جهود علماء المسلمين في نقد الكتاب المقدس من القرن الثامن الهجري إلى العصر الحاضر "عرض ونقد"

رمضان الدسوقي

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين. ثم أما بعد: فلقد جاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - على فترة من الرسل بنور وكتاب مبين، فأقام دولة وأسس أمة وربى رجالاً بذلوا أرواحهم في سبيل الله من أجل رفعة دينه فرحمة الله عليهم من سلف صالح ولله در من تبعهم من خلف. أولئك الذين رفعوا لواء الإِسلام وكان دين الواحد منهم لحمه ودمه؛ بل أغلى عنده من نفسه، فوقف يدافع عنه ضد الهجمات التى يشنها أعداء الإِسلام، ولازالوا يناصبونه العداء. فمن يا تُرى وراء تلك الهجمات؟ إنهم اليهود والنصارى على حد سواء في في القديم والحديث وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)} (¬1). فاليهود إذن أشد حقدًا على الإِسلام والمسلمين، لأن النبوة الخاتمة لم تأت من نسل يعقوب الأعجمى، كما كانوا يريدون، ولكنها أتت من نسل إسماعيل العربي، وتلك هي البداية التي دفعتهم لتحريف كل كلمة تشير إلى العرب وأفضليتهم أو إلى النبي الخاتم - صلى الله عليه وسلم - الذي عرفوا صفته من كتبهم كما يعرفون أبناءهم فقال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (¬2) فحرفوا ما يدل عليه من كلمات وبشارات وزيفوا التاريخ وبدلوا الحقائق على هذا الأساس. وعند تتبع تاريخ بنى إسرائيل وموقفهم من الإِسلام يقف الباحث على حقيقة هامة وهي: أنه قد آمن منهم من آمن عن طواعية واختيار، ورغبة في العدل والخير، وكائن سماحة الإِسلام السبب المبَاشر في إسلامهم، وبقي من بقى منهم على يهوديته أو نصرانيته عصبية وحقدًا على المسلمين. ¬

_ (¬1) سورة البقرة: الآية: (120) (¬2) سورة البقرة: الآية (146).

فهؤلاء الذين أصروا على كفرهم وعنادهم استمرءوا تحريف ما بين أيديهم من كتب على مر العصور، وقد بين ذلك القرآن الكريم فقال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (¬1). وقد شهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - حادثة تدل على أنهم يحرفون الكلم من بعد مواضعه وهي حادثة الرجل اليهودي الذي أخفى آية الرجم بن التوراة بيديه حتى لا يُطبق حد الرجم علي من أخطأ, فقد جاء في الحديث: "أُتي رسول الله بيهودي ويهودية قد أحدثا جميعًا، فقال لهم: ما تجدون في كتابكم؟ قالو إن أحبارنا أحدثوا تحميم الوجه والتحبية، قال عبد الله بن سلام (¬2) ادعهم في يا رسول الله بالتوراة، فأتى بها فوضع أحدهم يده على آية الرجم وجعل يقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له ابن سلام: ارفع يدك فإذا آية الرجم تحت يده فأمر بها رسول الله فرجما" (¬3). وتوالت الأحداث وكلما مر عهد حرف اليهود والنصارى وغيروا وبدلو وزادوا وأنقصوا، وكلما يطبع من كتبهم نسخة تكون غير النسخة الأولي التى قبلها لما يراه رجال دينهم ومجامعهم المقدسة- في زعمهم- من حذف كلمة أو زيادة أخرى أو تبديل كلمة مكان كلمة وغير ذلك يدعون صحة كتبهم وأنها من عند الله، وليس ذلك فحسب، بل وجهوا نقدهم للإسلام ورسوله وكتابه وأثاروا حوله الشبه والشكوك، ولكن الله عَزَّ وَجَلَّ حافظ كتابه من التبديل والتغيير فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (¬4) وقال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (¬5). ¬

_ (¬1) سورة المائدة: الآية: (13). (¬2) هو: عبد الله بن الحارث، أبو يوسف من ذرية يوسف عليه السلام، حليف النوافل من الخزرج الإسرائيلي الأنصاري, كان حليفًا لهم وكان من بني قينقاع، كان اسمه الحصين فغيره النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عبد الله، وكان يهودياً فأسلم، مات سنة 43 هجرية (انظر: الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني 6/ 108 - 110, طبعة مكتبة الكليات الأرهرية, ط1, 1396هـ/1976م). (¬3) أخرجه البخاري في كتاب المحاربين, باب الرجم في البلاط 4/ 177 ط / دار إحياء الكتب العربيه, الحلي, والتحميم هو تسويد الوجة بالفحم, والتحبسيه أن يضم الإنسان رجيله إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ويشد عليه (النهاية في غريب الحديث والأثر , لابن الأثير: 1/ 335 , 444، طبعة دار إحياء التراث العربي؛ بيروت). (¬4) سورة فصلت: الآيتان (41، 42). (¬5) سورة الحجر: الآية (9).

سبب اختياري لهذا الموضوع

فهيأ الله عَزَّ وَجَلَّ لدينه من يدافع عنه وكان من العلماء من تصدي لهذه الشبه- فترة البحث- فرد عليها وبين بطلانها، من هؤلاء شيخ الإِسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والامام الألوسي وغيرهم. ومن العلماء من جعل اليهود والنصارى ينشغلون بأنفسهم وبما تحت أيديهم من كتب لا سند لها ومشكوك في صحة نسبتها إلى كاتبيها فوجه نقده إليها بموضوعية وحيدة تامة ونزاهة واضحة، من هؤلاء العلماء العلامة رحمة الله الهندي والعلامة أحمد ديدات والعلامة الباجه جى زادة البغدادي وغيرهم ممن يمثلون علامات بارزة في تاريخ أمتنا الإِسلامية- فترة البحث- أولئك الذين اهتموا بدراسة الكتاب المقدس سندًا ومتنًا وبيان مكانته من الصحة أو عدمها وكان لكل واحد من هؤلاء منهجه وأسلوبه المتميز في النقد، ويجمعهم منهج مشترك ووجهة واحدة نجعلهم في خندق واحد أمام الحروب الفكرية التي يتزعمها اليهود والنصارى. سبب اختياري لهذا الموضوع: إبراز جهود أعلام الفكر الإِسلامي في نقد الكتاب المقدس، وذلك اعترافًا بفضلهم وإشادة بحهودهم، وتعريف المسلمين- لا سيما الباحثين منهم- قدر هؤلاء العلماء والقيمة العلمية لمؤلفاتهم في هذا الجانب.

نبذة عن الدراسة السابقة على موضوع البحث.

نبذة عن الدراسة السابقة على موضوع البحث. هناك دراسة سابقة على هذا الموضوع في جامعة الأزهر فرع المنصورة وهي رسالة الدكتوراه الخاصة بالدكتور ياسر أبو شبانه الرشيدى وتحمل العنوان التالي: جهود علماء المسلمين في نقد الكتاب المقدس من القرن الأول الهجري إلى نهاية القرن السابع الهجري" عرض ونقد" 1 - وقد تحدث فيها أولاً عن حديث القرآن الكريم عن التوراة والإنجيل وأثرة في الحركة النقدية مبينا أن القرآن الكريم هو النبع الصافي الذي استقى منه المسلمون الأوائل أصول علومهم ومبادئ معارفهم، من هذه العلوم والمعارف علم مقارنة الأديان، إذا أنه لم يسهم عالم مسلم بنصيب في هذا المجال إلا وكان القرآن الكريم دافعه الأول ومحركه الأساسي لإنجاز دراسته. 2 - بيَّن في دراسته المنهج القرآني في مخاطبة أهل الكتاب وكيف تدرج القرآن الكريم في ذلك على مرحلتين. أ - المرحلة المكية وقد اتسمت هذه المرحلة بالحديث عن الكتب السابقة وبيان مضمونها، والغاية من إنزالها، وذكر البشارة بالنبي صلى الله علية وسلم فيها، وبين موقف أهل الكتاب مما أنزله الله عليهم، وأنهم قد انحرفوا وحادوا عن الصراط المستقيم، وقد بين القرآن في هذه المرحلة أن الكتب السماوية كلها تنبثق عن أصل واحد، وأن هذه الكتب دليل على صدق القرآن الكريم وصحة النبوة الخاتمه كل ذلك على سبيل الإجمال. ب- المرحلة المدنية وفيها تم تفصيل ما أجمل في المرحلة المكية، وخاصة قضية التحريف بأنواعه المختلفة ومن أبرز سمات القرآن فيها أنها تبين سوء مسلك أهل الكتاب مع كتاب الله المنزل إليهم كفروا به ونبذوه وراء ظهورهم. 3 - تحدث عن أهم المؤلفات في نقد الكتاب المقدس وقسمها إلى مرحلتين: الأولى: بعض المؤلفات من القرن الثاني الهجري حتى نهاية القرن الرابع الهجرى وتتميز هذه المرحلة بسيطرة النزعة العقلية على هذه المؤلفات وأرجع ذلك إلى الخلفية الفكرية لأصحابها وقد استوعب في هذه المرحلة بعض المؤلفات بالعرض والتحليل.

الثانية: بعض المؤلفات من القرن الخامس حتى نهاية القرن السابع وقد بين أن هذه المرحلة قد شهدت تحولًا كبيررًا في منهج علماء المسلمين في مجادلة أهل الكتاب، وقال إن أبرز سمات هذه المرحلة الاتجاه إلى مناقشة ونقد ما يراه القوم كتابًا مقدسًا ومن ثم خفت إلى حد كبير نزعة الجدل والحوار الفلسفي والمنطق الجاف وسيطر على هذه المؤلفات تحليل النصوص والموازنة بينها ونقدها نقدًا علميًا سديدًا. 4 - خصص فصلًا لنقد متن العهد القديم وسنده تحدث فيه عن التناقض بين النصوص وبيَّن وقوع كتبة العهد القديم في أخطاء حسابية فادحة، وناقش النصوص التي تتناقض مع جلال الألوهية وعظمة الربوبية، والنصوص التي تقدح في عظمة الأنبياء وتحدث عن النسخ في نصوص العهد القديم والتشريعات وغير ذلك من تفريعات أخرى. 5 - ثم ذكر بعد ذلك كيف نقد علماء المسلمين سند الكتاب المقدس والأدوار التاريخية التي مر بها بنو إسرائيل وكيف كانت سببًا في ضياع التوراة والإنجيل الأصليين ومن ثم فقدان السند كل ذلك من خلال نصوص الكتاب المقدس. 6 - ثم خصص فصلًا آخر لنقد متن العهد الجديد وسنده، وسار فيه على نهج ما سار في نقد العهد في القدم مبينا كيف نقض علماء المسلمين عقائد النصارى في المسيح عليه السلام وأن العهد الجديد يحمل البشارة به - صلى الله عليه وسلم -. 7 - ثم ذكر بعد ذلك كيف نقد علماء المسلمين سند العهد الجديد من خلال كتبة أسفاره والجانب التاريخي في نقد السند وبين أثر الاضطهادات في فقدان الإنجيل المنزل من عند الله عَزَّ وَجَلَّ. 8 - وفي هذه نهاية الدراسة القيمة بين د/ ياسر أبو شبانه أهم الجوانب الأيجابية والسلبية للحركة النقدية ووضع منهجًا موضوعيًا مقترحًا للدرسات من هذا النوع يتمثل في أهمية العمل الجماعي في إخراج أبحاث متكاملة مع التأكيد على تنوع التخصصات في فريق العمل واستخدام مجالات نقدية جديدة لا تقتصر على العلوم الشرعية فقط بل تمتد إلى إلى التاريح والجغرافيا والأرصاد الجوية والطب وما يتصل به، والعلوم المتصلة بالسكان وتطوير المجتمعات البشرية.

خطة البحث

خطة البحث: وتشتمل على مقدمة وتمهيد ومدخل وقسمين وخاتمة. فالمقدمة سبق الإشارة إليها في الصفحات السابقة، والتمهيد يشتمل على المطالب التالية: - المطلب الأول: مسيرة الحركة النقدية للكتاب المقدس. - المطلب الثاني: العلاقة بين العهد القديم والعهد الجديد. - المطلب الثالث: دوافع الدراسة النقدية للكتاب المقدس. - المطلب الرابع: موقف الإِسلام من التوراة والإنجيل. القسم الأول عرض محتويات الكتاب المقدس ونقد سنده ويشتمل هذا القسم على بابين * الباب الأول: وعنوانه: نماذج من الجهود النقدية وعرض محتويات الكتاب المقدس. ويتناول بيان ما يلي: أولا: الجهودالنقدية للكتاب المقدس ثانيًا: الكتاب المقدس وعرض محتوياته. الباب الثاني وعنوانه: جهود علماء المسلمين- فترة البحث- في نقد سند الكتاب المقدس. ويشتمل هذا الباب على فصلين: • الفصل الأول: جهود علماء المسلمين- فترة البحث- في نقد سند العهد القديم. ويشتمل على ثلاثة مباحث: - المبحث الأول: نقد سند الأسفار الخمسة من العهد القديم. - المبحث الثاني: نقد سند الأسفار الأخرى من العهد القديم. - المبحث الثالث: نظرة تاريخية حول العهد القديم.

الفصل الثاني جهود علماء المسلمين- فترة البحث- في نقد سند العهد الجديد

الفصل الثاني جهود علماء المسلمين- فترة البحث- في نقد سند العهد الجديد ويشتمل هذا الفصل على ثلاثة مباحث: - المبحث الأول: نقد سند الأناجيل الأربعة "متي، مرقس، لوقا، يوحنا". - المبحث الثاني: نقد سند الأسفار الأخرى من العهد الجديد. - المبحث الثالث: نظرة تاريخية حول العهد الجديد. القسم الثاني نقد متن الكتاب المقدس ويشتمل هذا القسم على بابين: * الباب الأول: جهود علماء المسلمين- فترة البحث- في نقد متن العهد القديم. ويشتمل هذا الباب على أربعة فصول: • الفصل الأول: جهود علماء المسلمين- فترة البحث- في نقد العقائد في العهد القديم. ويشتمل هذا الفصل على سبعة مباحث: - المبحث الأول: نقد أنوع التوحيد في العهد القديم. - المبحث الثاني: نقد عقيدة الإيمان بالملائكة ووجود الجن في العهد القديم. - المبحث الثالث: نقد موقف العهد القديم من الكتب المقدسة. - المبحث الرابع: نقد عقيدة الإيمان بالنبوة والأنبياء في العهد القديم. - المبحث الخامس: نقد عقيدة الإيمان باليوم الآخر في العهد القديم. - المبحث السادس: نقد عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر في العهد القديم. - المبحث السابع: نقد عقيدة أرض الميعاد في العهد القديم. • الفصل الثاني: جهود علماء المسلمين- فترة - البحث- في نقد التشريعات في العهد القديم. ويشتمل هذا الفصل على خمسة مباحث: - المبحث الأول: نقد التشريعات الخاصة بالطهارة والنجاسة في العهد القديم. - المبحث الثاني: نقد التشريعات الخاصة بالكهنة والقرابين في العهد القديم.

الباب الثاني نقد متن العهد الجديد

- المبحث الثالث: نقد التشريعات الخاصة بالأسرة والزواج في العهد القديم. - المبحث الرابع: نقد التشريعات الخاصة بغير اليهود في العهد القديم. - المبحث الخامس: نقد التشريعات الخاصة بالجرائم والعقوبات في العهد القديم. • الفصل الثالث: جهود علماء المسلمين- فترة البحث- في نقد السلوكيات الأخلاقية في العهد القديم. ويشتمل هذا الفصل على خمسة مباحث: - المبحث الأول: نقد المادية في أخلاق اليهود في العهد القديم. - المبحث الثاني: نقد العدوانية في أخلاق اليهود في العهد القديم. - المبحث الثالث: نقد الانحلال الخُلقي في العهد القديم. - المبحث الرابع: نقد الغدر والخيانة في العهد القديم. - المبحث الخامس: نقد الكذب والسرقة في العهد القديم. الباب الثاني نقد متن العهد الجديد ويشتمل هذا الباب على ثلاثة فصول: ° الفصل الأول: جهود علماء المسلمين- فترة البحث- في نقد العقائد في العهد الجديد ويشتمل هذا الفصل على ستة مباحث: المبحث الأول: نقض عقيدة ألوهية المسيح في العهد الجديد. المبحث الثاني: نقض عقيدة بنوة المسيح في العهد الجديد. المبحث الثالث: نقض عقيدة ألوهية الروح القدس في العهد الجديد. - المبحث الرابع: نقض عقيدة التثليث في العهد الجديد.

الخاتمة

-المبحث الخامس: نقض عقيدة الحلول والاتحاد في العهد الجديد. -المبحث السادس: نقض عقيدة الصلب والفداء في العهد الجديد. ° الفصل الثاني: جهود علماء المسلمين- فترة البحث- في نقد الشرائع والعبادات والأخلاق في العهد الجديد. ويشتمل هذا الفصل على مبحثين: -المبحث الأول: نقد الشرائع والعبادات في العهد الجديد .. - المبحث الثاني: نقد الأخلاق في العهد الجديد. الخاتمة: ذكرت فيها النتائج التي أسفر عنها البحث وتوصيات الباحث. طريقة جمع المادة العلمية: في جمعي للمادة العلمية إلتي تكون منها البحث اتبعت ما يلي: 1 - عزوت الآيات القرآنية إلى سورها والأحاديث النبوية إلى مصادرها الأصلية. 2 - قمت بتعريف الأعلام الذين وجدت لهم سيرة ذاتية في كتب التراجم وغيرها وكذا الأماكن والبلدان من المصادر المعتبرة. 3 - طريقة العزو إلى المصادر، أقوم بذكر المصدر ثم المؤلف ورقم الصفحة ورقم الجزء والصفحة إن كان المصدر له أكثر من جزء ثم الطبعة ورقمها وتاريخها إن وجد. 4 - بينت معانى معظم الألفاظ الغريبة أو الأعجمية التي وردت في البحث.

منهج البحث

5 - خرجت نصوص الكتاب المقدس فذكرت اسم السفر ثم رقم الإصحاح ورقم الفقرات فيه ثم عنوان الإصحاح. 6 - عندما يذكر أحد المؤلفين نصًا من نسخة قديمة للكتاب المقدس فإذا كان مطابقًا للنسخة البروتستانتية التي بين يديّ أذكر اسم السفر مباشرة وإذا لم يكن موجودًا بالنص ولكن وجد بالمعنى أو بألفاظ متقاربة أو متغيرة أو محرفة أقول قبل كتابة اسم السفر انظر: ثم أذكر اسم السفر والنص من النسخة التي اعتمدت عليها غالبًا. 7 - عالجت القضايا التي تناولها البحث معالجة علمية بالأدلة العقلية والنقلية وسرت مع ما ذكره علماء المسلمين من آراء نقدية مسترشدًا بذلك في الحكم على القضايا التي تناولها البحث بالنقد والتحليل. منهج البحث: استخدمت في إعداد البحث المناهج التالية: 1 - المنهج الاستنباطى (¬1) كأداة أساسية لربط المقدمات بالنتائج عن طريق التأمل والملاحظة لاستخلاص الحكم النهائي من الأدلة التي أستشهد بها في كل قضية من قضايا البحث. 2 - المنهج الاستقرائى (¬2) كأداة أساسية لتتبع الجزئيات في القضية الواحدة من جميع مطالب البحث للوصول إلى رؤية شاملة وعامة عنها. 3 - المنهج التاريخي (¬3) كأداة لربط النصوص ببعضها عند استرجاع أحداثها ومعرفة مدى توفر الشروط اللازمة في توثيق هذه النصوص ومدى صحة نسبتها التي قائليها ومعرفة زمن كتابتها وأيضًا التسلسل التاريخي للأحداث. ¬

_ (¬1) هو: الذي يربط العقل فيه بين المقدمات والنتائج أو بين الأشياء وعللها، على أساس المنطق والتأمل الذهني، فهو يبدأ بالكليات ليصل منها إلى الجزئيات (انظر: البحث العلمي مناهجه وتقنياته: د/ محمَّد زيان عمر، ص 32، ط/ جدة بالسعودية، 1394 هـ). (¬2) هو: الذي يبدأ بالجزئيات ليصل منها إلى قوانين عامة، المرجع السابق، ص 32. (¬3) هو: الذي يعني بفهم الماضي ومحاولة فهم الحاضر على ضوء الأحداث والتطورات الماضية، ويعتمد في ذلك على الوثائق ونقدها (انظر: محاضرات في البحث الأدبي: د/ فاطمة المرسى جوهر، ص 48، طبعة 1996م.

التمهيد

التمهيد ويشتمل على المطالب التالية: المطلب الأول: مسيرة الحركة النقدية للكتاب المقدس. المطلب الثاني: العلاقة بين العهد القديم والعهد الجديد. المطلب الثالث: دوافع الدراسة النقدية للكتاب المقدس. المطلب الرابع: موقف الإِسلام من التوراة والإنجيل.

المطلب الأول مسيرة الحركة النقدية للكتاب المقدس

المطلب الأول مسيرة الحركة النقدية للكتاب المقدس إن الجذور التاريخية لنقد الكتاب المقدس، تمتد التي عمق الزمن، حيث مدرسة الاسكندرية الفلسفية، التي دخلت في صراع فكرى مع اليهود، حول العلاقة بين العقل والنقل، وأيهما يسبق الآخر (¬1). وعندما تتبعت هذه المسيرة في مؤلفات علماء المسلمين، وجدت الفضل فيها أولا، يرجع إلى علماء الغرب، في القرن التاسع الميلادي، حيث بدأ نقد العهد القديم، على يد المؤلف اليهودي "حيوي البلخي"، وقد ظهرت بعده مؤلفات متفرقة هنا وهناك (¬2). ثم نشطت حركة النقد ابتداءً من القرن السابع عشر الميلادي، وقام القسيس الفرنسى" ريتشارد سيمون" ووضع كتابًا موجها التي "اسبينوزا" (¬3) نقد فيه الكتاب المقدس نقدًا عنيفًا، ثم قدم اسبينوزا نقده الشامل في كتابه "رسالة في اللاهوت والسياسة"، وفي القرن الثامن عشر، حمل لواء النقد فولتير (¬4). وبعد هذه الفترة، توالى علماء الغرب في نقد الكتاب المقدس، حيث أخضعوه للدراسات النقدية، وتوالت العصور ودام الصراع بين الكنيسة والمحتجين عليها الخارجين على أحكامها، وكثرت المؤلفات النقدية الغربية للكتاب المقدس. ¬

_ (¬1) انظر: النصوص المقدسة في الأديان الثلاثة: د/ سيد عبد التواب، ص 209, ط/ دار الطباعة المحمدية، 1982 م. (¬2) انظر: اليهود واليهودية والصهيونية، د/ عبد الوهاب المسيري، 5/ 101 - 102، ط/ دار الشروق، 1968 م. (¬3) هو: فيلسوف هولندي، ولد سنة 1632 م طردته الجالية اليهودية بأمستردام من مجمع اليهود، من مؤلفاته البحث اللاهوتي السياسى، ت 1677 م، (انظر الموسوعة الفلسفية، م روزينتال، ي يودين، ت سمير كرم، ص 242، ط / دار الطليعة بيروت، ط / 2، 1980 م). (¬4) فولتير: كاتب فرنسى، وفيلسوف ومؤرخ، أحد زعماء حركة التنوير الفرنسية، تعلم في الكلية اليسوعية، ولد سنة 1694 م، وتوفي سنة 1778 م، (انظر: المرجع السابق، ص 357 - 358).

هذا .. وفي أثناء هذه الحركة النقدية، وبعد أن جاء الإِسلام، وعرف المسلمون كيف حرف اليهود والنصارى، ما بين أيديهم من كتب، عن طريق ما ورد في القرآن الكريم، حيث يخبر رب العزة سبحانه وتعالي عن وجود التحريف في التوراة والإنجيل في آيات كثيرة، منها: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (¬1). وفتح باب الحوار بين المسلمين وأهل الكتاب، وكان للجدل المديني أهميته القصوى في العلاقة بينهم، وذلك من أجل مد جذور التواصل لطريق الهداية إلى الإِسلام، وقد وضعت الأسس الإِسلامية لهذا الجدال في قوله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (¬2) وقوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (¬3). فلما جاء عصر التدوين، في منتصف القرن الثاني الهجري، وبدأ المسلمون يكتبون في الفقه والتفسير والحديث، واليهودية والنصرانية (¬4) وغير ذلك، نشطت الحركة النقدية بعد ذلك على يد عمالقة الفكر الإِسلامى، وكثرت المؤلفات التي تهتم بدراسة الكتاب المقدس، من هذه المؤلفات: 1 - الرد على النصارى لأبي عثمان الجاحظ، ت 255 هـ. 2 - كتاب التوحيد لأبي منصور الماتريدي، ت 333 هـ. 3 - رسالة الحسن بن أيوب، ت 378 هـ. 4 - التمهيد للقاضى أبو بكر الباقلاني، ت 403 هـ. 5 - الفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم الأندلسي، ت 456 هـ. 6 - شفاء العليل في بيان ما وقع في التوراة والإنجيل من التبديل، لأبي المعالى الجوينى، ت 589 هـ. ¬

_ (¬1) سورة المائدة: الآية (13). (¬2) سورة العنكبوت: الآية (46). (¬3) سورة آل عمران: الآية (64). (¬4) اليهوديه: د/ أحمد شلبى، صـ27, ط/مكتبة النهضة المصرية، ط/7 - 1984م

7 - النصيحة الإيمانية في فضيحة الملة النصرانية، للمهتدي نصر بن يحيي، ت 589 هـ. 8 - الرد على النصارى، لأبي البقاء الجعفرى، ت 632 هـ. 9 - الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة، للقرافي، ت 684 هـ. وغير ذلك من المؤلفات، وهناك من الدراسات الحديثة من استوعب هذه المؤلفات وغيرها، بالعرض والتقويم (¬1). وتواصلا لهذه المسيرة تابع هؤلاء العلماء في نقد الكتاب المقدس، علماء فترة البحث وسوف أتناول مؤلفاتهم بإذن الله تعالى بالعرض والتقويم (¬2) بداية من القرن الثامن الهجري التي العصر الحاضر، وذلك من أجل إبراز الجهود النقدية القيمة لهؤلاء العلماء تكملة للفترة السابقة. والجدير بالذكر، أن ما قام به علماء فترة البحث من جهود، ما هو إلا امتداد لتلك الحركة النقدية التي سبقت، غربية كانت أو إسلامية، فقد استفادوا من كتب السابقين عليهم في هذا المجال، وكان علماؤنا الأجلاء في نقدهم، بين متأثر بمن سبقه وبين مجتهد له رؤيته الخاصة، التي تتميز بالإبداع والابتكار في الأسلوب والطريقة النقدية، فكان معظم من نقد الكتاب المقدس، من علماء المسسلمين له رؤيته النقدية التي يتميز بها عن غيره، ولذلك تعددت هذه الرؤى تبعًا لتعدد مشارب العلماء وثقافاتهم المختلفة. ¬

_ (¬1) مثل: كتاب، النصوص المقدسة في الأديان الثلاثة: "دراسة في تاريخ الأديان" د/ سيد عبد التواب، الأستاذ بجامعة الأزهر، ومقدمة كتاب: العلامة ديدات، هل الكتاب المقدس كلام الله؟ حيث تناول فيها أ. د/ نجاح الغنيمي، الأستاذ مجامعة الأزهر، فرع البنات- تقييم كتاب إظهار الحق، وكتاب أحمد ديدات السابق ذكره، ورسالة الدكتوراه د/ ياسر أبو شبانه، "جهود علماء المسلمين في نقد الكتاب المقدس من القرن الأول الهجري حتى نهاية القرن السابع الهجري عرض ونقد". (¬2) مثل: كتاب: إظهار الحق، للعلامة رحمة الله الهندي، والجواب الصحيح، لابن تيمية، وهداية الحيارى، لابن القيم، والجواب الفسيح، للألوسى، والجوهر الفريد لأيوب بك صبري، والإِسلام للدكتور/المطعني، والفارق بين المخلوق والخالق، للبغدادي، وغير هذه الكتب كثير سيأتي ذكرهم في ثنايا البحث.

ومازالت الحركة النقدية في تطور مستمر، حيث اتجه النقاد في العصر الحديث إلى الدراسات الأكاديمية، وأنشأت الجامعات في الدول العربية والإِسلامية، الأقسام الخاصة بدراسة الأديان، واهتمت هذا التخصص الدقيق، كل ذلك من أجل بيان عظمة الإِسلام، وتميزه عن غيره، وعالميته وخلوده، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأن كتابه محفوظ من التبديل والتغيير والتحريف، فقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} (¬1). ¬

_ (¬1) سورة الحجر: الآية (9).

المطلب الثاني العلاقة بين العهد القديم والعهد الجديد

المطلب الثاني العلاقة بين العهد القديم والعهد الجديد

العلاقة بين العهد القديم والعهد الجديد: قبل عرض الجهود النقدية لعلماء المسلمين حول الكتاب المقدس سندًا ومتنًا، لا بد من إلقاء الضوء على ما قام به النقاد من علماء المسلمين، في البحث عن السبب الذي جعل النصارى يضمون العهد الجديد إلى جوار العهد القدىم في كتاب واحد، وأطلقوا عليه اسم "الكتاب المقدس" رغم ما يوجد بين اليهود والنصارى من عداوة وتناحر على مر العصور، ولذلك يتساءل كثير من الناس هل هناك علاقة بين العهدين (القديم والجديد) أم أن كلاً منهما مستقل عن الآخر؛ وما مدي اعتراف اليهود والنصارى بالكتاب المقدس جملة وتفصيلاً؟ هذا سيتضح إن شاء الله تعالى في الصفحات التالية: (يعتمد اليهود في إثبات عقائدهم واستخراج شرائعهم وعباداتهم على مصدرين أساسيين: الأول: العهد القديم أو التوراة (¬1) الكتابية. الثاني: التلمود (¬2) أو التوراة الشفهية (¬3). أما النصارى فالكتاب المقدس برمته يشكل عقائدهم وتشريعاتهم إلا أن التوراة تعد المصدر الأساسى للتشريع عند النصارى؛ لأن عيسى - عليه السلام - أعلن أنه غير ناسخ للتوراة فقد ورد في الإنجيل "لاتظنوا أني جئت لأنقض (¬4) الناموس (¬5) أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل، فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" (¬6) (¬7). ولذلك فإن عيسى عليه السلام جاء مصدقًا للتوراة في العقيدة والشريعة باستثناء بعض التعديلات والتشريعات فقال تعالى: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ} (¬8) وجاء في التوراة: "اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد" (¬9) وجاء في الإنجيل: "فجاء واحد من الكتبة وسمعهم يتحاورون فلما رأي أنه أجابهم حسنًا فسأله أية وصية هى أول الكل "فأجابه يسوع: إن أول كل الوصايا هى: ¬

_ (¬1) هي: كلمة مستعربة أصلها العبري (تورا). بمعني القانون والتعليم والشريعة والهداية والإرشاد، وقد سميت في بعض الأسفار (الناموس) وفي اليونانية سميت (بنتاتيك) أي الكتاب ذو الأسفار الخمسة، (انظر: إظهار الحق: رحمة الله الهندي، 1/ 99، ط / دار التراث العربي، 1978، واليهودية: د/ أحمد شلبي، ص 230. (¬2) هو: الكتاب الذي يحتوي على التعاليم اليهودية ويفسرها ويبسطها، وهو مأخوذ من كلمة (لامود) بالعبرية وتعني تعاليم (انظر: جذور النبلاء: أ/ عبد الله التل، ص 72 ط، المكتب الإِسلامي بيروت). (¬3) تأثر اليهودية بالأديان الوثنية: د/ فتحى محمَّد الزغبي، ص 47 ط، دار البشير ط 1، 1994م. (¬4) المناقضة: تعني المخالفة، (لسان العرب 6/ 4524) ط، دار المعارف، بدون. (¬5) هو: جبريل عليه السلام، وأهل الكتاب يسمون جبريل عليه السلام، الناموس، (لسان العرب 6/ 4547). (¬6) متي: (5/ 17 - 18) إ كمال النامرس. (¬7) انظر: التعصب الصلبى د/ عمر عبد العزيز القرشي، 2/ 22 ط /دار الاستقامة ط 1 - 1996 م. (¬8) سورة آل عمران الآية: (50). (¬9) تثنية (6/ 4) - أحب الرب إلهك-.

اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد) (¬1) وعلى هذا الأساس سار عيسى -عليه السلام -ومن كان معه وكان - عليه السلام - يزيل تشدد علماء بني إسرائيل ويصحح لهم تفسير ما اختلفوا فيه (¬2). وبهذا يتضح أن العلاقة بين العهدين علاقة تكاملية أي أن العهد الجديد جاء مكملاً لما في العهد القدم ومزيلاً لما فيه من تشدد ومصححًا لما اختلفوا فيه. وليس معني إقرار المسيح عليه السلام للعهد القديم الاتباع الحرفي لكل ما جاء في الإنجيل: "قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل ومن قتل يكون مستوجب الحكم وأما أنا فأقول لكم: إن كل من يغضب علي أخيه باطلاً يكون مستوجا الحكم" (¬3) ويقول أيضًا "قال لهم: إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم ولكن من البدء لم يكن هذا" (¬4). (هذا وقد اعتبرت الكنيسة (¬5) الأولى العهد القديم هو كاتبها المقدس حتى القرن الثاني للميلاد حيث تم جمع العهد الجديد واعتبرت منذ هذا العصر كتبًا مقدسة وقد روعى في قبولها اتفاقها مع العهد القدىم وبهذا أصبح للكنيسة عهدان مقدسان: عهد قديم وعهد جديد (¬6). والذي يؤكد تلك العلاقة الوثيقة بين العهد القديم والعهد الجديد اقتباس كتَّاب الأناجيل من التوراة وبيان ذلك كالتالي: أ. أن الله تعالى يقول لبني إسرائيل علي لسان النبي هوشع (¬7): "إني أريد رحمة لا ذبيحة" (¬8) يعني أنه لا يريد ذبائح وقرابين والقلوب قاسية على خلق الله. ب. " بينما كان عيسى - عليه السلام - في بيت متي -وهو واحد من الحواريين - جلس معه على المائدة كثيرون من الخطاة والمذنبين فلما رأي ذلك علماء بني إسرائيل استنكروا؛ لأنم كانوا يترفعون عن مخالطة هؤلاء وقالوا للحواريين: لماذا يأكل معلمكم مع العشارين (¬9) والخطاة؟ فلما سمع يسوع قال لهم: ¬

_ (¬1) مرقس: (28/ 12 - 29) الوصية العظمى. (¬2) التعصب الصليى د/ عمر عبد العزيز، 2/ 22 مرجع سابق بتصرف. (¬3) متي: (5/ 21) الغضب. (¬4) متي: (19/ 8) الزواج والطلاق، وانظر: النصوص المقدسة في الأديان الثلاثة د/سيد عبد التواب ص 72. (¬5) المراد بالكنيسة: العقيدة والمذهب والدين. يجمعهم في الاعتقاد: دستور ايمانهم المخلص من الإنجيل (مقدمة الفارق بين المخلوق والخالق- للبغدادي- ص 16، 17 ط مكتبة الثقافة الدينية تعليق د/السقا 1407 هـ -1987 م. (¬6) النصوص المقدسة في الأديان الثلاثة ص 72، 73 مرجع سابق. (¬7) هو: نبي من الأنبياء، دامت فترد نبوته أربعين سنة في القرن الثاني قبل الميلاد (قاموس الكتاب المقدس د/ بطرس عبد الملك وآخرون، ص 1005) ط دار مكتبة العائلة- القاهرة. (¬8) هرشع: (6/ 6) شعب إسرائيل غير التائب. (¬9) هم: من يتعهدون بجمع الضرائب، (قاموس الكتاب المقدس ص 629).

وخلاصة ما سبق

"لا يحتاج الأصحاء إلي طبيب بل المرضى فاذهبوا وتعلموا ما هو: إنما أريد رحمة لا ذبيحة لأني لم آت لأدعو أبرارًا بل خطاة التي التوبة (¬1) " (¬2). وهنا يظهر مدي التماثل بين النصين وإلى أي حد وصل الاقتباس من التوراة ومن ينظر في الآية "إنما أريد الرحمة لا الذبيحة" وهي من سفر هوشع يجد عيسى -عليه السلام - قد نطقها كما هى واستدل بها على المعني الخلقى الذي يريد تقريره وإذاعته في الناس فالنص الثاني مقتبس من التوراة أي منقول منها للاستشهاد به في الإنجيل (¬3). وبناء على ذلك (يقرر علماء النصارى أن الترابط الوثيق بين العهدين جعل منهما في الحقيقة كتابًا واحدًا لا ينفصل متدرجًا في الإعلان ومتنوعًا في طرق الوحى، ويصرح البعض الآخر بما يفيد أفضلية وأكملية العهد الجديد فيقرر أن في العهد القدم يستتر العهد الجديد وفي العهد الجديد ينكشف القديم وأن العهد القديم إنما كان بمثابة طريق التي غاية لم يُكشف عنها إلا في العهد الجديد) (¬4). وخلاصة ما سبق: 1 - توجد علاقة واضحة وارتباط وثيق بين العهد القديم والعهد الجديد يجعل منهما كتاباً واحداً 2 - يعتبر العهد الجديد مكملاً للعهد القديم وكاشفًا ما فيه من غموض وإبهام. 3 - رغم ما بين العهدين من علاقة أكيدة إلا أن كلاً منهما يناقض الآخر في مواضع كثيرة. 4 - اعتمد كتَّاب الأناجيل على العهد القديم حتى قيل إن العهد الجديد مقتبس من العهد القديم. ¬

_ (¬1) (1) متى: (9/ 9 - 13) دعوة متى، ويسوع لقب المسيح فقيل يسوع المسيح (قاموس الكتاب المقدس ص 1066). (¬2) اقتباسات كتَّاب الأناجيل من التوراة "بيان ونقد" د/ أحمد حجازي السقا ص 21 ط 11 مكتبة الإيمان بالمنصورة 1421 هـ 2000م. (¬3) المرجع السابق: ص 21، 22 بتصرف يسير. (¬4) النصوص المقدسة: د/ سيد عبد التواب ص 72 - 74 مرجع سابق.

المطلب الثالث دوافع الدراسة النقدية للكتاب المقدس

المطلب الثالث دوافع الدراسة النقدية للكتاب المقدس

دوافع الدراسة النقدية للكتاب المقدس: كثيرة هى الدوافع التى تكمن وراء تناول الكتاب المقدس بالنقد والتحليل، والتي كانت وراء تنوع الجهود في هذا الميدان مما أسفر عن حصيلة هائلة من الكتب إلى تضطلع بدراسة الكتاب المقدس "دراسة نقدية" من هذه الدوافع ما يلي: 1 - ما ذكره القرآن الكريم من أدلة كثيرة تخبر عن وقوع التحريف في التوراة والإنجيل فقال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)} (¬1) فقوله تعالى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} أى فسدت فهومهم وساء تصرفهم فى آيات الله وتأولوا كتابه على غير ما أنزله وحمَّلوه على غير مراده وقالوا عليه ما لم يقل عياذاً بالله من ذلك (¬2). (وكان لهذه الآيات الكريمة أثرها في حمل بعض المسلمين على دراسة معتقدات أهل الكتاب دراسة نقدية هادئة يستنبط من خلالها الأدلة الدامغة علي تحريف هؤلاء لما ورثوا، وتبديلهم لما ينبغى عليهم أن يعتقدوا، وقد قامت الدراسة علي النصوص المتوارثة عن السابقين والتي يدعى أربابها أنهم قد تلقوها خلفًا عن سلف دون تصرف بالقبض أو البسط في الوقت الذي صرحت فيه التوراة والإنجيل بأن الكتبة تصرفوا فيما كتبوا بالزيادة والنقصان ودليل ذلك: "لا يرتد غضب الرب حتى يجري ويقيم مقاصد قلبه في آخر الأيام تفهمون فهما لم أرسل الأنبياء بل هم جروا لم أتكلم معهم بل هم تنبأوا ولو وقفوا في مجلسى لأخبروا شعبى بكلامى وردوهم عن طريقهم الردىء وعن شر أعمالهم" (¬3)) (¬4). 2 - ما ذكر في السنة النبوية المطهرة من تحريف اليهود للتوراة فقد جاء في الحديث: "أتي رسول الله بيهودي ويهودية قد أحدثا جميعًا فقال لهم: ما تجدون في كتابكم؟ قالوا: إن أحبارنا أحدثوا تحميم الوجه والتحبية قال عبد الله بن سلام: ادعهم يا رسول الله بالتوراة، فأتي بها فوضع أحدهم يده على آية الرجم وجعل يقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له ابن سلام: ارفع يدك، فإذا آية الرجم تحت يده فأمر بهما رسول الله فرجما" (¬5). ¬

_ (¬1) سورة المائدة الآية: (13). (¬2) تفسير القرآن العظيم -لابن كثير2/ 33 - ط/مكتبة دار التراث -القاهرة. (¬3) أرميا: (23/ 20 - 22) غصن البر. (¬4) مقدمة المنتخب الجليل من تخجيل من حرف الإنجيل- لأبي الفضل المالكي المسعودي ص 9 والمقدمة للدكتور / بكر زكى عوض محقق الكتاب، مطبعة أولاد عثمان بالقاهرة، ط 1/ 1414 هـ، 1993 م. (¬5) سبق تخريجه ص 2.

وغير ذلك من الأحاديث التي دفعت علماء المسلمين إلى وضع الكتاب المقدس في الميزان لبيان ما حدث فيه من تحريف وتبديل. 3 - ظهور مؤلفات تنتصر للكتاب المقدس على ما سواه من كتب والادعاء من قبل النصارى أنه غير محرف، الأمر الذي دفع علماء المسلمين لنقد ما يدعون وإثبات التحريف والتبديل في الكتاب المقدس. 4 - ادعاء النصارى أن المسيحية دين عالمي وغير ذلك من الدعاوى الباطلة إلى يتمسك بها النصارى مما جعل علماء المسلمين يوجهون أقلامهم للرد علي هؤلاء بالدراسة النقدية لبيان حقيقة ما يدعون. 5 - أن التوراة الحالية وكذلك الأناجيل ليست وحيا من عند الله وبالتالى فهي من وضع بشر وكلام البشر خاضع بلا شك للنقد والمناقشة لبيان الصحيح من الفاسد فيه. 6 - الكشف عن حقيقة كتبة التوراة والأناجيل وأنهم الذين أفسدوا دين عيسى -عليه السلام فزادوا وأنقصوا وبدلوا وغيروا حسب أهوائهم. 7 - اختلاف عقائد النصارى، وتباين أفكارهم مما أدى إلى تعرض طوائفهم- بما تتبنى من أفكار خاطئة- للنقد من قبل علماء المسلمين. 8 - تعدد فرق اليهود بين متعصبين ومفرطين ومغالين في العقيدة والتشريع والأخلاق واعتمادهم في ذلك كله على نصوص التوراة المحرفة وبقية مصادرهم المزيفة ومن هؤلاء: (شاول "بولس" الذي حقد على دعوة المسيح ولم يستطع القضاء بالكلية على أهلها أو عليها فتظاهر باتباع المسيح على أثر اختياره له وهو في طريقه إلى الشام للقضاء على المسيحيين فيها ثم ألف كتبا وأرسى قواعد صارت ضمن التشريع المعمول به عند النصارى وكان لتعاليمه أثرها الواضح في تحريم ما أحل المسيح بدءاً أو نقلاً عن العهد القديم وكذلك حل ما حرمه العهد القديم وكذلك المسيح وقد عمل ذلك دون نظر إلى نصوص العهد القديم أو الأناجيل بعين التقدير) (¬1). وبالتالى كان لا بد للنقاد المسلمين وغيرهم أن يفضحوا أفعال هؤلاء وينبهوا الناس لما أحدثوه من تحريف وتزييف حتى لا يُخدع بأقوالهم أحد. ¬

_ (¬1) مقدمة المنتخب الجليل: د / بكر زكي عوض ص 6 مرجع سابق.

9 - اختلاف تراجم (¬1) العهد القديم وتعددها إلى سامرية، عبرية، يونانية وغيرها مما أدى إلى وجود تناقضات كثيرة جداً فضلاً عما فيها من زيادة ونقصان يؤدى إلى فقدان الثقة في العهد القديم خاصة وفي الكتاب المقدس عامة، الأمر الذي يدفع علماء المسلمين إلى ضرورة المقابلة بين النسخ لاكتشاف ما فيها من تناقضات واختلافات. ولذلك فإن (تفاوت الطبعات يحمل بين طياته تفاوتا في كثير من النصوص بما لا يمكن القطع بأن الطبعة الثانية هى عين الأولى، ومن يرجع إلى الطبعة المفهرسة للكتاب المقدس (1883 م /1983م) يدرك من الصفحة الأولى وعنوانها "تنبيه" أن التحريف قد وقع في هذا الكتاب من خلال ما ذكره هؤلاء من إشارات متعلقة بالكتاب إلى تدل دلالة قطعية على الزيادة والنقصان ¬

_ (¬1) يذكر علماء اللغات أن جميع أسفار العهد القديم قد دونت بلغة واحدة وهي اللغة العبرية، ما عدا بعض الفقرات باللغة الآرامية من سفري عزرا ودانيال وفقرة واحدة من سفر أرميا- ثم ترجمت هذه الأسفار إلى اللغات الأخرى لتسد حاجة اليهود الذين لم يعرفوا العبرية كذلك ترجمه المسيحيون لينتفع به الذين اعتنقوا المسيحية (تأثر اليهودية بالأديان الوثنية د/ فتحى الزغبي ص 57، 58). ومن أهم هذد الترجمات ما يلي: أ- الترجمة الآرامية القديمة: حينما رجع يهود السبي من بابل وجدوا أن الآرامية هى اللغة السائدة في فلسطين وأصبحت العبرية لغة يصعب فهمها مما أدي إلى ضرورة إيجاد ترجمة بالآرامية ليفهمها الشعب ومن هنا ظهرت التراجم الآرامية لأسفار العهد القديم. ب. الترجمة الإغريقية السبعينية: يرجع أصل تسمية الترجمة الإغريقية بالسبعينية إلى ما تقوله التقاليد اليهودية من أن سبعين عالماً من علماء الإسكندرية تحت رعاية بطليموس الثاني "فيلادلفوس" (282 - 246 ق. م) ترجموا الأسفار الخمسة الأولى إلى اليونانية في النصف الأول من القرن الثالث ق. م (285 - 247) أما بقية أسفار العهد القديم فقد ترجمت في الفترة بين سنة 250 - 100ق. م وتشتمل هذة الترجمة على أسفار الأبوكريفا إلى لا توجد في النسخة العبرية. ج. الترجمة السامرية: ترجد ترجمة آرامية للتوراة- أسفار موسى الخمسة- يستخدمها السامريون وتعرف بالترجمة السامرية، ولقد كانت التوراة السامرية أصلا بالعبرية ولكنها مكتوبة بحروفٍ سامرية؛ ولكن عندما فقد اللسان العبرى بين السامريين رأوا أنهم في حاجة إلى ترجمة باللغة الآرامية إلى يفهمونها ,ولقد بدأ تصنيفها في القرن الأول الميلادي واستمر العمل بها حتى حلت اللغة العربية محل الآرامية في القرن الحادي عشر. د. الترجمة اللاتينية: تُرجمت أسفار العهد القديم عن الترجمة السبعينية إلى اللغة اللاتينية وبدأت أول ترجمة في أواخر القرن الثاني الميلادي ويُطلق عليها اسم الترجمة اللاتينية القديمة. د. الترجمة الآرامية الحديثة: ترجم أحبار اليهود في فلسطين أسفار العهد القديم من العبرية إلى اللهجة الآرامية الحديثة وساروا في ترجمتهم هذه على منهج خاص يختلف عن مناهج التراجم المعتادة فكانوا يدونون الفقرة بنصها العبري، ثم يتبعونها بترجمتها إلي اللغة الآرامية وقد أُطلق على كتبهم هذه اسم "الترجوم" وقد أُلفت في الفترة الواقعة بين أوائل القرن الثاني وأواخر القرن الخامس بعد الميلاد، وتم معظمها في القرنين الرابع والخامس الميلاديين. و. الترجة السريانية: ترجم العهد القديم إلى اللغة السريانية فى خلال القرن الثانى الميلادي ليخدم الطوائف اليهودية التى انتشر بينها هذا اللسان الآرامى وقد قبلتها الكنيسة المسيحية .. وسارت هى النسخة إلى يأخذ بها النصارى اليعاقبة والنسطوريون بداية من القرن الخامس الميلادي. ز. وهناك ترجمات ثانوية لأنها لم تُنقل عن العبرية رأساً بل نقلت عن اليونانية: مثل الترجمة القبطية، الترجمة الإثيوبية أو الحبشية والترجمة الأرمينية والترجمة الغوطية والترجمة الجورجانية والترجمة السلافية.

والذكر والعدم والاختيار بين بدائل دون أخرى) (¬2). ¬

_ ح. الترجمات العربية: تبع انتشار الإسلام خارج حدود الجزيرة العربية ترجمات للكتاب المقدس باللغة العربية وأول ترجمة عربية كانت في عام 724 م قام بها "يوحنا" أسقف إشبيلية من أجل مساعدة المسيحيين والمغاربة بواسطتها ثم قام "سعيد بن يوسف الفيومى" بترجمة التوراة من العبرانية إلى اللغة العربية في (892 - 942 م) لمنفعة يهود المشرق، وترجم في باريس عام 1645م، وو لندن 1657 م، وفي روما 1671 م، وترجم في 1857م وغير ذلك من الترجمات (لمزيد من التفصيل يراجع: تأثر اليهودية بالأديان الوثنية د/ الزغبي ص 57 - 62، والأسفار المقدسة د/ علي عبد الواحد وافي ص 19 - 22، ط، دار نهضة مصر بالقاهرة، واليهودية واليهود د/ وافي ص 19 - 23. ط / دار نهضة مصر، الأجوبة الجلية في دحض الدعوات النصرانية للدمشقى الطيبي ص 13 - 22 تحقيق د/أحمد حجاري السقا. ط /مكتبة الإيمان بالمنصورة 1412 هـ - 1992 م وقاموس الكتاب المقدس ص 771). (¬2) مقدمة المنتخب الجليل د/ بكر زكى عوض ص 11 مرجع سابق.

المطلب الرابع موقف الإسلام من التوراة والإنجيل

المطلب الرابع موقف الإسلام من التوراة والإنجيل ويشتمل على ما يلي: - موقف الإِسلام من التوراة المترلة من عند الله عز وجل - موقف الإِسلام من التوراة الحالية والعهد القديم - موقف الإِسلام من الإنجيل المنزل من عند الله عز وجل - مكانة الأناجيل الحالية

أ - موقف الإسلام من التوراة المنزلة على سيدنا موسى عليه السلام

أ - موقف الإِسلام من التوراة المنزلة على سيدنا موسى عليه السلام: الإِسلام له رأيه المستقيم الواضح في التوراة والإنجيل، وقد أعطي لكل نبي من الأنبياء حقه من القداسة والاحترام إذ أن الرسل "صلوات الله وسلامه عليهم" هم المبلغين عن الله عَزَّ وَجَلَّ بواسطة أمين الوحى جبريل عليه السلام. وقد جعل الله عَزَّ وَجَلَّ الإيمان بهم جزءاً أساسياً يسهم في تشكيل عقيدة المسلم فلا يصح إيمان عبد إلا إذا آمن برسل الله أجمعين وبما أنزله الله عَزَّ وَجَلَّ عليهم من كتب ولا يصح التفريق بين أحد منهم فقال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (¬1). في هذه الآيات يخص القرآن الكريم (التوراة والإنجيل) من بين ما أنزل علي الأنبياء، ويدلي بشهاداته القيمة بشأنهما تكريماً لهما، وبياناً لأهمية أحكامهما ولأنهما الكتابان الوحيدان اللذان بقيت آثارهما حتى الآن (¬2). وقد وصف القرآن الكريم التوراة المنزلة علي سيدنا موسى "عليه السلام" بأنها هدي لبنى إسرائيل فقال تعالى: {وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا} (¬3). ويقول سبحانه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53) هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (¬4). وهي نور يهتدي به الساري في ظلمات الحياة ومسالكها يقول تعالى: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ} (¬5). وهي نظام دقيق لشؤون الحياة، والالتزام بها رقة للقلب وشفافية للروح وإحسان وتراحم لما فيها من تفصيل لكل شىء وذكر للآخرة- ثوابها وعقابها (¬6). ¬

_ (¬1) سورق البقرة الآية: (136 - 137). (¬2) التربية في التوراة د/ الهاشمي ص 31، ط / مؤسسة الرسالة، ط/ 1، 1420 هـ، 2000 م. (¬3) سورة الإسراء الآية: (2). (¬4) سورة غافر الآية: (53 - 54). (¬5) سورة الأنعام جزء من الآية: (91). (¬6) التربية في التوراة: د/ الهاشمى، صـ 31 ولمزيد من التفصيل انظر: من قضايا التوراة دراسة وتحليل أ. د / محمَّد شلبى شتيوي ص 17 - 19 مكتب الفلاح - الكويت ط 1/ 1988م.

ب. موقف الإسلام من التوراة الحالية

فقال تعالى: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154)} (¬1) وإن الغاية من إنزالها لعلهم يؤمنون بالآخرة، وهم ينكرونها في توراتهم ولا يقيمون لها وزناً وغير ذلك من الأوصاف التي عددها القرآن الكريم من أنها ضياء وفرقان (¬2) ودستور حكم (¬3): حكم بها الأنبياء والأحبار بما حفظوا منها وبهذا يتضح رأي الإِسلام فيما أُنزل على سيدنا موسى عليه السلام .. ب. موقف الإِسلام من التوراة الحالية: 1 - يقرر القرآن الكريم وقوع التحريف في التوراة الحالية فقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} (¬4) أعم من أن يكون اختلافاً في جوهرها أو في فهمها، وقرر أيضًا وجود الاختلاف بين بين إسرائيل بعضهم البعض فقال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (¬5). فالتوراة الحالية ليست هى المنزلة على سيدنا موسى عليه السلام وقد حرف اليهود التوراة تحريفاً مادياً ومعنوياً أما التحريف المادي اللفظى فكان للكلمات والفقرات بأخرى فأزالوا وقدموا وأخروا وبدلوا وأضافوا حسب أهوائهم، وأما تحريفهم المعنوي فكان بتغيير مدلول الكلمات لتوافق أهواءهم وانحرافاتهم العقدية والأخلاقية فقال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (¬6). 2 - ما كان من مضمون التوراة موافقاً للقرآن الكريم أو السنة المطهرة يُقبل ولا يرد باعتبار أن معناه صحيح، رغم فقدانه للنص المقدس، وذلك مثل الأحكام الموجودة في التوراة وأكدها القرآن في سورة إلى المائدة كأحكام القتل والزنا وغيرهما (¬7). ¬

_ (¬1) سورة الأنعام الآية: (154). (¬2) يقول تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ} (سورة الأنبياء الآية: 48، 49). (¬3) ويقول تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ} (سورة المائدة الآية: 44) انظر: التربية في التوراة د/ عابد الهاشمى ص 31، 32. (¬4) سورة فصلت جزء من الآية: (45). (¬5) سورة النمل الآية: (76). وانظر دراسات في التوراة. أ /عطية إبراهيم الشوادفي ص 85 ط / مجمع البحوث الإِسلامية 1985م. (¬6) سورة المائدة الآية: (13) وانظر: إظهار الحق 1/ 205 وما بعدها. (¬7) التربية في التوراة: د/ الهاشمى، ص 33

3 - (إذا خالفت نصوص القرآن الكريم أو السنة المطهرة فهي ترد قطعاً ولا تُقبل وكذلك لا تُقبل نصوص التوراة إذا صادمت الحقائق العلمية اليقينية أو خالفت الواقع ومعطياته، وذلك لأن الوحى الصادق لا يصطدم بالحقائق العلمية ولا ينكر المعلومات التي شهدها له الواقع- التاريخي أو الجغرافي أو العلم المادي التجريبي وما سكت عنه القرآن والسنة مما جاء في التوراة يُسكت عنه دون تصديقٍ أو تكذيبٍ وذلك اتباعاً لتوجيهات النبي - صلى الله عليه وسلم - "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم (¬1) ") (¬2). مع ملاحظة أن الإِسلام لا يعترف إلا بالتوراة التي أنزلها الله علي سيدنا موسى عليه السلام ولا يعترف بسواها من أسفار العهد القديم ... لأنهم قد حرفوا ما معهم من الكتب المقدسة قال تعالى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} (¬3). وأن ما معهم الآن مكتوب بأيديهم ومنسوب خطأ إلى الله عَزَّ وَجَلَّ فقال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)} (¬4). وبهذا يتحدد موقف المسلم من كتب اليهود والنصارى، فالطعن الموجه إلى اليهود هو موجه بالدرجة الأولى إلى النصارى؛ لأن التوراة تشكل الجزء الأكبر من كتابهم الذي يزعمون أنه مقدس، وسقوط التوراة بهذه الصورة يعد سقوطاً للنصرانية بأكملها؛ لأنهم مطالبون بالعمل بتشريعاتها (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في كتاب لشهادات باب لايسأل أهل الشرك عن الشهادة وغيرها 2/ 109 ط / دار إحياء الكتب العربية- الحلبى، وانظر: العقيدة اليهودية وخطرها على الإنسانية أ. د / سعد الدين صالح ص 183 ط / دار الصحابة بالإمارات 1990م. (¬2) التربية فى التوراة د. الهاشمى ص34. (¬3) سورة المائدة الآية: (13). (¬4) سورة البقرة الآية: (79). (¬5) العقيدة اليهودية وخطرها أ. د/ سعد الدين صالح ص 183، 184 مرجع سابق.

ج. موقف الإسلام من الإنجيل المنزل علي سيدنا عيسى عليه السلام

ج. موقف الإِسلام من الإنجيل المنزل علي سيدنا عيسى عليه السلام: المسلم يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله بلا تفرقة أو تحيزٍ لأحد منهم فقال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} (¬1). (فإن آمن أحد برسولٍ وأنكر آخر فهو كافر وإذا صدق بكتاب وكذب كتاباً آخر فهذا ليس بمؤمن وهو في ضلالِ مبين فقال تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} (¬2) فيجب الإيمان بالكتب المنزلة ومنها الإنجيل سيدنا عيسى عليه السلام لأنه من لم يؤمن به يكون منكراً لآيات القرآن الكريم التى تحدثت عن الإنجيل ومن أنكر شيئًا من القرآن الكريم كان كافراً) (¬3). هذا .. ولقد أخبر القرآن الكريم أن سيدنا عيسى -عليه السلام - رسول قد أوحى الله عَزَّ وَجَلَّ إليه فأنزل عليه الإنجيل مصدقًا لما في التوراة من أحكام ومكملاً لدعوة سيدنا موسى عليه السلام فقال تعالى: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} (¬4)، وقال سبحانه: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} (¬5)، وقال تعالى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} (¬6). ولذلك فإن أصول المسيحية ترجع إلى الوحي الإلهي "الإنجيل" الذي أوحي به إلى سيدنا عيسى عليه السلام تصديقاً للتوراة المنزلة على سيدنا موسى عليه السلام وتكميلاً لشريعة التوراة إذ الرسولين الكريمين كانت رسالتهما قاصرة على بنى إسرائيل (¬7). ¬

_ (¬1) سورة البقرة الآية: (285). (¬2) سورة النساء جزء من الآية: (136). (¬3) انظر: عن قضايا الإنجيل "دراسة وتحليل أ. د / محمد شلبي شتيوي" ص 16، 17، مكتب الفلاح / الكويت ط 19881. (¬4) سورة آل عمران الآية: (48، جزء من 49). (¬5) سورة آل عمران الآية: (50). (¬6) سورة آل عمران الآية: (3 وجزء من 4). (¬7) انظر: أصول المسيحية أ./ فؤاد محمَّد أحمد مصطفى ص 1، بالحذف، ط / وزارة الإعلام والثقافة ط 1 - 1416 هـ / 1996 م.

ورغم ذلك: لا يعتقد أكثر النصارى أن هناك إنجيلاً مكتوباً بيدي النبى عيسى عليه السلام أو مدوناً في عهده؛ بل غاية ما يعتقدون أنه كان يقرأ التوراة وسائر كتب الأنبياء ويفسرها تفسيراتٍ غريبةٍ، مليئة بالمواعظ والحكم والأمثال النادرة ... ومن الغريب أن يعتقد النصارى بوجود كتب للأنبياء قبل عيسى عليه السلام ثم وجود أناجيل لتلاميذه ولا يعتقدون بوجود كتاب له يهتدي به أتباعه وهو عندهم فوق جميع الأنبياء (¬1). (فالإِسلام يقرر أن لسيدنا عيسى عليه السلام إنجيلاً منزلاً عليه، وشهد شاهد من علماء النصارى أن هناك إنجيلاً أصلياً لهذه الأناجيل الحاضرة وإنما فقدوه أيام الاضطهاد الأول للمسيحية وإلى ذلك يشير مرقس بقوله: "اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا (¬2) بالإنجيل للخليقة كلها (¬3) ") (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: تاريخ الدعوة إلىِ الله بين الأمس واليوم أ. / آدم عبد الله الألورى ص 99، 100 مكتبة وهبة بالقاهرة ط 2/ 1399 هـ /1979م. (¬2) هذه الكلمة مأخوذة من: كرز كرزا: وعظ ونادى ببشارة الإنجيل (سريانية) والكرازة: الوعظ بالحقائق المسيحية (المنجد في اللغة والأعلام صـ680 ط / دار المشرق، بيروت، ط 25، 1973م). (¬3) الإصحاح: (16/ 15) - ظهوره للتلاميذ. (¬4) تاريخ الدعوة إلى الله / الألوري ص 100 مرجع سابق.

د. مكانة الأناجيل الحالية

د. مكانة الأناجيل الحالية: الأناجيل الحالية تعتبر تراجم لحياة المسيح، كتبها الحواريون من تلاميذ عيسى عليه السلام بعد رفعه بمدة، وفي أوقات مختلفة ولغات متباينة ضمنوها مقتطفات من المواعظ والحكم والأمثال ولا يصح نسبة هذه الأناجيل إلى عيسى عليه السلام باعتبار أنه يعرفها أو يعرف شيئاً عن كتابتها (¬1). فجاءت هذه الأناجيل بناءً على ذلك متناقضة ومتعارضة يصادم بعضها بعضاً يشهد بذلك من وقف عليها أنها ليست الإنجيل الحق المبعوث به الرسول المنزل من عند الله تعالى وأن أكثرها من أقوال الرواة وأقاصيصهم، وأن نقلته أفسدوه من وجوه بحكاياتم، وألحقوا به أموراً غير مسموعة من المسيح ولا من أصحابه. مثل ما حكوه من صورة الصلب والقتل واسوداد الشمس وتغير لون القمر (¬2) وهذه الأمور جرت في زعم النصارى بعد المسيح فكيف تجعل من الإنجيل ولم تسمع من المسيح عليه السلام والإنجيل الحق إنما نطق به المسيح وإذا كان كذلك فقد اهتزت الثقة بهذا الإنجيل وعدمت الطمأنينة بنقلته (¬3). أما عن كتابتها: لم يعرف على وجه الحقيقة متى كُتب الإنجيل الأول، وإنما قالوا: إن تاريخ كتابته يتراوح ما بين 39 - 41 م بعد رفع المسيح وأن الذي كتبه هو متى العشار (أحد الحواريين) باللغة العبرية، .. ثم كتب مرقس إنجيله باللغة اليونانية ويتراوح تاريخ كتابته ما بين 56 - 60 م ومرقس أحد السبعين ¬

_ (¬1) تاريخ الدعوة إلى الله- الألورى ص100 مرجع سابق. (¬2) انظر: المنتخب الجليل من تخجيل من حرف الإنجيل- المسعودي ص 99 بتصرف يسير. (¬3) المرجع السابق ص 99 بتصرف يسير.

وخلاصة هذه القضية

صاحب برنابا و"بولس" (¬1) فى رحلتهما الثانية إلى إنطاكية (¬2) تمركز للتبشير في مصر إلي أن قتله فيها الوثنيون الرومانيون (عام 62 م). وكتب لوقا إنجيله باليونانية حوالي 53 - 64 م وهو طبيب روماني، وليس من تلاميذ المسيح، بل من تلاميذ بولس، وكتب يوحنا الصياد إنجيله حوالي 68 - 98 م وهو من الحواريين (¬3). وسيأتى الحديث عن هذه الأناجيل ومحتوياتها بالتفصيل من حيث التأليف، ووقت التدوين، وغير ذلك من أمور تتعلق بسندها. ولذلك يقول العلامة رحمة الله الهندي عن التوراة والإنجيل الأصليين: (إن التوراة الأصلية وكذا الإنجيل الأصلى فقدا قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - والموجودان الآن بمترلة كتابين من السير مجموعين من الروايات الصحيحة والكاذبة ولا نقول أنهما كانا موجودين علي أصالتهما إلى عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - ثم وقع فيهما التحريف حاشا وكلا) (¬4). (وكلام بولس على تقدير صحة النسبة إليه أيضاً ليس بمقبول عندنا؛ لأنه عندنا من الكاذبين الذين كانوا قد ظهروا في الطبقة الأولى وهو قديس عند أهل التثليث ومع ذلك لا نشتري قوله بحبة، والحواريون الباقون بعد عروج عيسى عليه السلام إلى السماء نعتقد في حقهم الصلاح، ولا نعتقد في حقهم النبوة وأقوالهم عندنا كأقوال المجتهدين الصالحين محتملة للخطأ، ونعترف بفقدان السند المتصل إلى آخر القرن الثاني وبفقدان الإنجيل العبراني الأصلي لمتى لارتفاع الأمان عن أقوالهم (¬5). وخلاصة هذه القضية أن التوراة الأصلية والإنجيل الأصلي قد فقدا إلا أن هذا لم يمنع من التصديق بما نزل على سيدنا موسى وسيدنا عيسى (عليهما وعلي نبينا الصلاة والسلام) فالإيمان بهما وبما أنزل عليهما جزء لا ينفصل عن عقيدة المسلم وكذلك الإيمان والتصديق بجميع الرسل، أما التوراة الحالية التي أطلق عليها النصارى (العهد القديم) والأناجيل الحالية (العهد الجديد) بعيدان كل البعد عن التوراة والإنجيل الأصليين وإن كان يوجد بهما بقايا حق إلا أنه حق تلبس بكثير من الباطل فقد لعبت بهما يد التحريف والتبديل كما سيتضح في ثنايا البحث. ¬

_ (¬1) اسمه العبرى شاول، ولد في طرسوس في ولاية كيليكية من أعمال الإمبراطورية الرومانية قضى فيها طفولته، كان أبوه فريّسياً من سبط بنيامين دخل المسيحية في 38 م كان يضطهد النصارى ادعي أنه رأي المسيح، وقلب النصرانية رأساً على عقب (قاموس الكتاب المقدس ص 196 - 199). (¬2) هى: مدينة على نهر العاصي، على مسافة 15 ميلاً من البحر الأبيض المترسط أسسها سلوقس أحد قواد جيش الاسكندر الأكبر عام 300 ق. م (قاموس الكتاب المقدس ص 124، 125). (¬3) تاريخ الدعوة إلى الله: الألوري، ص 100، 101 بتصرف. (¬4) إظهار الحق: رحمة الله الهندي، 1/ 188. (¬5) المرجع السابق نفس الصفحة.

القسم الأول عرض محتويات الكتاب المقدس ونقد سنده

القسم الأول عرض محتويات الكتاب المقدس ونقد سنده

الباب الأول عرض نماذج من الجهود النقدية ومحتويات الكتاب المقدس

الباب الأول عرض نماذج من الجهود النقدية ومحتويات الكتاب المقدس ويشتمل على فصلين: الفصل الأول: عرض نماذج من الجهود النقدية للكتاب المقدس الفصل الأول: عرض محتويات الكتاب المقدس

الفصل الأول عرض نماذج من الجهود النقدية للكتاب المقدس

الفصل الأول عرض نماذج من الجهود النقدية للكتاب المقدس ويشتمل على مبحثين: المبحث الأول: الجهود النقدية ونوعيتها "فترة البحث" المبحث الثانى: عرض نماذج من المؤلفات النقدية "فترة البحث"

المبحث الأول: الجهود النقدية

المبحث الأول: الجهود النقدية 1 - المعنى اللغوي للجهود: جهود مأخوذة من: (جهد في الأمر جهداً أي جد، والمفعول مجهود. والجهدُ المشقة، والنهاية والغاية والوسع والطاقة، والجَهْدُ في الفلسفة: كل نشاط يبذله الكائن الواعى جسمياً أو عقلياً ويهدف غالباً إلى غاية) (¬1). المعنى اللغوي للـ "نقد": للنقد في اللغة معنيان مترادفان يشيران إلى معنى واحد وهما ما يلي: (1) أنه جاء بمعني التمييز والتنقية: فالمقصود بالنقد والتَّنقادُ: تمييز الدراهم وإخراج الزيف منها (¬2). (2) وجاء بمعنى الفحص والاختبار: نقد الشىء نقداً: أي اختبره ليميز جيده من رديئه، يُقال: نقد النثر والشعر: أظهر ما فيهما من عيبٍ أو حسن) (¬3). ¬

_ (¬1) المعجم الوسيط د/ إبراهيم أنيس وآخرون 1/ 142 - ط- دار إحياء التراث الإِسلامي -قطر -1406هـ/1985م (¬2) لسان العرب- لابن منظور 6/ 4517 (¬3) المعجم الوسيط 2/ 944 مرجع سابق.

المعني الاصطلاحي للنقد

المعني الاصطلاحي للنقد (¬1): هو عملية تقويم، وتصحيح وترشيد، وعليه فإنه لا يكون بمعني النقض؛ بل هو محاكمة إلى قواعد متفق عليها أو إلى نسق كلى، ذلك أن النقد .. نقد اجتهاد ما جزئياً كان أو كلياً في أي مجال من مجالات العلوم الشرعية إنما هو عملية محاكمة "وتقويم" (¬2) تهدف إلى التصحيح والترشيد من خلال مواطن الخطأ والصواب، بناءً على مقاييس متفق على جلها أو كلها (¬3). وبناء على ذلك: فإن نقد علماء المسلمين للكتاب المقدس يقصد منه عرضه على المعايير النقدية التي حددها بعض العلماء منها الشرعى والعقلى ومنها ما هو علمى أو تاريخى أو منطقى وذلك لبيان الصحيح من الفاسد فيه وتهدف دراسة هذه الجهود النقدية إلى: عرض ما أبرزه علماء المسلمين- فترة البحث- في الكتاب المقدس من مخالفات ومتناقضات وقع فيها كتبة العهد القديم والجديد على حد سواء وتقويم تلك المعالجات النقدية التي قاموا بها وبيان مكانة هذا النقد من الناحية العلمية. ¬

_ (¬1) النقد في اصطلاح الأدباء: بمعني: (تقويم الشئ والحُكم عليه بالحسن أو القبح، وهذا يتفق مع اشتقاق الكلمة فإن أصلها من نقد الدراهم لمعرفة جيدها من رديئها ... والناقد علي العموم يجب أن يكون ذا حظ كبير من العقل وحظ كبير من الذوق، واطلاع الناقد علي الآداب الأخرى يوسع أفقه ويزيد في تجاربه)، النقد الأدبي أ/ أحمد أمين صـ1، 2 - ط- مكتبة النهضة المصرية ط- 5 - 1983م بتصرف بالحذف، وفي الاصطلاح الفنى: يُقال الناقد الفني هو: كاتبُ عمله تمييز العمل الفني: جيده من رديئة وصحيحه من زيفه يجمع على نُقّاد، ونَقَدَةُ. المعجم الوسيط 2/ 944. (¬2) وإذا كان النقد بمعنى التقويم فلا بد من الإشارة إلى الفرق بين التقييم والتقويم في المنهج العلمي: فيقول علماء التربية: التقييم والتقويم يفيدان في بيان قيمة الشىء إلا أن كلمة التقويم صحيحة لغويا وهي الأكثر استعمالا، كما أنها تعني بالإضافة إلى قيمه الشئ تعديل أو تصحيح ما اعوج منه، أما كلمة تقييم فتدل فقط على إعطاء قيمة لذلك الشىء ومن هنا فإن التقييم يمثل جزءا من التقويم وان مفهوم التقويم أعم وأشمل من مفهوم التقييم (علم المناهج- الأسس والتنظيمات. د/ محمَّد السيد على. ص 233 ط - دار الفكر العربي- القاهرة. ط. 2 سنة 2000 م). (¬3) انظر: أبجديات البحث في العلوم الشرعية د/ فريد الأنصاري صـ 98 ط- الدار البيضاء- ط 1/ 1979 م.

2 - نوعية المؤلفات- فترة البحث-

2 - نوعية المؤلفات- فترة البحث-: لقد تنوع الإنتاج العلمي لعلماء المسلمين- فترة البحث- ويمكن تصنيف ما وقع تحت يدي من مؤلفات إلى الأنواع التالية: النوع الأول: المؤلفات الدفاعية: استغل اليهود والنصارى ضعف الدولة الإِسلامية في غضون الحروب الصليبية واتخذوا سلاح التشكيك في الإِسلام بإطلاق الشبه حول القرآن والسنة وألفوا الكتب التي تطعن في الإِسلام وتمدح في النصرانية، فتصدي لهم علماء الدولة الإِسلامية في كل مكان للرد عليهم وللدفاع عن الإِسلام والمسلمين، واتسمت هذه المؤلفات بروح المواجهة الدفاعية أو الجدل الدفاعى لتلك الشبه التي وجهوها إلى الإِسلام مع توجيه النقد لمعتقداتهم الخاطئة (¬1) النوع الثاني: المؤلفات النقدية: تلك التي أخضع فيها النقاد المسلمون الكتاب المقدس للنقد العلمي القائم على أصول واضحة ومعايير محددة وذلك من أجل بيان الحق من الباطل وتمييز الطيب من الخبيث في الكتاب المقدس. وبهذا النوع كانت النقلة المنهجية الهائلة في التأليف والحوار حيث اتخذ علماء المسلمين أسلوباً جديداً في الكتابة وهو الدراسة النقدية الموجهة باعتبار أن ذلك أقوى وسيلة للدفاع وإشغال الخصم بنفسه وإرشاده إلى مواطن عيبه أولى من الوقوف موقف المدافع فقط، وازدهرت هذه الحركة أكثر من القرن الثالث عشر الهجري إلى الآن وأحس النصارى بضعفهم أمام الدراسات النقدية التي تكشف زيفهم وتبين تحريفهم للنصوص. وانتشرت المؤلفات النقدية التي تضع الكتاب المقدس بقسميه في الميزان لتقييمه والحكم عليه (¬2). وهناك من خص العهد القديم بالنقد والدراسة التحليلية متخذاً منه نماذج توضح ما ينقد (¬3)، وهناك من خص العهد الجديد بالنقد والتفنيد (¬4). ¬

_ (¬1) من هذه المؤلفات: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: لابن تيمية. ت سنة 728 هـ، هداية الحياري في أجوبة اليهود والنصارى: لابن القيم ت سنه 751 هـ، والجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح: للألوسى البغدادى ت سنه 1317 هـ. (¬2) من هذه المؤلفات: إظهار الحق للعلامة: رحمة الله الهندى ت سنة 1308 هـ. (¬3) من هذه المؤلفات: التوراة "العقل، العلم، التاريخ" د/ بدران محمَّد بدران ط/ سنة 1979 م ونقد التوراه د/ أحمد حجازى السقا، والتربية في التوراة د/ عابد توفيق الهاشمي. (¬4) من هذه المؤلفات: الجوهر الفريد فى رد التثليث واثبات التوحيد: لأيوب بك صبرى. ط/ 1319 هـ، والفارق بين المخلوق والخالق للعلامة البغدادى ت سنة 1330 هـ.

النوع الثالث: مؤلفات متخصصة في دراسة الأديان "مقارنة الأديان"

النوع الثالث: مؤلفات متخصصة في دراسة الأديان "مقارنة الأديان": وبجانب المؤلفات الدفاعية والنقدية كثرت المؤلفات التى تقوم بدراسة الموضوعات المختلفة في الكتاب المقدس وتقويمها بميزان الإِسلام لإبراز ما وقع فيه أهل الكتاب من تحريف وتبديل. (¬1) النوع الرابع: الدراسات التاريخية: وهي في محتواها سرد للأحداث التاريخية التي مر بها بنو إسرائيل وبيان مدى تأثر اليهودية والنصرانية بالفلسفات القديمة والحديثة عن طريق مخالطة اليهود والنصارى لغيرهم من الشعوب الوثنية والفلسفات العقيمة في القديم والحديث (¬2). ¬

_ (¬1) من هذة المؤلفات: الوحى والملائكة بين اليهودية والمسيحية والإِسلام ل / أحمد عبد الوهاب، واليوم الآخر بين اليهودية والمسيحية والإسلام د / فرج الله عبد الباري، والنبوة والأنبياء بين اليهودية والمسيحية والإِسلام. ل / أحمد عبد الوهاب. (¬2) من هذه المؤلفات: تاريخ بنى إسرائيل من أسفارهم د/ محمَّد عزة دروزة، تاريخ الديانة اليهودية 1 / محمَّد خليفة حسن.

المبحث الثاني عرض نماذج من المؤلفات النقدية "فترة البحث"

المبحث الثاني عرض نماذج من المؤلفات النقدية "فترة البحث" ويشتمل على المطالب التالية: - المطلب الأول: بعض المؤلفات لقدامى العلماء في نقد الكتاب المقدس - المطلب الثاني: بعض المؤلفات للمحدثين من العلماء فى نقد الكتاب المقدس - المطلب الثالث: بعض المؤلفات المعاصرة في نقد الكتاب المقدس

*تمهيد: تأتي أهمية العهد القديم من أنه يؤمن به اليهود والنصارى على حدٍ سواء باعتبار أن العهد الجديد مُستتر في العهد القديم كما يقولون، ولا يتم فهم أحدهما إلا بالاعتماد على الآخر والاسترشاد به. ولا يخفي على ذي بصيرة أن العهد القديم يتسم بالنبرة العالية والحدة والشدة في تعاليمه ووصاياه، لذا فقد أخذ النصيب الأوفر من الدراسات النقدية واهتم به علماء الحركة النقدية على مر العصور باعتبار أنه يؤسس المنطلقات الدينية لليهود والنصارى في اعتقادهم وتشريعاتهم وأخلاقهم، وقد اعتمد علماؤنا الأفاضل في دراستهم على جانبين، الجانب الأول: نقد السند والثانى: نقد المتن، وتعددت فى نقدهما الرؤى النقدية لعلماء المسلمين فتارة ينقدونهما عقلاً وتارة نقلاً وتارة بالشك في السند وفي كاتب النص والظروف التاريخية لكتابته، ومدى توفر الثقة في الكاتب والتحقق من صحة نسبة النص إليه. وعندما يتعامل علماؤنا مع النص التوراتي أو الإنجيلى لا يتعاملون معه على أنه نص مبتور منفصل عن غيره ولكنهم ينقدونه باعتبار ارتباطه بما قبله وما بعده وباعتبار أنه مقدس- في زعم اليهود والنصارى- إضافة إلى الواقع التاريخى الذي يدعم النقد المنهجي البناء. وعند تتبع ذلك الكم الهائل من المؤلفات التي تهتم بنقد الكتاب المقدس يتضح جيدًا أنه يتعذر على الباحث أن يحصل على جميع ما كُتب وطُبع في المكتبات لكثرتها وصعوبة الحصول على جميعها. وما وقع تحت يدي عدد لا بأس به من المراجع الأصلية فى هذا الجانب فرأيت أن أتناول بعضها حسب شهرة الكتاب وانتشاره ومكانته عند علماء المسلمين وذلك على سبيل المثال لا الحصر، وأخذت في تصنيفها وتقويمها على النحو التالي:

المطلب الأول بعض مؤلفات قدامى العلماء في نقد الكتاب المقدس

المطلب الأول بعض مؤلفات قدامى العلماء في نقد الكتاب المقدس 1 - الجوب الصحيح لمن بدل دين المسيح للإمام ابن تيمية 2 - هداية الحيارى للإمام ابن القيم 3 - تحفة الأريب لعبد الله الترجمان 4 - محمَّد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس لعبد الأحد داود

كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: لشيخ الإِسلام ابن تيميه ت سنة 728 هـ. 1. يُعد هذا الكتاب من أهم الكتب الدفاعية التى ردت على شبهات اليهود والنصارى ضد الإِسلام وكتابه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، قام فيه شيخ الإِسلام بجهد متميز كان هذا الجهد هو الأساس الذي بني عليه كثير من العلماء وجهة نظرهم النقدية للكتاب المقدس. 2. رد على النصارى في عقيدة الحلول والاتحاد مستخدماً النقل والعقل وقد أسهب كثيراً في الرد على هذه العقيدة عقلياً مما جعله أحياناً يخلط بين التثليث والحلول والاتحاد. 3. استخدم في الرد على دعاوى النصارى النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، وهذا يدل على عدم موضوعية الرد عليهم لأنهم لا يعترفون بالقرآن والسنة ولكن ربما استدل النصارى ببعض الآيات القرآنية مبتورة من أماكنها ليستدلوا على صحة عقائدهم فكان ابن تيميه يرد عليهم بالقرآن ويوضح المعانى التى يتعمدون إغفالها فهذه له حق فيها. 4. برع في استخراج البشارات من الكتاب المقدس وفندها تفنيداً جيداً راعى فيه تفسير الألفاظ كما وردت في كتبهم مفرقاً بين البشا رات الخاصة بالمسيح عليه السلام، والبشارات الخاصة بنبي الإِسلام - صلى الله عليه وسلم - على أنه قد جاء ببعض البشارات الغير موجودة الآن في الكتاب المقدس ولعلها كانت موجودة في الطبعة التي كانت بين يدي شيخ الإِسلام. 5. كما استخدم الاستدلالات المنطقية المبنية على المقدمات الصحيحة والتوالي التي تؤدى إلى إبطال ما يدعيه الخصم من ناحية العقائد الفاسدة. 6. التسليم الجدلي للخصم بتقديم الافتراضات العقلية استدراجاً له فيما يدعيه ثم ينقض على دعواه بالحجج الدامغة. 7. آثر في محاوراته للنصارى منهج النقد البناء للذود عن الدين الإِسلامى وإبطال ما يزعمه الخصم. 8. ومن الملاحظ أنه في بعض المواضع يبدأ في الرد على الشبهة إلى يثيرها النصارى ثم سرعان ما ينتقل إلى شبهة أخرى دون أن يستكمل الرد على هذه الشبهة وربما عاد إليها يستكملها بعد ذلك في موضع آخر من كتابه. 9. استوعب في كتابة كثيراً من الردود على الفكر النصرانى، أكثر من نقده لنصوص الكتاب المقدس.

هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى

هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى: للإمام ابن قيم الجوزية ت 751 هـ. 1. اشترك الإِمام ابن القيم مع شيخه في استخدام الجدل الدفاعى في أجوبته على الأسئلة التي وجهت إليه من أهل الكتاب فرد على الشبه التى أطلقها الملاحدة ويشككون من خلالها في الإِسلام وكتابه ورسوله إلا أنه خصص جزءاً غير قليل من كتابه استخدم فيه النقد العلمى البناء وهو وسيلة للدفاع وتفنيد ما يعتقد اليهود والنصارى من عقائد فريقه وتشريعات محرفة. 2. والتزم في نقده بالموضوعية التامة والمنهجية الواضحة إلا أن نقده يتميز بشده الألفاظ وحدتها على اليهود والنصارى على حد سواء، وبين بُطلان ما يعتقده اليهود فى الله عز وجل وفي الأنبياء عليهم السلام. 3 - بين فساد ما يعتقده النصارى في المسيح عليه السلام وبطلان القول بألوهيته وبنوته لله تعالى مستخدماً الردود العقلية والاستفهام الإنكاري لما يدعون من عقائد وشرائع وعبادات مخترعة من قساوستهم ورهبانهم والمجامع المقدسة- في زعمهم - إلا أنه حينما يذكر النصوص أحيانًا يذكرها بمعناها وأحيانًا أخرى يذكرها صريحة، وقد قام د/ أحمد حجازي السقا بجهد طيب في تحقيقها وعزو كل نص للسفر المأخوذ منه. هذا .. والكتاب في مجمله من الكتب الأصيلة في علم مقارنة الأديان.

كتاب: تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب

كتاب: تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب: تأليف: عبد الله الترجمان الأندلسي ت 823 هـ، القس أنسلم تورميدا سابقًا. 1. هذا الكتاب عرض فيه كاتبه عقائد النصارى ونقدها نقدًا علميًا ملتزمًا فيه بالموضوعية التامة، فيعرض مقولة النصارى الباطلة في القضية المراد نقدها والأدلة التي يستندون عليها ثم يناقشها مناقشة عقلية ونقلية. 2. يطرح الأسئلة والاستفهامات الإنكارية لما يدعون ويطرح أيضًا الافتراضات العقلية ويسلم لهم جدلًا فيما يقولون استدراجًا لإبطال ما يدعون. 3. بين ما وقع بين الأناجيل من تضارب وتناقض، الأمر الذي يؤكد أنها من وضع بشر. 4. أقام الأدلة على نبوة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - من أناجيلهم وبشارات أنبيائهم، وفسرها التفسير الصحيح بناءً على معاني بعض الألفاظ باليونانية وماذا يُقابل هذا المعني باللغة العربية كمعنى "الفارقليط" مثلًا الذى يقابله فى اللغة العربية لفظ "أحمد". 5. ثناء العلماء على تحفة الأريب: أثني عليه مجمع البحوث الإِسلامية وقالت اللجنة: يحتوى هذا الكتاب على شهادة عالم مسيحى متبحر بأن نعت النبي - صلى الله عليه وسلم - موجود في كتب المسيحية بصراحة، فقد بشرت "بالفارقليط" ومعناه "أحمد". وقالت أيضًا: جاء هذا الكتاب ردًا على تحامل المسيحيين على الإِسلام من نصوص كتبهم وهو كتاب جليل القدر شاهد صدق على الافتراء والبهتان من الذين يدعون أن كتبهم - الأناجيل الأربعة- من الوحى الإلهى. ويقول د/ محمود على حماية: هذا الكتاب تبدو قيمته العلمية عندما نُدرك أن صاحبه كان قريب عهد بالمسيحية؛ بل واحدًا من قساوستها تلقى دراسة في الكتاب المقدس وانقطع لطلب العلم فترة طويلة استطاع فيها أن يصحب أساطين العلم بالديانة النصرانية (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: مقدمة تحفة الأريب ص 21.

كتاب: محمد في الكتاب المقدس

كتاب: محمَّد في الكتاب المقدس: تأليف د/ عبد الأحد داود. 1867م بالقراءة المتأنية لهذا الكتاب يضع الباحث يديه على جملة من الإيجابيات إلى يتميز بها هذا الكتاب القيم في دراسة البشارات بالنبي الخاتم - صلى الله عليه وسلم - في الكتاب المقدس من هذه الملاحظات الإيجابية ما يلي: 1. بين مدى التحريف الذي وقع في التوراة والإنجيل وكذلك التناقض والتعارض بين نصوصهما. 2. علمه بخبايا النصرانية مكنه من كشف الزيف والضلال في الكتاب المقدس. 3. أتي بالحقائق من مصادرها، فقد درس وتعمق في اللاهوت وترقي في المناصب العلمية. 4. يقود قراءه إلى محاولة العثور على الحقيقة فينتقد بصورة حيادية بعيدًا عن العدائية والانحيازية لنبى دون نبي، فهو ينظر إلى الأنبياء نظرة مستقيمة ويؤمن بجميع الرسل الذين أرسلهم الله عَزَّ وَجَلَّ لهداية البشرية. 5. درايته بما تعتقده الكنائس مكنه من كشف الأباطيل وفضح العقائد الباطلة التي تروج لها الكنيسة، والتي لا تتفق مع العقل؛ بل ولا تتفق مع الواقع التاريخى. 6. ثقافته الإِسلامية الواسعة مكنته أيضًا من دراسة الكتاب المقدس في ضوء وجهة نظر مستقيمة معتدلة بعيدة عن الجور وإلقاء الأحكام والفصل في القضايا جزافًا بدون دليل، ولكن الحيدة والنزاهة والموضوعية هى السمات البارزة في نقده لتلك النبوءات التي حرفوها وفسروها على حسب أهوائهم لطمس الحقيقة ولصرف دلالتها عن وجهها المراد. وقد استخدم د/ عبد الأحد داود في نقده المعايير التالية: *عرض القضايا على الحقائق العلمية الثابتة، فإن وافقت العلم قُبلت وإلا وجب ردها. * المناقشة العقلية والاستدلال المنطقي في تحليل القضايا. * المقابلة بين النسخ فى تفسير الألفاظ التي تُشير إلى النبي الخاتم - صلى الله عليه وسلم -. وعند التجول بين صفحات الكتاب يتضح الآتي: 1. حرصه الشديد على الطرف الآخر "النصارى" فقد أخبر عن نفسه أنه يراعى مشاعر النصارى ولا يستعمل معهم الجدل العقيم بل يدعو الناس للبحث والاستقصاء في ود وتجرد وموضوعية فيقول: (وليست لدي أية نية أو رغبة في إيذاء مشاعر أصدقائي النصارى، فأنا أحب المسيح، وأحب موسى، وإبراهيم كما أحب محمدًا وكافة الأنبياء الآخرين، ولا يسهدف ما أكتبه إثارة جدل مرير عقيم مع الكنائس؛ بل لا تعدو الغاية أن تكون دعوة لها, لبحث واستقصاء رضيّ ودّيّ لهذه المسألة البالغة الأهمية وبروح من المحبة والتجرد) (¬1). ¬

_ (¬1) محمد فى الكتاب المقدس: د/ عبد الأحد داود ص 36.

2. اعتمد على نصوص صريحة من الكتاب المقدس لا تسمح بأي جدل لغوي وتشير إشارات واضحة إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - مثل استدلاله بالنص الذي يقول: "أقيم لهم نبيًا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامى في فمه" ويقول: فإذا كانت هذه الكلمات لا تنطبق على سيدنا "محمَّد" فإذا تبقي غير متحققة ولا نافذة فالمسيح لم يدع أبدًا أنه النبي المشار إليه (¬1). 3. يعرض التفسير الخاطئ الذي يراه المسيحيون ثم يصوبه بالتفسير الصحيح ثم يسوق القرائن التى تؤيد ما ذهب إليه ويعضد رأيه، فالنصارى يفسرون بيت الرب بأنه كنيسة المسيح وهذا تفسير خاطئ فيقول: (وكذلك فإن بيت الرب الذي يمجَّد اسمه فيه والمشار إليه في الإصحاح (60 الجملة 7)، هو بيت الله الحرام في مكة، وليس كنيسة المسيح، كما يعتقد المفسرون المسيحيون، وإن رعية قيدار لم ينضموا مطلقًا إلى كنيسة المسيح، والحقيقة أن القرى التابعة "لقيدار" وسكانها هم الناس الوحيدون في هذا العالم، الذين لم يتأثروا من ذلك الحين بأية تعاليم من كنيسة المسيح) (¬2). 4. وكان من منهجه في دراسة البشارات بالنبى الخاتم، دراسة أصول معاني الكلمات اليهودية مثل "ماحماد" أو أحمد ومعانيها فيقول: إن السبيل الوحيد لفهم معني الكتاب المقدس وروحه هو دراسته من وجهة النظر الإِسلامية فمن هنا فقط يمكن الفهم والتقدير والمحبة لحقيقة الوحى الإلهى، وهنا فقط يمكن الكشف عن الزيف والخداع وعناصر التحريف والمغايرة في أسوأ مظاهرها ثم بعد ذلك استئصالها. ويقول: ومن وجهة النظر هذه فإنني أرحب بالكلمة اليونانية "يودوكيا" والتي في معناها الصحيح والحرفي تتفق بصورة عجيبة مع الكلمات العبرية "ماحماد، ماحامود، حمدا وحمد" والتي تستعمل بصورة متكررة في العهد القديم. ¬

_ (¬1) محمَّد في الكتاب المقدس: ص 31. (¬2) المرجع السابق: ص 34.

ب. "حاماد أو حمده" إن هذا الفعل يتألف من حروف ساكنة أصلية (ح م د) وهي معروفة لجميع اللهجات السامية، حيثما جاءت هذه الحروف في الكتابات المقدسة اليهودية فإذا تعني "يشتهي، يقع في الحب، يشتاق إلى، يتلذذ ويتذوق، ويرغب بعمق" وأولئك الذين يعرفون اللغة العربية سوف يفهمون بصورة طبيعية المعني الشامل لكلمة "شهوة" والتي تعني بالإِنجليزية "الرغبة الشديدة أو التلهف أو الجشع والطمع أو الرغبة الجامحة والشهية" هذا هو بالدقة معنى الفعل "حاماد" في المخطوطات العبرية. ج. "ماحماد، ماحمود" (أرميا 1/ 10 - 11؛ 3/ 4): هاتان صيغتان لاسم الفاعل واسم المفعول مشتقتان من الفعل "حمد" معناها "المرغوب فيه جدًا، البهيج، الرائع، اللطيف" لهذا فإن الصيغة العربية" "محمَّد" والعبرية "ماحماد؛ ماحامود" هي مشتقة من أصل واحد ومن نفس الفعل أو الجذر وإنها بالرغم من الفروق البسيطة في التهجئة، فلها أساس ومعنى واحد مشترك، وعليه فلا يكون هناك مثقال ذرة من شك في ذلك (¬1). د. اتخذ من الأحداث التاريخية شاهد صدق على ما يقوله، خاصة في قضية عهد الله مع إبراهيم عليه السلام وحق الابن الأكبر إسماعيل في وراثة عهد أبيه وحكمه وبالتالي يجب الإيمان بالحقائق الصادقة التالية: 1. أن إسماعيل هو الابن الأكبر الشرعى لأبيه إبراهيم. 2. أن العهد المبرم بين الله وإبراهيم كان في نفس الوقت عهدًا مبرمًا بين الله وإسماعيل ذلك لأن العهد قد أبرم قبل ميلاد إسحاق. وغير ذلك من الحقائق التي ذكرها (¬2). والكتاب في جملته يعتبر إضافة حقيقية للمكتبة الإِسلامية يمتاز بعمق الدراسة والتحليل وحيوية المناقشة وروعة الفصل في كثير من القضايا المتنازع عليها في النصرانية خاصة في البشارات بالنبي الخاتم - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) محمَّد في الكتاب المقدس: ص 162 - 163. (¬2) المرجع السابق: ص 57 - 58.

المطلب الثاني نماذج من مؤلفات المحدثين من العلماء في نقد الكتاب المقدس

المطلب الثاني نماذج من مؤلفات المحدثين من العلماء في نقد الكتاب المقدس 1 - إظهار الحق للعلامة رحمة الله الهندى 2 - الفارق بين المخلوق والخالق للعلامة البغدادى 3 - الجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح للإمام الألوسى

إظهار الحق

إظهار الحق: للعلامة رحمة الله الهندي ت سنة 1308 هـ. بالقراءة المتأنية لهذا الكتاب تتضح القيمة العلمية له، فهو يُعد من المؤلفات النقدية المتميزة حيث يمتاز بالشمولية في المنهج النقدي وهو العمدة الذي يرجع إليه الباحثين المعاصرين في نقدهم للكتاب المقدس أو أحد موضوعاته. قام العلامة رحمة الله الهندي بجهد واضح في كتابه يتضح هذا الجهد من خلال ما يلي: 1. اطلاع مؤلفه على طبعات متعددة للكتاب المقدس منها القديم والحديث، كل ذلك مكنه من كشف وجوه التناقض والاختلاف والأغلاط الواقعة في الكتاب المقدس بقسميه وذلك عن طريق المقابلة بين هذه النسخ المختلفة. 2. التزم بالمنهج العلمي في نقده ذلك النهج الذي يقوم على الحيدة والموضوعية والاستدلال المنطقي، فيضع الدليل في موضعه اللائق به دون تعصب أو تحيز وكذلك يلتزم بالصدق في معالجته للنصوص فلم يفتعل شيئًا يلصقه باليهود أو النصارى وإنما نقدهم من واقع نصوصهم المقدسة- في زعمهم- ومن واقع آراء علمائهم. 3. المحاورات العقلية والجدال بالتي هى أحسن كان وسيلته في مواجهة الآخر وفي نقده لأباطيل اليهود والنصارى وسلك طريقة مهذبة في الحوار تبرز أدبه الجم مع المخالف، وعفة القلم واللسان، واسع الصدر أثناء المناظرة والمحاورة وفي هذا بيان لسماحة الإِسلام فيقول: قد تخرج كلمة تثقل على المخالف ... سيما في محفل المناظرة، لكن لو صدر مني لفظ عن غير عمد لا يكون مناسبًا لشأنهم- في زعمهم- أرجو منهم المسامحة والدعاء (¬1). 4. يمتاز بدقة الملاحظة لا هو أصل في الكتاب المقدس وما هو إلحاقى قد زيد في النصوص وما هو محرف قد انتقص منها أو زيد فيها أيضًا أو غُير وبُدل ويؤكد ملاحظته بأدلة من كلام مفسري الكتاب المقدس وبذلك تتضح وتتأكد المخالفة ويظهر التحريف جيدًا. والدليل على ذلك من كتابه: يقول لوقا: "ثم قال الرب فبمن أشبه أناس هذا الجيل؟ وماذا يشبهون؟ فهذه الجملة: ثم قال الرب: "زيدت تحريفًا وقال مفسروهم في ذيل هذه الآية: "هذه الألفاظ ما كانت أجزاءً لمتن لوقا قط، وهذه شهادة تامة، وقد حذفها المفسرون من المتن منهم "بنجل، وكريسباخ" والبروتستانت يحذفونها من المتن فهذا نوع من التحريف (¬2). ¬

_ (¬1) إظهار الحق: 1/ 44 بتصرف. (¬2) انظر: المرجع السابق: 1/ 41 بتصرف.

5. ومن الإيجابيات عنده: عمق الفهم وسهولة الاستشهاد بالنص الواحد في أماكن متعددة يظن منها أنه يكرر نفسه ولكن الأمر بخلاف ذلك فعندما يورد النص في المكان الأول يؤكد به غلطًا معينًا قد لاحظه وعندما يورده مرة ثانية في مكان آخر يؤكد به خطأ آخر، والدليل على ذلك: الاختلاف في بيان أولاد بنيامين فقد استشهد بهذه القضية تحت باب الاختلافات في التوراة ثم عاد وأوردها مفصلة تحت باب إثبات التحريف في التوراة وكلا الاستشهادين وجيه في مكانه (¬1). 6. الموضوعية في نقده للنصوص فلا ينتقد من أجل النقد في حد ذاته وإنما جاء نقده بناءً هادفاً لبيان التحريف الذي وقع في الكتاب المقدس. 7. ثناء العلماء على إظهار الحق: وكان لعلمائنا الأجلاء وقفة مع إظهار الحق تُشيد بإسهاماته الرائعة في مجال النقد العلمي للكتاب المقدس من هذه التعليقات ما يلي: أ. يقول أ. د / نجاح الغنيمى أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر فرع البنات: أن العلامة رحمة الله الهندي في نقده يضع الخصم في قفص الاقام ويلجئه إلى الدفاع عن نفسه. وهو بحكم تكوينه الأكاديمى كعالم من علماء الهند المسلمين، فقد التزم عمومًا بقواعد المنهج والأسلوب الأكاديمى، مع استثناءات قليلة جدًا، ولولا أخطاؤه اللغوية، بحكم أجنبيته عن العربية لكان عمله كاملاً تمامًا من كل الوجوه (¬2). ب. ويقول أ. د/ سيد عبد التواب أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر: يمتاز إظهار الحق بالإحاطة والشمول مع الحفاظ على العمق والأصالة ويقوم منهجه على دعامتين أساسيتين: الأولي: تنبع من الثقافة الكتابية المؤسسة على مصادر أهل الكتاب المعتمدة. الثانية: معتمدة على التخصص الدقيق في العلوم الإسلامية والفهم الشامل العميق لروح الإسلام وأصوله، وقد تمثل الشيخ رحمة الله كل عناصر النقد الغربي والاسلامي وأخرجها في صورة تتجلى فيها شخصيته وروحه (¬3). ¬

_ (¬1) إظهار الحق: 1/ 106، 213. (¬2) مقدمة كتاب: هل الكتاب المقدس كلام الله؟ - ديدات- تحقيق ودراسة د/ نجاح الغنيمي ص 82 ط دار المنار ط: 14101 هـ / 1989م. (¬3) انظر: النصوص المقدسة في الأديان الثلاثة: "دراسة في تاريخ الأديان" أ. د/ سيد عبد التواب، ص 294.

الفارق بين المخلوق والخالق

الفارق بين المخلوق والخالق: تأليف عبد الرحمن بن سليم البغدادي "الباجه جي زاده" ت سنة 1330 هـ / 1911 م. هذا الكتاب يعد من أبرز الكتب النقدية التي تعني بنقد الأناجيل الأربعة المقدسة لدي النصارى، ولقد تعددت الطرق النقدية التي اتبعها صاحب كتاب الفارق وفي مقدمتها: 1. وضع السند والمتن موضع الشك: وقد طبق هذا المنهج على مدار صفحات الكتاب ووضع كل إنجيل موضع الشك من حيث الشك في اللغة الأصلية إلى كتب بها ومن حيث اللغة التي ترجم إليها والجهل بحال المترجم من هو وما هو حاله في القوة والضعف في الدين (¬1). ومجرد احتمال تطرق الشك إلى السند يحط من رتبة هذه الأناجيل عن مكان القداسة وإنها ليست وحيًا من عند الله عَز وجل. ووضع النص أيضًا موضع الشك لما يشتمل عليه من مخالفات وتناقضات واستبعاد أن المسيح عليه السلام يقول مثل هذا الكلام ويناقض نفسه وخير دليل على ذلك: قول متى:"فلو علمتم ما هو إني أريد رحمة لا ذبيحة: لما حكمتم على الأبرياء "منقوض بروايته نفسه في الإصحاح 10 الفقرة 34 حيث قال: "ما جئت لألقي سلامًا؛ بل سيفًا" والمراد من ذلك: إلزام قومه بالوقوف عند حدود الله واتباع أحكامه (¬2). ومثال آخر في إنجيل متى الإصحاح 21 الفقرة الأولي: "أرسل يسوع تلميذين قائلاً لهما: اذهبا إلى القرية التي أمامكما، فاللوقت تجدان أتانًا مربوطة وجحشًا معها فحلاهما وأتياني بهما، وإن قال لكما أحد شيئًا فقولا: الرب محتاج إليهما" الأناجيل الثلاثة صرحت بأن الرب محتاج إلى ركوب الجحش والاحتياج إلى الركوب لا يكون إلا عن ضرورة ومساس تعب وعجز عن المشى ويوحنا وإن لم يذكر في إنجيله لفظ الاحتياج فق ذكر وقوع الركوب فيكون الاتفاق من الأربعة وهذا مناقض للقول بألوهية المسيح؛ لأن الضرورة ومساس التعب والعجز عن المشي والاحتياج من صفات الحوادث، والإله متره عن ذلك البتة (¬3). 2. تفسر النصوص الإنجيلية: وقد اتبع في نقده لنصوص الأناجيل تفسيرها تفسيرًا صحيحًا في ضوء ما تحتمله النصوص من معان معتمدًا على الشروح المختلفة للعهد الجديد ورد التفسير الخاطئ الذي يذهب إليه النصارى. ويعتمد كذلك على المقابلة بين النسخ المتعددة للكتاب المقدس لبيان مواطن الاختلاف التي وقعت في نصوص الأناجيل، والتناقض والتعارض الذي وقع فيها. ¬

_ (¬1) انظر: الفارق بين المخلوق والخالق: ص 37. (¬2) المرجع السابق: ص 127. (¬3) المرجع السابق: ص 255.

3. الموازنة بين النصوص المتعددة في المسألة الواحدة

3. الموازنة بين النصوص المتعددة في المسألة الواحدة: وهذه الموازنة من أجل اكتشاف الزيادة والاختلافات الواردة بين الأناجيل الأربعة مثلما فعل في مسألة العشاء الرباني (1) وخرج في نهاية هذه الموازنة إلى القول بانتفاء صفة القداسة والإلهام عن الأناجيل والقول بوقوع الاختلاف والتناقض بين النصوص الواردة في موضوع واحدٍ في الأناجيل الأربعة. 4. الاستفادة من السابقين عليه في نقد الكتاب المقدس: استفاد صاحب الفارق كثيرًا من الجواب الصحيح لابن تيميه وإظهار الحق للعلامة رحمة الله الهندي فاستشهد بكثير من أقوالهم خاصة في قضية الصلب التى هى أساس المسيحية المحرفة. 5. الربط بين النص والواقع الذي يعيشه النصارى: أسقط رؤيته النقدية على الواقع الذي يعيشه النصارى في أوروبا وغيرها وأن الانحراف الذي حث من رؤسائهم مرجعه لنظام الرهبنة المبتدع (2) فجاءت رؤيته النقدية رؤية واقعية. 6. ثقافته الكتابية والإِسلامية الواسعة: اطلاعه على ما ألفه علماء النصرانية من كتب خاصة المؤلفات التي تدعو إلى توحيد الأديان والتوفيق بين النصرانية والإسلام، وإعماله عقله فيما يدّعون ومحاورتهم في باطلهم ونقده بأدلة نقلية وعقلية وتاريخية، كل ذلك مكنه من كشف الأباطيل في شأن المسيح عليه السلام ومقام الألوهية الجليل. هذا .. والكتاب في جملته سفر قيم في توضيح غوامض الأناجيل وإبراز مواضع الاختلاف والتناقض فيها وهو محاولة قيمة وشرح وافٍ للأناجيل بأسلوب سهل ومبسط، جزى الله كاتبه خير الجزاء.

_ (1) انظر الفارق: 353 - 354. (2) انظر: المرجع السابق: ص 232.

الجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح

الجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح: للعلامة الألوسي البغدادي ت 1317 هـ. 1. اشترك الألوسي مع شيخ الإسلام في منهجه النقدي لعقائد النصارى إلا أن الألوسي يعتمد في نقده على غيره من العلماء مثل العلامة رحمة الله الهندي فقد تأثر به كثيرًا في كتابه والإمام ابن القيم في هداية الحيارى والعلامة الشهرستاني في الملل والنِحل. 2. ومن ضمن أوجه الاشتراك المنهجى بين شيخ الإسلام والألوسي أن الكتابين اضطلعا بمهمة الدفاع عن الإسلام وكتابه ورسوله وصد هجمات التشويه ضده.

المطلب الثالث بعض المؤلفات المعاصرة في نقد الكتاب المقدس

المطلب الثالث بعض المؤلفات المعاصرة في نقد الكتاب المقدس 1 - التوراة: "العقل العلم التاريخ" د/ بدران محمد بدران 2 - نقد التوراة د/ أحمد حجازي السقا 3 - التعاليم الدينية اليهودية د/ علي خليل 4 - التربية في التوراة د/ عابد توفيق الهاشمي 5 - الله واحد أم ثالوث د/ محمد مجدي مرجان 6 - المسيحية الحقة أ/ علاء أبو بكر

كتاب التوراة: "العقل, العلم, التاريخ"

كتاب التوراة: "العقل, العلم, التاريخ" د/ بدران محمد بدران طُبع سنة 1399 هـ 1. يُعد هذا الكتاب من أقوى الإسهامات المعاصرة في المجال النقدي للعهد القديم، فهو محاولة جادة من كاتب متخصص واسع الاطلاع ذو قدرة على التحليل والاستنباط والترجيح. 2. يمتاز كتابه بالأصالة في الرأي والابتكار في الأسلوب فأبدع وأجاد في تناوله للقضايا التى يشتمل عليها الكتاب. 3. اعتمد في كتابه على الناحية العقلية في المقام الأول ليأخذ بيد القارئ إلى القناعة التامة لما يحتويه العهد القديم من مخالفات تتعارض مع العقل السليم والفطرة النقية. 4. اعتمد في معالجته للنص التوراتي على الناحية العملية فكان موضوعيًا في مناقشته للمتناقضات والمخالفات التي رصدها، فعرض ما وجد من مخالفات على العلم ليبين مدى مخالفة التوراة للحقائق العلمية، وبعد عرضه يُعقب على نقده بأسئلة استنكارية لما تدعيه التوراة من أمور تُخالف أبسط الحقائق العلمية الثابتة. 5. تأثر د/ بدران بالعلامة رحمة الله الهندي في مواضع كثيرة من كتابه إلا أنه يتمتع بالابتكار في الأسلوب النقدي لنصوص العهد القديم. 6. في نقده للعهد القديم أبرز مواضع التناقض فيه وذكر على ذلك أمثلة كثيرة علق على بعضها موضحًا أبعاد التناقض فيها وترك البعض الآخر دون تعليق لوضوح المخالفة فيها، وليترك فرصة للقارئ أن يقف مع النص متعجبًا لما يشتمل عليه من مخالفات ويُعمل عقله فيه. 7. ومن الملاحظات التي تؤخذ على د/ بدران من حيث الأسلوب الذي اتبعه في كتابه: أنه أسلوب إنشائى خطابي يعتمد على التأثير في نفس القارئ بالألفاظ المترادفة التى تؤكد المعاني فيتدخل في سرد القصة التوراتية بأسلوب أدبي أحيانًا ليقربها إلى ذهن القارئ. 8. وأهم ما تميز به كتابه أنه يقدم للنص تفسيرًا تحليليًا بألفاظ سهلة ميسرة يتضح من خلالها ما يحتوى عليه النص من مخالفات أو تناقضات أو أمور غير أخلاقية ثم يُعقب على النص بعد ذلك بطرح أسئلة استنكارية تبين بشاعة ما تلصقه التوراة بالله سبحانه وتعالي وبالأنبياء عليهم السلام. وفي هذا التعقيب إثبات ضمني للتصور الإِسلامى الصحيح لما ناقشه من موضوعات. 9. ثقافته التاريخية الواسعة واطلاعه على أديان الشرق الأدنى كمصر والعراق، واطلاعه على كتابات الغربيين كأودلف إرمان ود/ جرسمان والعلامة هنرى برستد وغيرهم، مكنه من إثبات تأثر كتبة التوراة بالوثنيات القديمة وأن بعض أسفارها مقتبس من أصل مصري قديم كسفر الأمثال، وسفر أرميا، وتأثر

كتبة العهد القديم بفلسفة قدماء المصريين. وبين وجود علاقة واضحة بين العهد القديم والأديان القديمة والأدب المصري القديم وهذه العلاقه غريبة ومريبة (¬1). 10. فند الأباطيل إلى كثرت في نصوص العهد القديم أشهرها أكذوبة شعب الله المختار، وقصة الذبيح وكشف عن كثير من المغالطات في هذه الموضوعات وغيرها (¬2). والكتاب فى مجمله دراسة قيمة حول العهد القديم أبرزت التناقض داخل نصوصه والتعارض مع العقل والتاريخ والحقائق العلمية الثابتة. كتاب التربية في التوراة: "عرض وتقويم" بميزان الإسلام، طُبع سنة 1420 هـ - 2000 م أ. د / عابد توفيق الهاشمي .. أردني الأصل والنشأة. 1. هذا الكتاب يقدم صورة حقيقية للتوراة في نظرتها إلى خلق الإنسان وطبيعته وكيف اهتمت التوراة المحرفة بتربية الإنسان من جميع الجوانب كما يريد اليهود فقد عالج د/ عابد هذه الجوانب في تربية الإنسان عقائديًا وعقليًا وأخلاقيًا واجتماعيًا وما يترتب على هذه التربية من انعكاسات في حياة اليهود الراهنة، وطبق في معالجته هذه المنهج العلمي الأكاديمي بصفته أستاذ متخصص في الأديان. 2. أسس نظرة التوراة التربوية للإنسان وما يحيط به- الإنسان اليهودي- ومن هنا ينطلق الفرد في تعاملاته مع من حوله، الأمر الذي يصل بالباحث إلى تحديد أبعاد العملية النقدية إلى سار عليها في كتابه وهي: البعد الأول: إثبات التحريف الواضح الذي يخدم الثقافة العنصرية والنفسية اليهودية المشوهة. البعد الثاني: بيان انحراف العقلية اليهودية في التصور العقائدي خاصة وفي جميع التصورات الأخرى عامة. 3. وقد تميز منهج د/ عابد في كتابه من بين المناهج النقدية المعاصرة للكتاب المقدس، وأبرز ما يميزه التزامه بأصول البحث الأكاديمي لخبرته الطويلة في التدريس الجامعي في البلدان العربية وأغلب مؤلفاته ينصب حول نقد التوراة المحرفة وكشف فضائحها وفي نفس الوقت موضوعيته النقدية جعلته لا يغفل الجانب الحسن في التوراة. 4. وفي تقويمه للتوراة في الجانب التربوي سار على النهج التالي: - قام بالمقابلة بين نسختي التوراة السامرية والبروتستانتية في نقد النصوص لبيان الزيادة والنقصان فيها. - استرشد بآراء النقاد من علماء اليهود والنصارى فى نقد التوراة وفي بيانهم لمواطن التحريف فيها. ¬

_ (¬1) التوراة- العقل- العلم- التاريخ ص186، 194 - 197، 200. (¬2) المرجع السابق: ص 205، ص 215 - 218.

كتاب نقد التوراة "أسفار موسى الخمسة" السامرية، العبرانية، اليونانية"

- الاعتماد على تفسير الآيات التي يستدل بها أثناء النقد وإثبات التصور الإسلامى الصحيح في كل موضوع عالجه من موضوعات الكتاب. - للشواهد التاريخية أيضًا مكانة مهمة في تأكيد رؤيته التقويمية لتصويب التحريف الذي يكتشفه في النصوص. - في نهاية كل مبحث يعرض تقويما لما ورد في التوراة- في هذا المبحث- حول كل موضوع درسه فيه، وبيان نظرة التوراة المحرفة فيه ثم يتبعه بالتصور الإِسلامي الصحيح من القرآن والسنة. 5. صار في طريقته النقدية على المنهج العلمي القائم على نقد النصوص في ضوء العقل والعلم والمنطق. هذا .. والكتاب في مجمله جديد في موضوعه عميق في معالجته العلمية التزم فيه كاتبه بالموضوعية التامة والعلمية الفائقة. كتاب نقد التوراة "أسفار موسى الخمسة" السامرية، العبرانية، اليونانية": تأليف د/ أحمد حجازي السقا / طُبع سنة 1976 م. 1. هذا الكتاب واحد من الكتب المعاصرة التى اهتمت بنقد العهد القديم خاصة قام صاحبه فيه بدراسة الأسفار الخمسة المنسوبة إلى سيدنا موسى عليه السلام وحقق في هذا الأمر وبين أن هذه النسبة لا تصح بحال من الأحوال وأن كاتبها واحد آخر غير موسى عليه السلام اختلف في شخصيته وفي أي زمان تمت الكتابة وقال إن السامريين يقولون إنه عزرا، الذي حرف كلام الله وغير وبدل عمدًا. بمحض إرادته (¬1). 2. والذي يؤكد أن كاتب التوراة لم يكن هو موسى -عليه السلام - أن د/ السقا، قد وثق كلامه هذا بالأدلة وقال إنه لا ينبغي أن نكتب نصًا ونضيفه إلى موسى - عليه السلام - وتأكيدًا لذلك فإنه يقدم للنص بقوله: يقول الكاتب ثم يذكر النص. مثال: يقول الكاتب: "وأكل بنو إسرائيل المن أربعين سنة حتى جاءوا إلى أرض عامرة أكلوا المن حتى جاءوا إلى طرف أرض كنعان" (خروج 16/ 35) فهذه الآية ليست من كلام موسى لأن المن نزل علي بني إسرائيل طوال سني موسى ولم يُمنع المن إلا بعد ما دخل يسوع أريحا وعبر الأردن كما في (يشوع 5/ 10 - 12) (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: نقد التوراة: ص 73 وما بعدها. (¬2) المرجع السابق: ص 64.

3. الكاتب في نقده للتوراة بنسخها الثلاث تأثر بالعلامة رحمة الله الهندي في كثير من واضع الكتاب خاصة في بيان الأخطاء التي وقعت في التوراة، وفي بيان مواضع التحريف فيها، وقد استفاد كثيرًا من علماء الحركة النقدية السابقين قدامي ومحدثين. 4. ومن أهم ما قام به في كتابه: أ. المقابلة بين نسخ التوراة المختلفة لإظهار التغيير والتبديل الذي تم بينها، فتارة يقابل بين العبرانية والسامرية فيقول: في سفر الخروج في الاصحاح الثلاثين من الآية الأولي إلى الآية العاشرة في العبرانية محذوف من التوراة السامرية (¬1). وتارة يقابل بين العبرانية واليونانية أيضًا فيقول: في العبرانية: "فسجد إسرائيل على رأس السرير (تكوين 47/ 31) وفي اليونانية: "على رأس عصاه" (¬2). ب. اتبع فى توضيح اللفظ والمعني فى التوراة إبراز التناقض فى المعني مع سهولة اللفظ، وأن اختلاف التراجم للتوراة يؤدى إلى صعوبة العبارة. ج. بين دلالة الجملة والكلمة المفردة في التوراة والإنجيل على الحقيقة والمجاز خاصة في كلمات "الإله، الأب، الابن، روح الله، روح القدس" مشيرًا إلى أن المعنى المجازي يطرحه اليهود والنصارى جانبا ويغفلون عنه، ويحملون هذه الألفاظ على حقيقتها. د. اختلاف العبارات في العبرانية والسامرية واضطرابها جعله دليلًا واضحًا على استبعاد أن يكون هذا الكلام موحى به من عند الله عز وجل أثناء مناقشته لدعوى الإلهام عند اليهود ونقده لها فيقول: "إنك حين ترى الاختلافات في العبرانية والسامرية مثلًا، الاختلافات في العبرانية وحدها لا يمكنك أن تظن مجرد ظن بأن هذا كله فكر الله ووحى الله لأن الروح القدس على سبيل المثال لا يوحى بجبل عيبال فى موضع وبجبل جرزيم في موضع آخر وأن الروح القدس لا يوحى للسامريين بخمسة أسفار ويوحي للعبرانيين بتسعة وثلاثين سفرًا، ولا يوحى للذين ترجموا العبرانية إلى اليونانية بأن جعلوها ستة وأربعين (¬3). هذا .. والكتاب في جملته من أهم المؤلفات في الإنتاج العلمى المعاصر لعلماء الحركة النقدية ويمثل إضافة حقيقية لنقد الكتاب المقدس. ¬

_ (¬1) نقد التوراة: ص 133. (¬2) نقد التوراة: ص 139. (¬3) نقد التوراة: ص 204.

كتاب التعاليم الدينية اليهودية

كتاب التعاليم الدينية اليهودية: تأليف د/ علي خليل، طبعة المركز الفلسطيني للإعلام. هذا الكتاب مسجل على شبكة الإنترنت العالمية من إصدارات مركز الإعلام الفلسطيني، وهو يشكل إضافة حقيقية للمكتبة الإِسلامية وقد أثرى الموضوع من خلال معالجته النقدية لأمهات القضايا التي يرتكز عليها العهد القديم. ويمتاز الكتاب بالكثير، من ذلك ما يلي: 1. يتسم بالجرأة في فضح المخططات اليهودية التعليمية فقد بين فيه كيف يربي اليهود أطفالهم في المدارس والجامعات على كره الإسلام والمسلمين منذ الصغر وعلى الأخلاق العدوانية والتميز العنصري. 2. جاء نقده للعهد القديم نقدًا موضوعيًا حول ثلاثة محاور: المحور الأول: بيان الترعة العنصرية في أسفار العهد القديم، فجمع كل ما يتصل هذا الموضوع من جميع أسفار العهد النقد القديم منتقدًا لها نقدًا علميًا دقيقًا. المحور الثاني: بيان الترعة العدوانية في أسفار العهد القديم جمع تحته اُيضًا ما يشعر بوجود الروح العدوانية في نصوص العهد القديم ونقدها بروح حيادية حسب ما يقتضيه النص دون أن يحمله ما لا يحتمل. المحور الثالث: بيان الانحلال الخُلقي في أسفار العهد القديم ورصد من خلال ذلك نماذج لا أخلاقية قد عجت بها أسفار العهد القديم. 3. ربط بين النص والواقع المعاصر فجاء كتابه مزيجًا بين الرؤية الواقعية للأحداث وبين النصوص التوراتية، فقد ربط بين النص والواقع ربطًا رائعًا يدل على أنه متميز في نقد التوراة وقد اتضح ذلك من خلال فصول الكتاب. والأصل عنده بيان الخلفية الدينية المزيفة وراء ما يحدث على أرض الواقع من اليهود في العصر الحديث، وأن المنطلق الأساسي لليهود يرتكز على عقيدة دينية محرفة. 4. التزم بالحيدة التامة في مناقشته للنصوص التوراتية فلم يحمله ما حدث للمسلمين في فلسطين ويحدث إلى الآن- على أن يصدر من قلمه ما يُسيء إلى أحد بعينه فكان قلمه عفيفًا على مدار البحث كله ملتزمًا بالمنهجية العلمية في كتابه. هذا .. والكتاب في جملته إضافة عصرية لما كُتب في الاتجاه النقدي للعهد القديم وهو محاولة جادة للتعرف على ما يقوم به اليهود في العالم ورؤية واضحة للفكر اليهودي القديم والمعاصر وما هي الأسس التي تسير عليها الشخصية اليهودية في الماضي ويستمد منها يهود الحاضر أمجادهم ويستلهمون من أحداثها ما يقومون به اليوم من أنشطة عامة وخاصة.

كتاب: الله واحد أم ثالوث؟

كتاب: الله واحد أم ثالوث؟: تأليف: د/ محمد مجدي مرجان. 1. بين في كتابه أهمية الإيمان في حياة الإنسان، وأن الذي يحيا بلا إيمان كجسد بلا روح ومن ثم فإن الكتاب يدور حول قضية الإيمان بالله سبحانه ووحدانيته وهل هو واحد أم ثلاثة؟، وكيف انحرف النصارى في هذا الإيمان؟ وجعلوا الله ثلاثة الأب والابن والروح القدس وهم عندهم أساس الإيمان المسيحى ومن لم يؤمن بهذا الثالوث فهو كافر مستحق اللعنة فى الدنيا والآخرة ومستوجب النار ومحروم من دخول الفردوس. 2. بين أيضًا مقولة النصارى الباطلة وهي الثالوث وأقوال علماء النصارى حول هذه العقيدة، خاصة فلاسفة المسيحية، وفي نقدها التزم بالموضوعية الكاملة في عرضه لقضايا الثالوث والحيدة التامة حتى لا يُقال أنه متحامل ومتحيز لطرف دون طرف، فيعرض أقوالهم بإنصاف حتى تتضح أبعادها لدي الباحث عن الحقيقة وبالتالي يسهل الرد عليها وإبطالها من داخل مفرداتها ومكوناتها التي يدعونها. 3. وقد أتبع في رده على هذه الأقوال الفاسدة في الثالوث طريقة المجادلة بالتى هي أحسن وعفة القلم واللسان والالتزام بأدب الإسلام مع المخالف، كان كل ذلك علامة تميز بها هذا الكتاب. 4. استخدم المنهج العقلى في نقده لعقيدة الثالوث بعرضر ما يقولون على العقل وأنه يستحيل في العقل أن يكون الله مركب من أجزاء أو يكون الثلاثة واحدًا، كما يستحيل أيضًا وجود أكثر من إله؛ إذ لو وجد أكثر من إله لكان مدعاة للتناحر وانحياز كل إله لمخلوقاته (¬1). 5. استخدم أسلوب الاستفهام الإنكاري لما يقولون فيقول مثلًا: لماذا يا تُرى قصر دعاة الثالوث عناصر الله وأقانيمها على ثلاثة فقط؟ ولماذا لم تكن أربعة أقانيم أو خمسة مثلًا أو أكثر من ذلك أو أقل؟ (¬2). 6. ثقافته المسيحية مكنته من الإتقان والإجادة في نقده لهذه لعقيدة، إذ أنه كان مسيحيًا ومَنَّ الله عليه بالإسلام عن إيمان واقتناع كامل دون ما إكراه من أحد، وكذلك ثقافته الإسلامية الواسعة واستفادته من كتاب إظهار الحق تحديدًا وغيره من الكتب جعلته هذه وتلك يتمكن من رصد مواطن الخلل في الكتاب المقدس. ¬

_ (¬1) الله واحد أم ثالوث: ص 65 - 66. (¬2) المرجع السابق: ص 33.

* كتاب: المسيحية الحقة كما جاء بها المسيح "بين الالتزام والتحريف ودعوة الإسلام"

7. في نقده لعقيدة الثالوث قام ببيان أهمية التعويل على المعني المجازي للأب والابن والروح القدس وخرج من هذه الجولة النقدية بما يهدم هذه العقيدة وأنها من وضع بشر، وقد وضع أساسها في المجامع المقدسة في زعمهم. 8. والكتاب يميل إلى استطراد الردود الفلسفية والمحاورات المنطقية والعقلية، إضافة إلى أنه يعتمد في أغلب فصوله على إبطال مفردات الثالوث بأدلة من الكتاب المقدس. * كتاب: المسيحية الحقة كما جاء بها المسيح "بين الالتزام والتحريف ودعوة الإسلام" تألف أ/ علاء أبو بكر، طبعة مكتبة وهبة، سنة 1418هـ /1997 م. 1. بدأ المؤلف كتابه بداية تقليدية ببيان مصادر المسيحية التى تعتمد عليها الكنيسة وهي الأناجيل الأربعة "متى - مرقس- لوقا- يوحنا" مبينًا محتوياتها والمشكلات التي يشتمل عليها كل إنجيل على حده. 02 اتبع المنهج العلمي في جمع المادة العلمية للكتاب، فمن خلال اطلاعه الواسع على الشروح المختلفة للعهد الجديد قد اعتمد في أغلب عرضه على آراء الباحثين الغربيين، ثم بعد ذلك أسس له رأيًا مستقلًا في هذه الأناجيل، وخلاصة ما رآه حول هذه الأناجيل الأربعة ما يلي: أ. كثرة الاختلافات بين الأناجيل الأربعة فى الموضوعات الأساسية للنصرانية وغيرها. ب. التناقض والتعارض بين الأناجيل الأربعة خاصة في عقائد النصرانية. ج. عدم التحقق من كُتاب الأناجيل، وأن معظم ما ورد حولهم يقوم على الظن والتخمين والشك، وطالما تطرق الشك في الكتبة بالتالي يتولد الشك في النصوص ونسبتها إليهم. 3. عرض لنصرانية بولس وكيف تحول من اليهودية إلى النصرانية والسر وراء ذلك؟، وكان منهجه في إثبات حقيقة بولس الاستناد إلى نصوص الأناجيل ورسائله التي تفضح مؤامراته وتوجهاته ضد المسيحيين وخلص من تلك الجولة النقدية لما كان عليه بولس من مخالفات إلى أن النصرانية الحالية لم تكن نصرانية المسيح بل هى نصرانية بولس. 4. التزم بالموضوعية التامة في نقده لمفتريات النصارى على المسيح - عليه السلام - حيث جمع كل ما يتصل بالموضوع الواحد من أدلة تفصيلية في مكانها الأصلي اللائق بها، فمثلًا في فصل: هل المسيح بشر أم إله أم ابن إله؟ أورد على سبيل الاستقصاء جميع الأدلة التي تبطل مزاعمهم في المسيح ثم عقب في نهاية الأدلة بذكر ما ورد في القرآن الكريم في حق المسيح -عليه السلام - ويؤكد كفر النصارى وضلالهم.

05 اتبع في نقده المنهج التفسيري لتوضيح ما تشتمل عليه النصوص، فقد أبطل دعوى التثليث بأنه يوجد في الكتاب المقدس ما يدل على التوحيد فذكر 72 دليلًا كفيلة بإزهاق باطلهم وادعائهم بأن الله سبحانه وتعالى ثالث ثلاثة، ويفسر من هذه الآدلة ما يحتاج إلى تفسير ويترك الآخر لوضوح الدلالة فيه. 6. بين التضارب الذي وقع في الأناجيل في قضية صلب المسميح ومدى الاختلاف في تفاصيل القصة ليتأكد لدى القارئ أن الأناجيل الأربعة ليست وحيًا من الله عز وجل؛ بل هي من صنع بشر. 7. في دراسته للبشارات في الكتاب المقدس التزم بالنهج العلمي في نقده لما أحدثه المحرفون من النصارى فقد أثبت بالأدلة القاطعة أن البشارات الموجودة في العهدين تنصرف أولًا وآخرًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد اتسم منهجه النقدي بالحيدة التامة والموضوعية الفائقة ورد التفسير الخاطئ للبشارات إلى التفسير الصحيح لها وتتبع ورود البشارات في الكتاب المقدس سفرًا سفرًا وبيان مقصودها. هذا .. والكتاب يمثل دعوة صريحة للمناقشة العلمية والحوار البناء البعيد عن التعصب التزم فيه بالجدال بالتي هى أحسن واحترام الآخر ومحاورته محاورة علمية دقيقة. جزى الله كاتبه خير الجزاء.

الفصل الثاني عرض محتويات الكتاب المقدس

الفصل الثاني عرض محتويات الكتاب المقدس 1 - الكتاب المقدس إجمالًا. 2 - الكتاب المقدس تفصيلًا. أولًا: العهد القديم ثانيًا: العهد الجديد

التعريف بالكتاب المقدس

التعريف بالكتاب المقدس: أولًا: التعريف الإجمالي: الكتاب المقدس: هو مجموع الكتب الموحاة من الله- في زعمهم-، والمتعلقة بخلق العالم وفدائه وتقديسه وتاريخ معاملة الله لشعبه، ومجموع النبوات عما سيكون المنتهى، والنصائح الدينية والأدبية التي تناسب جميع البشر في كل الأزمنة (¬1) والمقدس في اللغة أي المبارك المطهر (¬2) وينقسم الكتاب المقدس إلى قسمين: الأول: العهد القديم: وهو القسم الخاص بالعبادة اليهودية التي هى أساس المسيحية الحالية ويضم هذا القسم تسعة وثلاثين سِفرًا أو كتابًا تبدأ بالتوراة والتي تكوِّن الخمسة أسفار الأولي .. ثم كُتب بقية أنبياء إسرائيل (¬3). الثاني: هو العهد الجديد: وهو القسم الثاني من الكتاب المقدس ويضم سبعة وعشرين سِفرًا بدءًا بالأناجيل الأربعة (¬4). وإطلاق هذا اللفظ علي العهد القديم والعهد الجديد من قِبَل النصارى باعتبار أنه مقدس في زعمهم واعتقادهم واستخدام هذا الوصف من قبل المسلمين ليس اعترافًا بقداسة هذا الكتاب وإنما لأن هذا الاسم صار علمًا بالغلبة على مجموع الأسفار التى يدين بها النصارى بالقداسة والاجلال (¬5). ¬

_ (¬1) قاموس الكتاب المقدس: د/بطرس عبد الملك، وآخرون. ص 762. (¬2) لسان العرب: لابن منظور، 5/ 3550. (¬3) التوراة (العقل- العلم- التاريخ): د/ بدران محمَّد بدران، ص 15 ط1 دار الأنصار 1399 هـ / 1979 م. (¬4) المرجع السابق صـ 15. (¬5) جهود علماء المسلمين في نقد الكتاب المقدس (من القرن الأول الهجري حتى القرن السابع الهجري) د/ ياسر أبو شبانه ص12 هامش (رسالة دكتوراه) 1421 هـ 2000 م.

ثانيا: الكتاب المقدس تفصيلا

ثانيًا: الكتاب المقدس تفصيلًا: فإن مصطلح العهد القديم (يُطلق علي الأسفار المقدسة للديانة اليهودية .. ومن أهم أسفار هذا العهد مجموعة تسمي كتب موسي أو الأسفار الخمسة أو التوراة، ويُطلق علي الأسفار المقدسة للديانة النصرانية اسم "العهد الجديد" ومن أهم أسفار هذا العهد مجموعة تسمي الأناجيل ويُراد بكلمة العهد في هاتين التسميتين ما يرادف معني "الميثاق" أي كلتا الطائفتين من الأسفار تمثل ميثاقًا أخذه الله على الناس: فأولاهما تمثل ميثاقًا قديمًا يرجع إلى عصر سيدنا موسى - عليه السلام - والأخرى تمثل ميثاقًا جديدًا بدأ بظهور سيدنا عيسى -عليه السلام- وجرت العادة أن يُجمع أسفار العهدين معًا في كتاب يُطلق عليه اسم "الكتاب المقدس") (¬1). أولًا: تعريف العهد القديم: هو: التوراة الكتابية، بمجموع أسفارها المقدسة لدي اليهود والنصارى، فالعهد القديم هو الميثاق الذي أخذه الله علي الإسرائيليين أن يلتزموا به (¬2). أما اصطلاح (العهد القديم) فما كان معروفًا قديمًا، وإنما هو اصطلاح حديث خطط له اليهود، واستجابت بعض الطوائف النصرانية لهم فى هذا الأمر، لتكون التوراة أُمًا للعقيدة النصرانية، فوضع النصارى التوراة، وسموها بالعهد القديم إلى جوار الأناجيل وبقية أسفار دينهم وسموها بالعهد الجديد وضموا الاثنين في غلاف واحد باسم "الكتاب المقدس" لتكون عقيدة اليهود في التوراة هى عقيدة النصارى كذلك بما ضمن لليهود تعاطف النصارى معهم في كل ما تتبناه التوراة من عقائد، فيتبعون اليهود، لأنهم يوصفون في التوراة بأنهم شعب الله المختار وأنهم آلهة (¬3) ويعينونهم بكل طاقاتهم على تحقيق أحلامهم وادعاءاتهم ومن تلك: تملك أرض الميعاد (¬4). هذا وتختلف نظرة اليهود للعهد القديم من حيث عدد أسفاره وتقسيمها وترتيبها ومن حيث قدسيته عن نظرة النصارى له من هذه الجوانب أيضًا: ¬

(¬1) الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام د/ على عبد الواحد وافي صـ 3. (¬2) تأثر اليهودية بالأديان الوثنية أ. د/ فتحى محمد الزغبي صـ 47، بتصرف بالحذف. (¬3) يشير إلى النص الذي يقول: "أنا قلت إنكم آلهة، وبنو العلى كلكم" مزمور 83 لإساف 6. (¬4) يراجع: التربية في التوراة أ. د/ عابد توفيق الهاشمى صـ 16 ومن الطوائف التى استجابت لليهود البروتستانيتة ثم الكاثوليكية.

عدد أسفار العهد القديم عند اليهود

عدد أسفار العهد القديم عند اليهود: اختلف اليهود حول هذا العدد فقال أغلبهم: عدد أسفار العهد القديم أربعة وعشرون سفرًا وهي كالتالي: 1 - أسفار موسى الخمسة (التكوين- الخروج- اللاويين - العدد- التثنية). 2 - أسفار الأنبياء، وينقسم إلى: أ. أنبياء متقدمون وهم أسفار (يشوع- القضاة- صموئيل- الملوك). ب. أنبياء متأخرون وهم: - أنبياء كبار- في زعمهم-: ويشتمل علي ثلاثة أسفار" أشعيا وأرميا وحزقيال". - أنبياء صغار- في زعمهم-: وهو سفر واحد يتحدث عن اثني عشر نبيًا من أنبياء بني إسرائيل وهم "ناحوم- حبقوق- هوشع- يوئيل- عاموس- عوبديا- يونان- ميخا- صفنيا- حجي- زكريا- ملاخى". 3 - الكتابات (الكتب): وتشتمل على أحد عشر سفرًا في ثلاثة أقسام: أ. الكتابات الشعرية وهي: "المزامير- الأمثال -أيوب". ب. المخطوطات الخمس وهي: نشيد الإنشاد- راعوث- المراثي- إستير- الجامعة ج. الكتب التاريخية وتشتمل علي "دانيال -عزرا ونحميا- أخبار الأيام (¬1). وذهب البعض إلي أن عدد أسفار العهد القديم اثنان وعشرون سفرًا وقد جعلوا سفري راعوث والقضاة سفرًا واحدًا والمراثي وأرميا سفرًا واحدًا فيكون مجموع الأسفار اثنين وعشرين سفرًا فقط (¬2). وذهب بعضهم إلي أن عدد أسفار العهد القديم تسعة وثلاثون سفرًا، حيث جعلوا (صموئيل والملوك، أخبار الأيام) ستة أسفار بدلًا من ثلاثة، كما جعلوا أسفار الأنبياء الصغار اثني عشر سفرًا، وجعلوا (عزرا ونحميا) سفرين بدلًا من سفر واحد (¬3). والعهد القديم عند "السامريين" (¬4) هو أسفار موسى الخمسة فقط، ولا يعترفون ببقية أسفار العهد القديم ويعتبرونها غير قانونية (¬5). ¬

_ (¬1) تأثر اليهودية بالأديان الوثنية د/ فتحى الزغبى صـ 48: 51، قاموس الكتاب المقدس صـ467، 468، صـ764. (¬2) قامرس الكتاب المقدس صـ 467، 468. (¬3) انظر: تأثر اليهودية بالأديان الوثنية صـ52. (¬4) هم: السكان المتصلون بالمملكة الشمالية، وفي كتابات العبرانيين المتأخرة التي جاءت بعد السبي كان معناها سكان إقليم السامرة الذي يقع في وسط فلسطين (لوقا 17/ 11) (قاموس الكتاب المقدس صـ449. (¬5) انظر: التوراة السامريه: ترجمة الكاهن السامري أبوالحسن إسحاق الصوري صـ د / أحمد حجازي السقا- ط دار الأنصار- بالقاهرة، نقد التوراة (أسفار موسى الخمسة) السامريه، العبرية واليونانية د / أحمد حجازي السقا، صـ 19 مكتبة الكليات الأزهرية. بمصر 1976م.

ترتيب أسفار العهد القديم عند اليهود

والعهد القديم عند اليهود العبرانيين (¬1) له اطلاقان حقيقى ومجازي. فالإطلاق الحقيقي علي أسفار موسى الخمسة [التكوين- الخروج- اللاويين (الأخبار) - التثنية (الاشتر اع)]. والإطلاق المجازي: يشمل باقي أسفار العهد القديم وهي (يشوع- القضاة- راعوث- صموئيل- 1، 2 - الملوك 1، 2 - أخبار الأيام 1، 2 - عزرا- نحميا- أستير -أيوب- المزامير- الأمثال- الجامعة- نشيد الإنشاد- أشعياء- أرمياء-- مراثي أرميا- حزقيال- دانيال- هوشع- يوئيل- عاموس- عوبديا- يونان- ميخا- ناحوم- حبقوق- صفنيا- حجى- زكريا- ملاخى) والتوراة العبرانية هي الأكثر انتشارًا بين اليهود وهي ما اعتمد عليه أغلب النصارى أيضًا فجعلوها تحت اسم العهد القديم وجميع النصارى يسمون كتب التوراة: العهد العتيق أو القديم، ويسمون كتب الأناجيل: العهد الجديد ويسمون مجموع كتب العهدين: الكتاب المقدس ويسمونه أحيانًا بَيْبَل- بسكون الياء وهو لفظ يوناني اُطلق علي مجموع العهدين (¬2). ترتيب أسفار العهد القديم عند اليهود: انقسم اليهود إلى فريقين في هذا الترتيب: الفريق الأول: أقر الترتيب التاريخى للأسفار فبدأ بالأسفار الخمسة ثم أسفار الأنبياء ثم الكتب. الفريق الثاني: رتبوا الأسفار حسب الموضوعات كالتالي: 1 - الأسفار الخمسة (تكوين- خروج- لاويين- عدد- تثنية) 2 - الأسفار التاريخية وعددها اثنا عشر سفرًا وهي (يوشع- قضاة- راعوث- صموئيل 1، 2 - ملوك 1، 2 - أخبار الأيام 1، 2 - عزرا- نحميا- أستير). 3 - الأسفار الشعرية وعددها خمسة أسفار (أيوب- المزامير- الأمثال- الجامعة- نشيد الإنشاد). 4 - أسفار الأنبياء، وعددها سبعة عشر سفرًا وهي "أشعيا- أرميا- مراثي أرميا- حزقيال- دانيال- هوشع- يوئيل- عاموس- عوبديا- يونان- ميخا- ناحوم- حبقوق- صفنيا- حجى- زكريا- ملاخى) (¬3). ¬

_ (¬1) هم: المنتسبون إلي عابر أحد أجداد إبراهيم الذي أتي إلى فلسطين وقد منحهم اللقب الكنعانيون إذ سموا إبراهيم العبراني بعد أن عبر نهر الفرات إلي فلسطين (قاموس الكتاب المقدس صـ 596). (¬2) نقد التوراة د/ السقا صـ 20، 21 بتصرف. (¬3) انظر: تأثر اليهودية بالأديان الوثنية د/الزغبي صـ 53، 54 والأسفار المقدسة د/ وافي صـ 13: 16

موقف اليهود من التوراة الحالية

موقف اليهود من التوراة الحالية: تحتل التوراة مكانة الصدارة عند اليهود إذ أنهم يعتبرونها المصدر الأول للتشريع عندهم رغم ما أصابها من تحريف وتناقض ولذلك فإنهم (يعتقدون بقدسيتها ودوام أحكامها واعتمدوا علي نصوص منسوبة إلى بعض أنبيائهم منها النص المنسوب إلي يعقوب "عليه السلام" أما أنا فهذا عهدي معهم قال الرب. روحى الذي عليك وكلامي الذي وضعته في فمك لا يزول من فمك ولا من نسلك، ولا من نسل نسلك، قال الرب من الآن وإلي الأبد) (¬1). ويعتقدون أيضًا: أنها نظام حياة وحكم وسلوك لأتباعها عبر الزمن "لكي توصوا بها أولادكم، ليحرصوا أن يعملوا بجميع كلمات هذه التوراة؛ لأنها ليست أمرًا باطلًا عليكم، بل هي حياتكم" (¬2). ومن مظاهر قداسة التوراة "العهد القديم" عندهم أيضًا: أنهم يدَّعون أن الله عز وجل "خصهم بالأرض المقدسة فلسطين من دون العالمين: "فالآن يا إسرائيل اسمع الفرائض والأحكام التي أنا أعلمكم لتعملوها, لكي تحيوا وتدخلوا وتتملكوا الأرض التي الرب إله آبائكم يعطيكم، لا تزيدوا على الكلام الذي أنا أوصيكم به، ولا تنقصوا منه، لكي تحفظوا وصايا الرب إلهكم، التي أنا أوصيكم بها" (¬3). عدد أسفار العهد القديم عند النصارى: سبق الإشارة إلى وجود اختلاف في تقسيم العهد القديم بين اليهود والنصارى وهنا يجدر الإشارة إلى أن النصارى أنفسهم يختلفون أيضًا في هذا التقسيم والترتيب وهذا إن دل علي شىء فإنما يدل على ذلك التضارب الواضح بين الطوائف المسيحية المختلفة وبيان ذلك كالتالي: 1 - عدد أسفار العهد القديم عند طائفة البروتستانت (¬4) تسعة وثلاثون سفرًا ويقولون إن التوراة العبرانية هى الصواب ويرتبون أسفارها كالتالي: تكوين- خروج- لاويين- عدد- تثنية- يشوع- قضاة- راعوث- صموئيل 1، 2 - ملوك 1، 2 - أخبار الاُيام 1، 2 - عزرا- نحميا - أستير -أيوب- المزامير- الأمثال- الجامعة- نشيد الإنشاد- أشعياء- أرمياء- مراثي أرمياء - حزقيال- دانيال- هوشع- يوئيل- عاموس- عوبديا- يونان (يونس) - ميخا- ناحوم- حبقوق- صفينا- حجي- زكريا (وليس هو والد يحي عليه السلام) - ملاخي (¬5). ¬

_ (¬1) أشعياء: (59/ 21) الخطية والاعتراف والفداء، وانظر: التربية في التوراة د/ الهاشمي ص 17. (¬2) تثنية: (32/ 46 /47) نشيد موسى، وانظر: المرجع السابق صـ 17. (¬3) تثنية: (4، 1، 2) الأمر بالطاعة، وانظر: المرجع السابق صـ 17. (¬4) ترجع هذد التسمية إلى الذين اعتنقوا مبدأ الإصلاح الكنسى، وخرجوا على الكنيسة الكاثوليكية؛ لأنهم عندما أريد تنفيذ قرار الحرمان عليهم اعلنوا احتجاجًا يسمى بالإنجليزية بروتست، فسمى الذين أمضوا القرار بروتستانت أي المحتجين (انظر: محاضرات فى النصرانية- أبو زهرة صـ 171 ط دار الفكر العربي1961 م. (¬5) نقد التوراة د/ السقا صـ 20، تأئر اليهودية بالأديان الوثنية د/ الزغبي صـ 56، 57.

2 - عدد أسفار العهد القديم وترتيبها عند طائفتي "الأرثوذكس (¬1) و"الكاثوليك" (¬2): عدد أسفار العهد القديم عند هاتين الطائفتين ثمانية وأربعون سفرًا، ويعتبرون أن التوراة العبرانية قد تُرجمت إلى اليونانية سنة 285 - 247 ق. م ويعتبرونها مقدسة، وهي تزيد عن التوراة العبرانية، الأسفار والإصحاحات والآيات التالية: م | اسم السفر | عدد الإصحاحات|موضع السفر من أسفار العهد القديم 1 |طوبيا | 1 - 14 |بعد سفر نحميا 2 |يهوديت |1 - 16 |بعد سفر طوبيا 3 |تتمة أستير |1 - 16 |بعد سفر أستير 4 |الحكمة |1 - 19 |بعد نشيد الإنشاد 5 |يسوع بن سيراخ|1 - 51 |بعد سفر الحكمة 6 | باروخ |1 - 6 |بعد مراثي أرميا 7 |تتمة دانيال |3، 13 - 14 |مع سفر دانيال 8 |المكابيين الأول |1 - 16 |بعد سفر ملاخي 9 |المكابيين الثاني |1 - 15 |بعد المكابيين الأول (¬3) ¬

_ (¬1) هم: نصارى الشرق ورئاستهم في مصر، وقديمًا يسمون اليعاقبة (انظر: أقانيم النصارى د/ أحمد حجازي السقا صـ67 ط - دار الأنصار ط 1/ 1397 هـ - 1977) والأرثوذكس تعنى أصحاب الرأي المستقيم (انظر: الأسفار المقدسة د/ وافي صـ132) والكنيسة الأرثوذكسية هي الكنائس المسيحية الشرقية البيزنطية التي انفصلت عن الكنيسة الكاثوليكية على أيام ميخائيل كيرولارس بطريرك القسطنطينية 1054 م، وانتشرت في روسيا وبلاد البلقان واليونان ومختلف بلاد الشرق الأدنى حيث تؤلف كنائس مستقلة تحت سلطة بطاركتها (انظر: المنجد في اللغة والأعلام ص 32 قسم الأعلام). (¬2) هم: نصارى الغرب ورئاستهم في روما وقديمًا يسمون الملكانية (انظر: أقانيم النصارى ص 67 وأهم ما يمثل قمة الخلاف بين الأرثوذكس والكاثوليك أو بين الكنيسة الشرقية رالكنيسة الغربية ما يلي: يقول الكاثوليك: إن روح القدس نشأ عن الإله الأب والله الابن معًا، والأرثوذكس يقولون: إن رو القدس نشأ عن الإله الأب فقط. الأرثوذكس يقولون بأفضلية الإله الأب على الإله الابن والكاثوليك ينادون بالمساواة الكاملة بين الاثنين. الأرثوذكس يقولون بأن للمسيح طبيعة واحدة ومشيئة واحدة والكاثوليك يقولون بأن له طبيعتين ومشيئتين (انظر: المسيحية د/ أحمد شلبي ص 193 - 194. (¬3) نقد التوراة د / السقا صـ 21، اليهودية د / أحمد شلبي صـ 245 - 247.

