جواب في الحلف بغير الله والصلاة إلى القبور، ويليه: فصل في الاستغاثة

ابن تيمية

جواب في الحلف بغير الله والصلاة إلى القبور لشيخ الإسلام أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني رحمه الله تعالى ويليه فصل في الاستغاثة

جواب في الحلف بغير الله والصلاة إلى القبور

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وبعد.. تم الاعتماد في تحقيق هذه الرسالة على مخطوط من مكتبة جامعة الملك سعود بالرياض، ضمن مجموع لرسائل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى برقم (2263) ، تبدأ من لوحة (109) إلى لوحة (111) . ولم أعثر على ذكر لهذ الرسالة ضمن مطبوعات لشيخ الإسلام. والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. اعتنى به فواز محمد أحمد العوضي 10/5/1431هـ

أما الحلف بغير الله:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد، فإنكم سألتم عن مسائل، وقد كتبت فيها ما يسر الله تعالى: أما الحلف بغير الله: فقد صحّت عن النبي صلى الله عليه وسلم الأحاديث بالنهي عنه والتغليظ فيه. فروى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع عمر وهو يحلف بأبيه فقال: «إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت» . أخرجه البخاري (¬1) ومسلم (¬2) في الصحيحين. ¬

_ (¬1) رقم (6108) . (¬2) رقم (4257) .

وفي رواية لمسلم (¬1) عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم» . قال عمر: فوالله ما حلفت منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: لا وأبي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مه! فإنه من حلف بشيء دون الله فقد أشرك» . رواه الإمام أحمد في مسنده (¬2) . وعن ابن عمر أنه سمع رجلاً يقول: لا والكعبة. فقال ابن عمر: لا تحلف بغير الله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» . رواه الترمذي (¬3) ، وقال: حديث حسن. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ¬

_ (¬1) رقم (4254) . (¬2) رقم (329) ، وإسناده صحيح. (¬3) رقم (1535) ، صححه الحاكم وابن الملقن كما في «البدر المنير» (9/458) والألباني في «سنن الترمذي» .

ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون» . رواه النسائي (¬1) . وعن قتيلة بنت صيفي الجهنية: أن يهوديًّا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تنددون وإنكم تشركون؛ تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة. فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: «ورب الكعبة» ، ويقول أحدهم: «ما شاء الله ثم شئت» . رواه الإمام أحمد (¬2) . وللنسائي (¬3) : وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت. فقال: «أجعلتني لله ندًّا (¬4) ؟! بل ما شاء الله وحده» . ¬

_ (¬1) رقم (3800) ، وصححه الألباني. (¬2) رقم (27093) ، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (136) . (¬3) «السنن الكبرى» (10759) ، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (139) . (¬4) الند: هو مثل الشيء الذي يضاده في أموره، ويناده أي يخالفه، ويريد بها ما كانوا يتخذونه آلهة من دون الله. «النهاية في غريب الأثر» (5/34)

وقد اتفق العلماء -فيما نعلم- من الصحابة والتابعين والأئمة على كراهة الحلف بغير الله، والنهي عنه، وأن اليمين لا تنعقد، ولا يجب فيه كفارة إذا حنث. إلا أنهم اختلفوا فيما إذا حلف برسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة. ثم من أصحاب الأئمة من قال: يكره الحلف بغير الله تنزيهًا ولا يحرم. وقطع الباقون بأنه حرام، وهذا هو الصواب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الله ينهانا عنه، وما نهانا الله عنه فهو حرام، إلا أن يقوم دليل على أنه تنزيه، وأخبر أن هذا شرك وكفر، وكل ما سمي كفرًا وشركًا فأقل درجاته أن يكون حرامًا. وإنما سماه شركًا؛ لأن الحلف بغير الله إنما يكون بالمعبود، فمن حلف بغير الله فقد جعل لله ندًّا. فإن فعل هذا معتقدًا لعبادته فهو كافر، وإن لم يكن معتقدًا فهو مشرك في القول دون الشرك الأكبر الذي ينقل عن الملة، كما قالوا: شرك دون شرك. وقوله [صلى الله

