جواب الحافظ المنذري عن أسئلة في الجرح والتعديل
عبد العظيم المنذري
جواب الحافظ المنذري عن أسئلة في الجرح والتعديل
جواب الحافظ المنذري عن أسئلة في الجرح والتعديل
تقدمة بين يدي رسالة المنذري
بسم الله الرحمن الرحيم تقدمة بين يدي رسالة المنذري: كتب الحافظ المنذري رحمه الله هذه الرسالة، جوابا عن سؤال مطول ورد إليه من أحد علماء عصره، وقد أطال السائل السؤال ونوعه، بغية ازدياد الاستفادة له، وقد سال عن بعض المعضلات التي تعترض المشتغلين بالحديث، عند قيامهم بالتخريج والجرح والتعديل ونقد الرواة. والرسالة على صغر حجمها ولطافة قدرها، تضمنت فوائد جلى واجابات مؤصلة، فلذا كانت جديرة بالعناية والنشر، لسدها ثغرة من ثغرات البحث الحديثي لدى المشتغلين بالسنة المشرفة وعلومها. وهذه الرسالة مخطوطة محفوظة في المكتبة الظاهرية بدمشق، ضمن مجموع، برقم 9 (ق 28 1 - 37 ا) وخطها حسن مقروء، ولم يذكر اسم كاتبها ولا تاريخ كتابتها فيها. وقد وقفت على مصورة هذه الرسالة من مدة بعيدة، وكنت أعزم على خدمتها ونشرها، لتكون ضمن الرسائل الحديثية الأربع التي خدمتها واعتنيت بها، مما يتصل بعلم الجرح والتعديل، وهي رسالتا التاج السبكي: قاعدة في الجرح والتعديل، وقاعدة في المؤزخين، ورسالة الحافظ السخاوي: المتكلمون في الرجال، ورسالة الحافظ الذهبي: ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل، فتكون رسالة الحافظ المنذري خامسة هذه الرسائل، ولكن لم يقدر لي ذلك في حينه. ثم وقفت عليها مطبوعة في سنة 1406 بمطبعة الفيصل بالكويت، بالعنوان التالي: (رسالة في الجرح والتعديل للإمام الحافظ المنذري، حققه وعلق عليه - كذا - عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي - مكتبة دار الأقصى) . فصرفت النظر
عن خدمتها والعناية بها، اكتفاء بهذه النشرة التي قام بها الأستاذ عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي جزاه الله خيرا. ثم عرضت لي مراجعة فيها، فقرأتها في المطبوعة وتوقفت في كثير من كلماتها التي أثبتت على غير وجهها، وظهر لي فيها أخطاء علمية فاحشة، فقابلت المطبوعة بالأصل الوحيد المطبوعة عنه، فرأيتها مثلومة مكلومة في مواضع كثيرة، ساقطا منها الكلمة والكلمتان، والجملة والجملتان، بل الصفحة والصفحتان! فقد وقع فيها سقط كبير يبلغ في المطبوعة نحوثلاثين سطرا، مما يلغي النشرة ويجعلها مرفوضة منبوذة. فاسفت لذلك جدا، وما كنت أظن بالأستاذ الكريم أن تقع له تلك الأخطاء لولاوقوعها ووقوفي عليها. فتحركت همتي من جديد إلى نشرها تامة كاملة، سليمة مستقيمة، بقراءة صحيحة، أرجو أن لا تكون خاطئة ولا واهمة، وعلقت عليها بإيجاز بالغ في مواضع، وبإسهاب في مواضع، نظرا لمقتضى المقام. وجعلت لشرح قول أبي حاتم الرازي: (يكتب حديثه ولا يحتج به) ، ونقده (تتمة) في اخر الرسالة، ووضعت لمباحثها عناوين تتقدمها بين هلالين، إضافة مني لتيسير فهمها، وترجمت للحافظ المنذري ترجمة لائقة بسمو مقامه وإمامته رحمه الله تعالى. وأرجو أن تكون هذه النشرة أو الطبعة مؤدية الغاية التي كتب الإمام المنذري الرسالة من أجلها. ونبهت في تعليقي على الرسالة إلى مواضع التحريف والخطأ والسقط والنقص في نشرة الأستاذ الفريوائي، رامزأ إلى اسمه بحرف (ف) . ورأيت أن أذكر هنا جملة ماوهم فيه، ليتبئين عظم الخلل الذي وقع منه في تلك الطبعة، ولتظهر مزية هذه الطبعة وتمامها وسلامتها من الأخطاء التي وقعت في تلك النشرة، ومن الله العون والتوفيق: ا - جاء في عنوان الرسالة: "رسالة في الجرح والتعديل. .. حققه وعلق عليه عبد الرحمن. . . ". وهذا الخطأ ظاهر لا يحتاج إلى تعليق.
2 - ذكر في ص 4 أن النسخة الخطية لهذه الرسالة (قد كتبت في سنة 871 هـ) . وهذا غير صحيح، فالواقع أن المخطوطة لا تاريخ لكتابتها إطلاقا، وهذا التاريخ مكتوب على خاتمة رساله قبلها، مكتوبة بخط مغاير لخطها تمام المغايرة، فالتاريخ لكتابتها بهذا التاريخ خطأ متبرع به! . 3- ترجم للحافظ المنذري ترجمة طويلة من ص 5حتى 19، بلغت 15 صفحة من تلك الطبعة، استقاها واستفادها من كتاب الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف: "المنذرى وكتابه التكملة لوفيات النقلة"، المطبوع في العراق سنة 1388. ولم يشر إلى ذلك بكلمة واحدة، وهذا إخلال بالأمانة العلمية، فما يضره وينقصه أن لو قال استقيت هذه الترجمة أو جلها من كتاب. . . لفلان، بل يكون ذلك عنوان أمانته العلمية، ففي هذا الذي سلكه غمط الحق! . 4 - قال في ص 9 أثناء ذكره شيوخ الحافظ المنذري، ما يلي: (7 - الحافظ الكبير علي بن المفضل المقدسي، توفي سنة 611 هـ، وبه تخرج) . وقال في ص 10 ما يلي: (15 - الحافظ أبو الحسن المقدسي) . وهو المذكور برقم 7 عينة، فهما شيخ واحد! . 5 - وقال في ص 9 أيضا أثناء ذكره شيوخ الحافظ المنذري، ما يلي: (12 - أبو اليمن الكندي بدمشق 130 - أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي) . وقال في ص 10 ما يلي: (17 -التاج الكندي) . وهؤلاء الثلاثة جميعا شيخ واحد وشيخ واحد! ! ! . 6- وفي ص 13 س 15 جاء قوله: (وكان مجاب الدعوة وقال السبكي عنه: نرتجي الرحمة بذكره ويستنزل رضا الرحمن بعلمه) . وفي العبارة تحريف عن أصلها في "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي 8: 259، وهي (ترتجى الرحمة بذكره، ويستنزل رضا الرحمن بدعائه) . 7- وفي ص 21 س 7 سقطت هذه الجملة بعد قوله وهوصدوق (ويقول الأخر لاباس به) ! انظر ص 37 من هذه الطبعة.
8- وفي ص 21 س 12 جاء: (اذا قال واحد منهم) ، سقط منها: (وهل اذا قال. 00) ، انظر ص 39 من هذه الطبعة. 9 - وفي ص 21 س 14 جاء: (فإن قال: ليس بشيء يقدم على من قال: هوثقة) ، سقط من هذه الجملة كلمة (من) وبسقوطها فسدت العبارة! وهي في الأصل: (فان من قال: ليس بشيء 000) ، انظرص 39 من هذه الطبعة. 10 - جاء في ص 24 س 4: (وقال ابن سعيد: كان ثقة. . .) . وقد وقع في الأصل هكذا (ابن سعيد) بالياء، وهوخطا وتحريف عن (ابن سعد) فتابعه وقرره. اا- وفي ص 24 س. ا (كيف يقبل. . .) . في الأصل (وكيف يقبل. . .) ، فاسقط الواو. 2 ا- وفي ص 24 س 10 وا او 12 (من غيرتعيين) . وهكذاوقع في الأصل، وهوخطا فتابعه وقرره، وصوابه: (من غير تبيين) بالباء الموحدة في المواضع الثلاثة. 13 - وفي ص 24 س هـ ا (فإن الشخص لا يكون صادقا كاذبا في حاله) . كذا وقع في الأصل: (في حاله) . فتابعه وهوخطأ، صوابه: (في حالة) بالتاء المنقوطة. 14 - جاء في ص 26 س 14، تفسيرا لقول السائل: (وقال أحمد بن عبد الله: لا باس به) . قول الأستاذ الفريوائي: (هوأبو نعيم الأصفهاني صاحب الحلية) 0 انتهى. وهوغلط فاحش! فليس هو أبا نعيم الأصفهاني، لانما هو: (أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي، صاحب كتاب الثقات) . وأوضحت هذا بيانا ودليلا في موضعه من هذه الطبعة في ص 43. 5ا- في ص 27 س 7 جاء مايلي: (أمابعدحمدا لله العلي العظيم والصلاة على خير خلقه محمد النبي الكريم) . فنصب (حمدا) وجعل لفظ الجلالة
مجرورا هكذا (الله) ، وهي قراءة خاطئة مكشوفة الخطا، والصواب فيها: (أما بعد حمد الله العلي! العظيم والصلاة. 00) ، انظر ص 45 من هذه الطبعة. 16 - في ص 27 س 13 جاء (أن يعمنا ببركات سيد المرسلين) . سقط هنا كلمة وهي: (أن يعمنا أجمعين ببركات. 00) انظرص 45 من هذه الطبعة. 17 - في ص 35 س اجاء (هذا ما ذكره ابن أبي حاتم عندما وجده من عباراتهم) . وجاء في الأصل: (عن ما وجده. . .) . وكلاهما تحريف! صوابه: (هذا ما ذكره ابن أبي حاتم مما وجده من عباراتهم) انظر ص 53. 18 - في ص 33 س اجاء (قلت له: إذا أقيل أ: فلان لين أيش تريد به؟ قال: لا يكون. 00) انتهى، وعبارة الأصل هكذا (قلت له: إذا فلان لين. . .) . ففيها سقط كلمة (قلت) بعد لفظ (إذا) . فاثبتها الأستاذ الفريوائي أقيل، وأخطا في ذلك، والصواب: (قلت) كما أثبتها، بدليل قوله بعد: (قال: لا يكون. 00) 0 انظر ص 61. 19 - فى ص 33 س 4 جاء (قال: لان نبهوه ويرجع عنه فلا يسقط. . .) . هكذا وقع في الأصل: (ويرجع عنه) . وتابعه وقرره الأستاذ الفريوائي، وهوخطأ وتحريف، صوابه: (ورجع عنه) ، كما جاء في أول (سؤالات السهمي للدارقطني " ص 72. 20 - في ص 33 س 9 جاء (وأنا أسمع بنسأ) ، بهمزة فوق الألف، وهو في الأصل غير مهموز، وهو الصواب، لاثبات الهمزة هنا خطا. انظر ص 62. 21- في ص 33 س 13 ضبط (00. الحسن بن عليك) بكسرالياء المشددة مشكولا، وهو ضبط خاطىء، وصوابه بفتح الياء المشددة: (عليك) 0 انظر ص 63. 22 - في ص 35 س 5جاء (أنبانا أبوالقاسم عبد الملك. . .) . وهكذا وقعت كنيته في الأصل، وهوخطا أو سهو نظر، وصوابه: أبو الفتح، كما في غير
كتاب ترجم له فيه، ولم يذكروا هذه الكنية. فاثبته الأستاذ الفريوائي وقرره! انظر ص 64. 23 - في ص 2 4 س 2 جاء (قد أكثر الأئمة الكلام فيه -أي: في ابن اسحاق - في الطرفين: الثناء والذم) . وفي هذا سقط بالغ، وهوكما في الأصل: (. . . فمحمد بن إسحاق بن يسار قد أكثر الأئمة الكلام فيه. . .) . انظر مر، 73. 24 - في ص 4 4 س 4 جاء (وإن لم يقتض عنده حجة في رد حديثه) . وهذه قراءة خاطئة مخالفة لما في الأصل، الذي هو: (لان لم يتيقن عنده حجة في رد حديثه) 0 انظرص 76. 25- في ص 44 س 5جاء (غيرأنه أحدث ريبة منعته من. . .) ، سقط هنا لفظ (ما) الثابت في الأصل هكذا: (غير أنه أحدث ريبة ما منعته. 00) 0 انظر ص 76. 26- في ص 4 4 س 9 جاء (ومامن الكلام فيه. . .) . كذا وقع في الأصل، فتابعه وأقره! وفيه سقط هو: (وما جاء من الكلام فيه.. .) . انظر ص 77. 27 - في ص 5 4 س 2 -3 جاء (وحدث عنه ثلاثة من الأئمة) ، وهوتحريف فاحش وقراءة خاطئة! وصوابه كما رسم في الأصل: (وحدث عنه ثلة من الأئمة. 00) 0 انظر ص 78. 28 - في ص 45 س 7 جاء (فقال: أيش نقدر نقول في ذاك) ، كذا وقع في الأصل فتابعه وقرره، وصوابه وتمامه هكذا: (فقال علي: أيش تقدر أن تقول في ذاك) كما جاءت هذه العبارة في غير كتاب كتهذيب الكمال وتهذيب التهذيب وغيرهما. ثم سقط من طبعة (ف) أيضا لفظ (علي) بعد (فقال) ! انظر ص 79. 29 - في ص 47 س 7 جاء (ويجري الكلام عنده فيه ما يكون
