بِسِتَّةٍ، فَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِيمَا ضُرِبَتْ فِيهِ الْمَسْأَلَةُ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ؛ فَلِلْبِنْتِ وَاحِدٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِثَلَاثَةٍ وَلِلْأَخَوَاتِ الثَّلَاثَةُ وَاحِدٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِثَلَاثَةٍ. وَإِنْ انْكَسَرَتْ السِّهَامُ عَلَى صِنْفَيْنِ فَإِنَّك تَنْظُرُ بَيْنَ كُلِّ صِنْفٍ وَسِهَامِهِ بِالْمُوَافَقَةِ وَالْمُبَايَنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ تَنْظُرُ بَيْنَ الرُّءُوسِ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ بِأَرْبَعَةِ أَنْظَارٍ، فَقَدْ يَتَمَاثَلَانِ فَتَكْتَفِي بِأَحَدِهِمَا وَتَضْرِبُهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ؛ كَأُمٍّ وَأَرْبَعَةِ إخْوَةٍ لِأُمٍّ وَسِتَّةِ إخْوَةٍ لِأَبٍ: أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ؛ لِلْأُمِّ سَهْمٌ مُنْقَسِمٌ عَلَيْهَا وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ، اثْنَانِ لَا يَنْقَسِمَانِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ، وَلَكِنْ يُوَافِقَانِ بِالنِّصْفِ، فَرُدَّ الْأَرْبَعَةَ إلَى نِصْفِهَا وَلِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ ثَلَاثَةٌ لَا تَنْقَسِمُ، وَلَكِنْ تُوَافِقُ بِالثُّلُثِ، فَرُدَّهُمْ إلَى اثْنَيْنِ فَكَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ انْكَسَرَتْ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ، فَتَضْرِبُ اثْنَيْنِ فِي سِتَّةٍ - أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ - يَخْرُجُ اثْنَا عَشَرَ، فَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي اثْنَيْنِ لِلْأُمِّ سَهْمٌ فِي اثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ إلَخْ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَقَابِلْ بَيْنَ الصِّنْفَيْنِ فَخُذْ أَحَدَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ) . وَقَدْ يَتَدَاخَلُ رَاجِعُ الصِّنْفَيْنِ فَتَكْتَفِي بِأَكْثَرِهِمَا كَأُمٍّ وَثَمَانِيَةِ إخْوَةٍ لِأُمٍّ وَسِتَّةِ إخْوَةٍ لِأَبٍ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ لِلْأُمِّ سَهْمٌ وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ سَهْمَانِ لَا يَنْقَسِمَانِ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ يُوَافِقُ عَدَدَهُمْ بِالنِّصْفِ فَتَرُدُّهُمْ إلَى الْأَرْبَعَةِ وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ ثَلَاثَةٌ لَا تَنْقَسِمُ وَتُوَافِقُ بِالثُّلُثِ فَتَرُدُّهُمْ إلَى اثْنَيْنِ وَاثْنَانِ دَاخِلَانِ فِي الْأَرْبَعَةِ فَتَكْتَفِي بِهَا، وَتَضْرِبُ الْأَرْبَعَةَ فِي السِّتَّةِ: بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، فَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِيمَا ضُرِبَتْ فِيهِ الْمَسْأَلَةُ وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِنْ انْكَسَرَتْ السِّهَامُ عَلَى صِنْفَيْنِ] : هَذَا كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ مُرَتَّبٌ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ مَا تَقَدَّمَ إذَا انْكَسَرَتْ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ دُخُولٌ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [فَتَكْتَفِي بِأَحَدِهِمَا] : أَيْ وَكَأَنَّهَا انْكَسَرَتْ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: [فَخُذْ أَحَدَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ] : أَيْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مِثَالِ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [رَاجِعْ الصِّنْفَيْنِ] : فَاعِلٌ يَتَدَاخَلُ.

أَرْبَعَةٌ؛ فَلِلْأُمِّ سَهْمٌ فِي أَرْبَعَةٍ إلَخْ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَأَكْثَرُ الْمُتَدَاخِلَيْنِ) وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الصِّنْفَيْنِ مُوَافَقَةٌ فَتَضْرِبُ أَحَدَهُمَا فِي وَفْقِ الْآخَرِ؛ كَأُمٍّ وَثَمَانِيَةِ إخْوَةٍ لِأُمٍّ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَخًا: الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ؛ لِلْأُمِّ سَهْمٌ وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ اثْنَانِ لَا يَنْقَسِمَانِ عَلَيْهِمْ، وَتُوَافِقُ بِالنِّصْفِ، فَتَرُدُّ الثَّمَانِيَةَ لِأَرْبَعَةٍ، وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ ثَلَاثَةٌ لَا تَنْقَسِمُ وَتُوَافِقُ بِالثُّلُثِ، فَتُرَدُّ لِسِتَّةٍ، وَهِيَ تُوَافِقُ الْأَرْبَعَةَ وَفْقَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ بِالنِّصْفِ، فَتَضْرِبُ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي كَامِلِ الْآخَرِ بِاثْنَيْ عَشَرَ ثُمَّ فِي سِتَّةٍ - أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ - يَحْصُلُ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ فَمَنْ لَهُ شَيْءٌ فِي الْمَسْأَلَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي اثْنَيْ عَشَرَ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَحَاصِلُ ضَرْبِ أَحَدِهِمَا فِي وَفْقِ الْآخَرِ إنْ تَوَافَقَا) وَقَدْ يَتَبَايَنَانِ، فَيُضْرَبُ كُلٌّ فِي كُلِّ الْآخَرِ، ثُمَّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ؛ كَأُمٍّ وَأَرْبَعَةِ إخْوَةٍ لِأُمٍّ وَسِتِّ أَخَوَاتٍ أَصْلُهَا سِتَّةٌ وَتَعُولُ لِسَبْعَةٍ لِلْأُمِّ سَهْمٌ وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ اثْنَانِ وَرَاجِعُ أَوْلَادِ الْأُمِّ اثْنَانِ مُبَايِنٌ لِوَفْقِ الْأَخَوَاتِ السِّتَّةِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ، فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي اثْنَيْنِ يَحْصُلُ سِتَّةٌ، ثُمَّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ بِعَوْلِهَا يَحْصُلُ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ، مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ سَبْعَةٍ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي سِتَّةٍ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَفِي كُلِّهِ إنْ تَبَايَنَا) وَإِنْ وَقَعَ الِانْكِسَارُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَخْ] : أَيْ وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ سَهْمَانِ فِي أَرْبَعَةٍ بِثَمَانِيَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ ثَلَاثَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ. قَوْلُهُ: [وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَخًا] : أَيْ لِغَيْرِ أُمٍّ. قَوْلُهُ: [أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي اثْنَيْ عَشَرَ] : فَالْأُمُّ لَهَا وَاحِدٌ فِي اثْنَيْ عَشَرَ بِاثْنَيْ عَشَرَ وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ اثْنَانِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةٌ وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ ثَلَاثَةٌ فِي اثْنَيْ عَشَرَ بِسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ لِكُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ. قَوْلُهُ: [وَسِتِّ أَخَوَاتٍ] : أَيْ لِغَيْرِ أُمٍّ. قَوْلُهُ: [أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي سِتَّةٍ] : أَيْ فَالْأُمُّ لَهَا وَاحِدٌ فِي سِتَّةٍ بِسِتَّةٍ وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ اثْنَانِ فِي سِتَّةٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأَخَوَاتِ لِغَيْرِ أُمٍّ أَرْبَعَةٌ فِي سِتَّةٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، لِكُلِّ وَاحِدَةٍ أَرْبَعَةٌ.

وَهُوَ غَايَةُ مَا تَنْكَسِرُ فِيهِ الْفَرَائِضُ عِنْدَ مَالِكٍ لِأَنَّهُ لَا يُوَرِّثُ أَكْثَرَ مِنْ جَدَّتَيْنِ - فَإِنَّك تَعْمَلُ فِي صِنْفَيْنِ مِنْهَا مَا مَرَّ، ثُمَّ اُنْظُرْ بَيْنَ الْحَاصِلِ مِنْ الصِّنْفَيْنِ وَبَيْنَ الصِّنْفِ الثَّالِثِ بِالْمُوَافَقَةِ وَالْمُبَايَنَةِ وَالْمُمَاثَلَةِ وَالْمُدَاخَلَةِ إلَخْ، مِثَالُهُ: جَدَّتَانِ وَثَلَاثَةُ إخْوَةٍ لِأُمٍّ وَخَمْسَةُ إخْوَةٍ فَلِلْجَدَّتَيْنِ السُّدُسُ وَاحِدٌ مُبَايِنٌ وَلِلْإِخْوَةِ وَلِلْأُمِّ اثْنَانِ يُبَايِنَانِ الثَّلَاثَةَ وَبَيْنَ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ تَبَايُنٌ فَاضْرِبْهُمَا يَحْصُلُ سِتَّةٌ وَلِلْخَمْسَةِ إخْوَةٍ لِلْأَبِ ثَلَاثَةٌ مُبَايِنٌ فَتَنْظُرُ بَيْنَ السِّتَّةِ وَالْخَمْسَةِ تَجِدُ التَّبَايُنَ، فَاضْرِبْهُمَا يَحْصُلُ ثَلَاثُونَ تَضْرِبُ فِي السِّتَّةِ يَحْصُلُ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ؛ فَلِلْجَدَّتَيْنِ وَاحِدٌ فِي ثَلَاثِينَ بِثَلَاثِينَ وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ اثْنَانِ فِي ثَلَاثِينَ بِسِتِّينَ إلَخْ وَلِهَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (ثُمَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ لَا يُوَرِّثُ أَكْثَرَ مِنْ جَدَّتَيْنِ] : أَيْ لَا يَجْتَمِعُ فِي التَّرِكَةِ عِنْدَهُ سِوَى جَدَّتَيْنِ وَتَعَدُّدُ الِانْكِسَارِ عَلَى الْأَصْنَافِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْجَدَّاتِ. قَوْلُهُ: [إلَخْ] : أَيْ وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثِينَ بِتِسْعِينَ، وَتَرَكَ الشَّارِحُ مِثَالَ التَّوَافُقِ وَالتَّمَاثُلِ وَالتَّدَاخُلِ وَنُمَثِّلُ لَهَا فَنَقُولُ: لَوْ كَانَتْ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ فِي هَذَا الْمِثَالِ أَرْبَعَةً رَجَعُوا إلَى اثْنَيْنِ وَفَّقَهُمْ وَالِاثْنَانِ مَعَ الْجَدَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا تَمَاثُلٌ وَيُكْتَفَى بِأَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَيُضْرَبَانِ فِي الْخَمْسَةِ عَدَدِ رُءُوسِ الْإِخْوَةِ لِغَيْرِ أُمٍّ لِلتَّبَايُنِ، وَكَأَنَّهَا انْكَسَرَتْ عَلَى صِنْفَيْنِ تَبْلُغُ عَشْرَةً هِيَ جُزْءُ السَّهْمِ يُضْرَبُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ بِسِتِّينَ، وَلَوْ كَانَتْ الْإِخْوَةُ لِغَيْرِ الْأُمِّ سِتَّةً مَعَ كَوْنِ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ أَرْبَعَةً لَرَجَعَتْ السِّتَّةُ إلَى وَفْقِهَا اثْنَيْنِ؛ سِهَامُهُمْ ثَلَاثَةٌ تُوَافِقُهُمْ بِالثُّلُثِ وَثُلُثُ السِّتَّةِ اثْنَانِ، وَرَاجِعُ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ اثْنَانِ فَبَيْنَ الْجَدَّتَيْنِ وَالرَّاجِعَيْنِ تَمَاثُلٌ يُكْتَفَى بِوَاحِدٍ، وَكَأَنَّهَا انْكَسَرَتْ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ جُزْءُ السَّهْمِ اثْنَيْنِ يُضْرَبُ فِي سِتَّةٍ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ اثْنَيْ عَشَرَ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي اثْنَيْنِ لِلْجَدَّتَيْنِ وَاحِدٌ فِي اثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ أَرْبَعَةٌ اثْنَانِ فِي اثْنَيْنِ أَرْبَعَةٌ لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ السِّتَّةُ ثَلَاثَةٌ فِي اثْنَيْنِ بِسِتَّةٍ، وَلَوْ كَانَتْ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ اثْنَيْ عَشَرَ وَالْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ سِتَّةً لَكَانَ بَيْنَ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ التَّدَاخُلُ فَيُكْتَفَى بِأَكْبَرِهَا وَيُجْعَلُ جُزْءَ السَّهْمِ، وَلَوْ كَانَتْ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ ثَمَانِيَةً وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لَكَانَ بَيْنَ الصِّنْفَيْنِ تَوَافُقٌ فَيُضْرَبُ وَفْقُ أَحَدِهِمَا فِي كَامِلِ الْآخَرِ وَالْحَاصِلُ هُوَ جُزْءُ السَّهْمِ يُضْرَبُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَأَمَّلْ.

ثَالِثٍ كَذَلِكَ، ثُمَّ اضْرِبْ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) بِعَوْلِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِعَوْلِهَا] : أَيْ إنْ كَانَتْ عَائِلَةً كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ السِّتَّةِ الَّتِي عَالَتْ لِسَبْعَةٍ. تَتِمَّةٌ فِي انْكِسَارِ السِّهَامِ عَلَى الصِّنْفَيْنِ اثْنَا عَشَرَ صُورَةً مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي أَرْبَعَةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ صِنْفٍ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ تُوَافِقَ رُءُوسُهُ سِهَامَهُ أَوْ تُبَايِنَهَا أَوْ يُوَافِقَ أَحَدُهُمَا سِهَامَهُ وَيُبَايِنَهَا الْآخَرُ فَهَذِهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ إمَّا أَنْ يَتَدَاخَلَا فَيُكْتَفَى بِالْأَكْبَرِ مِنْهُمَا أَوْ يَتَوَافَقَا فَيُضْرَبَ وَفْقُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ أَوْ يَتَبَايَنَا فَيُضْرَبَ أَحَدُهُمَا فِي كَامِلِ الْآخَرِ، ثُمَّ الْحَاصِلُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ يَتَمَاثَلَا فَيُكْتَفَى بِوَاحِدٍ وَيُضْرَبَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ.

[فصل في المناسخة]

فَصْلٌ فِي الْمُنَاسَخَةِ هَذَا الْفَصْلُ يُعْرَفُ عِنْدَهُمْ بِالْمُنَاسَخَاتِ. وَالْمُنَاسَخَةُ مِنْ النَّسِيخِ: وَهُوَ لُغَةً الْإِزَالَةُ، وَفِي اصْطِلَاحِ الْفَرْضِيِّينَ: أَنْ يَمُوتَ إنْسَانٌ وَلَمْ تُقْسَمْ تَرِكَتُهُ حَتَّى يَمُوتَ مِنْ وَرَثَتِهِ وَارِثٌ أَوْ أَكْثَرُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُنَاسَخَةَ قِسْمَانِ: قِسْمٌ لَا يَفْتَقِرُ لِعَمَلٍ كَكَوْنِ وَرَثَةِ الثَّانِي وَرَثَةَ الْأَوَّلِ أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (إنْ مَاتَ وَارِثٌ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَوَرِثَهُ الْبَاقُونَ: كَثَلَاثَةِ بَنِينَ) وَرِثُوا أَبَاهُمْ ثُمَّ (مَاتَ أَحَدُهُمْ) قَبْلَ الْقِسْمَةِ؛ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُ أَخَوَيْهِ، فَهُوَ كَالْعَدَمِ وَتُقْسَمُ فَرِيضَةُ الْأَبِ عَلَى الْبَاقِيَيْنِ. (وَكَثَلَاثَةِ إخْوَةٍ وَأَرْبَعِ أَخَوَاتٍ أَشِقَّاءٍ) وَرِثُوا أَخَاهُمْ ثُمَّ (مَاتَ أَخٌ فَآخَرُ فَأُخْتٌ فَأُخْرَى) قَبْلَ الْقِسْمَةِ: فَمَنْ مَاتَ فَكَالْعَدِمِ وَتُقْسَمُ فَرِيضَةُ الْأَخِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ عَلَى الْبَاقِي. (أَوْ بَعْضُ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى " الْبَاقُونَ " أَيْ وَرِثَهُ بَعْضُ الْبَاقِينَ وَالْبَعْضُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْمُنَاسَخَةِ] فَصْلٌ: قَوْلُهُ: [وَهُوَ لُغَةً الْإِزَالَةُ] : أَيْ يُقَالُ نَسَخَتْ الشَّمْسُ الظِّلَّ أَيْ أَزَالَتْهُ، وَيُطْلَقُ لُغَةً أَيْضًا عَلَى النَّقْلِ يُقَالُ نَسَخْت الْكِتَابَ أَيْ نَقَلْته. قَوْلُهُ: [وَفِي اصْطِلَاحِ الْفَرْضِيِّينَ] : مُنَاسَبَتُهُ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ ظَاهِرَةٌ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ] : أَيْ قَبْلَ قِسْمَةِ تَرِكَةِ الْأَبِ. قَوْلُهُ: [عَلَى الْبَاقِيَيْنِ] : هَكَذَا بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ وَكَانَتْ مَسْأَلَتُهُمْ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَصَارَتْ مِنْ اثْنَيْنِ، وَكَأَنَّهُ مَاتَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ عَنْ ابْنَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَرِثُوا أَخَاهُمْ] : أَيْ فَالْأَصْلُ أَنَّهُمْ أَرْبَعَةُ إخْوَةٍ وَأَرْبَعُ أَخَوَاتٍ مَاتَ أَوَّلًا أَحَدُ الذُّكُورِ ثُمَّ قَبْلَ مِيرَاثِهِ بِالْفِعْلِ مَاتَ أَخٌ إلَى آخِرِ مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [عَلَى الْبَاقِي] : أَيْ الَّذِي هُوَ الْأَخُ وَالْأُخْتَانِ وَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ عَدَدِ رُءُوسِهِمْ لِلْأَخِ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ أُخْتٍ سَهْمٌ.

الْآخَرُ لَمْ يَرِثْهُ (كَثَلَاثَةِ بَنِينَ وَزَوْجٍ لَيْسَ أَبَاهُمْ) وَمَاتَتْ أُمُّهُمْ أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ ابْنٌ فَلِلزَّوْجِ الرُّبْعُ وَالْبَاقِي لِلْوَلَدَيْنِ، وَمَنْ مَاتَ (فَكَالْعَدِمِ) وَكَذَلِكَ عَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ: أَنْ يَمُوتَ زَوْجُهَا عَنْهَا وَعَنْ ثَلَاثَةِ بَنِينَ مِنْ غَيْرِهَا، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْبَنِينَ عَنْ أَخَوَيْهِ، فَكَأَنَّ الزَّوْجَ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ وَابْنَيْنِ (وَإِلَّا) يَرِثُهُ الْبَاقُونَ وَلَا بَعْضٌ مِنْهُمْ بِأَنْ خَلَفَ الثَّانِي وَرَثَةً غَيْرَ وَرَثَةِ الْأَوَّلِ أَوْ خَلَفَهُمْ وَلَكِنْ اخْتَلَفَ قَدْرُ اسْتِحْقَاقِهِمْ (صَحِّحْ) فِعْلُ أَمْرٍ لِلْقَاسِمِ أَوْ مَاضٍ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ (الْأُولَى) : أَيْ صَحِّحْ مَسْأَلَةَ الْمَيِّتِ الْأُولَى (ثُمَّ الثَّانِيَةَ) : وَاعْرِفْ سَهْمَ الْمَيِّتِ الثَّانِي مِنْ مُصَحِّحِ الْأُولَى، فَإِذَا عَرَفْت مُصِحَّ الثَّانِيَةِ وَسِهَامَ الْمَيِّتِ الثَّانِي مِنْ الْأُولَى، فَاعْرِضْ سِهَامَ الْمَيِّتِ الثَّانِي عَلَى مَسْأَلَتِهِ. (فَإِنْ انْقَسَمَ نَصِيبُ الثَّانِي عَلَى وَرَثَتِهِ) صَحَّتَا: (كَابْنٍ وَبِنْتٍ) وَرِثَا أَبَاهُمَا ثُمَّ (مَاتَ) الِابْنُ (عَنْهَا) أَيْ عَنْ أُخْتِهِ (وَعَنْ عَاصِبٍ) : كَعَمَّةٍ، فَالْفَرِيضَةُ الْأُولَى مِنْ ثَلَاثَةٍ وَالثَّانِيَةُ مِنْ اثْنَيْنِ وَلِلِابْنِ مِنْ الْأُولَى سَهْمَانِ، قَدْ مَاتَ عَنْهُمَا وَتَرَكَ أُخْتَهُ وَعَمَّهُ فَيَنْقَسِمَانِ عَلَى مَسْأَلَتِهِ، وَتَصِحُّ مِنْ الْأُولَى فَلِلْبِنْتِ اثْنَانِ مِنْ الْفَرِيضَتَيْنِ وَلِلْعَاصِبِ سَهْمٌ كَمَا قَالَ: (صَحَّتَا) : أَيْ الْمَسْأَلَتَانِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى عَمَلٍ ثَانٍ بَلْ الْأَوَّلُ كَافٍ. (وَإِلَّا) يَكُنْ نَصِيبُ الْمَيِّتِ الثَّانِي مِنْ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ مُنْقَسِمًا عَلَى وَرَثَتِهِ (فَوَفِّقْ بَيْنَ نَصِيبِهِ وَمَا صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ وَاضْرِبْ وَفْقَ الثَّانِيَةِ فِي الْأُولَى) بِتَمَامِهَا (إنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَيْسَ أَبَاهُمْ] : اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا إذَا كَانَ أَبَاهُمْ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ دُونَ إخْوَتِهِ وَتَخْرُجُ الْمَسْأَلَةُ عَمَّا ذُكِرَ وَتَدْخُلُ فِيمَا بَعْدُ إلَّا لَكِنَّهَا لَا تَحْتَاجُ لِعَمَلٍ زَائِدٍ عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْأُولَى مِنْ أَرْبَعَةٍ لِلزَّوْجِ وَاحِدٌ وَلِكُلِّ ابْنٍ وَاحِدٌ الْوَاحِدُ الَّذِي يَأْخُذُهُ ذَلِكَ الِابْنُ الْمَيِّتُ هُوَ الَّذِي يَأْخُذُهُ أَبُوهُ دُونَ أَخَوَيْهِ لِحَجْبِهِمَا بِالْأَبِ، فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ انْقَسَمَ نَصِيبُ الثَّانِي عَلَى وَرَثَتِهِ إلَخْ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [وَلَا بَعْضٌ مِنْهُمْ] : أَيْ بِالْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ: [بِأَنْ خَلَفَ الثَّانِي] : بَيَانٌ لِلْمَفْهُومِ عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ. قَوْلُهُ: [أَوْ مَاضٍ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ] : أَيْ فَيَكُونُ خَبَرًا فِي اللَّفْظِ إنْشَاءً فِي الْمَعْنَى، وَيُبْعِدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ تَجَرُّدُ الْفِعْلِ مِنْ عَلَامَةِ التَّأْنِيثِ. قَوْلُهُ: [صَحَّتَا] : أَيْ الْمَسْأَلَتَانِ مِنْ عَمَلِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى.

تَوَافَقَا) فَمَا اجْتَمَعَ فَمِنْهُ تَصِحُّ (كَابْنَيْنِ وَبِنْتَيْنِ) تَرَكَهُمَا مَيِّتٌ ثُمَّ (مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الِابْنَيْنِ قَبْلَ الْقَسْمِ (عَنْ زَوْجَةٍ وَبِنْتٍ وَثَلَاثَةِ بَنِي ابْنٍ) : فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِنْ سِتَّةٍ، لِكُلِّ ذَكَرٍ سَهْمَانِ، وَلِكُلِّ أُنْثَى سَهْمٌ. وَالثَّانِيَةُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ لِلزَّوْجَةِ سَهْمٌ وَلِلْبِنْتِ أَرْبَعَةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَلَدِ الِابْنِ سَهْمٌ فَسَهْمُ الْمَيِّتِ مِنْ الْأُولَى اثْنَانِ وَفَرِيضَتُهُ ثَمَانِيَةٌ مُتَّفِقَانِ بِالْأَنْصَافِ (فَتَضْرِبُ نِصْفَ فَرِيضَتِهِ) وَهُوَ (أَرْبَعَةٌ فِي) الْفَرِيضَةِ (الْأُولَى) وَهُوَ (سِتَّةٌ: بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، فَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأُولَى ضُرِبَ لَهُ فِي وَفْقِ الثَّانِيَةِ) وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَيَأْخُذُهُ (وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّانِيَةِ فَفِي وَفْقِ سِهَامِ الثَّانِي) وَهُوَ مُورِثُهُ وَهُوَ وَاحِدٌ وَيَأْخُذُهُ وَتَمَّتْ (وَإِنْ لَمْ يَتَوَافَقَا) أَيْ لَمْ تُوَافِقْ سِهَامُ الْمَيِّتِ الثَّانِي فَرِيضَتَهُ بَلْ بَايَنَتْهَا فَتَكُونُ كَنِصْفٍ بَايَنَتْهُ سِهَامُهُ فَأَفَادَك وَجْهُ الْعَمَلِ بِقَوْلِهِ (ضَرَبْت مَا صَحَّتْ مِنْهُ مَسْأَلَتُهُ) وَهُوَ جَمِيعُ سِهَامِ الْفَرِيضَةِ (فِيمَا صَحَّتْ مِنْهُ الْأُولَى) وَهُوَ جَمِيعُ سِهَامِهَا (كَمَوْتِ أَحَدِهِمَا) . أَيْ الِابْنَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ (عَنْ ابْنٍ وَبِنْتٍ: فَالْأُولَى مِنْ سِتَّةٍ) فَسَهْمُهُ مِنْهَا اثْنَانِ (وَالثَّانِيَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَلِلثَّانِي مِنْ الْأُولَى سَهْمَانِ) وَهُمَا (يُبَايِنَانِ فَرِيضَتَهُ فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً) وَهِيَ الثَّانِيَةُ (فِي سِتَّةِ سِهَامٍ الْأُولَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [تَرَكَهُمَا مَيِّتٌ] : أَيْ أَبٌ أَوْ أُمٌّ. قَوْلُهُ: [فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِنْ سِتَّةٍ] : أَيْ عِدَّةُ رُءُوسِ الْوَرَثَةِ. قَوْلُهُ: [وَالثَّانِيَةُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ] : أَيْ وَهُوَ مَخْرَجُ الزَّوْجِيَّةِ. قَوْلُهُ: [وَيَأْخُذُهُ وَتَمَّتْ] : أَيْ فَلِلِابْنِ الْحَيِّ مِنْ الْأُولَى اثْنَانِ مَضْرُوبَانِ فِي أَرْبَعَةٍ بِثَمَانِيَةٍ، وَلِكُلِّ بِنْتٍ وَاحِدٌ فِي أَرْبَعَةٍ وَلِلزَّوْجَةِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَاحِدٌ مَضْرُوبٌ فِي وَفْقِ سِهَامِ مُورِثِهَا، وَهُوَ وَاحِدٌ بِوَاحِدٍ وَكَذَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَبْنَاءِ الِابْنِ الثَّلَاثَةِ وَلِلْبِنْتِ مِنْ الثَّانِيَةِ أَرْبَعَةٌ فِي وَاحِدٍ بِأَرْبَعَةٍ. هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَتَمَّتْ أَيْ الْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ. قَوْلُهُ: [بَلْ بَايَنَتْهَا] : أَيْ لِأَنَّهُ إذَا انْتَفَى التَّوَافُقُ حَصَلَ التَّبَايُنُ؛ لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ فِي النَّظَرِ. قَوْلُهُ: [فَالْأُولَى مِنْ سِتَّةٍ] : أَيْ عِدَّةُ رُءُوسِهَا كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: [وَالثَّانِيَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ] : أَيْ عَدَدُ رُءُوسِهَا أَيْضًا. قَوْلُهُ: [فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً] إلَخْ: أَيْ فَيَكُونُ الْحَاصِلُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَمِنْهَا تَصِحُّ.

فَمَنْ؛ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأُولَى أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي الثَّانِيَةِ، وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّانِيَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي سِهَامِ مُوَرِّثِهِ) : وَهَذَا الْعَمَلُ سَوَاءٌ كَانَتْ التَّرِكَةُ عَيْنًا أَوْ مِثْلِيًّا أَوْ عَرْضًا عَلَى مَا يُفِيدُهُ النَّقْلُ، خِلَافُ قَوْلِ التَّوْضِيحِ: إذَا كَانَتْ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا مِثْلِيًّا فَلَا عَمَلَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي الثَّانِيَةِ] : أَيْ فِي جَمِيعِهَا. قَوْلُهُ: [فِي سِهَامِ مُورِثِهِ] : أَيْ جَمِيعِهَا أَيْضًا وَحِينَئِذٍ فَلِلْأَبِ الْحَيِّ مِنْ الْأُولَى اثْنَانِ مَضْرُوبَانِ فِي جَمِيعِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ بِسِتَّةٍ وَلِكُلٍّ مِنْ الْبِنْتَيْنِ فِي الْأُولَى سَهْمٌ مَضْرُوبٌ فِي ثَلَاثَةِ سِهَامٍ الثَّانِيَةُ بِثَلَاثَةٍ، وَلِلِابْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ سَهْمَانِ مَضْرُوبَانِ فِي اثْنَيْنِ سِهَامُ مُورِثِهِ بِأَرْبَعَةٍ، وَلِلْبِنْتِ وَاحِدٌ فِي اثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ وَقَدْ تَمَّتْ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّظَرَ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ سِهَامِ الْمَيِّتِ الثَّانِي مِنْ الْأُولَى وَبَيْنَ مَسْأَلَتِهِ بِالتَّوَافُقِ وَالتَّبَايُنِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ ضَرَبْت وَفْقَ الثَّانِيَةِ فِي جَمِيعِ الْأُولَى، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ ضَرَبْت جَمِيعَ الثَّانِيَةِ فِي جَمِيعِ الْأُولَى ثُمَّ تَقُولُ فِي التَّوَافُقِ وَالتَّبَايُنِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [خِلَافُ قَوْلِ التَّوْضِيحِ] : لَعَلَّ قَوْلَ التَّوْضِيحِ ذَلِكَ لِسُهُولَةِ الْقَسْمِ بِدُونِهِ وَهُوَ وَجِيهٌ

[فصل إقرار أحد الورثة بوارث]

فَصْلُ إقْرَارِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ بِوَارِثٍ (إنْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ فَقَطْ) أَيْ وَالْبَاقِي مُنْكِرٌ (بِوَارِثٍ) : كَانَ الْمُقِرُّ عَدْلًا أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ عَلَى الرَّاجِحِ وَقِيلَ: يَثْبُتُ بِالْعَدْلِ الْوَاحِدِ مَعَ يَمِينِ الْمُقِرِّ بِهِ (فَلِلْمَقَرِّ لَهُ) مِنْ حِصَّةِ الْمُقِرِّ (مَا نَقَصَهُ الْإِقْرَارُ، تُعْمَلُ فَرِيضَةُ الْإِنْكَارِ، ثُمَّ فَرِيضَةُ الْإِقْرَارِ) : الْمُرَادُ أَنَّنَا نَنْظُرُ فَرِيضَةَ الْجَمَاعَةِ فِي الْإِنْكَارِ وَالْإِقْرَارِ كَمَا يَأْتِي (ثُمَّ اُنْظُرْ مَا بَيْنَهُمَا) : أَيْ بَيْنَ فَرِيضَتَيْ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ (مِنْ تَدَاخُلٍ وَتَبَايُنٍ وَتَوَافُقٍ وَتَمَاثُلٍ) : فَإِنْ تَدَاخَلَتَا أُخِذَتْ أَكْبَرُهُمَا. (كَشَقِيقَتَيْنِ وَعَاصِبٍ أَقَرَّتْ وَاحِدَةٌ) أُخْتٌ (شَقِيقَةٌ) وَكَذَّبَهَا الْبَاقُونَ مِنْ الْوَرَثَةِ، فَفَرِيضَةُ الْإِنْكَارِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَفَرِيضَةُ الْإِقْرَارِ تَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ لِانْكِسَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلُ إقْرَارِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ بِوَارِثٍ] فَصْلٌ قَوْلُهُ: [بِوَارِثٍ] إلَخْ: سَكَتَ عَنْ حُكْمِ إقْرَارِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ بِدَيْنٍ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَثْبُتُ وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّرِكَةِ بِشَهَادَةِ الْوَارِثِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ مِنْ الْوَرَثَةِ مَعَ الْيَمِينِ، فَلَوْ نَكَلَ الْمَشْهُودُ لَهُ أَوْ كَانَ الْمُقِرُّ غَيْرَ عَدْلٍ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِثْلَ التَّرِكَةِ فَأَكْثَرَ أَخَذَ الْمُقَرُّ لَهُ بِالدَّيْنِ جَمِيعَ مَا بِيَدِ الْمُقِرِّ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ التَّرِكَةِ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَشْرَةٌ وَالتَّرِكَةُ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ، فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُقِرِّ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ مِنْ الْعَشَرَةِ حَيْثُ كَانَ الْوَارِثُ ثَلَاثَةً مِنْ الْأَوْلَادِ أَقَرَّ أَحَدُهُمْ. وَقَالَ أَشْهَبُ: يَأْخُذُ جَمِيعَ الْعَشَرَةِ مِنْ الْمُقِرِّ قَالَ بَعْضُهُمْ سَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ مَا بِيَدِ الْمُنْكِرِ كَالْقَائِمِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ كَالتَّالِفِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ يَثْبُتُ بِالْعَدْلِ الْوَاحِدِ] إلَخْ: أَيْ وَيُؤْخَذُ مِنْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ وَيَكُونُ الْمُقِرُّ كَالشَّاهِدِ الْأَجْنَبِيِّ. قَوْلُهُ: [فَلِلْمُقَرِّ لَهُ] : عَبَّرَ بِذَلِكَ لِقَوْلِ الْعَصْنُونِيِّ هَذَا النُّقْصَانُ لَا يَأْخُذُهُ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى جِهَةِ الْإِرْثِ، بَلْ عَلَى جِهَةِ الْإِقْرَارِ فَهُوَ كَالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ اُنْظُرْ مَا بَيْنَهُمَا] : أَيْ لِتَرُدَّهُمَا لِعَدَدٍ وَاحِدٍ يَصِحُّ مِنْهُ الْإِقْرَارُ

السَّهْمَيْنِ عَلَى الْأَخَوَاتِ الثَّلَاثِ، فَتَضْرِبُ عَدَدَ الرُّءُوسِ الْمُنْكَسِرِ عَلَيْهَا سِهَامُهَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ - وَهُوَ ثَلَاثَةٌ - يَخْرُجُ تِسْعَةٌ، فَالثَّلَاثَةُ دَاخِلَةٌ فِي التِّسْعَةِ، فَتُقْسَمُ التِّسْعَةُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِاعْتِبَارِ فَرِيضَةِ الْإِنْكَارِ لِكُلِّ أُخْتٍ ثَلَاثَةٌ وَلِلْعَاصِبِ ثَلَاثَةٌ، ثُمَّ تَقْسِمُهَا عَلَى الْوَرَثَةِ بِاعْتِبَارِ فَرِيضَةِ الْإِقْرَارِ فَلِكُلِّ أُخْتٍ سَهْمَانِ وَلِلْعَاصِبِ ثَلَاثَةٌ فَقَدْ نَقَصَتْ الْمُقِرَّةُ سَهْمًا، فَتَدْفَعُهُ لِلْمُقَرِّ لَهَا. وَإِنْ تَبَايَنَتَا فَتَضْرِبُ إحْدَاهُمَا فِي كَامِلِ الْأُخْرَى. وَقَدْ ذَكَرَ مِثَالَهُ بِقَوْلِهِ: (أَوْ بِشَقِيقٍ) : أَيْ أَقَرَّتْ وَاحِدَةٌ مِنْ الْأُخْتَيْنِ بِأَخٍ شَقِيقٍ وَأَكْذَبَهَا الْبَاقُونَ مِنْ الْوَرَثَةِ؛ فَمَسْأَلَةُ الْإِنْكَارِ أَيْضًا مِنْ ثَلَاثَةٍ وَمَسْأَلَةُ الْإِقْرَارِ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَبَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ، فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي أَرْبَعَةٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ، ثُمَّ تَقْسِمُهَا عَلَى الْإِنْكَارِ: لِكُلِّ أُخْتٍ أَرْبَعَةٌ. وَلِلْعَاصِبِ أَرْبَعَةٌ، وَعَلَى الْإِقْرَارِ: لِكُلِّ أُخْتٍ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأَخِ سِتَّةٌ، فَقَدْ نَقَصَ مِنْ حِصَّةِ الْمُقِرَّةِ سَهْمٌ تَدْفَعُهُ لِلْمُقَرِّ بِهِ. وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَوَافُقٌ بِجُزْئِهِ ضَرَبْت وَفْقَ إحْدَاهُمَا فِي كَامِلِ الْأُخْرَى. وَقَدْ ذَكَرَ مِثَالَهُ بِقَوْلِهِ: (وَكَابْنَتَيْنِ وَابْنٍ أَقَرَّ) الِابْنُ (بِابْنٍ) وَكَذَّبَتْهُ الِابْنَتَانِ؛ فَفَرِيضَةُ الْإِنْكَارِ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَفَرِيضَةُ الْإِقْرَارِ مِنْ سِتَّةٍ وَبَيْنَهُمَا تَوَافُقٌ بِالْأَنْصَافِ فَنَضْرِبُ اثْنَيْنِ فِي سِتَّةٍ أَوْ ثَلَاثَةً فِي أَرْبَعَةٍ يَحْصُلُ اثْنَا عَشَرَ فَاقْسِمْهَا عَلَى الْإِنْكَارِ، يَحْصُلُ لِلِابْنِ سِتَّةٌ، وَلِكُلِّ بِنْتٍ ثَلَاثَةٌ، وَعَلَى وَرَثَةِ الْإِقْرَارِ: يَخُصُّهُ أَرْبَعَةٌ، وَلِكُلِّ بِنْتٍ سَهْمَانِ فَقَدْ نَقَصَ الْمُقِرُّ مِنْ حِصَّتِهِ اثْنَانِ يَدْفَعُهُمَا لِلْمُقَرِّ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْإِنْكَارُ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ تَدَاخُلٌ اكْتَفَيْت بِأَكْبَرِهِمَا وَصَحَّتَا مَعًا مِنْهُ، وَإِنْ تَبَايَنَتَا ضَرَبْت كَامِلَ أَحَدِهِمَا فِي كَامِلِ الْآخَرِ، وَإِنْ تَوَافَقَا ضَرَبْت وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي كَامِلِ الْآخَرِ وَصَحَّتَا مَعًا مِنْ الْخَارِجِ، وَإِنْ تَمَاثَلَا اكْتَفَيْت بِأَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ: [فَتَدْفَعُهُ لَلْمُقَرِّ لَهَا] : الْحَاصِلُ أَنَّ الْأُخْتَ الْمُنْكِرَةَ تَأْخُذُ ثَلَاثَةً وَكَذَلِكَ الْعَاصِبُ وَالْمُقِرَّةُ تَأْخُذُ سَهْمَيْنِ وَالْمُقَرُّ لَهَا تَأْخُذُ وَاحِدًا فَهَذِهِ هِيَ التِّسْعَةُ. قَوْلُهُ: [بِاثْنَيْ عَشَرَ] : أَيْ فَيَكُونُ لِلْأُخْتِ الْمُنْكِرَةِ أَرْبَعَةٌ وَكَذَلِكَ الْعَاصِبُ، وَلِلْأُخْتِ الْمُقِرَّةِ ثَلَاثَةٌ وَلِلْمُقَرِّ بِهِ وَاحِدٌ فَهَذِهِ هِيَ الِاثْنَا عَشَرَ. قَوْلُهُ: [فَتَضْرِبُ اثْنَيْنِ فِي سِتَّةٍ] إلَخْ: أَيْ وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ فِي فَرِيضَةِ الْإِنْكَارِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ فِي فَرِيضَةِ الْإِقْرَارِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا

[للمقر له بالميراث ما نقصه الإقرار صورتان]

وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَمَاثُلٌ فَأَشَارَ لِمِثَالِهِ بِقَوْلِهِ: (وَكَأُمٍّ وَعَمٍّ وَأُخْتٍ لِأَبٍ أَقَرَّتْ بِشَقِيقَةٍ) لِلْمَيِّتِ وَأَنْكَرَتْهَا الْأُمُّ، فَفَرِيضَةُ الْإِنْكَارِ مِنْ سِتَّةٍ: لِلْأُمِّ اثْنَانِ، وَلِلْأُخْتِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْعَمِّ الْبَاقِي وَهُوَ وَاحِدٌ. وَكَذَلِكَ فَرِيضَةُ الْإِقْرَارِ مِنْ سِتَّةٍ أَيْضًا: لِلشَّقِيقَةِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ السُّدُسُ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَاحِدٌ وَلِلْعَمِّ مَا بَقِيَ وَهُوَ وَاحِدٌ فَقَدْ نَقَصَتْ حِصَّةُ الْأُخْتِ لِلْأَبِ سَهْمَيْنِ تَدْفَعُهُمَا لِلشَّقِيقَةِ الْمُقَرِّ بِهَا. وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا اتَّحَدَ الْمُقِرُّ وَالْمُقَرُّ بِهِ. ثُمَّ أَشَارَ لِمَا إذَا تَعَدَّدَ الْمُقِرُّ وَالْمُقَرُّ بِهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ أَقَرَّ ابْنٌ بِبِنْتٍ إلَخْ فَإِذَا) تَرَكَ الْمَيِّتُ ابْنَهُ وَبِنْتَه فَأَقَرَّ الِابْنُ بِبِنْتٍ وَكَذَّبَتْهُ أُخْتُهُ (وَ) أَقَرَّتْ (بِنْتٌ بِابْنٍ) وَكَذَّبَهَا أَخُوهَا، وَكُلٌّ مِنْ الْمُسْتَلْحَقِينَ - بِفَتْحِ الْحَاءِ - مُنْكِرٌ لِلْآخَرِ (فَ) فَرِيضَةُ (الْإِنْكَارِ مِنْ ثَلَاثَةٍ) لِلِابْنِ سَهْمَانِ وَلِلْبِنْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَمَاثُلٌ فَأَشَارَ] إلَخْ: الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ اكْتَفَيْت بِأَحَدِهِمَا وَأَشَارَ لِمِثَالِهِ بِقَوْلِهِ إلَخْ. قَوْلُهُ: [فَفَرِيضَتُهُ] : أَيْ الْإِنْكَارُ. وَقَوْلُهُ: [مِنْ سِتَّةٍ] : أَيْ لِأَنَّ فِيهَا ثُلُثًا وَنِصْفًا. وَقَوْلُهُ: [وَكَذَلِكَ فَرِيضَةُ الْإِقْرَارِ] : أَيْ لِأَنَّ لِلْأُمِّ فِيهَا السُّدُسَ. قَوْلُهُ: [تَدْفَعُهُمَا لِلشَّقِيقَةِ] : الْمُقَرِّ بِهَا أَيْ فَقَدْ صَارَ لِلْأُمِّ سَهْمَانِ وَلِلْعَاصِبِ سَهْمٌ، وَلِلْأُخْتِ الْمُقِرَّةِ سَهْمٌ وَلِلْمُقَرِّ بِهَا سَهْمَانِ، فَلَوْ أَقَرَّتْ بِالشَّقِيقَةِ الْأُمُّ فَقَطْ دَفَعْت لَهَا سَهْمًا وَبَقِيَ لَهَا سَهْمٌ وَلَا يُلْتَفَتُ لِلْعَمِّ فِي الْإِقْرَارِ وَلَا فِي الْإِنْكَارِ لِاسْتِوَاءِ نَصِيبِهِ فِيهِمَا [لِلْمُقَرِّ لَهُ بِالْمِيرَاثِ مَا نَقَصَهُ الْإِقْرَارُ صُورَتَانِ] قَوْلُهُ: [وَكُلٌّ مِنْ الْمُسْتَلْحَقِينَ] : بِفَتْحِ الْحَاءِ مُنْكِرٌ لِلْآخَرِ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ كُلٌّ بِالْآخَرِ فَتُوضَعُ الثَّمَانِيَةُ عَلَى الْعَشَرَةِ وَيُقْسَمُ الْجَمِيعُ عَلَى الِابْنِ وَالْبِنْتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. قَوْلُهُ: [فَفَرِيضَةُ الْإِنْكَارِ] : أَيْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَقَوْلُهُ: [مِنْ ثَلَاثَةٍ] : أَيْ عِدَّةِ رُءُوسِهَا.

سَهْمٌ (وَ) فَرِيضَةُ (إقْرَارِهِ) أَيْ الِابْنِ (مِنْ أَرْبَعَةٍ) لِلِابْنِ اثْنَانِ وَلِكُلِّ بِنْتٍ سَهْمٌ (وَ) فَرِيضَةُ (إقْرَارِهَا) : أَيْ الْبِنْتِ (مِنْ خَمْسَةٍ) : لِكُلِّ ابْنِ سَهْمَانِ وَلِلْبِنْتِ سَهْمٌ وَالْفَرَائِضُ الثَّلَاثَةُ مُتَبَايِنَةٌ فَتَضْرِبُ فَرِيضَةَ إقْرَارِهِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ فِي فَرِيضَةِ إقْرَارِهِ - وَهِيَ خَمْسَةٌ بِعِشْرِينَ - ثُمَّ تَضْرِبُ الْعِشْرِينَ فِي فَرِيضَةِ الْإِنْكَارِ بِسِتِّينَ، ثُمَّ تَقْسِمُهَا عَلَى الْإِنْكَارِ، يَخُصُّ الِابْنَ أَرْبَعُونَ وَالْبِنْتَ عِشْرُونَ، ثُمَّ تَقْسِمُهَا أَيْضًا عَلَى فَرِيضَةِ إقْرَارِ الِابْنِ، يَخُصُّ الِابْنَ ثَلَاثُونَ، وَلِكُلِّ بِنْتٍ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَقَدْ نَقَصَهُ الْإِقْرَارُ عَشْرَةً يَدْفَعُهَا لِلْبِنْتِ الْمُقَرِّ بِهَا، ثُمَّ تَقْسِمُهَا أَيْضًا عَلَى فَرِيضَةِ إقْرَارِهَا، يَخُصُّ الِابْنَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَيَخُصُّ الْبِنْتَ اثْنَا عَشَرَ، فَقَدْ نَقَصَهَا الْإِقْرَارُ ثَمَانِيَةً يَدْفَعُهَا لِلْمُقَرِّ بِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (تُضْرَبُ فِي الْأَرْبَعَةِ بِعِشْرِينَ، وَهِيَ فِي ثَلَاثَةٍ: بِسِتِّينَ، يُرَدُّ الِابْنُ عَشْرَةً، وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مِنْ أَرْبَعَةٍ] : أَيْ عِدَّةِ رُءُوسِهَا. وَقَوْلُهُ: [مِنْ خَمْسَةٍ] : أَيْ لِعِدَّةِ الرُّءُوسِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [وَالْفَرَائِضُ الثَّلَاثَةُ مُتَبَايِنَةٌ] : أَيْ الَّتِي هِيَ الثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ وَالْخَمْسَةُ. تَتِمَّةٌ يَدْخُلُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَلِلْمُقَرِّ لَهُ مَا نَقَصَهُ الْإِقْرَارُ صُورَتَانِ وَهُمَا مَا إذَا نَقَصَ الْإِقْرَارُ بَعْضَ نَصِيبِ الْمُقِرِّ أَوْ أَسْقَطَهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْوَارِثِ بِوَارِثٍ آخَرَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا أَنْ يُؤَثِّرَ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ بِإِسْقَاطِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُقِرَّ بِوَارِثٍ يَحْجُبُهُ مِثْلَ أَنْ يَتْرُكَ الْمَيِّتُ أَخَوَيْنِ فَيُقِرَّ أَحَدُهُمَا بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ، فَإِنَّ الْأَخَ الْمُقِرَّ يَدْفَعُ لِلِابْنِ جَمِيعَ مَا بِيَدِهِ. الثَّانِي أَنْ يُؤَثِّرَ فِي نَصِيبِهِ بِنَقْصٍ مِثْلَ أَنْ يَتْرُكَ الْمَيِّتُ أَخَوَيْنِ فَيُقِرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخٍ وَيُنْكِرَهُ الْآخَرُ فَيُعْطِيَهُ الْمُقِرُّ ثُلُثَ مَا بِيَدِهِ. الثَّالِثُ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي نَصِيبِهِ بِزِيَادَةٍ كَمَا لَوْ تَرَكَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجًا وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَأَخًا لِأَبٍ، فَأَقَرَّ الْأَخُ لِلْأَبِ بِبِنْتٍ فَمِيرَاثُ الْأَخِ الْمُقِرِّ عَلَى الْإِنْكَارِ السُّدُسُ، وَمِيرَاثُهُ عَلَى الْإِقْرَارِ الرُّبْعُ، فَقَدْ بَانَ أَنَّ إقْرَارَ الْأَخِ أَثَّرَ فِي نَصِيبِهِ الزِّيَادَةَ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى، وَلَا تُسْمَعُ مِنْهُ إلَّا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ بِذَلِكَ. الرَّابِعُ أَنْ لَا يُؤَثِّرَ إقْرَارُ أَحَدِ الْوَرَثَةِ فِي سِهَامِهِ نَقْصًا وَلَا زِيَادَةً وَلَا إسْقَاطًا، فَهَذَا أَيْضًا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ مِثَالُهُ أَنْ يَتْرُكَ الْمَيِّتُ زَوْجَةً وَابْنًا فَتُقِرَّ الزَّوْجَةُ بِابْنٍ آخَرَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْمَيِّتِ وَيُنْكِرَهُ الِابْنُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجَةِ: لِأَنَّ فَرْضَهَا الثُّمُنُ مَعَ ابْنٍ وَمَعَ ابْنَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِابْنِ كِنَانَةَ فَالْقِسْمَانِ الْأَوَّلَانِ هُمَا مَنْطُوقُ الْمُصَنِّفِ وَالْأَخِيرَانِ مَفْهُومُهُ كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ (بْن) .

[فصل في موانع الإرث]

ثُمَّ شَرَعَ فِي مَوَانِعِ الْمِيرَاثِ: بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَرِثُ رَقِيقٌ) : وَلَا يُورَثُ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقُ لِأَجَلٍ وَالْمُبَعَّضُ (وَلِسَيِّدِ الْمُبَعَّضِ جَمِيعُ مَالِهِ) : أَيْ إنْ مِنْ بَعْضِهِ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ؛ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا تَرَكَهُ لِمَنْ يَمْلِكُ بَعْضَهُ لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ كَمَا يُشِيرُ لِذَلِكَ تَقْدِيمُ الْخَبَرِ، حَيْثُ لَمْ يَقُلْ: وَجَمِيعُ مَا لَهُ لِسَيِّدِ الْمُبَعَّضِ، فَإِنْ تَعَدَّدَ مَالِكُ الْبَعْضِ فَالْحِصَاصُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: يُورَثُ عَنْهُ جَمِيعُ مَالِهِ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي مَوَانِعِ الْإِرْثِ] [مِنْ مَوَانِع الْإِرْث الرِّقّ] فَصْلٌ قَوْلُهُ: [ثُمَّ شَرَعَ فِي مَوَانِعِ الْمِيرَاثِ] : لَمَّا فَرَغَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ عَمَلِ الْفَرَائِضِ وَمِنْ ذِكْرِ الْوَارِثِينَ وَبَيَانِ اسْتِحْقَاقِهِمْ وَمَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ بِالْإِقْرَارِ شَرَعَ فِي الْمَوَانِعِ وَعَدَّهَا أَرْبَعَةً، وَلَمْ يَذْكُرْ شُرُوطَ الْإِرْثِ وَلَا أَسْبَابَهُ فَشُرُوطُهُ ثَلَاثَةٌ: تَحَقُّقُ حَيَاةِ الْوَارِثِ وَتَحَقُّقُ مَوْتِ الْمُورِثِ وَالْعِلْمُ بِالْجِهَةِ، وَأَسْبَابِهَا ثَلَاثَةٌ أَيْضًا: النِّكَاحُ وَالْوَلَاءُ وَالنَّسَبُ. قَوْلُهُ: [وَلِسَيِّدِ الْمُبَعَّضِ جَمِيعُ مَالِهِ] : أَيْ وَلَا شَيْءَ لِمَنْ أُعْتِقَ بَعْضُهُ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَالَ الْقِنِّ الْخَالِصَ لِسَيِّدِهِ بِالْأَوْلَى إنْ كَانَ السَّيِّدُ مُسْلِمًا كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، فَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ كَافِرًا وَالْعَبْدُ كَافِرًا فَكَذَلِكَ إنْ قَالَ أَهْلُ دِينِهِ إنَّهُ لِسَيِّدِهِ وَإِلَّا فَلِلْمُسْلِمِينَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ. فَإِنْ أَسْلَمَ عَبْدٌ لِكَافِرٍ وَلَمْ يَبِنْ عَلَيْهِ وَمَاتَ قَبْلَ بَيْعِهِ عَلَيْهِ فَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ الْكَافِرِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَيْطِيُّ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ بَيْعِهِ عَلَيْهِ فَمَالُهُ لِمُشْتَرِيهِ لَا لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ بَانَ مِنْهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَمَاتَ فَمَالُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [فَالْحِصَاصُ] : أَيْ فَإِذَا مَاتَ الْمُبَعَّضُ وَتَرَكَ مَالًا وَلِرَجُلٍ فِيهِ الثُّلُثُ وَلِآخَرَ فِيهِ السُّدُسُ وَنِصْفُهُ الْآخَرُ حُرٌّ فَمَالُهُ يَنْقَسِمُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ مَا لَهُمَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ فَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثَاهُ وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ ثُلُثُهُ. قَوْلُهُ: [يُورَثُ عَنْهُ جَمِيعُ مَالِهِ] : أَيْ يَأْخُذُهُ أَهْلُ نَسَبِهِ.