عليه وسلم] : «الرياء شرك» (¬1) . وفي ذلك أنزل الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] . ويدخل في هذا أن يقول الرجل: وحياتي أو وحياتك أو وحياة فلان، أو وتربة فلان أو وتربة (¬2) أبي أو وتربة أبيك أو وتربة الشيخ فلان، أو ونعمة السلطان، أو وحياة (¬3) رأس السلطان أو وحياة رأسك، أو وحق سيفي، أو وحياة الفتوة، أو وحق أبي، أو وحرمتك عند الله أو حرمة الشيخ فلان عند الله، أو وحق الكعبة، وكل ما كان من هذا بما يحلف به جفاة الناس على وجه التعظيم. فمن حلف بشيء من هذه الأيمان فقد عصى الله ورسوله في قوله: «من كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله» (¬4) . ودخل ¬

_ (¬1) ثبت مرفوعًا من حديث شداد بن أوس وغيره: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر. قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء ... » . أخرجه أحمد (5/428) والبيهقي في «الشعب» (6412) ، وحسن إسناده ابن حجر في «بلوغ المرام» (1277) وصححه الألباني في «الصحيحة» (951) . (¬2) في الأصل بدون واو. (¬3) في الأصل بدون واو. (¬4) أخرجه البخاري (3836) ومسلم (4259) .

في قوله: «من حلف بشيء دون الله فقد أشرك» (¬1) . حتى قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهو من أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن أحلف بالله وأنا كاذب أحب إليّ من أن أحلف بغيره وأنا صادق. رواه حرب الكرماني بإسناد جيد (¬2) . وقال القاسم بن مخيمرة: ما أبالي بحياة رجل حلفت أو بالصليب. رواه سعيد بن منصور (¬3) . فهذا بين القاسم أن الحلف بغير الله بمنزلة الحلف بالطواغيت؛ مثل الصليب ونحوه. ولهذا قال عبد الله بن مسعود: لأن أحلف بالله وأنا كاذب أحب إلي من أن أحلف بغيره وأنا صادق. لأنه إذا حلف بغير الله فقد أشرك، وإن كان ليس هو الشرك الأكبر فإنه أعظم إثمًا من الكذب، وإذا حلف كاذبًا فعليه إثم كذبه لكنه موحد في حلفه بالله. والمصيبة الكبيرة مع التوحيد خير من حسنة مع شرك. ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه من حديث عمر رضي الله عنه. (¬2) أخرجه عبد الرزاق (8/469) رقم (15929) وابن ابي شيبة (5/29) رقم (12402) والطبراني في «الكبير» (9/183) . (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة (5/29) رقم (12407) .

وأما الصلاة عند القبور، والصلاة إليها، أو اتخاذ المساجد على القبور، أو إيقاد المصابيح عليها:

فصل وأما الصلاة عند القبور، والصلاة إليها، أو اتخاذ المساجد على القبور، أو إيقاد المصابيح عليها: فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه وغيرهم من الأئمة في ذلك النهي والتغليظ ولعنة من يفعل ذلك وذِكْر أنهم شِرار الخلق، ما قد استفاض بل تواتر عن أهل العلم بسننه، وإن كان كثير (¬1) من الناس لا يعلمون ذلك. فروى جندب بن عبد الله البجلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: «إن من كان قبلكم يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك» . رواه مسلم في صحيحه (¬2) . ¬

_ (¬1) في الأصل: كثيرًا. (¬2) رقم (1188) .