جرحا. . .) ، ولفظ (فيه) مكتوب في الأصل، ثم ضرب عليه وكتب بدلا عنه (في ما يكون جرحا) . والصواب إثباتها هكذا (فيما يكون جرحا) انظر ص 83. 30- في ص 55-57سقط بعد قول المنذري في ص هـ ه سطر 10 (. . . ولا فرق بين أن يكون الجارح مخبرا بذلك للمحدث مشافهة، أوناقلا له عن غيره، والله عزوجل أعلم) ، وقبل قول المنذري في ص 57س 2 (وأما شرط الشيخين فقد ذكر الأئمة أن البخاري ومسلما لم ينقل عن واحد منهما. ..) ، سقط نحو ثلاثين سطرا! ! وهذا نص السقط الواقع في طبعة الأستاذ الفريوائي، وهوفي الأصل موجود بتمامه: "واما مانقل عن يحيى بن معين من توثيق شجاع مرة، وتوهينه أخرى، فهذان القولان في زمانين بلا شك، ولا يعلم السابق منهما، ويحتمل أنه وثقه ثم وقف على شئ من حاله بعد ذلك يسوغ له الإقدام على ما قاله، وبحتمل أن يكون تكلم فيه أولا، ثم وقف من حاله بعد ذلك على ما اقتضى توثيقه. وقد نقل مثل هذا عن يحيى بن معين في غير شجاع بن الوليد من الرواة، ونقل مثله أيضا عن غير يحيى بن معين من الحفاظ، في حق بعض الرواة، وكل هذا محمول على اختلاف الأحوال. وقد قال الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الجرجاني: قد يخطر على قلب المسئول عن الرجل، من حاله في الحديث وقتا: ما ينكره قلبه، فيخرج جوابه على حسب النكرة التي في قلبه، وبخطر له ما يخالفه في وقت اخر، فيجيب على ما يعرفه في الوقت منه ويذكره، وليس ذلك تناقضا ولا إحالة، ولكنه قولم صدر عن حالين مختلفين، يعرض أحدهما في وقت والأخر في غيره. ومذاهب النقاد للرجال: مذاهبئ غامضة دقيقة، فإذا سمع أحدهم في بعضهم أدنى مغمز -وإن لم يكن ذلك موجبا رد خبر ولا إسقاط عدالة - رأى أن ذلك مما لا يسع إخفاؤه عن أهله، رجاء إن كان صاحبه حيا أن يحمله ذلك على
الارعواء وضبط نفسه عن الغميزة، و (ن كان ميتا أنزله من سمع ذلك منه منزلته، فلم يلحقه ملحق من سلم من تلك الغميزة، وقصربه على درجة مثله. ومنهم من رأى أن ذكره ذلك، لينظر: "هل له من أخوات؟ فان أحوال الناس وطبائعهم جارية على إظهار الجميل و (خفاء ما خالفه، فإذا ظهر مما خالفه شيء، لم يؤمن أن يكون وراءه له مشبة". انتهى السقط! ! ! انظر ص 86 -88. كل هذا الكلام الطريل المفيد الهام سقط من طبعة الأستاذ الفريوائي! ثم رأيته قد جعله تعليقا من كلامه! في ص 56 - 57، فذكره في الحاشية، فزاد الأمر سوءا، ووقع فيه جملة تحريفات أيضا. 31- جاء في ص 57س 4 (وانما عرف ذلك من سبركتابيهما واعتبر ماجرحاه) . وضبط لفظ (عرف) هكذا بالبناء للمجهول، وهوضبط خاطىء، إذ هوبالبناء للمعلوم هكذا: (وانما عرف ذلك من سبركتابيهما. . .) . ووقع هنا في طبعة (ف) تبعا للأصل! "واعتبر ما جرحاه ا. وهوتحريف صوابه: (واعتبر ما خرجاه) . ولا دخل للجرح هنا إطلاقا. انظر ص 90. 32- في ص 59س 4 جاء (وإذا قيل له قد خرج في "الصحيح) . . .) ، والواو هنا قبل (إذا) زيادة من الأستاذ الفريوائى، ليست في الأصل، وبها يفسد تركيب الكلام. انظر ص 91. 33- في ص 59س 4 أيضا جاء (قد خرج في الصحيح.. .) . وضبط بالشكل (خرج) بالبناء للمعلوم، وهوخطا، صوابه بالبناء للمجهول. انظر ص ا 9. وما كانت تقع هذه الأخطاء الكثيرة للأستاذ الفريوائي لولا العجلة! وفي الختام: أشكر الأستاذ الفريوائي المعروف بعلمه ودقته، على تواضعه وأمانته، في عزوه وإحالته في كثير من المواضع من تعليقاته، إلى كتاب "الرفع والتكميل في الجرح والتعديل " للإمام عبد الحي اللكنوي، الذي أكرمي الله تعالى بخدمته والتعليق عليه، وجعله منهلا ثرا للواردين في موضوعه، وقد صرخ باسمي في بعض المواضع، محيلا إلى تعليقاتي بكل وفاء وانصاف، فاشكره على ذلك.
ولقد شهدت غير واحد يرجعون إلى هذا الكتاب الفذ، ويستقون الكثير منه ومن تعليقاتي عليه، وينقلون منه كثيرا من العبارات بحروفها، ولا يشيرون لذلك، غمطا لأمانة العلم وخادميه! وقديما قالوا: من الأمانة في العلم عزوه إلى قائله أو ناقله، ولكن الأمانة اليوم قلت بتسلط غير أهل العلم على كتب العلم، فإنا لله. . . كلمة عن رسالة: أمراء المؤمنين في الحديث: كنت أثناء مطالعاتي ومراجعاتي، أقف في كتب التراجم على تلقيب بعض المحدثين الكبار بلقب (أمير المؤمنين في الحديث) ، وهو أشرف ألقاب الرواية، فرأيت جمع أسماء من قيل فيهم هذا اللقب في رسالة لطيفة، لمعرفتهم وسمو منزلتهم، وذكرت فيها شروط هذا اللقب، وماخذه من الحديث وبطلانه، ثم بينت بطلان ماقيل: إن (الحافظ) و (الحجة) و (الحاكم) لقب لمن يحفظ كذا مئة ألف حديث. كلمة عن رسالة: كلمات في كشف أباطيل وافتراءات هذا، وكنت منذ15 سنة كتبت رسالة في كشف أباطيل الشيخ ناصر الألباني، فيما كتبه نحوي - في تقدمة "شرح العقيدة الطحاوية" من الطبعة الرابعة سنة 1391 وما بعدها - هو وصاحبه (سابقا) زهير الشاويش ومن ازرهما، وسميتها (كلمات في كشف أباطيل وافتراءات "، وطبعتها في مدينة الرياض سنة 1394، فاسكتتهم إلى حين، ولم أوزعها إلا لمن طلبها مني، ولم أسم فيها أحدا باسمه من الألباني أو مؤازريه، أدبا في الرد وترفعا. ثم لما عاود الألباني فكتب رسالة مطولة في الرد عليها بتوقيعه الصريح خاصة، سماها "كشف النقاب عما في كلمات أبي غدة من الأكاذيب والافتراءات "، ملأها بالإساءة والتجريح والتحامل، والنبز واللمز والتحقير، وتمادى كما سولت له نفسه وهواه، كعادته التي صارت طابعا له في كثير من كتبه التي يرد في مقدماتها على مخالفيه (1) .
ولما كتب متحامل اخر، وهو الدكتور بكر بن عبد الله أبوزيد رسالة بروح رسالة الألباني ومقدمته، شحنها بالكيد والعداء والإساءة إلي، وكان في رسالتي: (كلمات) بعض الرد على رسالته: رأيت أن أعيد طبع تلك الرسالة، فقد طلبها مني كثيرون استكشافا للحقيقة. استهل الألباني كلامه بوصفي في مقدمة "شرح العقيدة الطحاوية" ص 15، باني "أحد أعداء عقيدة أهل السنة والجماعة من متعصبة الحنفية"، وكنت عنده في "اداب الزفاف " ص 160 - 165 من الطبعة السابعة سنة 1404 والطبعات قبلها (بعض أصدقائنا من فضلاء الحنفية) و (حضرة الصديق) و (حضرة الصديق الفاضل) ، فانقلبت (أحد أعداء عقيدة أهل السنة والجماعة من متعصبة الحنفية) ! ! ولقد وصفني في تلك المقدمة لشرح العقيدة الطحاوية -ثم في تلك الرسالة - باقبح الأوصاف والشتائم وقذفني بالعظائم، فقد حشاها بالألفاظ التالية التي أضعها بين قوسين هنا، ورماني فيها (بالتعصب، وتعشد الكذب، والتزوير، والافتراء، والجور، والضلال، والتخرص، والاختلاق، والجهل، وضيق الفكر والعطن، وسوء القصد، وفساد الطوية، والتقليد، والتجاهل، والتدليس الخبيث، والحقد، والحسد، والنفاق، واللعب على الحبلين، وأني أجمع وأتصف باكثر الصفات الست التي تجوز الغيبة لمن اتصف بها، وأني كحاطب ليل. ووصفني المرات تلو المرات بأني (حنفي) ، مسوقة مساق التعيير والمسبة، إذ يرى الانتساب إلى الإمام أبي حنيفة أو غيره من الأئمة المتبوعين الأجلة - رضى الله تعالى عنهم - سبة ونقصا، ووصفني أني مخبر! . ثم لما استنفد ما عنده من مثل هذه الألفاظ، الدائة على طوية قائلها، والتي تكررت في هذه المقدمة المرات تلو المرات، ختمها برميي بالجاسوسية فزعم في ص 57من المقدمة، بقوله عن نفسه وشركائه: أنه نالهم الأذى بسبب هذه التقارير التي يقدمها الجواسيس والمخبرون المنتشرون في كل مكان مثل مقدم ذلك التقرير الجائر". وهويعنيني بهذا كله. وقد صرح بذلك في ص 43 من المقدمة، فذكر: اسمي، ونسبي، واسم
بلدي، ومذهبي، واسم ولدي، وصرت أنا عنده بما كتبه في تلك المقدمة! صاحب ثلاثين وصفا: من (التعصب، وتعمد الكذب، والتزوير، والافتراء، والجور، والضلال. . .،. . .، إلى المخبر، والجاسوس "، كما ستقرؤه في رسالة الكلمات! بنصه مطولا، وهي بين يديك. وسبب ذلك اني غلطته في طريقته التي يصحح بها على البخاري ومسلم أحاديثهما في صحيحيهما، كما شرحته في أول رسالتي (كلمات) ، فيا ويل من غلطه او رد عليه أو اختلف معه! ! فقدصار هذا الأسلوب خلقه وديدنه في ردوده ومقدمات كتبه! وإنا أرجو القارىء الكريم ان يقرأ تلك المقدمة بعد قراءة رسالتي هذه، ليرى فيها أن الألباني في نزاعه لم يسلك خطة أدب الخلاف عند العلماء، ولم يكن لسانه بالعف النزيه، ولا خلقه بالرادع له عن الإقذاع والشتم لمخالفيه، وأن نقاشه لأهل العلم يقوم على تجهيل غيره وتضليله، فقد كشف فيها عن سلوك وأخلافي لايحسد عليها، وتصرفات مزرية محزنة! بل لقد تمادى به الأمر في الهزء والسخرية بي ومني: أن وصفني في صدد معرفتي بالكتب، باني (الله تبارك وتعالى) ! وزعم أن ذلك قاله أحد الظرفاء الأذكياء في، كما تراه في حاشية ص 48 من مقدمته على "شرح العقيدة الطحاوية"، في كلامه على (نشرة) زعم أني نشرتها، أو نشرها بعض أصحابي بإشرافي. وكل ذلك علم الله وشهد -وهوعلى كل شي شهيد-لم يكن بعلمي أو موافقتي أو إشرافي، وإنما هي نشرة خاصة جدا كتبها عني بعض الإخوان حين كنت معتقلا في بلدة تدمر، فأخذها الألباني - وصاحبه (سابقا) وعميل لهذا الصاحب - وتزيدوا فيها ما شاؤوا بحسب ما يشفي غيظهم مني، وبحسب ما قدروا أنه يكيدني ويؤذيني عند العارفين بي حيث أقوم بالتعليم الجامعي في الرياض، ونسجوا فيها ما هوظاهر الدس والبطلان. فعلق الألباني على قول من كتب عني: "ما ذكر أمامه مخطوط أومطبوع، إلا بسط لك خصائص الكتاب، ومجمل محتواه، وأين طبع، وكم طبعة له إن كان مطبوعا، ومكان وجوده وتاريخ نسخه إن كان مخطوطا"، علق عليه بقوله:
"قلت: ومن الطرائف أن أحد الظرفاء الأذكياء، لما سمع هذا الوصف الأخير قال: هذا هو الله تبارك وتعالى، يشيرالى ما فيه من الغلو والإطراء بالحفظ الذي لا يبلغه البشر". وما أدري كيف استساغ الألباني وصفي بان يقال في (هذا هو الله تبارك وتعالى) ! شرعا وعقيدة وفقها وأدبا وعقلا؟! وكيف سجله في كلامه على لسان (أحد الظرفاء الأذكياء) ؟! وأقره؟! وغاب عنه أوجهل أن هذا منكر كبير جدا يرتكبه هووصاحبه أحد الظرفاء الأذكياء في جنب الله تعالى، وهزء مكشوف بمقام إجلال الله سبحانه يؤذي الى ترد في هوة الجهل، فقد وصل به الأمر إلى أن يصفني بانني الله تبارك وتعالى. فهذا مقياس معرفته بتنزيه الخالق جل شانه! فكيف يقر الألباني أن يوصف انسان مخلوق ضعيف بانه (هو الله تبارك وتعالى؟ وهو يرى نفسه معيار الحق في العلم والعقيدة والسنة المطهرة؟ . كيف يقر الألباني وصف من يتوصل الى معرفة تلك الأمور، بطريق القراءة والنظر، والبحث والتتبع، والحفظ والاستذكار، والنصب والتعب، وغيرها من لوازم المخلوق الضيف، بانه (هو الله تبارك وتعالى) ! ولم يزجر أو ينبه ذلك الواصف الذي زعم أنه قال ذلك، بانه قال كلاما حراما ومنكرا جسيما جدا، ارتكبه في جنب الله تعالى، فهل يسوغ ذلك في النقل أوفي العقل؟ . نعم عند الألباني يجوز ذلك في باب الاستهزاء بمخالفه والتشفي منه، وهذا نموذخ ناطق ودال على مدى معرفة الألباني بما يجوز أن يوصف به الله جل جلاله وما لا يجوز، ودليل صريح على مستوى أدب الألباني مع الله سبحانه وتعالى! وهذا الموقف في دلالته على مستوى معرفة الألباني بتنزيه الله تعالى: يذكرنا بقول الألباني في كتبه مرارا وتكرارا: (العصمة لله وحده) ، ومنها قوله في المقدمة على "شرح العقيدة الطحاوبة" نفسها ص 27 (ان العصمة لله وحده) ، ومنها قوله في "الأحاديث الصحيحة" 4: 429 (والعصمة لله وحده) ، ومنها قوله في الأحاديث الضعيفة" ا: 152 (والعصمة لله وحده) ، ومنها قوله في مقدمته لكتاب "رياض الصالحين " للإمام النووي في الصفحة (س) مرتين: (والعصمة لله وحده.) ،