[من موانع الإرث القتل]

(وَلَا يُورَثُ إلَّا الْمُكَاتَبُ) : اعْلَمْ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَرِثُ كَالرَّقِيقِ وَلَا يُورَثُ، إلَّا فِي صُورَةٍ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ، وَإِلَيْهَا يُشِيرُ بِقَوْلِهِ: (عَلَى مَا مَرَّ) فِي قَوْلِهِ: " وَوَرِثَهُ مَنْ مَعَهُ فَقَطْ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ ". وَالْمُرَادُ بِالْإِرْثِ اللُّغَوِيُّ؛ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ مَا يَفِي بِنُجُومِ الْكِتَابَةِ. (وَلَا) يَرِثُ (قَاتِلٌ عَمْدًا) : عُدْوَانًا وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا مُتَسَبِّبًا أَوْ مُبَاشِرًا، وَلَا يَضُرُّ حُكْمُ الْقَاضِي بِقَتْلِ مُورِثِهِ عِنْدَنَا مِنْ الْمَقْتُولِ شَيْئًا لَا مِنْ الْمَالِ وَلَا مِنْ الدِّيَةِ إنْ عُفِيَ عَنْهُ عَلَيْهَا (وَإِنْ مَعَ شُبْهَةٍ) : أَيْ وَلَوْ أَتَى بِشُبْهَةٍ تَدْرَأُ عَنْهُ الْقَتْلَ؛ كَرَمْيِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ بِحَدِيدَةٍ شَأْنُهَا عَدَمُ الْقَتْلِ. (كَمُخْطِئٍ) : لَا يَرِثُ (مِنْ الدِّيَةِ) : وَيَرِثُ مِنْ مَالِ الْمَقْتُولِ. وَمِنْ الْخَطَأِ: قَتْلُهُ عَلَى أَنَّهُ حَرْبِيٌّ. وَحَلَفَ عَلَى اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مُوَرِّثُهُ. وَأُلْحِقَ بِالْخَطَأِ: مَا لَوْ كَانَ الْمُورَثُ يُرِيدُ قَتْلَ الْوَارِثِ وَلَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِالْقَتْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْمُرَادُ بِالْإِرْثِ اللُّغَوِيِّ] : أَيْ إرْثُ مَنْ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ لَهُ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ مَا يَفِي بِنُجُومِ الْكِتَابَةِ] : أَيْ لِأَنَّ مَوْتَهُ قَبْلَ أَدَاءِ النُّجُومِ أَبْطَلَ حُرِّيَّتَهُ [مِنْ مَوَانِع الْإِرْث الْقَتْل] [فَرْعٌ الْمِيرَاث بَيْن البغاة] قَوْلُهُ: [وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا] : تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْأُجْهُورِيَّ وَقَالَ (ر) : وَلَا قَاتِلَ عَمْدٍ وَلَوْ عُفِيَ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ مُكْرَهًا، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ عَاقِلًا بَالِغًا، أَمَّا الصَّبِيُّ فَعَمْدُهُ كَالْخَطَأِ وَكَذَا الْمَجْنُونُ، وَقَالَهُ الْفَاسِيُّ فِي شَرْحِ التِّلْمِسَانِيَّة لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ الْأُجْهُورِيُّ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عَلَّاقٍ وَلَمْ يَذْكُرْ مُقَابِلَهُ إلَّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَفَادَهُ (بْن) . قَوْلُهُ: [مِنْ الْمَقْتُولِ] : مُتَعَلِّقٌ بِيَرِثُ الْمُقَدَّرُ. وَقَوْلُهُ: [وَلَا يَضُرُّ] إلَخْ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ حُكْمُ الْقَاضِي بِقَتْلِ مُورِثِهِ مَانِعًا لَهُ مِنْ الْإِرْثِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ كَوْنُهُ عُدْوَانًا وَهَذَا وَإِنْ كَانَ عَمْدًا إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ عُدْوَانٍ. قَوْلُهُ: [وَأُلْحِقَ بِالْخَطَأِ] إلَخْ: فِيهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِالْقَتْلِ وَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ لَا دِيَةَ لَهُ أَصْلًا كَمَا فِي دَفْعِ الصَّائِلِ فَلَا وَجْهَ لِإِلْحَاقِهِ بِالْخَطَأِ.

[من موانع الإرث اختلاف الدين]

(وَوَرِثَا) : أَيْ قَاتِلُ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ (الْوَلَاءَ) الثَّابِتَ لِلْمَقْتُولِ عَلَى عَتِيقِهِ: يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَتَلَ شَخْصًا لَهُ وَلَاءُ عَتِيقٍ، وَالْقَاتِلُ وَارِثُ الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّهُ يَرِثُ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الْوَلَاءِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً. وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُعْتِقَ بِالْكَسْرِ إذَا قَتَلَ عَتِيقَهُ عَمْدًا يَرِثُهُ لِمَا عَلِمْت أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَنْ قَتَلَ مُورِثَهُ عَمْدًا. (وَلَا مُخَالِفَ فِي دِينٍ) : وَأَمَّا أَخْذُ الْمُسْلِمِ مَالَ عَبْدِهِ الْكَافِرِ، فَبِالْمِلْكِ لَا بِالْإِرْثِ، وَكَذَلِكَ عَبْدُ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مَالَهُ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَالَ الْمُرْتَدِّ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ، فَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ. (كَمُسْلِمٍ مَعَ غَيْرِهِ) فَلَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ غَيْرَهُ، وَلَا يَرِثُهُ الْغَيْرُ وَلَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: " غَيْرِهِ " الزِّنْدِيقُ، فَإِنَّهُ إذَا قُتِلَ فَمِيرَاثُهُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الرِّدَّةِ. (وَكَيَهُودِيٍّ مَعَ نَصْرَانِيٍّ) فَاخْتِلَافُ الدِّينِ بِالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُمَا. (وَغَيْرُهُمَا) : أَيْ غَيْرُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى (مِلَّةٌ) وَاحِدَةٌ؛ فَيَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا هَذَا مَا عَلَيْهِ الْأَصْلُ تَبَعًا، لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ مَالِكٍ، لَكِنْ اعْتَرَضَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ بِنَصِّ الْأُمَّهَاتِ: مِنْ أَنَّ غَيْرَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِلَلٌ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ شَيْخُنَا الْأَمِيرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَرْعٌ إذَا تَقَاتَلَتْ طَائِفَتَانِ وَكَانَتَا مُتَأَوِّلَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا كَيَوْمِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ، فَإِنَّهُ وَقَعَ التَّوَارُثُ بَيْنَهُمْ فَهُوَ دَلِيلٌ كَمَا فِي (ر) ، وَفِي الْبَدْرِ قَاعِدَةٌ: كُلُّ قَتْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ لَا دِيَةَ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ وَلَا يَمْنَعُ مِيرَاثًا وَعَكْسُهُ وَهُوَ غَيْرُ الْمَأْذُونِ فِيهِ، فِيهِ الثَّلَاثَةُ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [سَوَاءٌ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ جُمْلَةٍ مِنْ الشُّيُوخِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ كَوْنِهِ يَرِثُ الْوَلَاءَ دُونَ الْمَالِ أَنَّ الْوَلَاءَ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يُقْصَدُ غَالِبًا بِخِلَافِ الْمَالِ. [مِنْ مَوَانِع الْإِرْث اخْتِلَاف الدِّين] قَوْلُهُ: [قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِ] : أَيْ وَلَمْ يَبِنْ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [فَمِيرَاثُهُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ] : أَيْ إذَا أَنْكَرَ مَا شَهِدَتْ بِهِ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَوْ تَابَ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [لَكِنْ اعْتَرَضَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ] : عِبَارَةُ بْن اعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ مَا حَكَاهُ

[الجهل بتأخر الموت مانع من الإرث]

(وَحُكِمَ بَيْنَهُمْ) : أَيْ بَيْنَ الْكُفَّارِ (بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ إنْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا) فَيَجِبُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] فَمَنْسُوخُ الْحُكْمِ. وَمَفْهُومُ: " تَرَافَعُوا " فِيهِ تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ الْخَرَشِيُّ. (وَلَا مَنْ جُهِلَ تَأَخُّرُ مَوْتِهِ) : أَيْ أَنَّ الْجَهْلَ بِتَأَخُّرِ الْمَوْتِ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْإِرْثِ تَحَقُّقُ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُورِثِ، فَرَجَعَ إلَى أَنَّ مُوجِبَ عَدَمِ الْإِرْثِ هُوَ الشَّكُّ فِي الشَّرْطِ. فَإِذَا مَاتَ قَوْمٌ مِنْ الْأَقَارِبِ تَحْتَ هَدْمٍ أَوْ فِي حَرْقٍ فَنُقَدِّرُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ كَأَنَّهُ لَمْ يَخْلُفْ صَاحِبَهُ، وَإِنَّمَا خَلَفَ الْأَحْيَاءَ مِنْ وَرَثَتِهِ. فَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَزَوْجَتُهُ وَثَلَاثَةُ بَنِينَ لَهُ مِنْهَا تَحْتَ هَدْمٍ مَثَلًا وَجُهِلَ مَوْتُ السَّابِقِ مِنْهُمْ، وَتَرَكَ الْأَبُ زَوْجَةً أُخْرَى، وَتَرَكَتْ الزَّوْجَةُ ابْنًا لَهَا مِنْ غَيْرِ زَوْجِهَا الْمَيِّتِ؛ فَلِلزَّوْجَةِ الرُّبْعُ، وَمَا بَقِيَ لِلْعَاصِبِ، وَمَالُ الزَّوْجَةِ لِابْنِهَا الْحَيِّ، وَسُدُسُ مَالِ الْبَنِينَ لِأَخِيهِمْ لِأُمِّهِمْ، وَبَاقِيهِ لِلْعَاصِبِ. وَشَمِلَ الْجَهْلُ مَا إذَا مَاتَا مَرَّتَيْنِ وَلَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ وَلَا يَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ مَا إذَا مَاتَ أَخَوَانِ - مَثَلًا - أَحَدُهُمَا عِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ يُونُسَ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ أَنَّ الْإِسْلَامَ مِلَّةٌ وَالنَّصَارَى مِلَّةٌ وَالْيَهُودُ مِلَّةٌ وَالْمَجُوسُ وَمَنْ عَدَاهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُمْ مِلَّةٌ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ الصَّوَابُ، نَقَلَهُ ابْنُ عَلَّاقٍ وَكَلَامُهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ غَيْرَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ مِلَلٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْأُمَّهَاتِ لِقَوْلِهَا: وَلَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ الْمِلَلِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ (اهـ) إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ بِظَاهِرِ الْأُمَّهَاتِ. قَوْلُهُ: [إنْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا] : أَيْ جَمِيعُهُمْ رَاضِينَ بِحُكْمِنَا. قَوْلُهُ: [فَنَسُوخُ الْحُكْمِ] : أَيْ مِنْ حَيْثُ التَّخْيِيرِ. قَوْلُهُ: [وَمَفْهُومُ تَرَافَعُوا فِيهِ تَفْصِيلٌ] : أَيْ وَهُوَ أَنَّهُ لَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ مَوْتِ مُورِثِهِ وَإِلَّا فَيُحْكَمُ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْآبِي لِشَرَفِ الْمُسْلِمِ، هَذَا إنْ لَمْ يَكُونُوا كِتَابِيِّينَ فَإِنْ كَانُوا كِتَابِيِّينَ وَأَسْلَمَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ مَوْتِ مُورِثِهِ فَنَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ مَوَارِيثِهِمْ بِأَنْ نَسْأَلَ الْقِسِّيسِينَ عَمَّنْ يَرِثُ وَعَمَّنْ لَا يَرِثُ، وَعَنْ الْقَدْرِ الَّذِي يُورَثُ عِنْدَهُمْ وَيُحْكَمُ بَيْنَهُمْ بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَرْضَوْا جَمِيعًا بِحُكْمِنَا وَإِلَّا حَكَمْنَا بَيْنَهُمْ بِشَرْعِنَا. [الْجَهْلَ بِتَأَخُّرِ الْمَوْتِ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ] قَوْلُهُ: [فَرَجَعَ إلَى أَنَّ مُوجِبَ عَدَمِ الْإِرْثِ] إلَخْ: أَيْ فَعَدُّهُ مِنْ الْمَوَانِعِ

[وقف القسم للحمل]

الزَّوَالِ بِالْمَغْرِبِ وَالْآخَرُ عِنْدَ الزَّوَالِ بِالْمَشْرِقِ فَلَا يُقَالُ: مَاتَا مَعًا فِي وَقْتٍ فَلَا يَتَوَارَثَانِ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْمَشْرِقِ مُقَدَّمٌ فَالْوَارِثُ مَنْ مَاتَ عِنْدَ الزَّوَالِ بِالْمَغْرِبِ. (وَوُقِفَ الْقَسْمُ لِلْحَمْلِ) : أَيْ لِأَجْلِهِ، فَإِذَا وُضِعَ الْحَمْلُ قُسِمَتْ التَّرِكَةُ وَالْيَأْسُ مِنْ حَمْلِهَا كَالْوَضْعِ بِمُضِيِّ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ، فَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ فَإِذَا مَاتَ وَتَرَكَ وَرَثَةً وَزَوْجَةً أَوْ أَمَةً أَوْ زَوْجَةَ أَخِيهِ أَوْ ابْنَهُ أَوْ أُمَّهُ الْمُتَزَوِّجَةَ بِغَيْرِ أَبِيهِ حَامِلًا، فَالْمَشْهُورُ عِنْدَنَا: أَنَّ الْقَسْمَ يُوقَفُ إلَى وَضْعِ ذَلِكَ الْحَمْلِ أَوْ الْيَأْسِ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ تَسَمُّحٌ فَتَكُونُ الْمَوَانِعُ الْحَقِيقِيَّةُ ثَلَاثَةً الرِّقُّ وَالْقَتْلُ وَاخْتِلَافُ الدِّينِ، وَأَمَّا مَا زِيدَ عَلَيْهَا فَهِيَ عَدَمُ شُرُوطٍ. قَوْلُهُ: [فَالْوَارِثُ مَنْ مَاتَ عِنْدَ الزَّوَالِ بِالْمَغْرِبِ] : أَيْ لِتَأَخُّرِ حَيَاتِهِ جَزْمًا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ ابْنُ الْهَائِمِ وَمَا قَالَهُ يَتَعَيَّنُ الْجَزْمُ بِهِ وَيُعَايَا بِهَا فَيُقَالُ أَخَوَانِ مَاتَا عِنْدَ الزَّوَالِ وَرِثَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ. تَنْبِيهٌ لَا تَوَارُثَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنِينَ إذَا الْتَعَنَ وَالْتَعَنَتْ بَعْدَهُ وَإِلَّا فَيَرِثُهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ حَصَلَ اللِّعَانُ مِنْ كُلٍّ عَلَى التَّرْتِيبِ الشَّرْعِيِّ لَمْ يَرِثْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَإِنْ الْتَعَنَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ تَوَارَثَا وَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهِ الَّذِي لَاعَنَ فِيهِ الْتَعَنَتْ أَمْ لَا، وَأَمَّا أُمُّهُ فَتَرِثُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَاللِّعَانُ الْمَذْكُورُ مَانِعٌ مِنْ سَبَبِ الْمِيرَاثِ الَّذِي هُوَ الزَّوْجِيَّةُ، فَعَدَمُ الْإِرْثِ فِيهِ لِانْتِفَاءِ السَّبَبِ لَا لِوُجُودِ الْمَانِعِ، إذْ الْمَانِعُ يُجَامِعُ السَّبَبَ وَلَا سَبَبَ هُنَا، وَأَمَّا بَيْنَ الزَّوْجِ وَوَلَدِهِ فَمَانِعٌ لِلْحُكْمِ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَلْحَقَهُ وَرِثَ أَوْ يُقَالُ هُوَ مَانِعٌ لِلسَّبَبِ بِشَرْطِ عَدَمِ الِاسْتِلْحَاقِ. وَاعْلَمْ أَنَّ تَوْأَمَيْ الْمُلَاعَنَةِ مِنْ الْحَمْلِ الَّذِي لَاعَنَتْ فِيهِ شَقِيقَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَالْمُسْتَأْمَنَةِ وَالْمَسْبِيَّةِ، وَأَمَّا تَوْأَمَا الزَّانِيَةِ وَالْمُغْتَصَبَةِ فَأَخَوَانِ لِأُمٍّ عَلَى الْمَشْهُورِ أَيْضًا. [وَقْف الْقَسْمُ لِلْحَمْلِ] قَوْلُهُ: [وُقِفَ الْقَسْمُ لِلْحَمْلِ] : هَذَا شُرُوعٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ فِي مَسَائِلِ الْإِشْكَالِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: لِأَنَّهُ إمَّا بِسَبَبِ احْتِمَالِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْخُنْثَى الْآتِيَةُ، وَإِمَّا بِسَبَبِ احْتِمَالِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَفْقُودِ، وَإِمَّا بِسَبَبِ احْتِمَالِهِمَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْحَمْلِ هَذِهِ. قَوْلُهُ: [وَتَرَكَ وَرَثَةً وَزَوْجَةً] إلَخْ: الْمُرَادُ أَنَّهُ تَرَكَ امْرَأَةً حَامِلَةً بِوَارِثٍ.

[وقف مال المفقود]

بِمُضِيِّ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ، وَلَا يُعَجَّلُ الْقَسْمُ فِي الْمُحَقَّقِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: يُعَجَّلُ فِي الْمُحَقَّقِ فَتُعْطَى الزَّوْجَةُ أَقَلَّ سَهْمِهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَعْجِيلُ الْقَسْمِ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ وَالْأَقَلِّ، فَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ زَوْجَةً حَامِلًا وَأَخًا لِغَيْرِ أُمٍّ فَلَا يُعْطَى شَيْئًا قَبْلَ الْوَضْعِ إجْمَاعًا، فَلَوْ خَلَفَ زَوْجَةً حَامِلًا وَابْنًا فَلَا تُعْطَى الزَّوْجَةُ شَيْئًا قَبْلَ الْقَسْمِ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَنَا، وَتُعْطَى الثُّمُنَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَقَالَ بِهِ أَشْهَبُ (وَ) وُقِفَ (مَالُ الْمَفْقُودِ) عَنْ الْقَسْمِ بَيْنَ (الْوَرَثَةِ لِلْحُكْمِ) بِالْفِعْلِ مِنْ الْحَاكِمِ (بِمَوْتِهِ) وَقِيلَ: لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْحُكْمِ بَلْ مَتَى مَضَتْ الْمُدَّةُ: سَبْعُونَ أَوْ ثَمَانُونَ سَنَةً عَلَى الْخِلَافِ. نَعَمْ إنْ مَضَى مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً لَمْ يَحْتَجْ لِحُكْمٍ؛ وَهَذَا فِي مَفْقُودٍ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَوْ الشِّرْكِ، أَمَّا مَفْقُودُ مَعْرَكَةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمَعْرَكَةِ فَيُحْكَمُ بِمَوْتِهِ، وَيُقْسَمُ مَالُهُ. فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ فَبَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ بَعْدَ انْفِصَالِ الصَّفَّيْنِ هَذَا إذَا كَانَ الْمَفْقُودُ مَوْرُوثًا، فَإِنْ كَانَ وَارِثًا - بِأَنْ مَاتَ مُورِثُهُ - فَلَا يَرِثُ الْمَفْقُودُ شَيْئًا، وَلَكِنْ يُقَدَّرُ حَيًّا مَرَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا يُعَجَّلُ الْقَسْمُ فِي الْمُحَقَّقِ] : هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ الْقَسْمِ] : الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ الْوَضْعِ. قَوْلُهُ: [وَقَالَ بِهِ أَشْهَبُ] : رُدَّ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ تَلَفَ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْوَضْعِ فَتَأْخُذُ الزَّوْجَةُ دُونَ غَيْرِهَا وَهُوَ ظُلْمٌ، وَلَا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ بِمَا أَخَذَتْهُ؛ لِأَنَّهَا تَقُولُ أَخَذْته بِوَجْهٍ جَائِزٍ. [وَقَفَ مَال الْمَفْقُود] قَوْلُهُ: [لِلْحُكْمِ بِالْفِعْلِ] : اللَّامُ لِلْغَايَةِ. قَوْلُهُ: [عَلَى الْخِلَافِ] : أَيْ الْمُتَقَدِّمِ فِي بَابِ الْمَفْقُودِ مِنْ أَنَّهُ سَبْعُونَ سَنَةً أَوْ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ أَوْ ثَمَانُونَ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ قَسْمُ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ. قَوْلُهُ: [لَمْ يَحْتَجْ لِحُكْمٍ] : أَيْ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ كَثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا فِي مَفْقُودٍ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ] إلَخْ: أَيْ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْمَفْقُودِ وَبَقِيَتْ أُمُّ وَلَدِهِ وَمَالُهُ لِلتَّعْمِيرِ كَزَوْجَةِ الْأَسِيرِ وَمَفْقُودِ أَرْضِ الشَّرِيكِ وَهُوَ سَبْعُونَ، وَاعْتَدَّتْ فِي مَفْقُودِ الْمُعْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ يَوْمِ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَوَرِثَ مَالَهُ حِينَئِذٍ وَفِي الْفَقْدِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ بَعْدَ سَنَةٍ بَعْدَ النَّظَرِ، وَفِي الْمَفْقُودِ زَمَنَ الطَّاعُونِ بَعْدَ ذَهَابِهِ وَوَرِثَ مَا لَهُ (اهـ) .

[ميراث الخنثى المشكل]

وَيُقَدَّرُ مَيِّتًا مَرَّةً أُخْرَى، وَيُعْطَى غَيْرُ الْمَفْقُودِ أَقَلَّ نَصِيبِهِ وَيُوقَفُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ. فَإِنْ ثَبَتَتْ حَيَاتُهُ أَوْ مَوْتُهُ فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ - بِأَنْ مَضَتْ مُدَّةُ التَّعْمِيرِ السَّابِقَةِ - فَيَرِثُهُ أَحْيَاءُ وَرَثَتِهِ غَيْرَ الْمَفْقُودِ. فَإِنْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ عَنْ زَوْجِهَا وَأُمِّهَا وَأُخْتِهَا لِغَيْرِ أُمٍّ وَعَنْ أَبٍ مَفْقُودٍ، فَبِتَقْدِيرِ حَيَاةِ الْأَبِ حِينَ مَوْتِ الْمَرْأَةِ، تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ، وَهِيَ إحْدَى الْغَرَّاوَيْنُ: لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ الْبَاقِي وَالْبَاقِي لِلْأَبِ. وَبِتَقْدِيرِ مَوْتِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَرْأَةِ فَكَذَلِكَ مِنْ سِتَّةٍ، وَتُعَوَّلُ لِثَمَانِيَةٍ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَالثَّمَانِيَةُ تُوَافِقُ السِّتَّةَ بِالنِّصْفِ فَيُضْرَبُ نِصْفُ إحْدَاهُمَا فِي كَامِلِ الْأُخْرَى بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، فَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ السِّتَّةِ فَيَأْخُذُهُ مَضْرُوبًا فِي الْأَرْبَعَةِ أَوْ مِنْ ثَمَانِيَةٍ فَفِي ثَلَاثَةٍ لِلزَّوْجِ تِسْعَةٌ - هِيَ أَقَلُّ نَصِيبِهِ - وَلِلْأُمِّ أَرْبَعَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي وَهُوَ أَحَدَ عَشَرَ. فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ حَيٌّ فَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ مُضَافَةٌ لِلتِّسْعَةِ يُكَمَّلُ لَهُ النِّصْفُ وَلِلْأَبِ ثَمَانِيَةٌ، وَأَمَّا الْأُمُّ فَمَعَهَا حَقُّهَا. وَإِنْ ظَهَرَ مَوْتُهُ أَوْ مَضَتْ مُدَّةُ التَّعْمِيرِ أَخَذَتْ الْأُخْتُ تِسْعَةً مِنْ الْمَوْقُوفِ وَيُزَادُ لِلْأُمِّ اثْنَانِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ. (وَلِلْخُنْثَى الْمُشْكِلِ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَتُعَوَّلُ لِثَمَانِيَةٍ] : أَيْ لِاسْتِغْرَاقِ الزَّوْجِ وَالْأُخْتِ جَمِيعَ السِّهَامِ. قَوْلُهُ: [لِلزَّوْجِ تِسْعَةٌ] : أَيْ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ؛ لِأَنَّهَا الْمُحَقِّقَةُ لَهُ عَلَى كِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ. قَوْلُهُ: [وَلِلْأُمِّ أَرْبَعَةٌ] : أَيْ لِأَنَّهَا الْمُحَقِّقَةُ لَهَا عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ. [مِيرَاث الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ] قَوْلُهُ: [وَلِلْخُنْثَى] : أَلْ فِيهِ لِلْجِنْسِ الصَّادِقِ بِالْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدِ بِدَلِيلِ الْعَمَلِ الْآتِي وَخَتَمَ الْفَرَائِضَ بِمَبْحَثِ الْخُنْثَى لِنُدْرَتِهِ حَتَّى أَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ، أَوْ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ نَصِيبِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ أَنْصِبَاءِ الْمُتَّضِحِينَ لِمَا يَأْتِي أَنَّ لَهُ نِصْفَ نَصِيبَيْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى. قَوْلُهُ: [الْمُشْكِلِ] : وَصَفَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ فِيهِ. إنْ قُلْت كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ الْعَلَامَاتِ ثُمَّ يَقُولَ فَإِنْ لَمْ يَتَّضِحْ فَلَهُ نِصْفٌ إلَخْ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ اهْتَمَّ بِذِكْرِ نَصِيبِهِ أَوَّلًا خُصُوصًا وَالْمَبْحَثُ لَهُ ثُمَّ اسْتَطْرَدَ عَلَامَاتِ الِاتِّضَاحِ الْمُفِيدَةِ تَصَوُّرُهُ بِوَجْهٍ مَا.

قَدَّمَ الْمُسْنَدَ تَشْوِيقًا لِلْمُسْنَدِ إلَيْهِ أَوْ لِلْحَصْرِ النِّسْبِيِّ: أَيْ لَهُ نِصْفُ نَصِيبٍ إلَخْ لَا لِغَيْرِهِ مِمَّنْ لَيْسَ مَعَهُ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ مَنْ مَعَهُ يُعْطَى نِصْفَ نَصِيبٍ إلَخْ (نِصْفُ نَصِيبَيْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى) : أَيْ يَأْخُذُ نِصْفَ نَصِيبِهِ حَالَ فَرْضِهِ ذَكَرًا وَحَالَ فَرْضِهِ أُنْثَى فَإِذَا كَانَ يُعْطَى عَلَى تَقْدِيرِهِ ذَكَرًا سَهْمَيْنِ وَعَلَى تَقْدِيرِهِ أُنْثَى سَهْمًا فَإِنَّهُ يُعْطَى سَهْمًا وَنِصْفًا. وَهَذَا إذَا كَانَ يَرِثُ بِالْجِهَتَيْنِ وَكَانَ إرْثُهُ بِهِمَا مُخْتَلِفًا كَابْنٍ وَابْنِ ابْنٍ، فَلَوْ كَانَ يَرِثُ بِالذُّكُورَةِ فَقَطْ - كَالْعَمِّ وَابْنِهِ - فَلَهُ نِصْفُهَا فَقَطْ، إذْ لَوْ قُدِّرَ عَمَّةً لَمْ تَرِثْ. وَإِنْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذْ بِضِدِّهَا تَتَمَيَّزُ الْأَشْيَاءُ وَلَا يُقَالُ إنَّ فِيهِ تَقْدِيمَ التَّصْدِيقِ عَلَى التَّصَوُّرِ؛ لِأَنَّنَا نَقُولُ إنَّمَا فِيهِ تَقْدِيمُ التَّصْدِيقِ فِي الذَّكَرِ عَلَى التَّصَوُّرِ لِلْغَيْرِ فِي الذَّكَرِ، وَاَلَّذِي يَمْتَنِعُ إنَّمَا هُوَ تَقْدِيمُ التَّصْدِيقِ عَلَى التَّصَوُّرِ فِي الذِّهْنِ بِوَجْهٍ مَا وَهُوَ حَاصِلٌ، أَمَّا فِي الْوَضْعِ فَأَوْلَوِيٌّ يَجُوزُ تَرْكُهُ لِنُكْتَةٍ أُخْرَى، وَالْخُنْثَى بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ أَلِفُهُ لِلتَّأْنِيثِ كَحُبْلَى وَجَمْعُهُ خَنَاثَى كَحَبَالَى وَسَكَارَى وَخَنَاثٍ كَإِنَاثٍ وَمَادَّتُهُ تَدُلُّ عَلَى الِاشْتِبَاهِ وَالتَّفَرُّقِ لِتَفَرُّقِ أَحْوَالِهِ بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الْمُتَشَبِّهِ بِالنِّسَاءِ مُتَخَنِّثٌ وَمُخَنَّثٌ وَيَصِحُّ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَيْهِ مُذَكَّرًا وَمُؤَنَّثًا. قَوْلُهُ: [قَدَّمَ الْمُسْنَدُ] : أَيْ قَالُوا وَلِلِاسْتِئْنَافِ إمَّا النَّحْوِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ الْبَيَانِيُّ فَالْجُمْلَةُ جَوَابٌ لِسُؤَالٍ مُقَدَّرٌ كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ: قَدْ ذَكَرْت قَدْرَ مِيرَاثِ الذَّكَرِ الْمُحَقَّقِ وَالْأُنْثَى الْمُحَقَّقَةِ، فَمَا مِقْدَارُ مِيرَاثِ الْخُنْثَى؟ وَهَذَا عَلَى جَوَازِ اقْتِرَانِ الْبَيَانِيِّ بِالْوَاوِ كَمَا ارْتَضَاهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} [التوبة: 114] فَإِنَّهَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ نَشَأْ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلُ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113] الْآيَةَ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: [تَشْوِيقًا لِلْمُسْنَدِ إلَيْهِ] : أَيْ وَذَلِكَ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ: ثَلَاثَةٌ تُشْرِقُ الدُّنْيَا بِبَهْجَتِهَا ... شَمْسُ الضُّحَى وَأَبُو إِسْحَاقَ وَالْقَمَرُ قَوْلُهُ: [حَالَ فَرْضِهِ ذَكَرًا وَحَالَ فَرْضِهِ أُنْثَى] : أَيْ لَا أَنَّهُ يُعْطَى نِصْفَ

يَرِثُ بِالْأُنُوثَةِ، فَقَطْ كَالْأُخْتِ فِي الْأَكْدَرِيَّةِ أُعْطِيَ نِصْفَ نَصِيبِهَا إذْ لَوْ قُدِّرَ ذَكَرًا لَمْ يَعُلْ لَهُ، فَلَوْ اتَّحَدَ نَصِيبُهُ عَلَى تَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ وَأُنُوثَتِهِ، كَكَوْنِهِ أَخًا لِأُمٍّ أَوْ مُعْتِقًا - بِكَسْرِ التَّاءِ: أُعْطِي الْأَخُ لِلْأُمِّ السُّدُسَ إنْ اتَّحَدَ، وَالثُّلُثَ إنْ تَعَدَّدَ، وَيَأْخُذُ جَمِيعَ الْمَالِ إنْ كَانَ مُعْتِقًا، وَقَدْ يَرِثُ بِالْأُنُوثَةِ أَكْثَرَ كَزَوْجٍ وَأَخٍ لِأُمٍّ وَأَخٍ لِأَبٍ خُنْثَى فَمَسْأَلَةُ الذُّكُورَةِ مِنْ سِتَّةٍ وَالْأُنُوثَةُ كَذَلِكَ وَتُعَوَّلُ لِسَبْعَةٍ. وَالْحَاصِلُ مِنْهُمَا اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ فِي حَالَتَيْهِ بِأَرْبَعَةٍ وَثَمَانِينَ وَيُشْعِرُ بِالْقَيْدَيْنِ قَوْلُهُ " وَنِصْفُ نَصِيبَيْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ". (تُصَحَّحُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ) بِأَنْ كَانَ فِي الْفَرِيضَةِ خُنْثَى وَاحِدٌ فَلَهُ حَالَانِ (أَوْ التَّقْدِيرَاتُ) : بِأَنْ كَانَ فِي الْفَرِيضَةِ خُنْثَيَانِ لَهُمَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَلَهُمْ أَكْثَرُ كَمَا يَأْتِي. فَإِذَا صُحِّحَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ مُحَقَّقٌ وَعَلَى أَنَّهُ أُنْثَى مُحَقَّقٌ فَانْظُرْ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ تَوَافُقٍ فَتَضْرِبُ، وَفْقَ إحْدَاهُمَا فِي كَامِلِ الْأُخْرَى كَمَا قَالَ: (ثُمَّ تَضْرِبُ الْوَفْقَ) : كَزَوْجٍ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَأَخٍ لِغَيْرِ أُمٍّ خُنْثَى، فَتَقْدِيرُ الذُّكُورَةِ مِنْ سِتَّةٍ وَتَقْدِيرُ الْأُنُوثَةِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ: لِأَنَّهَا تَعُول تَوَافُقٍ وَبَيْنَهُمَا بِالنِّصْفِ فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي ثَمَانِيَةٍ أَوْ أَرْبَعَةً فِي سِتَّةٍ يَحْصُلُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ. ثُمَّ فِي حَالَتَيْ الْخُنْثَى يَحْصُلُ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ ثُمَّ تَقْسِمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَصِيبِ الذَّكَرِ الْمُحَقِّقِ الذُّكُورَةُ الْمُقَابِلِ لَهُ وَنِصْفَ نَصِيبِ الْأُنْثَى الْمُحَقَّقَةِ الْأُنُوثَةِ الْمُقَابِلَةِ لَهُ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ لِرَدِّ بَحْثِ ابْنِ خَرُوفٍ مَعَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ: [وَيُشْعِرُ بِالْقَيْدَيْنِ] : أَيْ اللَّذَيْنِ زَادَهُمَا الشَّارِحُ وَهُمَا قَوْلُهُ: وَهَذَا إذَا كَانَ يَرِثُ بِالْجِهَتَيْنِ وَكَانَ وَارِثُهُ بِهِمَا مُخْتَلِفًا. قَوْلُهُ: [تُصْبِحُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ] : الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا كَأَنَّ سَائِلًا قَالَ مَا كَيْفِيَّةُ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ، فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ إلَخْ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّصْحِيحِ الْعَمَلُ وَمُرَادَهُ بِالْمَسْأَلَةِ الْجِنْسُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ثُمَّ تَضْرِبُ الْوَفْقَ أَوْ الْكُلَّ؛ لِأَنَّ ضَرْبَ الْوَفْقِ أَوْ الْكُلِّ لَا يَكُونُ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ. قَوْلُهُ: [فَلَهُمْ أَكْثَرُ] : أَيْ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ تُقْسَمُ] إلَخْ: أَيْ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ وَعَلَى أَنَّهُ أُنْثَى، فَلِلزَّوْجِ

وَتَجْمَعُ وَتُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ نِصْفَ مَا بِيَدِهِ. وَإِنْ تَبَايَنَتَا ضَرَبْت كَامِلَ إحْدَاهُمَا فِي كَامِلِ الْأُخْرَى كَمَا قَالَ: (أَوْ الْكُلَّ) : وَيَأْتِي مِثَالُهُ فِي قَوْلِهِ " كَذَكَرٍ " إلَخْ وَإِنْ تَمَاثَلَتَا اكْتَفَيْت بِأَحَدِهِمَا؛ كَخُنْثَى وَبِنْتٍ، فَإِنَّ مَسْأَلَةَ الذُّكُورَةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَالْأُنُوثَةُ كَذَلِكَ إذْ الْبِنْتَانِ لَهُمَا الثُّلُثَانِ فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي حَالَتَيْ الْخُنْثَى بِسِتَّةٍ: لَهُ فِي التَّذْكِيرِ أَرْبَعَةٌ وَفِي التَّأْنِيثِ اثْنَانِ، فَالْمَجْمُوعُ سِتَّةٌ، يَأْخُذُ ثَلَاثَةً وَالْبِنْتُ الْمُحَقَّقَةُ اثْنَانِ فِي التَّأْنِيثِ وَاثْنَانِ فِي التَّذْكِيرِ تُعْطَى نِصْفَهَا اثْنَيْنِ يَبْقَى وَاحِدٌ لِلْعَاصِبِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (أَوْ أَحَدَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ) : وَإِنْ تَدَاخَلَتَا اكْتَفَيْت بِأَكْثَرِهِمَا: كَابْنٍ خُنْثَى وَأَخٍ لِأَبٍ فَفَرِيضَةُ التَّذْكِيرِ مِنْ وَاحِدٍ وَالتَّأْنِيثِ مِنْ اثْنَيْنِ وَالْوَاحِدُ دَاخِلٌ فِيهِمَا فَتَضْرِبُ اثْنَيْنِ فِي حَالَتَيْ الْخُنْثَى بِأَرْبَعَةٍ، فَعَلَى ذُكُورَتِهِ يَخْتَصُّ بِهَا، وَعَلَى أُنُوثَتِهِ يَأْخُذُ اثْنَيْنِ، وَمَجْمُوعُهُمَا سِتَّةٌ: يُعْطَى نِصْفَهَا ثَلَاثَةً وَلِلْأَخِ الْبَاقِي، وَهُوَ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي التَّأْنِيثِ اثْنَيْنِ نِصْفُهُمَا وَاحِدٌ، كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (أَوْ أَكْبَرَ الْمُتَدَاخِلَيْنِ) وَقَوْلُهُ: (فِيهَا) مُرْتَبِطٌ " بِتَضْرِبُ " إلَخْ (ثُمَّ تُقَسَّمُ عَلَى التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ: فَمَا حَصَلَ لِكُلٍّ فَخُذْ لَهُ فِي الْحَالَيْنِ النِّصْفَ) كَمَا يَأْتِي ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى تَقْدِيرِ الذُّكُورَةِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَلِلْأَخَوَيْنِ لِلْأُمِّ سِتَّةَ عَشَرَ وَلِلْخُنْثَى ثَمَانِيَةٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ فَلِلزَّوْجِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَلِلْأَخَوَيْنِ لِلْأُمِّ اثْنَا عَشَرَ، وَلِلْخُنْثَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ. وَقَوْلُهُ: [وَتَجْمَعُ] : أَيْ فَيَجْتَمِعُ لِلزَّوْجِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ، وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ، وَلِلْخُنْثَى سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ. وَقَوْلُهُ: [وَتُعْطِي كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ مَا بِيَدِهِ] أَيْ فَتُعْطِي الزَّوْجَ أَحَدًا وَعِشْرِينَ، وَالْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَالْخُنْثَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ. قَوْلُهُ: [فِي قَوْلِهِ كَذَكَرٍ] إلَخْ: أَيْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَذَكَرٍ وَخُنْثَى، فَالتَّذْكِيرُ مِنْ اثْنَيْنِ إلَخْ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّ مَسْأَلَةَ الذُّكُورَةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ] : أَيْ عِدَّةِ رُءُوسِهِمْ. وَقَوْلُهُ: [وَالْأُنُوثَةُ كَذَلِكَ] : أَيْ مِنْ مَخْرَجِ قَرْضِهِمَا فَلِذَلِكَ قَالَ إذْ الْبِنْتَانِ لَهُمَا الثُّلُثَانِ.

تَوْضِيحُهُ (وَ) خُذْ لَهُ (فِي أَرْبَعَةٍ الرُّبْعَ وَ) خُذْ لَهُ (فِي ثَمَانِيَةٍ الثُّمُنَ) مِثَالُ التَّبَايُنِ (كَذَكَرٍ) وَاحِدٍ (وَخُنْثَى) وَاحِدٍ (فَالتَّذْكِيرُ مِنْ اثْنَيْنِ وَالتَّأْنِيثُ مِنْ ثَلَاثَةٍ) وَبَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ (فَتَضْرِبُ) الثَّلَاثَةَ (فِي الِاثْنَيْنِ) يَحْصُلُ سِتَّةٌ (ثُمَّ) تَضْرِبُهَا (فِي حَالَتَيْ الْخُنْثَى) يَحْصُلُ اثْنَا عَشَرَ (لَهُ) أَيْ لِلْخُنْثَى (فِي الذُّكُورَةِ سِتَّةٌ) وَلِلذَّكَرِ الْمُحَقَّقِ سِتَّةٌ (وَ) لِلْخُنْثَى (فِي الْأُنُوثَةِ أَرْبَعَةٌ) : وَلِلذَّكَرِ الْمُحَقَّقِ ثَمَانِيَةٌ، فَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ مَا حَصَلَ بِيَدِهِ فَاَلَّذِي بِيَدِ الْخُنْثَى فِي الْحَالَتَيْنِ عَشْرَةٌ (فَنِصْفُهَا خَمْسَةٌ) يَأْخُذُهَا وَاَلَّذِي بِيَدِ الذَّكَرِ الْمُحَقَّقِ فِي الْحَالَتَيْنِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَيُعْطَى نِصْفَهَا وَهُوَ سَبْعَةٌ (وَكَخُنْثَيَيْنِ وَعَاصِبٍ: فَأَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ) لَا بُدَّ مِنْهَا فِي الْعَمَلِ تُعْمَلُ فَرِيضَةُ التَّذْكِيرِ مِنْ اثْنَيْنِ وَلَا شَيْءَ لِلْعَاصِبِ وَالتَّأْنِيثُ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِلْعَاصِبِ سَهْمٌ وَلَهُمَا سَهْمَانِ ثُمَّ تَذْكِيرُ أَحَدِهِمَا فَقَطْ مِنْ ثَلَاثَةٍ أَيْضًا ثُمَّ تَذْكِيرُ الْأُنْثَى وَتَأْنِيثُ الذَّكَرِ مِنْ ثَلَاثَةٍ أَيْضًا فَثَلَاثُ فَرَائِضَ مُتَمَاثِلَةٍ تَكْتَفِي بِوَاحِدَةٍ وَتَضْرِبُهَا فِي حَالَةِ التَّذْكِيرِ وَهُمَا اثْنَانِ بِسِتَّةٍ فَتَضْرِبُ السِّتَّةَ فِي الْأَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ (تَبْلُغُ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ) : فَعَلَى تَقْدِيرِ تَذْكِيرِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَخُذْ لَهُ فِي أَرْبَعَةٍ الرُّبْعَ] : أَيْ بِأَنْ كَانَا خُنْثَيَيْنِ. وَقَوْلُهُ: [وَفِي ثَمَانِيَةٍ الثُّمُنُ] : أَيْ إنْ كَانُوا ثَلَاثَةً خَنَاثَى. قَوْلُهُ: [فَيُعْطَى نِصْفَهَا وَهُوَ سَبْعَةٌ] : هَذَا عَمَلُ الْمُتَقَدِّمِينَ؛ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِمْ ابْنُ خَرُوفٍ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ الذَّكَرُ الْمُحَقَّقُ بِمُقْتَضَى عَمَلِهِمْ سَبْعَةً وَجَبَ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُ الْأُنْثَى ثَلَاثَةً وَنِصْفًا فَنِصْفُهُمَا الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْخُنْثَى خَمْسَةٌ وَرُبْعٌ، وَتَكُونُ الْقِسْمَةُ حِينَئِذٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَرُبْعٍ، لَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ فَقَطْ فَقَدْ غُبِنَ الْخُنْثَى بِمُقْتَضَى عَمَلِهِمْ فِي رُبْعِ سَهْمٍ، وَمَنْ نَظَرَ لِمُرَاعَاةِ الْقِيَاسِ وَقَطَعَ النَّظَرَ عَنْ عَمَلِهِمْ وَجَدَهُ قَدْ غُبِنَ فِي سُبْعِ سَهْمٍ لَا فِي رُبْعِ سَهْمٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لِلْخُنْثَى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ نَصِيبِ الذَّكَرِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْأُنْثَى نِصْفُ نَصِيبِ الذَّكَرِ، وَهُوَ يَأْخُذُ نِصْفَ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَنِصْفُ نَصِيبِ الذَّكَرِ رُبْعَانِ وَنِصْفُ نَصِيبِ الْأُنْثَى رُبْعٌ فَإِذَا قَسَمْت الْمَالَ وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ عَلَى وَاحِدٍ وَثَلَاثَةِ أَرْبَاعٍ الْوَاحِد لِلذَّكَرِ وَالثَّلَاثَةُ أَرْبَاعٍ لِلْخُنْثَى فَالْقِيَاسُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْعَمَلِ السَّابِقِ أَنْ تَبْسُطَ الْمَقْسُومَ عَلَيْهِ سَبْعَةَ أَرْبَاعٍ، وَإِذَا قَسَمْت اثْنَيْ عَشَرَ عَلَى سَبْعَةِ أَرْبَاعٍ خَرَجَ لِكُلِّ رُبْعٍ وَاحِدٌ فَلِلذَّكَرِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةٌ، وَيَفْضُلُ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْمَقْسُومَةِ

لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اثْنَا عَشَرَ، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَأْنِيثِهِمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَمَانِيَةٌ وَلِلْعَاصِبِ ثَمَانِيَةٌ، وَعَلَى تَذْكِيرِ وَاحِدٍ فَقَطْ يَكُونُ لِلذَّكَرِ سِتَّةَ عَشَرَ وَلِلْأُنْثَى ثَمَانِيَةٌ وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ، فَتَجْمَعُ مَا بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ، وَتُعْطِيهِ رُبْعَهُ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ وَاحِدٍ هَوَائِيٌّ إلَى الْأَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ: رُبْعٌ، وَبِيَدِ كُلِّ خُنْثَى أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ، وَبِيَدِ الْعَاصِبِ ثَمَانِيَةٌ، فَيُعْطَى (لِكُلٍّ) مِنْ الْخَنَاثَى (أَحَدَ عَشَرَ، وَلِلْعَاصِبِ اثْنَانِ، وَكَثَلَاثَةِ خَنَاثَى فَثَمَانِيَةُ أَحْوَالٍ) : لِأَنَّهُمْ إمَّا ذُكُورٌ فَقَطْ أَوْ إنَاثٌ فَقَطْ أَوْ زَيْدٌ مِنْهُمْ ذَكَرٌ وَالْآخَرَانِ أُنْثَيَانِ أَوْ عَكْسُهُ، أَوْ يُقَدَّرُ عَمْرٌو مِنْهُمْ ذَكَرًا وَالْآخَرَانِ أُنْثَيَيْنِ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَمْسَةٌ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ سُبْعًا تُقْسَمُ عَلَى السَّبْعَةِ فَلِلذَّكَرِ عِشْرُونَ سُبْعًا بِاثْنَيْنِ وَسِتَّةِ أَسْبَاعٍ، وَلِلْخُنْثَى خَمْسَةَ عَشَرَ سُبْعًا بِاثْنَيْنِ وَسُبْعٌ يُكْمِلُ لِلذَّكَرِ سِتَّةً وَسِتَّةَ أَسْبَاعٍ، وَلِلْخُنْثَى خَمْسَةٌ وَسُبْعٌ (اهـ) وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ خَرُوفٍ مِنْ اعْتِرَاضِهِ عَلَى الْقُدَمَاءِ بِأَنَّ الْخُنْثَى قَدْ غُبِنَ بِرُبْعِ سَهْمٍ عَلَى مُقْتَضَى عَمَلِهِمْ، وَبِسُبْعٍ بِالنَّظَرِ لِلْقِيَاسِ، وَقَطْعُ النَّظَرِ عَنْ عَمَلِهِمْ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ نِصْفُ نَصِيبَيْ ذَكَرٍ مُحَقَّقٍ غَيْرُهُ، وَأُنْثَى مُحَقَّقَةٍ غَيْرُهُ وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا مَرَّ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُرَادٍ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ نِصْفُ نَصِيبِ نَفْسِهِ حَالَ فَرْضِهِ ذَكَرًا وَحَالَ فَرْضِهِ أُنْثَى، وَحِينَئِذٍ فَلَا غَبْنَ عَلَى الْخُنْثَى أَصْلًا لَا بِرُبْعٍ وَلَا بِسُبْعٍ أَفَادَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [لِكُلٍّ مِنْ الْخَنَاثَى] : الْأَوْضَحُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُنْثَيَيْنِ. قَوْلُهُ: [أَحَدَ عَشَرَ] : اعْتَرَضَ هَذَا الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَلْتَئِمُ مَعَ قَوْلِهِ: وَلِلْخُنْثَى نِصْفُ نَصِيبَيْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى؛ لِأَنَّك إذَا ضَمَمْت مَا نَابَهُ فِي الذُّكُورَةِ عَلَى تَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِمَا وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ لِمَا نَابَهُ فِي الْأُنُوثَةِ عَلَى تَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِمَا وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ كَانَ مَجْمُوعُهُمَا عِشْرِينَ فَنِصْفُهَا عَشْرَةٌ، وَإِذَا ضَمَمْت مَا نَابَهُ فِي الذُّكُورَةِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ ذَكَرًا وَالْآخَرُ خُنْثَى وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ إلَى أُنُوثَتِهِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ، كَانَ مَجْمُوعُهُمَا أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ نِصْفُهَا اثْنَا عَشَرَ، وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ قَوْلَهُ سَابِقًا نِصْفُ نَصِيبَيْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى خَاصٌّ بِمَا إذَا كَانَ الْخُنْثَى وَاحِدًا. وَأَمَّا إذَا كَانَ اثْنَيْنِ فَلَهُ رُبْعُ أَرْبَعَةِ أَنْصِبَاءِ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ وَهَكَذَا، وَقَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيُّ: بَلْ قَوْلُهُ وَلِلْخُنْثَى نِصْفُ نَصِيبَيْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى الْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِالْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدِ، أَمَّا أَخْذُ الْوَاحِدِ نِصْفَ نَصِيبَيْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا أَخْذُ الْمُتَعَدِّدِ

عَكْسُهُ، أَوْ خَالِدٌ ذَكَرًا وَالْبَاقِي أُنْثَيَيْنِ أَوْ عَكْسُهُ (فَتَذْكِيرُهُمْ) جَمِيعًا (مِنْ ثَلَاثَةٍ كَتَأْنِيثِهِمْ) : فَإِنَّهُ مِنْ ثَلَاثَةٍ (وَتَذْكِيرُ أَحَدِهِمْ مِنْ أَرْبَعَةٍ) لِكَوْنِ الذَّكَرِ بِرَأْسَيْنِ وَمَعَهُ أُنْثَيَانِ (وَتَذْكِيرُ اثْنَيْنِ) مِنْ ثَلَاثَةٍ يَكُونُ (مِنْ خَمْسَةٍ) ذَكَرَانِ بِأَرْبَعَةٍ وَالْأُنْثَى بِوَاحِدٍ (فَتَضْرِبُ الثَّلَاثَةَ فِي الْأَرْبَعَةِ) يَحْصُلُ اثْنَيْ عَشَرَ (ثُمَّ) تَضْرِبُ الِاثْنَيْ عَشَرَ (فِي الْخَمْسَةِ بِسِتِّينَ ثُمَّ) تَضْرِبُ فِي ثَمَانِيَةِ الْأَحْوَالِ فَمَا حَصَلَ فَ (لِكُلٍّ ثُمُنُ مَا بِيَدِهِ: تِسْعَةَ عَشَرَ وَسُدُسٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا ذُكِرَ فَ لِأَنَّهُ إذَا تَعَدَّدَ تَضَاعَفَتْ أَحْوَالُهُ وَبِتَضْعِيفِهَا يَحْصُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ نَصِيبَيْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى. بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ لَمَّا تَضَاعَفَتْ الْأَحْوَالُ الْأَرْبَعَةُ ذُكُورَتَيْنِ أَوْ أُنُوثَتَيْنِ كَانَ مَجْمُوعُ مَا حَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُنْثَيَيْنِ أَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ نِصْفُهَا اثْنَانِ وَعِشْرُونَ نَصِيبُ ذُكُورَةٍ وَأُنُوثَةٍ، وَنِصْفُهَا أَحَدَ عَشَرَ نِصْفِ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، أَوْ يُقَالُ إنَّهُ لَمَّا تَضَاعَفَتْ الْأَحْوَالُ الْأَرْبَعَةُ ذُكُورَتَيْنِ وَأُنُوثَتَيْنِ اجْتَمَعَ لَهُ مِنْ الذُّكُورَتَيْنِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ، فَنِصْفُهَا وَهُوَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَنَصِيبُ ذُكُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَاجْتَمَعَ لَهُ مِنْ الْأُنُوثَتَيْنِ سِتَّةَ عَشَرَ فَنِصْفُهَا وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ نَصِيبُ أُنُوثَةٍ وَاحِدَةٍ، وَنِصْفُ النَّصِيبَيْنِ أَحَدَ عَشَرَ أَفَادَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: [مِنْ ثَلَاثَةٍ] : أَيْ عَدَدِ رُءُوسِهِمْ. وَقَوْلُهُ: [كَتَأْنِيثِهِمْ] : أَيْ لِأَنَّ فَرْضَهُنَّ الثُّلُثَانِ. قَوْلُهُ: [فَتَضْرِبُ الثَّلَاثَةَ] : أَيْ وَهِيَ إحْدَى حَالَتَيْ تَذْكِيرِ الْجَمِيعِ أَوْ تَأْنِيثِهِمْ. وَقَوْلُهُ: [فِي الْأَرْبَعَةِ] : أَيْ وَهِيَ إحْدَى الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ تَذْكِيرُ زَيْدٍ فَقَطْ، أَوْ عَمْرٍو فَقَطْ، أَوْ خَالِدٍ فَقَطْ. وَقَوْلُهُ: [ثُمَّ فِي الْخَمْسَةِ] : أَيْ وَهِيَ إحْدَى الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي تَأْنِيثُ أَحَدِهِمْ لَا بِعَيْنِهِ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ تَضْرِبُ فِي ثَمَانِيَةِ الْأَحْوَالِ] : أَيْ فَيَحْصُلُ أَرْبَعُمِائَةٍ وَثَمَانُونَ. قَوْلُهُ: [فَمَا حَصَلَ فَلِكُلِّ ثُمُنٍ مَا بِيَدِهِ] : أَيْ مِنْ الْخَنَاثَى فَتَجْمَعُ الْحَاصِلَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ وَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ ثُمُنَ مَا حَصَلَ بِيَدِهِ عَلَى التَّقَادِيرِ الثَّمَانِيَةِ. قَوْلُهُ: [تِسْعَةَ عَشَرَ وَسُدُسٌ] إلَخْ: إيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ السِّتِّينَ الْمَذْكُورَةَ تُقْسَمُ عَلَى الْأَحْوَالِ الثَّمَانِيَةِ: الْأَوَّلُ مِنْهَا إذَا فُرِضَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَخَالِدٌ الْخَنَاثَى إنَاثًا

[علامات الأنوثة والرجولة في الخنثى المشكل]

وَلِلْعَاصِبِ اثْنَانِ وَنِصْفٌ) . (وَلَوْ قَامَتْ بِهِ عَلَامَةُ الْإِنَاث) : كَبَوْلِهِ مِنْ فَرْجِهِ دُونَ ذَكَرِهِ أَوْ كَانَ بَوْلُهُ مِنْ الْفَرْجِ أَكْثَرَ خُرُوجًا مِنْ الذَّكَرِ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَكْثَرَ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا، فَإِذَا بَالَ مَرَّتَيْنِ مِنْ الْفَرْجِ وَمَرَّةً مِنْ الذَّكَرِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أُنْثَى، وَلَوْ كَانَ الَّذِي نَزَلَ مِنْ الذَّكَرِ أَكْثَرَ كَيْلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ لِلْعَاصِبِ مِنْ السِّتِّينَ عِشْرُونَ وَلِكُلٍّ مِنْ الْخَنَاثَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَثُلُثٌ. الثَّانِي إذَا فُرِضُوا ذُكُورًا كَانَ لِكُلٍّ عِشْرُونَ. الثَّالِثُ إذَا فُرِضَ زَيْدٌ ذَكَرًا وَعَمْرٌو وَخَالِدٌ أُنْثَيَيْنِ كَانَ لِزَيْدٍ ثَلَاثُونَ وَلِكُلٍّ مِنْ عَمْرٍو وَخَالِدٍ خَمْسَةَ عَشَرَ. الرَّابِعُ إذَا فُرِضَ زَيْدٌ ذَكَرًا وَخَالِدٌ ذَكَرًا وَعَمْرٌو أُنْثَى كَانَ لِزَيْدٍ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَلِخَالِدٍ مِثْلُهَا وَلِعَمْرٍو اثْنَا عَشَرَ. الْخَامِسُ إذَا فُرِضَ زَيْدٌ ذَكَرًا وَعَمْرٌو ذَكَرًا وَخَالِدٌ أُنْثَى كَانَ لِزَيْدٍ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَلِعَمْرٍو مِثْلُهَا وَلِخَالِدٍ اثْنَا عَشَرَ. السَّادِسُ إذَا فُرِضَ زَيْدٌ أُنْثَى وَعَمْرٌو وَخَالِدٌ ذَكَرَيْنِ كَانَ لِزَيْدٍ اثْنَا عَشَرَ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ. السَّابِعُ إذَا فُرِضَ زَيْدٌ أُنْثَى وَعَمْرٌو أُنْثَى وَخَالِدٌ ذَكَرًا لِكُلٍّ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو خَمْسَةَ عَشَرَ وَلِخَالِدٍ ثَلَاثُونَ. الثَّامِنُ إذَا فُرِضَ زَيْدٌ أُنْثَى وَخَالِدٌ أُنْثَى وَعَمْرٌو ذَكَرًا كَانَ لِكُلٍّ مِنْ زَيْدٍ وَخَالِدٍ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلِعَمْرٍو ثَلَاثُونَ، فَإِذَا جَمَعْت تِلْكَ الْأَعْدَادَ تَجِدُهَا أَرْبَعَمِائَةٍ وَثَمَانِينَ بِيَدِ الْعَاصِبِ عِشْرُونَ وَبِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَنَاثَى مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَخَمْسُونَ وَثُلُثٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّ ثُمُنَ الْعِشْرِينَ اثْنَانِ وَنِصْفٌ وَثُمُنَ الْمِائَةِ وَالثَّلَاثَةِ وَالْخَمْسِينَ وَثُلُثٍ تِسْعَةَ عَشَرَ سُدُسٌ وَإِذَا جَمَعْت الْأَثْمَانَ الْمَذْكُورَةَ تَجِدُهَا سِتِّينَ فَتَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ: [وَلِلْعَاصِبِ اثْنَانِ وَنِصْفٌ] : أَيْ لِأَنَّهُمَا ثُمُنُ الْعِشْرِينَ الَّتِي خَصَّتْهُ عَلَى فَرْضِ كَوْنِ الْخَنَاثَى إنَاثًا خُلَّصًا وَالْفَرْضُ أَنَّ كُلَّ وَارِثٍ يَأْخُذُ ثُمُنَ مَا بِيَدِهِ. تَنْبِيهٌ لَا يُتَصَوَّرُ شَرْعًا فِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ أَنْ يَكُونَ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوْ جَدًّا أَوْ زَوْجًا أَوْ زَوْجَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُ مَا دَامَ مُشْكِلًا وَهُوَ مُنْحَصِرٌ فِي سَبْعَةِ أَصْنَافٍ: الْأَوْلَادُ وَأَوْلَادُهُمْ، وَالْإِخْوَةُ وَأَوْلَادُهُمْ، وَالْأَعْمَامُ وَأَوْلَادُهُمْ، وَالْمَوَالِي. [عَلَامَاتُ الْأُنُوثَة وَالرُّجُولَة فِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ] قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَكْثَرَ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا] : أَيْ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْكَثْرَةِ بِهِمَا كَمَا قَالَ الشَّعْبِيُّ هَكَذَا قَالَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْخَرَشِيِّ وَالْأَصْلِ. قَالَ شَيْخُنَا الْأَمِيرُ فِي الْخَاتِمَةِ: وَهُوَ لَا يُوَافِقُ الْمَذْهَبَ فَيُعْتَبَرُ عِنْدَنَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْعَدَوِيُّ لِلْكَثْرَةِ مُطْلَقًا وَمِثْلُهُ فِي (ح) عَنْ اللَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ (اهـ) .