موقف النصارى من التوراة (العهد القديم) الحالية

موقف النصارى من التوراة (العهد القديم) الحالية: يحتل العهد القديم من النصارى مكانة التقديس باعتبار أن المسيح عليه السلام جاء مكملًا لشريعة موسى عليه السلام، وعلي هذا الأساس فالعهد القديم مقدس عند النصارى إلا أنهم (مع تقديسهم له لم يتبعوه فأحلوّا ما حرمه ولم يلتزموا حدوده ولما لم يكن في وسعهم أن يتصرفوا في نصوصه؛ لأن أصولها ثابتة عند أعدائهم اليهود فإنهم عمدوا إلى المجامع (¬1) يغيرون بها ما يشاءون مما نصت عليه التوراة وراحوا أحيانًا يفسرون التوراة بما يناسب الإنجيل كما ظهر في محاولتهم ليحدوا في التوراة دليلًا علي ألوهية المسيح وألوهية الروح القدس) (¬2). هذا (ولم يكن للتوراة أثر واضح في عقيدة النصارى، إلا بعد أن تنصرت أسرة يهودية ثرية متنفذة في روما اسمًا لا اعتقادًا، لتحقيق مصالح يهودية، وذلك في القرن الحادي عشر، وتغلغلت في أوساط الفاتيكان (¬3) حتى كان منها أربعة باباوات حكموا الفاتيكان، وأثاروا الحروب الصليبية وأججوا لهيبها، وحمل اليهود المتنصرون النصارى بالتدريج بوسائلهم الملتوية ومكرهم علي تقديس الأسفار التوراتية في كونها كلمة الله المعصومة الواجب اتباعها لدي النصارى، وأقنعوهم أن المسيحية امتداد اليهودية، وأن المجيء الثاني للسيد المسيح قد بدأ مع قيام إسرائيل عام 1948 م لذا فقد أوجبوا على كافة المؤمنين المسيحيين في العالم مؤازرة اليهود وجمع شملهم، استكمالًا للإيمان المسيحى) (¬4). ولعل آخر تآمر يهودي علي النصرانية كان في القرن السادس عشر، علي يد الراهب (مارتن لوثر) (¬5)، ¬

_ (¬1) المجامع هيئات شورية في الكنيسة المسيحية، رسم الرسل نظامها في حياتهم إذ عقدوا المجمع الأول في أورشليم سنة 105م برئاسة الأسقف "يعقوب الرسول" للنظر في ختان الأمم (غير اليهود) ثم نسجت الكنيسة على منوالهم، والمجامع قسمان: مجامع مسكونية (أي عالمية مسكونية نسبة إلى الأرض المسكونة) ومجامع محلية أو مكانية. وقد عقدت المجامع المسكونية عدة مرات في القرون الأولي، وشهدها ممثلو الكنائس من جميع الأقطار وكان السبب الرئيسي لعقدها ظهور مذاهب دينية غريبة ينبغي فحصها وإصدار قرارات بشأنها وشأن مبتدعيها، وقد عقد من المجامع المسكونية عشرون مجمعًا ابتداءً من مجمع نيقية سنة 325م حتى مجمع الفاتيكان سنة 1869 م ولا يعترف الأرثوذكس إلا بقرارات المجامع السبعة الأولي التي كان آخرها مجمع نيقية الثاني 787 م ومن أهم المجامع مجمع نيقية الأول ومجمع القسطنطينية الأول وفيهما تقررت العقائد المسيحية الرئيسية (انظر: المسيحية د/ أحمد شبي ص 197). (¬2) المسيحية د/ أحمد شلبي ص 204 (¬3) هى: دولة اعترفت بها إيطاليا في معاهدة لاتران 1929 م رئيسها البابا (المنجد في اللغة والإعلام صـ 516 قسم الأعلام. (¬4) انظر: الأصولية في اليهودية: عبد الوهاب زيتون صـ 118 - 131 ط/ المنارة ببيروت ط 1/ 1415 هـ 1995م. وينظر التربية في التوراة صـ 18 - 19 بإيجاز وتصرف. (¬5) هو: مارتين لوثر (1483 - 1546 م) واهب أغوسطيني لاهوتي ومفكر وكاتب، بدأ في ألمانيا الإصلاح الديني وانفصل عن الكنيسة في شأن الغفرانات وسلطة البابا والتبتل وإكرام القدسيين نقل التوراة إلى الألمانية فكانت الترجمة حدثا دينيا وأدبيا (المنجد فى اللغة والأعلام قسم الأعلام صـ 615).

ثانيا: التعريف بالعهد الجديد

= بشقها شقين (بروتستنت- وكاثوليك) والشق الأول يتعاطف كليًا مع اليهود فى تقديسه للتوراة ثم استطاع اليهود ضم الكاثوليك إلى صفوفهم بخطوات متتابعة، انتهت بفتوى البابا (¬1) في 20/ 11 / 1964 م بتبرئة اليهود من دم المسيح واعتبار اليهود والنصارى أمة واحدة، وأن عيسى عليه السلام عبراني (¬2). ثانيًا: التعريف بالعهد الجديد: العهد الجديد: هو القسم الثاني من الكتاب المقدس وتنقسم أسفاره إلى أربع مجموعات: أ. الأناجيل الأربعة المنسوبة لكل من: متي- مرقس- لوقا- يوحنا. ب. أعمال الرسل: وهو سفر واحد يُنسب إلى لوقا صاحب الإنجيل المسمى باسمه. ج. الرسائل المقدسة: وهي إحدى وعشرون رسالة وتنقسم إلى قسمين: الأول: رسائل بولس الأربع عشرة وهي: رسالة إلى أهل رومية - رسالته الأولي إلى أهل كونثوس، رسالته الثانية إليهم ورسالته إلى أهل غلاطيه، رسالته إلى أهل أفسس، رسالته إلى أهل فيلبي- رسالته إلى أهل كولوس- رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكي- رسالته الثانية إليهم - رسالته الأولى إلى تيموثاوس ورسالته الثانية إليه - رسالته إلي تيطس - رسالته إلى فليمون- رسالته إلي العبرانيين. الثانى: سبع رسائل تسمي الرسائل الكاثوليكية أي الجامعة وهي: رسالة يعقوب- رسالة بطرس الأولى- رسالته الثانية- رسالة يوحنا الأولي- رسالته الثانية- رسالته الثالثة- رسالة يهوذا. د. رؤيا يوحنا اللاهوتي: وهو سفر واحد يُطلق عليه أيضًا: مشاهدات يوحنا (¬3). وهناك من قسم العهد الجديد إلى ثلاثة أقسام: 1 - الأسفار التاريخية: وتشتمل على الأناجيل الأربعة وأعمال الرسل وسُميت هذه الأسفار بالتاريخية لأن الأناجيل تتضمن قصة حياة المسيح وتاريخه وعظاته ومعجزاته وسفر أعمال الرسل يتضمن تاريخ دعاة النصرانية الأول وخاصة بولس. 2 - الأسفار التعليمية: وهي رسائل بولس الأربع عشرة والرسائل الكاثوليكية السبع. 3 - الأسفار النبوية: وهو سفر واحد المسمى بـ: رؤيا يوحنا اللاهوتي (¬4) وترجع أسفار العهد الجديد إلى ثلاث مجموعات وسفرين: فالمجموعات هي: مجموعة الأناجيل وهي أربعة، ومجموعة رسائل بولس وعددها أربع عشرة رسالة، ¬

_ (¬1) هو: الرئيس الأعلى للكنيسة الكاثوليكية وأطلق أخيرا على الكنيسة الأرثوذكسية أيضًا (المعجم الوسيط 1/ 35) (¬2) التربية في التوراة د/ الهاشمي ص 19 (¬3) في مقارنة الأديان بحوث ودراسات أ. د /محمد عبد الله الشرقاوى ص 27 - 30 ط / دار الجيل بيروت ومكتبة الزهراء جامعه القاهرة ط / 14102 هـ 1990 م وقاموس الكتاب المقدس ص 765 والأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام أ. د/ علي عبد الواحد وافي ص 76 - 82 باختصار. (¬4) انظر: المسيحية د/ أحمد شلبي ص 205 وقاموس الكتاب المقدس ص 765.

الاختلاف في ترتيب أسفار العهد الجديد

= ومجموعة الرسائل الكاثوليكية وعددها سبع رسائل أما السفران هما سفر " أعمال الرسل" للوقا وسفر رؤيا يوحنا (¬1). الاختلاف في ترتيب أسفار العهد الجديد: رتب أسقف (¬2) كنيسة الإسكندرية سنة 367 م أسفار العهد الجديد على النحو التالي: الأناجيل الأربعة- أعمال الرسل- الرسائل الكاثوليكية السبع- رؤيا يوحنا- رسائل بولس الأربع عشرة. أما مجمع روما المنعقد سنة 382 م رتبها على النحو التالي: الأناجيل الأربعة- رسائل بولس الأربع عشرة- رؤيا يوحنا- أعمال الرسل- الرسائل الكاثوليكية السبع. أما مجمع ترنت (¬3) سنة 1546م رتبها علي النحو التالي: الأناجيل الأربعة- أعمال الرسل- رسائل بولس الأربع عشرة- الرسائل الكاثوليكية السبع- رؤيا يوحنا (¬4) ¬

_ (¬1) انظر: الأسفار المقدسة د/ وافي ص 86 وتعترف الكنائس الآن بالأناجيل الأربعة فقط وهناك أناجيل كثيرة كانت منتشرة بين النصارى وصلت إلي مائة إنجيل منها- أناجيل: برنابا، يعقوب، توماس، توما، بطرس، ماركيون، فيليب، مريم، يهوذا وغير ذلك (انظر: الأسفار المقدسة ص 107، 108 والمسيحية د/ أحمد شلبي ص 206، 207 ومشكلات العقيدة النصرانية: د/ سعد الدين السيد صالح ص 186 ط دار الأرقم طـ 3 - 1992 م والمسيح في مصادر العقائد المسيحية م / أحمد عبد الوهاب ص 15 مكتبة وهبة ط 1 - 1398 هـ -1978م. (¬2) هو: لقب دينى لأحبار النصارى فوق القسيس ودون المطران (المعجم الوسيط 1/ 18) (¬3) هى: مدينة شمالى إيطاليا عقد فيها المجمع المسكونى 19 المعروف بالتريدنتني 1545 - 1563 م وهو الذى اهتم بتنظيم الكنيسة الكاثوليكية وبتجديد معتقدها بعد الإصلاح الدينى (المنجد في اللغه والأعلام صـ 184). (¬4) في مقارنة الأديان د/ محمد عبد الله الشرقاوى ص 31، محاضرات في مقارنة الأديان إبراهيم خليل أحمد ص 25 - 26 ط دار المنار- القاهرة ط 1 - 1409 هـ / 1989م.

الباب الثانى جهود علماء المسلمين- فترة البحث- فى نقد سند الكتاب المقدس

الباب الثانى جهود علماء المسلمين- فترة البحث- فى نقد سند الكتاب المقدس ويتكون هذا الباب من فصلين: الفصل الأول: جهود علماء المسلمين في نقد سند العهد القديم. الفصل الثانى: جهود علماء المسلمين في نقد سند العهد الجديد.

الفصل الأول جهود علماء المسلمين في نقد سند العهد القديم "فترة البحث"

الفصل الأول جهود علماء المسلمين في نقد سند العهد القديم "فترة البحث" ويشتمل على المباحث التالية: المبحث الأول: نظرة تاريخية حول العهد القديم المبحث الثانى: نقد سند الأسفار الخمسة المبحث الثالث: نقد سند الأسفار الأخرى

المبحث الأول نظرة تاريخية حول العهد القديم

المبحث الأول نظرة تاريخية حول العهد القديم اتفق جميع الباحثين على أن التوراة الحقيقية قد فقدت، وبالتالي فالتوراة الحالية مزيفة وذلك باعتراف رجال الدين في المسيحية أنفسهم وقد تتبع علماء المسلمين المهتمين بدراسة الأديان المراحل التى مرت بها الديانة اليهودية وما طرأ عليها من تغيير وكيف تلوثت عقيدة بني إسرائيل بكثير من العقائد الوثنية عبر التاريخ وكانوا في ذلك تبعًا لمن خالطوهم من الشعوب في تنقلهم من مكان إلى آخر (¬1). وتتبعوا أيضًا مسيرة بنى إسرائيل عبر التاريخ وخرجوا من هذه الجولة التاريخية بحقيقة هامة تؤكد أن التوراة الموجودة ليست هى التوراة الأصلية المنزلة على سيدنا موسى عليه السلام، وفي صورة مبسطة واضحة بين د/ عابد توفيق الهاشمي (¬2) في كتابه "فلسطين في الميزان" ذلك من خلال العهود المفتراة في العهد القديم التي تبين في النهاية من هو الكاتب الحقيقى للتوراة الحالية ومتي كتبت (¬3). والذي أود التركيز عليه في هذا العرض النقدي التاريخي هي فترة السبي البابلي لبنى إسرائيل تلك المرحلة الحرجة في حياتهم؛ لأنها أحدثت تحولا كبيرًا في الفكر اليهودي فماذا حدث لليهود في "بابل" (¬4). وماذا حدث للتوراة الأصلية؟ هذا ما سيوضحه كثير من نقاد العهد القديم من علمائنا الأجلاء. ¬

_ (¬1) انظر: التوراة د/ بدران صـ 175 - 202؛ تأثر اليهودية باالأديان الوثنية د/ فتحي محمد الزغبي الباب الثالث من ص 421 - 508. (¬2) هو: من مواليد الموصل بالعراق حصل على الليسانس في العربية وآدابها من جامعة بغداد وحصل على الماجستير من u.s.c كاليفورنيا وحصل على الدكتوراة من جامعه القرآن الكريم بالسودان في العقيدة والأديان عمل في التعليم الجامعي بالعراق واليمن من مؤلفاته: التربية في التوراة، وفلسطين في الميزان وفضيحة التوراة (انظر: خاتمة كتاب التربية في التوراة صـ173). (¬3) انظر: ص 183 - 196 ط / مؤسسة الرسالة- ط /1, 1420 هـ -2000 م. وهذه العهود باختصار شديد هي ما يلي: أ. أ- العهود المفتراة إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وإسرائيل (تكوين 21/ 9 - 12)، (17/ 1 - 3)، (13/ 14)، (12/ 2)، (26/ 2 - 7)، أرمياء (15/ 10)، (5/ 27)، أشعياء (1/ 2). ب. العهود المفتراة إلى سيدنا موسى (عدد 33/ 50 - 56)، (تثنية 30/ 50 - 54)، (عدد 20/ 12 - 13). ج. العهود المفتراة إلى يشوع وهي: يشوع (16/ 10). د. عهد القضاة وفيه وضع الأساس للحياة الِيهودية وللفكر اليهودي وقد استمر حتي سنة 1130 ق. م. هـ. عهد الملوك. و. عهد الانقسام إلى مملكة إسرائيل ومملكة يهوذا. ز. اليهود تحت الحكم البابلى. ح. اليهود تحت الحكم الفارسي. ط. اليهود تحت حكم الأغريق. ي. اليهود تحت حكم المصريين البطالسة. ك. اليهود تحت حكم السوريين السلوقيين. ل. اليهود تحت حكم الدولة المكابية. م. اليهود تحت حكم الررمان. (¬4) هي: اسم ناحية منها الكوفة والحلة توجد فى العراق قديمًا (انظر معجم البلدان ياقوت الحموي 1/ 309)

فيقول صاحب تفسير الميزان في نقده لهذه المرحلة: (لقد دمر الهيكل في فترة السبي البابلي، وفقدت عند ذلك التوراة والتابوت التي كانت. توضع فيه، وبقي الأمر على هذا الحال خمسين سنة تقريبًا وهم قاطنون ببابل وليس من كتابهم عين ولا أثر ... ثم لما جلس "كورش" وهو من ملوك فارس على سرير الملك ... أطلق أسراء بابل من بني إسرائيل وكان "عزرا" من المقربين عنده فأمره عليهم وأجاز له أن يكتب لهم كتابهم التوراة ويبني لهم الهيكل، وكان رجوع عزرا بهم إلى بيت المقدس سنة 457 ق. م. وبعد ذلك جمع عزرا كتب العهد القديم وصححها وهي التوراة الدائرة اليوم (¬1). ثم يوجه النظر من خلال عزرا هذا الذي أمره كورش على اليهود- إلى انقطاع سند التوراة الحالية فيقول: (إن سند التوراة الدائرة اليوم مقطوع غير متصل بسيدنا موسى عليه السلام، إلا بواحد وهو عزرا لا نعرفه أولًا ولا نعرف كيفية اطلاعه وتعمقه ثانيًا ولا نعرف مقدار أمانته ثالثًا ولا نعرف من أين أخذ ما جمعه من أسفار التوراة رابعًا ولا ندري بالاستناد إلى أي مستند صحح الأغلاط الواقعة أو الدائرة خامسًا) (¬2). بينما يري د/ عابد الهاشمي أنه في فترة السبي البابلي لليهود قد كتبوا التوراة من قبل "مجلس السنهدرين" (¬3) الذي تأسس في بابل "المنفى" وكان مؤلفًا من "120" عضوا أشهرهم عزرا ونحميا وزروبابل (¬4) حفيد يهو ياكيم (¬5) ودانيال وحجى (¬6) وزكريا (¬7) ومردخاي (¬8) ثم هاجروا إلى أورشليم، وبذا فإن الدين اليهودي نشأ في المنفى، وجمعوا التوراة من حفظهم ومن خيالهم الحاقد على البشرية كما أن فيها مما استحفظوا من كتاب الله وهو نصوص زهيدة ولا يُطمأن إلى صدقها لأنها خضعت لأهوائهم ومصالحهم وأحقادهم (¬9). ¬

_ (¬1) الميزان في تفسير القرآن محمد حسين الطباطبائى3/ 309، 310 مؤسسة الأعلمى للمطبوعات بيروت ط 3/ 1393هـ -1973م. (¬2) المرجع السابق ص 310. (¬3) هو: الهيئة القضائية العليا المختصة بالنظر في القضايا السياسية والجنائية والدينية في المناطق التى كان يعيش فيها اليهود في فلسطين وبمنزلة المحكمة العليا التى تمارس تطبيق العدالة وإصدار الأحكام طبقًا للشريعة اليهودية في ذلك الوقت وتشريع القوانين الخاصة بالعبادات ومحاكمة من ينتهك هذه القوانين وكذا الإشراف على الاحتفالات الكهنوتية في المعبد (انظر اليهود واليهودية والصهيونية د/ عبد الوهاب المسيري 4/ 64). (¬4) معناه: زرع بابل أو المولود في بابل ابن شالتئيل، رجع اليهود من بابل إلى اليهودية في أول دفعة تحت قيادته واشترك زروبابل مع يشوع ابن يوصاداق (قاموس الكتاب المقدس ص 425). (¬5): الملك التاسع عشر بين ملوك المملكة الجنوبية وابن يهوياقيم حكم ثلاثة أشهر بعد موت أبيه وقد سقطت القدس في عهده في يد البابليين فنفى هو وأسرته في بابل: خلفه عمه صدقيا هو (اليهود واليهودية رالصهيونية د/المسيري 4/ 187). (¬6) هو: أحد أنبياء بني إسرائيل عاش في الجلاء في العهد الفارسي ثم عاد إلى أورشليم ودعا إلى تجديد بناء الهيكل 520 ق. م ونبوءة حجاي سفر من أسفار العهد القديم (المنجد في اللغة والأعلام ص 230 قسم الأعلام). (¬7) هو: زكريا بن برخيا بن عدو وهو الحادي عشر بين الأنبياء الصغار تنبأ في الشهر الثامن من السنة الثانية لداريوس الملك وذلك في غضون المدة التي أذن فيها لرجال يهوذا أن يرجعوا من سبى بابل دعا قومه أن يرجعوا إلى اليهودية ويتخلصوا من ظلم بابل، طالت أيامه وعاش في بلاده ودفن بجانب حجى الذي كان زميلًا له (قاموس الكتاب المقدس ص 428). (¬8) هو: اسم بابلى معناه ملك "للإله مردك" وهو رجل من مسبي اليهود من عشيرة شاول من رجال بلاط احشويرش ومربي هدسه ابنة عمه إلى أن صارت ملكة فارس وحقد عليه هامان وزير احشويرش فاحتال بحيلة لملاشاة كل شعب اليهود غير أن هذه الملكة أحبطت مقصده الخبيث فعلق هامان وأولاده العشرة وارتقى مردخاى إلى منصب رفيع واكتسب غني وكرامة لدي كل من شعبه والأجانب (قاموس الكتاب المقدس ص 852). (¬9) فلسطين في الميزان: د/ عابد الهاشمي، ص 193.

ويضيف د/ السقا بعدًا تاريخيًا نقديًا جديدًا يوضح فيه الأبعاد الحقيقية في كتابة التوراة الحالية فيقول: إن موسى عليه السلام لما كتب التوراة قرأها على بنى إسرائيل وشرح نصوصها شرحًا وافيًا في عبر الأردن في أرض موآب ابتدأ موسى يشرح هذه الشريعة قائلًا ... إلخ (¬1). وأوصى إذا ما مَلَك ملِك علي بني إسرائيل أن "يكتب لنفسه نسخة من هذه الشريعة في كتاب من عند الكهنة اللاويين فتكون معه ويقرأ فيها كل أيام حياته لكي يتعلم أن يتقى الرب إلهه ويحفظ جميع كلمات هذه الشريعة وهذه الفرائض ليعمل بها" (¬2). وأمر الكهنة أن يقرؤوا التوراة في نهاية كل سبع سنوات في "عيد المظال" (¬3) " وكتب موسى هذه التوراة وسلمها للكهنة بني لآوي حاملي تابوت عهد الرب ولجميع شيوخ إسرائيل وأمرهم موسى قائلًا: في نهاية السبع سنين في ميعاد سنة الإبراء في عيد المظال ... تُقرأ هذه التوراة أمام كل إسرائيل في مسامعهم" (¬4). ثم بعد ذلك وضع النسخة الأصلية بجوار التابوت أي أنه كان تابوت وكان صندوق خاص للتوراة بجانب التابوت وهذا ما يفهم من قول التوراة "فعندما كمل موسى كتابة كلمات هذه التوراة في كتاب إلى تمامها أمر موسى اللاويين حاملي تابوت عهد الرب قائلًا: "خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب إلهكم ليكون هناك شاهدًا عليكم" (¬5)، فقوله: "بجانب تابوت عهد الرب" يفيد أن التوراة الرسمية وضعت خارج التابوت في مكان خاص، وكان في التابوت كتاب العهد مكتوبًا على لوحين من الحجر، وكان فيه عصا هارون عليه السلام وكان فيه قسط المن الذي نزل على بنى إسرائيل في سيناء مع "السلوى" (¬6) تذكارًا لكرم الله وفضله (¬7). ¬

_ (¬1) تثنية: (1/ 5) الأمر بمغادرة حوريب. (¬2) تثنية: (17/ 18 - 19) أحكام خاصة بالملك. (¬3) هو: آخر الأعياد السنوية الكبرى التي كان يطلب فيها من كل رجل في بني إسرائيل أن يظهر أمام الرب في الهيكل وثاني أعياد الحصاد (قاموس الكتاب المقدس ص 586). (¬4) تثنية: (31/ 9 - 11) قراءة التوراة. (¬5) تثنية: (31/ 24 - 26) التنبؤ بتمرد شعب إسرائيل. (¬6) هى: طيور ترحل من أفريقيا في الجنوب إلي الشمال في أسراب كثيرة العدد جدًا وقد أرسل الله كمية كبيرة من هذه الطيور إلى محلة العبرانيين ليأكلوا لحمها بعد أن تذمروا على سيدنا مرسى (قاموس الكتاب المقدس ص 481) (¬7) خروج: (16/ 33 - 34) المن والسلوى.

ثم اختفت التوراة الأصلية التي كانت بجانب التابوت عندما أحرق بيت الرب في عهد نبوخذ نصر (¬1) ملك بابل "جاء نبوزرادان (¬2) رئيس الشرط عبد ملك بابل إلى أورشليم وأحرق بيت الرب وبيت الملك وكل بيوت أورشليم وكل بيوت العظماء أحرقها بالنار وجميع أسوار أورشليم مستديرًا هدمها (¬3) " (¬4). وفي ختام هذه الجولة التاريخية النقدية يقرر العلامة رحمة الله الهندي بالأدلة الدامغة فقدان التوراة الأصلية وإن كان عزرا هو الكاتب الحقيقي للتوراة الحالية كما يقول بعض النقاد فإن العلامة رحمة الله الهندي يقول غير ذلك (أي أنه لم يكتبها) ولا هى التوراة التي صنفها موسى علية السلام بناءً على أدلة ساقها تؤيد رأيه في هذا الأمر فيقول جمهور أهل الكتاب يقولون: إن السفر الأول والثانى من أخبار الأيام صنفهما عزرا بإعانة حجى وزكريا عليهما السلام وهذان السفران في الحقيقة من تصنيف هؤلاء الأنبياء الثلاثة وتناقض كلامهم في الإصحاح السابع والثامن من السفر الأول في بيان أولاد بنيامين، وكذا خالفوا في هذا البيان هذه التوراة المشهورة بوجهين: الأول: فى الأسماء، والثاني: في العدد حيث يفهم من الإصحاح السابع أن أبناء بنيامين ثلاثة ومن الإصحاح الثامن أنهم خمسة ومن التوراة أنهم عشرة، واتفق علماء أهل الكتاب أن ما وقع في السفر الأول غلط وبينوا سبب وقوع الغلط: أن عزرا ما حصل له التمييز بين الأبناء وأبناء الأبناء وأن أوراق النسب التى نقل عنها كانت ناقصة، وهؤلاء الأنبياء الثلاثة كما هو معروف كانوا متبعين التوراة فلو كانت توراة موسى هى هذه التوراة المشهورة لما خالفوها ولما وقعوا في الغلط، ولما أمكن لعزرا أن يترك التوراة ويعتمد على الأوراق الناقصة وكذا لو كانت التوراة التي كتبها عزرا مرة أخرى بالإلهام على زعمهم هى هذه التوراة المشهورة لما خالفها فعلم أن التوراة المشهورة ليست التوراة التى صنفها موسى ولا التى كتبها عزرا بل الحق أنها مجموع من الروايات والقصص المشتهرة بين اليهود وجمعها أحبارهم في هذا المجموع بلا نقد للروايات (¬5). ¬

_ (¬1) هو: ابن نبو بلاسر وخليفته في الجلوس على عرش مدينه بابل حكم الإمبراطورية البابلية في ما بين النهرين وسوريا استولى على سوريا وفلسطين وجاء إلى القدس وسبى بعض سكانها ومن بينهم دانيال (قاموس الكتاب المقدس 954). (¬2) هو: قائد جيش نبوخذ نصر الذي حاصر القدس واستولى عليها وسبي عددا من سكانها (قاموس الكتاب المقدس 955). (¬3) الملوك الثاني: (25/ 8 - 9) سقوط أورشليم. (¬4) انظر: نقد التوراة د / السقا 86/ 89 باختصار بالحذف، واليهود واليهودية عقيدة وتاريخًا د/ عبد السلام محمد عبدة ص 159 - 160 ط مطبعة لطفي 1978م-1979م. (¬5) إظهار الحق: 1/ 84، 85.

وذهب بعض النقاد إلى أن عزرا هو الذي كتب التوراة الحقيقية في مدينة بابل بمساعدة بعض العلماء فجمع فيها مأثورات من تواريخ قديمة ووضع توراة موسى بين هذه المأثورات وزاد فيها ونقص ولما صدر لهم أمر من ملك فارس بالرجوع إلى القدس (أورشليم) تعجلوا الرجوع بهذه التوراة وما كانوا قد نقحوها وأزالوا اختلافاتها (¬1). وذهب البعض الآخر إلى: أن التوراة الحالية ليست هي المترلة على سيدنا موسى عليه السلام وليست هى التى كتبها عزرا، وذلك لأنه لو فرض أن عزرا كتب التوراة الحالية فإن ما كتبه قد أحرق في حادثة أنطيوكس (¬2) فقد اتفق أهل العلم على أن نسخة التوراة الأصلية وكذا نسخ العهد العتيق ضاعت من أيدي عسكر بختنصر، ولما ظهرت نقولها الصحيحة على عزرا ضاعت تلك النقول أيضًا في هذه الحادثة (¬3). وقد استدل العلامة / رحمة الله الهندي على هذه الحادثة بما ورد فى التوراة: "لما فتح أنطيوكس ملك ملوك الفرنج أورشليم أحرق جميع نسخ كتب العهد العتيق التي حصلت له من أى مكان بعد ما قطعها وأمر أن من يوجد عنده نسخة من نسخ العهد العتيق أو يؤدى رسم الشريعة يقتل، وكان تحقيق هذا الأمر فى كل شهر وكان يقتل كل من يجد عنده نسخة أو ثبت أنه أدى رسما من رسوم الشريعة وتعدم تلك النسخة (¬4). والباحث يميل إلى هذا الرأي لأن الأحداث التاريخية تؤكده وأيضًا العقل والمنطق يؤكدان أن ما حدث لليهود من تشريد وما حدث لبيت الرب من تدمير بما فيه من التابوت ومحتوياته دليل قوى على صحة هذا الرأي. ¬

_ (¬1) انظر. تعليق د/ السقا على إظهار الحق، 1/ 85 هامش، الميزان في تفسير القرآن: 3/ 310، والفارق بين المخلوق والخالق: البغدادي، ص 10، هداية الحيارى لابن قيم الجوزية: ص 207 - 208، ط / المكتبة القيمة، ط / 2، 1399 هـ، وشبهات النصارى وحجج الإسلام: أ/ محمد رشيد رضا، ص 42، طبعة دار المنار، ط 2/ 1367 هـ، الكتب المقدسة بين الصحة والتحريف: د/يحيي ربيع، ص 86. (¬2) هو: أنطيوكس الرابع "إبيفانس من 215 - 163 ق. م" أراد أن يختبر ولاء فلسطين له لتكون حاجزا بينه وبين الرومان فأرسل قائده على رأس 22000 من الجنود إلى أورشليم تحت ستار السلام، وهاجموها في يوم السبت، علمًا بأن اليهود لا يحاربون في يوم السبت، وقتلوا أناسا كثيرين وأخذوا النساء والأطفال عبيدا لهم، كما نهبوا المدينة واحرقوها، وفي عام 167ق. م، عزم أنطيوكس على محو الديانة اليهودية؛ لتحريم ممارسة نواميس آبائهم، ومنع حفظ السبت والأعياد والذبائح المألوفة وختان الأطفال، وأحرق نسخ التوراة، وكل من يعصى هذه الأوامر يعدم (ينظر دائرة المعارف الكتابية: أ / ويليام وهبه بباى، 1/ 498، ط / دار الثقافة القاهرة، 1996م). (¬3) انظر: إظهار الحق، 2/ 284، ودراسات في التوراة: للشيخ / عطية إبراهيم الشوادفي، ص 77. (¬4) المكابيين الأول: (1/ 59 - 60) نقلا عن هامش إظهار الحق: تحقيق د/ أحمد حجازي السقا،2/ 284.

المبحث الثانى نقد سند الأسفار الخمسة

المبحث الثانى نقد سند الأسفار الخمسة ويشتمل على ما يلي: - أهمية الإسناد وشروط قبول الكتب الإلهية. - نقد سند الأسفار الخمسة

أهمية الإسناد

أهمية الإسناد: للإسناد أهمية كبيرة في قبول الروايات وبه تتميز الأمة الإسلامية عن غيرها (¬1) ويتوقف تصديق الخبر أو تكذيبه على هذا الإسناد، أما بالنسبة لليهود والنصارى فيما يتصل بالتوراة والإنجيل (فإن السند المتنازع بيننا وبينهم: السند المتصل وهو عبارة عن أن يروى الثقة بواسطة أو بوسائط عن الثقة الآخر بأنه قال إن الكتاب الفلاني تصنيف فلان الحواري أو فلان النبي، وسمعت هذا الكتاب كله من فيه أو قرأته عليه أو أقر عندى أن هذا الكتاب تصنيفى وتكون الواسطة أو الوسائط من الثقات الجامعين لشروط الرواية) (¬2). شروط قبول الكتب الإلهية: ولقد وضع العلماء شروطًا لقبول الكتب الإلهية بحيث إذا توافرت هذه الشروط وتبين بالأدلة القاطعة اتصال سندها وصحة نسبتها إلى كاتبيها وجب التسليم بها: 1 - لابد لكون السفر سماويًا واجب التسليم به أن يثبت أولًا: بدليل تام أن هذا السفر كتب بواسطة النبي الفلاني، ووصل بعد ذلك إلينا بالسند المتصل بلا تغيير ولا تبديل، وأن الاستناد إلى شخص ذي إلهام بمجرد الظن والوهم لا يكفي في إثبات أنه من تأليف ذلك الشخص، وأن مجرد ادعاء فرقة أو فرق لا يكفى ... بل يحتاج إلى دليل (¬3). 2 - أن يكون الرسول الذي نسب إليه قد علم صدقه بلا ريب ولا شك وأن يكون قد دعم ذلك الصدق. بمعجزة أي أمر خارق للعادة قد تحدى به المنكرين والمكذبين وأن يشتهر أمر ذلك التحدي وهذا الاعجاز (¬4). 3 - أن تكون نسبة الكتاب إلى الرسول الذي نسب إليه ثابتة بالطريق القطعى ... بحيث يتلقاه الأخلاف عن الأسلاف، جيلًا بعد جيل من غير أي مظنة للانتحال وأساس ذلك التواتر أن يرويه جمع عن جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب، حتى تصل إلى الرسول الذي أسند إليه الكتاب، ونسب إليه ونزل الوحى عليه (¬5). وبتطبيق هذه الشروط على كتب النصارى تبين أن الأدلة لم تتوفر حتى يحكم على سندها بالاتصال أو يقال بصحة نسبتها إلى كاتبيها. وعندما طلب من علمائهم السند المتصل ما قدررا عليه واعتذروا عن ذلك وقالوا: إن سبب فقدان السند عندنا وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة ... ويقولون بالظن والتخمين والظن لا يُغني من الحق شيئًا (¬6). ¬

_ (¬1) وإلي هذا أشار العلماء فيقول عبد الله بن المبارك: "الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء" ويقول ابن سيرين المتوفي سنة110 هـ: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم" (انظر: مقدمة صحيح مسلم للنووي 1/ 15تحقيق أ/ محمد فؤاد عبد الباقي ط الحلبي. (¬2) إظهار الحق: 1/ 192، 193. (¬3) انظر: المرجع السابق 1/ 83 بالحذف. (¬4) انظر: محاضرات في النصرانية. أبو زهرة 79، 80. (¬5) المرجع السابق ص 80. (¬6) انظر: إظهار الحق 1/ 83 بالحذف.

نقد سند الأسفار الخمسة

نقد سند الأسفار الخمسة: أَتبع علماء المسلمين- فترة البحث في نقدهم لسند العهد القديم المنهج العلمى القائم على: وضع السند موضع الشك وعدم التسليم بصحته إلى أن يتبين خلاف ذلك من خلال البحث والدراسة، والتحقق من صحة السند ونسبته إلى قائلة، وهل تصح نسبة هذه الأسفار إلى سيدنا موسى عليه السلام أم أنه يوجد انقطاع في سندها، واللجوء إلى هذا المنهج نتيجة طبيعية لذلك الاضطراب الحاصل في تحديد من هو مصنف هذه الأسفار وكذا الاضطراب الحاصل في تحديد زمن التصنيف وفي الصفحات التالية أبين الرؤى النقدية لعلماء المسلمين حول سند الأسفار الخمسة وغيرها من خلال الجهود المتميزة التى قام بها العلامة. رحمة الله الهندي (¬1) ود / على عبد الواحد وافي (¬2)، ود / بدران محمد بدران، كما يلي: فيقول العلامة رحمة الله الهندي إن التوراة المنسوبة إلى سيدنا موسى عليه السلام ليست هى التوراة الحقيقية المنزلة من عند الله سبحانه وتعالى وأورد الأدلة التى تؤكد ما يقول فذكر عشرة أمور تثبت عدم صحة هذه النسبة وأكتفي هنا بذكر أوضح الأدلة التى استند عليها في ذلك وهي: 1 - تشهد عبارات التوراة أن كاتبها غير موسى وهذا الذي هو غير موسى جمع هذا الكتاب من الروايات والقصص المشتهرة بين اليهود، ثم ميز بين هذه الأقوال فما كان في زعمه قول الله أو قول موسى أدرجه تحت قال الله أو قال موسى، وعبر عن موسى في جميع المواضع بصيغة الغائب، ولو كانت التوراة من تصنيفات موسى عليه السلام لكان عبر عن نفسه بصيغة المتكلم ولا أقل من أن يعبر في موضع من المواضع؛ لأن التعبير بصيغة المتكلم يقتضى زيادة الاعتبار، والذى يشهد له الظاهر مقبول ما لم يقم على خلافه دليل قوى ومن ادعى خلاف الظاهر فعليه البيان (¬3) ". 2 - لا أحد يقدر أن يدعى نسبة بعض الآيات وبعض الإصحاحات إلى موسى عليه السلام؛ بل إن بعض الآيات تدل على أن مؤلف هذا الكتاب لا يمكن أن يكون قبل داود عليه السلام بل يكون إما معاصرًا له أو بعده .. وعلماء المسيحية يقولون بالظن ورجما بالغيب أنها من ملحقات نبي من الأنبياء وهذا القول مردود؛ لأنه ¬

_ (¬1) هو العلامة رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي الحنفى نزيل الحرمين، باحث عالم بالدين والمناظرة جاور بمكة وتوفي بها له كتب كثيرة منها: إظهار الحق مطبوع، التنبيهات في إثبات الاحتجاج إلى البعثة والحشر والميقات، ولد سنة 1233 في جمادى الأولي الموافق 1818م من شهر مارس بحى "دربار كان" في مدينة "كيرانة" التابعة لمحافظة مظفر ناجار" في الهند (انظر: الأعلام- للزركلي - 3/ 18 طبعة دار العلم للملايين، مقدمة مناظرة الهند الكبرى في علم مقارنة الأديان تقدم د / أحمد حجازي السقا ط- مكتبة الإيمان بالمنصورة. (¬2) هو: من علماء الأزهر الأفاضل الذين أثروا المكتبة الإسلامية بمؤلفاتهم القيمة منها: الأسفار المقدسة، واليهودية واليهود، حقوق الإنسان في الإسلام وغير ذلك من المؤلفات في الأدب واللغة والسياسة والاقتصاد والاجتماع وله مؤلفات باللغات الأجنبية منها نظرية اجتماعية في الرق والفرق بين رق الرجل ورق المرأة، وتقلد مناصب عديدة منها: عميد كلية التربية بجامعة الأزهر، ووكيل آداب القاهرة سابقًا، وعضو المجمع الدولي لعلم الاجتماع (انظر: الأسفار المقدسة ص 1، ص 205 - 212. (¬3) إظهار الحق 1/ 86 وانظر: نقد التوراة د / أحمد حجازي السقا ص 67، 77.

مجرد ادعاء منهم بلا برهان؛ لأنه ما كتب نبي في كتابه أني ألحقت الآية الفلانية في الإصحاح الفلاني من السفر الفلاني ولا كتب أن غيري من الأنبياء ألحقها، ولم يثبت ذلك الأمر بدليل آخر قطعى أيضًا ... ومجرد الظن لا يغنى فما لم يقم دليل قوى على الإلحاق تيهون هذه الآيات والإصحاحات أدلة كاملة على أن كتاب موسى عليه السلام هذا ليس من تصنيفاته (¬1). وقد تناول د/ على عبد الواحد وافي، سند الأسفار الخمسة بالنقد العلمى الموضوعى مبينا تاريخ تأليفها فقال: (أهم أسفار العهد القدبم هى أسفار القسم التي ينسبها اليهود إلى موسى عليه السلام ويعتقدون أنها بوحى من الله وأنها تتضمن التوراة: ولكن ظهر للمحدتين من الباحثين من خلال ملاحظة اللغات والأساليب التى كتبت بها هذه الأسفار وما تشتمل عليه من موضوعات وأحكام وتشريع، والبيئات الاجتماعية والسياسية التى ينعكس فيها- ظهر لهم من ملاحظة هذا كله- أنها قد ألفت في عصور لاحقة لعصر موسى عليه السلام بأمد غير قصير وعصر موسى عليه السلام يقع على الأرجح حوالى القرن الرابع عشر أو الثالث عشر قبل الميلاد) (¬2). وفي إطلالة نقدية سريعة يذكر د/ بدران محمد بدران في كتابه ما يقوله أهل الكتاب عن كاتب التوراة الأمر الذي أوقعهم في شرك ونقدهم من واقع كلامهم لا من خارجه فيقول: "يقول أهل الكتاب إن كاتب التوراة هو موسى عليه السلام حسب النص الذي يقول: "كتب موسى هذه التوراة وسلمها للكهنة بنى لآوى .. حاملى تابوت عهد الرب ... ولجميع شيوخ إسرائيل" (¬3). وفي تحليله للصيغ اللغوية الواردة في هذا النص يبرهن د / بدران على أن سيدنا موسى عليه السلام لم يكتب هذه التوراة لأن ما ورد فيها من صيغ لغوية مثل "كتب موسى وصعد موسى وأوصى موسى" وغير ذلك من الصيغ التي تشعر بأن شخصا آخر غيره هو القائل- تثبت خطأ ما يدعون من نسبة نصوصها إلى سيدنا موسى عليه السلام. ¬

_ (¬1) انظر: إظهار الحق 1/ 86 بتصرف بالحذف، ولمزيد من التفصيل في هذة الأدلة فقد ساق العلامة رحمة الله الهندي مجموعة كبيرة من الآيات وبين أنها إلحاقية وليست من كلام موسى عليه السلام منها ما يلي: تكوين 36/ 30، تثنية 3/ 4، عدد 32/ 40، تكوين 22/ 14، تثنية 2/ 12، 3/ 11، عدد 21/ 3، خروج 16/ 35، عدد 21/ 14، يشوع 4/ 9، 10/ 13، 34، قضاة 1/ 10 - 15،، صموئيل الأول 6/ 19، انظر: إظهار الحق 1/ 223 - 232). (¬2) الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام أ. د/ علي عبد الواحد وافي ص 4. (¬3) تثنية: (31/ 9) - قراءة التوراة.

ومن يدقق في هذا النص جيدًا يدرك للوهلة الأولى أن موسى عليه السلام لم يكتب مثل هذا الكلام لأنه لو كتبه ما قال: "وكتب موسى ... " هذا شيء. والشيء الثانى: أن هذا النص موجود في (تثنية 31) ويتكون هذا السفر من أربعة وثلاثين إصحاحًا .. فمن كتب بقية الإصحاح الحادي والثلاثين وبقية الإصحاحات المكونة لهذا السفر؟. الشىء الثالث: أن النصوص التالية للنص السابق تقول: "أمرهم موسى (¬1) ... " كما يقولون إن الله خاطب موسى بعد النص السابق عدة مرات "وقال الرب لموسى (¬2) " وغيرها. وهذا يثبت أن موسى عليه السلام لم يكتب هذه الآية وما بعدها وهنا يرد الشك، والشك في آية واحدة فقط كفيلة بأن تهدم الكتاب كله (¬3)، ويقول د/ علي عبد الواحد وافي: عن الأسفار الخمسة: (إن معظم سفري التكوين والخروج قد ألف حوالي القرن التاسع قبل الميلاد، وأن سفر التثنية قد ألف في أواخر القرن السابع قبل الميلاد وأن سفري العدد واللاويين قد ألفا في القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد أى بعد النفي البابلى (وهو إجلاء بنى إسرائيل إلى بابل سنة 587 قبل الميلاد) وأنها جميعًا مكتوبة بأقلام اليهود، وتتمثل فيها عقائد وشرائع مختلفة تعكس الأفكار والنظم المتعددة التى كانت سائدة لديهم في مختلف أدوار تاريخهم الطويل) (¬4). هذا .. وقد قام علماء المسلمين بالتحقق من نسبة الأسفار الخمسة إلى كاتبيها، بأدلة من العهد القديم، ويمكن تناول جهودهم في نقد نسبتها إلى سيدنا موسى عليه السلام كما يلي: 1 - أدلة من سفر التكوين. 2 - أدلة من سفر الخروج. 3 - أدلة من سفر العدد. 4 - أدلة من سفر التثنية. 5 - أدلة من سفر اللاويين. بين علماء المسلمين من خلال نصوص العهد القديم أن الأسفار الخمسة مشكوك في نسبتها إلى موسى عليه السلام وبالتالى يضعف من قيمتها الدينية. الأمر الذي يؤدى إلى رفع القداسة عنها باعتبار أنها ليست وحيًا من عند الله سبحانه وتعالى. وقد وقف العلماء أمام كل سفر من هذه الأسفار وغيرها وقفة نقدية على أسس علمية قوية مبينين مواطن التحريف فيها عن طريق تحليل الألفاظ الدخيلة عليها أو المنقوصة منها أو المبدلة فيها. ¬

_ (¬1) تثنية: (31/ 10) - قراءة التوراة. (¬2) ثنية: (31/ 14، 16) التنبؤ بتمرد شعب إسرائيل، (32/ 48) - الرب ينبئ موسى بموته علي جبل نبو. (¬3) التوراة: "العقل. العلم. التاريخ" د/ بدران محمَّد بدران، ص 34. (¬4) الأسفار المقدسة: ص 4، مرجع سابق.

وسهل على العلماء كشف الزيف والباطل في كتبهم وتمكنوا من إثبات كذبهم وافتراءاتهم على الله عز وجل وعلى الأنبياء وغير ذلك من أمور. وفي الصفحات التالية أعرض كل سفر على حدة مبينًا المواطن إلى وقف أمامها العلماء وقفات نقدية تثبت عدم صحة نسبتها إلى موسى عليه السلام. فيقول د / السقا: (إن التوراة المتداولة مع اليهود والنصارى ليست هى التى تركها موسى عليه السلام بل هى قد كتبت بعد عصر الملوك، بعد استيلاء بنى إسرائيل على أرض "كنعان (¬1) واتخاذهم أورشليم (¬2) عاصمة للمملكة" (¬3). وقد ساق العلامة الهندي ستة وعشرين دليلا تؤكد أن هذه الأسفار الخمسة- ليست من تصنيف موسى عليه السلام ووافقه في معظم هذه الأدلة د/ السقا (¬4) وزاد عليها أدلة أخرى وربما يضيف بعدًا نقدجديدًا زيادة على ما ذكره العلامة الهندي في بعض الأدلة، إلا أنه يؤخذ عليه المحاكاة والتقليد لكثير من القضايا إلى طرقها العلامة الهندي، وأذكر هنا أبرز الأدلة إلى ذكرها كل من العلامة الهندي، د/ السقا. ¬

_ (¬1) هى: الأرض إلى سكنتها ذرية كنعان، وقد استولي عليها العبرانيون فيما بعد وكانت حدودها الأصلية مدخل حماة إلى الشمال وبادية سوريا والعرب إلى الشرق وبادية العرب إلى الجنوب وساحل البحر المتوسط إلى الغرب وبعد أن افتتحها العبرانيون أطلق عليها اسم " أرض إسرائيل والأرض المقدسة وأرض الموعد وأما اسم فلسطين كان يطلق في الأصل على الساحل الذي يقطنه الفلسطينيون (قاموس الكتاب المقدس ص 789) (¬2) هى: عاصمة يهوذا وفلسطين السياسية لزمن طويل كما أنها مدينة مقدسة عند اليهود والمسيحيين والمسلمين، معناها أساس السلام وتسمي بيت المقدس، والقدس الشريف (قاموس الكتاب المقدس ص 129 - 135). (¬3) نقد التوراة: د / أحمد حجازي السقا، ص 61 ط مكتبة الكليات الأزهرية 1976م. (¬4) هو: أحمد حجازي أحمد السقا، ولد في قرية ميت طريف مركز دكرنس بالدقهلية في 23/ 9 /1940 م. حصل على الإبتدائية الازهرية سنه 1958 م، والإعدادية العامة سنه 1960 م والثانوية الأزهرية المعادلة سنه 1963 م من معهد المنصورة والماجستير والدكتوراه من أصول الدين بالقاهرة. (انظر: خاتمة كتاب نقد التوراة، د/السقا).

أدلة من سفر التكوين

أدلة من سفر التكوين: وفي استدلال الدكتور السقا على القضية يقدم للدليل بقوله: يقول الكاتب ثم يذكر النص والتعبير بلفظ" الكاتب فيه لفتة طيبة إذ أنه لم يتأكد نسبة هذه النصوص إلى سيدنا موسى عليه السلام ويؤكد ذلك بقوله: يقول الكاتب عن إبراهيم ولوط عليهما السلام" فأخذ إبرام (¬1) ساراي (¬2) امرأته ولوطًا ابن أخيه وكل مقتنياتهما التي اقتنيا والنفوس التي امتلكا في حاران (¬3) وخرجوا ليذهبوا إلى أرض كنعان، فأتوا إلى أرض كنعان واجتاز إبرام في الأرض إلى مكان شكيم (¬4) إلى بلوطة مُورة (¬5) وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض (¬6). فقال د/ السقا " إن هذه العبارة ذكرت أكثر من مرة في نفس السفر وهي: "وكان الكنعانيون (¬7) والفرزيون حينئذ ساكنين في الأرض (¬8) وهذا يعنى أن التوراة لم تكتب فى زمن سيدنا موسى عليه السلام لأنه قد استولى بنو إسرائيل على أرض كنعان فى زمن سيدنا داود عليه السلام وقد علق العلامة الهندي على هذا النص بقوله: (الجملتان المذكورتان تدلان على أن الآيتين المذكورتين ليستا من كلام موسى عليه السلام، ومفسروهم يعترفون بأنهما قد ألحقا إلى هذا السفر ألحقهما عزرا أو شخص إلهامي آخر في وقت جمع الأسفار المقدسة وقولهم ألحقهما عزرا أو شخص إلهامي غير مسلم به، إذ ليس عليه دليل سوى ظنهم) (¬9). ¬

_ (¬1) هو: إبراهيم عليه السلام. (¬2) هى: سارة زوجة سيدنا إبراهيم عليه السلام. (¬3) هى: مدينة بين النهرين على نهر بلخ وهو فرع للفرات وتقع على مسافة 280 ميلًا إلى الشمال الشرقي من دمشق (قاموس الكتاب المقدس ص 281). (¬4) هى: بلدة بالقرب من نابلس في فلسطين، عندها قبر يوسف بن يعقوب وبئر يعقوب (المنجد في اللغة والأعلام- قسم الأعلام ص 390). (¬5) هى: اسم كنعاني معناه " بلوطة المعلم وهو موضع بقرب شكيم (تكوين 12/ 6) وجبل عيبال وحرزيم (تثنية 11/ 30) قاموس الكتاب المقدس ص 930. (¬6) تكوين: (12/ 5 - 6) - دعود إبراهيم-. (¬7) هم: شعب سامي استوطن في الألف (3 ق. م) القسم الغربي من فلسطين وفينيقية وسورية حيث أصبحوا عاملًا حضاريًا له شأنه منذ بدء الألف (2 ق. م) (انظر: المنجد في اللغة والأعلام ص 595) وفي قامرس الكتاب المقدس ص 790 هم سكان أرض كنعان. (¬8) الفرزيون: اسم كنعاني معناه "أهل الريف" وهي طائفة من الكنعانيين أحصيت مرارًا مع قبائل فلسطين (تكوين 15/ 20، خروج 3/ 8، يشوع 9/ 1 وربما كان الفرزيون كالرفائيين من السكان الأصليين ومن عنصر غير عنصر الكنعانيين وأقدم منهم في البلاد حيث كانوا منذ أيام إبراهيم ولوط (تكوين 13/ 7) (قاموس الكتاب المقدس ص 675، تكوين (13/ 7) انفصال إبراهيم عن لوط (عليهما السلام). (¬9) انظر: إظهار الحق 1/ 277.

ويضيف د/السقا بعدًا نقديًا تاريخيًا جديدًا فيقول في نقده لهذا النص: قوله: "وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض" يدل على أن الكاتب كتب التوراة بعد استيلاء بنى إسرائيل على أرض كنعان وطرد الكنعانيين منها؛ لأنه يحكى عن زمان مضى، وهم لم يستولوا عليها زمن موسى وإنما تم الاستيلاء عليها زمن داود عليه السلام" (¬1). فلا يصح أن نذكر نصًا من العهد القديم ونضيفه إلى موسى عليه السلام حتى لا يتوهم البعض أن القائل هو موسى عليه السلام وحتى لا يكون ذلك ذريعة لأن ينسب إليه شىء يقدح في نبوته وشخصه الكريم وهو برئ منه وفى الاضافة إليه اعتراف ضمني بأنه هو الذي قال هذا النص وذلك يعني تأكيد كلامهم وموافقتهم على ما يدعون. وفي سفر التكوين أيضًا: "فلما سمعع إبرام أن أخاه سُبي، جر غلمانه المتمرنين ولدان بيته ثلاث مائة وثمانية عشر وتبعهم إلى دان (¬2) " (¬3). يقول العلامة الهندي، في نقده لهذا النص: "دان بلدة عمرت في عهد القضاة فتحوا بلدة لايش وقتلوا أهلها وأحرقوا تلك البلدة وعمروا بدلها بلدة جديدة وسموها "دان" باسم دان أبيهم الذي ولد لإسرائيل ولكن اسم المدينه أولًا "لايش (¬4) " فلا تكون هذه الآية أيضًا من كلام موسى عليه السلام) (¬5). ويضيف د/ السقا، بعدًا توضيحيًا آخر لهذه القضية فيقول: والمعنى أن إبراهيم عليه السلام، لما سمع أن لوطًا عليه السلام. وقع في الأسر انطلق مع عبيده ليحرره وتبع الأعداء إلى قرية "دان" كما جاء في سفر القضاة ودعوا اسم المدينة دان ولفظ دان هو: اسم قرية سُميت باسم دان بن يعقوب عليه السلام وهذه القرية لم يفتحها بنو إسرائيل زمن موسى؛ بل فُتحت في عصر قضاة بني إسرائيل أيام كان القضاة يحكمون قبل عصر الملوك واسم هذه القرية سابقا "لايش" (¬6)، وكونها لم تُفتح في زمن موسى عليه السلام دليل عى أن الكاتب غير موسى عليه السلام. ¬

_ (¬1) نقد التوراة د/ السقا ص 61 (¬2) دان: اسم عبري معناد "قاض" وهو اسم مدينة موقعها الطرف الشمالي من أرض بني إسرائيل في نصيب نفتالي في سفح جبل حرمون عند تل القاضى حيث منابع الأردن والتعبير من دان إلى بئر سبع (قضاة 20/ 1) أو من بئر سبع إلى دان (أخبار 1/ 21 - 2) يدل على البلاد كلها من الشمال إلى الجنوب (قاموس الكتاب المقدس ص 357). (¬3) تكوين: (14/ 14) - إبراهيم ينقذ لوطًا. (¬4) قضاة: (8/ 29) - سبط دان يسكن لايش. (¬5) إظهار الحق: 1/ 227. (¬6) نقد التوراة د/ السقا ص 62.

وجاء في سفر التكوين أيضًا: أن لوطًا عليه السلام أخطأ مع ابنتيه بعد ما سقياه خمرًا" فحبلت ابنتا لوط من أبيهما، فولدت البكر ابنا ودعت اسمه "موآب" وهو أبو الموآبيين إلى اليوم، والصغيرة أيضًا ولدت ابنا اسمه بِنْ عَمِّي" وهو أبو بني عمون إلى اليوم" (¬1). وفي نقد د/ السقا لهذا النص يقول: ("قوله إلى اليوم" يدل على الأيام" التي كان فيها كاتب التوراة، وهل يعقل على نبي كريم اصطفاه الله واجتباه أن يفعل هذا الفعل الذميم) (¬2). وبذلك استدل د/ السقا على أنه لو كان موسى عليه السلام هو الكاتب الحقيقى للتوراة لما وقع في هذا الخطأ المباشر بقوله: "إلى اليوم" ولما اتهم نبي الله لوطًا هذه الجريمة الشنعاء التى تقدح في عصمة الأنبياء وهل يليق بكتاب يدَّعون له القداسة وأنه منزل من عند الله أن يصف نبي من أنبياء الله بالزنا هذا ما لا يقبله عقل ولا يرضى به دين منزل من عند الله عز وجل. وجاء في سفر التكوين أيضًا: عن الموضع الذي كان إبراهيم عليه السلام سيذبح فيه ولده إسماعيل (فدعا إبراهيم اسم ذلك الموضع "يَهْوَهْ يْرِأَه" حتى إنه يقال اليوم في "جبل الرب يُرَى") (¬3). يقول د/ السقا: (قوله: "حتى إنه يقال اليوم: في جبل يُرَى" يدل على أن الكاتب كتب بعد زمان حادثة الذبح، وبعد ما سمي ذلك الموضع بجبل الرب، وهو لم يسم بجبل الرب إلا في عهد داود عليه السلام) (¬4). ¬

_ (¬1) التكوين: (19/ 36 - 38) لوط وابنتاه. (¬2) نقد التوراة: د/السقا، ص 62. (¬3) التكوين: (22/ 14) - امتحان إبراهيم. (¬4) نقد التوراة ص 62 وقد أشار العلامة الهندي والشيخ السقا إلى أكثر من آية فيها لفظ "إلى اليوم" مثل تكوين (26/ 23) وتكوين (32/ 32) وتكوين (35/ 19 - 20)، ويشوع: (5/ 9، 8/ 28، 29، 10/ 27 , 13/ 13، 14/ 14، 15/ 36، 16/ 10 (انظر: إظهار الحق: 1/ 229 الشاهد السابع عشر، وبين أنه لو كان مرسى عليه السلام هو الكاتب لقال إلي الأبد بدلا من "إلى اليوم" الذي يعتبر إشارة إلى زمن الكاتب الذي يكتب (انظر: نقد التوراة ص 62، 63 الأمثلة الخامس والسادس والسابع)، وانظر: إظهار الحق، 1/ 224 الشاهد الثالث.

أدلة من سفر الخروج

أدلة من سفر الخروج: استدل كل من العلامة رحمة الله الهندي ود/ السقا بنص من سفر الخروج يثبت عدم صحة نسبة الأسفار الخمسة إلى موسى عليه السلام والنص يقول: "وأكل بنو إسرائيل المن (¬1) أربعين سنة، حتى جاءوا إلى أرض عامرة. أكلوا المن" حتى جاءوا إلى طرف أرض كنعان" (¬2). ويعلق العلامة رحمة الله بقوله: (هذه الآية ليست من كلام موسى عليه السلام لأن الله أمسك المن عن بني إسرائيل مدة حياته، وما دخلوا في أرض كنعان إلى هذه المدة) (¬3). ويضيف د/ السقا بُعدًا توضيحيًا إلى ما قاله الشيخ رحمة الله فيقول: إنه: (لم يُمنع المن إلا بعد ما دخل يشوع (¬4) أريحا وعبر الأردن كما يقول كاتب سفره "فحل بنو إسرائيل في الجلجال (¬5)، وعملوا الفصح (¬6) في اليوم الرابع عشر من الشهر ... وفريكًا في نفس ذلك اليوم، وانقطع المن في الغد عند أكلهم من غلة الأرض ولم يكن بعد لبني إسرائيل مَن، فأكلوا من محصول أرض كنعان في تلك السنة (¬7)) (¬8). ويقول د/السقا: (جاء في سفر الخروج إشارة إلى سفر ضائع كتبه موسى عليه السلام يسمى سفر العهد ومؤداه: إذا وفي بنو إسرائيل بعهد الله يوف بعهدهم والنص الذي يشير إلى ذلك يقول: "وأخذ كتابَ العهدِ، وقرأ في مسامع الشعب، فقالوا: "كلُ ما تكلمَ به الربُّ نَفعَل ونسمع له"، وأخذ موسى عليه السلام الدم ورش عَلى الشعب وقال: هو ذا دمُ العهد الذي قطعه الرب معكم" على جميع هذه الأقوال" (¬9)) (¬10). ¬

_ (¬1) هو: مادة أنزلها الله علي بني إسرائيل مدة إقامتهم في البرية وهر حلو يُؤكل (انظر: المعجم الوسيط 2/ 888، 889، قاموس الكتاب المقدس ص 925، خروج 16/ 4). (¬2) خروج: (16/ 35) المن والسلوى. (¬3) إظهار الحق: 1/ 226. (¬4) هو: يشوع بن نون خليفة موسى عليه السلام وابن نون من سبط إفرايم ولد في مصر، كان خادمًا لموسى عليه السلام أولًا، وعينه قائدًا لبني إسرائيل وهو ابن 44 سنة (قاموس الكتاب المقدس ص 1068. (¬5) هى: أول معسكر للإسرائيليين بعد عبور الأردن ودخولهم أرض كنعان وفيها نُصب تذكاري من 12 حجرًا أخذت من قعر النهر (قاموس الكتاب المقدس ص 262). (¬6) هو: أول الأعياد السنوية الثلاثة التى كان مفروضا فيها على جميع الرجال الظهور أمام الرب في بيت العبادة، ويعرف بعيد الفطير، أنشئ في مصر (قاموس الكتاب المقدس ص 678). (¬7) يشوع: (5/ 10 - 12) الختان في الجلجال. (¬8) نقد التوراة: ص 64. (¬9) خروج: (24/ 7 - 8) تأكيد العهد. (¬10) نقد التوراة: ص 64.

والأدلة السابقة تؤكد

ويقول د/ السقا أيضا: (ثم- إن موسى عليه السلام شرح جميع الشرائع إلى سنها عن أمر الله تعالى في السنة الأربعين لخروجه من مصر لقول التوراة: "في عبر الأردن في أرض مؤاب، ابتدأ موسى يشرح هذه الشريعة قائلًا ... الخ " (¬1). وأخذ من الشعب وعدًا جديدًا بأن يظلوا خاضعين لهذه الشرائع" وليس معكم وحدكم أقطع أنا هذا العهد وهذا القسم" (¬2)) (¬3). ثم يتساءل د/ السقا في نقده لهذا النص ويقول: (أين كتاب عهد موسى عليه السلام الذي قال عنه الكاتب: "أخذ كتاب العهد"؟ إما أنه قد ضاع وإما أن الكاتب قد وضعه في توراة موسى عليه السلام وعهد الدم هذا كان من أجل أن تنزل التوراة) (¬4). والأدلة السابقة تؤكد: وقوع كتبة الأسفار الخمسة في أخطاء تاريخية جسيمة فهم يغالطون في حقائق التاريخ الثابتة ويزيفون في أحداثه، ولم يكونوا أمناء فيما أخذ عليهم من عهد. ودل على عدم حفظهم لهذه الأمانة ورود إشارات تدل على أن هناك سفرًا يسمى "كتاب العهد" ولكنه فقد كغيره من الأسفار الصحيحة التي كتبها موسى عليه السلام وضاعت بضياع التوراة الأصلية المنزلة على سيدنا موسى عليه السلام كما سبق بيانه (*). أدلة من سفر العدد: وفي استدلال العلامة رحمة الله الهندي من هذا السفر ذكر النص التالي: "لذلك يُقال الذي كتاب حروب الرب كما صنع في بحر سوف (¬5) كذلك يُصنع في بحر أرنون (¬6) " (¬7). وعلق عليه قائلًا: (هذه الآية لا يمكن أن تكون من كلام موسى عليه السلام بل تدل على أن مصنف سفر العدد ليس هو؛ لأن هذا المصنف نقل ها هنا الحال عن سفر "حروب الرب"ولم يُعلم إلى الآن جزمًا أي شخصٍ صنف هذا السفر؟ ومتي كان؟ وأين كان؟ وهذا السفر كالعنقاء عند أهل الكتاب سمعوا اسمه وما رأوه ولا يوجد عندهم (¬8). ¬

_ (¬1) تثنية: (1/ 5) الأمر. بمغادرة حوريب. (¬2) تثنية: (29/ 14) تجديد العهد. (¬3) نقد التوراة: ص 64. (¬4) المرجع السابق: ص 65. (*)، مقتبس من نقد التوراه د/السقا ص64_65 (¬5) هو: البحر الأحمر الذي يفصل آسيا عن أفريقيا وكان العبرانيون مده إقامتهم في مصر يسمونه البحر، وسمى أيضًا بحر مصر، (قاموس لكتاب المقدس ص 162). (¬6) هو: اسم لنهر يدعى اليوم "وادي الموجب" بالمملكة الأردنية الهاشمية ويجري نهر أرنون في غور عميق حتى يصل إلى البحر الميت (قاموس الكتاب المقدس ص 57). (¬7) عدد: (21/ 4) الذهاب إلى مؤاب. (¬8) إظهار الحق: (1/ 226).

وجاء في سفر العدد أيضا

وجاء في سفر العدد أيضا: وذهب يائير بن منسي (¬1) وأخذ مزارعها ودعاهن: حووث يائير (¬2) " (¬3). وفي نقد العلامة الهندي لهذه الآية يقول: حال هذه الآية كحال سفر التثنية (¬4) ... وقد جزم علماؤهم بأن بعض الجمل والعبارات ليست من كلام موسى عليه السلام لكنهم ما قدروا أن يبينوا اسم الملحق على سبيل التعيين؛ بل نسبوا على سبيل الظن إلى عزرا وهذا الظن ليس بشىء ولا يظهر من الاصحاحات المذكورة (¬5) أن عزرا ألحق شيئًا من التوراة؛ لأنه يُفهم من سفر عزرا أنه تأسف على أفعال بني إسرائيل واعترف بالذنوب، ويُفهم من سفر نحميا أن عزرا قرأ التوراة عليهم (¬6). وجاء في سفر العدد أيضًا: ما يدل على أن كاتب التوراة غير سيدنا موسى عليه السلام وذلك أن: (التوراة تتحدث عن سيدنا موسى عليه السلام الغائب وأنه لو كان الكاتب هو سيدنا موسى لكان عبر عن نفسه بضمير المتكلم مما يدل دلالة واضحة على أن كاتبها لم يكن سيدنا موسى عليه السلام فيقول الكاتب: "وأما الرجل موسى فكان حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض" (¬7) وفي نهاية السفر: "هذه هى الوصايا والأحكام التي أوصى بها الرب إلى بنى إسرائيل عن يد موسى في عربات موآب (¬8) على أردن أريحا (¬9) " (¬10). (فلو كان سيدنا موسى هو الذي يتحدث عن وحى الله عزوجل ما كان يستعمل ضمير الغائب) (¬11). وبناءً على ما سبق فإن وجود الإشارات الصريحة التي وردت في هذا السفر عن كتاب "حروب الرب" ونقل الكاتب عنه أقوالًا كثيرة ورغم ذلك لم يوجد بين الأسفار سفر يسمي "حروب الرب" وصيغة التمريض الواردة" يقال فى حروب الرب " تضع هذا السفر موضع الشك من ناحية المؤلف ومن الناحية التاريخية أيضًا لم يعرف في أي زمان كان تصنيف هذا السفر. ¬

_ (¬1) هو: يائير بن سجوب وحفيد حصرون من سبط يهوذا وزوجته من عشيرة ماكير من سبط منسي وأخذ يائير عندما احتل العبرانيون بقيادة موسى البلاد إلى شرقى الأردن كورة أرجوب (اللجاة). بمدها الثلاث والعشرون وقسما من جلعاد "عجلون" وباشان (حوران) فالكل ستون مدينة وسماها باشان حووث يائيرِ (قرى مائير) (قاموس الكتاب المقدس ص 1043) (¬2) هي: اسم عبري معناه "قرى" أو مخيمات أو معسكرات يائير وهي مدن بدون أسوار في القسم الشمالى الغربي من باشان في منطقة الأرجوب ... استولى عليها يائير وكان عددها قابلًا للتغيير لأنها واقعة في أرض متنازع عليها (قاموس الكتاب المقدس ص 328، 329). (¬3) عدد: (32/ 41) أسباط عبر الأردن. (¬4) يشر إلى تثنية: (3/ 4) وتقول: يائير بن منسي أخذ كل كورة أرجوب إلى تخم الجشوريين والمعكيين ودعاها على اسمه باشان حووث يائيرإلى هذا اليوم" وقال إن هذه الآية لا يمكن أن تكون من كلام موسى -عليه السلام - لأن المتكلم بها لا بد أن يكون متأخرا عن يائير تأخيرا كثرا كما يشعر به قوله "إلى اليوم" لأن أمثال هذا اللفظ لا يستعمل إلا في الزمان الأبعد على ما حقق المحققون من علمائهم (انظر: إظهار الحق 1/ 224). (¬5) و (¬6) يشير مفسرو الكتاب المقدس إلى (عدد 32/ 40) (تثنية 2/ 14) ويقولون إن هذه الجمل تدل على انها ليست من كلام موسى عليه السلام ولم يجزموا أن شخصا ما ألحقها بالتوراه ولكن يقولون بالظن أن عزرا النبي ألحقها كما يدل على ذلك (عزرا 9، 10)، (ونحميا 8) (انظر: إظهار الحق 1/ 225). (¬7) عدد: (12/ 3) مريم وهارون ينتقدان موسى. (¬8) هي: ما كان في وادي الأردن مقابل أريحا (عدد 22/ 1، 26/ 3، 33/ 48) قاموس الكتاب المقدس ص 928. (¬9) هي: مدينة الجبارين في الغور من أرض الأردن بالشام بينها وبين بيت المقدس يوم للفارس في جبال صعبة المسلك سميت فيما قبل بأريحا بن مالك بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام انظر: معجم البلدان: ياقوت الحموي (1/ 165) ط دار صادر بيروت 1984م (¬10) عدد: (36/ 13) ميراث بنات صَلفُحاد. (¬11) نقد التوراة: د/ السقا ص 67.

أدلة من سفر التثنية

أدلة من سفر التثنية: وهناك أيضًا نصوص من سفر التثنية تثبت أن موسى عليه السلام لم يكتب هذه الأسفار وقد ذكر هذه الأدلة كل من العلامة الهندي والدكتور / السقا. من هذه النصوص مايلى: النص الأول يقول فيه الكاتب: " وفى سعير (¬1) سكن قبلًا الحوريون (¬2) فطردهم بنو عيسو وأبادوهم من قدامهم وسكنوا مكافم كما فعل إسرائيل بأرض ميراثهم التي أعطاهم الرب" (¬3). يقول العلامة الهندي في نقده لهذا النص نقلًا عن بعض مفسري الكتاب المقدس: (هذه الآية إلحاقية وجعل هذا القول "كما فعل إسرائيل" إلى آخره دليل الإلحاق) (¬4) ويقول د/ السقا معلقًا على هذا النص أيضًا: (قوله "كما فعل إسرائيل بأرض ميراثهم" يدل على أن الكاتب فى الزمان المتأخر عن دخول بنى إسرائيل أرض كنعان التي أعطاها الله لهم وأنه يشبه طرد بنى عيسو بن اسحق للحوريين بطرد بنى إسرائيل للكنعانيين) (¬5). النص الثانى: يقول فيه الكاتب: (إن عوج (¬6) ملك باشان (¬7) وحده من بقية الرُفائيين (¬8)، هو ذا سريره، سرير من حديد، أليس هو في ربة بني عمون (¬9)، طوله تسع أذرع وعرضه أربع أذرع بذراع رجل، فهذه الأرض امتلكناها ذلك الوقت (¬10). ¬

_ (¬1) هي: سلسلة جبال ممتدة في الجهة الشرقية من وادي عربة من البحر الميت إلى خليج العقبة سميت كذلك نسبة إلى سعير الحوري والظاهر أنه جد سكان تلك الأرض (انظر: دائرة المعارف- للبستاني 9/ 623 ط بيروت 1887 م). (¬2) هم: سكان جبل سعير الأصليين ولذلك يدعون بنى سعير (تكوين 36/ 20، 21) وكان الاعتقاد قديما أن حور معناها كهف وبالتالي هم سكان الكهوف انتشروا في أراضي ما بين النهرين وسوريا، فلسطين، مصر (قاموس الكتاب المقدس ص 327). (¬3) تثنية: (2/ 12) التيه في البرية. (¬4) إظهار الحق: 1/ 225. (¬5) نقد التوراة: ص 67/ 68. (¬6) هو: ملك الأموريين في باشان من سلالة الرفائيين وامتد ملكه من جبل أرنون إلى وادي حرمون قتله بني إسرائيل واحتلوا مملكته (قاموس الكتاب المقدس ص 646). (¬7) هي: مقاطعة في أرض كنعان شرقى الأردن بين جبلي حرمون وجلعاد (عدد 20/ 33) (قاموس الكتاب المقدس ص 159). (¬8) هم: عشيرة من الجبابرة سكنوا قديما في فلسطين شرقى الأردن قاموس الكتاب بالمقدس صـ 407. (¬9) هي: مدينة تقع عند منبع يبوق (نهر الزرقاء) وكانت عاصمة أرض بنى عمون وفيها مات أوريا عند محاصرة يوآب للمدينة (صموئيل الثاني 11/ 17) اسمها الحديث عَمّان (قاموس الكتاب المقدس ص 397). (¬10) تثنية: (3/ 11 - 12).

والعلامة الهندي في نقده لهذا النص يعتمد على كلام علمائهم في تفسيرهم لسفر عزرا وهذا التفسير يقول: (المحاورة سيما العبارة الأخيرة تدل على أن هذه الآية كتبت بعد موت ذلك السلطان بمدة طويلة. وما كتبها موسى؛ لأنه مات في مدة خمسة أشهر) (¬1). ود/ السقا في نقده يضيف قائلًا: (قوله:"أليس هو في ربة بني عمون؟ يدل على أن السرير كان موجودًا زمن الكاتب وأن هذا السرير بقى في حوزة بني إسرائيل بعد موت "عوج" وأنه محفوظ في "ربة بني عمون" وربة بني عمون لم يستول عليه بنو إسرائيل في زمن موسى بل بعده بخمسمائة عام وخمسة عشر عاما ... وقوله "فهذه الأرض امتلكناها في ذلك الوقت" يدل على أنه يتحدث عن أمر ماض بعيد جدًا وهم لم يمتلكوها تماما إلا في عهد داود عليه السلام فيكون كاتب توراة موسى عليه السلام بعد زمن داود) (¬2).أى فى زمن متأخر بعد سيدنا موسى عليه السلام. هذا وقد وقف د/ السقا مع سفر التثنية وقفة نقدية فاحصة جعلته يحلل ما ورد في هذا السفر تحليلًا جيدًا أثبت من خلاله أن التوراة الموجودة الآن ليست هي التوراة المنزلة على سيدنا موسى عليه السلام فقال: (الآيات الكثيرة من سفر التثنية تدل على أن السفر ليس من زمن موسى بيقين ذلك لأن الكاتب يتحدث عن موت موسى ودفنه وأنه لا أحد يعرف قبره وأن يشوع بن نون قد خلفه في قيادة بني إسرائيل، أو فى أول السفر يستعمل ضمير الغائب بوضوح تام، وهذا الاستعمال يستمر به إلى نهاية السفر) (¬3). فيقول في المقدمة: (هذا هو الكلام الذي كلم به موسى جميع إسرائيل في عبر الأردن (¬4) في البرية ... في السنة الأربعين الشهر الحادى عشر في الأول من الشهر، كلم موسى بني إسرائيل ... في عبر الأردن في أرض موآب (¬5) ابتدأ موسى يشرح هذه الشريعة قائلًا ... إلخ) (¬6). ويعلق د/ السقا قائلًا: (فلو كان موسى هو المتكلم لكان يقول: "هذا هو الكلام الذي كلمت به جميع إسرائيل في عبر الأردن في البرية ... كلمت بني إسرائيل ... في عبر الأردن في أرض موآب ابتدأت أشرح هذه الشريعة فقلت ... هكذا" فهذا يدل على أن شخصًا يؤرخ لموسى عليه السلام لا أن هذا الكلام من كلام موسى نفسه) (¬7). ¬

_ (¬1) إظهار الحق: 1/ 226. (¬2) انظر: نقد التوراة ص 68 بتصرف. (¬3) نقد التوراة: ص 70، 71. (¬4) هو: اسم كورة وأهل السير يقولون: إن الأردن وفلسطين ابنا سام بن أرم بن سام بن نوح عليه السلام وهي أحد أجناد الشام الخمسة، افتتحها شرحبيل بن حسنةَ عنوة ما خلا طبرية فإن أهلها صالحوة على أنصاف منازلهم وكنائسهم (معجم البلدان 1/ 148). (¬5) أرض موآب: ما وقع شرقي البحر الميت (تثنية 1/ 5) وأرض الموآبيين ويقابلها اليوم القسم الشرقي من البحر الميت لمملكة الاْردن اليوم وكانت منقسمة إلى قسمين أرض موأب، عربات موآب (انظر: قاموس الكتاب المقدس ص 927، 928). (¬6) تثنية: (1/ 1 - 5) الأمر بمغادر- حوريب. (¬7) نقد التوراة: ص 70، 71.

أدلة من سفر اللاويين

ثم يذكر د/ السقا نصوصًا في ثنايا سفر التثنية تؤكد أن الكاتب ليس موسى عليه السلام بل الكاتب إنسان آخر من هذه النصوص ما يلي:- أ. "وهذه هى الشريعة التي وضعها موسى أمام بني إسرائيل (¬1) ... ودعا موسى جميع إسرائيل (1) وقال لهم ... " (¬2) ب. "وأوصى موسى وشيوخ إسرائيل الشعب قائلًا: احفظوا جميع الوصايا التى أنا أوصيكم بها اليوم" (¬3). ج. "وصعد موسى، من عربات موآب ... فمات هناك موسى عبد الرب في أرض موآب حسب قول الرب، ودفنه في الجواء (¬4) في أرض موآب، مقابل بيت فغور، ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم وكان موسى ابن مائة وعشرين سنة حين مات، ولم تكل عينه ولا ذهبت نضارته) (¬5) وغير ذلك من النصوص كثير. ثم يقف د/ السقا وقفة متعجب حول هذه النصوص قائلًا: أي عاقل يقول: (إن الكاتب هو موسى، وقد ذكر ما حدث لبني إسرائيل بعد موته، من أنه لا أحد يعرف قبره؟ وهذا يدل على أن الكاتب بعد موسى بمدة طويلة جدًا، ضاعت منها الذكريات عن قبر موسى) (¬6). وينتقد العلامة: أحمد ديدات (¬7) هذه النصوص قائلا: إنه واضح وجلى بأن هذه النصوص ليست من أقوال الله ولا من أحاديث موسى، إنها تدل على صوت المؤلف بضمير الغائب قام بتصنيف ما سمعه، ويتساءل أيمكن أن يكون موسى قد كتب تفاصيل موته؟ قبل وفاته وصيرورته رفاتًا؟ هل حدث أن كتب يهودي تفاصيل موته؟ مات موسى ودفنه الله كما جاء في سفر التثنية (5، 6) (¬8) أدلة من سفر اللاويين: وقد ذكر النقاد المسلمون نصوصًا من سفر اللاويين تثبت أن التوراة الموجودة الآن في أيدى اليهود والنصارى ليست هى التوراة الحقيقية من هذه النصوص ما ذكره د/ السقا، حيث يقدم قبل أن يذكر النص بقوله: (إذا أراد الشخص أن يكفر عن ذنبه عليه أن "يأتي إلى الرب بذبيحة لإثمه كبشًا صحيحًا من الغنم بتقويمك من شواقل فضة = ¬

_ (¬1) تثنية: (4/ 44) الأمر بالطاعة، (¬2) تثنية: (5/ 1) الوصايا العشر. (¬3) تثنية: (27/ 1) المذبح على جبل عيبال. (¬4) هي: الكلمة العبرية لوادٍ وهو بطن من الأرض أو واد واسع فيه دفن موسى عليه السلام في أرض موآب (تثنية 34/ 6) (قاموس الكتاب المقدس) ص 278). (¬5) تثنية: (34/ 1)، (5 - 7) موت موسى. (¬6) نقد التوراة: ص 71. (¬7) هو: أحمد حسين ديدات، ولد في سنه 1918 م في. تادكسها فاز في الهند. وبعد تسع سنوات لحق بوالده في. جنوب إفريقيا. وعاش الوالد وابنه في دير نان ويعمل والدة ترزيًا، والتحق أحمد ديدات بالمركز الإسلامى حيث تعلم تعاليم الإسلام، انتهى من المرحلة الأساسية عام 1943 عمل في محل تجارى يبيع الملح والسكر وطاردة المبشرون كثيرا حين قرر دراسة الكتاب المقدس وحاور القساوسة وناظرهم من مؤلفاته: مسألة صلب المسيح، ومن دحرج الحجر، وهل الكتاب المقدس كلام الله (انظر: مقدمة كتيب من دحرج الحجر للعلامة أحمد ديدات، صـ 6). (¬8) هل الكتاب المقدس كلام الله أ/ أحمد ديدات صـ 151، طـ/ دار المنار، طـ1، 1989م.

= على شاقل القدس ذبيحة إثم ويعوض عما أخطأ به من القدس، ويزيد عليه خمُسَه ويَدْفعُهُ إلى الكاهن فيكَفِّرُ الكاهن عنه بكبش الإثم فيُصْفَح عنهُ) (¬1). وفي نقد د/السقا، لهذا النص يقول: (معروف أن بني إسرائيل لم يكونوا قد دخلوا القدس في عهد موسى ولم يتخذوا "الشاقل" (¬2) أيضًا في عهد موسى) (¬3). وهذه الوقفة النقدية للدكتور/ السقا تدل على درايته بتاريخ بني إسرائيل والمراحل التي مروا بها ومتي دخلوا القدس وفي أي وقت من الزمان اتخذوا المقدار الوزني الذي يسمي "الشاقل". ويذكر د/ يحيي ربيع، أدلة كثيرة من سفر اللاويين ويعلق عليها مبينًا أن موسى عليه السلام لم يكن هو الكاتب لهذا السفر أيضًا كغيره من الأسفار فيقول: ورد في سفر اللاويين: (ما يفيد أن مؤرخًا يسجل التشريع الذي أنزله الله على موسى عليه السلام حيث يبدأ السفر بقوله: "ودعا الرب موسى وكلمه من خيمة الاجتماع (¬4) قائلًا ... " (¬5) ويقف د/ يحيى ربيع أمام هذا النص منتقدًا قائلًا: لو كان موسى هو الذي يتحدث عن نفسه لقال: "ودعاني الرب من خيمة الاجتماع وكلمني قائلًا ... " ويقول وأمثال هذه العبارة يتكرر كثيرًا منها " وكلم الرب موسى قائلًا) (¬6) ومنها " أوص هارون وبنيه قائلًا (¬7)، (¬8). والمتأمل لما سبق يجد دقة العلامه الهندي في نقده لسند الأسفار الخمسة وفي نهاية نقده كون رأيًا هامًا حول سند الأسفار الخمسة فقال: ليس في أيدى أهل الكتاب سند لكون الأسفار الخمسة من تصنيف موسى عليه السلام ومادام لم يثبت سند من جانبهم فليس علينا التسليم لصحة هذه الأسفار بل يجوز الرد والإنكار (¬9). ¬

_ (¬1) الإصحاح: (5/ 15 - 16) ذبيحة الإثم. (¬2) هو: اسم معيار لوزن الأشياء الثقيلة وغيرها ونوع من النقود الذهب والفضة غير المسكوكة (قاموس الكتاب المقدس ص 1024). (¬3) نقد التوراة: ص 67. (¬4) هي والخيمة الأصلية التي كان يجتمع فيها الرب بشعبه - في زعمهم -ماشاء لله، ولذلك سميت "خيمة الاجتماع" وهي التي أمر الله موسى أن يقيمها في البرية لكي يسكن الله فيها بين شعبه (على زعمهم) ولذلك سميت المسكن أو مسكن الشهادة (خروج 38/ 21) (قاموس الكتاب المقدس ص 352) تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا (¬5) الإصحاح: (1/ 1) المحرقة: (¬6) اللاويين: (6/ 1) بدون. (¬7) اللاويين: (6/ 8 - 9) شريعة المحرقة. (¬8) انظر: الكتب المقدسة بين الصحة والتحريف د/يحيي ربيع ص 78 طبعة دار الوفاء 1415 هـ 1994 م. (¬9) إظهار الحق 1/ 91.

وخلاصة ما سبق

وخلاصة ما سبق: 1 - أثبت علماء المسلمين أن الأسفار الخمسة ليست منسوبة إلى سيدنا موسى عليه السلام بأدلة من داخل نصوص هذه الأسفار نفسها وذلك أدعى للقبول. وأنه لا يصح إضافة أي شىء منها إلى موسى عليه السلام. 2 - بين علماء المسلمين أن الأسس العلمية التي يتم على أساسها قبول الأخبار لم تتوفر في سند الأسفار الخمسة وبالتالى يحكم بردها، وكذلك لم تتوفر فيها الأسس الشرعية. 3 - تعلل علماء النصارى لفقدان السند بكثرة المصائب التى مرت بهم عبر العصور وهذه العلة لا تكفى أبدًا للتسليم بصحة سند الأسفار إذ أن فقدان سند الرواية المقدسة يكفى بردها وإبطالها. 4 - الكشف عن فقرات اعترفوا بأنفسهم أنها ألحقت هذه الأسفار ولم يعرف من ألحقها ولم يكتبها سيدنا موسى عليه السلام وهذا أقوى دليل وحجة عليهم إذ أن رجال الدين عندهم هم الذين أقروا ذلك الإلحاق قبل غيرهم.

المبحث الثالث نقد سند بقية أسفار العهد القديم

المبحث الثالث نقد سند بقية أسفار العهد القديم: بعد هذه الجولة النقدية لفحص سند الأسفار الخمسة وبعد أن اتضحت الإجابة على التساؤل الذي يطرح نفسه دائمًا هل هذه الأسفار كتبها سيدنا موسى عليه السلام أم لا وهل هى وحي إلهى أم لا، أبين في هذا المبحث إن شاء الله تعالى جهود علماء المسلمين في نقد سند الأسفار الأخرى من العهد القديم مشتملًا على بيان من كتبها؟ ومتى كتبت؟ فبعد أن انتهى العلامة / رحمة الله الهندي، من نقده لسند الأسفار الخمسة شرع بعد ذلك في نقد سند بقية الأسفار مبتدءًا بسفر يشوع: فمن هو مصنف سفر يشوع: لم يظهر لهم إلى الآن بالجزم اسم مصنفه ولا زمان تصنيفه وافترقوا في ذلك إلى خمسة أقوال فيمن صنفه فقالوا: إما أن يكون صنفه يشوع أو فينحاس (¬1) أو العازار أو صموئيل أو أرميا ومن العجيب كما يقول: أن بين يشوع وأرمياء مدة ثمانمائة وخمسين سنة تخمينًا وقد أشار إلى أن هذه الأقوال المختلفة دليل على عدم صحة سند هذا السفر عندهم وعلى أن كل قائل منهم يقول بمجرد الظن رجمًا بالغيب (¬2). متى كُتب سفر يشوع: معرفة زمن التصنيف من الأهمية بمكان بالنسبة لأسفار العهد القديم وعند البحث عن إمكانية تحديد زمن تصنيف سفر يشوع يتضح بُعد زمن التصنيف عن زمان وجود سيدنا موسى عليه السلام مما يدل دلالة واضحة على استحالة كتابة سيدنا موسى عليه السلام لهذا السفر ولذلك يقول العلامة الهندي عن هذا الموضوع: (ولو لاحظنا ما جاء في سفر يشوع "وأما اليبوسيون (¬3) الساكنون فى أورشليم فلم يقدر بنو يهوذا على طردهم فسكن اليبوسيون مع بني يهوذا في أورشليم إلى هذا اليوم" (¬4) وما جاء في سفر صموئيل الثاني" وذهب الملك ورجاله إلى أورشليم إلى اليبوسيين سكان الأرض فكلموا داود قائلين: لا تدخل إلى هنا ما لم تنزع العميان والعرج، أي لا يدخل داود إلى هنا، وأخذ" داود حصن صهيون" (¬5)، هي مدينة داود، وقال داود في ذلك اليوم: إن الذي يضرب اليبوسيين ويبلغ إلى القناة، والعرج والعمى المبغضين من نفس داود لذلك يقولون: لا يدخل البيت أعمى أو أعرج ") (¬6). ¬

_ (¬1) هو: اسم مصرى معناه النوبى وهو ابن العازار وحفيد هارون وحصته من أرض كنعان تل في جبل افرايم (قاموس الكتاب المقدس صـ 705) (¬2) إظهار الحق: 1/ 91 بتصرف. (¬3) هي: قبيلة كنعانية سكنت يبوس أو أورشليم والجبال التى حولها في أيام يشوع وكان موضع يبوس منحصرًا بالجبل الجنوبي الشرقى الذي دعى بعدئذ "صهيون" أو مدينة داود أو اطلب "أورشليم" (قاموس الكتاب المقدس ص 1053). (¬4) الإصحاح: (15/ 63) نصيب يهوذا = ... (¬5) قال معد الكتاب للشاملة: الحاشية غير موجودة في أصل الرسالة. (¬6) قال معد الكتاب للشاملة: الحاشية غير موجودة في أصل الرسالة.

كيف جمع سفر يشوع

يقول العلامة الهندي من خلال الملاحظة بين الآيات السابقة من سفري يشوع وصموئيل الثاني: (يظهر أن هذا السفر كتب قبل السنة السابعة من جلوس داود عليه السلام) (¬1) كيف جُمع سفر يشوع: أخبر العلامة الهندي أن رجال الدين في النصرانية يقولون إن مصنف سفر يشوع ينقل بعض الحالات عن سفر اختلفت التراجم في بيان اسمه ... ولم يعلم حال هذا السفر المنقول عنه، ولا حال مصنفه، ولا حال زمان التصنيف غير أنه تقول التوراة "وقال أن يتعلم بنو يهوذا نشيد القوس، هو ذا ذلك مكتوب في سفر ياشر" ويفهم من هذا النص: أن مصنفه يكون معاصًرا لداود عليه السلام أو بعده (¬2). وهكذا لا نعرف من الذي كتب سفر يشوع فكيف نقول عنه أنه مكتوب بالإلهام؟ (¬3). إذن يفهم مما سبق الأمور التالية: (1) أنه لم يتفق النصارى على تحديد كاتب سفر يشوع ولم تكن عندهم أدلة قوية على ذلك وهناك اضطراب في ذلك التحديد هذا الاضطراب من شأنه أن يسهم في عدم التسليم لهم فيما يقولون. (2) جهل النصارى بزمن التصنيف من الأمور التى تجعل الناقد يضع يده على علة أساسية تؤكد رد الدعوى القائد ة بأن موسى عليه السلام هو المصنف لسفر يشوع لأن الجهل وعدم معرفة زمن التصنيف يوقع هؤلاء في أخطاء جسيمة كتلكم إلى وقعوا فيها حينما أخبروا أن الذي صنف سفر يشوع هو أرمياء وذلك يناقض الواقع التاريخى الذي يقول ببعد المسافة الزمنية بينهما والتي تقدر بأكثر من ثمانمائة وخمسين عامًا تقريبًا. (3) الجمع والتدوين أحد الجوانب الهامة التى يعرف من خلالها صدق الرواية من كذبها خاصة عندما يتعلق الجمع والتدوين لأسفار يُدعى أنها إلهيه أو كتبت بإلهام وعند عدم معرفة المنقول عنه أو من أي مصدر أخذت مادة هذا السفر بالتالى يتولد الشك في كيفية الجمع والتدوين طالما أن النقل قد تم من سفر اختلفت التراجم في تعيين اسمه. بعد أن تبينت حالة سفر يشوع من خلال ما قاله العلامة رحمة الله الهندي حيث جعله في المرتبة الثانية بعد الأسفار الخمسة؛ لأن اليهود يعتبرونه الرجل الثاني بعد موسى عليه السلام ألخص ما ذكره عن بقية الأسفار، ومن الملاحظ وجود تشابه شديد بين هذه الأسفار من حيث معرفة المصنف الحقيقي وهل السفر إلهامي أم لا؟ ومتي صنف وكيف جمع؟ -ألخصه فيما يلى: ¬

_ (¬1) اظهار الحق (1/ 92) (¬2) المرجع السابق (1/ 91، 92) بتصرف بالحذف، صمرنيل الثاني: (1/ 18) داود ينوح على شاول. (¬3) التوراة د / بدران ص 36.

1. سفر القضاة

1. سفر القضاة (¬1): لم يعلم مصنفه بالتحديد وقد اختلفت الآراء في تحديده فقيل إن مصنفه فينحاس وقيل حزقيال وقيل أرميا وقيل عزرا، وهذا السفر ليس إلهامي ومن الملاحظات التي تؤخذ على من صنفه: أنه بين عزرا (¬2) وفينحاس أزيد من تسعمائة سنة. 2. راعوث (¬3): قيل إنه تصنيف حزقيال وقيل عزرا وقيل صموئيل وعلى هذا لايكون إلهاميًا. 3. نحميا (¬4): قيل إنه تصنيف نحميا وقيل عزرا وعلى الأول لا يكون إلهاميا، وفيه 26 آية من الإصحاح 12 من تصنيفه ولا ربط لهذه الآيات بقصة هذا الموضع ربطًا حسنًا. 4. أيوب (¬5): أيوب اسم فرضي، وكتابه حكايه باطلة وقصة كاذبة. 5. زبور داود (¬6) "المزامير": لم يثبت بالسند الكامل أن مصنفه فلآن فقيل إنه تصنيف داود عليه السلام وقيل قد صنف من الزبورات 45 زبورًا وقيل إنها إلهامية وقيل إن شخصًا من غير الأنبياء سماها هذه الأسماء وقيل إنها صنفت في زمان المكابيين. يؤخذ على زبور داود أنة: لم يتحقق من أسماء الزبورات هل هى إلهامية أم لا، وقد تأثر كاتبه بالأدب المصري القديم، ولم يعلم زمان جمع الزبورات فقيل فى زمن داود وقيل في زمن حزقيال على يد أصدقائه. ¬

_ (¬1) القضاة: من أيام إبراهيم إلى أيام موسى لم يكن نظام للقضاء؛ بل كان رب كل العائلة هو قاضى العائلة، ولما قام موسى وقاد بني إسرائيل قصده الناس في حل مشاكلهم فكان يجلس للقضاء من الصباح إلى المساء كل يوم، فلما رآه حموه على تلك الحال أشار عليه بانتخاب قضاة من رؤساء الأسباط والعشائر ممن عندهم الأمانة وخوف الله فيعلمهم الفرائض والشرائع ويقيم منهم رؤساء ألوف ورؤساء مئات ورؤساء خماسين ورؤساء عشرات فيقضون للشعب كل حين، وسن لهم موسى شريعة للقضاء كتبها لهم ووضعها أمامهم (قاموس الكتاب المقدس ص 735 - 737). (¬2) هو: كاهن عاد من بابل إلى القدس مع زروبابل وكان يلقب بالكاتب وعمل مستشارًا لإمبراطور الفرس "ارتحتثستا" نال عفوه عن اليهود وسمح لهم بالعودة إلى القدس عام 458 أو 457 ق. م حمل معه أموالًا كثيرة أثناء عودته من أجل بناء الهيكل (قاموس الكتاب المقدس ص 621). (¬3) هو: اسم موآبي ربما كان معناه "جميلة" وهي فتاة موآبية تزوجت أولًا بمحلون بن اليمالك من سبط يهوذا, ولما مات زوجها لصقت بحماتها نعمى ورافقتها إلى بيت لحم اليهودية تاركة شعبها وبيت أبيها في موآب ... ؛ وكذا صارت ضمن سلسلة نسب داود والمسيح وسفر راعوث يحتوي على قصة راعوث الفتاة الجميلة لما مات زوجها ظلت مع حماتها وذهبتا إلى بيت لحم وكانتا في أشد حالات الفقر فخرجت راعوث إلى الحقول لتلتقط ما يتبقى وراء الحصادين فالتقطت من حقل بوعز وهو غني فتزوجها بعد ذلك (انظر: قاموس الكتاب المقدس ص 390، 391. (¬4) هو: اسم أحد الذين عادوا من السبي، ومن بابل إلى أورشليم مع زربابل وسفر نحميا هو السفر السادس عشر من أسفار العهد القديم وهو تتمة لسفر عزرا (قاموس الكتاب المقدس ص 961، 962). (¬5) هو: اسم عبري ولا يعرف معناه على وجه التحقيق، ويقول بعضمهم أنه قريب من اللفظ العربي آيب فربما يعني الراجع إلى الله أو التائب، وهو أحد رجال العهد القديم الأبرار وكان يقطن أرض عوص وكان يعيش في بيئة شبيهة ببيئة الآباء الأولين وفي ظروف مماثلة لظروفهم وكان يقيم بالقرب من الصحراء في زمن كان يقوم فيه الكلدانيون بغزوات في الغرب (أيوب 1/ 17) ولايمكن تعيين تاريخ كتابة السفر على وجه التحقيق (قاموس الكتاب القدس ص 146 - 148). (¬6) سمي السفر بذلك الاسم لأنه يحوي مجموعة من الأغاني تنشد بمصاحبة المزامير فهذا السفر يناظر ما يعرف في العربية بالتهاليل والتواشيح والتسابيح وبعض المزامير طقوس دينية وبعضها يتصل بالأعياد الإسرائيلية وأكثر المزامير ترجع إلى داود فله وحده ثلاث وسبعون مزمورًا وبالسفر مزامير أخرى لسليمان ولآساف الذي كان رئيس المغنين في عهد داود وتنسب بعض المزامير لموسى (اليهودية د/ أحمد شلبي ص 241، 242).

6. أمثال سليمان

6. أمثال سليمان (¬1): كله من تصنيف سليمان- عليه السلام - وقيل إن تسعة أبواب في أوله ليست من تصنيفه والباب الثلاثون من تصنيف رجل آخر وكذلك الحادى والثلاثون. يؤخذ على أمثال سليمان أنه: فيه شك كبير وقد تأثر كاتبها بالأدب المصري القديم. لم تجمع في عهد سليمان لأن خمسة أبواب منها جمعها أحباء حزقيال بعد 270 سنة من وفاة سليمان. 7. سفر الجامعة (¬2): قيل إنه من تصنيف سليمان -عليه السلام- وقيل أشعياء وقيل حزقيال وقيل إن أحدًا صنفه بأمر من زروبابل لأجل تعليم ابنه أبيهود. يؤخذ على سفر الجامعة أنه: فيه شك كبير لأن محتواه يتناقض مع التوراة وبقية كتب بني إسرائيل في كثير من مواضعه. قيل أنه صنف بعد ما أطلق بنو إسرائيل من أسر بابل. 8. نشيد الإنشاد (¬3): قيل إنه تصنيف سليمان أو أحد معاصريه، وقيل صنف بعد مدة من وفاة سليمان. يؤخذ على نشيد الإنشاد أن: حاله سقيم جدًا وصفه العلماء بأنه غناء فسقي فليخرج من الكتب المقدسة وقيل غناء نجس. 9. دانيال (¬4): يوجد في الترجة اليونانية واللاتينية وجميع تراجم (الروم الكاثوليك) غناء الأطفال الثلاثة في الإصحاح الثالث وكذا يوجد الإصحاح 13، 14، وفرقة (الكاثوليك) تسلم الغناء المذكور والإصحاحين المذكورين وتردهم فرقة البروتستانت وتحكم بكذبهم (¬5). ¬

_ (¬1) هو: ابن داود -عليه السلام- الذي خلفه على عرش بني إسرائيل كتب الأمثال والمواعظ وضاع كثيرا مما كتبه (قاموس الكتاب المقدس صـ 481) (¬2) هو: السفر 21 من العهد القديم ومعنى اسمه الكارز، ودعى بسفر الجامعة في الترجمة السبعينية وهي ترجمة الكلمة العبرية "قوهيلت" التي معناها من يجلس في محفل أو يتكلم في مجتمع أو كنيسة. والاسم الجامعة يشير إلى سليمان بن داود الملك في أورشليم (قاموس الكتاب المقدس ص 243، 244). (¬3) هو: عبارة عن موضوع غرامى أو هو غزل بين يهوه وبين إسرائيل يرتله اليهود حتى اليوم في عيد الفصح، وقد قبل في الكتاب المقدس لأن فيه اسم سليمان، والحقيقة أنه ليس له، فهو أغان شعبية من وضع الشعب، (اليهودية د/ أحمد شلى ص 244). (¬4) هو: بطل نبوءة دانيال علق مسبيًا في بابل، وضعه التقليد المسيحى في عداد الأنبياء الكبار الأربعة وسفر دانيال من أسفار التوراة كتب في أواخر القرن (3 ق. م) (انظر: المنجد 281 قسم الأعلام). (¬5) انظر: إظهار الحق 1/ 97 وكلام المحقق د/ أحمد حجازي السقا بالهامش.

10. سفر إستير

10. سفر إستير (¬1): لم يعلم اسم مصنفه وقيل إنه من تصنيف علماء المعبد من عهد عزرا إلى زمن سمين وقيل من تصنيف يهوكين وقيل عزرا. يؤخذ على سفر إستير أنه: لم يعلم زمان تصنيفه. 11. سفر أرميا (¬2): الباب 52 منه ليس من تصنيف أرميا، وكذلك الآية الحادية عشرة من الإصحاح العاشر. يؤخذ على سفر أرميا أنه: فيه آيات كثيرة ألحقت بعد موت أرمياء. 12. سفر أشعياء (¬3): فيه 27 إصحاحًا ليست من تصنيفه. يؤخذ على سفر أشعياء أنه: تأتر كاتبه بالأدب المصري القديم. 13. سفر حزقيال (¬4): ليس من المعقول أن يكون كاتبه نبيًا ملهمًا لأنه يتناقض تمامًا مع ما جاء في سفر العدد. 14. سفر ملاخي (¬5): كاتبه متأثر بالفلسفة المصرية القديمة (¬6) ¬

_ (¬1) معناه: "سيدة صغيرة" وكانت إستير فتاة جميلة وهي إبنة إبيجائل الذي يرجح أنه من سبط بنيامين واسمها بالعبرية هدَّسهَ أي "شجرة الآس" وقد تركت يتيمة وهي بعد صغيرة فأحضرها ابن عمها مردخاي الذي تبناها إلى شوش العاصمة الفارسية وقد أقام الملك احشويروش وليمة لعظمائه فشرب الخمر فلعبت برأسه فأمر أن تحضر امرأته الملكة وشتي كي يري عظماؤه جمالها فرفضت فاغتاظ الملك وأمر أن يبحثوا له عن فتاة جميلة لتأخذ مكانة وشتي فاختيرت أستير ويدور السفر على حكايتها وما فعلته من حيل ومكائد (قاموس الكتاب المقدس ص 63). (¬2) هو: أحد كبار أنبياء إسرائيل الأربعة تنبأ لمواطنيه بسقوط أورشليم ودعاهم إلى الخضوع لملوك بابل فاضطهدوه بعد سقوط المدينة، نجا من السبى فأرغمه بعض مواطنيه على الهرب معهم إلى مصر حيث مات، له نبوءة تملؤها عواطف الأسى وقد نسب إليه كتاب مراثي إرميا (المنجد ص 36 قسم الأعلام). (¬3) هو: النبي العظيم الذي تنبأ في يهوذا أيام عزيا ويوثام وآحاز وحزقيا - ملوك يهوذا، ويرجح أنه عاش إلى أن جاوز الثمانين من العمر، وامتدت مدة قيامه بالعمل النبوي إلى ما يزيد على الستين عامًا وكان اسم أبيه آموص (قاموس الكتاب المقدس ص 81). (¬4) هو: اسم عبرى معناه "الله يقوي" وهو أحد الأنبياء الكبار- في زعمهم- ابن بوزى ومن عشيرة كهنوتية ولد وكبر ونشأ في فلسطين وربما في أورشليم في بيئة الهيكل أثناء خدمة النبي أرميا ثم حمل مسبيا من يهوذا مع يهوياكين (597 ق. م) ثماني سنوات بعد نفى دانيال وسفره بين مراثي أرميا ودانيال يحتوى على: (أ) نبوءات ألقيت قبل غزو أورشليم وهي تنبئ سقوطها بسبب خطاياها. (ب) نبوءات الحكم على الأمم. (ج) نبوءات متعلقة بالرجوع من الشي (قاموس الكتاب المقدس ص 301 - 304). (¬5) هو: أحد أنبياء بني إسرائيل مهد للإصلاح الذي قام به نحميا وكان في النصف الأول من القرن الخامس قبل الميلاد (قاموس الكتاب المقدس ص 682). (¬6) ولمزيد من التفصيل عن هذه الأسفار من حيث السند والمتن وصحة نسبتها إلى مؤلفيها يرجع إلى: إظهار الحق 1/ 93 - 97) التوراة: د/ بدران ص 38: 40).

خلاصة جهود العلماء في نقد سند العهد القديم

وبعد هذا العرض التقويمي لبقية أسفار العهد القديم تكاد الرؤى النقدية لعلماء المسلمين حول سند هذه الأسفار تتفق على الأمور التالية: 1) الاضطراب في تحديد المصنف الحقيقي لكل سفر من هذه الأسفار. 2) الاضطراب في تحديد وقت التصنيف، بل إن بعضها لم يعرف زمن كتابته. 3) أغلب هذه الأسفار عبارة عن حكايات باطله بعيدة عن العفة ويستحيل نسبتها إلى الوحي الإلهى. 4) تأثر هذه الأسفار بالفلسفات الوثنية القديمة خاصة الأدب المصري القديم. خلاصة جهود العلماء في نقد سند العهد القديم: لقد أجاد علماء المسلمين في إثبات عدم صحة نسبة أي نص من نصوص العهد القديم، إلى سيدنا موسى عليه السلام، بالأدلة العقلية والنقلية القاطعة، وذلك من خلال تحليل الصيغ اللغوية الواردة في نصوص العهد القديم، كصيغة التمريض التي تقول: "يقال في كتاب حروب الرب، ومثل استخدام ضمير الغائب الذي يتكرر في كثير من النصوص، كقال موسى، وأوصى موسى، والحديث عن موت موسى وتفاصيل موته ودفنه، كل ذلك يؤكد أن شخصًا آخر غير موسى عليه السلام، هو الذي كتب هذه التوراة، وبذلك أثبت علماء المسلمين انقطاع سند التوراة، وممن برع في ذلك من علمائنا الأفاضل: العلامة رحمة الله الهندي، وجميع من تكلم بعده عن سند العهد القديم، قد أخذوا منه نفس طريقته النقدية في إثبات أن الكاتب غير موسى عليه السلام، مع إضافات يسيرة، ولكن عند مقارنتها بجهد العلامة الهندي يتضح أنهم لم يأتوا بجديد حول نقد سند العهد القديم.

الفصل الثاني جهود علماء المسلمين في نقد سند العهد الجديد "فترة البحث"

الفصل الثاني جهود علماء المسلمين في نقد سند العهد الجديد "فترة البحث" ويشتمل على المباحث التالية: المبحث الأول: نظرة تاريخية حول العهد الجديد المبحث الثاني: نقد سند الأناجيل الأربعة المبحث الثالث: نقد سند الأسفار الأخرى من العهد الجديد

المبحث الأول نظرة تاريخية حول العهد الجديد

المبحث الأول نظرة تاريخية حول العهد الجديد ويشتمل على ما يلي: 1 - موثوقية الأناجيل الأربعه وتأثرها برسائل بولس. 2 - صلاحية العهد الجديد. 3 - دعوى تمتع الأناجيل الأربعه بحق الامتياز ومناقشة العلماء لها.

تمهيد

تمهيد: لقد أحاط العلامة رحمة الله الهندي الأناجيل الأربعة بالدراسة النقدية الفاحصة التي أثبتت بالأدلة العقلية والنقلية وأقوال كتابهم أن هذه الأناجيل ليس لها سند متصل، وأنها قد ألفت بعد رفع المسيح -عليه السلام- بمدة طويلة. وأثبت أيضًا من خلال جولاته النقدية بين النصوص والشروح المختلفة للكتاب المقدس أن الإنجيل الأصلى قد فُقد، وأن الأسباب التي اعتذروا بها لفقدان سندهم أسباب واهية (¬1). وعلى الفرض لو كانت هذه الأناجيل تصح نسبتها إلى مؤلفيها- متى- مرقس- لوقا- يوحنا- إلا أن النصارى أنفسهم وطوائفهم المختلفة قد اختلفوا في تحديد تواريخ كتاباتها واضطربوا في ذلك اضطرابًا شديدًا، فإسنادهم هذه الأناجيل إلى أصحابها بلا حُجة ولا برهان كما سبق بيانه في المبحثين السابقين. ولقد اعتمد عُلماؤنا الأجلاء في نقد الجانب التاريخي للعهد الجديد على تلك التواريخ إلى ذكرها مفسرو العهد الجديد على اختلاف طوائفهم مما دفعهم لمناقشة الأدوار التاريخية التى مرت بها الأناجيل، الأمر الذي أدى إلى فقدان الثقة في قانونية هذه الأناجيل. موثوقية الأناجيل الأربعة: (وحول موثوقية الأناجيل الأربعة يقول أ / محمَّد السعدي في كتابه "دراسة في الأناجيل" إن فناء النسخ الأصلية للأناجيل يعني ببساطة أننا لا نستطيع التأكد من موثُوقية المخطوطات والنسخ التي بين أيدينا اليوم، وإذا علمنا أن أقدم مخطوطات العهد الجديد الموجودة حاليًا ترجع إلى القرن الرابع الميلادي، وأن آخر الأناجيل كُتب سنة 100 م فإننا نخلص إلى أن هناك فاصلًا زمنيًا بين تاريخ كتابة الأناجيل وتاريخ مخطوطاتها يزيد على مائتي سنة) (¬2). وهذا الفاصل الكبير نسبيًا يجعل الأناجيل معلقة في الهواء بلا سند متصل بين كتبتها ومخطوطاتها، وفناء نسخ الأناجيل التي يرجع تاريخها إلى ما قبل مجمع نيقية عام 325 م يرجع لسببين: 1 - قرار الكنيسة بإلغاء الأناجيل المخالفة لأناجيلها والأمر بإعدامها. 2 - جو الخوف والاضطهاد والمطاردة والمذابح التي تعرض لها النصارى لمدة ثلاثمائة سنة متواصلة على يد اليهود والرومان الوثنيين ... وفي تلك الفترة العصيبة لم تكن هناك قوة تحمى النصارى أو تحافظ على كتبهم، وفي مثل هذا الجو تتهيأ الفرصة لضياع الحقائق وتعديل النصوص، ونسبة الكتب إلى غير مؤلفيها، ويصبح التحقق من موثوقية الأقوال والأفعال والنصوص أمرًا غير ميسور (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: إظهار الحق 1/ 100. (¬2) دراسة في الأناجيل الأربعة والتوراة أ/ محمَّد السعدي ص 35 ط دار الثقافة بقطر طـ 51 - 1400 هـ - 1985م. (¬3) انظر: المرجع السابق ص 16 بتصرف بالحذف.

تأثر الأناجيل برسائل بولس

تأثر الأناجيل برسائل بولس: (وقصة هذه الأناجيل وعلاقاتها بالمعتقدات المسيحية قصة تدعو للعجب فمن الطبيعي أن تنبني المعتقدات على الأناجيل، ولكن الواقع غير هذا أو قل عكس هذا إذ انبنت الأناجيل على المعتقدات، فقد نشأت المعتقدات بواسطة بولس، ثم كتب بولس رسائله بين سنة 55 وسنة 63 م بيد أن الإنجيليين لم يبدءوا كتابة أناجيلهم إلا في سنة 63 م ورجحت كفة بولس وكفة معتقداته فتأترت الأناجيل بهذه الرسائل (¬1). صلاحية العهد الجديد: أما بالنسبة لصلاحية العهد الجديد كمصدر أساسى عند النصارى يقول د/ أحمد شلبي في موضع آخر من كتابه "المسيحية": إن الأناجيل اختيرت لتلائم المعتقدات التي وضعها بولس، ومن ثم كانت الأغلبية الساحقة من "العهد الجديد" من وضع بولس ومريديه .. ومع هذا فإنه بمرور الزمن ظهر للمسيحيين أن هذه الأناجيل لا تفي بما أرادوا أن يضيفوه للمسيحية من معتقدات كغفران السيئات وعصمة البابا وغير ذلك، ثم اقترحوا المجامع يثبتون بها ما يشاءون من الأصول، وإذا كانت المجامع قد أخذت الحق في تقرير ألوهية المسيح فلا ضير عندهم أن تأخذ الحق فيما دون ذلك من مسائل (¬2). ويؤكد د / موريس بوكاي أن الأناجيل الأربعة قد ظهرت بعد مؤلفات بولس بفترة طويلة فيقول: (لا تشير أولى كتابات العصر المسيحي إلى الأناجيل إلا بعد مؤلفات بولس بفترة طويلة جدًا، فالشهادات المتعلقة بوجود مجموعة من الكتابات الإنجيلية تظهر فقط في منتصف القرن الثاني وبالتحديد بعد عام 140م، وذلك على حين أن هناك كثيرًا من الكتاب المسيحيين يوحون بوضوح منذ بداية القرن الثاني بأنهم يعرفون عددًا كبيرًا من رسائل بولس، وهذه الملاحظات التي تفرضها "المقدمة إلى الترجمة المسكونية للعهد الجديد" المنشورة عام 1972 م تستحق أن تذكر على الفور كما يفيد التنويه إلى أن هذه الترجمة هى نتيجة عمل جماعى تضافر له أكثر من مائة متخصص من الكاثوليك والبروتستانت) (¬3). ¬

_ (¬1) المسيحية د/ أحمد شلبي ص 206 نقلاً عن يسوع المسيح للأب بولس إلياس ص 18. (¬2) المرجع السابق ص 208. (¬3) القرآن والتوراة والإنجيل والعلم د/ موريس بوكاي ص 62.

دعوى تمتع الأناجيل الأربعة بحق الامتياز ومناقشة العلماء لها

دعوى تمتع الأناجيل الأربعة بحق الامتياز ومناقشة العلماء لها: يقول أ/ أحمد زكى في كتابه "انزعوا قناع بولس": (بين سنة 1861 - 1870 م عقد الفاتيكان مجمعًا أقر فيه أن الكتب القانونية للعهد القديم والجديد قد كتبت بإلهام من الروح القدس، ولكن بعد أن طال النقد للكتاب المقدس من النقاد المسيحيين الغربيين أنفسهم واشتد ذلك في السنوات الأخيرة عقد الفاتيكان مجمعًا آخر في أواسط الستينيات 1962 - 1965 م وخرج بوثيقة جديدة تراجع فيها عن قراره السابق بالنسبة للعهد القديم واعترف فيها صراحة أن العهد القديم يحتوي على شوائب وشىء من البطلان، ولكن عندما جاء للعهد الجديد نفى عنه ذلك وكرر أنه كُتب بإلهام من الروح القدس) (¬1). وذكر بعد ذلك نص هذه الوثيقة التى أصدرها مجمع الفاتيكان وجاء فيها: (لا يغفل أي إنسان أن من بين الكتب المقدسة بل حتى العهد الجديد كان هناك ما يتمتع بحق الامتياز مثل الأناجيل باعتبار أنها تكون شهادة حقيقية عن حياة وتعاليم الكلمة المجسدة) (¬2). مناقشة العلماء لهذه الوثيقة: (إن محرري هذه الوثيقة حرروها وهم قابعون في بروج كنائسهم وأديرتهم العالية فلم يحتكوا بالأغلبية الساحقة من عامة الشعب ليقرؤوا كتبهم ولم ينزلوا قط إلى الشارع ليروا المكتبات والأرصفة وقد امتلأت بالكتب التي تنتقد العهد الجديد الذي قالوا أنه يتمتع بالامتياز، إذ ثبت بعد ضعف الكنيسة وظهور فن النقد وامتلاك الناس للكتاب المقدس بعد أن كان حكرًا على الكنيسة أن العهد الجديد ليس حصينًا كما يدعى الفاتيكان في وثيقته، بل ظهر أنه ممتلئ بالثغرات التي يمكن الهجوم عليه منها من كل جانب لذا هاجمه النقاد الغربيون المسيحيون أنفسهم وأثخنوه بالجراح، وأزاحوا عنه غطاء الوحى والقداسة وذهب عنه الامتياز المزعوم) (¬3). وخلاصة هذه النظرة التاريخية للعهد الجديد ما يلي: 1 - فقدان الإنجيل الأصلي بعد رفع المسيح -عليه السلام- إلى السماء. 2 - فقدان الثقة في الأناجيل الأربعة والعهد الجديد عمومًا. ¬

_ (¬1) انزعوا قناع بولس ص29. (¬2) المرجع السابق: ص 30 (¬3) المرجع السابق نفس الصفحة

المبحث الثاني نقد سند الأناجيل الأربعة

المبحث الثاني نقد سند الأناجيل الأربعة لعلماء المسلمين جهود قيمة حول سند الأناجيل الأربعة وفي نظرتهم النقدية لها بينوا هل لهذه الأناجيل سند متصل أم أنها منقطعة السند؟ وهل يا ترى تصح نسبتها إلى المسيح -عليه السلام- أم أن الأمر بخلاف ذلك؟ هذا ما سنعرفه فى الصفحات التالية: من أين جاءت الأناجيل؟ أجمع العلماء على أنه لم يثبت تاريخيًا أن المسيح -عليه السلام- خلف وراءه إنجيلًا مكتوبًا ولهذا فإن ما كتب على لسان المسيح أو عنه إنما هو من عمل التلاميذ والحواريين ومن إليهم (¬1). أولاً: إنجيل متى: يقول صاحب كتاب الفارق (¬2): اتفقت كلمة النصارى على أن متى من الحواريين الاثنى عشر وقالوا: إن إنجيله أول ما بشر به بعد رفع المسيح بثمانية أعوام وكان باللغة العبرانية وهذا مذهب القدماء كافة والكثير من المتأخرين ودلل على كلامه بشواهد كثيرة من كتب علمائهم (¬3). وقيل: إن مؤلف إنجيل متى يهودي ولا شك ... يفهم اليهود ويتعاطف مع تطلعاتهم كرجل يهودي المولد (¬4) وقيل: (إن متى أحد تلاميذ المسيح الاثنى عشر ويسميهم المسيحيون رسلًا، وقد كان قبل اتصاله بالمسيح من جباة الضرائب للرومان في كفر ناحوم من أعمال الجليل، وكان اليهود ينظرون إلى الجباة نظرة ازدراء؛ لأنها تحمل صاحبها على الظلم أو العنف والعمل فيها معين للدولة الرومانية المغتصبة التى تحكم البلاد بغير رضا أهلها (¬5). تاريخ التدوين والترجمة: اختلف العلماء فى تحديد الزمن الذي دون فيه إنجيل متى وهذا الاختلاف دليل واضح على التشكيك في صحة هذا الإنجيل. فيقول فضيلة الإمام / أبو زهرة عن إنجيل متي: (لا شك أن جهل تاريخ التدوين، وجهل النسخة الأصلية التي كانت بالعبرية، وجهل المترجم وحاله من صلاحٍ أو غيره، وعلم بالدين واللغتين التى ترجم عنها والتي ترجم إليها كل هذا يؤدي إلى فقد حلقات في البحث العلمي) (¬6) ¬

_ (¬1) المسيح في القرآن والتوراة والإنجيل د/ عبد الكريم الخطيب ص 15 ط/ دار المعرفة بيروت- طـ 2 - 1396 هـ 1976م. (¬2) وهو: عبد الرحمن بن سليم بن عبد الرحمن بن الباجه جى زادة: بحاثة حنفى من أعيان العراق موصلى الأصل ولد وعاش ومات ببغداد كان رئيسًا للمحكمة التجارية وانتخبته نائبا في المجلس العثماني صنف الفارق وذيله (الأعلام للزركلى 3/ 307). (¬3) الفارق بين المخلوق والخالق ص 35. (¬4) انظر: المسيح في مصادر العقائد المسيحية ل م/ أحمد عبد الوهاب ص57 مع الحذف. (¬5) محاضرات في النصرانية أبو زهرة ص 47، 48، الأسفار المقدسة: د/ وافي، ص 79، التعصب الصليبي: د/ عمر عبد العزيز القرشى، 2/ 27. (¬6) المرجع السابق: أبو زهرة ص 46.

ثم يعود الإمام أبو زهرة (¬1) ويقول: إن متي كتب إنجيله بالعبرانية، وأشهر النسخ كانت باليونانية ولكن موضع الخلاف في تاريخ تدوينه وفيمن ترجمه إلى اليونانية، فقال البعض إنه كُتب قبل خراب أورشليم وقيل كتب ما بين سنة 60 وسنة 65 من الميلاد وقيل ما بين عامى 85 و 90 وقيل كتب سنة 37 أو 38 أو 41 أو 43 أو 48 أو 61 أو 62 من الميلاد (¬2) ويؤيده في ذلك كثير من النقاد المسلمين (¬3). وبناءً على هذا الاختلاف الواضح في تاريخ التأليف يتساءل العلامة أحمد ديدات فيقول: (وإذا لم نقدر أن نعزى هذا الإنجيل وننسبه إلى الحواري متى فكيف نذعن له ونقبله على أنه كلام الله)؟ (¬4). إضافة إلى ما سبق يؤكد صاحب الفارق: (أن إنجيل متى كان بالعبرانية لا اليونانية، وأن نسخته الأصلية فقدت ثم ظهرت ترجمتها ولم يعلم إلى الآن كيف ترجم هذا الإنجيل؟، ومن هو المترجم وما هو حاله في القوة والضعف في الدين؟ وهل هو من المسيحيين أو اليهود أو غيرهم؟ وإذا كان كذلك فكيف تجزمون بهذا الإنجيل وتتخذونه دستورًا مقدسًا ترجعون إليه في عقائد الدين وأصوله، وكيف جزمتم بأنه لمتى وأنتم لا تعلمون الذي ترجمه؟ ولا تدرون هل أدخل فيه من الضلالات ما لايرضى به متى ولا المسيح) (¬5). ثم يوجه صاحب الفارق أصابع الاتهام إلى اليهود وما يحتمل أنهم قد فعلوه في إنجيل متى طارحًا افتراضًا عقليًا مؤداه أن اليهود وراء ترجمة هذا الإنجيل فيقول: (ولم لا يحوز أن تكون النسخة العبرانية قد وقعت في يد أحد اليهود أو الدخلاء في المسيحية فترجمها بما وافق غرضه ولائم هواه ودس فيها من العقائد ما يغضب الجبار ويوجب الخلود فى النار) (¬6). ¬

_ (¬1) هو: محمَّد بن أحمد أبو زهرة أكبر علماء الشريعة الإسلامية في عصره ولد بالمحلة الكبرى وتربى في الجامع الأحمدى وتعلم بمدرسة القضاء الشرعي وتولى تدريس العلوم الشرعية والعربية ثلاث سنوات وبدأ اتجاهه إلى البحث العلمى في كلية أصول الدين 1933م وعين أستاذا محاضرا بالدراسات العليا في الجامعة 1935م من مؤلفاته/ محاضرات في النصرانية، وأصول الفقه، والخطابة. وغيرها. توفى بالقاهرة (الأعلام للزريكلى 6/ 25، 26). (¬2) محاضرات في النصرانية: ص 46. (¬3) الإسلام والأديان "دراسة مقارنة" د / مصطفى حلمي ص 198 طبعة دار الدعوة - ط1 - 1411 هـ 1990م. (¬4) هل الكتاب المقدس كلام الله؟ أحمد ديدات ص 155 ترجمة الشيخ/ إبراهيم خليل أحمد ودراسة تحليلية وتقديم د/ نجاح الغنيمى ط / 1 دار المنار 1410 هـ 1989م. (¬5) الفارق بين المخلوق والخالق ص 37، 38. (¬6) المرجع السابق ص 38.

ثانيا: إنجيل مرقس

وبعد هذا العرض التقويمى لسند إنجيل متى وتاريخ تدوينه وترجمته: يتضح أنه طالما يوجد الشك حول المؤلف ووقت التدوين والترجمة ففي أي شيء تكون الثقة بعد ذلك؟ أتكون الثقة في النصوص وهي من وضع المؤلف المشكوك في نسبتها إليه؟ أم في ماذا تكون الثقة بعد ذلك؟ كل ذلك يدفع المدقق فيما سبق إلى الحكم بأن هذا الإنجيل لا يرتقي لدرجة القبول أو حتى مجرد القداسة وذلك بناءً على انقطاع سنده إلى كاتبه وفقدان النسخة الأصلية منه. ثانيًا: إنجيل مرقس: تناول الإمام أبو زهرة وغيره من النقاد من علماء المسلمين ببيان ما يتعلق بإنجيل مرقس واستند في كلامه لما ذكره المؤرخون من المسيحيين فقال: يقول المؤرخون أن اسمه يوحنا ويلقب بمرقس ولم يكن من الحواريين الاثنى عشر الذين تتلمذوا للمسيح، واختصهم بالزلفى إليه، وأصله من اليهود وكانت أسرته في أورشليم في وقت ظهور السيد المسيح وهو من أوائل الذين أجابوا دعوته، فاختاره من بين السبعين الذين نزل عليهم روح القدس- في اعتقادهم - من بعد رفعه وألهموا بالتبشير للمسيحية كما ألهموا مبادئها لكن مرقس كان يذكر ألوهية المسيح وقد لازم خاله برنابا وبولس في رحلتهما إلى إنطاكية ثم تركهما وعاد إلى أورشليم، ثم التقي مرة أخرى بخاله واصطحبه إلى قبرص، ثم افترقا فذهب إلى شمال أفريقيا ودخل مصر في منتصف القرن الأول فوجد في مصر أرضًا خصبة لدعوته ودخل كثير من المصريين فيها، وكان يتردد بين مصر وروما أحيانًا وإلى شمال أفريقيا أحيانًا أخرى ولكن مصر كانت المستقر الأمين له فاستمر إلى أن ائتمر به الوثنيون فقتلوه سنة 62 ميلادية (¬1). واعتمد صاحب الفارق في نقده لإنجيل مرقس على أقوال ثلاثة شهود من أكابر علماء النصارى ثم عقب على أقوالهم بقوله: إن إنجيله ليس بإنجيل إلهامي، بل هو تاريخ نقله عن شيخه "بطرس" وهو عبارة عن وقائع في زمن عيسى - عليه السلام - وأنه كان ينكر ألوهية المسيح التي هي مدار الاختلاف بين النصرانية وغيرها (¬2). ويقول د/ عبد الكريم الخطيب، من خلال التحقيق العلمي الذي أجراه حول الأناجيل: (إن صاحب هذا الإنجيل لم يجتمع بالسيد المسيح وإن عُد من السبعين فقد بشر بإنجيله في الإسكندرية باللغة اليونانية بعد رفع المسيح بنحو ثلاثين سنة (¬3). تاريخ التدوين واللغة التي كتب بها إنجيل مرقس: يقول الإمام أبو زهرة: لقد كتب هذا الإنجيل باللغة اليونانية ولم نر أحدًا من كتاب المسيحيين ناقض ذلك ... واختلفوا في زمان تأليفه فقالوا: قد ألف الإنجيل الثاني سنة 56 وما بعدها إلى سنة 65 والأغلب أنه ألف سنة 60 أو سنة 63 (¬4) ¬

_ (¬1) محاضرات في النصرانية ص 47. (¬2) الفارق بين المخلوق والخالق ص525. (¬3) المسيح في القرآن والتوراة والإنجيل صـ 86. (¬4) انظر: محاضرات في النصرانية ص 47، 48 بالخذف.

ثالثا: إنجيل لوقا

وبناءً على ما تقدم: فإن الجهل بتاريخ التدوين والاختلاف في زمن التأليف يجعل الباحث المسلم في يقين من أننا أمام كتاب مطعونٍ في صحة نسبته إلى صاحبه. ثالثًا: إنجيل لوقا: يقول الإمام أبو زهرة من خلال اطلاعه على كتب النصارى وتفسيرات الكتاب المقدس: (إن لوقا ولد بإنطاكية ودرس الطب ونجح في ممارسته ولم يكن من أصل يهودي ولقد رافق بولس في أسفاره وأعماله وجاء في رسائل بولس ما يشير إلى هذه الرفقة وتلك الملازمة: "ويسلم عليكم لوقا الطبيب الحبيب" (¬1)) (¬2). ويقول صاحب الفارق: (اختلفت النصرانية في لوقا اختلاقًا كليًا بحيث يمكننا أن نلحقه في الجهالة بمترجم إنجيل متى وكيفما كان فإنهم اتفقوا على أنه كان تلميذا لبولس العدو الألد للنصرانية وأنه لم ير المسيح أصلًا، وكان من أهل إنطاكية طبيبًا وقيل مصورًا (¬3). الاختلافات في إنجيل لوقا: يقول صاحب الفارق: (من نظر إلى اختلاف القوم في عنوان هذا الإنجيل يظهر له حاله ولنذكر من ذلك ثلاثة اختلافات: الأول: عنوان النسخ السريانية: "باسم ربنا وإلهنا يسوع المسيح نكتب الإنجيل المقدس الذي هو بشارة لوقا الإنجيلي التي تكلم بها مبشرًا باليونانية في مدينة الإسكندرية العظمي. الثاني: عنوان النسخة اللاتينية: "إنجيل يسوع المسيح المقدس كما كتب لوقا". الثالث: عنوان النسخة العربية القديمة: "باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد إنجيل الآب الفاضل لوقا البشير افتتاح الإنجيل المجيد" (¬4). ويقول د/ عبد الكريم الخطيب: إن لوقا ليس من الحواريين الاثنى عشر وإنما هو من السبعين قد بشر بإنجيله باليونانية بالإسكندرية بعد رفع المسيح بثمانية وعشرين سنة (¬5). رابعًا: إنجيل يوحنا: اتفق النقاد المسلمون على أن هذا الإنجيل ينسب إلى يوحنا الحواري ويرون (أن أغلب الطوائف النصرانية تذهب إلى أن يوحنا الإنجيلى أحد التلاميذ الاثنى عشر وأبوه زبدي الصياد ولد في بيت صيدا من الجليل، وأنه هو الذي كان يحبه عيسى - عليه السلام - جدًا، وقال بعض النصارى: إنه لم يكن من التلاميذ ولا من الرسل) (¬6). ¬

_ (¬1) كولوسى (4/ 14) تحيات ختامية. (¬2) محاضرات في النصرانية: ص 49. (¬3) الفارق بين المخلوق والخالق: ص 543. (¬4) المرجع السابق ص 543. (¬5) المسيح في القرآن ص 87. (¬6) الفارق بين المخلوق والخالق ص 65 والأسفار المقدسة د/ وافي ص 88 وتمهيد لدراسة الأناجيل الأربعة د/ السيد محمَّد عقيل ص 14 طبعة دار الحديث بدون.

سبب تأليف إنجيل يوحنا

(وقد ألفه باللغة اليونانية وكان تأليفه إياه حوالي 90 بعد الميلاد على أرجح الأقوال فهو لذلك أحدث الأناجيل جميعًا، إذ تفصله عنها مرحلة زمنية كبيرة تبلغ زهاء ثلاثين عامًا) (¬1). وقيل إن مؤلفه يوحنا آخر لا يمت إلى الحواري بصلة روحية وقد ظهر هذا الرأي في القرن الثاني الميلادي (¬2). سبب تأليف إنجيل يوحنا: وقد بين صاحب الفارق سبب تأليف هذا الإنجيل فقال: (لما كانوا يعَلمون المسيحية على أن المسيح ليس إلا إنسانًا، وإنه لم يكن قبل أمه مريم ولذلك في سنة 96 م اجتمع عموم أساقفة آسيا وغيرهم عند يوحنا والتمسوا منه أن يكتب عن المسيح وينادي بإنجيل مما لم يكتبه الإنجيليون الآخرون، وأن يكتب بنوع خصوصى لاهوت المسيح فلم يسعه أن ينكر إجابة طلبهم) (¬3). وعن هذا السبب يقول فضيلة الإمام أبو زهرة: إن إنجيل يوحنا كُتب لغرض خاص: وهو أن بعض الناس قد سادت عندهم فكرة أن المسيح ليس إلهًا، وأن كثيرين من فرق الشرق كانت تقرر تلك الحقيقة فطلب إلى يوحنا أن يكتب إنجيلًا يتضمن بيان هذه الألوهية فكتب هذا الإنجيل) (¬4). ثم أورد فضيلته أقوالًا كثيرة لعلماء النصارى تبين سبب كتابته واستنبط منها: (أن كُتاب النصارى يجمعون أو يكادون على أن الإنجيل المنسوب إلى يوحنا كُتب لإثبات ألوهية المسيح التي اختلفوا في شأنها لعدم وجود نصٍ من الأناجيل الثلاثة يعلنها) (¬5). تاريخ تدوين إنجيل يوحنا: (اختلف العلماء في تاريخ تدوين إنجيل يوحنا ما بين سنة [68، 69، 70، 89، 95، 98] إذن فليس له تاريخ محدد لتدوينه كما أنه ليس هناك بيان قد خلص من الشك بحقيقة كاتبه) (¬6) ثم يعود العلامة البغدادي فيقرر نتيجة ما وصل إليه من النظرة النقدية في سند إنجيل يوحنا ويقول: (إن اختلاف علماء النصارى في شأن إنجيل يوحنا وتاريخ تأليفه مع عدم وجود السند المتصل في روايته بطريق التواتر إلى مؤلفه يسقطه عن الاعتبار ويحط رتبته عن باقي الأناجيل فضلًا عن كونه أعلى منها أو مساويًا لها) (¬7). ويقول د/ عبد الكريم الخطيب: هذه الأناجيل الأربعة التي اعتمدت عليها المسيحية في إقامة عقيدتها والتي منها كانت تصورات الدعاة والمبشرين بالمسيحية والمسيح ... ويبدو من النظرة الأولى فيها ... أنها غير مسلمة عند الباحثين من المسيحيين أنفسهم وأن نسبتها إلى الحواريين والتلاميذ الذين كتبوها ليس مقطوعًا بها، وهذا أقل ما فيه أنه يبيح للناظر فيها أن يكون على حذرٍ من جهتها وألا يأخذ قضاياها مأخذ التسليم (¬8). ¬

_ (¬1) الأسفار المقدسه د/ وافى ص 88. (¬2) محاضرات في النصرانية ص 51. (¬3) الفارق بين المخلوق والخالق ص 568 ومحاضرات في النصرانية ص 65. (¬4) محاضرات في النصرانية ص 54. (¬5) المرجع السابق ص 54. (¬6) محاضرات في النصرانية ص 53. (¬7) الفارق بين المخلوق والخالق ص 570. (¬8) المسيح في القرآن والتوراة والإنجيل ص 88.

المبحث الثالث جهود علماء المسلمين فى نقد سند رسائل العهد الجديد

المبحث الثالث جهود علماء المسلمين فى نقد سند رسائل العهد الجديد أولًا: نظرة عامة على هذه الرسائل: قام العلامة رحمة الله الهندي بنقد سند الأسفار الأخرى للعهد الجديد (بقية الأسفار غير الأناجيل الأربعة) واعتمد في نقده لها على ما ذكره رجال الدين المشهورين عندهم آخذًا من كلامهم ما يهدم دعواهم بصحة هذه الأسفار مبينًا من خلال ذلك مكانتها من حيث الصحة وعدمها وهل هي مقبولة لدى الكنائس أم مردودة فيقول: (الرسالة العبرانية والرسالة الثانية لبطرس والرسالة الثانية والثالثة ليوحنا ورسالة يعقوب ورسالة يهوذا ومشاهدات يوحنا وبعض الفقرات من الرسالة الأولى ليوحنا إسنادهم إلى الحواريين بلا حجة وكان مشكوكا فيهم إلى سنة 363 م وبعض الفقرات المذكورة مردودة وغلط إلى الآن عند جمهور المحققين) (¬1). ويقول ل/ أحمد عبد الوهاب في إلقائه الضوء على هذه الأسفار: (من الملاحظ أن كثيرًا من الكتب المسيحية التى يشتمل عليها العهد الجديد قد كتبت ثم نسبت إلى أشخاص ماتوا أو قتلوا قبل التواريخ المقررة لها بعشرات السنين مثال ذلك ما ينسب إلى بطرس وبولس اللذين قتلا قبل عام 70 م ببضع سنين إذ تنسب إلى الأول رسالة بطرس الأولى (حوالي 95) ورسالة بطرس الثانية (عام 150) كما تنسب إلى الثاني الرسالة الأولى والثانية إلى تيموثاوس والرسالة إلى تيطس (عام 100) وفي جميع الأحوال يجب أن نتذكر أن التاريخ المرجح لنهاية حياة المسيح على الأرض ورفعه إلى السماء هو حوالى عام 33 م) (¬2). ثانيًا: موقف الكنائس من هذه الرسائل: يقرر العلامة رحمة الله الهندي أن الكنائس العربية والسريانية لا تعترف ببعض هذه الرسائل وأن بعض تراجم الكتاب المقدس قد خلت منها فيقول: عن هذه الرسائل أنها (لا توجد في الترجمة السريانية، وردت جميع كنائس العرب الرسالة الثانية لبطرس والرسالتين ليوحنا، ورسالة يهوذا ومشاهدات يوحنا وكذلك تردهم الكنيسة السريانية من الابتداء إلى الآن ولا تسلمهم) (¬3). ¬

_ (¬1) إظهار الحق: 1/ 100. (¬2) المسيح في مصادر العقائد المسيحية ل. م/ أحمد عبد الوهاب ص 31. (¬3) إظهار الحق: 1/ 101.

ثالثا: أهمية أعمال الرسل عند النصارى

وحول قانونية الكتاب المقدس ومتى اعتبرت الرسائل التى توجد في العهد الجديد نصوصًا مقدسة عند النصارى يقول أ/ علاء أبو بكر في كتابه: (لم تأت هذه الفكرة إلا بعد تحارب التيارات المختلفة للنصرانية، وبعد أن دعت الحاجة إلى الاستناد إلى شىء ملزم، وهذه الطريقة بدأ التفكير حوالي عام (200) بعد الميلاد لاعتبار هذه المدونات كتابات مقدسة، وبعد ذلك بـ (200) سنة أخرى نشأ خلاف آخر حول آية الكتابات يمكن اعتبارها مقدسة -أي قانونية- ويمكن قراءتها على الملأ، فقد أيد البعض هذا وأيد البعض الآخر تلك، وحتى هذا اليوم لم يتفق النصارى على هذه المشكلة منذ 1600 سنة عندما تم الاختيار الإجباري لهذه النصوص من قبل القياصرة الوثنيين والملحدين وبتأثير من الأساقفة التائهين ولم يكن للكنيسة دخل في الاختيار آنذاك حيث قد ارتدت عن الروح الأصلية (لتعاليم المسيح) وتغربت عنه) (¬1). ثالثًا: أهمية أعمال الرسل عند النصارى: ولقد أولى علماء المسلمين سفر أعمال الرسل الأهمية بخلاف الرسائل الأخرى باعتبار (أن أعمال الرسل قد كتبت لتلتمس المعاذير للكنيسة عندما رأت أن تنفصل عن اليهودية وتكوِّن لنفسها كنيسة مستقلة) (¬2). ولهذا أفرد له النقاد المعاصرون نقدًا موسعًا عن بقية الرسائل الأخرى لأهميته في النصرانية وبناءً على ذلك فإن أعمال الرسل (تعتبر الكتاب الأول في العهد الجديد وينسب إلى لوقا باليونانية كتتمة للإنجيل المنسوب إليه، وقد حوت تاريخ الكنيسة الأولى سواء من الناحية المادية أم الروحية، وهذا الكتاب موجه إلى شخص اسمه ثيوفيلس، لعله شخص رمزي ... فمن الناحية التاريخية لم يستدل حتى الآن على من هو ثيوفيلس) (¬3). رابعًا: مصدر أعمال الرسل: نقد ل. م/ أحمد عبد الوهاب هذه الرسائل مبتدءًا بسفر أعمال الرسل وقد نقده من ناحيتين: الأولي: الناحية الأدبية وهي بيان ما يحتويه النص من معانٍ وصيغ مختلفة. والثانية: "الناحية التاريخية" (¬4) ببيان السند التاريخي لهذا السفر وكيف تم تدوينه ومن هو مؤلفه فقال: (من أراد أن يطالع مؤلفًا قديمًا وجب عليه أن يثبت نصه والحال أن إثبات نص أعمال الرسل مسألة معقدة (¬5)، فالناحية الأدبية في أعمال الرسل: لا شك أن واضع سفر أعمال الرسل استعمل بعض المراجع والأدلة على ذلك كثيرة، ولكن هل كانت هذه المراجع مراجع مخطوطة أم شفهية؟ لربما كانت من كلا النوعين، إنه من العسير ... أن نعزل تلك المراجع ونحددها على وجه أكيد حتى في أمر يوميات السفر التى تدل فيها صيغة (نحن) على وجود تلك المراجع من دون أن تمكننا من رسم حدودها بدقة) (¬6). ¬

_ (¬1) المسيحية الحقة التى جاء بها المسيح بين الالتزام والتحريف ودعوة الإسلام أ/ علاء أبو بكر ص 121 طبعة مكتبة وهبة سنة 1418 هـ 1997م. (¬2) الأناجيل- دراسة مقارنة- د/ أحمد طاهر ص 47 طبعة دار المعارف. بدون. (¬3) المرجع السابق ص 45. (¬4) سيأتي بيانها في النقطة الخامسة من هذا المبحث. (¬5) اختلافات في تراجم الكتاب المقدس ل. م / أحمد عبد الوهاب ص 88 طبعة مكتبة وهبة. (¬6) المرجع السابق ص 88.

خامسا: المؤلف وتاريخ التأليف

وعن هذه المصادر التي اعتمد عليها كاتب سفر أعمال الرسل يطرح ل. م/ أحمد عبد الوهاب رؤىً متعددة للنقاد المسلمين وغيرهم تدور حول مرجعية أعمال الرسل مرجحًا ما رآه أقرب للصواب منها وهي كالتالى: (قيل إن كاتب لوقا اتخذ من إنجيل مرقس مرجعًا له، ولكن لا يستبعد أن يكون قد استخدم مصادر أخرى غير هذا الإنجيل سواء أكانت هذه المصادر مكتوبة أم شفهية عندما وضع أعمال الرسل، ولقد كان لوقا في أمس الحاجة إلى مصادر جديدة لكتابة الاصحاحات الخمسة عشرة الأولي التى أورد فيها أحداثا لم يكن هو أحد أطرافها أو شهودها. وهنا نتساءل كيف عرف هذه الأحداث إن كانت صادقة أو مجرد شائعات، لقد بذل القساوسة محاولات جمة من أجل افتراض سلامة هذه المصادر فمثلًا وجد كثير من العلماء أنه استمد الجزء الأول من كتابه من مصدر يهودي قيصري ويهودي إنطاكى، ويرى البعض الآخر أن المصدر عقائدي استنتاجًا من الأسلوب والنظرة الشاملة ثم يضربون مثلًا على استخدامه ضمير الجماعة ويقولون إذا ما كان المؤلف غير مؤلف أعمال الرسل، فلابد وأن يكون مؤلف أعمال الرسل قد استفاد من مصدر سابق) (¬1). (ومن المحتمل أيضًا أن يكون هذا المصدر ضعيف التركيب والأسلوب، فقام بولس بإعادة تحريره أو بعبارة أخرى بإعادة تفسيره أو تحويره، ولكن ليس هناك في أعمال الرسل ما يدل على اعتماد الكاتب على رسائل بولس، وقد تكون الوثائق التي يظن أن لوقا قد قرأها، والأقرب إلى الصواب: أن المصادر التي اعتمد عليها لوقا في كتابته أعمال الرسل روائية أي شفهية، والمصادر الشفهية هي أقل ثقة من المصادر المكتوبة) (¬2). خامسًا: المؤلف وتاريخ التأليف: (إن مؤلف سفر أعمال الرسل هو مؤلف الإنجيل الثالث، هذا أمر اقتنع به التقليد طوال القرون، يضاف إلى ذلك أن المقارنة بين فاتحي الكتابين تقتضى هذه الوحدة فالكتابان مرفوعان إلى ثاوفيلس، ووجود الأجزاء بصيغة (نحن) يوحى بأن المؤلف كان منتميًا إلى بيئة بولس فيكون لوقا الطبيب هو المرشح الممكن الوحيد ... والتوافق بين أفكار أعمال الرسل وأفكار بولس في رسائله يبقي على أقل تقدير غير أكيد في شئون بعضها مهم كمعنى الرسالة رقم 13/ 13 ومكانة الشريعة على سبيل المثال، ولما كان نقاد عصرنا يحددون تاريخ تأليف الإنجيل الثالث فيما بعد السنة 70 م فهم يحددون تاريخ تأليف أعمال الرسل في نحو 80 م في وقت ينقص أو يزيد عشر سنوات) (¬3). ¬

_ (¬1) الأناجيل دراسة مقارنة د/ أحمد طاهر ص 47 بتصرف يسير. (¬2) المرجع السابق: ص 47. (¬3) اختلافات في تراجم الكتاب المقدس ص 89، 90.

وبناء على ما تقدم

وعن تاريخ أعمال الرسل يقول د/ أحمد طاهر مؤكدًا الرأي السابق: هناك شواهد تدل على أن أعمال الرسل قد وجدت في أوائل القرن الثاني من الميلاد ويذهب البعض إلى أنها كتبت في عام 96 بعد الميلاد، ويستندون في ذلك إلى أنها استخدمت الأعمال الأخيرة للمؤرخين اليهود خاصة يوسفوس، ولكن هذه الأقوال لا يمكن أن تكون نهائية دون معرفة التاريخ الذي كتب فيه لوقا الإنجيل المنصوب إليه، إذًا من هو كاتب هذه الأعمال؟ والواقع أن أعمال الرسل لم تشر إلى موت بولس ولا إلى سقوط القدس في عام 70 ولا إلى رسالة لبولس وبالتالي يمكن القول أن أعمال الرسل كتبت قبل 70 ميلادية ... ويرى الكثيرون من علماء المسيحية أن لوقا قد كتب أعماله بعد الإنجيل المنسوب إليه أي حوالي عام 80 بعد الميلاد ولكن أعيد تحرير كل ذلك بمعرفة الكنيسة فخلطت بعضها مع البعض الآخر (¬1). وبناءً على ما تقدم: فإن مجرد الاختلاف حول قانونية الرسائل المقدسة في العهد الجديد والذي ظهر من تعدد الآراء حول موقف الكنائس منها والمصادر المتعددة التي اعتمد عليها كاتب أعمال الرسل - مجرد الاختلاف- يولد الشك في صدقها وبالتالي يضعف من قيمتها العلمية والدينية وينفي عنها القداسة التي يدعيها النصارى. خلاصة جهود العلماء حول نقد سند العهد الجديد: لقد استوفى علماء المسلمين سند العهد الجديد بالنقد والتحليل، وأثبتوا من خلال الدراسة النقدية الفاحصة، أن أول الأناجيل قد كتب بعد رفع المسيح عليه السلام بستين سنة تقريبًا أو يزيد، ولم يكن هناك إنجيل قد كتبه المسيح عليه السلام. حتى باقى الأناجيل المعتمدة لدى الكنيسة، مشكوك في نسبتها إلى أصحابها، وقد أيد علماؤنا الأجلاء، ما قالوا بالأدلة العقلية الدامغة، والأدلة التاريخية الموثقة، وكان ممن برع في نقد سند العهد الجديد، العلامة رحمة الله الهندي، يليه في جودة النقد، العلامة البغدادي، ثم بعد ذلك العلماء العاصرون، فقد بنوا وجهة نظرهم على رؤية السابقين، مع تفرد كل واحد منهم برؤيته النقدية إلى تميزه عن غيره، من هؤلاء الإمام أبو زهرة، ول / أحمد عبد الوهاب، د/ عبد الكريم الخطيب، وغيرهم. ¬

_ (¬1) الأناجيل دراسة مقارنة د / أحمد طاهر ص 48، 49 بتصرف بالحذف.