فكيف يقول هذا ويكرره مرارا؟ ومن قدوتة في وصف الله تعالى بهذا التعبير الخطير؟ ! فمن الذي يعصم الله تعالى؟ ومم يعصم سبحانه وما الذي كان يمكن أن يقع منه سبحانه حتى عصم منه؟ ثم مقتضى قوله هذا أيضا حصر العصمة بالله وحده حصرا، ونفي العصمة جزما عن الأنبياء والرسل الكرام، ومنهم النبي! محمد عليهم الصلاة والسلام، فهل هوقاصد قائل بذلك؟ ! أم لا يدري مدلول الألفاظ حتى في أشد المباحث خطورة! ولو وقع هذا التعبير أو ذاك من أحد مخالفيه، لكان حكمه عليه بما يشبه التكفير أو ما يدانيه، نسال الله العافية. وبذكرنا أيضا بقول الألباني - وهو محدث -: (بان كيس الكاوتشوك يمنع الحمل منعا باتا) ، علق ذلك على قول الرسول الصادق المصدوق سيدنا محمد صلى الله عيه وسلم: "ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها"، وقوله عليه الصلاة والسلام: "ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي كائنة". وهذه عبارته في كتابه "اداب الزفاف في السنة المطهرة" ص 55 -57. قال الألباني: في حديث أبي سعيد الخدري قال: ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ولم يفعل ذلك أحدكم؟ اولم يقل: فلا يفعل ذلك أحدكم، فانه ليست نفسن مخلوقة إلا الله خالقها. وفي رواية: لانكم لتفعلون؟ وإنكم لتفعلون؟ وإنكم لتفعلون؟ (ثلاثا) ، - ووقع في كتاب "اداب الزفاف " تكرار الجملة مرتين فقط! - ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي كائنة. رواه مسلم (4 /58 1، 59 1) بالروايتين، والنسائي في "العشرة" (82/ 1) ، وابن منده في " التوحيد" (60 / 2) بالأولى، والبخاري (9 / 251 - 252) بالأخرى. قال الحافظ في "الفتح " في شرح الرواية الأولي: أشار إلى أنه لم يصرح لهم بالنهي، لانما أشار إلى أن الأولى ترك ذلك، لأن العزل إنما كان خشية حصول الولد، فلا فائدة في ذلك، لأن الله إن كان قدر خلق الولد لم يمنع العزل ذلك، فقد يسبق الماء ولا يشعر العازل، فيحصل العلوق ويلحقه الولد، ولا راد لما قضى الله ". انتهى كلام الألباني. ثم علق على قول الرسول صلى الله عليه وسلم السابق بقوله:
"قلت: وهذه الإشارة -أي التي في الحديث - إنما هي بالنظر إلى العزل المعروف يومئذ، وأما في هذا العصر، فقد وجدت وسائل يستطيع الرجل بها أن يمنع الماء عن زوجته منعا باتا، مثل كيس الكاوتشوك الذي يوضع على العضو عند الجماع، ونحوه، فلا يرد عليه حينئذ هذا الحديث وما في معناه ". انتهى كلام الألباني بحروفه وألفاظه. وهذا الذي قاله من منع (الكيس) الماء عن زوجته منعا باتا، يعارض صريح قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم - الذي نقله هو-: "ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها"، وصريح قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة الا هي كائنة"، نعم يعارض قوله هذين الحديثين الصحيحين كل المعارضة! ! . كما يعارض الروايات الأخرى الصحيحة من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عند مسلم أيضا: 10: 10 بشرح الإمام النووي: ". . . فقال صلى الله عليه وسلم: لا عليكم أن لاتفعلوا، ماكتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون "، وفي رواية ثانية عند مسلم 10: 11 الا عليكم أن لا تفعلوا، فإنما هو القدر" (1) . وفي رواية عند البخاري 13: 391 بشرح "فتح الباري " في كتاب التوحيد، ني (باب قوله تعالى: هو الله الم خالق البارىء المصور) : ". . . فقال: ما عليكم أن لا تفعلوا، فإن الله كتب من هوخالق إلى يوم القيامة، وليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها. وعند الإمام أحمد في االمسند" 3: 26، "عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم في العزل: اصنعوا ما بدا لكم، فإن قدر الله شيئا كان ".
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري " 9: 307، - بعد عبارته السابقة التي نقلها الألباني - مؤيدا حديث أبي سعيد: أن العزل لا يمنع من الحمل قال رحمه الله تعالى: "وقد أخرج أحمد والبزار، وصححه ابن حبان، من حديث أنس: أن رجلا سال عن العزل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لوأن الماء الذي يكون منه الولد، أهرقته على صخرة، لأخرج الله منها ولدا. وله شاهدان في "الكبير" للطبراني عن ابن عباس، وفي "الأوسط " عن ابن مسعود". انتهى كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى. فبعد هذه الأحاديث الصريحة الصحيحة، الناطقة الصادقة، هل يسع إنسانا يشتغل بالحديث الشريف أن يقول في مواجهة هذه الأحاديث بكل ارتياح وانشراح: ما قاله الألباني؟ وهوقوله معلقا على قول الرسول صلى الله عليه وسلم بما يلي: "قلت: وهذه الإشارة -أي التي في حديث النبي صلى الله عليه وسلم - إنما هي بالنظر إلى العزل المعروف يومئذ، وأما في هذا العصر، فقد وجدت وسائل يستطيع الرجل بها أن يمنع الماء عن زوجته منعا باتا، مثل كيس الكاوتشوك الذي يوضع على العضو عند الجماع، ونحوه، فلا يرد عليه حينئذ هذا الحديث وما في معناه ". انتهى كلام الألباني. ولو صدر هذا الكلام من إنسان عادي، أو طبيب ملحد، أو إنسان لا يؤمن بالسنة المطهرة، أو لا صلة له بالسنة النبوية الشريفة: لهان الخطب! ولكنه صدر ممن يدعي تمسكه بالسنة، والغيرة عليها، ويرى نفسه معيار الحق فيما يقوله ويذهب إليه فيها وفي فهمها، فإنا الله وإنا إليه راجعون، فهذه بعض النماذج من مبلغ علم الألباني مما يتعلق بالعقيدة وتنزيه الله تعالى، والله المستعان. وفي الختام: أرجو من الله تعالى أن تقع رسالة "الكلمات " موقعها من نفوس القراء، فتؤذي الحق على وجهه، ويعلموا منها ما لم يكونوا يعلمون، والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم والحمدلله رب العالمين. وكتبه في الرياض. 10/9/1409 وكتبه عبد الفتاح ابو غدة
ترجمة الحافظ المنذري
ترجمة الحافظ المنذري (1) : هو الإمام الحافظ المحذث الناقد الفقيه المؤرخ اللغوي البارع، الضابط الثبت المتقن، الورع الزاهد، شيخ الإسلام، زكن الدين أبومحمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد بن سعيد، المنذري، المصري. وأصله من بلاد الشام، ووالده مصري المولد والدار. ولد في غرة شعبان من سنة 581بفسطاط مصر بكوم الجارح، وبها نشأ وترعرع، وكان لوالده عناية بالعلم ومحبة، فأسمعه الحديث بإفادته في أواخر سنة 591، أي حين بلغ عشر سنوات من العمر، ثم لم يلبث والده أن مات بعد سنة من هذا التاريخ، في رمضان سنة 592، فنشأ عبد العظيم يتيما، واستمر على حضور مجالس العلماء والأخذ عنهم. وكان والده حنبلي المذهب، فنشا هوحنبلي المذهب، ثم تحول إلى المذهب الشافعي، وغدا من فقهائه وعلمائه والمؤلفين في فقهه. شيوخ الحافظ المنذري: تلقى الحديث وغيره من شيوخ بلده ومصره بالسماع منهم، وفيهم كثرة بالغة جدا وكان أول سماعه الحديث من أحد شيوخ الحنابلة بمصر، وهو أبو عبد الله محمد بن حمد بن حامد الأنصاري، الأرتاحى الأصل، المصري المولد والدار، المتوفى بمصر سنة 601، قال المنذري في ترجمته في "التكملة" 2: 72 برقم 900: "وهوأول شيخ سمعت منه الحديث بإفادة والدي رضي الله عنه، وأجاز لي في شهررمضان المعظم سنة 591، وسمعت منه قبل ذلك ". وكان بالقرب من بيتهم مسجد يعرف بمسجد الوزير ابن الفرات، يؤم به
شيخ حنبلي صالح، هوأبوالثناء محمود بن عبد الله بن مطروح المصري المقرىء المؤدب، فقرأ عليه المنذري القران مدة. وحضر في هذا المسجد أيضا على الإمام أبي محمد عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي المشهور، المتوفى بالمسجد المذكور سنة 600، وأجازه في رجب من سنة 596. وتلقى في محيط الجامع العتيق مسجد عمرو بن العاص: القران الكريم بالقراء ات السبع، وتفقه بفقه الإمام الشافعي رضي الله عنه. ودرس علم العروض وغيره من العلوم التي كانت تعمر بها حلق هذا الجامع العتيد وهذه الدوحة المباركة في مدينة الفسطاط. ثم رحل إلى الإسكندرية عدة مرات، وسمع من كبار شيوخها والقادمين عليها، وكتب بها عن جماعة من العلماء ذكرهم وترجم لهم في كتابه "التكملة". وجال في بلاد أخرى من القطر المصري، فدخل ثغر دمياط وسمع به، ومدينة المنصورة وسمع بها، وبلبيس وسمع بها، وكتب عن شيوخها، وبلدة سمنود، ورحل إلى الصعيد المصري، فدخل مدينة قنا وسمع بها وكتب، ومدينة قوص، ودهروط، وغيرها. وسافر إلى مدينة غزة وبلاد الشام وقراها، وبيت المقدس مرات متعددة. وهذا يدل على كثرة ترحاله إلى بلدان العلم والعلماء، والاهتمام بتلقي الحديث عنهم. ولاتساع رحلاته وكثرة تطوافه في البلاد كثرت شيوخه كثرة وافرة، ومن أبرز شيوخه في بلده مصر الذين تاثر بهم وانتفع بصحبتهم: الإمام الحافظ المحدث المتقن الضابط، الجامع لفنون من العلم، أبوالحسن علي بن المفضل المقدسي الإسكندري، المولود سنة 544، والمتوفى سنة 611، فقد لازمه المنذري ملازمة تامة، وقرأ عليه، وكتب عنه، وقال: انتفعت به انتفاعا كبيرا. وكان هذا الشيخ حاذقا لجملة من العلوم، فاقتبسها المنذري منه معرفة
وحذاقة وضبطا ودقة؛ فهو من حسنات الإمام الجليل ومن الباقيات الصالحات من اثاره الطيبة. وشيوخة المصريون فيهم كثرة بالغة، ليسر لقائهم وقرب انتقاله إليهم، ففي تعدادهم طول طويل، وكان ينتقي الشيوخ الماهرين ويتقصدهم ليكسب المهارة منهم، كما يمر بالشيوخ العلماء فيستفيد منهم ويكتب عنهم، فما قصر في جنب الرحلة والاستفادة من شيخ وعالم، وذلك مما يدل على شدة نهمه العلمي واتساع أفقه الذهني، وقوة تمكنه من فرز ما يتلقاه، فيخرج منه ما يرتضيه، ويدع منه ما لا يرتضيه، شأن العالم القدير الناقد الناخب لما يحصله ويسمعه. وإلى جانب الكثرة البالغة التي لقيها من شيوخ العلم، استجاز ممن لم يتمكن من لقائهم بالمراسلة والمكاتبة، فكانوا في عداد شيوخه ومفيديه، فاستجاز من البغداديين -إذ لم يرحل إلى بغداد -، ومن الدمشقيين زيادة على من لقيهم فيها، ومن علماء البلدان الذين لم يقدر له لقاؤهم ومشافهتهم. وسمع الحديث وكتبة من النساء المحدثات العالمات. ومن أبرز شيوخه الذين لقيهم وتلقى عنهم في دمشق: المحدث المسند أبوحفص عمر بن محمد بن معمر البغدادي الدارقزي المؤدب، المعروف بابن طبرزذ -وطبرزد -، المولود سنة 516، والمتوفى سنة 607، فقد كان هذا الشيخ من المكثرين في التلقي عن الشيوخ، وتفرد بالرواية عن غير واحد منهم، قال المنذري: لقيته بدمشق، وسمعت منه كثيرا من الكتب الكبار والأجزاء والفوائد. . . وطبرزد: اسم لنوع من السكر. ومن أبرز شيوخه الذين أخذ عنهم في دمشق أيضا: تاج الدين أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندئ، البغدادئ المولد والمنشأ، الدمشقي الدار والقرار الإمام النحوئ العالم الأديب، المولود سنة 520، والمتوفى سنة 613، وقد عمر هذا الشيخ طويلا، فانفرد باشياء من القراءات والمسموعات، وتميز بمزايا من العلوم، قال المنذري: وكان أحد البارعين في علم الأدب، وانتهى التقدم فيه إليه.