أَوْ وَزْنًا أَوْ كَانَ بَوْلُهُ مِنْ الْفَرْجِ أَسْبَقَ حَيْثُ كَانَ يَبُولُ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أُنْثَى، فَإِنْ انْدَفَعَ مِنْهُمَا مَعًا اُعْتُبِرَ الْأَكْثَرُ، أَوْ نَبَتَ لَهُ ثَدْيٌ كَثَدْيِ النِّسَاءِ لَا كَثَدْيِ رَجُلٍ بَدِينٍ، فَإِنْ نَبَتَا مَعًا أَوْ لَمْ يَنْبُتَا فَبَاقٍ عَلَى إشْكَالِهِ أَوْ حَصَلَ حَيْضٌ، وَلَوْ مَرَّةً أَوْ مَنِيٌّ مِنْ الْفَرْجِ. (أَوْ) قَامَتْ بِهِ عَلَامَةُ (الرِّجَالِ) كَبَوْلِهِ مِنْ ذَكَرِهِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ بِالْعَكْسِ أَوْ نَبَتَ لَهُ لِحْيَةٌ دُونَ ثَدْيٍ، وَإِنْ تَعَارَضَ سَبْقٌ، وَكَثْرَةٌ: فَقَوْلَانِ. وَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ مَنِيِّ الرَّجُلِ عَلَى الثَّدْيِ وَإِلْغَاءُ مُتَعَارِضَيْنِ غَيْرَ ذَلِكَ وَنَبَاتُ اللِّحْيَةِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِالثَّدْيِ وَعَكْسُهُ لَغْوٌ قَالَهُ شَيْخُنَا الْأَمِيرُ فِي الْمَجْمُوعِ (اتَّضَحَ الْحَالُ وَزَالَ الْإِشْكَالُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَوْ كَانَ بَوْلُهُ مِنْ الْفَرْجِ أَسْبَقَ] : أَيْ وَحَصَلَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْمَبْدَأِ حُكِمَ لِلْمُتَأَخِّرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ. قَالَ فِي الْخَاتِمَةِ وَالظَّاهِرُ جَرْيُهُ عَلَى قَوَاعِدِنَا. قَوْلُهُ: [فَإِنْ انْدَفَعَ مِنْهُمَا مَعًا اُعْتُبِرَ الْأَكْثَرُ] : أَيْ الْأَكْثَرُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا، وَهَذَا مُنَاقِضٌ لِمَا قَدَّمَهُ وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ فِي الْخَاتِمَةِ. قَوْلُهُ: [فَإِنْ نَبَتَا مَعًا] : أَيْ اللِّحْيَةُ وَالثَّدْيُ وَالْمُنَاسِبُ تَأْخِيرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ حَتَّى يَذْكُرَ اللِّحْيَةَ لِيَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى مَذْكُورٍ. قَوْلُهُ: [إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ بِالْعَكْسِ] : أَيْ كَأَنْ كَانَ بَوْلُهُ مِنْ الذَّكَرِ أَكْثَرَ أَوْ أَسْبَقَ. قَوْلُهُ: [فَقَوْلَانِ] : قَالَ فِي الْخَاتِمَةِ وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ عَلَى إشْكَالِهِ. قَوْلُهُ: [وَإِلْغَاءُ مُتَعَارِضِينَ غَيْرَ ذَلِكَ] : أَيْ كَالْكَثْرَةِ وَالسَّبْقِ وَاللِّحْيَةِ وَالثَّدْيِ، ثُمَّ إنَّ الِاخْتِبَارَ ظَاهِرٌ حَالَ صِغَرِهِ حَيْثُ لَا يَشْتَهِي، أَمَّا الْكَبِيرُ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ أَنْ يَبُولَ إلَى حَائِطٍ وَيُنْظَرُ لِمَحَلِّ الْبَوْلِ، فَإِنْ ضَرَبَ فِي الْحَائِطِ أَوْ بَعُدَ عَنْهَا فَذَكَرٌ، وَإِنْ مَال بَيْنَ فَخِذَيْهِ فَأُنْثَى، وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالْمِرْآةِ فَفِيهِ أَنَّ صُورَةَ الْعَوْرَةِ الذِّهْنِيَّةِ وَالتَّفَكُّرَ فِيهَا فَضْلًا عَنْ الْمِثَالِ الْخَارِجِيِّ بِمَنْزِلَتِهَا أَفَادَهُ فِي الْخَاتِمَةِ. قَوْلُهُ: [اتَّضَحَ الْحَالُ وَزَالَ الْإِشْكَالُ] : جَوَابُ لَوْ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ قَامَتْ بِهِ عَلَامَةُ الْإِنَاثِ إلَخْ. وَمَعْنَى اتِّضَاحِ الْحَالِ: زَوَالُ اللَّبْسِ وَحُكِمَ لَهُ إمَّا بِالذُّكُورَةِ الْمُحَقَّقَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ الْمُحَقَّقَةِ، فَلَا يُنَافِي وُجُودَ الْآلَتَيْنِ وَأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ خُنْثَى لَكِنْ لَا يُقَالُ لَهُ مُشْكِلٌ.

فِيهِ حُسْنُ اخْتِتَامٍ فَيُحْمَدُ الْمُنْعِمُ بِذَلِكَ فَلِذَا قَالَ: (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ) وَمَنْ أَرَادَ غَايَةَ التَّحْقِيقِ وَالتَّحْرِيرِ فَعَلَيْهِ بِالْخَاتِمَةِ الْحُسْنَى لِشَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ النِّحْرِيرِ سَيِّدِي الشَّيْخِ مُحَمَّدٌ الْأَمِيرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فِيهِ حُسْنُ اخْتِتَامٍ] : أَيْ وَيُسَمَّى بَرَاعَةُ مَقْطَعٍ وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ الْمُتَكَلِّمُ عَلَيْهَا فِي آخِرِ كَلَامِهِ بِمَا يُؤْذِنُ بِانْتِهَائِهِ وَلَوْ بِوَجْهٍ دَقِيقٍ كَقَوْلِ أَبِي الْعَلَاءِ الْمَعَرِّيِّ: بَقِيت بَقَاءَ الدَّهْرِ يَا كَهْفَ أَهْلِهِ ... وَهَذَا دُعَاءٌ لِلْبَرِيَّةِ شَامِلُ خَاتِمَةٌ نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَهَا. أَوَّلُ مَنْ حَكَمَ فِي الْخُنْثَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَامِرُ بْنُ الظَّرِبِ بِفَتْحِ الظَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَكَانَتْ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا تَقَعُ لَهُمْ مُعْضِلَةٌ إلَّا اخْتَصَمُوا إلَيْهِ وَرَضُوا بِحُكْمِهِ فَسَأَلُوهُ عَنْ خُنْثَى أَتَجْعَلُهُ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى؟ فَقَالَ أَمْهِلُونِي فَبَاتَ لَيْلَتَهُ سَاهِرًا وَفِي رِوَايَةٍ فَأَقَامُوا عِنْدَهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَهُوَ يَذْبَحُ لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ، وَكَانَتْ لَهُ أَمَةٌ يُقَالُ لَهَا سَخِيلَةُ فَقَالَتْ لَهُ: إنَّ مَقَامَ هَؤُلَاءِ عِنْدَك قَدْ أَسْرَعَ فِي غَنَمِك، وَكَانَتْ تَرْعَى لَهُ غَنَمًا، وَكَانَتْ تُؤَخِّرُ السَّرَاحَ وَالرَّوَاحَ، وَكَانَ يُعَاتِبُهَا فِي ذَلِكَ فَيَقُولُ لَهَا: أَصْبَحْت يَا سَخِيلَةُ أَمْسَيْت، فَلَمَّا رَأَتْ سَهَرَهُ وَقَلَقَهُ قَالَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ لَهَا وَيْلَكِ دَعِي أَمْرًا لَيْسَ مِنْ شَأْنِك، فَأَعَادَتْ عَلَيْهِ السُّؤَالَ فَذَكَرَ لَهَا مَا بَدَا لَهُ فَقَالَتْ لَهُ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَتْبِعْ الْقَضَاءَ الْمُبَالَ، فَقَالَ لَهَا: فَرَّجْتِيهَا وَاَللَّهِ يَا سَخِيلَةُ أَمْسَيْت بَعْدَهَا أَمْ أَصْبَحْت، فَخَرَجَ حِينَ أَصْبَحَ فَقَضَى بِذَلِكَ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَلَا يُنَافِي مَا وَرَدَ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ مَوْلُودٍ لَهُ قُبُلٌ وَذَكَرٌ مِنْ أَيْنَ يُوَرَّثُ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ حَيْثُ يَبُولُ»

[باب في جمل من مسائل شتى وخاتمة حسنة]

بَابٌ فِي جُمَلٍ مِنْ مَسَائِلَ شَتَّى، وَخَاتِمَةٍ حَسَنَةٍ (شُكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبٌ شَرْعًا) . (وَهُوَ) : أَيْ الشُّكْرُ فِي عُرْفِ الصُّوفِيَّةِ، وَقِيلَ عُرْفُ أَهْلِ الشَّرْعِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ وَاجِبٌ شَرْعًا فَيَشْهَدُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ عُرْفُ الشَّرْعِ: (صَرْفُ الْمُكَلَّفِ كُلَّ نِعْمَةٍ لِمَا خُلِقَتْ لَهُ) اللَّامُ فِي " لَهُ " لِلثَّمَرَةِ الْغَيْرِ الْبَاعِثَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي جُمَلٍ مِنْ مَسَائِلَ شَتَّى وَخَاتِمَةٍ حَسَنَةٍ] [شُكْرُ اللَّهِ تَعَالَى] بَابٌ هَذَا الْبَابُ مِمَّا زَادَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى خَلِيلٍ سَلَكَ بِهِ مَسْلَكَ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُؤَلِّفِينَ فِي الْمَذْهَبِ. وَقَوْلُهُ: [مِنْ مَسَائِلَ شَتَّى] : أَيْ مُتَفَرِّقَةٍ لَا تُضْبَطُ فِي بَابٍ بِعَيْنِهِ مِنْ الْأَبْوَابِ مَعَ أَنَّهَا مِنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ. قَوْلُهُ: [وَخَاتِمَةٍ حَسَنَةٍ] : أَيْ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى تَوْحِيدٍ وَتَصَوُّفٍ فَحَسُنَتْ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَاجِبٌ شَرْعًا] : أَيْ بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَقْلِ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي إيجَابٍ وَلَا غَيْرِهِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ عُرْفُ أَهْلِ الشَّرْعِ] : إنْ قُلْت الصُّوفِيَّةُ أَهْلُ شَرْعٍ وَزِيَادَةٍ، فَمَا مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الصُّوفِيَّةَ بَحْثُهُمْ عَلَى الْعَمَلِ الْبَاطِنِ وَحُسْنِ السَّرِيرَةِ وَخَلَاصِ النِّيَّةِ مِنْ رُؤْيَةِ الْغَيْرِ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَأَعْمَالُهُ عِنْدَهُمْ كَالْهَبَاءِ لَا يُثْبِتُونَهَا، وَأَهْلُ الشَّرْعِ يُعَوِّلُونَ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ الْأَعْمَالِ الْمُوَافِقَةِ لِلشَّرْعِ فَمَا أَنْكَرَهُ الشَّرْعُ ظَاهِرًا أَنْكَرُوهُ وَمَا مَدَحَهُ مَدَحُوهُ وَيَكِلُونَ السَّرَائِرَ لِلَّهِ تَعَالَى. قَوْلُهُ: [لِلثَّمَرَةِ الْغَيْرِ الْبَاعِثَةِ] : أَيْ لِلْعِلَّةِ الْغَائِيَّةِ الْغَيْرِ الْحَامِلَةِ الْفَاعِلَ عَلَى فِعْلِهِ كَانْتِفَاعِ النَّاسِ بِظِلِّ الْأَشْجَارِ بَعْدَ تَمَامِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْحَامِلُ لِلْغَارِسِ إلَّا الثَّمَرُ، وَفِي الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَحِيلُ عَلَى اللَّهِ الْغَرَضُ الْبَاعِثُ الَّذِي يَتَكَمَّلُ بِهِ وَإِلَّا فَأَفْعَالُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا بُدَّ لَهَا مِنْ حِكْمَةٍ وَمَصْلَحَةٍ سَبَقَ عِلْمُهُ بِهَا أَزَلًا لَكِنَّ تِلْكَ الْمَصَالِحَ

كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وَهَذَا تَعْرِيفٌ لِلشُّكْرِ التَّامِّ، وَأَصْلُ الشُّكْرِ: صَرْفُ شَيْءٍ مَا. وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] مَعْنًى، وَقَدْ يُقَالُ الْمُبَالَغَةُ بِحَسْبِ الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ الْبَشَرِيَّةِ فَلَا يُقَالُ إنَّهُ مُتَعَذِّرٌ لَا قَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُدَاوَمَةَ الْحَقِيقِيَّةَ لَا تَتَعَذَّرُ إلَّا بِحَسْبِ عُقُولِ الْقَاصِرِينَ الْمُقَصِّرِينَ. ثُمَّ هَذَا شُكْرُ عَامَّةِ أَهْلِ اللَّهِ، وَيَقْرَبُ مِنْهُ قَوْلُ الْجُنَيْدِ لَمَّا سَأَلَهُ شَيْخُهُ السَّرِيُّ السَّقَطِيُّ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ: يَا غُلَامُ مَا الشُّكْرُ؟ فَقَالَ: أَنْ لَا يُعْصَى اللَّهُ بِنِعَمِهِ. فَقَالَ: يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ حَظُّك مِنْ اللَّهِ لِسَانَك،، قَالَ الْجُنَيْدُ؛ فَلَا أَزَالُ أَبْكِي عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ، قَالَهُ شَيْخُنَا الْأَمِيرُ. (وَلَوْ) كَانَ مَا خُلِقْت لَهُ (مُبَاحًا ضَرُورِيًّا - كَالْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ - فَلَيْسَ فَاعِلُ الْمُبَاحِ كَافِرًا لِلنِّعْمَةِ) لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِيمَا خُلِقَ لَهُ (فَإِنْ نَوَى خَيْرًا) - كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَالتَّقْوَى عَلَى الطَّاعَةِ وَكَفِّ الشَّهْوَةِ عَمَّا لَا يُرْضِي اللَّهَ (فَطَاعَةٌ) : أَيْ فَصَارَ الْمُبَاحُ طَاعَةً يُثَابُ عَلَيْهِ (بِ) سَبَبِ (النِّيَّةِ) الْحَسَنَةِ. (وَحَمْدُهُ تَعَالَى) فِي عُرْفِ النَّاسِ الْعَامِّ، إذْ بِتَعْرِيفِهِ الْآتِي لَيْسَ خَاصًّا بِالشَّرْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِخَلْقِهِ لَا لَهُ. قَوْلُهُ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] : أَيْ إلَّا لِيَئُولَ أَمْرُهُمْ لِعِبَادَتِي كَمَا سَبَقَتْ بِهِ حِكْمَتِي فَتَعُودُ مَصَالِحُ عِبَادَتِهِمْ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا تَعْرِيفٌ لِلشُّكْرِ التَّامِّ] : أَيْ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ إلَى مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَ مَا خُلِقَتْ لَهُ] : الْمُنَاسِبُ وَلَوْ كَانَ الصَّرْفُ فِيمَا خُلِقَتْ لَهُ. قَوْلُهُ: [كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ] إلَخْ: كُلٌّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَالتَّقْوَى عَلَى الطَّاعَةِ وَكَفِّ الشَّهْوَةِ يَصْلُحُ فِي الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ. قَوْلُهُ: [أَيْ فَصَارَ الْمُبَاحُ طَاعَةً] : أَيْ وَهَذِهِ الْمَقَاصِدُ لَا تُفَارِقُ الْمَعْصُومِينَ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ: [لَيْسَ خَاصًّا بِالشَّرْعِ] : أَيْ لِأَنَّ الْحَمْدَ الشَّرْعِيَّ هُوَ ذِكْرُ اللَّهِ بِالْكَمَالَاتِ.

وَلَا بِالصُّوفِيَّةِ وَلَا بِأَهْلِ الْكَلَامِ وَإِنْ قِيلَ بِكُلٍّ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ بَعْضِهِمْ: الْحَمْدُ الْمَطْلُوبُ الِابْتِدَاءُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ هُوَ اللُّغَوِيُّ لِأَنَّ الْعُرْفَ أَمْرٌ طَارِئٌ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَشَرَّفَ وَكَرَّمَ وَعَظَّمَ عَدَدَ مَا فِي عِلْمِ اللَّهِ - إذْ حَيْثُ كَانَ الْمُرَادُ الْعُرْفَ الْعَامَّ فَمِنْ أَيْنَ طُرُوُّهُ؟ نَعَمْ قَدْ وَرَدَ: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ» بِالرَّفْعِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ اللِّسَانِيَّ مِنْ قَبِيلِ: وَخَيْرُ مَا فَسَّرْتُهُ بِالْوَارِدِ قَالَهُ أُسْتَاذُنَا الْأَمِيرُ. (فِعْلٌ) الْمُرَادُ الْفِعْلُ اللُّغَوِيُّ لِيَشْمَلَ مَا قَالَهُ مِنْ الِاعْتِقَادِ وَلَوْ عَلَى أَنَّهُ كَيْفٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: [وَلَا بِالصُّوفِيَّةِ] : أَيْ لِأَنَّ الْحَمْدَ عِنْدَهُمْ هُوَ شُهُودُ كَمَالَاتِ اللَّهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا بِأَهْلِ الْكَلَامِ] : أَيْ لِأَنَّ الْحَمْدَ عِنْدَهُمْ اعْتِقَادُ أَنَّ اللَّهَ مُسْتَحِقٌّ لِلثَّنَاءِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ قِيلَ بِكُلٍّ] : أَيْ قَوْلًا مَقْبُولًا وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مُرَادًا لِلْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْعُرْفَ] إلَخْ: تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ مِنْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ. وَقَوْلُهُ: [إذْ حَيْثُ كَانَ] إلَخْ: عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ سَقَطَ مِنْ قَلَمِ الشَّارِحِ تَقْدِيرُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ إذْ حَيْثُ إلَخْ. قَوْلُهُ: [فَمِنْ أَيْنَ طُرُوُّهُ] : أَيْ بَلْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ قَرْنٍ. قَوْلُهُ: [بِالرَّفْعِ] : أَيْ فَيُرَادُ بِهِ هَذَا اللَّفْظُ. قَوْلُهُ: [فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ اللِّسَانِيَّ] : أَيْ وَهُوَ اللُّغَوِيُّ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ عَلَى أَنَّهُ كَيْفٌ] : مَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ هَذَا إذَا مَرَرْنَا عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ بَلْ وَلَوْ مَرَرْنَا عَلَى أَنَّهُ كَيْفٌ أَوْ انْفِعَالٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالِانْفِعَالِ وَالْكَيْفِ أَنَّ الْفِعْلَ الْإِيجَادُ، وَالِانْفِعَالَ التَّأَثُّرُ، وَالْكَيْفَ الْأَثَرُ النَّاشِئُ عَنْهُمَا، وَمَثَّلُوا الثَّلَاثَة بِوَضْعِ الْخَاتَمِ مُلَوَّثًا بِالْحِبْرِ فِي الْكَاغِدِ فَالْوَضْعُ فِعْلٌ، وَانْطِبَاعُ الْكَاغِدِ بِالْوَضْعِ انْفِعَالٌ، وَالْأَثَرُ الَّذِي يَظْهَرُ وَيُقْرَأُ كَيْفٌ فِعْلِيٌّ. كَلَامُ الشَّارِحِ يُقَالُ لِلْكُلِّ فِعْلٌ لُغَوِيٌّ.

أَوْ انْفِعَالٌ (يُنْبِئُ عَنْ كَوْنِهِ الْمُنْعِمَ) عَلَى الْحَامِدِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ (اعْتِقَادًا أَوْ إقْرَارًا بِاللِّسَانِ أَوْ عَمَلًا بِالْجَوَارِحِ) . (فَالْحَامِدُ أَعَمُّ) مِنْ الشَّاكِرِ وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيرِ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِيمَا حَقَّقَهُ عَلَى مُقَدِّمَةِ الْفَاضِلِ الصَّبَّانِ فَعَلَيْك بِهَا. (فَأَهْلُ الشُّكْرِ صَفْوَةُ اللَّهِ تَعَالَى) اصْطَفَاهُمْ وَخَلَّصَهُمْ مِنْ كَدَرِ الْقَلْبِ وَيُقَالُ لَهُمْ: صُوفِيَّةٌ: مِنْ صَفَا يَصْفُو إذَا خَلَصَ، أَوْ مِنْ صُوفِيَ إذَا صَافَاهُ غَيْرُهُ، أَوْ نِسْبَةً لِلُبْسِ الصُّوفِ؛ لِأَنَّهُ شَأْنُهُمْ تَبَاعُدًا عَنْ التَّرَفُّهِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُرْسِيُّ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [عَلَى الْمَشْهُورِ] : رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ النِّعْمَةِ الَّتِي وَقَعَ الْحَمْدُ فِي مُقَابَلَتِهَا وَاصِلَةً لِخُصُوصِ، الْحَامِدِ، وَإِنَّمَا الْمَدَارُ عَلَى كَوْنِهِ مُنْبِئًا بِكَوْنِهِ مُنْعِمًا عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ، وَمُقَابِلُهُ يَخُصُّهَا بِالْحَامِدِ فَيَكُونُ عَلَى مُقَابِلِهِ مُرَادِفًا لِلشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ. قَوْلُهُ: [اعْتِقَادًا] : أَعْرَبَهُ الشَّارِحُ خَبَرًا لِكَانَ الْمَحْذُوفَةِ. قَوْلُهُ: [فَالْحَامِدُ] : أَيْ بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ. وَقَوْلُهُ: [أَعَمُّ مِنْ الشَّاكِرِ] : أَيْ بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ أَيْضًا. وَأَمَّا النِّسْبَةُ بَيْنَ الْحَمْدِ الِاصْطِلَاحِيِّ وَالشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ فَإِمَّا التَّرَادُفُ أَوْ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْمُطْلَقُ. قَوْلُهُ: [عَلَى مُقَدِّمَةِ الْفَاضِلِ الصَّبَّانِ] : أَيْ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ. قَوْلُهُ: [صَفْوَةُ اللَّهِ] : هُوَ مَصْدَرٌ لِصَفَا فَهُوَ عَلَى حَدِّ مَا قِيلَ فِي زَيْدٍ عَدْلٌ. قَوْلُهُ: [مِنْ صَفَا يَصْفُو إذَا خَلَصَ] : وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: [أَوْ مِنْ صُوفِيَ إذَا صَافَاهُ غَيْرُهُ] : أَيْ وَقَدْ أَفَادَ هَذَا الْمَعْنَى بَعْضُ الْعَارِفِينَ بِقَوْلِهِ: صَافَى فَصُوفِيَ لِهَذَا سُمِّيَ الصُّوفِيُّ قَوْلُهُ: [تَبَاعُدًا عَنْ التَّرَفُّهِ] : عِلَّةٌ لِكَوْنِهِ شَأْنَهُمْ فَهُوَ عِلَّةُ لِلْعِلَّةِ. قَوْلُهُ: [قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ] هَكَذَا كُنْيَتُهُ وَاسْمُهُ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْأَنْصَارِيُّ وَالْمُرْسِي نِسْبَةٌ لِمُرْسِيَةَ قَرْيَةٍ بِالْأَنْدَلُسِ وُلِدَ بِهَا وَتُوُفِّيَ بِثَغْرِ إسْكَنْدَرِيَّةَ عَامَ سِتِّمِائَةٍ وَسَبْعَةٍ وَثَمَانِينَ، وَهُوَ خَلِيفَةُ الْقُطْبِ الْكَبِيرِ أَبِي الْحَسَنِ الشَّاذِلِيِّ وَوَارِثُ حَالِهِ وَسَلَكَ

الصُّوفِيُّ مُرَكَّبٌ مِنْ حُرُوفٍ أَرْبَعَةٍ فَالصَّادُ صَبْرُهُ وَصِدْقُهُ وَصَفَاؤُهُ وَالْوَاوُ وَجْدُهُ وَوُدُّهُ وَوَفَاؤُهُ وَالْفَاءُ فَقْدُهُ وَفَقْرُهُ وَفَنَاؤُهُ وَالْيَاءُ لِلنِّسْبَةِ إذَا تَكَمَّلَ نُسِبَ إلَى حَضْرَةِ مَوْلَاهُ، وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا يَكُونُ الصُّوفِيُّ صُوفِيًّا حَتَّى لَا يَكْتُبَ عَلَيْهِ كَاتِبُ الشِّمَالِ شَيْئًا عِشْرِينَ سَنَةً أَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْهُ ذَنْبٌ، بَلْ كُلَّمَا أَذْنَبَ تَابَ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِمْهَالِ: أَيْ أَنَّهُ لَا قَرَارَ لَهُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ (مِنْ عِبَادِهِ وَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِصُحْبَتِهِ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ: التَّاجُ السَّكَنْدَرِيُّ، وَسَيِّدِي يَاقُوتُ الْعَرْشِيُّ، وَابْنُ النَّحَّاسِ النَّحْوِيُّ، وَالْبُوصَيْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ. قَوْلُهُ: [فَالصَّادُ صَبْرُهُ] إلَخْ: هَذِهِ الْمَعَانِي إشَارِيَّةٌ وَالصَّبْرُ عِنْدَهُمْ حَبْسُ النَّفْسِ عَنْ رُؤْيَةِ الْغَيْرِ. وَقَوْلُهُ: [وَصِدْقُهُ] : هُوَ التَّبَرِّي مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ. وَقَوْلُهُ: [وَصَفَاؤُهُ] : أَيْ خُلُوصُ سَرِيرَتِهِ مِنْ الْكَدَرَاتِ الْبَشَرِيَّةِ. قَوْلُهُ: [وَجْدُهُ] : الْوَجْدُ هُوَ تَلَهُّبُ الْقَلْبِ لِلِقَاءِ الْمَحْبُوبِ. قَوْلُهُ: [وَوُدُّهُ] : أَيْ وَهُوَ الْحُبُّ وَعَلَامَتُهُ بَذْلُ النَّفْسِ فِيمَا يُرْضِي مَحْبُوبَهُ وَكَثْرَةُ لَهَجِهِ بِذِكْرِهِ. قَوْلُهُ: [وَوَفَاؤُهُ] : أَيْ بِالْعَهْدِ الْمَأْخُوذِ يَوْمَ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172] بِقِيَامِهِ بِوَظَائِفِ الْعُبُودِيَّةِ. قَوْلُهُ: [فَقْدُهُ] : الْفَقْدُ حَالَةٌ تَعْرِضُ لِلْعَبْدِ عِنْدَ غَلَبَةِ التَّوْحِيدِ عَلَى قَلْبِهِ فَيَفْنَى عَنْ رُؤْيَةِ الْأَحْوَالِ. وَقَوْلُهُ: [وَفَقْرُهُ] : أَيْ خُلُوُّ قَلْبِهِ مِنْ رُؤْيَةِ الْكَوْنَيْنِ وَهُوَ الْوَصْفُ الذَّاتِيُّ لِلْعَبْدِ. وَقَوْلُهُ: [وَفَنَاؤُهُ] : وَهُوَ عَدَمُ شُعُورِهِ بِشَيْءٍ سِوَى مَوْلَاهُ، وَأَقْسَامُهُ ثَلَاثَةٌ فَنَاءٌ فِي شُهُودِ الْأَفْعَالِ فَلَا يَرَى فِعْلًا إلَّا لِلَّهِ، وَفَنَاءٌ فِي شُهُودِ الصِّفَاتِ فَلَا يَرَى إلَّا صِفَاتِ اللَّهِ، وَفَنَاءٌ فِي شُهُودِ الذَّاتِ فَلَا يَرَى إلَّا ذَاتَ اللَّهِ، وَهَذَا الْأَخِيرُ يَكُونُ لِلْأَنْبِيَاءِ وَلِكِبَارِ الْأَوْلِيَاءِ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِمْهَالِ] : أَيْ وَهِيَ سِتُّ سَاعَاتٍ يَقُولُ فِيهَا كَاتِبُ الْيَمِينِ لِكَاتِبِ الشِّمَالِ أَمْهِلْهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ. قَوْلُهُ: [مِنْ عِبَادِهِ] : مُتَعَلِّقٌ بِصَفْوَةٍ أَيْ اصْطَفَاهُمْ وَخَلَّصَهُمْ اللَّهُ دُونَ سَائِرِ

[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

الْمُقَرَّبُونَ) قُرْبًا مَعْنَوِيًّا. (وَيَجِبُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ) قَوْلًا وَفِعْلًا ثُمَّ إنْ كَانَ بِالْقَلْبِ فَفَرْضُ عَيْنٍ، وَأَمَّا بِالْيَدِ أَوْ اللِّسَانِ عَلَى مَنْ لَهُ قُدْرَةٌ وَإِنْ تَعَدَّدَ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ. وَالْمَعْرُوفُ: مَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِهِ وَلَوْ لُزُومًا، لِيَشْمَلَ الْقِيَاسَ لَكِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ غَيْرُ الْوَاجِبِ كَالْمَنْدُوبِ مَنْدُوبٌ عَلَى الرَّاجِحِ. (وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ) : أَيْ يَجِبُ كِفَايَةً أَوْ عَيْنًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَمَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِبَادِهِ وَهُمْ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] وَيُقَالُ لَهُمْ عِبَادُ الْعُبُودِيَّةِ. [الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ] قَوْلُهُ: [ثُمَّ إنْ كَانَ بِالْقَلْبِ فَفَرْضُ عَيْنٍ] : أَيْ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ؛ لِأَنَّ بُغْضَ الْمُخَالَفَاتِ وَحُبَّ الطَّاعَاتِ مِنْ أَصْلِ الْإِيمَانِ قَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 7] الْآيَةَ وَصِفَةُ تَغْيِيرِ الْقَلْبِ إذَا رَأَى مُنْكَرًا أَنْ يَقُولَ لَوْ كُنْت أَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِهِ لَغَيَّرْته، وَإِذَا رَأَى مَعْرُوفًا ضَاعَ. يَقُولُ فِي نَفْسِهِ لَوْ كُنْت أَقْدِرُ عَلَى الْأَمْرِ بِهِ لَأَمَرْت بِهِ، وَقَدَّمَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَدَّمَهُ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110] وَأَيْضًا أَمَرَ إبْلِيسَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ أَوَّلًا وَنَهَى آدَم بَعْدَهُ عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ. قَوْلُهُ: [فَفَرْضُ كِفَايَةٍ] : أَيْ فَمَتَى قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ. قَوْلُهُ: [لِيَشْمَلَ الْقِيَاسَ] : أَيْ هَذَا إذَا كَانَ الْأَمْرُ صَرِيحًا بَلْ وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ عَلَى الْأَمْرِ الصَّرِيحِ، فَالْأَمْرُ الصَّرِيحُ كَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَقِيسُ كَبِرِّ الْأَشْيَاخِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: [مَنْدُوبٌ عَلَى الرَّاجِحِ] : قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي كَوْنِهِ فِي الْمَنْدُوبَاتِ مَنْدُوبًا أَوْ وَاجِبًا قَوْلَانِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْهُمَا أَرْجَحِيَّةُ النَّدْبِ كَنَدْبِ النَّهْيِ فِي الْمَكْرُوهِ أَفَادَهُ فِي حَاشِيَةِ الرِّسَالَةِ. قَوْلُهُ: [وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ] إلَخْ: سُمِّيَ بِذَلِكَ إمَّا؛ لِأَنَّهُ مُحْدَثٌ لَمْ تَعْرِفْهُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ لِأَنَّ الْقُلُوبَ تُنْكِرُهُ. قَوْلُهُ: [عَلَى مَا تَقَدَّمَ] : أَيْ فَفِي الْقَلْبِ عَيْنٌ وَفِي الْيَدِ أَوْ اللِّسَانِ كِفَايَةٌ إنْ تَعَدَّدَ.

[كف الجوارح عن الحرام]

لَهُ يَدٌ يَأْمُرُ وَيَنْهَى فَإِنْ امْتَثَلَ وَإِلَّا هُدِّدَ بِالضَّرْبِ وَإِلَّا ضُرِبَ بِالْفِعْلِ، وَمَعْنَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ بِالْقَلْبِ: مَحَبَّتُهُ وَمَحَبَّةُ فَاعِلِهِ، وَمَعْنَى النَّهْيِ بِالْقَلْبِ: كَرَاهَةُ الْمُنْكَرِ وَكَرَاهَةُ فَاعِلِهِ (إنْ أَفَادَ) هَذَا شُرِطَ فِي الْوُجُوبِ بِأَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ الْإِفَادَةُ، وَإِلَّا سَقَطَ الْوُجُوبُ وَبَقِيَ الْجَوَازُ أَوْ النَّدْبُ. وَشَرْطُ جَوَازِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ: أَنْ يَعْلَمَ الْآمِرُ وَالنَّاهِي بِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ أَوْ مُنْكَرٌ، مَخَافَةَ أَنْ يَنْعَكِسَ الْأَمْرُ فَيَأْمُرَ بِمُنْكَرٍ وَيَنْهَى عَنْ مَعْرُوفٍ وَفِي الْمُنْكَرِ أَنْ لَا يَخَافَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى مُنْكَرٍ أَعْظَمَ مِنْهُ. (وَ) يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ (كَفُّ الْجَوَارِحِ) : عَنْ الْحَرَامِ وَاحْتَرَزْنَا عَنْ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِالْوَاجِبِ، نَعَمْ يُسْتَحَبُّ لِوَلِيِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِلَّا ضُرِبَ بِالْفِعْلِ] : أَيْ فَإِنْ لَمْ يَمْتَثِلْ أُشْهِرَ لَهُ السِّلَاحُ إنْ وَجَبَ قَتْلُهُ كَمَا أَفَادَهُ فِي حَاشِيَةِ الرِّسَالَةِ. قَوْلُهُ: [مَحَبَّتُهُ وَمَحَبَّةُ فَاعِلِهِ] : أَيْ وَذَلِكَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَلَسْت مِنْهُمْ ... لَعَلِّي أَنْ أَنَالَ بِهِمْ شَفَاعَهْ وَأَكْرَهُ مَنْ تِجَارَتُهُ الْمَعَاصِي ... وَإِنْ كُنَّا سَوَاءً فِي الْبِضَاعَهْ قَالَ لَهُ تِلْمِيذُهُ ابْنُ حَنْبَلٍ: تُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَأَنْتَ مِنْهُمْ ... لَعَلَّهُمْ يَنَالُوا بِك الشَّفَاعَهْ وَتَكْرَهُ مَنْ تِجَارَتُهُ الْمَعَاصِي ... حَمَاك اللَّهُ مِنْ تِلْكَ الْبِضَاعَهْ قَوْلُهُ: [وَبَقِيَ الْجَوَازُ أَوْ النَّدْبُ] : لَعَلَّ أَوْ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ لِلشَّكِّ فِي تَعْيِينِ الْحُكْمِ وَالظَّاهِرُ النَّدْبُ وَلَا سِيَّمَا الشَّافِعِيُّ يَقُولُ بِالْوُجُوبِ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ الْإِفَادَةَ. قَوْلُهُ: [أَنْ يَعْلَمَ الْآمِرُ وَالنَّاهِي بِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ] : أَيْ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْمَذَاهِبِ أَوْ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَالْفَاعِلُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَاهُ مَعْرُوفًا فِي الْمَعْرُوفِ أَوْ مُنْكَرًا فِي الْمُنْكَرِ. قَوْلُهُ: [أَنْ لَا يَخَافَ أَنْ يُؤَدِّيَ] إلَخْ: أَيْ كَنَهْيِهِ عَنْ أَخْذِ مَالِ شَخْصٍ فَيُؤَدِّي لِقَتْلِهِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ شَرْطٌ فِي الْأَمْرِ أَيْضًا. [كَفُّ الْجَوَارِحِ عَنْ الْحَرَامِ] قَوْلُهُ: [كَفُّ الْجَوَارِحِ عَنْ الْحَرَامِ] : أَيْ مَنْعُ الْجَوَارِحِ الظَّاهِرِيَّةِ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ كَالْبَاطِنِيَّةِ الَّتِي أَفَادَهَا بِقَوْلِهِ وَالْقَلْبُ عَنْ الْفَوَاحِشِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الأنعام: 120] الْآيَةَ.

أَنْ يُجَنِّبَهُ مُخَالَطَةَ مَا لَا يَحِلُّ لِلْمُكَلَّفِ مُخَالَطَتُهُ، وَقِيلَ: يَجِبُ لِإِصْلَاحِ حَالِهِ. وَالْجَوَارِحُ - وَيُقَالُ لَهَا الْكَوَاسِبُ - سَبْعَةٌ، نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَقِيَهَا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ السَّبْعَةَ، وَهِيَ: السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَاللِّسَانُ وَالْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالْبَطْنُ وَالْفَرْجُ. وَسَيُذْكَرُ بَعْضُهَا فِي قَوْلِهِ وَالتَّلَذُّذُ بِسَمَاعٍ إلَخْ (وَيَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ) عَمَّنْ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ (إلَّا لِضَرُورَةٍ) فَلَا يَحْرُمُ بَلْ قَدْ يَجِبُ، وَإِذَا كُشِفَ لِلضَّرُورَةِ (فَبِقَدْرِهَا) : كَالطَّبِيبِ يُبْقَرُ لَهُ الثَّوْبُ عَلَى قَدْرِ مَوْضِعِ الْعِلَّةِ فِي نَحْوِ الْفَرْجِ إنْ تَعَيَّنَ النَّظَرُ وَإِلَّا فَيَكْتَفِي بِوَصْفِ النِّسَاءِ إذْ نَظَرُهُمْ لِلْفَرْجِ أَخَفُّ مِنْ الرَّجُلِ (وَ) يَجِبُ كَفُّ (الْقَلْبِ عَنْ الْفَوَاحِشِ) جَمْعُ فَاحِشَةٍ: كُلُّ مُسْتَقْبَحٍ عَظُمَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَيَحْرُمُ الْعَزْمُ عَلَى قَبِيحٍ مِنْهُمَا، ثُمَّ بَيَّنَ بَعْضَ الْقَبِيحِ الَّذِي يَجِبُ كَفُّ الْقَلْبِ عَنْهُ اعْتِنَاءً بِهِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ الْكَثِيرَةِ دُنْيَا وَأُخْرَى بِقَوْلِهِ: (كَالْحِقْدِ) التَّصْمِيمُ عَلَى الْبَغْضَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَنْ يُجَنِّبَهُ مُخَالَطَةَ مَا لَا يَحِلُّ لِلْمُكَلَّفِ مُخَالَطَتُهُ] : أَيْ وَمِنْ ذَلِكَ التَّفْرِقَةُ فِي الْمَضَاجِعِ وَزَجْرُهُ عَنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ يَجِبُ لِإِصْلَاحِ حَالِهِ] : أَيْ وَيَظْهَرُ الْوُجُوبُ فِي مِثْلِ إبْعَادِهِ عَنْ نَحْوِ اللِّوَاطِ. قَوْلُهُ: [وَالْجَوَارِحُ] : مُبْتَدَأٌ وَسَبْعَةٌ خَبَرُهُ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ. قَوْلُهُ: [أَنْ يَقِيَهَا أَبْوَابَ جَهَنَّمِ] : أَيْ طَبَقَاتِهَا. قَوْلُهُ: [عَمَّنْ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهَا] إلَخْ: عِبَارَةٌ رَكِيكَةٌ وَالْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ وَيَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ عَنْ كُلِّ مَنْ يُمَيِّزُ الْعَوْرَةَ غَيْرَ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا. قَوْلُهُ: [إلَخْ تَفْصِيلُهَا] أَيْ الْعَوْرَةُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَيُكْتَفَى بِوَصْفِ النِّسَاءِ] : أَيْ فِي مِثْلِ عُيُوبِ الْفَرْجِ. قَوْلُهُ: [إذْ نَظَرُهُمْ] : الْمُنَاسِبُ نَظَرُهُنَّ. قَوْلُهُ: [مِنْهُمَا] : أَيْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَإِنَّمَا حَرُمَ الْعَزْمُ؛ لِأَنَّهُ يُكْتَبُ عَلَى الْعَبْدِ خَيْرًا أَوْ شَرًّا.

(وَالْحَسَدِ) تَمَنِّي زَوَالِ نِعْمَةِ الْمَحْسُودِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ وَالْعُشْبَ» . (وَالْكِبْرِ) : رَدُّ الْحَقِّ عَلَى قَائِلِهِ وَاحْتِقَارُ النَّاسِ، وَالتَّكَبُّرُ: إظْهَارُ الْعَظَمَةِ وَرُؤْيَةُ الْغَيْرِ حَقِيرًا بِالنِّسْبَةِ لَهُ فَيَصِيرُ صِفَتُهُ الْعُجْبَ قَالَ الشَّعْرَانِيُّ: إنَّ إبْلِيسَ إذَا ظَفِرَ مِنْ ابْنِ آدَمَ بِإِحْدَى أَرْبَعٍ قَالَ لَا أَطْلُبُ مِنْهُ غَيْرَهَا: إعْجَابُهُ بِنَفْسِهِ، وَاسْتِكْثَارُ عَمَلِهِ، وَنِسْيَانُهُ ذُنُوبَهُ، وَزِيَادَةُ الشِّبَعِ وَهُوَ أَعْظَمُهَا، لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ تَنْشَأُ عَنْهُ. (وَظَنِّ السُّوءِ) : فَإِنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ بَابُ تَمَكُّنِ الشَّيْطَانِ مِنْ الْقَلْبِ حَتَّى يُفْسِدَهُ وَيُتْعِبَ صَاحِبَهُ وَيَنْشَأَ عَنْهُ بُغْضُ الْمَظْنُونِ بِهِ سُوءٌ، وَيَحْصُلُ بَيْنَهُمَا خَلَلٌ كَثِيرٌ، وَرُبَّمَا كَانَ بَرِيئًا فَيَزْدَادُ إثْمُ الظَّانِّ وَخُصُوصًا فِي مِثْلِ أَهْلِهِ وَلَيْسَ شَيْءٌ أَحْسَنَ مِنْ اتِّبَاعِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَزَقَنَا اتِّبَاعَهُ بِجَاهِهِ عِنْدَ رَبِّهِ. (وَ) تَجِبُ (التَّوْبَةُ مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ، وَالتَّوْبَةُ هِيَ لُغَةً: مُطْلَقُ الرُّجُوعِ، وَشَرْعًا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَيَصِيرُ صِفَتُهُ الْعُجْبَ] : أَيْ فَبَيْنَ الْعُجْبِ وَالْكِبَرِ تَلَازُمٌ. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ] : قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات: 12] الْآيَةَ. قَوْلُهُ: [خُصُوصًا فِي مِثْلِ أَهْلِهِ] : أَيْ أَهْلِ الظَّانِّ كَالزَّوْجَةِ. قَوْلُهُ: [مِنْ اتِّبَاعِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ] : بِأَنْ يَزِنَ صَاحِبَهُ بِمِيزَانِ الشَّرْعِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ. قَوْلُهُ: [مِنْ ذَلِكَ الْمَذْكُورِ] : أَيْ الَّذِي هُوَ الْفَوَاحِشُ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ.

[بعض الواجبات الشرعية]

(وَهِيَ النَّدَمُ وَالْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ) النَّدَمُ رُكْنٌ مِنْهَا كَمَا قَالَ، وَشَرْطُهُ: أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ، لَا لِكَوْنِ الْمَعْصِيَةِ فِيهَا ضَرَرٌ لِبَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ. وَالنَّدَمُ يَسْتَلْزِمُ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ: مِنْ الْإِقْلَاعِ عَنْ الذَّنْبِ حَالَ التَّوْبَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ. وَأَمَّا رَدُّ الْمَظَالِمِ لِأَهْلِهَا فَوَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّوْبَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْ بَعْضِ الذُّنُوبِ مَعَ تَلَبُّسِهِ بِغَيْرِ مَا تَابَ مِنْهُ. وَإِذَا عَزَمَ أَنْ لَا يَعُودَ، ثُمَّ قَدَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَادَ أَوْ ارْتَكَبَ غَيْرَهُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ وَلَوْ كَثُرَ مِنْهُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ: (وَ) يَجِبُ (تَجْدِيدُهَا لِكُلِّ مَا اقْتَرَفَ) فَيَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَصَابَ ذَنْبًا فَنَدِمَ عَلَيْهِ غُفِرَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ» . (وَ) يَجِبُ (الْخَوْفُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى) الْخَوْفُ: تَأَلُّمُ الْقَلْبِ بِسَبَبِ تَوَقُّعِ مَكْرُوهٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَيَجِبُ التَّأَلُّمُ لِئَلَّا يَقَعَ عِقَابٌ فِي الْآخِرَةِ أَوْ الدُّنْيَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [رُكْنٌ مِنْهَا] : أَيْ لِأَنَّهُ دَاخِلُ الْمَاهِيَّةِ خِلَافًا لِمَنْ عَدَّهُ مِنْ الشُّرُوطِ فَإِنَّهُ مُعْتَرَضٌ بِأَنَّ الشَّرْطَ مَا كَانَ خَارِجَ الْمَاهِيَّةِ. قَوْلُهُ: [أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ] : أَيْ أَنْ يَكُونَ خَوْفًا مِنْ اللَّهِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا رَدُّ الْمَظَالِمِ لِأَهْلِهَا] : أَيْ بِالْفِعْلِ وَأَمَّا مَنْ عَدَّهُ مِنْ الشُّرُوطِ فَهُوَ نَاظِرٌ لِلْعَزْمِ عَلَى الرَّدِّ لَا لِلرَّدِّ بِالْفِعْلِ. قَوْلُهُ: [مَعَ تَلَبُّسِهِ بِغَيْرِ مَا تَابَ مِنْهُ] : أَيْ وَقَوْلُهُمْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِقْلَاعِ فِي الْحَالِ بِاعْتِبَارِ الذَّنْبِ الَّذِي تَابَ مِنْهُ. قَوْلُهُ: [فَعَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ] : أَيْ تَوْبَةً لِلذَّنْبِ الْجَدِيدِ، وَأَمَّا الذَّنْبُ الْأَوَّلُ فَقَدْ مُحِيَ وَلَا يَعُودُ بِالرُّجُوعِ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَلَا انْتِقَاضَ إنْ يَعُدْ فِي الْحَالِ لَكِنْ يُجَدِّدُ تَوْبَةً لِمَا اقْتَرَفَ قَوْلُهُ: [فَنَدِمَ عَلَيْهِ] : أَيْ لِأَنَّ النَّدَمَ الصَّحِيحَ تَوْبَةٌ كَمَا وَرَدَ فَيَحْصُلُ بِهِ غُفْرَانُ الذُّنُوبِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْفِرْ. [بَعْض الْوَاجِبَات الشَّرْعِيَّة] قَوْلُهُ: [بِسَبَبِ تَوَقُّعِ مَكْرُوهٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ] : أَيْ وَأَمَّا تَأَلُّمُ الْقَلْبِ مِمَّا حَصَلَ فَيُقَالُ لَهُ حُزْنٌ وَيُرَادِفُ الْخَوْفَ بِهَذَا الْمَعْنَى الْهَمُّ.

وَأَعْظَمُهُ لِجَلَالِ اللَّهِ. (وَ) يَجِبُ (الرَّجَاءُ) بِالْمَدِّ وَضَمِيرُ (فِيهِ) يَعُودُ لِلَّهِ: أَيْ الطَّمَعُ فِي رَحْمَتِهِ مَعَ حُسْنِ الطَّاعَةِ، إذْ لَا يَصِحُّ مَعَ تَرْكِ الْأَخْذِ فِي أَسْبَابِ الطَّاعَةِ. (وَ) يَجِبُ (صِلَةُ الرَّحِمِ) وَقَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِهَا وَمَا يُعَيِّنُ عَلَيْهَا وَيُحَذِّرُ مِنْ تَرْكِهَا، كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ ذَنْبٌ بَعْدَ الشِّرْكِ أَعْظَمَ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ حَتَّى إنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ يَكُونُونَ فَجَرَةً لَكِنْ يَتَوَاصَلُونَ فَيُبَارَكُ لَهُمْ فَتَزِيدُ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ» . (وَ) يَجِبُ (بِرُّ الْوَالِدَيْنِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَعْظَمُهُ لِجَلَالِ اللَّهِ] : أَيْ وَهُوَ خَوْفُ الْأَنْبِيَاءِ وَكُلُّ مَنْ كَانَ عَلَى قِدَمِهِمْ. قَوْلُهُ: [لَا يَصِحُّ مَعَ تَرْكِ الْأَخْذِ فِي أَسْبَابِ الطَّاعَةِ] : أَيْ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُسَمَّى رَجَاءً بَلْ طَمَعٌ مَذْمُومٌ وَذَلِكَ كَطَمَعِ إبْلِيسَ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ. قَوْلُهُ: [وَقَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِهَا] : أَعْظَمُ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} [الرعد: 21] الْآيَةَ، وَأَعْظَمُ مَا وَرَدَ فِي التَّحْذِيرِ مِنْ تَرْكِهَا قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} [الرعد: 25] الْآيَةَ. قَوْلُهُ: [وَيَجِبُ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ] : أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] إلَخْ مَا ذُكِرَ فِي تِلْكَ السُّورَةِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، حِينَ سُئِلَ عَنْ «أَيِّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ فِي وَقْتِهَا، قِيلَ ثُمَّ أَيِّ قَالَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى بِرِّهِمَا وَحَرَّمَتْ عُقُوقَهُمَا لِمَا فِي الْحَدِيثِ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا. قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: إنَّ «مَنْ فَاتَهُ بِرُّ وَالِدَيْهِ فِي حَيَاتِهِمَا يُصَلِّي لَيْلَةَ الْخَمِيسِ رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ بَعْدَهَا آيَةُ الْكُرْسِيِّ خَمْسَ مَرَّاتٍ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ خَمْسَ مَرَّاتٍ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ خَمْسَ مَرَّاتٍ فَإِذَا سَلَّمَ مِنْهُمَا اسْتَغْفَرَ اللَّهَ خَمْسَ عَشَرَةَ مَرَّةً ثُمَّ وَهَبَ ذَلِكَ لِأَبَوَيْهِ فَإِنَّهُ يُدْرِكُ بِرَّهُمَا بِذَلِكَ» أَفَادَهُ النَّفْرَاوِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ.

وَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ تَفْضُلُ عَلَى الْأَبِ فِي الْبِرِّ وَلَوْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ أَوْ فَاسِقَيْنِ بِالْجَوَارِحِ أَوْ بِسَبَبِ الِاعْتِقَادِ. وَيَكُونُ الْبِرُّ بِالْقَوْلِ اللَّيِّنِ الدَّالِّ عَلَى مَحَبَّتِهِمَا بِأَنْ يَقُولَ لَهُمَا مَا يَنْفَعُهُمَا فِي أَمْرِ دِينِهِمَا وَدُنْيَاهُمَا بِدُونِ رَفْعِ صَوْتٍ عَلَيْهِمَا وَيَقُودُ الْأَعْمَى مِنْهُمَا - وَلَوْ كَافِرًا - لِلْكَنِيسَةِ وَيَحْمِلُهُمَا لَهَا، وَيُعْطِيهِمَا مَا يُنْفِقَانِهِ فِي أَعْيَادِهِمَا لَا مَا يُنْفِقَانِهِ فِي الْكَنِيسَةِ أَوْ لِلْقِسِّيسِ، وَيُطِيعُ الْوَالِدَيْنِ فِي الْمُبَاحِ وَالْمَكْرُوهِ. نَعَمْ قَالُوا: لَا يُطِيعُ فِي تَرْكِ سُنَّةٍ أَوْ رَغِيبَةٍ عَلَى الدَّوَامِ كَالْوِتْرِ وَالْفَجْرِ وَلَا فِي تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مَعْصِيَةٍ. وَمِنْ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ: أَنْ لَا يُحَاذِيَهُمَا فِي الْمَشْيِ وَلَا يَجْلِسَ إلَّا بِإِذْنِهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ تَفْضُلُ عَلَى الْأَبِ فِي الْبِرِّ] : لِأَنَّ نِسْبَةَ الْوَلَدِ لِلْأُمِّ مُحَقَّقَةٌ وَلِلْأَبِ ظَنِّيَّةٌ وَلِتَأَلُّمِهَا فِي حَمْلِهِ وَفِصَالِهِ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ] : أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] الْآيَةَ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُمَا مُشْرِكَانِ غَيْرُ حَرْبِيَّيْنِ وَإِلَّا فَيَجِبُ اجْتِنَابُهُمَا وَلَهُ قَتْلُهُمَا حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: [بِالْجَوَارِحِ] : أَيْ الظَّاهِرَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ بِسَبَبِ الِاعْتِقَادِ] : أَيْ بِأَنْ كَانَ فِسْقُهُمَا مُتَعَلِّقًا بِالْعَقَائِدِ كَالْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ. قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَافِرًا لِلْكَنِيسَةِ] : مُرْتَبِطٌ بِمَا بَعْدَ الْمُبَالَغَةِ كَأَنَّهُ قَالَ يَقُودُ الْأَعْمَى لِمَصَالِحِهِ، هَذَا إذَا كَانَ مُسْلِمًا بَلْ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَيَقُودُهُ لِمَطْلُوبِهِ وَإِنْ كَانَ لِلْكَنِيسَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَا فِي تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مَعْصِيَةٍ] : أَيْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» . قَوْلُهُ: [أَنْ لَا يُحَاذِيَهُمَا فِي الْمَشْيِ] : أَيْ فَضْلًا عَلَى التَّقَدُّمِ عَلَيْهِمَا إلَّا لِضَرُورَةٍ نَحْوِ ظَلَامٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَجْلِسُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا] : أَيْ وَلَا يَقُومُ إلَّا كَذَلِكَ وَلَا يَسْتَقْبِحُ مِنْهُمَا نَحْوَ الْبَوْلِ عِنْدَ كِبَرِهِمَا أَوْ مَرَضِهِمَا وَبِالْجُمْلَةِ فَيَجِبُ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ بِالْقَوْلِ وَالْجَسَدِ بِالْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ.