القسم الثاني جهود علماء المسلمين- فترة البحث- في نقد متن الكتاب المقدس

القسم الثاني جهود علماء المسلمين- فترة البحث- في نقد متن الكتاب المقدس ويشتمل على بابين: - الباب الأول: نماذج من نقد متن العهد القديم. - الباب الثاني: نماذج من نقد متن العهد الجديد.

الباب الأول جهود علماء المسلمين- فترة البحث- في نقد متن العهد القديم

الباب الأول جهود علماء المسلمين- فترة البحث- في نقد متن العهد القديم ويشتمل على الفصول التالية: الفصل الأول: نقد العقائد فى العهد القديم. الفصل الثاني: نقد التشريعات في العهد القديم. الفصل الثالث: نقد الأخلاق والسلوكيات فى العهد القديم. الفصل الرابع: إثبات البشارات بالنبى الخاتم والرد على من ينكرها ووقوع النسخ في العهد القديم.

الفصل الأول نقد العقائد في العهد القديم

الفصل الأول نقد العقائد في العهد القديم ويشتمل على المباحث التالية: - الأول: نقد أنواع التوحيد في العهد القديم - الثاني: نقد عقيدة الإيمان بالملائكة والجن في العهد القديم - الثالث: نقد عقيدة الإيمان بالنبوة والأنبياء في العهد القديم. - الرابع: نقد عقيدة الإيمان بالنبوة والأنبياء في العهد القديم. - الخامس: نقد عقيدة الإيمان باليوم الآخر في العهد القديم - السادس: نقد عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر في العهد القديم - السابع: نقد عقيدة أرض الميعاد في العهد القديم.

المبحث الأول نقد أنواع التوحيد في العهد القديم

المبحث الأول نقد أنواع التوحيد في العهد القديم ويشتمل على ما يلي: توحيد الربوبية في العهد القديم. توحيد الألوهية في العهد القديم. توحيد الأسماء والصفات في العهد القديم.

تمهيد

تمهيد: من المعلوم أن كل نبي من الأنبياء جاء ليرشد قومه ويدعوهم إلى عبادة الله وحده ونبذ عبادة الأصنام والأوثان، وتعاقب الأنبياء والمرسلون يحملون هذه المهمة ويصححون العقيدة لأقوامهم إذا انحرفوا ويقِّومون ما اعوج من سلوكهم فقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)} (¬1). وعندما جاء الإِسلام أصر اليهود والنصارى البقاء على دينهم استكبارًا منهم وحقدًا على المسلمين- باستثناء من آمن منهم - بل انحرفوا عن الطريق وغيروا وبدلوا في التوراة والإنجيل وحاربوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقومه وناصبوهم العداء. وفي عقائدهم أمورٌ كثيرة تخالف العقل السليم والفطرة النقية من هذه الأمور عقيدتهم في الإله فانحرافهم فيها ظاهر، اليهود يشبهون الخالق بالمخلوق في صفات النقص المختصة بالمخلوق إلى يجب تنزيه الرب سبحانه وتعالى عنها كقول من قال منهم: إن الله فقير، وإنه بخيل وإنه تعب لما خلق السموات والأرض (¬2). وذلك يخالف ما جاء به موسى عليه السلام بالعقيدة الطاهرة النقية التى تشتمل على توحيد الله توحيدًا خالصًا فيقول سبحانه مخاطبًا موسى عليه السلام {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)} (¬3). (كما أن التوراة تشير إلى أن عقيدة التوحيد هى الركيزة الأساسية للدين الذي دعا إليه موسى عليه السلام، فالوصية الأولى من الوصايا العشر التي أوحيت إلى موسى عليه السلام تدعو إلى توحيد الله توحيدًا خالصًا من الند والشريك وهذا هو نص الوصية:- "لا يكن لك آلهة أخرى أمامي، لا تصنع لك تمثالًا منحوتًا ولا صورة ما مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض، ولا تسجد لهن ولا تعبدهن" (¬4). غير أن بني إسرائيل لم يحافظوا على عقيدة التوحيد بل انحرفوا عنها وغيروا وبدلوا ولم تبق هذه العقيدة على صفائها ونقائها كما كانت حين دعا إليها موسى عليه السلام) (¬5). ويؤكد ذلك الدكتور على عبد الواحد، في كتابه: "الأسفار المقدسة" مبينًا عدم ثبات هذه العقيدة في العهد القديم ولكنها متقلبة ومنحرفة في ذات الوقت عن الطريق المستقيم؛ بل وقد مرت بمراحل متعددة في تطورها. ¬

_ (¬1) سورة النحل الآية: (36). (¬2) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيميه: 2/ 52 بتصرف يسير، ط/ دار ابن خلدون للتراث. الإسكندرية. بدون. (¬3) سورة طه الآية: (14). (¬4) خروج: (20/ 3 - 5) الوصايا العشر. (¬5) (5) مدخل لدراسة الأديان د/ صفوت حامد مبارك 1/ 107 طبعة. بدون.

فقد أخبر القرآن الكريم أنهم لم يفهموا الذات العلية الفهم الصحيح، وظنوا أنه من الممكن رؤيتها؛ بل علقوا إيمانهم بموسى ورسالته على رؤيتهم لله تعالى وفي هذا يقول القرآن الكريم: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬1). وأخبر أيضًا عنهم أنهم لم تطمئن نفوسهم إلى عبادة إله لا يستطيعون رؤيته ... وأنهم ارتدوا عن عبادة إلههم أكثر من مرة، فعبدوا العجل تارة والأصنام تارة أخرى ثم اتجهوا بعد ذلك إلى الاعتقاد بأن لهم إلهًا خاصًا بهم وهم أولاده وأحباؤه (¬2). والمتتبع لتاريخ بني إسرائيل يلاحظ: (اتجاههم إلى التجسيم والتعدد والتشبيه وحاولوا إدخال مواريثهم وتقاليدهم الوثنية في تصورهم للإله الواحد الذي دعاهم إليه موسى عليه السلام وتقرر التوراة قصة العجل الذي صنعوه وعبدوه بعد أن تأخر موسى عليه السلام في العودة إليهم، وكيف خلعوا ملابسهم وأخذوا يرقصون أمام هذا الرب عراة، وقد أعدم موسى ثلاثة آلاف منهم عقابًا لهم على عبادة هذا الوثن (¬3)، فالإله عند اليهود من صنع أنفسهم، وصور هذا الإله تختلف من حالة إلى أخرى عندهم، ومن سفر من أسفار التوراة إلى آخر، وما دام هذا الإله من صنعهم فإنهم عادة يحبون أن يروه محسوسًا يكلمهم ويكلمونه ويرونه مثلما يراهم، ولم يكن غريبا أن يوصف في التوراة بأنه رب الجنود فقد جاء في سفر أشعياء" ولذلك يقول السيد رب الجنود عزيز إسرائيل: آه إني أستريح من خصمائى وأنتقم من أعدائى" (¬4)) (¬5). إلى غير ذلك من الصفات التي ألصقوها بالله سبحانه وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا ولذلك أثبت علماء المسلمين في- فترة البحث - مدى التناقض والاختلاف بين نصوص العهد القديم والعهد الجديد في قضية الألوهية والربوبية والأسماء والصفات وقد اجتهد النقاد المسلمون بتعرية باطلهم والانقضاض عليه بالحجة تلو الحجة والأدلة القاطعة على افتراءاتهم من وصف الله عَزَّ وَجَلَّ بأمور لا تليق بذاته العليه وتتنافى مع جلاله وعظمته، وتنوعت جهود العلماء في بيان ما وقع في العهد القديم من أمور مخالفة لما يجب في حقه سبحانه وتعالى ويمكن حصر ما قام به العلماء من نقد هذه العقيدة وذلك ببيان ما فيها من انحراف ظاهر في العهد القديم تحت الأصول الثلاثة التالية:- - الأول: "توحيد الربوبية" (¬6). ¬

_ (¬1) الآيتان من سورة البقرة رقم (55، 56) (¬2) يراجع الأسفار المقدسة ص 10، 11 باختصار. (¬3) يشير الكاتب إلى سفر الخروج: (32/ 1 - 19) العجل الذهبي. (¬4) اشعياء: (1/ 24) أمة متمردة. (¬5) اليهود واليهودية والإسلام د/ عبد الغني عبود ص 39 ط دار الفكر العربي 1982م. (¬6) هو: الإقرار بأن الله تعالى رب كل شىء ومالكه وخالقه ورازقه، وأنه المحيي المميت النافع الضار المتفرد بإجابة الدعاء عند الاضطرار الذي له الأمر كله وبيده الخير كله القادر على ما يشاء ليس له في ذلك شريك ويدخل في ذلك الإيمان بالقضاء والقدر وهذا التوحيد لا يكفي العبد في الحصول علئ الإِسلام بل لا بد أن يأتي مع ذلك بلازمه من توحيد الألوهية والمشركون مقرون بهذا التوحيد لقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (الزخرف الآية: 87) (تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد. للشيخ / سليمان بن محمَّد بن عبد الوهاب ص 20، 21 ط دار الفكر 1412 هـ -1992 م.

1 - الاتجاه نحو التكاملية والموسوعية في التأليف

- الثاني: "توحيد الألوهية" (¬1). - الثالث: "توحيد الأسماء والصفات" (¬2). هذا ولم يغفل علماء المسلمين أثناء نقدهم لتلك المخالفات التي تقدح في مقام الربوبية أو الألوهية أو الأسماء والصفات - لم يغفلوا عن بيان الجانب الحسن في العهد القديم وأشاروا إلى الآيات التي تدل على الوحدانية من أسفاره وفي هذا من الحيدة والإنصاف ما فيه من هؤلاء العلماء العلامة الهندي والإمام الألوسي وشيخ الإِسلام ابن تيميه ومن الكتاب المعاصرين د/ أحمد شلبي، د/ علي عبد الواحد وافي ود/ عبد الغني عبود. وغيرهم وإيراد هؤلاء العلماء لتلك الآيات يدل على النظرة النقدية الواعية إلى تلتقط الدرر الثمينة من بين الأشياء الأخرى التي لا قيمة لها متخذين في ذلك منهجًا قويما قد أشرت إليه في بداية الرسالة وهو أنه لا نرفض الكتاب المقدس على وجه الإطلاق ولا نقبله على وجه الإطلاق ولكن ما أقره القرآن والسنة النبوية أقررناه وما أنكره أنكرناهُ ررفضناهُ وما ورد منه يوافق العقل والمنطق ولا يتعارض مع الفطرة السليمة قبلناه ونقف منه أيضًا موقف المنصفين لا مصدقين ولا مكذبين. وقبل مناقشة الأصول الثلاثة السابقة من خلال الرؤى النقدية المتعددة لعلمائنا الأجلاء حول كل منها يجدر الإشارة إلى بعض الاتجاهات النقدية للكتاب المقدس -فترة البحث- في هذا الموضوع. 1 - الاتجاه نحو التكاملية والموسوعية في التأليف: يتبنى هذا الاتجاه بعض قدامى العلماء الذين جاء نقدهم موسوعيًا شاملًا مدعومًا بالأدلة العقلية والنقلية ويغلب عليه التحليل المنطقى المستقى من وجهة النظر الإِسلامية فأتت ردودهم على ما يدعيه العهد القديم ردودًا شافية كافية تحيط بالموضوع من تفريعات متشعبة وتتصل بموضوع الدراسة والمناقشة وهذه طبيعة التأليف في عصرهم وهي ميزة وليست عيبًا. من هؤلاء شيخ الإِسلام ابن تيميه والإمام الألوسي. ¬

_ (¬1) وهو: المبني على إخلاص التأله لله تعالى من المحبة والخوف والرجاء والتوكل والرغبة والرهبة والدعاء لله وحده وينبني علي ذلك إخلاص العبادات كلها ظاهرها وباطنها لله وحده لا شريك له، لا يجعل منها شيئًا لغيره لا لملك مقرب ولا لنبى مرسل فضلًا عن غيرهما وهذا التوحيد هو الذي تضمنه قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} وهذا النوع هو الفارق بين الكفر والإيمان. المرجع السابق ص 22. (¬2) هو: الإقرار بأن الله بكل شىء عليم وعلى كل شىء قدير وأنه الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم له المشيئة النافذة والحكمة البالغة وأنه السميع البصير الرؤوف الرحيم على العرش استوى إلى غير ذلك من الأسماء الحسنى والصفات العلى وهذا النوع أيضًا لا يكفي في دخول الإسلام. المرجع السابق ص 21، 22.

2 - الاتجاه نحو التخصصية والموضوعية في مناقشة القضايا

2 - الاتجاه نحو التخصصية والموضوعية في مناقشة القضايا: يتبنى هذا الاتجاه بعض العلماء في العصر الحديث والحاضر أولئك الذين تغلب التخصصية على مؤلفاتهم فتصبغها بصبغة علمية منهجية وتلك هي طبيعة الدراسات الأكاديمية إلى تتميز بالموضوعية التامة في معالجة القضايا وهذه ميزة البحث العلمي الذي يعتني بتقسيم الموضوع - محل الدراسة والنقد - وترتيبه بحيث إذا أراد الباحث أن يتعرف على محتويات كتاب نقدي ما يكون ذلك سهلًا وميسورًا في الوصول إلى ما يريد من هؤلاء العلامة الهندي، د/ المطعني، د/ المسيري، د/ مزروعة، د/ صفوت مبارك وغيرهم. والملاحظ أن الناقد عندما تتوفر لديه المؤهلات العلمية لنقد موضوع معين في الكتاب المقدس ثم يوظف هذه المؤهلات توظيفًا علميًا دقيقًا قائمًا على أصول منهجية حينئذ يأتي إنتاجه علامة متميزة في المجال الذي يكتب فيه ويسهم إلى حد كبير في إثراء الجانب الثقافي للباحثين عن الحق أين ما كانوا وهذا ما فعله بعض المتخصصين في مجال دراسة الأديان والمهتمين بدراسة الكتاب المقدس. وعند الوقوف أمام هذا الجهد الرائع في تجلية الحقائق ومعالجة أخطر القضايا في العهد القديم يبرز في المقدمة جهد شيخ الإِسلام ابن تيميه حيث يضع يده على نصوص تقدح في مقام الذات العلية يليه في بيان ذلك كل من العلامة الهندي والإمام الألوسي حيث أكدا على وجود التناقض في نصوص العهد القديم حول هذه القضية ببيان ما يدل على التجسيم في مواضع منه وبيان ما يدل على نفى التجسيم في مواضع أخرى. وفي العصر الحديث تلمع بين الكتاب المعاصرين جهود قيمة لباحثة أجادت في ترتيب المحاولات النقدية لهذه الأصول الثلاثة ببيان مواطن الحق في العهد القديم وبيان ما يقدح في مقام أيٍ منها تلك هي الباحثة / سميرة عبد الله بناني. في أطروحتها المطبوعة: "جهود الإمامين ابن تيميه وابن قيم الجوزية في دحض مفتريات اليهود" وفي الصفحات التالية أتناول الأصول الثلاثة بالمناقشة والتحليل من خلال جهود العلماء إن شاء الله تعالى. الأصل الأول: نقد توحيد الربوبية في العهد القديم: من أقوى صور النقد عند علماء المسلمين أن يعرض الكاتب لوجهتين أحدهما إقرار والثانية نفى وبالتالى عند التعارض يكون التوقف ورد تلك القضايا المتنازع فيها بين النفي والإثبات هذا ما فعلته أ/ سميرة عبد الله بناني إذ بينت أن هناك نصوصًا في العهد القديم تثبت توحيد الربوبية وفي الوقت نفسه عرضت لنصوص أخرى تقدح في خصائص الربوبية وهذا كله يناقض توحيد الروبية.

فمن النصوص التي ذكرتها

فمن النصوص التي ذكرتها: 1 - " في البدء خلق الله السماوات والأرض وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه القمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه، وقال الله ليكن نور فكان نور" (¬1) 2 - "أما عرفت أم لم تسمع إله الدهر الرب خالق أطراف الأرض، لا يكل ولا يعيا ليس عن فهمه فحص، يعطى المعيي قدرة، ولعديم القدرة يكثر شدة" (¬2) 3 - أنت هو الرب وحدك أنت صنعت السماوات وسماء السماوات وكل جنودها والأرض وكل ما عليها والبحار وكل ما فيها (¬3) وغير ذلك من الشواهد إلى تدل على ثبوت توحيد الربوبية في العهد القديم. ثم تذكر الباحثة تعليقًا على ما سبق تقول فيه: على الرغم من تلك النصوص التي تؤكد صحة توحيد الربوبية في أسفار العهد القديم ... إلا أنها امتلأت بنصوص مناقضة لما أثبتوه سابقًا من إقرارهم ذلك صرحت بعضها وتضمنت البعض الآخر القدح والنقص في مقام الربوبية وهي كما يلي: أولًا: الإشراك في التدبر (أفعال الرب): اعتقدت اليهود بأن للقمر ضررًا وتأثيرًا على الناس إذ يهيج بعض الأمراض العصبية كالجنون والصداع (¬4) فسجدت له اليهود وعبدته واستدلت على قولها ذلك بما جاء في سفر أرمياء: " ... ويبسطونها للشمس وللقمر ولكل جنود السموات إلى أحبوها والتي عبدوها والتى ساروا وراءها والتي استشاروها والتي سجدوا لها" (¬5). وهذا الاعتقاد بتأثير القمر على الناس شرك في الأمر والتدبير الذي هو من مستلزمات خصائص توحيد الربوبية الحقة وهو كفر بالله تعالى إذ كيف يصح إفراد الرب بالتوحيد الخالص إذا أشرك معه في الأمر والتدبير خلق من خلقه والله عَزَّ وَجَلَّ رب كل شىء وخالقه ومليكه وهو الغني عما سواه وكل ما سواه فقير" (¬6). ثانيًا: النقص والضعف في مقام الربوبية: ومن العلماء الذين أسهموا في إبراز ما طرحه العهد القديم من رؤى خاطئة في تصوره للإله كل من العلامة رحمة الله والإمام الألوسي ود/ عبد العظيم المطعني ود/ صفوت مبارك ود/ بدران محمَّد بدران وغيرهم. وذكر هؤلاء تلك النصوص التى وردت في العهد القديم والتي تصف الإله بما لا يليق في مقام الربوبية فيقول كل من العلامة الهندي والألوسى: إن التوراة تصف الإله بالعجز والضعف كما ورد في قصة صراع يعقوب مع الإله. ¬

_ (¬1) تكوين: (1/ 1 - 3) البدء. (¬2) أشعياء: (40/ 28 - 29) الله لا شبه له. (¬3) نحميا: (9/ 6) الإسرائيليون يعترفون بخطاياهم. (¬4) انظر: قاموس الكتاب المقدس ص 743. (¬5) الإصحاح: (8/ 2) بدون. وانظر: الملوك الثاني: (23/ 5) يوشيا يجدد العهد. (¬6) انظر: جهود الإمامين ابن تيميه وابن القيم الجوزية أ/ سميرة عبد الله بناني ص 91 ط معهد البحوث العلمية مكة المكرمة 1418 هـ / 1997 م

وملخص القصة

وملخص القصة: يذكر سفر التكوين أن الرب قد ظهر ليعقوب في صورة إنسان صارعه حتى الفجر ولم يتمكن الرب من هزيمة يعقوب إلا بعد أن كسر حق فخذه ... (¬1). ثم يعقب العلامة الهندي على هذا النص تعقيبًا مختصرًا جاء فيه: وهذا المصارع كان ملكًا لما عرفت، وإذا لم نقل ذلك يلزم أن يكون إله بني إسرائيل في غاية العجز والضعف حيث صارع يعقوب الذي هو مخلوقه إلى الفجر ولم يغلبه إلا بالحيلة (¬2). ومثله قال الإمام الألوسي وأكد أن الذي ظهر ليعقوب عليه السلام ملك من الملائكة وليس غير ذلك (¬3) ثالثًا: يفعل الشيء ثم يرجع عنه "البداء": يقول د/ صفوت مبارك: يشير العهد القديم إلى أن الرب يريد فعل الشىء ثم يرجع عنه ويغير إرادته وهو ما يسمى بالبداء ففى سفر الخروج حديث عن غضب الرب على بني إسرائيل بسبب عبادتهم للعجل وأنه أراد أن يفنيهم ثم رجع عن ذلك وندم لما تضرع له موسى: "قال الرب لموسى: رأيت هذا الشعب وإذا هو شعب صلب الرقبة فاللآن اتركني ليحمى غضبي عليهم وأفنيهم فأصيرك شعبًا عظيمًا ... ارجع عن حمو غضبك واندم على الشر بشعبك ... فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه (¬4) " (¬5). رابعًا: يفعل الشيء ثم يندم على فعله: وضع علماء المسلمين أيديهم على نصوص في العهد القديم تنسب للرب سبحانه الندم على خلقه للإنسان حين كثر فساد بني آدم في عهد نوح واستدلوا بالنصوص التالية:- 1 - "فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه" (¬6). 2 - "فندم الرب على الشر الذي قال أنه يفعله بشعبه" (¬7). وغير ذلك من النصوص وما أكثر ما يتندم الرب في اعتقاد اليهود (¬8). وقد تنوعت تعليقات النقاد من علمائنا الأجلاء على هذه النصوص يقول د/ المطعني. بعد ما استدل بالنص الأول: "لم تتورع نصوص التوراة المقدسة في زعمهم أن تنسب الندم والتحسر إلى "الرب" والندم والتحسر المنسوبان إلى "الرب" في التوراة هما الندم والتحسر المعروفان للناس في الحياة. فالرب يندم ويتحسر على خلق شيء من خلقه ثم تكون عاقبة الخلق على غير ما يريد (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: القصة كاملة في: تكوين: (32/ 24 - 31) يعقوب يصارع مع الله. (¬2) إظهار الحق (1/ 321). (¬3) الجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح - الألوسى (1/ 175). (¬4) انظر: خروج: (32/ 9 - 14) العجل الذهبي. (¬5) مدخل لدراسة الأديان د/ صفوت مبارك ص 117. (¬6) تكوين: (6/ 5 - 7) الطوفان. (¬7) خروج: (32/ 14) العجل الذهبى. (¬8) يراجع صموئيل الأول: (15/ 10 - 11 - 35)، حزقيال: (32/ 12 - 14، مزامير: (106/ 40 - 44). (¬9) الإسلام في مواجهة الاستشراق د/ المطعني ص 191.

وينتقد صاحب كتاب انزعوا قناع بولس: هذا النص قائلًا: إن نسبة الحزن والتأسف إلى الله تعالى؛ لأن شر الإنسان قد كثر هو قول جاهل مخرف لا يعرف الله؛ لأنه يصفه بالجهل في عدم معرفته لما سيكون عليه حال الإنسان بعد خلقه، وهذا في حق الله تعالى محال وهو من الكفر المحض ولذا جاء القرآن الكريم مدويًا بأن الله خلق الإنسان والكون بعد أن قدر كل شىء أزلًا فقال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} (¬1) (¬2). ويعلق د/ بدران على هذه القضية خلق الله للإنسان وندمه عليها بقوله: بعد ما ندم إله إسرائيل على خلقه للإنسان عاد وندم من جديد لأنه فكر مثل هذا التفكير لأنه ظهر له أن الإنسان طيب وليس شريرًا، ندم الرب لأن نوحًا ذبح له الذبائح وحرقها وصعدت رائحة الشواء للسماء فتنسمها الرب وفي هذا يقول سفر التكوين: "وبني نوح مذبحًا للرب وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقات على المذبح فتنسم الرب رائحة الرضا وقال الرب في قلبه لا أعود ألعن الأرض أيضًا من أجل الإنسان" (¬3). ثم ينتقد هذا النص متعجبا مما تقول التوراة: هكذا صورك كتبة التوراة يا إله إسرائيل تندم لأنك خلقت الإنسان ثم تعود فتندم لأنك ندمت أنك خلقت الإنسان، صوروك بصورة الإله المرتشي لمجرد أن نوحًا أحرق لك بعض البهائم والطيور وصعدت رائحة الشواء لك في السماء .. ندمت .. لأنك عرفت أن الإنسان طيب وليس شريرًا كما تصورت وظهر ندمك في أنك جعلت الأرض خصبة له طول العام ونوعت الجو خلقت البرد والحر والصيف والشتاء فعل كل هذا من أجل رائحة الشواء إلى تنسمها .. ألهذا السبب يكثر الإسرائيليون من حرق الذبائح (¬4). ¬

_ (¬1) سورة الأنعام الآية: (59) (¬2) أ/ أحمد زكى ص 14. (¬3) تكوين: (8/ 20 - 22) بدون. وانظر: التوراة د/ بدران ص 46. (¬4) المرجع السابق نفس الصفحة

وتقول الباحثة سميرة عبد الله بعد أن استدلت بالنصوص السابقة: (وهذا كله يتنافى مع التقدير الحكيم لما يشاء ويتعارض مع العلم السابق لأفعاله وإرادته لما يريد ويقدح في ربوبيته إذ كيف يكون ربا من كان جاهلاً والله عَزَّ وَجَلَّ يقرر أنه العليم الحكيم فيقول تعالى: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (¬1) (¬2). ويرى الدكتور/ عبد الوهاب المسيرى. من خلال تحليله لنصوص التوراة أن التصور اليهودى للإله تصور مردود لايقبلهُ عقلٌ ولادين لأنهُ تصورٌ خاطئى ينافى جلال الربوبية والألوهية على حد سواء. وبعد أن استدل بنص من سفر الخروج: يقول "فالآن اتركني ليحمى غصبى عليهم وأُفنيهم" (¬3) قال: إن العهد القديم يطرح رؤىً متناقضة للإله تتضمن درجات مختلفة من الحلول بعضها أبعد ما يكون عن التوحيد، وتتبدى الحلولية في الإشارات العديدة إلى الإله التي تصفه ككائن يتصف بصفات البشر فهو يأكل ويشرب ويتعب ويستريح ويضحك ويبكى غضوب متعطش للدماء يحب وببغض متقلب الأطوار يلحق العذاب بكل من ارتكب ذنبًا سواء ارتكبه عن قصد أو غير قصد ويأخذ الأبناء والأحفاد بذنوب الآباء بل يحس بالندم ووخز الضمير (¬4). وعلى ضوء ما سبق فإن ما نسبه اليهود للرب من الندم والجهل وغير ذلك يقدح في مقام الربوبية، ويتنافى مع خصائصها المشار إليها في تعريفها في بداية المبحث، كما يدل على بدائية تلك العقول التي تفكر بهذه الطريقة وتصور الخالق سبحانه هذه الصور البشرية المحضة. ومن خلال تلك الرؤى النقدية المتنوعة لعلماء المسلمين حول نظرة العهد القديم للربوبية يتضح ما يلي: 1 - اجتهاد علماء المسلمين في بيان التناقض والتعارض بين نصوص العهد القديم في هذه الخاصية. 2 - التزامهم بالموضوعية التامة في مناقشتهم لتوحيد الربوبية. 3 - والاعتقاد الصحيح في هذا الجانب من جوانب التوحيد، أن يعتقد الإنسان بأن الله عز وجل هو الفاعل الحقيقي لكل شيء في هذا الوجود، فهو سبحانه الخالق الرازق المحيى المميت الذي بيده القدرة على النفع والضر إلى غير ذلك من أفعال، والخروج على هذا الاعتقاد انحراف وشرك نهى الله عَزَّ وَجَلَّ عنه في كثير من الآيات منها قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (¬5)، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (¬6) ¬

_ (¬1) سورة يوسف جزء من الآية: (100). (¬2) جهود الإمامين ابن تيميه وابن القيم ص 93 - 94. (¬3) خروج: (32/ 10 - 13) العجل الذهبى. (¬4) موسوعة اليهود واليهودية: د/ المسيرى 5/ 65 بتصرف. (¬5) سورة البينة، الآية: (5). (¬6) سورة النحل، الآية: (36).

الأصل الثاني: توحيد الألوهية في العهد القديم

الأصل الثاني: توحيد الألوهية في العهد القديم: لعلماء المسلمين جهود قيمة في تجلية هذه القضية من خلال نصوص العهد القديم تلك الجهود التى تبين أن رأى العهد القديم في هذه القضية يثير الغرابة ويطرح بدل السؤال الواحد أسئلة متعددة حول اعتقاد العهد القديم في الإله وفي الصفحات التالية أبين آراء علماء المسلمين ونظرتهم النقدية لتوحيد الألوهية في نظر اليهود مبينًا مدى الانحراف الذي وقعوا فيه. ومن الملاحظ أن هناك ارتباطًا وثيقا بين ما يلصقه اليهود بالله وبين صفاتهم التى يتصفون بها وبالتالي فإن هذا الارتباط له علاقة وثيقة بعملية التحريف التي قاموا بها وأنهم عند تحريفهم للتوراة حرفوها لتخدم أهواءهم ولتلبية رغباتهم في تحقيق السيطرة والهيمنة على الشعوب. وقد تنوعت نظرات النقاد للصورة التي ترسمها التوراة للإله فالدكتور/ أحمد شلبي في نظرته النقدية لهذا الموضوع يبرز مواطن التناقض في العهد القديم ويؤكد أن التصور الذي يقدمه عن الإله تصور مشوه فهو بين التنزيه تارة والتشبيه تارة أخرى فيقول: هناك تناقض واضح في أسفار العهد القديم فيما يتعلق بالصورة التى ترسمها عن الإله فبينما تدعو الوصايا العشر إلى التنزيه المطلق لله والتوحيد التام له (¬1) حيث تقول: "لا يكن لك آلهة أخرى أمامى، لا تصنع لك تمثالًا منحوتًا ولا صورة ما مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض لا تسجد لهن ولا تعبدهن" (¬2): إلا أن هناك نصوصا أخرى تناقض ذلك ورغم هذه الصورة الواضحة من التنزيه المطلق للإله - نجد مواطن أخرى تصف الإله بالتجسد وتقدمه في صورة بشرية وتنعته بالجهل والقسوة والتردد والندم على ما يفعل (¬3). ويرى د/ أحمد شلبي، د/ عبد الراضي محمَّد أن التطرف اليهودي في الألوهية قد مر بمرحلتين: الأولى: ما قبل بناء بيت الرب الثانية: ما بعد بناء بيت الرب ففي الأولى: عبد اليهود العجل والحية المقدسة واختلفت فيها بدائيتهم ما بين عبادة الأرواح والأحجار وبين عدم الاستقرار على عبادة إله واحد أما حين بنى البيت وتمت الوحدة السياسية لليهود أيام داود وسليمان عليهما السلام فقد تمركزت العبادة فيه، وأصبح "يهوه" هو الإله الأوحد الذي يفوق في المكانة كل آلهة البشر (¬4) ¬

_ (¬1) اليهودية د/ أحمد شلبي ص 177 بتصرف. (¬2) خروج: (20/ 3 - 5) الوصايا العشر. (¬3) اليهودية د/ أحمد شلبيى ص 178 - 190 بتصرف. من هذه النصوص يراجع: ص (98 - 99) من هذه الدراسة. (¬4) اليهودية: د/ أحمد شلبي ص 183، وانظر: قضاة: (10/ 6) يفتاح، والتطرف اليهودي تاريخه- أسبابه- علاماته د/ عبد الراضي محمَّد ص 16،17 ط/ مكتبة التوعية الإِسلامية ط- 1 - 1423 هـ - 1993 م.

إقرار توحيد الألوهية العهد القديم

وتمثل المرحلة الأولى مرحلة الردة الكاملة من عقيدة التوحيد وعبادة الإله الخالق الذي أمر موسى وهارون- عليهما السلام - بعبادته، وهذه الردة عنيفة لأنها أعادت اليهود إلى الوثنية والشرك المحض وعبادة الأصنام والحيوانات وتمثل المرحلة الثانية مرحلة التجسيم والتشبيه في تاريخ اليهود الديني لما خلعوه على الإله "يهوه" من صفات جسدية (¬1). وقد ذكرت الباحثة/ سميرة عبد الله. ما سجله العهد القديم من نصوص تحمل تناقضا جليًا بين الإثبات والنفي بين الأمر بإخلاص العبادة والتوجه بها إلى الله وحده لا شريك له ووقوعهم في الشرك بعبادة معبودات عديدة غيره وجاءت جهودها حول قضية الألوهية على النحو التالي: إقرار توحيد الألوهية العهد القديم: وهنا أوردت أ/ سميرة عبد الله. بعض النصوص التى تدل على توحيد الألوهية مبينة من خلالها أن عقيدة الألوهية هى الفيصل بين الموحدين والمشركين من هذه النصوص: أ. "اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد" (¬2). ب. "أنت هو الإله وحدك لكل ممالك الأرض" (¬3). ج. ويقول الإله عن نفسه: "أنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيري" (¬4). د. كما قال:" أنا أنا هو، وليس إله معي أنا أُميت وأُحى" (¬5). وغير ذلك من النصوص (¬6). ثم بينت بعد ذلك أن اليهود قد أشركوا في توحيد الألوهية وأهملوا النصوص السابقة التى تتفق مع دعوة سيدنا موسى -عليه السلام- في توحيد الألوهية وانساقوا وراء أهوائهم للتعصب والعنصرية تارة والتعدد والنفعية تارة أخرى إذ لم يستقروا في أي فترة من فترات حياتهم على عبادة الله الواحد وذكرت أن الشرك عندهم قد اتخذ مظاهر متعددة منها: المظهر الأول: تخصيص الإله باليهود: فتقول: تعتقد اليهود بأن الله عَزَّ وَجَلَّ إله محلي خاص بهم دون سائر الشعوب فلم تعرفه إلها للخلق أجمعين وكثيرًا ما تتردد عبارات في العهد القديم تدل على تخصيص الإله بهم مثل: إله العبرانيين، إله بني إسرائيل إله إسرائيل، إله يعقوب (¬7). ¬

_ (¬1) التطرف اليهودي: ص 17 ولمزيد من التفصيل ينظر نفس المرجع ص 17 - 29، واليهودية د/ أحمد شلبي ص 184. (¬2) تثنية: (6/ 4) أحب الرب إلهك. (¬3) أشعياء: (37/ 16) صلاة حزقيا. (¬4) أشعياء: (44/ 6) بركات الرب لشعبه. (¬5) تثنية: (32/ 39) بدون. (¬6) مثل: تثنية: (6/ 13)، (6/ 14)، (3/ 15 - 18). وانظر: جهود الإمامين ص 94 - 96. (¬7) انظر: (خروج 3/ 15، 18)، (5/ 1 - 5)، (11/ 21)، (24/ 9، 10)، (34/ 23)، عدد: (16/ 8، 9)، يشوع: (22/ 16)، صموئيل الأول: (1/ 17)، (5/ 7)، الملوك الأول: (8/ 22 - 26)، أخبار الأيام الأول: (29/ 10)، حزقيال: (3/ 2).

المظهر الثاني: تعدد معبودات اليهود

ويتضح من مدلول استخدامها في كل موضع من مواضعها أن المقصود بها هو إله اليهود وحدهم دون سائر الشعوب وهم شعبه المختار (¬1). وفي تعليق د/ المطعني على هذا التخصيص يقول: هذد النصوص تدل على "الإله القبلي" لبني إسرائيل باعتبارهم الشعب المختار- في زعمهم- لا لأنهم أتقياء مستقيمون ولكن لأنهم أبناء يعقوب، أما عدواته للأمم الأخرى من غير اليهود فلا لأنهم أشقياء ولكن لأنهم أعداء للشعب المختار وإن أقاموا الشريعة ولم يفعلوا إثمًا فالتفرقة هنا أساسها الجنس والمولد والعنصرية وليس الإيمان والتقوى والطاعة (¬2). وقد سار الدكتور المطعني، في نقده للنصوص بطريقة علمية فيطرح أسئلة استفهامية حول الادعاء التوراتى ويسلم للتوراة فيما تزعم ثم يناقش القضية مناقشة عقلية تستدرج ما يشتمل عليه النص من أكاذيب وبذلك يتسنى له إبطاها عن طريق إحاطته للدعوى بعلامات استفهام لا يستطيع الخصم الإجابة عليها، فيحاصره من كل اتجاه فلا يجد لنفسه ملاذا إلا التسليم للحق والذي يؤكد هذه الرؤية نقده لفكرة الإله القبلى. فيتسائل مستنكرًا ومتعجبًا للعهد القديم فيما يدعيه من ذلك التخصيص ليصل بهم إلى كذب ما يدَّعون وإبطال ذلك التخصيص فيقول متسائلًا بعد أن استدل بالنص الذي يقول: "لأنك شعب مقدس للرب إلهك، إياك قد اختار الرب إلهك لتكون له شعبًا أخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض" (¬3). يقول: (لماذا خلق "الرب" الذي تصفه التوراة بتلك الأوصاف، لماذا خلق الأمم الأخرى؟ ولم يكتف ببني إسرائيل شعبه المختار؟! ولو صح هذا الزعم فإن الأمم الأخرى من غير بني إسرائيل لم يطلب منهم الرب أن يعبدوه أو يقدسوه؛ لأنهم إما غلفٌ أو أنجاسُ كما تقول التوراة نفسها فلماذا خلقهم إذن؟! ومع كل هذه التصورات الواهمة التي تزخر بها التوراة، هل ترى على الأمم من غير بني إسرائيل واجبًا لذلك "الرب" الذي لم تصوره التوراة إلا في صورة بغيضة لكل الأمم) (¬4). المظهر الثاني: تعدد معبودات اليهود: لم يعرف اليهود الاستقرار على عبادة الله الواحد طوال تاريخهم ... بل تنوعت وكثرت حتى شملت أغلب مظاهر الكون في سفله وعلوه كالأحجار والمعادن والنباتات (¬5) والحيوانات (¬6)، ومظاهر الطبيعة كالشمس والقمر (¬7) ونجوم السماء وغير ذلك، ¬

_ (¬1) جهود الإمامين أ/ سميرة عبد الله ص 97. (¬2) الإِسلام في مواجهة الاستشراق ص 170، 171. (¬3) تثنية: (7/ 1 - 6) طرد الأمم. (¬4) الإسلام في مواجهة الاستشراق ص 174. (¬5) أشعياء: (44/ 6 - 20) بركات الرب لشعبه. (¬6) خروج: (32/ 1 - 5) العجل الذهبي. (¬7) الملوك الثاني: (21/ 3، 5) كرم نابوت اليزرعيلي، حزقيال: (8/ 1، 3، 16، 17) عبادة الأوثان في الهيكل.

وعلى ضوء ما سبق يتضح

هكذا ظلوا حيثما كانوا يعبدون آلهة القوم الذين يحلون لديهم فعبدوا آلهة الشعوب الوثنية المخالطة لهم أو المحيطة بهم أو المسيطرة عليهم كآلهة الآشوريين والبابليين والكلدانيين والمصريين وغير ذلك من الأمم من هذه الآلهة: الإله آشور وعشتاروت (¬1) ملكة السموات وزوجة الإله تموز وإله الشمس بعل والإله داجون (¬2) وغير ذلك من الآلهة (¬3). ويؤكد د/ أحمد شلبي: على أنه لم يستطع بنو إسرائيل في أي فترة من فترات تاريخهم أن يستقروا على عبادة الله الواحد الذي دعا له الأنبياء وكان اتجاههم إلى التجسيم والتعدد والنفعية واضحًا في جميع مراحل تاريخهم وعلى الرغم من ارتباط وجودهم بإبراهيم إلا أن البدائية الدينية كانت طابعهم، وتُعدُّ كثرة أنبيائهم دليلًا على تجدد الشرك فيهم، وبالتالي تجدد الحاجة إلى أنبياء يجددون الدعوة إلى التوحيد وكانت هذه الدعوات قليلة الجدوى على أي حال فظهروا بالتاريخ بدائيين يعبدون الأرواح والأحجار، وأحيانا مقلدين يعبدون معبودات الأمم المجاورة التي كانت لها حضارة وفكر قلدهما اليهود (¬4). وعلى ضوء ما سبق يتضح: الانحراف الواضح في عقيدة الألوهية عند اليهود على مر العصور وقد ظهر جليًا أن السبب وراء ذلك تأثرهم بالأمم الأخرى ودياناتهم وفلسفاتهم فجاءت عقيدتهم مزيجًا من الاعتقادات المختلفة بين عبادة الأصنام والأوثان من الأشخاص والنباتات والحيوانات والجمادات والأفكار الخاطئة. ¬

_ (¬1) هي الآلهة الرئيسية في كل عن دولتي بابل وآشور الذين سموها عشتار وفي مدن الفينيقيين على سواحل فلسطين ولبنان وسورية وهي آلهة واحدة في كل هذه المناطق قاموس (الكتاب المقدس ص 628). (¬2) هو: اسم صنم عند الفلسطنيين وكان يعبد في فينيقية (قاموس الكتاب المقدس ص 355). (¬3) انظر: جهود الإمامين ص 99، 100، أرميا: (2/ 4) شعب إسرائيل يترك الرب، قضاة: (3/ 5 - 8) عثنئيل. (¬4) اليهودية د/ أحمد شلبي ص 173.

الأصل الثالث: توحيد الأسماء والصفات في العهد القديم

الأصل الثالث: توحيد الأسماء والصفات في العهد القديم: ذكرت أ/ سميرة عبد الله، أنه قد امتلأت النصوص التوراتية بأسماء وصفات عديدة لله سبحانه وتعالى يختلف إطلاقها باختلاف مواضعها، بعضها يدل على إثبات توحيدهم لله عَزَّ وَجَلَّ بأسمائه وصفاته الحسنى، والبعض الآخر يشير إلى انحراف عقيدتهم في الأسماء والصفات بالتجسيم والتشبيه، إذ توحده اليهود وتثبت معه آلهة متعددة، تنزهه عن مماثلة المخلوقين وتجسمه وتشبهه بهم، تصفه بالقدرة والعلم والكمال وترميه بالضعف والجهل والنقص (¬1) كمايلى: 1. إثبات توحيد الأسماء: أ. الأول والآخر: "منذ الأزل إلى الأبد أنت الله" (¬2). أعلن الله هذه الحقيقة فقال: "أنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيري" (¬3). ب. القدوس: "من يقدر أن يقف أمام الرب الإله القدوس" (¬4). ج. الرقيب: "ماذا أفعل لك يا رقيب الناس" (¬5). د. الغفور: "يقول نحميا النبي: "وأنت إله غفور وحنان ورحيم" (¬6). وغير ذلك من الأسماء التى أثبتها العهد القديم لله عَزَّ وَجَلَّ (¬7). 2. إثبات توحيد صفات الإله عند اليهود: صرحت بعض النصوص من أسفار العهد القديم بصفات عليا لله تعالى كما يليق بجلاله حيث تصفه بما يلي: أ. الوحدانية: "أنت هو الإله وحدك لكل ممالك الأرض" (¬8). ب. الحياة: "إني أرفع إلى السماء يدي وأقول حي أنا إلى الأبد" (¬9). ء. لا تدركه الأبصار: لا تظهر له صورة: "فكلمكم الرب من وسط النار وأنتم سامعين صوت كلام لكن لم ترو صورة بل صوتا" (¬10) ¬

_ (¬1) جهود الإمامين ص 110. (¬2) مزامير: (90/ 2). (¬3) أشعياء: (44/ 6) بركات الرب لشعبه. (¬4) صموئيل الأول: (6/ 20)، التابوت يعود إلي إسرائيل. (¬5) أيوب: (7/ 20) بدون. (¬6) نحميا: (9/ 16) الإسرائيليون يعترفرن بخطاياهم. أخبار الأيام الخوالي: (16/ 25) بدون. (¬7) جهود الإمامين ص 111. (¬8) الملوك الثاني: (19/ 6)، أشعيا (37/ 16) صلاة حزقيال .. (¬9) تثنية: (32/ 40) نشيد موسى. (¬10) تثنية: (4/ 10 - 12)، أيوب: (9/ 11)، أشعيا (45/ 15).

انحراف اليهود في عقيدة توحيد الأسماء

وغير ذلك من الصفات التي استدلت بها الباحثة سميرة عبد الله من نصوص العهد القديم (¬1) ثم ذكرت التحريف الذي وقع في الأسماء والصفات على حدة. انحراف اليهود في عقيدة توحيد الأسماء: لقد حرف اليهود أسماء الإله وأطلقوا عليه ألفاظًا لا تليق في حقه سبحانه كما يلي:- 1 - ألوهيم أو إيلوهيم: بين د/ المسيري التصور اليهودي لأسماء الإله وذكر عدة أسماء منها إلوهيه وقال: إنها كلمة من أصل كنعاني وهي حسب التصور اليهودي أحد أسماء الإله وهي صيغة الجمع من كلمة "إيلوَّه" أو و"إله" أو"إيل" وهو ما يدل على أن العبرانيين كانوا في مراحل تطورهم الأولى يؤمنون بالتعددية ولم ترد كلمة "إلَّوه" إلا في سفر أيوب أما "إلوهم" فترد ما يزيد على ألفى مرة في العهد القديم، وبأداة التعريف "ها إلوهيم" وللكلمة معنيان: أولًا: فهي تدل على الجمع فتكون بمعنى الآلهة (الوثنية) ككل. ثانيًا: أو تدل على المفرد فتعد اسما من أسماء الإله. ويعامل الاسم أحيانا باعتباره صيغة جمع وأحيانا أخرى باعتباره صيغة مفرد وإلوهيم إله رحيم يراعى في أعماله القواعد الأخلاقية (¬2). 2 - يهوه (¬3) "يهوفاه": بين د/ المسيري أصل هذه الكلمة وكيف حرف اليهود في هذا الاسم فيقول: "يهوفاه" كلمة عبرية وهي سامية قديمة ويقال أنها مشتقة من مصدر الكينونة في العبرية "أهييه آشر أهييه" (خروج 30/ 14) أي أكون الذي أكون، وقد تكون الكلمة من أصل عربي، ويذهب البعض إلى أن الاسم مشتق من الفعل "هوى" بمعنى سقط أي يهوه هو مسقط المطر والصواعق ويتم الربط بين معني هذا الاشتقاق وبين الصفات التي عرفت عن يهوه كإله للعواصف والبرق والقوى الطبيعية أي هوى بمعني وقع أو حدث وما يحدث يكون (¬4). ¬

_ (¬1) جهود الإمامين ص 112، 113. (¬2) موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية د/ عبد الوهاب المسيري (5/ 70). (¬3) يهود فعل مضارع هيه أو هوه ومعناه كان أو حدث أو وجد وبعبارة أخرى هو الذي كان والذي أعلن ذاتة وصفاته ومنذ عهد الله مع موسى على جبل حوريب يطلق عليه يهوه ويطلقون هذا الاسم على الله (قاموس الكتاب المقدس ص (1096، 1097)). (¬4) موسوعة اليهود (5/ 70).

وأما عن بداية استعمالها علمًا على الذات الإلهية يقول د/ محمود مزروعة: هي لفظة قديمة مهملة قبل موسى عليه السلام فأحياها سيدنا موسى عليه السلام وتمسك بها علمًا على الذات الإلهية وأهمل ما عداها وسبب هذه التسمية: ذهب البعض إلى أن اسم "يهوا" لا يعرف اشتقاقه على التحقيق فيصح أنه من مادة الحياة ويصح أنه نداء لضمير غائب أي "يا هو" لأن موسى- عليه السلام - علم بني إسرائيل أن يتقوا الرب توقيرًا له وأن يكتفوا بالاشارة إليه. والبعض الآخر يرى أن هناك احتمالًا لاتجاه آخر هو أنه الكلمة المماثلة لكلمة لورد أي: سيد هى: "يهوا" وكانت اللغة العبرية تُكتب بدون حروف علة حتى سنة 500 م ثم دخلت هذه الحروف فأصبحت كلمة "يهوا" "يا هوفا" ومعناها "سيد أو إله" (¬1). ويقول د/ المسيري عن استخدام هذا الاسم: (ولا يرد اسم يهوه في المصدرين الإلوهيمي أو الكهنوتي إلى أن يسفر الإله لموسى عن نفسه فتقول التوراة: هكذا تقول لبني إسرائيل يهوه إله ابائكم، إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب أرسلني إليكم (¬2) ولكن المصدر اليهوى يستخدم الاسم في سفر التكوين: (2/ 4) مفترضًا بذلك أنه يعود إلى أيام إبراهيم ولكن يبدو أن هذا إسقاط من محررى العهد القديم لمصطلحات مرحلة لاحقة على مرحلة سابقة وقد جاء في سفر الخروج: أن الرب كلم موسى وقال: أنا الرب وأنا ظهرت لإبراهيم واسحق ويعقوب يأتي الإله القادر على كل شىء وأما باسمي يهوه فلم أعرف عندهم (¬3). (¬4) ثم يقول: يأتى ذكر "يهوه" أكثر من ستة آلاف مرة في العهد القديم وهو أكثر أسماء الإله شيوعًا وقداسة وكان يتفوه به الكاهن الأعظم فقط داخل قدس الأقداس في يوم الغفران ... وقد نسب إليه العهد القديم صورًا عديدة من القسوة والوحشية (¬5). 3 - "إيل": اسم من أسماء الله في العبرية فقد كان اليهود يسمون الله بـ (إيل) وكثيرًا ما تستعمل التوراة اسم "إيل" مع صيغة صفات الله مثل "إيل عليون" كما جاء في الأصل العبري أي "الله العلى" إيل شداي أي "الله القدير" (¬6) ¬

_ (¬1) دراسات في اليهودية أ. د/ محمود مزروعة ص 164 ط - دار الطباعة المحمدية- القاهرة ط 1/ 1407 هـ/ 1987م. (¬2) خروج (3/ 15) موسى والعليقة المشتعلة (¬3) الاصحاح: (6/ 2 - 3) بدون. (¬4) موسوعة اليهودية واليهود ص (5/ 70). (¬5) المرجع السابق ص (5/ 70). (¬6) تكوين: (35/ 11) عودة يعقوب إلى بيت "إيل"، جهود الإمامين ص (114، 115).

وإيل الاسم السامي للإله وهي مفرد كلمة "إيليم" الكنعانية يُراد بها الجمع والتعداد (¬1). ويقول د/ محمود مزروعة. عن بداية استعمال لفظة "إيل" وإطلاقه على الذات الإلهية أنه: ورد استعمالها قبل بعثة سيدنا موسى -عليه السلام- فكان "إيل" هو اسم الإله في فترة ما قبل سيدنا موسى -عليه السلام- وإليه ينسب كثير من أسمائهم الشخصية والمكانية ومن الأسماء الشخصية عندهم المنسوبون إلى هذا الاسم: إسماعيل، إسرائيل، بتوئيل وفي سفر التكوين توضيح لهذه التسمية فحين هربت هاجر من وجه سارة وهي حُبلى في إسماعيل قابلها "ملاك الرب" وقال لها "ملاك الرب": ها أنت حُبلي فتلدين ابنًا وتدعين اسمه إسماعيل لأن الرب قد سمع لمذلتك" (¬2) وحينئذ تنسب هاجر اسم المكان إلى اسم الله فتسمى المكان باسم "إيل رئى" لأنها رأت الرب في هذا المكان (¬3) " (¬4) 4 - "بعل": وهو في اللغة السامية يعني "الرب" أو "السيد" وهو إله كان يعبده الكنعانيون وكان اليهود أحيانا يعتبرون اسم البعل مرادفًا لاسم "الله" أو"الرب" فكان بعل بريث إلهًا أي "رب العهد" وهو الاسم الذي يتعبد به اليهود في شكيم في زمن القضاة ويستدل من هذين الاسمين على تعلق اليهود بآلهة الوثنيين في إطلاق هذه المفردات لاسم الله وهي أسماء لا تليق بجلاله وعظمته (¬5). وعلى ضوء العرض التقويمى السابق يتبين انحراف اليهود في إطلاق أسماء من وحى بيئتهم على الله عَزَّ وَجَلَّ ولا تليق في حقه سبحانه وتعالى مما يدل على تأثرهم الكبير بما مروا به في تاريخ تنقلهم بين البلاد المختلفة. ¬

_ (¬1) موسوعة اليهود واليهودية ص (5/ 66). (¬2) تكوين: (16/ 11) هاجر وإسماعيل. (¬3) تكوين: (16/ 3) السابق. (¬4) دراسات في اليهودية ص 163. (¬5) قاموس الكتاب المقدس ص 142، قضاة: (8/ 33) موت جدعون، (9/ 4) أبيمالك.

ثانيا: الانحراف في توحيد الصفات عند اليهود وافتراءاتهم فيها

ثانيًا: الانحراف في توحيد الصفات عند اليهود وافتراءاتهم فيها: وقد قسم علماء المسلمين الصفات إلى صفات ذات وصفات أفعال: أما صفات الذات فانحرافهم فيها ظاهر فقد ذكر شيخ الإِسلام ابن تيميه فصلًا في الموهم التشبيه من آيات الكتب النبوية منها ما ورد في سفر حبقوق "النبي" أن الله في الأرض يترآي ويختلط مع الناس ويمشى" (1). وقال أرمياء النبي: الله بعد هذا في الأرض يظهر وينقلب مع البشر فيقول: "أنا الله رب الأرباب" (2). وأخذ يؤكد جوابه عن هذا بالأدلة العقلية على بطلان نبوة حبقوق وأرمياء فقال: إن هذا يحتاج إلى تثبيت نبوة هذين النبيين وإلى ثبوت النقل عنهما وبثبوت الترجمة الصحيحة المطابقة، وبعد هذا يكون حكم هذا الكلام حكم نظائره ففي التوراة ما هو من هذا الجنس ولم يدل ذلك باتفاق المسلمين واليهود والنصارى على أن الله حل في موسى ولا في غيره من أنبياء بني إسرائيل بل قوله "يترآي" هو بمنزلة يتجلى ويظهر (¬3). 1 - إثبات التجسيم للذات العلية -سبحانه عما يصفون: استدل العلامة الهندي والإمام الألوسي. على ما يفيد إثبات التجسيم في العهد القديم. وأنه توجد آيات متعددة من نصوص العهد القديم تدل على التجسيم والشكل والأعضاء (¬4) لله سبحانه وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا. من هذه النصوص ما يلي: - "وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (¬5). - " إن يد الرب لم تقصر عن أن تخلص ولم تثقل أذنه عن أن تسمع" (¬6). - "لأن الله على صورته عمل الإنسان" (¬7). وغير ذلك مما يدل على التجسيم وكذلك أستدلت أ/ سميرة. بآياتٌ تدُل على نسبة الحواس والأعضاء للإله كالفم (¬8) والشفتان واللسان (¬9) والعينان (¬10) والأنف (¬11) والأذنان (¬12) والرأس (¬13) وغير ذلك (¬14) -كما يزعمون-. ¬

_ (1، 2) لم أعثر على هذين النصين في النسخة الحالية ولربما كانا في نسخة قديمة على زمن المؤلف ولكن هناك نصًا يدل على هذا المعنى وهو "وكان الرب يسير أمامهم في عمود سحاب ... وليلا في عمود نار" (خروج 13/ 20 - 22). (¬3) الجواب الصحيح لابن تيميه: (2/ 237). (¬4) الجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح للإمام الألوسي (1/ 171، 172) ط دار البيان العربي ط 1 - 1408 هـ - 1987م. (¬5) تكوين: (1/ 26) البدء. (¬6) أشعيا: (59/ 1) الخطية والاعتراف والفدا. (¬7) تكوين: (9/ 6) عهد الله مع نوح وانظر: إظهار الحق (2/ 317). (¬8) أرميا: (9/ 12) والنص يقول: "والذى كلمه فم الرب". (¬9) أشعيا: (30/ 27) والنص يقول: "شفتاه ممتلئتان سخطًا " (¬10) أشعيا: (37/ 17) والنص يقول: "افتح يا رب عينيك وانظر". (¬11) حزقيال: (38/ 18) والنص يقول "غضبى يصعد في أنفي". (¬12) مزامير: (86/ 1) والنص يقول "امل يا رب أُذنك" (¬13) أرميا: (9/ 1) والنص يقول: "ياليت رأسى ماءُ وعيني ينبوع دموع". (¬14) انظر: جهود الإمامين ص 118 - 121.

وهنا لا بد من وقفة نقدية حول هذا الموضوع

وقد ذكر العلامة الهندي، ما يناقض ما استدلوا به على التجسيم وأن هناك آياتٍ في العهد القديم مضمونها ينفى التجسيم والتشبيه فيقول: (وللتنزيه في التوراة آيتان هما: "فكلمكم الرب من جوف النار فسمعتم صوت كلامه ولم تروا الشبه البتة" (¬1) وقوله: "فاحتفظوا بأنفسكم بحرص فإنكم لم تروا شبيها يوم كلمكم الرب في حوريب من جوف النار" (¬2) ولما كان مضمون هاتين الآيتين مطابقًا للبرهان العقلى في تنزيه الله سبحانه وتعالى عن الجسمية والتشبيه بخلقه وجب تأويل الآيات الغير محصورة والإمساك عن القول بظواهرها الدالة على الجسم والشبه لا تأويلها وأهل الكتاب ها هنا أيضًا يوافقوننا على أنه ليس المراد ظواهرها البينة البطلان؛ لأن الجسمية محالة في حقه تعالى ولا يرجحون تلك الآيات الكثيرة على هاتين الآيتين) (¬3) ووافقه على ذلك الألوسي (*). وهنا لا بد من وقفة نقدية حول هذا الموضوع: فقد استدل علماؤنا الأفاضل على إثبات الجسمية لله تعالى من التوراة، واستدل البعض الآخر على نفيها وتنزيه الله سبحانه وتعالي عنها ولذلك يقول الألوسي: (إذا تعارض القولان فلابد من إسقاطهما إن لم يمكن التأويل، أو من تأويلهما إن أمكن، ولابد أن يكون التأويل بحيث لا يستلزم المحال أو الكذب مثلا: الآيات الدالة على الشكل والجسمية تعارضت ببعض الآيات الدالة على التنزيه فيجب تأويلها ... لكن لا بد ألا يكون التأويل بأن الله متصف بصفتين أعني الجسمية والتنزيه، وإن لم تدرك عقولنا هذا الأمر، فإن هذا التأويل باطل محض، كما قالوا لا يرفع التناقض) (¬4). وبناءً على ما تقدم من وجود التناقض في العهد القديم، ففيه ما يدل على إثبات التجسيم في حقه تعالى وفيه ما ينفي التجسيم والتشبيه وفي هذا ما فيه من بطلان ما تدعيه التوراة في حقه سبحانه إذ كيف تستقيم القضية وبعض الآيات تثبتها وبعض الآيات تنفيها، وفي هذا من التناقض مالا يخفى على ذي عقل. 2 - إثبات المكان للذات العلية -سبحانه عما يصفون: تتبع العلامة رحمة الله الهندي والألوسي النصوص التي تثبت التحيز والمكانية لله -سبحانه وتعالى- وبينا أنه توجد في العهد القديم آيات كثيرة تدل على إثبات المكان لله تعالى من هذه الآيات، الآية التي تقول: "الله معروف في يهوذا واسمه عظيم في إسرائيل كانت في ساليم مظلته ومسكنه في صهيون" (¬5)، والآية التي تقول:"فيصنعون لي مقدسًا لأسكن في وسطهم" (¬6) وغير ذلك من الآيات كثير (¬7). ¬

_ (¬1) تثنية (4/ 12) الأمر بالطاعة. (¬2) تثنية (4/ 15) السابق. (¬3) إظهار الحق: (2/ 317، 318). (*) الجواب الفسيح: (1/ 172). (¬4) الجواب الفسيح: (1/ 185) (وقد يقول البعض: إن في القرآن آيات متشابهات فهل تؤل أم تحمل على ظاهرها وللجواب على هذا التساؤل يقول الإمام الألوسي: "إن ما ورد في القرآن الكريم من الآيات المتشابهات لا يراد بها ظاهرها من الجسمية والمكان بل تؤل تأويلًا مناسبا أو تفوض الكيفية إلي عالمها الباري سبحانه ويؤمن المؤمن بها من غير تشبيه ولا تجسيم ولا تكييف ولا تعطيل كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] فأول الآية رد على الشبه وآخرها رد على المعطله (انظر: الجواب الفسيح 1/ 185). (¬5) مزامير: (76/ 1 - 2) لإمام المغنيين على "ذوات الأوتار" مزمور لآِساف. تسبيحةُ. (¬6) خروج: (25/ 8) التقدمات لخيمة الاجتماع. (¬7) لمزيد من التفصيل انظر: إظهار الحق: (1/ 318)، الجواب الفسيح: (1/ 172، 173) بتصرف.

3 - ظهور الإله في صورة مرئية- في زعمهم-

ثم يعقبا ذلك بذكر النصوص التي تتعارض مع ما سبق ذكره من نصوص تثبت المكان له سبحانه فيقول العلامة الهندي: ولا توجد في العهد العتيق والجديد آيات دالة على تنزيه الله عن المكان إلا آيات قليلة مثل قول أشعياء: "هكذا قال الرب: السموات كرسيي والأرض موطئ قدمى أين البيت الذي تبنون لي؟ وأين مكان راحتي وكل هذه صنعتها يدي فكانت كل هذه (¬1). وعلق على ذلك بنفس التعليق السابق على إثبات الجسمية له سبحانه وتعالي وزاد عليه قائلًا: "قد ظهر أن الكثير إذا كان مخالفًا للبرهان العقلي والنقلى يجب إرجاعه إلى القليل الموافق للعقل ولا يعتد بكثرة المخالف فكيف إذا كان الكثير موافقًا لصحيح المعقول وصريح المنقول والقليل مخالفًا لهما فإن التأويل فيه ضروري ببداهة العقل ووافقة على ذلك الألوسى رحمه الله (¬2). 3 - ظهور الإله في صورة مرئية- في زعمهم-: يقول د/ صفوت مبارك: في سفر الخروج أن موسى قد اختار مجموعة من كبار بني إسرائيل صعد بهم إلى الرب وأنهم قد رأوه وله رجلان ويدان وإليكم هذا النص: (وقال لموسى: اصعد إلى الرب أنت وهارون وناداب وأبيهو (ابنا هارون) - وسبعون من شيوخ إسرائيل واسجدوا من بعيد ويقترب موسى وحده إلى الرب وهم لا يقتربون، وأما الشعب فلا يصعد معه ... ثم صعد موسى وهارون وناداب وأبيهو وسبعون من شيوخ إسرائيل، ورأوا إله إسرائيل، وتحت رجليه شبه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف وكذات السماء في النقاوة. ولكنه لم يمد يده إلى أشراف بني إسرائيل، فرأوا الله وأكلوا وشربوا) (¬3). وينتقد د/ بدران. في كتابه التوراة هذا النص قائلًا: (لقد تجرأ كتبة التوراة ولعب الشيطان برؤوسهم وتصوروا أن الله نزل من عليائه ووقف على شىء يشبه العقيق الأزرق الشفاف نقي نقاوة السماء ورآه موسى وهارون عليهما السلام مع اثنين وسبعين شيخًا من شيوخ إسرائيل بل شطح خيال كتبة التوراة وقالوا: إن هذا الجمع أكل وشرب عند قدمى الله) (¬4). يقول صاحب كتاب الجوهر الفريد: يدعي كثير من مفسري الكتاب المقدس أن الله إذا أراد أن يظهر بهيئة منظورة فلا يستحيل عليه وأنه ظهر لبعض شعبه بهيئة منظورة كما ورد في سفر التكوين: وظهر له الرب ..... وهو جالس في باب الخيمة وقت حر النهار فرفع عينيه ونظر وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه ... إلى آخر ما جاء في هذه القصة (¬5). ¬

_ (¬1) الاصحاح: (66/ 1 - 2) القضاء والرجاء. (¬2) إظهار الحق: (1/ 318) والألوسي في الجواب الفسيح: (1/ 173). (¬3) خروج: (24/ 1 - 11) تأكيد العهد - وهذا يتناقض مع ما ورد في القرآن الكريم من أن بني إسرائيل طلبوا من موسى -عليه السلام- أن يروا الله جهرة ولكن أخذتهم الصاعقة ولم يتمكنوا من رؤية الله حتى موسى -عليه السلام- نفسه حين قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} ولم ير ربه. انظر: مدخل لدراسة الأديان ص 115. (¬4) التوراة: د/ بدران ص 66. (¬5) التكوين: (18/ 1 - 8)، وانظر: الجوهر الفريد في رد التثليث وإثبات التوحيد أيوب صبرى ص 122 ط المطبعة العامرة الشرقية ط/1 - 1319هـ

وأما صفات الأفعال

وقد نقد المؤلف هذه القصة نقدًا موضوعيًا وردها بنصوص صريحة من الكتاب المقدس تؤكد أن الله -عز وجل- لم يره أحد وعدم إمكانية رؤية الله تعالى في الدنيا فقال: إن نصوص الكتاب المقدس تدل على عدم إمكانية رؤية الله تعالى في الدنيا منها: "فكلمكم الرب من جوف النار فسمعتم صوتا ولم تروا الشبه البتة فاحفظوا أنفسكم بحرص فإنكم لم تروا شبها يوم كلمكم الله" (¬1). وقول الرب لموسى "لا تقدر أن ترى وجهى ... وأما وجهى فلا يُرى" (¬2) وقول المسيح "الله لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراهم (¬3) ويقول: هذا صريح بعدم إمكان رؤية الله تعالى في الدنيا قطعًا ومثل هذه النصوص الصريحة لا يجوز ترك اعتقاد حكمها والتمسك بما يخالفها. بمجرد التأويل (¬4). ثم ذكر بعد ذلك عدة أدلة عقلية ترد هذه الدعوى منها ما يلى: 1 - (أن الظهور بالهيئات مهما كان نوعه ووصف هيئته هو شبه ومثل ممكن تصوره وحده بالتصور وذلك من صفات الحوادث والله تعالى مغاير لصفات الحوادث ولا شبيه ولا مثيل له. 2 - أن تشكل الملائكة والجن والشياطين بما شاءوا بقدرة الله الذي اتخذه المؤلف (¬5) قرينه على اقتدار الله تعالى على الظهور في الأجسام والهيئات هو وحده كاف لتأييد حكم النصوص الآنفة بعدم جواز اعتقاد تشكله أو ظهوره تعالى في الهيئات الجسمانية بالمعنى الحقيقي للقطع بأنه سبحانه لا يجارى خلقه ولا يتشبه بأعمال عبيده في الشكل والظهور. 3 - إن عبارة سفر التكوين التي استدل بها بعض مفسري الكتاب المقدس على أن الله ظهر بهيئة منظورة فضلا عن أن ظاهرها لا يؤيد مقصوده بل غاية ما يفيده هو أن إبراهيم عليه السلام نظر ثلاثة رجال ودعاهم إلى الأكل عنده ... وأجابوا دعوته وذبح لهم عجلا بقرا وقدم لهم لحمه مع خبز وزبد ولبن ... وبعد أن أكلوا بشروه ..... الخ القصة، وذلك وحده كاف للعلم بأن أولئك الرجال لم يكونوا الله الواحد الأحد الذي لا يرى ولا تدركه الأبصار ولا تحده الجهات ولا يفتقر إلى الأكل والشرب ولا يصح في الأذهان أن يكون سبحانه مركبا من الأجسام والأعضاء) (¬6) وأما صفات الأفعال: كان لكل من د/ المسيري ود/ صفوت مبارك، د/ المطعني، د/ محمود مزروعة، أ/ سميرة عبد الله. جهد واضح في بيان ما نسبه العهد القديم لله عز وجل من صفات تُماثل صفات البشر من هذه الأوصاف أنه يمشي ويتحرك (¬7) بين الناس ويأخذ أشكالًا حسية (¬8) ووصفوه بالقسوة المفرطة (¬9) وأنه يخاف من الناس (¬10) ¬

_ (¬1) تثنية: (4/ 12) الأمر بالطاعة (¬2) خروج: (33/ 18 - 20) موسى ومجد الرب. (¬3) تيموثاوس الأولى: (6/ 16) الجهاد الحسن. (¬4) الجوهر الفريد ص 123. (¬5) القس بطرس ديناسيوس "صاحب كتاب القول الصريح في تثليث الأقانيم وتجسيد المسيح" الذي رد عليه أيوب بك في كتابه الجوهر الفريد. (¬6) الجوهر الفريد: أيوب بك صبري ص 123. (¬7) خروج: (13/ 20 - 22) الارتحال. (¬8) خروج: (25/ 22) غطاء التابوت. (¬9) تثنية: (7/ 16 - 17) الخروج للحرب، أقصد بالذين وصفوه: كتبة العهد القديم (¬10) تكوين: (11/ 6 - 8) برج بابل.

الله يخاف من الناس- في زعمهم-

الله يخاف من الناس- في زعمهم-: وغير ذلك من الصفات التى لا تليق بجلال الله عز وجل (¬1) وبشىء من التوضيح أذكر بعض النماذج من هذه الصفات وتعليقات العلماء عليها: فيقول أ/ أحمد زكي منتقدًا لقولهم أن الله يخاف الناس ولذلك فهو يبلبل ألسنتهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض كما في سفر التكوين: (11/ 6 - 8) يقول: إنهم يصورون الله بحسب عقولهم البدائية كأنه بشر وأنه يخشى الناس تعالى الله عما يصفون إن الإله الذي يخشى البشر حتما هو ليس الله خالق البشر إنما هو إله خرافات وأساطير (¬2) ويعلق د/ المطعني على هذا النص قائلًا: إن التوراة كما تصفُ الرب هنا بالخوف من الناس تصفه كذلك بالجهل؛ لأن الناس حسب رواية التوراة لم يقصدوا الإضرار بالرب وإنما قصدوا مجرد السكنى. وأن يعرف بعضهم بعضا فظن الرب أن ذلك العمل موجه ضده فلجأ إلى حيلة تفرق الألسن حتى لا يصبح الناس متحدين أو ليس في هذا نسبة الجهل إلى الرب كما فيه نسبة الخوف إليه أفليست هذه نصوص مقدسة ذات دلالات وضعية (¬3). وصف الإله بالجهل- في زعمهم-: وهذه جريمة أخرى تلك التي تطلقها التوراة في جانب الإله وحاشا لله أن يكون جاهلًا فهو سبحانه عالم بكل شئ فيقول سبحانه: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)} (¬4). ويقول د/ صفوت مبارك: في قصة خروج بني إسرائيل من مصر يتحدث العهد القديم فيذكر أن الرب أمر موسى أن يضع بني إسرائيل على أبواب بيوتهم علامات الدم لأن الرب سيمر هذه الليلة ليضرب كل بكر في أرض مصر من الناس والبهائم ولكنه يستثني من ذلك بني إسرائيل لذا فهو يأمرهم بوضع هذه العلامات على بيوتهم، حتى إذا مر عرف أن هذا بيت من بيوت بني إسرائيل فيتجاوزه ولا يهلك أحدًا ممن فيه، وهذا يعني وصف الإله بالجهل وأنه في حاجه إلى علامات ترشده (¬5) واستدل بالنص الآتي: "فإني أجتاز في أرض مصر هذه الليلة وأضرب كل بكر في أرض مصر من الناس والبهائم وأصنع أحكامًا بكل آلهة المصريين أنا الرب ويكون لكم الدم علامة على البيوت التي أنتم فيها فأرى الدم وأعبر عنكم فلا يكون عليكم ضربة للهلاك حين أضرب مصر" (¬6). ويعلق د/ عبد الوهاب المسيري على هذا النص قائلًا: (العهد القديم هنا يصف الإله بأنه ليس عالمًا بكل شيء) (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: موسوعة اليهود واليهودية (5/ 65) والتطرف اليهودي ص 23 ومدخل دراسة الأديان ص 16 والإسلام في مواجهة الاستشراق ص 180 ودراسات في اليهودية د/ مزروعة ص 165، 166. (¬2) انزعوا قناع بولس ص 15. (¬3) الإسلام د/ المطعني ص 180. (¬4) سورة الطلاق: جزء من الآية (12). (¬5) مدخل لدراسة الأديان ص 119. (¬6) خروج (12/ 12 - 13) الفصح. (¬7) موسوعة اليهود واليهودية (5/ 65).

ويذكر د/المطعني. نصًا آخر يصف الرب بالجهل "حاشا لله":تروى التوراة ما دار بين الرب الإله وبين آدم بعد واقعة الأكل من الشجرة المحرمة فتقول: "وسمعا -أي آدم وحواء- صوت الرب الإله ماشيًا في الجنة عند هبوب ريح النهار فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة! فنادي الرب الإله آدم وقال: أين أنت يا آدم؟ فقال: سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأنى عريان؛ فاختبأت؛ فقال من أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التى أوصيتك أن لا تأكل منها؟ " (¬1). وقد نقد د/ المطعني. هذا النص وقال مستفسرًا ومتعجبًا وهو يلقى نظرة تحليلية عليه (ما معنى هذا الكلام؟ معناه أن آدم اختبأ من الرب الإله هو وامرأته وسط شجر الجنة فلم يبصره الرب الإله فنادي أين أنت يا آدم، ولم يعرف مكان آدم إلا بدلالة صوت آدم يرد عليه ويخبره بسبب اختفائه فيرد الرب الإله سائلًا عما لا يعلم؟! مرة أخرى: ومن أعلمك أنك عريان؟! هل أكلت من الشجرة؟! (¬2). (إن نسبة الجهل للرب الإله في هذه النصوص المقدسة لا تحتمل جدلًا قط بدلالة: أن آدم نفسه كان يعلم بذلك الجهل من الرب الإله وإلا لما كان اختبأ؟! وأن الرب نفسه حين لم يبصر آدم وزوجه نادى قائلًا أين أنت يا آدم ولو كان يعلم مكانه لما نادي عليه ولما سأل مرة أخرى هل أكلت؟ والجهل ببعض الأشياء ليس من صفات "الله" الحق هكذا تقول تصورات العقل الواعى وبهذا تقضى حقائق الإيمان الصحيح، والفرق بين أحكام العقل وحقائق الإيمان الصحيح وبين الواقع المعلوم لنصوص الكتاب المقدس كالفرق بين النور والظلمات) (¬3). ويقرر أ. د / محمود مزروعة: أن حقيقة الذات الإلهية عند اليهود لا ترتفع كثيرًا على مستوى البشرية في شكلها ومضمونها ... فهم يعتقدون في الإله المجسد، ولم يستطيعوا أبدًا أن يهضموا عقيدة الإله المجرد ... وإنما ارتبطت فكرة الإله عندهم بصورة الإنسان بكل ما تحويه هذه الصورة من نقائص وأخطاء، وبسبب نزعة التجسد هذه لم يقنع اليهود بعبادة الله الواحد المجرد عن المادة ولذا فقد طلبوا من سيدنا موسى عليه السلام أن يجعل لهم أصنامًا آلهة ثم صنعوا لأنفسهم عجلًا عبدوه (¬4). ¬

_ (¬1) تكوين: (3/ 8 - 11) سقوط الإنسان. (¬2) الإِسلام د /المطعني ص 177، 178. (¬3) المرجع السابق ص 178. (¬4) دراسات في اليهودية د /مزروعة ص 165، 167.

وصف الإله بأنه يستريح من التعب

وصف الإله بأنه يستريح من التعب: وقد استدل صاحب كتاب "انزعوا قناع بولس" على هذا بالنص الذي يقول: "فرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل" (¬1) وقد علق عليه مفندًا هذا الوصف الذي تدعيه التوراة فيقول: (لقد شبه كاتبو التوراة الله بالإنسان العامل الذي يكد ويتعب طيلة أيام الأسبوع الستة وفي اليوم السابع يستريح، ولقد دحض الله هذه الفرية في آيات كثيرة من القرآن إذ قال تعالى: ({وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} (¬2). وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} (¬3) وقال تعالى: ({أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} (¬4). فالله ينزه نفسه في القرآن عن التعب الذي وصفوه به وهم في هذا إنما يناقضون أنفسهم فقد ورد في سفر أشعياء قوله: "أما عرفت أم لم تسمع إله الدهر خالق أطراف الأرض لا يكل ولا يعيا" (¬5) مما يكذب قولهم في أن الله استراح من التعب) (¬6). فهذا قليل من كثير ورد في العهد القديم يصف الله عزوجل بما لا يليق بذاته المقدسة مما يدل على مدى الانحراف الذي وقع فيه كتبة التوراة من ناحية ومن ناحيه أخرى يدل دلالة واضحة من خلال ما تقدم من شواهد على التناقض الواضح بين نصوص العهد القديم تلك التى تصفه بالجهل تارة وبالعلم تارة أخرى أو تصفه بالتعب تارة وبعدم التعب تارة أخرى فلو كانت كتبهم صحيحة ما وقع فيها هذا التناقض. والتصور الصحيح في الأسماء والصفات أن نعبده سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، دون تشبيهه بأحد من خلقه، وتمثيله بشيء من مخلوقاته، ودون أن نؤلها تأويلًا يخرجها عن حقيقته فهو سبحانه "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" (¬7)، وما يلصقه كتبة العهد القديم لله تعالى من أسماء وصفات لا تليق بذاته المقدسة، لهو خروج عن هذا التصور الصحيح وإلحاد، كما أخبر سبحانه وتعالي "ولله الأسماء الحسني فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون" (¬8). ¬

_ (¬1) تكوين 2/ 2. (¬2) سورة ق الآية 38. (¬3) سورة الأحقاف الآية 33. (¬4) سورة ق الآية 15. (¬5) الإصحاح (40/ 28) الله لا شبه له. (¬6) انزعوا قناع بولس عن وجه المسيح ص 14. (¬7) سورة الشورى، الآية: (11). (¬8) سورة الأعراف، الآية: (180).

المبحث الثانى نقد موقف العهد القديم من الملائكة والجن والشياطين

المبحث الثانى نقد موقف العهد القديم من الملائكة والجن والشياطين أبرز النقاد من علماء المسلمين- فترة البحث- مدى التناقض والانحراف الذي وقع فيه العهد القديم في هذه العقيدة وغيرها. والمعلوم الذي لا يقبل الشك أو الجدال لدى المسلمين أن الملائكة مخلوقات نورانية لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناسلون ويتشكلون في أحسن صورة ويفعلون ما يأمرهم به الله فقال تعالى: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (¬1) فقد خرج العهد القديم عن هذا التصور السليم للملائكة فوصفهم بما ينافى طبيعتهم وصورهم بما لا يليق في حقهم وقد نفي الله عزوجل ما ألصقه بهم من أمور مخالفة لطبيعتهم فقال تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} (¬2). هذا وقد تناول النقاد المسلمون- فترة البحث- نقد هذه العقيدة على سبيل الإجمال مستدلين بالنصوص التي تحمل تصورات خاطئة عن الملائكة وتنوعت تعليقاتهم ووقفاتهم مع هذه النصوص ومن الملاحظ على تلك الردود النقدية لما تحتويه النصوص من مخالفات أنها لم تتعرض لما ذكره العهد القديم من صفات حسنة للملائكة باستثناء أ/ سميرة عبد الله بناني فقد انفردت من بين النقاد بذلك الجهد المتميز فعرضت للتصور السليم عن الملائكة في العهد القديم ولم تغفله ثم عرضت الانحراف الذي حدث لهذا التصور وهذا يتضح التناقض وتظهر المخالفة. ومن تلك النصوص التي أوردتها ويفهم منها إقرار اليهود للملائكة: - "وإذا بملاك قد مسه وقال قم وكل" (¬3). - "قد رأيت الرب جالسًا على كرسِيِّه وكل جند السماء وقوف لديه عن يمينه وعن يساره" (¬4). - "باركوا الرب يا ملائكته المقتدرين قوةً، الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه" (¬5). - "فكان عند صعود اللهيب عن المذبح نحو السماء، أن ملاك الرب صعد في لهيب المذبح" (¬6) وغير ذلك من الآيات التي تثبت اعتراف العهد القديم وإقراره بوجود الملائكة ثم عرضت بعد ذلك ما وقع فيه العهد القديم من انحراف في عقيدة اليهود في الملائكة ويمكن طرح ما ذهب إليه النقاد من رؤىً نقدية حول هذه القضية (الملائكة والجن) تحت النقاط التالية: 1.حاجة لملائكة للأكل والراحة. 2. نسبة الملائكة لله تعالى. 3. نسبة الشر إلى جبريل "أمين الوحي" عليه السلام. 4. القدرة على التشكل والظهور. 5. الجن والشياطين. ¬

_ (¬1) سورة التحريم جزء من الآية: (6). (¬2) سورة الزخرف الآية 19. (¬3) الملوك الأول: (19/ 5) إيلياء يهرب إلى حوريب. (¬4) الملوك الأول: (22/ 19) ميخا يتنبأ بمقتل آخاب. (¬5) مزامير: (103/ 20). (¬6) قضاة 13/ 20 مرلد شمشون.

1 - الحاجة إلى الأكل والشرب والراحة

1 - الحاجة إلى الأكل والشرب والراحة: تنوعت تعليقات النقاد من علماء المسلمين على وصف العهد القديم للملائكة بأنهم يأكلون ويشربون ويحتاجون إلى الراحة على النحو التالي: يقول ل /أحمد عبد الوهاب: (يدعي كتبة الأسفار أن الملائكة قد أكلت من طعام إبراهيم عليه السلام ويؤكد ما يقول بما ورد في سفر التكوين: "فرفع عينيه ونظر وإذا ثلاثة رجال واقفين لديه ... فلما نظر ركض لاستقبالهم ... وقال: ليؤخذ قليل ماء واغسلوا أرجلكم واتكئوا تحت الشجرة ... فآخذ كسرة خبز فتسندون قلوبكم ثم تجتازون ... هكذا نفعل كما تكلمت ... وإذا كان هو واقفا لديهم تحت الشجرة أكلوا" (¬1)) (¬2). ويعلق د/ المطعني، على هذه الفرية وينتقد ما تقول التوراة طارحًا بعض الافتراضات الجدلية استدراجًا لهذا الزعم ليصل به إلى مؤدى نظرته النقدية وهو بطلان ما تدعيه التوراة في تصورها عن الملائكة فيقول: (إذا وضعنا في الاعتبار وصف التوراة للملائكة بأنهم يأكلون ويشربون، فالتوراة كاذبة خادعة وإذا وضعنا في الاعتبار وصفها إياهم بأنهم لا يأكلون ولا يشربون فالتوراة صادقة ولكنه صدق غير خالص مادام النص القاضى بأكلهم وشربهم موجودًا فيها موصوفًا بأنه نص مقدس غير محرف ولا مزور وتبقى بعد ذلك كله معرة التناقض وهي معرة لا يحملها هذا النص وحده بل نصوص كثيرة غيره في التوراة) (¬3). ثم يختم د/ المطعني كلامه عن هذه القضية مقررًا بطلانها وتردى التوراة إلى الهاوية السحيقة بإسنادها الأكل والشرب إلى الملائكة فهي كاذبة في هذا الإدعاء لأن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون (¬4). وأرجع ل /عبد الوهاب الكلام السابق (أكل الملائكة من طعام إبراهيم كما تدعى التوراة) إلى سببين رئيسيين هما: أولًا: جموح خيال كتبة الأسفار عند حديثهم عن بدء الخليقة. ثانيًا: اقتباسهم من الأساطير التي تقول بحدوث تزاوج وإنجاب نسل بين الملائكة - الذين دعوهم أبناء الله وبين الفتيات الجميلات من بنات حواء واستدل بما جاء في سفر التكوين: "وحدث لما ابتدأ الناس يكثرون على الأرض ولد لهم بنات أن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات، فاتخذوا لأنفسهم نساء من كل ما اختاروا، وبعد ذلك أيضًا إذ دخل بنو الله علي بنات الناس وولدن لهم أولادًا هؤلاء هم الجبابرة الذين منذ الدهر ذوو اسم (¬5) " (¬6). ¬

_ (¬1) تكوين: (18/ 2 - 8) الزوار الثلاثة. (¬2) الوحي والملائكة بين اليهودية والمسيحية والإِسلام م / أحمد عبد الوهاب ص 18. (¬3) انظر: الإِسلام في مواجهة الاستشراق د/ المطعني ص195، 197. (¬4) انظر: المرجع السابق ص 197. (¬5) الإصحاح: (6/ 1 - 4) الطوفان. (¬6) الوحي والملائكة ص 18.

التناقض في هذه القضية "أكل الملائكة من طعام البشر"

التناقض في هذه القضية "أكل الملائكة من طعام البشر": وقد وقع التناقض في التوراة بين هذه القصة وبين قصة أخرى وقد أبرز د/ المطعني هذا التناقض عندما ذكر قصة أخرى توضح أن الملائكة رفضت أن تأكل من جدي معزي "منوح" (¬1): فقال منوح لملاك الرب: دعنا نعوقك ونعمل لك جدي معزي؟ فقال ملاك لمنوح: ولو عوقتني لا آكل من خبزك" (¬2). فيقول د/ المطعني: (إن التوراة -هنا- تقول أن ملاك الرب رفض أن يأكل من جدي معزي منوح وهذا صدق على فرض أن هذه القضية وقعت فعلًا فإذا كانت الملائكة لا تأكل فماذا يصنع برواية سفر التكوين في ضيف إبراهيم من الملائكة- الذين أكلوا- على زعم الرواية- العجل والخبر والزبد واللبن (¬3) فمن أي الروايتين يستقى طالب الإيمان عقيدته في الملائكة من نصوص التوراة المقدسة؟، أهم يأكلون؟ أم هم لا يأكلون؟ أليس هذا تناقضًا في نصوص يدّعون قداستها؟! والنصوص المقدسة لا تعرف إلى التناقض سبيلًا، ولكن هذه هى طبيعة التوراة حق يضيع بين ركام الباطل) (¬4). وبعد أن ذكرت الباحثة/ سميرة عبد الله نصًا يقول ذهب الملكان إلى لوط -عليه السلام- وأكلا عنده وكذلك يطلبان الراحة لولا تجمع القوم على منزل لوط يطالبون ضيفيه (¬5) علقت عليه قائله: يتضح من هذا النص تعب لملائكة وحاجتهم للاستراحة والاغتسال وجوعهم وأكلهم مع الإله فهل يتصور العقل السليم حاجة الإله إلى الأكل والشرب والاغتسال والراحة؟ فإن تصورته اليهود هنا هكذا كما تصورته في استراحة الرب سابقًا ... فلا عجب في أن يتصوروا حاجة الملائكة إلى ذلك أيضًا (¬6). وعلى هذا: فوجود التناقض في قضية ما كفيل ببطلانها وردها. ¬

_ (¬1) هو: رجل من صرعة في نصيب دان وهو أبوشمشون ومن خلال قصة شمشون يظهر أن منوح كان رجلًا تقيًا (قاموس الكتاب المقدس ص (926). (¬2) قضاة: (13/ 15 - 16) مولد شمشون. (¬3) انظر: تكوين: (18/ 1 - 22). (¬4) الإسلام في مواجهة الاستشراق ص 197. (¬5) انظر: تكوين: (19/ 1 - 4). (¬6) انظر: جهود الإمامين ص 203.

2 - نسبة الملائكة لله تعالى

2 - نسبة الملائكة لله تعالى: وقبل أن تنتقد الباحثة/ سميرة عبد الله. نسبة الملائكة لله تعالى تقول: تنسب التوراة في سفر التكوين لله تعالى ذرية من الملائكة هبطت إلى الأرض وتزوجت من نساء الأرض وتناسل منهم الجبابرة والنص يقول: "وحدث لما ابتدأ الناس يكثرون على الأرض وولد لهم بنات إن أبناء الله أو بنات الناس أنهن حسنات، فاتخذوا لأنفسهم نساءً من كل ما اختاروا ... وبعد ذلك أيضًا إذ دخل بنو الله علي بنات الناس وولدن لهم أولادًا هؤلاء هم الجبابرة الذين منذ الدهر ذوو اسم (¬1)، فالملائكة هى التي تلقب بأبناء الله عند اليهود كما رأينا سابقًا، ويتردد هذا اللقب في مواضع كثيرة (¬2). وفي نقدها تقول: (وهنا نلمس انحراف عقيدة اليهود في الملائكة فيما ينسبونه لهم من الذكوريه والزواج والتناسل وهذا أمر لا يعقل وليس ثمة دليل عليه من الوحي الذي هو المصدر الوحيد لمعرفة الغيب وأحوال الكائنات الغائبة عنا كالملائكة كما أن هذا الوصف يتعارض مع الهدف الذي خلق الله الملائكة لأجله رسلا وجنودا وسفرة له -عز وجل- إلى الإنس والجن) (¬3). ويعلق ل/ أحمد عبد الوهاب على هذه الدعوى بقوله: وقد زل قلم كتبة الأسفار حين جعلوا الملائكة أبناء الله فهذا سفر أيوب يحكي عن مجمع مقدس في حضرة رب السماء والأرض سبحانه - حضره الشيطان مع الملائكة - وجرت فيه كوميديا إلهية تقول بعض نصوصها (¬4): "كان ذات يوم أنه جاء بنو الله ليمثلوا أمام الرب، وجاء الشيطان أيضًا في وسطهم فقال الرب للشيطان من أين جئت ... فأجاب الشيطان الرب وقال من الجولان في الأرض ومن التمشى فيها" (¬5). وإضافة إلى ما سبق ورغم وجود هذا التناقض في قصة إبراهيم -عليه السلام- ومنوح وما قيل عن إطعام الملائكة وتزاوجهم مع البشر واعتبارهم أبناء الله والخلط بينهم وبينه - سبحانه - إلا أنه قد ورد في التوراة نصوص تؤكد ظهور الملائكة في صورة بشر وإمكان رؤية الصالحين لهم (¬6). ¬

_ (¬1) تكوين: (6/ 1 - 4). (¬2) أيوب: (1: 6) وقابله بـ (2/ 1)، (38/ 7)، دانيال: (3/ 25)، مزامير: (29/ 1)، (89/ 6). (¬3) جهود الإمامين: ص 206. (¬4) الوحي والملائكة: ص 19. (¬5) أيوب: (1/ 6 - 7) الامتحان الأول لأيوب، (2/ 1 - 2) الامتحان الثاني. (¬6) الوحي والملائكة: ص 19، 20 بتصرف، كما في دانيال: (8/ 15 - 19)، (9/ 20 - 22)، خروج: (3/ 1 - 3) وأشعياء: (6/ 2 - 4).

3 - نسبة الشر إلى أمين الوحي "جبريل -عليه السلام-

3 - نسبة الشر إلى أمين الوحي "جبريل -عليه السلام-: وقد ذكر د/ بدران، افتراء العهد القديم على الملائكة وخاصة "أمين الوحى جبريل -عليه السلام- فقال النبى ميخا ما نصه: "قد رأيت الرب جالسًا على كرسيه ... وكل جند السماء وقوف لديه ... عن يمينه وعن يساره فقال الرب من يغوى "آخاب" (¬1) فيصعد ويسقط في "راموت جلعاد" (¬2) فقال هذا هكذا. وقال ذاك هكذا ثم خرج الروح ووقف أمام الرب وقال: أنا أغويه فقال الرب بماذا؟ فقال: "الروح الأمين" أخرج وأكون روح كذب في أفواه جميع أنبيائه فقال الرب: "إنك تغويه وتقدر ... فاخرج وافعل هكذا" (¬3). ثم ينتقد د/ بدران هذا النص بقوله: إنه تجديف (¬4) على الأنبياء وعلى الروح الأمين وتجديف على الله نفسه ولكن هل الروح الأمين وهو كبير الملائكة وزعيمهم يفعل الشر؟ أتفعل الملائكة الشر؟ فما فائدة إبليس وأعوانه إذن؟ (¬5). وذكرت الباحثة/ سميرة عبد الله. ما يدل على وصف الملائكة بالفساد والشر في سفر المزامير: "أرسل عليهم حمو غضبه سخطًا ورجزًا وضيقًا جيش ملائكة أشرار (¬6) وتقول الملائكة ليست فيهم أشرار ولا عصاة فيقول تعالى: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (¬7) (¬8). ¬

_ (¬1) هو: ملك إسرائيل وهو ابن عمري الذي خلفه على العرش وقد بدأ حكمه حوالي عام 875 ق. م في السنة الثامنة والثلاثين من ملك آسا ملك يهوذا، وقد تزوج من إيزابل ابنة اثبعل ملك صيدون وكانت امرأة وثنية تعبد الإله بعل (قاموس الكتاب المقدس ص 30). (¬2) هى: اسم عبري معناه "مرتفعات جلعاد" كانت هذه مدينة للأموريين ثم صارت للجاديين وهي من أشهر مدنهم وموقعها شرقي الأردن (قاموس الكتاب المقدس ص 393). (¬3) ملوك الأول: (22/ 1 - 22) ميخا يتنبأ بمقتل آخاب. (¬4) معناه: افتراء وكذب وشتيمة ونميمة ويقصد بها في الكتاب المقدس كلام غير لائق في شأن الله وصفاته (مزمو 74/ 10 - 18، قاموس الكتاب المقدس ص 253). (¬5) انظر: التوراة د/ بدران ص 103، 104. (¬6) مزامير: (78 - 49). (¬7) سورة التحريم جزء عن الآية: (6). (¬8) انظر: جهود الإمامين ص 209.

4 - القدرة على التشكل والظهور

4 - القدرة على التشكل والظهور: قدم د/ عبد الوهاب المسيري. رؤية نقدية حول تطور مفهوم الملائكة في النص التوراتي وتَحوُل هذا المفهوم عبر تاريخ بني إسرائيل فيقول: يظهر الملائكة في الأجزاء الأولى من العهد القديم على هيئة بشر وهم يضطلعون بوظائف عديدة من بينها حماية العبرانيين أثناء خروجهم من مصر وأثناء تحولهم إلى البرية ... كما أنهم يقومون بعقاب المذنبين مثلما فعلوا عند تحطم "سدوم (¬1) " وعموراه" (¬2) وهم يحيطون بالعرش الإلهي، ومنهم أيضًا الجوقة التي تسبح للإله ومن أحداث العهد القديم حادثة الصراع بين يعقوب والملاك الذي ظهر فيما بعد أنه الإله ... وغير ذلك من الحوادث التي ظهر فيها الملائكة وبعد العودة من السبي البابلى ترسخ مفهوم الملائكة في العقيدة اليهودية وأصبح للملائكة أسماء وطبقات وقد تزايد عددهم وتزايدت أسماؤهم في كتب الرؤى وظهرت فكرة رئيس الملائكة ... ومع هذا فقد استمرت بعض الفرق مثل "الصدوقيين" (¬3) في إنكار الملائكة وهو جزء من إنكارها لفكرة البعث والإله المتجاوز للطبيعة والتاريخ (¬4). وظهور الملائكة على هيئة البشر أمر وارد في الإسلام كظهورهم لنبي الله إبراهيم عليه السلام على هيئة البشر بدليل قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (¬5)} (¬6). ¬

_ (¬1) هى: إحدى مدن السهل الخمسة التى أحرقتها النار التى نزلت من السماء بسبب خطيئة أهلها (تكوين 19/ 24) ثم اختارها لوط عليه السلام مدينة للسكن بعد انفصاله عن إبراهيم لمعرفته بخصب أرضها وسهولة الري فيها (تكوين 13/ 10) (قاموس الكتاب المقدس ص 461). (¬2) هي: بلدة في غور الأردن (تكوين 10/ 19، 13/ 10) تحالف ملكها مع ملك سدوم وبالع وأدمة وصبوييم ضد كدر لعومر ملك عيلام إلا أن ملك عيلام تغلب عليهم وقد دمرت عمورة (تكوين 14/ 9 - 11) ثم دمرت نهائيًا بنزول نار من السماء عليها لفساد سكانها (قاموس الكتاب المقدس ص 641). (¬3) هم: طائفة مؤلفة من رؤساء الكهنة والارستقراطية الكهنوتية وقد كان صادوق رئيس كهنة من أيام داود وسليمان وفي عائلته حفظت رئاسة الكهنوت حتي عصر المكابيين فسمى حلفاؤه وأنصاره صدوقيين (قاموس الكتاب المقدس ص 539، 540). (¬4) موسوعة اليهود واليهودية: (5/ 291). (¬5) سورة هود الآية: (70). (¬6) انظر: جهود الإمامين: ص 203، 204.

5 - الجن والشياطين

5 - الجن والشياطين: انفرد د/ المسيري، بتقديم رؤية نقدية توضح مفهوم الجن والشياطين في العهد القديم فيقول: توجد في العهد القديم إشارات عديدة إلى كائنات خرافية قد تكون خيرة أو شريرة حسب الوظيفة إلى تقوم بها ومن هذه الكائنات الشياطين وأهمها ليل وعزازيل فأما ليل (ليليت) في التراث اليهودي الشعبي ... وهي شيطانه الليل والظلام ... وقد ذكرت في العهد القدم بشكل عابر في سفر أشعياء (34/ 14) باعتبارها إحدى الأرواح وأحد الوحوش المفترسة التي ستدمر الأرض في آخر الأيام أما "عزازيل" روح شريرة أو شيطان اسمه في العهد القديم في سفر اللاويين (16/ 8، 10، 26) وهو أحد قواد الملائكة الذين سقطوا من السماء ويعيش عزازئيل حسب الرؤية اليهودية القديمة في البرية بالقرب من أورشليم وله تقدم القرابين في يوم الغفران (¬1). ومن خلال الرؤى النقدية المتنوعة لعلماء المسلمين حول عقيدة اليهود في الجن والملائكة يتضح التالي: 1 - تناقض التوراة فيما تذهب إليه من نسبتها الأكل والشرب في موضع ونفيها عنهم الأكل والشرب في موضع آخر. 2 - وصف الملائكة في العهد القديم بأنهم أبناء الله وحدوث التزاوج والتناسل بينهم وبين البشر أمر لا يقبله عقل وهو محض افتراء. 3 - العهد القديم يصف الملائكة بأنهم يفعلون الشر وهو كذب وتلفيق وإذا كان الأمر كذلك فما فائدة شياطين الانس والجن. 4 - تطور مفهوم الجن والملائكة في العهد القدم يعطي رؤية واضحة لما وقع فيه من التحريف والتبديل على مر العصور. 5 - الإيمان بالملائكة ركن أساسى من أركان الإيمان, وإنكار وجودهم خروج عن التصور الصحيح لقواعد الإيمان, وبالتالي فإن وصف كتبة العهد القديم لهم بأنهم بنات الله، خروج عن أصول الإيمان وكفر وضلال مبين، فقال تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: موسوعة اليهود واليهودية (5/ 293). (¬2) سورة النساء، الآية: (136).

المبحث الثالث نقد موقف العهد القديم من الكتب المقدسة

المبحث الثالث نقد موقف العهد القديم من الكتب المقدسة لقد أثبت علماء المسلمين - فترة البحث - انحراف اليهود في عقيدة الإيمان بالكتب المقدسة، فالدكتور / عبد الراضي محمَّد في كتابه "التطرف اليهودي" تأتي وقفته النقدية لتوضح مدى التطرف في الكتب المقدسة بطريقة منهجية وقد أكد نقده ببيان وجهة نظر النقاد من أهل الكتاب ليكون ذلك حجة قوية عليهم في إثبات التحريف الذي يزعمون عدم وجوده في كتبهم. فيقول: أنزل الله تبارك وتعالى على رسله الذين أرسلهم إلى بنى إسرائيل كتبا لهدايتهم وإرشادهم، وذلك كصحف إبراهيم وزبور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى عليهم الصلام آجمعين وقد تطرف اليهود في تلك الكتب واتخذ تطرفهم ثلاثة محاور: أولها: إنكار بعض الكتب وتكذيبه كما فعلوا مع الإنجيل والقرآن. الثاني: تحريف بعضها الآخر وذلك كما فعلوا في التوراة وكتب الأنبياء "العهد القديم". الثالث: ابتداع كتب جديدة والزعم أنها من عند الله كالتلمود (¬1). ولقد أسهمت الدراسات النقدية لعلماء المسلمين - فترة البحث - في تفصيل هذه المحاور الثلاثة وتفنيد هذه العقيدة من خلال الأمور التالية: 1 - المقابلة بين النسخ المتعددة. 2 - الاستناد إلى النصوص التي تؤكد أن اليهود غير مأمونى الجانب على ما في أيديهم من كتب. 3 - الاسترشاد بآراء النقاد من أهل الكتاب مما يشكل حجة قوية عليهم. المحور الأول: إنكار الإنجيل والقرآن وتكذيبهما: بداية تأتى محاولة الباحثة / سميرة عبد الله في دراستها النقدية للمحور الأول وهو موقف اليهود من - الإنجيل والقرآن - لتؤكد ما قرره علماء المسلمين من أن اليهود يؤمنون بأسفار أنبيائهم الذين جاءوا بعد سيدنا موسى - عليه السلام - أما ما أَنزل على سيدنا عيسى وسيدنا محمَّد صلي الله عليه وسلم فلا يعترفون بها (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: التطرف اليهودي تاريخه - أسبابه - علاماته د عبد الراضي محمد ص 50، 52 مكتبة التوعية الإِسلامية طـ الأولى 1993 - 1413. (¬2) انظر: جهود الإمامين ابن تيمية وابن القيم في دحض مفتريات اليهود أ/ سميرة عبد الله بكر بناني ص 276 طـ / معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامى مكة المكرمة 1418 هـ.

وبينت في دراستها مدى الارتباط الوثيق بين الإيمان بالرسل وبين ما أنزل الله عليهم من كتب فتقول: (إيمان اليهود بالإنجيل والقرآن الكريم المنزلين بعد التوراة كما هو ثابت بالنص الإلهى القاطع في القرآن الكريم، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بموقفهم من الرسولين الكريمين المنزلين عليهما وهما سيدنا عيسى وسيدنا محمد عليهما أفضل الصلاة والتسليم فلما كانت اليهود لا تؤمن بنبوتهما ورسالتيهما مع إعلان الحقد والكره والعداوة لهما ولأتباعهما لذا فهم ينكرون الإنجيل والقرآن الكريم) (¬1). وبناءً على ذلك يقول أ/ أحمد إدريس. عن موقف اليهود من العهد الجديد: (اليهود يؤمنون بأن العهد القديم أو التوراة وحدها هي كلام الله ولا يعترفون بالعهد الجديد أما المسيحيون فيعتبرون العهد القديم كتاب الشريعة والعهد الجديد عهد الفضل والكفارة) (¬2). ويلاحظ أنه لم يكتف اليهود بإنكار الإنجيل المنزل على سيدنا عيسى - عليه السلام - ورفضه كرسول وعدم الاعتراف به فحسب، بل عمدوا إلى الأناجيل الحاضرة وحرفوها إضافة للتحريف الذي أحدثه بولس اليهودي في النصرانية حيث قلبها رأسًا على عقب نكاية في المسيحيين وكراهية لهم. فقد برهن ل/ أحمد عبد الوهاب في كتابه: "إسرائيل حرفت الأناجيل" على ما فعلته إسرائيل في الأناجيل الحاضرة وأوضح أنها حرفتها لتخدم أغراضها وتساندها في سلوكها وتصرفاتها في الوقت الحاضر وقد اتبع في ذكره للتحريفات النقد العلمي القائم على: 1 - المقابلة بين النسخ: فقد قابل بين النسخة المعتمدة من الأناجيل وبين النسخة الإسرائيلية إلى حرفها اليهود. 2 - إظهار التحريفات المتعلقة باليهود ومزاعمهم. فقد ركز في نقده على إظهار أوضح التحريفات التي لها صلة مباشرة باليهود ليدلل على ما يخدم الغرض الموضوع من أجله الكتاب وهو "اختراع أسطورة السامية وعدم معاداة اليهود. 3 - التفصيل بعد الإجمال وسار في سرده للتحريفات على الطريقة الاجمالية في ذكر ما تشتمل عليه الترجمة من تحريفات في كل إنجيل على حدة فأحصي عددها الإجمالي ثم فصل القول في بعض النماذج من هذه التحريفات. وهو في نقده هذا يكشف المخططات اليهودية التي تهدف إلى الحفاظ على الهوية اليهودية والتميز العنصري للشعب اليهودي فجاء نقده في هذا الكتاب نقدًا مبنياً على أسس علمية واضحة. وقد التزم فيه بالحيدة التامة والموضوعية. وقال إن عملية التحريف سارت على خطة عامة منها ما يلي (¬3): ¬

_ (¬1). جهود الامامين ص 277. (¬2) تاريخ الإنجيل والكنيسة: أ/ أحمد إدريس، ص 61 ط دار حراء للنشر والتوزيع - مكة المكرمة -. بدون. (¬3) انظر: إسرائيل حرفت الأناجيل واخترعت أسطورة السامية ل/ أحمد عبد الوهاب ص 45 ط مكتبة وهبة ط 2 - 1417 هـ -1997 م.

1 - محو كلمة "يهود" من أسفار العهد الجديد واستبدالها بكلمات أخرى مثل مواطنى ولاية اليهودية - وفيهم اليهود وغير اليهود -؛ واستبدلوها بكلمة "الرعاع" أو المنعزلين أو العامة. 2 - محو ما يتعلق بالشعب اليهودي باعتباره جماعة دينية ترتبط بـ "الناموس" و "المجمع" ويقوم على رأسها "الشيوخ" "ورؤساء الكهنة". ففى النسخة الإسرائيلية نجد "الناموس" قد استبدل بـ "الكتاب المقدس" واستبدل "المجمع" بالمحكمة، والشيوخ بالمتشرعين، ورؤساء الكهنة بالقسس أو الكهنة. 3 - التخلص من كلمة "الصلب" وما يشتق منها واستبدلوا كلمة "صلبه" بكلمة خذه أو أبعده أو انفه أو "شنقه". 4 - محو الفقرات التي تلقى مسئولية دم يسوع على اليهود وأولادهم من بعدهم واستبدالها بكلمات أخرى تحمِّل المصلوب وزر دمه المراق. 5 - تحميل الرومان مسئولية حادث الصلب بعد تخليص اليهود منه، وذلك بتحريف الفقرات التي تلصق تلك المسئولية باليهود أو بالشعب اليهودي وإلصاقها بالحاكم الروماني بيلاطس (¬1). وغير ذلك من الأمور إلى ساقها ل/ أحمد عبد الوهاب. أما أ/ مصطفي السعدني في كتابه "الفكر الصهيوني والسياسة اليهودية" قد أرجع سبب فشل اليهود في حمل رسالة التوحيد إلى العالم بسبب أنانيتهم وفهمهم الخاطئ للألوهية وأنهم يعتبرون أنفسهم أمة متميزة عن باقي الأمم والإله لهم وحدهم دون غيرهم، وقد فشلوا مرد ثانية بسبب عصيانهم المتكرر وتمردهم فعوقبوا بالتشرد في أنحاء العالم ومن أسباب فشلهم أيضًا رفضهم رسالة السيد المسيح - عليه السلام - (¬2). يوم صرخ اليهود أمام بيلاطس قائلين: "ليس لنا ملك إلا قيصر" (¬3) ويوم أن قالوا: "دمه علينا وعلى أولادنا" (¬4). حكموا على أنفسهم بالهلاك وتحقق قول الإنجيل: "هو ذا بيتكم يترك لكم خرابا" (¬5). ورفضهم لرسالة المسيح بالطبع يترتب عليه رفض الكتاب الذي أنزله الله عليه. فاليهود لم يعترفوا بسيدنا عيسى - عليه السلام - كرسول وبالتالي لم يعترفوا بما أنزل عليه من عند الله أما عن موقف اليهود من القرآن الكريم: فالدكتور / المطعني في كتابه: "افتراءات المستشرقين". بين مزاعم اليهود حول القرآن فعرض مقولتهم الباطلة ثم نقدها نقدًا علميًا قائمًا على: 1 - المقابلة بين أصول الإيمان في التوراة والإنجيل والقرآن. 2 - نقد بعض الأجزاء التشريعية مثل الربا وغيرها. 3 - المقابلة بين القصص النبوي في التوراة والإنجيل والقرآن. ¬

_ (¬1) هو: وال أقامته الحكومة الررمانية نائبا أو حاكما على اليهودية لسنة 29 مسيحية واستمر حكمة إلي ما بعد صعود المسيح (قاموس الكتاب المقدس ص207، 208). (¬2) انظر: الفكر الصهيوني والسياسة اليهودية أ/ مصطفى السعدني ص 118 - 120. (¬3) يوحنا: (19/ 15) بالحكم صلب يسوع. (¬4) من: (27/ 25) أمام بيلاطس. (¬5) متى: (23/ 38) يسوع يرثي أورشليم.

فيقول: إنهم يقولون: إن القرآن صياغة جديدة لما ورد في التوراة أو العهد القديم ولما ورد في الإنجيل (الأناجيل) أو العهد الجديد ومعنى هذا عندهم أن القرآن الكريم ليس له مصدر سماوي مستقل، ويقولون إن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم استقى فكرة القرآن من أهل الكتاب يهودًا ونصارى (¬1). ثم ينتقد د/ المطعني هذه الأوهام ويفندها بناءً على المعايير السابقة فيقول: مهما يكن من أمر فإن دعوى المستشرقين هذه محض افتراء وأدلة زيفها وبطلانها أكثر من أن تحصى منها: أن واقع القرآن يختلف تمامًا عن واقع التوراة والإنجيل وتفصيل ذلك على سبيل المثال: في أصول الإيمان يختلف القرآن عن كل من التوراة والإنجيل في عقيدة التوحيد فهي في القرآن الركيزة الأولى والله فيها موصوف بكل كمال ومنزه عن كل نقص وقد مر اليهود في حياتهم بمرحلتين كانوا في الأولي موحدين وفي الثانية مشركين ودلالة ذلك في التوراة تسمية الله "إلوهيم" جمع "إله" وقد مر تفصيل ذلك في المبحث الأول من هذا الفصل. والقرآن لا يفرق بين الرسل في وجوب الإيمان بهم وبما أنزل عليهم من حيث المبدأ واليهود لا يؤمنون إلا برسلهم، والقرآن يدعو إلى الإيمان باليوم الآخر في معظم سوره والعمل له والتوراة تخلو تمامًا من هذه العقيدة - باستثناء بعض الإشارات إليه كما سيأتي تفصيل ذلك في مبحث عقيدة الإيمان باليومِ الآخِر - وغيرِ ذلِكَ مِن القضايا (¬2) وعقيدة التوحيد في الأناجيل معدومة فالله عندهم ثلاثة، ونسبوا لله سبحانه الصاحبة والولد وجردوه من سلطان الألوهية ووضعوا ذلك السلطان في يد عيسى عبد الله ورسوله وفي بعض الأناجيل وصف للرسل الذين سبقوا عيسى - عليه السلام - بأنهم لصوص وقتلة والإيمان النصراني يفرق بين الرسل فيؤمن ببعض ويكفر ببعض فكيف يستقيم القول بأن القرآن صياغة جديدة للتوراة والإنجيل صاغه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من المعلومات إلى تلقاها عن أهل الكتاب (¬3). أما عن التشريع فإن الأناجيل تكاد تخلو منه لأنها عبارة عن تصوير حياة المسيح من خلال وجهة نظر كاتبيها، والتشريع التوراتي لا صلة له بالتشريع القرآني مثل الربا فهي حرام فيما بينهم حلال إذا أخذوها من غيرهم وفي القرآن الربا محرمة بجميع صورها حتي ولو كان التعامل بين المسلم ويهودي أو نصراني أو غيرهما والقصص القرآني يتشابه مع القصص التوراتي في بعض الأمور إلا أنه يختلف عنه كثيرا فهو بين النقص تارة والاضطراب تارةً أُخرى (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: افتراءات المستشرقين على الإسلام "عرض ونقد": د/ المطعني، ص 13. (¬2) المرجع السابق ص 13، 14 بتصرف. (¬3) افتراءات المستشرقين: د/ المطعني، ص14 ولمزيد من التفصيل انظر: موسوعة مقدمات العلوم والمناهج: أ/ أنور الجندى، 5/ 177 - 181. (¬4) المرجع السابق، ص 15، 16.

المحور الثاني: تحريف التوراة وكتب الأنبياء "العهد القديم"

المحور الثاني: تحريف التوراة وكتب الأنبياء "العهد القديم": في هذه القضية يكاد يتفق جميع علماء المسلمين في الماضي والحاضر على أن اليهود قد حرفوا الكتب إلى بين أيديهم وقالوا إن التحريف بقسميه اللفظي والمعنوي واقع في التوراة وكتب الأنبياء "العهد القديم" وفي الصفحات التالية أعرض للمحاولات النقدية لبعض علماء المسلمين - فترة البحث - حول هذه القضية ويبرز في مقدمة هذه الجهود القيمة ما قام به العلامة رحمة الله الهندي بصورة موسعة وموثقة بالشواهد من العهد القديم التي تثبت وقوع التحريف فيه وقد سبقه في ذلك أيضًا - من علماء فترة البحث - شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم وجهودهما في إثبات التحريف تتميز بالمحاورات العقلية الرائعة مما يدل على عمق الفهم وبراعتهما في إثبات ما ورد في الكتاب المقدس من تحريف. ولقد ادعى اليهود عدم تحريف الكتب المنزلة السابقة وكان لشيخ الإسلام ابن تيميه جهدًا قيمًا يتميز بالبلاغة والإيجاز في الرد على هذه الدعوى التي تبناها أهل الكتاب فقام بتنفيذها عن طريق الجدل الهادف البناء والحوار العقلى المنطقي المستقى من وجهة النظر الإسلامية مع تأكيد هذا الحوار الجدلي بالمقدمات المنطقية السليمة إلى تؤدي إلى بطلان الدعوى ثم يستدل على صحة ما يقول بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية فيقول رحمه الله: (إذا عرف أن جميع الطوائف من المسلمين واليهود والنصارى يشهدون أنه قد وقع في هذه الكتب تحريف وتبديل في معانيها وتفسيرها وشرائعها فهذا القدر كاف ... والمسلمون يثبتون بالدلائل الكثيرة أنهم - اليهود - بدلوا معاني التوراة والإنجيل والزبور وغيرها من نبوات الأنبياء وابتدعوا شرعًا لم يأت به المسيح، ولا غيره ولا يقوله عاقل مثل زعمهم أن جميع بني آدم من الأنبياء والرسل وغيرهم كانوا في الجحيم في حبس الشيطان لأجل أن أباهم آدم أكل من الشجرة وأنهم إنما تخلصوا من ذلك لما صلب المسيح) (¬1). ثم يرد على هذا الزعم بقوله: وآدم - عليه السلام - وإن كان أكل من الشجرة - فقد تاب الله عليه واجتباه وهداه فقال تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} (¬2) وقال تعالى أيضًا: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (¬3) وليس عند أهل الكتاب في كتبهم ما ينفى توبته، وإنما قد يقول قائلهم إنا لا نعلم أنه تاب أو ليس عندنا توبته وعدم العلم بشىء ليس علماً بعدمه، وعدم وجود الشيء في كتاب من كتب الله لا ينفى أن يكون في كتاب آخر ففي التوراة ما ليس في الإنجيل وفيهما ما ليس في الزبور وفي الإنجيل والزبور ما ليس في التوراة، وفي سائر النبوات ما لا يوجد في هذه الكتب. والقرآن لو كان دون التوراد والإنجيل والزبور والنبوات أو كان مثلها لأمكن أن يكون فيه ما ليس فيهما، فكيف إذا كان أفضل وأشرف وفيه من العلم أعظم مما في التوراة والإنجيل وقد بين الله تعالى فضله عليهما في غير موضع كقوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ (¬4)} (¬5). ¬

_ (¬1) الجواب الصحيح: 1/ 421. (¬2) سورة طه: (121، 122). (¬3) سورة البقرد الآية 37. (¬4) سورة الزمر الآية 2. (¬5) الجواب الصحيح لابن تيميه 1/ 422، 423 وانظر: إظهار الحق 2/ 554.

ويري شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: أن التبديل والتحريف إنما وقع في باب الأخبار إذ لا مانع من وقوع ذلك إنما الممتنع في رأيه أن يكون التحريف في باب الأمر والنهي (¬1). وكذلك الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى، رفض القول بتبديل التوراة كلها والاستهانة بها كما رفض القول بامتناع ذلك فيها بقوله: والحق أحق ما اتبع، فلا تغلو غلو المستهينين بها المتمسخرين فيها بل معاذ الله من ذلك ولا نقوك إنها باقية كما أنزلت من كل وجه كالقرآن (¬2)، ضم بعد أن ذكر الأحداث التي مرت بها التوراة المنزلة على سيدنا موسى - عليه السلام - من عند الله تعالى يوضح نقطة في غاية الأهمية وهي أن: (علماء اليهود وأحبارهم يعتقدون أن هذه التوراة إلى بأيديهم ليست هى إلى أنزلها الله تعالى على سيدنا موسى - عليه السلام - بعينها لأن موسى - عليه السلام - صان التوراة عن بني إسرائيل خوفًا من اختلافهم من بعده في تأويلها المؤدي إلى تفرقهم أحزابًا وإنما سلمها لعشيرته أولاد لآوى قال: ودليل ذلك قول التوراة ما هذه ترجمته: "وكتب موسى هذه التوراة ودفعها إلى أئمة بني لآوي" (¬3). ويذكر الإمام ابن القيم: أن اليهود هم الذين حرفوا التوراة وبدلوا فيها حروفًا كثيرة فقال: واليهود تقر أن السبعين كاهنا اجتمعوا على اتفاق من جميعهم على تبديل ثلاثة عشر حرفًا من التوراة وذلك بعد المسيح في عهد القياصرة الذين كانوا تحت قهرهم حيث زال الملك عنهم ولم يبق لهم ملك يخافونه ويأخذ على أيديهم" (¬4). ثم أقام الحجة عليهم بقوله: (ومن رضي بتبديل موضع واحد من كتاب الله، فلا يؤمن منه تحريف غيره؛ واليهود تقر أيضًا أن السامرة حرفوا مواضع من التوراة وبدلوها تبديلاً ظاهرًا وزادوا ونقصوا والسامرة تدعي ذلك عليهم) (¬5). ثم ذكر الإِمام ابن القيم في كتابه هداية الحيارى ما يدل على أن التوراة التي بأيديهم - أي اليهود - فيها من التحريف والتبديل وما لا يجوز نسبته إلى الأنبياء ما لا يشك فيه ذوو بصيرة، والتوراة إلى أنزلها الله على موسى - عليه السلام - بريئة (¬6) من ذلك وسوف يتضح ذلك في مبحث عقيدة اليهود في النبوة والأنبياء. ثم انتهي من سرد بعض التحريفات في التوراة إلى حقيقة هامة وهي: أن التوراة إلى بأيديهم ليست هى التوراة المترلة من عند الله -عَزَّ وَجَلَّ-. ¬

_ (¬1) انظر: الجواب الصحيح (1/ 427). (¬2) إغاثة اللهفان: لابن قيم الجوزية (3/ 358) ط / مكتبة عاطف القاهرة. بدون. (¬3) المرجع السابق: (2/ 358)، تثنية (31/ 9) قراءة التوراة. (¬4) هداية الحيارى: ص 201. (¬5) المؤجر السابق ص 201. (¬6) المرجع السابق ص 202.

أولا: طريقة المقابلة بين النسخ التعددة والمعتبرة عند اليهود والنصارى

أما العلامة رحمة الله الهندي قد تناول قضية التحريف في العهد القديم بالشرح والبيان وبين أن التحريف قسمان لفظي ومعنوى وقال إن القسم الثاني لا نزاع بيننا وبين المسيحيين فيه لأنهم يسلمون صدوره عن اليهود في العهد العتيق في تفسير الآيات، الشيخ هي إشارة في زعمهم إلى المسيح، وفي تفسير الأحكام إلى هى أبدية عند اليهود، أما القسم الأول ينكره علماء البروتستانت إنكارًا شديدًا (¬1). والملاحظ على المؤلفات النقدية لعلماء المسلمين أنها قد استفادت كثيرًا من الطريقة النقدية التى قام بها العلامة الهندي في إظهار الحق ولا أكون مبالغًا حينما أقول إن معظم العلماء في العصر الحاضر يعتمدون عليه في أغلب القضايا لا سيما قضية التناقض والتحريف فهو المرجع الذي لا غني عنه للباحثين في الأديان. وأمام إنكار علماء البروتستانت للتحريف اللفظي في العهد القديم والجديد قد اجتهد العلامة رحمة الله الهندي في إثبات وجوده في الكتاب المقدس بقسميه الزيادة والنقصان وقد اتبع في نقده: أولًا: طريقة المقابلة بين النسخ التعددة والمعتبرة عند اليهود والنصارى: وقال إن النسخ المشهورة للعهد العتيق عند أهل الكتاب ثلاث نسخ: 1 - العبرانية وهي المعتبرة عند اليهود وجمهور علماء البروتستانت. 2 - اليونانية وهي الشيخ كانت معتبرة عند المسيحيين إلى القرن 15 من القرون المسيحية. 3 - السامرية وهي المعتبرد عند السامريين وهذه النسخة هى النسخة العبرانية لكنها تشتمل على سبعة أسفار من العهد العتيق فقط (¬2). ثانيًا: الاستشهاد بما يقوله النقاد الغربيون من تعليقات نقدية على النصوص: وعن طريق المقابلة بين هذه النسخ في النص الواحد في قضية ما من بين القضايا المتعددة في العهد القديم يظهر التحريف جليًا سواءً أكان هذا التحريف بتبديل الألفاظ أم بزيادتها ونقصانها. وقد أورد العلامة رحمة الله الهندي في كتابه ما يدل على وجود التحريفى اللفظي بالتبديل في التوراة فذكر إحدى وثلاثون شاهدًا على ذلك أذكر منها بعض الأمثلة خشية الإطالة: 1 - في العبرانية نص يقول: "فإذا عبرتم الأردن فانصبوا الحجارة التي أنا اليوم أوصيكم في جبل عيبال وشيدوها بالجص تشييدًا" (¬3). وهو في النسخة السامرية يقول: "فانصبوا الحجارة التي أنا اليوم أوصيكم في جبل جرزيم" (¬4)، وعيبال وجرزيم جبلان متقابلان كما يفهم من الآية 12، 13 من الإصحاح 27 تثنية وكما يفهم من الآية 29 من الإصحاح 11 من تثنية - فيفهم من النسخة العبرانية أن موسى - عليه السلام - أمر ببناء الهيكل أعني المسجد على جبل عبيال ومن النسخة السامرية أنه أمر ببنائه على جبل جرزيم وبين اليهود والعبرانيين والسامريين سلفًا وخلفًا نزاع مشهور وتدعي كل فرقة منهما أن الفرقة الأخرى حرفت التوراة في هذا المقام وكذلك علماء البروتستانت" (¬5). ¬

_ (¬1) إظهار الحق: (2/ 205). (¬2) انظر: المرجع السابق (2/ 205). (¬3) تثنية: (27/ 4) والنص في النسخة الحالية "حين تعبرون الأردن تقيمون هذه الحجاره التى أنا أوصيكم بها اليوم". (¬4) تثنية: (27/ 3) المدبح علي جبل عيبال (¬5) إظهار الحق: (2/ 209).

2 - النص في العبرانية يقول: "ونظر بئرًا في الحقل وثلاثة قطعان غنم رابضة عندها لأن من تلك البئر كانت تشرب الغنم وكان حجر عظيم على فم البئر فقالوا ما نستطيع حتى تجتمع الماشية" (¬1) فقد حدث تحريف في لفظيّ قطعان غنم، الماشية والصحيح لفظ الرعاة بدلهما كما في النسخة السامرية واليونانية والترجمة العربية (¬2). 3 - وقع في أخبار الأيام الأول 9/ 35 في النسخة العبرانية "وكان اسم أخته معكاة" والصحيح أن يكون لفظ الزوجة بدل الأخت (¬3). وقد استدل العلامة رحمة الله الهندي على ذلك بما قاله بعض مفسري الكتاب المقدس حيث قال: وقع في النسخة العبرانية لفظ الأخت، وفي اليونانية واللاتينية والسريانية لفظ الزوجة وتبع المترجمون هذه التراجم (¬4). أما عن إثبات وجود التحريف بالزيادة في العهد القديم فقد ذكر العلامة الهندي ستة وعشرون شاهدًا على وجود هذا النوع من أنواع التحريف اللفظى في العهد القديم منها: 1 - وقع في سفر التكوين 22/ 14 زيادة والنص يقول: "كما يقال في هذا اليوم في جبل الله يجب أن يتراءى الناس "ولم يطلق على هذا الجبل جبل الله إلا بعد بناء البيت الذي بناه سليمان - عليه السلام - بعد أربعمائة وخمسين سنة من موت موسى - عليه السلام - وقال إن هذه الجملة إلحاقية باعتراف مفسرى الكتاب القدس (¬5). 2 - جاء في الآية 2 من سفر التثنية الإصحاح 23 ما نصه: "لا يدخل ابن زنىً جماعة الرب حتى الجيل العاشر" وهذا الحكم لا يمكن أن يكون من جانب الله، وما كتبه موسى - عليه السلام - وإلا يلزم أن لا يدخل داود - عليه السلام - ولا آباؤه إلى فارص في جماعة الرب لأن داود بطن عاشر من فارص كما يفهم من الإصحاح الأول من إنجيل متى، وفارص ولد الزنا كما في الاصحاح الثامن والثلاثين من سفر التكوين ومفسرى الكتاب المقدس حكموا بأن هذه الألفاظ "وحتى الجيل العاشر إلحاقية" (¬6). 3 - جاء في ذيل الآية 9/ 4 من سفر يشوع: "إلى هذا اليوم هناك"، وأمثالها وقعت في أكثر أسفار العهد العتيق والأغلب أنها إلحاقية، فحكموا بإلحاق هذه الجملة، وإلحاق كل جملة تكون مثلها في العهد العتيق (¬7). أما عن التحريف بالنقصان فقد أثبت العلامة رحمة الله الهندي - وقوعه في العهد القديم وأورد على ذلك خمسة عشر شاهدًا منها: 1 - جاء في سفر الخروج (2/ 22) ما نصه: "فولدت ابنا فدعا اسمه جرشوم لأنه قال: كنت نزيلًا في أرض غريبة" ولكن هذا النص في الترجمة اليونانية واللاتينية وبعض التراجم القديمة في آخر الآية المذكورة هذه العبارة: "وولدت أيضًا غلامًا ثانيا ودعا اسمه العازر فقال: من أجل أن إله أبي أعانني وخلصني من سيف فرعون" فقال الفسرون: لا توجد هذه العبارة في نسخة من النسخ العبرانية (¬8). ¬

_ (¬1) تكوين: (29/ 2 - 8) يعقوب يصل إلى فدان آرام. (¬2) إظهار الحق: (2/ 210). (¬3) المرجع السابق: (2/ 210). (¬4) انظر: المرجع السابق نفس الجزء ونفس الصفحة ولمزيد من التفصيل يراجع: إظهار الحق: (2/ 210 - 220). (¬5) انظر: المرجع السابق (2/ 225). (¬6) إظهار الحق: (2/ 229). (¬7) المرجع السابق: نفس الجزء والصفحة. (¬8) المرجع السابق: (2/ 247).

2 - جاء في سفر العدد (10/ 6) ما نصه: "وإذا ضربتم هتافًا ثانية ترتحل المحلات النازلة إلى الجنوب. هتافا يضربون لرحلاتهم" وتوجد في آخر هذه الآية في الترجمة اليونانية هكذا "وإذا نفخوا مرة ثالثة يرفع الخيام الغريبة للارتحال وإذا نفخوا مرة رابعة يرفع الخيام الشمالية للارتحال" فالمتن العبراني هاهنا ناقص باعتراف المفسرين (¬1). 3 - جاء في سفر التكوين (7/ 17) في النسخة العبرانية ما نصهُ: "وكان الطوفان أربعين يومًا على الأرض" وهذه الجملة في كثير من النسخ اللاتينية وفي الترجمة اليونانية هكذا: "وكان الطوفان أربعين يومًا وليلة على الأرض" وعلى ذلك فالنص في العبرانية ناقص (¬2). هذا بالنسبة للعلماء القدامى كابن تيميه وابن القيم والمحدثين كالعلامة رحمة الله الهندي أما بالنسبة للعلماء المعاصرين وكيفية تناولهم لاثبات التحريف في العهد القديم فبقراءة متأنية لما وقع تحت يدي من مؤلفات نقدية معاصرة يتضح لي من خلال الاستقراء والتتبع لتلك الجهود النقدية أن دراسة هؤلاء العلماء الأفاضل قامت على النقد العلمى في إثبات الحقائق وإقامة الحجة على من يدعى سلامة الكتاب المقدس من التحريف وإن كانت لم ترتق إلى مستوى دراسات القدامى من العلماء إلا أنها محاولات جادة وجهود قيمة في هذا الميدان من هؤلاء على سبيل المثال ل/ أحمد عبد الوهاب، د/ أحمد حجازي السقا ود/ محمد دياب ... وغيرهم. أما م/ أحمد عبد الوهاب، في كتابه: "اختلافات في تراجم الكتاب المقدس". قد سار على نهج العلامة رحمة الله الهندي في مقابلته بين النسخ والتراجم المتعددة للكتاب القدس والتي أثبت من خلالها وجود الاختلاف الواضح بين النسخ وأكد أن هناك شواهد وفيرة على أن الكتبة غيروا بقصد أو بدون قصد في الوثائق والأسفار التي كان عملهم الرئيسى هو كتابتها أو نقلها وأرجع ذلك إلى الأسباب التالية: 1 - الخطأ في القراءة أو في سماع بعض الكلمات أو في هجائها. 2 - الخطأ في التفريق بين ما يجب فصله من الكلمات وما يجب أن يكون تركيبًا واحدًا. 3 - النسيان أثناء النسخ "الكتابة" فقد كانوا ينسخون الكلمة أو السطر مرتين وأحيانًا ينسون كتابة كلمات بل فقرات بأكملها. 4 - التغيير فى النص عن عمد فتغييرهم في النص الأصلي عن قصد قد مارسوه مع فقرات بأكملها حين كانوا يتصورون أبها مكتوبة خطأ في صورتها التي بين أيديهم. 5 - الحذف أو الزيادة كما كانوا يحذفون بعض الكلمات أو الفقرات أو يزيدون على النص الأصلي فيضيفون فقرات توضيحية. ¬

_ (¬1) انظر: إظهار الحق (2/ 247). (¬2) انظر: المرجع السابق (2/ 246).

6 - طول فترة الكتابة فقد طالت الفترة التي كتبت فيها النصوص الحالية ونقلتها أجيال متعددة من الكتبة والنساخ من القرن 11 ق. م إلى القرون الأولى ق. م وأخذت صورتها النهائية في القرن الأول الميلادي. 7 - أخطاء النساخ الذين نقلوا من ترجمة إلى ترجمة أخرى (¬1). ثم ذكر ل/ أحمد عبد الوهاب أمثلة على هذه الاختلافات التي وجدت في تراجم الكتاب المقدس منها: ما حدث في أول الوصايا العشر في التراجم المتعددة. تقول ترجمة الكتاب المقدس للبروتستانت: "تكلم الله بجميع هذه الكلمات قائلًا: "أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية لا يكن لك آلهة أخرى أمامي (¬2) وبهذا تقول التراجم الإِنجليزية والفرنسية ولا يكن لك آلهة أخرى أمامي" لكن ترجمة الكتاب المقدس للكاثوليك وترجمة التوراة للكاثوليك تقول: "ولا يكن لك آلهة أخرى تجاهى" فإذا كان هناك داع لتعديل الترجمة التي تقول: "لا يكن لك آلهة أخرى أمامى" فلتكن: "لا يكن لك آلهة أخرى إلا أنا" وهذا يتفق مع الصيغة الفرنسية الأخيرة (¬3). وبالنسبة لمحاولة د/ أحمد حجازي السقا - النقدية التي تضمنها كتابه نقد التوراة فإنه في هذا الكتاب سار على طريقة العلامة رحمة الله الهندي في الاستدلال على وقوع التحريف في التوراة فبين كيف تتم عملية التحريف خصوصًا فيما يتصل بالنص الذي يشير إلى ظهور نبي من وسط إخوتهم وأنه يكون مثل موسى - عليه السلام - وقام بالرد على زعمهم الفاسد في تأويلهم لهذا النص بأن المقصود بهذا النبي هو المسيح الذي ينتظرونه وأنه لم يكن عيسى - عليه السلام - ولا نبينا صلى الله عليه وسلم، وبين بالأدلة العقلية والنقلية أن المقصود بهذا النبى الذي يكون مثل موسى هو رسولنا صلي الله عليه وسلم ثم بين أنواع التحريف التى وقعت في العهد القديم وحسم الخلاف الذي دار بين العلماء في نوعية هذا التحريف (¬4). ود/ محمد أحمد دياب، في كتابه "أضواء على اليهودية" ناقش قضية التحريف في إشارات سريعة وانتهى إلى حقيقة هامة وهي: أن التحريف اللفظى والمعنوي كلاهما واقع في التوراة، وأنها كتب غير متواترة، فالتوراة التى كتبها موسى - عليه السلام - وأخذ العهد والميثاق على بئ إسرائيل بحفظها (¬5). تقول: فعندما كمل موسى كتابة كلمات هذه التوراة في كتاب إلى تمامها أمر موسى اللاويين حاملى تابوت عهد الرب قائلًا: خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب إلهكم ليكون هناك شاهدًا عليكم: لأنى عارف تمردكم ورقابكم الصُّلبة، هو ذا وأنا بعد حي معكم اليوم، قد صرتم تقاومون الرب فكم بالحري بعد موتي، اجمعوا إلىّ كل شيوح أسباطكم وعرفاءكم لأنطق في مسامعهم هذه الكلمات وأشهد عليكم السماء والأرض، ولأنى عارف أنكم بعد موتي تفسدون وتزيغون عن الطريق الذي أوصيكم به، ويصيبكم الشر في آخر الأيام, لأنكم تعملون الشر أمام الرب حتى تغيظوه بأعمال أيديكم (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: اختلافات في تراجم الكتاب المقدس ل/ أحمد عبد الوهاب ص 19 - 21. (¬2) خروج: 20/ 1 - 2 الوصايا العشر. (¬3) المرجع السابق: ص 34، 35. (¬4) يظر: نقد التوراة د/ السقا ص 143 - 183. (¬5) انظر: أضواء على اليهودية د/ محمد أحمد دياب ص 132. (¬6) تثنية: (31/ 24 - 29) التنبؤ بتمرد شعب إسرائيل.

المحور الثالث: وهو ابتداع كتب جديدة والزعم أنها من عند الله مثل: "التلمود"

المحور الثالث: وهو ابتداع كتب جديدة والزعم أنها من عند الله مثل: "التلمود": يحتل التلمود عند اليهود منزلة عظيمة إذ انهم يعتبرونه من قديم الزمان كتابًا منزلًا مثل التوراة ما عدا بعض المعاندين فإنهم لا يعتقدون ذلك بالطبع (¬1). (وتعود أهمية التلمود إلى أنه سجل للتشريعات الدينية المنظمة للحياة اليهودية فمن خلاله أخذت الجوانب الشعائرية والتشريعية الدينية شكلها النهائى واستمرت حية حتى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي وفي مقابل الاهتمام بالنواحي الخاصة بالعبادة من طقوس وشعائر ومناسبات دينية وأحكام تشريعية فإن التلمود لم يهتم بصياغة العقائد والمفاهيم الدينية فى مصطلحات عقائدية ثابتة ومحددة ورغم ذلك فإن اليهودية التلمودية تقوم على أسس متينة من يهودية العهد القديم) (¬2). ويعتبر التلمود هو المصدر الثاني للتشريع اليهودي والمصدر الأول للسياسة الصهيونية ولا يوجد منه إلا عدة مخطوطات قديمة منها التلمود البابلى- الذي جمع في بابل بالعراق سنة 500 م - والتلمود الأورشليمي- الذي جمع بفلسطين في القرن الثاني للميلاد (¬3). وخلاصة ما سبق: 1 - أن الإيمان بالكتب المنزلة من عند الله ركن أساسى من أركان الإيمان فمن آمن ببعض الكتب وكفر بالبعض الآخر فهو ضال بعيد الضلال فيقول تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} (¬4). 2 - أنكر اليهود الإنجيل والقرآن ولم يعترفوا بهما مطلقًا ليثبتوا أن شريعتهم هى الشريعة الخاتمة؛ بل وامتدت أيديهم لتحريف الأناجيل لتخدم أغراضهم السياسية وغيرها، أما القرآن فقد باءت محاولاتهم نحوه بالفشل فهو محفوظ من التبديل والتحريف فيقول تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (¬5). 3 - تحريف اليهود للتوراة وكتب الأنبياء عن عمد إما بالزيادة أو بالنقصان وقد أثبت علماء المسلمين وقوع التحريف اللفظي والمعنوي في التوراة وكتب الأنبياء "العهد القديم" من واقع أقوال علمائهم أنفسهم ومن خلال نظرتهم المتأنية للنصوص التوراتية ومقابلتهم النسخ بعضها ببعض. 4 - ابتداع اليهود كتبًا جديدًة ما أنزل الله بها من سلطان مثل التلمود ولكنها من وحى عقولهم الفاسدة واتخذوها مصدرًا أساسيًا من مصادر التشريع عندهم وهو في المرتبة الثانية بعد التوراة. ¬

_ (¬1) الكنز المرصود في قواعد التلمود د/ يوسف نصر الله ص 50 طبعة دار القلم - الطبعة الأولي -1408 هـ -1987 م (¬2) تاريخ الديانة اليهودية أ/ محمد خليفة حسن ص 213 ط/ دار قباء القاهرة ط/1 - 1988 م. (¬3) التطرف اليهودي د/ عبد الراضي ص 52 ولمزيد من التفصيل انظر: التطرف اليهودي ص 53 - 56، والكنز المرصود ص 47، 48، واليهودية د/ أحمد شلبى ص 265 - 271، وجهود الامامين أ/ سميرة عبد الله ص 273 - 276 ونقد التوراة د/ السقا ص 24. (¬4) سورد النساء جزء الآية: (136). (¬5) سورة الحجر الآية: (9).

المبحث الرابع نقد تصور العهد القديم للنبوة والأنبياء

المبحث الرابع نقد تصور العهد القديم للنبوة والأنبياء قبل الحديث عن تصور العهد القديم للأنبياء لابد من بيان حقيقة النبوة في العهد القديم وما الذي تحتمله هذه اللفظة "النبوة" من معان ومن هو النبى في وجهة نظر اليهود من خلال نصوصهم المقدسة في زعمهم. 1. حقيقه النبوة واللأنبياء عند اليهود: من أجل بيان هذه الحقيقة قد أسهم أ. د / سعد الدين صالح بإسهامات رائعة في نقد العقيدة اليهودية في النبوة والأنبياء وقد ربط في كتابه بين ما يعتقد اليهود في الإله وفي الأنبياء وبين تصرفاتهم في الماضي والحاضر فجاءت إسهاماته واقعية وموضوعية في نفس الوقت يزينها المنهج العلمى الذي سار عليه في نقده لهذه العقيدة وذلك يرجع إلى تخصصه الدقيق في الأديان فله إنتاج متميز في نقد اليهودية والنصرانية وقد بين فضيلته حقيقة النبوة في العهد القديم من خلال رؤية اليهود للنبوة وللأنبياء وأشار إلى أنهم حَمَّلوا لفظة النبوة أكثر مما تحتمل فأدخلوا تحتها ما ليس منها مما أوقعهم في مخالفات كثيرة جدًا فقال تحت عنوان مفهوم النبوة عند اليهود: (المفهوم الصحيح للنبوة والرسالة: هو أنها اصطفاء من الله تعالى واختصاص منه لعبد من عباده يوحى إليه الحق من السماء سواء أمره بالتبليغ أو لم يأمره. ولكن النبوة عند اليهود كان لها مفهوم آخر فهي لا تقتصر على من اختارهم الله لذلك وإنما تتسع لكي تشمل كل من يدعى النبوة من الكهنة والسحرة والمخادعين والكاذبين) (¬1). ويقول: د/ عوض الله حجازي: (وكلمة نبي في عرف اليهود واسعة المدلول فهي تشمل الأنبياء الذين اختارهم الله تعالى لرسالته وأنبأهم بوحيه لإصلاح حال المجتمعات التي وجدوا فيها كما تشمل الكثير من أدعياء النبوة الذين كان منهم الساحر والمنجم والمنافق وغيرهم وإلى هذا يشير حزقيال "قل للذين هم أنبياء من تلقاء ذواتهم اسمعوا كلمة الرب هكذا قال:"الرب ويل للأنبياء الحمقى الذاهبين وراء روحهم ولم يروا شيئًا. أنبياؤك يا إسرائيل صاروا كالثعالب في الخرب ... القائلون وحي الرب والرب لم يرسلهم (¬2) ") (¬3). ¬

_ (¬1) العقيدة اليهودية أ. د/ سعد الدين صالح ص 322 وانظر الإسلام في مواجهة الاستشراق د/ المطعني ص 121، وانظر: أضواء على اليهودية من خلال مصادرها د/ محمد أحمد دياب عبد الحافظ ص 73 ط دار المنار 1406 هـ -1985 م. (¬2) الإصحاح: (13/ 2 - 6) نبوءة ضد الأنبياء الكذبة. (¬3) مقارنة الأديان أ. د/ عوض الله حجازي ص 117 ط دار الطباعة المحمدية - القاهرة - بدون. وانظر: جهود الإمامين أ/ سميرة عبد الله ص 377.

2. رؤية العهد القديم للأنبياء

(والأنبياء الذين ورد ذكرهم في العهد القديم يقسمهم اليهود إلى قسمين: (1) أنبياء كبار مثل: أشعياء - أرمياء - دانيال. (2) أنبياء صغار مثل: هوشع - عاموس - يونان. وفي الوقت ذاته يدعون أن النبوة بدأت بموسى عليه السلام وانتهت بملاخى أما من كان قبل موسى من أمثال إبراهيم وإسحاق ويعقوب فيسمونهم الآباء أو البطارقة -أي العلماء- (¬1). ويؤكد أ. د/ سعد الدين صالح هذا الرأي بقوله: (وهذا التقسيم لا أساس له من الصحة فليس هناك نبي صغير ونبي كبير بل الأنبياء كلهم سواء، قد يُفَضلُ بعضهم على بعض كأولى العزم من الرسل أما تقسيم اليهود لهم لا يليق بمكانة الأنبياء) (¬2). 2. رؤية العهد القديم للأنبياء: لقد وقف النقاد من علماء المسلمين مع رؤية العهد القديم للأنبياء وقفة متأنية فاحصة وربطوا بين نظرة اليهود للإله وبين نظرتهم إلى الأنبياء وأنهم بنفس درجة الانحراف في عقيدتهم في الإله قد انحرفوا في عقيدتهم في الأنبياء فيقول أ. د/ عبد الغني عبود في نقده لعقيدة الأنبياء عند بني إسرائيل: (تعامل بنو إسرائيل بنفس الأسلوب الذي تعاملوا به مع إلههم فأرادوا أن يسوقوا الأنبياء أمامهم لتحقيق أغراضهم ومطامعهم بدلًا من أن يقودهم هؤلاء الأنبياء إلى الطريق الذي يجب أن يسلكوه، وإذا كانت وظيفة إله بني إسرائيل محددة في أن يحقق لهم النصر على الأعداء فقد تحددت وظيفة الرسل عندهم في أن يكونوا واسطة بينهم وبين هذا الإله) (¬3). ¬

_ (¬1) مقارنة الأديان أ. د/ عوض الله حجازي ص 117. (¬2) العقيدد اليهودية: ص 223. (¬3) اليهود واليهودية أ. د/ عبد الغني عبود ص 39.

3. ألقاب الأنبياء في العهد القديم

ويقول د/ صفوت مبارك عن تدنى نظرة اليهود إلى الأنبياء لدرجة وصفهم بارتكاب الجرائم وحاشا لله أن يكونوا كذلك فهم صفوة الله من خلقه: يلاحظ على أسفار العهد القديم أنها حين تتحدث عن الأنبياء لا تنظر إليهم بوصفهم صفوة الله من خلقه وأمنائه على تبليغ وصاياه للبشر، وهم القدوة والأسوة الحسنة لغيرهم من الناس، وهم من أجل ذلك يجب أن يتصفوا بكل الكمالات البشرية، ويتنزهوا عن جميع النقائص والمثالب، وعند مراجعة أسفار العهد القديم يتضح أن هذا الكتاب المقدس عند اليهود لا يتورع عن أن يلصق بالأنبياء كل نقيصة، يكاد يشمل بذلك جميع الأنبياء، وقد كان رد الفعل الطبيعى لذلك أن بالغ المسيحيون بعد ذلك في تنزيه المسيح عن كل نقص بشرى، وغالوا في ذلك حتى رفعوه إلى مقام الألوهية (¬1). 3. ألقاب الأنبياء في العهد القديم: بين د/ حسن ظاظا، أ/ محمد خليفة حسن والباحثة / سميرة عبد الله، ألقاب الأنبياء والرسل في العهد القديم ووظيفتهم من هذه الألقاب: النبي، رجل الله، الرائى: حيث جاء في سفر صموئيل: (قديمًا في إسرائيل هكذا كان يقول الرجل روئيم عند ذهابه ليسأل الله "هل نذهب إلى الرائي, لأن النبي اليوم كان يدعى سابقًا الرائي" (¬2) وقد كان الرائي يخبر بما سيكون وينبئ بالغيب حسب علامات معروفة تلقى دلالاتها وتأويلاتها نقلًا عن سابقيه، كما كان حكيمًا وساحرًا وعرافًا (¬3). وفي بيان أ/ سميرة عبد الله، لمفهوم النبوة وأنه قد اتسع مدلولها في العهد القديم ليشمل شخصيات متعددة من هؤلاء نساء نبيات والأنبياء الكذبة كما تعتقد اليهود وأما النبيات مثل مريم أخت هارون "فأخذت مريم النبية أخا هارون الدف بيدها" (¬4) "ودبورة" ودبورة امرأة نبيَّة زوجة لفيدوت هى قاضية إسرائيل في ذلك الوقت" (¬5) وخلدة امرأة شلوم "فذهب حلقيا الكاهن وأحيقام وعكبور وشافان وعسايا إلى خلدة النبية امرأة شلوم بن تقوة (¬6) " وغيرهن. ¬

_ (¬1) مدخل لدراسة الأديان د/ صفوت مبارك ص 130 بتصرف. (¬2) صموئيل الأول: (9: 9) مجيء شاول إلى صموئيل وانظر: أبحاث في الفكر اليهودي د/ حسن ظاظا ص 62. (¬3) ينظر: جهود الإمامين ص 377، أبحاث في الفكر اليهودي ص 62 وينظر: تاريخ الديانة اليهودية أ/ محمد خليفة حسن ص 118. (¬4) خروج: (15/ 20 - 21) ترنيمة موسى ومريم. (¬5) قضاة: (4/ 4) دبورة وباراق. (¬6) ملوك الثاني: (22/ 14) العثور على كتاب الشريعة.