ومن شيوخه البارزين الذين لقيهم بدمشق أيضا: الحافظ المحدث أبو الحسن علي بن المبارك الواسطي البرجوني، المقرىء الفقيه الشافعي، المعروف بابن باسوية، المولود سنة 556، والمتوفى سنة 632، فقد كان من كبار المحدثين وكبارالقراء، وممن شدت إليه الرحال، فتلقى عنه الحديث وغيره مما تميز به من العلوم. ومن شيوخه البارزين الذين تخرج بهم في دمشق أيضا: الإمام الفقيه البارع الواسع الموفق ابن قدامة الحنبلي، أبومحمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي، المولود سنة 541، والمتوفى سنة 620، وقد كان هذا الشيخ خزانة الفقه الإسلامي بمذاهبه واختلافات المجتهدين فيه. ومن شيوخه البارزين الذين لقيهم في بلاد الشام أيضا: الإمام العالم العلامة الأديب المؤرخ الرحالة النسابة البلداني، أبوعبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي، المتفنن المتقن الثقة الضابط الأمين، المولود سنة 574، والمتوفى سنة 626. وهناك شيوخ كبار اخرون كثيرون، لقيهم المنذري في بلاد الشام، لا أطيل بذكرهم روما للاختصار. ورحل المنذري إلى الحرمين الشريفين، بغية الحج إلى بيت الله تعالى وزيارة منازل الوحي الشريف، وبنية لقاء علماء الحرمين والعلماء الواردين عليهما من بقاع الإسلام، وكان ذلك منه في سنة 656، وسمع في هذه الرحلة من علماء الحجاز، ومن علماء كثيرين من أقطار العالم الإسلامي الذين حجوا في هذا العام، فكان له من ذلك مزيد كثرة في الشيوخ، ومزيد وفرة في العلم وتلقيه عن رجاله، من مختلف الأصقاع، وسمع وكتب وأوعب عن الشيوخ في ذهابه وإيابه وقراره في الحرمين. وعاد إلى بلده مصر في سنة 657، وأمضى معظم حياته في فسطاط مصر والقاهرة، وهناك تولى الإمامة بالمدرسة الصالحية، والتدريس بالجامع الظافري، ثم ولي مشيخة دار الحديث الكاملية، التي انقطع بها قرابة عشرين عاما إلى اخر حياته، ومات فيها.
ولم يقتصر المنذري على السماع من شيوخ الحديث، بل كتب الكثير عن العلماء، وعلق عنهم الفوائد، سواء كانوا محدثين أم أدباء أم شعراء أم صوفية أم غيرهم من أهل عصره، وقد ذكر من ذلك جملة صالحة في كتابه "التكملة"، وأغلبهم كتب عنهم بمصر والقاهرة والمنصورة، أو البلدان القريبة من هذه المدن الكبرى، أو استجاز منهم. ولم يقتصر المنذري في تحصيله على السماع واللقاء، بل كاتب العلماء واستجاز منهم من البلدان المختلفة، فكان له شيوخ إجازة كثيرون، كما له شيوخ سماع كثيرون، وكان هناك ناس يقومون بحمل الإجازات من بلد إلى اخر، قال في "التكملة" ص 322، في ترجمة أبي الحسن علي بن النفيس البغدادي الإجازاتي، المعروف بابن النفيس، المتوفى بالقاهرة سنة 640: "وسعى في حمل الإجازات للناس، من بغداد إلى الإسكندرية سنين. وقال جمال الدين أبوحامد بن الصابوني فيه أيضا: كان يسافر من بغداد إلى الإسكندرية، مترددا في أخذ خطوط الشيوخ للناس في الإجازات المسيرة على يده، ليس له "حاجة ولا بضاعة إلا ذلك، وما له قصد سوى الإفادة، وبقي على هذا الأمر سنين، فجزاه الله خيرا". وكان الزملاء في الطلب والرفاق في الرحلة، يتفقون على أن ياخذ كل واحد منهم الإجازات من شيوخ بلده، ويبعث بها إلى صاحبه وزميله في البلد الاخر، استكثارا من الشيوخ ومن ربط الصلة بينهم وتوسيع المعرفة بهم. وقد كان المستجيز يستجيز الشيخ عدة مرات، ليكون له الحق في رواية أكبر عدد ممكن من روايات الشيخ المجيز، وهكذا كان يفعل المنذري رحمه الله تعالى. ولم يكتب للمنذري الرحلة إلى بغداد كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فاستجاز من كثير من شيوخها ومحدثيها الكبار والمغمورين، ابتداء من سنة 593، وما زال يستجيز إلى اخر حياته، حتى بلغ عدد شيوخه البغداديين بالإجازة أزيد من 335
شيخ وشيخة، وأكثرهم مذكورون في كتابه "التكملة"، وبلغ عدد شيوخه الدمشقيين الذين استجاز منهم - غير الذين لقيهم وتلقى عنهم - أزيد من 135 شيخ وشيخة، وبينهم علماء أعلام ومحدثون وفقهاء وشعراء. واستجاز من شيوخ بلدان أخرى، كانوا في مصر أو الإسكندرية أو ما يتصل بهما أو يبعد عنهما، من علماء حران، والرها، وحلب، والموصل، واربل، وخرسان، وهمذان، وأصبهان، ومن علماء مكة المكرمة والمدينة المنورة، والقادمين عليهما والمجاورين بهما، وغيرها، حتى استجاز من بعض علماء الأندلس، فاستجاز من حافظ بلنسية محدث الأندلس وبليغها أبي الربيع سليمان بن موسى الكلاعي الأندلسي البلنسي الخطيب، المولود سنة565، والمتوفى شهيدا سنة 634، فبلغوا أزيد من 92 شيخا، فكان عدد شيوخه بالإجازة قرابة 600 شيخ. واستجاز من الشيخات العالمات في البلاد التي لم يرحل إليها، وما فرط في سماع أو إجازة استطاع الوصول إليها منهن، استكثارا من ربط نفسه بقافلة خدمة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فاستجاز من ابنة الحافظ السلفي بالإسكندرية، ومن عدد كبير من الشيخات البغداديات، ومن شيخات أصبهان ونيسابور وهمذان ودمشق وحران. توليه مشيخة دار الحديث الكاملية: حكم الملك الكامل محمد ابن الملك العادل أبي بكر محمد بن أيوب: البلاد المصرية قرابة أربعين عاما، كان في النصف الأول منها نائبا عن والده، ثم استقل بها بعد وفاة والده سنة615 حتى وفاته سنة635. وكان الملك الكامل ممن عني بالعلم أتم عناية، فقد طلبه لنفسه، وسمع الحديث ورواه، وكان يحب العلماء ويحضرهم مجلسه في كل أسبوع، ويلقي عليهم المشكلات من المسائل، ويتكلم معهم، وتكلم على صحيح مسلم بكلام مليح ولفظ فصيح، وكان معظما للسنة النبوية وأهلها، راغبا في نشرها والتمسك بها. ونتيجة لهذا الاهتمام بالعلم وحمت السنة النبوية، أسس "دار الحديث
تلاميذ الحافظ المنذري
الكاملية" في خط (بين القصرين) من القاهرة سنة 621، ووقفها على المشتغلين بالحديث النبوي الشريف، ثم من بعدهم على فقهاء الشافعية، وجعل فيها منازل يسكن فيها الطلبة والمدرسون، وجعل فيها خزانة كتب. وكان أول من أسس دارا للحديث هو الملك نور الدين الشهيد، المتوفى سنة 569 رحمه الله تعالى، أسسها بدمشق، ثم تلاها تاسيس دور للحديث في بلدان أخرى، فدار الحديث الكاملية ليست هي ثاني دار للحديث اسست كما وهم بعض العلماء في ذلك. وتولى المنذري مشيخة دار الحديث الكاملية، بعد وفاة شيخها الأول: أبي الخطاب عمر بن الحسن المعروف بابن دحية الكلبي الأندلسي ثم القاهري، المتوفى سنة 634، وبعد أخيه أبي عمرو عثمان بن الحسن شيخها الثاني، فكان المنذري شيخها الثالث، وكان قد بلغ بين علماء عصره وزاد على الخمسين نحو ثلاث سنين، فولاه الملك الكامل شياخة هذه الدار الحديثية. فانقطع بها وسكنها إلى اخر يوم من حياته، نحو العشرين سنة) عاكفا على التصنيف والتحديث والإفادة والتخريج، فما كان يخرج منها إلا لصلاة الجمعة، حتى إنه لما مات أكبر أولاده الحافظ رشيد الدين محمد سنة 643، صلى عليه فيها، وشيعه إلى باب المدرسة، وقال له: أودعتك يا ولدي الله تعالى، وفارقة (1) . تلاميذ الحافظ المنذري: للحافظ المنذري تلاميذ تخرجوا به لا يحصون كثرة، لما كان عليه من الصلاح والورع والفقه في الدين والإمامة في الحديث والإتقان فيه تحديثا وتخريجا، وتعديلا وتجريحا، وضبطا وإتقانا، وفهما وشرحا، ورجالا وشيوخا، وتاريخا
وحفظا، فقد غدا في مصره وعصره قبلة أنظار طلاب الحديث وأهله، حتى أخد عنه بعض شيوخه الكبار وأقرانه المشهورين، كما أخذ عنه كل من استطاع الوصول إليه من طلبة الحديث ورواته، ويحسن أن أذكر بعض من أخذ عنه من أولئك، ليظهر للقارىء علو مرتبته في الحديث وعلومه. فاخذ عنه من شيوخه: الإمام الفقيه أبو البركات عبد الرحمن بن الحسن الأنصاري الخزرجي الدمياطي، المعروف بابن القصار، المتوفى سنة 613. وأخذ عنه من شيوخه: الإمام أبو الغنائم مسافر بن يعمر بن مسافر الجيزي الحنبلي المؤدب الصوفي، المتوفى بمصر سنة 620. وأخذ عنه من شيوخه: زكي الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الوهاب، المعروف بابن وهيب القوصي، المتوفى بحماة سنة 631 وغيرهم. وروى عنه من أقرانه: الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الغني البغدادي الحنبلي، المعروف بابن نقطة الحنبلي، المتوفى 629، صاحب "إكمال الإكمال ". وذكر أخذه عن المنذري فيه في ترجمة أبي محمد عبد الله بن محمد بن المجتي، المتوفى سنة 613. كما سمع منه رفيقه: الإمام المحدث أبو عبد الله محمد بن يوسف البرزالي الأندلسي، العالم المشهور، المتوفى سنة 636. وسمع منه أيضا وحضر مجالسه الحديثية الإمام عز الدين بن عبد السلام المجتهد الفقيه. وتخرج به من أعلام المحدثين تلميذه: الشريف عز الدين أحمد بن محمد الحسيني، المتوفى سنة695، وهو الذي ذيل على كتاب شيخه بكتابه "صلة التكملة لوفيات الثقلة"، وقال فيه: قرأت عليه قطعة حسنة من حديثه، وكتبت عنه جملة صالحة، وانتفعت به انتفاعا كبيرا. وممن نجب ولمع من تلامذته الذين لازموه: الإمام العالم العظيم الحافظ شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي، المولود سنة 613، والمتوفى سنة 705، فقد لازمه مدة طويلة، وعينه المنذري بعد وفاة ولده رشيد الدين محمد سنة
643 معيدا له في دار الحديث، قال الدمياطي: هوشيخي ومخرجي، أتيته مبتدئا، وفارقته معيدا له في الحديث. ومن العلماء الأعلام الذين تخرجوا به، وتمثلوا سيرته وورعه وفضائله: الإمام ابن دقيق العيد، تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب القشيري، المولود سنة625، والمتوفى سنة 702. كما سمع من المنذري أيضا أخوه تاج الدين أحمد بن علي بن وهب القشيري القوصي، المتوفى سنة 723، مدرس المدرسة النجيبية بقوص. ومن العلماء الذين تلقوا عنه واقتبسوا منه: الإمام المؤرخ المحقق الأديب النسابة قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان، التراجمي المشهور، صاحب وفيات الأعيان، المتوفى سنة 681. ومن المحدثين المشهورين الذين أخذوا عنه ولازموه وتخرجوا به: الإمام الحافظ الفقيه المحدث المتقن الضابط الدقيق شرف الدين أبو الحسين علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله اليونيني، المتوفى سنة 701 (ا) ، صاحب النسخة المضبوطة المتقنة من "صحيح البخاري "، المعروفة بالنسخة اليونينية. وأخذ! عنه غيرهم كثير-وكثير ممن سمعوا منه أو أجازهم من رجال ونساء.