وَفِي الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ خِلَافٌ الظَّاهِرُ " لَا " (وَ) يَجِبُ (الدُّعَاءُ لَهُمَا) قَالَ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا} [الإسراء: 24] الْآيَةَ أَيْ أَنْعِمْ عَلَيْهِمَا. وَمِنْ جُمْلَتِهِ غَفْرُ الذَّنْبِ، وَيُسْتَحَبُّ التَّصَدُّقُ عَنْ الْوَالِدَيْنِ وَيَنْتَفِعَانِ بِهَا كَالدُّعَاءِ وَالْقِرَاءَةِ كَانَتْ عَلَى الْقَبْرِ أَوْ لَا وَتَلْزَمُ الْإِجَارَةُ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَيُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ قَبْرِهِمَا كُلَّ جُمُعَةٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا كُلَّ جُمُعَةٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَكُتِبَ بَارًّا» (وَ) تَجِبُ (مُوَالَاةُ الْمُسْلِمِينَ) بِالْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ فَيُحِبُّهُمْ وَيَسْعَى لَهُمْ فِي نَحْوِ الْوَلِيمَةِ وَالتَّعْزِيَةِ. (وَ) تَجِبُ (النَّصِيحَةُ لَهُمْ) : أَيْ لِلْمُسْلِمِينَ فَرْضُ عَيْنٍ؛ بِأَنْ يُرْشِدَهُمْ إلَى مَصَالِحِهِمْ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ بِرِفْقٍ وَهِيَ وَاجِبَةٌ طَلَبُوا ذَلِكَ أَمْ لَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الظَّاهِرُ لَا] : قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ الَّذِي عِنْدِي أَنَّهُمْ لَا يَبْلُغُونَ مَبْلَغَ الْآبَاءِ. قَوْلُهُ: [وَيُسْتَحَبُّ التَّصَدُّقُ] إلَخْ: مَحَلُّ اسْتِحْبَابِ مَا ذُكِرَ إنْ كَانَا مُؤْمِنَيْنِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [وَيَنْتَفِعَانِ بِهَا] : وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ، وَعَدَّ مِنْهَا دُعَاءَ الْوَلَدِ الصَّالِحِ» ، وَمَحَلُّ طَلَبِ الدُّعَاءِ لَهُمَا إنْ كَانَا مُؤْمِنَيْنِ لَا إنْ كَانَا كَافِرَيْنِ فَيَحْرُمُ لِآيَةِ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} [التوبة: 113] الْآيَةَ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي اسْتِغْفَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ وَاسْتِغْفَارِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ لِأَبَوَيْهِ الْمُشْرِكَيْنِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْوُجُوبَ يَحْصُلُ وَلَوْ بِمَرَّةٍ فِي عُمْرِهِ مَعَ قَصْدِهِ أَدَاءَ الْوَاجِبِ كَمَا تَكْفِي الْمَرَّةُ فِي وُجُوبِ الِاسْتِغْفَارِ لِلسَّلَفِ الصَّالِحِ كَمَا قَالَهُ النَّفْرَاوِيُّ اسْتِظْهَارًا. قَوْلُهُ: [طَلَبُوا ذَلِكَ أَمْ لَا] : لَكِنَّ مَحَلَّ الْوُجُوبِ إنْ ظَنَّ الْإِفَادَةَ لِأَنَّهُ مِنْ

وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» (وَحَرُمَ أَذَاهُمْ) أَيْ الْمُسْلِمِينَ. (وَكَذَا أَهْلُ الذِّمَّةِ) وَالْمُعَاهَدُونَ يَحْرُمُ أَذَاهُمْ (فِي نَفْسٍ) بِجُرْحٍ أَوْ ضَرْبٍ فَأَوْلَى بِقَتْلٍ (أَوْ مَالٍ) : كُلُّ مَا يُمْلَكُ شَرْعًا وَلَوْ قَلَّ (أَوْ عِرْضٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَوْضِعُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ مِنْ الْإِنْسَانِ كَالْحَسَبِ وَالنَّسَبِ وَظَاهِرُهُ يَعُمُّ عِرْضَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُعَاهَدِينَ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْله تَعَالَى {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83] وَقِيلَ: لَا شَيْءَ فِي عِرْضِ الْكَافِرِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ. وَقَالَ بِالْأَوَّلِ: ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ: وَالنَّفْسُ أَمْيَلُ إلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ. قَوْلُهُ: [قَالَ لِلَّهِ] إلَخْ: النَّصِيحَةُ لِلَّهِ هِيَ تَوْحِيدُهُ وَالْإِخْلَاصُ لَهُ. وَقَوْلُهُ: [وَلِكِتَابِهِ] : وَهُوَ الْعَمَلُ بِهِ. وَقَوْلُهُ: [وَلِرَسُولِهِ] : أَيْ وَهُوَ حُبُّهُ وَاتِّبَاعُهُ. وَقَوْلُهُ: [وَلِلْأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ] : أَيْ وَهُوَ امْتِثَالُ أَمْرِهِمْ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ. وَقَوْلُهُ: [وَعَامَّتِهِمْ] : أَيْ وَهُوَ إرْشَادُهُمْ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [وَالْمُعَاهِدُ] : أَيْ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَهْلُ الذِّمَّةِ فَالتَّصْرِيحُ بِهِ زِيَادَةٌ فِي الْإِيضَاحِ. قَوْلُهُ: [كَالْحَسَبِ] : أَيْ وَهُوَ مَا يُعَدُّ مِنْ مَفَاخِرِ الْآبَاءِ. قَوْلُهُ: [وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا] : أَيْ وَلَفْظُ النَّاسِ عَامٌّ يَشْمَلُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ. قَوْلُهُ: [وَقِيلَ لَا شَيْءَ فِي عِرْضِ الْكَافِرِ] : أَيْ لَا إثْمَ. قَوْلُهُ: [وَقَالَ بِالْأَوَّلِ ابْنُ وَهْبٍ] : أَيْ بِأَنَّ الْإِثْمَ فِي عِرْضِ الْكَافِرِ لَكِنْ لَا يَبْلُغُ بِهِ كَالْإِثْمِ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ قَذْفَ الْمُسْلِمِ الْعَفِيفِ فِيهِ الْحَدُّ بِخِلَافِ الْكَافِرِ.

[بعض المحرمات الشرعية]

(أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) كَأَذِيَّةِ زَوْجَةٍ أَوْ وَلَدٍ بِالنَّظَرِ لِلزَّوْجِ وَالْوَالِدِ وَأَمَّا بِالنَّظَرِ لَهُمَا فَدَاخِلَانِ فِي النَّفْسِ إلَخْ تَأَمَّلْ. (إلَّا) إذَا كَانَ الْإِيذَاءُ فِي النَّفْسِ أَوْ الْمَالِ أَوْ الْعِرْضِ مِنْ (مَا أَمَرَ بِهِ الشَّرْعُ مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ) فَفِيهِ أَذِيَّةُ النَّفْسِ وَلَا يَحْرُمُ أَوْ اسْتِهْلَاكُ مَالٍ فَيَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ أَوْ يَكُونُ مُبْتَدِعًا أَوْ فَاسِقًا فَيَتَكَلَّمُ فِيهِ، وَلَا يَحْرُمُ إنْ تَجَاهَرَ (لِمُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ) : بِقَتْلٍ أَوْ زِنًا أَوْ فِسْقٍ. (وَ) حَرُمَ التَّلَذُّذُ بِ (سَمَاعِ صَوْتِ أَجْنَبِيَّةٍ) : لَيْسَتْ زَوْجَةً وَلَا أَمَةً وَمِنْهُمَا جَائِزٌ - وَلَوْ كَانَ شَأْنُهُ لَا يَصْدُرُ إلَّا مِنْ نَحْوِ الْغَوَازِي - إذْ جِمَاعُهُمَا الْأَعْظَمُ جَائِزٌ. وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ سَمَاعَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَلَوْ شَابَّةً جَمِيلَةً بِدُونِ قَصْدِ لَذَّةٍ يَجُوزُ وَهُوَ الرَّاجِحُ. (أَوْ أَمْرَدَ) : فَيَحْرُمُ التَّلَذُّذُ وَقَصْدُهُ بِسَمَاعِ صَوْتِهِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ. (أَوْ بِالنَّظَرِ إلَيْهِمَا) أَيْ وَيَحْرُمُ التَّلَذُّذُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِمَا فِي غَيْرِ الْعَوْرَةِ إذْ فِيهَا يَحْرُمُ وَلَوْ بِدُونِ قَصْدِ لَذَّةٍ. وَالْعَوْرَةُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مَعْلُومَةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِهَا. (أَوْ سَمَاعِ الْمَلَاهِي - إلَّا مَا تَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ - أَوْ بِالْغِنَاءِ) : أَيْ يَحْرُمُ سَمَاعُ الْغِنَاءِ بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مَعَ الْمَدِّ وَهُوَ الصَّوْتُ الَّذِي يُطْرِبُ السَّامِعَ. وَأَمَّا بِالْمَدِّ مَعَ الْفَتْحِ: فَهُوَ النَّفْعُ، وَبِالْكَسْرِ مَعَ الْقَصْرِ الْيَسَارُ: مُقَابِلُ الْفَقْرِ وَأَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [بِالنَّظَرِ لِلزَّوْجِ وَالْوَالِدِ] : مَعْنَاهُ لَا يُؤْذِي الرَّجُلَ فِي زَوْجَتِهِ بِأَنْ يَخُونَهُ فِيهَا وَلَوْ بِرِضَاهَا وَلَا الْوَالِدَ فِي وَلَدِهِ بِأَنْ يَخُونَهُ فِيهِ. قَوْلُهُ: [فَفِيهِ أَذِيَّةُ النَّفْسِ] إلَخْ: لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ مَعَ ثِقَلٍ فِي التَّرْكِيبِ لَا يَخْفَى. قَوْلُهُ: [فَيَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ] : أَيْ مِنْ مَالِ ذَلِكَ الظَّالِمِ مِثْلَ مَا اسْتَهْلَكَهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ جَهِلَ قَدْرَهُ. وَقَوْلُهُ: [أَوْ قِيمَتَهُ] : أَيْ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا عُلِمَ قَدْرُهُ. [بَعْض الْمُحْرِمَات الشَّرْعِيَّة] قَوْلُهُ: [بِسَمَاعِ صَوْتٍ] : مُتَعَلِّقٌ بِيَحْرُمُ تَنَازَعَهُ كُلٌّ مِنْ التَّلَذُّذِ وَقَصْدِهِ. قَوْلُهُ: [إلَّا مَا تَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ] : أَيْ وَمِنْ ذَلِكَ الْغِرْبَالُ وَهُوَ الدُّفُّ الْمَعْرُوفُ بِالطَّارِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُهُ وَسَمَاعُهُ فِي النِّكَاحِ، وَأَمَّا الْكَبَرُ وَهُوَ الطَّبْلُ الْكَبِيرُ وَالْمِزْهَرُ فَفِيهِمَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَتَقَدَّمَ بَسْطُ الْكَلَامِ فِي الْوَلِيمَةِ. قَوْلُهُ: [فَهُوَ النَّفْعُ] : قَالَ صَاحِبُ الْهَمْزَةِ:

بِضَمِّ الْغَيْنِ فَلَحْنٌ لَيْسَ لَهُ مَعْنَى (الْمُشْتَمِلِ عَلَى مُحَرَّمٍ) : فَإِنْ لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى مُحَرَّمٍ فَمَكْرُوهٌ مَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى مَدْحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ فَيُنْدَبُ. (وَاللَّهْوُ) كَاللَّعِبِ بِالنَّرْدِ الْمُسَمَّى فِي مِصْرَ بِالطَّاوِلَةِ فَيَحْرُمُ كَانَ بِعِوَضٍ أَوْ بِدُونِهِ، لِأَنَّهُ يُوقِعُ الْعَدَاوَةَ وَيَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ، وَكَالشِّطْرَنْجِ وَالسِّيجَةِ وَالطَّابِ وَالْمَنْقَلَةِ وَاسْتَظْهَرَ بَعْضٌ كَرَاهَةَ الْمَنْقَلَةِ وَالطَّابِ. وَمَحَلُّهُ بِدُونِ عِوَضٍ وَاشْتِمَالٍ عَلَى مُحَرَّمٍ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ اتِّفَاقًا. (وَاللَّعِبُ إلَّا مَا مَرَّ فِي الْمُسَابَقَةِ) مِنْ جَوَازِهَا بِالْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالسَّهْمِ بِجُعْلٍ كَبِغَيْرِ الثَّلَاثَةِ بِغَيْرِ جُعْلٍ كَمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ. (وَ) يَحْرُمُ (قَوْلُ الزُّورِ) يُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ شَهَادَةُ الزُّورِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: (وَالْبَاطِلُ) أَعَمُّ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَتَكُونُ شَهَادَةُ الزُّورِ دَاخِلَةً فِيهِ وَهِيَ مِنْ الْكَبَائِرِ، أَنْ يَشْهَدَ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ وَلَوْ وَافَقَ الْوَاقِعَ. (وَ) يَحْرُمُ (الْكَذِبُ) : اعْلَمْ أَنَّهُ تَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقُلْنَ مَا لِلْيَتِيمِ عَنَّا غَنَاءٌ قَوْلُهُ: [فَيُنْدَبُ] : مِثْلُهُ الْقَصَائِدُ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَالْعِشْقِ فِي الْحَضْرَةِ الْعَلِيَّةِ فَإِنَّهَا مَحْمَلُ حَدِيثِ: «إنَّ مِنْ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً» . قَوْلُهُ: [وَاللَّهْوُ حَرَامٌ كَاللَّعِبِ] : أَيْ وَهُوَ مَعْنَى الْمَيْسِرِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ. قَوْلُهُ: [وَكَالشِّطْرَنْجِ] إلَخْ: آلَاتٌ لِلَّهْوِ مَشْهُورَةٌ يُسْأَلُ عَنْهَا أَرْبَابُهَا. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَيَحْرُمُ اتِّفَاقًا] : أَيْ بِأَنْ كَانَ بِجُعْلٍ أَوْ اشْتَمَلَ عَلَى مُحَرَّمٍ. قَوْلُهُ: [إلَّا مَا مَرَّ فِي الْمُسَابَقَةِ] : أَيْ لِخَبَرِ: «كُلُّ لَهْوٍ يَلْهُو بِهِ الْمُؤْمِنُ بَاطِلٌ إلَّا مُلَاعَبَةَ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ، وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ، وَرَمْيَهُ عَنْ قَوْسِهِ» . قَوْلُهُ: [وَهِيَ مِنْ الْكَبَائِرِ] إلَخْ: أَيْ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا؟ قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ؛ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ ثُمَّ قَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ أَلَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ» . قَوْلُهُ: [أَنْ يَشْهَدَ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ] : أَيْ وَمِنْ بَابِ أَوْلَى أَنْ يَشْهَدَ بِمَا يَعْلَمُ خِلَافَهُ.

فَيَكُونُ وَاجِبًا لِإِنْقَاذِ نَفْسٍ مَعْصُومَةٍ أَوْ مَالٍ مَعْصُومٍ مِنْ ظَالِمٍ، حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّتَّائِيِّ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ النَّاصِرِ. وَقِسْمٌ حَرَامٌ تُكَفِّرُهُ التَّوْبَةُ: كَالْإِخْبَارِ عَنْ شَيْءٍ بِغَيْرِ مَا هُوَ عَلَيْهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَمِنْ الْكَذِبِ الْحَرَامِ: الثَّنَاءُ عَلَى الْغَيْرِ بِمَا لَيْسَ فِيهِ، وَالْعُزُومَةُ عَلَى الْغَيْرِ بِاللِّسَانِ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يَعْزِمْ بِقَلْبِهِ، بَلْ قَالَ فَانْزِلْ عِنْدَنَا حَيَاءً لَعَلَّهُ يَمْتَنِعُ. أَوْ يَقْتَطِعُ بِهِ حَقَّ امْرِئٍ غَيْرَ حَرْبِيٍّ، فَتَجِبُ مِنْهُ التَّوْبَةُ وَرَدُّهُ أَوْ الْمُسَامَحَةُ. وَيَكُونُ مَنْدُوبًا: كَإِخْبَارِ الْكُفَّارِ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ فِيهِمْ قُوَّةٌ. وَيَكُونُ مَكْرُوهًا: كَالْكَذِبِ لِلزَّوْجَةِ. وَقِيلَ: مُبَاحٌ، كَالْكَذِبِ لِلْإِصْلَاحِ بَيْنَ مُتَشَاحِنِينَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (إلَّا لِضَرُورَةٍ) . (وَ) يَحْرُمُ (هِجْرَانُ) الشَّخْصِ (الْمُسْلِمِ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ) بِأَيَّامِهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» فَمَنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَهُوَ جُرْحَةٌ فِي شَهَادَتِهِ. وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ هِجْرَانَ الثَّلَاثِ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، بَلْ مَكْرُوهٌ وَلَمَّا كَانَ طَبْعُ الْإِنْسَانِ الْغَضَبَ وَسَّعَ لَهُ الشَّارِعُ فِي الثَّلَاثِ دُونَ الزَّائِدِ. (إلَّا لِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ) فَلَا يَحْرُمُ وَلَيْسَ جُرْحَةً: كَهَجْرِ الشَّيْخِ وَالْوَالِدِ وَالزَّوْجِ عِنْدَ ارْتِكَابِ مَا لَا يَنْبَغِي. وَأَمَّا هَجْرُ ذِي بِدْعَةٍ مُحَرَّمَةٍ فَوَاجِبٌ، كَأَهْلِ الِاعْتِزَالِ وَالْمَكْسِ وَالظُّلْمَةِ إلَّا لِخَوْفِ ضَرَرٍ، وَأَمَّا صَاحِبُ بِدْعَةٍ مَكْرُوهَةٍ، كَتَطْوِيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَيَحْرُمُ هِجْرَانُ الشَّخْصِ الْمُسْلِمِ] : أَيْ لَا الْكَافِرِ فَلَا يَحْرُمُ هَجْرُهُ بَلْ هُوَ الْوَاجِبُ لِحُرْمَةِ مُوَالَاتِهِ. قَوْلُهُ: [بَلْ مَكْرُوهٌ] : وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلَى الرِّسَالَةِ بَلْ هُوَ جَائِزٌ. قَوْلُهُ: [إلَّا لِخَوْفِ ضَرَرٍ] : أَيْ فَيُدَارِيهِمْ بِظَاهِرِهِ مَعَ هَجْرِهِمْ بِبَاطِنِهِ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا صَاحِبُ بِدْعَةٍ مَكْرُوهَةٍ] : أَيْ فَالْبِدْعَةُ تَعْتَرِيهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ: الْوُجُوبُ كَتَدْوِينِ الْكُتُبِ، وَالنَّدْبُ كَإِحْدَاثِ الْمَدَارِسِ، وَالْكَرَاهَةُ كَتَطْوِيلِ الثِّيَابِ، وَالْإِبَاحَةُ كَاِتِّخَاذِ الْمَنَاخِلِ وَالتَّوَسُّعِ فِي الْمَأْكَلِ، وَالْحُرْمَةُ كَالْمُكُوسِ.

الثِّيَابِ، فَقِيلَ: هَجْرُهُ مَنْدُوبٌ، وَقِيلَ: مُبَاحٌ. (وَالسَّلَامُ يُخْرِجُ مِنْهُ) : أَيْ مِنْ الْهِجْرَانِ إنْ نَوَى بِهِ الْخُرُوجَ وَإِلَّا كَانَ نِفَاقًا، (وَلَا يَنْبَغِي تَرْكُ كَلَامِهِ بَعْدَ ذَلِكَ) : أَيْ بَعْدَ السَّلَامِ الْمَنْوِيِّ بِهِ الْخُرُوجُ؛ لِأَنَّ فِي التَّرْكِ ظَنَّ سُوءٍ بِهِ مِنْ بَقَائِهِ عَلَى الْهِجْرَانِ، فَإِنْ تَرَكَ كَلَامَهُ بَعْدَ السَّلَامِ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَهَجْرٌ جَدِيدٌ لَا يَحْرُمُ إلَّا إنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَإِنْ سَلَّمَ نَاوِيًا الْخُرُوجَ خَرَجَ وَهَكَذَا تَأَمَّلْ. (وَ) يَحْرُمُ عَلَى الرَّاجِحِ وَقِيلَ يُكْرَهُ (أَكْلُ كَثُومٍ) بِالْمُثَلَّثَةِ وَبِالْفَاءِ كَمَا فِي الْقُرْآنِ. أَدْخَلَتْ الْكَافُ كُلَّ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ كَبَصَلٍ نَيْءٍ غَيْرِ مَطْبُوخٍ أَوْ لَمْ تَذْهَبْ رَائِحَتُهُ بِخَلٍّ وَإِلَّا فَلَا يُمْنَعُ (فِي مَسْجِدٍ) كَانَ مَسْجِدَ خُطْبَةٍ أَمْ لَا (أَوْ دُخُولِهِ، لِأَكْلِهِ) فَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ أَكَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَحَدٌ (وَ) يَحْرُمُ (حُضُورُهُ) : أَيْ آكِلِ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ الْفُجْلُ حَيْثُ كَانَ يَتَجَشَّأُ مِنْهُ (مَجَامِعَ الْمُسْلِمِينَ) : كَمُصَلَّى عِيدٍ، وَحِلَقِ ذِكْرٍ وَعِلْمٍ وَوَلِيمَةٍ وَمِثْلُ أَكْلِ ذَلِكَ مَنْ بِهِ جُرْحٌ لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ أَوْ فِيهِ صُنَانٌ اُحْتُرِزَ بِالْمَسْجِدِ عَنْ السُّوقِ فَلَا يَحْرُمُ بَلْ يُكْرَهُ (وَيَنْبَغِي لِلْعَبْدِ) أَيْ يُسْتَحَبُّ لِمَا يَأْتِي أَنَّهُ مِنْ كَمَالِ الْإِيمَانِ (أَنْ يُحِبَّ لِأَخِيهِ) الْمُؤْمِنِ (مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) مِنْ الطَّاعَةِ وَالْأَشْيَاءِ الْمُبَاحَةِ كَالْمَلَابِسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَإِنْ سَلَّمَ نَاوِيًا الْخُرُوجَ خَرَجَ] : مَحَلُّ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَزِيدُ مَوَدَّةٍ وَاجْتِمَاعٍ عَلَى خَيْرٍ وَإِلَّا فَلَا يَكْفِي فِي الْخُرُوجِ السَّلَامُ وَحْدَهُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْعَوْدَةِ لِلْحَالَةِ الْأُولَى. قَوْلُهُ: [وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّاجِحِ] : أَيْ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا لِيُؤْذِيَنَا بِرِيحِ الثُّومِ» . قَوْلُهُ: [فَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ أَكَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ] : أَيْ مَا دَامَتْ الرَّائِحَةُ بَاقِيَةً، فَإِنْ أَزَالَهَا بِشَيْءٍ أَوْ زَالَتْ مِنْ نَفْسِهَا فَلَا مَنْعَ. قَوْلُهُ: [أَنْ يُحِبَّ لِأَخِيهِ] : اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا حَتَّى يَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَنَفْسِهِ أَفَادَهُ التَّتَّائِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ. قَوْلُهُ: [الْمُؤْمِنِ] : اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْكَافِرِ فَلَا يُحِبُّ لَهُ شَيْئًا مَا دَامَ كَافِرًا وَإِلَّا فَمِنْ الْإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ لَهُ الْإِسْلَامَ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَا يَتَمَنَّاهُ لِنَفْسِهِ.

[بعض المندوبات الشرعية]

الْحَسَنَةِ (وَهُوَ عَلَامَةُ كَمَالِ الْإِيمَانِ) لِمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» أَيْ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ إذْ أَصْلُ الْإِيمَانِ حَاصِلٌ بِتَصْدِيقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَ) يَنْبَغِي أَيْ يُسْتَحَبُّ لِلْعَبْدِ (أَنْ يَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَهُ) : أَيْ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ أَنْ يُسَامِحَ مَنْ تَعَدَّى عَلَيْهِ بِشَتْمٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ. (وَ) يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ (يَصِلَ مَنْ قَطَعَهُ) : أَيْ يَصِلَ مَوَدَّةَ مَنْ قَطَعَ مَوَدَّتَهُ عَنْهُ وَظَاهِرُهُ الْعُمُومُ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَصْرِهِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ. (وَ) يُنْدَبُ لِلْعَبْدِ أَنْ (يُعْطِيَ مَنْ حَرَمَهُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أَصِلَ مَنْ قَطَعَنِي وَأُعْطِيَ مَنْ حَرَمَنِي وَأَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنِي» . وَرُوِيَ: «يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ الَّذِينَ كَانَتْ أُجُورُهُمْ عَلَى اللَّهِ؟ فَلَا يَقُومُ إلَّا مَنْ عَفَا» وَرُوِيَ: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إنْفَاذِهِ مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ أَمْنًا وَإِيمَانًا» وَقَدْ يَعْرِضُ الْوُجُوبُ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِخَوْفِ مَفْسَدَةٍ. (وَ) يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ (أَنْ يُكْرِمَ جَارَهُ) : اعْلَمْ أَنَّ الْجَارَ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَعْض الْمَنْدُوبَات الشَّرْعِيَّة] قَوْلُهُ: [أَنْ يَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَهُ] إلَخْ: قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] وَقَالَ أَيْضًا: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [الشورى: 43] . قَوْلُهُ: [أَمَرَنِي رَبِّي] إلَخْ: أَيْ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: 134] الْآيَةَ الْأَصْلُ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ إلَّا لِدَلِيلٍ وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى خُصُوصِيَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَقَدْ يَعْرِضُ الْوُجُوبُ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ] : أَيْ الَّتِي هِيَ الْعَفْوُ عَمَّنْ ظَلَمَهُ وَوَصْلُ مَنْ قَطَعَهُ وَإِعْطَاءُ مَنْ حَرَمَهُ. قَوْلُهُ: [إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا] : أَيْ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ.

وَالْكَرَامَةُ تَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ أَوْ مَنْدُوبًا كَكَفِّ الْأَذَى وَدَفْعِ ضَرَرٍ لِقَادِرٍ وَالْبُشْرَى فِي وَجْهِهِ وَالْإِهْدَاءِ لَهُ. (وَ) أَنْ يُكْرِمَ (ضَيْفَهُ) مِنْ مَالَ إلَيْك نَازِلًا بِك وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ، وَسَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَلَهُ الْإِكْرَامُ بِكِفَايَةِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ فَرْشٍ وَمَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ وَتَجْهِيزِ مَاءٍ لِيَغْتَسِلَ بِهِ حِينَ نُزُولِهِ وَجُلُوسِ رَبِّ الدَّارِ دُونَ مَكَانِ الضَّيْفِ وَأَنْ يُلْقِمَهُ بِيَدِهِ فَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ مَعَ الضَّيْفِ فَلَقَمَهُ بِيَدِهِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ كُتِبَ لَهُ بِهِ عَمَلُ سَنَةٍ صِيَامُ نَهَارِهَا وَقِيَامُ لَيْلِهَا» . (وَلْيُحْسِنْ) الْعَبْدُ وُجُوبًا (إلَى نَفْسِهِ بِمَا يَقِيهَا مُوبِقَاتِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا) : كَلَامٌ جَامِعٌ وَاضِحٌ، نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ؛ وَيَطْلُبُ مِنْ الْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ (مُتَجَافِيًا) مُتَبَاعِدًا مُتَغَافِلًا (عَنْ عُيُوبِ غَيْرِهِ) : فَلَا يَظُنُّ بِغَيْرِهِ إلَّا خَيْرًا. (نَاظِرًا لِعُيُوبِ نَفْسِهِ، مُحَاسِبًا لَهَا) لِلنَّفْسِ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الذُّنُوبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [كَكَفِّ الْأَذَى] إلَخْ: لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ. قَوْلُهُ: [وَدَفْعِ ضَرَرٍ لِقَادِرٍ] : أَيْ بِالْيَدِ أَوْ اللِّسَانِ. قَوْلُهُ: [وَالْبُشْرَى فِي وَجْهِهِ] : أَيْ الْبِشْرُ وَطَلَاقَةُ الْوَجْهِ. قَوْلُهُ: [وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا] إلَخْ: أَيْ لِكَوْنِهِ فِي تَرْكِ الْإِكْرَامِ مَفْسَدَةٌ أَوْ لِكَوْنِ الضَّيْفِ مُضْطَرًّا وَلَمْ يَجِدْ سِوَى مَنْ نَزَلَ بِهِ. قَوْلُهُ: [إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ] : أَيْ فِي الْجَارِ. قَوْلُهُ: [بِكِفَايَةِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ] : أَيْ عَلَى حَسْبِ طَاقَةِ الْمَنْزُولِ عِنْدَهُ. قَوْلُهُ: [وَأَنْ يُلْقِمَهُ بِيَدِهِ] : أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ نَفْسُ الضَّيْفِ تَأْنَفُ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَلْيُحْسِنْ الْعَبْدُ وُجُوبًا إلَى نَفْسِهِ] : أَيْ؛ لِأَنَّ حَقَّ نَفْسِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى كُلِّ الْحُقُوقِ بَلْ سَائِرُ الْمَحَاسِنِ الْمَأْمُورِ بِهَا تَعُودُ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ تَعَالَى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ} [الإسراء: 7] . قَوْلُهُ: [نَاظِرًا لِعُيُوبِ نَفْسِهِ] : أَيْ فَفِي الْحَدِيثِ: «إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا بَصَّرَهُ عُيُوبَهُ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ:

(رَاجِيًا) مِنْ اللَّهِ الْكَرِيمِ (غُفْرَانَهَا) فَإِنَّهَا وَإِنْ عَظُمَتْ وَكَثُرَتْ فَعَفْوُ اللَّهِ أَعْظَمُ وَفِي الْحَدِيثِ: «أَذَنْبُك أَعْظَمُ أَمْ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ؟ فَقَالَ: ذَنْبِي، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَذَنْبُك أَعْظَمُ أَمْ عَفْوُ اللَّهِ؟ فَقَالَ عَفْوُ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْ: اللَّهُمَّ مَغْفِرَتُك أَوْسَعُ مِنْ ذُنُوبِي وَرَحْمَتُك أَرْجَى لِي مِنْ عَمَلِي» . (خَائِفًا مِنْ سَطْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى) : فَإِنَّهُ وَإِنْ أَمْهَلَ الْمُذْنِبَ رُبَّمَا أَخَذَهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ. نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَفْوَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعِيبٌ عَلَى الْإِنْسَانِ يَنْسَى عُيُوبَهُ ... وَيَذْكُرُ عَيْبًا فِي أَخِيهِ قَدْ اخْتَفَى فَلَوْ كَانَ ذَا عَقْلٍ لَمَا عَابَ غَيْرَهُ ... وَفِيهِ عُيُوبٌ لَوْ رَآهَا بِهَا اكْتَفَى قَوْلُهُ: [وَرَحْمَتُك أَرْجَى لِي مِنْ عَمَلِي] : هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْعَارِفِينَ: الِاعْتِمَادُ عَلَى الْعَمَلِ نَقْصٌ فِي الْإِيمَانِ وَفِي هَذَا الْمَعْنَى قَالَ بَعْضُهُمْ: ذُنُوبِي وَإِنْ فَكَّرْت فِيهَا كَثِيرَةٌ ... وَرَحْمَةُ رَبِّي مِنْ ذُنُوبِي أَوْسَعُ وَمَا طَمَعِي فِي صَالِحٍ قَدْ عَمِلْته ... وَلَكِنَّنِي فِي رَحْمَةِ اللَّهِ أَطْمَعُ قَوْلُهُ: [خَائِفًا مِنْ سَطْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى] : قَالَ تَعَالَى: {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99] فَتَحَصَّلَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الرَّجَاءُ وَالْخَوْفُ جَمْعًا بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53] فَيَكُونُ الرَّجَاءُ وَالْخَوْفُ مِنْهُ كَجَنَاحَيْ الطَّائِرِ لَكِنْ فِي حَالِ الصِّحَّةِ يَغْلِبُ الْخَوْفُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْخَرِيدَةِ: وَغَلِّبْ الْخَوْفَ عَلَى الرَّجَاءِ ... وَسِرْ لِمَوْلَاك بِلَا تَنَائِي

[فصل بعض السنن في الأكل وغيره]

فَصْلُ بَعْضِ السُّنَنِ (سُنَّ) : عَيْنًا (لِآكِلٍ وَشَارِبٍ) وَلَوْ صَبِيًّا. (تَسْمِيَةٌ) وَيُنْدَبُ الْجَهْرُ بِهَا لِيُنَبِّهَ الْغَافِلَ وَيَتَعَلَّمَ الْجَاهِلُ وَإِنْ نَسِيَهَا فِي أَوَّلِهِ أَتَى بِهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا فَيَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ فِي أَوَّلِهِ وَوَسَطِهِ وَآخِرِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَتَقَايَأُ مَا أَكَلَهُ خَارِجَ الْإِنَاءِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى بِسْمِ اللَّهِ أَحَدُ رَاجِحَيْنِ (وَنُدِبَ) لِآكِلٍ وَشَارِبٍ (تَنَاوُلٌ بِالْيَمِينِ) وَسَيُنَصُّ عَلَى كَرَاهَةِ ضِدِّهِ (كَحَمْدٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ) تَشْبِيهٌ فِي النَّدْبِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ سِرًّا خَوْفًا مِنْ حُصُولِ الْخَجَلِ لِلْغَيْرِ قَبْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلُ بَعْضِ السُّنَنِ فِي الْأَكْل وَغَيْره] فَصْلٌ: شُرُوعٌ مِنْهُ فِي آدَابِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْآدَابُ الْمَذْكُورَةُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ سَوَابِقُ وَمُقَارَنَةٌ وَلَوَاحِقُ، فَمِنْ السَّوَابِقِ قَوْلُهُ سُنَّ لِآكِلٍ وَشَارِبٍ تَسْمِيَةٌ إلَخْ وَقَوْلُهُ عَيْنًا أَيْ خِلَافًا لِلسَّادَةِ الشَّافِعِيَّةِ حَيْثُ قَالُوا إنَّهَا سُنَّةُ كِفَايَةٍ إذَا قَامَ بِهَا الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ. قَوْلُهُ: [أَحَدُ رَاجِحَيْنِ] : أَيْ وَالْآخَرُ يُكَمِّلُهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ فِي التَّكْمِيلِ تَذْكَارَ نِعْمَةِ الْمُنْعِمِ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ عَلَى التَّسْمِيَةِ: «وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا رَزَقْتنَا» وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ لَبَنًا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ " وَزِدْنَا مِنْهُ ". قَوْلُهُ: [تَنَاوُلٌ بِالْيَمِينِ] : أَيْ لِخَبَرِ: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ» . وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي أَكْلِهِ فَقِيلَ حَقِيقَةً وَقِيلَ مَجَازًا عَنْ الشَّمِّ، وَفِيهِ شَيْءٌ مَعَ قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ: «إنَّهُ يَتَقَايَأُ مَا أَكَلَهُ» . قَوْلُهُ: [كَحَمْدٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ] : أَيْ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ عِنْدَ فَرَاغِهِ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ» . قَوْلُهُ: [خَوْفًا مِنْ حُصُولِ الْخَجَلِ لِلْغَيْرِ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَهْرِ بِالتَّسْمِيَةِ وَإِسْرَارِ الْحَمْدِ

الشِّبَعِ، وَيُنْدَبُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْوَاسِطَةِ فِي كُلِّ نِعْمَةٍ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَقَوْلُهُمْ يُكْرَهُ فِي الْأَكْلِ أَيْ فِي أَثْنَائِهِ وَابْتِدَائِهِ (وَ) يُنْدَبُ (لَعْقُ الْأَصَابِعِ) وَلَا تَحْدِيدَ فِيمَا يُبْتَدَأُ بِلَعْقِهِ وَسَيُذْكَرُ أَنَّهُ يُتَنَاوَلُ بِغَيْرِ الْخِنْصَرِ (مِمَّا تَعَلَّقَ بِهَا) مِنْ الطَّعَامِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ كَانَ يَلْعَقُ أَصَابِعَهُ قَبْلَ الْغَسْلِ وَفِيهِ مُرَاعَاةُ النِّعْمَةِ وَهَضْمُ النَّفْسِ ثُمَّ بَعْدَ لَعْقِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الطَّعَامِ دَسَمٌ فَلَا يُطَالَبُ بِغَسْلِهَا بَلْ يَمْسَحُهَا بَعْضَهَا بِبَعْضٍ أَوْ فِي مِنْدِيلٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ غَمْرٌ فَيُنْدَبُ غَسْلُهَا كَمَا قَالَ (غَسْلُهَا بِكَأُشْنَانٍ) لِأَنَّ بَقَاءَ الْغَمْرِ يُورِثُ الْجُنُونَ أَوْ الْبَرَصَ أَوْ أَذِيَّةَ الْهَوَامِّ لَهُ وَسَيُذْكَرُ مَا يُكْرَهُ غَسْلُ الْيَدِ بِهِ وَأَمَّا غَسْلُهُمَا قَبْلَ الطَّعَامِ لَهُ فَالْمَشْهُورُ عِنْدَنَا الْكَرَاهَةُ قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْغَسْلُ قَبْلَ الطَّعَامِ يَنْفِي الْفَقْرَ وَبَعْدَهُ يَنْفِي اللَّمَمَ» أَيْ لَيْسَ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ وَمَذْهَبُهُ تَقْدِيمُ الْعَمَلِ عَلَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِعِلْمِهِمْ بِحَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا خَالَفُوا الْحَدِيثَ إلَّا لِكَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ خِلَافَهُ وَقَدْ غَسَلَ إمَامُنَا مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنَا بِهِ قَبْلَ الطَّعَامِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِالْيَدِ شَيْءٌ وَعَلَيْهِ يُقَدِّمُ رَبُّ الطَّعَامِ. وَأَمَّا بَعْدَ الْأَكْلِ فَيُقَدِّمُ الضَّيْفَ، كَمَا وَقَعَ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ مَعَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ حِينَ نَزَلَ عِنْدَهُ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [أَيْ فِي أَثْنَائِهِ وَابْتِدَائِهِ] : أَيْ إنْ قَصَدَ التَّسَنُّنَ. قَوْلُهُ: [اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] : أَيْ قَوْلًا وَفِعْلًا فَفِي الْحَدِيثِ: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامَهُ فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا» ، زَادَ التِّرْمِذِيُّ: «فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي الْبَرَكَةَ فِي أَوَّلِ طَعَامِهِ أَوْ آخِرِهِ» وَوَرَدَ أَيْضًا: «أَنَّ مَنْ لَعِقَ الْأَصَابِعَ مِنْ الطَّعَامِ وَشَرِبَ غُسَالَتَهَا عُوفِيَ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ هُوَ وَوَلَدُهُ» وَوَرَدَ أَيْضًا: «مَنْ الْتَقَطَ فُتَاتًا مِنْ الْأَرْضِ وَأَكَلَهَا كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً» وَوَرَدَ: «إنَّهُ مَهْرُ الْحَوَرِ الْعِينِ وَأَنَّ مَنْ دَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَزَلْ فِي سَعَةٍ» . قَوْلُهُ: [فَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِالْيَدِ شَيْءٌ] : مِثْلُهُ مَا إذَا كَانَتْ نُفُوسُ الْحَاضِرِينَ تَأْنَفُ مِنْ تَرْكِ الْغَسْلِ، أَوْ يَكُونُ مَنْ فِي الْمَجْلِسِ يَدُهُ تَحْتَاجُ لِلْغَسْلِ وَيَقْتَدِي بِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ غَسْلُ الْيَدِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُنَّةً عِنْدَنَا فَهُوَ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ. قَوْلُهُ: [حِينَ نَزَلَ عِنْدَهُ بِالْمَدِينَةِ] : أَيْ كَانَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ ضَيْفًا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ.

(وَ) يُنْدَبُ (تَخْلِيلُ مَا بِالْأَسْنَانِ مِمَّا تَعَلَّقَ بِهَا) مِنْ بَقَايَا الطَّعَامِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَقُّوا أَفْوَاهَكُمْ بِالْخِلَالِ فَإِنَّهَا مَجَالِسُ الْمَلَائِكَةِ وَلَيْسَ أَضَرُّ عَلَى الْمَلَائِكَةِ مِنْ بَقَايَا مَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ» . وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ بَلْعُ مَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ إلَّا لِخَلْطِهِ بِدَمٍ فَلَيْسَ مُجَرَّدُ التَّغَيُّرِ يُصَيِّرُهُ نَجِسًا خِلَافًا لِمَا قِيلَ. (وَ) يُنْدَبُ (تَنْظِيفُ الْفَمِ) بِالْمَضْمَضَةِ وَالسِّوَاكِ وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ. (وَ) يُطْلَبُ (تَخْفِيفُ الْمَعِدَةِ) بِتَقْلِيلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [خِلَافًا لِمَا قِيلَ] : أَيْ فَإِنَّهُ قَوْلٌ حَكَاهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الرِّسَالَةِ بِقَوْلِهِ وَتَغَيَّرَ عَنْ حَالَةِ الطَّعَامِ لَا يَجُوزُ بَلْعُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ نَجِسًا وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي نَجَاسَتِهِ فَادَّعَى أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى طَهَارَتِهِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ: نَجَاسَةُ مَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ لَيْسَتْ لِمُجَرَّدِ تَغَيُّرِهِ بَلْ لِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مِنْ مُخَالَطَتِهِ لِشَيْءٍ مِنْ دَمِ اللِّثَاتِ. قَوْلُهُ: [وَيُنْدَبُ تَنْظِيفُ الْفَمِ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الطَّعَامِ دَسَمٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ «لَيْسَ أَضَرُّ عَلَى الْمَلَائِكَةِ مِنْ بَقَايَا مَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ» وَقَوْلُهُ وَيُطْلَبُ تَخْفِيفُ الْمَعِدَةِ إلَخْ قَالَ فِي الرِّسَالَةُ: وَمِنْ آدَابِ الْأَكْلِ أَنْ تَجْعَلَ بَطْنَك ثُلُثًا لِلطَّعَامِ وَثُلُثًا لِلشَّرَابِ وَثُلُثًا لِلنَّفَسِ، قَالَ شَارِحُهَا لِاعْتِدَالِ الْجَسَدِ وَخِفَّتِهِ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى الشِّبَعِ ثِقَلُ الْبَدَنِ وَهُوَ يُورِثُ الْكَسَلَ عَنْ الْعِبَادَةِ، وَلِأَنَّهُ إذَا أَكْثَرَ مِنْ الْأَكْلِ لَمَا بَقِيَ لِلنَّفَسِ مَوْضِعٌ إلَّا عَلَى وَجْهٍ يُضَرُّ بِهِ وَلَمَا وَرَدَ: «الْمَعِدَةُ بَيْتُ الدَّاءِ وَالْحِمْيَةُ رَأْسُ الدَّوَاءِ أَيْ: وَأَصْلُ كُلِّ دَاءٍ الْبَرَدَةُ» وَالْحِمْيَةُ خُلُوُّ الْبَطْنِ مِنْ الطَّعَامِ، وَالْبَرَدَةُ إدْخَالُ الطَّعَامِ عَلَى الطَّعَامِ. قَالَ سَهْلٌ التُّسْتَرِيُّ: الْخَسِيرُ كُلُّهُ فِي خِصَالٍ أَرْبَعٍ بِهَا صَارَتْ الْأَبْدَالُ أَبْدَالًا: إخْمَاصُ الْبُطُونِ، وَالْعُزْلَةُ عَنْ الْخَلْقِ، وَالصَّمْتُ، وَسَهَرُ اللَّيْلِ. وَقَالَ الْعَارِفُونَ أَيْضًا: الشِّبَعُ مِنْ الْحَلَالِ يُقْسِي الْقَلْبَ وَيُقِلُّ الْحِفْظَ وَيُفْسِدُ الْعَقْلَ

عَلَى قَدْرٍ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ وَلَا كَسَلٌ عَنْ عِبَادَةٍ، فَقَدْ يَكُونُ الشِّبَعُ سَبَبًا فِي عِبَادَةٍ وَاجِبَةٍ فَيَجِبُ، وَقَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ تَرْكُ وَاجِبٍ فَيَحْرُمُ، أَوْ تَرْكُ مُسْتَحَبٍّ فَيُكْرَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَيُبَاحُ. (وَ) يُنْدَبُ لَك (الْأَكْلُ مِمَّا يَلِيك) إنْ أَكَلْت مَعَ غَيْرِك مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَزَوْجَةٍ وَرَقِيقٍ إذْ لَا يُطْلَبُ بِالْأَدَبِ مَعَهُمْ وَهُمْ يُطْلَبُونَ. وَقَدْ «أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ ابْنُ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَكَلَ مَعَهُ مِنْ نَوَاحِي الصَّحْفَةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ: كُلْ مِمَّا يَلِيك» فَيُكْرَهُ الْأَكْلُ مِنْ غَيْرِ مَا يَلِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْسَبُ لِلشَّرَهِ. «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِكْرَاشٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ أَكَلَ مَعَهُ ثَرِيدًا: كُلْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ طَعَامٌ وَاحِدٌ. ثُمَّ أُتِيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطَبَقٍ فِيهِ أَلْوَانٌ مِنْ الرُّطَبِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كُلْ مِنْ حَيْثُ شِئْت فَإِنَّهُ غَيْرُ لَوْنٍ وَاحِدٍ» . فَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَإِلَّا فِي نَحْوِ فَاكِهَةٍ) : أَيْ مِمَّا هُوَ أَنْوَاعٌ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَنَحْوِهَا كَالْأَطْعِمَةِ الْمُخْتَلِفَةِ. (وَ) يُنْدَبُ (أَنْ لَا يَأْخُذَ لُقْمَةً إلَّا بَعْدَ بَلْعِ مَا فِي فِيهِ) فَأَخْذُهَا قَبْلَ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ يُنْسَبُ لِلشَّرَهِ. (وَ) يُنْدَبُ أَنْ يَأْخُذَهَا (بِمَا عَدَا الْخِنْصَرِ) إنْ لَمْ يَحْتَجْ لِلْخِنْصَرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ الْأَكْلُ بِالْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى لِمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْأَكْلُ بِأُصْبُعٍ أَكْلُ الشَّيْطَانِ وَبِأُصْبُعَيْنِ أَكْلُ الْجَبَابِرَةِ وَبِالثَّلَاثِ أَكْلُ الْأَنْبِيَاءِ» فَلَا يَزِيدُ إنْ لَمْ يَحْتَجْ لِغَيْرِهَا. وَقَدْ أَكَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالثَّلَاثَةِ وَبِالْأَرْبَعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُكْثِرُ الشَّهَوَاتِ وَيُقَوِّي جُنُودَ الشَّيْطَانِ وَيُفْسِدُ الْجَسَدَ فَمَا بَالُك بِالْحَرَامِ. قَوْلُهُ: [عَلَى قَدْرٍ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ] : أَيْ لِأَنَّ الْمَخْمَصَةَ قَدْ تَكُونُ شَرًّا مِنْ الشِّبَعِ قَالَ صَاحِبُ الْبُرْدَةِ: وَاخْشَ الدَّسَائِسَ مِنْ جُوعٍ وَمِنْ شِبَعٍ ... فَرُبَّ مَخْمَصَةٍ شَرٌّ مِنْ التَّخَمِ قَوْلُهُ: [مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَزَوْجَةٍ وَرَقِيقٍ] : أَيْ وَالْجَمِيعُ لَك.

وَبِالْخَمْسَةِ عَلَى حَسْبِ الطَّعَامِ. (وَ) يُنْدَبُ (نِيَّةٌ) بِالْأَكْلِ (حَسَنَةٌ) لِحُسْنِ مُتَعَلِّقِهَا: (كَإِقَامَةِ الْبِنْيَةِ) وَالتَّقَوِّي عَلَى الطَّاعَةِ وَشُكْرِ الْمُنْعِمِ. (وَ) يُنْدَبُ (تَنْعِيمُ الْمَضْغِ) : أَيْ الْمَمْضُوغُ أَوْ يُرَادُ بِتَنْعِيمِهِ الْمُبَالَغَةُ فِيهِ حَتَّى يَصِيرَ الْمَمْضُوغُ نَاعِمًا يُلْتَذُّ بِهِ وَيَسْهُلُ بَلْعُهُ وَيَخِفُّ عَلَى الْمَعِدَةِ. (وَ) يُنْدَبُ (مَصُّهُ الْمَاءَ) وَسَيُذْكَرُ مُحْتَرَزُهُ وَهُوَ أَنَّ الْعَبَّ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَمُصَّ مَصًّا وَلَا يَعُبُّ عَبًّا، فَإِنَّ الْكُبَادَ مِنْ الْعَبِّ» وَالْكُبَادُ بِوَزْنِ غُرَابٍ: وَجَعُ الْكَبِدِ. وَمِثْلُ الْمَاءِ كُلُّ مَائِعٍ كَلَبَنٍ (وَ) يُنْدَبُ (إبَانَةُ) : إبْعَادِ (الْقَدَحِ) حِينَ التَّنَفُّسِ حَالَةَ الشُّرْبِ (ثُمَّ عَوْدِهِ) : أَيْ الْقَدَحُ لِفِيهِ (مُسَمِّيًا) عِنْدَ وَضْعِهِ عَلَى فِيهِ (حَامِدًا) عِنْدَ إبَانَتِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ (ثَلَاثًا) : وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ الشُّرْبُ فِي مَرَّةٍ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ خِلَافُ الْأُولَى أَوْ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَفَّسْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ» بِالْهَمْزَةِ فِيهِمَا وَأَخْطَأَ مَنْ قَرَأَهُمَا بِالْأَلِفِ. (وَ) يُنْدَبُ (مُنَاوَلَةٌ مِنْ عَلَى الْيَمِينِ) وَإِنْ تَعَدَّدَ (إنْ كَانَ) عَلَى يَمِينِهِ أَحَدٌ قَبْلَ مُنَاوَلَةِ مَنْ عَلَى يَسَارِهِ، وَلَوْ كَانَ مَفْضُولًا، «فَقَدْ نَاوَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَعْرَابِيَّ الَّذِي كَانَ عَلَى يَمِينِهِ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي كَانَ جَالِسًا عَلَى يَسَارِهِ» . وَلَيْسَ لِمَنْ عَلَى الْيَمِينِ أَنْ يُؤْثِرَ غَيْرَهُ بَلْ إنْ لَمْ يَشْرَبْ سَقَطَ حَقُّهُ فَإِنْ كَانُوا جَالِسَيْنِ أَمَامَ الشَّارِبِ فَيَبْدَأُ بِأَكَابِرِهِمْ. (وَكُرِهَ عَبُّهُ) : يُقَالُ عَبَّ الْحَمَامُ الْمَاءَ شَرِبَ مِنْ غَيْرِ مَصٍّ وَتَقَدَّمَ دَلِيلُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَقَدْ نَاوَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَعْرَابِيَّ] إلَخْ: أَيْ وَوَرَدَ أَيْضًا: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الْأَشْيَاخُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْغُلَامِ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ لَا وَاَللَّهِ

(وَ) يُكْرَهُ (النَّفْخُ فِي الطَّعَامِ) لِمَا فِيهِ مِنْ إهَانَةِ الطَّعَامِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الرِّيقِ وَعَلَيْهِ يُكْرَهُ وَلَوْ أَكَلَ وَحْدَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ فِي الْإِنَاءِ وَخَصَّهُ بَعْضٌ بِالثَّانِي. وَقِيلَ: الْعِلَّةُ أَذِيَّةُ الْآكِلِ مَعَهُ وَعَلَيْهِ فَلَا يُكْرَهُ لِمَنْ كَانَ وَحْدَهُ. (وَالشَّرَابِ) : لِمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فِيهِمَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (كَالْكِتَابِ) يُكْرَهُ النَّفْخُ فِيهِ لِشَرَفِهِ كَانَ فِقْهًا أَوْ حَدِيثًا أَوْ قُرْآنًا وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُتَرِّبُ الْكِتَابَ. وَلَكِنْ اعْتَرَضَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى ابْنِ أَبِي زَيْدٍ: بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ حَدِيثٌ يُفِيدُ النَّهْيَ عَنْ النَّفْخِ فِي الْكِتَابِ (اهـ) وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ مُطَّلِعٌ وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ. (وَ) يُكْرَهُ (التَّنَفُّسُ فِي الْإِنَاءِ) : حَالَ الشُّرْبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُنْدَبُ التَّنَفُّسُ خَارِجَ الْإِنَاءِ وَرُبَّمَا كَانَ نَفَسُهُ كَرِيهًا فَيُغَيِّرُ الْإِنَاءَ حَتَّى يَصِيرَ ذَا رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ يَعْرِفُهَا حَتَّى النِّسَاءُ وَيَتَكَلَّمُونَ بِقُبْحٍ فِي الشَّارِبِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْأَمِيرُ. (وَ) يُكْرَهُ (التَّنَاوُلُ) لِلْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ (بِ) الْيَدِ (الْيُسْرَى) حَيْثُ أَمْكَنَ بِالْيُمْنَى. (وَ) يُكْرَهُ (الِاتِّكَاءُ) حَالَ الْأَكْلِ عَلَى جَنْبِهِ (وَالِافْتِرَاشُ) التَّرَبُّعُ بَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْك أَحَدًا قَالَ فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَدِهِ» يَعْنِي أَعْطَاهُ. قَوْلُهُ: [وَخَصَّهُ بَعْضٌ بِالثَّانِي] : أَيْ الطَّعَامَ الَّذِي فِي الْإِنَاءِ. قَوْلُهُ: [يُتَرِّبُ الْكِتَابَ] : أَيْ وَقَدْ شَاعَ عَلَى الْأَلْسِنَةِ: مَا خَابَ كِتَابٌ تُرِّبَ. قَوْلُهُ: [وَمَنْ حَفِظَ] إلَخْ: مَنْ اسْمٌ مَوْصُولٌ مُبْتَدَأٌ وَحَفِظَ صِلَتُهُ وَحُجَّةٌ خَبَرُهُ وَعَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفِ صِفَةٍ لِحُجَّةٍ. قَوْلُهُ: [بِقُبْحٍ فِي الشَّارِبِ] : أَيْ فَمُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّ فَمَه أَبْخَرُ. قَوْلُهُ: [وَيُكْرَهُ الِاتِّكَاءُ] إلَخْ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَأْكُلُ وَهُوَ وَاضِعٌ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ؟ فَقَالَ إنِّي لَا أَبْتَغِيهِ وَأَكْرَهُهُ وَمَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا، وَالسُّنَّةُ الْأَكْلُ جَالِسًا عَلَى الْأَرْضِ عَلَى هَيْئَةِ مُطْمَئِنٍّ عَلَيْهَا وَلَا يَأْكُلُ مُضْطَجِعًا عَلَى بَطْنِهِ وَلَا مُتَّكِئًا عَلَى ظَهْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْبُعْدِ عَنْ التَّوَاضُعِ وَوَقْتُ الْأَكْلِ وَقْتُ تَوَاضُعٍ

الْمَطْلُوبُ جُلُوسٌ كَجُلُوسِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقِيمَ رُكْبَتَهُ الْيُمْنَى أَوْ مَعَ الْيُسْرَى أَوْ يَجْلِسَ كَالصَّلَاةِ وَجَثَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً عَلَى رُكْبَتَيْهِ حِينَ أُهْدِيَتْ لَهُ شَاةٌ فَقِيلَ لَهُ: مَا هَذِهِ الْجِلْسَةُ؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ جَعَلَنِي عَبْدًا كَرِيمًا وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا عَنِيدًا» وَقَالَ: «إنَّمَا أَنَا عَبْدٌ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ» لِأَنَّ السِّيَادَةَ وَالْعَظَمَةَ إنَّمَا تَكُونُ لِلَّهِ تَعَالَى. (وَ) يُكْرَهُ الْأَكْلُ (مِنْ رَأْسِ الثَّرِيدِ) لِأَنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ عَلَى وَسَطِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلَا يَأْكُلْ مِنْ أَعْلَى الصَّحْفَةِ» وَهَذِهِ تَشْمَلُ غَيْرَ الثَّرِيدِ، وَالثَّرِيدُ: مَا يُفَتُّ مِنْ الْخُبْزِ ثُمَّ يُبَلُّ بِالْمَرَقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَحْمٌ، وَلَا يَنْبَغِي قَسْمُ الرَّغِيفِ بِالْخَنْجَرِ بَلْ بِالْيَدِ وَلَا يُقْسَمُ مِنْ وَسَطِهِ بَلْ مِنْ حَوَاشِيهِ وَالسُّنَّةُ فِي اللَّحْمِ أَنْ يُؤْكَلَ بَعْدَ الطَّعَامِ وَأَنْ يُنْهَشَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ إدَامِكُمْ اللَّحْمُ» وَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَشُكْرٍ لِلَّهِ عَلَى نِعَمِهِ (اهـ) . قَوْلُهُ: [أَنْ يُقِيمَ رُكْبَتَهُ الْيُمْنَى] إلَخْ: أَشَارَ الشَّارِحُ لِثَلَاثِ هَيْئَاتٍ لِجُلُوسِ الْآكِلِ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَحْمٌ] : أَيْ زَائِدٌ فَوْقَ الْمَرَقِ وَإِلَّا فَالْمَرَقُ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْمَاءِ الَّذِي طُبِخَ فِيهِ اللَّحْمُ كَمَا أَنَّ الثَّرِيدَ اسْمٌ لِلْمَفْتُوتِ فِيهِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: إذَا مَا الْخُبْزُ تَأْدِمُهُ بِلَحْمٍ ... فَذَا وَأَمَانَةُ اللَّهِ الثَّرِيدُ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ فِي الْآدَابِ كُلُّ فَتٍّ فِي طَعَامٍ لِأَنَّهُ يُسَمَّى ثَرِيدًا عُرْفًا وَإِنْ كَانَ لَا يُسَمَّى ثَرِيدًا شَرْعًا. قَوْلُهُ: [أَنْ يُؤْكَلَ بَعْدَ الطَّعَامِ] : أَيْ وَحِينَئِذٍ فَمَا شَاعَ مِنْ قَوْلِهِمْ: ابْدَءُوا بِسَيِّدِ الطَّعَامِ فَعَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ مَالِكٌ. قَوْلُهُ: [خَيْرُ إدَامِكُمْ اللَّحْمُ] : لَيْسَ فِيهِ وَلَا فِيمَا بَعْدَهُ دَلِيلٌ عَلَى النَّهْشِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سَيِّدُ إدَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّحْمُ» . (وَ) يُكْرَهُ (غَسْلُ الْيَدِ بِالطَّعَامِ) : كَدَقِيقِ الْحِنْطَةِ، وَكَذَا مَسْحُ الْيَدِ بِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقِيلَ يَجُوزُ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَمْسَحُونَ أَيْدِيَهُمْ مِنْ الطَّعَامِ فِي أَقْدَامِهِمْ وَهِيَ أَدْنَى مِنْ الْيَدِ وَيَشْمَلُ الطَّعَامُ دَقِيقَ التُّرْمُسِ وَالْحُلْبَةِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالتَّدَلُّكِ بِهِ فِي الْحَمَّامِ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ بِطَعَامٍ قَبْلَ أَنْ يَحْلُوَ بِالْمَاءِ (كَالنُّخَالَةِ) : أَيْ نُخَالَةُ الْقَمْحِ لِمَا فِيهَا مِنْ الطَّعَامِ بِخِلَافِ نُخَالَةِ الشَّعِيرِ فَلَا كَرَاهَةَ فِي الْغَسْلِ بِهَا وَمَثَّلَ بِالنُّخَالَةِ؛ لِأَنَّهَا يُتَوَهَّمُ فِيهَا عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَلَا فَرْقَ فِي الْكَرَاهَةِ بَيْنَ زَمَنِ الْمَسْغَبَةِ وَغَيْرِهَا. (وَ) يُكْرَهُ (الْقِرَانُ فِي كَتَمْرٍ) : أَيْ أَخْذُ اثْنَيْنِ فِي مَرَّةٍ وَلَوْ كَانَ مِلْكَهُ حَيْثُ أَكَلَ مَعَ غَيْرِهِ لِئَلَّا يُنْسَبَ لِلشَّرَهِ، فَإِنْ كَانَ الْغَيْرُ شَرِيكًا بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَحْرُمُ لِلِاسْتِبْدَادِ بِزَائِدٍ إنْ اسْتَوَوْا فِي الشَّرِكَةِ أَمَّا وَحْدَهُ أَوْ مَعَ عِيَالِهِ فَلَا يُكْرَهُ. (وَالشَّرَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ) مَكْرُوهٌ (وَقَدْ يَحْرُمُ) كَمَا قُلْنَا فِي الشَّرِكَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَدْنِ الْعَظْمَ مِنْ فِيك فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ» . قَوْلُهُ: [وَهِيَ أَدْنَى مِنْ الْيَدِ] : أَيْ فَإِنْ كَانَتْ الْكَرَاهَةُ مِنْ أَجْلِ التَّهَاوُنِ فَفِي الْمَسْحِ بِالرِّجْلِ أَعْظَمُ تَهَاوُنًا وَحِينَئِذٍ فَلَا كَرَاهَةَ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الصَّحَابَةِ حُجَّةٌ. قَوْلُهُ: [قَبْلَ أَنْ يَحْلُوَ بِالْمَاءِ] : عَائِدٌ عَلَى دَقِيقِ التُّرْمُسِ وَالْحُلْبَةِ. قَوْلُهُ: [فَيَحْرُمُ لِلِاسْتِبْدَادِ بِزَائِدٍ] : قَالَ النَّفْرَاوِيُّ اُخْتُلِفَ هَلْ النَّهْيُ لِلْأَدَبِ أَوْ لِئَلَّا يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ؟ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ نَهْيَ كَرَاهَةٍ، وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ لِلْحُرْمَةِ. قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ: مَسْأَلَةُ هَلْ الطَّعَامُ الْمُقَدَّمُ لِلضُّيُوفِ يَمْلِكُونَهُ بِمُجَرَّدِ التَّقْدِيمِ أَوْ لَا يَمْلِكُونَهُ إلَّا بِالْأَكْلِ؟ وَعَلَى كُلٍّ لَا يَجُوزُ لِلْوَاحِدِ مِنْ الضُّيُوفِ أَنْ يُعْطِيَ أَحَدًا مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْأَكْلِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ بِنَاءً عَلَى مِلْكِهِمْ لَهُ بِالتَّقْدِيمِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ الْعِبْرَةُ بِإِذْنِ بَعْضِهِمْ، وَعَلَى الثَّانِي الْعِبْرَةُ بِإِذْنِ صَاحِبِ الطَّعَامِ.