الأنبياء الكذبة

وينتقد د/ محمد على البار نظرة العهد القديم إلى الأنبياء فيقول مؤكدًا الرؤية النقدية السابقة: يفاجأ من يطالع العهد القدم بالأعداد الكبيرة للأنبياء وهم يطلقون لفظ نبي على كل شخص يتنبأ بأمور المستقبل ووظيفة النبي عندهم تشبه وظيفة المنجمين حتى إنهم زعموا: أن لكل من ملوك بني إسرائيل مجموعة كبيرة من الأنبياء يتنبأون له عما ينبغى أن يفعله: هل يقاتل أم لا؟ هل يخرج لملاقاة العدو أم يمكث في المدينة ... ؟ وكان لكل معبد من المعابد - بالإضافة إلى الكهنة - مجموعة من الأنبياء (¬1). ثم تحدث عن النبيات من النساء مستدلًا بالنصوص سالفة الذكر عن مريم ودبورة وخلدة وقال إنه من الغريب حقًا أن التوراة لم تصف موسى ولا هارون عليهما السلام بالنبوة ووصفت هؤلاء النسوة بالنبوة (¬2). الأنبياء الكذبة: وبنظرة نقدية تحمل في طياتها التعجب لما ورد في العهد القدم من الأخبار عن وجود أنبياء كذبة يقول د/ محمد على البار: إذا كانت أسفار العهد القديم قد اتهمت أنبياء الله الصادقين بكل نقيصة فما بالك بصفات الأنبياء الكذبة وقد تحدثت أسفار العهد القديم عن ظهور أعداد كبيرة من المتنبئين وأشار إلى النصوص التي تؤكد هذا الكلام (¬3). أما ل. م/ أحمد عبد الوهاب في كتابه: "النبوة والأنبياء" قد أخذ جولة بين أقوال النقاد الغربيين للكتاب المقدس وبنظرة نقدية تنم عن متبحر في هذا الجانب وباحث له باع طويل في دراسة الكتاب المقدس والمقارنة بين تراجمة المتعددة جاءت حصيلة جولته النقدية حول موضوع النبوة والأنبياء تقرر الحقيقة التالية: (أنه لا يوجد معيار حقيقى لتمييز حقيقة الظواهر التى اقترنت بكل من الأنبياء الحقيقيين والأنبياء الكذابين ويتبين ذلك مما نقرأه في سفر التثنية "إذا قام في وسطك نبي أو حالم حلمًا وأعطاك آية أو أعجوبة ولو حدثت الآية أو الأعجوبة التي كلمك عنها قائلًا: لنذهب وراء آلهة أخرى لم تعرفها وتعبدها فلا تسمع لكلام ذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم لأن الرب إلهكم يمتحنكم كى يعلم هل تحبون الرب إلهكم من كل قلوبكم ومن كل أنفسكم (¬4) ") (¬5). ¬

_ (¬1) المدخل لدراسة التوراة د/ محمد على البار ص 222، 223 بتصرف بالحذف. (¬2) انظر: المرجع السابق ص 223. (¬3) تثنية: (18/ 20 - 22)، تثنية: (13/ 1 - 5)، ملوك الأول: (22/ 10 - 23) وملوك الأول: (18/ 17 - 25) وملوك الأول: (18/ 26 - 40)، أرميا: (14/ 14)، أرميا: (23/ 11 - 35)، حزقيال: (13/ 1 - 13)، (ميخا 3/ 1 - 5) وينظر: المدخل لدراسة التوراة د/ البار ص 227 - 230 وانظر: تاريخ الديانة اليهودية أ/ محمد خليفة حسن أحمد ص 144 - 147. (¬4) الإصحاح: (13/ 1 - 3). (¬5) النبوة والأنبياء في اليهودية والمسيحية والإسلام ل/ أحمد عبد الوهاب ص 16 مكتبة وهبة ط 2/ 1413 هـ - 1992 م.

وقدم أ/ آدم الألورى رؤية نقدية لنظرة اليهود للأنبياء من خلال نصوص العهد القديم فقال: إدن اليهود لم يعطوا النبوة حقها؛ بل لم يعترفوا ببعضهم كأنبياء وبالتالي برروا لأنفسهم أن يلصقوا بهم التهم والزور والبهتان، ومما يؤكد عدم المعرفة هذه أنهم اعتبروا نوحًا وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى أنبياء ورغم ذلك لم ينصفوهم ولم ينزلوهم المكانة اللائقة هم واعتبروا يوسف وداود وسليمان ملوكًا فناصبوهم العداء وقتلوا معظم الأنبياء الذين أرسلهم الله -عَزَّ وَجَلَّ- إليهم (¬1). ود/ محمد البار، عرض المخالفات إلى نسبتها التوراة للأنبياء ونقدها، وفي نقده لهذه المخالفات قدم الرؤية النقدية على النصوص وبين الرؤية الإسلامية للأنبياء كل على حدة فيقول: ونحن نبرئ الأنبياء عليهم السلام جميعًا من هذه التهم ... ونعتقد اعتقادًا جازمًا لا تردد فيه أن الأنبياء هم صفوة البشر وأنهم لم يبلغوا هذه المكانة عبثًا، فهم على أعلى درجة من الخلق والانضباط. ولا تجوز أن تحدث منهم الصغائر فضلًا عن الكبائر والكفر والعياذ بالله كما تنسبه لهم التوراة ونرى أيضًا أن الأنبياء معصومون عن ارتكاب المعاصي (¬2). وأكثر من نقل النصوص التوراتية الشيخ تقدح في الأنبياء وذويهم وترميهم بما ينافى الأخلاق والذوق السليم وبين أنها افتراء وكذب على رسل الله الذين هم صفوة الله من خلقه. ومن كثرة ما نقل من نصوص بعيدة عن العفة تصيب من يقرؤها بالألم النفسي والغثيان استوقف قلمه في منتصف عرض النصوص وقال: الأمر فظيع فظيع ... ولم تعد أعصابنا تحتمل مواصلة قراءة هذه التوراة المحرفة والتي كانت هدىً ونورًا عندما أنزلها الله تعالى، فأصبحت بعد التحريف رجسًا وظلمات بعضها فوق بعض بسبب تحريف اليهود وأكاذيبهم (¬3). ثم تتبع الأسفار مبينًا ما تحتويه من مخالفات تجاه الأنبياء وفي نهاية حديثه عن الأنبياء في العهد القديم بين دور اليهود في العصر الحديث في انتشار الجرائم الأخلاقيه وقدم إحصائيات لهذه الجرائم في العالم. ¬

_ (¬1) انظر: تاريخ الدعوة إلى الله - آدم الآلورى ص 75. (¬2) المدخل لدراسة التوراة د/ محمد على البار ص 335. (¬3) المرجع السابق ص 344.

وقد أرجع د/ البار انتشار هذه الجرائم إلى تطبيق اليهود لهذه النصوص التي تشير إلى الانحراف تطبيقًا وخلاصة هذه المحاولة العبادة التي قام بها د/ محمد على البار في كتابه تُظهر بوضوح وجلاء المسلك الذي اتبعه في دراسة التوراة والعهد القديم وهو: (1) تقديم الرؤية النقدية على النصوص. (2) العنونة للنصوص بما تحتويه. (3) الإكثار من نقل النصوص دون التعليق عليها إلا النذر اليسير. (4) الربط بين النص والواقع. ففى نهاية عرض النصوص يربط بين النص والواقع بالأدلة والإحصائيات. (5) ضبط العملية النقدية بمنظور الإسلام. أما د/ محمد دياب عبد الحافظ الأستاذ بجامعة الأزهر قد فند مفهوم النبوة عند اليهود وبين أن رؤية الكتاب المقدس للنبوة ليست رؤية صحيحة فهي فيه نبوءة السحر والرؤيا والأحلام والكهانة وغير ذلك وكلها مما يدعيه المتنبئون، وبين أيضًا: أن اليهود لم يعرفوا النبوة الحقيقية -بمعناها الصحيح - إلا بعد احتكاكهم بالعرب بعد عودتهم من مصر بقيادة سيدنا موسى - عليه السلام -، وقال: إنهم رغم معرفتهم للنبوة الإلهية مازالوا يخلطون بين مطالب السحر والتنجيم ومطالب الهداية الإلهية ويجعلون الاطلاع على المغيبات امتحان لصدق النبى في دعواه أصدق وألزم من كل امتحان ففى أخبار صموئيل أنهم كانوا يقصدونه ليدلهم على مكان الماشية الضائعة ويعطونه أجره على ردها (¬1) فتقول التوراة: "خذ معك واحد من الغلمان وقم اذهب فتش على الأتن ... هو ذا نذهب فماذا نقدم للرجل؟ لأن الخبز قد نفد من أوعيتنا وليس من هدية نقدمها لرجل الله ماذا معنا: فعاد الغلام يقول هو ذا يوجد بيدي ربع شاقل فضة فأعطيته لرجل الله فأخبرنا عن طريقنا (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: أضواء على اليهودية د/ محمد أحمد دياب ص 75 مرجع سابق. (¬2) صموئيل الأول: (7/ 3 - 9).

1. النقد الإجمالي

ومن خلال استقراء وتتبع جهود العلماء حول بيان مقام الأنبياء عليهم السلام في العهد القديم وجدت المحاولات النقدية للعلماء تتميز بالسمات التالية: 1. النقد الإجمالي: من العلماء من يتسم نقده بالنظرة الإجمالية دون الدخول في التفاصيل نظرًا للتشابه في نصوص التوراة حول ما ألصق بالأنبياء تفاديًا للتكرار واكتفى بعرض النص لوضوح المخالفة فيه مع الإشارة إلى موضع الخلل في هذا النص أو التناقض والتعارض وهذه السمة تظهر أحيانا في نقد د/ بدران في كتابه "التوراة" وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم والألوسي - رحمهم الله جميعًا -. 2. التفصيل والتوضيح: وذلك من خلال إبراز التناقض وتقويمه وقد تناول بعض العلماء نقد ما يقدح في النبوة والأنبياء بتقديم رؤية نقدية واضحة ومفصلة مبينا مكانتهم اللائقة هم وما يقره العهد القديم من صفات حسنة لهم ويتبع ذلك ببيان افتراءات العهد القديم عليهم وانحراف اليهود فيما يعتقدون فيهم، وبعد ذلك يلقي نظرة تقويمية لما استدل به من نصوص من خلال المنظور الإسلامي لمقام النبوة والأنبياء ومن هؤلاء د/ الهاشمي والباحثة/ سميرة عبد الله. 3. الوحدة الموضوعيه في المعالجة النقدية: وهذه السمة تظهر جيدًا في البحث العلمى المعاصر الذي يمتاز بحسن التبويب والترتيب وتنظيم المعلومات تحت عناوين رئيسة ومفاهيم محددة ويراعى فيها الوحدة الموضوعية فيأتي بالنص موضع الشاهد ويذكر ما يعضده من نصوص أخرى في ذات الموضوع من سائر أسفار العهد القديم ثم يناقش هذا الموضوع مناقشة موضوعية ومن هؤلاء: د/ عبد الوهاب المسيري ود/ الهاثهى، ود/ المطعني، ود/ صفوت مبارك، ود/ عبد الراضى محمد وغيرهم. 4. الدراسه التحليليه التي تعتمد على المناقشة والاستنتاج: وظهور هذه السمة في جهود العلماء هدفها الأساسي الوصول إلى ما تهدف إليه مفردات النص بعيدًا عن التأويل الذي يصرفه عن وجهه الأصلى وبيان الملاحظات التي تؤخذ على النص التوراتي من حيث التفسير الخاطئ للنص من قبل مفسري الكتاب المقدس، وهذه السمة ظهرت بوضوح في جهود العلامة رحمة الله الهندي ود/ المطعني.

1. سيدنا نوح - عليه السلام -

وبعد بيان بعض السمات التي تتميز بها الجهود النقدية لعلمائنا الأفاضل في نقدهم لما ورد في حق الأنبياء أبين هذه الجهود من خلال العناوين التالية: 1 - المقام الحسن لكل نبي من الأنبياء في العهد القديم. 3 - بيان افتراءات العهد القديم على الأنبياء. 3 - عرض لجهود العلماء في الرد على تلك الافتراءات. 2 - التقويم. وعند تتبع جهود علمائنا الأفاضل حول النبوة والأنبياء في العهد القديم يتبين أنهم قد أماطوا اللثام عن أمور خطيرة ألصقت بالأنبياء عليهم السلام ونقدوها نقدًا علميا من خلال نصوص العهد القديم التي تثبت عكس ما يدعون ويبطل بعضها بعضًا؛ لما فيها من التناقض والتعارض الذي يظهر عند المقابلة بين الأسفار من جهة وبين النصوص في المسفر الواحد من جهة أخرى. مع ملاحظة أن بعض الكتاب قام بدراسات موسعة عن بعض الأنبياء ولم يتوسع في البعض الآخر ويرجع ذلك إلى كثرة النصوص التوراتية عنهم. ولما كان تناول جميع الأنبياء الذين ورد ذكرهم في العهد القديم فيه شىء من التطويل رأيت أن أذكر بعضًا من الأنبياء الذين ذكرهم العهد القديم ولكنه لم يعطهم حقهم من الإجلال والاحترام وذلك على النحو التالي: 1. سيدنا نوح - عليه السلام -: المقام الحسن لسيدنا نوح - عليه السلام - في العهد القديم: ذكرت الباحثة / سميرة عبد الله النصوص التي تصف نوحًا - عليه السلام - بالرجل البار بمسيرته على أوامر الله -عَزَّ وَجَلَّ- وجميع أهل بيته وقد أنقذه الله وجميع أهل بيته لبره وصلاحه في السفينة التي أمره بصناعتها من هذه النصوص: 1 - "وأما نوح فوجد نعمة في عيني الرب وكان نوح رجلًا بارًا كاملًا في أجياله وسار نوح مع الله" (¬1). 2 - "وقال الرب لنوح ادخل أنت وجميع بيتك إلى الفلك لأني إياك رأيت بارًا لدىِ في هذا الجيل" (¬2) 3 - "وبارك الله نوحًا وبنيه وقال لهم أثمروا وأكثروا واملؤا الأرض ولتكن خشيتكم ورهبتكم على كل حيوانات الأرض وكل طيور السماء (¬3) " (¬4). ¬

_ (¬1) تكوين: (6/ 8 - 10) الطوفان. (¬2) تكوين: (7/ 1) بدون. (¬3) تكوين: (9/ 1 - 2) عهد الله مع نوح. (¬4) جهود الإمامين: ص 386.

ب - افتراءات العهد القديم على سيدنا نوح - عليه السلام -

ب - افتراءات العهد القديم على سيدنا نوح - عليه السلام -: 1. زعموا أنه سكر حتى تعرى والنص يقول: "وابتدأ نوح يكون فلاحًا وغرس كرمًا وشرب من الخمر فسكر وتعرى داخل خبائه (¬1). 2. زعموا أن نوحًا - عليه السلام - يلعن كنعان بن حام لذنب لم يقترفه بل وقع فيه والده عن غير قصد فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه وأخبر إخوته خارجًا فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافهما ومشيا إلى الوراء، وسترا عورة أبيهما ووجهاهما إلى الوراء، فلم يبصرا عورة أبيهما فلما استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به ابنه الصغير, فقال ملعون كنعان. عبد العبيد يكون لإخوته وقال: "مبارك الرب إله سام وليكن كنعان عبدًا لهم، ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام، وليكن كنعان عبدًا لهم (¬2) " (¬3). ج - جهود العلماء في الرد على هذا الافتراء: ينتقد د/ بدران هذا الافتراء الذي افترته التوراة على سيدنا نوح - عليه السلام - فيقول متسائلًا: لماذا أسكرته التوراة؟ وما أهمية ذكر مثل هذه الواقعة في كتاب مقدس. وأجاب على ذلك بقوله قد يرجع السبب في هذا: إظهار الحقد الدفين في قلوبهم تجاه الفلسطينيين وهذا تشويه لصورة سيدنا نوح - عليه السلام - (¬4). ويرد ل. م/ أحمد عبد الوهاب على هذا الزعم بقوله: من الواضح أن هذه أول بذرة لما يعرف بـ "السامية" باعتبارها عرقًا جنسيًا يتعالى عن بقية البشر، ولو كانوا أخوة "أبناء أب واحد" وإذا كان علماء اليوم على إدراك تام بأن الحديث عن السامية لا يعني مدلولًا عرقيًا، وإنما يمكن أن يعطى مفهومًا لغويًا بمعنى أن الشعوب التي عاشت في منطقة الشرق الأوسط تكلمت لغات بينها أواصر قربى وتعرف بمجموعة اللغات السامية - نسبة إلى سام بن نوح - (¬5). وثمة تساؤل يلح عن الظلم الفادح الذي أصاب كنعان بسبب تصرف نُسب إلى أبيه حام، إذ من الواضح أن كنعان برئ تمامًا من كل خطية تورثه اللعنة والعبودية أو حتى ما هو أقل منهما بمراحل كاللوم والتقريع. وإذا كان هناك من يدان فهو بلا شك شخص آخر غير كنعان وأبيه حام (¬6). ¬

_ (¬1) تكوين: (9/ 20 - 21) أولاد نوح. (¬2) تكوين (9/ 22 - 27) السابق. (¬3) وينظر: جهود الإمامين ص 386، 411. (¬4) التوراة: د/ بدران ص 48. (¬5) النبوة والأنبياء ل. م/ أحمد عبد الوهاب ص 33، والمنجد في اللغة والأعلام، ص 346 - 347. (¬6) المرجع السابق ص 33، 34.

ويعلق د/ عبد الراضي محمد على هذه التهمة التي ألصقت بنوح - عليه السلام - ويأخذ عليها أنه كيف يؤخذ الابن بذنب أبيه فيقول: (والعجيب أن الذي أذنب بالنظر إلى عورة أبيه هو حام أبو كنعان، والذي عوقب باللعنة ابنه كنعان، وأخذ الابن بذنب الأب خلاف العدل وهذا وجه آخر من وجوه التطرف اليهودي) (¬1). ويتعجب د/ الهاشمي أيضًا في نقده لهذه الفرية فيقول: (لم هذه اللعنة؟! إنها يجب أن تنصب أولًا على من يسكر ويتعرى وهو نوح - عليه السلام -في زعمهم- لا على من يرى عورة السكران المتعري! والرائى هو حام الأب والملعون هو كنعان الولد الثالث لحام وهل تُستجاب دعوة السكران المتعري؟ وكيف يكون النبي كذلك؟) (¬2). (ثم لو صحت اللعنة وقبلت فلم لم تقع على الرائي وهو حام -الأب- وتقع على ولده كنعان الذي لم ير العورة؟ إنه الخبث والدهاء في الوقيعة، بل الغباء في الاتهام, لأن كنعان أبو العرب وذريته الكنعانيون هم سكنة فلسطين الأصليون والشرعيون وأعداؤهم التقليديون في فلسطين طيلة تواجدهم فيها حتى زمن أوسع مملكة لهم فيها: "مملكة داود وسليمان عليهما السلام" لذا لا بد لليهود في توراتهم من استبعاد ذرية حام -الكنعانيين - ومن يحمل عليهم من المصريين والسودانيين والأحباش والعرب جميعهم ملعونون في توراتهم من غير أي سبب إلا ليكون العرب الكنعانيون أعداء تقليديين قدماء ومعاصرين لهم في فلسطين) (¬3). وبناءً على ما سبق فإن ما ادعاه العهد القديم في حق سيدنا نوح - عليه السلام - هو من الأباطيل والخرافات إذ كيف يتصور أن نبي الله يشرب الخمر حتى يسكر ويتعرى ثم بعد أن يفيق ويعلم ما حدث يفرق بين أولاده فيدعو على كنعان ويبارك سام ويافث، وقد تبين من خلال نقد العلماء أن الدافع وراء تفضيل سام ويافث هو كراهية الفلسطينيين والعرب عمومًا لأن كنعان أبو العرب وهذا تتم عندهم أفضلية النسل الأعجمى على النسل العربي وقد فند العلماء هذه الأكاذيب وبرؤا ساحة نبي الله نوحًا - عليه السلام - الذي أخبر الله -عَزَّ وَجَلَّ- بأنه كان نبيًا يوحى إليه فقال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} (¬4) وكان رسولًا يدعو إلى التوحيد ويحذر من أهوال يوم القيامة فقال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (¬5). وقال تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا} (¬6). وغير ذلك من الآيات إلى تبين مقام سيدنا نوح - عليه السلام - في القرآن الكريم (¬7) ¬

_ (¬1) التطرف اليهودي د/ عبد الراضى ص 32. (¬2) فلسطين في الميزان د/ الهاشمي ص 112. (¬3) المرجع السابق ص 112. (¬4) سورة النساء الآية: (163). (¬5) سورة الأعراف الآيتان: (59) (¬6) سورة نوح الآية: (5). (¬7) انظر: النبوة والأنبياء: ص 34 - 36.

سيدنا إبراهيم - عليه السلام -

سيدنا إبراهيم - عليه السلام -: أ. المقام الحسن لسيدنا إبراهيم - عليه السلام - فى التوراة: ذكر د/ الهاشمي والباحثة / سميرة عبد الله بعض ما ورد في العهد القديم من نصوص تدل على الصفات الحسنة التي كان يتمتع بها سيدنا إبراهيم - عليه السلام - منها: 1. هو أمة كمقامة في القرآن: "وإبراهيم يكون أمة كبيرة وقوية، ويتبارك به جميع أمم الأرض" (¬1). 2. امتازت حياته بالكرم (¬2)، وضيافة الأغراب (¬3)، والإخلاص والوفاء والأمانة والحنو والرقة والعاطفة (¬4) وغير ذلك من النصوص (¬5). ب - افتراءات التوراة على سيدنا إبراهيم - عليه السلام -: 1. تزعم التوراة: أن إبراهيم - عليه السلام - حين كان راجعًا من شرق الأردن إلى فلسطين أخرج له ملكها "ملكى صادق" خبزًا وخمرًا لانعاشه وإنعاش جنوده الذين معه فأكلوا وشربوا" (¬6). 2. وتزعم: أن إبراهيم - عليه السلام - يخالف تعاليم الله -عَزَّ وَجَلَّ- في الميراث بما ينم عن ... خروجه عن طاعة الرب فقد نص سفر التثنية على أن إبراهيم - عليه السلام - ورث ماله كله لإسحاق وحرم منه إسماعيل: "وأعطي إبراهيم إسحاق كل ما كان له وأما بنوا السراري اللواتي كانت وإبراهيم فأعطاهم إبراهيم عطايا وصرفهم عن إسحاق ابنه شرقًا إلى أرض المشرق وهو بعد حي" (¬7). 3. وتزعم: أن إبراهيم - عليه السلام - يرضي بظلم سارة وذلها لهاجر زوجته الثانية ويقول لها افعلى بها ما يحسن في عينيك: "فقال إبراهيم لساراي هو ذا جاريتك في يدك افعلى ما يحسن في عينيك فأذلتها ساراي فهربت من وجهها" (¬8). ¬

_ (¬1) تكوين: (18/ 18) صلاة إبراهيم من أجل سدوم. (¬2) انظر: تكوين: (13/ 9)، (14/ 23) إبراهيم ينقذ لوطًا. (¬3) انظر: تكوين: (18/ 2 - 8) الزوار الثلاثة. (¬4) انظر: تكوين: (14/ 14، 24)، (18/ 23 - 32)، (23/ 2) موت سارة. (¬5) انظر: فلسطين في الميزان, د/ الهاشهي، ص 30، جهود الإمامين، ص 387. (¬6) انظر: تكوين: (4/ 18) قابيل وهابيل. (¬7) تكوين: (25/ 5 - 6) موت إبراهيم. (¬8) تكوين: (16/ 6) هاجر وإسماعيل.

ج- جهود العلماء فى الرد على هذه الافتراءات

4. تنازله عن زوجته مرتين - مرة لفرعون - بحجة خوفه من القتل ثم ربح بها هدايا ثمينة من ذهب وفضة وجوار وحمير وجمال وغنم وبقر ... غير أن فرعون لم يمسسها (¬1). والنص يقول: قال إبراهيم لزوجته: إنى قد علمت أنك امرأة حسنة المنظر فيكون إذا رآك المصريون أنهم يقولون هذه امرأته فيقتلونني ويستبقونك، قولى إنك أختى ليكون خير بسببك .. وتحيا نفسى من أجلك (¬2) ثم تنازله عن هذه الزوجة للمرة الثانية لأبيمالك فلم يمسسها بسبب رؤيا حذرته منها ثم أرجعها إلى زوجها إبراهيم مع هدايا نفيسة (¬3). ج- جهود العلماء فى الرد على هذه الافتراءات: وينتقد العلامة رحمة الله الهندي ما لفقه كتبة العهد القديم لسيدنا إبراهيم - عليه السلام - بطرحه أسئلة استفهامية يستنكر من خلالها هذه الافتراءات فيقول: كيف يجوز للعقل أن يرضى إبراهيم بترك حريمه وتسليمها ولا يدافع عنها, ولا يرضى بمثله من له غيرة ما، فكيف يرضى مثل إبراهيم الغيور (¬4). وانتقد صاحب تصير الميزان قصة إبراهيم - عليه السلام - في التوراة نقدًا إجماليًا بعد ما عرضها دون أن يدخل في التفاصيل فقال: هذه القصة فيها من التدافع بين جملها والتناقض بين أطرافها مما يدل على أن هذا الكتاب المقدس لعبت به أيدى التحريف فلقد أهملت التوراة ذكر مجاهداته في أول أمره وحجاجاته لقومه وما قاساه منهم من المحن والأذى وهي طلائع بارقة لماعة من تاريخه - عليه السلام - ولقد أهملت أيضًا ذكر بنائه الكعبة المشرفة وما يتعلق بها وليس إهمال ذكره إلا لنزعه إسرائيلية من كتَّاب التوراة ومؤلفيها دعتهم إلى الصفح عن ذكر الكعبة! وإحصاء ما بناه من المذابح ... ونسبت إليه أيضًا ما لا يلائم مقام النبوة (¬5). أما د/ بدران: له مآخذ على ما ورد في التوراة حول قصة سيدنا إبراهيم - عليه السلام - فيقول: لقد شوهت التوراة صورته ... ويبدو أن كتبة التوراة أقاموا حلفًا مع الشيطان وأخذوا معه العهد على تلويث صورة الأنبياء العظماء ... فألصقوا لإبراهيم خليل الله أشياءً لا تليق بمكانته .. ولا بنبوته بل لا تليق مطلقًا بإنسان له كرامته (¬6) ¬

_ (¬1) تكوين: (12/ 4 - 15) دعوة إبراهيم. (¬2) تكوين: (12/ 11 - 13) إبراهيم في مصر. (¬3) ينظر: القصة كاملة في تكوين (12/ 10 - 20)، (13/ 1 - 3)، (20/ 1 - 15) إبراهيم وأبيمالك. (¬4) إظهار الحق: (2/ 556). (¬5) العلامة محمد حسين الطباطبائي: (7/ 225) بتصرف بالحذف. (¬6) التوراة: د/ بدران ص 50.

موقف القرآن الكريم من سيدنا إبراهيم عليه السلام.

وعن موقفه الذى تنازل فيه عن زوجته لفرعون يقول د/ بدران: هكذا صورت التوراة إبراهيم - عليه السلام - وألصق له كتبتها أشياءً غير أخلاقية وجعلته يؤثر الأشياء الدنيوية على شرفه ... ألصقوا به الخوف وعدم الاهتمام بالشرف لمجرد أن يملأ بطنه، وماذا عن موقف فرعون (¬1)؟ تقول التوراة: "إن فرعون اتخذ سارة زوجة له .. ولما عرف أن سارة زوجة إبراهيم دعاه وقال له: "ما هذا الذي صنعت بي؟ لماذا لم تخبرنى أنها امرأتك؟ لماذا قلت هى أختى؟ حتى أخذتها لى لتكون زوجتى؟ والآن هو ذا امرأتك. خذها واذهب" (¬2). (وهكذا كان موقف فرعون أسمى وأنبل من موقف إبراهيم - عليه السلام - هكذا أوقفت التوراة إبراهيم - عليه السلام - موقفًا خسيسًا يرضى لزوجته أن تكون لغيره) (¬3) وحاشا لله أن يصدر ذلك من أبى الأنبياء وخليل الرحمن وكل ما نسبته له التوراة كذب وافتراء. وينتقد د/ محمد دياب ما نسب لسيدنا إبراهيم - عليه السلام - في التوراة بقوله: هكذا يحوى كتاب اليهود المقدس الكثير من اللغو والعبث والهذى فينسب لخليل الرحمن الاتجار بالعرض والشرف كما يصفه بالكذب عندما قال عن سارة لما سأله أبيمالك - من هذه؟ قال أختى - (¬4). موقف القرآن الكريم من سيدنا إبراهيم عليه السلام. إن ما نسبته التوراة إلى إبراهيم - عليه السلام - زور وبهتان ومحض افتراء على خليل الرحمن فهو أعلى منازل الأنبياء بعد رسولنا - صلى الله عليه وسلم - فقال تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} (¬5) بل إنه أمة بميزان القرآن الكريم وهو فرد فقال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬6) وهو من أولى العزم من الرسل قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} (¬7). وهو بانى الكعبة ومطهرها من الأصنام فقال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (¬8). وغير ذلك من الآيات إلى تبين مقامه الرفيع عند الله سبحانه وتعالى. ¬

_ (¬1) التوراة: د/ بدران ص 50. (¬2) تكوين: (12/ 18 - 20) إبراهيم في مصر. (¬3) التوراة: د/ بدران ص 50. (¬4) انظر: أضواء على اليهودية د/ محمد دياب ص 83. (¬5) سورة النساء الآية: (125). (¬6) سورة النحل الآية: (120). (¬7) سورة الأحزاب الآية: (7). (¬8) سورة البقرة الآية: (127) وانظر: فلسطين في الميزان د/ الهاشهى ص 29.

سيدنا لوط - عليه السلام -

سيدنا لوط - عليه السلام -: ذكرت الباحثة / سميرة عبد الله ما يدل على المقام الحسن لسيدنا لوط - عليه السلام - فى التوراة فقالت: لقد وجد لوط - عليه السلام - نعمة في عيني الرب فأرسل ملائكته لإخراجه هو وأصهاره وبنيه وبناته من مدينة سدوم التي أرسلوا لإهلاكها ومن فيها لشرور أنفسهم وقبائح أعمالهم ونص ذلك: "وقال الرجلان وهما - من الملائكة - للوط من لك أيضًا ها هنا؟ أصهارك وبنيك وبناتك وكل من لك في المدينة اخرج من المكان لأننا مهلكان هذا المكان" (¬1). فلا بد أن يكون لوط بارًا تقيا للرب ليستحق نجاة الرب له ومن خطاب لوط لربه يثبت ذلك حيث إنه يقول: "وهو ذا عبدك قد وجد نعمة في عينيك وعظمت لطفك الذي صنعت إلىّ باستبقاء نفسي" (¬2). ب. افتراءات العهد القديم على نبي الله لوط - عليه السلام -: برهن علماء المسلمين على افتراء العهد القديم على نبي الله لوط - عليه السلام - بالنص التالي: "ثم إن لوطًا ... سكن في الجبل وابنتاه معه ... فسكن المغارة هو وابنتاه، وقالت البكر للصغيرة: "أبونا قد شاخ وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض هلم نسقى أبانا خمرًا ونضطجع معه فنحيي من أبينا نسلًا"، فسقتا أباهما خمرًا في تلك الليلة، ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها، وحدث في الغد أن اضطجعت الصغيرة معه ... فحبلت ابنتا لوط من أبيهما فولدت البكر ابنا ودعت اسمه "موآب" وهو أبو الموآبيين إلى اليوم، والصغيرة أيضًا ولدت ابنا ودعت اسمه "بن عمي" وهو أبو بني عمون إلى اليوم" (¬3). ج. جهود العلماء فى نقد هذه الافتراءات والرد عليهما: يقول د/ الهاشمي: ومن يقرأ التوراة لا سيما سفر التكوين يجد مؤلفيها قد سفهوا جميع الأقوام وأنبياءهم ما عدا قناة واحدة تمتد من نوح إلى يعقوب إسرائيل - عليه السلام - وألصقوا بسوى هذه القناة من الأنبياء وأسرهم وشعوبهم شتى المساوئ والمخازى لينتهوا بالنتيجة إلى إسرائيل وبنيه - الورثة الموعودين الشرعيين لأرض الميعاد إذ بزعمهم كذا! فأغرقوا البشر أجمع إلا نوحًا وأهله وأولاده ثم أبعدوا من ولد "نوح" ولديه، وأبقوا الامتياز لسام - جدهم الأعلى على زعمهم ثم أبعدوا لوطًا من الساميين ليبقى إبراهيم - عليه السلام - وحده في الميدان ثم أبعدوا "إسماعيل" - عليه السلام - جد العرب وجد نبينا - صلى الله عليه وسلم - الأعلى لينتهوا إلى إسحاق - عليه السلام - ثم أبعدوا عيسو توأم يعقوب - عليه السلام - ليخلوا لهم المجال الشرعى بزعمهم في تملك فلسطين إلى أولاد يعقوب بنى إسرائيل وحدهم دون العرب والناس أجمعين (¬4). ¬

_ (¬1) تكوين: (19/ 12) وانظر: جهود الإمامين ص 388. (¬2) تكوين: (19/ 19) وانظر: جهود الإمامين ص 388. (¬3) تكوين: (9/ 30 - 38). (¬4) فلسطين في الميزان: د/ الهاشمي ص 99.

ثم يعود د/ الهاشمي ويوضح هذا السبب في موضع آخر من كتابه "فلسطين في الميزان" فيقول: وبعد أن استتب الوضع للساميين، نظريًا في التوراة إلى شوهها اليهود، ظهر لوط - عليه السلام - من الساميين، وهو نبي جليل ابن أخو إبراهيم عليهما السلام فلابد من لصق تهم فظيعة تستبعده من الطريق المرسوم لبنى إسرائيل فذكروا أن لوطًا طاب له المقام في سدوم وعمورية بلدى الجنس المباح بانحرافاته وشذوذه ثم أنه سكر وزنى بابنتيه - في زعمهم - وأنجبتا منه - موآب وعمون - فتلوث شرف الموآبيين والعمونيين - أشد خصوم الإسرائيليين في الأردن صرامة وشجاعة في الحروب إذ هم أولاد زانية وأية زانية من أبيهما وهذا أكبر مثلبة تصيب المرء (¬1). زقد رصد الإمام ابن القيم هذه الحادثة وقال إنها دليل واضح على التحريف والتبديل الذي وقع في التوراة وبرأ ساحة النبوة وأنه لا يجوز نسبة هذه الأمور إلى أحد منهم ولا يشك في ذلك ذو بصيرة وأن التوراة المنزلة على سيدنا موسى - عليه السلام - بريئة من ذلك ثم ذكر القصة باختصار وعقب عليها بسؤال تعجبي يبين استحالة ما تدعيه التوراة وبالتالى براءة سيدنا لوط - عليه السلام - من هذه الجريمة فيقول: (فهل يحسن أن يكون نبي رسول كريم على الله يوقعه الله سبحانه في مثل هذه الفاحشة العظيمة في آخر عمره، ثم يذيعها عنه ويحكيها للأمم (¬2). ويضيف العلامة رحمة الله الهندي: إن "موآب"، "وابن عمي" الذين ولدا بواسطة الزنا ما قتلهما الله، وقتل الولد الذي ولد بزنا داود" (¬3) بامرأة أوريا، لعل الزنا بامرأة الغير أشد من الزنا بالبنات عندهم بل هما كانا من المقبولين عند الله - في زعمهم -" (¬4). أما د/ على خليل في كتابه "التعاليم الدينية اليهودية" ذكر القصة كما وردت في التوراة وعلق عليها بقوله: إنها من الحوادث اللا أخلاقية التي تدعيها التوراة على الأنبياء (¬5). ¬

_ (¬1) فلسطين في الميزان: ص 112، 113. (¬2) هداية الحيارى - لابن القيم ص 202. (¬3) انظر: صموئيل الثاني: (12/ 7 - 15) أمنون وثامار. (¬4) إظهار الحق: (2/ 557). (¬5) التعاليم الدينية اليهودية د/ على خليل ص 26 رسالة ضوئية على الإنترنت موقع المركز الفلسطيني للإعلام. .....

موقف القرآن من سيدنا لوط عليه السلام.

والدكتور/ بدران يحلل النص بتدخله أثناء سرده ليوضح ما يريده النص ويلفت النظر إلى بشاعة ما تقوله التوراة وقبل أن يذكره يقدم ملاحظته على النص فيقول: (وهذا نبي الله لوط - عليه السلام - لوثته التوراة هو الآخر ورمته بالزنا ومع من؟ مع ابنتيه) (¬1). ويقول أيضًا: والقصة تبدأ من بعد أن أمطر الله النار والكبريت على سدوم وعمورة بلد لوط .. ومات القولة الكفرة لأفعالهم القذرة وخرج لوط مع ابنتيه وسكن الجبل .. وما كان من ابنتي لوط إلا أن فكرتا في إنجاب الأطفال من أبيهما .. لأن الجبل موحش فسقياه خمرًا حتى غاب عن الوعى وضاجعتاه وأنجبتا منه ذكرين. ثم ذكر النص الكامل للقصة (¬2). موقف القرآن من سيدنا لوط عليه السلام. إن ما نسبته التوراة إلى سيدنا لوط - عليه السلام - هو من الأباطيل وأسوأ الخرافات التوراتية وهو برئ مما نسب إليه من سوء وافتراء إذ جاء في القرآن الكريم أنه - عليه السلام - في قومه عن اقتراف هذه الفعلة الشنعاء فقال تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} (¬3). ¬

_ (¬1) التوراة: د/ بدران ص 50. (¬2) المرجع السابق: ص 51. (¬3) سورة الأعراف الآيات: (80 - 82).

سيدنا إسحاق - عليه السلام -

سيدنا إسحاق - عليه السلام -: أ - المقاء الحسن لسيدنا إسحاق - عليه السلام - فى التوراة: رصد د/ الهاشمى والباحثة / سميرة عبد الله، بعضًا من النصوص التوراتية التي تدل على ما يحتله إسحاق - عليه السلام - من مقام حسن في العهد القديم (¬1) منها: 1 - ولادته معجزة وتكريم لوالديه العجوزين "فضحكت سارة زوجته وقالت: سيدي قد شاخ، وأنا شخت، أفى الحقيقة ألد؟ (¬2) ". 2 - قصة الذبيح تنسبها التوراة إليه، وتصفه بالوحيد - في حين أن الابن الوحيد هو إسماعيل - إذ بقى وحيدًا 14 سنة حتى ولد إسحاق إذ كان عمر والده 86 سنة "خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق (¬3) " في قصة الذبيح بينما لم يكن الولد الوحيد وإنما الوحيد إسماعيل بقي 14 سنة وحيدًا لأبيه قبل ولادة إسحاق. 3 - "وأباركك وأكثر نسلك من أجل إبراهيم عبدي فبنى هناك مذبحًا ودعا باسم الرب" (¬4). ب - افتراءات اليهود القديم على نبي الله إسحاق - عليه السلام -: 1. تخليه عن زوجته "رفقة" افتراء عليهما لأبيمالك بنفس عذر والده المفترى عليه بسبب جمالها الفتان كذلك، كما افترت التوراة على أبيه إبراهيم - عليه السلام - "فأقام إسحاق في "جرار" (¬5) وسأله أهل المكان عن امرأته فقال "هي أختي" لأنه خاف أن يقول "امرأتي" لعل أهل المكان "يقتلونني من أجل رفقه؛ لأنها كانت حسنة المنظر" (¬6). 2. الادعاء أنه الابن الوحيد لسيدنا إبراهيم - عليه السلام - "خذ ابنك وحيدك الذي تحبه - إسحاق" (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: فلسطين في الميزان ص 38، انظر: جهود الإمامين ص 388. (¬2) تكوين: (17/ 17)، (18/ 13) الزوار الثلاثة. (¬3) تكوين: (22// 12، 16) امتحان إبراهيم. (¬4) تكوين: (26/ 24 - 25) إسحاق وأبيمالك. (¬5) هى: مدينة قديمة شهيرة في جنوب فلسطين على بعد ثمانية أميال جنوب شرقي غزة: (تكوين 10/ 9)، (قاموس الكتاب المقدس ص254). (¬6) تكوين: (26/ 6 - 7) إسحاق وأبيمالك. (¬7) تكوين: (22/ 2).

ج- جهود العلماء في نقد هذه الافتراءات

ج- جهود العلماء في نقد هذه الافتراءات: وحول هذه القصة يقول د/ على خليل: (مثل هذا السلوك لم يألفه الكنعانيون إنه انحطاط في القيم الأخلاقية، ويعتبره الكنعانيون ذنبًا وعارًا فهم يخافون الله، ومن هذا المبدأ كان موقف أبيمالك من إبراهيم ومن ابنه إسحاق، ومن هذا السلوك عمومًا) (¬1). وعلى هذا الافتراء الواضح الذي ألصقته التوراة بإسحاق - عليه السلام - يقول د/ عبد الراضي محمد ود/ محمد دياب: (لقد نسبت اليهود الكذب إلى إسحاق - عليه السلام - كما نسبوه إلى أبيه إبراهيم من قبل، وفي ظروف مشابهة لظروف أبيه وهي الخوف على الزوجة من الرجال أصحاب المكان) (¬2). وبهذا (لم ينج إسحاق - عليه السلام - من اتهام الكتاب المقدس له بالكذب والاتجار بامرأته) (¬3) ويضيف د/ بدران محمد بدران إلى ما تقدم ذكره - يضيف بعدًا نقديًا آخر - فيقول: (هذا هو الموقف المذري الذي أوقفته التوراة لإسحاق عبد الله الصالح وأوقفت الوثني أبيمالك موقفًا مشرفًا ... ولكن ما هى صلة القرابة بين إسحاق ورفقه؟ إنها ليست أخته لا من أبيه ولا من أمه، ولكنها ابنة عمه وقد زوجها له عبد إبراهيم أبيه بناء على وصية إبراهيم. هذا يعني أن إسحاق النبي كاذب) (¬4). وحاشا لله أن يكون نبي من أنبياء الله كاذبًا وبذلك يتبين انحراف التوراة في نظرتها للأنبياء وفي إلصاقها إياهم ما يتنافى مع عصمة النبوة، أما ادعاء أن الذبيح هو إسحاق وليس إسماعيل - عليه السلام - فقد أفاض علماء المسلمين في نقد هذا الادعاء وبينوا من خلال نقدهم للكتاب المقدس أن الذبيح هو إسماعيل - عليه السلام - وأيدوا ذلك بالأدلة القوية والبراهين القاطعة من العهد القديم والقرآن الكريم أيضًا ولكل من الإمامين ابن تيميه (¬5) وتلميذه ابن القيم (¬6) جهود قيمة في كشف زيف هذه الدعوى وبيان بطلانها. ¬

_ (¬1) التعاليم الدينية اليهودية د/ على خليل ص 26. (¬2) التطرف اليهودي د/ عبد الراضي محمد ص 36. (¬3) أضواء على اليهودية: د/ محمد دياب ص 84. (¬4) التوراة: د/ بدران ص 53. (¬5) هو: شيخ الإسلام تقى الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني الدمشقي إمام الأئمة الشهير بابن تيميه، ولد بحران يوم الاثنين 10 ربيع الأول 660 هجرية نشأ في أسرة اشتهرت بالعلم واشتغل رجالها بالتدريس والإفتاء والتأليف، تتلمذ على يد والده وزين العابدين أحمد بن عبد الدائم وجمال الدين بن يحيى بن زكريا الصيرفي توفي في 20 ذي القعدة 728 هجرية (انظر: شذرات الذهب لابن العماد (6/ 80 - 85) ط دار الآفاق الجديدة - بيروت. (¬6) هو: عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الدمشقي الحنبلى الشهير بابن قيم الجوزية ولد في السابع من صفر عام 691، والذي اشتهر بلقب (قيم الجوزية) هو والده الشيخ أبو بكر ابن أيوب الزرعي حيث كان قيمًا على المدرسة الجوزية بدمشق، ولد من أبوين صالحين ونشأ في بيت علم ودين وورع وصلاح وقد تتلمذ على يد والده وشيخ الإسلام ابن تيميه والشهاب النابلسي وغيرهم وتوفي عام 751 هجرية (انظر: شذرات الذهب 6/ 168).

أما عن جهود الإِمام ابن تيميه وموقفه من هذه الدعوى فهي كما يلي: يرد ابن تيميه على من سأله عن الذبيح هل هو إسماعيل أم إسحاق؟ بإماطة اللثام عن حقيقة ذلك مبينًا فساد ما يزعمه اليهود ومن وافقهم في الزعم بأن الذبيح إسحاق - عليه السلام - متخذًا من آيات القرآن الكريم والسنة الشريفة أنصع الأدلة اليقينية على وجوب القطع بأنه إسماعيل ثم يتعرض لتحريف اليهود لهذه المسألة في كتبهم بزيادتهم للفظ "إسحاق" ليصلوا من وراء ذلك لشرف الانتساب إلى إسحاق دون إسماعيل كذبًا وبهتانًا وادعاءً فيكشف زيفهم فيما يعتقدونه (¬1). فيقول رحمه الله: (إن الذي يجب القطع به أنه إسماعيل وهذا هو الذي عليه الكتاب والسنة والدلائل وهو الذي تدل عليه التوراة التى بأيدي أهل الكتاب) (¬2). وذكر ما جاء في التوراة من قول الرب لإبراهيم: "اذبح ابنك ووحيدك وفي ترجمة أخرى بكرك" (¬3) وأكد على أن إسماعيل هو الذي كان وحيده وبكره باتفاق المسلمين لكن أهل الكتاب حرفوا فزادوا إسحاق فتلقي ذلك عنهم من تلقاه (¬4) ثم شرع رحمه الله بعد ذلك في الرد على اليهود مستدلا بما ورد في القرآن الكريم من أدله بطلان ذلك والتأكيد على كون الذبيح إسماعيل - عليه السلام - بطريقتين لهما أهميتهما القصوى في التدليل على الحقيقة وهما "إجمالية وتفصيلية" (¬5). ¬

_ (¬1) جهود الإمامين ص 302، 303. (¬2) مجموع الفتاوى لابن تيميه: فصل الاعتقاد مجلد (4/ 331) طبعة 2، 1399 هـ. (¬3) تكوين: (22/ 1 - 2) امتحان إبراهيم، وانظر: مجموع الفتاوى بن تيميه (4/ 331). (¬4) انظر: مجموع الفتاوى (4/ 332). (¬5) جهود الإمامين ابن تيميه وابن القيم ص 303 أما الأدلة الاجمالية استدل بقوله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} وقال أن هذه البشارة فيه ثلاثة أدلة وهي: (1) أن الولد غلام ذكر. (2) وأنه يبلغ الحلم. (3) وأنه يكون حليمًا. ومما يدل على حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح فقال له: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}. فعلق بطلان ادعائهم على هذه الأمور الثلاثة، أما الأدلة التفصيلية أذكر منها ما يلي: 1. الإخبار بالبشارة بالذبيح وإيراد قصته أولًا ثم بعد ذلك بالبشارة الثانية وهي البشارة بإسحاق. 2. أن البشارة بالذبيح كونه غلامًا حليما وأما البشارة بإسحاق فكونه غلامًا عليمًا ولما كان الحلم هو مناسب للصبر دل ذلك على أنه هو خلق الذبيح وأنه إسماعيل رقد وصفه الله تعالى بالصبر فقال: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الأنبياء: 85] ولمزيد من التفصيل يراجع: "مجموع الفتاوى (4/ 331 - 335) ومنهاج السنة - ابن تيميه (5/ 353 - 355) ط دار الكتب العلمية بيروت. بدون.

وقد وافق الإِمام ابن تيميه تلميذه ابن القيم في رد هذه الدعوى وبيان بطلانها فقال: (وفيها - التوراة - أن الله قال لإبراهيم: "اذبح ابنك بكرك إسحاق" وهذا من بهتهم وزيادتهم في كلام الله تعالى فقد جمعوا بين النقيضين فإن بكره هو إسماعيل فإنه بكر أولاده، وإسحاق إنما بُشر به على الكبر بعد قصة الذبيح) (¬1). وأكد أن الذبيح إسماعيل وليس إسحاق بعدة وجوه منها ما يلي: 1. أن بكره باتفاق جميع الملل الثلاث هو إسماعيل - عليه السلام - وكونهم جمعوا بين ذبح بكره وتعيينه بإسحاق فهذا جمع بين النقيضين. 2. أن أمر الله -عَزَّ وَجَلَّ- لإبراهيم أن ينقل زوجته هاجر وابنها إسماعيل عن زوجته الأخرى سارة لتسكن في مكة كان خوفًا من غيرة سارة فلما كان أمره بإبعاد السرية هاجر دفعًا لأذى المغيرة عن سارة. كان أمر الله بعد ذلك بذبح ابن سارة وإبقاء ابن السرية مما لا تقتضيه الحكمة. 3. لم يقدم إبراهيم بإسحاق إلى مكة أبدًا ولم يفرق بينه وبين أمه أبدًا وقد كان موضع ضرتها في مكة فكيف يأمره الله بذبح إسحاق بموضع ضرة أمه فى بلدها؟ 4. رزق إبراهيم - عليه السلام - بإسماعيل وهو في عنفوان قوته، ورزق بإسحاق - عليه السلام - على الكبر والعادة أن القلب يتعلق بأول الأولاد وهو أميل وأحب من الثاني فكان هو المأمور بذبحه حتى يثبت امتثال إبراهيم لأوامر ربه وتعلق قلبه به وأنه ليس لغيره وأنه ليس من مزاحم فيه معه (¬2). وقد جاء في قاموس الكتاب المقدس ما يثبت أن إبراهيم - عليه السلام - رزق بإسماعيل أولًا وهو في سن ست وثمانين سنة (¬3) ثم رزق بإسحاق وهو في شيخوخته في سن مائة سنة (¬4) ويزعمون أن إسماعيل - عليه السلام - سخر من أخيه الصغير في الوليمة التي أقيمت بمناسبة فطام إسحاق وكان عمر إسماعيل حينئذ السادسة عشرة من عمرة، فألحت سارة على إبراهيم بطرد هاجر وابنها (¬5). وهذا أثبت أن إسماعيل - عليه السلام - هو البكر وأنه ظل وحيده أربعة عشر سنة حتى رزق إبراهيم بإسحاق، فأصبح المقصود بأمر الذبح إسماعيل - عليه السلام - فهو البكر الوحيد حتى جاء إسحاق والغاية أن اليهود حرفوا التوراة بالزيادة في الألفاظ (¬6). ¬

_ (¬1) هداية الحيارى: ص 202. (¬2) انظر: إغاثة اللهفان - لابن القيم -2/ 355 - 357 باختصار. (¬3) تكوين: (16/ 3 - 16) هاجر وإسماعيل (قاموس الكتاب المقدس ص 74). (¬4) تكوين: (21/ 1 - 8) مولد إسحاق. قاموس الكتاب المقدس ص 10. (¬5) تكوين (21/ 8 - 14) مولد إسحاق وطرد هاجر وإسماعيل (قاموس الكتاب المقدس ص 74). (¬6) جهود الإمامين ص 307 وانظر في هذد القضية أيضًا: التطرف اليهودي د/ عبد الراضي محمد ص 34 - 35.

وهذا يتبين سعة أفق الإمامين رحمهما الله فقد أحاطا هذه القضية من كل جوانبها وأكثرا من ذكر الوجوه والأدلة القاطعة التي تبين بطلان ما يدعيه كتبة التوراة. ولقد وقف د/ أحمد شبي، د/ بدران، د/ صفوت مبارك مع هذه القصة وقفة متأنية منتقدين ما تدعيه التوراة المحرفة متخذين من التاريخ شاهدًا على ما يقولون ومن الأحداث التي مر بها بيت إبراهيم - عليه السلام - دليلًا قويًا يؤكد نظرتهم النقدية فيقول د/ صفوت مبارك: إن النص الوارد في العهد القديم والذي يتعلق بشخصية الذبيح يفيد بأن الذبيح هو إسماعيل وليس "إسحاق" (¬1) فقد ورد في سفر التكوين ما يلي: 1. "خد ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق" (¬2). 2. وفي نص آخر "فلم تمسك ابنك وحيدك عني" (¬3). 3. وفي نص ثالت يقول الرب: "إني من أجل أنك فعلت هذا الأمر ولم تمسك ابنك وحيدك أباركك مباركة" (¬4). فهذه النصوص الثلاثة تفيد أن الذبيح هو الابن الوحيد لإبراهيم وإسحاق لم يكن وحيدًا لإبراهيم في يوم من الأيام. فالعهد القديم ينص على أن: "إسحاق قد ولد بعد إسماعيل بأربعة عشر عاما (¬5) وينص أيضًا على أن إسماعيل قد بقى حيًا إلى وفاة أبيه إبراهيم وأنه قد اشترك مع أخيه إسحاق في دفن أبيهما إبراهيم ببلدة حبرون (¬6) " (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: مدخل لدراسة الأديان ص 131. (¬2) الإصحاح: (22/ 2) امتحان إبراهيم. (¬3) الإصحاح: (22/ 12) السابق. (¬4) الإصحاح: (22/ 16) السابق. (¬5) تكوين: (17/ 16) عهد الختان، والنص يقول: "ساراي امرأتك لا تدعو اسمها ساراي بل اسمها سارة وأباركها وأعطيك منها ابنا أباركها فتكون أمًا". (¬6) هي: مدينة في أرض يهوذا الجبلية (يشوع 15/ 48، 54) كانت موجودة في وقت مبكر في أيام إبراهيم الذي سكن بعض الزمن في جوارها تحت بلوطات ممرا (تكوين 8/ 13، 35/ 27) وماتت سارة هناك واشتري إبراهيم مغارة المكفيلة لتكون قبرًا وقد اشتراها من الحيثيين الذي كانو يملكون المدينة حينئذ (تكوين 23/ 2 - 20) (قاموس الكتاب المقدس ص 286). (¬7) تكوين: (25/ 9) موت إبراهيم. وانظر: مدخل لدراسة الأديان ص 132، 133 مرجع سابق والنص يقول: "ودفنه إسحاق وإسماعيل ابناه في مغارد المكفيلة في حقل عفرون بن صوجر الحثي الذي أمام ممرا" (تكوين 25/ 9 - 10).

أما ابن إبراهيم الذي كان وحيدًا لأبيه فهو "إسماعيل" قبل مولد "إسحاق" وواضح في النص الأول: التزوير والتحريف؛ لأن العبارة متناقضة حيث قد ثبت بصريح عبارة العهد القديم نفسه أن "إسحاق" لم يكن إطلاقًا وحيدًا لإبراهيم ويبدو أن العبارة كانت هكذا: "خذ ولدك وحيدك الذي تحبه إسماعيل فجاء من تناول هذه العبارة بالتحريف، فرفع اسم إسماعيل ووضع مكانه اسم إسحاق ولم يفطن إلى أن العبارة تكون هذه الصورة متناقضة (¬1). ويضيف د/ بدران محمد بدران: توضيحًا لهذه القصة فيقول: "في نصوص التوراة السابقة (الخاصة هذه القضية) بعض المغالطات يجب مناقشتها: أولًا: أن التوراة تنص: "خذ ابنك وحيدك الذي تحبه" ثم عادت وقالت: "إسحاق" وهذا لا يتمشى بحال من الأحوال مع تسلسل الأحداث في التوراة الآن إسماعيل أكبر من إسحاق .. حيث ولدت هاجر إسماعيل عندما كان إبراهيم ابن ستة وثمانين سنة (¬2). وأنجبت سارة إسحاق لإبراهيم عندما بلغ إبراهيم مائة عام (¬3) وهذا يعني أن إسماعيل أكبر من إسحاق بأربع عشرة سنة .. لذا فإن كلمة التوراة "خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق" خطأ تمامًا .. وعلى هذا لا يمكن أن يكون إسحاق وحيدًا لإبراهيم في أي وقت من الأوقات إلا في حالة واحدة .. وهي موت إسماعيل قبل هذه الوقعة وهذا الاحتمال محال لأن إبراهيم مات قبل إسماعيل بزمن طويل، تقول التوراة أن اللذين دفنا إبراهيم هما ابناه "إسماعيل وإسحاق" في مغارة تسمي مغارة "المكفيلة" في حقل عفرون بن صوجر الحثى - وهي الآن ضمن الحرم الإبراهيمي في الخليل -" (¬4). ثانيًا: ويمكن الاستنتاج من أولًا أن النص: "خذ ابنك وحيدك" لا ينطبق إلا على إسماعيل وحده لأن إسماعيل هو بكر إبراهيم ... وظل وحيدًا له طيلة أربعة عشر سنة. ثالثًا: يتخيل البعض أن كلمة "ابنك وحيدك" تنطبق على إسحاق وحده لأن إسماعيل كان ابن الجارية المصرية هاجر ... وهذا التخيل أو التصور ضعيف؛ بل خطأ كل الخطأ لأسباب عدة منها: ¬

_ (¬1) ينظر: اليهودية د/ أحمد شلبي ص 136، ومدخل لدراسة الأديان ص 133. (¬2) تكوين: (16/ 16) هاجر وإسماعيل. (¬3) تكوين: (21/ 5) موت إبراهيم. (¬4) تكوين: (25/ 9)، وينظر: التوراة د/ بدراد، ص 215، قاموس الكتاب المقدس، ص 911.

أن أربعة من أسباط إسرائيل أبناء جواري اثنان منهم "دان ونفتالي" ابنا بلهة جارية راحيل زوجة يعقوب الثانية والآخران "جاد وأستير" ابنا زلفة جارية ليئة زوجة يعقوب الأولى وإن كان التخيل السابق صحيحًا .. فيكون أسباط إسرائيل ثمانية فقط .. وهذا ما لا تنص عليه التوراة .. بل تتمسك التوراة بأن الأسباط اثنا عشر أي تعترف بأبناء الجواري وعلى هذا لا يكون إسحاق وحيدًا لإبراهيم. 2 - أن إسماعيل اسمه في التوراة "إسماعيل بن إبراهيم" وليس إسماعيل بن هاجر المصرية. كما تنص التوراة على أن الأسباط الأربعة، أبناء الجواري دان بن يعقوب، نفتالي بن يعقوب، وهكذا ولم تقل أن أحدًا منهم ابن الجارية كذا وأعتقد أن كلمة "ابنك وحيدك إسحاق" تعبر عن الحقد الدفين فى قلوب بني إسرائيل تجاه المصريين وذلك لأن المصريين أذلوا بني إسرائيل طيلة وجودهم في مصر فآثروا رفع اسم إسماعيل من هذا الشرف العظيم لأن للمصريين جانبًا كبيرًا منه لأنه ابن هاجر المصرية (¬1). وغير ذلك من الأسباب التي ذكرها المؤلف تؤكد خطأ الدعوى القائلة بأن الابن الوحيد هو إسحاق ويقول: يمكن الاستنتاج أن كتبة التوراة قد أزادوا "إسحاق" بعد كلمة: "خذ ابنك وحيدك الذي تحبه" حتى يكون لهم شرف هذا العمل العظيم الذي قام به إبراهيم ويسقطوا هذا الشرف عن المصريين وعن أبناء إسماعيل (¬2). وعلى الرغم من محاولة اليهود سلب إسماعيل شرف البكورة والتضحية والفداء في قصة الذبح، وجعلها على إسحاق إلا أن إسحاق لم ينج من فظائغ التطرف اليهودي التي لاحقته ورمته بالكذب والغباوة وسهولة الاحتيال عليه حتى إن حاكم الفلسطينيين يعاتبه على الكذب (¬3) تقول التوراة: "فأقام إسحاق في "جرار" وسأله أهل المكان عن امرأته فقال: هى أختي" لأنه خاف أن يقول: "امرأتي" لعل أهل المكان: "يقتلونني من أجل رفقه؛ لأنها كانت حسنة المنظر" (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: التوراة د/ بدران ص 215 - 218. (¬2) المرجع السابق ص 218. (¬3) التطرف اليهودي: د/ عبد الراضي محمد ص 35، 37. (¬4) تكوين: (26/ 6 - 7) إسحاق وأبيمالك.

سيدنا يعقوب - عليه السلام -

سيدنا يعقوب - عليه السلام -: أ - المقام الحسن لسيدنا يعقوب - عليه السلام - فى التوراة: لا يزال د/ الهاشمي والباحثة / سميرة عبد الله هما المنفردان بذكر محاسن الأنبياء في التوراة فيقول د/ الهاشمي عن المقام الحسن لسيدنا يعقوب - عليه السلام - في التوراة: 1 - (مع أنه "إسرائيل" وإليه ينتسب بنو إسرائيل "الإسرائيليون" حتى الآن ودولة إسرائيل المسماة باسمة كذبًا وزورًا غير أن محاسنه في التوراة قليلة منها: ظهور الله ليعقوب ثلاث مرات - في زعمهم - وفي إحداهم صارعه وصرع يعقوب الله- أستغفر الله - وهذه من المساوئ ولكن التوراة تعتبرها قمة الامتياز ليعقوب إذ منحه الله لقب "إسرائيل" أي الأقوى من الرب المنتصر عليه) (¬1). 2 - مديح الله تعالى له: "والآن هكذا يقول الرب خالقك يا يعقوب، وجابلك يا إسرائيل لا تخف لأني فديتك، دعوتك باسمك أنت لي .. " (¬2). 3 - ينعم الرب عليه ويدرك سر هذه النعمة الإلهية فى رعايته له منذ وجوده في الحياة وفي إنقاذه له من كل الشرور والآثام فيقول لابنه يوسف حين باركه: "وبارك يوسف وقال الله الذي سار أمامه أبواي إبراهيم وإسحاق الله الذي رعاني منذ وجودي إلى هذا اليوم الملاك الذي خلصني من كل شر يبارك الغلامين" (¬3). وغير ذلك من النصوص التي ذكراها. ب - افتراءات العهد القديم على سيدنا يعقوب - عليه السلام -: 1 - يقول اليهود: إن يعقوب حصل على النبوة بالغش والكذب والخداع وتنطق بذلك توراتهم إلى يومنا هذا، وهذا دليل قوى من سلسلة الأدلة التي تثبت أن اليهود إلى الآن يجهلون معنى النبوة والأنبياء (¬4). وقد استدل د/ المطعني، د/ سعد الدين صالح، د/ الهاشمي على هذه الفرية بما ورد في التوراة: أن إسحاق بن إبراهيم أخو إسماعيل عليهم السلام ولد ولدءت في بطن واحدة من زوجه رفقه بنت بنوئيل وسمي إسحاق أول الولدين نزولا من البطن "عيسو" وسمي الثاني "يعقوب" فأحب إسحاق عيسو وأحبت رفقه يعقوب وحين شاخ إسحاق وكبر قال لابنه عيسو: "إننى قد شخت ولست أعرف يوم وفاتي فالآن خذ عدتك وجعبتك وقوسك واخرج إلى البرية وتصيد لي صيدًا واصنع لي أطعمة كما أحب وأتنى بها لآكل حتى تباركك نفسي قبل أن أموت" (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: تكوين (35/ 10)، وانظر: مصارعته في تكوين (32/ 24 - 33)، وانظر: فلسطين في الميزان د/ الهاشمي، ص 41، 42. (¬2) أشعياء: (43/ 1 - 2). وانظر: المرجع السابق ص 42. (¬3) تكوين: (48/ 15 - 16) وانظر: جهود الإمامين أ/ سميرة عبد الله، ص 386. (¬4) الإسلام: د/ المطعني، ص 119 وانظر: العقيدة اليهودية د/ سعد الدين صالح، ص 326 - 329 وفلسطين في الميزان ص 43. (¬5) تكوين: (27/ 1 - 4) إسحاق يبارك يعقوب.

ج - جهود العلماء في نقد هذه الافتراءات والرد عليها

ثم تقول التوراة بعد ذلك: وكانت رفقه سامعه لما قاله زوجها إسحاق لابنه الأكبر عيسو فأرادت أن تكون البركة ليعقوب الذي تحبه فأعلمت يعقوب بالخبر وأمرته أن يذهب إلى الغنم ويأتيها بجديين فصنعت منهما أطعمة لإسحاق كما يحب وهو لا يعلم وأعطت الأطعمة إلى يعقوب ليقدمها إلى أبيه إسحاق على أنه عيسو فتقدم يعقوب من أبيه وكان إسحاق قد كُف بصره وقدم له الطعام قائلًا له هاأنذا ابنك الأكبر عيسو أقدم لك الطعام الذي طلبت قم وكل وباركني ثم باركه وقال له: "فليعطك الله من ندى السماء ومن دسم الأرض ليكن لاعنوك ملعونين ومباركوك مباركين" (¬1). ج - جهود العلماء في نقد هذه الافتراءات والرد عليها: وحول هذا الافتراء تنوعت جهود العلماء في تفنيده والرد عليه ويبرز في مقدمة هذه الجهود جهد د/ بدران محمد بدران ود/ المطعني ود/ الهاشمي ود/ صفوت مبارك والباحثة / سميرة عبد الله وغيرهم وجميعهم قد أكد أن النبوة لا تُنال بالحيلة والكذب فهي مقام شريف يمنحه الله -عَزَّ وَجَلَّ- لمن يصطفيه من عباده وهو سبحانه الذي يؤهله لذلك وقد برءوا ساحة النبوة عن هذه الخصال وقد اتسم المنهج الذي اتبعوه في دحض هذه الفرية بالتحليل لمفردات النص التوراتي ورده إلى الأصول الثابتة التي يحتكم إليها في مقام النبوة والأنبياء من هذه الأصول أن النبوة وحي واصطفاء. فيقول د/ بدران: وهذه صورهَ مشوهة رحمتها التوراة ليعقوب ويبدوا أن كتبة التوراة معجبون أشد الإعجاب بالنصب والاحتيال لذلك جعلوا من أبيهم إسرائيل نصابًا كبيرًا .. وأول عمليات النصب هذه هي سرقة البركة .. وعاونته أمه رفقة في هذه السرقة فتقول التوراة أن يعقوب سرق بركة أبيه من أخيه وتوأمه عيسو ودبرت أمه كل شيء (¬2) .. وذكر نص القصة. ويقول أيضًا: (وحسب تطور الأحداث في التوراة .. يمكن الاستنتاج بأن بني إسرائيل كانت لن تقوم لهم قائمة لو أن هذه البركة حلت على عيسو .. هكذا يحاولون الإيهام .. ويبررون ما وقعوا فيه من أخطاء أثناء كتابتهم للتوراة) (¬3). ¬

_ (¬1) تكوين: (27/ 28 - 29) اسحاق يبارك يعقوب. (¬2) انظر: التوراة: د/ بدران، ص 53. (¬3) المرجع السابق: ص54.

ويقول د/ صفوت مبارك: إن العهد القديم يصف يعقوب - عليه السلام - بالمكر والدهاء وسعة الحيلة، وأنه احتال ليحصل على حقوق أخيه البكر "عيسو" الذي يصفه العهد القديم بالسذاجة وسلامة الطوية. وأن يعقوب قد حصل على حقوق أخيه البكر في مقابل أكلة قدمها إليه وأخوه جائع (¬1). وقد نقد د/ المطعني هذه القصة وأضاف أبعادًا نقدية جديدة أوضحت ما على هذه القصة من مآخذ حيث ذكر في كتابه: "الإسلام في مواجهة الاستشراق" تحت عنوان مآخذ على قصة يعقوب في التوراة ما يلي: 1 - (أن النبوة ليست من الله وإنما هى كلمات يتمتم بها نبي سابق فتنتقل من خلالها النبوة إلى نبي لاحق. 2 - أن المعصية دفعت يعقوب والخيانة جعلته نبيًا فقد انتحل شخصية أخيه "عيسو" وقام بأشنع عملية خداع لأبيه من أجل أن يصبح نبيًا. 3 - أن الطاعة تسقط "عيسو" إلى الهاوية لقد خدع يعقوب أباه فصار نبيًا، وأطاع "عيسو" أباه فصار ساقطًا منبوذًا وهذا تكون التوراة قد قلبت موازيين العدل الإلهي فرفعت الكذبة الدجالين إلى أعلى عليين وأنزلت الطائعين الصادقين إلى سجين ذلك هو منطق التوراة المقدسة. 4 - أن إسحاق نبي مخدوع وشارب خمر، إذ أنه قدم له يعقوب الخادع خمرًا بعد الطعام فشرب منه إسحاق، بل إن إسحاق قد دعا لابنه يعقوب وهو يباركه أن يرزقه الله حب حنطة وخمرًا، والخداع والمكر كلاهما محظوران في حق الأنبياء ولكن التوراة قد رمتهم بكل نقيصة، ولو كان الأنبياء كما تصورهم التوراة للناس لما احترمهم أحد ولما بعث الله منهم أحدًا ... ولكان الأنبياء في حاجة إلى أنبياء آخرين يهدونهم سواء الصراط) (¬2). وتبرئة لساحة النبوة من أن يلصق بها ما يقدح فيها لا بد من إعطاء كل نبي من أنبياء الله حقه من القداسة والتشريف اللائقين بمقامه والدفاع عنه ونفى التهم الموجهة إليه في التوراة المحرفة وتطبيقًا لهذا المبدأ فإن د/ المطعني بعد ما وقف مع قصة يعقوب وقفة نقدية قوية أردف كلامه بقوله لا إسحاق مخدوع ولا يعقوب خادع وتحت هذا العنوان قال: ¬

_ (¬1) مدخل لدراسة الأديان ص 133. (¬2) الإسلام: د/ المطعني، ص 128، وانظر في ذلك الموضوع أيضًا: التطرف اليهودي د/ عبد الراضي محمد، ص 36 - 38.

(إنه من الإنصاف لهذين النبيين الجليلين عليهما السلام ألا نتركهما لأوهام التوراة وأن نقر هنا أنهما بريئان مما تنسبه التوراة إليهما فليس إسحاق مخدوعًا ولا يعقوب خادعًا، فالنبوة من الله وحدة هو الذي شرف بها إسحاق وهو الذي كرم بها يعقوب وإذا جاز أن يخدع أحد من خلق الله فإن الخداع على الله محال، والنبوة ليست عقدًا ماليًا يبرم ... وإنما هى حكمة وتدبير ليس لله فيهما شريك فقال تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} ولكن هذه المعاني كلها لا بعضها مهدرة في التوراة المقدسة" (¬1). 5 - سوء أدب اليهود مع سيدنا يعقوب - عليه السلام - وزعمهم أنه صارع الله حتى طلوع الفجر. جاء في تعليق الباحثة / سميرة عبد الله وهي تقدم لهذه الفرية ما نصه: لقد زعمت اليهود أن نبي الله يعقوب - عليه السلام - صارع الرب وكانت الغلبة له عليه الأمر الذي لا يليق أن يكون بين العبد وسيده من البشر لا يعقل أن يكون بين نبي كريم ورب عظيم (¬2). وخلاصة القصة: أنها صراع بين يعقوب والله على شكل ملاك ليلة كاملة، لم يقدر الله فيها على يعقوب فانخلع حق فخذ يعقوب, بمصارعته مع الرب فأمسك يعقوب به، وما استطاع الله أن يفلت من يده وقد طلع الفجر! فالتمسه الرب أن يفكه حذرًا من الفضيحة في النهار، فأجابه يعقوب: لا أدعك تذهب حتى تباركني. أي تعترف بانتصاري عليك. فقال الرب ما اسمك؟ قال يعقوب قال الرب: لا تسمى بعد اليوم يعقوب بل "إسرائيل" لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت "أي أن منحك اسم إسرائيل إنما هو وسام انتصارك على الله (¬3). وهذا الافتراء قد رده النقاد من علماء المسلمين وعدوه من الأباطيل والانحرافات التي ملأت التوراة وتؤكد مدى تحاملهم على الأنبياء عليهم السلام فيقول الإمام ابن القيم: وهو يستدل على وجود التحريف في التوراة - يقول: وفيها -أي التوراة- (أن الله سبحانه وتعالى علوًا كبيرًا تصارع مع يعقوب فضرب به يعقوب الأرض) (¬4). ويعقب العلامة رحمة الله الهندي على هذا النص تعقيبًا مختصرًا جاء فيه: (وهذا المصارع كان ملكًا لما عرفت، وإذا لم نقل ذلك يلزم أن يكون إله بنى إسرائيل في غاية العجز والضعف حيث صارع يعقوب الذي هو مخلوقه إلى الفجر ولم يغلبه إلا بالحيلة) (¬5). ¬

_ (¬1) الإسلام: د/ المطعني، ص 129، و"الآية الكريمة من سورة الأنعام: رقم (124). (¬2) جهود الإمامين، ص 433. (¬3) انظر: تكوين: (32/ 24 - 33) وفلسطين في الميزان ص 42، 43. (¬4) هداية الحيارى ص 203. (¬5) إظهار الحق: (1/ 321).

موقف القرآن الكريم من سيدنا يعقوب عليه السلام.

ومثله قال الإمام الألوسي: وأكد أن الذي ظهر ليعقوب - عليه السلام - ملك من الملائكة (¬1) وقد ذكر العلامة الهندي ما يؤكد تعقيبه من أن الذي رآه سيدنا يعقوب ملكًا بما ورد في التوراة "في البطن قبض بعقب أخيه وبقوته جاهد مع الله جاهد مع الملاك وغلب بكى واسترحمه ... وهناك تكلم معنا" (¬2). موقف القرآن الكريم من سيدنا يعقوب عليه السلام. إن ما نسبه العهد القديم لسيدنا يعقوب - عليه السلام - باطل وزور وبهتان باتفاق نقاد العهد القديم من علمائنا الأجلاء ويؤكد على حدوث التحريف والتبديل إذ كيف يتصور كتبة العهد القديم أن يحتال أحد من الناس ليحصل على النبوة في حين أنها شرف يؤتيه الله من يشاء من عباده ويؤيده بالمعجزات الشيخ تؤيد صدق دعواه و {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (¬3). وكيف يتسنى لهم أن يتخيلوا ظهور الإله في صورة بشر ضعيف عاجز يصرعه يعقوب حاشا لله سبحانه وتعالي عما يقولون علوًا كبيرًا. ولسيدنا يعقوب - عليه السلام - منزلة عالية في القرآن - منها حب الله له وتكريمه وابتلاؤه بفقد ولده وصبره عليه واستجابته لدعائه ورد بصره إليه وجمعه بيوسف - عليه السلام - مع بقية أولاده في مصر واتصال قلبه بالله وعدم اليأس من رحمته حين فقد ولده فقال تعالى: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (¬4) وكان صبورًا في فقده أخا يوسف الصغير فتجمل بالصبر فقال تعالى: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} (¬5) وغير ذلك من الآيات (¬6). ¬

_ (¬1) الجواب الفسيح: 1/ 175. (¬2) يوشع: (12/ 3 - 4) خطية إسرائيل. (¬3) سورة الأنعام جزء من الآية: (124). (¬4) سورة يوسف الآية: (87). (¬5) سورة يوسف الآية: (18). (¬6) انظر: فلسطين في الميزان, ص 41.

* سيدنا داود - عليه السلام -

* سيدنا داود - عليه السلام -: أ - المقام الحسن لسيدنا داود - عليه السلام - في العهد القديم: ذكر د/ الهاشمي ما يثبت مكانة سيدنا داود - عليه السلام - عند الله -عَزَّ وَجَلَّ- وما يتمتع به من صفات حسنة على النحو التالي: 1 - (سلوكه مع ربه): كاستقامته مع الله، وحسن صلته بربه وخشوعه في الدعاء وصدقه فيه (¬1) وله في العهد القديم سفر (المزامير) وهو أوسع سفر في العهد القديم واسمه في القرآن الكريم (الزبور). 2 - منزلته عند ربه: • هو في التوراة - ابن الله البكر - "أنا أجعله بكرًا" (¬2) • تحوطه رحمة الله وتحوط نسله إلى الأبد (¬3). • هو رجل الله ورجل الدعاء! هكذا تمدحه التوراة (¬4). • هو أعلى ملوك الأرض في أبد الدهر (¬5). 3. من صفاته الشخصية: شجاعته القتالية، وقوة جسمه (¬6)) (¬7). ب - افتراءات العهد القديم على سيدنا داود - عليه السلام -: رصد العلماء كثيرًا من الافتراءات التي نسبها العهد القديم لسيدنا داود - عليه السلام - منها: 1 - زعموا أنه: رقص أمام الرب عاريًا وأمام شعبه (¬8). 2 - زعموا أنه: زنا بزوجة جاره وجنديه - أوريا الحثي - وإنجابه منها بالزنى فتقول التوراة: وكان في وقت المساء أن داود قام عن سريره وتمشي على سطح بيت الملك فرأى من على السطح امرأة تستحم ... فأرسل داود وأخذها فدخلت إليه فاضطجع معها ثم رجعت إلى بيتها وحبلت المرأة ... فأرسل داود إلى يوآب يقول: ¬

_ (¬1) وما أكثر ذلك في سفر المزامير وصموئيل الثاني والملوك الأول. (¬2) مزامير: (89/ 24). (¬3) سفر المزامير: (89/ 29، 33). (¬4) سنهر المزامبر: (89/ 26). (¬5) سفر الزامير: (89/ 27 - 28). (¬6) سفر المزامير: (89/ 25 - 26). (¬7) فلسطين في الميزان ص 64. (¬8) صموئيل الثاني: (6/ 15 - 17) إصعاد التابوت إلى أورشليم.

ج - جهود العلماء في نقد هذه الافتراءات والرد عليها

أرسل إلىّ أوريا الحثي ... فأتي أوريا إليه ... وقال له: أنزل إلى بيتك ... فنام أوريا على باب بيت الملك ولم ينزل إلى بيته ... فقال داود لأوريا: لماذا لم تنزل إلى بيتك؟ فقال أوريا لداود: "إن التابوت وإسرائيل ويهوذا ساكنون في الخيام وسيدي يوآب عبيد سيدي نازلون على وجه الصحراء وأنا آتي إلى بيتي لآكل وأشرب ... لا أفعل هذا الأمر" ثم دبر داود حيلة لقتل أوريا (¬1). 3. زعموا: أن الله غضب عليه ومنعه من بناء الهيكل -بيت الله- (¬2). وغير ذلك من النصوص التي ذكرها د/ الهاشمي، الباحثة / سميرة عبد الله وغيرهما. ج - جهود العلماء في نقد هذه الافتراءات والرد عليها: وحول القصة الملفقة لسيدنا داود - عليه السلام - وأوريا الحثي وزوجته وقف العلماء أمامها وانتقدوها كما انتقدوا غيرها من القصص ولهم عليها علامات استفهام ومآخذ كثيرة الأمر الذي يؤدي إلى بطلانها واختلاقها. ويتُبع د/ بدران هذه القصة بعد أن ذكرها بطولها بعدة أسئلة تعجبية تثبت كذب الكتاب المقدس في تصوره عن الأنبياء وما يفتريه على داود - عليه السلام - فيقول: (تُري من تكون المرأة التي زنا بها داود؟ إنها "بتشبع" (¬3) أم سليمان الحكيم .. سليمان بن داود والنبي والملك وهكذا يقول الكتاب المقدس نبي يزنى وينجب من الزانية نبيًا، هل هذه حقيقة أخلاق داود الذي قال الله عنه في نفس الكتاب المقدس "أنا أكون له أبًا .. وهو يكون لي ابنًا" (¬4) كما تقول المزامير على لسان داود: "قال لي (الله) أنت ابني أنا اليوم ولدتك" (¬5) فهل أبناء الله يزنون؟) (¬6). ولكن العلامة رحمة الله الهندي وقف مع هذه القصة وقفة متأنية مستخرجًا ما فيها من أخطاء وقع فيها الكتاب المقدس وبيَّن تلك الافتراءات التي ألصقها الكتاب المقدس بنبي الله داود - عليه السلام - وهو لا شك برئ منها وفى تفنيده لتلك القصة يقول: صدر عن داود ثمان خطيئات أذكرها باختصار نقلًا عنه: الأولى: أنه نظر إلى امرأة أجنبية بنظر الشهوة وقد جاء في إنجيل متى "إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زني بها في قلبه" (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: صموئيل الثايى: (2/ 9 - 11)، (11/ 2 - 28) داود وبتشبع (¬2) انظر: أخبار الأيام الأول: (22/ 8، 28/ 3) الإعداد لبناء الهيكل. (¬3) هى: ابنة اليعام وامرأد أوريا الحثي (صموئيل الثاني 11) شغف داود بها الملك -في زعمهم- واحتال على زوجها فقتل، فتزوجها وجعل ابنها سليمان وريث ملكه (ملوك الأول: (1/ 11 - 53)، (قاموس الكتاب المقدس ص 162). (¬4) صموئيل الثاني: (7/ 14) وعد الله لداود. (¬5) مزمور: (2/ 7). (¬6) التوراة: د/ بدران ص، 97. (¬7) الإصحاح: 5/ 28، الزنا.

الثانية: أنه ما اكتفى بالنظر ولكنه طلبها وزنى بها وحرمة الزنا قطيعة ومن الوصايا العشرة "لا تزن" (¬1). الثالثة: أن هذا الزنا كان بزوجة الجار، وهو أشد أنواع الزنا كما ورد في الوصايا العشر. الرابعة: ما أجرى حد الزنا لا على نفسه، ولا على هذه المرأة وقد ورد في التوراة ما يدل على أن حد الزنا القتل: "وإذا زنى رجل مع امرأة ... فإنه يُقتل الزانى والزانية" (¬2). الحأمسة: لم يذهب أوريا إلى بيته مراعيًا لديانته أما حال أنبياء بني إسرائيل ارتكاب الفواحش هكذا ولم يراعوا ديانتهم متل مراعاة العوام لديانتهم. السادسة: أمر داود بقتل أوريا وفي التوراة ما يدل على حرمة قتل البريء: "ولا تقتل البريء والبار" (¬3). السابعة: أنه لم يتنبه على خطئه، ولم يتب ما لم يعاتبه ناثان النبي - عليه السلام -. الثامنة: أنه وصل إليه حكم الله بأن هذا الولد الذي ولد من زنا يموت ومع هذا دعا لأجل عافيته، وصام وبات على الأرض (¬4). ويعلق د/ أحمد شلبي على هذه القصة بقوله: إن هذه القصة فيها أحداث موغلة في القسوة وبعيدة عن العفة (¬5). ويرد د/ السقا: نظرة التوراة إلى داود - عليه السلام - وبقية الأنبياء إلى وجهة نظر اليهود والنصارى في الأنبياء التي تقول: إن الأنبياء معصومون من الخطأ في تبليغ الرسالات، وليسوا بمعصومين فيما عدا ذلك من شئون حياتهم الخاصة والعامة، بل هم كسائر البشر يجوز عليهم الصواب والخطأ ويجوز أن يفعلوا الخير والشر، ويجوز عليهم أن يذنبوا ذنوبًا كبيرة أو صغيرة عمدًا أو سهوًا (¬6). وما تقدم ذكره أمثلة تؤكد هذه الوجهة التي ذكرها د/ أحمد حجازي وقولهم هذا تبرير لما ورد في التوراة من جرائم أخلاقية وغير ذلك من أمور مخالفة تصدر عنهم فيما عدا تبليغ الرسالات. ¬

_ (¬1) تثنية: (5/ 18) الوصايا العشر. (¬2) لاويين: (20/ 10) عقوبات الخطية. (¬3) خروج: (23/ 7) أحكام العدل والرحمة. (¬4) انظر: إظهار الحق (2/ 568، 566). (¬5) اليهودية د/ أحمد شلبي ص 173. (¬6) نقد التوراة: د/ أحمد حجازي السقا ص 193.

* موقف القرآن الكريم من سيدنا داود - عليه السلام -.

وينتقد العلامة رحمة الله الهندي هذه الدعوى التي تبناها البروتستانت - عصمة الأنبياء في التبليغ وعدم عصمتهم فيما عدا ذلك - فيقول: (ما ادعوه لا أصل له من كتبهم وإلا لما صار تحرير - ما كتبه -عزرا - عليه السلام - ومساعديه حجي وزكريا الرسولين عليهما السلام غير مصون عن الخطأ) (¬1). * موقف القرآن الكريم من سيدنا داود - عليه السلام -. إن ما رمته التوراة به يتنافى تمامًا مع مكانة النبوة وهو من الزور والبهتان في حقه - عليه السلام - وقد بين الله -عَزَّ وَجَلَّ- مقامه الرفيع عنده وبين الأنبياء عليهم السلام فقد أنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- الزبور فقال تعالى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} (¬2). وأما عن أخلاقه في القرآن الكريم يقول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} (¬3). وغير ذلك من الآيات (¬4). ¬

_ (¬1) إظهار الحق: (1/ 215). (¬2) سورة الإسراء الآية: (55). (¬3) سورة ص الآيات: (17 - 20). (¬4) انظر: فلسطين في الميزان, ص 63، جهود الإمامين: ص 390، 391.

* سيدنا سليمان - عليه السلام -

* سيدنا سليمان - عليه السلام -: أ - المقام الحسن لسيدنا سليمان - عليه السلام - في العهد القديم: سليمان - عليه السلام - مع الله: - عمق إيمان وصلة وثيقة به "فاسمع أنت من السماء مكان سكناك واغفر" (¬1). - إيمانه المطلق بهدي ربه وجزائه (أما النصرة فمن الرب) (¬2). - بناؤه الهيكل بيت الله: "وهو يبني بيتًا لاسمي وأنا أثبت كرسي مملكته إلى الأبد" (¬3). - منزلته عند ربه هو ابن الله: "أنا أكون له أبًا، وهو يكون لي ابنًا ... كرسيك يكون ثابتًا إلى الأبد" (¬4). وغير ذلك من النصوص التي ذكرها د/ الهاشمي والباحثة / سميرة عبد الله في كتابيهما (¬5). ب - افتراءات العهد القديم على سيدنا سليمان - عليه السلام -: 1 - يزعم العهد القديم أن سيدنا سليمان - عليه السلام - فيه شبهة ابن زنى كما يدعون إذ أنه ابن بتشبع زوجة أوريا الحثي التي زنا بها والده داود (¬6) -في زعمهم-. 2 - انحرافه عن التوحيد إلى الشرك بسبب كثرة نسائه الوثنيات "وكان زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة النار" (¬7). 3 - زعم العهد القديم أنه كان في عصمته ألف امرأة - منهن 700 زوجه، 300 سرية -جارية-! حتى أملن قلبه عن ذكر الله (¬8). 4 - نشيد الإنشاد (¬9) سفر كامل لسليمان - عليه السلام - في العهد القديم. غزل داعر مكشوف بينه وهو مخمور - وبين حبيبته كما يدعون - وهذا لا يليق بأي إنسان عادى فكيف بالنبي - عليه السلام - وغير ذلك من النصوص التي ذكرها د/ الهاشمي (¬10). ¬

_ (¬1) الملوك الأول: (8/ 32، 34، 39، 42) صلاة سليمان. (¬2) الأمثال: (21/ 31) أمثال سليمان. (¬3) صموئيل الثاني: (1317) وعد الله لداود. (¬4) صموئيل الثاني: (7/ 14 - 16) السابق. (¬5) انظر: فلسطين في الميزان ص 71، 72، جهود الإمامين ص 391، 392. (¬6) صموئيل الثاني: (12/ 24) ناثان يوبخ داود. (¬7) الملوك الأول: (11/ 5 - 8) زوجات سليمان. (¬8) الملوك الأول: (11/ 3 - 6) السابق. (¬9) سفر نشيد الإنشاد. (¬10) فلسطين في الميزان: ص 72، 73.

ج - جهود العلماء في نقد هذه الافتراءات والرد عليها

وقد رصد د/ صفوت مبارك أيضًا من العهد القديم أن: "سليمان - عليه السلام -" أقام أصنامًا لزوجاته على المرتفعات المحيطة بأورشليم وكن يذبحن لهذه الأصنام (¬1) ويذكر العهد القدم أيضًا أنه من أجل ذلك عاقب الله سليمان بأن أخرج الملك من نسله (¬2). ج - جهود العلماء في نقد هذه الافتراءات والرد عليها: ويعلق د/ صفوت على هذه القصة قائلًا: (نحن لا نظن أن سليمان - عليه السلام - وهو نبي من أنبياء الله - يضعف بهذه الصورة أمام زوجاته حتى يقيم بنفسه أصنامًا لهن - فكيف يدعو الناس إلى عبادة الله الواحد بينما يقيم بنفسه أصنامًا؟) (¬3). (نحن المسلمين نرفض هذه الصورة المزيفة لسليمان - عليه السلام - كما نرفض كل ما يشوه صورة جميع الأنبياء - فسيدنا سليمان - عليه السلام - كما نعرفه من القرآن الكريم هو ذلك النبي التقى الورع شديد المراقبة لربه فقال تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} (¬4). فالذي يثور بهذه الصورة فيقطع سوق الخيل وأعناقها لأن استعراضها قد شغله عن الصلاة حتى غربت الشمس، والذي يراقب ربه بهذه الصورة الدقيقة لا يُتصور منه إطلاقًا هذا الذي ينسبه إليه العهد القديم) (¬5). ¬

_ (¬1) يشير إلى الملوك الأول: (11/ 6 - 8) زوجات سليمان. (¬2) الملوك الأول: (11/ 11 - 13) زوجات سليمان. (¬3) مدخل لدراسة الأديان ص 136، 137. (¬4) سورة ص الآيات: (30 - 33). (¬5) مدخل لدراسة الأديان ص 137. وانظر: العقيدة اليهودية ص 338 - 339.

هوشع - عليه السلام -

هوشع - عليه السلام -: الافتراء على هوشع النبي - عليه السلام -: ذكر د/ الهاشمي ما تفتريه التوراة على هوشع النبي فتقول: "إن هوشع النبي - يأمره الرب في التوراة - كذبًا على الله سبحانه أن يتخذ لنفسه امرأة زانية زوجة له، ولها أولاد زنى، إذ هي زانية مشهورة بين اليهود" أول ما كلم الرب هوشع: قال الرب لهوشع: اذهب خذ لنفسك امرأة زنى وأولاد زني لأن الأرض قد زنت زنى تاركة الرب، فذهب وأخذ جومر الزانية .. فحبلت وولدت له ابنًا" (¬1). جهود العلماء في نقد هذا الافتراء: ويعلق د/ عابد الهاشمي على النص بقوله: (فكيف يأمر الرب أن يتزوج نبي بزانية، ومعها أولاد غير شرعيين، بل إنه أول أمر إلهي إلى هذا النبي، بل هو أول آية من هذا السفر لأهمية هذا الأمر الإلهى المكذوب بعقيدة التوراة) (¬2). وفي سياق آخر مفترى يؤمر هوشع أن يتخير امرأة أخرى فاسقة ليقيم معها علاقة آثمة وهي امرأة محبوبة لغيره، ليعاشرها معاشرة أزواج" وقال الرب لي -هوشع- اذهب أيضًا أحبب امرأة حبيبة صاحب، وزانية كمحبة الرب لبني إسرائيل ... فاشتريها لنفسي ... وقلت لها تقعدين أيامًا كثيرة، لا تزني، ولا تكوني لرجل، وأنا كذلك (¬3) " هكذا تفتري النصوص التي تبيح العهر والفساد على الرب وتشوه صور الأنبياء في التوراة) (¬4). الرؤيه التقويميه لما ألصق بهوشع النبي - عليه السلام -: إن (ما نسب زورًا إلى الخالق جل وعلا من عدم التأكيد على العفة ... ، والأمر بزعمهم لهوشع بالزواج من تلك الزانية، أوامره باتخاذ عشيقة لها عشيق آخر، فهو محض كذب وافتراء فتعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا فالله جل وعلا حاشاه أن يبيح الزنى لأحد من عباده، وقد حرمه تحريمًا أكيدًا في سائر كتبه يقول تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} (¬5)) (¬6). ¬

_ (¬1) هوشع: (11/ 2 - 3) زوجة هوشع وأبناؤه. (¬2) التربية في التوراة د/ عابد الهاشمي ص 126. (¬3) هوشع: (3/ 1 - 4) مصالحة هوشع مع زوجته. (¬4) التربية في التوراة ص 126 بتصرف. (¬5) سورة الإسراء الآية: (32). (¬6) التربية في التوراة: ص 128 بتصرف.

سيدنا موسى وهارون عليهما السلام

سيدنا موسى وهارون عليهما السلام: أرسل الله -عَزَّ وَجَلَّ- سيدنا موسى - رحمه الله - إلى بنى إسرائيل فهو الشخصية الأولى عندهم يعترفون به نبيًا، وياليتهم حافظوا على هذا الاعتراف وأعطوه من القداسة والاحترام ما يليق بحقه كنبي من أنبياء الله -عَزَّ وَجَلَّ-. والمتأمل في كتابات علمائنا الأجلاء يلحظ أنهم قد أماطوا اللثام عن تلك الحقائق التي طمست وأزاحوا تلك الأباطيل التي ألصقت بسيدنا موسى - عليه السلام - وأخيه هارون - عليه السلام - بالأدلة القوية والبراهين الساطعة من القرآن الكريم، وبينوا مكانته اللائقة ومقامه الرفيع عند الله سبحانه وتعالى ولم يغفلوا مقامه الحسن في العهد القديم مما يجعل كتاباتهم تتسم بالحيدة والموضوعية، ومن النصوص التي استدلوا بها على ذلك: 1 - ما يدل على أنه أفضل نبي جاء إلى بنى إسرائيل: "ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الله وجهًا لوجه" (¬1). 2 - ما يدل على أنه رجل الله ومصدر البركة لشعبه: "وهذه البركة التي بارك بها موسى رجل الله بنى إسرائيل قبل موته" (¬2). 3 - نزول التوراة عليه وكلها هدي ونور - التوراة الأصلية - (¬3). افتراءات العهد القديم على سيدنا موسى وهارون عليهما السلام: يفتري كتبة العهد القديم على سيدنا موسى وهارون عليهما السلام النبيين الكريمين الافتراءات التالية: (1) الخيانة وعدم الإيمان. (2) الجبن والسرقة والقسوة. (3) الكفر وصناعة الأصنام. ¬

_ (¬1) تثنية: (34/ 10) موت موسى. (¬2) تثنية: (33/ 1) موسى يبارك الأسباط. (¬3) انظر: فلسطين في الميزان: ص 47، 48.

جهود العلماء في نقد هذه الافتراءات والرد عليها

جهود العلماء في نقد هذه الافتراءات والرد عليها: وقد تنوعت ردود العلماء في نقدهم لهذه الافتراءات كما يلي: (1) ما يتعلق ببطلان الزعم الذي يقول أنهما خائنان ولم يؤمنا بالله: فقد نقد د/ الهاشمي ود/ عبد الراضي، ل/ أحمد عبد الوهاب - نظرة التوراة المحرفة إلى سيدنا موسى - عليه السلام - وبينوا أنها تظهره في صورة مشينة فمرة تصفه بأنه خائن وكافر بالله هو وهارون أخوه - عليه السلام - وبالتالي فهما محرومان من دخول فلسطين (¬1) والنص يقول: "لأنكما خنتماني في وسط بني إسرائيل ... إذ / تقدساني" (¬2). فقال الرب لموسى وهارون: "من أجل أنكما لم تؤمنا بي حتى تقدساني أمام أعين بني إسرائيل لذلك لا تدخلان هذه الجماعة إلى الأرض إلى أعطيتهم إياها" (¬3). (2) الجبن والقسوة والسرقة: ومرة أخرى تصفه التوراة بأنه جبان يخاف شعبه: "وعطش هناك الشعب إلى الماء وتذمر الشعب على موسى ... فصرخ موسى إلى الرب قائلًا: ماذا أفعل هذا الشعب بعد قليل يرجمونني" (¬4). ومرة تصفه بأنه جزار البشرية لا سيما لعرب فلسطين: ومن وصاياه: " ... فَيُحرموا فلا تكون عليهم رأفة، بل يبادون كما أمر الرب موسى" (¬5). وما أكثر ما ترد هذه الوصية "فلا تستبق منهم نسمة" أبادوهم لم يبقوا منهم نسمة كما أمر الرب موسى عبده، هكذا أمر موسى يشوع وهكذا فعل يشوع لم يهمل شيئًا من كل ما أمر به الرب موسى (¬6). ومرة تصفه بأنه سارق يأمر شعبه كله بسرقة المصريين قبيل مغادرتهم مصر وخروجهم منها "فيكون حينما تمضون أنكم لا تمضون فارغين بل تطلب كل امرأة من جارتها ومن نزيلة بيتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابًا وتضعونها علي بنيكم وبناتكم، فتسلبوا المصريين (¬7) " (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: النبوة والأنبياء ل / أحمد عبد الوهاب ص 48، فلسطين في الميزان د/ الهاشمي ص 49، والتطرف اليهودي د/ عبد الراضي ص 39. (¬2) تثنية: (32/ 50، 54) الرب ينبئ موسى بموته على جبل بنو. (¬3) عدد: (20/ 12، 13) ماء من الصخرة. (¬4) خروج: (17/ 3 - 4) السابق. (¬5) يشوع: (11/ 20) هزيمة ملوك الشمال. (¬6) يشوع: (11/ 14 - 16) السابق. (¬7) خروج: (3/ 21 - 22) موسى والعليقة المشتعلة. (¬8) انظر: فلسطين في الميزان د/ الهاشمي ص 49 والتطرف اليهودي د/ عبد الراضي ص 39.

(3) مشاركه هارون لبني إسرائيل فى الكفر

(3) مشاركه هارون لبني إسرائيل فى الكفر: فيذكرل / أحمد عبد الوهاب أن التوراة قد سجلت على هارون - عليه السلام - أنه شارك الشعب الإسرائيلي كفره إذ صنع بيده العجل الذي عبدوه ونصب نفسه كاهنًا فقد بين الإمام ابن القيم افتراء اليهود على هارون - عليه السلام - إذ نسبوا إليه صناعة العجل فيقول: (وفيها -أي التوراة- أن هارون هو الذي صاغ لهم العجل وهذا إن لم يكن من زياداتهم وافتراءاتهم فهارون اسم السامري الذي صاغه ليس هو بهارون أخي موسى) (¬1). ويعلق د/ بدران على قصة هارون - عليه السلام - قائلًا: (هكذا جعلوا من هارون ذلك الإنسان القريب من النبوة صانع الأصنام عابدًا لها؛ بل لقد زاد افتراؤهم عليه وقالوا إنه عمل مذبحًا للصنم الإله الجديد كما حدد أعياده) (¬2) فبنى له مذبحًا وجعل له في الغد عيدًا، ومعاذ الله أن يكون هارون النبي كذلك فلقد تكفل القرآن ببراءة هارون من هذا الجرم الشنيع الذي لا يمكن الاعتذار عنه فقرر أن الذي صنع العجل إنما هو شخص آخر غير هارون كما سجل رفض هارون لتلك الفكرة الخبيثة وتنديده بها (¬3). وأيضًا يعتبر اليهود سيدنا موسى - عليه السلام - وثنيًا يصنع الحية النحاسية لعبادتها وتقديسها مع بني إسرائيل: "وسحق (حزقيا) حية النحاس التي عملها موسى لأن بنى إسرائيل كانوا إلى تلك الأيام يوقدون لها" (¬4). ¬

_ (¬1) هداية الحيارى لابن القيم ص 202. (¬2) التوراة د/ بدران ص 67، وانظر: العقيدة اليهودية د/ سعد الدين صالح ص 332 - 333. (¬3) النبوة والأنبياء ل/ أحمد عبد الوهاب ص 47، 48 وقد استدل على ما يقول بقوله تعالى: {فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا}. (¬4) الملوك الثاني: (18/ 4) , وانظر: التطرف اليهودي ص 40.

موقف القرآن الكريم من سيدنا موسى - عليه السلام -.

موقف القرآن الكريم من سيدنا موسى - عليه السلام -. وبهذا يتبين ميل اليهود عن الحق في نظرتهم لسيدنا موسى وأخيه هارون عليهما السلام ومما يؤكد مقامه الرفيع عند الله -عَزَّ وَجَلَّ- ما ورد في حقه من آيات فهو كليم الله فقال تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (¬1). وهو من أولى العزم من الرسل وهو الذي أخلصه الله له: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} (¬2). وهو مصطفى {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} (¬3). وتلقى الألواح التى كتبها الله له فقال تعالى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} (¬4). واصطنعه الله على عينه وأحبه فقال تعالى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (¬5) وهو مقرب إلى الله فقال سبحانه: {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} (¬6). وغير ذلك من الآيات. ¬

_ (¬1) سورة النساء الآية: (164). (¬2) سورة مريم الآية: (51). (¬3) سورة طه الآية: (13). (¬4) سورة الأعراف الآيه: (145). (¬5) سورة طه الآيه: (39). (¬6) سورة مريم الآيه (52).

سيدنا عيسى - عليه السلام -

سيدنا عيسى - عليه السلام -: تنوعت الرؤى النقدية لعلماء المسلمين حول هذا الموضوع - المسيح - عليه السلام - في العهد القديم - ومعظم من تكلم فيها ربط فكرة المسيح المنتظر بالناحية السياسية والقومية لليهود وبين مدى ارتباط هذه الفكرة بفكرة المجيء الثاني للمسيح وأرض الميعاد، وهذه الرؤية تأخذ طابع التحليل السياسي لرأي اليهود في المسيح - عليه السلام -. وبعمق التحليل وفهم النصوص والدراسة التاريخية تناول د/ عبد الوهاب المسيري هذه القضية بالمناقشة مبينًا مدى الخلاف بين اليهودية والمسيحية في المسيح - عليه السلام - فيقول: (يُشار إلى المسيح (عيسى ابن مريم) بكلمة "يشو" العبرية .. أما كلمة "ماشيح" فإذا تشير إلى المسيح المخلِّص اليهودي الذي سوف يأتي في آخر الأيام) (¬1). وثمة خلاف بين العقيدتين (اليهودية والمسيحية) حول فكرة المسيح فبينما تري اليهودية المسيح "الماشيح" باعتباره شخصية سياسية قومية سيقود شعبه إلى صهيون ويعيد بناء الهيكل ويؤسس المملكة اليهودية مرة أخرى ... وقد تبدي كل هذا في شكل صراع تاريخي حقيقي، فقد رفض اليهود المسيح (عيسى (بن مريم) ولا زالوا يرفضونه ويلوم الآباء المسيحيون الأوائل اليهود باعتبارهم مسئولين عما حاق بالمسيحيين الأولين من اضطهاد ... وهم المسئولون عن صلب المسيح .. ومن ثم فإن العلاقة بين اليهودية والمسيحية علاقة عدائية متوترة إلى أقصى حد) (¬2). بينما يؤكد د/ عبد الراضي محمد أن رفض اليهود للمسيح - عليه السلام - سببه أنه جاء ليزيل تشدد اليهود وقسوتهم وأنه جاء ليقوض الأصول الدينية القومية لدى اليهود معتمدًا في نقده لهذه الفكرة - المسيح المنتظر - على وجهة نظر بعض علماء النصارى ومتبنيًا لها وكثيرًا ما أضاف إليها ما يشفي الغلة ويوفي القضية حقها فيقول نقلاً عن هؤلاء: عندما ظهر المسيح - عليه السلام - ودعا اليهود إلى اتباعه رفض اليهود منذ البداية الإقرار بنبوته والاعتراف بأنه المسيح المنتظر الذي بشرت به التوراة وكتب الأنبياء، وذهبوا في جحودهم لنبوته إلى أبعد مدى، فاعتبروه ثائرًا خارجًا على اليهودية يستحق القتل والرجم ومن ثم فقد بدءوا بالكيد له ولأتباعه لدى "بيلاطس" الحاكم الروماني وعقدوا له محاكمة دينية خاصة أمام مجلس السنهدريم أعلى هيئة قضائية في اليهود ووجه إليه اتهام بأنه نبي مزيف وأنه كان ساحرًا ... وأنه كان يقوض الأصول الدينية القومية وادعي زورًا أنه المسيح المنتظر ... ويعتبرونه ابنا غير شرعي شريرًا .. مضللا وغير ذلك من التهم التي ألصقوها به (¬3). ¬

_ (¬1) اليهود واليهودية والصهيونية د/ المسيري 5/ 340. (¬2) المرجع السابق ص 341، 342 بتصرف بالحذف. (¬3) ينظر: التطرف اليهودي د/ عبد الراضي ص 47، 48 بتصرف بالحذف، وانظر: الإرهاب في اليهودية والمسيحية والإسلام والسياسات المعاصرة أ/ زكي على السيد أبو غضة ص 105 طبعة دار الوفاء - المنصورة - الطبعة الأولى 1423 هـ / 2002 م، وانظر: اليهود واليهودية والإسلام د/ عبد الغني عبود ص 117.

وفي معالجة د/ حسن ظاظا لعقيدة اليهود في المسيح المخلِّص يطرح في رؤيته النقدية أبعاد تطور هذه الفكرة عبر العصور وكيف تعلق اليهود بهذا الحلم ومازالوا ينشدونه وينتظرون تحقيقه لأنه لم يأت بعد، وأرجع د/ ظاظا تعلقهم بالمسيح المنتظر إلى أمرين: 1 - العصبية القومية. 2 - ما حدث لهم من تشريد وضياع في السبي البابلي وبعده. فيقول د/ ظاظا: تأتي فكرة انتظار المخلص أو المسيح مقترنة بفكرة تجديد العهد مع الرب أو فكرة "العهد الجديد" عندئذ تتجدد آمة الله لتصبح جديرة بالله وعندئذ تصير أورشليم مدينة لا مثيل لها بين المدائن يقيم فيها الرب على جبل صهيون ويتجمع فيها المشردون من بنى إسرائيل، وتزول فيها الأحقاد، بل ويموت فيها الموت نفسه وفي وسط هذه الآمال المركزة على إسرائيل لا ينسي مروجو تلك البشارات أن يجعلوا فيها نصيبًا للإنسانية من غير بنى إسرائيل يقول أشعياء: "ويصنع رب الجنود لجميع الشعوب في هذا الجبل وليمة سمائن ... ويقال في ذلك اليوم" هو ذا إلهنا انتظرناه فخلصنا هذا هو الرب انتظرناه نبتهج ونفرح بخلاصه لأن يد الرب تستقر على الجبل" (¬1). ويكاد المعلقون على أمثال تلك النصوص يتفقون على أمر واحد هو أن مبعثها - فكرة المخلص - إنما كان تعصبًا قوميًا ضيق الأفق شديد الحقد وتعلقًا بفكرة الحق الإلهي في السلطة الدينية" (¬2). وعن تطور هذه الفكرة عبر العصور يضع د/ ظاظا يده على بداية ظهورها وسار معها حتى بين في أي وقت تأكدت عندهم وأصبحت عقيدرة ملازمة لهم حتى الآن وأصبحت من الثوابت العقائدية التي تتمركز حولها سائر أفعال اليهود في العصر الحاضر فيقول: 3 - بدأت كلمة "مسيح" بالعبرية "ماشيح" حياتها اللغوية بمدلول مادي عادي فالفعل "مسح" كان يستعمل لمبايعة الملوك إذ يأتي الكاهن الأكبر الذي يقوم بطقوس التتويج ويأخذ على كله بعضًا من الزيت المقدس فيمسح به مقدم رأس الملك ثم يضع التاج وهكذا كان كل ملك عند العبريين يسمى في القديم "مسيحًا" أي أنه متوج بطريقة شرعية وممسوح بالزيت المقدس (¬3). ¬

_ (¬1) الإصحاح: (26/ 6 - 10) أنشودة حمد. مع الحذف. (¬2) الفكر الديني اليهودي: د/ حسن ظاظا، ص 98. (¬3) المرجع السابق، ص 109.

(ومع الحوادث الجسام التي تعرض لها اليهود في إبان السبي البابلي أصبح حلم الأنبياء والمصلحين والكثرة الكثيرة من اليهود أن يأتي ملك فذ من نوعه مخلص معه القوة والبركة معجز يعيد الأمجاد السالفة فيكون هو الملك بحق وهو "المسيح" وهذه الفكرة واضحة في قول أشعياء: "لأنه يولد لنا ولد ونُعطى ابنًا وتكون الرياسة على كتفه" (¬1)) (¬2). واستدل د/ أحمد شلبي بالنص السابق ونصوص أخرى مثل "العذراء تحبل وتلد ابنًا اسمه "عمانوئيل" (¬3) ثم علق عليها بقوله: وتهيأ الرأي العام اليهودي لهذا المسيح، وكان توقعه يتجدد كلما نزلت باليهود البلايا والمحن، وظهر عيسى ابن مريم - عليه السلام - وأعلن أنه المسيح الذي ينتظره اليهود لكن أكثرية اليهود رفضوا هذا الادعاء وقاوموا دعوة سيدنا عيسى - عليه السلام - وألقوا القبض عليه وحكموا عليه بالإعدام (¬4). وقد علل د/ ظاظا عدم إيمان اليهود بدعوة سيدنا عيسى - عليه السلام - أنهم يقولون عنه بأنه: (لا تتحقق فيه الشروط التي وردت عند الأنبياء السابقين حول المسيح المنتظر وزمانه فإن النبي إيليا لم ينزل مرهصًا له ولم يعد من السماء قبل مجيئه معلنًا عن بعثته، ثم إنهم يقولون إن النبي أشعياء يصف هذا المسيح المنتظر فيقول: "ويخرج قضيب من جذر يَسيَّ وينبت غصن من أصوله ويحل عليه روح الرب ... إلى آخر تلك الشروط التى وردت فيه" (¬5)) (¬6). ثم يقرر د/ ظاظا في نهاية مناقشته لهذه القضية أن عقيدة المسيح المخلص تأكدت مع السبي البابلي ثم مع النكبات المتعاقبة التي حلت باليهود ومازالت أملاً يراودهم حتى أصبحت من أركان العقيدة اليهودية العامة وسميت عند كثير من مؤرخي تطور الفكر الإسرائيلي باسم "المسيحانية" ... والواقع أن هذا الحلم المسيحاني لم يكف عن مداعبة خيال اليهود منذ السبي البابلى وحتى القرن العشرين (¬7). ولأهمية هذه العقيدة عند اليهود لما رأوا أنه قد مرت فترة طويلة دون أن يجيء المسيح الذي ينتظرونه انتهز بعضهم الفرصة وادعي أنه المسيح المنتظر وحدث ذلك أكثر من مرة عبر التاريخ وكل واحد منهم يعد اليهود بعودة فلسطين وتحقيق آمالهم. ¬

_ (¬1) الإصحاح: (9/ 6) ولد لنا ولد. (¬2) الفكر الديني اليهودي ص 109. (¬3) أشعياء: (7/ 14) آية عمانوئيل. (¬4) اليهودية د/ أحمد شلبي ص 214. (¬5) أشعياء: (11/ 1 - 10) جذع يسي. (¬6) الفكر الديني اليهودي: ص 110. (¬7) المرجع السابق: ص 110 - 112 بتصرف بالحذف.

وقد ذكر د/ أحمد شلبي بعضًا من هؤلاء الذين ادعوا كذبًا - كل منهم على حدة أنه المسيح - وكذلك د/ ظاظا ذكر بعضًا من هؤلاء مبينين في عرضهما لهؤلاء الكذبة فشلهم الذريع في عدم إمكانية تجميع اليهود وعدم القدرة على تحقيق آمالهم. بل إن بعضهم لما ظهر لليهود عدم صدقه أعلن إسلامه إيثارًا للسلامة (¬1). بينما أكد ل/ أحمد عبد الوهاب أن لفظ المسيح قد أطلق على أكثر من نبي في العهد القديم فيقول: (ظهر في بني إسرائيل مسحاء كثيرون كانوا يحظون هذا اللقب بمجرد أن يمسحهم أحد الأنبياء بالزيت المقدس فهكذا كان الحال مع شاول الذي مسحه النبي صموئيل " ... فكان المسيح هو اللقب الذي حظي به شاول كما أعلن صموئيل لكل إسرائيل: اشهدوا علىّ قدام الرب وقدام مسيحه ... " (¬2). وبعد شاول قام صموئيل بمسح داود فتحول إلى مسيح آخر، قال الرب لصموئيل: قم امسحه ... فأخذ صموئيل قرن الدهن ومسحه (¬3) وقبل أن يصعد إلياس إلى السماء فإنه مسح تلميذه اليشع نبيًا من بعده" وقال الرب لإيلياء: اذهب وامسح اليشع بن شافاط نبيًا عوضًا عنك" (¬4)) (¬5). (وأخيرًا جاء المسيح عيسى - عليه السلام - أعظم مصيح ظهر في بنى إسرائيل والذي سمي في الإنجيل مسيح الرب "وكان رجل في أورشليم اسمه سمعان ... وكان قد أوحي إليه بالروح القدس أنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب فأتى بالروح إلى الهيكل وعندما دخل بالصبي يسوع أبواه ليصنعا له حسب عادة الناموس أخذه على ذراعيه وبارك الله" (¬6)) (¬7). وخلاصة ما وقف عليه نقاد العهد القديم من علمائنا الاجلاء في هذه القضية ما يلي: 1 - عدم اعتراف اليهود بالمسيح "عيسى ابن مريم - عليه السلام - "ومعنى ذلك أنهم يؤمنون ببعض الأنبياء ويكفرون ببعض وذلك هو الكفر والضلال بعينه. 2 - عدم قصر العهد القديم لفظ المسيح على عيسى ابن مريم - عليه السلام - وذلك لتمييع القضية وليكون ذلك تبرير لهم في اعتقادهم في عيسى ابن مريم - عليه السلام - إذ أنهم يعتبرونه ملكُ وليس نبيًا كداود وشاول وغيرهم. 3 - يدعي اليهود أن هناك مسيحًا آخر غير عيسى ابن مريم - عليه السلام - ينتظرون مجيئه ليقودهم إلى فلسطين ليعيد بناء الهيكل ويحكم من جديد. ¬

_ (¬1) انظر: اليهودية: د/ أحمد شلبي، ص 214، 217. الفكر الديني اليهودي: د/ ظاظا ص 112 وما بعدها. (¬2) صموئيل الأول: (12/ 1 - 3) خطات صموئيل الوداعى. (¬3) صموئيل الأول: (16/ 12 - 13) صموئيل يمسح داود ملكًا. (¬4) ملوك الأول: (19/ 15 - 17) الرب يظهر لإيليا. (¬5) النبوة والأنبياء: ل / أحمد عبد الوهاب، ص 57. (¬6) لوقا: (2/ 25 - 28) ختان الطفل يسوع وتقديمه في الهيكل. (¬7) النبوة والأنبياء: ص 58.

وفي نهاية هذا المبحث يتبين ما يلي: 1 - اضطراب مفهوم النبوة والأنبياء في العهد القديم. 2 - يزعم اليهود أن الأنبياء غير معصومين فيما دون الوحي. 3 - يعترف اليهود ببعض الأنبياء ونبوتهم ويعتبرون البعض الآخر ملوكًا وليسوا أنبياء. 4 - لم يترك العهد القديم نبيًا من الأنبياء إلا وألصقوا به التهم ولوثوا سيرته بل وقتلوا كثيراً منهم حتى سيدنا موسى - عليه السلام - لم يسلم منهم. 5 - الحيدة والموضوعية في ردود علماء المسلمين على الافتراءات الواردة في العهد القديم التى قد نسبت زورًا وبهتانًا إلى الأنبياء عليهم السلام.

المبحث الخامس تصور العهد القديم عن اليوم الآخر

المبحث الخامس تصور العهد القديم عن اليوم الآخر تمهيد: عقيدة الإيمان باليوم الآخر من العقائد الثابتة التي جاء بها الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، فقد دعا إليها موسى - عليه السلام - فقال تعالى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} (¬1). وقف علماء المسلمين وقفة نقدية مع العهد القديم حول هذه القضية وبينوا فيها عدم ذكر الجزاء الأخروي فيه وأن الوارد فيه الجزاء الدنيوي فقط وبالتالى كان الاهتمام بالدنيا يحتل المقام الأول في التصور اليهودي ولذلك يقول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} (¬2) أي حياة كانت بصرف النظر عن نوعية هذه الحياة وشرعيتها ولذلك يجتهد اليهودي في إفناء حياته في المتع والشهوات ولو على حساب الآخرين فإذا جاء الموت فلا حياة بعد ذلك كما يدَّعون. ويمكن حصر جهود علماء المسلمين حول نقد عقيدة اليوم الآخر في العهد القديم تحت العناصر التالية: (1) غلبه ذكر الجزاء الدنيوي على الأخروي فى نصوص العهد القديم. (2) خلو العهد القديم من ذكر اليوم اللآخر باستثناء بعض الآيات. (3) الأسباب وراء خلو العهد القديم من ذكر اليوم الآخر. (4) بدايه ظهور عقيدة البعت واليوم الآخر وتطورها. (1) تغليب ذكر الجزاء الدنيوي على الأخروي فى العهد القديم: عند التأمل في هذا العنصر واستزجاع المراحل التاريخية التى مر بها بنو إسرائيل يلاحظ تغليب الناحية المادية على الجانب الروحي عندهم ولذلك يري د/ أحمد غلوش: أن هذه الفكرة المادية - غلبة الجزاء الدنيوي على الأخروي - هى التى أوحت للفكر اليهودي أن يأتى اليهود إلى فلسطين على أساس أنها جنة اليهودي ومتعته، وبقى اليهود على هذا الاتجاه حتى صار جزءًا من معتقدهم العام يعيشون له وبه والسعيد فيهم من تمكن من العيش في فلسطين وكل من لم يتمكن من ذلك يعيش متعلقًا بها مشتاقًا إليها وفي عزمه أن يأتى إليها يومًا من الأيام (¬3). ¬

_ (¬1) سورة طه الآيات: (13 - 15). (¬2) سورة البقرة الآية: (96). (¬3) انظر: دراسات في الأديان د/ أحمد غلوش ص 116 بتصرف يسير.

وبتحليل هذه الرؤية النقدية يتبين للباحث أن د/ غلوش قد غاص داخل النفسية اليهودية وحلل ميولها من خلال قرائته للواقع اليهودي المعاصر قراءة متأنية وبناءً على ذلك أسس رأيه السابق في هذا الموضوع. ويري د/ صفوت مبارك: أنه لا يوجد في التوراة التي بين أيدينا اليوم ذكر لليوم الآخر وما فيه بل إن الذي يقرأها يتبين له أن الجزاء فيها دنيوي بحت فمن آمن وعمل صالحًا فإنه يثاب على ذلك وثوابه إنما يكون في هذه الحياة الدنيا؛ ومن كفر وعصى فإنه يعاقب على ذلك وعقابه إنما يكون في هذه الحياة الدنيا، أما الآخرة فلا توجد إشارة إليها من قريب أو بعيد، أما فيما يتعلق بالثواب على الإيمان والعمل الصالح فهو أيضًا دنيوي (¬1). وذكر د/ صفوت أدلة كثيرة تدل على ذلك منها ما يلي: "وإن سمعت سمعًا لصوت الرب إلهك لتحرص أن تعمل بجميع وصاياه التي أنا أوصيك بها اليوم يجعلك الرب إلهك مستعليًا على جميع قبائل الأرض ... مباركًا تكون في المدينة ومباركًا تكون فى الحقل .. ومباركًا تكون فى دخولك ومباركًا تكون في خروجك" (¬2). وما جاء في سفر اللاويين "إذ سلكتم في فرائضي وحفظتم وصاياي وعملتم بها أعطى مطركم في حينه وتعطى الأرض كلتها وتعطى أشجار الحقل أثمارها .. فتأكلون خبزكم للشبع وتكونون في أرضكم آمنين ... وأسير بينكم وأكون لكم إلها وأنتم تكونون لي شعبا" (¬3). وأما فيما يتعلق بالعقوبة التي يعاقب الرب بها العصاة الذين يخالفون أوامره ووصاياه، فيلاحظ أنها كلها كوارث ومصائب ونوازل دنيوية وليس من بينها أي عقاب أخروي (¬4) ذكر أدلة كثيرة تدل على ذلك منها: (1) "ولكن إن لم تسمع لصوت الرب إلهك ... تأتي عليلث جميع هذه اللعنات وتدركك ملعونًا تكون في المدينة وملعونًا تكون في الحقل ملعونة تكون سلتك ومعجنك ملعونة تكون ثمرة بطنك وثمرة أرضك ... ملعونًا تكون في دخولك وملعونًا تكون في خروجك" (¬5). (2) "لكن إن لم تسمعوا لي ولم تعملوا كل هذه الوصايا ... فإني أسلط عليكم رعبًا وسلاً وحمىً تفني العينين وتتلف النفس وتزرعون باطلاً زرعكم فيأكله أعداؤكم ... أطلق عليكم وحوش البرية ... وأصير مدنكم خبر به" (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: مدخل لدراسة الأديان ص 138، 139 بتصرف يسير. (¬2) تثنية: (28/ 1 - 17) بركات الطاعة. (¬3) الإصحاح: (26/ 3 - 12) مكافأة الطاعة. (¬4) مدخل لدراسة الأديان ص 138، 139. (¬5) تثنية: (28/ 15 - 19) لعنات العصيان. (¬6) لاويين: (26/ 14 - 31) عقوبة العصيان.

(2) خلو العهد القديم من ذكر اليوم الآخر

(2) خلو العهد القديم من ذكر اليوم الآخر: يقرر الإمام ابن تيميه خلو العهد القديم من ذكر اليوم الآخر وما فيه فيقول: (إن التوراة - التي بأيدي اليهود - ليس فيها تصريح بذكر المعاد وعامة ما فيها من الوعد والوعيد فهو في الدنيا كالوعد بالرزق والنصر والعافية والوعيد بالقحط والأمراض والأعداء) (¬1). وفي طرح د/ مشرح على، لهذه القضية يبين ما طرأ على التصور اليهودي من فكر خاطئ وفهم معوج حول اليوم الآخر والبعث بعد أن كان سليمًا في بدايته فيقول: (كان اليهود في أول نشأتهم يعتقدون كما يعتقد غيرهم من أهل الأديان بالبعث وبالجنة والنار والحساب والعقاب على ما يقدم الإنسان في الدنيا من خير أو شر غير أن هذه العقيدة سرعان ما تلاشت عندهم واضطربت وماتت وصار اعتقادهم أن الموت خاتمة كل شىء) (¬2). ويبين د/ فرج الله عبد الباري، مدى ما وصلت إليه العقيدة اليهودية من تعقيد وغموض لخلوها من ذكر اليوم الآخر وتفصيلاته فيقول: (إن عقيدة اليوم الآخر عند اليهود من الأمور البالغة التعقيد وقد خلت التوراة الحالية من الحديث عن اليوم الآخر، وأن الإشارات إليه تأتي عابرة مختلفًا حولها منها: 1 - ما ورد في سفر أشعياء: "تحيا أمواتك تقوم الجثث، استيقظوا ترنموا بإسكان التراب لأن طلَّك طل أعشاب والأرض تسقط الأخيلة" (¬3). 2 - ما ورد في سفر حزقيال: "أيتها العظام اليابسة اسمعى كلمة الرب هكذا قال السيد الرب لهذه العظام هاأنذا أدخل فيكم روحًا فتحيون وأضع عليكم عصبًا وأكسيكم لحمًا وأبسط عليكم جلدًا وأجعل فيكم روحًا فتحيون وتعلمون أني أنا الرب (¬4) " (¬5). ¬

_ (¬1) الجواب الصحيح: 1/ 300. (¬2) اليهودية دراسة مقارنة د/ مشرح على (الأستاذ بجامعة الأزهر فرع المنصورة)، ص 229. ط/ بدون (¬3) الإصحاح: 26/ 19، أنشودة حمد. (¬4) حزقيال: (37/ 4 - 6) وادي العظام اليابسة. (¬5) اليوم الآخر بين اليهودية والمسيحية والإسلام د/ فرج الله عبد الباري (الأستاذ بجامعة الأزهر فرع طنطا)، ص 54، 332. ط/ دار الوفاء بالمنصورة، ط/ 1422هـ - 1992م.

أما عن الأمر الأول فيقول

وفي تعليق د/ فرج الله على هذين النصين يقول: (إنهما يشيران إلى البعث الجسدي والروحى معًا لليهود في الآخرة ويلاحظ على ذلك ما يلي: 1 - أن الإشارات عن الآخرة غير وافية ولا تعطى تفصيلاً لكثير من الجوانب عن اليوم الآخر. 2 - أن أسفار موسى الخمسة تخلو تمامًا من أي إشارة إلى اليوم الآخر وما فيها) (¬1). ويؤكد ذلك د/ مصطفي حلمي فيقول: (إن هناك اضطرابًا وغموضًا في عقيدة اليهود في اليوم الآخر فهي أقرب إلى الإنكار منها إلى الإقرار والإيمان ويرجع ذلك إلى اختلاف النصوص الواردة عن الآخرة في التوراة) (¬2). أما د/ عابد توفيق الهاشمي في كتابه "التربية في التوراة" في نقده لهذه العقيدة وبيان وجودها من عدمه في نصوص العهد القديم تناول مناقشتها تحت أمرين هما: 1 - عدم وضوح معنى الآخرة فى نصوص التوراة. 3 - احتمال الإشارة إلى الآخرة فى بعض النصوص. أما عن الأمر الأول فيقول: إن النصوص القليلة في التوراة التي ذكرت فيها كلمة الآخرة، غير واضحة المعني ولا تدل على الآخرة بمعناها الاصطلاحي المعروف، بل ربما أشار المعنى إلى نهايات الأعمال وتتبع بدقة لفظة الآخرة في التوراة الحالية فوجدها في نصوص لا صلة لها بالدار الآخرة من هذه النصوص: 1 - "فرأي الرب ورذل من الغيظ بنيه وبناته، وقال احجب وجهي عنهم، وانظر ماذا تكون آخرتهم، إنهم جيل متقلب أولاد لا أمانة فيهم (¬3) أي ما نتيجة أعمالهم في الدنيا. 2 - "إنهم أمة عديمة الرأي ولا بصيرة فيهم، لو عقلوا لفطنوا بهذه وتأملوا آخرتهم" (¬4). أي آخرة أعمالهم في الدنيا كذلك. 3 - "صار في الأرض دهش وقشعريرة، الأنبياء يتنبئون بالكذب والكهنة تحكم على أيديهم وشعبي هكذا أحب، وما تعملون في آخرتها" (¬5) أي في نهاية هذه الأعمال. وأكد بعد سرده لهذه النصوص أن مدلول كلمة الآخرة يعني آخرة أعمالهم ونتائجها في هذه الحياة الدنيا وأكد أيضًا خلو التوراة الحالية من ذكر الآخرة بمدلولها الاصطلاحى بل وردت نصوص تنكرها من هذه النصوص الصريحة في الإنكار: ¬

_ (¬1) اليوم الآخر د/ فرج الله 332. (¬2) الإسلام والأديان دراسة مقارنة د/ مصطفى حلمى ص 177 ط - دار الدعوة 1990 م. (¬3) تثنية: (32/ 20 - 21) نشيد موسى. (¬4) تثنية: (32/ 28 - 29) السابق. (¬5) أرميا: (5/ 30) لا يوجد بار.

أما عن الأمر الثاني

4 - "لأن الأحياء يعلمون أنهم سيموتون، أما الموتى فلا يعلمون شيئًا وليس لهم أجر بعد لأن ذكرهم قد نسي" (¬1) فهذا إنكار صريح للآخرة، بأن الميت لا جزاء له ولا عقاب، ولا حساب! (¬2). أما عن الأمر الثاني: ها هو العالم الجليل الشيخ رحمة الله الهندي يقول عن عقيدة الآخرة في التوراة والتي كُتبت بعد سبعة قرون من وفاة موسى سيدنا - عليه السلام -: (فلا ذكر للآخرة فيها, ولكن الأسفار الخمسة فيها مواعيد دنيوية للمطيعين وتهديدات دنيوية للعاصيين وهكذا توجد في مواضع كثيرة) (¬3). ويؤكد أن خلو التوراة من ذكر عقيدة اليوم الآخر دليل من الأدلة القاطعة على التحريف الذي طرأ على التوراة ذلك أن الله تعالى جعل عقيدة اليوم الآخر جزءًا أساسًا في الدين الحق الذي أنزله على الناس من لدن آدم - عليه السلام - إلى خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} (¬4). وذكر الهاشمي أن هناك نصوصًا يُفهم منها الإشارة إلى يوم القيامة من هذه النصوص: 1 - "قريب يوم الرب العظيم ... ذلك اليوم يوم سخط، يوم ضيق وشدة يوم خراب ودمار يوم ظلام وقتام ... لأنه يصنع فناءً باغتًا لكل سكان الأرض" (¬5). 2 - فلنسمع ختام الأمر كله: اتق الله واحفظ وصاياه ... لأن الله يحضر كل عمل إلى الدينونة على كل خفى إن كان خيرًا أو شرًا" (¬6). وهذا النص ربما كان أوضح النصوص التي تشير إلى يوم القيامة لأن الدينونة تعني الحساب حيث يدين الله كل إنسان على عمله إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر (¬7). وفي نظرة د/ الهاشمي التقويمية لما سبق من عرض نقدي لإغفال الإيمان بالآخرة في التوراة يقول: (إن ما ذكر من نصوص يبين عدم تأكيد التوراة لعقيدة الآخرة وإن هذا الإغفال أمر يعرفه كل من درس التوراة دراسة دقيقة وعرف حياة اليهود عبر تاريخهم (¬8). ¬

_ (¬1) الجامعة: (9/ 5) الوقوف بهيبة أمام الرب. (¬2) انظر: التربية في التوراة د/ الهاشمي، ص 79 - 80. (¬3) إظهار الحق: 2/ 78. (¬4) سورة النساء الآية: (136). (¬5) صفنيا: (1/ 14) النهاية، يوم الرب العظيم. (¬6) الجامعة: (12/ 13 - 14) ختام الأمر. (¬7) انظر: التربية في التوراة، ص 81. (¬8) التربية في التوراة، ص 82.

3. الأسباب وراء خلو العهد القديم من ذكر اليوم الآخر

والباحثة / سميرة عبد الله عرضت ما يتعلق بتصور اليوم الآخر في التوراة وباقى أسفار العهد القديم في نقاط مجملة ثم فصلت ذلك الإجمال وناقشته وأضافت إلى ما ذكره د/ الهاشمي من أدلة - نصوصًا أخرى بينت سيطرة المادة على قلوب اليهود ولذلك فلا مكان للروحانيات عندهم واقتصرت التوراة على ذكر الموت في هذه الدنيا بصورة مادية بحتة، تاركة ذكر مصير الإنسان بعد الموت بدون بيان جلي صريح فنهاية آدم - عليه السلام - تختم بالموت ولا شىء بعد الموت ونص ذلك: "لأنك تراب وإلى التراب تعود" (¬1) ... أما الحديث عن الحياة الأخرى والجنة والنار بعد البعث فالتوراة خالية من ذلك تمامًا وجعلت مناط الطاعة والمعصية هو الإثابة والعقوبة في الدنيا المتمثل في البركات واللعنات المادية التي تصيب الإنسان (¬2). 3. الأسباب وراء خلو العهد القديم من ذكر اليوم الآخر: ولقد أَرْجع بعض العلماء خلو العهد القديم من ذكر اليوم الآخر (¬3) للأسباب التالية: 1 - (لعل السبب في ذلك وجودهم بين المصريين مدة 430 سنة كما جاء في سفر الخروج "وأما إقامة بنى إسرائيل التي أقاموها في مصر فكانت أربع مائة وثلاثين سنة" (¬4) واقتباسهم منهم هذه العقيدة التى كانت عالقة كثيرًا بأذهان المصريين فانتقلت منهم إلى بنى إسرائيل وأصبحت عندهم من الأمور التي لا يترددون في قبولها فلذا لم يحتاجوا للتذكير بها كثيرًا فاكتفت كتبهم بالإشارة إليها أحيانًا) (¬5). 2 - أو كان السبب في قلة ذكر كتبهم لها أن الناس كانوا في تلك الأزمنة قصيري الإدراك متبلدي الشعور وخصوصًا اليهود ذوي الرقاب الصلبة كما جاء في سفر الخروج "وقال الرب لموسى رأيت هذا الشعب وإذا هو شعب صُلْبُ الرقبة (¬6) " فلذا ما كانوا يتأثرون ولا تنفعل نفوسهم بالمواعيد الآجلة انفعالها بالمواعيد العاجلة التي أكثرت كتبهم من ذكرها لهم لغلظ قلوبهم وقسوتها فلما كثر بين الناس الشك في هذه العقيدة وارتقى إدراكهم ورق شعورهم عن ذي قبل جاء سيدنا عيسى - عليه السلام - لتبيين هذه العقيدة العظمى واشتهر بالتصريح بها أكثر من جميع من سبقه من أنبياء بنى إسرائيل) (¬7). ¬

_ (¬1) تكوين: (3/ 19) وجهود الإمامين، ص 514. (¬2) انظر: تثنية: (28/ 1 - 16)، تثنية: (28/ 16 - 46) وانظر: جهود الإمامين، ص 516 - 517. (¬3) اللهم إلا بعض إشارات طفيفة كما في سفر التثنية: (32/ 39)، دانيال: (12/ 2 - 3) وغير ذلك. (¬4) الإصحاح: (12/ 40) الخروج. (¬5) نظرة في كتب العهد الجديد د/ محمد توفيق صدقي، ص 164، 165 مطبعة المنار بمصر 1331 هـ. (¬6) الإصحاح: (32/ 9) العجل الذهبي. (¬7) نظرة في كتب العهد الجديد ص 165 مرجع سابق.

4. بدايه ظهور عقيدة اليوم الآخر وتطورها فى الفكر اليهودي

ويضيف د/ كامل سعفان أكثر من بُعد توضيحي لهذه القضية فيقول: 1 - من خلال دراسة العهد القديم نجد أنه لم يمس العالم الآخر من قريب أو بعيد وكأنه اكتفى بالعقوبات الشديدة التي تنزل بالمجرمين أو لعله تأسي بديانة أخناتون دون ما سبقها من الديانات المصرية التي كانت تؤمن بالحياة بعد الموت، حيث يحتل إلى الأبدية (أوزوريس) مكانًا رئيسًا بين الآلهة ... فإذا كان موسى (العهد القديم) من رجال أخناتون أو أحد دعاته، وإذا كان (الخروج) تم فى عهد أعداء أخناتون فقد كان على كتَّاب العهد القديم أن يراعوا هذه العلاقات السياسية (¬1). 2 - ويقول أيضًا: ولكنا نجد في سفر الجامعة - الإصحاح الثالث: "إن ما يحدث لبنى البشر يحدث للبهيمة ... كلاهما من التراب وإلى التراب يعود كلاهما من يعلم روح بنى البشر هل هى تصعد إلى فوق وروح البهيمة هل هي تنزل إلى أسفل، إلى الأرض ... إنه لا شىء خير من أن يفرح الإنسان بأعماله, لأن ذلك نصيبه" (¬2) وهذا قول لا يفيد شيئًا عن البعث والحساب. 3 - أما أول إشارة إلى البعث فلا نكاد نجدها قبل (سفر دانيال 12) (¬3) مما يفيد تحولًا في العلاقات السياسية والثقافية، أو هو دليل على ما أصاب (التوراة) من تحريف وتزييف، إذ أنه أثر الاتصال بالديانة الزرادشتية زمن الأسر الطويل، وإبّان الاتصال بدولة الفرس في عهد قورش (المخلّص) ... وجاء عصر السيد المسيح وما يزال الخلاف بين الطوائف الإسرائيلية حول الحياة الآخرة وفقًا للإيمان ببعض الأسفار دون الآخرى) (¬4). 4. بدايه ظهور عقيدة اليوم الآخر وتطورها فى الفكر اليهودي: وضع علماء المسلمين أيديهم على سبب ظهور عقيدة اليوم الآخر عند بنى إسرائيل وأرجعوا ذلك إلى ما حدث لهم في فترة التيه والتشريد التي عاشوها وكذلك إلى فترة السبي البابلى وما ذاقوه من ويلات في هذه الفترة التاريخية كل ذلك كان له أكبر الأثر في وقوف اليهود مع أنفسهم مما جعلهم يعيدوا التفكير فيما وراء هذه الحياة الدنيا من أمور غيبية. ¬

_ (¬1) اليهود تاريخا وعقيدة: د/ كامل سعفان، ص 223، ط/ دار الاعتصام 1988 م. (¬2) الإصحاح: (3/ 19 - 22) لكل شيء زمان. (¬3) والنص يقول: "كثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون، هؤلاء إلى الحياة الأبدية، وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدي" (دانيال: 12/ 2 - 3) أزمنة النهاية. (¬4) اليهود تاريخا وعقيدة: د/ كامل سعفان, ص 223 - 224.

ولذلك يري "حسن ظاظا فى كتابه: "الفكر اليهودي": (أن اليهود لم يفكروا في الغيبيات إلا بعد أن تعرضوا للسبي البابلى ثم التشتت في الأرض على أيدي الرومان) (¬1). ويحدد في موضع آخر من كتابه مفهوم الغيبيات الذي اتجه تفكير اليهود إليه فيذكر: (أن التفكير في الغيبيات كان يتخذ اتجاهين محددين هما: نهاية العالم والخلاص على يد المسيح المنتظر) (¬2). ويؤكد د/ صفوت مبارك على ذلك بقوله: (بعد الأسر البابلي، وحلول الكوارث ببنى إسرائيل - بدأ بنو إسرائيل يتذكرون الحياة الآخرة؛ لأن الحياة الدنيا لم تعد تسير على هواهم، فظهرت أسفار تتحدث عن الجزاء الأخروي منها "سفر دانيال" الذي يتحدث عن البعث والحياة الأبدية فيقول: "وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون هؤلاء إلى الحياة الأبدية، وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدي والفاهمون يضيئون، والذين ردوا كثيرين إلى البر كالكواكب إلى أبد الدهور، أما أنت فاذهب إلى النهاية فتستريح وتقوم لقرعتك في نهاية الأيام (¬3) ") (¬4). ويقول د/ أحمد شلبي من خلال اطلاعه الواسع على تاريخ اليهود وتفحص طباعهم ونوعياتهم - يقول: إن يهود الماضي ليسوا كيهود الحاضر ولذلك يري أن اليهود يرون أنفسهم قسمين: قسم تمتع بحياته الدنيا وطيباتها ولم يتعرض للأسر والتشرد، وهؤلاء قد استوفوا حظهم من الثواب الإلهي د/ يعد هناك داع لأن يحيوا حياة أخرى وهذا هو القسم الذي تناولته التوراة التي لم تتحدث عن الجزاء الأخروي حيث اعتبرت بنى إسرائيل الذين عاشوا مع سيدنا موسى - عليه السلام - قد استوفوا ثوابهم في هذه الحياة الدنيا) (¬5). (أما القسم الثاني: فهم الذين عاشوا تحت سلطان الشعوب الأخرى أسرى أو مشردين، فهؤلاء يرى اليهود أنهم لم يستوفوا جزاءهم، ولم يثابوا على أعمالهم الصالحة، ولذا فإنهم يبعثون بعد موتهم ليوفوا جزاءهم وينالوا حظهم من النعيم) (¬6). ¬

_ (¬1) الفكر اليهودي أطواره ومذاهبه د/ حسن ظاظا ص 109. (¬2) المرجع السابق: ص 109 - 110. (¬3) الإصحاح: (12/ 2 - 3، 13) أزمنة النهاية. (¬4) مدخل لدراسة الأديان: ص 142. (¬5) اليهودية د/ أحمد شلبي ص 203 - 204. (¬6) المرجع السابق نفس الصفحة.

ولعل هذه الفكرة كانت وراء الدعوة إلى الإيمان بالبعث والدار الآخرة التي ظهرت بعد الأسر البابلي وتناولتها أسفار العهد القديم التي ظهرت آنذاك ومما يؤكد هذه الفكرة أن العبارة التي وردت في سفر "دانيال" والتي تقول "كثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون" ولم يقل: "إن جميع الراقدين يستيقظون" ولكن بقى أن هذا النص لا يتحدث فقط عن ثواب أخروي بل يتحدث أيضًا عن عقاب أبدى في الدار الآخرة في حين أن رأى هؤلاء ينحصر في الحديث عن الثواب الأخروي (¬1). وأيا ما كان الأمر فقد ظهرت "فرقة الفريسيين" (¬2) وهي إحدى الفرق اليهودية التي ظهرت بعد الأسر البابلي ومن مبادئها الإيمان بالبعث والدار الآخرة ورغم جهاد هذه الفرقة في محاولة نشر هذه الفكرة بين اليهود منتهزة فرصة الصدمة التي أصابتهم بعد زوال ملكهم من فلسطين غير أن هذه الفكرة لم تجد أي صدىً لها عند اليهود وأنكرتها الفرق الأخرى (¬3). ويضيف د/ صفوت بُعدًا توضيحيًا لمبادئ الفريسيين فيقول: (إنهم يعتقدون أن الصالحين من الأموات فقط هم الذين سيبعثون وأن بعثهم يكون على هذه الأرض وثوابهم يتحقق بالحياة في مملكة "المسيح المنتظر" وهو من نسل داود ويأتي في آخر الزمان ليدخل الناس في دين موسى - عليه السلام - ويملأ الأرض سلامًا وعدلًا كما يدعون فالجزاء الأخروي عندهم يكون على هذه الأرض وهو للصالحين فقط أما - الكفار والعصاة فلا يبعثون بل يموتون موتًا أبديًا - وهذا عقابهم على كفرهم وفسقهم وتمردهم) (¬4). إضافة إلى ما سبق ومن خلال استقراء وتتبع الباحثة / سميرة عبد الله لهذا الموضوع رصدت نصوصًا من باقي أسفار العهد القديم تدل دلالة واضحة - على الاعتراف باليوم الآخر، ووصفه وما يتم فيه من حساب الخلائق والقضاء بينهم ومجازاتهم بأعمالهم إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر ولكنها لم تذكر التوقيت الذي ظهرت فيه هذه النصوص مثلما حددها أغلب النقاد .. ومن القضايا التي ذكرتها وعضدتها بالأدلة قضية البعث (¬5) والحشر (¬6) والعرض (¬7) والحساب والقضاء بين الناس والجزاء (¬8) والجنة (¬9) والنار (¬10). ¬

_ (¬1) مدخل لدراسة الأديان: ص 142. (¬2) هم: الذين ألفوا أسفار التلمود ويعتقدون بصحة البعث بعد الموت، وأن الصالحين من الأموات سينشرون في هذه الحياه الدنيا ليشاركوا في ملك المسيح المنتظر (انظر: تاريخ الدعوة إلى الله - الآلورى ص 74). (¬3) مدخل لدراسة الأديان ص 143. (¬4) المرجع السابق: نفس الصفحة. (¬5) مزامير: (17/ 15)، أشعياء: (26/ 19) أنشودة حمد. (¬6) أشعياء: (24/ 21 - 24) الرب يدمر الأرض. (¬7) جامعة: (12/ 13 - 14) ختام الأمر. (¬8) أمثال: (23/ 17 - 18) بدون. (¬9) تكوين: (2/ 10)، (13/ 10) انفصال إبراهيم عن لوط. (¬10) انظر: عدد: (16/ 20 - 23)، خروج: (31/ 14 - 17)، عاموس: (9/ 2)، مزامير: (6/ 5)، تكوين: (37/ 35).

وبناءً على ما سبق من آراء علماء المسلمين حول عقيدة اليوم الآخر في العهد القديم يلاحظ الباحث ما يلي: 1 - يكاد يتفق العلماء على أنه لم يكن هناك تصور واضح عن اليوم الآخر في العهد القديم لخلو أسفاره من ذكر البعث والجزاء خاصة أسفار موسى الخمسة باستثناء بعض الآيات التى تحتوى على إشارات طفيفة له. 2 - تحول اليهودية بعد الأسر البابلى تحولًا عقائديًا وسياسيًا خطيرًا ترتب عليه التفكير في الغيبيات وما بعد هذه الحياة الدنيا. 3 - سيطرة الروح المادية على نصوص العهد القديم. 4 - يعتقد اليهودي أن جزاءه على أعماله يستوفيه في الدنيا ومن ثم يفني حياته في التمتع بالملذات والشهوات ويحرص على ذلك حرصًا شديدًا.

المبحث السادس نقد عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر فى العهد القديم

المبحث السادس نقد عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر فى العهد القديم اهتم بعض المعاصرين من علماء المسلمين بالحديث عن القضاء والقدر في العهد القديم، وفى دراستهم لهذا الموضوع بينوا حقيقة القضاء والقدر في أسفار العهد القديم وألقوا الضوء على النصوص التي تثبت مراتب القضاء والقدر ثم أردفوهها بذكر النصوص التي تقدح فى كمال هذه المراتب، وبالتالي أثبتوا مدى التناقض والتعارض في عقيدة اليهود في هذا الموضوع. وقد اتبعوا في نقدهم أسلوب الإثبات والنفى بعرض النص الذي يثبت هذه العقيدة ثم يذكروا بعد ذلك النص الذي ينفيها أو يقدح فيها وهو ما يسمى في اللغة بأسلوب التضاد، وبذلك تظهر المخالفة جيدًا ويتضح التناقض في النصوص التوراتية التي تتحدث عن القضاء والقدر ويتبين الاضطراب العقائدي في قضية هى من أخطر القضايا العقائدية إذ هي من الأركان الأساسية للإيمان. ويمكن إجمال ما يتعلق بالقضاء والقدر تحت العناصر التالية: 1 - إثبات مراتب عقيدة القضاء والقدر بنصوص من العهد القديم. 3 - انحراف اليهود في عقيدة القضاء والقدر ونقد العلماء لها. أولاً: مراتب القضاء والقدر في العهد القديم (¬1): أ - العلم الأزلي المسبق: توجد نصوص في العهد القديم تنص على أن الله -عَزَّ وَجَلَّ- وسع كل شىء علمًا، من هذه النصوص: "مخبر منذ البدء بالأخير ومنذ القديم بما لم يفعل قائلًا رأي يقوم وأفعل كل مسرتي .... وقد تكلمت فأجريه قضيب فأفعله (¬2) ". ب - كتابة الأشياء قبل كونها: ينص العهد القديم على أن الله تعالى كتب كل شىء قبل الخلق من بدء الخلق حتى تقوم الساعة من ذلك: "رأت عيناك أعضائي وفي سِفْرك كلها كتبت يوم تصورت إذ لم يكن واحد منها" (¬3). وقول التوراة: "لكل شيء زمان ولكل أمر تحت السموات وقعت: للولادة وقت ... ، وللموت وقت، قد عرفت أن كل ما يعمله الله أنه يكون إلى الأبد لا شيء يُزاد عليه ولا شيء يُنقص منه ... ما كان فمن القدم هو، وما يكون فمن القدم قد كان" (¬4). ¬

_ (¬1) جهود الإمامين من ص 569 - 580 باختصار. (¬2) أشعيا -: (46/ 10 - 11) وانظر: أشعياء: (44/ 6 - 8)، أيوب: (10/ 7)، مزمور: (1/ 139 - 5). (¬3) مزمور: (139/ 16) بدون. (¬4) جامعة: (3/ 1 - 14) لكل شيء زمان.