مكانة الحافظ المنذري في العلم
مكانة الحافظ المنذري في العلم: احتل الحافظ المنذري في النصف الأول من القرن السابع الهجري: مكانة عظيمة مرموقة، وعده العلماء حافظ عصره دون منازع، قال الحافظ عز الدين الحسين! تلميذه: كان عديم النظير في معرفة علم الحديث على اختلاف فنونه، عالما بصحيحه وسقيمه ومعلوله، متبحرا في معرفة أحكامه ومعانيه ومشكله، قيما بمعرفة غريبه وإعرابه واختلاف ألفاظه، ماهرا في معرفة رواته وجرحهم وتعديلهم، ووفياتهم ومواليدهم وأخبارهم، إماما حجة، ثبتا ورعا، متحريا فيما يقوله وينقله، متثبتا فيما يرويه ويتحمله. انتهى. وكان مجلسه في الحديث مضرب الأمثال، قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي: قيل لي: ما على وجه الأرض مجلس في الفقه أبهى من مجلس الشيخ عزالدين بن عبد السلام، وما على وجه الأرض مجلس في الحديث أبهى من مجلس الشيخ زكي الدين عبد العظيم المنذري، وما على وجه الأرض مجلس في علم الحقائق أبهى من مجلسك. وقد أطلق عليه (الحافظ) قبل وفاته بأكثر من ثلاثين عاما. ومرتبة (الحافظ) هذه قال فيها الخطيب البغدادي في "الجامع لأخلاق الراوي واداب السامع " 2: 172 هي أعلى صفات المحدثين، وأسمى درجات الناقلين، من وجدت فيه قبلت أقاويله، وسلم له تصحيح الحديث وتعليله، غير أن المستحقين لها يقل معدودهم، ويعز بل يتعذر وجودهم. وقد وصفه بالحفظ تلميذه القاضي ابن خلكان، فقال فيه: حافظ مصر، وقال فيه مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي: لم يكن في زمانه أحفظ منه، وقال ابن دقماق: حافظ الوقت. وكان المنذري مفيدا، والمفيد هو الذي يفيد الناس الحديث عن المشايخ، فيكون عارفا بهم وبعلو إسنادهم، حتى إذا جاء الطالب دله على شيوخ ذلك البلد من ذوي الإسناد العالي وما إليهم.
أما كلامه على رجال سنن أبي داود، فكيفيه أنه نال إعجاب الناقد الحافظ الذهبي، وذكره في ترجمته له في "سير أعلام النبلاءا، ويكفي لبيان سمو إمامته في الحديث أن الإمام عز الدين بن عبد السلام الفقيه المجتهد، كان يحضر مجالسه ويسمع الحديث منه. أما في الفقه فقد شرح المنذري كتاب "التنبيه" لأبي إسحاق الشيرازي في إحدى عشرة مجلدة، وذلك مما يدل على فقاهته الواسعة، وقد وصفه غير واحد ممن ترجموا له بالفقيه. وكان يفتي الناس في الديار المصرية، فلما قدم الإمام عز الدين بن عبد السلام مصر، بالغ الشيخ المنذري في الأدب معه، وامتنع عن الإفتاء لأجله، وقال: كنا نفتي قبل حضوره، وأما بعده فمنصب الفتيا متعين فيه. وبراعته في علم الرجال تبدو في كتابه"التكملة لوفيات النقلة" و"المعجم المترجم " و"تاريخ من دخل مصر" وغيرها من تواليفه. وكتبه هذه تعد في كثير مما حوته المصادر الأولى، تفردت بكثير من تراجم الرجال وأحوالهم. ولقي الأدباء والشعراء وأخذ عنهم أو استجاز منهم كما سبقت الإشارة إلى ذلك، ولهذا تبدو مسحة الأدب وطلاوته في عبارته وكلامه، ولم يحفظ له من النظم سوى هذين البيتين اللطيفين الحكيمين: اعمل لنفسك صالحا لاتحتفل بظهورقيل في الأنام وقال فالخلق لايرجى اجتماع قلوبهم لابد من مثن عليك وقالي وأما زهده وورعه وتدينه فقد كان مشهورا مذكورا، قال التاج السبكي: سمعت أبي يحكي عن الحافظ الدمياطي -تلميذ المنذري -، أن الشيخ خرج مرة من الحمام، وقد أخذ منه حرها، فما أمكنه المشي، فاستلقى على الطريق إلى جانب حانوت، فقال له الدمياطي: يا سيدي أنا أقعدك على مسطبة الحانوت، وكان مغلقا، فقال له، وهو في تلك الشدة: بغير إذن صاحبه كيف يكون؟! وما رضي. ويكفي شهادة على ورعه وشدة تقواه قول تلميذه الإمام ابن دقيق العيد، الذي كان يضرب به المثل في الزهد والتحري والخوف من الله تعالى، إذ قال فيه: كان
مؤلفاته وآثارة العلمية
أدين مني، وأنا أعلم منه. وقول الحافظ الذهبي فيه: كان الإمام الثبت، وكان شيخ الإسلام متين الديانة، ذا نسك وتوزع وسمت وجلالة. وقال تاج الدين السبكي فيه في "طبقات الشافعية الكبرى": الحافظ الكبير، الورع الزاهد، زكي الدين أبومحمد المصري، ولي الله، والمحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والفقيه على مذهب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ترتجى الرحمة بذكره، ويستنزل رضا الرحمن بدعائه. كان رحمه الله تعالى قد أؤتي بالمكيال الأوفى من الورع والتقوى، والنصيب الوافر من الفقه، وأما الحديث فلا مراء في أنه كان أحفظ أهل زمانه، وفارس أقرانه، له القدم الراسخ في معرفة صحيح الحديث من سقيمه، وحفظ أسماء الرجال حفظ مفرط الذكاء عظيمه، والخبرة باحكامه، والدراية بغريبه وإعرابه واختلاف كلامه. وفاته له: توفي الإمام المنذري رحمه الله تعالى في داخل دار الحديث الكاملية بالقاهرة، يوم السبت رابع ذي القعدة من سنة 656، وصلي عليه يوم الأحد بعد الظهر في موضع تدريسه بدار الحديث الكاملية، ثم صلي عليه مرة أخرى تحت القلعة، ودفن بسفح جبل المقطم، وقد رثاه غيرواحد من الشعراء بقصائد حسنة، رحمات الله تعالى عليه ورضوانه العظيم. مؤلفاته واثارة العلمية: أولا - في الحديث وعلومه: قام المنذري باختصار مجموعة من كتب الحديث الأصول، مثل صحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن الخطيب البغدادي. وكان عمله في مثل هذه الكتب يقوم على حذف الأسانيد والأحاديث المكررة، والتعليق على بعض الأحاديث تعليقات مفيدة مهمة، تدل على غزارة علمه في هذا الفن وتبحره فيه، وعلى شفوف
ذوقه العلمي. وجمع (أربعينيات) في الحديث، وكان هذا النمط في التأليف قد شاع قبله فتابع فيه، فمن تاليفه: ا - أربعون حديثا في الأحكام، وتسمى أيضا: (الأربعون الأحكامية) . 2 - أربعون حديثا في اصطناع المعروف بين المسلمين وقضاء حوائجهم. طبع. 3 - أربعون حديثأ في فضل العلم والقران والذكر والكلام والسلام والمصافحة. 4 - أربعون حديثا في قضاء الحوائج. وربما كان هذا هو الكتاب الثاني المذكور هنا، اختصر اسمه، فيكون الاسمان لمسمى واحد. 5 - أربعون حديثا في هداية الإنسان لفضل طاعة الإمام والندى والإحسان. هكذا الاسم في كتاب الدكتور بشار ص 180، وقد أشار إلى وجود نسختين منه في دار الكتب المصرية. ووقع في مقدمة الأستاذ الفريوائي في ص 17 كما يلي: "أربعون حديثا في هداية الإنسان بفضل طاعة الإمام العدل والإحسان ". وهوتحريف. 6 - الأمالي في الحديث. كما في "هدية العارفين " ا: 586. 7 - الترغيب والترهيب. الكتاب الفذ في موضوعه. طبع مرات. 8- جزء المنذري. جمع فيه ما ورد فيمن غفر له ما تقدم من ذنبه وما تاخر. كما في "كشف الظنون " ا: 589. 9 - جزء فيه حديث الطهور شطر الإيمان. 10 - الجمع بين الصحيحين. 11 - زوال الظما في ذكر من استغاث برسول الله من الشدة والعمى. 12 - صحيح المنذري. كذا. 13 - عمل اليوم والليلة.
14 - كفاية المتعبد وتحفة المتزهد. طبع. 15 - مجالس في صوم يوم عاشوراء. 16 - مختصر سنن أبي داود. طبع. وسماه في "كشف الظنون " 2: 1004 "المجتبى من السنن ". قال الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" 13: 225: هوأحسن اختصارا من اختصار صحيح مسلم. 17 - مختصر سنن الخطيب البغدادي. 8 ا- مختصرصحيح مسلم. طبع. 19 - الموافقات. وهو قسم من أقسام الإسناد العالي في الحديث. 20 - تخريج بعض أحاديث " المهذب " لأبي إسحاق الشيرازي، الى قبيل البيوع. 21 - تخريج فوائد شيخه صدر الدين أبي الحسن محمد بن عمر بن حمويه الحقوئي الجويني، المتوفى بالموصل سنة 617. 22 - جزء خرج فيه عن جماعة من شيوخ شيخته أم محمد خديجة بنت الفضل المقدسية الإسكندرية، المتوفاة سنة 618. 23 - جزء خرج فيه حديث قاضي القضاة تاج الدين أبي محمد عبد السلام بن علي الكتاني الدمياطي، المتوفى سنة 619. ثانيا - في الفقه: 24 - الخلافيات ومذاهب السلف. 25 - شرح التنبيه لأبي إسحاق الشيرازي. ثالثا - في التاريخ: تدورالكتب التي ألفها المنذري في التاريخ حول علم الرجال، وهو علم مساعد لعلوم الحديث، وكتب المنذري في هذا الموضوع بين كتاب يضم ترجمة لشخص واحد، وكتاب يشتمل على الاف التراجم، وإليك أسماءها:
26 - الإعلام باخبار شيخ البخاري محمد بن سلام. 27 - تاريخ من دخل مصر. 28 - ترجمة أبي بكر الطرطوشي. 29 - التكملة لوفيات النقلة. وكتاب (وفيات النقلة) هو لشيخه الحافظ أبي الحسن علي بن المفضل المقدسي الإسكندراني المالكي، المتقدم ذكره في شيوخه البارزين، وكان قد انتهي فيه الى سنة 581، فذيل الحافظ المنذري على كتاب شيخه المذكور، من حيث انتهى فيه من سنة 581الى سنة 642. 30- المعجم المترجم، بكسر الجيم. ذكر فيه شيوخه وأوسع في تراجمهم. هذه جل اثاره الي غرفت وذكرت عند من ترجم له او تعرض لتاليفه، ولم تذكر فيها رسالتة أو فتواه في مسائل الجرح والتعديل تحديدا فتكون الأثر 31 من اثاره، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة، وأغدق عليه دائم رضوانه واحسانه، وجزاه عن السنة وعلومها وأهلها خير الجزاء. يقول العبد الضعيف عبد الفتاح أبو غدة: فرغت من كتابة هذه التقدمة والترجمة في مدينة فانكوفر في كندا، يوم الثلاثاء 17 من ذي الحجة سنة 1408، والحمد لله رب العالمين، وصلى لله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم. ***
جواب الحافظ ابى محمدعبد العظيم المنذري المصري عن اسئلة فى الجرح والتعديل ولد سنة 581 وتوفي سنه 656 رحمه الله تعالى اعتنى به عبد الفتاح ابو غدة الناشر مكتب المطبوعات الاسلامية بحلب1111،،،،
بدء الرساله ونص الاسئله
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وسلم ما تقول السادة العلماء، والأئمة الفضلاء، في هذه العبارات التي يعبر بها أئمة الحديث عن الرواة؟ مثاله: أن يقول يحيى بن معين رحمه الله: هوصالح الحديث. ويقول أبوحاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به (1) . ويقول أحمد بن حنبل: هوثقة. ويقول الأخر: هو صدوق. ويقول الأخر: لا باس به (2) .
................................................