وعن عائشة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: «لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» . قالت: ولولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدًا. أخرجه البخاري (¬1) . وعنها أيضًا قالت: لما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت بعض نسائه كنيسة رأتها بأرض الحبشة يقال لها مارية، وكانت أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما أتتا أرض الحبشة فذكرتا من حسنها وتصاوير [فيها] (¬2) ، فرفع رأسه فقال: «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا ثم صوّروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق يوم القيامة» . أخرجاه في الصحيحين (¬3) . ¬

_ (¬1) رقم (1330) . (¬2) زيادة من «صحيح البخاري» (1341) . (¬3) البخاري (434) ، (1341) ومسلم (1181) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قاتل الله اليهود؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» . أخرجاه (¬1) . وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل به قال: «لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» . أخرجاه في الصحيحين (¬2) . وعنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله زوّارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج» . رواه الإمام أحمد (¬3) ، وأبو داود (¬4) ، والنسائي (¬5) ، ¬

_ (¬1) البخاري (437) ومسلم (1185) . (¬2) البخاري (1330) ومسلم (1187) . (¬3) رقم (2030) (¬4) رقم (3236) (¬5) رقم (2043)

والترمذي (¬1) وقال: حديث حسن (¬2) . وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مِن شِرار الخلق مَن تدركهم الساعة وهم أحياء، ومَن يتخذ القبور مساجد» ، وفي لفظ: «والذين يتخذون القبور مساجد» . رواه الإمام أحمد (¬3) بإسناد صحيح. ¬

_ (¬1) رقم (320) (¬2) حسنه البغوي في «شرح السنة» (2/417) ، وابن كثير في «إرشاد الفقيه إلى معرفة أدلة التنبيه» (1/239) وقال: ولا شك أن هذا الحديث حسن يحتج به لتعدد طرقه، وإن كان في كل منها ضعف يسير. وقواه ابن دقيق العيد كما شرط ذلك في مقدمة كتابه «الإلمام بأحاديث الأحكام» (574) ، وابن القطان الفاسي في «بيان الوهم والإيهام» وتكلم بكلام مفصل في راوي الحديث فلينظر (5/563) ، وأحمد شاكر في تخريجه لـ «مسند الإمام أحمد» (2030) وقال في تخريجه لـ «سنن الترمذي» (320) : فهذا الحديث على أقل حالاته حسن، ثم الشواهد التي ذكرناها في تأييده ترفعه إلى درجة الصحة لغيره، إن لم يكن صحيحًا بصحة إسناده هذا. (¬3) رقم (3844) واللفظ الآخر برقم (4342) .

فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بخمس أن يتخذوا القبور مساجد، وبيّن أن الذين كانوا قبلنا كانوا يتخذون قبور الأنبياء والصالحين مساجد، وأنه هو صلى الله عليه وسلم نهانا أن نتخذ القبور مساجد؛ لئلا يعتقد أحد أن هذا مما يقتدى بهم فيه، فإن الله أخبر عنهم بذلك في قوله: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} [الكهف: 21] . ثم إنه صلى الله عليه وسلم وقت لقاء ربه لعن الكتابيين الذين اتخذوا القبور مساجد؛ ليعتبر بذلك ولا يتخذ قبره ولا قبر غيره مسجدًا. ولهذا لما قبضه الله إلى كرامته دفن في بيته ولم يبرز قبره؛ لئلا يقصده الناس للصلاة عنده ويتخذوه مسجدًا، فإنه قد جاء عنه أنه قال: «اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد» (¬1) . وقال: «لا تتخذوا قبري [عيدًا، ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (7358) ، صححه الألباني في كتابه «تحذير الساجد» (18) . وجاء عند عبد الرزاق (15916) بلفظ: «اللهم إني أعوذ بك أن يتخذ قبري وثنًا ومنبري عيدًا» .