ج - مشيئه الأشياء قبل كونها

ج - مشيئه الأشياء قبل كونها: جاء في التوراة أن الله تعالى فعال لما يريد، ومشيئته نافذة لا يردها شىء ... ولا شىء خارج عما أراد من هذه النصوص: "من ذا الذي يقول فيكون والرب لم يأمر" (¬1)، "كما قصدت يصير وكما نويت يثبت" (¬2). د- خلق الأشياء بأمره: أشارت بعض النصوص إلى خلق الله وإيجاده لكل المخلوقات بمجرد إرادته وبكلمة منه من هذه النصوص: "بكلمة الرب صُنعت الأرض وبنسمة فيه كل جنودها ... لتخش الرب كل الأرض ومنه ليخف كل سكان المسكونة, لأنه قال فكان، هو أَمْرٌ فصار" (¬3). فما سبق يثبت مراتب القضاء والقدر في العهد القديم ويبدو أن هذه النصوص من بقايا الحق التي مازالت موجودة فيه وهي دليل إدانة لليهود حينما ينكرون عقيدة القضاء والقدر. ثانيًا: انحراف اليهود عن الإيمان بمراتب القضاء والقدر وجهود العلماء فما نقدها والرد عليها: ذكرت الباحثة / سميرة عبد الله ما يعارض إثبات المراتب السابقة للقضاء والقدر حيث ذكرت النصوص التي تصف الإله بصفات لا تليق بذاته المقدسة وقد أشرت إلى بعض هذه الصفات في المبحث الأول من هذا الفصل (¬4). من هذه الصفات التي ألصقوها بالإله: نفى العلم الإلهي "الجهل" ... والذي يدل على ذلك من التوراة: قصة آدم وحواء وأكلهما من شجرة معرفة الخير والشر إذ اختبأ آدم من أمام وجه الإله حين سمع صوت مشيه داخل الجنة فلم يره الإله ولم يعرف مكان اختبائه حتى عرفه آدم وأخبره بذلك (¬5). والجدير بالذكر أن المسلم (يؤمن أن قدر الله كله خير، وأن الشر لا يُنسب إلى الله تعالى مباشرة تأدبًا مع مقام الربوبيه؛ لأن علم الله تعالى ومشيئته وكتابته وخلقه للأشياء عدل كله ورحمة وخير وحكمة بالغة) (¬6). ¬

_ (¬1) مراثى أرميا: (3/ 37) توبة ورجاء. (¬2) أشعياء: (14/ 24) نبوءة ضد آشور. (¬3) مزمور: (33/ 6 - 9) بدون. (¬4) راجع: ص 110 من هذه الدراسة. (¬5) انظر القصة كاملة في: تكوين: (2/ 6 - 12) آدم وحواء. (¬6) جهود الإمامين: ص 577.

ويبين د/ أحمد شلبي أن اليهود يخالفون هذه العقيدة المستقيمة في القضاء والقدر فيقول: إنهم ينسبون الشر لله -عَزَّ وَجَلَّ- وأن الإنسان مجبر في أفعاله وبالتالي فإن صدور الشر عنه أمر طبيعي؛ لأنه خلقه وقد ركبت فيه هذه الطبيعة الشريرة وأن المنحرف من البشر لا يمكن له بأي حال من الأحوال أن ينصلح حاله أبدًا ولا يمكن له أن يُقوّم ويؤكد ذلك ما تعتقده الطوائف اليهودية: فطائفة "الفريسيون" لها رأى في القضاء والقدر فهم يرون أن الأفعال يمكن أن تتأثر بالقضاء والقدر ولكنها غير واقعة بها (¬1). وطائفة "الصدوقيون" لا يقولون بالقضاء والقدر ويؤمنون بحرية الاختيار ويرون أن الأفعال مخلوقة للإنسان لا لله (¬2). وطائفة "القراؤون" ذهبت إلى القول بالجبر المطلق ونفي الاختيار أو تأثير أفعال العبد (¬3). ويؤكد د/ الهاشمي، هذه النظرة - من أن الإنسان مجبر في أفعاله لا مخير- فيقول: إن عقيدة الجبر هي المهيمنة على أهل التوراة يهودًا أو نصارى، وهذه العقيدة تؤمن أن الله ليس فقط خالق الخير والشر؛ بل تزعم أنه الذي أجبر الإنسان على السلوك الذي يتجاوب مع ما أودع فيه من شر، فلا يقدر الإنسان أن يسلك سلوكًا خيرًا فتقول التوراة: "لماذا أضللتنا يا رب عن طريقك؟، قسيت قلوبنا عن مخافتك (¬4). يضاف إلى ذلك نسبة الشر صراحة إلى الله في عقيدة التوراة: "أنا الرب وليس آخر: مصور النور وخالق الظلمة صانع السلام وخالق الشر أنا الرب صانع كل هذه" (¬5). ولقد غالت التوراة في عقيدة الجبر للحد الذي زعمت فيه أن الله ينزل الروح الرديء ليقتحم النبي فيؤدي به إلى الجنون" وكان في الغد أن الروح الرديء من قبل الله اقتحم شاؤل وجن في وسط البيت (¬6) " (¬7). ¬

_ (¬1) اليهودية د/ أحمد شلبي ص 227. (¬2) المرجع السابق: ص 230. (¬3) جهود الإمامين: ص 583. (¬4) أشعياء: (63/ 17) تسبيح وصلاة. (¬5) أشعياء: (45/ 7) رسالة الله لكورش. (¬6) صموئيل الأول: (18/ 10) غيرة شاول من داود. (¬7) التربية في التوراة: د/ الهاشمي، ص 57.

التقويم

وأن اعتقادًا كهذا في الجبر يشل الحياة فلا تطور ولا تحسن حتى إن النبي سليمان - عليه السلام - ينسب له ذلك: "ما كان فهو ما يكون، والذي صنع فهو الذي يصنع فليس تحت الشمس جديد" (¬1) ولا إرادة للإنسان في أي تغيير، إذ هو سليب الإرادة "الأعوج لا يمكن أن يقوم، والنقص لا يمكن أن يجبر (¬2) " (¬3). التقويم: تتلخص طبيعة النفس البشرية في التوراة المحرفة فيما يلي: 1 - أن الله خلق الإنسان نفسه وقلبه مليئًا بالشر والخداع منذ حداثته حتى مماته. 2 - النفس الإنسانية في عقيدة التوراة في ظلام دامس ... فهي الشر بأوسع مداه ولا تقدم للحياة ولا خير ولا حضارة ولا إرادة في تغيير الأعوج وإكمال الناقص. 3 - أما مقام الإيمان في هذه العقيدة، فهو مجرد شعور بوجود الله، لا يدفع إلى العمل, لأن باب العمل مسدود بطبيعة هذه النفس ومغلق بعقيدة الجبر التي تشل العقل والجسد (¬4). وبعد بيان التضارب الذي أثبته العلماء في هذه العقيدة التي تتأرجح بين الإثبات تارة والنفي تارة أخرى يتضح لدى الباحث بُطلان عقيدة اليهود في القضاء والقدر. ¬

_ (¬1) جامعة: (1/ 9) الكل باطل. (¬2) جامعة: (1/ 15)، (3/ 14، 15) لكل شيء زمان. (¬3) التربية في التوراة: د/ الهاشمي، ص 57. (¬4) المرجع السابق: ص 61.

المبحث السابع نقد عقيدة أرض الميعاد في العهد القديم

المبحث السابع نقد عقيدة أرض الميعاد في العهد القديم عقيدة أرض الميعاد من الثوابت الرئيسة في العقيدة اليهودية المحرفة، تلك الأرض التي تنتج لبنًا وعسلًا (¬1) كما يصفونها في بعض نصوص التوراة، وأصبح الذهاب إليها والعيش فيها حُلم يراود كل يهودي في شتي بقاع الأرض، وصار هذا الحلم أملًا يداعب خيالهم، متى يذهبون إلى أرض فلسطين ومتى يتحقق الوعد الذي أعطاه الله لإبراهيم - عليه السلام - فى زعمهم - ولذلك هم يعملون بخطط مرسومة بدقة على تحقيق إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات التي يتجمع فيها اليهود بعد شتاتهم وتفرقهم. وحتى يسوغ اليهود لأنفسهم سندًا قانونيًا يرتكزون عليه في التهجير إلى أرض فلسطين وتملكها وطرد أهلها منها فإن أبوا فالإبادة الشاملة لهم حتى تكون وطنًا بلا سكان ينازعونهم ويزاحمونهم فيها لشعب بلا أرض قد عاني كثيرًا من التشرد. من أجل ذلك كله وضعوا في توراتهم نصوصًا تخدم هذا الغرض وتضفي عليه الشرعية والقداسة وهي بلا شك شرعية مزعومة ومفتراة لإثبات هذا الحق. ولقد اجتهد علماؤنا الأجلاء - فترة البحث - في إبطال هذه العهود المفتراة التي تثبت لبنى إسرائيل الحق في تملك أرض فلسطين، وقد يتميز جهد د/ عابد توفيق الهاشمي في تفنيد هذه المزاعم في كتابه "فلسطين في الميزان" وكذلك قام د/ سعد الدين صاع في كتابه "العقيدة اليهودية" بمعالجة عصرية رائعة تتحلى بالمنهج العلمى المبني على أسس ومعايير واضحة فقام بعرض السند القانوني المختلق الذي يستندون عليه من نصوص العهد القديم المحرفة وناقشه مناقشة علمية منهجية وأيضًا د/ محمد أبو زيد في بحثه "أرض الميعاد نظرة قرآنية في العهود التوراتية (¬2) " ناقش هذه العهود وأتبع المناقشة بنظرة تقويمية من منظور إسلامي لهذه العهود. وأيضًا يبرز من بين هذه الجهود ما قام به د/ عبد الوهاب المسيري فى موسوعته. وبقراءة متأنية لهذا الموضوع في الموسوعة يتبين أنه قد ربط بين الأصول اليهودية والفكر الصهيوني الحديث من خلال التحليل السياسى للنصوص التوراتية. وتفنيد هذه العقيدة يقوم على ما يلي: 1 - الاستدلال والمناقشة واستخلاص الحكم في نهاية المناقشة. 2 - رد الفهم الخاطئ للنصوص إلى الفهم الصحيح وتأكيد ذلك بالأدلة. 3 - الاعتماد على الجانب التاريخي الصحيح لسيرة أنبياء بنى إسرائيل. ¬

_ (¬1) والنص الذي يشير إلى ذلك يقول: "ولكى تطيلوا الأيام على الأرض التى أقسم الرب لآبائكم أن يعطيها لهم ولنسلهم، أرض تفيض لبنًا وعسلًا" تثنية: (11/ 9) أحبب الرب وأطعه. (¬2) هذا البحث منشور في مجلة التراث العربي - دمشق - وهو مسجل أيضًا على الإنترنت على موقع المركز الفلسطيني للإعلام وهو كالتالي: .... أ. د/ محمد أبو زيد أستاذ التفسير بكلية الآداب جامعة تعز - اليمن.

مقولتهم الباطلة في أحقيتهم لتملك أرض الميعاد

4 - بيان الأخطاء التاريخية التي حرفها اليهود (إبطال نظرية الحق التاريخي). 5 - الموضوعية في المعالجة النقدية لهذه العقيدة. 6 - التسليم الجدلي للخصم فيما يدعى ثم التدرج إلى إبطال ما يدعو إليه. 7 - إثبات التناقض والتعارض بين النصوص. وفي بيان زيف هذه الدعوى المزعومة "أرض الميعاد" يمكن حصر ما قام به العلماء في دراستهم النقدية لها تحت العناصر التالية: 1 - عرض مقولتهم الباطلة في أحقيتهم لتملك أرض اليعاد. 2 - الأدلة والعهود المفتراة التي تقضي لليهود بتملك أرض فلسطين وجهود العلماء في نقدها والرد عليها. 3 - التقويم. مقولتهم الباطلة في أحقيتهم لتملك أرض الميعاد: ارتبطت فكرة أرض الميعاد في أذهان اليهود بفكرة المسيح المنتظر الذي ينتظره اليهود ولذلك يجمع العلماء على أن عقيدة أرض الميعاد قضية سياسية في المقام الأول ولقد حاول اليهود أن يصبغوها بالصبغة الدينية حتى تتمكن من نفوس الشعب اليهودي (¬1) فيحاول تحقيقها. ولقد نادي هذه الفكرة السياسيون منهم قبل المتدينين: 1 - يقول ابن غوريون رئيس الوزراء اليهودي الأسبق عام 1948 م بعد أن وقف ممثلًا لليهود في الأمم المتحدة: "قد لا تكون فلسطين لنا عن طريق الحق السياسي أو القانوني، ولكنها حق لنا على أساس ديني فهي الأرض التى وعدنا الله وأعطانا إياها من الفرات إلى النيل ولذلك وجب على كل يهودي أن يهاجر إلى فلسطين وأن كل يهودي يبقى خارج إسرائيل بعد إنشائها، يعتبر مخالفًا لتعاليم التوراة، بل إن هذا اليهودي يكفر يوميًا بالدين اليهودي (¬2). 2 - ويصرح مناحم بيحين في خطابه 7/ 4/ 1950 م: "لن يكون سلام لشعب إسرائيل ولا لأرض إسرائيل حتى ولا للعرب مادمنا لم نحرر وطننا بأجمعه بعد ... ولو وقعنا معاهدة صلح" (¬3). 3 - ويؤكد موشي ديان لصحيفة صنداي تايمز في 10/ 9/ 1967 م: "إن هناك مليون يهودي جاءوا محل العرب، سواء اعتبر هذا العمل أخلاقيًا أم لا، فالحقيقة أنه لا يوجد مكان في إسرائيل للعرب" (¬4). 4 - ويقول ليفي أشكول رئيس وزراء إسرائيل فى خطاب له أمام أعضاء جمعية "نباي بريث" الأمريكية الصهيونية في مدينة القدس يوم 28/ 10/ 1967 م حث فيه يهود العالم على القيام بهجرة جماعية من البلدان الغربية لزيادة عدد سكان ما أسماه بـ "إسرائيل الكبرى" = ¬

_ (¬1) انظر: العقيدة اليهودية: د/ سعد الدين صالح ص 378. (¬2) أرض الميعاد نظرة قرآنية في العهود التوراتية: ص 1 نقلًا عن العقيدد اليهودية في فلسطين ونقدها د/ عابد توفيق الهاشمي ص 22 ط 1 دار اقرأ - اليمن 1412 هـ - 1992 م. (¬3) انظر: إسرائيل فتنة الأجيال "العصور القديمة: أ/ إبراهيم خليل أحمد ص 183 ط مكتبة الوعي العربي 1969 م. (¬4) انظر: المرجع السابق: ص 183.

أولا: أدلة اليهود على عقيدة أرض الميعاد وحدودها -فى زعمهم -

= التي تشمل الأراضي العربية المحتلة بعد 5 يونيو 1967 م (¬1). وغير ذلك من أقوال الساسة الغربيين. 5 - وحول اختلاف اليهود على حدود ملكية الأرض يحاول بعض الحاخامات أن يزيل التعارض والتناقض بين النصوص التي حددت أرض الميعاد فيقولون: "إن النصوص التي حددت ملك إسرائيل بفلسطين فقط تعد منحة مخفضة عن الله لبنى إسرائيل، لكن هذا لا يعني أن هذه الأرض فقط هي حق إسرائيل، فحقهم في الأرض هو أوسع من ذلك بكثير، فالله قد وعد اليهود وعدًا مشروطًا ووعود الله المشروطة لا تلغى أبدًا؛ بل يحتفظ بها لكي تتحقق فى المستقبل" (¬2). وحين ينادي السياسيون هذه العقيدة فهم يرتكزون على خلفية دينية ويتحركون في تنفيذ مخططاتهم لتحقيق هذا الوعد من منطلق عقائدي وعندما يتضح أن هذه الخلفية الدينية مزيفة ومفتراة فإن هذه اللافتات التي يرفعها الساسة والحاخامات ما هى إلا أقنعة سوداء تحجب وراءها نفوسًا استمرأت التحريف واعتادت عليه في شيء المجالات خدمة لأغراضها التي تتعارض مع العقل والنقل والواقع. ولقد ذكر علماء المسلمين الأدلة التي يستند عليها اليهود في تأصيل هذه العقيدة - أرض الميعاد - على النحو التالي: أولًا: أدلة اليهود على عقيدة أرض الميعاد وحدودها -فى زعمهم - يقول د/ سعد الدين صالح إن اليهود اختلفوا فيما بينهم اختلافًا بينًا حول هذه العقيدة وبالتحديد حول حدود الأرض الموعودة على النحو التالي: الفريق الأول: يرى أن حدود أرض الميعاد هي أرض كنعان فقط - أرض فلسطين (¬3) - واستدل هذا الفريق بمجموعة من النصوص التى وردت في التوراة منها: أ - ما جاء في سفر التكوين من خطاب الله وإبراهيم: "أنا الله القدير ... أجعل عهدي بيني وبينك وأكثرك كثيرًا جدًا لأني أجعلك أبا لجمهور من الأمم ... وأجعلك أممًا، وملوك منك يخرجون وأقيم عهدي بين وبينك وبين نسلك من بعدك في أجيالهم عهدا أبديًا لأكون إلهًا لك ولنسلك من بعدك وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكًا أبديًا (¬4) ". ب - ومنها: "وكلم الرب موسى قائلًا: أوصى بني إسرائيل وقل لهم: إنكم داخلون إلى أرض كنعان، هذه هى الأرض التي تقع لكم نصيبًا أرض كنعان بتخومها (¬5) ". ويلاحظ أن هذا النص يضيف أرض كنعان إلى أرض الميعاد (¬6). الفريق الثاني: يري أن حدود أرض الميعاد من النيل إلى الفرات: واستدل هذا الفريق أيضًا بنصوص من التوراة المحرفة منها: ¬

_ (¬1) انظر: إسرائيل فتنة الأجيال ص 183. (¬2) العقيدة اليهودية: د/ سعد الدين صالح ص 369 - 370 نقلًا عن وثاثق القضية الفلسطينية 1/ 290. (¬3) المرجع السابق ص 367، 368، وانظر: فلسطين في الميزان: "الهاشمي ص 84، 85. (¬4) الإصحاح: (17/ 1 - 8) عهد الختان مع الحذف. (¬5) عدد: (34/ 1، 2) حدود كنعان. (¬6) العقيدة اليهودية: ص 368.

جهود العلماء - فترة البحث - في نقد هذه الأدلة والرد عليها

أ. ما جاء فى سفر الملوك: "وكان سليمان متسلطًا على جميع الممالك من النهر "الفرات" إلى أرض فلسطين إلى تخوم مصر (¬1) ". ب. وما جاء في سفر أخبار الأيام: "وكان لسليمان أربعة آلاف مزود خيل ومركبات واثنا عشر ألف فارس ... وكان متسلطًا على جميع الملوك من النهر إلى أرض فلسطين إلى تخوم مصر (¬2) ". ج. وما ورد في سفر التثنية: "يطرد الرب جميع الشعوب من أمامكم فترثون شعوبًا أكبر وأعظم منكم، كل مكان تدوسه بطون أقدامكم لكم من البرية ولبنان من النهر نهر الفرات إلى البحر الغربي يكون تخمكم (¬3) ". جهود العلماء - فترة البحث - في نقد هذه الأدلة والرد عليها: لقد أثبت د/ سعد الدين صالح - التناقض والتعارض بين الأدلة التي استدل بها كل من الفريقين فيقول: 1 - إن أدلة هذه العقيدة محرفة وموضوعة بأيدي اليهود أنفسهم والدليل على ذلك هذا التناقض الظاهر بين النصوص، فهناك نصوص حددت الأرض الموعودة بفلسطين، وهناك نصوص أخرى ضاعفت هذه الأرض أضعافًا مضاعفة، فوصلت بها إلى كل أرض لمستها أقدام اليهود وخصوصًا شبة جزيرة سيناء، بحجة أن تعاليم التوراة قد نزلت فيها على موسى، والوجه البحري من مصر حتى نهر النيل بزعم أن بني إسرائيل قد عاشوا في دلتا النيل بمصر فترة طويلة وأن موسى نشأ في مصر، ويبالغ بعضهم فيضيف إلى الأرض الموعودة أجزاءً من سوريا والعراق بحجة أن هذه الأجزاء كانت تقع تحت حدود مملكة داود وسليمان وأن إبراهيم - عليه السلام - كان يقيم بأرض العراق فالتناقض ليس من سمات النصوص الإلهية فالله لا يتناقض مع نفسه ولا يكذب نفسه وإنما هذا هو شأن الفكر البشري (¬4). 2 - ولو سلمنا جدلًا بصحة النصوص التي استدل بها اليهود فإذا لا تعطيهم مدعاهم في أحقيتهم هذه الأرض، ذلك أن الوعد من الله كان لنسل إبراهيم، فمن هم نسل إبراهيم؟ المعروف أن إبراهيم أنجب إسماعيل ثم إسحاق وإسماعيل هو جد العرب وإسحاق هو جد بني إسرائيل ومن هنا يكون لبني إسماعيل نفس الحق في أن يرثوا هذه الأرض مثلهم في ذلك مثل أبناء إسحاق ويعقوب، ولكن من الأحق منهم بوراثة الأرض؟ لقد بينت التوراة أن الوعد بهذه الأرض إنما يكون لقوم مؤمنين محافظين على وصايا الله وتعاليمه ... وهذا ما تحقق بالفعل حين آمن بنو إسرائيل واتقوا الله أورثهم الأرض فقال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (¬5)} (¬6). ¬

_ (¬1) ملوك الأول: (4/ 21) مؤونة سليمان اليومية. (¬2) أخبار الأيام الثاني: (9/ 25، 26) عظمة سليمان. (¬3) الإصحاح: (11/ 23) أحبب الرب وأطعه. (¬4) انظر: العقيدة اليهودية: ص 371، 372. (¬5) سورة الأعراف الآية: (137). (¬6) انظر: العقيدة اليهودية: ص 373 بتصرف بالحذف.

ثانيا: العهود الفتراة التي تقضي لليهود بتملك أرض فلسطين وجهود العلماء في تفنيدها

(ولكن حين انحرف اليهود عن الوحي الإلهى وحرفوا كتبهم انتزع الله منهم هذه الأرض وشردهم وأعطاها لمن يستحقها من الأمم الملتزمة بعبادة الله وتوحيده التي لم تنحرف عن ملة إبراهيم وهي الأمة الإسلامية، فمن نسل إبراهيم - عليه السلام - جاء إسماعيل جد العرب الذين حملوا لواء التوحيد والالتزام بملة إبراهيم، ففتحوا أرض الرومان واستعادوا فلسطين وما حولها محققين بذلك وعد الله لإبراهيم أن يجعل هذه الأرض لنسله من فر مصر إلى فر الفرات) (¬1). (وهذا ما يتمشى مع قول الله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} (¬2) ومن هنا استحق العرب أبناء إسماعيل - أرض فلسطين - لأسباب كثيرة منها: (1) أنهم هم الذين اتبعوا ملة إبراهيم وساروا على نهجه. (2) أنهم أبناء إبراهيم من سلالة إسماعيل. (3) أنهم أول من دخل هذه الأرض وعمروها قبل أن يراها بنو إسرائيل. (4) أنهم هم الذين أقاموا فيها طيلة حياتهم ولم يفارقوها بينما كان اليهود على النقيض من ذلك كله) (¬3). ثانيًا: العهود الفتراة التي تقضي لليهود بتملك أرض فلسطين وجهود العلماء في تفنيدها: (إن العهود التوراتية الموجودة في التوراة الحالية التي بأيدي اليهود تنص على أن هناك أرضًا أعطاها الله لبنى إسرائيل أيام رسلهم، ويدعى اليهود اليوم أن هذه العهود تنطبق عليهم وأن هذه الأرض عطاء إلهى لهم يعتبر فوق القانون مهما كان نوع هذا القانون وفوق إرادة الشعوب مهما كانت هذه الشعوب حتى لو كانت صاحبة الأرض التي يطالب بها اليهود) (¬4). ولذلك (يخادع اليهود أنفسهم، كما يخادعون العالم المسيحى وغيره بأحقيتهم في تملك فلسطين من العرب ويغمطون حقهم فيها، وذلك من خلال العهود والمواثيق المفتراة في توراتهم المحرفة على أنبيائهم) (¬5). ولقد رصد كل من د/ عابد الهاشمي, د/ محمد أبو زيد هذه العهود في كتابيهما وأتبعاها بالنقد والتحليل الممزوج بالتفسير الصحيح للتاريخ خاصة سيرة أنبياء بني إسرائيل ولقد أبطلوا من خلال نقدهم نظرية الحق التاريخى المزعومة بتمليك أرض فلسطين لليهود، من هذه العهود ما يلي: (1) عهد الله لإبراهيم - عليه السلام -: تقول التوراة: "فلا يدعي اسمك بعد إبرام بل يكون اسمك إبراهيم لأنني أجعلك أبًا لجمهور من الأمم ... وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك في أجيالهم عهدًا أبديًا ... وأعطي لنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكًا أبديًا" (¬6). ¬

_ (¬1) اليهودية د / أحمد شلبي ص 58. (¬2) سورة آل عمران الآية: (68). (¬3) العقيدة اليهودية: ص 375. (¬4) أرض الميعاد د/ محمد أبو زيد ص 1. (¬5) فلسطين في الميزان: ص 25. (¬6) تكوين: (17/ 1 - 8) عهد الختان.

والرؤية النقدية لهذا العهد تدور حول موطن الشاهد منه وهو قول التوراة: "وأقيم عهدي بينى وبينك وبين نسلك من بعدك ... أرض كنعان". وفي نقد د/ محمد أبو زيد وهو يفند هذا العهد تاريخيًا بمنظور الإسلام يقول: (الواقع يشهد بأن الإله الذي وعد إبراهيم هذا العهد لم يف بعهده لأن إبراهيم لم يملك شيئًا من أرض كنعان (وهي فلسطين) وكان فيها غريبًا، وكما تذكر التوراة نفسها أن إبراهيم عندما ماتت سارة في فلسطين لم يكن يملك مكانًا في فلسطين ليدفنها فيه حتى استعطف بنى حثّ هناك فباعوه قبرًا لها (¬1). وطلب إبراهيم - عليه السلام - شراء مغارة في طرف الحقل فكافؤه بالحقل والمغارة كرمًا فاشتراهما بأربعمائة شاقل من الفضة ولم يكن يملك إبراهيم غير ذلك الحقل والمغارة في جميع أرض فلسطين وسوريا ولم تشر التوراة ولو إشارة واحدة إلى تملك إبراهيم في تلك البلاد غير ذلك! بل كان غريب الأهل والعشير وهو وحيد في فلسطين بشهادة التوراة، وحين مات إبراهيم - عليه السلام - عن عمر (175) سنة دفن في نفس المغارة التي دفن فيها زوجته، وما كان يملك من فلسطين حين موته إلا تلك المغارة والحقل معها، اللذين اشتراهما بنقد فضي كما تذكر التوراة (¬2)، ولم يكن هبة من الله كما وعد افتراءً عليه (¬3). وفي جملة نقد د/ الهاشمي لعهد إبراهيم - عليه السلام - تاريخيًا يؤكد إبطال هذا العهد المزعوم بالتحليل التالي الذي صدَّره بقوله: ليس وإبراهيم نصيب من حكم أو ملك أو أرض أو أهل في فلسطين. أما نسبته إلى فلسطين فنسبة باطلة لأنها ليست وطنه، لا ولادة ولا ملكا ولا حكمًا، ذلك أن ولادته في مدينة "أور" على نهر الفرات فى جنوب العراق وكانت مدينة كلدانية عريقة عمرها أكثر من 3000 سنة ق. م. ... وهو من العبرانيين - والعبرانيون مشتقة من "عبر" أي اجتاز من مكان إلى آخر، فهم العابرون إلى أرض فلسطين، عبروا نهرا الفرات حتى وصلوا الشام ففلسطين - أما الكنعانيون - فمشتقة من "كنع" أي استقر ومكث وهدأ (¬4) ... فهم السكان الثابتون المستقرون في فلسطين منذ ثلاثة آلاف سنة قبل المسيح أي منذ خمسة آلاف سنة حتى اليوم ... ثم استقر فى حاران الواقعة على الحدود السورية التركية حيث توفي والده عن عمر (205) سنة ... وتعترف التوراة أن إبراهيم حين غادر حاران على الحدود التركية متجهًا إلى بلاد الشام، كان الكنعانيون - العرب- هم سكان البلاد مستوطنين فيها "وكان الكنعانيون حينئذ فى الأرض" (¬5). (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: تكوين: (23/ 1 - 16)، انظر: أرض الميعاد ص 1. (¬2) انظر: تكوين: (25/ 9 - 11) والنص يقول: "ودفنه إسحاق وإسماعيل ابناه في مغارة المكفيلة في حقل عفرون ... الذي أمام ممر الحقل الذي اشتراه إبراهيم من بني حث هناك دفن إبراهيم وسارة امرأته". (¬3) فلسطين في الميزان: د/ الهاشمي ص 33. (¬4) يشوع: (24/ 2). (¬5) تكرين: (12/ 6) دعوة إبراهيم. (¬6) انظر: فلسطين في الميزان: ص 32، 33 بتصرف بالحذف.

تقويم هذا العهد بمنظور الإسلام

تقويم هذا العهد بمنظور الإسلام: يقول د/ محمد أبو زيد في بحثه المشار إليه قبل ذلك وكذلك يوافقه في هذا التقويم د/ الهاشمي هذا العهد يصطدم عقديًا مع الإسلام صدامًا مباشرًا, لأن الوعد لم يتحقق ولم يملك إبراهيم أرض الميعاد ملكًا أبديًا, ولأن خلفى الوعد لا يليق أن يكون من صفات الإله الحق فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (¬1). وقوله تعالى: {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} (¬2). لذلك فإن هذا العهد من تحريفات اليهود إلى أضافوها إلى التوراة لتوافق هوي في نفوسهم وسياستهم ... وعلاقته ببلاد الشام أنها كانت ملجأ له عندما نجاه الله من النمروذ في العراق قال تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} (¬3) والمقصود فيها بالاجماع بلاد الشام (¬4)، ولا يوجد دليل قطعى على تخصيص مكان معين فى بلاد الشام، ومن المعلوم أن فلسطين من بلاد الشام، بل نجد فى القرآن نهيًا لليهود والنصارى عن إقحام إبراهيم فيما يخصهم بغير دليل واضح (¬5). والشىء الغريب في عهد إبراهيم أن الأصل أن يكون لإسماعيل من بعده باعتباره الابن الأكبر وإبراهيم بل كان وحيده وقت هذا العهد وكان عمره 13 سنة ولم يكن إسحاق قد ولد بعد ولا يوجد أي مبرر لاقصاء إسماعيل غير أنه جد العرب وجد رسولهم - صلى الله عليه وسلم - (¬6). وخلاصة تفنيد هذا العهد 1 - أنه وعد مكذوب ومفترى على الله -عَزَّ وَجَلَّ- لإبراهيم - عليه السلام -. 2 - إبطال نظرية الحق التاريخي لملكية سيدنا إبراهيم - عليه السلام - لأرض الميعاد إلا موضع قبر بثمن. 3 - أثبتت النصوص التوراتية أن العبرانيين ومنهم إبراهيم - عليه السلام - مروا فقط بأرض فلسطين بعد أن عبروا النهر ولم يمكثوا فيها طويلًا وعليه فليسوا هم السكان الأصليون لتلك البلاد. 4 - أثبتت النصوص أيضًا أن الكنعانيين هم السكان الأصليون لتلك البلاد. ¬

_ (¬1) سورة الرعد جزء من الآية: (31). (¬2) سورة إبراهيم الآية: (47). (¬3) سورة الأنبياء الآية: (71). (¬4) جامع البيان: لابن جرير الطبري: ج 17 ص 47 دار الفكر في لبنان 1405 هـ -1984 م. (¬5) انظر: أرض الميعاد: ص 1 بتصرف بالحذف. وانظر: فلسطين في الميزان: ص 33، 34. (¬6) انظر: أرض الميعاد: ص 1.

2 - عهد الله لإسماعيل - عليه السلام -

2 - عهد الله لإسماعيل - عليه السلام -: رصد كل من د / الهاشمي، د/ محمد أبو زيد أيضًا ما يتصل بعهد إسماعيل - عليه السلام - حيث تقول التوراة: "وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرًا جدًا ... ولكن عهدي أقيمه مع إسحاق الذي تلده سارة في هذا الوقت في السنة الآتية ... وكان إسماعيل ابنه ابن ثلاث عشرة سنة حين ختن في لحم غرلته (¬1). ينتقد د/ الهاشمي هذا العهد تاريخيًا فيقول: لا نصيب لإسماعيل - عليه السلام - في فلسطين، وليس في التوراة نص صريح يعطى لإسماعيل الحق فيها! لأنه عربي، في حين أن العرب هم أهل فلسطين الأصليون سكنوها قبل إبراهيم - عليه السلام - بألفي سنة، وقبل الميلاد بخمسة آلاف سنة، واستمروا هم "والعمالقة" (¬2) "والفلسطينيون" (¬3) "والفينيقيون" (¬4) وهم جميعًا عرب، استمروا في العيش في فلسطين بأغلبية حتى بعد غزوهم من قبل الإسرائيليين، واستمروا إلى ما بعد حكم سليمان - عليه السلام - بأغلبية سكانية في فلسطين، كما تنص التوراة في الحديث عن عهده - عليه السلام - بعد استئصال بني إسرائيل من فلسطين (¬5). فلا عهود ولا مواثيق ربانية صريحة لتملك إسماعيل لفلسطين بسبب كونه أبا العرب حتى لا تعطى التوراة حقًا لهم في فلسطين، لتخلو لهم وحدهم غير أن فيها إشارات إلى حق إسماعيل وأولاده العرب في تمليكها ... هكذا صاغ اليهود توراتهم (¬6). وخلاصة ما يتصل هذا العهد: 1. تدعي التوراة أنه لا حق لإسماعيل - عليه السلام - في فلسطين وهذا محض افتراء وكذب وتحريف 2. وتدعي أيضًا أنه لا حق للعرب عمومًا في تمليك أرض فلسطين لأنهم من نسل إسماعيل العربي. 3. استبعاد إسماعيل وذريته من هذا الحق لتخلوا الأرض لبنى إسرائيل وحدهم كما تدعى التوراة. 3 - عهد الله لإسحاق - عليه السلام -: ذكره أيضًا د/ الهاشمي، د/ محمد أبو زيد وانتقداه نقدًا تاريخيًا من وجهة نظر قرآنية فتقول التوراة: "وظهر له الرب وقال لا تنزل إلى مصر، اسكن في الأرض التي أقول لك ... لأني لك ولنسلك أعطى جميع هذه البلاد وأفي بالقسم الذي قسمته لإبراهيم أبيك وأكثر نسلك كنجوم السماء ... وتتبارك في نسلك جميع أمم الأرض من أجل أن إبراهيم سمع لقولي وحفظ ما يحفظ لى: أوامري وفرائضي وشرائعى فأقام إسحاق في جرار" (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: تكوين: (17/ 20 - 26) عهد الختان. مع الحذف. (¬2) هم: شعب من أقدم سكان سورية الجنوبية ومن ذرية عيسو (قاموس الكتاب المقدس ص 636). (¬3) هم: شعب عظيم في أيام خروج نبي إسرائيل، غزاهم العبرانيون القادمون من مصر واستولوا على مدنهم ثم استرد الفلسطنيون هذه المدن (قاموس الكتاب المقدس ص 693). (¬4) هم: قوم هاجروا من الخليج العربي عن طريق سورية إلى سواحل كنعان وقيل هاجروا عبر الصحراء الغربية الشمالية (قاموس الكتاب المقدس ص 706،705). (¬5) فلسطين في الميزان د/ الهاشمي ص 37. (¬6) المرجع السابق نفس الصفحة. (¬7) تكوين: (26/ 2 - 5) إسحاق وأبيمالك.

فما نصيب إسحاق - عليه السلام - من فلسطين؟

ففى نقد د/ محمد أبو زيد لهذا العهد يبرز مواطن الخلل والتناقض فيه فيقول: (العهد الذي نسبته التوراة لإسحاق - عليه السلام - ذكر أن جميع الأمم تتبارك بنسله وهذا خلل واضح في التوراة؛ لأن اليهود مبغوضين من كل أمم الأرض ولم يتبارك أحد بهم؛ بل لا يكاد ينجو من شرهم كل من ربطته بهم علاقة ما قريبة أم بعيدة! لذلك تراهم يخشون الناس ويخشاهم الناس) (¬1). وبناء على هذا الخلل الواضح فإن العهد لا يستقيم لليهود ولم يتحقق وعد الله لإسحاق كما تدعى التوراة أنه يعطي له ولنسله الأرض .. وعلى كل حال لم يتملك شيئًا من بلاد الشام وهذا يتناقض مع عهود التوراة ويتفق مع القرآن لأن القرآن لم يذكر أي عهد لإسحاق (¬2). فما نصيب إسحاق - عليه السلام - من فلسطين؟ ليس له من نصيب فيها ذلك أنه ولد في جرار وهي خارج فلسطين وكان يحكمها أبيمالك العربي ... فجرار أرض غريبة، وإسحاق الجد الأعلى لبني إسرائيل، لم يتمتع بأية حقوق في أرض فلسطين، لم يملك حق الولادة فيها، إذ ولد في أرض غريبة يحكمها حاكم عربي خارج فلسطين، وعاش فيها فترة ضيفًا على أهلها, ولم يملك حق الدم، إذ أنه "كلداني" (¬3) بسبب أن أبويه إبراهيم وسارة كلدانيان ثم رحل إسحاق إلى "فدان آرام" على الحدود السورية التركية ما بين "الخابور" (¬4) والفرات و"رفقة" زوجته ووالدة يعقوب من أصل كلداني لأنها من نسل إبراهيم - عليه السلام - أي لم تكن فلسطينية كما أنها لم تولد في فلسطين وإنما جيء بها من بلدان كلدان - أرض ما بين النهرين، أرض العراق، وما ملك أرضًا ولا نال حكمًا ولا نسبًا يهوديا بحكم التوراة والتاريخ والقرآن ولم يكن يهوديا، إذ لم تنزل التوراة إلا بعده بخمسة قرون وتوفي إسحاق في حبرون - حيث تغرب إبراهيم وإسحاق فمات غريبًا في حبرون في جنوب فلسطين على حدود صحراء "النقب" (¬5) والنص يقول: "جاء يعقوب إلى إسحاق أبيه إلى حبرون، حيث تغرب إبراهيم وإسحاق وكانت أيام إسحاق 180 سنة فأسلم إسحاق روحه ومات ودفنه عيسو ويعقوب - ابناه" (¬6). وبناءً على ما سبق: (فالعهود الربانية والمواثيق لإسحاق في تملك فلسطين له ولذراريه إلى الأبد في أكثر من ثلاثة مواضع في التوراة: لم يتحقق منها شيء قط كما تقول التوراة وكما يشهد التاريخ ولم يذكر القرآن تملكهم أو حكمهم فيها، فلابد أن كاتبي التوراة كاذبون وحاشا لله أن يكذب أو أن يخلف الميعاد، في عهود مفتراة ومواثيق مكذوبة - تنقضها التوراة نفسها إذ تذكر العهود ولا تذكر تنفيذها ولا تحقيق شىء منها) (¬7). ¬

_ (¬1) أرض الميعاد: د/ محمد أبو زيد: ص 2. (¬2) انظر: المرجع السابق: نفس الصفحة. (¬3) كان الكلدانيون يسكنون "كلديا" في جنوب بابل وكانوا هم الجنس الغالب في بابل وكانوا يشغلون مناصب السلطة والسيادة فيها (قاموس الكتاب المقدس ص 785). (¬4) هو: نهر في أرض الكلدانيين استقر على ضفتيه بعض المسببين اليهود وهو قناة كبيرة في جنوب شرق بابل (قاموس الكتاب المقدس ص 334). (¬5) فلسطين في الميزان: ص 39. (¬6) تكوين: (35/ 37، 38) عودد يعقوب إلي بيت إيل. (¬7) فلسطين في الميزان: ص 39.

4 - عهد الله ليعقوب - عليه السلام -

4 - عهد الله ليعقوب - عليه السلام -: وفي هذا العهد تقول التوراة: "ومتى أتي بك الرب إلهك إلى الأرض التي حلف لآبائك إبراهيم وإسحاق ويعقوب أن يعطيك ... الرب إلهك تتقي إياه تعبده وباسمه تحلف لا تسيروا وراء آلهة أخرى من آلهة الأمم التي حولكم ... اعمل الصالح والحسن في عيني الرب لكي يكون لك خير وتدخل وتمتلك الأرض الجيدة إلى حلف الرب لآبائك ... وإن نسيت الرب إلهك وذهبت وراء آلهة أخرى وعبدتها وسجدت لها أشهد عليكم اليوم أنكم تبيدون لا محالة ... لأنكم لم تسمعوا لقول الرب إلهكم" (¬1). تفنيد هذا العهد تاريخيًا: يقول د/ الهاشمي: ليس ليعقوب نصيب من حكم أو ملك أو أرض في فلسطين، فقد ولد من أبوين غريبين عن فلسطين وهما إسحاق ورفقة فهما كلدانيان، وجميع أولاد يعقوب ولدوا وعاشوا عشرين سنة في فدان آرام - خارج فلسطين بين نهر الخابور والفرات - على حدود سوريا وتركيا اليوم ولم يولد منهم واحد في فلسطين، ثم انتقل جميع نفوس بها يعقوب السبعون إلى مصر (¬2) باختيارهم من غير إكراه ثم عاشوا في البلاط الفرعوني عند ولده يوسف الصديق - عليه السلام - سبع عشرة سنة وعاش نسلهم أربعة قرون أو قرنين ومات في مصر - أي خارج فلسطين - (¬3). ويقول د/ محمد أبو زيد: التمكين في الأرض مشروط بالصلاح مع الله ومع عباده فإن انتفي هذا الشرط فلا تمكين ولا تمليك لهذه الأرض (¬4). ويؤكد هذه النظرة أيضًا د/ الهاشمي فى تقويمه لهذا العهد فيقول: لما كان شرط العهود والمواثيق التقوى فقد نقضها يعقوب نفسه بنصوص التوراة فيه، وشعبه المشرك، لذا فلا قيمة لهذه المواثيق المفتراة التي عقدها الله كذبًا عليه مع يعقوب، بسبب عصيانه لله إذ جمع الشرك وعبادة الأصنام. والغش والسرقة ولعنة الله وشتائم الناس، ومصارعته لله وانتصاره عليه إلى غير ذلك من الاتهامات التي ألصقت به في نصوص التوراة المحرفة (¬5). (ولو صحت هذه المواثيق والعهود في توراتهم الحالية وهي لا تليق به أن يمنحه إياها ولو احتكمنا إلى واقع يعقوب في التوراة والتاريخ لوجدناه ولد خارج فلسطين من أبوين غير فلسطينيين وعاش خارجها هو وأهله وأولاده ثم هاجروا جميعًا إلى مصر، ومات خارجها في مصر، فأين تحقيق هذه العهود له ولأولاده في فلسطين إنهم لم يملكوا شبرًا واحدًا، ويعقوب هو "إسرائيل" الذي ينتسب إليه جميع اليهود في عمر التاريخ!! فأين حقهم التوراتي في فلسطين؟ إنه الغش والخداع والدجل على التوراة وعلى التاريخ وعلى العقول) (¬6). ¬

_ (¬1) تثنية: (6/ 10 - 18)، (8/ 18 - 20) لا تنسي الرب إلهك. (¬2) تكوين: (47/ 27) يوسف والمجاعة والنص يقول: "وسكن إسرائيل في أرض مصر، في أرض جاسان وتملكوا فيها وأثمروا وكثروا جدًا". (¬3) انظر: فلسطين في الميزان: ص 45. (¬4) انظر: أرض الميعاد: ص 2. (¬5) فلسطين في الميزان: ص 45. (¬6) انظر: المرجع السابق: ص 44.

خلاصة تفنيد هذا العهد

خلاصة تفنيد هذا العهد: (1) ليس ليعقوب - عليه السلام - حق في أرض فلسطين. (2) مخالفة نص العهد للتاريخ والواقع والعقل. (3) الكذب والافتراء على الله في نسبة هذا العهد إليه. 5 - عهد الله لموسى - عليه السلام -: تقول التوراة: "وأما موسى فصعد إلى الله فناداه الرب من الجبل قائلًا هكذا تقول لبيت يعقوب وتخبر بني إسرائيل ... فالآن إن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب. فإن لي كل الأرض وأنتم تكونون مملكة كهنة وأمة مقدسة" (¬1). تفنيد هذا العهد: دلالته واضحة حيث علق إقامتهم بالأرض المقدسة طالما هم يعبدون الله ويحسنون إلى خلقه (¬2). وموسى - عليه السلام - ليس يهوديا - من زاوية العرق إذ ليس من نسل بني إسرائيل فليس له أي صلة بالنسب اليهودي، بل هو مصري كما تقول التوراة الحالية أما القرآن فيعتبره من نسل يعقوب فيقول تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (¬3). أما التوراة المنزلة فلها منزلتها السامية في القرآن، ... وهي دين موسى - عليه السلام - غير المحرف الذي يلتقي مع هدي القرآن لذا فإن دين موسى - عليه السلام - في القرآن الكريم هو "الإسلام" ... وليس له صلة بالتوراة الحالية ولا بالدين اليهودي المحرف (¬4). ولم يدخل فلسطين عقابا له من الرب ويؤكد القرآن عدم دخول موسى - عليه السلام - فلسطين فقال تعالى: {وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} (¬5) أي من بعد وفاته، وتصرح التوراة أن الله صح لموسى أن يري فلسطين بالنظر إليها عن بعد ومنعه من الدخول إليها حيث تقول: "وقال له الرب: قد أريتك إياها بعينيك، ولكنك إلى هناك لا تعبر" (¬6). وبعد هذا النص مباشرة تذكر التوراة موته "فمات هناك موسى عبد الرب في أرض موآب - في الأردن - مقابل أريحا - حسب قول الرب ودفنه في الجواء في أرض موآب مقابل بيت فغور ولم يعرف إنسان قبره حتى اليوم" (¬7). حتى قبر موسى - عليه السلام - غير معروف في التوراة وهو خارج فلسطين (¬8). ¬

_ (¬1) خروج: (19/ 3 - 6)، (20/ 7 - 17). وينظر أرض الميعاد ص 1. (¬2) انظر: أرض الميعاد: ص 2. (¬3) سورة الأنعام الآية: (84). (¬4) فلسطين في الميزان: ص 50. (¬5) سورة الإسراء: جزء من الآية: (84). (¬6) المرجع السابق: ص 51. (¬7) تثنية: (34/ 4) موت موسى. (¬8) فلسطين في الميزان: ص 51.

وخلاصة تفنيد هذا العهد ما يلي

وفي نهاية تفنيد د/ الهاشمي لهذا العهد يقول: إن موسى - عليه السلام - حسب عقيدة اليهود - نبيهم الذي أتاهم بالتوراة ليس إسرائيليًا ولم يولد ولم يعش ولم يمت فى فلسطين بل ولم يدفن فيها فأي حق لهم في شرعية تملكها في العهود المفتراة على الله تعالى ثم عليه، بل هو مصري لم ينحدر من يعقوب "إسرائيل" ولا من يهوذا وزوجته عربية بنت كاهن مديان - يثرون -وهو شعيب في القرآن وهو نبي عربي (¬1). وخلاصة تفنيد هذا العهد ما يلي: 1 - إن موسى - عليه السلام - لم يكن يهوديًا ولا من نسل إسرائيل. 2 - ليس له - عليه السلام - نصيب في أرض فلسطين. 3 - الكذب والافتراء على الله -عَزَّ وَجَلَّ- في نسبة هذا العهد إليه. 4 - أن موسى - عليه السلام - لم يدخل أرض فلسطين ومات ودفن خارجها. ولقد ذكر علماؤنا الأجلاء كثيرًا من العهود والمواثيق المفتراة على الله -عَزَّ وَجَلَّ- وعلى الأنبياء والتي تثبت عدم أحقية اليهود لشبر واحد في فلسطين وقد أبطلوا هذه العهود وتأكدوا من عدم صحتها وأنها تعارض القرآن والتاريخ الصحيح والمنطق السليم. ¬

_ (¬1) فلسطين في الميزان: ص 51

مما سبق يتبين ما يلى

مما سبق يتبين ما يلى: 1 - أن العرب هم السكان الأصليون لأرض فلسطين. 2 - تحريف اليهود للنصوص التوراتية ليثبتوا من خلالها أحقيتهم في تملك أرض فلسطين. 3 - أن فكرة أرض الميعاد فكرة سياسية قامت على أساس مزيف وباطل. 4 - مخالفة هذد العقيدة للعقل والمنطق والتاريخ. 5 - أبطل علماء المسلمين هذه العقيدة بالأدلة القوية والبراهين الساطعة مما لا يدع مجالًا للشك في أن أرض فلسطين عربية إسلامية. 6 - التوجهات اليهودية في الماضي والحاضر تنطلق نحو إبادة الشعب الفلسطيني لتخلو لهم الأرض وتصبح وطنًا لهم بدون منازعين. من أجل ذلك كله يقنن الحاخامات والساسة اليهود على مر العصور القوانين ويرسمون الخطط وينادون بالهجرة إلى أرض الميعاد لانتظار النبوءة التوراتية بمجىء المسيح المنتظر الذي يقودهم لبناء هيكل سليمان. خلاصة جهود العلماء في نقد العقائد في العهد القديم: تكاد تتقارب اتجاهات العلماء في نقد العهد القديم، فيلاحظ أن معظم من تناول العقائد فيه بالدراسة النقدية، أفرد للألوهية جزءًا كبيرًا من نقده باعتبار أنها من أسس الاعتقاد، ولكن دون تفصيلات لأصول التوحيد الثلاثة، أما في حديثهم عن النبوة والأنبياء، فقد أسهبوا كثيرًا في نقد نظرة العهد القديم لهم، واستوعبوا كل ما يتعلق بالأنبياء، ونفي التهم التى ألصقت بهم وبذويهم، وإثبات التحريف الذي وقع فيما يتعلق بالنبوة والأنبياء. وقد أخذ العلامة الهندي، النصيب الأوفر من بين الكتاب في دراسة هذه العقيدة، والملاحظ على كتابات علمائنا الأجلاء، يجدهم قد أطنبوا الحديث عن الإيمان بالكتب المنزلة، في العهد القديم، وكذلك القضاء والقدر واليوم الآخر، إذا ما قورن نقدهم, بما نقدوه في جانب التوحيد. والنبوة.

الفصل الثانى جهود علماء المسلمين - فترة البحث - في نقد التشريعات فى العهد القديم

الفصل الثانى جهود علماء المسلمين - فترة البحث - في نقد التشريعات فى العهد القديم ويشتمل هذا الفصل على المباحث التالية: - المبحث الأول: تشريعات خاصة بالطهارة والنجاسة. - المبحث الثاني: تشريعات خاصة بالكهنة والقرابين. - المبحث الثالث: تشريعات خاصة بالأسرة والزواج. - المبحث الرابع: تشريعات خاصة بغير اليهود. - المبحث الخامس: الجرائم والعقوبات في التشريع اليهودي.

تمهيد

تمهيد: للنقاد من علماء المسلمين جهود قيمة في إبراز المخالفات التشريعية فى العهد القديم إذ أنها تشريعات تصطدم مع الفطرة الإنسانية؛ لأنها من وضع البشر وفيها تشريعات تتعارض مع العقل وتخالف الحقائق العلمية الثابتة. وبالقراءة الفاحصة والتدقيق فيما كتبه بعض علمائنا الأجلاء حول التشريعات اليهودية يلاحظ أن المنهج الذي اتبعوه في دراستهم النقدية للتشريع في العهد القديم يقوم على الأمور التالية: 1. إثبات التناقض والتعارض بين النصوص، وقد اتبع ذلك د/ بدران في نقده. 2. الربط بين النص والواقع الذي يحياه اليهود اتضح ذلك في جهود د/ على خليل في كتابه التعاليم اليهودية، د/ الهاشمي. 3. الاستقراء والتتبع لأسفار العهد القديم. ظهر ذلك في نقد د/ كامل سعفان ود/ على خليل. 4. العرض النقدي للتشريعات الذي يوضح مدي التعقيد والتشدد الذي وصلت إليه. اتضح ذلك في عرض د/ بدران، د/ الهاشمي، د/ كامل سعفان. ويتضح تطبيق هذا المنهج من خلال المباحث التالية:

المبحث الأول نقد التشريعات الخاصة بالطهارة والنجاسة

المبحث الأول نقد التشريعات الخاصة بالطهارة والنجاسة وضع علماء المسلمين أيديهم على مواطن كثيرة في العهد القديم تتعلق بالطهارة والنجاسة ونقدوها نقدًا علميًا موضوعيًا، وبينوا إلى أي مدي وصلت إليه الطهارة في العهد القديم من التعقيد والتكلف الذي لا فائدة منه، والذي يصيب النفس بالملل والضيق وذلك لأنه تشريع بشري لا يتلائم مع الطبيعة البشرية لأن التشريع البشري مهما بلغ واضعه من البراعة والذكاء فإنه لا يحيط بجوانب النفس الإنسانية ولا يعرف ما يصلحها وما يفسدها بخلاف التشريع الإلهى فإنه يتلائم مع الفطرة فالله سبحانه وتعالي يعلم ما يضر الإنسان وما ينفعه وما يصلحه وما يفسده وبالتالي يحيط التشريع الإلهي بجميع جوانب النفس الإنسانية. ويمكن حصر ما يتعلق بالطهارة والنجاسة تحت العناوين التالية: 1. نظرة التوراة إلى المرأة من حيث الطهارة والنجاسة. 2. نجاسة الرجل "ذو السيل". 3. نجاسة الأبرص. 4. ملامسة جثث الموتى. 5. إذا مات إنسان في خيمة. 6. نجاسة من مس جثة حيوان لا يؤكل.

أولا: نظرة التوراة إلى المرأة من حيث الطهارة والنجاسة

أولًا: نظرة التوراة إلى المرأة من حيث الطهارة والنجاسة: 1. الحائض والاستحاضة: أشار د/ كامل سعفان: (إلى العناية الكبيرة في التوراة بالنجاسة والطهارة إلى حد أن يصبح الأصل هو النجاسة وتؤدي للطهارة طقوس معقدة حتى يمكن تحقيقها بعد تقديم القرابين اللازمة) (¬1). ويلقي د/ عابد الهاشمي الضوء على المدة التي تكون فيها المرأة نجسة وما الذي يجب عليها أن تفعله كى تتطهر من هذه النجاسة فيقول: (تذكر التوراة أن المرأة تكون نجسة نجاسة حسية لعدة أيام خلال فترة حيضها وفي هذه المدة تنتقل عدوى نجاستها إلى كل من يمسها أو ما تلمسه هي، أو ما تجلس عليه) (¬2) واستدل على ما يقول بالنص التالي من سفر اللاويين: "وإذا كانت امرأة لها سيل وكان سيلها دمًا في لحمها فسبعة أيام تكون في طمثها، وكل من مسها يكون نجسًا إلى المساء وكل ما تضطجع عليه في طمثها يكون نجسًا وكل ما تجلس عليه يكون نجسًا، من مس فراشها يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجسًا حتى المساء، وكل من مس متاعًا تجلس عليه يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجسًا إلى المساء وإن كان على الفراش أو المتاع الذي هى جالسة عليه عندما يمسه يكون نجسًا إلى المساء" (¬3). (وتبقى هذه النجاسة للمرأة، ليس فقط في فترة الحيض، بل حتى في حالة خروج الدم من غير حيض "الاستحاضة" تكون المرأة نجسة كذلك وبالتالي تؤثر نجاستها في كل ما تتصل به سواء أكان ذلك إنسانًا أم متاعًا أم غير ذلك) (¬4). ويشير د/ الهاشمي، إلى ذلك بما جاء في سفر اللاويين ما نصه: "وإذا كانت امرأة يسيل سيل دمها أيامًا كثيرة في غير وقت طمثها أو إذا سال بعد طمثها فتكون كل أيام سيلانها نجاستها كما في أيام طمثها إنها نجسة، كل فراش تضطجع عليه كل أيام سيلها يكون لها كفراش طمثها وكل الأمتعة التي تجلس عليها تكون نجسة كنجاسة طمثها وكل من مسهن يكون نجسًا فيغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجسًا إلى المساء، وإذا طهرت من سيلها تحسب لنفسها سبعة أيام ثم تطهر وفي اليوم الثامن تأخذ لنفسها يمامتين أو فرخي حمام وتأتي بهما إلى الكاهن إلى باب خيمة الاجتماع" (¬5). ¬

_ (¬1) اليهودية تاريخًا وعقيدة د/ كامل سعفان ص 254. (¬2) التربية في التوراة د/ الهاشمي ص 135. (¬3) الإصحاح: (15/ 19 - 24) شريعة ما يفرزه الجسد. (¬4) التربية في التوراة ص 135 مرجع سابق. (¬5) الإصحاح: (25/ 15 - 29) شريعة ما يفرزه الجسد.

ب. حكم المرأة الحامل إذا ولدت ذكرا أو أنثى "النفساء"

ويعلق د/ عابد الهاشمي على ذلك فيقول: (فيما يتعلق بما جاء في التوراة عن نجاسة المرأة الذاتية حال مدة حيضها يتنجس كل من يلامسها فإن هذا ربما كان يسبب تشدد اليهود مع المرأة فقد كانوا إذا حاضت المرأة يتركون الأكل والشرب معها وكانوا لا يجتمعون بها في البيت أثناء الحيض. فلما سأل الصحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك قال: "جامعوهن - أي اجتمعوا بهن وخالطوهن في البيوت - واصنعوا كل شيء إلا النكاح - الجماع" (¬1)، وهذا نفى الحديث النجاسة الذاتية عن المرأة وأباح التعامل معها فترة الحيض تمامًا كما يكون ذلك قبل حيضها، ومنع الجماع قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (¬2)) (¬3). وعلى هذا فالمرأة في الشريعة اليهودية تلقي المهانة والذلة وينفر الناس منها بسبب الحيض أو الاستحاضة وتتأذى نفسيًا حين تعلم أنها مصدر النجاسة في أيام حيضها أو استحاضتها في حين أن النجاسة في هذه الحالة معنوية لا حسية فإذا مست أي شيء أو جلست عليه لا يتنجس وعندما نتأمل في النصوص السابقة نجدها تتعارض مع العقل إذ أنه عندما ينقطع دم الحيض تتطهر المرأة فلماذا تذهب إلى الكاهن وتقدم القرابين وما دخل الكاهن في هذا الأمر الخاص بالمرأة فقط؟. ب. حكم المرأة الحامل إذا ولدت ذكرًا أو أنثى "النفساء": يذكر كل من د/ كامل سعفان، د/ بدران، نصوصًا تتعلق هذا الأمر وعلقا عليها وقد استدلا بالنص التالي من سفر اللاويين الذي يقول: "إذا جلت المرأة وولدت ذكرًا تكون نجسمة سبعة أيام كما في أيام طمث علتها تكون نجسة وفي اليوم الثامن يختن لحم غرلته ثم تقيم ثلاثًا وثلاثين يومًا في دم تطهيرها وإن ولدت أنثى تكون نجسة أسبوعين في طمسها ثم تقيم ستة وستين يومًا في دم تطهيرها" (¬4). ويتساءل د/ كامل سعفان عن هذه الحالة قائلًا: (فلماذا تختلف النجاسة مع الذكر عنها مع الأنثى؟ وهل تختلف أيام الطمث أو النفاس مع المرأة الواحدة باختلاف ما تلد؟) (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في كتاب الحيض: باب جواز غسل الحائض رأس زوجها (1/ 246) برقم (302) طبعة دار إحياء الكتب العربية. (¬2) سورة البقرة الآية: (222). (¬3) التربية في التوراة: ص 140. (¬4) الإصحاح: (12/ 1 - 7) التطهر بعد الإنجاب. (¬5) اليهود تاريخًا وعقيدة ص 256 مرجع سابق.

نجاسة الرجل "ذو السيل"

ويقول د/ بدران: (إن هذا الأمر يتعارض مع العلم إذ أن الأطباء لهم رأى في مدة نزول الدم ويتساءل متعجبًا قائلًا: أهذا معقول!؟ وما رأى أهل الطب هنا؟ .. هل يظل الدم أربعين يومًا إن كان المولود ذكرًا وثمانين يومًا إن كان المولود أنثي؟) (¬1). (أسئلة كثيرة حول النجاسة والطهارة تحتاج إلى دراسة نفسية لهذا الشعب المختار .. أمَردُّ ذلك إلى الخوف أو التسامي؟ أهى وسيلة الكهنة للسيطرة حين أراد عيسى - عليه السلام - أن يقضى على سلطان الكهنة قال: "ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان، بل ما يخرج من الفم هو ينجس الإنسان" (¬2)، فلما ازدادت شراسة اليهود في محاربة المسيحيين قال بولس: "ليس شىء نجسًا بذاته، إلا من يحسب شيئًا نجسًا فله هو نجس" (¬3). لعل موقف عيسى وبولس من النجاسة إشعار بأن الكهنة اتخذوا منها وسيلة قيد وإعنات، لتظل النفوس رهن الإحساس بالإثم، ولا تجد خلاصها أو ما يشبه الخلاص على أيدي الكهنة، ومن ثم يظل سلطان الكاهن يلاحق الرعية حيثما وجدوا) (¬4). نجاسة الرجل "ذو السيل" (¬5): يقول د/ بدران: (وماذا عن الرجل ذو السيل؟ إنه يظل نجسًا طوال أيام سيله، كل مكان يجلس فيه نجس, من يمس فراشه نجس, ومن يمس ثيابه نجس .. فقد جاء في سفر اللاويين: "كل رجل يكون له سيل من لحمه فسيله نجس ... كل فراش يضطجع عليه الذي له السيل يكون نجسًا وكل متاع يجلس عليه يكون بخسًا، ومن مس فراشه يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون خمسًا إلى المساء ... وإن بصق ذو السيل على طاهر يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجسًا إلى المساء ... وإناء الخزف الذي يمسه ذو السيل يُكسر وكل إناء خشب يغسل بماء وإذا طهر ذو السيل من سيله يحسب له سبعة أيام لطهره ويغسل ثيابه وَيَرْحَضُ جَسدَهُ بماءٍ حي فيطهر وفي اليوم الثامن يأخذ لنفسه يمامتين أو فرخى حمام ويأتي أمام الرب إلى باب خيمة الاجتماع ويعطيهما للكاهن" (¬6)) (¬7). ¬

_ (¬1) التوراة والعقل والعلم والتاريخ ص 168 مرجع سابق. (¬2) من: (15/ 10 - 11) الطاهر والنجس. (¬3) رسالة بولس إلى أهل رومية: (14/ 14). (¬4) اليهود تاريخًا وعقيدة د/ كامل سعفان ص 257، 258 مرجع سابق. (¬5) العميل: إفرازات الذكورة والأنوثة معجم الكلمات الصعبة للعهد القديم ص 24 ط دار الكتاب ط / 3، 1998 في نسخة الكتاب المقدس في الشرق الأوسط. (¬6) اللاويين: (15/ 1 - 15) شريعة ما يفرزه الجسد - مع الحذف. (¬7) التوراة: د/ بدران، ص.

ثالثا: نجاسة الأبرص

ويتساءل د/ كامل سعفان منتقدًا تلك الأمور التي يحتوى عليها هذا النص قائلًا: (لماذا تظل النجاسة حتى المساء؟ ولماذا يُكسر الوعاء الخزفي؟ ولا يكفي معه الغسل، مع أن جودة صنعه قد تختفى معها المسام فضلًا على أنه يطلى بطلاء أملس) (¬1). ثالثًا: نجاسة الأبرص: يقول د/ كامل سعفان عن هذا: (أما طهر الأبرص فيكاد يصل إلى الشعوذة والدجل، ويلاحظ أن موضوع البرص يشغل من شريعة الرب ثلاثة إصحاحات في سبع صفحات) (¬2): رابعًا: ملامسة جثث الموتى: يقول عنها د/ المسيري: (أعلي درجات النجاسة في الشريعة اليهودية ملامسة جثث الموتى وهذه تتطلب رش الماء المخلوط برماد بقرة صغيرة حمراء يستخدم رمادها لتطهير الأشخاص والأشياء التي تدنست بملامسة جثث الموتى ويجب أن تكون البقرة "حمراء صحيحة لا عيب فيها ولم يعل عليها نيرُ" (¬3) فقد جاء في سفر العدد ما نصه: "من مس ميتًا ميتة إنسان ما يكون نجسًا سبعة أيام يتطهر به في اليوم الثالث وفي اليوم السابع يكون طاهرًا وإن لم يتطهر في اليوم الثالث ففي اليوم السابع لا يكون طاهرًا كل من مس ميتًا ميتة إنسان قد مات ولم يتطهر ينجس مسكن الرب فتقطع تلك النفس من إسرائيل لأن ماء النجاسة لم يُرش عليها تكون نجسة. نجاستها لم تزل فيها" (¬4)) (¬5). ¬

_ (¬1) اليهود تاريخًا وعقيدة د/ كامل سعفان ص 256. (¬2) المرجع السابق ص 255، لاويين: (13، 14) وبعد الاطلاع وجدت الأبرص يشغل إصحاحين وليس ثلاثة كما يقول المؤلف. (¬3) عدد: (19/ 2) ماء للتطهير، والنير: خشبة توضع على عنق ثورين لجعلهما يسيران معًا وهما يحرثان (معجم الكلمات الصعبة للعهد القديم ص 40). (¬4) عدد: (19/ 11 - 13) ماء للتطهير. (¬5) اليهود واليهودية والصهيونية: د/ المسيري 5/ 243.

خامسا: إذا مات إنسان في خيمة

خامسًا: إذا مات إنسان في خيمة: يقول د/ بدران عن هذا الأمر: (وهذه عجيبة أخرى من أعاجيب النجاسة من الأفضل أن نترك التوراة ترويها دون تعليق فهي تعلق على نفسها: "هذه هي الشريعة، إذا مات إنسان في خيمة، فكل من دخل الخيمة وكل من كان في الخيمة يكون نجسًا سبعة أيام، وكل إناء مفتوح ليس عليه سداد بعصابة فإنه نجس, وكل من مس على وجه الصحراء قتيلًا بالسيف أو ميتًا أو عظم إنسان أو قبرًا يكون نجسًا سبعة أيام (¬1) ") (¬2). (هذا عن النجس والنجاسة أما عن تطهير هذا النوع من النجاسة فيقول إله إسرائيل: "فيأخذون للنجس من غبار حريق ذبيحة الخطية الذي يقدمها النجس ويجعل عليه ماءً حيا في إناء، ويأخذ رجل طاهر "زوفا" (¬3) ويغمسها في الماء وينضحه على الخيمة وعلى جميع الأمتعة وعلى الأنفس الذين كانوا هناك وعلى الذي مس العظم أو القتيل أو الميت أو القبر، ينضح الطاهر على النجس في اليوم الثالث واليوم السابع، ويطهره في اليوم السابع فيغسل ثيابه ويرحض بماء فيكون طاهرًا في الماء"، أما إذا لم يتطهر الإنسان النجس حسب أوامر إله إسرائيل وجب عليه القتل والفناء: "وأما الإنسان الذي يتنجس ولا يتطهر فتباد تلك النفس من بين الجماعة (بني إسرائيل) لأنه نجس مقدس الرب ماء النجاسة لم يرش عليه، إنه نجس" (¬4)) (¬5). سادسًا: نجاسة من مس جثة حيوان لا يؤكل: فيقول د/ كامل سعفان: (لم تقتصر النجاسة على ما سبق، "فكل من مس جثة حيوان لا يؤكل يكون نجسًا إلى المساء، ومن حمل جثته يغسل ثيابه ويكون نجسًا إلى المساء" (¬6)، ويدهش المرء إذا علم أن الجمل والحصان والحمار والأرنب مما لا يؤكل وكان الحمار وسيلة الانتقال قبل أن يعرفوا الجمل، فكيفى ينجس من مسه؟ ولماذا تظل النجاسة حتى المساء؟) (¬7). ¬

_ (¬1) عدد: (19/ 14 - 16) ماء للتطهير. (¬2) التربية في التوراة: د / بدران، ص 169. (¬3) هو: نبات بري يرجح أنه الزعتر وكان يستخدم عادة للتطهير (معجم الكلمات الصعبة للعهد القديم ص 23). (¬4) عدد: (19/ 17 - 20) ماء للتطهير. (¬5) انظر: التوراة: د/ بدران، ص 170. (¬6) يشير إلى اللاويين: (11/ 4 - 26) الطعام الطاهر والنجس. (¬7) اليهود تاريخًا وعقيدة، ص 256.

وخلاصة هذا المبحث

وحول الطهارة والنجاسة عمومًا يعلق د/ المسيري قائلًا: (يعود اهتمام الشريعة اليهودية الحاد بمشاكل الطهارة والنجاسة إلى الطبقة الحلولية داخلها التى تتبدى في محاولة دائمة للفصل بين اليهود المقَدَّسين والأغيار المدنَّسين وتنص الشريعة اليهودية على عدة مصادر أساسية للنجاسة الشعائرية أهمها أجساد الموتى (¬1) والأشخاص الذين يتصلون بالأشياء النجسة قد ينقلون نجاستهم إلى الآخرين، والأشياء المقدسة التي تنجس مثل القرابين التي تقدم من ذبائح وحبوب يجب أن تحرق وينبغى على الأشخاص غير الطاهرين ألا يلمسوا الأشياء المقدسة وألا يدخلوا الهيكل أو ملحقاته) (¬2). إلى هذا الحد من التعقيد وصل الأمر بالشريعة اليهودية المحرفة في باب النجاسات فما بالنا بعملية التطهير من هذه النجاسات تُري هل تكون أخفى وطأة من التنجس أم لا؟ ولذلك يوضح د/ المسيري عملية التطهير بقوله: (وتختلف شعائر التطهر باختلاف مصدر النجاسة فالحمام الطقوسى كان يُعد كافيًا للتطهر من النجاسة الناجمة عن الجماع أو القذف، بينما يجب تقديم القرابين الحيوانية للتطهر من النجاسة الناجمة عن الولادة وغيرها) (¬3). وخلاصة هذا المبحث: 1. هذه الطقوس التي يفرضها كهنة نبي إسرائيل ويزعمون أنها من أوامر الإله لسيدنا موسى - عليه السلام - تؤكد أن النفسية اليهودية تحرص على الانعزالية دائمًا، ومن ثم يسهل الفصل بين اليهود الذين يدعون القداسة والطهارة وبين غيرهم من الشعوب الأخرى، كما يدعون. 2. اتسام الشريعة اليهودية بالتشدد والتعقيد إلى حد يجعل الأصل عندهم هو النجاسة والطهارة فرع عنه، وذلك من شدة الأوامر الصارمة التى تتأذى منها النفس البشرية السوية وتتصادم مع العقل السليم. ¬

_ (¬1) والنص الذي يوضح ذلك يقول: "من مس ميتًا، ميتة إلسان ما يكون نجسًا سبعة أيام يتطهر به في اليوم الثالث" عدد: (19/ 11 - 12). (¬2) موسوعة اليهود واليهودية 5/ 243. (¬3) المرجع السابق نفس الجزء والصفحة.

المبحث الثانى نقد التشريعات الخاصة بالكهنة والقرابين

المبحث الثانى نقد التشريعات الخاصة بالكهنة والقرابين تمهيد: اهتم النقاد من علماء المسلمين بتعرية السلطه الكهنوتية وكشف زيفها والمبالغات والعجائب التي تحيط بالكهنة في الشريعة اليهودية، واهتموا أيضًا بتوجيه سهام النقد إلى تلك الأمور الغريبة التي يطلبها إله إسرائيل من سيدنا موسى - عليه السلام - كما تزعم التوراة- ومن خلال هذه الطلبات يتضح استغلال الطبقة الكهنوتية لشعب إسرائيل وابتزازهم. من هؤلاء العلماء د/ بدران، د/ كامل سعفان، قد فصلا الحديث حول الكهنة في التشريع اليهودي وبينوا من خلال نقدهم أن هذه التشريعات تتعارض مع العقل والحقائق العلمية الثابتة وبينوا أيضًا أن التشريع اليهودي قد تأثر كثيرًا بالتشريعات الوثنية القديمة. ويمكن حصر هذه التشريعات التي نقدها العلماء تحت العناوين التالية: (1) عبادة العجل وتقديم القرابين. (2) القرابين وأنواعها. (3) تابوت العهد. (4) المائدة والمنارة. (5) مسكن الشهادة والمذبح وثياب الكهنة. (6) مراسيم الكهانة والكفارات ومناسباتها.

(1) عبادة العجل وتقديم القرابين

يقول د/ كامل سعفان في بداية نقده للتشريعات اليهودية: (قد يثير الدهشة أن الرب - في كثير من أسفار التوراة وكتب الأنبياء - يستغل استغلالًا قاسيًا في سيطرة طبقة أو في ابتزاز خيرات الشعوب لصالح سبط من الأسباط "فريضة دهرية" - أي أبدية - ويتخذ "تابوت الرب" الذي هو نصب من الأنصاب. بمثابة شرك للإيقاع بالشعب المخدوع بين أنياب ومخالب لا تشبع ولا ترتوي فإذا كان "هارون" - عليه السلام - في عبارة القرآن الكريم فصيحًا شجاعًا وشريكًا في أداء الرسالة فقال تعالى: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} (¬1) وقوله تعالى: {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} (¬2) فإنه في عبارة العهد القديم يهودي قبل أن يكون ربانيًا) (¬3). فماذا صنع هارون؟ وما هي البداية التي انحرف من عندها بني إسرائيل؟ هذا ما سيتضح في السطور التالية: (1) عبادة العجل وتقديم القرابين: وحولى هذه القضية استدل د/ كامل بالنص التالي: "لما رأى الشعب أن موسى أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هارون وقالوا له: قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا لأن هذا موسى الرجل الذي أصعدنا عن أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه فقال لهم هارون: انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وائتوني بها. فنزع كل الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم وأتوا بها إلى هارون، فأخذ ذلك من أيديهم وصوره بالأزميل وصنعه عجلًا مسبوكًا فقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر فلما نظر هارون بني مذبحًا أمامه ونادي هارون وقال: غدًا عيد الرب فبكروا في الغد، وأصعدوا محرقات وقدموا ذبائح السلامة" (¬4). ومضي د/ كامل في سرد ما حدث لهذا العجل الذهبي وطحن موسى - عليه السلام - له عندما عاد وذراه على وجه الماء وسقى به بنى إسرائيل (¬5). ¬

_ (¬1) سورة القصص الآية: (34). (¬2) سورة طه الآية: (31، 32). (¬3) اليهود تاريخًا وعقيدة ص 233، 234. (¬4) خروج: (1/ 32 - 6) العجل الذهبي. (¬5) خروج: (32/ 20) السابق.

ثم يعلق د/ كامل على صناعة العجل وعبادته بقوله: (طلب الشعب إلهًا مصنوعًا، وكان بوسع هارون أن يجعله من طين، أو من خشب، أو من نحاس مثلًا، لكنه أراده من ذهب في صورة الإله المصري القديم - قبل عهود الذل والعبودية في مصر - وصنعه بيده لا بيد أخرى وبني له مذبحًا وجعل له عيدًا، وأصعد المحرقات - وقدم الذبائح، ويلاحظ أن عبادة (العجل) تتكرر وتتجدد في حياة بنى إسرائيل ... "فقد عمل يربعام (¬1) " عجلي ذهب ليعبدهما أتباعه في دولة إسرائيل، وحتى لا يحتاجوا للذهاب إلى الهيكل الذي يقع في دولة يهوذا برئاسة "رَحُبْعام (¬2) " (¬3)) (¬4). ويقول أيضًا: "وملك" بعشا بن أخيا" (¬5) على جميع إسرائيل، وسار في طريق يربعام في خطيئته التي جعل بها إسرائيل يخطئ" (¬6). ويقول: "وكذلك فعل "عُمْرى" (¬7) وجاء أخاب بن عمري، فتزوج ابنة ملك الصيدونيين، وعبد العجل وسجد له، وأقام مذبحًا" (¬8). كما يلاحظ أن الإله من ذهب دائمًا، كأنما هو للتعبير عن القوة في عرف اليهود (¬9). وفي نهاية حديثة عن عبادة العجل قال عن تحطيمه: (أراد موسى أن يحطم الوثنية فأجراها في دمائهم ذرات ذهبية صارت نسيج أبدانهم وميراث أجيالهم) (¬10). ¬

_ (¬1) هو: ابن ناباط من سبط افرايم وصروعة ولد في صردة في وادي الأردن وهو الملك الأول في المملكة الشمالية بعد انقسام مملكة سليمان في أيام رحبعام وملك حوالي 22 سنة (قاموس الكتاب المقدس ص 1059). (¬2) هو: ابن سليمان من نعمة العمونية قامت الحرب بينه وبين يربعام ملك مملكة إسرائيل واستمرت طويلًا وانتشرت العبادة الوثنية في مملكة إسرائيل منذ بدايتها ... ملك حوالي 17 سنة ومات حوالي 915 ق. م (قاموس الكتاب المقدس ص 401). (¬3) ملوك الأول: (12/ 28) إسرائيل يتمرد على رحبعام. (¬4) اليهود تاريخًا وعقيدة، ص 234. (¬5) هو: بعشا بن أخيا من سبط يساكر، تآمر علي ناداب بن يربعام وضربه في جبثون التى للفلسطنيين وملك عوضًا عنه عشرين سنة ومن أجل ألا يعارضه أحد قتل كل عائلة يربعام وسلك بعشا في طريق يربعام وعمل الشر في عيني الرب وكانت الحروب والاضطرابات كل أيام ملكه (قاموس الكتاب المقدس ص 181). (¬6) الملوك الأول: (15/ 33 - 34) بعشا يملك على إسرائيل. (¬7) هو: أحد ملوك إسرائيل وكان قبل توليه العرش قائدًا لجيش بني إسرائيل في زمن الملكين بعشا وأيلة ولم يعمل عمرى المستقيم في عيني الرب وعبد الأصنام التى عبدها يربعام وعمل من الشر ما لم يعمله أي ملك آخرمن قبله من ملوك إسرائيل (قاموس الكتاب ص 639). (¬8) الملوك الأول: (16/ 29 - 33) أخاب يملك على إسرائيل. (¬9) اليهود تاريخًا وعقيدة ص 234 مرجع سابق. (¬10) المرجع السابق 235.

1. قربان التقدمة أول شروط إله إسرائيل ليهبط ويكلم موسى وجها لوجه

وينتقد د/ بدران عبادتهم لهذا العجل قائلًا: (إن عبادة الإسرائيليين من أعجب العبادات وإلههم من أغرب الآلهة كما أنها من أبهظ العبادات تكليفًا. عبادة يبدو أنها مخلوقة للأثرياء فقط، الأغنياء القادرون على اقتناء الذهب والفضة) (¬1). وقد ذكر د/ بدران في كتابه: (أن إله إسرائيل (المزعوم) يأمر موساهم بأشياء غاية في العجب والغرابة وبتفاصيل أكثر عجبًا وغرابة، ويقفى أي قارئ للتوراة مشدوهًا أمام هذه الفخفخة الإلهية، هذا بالإضافة إلى الخرافات التي لا تخطر على بال) (¬2). وفصل القول فيما يتعلق بالقرابين والمقدس والطقوس الكهنوتية على النحو التالي: 1. قربان التقدمة أول شروط إله إسرائيل ليهبط ويكلم موسى وجهًا لوجه: إن أول ما طلبه "يهوه" من موسى أن يقدم شعب إسرائيل تقدمة من ذهب وفضة وغيرها ... كل ذلك حتى يسكن إله إسرائيل في وسطهم (¬3). واستدل على ذلك بما جاء في سفر الخروج: "وكلم الرب موسى قائلًا: كلم بني إسرائيل أن يأخذوا لي تقدمة من كل من يحثه قلبه تأخذون تقدمتى وهذه هي التقدمة التى تأخذونها منهم ذهب وفضة ونحاس وإسمانجوني وأرجوان وقرمز وبرص وشعر معزي وجلود كباش محمرة وجلود تخس وخشب سنط وزيت للمنارة وأطياب لدهن المسحة وللبخور العطر وحجارة ترصيع للرداء والصدرة فيصنعون لي مقدسًا لأسكن في وسطهم" (¬4). 2. تابوت العهد أو تابوت الشهادة: ذلك التابوت الذي وضعوا فيه اللوحين اللذين أعطاهما الله لموسى وهذه مواصفاته التى أمر بها إله إسرائيل (¬5): "فيصنعون تابوتًا من خشب السنط، طوله ذراعان ونصف وعرضه ذراع ونصف وارتفاعه ذراع ونصف رتغشيه بذهب نقى من داخل ومن خارج تغشيه وتصنع عليه إكليلًا من ذهب حواليه وتسْبك له أربع حلقات من ذهب وتجعلها على قوائمه الأربع. على جانبه الواحد حلقتان وعلى جانبه الثاني حلقتان، وتصنع عصوين من خشب السنط وتغشيهما بذهب وتدخل العصوين في الحلقات على جانبي التابوت ليحمل التابوت بهما، تبقي العصوان في حلقات التابوت، لا تنزعان منها وتضع في التابوت الشهادة التي أعطيك، وأنا أجتمع بك هناك وأتكلم معك على الغطاء من بين الكروبين الذين على تابوت الشهادة (¬6). ¬

_ (¬1) التوراة: د/ بدران ص 153. (¬2) المرجع السابق، ص 153. (¬3) المرجع السابق ص 153. (¬4) الاصحاح: (25/ 1 - 8) التقدمات لخيمة الاجتماع. (¬5) التوراة د/ بدران ص 153. (¬6) خروج: (25/ 10 - 22) تابوت العهد وغطاؤه مع الحذف.

3. المائدة التي سيجلس عليها إله إسرائيل والمنارة

ثم يعلق د/ كامل على هذا الوصف المطول بقوله: (نلاحظ أن التابوت لا يخرج عن صندوق فيه لوحا الشهادة وقاية لهما، وكان بوسع "الرب" أن يؤكد على صيانة اللوحين، وعلى شعبة المختار أن يختار الطريقة التي تتناسب مع ظروف حياتهم، كأن تحفظ التعاليم وترتل، أو تكتب منها نسخ مختلفة حتى يكون عهد الطباعة، فتطبع آلاف النسخ أو ملايينها لكن "الكهنة" أرادوا شيئًا أو صنمًا، يلتف حوله الشعب أو أرادوا حقل تجارب لمعرفة إمكانيات الشعب وقدرته على الحركة داخل اقتصاديات الشعوب المستغلة لهذا لزم أن تبقى العصوان في حلقات التابوت لا تنزعان منها رمزًا للحركة المستمرة) (¬1). 3. المائدة التي سيجلس عليها إله إسرائيل والمنارة: (فهي بالمواصفات التالية حسب أوامر الإله لموسى- في زعمهم -: "وتصنع مائدة من خشب السنط طولها ذراعان وعرضها ذراعان وارتفاعها ذراع ونصفى وتغشيها بذهب نقي وتصنع إكليلًا من ذهب حواليها وتضع لها حاجبًا على سبر حواليها وتصنع لحاجبيها إكليلًا من ذهب حواليها" (¬2) إلى نهاية وصف هذه المائدة) (¬3). ويقول د/ بدران: (ولم ينس إله إسرائيل أن يأمر موسى بأن يصنع له منارة (شمعدان) من ذهب خالص حتى تكتمل للجلسة الإلهية أجمتها وفخامتها، والدليل على ذلك قول التوراة: "وتصنع منارة من ذهب نقي .. عمل الخراطة تُصنع المنارة قاعدتها وساقها تكون كاساتها وعجرها وأزهارها منها وسِتُ شُعبٍ خارجةٍ من جانبيها من جانبها الواحد ثلاث شعب منارة ومن جانبها الثاني ثلاث شعب منارة إلى آخر وصف هذه المنارة" (¬4)) (¬5). وينتقد د/ كامل سعفان هذه النصوص التى اشتملت على وصف المائدة والمنارة ويحلل ما وراء هذه النصوص من أطماع اقتصادية قائلًا: (من أين هذا الذهب كله وقد جمعه هارون في العجل الذهبي الذي أحرقه موسى فصار رمادًا فشرابًا؟ وإذا كان الرب قد صنع صورة هذا كله فلماذا لم يقدمها هدية إلى شعبه المختار ويعفيه من هذا الابتزاز الذهبي العجيب؟ لكن يبدو أن سياسة "الرب" مستقبلية فهو يضع أسس المذاهب الاقتصادية التي ستنبثق في صورة إلهام من العقلية اليهودية فتركيز الثروة في يد "اللاويين" يعني سيطرة الطبقة أو السياسة الرأسمالية، وأن تجتمع الثروة في يد (المشرعين) يعني عدم الملكية الفردية أو السياسة الشيوعية) (¬6). ¬

_ (¬1) اليهود تاريخًا وعقيدة د/ كامل ص 236. (¬2) خروج: (25/ 23 - 30) مائدة خبز الوجوه. (¬3) التوراة: د/ بدران، ص 154، اليهود تاريخًا وعقيدة د/ كامل سعفان ص 237. (¬4) خروج: (25/ 31 - 39) المنارة. (¬5) التوراة: د/ بدران، ص 154. (¬6) اليهود تاريخًا وعقيدة: د/ كامل، ص 237.

4. مسكن الشهادة والمذبح وثياب الكهنة

4. مسكن الشهادة والمذبح وثياب الكهنة: ذكر د/ كامل، التفصيلات التى وردت في العهد القديم عن مسكن الشهادة والمذبح وثياب رئيس الكهنة وثياب بقية الكهنة وقد استغرق ذلك من العهد القديم عددًا من الإصحاحات في سفر الخروج. ففيما يتعلق بمسكن الشهادة فله مواصفات عجيبة وكثيرة (¬1) تبين اهتمام الرب ببيته فيقول: (وإذا كان الرب قد اهتم ببيته هذا الاهتمام، فإن عنايته بالقوّامين عليه وبخدامه تبدو واضحة من خلال الأوصاف التي تتمثل فيهم والملابس التي يتحلون بها والحقوق التي كفلها لهم، وفي هذا يقول الرب لهارون: "إذا كان رجل من نسلك في أجيالهم فيه عيب فلا يتقدم ليقرب خبز إلهه، لا رجل أعمى، ولا أعرج، ولا أفطس، ولا زوائدى، ولا رجل فيه كسر رجل أو كسر يد، ولا أحدب (¬2) ولا أكشم (¬3) ولا من في عينه بياض، ولا أجرب، ولا أكلف (¬4) ولا مرضوض الخصى لئلا يدنس مقدسى" (¬5)) (¬6). وفيما يتعلق بالمذبح فله مواصفات عجيبة وغريبة أيضًا حسب أوامر إله إسرائيل (¬7). أما ثياب الكهنة والتكاليف الباهظة التي تشتمل عليها من ذهب وأحجار كريمة ورمانات وجلاجل من ذهب نقي (¬8). وينتقد د/ كامل هذه التكاليف الباهظة الخاصة بالمسكن والثياب قائلًا: (يحار المرء - دون شك - في تكاليف هذه الثياب أكثر من حيرته في أوصافها هذا الذهب وهذه الحجارة الكريمة كلها ممن؟ من شعب ضائع في الصحراء؟ ولماذا؟ من أجل المثول بين يدي الرب؟ أي رب هذا الذي يستولي على كل ما يملك شعبه، ليصنع ثياب أسرة لا شرف لها إلا الانتساب إلى موسى الرسول - عليه السلام - ويجعل هذه الثروة في بيتها وسيلة ترف وخداع، بحسبان أن البيت بيت الرب ولابد أن يتناسب المكان مع جلالة هذا الرب الذي يحتاج إلى أن يلبس من يدخل عليه رمانات وجلاجل تحدث صوتًا، حتى لا يفاجأ متلبسًا بمالا ينبغى، فيغضب، وتكون النتيجة موت من انكشف له ما لا ينبغي أن يرى!! (¬9). ¬

_ (¬1) خروح: (26/ 1 - 27) خيمة الاجتماع. (¬2) هو: من برز صدره ودخل ظهره (معجم الكلمات الصعبة، ص 8). (¬3) هو: ناقص الخلقة قزم (معجم الكلمات الصعبة، ص 10). (¬4) هو: الذي في بدنه بثور (معجم الكلمات الصعبة، ص 10). (¬5) اللاويين: (21/ 17 - 24) شرائع الكهنة. (¬6) اليهود تاريخًا وعقيدة ص 240. (¬7) خروج: (27/ 1 - 8) مذبح المحرقة. (¬8) خروج: (28/ 2 - 14) ثياب الكهنة، راجع: التوراة د/ بدران ص 155 - 157. (¬9) اليهود تاريخًا وعقيدة ص 241 مرحع سابق.

5. مراسيم الكهانة والقرابين والذبائح والمناسبات التي تقدم فيها هذه القرابين

5. مراسيم الكهانة والقرابين والذبائح والمناسبات التي تقدم فيها هذه القرابين: * أولًا مراسيم الكهانة: يناقش د/ بدران، د/ كامل سعفان، هذه الأمور من خلال نصوص العهد القديم فيقول د/ بدران: (للكهانة مراسيم أبدية يقوم بها الكهنة بعد الاغتسال وارتداء ثياب الكهنوت حيث يقدم ثورًا واحدًا من البقر وكبشين صحيحين وفطير ورقاق ملتوت بالزيت من دقيق الحنطة واشترط إله إسرائيل أن توضع جميع هذه الفطائر في سلة واحدة ثم تجرى مراسيم الاحتفال) (¬1)، ثم عرض بعد ذلك هذه المراسيم وهي كالتالي: أ. بالنسبة للثور: يضع رئيس الكهنة وأتباعه أيديهم على رأس الثور ثم يذبح ويؤخذ من دم الثور وتدهن قرون المذبح بالإصبع ويصب بقية الدم إلى أسفل المذبح، وأما شحم الثور فيوقد على المذبح وأما اللحم والجلد فيحرق بعيدًا لأنها ذبيحة خطية (¬2). ب. الكبش الأول: يضع الكهنة أيديهم على رأس الكبش ثم يذبح ويرش دم الكبش في كل مكان ويقطع الكبش إلى قطعة ويغسل جوفه ثم يحرق الكبش بأكمله على المذبح لأنه رائحة سرور وقود الرب (¬3). ج. الكبش الثاني: ويسمى كبش الملء ويذبح بعد أن يضع الكهنة أيديهم على رأسه ثم تمسح أذن رئيس الكهنة اليمني من دم الكبش وكذلك بقية الكهنة وتمسح كذلك أيديهم اليمني وأرجلهم اليمني ويرش الدم في كل ناحية في المذبح ثم تدهن ثياب رئيس الكهنة وأتباعه من الدم المتبقى، ثم تؤخذ "إلية" الكبش وشحم جوفه وساقه اليمني (الخلفية) وزيادة الكبد والكلية بالإضافة إلى رغيف واحد من الخبز ورقاقة ويحرق كل هذا على المذبح لصنع رائحة سرور وقود الرب، أما نصيب رئيس الكهنة من كبش الملء فهي: القص -أي الصدر- والساق الأمامية، أما بقية الكبش فيطبخ ويأكله الكهنة بني هارون مع الذين قدموا الكبش كتكفير عن ذنوبهم ليملأ أيديهم ويصيروا مقدسين، أما الأجزاء المتبقية من الطعام فلا يأكلها أحد بل تحرق جميعها بالنار لأنها مقدسة (¬4). ويقدم الإسرائيليون كل يوم خروفان حوليان (أي عمرها عامان) الأول في الصباح والثاني في المساء لتحرق على المذبح المقدس وقد أمرهم إلههم أن تظل المحرقة دائمة لتصنع رائحة سرور وقود الرب ووعدهم بأنهم لو فعلوا هذا سيسكن في وسطهم (¬5). ¬

_ (¬1) التوراة د/ بدران، ص 157، 158. (¬2) انظر: خروج: (29/ 10 - 24) تكريس الكهنة - بالمعني. (¬3) انظر: خروج: (29/ 15 - 18) السابق. (¬4) انظر: خروج: (29/ 19 - 34) السابق باختصار، انظر التوراة: د/ بدران، ص 157 - 158. (¬5) انظر: خروج: (29/ 38 - 46) المرجع السابق، ص 158.

* ثانيا: الكفارات والقرابين

(أما الآنية التي يحرقون فيها البخور فيسميها إله إسرائيل "مذبح البخور" وقرر لها مواصفات خاصة أهمها أنها مصنوعة من الذهب (¬1) ويتدخل إله إسرائيل في كل شىء حتى المرحاض شكله، مادته حتى مكانه والمستعملين له وهو من النحاس النقي وأمر بوضعه في خيمة الاجتماع وهو خاص بهارون وأبنائه -أي الكهنة فقط (¬2)) (¬3). ويعلق على ما سبق بقوله: وهناك الكثير من مثل هذه الأشياء الباهظة التكاليف والتي لا يقدر عليها إلا الأثرياء فقط، هذا بالإضافة إلى غرابة الأشياء نفسها (¬4). وبذلك تتجلى الأطماع اليهودية التي لا تقف عند حد مع استغلال كل الوسائل الممكنة دون تقدير للظروف القاسية التي كان يمر بها الشعب (¬5). * ثانيًا: الكفارات والقرابين: يقول د/ رفقى زاهر: أ. (تكثر الكفارات والقرابين في الديانة اليهودية، كثرة ظاهرة وتدفع كلها إلى اللاويين الذين تخصصوا لخدمة الهيكل، كمصدر أساسى لسد نفقاتهم، ونفقات الهيكل على السواء وذكر منها: ذبيحة الإثم، وهي ثور يقدمه المذنب إلى الكاهن بعد أن يعترف بخطيئته (¬6)، ذبيحة السلامة وهي للشكر (¬7)، والنذور وهي ما يلزم المرء بتقديمه للرب من قرابين دون أن تفرض عليه الشريعة (¬8)) (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: خروج: (30/ 1 - 8) مذبح البخور. (¬2) انظر: خروج: (30/ 17 - 21) مرحضة للاغتسال. (¬3) انظر: التوراة د/ بدران ص 158، 159. (¬4) المرجع السابق: ص 160. (¬5) اليهود تاريخًا وعقيدة: ص 245. (¬6) انظر: لاويين: 4/ 1 - 10) ذبيحة الخطية باختصار. (¬7) انظر: لاويين: (3/ 1 - 5) ذبيحة السلامة. (¬8) انظر: عدد: (30/ 1 - 14) النذور باختصار شديد. (¬9) قصة الأديان "دراسة تاريخية مقارنة" د/ رفقى زاهر ص 86 باختصار ط الأولي 1400 هـ - 1680 م، وانظر: التوراة د/ بدران، ص 161 - 163.

ب. قربان الزوجة الخائنة

ب. قربان الزوجة الخائنة: وينتقد د/ بدران سيطرة الكهنة على الشعب حتى في أدق الأمور فيقول: (إن في التوراة أشياءً لا تليق بعبادة الأوثان في العهود السحيقة، يوم أن كان الظلام مخيم على الأرض، ويبدو أن كهنة بني إسرائيل يحبون الظلام حتى تقوى سلطتهم على الشعب ويتحكموا فيه ويتدخلوا في دقائق أموره وتروى التوراة (¬1): "أنه إذا خانت زوجة زوجها ولم تعترف له بخيانتها أو إذا شك رجل- مجرد الشك- في زوجته يذهب للكاهن ويكشف له عما في نفسه ويدعو الكاهن الزوجة المتهمة وعليها أن تقدم قربانا (يسمي تقدمة الغيرة) للكاهن وهي عبارة عن دقيق شعير ويحضر الكاهن الماء المقدس ويضعه في إناء خزفي ويضع عليه من تراب المعبد ويكشف الكاهن رأس المرأة المشكوك في أمرها ويسقيها من هذا الماء المقدس المترب، ويحرق الكاهن القربان (دقيق الشعير) على المذبح، فإذا كانت المرأة بريئة لا يصيبها ضر وإن كانت خائنة فتتورم بطنها في الحال ويسقط فخذاها وتصير امرأة ملعونة في وسط شعبها" (¬2). ويحلل د/ بدران هذا الموقف مفندًا ما فيه من خرافات وأمور تتعارض مع العقل وتتناقض مع الحقائق العلمية فيقول: (أي عقل هذا الذي يقبل مثل هذه الخرافات والأباطيل والماء الذي يتكلمون عنه، ويسمونه الماء المقدس عبارة عن ماء وزيت وتراب وأشياء أخرى غاية في الغرابة وتعتبر من أسرار الكهانة وهذا الماء مصلى عليه وطبيعى جدًا أن تتقلص أمعاء كل من يشرب من مثل هذا الشىء العجيب والذي يسمونه بالماء المقدس بل إنه شيء طبيعى أن تمرض المرأة المتهمة وتنتفخ بطنها حتى لو كانت بريئة وتضيع بذلك نساء كثيرات بريئات لعب الشيطان برؤوس أزواجهن، أليس من الأجدى بهؤلاء الكهنة أن يقتفوا أثر الحقيقة وينصحوا ويغفروا بدلاً من تلك الأباطيل؟، إن مثل هذا العمل يتنافى مع العقل والعلم، وليس فيه من الروحانيات شىء يذكر فهل من العلم أن يشرب إنسان -أي إنسان- خليط من الماء والزيت والتراب وأشياء أخرى غريبة ويشم رائحة دقيق محروقة في مكان ضيق ولا يمرض؟ وهل من الروحانيات أن يكشف شعر امرأة؟) (¬3). ج. قربان الولادة: يقول د/ فقي زاهر: منتقدًا ما تفرضه الشريعة اليهودية على المرأة التي ولدت: تعتبر اليهودية الولادة من النجاسات التي لا تطهر منها المرأة إلا بالتكفير فعليها أن تقدم إلى الكاهن زوجًا من الحمام أو اليمام وبدون هذه الكفارة لا تتطهر من نجاستها (¬4). ¬

_ (¬1) التوراة: د/ بدران ص 68. (¬2) عدد: (5/ 11 - 28) اختبار الزوجة غير الأمينة. (¬3) التوراة: د/ بدران ص 69. (¬4) انظر: قصة الأديان د/ رفقى زاهر ص 88، بتصرف يسير،

* ثالثا: المناسبات التي تقدم فيها القرابين

* ثالثًا: المناسبات التي تقدم فيها القرابين: تنوعت هذه المناسبات التي تقدم فيها القرابين وقد ذكرها د/ بدران، د/ رفقى زاهر كعيد الفصح الذي يرتبط بذكرى خروج بني إسرائيل من مصر بقيادة موسى -عليه السلام- ويقع في اليوم الرابع عشر من شهر أبيب (يوليو) ويستمر سبعة أيام يأكل فيه اليهود فطيرًا غير مخمر تذكيرًا بما كانوا يأكلونه أيام الخروج ولا يعملون فيه عملًا ويقربون القرابين إلى الهيكل كما يرفعون فيه الصلوات إلى الرب (¬1)، ويوم التكفير (¬2)، ويوم التنظيف (¬3)، ويوم السبت (¬4)، ويوم الباكورة (¬5)، ويوم الإذلال (¬6) ولم تكن هذه القرابين تطوعًا وتقربًا اختياريًا بل كانت بناءً على أوامر إله إسرائيل نفسه حتى يباركهم وبعد أن قدم بنو إسرائيل هذه القرابين دخل موسى خيمة الاجتماع فوجد إله إسرائيل داخلها فتكلما معًا (¬7). بعد كل هذا طلب إله إسرائيل من موسى أن يكلم قومه بأن يصنعوا بوقين من الفضة الخالصة لينادى بهما علي بني إسرائيل: "وكلم الرب موسى قائلًا: اصنع لك بوقين من فضة مسحولين -أي منحوتين- تعملهما فيكونان لك لمناداة الجماعة (بني إسرائيل) ولارتحال المحلات .. فإذا ضربوا بهما يجتمع إليك كل الجماعة إلى باب خيمة الاجتماع وإذا ضربوا بواحد يجتمع إليك الرؤساء رؤوس ألوف إسرائيل (¬8) " (¬9). ¬

_ (¬1) لاويين: (23/ 4 - 8) الفصح الفطير. (¬2) وهو: يوم في العام يحاول فيه اليهودي أن يعبد الله لا كإنسان بل كملك والملك لا يأكل ولا يشرب ويمضى وقته كله في العبادة وتعظيم الله وتقع أيامه في الشهر السابع من شهور السنة اليهودية. انظر: اليهودية د/ أحمد شلبى ص 305. (¬3) وهو: ثمانية أيام يسرجون في الليلة الأولى سراجًا وفي الثانية اثنين وهكذا في الثامنة ثمانية سرج وذلك احتفالا باليوم الذي قتل فيه أحد ملوك اليونان الذي كان يدخل علي بنات إسرائيل قبل زواجهم. قصة الأديان ص 93. (¬4) وهو: اليوم الذي تدعى التوراة فيه أن الله خلق الكون في ستة أيام واستراح في اليوم السابع وعلى هذا تحتم التوراة على بني إسرائيل ألا يمارسوا أي عمل من الأعمال في يوم السبت. سفر التثنية 5. (¬5) انظر: عدد (26/ 28 - 31) عيد الباكورة. (¬6) وهو: اليوم العاشر من الشهر السابع. انظر: (عدد 29/ 7 - 11) يوم الكفارة. (¬7) عدد: (7/ 89) تقدمات عند تكريس خيمة الاجتماع. (¬8) عدد: (10/ 1 - 9) البوقان الفضيان. (¬9) انظر: التوراة د/ بدران، انظر: قصة الأديان د/ رفقى زاهر ص 90 - 94.

وبعد أن انتهي د/ بدران من سرد أنواع القرابين والمناسبات المختلفة التي تقدم فيها هذه القرابين بين يدي إله إسرائيل علق عليها منتقدًا فقال: (إن التوراة تحوي أشياء لا تليق إلا بعبادة الأوثان حيث يبتكر كهان الأوثان أشياءً باهظة يأمرون بها كافة الشعب ويقولون إنها أوامر الآلهة ليستمتعوا ويعيش الشعب حياة الفاقة والعوز، ذلك كان حال بني هارون يأمرون الشعب بأشياء عجيبة ذهب وفضة وثيران وكباش وخراف وتيوس ودقيق وزيت وبخور ... و ... إلخ كل هذا مقابل الكهانة وليزيدوا من أهمية طلباتهم يزيدوا الأمور تعقيدًا ولا مانع من حرق ثور أو كبش مقابل أن يأخذوا كباشًا وثيرانًا) (¬1). وبذلك يتضح مدى ما وصل إليه الكهنة من سلطان علي بني إسرائيل إنه الخواء العقائدي والاضطراب التشريعي لأنه من وضع بشر، ألم يتفكر أحد فيما يطلبه الكهان؟ لماذا هذه المراسيم ولماذا هذه القرابين؟ إنها عملية خداع ومكر يستعملها الكهان لإرهاب شعب بني إسرائيل حتى يحصلوا منهم على المال الوفير ليعيشوا في رفاهية ونعيم دائم يا له من شعب ضعيف يخاف الكهنة وشعوذتهم ويرضي بالذلة والمهانة تحت سلطانهم، هذا أمر. الأمر الثاني: يبدو أن هذه المراسيم والطلبات الذهبية التي يطلبها إله إسرائيل- كما يزعمون- رافدًا أساسيًا من الروافد الاقتصادية التي تكدس وراء تكدس الثروات والتضخم المالي لدي اليهود. الأمر الثالث: وحين تتضخم الثروات اليهودية يتمكن اليهود من الهيمنة والسيطرة على باقى الشعوب سياسيًا واقتصاديًا، وبالتالي التحكم في مجريات الأحداث، التي تخص غيرهم من الشعوب الأخرى غير اليهودية. الأمر الرابع: تحيط بالتشريعات الخاصة بالكهنة والقرابين التي تقدم في المناسبات المختلفة من الخطاة والمذنبين، علامات استفهام كثيرة، ولا يسلم لها العقل، فهي تتعارض مع المسلمات البديهية، وتتناقض مع الحقائق العلمية الثابتة. ¬

_ (¬1) التوراة ص 168 مرجع سابق.

المبحث الثالث نقد التشريعات الخاصة بالزواج والأسرة

المبحث الثالث نقد التشريعات الخاصة بالزواج والأسرة عند فحص الإنتاج العلمي لعلماء المسلمين حول هذا الموضوع، يتبين أن مغزى التشريعات الخاصة بالزواج والأسرة، في العهد القديم يهدف إلى ما يلي: 1 - امتهان كرامة المرأة وإباحتها. 2 - حرمانها من حقوقها الطبيعية. 3 - تقييد حريتها وقهرها. وسوف تتضح هذه الأمور جيدًا من خلال انتقادات العلماء لتلك التشريعات التي تخص المرأة من حيث الزواج وحقها في الاختيار والضغوط التي تُمارس عليها لإجبارها على مالًا ترضاه، وبالتالي تتعدد صور الامتهان والحرمان والقهر للمرأة في العهد القديم على ما يلي: الصورة الأولي: حق المرأة في اختيار زوجها: بين النقاد أن حق المرأة في اختيار زوجها له صورتان في العهد القديم: الصورة الأولي: لها الحق في اختيار الزوج ولكن بشروط. فالدكتور / الهاشمى يلفت النظر إلى تشدد التوراة وتقييدها لهذا الحق في نفس النص الذي يعطيها الحرية في الاختيار فيقول: (يظهر من بعض النصوص أن للمرأة الحق الكامل في اختيار الزوج، دون إكراه أو مذلة والنص التالي يمكن إيراده في هذا الصدد عن بنات "صلفحاد (¬1) " اليهودي: "هذا ما أمر به الرب عن بنات صلفحاد قائلًا: من حسن في أعينهن يكن له نساءً، ولكن لعشيرة سبط آبائهن يكن نساء (¬2) " غير أن هذه الحرية للمرأة في اختيار الزوج محددة في سبط واحد من أسباط بني إسرائيل لا تجاوزها إلى غيرهم: "فلا يتحول نصيب لبني إسرائيل من سبط إلى سبط بل يلازم بنو إسرائيل كل واحد نصيب سبيط آبائه (¬3) ") (¬4). ¬

_ (¬1) هو: أحد أعقاب منسى في البرية ولم يعقب سوي بنات فحكم بأن ترث الإناث إذا لم يكن وارث سواهن من الذكور على شرط ألا يتزوجن خارج سبطهن (قاموس الكتاب المقدس ص 546، 547). (¬2) عدد: (36/ 6 - 7) ميراث بنات صلفحاد. (¬3) عدد: (36/ 7) السابق. (¬4) التربية في التوراة د/ الهاشمي ص 136.

الصورة الثانية: انعدام حق المرأة في اختيار زوجها وإجبارها على الزواج

الصورة الثانية: انعدام حق المرأة في اختيار زوجها وإجبارها على الزواج: وقال د/ الهاشمي عن هذه الصورة: إن هناك نصوصًا تبيّن انعدام فرصة المرأة في اختيار زوجها، فالمرأة مجبرة على قبول أحد إخوان زوجها الميت كزوج لها ولا حق لها في الرفض أو الاعتذار، وليس له الحق في الرفض للزواج بها، وهي وهو مكرهان على هذا الزواج (¬1). ابتذال المرأة وإباحتها في التوراة: بالنسبة لهذا الأمر رصد علماء المسلمين مواضع متعددة من التوراة تمتهن فيها كرامة المرأة وتبيحها جنسيًا دون مراعاة لأدنى حق من حقوقها، ود/ بدران ينتقد ما تشرعه التوراة بالنسبة للمرأة غير المخطوبة فيقول: (تعاليم دينية غاية في الغرابة، وشريعة أعجب من العجب ذاته، تلك التي تحويها التوراة حيث يروى سفر الخروج شيئًا عجيبًا فيقول: إذا راود رجل فتاة عذراء لم تخطب بعد وضاجعها فليمهرها الرجل لنفسه زوجه، وليس في هذا عيب، ولكن إذا رفض أبوها تزويجها له يعطيه الزاني فضة تساوى مهر العذارى "وإذا راود رجل عذراء لم تخطب بعد فاضطجع معها يمهرها لنفسه زوجه، وإن أبي أبوها يعطيه إياها يزن له فضة كمهر العذارى (¬2) ") (¬3). ثم يعلق على هذا النص قائلًا: (ألم يحسب كتبة التوراة حساب ضعاف النفوس؟ إنها بذلك تعطيهم تصريحًا بالفجور، فيمكن لرجل أن يدفع بناته وخصوصًا إن كن جميلات إلى الزنا ويقبض من زناهن؛ لأنه لن يرضي بتزويجهن لمن زنوا بهن ويأخذ في كل مرة فضة كمهر العذارى، وهكذا ويثرى الرجل ضعيف النفس ولم تقل لنا التوراة ما هي عقوبة مثل هذا الأب!، وبالنسبة للطرف الآخر الزاني .. فإن التوراة في صفه .. وخصوصًا إن كان غنيًا فيمكن لهذا الثري أن يزني كيفما شاء، مادام قادرًا على الدفع والتعويض) (¬4). عجيب حقًا لشريعة تبيح الفجور وليس ذلك فحسب بل وتعطي عليه أجرة. هذا إن دلّ على شىء فإنما يدلّ على أن الذي شرع هذا بشر وليس بشرًا سَوِيّا، إذ يقنن الفجور بقانون يدعى أنه قانون إلهى، وحاشا لله أن يشرع مثل هذا الانحراف. ¬

_ (¬1) التربية في التوراة: د/ الهاشهي ص 136، 137 والنص يقول: "إذا سكن اخوة معًا ومات واحد منهم وليسر له ابن فلا تصير امرأة الميت إلى خارج الرجل أجنبي أخو زوجها يدخل عليها ويتخذها لنفسه زوجه ويقوم لها بواجب أخي الزوج" (تثنية 25/ 5 - 6) واجب أخي الزوج نحو أرملة أخيه. (¬2) التوراة: د/ بدران ص 65. (¬3) خروج: (22/ 16، 17) حماية الأملاك. (¬4) التوراة: د/ بدران ص 65.

أ- تفتري التوراة النص التالي

ويضيف د/ عابد الهاشمى إلى ما سبق فيقول: على الرغم من مشروعية الزواج في التوراة والحض على العفة الجنسية، ورغم تبيين أحكام الحل والحرمة في العلاقات الزوجية إلا أنه مع ذلك فإن الناظر في التوراة يجد ما يناقض ذلك، فهناك نصوص كثيرة (¬1) تدعو إلى إباحة المرأة وإهدار كرامتها وإنسانيتها (¬2) وذكر أمثلة من التوراة هى: أ- تفتري التوراة النص التالي: " وشاخ الملك داود تقدم في الأيام وكانوا يدثرونه بالثياب فلم يدفأ فقال له عبيده: ليفتشوا لسيدنا الملك على فتاة عذراء فلتقف أمام الملك ولتكن له حاضنه ولتضطجع في حضنك فيدفأ سيدنا الملك ففتشوا على فتاة جميلة في تخوم إسرائيل فوجدوا "أبيشيج الشمونية (¬3) " فجاءوا بها إلى الملك، وكانت الفتاة جميلة جدًا وكانت حاضنة الملك وكانت تخدمه ولكن الملك لم يعرفها (¬4) ". ب- التوراة تبيح خطف النساء: فقد جاء في سفر القضاة ما يلي: (فقال شيوخ الجماعة ... وأوصوا بني بنيامين قائلين: امضوا واكمنوا في الكروم وانظروا فإذا خرجت "بنات شِيلُوة (¬5) " ليدرن في الرقص، فأخرجوا أنتم من الكروم، واخطفوا لأنفسكم كل واحد امرأته من بنات شيلوة، واذهبوا إلى أرض بنيامين (¬6) ...) (¬7). ج- التوراة تبيح- كذبًا على داود- اغتصاب الزوجات، فتدعي: أن وسيط داود انتزع زوجة من رجلها الذي كان يسعى وراءها ويبكى ويُطرد، لتكون زوجه لداود التي خطبها لنفسه وهي متزوجة بمائة غلفة من الفلسطينيين! أي بقتل مائة منهم، وقطع غلفهم من ذكورهم ليقدمها مهرًا لزوجته المغتصبة من زوجها، فكان الختان اليهودي الذي يمثل العهد القدس اليهودي مهرًا لامرأة حرام (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: سفر التكوين: (19/ 30 - 37) (لوط وابنتاه) وفيها قصة الزنى المفتراة على النبى لوط، وغير ذلك في مواضع أخرى. (¬2) التربية في التوراة د/ عابد الهاشمي ص 137، بتصرف يسير. (¬3) هي: المرأة التي اختيرت أمة لداود للعناية به، (قاموس الكتاب المقدس، ص 22). (¬4) ملوك الأول: (1/ 1 - 4) أدونيا يعلن نفسه ملكًا. (¬5) هي: مدينة شمالي بيت إيل في منتصف الطريق بين بيتين ونابلس، (قاموس الكتاب المقدس، ص 535). (¬6) هو: ابن يعقوب من امرأته راحيل، وكان أصغر أخوته وسمى بذلك لأنّ أباد دعاه بنيامين أي ابن يميني، (قاموس الكتاب المقدس، ص 192). (¬7) الإصحاح: (21/ 16، 20 - 22) زوجات للباقين من سبط بنيامين. (¬8) القصة الكاملة في سفر صموئيل الثاني: (3/ 14 - 17) أبنير ينضم لجيش داود.

د- تفتري التوراة على الرب أنه أباح انتهاك عرض نساء داود -عليه السلام- لأنه كما تكذب التوراة أخذ امرأة أوريا الحثي، يقول النص

د- تفتري التوراة على الرب أنه أباح انتهاك عرض نساء داود -عليه السلام- لأنه كما تكذب التوراة أخذ امرأة أوريا الحثي، يقول النص: " هكذا قال الرب: ها أنذا أقيم عليك الشر من بيتك وآخذ نسائك أمام عينيك وأعطيهن لقريبك، فيضطجع مع نسائك في عين هذه الشمس لأنك أنت فعلت بالسر، وأنا أفعل هذا الأمر قدام جميع إسرائيل وقدام الشمس (¬1) ". ثم يعلق على هذه النص منتقدًا ويقول: (فهذا دون شك مما أدخله كاتبو التوراة فيها وحرفوه خلافاً لتلك النصوص التي تؤكد على عفة المرأة، وتدعو إلى الزواج الكريم الذي يحفظ للمرأة عفافها واستقامتها (¬2)). زواج الأرملة (زوجة الأخ المتوفى) من أخيه: يذكر د/ بدران ما يتعلق هذه الأرملة وأنها لا بد وأن تتزوج من أخي زوجها ولا يحق لها أن تتزوج بغيره من خارج البيت فإن رفض ففي ذلك الذلة والمهانة، تقول التوراة: "إذا سكن إخوة ومات واحد منهم وليس له ابن فلا تصر امرأة الميت إلى خارج لرجل أجنبي .. أخو زوجها يدخل عليها ويتخذها لنفسه زوجة. ويقوم لها بواجب أخي الزوج. والبكر الذي تلده يقوم باسم أخيه الميت لئلا يمحى اسمه من إسرائيل (¬3). هذا تناقض واضح في الشريعة اليهودية ولأن هناك ما هو أهم حيث تقول التوراة مكملة للنص السابق: "وإن لم يرض الرجل أن يأخذ امرأة أخيه تصعد امرأة أخيه إلى الباب إلى الشيوخ وتقول: لقد أبي أخو زوجى أن يقيم لأخيه اسمًا في إسرائيل .. لم يشأ أن يقوم لي بواجب أخي الزوج. فيدعوه شيوخ مدينته ويتكلمون معه. فإن أصر وقال: لا أرضي أن أتخذها. تتقدم امرأة أخيه إليه أمام أعين الشيوخ وتخلع نعله من رجله وتبصق في وجهه وتصرخ وتقول: هكذا يُفعل بالرجل الذي لا يبني بيت أخيه فيدعي في إسرائيل بيت مخلوع النعل (¬4) ". ¬

_ (¬1) صموئيل الثاني: (12/ 11 - 12) ناثان يوبخ داود. (¬2) التربية في التوراة: ص 142. (¬3) تثنية: (25/ 5، 6) واجب أخي الزوخ نحو أرملة أخيه. (¬4) تثنية: (25/ 7 - 10) والتوراة د/ بدران ص 75.

* المرأة الأجنبية في الشريعة اليهودية

وفي نظرة د/ بدران النقدية يحلل هذا الموقف تحليلًا عقليًا لإظهار ما فيه من أمور غير أخلاقية وإهدار لكرامة المرأة فيقول: كيف يكون هذا العبث وحيًا إلهيًا؟ وهل الوحي الإلهي هذه الطريقة المنافية للأخلاق؟ أين حياء تلك المرأة؟ ألا تحمي الشريعة كرامتها؟ إن مثل هذا الرجل الذي يرفض الزواج من أرملة أخيه يكون أمام أحد أمرين: إما أن يتقيد بامرأة لا رغبة له فيها- خشية الفضيحة التي قد تسببها له- وهذا ضد الدين وضد كرامته وكرامتها، وإما التشنيع عليه من امرأة تجبرها شريعتها بجرأة، وبلا حياء (¬1). ثم يضيف إلى ذلك التحليل التالي: (1) إن مثل هذا الأمر يجعل الأخ - عندما يلعب الشيطان برأسه ويرغب في زوجة أخيه- متربصًا لأخيه .. ويود التخلص منه وإن لم يستطع يتمني له الموت. (2) إن كانت المرأة ترغب شقيق زوجها .. فهذا يجعلها تتصرف حتى تتخلص منه وعند الخلاص تحميها الشريعة (¬2). * المرأة الأجنبية في الشريعة اليهودية: انتقد علماء المسلمين التشريعات اليهودية الخاصة بالمرأة غير اليهودية الواردة في التوراة على النحو التالي: أ- زواجها: ذكر د/ عابد الهاشمى موقفًا يدلّ على أن المرأة غير اليهودية إذا أرادت أن تتزوج بيهودي عليها أن تذل نفسها حتى تصل إلى ما تريد فيقول: "إن المرأة إذا لم تكن يهودية. ورغبت بالزواج من أحد اليهود، فعليها إذلال نفسها، وإطراحها مضطجعة عند رجليه حتى الصباح كما فعلت راعوث الموآبية مع بوعز (¬3) واستجدته أن يتزوجها وقد وافق على زواجها بهذه الطريقة المهينة (¬4). ب- إذا وقعت في الأسر: ويذكر د/ المطعني كيف أن التوراة تهين المرأة الأجنبية إذا وقعت في الأسر واستدل على ذلك بالنص التالي: "وإذا خرجت لمحاربة أعدائك ودفعهم إلهك إلى يدك وسبيت منهم سبيًا ورأيت في السبي امرأة جميلة الصورة والتصقت بها واتخذتها لك زوجة فحين تدخلها إلى بيتك تحلق رأسها وتقلم أظافرها وتنزع ثياب سبيها عنها وتقعد في بيتك وتبكي أباها وأمها شهرًا من الزمان ثم بعد ذلك تدخل عليها وتتزوج بها فتكون لك زوجة (¬5). ¬

_ (¬1) التوراة د/ بدران ص 75، بتصرف يسير، والتربية في التوراة، ص 141، 142، بتصرف يسير. (¬2) المرجع السابق ص 75. (¬3) هو: رجل من نسل يهوذا، وأحد أسلاف ملوك يهوذا، (قاموس الكتاب المقدس، ص 195). (¬4) انظر: راعوث (3، 4)، راعوث وبوعز في البيدر، بوعز يتزوج من راعوث، التربية في التوراة، ص 137. (¬5) تثنية: (21/ 10 - 13) الزواج من أمرأة أسيرة، الإِسلام: د/ المطعني، ص 229.

التقويم

وينتقد د/ المطعني هذا النص قائلًا تحت عنوان مُثْلةُ وطقوسُ غير مفهومة: (إن في هذا النص التشريعي المقدس مثلة بالمرأة الغريبة- غير اليهودية- إذا ساقها القدر فوقعت أسيرة في أيدي اليهود، لماذا تحلق المرأة شعر رأسها؟ أليس المقصود من ذلك إذلالها طبعًا؟ وإذا تجاوزنا شناعة هذا التمثيل بالأجنبيات فما معني أن تبكى المرأة أباها وأمها شهرًا من الزمن قبل أن تكون زوجة لمن أسرها وما الحكم إذا لم تساعدها عيناها على البكاء؟ (¬1). التقويم: للدكتور / الهاشمى نظرة تقويمية فيما يتصل بفرصة المرأة في اختيار زوجها فيقول منتقدًا ما تقرره التوراة في حق المرأة: (إن الزوجة لا تملك الحرية الكاملة في اختيار زوجها، فإذا وجدت نصوصًا في التوراة تعطيها هذا الحق، فإن التقييد يلاحقه، وهذا يدلّ على تشدد التوراة الحالية مع المرأة وحرمانها من بعض حقوقها الطبيعية، أما الإِسلام فقد أعطي المرأة من الحقوق ما كفل لها حريتها وكرامتها ومن ذلك حق اختيار الزوج ... وقد أمر الإِسلام باستئذان المرأة في الزواج ثيبًا كانت أو بكرًا ففى الحديث: "لا تنكح الأيم- الثيّب- حتى تُستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا يا رسول الله وكيف إذنها قال: أن تسكت (¬2) ") (¬3). وخلاصة ما سبق: أن النصوص التوراتية التي تحمل بعض التشريعات المتعلقة بالمرأة تنص على: 1 - ضياع حقوق المرأة وظلمها. 2 - إجبارها على الزواج ممن لا ترغب في الارتباط به. 3 - تناقض التوراة في إعطائها حق الاختيار في موضع ثم هى تقيد هذا الحق وتجبرها في موضع آخر. 4 - إباحة المرأة دون مراعاة لمشاعرها الإنسانية. 5 - إذلال المرأة غير اليهودية وإهانتها إذا وقعت في الأسر. وهذه الأمور كلها ضد كرامة المرأة وإنسانيتها، والملاحظ أن المرأة في التوراة تعتبر محور ارتكاز تدور حوله أحداثها. ¬

_ (¬1) الإِسلام في مواجهة الاستشراق العالمى، د/ المطعني ص 229، 230، مرجع سابق. (¬2) أخرجه الإمام مسلم: في كتاب النكاح باب استئذان الثيّب في النكاح والبكر في السكوت 2/ 1036،حديث رقم (1419). (¬3) انظر: التربية في التوراة، د/ الهاشمى، ص 141، 142، بتصرف بالحذف.

المبحث الرابع نقد الجرائم والعقوبات في العهد القديم

المبحث الرابع نقد الجرائم والعقوبات في العهد القديم تمهيد: رصد علماؤنا الأجلاء بعض الجرائم التي ورد ذكرها في نصوص العهد القديم ووقفوا معها وقفة فاحصة مبينين مقدار ما قررته تلك النصوص من عقوبات على هذه الجرائم، وإذا كان الخروج على أحكام الشريعة في العهد القديم له عقابه الذي قد يصل إلى حدّ القسوة فإن المغالاة في العقاب لدرجة لا يرضاها عقل ولا دين قد صبغت معظم النصوص التشريعية في هذا الجانب ما بين جرائم قتل وإبادة على يد الرسل والأنبياء كما تدعي التوراة وبين قسوة ووحشية فلا رحمة ولا عدل حتى بالنساء والأطفال والشيوخ. وقد انتقد العلماء هذه التشريعات كلها، ويمكن حصر ما انتقدوه تحت العناوين التالية: 1 - ارتكاب الجرائم والخروج على أحكام الشريعة. 2 - أنواع العقوبات. أ- عقوبات مادية. ب- عقوبات معنوية.

1 - ارتكاب الجرائم والخروج علي أحكام الشريعة

1 - ارتكاب الجرائم والخروج علي أحكام الشريعة: وإذا افترض فرضًا جدليًا بسلامة الشريعة في العهد القديم فهل التزموا بها أم أنهم خرجوا عليها؟ يقول د/ كامل سعفان: (إن التوراة تعرض حالات كثيرة وصور العقاب عليها تميل إلى العدل الرادع الذي قد يصل إلى حدّ القسوة لكن مع هذا، فإن أحداث إسرائيل الواردة في التوراة، كثيرًا ما تخرج على ما ورد في الشريعة فإن كان كل إنسان بخطيئته يقتل (¬1). فماذا حدث لداود وقد قتل أوريا الحثى حتى يظفر بزوجته؟ وكيف قتل أبشالوم بن داود أخاه أمنون، ويكون للملك حق العفو عن القاتل (¬2)؟، ثم كيف تقول الشريعة: "لا يقتل الآباء عن الأبناء، ولا يقتل الأولاد عن الآباء (¬3) " أو يقول الرب: "أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء، في الجيل الثالث والرابع من مبغضي (¬4) ". وتاريخ بني إسرائيل حافل بالقتل الجماعى، رجالًا ونساءً وأطفالًا وبهائم وكل نسمة حية، إذا حمى غضب الرب، أو حمي غضب نبي من أنبيائه، أو قائد من قادته) (¬5). ويقرر د/ بدران هذه الحقيقة البشعة من أن التوراة صورت الأنبياء خارجين عن المهمة الأساسية التي أرسلوا من أجلها فبدلًا من أن يكونوا سببًا في هداية الناس كانوا أداة في تشريدهم وإبادتهم- كما يزعمون- فيقول: (يرسل الله أنبيائه الأطهار ليطهر بهم الأرض ويملؤها بهم عدلًا ورحمة ويطرد بهم الظلمة ليحل مكانها النور، ويهدي بهم أهل الأرض، لم يرسلهم ليقتلونهم ويقتلوهم ولكن للتوراة وكتبتها رأى آخر ويرون غير ذلك تمامًا، فتبيح الدم والعرض، دم الأطفال والشيوخ والعجزة، وعرض الأطفال والنساء وتروى قصصًا يقولون أنها حدثت على يد أنبياء الله قصص لا يجرؤ على فعل مثل أحداثها سوى مجرمي الحروب، يقولون عنها أن الله هو الذي دبر أحداثها، أي إله هذا؟، وأي ديانة تلك) (¬6). ثم استدل على ما قاله بما جاء في سفر التثنية من أن الله خاطب موسى بقوله: "حين تَقْرُب من مدينة لكي تحاربها استدعها للصلح فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك" (¬7). ¬

_ (¬1) تثنية: (24/ 16) بدون. (¬2) صموئيل الثاني: (11/ 14) داود وبتشيع. (¬3) تثنية: (24/ 16) بدون. (¬4) خروج: (20/ 5) الوصايا العشر. (¬5) اليهود تاريخًا وعقيدة، ص 252. (¬6) التوراة: د/ بدران، ص 72. (¬7) الإصحاح: (20/ 10 - 11) الخروج للحرب.

نقد العقوبات في العهد القديم

وينتقد هذا النص بقوله: "هل إله إسرائيل بهذه القسوة والوحشية ولكن صبرًا، فهذا قليل من كثير، حيث يأمر (إله إسرائيل) نبيه بأشياء أكثر قسوة وعنفًا فيقول: "وإن لم تسالمك بل عملت معك حربًا فحاصرها وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاها الرب إلهك. هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدًا أما مدن هؤلاء الشعوب القريبة منك التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا فلا تستبق منها نسمة" (¬1). ويعلق على ذلك بقوله: شريعة وحشية تقشعر لها الأبدان وترتجف منها الأطراف وتشيب لها الولدان ليس فيها من الرحمة أو العدل شيئًا شريعة يرفضها كل إنسان متحضر (¬2). نقد العقوبات في العهد القديم: لقد رصد كل من د/ بدران، د/ كامل سعفان، د/ المطعني، مواضع متعددة في التوراة تبيّن مقدار العقوبات التي تطبق على المرتكبين للجرائم سواء أكانت جرائم قتل أو زنا أو سرمة ووقف كل واحد منهم مع ما استدل به من نصوص لبيان ما فيها من اعتدال أو تطرف في الشريعة اليهودية، وبعد الاطلاع على ما كتبوه حول هذا الموضوع يمكن تقسيم هذه العقوبات من خلال نقدهم إلى: 1 - العقوبات المادية. 2 - العقوبات المعنوية. أولًا: العقوبات المادية: يقول د/ كامل سعفان: قدمت التوراة صورًا من العقوبات المادية، يمكن أن تكون وسيلة إلى حماية الحقوق: "إذا رعي الإنسان حقلًا أو كرمًا، وسرح مواشيه، فرعت في حقل غيره، فمن أجود حقله يعوض" (¬3)، "إذا خرجت نار وأصابت شوكًا، فاحترقت أكداس زرع أو حقل، فالذي أوقد الوقيد يعوص" (¬4)، إذا أعطي إنسان صاحبه فضة أو أمتعة للحفاظ، فسرقت من بيت الإنسان فإن وجد السارق يعوض باثنين، وإن لم يوجد السارق يقدم صاحب البيت إلى الله ليحكم، هل لم يمد يده إلى ملك صاحبه" (¬5)، "وإذا استعار إنسان من صاحبه شيئًا فانكسر، أو مات صاحبه وليس معه يعوض وإن كان صاحبه معه لا يعوض" (¬6). ¬

_ (¬1) التثنية: (20/ 12 - 17) السابق، انظر: التوراة د/ بدران، ص 73. (¬2) التوراة: د/ بدران، ص 73. (¬3) خروج: (22/ 5) حماية الأملاك. (¬4) خروج: (22/ 6) السابق. (¬5) خروج: (22/ 7 - 8) السابق. (¬6) خروج: (22/ 14 - 15) السابق.

عقوبة القتل الخطأ

ثم يعقب د/ كامل سعفان، على هذه النصوص منتقدًا لهذه العقوبات فيقول: يؤخذ على هذه العقوبات وغيرها الكثير، أنها تتحدث عن التعويض دون بيان ما إذا كان المعتدي لا يملك ما يعوض به، كما أن التعويض لا يلتزم بقاعدة مطردة، فهو تارة بالمثل، وتارة الضعف، وقد يصل إلى خمسة أضعاف، مع أن (التكييف القانوني) متشابه إلا أن الأحكام ترتبط بحالات معينة، لا بكل الحالات (¬1). وفي حديثه عن جريمة القتل يقول: الأصل فيها: "ولا تقتل البريء والبار" (¬2) وإذا حدث العدوان "فلا تشفق عينك، نفس بنفس، عين بعين، سن بسن، يد بيد، رِجْل برجل" (¬3)، "كل من قتل نفسًا فعلي فم شهود يقتل القاتل، وشاهد واحد لا يشهد على نفس للموت ولا تأخذوا فدية عن نفس القاتل المذنب للموت بل إنه يقتل" (¬4). ثم يعلق على ذلك بقله حكم صارم لا يشوبه إلا أن "ولي الدم يقتل القاتل حين يصادفه" (¬5) مما يساعد على مزيد من القتلى، لأنه يأخذ بطابع الثأر، لا عدالة القصاص وإن كنا نجد في (خروج) أن الكهنة هم الذين يتولون القصاص: "فمن عند مذبحي تأخذه للموت" (¬6) فتبعة التغيير تقع على أولئك الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، دون إدراك لقداسة الكلمة (¬7). عقوبة القتل الخطأ: يستدل د/ كامل بالنص التالي: (إن دفعه بغتة، بلا عداوة، أو ألقي عليه أداة ما دون تعمد، أو حجرًا ما مما يقتل به بلا رؤية أسقطه عليه فمات، وهو ليس عدوًا له، ولا طالبًا أذيته، تقضي الجماعة بين القاتل وولي الدم، وتنقذ الجماعة من ولى الدم، وترده الجماعة إلى مدينة ملجئه التي هرب إليها، فيقيم هناك إلى موت الكاهن العظيم الذي مسح بالدهن المقدس ولكن إن وجده ولى الدم خارج حدود مدينة ملجئه، وقتل ولى الدم القاتل فليس له دم) (¬8). ¬

_ (¬1) اليهود تاريخًا وعقيدة ص 251 وتفصيل ذلك في خروج الإصحاح الثاني والعشرون كله. (¬2) خروج: (23/ 7) أحكام العدل والرحمة. (¬3) تثنية:: (19/ 21) الشهود. (¬4) عدد: (35/ 29 - 32) مدن الملجأ. (¬5) عدد:: (35/ 21) السابق. (¬6) خروخ: (21/ 14) الضرر بالأشخاص. (¬7) اليهود تاريخًا وعقيدة ص 251،252. (¬8) عدد (35/ 22 - 27) مدن الملجأ.

ثانيا: العقوبات المعنوية

ثم ينتقد النص السابق بقوله: (من هنا اختلط العدل بالجور فقضاء الجماعة بين القاتل خطأ وولي الدم قد يصل إلى دية مرضية، وإبعاد القاتل علاج نفسي يدعمه الحزن العظيم على الكاهن العظيم، أما أن يلتقى ولي الدم بعد ذلك بالقاتل فيقتله، دون عقاب فأمر ليس من العدالة في شىء وبخاصة أن من السهل تحقيق هذا اللقاء) (¬1). ثانيًا: العقوبات المعنوية: ذكر د/ المطعني بعض الفئات في التوراة قد أصدرت عليهم عقوبة معنوية ولكنها عقوبة في غير محلها، وهذه العقوبة هي الحرمان الأبدي من الدخول في جماعة الرب وهذه الفئات كالتالي: أ- المخصي والمجبوب: واستدل على هذا النوع بالنص التوراتي الذي يقول: "لا يدخل مخصي بالرض أو مجبوب في جماعة الرب" (¬2). وينتقد ذلك د/ المطعني قائلًا: (حرمان أبدي .. ولماذا؟ المقصود من جماعة الرب هم المؤمنون، والإيمان لا علاقة له بالأمراض العضوية مهما كان نوعها، يكفى أن يكون لدي الإنسان فطرة سليمة، وقلب طاهر، وعقل مدرك فيصدق بكلمات الله ورسله وكتبه ووعده ووعيده، ويعمل بشريعته فيكون مؤمنًا ويحق له الدخول في جماعة الرب، ولكن التوراة تضع أمام إيمان المؤمنين عقبة كؤودًا فبعض المرضي كالخصي والمجبوب لا يدخلون أبدًا في حظيرة الإيمان ولماذا؟ لأنهم مجبوبون أو مخصيون؟!) (¬3). ب- ولد الزنا: واستدل بالنص التوراتي الذي يقول: "لا يدخل ابن زني في جماعة الرب حتى الجيل العاشر، لا يدخل منه أحد في جماعة الرب" (¬4). ثم ينتقده بقوله: (وأبناء الزنى ما هو ذنبهم الذي جنوه حتى يطردوا من حظيرة الإيمان؟ إن الجاني الحقيقى هنا هو الأب الزاتي والأم الزانية، لا من وُلد عن هذه العلاقة المحرمة فكان من الأولي ألا يدخل الزناة آباءً وأمهات في جماعة الرب) (¬5). ¬

_ (¬1) اليهود تاريخًا وعقيدة، ص 252. (¬2) تثنية: (23/ 1) المحظور انضمامهم إلى جماعة. الرب. (¬3) الإِسلام د/ المطعني، ص 230. (¬4) تثنية: (23/ 2، 3) السابق. (¬5) الإِسلام د/ المطعني، ص 230.

ج- "المؤابي" و"العموني"

ج- "المؤابي" (¬1) و"العموني" (¬2): واستدل على عدم دخولهم جماعة الرب بالنص التوراتي القائل: "لا يدخل عموني ولا مؤابي في جماعة الرب إلى الأبد من أجل أنهم لم يلاقوكم بالخبز والماء في الطريق عند خروجكم من مصر" (¬3). ثم ينتقد هذا النص بقوله: (ولا علاقة أيضًا للإيمان بالجنس أو اللون أو العنصر فكل الناس صالحون لأنّ يكونوا مؤمنين إذا توافرت لهم أسباب الإيمان، ولكن التوراة تقضى هنا بأن العمونيين والمؤابيين لا يدخلون في جماعة الرب إلى الأبد لماذا؟ لأنهم لم يقدموا لبني إسرائيل الطعام والماء حين خروجهم من مصر) (¬4). د- الأبرص والذي به جرح يسيل دمًا أو قيحًا: قدم د/ المطعني للنص الذي استدل به بقوله: "لأنه هذه الأمراض يصبح المريض نجسًا فيطرد من المدينة المقدسة وفي هذا يقول سفر اللاويين: "فهو إنسان أبرص إنه نجس، فيحكم الكاهن بنجاسته إن ضربته في رأسه والأبرص الذي فيه الضربة تكون ثيابه مشقوقة، ورأسه يكون مكشوفًا ويغطي شاربيه، وينادي نجس، نجس، كل الأيام التي تكون الضربة فيه يكون نجسًا إنه نجس، يقيم وحده، خارج المحلة يكون مقامه" (¬5). وينتقد د/ المطعني قائلًا: (ما ذنبه؟ مسكين والله! ما ذنب المريض ببرص أو غير برص حتى يستوجب اللعنة والطرد من جماعة الطهارة، ويا لشقاء الإنسان تحت وطأة الكهان، والمريض في حاجة إلى مواساة، تخفف عليه مرضه لا أن يُضاعف عليه الإحساس بالألم فنصدر حكمًا باسم الوحى بأنّه ملعون ومطرود) (¬6). ¬

_ (¬1) هو: بكر ابنة لوط من أبيها هو أبو المؤابيين (قاموس الكتاب المقدس 927). (¬2) هو: نسل ابن عمى ابن لوط الذي ولد في مجاورة صوغر، وانتشرت ذريته في الشمال وسكنت جبال جلعاد بين نهري أنون ويبوق، وعَمّى .. اسم عبري معناه" شبعي" هو ما أمر به هوشع اليهود أن ينادوا اخوتهم به، للدلالة على أنهم لا يزالون شعب الله (هوشع 2/ 1) بعد أن سبق له أن سمى ابنه لو عمى أي ليس شعبي (هوشع 1/ 9) (قاموس الكتاب المقدس، ص 640). (¬3) تثنية: (23/ 4) المحظور انضمامهم إلى جماعة الرب. (¬4) الإِسلام: د/ المطعني، ص 231. (¬5) الإصحاح: (13/ 44 - 46) فرائض الأمراض الجلدية المعدية. (¬6) الإِسلام: د/ المطعني، ص 232.

وخلاصة هذا البحث

وخلاصة هذا البحث: 1 - أن الجرائم والعقوبات عليها في العهد القديم فيها من التعارض والتناقض ما فيها، ففى الوقت الذي ينهى فيه العهد القديم عن قتل الأبرياء والبررة، توجد نصوص أخرى تؤكد حدوث مجازر وحشية راح ضحيتها أطفال ونساء وشيوخ لا ذنب لهم، ولم يرتكبوا جريمة يستحقوا عليها ذلك سوى أنهم من أهل كنعان. حدث ذلك في البلاد التى لم تدخل مع بني إسرائيل في صلح؛ بل حاربتهم ووقفت في وجههم؛ لأنهم معتدون، حتى أولئك الذين لم يحاربوا بني إسرائيل وعقدوا معهم صلحًا لم يسلموا من تسلطهم وقهرهم، وكان الأمر في التشريع اليهودي بتسخيرهم واستعبادهم إلى الأبد، هذا عن العقوبات المادية. 2 - أما عن العقوبات المعنوية، يدعي كتبة العهد القديم أن جماعة الرب المقصود بها "بني إسرائيل" هم المؤمنون وحدهم، وبالتالي قصروا هذا اللفظ على أنفسهم؛ بل قد استبعدوا منهم المخصي والمجبوب وولد الزنا والأبرص والعموني والموآبي، كل هؤلاء في نظر الشريعة اليهودية لا يجب أن يدخلوا ضمن جماعة الرب، وفي هذا من الظلم والطغيان ما فيه.

البحث الخامس نقد التشريعات الخاصة بغير اليهود

البحث الخامس نقد التشريعات الخاصة بغير اليهود تمهيد: اجتهد علماء المسلمين- فترة البحث- في نقد التشريعات التي تتعلق بغير اليهود والتي يسميها البعض منهم شريعة الأغيار في العهد القديم، وأكد العلماء بنظرتهم النقدية للنصوص التوراتية- أكدوا تمكن النزعة العنصرية في الشريعة اليهودية- وهي من الثوابت التى يرتكز عليها الفكر اليهودي في الماضي والحاضر، واعتقاد بني إسرائيل بأنهم شعب الله المختار، جعلهم يتصورون أنهم فوق البشر، وأن جميع البشر خُلقوا لخدمتهم فهم السادة وغيرهم عبيد عندهم ولكن يتضاءل هذا التصور ويتلاشى عندما يتبين أن الخلفية الدينية التي تكمن وراءه مستمدة من نصوص محرفة، وأن هذه الخلفية خلفية مزيفة لا أصل لها ولا يخفي أبدًا أن السر وراء ذلك كله هو الحقد والحسد الذي يحمله هؤلاء- بني إسرائيل- لغيرهم. وفي هذا الموضوع يربط علماء المسلمين بين النص والواقع الذي يعيشه اليهود في العالم وعلى وجه الخصوص في فلسطين. وبقراءتهم لهذا الواقع جيدًا وتتبعهم لتلك النزعة العنصرية في أسفار العهد القديم وأنه لا يخلو سفر من الأسفار إلا وقد تشبع بالعنصرية المفرطة، كل ذلك مكنهم من دحض الفرية المزعومة وهي أنهم شعب الله المختار. ولذلك أصاب د/ على عبد الواحد وافي، عندما رصد أنهم مظاهر الانحراف في الشريعة اليهودية فقال: (إنها تقوم على التفرقة العنصرية، وذلك أنها تجعل اليهود شعب الله المختار الذي اصطفاه وفضله على العالمين وتنظر إلى ما عداه من الشعوب نظرتها إلى شعوب وضيعة في سلم الإنسانية، وتضع قوانينها ونظمها على هذا الأساس، فتفرق بين هؤلاء وأولئك أمام القانون وفي كثير من شئون الاجتماع) (¬1)، واستدل على ما قاله بالأمثلة التالية والتي أيده فيها كثير من العلماء من هذه الأمثلة ما يلي: 1 - غزو الشعوب والاستيلاء عليها واستعبادها. 2 - استرقاق الغير إلى الأبد وخاصة شعب كنعان. 3 - إباحة التعاملات الربوية مع غير الإسرائيلي. 4 - الرفع من شأن اليهودي والحط من شأن غيره. 5 - الطرد والإبادة لمن لا يطيعهم. 6 - سيطرة النزعة العنصرية على أسفار العهد القديم. ¬

_ (¬1) اليهودية واليهود: د/ على عبد الواحد وافي، ص 53، ط، دار نهضة مصر للطبع والنشر، بدون.

أولا: غزو الشعوب والاستيلاء عليها واستعبادها

أولًا: غزو الشعوب والاستيلاء عليها واستعبادها: ينتقد د/ وافى، هذه الفكرة- الغزو والاستيلاء دون وجه حق- فيقول: (إن الإسرائيليين محرم عليهم في هذه الشريعة أن يقتل بعضهم بعضًا، أو أن يخرج بعضهم بعضًا من ديارهم، على حين أنه مباح للإسرائيليين بل واجب عليهم غزو الشعوب الأخرى وخاصة شعب كنعان- فلسطين- وواجب عليهم بعد انتصارهم على بلد ما أن يضربوا رقاب جميع رجالها البالغين بحد السيف فلا يبقوا على أحد منهم ويسترقوا جميع نسائها وأطفالها ويستولوا على جميع ما فيها من مال وعقار ومتاع أو ينهبوه حمسب تعبير أسفارهم) (¬1). ويؤكد هذه النظرة د/ الهاشمي في نقده لتلك النصوص التي تحض على التميز والعنصرية فيقول: (يعتقد اليهود- استنادًا إلى دعوى التفوق والأفضلية- أنهم يملكون الحق في التسلط على غير اليهود، قهرًا لهم واسترقاقًا والنصوص التوراتية التي تؤكد على ذلك كثيرة منها: ما جاء في سفر أشعياء: "وبنو الغريب يبنون أسوارك وملوكهم يخدمونك" (¬2). ومن يرفض الخضوع لهم فجزاؤه القتل والدمار: "لأنّ الأمهَ والمملكة التي لا تخدمك تُبيد، وخرابًا تخرب الأمم" (¬3) ويستبيح اليهود استرقاق غيرهم في غير ظروف الحرب: "حين تقرب من مدينة لكي تحاربها، استدعها إلى الصلح، فإن أجابتك إلى الصلح، وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك" (¬4) إذًا فالاسترقاق يكون أصلًا لمن استسلم لهم من خصومهم فضلًا عمن قاومهم وقاتلهم) (¬5). ويذكر د/ الهاشمي نصًا آخر يؤكد أنه لا تحرير لهذه العبودية التي يدعيها العهد القديم فغير اليهود عبيد تحت أيديهم إلى الأبد ولا شىء يمحو هذه العبودية. والنص يقول: "أما عبيدك وإماؤك الذين يكونون لك فمن الشعوب الذين حولكم، منهم تقتلون عبيدًا وإماءً، وأيضًا من أبناء المستوطنين النازلين عندكم فمنهم في أرضكم فيكونون ملكًا لكم، وتملكونهم لأبنائكم من بعدكم ميراث ملك تستعبدونهم إلى الدهر" (¬6) فلا تحرير للعبيد في شريعة اليهود (¬7). ¬

_ (¬1) اليهودية واليهود: د/ وافي، ص 53، وهذا المعني في سفر التثنية: (20/ 13 - 14) الخروج للحرب. (¬2) الإصحاح: (60/ 10) إشراق مجد الله. (¬3) أشعياء: (60/ 12) السابق. (¬4) تثنية: (10/ 20 - 12) الخروج للحرب. (¬5) التربية في التوراة د/ الهاشمي، ص 148. (¬6) لاويين: (25/ 44 - 47) سنة اليوبيل. (¬7) التربية في التوراة: د/ الهاشمي، ص 148.