فقولهم: ثقة، هومثل قولهم: يكتب حديثه؟ ومامعنى قولهم: يكتب حديثه ولايحتج به؟ وما الفرق بين قولهم: لا يحتج بحديثه، و: هومتروك الحديث؟ وهل (1) إذا قال واحد منهم: فلان ثقة، وقال اخر: ليس بشيء، يؤخذ بقول من منهما؟ فان من (2) قال: ليس بشيء، يقدم على من قال: هوثقة؟ ففد رأينا في رواة الكتب الستة التي عليها اعتماد علماء الإسلام من وقع فيه الاختلاف. مثاله: محمد بن اسحاق، فشعبة وسفيان يقولان عنه: أمير المؤمنين في الحديث، فيما نقله عنهما ابن مهدي (3) . ومالك بن أنس ويحيى بن سعيد يجرحانه. وسئل، يحيى بن معين عنه فقال: ثقة وليس بحجة. وقال مرة أخرى: هوصدوق ولكنه ليس بحجة، إنما الحجة عبيد الله بن عمر ومالك بن أنس.،،،،،،،،
وأحمد بن حنبل يقول فيه: لو قال رجل: إن محمد بن إسحاق كان حجة لما كان مصيبا (ا) ، ولكنه ثقة. وقال يعقوب بن شيبة: سالت يحيى بن معين فقلت: كيف محمد بن إسحاق عندك؟ فقال: ليس هوعندي بذاك، ولم يثبته (2) ، وضعفه، ولم يضعفه جدا، فقلت له: ففي نفسك من صدقه شيء؟ قال: لا، كان صدوقا. فهذه العبارات كيف تنتظم؟ مع أنه في رواة الكتب المعتمدة؟ . وقال ابن عدي: لو لم يكن لابن إسحاق من الفضل إلا أنه صرف الملوك عن الاشتغال بكتب لا يحصل منها شيء، إلى الاشتغال بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعثه ومبتدأ الخلق، لكانت هذه فضيلة لابن إسحاق سبق بها، ثم بعده صنفها قوم اخرون فلم يبلغوا مبلغ ابن إسحاق فيها (3) . وقد فتشت أحاديثه الكثيرة (4) ، فلم أجد في أحاديثه ما يتهيا أن يقطع عليه بالضعف، وربما أخطا أووهم في الشيء بعد الشيء، كما
يخطىء غيره (ا) ، ولم يتخلف في الرواية عنه الثقات والأئمة، وهولا باس به. هذه عبارة ابن عدي فيه. وهذا الاختلاف يوقع الحيرة (2) . وهذا شبابة بن سوار، روى له البخاري ومسلم في (كتابيهما"، وغيرهما من الأئمة. . قال فيه أبو حاتم: هو صدوق يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: كان أحمد بن حنبل لا يرضاه. وقيل ليحيي بن معين: شبابة أحب إليك أم الأسود بن عامر؟ فقال: شبابة، وقال أيضا: هوصدوق (3) . وقال ابن سعد (4) : كان ثقة صالح الأمر في الحديث، إلا أنه كان مرجئا. وقد روى عن شبابة هذا: إسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل،
ويحيي بن معين، وأبوخيثمة، وأحمد بن سنان القطان، وخلق سواهم. فهذا الاختلاف فيه، على ماذا يحمل؟ وعلى قول من يعتمد؟ وكيف يقبل -الجرح (1) -من غير تبيين مايجرح الشخص به؟ ومتى انقطع قبول الجرح من غيرتبيين؟ وما السبب في قبول جرح ،،،، أولئك الأئمة من غيرتبيين ما يجرح به الشخص، وترك غيرهم (2) ؟ وهل اختلاف هؤلاء الأئمة مثل اختلاف الفقهاء؟ فإن قيل: نعم، قيل: ذاك الاختلاف أوجبه الاجتهاد (3) ، وهذا ليس فيه سوى النقل، فإن الشخص لا يكون صادقا كاذبا في حالة (4) . وجماعة من الرواة يقولون عنهم: ليسوا بشيء، ونجد حديثهم في "البخاري " و"مسلم! و"غيرهما"، فما معنى قويهم: فلان ليس بشيء؟ وهل لهذه العبارات معنى سوى ظاهرها أم لا؟ وهل قولهم: فلان حجة، مثل قويهم: هوثقة؟ وهذا شجاع بن الوليد بن قيس السكوني (5) ، روى عنه أبوهمام
الوليد بن شجاع، وأحمد بن حنبل، ومسلم بن إبراهيم، ويحيى بن معين، وأبوعبيد القاسم بن سلام، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وإسحاق بن راهويه، وعلي بن المديني، وغيرهم من الأئمة. قال فيه أبوحاتم: عبد الله بن بكر السهمي (ا) أحب إلي من شجاع بن الوليد، وهوشيخ ليس بالمتين، لايحتج بحديثه. وقال أبو بكر المروذي: قلت لأحمد بن حنبل: شجاع بن الوليد ثقة؟ قال: أرجو أن يكون صدوقا، قد جالس قوما صالحين. وقال وكيع: سمعت سفيان (2) يقول: ما بالكوفة أعبد منه. وقال حنبل بن إسحاق: قال أبوعبد الله: كان شيخا صالحا صدوقا كتبنا عنه. قال: ولقيه يحيى بن معين يوما، فقال له: يا كذاب! فقال له الشيخ: إن كنت كاذبا وإلا فهتكك الله. ونقل عن يحيى بن معين أنه قال فيه أيضا: هو ثقة. وقال أحمد بن عبد الله (3) : لا بأس به. -
فانظر إلى هذا الاختلاف فيه، فقد روى له البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه. فكيف هذا من هؤلاء الأئمة القدوة؟ مع أن الذي رسموه في الحديث - الصحيح (ا) - هو: نقل العدل الضابط، عن العدل الضابط إلى رسول الله في. كذا قال ابن الصلاح رحمه اللة تعالى في كتابه: "علوم الحديث، وغيره (2) . وإن كان هذا القيد لا يمشي عند من عرف شرط "الصحيحين أ (3) . ولعلكم اجركم الله، تذكرون شرط "الصحيحين "، لتتئم الفائدة
جواب الحافظ المنذرى
شاء اللة ببركتكم، فبينوا بما عندكم من العلم، نفع اللة بكم المسلمين، ورزقكم مرافقة الطيبين الطاهرين، امين امين. وصلى الله على محمد النبي الامي! وعلى اله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليا كثيرا. الجوا ب فكتب الشيخ الإمام الحافظ العلامة زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد اللة المنذري الشافعي رضي الله عنه جوابا عن المسائل المذكورة بسم الله الرحمن الرحيم -و-صلى الله على محمد وعلى اله وسلم تسليمأ. أما بعد حمد الله العلي العظيم، والصلاة على خيرخلقه محمد النبي الكريم (ا) ، وعلى اله وأصحابه وتابعيه الجدراء بالتفضيل والتفخيم. فقد وقفت على ما أشرتم إليه، أدام الله بكم الانتفاع، وأحسن عنكم الدفاع، وأجراكم في جميع الأمور على أجمل الأوضاع، ورغبت إلى اللة سبحانه وتعالى أن يعمنا أجمعين (2) ، ببركات سيد المرسلين، صلى اللة عليه وسلم وعليهم أجمعين.
مراتب ألفاظ الجرح والتعديل عند ابن أبي حاتم
وها أنا أذكر (ا) بين يدي ذلك ما يكون جوابا عن بعضها، وتمهيدا لبعضها، راغبا إلى الله جل جلاله في التوفيق في القول والعمل، ومستعيذا به من الخطا والزلل، إنه ماشاء فعل. (مراتب ألفاظ الجرح والتعديل عند ابن أبي حاتم) أخبرنا الحافظ أبو محمد القاسم بن الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن الدمشقى (2) ، في كتابه إلى منها.
قال أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد (ا) ، في كتابه إلف من ثغر الاسكندرية قال: أخبرنا أبو مكتوم عيسى بن الحافظ أبي ذر عبد بن أحمد الهروفي إذنا (2) . قال: أنبانا أبي (3) ،. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قال: أنبانا أبوعلي حمد بن عبد الله الأصبهاني (1) . قال: أنبانا الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الحنظلي (2) ، قال (3) :
مراتب التعديل
وجدت الألفاظ في الجرح والتعديل على مراتب شتى. (مراتب التعديل) 1- فإذا قيل للواحد: إنه ثقة، أو: متقن ثبت، فهو ممن يحتج بحديثه. 2 - وإذا قيل: إنه صدوق، أو: محله الصدق، أو: لا باس به، فهوممن يكتب حديثه وينظر فيه، وهي المنزلة الثانية (1) . فلما لم نجد سبيلا إلى معرفة شيء من معاني كتاب اللة، ولامن سنن رسول الله صليالله عليه وسلم إلا من جهة النقل، وجب أن نميز بين عدول الناقلة والرواة وثقاتهم وأهل الحفظ والثبت والإتقان منهم، وبين أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ والكذب واختراع الأحاديث الكاذبة - فكانوا على أربع مراتب -: ا - ويعرف من كان منهم عدلا في نفسه، من أهل الثبت في الحديث والحفظ له والإتقان فيه، فهؤلاء هم أهل العدالة. 2 - ومنهم الصدوق في روايته، الورع في دينه، الثبت الذي يهم أحيانا، وقد قبله الجهابذة النقاد، فهذا يحتج بحديثه أيضا. 3 - ومنهم الصدوق الورع المغفل، الغالب عليه الوهم والخطأ والسهو والغلط، فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب والزهد والاداب، ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام. 4 - ومنهم من قد ألصق نفسه بهم، ودنسها بينهم، ممن قد ظهر للنقاد العلماء بالرجال منه الكذب، فهذا يترك حديثه، وتطرح روايته، ويسقط ولا يشتغل به ". انتهى باختصار مع تصويب (منهم الكذب) إلى (منه الكذب) .
...........................................................
..................................................................
3 - وإذا قيل: شيخ، فهو بالمنزلة الثالثة، يكتب حديثه وينظر فيه، إلا أنه دون الثانية. 4 - وإذا قيل: صالح الحديث، فإنه يكتب حديثه للاعتبار.
مراتب الجرح
(مراتب الجرح) ا - وإذا أجابوا في الرجل بلين الحديث، فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه اعتبارا. 2 - وإذا قالوا: ليس بقوي، فهو بمنزلة الأول في كتبة حديثه (1) ، إلا أنه دونه. 3 -واذا قالوا: ضعيف الحديث، فهو دون الثاني، لا يطرح حديثه بل يعتبر به. 4 - لاذا قالوا: متروك الحديث، أو: ذاهب الحديث، أو: كذاب، فهو ساقط الحديث، لا يكتب حديثه، وهي المنزلة الرابعة. هذا ما ذكره ابن أبي حاتم مما وجده من عباراتهم (2) .
. .. . . . . .. . . . . . .. . .. . ... . .. . . . .. . . . . . .. . . .. . .
....................................................
الثقة دون الحجة
(الثقة دون الحجة) وقول يحيى بن معين في محمد بن إسحاق: ثقة وليس بحجة، يشبه أن يكون هذا رأيه في أن الثقة دون الحجة، وهوخلاف المحكي عنهم في ذلك (1) .
..................................................................
....................................................
...................................................................................................
بيان الدارقطني المراد من قوله: لين أوكثير الخطأ
(بيان الدارقطني المراد من قوله: لين أوكثير الخطأ) وأخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن معمر البغدادي (ا) ، قراءة عليه وأنا أسمع بدمشق، قال: أخبرنا الوزير الأجل أبو القاسم علي بن
نقيب النقباء أبي الفوارس طراد بن محمد الزينبي قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن منده الجرجاني ح. وأخبرنا الشيخ أبو الفضل جعفر بن علي المقرىء (1) ، قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له، قال: أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد، قال: أخبرنا الحافظ أبو نصر المؤتمن بن أحمد الساجى، قال: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن مسعدة، قال: سمعت أبا القاسم حمزة بن يوسف السهمى الحافظ يقول: سالت أبا الحسن الدارقطنى قلت له: إذا قلت (2) : فلان لين، أيش تريد به (3) ؟ قال: لا يكون ساقطا متروك الحديث، ولكن يكون مجروحا بشيء لايسقطه عن العدالة (4) .
وسألته عمن يكون كثير الخطأ؟ قال: إن نبهوه عليه ورجع عنه فلايسقط (ا) ، لان لم يرجع سقط. أخبرنا الأصيل (2) أبو المظفر عبد الرحيم الحافظ (3) بن أبي سعد عبد الكريم بن الحافظ أبي بكر محمد بن الإمام أبي المظفر منصور بن محمد السمعاني، في كتابه إلى من خراسان. قال: أخبرنا الإمام أبو بكر عبد الله بن إبراهيم التفتازاني قراءة عليه وأنا أسمع بنسا (4) ، في شوال سنة أربع وأربعين وخمس مئة.
قال: أخبرنا أبو اسحاق ابراهيم بن محمد بن ابراهيم الجرجاني، قال: أخبرنا أبو شريح إسماعيل بن أحمد الشاشي، - قال -: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الميداني، قال: أخبرنا أبو سعد عبد الرجمن بن الحسن بن عليك (ا) ، فذكر مسائل سأل عنها الأستاذ أبا اسحاق إبراهيم بن محمد الأسفراييني (2) ، منها: اذا سمع من شيوخه أن انسانا غير ثقة في الحديث، أو يرى ذلك في كتب الحفاظ، هل له أن يحكم بجرحه بهذا التقليد؟ وهل يكون من المغتابين أم لا؟ الجواب: إذا سمع شيوخه كان ذلك جرحا، ولا يكون تقليدا في
اختلاف المحدثين في تضعيف الرجال وتعديلهم
جرحه، لأن هذا دليله وحجته، ولا يحكم بشيء يجده في الكتب إلا أن يكون سماعه من نفسين عند أصحاب الحديث (1) . (اختلاف المحدثين في تضعيف الرجال وتعديلهم (2)) أخبرنا الأشياخ: أبو حفص عمر بن معمر بن محمد البغدادي قراءة عليه وأنا أسمع بدمشق، و: أبو الحسن علي بن نصر الواسطي بقراءتي عليه، قدم علينا، و: أبوالفضل محمد بن يوسف النعماني إذنا واللفظ له، قالوا: أنبا أبو الفتح عبد الملك (3) بن أبي سهل قراءة عليه ونحن
نسمع، قال: أخبرنا أبو عامر محمود بن القاسم وأبو بكر الغورجي (1) ، قالا: أخبرنا أبو محمد الجراحي، - قال -: أخبرنا أبو العباس بن محبوب، - قال -: أخبرنا الإمام أبوعيسى محمد بن عيسى الترمذي، قال: وقد اختلف الأئمة من أهل العلم في تضعيف الرجال، كما اختلفوا فيما سوى ذلك من العلم. هذا اخركلامه (2) .
............................................................
اختلاف المحدثين قي قبول رواية المبتدعة وردها
(اختلاف المحدثين قي قبول رواية المبتدعة وردها) وقد اختلف أهل العلم في أهل البدع كالقدرية، والرافضة، والخوارج: فقالت طائفة: لايحتج بحديثهم جملة. وذهبت طائفة إلى قبول أخبار أهل الأهواء، الذين لا يعرف منهم استحلال الكذب، ولا الشهادة لمن وافقهم بما ليس عندهم فيه شهادة. وذهبت طائفة إلى قبول غير الدعاة من أهل الأهواء، فأما الدعاة فلا يحتج بأخبارهم. ومنهم من ذهب إلى أنه يقبل حديثهم إذا لم يكن فيه (ا) تقوية لبدعتهم (2) .
..................................................
.........................................................
اختلات المحدثين في اشتراط عدد المزكي والجارح
(اختلات المحدثين في اشتراط عدد المزكي والجارح) واختلفوا أيضا في اشتراط العدد في المزكي والجارح، والشاهد والراوي (1) . ا - فاشترط بعضهم العدد فيهما. 2 - ومنهم من قال: لايشترط فيهما، وإن كان الأحوط في الشهادة الاستظهار بعدد المزكي.
3- وقال بعضهم: يشترط في الشاهد ولا يشترط في الراوي، لأن العدد ليس بشرط في قبول الخبر، فلم يكن شرطا في الراوي، بخلاف الشهادة، فإن العدد يشترط في قبول الشهادة والحكم بها، فكان شرطا في الشهادة (1) .