ولا تجعلوا بيوتكم قبورًا] ، وصلوا عليّ حيث ما كنتم فإن صلاتكم تبلغني» (¬1) . وكانت حجرة عائشة رضي الله عنها خارجة عن مسجده، فلما كان في زمان الوليد بن عبد الملك اشترى حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من قِبْلِيِّ المسجد ومن شرقيِّه، وهدّها وزادها في المسجد. وسد حجرة عائشة، وبنى عليها حائطًا بعد حائط، وحرّف حائطها عن القبلة، وجعل مؤخرها مسنّمًا؛ كل ذلك لئلا يصلَّى فيها ولا إليها. ومع هذا، لقد أنكر سعيد بن المسيب وغيره على الوليد في هدم الحجر وإدخالها في المسجد. ثم إنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة عند القبور وإليها. فعن أبي مرثد الغنوي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصلّوا إلى القبور، ولا تجلسوا ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (14/403) وأبو داود (2042) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. صححه النووي في «رياض الصالحين» (1401) والألباني في «سنن أبي داود» . وما بين المعقوفتين زيادة من «مسند الإمام أحمد» .

عليها» . رواه مسلم (¬1) في صحيحه، وغيره. وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الأرض كلها مسجد، إلا المقبرة والحمّام» . رواه الإمام أحمد (¬2) ، وأبوداود (¬3) ، والترمذي (¬4) ، وابن ماجه (¬5) ، وإسناده جيد. وروى الترمذي (¬6) وابن ماجه (¬7) وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سبع مواطن لا تجوز الصلاة فيها ... » ، وذكر منها «المقبرة» . فهذا بعض ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأما ما جاء عن الصحابة والتابعين وسائر أئمة المؤمنين فكثير، فنذكر بعضه: ¬

_ (¬1) رقم (2251) . (¬2) رقم (11788) . (¬3) رقم (492) . (¬4) رقم (317) . (¬5) رقم (745) . (¬6) رقم (346) . (¬7) رقم (746) .

قال البخاري في صحيحه: رأى عمر أنسًا يصلي عند قبر، فقال: القبر القبر. قال: فتنحيت عن القبر (¬1) . وقال علي بن أبي طالب: لا يصلى في حمّام ولا عند قبر. ذكره أبو عبد الله ابن حامد (¬2) . وعن علي بن أبي طالب أيضًا موقوفًا ومرفوعًا قال: شِرار الناس من يتخذ القبور مساجد. رواه عبد الرزاق (¬3) . وعن ابن عمر وابن عباس كراهة الصلاة عند المقبرة (¬4) . وعن زيد بن ثابت أنه مات له ابن، وأن جارية لهم وغلامًا اشترى جصًّا وآجُرًّا، فقال زيد: ما تريد إلى هذا؟ قال: أريد أن أجصّص قبره، وأن أبني عنده مسجدًا. ¬

_ (¬1) ذكره البخاري تعليقًا من كتاب الصلاة (باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد) . ووصله عبد الرزاق (1/404) وابن أبي شيبة (3/372) ، وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة (3/374) . (¬3) (1/405) . (¬4) رواية ابن عباس أخرجها عبد الرزاق (1/405) .

فقال: حقرت ونقرت (¬1) ، لا تقرب شيئًا مسّته النار. ونهاه أن يبنيَ عنده مسجدًا (¬2) . رواه حرب الكرماني. والأحاديث في هذا كثيرة. وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن تشريف القبور والبناء عليها، وأمر بتسويتها (¬3) . وعن علي بن أبي طالب عن أبي هياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا أدع قبرًا مشرفًا إلا سويته، ولا تمثالاً إلا طمسته. رواه الإمام أحمد (¬4) ، ومسلم في صحيحه (¬5) ، وغيرهما. وفي رواية لأحمد (¬6) عن علي بن أبي طالب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فقال: «أيكم ينطلق إلى المدينة فلا يدع بها وثنًا إلا كسره، ولا قبرًا إلا سواه، ولا صورة إلا ¬

_ (¬1) عند ابن أبي شيبة: (جفوت ولغوت) . (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة (4/554) من أثر الصحابي زيد بن أرقم. (¬3) انظر صحيح مسلم (2242) ، (2245) . (¬4) رقم (741) . (¬5) رقم (2243) . (¬6) رقم (657) .