[فصل في بعض السنن]

فَصْلٌ فِي بَعْضِ السُّنَنِ سَيُذْكَرُ أَنَّهَا كِفَايَةٌ (لِدَاخِلٍ أَوْ مَارٍّ عَلَى غَيْرِهِ) أَوْ رَاكِبٍ عَلَى مَاشٍ أَوْ رَاكِبِ فَرَسٍ عَلَى رَاكِبِ بَغْلٍ أَوْ جَمَلٍ أَوْ حِمَارٍ وَرَاكِبِ الْبَغْلِ عَلَى رَاكِبِ الْحِمَارِ، لَكِنْ يَخْرُجُ الْكَافِرُ مِنْ عُمُومِ الْغَيْرِ، إذْ يُكْرَهُ بَدْؤُهُمْ بِالسَّلَامِ فَإِنْ سَلَّمُوا عَلَيْنَا بِصِيغَتِنَا رَدَدْنَا عَلَيْهِمْ (السَّلَامُ عَلَيْهِ) عَلَى الْغَيْرِ. وَقَدْ وَرَدَ: «مَنْ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، فَإِذَا قَالَ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ كُتِبَ لَهُ عِشْرُونَ حَسَنَةً، وَإِذَا قَالَ: وَبَرَكَاتُهُ، كُتِبَ لَهُ ثَلَاثُونَ حَسَنَةً» . وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور: 61] . ثُمَّ بَيَّنَ صِفَةَ السَّلَامِ الَّذِي تَتَوَقَّفُ السُّنَّةُ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (بِأَنْ يَقُولَ) الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) : أَيْ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ فَلَا بُدَّ مِنْ مِيمِ الْجَمْعِ وَلَوْ كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ أُنْثَى وَاحِدَةً، وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي بَعْضِ السُّنَنِ] فَصْلٌ: قَوْلُهُ: [سَيُذْكَرُ أَنَّهَا كِفَايَةٌ] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ. قَوْلُهُ: [لَكِنْ يَخْرُجُ الْكَافِرُ مِنْ عُمُومِ الْغَيْرِ] : مِثْلُهُ شَابَّةٌ لَيْسَتْ مَحْرَمًا وَقَاضِي حَاجَةٍ وَسَكْرَانُ وَمَجْنُونٌ وَمَنْ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ سَلَامًا. قَوْلُهُ: [سَلِّمُوا عَلَيْنَا بِصِيغَتِنَا رَدَدْنَا عَلَيْهِمْ] : قَالَ النَّفْرَاوِيُّ وَيَبْقَى النَّظَرُ لَوْ سَلَّمَ وَاحِدٌ مِمَّنْ لَا يُسَنُّ السَّلَامُ عَلَيْهِ هَلْ يَجِبُ رَدُّ السَّلَامِ أَوَّلًا؟ وَيَظْهَرُ عَدَمُ وُجُوبِ رَدِّ سَلَامِهِ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ رَدَدْنَا عَلَيْهِمْ أَيْ لَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا يُنْدَبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83] . قَوْلُهُ: [كُتِبَ لَهُ ثَلَاثُونَ حَسَنَةً] : أَيْ فَالْأَفْضَلُ الْجَمْعُ. قَوْلُهُ: [فَلَا بُدَّ مِنْ مِيمِ الْجَمْعِ] : أَيْ لِأَنَّ مَعَ الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ الْحَفَظَةُ وَهُمْ

آتِيًا بِالسُّنَّةِ وَأَمَّا تَعْرِيفُ سَلَامِ الِابْتِدَاءِ فَفِيهِ خِلَافٌ جَرَى الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ السُّنَّةُ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: السَّلَامُ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَكُونُ إلَّا مُعَرَّفًا قَالَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ عَلَيْهِ سَحَائِبُ الرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ: لِأَنَّهُ الْوَارِدُ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ. (وَوَجَبَ) عَلَى الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ (الرَّدُّ) عَلَى الْمُسَلِّمِ (بِمِثْلِ مَا قَالَ) فَعَلَى هَذَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى عَلَيْكُمْ السَّلَامُ مَعَ كَوْنِ الْمُسَلِّمِ زَادَ لَا يَجُوزُ وَلَكِنْ قَالَ شَيْخُنَا الَّذِي يُفِيدُهُ التَّلْقِينُ الْجَوَازُ، حَيْثُ قَالَ إنْ زَادَ لَفْظُ الرَّدِّ عَلَى الِابْتِدَاءِ أَوْ نَقَصَ جَازَ وَنَحْوُهُ فِي الْمَعُونَةِ (كِفَايَةٌ فِيهِمَا) : أَيْ فِي الِابْتِدَاءِ وَالرَّدِّ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقِيلَ: الِابْتِدَاءُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالرَّدُّ فَرْضُ عَيْنٍ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِسْمَاعِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُسَلِّمُ أَصَمَّ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِالْإِشَارَةِ مَا لَمْ يَفْهَمْ مِنْ اللَّفْظِ وَإِلَّا فَيَكُونُ لَهُ اللَّفْظُ وَالْإِتْيَانُ بِالْوَاوِ فِي الرَّدِّ أَفْضَلُ عَلَى الرَّاجِحِ وَيَكْفِي الرَّدُّ إنْ حَذَفَ مِيمَ الْجَمْعِ كَمَا يَكْفِي لَوْ نَطَقَ فِيهِ بِصِيغَةِ الِابْتِدَاءِ. (وَنُدِبَ لِلرَّادِّ الزِّيَادَةُ لِلْبَرَكَةِ) حَيْثُ اقْتَصَرَ الْمُسَلِّمُ عَلَى أَقَلَّ مِنْهَا عَلَى مَا قَالَهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ وُجُوبِ الرَّدِّ مِثْلُ الِابْتِدَاءِ، وَأَمَّا عَلَى كَلَامِ التَّلْقِينِ فَالنَّدْبُ وَلَوْ أَتَمَّ الْمُسَلِّمُ بِالْبَرَكَةِ تَأَمَّلْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَجَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي آدَمَ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ الْوَارِدُ] : أَيْ وَحِينَئِذٍ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِ سَلَامِ الِابْتِدَاءِ وَالْإِتْيَانِ بِمِيمِ الْجَمْعِ بِخِلَافِ رَدِّ السَّلَامِ. قَوْلُهُ: [الرَّدُّ عَلَى الْمُسَلِّمِ] إلَخْ: إنَّمَا وَجَبَ الرَّدُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] . قَوْلُهُ: [نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُسَلِّمُ أَصَمَّ] : مِثْلُهُ الْبَعِيدُ. قَوْلُهُ: [يَرُدُّ عَلَيْهِ بِالْإِشَارَةِ] : الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ أَيْ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ مُصَاحِبًا لِلْإِشَارَةِ لَا أَنَّهُ يَرُدُّ بِالْإِشَارَةِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: [وَأَمَّا عَلَى كَلَامِ التَّلْقِينِ] : أَيْ مِنْ جَوَازِ النَّقْصِ فِي الرَّدِّ وَتَقَدَّمَ عَنْ الشَّيْخِ الْعَدَوِيِّ مَا يُفِيدُ اعْتِمَادَهُ.

[المصافحة]

(وَالْمُصَافَحَةُ) مَنْدُوبَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقِيلَ: مَكْرُوهَةٌ، وَهُوَ وَضْعُ أَحَدِ الْمُلَاقَيْنَ بَطْنَ كَفِّهِ عَلَى بَطْنِ كَفِّ الْآخَرِ إلَى آخِرِ السَّلَامِ أَوْ الْكَلَامِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَصَافَحُوا يَذْهَبْ الْغِلُّ عَنْكُمْ، وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا وَتَذْهَبْ الشَّحْنَاءُ» قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يَذْهَبْ " مَجْذُومٌ فِي جَوَابِ الْأَمْرِ حُرِّكَ بِالْكَسْرِ تَخَلُّصًا " وَالْغِلُّ " بِكَسْرِ الْغَيْنِ: الْحِقْدُ، فَاعِلُ " يَذْهَبْ " وَ " تَهَادَوْا " بِفَتْحِ الدَّالِ وَ " الشَّحْنَاءُ " بِالْمَدِّ. وَيُكْرَهُ خَطْفُ الْيَدِ بِسُرْعَةٍ كَمَا يُكْرَهُ تَقْبِيلُ يَدِ نَفْسِهِ بَعْدَ الْمُصَافَحَةِ وَتَقْبِيلُ يَدِ صَاحِبِهِ حِينَهَا عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْمُصَنِّفِ وَلَا تَجُوزُ مُصَافَحَةُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ وَلَوْ مُتَجَالَّةً؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ الرُّؤْيَةُ فَقَطْ، وَلَا الْمُسْلِمِ الْكَافِرَ إلَّا لِضَرُورَةٍ. (لَا) تُنْدَبُ (الْمُعَانَقَةُ) بَلْ تُكْرَهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ وَرَدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَانَقَ سَيِّدَنَا جَعْفَرًا حِينَ قَدِمَ مِنْ السَّفَرِ» - فَعِلَّةُ الْكَرَاهَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْمُصَافَحَةُ] قَوْلُهُ: [وَالْمُصَافَحَةُ] : مَعْطُوفٌ عَلَى الزِّيَادَةِ وَجَعَلَهُ الشَّارِحُ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، وَهُوَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فِي الْكَلَامِ. قَوْلُهُ: [لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَصَافَحُوا] إلَخْ: أَيْ وَلِخَبَرِ: «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا» . قَوْلُهُ: [وَالشَّحْنَاءُ بِالْمَدِّ] : أَيْ وَهِيَ الْبَغْضَاءُ. قَوْلُهُ: [وَلَا تَجُوزُ مُصَافَحَةُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ] : أَيْ الْأَجْنَبِيَّةَ وَإِنَّمَا الْمُسْتَحْسَنُ الْمُصَافَحَةُ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ لَا بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى حُسْنِ الْمُصَافَحَةِ مَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ قَالَ لَهُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ قَالَ: لَا. قَالَ: أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَفَيَأْخُذُهُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ» قَالَ النَّفْرَاوِيُّ وَأَفْتَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِجَوَازِ الِانْحِنَاءِ إذَا لَمْ يَصِلْ لِحَدِّ الرُّكُوعِ الشَّرْعِيِّ. قَوْلُهُ: [جَعْفَرًا] : أَيْ ابْنَ عَمِّهِ أَخَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ.

[الاستئذان]

مِنْ كَوْنِ النُّفُوسِ تَنْفِرُ مِنْهَا - مَنْفِيَّةٌ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الْمُجْتَهِدِينَ بِجَوَازِهَا وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ: " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا الْتَقَوْا تَصَافَحُوا فَإِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ تَعَانَقُوا " وَهَذَا يَرِدُ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ حُجَّةٌ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا تَقَدَّمَ. (وَ) لَا يُنْدَبُ (تَقْبِيلُ الْيَدِ) بَلْ يُكْرَهُ. وَالْمُرَادُ: يَدُ الْغَيْرِ، وَأَمَّا يَدُ نَفْسِهِ فَلَيْسَ الشَّأْنُ فِعْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ وَقَعَ فَيُكْرَهُ. وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ تَقْبِيلِ الْيَدِ إنْ كَانَ الْمُقَبِّلُ مُسْلِمًا فَلَوْ قَبَّلَ يَدَك كَافِرٌ فَلَا كَرَاهَةَ. (إلَّا لِمَنْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ) وَعَلَيْهِ مَحْمَلُ مَا صَحَّ «أَنَّ وَفْدَ عَبْد الْقَيْسِ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْتَدَرُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ» وَرُوِيَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ قَبَّلَ يَدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مِنْ وَالِدٍ وَشَيْخٍ وَصَالِحٍ) فَلَا يُكْرَهُ بَلْ يُطْلَبُ وَحُكْمُ غَيْرِ الْيَدِ مِنْ الْأَعْضَاءِ كَالرَّأْسِ وَالْكَتِفِ وَالْقَدَمِ كَالْيَدِ نَهْيًا وَطَلَبًا وَقَالَ سَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٌ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ: وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَى الْجَوَازِ لِمَنْ يُتَوَاضَعُ لَهُ وَيُطْلَبُ إبْرَارُهُ. (وَالِاسْتِئْذَانُ وَاجِبٌ) بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْعَمَلَ حُجَّةٌ] : قَدْ يُقَالُ إنَّ مَالِكًا رَأَى أَنَّ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى عَدَمِ فِعْلِهَا. قَوْلُهُ: [وَرُوِيَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ قَبَّلَ يَدَهُ] : أَيْ وَرُوِيَ أَيْضًا: «أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَرِنِي آيَةً. فَقَالَ: اذْهَبْ إلَى تِلْكَ الشَّجَرَةِ وَقُلْ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُوك فَتَحَرَّكَتْ يَمِينًا وَشِمَالًا وَأَقْبَلَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ تَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ: قُلْ لَهَا ارْجِعِي. فَقَالَ لَهَا ارْجِعِي فَرَجَعَتْ كَمَا كَانَتْ فَقَبَّلَ الْأَعْرَابِيُّ يَدَهُ وَرِجْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . قَوْلُهُ: [لِمَنْ يَتَوَاضَعُ لَهُ وَيَطْلُبُ إبْرَارَهُ] : أَيْ لِأَنَّ فِي تَرْكِ ذَلِكَ مُقَاطَعَةً وَشَحْنَاءَ خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا هَذَا. [الِاسْتِئْذَانُ] قَوْلُهُ: [وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ] : أَيْ عَلَى مُرِيدِ الدُّخُولِ وَوُجُوبُ الْفَرَائِضِ دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ.

{وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59] «وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي؟ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ قَالَ: إنِّي مَعَهَا فِي الْبَيْتِ. فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اسْتَأْذِنْهَا قَالَ: إنِّي خَادِمُهَا. فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا، أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً؟» فَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهُ يَكْفُرُ لِوُرُودِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَعُلِمَ ضَرُورَةً. (إذَا أَرَادَ دُخُولَ بَيْتٍ) مَفْتُوحًا أَوْ مَغْلُوقًا حَيْثُ كَانَ، لَا يَدْخُلُ إلَّا بِإِذْنٍ، لَا نَحْوَ حَمَّامٍ وَفُنْدُقٍ وَبَيْتِ قَاضٍ وَطَبِيبٍ وَعَالِمٍ حَيْثُ لَا حَرَجَ فِي الدُّخُولِ بِلَا إذْنٍ وَإِلَّا فَكَغَيْرِهَا فَ (يَقُولُ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) عَلِمْت حُكْمَ السَّلَامِ وَقَدْ جَرَى الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الِاسْتِئْذَانِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يُسَلِّمُ بَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ (أَأَدْخُلُ؟) يَقُولُ (ثَلَاثًا) وَلَا يَزِيدُ حَيْثُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ السَّمَاعُ وَيَقُولُ مَقَامَ " أَأَدْخُلُ " نَقْرُ الْبَابِ ثَلَاثًا وَلَوْ مَفْتُوحًا وَالتَّنَحْنُحُ، وَيُكْرَهُ الِاسْتِئْذَانُ بِالذِّكْرِ. (فَإِنْ أُذِنَ لَهُ) فَلْيَدْخُلْ وَلَوْ جَاءَ الْإِذْنُ مَعَ صَبِيٍّ أَوْ عَبْدٍ حَيْثُ وَثِقَ بِخَبَرِهِمَا لِقَرِينَةٍ وَإِنْ قِيلَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: فُلَانٌ بِاسْمِهِ لَا بِنَحْوِ أَنَا فَإِنَّهُ أَنْكَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَنْ قَالَهَا. وَمَحَلُّ وُجُوبِ الِاسْتِئْذَانِ إنْ كَانَ بِالْبَيْتِ أَحَدٌ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ لِعَوْرَتِهِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ لَيْسَ مَعَهُمَا غَيْرٌ فَيُنْدَبُ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْأَعْمَى قَوْلَانِ. (وَإِلَّا) يُؤْذَنُ لَهُ بَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ ثَلَاثًا مَعَ ظَنِّ السَّمَاعِ أَوْ قِيلَ لَهُ ارْجِعْ (رَجَعَ) وُجُوبًا وَلَا يُلِحُّ وَلَا يَتَكَلَّمُ بِقَبِيحٍ وَلَا يَدْخُلُ إلَّا بَعْدَ الْإِذْنِ لَا بِمُجَرَّدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَيُكْرَهُ الِاسْتِئْذَانُ بِالذِّكْرِ] : أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ جَعْلِ اسْمِ اللَّهِ آلَةً. قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ أَنْكَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَنْ قَالَهَا] : أَيْ حَيْثُ خَرَجَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقُولُ أَنَا أَنَا وَإِنَّمَا كَرِهَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُعَيِّنُ الْمَقْصُودَ، وَلِأَنَّهَا هَلَكَ بِهَا مَنْ هَلَكَ كَفِرْعَوْنَ وَإِبْلِيسَ. قَوْلُهُ: [قَوْلَانِ] : الظَّاهِرُ مِنْهُمَا الْوُجُوبُ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النور: 27] . قَوْلُهُ: [رَجَعَ وُجُوبًا] : أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:

[عيادة المرضى]

الِاسْتِئْذَانِ كَمَا يَقَعُ مِنْ الْعَوَامّ وَأَمْثَالِهِمْ. (وَنُدِبَ عِيَادَةُ الْمَرْضَى) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَعُودُ مَرِيضًا إلَّا خَرَجَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتَّى يَصِحَّ» وَمَحَلُّ النَّدْبِ إذَا كَانَ عِنْدَهُ مَنْ يَقُومُ بِهِ لِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ حَيْثُ تَعَدَّدَ مَنْ يَقُومُ بِهِ وَإِلَّا تَعَيَّنَتْ. وَيُطَالَبُ بِهَا ابْتِدَاءً الْقَرِيبُ فَالصَّاحِبُ فَأَهْلُ مَوْضِعِهِ، فَإِنْ تَرَكَ الْجَمِيعُ عَصَوْا وَالْعَائِدُ يَكُونُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَإِنْ أَجْنَبِيَّةً بِدُونِ خَلْوَةٍ. (وَمِنْهُ) : أَيْ مِنْ أَفْرَادِ الْمَرِيضِ الَّذِي يُعَادُ (الْأَرْمَدُ) وَصَاحِبُ ضِرْسٍ وَدُمَّلٍ عَلَى الرَّاجِحِ. (وَ) يُنْدَبُ (الدُّعَاءُ لَهُ) : أَيْ لِلْمَرِيضِ وَإِنْ كَانَ لَا يَكْرَهُ الْمَرِيضُ وَضْعَ الْيَدِ عَلَيْهِ نُدِبَ وَضْعُهَا وَمِنْ أَحْسَنِ الدُّعَاءِ: «أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَك وَيُعَافِيَك، سَبْعًا» لِلْوَارِدِ بِذَلِكَ. (وَ) يُنْدَبُ لِلْعَائِدِ (طَلَبُ الدُّعَاءِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَرِيضِ وَتَرْكُ الْمَنْدُوبِ خِلَافُ الْأَوْلَى. (وَ) يُنْدَبُ (قِصَرُ الْجُلُوسِ عِنْدَهُ) مَا لَمْ يَطْلُبْهُ وَكَثْرَةُ الْجُلُوسِ بِدُونِ طَلَبٍ مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ. (وَ) يُنْدَبُ أَنْ (لَا يَتَطَلَّعَ لِمَا فِي الْبَيْتِ) مِنْ الْأَمْتِعَةِ وَقَدْ يَجِبُ وَرُبَّمَا يَشْعُرُ بِهِ الْمُصَنِّفُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [النور: 28] . [عِيَادَةُ الْمَرْضَى] قَوْلُهُ: «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا مِنْ رَجُلٍ» إلَخْ: أَيْ وَلِقَوْلِهِ أَيْضًا: «مَنْ عَادَ مَرِيضًا خَاضَ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ فَإِذَا جَلَسَ عِنْدَهُ اسْتَقَرَّ فِيهَا، وَمَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ عَادَ مَرِيضًا أَبْعَدَهُ اللَّهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» . قَوْلُهُ: [الْأَرْمَدُ] إلَخْ: أَيْ وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ صَاحِبَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَا يُعَادُ فَقَدْ ضَعَّفَهُ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ. قَوْلُهُ: [وَرُبَّمَا يَشْعُرُ بِهِ الْمُصَنِّفُ] : أَيْ حَيْثُ أَتَى بِلَا الَّتِي تَكُونُ لِلنَّهْيِ

[ما ينبغي للعاطس]

(وَ) يَجِبُ عَلَى الْعَائِدِ أَنْ (لَا يُقَنِّطَهُ) مِنْ الْعَافِيَةِ إذْ فِيهِ غَايَةُ الْأَذِيَّةِ، وَيُنْدَبُ تَقْلِيلُ السُّؤَالِ عَنْ حَالِهِ، فَكَثْرَتُهُ مَكْرُوهَةٌ، وَقَدْ يَحْرُمُ وَيُنْدَبُ أَنْ يُظْهِرَ لَهُ الشَّفَقَةَ فَعَدَمُ ظُهُورِهَا بِالسُّكُوتِ خِلَافُ الْأَوْلَى وَبِإِظْهَارِ ضِدِّهَا مِنْ التَّشَفِّي فِيهِ حَرَامٌ لِلْأَذِيَّةِ وَيُنْدَبُ الْخُشُوعُ حَالَ الْجُلُوسِ عِنْدَهُ وَأَنْ يُبَشِّرَهُ بِثَوَابِ الْمَرِيضِ وَيَطْلُبَ مِنْ الْمَرِيضِ أَنْ لَا يُضَيِّعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الطَّاعَةِ وَأَنْ يُكْثِرَ الرَّجَاءَ وَعَدَمَ التَّشَكِّي إلَّا لِمَنْ يُرْجَى دُعَاؤُهُ وَلَا يَخْرُجُ فِي كَلَامِهِ وَلَا يَتَوَكَّلُ عَلَى طَبِيبٍ عِنْدَ الدَّوَاءِ. (وَنُدِبَ لِلْعَاطِسِ) حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّلَاةِ (حَمْدُ اللَّهِ) : أَيْ قَوْلُهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقَطْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَقِيلَ: يَزِيدُ " رَبِّ الْعَالَمِينَ " كَفِعْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقِيلَ: يَزِيدُ " عَلَى كُلِّ حَالٍ " كَفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ. وَقِيلَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَفِعْلِ غَيْرِهِمَا. (وَ) يَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ الْعَاطِسَ الْمُسْلِمَ - كِفَايَةً - حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْمُشَمِّتُ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَكُنْ الْعَاطِسُ امْرَأَةً يُخْشَى مِنْ كَلَامِهَا الْفِتْنَةُ وَإِلَّا فَلَا تَشْمِيتَ - (تَشْمِيتُهُ بِيَرْحَمُكَ اللَّهُ) بِدُونِ مِيمِ الْجَمْعِ، فَإِنْ كَانَ الْعَاطِسُ كَافِرًا قَالَ لَهُ هَدَاك اللَّهُ (إنْ سَمِعَهُ) : أَيْ سَمِعَهُ يَحْمَدُ اللَّهَ أَوْ سَمِعَ شَخْصًا يُشَمِّتُهُ، لِكَوْنِ ذَلِكَ الشَّخْصِ سَمِعَ حَمْدَهُ، لَكِنْ يُقَالُ حَيْثُ شَمَّتَهُ الْغَيْرُ سَقَطَ فَرْضُ الْكِفَايَةِ؟ نَعَمْ، عَلَى قَوْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَصْلُ فِيهِ التَّحْرِيمُ. قَوْلُهُ: [وَيَطْلُبُ مِنْ الْمَرِيضِ] : أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ فِي الْوَاجِبِ وَالنَّدْبِ فِي الْمَنْدُوبِ وَيَكُونُ عَلَى حَسْبِ الطَّاقَةِ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَخْرُجُ فِي كَلَامِهِ] : أَيْ عَنْ الْحُدُودِ الشَّرْعِيَّةِ بِالْكَلِمَاتِ الْمُسْتَقْبَحَةِ شَرْعًا. قَوْلُهُ: [وَلَا يَتَوَكَّلُ عَلَى طَبِيبٍ عِنْدَ الدَّوَاءِ] : أَيْ بَلْ يُقْصِرُ تَوَكُّلَهُ عَلَى اللَّهِ وَالتَّدَاوِي لَا يُنَافِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. [مَا يَنْبَغِي لِلْعَاطِسِ] قَوْلُهُ: [حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّلَاةِ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَ فِيهَا فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ مَعَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: [حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْمُشَمِّتُ فِي الصَّلَاةِ] : أَيْ فَإِنْ كَانَ فِيهَا وَشَمَّتَ غَيْرَهُ بَطَلَتْ إنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا عَالِمًا أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ وَإِلَّا سَجَدَ لِلسَّهْوِ. قَوْلُهُ: [تَشْمِيتُهُ] : أَيْ وَلَوْ تَسَبَّبَ فِي الْعُطَاسِ.

[ما ينبغي للمتثائب]

صَاحِبِ الْبَيَانِ إنَّ التَّشْمِيتَ فَرْضُ عَيْنٍ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حَقًّا عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُك اللَّهُ» فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ إلَخْ فَلَا يَطْلُبُ التَّشْمِيتَ نَعَمْ يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يُذَكِّرَهُ كَمَا قَالَ. (وَتَذْكِيرُهُ إنْ نَسِيَ) الْعَاطِسُ الْحَمْدَ لِلَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنْ عَطَسَ فَوْقَ ثَلَاثٍ سَقَطَ طَلَبُ التَّشْمِيتِ وَيَقُولُ لَهُ: أَنْتَ مَضْنُوكٌ، أَيْ مَزْكُومٌ عَافَاك اللَّهُ، وَهَذَا إنْ تَوَالَى الزَّائِدُ وَإِلَّا فَيُشَمَّتُ. (وَيُنْدَبُ) لِلْعَاطِسِ (رَدُّهُ بِيَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ) بِمِيمِ الْجَمْعِ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُشَمِّتُ (أَوْ) يَرُدُّ بِقَوْلِهِ: (يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ) حَالَكُمْ وَالْأَوْلَى الْجَمْعُ. لَا يُقَالُ الدُّعَاءُ بِالْهِدَايَةِ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ بِالْهِدَايَةِ لِتَفَاصِيلِ الْإِيمَانِ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِطَلَبِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] (اهـ مُلَخَّصًا) شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (وَنُدِبَ لِمُتَثَائِبٍ) بِالْمُثَلَّثَةِ وَبِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ لَا بِالْوَاوِ أَيْ لِمَنْ فَتَحَ فَاهُ بِسَبَبِ الْبُخَارَاتِ الْمُجْتَمِعَةِ مِنْ الْأَكْلِ الْكَثِيرِ وَمِنْ الشَّيْطَانِ لِلْكَسَلِ وَلِذَا لَمْ يَتَثَاءَبْ نَبِيٌّ. (وَضْعُ يَدٍ) يُمْنَى أَوْ ظَهْرِ الْيُسْرَى أَوْ أَيِّ شَيْءٍ يَمْنَعُ دُخُولَ الشَّيْطَانِ فِي فِيهِ وَبَعْدَ التَّثَاؤُبِ يَتْفُلُ بِرِيقٍ خَفِيفٍ ثَلَاثًا إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ (وَلَا يَعْوِي كَالْكَلْبِ) لِأَنَّهُ فِعْلٌ قَبِيحٌ عُرْفًا. (وَنُدِبَ كَثْرَةُ الِاسْتِغْفَارِ) لِمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَتَذْكِيرُهُ إنْ نَسِيَ] : أَيْ بِأَنْ يَقُولَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ يَسْبِقَنَّ عَاطِسًا بِالْحَمْدِ يَأْمَنْ مِنْ ... شَوْصٍ وَلَوْصٍ وَعِلَّوْصٍ كَذَا وَرَدَا عَنَيْت بِالشَّوْصِ دَاءَ الضِّرْسِ ثُمَّ بِمَا ... يَلِيه لِلْأُذُنِ وَالْبَطْنِ اسْتَمَعَ رَشَدَا [مَا يَنْبَغِي لِلْمُتَثَائِبِ] قَوْلُهُ: [بِسَبَبِ الْبُخَارَاتِ الْمُجْتَمِعَةِ] : أَيْ وَقَدْ يَكُونُ لِمَرَضٍ. قَوْلُهُ: [أَوْ ظَهْرِ الْيُسْرَى] : أَيْ لَا بَاطِنَهَا؛ لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِإِزَالَةِ الْأَقْذَارِ. قَوْلُهُ: [إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ] : أَيْ وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَيُبْطِلُهَا التُّفْلُ إنْ كَانَ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا.

[كثرة الاستغفار]

{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33] وَقَالَ تَعَالَى: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المزمل: 20] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ» . وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِلْمُؤْمِنِينَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ حَسَنَةً» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الِاسْتِغْفَارُ مِمْحَاةٌ لِلذُّنُوبِ» . (وَ) يُنْدَبُ (الدُّعَاءُ) قَالَ تَعَالَى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] إنْ قُلْت وَعْدُهُ حَقٌّ فَإِذَا طَلَبَ الْعَبْدُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي عِلْمِهِ حُصُولُهُ فَيَلْزَمُ إمَّا إخْلَافُ الْوَعْدِ أَوْ غَيْرُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْعِلْمُ. قُلْت أُجِيبَ بِأَنَّ وَعْدَهُ تَعَالَى بِالْإِجَابَةِ لَا بِخُصُوصِ الْمَطْلُوبِ أَوْ أَنَّهُ لَا يُوَفَّقُ لِطَلَبِ مَا لَمْ يَعْلَمْ حُصُولَهُ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدُّعَاءُ مِفْتَاحُ الرَّحْمَةِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «الدُّعَاءُ سِلَاحُ الْمُؤْمِنِ» وَفِي رِوَايَةٍ «الدُّعَاءُ جُنْدٌ مِنْ أَجْنَادِ اللَّهِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كَثْرَةُ الِاسْتِغْفَارِ] قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ] : بَالَغَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ بِاَللَّهِ [الدُّعَاء] قَوْلُهُ: [أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ] إلَخْ: الْأَوَّلُ فِي كُلٍّ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ وَالثَّانِي مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، وَمَعْنَى الْجَمِيعِ ظَاهِرٌ

[التعوذ في جميع الأحوال]

[التَّعَوُّذُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ] (وَ) يُنْدَبُ (التَّعَوُّذُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ) كَعِنْدِ دُخُولِ الْمَنْزِلِ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَعِنْدَ الْخُرُوجِ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَنْزِلِ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَذِلَّ أَوْ أُذَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ» وَرُوِيَ إذَا قَالَ عِنْدَ خُرُوجِهِ «بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْت عَلَى اللَّهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ قَالَ كُفِيت وَهُدِيت وَوُقِيت فَتَنْفِرُ عَنْهُ الشَّيَاطِينُ» الْحَدِيثُ. (وَأَحْسَنُهُ: مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ) نَحْوُ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] (وَالسُّنَّةِ) كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ» الْحَدِيثَ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ» وَقَدْ عَلَّمَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ أَتْعَبَهُ الدَّيْنُ قَالَ الرَّجُلُ فَبَعْدَ مُدَّةٍ قَلِيلَةٍ فَاضَ خَيْرِي عَلَى الْجِيرَانِ (وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ النَّوْمِ) فَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ النَّوْمِ يَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ بَعْدَ أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ بِاسْمِك وَضَعْت جَنْبِي وَبِاسْمِك أَرْفَعُهُ اللَّهُمَّ إنْ أَمْسَكْت نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا وَإِنْ أَرْسَلْتهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِك اللَّهُمَّ إنِّي أَسْلَمْت نَفْسِي إلَيْك وَأَلْجَأْت ظَهْرِي إلَيْك وَفَوَّضْت أَمْرِي إلَيْك وَوَجَّهْت وَجْهِي إلَيْك رَهْبَةً مِنْك وَرَغْبَةً إلَيْك لَا مَنْجَا وَلَا مَلْجَأَ مِنْك إلَّا إلَيْك أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك آمَنْت بِكِتَابِك الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الْحَدِيثُ] : تَمَامُهُ: «وَيَقُولُونَ مَا تَصْنَعُونَ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ كُفِيَ وَهُدِيَ وَرُقِيَ» أَفَادَهُ النَّفْرَاوِيُّ. قَوْلُهُ: «لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ الْحَدِيثُ تَمَامُهُ: خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُك وَأَنَا عَلَى عَهْدِك وَوَعْدِك مَا اسْتَطَعْت أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْت أَبُوءُ لَك بِنِعْمَتِك عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ» . قَوْلُهُ: [وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ النَّوْمِ وَالْمَوْتِ] : هَكَذَا فِي نُسْخَةٍ وَقَدْ شَرَحَ عَلَيْهَا الشَّارِحُ وَفِي نُسْخَةٍ بِأَيْدِينَا لَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ.

[حكم الرقي]

أَنْزَلْت وَآمَنْت بِرَسُولِك الَّذِي أَرْسَلْت فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْت وَمَا أَسْرَرْت وَمَا أَعْلَنْت أَنْتَ إلَهِي لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ رَبِّ قِنِي عَذَابَك يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَك» . (وَ) خُصُوصًا يَتَأَكَّدُ الدُّعَاءُ عِنْدَ عَلَامَاتِ (الْمَوْتِ) فَإِنَّهُ وَقْتُ شِدَّةٍ وَحُضُورِ الْفَتَّانَاتِ وَيَدْعُو بِنَحْوِ: «رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْك رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَكَرَاتِ الْمَوْتِ» . (وَيَجُوزُ الرُّقَى) جَمْعُ رُقْيَةٍ وَتَكُونُ (بِأَسْمَاءِ اللَّهِ) وَبِأَسْمَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّالِحِينَ (وَبِالْقُرْآنِ) وَيَتَحَرَّى مَا يُنَاسِبُ وَإِنْ كَانَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ شِفَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ} [الإسراء: 82] لِلْبَيَانِ (وَقَدْ وَرَدَ) الرُّقَى بِأَسْمَاءِ اللَّهِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعَوِّذُ أَهْلَ بَيْتِهِ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: «فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْت» : تَعْلِيمٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأُمَّتِهِ لِعِصْمَتِهِ مِنْ الذُّنُوبِ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ، وَهَذَا الدُّعَاءُ مَجْمُوعٌ مِنْ عِدَّةِ أَحَادِيثَ مَعَ زِيَادَةٍ وَنَقْصٍ غَيْرِ مُخِلَّيْنِ. [حُكْم الرقي] قَوْلُهُ: [وَيَجُوزُ الرُّقَى] : عَبَّرَ بِالْجَوَازِ رَدًّا عَلَى مَنْ تَوَهَّمَ الْمَنْعَ وَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ الْآتِي وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا» إلَخْ وَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: [وَيَتَحَرَّى مَا يُنَاسِبُ] : أَيْ وَالْأَوْلَى تَحَرِّي الْآيَاتِ وَالسُّوَرِ الَّتِي وَرَدَ اسْتِعْمَالُهَا فِي التَّعَوُّذَاتِ وَالرُّقَى. قَوْلُهُ: [عَلَى أَنَّ مَنْ] إلَخْ: أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَأَيُّ آيَةٍ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ شِفَاءٌ وَلَوْ اشْتَمَلَتْ عَلَى ذَمٍّ؛ لِأَنَّ شِفَاءَهَا مِنْ حَيْثُ تَنَزُّلِهَا مِنْ اللَّهِ. قَوْلُهُ: [كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ] : أَيْ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْعَاصِ: «أَنَّهُ شَكَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ضَعْ يَدَك عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِك وَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ ثَلَاثًا وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ. قَالَ فَفَعَلْت ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ مَا كَانَ مِنْ الْأَلَمِ فَلَمْ أَزَلْ آمُرُ بِهَا أَهْلِي وَغَيْرَهُمْ» (اهـ) وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ يَقُولُ هَذَا إذَا رَقَى نَفْسَهُ فَإِنْ رَقَى غَيْرَهُ قَالَ أُعِيذُهُ أَوْ أُعِيذُهَا بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا يَجِدُ وَيُحَاذِرُ.

«اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبْ الْبَاسَ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُك شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا» وَأَقَرَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ رَقَى بِالْفَاتِحَةِ وَقَالَ: «أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ الْإِخْلَاصَ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَيَنْفُثُ فِي يَدَيْهِ وَيَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ» . (وَ) تَجُوزُ (التَّمِيمَةُ) أَيْ الْوَرَقَةُ الْمَشْمُولَةُ (بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَالْقُرْآنِ لِمَرِيضٍ وَصَحِيحٍ وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَبَهِيمَةٍ بَعْدَ جَعْلِهَا فِيمَا يَقِيهَا، وَلَا يُرْقَى بِالْأَسْمَاءِ الَّتِي لَمْ يُعْرَفْ مَعْنَاهَا قَالَ مَالِكٌ مَا يُدْرِيك لَعَلَّهَا كُفْرٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَقَالَ أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ] : أَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا بِكُمْ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ شَيْءٌ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ إنِّي وَاَللَّهِ لَأَرْقِي وَلَكِنْ وَاَللَّهِ لَقَدْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ فَانْطَلَقَ وَجَعَلَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ قَالَ فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمْ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ اقْتَسِمُوا فَقَالَ الَّذِي رَقَى لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ وَمَا يُدْرِيك أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ فَقَالَ قَدْ أَصَبْتُمْ اقْتَسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (اهـ مِنْ مُخْتَصَرِ ابْنِ أَبِي جَمْرَةَ) فَقَوْلُهُ: إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ قَالَهُ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ تِلْكَ الْقِصَّةِ. قَوْلُهُ: [وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ] : أَيْ وَجُنُبٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا يُرْقَى بِالْأَسْمَاءِ الَّتِي لَمْ يُعْرَفْ مَعْنَاهَا] : أَيْ مَا لَمْ تَكُنْ مَرْوِيَّةً عَنْ ثِقَةٍ كَالْمَأْخُوذَةِ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ الشَّاذِلِيِّ كَدَائِرَتِهِ وَالْأَسْمَاءِ الَّتِي فِي أَحْزَابِ السَّيِّدِ الدُّسُوقِيِّ والجلجلوتية.

[حكم التداوي]

وَكَرِهَ مَالِكٌ الرُّقْيَةَ بِالْحَدِيدِ وَالْمِلْحِ وَنَحْوِ خَاتَمِ سُلَيْمَانَ وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الْقَدِيمِ. إنْ قُلْت قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ وَهُمْ الَّذِينَ يَرْقُونَ وَلَا يَسْتَرِقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» وَالْجَوَابُ: أَنَّ الِاسْتِرْقَاءَ مَطْلُوبٌ لِمَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى أَلَمِ الْمَرَضِ وَلَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ وَيَكُونُ النَّفْيُ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ قُدْرَةٌ إلَخْ. (وَ) يَجُوزُ (التَّدَاوِي) وَقَدْ يَجِبُ وَسَوَاءٌ كَانَ التَّدَاوِي (ظَاهِرًا) فِي ظَاهِرِ الْجَسَدِ كَوَضْعِ دَوَاءٍ عَلَى جُرْحٍ (وَبَاطِنًا) كَسَفُوفٍ وَشُرْبَةٍ لِوَجَعِ الْبَاطِنِ وَيَكُونُ (مِمَّا عُلِمَ نَفْعُهُ فِي) عِلْمِ (الطِّبِّ) وَأَلَّا يَحْصُلَ ضَرَرٌ أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ وَإِذَا عَالَجَ طَبِيبٌ عَارِفٌ وَمَاتَ الْمَرِيضُ مِنْ عِلَاجِهِ الْمَطْلُوبِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَأَفْضَلُ الدَّوَاءِ خِفَّةُ الْمَعِدَةِ إذْ التُّخَمَةُ أَصْلُ كُلِّ دَاءٍ. (وَ) تَجُوزُ (الْحِجَامَةُ) بِمَعْنَى تُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَقَدْ تَجِبُ وَيَنْبَغِي تَرْكُهَا يَوْمَ السَّبْتِ وَالْأَرْبِعَاءِ لِمَا وَرَدَ: «مَنْ احْتَجَمَ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فَأَصَابَهُ مَرَضٌ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ» فَقَدْ احْتَجَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فَمَرِضَ، فَرَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَنَامِهِ فَشَكَا إلَيْهِ مَا بِهِ فَقَالَ: أَمَا سَمِعْت مَنْ احْتَجَمَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ؟ إلَخْ فَقَالَ: نَعَمْ وَلَكِنْ لَمْ يَصِحَّ، فَقَالَ: أَمَا يَكْفِيك قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْجَوَابُ أَنَّ الِاسْتِرْقَاءَ] إلَخْ: وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ النَّهْيَ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا اُعْتُقِدَ أَنَّ الرُّؤْيَا تُؤَثِّرُ بِنَفْسِهَا أَوْ بِقُوَّةٍ أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِيهَا، فَإِنَّ الْأَوَّلَ كُفْرٌ وَالثَّانِيَ فِسْقٌ. [حُكْم التَّدَاوِي] قَوْلُهُ: [وَأَلَّا يَحْصُلَ ضَرَرٌ] إلَخْ: مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: بِمَا عُلِمَ نَفْعُهُ أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ تَدَاوَى بِمَا لَمْ يُعْلَمْ نَفْعُهُ يَحْصُلُ الضَّرَرُ إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَأَفْضَلُ الدَّوَاءِ] إلَخْ: أَيْ لِمَا فِي الْحَدِيثِ: «الْمَعِدَةُ بَيْتُ الدَّاءِ وَالْحِمْيَةُ رَأْسُ الدَّوَاءِ وَأَصْلُ كُلِّ دَاءٍ الْبَرَدَةُ» . [حُكْم الْحَجَّامَة] قَوْلُهُ [وَيَنْبَغِي تَرْكُهَا يَوْمَ السَّبْتِ] : أَيْ لِغَيْرِ قَوِيِّ الْيَقِينِ وَلِغَيْرِ الْمُقْتَدَى بِهِ وَأَمَّا هُمَا فَلَا يَنْبَغِي لَهُمَا التَّحَرُّزُ مِنْ تِلْكَ الْأَيَّامِ لِقَوْلِ مَالِكٍ: لَا تُعَادِ الْأَيَّامَ فَتُعَادِيَك.

[حكم التداوي بالكي]

لَا يُنْظَرُ لِلصِّحَّةِ إلَّا فِي بَابِ الْأَحْكَامِ، وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالْمُرَاعَاةِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَيَوْمَ الْأَحَدِ. (وَ) يَجُوزُ (الْفَصْدُ) قَطْعُ الْعِرْقِ لِاسْتِخْرَاجِ الدَّمِ الَّذِي يُؤْذِي الْجَسَدَ (وَ) يَجُوزُ التَّدَاوِي بِ (الْكَيِّ) الْحَرْقِ بِالنَّارِ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ وَقِيلَ يُكْرَهُ فَفِي التَّدَاوِي بِالنَّارِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَقَوْلُهُ اُحْتِيجَ لَهُ أَيْ لِلدَّوَاءِ بِمَا تَقَدَّمَ. (وَجَازَ قَتْلُ كُلِّ مُؤْذٍ) مَا شَأْنُهُ الْإِيذَاءُ وَلَوْ لَمْ يُؤْذِ بِالْفِعْلِ ثُمَّ بَيَّنَ بَعْضَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (مِنْ فَأْرٍ وَغَيْرِهِ) كَابْنِ عِرْسٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَيْتَةَ الثُّعْبَانِ وَالسِّحْلِيَّةِ وَبِنْتِ عِرْسٍ وَالْوَزَغِ نَجِسَةٌ إذْ كُلُّهَا ذُو نَفْسٍ سَائِلَةٍ وَيَجُوزُ أَكْلُ الْجَمِيعِ بِالتَّذْكِيَةِ إلَّا لِضَرَرٍ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ بِحُرْمَةِ أَكْلِ بِنْتِ عِرْسٍ فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُورِثُ الْعَمَى. (وَكُرِهَ حَرْقُ الْقَمْلِ وَالْبُرْغُوثِ وَنَحْوِهِمَا) كَبَقٍّ وَجَمِيعِ خَشَاشِ الْأَرْضِ بِالنَّارِ وَلَا يُكْرَهُ بِشَمْسٍ وَلَا قَصْعٍ أَوْ فَرْكٍ وَلَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِيهَا الْإِيذَاءَ وَإِنْ لَمْ تُؤْذِ بِالْفِعْلِ كُرِهَ بِالنَّارِ لِمَا فِيهَا مِنْ التَّعْذِيبِ وَلَمْ يَحْرُمْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَتْلَ جَمِيعِ الْحَشَرَاتِ بِالنَّارِ مَكْرُوهٌ وَبِغَيْرِهَا جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ أَذِيَّةٌ بِالْفِعْلِ وَأَمَّا النَّمْلُ بِالنُّونِ وَالنَّحْلُ - بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - وَالْهُدْهُدُ وَالصُّرَدُ فَإِنْ حَصَلَ مِنْهَا أَذِيَّةٌ وَلَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَرْكِهَا فَيَجُوزُ قَتْلُهَا وَلَوْ بِالنَّارِ فَإِنْ لَمْ تُؤْذِ حَرُمَ قَتْلُهَا وَلَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لَا يُنْظَرُ لِلصِّحَّةِ إلَّا فِي بَابِ الْأَحْكَامِ] : أَيْ التَّكْلِيفِيَّةِ وَالْوَضْعِيَّةِ وَأَمَّا فَضَائِلُ الْأَعْمَالِ وَالْآدَابُ الْحُكْمِيَّةُ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ يَتَأَنَّسُ لَهَا بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ وَبِالْآثَارِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ السَّلَفِ. قَوْلُهُ: [الْأَمْرُ بِمُرَاعَاةِ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ] إلَخْ: أَيْ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْحِجَامَةِ فِيهِمَا. [حُكْم التَّدَاوِي بِالْكَيِّ] قَوْلُهُ: [فَفِي التَّدَاوِي بِالنَّارِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ] : إنَّمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ: «الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثٍ: شَرْطَةِ مِحْجَمٍ وَشَرْبَةِ عَسَلٍ وَكَيَّةِ نَارٍ وَلَا أُحِبُّ الِاكْتِوَاءَ» . [قَتْلُ الْحَيَوَان الْمُؤْذِي] قَوْلُهُ: [كَابْنِ عِرْسٍ] : أَدْخَلَتْ الْكَافُ بَاقِيَ مَا وَرَدَ إبَاحَةُ قَتْلِهَا فِي الْحِلِّ وَالْحُرُمِ لِلْمُحَرَّمِ وَغَيْرِهِ، بَلْ وَمَا يُؤْذِي مِنْ بَنِي آدَمَ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ بِسَفْكِ الدِّمَاءِ وَسَلْبِ الْأَمْوَالِ وَهَتْكِ الْحَرِيمِ. قَوْلُهُ: [وَبِغَيْرِهَا جَائِزٌ] : ظَاهِرُهُ يَشْمَلُ الْمَاءَ لَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ الْمَاءَ كَالنَّارِ فِي الْكَرَاهَةِ. قَوْلُهُ: [وَالصُّرَدُ] : هَكَذَا بِوَزْنِ زُحَلَ.