ثانيا: استرقاق الغير إلى الأبد وخاصة شعب كنعان

وينتقد د/ المطعني هذا النص متسائلًا في وقفته المتأنية التي تؤكد عمق نظرته النقدية لهذه القضية فيقول: كيف يتخذ اليهودي عبيدًا وإماءً من الذكور والإنات وفتوى التوراة في هذا الموضوع تقول: إن مصدر الاستعباد الوحيد لليهود هو الشعوب المجاورة لهم أو بعبارة أوضح: كل الشعوب غير اليهود يصلحون أن يكونوا عبيدًا لليهود رجالهم وأطفالهم ونساءهم، وكذلك من نزح إلى ديار بني إسرائيل من هذه الشعوب وعاشوا بينهم على اليهود أن يتخذوا منهم ومن ذرياتهم الذين ولدوا بينهم عبيدًا وإمًاء يملكونهم مدى الحياة، ثم تنقل ملكيتهم إلى أبناء اليهود ومن بعدهم فيكونون لهم عبيدًا أبد الدهر، أما استعباد اليهودي ليهودي آخر فحرام حرام وفي هذا تقدم التوراة المقدسة هذا القرار الصارم: "وأما إخوانكم بنو إسرائيل فلا يتسلط إنسان على أخيه بعنف" (¬1). ثانيًا: استرقاق الغير إلى الأبد وخاصة شعب كنعان: يؤكد د/ وافى، هذه النزعة ويشير إلى تمكنها وتأصلها في الفكر الإسرائيلي بنًاء على نصوص توراتية فيقول: إن الإسرائيلي إذا باع نفسه بيعًا اختياريًا لاُخيه الإسرائيلى في حالة عوزه وحاجته إلى المال فإن رقه يكون موقوتًا بأجل يرجع بعده إلى الحرية على حين أن الرق المضروب على غير الإسرائيلى يظل قائمًا أبد الآبدين؛ بل إن أسفارهم لتقرر أن شعب كنعان قد كُتب عليه في الأزل أن يكون رقيقًا لبني إسرائيل وأنه لا ينبغى لأفراد هذا الشعب وظيفة ما في الحياة غير هذه الوظيفة، وهذا الوضع الذي فُرض عليهم بسبب دعوة دعاها نوح على كنعان (¬2). ثالثًا: إباحة التعاملات الربوية مع غير الإسرائيلي: يشير د/ وافى إلى وجود الانحراف في المعاملات من قبل اليهود وأنهم يفرقون في التعامل بينهم وبين غيرهم من الأمم الأخرى فيقول: ما كان يجوز للإسرائيلى أن يتعامل بالربا مع أخيه الإسرائيلى ولا أن يأخذ منه رهنًا بدينه، وإذا أخذ منه في الصباح رهنًا من المتاع الذي لا يستغني عنه في حياته اليومية كالرحى التي يطحن عليها قوته وجب أن يرده إليه في المساء، أما غير الإسرائيلي فمباح للإسرائيلى أن يمتصه ويتعامل معه بأشنع أنواع الربا الفاحش (¬3). ¬

_ (¬1) الإِسلام في مواجهة الاستشراق، ص 225. (¬2) انظر: اليهودية واليهود د/ وافي، ص 53 - 55 باختصار، وانظر: لاويين: (25/ 29)، تثنية: (15/ 12). (¬3) انظر: المرجع السابق، نفس الصفحات، وانظر: تثنية: (25/ 35)، (23/ 20).

وكذلك يؤكد د/ بدران أن إباحة الربا مع غير اليهود وتحريمه فيما بينهم من أبرز القضايا التي تؤكد معني العنصرية في نصوص العهد القديم فيقول: جاء في سفر التثنية أمر لإله إسرائيل في غاية الغرابة، أمر لا يأمر به إلا كهنة معابد الأصنام، حيث يأمر إله إسرائيل موساهم بأنّه إذا أقرض الإسرائيلي إسرائيليًا قرضًا فلا يكون بربا أما إذا كان القرض لأحد غير بني إسرائيل (الأمميين) فيكون القرض بربا حسب النص الذي يقول: "ولا تقرض أخاك بربا فضة أو ربا طعام أو ربا شىء ما مما يقرض بربا. للأجنبي تقرض بربا ولكن لأخيك لا تقرض بربا لكي يباركك الرب إلهك في كل ما تمتد إليه يدك في الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها (¬1). ثم ينتقد د/ بدران بقوله: إن شيئًا مثل هذا ينفر البشر من شريعتهم هذه ... لأنها ليست شريعة الله أبدًا، فشريعة الله لا تفرق بين عربي وأعجمى، ولا بين أحمر ولا أبيض ولا بين أبيض ولا أسود ولكن ما يفرق بينهم هو التقوى والعمل الصالح (¬2). أما د/ المطعني في نقده لهذه التعاملات الربوية التي تزكى الروح العنصرية عند اليهود وتقويها فيقول: الحلال حلال، والحرام حرام ولا عبرة بحال الشخص المعامل بهما ... بصرف النظر عن عقيدته وجنسه، ولكن التوراة تهدر تلك القيمة التشريعية من حساباتها وتبيح من حرمات الأجنبي -غير اليهودي- ما تجزم بحرمته بالنسبة لليهودي، وقد جعلت التوراة إقراض الأجنبي بربا إحدى دعامتين تستوجبان البركة من الرب الإله، والدعامة الثانية: هي أن يتلطف اليهودي مع أخيه اليهودي فيقرضه قرضًا حسنًا لا ربا فيه (¬3). وعلى ذلك: فإن ما قدمه العلماء من رؤى نقدية متنوعة حول قضية الربا في التشريع اليهودي يؤكد أن النصوص التوراتية في هذا الجانب هي الخلفية الدينية المحرفة إلى تكمن وراء تكديس الثروات في اليهودية، ووراء سيطرة اليهود على الاقتصاد العالمي في الوقت الحاضر، وأن امتلاكهم لأسباب القوة المادية مرجعيته لهذه التعاملات الربوية. ¬

_ (¬1) التوراة: د/ بدران ص 76، وانظر: تثنية (23/ 19 - 20)، اليهودية واليهود: د/ وافي، (53 - 55). (¬2) انظر: التوراة د/ بدران ص، 76 بتصرف بالحذف. (¬3) انظر: الإِسلام في مواجهة الاستشراق، د/ المطعني ص 233 باختصار بالحذف.

رابعا: الرفع من شأن اليهودي والحط من شأن غيره

رابعًا: الرفع من شأن اليهودي والحط من شأن غيره: تأتي هذه القضية مكملة لغيرها من القضايا ذات النزعة العنصرية عند بني إسرائيل والتي تسيطر على أسفار العهد القديم ولذلك ذكر د/ المطعني في كتابه "الإِسلام" نصوصًا تؤكد أن العهد القديم يرفع من شأن اليهودي ويصفه بالطهر أما غير اليهودي فهو نجس لا يأكل طعامهم حتى لا ينجسه، واستدل على ذلك بما جاء في سفر اللاويين: "وكل أجنبي لا يأكل قدسًا نزيل كاهن وأجيره لا يأكلون قدسًا ... وإذا صارت ابنة كاهن لرجل أجنبي لا تأكل من رفيعة الأقداس، وأما ابنة كاهن قد صارت أرملة أو مطلقة ولم يكن لها نسل ورجعت إلى بيت أبيها كما في صباها فتأكل طعام أبيها لكن كل أجنبي لا يأكل منه" (¬1). وكان للدكتور / المطعني، هنا وقفة مع هذا النص يبرز ما فيه من معانٍ مخالفة وهي رؤية تحليلية نقدية جيدة فيقول: (المراد من الأجنبي هنا هو غير اليهودي وكذلك نزيل الكاهن وأجيره من غير اليهود، وحكم هذا الأجنبي أنه لا يأكل طعام كاهن اليهود؛ لأنّ الأجنبي نجس، وأكله من طعام الكاهن ينجس الطعام لا لشىء إلا لأنه غير يهودي وتسرى هذه النجاسة من الأجنبي إلى بنت الكاهن إذا تزوجت من الأجنبى، وهي مادامت زوجة للأجنبي لا تأكل من طعام أبيها حتى لا تنجسه، ولكن إذا مات الأجنبي زوج ابنة الكاهن أو طلقها وعادت إلى بيت أبيها فإنها تأكل من طعامه ولكن بشرط مهم وهو ألا تكون قد أنجبت من ذلك الأجنبي، أما إذا كانت قد أنجبت فإنها لا تأكل؛ لأن نجاستها قد صارت أبدية والسبب أنها تزوجت وأنجبت من أجنبي غير يهودي) (¬2). ويضيف د/ الهاشمي أنه بسبب الاعتقاد السابق -وهو نجاسة غير اليهودي- فالتوراة تمنع غير اليهودي من دخول المعابد اليهودية حتى لا ينجسها فيقول: (تأمر التوراة اليهود بعدم السماح لغير اليهود بدخول أماكن عبادتهم ذلك لأنهم بعقيدة التوراة- ينجسون دور عبادتهم والنص يقول: "ابن الغريب أغلف القلب وأغلف اللحم، لا يدخل مقدس من كل ابن غريب الذي من وسط بني إسرائيل" (¬3) والنص التالي يعيب على اليهود سماحهم لغير اليهود بالدخول في بيوت العبادة إذ هم نجس وقذارة: " ... يكفيكم كل رجاساتكم يا بيت إسرائيل بإدخالكم أبناء الغريب الغلف القلوب الغلف اللحم، ليكونوا في مقدسي فينجسوا بيتي" (¬4)) (¬5). ¬

_ (¬1) الإصحاح: (22/ 10 - 13) مع الحذف. (¬2) الإِسلام في مواجهة الاستشراق: د/ المطعني، ص 223، 224. (¬3) حزقيال: (44/ 9) الرئيس واللاويين. (¬4) حزقيال: (44/ 6، 7) السابق. (¬5) التربية في التوراة د/ الهاشمى ص 148.

خامسا: الطرد والإبادة لمن لا يطيعهم

خامسًا: الطرد والإبادة لمن لا يطيعهم: تأتي هذه الصورة من العنصرية لتؤكد استمرار المعاملة الفظة لغير اليهود وهذا ما رصده د/ عابد الهاشمى في كتابه مبينًا أن التوراة تبيح لليهود أن يطردوا الآخرين من ديارهم، ويسفكوا دماءهم (¬1) واستدل في هذا الموضع بنصين من نصوص التوراة (¬2). النص الأوّل: " فتطردون سكان الأرض من أمامكم ... تملكون الأرض وتسكنون فيها، لأني قد أعطيتكم الأرض لكي تملكوها ... وإن لم تطردوا سكان الأرض من أمامكم يكون الذين تستبقون منهم أشواكًا في أعينكم ومناخس ويضايقونكم على الأرض التي أنتم ساكنون فيها. فيكون أني أفعل بكم كما هممت أن أفعل بهم" (¬3). ثم ينتقد هذا النص قائلًا: (ويلاحظ في هذا النص التهديد الذي ادعوا وروده من الرب لهم، إن قصروا في النيل من أعدائهم، وفي هذا كله تمكين مقيت للعنصرية اليهودية المستعلية على سائر الخلق) (¬4). النص الثاني: تظهر فيه البشاعة بأوضح صورها في موقفهم ضد غيرهم، فقد جاء في سفر صموئيل الأول: "قال صموئيل لشاؤول: فالآن اذهب واضرب عماليق- وهم عرب- وحرموا كل ماله ولا تعف عنهم، بل اقتل رجلًا وامرأة، وطفلًا ورضيعًا، بقرًا وغنمًا وجملًا وحمارًا" (¬5). وبذلك يتضح أن جزاء الشعوب الأخرى إن عصت بني إسرائيل أن تطرد من الأرض ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يصل إلى الإبادة من الأرض .. يالها من قسوة ووحشية تدل على العنصرية ضد الآخرين بل تصل لدرجة العدوانية البغيضة تجاه شعوب الأرض. ¬

_ (¬1) سوف تتضح هذد الروح العدوانية في الفصل القادم تحت نقد السلوك العدواني. (¬2) التربية في التوراة: ص 148 بتصرف يسير. (¬3) عدد: (33/ 52) مراحل مسيرة شعب إسرائيل. (¬4) التربية في التوراة: ص 149. (¬5) الإصحاح: (15/ 3 - 4) الرب يرفض شاؤول ملكًا.

سادسا: سيطرة النزعة العنصرية على أسفار العهد القديم

سادسًا: سيطرة النزعة العنصرية على أسفار العهد القديم: يقدم د/ على خليل، في كتابه رؤية عصرية ذات أسلوب متميز حول المفهوم التوراتي لفلسطين المحتلة في الفكر اليهودي، ومن خلال القراءة المتأتية لكتابه تتضح رؤيته النقدية التي انتهى إليها من خلال نظرة العهد القديم إلى الشعوب الأخرى، وأهم ما يميز نقده لهذه النزعة العنصرية ما يلي: 1 - أنه يربط بين النص التوراتي والواقع اليهودي المعاصر، فاليهود يستلهمون التاريخ وينطلقون في تحركاتهم على أساس ديني، وأنه لا يوجد فاصل بين ما يحمله العهد القديم من نصوص وبين الواقع الذي يعيشه اليهود في الماضي والحاضر مبينًا أن ما يحدث في الواقع الحالي ما هو إلا واجهة أمامية لخلفية دينية مزيفة، وأن التصرفات اليهودية في القديم والحديث ما هي إلا تطبيق حرفي لمبادىء الفكر العنصري العدواني الذي يستمد أساسياته من نصوص محرفة، والذي يبني انطلاقاته جميعها على تلك القواعد التي أرساها ملوك بني إسرائيل وأنبياؤهم حسب الزعم التوراتي المحرف، وبين أيضًا، كيف نجس اليهود في توظيف هذه النصوص لخدمة أغراضهم وميولهم النفسية التي تفضل الانعزال والتقوقع وكراهية الآخرين. 2 - الموضوعية التامة: حيث جمع كل ما يتعلق بالنزعة العنصرية من معظم الأسفار في حيدة تامة، وبين سيطرتها على أسفار العهد القديم، وقد استخرج من النصوص ما يدلّ على العنصرية صراحة أو ضمنيًا، مبينًا كيف اتخذ اليهود هذه النصوص أصلًا ثابتًا ينبني عليه التميز العنصري في الفكر اليهودي، فيقول: لقد ساهمت النزعة العنصرية في انغلاق اليهود وتعصبهم وتوجسهم من الأغيار واعتقادهم بأنهم الزرع المقدس والشعب المختار، فالعنصرية في جوهرها نزعة عدوانية، ولا يمكن أن تكون إلا كذلك نظرًا لأنها تبني على التمييز والتميز والاختيار والتفوق والفراده، واليهودية تنص على أن اليهود يشكلون عنصرًا مميزًا على سائر العناصر البشرية، وشعبًا متميزًا على كافة الشعوب بخصائصه وفرادته، والتعاليم الدينية اليهودية تركز بقوة على العنصرية عبر تأكيدها على الاختيار والقداسة والتفوق وعدم الاختلاط بالشعوب والأمم، والكيان الصهيوني اليوم يربط كيانه السياسي بالدين ويجعل من الدين أساسًا لوجوده، وحجة في اغتصاب الأرض وامتلاكها (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: التعاليم الدينية اليهودية د/ على خليل ص 18.

1 - عنصرية إبراهيم -عليه السلام-حسب الزعم التوراتي

وقد تتبع د/ على خليل، أسفار العهد القديم مُركزًا على النصوص التي تشير إلى العنصرية؛ بل وتدعوا إليها أذكر منها على سبيل المثال ما يلي: 1 - عنصرية إبراهيم -عليه السلام-حسب الزعم التوراتي: كان إبراهيم الخليل -عليه السلام- يتنقل في أرض كنعان بحرية وأمان، وحكام المنطقة يقدمون له كل التسهيلات الكفيلة بتأمين الإقامة والاطمئنان والكلأ وحرية العمل والحركة والاحترام فنقرأ في سفر التكوين: "فأتوا إلى أرض كنعان واجتاز ابرام في الأرض إلى مكان شكيم إلى بلوطة مور وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض وظهر الرب لابرام وقال لنسلك أعطي هذه الأرض فبني هناك مذبحًا للرب الذي ظهر له ... ثم ارتحل ابرام ارتحالًا متواليًا نحو الجنوب" (¬1). كان إبراهيم -عليه السلام- يتصرف بحرية وأمان ولم يتعرض له الكنعانيون ولم يهدموا المذبح الذي بناه ... وتركوا له حرية العقيدة والعبادة وصادقوه واحتضنوه بين ظهرانيهم واحترموه فتقول التوراة: "ثم انتقل إبراهيم إلى بلوطات ممرا التي في حبرون وأقام هناك وبني مذبحًا للرب وسكن بأمان وطمأنينة تحت راية ممرا الأمورى وأخويه أشكول وعائر وكانوا أصحاب عهد مع إبراهيم" (¬2). على الرغم من هذا التسامح والترحيب والانفتاح الذي أبداه الكنعانيون لبني إسرائيل فقد نظر الإسرائيليون إليهم نظرة تعصب وعنصرية وعدوانية لأنّ إلههم الخاص صور لهم الكنعانييين أعداءً وكفرة ولذا ينبغي الانعزال عنهم وإذا أمكن إبادتهم واحتلال مناطقهم، فالمصاهرة أمر مرفوض البتة فلا يجوز في عقيدتهم أن يتدنس الزرع المقدس برجاسات الأمم. فرغم كل ما لاقاه إبراهيم من تكريم ومودة واحترام في كنعان من سكانها وبمختلف مناطقها التي سكن فيها فإنه لم يكن ليتخلى عن نزعته العنصرية كما نستشف من النص التوراتي وكأن كاتب النص يرغب أن يصور إبراهيم متعصبًا عنصريًا انعزاليًا مترفعًا (¬3). إن إبراهيم رفض أن يتزوج ابنه إسحاق من بنات كنعان، وأصر أن يأخذ بنتًا من عشيرته حصرًا فنقرأ: "وشاخ إبراهيم وتقدم في الأيام وبارك الرب إبراهيم في كل شيء وقال إبراهيم لعبده كبير بيته المستولي على كل ما كان له. ضع يدك تحت فخذي فأستحلفك بالرب إله السماء وإله الأرض أن لا تأخذ زوجة لابني من بنات الكنعانيين الذين أنا ساكن بينهم؛ بل إلى أرضى وإلى عشيرتي تذهب وتأخذ زوجة لأبني إسحاق" (¬4). ¬

_ (¬1) تكوين: (12/ 5 - 9) دعوة إبراهيم. (¬2) تكوين: (14/ 13) إبراهيم ينتقد لوطًا. (¬3) التعاليم الدينية اليهودية ص 18. (¬4) تكوين: (24/ 1 - 4) إسحاق ورفقة، انظر: التعاليم الدينية، ص 18.

2. عنصرية إسحاق -عليه السلام- حسب الزعم التوراتي

2. عنصرية إسحاق -عليه السلام- حسب الزعم التوراتي: يقول د/ على خليل: لقد ورث إسحاق -عليه السلام- عن أبيه إبراهيم -عليه السلام- هذه النزعة العنصرية حيث يكتب محرر النص التوراتي: "أن إسحاق أمر ابنه يعقوب أن لا يأخذ زوجة من بنات كنعان أيضًا فنقرأ: "فدعا إسحاق يعقوب وباركه وأوصاه وقال له: لا تأخذ زوجة من بنات كنعان. قم واذهب إلى فدّان آرام" (¬1) إلى "بيت بتوئيل" أبي أمك وخذ لنفسك زوجة من هناك من بنات لابان (¬2) أخي أمك" (¬3). التزم يعقوب بالأمر خاصة وأن أمه "رفقة" كانت قد هددت أن تقتل نفسها إن تزوج من بنات كنعان حيث نقرأ: "وقالت رفقة لإسحاق مللت حياتى من أجل بنات حِثَّ. إن كان يعقوب يأخذ زوجة من بنات حث مثل هؤلاء من بنات الأرض فلماذا لي حياة" (¬4). 3. عنصرية أبناء يعقوب -عليه السلام- حسب الزعم التوراتي: لقد دفعت العنصرية أبناء يعقوب لارتكاب جريمة بشعة بحق سكان منطقة شكيم الذين احتضنوهم في أرضهم وأكرموهم ورحبوا حتى بالاختلاط معهم وكان سبب هذه الجريمهَ البشعة أن "شكيم" ابن حاكم المنطقة "حمور" أراد أن يتزوج من "دينة" ابنة يعقوب التي أحبها وأحبته وقد طلبها له والده رسميًا ووافق على كافة شروطهم ومنها ختان جميع المذكور في منطقة شكيم. ولم يكن ليدرى حمور ولا ابنه شرط الختان كان خدعه وحيلة خطط لها أبناء يعقوب ليرتكبوا جريمتهم انتقامًا وتخلصًا من فكرة المصاهرة والاختلاط والتعايش السلمي. لقد كانت رؤية حمور حاكم المنطقة الكنعاني حضارية فهو يؤمن بمجتمع تنصهر فيه الفوارق العنصرية والمساواة بين يختلف أفراد البيئة الواحدة أو بين شتي الشعوب المتجاورة حيث المحبة والتعاون والإنسانية فتقرأ خطابه ليعقوب وأبناؤه: "ابني قد تعلقت نفسه بابنتكم أعطوه إياها زوجة وصاهرونا، تعطونا بناتكم وتأخذون لكم من بناتنا وتسكنون معنا وتكون الأرض قدامكم اسكنوا واتجروا فيها وتملكوا بها ثم قال شكيم لأبيها ولإخوتها دعوني أجد نعمة في أعينكم فالذي تقولون لي أعطي (¬5) وبعد أن تزوجها ذهب إخوتها وقتلوه وقتلوا أهله معه. ¬

_ (¬1) هو: سهل آرام، وهو موقع يوجد على ما يظهر في آرام النهرين (تكوين 24/ 10، 25/ 20، 28/ 5)، (قاموس الكتاب المقدس، ص 672. (¬2) هو: ابن بتوئيل وحفيد ناحور أخي إبراهيم وأخو رفقة، سكن حران في فدّان آرام وبقى يعقوب عند خاله لابان عشرين سنة على الأقل خدمه مدة سبع منها أولًا لقاء الحصول على ابنته راحيل ولما خدعه خاله وأعطاد ليئة عوضًا عنها خدمه سبع سنين أخرى للحصول على راحيل (قاموس الكتاب المقدس ص 804). (¬3) تكوين: (28/ 1 - 2) بدون. (¬4) تكوين: (27/ 46) إسحاق يبارك يعقوب. (¬5) تكوين: (34/ 8 - 11) وبقية القصة في تكوين: (34/ 22 - 29) وانظر: التعاليم الدينية اليهودية، ص 18.

وينتقد د/ بدران هذه القصة بقوله: (فعلوا كل هذا لأنّ رجلًا زنى بأختهم ... ولكن لماذا فعلوا كل هذا بعد أن تزوجها الرجل بإرادتهم؟ بل نفذ كل ما طلبوه منه وبالرغم من ذلك قتلوه وقتلوا أهله معه، وإن كان الرجل زنى بأختهم وقتلوه فما ذنب أهله؟ وما هي الجريرة التي ارتكبها الأطفال الصغار والنساء حتى يسبوا) (¬1). حقًا إنها العنصرية المتعصبة من أولاد يعقوب (شمعون ولاوي). ويناقش د/ سعد الدين صالح هذه النزعة العنصرية مبينًا فسادها ومخالفتها للعقل والنقل ودلالاتها على التحريف في العهد القديم فيقول: يكفي في دحض هذه النزعة أن توجد في كتاب محرف هو التوراة فمجرد وجودها في التوراة دليل على بطلانها؛ بل إن هذه العقيدة الباطلة هي من أقوى الأدلة على تحريف التوراة ودسها بالمشاعر التي كان يشعر بها اليهود أثناء التشرد والاضطهاد الذي حل بهم، ذلك أن الله سبحانه وتعالى ليس قريبًا لأحد ولا يحابي أحدًا على حساب أحد فالكل أمامه سواء ولكن اليهود يحاولون هذه الادعاءات الباطلة الطعن في عدالة الله حيث يميز جنسًا على جنس وليته الجنس المطيع لله الملتزم بأوامره، بل الجنس المعاند المكابر المكذب للرسل، فلا يمكن قبول هذه الدعوى لا عقلًا ولا نقلًا؛ لأنّ الله لا يفضل أحدًا على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (¬2)) (¬3). ¬

_ (¬1) التوراة: د/ بدران، ص 59، ص 60 وهناك نماذخ كثيرة ذكرها د/ على خليل في كتابه تدل على وجود النزعة العنصرية بكثرة في نصوص العهد القديم منها ما يلي: 1 - عنصرية موسى التوراتي كما في سفر الخروج (34/ 15) واللاويين (20/ 26)، (تثنية 7/ 1 - 23). 2 - عنصرية يشوع كما في يشوع: (23/ 12 - 13). 3 - عنصرية القضاة كما في قضاة: (8/ 4)، (8/ 22 - 28) وعنصرية جدعون (8/ 4) وعنصرية أبيمالك، كما في قضاة: (9/ 3 - 6). 4 - عنصرية عزرا كما في عزرا: (6/ 1 - 2، 12). 5 - عنصرية نحميا كما في نحميا: (10/ 28 - 31) انظر: التعاليم الدينية اليهودية ص 19، 20. (¬2) سورة الحجرات الآيه: (13). (¬3) العقيدة اليهودية: د/ سعد الدين صالح ص 353.

وخلاصة هذا المبحث

وخلاصة هذا المبحث: ظهر من خلال العرض التقويمي السابق بالتشريعات الخاصة بغير اليهود أنه تتعدد مظاهر الانحراف في الشريعة اليهودية منها ما يلي: 1. تقوم الشريعة اليهودية على التفرقة العنصرية بينهم وبين باقى البشر، فتفرق بين اليهودي وغير اليهودي في التعامل، وتعتبر اليهود فوق جميع البشر؛ لأنهم شعب الله المختار- كما يزعمون- ومن ثم ينظرون لغيرهم نظرة ازدراء واحتقار. 2. أباحت الشريعة اليهودية لليهود استغلال غيرهم ونهب ثرواتهم، واسترقاقهم إلى الأبد؛ لأنهم وحدهم الأسياد كما تقول توراتهم المحرفة وما سواهم عبيد وخدم. 3. عدم الزواج من غير اليهود حتى لا يتدنس الزرع المقدس-كما يدعون- مثلما حدث في قصة زواج إسحاق -عليه السلام- كما ينص العهد القديم، فقد رفض إبراهيم -عليه السلام- أن يزوج ابنه إسحاق من بنات كنعان وأصر أن يأخذ بنتًا من بنات عشيرته. 4 - تحريم دخول المعابد اليهودية لغير اليهود وذلك لأنّ التوراة المحرفة تدعي نجاسة غير اليهودي، وهذه نظرة فيها انحراف وشطط، إذ تصف اليهودي بالطهارة والنقاء، وتصف غيره بأنّه أغلف القلب واللحم نجس. خلاصة الجهود النقدية للعلماء: كان للدكتور / كامل سعفان، الجهد الأكبر في نقد التشريعات في العهد القديم، فلقد خصص لها جزءًا كبيرًا من كتابه، إلا أن نقده لها جاء في لمحات سريعة، ولم يكن نقدًا موسعًا لدقائق التشريع في العهد القديم، ولم يقف مع النصوص كما ينبغي. يليه في دراسة التشريعات د/ بدران محمَّد بدران، فقد استوعب أغلبها بصورة عامة، ولم يدخل في تفصيلات تشريعية، أما د/ المسيري، فقد استوعب ضمن موسوعته نقد بعض الأجزاء التشريعية في العهد القديم، إلا أنه يغلب على نقده التحليل السياسي للنصوص، وربط بين هذه النظرة النقدية وبين الفكر اليهودي والسياسة الصهيونية، التي تبني تحركاتها بناءً على تلك النصوص، ويعتبر د/ المسيري، من ألمع العلماء المعاصرين، وواحد من المشهود لهم في الكتابة عن اليهود واليهودية. والملاحظة العامة على تناول العلماء للجوانب التشريعية في العهد القديم، أن نسبة قليلة من بين جموع علماء المسلمين هي التي نقضت هذا الموضوع، وذلك من خلال ما وقع تحت يدي من مؤلفات نقدية.

الفصل الثالث جهود علماء المسلمين في نقد السلوكيات الأخلاقية في العهد القديم

الفصل الثالث جهود علماء المسلمين في نقد السلوكيات الأخلاقية في العهد القديم ويشتمل على المباحث التالية: - المبحث الأول: المادية في أخلاق اليهود في العهد القديم - المبحث الثاني: العدوانية في أخلاق اليهود في العهد القديم - المبحث الثالث: الانحلال الخُلقي في العهد القديم - المبحث الرابع: الغدر والخيانة في العهد القديم - المبحث الخامس: الكذب والسرقة في العهد القديم

تمهيد

تمهيد: من المعلوم الذي لا يقبل الشك أن المجتمع يكون متماسكًا إذا التزم أفراده بالأخلاق الكريمة، أما إذا تخلى عنها أفراده فإنه بالتالي يحمل عوامل انهياره ولو بعد حين ولذلك فإن الأخلاق قوام الأمم والحضارات وهي من الأسس التي ينبني عليها كل دين جاء من عند الله -عزّ وجلّ- بعد العقائد والتشريعات. والالتزام بهذه الأخلاق التي يأمر بها الله -عز وجلّ- والاستقامة عليها مطلب رباني على لسان رسله الكرام، وقد قام رسل الله عليهم السلام بأداء هذه الرسالة خير قيام، والتزم من أتباع الرسل من التزم وخالف من خالف وكان من الذين خالفوا وانحرفوا عن الطريق المستقيم بنى إسرائيل، فكذبوا الرسل وقتلوا منهم من قتلوا، وتحريفهم للتوراة من أجل خدمة أغراضهم وتأييد أفعالهم، وليكون ذلك تبرير لما يصدر عنهم من سلوكيات، وقد اجتهد علماؤنا الأجلاء في بيان هذا الانحراف السلوكي ونقد التصرفات الغير أخلاقية، وبينوا أن ما تعج به التوراة من نصوص تحكي وقائع لا أخلاقية لهي نموذج يستحضره اليهود في تصرفاتهم الحاضرة، ويفتخرون بما صنعه أجدادهم في الماضي من فساد وتدمير للأخلاق، وحول هذا الموضوع تعددت الرؤى النقدية لعلمائنا الأجلاء- فترة البحث- على النحو التالي: 1 - رصد الظواهر السلبية: اتبع بعض علمائنا الأجلاء في نقدهم للجانب الأخلاقى في العهد القديم رصد الظواهر السلبية التي تلصقها التوراة بالأنبياء وذويهم تصل إلى حدّ إقرار الكبائر دون ما عقاب عليها وردوا هذه الاقامات مبينين أن الأنبياء وبيوتهم بريئة ومنزهة عن هذه الافتراءات من هؤلاء العلماء أ/ عبد الله التل في كتابه "جذور النبلاء". 2 - الالتزام بالموضوعية في معالجة الجانب الأخلاقي في العهد القديم: من العلماء من تتبع أسفار العهد القديم مفتشًا فيها على ما يتصل بالجانب الأخلاقي ووقف مع الوقائع اللا أخلاقية التي تصل إلى حدّ التفريط والانحلال الخُلقى وغير ذلك من مخالفات خُلقية ونقدها نقدًا موضوعيًا، من هؤلاء، د/ على خليل، في كتابه التعاليم اليهودية. 3 - تحليل النص التوراتي: من العلماء من يسرد القصة التوراتية أو النص ثم ينتقد ما يراه من مخالفات من أوجه متعددة تدل على باعه الطويل وخبرته وتمكنه من ناصية النص التوراتي فيحلله مستخرجًا ما فيه من أخطاء تدل على بشاعة ما تدعيه التوراة وتؤكد مدى الانحلال الخُلقي الذي تدعو إليه أسفار العهد القديم من هؤلاء الأفذاذ العلامة رحمة الله الهندي. ولتوضيح تلك الرؤى النقدية المتعددة لعلمائنا الأجلاء أبين في الصفحات التالية كيف وضع النقاد أيديهم على المواطن التي تشعر بعدم أخلاقية اليهود كما تصورها نصوص العهد القديم، وذلك من خلال المباحث التي يشتمل عليها هذا الفصل:

المبحث الأول المادية في أخلاق اليهود

المبحث الأول المادية في أخلاق اليهود تحت عنوان: اليهود موضع دراسة للآفات الأخلاقية، تحدث د/ محمَّد سيد ندا في كتابه "جنايات بني إسرائيل" عن تلك الجنايات التي ارتكبها اليهود ضد الأخلاق فقال: (لقد عرف التاريخ في بنى إسرائيل شر الجماعات التي تصلح أن تكون موضعًا لدراسة الآفات الإنسانية لمن شاء أن يدرس ويفكر ويعتبر، ولقد حاول بنو إسرائيل ألا تكون طباعهم السيئة مقصورة عليهم، بل شاءت لهم أهواؤهم وسوّلت لهم أنفسهم وشياطينهم أن يطرحوا الآخرين معهم في أتون أخلاقهم الفاسدة والمنكرات والرذائل، وذلك هو السبب في وصفهم بأنهم جناة على الأخلاق، إذ كل رذيلة من رذائلهم المنطوية عليها صدورهم والجاري تعاملهم بها قد استطاعوا بمهارتهم وكيدهم أن يجروا الناس إليها ويطبعوهم عليها زرافات ووحدانا) (¬1). وقد رصد د/ محمَّد ندا، في كتابه جنايات متعددة على الأخلاق في العهد القديم وأبرز هذه الجنايات ظهور المادية بصورة واضحة في أخلاق اليهود فقال: إن اليهود لا يؤمنون إلا بالمادة ... أما المعاني الروحية فلا نصيب لها من نفوسهم، والمعنويات العقلية لا يقيمون لها وزنًا فلا يهمهم السمو الروحى ولا المبادئ الخلقية القائمة على الاتصال بين الناس، فالمروءة والمودة والتراحم والصدق والوفاء والأمانة والحياء وغيرها صفات لا يعرفها اليهود، وإنما يعرفون وحسب مقدار النفع المادي الذي يعود عليهم واللذة الوقتية لا الدائمة ترضى أهواءهم وتشبع نهمهم (¬2). ويرجع د/ موريس بوكاي تقهقر اليهودية والمسيحية في العصر الحاضر لتلك المادية المفرطة إلى تغرق الغرب في متاهاتها وبعد وصفه للمجتمع المادي الذي يسخر من فكرة الألوهية ويرد الأشياء إلى المادة فيقول: (أمام هذه الموجة المادية وغزو الإلحاد للغرب يظهر عجز المسيحية واليهودية عن الصمود، وكل منهما غارق في الحيرة، ألا ترى من عقد لآخر تناقضًا خطيرًا في مقاومة ذلك التيار الذي يهدد باجتراف الكل؟ إن المادي الملحد لا يرى في المسيحية الكلاسيكية إلا نظامًا ابتناه البشر منذ حوالي ألفى عام لإرساء سلطة لأقلية قليلة على بشر مثلها، ولن يجد في الكتب المقدسة المسيحية لغة تتشابه مع لغته، فهذه الكتب تحتوى على كثرة من الأمور التي لا تتفق مع المعطيات العلمية الحديثة) (¬3). ¬

_ (¬1) جنايات بنى إسرائيل على الدين والمجتمع د/ محمَّد محمود سيد ندا ص 209 طبعة دار اللواء. بدون. (¬2) المرجع السابق ص 211 بتصرف بالحذف. (¬3) القرآن والتوراة والإنجيل والعلم د/ موريس بوكاي ص 123 طبعة دار الفتح للإعلام العربي 1417 هـ- 1997 م.

ثم يبين د/ محمَّد ندا المرجعية الدينية لليهود التي تدفعهم للسعى وراء المادة ويقدم لتلك الخلفية بقوله: ولما كانت الحياة الدنيا هي غاية همهم والمادية هى مبتغاهم الأسمى؛ بل شعارهم الذي يسيرون وراءه لا يضلون عنه، فقد صاروا نفعيين أنانيين يهدمون المبادىء من أجل ذواتهم ويدوسون المصالح العامة في سبيل منافعهم الشخصية، وحملتهم تلك الأنانية أن يسلكوا كل طريق منحرف للحصول على المال والمنافع فلم يتورعوا عن الكذب والخداع والغش والنفاق والتضليل (¬1). وأكد د/ محمَّد ندا كلامه بالنصوص التوراتية التالية: 1 - "لأنهم -أي اليهود- من صغيرهم إلى كبيرهم كل واحد مولع بالربح ومن النبي إلى الكاهن كل واحد يعمل بالكذب" (¬2). وينتقد هذا النص بقوله: (أضافت التوراة هذا القول لله، وحاشا لله أن يتهم نبيه بل حاشاه أن يبعث نبيًا كاذبًا يتخذ من الكذب وسيلة للربح، غير أن كتبة التوراة لما كانوا على طبيعة ذويهم المادية فإنهم أحبوا أن يشركهم في هذا الأمر أنبياؤهم وكهانهم ليكون ذلك أحد المسوغات لهم كى يفعلوا ما يشاءون وهاهى التوراة تقول مرة أخرى) (¬3). 2 - "وصار مرشدوا هذا الشعب مضلين ومرشدوه متبعين، لأجل ذلك لا يفرح السيد بفتيانه ولا يرحم يتماه وأرامله لأنّ كل واحد منهم منافق وفاعل شر وكل فم متكلم بالحماقة ... إلى أن تقول: بسخط رب الجنود تحرق الأرض ويكون الشعب كمأكل للنار لا يشفق الإنسان على أخيه يلتهم على اليمين فيجوع ويأكل على الشمال فلا يشبع، يأكلون كل واحد لحم ذراعه. منسي (¬4) أفرايم (¬5) وأفرايم منسى وهما معًا على يهوذا" (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: جنايات بني إسرائيل ص 215 بتصرف. (¬2) أرميا: (6/ 13) أورشليم تحت الحصار. (¬3) جنايات بني إسرائيل ص 216 مرجع سابق. (¬4) هو: بكر يوسف ولما أشرف جده على الموت أخذه يوسف مع أخيه أفرايم إلي فراش يعقوب ليباركهما فتبناهما يعقوب وأنبأ برئاسة أفرايم على منسى، ولما أتي العبرانيون إلى الأرض التى تقع شرقى الأردن وافتتحوها طلب نصف سبط منسى أن يحل فيها وسكن النصف الآخر غربى الأردن شمالي أفرايم (قاموس الكتاب المقدس ص 924). (¬5) هو: ابن يوسف واسنات وقد ولد بمصر وأعطاه يوسف هذا الاسم "الأثمار المضاعفة" لأنه كان الابن الثاني (تكوين 41/ 52) وعندما بارك يعقوب ابني يوسف وتبناهما وضع يد اليمني التى تدل على عظمة الكرامة على رأس أفرايم مشيرًا بذلك إلى السبط الذي يأتي من نسل أفرايم، وأفرايم اسم سبط من أسباط إسرائيل (قاموس الكتاب المقدس ص 90). (¬6) أشعياء: (9/ 16 - 21) غضب الرب على إسرائيل.

وينتقد هذه الأقوال قائلًا: (حرص قاتل وطمع وجشع لا رحمة فيهم ولا خير، فهم مصدر الشر والحماقة والكذب والنفاق وسيلتهم لإدراك المال والالتواء والغموض سبيلهم في هذه الحياة لجمع الحطام أو هكذا تصفهم التوراة وتحقرهم "جيل أعوج ملتو، الرب تكافئون بهذا يا شعبًا غبيًا غير حكيم" (¬1)) (¬2). وبناءً على ذلك فإن المادية هي الأساس الذي تنطلق منه جميع التصرفات اليهودية في الماضي والحاضر. ¬

_ (¬1) تثنية: (32/ 5 - 6) نشيد موسى. (¬2) جنايات بني إسرائيل ص 216 مرجع سابق.

المبحث الثاني نقد السلوك العدواني فى العهد القديم

المبحث الثاني نقد السلوك العدواني فى العهد القديم فى جولة نقدية تتسم بالموضوعية الفائقة قام بها د/ على خليل فى داخل نصوص العهد القديم واضعًا يده على المواطن التي تشعر بوجود الروح العدوانية فى السلوك والأفكار موجهًا سهام نقده إلى تلك المخالفات التي تزاحم بعضها بعضًا فى نصوص العهد القديم والتي كانت ولا تزال سببًا مباشرًا وراء الممارسات العدوانية والعنف والإرهاب الذي يمارسه اليهود في الماضي والحاضر خاصة على أرض فلسطين فيقول فى كتابه "التعاليم الدينية": (إن ما قام به أسلاف اليهود من أعمال عدوانية تعتبر بطولات وأمجادًا- في زعمهم- وعلى كل يهودي أن يلتزم بسلوكية هؤلاء الأسلاف، وأن يكوِّن من هذه السلوكية شخصيته المتميزة والمترفعة والمشبعة بالتوجس والعدوان؛ ولهذا فإن نظام التعليم اليهودي يُركز على تعريف الطفل فى سن الرابعة على هويته وأسلافه ويُدرب على الاحتراز من الأغيار وعدم مخالطتهم وزرع فكرة القداسة والاختيار فى عقله الباطن) (¬1). وكان من نتائج جولته النقدية أنه قدم للقارئ رؤية نقدية جديدة تلك التي يربط فيها بين النص والواقع ويبين من خلال رؤيته هذه كيف تسير السياسة اليهودية فى العصر الحاضر وأنهم يستلهمون الماضي ويستحضرون أفعال أجدادهم ويقتدون بها رغم مخالفتها للعقل والمنطق، وسار مع الأسفار سِفرًا سِفرًا يذكر منها ما يؤكد ذلك "السلوك اللا أخلاقي" (¬2) المشبع بالعدوان الذي يصف اليهود بالوحشية والقسوة تجاه الآخرين ويؤكد أن الروح العدوانية واضحة تمامًا في السلوك والأفكار (¬3). وقد تتبع د/ على خليل أسفار العهد القديم مبينًا ما فيها من سلوك عدواني مشين أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي: ¬

_ (¬1) التعاليم الدينية اليهودية ص 8 مرجع سابق. (¬2) السلوك: سيرة الانسان ومذهبه واتجاهه يُقال: فلان حسن السلوك، أو سىء السلوك، وفي علم النفس: الاستجابة الكلية التى يبديها كائن حى إزاء أي موقف يواجهه. انظر: المعجم الوسيط (1/ 445). الأخلاقي: هو ما يتنفق وقواعد الأخلاق أو قواعد السلوك المقررة في المجتمع وعكسه لا أخلاقي، وعلم الأخلاق: علم موضوعه أحكام قيميه تتعلق بالأعمال الي توصف بالحسن أو القبيح المعجم الوسيط (1/ 252). (¬3) راجع: التعاليم الدينية اليهودية: ص 8.

السلوك العدواني في سفر التكوين

السلوك العدواني في سفر التكوين: فيقول د/ على خليل: (إن سفر التكوين عبارة عن معمعة من أعمال العنف والغدر والقتل والرذيلة أراد منها الأحبار اليهود أن تكون منهجًا وسنة يقتضي اتباعها في كل زمان وأوان حيث إرادة الإله يهوه- كما يزعمون-) (¬1). واستدل بما يدلّ على ذلك من سفر التكوين"من اعتداء أبناء يعقوب بن إسحاق "إسرائيل" على سكان منطقة شكيم التي كانوا يسكنون فيها ويلقون كل الاحترام والمحبة منهم ... فقد أحب "شكيم" بن حمور زعيم المنطقة ابنة يعقوب وأرادها زوجة له وقد طلبها من والدها وإخوتها لكن أولاد يعقوب غدروا بشكيم ووالده وبسكان المنطقة جميعهم بعد أن احتالوا عليهم وتمكنوا منهم وقتلوهم، ثم هربوا من المنطقة بعد أن نهبوا البيوت جميعها وسبوا النساء والأطفال" (¬2). ففى هذا النص انحراف ظاهر من أولاد يعقوب وتنكب عن الطريق الصحيح وابتعاد عن الأخلاق الفاضلة فكيف يكون جزاء من أراد الزواج من ابنتهم القتل هو وعشيرته بل وسكان المنطقة جميعًا. السلوك العدواني في سفر الخروج: (إن سفر الخروج يصور موسى بأنّه كان قاسيًا متشددًا إلى الدرجة التي لم يكن ليتوانى عن تنفيذ أية عقوبة حتى على شعبه المميز المختار من الإله يهوه فقد كانت نزعته العدوانية متفوقة على النزعة الإنسانية، والأصح فإن كاتب السفر محى تمامًا كل ما يتعلق بالإنسانية لهذا كان موسى ينظم جماعته تنظيمًا خاصًا على أنهم الشعب المقدس المختار صاحب الإله الخاص الذي لا يريد لهذا الشعب أن يختلط بالأمم الأخرى لأنه الأظهر والأنقى والأخص وكان يغذي فيهم ... الحقد تجاه الشعوب والأمم الأخرى. ففى سفر الخروج: "أرسل هيبتي أمامك وأزعج جميع الشعوب الذين تأتي عليهم وأعطيك جميع أعدائك مدبرين وأرسل أمامك الزنابير فتطرد الحويين والكنعانيين والحثيين من أمامك" (¬3)) (¬4). فالقسوة والشدة التي ألصقها كاتب سفر الخروج بموسى جعلت منه قائدًا يدرب بني إسرائيل على الوحشية والعدوانية تجاه الشعوب الأخرى. فالمقصود هنا موسى التوراتي وليس هو سيدنا موسى النبي -عليه السلام-. ¬

_ (¬1) التعاليم اليهودية ص 8. (¬2) تكوين: (34/ 25 - 31) دينة وشكيم حمور، وقد سبق ذكر النص في ص 247. (¬3) الإصحاح: (23/ 27 - 28) فرائض السبت والأعياد السنوية الثلاث. (¬4) التعاليم الدينية، ص 9.

السلوك العدواني في سفر العدد

السلوك العدواني في سفر العدد: فخلال الفترة التي أمضاها موسى التورايى في الصحراء يدرب جماعته تدريبًا يتناسب وأفكاره العدوانية العنصرية كان دومًا يشى إلى ضرورة الانعزال وإبادة الآخرين من الأمم الأخرى والتمسك. بمبادىء يهوه الناطقة باسمه، وقد نجح موسى في زرع النزعات العدوانية في نفوس جماعته واستدل د/ على خليل بما ورد في سفر العدد والذي يروى عن غزو مديان والمجزرة التي ارتكبها أتباع موسى في هذه المنطقة والتي يعتبرها كاتب السفر بطولات وواجب ديني وتنفيذًا لأوامر الإله يهوه (¬1): والشاهد من قصة غزو مديان ما يلي: "وكلم الرب موسى قائلًا انتقم نقمة لبني إسرائيل من المديانيين (¬2) ثم تضم إلى قومك: فكلم موسى الشعب قائلًا جردوا منكم رجالًا للجند فيكونوا على مديان ليجعلوا نقمة الرب على مديان" (¬3). "فتجندوا على مديان كما أمر الرب وقتلوا كل ذكر وملوك مديان قتلوهم فوق قتلاهم وسبي بنو إسرائيل نساء مديان وأطفالهم ونهبوا جميع بهائمهم وجميع مواشيهم وكل أملاكهم وأحرقوا جميع مدنهم. بمساكنهم وجميع حصونهم بالنار، وأخذوا كل الغنيمة وكل النهب من الناس والبهائم ... ، فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال وكل امرأة عرفت رجلًا بمضاجعة ذكر فاقتلوهما" (¬4). والواضح من النص السابق: ظهور النزعة العدوانية التي زرعها موسى التوراتي في نفوس أتباعه حسب زعم كاتب السفر وأنه لا وجود مطلقًا للرحمة والشفقة في قلوبهم على الأطفال والنساء، ولا مجال لوجود الروح الإنسانية فيهم إذ يرتكبون هذه المجزرة البشعة وليس ذلك فحسب بل الأسر والسرقة والحرق والتخريب مما يدل على القسوة والوحشية والعدوانية المفرطة ولذلك يقول د/ على خليل في التعليق على هذه المجازر: لقد نسى موسى أو تناسي أنه كان نزيلًا لدي المديانيين وأن زوجته مديانيه وهي: "صفورة ابنة كاهن مديان يثرون" وأن المديانيين احتضنوه وعاش في كنفهم معززًا مكرمًا ... وهذه المجزرة كانت تأكيدًا واضحًا على سياسة الانغلاق والعنصرية والغدر والعدوان، وطريقًا سار عليه أتباعه فيما بعد ولا يزال حتى الآن المنهاج الرتيسي للحياة اليهودية (¬5). ¬

_ (¬1) التعاليم الدينية اليهودية، ص 9. (¬2) هم: نسل مديان القاطنون في أرض مديان، ومديان أحد أولاد إبراهيم من قطورة (تكوين 25/ 2، 4) وقال بعضهم إن أرض مديان كانت تمتد من خليج العقبة إلى موآب وطور سيناء، وكان شعبها يتاجرون مع فلسطين ولبنان ومصر، وسكن موسى مدة في مديان، والمنطقة إلى تقع شرقى خليج العقبة تسمى الآن "مديان" (قاموس الكتاب المقدس ص 850). (¬3) عدد: (31/ 1 - 3) الانتقام من المديانيين (¬4) عدد: (31/ 1 - 17) السابق، باختصار. (¬5) التعاليم الدينية اليهودية، ص 9.

إلى جانب ما سبق ذكره فقد تتبع د/ على خليل غالبية أسفار العهد القديم مشيرًا إلى ما تحمله تلك الأسفار من الروح العدوانية واستمرارها بعد وفاة موسى فقد تسلمها يشوع من بعده ونفذها كما يريد إله بني إسرائيل ثم حمل لواءها القضاة بعد ذلك وأصبحت الأعمال العدوانية العسكرية غاية بالنسبة إليهم (¬1). ثم بين ما يأمر به صموئيل النبي من الحض على العدوان والسلوك العدواني الذي نفذه شاول وجماعته بتوجيهات من صموئيل النبي أو الكاهن الذي كان يؤكد دائمًا أن الإله "يهوه" يرغب في ذلك، ثم انتقل بعد ذلك إلى بيان السلوك العدواني لأنبياء وملوك بني إسرائيل وأنهم دومًا كانوا وراء كل الأعمال العدوانية والانغلاق والتعصب والحقد تجاه الشعوب والأمم الأخرى (¬2). وأما عن السلوك العدواني في بقية أسفار العهد القديم يقول: وفي الأسفار التوراتية الباقية: هوشع، صموئيل، عاموس، يونان، عوبديا، ميخا، ناحوم وحبقوق، صفنيا وحجي وزكريا وملاخى .. في هذه الأسفار نجد أيضًا الروح العدوانية التي لا تتحدث إلا عن القتل والتدمير والاستئصال والقطع والتخريب والسبي وغضب رب الجنود يهوه وتوعده الدائم بالإبادة وتهديده المستمر لشعبه الخاص إن حاول أن يتخلى عن هذه الروح العدوانية، وكل نبي من هؤلاء يشير في سفره أن يهوه سيفني الشعوب والأمم من أجل بني إسرائيل سيدمر المدن ويقتل النساء والأطفال والشيوخ وأورشليم وحدها هي الباقية ويسكب الرب روحه على كل واحد من بني إسرائيل ويحاكم جميع الأمم والشعوب بعد أن يرد سبي يهوذا وإسرائيل (¬3). وقد أشار د/ بدران، د/ الهاشمي، أ/ عبد الله التل، في نقدهم للسلوك العدواني في العهد القديم- إلى مظاهر هذا السلوك المتمثل في تلك المذابح البشعة التي رصدوها من أسفار العهد القديم، واضعين هذه المظاهر في الميزان النقدي الذي اتبعوه في نقدهم للنصوص التوراتية، مبينين أنها تتنافى مع الدين الذي أساسه الرحمة، والإنسانية وتتعارض مع العقل أذكر منها على سبيل المثال ما يلي: ¬

_ (¬1) انظر: يشوع (10، 11، 23)، قضاة (1 - 8)، انظر: التعاليم الدينية اليهودية، ص 10، 11. (¬2) انظر: صموئيل الأول: (23، 27)، صموئيل الثاني: (8، 10)، انظر: التعاليم الدينية، ص 12. (¬3) انظر: التوراة د/ بدران، ص 89 - 91، التربية في التوراة د/ الهاشمي، ص 125، 126، جذور البلاء: أ/ عبد الله التل، ص 26 - 37.

القسوة والهمجية

القسوة والهمجية: وضع أ/ عبد الله التل، يده على مواطن الزلل ومجانبة الصواب في التوراة وبين أبشع وسائل العنف والإرهاب التي تروج لها التوراة من خلال تلك الممارسات التي وقعت على يد موسى التوراتي بأوامر من يهوه رب الجنود، وبنظرة علمية تتسم بالموضوعية التامة رصد مواضع متعددة في التوراة تشير إلى الأوامر الوحشية الصادرة من "يهوه" إلى موسى التوراتي بالإبادة المنظمة التي تربي اليهود على القسوة والهمجية حتى على أنفسهم وتؤصل في نفوسهم روح البطش والعدوانية حتى إن الشعب المختار- في زعمهم- لم يسلم من هذه القسوة لذلك جاء في التوراة: "سبعة أيام تأكلون فطيرًا اليوم الأوّل تعزلون الخمير من بيوتكم فإن كل من أكل خميرًا من اليوم الأوّل إلى اليوم السابع تقطع تلك النفس من إسرائيل (¬1) " (¬2). ثم أخذ جولة نقدية داخل أسفار العهد القديم رصد من خلالها ما يؤكد هذه الروح العدوانية ووجودها بكثرة في نصوص العهد القديم. والذي يؤكد القسوة والهمجية في العهد القديم ما يلي: قسوة اليهود في الحروب: وفي بيان منهج التوراة في الجانب الحربي بين د/ محمَّد سيد ندا، ملامح هذا المنهج من خلال النصوص التوراتية التي تشعر بقسوة اليهود في الحروب وفي تعاملاتهم مع غيرهم، ومن أبرز هذه الملامح اتباعهم سياسة معينة مع المدن القريبة وسياسة أخري مختلفة تمامًا مع المدن البعيدة، ولذلك: (ترسم التوراة لليهود أو يرسم اليهود لأنفسهم في التوراة شرعة من شراثع الحرب وهي أنهم إذا خرجوا للحرب واقتربوا من إحدى المدن فإن أهل تلك المدينة إما أن يقفوا مشمرين عن ساعد الجد استعدادًا للحرب وإما أن يصيبهم الفزع ويفروا من أمام بني إسرائيل فإن فروا من وجوههم فعلى اليهود ألا يكتفوا بهزيمتهم وفرارهم بل يحرمونهم ويضربونهم ولا يقطعون معهم عهدًا ولا ميثاقًا ويهدمون كل ما عندهم مقدس فقد جاء في سفر التثنية ما نصّه: "من أتي بك الرب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها وطرد شعوبًا كثيرة من أمامك ... فإنك تُحَرِّمُهم، لا تقطع لهم عهدًا ولا تشفق عليهم، ولا تصاهرهم ... (¬3)) " (¬4). ¬

_ (¬1) خروج: (12/ 15، 19) الفصح. (¬2) انظر: جذور البلاء أ/ عبد الله التل، ص 26 - 37. (¬3) تثنية: (7/ 1 - 6) طرد الأمم. مع الحذف. (¬4) جنايات بني إسرائيل، ص 259.

(وتأمل كلمة "لتمتلكها" في الفقرة الأولي لتعلم أن شريعة الحرب عندهم ليست غاية سامية كالدفاع عن الدين أو الأوطان أو المحرمات أو تأمين الحدود ونحو ذلك من الغايات المشروعة ولكن غايتها التملك والاستعمار والاستعباد) (¬1). ويستكمل د/ ندا، تلك النظرة الاستعمارية التي يتبناها اليهود بناء على ما يحتويه النص المقدس- في زعمهم- ليبين أن اليهود إذا دخلوا أي حرب فليس أمامهم إلا الاستعمار أو الخراب والدمار فيقول: (وإذا لم تفر هذه الشعوب من وجه اليهود واستعدوا للحرب ضد الإسرائيليين فعلي اليهود أن يدعوهم إلى الصلح فإما أن يستجيبوا وإما أن يرفضوا فإن استجابوا للصلح فقد كتبوا على أنفسهم ذل الدهر ومسكنة الحياة إذ يقدمون بذلك رقابهم وكل ما تمتلكه أيديهم ليكون مسخرًا مستعبدًا لليهود وإذا لم يستجيبوا لدعوة الصلح فقد كتبوا على أنفسهم القتل والخراب والدمار الشامل، أمران أحلاهما مر .. استمع إلى سفر التثنية يقص عليك شريعة الرعب والأهوال فيقول: "حين تقرب من مدينةٍ لكي تحاربها استدعها إلى الصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك بالتسخير ويستعبد لك وإن لم تسالمك بل عملت معك حربًا فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك، هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدًا التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا، وأما مدن هؤلاء الشعوب التى يعطيك الرب إلهك نصيبًا فلا تستبق منها نسمة ما بل تحرمها تحريمًا ... " (¬2)) (¬3). ويعلل الأستاذ عبد الله التل في كتابه جذور البلاء هذه القسوة والهمجية من يهوه رب الجنود ورجل الحرب إله إسرائيل القاسى الظالم المتوحش كما تصوره توراة اليهود بأنّه يرسم الخطط لنصب المجازر والإبادة ليضمن لشعبه الحبيب أرضًا بلا سكان ووطنًا قوميًا بلا منازعين ومشاغبين من السكان الأصليين (¬4). ¬

_ (¬1) جنايات بني إسرائيل، ص 259. (¬2) الإصحاح: (20/ 10 - 18) الخروج للحرب. (¬3) جنايات بني إسرائيل ص 259 - 260. (¬4) جذور البلاء- عبد الله التل، ص 27.

الإبادة الشاملة لأعدائهم

الإبادة الشاملة لأعدائهم: ومما يزيد الأمر وضوحًا فقد أشار د/ عابد الهاشمى، إلى نصوص في العهد القديم تحمل أوامر مفتراة على الرب تأمر اليهود بالإبادة الشاملة لأعدائهم. بمختلف الوسائل الوحشية فيقول: (إن حروبهم كما تصفها توراتهم- إبادات شاملة- وما أكثر ما تتردد هذه العبارة في وصف حروبهم "أبادوهم، ولم يبقوا منهم شاردًا ولا منفلتًا" ويزعم اليهود أن هذه المجازر الرهيبة هى بأمر من إلههم، كما تفتري عليه التوراة "أبادوهم لم يبقوا نسمة كما أمر الرب موسى عبده هكذا أمر موسى يشوع وهكذا فعل يشوع، لم يهمل شيئًا من كل ما أمر به الرب موسى (¬1) "وإن من وصايا الرب المفتراة عليه، أن الرحمة لا تنزل عليهم إلا من خلال كثرة القتل والذبح والحرق لأعدائهم" (¬2) "فضربًا تضرب سكان تلك المدينة- أريحا- بحد السيف، ... وتحرق المدينة بالنار، ... ، فتكون رحمة ترحمك ويكثرك كما حلف لآبائك" (¬3). وذكر د/ عابد، أيضًا أن الرب أمر موسى - عليه السلام- في سفر العدد أن يصلب جميع رؤساء الأعداء الأسرى ويقتل منهم الألوف ليصالح هذه المجازر البشعة ربه" وقال الله لموسى: انطلق برؤساء الشعب كلهم وصلّبهم قدام الله تلقاء الشمس فترتد شدّة غصبي عن إسرائيل" (¬4). "وكان من مات من أعدائهم 24000 مصالحة لربهم" (¬5). وقال د/ عابد أيضًا: ومن الوصايا المفتراة على الرب ألا يستبقي نسمة واحدة من الشعوب التى يحاربها حين يقتحم مدنها" ... وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا فلا تستبق منها نسمة بل تحرمها تحريمًا، كما أمر الرب إلهك" (¬6). وكان موسى يسأل القواد الذين يرجعون إليه من تلك المجازر الرهيبة: "هل أبقيتم أنثى حية" (¬7). وذكر نصوصًا تحض على إبادة عشرات المدن واضربوها بحد السيف مع ملكها وكل مدنها وكل نفس بها، لم يبق شاردًا فحرمَّها وكل نفس بها، ... وإحراقها بالنار" (¬8). ¬

_ (¬1) يشوع: (11/ 5 - 17). (¬2) انظر: التربية في التوراة د/ عابد الهاشمى ص 125 مؤسسة الرسالة الطبعة 14201 هـ 2000 م. (¬3) تثنية: (13/ 15 - 18) العبد لآلهة أحرى مع الحذف. (¬4) عدد: (25/ 4) موآب يعثر إسرائيل وانظر: التربية في التوراة ص 125. (¬5) عدد: (25/ 9، 10) السابق. (¬6) تثنية: (20/ 16 - 17) الخروج للحرب. (¬7) عدد (31/ 15) الانتقام من المديانيين. (¬8) يشوع: (10/ 37 - 38) غزو المدن الجنوبية.

"بالسيف يسقطون، تحطم أطفالهم، والحوامل تشق" وما أكثر ما يتردد الأمر بشق بطون الحوامل" (¬1). وغير ذلك من نصوص. وفي تقويمه لهذه النصوص يقول د/ عابد: إن ما نسبته التوراة للخالق من أوامر في إزهاق الأرواح وإفناء المخالفين ... ذلك مجرد افتراء تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا .. وذلك كله من فكر من صاغوا التوراة وحرَّفوها ... فهم لدمويتهم لم يرحموا حتى الحوامل، فدعوا إلى بقر بطونهن (¬2). ويقول: إن ما جاء بالتوراة من الأمر بسفك دماء الأعداء يوضح الأسباب الخلقية الظاهرة التي يستند إليها اليهود حاليًا في شدة عدائهم للمسلمين خاصة في فلسطين، فقد قتلوا عشرات الآلاف منهم، ودمروا المنازل حتى بعد استشهاد الشهداء وحطموا كثيرًا من مقومات الأرض المحتلة صلفًا وعدوانًا وبغيًا، بل إن هذه الخلفية الحاقدة هي التي كانت وراء بطشهم بالأبرياء في دير ياسين وصبرا وشاتيلا .. ومجزرة الحرم الابراهيمي، وما يزال اليهود يوالون غاراتهم الوحشية على جنوب لبنان على مدي عشرين عامًا (¬3). ويذكر د/ محمَّد سيد ندا في كتابه أن: سفك الدماء وإشاعة العداوة والبغضاء بين الخلائق من جنايات بني إسرائيل التي تدل على البشاعة والعدوانية في أخلاقهم وينتقد هذه السلوكيات الخاطئة قائلًا: (لقد تشبعت الأرض بدماء الأبرياء التي سفكوها ظلمًا وعدوانًا في سبيل مصالحهم ومآربهم الذاتية وفي كتابهم المقدس ما يسجل عليهم جريمة بشعة لا تصدر إلا ممن خلت قلوبهم من معالم الرحمة والشفقة لبني الإنسان خصص لهذه الجريمة سفرًا خاصًا من أسفارهم المزيفة يسمي سفر "أستير" يقع في عشرة إصحاحات فصولًا تحكي أدوار هذه الجريمة البشعة وما أستير هذه إلا امرأة منحها الله من الجمال قسطًا وافرًا مكن اليهود من استغلاله لقتل الآلاف المؤلفة من البشر الأبرياء) (¬4). ¬

_ (¬1) التربية في التوراة: ص 125، 126. (¬2) المرجع السابق: ص 126 بتصرف يسير. (¬3) المرجع السابق: ص 129 بتصرف يسير. (¬4) جنايات بني إسرائيل على الدين والمجتمع: د/ محمَّد سيد ندا، ص 252، انظر: القصة في سفر أستير.

ويفند د/ عبد الغني عبود، هذه القصة مشيرًا إلى أن المسألة الأخلاقية التي استغلت في قصة أستير لتحقيق هدف يهودي ليست هي المسألة الحيوية هنا وإنما الدم غير اليهودي الذي سأل في القصة هو الذي دفع بأستير لتحتل هذه المكانة الدينية عند اليهود بالاضافة إلى الضياع اليهودي الذي تحول على يديها إلى مكان وإمكان (¬1). (فكل ما يؤدي إلى رفع شأن اليهود وإذلال خصومهم أو القضاء عليهم هو مثل أعلى أخلاقى من وجهة نظر اليهود حتى ولو كان ذلك كذبًا أو إفسادًا أو تدميرًا وقتلًا فالفساد في الأرض عند غير اليهود هو المثل الأعلى الأخلاقى عند اليهود، بل إن- هذه الأخلاق اليهودية تقترب من كمالها كلما زادت من العنف والتدمير والقسوة قربًا حتى إن الدم المراق يحتل في الفكر الديني اليهودي منزلة خاصة) (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: اليهود واليهودية والإِسلام، د/ عبد الغني عبود، ص 78 بتصرف. (¬2) المرجع السابق نفس الصفحة.

المبحث الثالث الانحلال الخلقي في العهد القديم

المبحث الثالث الانحلال الخُلقي في العهد القديم تتبع علماء المسلمين- فترة البحث- أسفار العهد القديم وأخرجوا ما فيها من نصوص تدل على مدى ما وصل إليه اليهود من انحلال في الأخلاق وانحراف في السلوك، وبينوا أن هذه النصوص لا تفرق في هذه السلوكيات بين الأنبياء وغيرهم بل إن ما تنسبه التوراة زورًا وبهتانًا إلى الأنبياء من الحوادث اللا أخلاقية أمر لا يقبله عقل ولا دين ويتنافى مع العصمة التي اختصهم الله بها، وتتعدد صور الاتهام للأنبياء وذويهم على النحو التالي: أولًا: اتهام الأنبياء بما يتنافى مع العصمة التي اختصهم الله بها: رصد العلامة رحمة الله الهندي والإمام ابن القيم، د/ بدران، د/ عبد الراضي محمَّد، ما يتصل بالجانب الأخلاقي في العهد القديم، وكذلك ينتقد د/ على خليل في كتابه "التعاليم الدينية"، الأسفار التوراتية ويبرز في نقده انحراف التوراة في جانب الأخلاق والسلوك من خلال استقرائه وتتبعه لأسفار العهد القديم .. وقد ذكر هؤلاء العلماء ما تفتريه التوراة على الأنبياء زورًا وبهتانًا وكذبًا ويتنافي مع عصمتهم على النحو التالي: ما نُسب زورًا وبهتانًا إلى سيدنا إبراهيم، لوط، إسحاق، وداود (¬1) وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام وقد ذكرت ما يتصل باتهام التوراة للأنبياء في أخلاقهم هنا باختصار لأنه قد تقدم التفصيل في مبحث نقد عقيدة النبوة والأنبياء في العهد القديم (¬2). ثانيًا: تجريح بيوت الأنبياء وذويهم والتطاول عليهم: 1 - رأوبين بن يعقوب: إذا كان كَّتاب العهد القديم لم يراعوا حرمة الأنبياء وألصقوا بهم ما يتنافِى مع عصمتهم فلم يتركوا نبيًا إلا وبحثوا له عن شىء يجعله كالبشر العادي يصدق عليه ما يجرى على البشر من خطأ وصواب لذلك عند التأمل فيما رصده علماء المسلمين حول هذه القضية يتضح أن بيوت الأنبياء أيضًا وأقربائهم لم تسلم من أيدي المحرفين الذين بدلوا وغيروا في النص التوراتي حسب أهوائهم، فهذا رأوبين بن يعقوب انظر كيف صورته التوراة ابن نبي يهتك حرمة بيت أبيه ويدنس عرضه في غيابه. ¬

_ (¬1) انظر: تكوين: (12/ 10 - 19)، (20/ 1 - 7)، (19/ 30 - 37)، (26/ 6 - 10) وصموئيل الثاني: (11/ 2 - 7)، انظر: هداية الحيارى، ص 202، إظهار الحق: 2/ 556، 557، التوراة: د/ بدران، ص 50 - 51، 53، التعاليم الدينية اليهودية: ص 25 - 27 والعقيدة اليهودية: د/ سعد الدين صالح، ص 325، التطرف اليهودي: د/ عبد الراضى، ص 36، وأيضًا التوراة د/ بدران ص 95 - 97. (¬2) انظر: الفصل الأوّل من نقد المتن في هذه الدراسة المبحث الرابع من ص 143 إلى 176 ص.

2. ثامار (كنة يهوذا) ابن يعقوب الرابع

وقد ذكر هذه القصة كثير من الكتاب منهم من ذكرها دون تعليق لوضوح المخالفة فيها ومنهم من علق عليها فقد قدم لها د/ على خليل، بقوله نقرأ في سفر التكوين أن: (رأوبين بن يعقوب وهو بكره، استغل غياب والده ودخل على امرأته بلهة وكان لها ولدان وإن ونفتالي واضطجع معها) (¬1)، ثم ذكر النص وهو: "وحدث إذ كان إسرائيل ساكنًا في تلك الأرض أن رأوبين ذهب واضطجع مع بلهة سرية أبيه" (¬2). ولكن العلامة رحمة الله الهندي علق عليها منتقدًا ما تقول التوراة بقوله: (فانظروا إلى رأوبين الولد الأكبر ليعقوب -عليه السلام- كيف زنى بزوجة أبيه؟، وإلى يعقوب كيف لم يجر الحد أو التعزير، لا على ابنه ولا على هذه الزوجة، والظاهر أن حدّ الزنا في هذا الوقت كان إحراق الزاني والزانية بالنار كما يُفهم من الآية 24 من الإصحاح 38 من سفر التكوين (¬3)، ودعا لهذا الابن بالبركة والخير في آخر حياته كما هو مصرح به في الإصحاح 49 من هذا السفر (¬4)) (¬5). ويضيف د/ بدران، بعدًا جديدًا زيادة (¬6) على ما قاله العلامة رحمة الله الهندي فيقول: (هذا مع العلم بأن التوراة تحرم مجرد النظر لعورة زوجة الأب (لاويين 18/ 1) (¬7). 2. ثامار (كنة يهوذا) ابن يعقوب الرابع: تقول التوراة أن ثامار أخطأت مع حميها يهوذا وحبلت منه وولدت ولدين أحب الأوّل (فارص) والثاني (زارح) والنص يقول: "وأن يهوذا زوج ابنه بكره" عير "امرأة اسمها ثامار". وكان عير بكر يهوذا رديئًا بين أيدي الرب فقتله الرب. وقال يهوذا لابنه أونان: ادخل على امرأة أخيك، وكن معها، وأقم زرعًا لأخيك. فلما علم أونان أن الخلف لغيره كان إذا دخل على امرأة أخيه يفسد على الأرض لئلا يكون زرعًا لأخيه. فظهر ذلك منه سوء أمام الرب لفعله ذلك، وقتله الرب، فقال يهوذا لثامار كنته اجلسي أرملة في بيت أبيك حتى يكبر شيلة ابني ... فأعلموا ثامار قائلين هو ذا حموك صاعدًا إلى تمنة ليجز غنمه فطرحت ثامار عنها ثياب الترمل وأخذت رداءً وتزينت، وجلست في قارعة الطريق، فلما رآها يهوذا ظن أنها زانية لأنها كانت قد غطت وجهها لئلا تعرف، ودخل عندها وقال لها دعيني أدخل إليك لأنه لم يعلم أنها كنته فقالت له: ¬

_ (¬1) التعاليم الدينية: ص26. (¬2) تكوين: (35/ 22) موت راحيل وإسحاق. (¬3) النص يقول: "أخبر يهوذا وقيل له قد زنت ثامار كَنَّتكَ، وهاهى حبلى من الزنى فقال يهوذا أحرجرها فتحرق". (¬4) النص يقول: "وهذا ما كلمهم وبه أبوهم وباركهم، كل واحد بحسب بركته باركهم". (¬5) إظهار الحق: 2/ 563. (¬6) انظر: التوراة د/ بدران، ص 60. (¬7) والنص يقول: "عورة امرأة أبيك لا تكشف إنها عورة أبيك".

ماذا تعطيني حتى تدخل علىّ؟، فقال لها أنا أرسل لك جديًا ماعزًا من الغنم وهي قالت له: أعطني رهنًا حتى ترسله فقال يهوذا: أي شيء أعطيك رهنًا؟ فقالت خاتمك وعمامتك وعصاك التي بيدك فأعطاها لها. ودخل عليها فحبلت منه وقامت فمضت وطرحت عنها لباسها ورداءها ولبست ثياب ترملها فلما كان بعد ثلاثة أشهر أخبروا يهوذا قائلين: زنت ثامار كنتك وهو ذا قد حبلت من الزنا فقال يهوذا أخرجوها لتحرق أما هى فلما خرجت أرسلت إلى حميها قائلة: من الرجل الذي هذه له حبلت أنا فأعرف لمن هو الخاتم والعمامة والعصا، فعرفها يهوذا وقال تبررت هي أكثر من لموضع أني لم أعطها لشيلة ابني ولكنه لم يعد يعرفها بعد ذلك وكان لما دنا وقت الولادة وإذ توأمان في بطنها فعند طلقها، واحد سبق وأخرج يده فأخذت القابلة قرمزًا وربطته في يده قائلة: هذا يخرج أولًا، ولكن حين رد يده إذا أخوه قد خرج فقالت لماذا اقتحمت؟ عليك اقتحام. فدعي اسمه فارص، وبعد ذلك خرج أخوه الذي على يد القرمز فدعت اسمه زراح" (¬1). تنوعت نظرة النقاد إلى هذا النص فالعلامة رحمة الله الهندي بفكره الثاقب وتحليله الرائع للنصوص وبيان مالها وما عليها واستخراج ما فيها من هنّات ومخالفات يأخذ على هذه القصة الأمور التالية: 1 - (أن الرب قتل عيرًا لكونه رديئًا ورداءته لم تبيّن أكانت هذه الرداءة أشد من رداءة عمه الكبير حيث زنى بزوجة أبيه، ومن رداءة عليه الآخرين شمعون ولاوي حيث قتلا ذكور أهل البلدة كلهم ومن رداءة أبيه وجميع أعمامه حيث نهبوا أموال تلك البلدة وسبوا نساءها وأطفالها، ومن رداءة أبيه حيث زنى بزوجته بعد موته؟ أهؤلاء كانوا قابلين للرأفة وعدم القتل وكان عير قابلًا للقتل فقتله الرب؟. 2 - العجب أن الرب قتل أونان على خطأ عزل المنى، وما قتل أعمامه وأباه على الخطايا المذكورة. أهذا العزل أشد ذنبًا من هذه الخطايا؟. 3 - أن يعقوب لم يجر الحد ولا التعزير على هذا الولد العزيز ولا على هذه المرأة الفاجرة بل لم يثبت من هذا الإصحاح ولا من إصحاح آخر أنه تضايق لهذا الأمر من يهوذا والإصحاح 49 من سفر التكوين (¬2) شاهد صدق على عدم تضايقه حيث ذم رأوبين وشمعون ولاوي على ما صدر منهم، وما ذم يهوذا على ما صدر منه بل سكت عما صدر منه ومدحه مدحًا بليغًا ودعا له دعاءً كاملًا ورجحه على إخوته. ¬

_ (¬1) تكوين: (6/ 38 - 30) يهوذا وثامار. (¬2) النص يقول: "رأوبين أنت بكرى قوتي وأول قدرتي فضل الرفعة وفضل العز فائرًا كالماء لا تتفضل لأنك صعدت على مضجع أبيك حينئذ دنسته. على فراشي صعد شمعون ولاوي أخوان، آلات ظلم سيوفهما في مجلسهما لا تدخل نفسي بمجمعهما لا تتحد كرامتى لأنهما في غضبهما قتلا إنسانًا ... "تكوين: (49/ 3 - 7).

3 - أمنون بن داود

4 - أن ثامار شهد في حقها يهوذا صهرها بشدة البر، فسبحان الله نعم البار ونعمت البارة الفائقة في البر من الإصحاح المذكور كيف تكون بارة وهي لم تكشف عورتها إلا لأبي زوجها وما زنت إلا بحميها؟ وحصلت منه بهذا الزنا على ابنين كاملين؟ 5 - أن داود وسليمان وعيسى عليهم السلام كلهم من أولاد فارص الذي جاء بالزنا كما هو مصرح به فى الإصحاح الأوّل من إنجيل متى (¬1). 6 - أن الله ما قتل فارص وزارح مع كونهما ولدي زنا، أبقاهما كابني لوط اللذين كانا ولدي زنا، وما قتلهما كما قتل ولد داود -عليه السلام- الذي ولد بزناه بامرأة أوريا، لعل الزنا بامرأة الغير أشد من الزنا بزوجة الابن) (¬2). ويأتي د/ بدران ليؤكد ما ذهب إليه العلامة رحمة الله الهندي من خلال وقفاته مع النص أثناء سرده وبعد الانتهاء منه متعجبًا من تلك الشريعة التي يتبعونها مع من يخطئ ويرتكب الفواحش حيث يقول: (والأعجب من هذا كله أمر يهوه إله إسرائيل الذي يميت أونان بن يهوذا لأنه قذف منيه على الأرض، ولا يميت يهوذا الزاني. أهذه هي الشريعة التي أنزلها الله على موسى؟ والغريب أيضًا مثل هذا الفحش في كتاب يُقال عنه أنه مقدس!!) (¬3). 3 - أمنون بن داود: ينتقد د/ بدران، قصة أمنون بن داود وبيَّن ما فيها من انحلال خلقي وطعن في بيت النبوة ويقدم تعليقة على القصة مشيرًا إلى ما فيها من جرائم خلقية تسىء إلى أولاد الأنبياء فيقول: (يروى سفر صموئيل الثاني ما يخجل الإنسان من روايته، يروى ما تشيب له الولدان، يروى قصة زنا لا تحدث مع أعتي الفجرة، وحتى أعتي الفجار لا يجرؤ على فعل ما أقدم عليه أمنون بن داود ... ابن داود النبي الملك، ملك يهوذا وكل إسرائيل كما يقولون. إمّا قصة زنا أخ بأخته والاثنان أبناء نبي .. فأين مثل الأنبياء وأسوتهم؟ إنها لا بد وأن تبدأ من أسرته فيتخلق أبناءه: بخلقه) (¬4). ¬

_ (¬1) متى: (1/ 3 - 7) نسب يسوع المسيح. (¬2) إظهار الحق: 2/ 564. (¬3) التوراة: د/ بدران، ص 61. (¬4) التوراة: د/ بدران ص 97، بتصرف يسير.

تبدأ القصة بأن أمنون بن داود، رأي أخته ثامار فلفت نظره جمالها البارع هكذا فجأة يشعر بجمالها يسحر ليه. ويأخذ بكل عقله، وهام أمنون بأخته حبًا لدرجة أنه مرض من السهاد وساءت صحته بسبب أخته وجمالها الأخاذ وأفضى أمنون بن داود بكل ما في قلبه إلى ابن عمه" يوناداب بن شمعى" ويقول النص: "وكان يوناداب رجلًا حكيمًا حبرًا فبماذا أشار عليه هذا" الحكيم" يقول الكتاب المقدس: "فقال يوناداب اضطجع على سريرك وتمارض. وإذا جاء أبوك الملك (داود النبي والملك) ليراك فقل له دع ثامار أختي فتأتي وتطعمني خبرًا وتعمل أمامى الطعام لآكل .. " وهكذا رسم الحكيم الخطة المحكمة لابن عمه العاشق أخته ونفذ المفتون بأخته كل تفاصيل الخطة بكل دقة. وأتت أخته لتخدمه وهجم عليها فصرخت ولم يسمع صراخها أحد؛ لأنه وابن عمه دبرا كل شيء بإحكام وزنا أمنون بأخته ثامار وتوسلت إليه (حسب قول الكتاب المقدس) واسترحمته فلم يرحم. وماذا يقول الكتاب المقدس عن ثامار وأمنون بعد هذا؟: "ثم أبغضها أمنون بغضه شديدة جدًا حتى إن البغضة التي أبغضها إياها كانت أشد من المحبة التي أحبها إياها" وماذا قال العاشق المفتون لأخته بعد أن زنا بها يقول الكتاب المقدس" وقال لها أمنون: قومى انطلقى" بل يقول أنه أمر خادمه بطردها من حجرته شر طرده) (¬1). ثم يذكر د/ بدران، نصًا آخر يناقض هذا النص فى الحكم يقول هذا النص: "وإذا أخذ رجل أخته بنت أبيه أو بنت أمه. ورأى عورتها ورأت عورته فذلك عار يقطعان أمام أعين شعبهما. قد كشف عورة أخته. يحمل ذنبه" (¬2). (مجرد كشف العورة حرام في الشريعة الموسوية وجزاء هذا الذنب القطع أي الموت وأمام كل الشعب. ولكن ماذا فعل داود؟ لا شىء كل ما فعله أنه اغتاظ فقط حسب قول الكتاب المقدس: "ولما سمع داود الملك بجميع هذه الأمور اغتاظ جدًا" (¬3) النبي الذي ينفذ شريعة الله لا يفعل شيئًا) (¬4). من خلال ما سبق فقد بين علماؤنا الأجلاء، عن طريق التفسير التحليلي للنصوص التوراتية والقصص في العهد القديم ما يلي: 1. احتواء النصوص على مخالفات وافتراءات تقدح في بيوت الأنبياء وذويهم. 2. التناقض والتعارض بين النصوص في الحكم الواحد، والمسلم حينما يقرأ مثل هذه الأباطيل في كتاب يدعى أصحابه أنه مقدس يصاب بحالة شديدة من الضيق وينكر ما ينسبونه إلى الأنبياء وذويهم بألف لسان ولسان. ¬

_ (¬1) صموئيل الثاني: (13/ 1 - 14) أمنون وثامار وانظر: التوراة د/ بدران ص 98. (¬2) لاويين: (2/ 17) عقوبات الخطية. (¬3) صموئيل الثاني: (13/ 21) أمنون وثامار. (¬4) التوراة د/ بدران ص 98.

حوادث لا أخلاقية تتعلق ببنى إسرائيل

حوادث لا أخلاقية تتعلق ببنى إسرائيل: رصد علماء المسلمين كثيرًا من الحوادث اللا أخلاقية في الكتاب المقدس تعبر عن الانحلال الخلقى وكلها ترتبط ببنى إسرائيل ارتباطًا مباشرًا أو غير مباشر أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر- نصوصًا انتقاها د/ على خليل، من بين نصوص كثيرة تختوى على جرائم أخلاقية تشمئز منها الفطرة النقية لخروجها وانحرافها من هذه النصوص: 1 - المثال الأوّل: أن رجلًا لاويًا متغربًا في عقاب "جبل أفرايم" (¬1) فاتخذ له امرأة سُريةً من بيت لحم يهوذا فزنت عليه سريته وذهبت من عنده إلى بيت أبيها؛ ومع هذا جاء زوجها وراءها ليطيب قلبها ويردها معه" (¬2). "عادت المرأة معه وجاء إلى مقابل يبوس (أورشليم) وكان معه حماران مشدودان والغلام أي غلامه فانحدر النهار وبدأت الشمس تغيب فقال الغلام لسيده: تعال نميل إلى مدينة اليبوسيين هذه ونبيت فيها، فقال له سيده لا نميل إلى مدينة غريبة حيث ليس أحد من بنى إسرائيل هنا نعبر إلى جبعة (¬3) وقال لغلامه تعال نتقدم إلى أحد الأماكن ونبيت في جبعة أو في الرّامة (¬4) فعبروا وذهبوا وغابت لهم الشمس عند جبعة التي لبنيامين فمالوا إلى هناك لكي يدخلوا ويبيتوا في جبعة وجلس في ساحة الدينة ولم يضمهم أحد إلى بيته للمبيت وإذا برجل شيح جاء من الحقل عند المساء .... فقال الرجل الشيخ السلام لك إنما كل احتيِاجك علىّ ولكن لا تبت في الساحة وجاء إلى بيته وعلف حميرهم فغسلوا أرجلهم وأكلوا وشربوا" (¬5) وفيما هم يطيبون قلوبهم إذا برجال المدينة رجال بنى بليعال أحاطوا بالبيت قارعين الباب وكلموا الرجل صاحب البيت الشيخ قائلين: أخرج الرجل الذي دخل بيتك فنعرفه فخرج إليهم الرجل صاحب البيت وقال لهم: لا يا اخوتي لا تفعلوا شرًا، بعد ما دخل هذا الرجل بيتي. لا تفعلوا هذه القباحة فأمسك الرجل سريته وأخرجها إليهم خارجًا فعرفوها وتعللوا بها الليل كله إلى الصباح وعند طلوع الفجر أطلقوها، فجاءت المرأة عند إقبال الصباح وسقطت عند باب بيت الرجل ... فأخذها ... ودخل بيته وأخذ السكين وأمسك سريته وقطعها مع عظامها إلى اثني عشرة قطعة وأرسلها إلى جميع تخوم (¬6) إسرائيل (¬7). ¬

_ (¬1) هى: الأرض الجبلية الواقعة والقسم الأوسط من فلسطين الغربية والتي عينت نصيبًا لسبط أفرايم (قاموس الكتاب المقدس ص 91). (¬2) قضاة: (19/ 1 - 3) اللاوي وسريته. (¬3) هى: اسم عبري معناه "تل" اسم لعدة قرى منها "جبعة بنيامين"، هى تل الفول الحالية إلى على بعد 4 أميال شمال أورشليم شرقي الطريق من أورشليم إلى نابلس (قاموس الكتاب المقدس ص 246). (¬4) هى: قرية صغيرة مبنية على هضبة عالية في نصيب سبط بنيامين على بعد خمسة أميال شمالي أورشليم على طريق بيت أيل بناها بعشا ملك إسرائيل (قاموس الكتاب المقدس ص 392). (¬5) انظر: قضاة: (19/ 3 - 22) السابق. (¬6) معناها: حدود (قاموس الكتاب المقدس ص 213). (¬7) قضاة: (19/ 22 - 29) اللاوي وسريته.

2 - المثال الثاني: الصراع بين شاول وداود

ويعلق د/ على خليل، على هذه الحادثة البشعة بقوله: إنه انحطاط كبير في القيم الأخلاقية، جريمة بشعة جدًا، وسلوك شائن ومرعب جدًا قام به اليهود ببساطة ويقرأ عنه أطفالهم اليوم بافتخار ويقتدون به ويستحضرونه في سلوكهم اليومي الديني والمدني (¬1). 2 - المثال الثاني: الصراع بين شاول وداود: وفي سفر صموئيل الأوّل حوادث تتعلّق ببني إسرائيل تفوح منها رائحة الانحلال الخلقي ... واللا إنسانية فنقرأا عن سلوك كل من "شاول" (¬2) وداود أثناء الصراع بينهما على السلطة وكيف كان كل طرف يسعى لدفع الآخر عنه بطرق وأساليب غير مشروعة محورها عمومًا المرأة والغدر (¬3). إن شاول لكي يتخلص من داود قرر أن يزوجه ابنته الكبرى "ميرب" (¬4) علمًا أنها كانت قد تزوجت من رجل يدعي "عدرئيل المحولي" (¬5) لم يكن ليهتم بمسألة الأخلاق ابنته متزوجة وهو يريد أن يطلقها من زوجها ليعطيها لرجل آخر نظرًا لأنّ مصلحته تقتضي ذلك (¬6). داود كان يميل إلى "ميكال" (¬7) الفتاة الأصغر للملك شاول وهي كانت تميل إليه وقد وافق شاول أن يزوجها لداود، ليس لأنه يريد أن يكون داود صهره ويُسعد ابنته بل من أجل أن تكون شركًا له ويقتله الفلسطينيون (¬8) حيث نقرأ: "ميكال ابنة شاول أحبت داود فأخبروا شاول فحسن الأمر في عينيه، وقال شاول أعطيه إياها فتكون له شركًا وتكون يد الفلسطينيين عليه (¬9). ¬

_ (¬1) التعاليم الدينية ص 26. (¬2) شاول هذا غير شاول العهد الجديد الذي هو بولس (قاموس الكتاب المقدس، ص 503). (¬3) التعاليم الدينية ص 26. (¬4) هى: ابنة شاول البكر وكان شاول قد وعد أن يعطيها لداود امرأة إلا أنه أعطاها لعدرائيل المحولي وأعطي داود ميكال أختها (قاموس الكتاب المقدس ص 939). (¬5) هو: عدرائيل بن برزلاى المحولي. زوجه شاول ابنته البكر، ميرب التى كان قد وعد داود بها (صموئيل الأوّل 18/ 19) (قاموس الكتاب المقدس ص 612). (¬6) الإصحاح: (18/ 17 - 19) غيرة شاول من داود. (¬7) هى: ابنة شاول الثانية أمهرها داود بمائتى غلفة من الفلسطينيين فأخذها امرأة له، (قاموس الكتاب المقدس ص 940). (¬8) التعاليم الدينية ص 26. (¬9) الإصحاح: (18/ 20 - 22) غيرة شاول.

لقد طلب شاول مهر ابنته ميكال مائة غُلفةٍ من الفلسطينيين كما يرد في سفر صموئيل الأوّل: "فقال شاول هكذا تقولون لداود ليست مسرة الملك بالمهر بل. بمائة غلفةٍ من الفلسطينيين للانتقام من أعداء الملك وكان شاول يتفكر أن يوقع داود بيد الفلسطينيين (¬1). وفي نهاية هذه الانتقادات اللاذعة لما في التوراة من انحلال أخلاقي يقول أ/ عبد الله التل، مؤكدًا غرابة هذا السلوك المشين الذي تروج له التوراة وتدعو له عبر نصوصها: (ما اكتسب العهر والفجور والفسق والدعارة قداسة كما اكتسب في توراة اليهود، ونظمت التوراة بمهارات لم يسبق لدين من الأديان أن أباحها أو عالجها بالشكل الذي عولجت به في دين اليهود، وتعد التوراة بحق الكتاب الأوّل في التاريخ كله الذي قدَّم للإنسانية الدروس الأولى في الانحلال الخلقي والإباحية (¬2). وتحت عنوان الفسق والدعارة ساق أ/ عبد الله التل نصوصًا كثيرة تبيّن مدى ما وصل إليه السلوك اليهودي من خلال التوراة إلى الانحراف والانحلال (¬3). ¬

_ (¬1) الإصحاح: (18/ 25) غيرة شاول، بالمعني. (¬2) جذور البلاء أ/ عبد الله التل، ص 38. (¬3) انظر: المرجع السابق، ص 38 - 44.

المبحث الرابع الغدر والخيانة

المبحث الرابع الغدر والخيانة عند دراسة السلوكية اليهودية من خلال مؤلفات علمائنا الأفاضل يستطيع الباحث أن يتعرف بسهولة على تلك المواضع التي تفوح منها رائحة الغدر والخيانة فى الكتاب المقدس. ولقد كان للدكتور/ على خليل جهد مشكور في رصد تلك المواطن والتعليق عليها من خلال الأسفار التوراتية ولذلك يقول: (إن من يقرأ الأسفار التوراتية يخلص إلى نتيجة مفادها أن الغدر والخيانة والانحلال الخلقى كانت من الثوابت التي سار عليها أسلاف اليهود اليوم، وهذه الثوابت جوهرية في الفكر المديني اليهودي، فقد بُنيت اليهودية على مبدأ التوجس من الأغيار والاستعلاء والعدوان والعنصرية، وهذه النزعات لا بد وأن تطبع الروح اليهودية بصفات الغدر والخيانة والانحلال الخلقي، فاليهودي يحق له أن يسرق .. لكن ليس يهوديا مثله بل أي شخص من الأغيار وكذلك الأمر بالنسبة للزني والقتل والغدر والخيانة وغيرها) (¬1). ثم ذكر أمثلة من الأسفار التوراتية تؤكد وجود الغدر والخيانة في نصوص الكتاب المقدس: 1. احتال أولاد يعقوب على أبيهم ليغدروا بأخيهم الصغير يوسف فأخذوه معهم إلى البرية وتآمروا عليه هناك وغدروا به ورموه في بئر ليموت فيها ويتخلصوا منه لأنه كان له حظوة عند أبيه (¬2) والنص يقول: "فلما أبصروه من بعيد قبلما اقترب إليهم احتالوا له ليميتوه. فقال بعضهم لبعض هو ذا صاحب الأحلام قادم. فالآن هلم نقتله ونطرحه في إحدى الآبار ونقول وحش رديء أكله" (¬3). 2. حادثة اغتيال أوريا الحثي: وفيها غدر داود بالقائد أوريا الحثي ليأخذ زوجته (¬4). وقد مر ذكر هذه القصة (¬5). ¬

_ (¬1) التعاليم الدينية ص 23. (¬2) المرجع السابق ص 23. (¬3) تكوين: (37/ 18 - 21) يوسف يُباع من اخوته. (¬4) انظر: صموئيل الثانى: (11/ 2 - 13) داود وبتشبع. (¬5) انظر: ص 163 - 165 من هذة الدراسة.

3 - حادثة الغدر والخيانة التي قام بها "إهود بن جيرا" (¬1) عندما أرسله بني إسرائيل لملك موآب، فقد دبر خطة. بملك موآب وقتله" فعمل إهود لنفسه سيفًا ذا حدين طوله ذراع وتقلده تحت ثيابه على فخذه اليمني وقدم هدية "لعجلون" (¬2) ملك موآب ... ولما انتهي من تقديم الهدية صرف القوم حاملى الهدية ... أما هو قال للملك لي كلام سر إليك أيها الملك ... فدخل إليه وضربه في بطنه" (¬3). 4 - وفي سفري صموئيل الأوّل والثاني نقرأ مزيدًا من حوادث الغدر والخيانة والقتل ونفذها بنو إسرائيل فيما بينهم من جهة وبين سكان كنعان من جهة أخري (¬4). وغير ذلك من الأمثلة كثيرًا جدًا في الكتاب المقدس وذكرها د/ على خليل في كتابه. ويقول د/ عابد الهاشمى في كتابه التربية في التوراة عن الغدر والخيانة: (إنه من الوصايا الرذيلة في الكتاب المقدس التي تبيح الغدر حين التعامل مع الآخرين، فتبيح التوراة المحرفة لبني إسرائيل أن يتستروا بالخداع والخيانة لينالوا من خصومهم ومن تعاليم التوراة لهم أنها تقول: يجوز لكم أن تتظاهروا بصفاء النية وحسن الجوار، ويجوز لكم أن تدينوا بدينهم وتقورون إليهم، وتضربون الأوتاد في أصداغهم حتى تنفذ إلى الأرض) (¬5). وهكذا بهذا الحقد والوحشية يوصي إلههم افتراءً عليه أن يتعاملوا مع غيرهم من البشر، بتغيير دينهم ظاهرًا حتى يغدروا بخصومهم وينتقموا منهم، وفي سفر القضاة قصتين من الخداع انتهت إلى القتل بوحشية نادرة (¬6). وكان للأستاذ / عبد الله التل، وقفة نقدية مع العهد القديم أثبت فيها بالأدلة أن ما حل بالعالم من ويلات وبلاء كامن في التطبيق العملي للخلق اليهودي وأن جميع عمليات الغدر والخيانة فيه لها تبرير وسبب في نظرهم، والحق أن هذا التبرير وتلك الأسباب حين توضع في الميزان التقويمي يتبين لأول نظرة ميلها عن الصواب وصدمها للفطرة الإنسانية فيقول: ¬

_ (¬1) هو: إهود بن جيرا من سبط بنيامين عين قاضيًا لبني إسرائيل وكان إهود اعسرًا، وقد قتل عجلون ملك موآب الذي أدل بني إسرائيل وقاد شعبه إلى النصر على المؤآبيين (قاموس الكتاب القدس ص 128). (¬2) هو: ملك موآب، احتل أريحا مدني 18 عامًا واستعبد بني إسرائيل متحالفًا مع العمونيين والعمالقة وفرض عليهم الضرائب، وخلص بني إسرائيل منه إهود بن جيرا الذي ضربه بالسيف وهو يقدم له الهدايا (قامرس الكتاب المقدس ص 608). (¬3) انظر: قضاة: (3/ 15 - 25) إهود. (¬4) التعاليم الدينية: ص 24. (¬5) انظر قضاة: (4/ 18 - 22) , التربية في التوراة: ص 127. (¬6) التربية في التوراة: د/ الهاشمي، ص 127.

(وما أكثر دروس الحقد والغدر والمكر التي تسردها التوراة ناسبة أغلبها إلى أنبياء اليهود، فقصة أبناء يعقوب مع شكيم الذي تزوج بأختهم تعتبر الدرس الأوّل من هذه الدروس اللا أخلاقية، وهم بعد أن مكروا وخدعوا آل شكيم وأقنعوهم بالاختتان لتتم المصاهرة، ويصبح الشعبان شعبًا واحدًا انقلبوا عليهم بعد تمام عملية الاختتان وأبادوهم (¬1) وغير ذلك من الحوادث التي تحض على الغدر والمكر والخيانة (¬2)، وكذلك حقد رب اليهود -في زعمهم- على الأمم الأخرى غير اليهودية (¬3)) (¬4). ¬

_ (¬1) النظر: القصة كاملة في تكوين: (34/ 13 - 29) وقد سبق ذكرها في ص 247، 256من هذه الدراسة. (¬2) كما في تكوين: (37/ 26 - 28)، صموئيل الثاني: (5/ 17 - 20). (¬3) كما في أشعياء: (34/ 1 - 3). (¬4) انظر: جذور النبلاء: أ/ عبد الله التل، ص 54 - 56 باختصار.

المبحث الخامس الكذب والسرقة

المبحث الخامس الكذب والسرقة د/ محمَّد سيد ندا، في كتابه "جنايات بني إسرائيل" يُعد الكذب من الخصال التي أصرت بدينهم وجنت على المجتمع وفي تعاملهم مع الآخرين أيضًا فهي تدفعهم إلى السرقة وغير ذلك من الأخلاق الرذيلة إذ أن: (الكذب رذيلة محضة تنبئ عن تغلغل الفساد في نفس صاحبها وعن سلوك ينشئ الشر إنشاءً ويندفع إلى الإثم من غير ضرورة مزعجة أو طبيعة قاهرة) (¬1). وقد ذكر د/ محمَّد سيد ندا، نصوصًا كثيرة من الكتاب المقدس تدل على تأصل صفة الكذب في بني إسرائيل. فجاء في سفر أشعياء: "إنهم شعب متمرد أولاد كذبة أولاد لم يشاؤا أن يسمعوا شريعة الرب الذين يقولون للرائين لا تروا وللناظرين لا تنظروا لنا مستقيمات كلمونا بالناعمات انظروا مخادعات" (¬2). وفي أرمياء: "لا تتكلموا عليّ كلام الكذب قائلين هيكل الرب، هيكل الرب، هيكل الرب، ... ها إنكم تتكلمون علىّ كلام الكذب الذي لا ينفع" (¬3). ثم يقول: ولقد بلغ بهم الأمر في الاتصاف بتلك الصفة الخسيسة إلى حدّ أن ظهر فيهم أنبياء كثيرون كذبة أو أن كتبة التوراة وصفوا كثيرًا من الأنبياء الصادقين بأنهم كذابون ليسيغوا لليهود الكذب كيفما أرادوا مادام أنبياؤهم كاذبين (¬4). وفيه -أي أرمياء -أيضًا: "حتى متي يوجد في قلب الأنبياء المتنبئين بالكذب بل هم أنبياء خداع قلبهم" (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: خلق المسلم: الشيخ محمَّد الغزالي، ص 39 ط دار الدعوة ط / 3 - 1411 هـ / 1990 م. (¬2) الإصحاح: (30/ 9 - 10) ويل للأمة المتمردة. (¬3) انظر: الإصحاح: (7/ 4 - 8) الديانة الباطلة لا تنفع. (¬4) جنايات بني إسرائيل: ص220. (¬5) أرمياء: (23/ 9 - 26) أنبياء كذبة.

وتأكيدًا لوجود هذه الخصال الذميمة- من كذب وسرقة وغيرها- في التوراة يقول أ/ عبد الله التل: (الكذب في توراة اليهود من الأمور الشائعة التي يصادفها القاريء في أغلب صفحات العهد القديم البالغة 1358 صفحة، ويأخذ الكذب في التوراة عند اليهود أشكالًا مختلفة، تصور كلها نفسية اليهود المريضة، وخيالهم السقيم وعقولهم السخيفة التي تؤمن بالخرافات والسحر والشعوذة وقد امتلأت التوراة بالوعود الكاذبة التي لفقها حاخامات اليهود وحشوا بها توراتهم مثل وعد الله لإبراهيم -عليه السلام- لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات" (¬1)) (¬2). ولقد ذكر د/عابد الهاشمى، أن اليهود سوغوا لأنفسهم جواز امتلاك ما ليس لهم بدون وجه حق وبين في كتابه "فلسطين في الميزان" كثيرًا من العهود المفتراه على الأنبياء تبيح لهم تملك أرض فلسطين، وقد فند هذه العهود من خلال النصوص التوراتية، مؤكدًا أنه ليس لليهود حق في فلسطين وأكد نقده بوجهة النظر الإِسلامية مدعومًا بالأدلة القرآنية (¬3). ومن المواضع التي تنص على أن الكذب يدفع بني إسرائيل إلى أن يفعلوا ما يشاءون تلك التي رصدها د/ عابد الهاشمي، عن الأوامر المفتراة على الرب بالسرقة والكذب فقال: (فأخبر بنو إسرائيل المصريين أن عندهم عيدًا لثلاثة أيام في البرية، فاستعاروا بأمر الرب أمتعة ذهب وفضة وثيابًا، وسلبوا مقتنياتهم الذهبية والفضية في أكبر سرقة عالمية: "تكلم موسى في مسامع الشعب أن يطلب كل رجل من صاحبه وكل امرأة من صاحبتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب وأعطي الرب نعمة للشعب في عيون المصريين" (¬4). أما سرقة الثياب ففى نص آخر يقول: "وفعل بنو إسرائيل بحسب قول موسى: طلبوا من المصريين أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابًا وأعطى الرب نعمة للشعب في عيون المصريين حتى أعاروهم. فسلبوا المصريين" (¬5). ¬

_ (¬1) تكوين: (15/ 18 - 20) عهد الله مع إبراهيم. (¬2) انظر: جذور البلاء أ/ عبد الله التل ص 65 - 67. (¬3) انظر: ص 135 - 153 من هذه الدراسة. (¬4) خروج: (11/ 2، 3) وانظر: التربية في التوراة ص 127. (¬5) خروج: (11/ 35 - 36) الخروج.

ويعلق د/ بدران، على هذه السرقة بقوله: (إن واقعة السرقة ثابتة تاريخيًا، ولا يستطير كتبة التوراة إنكارها، برروها وبئس ما برروا، لقد ألصقوا التهمة في إله بني إسرائيل وقالوا إنه هو الذي أمرهم بذلك. أي إله هذا الذي يأمر من يتبعونه بسرقة شعب، وأي رسول هذا الذي تكون من مبادئه السرقة؟) (¬1). ولذلك يؤكد أ/ عبد الله التل، وجود هذه الخصلة الذميمة في بني إسرائيل قائلًا: (أباحت التوراة الغش والسرقة والطمع ونسبت إلى الأنبياء تحليهم هذه الصفات القبيحة التي يستنكرها المجتمع الإنساني حتى الجماعات الهمجية البدائية التي لم تر نبيًا واحدًا منذ بدء الخليقة حتى يومنا هذا واستدل بنصوص كثيرة منها: قصة رفقة زوجة إسحاق وأم عيسو ويعقوب تحرض ابنها الأصغر يعقوب على سرقة بركة والده بالغش والبركة من حق الابن الأكبر عيسو (تكوين 27/ 5 - 17) وغير ذلك) (¬2). وفي نهاية هذا الفصل فإن ما سبق يعتبر أمثلة قليلة من كثير ورد في العهد القديم ونماذج تؤكد أن اللا أخلاقية محور ارتكاز تدور عليه النصوص التوراتية .. أضف إلى ذلك ما ذكره أ/ عبد الله التل في كتابه جذور البلاء من لا أخلاقيات العهد القديم (¬3) منها ما يلى: 1 - الظلم والطغيان: وبين أن التوراة أول كتاب في العالم يبيح قتل الأبرياء وأخذ الأبناء بجريرة الآباء (¬4). 2 - الرق والعبودية: وتحت هذا العنوان ذكر نصوصًا تؤكد أن الشعب المختار في نظرة التوراة سيد وبقية الشعوب عبيد يخدمون السادة اليهود إلى الأبد (¬5). 3 - الغاية تبرر الوسيلة: يواصل أ/ عبد الله التل كشف جذور البلاء في العهد القديم فيقولى: أباحت التوراة أن يصل الإنسان إلى غايته بأية وسيلة حتى لو كانت تلك الوسيلة منافية للأخلاق كتقديم إبراهيم التوراتي ساراي امرأته لفرعون ليحصل له الخير بسببها (¬6). ¬

_ (¬1) التوراة: د/ بدران ص 61. (¬2) جذور البلاء أ/ عبد الله التل ص 47 - 51. (¬3) انظر: جدور البلاء أ/ عبد الله التل ص 44، 51، 56، 56، 60 باختصار. (¬4) انظر: عدد: (14/ 18) تمرد الشعب. (¬5) انظر: تكوين: (9/ 20 - 27)، (47/ 18 - 22) يوسف والمجاعة. (¬6) انظر: تكوين: (12/ 10 - 16) إبراهيم في مصر.

وخلاصة الجهود النقدية للعلماء في هذا الموضوع

وخلاصة الجهود النقدية للعلماء في هذا الموضوع: اهتم النقاد من علماء المسلمين، بدراسة السلوك الأخلاقي في العهد القديم، وقد ركزوا في نقدهم على إبراز الظواهر السلبية والانحرافات التي تحتوى عليها النصوص التوراتية، واستوعب نقدهم أغلب أسفار العهد القديم، وكان فارس هذا الميدان، د/ على خليل، في كتابه: التعاليم الدينية اليهودية، فقد استوفى فيه جميع الأسفار بالدراسة النقدية، موضحًا ما وقع فيها من خلل، في الأخلاق وعدوان في السلوك. وبين أنه لا يخلو سفر من أسفار العهد القديم من سلوك لا أخلاقى ومن حادثة عدوان، يليه في الاستيعاب النقدي للجانب الأخلاقي، د/ محمَّد سيد ندا، فقد بين مدى ما تأثرت به المجتمعات من جنايات بني إسرائيل على الدين والمجتمع، وكذلك جهود الدكتور / عابد توفيق الهاشمي، ثم يأتي بعد ذلك باقي النقاد.

الباب الثاني نماذج من نقد متن العهد الجديد

الباب الثاني نماذج من نقد متن العهد الجديد ويشتمل على الفصول التالية: * الفصل الأوّل: جهود علماء المسلمين فى نقد العقائد في العهد الجديد. * الفصل الثاني: جهود علماء المسلمين في نقد الشرائع والعبادات والأخلاق في العهد الجديد.

الفصل الأول جهود علماء المسلمين -فترة البحث- في نقد العقائد في العهد الجديد

الفصل الأول جهود علماء المسلمين -فترة البحث- في نقد العقائد في العهد الجديد ويشتمل على المباحث التالية: - المبحث الأوّل: نقض عقيدة تأليه المسيح. - المبحث الثاني: نقض عقيدة بنوة المسيح لله تعالى. - المبحث الثالث: نقض عقيدة تأليه روح القدس. - المبحت الرابع: نقض عقيدة التثليث. - المبحث الخامس: نقض عقيدة الحلول والاتحاد. - المبحث السادس: نقض عقيدة الصلب والفداء

تمهيد

تمهيد تبيّن فيما سبق أن الله -عز وجل- أرسل سيدنا عيسى -عليه السلام- إلى بني إسرائيل ليزيل تشددهم، ويكِّمل ويتمم لشريعة سيدنا موسى -عليه السلام-، فأتبعه فريق وخالفه فريق آخر ويا ليت من اتبعه منهم قد التزموا بما أمره الله -عز وجلّ- مثلما فعل الحواريون الذين ناصروه واعتدلوا في اعتقادهم به فآمنوا أنه بشر رسول من عند الله -عزّ وجلّ- فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} (¬1). ومن المؤسف أن الذين ادعوا أنهم نصارى قد انحرفوا في اعتقادهم في الله سبحانه وتعالي وفي سيدنا عيسى -عليه السلام- وتلوثت عقائدهم بكثير من العقائد الوثنية متأثرين بعقائد الشعوب التي خالطوها، من هذه الانحرافات العقائدية أنهم اتخذوا رجال الدين عندهم أربابًا من دون الله فقال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (¬2). وانحرفوا عن عقيدة التوحيد الخالص الذي جاء به عيسى -عليه السلام- وغيره من الرسل فجعلوا الله ثالث ثلاثة فقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ} (¬3). وقد اشتهر هؤلاء بالمثلثة وتنص عقيدتهم على أن عيسي ابن الله وتارة يقولون هو الله ويقولون الله الأب، والله الابن والله الروح القدس، وتأصلت فيهم عقيدة التثليث جيلًا بعد جيل إلى الآن، وغالوا في سيدنا عيسى -عليه السلام- فقال الله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬4). ¬

_ (¬1) سورة الصف الآية: (14). (¬2) سورة التوبة الآية: (31). (¬3) سورة المائدة الآية: (73). (¬4) سورة المائدة الآية: (17).

وقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (¬1). وليس ذلك فحسب بل اضطهدوا عيسى -عليه السلام- وأرادوا قتله كما قتلوا غيره من الأنبياء، وادعوا كذبًا أنهم قتلوه وبعد القتل صلبوه وقد نفي القرآن الكريم ذلك وأبطل مزاعمهم فقال تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} (¬2). وزعموا أن هذا الصلب يكفر عنهم خطاياهم التي ارتكبوها فهو المخلِّص والفادي وأن الذنوب لا تُغفر إلا إذا اعترف الخاطئ أمام القسيس وقدم القرابين وصكوك الغفران، وأصبح للكنيسة سلطان على النصارى لا يجب عليهم مخالفته ومن خرج عليها يرمونه بالهرطقة وغير ذلك من القضايا التي جعلوها أساسًا للاعتقاد عندهم بل وضعوا من خلال المجامع المقدسة -في زعمهم- قانونًا يجمع الطوائف المسيحية في صيغة إيمانية واحدة. ولعلماء المسلمين على مر العصور جهود قيمة في نقد هذه العقائد لا سيما -فترة البحث- ولقد أسسوا نقدهم لتلك العقائد على المعايير التالية: 1 - بيان استحالة ما يدعون عقلًا. 2 - بطلان ما يدعون من عقائد لوقوع التناقض بينها وبين غيرها من العقائد الصحيحة. 3 - معارضهَ مزاعمهم الباطلة لنصوص أخرى في الكتاب المقدس. 4 - رد التأويل الفاسد للنصوص إلى التأويل الصحيح بما لا يخالف أصلًا من أصول التوحيد أو يتضمن فسادًا في العقيدة. 5 - التسليم الجدلي لما يدعيه النصارى استدراجًا لهم في إبطال دعواهم. وفي هذا الفصل يتضح جيدًا كيف طبق العلماء هذه المعايير أثناء نقدهم للعقيدة النصرانية على النحو التالي: ¬

_ (¬1) سورة التوبة الآية: (30). (¬2) سورة النساء الآية: (157).

المبحث الأول جهود علماء المسلمين -فترة البحث- في نقد عقيدة تأليه المسيح وإبطالها

المبحث الأول جهود علماء المسلمين -فترة البحث- في نقد عقيدة تأليه المسيح وإبطالها لقد غالى النصارى في المسيح -عليه السلام- فذهبوا فيه مذاهب شتي تتسم بالميل والشطط والانحراف عن الحق والنظرة المعتدلة لشخصيته -عليه السلام- كبشر رسول بعثه الله -عزّ وجلّ- لبني إسرائيل، وهذه العقيدة الباطلة يتم نقدها من خلال المحاور التالية: 1 - مشكلة تأليه المسيح -عليه السلام- وعرض مقولة النصارى الباطلة. 2 - الأدلة التي يستندون عليها من الكتاب المقدس. 3 - جهود علماء المسلمين -فترة البحث- في الرد على المقولة الباطلة ونقد الأدلة. أولًا: مقولة النصارى الباطلة التي تقول بتأليه المسيح -عليه السلام-: اختلف النصارى في تأليه المسيح -عليه السلام- اختلافًا كبيرًا مما يدلّ على الاضطراب والتذبذب الذي يشوب هذه العقيدة، وبالتالى توضع موضع شك وريبة، وتعددت آراؤهم في هذه العقيدة، وقد ذكر د/ سعد الدين صالح، في كتابه مشكلات العقيدة النصرانية (¬1) أوردها على النحو التالي: 1 - منهم من قال: إن عيسى هو الإله الحقيقي وأنه ظهر فقط في صورة إنسان دون أن تكون له حقيقة جسد الإنسان، وهو لم يولد بالحقيقة ولا تألم ولا صُلب؛ بل كان جسده مجرد خيال. 2 - ومنهم من قال: إن المسيح هو إله، ولكنه دون الإله الأب فهو إله مخلوق قبل الخلق، كما أن طبيعته تشبه طبيعة الله، وأن الله أوكل إليه خلق العالم ومن هنا استحق العبادة. 3 - وبعض المعتدلين من النصارى قالوا: إن عيسى ليس إلهًا وإنما هو إنسان كامل أو أعظم إنسان ظهر على وجه الأرض وقد رفض هؤلاء تمامًا فكرة تأليه عيسى أو الجمع بين اللاهوت والناسوت في شخصه. 4 - كما ذهب نسطور إلى أن المسيح بين بين، فلا هو إله كامل ولا هو إنسان كامل ولا يمكن أن يحل الإله في عيسى حلولًا حقيقيًا فهو ابن مريم ومن غير المعقول أن تكون مريم أمًا لله، فالله منزه عن أن يولد أو يموت. 5 - والرأي السائد بين النصارى يقول: باتحاد اللاهوت الكامل بالناسوت الكامل في شخص المسيح، فالمسيح في نظرهم ذو طبيعتين تامتين كاملتين، فهو إله تام وإنسان تام، اتحدا في شخصه الواحد بالتجسد وهم يعتقدون أن المسيح هو الإله الذي خلق السموات والأرض وهو الديان الذي سيحاسب الناس على أعمالهم يوم القيامة. ¬

_ (¬1) ص 94 - 95.

نقد هذه المقولة ومناقشة الإمام ابن تيميه لها

نقد هذه المقولة ومناقشة الإمام ابن تيميه لها: ينتقد الإمام ابن تيميه هذه المقولة الباطلة على اختلاف النصارى فيها على أقوال شيء ويبين أن النصارى لم يستطيعوا أن يثبتوا ألوهية المسيح، وذلك لأن: 1 - النصوص التي استدلوا بها نصوص واهية. 2 - ولأن التحليلات العقلية التى يستنتجونها تحليلات فاسدة ومردودة فيقول: (أنتم لا يمكنكم إثبات كون المسيح هو الله إلا بهذه الكتب، ولا يمكنكم تصحيح هذه الكتب إلا بإثبات أن الحواريين رسل الله معصومون، ولا يمكنكم إثبات إنهم رسل الله إلا بإثبات أن المسيح هو الله، فصار ذلك دورًا ممتنعًا، فإنه لا تُعلم ألوهية المسيح إلا بثبوت هذه الكتب، ولا تثبت هذه الكتب إلا بثبوت أنهم رسل الله، ولا يثبت ذلك إلا بثبوت أنه الله فصار ثبوت الإلهية متوقفًا على ثبوت ألوهيته، وثبوت كونهم رسل الله متوقفًا على كونهم رسل الله فصار ذلك دورًا ممتنعًا) (¬1). فليس للنصارى دليل قوى على ما يدعون في حق المسيح -عليه السلام- من تحليلات عقلية ولذلك قال د/ سعد الدين صالح: ومن الغريب أن هذا الإله الخالق العظيم هو هو الطفل المولود من فرج مريم، وأنه تقدم في نموه العقلى والبدني رويدًا رويدًا حتى اكتمل نموه، يقول لوقا في إنجيله: "أو أما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس" (¬2). (وهذا يفيد أن عيسى الإله كان ينمو بدنيًا وروحيًا وعقليًا، ولا نستطيع أن نعقل كيف حدث هذا، وحتى إذا سلمنا تسليمًا باطلًا بحلول اللاهوت في الناسوت فلنا أن نسأل: ألم يحل اللاهوت بعقله وروحه حلولًا كاملًا؟ أم حل هو الآخر ناقصًا ثم اكتمل مع نمو عيسى من الطفولة حتى الرجولة) (¬3). وفي مناقشة مطولة تناول فيها شيخ الإِسلام الرد على اتحاد اللاهوت والناسوت وامتناع ما يدعون عقلًا، وبُطلان تلك المقولة التي يطلقونها على المسيح -عليه السلام- ويتضح من خلال تلك المناقشة أن شيخ الإِسلام قد برع في استخدام الأدلة العقلية في الرد على النصارى في مشكلة تأليه المسيح -عليه السلام- فيقول رحمه الله: (فإذا كان جوهرًا واحدًا لزم لذلك أن يكون اللاهوت قد استحال وتغير وكذلك الناسوت فإن الاثنين إذا صارا شيئًا واحدًا فذلك الشيء الثالث ليس هو إنسانًا محضًا، ولا إلهًا محضًا، بل اجتمعت فيه الإنسانية والإلهية) (¬4). ¬

_ (¬1) الجواب الصحيح: 1/ 357. (¬2) الإصحاح: (2/ 52) الصبي يسوع يمكث في الهيكل، وانظر مشكلات العقيدة النصرانية ص 95. (¬3) مشكلات العقيدة النصرانية: ص 95. (¬4) الجواب الصحيح: 3/ 134.

ثانيا: الأدلة التي يستدل بها النصارى على تأليه المسيح -عليه السلام-

ومع أنه قد كان الإنسان والإله اثنين متباينين -وهمًا في اصطلاحهم- جوهران، فإذا صار الجوهران جوهرًا واحدًا، لا جوهرين فقد لزم ضرورة أن يكون هذا الثالث ليس هو إلهًا محضًا ولا إنسانًا محضًا ولا جوهران إنسانًا وإلهًا فإن هذين جوهرين لا جوهر واحد، بل شيء ثالث، اختلط وامتزج واستحال من هذا وهذا، فتبدلت حقيقة اللاهوت وحقيقة الناسوت حتى صار هذا الجوهر الثالث الذي ليس لاهوتًا محضًا ولا ناسوتًا محضًا كسائر ما يُعرف من الاتحاد، فإن كل اثنين اتحدا فصارا جوهرًا واحدًا، فلابد في ذلك من الاستحالة في اتحاد الماء واللبن والخمر، وسائر ما يختلط بالماء، بخلاف الماء والزيت، فإنهما جوهران كما كانا لكن الزيت لاصق الماء وطفا عليه لم يتحد به ... وبالجملة فجميع ما يعرفه الناس عن الاتحاد إذا صار الاثنان واحدًا وارتفعت الثنوية، فلابد من استحالة الاثنين (¬1)، وغير ذلك من المحاورات العقلية التى فند فيها شيخ الإِسلام هذه المقولة الباطلة. ثانيًا: الأدلة التي يستدل بها النصارى على تأليه المسيح -عليه السلام-: رصد شيخ الإِسلام، والعلامة رحمة الله الهندي، د/ سعد الدين صالح، د/ مريم زامل وغيرهم من العلماء -فترة البحث- أدلة القائلين بألوهية المسيح -عليه السلام- (¬2) منها ما يلي: أ- بعض الأدلة من العهد القديم: 1 - قول أشعياء: "لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابنًا وتكون الرياسة على كتفه ويدعي اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبديًا رئيس السلام" (¬3). 2 - وفيه أيضًا: "ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانويل" (¬4) ومعني كلمة عمانويل "الله معنا" أو إلهنا معنا (¬5). 3 - وفي ميخا وهو يخاطب بيت لحم: "يخرج الذي يكون متسلطًا على إسرائيل ومخارجه منذ القديم الأزل" (¬6)، وغير ذلك من النصوص التي وردت في العهد القديم وتقرر ألوهية المسيح -عليه السلام- كما يدعون-. ¬

_ (¬1) الجواب الصحيح: 3/ 135، ولمزيد من التفصيل يراجع: 3/ 136 - 146، (¬2) المرجع السابق: 2/ 123، وإظهار الحق: 2/ 353 - 355، ومشكلات العقيدة النصرانية: ص 96. (¬3) الإصحاح: (9/ 6) ولد لنا ولد. (¬4) أشعياء: (7/ 14) آية عمانوئيل. (¬5) قاموس الكتاب المقدس: ص 639. (¬6) الإصحاح: (5/ 2) الوعد بملك من بيت لحم.

ب- بعض الأدلة من العهد الجديد

ب- بعض الأدلة من العهد الجديد: 1 - قول يوحنا: "الحق أقول لكم: قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن" (¬1). 2 - وقوله أيضًا: "والآن مجدني أنت أيها الأب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (¬2). 3 - وجاء أيضًا: "يسوع المسيح هو أمس واليوم وإلى الأبد" (¬3). وغير ذلك من النصوص التى وردت في العهد الجديد وتقرر ألوهية المسيح -كما يدعون-. ثانيًا: جهود علماء المسلمين -فترة البحث- في نقد أدلة القائلين بتأليه المسيح: تنوعت الرؤى النقدية لعلمائنا الأجلاء -فترة البحث- حول دعوى تأليه المسيح -عليه السلام-فمنهم من نقدها نقدًا إجماليًا، ومنهم من فصل القول فيها محللًا تلك النصوص إلى استدل بها النصارى على دعواهم الباطلة- تحليلًا يتفق مع طبيعتها كنصوص مقدسة -في زعمهم-. وكان اعتمادهم الأساسي في نقد هذه العقيدة الباطلة على الأدله العقلية والمحاورات المنطقية، وفيما يلي بيان لتلك الرؤى من خلال دراسة جهود العلماء حول تأليه المسيح -عليه السلام-: 1 - أجمع علماء المسلمين على رد النصوص إلى استدل بها النصارى على ألوهية المسيح -عليه السلام- لأنها نصوص محرفة، ولم يُعرف من كتبها بعد وبالتالى لا يصح الاستدلال بها، ولذلك عندما ناقش د/ سعد الدين صالح هذه الأدلة فندها على مرحلتين: المرحلة الأولي: الرفض الكامل لهذه النصوص التى لا يقبلها عقل ولا منطق وذلك: أ- لأنه يستحيل على نبي من الأنبياء أن يكذب على الله ويدعو الناس إلى عبادته بدلًا من عبادة الله الخالق. ب- لورود معظم هذه الأدلة عن يوحنا تلميذ بولس الأفاك الذي حرَّف العقيدة النصرانية. ج- لأنّ هناك نصوصًا أخرى تنص على أن سيدنا عيسى -عليه السلام- لم يدع الألوهية وإنما ادعى النبوة وحسب .. منها: "لا تسبوا أباكم على الأرض فإن أباكم الذي في السماء وحده ولا تدعو معلمين فإن معلمكم المسيح وحده" (¬4). وفي هذا من التناقض ما فيه فكيف يقولون إنه إله في نصوص وأنه لا يعترف لله بالوحدانية في نصوص أخرى. ¬

_ (¬1) الإصحاح: (8/ 57) يسوع وإبراهيم. (¬2) يوحنا: (17/ 5، 24) صلاة يسوع. (¬3) رسالة بولس إلى العبرانيين: (13/ 8) وصايا ختامية. (¬4) انظر: متي: (23/ 9 - 10) التحذير من الكتبة والفريسيين.

المرحلة الثانية

المرحلة الثانية: التسليم الجدلي بصحة ما استدلوا به عن نصوص مجاراة للخصم ولكن هذه الأدلة لا تدل على أن سيدنا عيسي -عليه السلام- إله عند تفسيرها تفسيرًا يتناسب مع طبيعتها كوحى سماوي مقدس- كما يدعون- (¬1). 2 - التناقض والتعارض بين نصوص الأناجيل في هذه القضية: فإن كانت هناك أدلة يحتج بها النصارى على ألوهية المسيح -كما يدعون- فإن هناك نصوصًا أخرى من الأناجيل تثبت أن المسيح -عليه السلام- ما هو إلا بشر رسول أرسله الله -عزّ وجلّ- إلى بني إسرائيل ويعتريه ما يعترى البشر ويحتاج إلى ما يحتاج إليه البشر. ولذلك يقول د/ عبد العظيم المطعنى، وهو يبين موقف الأناجيل من دعوى تأليه المسيح (¬2): لقد ورد في الأناجيل نصوص كثيرة تدل على أن عيسى إنسان في مواضع متعددة منها: أ- "لماذا تفكرون بالشر في قلوبكم ... ولكن لتعلموا أن لابن الإنسان سلطانًا على الأرض أن يغفر الخطايا" (¬3). ب- "جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب فيقولون: هو ذا إنسان أكول شريب خمر" (¬4). ج- "منذ الآن يكون ابن الإنسان جالسًا عن يمين قوة الله" (¬5). د- "ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلونى وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله" (¬6). ويقول أيضًا: تعددت النصوص التي تصف المسيح -عليه السلام- بأنّه نبي مرسل من هذه النصوص ما يلي: 1 - "من يقبلكم يقبلني ومن يقبلني يقبل الذي أرسلنى من يقبل نبيًا باسم نبى فأجر نبي يأخذ" (¬7). 2 - "ومن قبلنى فليس يقبلنى أنا؛ بل الذي أرسلنى" (¬8). 3 - إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتى إلى العالم" (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: مشكلات العقيدة النصرانية: ص 99 - 102. (¬2) انظر: الإِسلام في مواجهة الاستشراق: د/ المطعني، ص 399. (¬3) متى: (9/ 2 - 6) شفاء مشلول. (¬4) متى: (11/ 16) يسوع ويوحنا المعمدان. (¬5) لوقا: (22/ 69) استهزاء الحراس. (¬6) يوحنا: (8/ 40) أبناء إبراهيم. (¬7) متى: (10/ 40) إرسال الاثنى عشر. (¬8) مرقس: (9/ 37) من هو الأعظم؟. (¬9) يوحنا: (6/ 14) إشباع الخمسة آلاف رجل.

ثم وقف د/ المطعني مع هذه النصوص وقفة نقدية فاحصة قال فيها: إن المفاد الوحيد الذي تشير إليه النصوص المتقدمة ينحصر في هذين الوصفين: 1 - المسيح إنسان. 2 - المسيح نبي مرسل. ولا نزاع في هذين الوصفين؛ بل هما المعتقد الصحيح في عيسى -عليه السلام- وهما يفيدان قطعًا أن المسيح ليس إلهًا، إذ لو كان إلهًا فلن يكون إنسانًا ولا ابن إنسان، ولو كان إلهًا فلن يكون نبيًا ولن يكون رسولًا وها هو يقول: "الذي أرسلنى" فمن هو الذي أرسله؟ "هو الله" وهل الله يرسل "الله" مثله ... ثم قرر في نهاية بيانه هذا: أن الأناجيل خلت من أي كلمة تُشير إلى أنه قال عن نفسه إنه إله (¬1). وقد خصص أبو الفضل المالكي السعودى في كتابه بابًا في إثبات نبوته ورسالته بما أظهر من معجزاته، وقال إن اليهود والنصارى ارتكبوا في شأنه تناقضًا واضحًا وكانوا فيه على طرفي نقيض، فاليهود رموه بالكذب والسحر واستخدام الشياطين في تحقيق أغراضه، والنصارى لم يعترفوا به نبيًا؛ بل قالوا بألوهيته وبنوته لله وأنه خلق العالم وغير ذلك من مخالفات وأباطيل. وقد سار الشيخ رحمه الله في إثبات نبوة سيدنا عيسى -عليه السلام- ورسالته وفي نقده لعقائد النصارى على ما يلي: 1 - الالتزام بالمنهج العلمي في الرد على النصارى ونقد عقائدهم وإبطال مزاعمهم. 2 - يغلب على نقده المنهج التحليلي للنصوص لبيان ما تهدف إليه في ضوء ما تحتمله ألفاظها دون مغالاة أو شطط. 3 - طرح الافتراضات الجدلية استدراجًا للخصم فيما يدعي ثم التدرج به إلى التسليم والاعتراف بالخطأ، وبالتالي إبطال ما يدعو إليه. 4 - يستدل على نقده للقضايا المختلفة بمعنى النص دون أن يذكر النص نفسه، وقد قام الأستاذ الدكتور / بكر زكي عوض بذكر هذه النصوص في الهامش مما يدلّ على تمكن فضيلته من معرفة ما تهدف إليه هذه المعاني من نصوص، فله جهد طيب في تحقيق هذا الكتاب. هذا: وقد ساق الشيخ المسعودى جملة أدلة تؤكد نبوة سيدنا عيسى -عليه السلام- ورسالته منها: "من قبلكم وآواكم فقد قبلنى وآوانى ومن قبلنى فإنما يقبل من أرسلنى" (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: الإسلام: د/ المطعني، ص 403. (¬2) انظر يوحنا: (10/ 40 - 42) إرسال الاثني عشر.

وقال حول هذا الدليل الذي ورد في يوحنا: فهذا يوحنا حبيب المسيح يشهد أن المسيح لم يدع سوى الرسالة وأن من يقبل منه فإنما يقبل من الله الذي أرسله ويذكر أن الله غيره وأن الرب سواه وأنه رسول من عند الله (¬1). بل إن الأناجيل تصرح يأن عيسي وهو يُقاد إلى خشبة الصلب كان يدعو ويقول: إلهى إلهى لماذا تركنني (¬2)، فكيف يكون إلهًا وله إله آخر؟ (¬3). ومما يؤكد بشرية سيدنا عيسي -عليه السلام- أن الصورة التى رسمتها له الأناجيل ليست إلا صورة إنسان لا تتوفر فيه صفات الألوهية فالله عليم خبير لا يخفى عليه شىء والمسيح ليس كذلك (متي 24/ 36)، ومرقس (13/ 32) والله معبود وسميع الدعاء والمسيح عابد يدعو لله (متي 11/ 25) والله حي لا يموت والإنجيل ينص على أن المسيح ظل ميتًا ثلاثة أيام (متى 17/ 23) والله لا تدركه الأبصار والمسيح كانت تدركه الأبصار وظل محدودًا في رحم أمه فترة حملها به والله لا ينام والمسيح ينام (لوقا 8/ 23 - 24) والله قادر والمسيح غير قادر (يوحنا 5/ 30) وغير ذلك من الأوصاف وثبت من خلالها أن المسيح لم يدع الألوهية أو البنوة لله تعالى (¬4). 3 - رد التفسير الخاطئ للنصوص التى استدل بها النصارى وحملوها على حقيقتها والتزموا بالتطبيق الحرفى لها. فقام علماؤنا الأجلاء بتوجيه النظر إلى أن المقصود من هذه النصوص المعنى المجازى وليس المعنى الحقيقى لها، مع عرض هذه الدعوى وتلك المقولات الباطلة على العقل. فمثلًا يقول النصارى: إن "عيسى" إله ويروجون لهذه المقولة بأمرين لا ثالث لهما: الأوّل: ولادته من أم من غير أب. الثاني: قيامه بمعجزات لم تُعرف لغيره (¬5). ¬

_ (¬1) المنتخب الجليل: ص 190. (¬2) متى: (27/ 46) الموت. (¬3) الإسلام في مواجهة الاستشراق: ص 403. (¬4) انظر: تاريخ الإنجيل والكنيسة: أ/ أحمد إدريس، ص 36، 37 بتصرف يسير. (¬5) انظر: الإسلام: د/ المطعنى، ص 376.

مناقشة العلماء للأمر الأول: ولادة سيدنا عيسى -عليه السلام- من غير أب

مناقشة العلماء للأمر الأول: ولادة سيدنا عيسى -عليه السلام- من غير أب: ينتقد العلامة رحمة الله الهندي قولهم بولادته من غير أب بقوله: إن استدلال النصارى بولادة عيسى -عليه السلام- بلا أب هو استدلال ضعيف جدًا؛ لأنّ العالم حادث بأسره، وما مضى على حدوثه إلى هذا الزمان ستة آلاف سنة- على زعمهم- وكل مخلوق من السماء والأرض والجماد والنبات والحيوان وآدم خلق عندهم في أسبوع واحد، فجميع الحيوانات مخلوقة بلا أب وأم، فكل هذا يشارك المسيح في كونه مخلوقًا بلا أب، ويفوق عليه في كونه بلا أم ... آدم -عليه السلام- يفوق عليه وكذلك "ملكى صادق الكاهن" - ملك أورشليم- الذي هو معاصر لإبراهيم -عليه السلام- ففى الرسالة العبرانية: "بلا أب بلا أم بلا نسب لا بداءة أيام له ولا نهاية حياة" (¬1) فيفوق المسيح في كونه بلا أب وفي كونه لا بداية له (¬2). وقد فند شيخ الإِسلام مقولة تأليه المسيح -عليه السلام- بسبب ولادته من غير أب بالأدلة العقلية والنقلية من وجوه كثيرة منها: أن قول الله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (¬3). كلام حق فإنه سبحانه وتعالى خلق هذا النوع البشرى على الأقسام الممكنة ليبين عموم قدرته فخلق آدم من غير ذكر ولا أنثى، ... وخلق المسيح من أنثى بلا ذكر وخلق سائر الخلق من ذكر وأنثى وكان خلق آدم وحواء أعجب من خلق المسيح ... ، فلهذا شبهه الله بخلق آدم، الذي هو أعجب من خلق المسيح، فإذا كان سبحانه قادرًا أن يخلقه من تراب، والتراب ليس من جنس بدن الإنسان، أفلا يقدر أن يخلقه من امرأة هى من جنس بدن الإنسان، وهو سبحانه خلق آدم من تراب ثم قال له كن فيكون لما نفخ فيه من روحه، فكذلك المسيح نفخ فيه من روحه وقال له كن فيكون، ولم يكن آدم بما نفخ فيه من روحه لاهوتًا ولا ناسوتًا؛ بل كله ناسوت فكذلك المسيح كله ناسوت (¬4). ¬

_ (¬1) الرسالة إلى العبرانيين: (7/ 3). (¬2) انظر: إظهار الحق: 2/ 357، 358، بتصرف بالحذف. (¬3) سورة آل عمران الآية: (59). (¬4) الجواب الصحيح: 2/ 340 - 341، بتصرف بالحذف، الجواب الفسيح: 1/ 232.

مناقشة العلماء للأمر الثاني: وهو قيامه بمعجزات لم تعرف لغيره

ويؤكد د/ المطعني، على ما ذهب إليه شيخ الإِسلام من تحليل عقلى منطقى في رده على تأليه النصارى لسيدنا عيسى -عليه السلام- فيقول ردًا على النصارى في استدلالهم: أنتم متفقون معنا بأن آدم أبا البشر -عليه السلام - قد خلقه الله من "تراب" من غير أب ولا أم بيولوجيين فهو إذن أحق أن يكون إلهًا ... وتقرون معنا بأن حواء "أم البشر" خلقها الله من آدم، ولا أم لها باتفاق، هذا إذا اعتبرنا آدم جدلًا- أبًا لحواء-، مع رفض هذا الفهم عقيدة وواقعًا. حواء مخلوقة من ذكر بلا أنثى مع أن طبيعة "التولد" تكون من ذكر وأنثى، وأنتم حين تخلف عنصر "الذكورة" في خلق عيسى اعتبرتم ذلك "التخلق" دليل التأليه، فعليه يلزمكم حعسب مقاييسكم أن تمنحوا حواء درجة الألوهية، ولكنكم مع هذا لم تقولوا بألوهية آدم ولا بألوهية حواء وهذا دليل بُطلان قولكم وكل مولود من غير أب فهو إله وما دامت المقدمة باطلة عقلًا وواقعًا لزم على بُطلانها بُطلان النتيجة، فعيسى إذن غير إله (¬1). مناقشة العلماء للأمر الثاني: وهو قيامه بمعجزات لم تُعرف لغيره: هناك جهود قيمة في إبطال ما يدعيه النصارى من أن المسيح -عليه السلام- قام بمعجزات لم تُعرف لغيره، ويستدلون بها على ألوهيته، يبرز في مقدمة هذه الجهود ما قام به العلامة رحمة الله الهندي وتبعه في ذلك صاحب كتاب الجوهر الفريد وكذلك د/ المطعني. وبينوا أن عيسى -عليه السلام- لم يكن وحده الذي تحققت على يديه المعجزات؛ بل غيره من الرسل أيضًا أيدهم الله بمعجزات كثيرة. فيقول العلامة رحمة الله الهندي: الاستدلال بمعجزاته على ألوهيته، استدلال ضعيف؛ لأنّ من أعظم معجزاته إحياء الموتى مع قطع النظر عن ثبوته وعن أنه يفهم عن هذا الإنجيل المتعارف تكذيبه وأن عيسى -عليه السلام- بحسب هذا الإنجيل ما أحيا إلى زمان الصلب إلا ثلاثة أشخاص، وأحيا حزقيال ألوفًا كما هو مصرح به في الإصحاح 37 من سفره، فهو أولى بأن يكون إلهًا، وأحيا إيلياء ميتًا كما هو مصرح به في الإصحاح 17 من سفر الملوك الأوّل وأحيا اليسع أيضًا ميتًا كما هو مصرح به في سفر الملوك الثاني ... وغير ذلك من معجزات أجراها الله على يد أنبيائه ورسله (¬2). واعتراف المسيح -عليه السلام- بعدم اقتداره على فعل الشىء من نفسه إلا ما علمه الله وأن كل شىء دُفع له من الله وأن الأعمال التى أعطاها الله إياها هى بعينها إلى عملها لتشهد له بأن الله أرسله (¬3). ¬

_ (¬1) الإسلام: د/ المطعني ص 377، 378. (¬2) انظر: إظهار الحق: 2/ 358، المنتخب الجليل: المسعودى، ص 201 - 205، الإسلام: د/ المطعني، ص 386. (¬3) انظر: الجرهر الفريد، ص 92.

وقد رصد م / الطهطاوى، الأسباب التى أدت إلى ظهور هذه العقيدة ومتى ظهرت، والأدلة التى استند عليها النصارى ثم ناقشها مناقشة عقلية متبعًا في ذلك تحليل النصوص تحليلًا منطقيًا يتفق مع العقل والمنطق ورد دعواهم وأبطلها بالأدلة من الأناجيل المختلفة. وبين أن هذه الأناجيل تحمل بين طيات نصوصها عوامل هدم ما تحمله من أفكار باطلة فيقول: 1 - إن ما ورد في الأناجيل من نصوص يدعون أنها تشير إلى ألوهية المسيح، لا يمكن أن يعتبر دليلًا على مثل هذا الأمر الخطير وهو اعتبار المسيح إلهًا، وبخاصة إذا اتضح أن هذه الأناجيل من صنع متى ويوحنا أو من صنع الأجيال المتعاقبة، ونسبت إليهم؛ لأنّ الصلة بين إنجيل عيسى المسيح -عليه السلام- وهذه الأناجيل مقطوعة، والصلة بين هذه الأناجيل والذين نُسبت إليهم تكاد تكون مقطوعة أيضًا (¬1). 2 - أن كلمة ابن الله أو قول "هذا ابنى الحبيب" لو صح هذا أو ذاك لما كان دليلًا قط على ألوهية المسيح، فإنه استعمال مجازى معناه التكريم والطاعة ونظيره إطلاق الأناجيل على العصاة أنهم أبناء الشيطان مع أنهم أبناء آدم والغرض من ذلك أنهم يطيعون الشيطان كطاعة الأبناء للآباء (¬2) وغير ذلك من الأدلة التى ساقها م / الطهطاوى وتبين خطأ استناد النصارى عليها في تأليه المسيح. وأما عن إسهامات صاحب الفارق في إبطال ألوهية المسيح يقول: إن تعميد يوحنا المعمدان -ابن زكريا- للمسيح يناقض زعمهم بأنّه إله وحكاية مجىء المسيح إلى يوحنا المعمدان تقول: "حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منه ولكن يوحنا منعه قائلًا: أنا محتاج أن أعتمد منك، وأنت تأتي إليّ، فأجاب يسوع وقال له: "اسمح الآن لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر" حينئذ سمح له فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء وإذا السموات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلا مثل حمامة وآتيًا عليه، وصوت من السموات قائلًا: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" (¬3). ¬

_ (¬1) النصرانية والإِسلام م / الطهطاوي ص40. (¬2) المرجع السابق ص 41. ولمزيد من التفصيل تراجع ص 41 - 43. (¬3) متى: (3/ 13) معمودية يسوع المسيح، انظر: (قاموس الكتاب المقدس، ص 1106).

ويعلق صاحب الفارق على هذا النص منتقدًا ما يشتمل عليه فيقول: (إن المسيح بشر مخلوق لله تعالى، وأنه قبل أن يأتى إلى يوحنا المعمدان لم يكن الوحي ينزل عليه، وأن أول ما نزل عليه الوحي بواسطة روح الله جبريل؛ لأنّ الله تعالى سماه بذلك كما تشهد به كتبهم وأول ما بلغه عن الله تعالى أنه هو الابن الحبيب الذي به كان سرور الله تعالى ولكن أبي هذا المترجم إلا أن يدلس في كل ما يكتبه حيث أسند الكلام إلى غير جبريل -عليه السلام- (¬1). أما عن الرؤية النقدية للدكتور / السقا، حول عقيدة تأليه المسيح -عليه السلام- فإنه قد أَتبع فيها المنهج التحليلى للنصوص حيث قام برد التفسير الخاطئ الذي يفسره النصارى لنصوص الأناجيل، وفسرها تفسيرًا صحيحًا يتفق وطبيعة المسيح -عليه السلام- وأذكر هنا بعض النماذج توضح ما قام به من جهد في إبطال ألوهية المسيح. حيث يعرض مقولة النصارى ثم يعقب عليها بالرد وبيان بطلانها. 1 - مما يدلّ على أن المسيح في الأزل مع الأب قوله: "والآن مجدني أنت أيها الأب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم لأنك أحببتنى قبل إنشاء العالم" (¬2). الرد: لو كان المسيح في الأزل مع الأب للزم عليه أن يكون هو إلهًا مستقلًا عن الإله الأب، وهذا لا يقول به الأرثوذكس الذين يقولون إن عيسى هو الله نفسه، وهذا التعبير كناية عن أن الله قدر وجود عيسى -عليه السلام- في الأزل كما يقدر وجود أي إنسان (¬3). 2 - مما يدلّ على أن المسيح كان في السماء ونزل إلى الأرض قوله لليهود: "أنتم من أسفل أما أنا فمن فوق، أنتم من هذا العالم أما أنا فلست عن هذا العالم" (¬4). الرد: معني الكلام أنتم تعيشون في اللذات الجسدية، أما أنا فأعيش في عالم الروح، أنتم في عالم الأرض تريدون أن تعيشوا أما أنا ففى عالم السماء مقصودى وقد قا ل المسيح هذا القول بالنسبة لجميع تلاميذه: "لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته ولكن أنكم لستم من العالم؛ بل أنا اخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم" (¬5). لقد سوى بينه وبين تلاميذه في عدم الكون من هذا العالم؛ فلو كان هذا مستلزمًا للألوهية للزم أن يكونوا كلهم آلهة (¬6). ¬

_ (¬1) الفارق بين المخلوق والخالق: ص 55. (¬2) يوحنا: (17/ 5، 24). (¬3) أقانيم النصارى: د/ أحمد حجازي السقا، ص 114 ط / دار الأنصار القاهرة / 1397 هـ / 1977 م. (¬4) يوحنا: (8/ 23) أنا هو نور العالم. (¬5) يوحنا: (15/ 19). (¬6) أقانيم النصارى: ص 115.

3 - يقولون: إن عيسي إله؛ لأنه كان معصومًا من الخطأ بدليل قوله لليهود: "من منكم يبكتنى على خطية" (¬1). الرد: لو كانت العصمة من الخطية سببًا في أن يكون الإنسان إلهًا لكان جميع الرهبان والراهبات عند النصارى آلهة؛ لأنهم يدعون عصمتهم من الخطأ ولكان جميع الباباوات خلفاء بطرس وبولس ومرقس آلهة؛ لأنهم يدعون عصمتهم من الخطايا أيضًا، وقد شهد الكتاب المقدس لبعض الأنبياء بالبر والصلاح فلماذا لم يجعلوهم آلهة؟ (¬2). وغير ذلك من الأدلة التى فسرها النصارى تفسيرًا خاطئًا، ورد عليهم د/ السقا، ونقدها وفسرها تفسيرًا صحيحًا يتفق مع العقل. إضافة إلى ما سبق فإن أظهر شىء وقف عليه النقاد المسلمون - فترة البحث - أن المسيح - عليه السلام - لم يدع الألوهية ولكنه دعا إلى التوحيد وهذا يبطل مزاعمهم في حق المسيح -عليه السلام-. وأكد ذلك أ/ إبراهيم خليل أحمد، في كتابه فقال: "في إنجيل لوقا سأله رئيس قائلًا: أيها المعلم الصالح ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية فقال له يسوع: لماذا تدعونى صالحًا ليس أحد صالحًا إلا واحد هو الله" (¬3). لقد حرص المسيح على أن ينفى عن نفسه صفة الصلاح ويردها إلى الله وحده فكيف يُقال بعد ذلك أن المسيح إله أو ابن إله؟ بل أكثر من هذا نجد في إنجيل مرقس "فجاء واحد من الكتبة وسمعهم يتحاورون فلما رأى أنه أجابهم حسنًا سأله: أية وصية هى أول الكل؟ فأجابه يسوع أن أول كل الوصايا هى اسمع يا إسرائيل: الرب إلهنا رب واحد" (¬4) فلم يدع المسيح أنه إله يُعبد لكن موقفه أمام الله كموقف كل بنى إسرائيل ولقد نادى المسيح -عليه السلام- بالتوحيد صراحة، فجاء في إنجيل يوحنا: "وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته" (¬5) وغير ذلك من الأدلة التي ساقها أ/ إبراهيم خليل، وتدل صراحة على عبودية المسيح لله رب العالمين ودعوته للتوحيد الخالص وأيده في ذلك جميع علمائنا الأجلاء في تناولهم لمناقشة ألوهية المسيح (¬6). ¬

_ (¬1) يوحنا: (8/ 46) أبناء إبليس. (¬2) أقانيم النصارى: ص 115. (¬3) الإصحاح: (18/ 18 - 19) الشاب الغني. (¬4) الإصحاح: (12/ 28 - 29) الوصية العظمي. (¬5) الإصحاح: (17/ 3). (¬6) يُراجع: مناظرة بين الإِسلام والنصرانية لمجموعة من علماء المسلمين والنصرانية، مقال أ/ إبراهيم خليل أحمد، ص 193، نظرة في كتب العهد الجديد وعقائد النصرانية د/ محمَّد توفيق صدق، ص 172، الفارق بين المخلوق والخالق، ص 122، والجواب الفسيح للألوسي، 1/ 196، الجوهر الفريد: ص 118.

وخلاصة ما وقف عليه العلماء في إبطال ألوهية المسيح -عليه السلام- أوجزه فيما يلي

وخلاصة ما وقف عليه العلماء في إبطال ألوهية المسيح -عليه السلام- أوجزه فيما يلي: 1 - أن المسيح -عليه السلام- بشر مخلوق يجرى عليه ما يجرى على سائر البشر من الأكل والشرب والنوم والراحة والتعب وغير ذلك. 2 - أنه -عليه السلام- لم يدع الألوهية؛ بل اعترف بالعبودية لله تعالى ودعا إلى التوحيد الخالص لرب العالمين لا شريك له. 3 - بُطلان ما استدل به النصارى على هذه العقيدة من نصوص لم تصح نسبتها إلى المسيح -عليه السلام- بل لم تصح نسبتها إلى أصحابها الذين كتبوها بعد المسيح -كما يدعون-. 4 - ولادته -عليه السلام- من غير أب معجزة ولكنها لا تكون سببًا في تأليهه؛ لأنّ آدم -عليه السلام- ولد من غير أب ولا أم ومع ذلك لم يقولوا بألوهيته. 5 - اعتراف المسيح -عليه السلام- بأنّه لا يقدر أن يفعل شيئًا من تلقاء نفسه ولكن الله سبحانه هو الفاعل الحقيقى فهو يقول للشيء "كن فيكون". 6 - وقد نفى الله عَزَّ وَجَلَّ مزاعمهم وأبطلها، فأنطق الله عَزَّ وَجَلَّ سيدنا عيسى عليه السلام عندما افتروا على أمه مريم عليها السلام وتكلموا عليها، وقد صور القرآن الكريم ذلك فقال تعالى على لسان سيدنا عيسى: "قال إنى عبد الله أتاني الكتاب وجعلنى نبيًا" (¬1)، فهذا دليل العبودية الكاملة لله رب العالمين، وأنه نبي من أنبياء الله عَزَّ وَجَلَّ، ولقد أخبر الله سبحانه بكفر هؤلاء الذين يتخذون سيدنا عيسى عليه السلام إلهًا فقال تعالى: "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم، وقال المسيح يا بنى إسرائيل اعبدوا الله ربى وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار" (¬2). ¬

_ (¬1) سورة مريم، الآية: (30). (¬2) سورة المائدة، الآية: (72).