اختلاف المحدثين في قبول الجرح المفسر والمبهم
(اختلاف المحدثين في قبول الجرح المفسر والمبهم) واختلفوا أيضا في المجرح (1) إذا لم يفسر ما جرح به، فمنهم من قال: لا يقبل الجرح إلا مفسرا، ومنهم من قال (2) : لا يستفسر الجارح إلا إذا كان عاميا لا يعرف الجرح، فاما إذا كان الجارح عالما فلايستفسر (3) .
اختلاف المحدثين في الاحتجاج بمحمد بن إسحاق
(اختلاف المحدثين في الاحتجاج بمحمد بن إسحاق) فإذا تقرر ما ذكرناه عن الأئمة في هذا (ا) ، فمحمد بن إسحاق بن يسار (2) ، قد أكثر الأئمة الكلام فيه في الطرفين: الثناء والذم. واما البخاري ومسلم فلم يحتجا به في "صحيحيهما" البتة، وإنما أخرج له مسلم أحاديث في المتابعات لا في الأصول، وكذلك البخارى
أيضا لم يخرج له شيئا في الأصول البتة، وإنما ذكره في الاستشهاد، جريا على عادتهما فيمن لا يحتجان بحديثه، كما فعله البخاري في أبي الزبير المكي، وسهيل بن أبي صالح، ونظرائهما، وكما فعله مسلم في عكرمة مولى عبد الله بن عباس، وشريك بن عبد اللة القاضي، ونظرائهما. وقد قال أبوبكر أحمد بن علي الخطيب (ا) : وقد أمسك عن الاحتجاج بروايات ابن إسحاق غير واحد من العلماء، لأسباب: منها: أنه كان يتشيع، وينسب إلى القدر، ويدلس في حديثه. وأما الصدق فليس بمدفوعء عنه. وقال سليمان بن داود (2) : قال لي يحى بن سعيد القطان: أشهد أن محمد بن إسحاق كذاب.
قال: قلت: ما يدريك؟ قال: قال لي وهيب بن خالد: إنه كذاب. قال: قلت لوهيب: ما يدريك؟ قال: قال لي مالك بن أنس: أشهد أنه كذاب. قلت لمالك: ما يدريك؟ قال: قال لي هشام بن عروة: أشهد أنه كذاب. قلت لهشام: ما يدريك؟ قال: حدث عن امرأتي فاطمة بنت المنذر، وأدخلت على وهي بنت تسع سنين، وماراها رجل حتى لقيت الله. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: فحدثت أبي بحديث ابن إسحاق، فقال: وما ينكر هشام؟! لعله جاء واستاذن عليها وأذنت له،
أحسبه قال: ولم يعلم هو، وقال الإمام أحمد مرة أخرى: وقد يمكن أن يسمع منها تخرج إلى المسجد أوخارجة فسمع، والله أعلم (1) . وقال علي بن المدينى: الذي قال هشام (2) ، ليس بحجة، لعله دخل على امرأته وهوغلام فسمع منها. فمن ترك الاحتجاج بحديث ابن إسحاق، احتمل أن يكون تركه للقدر، أو للتشيع، أو للتدليس على رأي من يرى ذلك قادحا، أويكون هذا أوغيره من الكلام فيه إن لم يتيقن عنده حجة في رد حديثه (3) ، غير أنه أحدث ريبة ما (4) منعته من الاحتجاج به. وقد أشار إلى ذلك الحافظان أحمد بن إبراهيم الجرجانى وأحمد بن علي الخطيب (5) .
ومن احتج بحديثه احتمل أن يكون لا يرى البدعة مانعة ولا التدليس. وقصة هشام قد وقع الجواب عنها. وما جاء (ا) من الكلام فيه غيرمفسر: لايؤثر عنده، وما جاء أيضا عن واحد -وهويشترط العدد - لا يؤثر عنده، والله عز وجل أعلم (2) .
...........................................................
.......................................................
اختلاف المحدثين في الاحتجاج بشبابة بن سوار
(اختلاف المحدثين في الاحتجاج بشبابة بن سوار) وأما شبابة بن سوار، فقد احتج به البخارى ومسلم في "صحيحيهما "، وحدث عنه ثلة من الأئمة (1) .
وتكلم فيه بعضهم، وقال الإمام أحمد بن حنبل: تركته ولم أرو عنه للإرجاء، فقيل: يا أبا عبد الله، وأبومعاوية (ا) ؟ قال: شبابة كان داعية. وقيل لعلي بن المديني عن حديث شبابة الذي رواه عن شعبة في الدباء، فقال علي: أي شيء تقدر أن تقول في ذاك (2) ؟ يعني شبابة، كان شيخا صدوقا، إلا أنه كان يقول بالإرجاء، ولا ينكر لرجل سمع من رجل ألفا أوألفين أن يجىء بحديث غريب. وقال أبو أحمد الجرجاني (3) : الذي أنكرته عليه الخطأ، ولعله حدث به حفظا؟ .
وقيل لأبي زرعة في أبي معاوية: كان يرى الإرجاء؟ قال: نعم كان يدعو إليه، قيل: فشبابة بن سوار أيضا؟ قال: نعم، قيل: رجع عنه؟ قال: نعم، قال: الإيمان قول وعمل. فهذا الإمام أحمد قد صرح بانه إنما تركه لكونه داعية إلى الإرجاء، وهذا علي بن المديني لم ير قوله بالإرجاء وتفرده بشيء مؤثرا في حقه، والخطأ فلا يكاد يسلم منه أحد (1) . فمن احتج بحديثه يرى أن الإرجاء (2) والدعاء إليه والتفرد بشيء غيرقادح، سيما وقد نقل عنه الرجوع عن الإرجاء. ومن لم يحتج بحديثه يرى أن ذلك مانع من الاحتجاج به، وحصل عنده من ذلك ريبة وقفته عن الاحتجاج به على ما تقدم، والله عز وجل أعلم.
اختلاف المحدثين في الجرح والتعديل كاختلاف الفقهاء عن اجتهاد
(اختلاف المحدثين في الجرح والتعديل كاختلاف الفقهاء عن اجتهاد) واختلاف هؤلاء كاختلاف الفقهاء، كل ذلك يقتضيه الاجتهاد، فأن الحاكم إذا شهد عنده بجرح شخص، اجتهد في أن ذلك القدرمؤثر أم لا؟ وكذلك المحدث إذا أراد الاحتجاج بحديث شخص ونقل إليه فيه جرح، اجتهد فيه هل هو مؤثر أم لا؟ ويجري الكلام عنده فيما يكون جرحا (ا) ، في تفسير الجرح وعدمه، وفي اشتراط العدد في ذلك، كما يجري عند الفقيه، ولا فرق بين أن يكون الجارح مخبرا بذلك للمحدث مشافهة أو ناقلا له عن غيره بطريقه، والله عز وجل أعلم. (اختلاف المحدثين في الاحتجاج بشجاع بن الوليد) وأما شجاع بن الوليد أبو بدر، فقد احتج به البخاري ومسلم في "صحيحيهما" وجماعة من المصنفين، ومحله من العبادة والصلاح معروف. وقال الإمام أحمد بن حنبل في قصة ذكرها: إنما كان يقول لنا: ذكره سليمان بن مهران، ولم يكن يقول: الأعمش، وذكره مغيرة، وذكره سعيد بن أبي عروبة، ولم يكد يقول لنا (2) : حدثنا، ثم كان بعد ذلك
يقول: حدثنا فلان، وأخبرنا موسى بن عقبة، ولم يكن يقول لنا إلا: ذكره. وسئل وكيع بن الجراح عن أبي بدر شجاع بن الوليد؟ فقال: كان جارنا ها هنا، ما عرفناه بعطاء بن السائب ولا بمغيرة، وذكر غيره أنه حدث عنهما. وأخذ عليه رواية حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه في بعض العرب، وهوحديث منكر (ا) ، وأخذ عليه أنه رفع حديث شريك عن أبي حصين في الحصاة ومناشدتها (2) ، وهوموقوف.
بيان المراد من قولهم: فلان ليس بشيء
فمن احتج بحديثه لا يرى شيئا من ذلك مانعا من الاحتجاج به. ويمكن أن يقال: إنه تذكر السماع بعد ذلك فصرخ بالتحديث، أوإن الراوي ينشط مرة فيسند، ويفتر مرة فلا يسند، ويسكت عن ذكر الشخص مرة، ويذكره أخرى لما يقتضيه الحال. ومن امتنع من الاحتجاج به، يكون قد حصل عنده من ذلك مغمز وإن لم يثبت به جرح، فتوقف لذلك، والله عزوجل أعلم. (بيان المراد من قولهم: فلان ليس بشيء) وأما قولهم: فلان ليس بشيء، ويقولون مرة: حديثه ليس بشيء (1) . فهذا ينظر فيه:
فإن كان الذي قيل فيه هذا، قد وثقه غير هذا القائل، واحتج به، فيحتمل أن يكون قوله محمولا على أنه ليس حديثه بشيء يحتج به، بل يكون حديثه عنده يكتب للاعتبار وللاستشهاد وغير ذلك. وإن كان الذي قيل فيه ذلك مشهورا بالضعف، ولم يوجد من الأئمة من يحسن أمره، فيكون محمولا على أن حديثه ليس بشيء يحتج به (ا) ولا يعتبر به ولا يستشهد به، ويلتحق هذا بالمتروك، والله عز وجل أعلم. (2) وأما مانقل عن يحيى بن معين من توثيق شجاع مرة، وتوهينه أخرى، فهذان القولان في زمانين بلا شك، ولا يعلم السابق منهما، ويحتمل أنه وثقه ثم وقف على شي من حاله بعد ذلك يسوغ له الإقدام على ما قاله، ويحتمل أن يكون تكلم فيه أولا، ثم وقف من حاله بعد ذلك على ما اقتضى توثيقه. وقد نقل مثل هذا عن يحيى بن معين في غيرشجاع بن الوليد من الرواة، ونقل مثله أيضا عن غير (3) يحيى بن معين من الحفاظ، في حق بعض الرواة، وكل هذا محمول (4) على اختلاف. . . . . . . . . . . . . . .
الأحوا ل (1) .
.............................................................
وقد قال الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الجرجاني (ا) : قد يخطر على قلب المسؤول عن الرجل، من حاله في الحديث وقتا: ما ينكره قلبه، فيخرج جوابه على حسب النكرة التي في قلبه، ويخطر له ما يخالفه في وقت اخر، فيجيب على ما يعرفه في الوقت منه ويذكره، وليس ذلك تناقضا ولا إحالة (2) ، ولكنه قول صدر عن حالين مختلفين (3) ، يعرض أحدهما في وقت والأخر في غيره.
مذاهب النقاد للرجال: مذاهب غامضة دقيقة
ومذاهب النقاد للرجال (ا) : مذاهب غامضة دقيقة: فإذا سمع أحدهم في بعضهم أدنى مغمز-وإن لم يكن ذلك موجبا رد خبر ولا إسقاط عدالة - رأى أن ذلك مما لا يسع إخفاؤه عن أهله، رجاء إن كان صاحبه حيا أن يحمله ذلك على الارعواء وضبط نفسه عن الغميزة، وإن كان ميتا أنزله من سمع ذلك منه منزلته، فلم يلحقه ملحق من سلم من تلك الغميزة، وقصربه على درجة مثله. ومنهم من رأى أن ذكره ذلك، لينظر: هل له من أخوات؟ فإن أحوال الناس وطبائعهم جارية على إظهار الجميل وإخفاء ما خالفه، فإذا ظهر مما خالفه شيء، لم يؤمن أن يكون وراءه له مشبه (2) . وأما شرط "الصحيحين " فقد ذكر الأئمة أن البخارى ومسلما لم ينقل عن واحد منهما أنه قال: شرطت أن أخرج في كتابي ما يكون على الشرط الفلاني، وإنما عرف ذلك من سبر "كتابيهما"، واعتبر مما خرجاه (3) ، وللأئمة في ذلك أجوبة.
اخر الرساله
ومن قال (1) : هو الحديث المسند الذي يتصل سنده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، إذا قيل له (2) : قد خرج في الصحيح " عن فلان (3) ، وقد قيل فيه كذا وكذا؟ يقول: هوعند من احتج به في "صحيحه " عدل ضابط، ويجيب عماقيل فيه بنحو مما قدمناه، والله عز وجل أعلم. اخره، الحمد الله حق حمده، وصلواته على خيرته من خلقه محمد نبيه وعبده، وعلى أهله وأصحابه من بعده، وسلم تسليما كثيرا كثيرا كثيرا، حسبنا الله وبعم الوكيل. ***** يقول العبد الضعيف عبد الفتاح بن محمد أبو غذة: فرغت من خدمة هذه الرسالة والتعليق عليها صباح يوم السبت 25 من ذي القعدة سنة 1408 في مدينة الرياض، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. ***
تتمة في بيان قول الإمام أبي حاتم الرازي في الراوي: يكتب حديثه ولا يحتج به
تتمة في بيان قول الإمام أبي حاتم الرازي في الراوي: يكتب حديثه ولا يحتج به تقدم في فاتحة هذه الرسالة ص 37، -في الأسئلة الموجهة إلى الحافظ المنذري رحمه الله تعالى - ذكر عبارة من أقوال الإمام أبي حاتم الرازي في الجرح والتعديل، وهي قوله رحمه الله تعالى في تضيف الراوي "يكتب حديثه ولايحتج به ". ولم يتعرض الحافظ المنذري في جوابه لخصوص هذه الجملة وبيان معناها، وقد أوردها السائل طالبا بيانه، فاردت ذكر ما يتصل بها، ولطول الكلام جعلته (تتمة) في اخر الرسالة هنا، وأرجو من الله التوفيق والسداد. هذه العبارة (يكتب حديثه ولا يحتج به) ، سال الحافظ عبد الرحمن بن أبي حاتم أباه عن تفسير مرادو منها فاجابه عن ذلك. جاء في "الجرح والتعديل " 1 /1: 133، و"تهذيب التهديب " ا: 168، في ترجمة (إبراهيم بن مهاجر البجلي الكوفي) ما يلي: "قال أبوحاتم: ليس بالقوي، هووحصين وعطاء بن السائب قريب بعضهم من بعض، ومحلهم عندنا محل الصدق، يكتب حديثهم ولا يحتج به. قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: قلت لأبي: ما معنى (لا يحتج به) ؟ قال: كانوا قوما لا يحفظون، فيحدثون بما لا يحفظون، فيغلطون، ترى في أحاديثهم اضطرابا ما شئت ". انتهى. فبين أبوحاتم في إجابته لابنه: السبب في أنه لا يحتج بحديثهم، وهو ضعف حفظهم، واضطراب حديثهم.