[الرؤيا الصالحة]

بِغَيْرِ النَّارِ فَإِنْ آذَتْ وَقُدِرَ عَلَى تَرْكِهَا فَيُكْرَهُ الْقَتْلُ وَلَوْ بِالنَّارِ وَهَلْ الْمَنْهِيُّ عَنْ قَتْلِهِ مُطْلَقُ النَّمْلِ أَوْ خُصُوصُ الْأَحْمَرِ الطَّوِيلِ الْأَرْجُلِ لِعَدَمِ أَذِيَّتِهِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ فَشَأْنُهُ الْإِيذَاءُ وَيُسْتَحَبُّ قَتْلُ الْوَزَغِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ أَذِيَّةٌ وَقَدْ رَغَّبَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «مَنْ قَتَلَهَا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَلَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَفِي الثَّانِيَةِ سَبْعُونَ وَفِي الثَّالِثَةِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ السُّمُومِ» . وَاعْلَمْ أَنَّهَا ذُو نَفْسٍ سَائِلَةٍ فَمَيْتَتُهَا نَجِسَةٌ وَتُنَجِّسُ الْمَائِعَ الَّذِي تَمُوتُ فِيهِ وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْجَمِيعِ بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَيُكْرَهُ قَتْلُ الضِّفْدَعِ إنْ لَمْ يُؤْذِ فَإِنْ آذَتْ جَازَ إنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَرْكِهَا وَإِلَّا نُدِبَ عَدَمُ الْقَتْلِ وَيَجُوزُ أَكْلُهَا بِالذَّكَاةِ إنْ كَانَتْ بَرِّيَّةً. (وَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ) الْمُبَشِّرَةُ أَوْ الصَّادِقَةُ (جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ) كَمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ مِنْ شَخْصٍ مُمْتَثِلٍ أَمْرَ اللَّهِ وَإِلَّا فَلَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَلَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ] إلَخْ: إنْ قُلْت كَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْأَجْرَ يَزِيدُ بِتَعَدُّدِ الضَّرَبَاتِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَتْلَ لَهَا فِي مَرَّةٍ يَدُلُّ عَلَى مَزِيدِ اعْتِنَاءِ الْقَاتِلِ بِالْأَمْرِ وَمَزِيدِ الْحَمِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ السُّمُومِ] : أَيْ وَلِمَا وَرَدَ أَيْضًا أَنَّهَا كَانَتْ تَنْفُخُ النَّارَ عَلَى إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قَوْلُهُ: [وَاعْلَمْ أَنَّهَا ذُو نَفْسٍ سَائِلَةٍ] إلَخْ: هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: كَرَّرَهُ لِذِكْرِ الْخِلَافِ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَرْكِهَا] : أَيْ إنْ لَمْ يُمْكِنْ الصَّبْرُ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ قَتْلِهَا لِمَا قِيلَ إنَّهَا أَكْثَرُ الْحَيَوَانَاتِ تَسْبِيحًا حَتَّى قِيلَ إنَّ صَوْتَهَا جَمِيعَهُ ذِكْرٌ وَلِأَنَّهَا أَطْفَأَتْ مِنْ نَارِ إبْرَاهِيمَ ثُلُثَيْهَا. [الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ] قَوْلُهُ: [الْمُبَشِّرَةُ أَوْ الصَّادِقَةُ] : أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى تَنْوِيعِ الْخِلَافِ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا إذَا كَانَتْ مِنْ شَخْصٍ مُمْتَثِلٍ أَمْرَ اللَّهِ] إلَخْ: هَذَا التَّقْيِيدُ عَلَى حَسْبِ الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ مُمْتَثِلٍ بَلْ وَتَكُونُ مِنْ الْكُفَّارِ، وَذَلِكَ كَرُؤْيَا عَزِيزِ مِصْرَ وَرُؤْيَا مَنْ كَانَ مَعَ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي السِّجْنِ.

وَالْأَحْسَنُ عَدَمُ تَحْدِيدِ ذَلِكَ الْجُزْءِ وَأَمَّا تَحْدِيدُهُ بِنِصْفِ سَنَةٍ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُوحِيَ إلَيْهِ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يَرَى فِي الْمَنَامِ مَا يُلْقِيه الْمَلَكُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى حَدِيثٍ صَحِيحٍ بِأَنَّهَا سِتَّةٌ وَأَنَّ مَا بَعْدَهَا ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ. وَلَمْ يَصِحَّ فِي ذَلِكَ خَبَرٌ، وَالْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهَا جُزْءًا: أَيْ فِي الْجُمْلَةِ إذْ فِيهَا اطِّلَاعٌ عَلَى الْغَيْبِ مِنْ وَجْهٍ أَوْ؛ لِأَنَّ النُّبُوَّةَ أَنْوَاعٌ؛ لِأَنَّ الْوَحْيَ كَانَ يَأْتِي عَلَى أَنْوَاعٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُصَّهَا) : أَيْ يُخْبِرَ بِهَا وَيَعْرِضَ مَا رَأَى (عَلَى عَالِمٍ صَالِحٍ مُحِبٍّ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي لَهُ نُورٌ وَفِرَاسَةٌ. (وَلَا يَنْبَغِي) أَيْ يَحْرُمُ (تَعْبِيرُهَا لِغَيْرِ عَارِفٍ بِهَا) قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] وَالْعِلْمُ بِتَفْسِيرِ الرُّؤْيَا لَيْسَ مِنْ كُتُبٍ كَمَا يَقَعُ لِلنَّاسِ مِنْ التَّعْبِيرِ مِنْ ابْنِ سِيرِينَ فَيَحْرُمُ تَفْسِيرُهَا بِمَا فِيهِ، بَلْ يَكُونُ بِفَهْمِ الْأَحْوَالِ وَالْأَوْقَاتِ وَفِرَاسَةٍ وَعِلْمٍ بِالْمَعَانِي، وَالْفِرَاسَةُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا: نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي الْقَلْبِ يُدْرِكُ بِهِ الصَّوَابَ وَقِيلَ؛ ظَنٌّ صَائِبٌ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ حَرُمَ إذَا عَلِمَ أَنَّهَا عَلَى خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ تَفْسِيرُهَا بِالضِّدِّ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ، بَلْ إنْ كَانَتْ شَرًّا يَقُولُ نَحْوَ: نَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا، أَوْ يَسْكُتُ. وَإِنْ فَسَّرَ بِالضِّدِّ لَا تَخْرُجُ عَلَى مَا عُبِّرَتْ بِهِ. وَقِيلَ: الرُّؤْيَا عَلَى مَا عُبِّرَتْ بِهِ، وَلِذَلِكَ يُنْهَى عَنْ قَصِّهَا عَلَى عَدُوٍّ خَوْفَ أَنْ يُخْبِرَ بِسُوءٍ فَتَخْرُجُ عَلَيْهِ (وَمَنْ رَأَى) فِي نَوْمِهِ (مَا يَكْرَهُ) وَاسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ (فَلْيَتْفُلْ) بِضَمِّ الْفَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَأَمَّا تَحْدِيدُهُ] إلَخْ: هَذَا الْكَلَامُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ وَإِنَّمَا الَّذِي قَالَهُ شُرَّاحُ هَذَا الْحَدِيثِ إنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَا يَتِمُّ إلَّا لَوْ لَمْ يُعَارِضْهَا رِوَايَاتٌ أُخَرُ مَعَ أَنَّهُ عَارَضَهَا رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا: «جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا» وَمِنْهَا «جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا» وَمِنْهَا «جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ» قَوْلُهُ: [أَوْ لِأَنَّ النُّبُوَّةَ أَنْوَاعٌ] : أَيْ فَتَارَةً تَكُونُ بِالْمِلْكِ جِهَارًا وَهُوَ أَقْسَامٌ وَبِالْمُكَالَمَةِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ وَبِالْإِلْقَاءِ فِي الرَّوْعِ وَبِالْمَنَامِ. قَوْلُهُ: [فَيَحْرُمُ تَفْسِيرُهَا بِمَا فِيهِ] : أَيْ إنْ لَمْ يَنْضَمَّ لِذَلِكَ بَصِيرَةٌ مِنْ الْمُعَبِّرِ؛ لِأَنَّ مَا فِي ابْنِ سِيرِينَ وَابْنِ شَاهِينَ صَحِيحٌ قَطْعًا لَكِنْ لَا تَتَّحِدُ النَّاسُ فِيهِ بَلْ يَخْتَلِفُ بِحَسْبِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَأَزْمَانِهِمْ وَأَشْغَالِهِمْ.

مِنْ بَابِ قَتَلَ وَبِكَسْرِهَا مِنْ بَابِ ضَرَبَ، وَالتُّفْلُ نَفْثٌ بِرِيقٍ (عَلَى) جِهَةِ (يَسَارِهِ) لِأَنَّهَا جِهَةُ الْأَقْذَارِ وَالشَّيْطَانِ فَكَأَنَّهُ يَطْرُدُهُ بِتَحْقِيرٍ وَيُكَرِّرُ التُّفْلَ (ثَلَاثًا) لِلتَّأْكِيدِ فِي طَرْدِ الشَّيْطَانِ (وَلْيَقُلْ) نَدْبًا: (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا رَأَيْت) فِي مَنَامِي أَنْ يَضُرَّ بِي فِي دِينِي وَدُنْيَايَ (وَلْيَتَحَوَّلْ) نَدْبًا (عَلَى شِقِّهِ الْآخَرِ) تَفَاؤُلًا بِأَنَّ اللَّهَ يُبَدِّلُ الْمَكْرُوهَ بِالْحَسَنِ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَنَامَ بَلْ يَقُومَ لِلدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ. (وَلَا يَنْبَغِي قَصُّهَا) أَيْ الرُّؤْيَةُ الَّتِي فِيهَا مَكْرُوهٌ وَلَوْ عَلَى حَبِيبٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [نَفْثٌ بِرِيقٍ] : أَيْ قَلِيلٌ وَقِيلَ بِغَيْرِ رِيقٍ وَاخْتُلِفَ فِي التَّفْلِ وَالنَّفْثِ؛ فَقِيلَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَلَا يَكُونَانِ إلَّا بِرِيقٍ، وَقِيلَ النَّفْثُ بِغَيْرِ رِيقٍ وَعَلَيْهِ فَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ هُنَا لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ طَرْدُ الشَّيْطَانِ وَإِظْهَارُ احْتِقَارِهِ وَاسْتِقْذَارِهِ. قَوْلُهُ: [وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَنَامَ] : قَالَ فِي حَاشِيَةِ الرِّسَالَةِ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَعُودَ لِمَنَامِهِ بَعْدَ اسْتِيقَاظِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَادَ يَعُودُ لَهُ الشَّيْطَانُ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَنْبَغِي قَصُّهَا] : قَالَ فِي حَاشِيَةِ الرِّسَالَةِ تَنْبِيهٌ: الِاحْتِيَاطُ إذَا رَأَى مَا يُحِبُّ كَتْمَ مَا رَآهُ إلَّا عَنْ حَبِيبٍ يَعْلَمُ بِتَعْبِيرِ الرُّؤْيَا. بِخِلَافِ مَنْ رَأَى الْمَكْرُوهَ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ بَعْدَ قِيَامِهِ الصَّلَاةُ وَالسُّكُوتُ عَنْ التَّحْدِيثِ بِمَا يَرَاهُ (اهـ) وَعَلَيْهِ بِالتَّضَرُّعِ وَالِالْتِجَاءِ إلَى اللَّهِ؛ لِأَنَّ مَا أَرَاهُ الْمَكْرُوهَ فِي مَنَامِهِ إلَّا لِيَتَحَرَّزَ مِنْهُ لِمَا فِي الْحَدِيثِ: «إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَاتَبَهُ فِي مَنَامِهِ» .

[خاتمة الكتاب]

خَاتِمَةٌ فِي جَعْلِ آخِرِ كِتَابِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِاَللَّهِ وَرُسُلِهِ مِنْ الْبِشَارَةِ وَحُسْنِ الْخَاتِمَةِ مَا لَا يَخْفَى (كُلُّ كَائِنَةٍ فِي الْوُجُودِ فَهِيَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى) : فَهُوَ الْمُوجِدُ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ الْقَائِلِينَ: إنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ أَفْعَالَ نَفْسِهِ الِاخْتِيَارِيَّةَ. وَأَنَّ الْقَاتِلَ قَطَعَ أَجَلَ الْمَقْتُولِ، وَهَذَا بَاطِلٌ، بَلْ أَمَاتَهُ اللَّهُ لِانْقِضَاءِ أَجَلِهِ وَلَوْ لَمْ يُقْتَلْ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَحْيَا وَأَنْ يَمُوتَ فَلَا نَجْزِمُ بِوَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ مَغِيبٌ عَنَّا وَتَتَعَلَّقُ الْقُدْرَةُ بِالْمَعْدُومِ أَيْضًا وَبِالْعَدَمِ غَيْرِ الْوَاجِبِ وَمِنْ غَيْرِ الْوَاجِبِ قَطْعُ الْعَدَمِ الْأَزَلِيِّ فِيمَا لَا يُزَالُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [خَاتِمَة الْكتاب] [مَا يَتَعَلَّقُ بِاَللَّهِ وَرُسُلِهِ مِنْ الْبِشَارَةِ وَحُسْنِ الْخَاتِمَةِ] خَاتِمَةٌ: قَوْلُهُ فِي جَعْلِ آخِرِ كِتَابِهِ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَمَا لَا يَخْفَى مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَقَوْلُهُ مِنْ الْبِشَارَةِ وَحُسْنِ الْخَاتِمَةِ بَيَانٌ لِمَا لَا يَخْفَى، وَقَوْلُهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِاَللَّهِ وَرُسُلِهِ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِجَعْلِ وَقَدْ أَضَافَهُ لِمَفْعُولِهِ الْأَوَّلِ وَمُحَصَّلُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ فِيهِ حُسْنَ اخْتِتَامٍ وَهُوَ تَفَاؤُلٌ بِحُسْنِ خَاتِمَةِ الْأُسْتَاذِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَدْ ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ حُسْنِهَا فِي الْخَافِقَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنَّا بِهِ. قَوْلُهُ: [وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ] : أَيْ حَيْثُ أَتَى بِكُلٍّ الَّتِي تُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ وَالْعُمُومَ. قَوْلُهُ: [بَلْ أَمَاتَهُ اللَّهُ لِانْقِضَاءِ أَجَلِهِ] : أَيْ فَالْمَوْتُ مِنْ اللَّهِ حَصَلَ عِنْدَ الْقَتْلِ لَا بِالْقَتْلِ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَمَيِّتٌ بِعُمُرِهِ مَنْ يَقْتُلُ وَغَيْرُ هَذَا بَاطِلٌ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: [وَلَوْ لَمْ يُقْتَلْ] : أَيْ عَلَى فَرْضِ الْمُحَالِ. قَوْلُهُ: [وَتَتَعَلَّقُ الْقُدْرَةُ بِالْمَعْدُومِ] : أَيْ تَعَلُّقًا صُلُوحِيًّا بِأَنْ يُقَالَ: إنَّهَا صَالِحَةٌ لِبَقَائِهِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَلِنَقْلِهِ لِلْوُجُودِ، وَتَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا وَهُوَ إبْرَازُهَا مَا كَانَ مَعْدُومًا. وَقَوْلُهُ: [أَيْضًا] : أَيْ كَمَا تَتَعَلَّقُ بِإِعْدَامِ الْمَوْجُودِ كَالْقَتْلِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ أَمَاتَهُ اللَّهُ. وَقَوْلُهُ: [وَبِالْعَدَمِ غَيْرِ الْوَاجِبِ] : الصَّوَابُ حَذْفُ قَوْلِهِ وَبِالْعَدَمِ وَيُجْعَلُ قَوْلُهُ: غَيْرِ الْوَاجِبِ صِفَةً لِلْمَعْدُومِ. قَوْلُهُ: [قَطْعُ الْعَدَمِ الْأَزَلِيِّ فِيمَا لَا يُزَالُ] : الْمُرَادُ قَطْعُ اسْتِمْرَارِهِ وَإِلَّا فَالْأَعْدَامُ

(وَ) كُلُّ كَائِنَةٍ فَهِيَ (بِإِرَادَتِهِ) فَهُوَ الْمُرِيدُ لِلشُّرُورِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ إذْ الْإِرَادَةُ غَيْرُ الْأَمْرِ (عَلَى وَفْقِ عِلْمِهِ الْقَدِيمِ) بِالنَّظَرِ لِتَعَلُّقِهَا التَّنْجِيزِيِّ أَمَّا الصَّلَاحِيُّ فَهُوَ أَعَمُّ فَتَصْلُحُ لِتَخْصِيصِ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْعِلْمِ لَكِنْ لَا نُخَصِّصُهُ بِالْفِعْلِ إلَّا عَلَى وَفْقِ الْعِلْمِ تَأَمَّلْ. وَالْمَشْهُورُ: أَنَّ لِلْعِلْمِ تَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا قَدِيمًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَزَلِيَّةُ مِنْ مَوَاقِفِ الْعُقُولِ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهَا بِقَطْعٍ، إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالصَّوَابُ حَذْفُ قَوْلِهِ الْأَزَلِيِّ. قَوْلُهُ: [فَهُوَ الْمُرِيدُ لِلشُّرُورِ] : أَيْ كَمَا هُوَ مُرِيدٌ لِلْخَيْرِ. وَقَوْلُهُ: [خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ] : أَيْ حَيْثُ قَالُوا إنَّ الْإِرَادَةَ تَابِعَةٌ لِلْأَمْرِ فَلَا يُرِيدُ إلَّا مَا يَأْمُرُ بِهِ. قَوْلُهُ: [إذْ الْإِرَادَةُ غَيْرُ الْأَمْرِ] : تَعْلِيلٌ لِلرَّدِّ عَلَيْهِمْ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَغَايَرَتْ أَمْرًا وَعِلْمًا وَالرِّضَا كَمَا ثَبَتَ وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ إذْ الْإِرَادَةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ لِلْأَمْرِ. قَوْلُهُ: [عَلَى وَفْقِ عِلْمِهِ الْقَدِيمِ] : مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفِ حَالٍ مِنْ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ. قَوْلُهُ: [بِالنَّظَرِ لِتَعَلُّقِهَا] : أَيْ الْإِرَادَةِ وَكَذَا الْقُدْرَةُ فَقَدْ حَذَفَهُ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ الَّذِي يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِمَا كَمَا قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: إرَادَةُ اللَّهِ مَعَ التَّعَلُّقِ ... فِي أَزَلٍ قَضَاؤُهُ فَحَقِّقْ وَالْقَدَرُ الْإِيجَادُ لِلْأَشْيَاءِ عَلَى ... وَجْهٍ مُعَيَّنٍ أَرَادَهُ عَلَا وَبَعْضُهُمْ قَدْ قَالَ مَعْنَى الْأَوَّلِ ... الْعِلْمُ مَعَ تَعَلُّقٍ فِي الْأَزَلِ وَالْقَدَرُ الْإِيجَادُ لِلْأُمُورِ ... عَلَى وِفَاقِ عِلْمِهِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الْمَعْنِيُّ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: «وَأَنْ يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» . قَوْلُهُ: [فَتَصْلُحُ لِتَخْصِيصِ الشَّيْءِ] : أَيْ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الْقَابِلِيَّةِ وَالتَّجْوِيزِ الْعَقْلِيِّ. قَوْلُهُ: [لَكِنْ لَا نُخَصِّصُهُ بِالْفِعْلِ] : أَيْ الَّذِي هُوَ تَعَلُّقُهَا التَّنْجِيزِيُّ. وَقَوْلُهُ: [إلَّا عَلَى وَفْقِ الْعِلْمِ] : أَيْ وَإِلَّا لَانْقَلَبَ الْعِلْمُ جَهْلًا. قَوْلُهُ: [وَالْمَشْهُورُ أَنَّ لِلْعِلْمِ تَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا قَدِيمًا] : أَيْ وَهُوَ إحَاطَتُهُ بِالْمَوْجُودَاتِ وَالْمَعْدُومَاتِ أَزَلًا.

[أفضل خلق الله على الإطلاق]

وَحَقَّقَ بَعْضٌ: أَنَّ لَهُ تَنْجِيزِيًّا حَادِثًا وَهُوَ مَقْبُولٌ عَقْلًا وَنَقْلًا كَمَا حَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِي حَوَاشِي الْجَوْهَرَةِ. (وَلَا تَأْثِيرَ لِشَيْءٍ) كَالْأَسْبَابِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ (فِي شَيْءٍ) مِنْ الْمُسَبِّبَاتِ بَلْ هِيَ أُمُورٌ عَادِيَّةٌ يَجُوزُ تَخَلُّفُهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ الْأَشْيَاءَ بِدُونِ أَسْبَابِهَا. (وَلَا فَاعِلَ) يُؤْثِرُ (غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى) . (وَكُلُّ بَرَكَةٍ) نِعْمَةٌ ظَاهِرِيَّةٌ أَوْ بَاطِنِيَّةٌ كَالْعَافِيَةِ وَالْأَسْرَارِ وَمَا يَنْشَأُ مِنْ نَفْعٍ إلَخْ (فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَهِيَ مِنْ بَرَكَاتِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) كَمَا وَضَّحَ بَعْضَهُ بَعْدَ (الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ خَلْقِ اللَّهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ) فَلَا يُسْتَثْنَى أَحَدٌ مِنْ مَلَكٍ أَوْ رَسُولٍ مِنْ الْبَشَرِ، فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، خِلَافًا لِمَنْ تَوَقَّفَ وَمَزِيدُ الثَّنَاءِ عَلَى جِبْرِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة: 40] الْآيَةِ لِكَوْنِ الْقُرْآنِ عَلَى أَعْلَى طَبَقَاتِ الْبَلَاغَةِ تَأَمَّلْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَحَقَّقَ بَعْضٌ أَنَّ لَهُ تَنْجِيزِيًّا حَادِثًا] : أَيْ وَهُوَ إحَاطَةُ عِلْمِهِ بِالْحَادِثِ بَعْدَ ظُهُورِهِ وَبِهِ بَعْدَ فَنَائِهِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الْإِحَاطَةَ عَلَى طِبْقِ الْإِحَاطَةِ الْأَزَلِيَّةِ فَمَنْ نَظَرَ لِتِلْكَ الْمُطَابَقَةِ حَصَرَهُ فِي الْقَدِيمِ، وَأَمَّا الصَّلَاحِيُّ فَلَا يَجُوزُ فِي الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاحِيَّةَ لِلْعِلْمِ مِنْ غَيْرِ اتِّصَافٍ بِهِ جَهْلٌ. قَوْلُهُ: [وَغَيْرِ ذَلِكَ] : أَيْ كَالسِّكِّينِ فِي الْقَطْعِ وَالنَّارِ فِي الْحَرْقِ. قَوْلُهُ: [مِنْ الْمُسَبِّبَاتِ] : أَيْ الَّتِي هِيَ الشِّبَعُ وَالرِّيُّ وَالْقَطْعُ وَالْحَرْقُ. قَوْلُهُ: [وَيَجُوزُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ الْأَشْيَاءَ بِدُونِ أَسْبَابِهَا] : أَيْ وَذَلِكَ كَخَلْقِ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِدُونِ أَبٍ. قَوْلُهُ: [وَلَا فَاعِلَ يُؤَثِّرُ] : الْمُرَادُ بِالتَّأْثِيرِ الْإِيجَادُ وَالْإِعْدَامُ، وَأَمَّا الْفَاعِلُ الْمَجَازِيُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبٌ فِي الْفِعْلِ فَيُسْنَدُ لِغَيْرِهِ تَعَالَى. [أَفْضَلُ خَلْقِ اللَّهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ] قَوْلُهُ: [إلَخْ] : أَيْ أَوْ ضَرٍّ وَالْمُرَادُ ضَرُّ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالْعِنَادِ. قَوْلُهُ: [فَهِيَ مِنْ بَرَكَاتِ نَبِيِّنَا] إلَخْ: أَيْ يَجِبُ عَلَيْنَا اعْتِقَادُ ذَلِكَ وَمُنْكِرُ ذَلِكَ خَاسِرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. قَوْلُهُ: [خِلَافًا لِمَنْ تَوَقَّفَ] : أَيْ وَهُوَ الزَّمَخْشَرِيُّ. قَوْلُهُ: [لِكَوْنِ الْقُرْآنِ عَلَى أَعْلَى طَبَقَاتِ الْبَلَاغَةِ] : جَوَابٌ عَنْ شُبْهَةِ الزَّمَخْشَرِيِّ

[نوره صلى الله عليه وسلم]

(وَنُورُهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَصْلُ الْأَنْوَارِ) وَالْأَجْسَامِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِجَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ نُورَ نَبِيِّك مِنْ نُورِهِ» الْحَدِيثُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ جِبْرِيلَ فَيُقَالُ لَهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ فِي أَعْلَى طَبَقَاتِ الْبَلَاغَةِ وَهِيَ مُطَابَقَةُ الْكَلَامِ لِمُقْتَضَى حَالِ الْمُخَاطَبِينَ وَهِيَ نَزَلَتْ رَدًّا عَلَى مَنْ يَذُمُّ الْوَاسِطَةَ بِقَوْلِهِمْ طَوْرًا: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل: 103] وَطَوْرًا إنَّمَا الَّذِي يُعَلِّمُهُ جِنِّيٌّ فَقَالَ اللَّهُ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة: 40] الْآيَةَ، وَأَمَّا فَضْلُ نَبِيِّنَا فَهُوَ ثَابِتٌ عِنْدَ أَعْدَائِهِ لَا نِزَاعَ. فِيهِ فَكَانُوا يُسَمُّونَهُ بِالصَّادِقِ الْأَمِينِ وَلِذَلِكَ وَبَّخَهُمْ اللَّهُ فِي تَكْذِيبِهِمْ لَهُ بِقَوْلِهِ: {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [المؤمنون: 69] [نُوره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] قَوْلُهُ: [الْحَدِيثُ] : أَيْ وَنَصُّهُ: «أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَوَّلِ شَيْءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ؟ فَقَالَ هُوَ نُورُ نَبِيِّك يَا جَابِرُ خَلَقَهُ اللَّهُ ثُمَّ خَلَقَ مِنْهُ كُلَّ خَيْرٍ وَخَلَقَ بَعْدَهُ كُلَّ شَرٍّ، فَحِينَ خَلَقَهُ أَقَامَهُ قُدَّامَهُ فِي مَقَامِ الْقُرْبِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ جَعَلَهُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ: فَخَلَقَ الْعَرْشَ مِنْ قِسْمٍ، وَالْكُرْسِيَّ مِنْ قِسْمٍ، وَحَمَلَةَ الْعَرْشِ وَخَزَنَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ قِسْمٍ، وَأَقَامَ الْقِسْمَ الرَّابِعَ فِي مَقَامِ الْحُبِّ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ جَعَلَهُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ: فَخَلَقَ الْقَلَمَ مِنْ قِسْمٍ، وَالرُّوحَ مِنْ قِسْمٍ، وَالْجَنَّةَ مِنْ قِسْمٍ، وَأَقَامَ الْقِسْمَ الرَّابِعَ فِي مَقَامِ الْخَوْفِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ جَعَلَهُ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ: فَخَلَقَ الْمَلَائِكَةَ مِنْ جُزْءٍ، وَخَلَقَ الشَّمْسَ مِنْ جُزْءٍ، وَخَلَقَ الْقَمَرَ وَالْكَوَاكِبَ مِنْ جُزْءٍ، وَأَقَامَ الْجُزْءَ الرَّابِعَ فِي مَقَامِ الرَّجَاءِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ جَعَلَهُ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ: فَخَلَقَ الْعَقْلَ مِنْ جُزْءٍ، وَالْحِلْمَ وَالْعِلْمَ مِنْ جُزْءٍ، وَالْعِصْمَةَ وَالتَّوْفِيقَ مِنْ جُزْءٍ، وَأَقَامَ الْجُزْءَ الرَّابِعَ فِي مَقَامِ الْحَيَاءِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ نَظَرَ إلَيْهِ فَتَرَشَّحَ ذَلِكَ النُّورُ عَرَقًا، فَقُطِرَتْ مِنْهُ مِائَةُ أَلْفٍ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، وَأَرْبَعَةُ آلَافِ قَطْرَةٍ فَخَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ كُلِّ قَطْرَةٍ رُوحَ نَبِيٍّ أَوْ رَسُولٍ، ثُمَّ تَنَفَّسَتْ أَرْوَاحُ الْأَنْبِيَاءِ فَخَلَقَ اللَّهُ مِنْ أَنْفَاسِهِمْ نُورَ أَرْوَاحِ الْأَوْلِيَاءِ وَالسُّعَدَاءِ وَالشُّهَدَاءِ وَالْمُطِيعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛

فَهُوَ الْوَاسِطَةُ فِي جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ وَلَوْلَاهُ مَا كَانَ شَيْءٌ كَمَا «قَالَ اللَّهُ لِآدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَلَوْلَاهُ مَا خَلَقْتُك» الْحَدِيثُ إذْ لَوْلَا الْوَاسِطَةُ لَذَهَبَ كَمَا قِيلَ الْمَوْسُوطُ. (وَالْعِلْمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى) : أَيْ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ وَاجِبٍ وَجَائِزٍ وَمُسْتَحِيلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْعَرْشُ وَالْكُرْسِيُّ مِنْ نُورِي، وَالْكَرُوبِيُّونَ وَالرُّوحَانِيُّونَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مِنْ نُورِي، وَمَلَائِكَةُ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ مِنْ نُورِي، وَالْجَنَّةُ وَمَا فِيهَا مِنْ النَّعِيمِ مِنْ نُورِي، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْكَوَاكِبُ مِنْ نُورِي، وَالْعَقْلُ وَالْعِلْمُ وَالتَّوْفِيقُ مِنْ نُورِي، وَأَرْوَاحُ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ مِنْ نُورِي، وَالشُّهَدَاءُ وَالسُّعَدَاءُ وَالصَّالِحُونَ مِنْ نَتَائِجِ نُورِي، ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ اثْنَيْ عَشَرَ حِجَابًا فَأَقَامَ النُّورَ وَهُوَ الْجُزْءُ الرَّابِعُ فِي كُلِّ حِجَابٍ أَلْفَ سَنَةٍ وَهِيَ مَقَامَاتُ الْعُبُودِيَّةِ، وَهِيَ حِجَابُ الْكَرَامَةِ وَالسَّعَادَةِ وَالرُّؤْيَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ وَالْحِلْمِ وَالْعِلْمِ وَالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ وَالصَّبْرِ وَالصِّدْقِ وَالْيَقِينِ، فَعَبَّدَ اللَّهُ ذَلِكَ النُّورَ فِي كُلِّ حِجَابٍ أَلْفَ سَنَةٍ، فَلَمَّا خَرَجَ النُّورُ مِنْ الْحُجُبِ رَكَّبَهُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ فَكَانَ يُضِيءُ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ كَالسِّرَاجِ فِي اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ الْأَرْضِ وَرَكَّبَ فِيهِ النُّورَ فِي جَبِينِهِ ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى شِيثٍ وَلَدِهِ، وَكَانَ يَنْتَقِلُ مِنْ طَاهِرٍ إلَى طَيِّبٍ إلَى أَنْ وَصَلَ إلَى صُلْبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَمِنْهُ إلَى زَوْجِهِ أُمِّي آمِنَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَنِي إلَى الدُّنْيَا فَجَعَلَنِي سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَرَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ هَكَذَا كَانَ بَدْءُ خَلْقِ نَبِيِّك يَا جَابِرُ» (اهـ) مِنْ شَرْحِنَا عَلَى صَلَوَاتِ شَيْخِنَا الْمُصَنِّفِ نَقْلًا عَنْ شَيْخِنَا الشَّيْخِ سُلَيْمَانَ الْجَمَلِ فِي أَوَّلِ شَرْحِهِ عَلَى الشَّمَائِلِ عَنْ سَعْدِ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيِّ فِي شَرْحِ بُرْدَةِ الْمَدِيحِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَكُلُّ آيٍ أَتَى الرُّسُلُ الْكِرَامُ بِهَا ... فَإِنَّمَا اتَّصَلَتْ مِنْ نُورِهِ بِهِمْ قَوْلُهُ: [وَلَوْلَاهُ مَا خَلَقْتُك. . . الْحَدِيثَ] : أَيْ وَنَصُّهُ كَمَا فِي ابْنِ حَجَرٍ: «وَرَأَى أَيْ آدَم نُورَ مُحَمَّدٍ فِي سُرَادِقِ الْعَرْشِ وَاسْمُهُ مَكْتُوبًا عَلَيْهَا مَقْرُونًا بِاسْمِهِ تَعَالَى فَسَأَلَ اللَّهَ عَنْهُ؟ فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: هَذَا النَّبِيُّ مِنْ ذُرِّيَّتِك اسْمُهُ فِي السَّمَاءِ أَحْمَدُ وَفِي الْأَرْضِ مُحَمَّدٌ وَلَوْلَاهُ مَا خَلَقْتُك وَلَا خَلَقْت سَمَاءً وَلَا أَرْضًا، وَسَأَلَهُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ مُتَوَسِّلًا إلَيْهِ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَغَفَرَ لَهُ» (اهـ) . قَوْلُهُ: [إذْ لَوْلَا الْوَاسِطَةُ] : عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَلَوْلَاهُ مَا كَانَ شَيْءٌ وَلِقَوْلِهِ وَلَوْلَاهُ مَا خَلَقْتُك وَقَوْلُهُ كَمَا قِيلَ أَيْ قَوْلًا صَحِيحًا فَلَيْسَتْ الصِّيغَةُ لِلتَّضْعِيفِ لِلنِّسْبَةِ.

[العلم بالله تعالى ورسله وشرعه]

(وَبِرُسُلِهِ) كَذَلِكَ (وَشَرْعِهِ) : أَيْ الْعِلْمُ بِمَا بَيَّنَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ (أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ) إذْ لَا يَصِحُّ عَمَلٌ بِدُونِ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ وَرُسُلِهِ وَبَعْدَ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ وَرُسُلِهِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْأَحْكَامَ لَا يَصِحُّ لَهُ عَمَلٌ أَوْ لَا يَتِمُّ إلَى آخِرِ مَا هُوَ مُقَرَّرٌ وَشَرَفُ الْعِلْمِ بِشَرَفِ مُتَعَلَّقِهِ. (وَأَقْرَبُ الْعُلَمَاءِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى) قُرْبُ رِضًا وَمَحَبَّةٍ بِإِرَادَةِ الْإِنْعَامِ لَهُمْ وَيُقَالُ قُرْبٌ مَعْنَوِيٌّ وَيُقَالُ قُرْبُ مَكَانَةٍ (وَأَوْلَاهُمْ بِهِ) أَيْ بِمَعُونَتِهِ وَنُصْرَتِهِ (أَكْثَرُهُمْ لَهُ خَشْيَةً) قِيلَ الْخَشْيَةُ وَالْخَوْفُ مُتَرَادِفَانِ وَقِيلَ الْخَشْيَةُ أَخَصُّ فَهِيَ خَوْفٌ مَقْرُونٌ بِمَعْرِفَةٍ فَيَخَافُ عِقَابَهُ مَعَ تَعْظِيمِهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ عَدْلٌ فِي فِعْلِهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي لَأَعْلَمُكُمْ بِاَللَّهِ وَأَشَدُّكُمْ لَهُ خَشْيَةً» (وَفِيمَا عِنْدَهُ رَغْبَةً) فَتَرَاهُمْ لِاعْتِمَادِهِمْ عَلَيْهِ ظَهَرَتْ فِيهِمْ الصِّفَاتُ الْحَمِيدَةُ مِنْ الزُّهْدِ إلَخْ (الْوَاقِفُ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ) مَا حَدَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْعِلْمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ورسله وشرعه] قَوْلُهُ: [وَبِرُسُلِهِ كَذَلِكَ] : أَيْ مِنْ وَاجِبٍ وَجَائِزٍ وَمُسْتَحِيلٍ فَالتَّشْبِيهُ فِي مُطْلَقِ الْوَاجِبِ وَالْجَائِزِ وَالْمُسْتَحِيلِ لَا فِي عَيْنِ مَا ذَكَرَ، فَإِنَّ حَقِيقَتَهَا فِي حَقِّ اللَّهِ غَيْرُ حَقِيقَتِهَا فِي حَقِّ الرُّسُلِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ أَصْلِ الدِّينِ. قَوْلُهُ: [وَشَرْعِهِ] : مَعْطُوفٌ عَلَى لَفْظِ الْجَلَالَةِ. قَوْلُهُ: [إذْ لَا يَصِحُّ عَمَلٌ بِدُونِ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ] : تَعْلِيلٌ لِأَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَعْمَالِ. قَوْلُهُ: [لَا يَصِحُّ لَهُ عَمَلٌ أَوْ لَا يَتِمُّ] : أَيْ فَتَتَخَلَّفُ الصِّحَّةُ إنْ تَخَلَّفَ شَرْطُهَا وَيَتَخَلَّفُ التَّمَامُ إنْ تَخَلَّفَ شَرْطُهُ. قَوْلُهُ: [وَشَرَفُ الْعِلْمِ بِشَرَفِ مُتَعَلَّقِهِ] : أَيْ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْعِلْمُ يَشْرُفُ بِشَرَفِ مَوْضُوعِهِ [أقرب الْعُلَمَاء إلَى اللَّه رِضَا وَمَحَبَّة] قَوْلُهُ: [أَيْ بِمَعُونَتِهِ وَنُصْرَتِهِ] : مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ أَيْ بِمَعُونَةِ اللَّهِ إيَّاهُمْ وَنُصْرَتِهِ لَهُمْ. قَوْلُهُ: [أَكْثَرُهُمْ لَهُ خَشْيَةً] : أَيْ لِمَا فِي الْحَدِيثِ: «مَا فَضَلَكُمْ أَبُو بَكْرٍ بِكَثْرَةِ صَوْمٍ وَلَا صَلَاةٍ وَإِنَّمَا فَضَلَكُمْ بِشَيْءٍ وَقَرَ فِي قَلْبِهِ» . قَوْلُهُ: [وَأَشَدُّكُمْ لَهُ خَشْيَةً] : أَيْ وَفِي رِوَايَةٍ: " وَأَخْوَفُكُمْ مِنْهُ " وَهِيَ تُؤَيِّدُ أَنَّ الْخَشْيَةَ وَالْخَوْفَ مُتَرَادِفَانِ، وَأَعْظَمُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ أَهْلِ الْخَشْيَةِ عَلَى غَيْرِهِمْ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] . قَوْلُهُ: [مِنْ الزُّهْدِ] إلَخْ: أَيْ وَالْوَرَعِ وَالتَّوَاضُعِ وَالْحِلْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

[ما ينبغي للعاقل]

وَبَيَّنَهُ (مِنْ الْأَوَامِرِ) بِامْتِثَالِ الْمَأْمُورَاتِ (وَالنَّوَاهِي) بِاجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ (الْمُرَاقِبُ لَهُ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ) الظَّاهِرِيَّةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ بِإِجْرَائِهَا عَلَى قَوَانِينِ الشَّرْعِ، فَيُثْمِرُ لَهُ الْيَقِينُ الْقَلْبِيُّ فَيَكُونُ مِنْ الْمُتَّقِينَ الْمَمْدُوحِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَصِيَّتِهِ لِأَصْحَابِهِ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ» وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131] (وَاعْلَمْ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ مَمَرٍّ) مَحَلُّ مُرُورٍ تُوَصِّلُ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ لِدَارِ الْقَرَارِ إلَى آخِرِ مَا قَالَ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّك غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» وَالْغَرِيبُ لَا مَقْصِدَ لَهُ إلَّا مَحَلُّ وَطَنِهِ وَكَذَلِكَ عَابِرُ السَّبِيلِ الْمَارُّ بِالطَّرِيقِ لَا يَعْتَنِي إلَّا بِمَا يُعِينُهُ عَلَى السَّفَرِ فَلَيْسَتْ دَارَ إقَامَةٍ إذْ دَارُ الْإِقَامَةِ الْبَاقِيَةِ هِيَ الْآخِرَةُ كَمَا قَالَ (لَا دَارَ قَرَارٍ) قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر: 39] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت: 64] الْحَيَاةُ الدَّائِمَةُ. {وَأَنَّ مَرَدَّنَا} [غافر: 43] مَرْجِعَنَا {إِلَى اللَّهِ} [غافر: 43] فَيُكْرِمُنَا بِالْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ وَعَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ] : أَيْ أَكْثَرُكُمْ لَهُ تَقْوَى وَتَقَدَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنِّي لَأَعْلَمُكُمْ بِاَللَّهِ وَأَشَدُّكُمْ لَهُ خَشْيَةً» فَنَبِيُّنَا أَتْقَى الْخَلْقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَحِينَئِذٍ فَالْآيَةُ شَاهِدَةٌ بِأَنَّهُ أَكْرَمُ الْخَلْقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ. [مَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ] قَوْلُهُ: [مَحَلُّ مُرُورٍ] : تَفْسِيرٌ لِمَعْنَى مَمَرٍّ. قَوْلُهُ: [إلَى آخِرِ مَا قَالَ] : لَا مَعْنَى لَهُ فَالْمُنَاسِبُ حَذْفُهُ. قَوْلُهُ: [الْحَيَاةُ الدَّائِمَةُ] : تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَأْتِيَ بِأَيِّ التَّفْسِيرِيَّةِ. قَوْلُهُ: [وَعَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ] : أَيْ مَصْحُوبًا بِعَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ وَالْأَعْمَالَ وَحْدَهُمَا لَا يَكْفِيَانِ الْعَبْدَ فِي النَّجَاةِ بِدُونِ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «لَا يَدْخُلُ أَحَدُكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ قَالُوا وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَلَا أَنَا إلَّا أَنْ يَتَغَمَّدنِي اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ»

{وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر: 43] : أَيْ الْكَافِرِينَ أَصْحَابُ الْعَذَابِ الْمُؤَبَّدِ. وَمَنْ أَسْرَفَ بِالذَّنْبِ مَعَ الْإِيمَانِ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَلَا يُؤَبَّدُ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ وَنَتَوَسَّلُ بِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُجِيرَنَا مِنْ النَّارِ. (فَيَنْبَغِي) مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ (لِلْعَاقِلِ) الْمُتَّصِفِ بِالْعَقْلِ نُورٌ إلَى آخِرِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ (أَنْ يَتَجَافَى عَنْ دَارِ الْغُرُورِ) يَتَبَاعَدُ عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِمَّا هُوَ زِينَةٌ ظَاهِرِيَّةٌ وَنِقْمَةٌ بَاطِنِيَّةٌ مِمَّا يُخَالِفُ الشَّرْعَ فَلَا يَعْتَنِي بِجَمْعِهَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لَا دَارَ لَهُ وَمَالُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَهَا يَجْمَعُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ» فَيَلْزَمُ تَرْكُ مَا يُشْغِلُ مِنْهَا وَالْغُرُورُ مَا يَغُرُّ ثُمَّ يَزُولُ وَقِيلَ الْبَاطِلُ. قَالَ تَعَالَى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185] أَيْ لَذَّاتُهَا وَزَخَارِفُهَا شَيْءٌ يَتَمَتَّعُ بِهِ الْمَغْرُورُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَغْرُورَ مَغْبُونٌ كَمَنْ دَلَّسَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ حَتَّى غَرَّهُ فِي شِرَاءِ مَعِيبٍ وَهَذَا إنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهَا لِلْآخِرَةِ وَإِلَّا فَهِيَ مَمْدُوحَةٌ (بِتَرْكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا يُؤَبَّدُ] : أَيْ لَا يَخْلُدُ فِيهَا قَالَ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ: وَجَائِزٌ تَعْذِيبُ بَعْضٍ ارْتَكَبَ ... كَبِيرَةً ثُمَّ الْخُلُودُ مُجْتَنَبْ قَوْلُهُ: [مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ] : أَيْ فَالْوُجُوبُ فِي التَّجَافِي عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَالنَّدْبُ فِي التَّجَافِي عَنْ الْمَكْرُوهَاتِ وَخِلَافُ الْأُولَى. قَوْلُهُ: [إلَى آخِرِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ] : أَيْ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي الْقَلْبِ، وَلَهُ شُعَاعٌ مُتَّصِلٌ بِالدِّمَاغِ تُدْرِكُ بِهِ النَّفْسُ الْعُلُومَ الضَّرُورِيَّةَ وَالنَّظَرِيَّةَ هَذَا هُوَ أَشْهَرُ الْأَقْوَالِ. قَوْلُهُ: [مَنْ لَا دَارَ لَهُ] : أَيْ فِي الْآخِرَةِ. قَوْلُهُ: [مَنْ لَا مَالَ لَهُ] : أَيْ فِي الْآخِرَةِ. وَقَوْلُهُ: [مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ] : أَيْ كَامِلًا. قَوْلُهُ: [فَيَلْزَمُ تَرْكُ مَا يُشْغِلُ مِنْهَا] : أَيْ يَجِبُ تَرْكُ كُلِّ مُشْغِلٍ عَنْ اللَّهِ حَيْثُ كَانَ فِي الشُّغْلِ بِهِ ضَيَاعُ الْوَاجِبَاتِ وَالْوُقُوعُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ. قَوْلُهُ: [كَمَنْ دَلَّسَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ] إلَخْ: قَالَ فِي بُرْدَةِ الْمَدِيحِ فِي هَذَا الْمَعْنَى: وَيَا خَسَارَةَ نَفْسٍ فِي تِجَارَتِهَا ... لَمْ تَشْتَرِ الدِّينَ بِالدُّنْيَا وَلَمْ تُسِمْ وَمَنْ يَبِعْ عَاجِلًا مِنْهُ بِآجِلِهِ ... يَبِنْ لَهُ الْغَبْنُ فِي بَيْعٍ وَفِي سَلَمِ قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَهِيَ مَمْدُوحَةٌ] : أَيْ لِمَا فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «نِعْمَ الْمَالُ

الشَّهَوَاتِ) الْمُحَرَّمَةِ وَالْمَكْرُوهَةِ بَلْ وَالْمُبَاحَةِ بِحَيْثُ يَصْرِفُهَا بِالنِّيَّةِ الْحَسَنَةِ لِلطَّاعَةِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ» . وَقَدْ وَرَدَ: «أَنَّهُ قُدِّمَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوِيقُ اللَّوْزِ فَرَدَّهُ وَقَالَ: هَذَا طَعَامُ الْمُتَرَفِّهِينَ فِي الدُّنْيَا» وَقَدْ أَوْحَى اللَّهُ إلَى دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: حَرَامٌ عَلَى قَلْبٍ أَحَبَّ الشَّهَوَاتِ أَنْ أَجْعَلَهُ إمَامًا لِلْمُتَّقِينَ. وَقَالَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: إنْ أَرَدْت اللُّحُوقَ بِصَاحِبَيْك فَرَقِّعْ قَمِيصَك وَاخْصَفْ نَعْلَك وَقَصِّرْ أَمَلَكَ وَكُلْ دُونَ الشِّبَعِ. فَخَطَبَ لِلنَّاسِ وَعَلَيْهِ إزَارٌ فِيهِ ثِنْتَا عَشْرَةَ رُقْعَةً وَقَدَّمَتْ إلَيْهِ حَفْصَةُ مَرَقًا بَارِدًا وَصَبَّتْ عَلَيْهِ زَيْتًا فَقَالَ: إدَامَانِ فِي إنَاءٍ؟ لَا آكُلُهُ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ (وَالْفُتُورُ) بِالْفَاءِ وَالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ: الْكَسَلُ عَمَّا هُوَ مَطْلُوبٌ شَرْعًا وَقَدْ تَعَوَّذَ مِنْ ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ دَفْعِ الْفَقْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّالِحُ فِي يَدِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ» . قَوْلُهُ: [حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ] إلَخْ: مِثَالٌ وَكِنَايَةٌ كَأَنَّ الْجَنَّةَ لَمَّا كَانَتْ لَا تُنَالُ إلَّا بِالْخُرُوجِ عَنْ الشَّهَوَاتِ فِي مِرَاضِي الرَّبِّ، مُثِّلَتْ بِمَدِينَةٍ فِيهَا مِنْ كُلِّ التُّحَفِ لَكِنْ حَوْلَهَا آفَاتٌ وَعَقَبَاتٌ فَلَا يَصِلُ إلَيْهَا إلَّا مَنْ تَحَمَّلَ الْمَكَارِهَ، وَلَمَّا كَانَ تَتَبُّعُ الشَّهَوَاتِ مَدْخَلًا لِلنَّارِ مُثِّلَتْ النَّارُ بِمَدِينَةٍ احْتَوَتْ عَلَى جَمِيعِ الْمَكَارِهِ وَحَوْلَهَا زَخَارِفُ وَبَسَاتِينُ فَتَدَبَّرْ قَالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى} [النازعات: 37] {وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [النازعات: 38] {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 39] {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: 40] {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 41] . قَوْلُهُ: [وَقَالَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ] إلَخْ: أَيْ عَلَى عَادَةِ وَعْظِ الْعُلَمَاءِ لِلْأُمَرَاءِ. قَوْلُهُ: [بِصَاحِبَيْك] : يَعْنِي بِهِمَا النَّبِيَّ الْمُصْطَفَى وَأَبَا بَكْرٍ. قَوْلُهُ: [فَخَطَبَ لِلنَّاسِ] : أَيْ وَهُوَ أَمِيرُهُمْ حِينَئِذٍ وَكَانَ بَعْضُهَا مِنْ آدَمَ كَمَا فِي السِّيَرِ. قَوْلُهُ: [وَقَدَّمَتْ إلَيْهِ حَفْصَةُ] : أَيْ بِنْتُهُ وَهِيَ إحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ -. قَوْلُهُ: [فِي حَدِيثِ دَفْعِ الْفَقْرِ] : أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ إلَخْ.

وَوَفَاءِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَّمَهُ لِلرَّجُلِ أَتْعَبَهُ الدَّيْنُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَيَقْتَصِرُ عَلَى ضَرُورَاتٍ) مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ الضَّرُورِيَّةُ إلَيْهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَبِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ تَارِكًا الْفُضُولَ الْمُبَاحَاتِ خُصُوصًا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ وَالْبَطْنِ، أَوْحَى اللَّهُ إلَى سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ إذَا كُنْت وَحْدَك فَاحْفَظْ قَلْبَك وَإِذَا كُنْت بَيْنَ النَّاسِ فَاحْفَظْ لِسَانَك وَإِذَا كُنْت عَلَى الْمَائِدَةِ فَاحْفَظْ بَطْنَك وَإِذَا كُنْت عَلَى الطَّرِيقِ فَاحْفَظْ عَيْنَك فَهَذِهِ تُورِثُ السَّلَامَةَ وَالصِّحَّةَ. (شَاكِرًا) لَهُ تَعَالَى بِصَرْفِ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ لِمَا خَلَقَ لَهُ (ذَاكِرًا) لَهُ تَعَالَى بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ (صَابِرًا) عَلَى الْمَكَارِهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصَّبْرُ ثَلَاثَةٌ صَبْرٌ عَلَى الْمُصِيبَةِ، وَصَبْرٌ عَلَى الطَّاعَةِ، وَصَبْرٌ عَنْ الْمَعْصِيَةِ؛ فَمَنْ صَبَرَ عَلَى الْمُصِيبَةِ حَتَّى يَرُدَّهَا بِحُسْنِ عَزَائِهَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ثَلَثَمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ وَالدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [تُورِثُ السَّلَامَةَ] : أَيْ مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ. وَقَوْلُهُ: [وَالصِّحَّةَ] : أَيْ فِي الْبَدَنِ وَهِيَ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى حِفْظِ الْبَطْنِ. قَوْلُهُ: [صَابِرًا عَلَى الْمَكَارِهِ] : أَيْ مُتَحَمِّلًا لِلْمَكَارِهِ وَهِيَ كُلُّ مَا لَا يُوَافِقُ الطَّبْعَ. قَوْلُهُ: [عَلَى الْمُصِيبَةِ] : أَيْ الْمَكَارِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَإِلَّا فَالْمَعْصِيَةُ مِنْ أَكْبَرِ الْمَصَائِبِ وَمَعْنَى الصَّبْرِ عَلَى الْمُصِيبَةِ تَجَرُّعُ مَرَارَتِهَا مَعَ الِاسْتِرْجَاعِ قَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] الْآيَةَ. قَوْلُهُ: [وَصَبْرٌ عَلَى الطَّاعَةِ] : أَيْ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا مَعَ عَدَمِ السَّآمَةِ مِنْهَا. قَوْلُهُ: [وَصَبْرٌ عَنْ الْمَعْصِيَةِ] : أَيْ وَهُوَ عَدَمُ الْإِلْمَامِ مَعَ الْخُرُوجِ عَنْ شَهْوَتِهَا قَالَ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَبُو الْحَسَنِ الشَّاذِلِيُّ: وَصَبْرُنَا عَلَى طَاعَتِك وَعَنْ مَعْصِيَتِك وَعَنْ الشَّهَوَاتِ الْمُوجِبَاتِ لِلنَّقْصِ أَوْ الْبُعْدِ عَنْك. قَوْلُهُ: [بِحُسْنِ عَزَائِهَا] : أَيْ وَهُوَ اسْتِرْجَاعُهُ إلَى اللَّهِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ. قَوْلُهُ: [كَتَبَ اللَّهُ لَهُ] إلَخْ: هَذَا كِنَايَةٌ عَنْ سَعَةِ الْمُجَازَاةِ وَالدَّلِيلُ الْقَاطِعُ فِي ذَلِكَ: قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] وَإِنَّمَا تَفَاوَتَتْ تِلْكَ الْمَرَاتِبُ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ تَابِعٌ لِعَظَمِ الْمَشَقَّةِ فَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّ الدَّوَامَ عَلَى

وَالْأَرْضِ، وَمَنْ صَبَرَ عَلَى الطَّاعَةِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ سِتَّمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ إلَى الدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ تُخُومِ الْأَرْضِ إلَى مُنْتَهَى الْعَرْشِ، وَمَنْ صَبَرَ عَنْ الْمَعْصِيَةِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ تِسْعَمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ إلَى الدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ تُخُومِ الْأَرْضِ إلَى مُنْتَهَى الْعَرْشِ مَرَّتَيْنِ» وَيُعِينُ عَلَى الصَّبْرِ خُصُوصًا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّاسِ كَثْرَةُ الْحِلْمِ كَشَيْخِنَا الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ سَحَائِبُ رَحْمَةِ اللَّهِ؛ وَانْظُرْ مَا وَقَعَ مِنْ الْجَارِيَةِ الَّتِي صَبَّتْ الْمَاءَ لِسَيِّدِنَا عَلِيٍّ ابْنِ سَيِّدِنَا الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْوُضُوءِ لِيَتَهَيَّأَ لِلصَّلَاةِ فَوَقَعَ الْإِبْرِيقُ مِنْ يَدِهَا عَلَى وَجْهِهِ فَشَجَّهُ فَرَفَعَ بَصَرَهُ لَهَا فَقَالَتْ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران: 134] قَالَ: كَظَمْت غَيْظِي فَقَالَتْ: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: 134] فَقَالَ: عَفَا اللَّهُ عَنْك فَقَالَتْ: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] فَقَالَ: اذْهَبِي أَنْتِ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ، وَالصَّبْرُ: الِاسْتِعَانَةُ بِاَللَّهِ وَالْوُقُوفُ مَعَهُ تَعَالَى بِحَسْبِ الْأَدَبِ وَالصَّبْرُ عَلَى الطَّلَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّاعَةِ أَشَقُّ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى الْمُصِيبَةِ، وَهَجْرُ الْمَعَاصِي دَوَامًا أَشَقُّ مِنْ الدَّوَامِ عَلَى الطَّاعَاتِ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ كَثِيرًا مَنْ يُدِيمُ الذِّكْرَ مَعَ كَوْنِهِ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ فِي هَجْرِ الْمَعَاصِي وَفِي الْحَدِيثِ: «أَفْضَلُ الْهِجْرَةِ أَنْ تَهْجُرَ الْحَرَامَ» ، وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ صَاحِبَ هَذَا الْمَقَامِ بِقَوْلِهِ: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: 40] {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 41] . قَوْلُهُ: [وَيُعِينُ] : فِعْلٌ مُضَارِعٌ وَكَثْرَةُ الْحِلْمِ فَاعِلُهُ. قَوْلُهُ: [لِسَيِّدِنَا عَلِيٍّ ابْنِ سَيِّدِنَا الْحُسَيْنِ] : أَيْ وَهُوَ الْمُلَقَّبُ بِزَيْنِ الْعَابِدِينَ الَّذِي قَالَ فِيهِ الشَّاعِرُ: يُغْضِي حَيَاءً وَيُغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ ... فَلَا يُكَلَّمُ إلَّا حِينَ يَبْتَسِمُ وَهَذِهِ الْوَاقِعَةُ كَمَا تَدُلُّ عَلَى حِلْمِ سَيِّدِ الْجَارِيَةِ وَكَرَمِهِ تَدُلُّ عَلَى حُسْنِ ذَكَائِهَا كَمَا قَالَ فِي الْهَمْزِيَّةِ: وَمَا أَحْسَنَ مَا يَبْلُغُ الْمُنَى الْأَذْكِيَاءُ قَوْلُهُ: [وَالصَّبْرُ] : أَيْ الْكَامِلُ الشَّامِلُ لِلْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ قَوْلُهُ: [وَالْوُقُوفُ مَعَهُ] : أَيْ مَعَ أَحْكَامِهِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا حُلْوِهَا وَمُرِّهَا. قَوْلُهُ: [عَلَى الطَّلَبِ] : أَيْ عَلَى مَا يُطْلَبُ وَيُقْصَدُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

عُنْوَانُ الظَّفَرِ، وَعَلَى الْمِحَنِ عُنْوَانُ الْفَرَجِ. وَمِنْ أَعْظَمِ الصَّبْرِ الصَّبْرُ عَلَى مُخَالَفَةِ شَهَوَاتِ النَّفْسِ مِنْ حُبِّ الرِّيَاسَةِ وَالْمَحْمَدَةِ وَالرِّيَاءِ. (مُسَلِّمًا لِلَّهِ أَمْرَهُ) فَإِنَّ مَنْ سَلَّمَ لِلَّهِ أَمْرَهُ أَرَاحَ قَلْبَهُ وَنَالَ مُرَادَهُ، وَمَنْ لَمْ يُسَلِّمْ لَا يُفِيدُهُ إلَّا الْوَبَالُ وَلَا بُدَّ مِنْ نُفُوذِ مُرَادِهِ تَعَالَى، وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مِنْهَا: «يَا عَبْدِي إنْ رَضِيت بِمَا قَسَمْت لَك أَرَحْت بَدَنَك وَقَلْبَك وَكُنْت عِنْدِي مَرْضِيًّا، وَإِنْ لَمْ تَرْضَ بِمَا قَسَمْت لَك سَلَّطْت عَلَيْهِ الدُّنْيَا تَرْكُضُ فِيهَا كَرَكْضِ الْوَحْشِ فِي الْبَرِّيَّةِ وَأَتْعَبْت بَدَنَك وَقَلْبَك، وَكُنْت عِنْدِي مَذْمُومًا وَلَا يَكُونُ إلَّا مَا قَسَمْت لَك» أَوْ كَمَا قَالَ فَمَنْ سَلَّمَ لِلَّهِ أَمْرَهُ كَانَ مِنْ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يَرْزُقُهُمْ اللَّهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ} [الطلاق: 2] بِامْتِثَالِ مَأْمُورَاتِهِ وَاجْتِنَابِ مَنْهِيَّاتِهِ، نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِذَلِكَ. {يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 2 - 3] : فَرَجًا وَخَلَاصًا مِنْ مَضَارِّ الدَّارَيْنِ وَفَوْزًا بِخَيْرِهِمَا. رُوِيَ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَوْفٍ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَشَكَا أَبُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: [عُنْوَانُ الظَّفَرِ] : أَيْ عَلَامَةٌ عَلَى حُصُولِهِ وَهُوَ بِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ مُحَرَّكًا الْفَوْزُ. قَوْلُهُ: [وَعَلَى الْمِحَنِ] : أَيْ الْمَكَارِهُ الدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ. قَوْلُهُ: [أَرَاحَ قَلْبَهُ] : أَيْ مِنْ الْعَنَاءِ وَقَدْ قُلْت فِي هَذَا الْمَعْنَى: أَرِحْ قَلْبَك الْعَانِيَ وَسَلِّمْ لَهُ الْقَضَا ... تَفُزْ بِالرِّضَا فَالْأَصْلُ لَا يَتَحَوَّلُ عَلَامَةُ أَهْلِ اللَّهِ فِينَا ثَلَاثَةٌ ... إيمَانٌ وَتَسْلِيمٌ وَصَبْرٌ مُجَمِّلُ قَوْلُهُ: [مِنْهَا يَا عَبْدِي] إلَخْ: هَذَا حَدِيثٌ قُدْسِيٌّ مَحْكِيٌّ عَنْ اللَّهِ وَمِنْهَا أَيْضًا: «يَا عَبْدِي أَنْتَ تُرِيدُ وَأَنَا أُرِيدُ وَلَا يَكُونُ إلَّا مَا أُرِيدُ، فَإِنْ سَلَّمْت لِي مَا أُرِيدُ أَعْطَيْتُك مَا تُرِيدُ، وَإِنْ لَمْ تُسَلِّمْ لِي مَا أُرِيدُ أَتْعَبْتُك فِيمَا تُرِيدُ وَلَا يَكُونُ إلَّا مَا أُرِيدُ» . قَوْلُهُ: [أَرَحْت بَدَنَك] : يَصِحُّ بِحَسْبِ الْمَعْنَى فِيهِ وَفِي قَوْلِهِ وَأَتْعَبْت فَتْحُ التَّاءِ وَضَمُّهَا وَانْظُرْ الرِّوَايَةَ. قَوْلُهُ: [كَرَكْضِ الْوَحْشِ فِي الْبَرِّيَّةِ] : كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِهِ مُهْمَلًا مَعْدُودًا مِنْ الْأَخْيَارِ. قَوْلُهُ: [رُوِيَ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَوْفٍ] : أَيْ وَهُوَ أَخُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشِّرِينَ بِالْجَنَّةِ، وَهَذَا شَاهِدٌ عَلَى أَنَّ مَنْ يَتَّقِي اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا

[النية الحسنة روح العمل]

اتَّقِ اللَّهَ، وَأَكْثِرْ قَوْلَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَفَعَلَ فَبَيْنَمَا هُوَ فِي بَيْتِهِ إذْ قَرَعَ ابْنُهُ الْبَابَ وَمَعَهُ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ غَفَلَ عَنْهَا الْعَدُوُّ فَاسْتَاقَهَا. (وَالنِّيَّةُ الْحَسَنَةُ رُوحُ الْعَمَلِ وَلَرُبَّمَا قَلَبَتْ الْمَعْصِيَةَ طَاعَةً وَكَثْرَةُ ذِكْرِ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ. [النِّيَّةُ الْحَسَنَةُ رُوحُ الْعَمَلِ] قَوْلُهُ: [وَالنِّيَّةُ الْحَسَنَةُ رُوحُ الْعَمَلِ] : أَيْ فَصَوَّرَ الْأَعْمَالَ كَالْأَجْسَادِ وَالنِّيَّةُ الْحَسَنَةُ رُوحُهَا، فَكَمَا أَنَّ الْجِسْمَ لَا قِوَامَ لَهُ بِدُونِ رُوحِهِ كَذَلِكَ لَا قِوَامَ لِصُوَرِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بِدُونِ حُسْنِ النِّيَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . قَوْلُهُ: [وَلَرُبَّمَا قَلَبَتْ الْمَعْصِيَةَ طَاعَةً] : كَالدَّلِيلِ لِمَا قَبْلَهُ، وَرُبَّ هُنَا لِلتَّكْثِيرِ أَوْ لِلتَّحْقِيقِ وَذَلِكَ كَالْكَذِبِ، فَإِنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَتَقْلِبُهُ النِّيَّةُ الْحَسَنَةُ طَاعَةً. فَتَارَةً يَكُونُ وَاجِبًا كَمَا فِي الْكَذِبِ لِلتَّخْلِيصِ مِنْ الْمَهَالِكِ، وَتَارَةً يَكُونُ مَنْدُوبًا كَمَا فِي الْكَذِبِ لِلْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُتَشَاحِنَيْنِ، وَهَذَا قَلْبٌ لِحَقِيقَتِهَا حَالَ وُقُوعِهَا، وَتَارَةً يَكُونُ قَلْبُهَا بَعْدَ وُقُوعِهَا بِوَصْفِ الْعِصْيَانِ كَمَا إذَا أَوْرَثَتْهُ أَحْزَانًا وَإِقْبَالًا وَنَدَمًا وَأَسَفًا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْحِكَمِ: رُبَّ مَعْصِيَةٍ أَوْرَثَتْ ذُلًّا وَانْكِسَارًا خَيْرٌ مِنْ طَاعَةٍ أَوْرَثَتْ عِزًّا وَاسْتِكْبَارًا، وَقَالَ تَعَالَى: {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70] وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَ الشَّيْخِ وُقُوعُ الْمَعَاصِي مِنْ أَهْلِ الْحَقِيقَةِ الَّذِينَ يُطَالِعُونَ الْغَيْبَ فَيُشَاهِدُونَ الْأَمْرَ مُبْرَمًا بِالْمَعْصِيَةِ فَيُقْدِمُونَ عَلَيْهِ امْتِثَالًا لِلْمُبْرَمِ لِاسْتِحَالَةِ تَخَلُّفِهِ فَقُدُومُهُمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ بِالْإِكْرَاهِ كَالسَّاقِطِ مِنْ شَاهِقٍ، فَفِي الصُّورَةِ يُرَى مُخْتَارًا وَهُوَ يُشَاهِدُ سَلْبَ الِاخْتِيَارِ عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ شَرَحَهُ الْعَارِفُ الْجِيلِيُّ بِقَوْلِهِ: وَلِيَ نُكْتَةٌ غُرًّا هُنَا سَأَقُولُهَا ... وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَرْعَوِيَهَا الْمَسَامِعُ هِيَ الْفَرْقُ مَا بَيْنَ الْوَلِيِّ وَفَاسِقٍ ... تَنَبَّهْ لَهَا فَالْأَمْرُ فِيهِ بَدَائِعُ وَمَا هُوَ إلَّا أَنَّهُ قَبْلَ وَقْعِهِ ... يُخْبِرُ قَلْبِي بِاَلَّذِي هُوَ وَاقِعُ فَأَجْنِي الَّذِي يَقْضِيهِ فِي مُرَادِهَا ... وَعَيْنِي لَهَا قَبْلَ الْفِعَالِ تُطَالِعُ

تَعَالَى مُوجِبَةٌ لِنُورِ الْبَصِيرَةِ) مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ قَالَ تَعَالَى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: 35] الْآيَةُ. وَقَالَ شَيْخُنَا الْأَمِيرُ عَنْ شَيْخِنَا الْمُصَنِّفِ: مَنْ ذَكَرَ ثَلَثَمِائَةٍ يُقَالُ ذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا فَيَدْخُلُ فِي الْآيَةِ. وَصَلَاةُ التَّسَابِيحِ فِيهَا ثَلَثُمِائَةِ تَسْبِيحَةٍ وَثَلَثُمِائَةِ تَحْمِيدَةٍ إلَخْ. فَمَنْ فَعَلَهَا كُتِبَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ كَثِيرًا الْحَامِدِينَ كَثِيرًا إلَخْ اهـ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكُنْت أَرَى مِنْهَا الْإِرَادَةَ قَبْلَ مَا ... أَرَى الْفِعْلَ مِنِّي وَالْأَسِيرُ مُطَاوِعُ إذَا كُنْت فِي أَمْرِ الشَّرِيعَةِ عَاصِيًا ... فَإِنِّي فِي حُكْمِ الْحَقِيقَةِ طَائِعُ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى تُحْمَلُ الْوَقَائِعُ الْخِضْرِيَّةُ وَوَقَائِعُ إخْوَةِ يُوسُفَ مَعَهُ وَأَكْلُ آدَمَ مِنْ الشَّجَرَةِ فَتَأَمَّلْ إنْ كُنْت مِنْ أَهْلِ النُّورِ وَإِلَّا فَسَلِّمْ لِأَهْلِهِ مَقَالَهُمْ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: وَإِذَا لَمْ تَرَ الْهِلَالَ فَسَلِّمْ ... لِأُنَاسٍ رَأَوْهُ بِالْأَعْيَانِ قَوْلُهُ: [قَالَ تَعَالَى وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا] : إنْ قُلْت إنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى غُفْرَانِ الذُّنُوبِ وَعِظَمِ الْأَجْرِ وَالْمُصَنِّفُ أَخْبَرَ بِأَنَّ كَثْرَةَ الذِّكْرِ تُوجِبُ نُورَ الْبَصِيرَةِ فَلَمْ يَكُنْ الدَّلِيلُ مُطَابِقًا لِلدَّعْوَى؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ غُفْرَانَ الذُّنُوبِ وَعِظَمَ الْأَجْرِ يَسْتَلْزِمُ نُورَ الْبَصِيرَةِ قَالَ الشَّاعِرُ: إنَارَةُ الْعَقْلِ مَكْسُوفٌ بِطَوْعِ هَوًى ... وَعَقْلُ عَاصِي الْهَوَى يَزْدَادُ تَنْوِيرًا قَوْلُهُ: [فَيَدْخُلُ فِي الْآيَةِ] : أَيْ فَيَتَحَقَّقُ لَهُ الْوَعْدُ الَّذِي فِي الْآيَةِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَذْكُرُ ذَلِكَ الْعَدَدَ وَلَوْ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً، لَكِنْ الْعَارِفُونَ جَعَلُوا ذَلِكَ الْعَدَدَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَهَذَا أَقَلُّ الذِّكْرِ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَأَمَّا ذِكْرُ الْمُرِيدِينَ فَأَقَلُّهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَأَمَّا ذِكْرُ الْوَاصِلِينَ فَهُوَ عَدَمُ خُطُورِ غَيْرِهِ تَعَالَى بِبَالِهِمْ كَمَا قَالَ الْعَارِفُ ابْنُ الْفَارِضِ وَلَوْ خَطَرَتْ لِي فِي سِوَاك إرَادَةٌ ... عَلَى خَاطِرِي يَوْمًا حَكَمْت بِرِدَّتِي قَوْلُهُ: [وَثَلَثُمِائَةِ تَحْمِيدَةٍ] إلَخْ: أَيْ وَثَلَثُمِائَةِ تَهْلِيلَةٍ وَثَلَثُمِائَةِ تَكْبِيرَةٍ. قَوْلُهُ: [الْحَامِدِينَ كَثِيرًا] إلَخْ: أَيْ الْمُهَلِّلِينَ كَثِيرًا الْمُكَبِّرِينَ كَثِيرًا. وَصِفَةُ صَلَاةِ التَّسَابِيحِ الَّتِي عَلَّمَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ وَجَعَلَهَا الصَّالِحُونَ مِنْ أَوْرَادِ طَرِيقِهِمْ وَوَرَدَ فِي فَضْلِهَا أَنَّ مَنْ فَعَلَهَا وَلَوْ مَرَّةً فِي عُمُرِهِ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي وَقْتِ حَلِّ النَّافِلَةِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَالْأَفْضَلُ أَنْ

وَقَدْ طَلَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذِّكْرَ فَقَالَ: «لَا يَجْلِسُ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَوْلُهُ: " تِرَةً " بِمُثَنَّاةٍ فَوْقُ ثُمَّ رَاءٍ مُهْمَلَةٍ: النَّقْصُ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ يَتَحَسَّرُ أَهْلُ الْجَنَّةِ إلَّا عَلَى سَاعَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهِمْ لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهَا» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ذِكْرُ اللَّهِ شِفَاءُ الْقُلُوبِ» قَالَ الشَّعْرَانِيُّ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَكُونَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ خُصُوصًا لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ خُصُوصًا فِي رَمَضَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أُمَّ الْقُرْآنِ وَشَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ وَيَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ يَرْكَعُ فَيَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ يَسْجُدُ فَيَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ يَرْفَعُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَيَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ فَيَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ يَرْفَعُ مِنْ السَّجْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَيَقُولُهَا عَشْرًا، إمَّا بَعْدَ الْقِيَامِ وَقَبْلَ الْقِرَاءَةِ أَوْ قَبْلَ الْقِيَامِ ثُمَّ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ وَيَقُولُ الْعَشَرَةَ الْأَخِيرَةَ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّشَهُّدِ. وَالْأَفْضَلُ فِي مَذْهَبِنَا أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَأْتِيَ بِالرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِنِيَّةٍ وَتَكْبِيرٍ وَيَفْعَلَ فِيهِمَا كَمَا فَعَلَ فِي الْأُولَيَيْنِ، ثُمَّ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْ الْأَرْبَعِ يَدْعُو بِالدُّعَاءِ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك تَوْفِيقَ أَهْلِ الْهُدَى وَأَعْمَالَ أَهْلِ الْيَقِينِ، وَمُنَاصَحَةَ أَهْلِ التَّوْبَةِ وَعَزْمَ أَهْلِ الصَّبْرِ، وَجَدَّ أَهْلِ الْخَشْيَةِ وَطَلَبَ أَهْلِ الرَّغْبَةِ، وَتَعَبُّدَ أَهْلِ الْوَرَعِ وَعِرْفَانَ أَهْلِ الْعِلْمِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مَخَافَةً تَحْجِزُنِي بِهَا عَنْ مَعَاصِيك حَتَّى أَعْمَلَ بِطَاعَتِك عَمَلًا أَسْتَحِقُّ بِهِ رِضَاك وَحَتَّى أُنَاصِحَكَ فِي التَّوْبَةِ خَوْفًا مِنْك، وَحَتَّى أَتَوَكَّلَ عَلَيْك فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا حُسْنَ ظَنٍّ بِك سُبْحَانَ خَالِقِ النُّورِ» (اهـ) وَحِكْمَةُ اخْتِيَارِهِمْ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرِقِّي الْمَرَاتِبِ إلَى مَقَامِ الْجَمْعِيَّةِ بِاَللَّهِ يَعْرِفُ هَذَا مَنْ فَهِمَ مَعْنَى الْحَدِيثِ، وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ الَّتِي كَانَ يَأْمُرُنَا بِهَا شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: [وَقَدْ طَلَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] : الطَّلَبُ هُنَا بِطَرِيقِ اللَّازِمِ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ وَعِيدٌ عَلَى تَرْكِ الذِّكْرِ. قَوْلُهُ: [بِمُثَنَّاةٍ فَوْقَ] : أَيْ مَكْسُورَةٌ. وَقَوْلُهُ: [النَّقْصُ] : أَيْ الدَّرَجَاتُ عَنْ مَرَاتِبِ الْأَخْيَارِ. قَوْلُهُ: [شِفَاءُ الْقُلُوبِ] : أَيْ مِنْ الدَّاءِ الْحِسِّيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ.

دَاوُد الطَّائِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: كُلُّ نَفْسٍ تَخْرُجُ مِنْ الدُّنْيَا عَطْشَانَةٌ إلَّا نَفْسَ الذَّاكِرِينَ، وَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنِّي لَأَعْرِفُ مَتَى يَذْكُرُنِي اللَّهُ تَعَالَى. قِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إذَا ذَكَرْته تَعَالَى ذَكَرَنِي قَالَ تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] وَوَرَدَ: «لَيْسَ أَحَدٌ أَبْغَضَ عِنْدَ اللَّهِ مِمَّنْ كَرِهَ الذِّكْرَ وَالذَّاكِرِينَ» . (وَأَفْضَلُهُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْضَلُ مَا قُلْته أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِكُلِّ شَيْءٍ مِصْقَلَةٌ، وَمِصْقَلَةُ الْقَلْبِ الذِّكْرُ، وَأَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» قَالَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِي رِسَالَةٍ فِي ذَلِكَ: اعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ مُرَقَّقَةٌ وَلَا يُفَخَّمُ مِنْهَا إلَّا لَفْظُ الْجَلَالَةِ فَقَطْ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْأَفْصَحِ نَقْصُ الْمَدِّ فِي أَدَاةِ النَّفْيِ الَّتِي بَعْدَهَا الْهَمْزَةُ عَنْ ثَلَاثِ حَرَكَاتٍ، وَتَجُوزُ لِزِيَادَةٍ فِيهِ إلَى سِتِّ حَرَكَاتٍ، وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَاسِعٌ، وَالْحَرَكَةُ مِقْدَارُ ضَمِّ الْأُصْبُعِ أَوْ فَتْحِهِ بِسُرْعَةٍ. وَأَمَّا مَدُّ كَلِمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إلَّا نَفْسَ الذَّاكِرِينَ] : أَيْ فَإِنَّهُمْ يَمُوتُونَ وَلِسَانُهُمْ رَطْبٌ بِذِكْرِ اللَّهِ. قَوْلُهُ: [قَالَ تَعَالَى فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ] : مَعْنَى ذِكْرِ اللَّهِ لِعَبْدِهِ تَرَادُفُ رَحْمَتِهِ وَإِنْعَامَاتِهِ عَلَيْهِ وَإِشْهَارُ الثَّنَاءِ الْجَمِيلِ عَلَيْهِ فِي الْأَرْضِ وَفِي السَّمَاءِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْته فِي نَفْسِي وَمَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْته فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُ» وَوَرَدَ أَيْضًا: «إنَّ اللَّهَ إذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلُ فَقَالَ إنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ» . قَوْلُهُ: [مِمَّنْ كَرِهَ الذِّكْرَ وَالذَّاكِرِينَ] : أَيْ وَيُقَالُ: إنْ كَانَتْ تِلْكَ الْكَرَاهَةُ بُغْضًا فِي اللَّهِ وَأَهْلِ الذِّكْرِ فَهُوَ كَافِرٌ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ إنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ، وَيَكُونُ مِمَّنْ يَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ - فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا} [المؤمنون: 109 - 110] الْآيَةَ. وَإِنْ كَانَ لِكَسَلٍ مِنْهُ فَهُوَ عَاصٍ. قَوْلُهُ: [أَنَّ جَمِيعَ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ] : أَيْ حُرُوفُ كَلِمَتِهَا. قَوْلُهُ: [عَنْ ثَلَاثِ حَرَكَاتٍ] : أَيْ لِأَنَّهُ مَدٌّ مُنْفَصِلٌ.

الْجَلَالَةِ فَلَا يَجُوزُ نَقْصُهُ عَنْ حَرَكَتَيْنِ؛ وَهُوَ الْمَدُّ الطَّبِيعِيُّ الَّذِي لَا تَتَحَقَّقُ طَبِيعَةُ الْحَرْفِ بِدُونِهِ. ثُمَّ إنْ اتَّصَلَتْ كَلِمَةُ الْجَلَالَةِ بِشَيْءٍ، نَحْوُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ تَكَرَّرَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ مِرَارًا فَلَا تُزَادُ عَنْ حَرَكَةِ الْمَدِّ الطَّبِيعِيِّ. وَأَمَّا إذَا سَكَنَتْ هَاءُ الْجَلَالَةِ لِلْوَقْفِ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَالْمَدُّ لِسِتِّ حَرَكَاتٍ وَيَجُوزُ التَّوَسُّطُ. وَأَقْصَى مَا نُقِلَ عَنْ الْقُرَّاءِ الْمَدُّ إلَى أَرْبَعَ عَشْرَةَ حَرَكَةً وَلَوْ فِي الْوُجُوهِ الشَّاذَّةِ وَقَدْ نَهَى الْعُلَمَاءُ عَنْ الْوَقْفِ عَلَى لَا إلَهَ لِمَا فِيهِ مِنْ إيهَامِ التَّعْطِيلِ بَلْ يَصِلُهُ بِقَوْلِهِ: إلَّا اللَّهُ بِسُرْعَةٍ؛ وَلَا تُفَخَّمُ أَدَاةُ النَّفْيِ وَلَا يَضُمُّ الشَّفَتَيْنِ عِنْدَ النُّطْقِ بِهَا وَلَا تُبْدَلُ الْهَمْزَةُ يَاءً وَلَا يَزِيدُ مَدًّا لَهُ عَنْ الطَّبِيعِيِّ وَلْيَحْذَرْ مِنْ مَدِّ هَمْزَةِ اللَّهِ لِئَلَّا يَصِيرَ اسْتِفْهَامًا وَهُوَ وَاقِعٌ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ وَيَدَّعِي مَا لَا يَجُوزُ، وَيَأْكُلُونَ بَعْضَ حُرُوفِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ الْمُشَرَّفَةِ، وَرُبَّمَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُمْ إلَّا أَصْوَاتٌ سَاذَجَةٌ. وَلَيْسَ كَلَامُنَا مَعَ الْعَارِفِينَ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الْوُجُوهَ وَاَلَّذِينَ يَغِيبُونَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [الَّذِي لَا تَتَحَقَّقُ طَبِيعَةُ الْحَرْفِ بِدُونِهِ] : بَيَانٌ لِوَجْهِ تَسْمِيَتِهِ طَبِيعِيًّا. قَوْلُهُ: [وَأَقْصَى مَا نُقِلَ عَنْ الْقُرَّاءِ الْمَدُّ إلَى أَرْبَعَ عَشْرَةَ حَرَكَةً] : أَيْ وَعَلَيْهِ يَتَخَرَّجُ مَا وَرَدَ أَنَّ «مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ثَلَاثًا بِمَدٍّ لِأَرْبَعَ عَشْرَةَ حَرَكَةً وَلَفْظَ الْجَلَالَةِ سِتًّا كُفِّرَتْ عَنْهُ أَرْبَعَةُ آلَافِ كَبِيرَةٍ» . قَوْلُهُ: [لِمَا فِيهِ مِنْ إيهَامِ التَّعْطِيلِ] : أَيْ لِأَنَّهُ يُوهِمُ عَدَمَ الْأُلُوهِيَّةِ مِنْ أَصْلِهَا. قَوْلُهُ: [وَلَا تُفَخَّمُ أَدَاةُ النَّفْيِ] : هَذَا مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ: اعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ مُرَقَّقَةٌ. قَوْلُهُ: [وَلَا يَزِيدُ مَدًّا لَهُ عَنْ الطَّبِيعِيِّ] : أَيْ وَلَا يُنْقِصُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: [لِئَلَّا يَصِيرَ اسْتِفْهَامًا] : أَيْ حَيْثُ مَدَّهَا مَفْتُوحَةً وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي ذِكْرِ الْجَلَالَةِ مُفْرَدًا، وَأَمَّا فِي حَالَةِ التَّهْلِيلِ فَقَدْ يَمُدُّونَ الْهَمْزَةَ الدَّاخِلَةَ عَلَى إلَّا اللَّهُ مَكْسُورَةً وَهُوَ أَيْضًا لَحْنٌ فَاحِشٌ. قَوْلُهُ: [وَيَدَّعِي مَا لَا يَجُوزُ] : أَيْ يَدَّعِي دَلِيلًا لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِهِ كَأَنْ يَقُولَ هَكَذَا طَرِيقَةُ شَيْخِنَا، وَالْحَالُ أَنَّ شَيْخَهُ غَيْرُ عَارِفٍ أَوْ عَارِفٌ أَوْ وَلَمْ يَثْبُتْ النَّقْلُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: [الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الْوُجُوهَ] : أَيْ كَمَا نُقِلَ عَنْ سَيِّدِي مُحَمَّدٍ الدِّمِرْدَاشِ

إذْ الْغَائِبُ عَنْ نَفْسِهِ لَا لَوْمَ عَلَيْهِ إلَى آخِرِ مَا قَالَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ يَحْذَرُ مِنْ تَرْكِ الْهَاءِ مِنْ اللَّهِ. فَإِذَا ذَكَرَ ذِكْرًا شَرْعِيًّا أَوْرَثَ لَهُ الْأَنْوَارَ وَالثَّوَابَ الْأَعْظَمَ. وَقَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ فَضْلِ الذَّاكِرِ وَالذِّكْرِ وَبُغْضِ اللَّهِ مَنْ يَبْغُضُ الذَّاكِرِينَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ صَبَاحًا ثُمَّ قَالَهَا مَسَاءً نَادَى مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ أَلَا أَقْرِنُوا الْأُخْرَى بِالْأُولَى» . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ حَافِظَيْنِ رَفَعَا إلَى اللَّهِ مَا حَفِظَا مِنْ عَمَلِ الْعَبْدِ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَيَرَى فِي أَوَّلِ الصَّحِيفَةِ خَيْرًا وَفِي آخِرِهَا خَيْرًا، إلَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ غَفَرْت لِعَبْدِي مَا بَيْنَ طَرَفَيْ الصَّحِيفَةِ» . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِكُلِّ شَيْءٍ مِفْتَاحٌ وَمِفْتَاحُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» أَيْ تُفْتَحُ بَرَكَاتُهُمَا بِهَا وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ يَذْكُرُ اسْمَ الْجَلَالَةِ مَمْدُودَ الْهَمْزَةِ عَلَى صُورَةِ الْمُسْتَفْهِمِ فَمِثْلُ هَذَا لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ يَقْصِدُهُ وَيُقَلَّدُ فِيهِ، وَقَدْ سُئِلْت عَنْ ذَلِكَ فَأَلْهَمَنِي اللَّهُ أَنَّ الشَّيْخَ يَجْعَلُ الْهَمْزَةَ لِلنِّدَاءِ كَمَا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ وَالْهَمْزَةُ لِلدَّانِي. قَوْلُهُ: [إذْ الْغَائِبُ عَنْ نَفْسِهِ لَا لَوْمَ عَلَيْهِ] : أَيْ كَمَا قَالَ الْعَارِفُ: وَبَعْدَ الْفَنَا فِي اللَّهِ كُنْ كَيْفَمَا تَشَا ... فَعِلْمُك لَا جَهْلٌ وَفِعْلُك لَا وِزْرُ وَقَالَ ابْنُ التِّلْمِسَانِيِّ: فَلَا تَلُمْ السَّكْرَانَ فِي حَالِ سُكْرِهِ ... فَقَدْ رُفِعَ التَّكْلِيفُ فِي سُكْرِنَا عَنَّا فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِآدَابِ الذِّكْرِ وَادَّعَى الْحَالَ نَتْرُكُهُ فَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ. قَوْلُهُ: [وَبُغْضِ اللَّهِ] : بِالْجَرِّ مَعْطُوفٌ عَلَى عَظِيمِ. قَوْلُهُ: [أَلَا أَقْرِنُوا الْأُخْرَى بِالْأُولَى] : أَيْ فَالْمُرَادُ مَحْوُ مَا بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ مِنْ الذُّنُوبِ. قَوْلُهُ: [قَالَ اللَّهُ لِلْمَلَائِكَةِ] : لَعَلَّهُمْ الْمَلَائِكَةُ الْمُوَكَّلُونَ بِالْأَعْمَالِ. قَوْلُهُ: [يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ] : أَيْ لَا بِقَصْدِ رِيَاءٍ وَلَا سُمْعَةٍ وَلَا تُقْيَةٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا كَالْمُنَافِقِينَ. قَوْلُهُ: [أَيْ تُفْتَحُ بَرَكَاتُهُمَا بِهَا] : أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف: 96]

«إذَا قَالَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ خُرِقَتْ السَّمَوَاتُ حَتَّى تَقِفَ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ فَيَقُولُ: اُسْكُنِي، فَتَقُولُ: كَيْفَ أَسْكُنُ وَلَمْ تَغْفِرْ لِقَائِلِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَجْرَيْتُك عَلَى لِسَانِهِ إلَّا وَقَدْ غَفَرْت لَهُ» . وَلَا يَخْفَى عَلَيْك تَنَزُّهُهُ تَعَالَى عَنْ الْمَكَانِ وَالْجَارِحَةِ وَعَدَمِ تَمَثُّلِ الْمَعَانِي وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تَرْفَعُ عَنْ قَائِلِهَا تِسْعَةً وَتِسْعِينَ بَابًا أَدْنَاهَا الْهَمُّ» وَفِي رِوَايَةٍ: " اللَّمَمُ " وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْلَا مَنْ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَسُلِّطَتْ جَهَنَّمُ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا» . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، كَانَتْ لَهُ كَفَّارَةً لِكُلِّ ذَنْبٍ» وَوَرَدَ: «مَا عَادَانِي أَحَدٌ مِثْلُ مَنْ عَادَى الذَّاكِرِينَ» كَمَا تَقَدَّمَ فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ بُغْضِ أَهْلِ اللَّهِ الْمَشْغُولِينَ بِذِكْرِهِ، وَبِالضَّرُورَةِ مَنْ يَذْكُرُ الْمُنْعِمَ عَلَيْك الرَّءُوفَ الرَّحِيمَ فَإِنَّك تُحِبُّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا يَخْفَى عَلَيْك تَنَزُّهُهُ] : جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يُوهِمُ الْمَكَانَ لِلَّهِ وَالْيَدَ لَهُ وَتَصِيرُ الْمَعَانِي أَجْسَامًا. فَأَجَابَ بِأَنَّ هَذَا مُؤَوَّلٌ لِقَوْلِ صَاحِبِ الْجَوْهَرَةِ: وَكُلُّ نَصٍّ أَوْهَمَ التَّشْبِيهَا ... أَوِّلْهُ أَوْ فَوِّضْ وَرُمْ تَنْزِيهَا فَيُؤَوَّلُ قَوْلُهُ حَتَّى تَقِفَ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ بَيْنَ يَدَيْ الْمَلَائِكَةِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ تَمْثِيلِ الْمَعَانِي عَلَى الصَّحِيحِ أَوْ أَنَّ الَّذِي يَخْرِقُ السَّمَوَاتِ الْمَلَكُ الصَّاعِدُ بِهَا. فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَعَدَمُ تَمَثُّلِ الْمَعَانِي صَوَابُهُ حَذْفُ عَدَمٍ وَقَوْلُهُمْ يَسْتَحِيلُ قَلْبُ الْحَقَائِقِ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَقْسَامُ الْحُكْمِ الْعَقْلِيِّ بِأَنْ يَصِيرَ الْوَاجِبُ جَائِزًا أَوْ مُسْتَحِيلًا مَثَلًا. قَوْلُهُ: [تِسْعَةً وَتِسْعِينَ بَابًا] : أَيْ مِنْ الْبَلَايَا كَمَا وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى. قَوْلُهُ: [وَفِي رِوَايَةٍ اللَّمَمُ] : بِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ أَيْ مَا أَلَمَّ بِالشَّخْصِ وَنَزَلَ بِهِ مِنْ حَوَادِثِ الدَّهْرِ. قَوْلُهُ: [كَانَتْ لَهُ كَفَّارَةً لِكُلِّ ذَنْبٍ] : ظَاهِرُهُ حَتَّى لِلْكَبَائِرِ وَلِذَلِكَ اتَّخَذَهَا الْعَارِفُونَ عَتَاقَةً وَاخْتَارُوا أَنْ تَكُونَ سَبْعِينَ أَلْفًا؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ بِهَا أَثَرٌ كَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ السُّنُوسِيِّ. قَوْلُهُ: [كَمَا تَقَدَّمَ] : أَيْ مَا يُفِيدُ مَعْنَاهُ فِي قَوْلِهِ لَيْسَ أَحَدٌ أَبْغَضَ عِنْدَ اللَّهِ مِمَّنْ كَرِهَ الذِّكْرَ وَالذَّاكِرِينَ.

وَلَا يَبْغُضُ ذَاكِرَهُ إلَّا لَئِيمٌ شَقِيٌّ وَكَيْفَ يَكْرَهُ مَنْ فِي قَلْبِهِ إيمَانٌ ذِكْرَ الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ وَالْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالْقَوْلِ السَّدِيدِ. وَالْقَوْلِ الصَّوَابِ وَكَلِمَةِ التَّقْوَى وَدَعْوَةِ الْحَقِّ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْحَسَنَةِ وَالْإِحْسَانِ كَمَا فُسِّرَتْ بِهِ الْآيَاتُ قَالَ تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} [إبراهيم: 24] الْآيَةَ، عَلَى أَنَّ الشَّجَرَةَ الطَّيِّبَةَ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ. وَكَلِمَةُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تُؤْتِي أَسْرَارًا وَأَنْوَارًا وَبَرَكَةً كُلَّ لَحْظَةٍ يُدْرِكُ ذَلِكَ أَهْلُهَا، اللَّهُمَّ أَلْحِقْنَا بِهِمْ وَامْلَأْ قُلُوبَنَا مِنْ حُبِّهِمْ. (فَعَلَى الْعَاقِلِ) : الْمُتَّصِفِ بِالْعَقْلِ الرَّاجِحِ (الْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِهَا) بِدُونِ حَدٍّ (حَتَّى تَمْتَزِجَ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ) : هَذَا مَعْنًى يُدْرِكُهُ أَرْبَابُهُ مِنْ كَثْرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَلَا يَبْغُضُ ذَاكِرَهُ] : أَيْ ذَاكِرُ الْمُنْعِمِ عَلَيْك الرَّءُوفِ. قَوْلُهُ: [كَمَا فُسِّرَتْ بِهِ الْآيَاتُ] : أَيْ آيَةُ: {مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً} [إبراهيم: 24] وَآيَةُ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] وَآيَةُ: {وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70] وَآيَةُ: {وَقَالَ صَوَابًا} [النبأ: 38] ، وَآيَةُ: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الفتح: 26] وَآيَةُ: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} [الرعد: 14] وَآيَةُ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} [النمل: 89] وَآيَةُ: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ} [الرحمن: 60] . قَوْلُهُ: [فَعَلَى الْعَاقِلِ] : أَيْ يَلْزَمُهُ شَرْعًا وَعَقْلًا وَطَبْعًا كَمَا قَالَ الْعَارِفُ: ثَنَائِي عَلَيْك يَا مَلِيحَةُ وَاجِبٌ ... وَحُبِّي لَك فَرْضٌ عَلَى كُلِّ أَجْزَائِي قَوْلُهُ: [حَتَّى تَمْتَزِجَ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ] : أَيْ يَمْتَزِجُ حُبُّ مَدْلُولِهَا الْمَقْصُودِ وَهُوَ مَا بَعْدَ إلَّا فَيَسْرِي فِي الْبَدَنِ كَسَرَيَانِ الْمَاءِ فِي الْعُودِ الْأَخْضَرِ كَمَا أَفَادَ هَذَا فِي الْحَدِيثِ: «كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا» ، وَهَذِهِ الْمَحَبَّةُ هِيَ الْمُدَاوَمَةُ الَّتِي قَالَ فِيهَا ابْنُ الْفَارِضِ: شَرِبْنَا عَلَى ذِكْرِ الْحَبِيبِ مُدَامَةً ... سَكِرْنَا بِهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُخْلَقَ الْكَرْمُ إلَى آخِرِ مَا قَالَ.

إجْرَائِهَا عَلَى الْأَلْسُنِ وَالتَّفَكُّرِ فِي مَعْنَاهَا وَالْعَمَلِ بِمُقْتَضَى الْمَعْنَى، فَإِنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا إلَهَ غَيْرُهُ تَعَالَى وَأَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِالْإِيجَادِ وَالْإِحْسَانِ وَالنَّفْعِ وَالضَّرِّ بِلَا غَرَضٍ وَلَا شَرِيكٍ نَشَأَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِهِ تَعَالَى وَاعْتِمَادٌ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ فَظَهَرَتْ عَلَيْهِ أَنْوَارٌ مَعْنَوِيَّةٌ وَحِسِّيَّةٌ (فَيَتَنَوَّعُ مِنْ مُجْمَلِ نُورِهَا عِنْدَ امْتِزَاجِهَا بِالرُّوحِ وَالْبَدَنِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْأَذْكَارِ الظَّاهِرِيَّةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ الَّتِي مِنْهَا التَّفَكُّرُ فِي دَقَائِقِ الْحِكَمِ الْمُنْتِجَةِ لِدَقَائِقِ الْأَسْرَارِ) فَيَصِيرُ مِنْ أَهْلِ الْحَضْرَةِ الشَّاهِدِينَ الْحَاضِرِينَ مَعَ النَّاسِ بِأَبْدَانِهِمْ الْغَائِبِينَ فِي حُبِّهِ؛ كَشَيْخِنَا الْمُصَنِّفِ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ. وَمَا زَالَ يَتَرَقَّى فِي أَحْوَالٍ لَا تُدْرَكُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَالْعَمَلُ يَقْتَضِي الْمَعْنَى] : أَيْ الْخِدْمَةُ عَلَى حَسْبِ مَا شَاهَدَ مِنْ جَمَالِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ كَمَا قَالَ الْعَارِفُ الدُّسُوقِيُّ: قَدْ كَانَ فِي الْقَلْبِ أَهْوَاءٌ مُفَرَّقَةٌ ... فَاسْتَجْمَعَتْ مُذْ رَأَتْك الْعَيْنُ أَهْوَائِي تَرَكْت لِلنَّاسِ دُنْيَاهُمْ وَدِينَهُمْ ... شُغْلًا بِحُبِّك يَا دِينِي وَدُنْيَائِي قَوْلُهُ: [أَنْوَارٌ مَعْنَوِيَّةٌ] : أَيْ وَهِيَ الْعُلُومُ الرَّبَّانِيَّةُ. وَقَوْلُهُ: [وَحِسِّيَّةٌ] : أَيْ وَهِيَ صُفْرَتُهُ وَنُحُولَتُهُ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [مِنْ مُجْمَلِ نُورِهَا] : وَهِيَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ وَالْمُرَادُ بِنُورِهَا الْمُجْمَلِ مَعْنَاهَا الَّذِي يَسْتَحْضِرُهُ التَّالِي. قَوْلُهُ: [جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْأَذْكَارِ] : أَيْ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْهَمْزِيَّةِ: وَإِذَا حَلَّتْ الْهِدَايَةُ قَلْبًا ... نَشِطَتْ فِي الْعِبَادَةِ الْأَعْضَاءُ قَوْلُهُ: [الَّتِي مِنْهَا التَّفَكُّرُ] : صِفَةٌ لِلْبَاطِنِيَّةِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ التَّفَكُّرُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَذْكَارِ؛ لِأَنَّ بِهِ تَنْفَجِرُ يَنَابِيعُ الْحِكَمِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الشَّاذِلِيُّ: ذَرَّةٌ مِنْ عَمَلِ الْقُلُوبِ خَيْرٌ مِنْ مَثَاقِيلِ الْجِبَالِ مِنْ عَمَلِ الْأَبْدَانِ. قَوْلُهُ: [الْحِكَمِ] : الْمُرَادُ بِهَا صُنْعُهُ تَعَالَى قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: فَانْظُرْ إلَى نَفْسِك ثُمَّ انْتَقِلْ ... لِلْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ ثُمَّ السُّفْلِيِّ تَجِدْ بِهِ صُنْعًا بَدِيعَ الْحِكَمِ قَوْلُهُ: [وَمَا زَالَ يَتَرَقَّى] : أَيْ صَاحِبُ هَذَا الْمَقَامِ. قَوْلُهُ: [فِي أَحْوَالٍ لَا تُدْرَكُ] : أَيْ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَذُقْ مَذَاقَهُ كَمَا قَالَ الْعَارِفُ الْبَكْرِيُّ:

وَذَلِكَ سِرٌّ سَرَى لَهُ مِنْ سَيِّدِ الْكَائِنَاتِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا تَرَقَّى لِوَلِيٍّ لِحَالٍ إلَّا رَأَى الْحَالَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ حَسَنًا، إلَّا نَقْصًا؛ وِرَاثَةً مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي حَتَّى أَسْتَغْفِرَ اللَّهَ سَبْعِينَ مَرَّةً» وَهُوَ غَيْنُ أَنْوَارٍ لَا غَيْنُ أَغْيَارٍ فَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَرَقَّى فِي أَحْوَالِ الْمَعَالِي فَمَتَى تَرَقَّى لِحَالٍ رَأَى الْحَالَ الْمَنْقُولَ عَنْهُ نَقْصًا بِالنِّسْبَةِ لِلْحَالِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ، فَيَسْتَغْفِرُ مِنْهُ وَهُوَ مَحْمَلُ قَوْلِهِمْ: حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ. (وَمِنْهَا التَّفَكُّرُ فِي دَقَائِقِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُوَصِّلُ لِمَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ) : كَمَا وَقَعَ لِلْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمَنْ تَبِعَهُمْ (وَمِنْهَا مُرَاقَبَةُ اللَّهِ) التَّفَكُّرُ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَجَلَالِهِ (عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQفَحِمَانَا كَالسَّمَا وَسَمَا ... مَا رَقَاهُ غَيْرَ أَوَّابِ دُونَهُ قَطْعُ الرِّقَابِ فَقُمْ ... أَيُّهَا السَّارِي عَلَى الْبَابِ قَوْلُهُ: [وَذَلِكَ سِرٌّ سَرَى] : أَيْ التَّرَقِّي فِي الْمَقَامَاتِ. قَوْلُهُ: [إلَّا نَقْصًا] : الصَّوَابُ حَذْفُ إلَّا. قَوْلُهُ: [حَتَّى أَسْتَغْفِرَ اللَّهَ] : أَيْ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ كَمَا وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى. قَوْلُهُ: [وَهُوَ غَيْنُ أَنْوَارٍ] : أَيْ حَجْبُ أَنْوَارٍ يَزِيدُ بَعْضُهَا فِي النُّورِ عَلَى بَعْضٍ، فَحِينَ يَعْلُو لِمَقَامِ الْأَنْوَارِ يَسْتَغْفِرُ مِنْ الْأَنْقَصِ نُورًا؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ أَنَّ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ سَبْعِينَ أَلْفَ حِجَابٍ مِنْهَا مَا هُوَ نُورَانِيٌّ وَمِنْهَا مَا هُوَ ظَلْمَانِيٌّ، فالظلمانية هِيَ حَجْبُ الْأَغْيَارِ وَلَيْسَتْ مُرَادَةً؛ لِأَنَّهَا لِغَيْرِ الْوَاصِلِينَ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ الَّذِي قَالَهُ الشَّارِحُ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ الشَّاذِلِيُّ نَقْلًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ رَآهُ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ لَهُ مَا مَعْنَى قَوْلِك فِي الْحَدِيثِ إنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي فَقَالَ غَيْنُ أَنْوَارٍ لَا غَيْنَ أَغْيَارٍ يَا مُبَارَكُ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ غَيْنُ أَنْوَارٍ] : لَيْسَ مِنْ الْحَدِيثِ بَلْ هُوَ تَفْسِيرٌ لَهُ. قَوْلُهُ: [وَمِنْهَا] : أَيْ مِنْ الْبَاطِنِيَّةِ قَوْلُهُ: [التَّفَكُّرُ فِي دَقَائِقِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ] إلَخْ: أَيْ عَلَى طِبْقِ الْقَوَاعِدِ الْعَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ. قَوْلُهُ: [وَمِنْهَا مُرَاقَبَةُ] : أَيْ مِنْ الْبَاطِنِيَّةِ أَيْضًا.

لَا يَسْتَطِيعَ أَنْ يَفْعَلَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ) حَيَاءً مِنْ اللَّهِ. (وَمِنْهَا طُمَأْنِينَةُ الْقَلْبِ بِكُلِّ مَا وَقَعَ فِي الْعَالَمِ) لِعِلْمِهِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِمُرَادِ مَالِكِهِ، وَهَلْ إرَادَةُ الْعَبْدِ وُقُوعَ شَيْءٍ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ وُقُوعَهُ تُفِيدُ؟ أَوْ إرَادَتُهُ عَدَمَ وُقُوعِ شَيْءٍ أَرَادَ الْمَالِكُ وُقُوعَهُ تُفِيدُ؟ كَلَا وَاَللَّهِ؟ لَا يَكُونُ إلَّا مَا يُرِيدُ جَلَّ وَعَلَا فَحِينَئِذٍ يَرْضَى الْعَبْدُ بِمُرَادِ سَيِّدِهِ فِي مِلْكِهِ (مِنْ غَيْرِ انْزِعَاجٍ وَلَا اعْتِرَاضٍ فَيَتِمُّ لَهُ التَّسْلِيمُ لِلْعَلِيمِ الْحَكِيمِ) : فَيَفُوزُ بِكَوْنِهِ مَحْبُوبًا غَيْرَ مَذْمُومٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّسْلِيمَ وَالِاسْتِسْلَامَ وَالِانْقِيَادَ وَالتَّفْوِيضَ مُتَرَادِفَةٌ، وَهُوَ أَنْ يُفَوِّضَ الْعَبْدُ اخْتِيَارَهُ إلَى اخْتِيَارِ مَوْلَاهُ وَيَرْضَى بِمَا يَخْتَارُهُ مَوْلَاهُ، وَقِيلَ: التَّفْوِيضُ قَبْلَ نُزُولِ الْقَضَاءِ، وَالتَّسْلِيمُ بَعْدَ نُزُولِهِ. (وَمِنْهَا: وُفُورُ مَحَبَّةِ اللَّهِ) فَيَصِيرُ مِنْ أَهْلِ الْمَحْوِ وَالْإِثْبَاتِ؛ فَيَمْحُو أَوْصَافَ الْعَادَةِ وَيَنْسَلِخُ عَنْ كُلِّ وُجُودٍ غَيْرِ وُجُودِ الْحَقِّ وَتَثْبُتُ لَهُ صِفَاتُ التَّيَقُّظِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [حَيَاءً مِنْ اللَّهِ] : أَيْ فَيَمْنَعُهُ الْحَيَاءُ مِنْ اللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ خَوْفُ الْعِقَابِ. قَوْلُهُ: [وَمِنْهَا طُمَأْنِينَةُ الْقَلْبِ] : أَيْ مِنْ الْبَاطِنِيَّةِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: [وَهَلْ إرَادَةُ الْعَبْدِ وُقُوعَ شَيْءٍ] إلَخْ: كَلَامٌ رَكِيكٌ فَالْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ وَإِنَّ إرَادَةَ الْعَبْدِ لَا تُفِيدُ شَيْئًا. قَوْلُهُ: [فَيَفُوزُ بِكَوْنِهِ مَحْبُوبًا غَيْرَ مَذْمُومٍ] : أَيْ لِأَنَّهُ وَرَدَ: " مَنْ رَضِيَ لَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ لَهُ السَّخَطُ " قَالَ الْعَارِفُ: فَازَ مَنْ سَلَّمَ الْأُمُورَ إلَيْهِ ... وَشَقِيَ مَنْ غَرَّهُ الْإِنْكَارُ قَوْلُهُ: [وَمِنْهَا وُفُورُ مَحَبَّةِ اللَّهِ] : أَيْ مِنْ الْبَاطِنِيَّةِ أَيْضًا وَإِضَافَةُ وُفُورٍ لِمَا بَعْدَهُ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ مَحَبَّةُ اللَّهِ الْوَافِرَةُ الزَّائِدَةُ عَنْ مَحَبَّةِ الْعَوَامّ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْخَلْقِ يُحِبُّونَ اللَّهَ، وَإِنَّمَا تَتَمَيَّزُ الْخَوَاصُّ بِالزِّيَادَةِ. قَوْلُهُ: [فَيَمْحُو أَوْصَافَ الْعَادَةِ] إلَخْ: تَفْسِيرٌ لِمَعْنَى الْمَحْوِ وَالْإِثْبَاتِ. قَوْلُهُ: [يَنْسَلِخُ عَنْ كُلِّ وُجُودٍ] : أَيْ عَنْ الشُّغْلِ بِوُجُودِ شَيْءٍ سِوَى اللَّهِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: اللَّهَ قُلْ وَذَرْ الْوُجُودَ وَمَا حَوَى ... إنْ كُنْت مُرْتَادًا بُلُوغَ كَمَالِ

الْمُوَصِّلَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى (حَتَّى) صَارَتْ نَفْسُهُ مُطْمَئِنَّةً رُوحَانِيَّةً فَيُثْمِرُ لَهَا أَنْ (تَمِيلَ إلَى عَالَمِ) بِفَتْحِ اللَّامِ (الْغَيْبِ وَالْقُدْسِ) عَالَمُ الْغَيْبِ: مَا غَابَ عَنْ الْمُشَاهَدَةِ بِالنَّظَرِ لِلْخَلْقِ؛ فَمِثْلُ الْجَنَّةِ الْمُقَدَّسَةِ عَنْ شَوَائِبِ الْكَدَرِ مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ (أَكْثَرَ مِنْ مَيْلِهَا إلَى عَالَمِ الشَّهَادَةِ وَالْحِسِّ) عَطْفُ مُرَادِفٍ. (فَ) بِسَبَبِ وُفُورِ الْمَحَبَّةِ إلَخْ (تَشْتَاقُ) الِاشْتِيَاقَ مَحَبَّةً خَاصَّةً وُجْدَانِيَّةً (إلَى لِقَائِهَا بَارِيَهَا) وَمُرَبِّيَهَا وَالْمُحْسِنَ إلَيْهَا (أَكْثَرَ مِنْ اشْتِيَاقِهَا لِأُمِّهَا وَأَبِيهَا) لِمَا عَرَفَتْهُ مِنْ الصَّوَابِ وَحَقِيقَةِ الْحَالِ، وَأَنَّهُ النَّافِعُ الْبَاقِي الَّذِي لَا يُعَادِلُ إحْسَانَهُ وَمُشَاهَدَتَهُ شَيْءٌ وَهَذَا فِيهِ عَقِيدَةُ الرُّؤْيَةِ الْمُثْبَتَةِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُصَدِّقِينَ بِهَا لِأَدِلَّةٍ قُرْآنِيَّةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْكُلُّ دُونَ اللَّهِ إنْ حَقَّقْته ... عَدَمٌ عَلَى التَّفْصِيلِ وَالْإِجْمَالِ مَنْ لَا وُجُودَ لِذَاتِهِ مِنْ ذَاتِهِ ... فَوُجُودُهُ لَوْلَاهُ عَيْنُ مُحَالِ قَوْلُهُ: [مُطْمَئِنَّةً رُوحَانِيَّةً] : الْمُطْمَئِنَّةُ هِيَ الَّتِي سَكَنَتْ لِلْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ وَالرُّوحَانِيَّةُ هِيَ الَّتِي تَجَرَّدَتْ عَنْ الطِّبَاعِ الشَّهْوَانِيَّةِ وَصَارَ الْحُكْمُ لِمُجَرَّدِ الرُّوحِ. قَوْلُهُ: [عَطْفُ مُرَادِفٍ] : أَيْ فَالشَّهَادَةُ هِيَ الْحِسُّ؛ لِأَنَّهُ يُشَاهَدُ بِإِحْدَى الْحَوَاسِّ. قَوْلُهُ: [الِاشْتِيَاقُ مَحَبَّةٌ خَاصَّةٌ وُجْدَانِيَّةٌ] : الْمُنَاسِبُ أَنْ يُفَسِّرَهُ بِتَوَلُّعِ قَلْبِ الْمُحِبِّ بِلِقَاءِ الْمَحْبُوبِ. قَوْلُهُ: [الَّذِي لَا يُعَادِلُ إحْسَانَهُ] : أَيْ الَّذِي لَا يُمَاثِلُ وَشَيْءٌ فَاعِلُ يُعَادِلُ وَإِحْسَانَهُ وَمُشَاهَدَتَهُ مَفْعُولٌ. قَوْلُهُ: [وَهَذَا فِيهِ عَقِيدَةُ الرُّؤْيَةِ] : أَيْ لِأَنَّهُ مَا عَظُمَ اشْتِيَاقُهُمْ إلَّا لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بِعَيْنِ الْبَصَرِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْلَا اعْتِقَادِي أَنِّي أَرَاهُ فِي الْآخِرَةِ مَا عَبَّدْته وَفِي الْحَقِيقَةِ اشْتِيَاقُ أَهْلِ اللَّهِ لِلرُّؤْيَةِ الْمُعَجَّلَةِ فِي الدُّنْيَا وَهِيَ رُؤْيَةُ الْقَلْبِ بِمَعْنَى شُهُودِهِ بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ، وَرُؤْيَةِ الْبَصَرِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْفَارِضِ: فَيَا رَبّ بِالْخِلِّ الْحَبِيبِ مُحَمَّدٍ ... نَبِيِّك وَهُوَ السَّيِّدُ الْمُتَوَاضِعُ أَنِلْنَا مَعَ الْأَحْبَابِ رُؤْيَتَك الَّتِي ... إلَيْهَا قُلُوبُ الْأَوْلِيَاءِ تُسَارِعُ قَوْلُهُ: [لِأَدِلَّةٍ قُرْآنِيَّةٍ] مِنْهَا قَوْله تَعَالَى:

لَا تُصْرَفُ عَنْ ظَاهِرِهَا وَلِأَحَادِيثِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (فَإِذَا تَمَّ أَجَلُهَا) الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ فِي الْأَزَلِ (جَازَاهَا رَبُّهَا بِالْقَبُولِ) وَالرِّضَا وَعَدَمِ الطَّرْدِ وَأَفَاضَ عَلَيْهَا إنْعَامَهُ، فَكَانَ لَهَا الْخِتَامُ الْحَسَنُ لِلْأَجَلِ، كَمَا قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَحُسْنُ الْخِتَامِ) . وَفِي هَذَا بَرَاعَةُ التَّمَامِ؛ وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ الْمُتَكَلِّمُ فِي آخِرِ كَلَامِهِ بِمَا يُؤْذِنُ بِانْتِهَائِهِ. وَحُسْنُ الِانْتِهَاءِ مِمَّا يَنْبَغِي التَّأَنُّقُ فِيهِ عِنْدَ الْبُلَغَاءِ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ مَا يَعِيهِ السَّمْعُ وَيُرْسَمُ فِي النَّفْسِ، فَإِذَا كَانَ مُسْتَلَذًّا جَبَرَ مَا قَبْلَهُ مِنْ التَّقْصِيرِ، كَالطَّعَامِ اللَّذِيذِ بَعْدَ غَيْرِهِ، كَمَا يَنْبَغِي فِي الِابْتِدَاءِ لِيَكُونَ أَوَّلُ مَا يَقْرَعُ السَّمْعَ لَذِيذًا فَيُقْبِلُ السَّامِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة: 22] {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] وَمِنْهَا: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [المطففين: 22] {عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} [المطففين: 23] . قَوْلُهُ: [وَلِأَحَادِيثِهِ] : مِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ» قَوْلُهُ: [فَإِذَا تَمَّ أَجَلُهَا] : أَيْ انْقَضَى عُمُرُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ نَفْسٌ مِنْ الدُّنْيَا حَتَّى تَسْتَوْفِيَ أَجَلَهَا وَرِزْقَهَا وَجَمِيعَ مَا قُدِّرَ لَهَا فِيهَا. قَوْلُهُ: [جَازَاهَا رَبُّهَا بِالْقَبُولِ] : أَيْ أَظْهَرَ لَهَا الْمُجَازَاةَ بِذَلِكَ لِمَا وَرَدَ: «إنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الدُّنْيَا حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ فِي الْجَنَّةِ وَمَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لَهُ فِيهَا» فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ تَظْهَرُ الْبُشْرَى فِي وَجْهِهِ. قَوْلُهُ: [وَحُسْنُ الْخِتَامِ] : أَيْ الْمَوْتُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ الْقَبُولِ الَّتِي ظَهَرَتْ أَمَارَاتُهُ وَإِنَّمَا خَصَّهُ؛ لِأَنَّهُ أَكْبَرُ الْعَلَامَاتِ. قَوْلُهُ: [بِمَا يُؤْذِنُ بِانْتِهَائِهِ] : أَيْ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 88] ؛ {أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} [الشورى: 53] وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ: وَإِنِّي جَدِيرٌ إذْ بَلَغْتُك بِالْمُنَى ... وَأَنْتَ بِمَا أَمَلْت مِنْك جَدِيرُ فَإِنْ تُولِنِي مِنْك الْجَمِيلَ فَأَهْلُهُ ... وَإِلَّا فَإِنِّي عَاذِرٌ وَشَكُورُ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَأَحْسَنُهُ مَا آذَنَ بِانْتِهَاءِ الْكَلَامِ حَتَّى لَا يَبْقَى لِلنَّفْسِ تَشَوُّقٌ إلَى مَا وَرَاءَهُ كَقَوْلِهِ:

عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ: بُشْرَى فَقَدْ أَنْجَزَ الْإِقْبَالُ مَا وَعَدَا (وَهَيَّأَ لَهَا دَارَ السَّلَامِ) الدَّارُ: هِيَ الْجَنَّةُ، وَالسَّلَامُ؛ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: أَيْ السَّالِمُ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ. وَإِضَافَةُ الدَّارِ لَهُ لِلتَّشْرِيفِ، كَقَوْلِهِمْ: بَيْتُ اللَّهِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَبْدُ اللَّهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْإِضَافَةَ مِنْ غَيْرِ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ عَلَى إرَادَةٍ أَنَّهُ صِفَةٌ لِلدَّارِ: أَيْ دَارُ السَّلَامَةِ الدَّائِمَةِ فَلَا تَنْقَطِعُ بِمَوْتٍ وَلَا كَدَرٍ. (وَنَادَاهَا رَبُّهَا) بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ الْمُنَزَّهِ عَنْ صِفَاتِ الْحَوَادِثِ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَادَاهَا مَلَكٌ وَهَذَا النِّدَاءُ عِنْدَ حُضُورِ أَسْبَابِ الْمَوْتِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَقِيلَ عِنْدَ الْبَعْثِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ عَزْرَائِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْ جَذَبَ الرُّوحَ بِأَلْفِ سَلْسَلَةٍ مَا خَرَجَتْ حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [الفجر: 27] الْآيَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَقِيت بَقَاءَ الدَّهْرِ يَا كَهْفَ أَهْلِهِ ... وَهَذَا دُعَاءٌ لِلْبَرِيَّةِ شَامِلُ وَجَمِيعُ فَوَاتِحِ السُّوَرِ وَخَوَاتِمِهَا وَارِدَةٌ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ وَأَكْمَلِهَا. قَوْلُهُ: [كَقَوْلِهِ بُشْرَى] إلَخْ: مِثَالٌ لِحُسْنِ الِابْتِدَاءِ. قَوْلُهُ: [الدَّارُ هِيَ الْجَنَّةُ] : أَيْ فَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِدَارِ السَّلَامِ الْجَنَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ لِأَنَّهَا كُلَّهَا تُسَمَّى دَارَ سَلَامٍ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى الَّذِي قَالَهُ الشَّارِحُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ دَارِ السَّلَامِ الَّتِي هِيَ إحْدَى الْجِنَانِ السَّبْعِ الْوَارِدِ بِهَا الْحَدِيثُ. قَوْلُهُ: [كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ] : قَدْ يُقَالُ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ النِّدَاءَ بَعْدَ الْمَوْتِ. قَوْلُهُ: [حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ] إلَخْ: هَذَا ظَاهِرٌ فِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرَةُ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا لَا تُنَادَى بِذَلِكَ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يَعْسُرُ خُرُوجُهَا وَإِخْرَاجُهَا مِنْ الْبَدَنِ كَإِخْرَاجِ الْمَاءِ الْمُمْتَزِجِ بِالْعُودِ الْأَخْضَرِ فَلِذَلِكَ وَرَدَ: «أَنَّهُ يَرَى أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ انْطَبَقَتْ عَلَيْهِ فَوْقَ الْأَرْضِ عِنْدَ كُلِّ جَذْبَةٍ وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ الطَّائِعُ فَيُسَهَّلُ عَلَيْهِ خُرُوجُهَا لِسَمَاعِ النِّدَاءِ فَتَشْتَاقُ» وَلِذَلِكَ قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ صَلَوَاتِهِ: وَتَوَلَّ قَبْضَ أَرْوَاحِنَا عِنْدَ الْأَجَلِ بِيَدِك مَعَ شِدَّةِ الشَّوْقِ إلَى لِقَائِك يَا رَحْمَنُ.