المبحث الثانى جهود علماء المسنمين في نقد عقيدة البنوة "بنوة المسيح لله تعالى"

المبحث الثانى جهود علماء المسنمين في نقد عقيدة البنوة "بنوة المسيح لله تعالى" يكاد يتفق معظم النقاد من علماء المسلمين -فترة البحث- في طريقة نقدهم لهذه العقيدة ولغيرها من العقائد. بعرض مقولة النصارى في المسيح -عليه السلام - كالبنوة أو التأليه ثم يذكرون النصوص التى يستندون عليها في تأييد مقولتهم الباطلة والتي أولوها تأويلًا فاسدًا أو حمَّلوها ما لا تحتمل، مع أن الأمر بخلاف ذلك ثم يتناولونها بالمناقشة والتحليل على النحو التالي: 1 - عرض مقولة النصارى الباطلة في سيدنا عيسي -عليه السلام- من البنوة لله تعالى. 2 - الأدلة إلى يستند عليها النصارى في هذه العقيدة من الكتاب المقدس. 3 - جهود علماء المسلمين -فترة البحث- في الرد على هذه المقولة ونقد الأدلة. أولًا: مقولة النصاري الباطلة في سيدنا عيسي -عليه السلام- (بنوة عيسي -عليه السلام- لله تعالى): يرصد د/ سعد الدين صالح، د/ مريم زامل، ما يدعيه النصارى على سيدنا عيسى -عليه السلام- من البنوة لله تعالى فيقول د/ سعد الدين صالح: يدعى النصارى أن عيسى النبي هو ابن الله الوحيد ... ويقولون إن ولادته من عذراء لم تعرف رجلًا على الإطلاق دليل على أن له وجودًا ذاتيًا قبل ولادته منها، ودليل على أن له حياة ذاتية تجعله في غنى عن بذرة حياة من رجل آخر، وإنما استمدها من الله نفسه إذًا فهو أبوه (¬1). ويقول أيضًا: ويزيد النصارى من هذا الدليل توضيحًا فيقولون: (إن عملية الولادة البشرية تتم عن طريق الرجل والمرأة، فالرجل يعطي الروح لابنه في صورة الحيوان المنوي والمرأة تعطى الجسد لابنها، إذ أنها بعد أن تأخذ الحيوان المنوي من الرجل في طريق الرحم، تبدأ في بناء الجسد من حوله، وفي حالة سيدنا عيسى -عليه السلام- يقررون أن التي أعطت الجسد هى مريم فهي أمه ولكن الذي أعطاه الروح هو الله فيكون أبوه ويكون عيسى ابنه) (¬2). ¬

_ (¬1) مشكلات العقيدة النصرانية: د/ سعد الدين صالح، ص 79 بتصرف بالحذف. (¬2) مشكلات العقيدة النصرانية: ص 79، 80.

ثانيا: الأدلة التي يستند عليها النصارى من الكتاب المقدس

وتقول د/ مريم زامل في كتابها: إن عقيدة البنوة تقررت في مجمع نيقية عام 325 م وقد تبنت الطوائف المسيحية من- ملكانية (¬1) ونساطرة (¬2) ويعاقبة (¬3) - هذه العقيدة، واستمرت الطوائف الحديثة- الأرثوذكس والبروتستانت والكاثوليك على نفس العقيدة (¬4). ثانيًا: الأدلة التي يستند عليها النصارى من الكتاب المقدس: إن ما أطلقه النصارى على المسيح -عليه السلام- من مقولات باطلة له مرجعيته الدينية عندهم فلم يكن ادعاؤهم جزافًا بدون دليل ولكنهم يستندون في تدعيم باطلهم بنصوص من الأناجيل والرسائل الأخرى في العهد الجديد. رقد رصدت د/مريم زامل بعض النصوص التي يستدل بها النصارى (¬5) من هذه النصوص ما يلي: 1 - "فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء وإذا السموات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلًا مثل حمامة وآتيًا عليه وصوت من السموات قائلًا: هذا هو ابنى الحبيب الذي به سررت" (¬6). 2 - حكى "مرقس" في إنجيله قصة الرجل الهارب الذي به روح نجسة فقال عنه إنه حين "رأى يسوع من بعيد ركض، وسجد له وصرخ بصوت عظيم وقال: "مالى ومالك يا يسوع ابن الله" (¬7). 3 - قول الملاك جبرائيل لمريم: "وها أنت ستحبلين وتلدين ابنًا وتسمينه يسوع، هذا يكون عظيمًا، وابن العلى يدعى ويعطيه الرب الإله كرسى داود أبيه" (¬8). 4 - وقوله لها كذلك: "الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك، فلذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (¬9). فهذه الأدلة تدور حول معنى تولد الابن من الأب -كما يزعمون-. ¬

_ (¬1) نسبة إلى دين ملوك الرومان يقولون بإله مستقل عن الإله الخالق هو الذي تجسد في شكل إنسان هو يسوع المسيح (انظر: هداية الحيارى ص 310). (¬2) ذهبوا إلى أن المسيح شخصان وطبيعتان -لهما مشيئة واحدة- وأن طبيعة اللاهوت لما وجدت بالناسوت صار لهما إرادة واحدة (انظر: هداية الحيارى ص 310). (¬3) أتباع يعقوب البرادعى يقولون: إن المسيح طبيعة واحدة من طبيعتين إحداهما طبيعة الناسوت والأخرى طبيعة اللاهوت ثم تركبتا فصار إنسانًا واحدًا وجوهرًا واحدًا وشخصًا واحدًا هو المسيح (انظر: هداية الحيارى ص 308). (¬4) انظر: موقف ابن تيميه من النصرانية: ص 326، 327، ط جامعة أم القرى، 1416 هـ، وقد سبق تعريف هذه الطوائف في ص 41 - 42 من هذه الدراسة. (¬5) انظر: موقف ابن تيميه من النصرانية، ص 329، 330. (¬6) متى: (3/ 16، 17) معمودية يسوع المسيح. (¬7) الإصحاح: (5/ 6 - 7) شفاء إنسان به روح نجس. (¬8) لوقا: (1/ 31 - 32) البشارة بميلاد يسوع. (¬9) لوقا. (1/ 35) السابق.

ثالثا: جهود علماء المسلمين -فترة البحث- في نقد الأدلة التي استدل بها النصارى على هذا الادعاء الباطل ومناقشتها

ثالثًا: جهود علماء المسلمين -فترة البحث- في نقد الأدلة التي استدل بها النصارى على هذا الادعاء الباطل ومناقشتها: قام علماء المسلمين -فترة البحث- بالتصدى لهذه العقيدة الباطلة ووجهوا سهام نقدهم لتلك النصوص التى يعتمد عليها النصارى في تأييد دعواهم التى تقول ببنوة عيسى -عليه السلام- لله تعالى: فالدكتور/ سعد الدين صالح، ناقش هذه العقيدة مناقشة موضوعية فقال: إن نصوص الإنجيل التى أفادت ببنوة عيسى -عليه السلام- لله تعالى، نصوص غير صحيحة، ونجل عيسى -عليه السلام- أن يقولها إطلاقًا، لأنها لا تتفق مع العقل وقوانينه، ولا مع الهدف العام للرسالات الذي هو إثبات وحدانية الإله وتنزيهه عن كل نقص، ولكن هذه النصوص تستلزم الشرك بالله وإلحاق ما لا يليق به من الزوجة والولد وما يلزمهما من نقص وعجز وصفات لا تليق بذات الله، ومن هنا رفض القرآن الكريم هذه العقيدة الزائفة وأشار إلى ما يلزم عليها من النقص والعجز فقال تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ. بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (¬1)} (¬2). (وهكذا يشير القرآن الكريم إلى أن ادعاء البنوة لله هو قول بلا علم يتنزه المولى سبحانه وتعالى عنه؛ لأنّ الولد لا يطلبه إلا المحتاج والله سبحانه وتعالى هو الذي أبدع كل ما في السموات والأرض، والولد لا يكون إلا من زوجة، والله كيف تكون له زوجة؟ وكيف يكون له ولد وهو خالق كل شىء والعليم بكل شىء .. إذًا فادعاء الولد لله نقص في ذات الله وهو منزه عن النقص) (¬3). ويقول أ/ أحمد إدريس: قد استخدمت التوراة والإنجيل لفظ ابن الله في حق كثير من الأنبياء وغيرهم، فآدم ابن الله (لوقا 3/ 38) وشيث ابن الله وإسرائيل ابن الله (خروج 4/ 2) وإبراهيم ابن الله وداود ابن الله الأكبر والقاضي والمفتي أيضًا ابن الله (مزامير 82/ 6) وجميع المسيحيين أبناء الله (يوحنا 3/ 9) وجميع بني إسرائيل أبناء الله وكل اليتامى أبناء الله (مزامير 68/ 5) وجميع العامة والخاصة أبناء الله (متي 7/ 11) (¬4). ¬

_ (¬1) سورة الأنعام الآيتان: (100، 101). (¬2) مشكلات العقيدة النصرانية: ص 80. (¬3) المرجع السابق ص 81. (¬4) تاريخ الإنجيل والكنيسة: أ/ أحمد إدريس، ص 35، مشكلات العقيدة النصرانية: ص 82، النصرانية من التوحيد إلى التثليث: ص 231، المسيح في الإِسلام، ومحاورة مع قسيس حول ألوهية المسيح: أ / أحمد ديدات، ص 60، طبعة دار الفضيلة، 1988 م.

المفهوم الحقيقي للبنوة

المفهوم الحقيقي للبنوة: وفي بيان معنى البنوة اعتمد د/ سعد الدين صالح في نقده لهذه الدعوى على أمرين: الأوّل: استحالة ما يدعيه النصارى عقلًا. الثاني: حمل معني البنوة على المعنى المجازي. لعلماء المسلمين جهود قيمة في بيان المفهوم الحقيقى للبنوة وجميع من تناول هذه القضية وجه نقده إلى هدم ما يدعيه النصارى من حمل الألفاظ الواردة في التوراة والإنجيل في هذه القضية على حقيقتها وأنها تتعارض مع العقل فلا يقبلها بحال من الأحوال لأنها مستحيلة في حق الله تعالى من هؤلاء العلامة رحمة الله الهندي والألوسى، ود/ سعد الدين صالح ود/ مريم زامل، فالعلامة رحمة الله الهندي في نقده لهذا المفهوم يضعف حمل اللفظ على المعنى الحقيقى ويرده فيقول: إن إطلاق لفظ ابن الله على المسيح في غاية الضعف؛ لأنّ هذا الإطلاق معارض بإطلاق ابن الإنسان ... ؛ لأنه لا يصح أن يكون لفظ "ابن". بمعناه الحقيقى؛ لأنّ معناه الحقيقي باتفاق لغة أهل العلم من تولد من نطفة الأبوين، وهذا محال في هذا المقام، فلابد من الحمل على المعنى المجازي المناسب لشأن المسيح (¬1). ولذلك يقول أ/أحمد ديدات: إن البنوة لله لفظ مجازى يستخدم على سبيل الاستعارة، ولفظتا ابن الله، كانتا شائعتين في الاستخدام لدى اليهود (¬2). والدكتور / سعد الدين صالح: قد أكد نقده بالاستدلال من العهد الجديد لبيان خطأ النصارى في فهمهم المبنوة وردهم إلى المفهوم الحقيقي لها ولذلك بدأ نقده متسائلًا فقال: (ما هو المفهوم الحقيقى للبنوة إلى وردت في التوراة والإنجيل؟ هل هى بنوة حقيقية عن طريق التوالد والتناسل والنسب؟ أم أن البنوة مجازية معناها القرب من الله والسير على تعاليمه؟) (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: إظهار الحق: (2/ 351) بتصرف بالحذف. (¬2) المسيح في الإسلام: أ/ أحمد ديدات، ص60. (¬3) مشكلات العقيدة النصرانية: ص 83.

وأجاب عن ذلك بقوله: (بالتأكيد أن المعني الأوّل لا يليق في حق الله إطلاقًا، ولو أخذ به النصارى وادعوا أن عيسى هو ابن الله الوحيد يُقال لهم: إن كل الذين وصفوا بأنهم أبناء الله في التوراة والإنجيل يشاركون عيسى -عليه السلام- نفس الوصف مع أنه مستحيل عقلًا في حق الله، وقد جاءت كل الرسالات لتتريهه عن النقص، إذن لا بد أن يكون للبنوة مفهوم آخر هو المعنى المجازى الذي يليق في حق الله وهو أن البنوة معناها القرب من الله والمحبة والسير على تعاليمه واتباع أوامره واجتناب نواهيه. وفي هذا المعنى يقول من: "أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم ... لكى تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات" (¬1)) (¬2). وتزيد د/ مريم زامل، على ما سبق بُعدًا توضيحيًا يوضح بُطلان البنوة لله تعالى فتقول: إن عيسى -عليه السلام- قد أوضح لنا هذا المجاز وأن بنوة الله بالأعمال: "أنتم تعملون أعمال أبيكم" (¬3) فهي ليست بالتناسل والتوالد وإنما بالعمل الصالح وصدق الإيمان. ونفس المعني ردده "بولس" في رسالته إلى أهك رومية: "لأنّ كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله" (¬4). وقد جاء في الأناجيل لفظ "ابن الله". بمعنى المؤمن الصالح الطائع، من ذلك ما رواه "مرقس" في إنجيله حيث يقول: "ولما رأى قائد المئة الواقفى مقابله، وأنه صرخ هكذا، وأسلم الروح قال: حقًا كان هذا الإنسان ابن الله (¬5) " (¬6). ويؤكد هذا الإطلاق -إطلاق لفظ الابن علي المؤمن الصالح- صاحب كتاب الفارق بين المخلوق والخالق - وهو ينتقد ما جاء في من (5/ 44، 45) "لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات" يقول: الذي يظهر من هذه الجمل أن في الزمن الأوّل كانوا يسمون المؤمن الطائع ابن الله كما هو الواضح من نصوص التوراة، وأبناء الله بصيغة الجمع هم المؤمنون الطائعون، كما أن الآب يستعمل. بمعنى الموجد الحقيقى وهو الله تعالى، فلا إشكال ولا بأس إذن بإطلاق لفظ ابن الله على المسيح بالمعنى المذكور وإلا لزم أن يكون جميع المؤمنين أبناء الله حقيقة كالمسيح إذ صرح بقوله: "كونوا أبناء الله" فلا بد من حمل معنى كلامه على ما تقدم (¬7). ¬

_ (¬1) متى: (5/ 44، 45) محبة الأعداء. (¬2) مشكلات العقيدة النصرانية ص 83. (¬3) انظر: يوحنا: (8/ 41) أبناء إبراهيم. (¬4) رسالة بولس إلى رومية: (8/ 14) الحياة حسب الروح. (¬5) الإصحاح: (15/ 39) الموت. (¬6) موقف ابن تيميه من النصرانية (1/ 436). (¬7) الباجة جي زادة البغدادي ص 70.

ويقيم البغدادي رحمه الله، الأدلة العقلية والنقلية على بطلان القول ببنوة المسيح لله تعالى وبالتالي أبوة الله له على الحقيقة فيقول: جعل المسيح "ابن الله" أي مولودًا منه -كما أطلق عليه النصارى ذلك- مردود عقلًا ونقلًا. أما من جهة العقل: فإن الإله يجب أن يكون واجب الوجود لذاته، فولده إما أن يكون أيضًا واجب الوجوب أو لا يكون، فإن كان واجب الوجود لذاته كان مستقلًا بنفسه، قائمًا بذاته، لا تعلق له في وجوده بالآخر، ومن كان كذلك لم يكن مولودًا البتة؛ لأنّ المولودية تشعر بالفرعية والحاجة وإن كان ذلك ممكن الوجود لذاته فحينئذ يكون وجوده بإيجاده واجب الوجود لذاته ومن كان كذلك فيكون مخلوقًا لا ولدًا فثبت أن من عرف الإله ما هو (أي مفهوم الإله وحقيقته) امتنع أن يثبت له ولد ... إلى غير ذلك من الأدلة العقلية التى ساقها إلى أن قال: فثبت بالبداهة بطلان ما ذهبت إليه النصارى (¬1). وأما من جهة امتناع هذه العقيدة نقلًا فيقول العلامة البغدادي: فإذا علمت أن الولد مستحيل على الله تعالى عقلًا، فاعلم أن ذلك ممتنع نقلًا أيضًا؛ لأنّ الكتب السماوية كلها تنزه البارى سبحانه وتعالى عن ذلك حتى التوراة والإنجيل مع كونهما محرفين وما ورد فيهما مما يوهم ذلك فهو مؤل: من ذلك ما ورد في التوراة: "يقول الرب: إسرائيل ابني البكر"، وفي صموئيل الثاني (7/ 14): قال داود: "أنا أكون له أبا وهو يكون لي ابنًا "وفي التوراة" أن داواد ابن الله" وفي لوقا: "آدم ابن الله" وكذلك المؤمن البار أدخل تحت هذا العنوان فلا خصوصية فيه للمسيح -عليه السلام- (¬2). من خلال الجهود السابقة لعلمائنا الأجلاء في نقد عقيدة البنوة يتبين ما يلي: 1 - المقصود من البنوة في حق المسيح -عليه السلام-المعني المجازي لها وهو المحبة والطاعة والسير على تعاليم الله -عزّ وجلّ-. 2 - النصارى يفسرون البنوة بمعناها الحقيقى وهذا مُحال على الله تعالى ولا يليق بذاته المقدسة. 3 - وجود التعارض والتناقض في هذه العقيدة يكفي بردها وإبطالها. 4 - مخالفة هذه الدعوى لصريح المعقول. 5 - عدم قصر إطلاق البنوة على المسيح -عليه السلام- لأنها بالمعنى الصحيح لها -وهو المعنى المجازي- تطلق على غيره من المؤمنين الطائعين أيضًا فلم يكن في هذه اللفظة خصوصية له بالذات عن غيره من الأنبياء. وهذه المقولة التى، يلقيها النصارى جزافًا إنما هي مجرد قول باللسان لا يغير من حقيقة الأمر شيئًا، فقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (¬3). ¬

_ (¬1) الفارق: 184 - 186، 195، بتصرف يسير. (¬2) المرجع السابق: ص 198، انظر: أرقام الإصحاحات لهذه النصوص في ص330 من هذه الدراسة. (¬3) سورة التوبة الآية: (30).

المبحث الثالث جهود علماء المسلمين -فترة البحث- في نقد عقيدة تأليه الروح القدس

المبحث الثالث جهود علماء المسلمين -فترة البحث- في نقد عقيدة تأليه الروح القدس الروح القدس في عرف المسيحيين هو الروح الذي حل على العذراء لدى البشارة لها، وعلى المسيح في العماد وعلى الرسل بعد صعود المسيح إلى السماء وفى نظر المسلمين فإن الذي أرسل إلى العذراء بالبشارة بولادة عيسى -عليه السلام- هو الملك جبريل -عليه السلام- (¬1). وبقراءة متأنية لما قام به علماؤنا الأجلاء حول عقيدة ألوهية الروح القدس يمكن حصر جهودهم فيما يلي: أولًا: عرض مقولة النصارى الباطلة في الروح القدس ونقدها. ثانيًا: عرض أدلة القائلين بألوهية الزوج القدس وجهود العلماء في نقدها. أولًا: عرض مقولة النصارى الباطلة في الروح القدس ونقدها: ألوهية الروح القدس من العقائد الباطلة إلى تمسك بها النصارى وجعلوها من صلب عقيدتهم، وهي عندهم تعتبر الأقنوم الثالث من أقانيم الثالوث المقدس، وقد تقرر تأليه الروح القدس في مجمع القسطنطينية عام 381 م (¬2) والقرار الذي وافق عليه المجمع هو: تأليه الروح القدس ولعن من يقول بغير ذلك فقالوا: (ليس روح القدس عندنا. بمعنى غير روح الله، وليس روح الله شيئًا غير حياته، فإذا قلنا أن روح القدس مخلوق فقد قلنا أن روح الله مخلوق، وإذا قلنا أن روح الله مخلوقة قلنا أن حياته مخلوقة وإذا قلنا أن حياته مخلوقة فقد زعمنا أنه غير حي، فقد كفرنا به ومن كفر به وجب عليه اللعن) (¬3). ويقول د/ محمَّد مجدي مرجان، موضحًا ما يراه أصحاب الثالوث عن هذه العقيدة الباطلة: (يري أصحاب الثالوث أن الروح القدس الذي يمثل عنصر الحياة في الثالوث المقدس يعتبر أقنومًا قائمًا بذاته وإلهًا مستقلًا بنفسه، فالثالوث المقدس ثلاثة أقانيم هي الذات والنطق والحياة، فالذات هو الله الأب، والنطق أو الكلمة هو الله الابن، والحياهَ هى الله الروح القدس، وذلك أن الذات والد النطق والكلمة مولودة من الذات، والحياة منبعثة من الذات) (¬4). ¬

_ (¬1) المسيحية: د/ أحمد شلبي، ص 156 (¬2) انظر: محاضرات في النصرانية: أبو زهرة، ص 133، النصرانية والإِسلام: م / محمَّد عزت الطهطاوي، ص 45، 46، والنصرانية من التوحيد إلى التثليث: ص 235، والمسيحية: د/ أحمد شلبي، ص 156، وحقيقة النصرانية من الكتب المقدسة: د/ السقا، ص 133 ط دار الفضيلة. بدون. (¬3) الجواب الصحيح: 3/ 36، المسيحية: د/ أحمد شلبي، ص 157. (¬4) الله واحد أم ثالوث: د/ محمَّد مجدي مرجان، ص 116 ط دار النهضة العربية. بدون.

نقد الأساس الذي وافق عليه مجمع القسطنطينية بتأليه الروح القدس

نقد الأساس الذي وافق عليه مجمع القسطنطينية بتأليه الروح القدس: يقول فضيلة الشيخ / أبو زهرة في نقده لهذا القرار: (المذكور في مقدمته "ليس روح القدس عندنا. بمعنى غير روح الله" يقول: إن مقدمة هذه السلسلة وهي أن روح القدس هي روح الله فهذا لا يسلمه له مخالفه ولا يستطيع أن يقيم عليه دليلًا، والعقيدة الصحيحة هي أن روح القدس خلقه الله واتخذه ليكون رسولًا بينه وبين من يريد أن يلقى عليه وحيًا من خلقه أو أمرًا كونيًا، فهي ليست روح الله المتعلقهَ بذاته وليس عنده من دليل على ما قال) (¬1). ووافقه على ذلك م / محمَّد عزت الطهطاوي ود/ أحمد شلبي، وزاد على هذا النقد م / الطهطاوي، أدلة من العهد القديم والعهد الجديد (¬2) تؤكد أن من يطلق عليه الروح لا يتصف بالألوهية بأي حال من الأحوال وهذه الأدلة ما يلي: 1 - ما جاء في سفر العدد: "وأخذ من الروح الذي عليه وجعل على السبعين رجلًا الشيوخ فلما حلت عليهم الروح تنبأوا ولكنهم لم يزيدوا" (¬3). 2 - وما جاء في سفر أشعياء: "ويخرج قضيب من جذع يسي وينبت غصن من أصوله ويحل عليه روح الرب" (¬4). 3 - وما جاء في لوقا: "سمعان عليه روح القدس" (¬5). ويعلق م / الطهطاوي، بعد سرده للأدلة بقوله: (ولو كان من يتصف بصفة الروح أو من عليه الروح إلهًا لاشترك في الألوهية مع المسيح السبعون رجلًا الشيوخ من بني إسرائيل مع موسى وسمعان وغيره ممن تأيدوا بالروح) (¬6). ¬

_ (¬1) محاضرات في النصرانية: ص 133. (¬2) انظر: النصرانية والإِسلام ص 46. (¬3) الإصحاح: (11/ 25) سلوى من عند الرب. (¬4) الإصحاح: (11/ 1) جذع يسي، ويسي هو ابن عوبيد وأبو داود وابن ابن راعوث وبوعز (قاموس الكتاب المقدس ص 1065. (¬5) الإصحاح: (2/ 25) ختان الطفل يسوع وتقديمه في الهيكل. (¬6) النصرانية والإِسلام: ص 46.

ثانيا: عرض أدلة القائلين بتأليه الروح القدس وجهود العلماء في نقدها

ثانيًا: عرض أدلة القائلين بتأليه الروح القدس وجهود العلماء في نقدها: ذكر شيخ الإِسلام الأدلة التي استدل بها النصارى على ألوهية الروح القدس وناقشها ورد عليها بطريقة علمية، وقد جاءت هذه الردود في أماكن متفرقة من كتابة .. أذكر منها على سبيل المثال ما يلي: 1 - يستدل النصارى بما ينقلونه على لسان داود النبي: "لا تطرحنى من قدام وجهك وروحك القدس لا تنزعه مني" (¬1). ويُبطل شيخ الإِسلام استدلالهم بهذه الشبهة فيقول في نقده لهذا الدليل: "هذا دليل على أن روح القدس التى كانت في المسيح من هذا الجنس (الموجود في داود وغيره) فعلم أن روح القدس لا خصوصية للمسيح فيها؛ بل هى وباتفاقهم أنها حلت في داود وفي الحواريين وفي غيرهم وليس للمسيح خصوصية في ذلك وإلا فيلزم على قولهم: إن روح القدس هي حياة الله، ومن حلت فيه يكون لاهوتًا، يلزم على قولهم هذا أن يكون كل هؤلاء الذين حلت فيهم روح القدس فيهم لاهوت وناسوت كالمسيح -عندهم- وهذا خلاف إجماع المسلمين واليهود والنصارى ... ، حيث أنهم متفقون على أن داود وغيره عباد الله -عزّ وجلّ- وإن كانت روح القدس فيهم. كذلك فالمسيح عبد الله وإن كانت روح القدس فيه فما ذكرتموه عن الأنبياء حُجة عليكم (¬2). 2 - "اذهبوا إلى جميع الأمم وعمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس إله واحد وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" (¬3). ويرد شيخ الإِسلام على استدلال النصارى بهذا النص مفندًا ما يشتمل عليه فيقول: (إن دليلكم هذا هو عمدتكم على ما تدعونه من الأقانيم الثلاثة، وليس فيه شىء يدلّ على ذلك لا نصًا ولا ظاهرًا. فإن لفظ روح القدس لم يستعمل قط في الكتب الإلهية في معنى صفة من صفات الله، ولم يسم أحد من الأنبياء حياة الله التى هى صفته روح القدس ولا أرادوا ذلك، وإنما أرادوا بروح القدس ما ينزله على الصديقين والأنبياء من الوحى والهدي والتأييد) (¬4). وبناء على ذلك فإن ما استدل به النصارى من نصوص توراتية أو إنجيلية لا يصلح أن يكون دليلًا على ألوهية الروح القدس؛ بل هى حجج واهية لا تعدو إلا أن تكون أدلة ظنية غير قاطعة والدليل إذا تطرق إليه الظن أو الاحتمال سقط به الاستدلال. ¬

_ (¬1) مزامير: (51/ 11). (¬2) انظر: الجواب الصحيح: 2/ 142، بتصرف بالحذف. (¬3) متى: (28/ 19) يسوع يظهر للتلاميذ. (¬4) الجواب الصحيح: 2/ 150، بتصرف.

المقصود بالروح القدس في الكتاب المقدس

المقصود بالروح القدس في الكتاب المقدس: وأمام هذا الانحراف العقائدى يطالعنا د/ محمَّد مجدي مرجان في إطلالة نقدية متميزة تنم عن علم واسع بما يحتوى عليه الكتاب المقدس، ودراية تامة بما ترمى إليه نصوصه، وهو شاهد صدق على ما يدعون، فنجده يحلل النصوص تحليلًا موضوعيًا وفي حيدة تامة ونزاهة واضحة تؤكد حرصه على مشاعر الطرف الآخر متبعًا في مناقشته ما يدعون أسلوب الحكمة والجدال بالتي هي أحسن، وقد بين في كتابه المقصود بالروح القدس وذكر أنها وردت في أماكن متعددة من الكتاب المقدس كل مكان منها يدل على معنى معين لها .. من هذه المعانى التي ذكرها ما يلي: 1 - وردت. بمعنى أن الله خلق آدم من طين ونفخ فيه من روحه فتقول التوراة: "وجبل الرب الإله آدم ترابًا من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفسًا حية" (¬1) أي أن الله أعطى آدم روحًا من خلقه فصار آدم نفسًا حية فروح آدم وحياته نفخة من روح الله. 2 - وردت بمعنى القوة التي يبعثها الله لتأييد أنبيائه وشد أزر عباده الصالحين .. يقول الإنجيل: "روح الرب علىّ لأنه مسحنى لأبشر المساكين" (¬2)؛ "يسوع الذي من الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة، الذي جال يصنع خيرًا ويشفى جميع المتسلط عليهم إبليس لأنّ الله كان معه" (¬3). فلفظ روح القدس هنا مرادف للفظ القوة، فالروح القدس هي القوة إلى أيد الله بها السيد المسيح من لدنه تعالى، وبهذه القوة استطاع المسيح صنع المعجزات وهذه القوة ليست مادية منظورة وليست إلهًا قائمًا بذاته، وإنما هى قوة روحية قدسية (¬4). 3 - وروح الله القدس هي الروح الطيب روح الخير، وذلك بعكس روح الشيطان وهو الروح الخبيث روح الشر تقول التوراة: "فانطلق شاول إلى نايوت في الرامة وحلت عليه روح الرب فجعل يسير ويتنبأ" (¬5) ثم تقول التوراة: إن شاول لما عصى الله بيع ذلك وأصبح رجلًا شريرًا سحب الله منه القوة إلى كان قد أمده بها فتقول: "وابتعد روح الله عن شاول وصار روح رديء يعذبه بأمر الرب" (¬6). ¬

_ (¬1) تكوين: (2/ 7) آدم وحواء. (¬2) لوقا: (4/ 18) رفض الناصرة له. (¬3) أعمال الرسل: (10/ 38) والناصرة مدينة في الجليل شمالي فلسطين (قاموس الكتاب المقدس ص 947). (¬4) انظر: الله واحد أم ثالوث: ص 117 - 120، باختصار وبتصرف. (¬5) صموئيل الأوّل: (19/ 23) ونايوت موضع في منطقة الرامة التى هى قرية تبعد عن أورشليم خمسة أميال (قاموس الكتاب المقدس ص 392، 948). (¬6) صموئيل الأوّل: (19/ 9) شاول يحاول قتل داود.

وخلاصة ما وقف عليه علماؤنا الأفاضل في إبطال تأليه الروح القدس أن

4 - والروح القدس هو الروح الطاهر المبارك الروح الأمين ذلك أن القدس في اللغة معناها الطُهر أو البركة، ومن هنا أُطلق الروح القدس على ملاك الله جبريل -عليه السلام- (¬1). وخلاصة ما وقف عليه علماؤنا الأفاضل في إبطال تأليه الروح القدس أن: 1 - ما استدل به النصارى على ألوهية الروح القدس لا يصلح أن يكون دليلًا على دعواهم. 2 - لىّ أعناق النصوص من قبل النصارى لتأييد ما يدعون. 3 - روح القدس ليست هى الله وليست إلهًا قائمًا بذاته والقول الحق فيها أن المقصود بها جبريل الأمين -عليه السلام-. 4 - أن الله -عزّ وجلّ- أيد بروح القدس أنبياءه وعباده الصالحين لتمدهم بالقوة وتشد من أزرهم. 5 - إبطال ما يدعى النصارى من خصوصية الروح القدس بالمسيح -عليه السلام- ولكن الله -عزّ وجلّ- أيد بروح القدس جميع أنبيائه. ¬

_ (¬1) الله واحد أم ثالوث: ص (122 - 124) باختصار.

المبحث الرابع جهود علماء المسلمين -فترة البحث- في نقد عقيدة التثليث

المبحث الرابع جهود علماء المسلمين -فترة البحث- في نقد عقيدة التثليث تبيّن فيما سبق أن سيدنا عيسى -عليه السلام- دعا إلى التوحيد الخالص ولكن النصارى لم يحافظوا على هذه العقيدة الصحيحة وانحرفوا من الوحدانية إلى التثليث وتحولت النصرانية من الإيمان إلى الكفر ومن التوحيد إلى الشرك بعد رفع المسيح -عليه السلام-، وقد ظهرت عقيدة "التثليث" في مجمع نيقية 325 م الذي وضع أساسها ثم اكتملت صيغتها الرسمية في مجمع القسطنطينية عام 381 م ومع أن عقيدة التثليث تعتبر أهم ركن من أركان النصرانية ولا يعتبر الشخص نصرانيًا إلا إذا آمن بهذا الثالوث فإن الكتاب المقدس لا يشتمل على لفظ الثالوث أو لفظ الأقانيم، ولكن النصارى يحتجون لذلك بأن تعليم الثالوث مطابق لنصوص في الكتاب المقدس (¬1). وهذه العقيدة الباطلة يتم نقدها من خلال المحاور التالية: 1 - الأدلة التي يستدل بها النصارى على عقيدة التثليث. 2 - عرض مقولة الطوائف النصرانية في التثليث. 3 - جهود العلماء في نقد الأدلة والرد عليها. وبالقراءة في كتابات علمائنا الأجلاء يضع الباحث يديه على جملة من النصوص التي استدل بها النصارى على تلك العقيدة وقد ذكرها كل من صاحب الجوهر الفريد أيوب بك صبري ود/ مريم عبد الله زامل، د/ سعد الدين صالح، د/ محمَّد أحمد الحاج .. أذكر هذه الأدلة أولًا، ثم أبين جهود العلماء في نقدها والرد عليها. ¬

_ (¬1) انظر: النصرانية من التوحيد إلى التثليث: د/ محمَّد أحمد الحاج، ص 219، مشكلات العقيدة النصرانية: د/ سعد الدين صالح، ص 117.

أولا: الأدلة التي يستند عليها النصارى في قولهم بالتثليث

أولًا: الأدلة التي يستند عليها النصارى في قولهم بالتثليث: أفادت د/ مريم عبد الله زامل في كتابها، موقف ابن تيميه من النصرانية: (أنه لا توجد للنصارى أدلة صريحة من التوراة تدل على عقيدة التثليث لديهم، وإنما يُفهم ضمنيًا منها، فقد جاءت ألفاظ في التوراة مثل "كلمة الله، حكمة الله، روح القدس ... " ولم يعلم من نزلت إليهم التوراة ما تكنه هذه الكلمات من المعانى؛ لأنه لم يكن قد أتى الوقت المعين الذي قصد الله فيه إيضاحها على وجه الكمال والتفصيل، ومع ذلك فمن يقرأ التوراة في ضوء الإنجيل يقف على المعنى المراد إذ يجدها تشير إلى أقانيم في اللاهوت) (¬1). أما النصوص التي يستدل بها النصارى من العهد القديم ويدعون أنها تدل على التثليث والتي ذكرها العلماء منها ما يلي: أدلة من العهد القديم: 1 - ما جاء في سفر التكوين: "في البدء خلق الله السموات والأرض" (¬2). 2 - والنص الذي يقول: "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (¬3). 3 - والنص الذي يقول: "هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض" (¬4). 4 - وما ورد في سفر أشعياء: "من أرسل ومن يذهب من أجلنا" (¬5). 5 - وفي سفر العدد: "يباركك الرب ويحرسك، يضئ الرب بوجهه عليك ويرحمك يرفع الرب وجهه عليك ويمنحك سلامًا" (¬6). 6 - حادثة ظهور الله لإبراهيم: (¬7) وحادثة ظهور الله في العليقة (¬8). ¬

_ (¬1) 2/ 560. (¬2) تكوين: (1/ 1) البدء. (¬3) تكوين: (1/ 26) السابق. (¬4) تكوين: (11/ 7). (¬5) أشعياء: (6/ 8). (¬6) عدد: (6/ 24 - 26). (¬7) تكوين: (18/ 1 - 33) الزوار الثلاثة. (¬8) خروج: (3/ 1 - 22) موسى والعليقة المشتعلة.

أدلتهم من العهد الجديد

أدلتهم من العهد الجديد: 1 - " بكلمة الرب صنعت السموات وبنسمة فيه كل جنودها" (¬1). 2 - "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس" (¬2). 3 - ومتى جاء المعزى الذي سأرسله إليكم من الأب روح الحق الذي من عند الأب ينبثق فهو يشهد لي" (¬3). 4 - "فإن الذين يشهدون في السماء ثلاثة الأب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد" (¬4). 5 - "الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك فذلك أيضًا القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (¬5). 6 - "فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء وإذا السموات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلًا مثل حمامة وآتيًا عليه" (¬6). وغير ذلك من الأدلة التي ذكرها علماؤنا الأفاضل ويقحمها النصارى في تأييد باطلهم. ويستنتجون من هذه النصوص عقيدتهم الباطلة إلى تقول بالتثليث عن طريق لي أعناق النصوص وتفسيرها حسب أهوائهم، وقد ذكر علماؤنا الأجلاء ما ذهبت إليه طوائف النصارى في تقرير التثليث على النحو التالى: ثانيًا: مقولة الطوائف النصرانية في التثليث: مقولة الأرثوذكس: (يعتقد الأرثوذكس أن الله واحد في أقانيم ثلاثة هكذا: الله -عزّ وجلّ- تعالى عما يقولون علوًا كبيرًا- نزل من السماء واختبأ في بطن مريم العذراء تسعة أشهر وكان لما دخل بطنها نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم أصبح جنينًا كاملًا، ثم خرج طفلًا اسمه عيسي- ونما كما ينمو الأطفال ولا بلغ سن الثلاثين بلغ الرسالة وبعد سنتين وأشهر قتله اليهود وصلبوه، ثم دفن فى القبر ثلاثة أيام ونزل إلى الجحيم وهو في القبر ثم خرج في اليوم الثالث وصعد إلى السموات ويسمي: الأب قبل التجسد ويسمى: الابن بعد التجسد ويسمي: الروح القدس الاسم الذي كان له قبل إنشاء العالم. أي أن عيسى هو الله خالق السماء والأرض والله هو عيسى. ويستدلون على مذهبهم بقول بولس: الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة، كرزبه بين الأمم: أُومِنَ به في العالم رفع في المجد" (¬7)) (¬8). ¬

_ (¬1) مزمور: (33/ 6). (¬2) متى: (28/ 19) يسوع يظهر للتلاميذ. (¬3) يوحنا: (15/ 26) العالم يبغض يسوع والتلاميذ. (¬4) رسالة يوحنا الأولي: (5/ 7) الشهادة ليسوع المسيح. (¬5) لوقا: (1/ 35) البشارة بميلاد يسوع. (¬6) متى: (3/ 16) معمودية يسوع المسيح. (¬7) رسالة بولس الأولي إلى تيموثاوس (3/ 16) الشمامسة. (¬8) أقانيم النصارى: د/ السقا، ص 67.

مقولة الكاثوليك والبروتستانت

مقولة الكاثوليك والبروتستانت: يقولون: إن الآلهة ثلاثة متميزون ومنفصلون: الأب -الابن- الروح القدس- يقول الكاثوليك في شرح الآية الأولى من إنجيل يوحنا: "والكلمة كان عند الله: يعني: أن الكلمة متميز عمن ولده، فالآب غير الابن. والابن غير الآب ومع ذلك فهما شيء واحد في الطبيعة والذات والحكمة" (¬1). (والأقانيم على مذهب الأرثوذكس: مراحل لأنّ الله انقلب إلى إنسان واتخذ جسد إنسان فله طبيعة واحدة ومشيئة واحدة، والأقانيم على مذهب الكاثوليك والبروتستانت ذوات متميزة لأنّ عيسي كما جاء في كلامهم: "مساو للآب بحسب لاهوته، ودون الآب بحسب ناسوته" ومع هذا التميز يقول الكاثوليك والبروتستانت: بأن الله واحد لئلا يكذبوا التوراة والإنجيل المصرحتان بالوحدانية) (¬2). ثالثًا: جهود علماء المسلمين -فترة البحث- في نقد الأدلة السابقة والرد عليها: أَتبع علماء المسلمين -فترة البحث- في نقدهم لتلك الأدلة إلى يستند إليها النصارى في قولهم بالتثليث- اتبعوا منهجًا علميًا متميزًا في هدم هذه العقيدة الباطلة .. برز في هذا المنهج كثير من الرؤى النقدية- لعلمائنا الجلاء- القائمة على أسس ومعايير واضحة ومحددة قد أشرت إليها قبل ذلك في نقد متن العهد القديم وتميزت هذد الرؤى المتنوعة بما يلي: 1 - عرض تأويلات النصارى لهذه النصوص على الحقائق العلمية الثابتة لبيان الصواب من الخطأ في تأويلهم لها. 2 - عرض النصوص على العقل إذ أن العقل السليم هو الميزان الذي يزن الأمور بدقة تامة بعد الاستدلال النقلى. 3 - تحليل النصوص في حدود ما تحتمله الألفاظ دون انحراف أو شطط. 4 - المناقشة المنطقية لهذه الدعوى في حيده تامة وموضوعية كاملة. 5 - بيان خطأ النصارى في استدلالهم وخطأ استنباطهم لأسس هذه العقيدة من النصوص التى يعتمدون عليها. وسوف يتضح هذا المنهج من خلال تتبع جهود علمائنا الأجلاء في نقد عقيدة التثليث وردها ويمكن حصر ما قاموا به من جهود تحت العناوين التالية: 1 - بطلان استنتاج النصارى من الأدلة إلى يستندون عليها في التثليث. 2 - مناقشة الأدلة إلى يستند عليها النصارى في تقرير عقيدة التثليث. 3 - نقد عقيدة التثليث بأدلة من الكتاب المقدس. 4 - نقد عقيدة التثليث بالأدلة والبراهين العقلية. ¬

_ (¬1) أقانيم النصارى ص 68، انظر حواشي على الكتاب المقدس للكاثوليك (3/ 479) ط بيروت 1968 م. (¬2) المرجع السابق: ص 68.

أولا: بطلان استنتاج النصارى عقيدة التثليث من الأدلة السابقة

أولًا: بطلان استنتاج النصارى عقيدة التثليث من الأدلة السابقة: أجمع علماء المسلمين أنه لا يوجد دليل صريح يدلّ على التثليث لا من العهد القديم ولا من العهد الجديد وأن النصوص التي يدعون أمّا تؤيد دعواهم لا تدل من قريب أو من بعيد على أن الآلهة ثلاثة بل تدل على أن الله سبحانه واحد وهو الذي خلق السموات والأرض وما فيهن ولكنهم يلوون أعناق النصوص ويفسرونها حسب أهوائهم ولذلك تقول د/ مريم عبد الله زامل: إن التعبير في النص بلفظ الله أو ألوهيم ليس فيه ما يدل على التثليث لا ضمنًا ولا استتارًا؛ بل كل ما يدلّ عليه النص: أن الله جل جلاله في بدء عمارة الكون خلق السموات والأرض وأن لفظ الجلاله (الله) لا يُطلق إلا على الذات الإلهية وهو الله سبحانه وتعالى فقط وبذلك يتبين تعسفهم وشططهم في تأويل النصوص فأين صيغة الجمع في هذا اللفظ؛ بل إن صاحب قاموس الكتاب المقدس لم يشر إلى أن هذا اللفظ "ألوهيم" يدل على الجمع بل قال: "يدلّ هذا الاسم على صفة الله كالخالق العظيم وعلى علاقته مع جميع شعوب العالم من أمم ويهود" (¬1) فهذا اللفظ التعظيم وليس فيه دلالة على التثليث" (¬2). وفي المناظرة التي تمت بين القس سوجارت والعلامة أحمد ديدات يُلاحظ أن استنتاج القس سوجارت استنتاج خاطئ وقد بين العلامة ديدات بُطلان هذا الاستنتاج واستخدم الاستدلال المنطقى والترتيب العقلى للأفكار والمعلومات التى توضح تلك العقيدة كما يفهمها النصارى ثم يعرض لها بذكر المقدمات السليمة التى تؤدى إلى نتيجة سليمة أيضًا مؤداها بُطلان هذه العقيدة المزيفة والتي يعتقدونها وتوضيح ذلك كالتالى: عبر الأب سوجارت على ذلك بقوله: إن الرب يعلمنا بوجود إله واحد وليس اثنين أو خمسة أو عشرة أو خمسة عشر "وأنه تجلى في ثلاثة أشخاص، ثلاث شخصيات مختلفة نحن نؤمن بوجود الأب السماوي والإله الابن ونؤمن بالروح القدس الذي غشى مريم. إنه إله أيضًا وهم كلُ لا يتجزأ بمعنى أنهم متفقون تمامًا وفي توحد وانسجام لا يختلفون أبدًا ولن يختلفوا أبدًا" (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: موقف ابن تيميه من النصرانية: 2/ 562. (¬2) قاموس الكتاب المقدس: ص 107. (¬3) انظر: المناظرة الحديثة في علم مقارنة الأديان بين الشيخ/ أحمد ديدات والقس سوجارت، ص 192 جمع د/ السقا، مكتبة زهران بالأزهر بمصر 1408 - 1988 م.

وعندما أُعطيت الكلمة للعلامة ديدات قام فأفصح عن تعجبه الشديد من قيام الأب سوجارت بتغيير الكلمة المعبرة عن الرب حيث كان في صباح يوم المناظرة نفسه يستخدم في خطابه لمجموعة من كنيسته كلمة "المولود لله" وهي مستخدمة أيضًا في إنجيل الملك جيمس المعتمدة بالنص "لأنه هكذا أحب الله العالم ... حتى أنه أعطى ابنه الوحيد" والتعبير الإِنجليزي الوارد بالنص يستخدم كلمة "بجتن" أي المولود لله (¬1). ولكن بعد ثماني ساعات فقط وأثناء المناظرة غير الأب سوجارت كلمة "بجتن" إلى كلمة "المتفرد" (¬2). وعندما سُئل الأب سوجارت عما يعنيه بكلمَة "المتفرد" أجاب بأنها في الأصل اليوناني تعني ببساطة: " لم يكن مثله أحد من قبل وما كان أحدًا أبدًا مثل ابن الله، فهو متفرد، ولم يكن أحد من قبل مثل مريم التي أنجبت ابن الله وإنها تعني ببساطة أن أحدًا لم يكن أبدًا مثله من قبل ولن يكون أحد مثله من بعد يكون متفردًا كابن الله متجسدًا في هيئة بشرية (¬3). ثم يقول القس سوجارت: شخص وشخص وشخص: (إلا أنهم ليسوا ثلاثة أشخاص بل شخص واحد) وعندئذ وجه العلامة ديدات الخطاب إلى الأب سوجارت وضرب له المثل التالى: أنت وأخواك لنفترض أنكم ثلاثة توائم متشابهة وأننا لا نستطيع التمييز بينكم أنتم الثلاثة لأنكم متطابقون تمامًا فإذا اقترف أحدكم جريمة قتل هل يمكن أن نشنق الآخر؟ جوابك: كلا وأسألك: ولماذا لا يُشنق؟ فتقول لي: إنه شخص آخر، أوافقك على هذا (¬4). ثم أوضح أن استخدام الكلمات يستدعى صورًا ذهنية حول "الأب السماوي المحب"، والإله الابن والروح القدس. إذن هناك ثلاث صور ذهنية مختلفة ومهما حاولتم فلن تتطابق هذه الصور الثلاثة في صورة واحدة سيكون في ذهنكم دائمًا ثلاث صور ولكن حين أسألكم: كم صورة ترون؟ تقولون واحدة وهذا لا يُطابق الواقع (¬5). ويؤيد النصارى باطلهم بتقريب عقيدة التثليث إلى الأذهان بضرب هذا المثال: "مثال الشمعة" (فالله عندهم -تعالى عما يقولون علوًا كبيرًا- كالشمعة فالشمعة واحدة ولكنها مادة ونور وحرارة فهي ثلاثة في واحد) (¬6). ¬

_ (¬1) الإِسلام والأديان د/ مصطفى حلمي ص 215. (¬2) المناظرة الحديثة عن 135. (¬3) المرجع السابق: 195. (¬4) المناظرة الحديثة: ص 193 - 198. (¬5) المرجع السابق: ص 199، وانظر: الإسلام والأديان، ص 217. (¬6) الإِسلام والأديان: ص 217 نقلًا عن كنت نصرانيًا واصف الراعي، ص 110، مطابع الفرزدق بالرياض، 1407 هـ / 1987 م.

وينتقد د/ مصطفى حلمى هذا المثال بقوله: وهذا المثال متهافت أيضًا لا يعبر عن العقيدة النصرانية، لأنّ الأقانيم عندهم ثلاثة أصول والشمعة أصل واحد (أما الضوء والحرارة فمظهران حادثان طرآ على الشمعة بعد إضاءتها، فإذا انطفأت الشمعة عادت إلى أصلها الواحد وفاتهم أن هناك مصدرًا من أشعل الشمعة فما دوره في الأقانيم الثلاثة وأين مكانه من هذا التشبيه؟) (¬1). ثم يقول د/ مصطفي حلمي: إن هذا المثال إذن مخالف للثالوث النصراني الذي -بحكم صياغته- يقرر تعدد الشخصيات في الإله، وينسب خصائص شخصية منفصلة لكل شخص (¬2). أما د/ عبد الأحد داود، فقد عرض هذه العقيدة -الثالوث- على الحقائق العلمية الثابتة التى لا يختلف عليها اثنان في مشارق الأرض ومغاربها وبين معارضتها لتلك الحقائق ومخالفتها للمنطق والعقل فقال: والرياضيات كعلم إيجابي تعلمنا إن الوحدة ليست أكثر من واحد ولا أقل، وإن واحدًا لا يمكن أن يساوى واحدًا+ واحدٍ + واحدٍ، وبعبارة أخرى فإنه لا يمكن أن يكون الواحد مساويًا لثلاثة لأنّ الواحد هو ثلث الثلاثة، وقياسًا على ذلك فإن الواحد لا يساوى الثلث وبالعكس فإن الثلاثة لا تساوى واحدًا كما إنه لا يمكن للثلث أن يساوى الوحدة ... والذين يقولون بوحدانية الله في ثالوث من الأشخاص إنما يقولون لنا إن كل شخص هو: "إله قدير موجود دائم، أزلي، وكامل، لكنه لا يوجد ثلاثة آلهة قديرين وموجودين ودائمين وأزليين وكاملين ولكنه إله واحد قدير" وإذا لم تكن هناك سفسطة في المنطق المذكور أعلاه فإننا سنطرح هذا "اللغز" الذي تقدمه الكنائس ويكون طرحنا له بالمعادلة التالية: إله واحد= إلهًا واحدًا، إلهٍ واحد + إلهٍ واحد كذلك فإن: إلهًا واحدًا = ثلاثة آلهة! أولًا: لا يمكن لاله واحد أن يساوى ثلاثة آلهة، بل يساوى واحدًا منها فقط ثم يخاطب النصراني بقوله: ثانيًا: بما أنك تسلم بأن كل شخص إله كامل مثل قرينيه، فإن استنتاجك بأن 1+ 1+ 1 = 1 ليس استنتاجًا رياضيًا بل هو ضرب من السخف (¬3). ¬

_ (¬1) الإِسلام والأديان: ص 217 عن كنت نصرانيًا، ص 25. (¬2) المرجع السابق: نفس الصفحة. (¬3) "محمَّد في الكتاب المقدس": د/ عبد الأحد داود، ص 45.

مناقشة علماء المسلمين للأدلة التي يعتمد عليها النصارى في تقرير عقيدة التثليث ونقدها

ثم ينتقل د/ عبد الأحد داود بعد ذلك إلى مناقشة التثليث من الناحيتين المنطقية والعقائدية: (بناءً على تصور أن لكل شخص في الثالوث صفات لا تنطبق على الاثنين الآخرين وتدل هذه الصفات طبقًا للمنطق الإنساني واللغة الإنسانية على وجود قَبْليِه وبَعْدِيه فيما بينهما فالأب يحظى بالمرتبة الأولي ويتقدم على الابن أما الروح القدس فليس متأخرًا فحسب لكونه الثالث في الترتيب العددي بل إنه أقل درجة من أولئك الذين انبثق منهم. ألا يعتبر نوعًا من الإلحاد إذا ما أعيد ذكر هذا الثالوث بترتيب معكوس؟ ألا يعتبر إنشاء الصليب عند مشاهدة القربان المقدس أو تجاوز مبادئه، نوعًا من الزندقة عند الكنائس إذا عكست العبارة وصارت على النحو التالي: باسم الروح القدس، والابن والآب؟ لأنها إذا كانت متساوية ومتعاصرة فإنه لا داعي لمراعاة ترتيب الأسبقية بدقة) (¬1). من خلال هذه المناقشات المنطقية والمحاورات العقلية التى قام بها العلماء، حول استنباطات النصارى واستنتاجاتهم ما يقرر هذه العقيدة - في زعمهم - يتبين بُطلان ما استنتجوه ومخالفته للحقائق العلمية الثابتة ومعارضته للبديهيات الرياضية التي لا تقبل الجدال لأنها واضحة وضوح الشمس في وسط النهار. مناقشة علماء المسلمين للأدلة التي يعتمد عليها النصارى في تقرير عقيدة التثليث ونقدها: لشيخ الإِسلام والعلامة رحمة الله الهندي والألوسى وأيوب بك صبري، جهود قيمة في إبطال الأدلة التي اعتمد عليها النصارى في تقريرهم لعقيدة التثليث من هذه الأدلة إلى ناقشوها ما يلي: الدليل الأول: " بكلمة الرب صُنعت السموات وبنسمة فيه أو روح فيه كل جنودها" (¬2) ومؤداه عندهم أن هذا النص صرح بثلاثة أقانيم حيث قال الله وكلمته وروحه وكان لعلماء المسلمين -فترة البحث- جهود قيمة في تفنيد تلك الأدلة التي استدل بها النصارى على عقيدة التثليث وقد اتبع علماؤنا الأجلاء في الرد على النصارى ونقد أدلتهم البحث في المعني المتبادر من الآيات بحسب دلالاتها اللغوية والقواعد المنطقية إذ أن اللغة لا تنفك عن روابطها الأساسية. ¬

_ (¬1) "محمد في الكتاب المقدس": ص 46. (¬2) مزمور: (33/ 6)، أيوب: (33/ 4).

وقد كان رائد هذه الطريقة الفريدة أيوب بك صبري، صاحب كتاب الجوهر الفريد، حيث يرد على من ادعي التثليث فقال في دعواه: إن الكلمة هي الأقنوم الثاني وهي المسيح وأن لفظ الرب هو أقنوم الأب وهو الأقنوم الأول وأن لفظ الروح أو النسمة هو الأقنوم الثالث المدعو روح القدس، فيقول أيوب بك صبري: (ننظر هل ممكن أن نستنتج من هذه الألفاظ وجوب اعتقاد الشخصية بكل لفظ منها أو جعله أقنومًا أم لا؟ وأنى لنا ذلك وقد ثبت بمدلول نصوص جميع الكتب المنزلة من عند الله تعالى تعيين معنى لفظ الكلمة والروح في مثل هذا المقام والحق يلزمنا بالوقوف عند حدّ ما دلت عليه الكتب الإلهية كما يلي: 1 - فوصف الله للسيد المسيح بالكلمة في القرآن المجيد ظاهر إنها كلمة التكوين وصيغة الأمر كناية عن قوله جل شأنه "كن فيكون" بدلالة الالقاء كما في قوله تعالى: {أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} (¬1) كأنه تعالى ألقى إليها قولة "كن" التي هى أمر الإيجاد والتكوين، ثم إنه لما كان هذا القرآن منزلًا بالعربية الفصحى في اصطلاح العرب يسمون الرسول كلمة ولسانًا ويقولون هذا لسان فلان وكلمته لكونه رسوله المبلغ عنه أوامره إلى الخلق وهذا المعني المتواتر المشهور بين سائر العالم لا يختلف فيه اثنان. 2 - وكذلك نصوص التوراة في عدة مواضع ناطقة بذلك وأن الكلمة لا معنى لها سوى النطق وهي كلمة التكوين بدليل ما جاء في سفر الخليقة (1/ 3) "وقال الله ليكن نور فكان" وقوله هذا ليكن جلدًا فكان وقوله ليكن كذا وليكن كذا ... الخ ما ورد في صيغة التكوين ولحصر المعنى في كلمة التكوين قد سمي المتقدمون سفر الخليقة "سفر التكوين" وقد ورد في جميع أسفار الأنبياء ما يفيد تعيين هذا المعنى وهو قولهم: "كانت إلي كلمة الرب وصارت إليّ كلمة الرب وكان إليَّ كلام الرب "وهناك نصوص كثيرة تدل على أن المراد بالكلمة الأمر، ما جاء في أشعياء" هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمى لا ترجع إلى فارغة" (55/ 11)، وما جاء في حزقيال: "فاسمع الكلمة من فمى وأنذرهم من قبلى" (3/ 17)، لأني أنا الرب أتكلم والكلمة إلى أتكلم بها تكون. أقول الكلمة وأجريها يقول السيد الرب ... الكلمة التي تكلمت بها تكون" (12/ 25) وغير ذلك من النصوص الصريحة الناطقة بأن الكلمة لا معنى لها غير الأمر وهي كافية لإقناع كل معتدل ومن تأمل بالفكر الحر المنزه عن الأغراض أنها ناطقة بكل صراحة بأن صنع السموات وكل جنودها هو بأمر الله تعالى وتأثيره وأن كلمته هى أمره تعالى وليست بأقنوم ولا شخص إلهى كما يشهد بصريح ذلك قول أشعياء: "يداي أنا نشرتا السموات وكل جندها أنا أمرت" (45/ 13) (¬2). ¬

_ (¬1) سورة النساء: جزء من الآية (171). (¬2) الجوهر الفريد: ص 11 - 12.

3 - ثم إن نص الإنجيل أيضًا ناطق بهذا المعنى في عدة مواضع منها: "كانت كلمة الله على يوحنا بن زكريا" (لوقا 3/ 2) ومنها: "والأب الذي أرسلنى يشهد لي لم تسمعوا صوته قط ولا أبصرتم هيئته وليست لكم كلمته ثابتة فيكم" (يوحنا 5/ 37، 38) ومنها قوله: "إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله ولا يمكن أن ينقض المكتوب" (يوحنا 10/ 35)، ففى العبارة الأولي فسر معنى الكلمة بالايمان الذي لا يناله العبد إلا بالتوفيق الإلهى والصبغة الإلهية، وفي العبارة الثانية الكلمة هى الأمر والتأثير الإلهى القائم به حياة الوجود. وأيضًا فسر الروح والنسمة بهذا التفسير واستبعد كونها تدل على أي من الأقانيم الثلاثة كما يدعون أ. هـ (¬1). • وبالقراءة المتأنية لما قام به أيوب بك صبرى يتبين أنه قام بتحليل الألفاظ وبيان مدلولها الحقيقي طبقًا للدلالات اللغوية والقواعد المنطقية السليمة في حيدة تامة وموضوعية كاملة. • بين خطأ استدلال النصارى بهذا النص لأنه يدلّ على الأمر الإلهى لا أكثر ولا يرمز إلى شخص أو أقنوم كما يدعون. • بين بُطلان استنباطهم من هذا النص: أن المراد بالكلمة هو المسيح ولكن المراد بها الأمر والتأثير الإلهي القائم به حياة الوجود، لورود تلك اللفظة في القرآن والتوراة والإنجيل وتدل دلالة واضحة على الأمر الإلهى. وينتقد العلامة الألوسي، هذا النص أيضًا فيقول: إن هذا النص يقتضى أن تكون الآلهة أربعة بل خمسة لأنه قال: رحمة الرب، وكلمة الرب، وبروح فيه إلى أن قال في نهاية هذا المزمور وعلى اسمه القدوس اتكلت فالروح إله أول والرب إله ثان والكلمة إله ثالث والروح إله رابع والقدوس إله خامس فصارت الأقانيم خمسة وهذا لا يخفى على ذي عينين أو أحول يجعل الواحد اثنين ... وإذا كان داود علم أن الآلهة ثلاثة والثلاثة إله فعيسي جزء من الآلهة فلم لم يخبر بنى إسرائيل أن إلههم وربهم متعدد وأن جزء الإله أو الواحد من الآلهة حامله إذ ذاك في صلبه وأنه سيكون من ذريته (¬2). وبتحليل رؤية الإمام الألوسي النقدية لهذا النص يتبين أنه اتبع المحاورة العقلية في إثبات رؤيته النقدية وأن تحليل النصارى لهذا الدليل تحليل باطل ومردود لأنه يتناقض مع العقل. ¬

_ (¬1) نهاية كلام صاحب الجوهر الفريد: ص 13. (¬2) الجواب الفسيح: 1/ 217، 218.

الدليل الثاني

الدليل الثاني: " اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس" متى (28/ 9) وحول هذا النص تعددت الرؤى النقدية لعلماء المسلمين -فترة البحث- فيقول صاحب كتاب الفارق في ذيل فارقه: إن أساس التعميد بالتثليث مبني على هذه الوصية" عمدوا الناس باسم الأب والابن والروح القدس" فقط ... وإن هذه الوصية وحدها تكفينا بأن هذه الأناجيل مصنعة؛ لأنّ يحيى -عليه السلام- صرح بأن المسيح سيعمدكم بروح القدس ولم يذكر التثليث وكذلك "متي ومرقس ولوقا ويوحنا" اتفقوا وصرحوا في أناجيلهم بأن عيسى حين الرفع وقبله أوصي تلاميذه بأن يعمدوا بروح القدس فقط والمترجم المختلس لإنجيل "متى" افترى وذيل ترجمته بقوله: "إن المسيح قبل الرفع أوصي التلاميذ أن "يعمدوا الأمم باسم الأب والابن وروح القدس" متى (28/ 19) فتبين ببداهة العقل أن هذه الجملة إلحاقية من المترجم وإلا فلا يُتصور أن "متى" يروى روايتين مختلفتين بإنجيله عن المسيح في آن واحد (¬1). وعلى فرض صحة رواية المترجم فهي ليست تثليثًا للإله؛ بل إنما المقصد منها ظاهر وهو قوله: "عمدوا الأمم باسم الأب" أي لقنوا الأمم المتنصرة بأن يؤمنوا بواجب الوجود والموجد لكل موجود وقوله: "الابن" أي وأن يؤمنوا أيضًا بعيسى رسول الله وكلمته وقوله: "روح القدس" أي أن يؤمنوا بجبريل أمين الوحى لكافة الأنبياء والمبشر للعذراء بحملها بعيسي -عليه السلام- ولا نزاع في جبريل بأنّه "روح القدس" ولا خلاف في الأنبياء والرسل الأبرار بأنهم أبناء الله أي أصفياء الله ... وهذا توجيه وجيه لا يحتمل غيره؛ لأنه موافق لسنن الله في أنبيائه وخلقه منذ خلق الدنيا إلى يومنا هذا (¬2). ويقول شيخ الإِسلام ابن تيميه عن هذا النص: ليس في هذا النص ما يدلّ على التثليث وأن الأب هو الله والابن هو المسيح والروح القدس هو جبريل -عليه السلام- والمراد بعبارة التعميد عنده -أي المسيح-: "مروا الناس أن يؤمنوا بالله ونبيه الذي أرسله وبالملك الذي أنزل عليه الوحى الذي جاء به فيكون ذلك أمرًا لهم بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وهذا هو الحق الذي يدلّ عليه صريح المعقول وصحيح المنقول، وهذا تفسير ظاهر ليس فيه تكلف ولا هو من التأويل (¬3). ¬

_ (¬1) الفارق: رسالة أبحاث المجتهدين في ذيل الفارق، ص 56، 57، بتصرف بالحذف. (¬2) المرجع السابق: ص 56 - 57، بتصرف بالحذف (¬3) الجواب الصحيح: 2/ 112، بتصرف، 1/ 276.

ويقول د/ عبد الكريم الخطيب: إن كلمات الأب والابن والروح القدس التي تردد ذكرها في الأناجيل قد جاءت في سياقات تعطى لكل منها دلالة مستقلة ومفهومًا خالصًا بحيث لا يمكن أن يجتمع منها مفهوم واحد أو دلالة مشتركة، فالأب أب والابن ابن والروح القدس هو الروح القدس لكل ذاتيته وشخصيته (¬1). ويقول الشيخ أبو زهرة: إن شروط استدلال النصارى بهذا النص على وجود الأقانيم الثلاثة غير مستوفاه إذ ترى أن تلك العبارات الشيخ عثروا عليها في كتبهم لا تفيد على وجه القطع ما يريدون؛ بل تفيد بأبعد أنواع الاحتمالات أو باحتمال قريب ومن المعلوم في قواعد الاستدلال أن الاحتمال إذا دخل الاستدلال أبطله وكل أدلتهم ينفذ الاحتمال إليها من كل جانب هذا وإن الاستدلال بكتبهم يفيد من يصدقها وهي ذاتها يعزوها النقد العلمي في سندها وفي متنها من كل ناحية فهي في ذاتها في حاجة إلى دفاع طويل لإثباتها (¬2). ويقول د/ عبد الكريم الخطيب، في موضع آخر من كتابه: (بل إنك لتقرا الأناجيل فصلًا فصلًا وكلمة كلمة، فلا توجد فيها إشارة من بعيد أو قريب إلى ما يُعرف بالأقنوم أو الأقانيم) (¬3). ومن خلال ما سبق يتبين أنه لم يرد في العهد القديم ولا في العهد الجديد نص يدل دلالة صريحة على التثليث أو الأقانيم وبالتالي فهذا الادعاء من النصارى إدعاء مردود لأنه لا يوجد دليل يقويه وجميع استدلالاتهم على هذه العقيدة في غير موضعها وتعتمد على: إما تأويل باطل لنص من النصوص أو لحمل نص منها على الحقيقة وهو يُراد به المجاز، لذلك يغفل النصارى الدلالات المجازية في أغلب أدلتهم ويحملون الألفاظ على حقيقتها مما يخرجها عن مدلولها المراد فيقعون في الخطأ عن عمد. ولذلك يقول شيخ الإِسلام ابن تيميه عن النصارى في هذه العقيدة قولهم بالأقانيم مع بطلانه في العقل والشرع لم ينطق به عندهم كتاب، ولم يوجد هذا اللفظ في شىء من كتب الأنبياء التي بأيديهم ولا في كلام الحواريين، بل هى لفظة ابتدعوها، ويُقال إنها رومية وقد قيل: الأقنوم في لغتهم معناه الأصل ولهذا يضطربون في تفسير الأقانيم، تارة يقولون أشخاص، وتارة خواص، وتارة صفات وتارة جواهر وأخرى يجعلون الأقنوم اسمًا للذات والصفة معًا وهذا تفسير حُذاقهم (¬4). ¬

_ (¬1) المسيح في القرآن والتوراة والإنجيل: د/ عبد الكريم الخطيب، ص 217. (¬2) انظر: محاضرات في النصرانية ص 106، بتصرف. (¬3) المسيح في القرآن: د/ عبد الكريم الخطيب، ص 214. (¬4) الجواب الصحيح: 2/ 114.

الدليل الثالث

الدليل الثالث: والذي ينص على ما يلي: "فإن الذين يشهدون في السماء ثلاثة: الآب، والكلمة، والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد". استدل العلامة رحمة الله الهندي بهذا الدليل على إثبات التحريفى بالزيادة في الأناجيل وأن معتقدي التثليث أزادوا على النص الأصلى ما يؤيد دعواهم فقال: (وقع في الإصحاح الخامس من رسالة يوحنا الأولي هكذا: "فإن الذين يشهدون في السماء ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد" "والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة الروح والماء والدم والثلاثة هم في الواحد" كان أصل العبارة في هاتين الآيتين على ما زعم محققوهم هذا القدر" والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة الروح والماء والدم والثلاثة هم في الواحد" فزاد معتقدو التثليث هذه العبارة" وفي السماء هم ثلاثة الأب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد والذين يشهدون في الأرض" في أصل العبارة وهي ملحقهَ يقينًا وقد اعترف بذلك رجال دينهم) (¬1). وينتقد صاحب كتاب الجوهر الفريد هذا الاستدلال بقوله: هذه العبارة لا يوجد بها حكيم التكليف بوجوب اعتقاد تثليث الله تعالى ولا يوجد بها لفظ الأقنوم ولا الشخص الإلهي ولا الجوهر ولا التساوي وإن هى إلا ألفاظ لو صح ورودها في أصل الكتاب المقدس لكانت محتاجة إلى التأويل بما لا يشذ عن قواعده ولا يناقض برهان العقل والنصوص الصريحة في شىء. وهذه العبارة: "لأنّ الذين يشهدون ... الخ مشكوك فيها عند جمهور علماء المسيحية (¬2). وغير ذلك من الأدلة التى ناقشها صاحب كتاب الجوهر الفريد والعلامة رحمة الله الهندي وشيخ الإِسلام ابن تيميه. ¬

_ (¬1) إظهار الحق: (1/ 235، 236). (¬2) الجوهر الفريد: ص 7.

ثالثا: نقد عقيدة التثليث بأدلة من الكتاب المقدس

ثالثًا: نقد عقيدة التثليث بأدلة من الكتاب المقدس: أولًا: أدلة من العهد القديم: فقد أورد د / السقا في كتابه أقانيم النصارى ما يبطل عقيدة التثليث بأدلة من العهد القديم تثبت وتصرح بأن الله واحد لا شريك له في ملكه وأنه هو وحده خالق السموات والأرض وأنه هو وحده يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير ... (¬1). وقد ذكر هذه الأدلة ولم يناقشها لوضوح الدلالة فيها على نفي التثليث من هذه الأدلة: 1 - "اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك وقصها على أولادك (¬2) ... إلخ هذه الوصية. 2 - "احمدوا الرب لأنه صالح لأنّ إلى الأبد رحمته احمدوا إله الآلهة لأنّ إلى الأبد رحمته احمدوا رب الأرباب لأنّ إلى الأبد رحمته الصانع العجائب العظام وحده لأنّ إلى الأبد رحمته (¬3). ثانيًا: أدلة من العهد الجديد: أما أدلة العهد الجديد استدل بها العلامة رحمة الله الهندي والألوسى ود/ السقا، وغيرهم وناقشوها مناقشة علمية منها ما يلي: 1 - جاء في إنجيل يوحنا: "وهذه الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته" يوحنا (17/ 3). وقد نقد العلامة رحمة الله الهندي بهذا النص إدعاء النصارى في قولهم بالتثليث ورد عليهم من خلال رؤيته التفسيرية لهذا النص فقال: بين عيسى -عليه السلام- أن الحياة الأبدية عبارة أن يعرف الناس أن الله واحد حقيقى وأن عيسي -عليه السلام- رسوله، وما قال أن الحياة الأبدية أن يعرفوا أن ذاتك ثلاثة أقانيم ممتازة بامتياز حقيقى وأن عيسى إنسان وإله أو أن عيسى إله مجسم ولما كان هذا القول في خطاب الله في الدعاء حينما رفع رأسه إلى السماء وقال: ¬

_ (¬1) انظر: أقانيم النصارى، ص 77. (¬2) تثنية: (6/ 4 - 9) أحب الرب إلهك. (¬3) مزمور: (136/ 1 - 6) بدون.

"قد حضرت الساعة وآمنوا أنك أرسلتني" فلا احتمال هنا للخوف من اليهود ولا سيما وقد قال قد حضرت الساعة، فلو كان اعتقاد التثليث مدار النجاة لبيئه ولما قال: "الإله الحق وحدك" ولما فرق بين المرسل والمرسل وإذا ثبت أن الحياة الأبدية هى اعتقاد التوحيد الحقيقى لله وحده واعتقاد الرسالة للمسيح، فضدهما يكون موتًا أبديًا وضلالًا سرمديًا بالبداهة؛ لأنّ التوحيد الحقيقي ضد التثليث الحقيقى وكون المسيح رسولًا ضد لكونه إلهًا لأنّ التغاير بين المرسل والمرسل إليه ضروري، وتبعه في رأيه العلامة الألوسي ود/ السقا، وكل منهما أيده فيما ذهب إليه (¬1). 2 - ما جاء في إنجيل مرقس: "فجاء إليه واحد من الكتبة الذين كان سمعهم يتساءلون ونظر إجابته لهم حسنة، فسأله أي وصية أول الكل؟ فأجابه يسوع: إن أول كل الوصايا اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا إله واحد هو. وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل نيتك ومن كل قوتك هذه أولى الوصايا والثانية هى مثلها أن تحب قريبك كنفسك ليس وصية أخرى أعظم من هاتين، فقال له الكاتب جيدًا يا معلم، قلت بالحق أن الله واحد وليس آخر غيره" (مرقس 12/ 28 - 34). يقول العلامة الألوسي ردًا علي المثلثة بعد أن ساق هذا الدليل الدامغ على وحدانية الله عَزَّ وَجَلَّ وبإقرار المسيح -عليه السلام- يقول: (فعلم أن أولى الوصايا أن يعتقد الإنسان ان إلهه واحد حقيقى، لا ثلاثة ممتازة بامتياز حقيقى) (¬2). وبالنظر في الرؤية التحليلية للعلامة رحمة الله الهندي لهذا النص الذي يبطل دعوى التثليث بدلالاته الواضحة على الوحدانية بلا أدني شك يتبين: 1 - عمق الفهم الذي يتمتع به العلامة الهندي ودرايته الواسعة وعلمه الغزير بالكتاب المقدس وقضاياه المختلفة. 2 - ربطه بين النصوص ربطًا جيدًا يؤكد ما يتميز به عن باقى النقاد من سهولة الاستشهاد على القضايا التى يعالجها في كتابه كأنه يحفظ النمو جيدًا بأماكنها في الكتاب المقدس. 3 - الموضوعية الفائقة في جميع ما يتعلق بالموضوع الواحد من نصوص تؤكد رؤيته إذا كان يريد إثبات شىء ما أو نفيه. ¬

_ (¬1) إظهار الحق: 2/ 343، الجواب الفسيح: 1/ 196، وأقانيم النصارى: ص 77 - 78. (¬2) الجواب الفسيح: 1/ 197.

فيقول العلامة الهندي بعد أن استدل بالنص السابق من مرقس: (12/ 28 - 34) وفي الإصحاح الثاني والعشرين من إنجيل متى في قوله: بعد بيان الحكمين المذكورين هكذا: "بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس والأنبياء" فعلم أن أول الوصايا الذي هو مصرح به في التوراة وفي جميع أسفار الأنبياء وهو الحق وهو سبب قرب الملكوت، أن يعتقد الناس أن الله واحد ولا إله غيره ولو كان اعتقاد التثليث مدار النجاة لكان مبينًا في التوراة وجميع أسفار الأنبياء لأنه أول الوصايا ولقال عيسى -عليه السلام-: أول الوصايا: الرب واحد ذو أقانيم ثلاثة ممتازة بامتياز حقيقى، لكنه لم يبين في سفر من أسفار الأنبياء صراحة ولم يقل عيسى -عليه السلام- هكذا فلم يكن مدار النجاة، فثبت أن مدارها هو اعتقاد التوحيد الحقيقي لا اعتقاد التثليث، وهوسات التثليثيين باستنباطه من بعض آيات أسفار الأنبياء لا يتم على المخالف لأنّ هذا الاستنباط خفى جدًا مردود بمقابلة النص) (¬1). وملخص ما ارتآه العلامة الهندي حول إبطال التثليث بهذا الدليل السابق ومن خلال تحليله له يتضح لدي الباحث ما يلي: أ- عدم ورود التثليث في التوراة لا صراحة ولا ضمنًا. ب- خلو أسفار الأنبياء أيضًا من هذه العقيدة التثليثية. ج- لم يصرح به عيسى -عليه السلام- على فرض صحة الأناجيل ونسبتها إليه- لم يصرح بالتثليث أو بما يدلّ عليه من قريب أو بعيد. د- ورود ما يدلّ صراحة على التوحيد الحقيقي في التوراة والإنجيل. 3 - ما جاء في إنجيل مرقس: "وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بها أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الآب" مرقس (13/ 32). وقد حلل العلامة الهندي هذا النص ووافقه في رؤيته التحليلية العلامة الألوسي ود/ السقا كذلك فيقول: (هذا القول ينادي على بطلان التثليث لأنّ المسيح -عليه السلام- خصص علم القيامة بالله ونفى عن نفسه كما نفي عن عباد الله الآخرين وسوى بينه وبينهم في هذا، ولا يمكن هذا في صورة كونه إلهًا سيما إذا لاحظنا أن الكلمة وأقنوم الابن عبارتان عن علم الله وفرضنا اتحادهما بالمسيح وأخذنا هذا الاتحاد على مذهب القائلين بالحلول أو على مذهب اليعقوبية القائلين بالانقلاب فإنه يقتضى أن يكون الأمر بالعكس ولا أقل من أن يعلم الابن كما يعلم الآب ولما لم يكن العلم من صفات الجسد فلا يجرى عليه في عذرهم المشهور أنه نفى عن نفسه باعتبار جسميته فظهر أنه ليس إلهًا لا باعتبار الجسمية ولا باعتبار غيرها) (¬2). ¬

_ (¬1) إظهار الحق: 2/ 344. (¬2) المرجع السابق: 2/ 345، انظر: الجواب الفسيح: 1/ 197، 198.

وحول هذا النص الذي يثبت بشرية المسيح -عليه السلام- ويبطل ما زعمه النصارى عن التثليث يقول الشيخ عبد الله الترجمان بعد أن استدل بالنص السابق (مرقس 13/ 32) هذا إقرار من عيسى -عليه السلام- بأنّه ناقص علم حتى عن الملائكة وأن الله تعالى هو المنفرد بعلم الساعة وقيامتها، وأن عيسى -عليه السلام- لا يعلم إلا ما علمه الله تعالى (¬1). وغير ذلك من الأدلة التي ذكروها وتدل دلالة واضحة على التوحيد الحقيقى ونفي التثليث وأنه ممتنع ومستحيل في ذات الله سبحانه وتعالى (¬2). والإمام ابن تيميه في محاوراته العقلية التي يبطل بها دعوى التثليث يرد على النصارى فيقول: إنهم يجمعون بين النقيضين عندما يقولون نحن نلعن من قال إنه الأب والأب هو الخالق ونلعن من قال هو الأب الخالق ومن قال ليس هو الخالق فيقول لهم إنكم بذلك تجمعون بين النقيضين: فتلعنون من جرد التوحيد بلا شرك ولا تثليث ومن أثبت التثليث مع انفصال كل واحد عن الآخر؛ وتجمعون بذلك بين متناقضين أحدهما حق والآخر باطل وكل قول يتضمن جمع النقيضين (إثبات الشيء ونفيه) أو رفع النقيضين (الإثبات والنفي) فهو باطل (¬3). ومن مظاهر تناقضهم أيضًا: "زعمهم أن كلمة (الله) التي يفسرونها بعلمه أو حكمته وروح القدس التي يفسرونها بحياته وقدرته هي صفة له قديمة أزلية لم يزل ولا يزال موصوفًا بها ويقولون مع ذلك: إن الكلمة هى مولودة منه فيجعلون علمه القديم الأزلي متولدًا عنه، ولا يجعلون حياته القديمة الأزلية متولدة عنه، وقد أصابوا في أنهم لم يجعلوا حياته متولدة عنه لكن ظهر بذلك بعض مناقضاتهم وضلالهم بأنّه أنواع كثيرة فإنه إن كانت صفة الموصوف القديمة اللازمة لذاته يقال: إنها ابنه وولده ومتولد عنه، ونحو ذلك فتكون حياته أيضًا ابنه وولده ومتولدًا عنه وإن لم يكن كذلك فلا يكون علمه ابنه ولا ولده ولا متولدًا عنه ... فعلم أن القوم في غاية التناقض في المعاني والألفاظ وأنهم مخالفون للكتب الإلهية كلها ولما فطر الله عليه عباده من المعقولات التي يسمونها نواميس عقلية ومخالفون لجميع لغات الآدميين وهذا مما يظهر به فساد تمثيلهم" (¬4). ¬

_ (¬1) تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب: أ/ عبد الله الترجمان الأندلسي، ص 84. (¬2) لمزيد من التفصيل انظر: إظهار الحق: 2/ 345 - 350، الجواب الفسيح: 1/ 198 - 200 وانظر: تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب: ص 84 - 88، وأقانيم النصارى ص 78 - 81. (¬3) الجواب الصحيح: 3/ 177، 178، بتصرف 3/ 188 - 189 باختصار. (¬4) المرجع السابق: 3/ 162 - 193 بتصرف.

رابعا: نقد عقيدة التثليث بالأدلة والبراهين العقلية

رابعًا: نقد عقيدة التثليث بالأدلة والبراهين العقلية: الدليل العقلي أحد الأدلة التي استخدمها علماء المسلمين في نقد الكتاب المقدس بقسميه، إذ أن إعمال العقل في فحص القضايا المتنازع فيها بين المسلمين والنصارى أمر من الأهمية بمكان ولأن النصارى لا يؤمنون بالقرآن وإذا استخدم العلماء القرآن الكريم في الرد عليهم فذلك منهج غير موضوعي لذا اتبع علماء المسلمين في إبطالهم لعقائد النصارى الدليل العقلي وذلك بعرض مفردات تلك العقائد على العقل وإثبات أنها تتعارض مع المسلمات البديهية وتتناقض مع الحقائق العلمية الثابتة. وقد أبطل هذه العقيدة شيخ الإِسلام بأدلة عقلية أوردها في كتابه الجواب الصحيح وقد أورد العلامة رحمة الله الهندي أيضًا كثيرًا من الأدلة والبراهين العقلية على بطلان عقيدة التثليث عند النصارى ووافقه عليها أيضًا العلامة الألوسي .. من هذه الأدلة ما يلي: 1 - لما كان التثليث والتوحيد حقيقيين عند المسيحيين ... وإذا وجد التثليث الحقيقى لا بد من أن توجد الكثرة الحقيقية أيضًا ولا يمكن بعد ثبوتها التوحيد الحقيقى وإلا يلزم اجتماع الضدين الحقيقيين وهو محال فلزم تعدد الوجباء (أي تعدد واجب الوجود) وفات التوحيد يقينًا، فقائل التثليث لا يمكن أن يكون موحدًا لله تعالى بالتوحيد الحقيقى والقول بأن التثليث الحقيقى والتوحيد الحقيقى وإن كانا ضدين حقيقيين في غير الواجب لكنهما غير ذلك فيه سفسطة محضة لأنه إذا ثبت أن الشيئين بالنظر إلى ذاتيتهما ضدان حقيقيان أو نقيضان في نفس الأمر فلا يمكن اجتماعهما في أمر واحد شخصى في زمان واحد من جهة واحدة واجبًا كان ذلك الأمر أو غير واجب كيف وإن الواحد الحقيقى ليس له ثلث صحيح والثلاثة لها ثلث صحيح وهو واحد وأن الثلاثة مجموع آحاد ثلاثة، والواحد الحقيقي ليس مجموع آحاد رأسًا، وأن الواحد الحقيقي جزء الثلاثة فلو اجتمعا في محلّ واحد يلزم كون الجزء كلًا والكل جزءًا وأن هذا الاجتماع يستلزم كون الله مركبًا من أجزاء غير متناهية بالفعل لاتحاد حقيقة الكل والجزء على هذا التقدير، والكل مركب فكل جزء من أجزائه أيضًا مركب من الأجزاء التي تكون عين هذا الجزء وهلم جرا، وكون الشيء مركبًا من أجزاء متناهية بالفعل باطل قطعًا (¬1). 2 - الاتحاد بين الجوهر اللاهوتي والناسوتي إذا كان حقيقيًا لكان أقنوم الابن محدودًا متناهيًا وكل ما كان كذلك كان قبوله للزيادة والنقصان ممكنًا وكل ما كان كذلك كان اختصاصه بالمقدار المعين لتخصيص مخصص وتقدير مقدر وكل ما كان كذلك فهو محدث فيلزم أن يكون أقنوم الابن محدثًا ويستلزم حدوثه حدوث الله، وهذا محال (¬2). ¬

_ (¬1) إظهار الحق: 1/ 335، الجواب الفسيح: 1/ 191. (¬2) المرجع السابق: 1/ 336، الجواب الفسيح: 1/ 192.

3 - فرقة البروتستانت ترد على فرقة الكاثوليك في استحالة الخبز إلى المسيح في العشاء الرباني شهادة الحس وتستهزئ بها. فهذا الرد والهزء يرجعان إليهما أيضًا؛ لأنّ الذي رأى المسيح ما رأى منه إلا شخصًا واحدًا إنسانًا وتكذيب أصدق الحواس الذي هو البصر يفتح باب السفسطة في الضروريات فيكون القول باطلًا كالقول باستحالة الخبز إلى المسيح والخمر إلى دمه (¬1). وقد ذكر العلامة الهندي، ما يؤكد بطلان عقيدة التثليث بأبسط البراهين العقلية فنقل أنه تنصر ثلاثة أشخاص وعلمهم بعض القساوسة العقائد الضرورية سيما عقيدة التثليث أيضًا، وكانوا في خدمته فجاء محب من أحباء القسيس وسأله عمن تنصر؟ فقال ثلاثة أشخاص تنصروا. فسأل هذا المحب هل تعلموا شيئًا من العقائد الضرورية؟ فقال نعم وطلب واحدًا منهم ليرى محبه فسأله عن عقيدة التثليث فقال إنك علمتني أن الآلهة ثلاثة أحدهم الذي هو في السماء والثاني تولد من بطن مريم العذراء والثالث الذي نزل في صورة الحمام على الإله الثاني بعد ما صار ابن ثلاثين سنة فغضب القسيس وطرده، ثم طلب الآخر منهم وسأله فقال: إنك علمتني أن الآلهة كانوا ثلاثة وصُلب واحد منهم فالباقى إلهان فغضب عليه القسيس أيضًا وطرده، ثم طلب الثالث وكان ذكيًا بالنسبة إلى الأوليين وحريصًا في حفظ العقائد فسأله فقال يا مولاي حفظت ما علمتني حفظًا جيدًا وفهمت فهمًا كاملًا بفضل الرب المسيح أن الواحد ثلاثة والثلاثة واحد وصلب واحد منهم ومات فمات الكل لأجل الاتحاد ولا إله الآن وإلا يلزم نفي الاتحاد (¬2). ثم يعلق على هذه القصة العلامة رحمة الله الهندي فيقول: لا تقصير للمسئولين فإن هذه العقيدة يخبط فيها الجهلاء هكذا ويتحير علماؤهم ويعترفون بأنهم يعتقدون ولا يفهمون ويعجزون عن تصويرها وبيانها ومن غير تصور يصدقون (¬3). ¬

_ (¬1) المرجع السابق: (1/ 337) والجواب الفسيح: (1/ 194). (¬2) إظهار الحق: (1/ 338). (¬3) المرجع السابق: (1/ 338)، والجواب الفسيح: (1/ 195).

وغير ذلك من الأدلة والبراهين العقلية التي ساقها كل من العلامة الهندي والألوسى (¬1) والتي أثبتوا من خلالها ما يلي: 1 - أن هذه العقيدة تتناقض مع الحقائق العلمية الثابتة. 2 - استحالة ما يدعيه النصارى من كون الثلاثة واحدًا والواحد ثلاثة. 3 - أن هذه العقيدة تتعارض مع العقل في أبسط تصوراته. 4 - تخبط النصارى في هذه العقيدة وتحير رؤساؤهم أيضًا في تناقضها وعدم فهمهم لها ويدعون أنها فوق العقل. 5 - بطلان عقيدة التثليث بناء على ما سبق بيانه من الأدلة العقلية إلى ساقها علماؤنا الأجلاء. 6 - استحالة وجود التوحيد الحقيقي والتثليث الحقيقي في نفس الوقت. 7 - وإذا بطل التثليث من خلال ما تقدم ذكره فقد ثبت أن الله واحد لا شريك له ولكن النصارى يؤولون النصوص تأويلًا فاسدًا لتأييد دعواهم ويحملون النصوص على حقيقتها دون مراعاة للمعنى المجازي لها. 8 - ولقد أبطل الله عَزَّ وَجَلَّ ما ذهب إليه النصارى من التثليث، وبين كفر هؤلاء الذين يجعلون الآلهة ثلاثة بدلًا من أن ينزهوه عن الشريك والولد، فقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬2) ¬

_ (¬1) لمزيد من التفصيل يراجع: إظهار الحق: 1/ 335 - 336، والجواب الفسيح: 1/ 192 - 195. (¬2) سورة المائدة، الآية: (73).

المبحث الخامس جهود علماء المسلمين -فترة البحث- في نقد عقيدة الحلول والاتحاد

المبحث الخامس جهود علماء المسلمين -فترة البحث- في نقد عقيدة الحلول (¬1) والاتحاد (¬2) اختلف النصارى اختلافًا كبيرًا حول شخصية المسيح -عليه السلام- بين مؤمن معترف به كنبي ورسول وبين مغالٍ فيه فتارة يعتقدون بألوهيته وبنوته وتارة يقولون إنه إله تام وإنسان تام وتارة أخرى يقولون بحلول الله في جسد المسيح واتحاده به .. إلى غير ذلك من الشطط والانحراف. ولقد اجتهد علماؤنا الأجلاء -فترة البحث- في إبطال هذه المزاعم المفتراة بالأدلة العقلية تارة وبالأدلة النقلية تارة أخرى. وفي هذا المبحث أبين بعون الله وتوفيقه كيف نقد علماء المسلمين عقيدة الحلول والاتحاد .. ولذلك يمكن حصر ما قاموا به في النقاط التالية: 1 - آراء الطوائف النصرانية في الحلول والاتحاد وجهود العلماء في الرد عليها. 2 - الأدلة التي يستندون عليها في الحلول والاتحاد وجهود العلماء في الرد عليها ونقدها. ¬

_ (¬1) الحلول لغة: النزول، وهو عبارة عن اتحاد الجسمين بحيث تكون الإشارد إلى أحدهما إشارة إلى الآخر، كحلول ماء الورد في الورد، والحلول نوعان عام وخاص، فالحلول العام معناه: حلول الله في الكون فيصبح الكون كله بكل جزيئاته محلًا له سبحانه وتعالي وهو قول غالب متعبدة الجهمية الذين يقولون: "إن الله بذاته في كل مكان ولا يخلو منه مكان"، والحلول الخاص: يُقصد به حلول ذات الله أو صفة من صفاته في جسد إنسان معين من خلقه أو روحه أو في أي كائن آخر حيًا كان أو جمادًا بحيث يصبح هذا الشخص المعين أو الكائن المعين محلا للإله ومظهرًا له .. وهذا النوع من الحلول هو الذي تقول به النصارى حيث يقولون: إن ذات الله حلت في عيسى كحلول الماء في الإناء، وكلا النوعين باطل في حق الله لما يترتب عليه من المحاولات في حقه عز وجل. (انظر: لسان العرب 2/ 972)، والتعريفات للجرجاني ص82، 83، ط/ الحلبي، 1938م، موقف ابن تيميه من النصرانية: 1/ 212 - 214، باختصار. (¬2) الاتحاد لغة: صيرورة الشيئين واحدًا: "وأحد الاثنين أي صيرهما واحدًا" انظر: تاج العروس: (2/ 288) فصل الهمزة باب الدال، والتعريضات للجرجاني ص6. والاتحاد نوعان: عام وخاص، فالاتحاد العام هو اتحاد الذات الإلهية مع جميع الكائنات فتصبح عين وجودها وهو قول الملاحدة الذين يزعمون أن ذات الله هي عين وجود الكائنات. والاتحاد الخاص: هو اتحاد الذات الإلهية ببعض الناس المخصوصين وامتزاج هذه الذات مع الإنسان في شخص واحد، كما تقول بذلك فرق النصارى حيث يقولون: باتحاد اللاهوت والناسوت معًا، وامتزاجهما في شخص المسيح -عليه السلام- وكلا النوعين باطل في حق الله عَزَّ وَجَلَّ لما يترتب عليهما من المحاولات في حقه سبحانه وتعالي. انظر: مجموع الفتاوى لابن تيميه: 2/ 171، بتصرف، موقف ابن تيميه من النصرانية: (1/ 215).

آراء الطوائف النصرانية في الحلول والاتحاد وجهود العلماء في نقدها والرد عليها

آراء الطوائف النصرانية في الحلول والاتحاد وجهود العلماء في نقدها والرد عليها: ذكر الشيخ المسعودى، مقالات الفرق الثلاث من النصارى اليعاقبة والروم والنسطورية في دعوى اتحاد اللاهوت بالناسوت. وقال إن عقائدهم في الإله مختلفة وآراؤهم فيه غير مؤتلفة وسبب خبطهم وخلطهم أن كلامهم قد تفرع عن أصل فاسد (¬1) ثم ناقش قول كل فرقة على حده وأبطل ما ذهبت إليه من آراء باطلة والملاحظ لمناقشته لهذه العقيدة أنه استخدم الأدلة العقلية في رؤيته النقدية وأكد ما يقول بأدلة من الأناجيل ذكر بعضها والبعض الآخر ذكرها باختصار شديد واكتفي بذكر محتوى الدليل. وقد بين أ. د/ بكر زكي عوض، مواضع هذه الأدلة في الكتاب المقدس مع ذكر طرفًا منها وإحالته على آيات أخرى فيذكر السفر ورقمها فيه. رأى الفرقة الأولى: فرقة اليعاقبة: هذه الفرقة منسوبة إلى يعقوب السروجى ويسمى البرادعى أيضًا وقد ادعت أن المسيح صيره الاتحاد طبيعة واحدة وأقنومًا واحدًا قالوا: لأنّ طبيعة اللاهوت تركبت مع طبيعة الناسوت، فالمسيح عندهم إله كله وإنسان كله فهو يفعل أفعال الله وما يشبه أفعال الإنسان وهو أقنوم واحد والأقنوم الشخص والأقانيم الأشخاص (¬2). ففى نقد الشيخ المسعودى لرأى هذه الفرقة في الاتحاد يستخدم الافتراضات الجدلية في محاورته العقلية لأصحاب هذا المذهب استدراجًا لإبطال ما يدعون من الاتحاد فيقول: حكايته هذا المذهب تكفى بالرد عليه إذ محصلته أن الإله هو الإنسان والإنسان هو الإله فيقال لهم أخبرونا عن هاتين الطبيعتين اللتين صارتا طبيعة واحدة، هل تغيرت كل واحدة عما كانت عليه قبل التركيب أم لا؟ فإن زعمت فرقة (اليعاقبة) أنها لم يتغيرا فقد نقضوا مذهبهم ورجعوا عن قولهم إلى قول من يقول إن المسيح بعد الاتحاد كهو قبله، وإن زعمت أن الطبيعتين صارتا طبيعة واحدة تركبت من الأوليتين فهذا تصريح بأن هذه الطبيعة لا إله ولا إنسان فلا يوصف المسيح بواحد منهما بل هو شيء آخر عجيب غريب فإن زعموا أنها كانتا قبل التركيب كاملتين لم يخرجهما عن الكمال، بل بقى المسيح إلهًا كاملًا وهو بعينه إنسان فقد تحامقوا أو زعموا أن القديم صار بعينه الحادث وأن الزمني صار بعينه الأزلي بمثابة قول القائل: "الحركة هى السكون والسواد هو البياض وذلك مردود بوجوه منها: ¬

_ (¬1) المنتخب الجليل للمسعودي: ص (151). (¬2) المرجع السابق: ص (152).

الوجه الأول

الوجه الأول: جاء في الإنجيل: "أنا ذاهب إلى أبي وأبيكم وإلهى وإلهكم" يوحنا: (20/ 18) ففرق بين الذاهب والذي يذهب إليه فبطل اتحادهما. اتحد الذاهب والمذهوب إليه والداعى والمدعو له ودعاء المسيح نفسه محال. الوجه الثاني: أن طبع الإله والإنسان صارا واحدًا والإله خالق والإنسان مخلوق فطبع الخالق هو طبع المخلوق وطبع العلة هو طبع المعلول وذلك محال. الوجه الثالث: الأناجيل الأربعة تذكر أن المسيح بكي على صديقه العازر وفرح بتوبة التائب وأكل في دعوات أصحابه وشرب وركب الأتان وتعب من وعر الطريق وحزن من نزول الموت وقال: إلهي اصرف عني هذا الكأس، وهذه النقائص قبيح إضافتها إلى الأزلي فبطلا أن يكونا شيئًا واحدًا (¬1). ويقول العلامة الألوسي: وأما الاتحاد: فإن المتحد والمتحد به إن كانا موجودين بعد الاتحاد فلا اتحاد لبقاء الكثرة على حالها وإن كانا معدومين فلم يكن ذلك اتحادًا بل إعدامًا، ويلزم ألا يكون المسيح إلهًا ولا إنسانًا فضلًا عن أن يكون إلهًا وإنسانًا، وإن كان أحدهما موجودًا والآخر معدومًا، فالمعدوم لا يكون نفس الموجود وبالعكس، وأيضًا فالموجود إن كان هو الإنسان فالمسيح إنسان فقط، وإن كان هو الإله فهو إله فقط ويبطل أن يكون إلهًا وإنسانًا فالقول بالاتحاد باطل (¬2). الفرقة الثانية: فرقه الملكانية: ومذهبها أن المسيح بعد الاتحاد جوهران وهو أقنوم واحد وقد تقدم أن الأقنوم هو الشخص قالوا: فله بطبيعة اللاهوت مشيئة كمشيئة الأب وبطبيعة الناسوت مشيئة كمشيئة داود وإبراهيم غير أنه أقنوم واحد فردوا الاتحاد إلى الأقنوم إذ رأوه مستحيلًا بالنسبة إلى الجوهر (¬3). وللشيخ المسعودى جهد طيب في الرد على هذا المذهب فحاورهم محاورة عقلية من واقع كلامهم وسلم لهم ما يدعون ثم تدرج في الاقناع إلى أن أبطل ادعاءاتهم وقد رد عليهم بوجوه كثيرة منها ما يلي: ¬

_ (¬1) المنتخب الجليل: 152 - 155. (¬2) الجواب الفسيح: 1/ 240. (¬3) المنتخب الجليل: ص (155).

الوجه الأول

الوجه الأوّل: يُقال لهم إذا قلتم إن المسيح بعد الاتحاد باق على طبيعته ومشيئته كما كان قبل الاتحاد فقد أبطلتم الاتحاد إذ الاتحاد عبارة عن صيرورة الأكثر من الواحد واحدًا فإذا كان جوهر الأزلي باقيًا بحاله وجوهر الإنسان باقيًا بحاله فقد آل الاتحاد إلى مجرد تسمية فارغة عن المعني خالية من الفائدة. الوجه الثاني: يُقال لهم أتقولون أن اللاهوت اتحد بالناسوت حقيقة أو مجازًا فإن قالوا إن ذلك تجوزًا وتوسعًا أبطلوا الاتحاد وتجوزوا بإطلاق ما لا يجوز إطلاقه على القدير سبحانه، وإن قالوا إنه اتحد حقيقة لزمهم أن يكون مشيئتهما واحدة؛ لأنّ الواحد لا يكون له إلا مشيئة واحدة إذ لو كان للواحد مشيئتان للزما أن يكونا متماثلتين أو مختلفتين فإن كانتا متماثلتين فإحداهما معنية عن الأخرى وإن كانتا مختلفتين تناقضت أحكامهما وامتنع حصول مرادهما فثبت أنه لا بد من إبطال إحدى المشيئتين إن كان الاتحاد حقيقة، أو إبطال الاتحاد جملة إن ثبتت المشيئتان (¬1). الفرقة الثالثة: فرقة النسطور: وهم نصارى المشرق أصحاب نسطورس (¬2) أخذوا الأمانة عن المسيح ساعدوا نسطورس على رأيه فنسبوا إليه، ومذهبها: أن المسيح بعد الاتحاد جوهران وأقنومان باقيان على طباعهما كما كانا قبل الاتحاد وردوا الاتحاد إلى خاص البنوة وهو علم الباري قالوا: هذا الشخص المأخوذ من السيد شارك الله في هذه الخاصة فصار بها ابنًا وشريكًا ومسيحًا (¬3). وقد رد عليهم الشيخ المسعودى بطرق عقلية كثيرة وأدلة نقلية من الكتاب المقدس أظهرها ما يلي: 1 - أن يُقال: إذا قلتم إن الجوهرين باقيان والأقنومين باقيان فلا موقع للاتحاد وصار اسمًا ساذجًا لا ثمرة له ولا فائدة. 2 - أن يُقال: كون المسيح أقنومين مكذب بالحس وذلك أن الذي يراه كل ذى بصر صحيح من المسيح إنما هو شخص واحد، وتكذيب أصدق الحواس وهو البصر لا سبيل إليه. ¬

_ (¬1) المنتخب الجليل: ص 155 - 156. (¬2) النسطررية هم: أصحاب نسطور الحكيم الذي ظهر في زمان المأمون، قال إن الله واحد ذو أقانيم ثلاثة "الوجود والعلم والحياة" وهذه الأقانيم ليست زائدة على الذات ولا هي هو واتحدت بجسد عيسي -عليه السلام- كما تشرق الشمس على بلور أو النقش في الخاتم يرون أن المسيح إله تام وإنسان تام انظر: الملل والنحل للشهرستاني (2/ 53) بهامش الفصل في الملل والنحل. (¬3) المنتخب الجليل: ص157، مع الحذف.

ثانيا: الأدلة التي يستند عليها النصارى في عقيدة الحلول والاتحاد وجهود العلماء في الرد عليها

3 - قول بولس: "واحد هو الله هو المتوسط بين الله والناس (¬1) " فشهد بأن المسيح شيء واحد وأنه غير الله الواحد. وقال أيضًا: "إن رب الشعوب واحد غني متسع لكل من يدعوه، وكل من يدعوه باسم الرب يحيا ولكن كيف يدعوه من لم يؤمن به؟ " (¬2). ثانيًا: الأدلة التي يستند عليها النصارى في عقيدة الحلول والاتحاد وجهود العلماء في الرد عليها: ذكر الإمام ابن تيميه بعضًا من هذه الأدلة وفندها ورد عليها وكذلك صاحب كتاب الجوهر الفريد رد تلك الأدلة التي استند عليها صاحب كتاب القول الصريح في تثليث الأقانيم وتجسد المسيح. وقد قام علماؤنا الأجلاء بإثبات زيف هذه الأدلة وتحريفها ومن ثم لا يصح الاستشهاد بها في باب العقائد وأما بيان عدم دلالتها على ما يعتقدونه إذا فهمت على وجهها الصحيح -وذلك على فرض صحتها ولو جدلًا- وبيان أنهم يحملون ألفاظها من الدلالات مالا تحتمله (¬3). من هذه الأدلة التي فندها الإمام ابن تيميه في كتابه الجواب الصحيح ما يلي: احتجاج النصارى على حلول اللاهوت في المسيح بقول النبي حبقوق: "إن الله في الأرض يترآى ويختلط مع الناس ويمشي معهم" (¬4). كما يحتجون بقول أرمياء النبي أيضًا في ذلك: "الله بعد هذا في الأرض يظهر ويتقلب مع البشر فيقول أنا الله رب الأرباب" (¬5). ¬

_ (¬1) ورد في الرسالة الأولي إلى أهل تيموثاوس: "لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسرع المسيح" تيموثاوس الأولي (2/ 5). (¬2) ورد في الرسالة إلى أهل رومية: "لأنه لا فرق بين اليهودي واليوناني لأنّ ربًا واحدًا للجميع غنيًا لجميع الذين يدعون به لأنّ كل من يدعو به باسم الرب يخلص فكيف يدعون بمن لم يؤمنوا به وكيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به وكيف يسمعون بلا كارز؟ " رومية: (10/ 12 - 14)، وانظر: المنتخب الجليل: ص 158. (¬3) انظر: موقف ابن تيميه من النصرانية: (1/ 229). (¬4) لم أجده في حبقوق ولعله كان موجودًا في نسخة على زمن المؤلف، وبمرور الزمن حرفت، وهناك نص يشير إلى نفس المعنى وهو: "الله ظهر في الجسد ... " تيموثاوس الأولى (3/ 16). (¬5) لم أجده أيضًا في أرمياء، وهناك نص يدلّ على هذا العني وهو: "وكان الرب يسير أمامهم نهارًا ... " خروج: (13/ 20 - 22).

تفسير معنى الحلول عند النصارى ورد ابن تيمية على ذلك

ومعنى هذا أن الذي ترآى للناس ومشي، بينهم وتقلب بين ظهرانيهم باسم المسيح ليس جسدًا مجردًا من اللاهوتية بل إنما الذي فعل ذلك هو الله بعد حلوله -في زعمهم- في شخص المسيح، ولهذا أسندت إليه كل الأفعال التي قام بها المسيح بهذا الاعتبار (¬1). ويجيب الإمام ابن تيميه على ذلك بأن هذا يحتاج إلى تثبيت بنوة هذين النبيين وإلى ثبوت النقل عنهما، وثبوت الترجمة الصحيحة المطابقة وبعد هذا يكون حكم هذا الكلام حكم نظائره، ففي، التوراة ما هو من هذا الجنس ولم يدل ذلك باتفاق المسلمين واليهود والنصارى على أن الله حلّ في موسى، ولا في غيره من أنبياء بني إسرائيل بل قوله يترآى هو بمنزلة يتجلى ويظهر، وقد ذكر في التوراة أنه تجلي وترآى لإبراهيم وغيره من الأنبياء عليهم السلام من غير أن تكون ذاته قد حلت بأحد منهم (¬2). تفسير معنى الحلول عند النصارى ورد ابن تيمية على ذلك: يستشهد النصارى بما ينقلونه عن النبي زكريا من قوله: "افرحي يا بنت صهيون لأني آتيك وأحل فيك وأترايا، قال الله: ويؤمن بالله في ذلك اليوم الأمم الكثيرة ويكونون له شعبًا واحدًا ويحل هو وهم فيك، وتعرفين أني أنا الله القوي الساكن فيك، ويأخذ الله في ذلك اليوم الملك من يهوذا ويملك عليهم إلى الأبد" (¬3). فهم يرون في هذا نصًا صريحًا على إتيان الرب لمريم، وحلوله فيها وترائيه في شخص المسيح، وأنه هو الذي سكن فيها أي أن هذا الكلام نص صريح في عقيدة حلول الله في عيسي وظهوره في صورته كما يزعمون (¬4). ويرد الإمام ابن تيميه عليهم بقوله: مثل هذا قد ذكر عندهم عن إبراهيم وغيره من الأنبياء أن الله تجلي له واستعلن له وتريا له ونحو هذه العبارات ولم يدلّ ذلك على حلوله فيه، وكذلك إتيانه وهو لم يقل إني أحل في المسيح وأتحد به وإنما قال عن بنت صهيون: "آتيك وأحل فيك". كما قال مثل ذلك عندهم في غير هذا ولم يدل على حلوله في بشر وكذا قوله: "وتعرفين أني أنا الله القوى الساكن فيك" ولم يرد بهذا اللفظ حلوله في المسيح فإن المسيح لم يسكن بيت المقدس وهو قوي بل كان يدخله وهو مغلوب مقهور حتى أخذ وصلب -حسبما يعتقدون- أو شبهه والله سبحانه وتعالى إذا حصلت معرفته والإيمان به في القلوب اطمأنت وسكنت، وكان بيت المقدس لما ظهر فيه دين المسيح -عليه السلام- بعد رفعه حصل فيه من الإيمان بالله ومعرفته ما لم يكن قبل ذلك (¬5). ¬

_ (¬1) موقف ابن تيميه من النصرانية: 1/ 242. (¬2) الجواب الصحيح: 2/ 237. (¬3) زكريا: (12/ 10 - 12) رجل بيده حبل قياس. (¬4) موقف ابن تيميه من النصرانية: 1/ 235. (¬5) الجواب الصحيح: 2/ 221.

وقد احتج النصارى أيضًا على عقيدة الحلول والاتحاد بما جاء في سفر الملوك: "والآن يا رب إله إسرائيل ليتحقق كلامك لداود لأنه حق أن يكون أنه سيسكن الله مع الناس على الأرض وكل من فيها فيكون الرب عليها شاهدًا من بيته القدوس ويخرج من موضعه وينزل ويطأ على مشاريق الأرض في شأن خطيئة بني يعقوب" (¬1). تقول د/مريم زامل: (إذا كان المسيح هو الذي وطئ أطراف الأرض وساكن الناس فيها فإن هذا النص قد عبر عن ذلك بأن الله هو الذي فعل ذلك، فالمسيح إذًا -كما يزعمون- إنما فعل ذلك باعتباره ربًا لحلول الرب فيه واتحاده به) (¬2). ويجيب الإمام ابن تيميه على هذا الدليل بأن هذا السفر "الملوك" يحتاج إلى أن يثبت أن الذي تكلم به نبي وأن ألفاظه ضبطت وتُرجمت إلى العربية ترجمة مطابقة ثم بعد ذلك يُقال فيه ما يقال في أمثاله من الألفاظ الموجودة عندهم، وليس فيها ما يدل على اتحاده بالمسيح فإن قوله: "إن الله سيسكن مع الناس في الأرض" لا يدلّ على المسيح، إذا كان المسيح لم يسكن مع الناس في الأرض، بل لما أظهر الدعوة لم يبق في الأرض إلا مدة قليلة ولم يكن ساكنًا في موضع معين، وقبل ذلك لم يظهر منه شيء من دعوى البنوة فضلًا عن الإلهية ثم إنه بعد ذلك رُفع إلى السماء فلم يكن يسكن مع الناس في الأرض، وأيضًا إذا قالوا سكونه هو ظهوره في المسيح -عليه السلام- قيل لهم: أما الظهور الممكن المعقول كظهور معرفته ومحبته ونوره وذكره وعبادته فهذا لا فرق فيه بين المسيح وغيره. وأما قوله: "فيكون الرب عليها شاهدًا" فيقال شهود الله على عباده لا يستلزم حلوله أو اتحاده ببعض مخلوقاته، بل هو شهيد على العباد بأعمالهم كما قال: {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (¬3)} (¬4). إلى غير ذلك من الردود التي رد بها الإمام ابن تيميه على النصارى وأثبت من خلال التفسير الصحيح للنصوص أن الله -عز وجل- لم يحل بالمسيح -عليه السلام- وقد بين أيضًا أنه مجرد الشك في نبوة حبقوق وأرميا وغيرهم كفيل برد النصوص الواردة التي استدل بها النصارى ونسبوها إليهم .. وهذا كله يُثبت بُطلان عقيدة الاتحاد والحلول. ¬

_ (¬1) انظر: ملوك الأوّل: (8/ 26 - 27) وهذا النص محرف في النسخة الحالية، وليس الملوك الثالث كما ذكر ابن تيميه. (¬2) موقف ابن تيمية من النصرانية: 1/ 237. (¬3) سورة يونس الآية: (46). (¬4) الجواب الصحيح: 2/ 228.

أما صاحب كتاب الجوهر الفريد فقد أدلى بدلوه في قضية الحلول والاتحاد وأسهم في إبطالها والرد على مزاعم النصارى الباطلة، وكان منهجه في مناقشة هذه القضية قائم على ما يلي: 1 - الاستدلال بنصوص من الكتاب المقدس تدل على بطلان القول بالحلول والاتحاد وتعارض ما يدعيه النصارى. 2 - رد التفسير الخاطئ لرؤية الله في الدنيا وأنه ليس على الحقيقة إلى ضرورة استخدام المعني المجازى في مثل هذه الأمور وبيان أن الأخذ بالظاهر وحمل اللفظ على حقيقته لا يجوز. وقال: يستدل النصارى على اتحاد المسيح بالله وحلول الله فيه اتحادًا وحلولًا حقيقيًا بقول جبرائيل الملك للسيدة مريم الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك (¬1) وبقول السيد المسيح: "الذي رآني فقد رأى الأب (¬2) " وقوله: "إن إني أنا في الأب والأب فىّ" (¬3) وغير ذلك من الأقوال (¬4). وفي رده عليهم يقول: إن الاستدلال بمثل هذه الألفاظ على الاتحاد والحلول الحقيقى مردود بجملة وجوه منها: أن لفظ الحلول يطلق على كثير من الخلق غير المسيح بل وعلى الجمادات ففى مواضع متعددة من الكتاب المقدس منها: "حل روح الرب على داود" (¬5)، حل روح الله على شاول (¬6)، وفي سفر القضاة: "ولبس روح الرب جدعون" (¬7). وغير ذلك من النصوص. ¬

_ (¬1) لوقا: (1/ 34 - 35) البشارة بميلاد يسوع. (¬2) يوحنا: (14/ 9) أنا هو الطريق والحق والحياة. (¬3) يوحنا: (14/ 10) السابق. (¬4) الجوهر الفريد: ص 55. (¬5) صموئيل الأوّل: (16/ 13) صموئيل يمسح داود ملكًا. (¬6) صموئيل الأوّل: (10/ 10) شاول يصبح ملكًا. (¬7) الإصحاح: (6/ 34) جدعون.

3 - إقرار المسيح -عليه السلام- نفسه وأنه قد صرح مرارًا بأن الله تعالى واحد لا يُري ولا يُسمع صوته وأنه شيء آخر غيره وأنه إلهه وإله العالمين ونادى عن نفسه بأنّه إنسان وابن إنسان وقوله: "الله بالحقيقة فيكم" (¬1) .. وغير ذلك من الأقوال التي تنافي الحلول والاتحاد الحقيقي وقول بولس: "الله بالحقيقة فيكم" أظهر من قوله: "يحل عليك" وقول المسيح: "أنا في الأب والأب فىّ". 4 - إن رؤية الله تعالى في الدنيا ممتنعة واعتراف المسيح نفسه بأنّه تعالى لا يُري وذلك يعارض الأخذ بظاهر قول الإنجيل: "من رآنى فقد رأى الأب" وهذا يتضح معناه هو أن من رأى صنع الله تعالى على يديه من الآيات كإحياء الميت وإبراء المرضي فكأنه رأى الله كما يؤيد ذلك بقوله: "لو عرفتموني لعرفتم أبى (¬2) " (¬3). ثم يضيف العلامة أحمد ديدات حول هذا الاتحاد المزعوم قائلا: (لو كان عيسى يكون مع الله شيئًا واحدًا، ولو كان هذا التوحد معه، يجعل منه إلهًا، لكان لنا أن نعتبر: "يهوذا الخائن وتوما وبطرس" إلى جانب التسعة الآخرين الذين تخلوا عنه عندما كان في شدة الحاجة إليهم، آلهه) (¬4). ¬

_ (¬1) رسالة بولس إلى كورنثيوس: (14/ 25) البنوة والألسن. (¬2) يوحنا: (8/ 19) أنا هو نور العالم. (¬3) الجوهر الفريد: ص 56 - 58. (¬4) المسيح في الإِسلام: ديدات، ص 80، ولمزيد من التفصيل، انظر: ص78 - 80.

المبحث السادس جهود علماء المسلمين -فترة البحث- في نقض عقيدة الصلب والفداء

المبحث السادس جهود علماء المسلمين -فترة البحث- في نقض عقيدة الصلب والفداء ويشتمل على ما يلي: * مقولة النصارى في صلب المسيح: أ- بداية ظهور هذه العقيدة. ب- المجامع تقر هذه العقيدة. ج- أدلة النصارى عليها. النقض الإجمالي لعقيدة الصلب: أ- عند بعض القدامى. ب- عند بعض المحدثين. النقض التفصيلي لعقيدة الصلب: - أحداث الصلب وتضارب الأناجيل فيها.

مقولة النصارى في صلب المسيح

مقولة النصارى في صلب المسيح: أ- موقف النصرانية الأولى من عقيدة الصلب. ب- بداية ظهور هذه العقيدة. ج- إقرار المجامع لهذه العقيدة. د- أدلة النصارى عليها. مقولة النصارى في صلب المسيح وأدلتهم عليها: صلب المسيح للتكفير عن خطيئة البشر ركن أساسى من أركان العقيدة النصرانية وقد ذكر أكثر علماء -فترة البحث- الأساس الفكري لتلك العقيدة الباطلة فقالوا: (يعبر عن الصلب في لغة المسيحيين بظهور الله في الجسد، حيث جاء بالشكل المنسوب للمسيح، وأساسه عندهم: أن من صفات الله العدل والرحمة فبمقتضى صفة العدل كان على الله أن يعاقب ذرية آدم بسبب الخطيئة إلى ارتكبها أبوهم وطُرد بها من الجنة، واستحق هو وأبناؤه البعد عن الله بسببها. وبمقتضى صفة الرحمة كان على الله أن يغفر سيئات البشر، ولم يكن هناك طريق للجمع بين العدل والرحمة إلا بتوسط ابن الله ووحيده وقبوله أن يظهر في شكل إنسان وأن يعيش كما يعيش الإنسان ثم يُصلب ظلمًا ليكفر عن خطيئة البشر، وهذا ما عبر عنه النصارى بالخلاص وهنا تمت المصالحة بين الله والناس) (¬1). 1 - موقف النصرانية الأولي من عقيدة الصلب والفداء: بينت د/ مريم زامل في دراستها للنصرانية: أن النصرانية الأولى قد خلت من عقيدة الصلب والفداء، وأنها فكرة دخيلة على المسيحية الحقة التي جاء بها المسيح -عليه السلام- فتقول: إن عيسى -عليه السلام- ابتدأ دعوته في قومه بني إسرائيل؛ ليردهم عن غيهم وتماديهم في البعد عن الله، وعما جاء به موسى -عليه السلام-، وإفراطهم في الماديات حيث لم يرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة وكانت دعوته تدعو إلى الوحدانية وأنه بشر رسول ... لكن المتتبع لروايات الأناجيل وما جاء في كتاب الله الكريم يرى رفض بني إسرائيل لدعوته وإنكارهم لرسالته والنيل منه ومحاولة قتلة إلا أن الله نجاه من كيدهم ... والمسيحيون الأوائل لم يكونوا على علم ودراية بما سيؤول إليه أمر المسيح ومن ثم فلم يكن لديهم فكرة عن صلب المسيح كفارة لخطيئة آدم الموروثة في البشر، وإنما هذه العقيدة قد تبنتها الكنيسة بعد حادث الصلب المزعوم (¬2). ¬

_ (¬1) النصرانية والإِسلام م/ الطهطاوي ص 48، وانظر: عقيدة الصلب والفداء أ/ محمَّد رشيد رضا ص (16، 17) طبعة دار الفتح للإعلام العربي 1411 هـ / 1991 م، وانظر: التعصب الصليبي د/عمر عبد العزيز ص 78، 79، وانظر: المسيحية الحقة أ/ علاء أبو بكر ص 206: وانظر: المسيحة د/ أحمد شلبي ص 159، وانظر: الإنجيل والصليب: د/عبد الأحد داود ص6 طبع في القاهرة سنة 1351هـ، وانظر: محاضرات في النصرانية /أبو زهرة ص 107. (¬2) موقف ابن تيمية من النصرانية: ص 644.

2 - بداية ظهور عقيدة الصلب والفداء وأدله النصارى عليها

ولذلك يقول د/ عبد الأحد داود في كتابه: (إن هذا السر اللاهوتي الذي كان مكتومًا عن كل الأنبياء والصالحين السابقين قد خيل أو كأنما كُشف للكنيسة بواقعة صلب المسيح، وإن هوية الأقانيم الثلاثة وأسرارها التي كان يجهلها أكابر الأنبياء كإبراهيم وموسى وداود وعيسي عليهم السلام قد صار من مبادئ معلومات كل غلام مسيحى فضلًا عن القسيسين والرهبان. الصليب كاشف الأسرار اللاهوتية ما أغربه من نموذج لتجليات الأديان) (¬1). ثم تؤكد د/ مريم زامل، من خلال دراستها على ما كتبه أهل الكتاب حول هذا الموضوع أن الحواريين في بدء دعوتم لم يجدوا في النصوص المقدسة، ولا في كتب الأحبار ما يشير من قريب أو بعيد إلى صلب المسيح، وتعذيبه على خشبة الصلب كما يزعم بولس أن المسيح مات من أجل خطايا البشر (¬2). 2 - بداية ظهور عقيدة الصلب والفداء وأدله النصارى عليها: أما عن بداية ظهور هذه العقيدة في النصرانية يؤكد البيروتي (¬3) في كتابه: أن الذي يحمل وزر هذه العقيدة هو بولس اليهودي الذي تأثر بالفلسفة الإغريقية، وبعقائد الهنود التي تنص على صلب كرشنا المولود البكر الذي هو نفس الإله فشنو الذي لا ابتداء له ولا انتهاء على رأيهم قد تحرك شفقة وحنوًا -كي يخلص الأرض من ثقل حملها فأتاها وخلَّص الإنسان بتقديم نفسه ذبيحة عنه وقد تأثر بها تأثيرًا كبيرًا انعكس على تعاليم المسيح التي أخذ يبشر بها عندما اختلق قصة دخوله المسيحية (¬4). وكذلك يرى م/ الطهطاوي أن فكرة صلب المسيح دخلت النصرانية على يد بولس وهو الذي ابتدعها فيقول نقلًا عن "ولز" من كبار كُتاب المسيحية في أوروبا: إن بولس هو الذي أسس المسيحية الحديثة، وهو لم ير المسيح ولا سمعه، وكان اسمه في الأصل "شاول" وكان من مضطهدي المسيحيين ثم اعتنق المسيحية فجأة، وغير اسمه إلى بولس، وكان شديد الاهتمام بعقائد زمانه، فنقل إلى المسيحية كثيرًا من أفكارهم ومن ذلك قوله: "إن المسيح ابن الله، نزل ليصلب، ويفدي البشرية، وذلك مثل الضحايا القديمة أيام الحضارات البدائية (¬5). ¬

_ (¬1) الإنجيل والصليب: ص 8. (¬2) موقف ابن تيميه من النصرانية: ص 645. (¬3) هو: محمد بن طاهر بن عبد الوهاب بن سليم التنير البيروتي، من أهل بيروت، باحث متكلم رحل إلى مصر، ثم سوريا وتوفي بدمشق سنة 1933م، من مؤلفاته: الدر النضير والعقائد الوثنية، انظر الأعلام للزركلي 6/ 173. (¬4) انظر: العقائد الوثنية في الديانة النصرانية / محمَّد بن طاهر التنير البيروتي ص75 تحقيق د/ محمَّد عبد الله الشرقاوي ط: دار عمران بيروت ومكتبة الزهراء جامعة القاهرة/ ط الأولي 1414 هـ / 1993 م، وانظر: موقف ابن تيميه من النصرانية: ص 645، المسيحية د/أحمد شلبي: ص 167. (¬5) نقلًا عن: النصرانية والإِسلام: م/ الطهطاوى، ص 265.

أما م/ أحمد عبد الوهاب في رؤيته النقدية لهذه الفكرة الدخيلة على النصرانية يقول: تبنى بولس فكرة سفك دم المسيح كفارة عن خطايا البشر، وروج لها في رسائله .. تلك الرسائل التي لم يُكتب أقدمها إلا بعد رفع المسيح بأكثر من عشرين عامًا (¬1). أما عن الأدلة التي يستند عليها النصارى في إثبات هذه العقيدة كثيرة قد رصدها جميع من تكلم في الصلب من علمائنا الأجلاء منها: 1 - قول بولس: "المسيح افتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا؛ لأنه مكتوب: ملعون كل من علق على خشبة" (¬2). 2 - قول مرقس: "لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم" (¬3). 3 - قول بولس: "متبررين مجانًا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الفصح عن الخطايا السالفة بإمهال إلى الله" (¬4). ¬

_ (¬1) المسيح في مصادر العقائد المسيحية: ص 191. (¬2) رسالته إلى أهل غلاطية: (3/ 13) الإيمان أم أعمال الناموس. (¬3) انظر: الإصحاح (10/ 45) طلبة يعقوب ويوحنا. (¬4) رسالته إلى رومية: (3/ 24، 25) التبرير والإيمان.

3 - المجامع تقرر الإيمان بصلب المسيح وسر تقديس الصليب

3 - المجامع تقرر الإيمان بصلب المسيح وسر تقديس الصليب: ومن الأمور التي تؤكد على أن فكرة الصلب نشأت بعد المسيح -عليه السلام- بزمن طويل ما قررته المجامع إسهامًا منها في تقنين العقائد الباطلة إذ أنها السلطة التشريعية العليا في المسيحية ومن ضمن العقائد التي قررتها المجامع عقيدة الصلب والفداء. هذا ما رصدته د/ مريم زامل في دراستها حيث تقول: (وأيًا ما كان الأمر فقد دخلت عقيدة الصلب والفداء في المسيحية على يد بولس، ثم انتشرت بين الناس وظهرت في الأناجيل التي كُتبت فيما بعد، وإذا كان الخلاف حولها ظل باقيًا خلال القرون الأولى، إلا أنها تقررت فيما بعد في المجامع حتى أصبحت هى العقيدة التي يعتقدها معظم المسيحيين، والتي تدين بها الفرق الثلاث الكبرى على اختلاف ما بينها في تصورها لهذه العقيدة) (¬1). حيث يقول د/ عبد الأحد داود عن هذا الاختلاف بين الطوائف: إن الكنيسة التي تُعلن الحرب على الأصنام، هى بذاتها تعبد صليبًا مصنوعًا من معدن أو خشب، بدعوى أنه كشف سر التثليث ومثله وكل النصارى -فيما عدا البروتستانت- يرسمون الصليب بأصابعهم الثلاثة الأولى الأمامية على وجوههم وصدورهم، ويسجدون للثالوث الشريف ويمجدونه قائلين: "باسم الأب والابن والروح القدس" وإذا كان أحد العيسويين لا يرسم الصليب على وجهه أو لا يُقبل الصليب المصنوع من الخشب أو المعدن، لا تُقبل عبادته ويُعد رافضًا ومرتدًا لدى كل الكنائس، وأما البروتستانت فإنهم وإن لم يعبدوا الصليب فإنهم على كل حال معتقدون وقائلون إنه بواسطته انكشف التثليث وألوهية المسيح لنوع البشر" (¬2). هذا وقد جاء في الأمانة التي انبثقت عن مجمع نيقية عام 325 م ما يدلّ على اعتقاد المسيحيين بصلب المسيح كركن أساسي من أركان عقيدتم ونصها: "نؤمن بإله واحد، وأب ضابط الكل خالق السموات والأرض كل ما يرى وما لا يرى وبرب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد ... الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من روح القدس ومن مريم العذراء وتأنس "صار إنسانًا" وصُلب على عهد بيلاطس البنطي" (¬3). ¬

_ (¬1) موقف ابن تيميه: ص 649. (¬2) الإنجيل والصليب: ص 8. (¬3) الجواب الصحيح: 2/ 131، 295.

النقض الإجمالي لعقيدة صلب المسيح

النقض الإجمالي لعقيدة صلب المسيح: تنوعت الرؤى النقدية لعلمائنا الأجلاء عند مناقشتهم لعقيدة الصلب والفداء عند النصارى مبينين اعتراضاتهم على التحليل الخاطئ لفكرة الصلب مستخدمين في ردودهم على ذلك الأدلة العقلية في إبطال ما يدعيه النصارى وقد بينوا أيضًا أن الأسباب التي يتعلل بها النصارى على صلب المسيح أسباب واهية من نواح كثيرة منها: 1 - أن دعواهم تخالف العُرف العام السائد بين الناس. 2 - أن العقل لا يقر بأى حال من الأحوال أن يُعاقب الأبناء على ذنب الآباء أو يعاقب الإنسان على ذنب لم يرتكبه. 3 - أن دعواهم بصلب المسيح تُبطل كثرًا من عقائدهم الأخرى مشل ألوهية المسيح والمعمودية وسيأتي بيان ذلك في ثنايا نقد العلماء. جهود علماء المسلمين في نقض عقيدة الصلب والفداء نقضًا إجماليًا: أ- الرؤى النقدية الإجمالية حول عقيدة الصلب والفداء لبعض القدامى -فترة البحث-: تنوعت الرؤى النقدية لعلمائنا الأجلاء حول هذه العقيدة يبرز في مقدمة هذه الجهود ما قام به شيخ الإِسلام وتلميذه ابن القيم والشيخ المسعودي وأكدوا من خلال رؤيتهم النقدية بطلان هذه العقيدة وتناقضها مع غيرها من عقائدهم في المسيح مثل ألوهية المسيح فكيف يتم الجمع بين قولهم بأن المسيح إله حق وبين القول بأن الإله الحق صلب وقُتل وأهين .. فيقول الإمام ابن تيميه موجهًا نقده للنصارى: إنكم قلتم في أمانتكم عن المسيح: أنه إله حق من إله حق، ومن جوهر أبيه الذي هو مساو الأب في الجوهر الذي نزل وتجسد من روح القدس ومن مريم العذراء وتأنس وصلب وتألم اقتضى ذلك أن يكون الإله الحق المساو للأب في الجوهر صُلب وتألم، فيكون اللاهوت مصلوبًا متألمًا وهذا ما تقر به طوائف منكم وطوائف تنكره، لكن بمقتضى أمانتكم هو الأوّل أن اللاهوت صُلب وتألم، وهذا لا يمكن أن يُقال (¬1). ويتساءل الإمام ابن القيم متعجبًا ومستنكرًا في نفس الوقت لما يقوله النصارى فيقول لهم: (أخبرونا من كان الممسك للسموات والأرض حين كان ربها وخالقها مربوطًا على خشبة الصليب وقد شُدت يداه ورجلاه بالحبال وسُمّرت اليد التي أتقنت العوالم، فهل بقيت السموات والأرض خلوًا من إلهها وفاطرها وقد جرى عليه هذا الأمر العظيم؟) (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: الجواب الصحيح: 2/ 134، 292 - 293، بتصرف. (¬2) هداية الحيارى: ص 277.

ب- الرؤية النقدية حول عقيدة الصلب لبعض المحدثين

وتتجلى رؤية الشيخ المسعودى في ثوبها العلمي القشيب الذي ينم عن درايته بقواعد نقد السند طارحًا في أثناء رده عليهم الافتراضات التي ربما تعن لسائل منهم أن يسأل أو لمدع أن يلتمس عذرًا لما يقولون .. وتتلخص رؤيته النقدية فيما يلي: يقال للنصارى ما ادعيتموه من قتل المسيح وصلبه أتنقلونه تواترًا أم آحادًا؟ فإن زعموا أنه آحاد لم يقم بذلك حُجة ولم يثبت العلم الضروري، إذ الآحاد لا يؤمن عليهم السهو والغفلة والتواطؤ على الكذب، وإذا كان الآحاد يعرض ذلك لهم فلا يحتج بهم في القطعيات (¬1). وإن عزو ذلك إلى التواتر، قلنا لهم شرط التواتر استواء الطرفين فيه والواسطة، وهو أن ينقل الجم الغفير عن الجم الغفير عن الذين شاهدوا المشهود به وهو المصلوب -وعلموا به ضرورة فإن اختل شيء من ذلك فلا تواتر، فإن زعموا أن خبرهم في قتل المسيح وصلبه هذه الصفة كذبتهم الأناجيل إذ قالت: إن المأخوذ للقتل كان في شرذمة يسيرة من تلاميذه فلما قُبض عليه هربوا بأسرهم ولم يتبعه أحد سوى بطرس من بعيد، فلما دخل الدار حيث اجتمعوا نظرت جارية منهم إلى بطرس فعرفته، فقالت هذا كان مع يسوع فحلف أنه لا يعرف يسوع ... وخادعهم حتى تركوه وذهب (¬2) وأن شابًا آخر تبعه وعليه إزار فتعلقوا به "فترك إزاره في أيديهم وذهب عريانًا" (¬3). فهؤلاء أصحابه وأتباعه لم يحضر منهم ولا رجل واحد بشهادة الأناجيل، وأما أعداؤه من اليهود الذين يزعم النصارى أنهم حضروا الأمر لم يبلغوا حد التواتر؛ بل كانوا آحادًا وأفرادًا، وهم أعداؤه ويُحتمل تواطؤهم على الكذب على عدوهم إيهامًا أنهم ظفروا به (¬4). ب- الرؤية النقدية حول عقيدة الصلب لبعض المحدثين: ولكثرة الردود الإجمالية على عقيدة الصلب أذكر منها ما يلي: يعرض م / الطهطاوي؛ أ/ محمَّد رشيد رضا (¬5)، وغيرهما من العلماء مختصرًا لفكرة الصلب قبل مناقشتها ثم يعقبون عليها بالردود الشافية الكافية في إبطالها، ويعترضون عليها بافتراضات عقلية تبين فسادها وفي عرضهم للفكرة يقولون: ¬

_ (¬1) المنتخب الجليل: المسعودى، ص 274. (¬2) انظر: متى: (26/ 69 - 74) إنكار بولس. (¬3) انظر: مرقس: (14/ 52) وقد انفرد مرقس بذكر هذه الواقعة. (¬4) المنتخب الجليل: ص 274. (¬5) هو: محمَّد رشيد علي رضا بن علي خليفة القلامونى البغدادي الأصل، ولد ونشأ في القلامون بالشام سنة 1865 م، صاحب مجلة المنار، له مؤلفات منها: عقيدة الصلب والفداء، شبهات النصارى وحجج الإِسلام، توفي بمصر سنة 1935م (الأعلام للزركلي 6/ 126).

(يقول المسيحيون أن أساس هذا الصلب هو صفة العدل، إذ كان على الله بمقتضى هذه الصفة أن يعاقب ذرية آدم بسبب الخطيئة التي ارتكبها أبوهم، ولكن بمقتضى صفة الرحمة كان على الله أن يغفر سيئات البشر (¬1). بعض الاعتراضات على هذه الفكرة كما يعرضها م/ الطهطاوي وهي نقد في نفس الوقت: 1 - أين كان عدل الله ورحمته منذ طرد آدم من الجنة حتى صلب المسيح فهل كان الله حائرًا بين العدل والرحمة آلاف السنين حتى قبل المسيح منذ ألفى عام أن يصلب للتكفير عن خطيئة البشر؟ 2 - والمبدأ العام المعترف به في الديانات جميعًا وفي القوانين الوضعية وعُرف جميع الناس أنه لا يورث عن الآباء سوى ثرواتهم، أما جرائمهم فلا تورث عنهم ولا تؤاخذ بها ذرياتهم، ويترتب على ذلك ما يلي: أ- أنه لا علاقة لذرية آدم بخطيئة آدم طبقًا لما أوردته عقيدة الفداء عن النصارى بأن المسيح قُتل وصلب كفارة عن خطيئة آدم وذريته إذ لا شأن لذرية آدم بما ارتكبه آدم تطبيقًا لما ورد في سفر التثنية: "لا يُقتل الآباء عن الأولاد ولا يُقتل الأولاد عن الآباء، كل إنسان بخطيئته يُقتل" (¬2). وما ورد في حزقيال: "النفس التي تخطئ هى تموت، الابن لا يحمل من إثم أبيه والأب لا يحمل من إثم الابن بر البار عليه وشر الشرير عليه يكون" (¬3) ب- فساد القول بالمعمودية التى يقول عنها النصارى أنها تطهير المصطبغ بها من خطيئة آدم. 3 - إذا كانت الكلمة قد تجسدت لمحو الخطيئة الأصلية، فما العمل في الخطايا التي تجد بعد ذلك؟ ومنها ما هو أقسى من عصيان آدم. 4 - إذا كان المسيح ابن الله فأين كانت عاطفة الأبوة؟ وأين كانت الرحمة حينما كان الابن الوحيد يلاقى دون ذنب ألوان التعذيب والسخرية ثم الصلب مع دق المسامير في يديه (¬4). أما أ/محمَّد رشيد رضا في نقده الاجمالي لهذه العقيدة يقول: 1 - لا يمكن أن يقبل هذه القصة من يؤمن بالدليل العقلي أن خالق العالم لا بد أن يكون بكل شيء عليمًا، وفي كل صنعة حكيمًا؛ لأنها تستلزم الجهل والبداء على الباري عَزَّ وَجَلَّ، كأنه حين خلق آدم ما كان يعلم ما يكون عليه أمره وحين عصى آدم ما كان يعلم ما يقتضيه العدل والرحمة في شأنه حتى اهتدي إلى ذلك بعد آلاف السنين مرت على خلقه. ¬

_ (¬1) النصرانية والإِسلام: ص 50. (¬2) الإصحاح: (24/ 16). (¬3) الإصحاح: (18/ 20). (¬4) انظر: النصرانية والإِسلام، ص 50 - 53.

وخلاصة جهود العلماء في النقض الإجمالي لعقيدة الصلب

2 - يلزم من يقبل هذه القصة أن يسلم ما يحيله كل عقل مستقل من أن خالق الكون يمكن أن يحل في رحم امرأة في هذه الأرض التي نسبتها إلى سائر ملكه أقل من نسبة الذرة إليها وإلى سماواتها التي تُري منها ثم يكون بشرًا يأكل ويشرب ويتعب ويعتريه غير ذلك مما يعتري البشر ثم يأخذه أعداؤه بالقهر والإهانة فيصلبوه مع اللصوص ويجعلونه ملعونًا. 3 - يلزم من هذه القصة شيء أعظم من عجز الخالق (تعالى وتقدس) عن إتمام مراده بالجمع بين عدله ورحمته، وهو انتفاء كل من العدل والرحمة في صلب المسيح؛ لأنه عذبه من حيث هو بشر وهو لا يستحق العذاب لأنه لم يذنب قط فتعذيبه بالصلب والطعن بالحراب (على ما زعموا) لا يصدر من عادل ولا من رحيم بالأحرى، فكيف يُعقل أن يكون الخالق غير عادل ولا رحيم؟ أو أن يكون عادلًا رحيمًا فيخلق خلقًا يوقعه في ورطة الوقوع في انتفاء إحدى هاتين الصفتين، فيحاول الجمع بينهما فيفقدهما معًا (¬1). وخلاصة جهود العلماء في النقض الإجمالي لعقيدة الصلب: 1 - برع علماء المسلمين في تفنيد عقيدة الصلب والفداء من خلال المحاورات العقلية للنصارى في عقيدتهم هذه، والجدال بالتي هي أحسن. 2 - أن ما قاموا به من نقد ليس خارجًا عن عقيدة الصلب وإنما نقدوها من داخلها وعلى أساس مفرداتها ومكوناتها على طريقة من فمك أدينك حتى تكون الردود من الأمور التي يعرفونها وبالتالى الوصول إلى طرق الإقناع للمخالف أسهل وأيسر. 3 - تعارض عقيدة الصلب مع ما يعتقدون في الإله وفي التعميد. 4 - تأثر المحدثون من العلماء بما سبقهم من قدامى العلماء في تأسيس الرؤية النقدية لعقيدة الصلب، ولكن لكل منهم رؤيته الخاصة به والتي ربما تزيد في الإيضاح أو تقل قليلًا عمن سبقوه إلا أن هذه الرؤى متقاربة في التحليل والمحاورة العقلية والأسئلة الاستفهامية والذي يؤدى كل ذلك إلى بُطلان ما يزعم النصارى. ¬

_ (¬1) عقيدة الصلب والفداء: ص 17 - 19.

النقض التفصيلي لأحداث الصلب والفداء أحداث الصلب وتضارب الأناجيل فيها ونقدها فيما يلي: - مقدمة الأحداث. - العشاء الأخير. - الليلة الأخيرة. - المحاكمة. -الصلب. - الدفن. - القيامة. - الظهور.

أ- النقض التفصيلي لأحداث الصلب والفداء

أ- النقض التفصيلي لأحداث الصلب والفداء: لعلماء المسلمين في نقض أحداث الصلب نقضًا تفصيليًا جهود متميزة، وعند تتبع مناقشاتهم لهذه العقيدة يتبين وجود تشابه كبير إلى حدّ ما بين الرؤى النقدية التي يراها هؤلاء الأفاضل .. ويمكن حصر هذه الرؤى فيما يلي: 1 - المقابلة بين الأناجيل الأربعة في الموقف الواحد من أحداث الصلب وذلك لبيان التناقض الواقع فيها والتعارض بين الروايات المتعددة في النص الواحد ولبيان الاختلافات والأغلاط الواردة في تفاصيل الأحداث ويتضح ذلك جيدًا في جهود العلامة رحمة الله الهندي في إظهار الحق، البغدادي في الفارق، علاء أبو بكر في المسيحية الحقه وأ/ محمَّد رشيد رضا في عقيدة الصلب والفداء. 2 - بيان عدم الثقة في رواة الأناجيل، إذ أنه قد تبيّن فيما سبق من خلال نقد سند العهد الجديد أن الأناجيل الأربعة مفقودة السند إضافة إلى الجهل بحال كُتَّابها والاضطراب في زمن كتابتها .. كل ذلك يؤدى إلى ضعف الثقة فيمن نقلوا روايات الصلب وقد اشترك في التنبيه على ذلك الإمام ابن تيميه والبغدادي، فقد بين شيخ الإِسلام أن رواة الأناجيل لم يشهدوا عملية الصلب؛ بل إن الذين شهدوها هم اليهود (¬1). 3 - إبطال عقيدة الصلب عن طريق الوثاثق التاريخية ومجادلة النصارى بالنصوص الموثقة عندهم بأسلوب إنشائى خطابي يهدف إلى التأثير في الجماهير وقد اتضحت هذه الرؤية جيدًا في أسلوب العلامة أحمد ديدات في مناظرته حول مسألة الصلب بين الحقيقة والافتراء (¬2). 4 - أما أ/علاء أبو بكر في كتابه المسيحية الحقه، وفي نقده لعقيدة الصلب والفداء إضافة إلى ما سبق قد اتبع في دراسته لها منهجًا علميًا متميزًا وجاء بحثه خلاصة استفادته من السابقين عليه في هذا المجال وخبرتهم في نقد الكتاب المقدس وجمع من كل بستان زهرة ورتبها ترتيبًا علميًا رائعًا يترتب عليه فهم القصة من خلال النصوص فهمًا جيدًا ومن خلال هذه الرؤية النقدية يضع الباحث يده بسهولة على الأخطاء التي وقع فيها كُتاب الأناجيل عن طريق الجداول التي سجل فيها أحداث الصلب التفصيلية. 5 - اكتشاف ما وقع في قصة الصلب من أخطاء يؤكد استحالة صدور هذه القصة عن الوحى الإلهى، وبالتالى تنتفى صفة القداسة عن الأناجيل وأنها من وضع بشر ما عدا ما بقى فيها من حق إلا أنه تلبس بكثير من الباطل. ¬

_ (¬1) انظر: الجواب الصحيح، 2/ 79. (¬2) يراجع: كتاب مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء: كاملًا، أ/ أحمد ديدات.

1 - مقدمة الأحداث

وفيما يلي أعرض لقصة الصلب والفداء كما روتها الأناجيل وكيف نقدها علماؤنا الأجلاء .. والجداول التي توضح أماكن الاختلاف والتعارض بين الروايات: 1 - مقدمة الأحداث. 2 - العشاء الأخير. 3 - الليلة الأخيرة. 4 - المحاكمة: أ- المحاكمة الأولي: أمام مجمع اليهود. ب- المحاكمة الثانية: أمام بيلاطس. 5 - الصلب. 6 - الدفن. 7 - القيامة. 8 - الظهور. 1 - مقدمة الأحداث: قصة مسح جسد المسيح بالطيب: رصد العلامة رحمة الله الهندي، وأ/ علاء أبو بكر، أن الأناجيل اختلفت في تحديد المكان الذي حدثت فيه واقعة مسح جسد المسيح وفي المرأة إلى سكبت عليه العطر وفي الجزء المدهون بالعطر، وفي تحديد الزمن الذي تم فيه مسح جسده بالطيب وفي ثمن الطيب.

وقد عرض أ/ علاء أبو بكر مقارنة يتبين من خلالها أماكن الاختلاف بين الأناجيل في هذه القصة على النحو التالي: مرقس: (14/ 1 - 5) - لوقا: (7/ 36 - 39) - متى: (26/ 2 - 9) - يوحنا: (12/ 1 - 4) * حدث قصة سكب العطر في: مرقس: حدث قصة سكب العطر في منزل سمعان الأبرص في بيت عنيا (14 - 3). لوقا: حدثت في بيت الفريسي (7 - 36). متى: حدثت في بيت سمعان الأبرص (26 - 6). يوحنا: حدثت في منزل مريم ومرثا والعازر في بيت عنيا (12/ 1 - 2) * شخصية المرأة التي قامت بسكب العطر: مرقس: شخصية المرأة التي قامت بسكب العطر هنا مجهولة (14 - 3). لوقا: امرأة خاطئة (7 - 37). متى: شخصية المرأة مجهولة (26 - 7). يوحنا: المرأة هي مريم أخت العازر (12 - 3). * سكبت على رأس يسوع العطر بعد أن: مرقس: سكبت على رأس يسوع العطر بعد أن كسرت القارورة (14 - 3). لوقا: دهنت رجليه بالطيب (7 - 38). متى: دهنت رأس يسوع بالطيب (26 - 7). يوحنا: دهنت رجليه بالطيب (12 - 3). * اغتاظ القوم: مرقس: اغتاظ القوم لإسرافها وقالوا ... (14 - 4). لوقا: تساؤل الفريسي مع نفسه حول معرفة يسوع بشخصية المرأة (7 - 39). متى: اغتاظ التلاميذ وقالوا: (26 - 8). يوحنا: اغتاظ يهوذا الاسخريوطي لإسرافها وقال (12 - 4). * يمكن أن يباع: مرقس: يمكن أن يباع بأكثر من (300 دينار) ويعطى للفقراء (14 - 5). لوقا: سكت عن البحث في هذه المسألة. متى: يمكن أن يُباع بكثير ويعطى للفقراء (26 - 9)، (23 - 7). يوحنا: لماذا لم يبع هذا الطيب بثلاثمائة دينار ويعطى للفقراء (12 - 5). * قارورة طيب: مارقس: قارورة طيب ناردين والإفطار بيومين (14 - 1). لوقا: لم يحدد التاريخ ولكنه ذكرها قبل إرسال المسيح لتلاميذه الإثنا عشر. متى: قبل الفصح بيومين (26 - 2). يوحنا: قبل الفصح بستة أيام (12 - 1). فعندما نتأمل أولًا: محلّ الواقعة: أي المكان الذي حدثت فيه نجد أن يوحنا جعل ذلك في بيت مريم وهي أخت مرثا وأخت العازر، وجعلها مرقس ومتى في بيت سمعان الأبرص وجعلها لوقا في بيت أحد الفريسيين (¬1). وثانيًا: من الذي سكبت العطر؟ الغموض في شخصية المرأة التي قامت بسكب العطر فلم يحدد هويتها إلا يوحنا الذي قال أيضًا إن الواقعة حدثت في بيتها. ¬

_ (¬1) انظر: إظهار الحق: (1/ 132)، المسيحية الحقة: ص 218،: الفارق بين المخلوق والخالق ص342.