لطخها؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله. قال: فانطلق ثم رجع، فقال: يا رسول الله لم أدع بها وثنًا إلا كسرته، ولا قبرًا إلا سويته، ولا صورة إلا لطختها. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عاد لصنعة شيء من هذا فقد كفر بما أنزل على محمد» . وعن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبور. رواه مسلم (¬1) في صحيحه. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أولاً نهى عن زيارة القبور، ثم إنه أذن في ذلك وعلّمهم ما يقولون. وعن بريدة بن الحصيب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلّمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا بكم إن شاء الله لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية» (¬2) . وكان صلى الله عليه وسلم إذا زار أهل البقيع أو غيره ¬

_ (¬1) رقم (2245) . (¬2) أخرجه مسلم (2257) .

يقول هذا. وفي رواية (¬1) : «اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنّا بعدهم» . وفي رواية (¬2) : «يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر» . فهذا ونحوه يتضمن السلام عليهم والدعاء لهم وللزائر معهم، هو الذي علّمه أصحابه وهو الذي جاءت به السنة. والله أعلم. من كلام ابن تيمية رحمه الله تعالى والمسلمين سبحانك ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين يا الله ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (24425) وابن ماجه (1546) ، ضعف الألباني هذه اللفظة. (¬2) أخرجه الترمذي (1053) ، ضعفه الألباني.

فصل في الاستغاثة

الفصل التالي ضمن مجموع رسائل وفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى موجود في المكتبة الظاهرية، ولدى جامعة الكويت صورة عنه تحت رقم (6527) ، من ص (281-282) . فيه كلام عن التوحيد والنهي عن الاستغاثة بغير الله، وهذا الفصل جزء من «مسألة السماع» كما هو في المخطوط. و «مسألة السماع» هذه قد طبعت ضمن «مجموع الفتاوى» (11/587) ، إلا أن هذا الفصل لم يطبع معها، ولم يطبع في مكان آخر سواء كان في «مجموع الفتاوى» أو في غيره -بحسب اطلاعي-. وإنما ورد ملخصًا في «مختصر الفتاوى المصرية» (ص596) ، فقارنت بينه وبين المخطوط، واستدركت بعض السقط من المطبوع. تنبيه: ما بين المعقوفين زيادة من «مختصر الفتاوى المصرية» .

فصل فأما دعاء غير الله تعالى أو الاستغاثة بغير الله فلا يجوز، وإن جاز أن يتوسل الإنسان برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ [أي في حال حياته لا بعد موته -ولهذا لم يرد عن السلف أنهم توسلوا به بعد موته-، مثل] (¬1) أن يقول: (اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبي الرحمة، يا محمد يا رسول الله إني أتوسل بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها لي، اللهم شفّعه فيّ) . [على حديث الأعمى، لو صح (¬2) ] . ولا يجوز أن يقول: يا رسول الله اغفر لي، ولا ارحمني، ولا تب عليّ، ولا أعنّي، ولا انصرني، ولا أغثني، [ولا افتح عيني من العمى لأبصر بهما] . ولا يجوز أن يدعى إلا الله [وحده] ، ولا يعبد إلا الله وحده [لا شريك له] . قال الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18] . ¬

_ (¬1) في المخطوط: فيجوز. (¬2) أخرجه أحمد (28/478) والترمذي (3587) والنسائي في «الكبرى» (9/244) وابن ماجه (1385) ، صححه الترمذي والألباني.

وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا • أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 56-57] . قال عبد الله بن مسعود: كان أقوام (¬1) يدعون الملائكة وعزيرًا والمسيح، فقال الله تعالى: هؤلاء الذين تدعون هم يتقربون إليّ كما تتقربون إليّ، ويرجون رحمتي كما ترجون رحمتي، ويخافون عذابي كما تخافون عذابي (¬2) . وقال الله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ ¬

_ (¬1) في المخطوط: أقوامًا. (¬2) انظر «تفسير ابن جرير الطبري» (14/628) .

تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ • وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 79-80] . وقال سبحانه وتعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31] . فلا يجوز أن يدعى أحد من [الملائكة ولا النبيين، فكيف] بالمشايخ؟! ولكن حق الرسول [صلى الله عليه وسلم] علينا: أن نؤمن به، ونعزّره، ونوقّره، ونطيعه، ونتبعه، ويكون أحب إلينا من أنفسنا وأهلينا وأموالنا [وأولادنا] ، وأولى من أنفسنا. وولاة الأمر من المشايخ

والعلماء والملوك والأمراء [لهم] حقوق، لكن (¬1) بحسبه فيما أمر الله ورسوله. وأما العبادة والاستعانة والتوكل والإنابة والتقوى والخشية والدعاء والتضرع والاستغاثة ونحو ذلك لله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] . وقال: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ} [النور: 52] ؛ فالطاعة لله ولرسوله، وأما الخشية والتقوى فلله وحده. وقال نوح عليه السلام: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} [نوح: 3] . وقال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال: 9] ، وقال: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: 123] ، وقال: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88] ، وقال: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 122] . ¬

_ (¬1) في المطبوع: كل بحسبه.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يقولن أحدكم: ما شاء الله وما شاء محمد. ولكن: ما شاء الله ثم شاء محمد» (¬1) . وقال له رجل: ما شاء الله وشئت. فقال: «أجعلتني لله ندًّا؟! بل ما شاء الله وحده» (¬2) . وقال: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، إنما أنا عبد الله، فقولوا: عبد الله ورسوله» (¬3) . وكذلك لا يجوز لأحد أن يحلف بتربة أبيه، ولا بحياة أبيه ولا بحياة نفسه، ولا يجوز لأحد من خلق الله أن يحلف ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (34/296) والدارمي (2741) وابن ماجه (2118) والنسائي في «الكبرى» (9/361) من طرق عن عبد الملك عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان به. صححه البوصيري في «إتحاف الخيرة المهرة» (5/361) والألباني في «السلسلة الصحيحة» (1/264) . (¬2) أخرجه أحمد (3/339) وابن أبي شيبة (8/627) والنسائي في «الكبرى» (9/362) وابن ماجه (2117) من طريق الأجلح عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس به. صححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1/266) . (¬3) أخرجه البخاري (3445) .

بحياة شيخه ولا بحياة رأسه ولا برأس شيخه، ولا بنعمة السلطان، ولا بالسيف، ولا بغير الله تعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان حالفًا فليحلف بالله، أو ليصمت» . أخرجاه في الصحيحين (¬1) . وقال صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله فقد أشرك به» . رواه الترمذي (¬2) وقال: حديث صحيح. وقال عبد الله بن مسعود: لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إليّ من أن أحلف بغيره صادقًا. (¬3) وذلك بأنه إذا حلف بالله فقد جمع سيئة الكذب مع حسنة التوحيد، وإذا حلف بغيره فقد جمع مع الصدق سيئة الشرك، والتوحيد أعظم من الصدق، والشرك أعظم من الكذب. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسابق ابن الزبير، فإذا سبقه عمر قال: سبقتك ورب الكعبة، فإذا ¬

_ (¬1) البخاري (2679) ومسلم (1646) . (¬2) (1535) . (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة (5/29) .

سبقه ابن الزبير قال: سبقتك والكعبة. فقال له عمر رضي الله عنه: لو علمت أنك تعمدت ذلك بيمينك لضربتك. (¬1) فينبغي للمسلمين أن يعرفوا أصول دينهم وهو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، وفروع دينهم في شرعهم ومنهاجهم، فذلك من الدين الذي بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم. فنسأل الله العظيم أن يوفقنا ولسائر المسلمين بمنه وكرمه وفضله وهو أرحم الراحمين. ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (10/29) .

§1/1