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إذَا تُوُفِّيَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ أَرْسَلَ اللَّهُ إلَيْهِ مَلَكًا بِتُفَّاحَةٍ مِنْ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: اُخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ: اُخْرُجِي إلَى رَوْحٍ وَرَيْحَانٍ؛ وَرَبُّك عَلَيْك رَاضٍ. فَتَخْرُجُ كَطِيبِ مِسْكٍ وَالْمَلَائِكَةُ بِأَرْجَاءِ السَّمَاءِ يَقُولُونَ: قَدْ جَاءَ مِنْ الْأَرْضِ رُوحٌ طَيِّبَةٌ فَلَا تَمُرُّ بِبَابٍ إلَّا فُتِحَ لَهَا وَلَا بِمَلَكٍ إلَّا صَلَّى عَلَيْهَا» الْحَدِيثُ. وَفِيهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ] : هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّ الْمُنَادِيَ لَهَا الْمَلَكُ. قَوْلُهُ: [أَرْسَلَ اللَّهُ إلَيْهِ مَلَكًا بِتُفَّاحَةٍ] : صَوَابُهُ مَلَكَيْنِ بِتُحْفَةٍ كَمَا فِي الْخَازِنِ وَنَصُّهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: «إذَا تُوُفِّيَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ أَرْسَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَيْهِ مَلَكَيْنِ وَأَرْسَلَ إلَيْهِ بِتُحْفَةٍ مِنْ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ اُخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، اُخْرُجِي إلَى رَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبُّك عَلَيْك رَاضٍ. فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ مِسْكٍ وَجَدَ أَحَدٌ فِي أَنْفِهِ وَالْمَلَائِكَةُ عَلَى أَرْجَاءِ السَّمَاءِ يَقُولُونَ قَدْ جَاءَ مِنْ الْأَرْضِ رِيحٌ طَيِّبَةٌ وَنَسَمَةٌ طَيِّبَةٌ فَلَا تَمُرُّ بِبَابٍ إلَّا فُتِحَ لَهَا، وَلَا بِمَلَكٍ إلَّا صَلَّى عَلَيْهَا حَتَّى يُؤْتَى بِهَا الرَّحْمَنَ جَلَّ جَلَالُهُ فَتَسْجُدُ لَهُ ثُمَّ يُقَالُ لِمِيكَائِيلَ اذْهَبْ بِهَذِهِ النَّفْسِ فَاجْعَلْهَا مَعَ أَنْفُسِ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ يُؤْمَرُ فَيُوَسَّعُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ سَبْعُونَ ذِرَاعًا عَرْضُهُ، وَسَبْعُونَ ذِرَاعًا طُولُهُ، وَيُنْبَذُ لَهُ فِي الرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ كَفَاهُ نُورُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُعِلَ لَهُ فِيهِ نُورٌ مِثْلُ نُورِ الشَّمْسِ فِي قَبْرِهِ وَيَكُونُ مِثْلُهُ مِثْلَ الْعَرُوسِ يَنَامُ فَلَا يُوقِظُهُ إلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إلَيْهِ، وَإِذَا تُوُفِّيَ الْكَافِرُ أَرْسَلَ اللَّهُ إلَيْهِ مَلَكَيْنِ وَأَرْسَلَ إلَيْهِ قِطْعَةً مِنْ كِسَاءٍ أَنْتَنَ مِنْ كُلِّ نَتِنٍ وَأَخْشَنَ مِنْ كُلِّ خَشِنٍ فَيُقَالُ لَهَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ اُخْرُجِي إلَى جَهَنَّمَ وَعَذَابٍ أَلِيمٍ وَرَبُّك عَلَيْك غَضْبَانُ» (اهـ بِحُرُوفِهِ) ، إذَا عَلِمْت ذَلِكَ تَعْلَمُ النَّقْصَ وَالتَّحْرِيفَ الَّذِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: [إلَى رَوْحٍ] : بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُون الْوَاوِ نُورٌ وَرَاحَةٌ. وَقَوْلُهُ: [وَرَيْحَانٍ] أَيْ رَوَائِحُ طَيِّبَةٌ. قَوْلُهُ: [بِأَرْجَاءِ السَّمَاءِ] : أَيْ بِجَوَانِبِهَا. قَوْلُهُ: [قَدْ جَاءَ مِنْ الْأَرْضِ] إلَخْ: أَيْ وَمَجِيئُهَا إلَى السَّمَاءِ يَكُونُ عَلَى الْمِعْرَاجِ الَّذِي عَرَجَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ. قَوْلُهُ: [إلَّا صَلَّى عَلَيْهَا] : أَيْ دَعَا لَهَا بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ.

«فَيُوَسَّعُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ سَبْعُونَ ذِرَاعًا عَرْضًا وَسَبْعُونَ ذِرَاعًا طُولًا وَيُمْلَأُ رَوْحًا وَرَيْحَانًا فَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ كَفَاهُ نُورُهُ وَإِلَّا جُعِلَ لَهُ نُورٌ كَالشَّمْسِ» {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [الفجر: 27] : الثَّابِتَةُ عَلَى الْإِيمَانِ الَّتِي أَيْقَنَتْ بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّهَا وَخَضَعَتْ لِأَمْرِهِ، الرَّاضِيَةُ بِقَضَاءِ اللَّهِ الْآمِنَةُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ الْمُطْمَئِنَّةُ بِذِكْرِ اللَّهِ، إذْ الْأَقْوَالُ فِيهَا غَيْرُ مُتَبَايِنَةٍ. وَجَعَلَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [فَيُوَسَّعُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ سَبْعُونَ ذِرَاعًا] : الْعَدَدُ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عَظِيمِ السَّعَةِ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مَدَّ بَصَرِهِ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَيِّتِ غَرِيبًا وَإِلَّا فَيُوَسَّعُ عَلَيْهِ قَدْرُ بُعْدِهِ عَنْ مَنْزِلِهِ. قَوْلُهُ: [وَإِلَّا جُعِلَ لَهُ نُورٌ كَالشَّمْسِ] : يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الَّذِي مَعَهُ الْقُرْآنُ نُورُهُ أَعْلَى مِنْ الشَّمْسِ وَهَذَا النُّورُ حِسِّيٌّ قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [الحديد: 12] الْآيَةُ. قَوْلُهُ: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ} [الفجر: 27] إلَخْ: هَذِهِ الْجُمَلُ لِصِيغَةِ النِّدَاءِ. قَوْلُهُ: [إذْ الْأَقْوَالُ فِيهَا غَيْرُ مُتَبَايِنَةٍ] : أَيْ التَّفَاسِيرُ فِيهَا تَرْجِعُ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ لِتَلَازُمِهَا. وَحَاصِلُ التَّفَاسِيرِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ سِتَّةٌ وَمَسَاقُهَا هَكَذَا الثَّابِتَةُ عَلَى الْإِيمَانِ، أَوْ الَّتِي أَيْقَنَتْ بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّهَا، أَوْ الَّتِي خَضَعَتْ لِأَمْرِهِ، أَوْ الَّتِي رَضِيَتْ بِقَضَائِهِ، أَوْ الْآمِنَةُ مِنْ عَذَابِهِ، أَوْ الْمُطْمَئِنَّةُ بِذِكْرِهِ، فَالْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا. وَسَبَبُ نُزُولِهَا قِيلَ فِي حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حِينَ اُسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ وَقِيلَ فِي حَبِيبِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ، وَقِيلَ فِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ حِينَ اشْتَرَى بِئْرَ رُومَةَ وَسَبَّلَهَا، وَقِيلَ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ نَفْسٍ مُؤْمِنَةٍ مُطْمَئِنَّةٍ. قَوْلُهُ: [وَجَعَلَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ] : كَانَ الْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ لَا يَنْقُلَ هَذَا الْمَبْحَثَ فَإِنَّ هَذَا لِقَوْمٍ مَخْصُوصِينَ يَطْلُبُونَهُ بِالْخُصُوصِ لَا لِكُلِّ مَنْ يُحْضِرُ الْأَحْكَامَ الْفِقْهِيَّةَ فَلَا يُؤْخَذُ بِالْقَالِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْحَالِ فَهُوَ مِنْ السِّرِّ الْمَكْتُومِ الَّذِي لَا يَجُوزُ التَّكَلُّمُ فِيهِ إلَّا مِنْ أَهْلِهِ لِأَهْلِهِ وَالْكَلَامُ فِيهِ مَعَ مَنْ يَطْلُبُهُ وَمَنْ لَا يَطْلُبُهُ عَبَثٌ. قَالَ مُحْيِي الدِّينِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: إنَّ كَلَامَ الْقَوْمِ عَلَيْهِ أَقْفَالٌ لَا تُفْتَحُ إلَّا لِأَهْلِهِ، فَسَوْقُ هَذَا

فِي التُّحْفَةِ فِي مُنَاسَبَةِ اخْتِيَارِ اسْتِعْمَالِ الْأَسْمَاءِ السَّبْعَةِ: النَّفْسَ سَبْعَةَ أَقْسَامٍ، وَأَنَّ صَاحِبَ النَّفْسِ الْمُطْمَئِنَّةِ - الَّتِي مَقَامُهَا مَبْدَأُ الْكَمَالِ - مَتَى وَضَعَ السَّالِكُ قَدَمَهُ فِيهِ عُدَّ مِنْ أَهْلِ الطَّرِيقِ وَاسْتَحَقَّ لُبْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَلَامِ هُنَا كَمَنْ يَبِيعُ الْجَوَاهِرَ فِي سُوقِ الصَّدَفِ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْرَحَ الْآيَةَ بِكَلَامِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، وَجَعَلَ الشَّيْخُ النَّفْسَ سَبْعَةً لَيْسَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الشَّارِحِ، بَلْ هُوَ تَقْسِيمُ أَهْلِ الطَّرِيقِ قَدِيمًا أَخْذًا مِنْ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ يُؤْخَذُ مِنْهَا الْمُطْمَئِنَّةُ وَالرَّاضِيَةُ وَالْمَرْضِيَّةُ وَالْكَامِلَةُ وَالْمُلْهَمَةُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 8] وَاللَّوَّامَةُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة: 2] وَالْأَمَّارَةُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53] كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ كِتَابِ السِّيَرِ وَالسُّلُوكِ. قَوْلُهُ: [فِي التُّحْفَةِ] : مُتَعَلِّقٌ بِجَعَلَ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ وَهِيَ اسْمُ كِتَابٍ لَهُ فِي التَّصَوُّفِ. وَقَوْلُهُ: [فِي مُنَاسَبَةِ] : مُتَعَلِّقٌ أَيْضًا بِجَعَلَ وَفِيهِ تَعَلُّقٌ حَرْفِيٌّ جَرَّ مُتَّحِدَيْ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بِعَامِلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَعِيبٌ. قَوْلُهُ [عُدَّ مِنْ أَهْلِ الطَّرِيقِ] : أَيْ وَهِيَ الْوُقُوفُ مَعَ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. قَوْلُهُ: [وَاسْتَحَقَّ لُبْسَ خِرْقَتِهِمْ] : أَيْ بِحَسْبِ مَا يَرَاهُ الشَّيْخُ الْعَارِفُ مِنْ حَالِهِ، ثُمَّ هِيَ إمَّا حُجَّةٌ لَهُ إنْ كَانَ عَلَى قَدَمِهِمْ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَإِلَّا فَهِيَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ. قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ خِرْقَةُ الْقَوْمِ لِأَهْلِهَا نُورٌ وَزِينَةٌ وَلِغَيْرِهِمْ سَمَاجَةٌ وَظُلْمَةٌ، وَرُبَّمَا دَخَلَ فِي وَعِيدِ قَوْله تَعَالَى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 188] . وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الْعَارِفِينَ: فَتَشَبَّهُوا إنْ لَمْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ ... إنَّ التَّشَبُّهَ بِالرِّجَالِ فَلَاحُ فَإِنَّ الْمُرَادَ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ فِي الْعَمَلِ وَمُجَاهَدَةِ النَّفْسِ.

خِرْقَتِهِمْ لِانْتِقَالِهِ مِنْ التَّلْوِينِ إلَى التَّمْكِينِ، وَصَاحِبُهَا سَكْرَانُ هَبَّتْ عَلَيْهِ نَسَمَاتُ الْوِصَالِ يُخَاطِبُ النَّاسَ وَهُوَ عَنْهُمْ فِي بَوْنٍ لِشِدَّةِ تَعَلُّقِهِ بِالْحَقِّ تَعَالَى، يُنَاسِبُهُ الْإِكْثَارُ مِنْ اسْمِهِ تَعَالَى الرَّابِعِ فِي التَّلْقِينِ. يَعْنِي: حَقٌّ، وَإِنَّ الْأَمَّارَةَ ذَاتَ الْحُجُبِ الظُّلْمَانِيَّةِ الَّتِي مَقَامُهَا مَقَامُ الْأَغْيَارِ يُوَافِقُهَا فِي تَمْزِيقِ حُجُبِهَا الْإِكْثَارُ مِنْ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " وَأَنَّ اللَّوَّامَةَ: الْكَثِيرَةَ اللَّوْمِ لِصَاحِبِهَا - الَّتِي مَقَامُهَا مَقَامُ الْحُجُبِ النُّورَانِيَّةِ لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ كَثِيفَةً وَهِيَ تَوَّابَةٌ - يُنَاسِبُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [لِانْتِقَالِهِ مِنْ التَّلْوِينِ إلَى التَّمْكِينِ] : عِلَّةٌ لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَالتَّمْكِينُ هُوَ الطُّمَأْنِينَةُ وَالرُّسُوخُ فِي الْأَخْلَاقِ الْمَرْضِيَّةِ، وَالتَّلْوِينُ هُوَ عَدَمُ ذَلِكَ وَسُمِّيَ تَلْوِينًا لِكَثْرَةِ تَغَيُّرَاتِهِ. قَوْلُهُ: [يُنَاسِبُهُ] إلَخْ: قَالَ الشَّيْخُ فِي التُّحْفَةِ وَهَذَا الْمَقَامُ لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ عَادَةً لِغَيْرِ السَّالِكِينَ وَلَوْ أَتَى بِعِبَادَةِ الثَّقَلَيْنِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ السَّالِكِ مُقَيَّدٌ بِقُيُودِ الشَّهَوَاتِ وَالشِّرْكُ الْخَفِيُّ لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا إلَّا بِأَنْفَاسِ الْمَشَايِخِ الْعَارِفِينَ مَعَ الْمُجَاهَدَةِ وَالْتِزَامِ الْآدَابِ عَلَى أَيْدِيهِمْ وَغَيْرُ هَذَا لَا يَصِحُّ (اهـ) فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي مَبْدَأِ الْكَمَالِ فَمَا بَالُك بِصَاحِبِ النَّفْسِ الرَّاضِيَةِ وَالْمَرْضِيَّةِ وَالْكَامِلَةِ، فَتَعَذُّرُ الْوُصُولِ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ الْمَشَايِخِ أَوْلَوِيٌّ فَلِذَلِكَ قُلْنَا التَّكَلُّمُ فِي تِلْكَ الْمَقَامَاتِ لَا يُنَاسِبُ هَذَا الْمَقَامَ. قَوْلُهُ: [فِي التَّلْقِينِ يَعْنِي حَقٌّ] : هَذَا مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ وَلَيْسَ مِنْ كَلَامِ التُّحْفَةِ. قَوْلُهُ: [ذَاتَ الْحُجُبِ الظُّلْمَانِيَّةِ] : أَيْ الشَّهَوَاتُ الْمُحَرَّمَةُ الْمَكْرُوهَةُ. قَوْلُهُ: [مَقَامُ الْأَغْيَارِ] : أَيْ إنَّ صَاحِبَهَا مُنْهَكٌ فِي شُغْلِهِ بِغَيْرِ اللَّهِ. قَوْلُهُ: [الْإِكْثَارُ مِنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ] : أَيْ حَتَّى تَمْتَزِجَ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ مَعَ الْخُرُوجِ عَنْ كُلِّ هَوًى كَمَا قَالَ الْعَارِفُ الْبَكْرِيُّ: وَاخْرُجْ عَنْ كُلِّ هَوًى أَبَدًا فَالْإِكْثَارُ مِنْهَا يُورِثُ التَّوْبَةَ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُلُهُ مِنْهَا إلَى اللَّوَّامَةِ وَلِذَلِكَ كَانَ الْجُنَيْدُ إذَا جَاءَهُ الْعُصَاةُ يَأْخُذُونَ عَنْهُ الطَّرِيقَ لَا يَقُولُ لَهُمْ تُوبُوا بَلْ يَأْمُرُهُمْ بِالْإِكْثَارِ مِنْهَا. قَوْلُهُ: [مَقَامُ الْحُجُبِ النُّورَانِيَّةِ] : أَيْ وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنْ حُبِّهَا الطَّاعَاتِ لِأَغْرَاضٍ تَعُودُ عَلَيْهَا فَلِذَلِكَ كَانَتْ حُجُبًا وَلَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْوُقُوعِ فِي الْمَعْصِيَةِ

الْإِكْثَارُ مِنْ اسْمِهِ تَعَالَى: " اللَّهُ ". وَأَنَّ الْمُلْهَمَةَ: الَّتِي أُلْهِمَتْ فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا مَقَامُهَا مَقَامُ الْأَسْرَارِ، صَاحِبُهَا نَشْوَانُ، يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْمَحَبَّةُ وَالْهَيَمَانُ وَالتَّوَاضُعُ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الْخَلْقِ وَالتَّعَلُّقُ بِالْحَقِّ، يُنَاسِبُهُ كَثْرَةُ اسْتِعْمَالِ اسْمِهِ تَعَالَى " هُوَ " بِالْمَدِّ؛ لِتَخَلُّصٍ مِنْ وَرْطَتِهَا وَأَنَّ الرَّاضِيَةَ كَثِيرَةُ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَالتَّسْلِيمِ مَقَامُهَا مَقَامُ الْوِصَالِ صَاحِبُهَا غَرِيقٌ فِي السُّكْرِ يُنَاسِبُهُ الْخَلْوَةُ وَكَثْرَةُ ذِكْرِ اسْمِهِ تَعَالَى: " الْحَيُّ " لِيُحْيِيَ بِهِ نَفْسَهُ. وَأَنَّ النَّفْسَ الْمَرَضِيَّةَ صَاحِبُهَا لَا يَرَى صُدُورَ الْأَفْعَالِ إلَّا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مَقَامَهَا مَقَامُ تَجَلِّيَاتِ الْأَفْعَالِ، فَلَا يُمْكِنُهُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى أَحَدٍ، حَسَنُ الْخُلُقِ، يَتَلَذَّذُ بِالْحَيْرَةِ، كَمَا قِيلَ: زِدْنِي بِفَرْطِ الْحُبِّ فِيك تَحَيُّرًا ... وَارْحَمْ حَشَا بِلَظَى هَوَاك تَسَعُّرَا وَيُنَاسِبُهُ كَثْرَةُ ذِكْرِ اسْمِهِ تَعَالَى: " قَيُّومٌ ". وَأَنَّ النَّفْسَ الْكَامِلَةَ مَقَامُهَا مَقَامُ تَجَلِّيَاتِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ يُنَاسِبُهَا كَثْرَةُ ذِكْرِ اسْمِهِ تَعَالَى: " قَهَّارٌ " لِيَحْصُلَ لَهَا تَمَامُ الْقَهْرِ وَيَزُولَ عَنْهَا بَقَايَا النَّقْصِ وَحَالُهَا الْبَقَاءُ بِاَللَّهِ، تَسِيرُ بِاَللَّهِ إلَى اللَّهِ، وَتَرْجِعُ مِنْ اللَّهِ إلَى اللَّهِ، لَيْسَ لَهَا مَأْوَى سِوَاهُ عُلُومُهَا مُسْتَفَادَةٌ مِنْ اللَّهِ كَمَا قِيلَ: وَبَعْدَ الْفَنَا بِاَللَّهِ كُنَّ كَيْفَمَا تَشَاءُ فَعِلْمُك لَا جَهْلٌ وَفِعْلُك لَا وِزْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ كَانَ يَكْرَهُهَا فَلِذَلِكَ كَانَ كَثِيرَ التَّوْبَةِ وَيُسَمَّى تَوَّابًا وَهُوَ مَمْدُوحٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} [البقرة: 222] لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة: 2] . قَوْلُهُ: [الْإِكْثَارُ مِنْ اسْمِهِ تَعَالَى اللَّهِ] : أَيْ لِأَنَّهُ الِاسْمُ الْجَامِعُ وَإِنَّمَا طَلَبَ الْإِكْثَارَ مِنْهُ مُجَرَّدًا؛ لِأَنَّ ظُلْمَةَ الشِّرْكِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ قَدْ أُزِيلَتْ عَنْ قَلْبِهِ. قَوْلُهُ: [وَأَنَّ الْمُلْهَمَةَ] : أَيْ الَّتِي مَدَحَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس: 7] {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 8] {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9] أَيْ طَهَّرَهَا مِنْ الذُّنُوبِ وَشَهَوَاتِهَا وقَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 10] مَعْنَاهُ دَسَّهَا بِالْمَعَاصِي وَأَلْبَسَهَا بِهَا. قَوْلُهُ: [يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْمَحَبَّةُ] إلَخْ: تَفْسِيرٌ لِنَشْوَانَ. قَوْلُهُ: [مَقَامُ الْوِصَالِ] : أَيْ الْحُضُورُ مَعَ رَبِّهِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ. قَوْلُهُ: [كَمَا قِيلَ زِدْنِي] إلَخْ: الْقَائِلُ لَهُ سَيِّدِي عُمَرُ بْنُ الْفَارِضِ. قَوْلُهُ: [كَمَا قِيلَ وَبَعْدَ الْفَنَا] إلَخْ: الْقَائِلُ لَهُ سَيِّدِي مُحَمَّدُ بْنُ وَفَا.

(اهـ بِاخْتِصَارٍ وَتَصَرُّفٍ) . وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَ مَنْ قَالَ: الْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّ النَّفْسَ وَاحِدَةٌ تَخْتَلِفُ بِالصِّفَاتِ، قَالَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ سَيِّدِي الشَّيْخُ مُحَمَّدٍ الْأَمِيرِ: وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَغْلَطُ فَيَقُولُ: إنَّ اسْتِعْمَالَ الْأَسْمَاءِ السَّبْعَةِ مِنْ خُصُوصِ طَرِيقِ الْخَلْوَتِيَّةِ، كَيْفَ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] : وَقَالَ الْمُصَنِّفُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهَا: وَاعْلَمْ أَنَّ طَرِيقَ أَهْلِ الْحَقِّ مَدَارُهَا عَلَى الصِّدْقِ وَرَأْسُ مَالِهَا الذُّلُّ وَنِهَايَتُهَا الْفَرْقُ، وَقَالَ الْعَارِفُونَ: حُكْمُ الْقُدُّوسِ أَنْ لَا يَدْخُلَ حَضْرَتَهُ أَرْبَابُ النُّفُوسِ كَثْرَةُ الْكَلَامِ تُوجِبُ عَدَمَ الِاحْتِرَامِ، كَثْرَةُ مُصَاحَبَةِ النَّاسِ تُوجِبُ الْإِفْلَاسَ، لَا يَتَطَهَّرُ مِنْ الرَّعُونَاتِ إلَّا مَنْ خَالَفَ نَفْسَهُ فِي الشَّهَوَاتِ، وَذَكَرَ اللَّهَ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [اهـ بِاخْتِصَارٍ وَتَصَرُّفٍ] : أَمَّا الِاخْتِصَارُ فَقَدْ حَذَفَ جُمْلَةً مِنْ الْكَلَامِ وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى بَعْضِهَا وَأَمَّا التَّصَرُّفُ فَبِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِنَقْلِهَا. قَوْلُهُ: [وَهَذَا لَا يُنَافِي] : أَيْ بَلْ هُوَ عَيْنُهُ لِأَنَّ الْأَقْسَامَ الْمَذْكُورَةَ لِصِفَاتِهَا لَا لَهَا. قَوْلُهُ: [الْمُحَقِّقُونَ] إلَخْ: مَقُولُ الْقَوْلِ. قَوْلُهُ: [قَالَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ] إلَخْ: الْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ أَنَّ طَرِيقَ الْخَلْوَتِيَّةِ فَتْحُهَا مَقْصُورٌ عَلَى تِلْكَ الْأَسْمَاءِ وَلَيْسَتْ تِلْكَ الْأَسْمَاءُ مَقْصُورَةً عَلَيْهِمْ، وَقَدْ أَجَابَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْمَذْكُورُ بِهَذَا الْجَوَابِ فُسُوقُ بَحْثِهِ مِنْ غَيْرِ جَوَابٍ غَيْرُ مُنَاسِبٍ. قَوْلُهُ: [فِيهَا] : أَيْ التُّحْفَةِ. قَوْلُهُ: [وَنِهَايَتُهَا الْفَرْقُ] : أَيْ وَالْجَمْعُ فَمَعْنَى الْفَرْقِ شُهُودُ الْعَبْدِ لِصُنْعِهِ تَعَالَى، وَمَعْنَى الْجَمْعِ شُهُودُهُ لِرَبِّهِ وَيُسَمَّى بِمَقَامِ الْبَقَاءِ وَمَقَامِ الْكَمَالِ. قَوْلُهُ: [حُكْمُ الْقُدُّوسِ] إلَخْ: أَيْ أَخْذًا مِنْ الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ فِي مُنَاجَاةِ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " قَالَ كَيْفَ الْوُصُولُ إلَيْك يَا رَبِّ؟ قَالَ خَلِّ نَفْسَك وَتَعَالَ ". قَوْلُهُ: [تُوجِبُ الْإِفْلَاسَ] : أَيْ كَمَا قَالَ الْعَارِفُ الْبَكْرِيُّ: فَإِنَّ مِنْ عَلَامَةِ الْإِفْلَاسِ ... كَوْنُ الْفَتَى يَأْلَفُ قُرْبَ النَّاسِ فَإِنَّ جَمْعَهُمْ يَضُرُّ بِالْوَلِيِّ ... فَكَيْفَ مَنْ يَحْجُبُهُ جَهْلًا مَلِيِّ قَوْلُهُ: [مِنْ الرَّعُونَاتِ] : أَيْ الطَّبَائِعِ الشَّهْوَانِيَّةُ.

مَنْ لَمْ يُحْرِقْ الْبِدَايَةَ لَمْ تُشْرِقْ لَهُ نِهَايَةٌ، مَنْ لَمْ يُخَالِفْ النَّفْسَ وَالشَّيْطَانَ لَمْ يَتَحَقَّقْ بِصِفَاتِ أَهْلِ الْعِرْفَانِ، مَنْ لَمْ يَكُنْ عَبْدًا لِلرَّحْمَنِ فَهُوَ عَبْدٌ لِلشَّيْطَانِ، فَانْظُرْ أَيَّهُمَا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ (اهـ بِاخْتِصَارٍ) . وَقَصَدْت بِنَقْلِ ذَلِكَ التَّبَرُّكَ، لَعَلَّ الْجَوَادَ الْكَرِيمَ يَنْفَحُنَا بِحُبِّهِمْ. {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ} [الفجر: 28] لِرُؤْيَتِهِ تَعَالَى وَمَا أَعَدَّهُ اللَّهُ مِمَّا لَا يَتَنَاهَى مِنْ الْإِكْرَامِ، وَقِيلَ: إلَى صَاحِبِك وَهُوَ الْجَسَدُ عَلَى أَنَّ النِّدَاءَ عِنْدَ الْبَعْثِ. {رَاضِيَةً} [الفجر: 28] بِمَا أَعْطَاك رَبُّك. {مَرْضِيَّةً} [الفجر: 28] رَضِيَ رَبُّك عَلَيْك. {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] الصَّالِحِينَ الْمُصْطَفَيْنَ. {وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 30] . فِي الْحَدِيثِ: «أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى إلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [مَنْ لَمْ يَحْرُقْ الْبِدَايَةَ] : أَيْ إذَا لَمْ يُجَاهِدْ فِي بِدَايَتِهِ فَيَخْرُجُ عَنْ كُلِّ هَوًى لَمْ تَظْهَرْ لَهُ أَنْوَارٌ فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْحِكَمِ ادْفِنْ وُجُودَك فِي أَرْضِ الْخُمُولِ فَمَا نَبَتَ مِمَّا لَمْ يُدْفَنْ لَمْ يَتِمَّ نِتَاجُهُ. قَوْلُهُ: [عَلَى أَنَّ النِّدَاءَ عِنْدَ الْبَعْثِ] : أَيْ وَأَمَّا عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ فَعَلَى أَنَّ النِّدَاءَ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ الْبَعْثِ. قَوْلُهُ: {رَاضِيَةً} [الفجر: 28] إلَخْ: أَيْ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [البينة: 8] . قَوْلِهِ: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] : أَيْ وَقْتَ الْبَعْثِ وَالْحَشْرِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَحَبَّ قَوْمًا حُشِرَ مَعَهُمْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} [الأنبياء: 101] الْآيَاتُ وَقَالَ تَعَالَى: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [الزخرف: 68] وَالْإِضَافَةُ لِلتَّشْرِيفِ وَإِلَّا فَالْكُلُّ عِبَادُهُ. قَوْلُهُ: {وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 30] : أَيْ مَعَ الصَّالِحِينَ وَلِأَهْلِ الْإِشَارَاتِ تَفَاسِيرُ مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ يُنَادِيهَا فِي الدُّنْيَا بِهَذَا النِّدَاءِ حَيْثُ اتَّصَفَتْ بِتِلْكَ الْأَوْصَافِ يَقُولُ لَهَا يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إلَى رَبِّك بِفَنَائِك عَمَّا سِوَاهُ، رَاضِيَةً بِأَحْكَامِهِ، مَرْضِيَّةً لَهُ بِأَوْصَافِك، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي الصَّالِحِينَ أَيْ فَكُونِي مَعْدُودَةً فِيهِمْ

الْحَامِدُونَ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ» . (دَارُ السَّلَامِ) : السَّلَامَةِ مِنْ كُلِّ مَخُوفٍ مَصْحُوبَةٍ (بِسَلَامٍ) أَمْنٍ مِنْ كُلِّ مُكَدِّرٍ. {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} [يونس: 10] أَيْ كَلَامُهُمْ أَوْ دُعَاؤُهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَالتَّسْبِيحُ تَنْزِيهٌ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ يَتَلَذَّذُ بِهِ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَفِي الْحَدِيثِ: «يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ» وَوَرَدَ: «إذَا أَرَادُوا طَعَامًا قَالُوا سُبْحَانَك اللَّهُمَّ فَيُحْمَلُ لَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ عَلَى الْمَوَائِدِ، كُلُّ مَائِدَةٍ مِيلٌ فِي مِيلٍ، عَلَى كُلِّ مَائِدَةٍ سَبْعُونَ أَلْفَ صَحْفَةً فِي كُلِّ صَفْحَةٍ لَوْنٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَحْسُوبَةً مِنْهُمْ، وَادْخُلِي جَنَّتِي شُهُودِي فِي الدُّنْيَا مَا دُمْت فِيهَا وَهِيَ الْجَنَّةُ الْمُعَجَّلَةُ، وَيُقَالُ لَهَا عِنْدَ الْبَعْثِ ذَلِكَ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمُتَقَدِّمِ وَيُرَادُ جَنَّةُ الْخُلُودِ وَفَسَّرُوا بِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] أَيْ جَنَّةُ الشُّهُودِ فِي الدُّنْيَا الَّتِي قَالَ فِيهَا ابْنُ الْفَارِضِ: أَنِلْنَا مَعَ الْأَحْبَابِ رُؤْيَتَك الَّتِي ... إلَيْهَا قُلُوبُ الْأَوْلِيَاءِ تُسَارِعُ وَجَنَّةُ الْخُلْدِ فِي الْعُقْبَى وَهَذَا النِّدَاءُ الْوَاقِعُ فِي الدُّنْيَا يَسْمَعُهُ الْعَارِفُونَ إمَّا فِي الْمَنَامِ أَوْ بِالْإِلْهَامِ. قَوْلُهُ: [دَارُ السَّلَامِ] إلَخْ: قَالَ تَعَالَى: {لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 127] وَقَالَ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] فَالْحُسْنَى هِيَ الْجَنَّةُ وَالزِّيَادَةُ هِيَ رُؤْيَةُ وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ. قَوْلُهُ: [أَوْ دُعَاؤُهُمْ فِي الْجَنَّةِ] : أَيْ طَلَبُهُمْ لِمَا يَشْتَهُونَهُ مِنْ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ فِي الْجَنَّةِ. قَوْلُهُ: [وَفِي الْحَدِيثِ: «يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ» ] : أَيْ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ كَمَا فِي أَصْلِ الرِّوَايَةِ. قَوْلُهُ: [وَوَرَدَ إذَا أَرَادُوا طَعَامًا] إلَخْ: الْمُنَاسِبُ التَّفْرِيعُ بِالْفَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَعْنَى الْآيَةِ. قَوْلُهُ: [فَيُحْمَلُ لَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ] : أَيْ يُوضَعُ لَهُمْ عَلَى الْمَوَائِدِ. قَوْلُهُ: [فِي كُلِّ صَحْفَةٍ لَوْنٌ] : أَيْ لَا يُشْبِهُ بَعْضُهَا لَوْنَ الْآخَرِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ اشْتِغَالُ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِالتَّسْبِيحِ

فَإِذَا فَرَغُوا قَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ» . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» . وَفِي الْعَيَّاشِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَالَ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مِائَةَ أَلْفِ ذَنْبٍ وَلِوَالِدِيهِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ ذَنْبٍ» . {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} [يونس: 10] يُحَيِّيهِمْ اللَّهُ وَالْمَلَائِكَةُ وَبَعْضُهُمْ بَعْضًا قَالَ تَعَالَى {سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: 58] {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا} [الواقعة: 25] {إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا} [الواقعة: 26] {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ - سَلامٌ عَلَيْكُمْ} [الرعد: 23 - 24] . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتَّحْمِيدِ وَالتَّقْدِيسِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَفِي هَذَا الذِّكْرِ سُرُورُهُمْ وَابْتِهَاجُهُمْ وَكَمَالُ لَذَّاتِهِمْ وَهَذَا أَوْلَى. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «أَهْلُ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ وَلَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ قَالُوا فَمَا بَالُ الطَّعَامِ؟ قَالَ جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ» (اهـ خَطِيبٌ) قَوْلُهُ: [فَإِذَا فَرَغُوا قَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ "] : أَيْ قَالُوا: " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10] فَتُرْفَعُ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ] : كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَتِهَا أَيْ تُغْفَرُ وَلَوْ كَثُرَتْ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَلَوْ كَانَتْ كَبَائِرَ لَكِنْ قَيَّدَهُ الْعُلَمَاءُ بِغَيْرِ الْكَبَائِرِ لِأَنَّ الْكَبَائِرَ لَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ. قَوْلُهُ: قَالَ تَعَالَى {سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: 58] : دَلِيلٌ لِسَلَامِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. وَقَوْلُهُ: {إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا} [الواقعة: 26] : دَلِيلٌ لِسَلَامِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. وَقَوْلُهُ: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} [الرعد: 23] إلَخْ: دَلِيلٌ لِسَلَامِ الْمَلَائِكَةِ فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُلَخْبَطٌ وَقَدْ وَرَدَ: " إنَّ الْمَلَائِكَةَ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْقُصُورِ بِهَدَايَا مِنْ التُّحَفِ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ "

[خاتمة الكتاب]

{وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10] وَقَدْ وَرَدَ: «إنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَفْتَتِحُونَ كَلَامَهُمْ بِالتَّسْبِيحِ وَيَخْتِمُونَهُ بِالتَّحْمِيدِ» . (وَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَنْفَعَ بِهِ) : عَلَامَةُ قَبُولِهِ ظَاهِرَةٌ فَقَدْ حَصَلَتْ ثَمَرَةُ التَّأْلِيفِ عَاجِلًا بِحُصُولِ النَّفْعِ وَكَثْرَةِ الِاشْتِغَالِ بِهِ وَبِإِخْلَاصِ مُؤَلِّفِهِ تَتَحَقَّقُ الثَّمَرَةُ آجِلًا فِي رَفْعِ دَرَجَاتِهِ، وَخَتَمَ كِتَابَهُ بِالسُّؤَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِشْعَارِ بِالِاحْتِيَاجِ لِلْغَنِيِّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ (كَمَا نَفَعَ بِأَصْلِهِ) وَاشْتِهَارُ النَّفْعِ بِمُخْتَصَرِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَخْفَى (كُلُّ مَنْ قَرَأَهُ) بِحِفْظٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ شَرَحَهُ أَوْ حَصَّلَهُ) بِشِرَاءٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (أَوْ سَعَى فِي شَيْءٍ مِنْهُ) عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [خَاتِمَة الْكتاب] قَوْلُهُ: [يَفْتَتِحُونَ كَلَامَهُمْ] : أَيْ فِي سَائِرِ مَطْلُوبَاتِهِمْ وَخِطَابَاتِهِمْ. قَوْلُهُ: [وَأَسْأَلُ اللَّهَ] إلَخْ: لَفْظُ الْجَلَالَةِ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّعْظِيمِ مَفْعُولٌ أَوَّلٌ لِأَسْأَلَ، وَأَنَّ وَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرِ مَفْعُولِهِ الثَّانِي، وَالنَّفْعُ ضِدُّ الضَّرَرِ وَهُوَ إيصَالُ الْخَيْرِ لِلْغَيْرِ وَسَأَلَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إيصَالَ النَّفْعِ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ اللَّهِ وَلَيْسَ فِي طَاقَةِ أَحَدٍ ذَلِكَ كَإِيصَالِ الضُّرِّ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس: 107] . قَوْلُهُ: [وَكَثْرَةِ الِاشْتِغَالِ بِهِ] : عَطْفُ سَبَبٍ عَلَى مُسَبِّبٍ. وَقَوْلُهُ: [وَبِإِخْلَاصِ] : مُؤَلِّفِهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَعْدَهُ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ تَتَحَقَّقُ الثَّمَرَةُ آجِلًا. وَقَوْلُهُ: [وَخَتَمَ كِتَابَهُ] : رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَتْنِ وَفِي التَّرْكِيبِ رَكَّةٌ لَا تَخْفَى. قَوْلُهُ: [كَمَا نَفَعَ بِأَصْلِهِ] : أَيْ خَلِيلٌ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ تُسْبَكُ مَعَ مَا بَعْدَهَا بِمَصْدَرٍ مَجْرُورٍ بِالْكَافِ الَّتِي بِمَعْنَى مِثْلُ وَهُوَ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ نَفْعًا مِثْلَ نَفْعِهِ بِأَصْلِهِ. وَقَوْلُهُ: [كُلُّ مَنْ قَرَأَهُ] : مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ. قَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرِهِ] : أَيْ كَالْمُطَالَعَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ شَرَحَهُ] : صَادِقٌ بِالتَّحْشِيَةِ. قَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ] : أَيْ كَمَا إذَا وَهَبَ كَذَا وَوَقَفَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ] : أَيْ بِأَنْ يُقَالَ سَعَى فِي شَيْءٍ مِنْ قِرَاءَتِهِ

أَبْلَغُ مِنْ عَوْدِهِ لِجُمْلَتِهِ (إنَّهُ جَوَادٌ) كَثِيرُ الْجُودِ وَالْكَرَمِ وَالْإِنْعَامِ (كَرِيمٌ) يُعْطِي بِلَا عِوَضٍ وَلَا غَرَضٍ (رَءُوفٌ) كَثِيرُ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ (رَحِيمٌ) مُنْعِمٌ بِالْقَلِيلِ كَمَا هُوَ مُنْعِمٌ بِالْكَثِيرِ فَلَا تَأْثِيرَ لِغَيْرِهِ تَعَالَى. (وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ) خَتَمَ بِهَا كَمَا ابْتَدَأَ بِهَا رَجَاءَ قَبُولِ مَا بَيْنَهُمَا وَعَبَّرَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ وَاقِعٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا إذَا قَرَأَ الْبَعْضُ فَقَطْ أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْ شَرْحِهِ كَأَنْ شَرَحَ الْبَعْضُ أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْ تَحْصِيلِهِ كَأَنْ اشْتَرَى الْبَعْضُ أَوْ كَتَبَهُ أَوْ وَهَبَ لَهُ. قَوْلُهُ: [أَبْلَغُ مِنْ عَوْدِهِ لِجُمْلَتِهِ] : أَيْ لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْهُ قُصُورٌ عَلَى تَحْصِيلِ الْبَعْضِ بِشِرَاءٍ وَنَحْوٍ. قَوْلُهُ: [إنَّهُ جَوَادٌ] : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ وَاقِعٌ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ سَأَلْته؛ لِأَنَّهُ جَوَادٌ، وَالْجَوَادُ بِالتَّخْفِيفِ ذُو الْجُودِ وَالْمَدَدِ وَالْعَطَايَا الَّتِي لَا تَنْفَدُ. قَوْلُهُ: [كَرِيمٌ] : أَيْ وَهُوَ الْمَوْصُوفُ بِنُعُوتِ الْجَمَالِ ذُو النَّوَالِ قَبْلَ السُّؤَالِ. قَوْلُهُ: [بِلَا عِوَضٍ وَلَا غَرَضٍ] : أَيْ لِاسْتِغْنَائِهِ وَتَنَزُّهِهِ عَنْ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ يُدِيمُ الْإِحْسَانَ عَلَى الْمُصِرِّ عَلَى الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي. قَوْلُهُ: [رَءُوفٌ] : أَيْ ذُو رَأْفَةٍ وَهِيَ شِدَّةُ الرَّحْمَةِ. قَوْلُهُ: [مُنْعِمٌ بِالْقَلِيلِ] : إنَّمَا فَسَّرَهُ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ الرَّحِيمُ الْمُنْعِمُ بِدَقَائِقِ النِّعَمِ وَالرَّحْمَنُ الْمُنْعِمُ بِجَلَائِلِهَا أَيْ فَجَمِيعُ النِّعَمِ نَاشِئَةٌ مِنْهُ بِوَصْفِ كَوْنِهِ رَحْمَانًا رَحِيمًا، وَفِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ بِالْمَطْلُوبِ مَا لَا يَخْفَى، وَفِيهَا حِكْمَةٌ وَهُوَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُخَاطِبُ رَبَّهُ بِالِاسْمِ الْمُنَاسِبِ لِمَطْلُوبِهِ كَدُعَاءِ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَيْثُ قَالَ: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83] وَدُعَاءِ يُونُسَ حَيْثُ قَالَ: {سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] وَدُعَاءِ زَكَرِيَّا حَيْثُ قَالَ: {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء: 89] وَدُعَاءِ سُلَيْمَانَ حَيْثُ قَالَ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 35] وَبِالْجُمْلَةِ كُلُّ مَقَامٍ لَهُ مَقَالٌ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ وَاقِعٌ] : ظَاهِرُهُ أَنَّهَا خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا وَمَعْنًى وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْمُخْبِرَ بِالصَّلَاةِ لَيْسَ مُصَلِّيًا عَلَى التَّحْقِيقِ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ عَبَّرَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ فِي اللَّفْظِ لِتَحَقُّقِ الْمَطْلُوبِ.

وَفِي الْعَيَّاشِيِّ عَنْ السُّهَيْلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كُنْت مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ السَّلَامَ وَأَطْلَقَ وَجْهَهُ وَأَجْلَسَهُ إلَى جَنْبِهِ فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ وَنَهَضَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا أَبَا بَكْرٍ هَذَا الرَّجُلُ يُرْفَعُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ كَعَمَلِ أَهْلِ الْأَرْضِ قُلْت: وَلِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ إنَّهُ كُلَّمَا أَصْبَحَ وَأَمْسَى صَلَّى عَلَيَّ كَصَلَاةِ الْخَلْقِ أَجْمَعَ يَقُولُ عَشْرَ مَرَّاتٍ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ عَدَدَ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مِنْ خَلْقِك وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ كَمَا أَمَرْتنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ كَمَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْهِ.» وَلَمَّا كَانَ الْمَطْلُوبُ التَّعْمِيمَ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَعَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَعَلَى آلِهِمْ وَصَحْبِهِمْ أَجْمَعِينَ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) يَقُولُ نَاقِلُ تَكْمِيلِ الشَّرْحِ الْفَقِيرُ مُصْطَفَى الْعُقْبَاوِيُّ سَامَحَهُ اللَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ جَمِيعِ الْمَسَاوِئِ: الْحَامِلُ لِي عَلَى ذَلِكَ امْتِثَالُ أَمْرِ وَلِيِّ اللَّهِ خَلِيقَةً شَيْخِنَا الْمُصَنِّفِ الشَّيْخِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [وَفِي الْعَيَّاشِيِّ] إلَخْ: مِثْلُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى فَرْضِ صِحَّتِهَا تُحْمَلُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ لِلتَّرْغِيبِ وَإِلَّا فَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ تَأْبَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [وَالْمُرْسَلِينَ] : عَطْفٌ خَاصٌّ. قَوْلُهُ: [وَصَحْبِهِمْ] : بَيْنَ الْآلِ وَالصَّحْبِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ إنْ أُرِيدَ بِالْآلِ بِالْأَقَارِبِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِمْ مُطْلَقُ الْأَتْبَاعِ كَمَا هُوَ الْأَوْلَى لِلتَّعْمِيمِ كَانَ عَطْفُ الْأَصْحَابِ خَاصًّا وَخَصَّهُمْ لِمَزِيدِ فَضْلِهِمْ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْمُطْلَقُ. قَوْلُهُ: [أَجْمَعِينَ] : تَأْكِيدٌ. قَوْلُهُ: [وَسَلَّمَ] : مَعْطُوفٌ عَلَى صَلَّى وَهُوَ مُسَلَّطٌ عَلَى جَمِيعِ مَنْ تَقَدَّمَ وَتَسْلِيمًا مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِعَامِلِهِ وَكَثِيرًا صِفَةٌ لَهُ. قَوْلُهُ: [وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ] : عَطْفٌ عَلَى وَصَلَّى اللَّهُ وَبَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ كَمَالُ الِاتِّصَالِ؛ لِأَنَّ كُلًّا خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى عَلَى التَّحْقِيقِ. قَوْلُهُ: [الْحَامِلُ لِي عَلَى ذَلِكَ] إلَخْ: مَقُولُ الْقَوْلِ. قَوْلُهُ: [وَلِيِّ اللَّهِ] : قَدْ صَدَقَ فِي ذَلِكَ فَإِنِّي صَحِبْته نَحْوَ الثَّلَاثِينَ سَنَةً مَا رَأَيْته فَعَلَ حَرَامًا وَلَا مَكْرُوهًا وَلَا مَدَحَ الدُّنْيَا وَلَا ذَمَّهَا وَمَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْ جَمَاعَةِ

صَالِحٍ السِّبَاعِيِّ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ فِي الدَّارَيْنِ هَذَا وَمَا وَجَدْته مِنْ صَوَابٍ فَمِنْ فَيْضِ شَيْخِنَا الْقُطْبِ الْمُصَنِّفِ وَإِمْدَادَاتِ خَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ مِنَحِ الْعِلْمِ الظَّاهِرِيِّ وَالْبَاطِنِيِّ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ سَيِّدِي الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِيرِ وَأَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ أَنْ يَعْفُوَ عَنَّا وَيَرْحَمَنَا وَوَالِدَيْنَا وَأَنْ يَخْتِمَ لَنَا بِالْإِيمَانِ الْكَامِلِ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى وَاسِطَةِ عِقْدِ الْمُرْسَلِينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. وَكَانَ الْفَرَاغُ مِنْ تَبْيِيضِهِ غُرَّةَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ 1220 هـ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُفَرِّجَ كُرَبَ آلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا وَالْمُؤْمِنِينَ إنَّهُ لَطِيفٌ كَرِيمٌ حَلِيمٌ بِجَاهِ جَدِّهِمْ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQشَيْخِنَا الْمُصَنِّفِ جَاهَدَ نَفْسَهُ مِثْلَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنَّا بِهِ. قَوْلُهُ: [وَإِمْدَادَاتِ] : مَعْطُوفٌ عَلَى فَيْضٍ. قَوْلُهُ: [خَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ] : هَذَا الْوَصْفُ فِيهِ كَالشَّمْسِ فِي رَابِعَةِ النَّهَارِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ حَقِيقٌ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ: حَلَفَ الزَّمَانُ لَيَأْتِيَنَّ بِمِثْلِهِ ... حَنِثَتْ يَمِينُك يَا زَمَانُ فَكَفِّرْ وَبِقَوْلِهِ أَيْضًا: لَمْ تَرَ الْعَيْنُ بَعْدَهُ فِي صِفَاتٍ ... لَا وَحَقِّ الشَّفِيعِ يَوْمَ الْحِسَابِ قَوْلُهُ: [مِنْ مِنَحِ] إلَخْ: نَعْتٌ لِخَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ وَقَوْلُهُ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ. وَهَذَا آخِرُ مَا أَجْرَاهُ اللَّهُ عَلَى يَدِ الْفَقِيرِ الْحَقِيرِ فِي خِدْمَةِ أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ وَشَرْحِهِ. وَأَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ أَنْ يَجْعَلَهَا وَصْلَةً لَنَا بِمُؤَلِّفِهِ فِي دَارِ السَّلَامِ بِسَلَامٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْأَنَامِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ. الْبَرَرَةِ الْكِرَامِ وَأَتْبَاعِهِ إلَى مُنْتَهَى الْإِسْلَامِ. وَكَانَ الْفَرَاغُ مِنْ تَعْلِيقِهَا صَبِيحَةَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ الْمُبَارَكِ رَابِعِ يَوْمٍ مَضَى مِنْ شَهْرِ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ 1223 هـ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ وَأَلْفٍ مِنْ هِجْرَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

§1/1