وفسر الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى، في بعض المواضع من كتبه قول أبي حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، فقال في "الصارم المسلول على شاتم الرسول) ص 577: "قال أبوحاتم 2/3: 2 29 في (محمد بن طلحة التيمي) : محله الصدق، يكتب حديثه ولا يحتج به. ومعنى هذا الكلام أنه يصلح حديثه للاعتبار والاستشهاد به، فإذا عضده اخر مثله جاز أن يحتج به، ولا يحتج به على انفراده". انتهى كلام الشيخ ابن تيمية مصححا. وعند تحقق وصف الراوي بضعف حفظه واضطراب حديثه: لا يحتج به، كما قاله أبوحاتم وغيره، وكما شرحه الشيخ ابن تيمية أيضا. ولكن هل كل من قال فيه أبوحاتم: (يكتب حديثه ولا يحتج به) ، أوقال فيه: (لا يحتج به) ، هل هوحقيقة لا يحتج به أم ينازع أبوحاتم في هذا الحكم على الراوي، فلا يعمل بحكمه هذا فيه لعدم تحقق ما يقتضيه في الراوي؟ الذي يبدو من تتبع النقاد لأقوال أبي حاتم الرازي هو الشق الثاني: ا - قال الحافظ الذهبي في "سير أعلام النبلاء" 13: 260، في ترجمة (أبي حاتم) : "إذا وثق أبوحاتم رجلا فتمسك بقوله، فإنه لا يوثق إلا رجلا صحيح الحديث، لاذا ليق رجلا أوقال فيه: لا يحتج به، فتوقف حتى ترى ما قال غيره فيه، فإن وثقه أحد، فلا تبن على تجريح أبي حاتم، فانه متعنت في الرجال، قد قال في طائفة من رجال "الصحاح ": ليس بحجة، ليس بقوي، أونحوذلك ". انتهى. 2 - قال الشيخ ابن تيمية: "وأما قول أبي حاتم - في أبي صالح باذام - يكتب حديثه ولا يحتج به، فابوحاتم يقول مثل هذا في كثير من رجال "الصحيحين"، وذلك أن شرطه في التعديل صعب، و (الحجة) في اصطلاحه ليس هو (الحجة) في اصطلاح جمهور أهل العلم ". انتهى من "مجموع فتاوى ابن تيمية" 24: 350. 3- وجاء في "هدي الساري " 2: 59ا، في ترجمة (محمد بن جعفر
المعروف بغندر) : "روى له الجماعة، أحد الأثبات المتقنين من أصحاب شعبة، اعتمده الأئمة كلهم حتى قال علي بن المديني: هوأحب الى من عبد الرحمن بن مهدي في شعبة، وقال ابن المبارك: إذا اختلف الناس في شعبة فكتاب غندر حكم بينهم لكن قال أبو حاتم: يكتب حديثه عن غير شعبة ولا يحتج به! قلت - القائل ابن حجر-: أخرج له البخاري عن شعبة كثيرا، وأخرج له حديثا عن معمر، واخر عن عبد الله بن سعيد بن أبي هندة، توبع فيهما، وروى له الباقون ". انتهى كلام ابن حجر، وفي هذا رد صريح لقول أبي حاتم: (يكتب حديثه عن غير شعبة ولايحتج به) . 4 - وجاء أيضأ في "هدي الساري " 2: 162، في ترجمة (محمد بن أبي عدى البصري) : اروى له الجماعة، من شيوخ أحمد، قال عمرو بن علي -الفلاس-: أحسن عبد الرحمن بن مهدي الثناء عليه، وقال أبوحاتم والنسائي وابن سعد: ثقة. وفي االميزان " أن أبا حاتم قال: "لا يحتج به ". فينظر في ذلك. وأبوحاتم عنده عنت، وقد احتج به الجماعة". انتهى. 5 - ونقل الحافظ الزيلعي رحمه الله تعالى، في "نصب الراية" 2: 439 عن ابن أبي حاتم - في "الجرح والتعديل " 4 / 1: 383 - عن أبي حاتم قوله في (معاوية بن صالح الحضرمي الحمصي ثم الأندلسي) : "لا يحتج به "، ثم تعقبه بقول الحافظ ابن عبد الهادي في "التنقيح ": "قول أبي حاتم: لا يحتج به، غير قادح، فإنه لم يذكر السبب، وقد تكررت هذه اللفظة منه في رجال كثيرين من أصحاب الصحيح، الثقات الأثبات من غيربيان السبب، كخالد الحذاء وغيره. ومعاوية بن صالح ثقة صدوق، وثقه أحمد وابن مهدي وأبوزرعة، وقال ابن أبي حاتم: سالت أبي عنه، فقال: حسن الحديث، صالح الحديث. واحتج به مسلم في "صحيحه"، ولم يرو شيئا خالف فيه الثقات. وكون يحيى بن سعيد كان
لا يرضاه، غير قادح فيه، فإن يحيى شرطه شديد في الرجال، ولذلك قال: لولم أرو الاعمن أرضى ما رويت الا عن خمسة". 6 - وجاء في "الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم 2/1: 353، في ترجمة (خالد الحذاء: خالد بن مهران البصري) : (سمعت أبي يقول: خالد الحذاء يكتب حديثه ولايحتج به ". انتهى. وأورد ابن أبي حاتم قبل هذا في الترجمة نفسها "قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله -أحمد بن حنبل - يقول: خالد الحذاء ثبت. قال عبد الرحمن - ابن أبي حاتم -: ذكره أبي، عن إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين أنه قال: خالذ الحذاء ثقة". انتهى. وجاء في "تهذيب التهذيب، 3: 121، في ترجمة (خالد الحذاء) زيادة على ما تقدم من التوثيق: "وقال النسائي: ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة مهيبا كثير الحديث. وذكره ابن حبان في "الثقات ". وقال العجلي: بصري ثقة. وقرأت بخط الذهبي: ما خالد في الثبت بدون هشام بن عروة وأمثاله. وحكى العقيلي في "تاريخه " -أي كتاب الضعفاء 2: 4 - من طريق يحيى بن ادم، عن أبي شهاب، قال: قال لي شعبة: عليك بحجاج بن أرطاة ومحمد بن إسحاق، فانهما حافظان، واكتم على عند البصريين في خالد الحذاء وهشام. قال يحيى: وقلت لحماد بن زيد: فخالد الحذاء؟ قال: قدم علينا قدمة من الشام، فكانه أنكرنا حفظه. وقال عباد بن عباد: أراد شعبة أن يقع في خالد فاتيته أنا وحماد بن زيد، فقلنا له: مالك؟ أجننت؟! وتهددناه فسكت. وحكى العقيلي من طريق أحمد بن حنبل: قيل لابن علية في حديث كان خالد يرويه، فلم يلتفت إليه ابن علية، وضعف أمر خالد. قلت - القائل ابن حجر-: والظاهر أن كلام هؤلاء فيه، من أجل ما أشار إليه
حماد بن زيد، من تغير حفظه باخره، أو من أجل دخوله في عمل السلطان، والله أعلم ". انتهى كلام ابن حجر في "تهذيب التهذيب ". فلم يلتفت الحافظ الذهبي ولا ابن حجر هنا وفي "تقريب التهذيب "، إلى قول أبي حاتم فيه، كيف وقد وثقه المعروفون بالتشدد، كابن معين والنساني، كما وثقه أحمد والعجلى. وقال الحافظ الذهبي في "تذكرة الحفاظ " ا: 149، في ترجمة (خالد الحذاء) : "هو الحافظ الثبت، محدث البصرة، حدث عنه محمد بن سيرين شيخه، وشعبة، وبشر بن المفضل، وأبو إسحاق الفزاري، وسماعيل بن علية، وسفيان بن عيينة، وخلق. وثقه أحمد بن حنبل وابن معين، واحتج به أصحاب الصحاح. وقال أبوحاتم: لا يحتج به. مات سنه41 ا". انتهى. فاورد الذهبي هنا كلام أبي حاتم مورد الإنكار والنقد والاستدراك على أبي حاتم رحمهما الله تعالى. وقال الذهبي أيضا، في "الكاشف "ا: 274، في ترجمة (خالد الحذاء) : "الحافظ، ثقة إمام ". وقال أيضا في ترجمته في "المغني في الضعفاء"ا: 206 "ثقة جبل، والعجبن من أبي حاتم يقول: لا أحتج بحديثه ". -وفي نسخة من "الكاشف ": "لا يحتج به ". انتهى. واذاكان (ثقة جبلا) ، فيكون الذهب ما ذكره في "الضعفاء"إلا ليرد على أبي حاتم قوله فيه: "لا يحتج به ". 7 - وجهاء في "سير أعلام النبلاء" للذهبي 13: 81، في ترجمة الإمام أبي زرعة الرازي (عبيد الله بن عبد الكريم) ، قول الذهبي: "يعجبني كثيرا كلام أبي زرعة في الجرح والتعديل، يبين عليه الورع والمخبرة، بخلاف رفيقه أبي حاتم، فانه جراح ". 8 - وجلاء في "نصب الراية" للحافظ الزيلعي 3: 310، عقب حديث رواه (بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري) ، وأخرجه الترمذي في "جامعه " وقال:
"حديث حسن "، ورواه الحاكم في "المستدرك " وقال: "صحيح الإستاذ ولم يخرجاه " ما يلي: "قال ابن القطان في كتاب " الوهم والإيهام ": اختلف الناس في (بهز بن حكيم) ، فحكى ابن أبي حاتم - في "الجرح والتعديل" 1 / 1: 430 - عن أبيه: أنه شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به، وعن أبي زرعة أنه قال فيه: صالح ولكن ليس بالمشهور، وجعله الحاكم في أقسام الصحيح المختلف فيه. وقول أبي حاتم: لا يحتج به. لا ينبغي أن يقبل إلا بحجة، وبهز ثقة عند من علمه، وقد وثقه ابن الجارود والنساثي، وصحح الترمذي روايته عن أبيه، عن جده (1) . وقال ابن عدي: روى حديثه ثقات الناس كالزهري، ولم أر له حديثا منكرا، وأرجو أنه إذا حدث عنه ثقة فلا باس بحديثه، وقال أبوجعفر السبتي: إسنا بهز عن أبيه، عن جده صحيح ". انتهى كلام الحافظ الزيلعي. قال عبد الفتاح: وقد وثقه أيضا يحيى بن معين وابن المديني، وحسبك بهما، كما نقله عنهما ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " ا: ا: 430، في ترجمة (بهز) وجاء في "تهذيب التهذيب " ا: 498، في ترجمة (بهز) أيضا، زيادة على ما تقدم من التوثيق: "وقال النسائي: ثقة، وقال أبوداود: هو عندي حجة، وقال ابن حبان: كان يخطىء كثيرا، فاما أحمد واسحاق هما يحتجان به. . .، وقال الترمذي: هوثقة عند أهل الحديث، وقال ابن قتيبة - في "المعارف " ص 482 -: وكان من خيار الناس ". انتهى.
قلت: وقد يقتصر أبو حاتم على قوله في بعض الرواة: (يكتب حديثه) ، فيكون عنده أقوى ممن قال فيه: (يكتب حديثه ولا يحتج به) . جاء في "الجرح والتعديل " 2/4: 14، في ترجمة (الوليد بن كثير المزني) قوله فيه: "شيخ يكتب حديثه ". انتهى. ونقله الذهبي في ترجمته في "الميزان " 4: هـ 34، وعلق عليه فقال: "الوليد بن كثير المزني، روى له النسائي، وثق، وقال أبوحاتم: يكتب حديثة، مع أن قول أبي حاتم هذا ليس بصيغة توثيق، ولا هوبصيغة إهدار". انتهى كلام الذهبي. قلت: (ليس بصيغة توثيق) لأن من قيل فيه ذلك ضعيف نازل عن رتبة الاحتجاج بحديثه، و (لا هو بصيغة إهدار) لأنه ليس ضعيفا جدا، بحيث لا يصلح حديثة للمتابعات والشواهد، بل يكتب حديثه لصلاحيته لذلك، فهو بمثابة قولهم في المرتبة السادسة اخر مراتب التعديل المشعر بالقرب من التجريح: (يعتبر به) ، ويقابله قولهم في المرتبة الرابعة من مراتب الجرح: (لا يكتب حديثه) قال عبد الفتاح: ولعل في هذا الذي قدمته من كلام الأئمة النقاد، حول عبارة الإمام أبي حاتم الرازي رحمه الله تعالى، ما يفيد الجواب عن سؤال السائل عنها في فاتحة هذه الرسالة، والله الهادي إلى الصواب. وفي الحقيقة أن ألفاظ الجرح والتعديل في كتاب "الجرح والتعديل "، للإمام أبي حاتم وابنه رحمهما الله تعالى، تحتاج إلى استقراء تام وجمع وتصنيف، ثم استخلاص ما يشير إليه كل لفظ من تلك الألفاظ، حتى تضبط اصطلاحاتهما فيه، وأرجو من الله تعالى أن يوفق لذلك فطنا ذكيا، وحاذقا ألمعيا، فيفرزها ويصنفها على أحسن وجه وأدقه وأوفاه، فيقدم لخدمه السنة المطهرة محبيها لبنه تزيد فى اكتمال صرحها وايفاء شرحها، والله ولى التوفيق.