2 - العشاء الأخير

وثالثًا: الجزء المدهون بالعطر: فقد قال مرقس ومتى إنها دهنت رأس المسيح بالطيب وخالفه لوقا ويوحنا فقالا أنها دهنت قدميه، فهل من شأن الوحي أن لا يفرق بين الرأس والقدم؟ (¬1). ورابعًا: تحديد زمن هذه الواقعة: فقد ذكرها مرقس ومتى قبل عيد الفصح والإفطار بيومين وسكت عنها لوقا، وحددها يوحنا قبل الفصح بستة أيام، فهل هذه الأخطاء من الوحى؟ وخامسًا: ثمن الطيب: فيوحنا بين ثمن الطيب ثلاثمائة دينار ومرقس قال بأكثر من ثلاثمائة دينار ومتي أبهم الثمن وقال بثمن كثير (¬2). كل علامات الاستفهام هذه وكل هذه المتناقضات تجزم بأن هذا الكتاب ليس مقدسًا أي أنه ليس من وحى الله، بل إنه من صنع بشر، غير وبدل عن قصد (¬3). والملاحظ على مقدمة الأحداث أنه يوجد اضطراب واضح في نصوص الأناجيل وعدم اتفاق ملحوظ بينها في مفردات قصة مسح جسد المسيح بالطيب فإذا كان هناك اختلاف واضطراب واضح في مقدمة الأحداث فما بالنا بالأحداث نفسها .. لا شك أنهاا أكثر اضطرابًا واختلافًا. 2 - العشاء الأخير: ذكر جميع من تكلم في الصلب من علمائنا النص الذي يستدل به النصارى على العشاء الأخير أو الرباني كما يقولون وهو: "وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطي التلاميذ وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلًا اشربوا منها كلكم, لأنّ هذا هو دمى الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا" (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: إظهار الحق: 1/ 133، المسيحية الحقة: ص 219. (¬2) المرجع السابق: 1/ 133، الفارق: ص 346. (¬3) المسيحية الحقه: ص 222. (¬4) متى: (26/ 26 - 28) عشاء الرب.

وفيما يلي الجدول الذي أعده أ/ علاء أبو بكر، لبيان ما وقع في قصة العشاء الرباني من تناقضات واختلافات، وهذه العقيدة هي أساس القربان المقدس الذي يأتي بيانه في شرائع النصارى الفصل القادم: مرقص - لوقا - متى - يوحنا مرقس: العشاء الأخير: هو اليوم الأول من الفطير (14 - 12). لوقا: العشاء الأخير: هو يوم الفطير (22/ 8). متى: العشاء الأخير: هو يوم الفطير (26 - 17). يوحنا: يكون بعد موت يسوع (18 - 28). = مرقس: وعلى ذلك يكون ميعاد القبض عليه يوم الخميس. لوقا: يكون ميعاد القبض عليه يوم الخميس. متى: قُبض عليه مساء الخميس. يوحنا: حيث قُبض عليه مساء الأربعاء. = مرقس: ويكون الصلب إذن يوم الجمعة. لوقا: ويكون الصلب يوم الجمعة. متى: ويكون الصلب يوم الجمعة. يوحنا: يكون الصلب يوم الخميس. = مرقس: أعد العشاء اثنين فقط لم يذكر اسمهما (14 - 13). لوقا: أرسل بطرس ويوحنا (22 - 8) مع العلم أن يوحنا لم يذكر العشاء إلا بعد صلب يسوع. متى: شارك التلاميذ كلهم في إعداد العشاء (26 - 18). يوحنا: لو يذكر هذه المعجزة. = مرقس: دخل الشيطان في يهوذا قبل مجيء يوم الفطر (14 - 10). لوقا: دخل الشيطان في يهوذا قبل يوم الفطر (22 - 3). متى: دخل الشيطان يهوذا قبل مجيء يوم الفطر (26 - 14). يوحنا: دخل الشيطان فيه أثناء تناولهم الطعام بعد أن غمس لقمة وأعطاها يهوذا (13 - 27). = مرقس: وعدوا يهوذا بفضة - لم يذكر الكم (14 - 11). لوقا: أعطوه فضة (لم يذكر الكم) (22 - 5). متى: ثلاثين من الفضة أعطى مقدمًا (26 - 15) انظر زكريا (11 - 12). يوحنا: لا توجد مساومة. = مرقس: الذي يسلمني الآكل معي (14 - 18). لوقا: الذي يسلمني على المائدة (22 - 21). متى: الذي يغمس يده معي في الصفحة هو يسلمني (26 - 23). يوحنا: الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه (13 - 27). = مرقس: حامل الجرة يقودهم إلى مكان إقامة الفصح - أي لا يعرف التلاميذ صاحب البيت (14 - 13). لوقا: حامل الجرة يقودهم إلى مكان إقامة الفصح - أي لا يعرف التلاميذ صاحب البيت (22 - 10). متى: لم يذكر حامل الجرة حيث كان يعرف التلاميذ هذا الفلان (26 - 18). يوحنا: لم تذكر الواقعة عنده. = مرقس: السؤال أتى من التلاميذ بشأن الفصح (14 - 12). لوقا: المسيح أرسل بطرس ويوحنا من غير اقتراح وسؤال من التلاميذ (22 - 8). متى: السؤال أتى ابتداء من التلاميذ فأرسل كلهم إلى فلان (26/ 17 - 18). يوحنا: أغمض يوحنا عن ذكر هذا. = مرقس: هذا هو دمي الذي يُسفك من أجل كثيرين (14 - 24). لوقا: ومن الذي يسفك عنكم - عن التلاميذ (22 - 20). متى: يسفك من أجل كثيرين (26 - 28). يوحنا: يسفك عن كافة الناس (من أجل حياة العالم) (6 - 51). = مرقس: المعلم يقول أين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي (14 - 14). لوقا: أين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي (22 - 11). متى: المعلم يقول: إن وقتي قريب عندك أصنع الفصح مع تلاميذ (26 - 11). يوحنا: لم توح إليه.

وعند النظر في الجدول السابق الخاص بالعشاء الرباني نجد التناقض والتعارض بين الروايات واضحًا ويؤخذ على هذه القصة تناقضات كثيرة منها: 1 - اتفاق الأناجيل الثلاثة في وقت العشاء الأخير وخالفهم في تحديد هذا الوقت "يوحنا". 2 - اتفاقهم في تحديد موعد القبض على يسوع وهو أنه يوم الخميس مسًاء وخالفهم في ذلك "يوحنا" وقال إنه مساء الأربعاء. 3 - اتفقوا على أن الصلب كان يوم الجمعة وخالفهم "يوحنا" وقال إنه يوم الخميس وغير ذلك من المخالفات الموضحة في الجدول. وقد وقف العلامة رحمة الله الهندي والبغدادي، أ/ عبد الله الترجمان وأ/ علاء أبو بكر وغيرهم مع هذه القصة ونقدوها من وجوه متعددة أقواها الوجوه التي استخرجها العلامة رحمة الله الهندي يليه في القوة ما انتقده عليها العلامة البغدادي ثم الترجمان ثم علاء أبو بكر من هذه الوجوه ما يلي: 1 - أن الكنيسة الرومانية تزعم أن الخبز وحده يتحول إلى جسد المسيح ودمه ويصير مسيحًا كاملًا وللرد عليهم نجد العلامة الهندي يرد ردًا عقليًا منطقيًا علميًا فيقول: (إذا تحول مسيحًا كاملًا حيًّا بلاهوته وناسوته الذي أخذه من مريم عليها السلام فلا بد أن يشاهد فيه عوارض الجسم الإنساني ويوجد فيه الجلد والعظام والدم وغيرها من الأعضاء لكنها لا توجد فيه؛ بل جميع عوارض الخبز باقية بعد نطق الكاهن كما كانت من قبل نطقه بكلمات التقديس، بدليل أنه إذا نظر أحد أو لمسه أو ذاقه لا يحس شيئًا غير الخبز، وإذا حفظه يطرأ عليه الفساد الذي يطرأ على الخبز لا الفساد الذي يطرأ على الجسم الإنساني) (¬1). 2 - (لو كان العشاء الرباني الذي كان قبل صلبه يصير نفس الذبيحة التي حصلت على الصليب لزم أن يكون كافيًا لخلاص العالم، فلا حاجة إلى أن يصلب على الخشبة من أيدي اليهود مرة أخرى لأنّ المسيح ما جاء إلى العالم في زعمهم إلا ليخلص الناس بذبيحة مرة واحدة، وما أتى لكي يتألم مرارًا كما تدل عليه عبارة آخر الإصحاح التاسع من الرسالة العبرانية صراحة) (¬2). ¬

_ (¬1) إظهار الحق: 1/ 326. (¬2) المرجع السابق: 1/ 327.

3 - وفي نقد العلامة البغدادي لهذه القصة ذكر الروايات المتعددة لأصحاب الأناجيل ثم بين ما وقع بينها من تفاوت .. وأذكر مثالًا مما ذكر وهو ورودها في لوقا حيث يقول: "ثم تناول كأسًا وشكر وقال: خذوا هذه واقتسموها بينكم لأني أقول لكم: إني لا أشرب من نتاج الكرمة حتى يأتي ملكوت الله ... وكذلك الكأس بعد العشاء قائلًا: هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يُسفك عنكم" (¬1). فقال في نقده: (ذكر الكأس ثانيًا من زيادات لوقا ويؤخذ عليه اعتراض في قوله: "الذي يُسفك عنكم" وذلك إما أن يكون المراد عموم النصارى أو التلاميذ المخاطبين خاصة. وأيًا ما كان فهو مناقض لقول يوحنا: أنه صلب نفسه عن كافة الناس ومخالف لقول مرقس ومتي، لأنهما قالا: "الذي يسفك من أجل كثيرين" أي لبعض النصارى وزاد المترجم من عندياته على مرقس "لمغفرة الخطايا" ومعلوم أن بين هذه العبارات الأربعة تفاوتًا بعيدًا، والنصارى اتخذوا هذه القصة أساس دينهم فقد أسس هذا الدين على شفا جرفٍ هارٍ) (¬2). ¬

_ (¬1) لوقا: (22/ 20). (¬2) الفارق بين المخلوق والخالق: ص 353، ولمزيد من التفصيل، انظر: المسيحية الحقة، من ص 228 - 233.

3 - الليلة الأخيرة

3 - الليلة الأخيرة: ذكر أ/علاء أبو بكر النص الذي يشتمل على تفاصيل الليلة الأخيرة من إنجيل مرقس: "وقال لهم يسوع: إن كلكم تشكون في هذه الليلة لأنه مكتوب أني أضرب الراعى فتتبدد الخراف، ولكن بعد قيامي أسبقكم إلى الجليل، فقال له بطرس: وإن شك الجميع فأنا لا أشك، فقال يسوع: الحق أقول لك إنك اليوم في هذه الليلة قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات فقال بأكثر تشديد: ولو اضطررت أن أموت معك لا أنكرك ... " (¬1). ثم عرض الجدول الذي يبين الاختلافات إلى شابت هذه القصة: مرقس - لوقا - متى - يوحنا مرقس: لم يظهر هذا الملاك. لوقا: ظهر ملاك يقويه أثناء الصلاة (22 - 43). متى: لم يظهر هذا الملاك. يوحنا: لم يظهر هذا الملاك. = مرقس: لم تذكر. لوقا: من ليس له ... ويشهر سيف (22 - 43). متى: لم تذكر. يوحنا: لم تذكر. = مرقس: لم يحدث هذا. لوقا: تصيب عرقًا ودمًا أثناء الصلاة (22 - 44). متى: لم يحدث هذا. يوحنا: لم يحدث هذا. = مرقس: إني أضرب الراعي فيتبدد الخراف (14 - 27). لوقا: لم تذكر. متى: إني أضرب الراعي فتتبدد الخراف (26 - 31). يوحنا: لم تذكر. = مرقس: حدثت في ضيعة جشيماني. لوقا: حدثت في جبل الزيتون. متى: حدثت في ضيعة جشيماني. يوحنا: حدثت هذه الواقعة في وادي قدرون (18 - 1). = مرقس: لم تذكر. لوقا: وكانت بينهم مشاجرة من منهم يظن أن يكون أكبر (22 - 24). متى: لم تذكر. يوحنا: لم تذكر. = مرقس: لم تذكر. لوقا: الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة (22 - 31). متى: لم تذكر. يوحنا: لم تذكر. = مرقس: خر على الأرض (14 - 35). لوقا: جثا على ركبتيه (22 - 41). متى: خر على وجهه (26 - 39). يوحنا: لم تذكر. = مرقس: انفرد عن التلاميذ مع بطرس ويعقوب ويوحنا (14 - 33). لوقا: لم يذكر بل أشار إلى أنه ذهب وحده (22 - 41). متى: انفرد على التلاميذ مع ثلاثة وهم بطرس وابني زبدي (يعقوب ويوحنا) (26 - 37). يوحنا: لم تذكر. = مرقس: خرج المسيح وتلاميذه عقب العشاء والتسبيح مباشرة. لوقا: فصل بين العشاء وخروجهم بحكايات وقصص كثيرة. متى: خرج المسيح وتلاميذه عقب العشاء والتسبيح على الفور. يوحنا: استنفذت الفترة ما بين العشاء (خروج يهوذا) إلى تنفيذ المؤامرة ما يقرب من 20% من حياة المسيح في إنجيله يوحنا (13، 14، 15، 16) ¬

_ (¬1) الإصحاح: (14/ 27).

مرقس - لوقا - متى - يوحنا مرقس: وجه المسيح خطابه إلى بطرس حين وجد التلاميذ نيامًا (14 - 37). لوقا: لم يوجه كلامه لهم ولكن لوقا اختلق عذرًا لنومهم (نيامًا من الحزن) (22/ 45 - 46). متى: وجه المسيح خطابه إلى التلاميذ الثلاثة حين وجدهم نيامًا (26 - 40، 45 - 46). يوحنا: لم يوح بها إلى يوحنا. = مرقس: تنكرني ثلاث مرات قبل أن يصيح الديك مرتين (14 - 30). لوقا: تنكرني ثلاث مرات قبل أن يصيح الديك مرة واحدة (22 - 34). متى: تنكرني ثلاث مرات قبل أن يصيح الديك (26 - 34). يوحنا: لم تذكر. = مرقس: شاب عريان هرب منهم وترك الإزار (14 - 51). لوقا: لم تذكر. متى: لم تذكر. يوحنا: لم تذكر. = مرقس: يهوذا قبل المسيح (14 - 45). لوقا: أبقبلة تسليم ابن الإنسان - كان على وشك أن يقبله (22 - 48). متى: السلام يا سيدي وقبله (26 - 49). يوحنا: أرشدهم فقط عن المكان (18 - 3). = مرقس: استل واحد من الحاضرين سيفه وقطع أذن عبد رئيس الكهنة (14 - 47). لوقا: قطع أحدهم عبد رئيس الكهنة (22 - 50). متى: قطع أحدهم عبد رئيس الكهنة (26 - 51). يوحنا: قطع سمعان بطرس الأذن اليمنى لعبد رئيس الكهنة ملخس (18 - 10). = مرقس: لا شيء عن جيش الملائكة. لوقا: لا شيء عن هذا الجيش. متى: اثنى عشر جيشًا من الملائكة. يوحنا: لا شيء عن الجيش. = مرقس: لم يذكر هذه العبارة. لوقا: لم يذكر هذه العبارة. متى: لم يذكر هذه العبارة. يوحنا: الكأس الذي أعطاني الأب ألا أشربها (18 - 11). = مرقس: لم يأمر يسوع الشاب بإغماد سيفه. لوقا: قال (دعوا إليّ هذا) (22 - 51). متى: أمر من استهل سيفه أن يغمده لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون (26 - 52). يوحنا: فقال يسوع لبطرس: اجعل سيفك في الغمد (18 - 11). = مرقس: لم يبرأ أذنه. لوقا: أبرأ أذنه (22/ 51). متى: لم يبرأ أذنه. يوحنا: لم يبرأ أذنه. = مرقس: جمع كثير بسيوف وعصي من عند رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ (14 - 43). لوقا: رؤساء الكهنة وقواد جند الهيكل والشيوخ بسيوف وعصي (22 - 52). متى: جمع كثير بسيوف وعصي من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب (26 - 47). يوحنا: فأخذ يهوذا الجند وخدمًا من عند رؤساء الكهنة والفريسيين بمشاعل ومصابيح وسلاح (18 - 3). = مرقس: لم يحدث شيء غير عادي. لوقا: لم يحدث شيء غير عادي. متى: لم يحدث شيء غير عادي. يوحنا: حدث شيء غي عادي جعل أفراد القوة يرجعون إلى الوراء ويسقطون على الأرض (18 - 6). = مرقس: كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصي (14 - 48). لوقا: كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصي (22 - 52). متى: كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصي (26 - 55). يوحنا: قال من تطلبون (18 - 7).

وقد علق أ/ علاء أبو بكر على أحداث الليلة الأخيرة وانتقد وقائعها ببيان التزوير والتلفيق فيها .. من هذه الانتقادات ما يلي: 1 - تنبأت الأناجيل أن التلاميذ كلهم سيشكون فيه في هذه الليلة، إلا أن الأناجيل كلها تؤكد أن أحدًا من تلاميذه لم يشك فيه، وهذا يعني أنهم رأوا وتأكدوا من نجاة المسيح من القبض عليه، وإلا لكانوا شكوا فيه، ونفى الشك عن التلاميذ في تلك الليلة يترتب عليه أيضًا إلحاق الخطأ بنبوءات السيد المسيح -عليه السلام- وهو الأمر الذي لا يمكن أن يصدر عنه (¬1). 2 - أهمل كل من مرقس ومتى ويوحنا ذكر الملك الذي ظهر لعيسى -عليه السلام- عند لوقا حين ضعف عن تحمل هذا الأمر وانحطت قوته .. أفما كان يقدر هذا الملك على مدافعة هذه الشرذمة الضعيفة وتخليص إلهه من أيادى مخلوقاته الباغين عليه؟ وأي حاجة للإله في معاونة الملك له؟ فالملك حينئذ كان أشد بأسًا وقوة من عيسى حتى يقوم بتقويته، ويظهر منه أن هذا الإله كان يخور عند الشدائد كما يخور العاجز من الآدميين (¬2). 3 - وفي مناقشة د/ سعد الدين صالح رواية الأناجيل لحادث الصلب يقول: اختلفت الأناجيل الأربعة في طريقة القبض عليه، فبينما يقرر متى في الإصحاح 26 أن يهوذا جاء ومعه جموع من الشعب بسيوف وعصي وكانت علامته أن يقبل المسيح فتقدم إليه وقبله فعرفه الجند وقبضوا عليه، نجد يوحنا يقرر في الإصحاح 18 أن يهوذا أخذ الجند وذهب إلى يسوع فخرج لهم يسوع وسألهم ماذا تطلبون؟ فقالوا: يسوع الناصري فقال لهم أنا هو فقبضوا عليه، فالتناقض بين الإنجيلين واضح فمتى يقول: إن يهوذا هو الذي سلمه ويوحنا يقول: إن المسيح هو الذي قدم نفسه ولم يقبله يهوذا (¬3). ¬

_ (¬1) المسيحية الحقة: ص 249. (¬2) المرجع السابق: ص 249. (¬3) مشكلات العقيدة النصرانية: ص 160.

4 - المحاكمة

4 - المحاكمة: أ- المحاكمة الأولي أمام مجمع اليهود: (1) يقول مرقس: "فمضوا بيسوع إلى رئيس الكهنة ... وكان بطرس قد تبعه من بعيد إلى داخل دار رئيس الكهنة وكان جالسًا بين الخدام يستدفئ عند النار، وكان رؤساء الكهنة والمجمع كله يطلبون شهادة على يسوع ليقتلوه فلم يجدوا؛ لأنّ كثيرين شهدوا عليه زورًا ولم تتفق شهادتهم، ثم قام قوم وشهدوا عليه زورًا قائلين: نحن سمعناه يقول: إنى أنقض هذا الهيكل المصنوع بالأيادي، وفي ثلاثة أيام أبنى آخر مصنوع بأياد ... فسأله رئيس الكهنة أأنت المسيح ابن المبارك؟ فقال يسوع: أنا هو ... فمزق رئيس الكهنة ثيابه وقال: ما حاجتنا بعد إلى شهود. قد سمعتم التجاديف ما رأيكم؟ فالجميع حكموا عليه أنه مستوجب الموت فابتدأ قوم يبصقون عليه ويغطون وجهه ويلكمونه ويقولون له: تنبأ، وكان الخدام يلطمونه" مرقس: (14/ 53 - 65). والجدول التالي يبين الاختلافات الموجودة في القصة في الأناجيل الأربعة: مرقس - لوقا - متى - يوحنا = مرقس: المحاكمة الأولى أمام مجمع اليهود كانت في منتصف الليل حيث أمضوا به مباشرة إلى رئيس الكهنة (14 - 53). لوقا: ولما كان النهار اجتمعت مشيخة الشعب ورؤساء الكهنة والكتبة وأصعدوه إلى مجمعهم (22 - 66) (أني أجعلها في صباح اليوم التالي). متى: محاكمته في الليل عقب القبض عليه. يوحنا: محاكمته في الليل عقب القبض عليه. = مرقس: ذهبت القوة به إلى بيت رئيس الكهنة (14/ 53 - 54). لوقا: ذهبت القوة به إلى بيت رئيس الكهنة (22/ 54). متى: ذهبت القوة به إلى بيت رئيس الكهنة (26 - 57). يوحنا: ذهبت إلى به إلى حنان حما قيافا رئيس الكهنة (18 - 13). = مرقس: بطرس في أسفل الدار يستدفئ وجاءت إليه الجارية (14 - 66 - 67). لوقا: تبعه بطرس من بعيد، ولما أضرموا النار فقي وسط الدار وجلسوا معًا جلس بطرس بينهم (22/ 55 - 56) وهناك رأته الجارية. متى: كان جالسًا خارج الدار فجاءت إليه الجارية (26 - 69) ولم يذكر أنه كان يستدفئ. يوحنا: وكلم البوابة فأدخل بطرس، فقالت الجارية البوابة لبطرس .. ثم وقف بطرس معهم ليصطلي (18/ 16 - 18). = مرقس: كان بطرس قد تبعه من بعيد (14 - 54). لوقا: وأما بطرس فتبعه من بعيد (22 - 54). متى: وأما بطرس فتبعه من بعيد (26 - 58). يوحنا: وكان سمعان بطرس والتلميذ الآخر يتبعان يسوع (18 - 15). = مرقس: قام قوم وشهدوا عليه زورًا (14 - 56). لوقا: لم تذكر. متى: ولكن أخيرًا تقدم شاهدًا زور (26 - 60). يوحنا: لم تذكر. = مرقس: وسوف تبصرون ابن الإنسان جالسًا عن يمين القوة وآتيًا في سحاب السماء (14 - 62). لوقا: فقال لهم: إن قلت لكم لا تصدقون وإن سألت لا تجيبونني ولا تطلقونني، منذ متى: من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسًا على يمين القوة وآتيًا على سحاب السماء. يوحنا: لماذا تسألني أنا، أسأل الذين سمعوا ماذا كلمتهم ... إن كنت قد تكلمت رديًا فاشهد.

مرقس -لوقا - متى - يوحنا مرقس: (قال هذا في دار رئيس الكهنة) لوقا: الآن يكون ابن الإنسان جالسًا على يمين قوة الله (22/ 67 - 69) (قال هذا في دار رئيس الكهنة). متى: (26 - 64) (قال هذا في دار رئيس الكهنة.) يوحنا: على الردى، وإن حسنًا فلماذا تضربني (18/ 21 - 22) (هذا في دار رئيس الكهنة، أما قوله مملكتي ليست من هذا العالم فقد قالها في دار الولاية عند بيلاطس (18 - 36). = مرقس: سأله رئيس الكهنة: أما تجيب بشيء .. ماذا يشهد به هؤلاء عليك؟ أأنت المسيح ابن المبارك (14/ 60 - 61). لوقا: إن كنت أنت المسيح فقل لنا ... فقال الجميع أفأنت ابن الله (22/ 67 - /70). متى: سأله رئيس الكهنة أما تجيب بشيء ماذا يشهد به هذان عليك ... أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله (26/ 62 - 63). يوحنا: فسأل رئيس الكهنة يسوع عن تلاميذه وعن تعاليمه (18 - 19). = مرقس: فبتدأ قوم يبصقون عليه ويغطون وجهه ويلكمونه ويقولون له: تنبأ، وكان الخدم يلطمونه (14 - 65). لوقا: كانوا يستهزئون به وهم يجلدونه وغطوه وكانوا يضربون وجهه ويسألونه قائلين تنبأ من الذي ضربك؟ (22/ 63 - 64). متى: بصقوا في وجهه ولكموه وآخرون لطموه قائلين تنبأ أيها المسيح من ضربك (26/ 67 - 68). يوحنا: ولما قال هذا لطم يسوع واحدًا من الخدم كان واقفًا قائلًا أهكذا تجاوب رئيس الكهنة (18 - 22). = مرقس: السؤال الأول لبطرس: كان من جارية. لوقا: جارية متى: جارية. يوحنا: الجارية البوابة. = مرقس: وموقع بطرس: كان من أسفل الدار يستدفئ (14 - 66، 67 - 72). لوقا: عند النار (في وسط الدار) (22/ 54 - 55، 62). متى: خارج الدار (26/ 69 - 75). يوحنا: عند البوابة خارجًا (18 - 16) (18/ 25 - 27). = مرقس: السؤال الثاني له: من نفس الجارية. لوقا: من رجل. متى: من جارية أخرى. يوحنا: من أحد الواقفين مع رئيس الكهنة. = مرقس: موقعه: خارجًا في الدهليز. لوقا: نفس المكان السابق عند النار. متى: الدهليز. يوحنا: عند النار حيث يجتمعون. = مرقس: موقع بطرس: ربما نفس المكان السابق خارجًا في الدهليز. لوقا: رجل آخر. متى: ربما نفس المكان السابق في الدهليز. يوحنا: عند النار في مكانه حيث يجتمعون. = مرقس: أشهدت عليه الجميع في المرة الثانية. لوقا: لم تشهد عليه الجميع. متى: أشهدت عليه الجميع في المرة الثانية. يوحنا: لم تشهد عليه الجميع. = مرقس: سألته امرأة مرتين والحاضرين. لوقا: سألته جارية ورجلان. متى: سألته جاريتان والقيام. يوحنا: سألته جارية والواقفين مع رئيس الكهنة وشخص ثالث. = مرقس: بعد سؤاله للمرة الثالثة: فابتدأ يلعن ويحلف. لوقا: إنسان لست أعرف ما تقول. متى: فابتدأ حينئذ يلعن ويحلف. يوحنا: فأنكر بطرس أيضًا. = مرقس: صاح الديك مرتين لوقا: صاح الديك مرة واحدة. متى: صاح الديك مرة واحدة. يوحنا: صاح الديك مرة واحدة.

مرقس - لوقا - متى - يوحنا مرقس: شهود زور: قوم. لوقا: لا يوجد شهود ويوجد استنطاق. متى: شهود زور: شاهدان. يوحنا: لا يوجد شهود زور ويوجد استنطاق. = مرقس: أأنت المسيح ابن المبارك (14 - 61) سأله رئيس الكهنة. لوقا: أفأنت ابن الله (من الجميع) (22 - 70). متى: أنت المسيح ابن الله (26 - 63) سأله رئيس الكهنة مستحلفًا إياه بالله. يوحنا: فسأل رئيس الكهنة يسوع عن تلاميذه وعن تعليمه (18 - 19). = مرقس: أنكر بطرس المسيح بعد محاكمته. لوقا: أنكره قبل محاكمته. متى: أنكره بعد محاكمته. يوحنا: أنكره قبل محاكمته. = مرقس: قالت الجارية لبطرس: وأنت كنت مع يسوع الناصري (14 - 67). لوقا: وقالت: وهذا كان معه (22 - 56). متى: وقالت: وأنت كنت مع يسوع الجليلي (26 - 69). يوحنا: فقالت الجارية البوابة: ألست أنت أيضًا من تلاميذ هذا الإنسان؟ (18 - 17). = مرقس: فمزق رئيس الكهنة ثيابه وقال ما حاجتنا بعد إلى شهود (14 - 63). لوقا: لم يمزق ثيابه. متى: مزق رئيس الكهنة ثيابه قائلاً: لقد جدف، ما حاجتنا بعد إلى شهود (26 - 65). يوحنا: لم يمزق ثيابه. ويعلق أ/علاء أبو بكر، على ما ورد في الأناجيل الأربعة حول المحاكمة الأولي فيقول: (الاختلاف بين الأناجيل الأربعة يبين لنا عدم اتفاق هؤلاء الإنجيليين ليدل على عدم كونهم ملهمين، وإن قالوا بأن هذه الكتب كانت بمنزلة التاريخ لضبط أحوال هذا الرجل المصلوب، فمن الواجب أن يتفقوا في الحكاية إثباتًا ونفيًا وتقريرًا لأنهم لا بد أن يكونوا قد رأوا الحادث رأى العين ولم يرووا عن غيرهم، وإن قالوا بإلهامهم لوجب أنه لا يختلفوا ولا في حرف واحد ولو جاز تطرق الاختلاف في أخبار الوحى لبطلت الشرائع) (¬1). وقد انتقد العلامة أحمد ديدات هذه المحاكمة ووصفها بأنها مهزلة فاليهود أرادوا إدانة يسوع وانتهاء أمره، وفي منتصف الليل جهزوا شهود زور ليشهدوا ضد يسوع وانعقاد المحكمة بعد منتصف الليل كان ضد معتقدات اليهود لكن هذا الخروج عن الإجراءات لا يهم رغم تشجيع وتعاطف المحققين والمحلفين للشهود فإن شهود الزور لم يستطيعوا أن يتفقوا في القرائن والوقائع التي يشهدون بها ... من الناحية القانونية لم يستطيعوا أن يجرموه، الاختلاف المباشر كان ضروريًا. يتدخل الكاهن الأكبر في المحاكمة قائلًا: خبرنا إذن أأنت المسيح ابن المبارك "فقال يسوع أنا هو" مرقس (14/ 61 - 62) تقول إنك ابن الله كفى تجديفًا ... وكان الحكم سريعًا وبالإجماع ... لكن اليهود لم يستطيعوا .. أن يشنقوه أخذوا ضحيتهم في الصباح إلى بيلاطس لأنهم حسب قولهم: "لا يحق لنا قانونًا أن نقتل أحدًا" يوحنا (18/ 31) (¬2). ¬

_ (¬1) المسيحية الحقه: ص 260. (¬2) مسألة صلب المسيح: ص 58.

التناقض الأول

أما العلامة رحمة الله الهندي، فقد وضع يده على ما في هذه المحاكمة من غلط متعمد من كتبة الأناجيل وقال: إنه يوجد في إنجيّل يوحنا غلط في هذه المحاكمة والنص يقول: "فقال لهم واحد منهم هو قيافا كان رئيسًا للكهنة في تلك السنة أنتم لستم تعرفون شيئًا ولا تفكرون أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها ولم يقل هذا من نفسه بل كان رئيسًا للكهنة في تلك السنة تنبأ أن يسوع منتظر أن يموت عن الأمة، وليس عن الأمة فقط؛ بل ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد (¬1) وقال: وهذا غلط من وجوه منها: 1 - أن مقتضى هذا الكلام أن رئيس كتبة اليهود لا بد من أن يكون نبيًا وهو فاسد يقينًا. 2 - أن قوله هذا لو كان بالنبوة يلزم أن يكون موت عيسى -عليه السلام- كفارة عن قوم اليهود فقط لا عن العالم وهو خلاف ما يزعمه أهل التثليث، ويلزم أن يكون قول الإنجيلي وليس عن الأمة فقط ... الخ لغوًا مخالفًا للنبوة. والعلامة البغدادي في نقده للمحاكمة الأولي أخذ عليها مآخذ عدة وقال إنها مليئة بالمتناقضات: التناقض الأوّل: فقد ذكر متي: أن يسوع مضوا به إلى دار رئيس الكهنة قيافا، ومرقس وافقه على ذلك إلا أنه خالفه بعدم ذكره اسم قيافا، ولوقا من حيث أنه ذكر في روايته أن القابضين عليه هم رؤساء الكتبة وشيوخ الشعب لم يوافق صاحبيه هنا على ذلك؛ بل المفهوم من كلامه: أن الرؤساء سلمته إلى الخدام ومكث الليل بطوله معذبًا بأيدي الخدام إلى الصباح، وبعد اجتماع مشيخة الشعب أصعدوه إلى مجمعهم وانفرد يوحنا بقوله: "أخذوه أولًا إلى دار حنَّان، ثم إلى دار قيافا رئيس الكهنة" (¬2). التناقض الثاني: وهو اضطراب الأناجيل في تقديم الشهود عليه، فعبارة مترجم متى خبيصة أطفال إذ لا معني لقوله: "طلبوا شهادة زور ليقتلوه، فلم يجدوا مع أنه جاء شهود زور كثيرون لم يجدوا، ولكن أخيرًا تقدم شاهد زور" ومرقس تخلص من هذا التشويش في العبارة وقال: "ثم قام قوم وشهدوا عليه زورًا قائلين: نحن سمعناه يقول: إني أنقض هذا الهيكل المصنوع بالأيادي في ثلاثة أيام أبي آخر غير مصنوع بأياد" وقد سمى شهادتهم هذه شهادة زور، وليست كذلك، بل هي حق كما سموا منه في الهيكل كما في إنجيل يوحنا (20/ 19) ونصه: "فقال لهم: انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه" .. الخ فهل يُقال لهؤلاء الشهود أنهم زوروا وكذبوا، وهم شهدوا كما سمعوا منه وتشهد الأناجيل بصدقهم (¬3). ¬

_ (¬1) إظهار الحق: 1/ 17، ولمزيد من التفصيل انظر: ص 1/ 171 - 172. (¬2) الفارق: ص 388. (¬3) المرجع السابق: ص 389.

ب. المحاكمة الثانية أمام بيلاطس

وخلاصة هذه المحاكمة: وجود الاختلاف والاضطرابات في رواية المحاكمة في الأناجيل الأربعة فإذا اتفقوا على أمر اختلفوا في آخر وإذا اتفق بعضهم على أمر اختلف البعض الآخر وهذه ليست من سمات الوحى الإلهي وبالتالي تُرفع القداسة عن هذه الأناجيل ويتبين أنها من وضع بشر. ب. المحاكمة الثانية أمام بيلاطس: ونص المحاكمة جاء فيه: وللوقت في الصباح تشاور رؤساء الكهنة والشيوخ والكتبة والمجمع كله، فأوثقوا يسوع ومضوا به وسلموه إلى بيلاطس، فسأله بيلاطس أنت ملك اليهود فأجاب وقال له: أنت تقول ... فمضي به العسكر إلى داخل الدار التي هي دار الولاية وجمعوا كل الكتيبة وألبسوه أرجوانًا وضفروا إكليلًا من شوك ووضعوه عليه، وابتدأوا يسلمون عليه قائلين: "السلام يا ملك اليهود، وكانوا يضربونه على رأسه بقصبة ويبصقون عليه .. ثم خرجوا به ليصلبوه" مرقس: (15/ 1 - 20). مرقس - لوقا - متى - يوحنا مرقس: - لوقا: - متى: نهاية يهوذا + حلم زوجة بيلاطس. يوحنا:- = مرقس: - لوقا: - متى: استخدم متى الفترة ما بين قرار مجلس الكهنة والمحاكمة أمام بيلاطس في ذكر نهاية يهوذا. يوحنا:- = مرقس: - لوقا: اقتنى حقلًا من أجرة الظلم (أعمال الرسل 1 - 18). متى: رجع يهوذا إلى المجلس وطرح النقود في الهيكي (27 - 5). يوحنا:- = مرقس: - لوقا: مات ميتة دموية انشق فيها وسطه وانسكبت جميع أحشؤه كلها (أعمال الرسل 18 - 19). متى: مضى ليخنق نفسه (27 - 54). يوحنا:- = مرقس: - لوقا: سمي الحقل حقل دم نتيجة الميتة الدموية التي لقيها يهوذا (أعمال الرسل 1 - 19). متى: سمي حقل دم لأنه اشتُري بنقود كانت ممن بيع دمك بريء (27/ 6 - 8). يوحنا:- = مرقس: قال لهم بيلاطس: أتريد أن أطلق لكم ملك اليهود (15 - 9). لوقا: - متى: مَنْ مِنْ الاثنين تريدون أن أُطلق لكم؟ (27 - 21). يوحنا: أتريد أن أُطلق لكم ملك اليهود؟ (18 - 39). = مرقس: بارباس يُحدث فتنة (قاتل) (15 - 7). لوقا: مُحدث فتن وقاتل (23 - 19). متى: أسير مشهور (27 - 16). يوحنا: بارباس لص (18 - 40). = مرقس: كان الشيوخ والكهنة والكتبة والمجمع كله عند محاكمته. لوقا: رؤساء الكهنة والعظماء والشعب (23 - 13). متى: رؤساء الكهنة والشيوخ والشعب والجموع. يوحنا: المحاكمة في دار الولاية والكهنة والشعب لم يدخلوا دار الولاية.

مرقس - لوقا - متى (27/ 1 - 20) -يوحنا حتى لا يتنجسوا (18 - 28). مرقس: جنود بيلاطس ألبسوا أروجوانًا وضفروا إكليلًا من شوك ووضعوه عليه (15/ 16 - 17). لوقا: احتقره هيردوس مع عسكره واستهزأ به وألبسه لباسًا لامعًا ورده إلى بيلاطس (23 - 11). متى: جنود بيلاطس عرُّوه وألبسوه رداءًا قرمزيًا وضفروا إكليلاً من شوط ووضعوه على رأسه (27/ 27 - 29). يوحنا: جنود بيلاطس ألبسوه ثوب أرجوان وإكليلاً من الشوك ووضعوه على رأسه (19/ 1 - 2). = مرقس: ألبسوه أرجوانًا (فوق ملابسه) ولم يعروه كما ذكر متى (15 - 17). لوقا: ألبسوه رداءًا ولم يعروه ولم يلبسوه إكليل الشوك (23 - 11). متى: عروه وألبسوه رداءً قرمزيًا (27 - 28). يوحنا: ألبسوه ثوبًا أرجوانيًا ولم يعروه (19 - 2). = مرقس: لم يعطوه قصبة في يمينه بل ضربوه بها (15 - 19). لوقا: لم يعصوه قصبة. متى: وقصبة في يمينه (27 - 29). يوحنا: لم يُعطوه قصبة. = مرقس: ثم يسجدون له (15 - 19). لوقا: لم يسجدوا أمامه. متى: كانوا يجثون قُدامه (27 - 29). يوحنا: لم يسجدوا أمامه. = مرقس: نزعوا عنه الأرجوان وألبسوه ثيابه ثم خرجوا به ليصلبوه (15 - 20). لوقا: لم ينزعوا من عليه (13 - 11). متى: نزعوا عنه الرداء وألبسوه ثيابه ومضوا به للصلب (27 - 31). يوحنا: لم ينزعوا ردائه عنه (19 - 5). = مرقس: شفاعة بيلاطس عند اليهود في المسيح مرة واحدة. لوقا: شفاعته في المسيح ثلاث مرات. متى: شفاعته في المسيح مرة واحدة. يوحنا: شفاعته في المسيح ثلاث مرات. = مرقس: هيج رؤساء الكهنة الجميع لكي يُطلق لهم بارباس (15 - 11). لوقا: صرخوا (من أنفسهم) بجملتهم قائلين: خذ هذا وأطلق لنا باراباس (23 - 18). متى: لكن رؤساء الكهنة والشيوخ حرضوا الجموع على أن يطلبوا بارباس (27 - 20). يوحنا: فصرخوا جميعهم قائلين: ليس هذا بل بارباس (أيضًا هنا من أنفسهم دون تحريض). = مرقس: - لوقا: - متى: غسل يديه أمام الجميع قائلاً: إني بريء من دمه (27 - 24). يوحنا:- = مرقس: - لوقا: - متى: وقالوا: إن دمه علينا وعلى أولادنا (27 - 25). يوحنا:- = مرقس: أسلم يسوع بعد ما جلده ليصلب (15 - 15). لوقا: أسلم يسوع لمشيئتهم (23 - 25). متى: جلد بيلاطس يسوع وأسلمه ليصلب (27 - 26). يوحنا: أخذ بيلاطس يسوع وجلده (19 - 1). = مرقس: - لوقا: فأنا أؤدبه وأطلقه (23 - 22). متى:- يوحنا:- = مرقس: - لوقا: سأله بيلاطس: هل الرجل جليلي؟ (23 - 6). متى:- يوحنا:- = مرقس: - لوقا: حوكم أيضًا أما هيرودس. متى:- يوحنا:- = مرقس: - لوقا: وتبدو هنا شخصية هيردوس غريبة جدًا فهو يفرح للقاء نبي العدل والرحمة والخلاص الذي تمنى لقاءه من زمان طويل، متى:- يوحنا:-

مرقس - لوقا - متى - يوحنا مرقس: - لوقا: وفجأة يراه ويحتقره بناءً على شكوى كيدية مع علمه أنه حوكم من قبل أمام بيلاطس ولم يجد فيه علة. متى:- يوحنا:- = مرقس: - لوقا: - متى:- يوحنا: فقال لهم بيلاطس: خذوه أنتم احكموا عليه حسب ناموسكم فقال لهم: لا يجوز لنا أن نقتل أحدًا (18 - 31). وينتقد د/ سعد الدين صالح، هذه المحاكمة فيقول وهو يبين الاختلاف الواقع بين الأناجيل في روايتها: اختلفت رواية متي عن رواية لوقا في محاكمته، فبينما يذكر متى أن بيلاطس والي بيت المقدس لم يرسل عيسى إلى هيروديس مساعده ويذكر لوقا أنه أرسله إليه، أيضًا لم يذكر مرقس شيئًا عن إرساله إلى هيروديس فمن أين أتى لوقا بهذه الزيادة ولم تركها الباقون؟ (¬1). ثم يخبرنا العلامة أحمد ديدات أن بيلاطس في هذه المحاكمة يرى أن يسوع ليس مذنبًا لكن أعداء يسوع يتساومون مع بيلاطس فيقولون: "إن أطلقت هذا فلست بمحبًا لقيصر، كل من يجعل نفسه ملكًا يقاوم قيصر" يوحنا (19/ 12) وأثناء إجراء المحاكمة ترسل زوجة بيلاطس إليه رسالة تقول: "إياك وذلك البار لأني تألمت اليوم كثيرًا في حلم من أجله" (متي: 27/ 19) ومع أن بيلاطس كان يحاذر أن يصدق على حكم الإعدام على أحد الرعايا الأبرياء غير الضارين، ورغم توسل زوجته العزيزة، فإنه لم يستطع أن يتغلب على ضغط اليهود، وأُجبر أن يستسلم لصياح اليهود خارج القصر صارخين: "ليصلب ... أخذ ماءً وغسل يديه قدام الجميع قائلًا إني برئ من لم هذا البار" (متى: 27/ 24) وقال لهم أنتم أبصرتم بهذا الاتهام الظالم، وأسلم إليهم يسوع لكي يصلب (¬2). ¬

_ (¬1) مشكلات العقيدة النصرانية: ص 160. (¬2) مسألة صلب المسيح: ص 64، ولمزيد من التفصيل يُراجع: الفارق، ص 405، 406.

5 - الصلب

5 - الصلب: اختلفت الأناجيل أيضًا في طريقة الصلب ووقته ومن هو حامل الصليب وفي الشراب الذي ناولوه للمصلوب وثياب المصلوب ومن الذي صُلب معه؟ وغير ذلك من أمور .. ومما جاء في رواية الصلب ما ذكره مرقس: "وبعد ما استهزأوا به نزعوا عنه الأرجوان وألبسوه ثيابه ثم خرجوا به ليصلبوه فسخروا رجلًا مجتازًا كان آتيًا من الحقل وهو سمعان القيرواني ليحمل صليبه ... وأعطوه خمرًا ممزوجة بمر ليشرب فلم يقبل، ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها ماذا يأخذ كل واحد وكانت الساعة الثالثة فصلبوه وكان عنوان علته مكتوبًا، ملك اليهود وصلبوا معه لصين واحدًا عن يمينه وآخر عن يساره ... ولما كانت الساعة السادسة كانت ظلمة على الأرض كلها إلى الساعة التاسعة وفي الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت قائلًا: "إلوى إلوى لما شبقتني" الذي تفسيره: إلهي إلهي لماذا تركتني؟ فصرخ يسوع بصوت عظيم وأسلم الروح ... وكانت أيضًا نساء ينظرن من بعيد بينهن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب الصغير وبوس وسالومة، اللواتي أيضًا تبعنه" مرقس: (15/ 20 - 41). وقد عرض أ/ علاء أبو بكر، الجدول هنا أيضًا ليبين مواطن الاختلاف بين الروايات في الأناجيل الأربعة: مرقس - لوقا - متى - يوحنا = مرقس: حامل الصليب سمعان القيرواني (15 - 21). لوقا: سمعان القيرواني (23 - 26). متى: سمعان القيرواني (27 - 32). يوحنا: عيسى -عليه السلام- نفسه (19 - 17). = مرقس: شراب المصلوب: أعطوه خمرًا ممزوجة بمر ليشرب فلم يقبل (15 - 23) وكان هذا قبل الصلب ليخفف الألم. لوقا: لم يعطوه ليشرب قبل الصلب. متى: أعطوه خلاً ممزوجًا بمرارة ليشرب، فلما ذاق لم يرد أن يشرب (27 - 34). يوحنا: لم يعطوه ليشرب قبل الصلب. = مرقس: علة المصلوب: وكان عنوان علته مكتوبًا: ملك اليهود (15 - 26). لوقا: وكان عنوان مكتوب فوقه بأحرف يونانية ورومانية وعبرانية: هذا هو ملك اليهود (23 - 38). متى: وجعلوا فوق رأسه علّته مكتوبة: هذا هو يسوع ملك اليهود (27 - 37). يوحنا: يسوع الناصري ملك اليهود بالعبرانية واليونانية واللاتينية (19/ 19 - 20). = مرقس: اللصان والمصلوب: واللذان صلبا معه كانا يُعَيِّرانه (15 - 32). لوقا: وكان واحد من المذنبين المعلقين يجدف عليه قائلاً: إن كنت أنت المسيح فخلص نفسك وإيانا، فأجاب الآخر وانتهره قائلاً أو لا أنت تخاف الله ... فقال له يسوع: الحق أقول إنك اليوم تكون معي في الفردوس (23/ 39 - 43). متى: وبذلك أيضًا كان اللصان اللذان صلبا معه يعيرانه (27 - 44). يوحنا: لم يذكر أن اللصين استهزءا به.

مرقس - لوقا - متى - يوحنا = مرقس: وقت الصلب: وكانت الساعة الثالثة فصلبوه (15 - 25). لوقا: لم يحدد الوقت. متى: لم يحدد الوقت. يوحنا: وكان استعداد الفصح ونحو الساعة السادسة (19 - 14) (أي مساءً). = مرقس: صلاة المصلوب: لا توجد صلاة. لوقا: يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون (23 - 34). متى: لا توجد صلاة. يوحنا: لا توجد صلاة. = مرقس: شرابه على الصليب: فركض واحد وملأ إسفنجة خلاً وجعلها على قصبة وسقاه قائلاً: اتركوه، لنر هل يأتي إيليا لينزله؟ (15 - 36). لوقا: (لم يقل أنا عطشان) والجند أيضًا استهزءوا وهم يأتون ويقدمون له خلاً (23 - 36). متى: وللوقت ركض واحد منهم وأخذ إسفنجة وملأها خلاً وجعلها على قصبة وسقاه وأما الباقون فقالوا: اترك لنرى هل يأتي إلياء يخلصه (27 - 48 - 49). يوحنا: قال: أنا عطشان ... فملأوا إسفنجة من الخل ووضعوها على زوفا وقدموها إلى فمه (19/ 28 - 29). = مرقس: (لم يطلب ليشرب). لوقا: (لم يطلب ليشرب). متى: (لم يطلب ليشرب). يوحنا: (قال: أنا عطشان). = مرقس: صرخة اليأس على الصليب: إلوي إلوي لما سبقتني، الذي تفسيره إلهي إلهي لما تركتني (15 - 34). لوقا: يا أبته في يديك أستودع روحي (23 - 46). متى: إيلي إيلي لما شبقتني، أي إلهي إلهي لماذا تركتني (27 - 46). يوحنا: فلما أخذ يسوع الخل قال: قد أكمل، ونكس رأسه وأسلم الروح (19 - 30). = مرقس: موت المصلوب: فصرخ يسوع بصوت عظيم وأسلم الروح (15 - 37). لوقا: يا أبتاه في يديك أستودع روحي (23 - 46). متى: فصرخ يسوع أيضًا بصوت عظيم وأسلم الروح (27 - 50). يوحنا: فلما أخذ يسوع الخل قال: قد أكمل، ونكس رأسه وأسلم الروح (19 - 30). = مرقس: طعنه بحربة بعد موته: لم يطعن بحربة. لوقا: لم يُطعن بحربة. متى: لم يُطعن بحربة. يوحنا: وأما يسوع فلما جاءوا إليه لم يكسروا ساقيه لأنهم رأوه قد مات، لكن واحدًا من العسكر طعن جنبه بحربة، وللوقت خرج دم وماء (19/ 33 - 34). = مرقس: في أعقاب الصلب: انشق حجاب الهيكل إلى اثنين من فوق إلى أسفل، ولما رأي قائد المائة الواقف مقابله أنه صرخ هكذا وأسلم الروح قال: حقًا كان هذا الإنسان ابن الله (15/ 38 - 39). لوقا: أظلمت الشمس وانشق حجاب الهيكل من وسطه ... فلما رأى قائد المائة ما كان، مجد الله قائلاً/ بالحقيقة كان هذا الإنسان بارًا (23/ 44 - 47). متى: وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت والصخور تشققت، والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين، وأما قائد المائة والذين معه يحرسون يسوع فلا رأوا الزلزلة. يوحنا: (لم يعلم شيء عن ذلك).

1 - الاختلاف في حامل الصليب

مرقس - لوقا - متى - يوحنا مرقس: - لوقا:- متى: وما كان خافوا جدًا وقالوا: حقًا كان هذا ابن الله (27/ 51 - 54). يوحنا:- = مرقس: انشقاق حجاب الهيكل بعد موته. لوقا: انشقاق قبل موته. متى: انشق بعد موته. يوحنا: (لم يعلم شيء عن ذلك). = مرقس: شهود الصلب: وكانت أيضًا نساء ينظرون من بعيد بينهن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب الصغيرة ويوسي وسالومة (15 - 40). لوقا: وكان جميع ماعرفه ونساء كن قد تبعنه من الجليل واقفين من بعيد ينظرون ذلك (23 - 49). متى: وكانت هناك نساء كثيرات ينظرن من بعد وهن كن قد تبعن يسوع من الجليل يخدمنه وبينهن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وأم ابني زبدي (27/ 55 - 56). يوحنا: وكانت واقفات عند صليب يسوع أمه وأخت أمه مريم زوجة كلوبا، ومريم المجدلية (19 - 25). والجدول السابق ملئ بالاختلافات التي رصدها أ/ علاء أبو بكر والعلامة البغدادي وغيرهما من العلماء. من هذه الاختلافات ما يلي: 1 - الاختلاف في حامل الصليب: اتفق متى ومرقس ولوقا على أن حامله هو سمعان القيرواني وقد أدرأ مرقس عنه أية شبهه فوصفه بأنّه: "أبو الكسندرس وروفس" كما قال إنه كان آتيًا من الحقل "واتفق معه لوقا في النقطة الأخيرة ولم يتفق معهم يوحنا في النقطة الأولي. حيث جاءت روايته مكذبه للثلاثة فقال: "إن حامل الصليب نفس المصلوب" (¬1). 2 - الاختلاف الثاني: في شراب المصلوب حيث اختلفوا في وقت الشراب ومكانه وسبب وقوعه: فقد اختلف مرقس ومتى في نوع الشراب قبل الصلب فهو "خمر" عند مرقس و"خل" عند متى. واختلفوا في رد فعل يسوع -على زعمهم- فقد قال مرقس أنه رفض "لم يقبل" أما متى فقد أوحى إليه أن عيسى -عليه السلام- في زعمهم- ذاقها ثم "لم يرد أن يشرب" ولم يبلغ الوحى هذا إلى لوقا أو يوحنا فلم يذكرا الواقعة، أما وهو على الصليب فقد اتفقت الأناجيل الأربعة على أنهم ناولوه "إسفنجة مملوءة بالخل ووضعوها على قصبة" ولم يذكر لوقا كيفية تقدم هذا النحل، وذكر يوحنا أنهم "قدموا إسفنجة الخل على زوفًا" (¬2). ¬

_ (¬1) المسيحية الحقة: ص292، الفارق: ص 434. (¬2) المرجع السابق: نفس الصفحة، وكذلك الفارق نفس الصفحة، 435.

3 - الاختلاف الثالث: في الاقتراع على ثياب المصلوب

3 - الاختلاف الثالث: في الاقتراع على ثياب المصلوب: فظاهر رواية متى أنهم اقتسموا الثياب واقترعوا عليها واستشهد بقوله: "اقتسموا ثيابي بينهم وعلى لباسي ألقوا قرعة" وكذا مرقس ولوقا إلا أنهما لم يستشهدا بالكلام السابق، والثلاتة لم يعينوا مقدار الحصص وعدد المقسوم عليهم، وأما يوحنا فذكر أن المقسوم عليهم أربعة وجعل القرعة على القميص فقط؛ لأنه منسوج كله من دون خياطة (¬1). ويذكر العلامة رحمة الله الهندي، أنه قد وقعت زيادة في التحريف الحاصل في هذه الرواية من إنجيل متى ونصها: "ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها. لكي يتم ما قيل بالنبي اقتسموا ثيابي بينهم وعلى لباسى ألقوا قرعة" فهذه العبارة: "لكي يتم ما قيل للنبي ... ألقوا قرعة" محرفة واجبة الحذف عند محققيهم ... ولابد من تركها؛ لأنها ليست جزءًا من المتن وهي إلحاقية صريحة مأخوذة من يوحنا: (19/ 24) (¬2). 4 - الاختلاف الرابع: في العنوان المكتوب فوق رأس المصلوب: واختلافهم عليه أشبه باختلافهم في سقاء المصلوب؛ بل أشد تناقضًا واختلافًا فإن مترجم متى قال: وجعلوا فوق رأسه علته مكتوبة: "هذا هو يسوع ملك اليهود" ولوقا ويوحنا تفننا في ذلك فقال الأوّل: "وكان عنوان مكتوب فوق رأسه بأحرف يونانية ورومانية وعبرانية: هذا هو ملك اليهود وقال الثاني: "باللاتينية" عوض الرومانية مع أن في ذكر الرومانية حكمة لكونها لسان الحكومة إذ ذاك ويدل كلام يوحنا على وقوع مجادلة بين اليهود وبيلاطس من جهة العنوان لم تذكرها الثلاثة (¬3) وعد إظهار الحق هذا الاختلاف من الأغلاط الواقعة في العهد الجديد (¬4). 5 - الاختلاف الخامس: قال متى ومرقس: إنهما كانا لصين، وقال لوقا: إنهما كانا من المذنبين ويوحنا لم يذكر جريمتهما التي استحقا بها الصلب مع هذا الإله المهان -في زعمهم- (¬5) وقد جعل أ/محمَّد رشيد رضا، مسألة اللصين من تعارض الأناجيل في قصة الصلب (¬6). ¬

_ (¬1) الفارق: ص 436. (¬2) إظهار الحق: 1/ 235. (¬3) الفارق: ص 431 - 436، المسيحية الحقة: ص 292. (¬4) إظهار الحق: 1/ 130. (¬5) الفارق: ص 431، ص 437. (¬6) انظر: عقيدة الصلب والفداء، ص 33 - 34، المسيحية الحقة: ص 294.

6 - الاختلاف السادس: في وقت الصلب

6 - الاختلاف السادس: في وقت الصلب: لقد تعرضت الأناجيل في وقت الصلب وقد ذكر ذلك علماؤنا الأفاضل فيقول العلامة البغدادي: والعجب لهؤلاء الرواة إذ فاتهم أن يذكروا ذلك إلا مرقس فإنه صرح بأن الساعة التي صلب فيها هى الساعة الثالثة، "وكانت الساعة الثالثة فصلبوه" ولم يحدد كلًا من لوقا ومتى الميعاد، ويُفهم من قول يوحنا أن الصلب كان بعد الساعة السادسة فقال: "وكان استعداد للفصح ونحو الساعة السادسة فقال لليهود: هو ذا ملككم، فصرخوا: خذه خذه اصلبه ... فحينئذ أسلمه إليهم ليصلب (¬1) " (¬2) وغير ذلك من الاختلافات (¬3). 7 - الدفن: يواصل أ/ علاء أبو بكر، سرد الأحداث التفصيلية لعملية الصلب فيحكى رواية مرقس في قصة الدفن، فيقول مرقس: "ولما كان المساء إذ كان الاستعداد أي ما قبل السبت جاء يوسف الذي من الرامة مشير شريف ... ودخل إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع، فتعجب بيلاطس أنه مات كذا سريعًا ... وهب الجسد ليوسف فاشترى كتانًا فأنزله وكفنه بالكتان ووضعه في قبر كان منحوتًا في صخرة ودحرج حجرًا على باب القبر، وكانت مريم المجدلية ومريم أم يوسي تنظران أين وضع" (¬4). ¬

_ (¬1) يوحنا: (19/ 14 - 16). (¬2) إظهار الحق: 1/ 125، 126، الفارق: ص 429، 438. (¬3) لمزيد من التفصيل يُراجع الفارق: ص 439، 440. (¬4) مرقس: (15/ 42).

الاختلافات في أحداث الدفن كما تذكرها الأناجيل

ولنر الاختلافات في الجدول التالي وسنلاحظ اعتماد يوحنا على لوقا في كتابته الإنجيلية، فقد اتفقا على أن القبر كان جديدًا لم يوضع فيه أحد قط، كما اتفقنا من قبل على أنه كان بين التلاميذ والاثنى عشر يهوذًا آخر غير الاسخريوطى الخائن الذي دلّ على المسيح نظير ثلاثين فضة (¬1) وأن الخيانة جاءت نتيجة لدخول الشيطان في يهوذا الاسخريوطي (¬2). الاختلافات في أحداث الدفن كما تذكرها الأناجيل مرقس -لوقا - متى - يوحنا = مرقس: الذي دفن يسوع: يوسف الذي من الرامة مشير شريف (15 - 43). لوقا: رجل اسمه يوسف وكان مشيرًا ورجلاً صالحًا بارًا (23 - 50). متى: رجل غني من الرامة اسمه يوسف كان تلميذًا ليسوع (27 - 57). يوحنا: دفن يسوع كلا من نيقوديموس ويوسف (19 - 39). = مرقس: مريم المجدلية ومريم أم يوسي تنظرا، أين وضع (15 - 47). لوقا: وتبعنه نساء كن أتين معه من الجليل ونظرن القبر وكيف وضع جسده (23 - 55). متى: مريم المجدلية ومريم الأخرى (27 - 61). يوحنا: لم يذكر شهود الدفن. = مرقس: فتعجب بيلاطس أنه مات كذا سريعًا فدعا قائد المائة وسأله (15 - 44). لوقا: لم يذكر هذه الواقعة. متى: لم يذكر هذه الواقعة. يوحنا: لم يذكر هذه الواقعة. = مرقس: وضعه في قبر كان منحوتًا في صخرة (15 - 46). لوقا: وضعه في قبر منحوت حيث لم يكن أحد وضع قط (23 - 53). متى: وضعه في قبر جديد (27 - 60). يوحنا: وضعاه في قبر جديد لم يوضع فيه أحد قط (19 - 41). = مرقس: لم يشر إلى صاحب القبر. لوقا: لم يشر إلى صاحب القبر. متى: صاحب القبر هو يوسف الذي من الرامة (27 - 60). يوحنا: لم يشر إلى صاحب القبر. = مرقس: وكفنه بالكتان (15 - 46). لوقا: ولفّه بكتان (23 - 53). متى: ولفه بكتان نقي (27 - 59). يوحنا: لفاه بأكفان (19 - 40). = مرقس: لم يدهن الجثمان بالأطياب. لوقا: لم يدهن الجثمان بالأطياب. متى: لم يدهن الجثمان بالأطياب. يوحنا: دهنا الجثمان بالأطياب (19 - 40). وبالتأمل في هذا الجدول الذي يوضح مدي الاختلاف بين الأناجيل نجد التالي: أ- اتفق كل من مرقس ولوقا على أن الدافن هو رجل واحد يُدعى يوسف الذي من الرامة وخالفهما يوحنا وقال إنهما اثنان هما يوسف الذي من الرامة ونيقوديموس واتفق متى ويوحنا على أنه كان تلميذًا للمسيح (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: لوقا: (22/ 3)، يوحنا: (23/ 27)، يُراجع المسيحية الحقة: ص 303. (¬2) لوقا: (22/ 3)، يوحنا: (14/ 22). (¬3) المسيحية الحقة: ص 305.

7 - القيامة

ب- كذلك شهود الدفن عند مرقس ومتى وهم مريم المجدلية ومريم أم يوسي ومريم الأخرى، ولم يكن هناك شهود عند يوحنا، أما عند لوقا فقد كن نساء كثيرات كن قد تبعنه من الجليل (¬1). ج- كذلك اختلفت الأناجيل في صاحب القبر فلم يشر مرقس أو لوقا أو يوحنا إلى أن صاحب القبر هو يوسف الذي من الرامة. ولم يذكر ذلك إلا متى وكذلك اتفق مرقس ولوقا على أن القبر كان منحوتًا في الصخر (¬2). 7 - القيامة: ومازال أ/علاء أبو بكر، متفردًا من بين الباحثين المعاصرين في تفصيل أحداث الصلب فيقول: إذا كان ما تقوله الأناجيل عن قصة الصلب يمثل مشكلة كبيرة، فإنه بالتالى ما يترتب عليها من القول بقيامته وظهوره مرة أخرى يمثل مشكلة أخرى تُضاف إلي قائمة المشاكل إلى تُثقل كاهل الأناجيل (¬3). وقد بدأت روايات قيامة المسيح من الأموات وظهوره بعد الموت تنتشر ببطء شديد وسط الجماعة النصرانية الأولي بسبب إنكار تلاميذ المسيح وحوارييه وعلى رأسهم بطرس - تلك الروايات وشكهم فيها، وعدم إيمانهم بوجود أدني صلة بين رسالة النصرانية الحقة التي تلقوها من معلمهم وبين فكرة القيامة من الأموات التي صارت واحدة من ركائز العقائد النصرانية فيما بعد (¬4). ونجد أول شهادة عن القيامة لم تعطها الأناجيل، لكنها جاءت من رسائل بولس وعلى وجه الخصوص رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس (15/ 5 - 18) والتي كُتبت قبل أقدم الأناجيل بعشر سنوات على الأقل، وفي الوقت الذي نادى فيه بموت المسيح وقيامته فإن هناك من المؤمنين من عارضه على ذلك فيقول بولس: "ولكن إن كان المسيح يكرز به أنه قام من الأموات، فكيف يقول قوم بينكم إن ليس قيامة أموات فإن لم تكن قيامة أموات فلا يكون المسيح قد قام، وإن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضًا إيمانكم (¬5) " (¬6). ¬

_ (¬1) المسيحية الحقة: ص 305. (¬2) المرجع السابق: ص 305. (¬3) انظر: المسيحية الحقة: ص 328. (¬4) المرجع السابق: ص 328. (¬5) كورنثوس الأولي (15/ 12 - 14). (¬6) المسيحية الحقة: 328.

وفيما يلي أعرض الجدول الذي ذكره أ/علاء أبو بكر، ويبين وجود الاختلافات في موضوع قيامة المسيح -على زعم النصارى- من بين الأموات: مرقس - لوقا - متى - يوحنا مرقس: يوم موته: الجمعة (15 - 42). لوقا: الجمعة متى: الجمعة. يوحنا: الخميس. = مرقس: يوم دفنه: مساء الجمعة. لوقا: مساء الجمعة. متى: مساء الجمعة. يوحنا: مساء الخميس. = مرقس: من أتي إلى القبر: مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة (16 - 1). لوقا: حاملات الحنوط ومعهن أناس (24 - 1). متى: مريم المجدلية ومريم أخرى (28 - 1). يوحنا: مريم المجدلية ولاً بمفردها ثم أتت بسمعان بطرس ويوحنا (20/ 1 - 3). = مرقس: ميعاد زيارتهم للقبر: إذ طلعت الشمس في أول الأسبوع (16 - 2). لوقا: أول الفجر في أول الأسبوع (24 - 1). متى: عند فجر أول الأسبوع (28 - 1). يوحنا: في أول الأسبوع باكرًا والظلام باق (20 - 1). = مرقس: وضع الحجر عند باب القبر: رأين أن الحجر قد دُحرج (16 - 4). لوقا: فوجدن الحجر مدحرجًا عن القبر (24 - 2). متى: ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه (28 - 2). يوحنا: فنظرت الحجر مرفوعًا عن القبر (20 - 1). = مرقس: ما شاهده عند ذلك: سابًا جالسًا عن اليمين لابسًا حُله بيضاء (16 - 5). لوقا: رجلان وقفا بهن بثياب براقة (24 - 4). متى: إذا زلزلة عظيمة حدثت لأن ملاك الرب نزل من السماء (28 - 2). يوحنا: فنظرت ملاكين بثياب بيض جالسين واحدًا عن الرأس والآخر عند الرجلين (20 - 12). = مرقس: رد الفعل: اندهشن وأخذتهن الرعدة والحيرة (16/ 5، 8). لوقا: خائفات ومنكسات وجوههن إلى الأرض محتارات (24/ 5، 4). متى: كانتا خائفتان 28 - 4. يوحنا: بكت (لماذا تبكين؟) (20 - 13). = مرقس: ما قلنه للملاك: لم يقلن لأحد شيئًا لأنهن كن خائفات (16 - 8). لوقا: - متى: - يوحنا: قالت لهما: إنهم أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه (20 - 13). = مرقس: من كلم النساء: الشاب الذي رأينه (16 - 6). لوقا: كلمهن الرجلان (24 - 5). متى: كلمهن الملاك (28 - 5). يوحنا: سأل الملاكان وبعد ذلك تكلم يسوع وقال لها نذهب لتخبر باقي التلاميذ (20/ 13 - 18). = مرقس: ماذا قال المتكلم (الشاب): أنتن تطلبن يسوع الناصري المصلوب؟ قد قام ليس هو ها هنا، هو ذا الموضع الذي وضعوه فيه (16 - 6). لوقا: (الرجلان): لماذا تطلبن الحي بين الأموات، ليس هو ها هنا لكنه قام (24/ 5 - 6). متى: (المَلَك) لا تخافا، فإني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب (28 - 5). يوحنا: (الملاكان) قالا فقط: يا امرأة لماذا تبكين؟ (20 - 13).

الاختلاف الأول

مرقس -لوقا -متى -يوحنا مرقس: موقف الحنوط: أتين به معهن. لوقا: أتين إلى القبر حاملات الحنوط (24 - 1). متى: - يوحنا:- = مرقس: مكان الملاك: الحجر قد دحرج والملاك جالسًا داخل القبر (16/ 4 - 5). لوقا: الملاكان ظهرا داخل القبر (24 - 4). متى: جلس الملاك على الحجر خارج القبر (28 - 2). يوحنا: مكان أحدهما عند الرأس والآخر عند القدمين (20 - 13). هذا الجدول يبين مدى التعارض والتناقض في موضوع قيامة المسيح والملاحظ من النصوص أنه يوجد فيها اختلافات كثيرة منها: الاختلاف الأوّل: أن المسيح قد دفن مساء الجمعة ويُفترض أنه بات هناك ويُفترض أيضًا أن يكون قد أمضي السبت كله هناك، ومع شروق شمس أول الأسبوع -الأحد- لم يجده أحد هناك أي يُفترض أن يكون قد أمضى في هذه المقبرة ليلتان ويومًا كاملًا وبذلك يكون قد قضى حوالي 30 - 36 ساعة (¬1). وهذا يكذب نبوءة متى التي تقول: "لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال. هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال" (¬2) لأنه لو قضي ثلاثة أيام وثلاث ليال لكان قضى 72 ساعة ولو كان المسيح قد قال هذه النبوءة لما دهش زوّار القبر أو شُلت ألسنتهم عن الكلام أو خافوا، ولما أتوا للمقبرة أصلًا بل تقابلوا في المكان المتفق عليه ولكان تلاميذه قد صدقوا قيامته دون شرط رؤيته (¬3). ويعلل يوحنا هذه الدهشة قائلًا: "لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب؛ وأنه ينبغى أن يقوم من الأموات" (¬4). ويطالعنا العلامة أحمد ديدات، في دراسته النقدية حول قضية من دحرج الحجر الذي وضع على قبر يسوع -في زعمهم- بإبراز التناقض والمغايرة بين يسوع ويونان، ومعالجة أوجه الشبه بينهما، وخرج من هذه الدراسة النقدية بأنّه لا يوجد وجه شبه بينهما، فإن يونان ظل حيًا في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، أما يسوع ظل ميتًا كما يدعون، وهذه مغايرة تامة (¬5). ¬

_ (¬1) المسيحية الحقة: ص 332. (¬2) متى: (12/ 40) آية يونان. (¬3) المسيحية الحقة: ص 332. (¬4) يوحنا: (20/ 9) القبر الفارغ. (¬5) وانظر من دحرج الحجر، أحمد ديدات، ص 55 - 56، طبعة دار المنار 1988 م.

الاختلاف الثاني مسألة مجيء مريم للقبر فهو سبب الزيارة

الاختلاف الثاني مسألة مجيء مريم للقبر فهو سبب الزيارة: فقد روى متى أن مريم المجدلية ومريم الأخرى جاءتا في صباح يوم الأحد لينظرا القبر وهذا يكذب ما جاء به متى: "وكانت هناك مريم المجدلية ومريم الأخرى جالستين تجاه القبر (¬1) " وإلا فلا معنى لمجيئهما ثانيًا لينظرا القبر، وعبارة مرقس مخالفة لمتى فقد جعل مرقس سبب الزيارة هو تحنيط المدفون، وأن وقت المجيء كان بكرة أحد السبوت -كما في نسخة لندن 1848 م-، ووافق لوقا مرقس في سبب المجيء وأنه كان لتحنيط المدفون ولكنه خالفه في شراء الحنوط وأنه كان قبل يوم السبت لا بعده فعند مرقس: "وبعد ما مضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطًا" (¬2) أي أنه كان بعد مضي يوم السبت، وعند لوقا: "ثم في أول الأسبوع أول الفجر أتين إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه" (¬3) أي أنهن أعددن هذا الحنوط في يوم السبت أو قبله وليس بعده كما في مرقس، وليس من الممكن أن يكون قد اشترينه يوم "السبت" حيث تكون الحوانيت مغلقة كما لم يكن الشراء يوم "الجمعة" أيضًا حيث حوكم وصلب ودفن عند منتصف الليل، كما لم يتم هذا فجر "الأحد" أيضًا فمتى قمن بشراء أو بتحضير هذه الحنوط؟ ولو قمن بتحضيره من قبل، فلماذا انزعجن وارتبكن عند علمهن بقيامته؟ ولم يذكر كل من متى أو يوحنا شيئًا عن هذا الحنوط (¬4). الاختلاف الثالث عن وضع الحجر: فقد كان مدحرجًا -أي في غير موضعه- عند مرقس ولوقا ويوحنا إلا أن متى ذكر أن الحجر كان في مكانه ثم نزل ملاك الرب وحدثت الزلزلة وجاء الملاك ودحرج الحجر أمامهم (¬5). وغير ذلك من الاختلافات في مسألة قيامة المسيح (¬6). ¬

_ (¬1) الإصحاح (27/ 61) الدفن. (¬2) مرقس: (16/ 1) القيامة. (¬3) لوقا: (24/ 1) السابق. (¬4) المسيحية الحقة: ص 334. (¬5) المرجع السابق: ص 335. (¬6) يُراجع: مسألة صلب المسيح: ص 94 - 102, والمسيحية الحقة: ص 335 - 337، وانظر: من دحرج الحجر؟، ص 18 - 26.

8 - الظهور

8 - الظهور: وتأتي نهاية الأحداث التفصيلية لتوضح ظهور المسيح - في زعمهم - على هيئته وما هو العدد الذي ظهر لهم ورأوه وهذا تنتهي أحداث الصلب كما صورتها الأناجيل الأربعة، وما زال أ/علاء أبو بكر، في تميزه لعرض عقيدة الصلب ينفرد بسرد الأحداث جملة وتفصيلًا ونقدًا وتحليلاً رائعًا أثبت من خلاله بُطلان هذه العقيدة بناءً على ما تحتويه من مخالفات ومغالطات كثيرة وبناءً على الاختلافات التي لا تُحصى بين الروايات الإنجيلية. والنص الذي يحمل معنى ظهور المسيح جاء في مرقس ما نصه: "وبعد ما قام باكرًا في أول الأسبوع ظهر أولاً لمريم المجدلية التي كان قد أخرج منها سبعة شياطين، فذهبت هذه وأخبرت الذين كانوا معه وهم ينوحون ويبكون فلما سمع أولئك أنه حي وقد نظرته لم يصدقوا وبعد ذلك ظهر بهيئة أخرى لاثنين منهم وهما يمشيان منطلقين إلى البرية وذهب هذان وأخبرا الباقين فلم يصدقوا أولاً هذين، وأخيرًا ظهر لأحد عشر وهم متكئون ووبخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه وقد قام. وقال لهم: إذهبوا إلى العالم أجمع وأكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها ... ثم إن الرب بعد ما كلمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله" مرقس: (16/ 9 - 20). والجدول التالي يوضح مدى ما وقع بين الأناجيل من اختلاف في مسألة ظهور المسيح: مرقس - لوقا - متى - يوحنا مرقس: الظهور الأول: لمريم المجدلية (16 - 9). لوقا: لاثنين كانا منطلقين إلى قرية عمواس (24 - 13). متى: لمريم المجدلية ومريم الأخرى (28 - 9). يوحنا: لمريم المجدلية (20 - 14). = مرقس: الظهور للتلاميذ: حدث مرة واحدة (16 - 14). لوقا: حدث مرة واحدة (24 - 36). متى: حدث مرة واحدة (28 - 16). يوحنا: حدث ثلاث مرات (20 - 19، 26/ 21 - 1). = مرقس: الظهور للتلاميذ: في الجليل (16 - 7). لوقا: في أورشليم (24/ 33 - 36). متى: في الجليل (28 - 10). يوحنا: في أورشليم (20/ 19 - 26) بحيرة طبرية (21 - 1) = مرقس: وقت صعود السماء: يوم نشوره. لوقا: يوم نشوره (بعد 40 يوم في سفر الأعمال 1 - 3). متى: يوم نشوره. يوحنا: بعد اليوم التاسع من نشوره (20 - 26، 21 - 1). = مرقس: من أعطى الأمر لمريم أن تخبر التلاميذ: (الملك الشاب) (16 - 7). لوقا: يُفهم من تذكير الرجلين (المَلَكين) لهن (24/ 5 - 9). متى: الملاك (28 - 7). يوحنا: عيسى نفسه (20 - 17). = مرقس: رد فعل مريم عند رؤية عيسى -عليه السلام-: لم يكن هناك رد فعل غير طبيعي (16 - 10). لوقا: لم يلتق يسوع بمريم بالمرأة. متى: أمسكتا بقدميه وسجدتا له (28 - 9). يوحنا: وقالت له: ربوني - الذي تفسيره يا معلم - قال لها يسوع: لا تلمسيني (20/ 16 - 17). = مرقس: مكان نقطة انطلاق المسيح: الجبل لوقا: من بيت عنيا (24 - 50). متى: (محل اجتماعهم) حيث العلية التي كانوا يجتمعون فيها في أورشليم. يوحنا: لم يذكر أنه صعد.

مرقس -لوقا -متى -يوحنا مرقس: ماذا قال لهم: اذهبوا إلى العالم أجمع وأكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها) (16 - 15). لوقا: فأقيموا في أورشليم إلى أن تلبسوا قوة في الأعالي (24 - 49) وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم، بل ينتظروا موعد الأب (أعمال الرسل 1 - 4). متى: اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم (28 - 19). يوحنا:- = مرقس: وأما هم فخرجوا وكرزوا في كل مكان (16 - 20). لوقا: فسجدوا له ورجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم، وكانوا كل حين في الهيكل يسبحون ويباركون الله (24/ 52 - 53). متى:- يوحنا:- ذكر د/سعد الدين صالح، جملة من الاختلافات بين الأناجيل في مكان ظهور المسيح بعد قيامته من بين الأموات هي ما يلي: - فمتي يذكر أنه ظهر في الجليل. - ولوقا يذكر أنه ظهر في أورشليم. - ومرقس يقول: إنه ظهر بين تلاميذه. - ويوحنا يذكر أنه ظهر في اليهودية والجليل معًا. فما أبعد اليقين عن أخبار فيها مثل هذا الاختلاف (¬1) ويتعجب أ/ محمَّد رشيد رضا من زعمهم بقيامة المسيح فيقول: 1 - إذا كان المسيح أخبر تلاميذه بأنّه بعد قيامته سيسبقهم إلى الجليل، وأمرهم بالذهاب إلى هناك لكي يروه فلماذا إذًا ظهر لهم في أورشليم كما يقول لوقا ويوحنا في نفس اليوم الذي قام فيه؟. 2 - ما الحكمة في إرسالهم إلى الجليل ليروه هناك، مع أنه ظهر لهم مرارًا في أورشليم؟ وما الداعى لذلك؟ وهو الذي أمرهم أن لا يبرحوا أورشليم حتى يحل عليهم روح القدس. ¬

_ (¬1) مشكلات العقيدة النصرانية: ص 161، ولمزيد من التفصيل حول الاختلافات في مسألة ظهور المسيح، يُراجع: المسيحية الحقة: من ص 342 - 351.

3 - هل ظهوره لهم في الجليل كان بعد ظهوره لهم في أورشليم أم قبله؟ فإن كان بعده فلماذا شكوا فيه؟، بعد أن كان أقنعهم بذلك في أورشليم، ..... ، وإن كان قبله فمتى ذهبوا إلى الجليل إذن؟ مع العلم بأن الجليل يبعد عن أورشليم مسيرة ثلاثة أيام على الأقل وقد نصت الأناجيل على أنهم رأوه في أورشليم في نفس يوم قيامته من القبر. فهل يُعقل أنهم ذهبوا إلى الجليل ورأوه هناك ثم رجعوا في نفس ذلك اليوم؟ وإن كان السبب في الشك أن هيئته كانت تتغير بعد القيامة مرارًا فلماذا كان ذلك؟ وما الحكمة في هذا التضليل؟ وإذا كانت هيئته قابله للتغيير والتبديل بعد القيامة وقبلها كما يُفهم من الأناجيل، وكان له القدرة على الاختفاء عن أعين الناس والمرور في وسطهم بدون أن يروه والإفلات من أيديهم، فكيف إذًا يجزمون بأن اليهود صلبوه وأنهم عرفوه حقيقة وأمسكوه؟ مع أن نفس التلاميذ كانوا يشكون فيه لكثرة تغير هيأته وتبدلها، وهم أعرف الناس به وأقربهم إليه وأكثرهم اختلاطًا به، فأية غرابة إذًا قلنا أن اليهود لم يعرفوه وأخطأوه كما أخطأته مريم المجدلية وظنته البستاني (¬1). ويناقش د/ سعد الدين صالح، مسألة قيامة المسيح مرة أخرى ويقول إنها أوهام وباطلة كما يلي: 4 - فمن الباطل الذي أوردوه ادعاؤهم أنه قبر ثلاثة أيام وأنه استمر معهم أربعين يومًا، وأنه سوف يحاسب الخلق. فهذا كلام لا دليل عليه والأدلة الصادقة تُبطله وتدمغه فلم يقبر عيسى وإنما نجاه الله في ليلة الصلب ورفع إلى ربه. 5 - وأما ادعاؤهم أنه هو الذي سيحاسب الخلق فهو ادعاء باطل يرفضه العقل الصريح لأول وهلة، فكيف يترك الله أمر الحساب لعيسى ويقف هو موقف المتفرج وما دوره حينئذ؟. 6 - وأما حديثهم عن تعدد القيامات والمحاسبات فهو حديث يثير العجب. 7 - وأما حديثهم عن ما بعد الموت فهو يتعارض تمامًا مع صميم العقيدة النصرانية في أن عيسي بصلبه قد تحمل عن الناس خطاياهم وطهرهم من الذنوب والآثام فما قيمة المطهر الذي يوضعون فيه بعد الموت؟ (¬2). ¬

_ (¬1) عقيدة الصلب والفداء: ص 82 - 83. (¬2) انظر: مشكلات العقيدة النصرانية ص 175 - 178.

8 - أما الحق الوحيد الذي تحدث عنه النصارى ... فهو حديثهم عن المجيء الثاني لعيسى وإن كانوا قد اختلفوا وتباينوا في كيفيته وكيفية إقامته لملكوته هل هو ملكوت أرضي واقعي أو ملكوت سماوي، كما أنهم اختلفوا في موعده وزمانه ولم يصلوا إلى رأي قاطع حتى جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكشف لهم الحقائق فقد أخبر الرسول الكريم أن عيسى -عليه السلام- سوف ينزل في آخر الزمان، وأنه سوف يكسر الصليب ويريق الخمر ويقتل المسيخ الدجال ويقيم الملة العوجاء وينزل بشريعة الإِسلام (¬1). فقد جاء في الحديث: (الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتي ودينهم واحد) (¬2)، وفي حديث آخر: (والذي نفسى بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا مقسطًا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد) (¬3). وقد أورد العلامة البغدادي، عشرين دليلًا عقليًا أثبت من خلالها بُطلان دعوى صلب المسيح (¬4) وقد تضمنها النقد التفصيلي السابق من خلال ردود علمائنا الأجلاء. وخلاصة القول في قضية صلب المسيح ما يلي: 1 - بُطلان الاستدلال من الأناجيل على هذه العقيدة التي جعلوها أساس دينهم وذلك لأنها كتب مشكوك في صحتها ولم يتم التحقق بعد ممن كتبوها وبالتالى فهي دعوى خالية عن الدليل. 2 - بُعد الزمن الذي كُتبت فيه الأناجيل عن زمن الإنجيل الأصلي كما تقدم بيانه في نقد سند العهد الجديد يؤكد افتراء أصحاب الأناجيل هذه العقيدة من عند أنفسهم. 3 - وعلى سبيل التسليم الجدلي لهم فيما يدعون من صلب المسيح فإنه من خلال مناقشة العلماء لهذه العقيدة ونقدهم لأحداثها تبيّن وجود التعارض بين الروايات وكثرة الاختلافات بين النصوص داخل تلك الروايات وكثرة التناقض بين ما حدث فيها من وقائع وبالتالي فإن أمرًا مثل هذا يحدث فيه كل هذه المخالفات والمغالطات كفيل برده وبُطلانه وبالتالي انتفاء القداسة عن تلك الأناجيل وأيضًا انتفاء صلب المسيح -عليه السلام-. 4 - اتبع علماؤنا الأجلاء في أغلب نقدهم لهذه العقيدة طريقة الجدال بالتي هى أحسن لتلك النصوص التي يزعمون أنها مقدسة وتفنيدها وتفسيرها تفسيرًا صحيحًا بناءً على الأدلة النقلية والعقلية والشواهد التاريخية. ¬

_ (¬1) انظر: مشكلات العقيدة النصرانية: ص 181. (¬2) أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء: باب واذكر في الكتاب مريم: 4/ 203. (¬3) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان: باب نزول عيسي بن مريم حاكمًا بشريعة نبينا محمَّد برقم، 242، 1/ 135. (¬4) قال معد الكتاب للشاملة: الحاشية غير موجودة في أصل الرسالة، وانظر كلام البغدادي في كتابه الفارق بين المخلوق والخالق (ص286).

تتمة: قضية اليوم الآخر في العهد الجديد

تتمة: قضية اليوم الآخر في العهد الجديد: ربما يدور تساؤل حول العقائد في العهد الجديد، ولماذا لم يتم تناولها مثلما تم دراستها في العهد القديم، فلم يذكر هنا الإيمان بالكتب المنزلة والرسل واليوم الآخر والقضاء والقدر. وللإجابة على هذا السؤال أقول: إن سيدنا عيسى عليه السلام جاء مكملًا لشريعة سيدنا موسى عليه السلام، لذلك فإنه لم يكن في صدد تأسيس عقيدة جديدة أو تشريع جديد، وقد سبق بيان ذلك في التمهيد للرسالة. ويؤكد أ/عبد الكريم الخطيب، هذه القضية فيقول: إن الأناجيل لم تواجه قضية البعث والحساب والجزاء مواجهة صريحة ولم يحاول المسيح أن يجعل منها مجالًا للبحث والنظر، لأنه لم يكن من همه أن يقرر عقيدة، أو يشرح مذهبًا ... لأنّ اليهود كانوا بحاجة إلى رسالة تنزع القسوة التي تمكنت من قلوبهم فاغتالت منها عواطف الرحمة والحب وملأتهما ضغينة وحقدًا وأنانية، وذلك لما نزل بهم من ويلات وتشتت على يد أعدائهم من الآشوريين والبابليين وغيرهم (¬1). وكانت مهمة المسيح إذن أن يبعث في هذه القلوب الصلدة المتحجرة قطرات من عواطف الإخاء والحب والتراحم، أما الإله فإنهم يعرفونه وإن كانوا لا يتعاملون معه، أما البعث والجزاء والجنة والنار فإنهم على علم بها ولكن بلا عمل لها ولا إحساس بها ... من أجل هذا كان ما يذكر في الأناجيل عن البعث والجزاء تذكيرًا بهما وإعدادًا لهما وتخويفًا من المصير التعيس لمن لا يعملون (¬2). وقد تناول د/ فرج الله عبد الباري، اليوم الآخر في العهد الجديد بالتفصيل وبين التصور النصرانى لعلامات الساعة والبرزخ والقيامة وغير ذلك من أمور تتعلق باليوم الآخر (¬3). تؤكد رؤية أ/ عبد الكريم، لما ورد في العهد الجديد من نصوص تذكر باليوم الآخر فقط. ¬

_ (¬1) الله والإنسان: أ/ عبد الكريم الخطيب، ص255، ط/ دار المعرفة، بيروت- لبنان، الطبعة/3 - 1975م. (¬2) المرجع السابق: ص 256. (¬3) اليوم الآخر: د/ فرج الله عبد الباري، ص 92 - 94، 108 - 110.

وخلاصة جهود العلماء في نقد العقائد في العهد الجديد

وخلاصة جهود العلماء في نقد العقائد في العهد الجديد: استوعب علماء المسلمين عقائد النصارى بالنقد والتحليل، وكان رائد الحركة النقدية لهذه العقائد، شيخ الإِسلام ابن تيمية، يليه في الاستيعاب العلامة رحمة الله الهندي، والعلامة البغدادي، وكذلك تميزت الرؤى النقدية للعلماء المعاصرين أمثال أ/محمَّد رشيد رضا، م/الطهطاوي، بقوة الحجة العقلية والردود المقنعة إلى تنم عن فهم عميق لمفردات العقائد النصرانية. وأ/ علاء أبو بكر، قد عالج هذا الموضوع معالجة شاملة موسعة، استفاد فيها من النقاد الغربيين كثيرًا، وتتميز طريقته النقدية بالإبداع والابتكار, وكذلك ل / أحمد عبد الوهاب.

الفصل الثاني نقد الشرائع والعبادات والأخلاق في العهد الجديد

الفصل الثاني نقد الشرائع والعبادات والأخلاق في العهد الجديد ويشتمل هذا الفصل على مبحثين: - المبحث الأوّل: نقد الشرائع والعبادات في العهد الجديد. - البحث الثاني: نقد الأخلاق في العهد الجديد.

المبحث الأول جهود علماء المسلمين - فترة البحث - في نقد الشرائع والعبادات في العهد الجديد ويشتمل على الأمور التالية: أولًا: هل يوجد في المسيحية تشريع مستقل. ثانيًا: الصلاة. ثالثًا: الصوم. رابعًا: التعميد. خامسًا: الرهبانية. سادسًا: الإقرار بالذنوب للقسيس. سابعًا: العشاء الرباني. ثامنًا: إثبات النسخ في العهد الجديد.

المبحث الأول نقد الشرائع والعبادات في العهد الجديد

المبحث الأول نقد الشرائع والعبادات في العهد الجديد هل يوجد في العهد الجديد تشريع مستقل؟ تبيّن فيما سبق فساد العقيدة النصرانية، وكيف اجتهد علماؤنا الأجلاء في إبطالها، وبينوا ضلال النصارى فيما يعتقدون، وقد وقفوا وقفات نقدية متنوعة أمام هذه الانحرافات العقائدية متبعين في ذلك المنهج العلمى في دراستهم لها. وفي هذا الفصل أُبين من خلال جهودهم النقدية الأمور التالية: - هل يوجد في المسيحية تشريع؟ - وهل جاء سيدنا عيسى -عليه السلام- بشريعة مستقلة وأحكام جديدة غير الأحكام التي وردت في التوراة أم لا؟ - ومن الذي أحدث وبدَّل وغير في أحكام التوراة وشرائع النصارى؟ وبالبحث وراء توضيح هذه التساؤلات ومن خلال القراءة المتأنية للإنتاج العلمى الذي أبدعته قرائح علمائنا الأجلاء وجدت ندرة ملحوظة في تناول هذا الجانب -وهو التشريع في النصرانية- إلا أن بعض الكتَّاب قد أسهم في بيان الشريعة التي يحتوي عليها العهد الجديد وأكد أن الشريعة التي جاء بها المسيح - عليه السلام- هى شريعة مكملة لما جاء في التوراة من تشريعات ولم يأت المسيح - عليه السلام - بشرع جديد ولم تكن هناك أحكام مستقلة في العهد الجديد، وأن الذي شرع للنصارى وخالف أقوال المسيح هو بولس إذ أنه قلب النصرانية رأسًا على عقب كما سبق بيانه. ويبرز في مقدمة هذه الجهود النقدية ما قام به الإمام ابن القيم وأكد اتباع النصارى لبولس ومخالفتهم تعاليم المسيح -عليه السلام- حيث أثبت مخالفة النصارى للمسيح -عليه السلام- في الشرائع فذكر ما يدلّ على ذلك بالمعنى دون أن يذكر النص وقام د/السقا، بذكر بعض هذه النصوص في الهامش فقد قام بجهد واضح في تحقيق كتاب هداية الحيارى فيقول الإمام ابن القيم: (وأما فروعه وشرائعه -أي دين النصارى- فهم -أي النصارى- مخالفون للمسيح في جميعها، وأكثر ذلك بشهاداتهم وإقرارهم ولكن يحيلون على البطاركة والأساقفة، فإن المسيح -عليه السلام- كان يتدين بالطهارة ويغتسل من الجنابة ويوجب غسل الحائض، وطوائف النصارى عندهم أن ذلك كله غير واجب) (¬1). ¬

_ (¬1) هداية الحيارى: ص 263.

ويؤكد د/مصطفي شاهين أنه لا يوجد في المسيحية شريعة بالمعني التام، بل الموجود في كتب النصارى بعض الأحكام في العبادات والمعاملات مما يدخل تحت كلمة شريعة لكن هذا البعض قليل جدًا ولا يتناول فروع الشريعة كلها، إذ الشريعة هى الأحكام العملية المتصلة بالعمل لا بالاعتقاد؛ لأنّ ما يخص الجانب الاعتقادي هو المسمى بالإيمان وهو شيء في القلب أما ما يتصل بخارج القلب وهو العمل الذي بالجوارح وأحكام هذا العمل هو ما يسمى شريعة (¬1). وقد قدم د/المطعني رؤية توضيحية لهذا الجانب - التشريع في المسيحية - فيقول: المسيح - عليه السلام- لم يأت برسالة منفصلة كل الانفصال عن رسالة موسى - عليه السلام - وإنما جاء برسالة هي امتداد لشريعة موسى -عليه السلام- بدليل قول الإنجيل: "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقص بل لأكمل" (¬2). ثم يقول للحواريين الاثنى عشر موضحًا لهم المهمة التي أرسل من أجلها: " ... إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة السامريين لا تدخلوا؛ بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة (¬3) " (¬4). ويؤكد ذلك أيضًا د/محمَّد طلعت أبو صير فيقول: (إن شريعة اليهود المقررة في العهد القديم هي نفسها المقررة في العهد الجديد فيما عدا ما ورد عن المسيح -عليه السلام- ونص بنسخه (¬5) أو تعديله، فقد أورد العهد الجديد نصوصًا قليلة ناسخة ومعدلة لبعض أحكام العهد القديم ومعظمها جاء في موعظة الجبل التي ألقاها وهو جالس على قمة الجبل وسمعها الحواريون والتلاميذ وجمهور كبير من الناس (¬6) ومنها: - تقول التوراة: لا تزن أما أنا "المسيح" فأقول: لكل من نظر إلى امرأة وهو يشتهيها فإنه يزني بها في قلبه (¬7). ¬

_ (¬1) النصرانية تاريخًا وعقيدة ومذاهب دراسة وتحليل ومناقشة: ص 227 طبعة دار الاعتصام بدون. (¬2) متى: (5/ 17) إكمال الناموس. (¬3) متى: (10/ 5 - 6) إرسال الاثنى عشر. (¬4) انظر: الإِسلام د/ المطعني، ص 310، 311، والإِسلام والأديان: د/ مصطفي حلمي، ص 189، تاريخ الإنجيل والكنيسة: أحمد إدريس ص61. (¬5) إن عيسي عليه السلام لم يأت ناسخًا للتوراة بل مصدقًا لها عاملًا بها ولكنه نسخ بعض أحكامها قال تعالى: {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} فقد كان حرّم على بني إسرائيل بعض الطيبات بظلمهم وكثرة سؤالهم فأحلها عيسى عليه السلام تفسير المنار (3/ 312). (¬6) أضواء على مقارنة لأديان: د/محمَّد طلعت أبو صير ص 87 - 88، وانظر: النصرانية: د/مصطفى شاهين، ص 232 - 233. (¬7) من: (5/ 27 - 28) الزنا.

ثانيا: الصلاة

- تقول التوراة: من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق، أما أنا فأقول: من طلق امرأته إلا لعلة الزنى فإنه يجعلها تزني، ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني (¬1). إلى آخر ما تشتمل عليه موعظة الجبل من تعديلات تشريعية كالقصاص وحب الأعداء والمسالمة وإخفاء الصدقة ويحذرهم من الكذب وغير ذلك (¬2). وقد أكد د/ مصطفى شاهين عدم وجود أحكام شرعية في العهد الجديد تمس هذه الموضوعات وإذا وجد بعضها فقليل وقد قسم العلماء الأمور التي تندرج تحت الشريعة إلى عبادات ومعاملات وأخلاق، فالعبادات تنظم العلاقة بين الإنسان وربه، والمعاملات تنظم العلاقة بين الناس ويدخل في ذلك البيع والشراء والتجارة والشفعة والرهن ... الخ المعاملات المالية، وكذلك يدخل فيها أيضًا شئون الأسرة مثل الزواج والطلاق والميراث (¬3). هذا على سبيل الإجمال أما التفصيل: فقد أبطل علماؤنا الأجلاء ما يوجد في النصرانية من عبادات وشرائع وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم والبغدادي وغيرهم كما يلي: ثانيًا: الصلاة: بين الإمام ابن تيمية في نقده للعبادات والشرائع في العهد الجديد أن هذه الأمور لا تقوم على أساس ديني صحيح، ولم يشرعها المسيح -عليه السلام- وإنما هى من المخالفات التي وقع فيها النصارى وشرعوها من عند أنفسهم فيقول: من ضلالات النصارى تعظيمهم الصليب واستحلالهم لحم الخنزير، وتعبدهم بالرهبانية، وامتناعهم من الختان، وتركهم طهارة الحدث والخبث، فلا يوجبون غسل جنابة ولا وضوء، ولا يوجبون اجتناب شيء من الخبائث في صلاتهم ... كلها شرائع أحدثوها وابتدعوها بعد المسيح -عليه السلام- (¬4). ¬

_ (¬1) متى: (5/ 31 - 32) الطلاق. (¬2) أضواء على مقارنة الأديان: د/طلعت أبو صير، ص 88. (¬3) النصرانية: ص 227 - 228. (¬4) انظر: الجواب الصحيح: 1/ 144، بتصرف بالحذف.

ثالثا: الصوم

والإمام ابن القيم ينتقد صلاة النصارى التي يقومون بها بدون طهارة مبينًا كيف تكون مثل هذه الصلاة وكيف يتقربون بها إلى الله وهم على هذه النجاسة لم يتطهروا فيقول: إن طوائف النصارى تقرر أن الطهارة غير واجبة وأن الإنسان يبول ويتغوط ولا يمس ماءً ولا يستجمر والبول والنجو ينحدر على ساقه وفخذه ويصلى كذلك وصلاته صحيحة تامة عنده، ولو تغوط وبال وهو يصلى لم يضره ... ويقولون: إن الصلاة بالجنابة والبول والغائط أفضل من الصلاة بالطهارة لأنها حينئذ أبعد عن صلاة المسلمين واليهود وأقرب إلى مخالفة الأمتين ويستفتح الصلاة بالتصليب بين عينيه وهذه الصلاة رب العالمين برئ منها، وكذلك المسيح وسائر النبيين، فإن هذه بالاستهزاء أشبه منها بالعبادة، وحاشا المسيح أن تكون هذه صلاته أو صلاة أحد من الحواريين (¬1). وقد أرجع الإمام ابن تيميه انحراف النصارى في العبادات والشرائع إلى سببين رئيسيين هما: 1 - إعطاء النصارى لعلمائهم الحق في أن يشرعوا لهم ويغيروا ما يرونه من شرائع (¬2). 2 - اتخاذ النصارى مواقف مضادة لليهود بعد أن صارت الدولة لهم في عهد قسطنطين ... فأحلوا ما يحرمه اليهود كالخنزير وغيره وصاروا يمتحنون من دخل في دينهم بأكل الخنزير، فإن أكله وإلا لم يجعلوه نصرانيًا (¬3) وتركوا الختان وقالوا إن المعمودية عوض عنه وصلوا إلى قبلة غير قبلة اليهود وكان اليهود قد أسرفوا في المسيح، وزعموا أنه ولد زنا، وأنه كذاب، ساحر، فغالى هؤلاء في تعظيم المسيح وقالوا: إنه الله، وابن الله .. وغير ذلك (¬4). ثالثًا: الصوم: معنى الصوم عند النصارى: الامتناع عن الطعام من الصباح حتى بعد منتصف النهار ثم تناول طعام خالى من الدسم (¬5). ينتقد الأستاذ / محمَّد رشيد رضا، ذلك الصوم الذي يصومه النصارى رغم خلو الأناجيل من فريضة الصوم فيقول: إن الأناجيل تخلو من فريضة الصوم وكل الذي تحويه عن الصوم إنما هو ذكره ومدحه واعتباره عبادة، وتأمر الأناجيل الصائم بدهن الرأس وغسل الوجه حتى لا تظهر عليه أمارة الصوم فيكون مرائيًا كالفريسيين، وأشهر صومهم وأقدمه: الصوم الكبير الذي قبل عيد الفصح وهو الذي صامه موسى، ¬

_ (¬1) انظر: هداية الحيارى، ص 263 - 264. (¬2) انظر: الجواب الصحيح: 2/ 17، بتصرف. (¬3) المرجع السابق: 2/ 100، 3/ 31. (¬4) المرجع السابق: 2/ 100. (¬5) المسيحية: د/ أحمد شلبي، ص 235.

رابعا: التعميد

وكان يصومه عيسي عليهما السلام والحواريين ثم وضع رؤساء الكهنة ضروبًا أخرى من الصيام منها الصوم عن اللحم وعن البيض واللبن وكان الصوم المشروع عند الأولين منهم كصوم اليهود يأكلون في اليوم والليلة مرة واحدة فغيروه وصاروا يصومون من نصف الليل إلى نصف النهار (¬1). ويؤكد الإمام ابن القيم مخالفة النصارى لتعاليم المسيح -عليه السلام- في هذه الفريضة فيقول: (والمسيح ما شرع لهم هذا الصوم الذي يصومونه قط ولا صامه في عمره مرة واحدة ولا أحد من أصحابه، لا صام صوم العذارى (¬2) في عمره ولا أكل في الصوم ما يأكلونه ولا حرم فيه ما يحرمونه) (¬3). ويقرر العلامة البغدادي أن الصوم بهذه الطريقة بدعه ابتدعها رؤساؤهم وأنه بهذا المفهوم لم يرد في التوراة ولا في الإنجيل فيقول: (اخترع رؤساء النصارى في مجامعهم "البهريز" وهو عبارة عن ترك أكل اللحوم إلا السمك بسائر أنواعه، وأكل الزيت مع كافة المأكولات وشرب الماء والدخان والقهوة والخمرة) (¬4). (والبهريز محض تلاعب وعبث بالدين وخروج عن امتثال أوامر رب العالمين الصريحة بالتوراة -الأصلية-، ولم نر في الأناجيل الأربعة لا صراحة، ولا إشارة أن هذا الصوم بهذا المعنى الذي تعتادونه أيها المسيحيون" (¬5). رابعًا: التعميد: بين م/ الطهطاوي، مفهوم التعميد ووقته والنصوص الدالة عليه وطريقته وناقش النصارى في هذه الشعيرة التي يتعبدون بها وبيّن من خلال مناقشته لها فساد القول بالمعمودية فيقول: (كان التعميد موجودًا عند اليهود، قبل المسيحية ولكنه كان بمفهوم آخر وهو غسل الجسد وكان النبي يحيى يعمد الناس في نهر الأردن أي يغسل أجسادهم ولذلك سُمّي يوحنا المعمدان أي (يحيى المغسل) وثابت في الأناجيل المتداولة أن يوحنا المعمدان قام بتعميد المسيح) (¬6). ¬

_ (¬1) تفسير المنار: 2/ 144 وانظر: النصرانية والإسلام: م/الطهطاوي ص 88. (¬2) مدته: خمسة عشر يومًا تبدأ من شهر مسرى وهو من الشهور القبطية القديمة وهو أول شهور فيضان النيل، وقد ذكر د/ أحمد شلبي، أنواع الصيام عند النصارى. ولمزيد من التفصيل انظر: المسيحية د/أحمد شلبي، ص 235. (¬3) هداية الحيارى: ص 246. (¬4) الفارق بين المخلوق والخالق: ص 46. (¬5) المرجع السابق: ص 46. (¬6) النصرانية والإِسلام: ص 62.

وقت التعميد

وقت التعميد: لم يتفق المسيحيون على وقت معين للتعميد: 1 - فبعضهم يعمد الشخص في طفولته حتى ينشأ الطفل المسيحي مبرأ من الذنوب وهذا هو الغالب. 2 - وبعضهم يعمده في أي وقت من حياته. 3 - والبعض الآخر يجرى التعميد والشخص على فراش الموت بحجة أن التعميد إزالة للسيئات وتطهير من الذنوب (¬1). أما النصوص التي يستدل بها النصارى على التعميد: 1 - " فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس" (¬2). 2 - وقول الإنجيل: "من تغطس دخل الجنة ومن لم يتغطس دخل جهنم خالدًا فيها أبدًا" (¬3). طريقة التغطيس وصفته: يقول عبد الله الترجمان: إن في كل كنيسة حوضًا رخامًا وكيزانًا يملؤه القسيس بالماء ويقرأ عليه ما تيسر من الإنجيل ويرمي فيه ملحًا كثيرًا وشيئًا من دهن "البلسان" (¬4) فإن أراد أحد أن يتغطس ممن تنصر وهو رجل كبير السن يجتمع له بعض أعيان النصارى مع القسيس ليشهدوا عليه -بزعمهم- بين يدي الله بالتغطيس ويقول له القسيس عند حوض الماء: يا هذا اعلم أن التنصر أن تعتقد أن الله ثالث ثلاثة وتعتقد أنك لا يمكن لك دخول الجنة إلا بالتغطيس، وأن ربنا عيسي ابن الله ... إلى أن يقول وأنا أغطسك باسم الأب والابن والروح القدس (¬5). ويستخدم عبد الله الترجمان في نقده للتعميد محاججة النصارى بأسئلة تحمل في طياتها الاستفهام الإنكاري لما يفعلون ويبين عدم صحة ما يقوله النصارى بأنّه لا يمكن دخول الجنة إلا بالتغطيس فيقول: (ما تقولون في إبراهيم وموسى وإسحاق ويعقوب وجميع الأنبياء عليهم السلام هم في الجنة أم لا؟ فلا بد أن يقولوا: هم في الجنة، فيقال لهم: كيف دخلوها ولم يتغطسوا؟ وهم يجيبون عن هذا بأن الاختتان أجزأهم عن التغطيس فيقال لهم: ما تقولون في آدم ونوح عليهما السلام وذريته لصلبه فإنهم ما اختتنوا ولا تغطسوا قط وهم في الجنة بنص أناجيلكم وإجماع علمائكم، وليس لهم عن هذا جواب البتة) (¬6). ¬

_ (¬1) المرجع السابق: ص 62. (¬2) متى: (28/ 19) يسوع يظهر للتلاميذ. (¬3) انظر: مرقس: (16/ 16) ظهوره للتلاميذ. (¬4) هو: شجر موطنه بلاد الحبشة وورقه يستخدم لتحنيط الموتى، (راجع قاموس الكتاب المقدس ص 188). (¬5) تحفة الأريب: ص 80 - 81 بتصرف بالحذف، وانظر: النصرانية والإِسلام: ص 63. (¬6) المرجع السابق: ص 80.

خامسا: الرهبانية

خامسًا: الرهبانية: (¬1) بين د/أحمد طاهر وم/الطهطاوي، مغالاة المسيحيين في النظرة إلى المتع والملذات وعدم توازنهم واعتدالهم في الأمور الحياتية والتعبدية، وبينا أن المسيحية تُغلب الآخرة على الدنيا وتعطيها الاهتمام الأكبر، فقد فرضوا على أنفسهم الترهب وترك الدنيا والعزوف عن الزواج وتفضيل العزوبية، وهذه الرهبانية ابتدعوها من عند أنفسهم ولم يأمرهم بها الله -عز وجل- فقال تعالى: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} (¬2). وقد بين د/أحمد شلبي أن فكرة الرهبانية دخيلة على النصرانية وقد أخذها المسيحيون عن الهندوكية والبوذية (¬3). أما د/أحمد طاهر وم/ الطهطاوي، فقد ذكرا النصوص الإنجيلية التي يستنبط منها النصارى فكرة الرهبنة وعلق د/أحمد طاهر عليها تعليقًا سريعًا مجملًا، أما م/ الطهطاوي فقد استفاض في مناقشته حول هذه الأدلة ونقده لفكرة الرهبانية من هذه الأدلة التي ذكراها ما يلي: 1 - "وكل واحد فيكم لا يتزكى بماله لا يمكن أن يكون تلميذًا لي" (¬4). 2 - "يوجد خصيان ولدوا هكذا من بطون أمهاتهم، ويوجد خصيان خصاهم الناس، ويوجد خصيان خصوا أنفسهم، من أجل ملكوت السموات" (¬5). 3 - "لا تقدرون أن تخدموا الله والمال لذلك أقول لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وما تشربون ولا لأجسادكم بما تلبسون" (¬6). وغير ذلك من الأدلة. ¬

_ (¬1) أصلها من الرهبة: الخوف، قال ابن الأثير: كانوا يترهبون بالتخلى عن أشغال الدنيا، وترك ملاذها والزهد فيها، والعزلة عن أهلها، وتعهد مشاقها، حتى إن منهم من كان يخصي نفسه، ويضع السلسلة في عنقه وغير ذلك من أنواع التعذيب (لسان العرب 3/ 1749). (¬2) سورة الحديد: الآية (27). (¬3) انظر: المسيحية: ص 246. (¬4) لوقا: (14/ 33) ثمن التبعية. (¬5) متى: (19/ 12) الزواج والطلاق. (¬6) متى: (6/ 24 - 25) الله يعتني بنا.

سادسا: الإقرار بالذنوب للقسيس

وفي تعليق د/أحمد طاهر عليها إجمالًا فيقول: (ونتيجة هذه الأقوال أو المواعظ هي خلق نوع من الجمود والتبلد والانصياع والنفاق في الناس بدلًا من مساعدتهم على أن يصبحوا بشرًا مكتملي النمو العقلي والبدني) (¬1). وفي انتقادات م/ الطهطاوي على هذه النصوص خرج بالنتائج التالية: 1 - أن المسيحية تحارب الأبدان كما في الدليل رقم (3). 2 - أن المسيحية تقضى بفناء الجنس البشرى كما في الدليل رقم (¬2). 3 - أن المسيحية تدفع للرهبنة والرهبنة تقتضى هجر الوالدين والأسرة والزهد في الدنيا وكراهية المال والنفور منه، ووليدة ذلك إرهاق الجسم وعدم العناية بطعامه أو شرابه أو لباسه، والميل للعزوبة والغض عن الزواج (¬3). وقد أرجع صاحب الفارق فجور رؤساء النصارى وانحرافهم إلى تلك الرهبانية إلى ابتدعوها من عند أنفسهم وقال إنها السبب المباشر في انتشار الفواحش في أوروبا كلها مستدلًا على ما يقول بوقائع وجرائم قد حدثت من القساوسة والرهبان منافية للأخلاق (¬4). سادسًا: الإقرار بالذنوب للقسيس: وهو أن المذنب يذهب إلى الكاهن فيبوح له بما اقترفه من ذنوب فيحصل منه على المغفرة بعد ذلك، وكان الاعتراف يتكرر عدة مرات مدى الحياة ولكنه منذ سنة 1215م أصبح لازمًا مرة واحدة على الأقل (¬5). الدليل على هذه المسألة: يستدل النصارى على قضية الاعتراف بالذنوب أمام القسيس بالنص الإنجيلي التالي المنسوب إلى المسيح بعد قتله وصلبه في اعتقادهم ثم ظهوره لهم بعد ذلك يوصيهم بقوله -كما زعموا-: "ولما قال هذا نفخ وقال لهم: "اقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه تغفر له ومن أمسكتم خطاياه أُمسكت" (¬6). ¬

_ (¬1) متى: (6/ 24 - 25). (¬2) الأناجيل دراسة مقارنة: د/أحمد طاهر، ص 153. (¬3) انظر: النصرانية والإِسلام: ص 73 - 74 باختصار وتصرف. (¬4) العلامة البغدادي: ص 232. (¬5) النصرانية والإِسلام: ص 66. (¬6) يوحنا: (20/ 22) ظهوره للتلاميذ.

وقد انتقد م/ الطهطاوي هذا النص وبين أنه محض افتراء وكذب على المسيح - عليه السلام - فلا يصلح أن يكون دليلًا وبالتالي بطل به الاستدلال على أمر ينسبونه إليه فيقول: هذه الوصية لم ترو عن المسيح في حياته التي لازم فيها تلاميذه؛ بل جاءت في الرؤيا عنه بعد ذلك، مما يدعو إلى الشك وعدم الاطمئنان إليها؛ لأنها من قبيل الرؤى والأحلام (¬1). ويذكر أ/عبد الله الترجمان صفة الإقرار أمام القسيس فيقول: يعتقد النصارى أنه لا يمكن دخول الجنة إلا بعد الإقرار بالذنوب للقسيس، وأن كل من يخفى ذنبًا فلا ينفعه إقراره فهم في كل سنة عند صيامهم يمشون إلى الكنائس، ويقرون بجميع ذنوبهم للقسيس الذي يقوم بكل كنيسة، وفي سائر أوقاتهم لا يقر أحد بذنب إلا إذا مرض وخاف الموت فإنه يبعث إلى القسيس فيصل إليه، ويقر له بجميع ذنوبه فيغفرها له وهم يعتقدون أن كل ذنب غفره القسيس فإنه مغفور عند الله تعالى، فمن أجل ذلك صار البابا الذي يكون بمدينة روما -فهو خليفة عيسى في الأرض بزعمهم- يعطى لمن يشاء براءة بغفران الذنوب والتسريح من النار، ودخول الجنة ويأخذ على ذلك الأموال الجليلة، وكذلك يفعل كل من ينوب عنه في جميع أرض النصارى من القسيسين (¬2). ويقول فضيلة الشيخ أبو زهرة عن بداية ظهور صك الغفران وصيغته المختلقة والمفتراة: وفي المجمع الثاني عشر قررت الكنيسة امتلاكها لحق الغفران وصنع القائمون عليها صكًا يُباع ويُشترى وبذل العصاة في سبيل شرائه المال الكثير، وما كان عليهم من حرج في ارتكاب ما يشاءون من الموبقات وينالون ما تهوى الأنفس من معاصي، ما دام ذلك يُفتدى بمال قل أو جل (¬3). ونص صك الغفران كما يلي: "ربنا يسوع المسيح يرحمك يا فلان ويحلك باستحقاقك آلامه الكلية القدسية وأنا بالسلطان الرسولي المعطى لي أحلك من جميع القصاصات والأحكام الطائلات الكنيسية التي استوجبتها، وأيضًا من جميع الإفراط والخطايا والذنوب التي ارتكبتها مهما كانت عظيمة وفظيعة" ... إلخ (¬4). ¬

_ (¬1) النصرانية والإِسلام: ص 66. (¬2) تحفة الأريب: ص 97 - 98. (¬3) انظر: محاضرات في النصرانية: ص 173 بتصرف. (¬4) المرجع السابق: ص 173، المسيحية: د/أحمد شلبي، ص 225.

سابعا: العشاء الربانى أو الإيمان بالقربان

وينتقد أ/ عبد الله الترجمان، هذا الأمر الذي يسهل الخطايا وارتكاب الذنوب بعرض صيغة ذلك الاعتراف على العقل ويحاججهم بنفس ما يفعلون ليصل إلى بطلانه فيقول: إن هذا لم يأمركم به عيسى -عليه السلام- وتلاميذه لم يقروا له ذنبًا قط وهو أقرب على قولهم لمغفرة الذنوب من جميع القسيسين، والقسيس لا شك عندكم في أنه بشر مثلكم فمن الذي يغفر له ذنوبه فإن قلتم البابا يغفر له ذنوبه فمن الذي يغفر للبابا ذنوبه (¬1). وخلاصة هذه المسألة: أن القسيس بشر يخطئ ويصيب والبابا بشر يخطئ ويصيب وإن ادعوا العصمة وبالتالي فإن القائم بهذه المهمة والمخول له هذه السلطة يحتاج إلى من يغفر له ذنوبه فمن هو إذن الذي يغفر الذنوب لكل البشر؟ لا شك أنه رب البشر سبحانه وتعالى {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} (¬2). سابعًا: العشاء الربانى أو الإيمان بالقربان: وهو: استحالة الخبز إلى جسد المسيح واستحالة الخمر إلى دم المسيح ويوضح ذلك أ/عبد الله الترجمان فيقول: (إن دين النصارى في قربانهم كفر، وهو أن يعتقدوا على فطيرة من خبز إذا قرأ عليها القسيس بعض الكلمات أنها ترجع في تلك الساعة جسد عيسى وإذا قرأ بعض الكلمات على كأس خمر فإنه يصير في تلك السماعة دم عيسى، وكل كنيسة بها قسيس كبير يقوم بها فيجئ قسيس كل كنيسة في كل يوم بفطيرة صغيرة وزجاجة خمر ويقرأ عليها عند صلاته فيعتقد النصارى أن الفطيرة صارت جسد عيسى والخمر صار دمه) (¬3). وعن طريق المقابلة بين النصوص في القضية الواحدة من الأناجيل الأربعة أثبت العلامة البغدادي، وأ/ عبد الله الترجمان وجود الاختلاف بين الأناجيل ووقوع التناقض في النصوص التي يستند عليها النصارى في مسألة العشاء الرباني وذكرا دليلهم عليها وهو: 1 - قول متى: "إن عيسى جمع الحواريين يومًا قبل موته وتناول خبزه وكسرها وناولهم كسرة لكل إنسان وقال لهم كلوا هذا جسمي ثم ناولهم خمرًا وقال لهم اشربوا هذا دمى" (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: تحفة الأريب: ص 98 - 99 بتصرف واختصار. (¬2) سورة آل عمران جزء من الآية: (135). (¬3) تحفة الأريب: ص 93 - 94. (¬4) متى: (26/ 26 - 28) عشاء الرب.

2 - وعبارة مرقس وإن كانت قريبة من عبارة متى لكن بينهما اختلاف وهي: "ولما كان المساء جاء مع الاثنى عشر، وفيما هم متكئون يأكلون، قال يسوع الحق أقول لكم: إن واحدًا منكم يسلمني: الآكل معى، فابتدأوا يحزنون ويقولون له واحدًا فواحدًا: هل أنا؟ وآخر: هل أنا؟ فأجاب وقال لهم: هو واحد من الاثنى عشر، الذي يغمس معى في الصحفة إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه، ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان، كان خيرًا لذلك الرجل لو لم يولد وفيما هم يأكلون أخذ يسوع خبزًا وبارك وكسر وأعطاهم وقال: "خذوا كلوا هذا هو جسدى، ثم أخذ الكأس وشكر وأعطاهم فشربوا منها كلهم وقال لهم: "هذا هو دمى الذي للعهد الجديد. الذي يسفك من أجل كثيرين الحق أقول لكم: إنى لا أشرب بعد من نتاج المكرمة إلى ذلك اليوم حينما أشربه جديدًا في ملكوت الله" (¬1). 3 - وحكاية لوقا في هذه القصة فيها تقديم وتأخير فإنه قال فيها: "ولما كانت الساعة واتكأ والاثنى عشر رسولًا معه وقال لهم" شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم لأني أقول لكم: إلى لا آكل منه بعد حتى يكمل في ملكوت الله ثم تناول كأسًا وشكر وقال: "خذوا هذه واقتسموها بينكم؛ لأنى أقول لكم: إني لا أشرب من نتاج المكرمة حتى يأتي ملكوت الله وأخذ خبزًا وشكر وكسر وأعطاهم قائلًا: هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم" (¬2). وقد انتقد العلامة صاحب الفارق، هذه القصة ببيان الاختلاف والتناقض فيها فيقول: (إن ما أدرجه لوقا هنا لم يذكره متى ومرقس فإما أن يكون أنفت شهامتهما أن يذكرا كلامًا لا معنى له أو قصرت أفهامهما عن سر هذا الوحى الذي ذكره لوقا وعلى كلا التقديرين لا مخلص للمسيحى الذي يدعى أن هذا الاختلاف والتناقض إلهامى) (¬3). وقال أيضًا: "ذكر الكأس ثانيًا من زياداته -لوقا- ولا يضرنا ذلك ولكن لنا عليه اعتراض في قوله: "الذي يُسفك عنكم" وذلك إما أن يكون المراد عموم النصارى أو التلاميذ المخاطبين خاصة وأيًا ما كان فهو مناقض قول يوحنا: أنه صلب نفسه عن كافة الناس ومخالف لقول مرقس ومتى أيضًا: لأنهما قالا: ¬

_ (¬1) لوقا: (22/ 14 - 19) عشاء الرب. (¬2) الفارق: ص 353. (¬3) المرجع السابق: نفس الصفحة.

"الذي يسفك من أجل كثيرين" أي لبعض النصارى وزاد المترجم من عنده على مرقس: "لمغفرة الخطايا" ومعلوم أن بين هذه العبارات الأربعة تفاوتًا بعيدًا، والنصارى اتخذوا هذه القصة أساس دينهم فقد أسس هذا الدين على شفا جرف هار (¬1). ويؤكد أ/عبد الله الترجمان وجود هذا الاختلاف بين الأناجيل في هذه القصة فيقول: "إن يوحنا الذي كان حاضرًا لعيسى حتى رُفع لم يذكر شيئًا من خبر الخبز والخمر في إنجيله، وهذا من الاختلاف الذي يدلّ على كذب متى ونقله للمحال والبهتان" (¬2). أضف إلى ذلك محاججة الترجماني للنصارى بالعقل في هذه المسألة وبين أن ما يدعونه من خبر الخبز والخمر في العشاء الرباني محال من ناحية العقل فيقول: (النصارى يعتقدون أن كل جزء من أجزاء فطيرة كل قسيس هو عيسي -عليه السلام- بجميع جسده في طوله وعرضه، وعمقه هو هو ولو بلغت أجزاء الفطيرة مائة ألف جزء لكان كل جزء منها عيسى، فيقال لهم: إن جسد عيسى كان طوله عشرة أشبار مثلًا وعرضه شبرين وعمقه شبرًا، والفطيرة التي يقرأ عليها القسيس ما يمكن أنه تكون ثلاثة أشبار فكيف يكون جسد طوله عشرة أشبار وعرضه شبران وعمقه شبر في شيء طوله ثلث شبر، هذا محال في كل عقل سليم، وهم يجيبون عن هذا بأن المرآة تكون قدر الدرهم والإنسان يرى فيها أكبر الأبراج والمباني العالية إذا قابلها بذلك، وهي أكبر منها بأزيد من ألف مرة، فيقال لهم إن الذي يرى في المرآة عرض لا جوهر وأنتم تعتقدون أن جوهر عيسى وعرضه جميعًا في تلك الفطيرة، وهذا محال في العقل) (¬3). ومن خلال ردود أ/ عبد الله الترجمان النقدية على هذه المسألة يتضح لدي الباحث أنه اتبع في جهوده النقدية للعشاء الرباني: 1 - محاورة النصارى حول ما يعتقدون بالأدلة العقلية. 2 - طرح الافتراضات الجدلية والتسليم لهم فيما يدعون ثم الإجابة عليها بما ينقضها ويبطلها. ¬

_ (¬1) الفارق: ص 353. (¬2) تحفة الأريب: ص 94. (¬3) السابق: ص 95.

وخلاصة ما سبق: 1 - الاختلاف بين الأناجيل في القصة الواحدة. 2 - وقوع الزيادات في أحد الأناجيل في هذه المسألة. 3 - وقوع التناقض في هذه المسألة من خلال المقابلة بين النصوص. 4 - تحويل الخبز إلى جسد المسيح والخمر إلى دم المسيح أمر لا يقبله عقل سليم. 5 - وبناءً على ما سبق يتبين بُطلان دعوى أن الأناجيل كُتبت بإلهام.

المبحث الثاني نقد الأخلاق في العهد الجديد

المبحث الثاني نقد الأخلاق في العهد الجديد عند البحث فيما وقع تحت يدي من مؤلفات نقدية لعلماء المسلمين - فترة البحث- عن نقد الأخلاق في العهد الجديد وجدت أن من كتب حول هذا الموضوع قلة من الكتاب .. من هؤلاء الكتاب د/ أحمد طاهر، ود/ عمر عبد العزيز ويمكن عرض جهودهما في نقد الجانب الأخلاقى في العهد الجديد فيما يلي: (1) السلبية في مقابلة الشر. (2) التحلل والإباحية. السلبية في مقابلة الشر: عرض د/ عمر عبد العزيز مبدأ التسامح من خلال الأناجيل بذكره للنصوص التي تدل على العفو والتسامح وغير ذلك من الأخلاق الكريمة (¬1) وكذلك د/ أحمد طاهر ذكر جملة من الأخلاق الفاضلة التي ورد ذكرها في العهد الجديد (¬2). ثم وجه كل منهما سهام النقد لما يسمي بالأخلاق السلبية في العهد الجديد فيقول د/ أحمد طاهر: وعند استعراض بعض التعاليم المسيحية يتضح أنها تميل ميلًا كليًا إلى جانب دون جانب وبشكل مبالغ تنتفى معه الواقعية والدليل على ذلك من إنجيل متى: "ولكني أقول لكم لا تقاوموا الشر، ومن لطمك على خدك الأيمن فدر له خدك الآخر ليلطمك وإذا ما اختصمك إنسان طالبًا معطفك فدعه له أيضًا، ومن يجبرك على أن تسير ميلًا فسر ميلين" (¬3). ¬

_ (¬1) منها: ما يدل على البشرى للمساكين والودعاء والأتقياء وصانعى السلام كما في متى: (5/ 1 - 12) ومنها: التحذير من إهانة الغير وإرضاء الخصوم كما في متى: (5/ 20 - 25) والتسامح والعفو كما في متى: (3/ 39 - 41) ومنها: حب الأقارب وبغض الأعداء كما في متى: (5/ 33 - 48) ولوقا: (6/ 27 - 38) وغير ذلك عن الأخلاق الكريمة. (¬2) إضافة لما سبق الإشارة إليه في هامش رقم 1 ذكر د/ أحمد طاهر، أدلة على العفو والمغفرة كما في متى: (18/ 22) والمحبة والعطف والرحمة كما في مرقس: (12/ 29 - 31) ويوحنا: (13/ 34 - 35) وغير ذلك من الأخلاق الفاضلة. (¬3) متى: (5/ 39 - 41).

وفي نقده لهذا النص يقول: (ولعل هذه الموعظة قد قصدت تلطيف الحكم القاسي القائم على الانتقام عين بعين وسن بسن، إذا ما نُفذ حرفيًا كما هو في الشريعة اليهودية، ولكن هل نعمل بالموعظة التي نُسبت إلى المسيح؟، والتي فيها تخاذل وخنوع والتي تقول من ضربك على خدك الأيمن در له خدك الأيسر؟ هل نعتبر هذه الموعظة حكمًا عامًا؟ وهل يمكن أن يكون هذا الحكم شرع أو وصية معنوية تصلح لكل الأحوال ولجميع الظروف، خاصة وأن مقابلتنا للشر بسلبية مطلقة وخنوع واستسلام لا يدلّ على شيء؛ بل على جبن وخور وإذعان للمستبدين والمعربدين ولا يأتي بنتيجة طيبة؛ بل يزيد هؤلاء المتغطرسين المغرورين طغيانًا على طغيانهم وشرًا على شرهم، ومن الناحية الأخرى تزيد هذه الموعظة من نكبات الإنسانية وويلاتها) (¬1). ويؤكد هذا الانحراف والميل د/عمر عبد العزيز فيقول: (إن المسيحية في صورتها المثالية مجافية لفطرة الإنسان، والمسيحى المثالى يتجسد في الراهب المعتزل للحياة المنقطع عن الدنيا المعرض عن الطيبات حتى عن الزواج، والأخلاق المسيحية أخلاق غير واقعية؛ لأنها فوق الطاقة المعتادة للبشر كما في قول الإنجيل: "أحبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم، من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر ومن سرق قميصك فأعطه إزارك" (¬2). وفي نقده لهذا النص يقول: إن هذا الأمر ليس في مقدور كل إنسان فهل يليق بمن سُرق منه القميص أن يعطي الإزار ثم يصبح عُريانًا (¬3). فهل ظلت المسيحية على هذا التسامح؟ أم أنه حدث لها انحراف في السلوك وتحول في الأخلاق عبر الزمن، هذا ما رصده د/أحمد شلبي، عندما وقف وقفة نقدية مع سلطان الكنيسة المستبد وثورة الإصلاح الديني عليها وبين أنه تقرر في المجمع الذي عقد في سنة 1215م استئصال الخارجين على الكنيسة فاستعملت القتل والحرق وغير ذلك من الاضطهادات التي مارستها الكنيسة ضد المسيحيين (¬4). ومع الزعم بأن المسيحية دين التسامح والمحبة فإن المنتسبين إليها ينوء كاهلهم بتاريخ شديد الظلمة حالك السواد، ملطخ بدماء العلماء والمفكرين الأحرار ... تاريخ وقفت فيه الكنيسة مع الجمود ضد الفكر المستنير ومع الخرافة ضد العلم ومع الاستبداد ضد الحرية ومع الظلام ضد النور وصنعت من المجازر البشرية مالا ينساه التاريخ، فأين هذا من التسامح المزعوم؟! وإن كان هذا من التسامح فما التعصب إذن؟! ... والدليل على ذلك ما حدث في أوروبا في العصور الوسطى من ثورة عارمة شعارها "اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس" (4). ¬

_ (¬1) متي: (5/ 33 - 48) بالتصرف بالحذف. (¬2) التعصب الصليبي: د/عمر عبد العزيز ص16 وانظر متى: (5/ 39 - 41). (¬3) انظر المسيحية: د/ أحمد شلبي ص 257. (¬4) يُراجع: التعصب الصليبي، ص 17 بتصرف بالحذف، ولمزيد من التفصيل انظر: المسيحية: د/ أحمد شلبى، ص 258 - 259.

التحلل والإباحية

وخلاصة ما سبق: 1 - ما قام به علماؤنا في معالجة هذا الخلق يتميز بالموضوعية والحيدة والإنصاف. 2 - اتخذوا من التاريخ خير شاهدٍ على نقدهم للتسامح في المسيحية ونتيجة جهودهم هذه تتبين فيما يلي: أ- أن دعوى التسامح المزعومة تبطلها حوادث التاريخ من الحروب الصليبية التي شنها الإفرنج ضد الإِسلام والمسلمين تحت شعار الصليب. ب- أن ارتكاب القائمين على الكنيسة للمجازر الوحشية ضد الخارجين على سلطان الكنيسة والمتمردين عليها يتنافى تمامًا مع التسامح المزعوم. ج- أن التسامح المزعوم يؤدى بالمسيحية إلى السلبية والخذلان والضعف وبالتالي فالأخلاق المسيحية أخلاق غير واقعية لأنها تتسم بالمثالية المفرطة إلى لا يتحملها كثير من الناس. التحلل والإباحية: يقف د/أحمد طاهر مع العهد الجديد وقفة فاحصة ينتقده فيها إذ أنه لا يحرم أسباب الجريمة والخطيئة فيبيح الخمر والميسر والجنس فيقول: في الوقت الذي نجد فيه المسيحية تميل نحو الرهبانية لا نجدها في أي كتاب من الكتب المنسوبة إلى الرسل تحرم أسباب الجريمة والخطيئة أعني الخمر والجنس الحرام والميسر؛ بل هى لا تمنع عرض النسوة لمفاتنهن الجسمانية عرضًا لا تحشم فيه (¬1). أما عن الخمر فنجده عنصرًا أساسيًا في القربان المقدس؛ بل المعجزة الأولى التي جاء بها المسيح كما يدعون أنه قد حول الماء إلى خمر (¬2). (ويرى بولس: أن المرأة مجرد متعة وفتنة؛ بل أنزل بها اللوم كله لسقوط الإنسان وتدهور الخليقة واقتراف المعصية كما في رسائل بولس: "لتتعلم المرأة بسكوت في كل خضوع ولكن لست آذن للمرأة أن تعلم ولا تتسلط على الرجل، بل تكون في سكوت ... وآدم لم يغو ولكن المرأة أغويت فحصلت في التعدي" (¬3). ¬

_ (¬1) الأناجيل: دراسة مقارنة د/ أحمد طاهر 153. (¬2) المرجع السابق نفس الصفحة، وانظر: معجزة تحويل الماء إلى خمر (يوحنا 2/ 11 وما بعده). (¬3) المرجع السابق: ص 158، وانظر: رسالته إلى تيموثاوس: (2/ 11 - 14) توجيهات خاصة بالعبادة.

وخلاصة هذا المبحث

ويقول د/مصطفي شاهين عن الأخلاق في النصرانية: (في الإنجيل دعوة حارة إلى أن تقوم العلاقات بين الناس على أساس التسامح والعفو ودفع السيئة بالحسنة حتى لتكاد تجعل ذلك واجبًا من الواجبات، وتبدو هذه القواعد أوضح ما تكون في كثير من الفقرات الواردة في موعظة الجبل فمن ذلك قول الإنجيل في هذه الموعظة: "لقد كان يُقال لكم: أحبوا أبناء شعبكم وأبغضوا أعداءكم، وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم وباركوا الذين يعلنونكم وقدموا الخير لمن يكرهونكم، وادعوا بخير لهؤلاء الذين يضطهدونكم ويعذبونكم، حتى تستحقوا أن تكونوا أبناءً لأبيكم الذي في السماوات" (¬1). ثم يعلق على هذا النص بقوله: وغنى عن البيان أن تطبيق هذه المبادئ تطبيقًا حرفيًا يؤدى في النهاية إلى إلغاء العقوبات) (¬2). وفي موضوع رجم الزاني ينص العهد الجديد على إلغاء حدّ الزنا مكتفيًا بأخذ العهد على مقترفه ألا يعود إليه مرة أخرى (¬3). وخلاصة هذا المبحث: أن إلغاء العقوبات يعطى فرصة للخطاة والمذنبين أن يتمادوا في أخطائهم والتسامح الذي يصل إلى درجة الإفراط يؤدى إلى مزيد من ارتكاب الجرائم وهذا تخرج الأخلاق في النصرانية من الإيجابية إلى السلبية ومن الالتزام إلى الانحراف ومن الدعوة إلى السلام والتسامح إلى سفك الدماء والخراب والدمار وما حدث في البوسنة والهرسك وبلاد البلقان (¬4) مؤخرًا خير دليل على ذلك، ولكم ذاق المسلمون هناك على أيدى النصارى ويلات القتل والتشريد تحت دعوى التطهير العرقي فأين التسامح الذي يدعون؟! هذا وقد أشار علماؤنا الأفاضل إلى تلك القيم الأخلاقية المفقودة في النصرانية ولم يهملوا القيم الأخلاقية التي ورد ذكرها في العهد الجديد. بموضوعية فائقة وحيدة تامة. ¬

_ (¬1) متي: (5/ 43 - 45). (¬2) النصرانية: د/مصطفي شاهين ص 23 - 231. (¬3) النصرانية: د/ مصطفي شاهين ص230، والنص الذي يدلّ على ذلك ورد في يوحنا (8/ 1 - 11). (¬4) شبه جزيرة البلقان: دخلت في الإِسلام بعد الانتصار العثماني على الصرب عام 1389م بقيادة السلطان مراد الأوّل وأتمه ابنه با يزيد وظلت البلاد تحت حكم العثمانيين فترة من الزمن ثم أخذتها الصرب وارتكبوا فيها المذابح ثم تمتعت بالحكم الذاتي فترة من الزمن ثم عادت إليها الهيمنة الصربية سنة 1989م حتى انفجار الأحداث الدامية في كوسوفا مؤخرًا فأين هؤلاء من السلام والتسامح الذي يزعمونه؟ (انظر التاريخ الإِسلامي أ/ محمود شاكر 8/ 82، ومجلة الوعي الإسلامي ص12 العدد رقم 401 المحرم 1420 هـ /إبريل ومايو 1999 م وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت.

وخلاصة جهود العلماء في نقد الشرائع والعبادات والأخلاق في العهد الجديد

وخلاصة جهود العلماء في نقد الشرائع والعبادات والأخلاق في العهد الجديد: الملاحظ على نقد العلماء لموضوعات هذا الفصل أنه لم تتوسع الدراسات النقدية في هذا الموضوع، كما توسعت في دراسة العقائد النصرانية. وقليل من العلماء من طرق الجانب الأخلاقي في النصرانية، إلا النذر اليسير ممن رجعت لهم في هذا الفصل، وقد بينوا كيف تحولت النصرانية من التسامح إلى التعصب، ومن السلام إلى العدوانية، شهد بذلك الواقع العالمي، في العصر الحديث، كما سبق أن بينت ذلك.

الخاتمة

الخاتمة: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات (¬1) وبتوفيقه وعونه تُقضى الحاجات وعليه سبحانه قبول الطاعات ومغفرة الزلات والسيئات وبعد فإن خاتمة الرسالة تشتمل على النتائج والتوصيات التالية: أولًا: النتائج: انتهيت من رسالتي هذه بحمد الله وتوفيقه إلى أهم النتائج التالية: 1 - أثبت العلماء أنه كانت هناك توراة أصلية أنزلها الله -عز وجل- على سيدنا موسى -عليه السلام-، ولكنها فقلت وضاعت وأن التوراة الموجودة الآن في أيدي اليهود والنصارى توراة منقطعة السند ولم يكن موسى -عليه السلام- هو الكاتب الأصلي لها، وبالتالي تبطل دعوى الالهام لكاتبيها وبذلك تنتفى القداسة عنها وأنها ليست من الوحي. 2 - أثبت العلماء أنه كان هناك إنجيل أصلى أنزله الله على سيدنا عيسى -عليه السلام-، وأن الأناجيل الأربعة الموجودة (متي- مرقس- لوقا- يوحنا) منقطعة السند وعدم التأكد من صحة نسبتها إلى كاتبيها والاضطراب في زمن تأليفها وفيمن ألفها كل ذلك يؤكد بطلانها وانتفاء القداسة عنها. 3 - أثبت البحث أن التحريف بأنواعه الثلاثة "التبديل، والنقصان، والزيادة" واقع في التوراة والأناجيل الحالية وفيها من التناقض ما يكفي في القطع بعدم صحتها وقداستها. 4 - أثبت العلماء أن النصرانية أو المسيحية الحالية ليست النصرانية التي جاء بها عيسى -عليه السلام-؛ بل نصرانية بولس، الذي قلب النصرانية رأسًا على عقب كراهية في النصارى وانتقامًا منهم. 5 - بطلان عقيدة اليهود والنصارى وذلك لاعتمادها على أصل مزيف ومحرف، وانحرافهم في تشريعاتهم وشرائعهم التعبدية وأخلاقهم لأنهم يستمدون ذلك كله من نصوص من وضع بشر وليست من الوحى في شيء. 6 - رغم ما لحق بالكتاب المقدس من تحريف إلا أنه يحمل بين طياته دليل إدانتهم -اليهود والنصارى- فمثلًا فيه ما يدلّ على البشارة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ولكنهم يفسرونها تفسيرًا خاطئًا، ويوجد فيه ما يدلّ على التوحيد، وبشرية المسيح -عليه السلام- ولكنهم يحرفونها ويلوون أعناقها ليثبتوا ألوهية المسيح وبنوته لله تعالى. ¬

_ (¬1) كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه أمرًا يسره دعا بهذا الدعاء، والحديث أخرجه: الحاكم في المستدرك، في كتاب الدعاء، باب الذكر: 1/ 499، ط/ دار الفكر، بيروت، 1398 هـ / 1978م.

التوصيات

7 - احتواء العهد القديم على المقام الحسن لكل نبي من الأنبياء إلا أنه سرعان ما يناقض نفسه بنسبة ما لا يجوز في حقهم عليهم السلام. 8 - مخالفة التوراة والإنجيل لصريح المعقول وصحيح المنقول وللحقائق العلمية الثابتة. 9 - لا توجد في الأناجيل ألفاظ صريحة تدل على التثليث أو على ألوهية المسيح أو بنوته لله تعالى، ولكنهم يستنبطون ذلك من بعض الأدلة لتأييد ما يدَّعون. 10 - تحرك اليهود والنصارى سياسيًا وعسكريًا واجتماعيًا ... إلخ على أساس عقائدي ومنطلق ديني محرف. التوصيات: وبناءً على ما سبق أوصى بما يلي: 1 - مواصلة الحوار مع الآخر -من يهود ونصارى وغيرهم- من خلال المؤتمرات والندوات والمناظرات والأبحاث لبيان سماحة الإِسلام وأنه الدين الحق وحرصه على خير وهداية المخالف له مهما كان رأيه، ولإيصال الدعوة الإِسلامية له من قبيل أداء الأمانة وتبليغ الدعوة. 2 - تشكيل فريق عمل متخصص في الأديان لعمل موسوعة شاملة فيما يتعلق بنقد الكتاب المقدس يتم فيها تجميع الإنتاج العلمى لعلماء المسلمين في هذا الجانب وتصنيفه على الموضوعات ليسهل على الباحثين معرفة ما كُتب ونُشر عن الأديان. والله أعلى وأعلم وعليه قصد السبيل،،،،

مصادر البحث

مصادر البحث القرآن الكريم: كتب المعاجم والمناهج والنقد: أولًا: المعاجم وقواميس اللغة: 1 - تاج العروس من جواهر القاموس للإمام السيد محمَّد مرتضى الزبيدي الطبعة الأولي 1306 هـ المطبعة الخيرية بمصر. 2 - لسان العرب لابن منظور -طبعة دار المعارف. بدون. 3 - المعجم الوسيط أ/ إبراهيم أنيس وآخرون، طبعة إدارة إحياء التراث الإِسلامي -قطر- 1406 هـ - 1985م .. 4 - المنجد في اللغة والأعلام طبعة دار المشرق بيروت الطبعة 25 سنة 1973م. ثانيًا: كتب المناهج والنقد: 1 - البحث العلمي -مناهجه وتقنياته: د/ محمَّد زيان عمر، طبعة جدة- المملكة العربية السعودية 1394 هـ - 1974م. 2 - أبجديات البحث في العلوم الشرعية: د/فريد الأنصاري، طبعة الدار البيضاء الطبعة الأولى 1979م. 3 - علم المناهج "الأسس والتنظيمات": د/محمَّد السيد على، طبعة دار الفكر العربي- القاهرة- الطبعة الثانية عام 2000م. 4 - محاضرات في البحث الأدبي: د/فاطمة المرسى جوهر، طبعة 1996م. النقد الأدبي: أ/ أحمد أمين، طبعة مكتبة النهضة المصرية الطبعة الخامسة، 1983 م. كتب التراجم والسير: 1 - الإصابة في تمييز الصحابة: لابن حجر العسقلاني ت 852 هـ، طبعة مكتبة الكليات الأزهرية، الطبعة الأولي-1396 هـ -1976م. 2 - تهذيب التهذيب: لابن حجر العسقلاني، طبعة دار صادر بيروت- 1325 هـ.

كتب التفسير

3 - سير أعلام النبلاء: للإمام شمس الدين محمَّد بن أحمد بن عثمان الذهبي، 1374 هـ، طبعة مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة 1405 هـ 1985 م. 4 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب: لأبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلى ت 1089 هـ، تحقيق لجنة التراث العربي، طبعة بدون. 5 - قاموس الكتاب المقدس: د/ بطرس عبد الملك وآخرون، طبعة دار مكتبة العائلة - القاهرة 6 - معجم البلدان: لأبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومى البغدادي، طبعة دار صادر -بيروت- 1984 م. 7 - معجم المؤلفين: "تراجم مصنفى اللغة العربية" أ/عمر رضا كحالة، الناشر مكتبة المثني، بيروت، دار إحياء التراث العربي -بيروت، طبعة بدون. كتب التفسير: 1 - تفسير القرآن الحكيم: "المسمى بتفسير المنار" أ/محمَّد رشيد رضا، طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب. 2 - الميزان في تفسير القرآن: للعلامة محمَّد حسين الطباطبائى، منشورات مؤسسة الأعلمى للمطبوعات، بيروت - لبنان، ط / 3 - 1393 هـ / 1973 م. كتب الحديث: أولًا: الصحاح: 1 - صحيح البخاري: متن البخاري بحاشية السندى -لأبي عبد الله محمَّد بن إسماعيل البخاري- طبعة دار إحياء الكتب العربية- الحلبي. بدون. 2 - صحيح مسلم بشرح النوويّ: للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النياسبورى 206 - 261 هـ طبعة إحياء الكتب العربية -الحلبي- تحقيق أ/محمَّد فؤاد عبد الباقي. ثانيًا: غريب الحديث والأثر: 1 - النهاية في غريب الحديث والأثر: للإمام محمَّد بن الجزرى بن الأثير 544 - 606 هـ تحقيق طاهر أحمد الزواوى، محمود محمد الطناحى- ط: دار إحياء التراث العربي -بيروت- الناشر المكتبة الإسلامية.

كتب الأديان

كتب الأديان: 1 - أبحاث في الفكر اليهودي: د/ حسن ظاظا، طبعة دار القلم دمشق، دار العلم والثقافة - بيروت الطبعة الأولى-1407 هـ -1987 م. 2 - البشارة بنبي الإِسلام في التوراة والإنجيل: د/أحمد حجازي السقا، طبعة دار البيان العربي، مصر- 1977 م. 3 - الأجوبة الجلية في دحض الدعوات النصرانية: للدمشقي الطيبي، تحقيق د/أحمد حجازي السقا- طبعة مكتبة الإيمان بالمنصورة. 4 - اختلافات في تراجم الكتاب المقدس: ل. م / أحمد عبد الوهاب -طبعة مكتبة وهبة- تاريخ الطبع 1407 هـ -1987 م. 5 - أرض الميعاد: "انظرة قرآنية في العهود التوراتية": أ. د/ محمَّد أبو زيد أستاذ التفسير بجامعة تعز باليمن: بحث منشور في مجلة التراث العربي - دمشق، وهو رسالة ضوئية على شبكة الانترنت موقع المركز الفلسطيني للإعلام www.Plaestine.info.info. 6 - الإرهاب في اليهودية والمسيحية والإِسلام والسياسات المعاصرة: أ/ زكي على السيد أبو غضه، طبعة دار الوفاء بالمنصورة -الطبعة الأولي-1423 هـ 2002م. 7 - إسرائيل حرفت الأناجيل واخترعت أسطورة السامية: ل. م / أحمد عبد الوهاب طبعة: مكتبة وهبة. الطبعة الثانية- 1417 هـ /1997 م. 8 - إسرائيل فتنة الأجيال "العصور القديمة" أ/ إبراهيم خليل أحمد طبعة: مكتبة الوعى العربي 1969 م. 9 - الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام: د/ على عبد الواحد وافي، طبعة: دار نهضة مصر- القاهرة. 10 - الإِسلام في مواجهة الاستشراق العالمى: د/عبد العظيم المطعني، طبعة: دار الوفاء بالمنصورة- 1992م. 11 - الإِسلام والأديان "دراسة مقارنة": د/ مصطفى حلمى، طبعة: دار الدعوة -الطبعة الأولى- 1411هـ - 1990 م. 12 - أصول المسيحية: أ/فؤاد محمَّد أحمد مصطفي، وزارة الإعلام والثقافة، الطبعة الأولى- 1416هـ -1996م. 13 - الأصولية في اليهودية: أ/ عبد الوهاب زيتون، الطبعة الأولي -المنارة- بيروت- 1415 هـ - 1995 م. 14 - أضواء على اليهودية من خلال مصادرها: د/ محمَّد أحمد دياب عبد الحافظ، طبعة دار المنار- 1406 هـ -1985م.

15 - إظهار الحق: العلامة رحمة الله الهندي، تحقيق د/ أحمد حجازي السقا، طبعة دار التراث العربي 1398هـ -1978م. 16 - إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان: لأبي عبد الله محمَّد بن أبي بكر الشهير بابن قيم الجوزية (691 - 751هـ) تحقيق محمَّد حامد الفقي، ط/ مكتبة عاطف. 17 - أقانيم النصارى: د/ أحمد حجازي السقا، طبعة دار الأنصار -الطبعة الأولي- 1397 هـ - 1977 م. 18 - اقتباسات كتاب الأناجيل من التوراة "بيان ونقد": د/ أحمد حجازي السقا، الطبعة 11 - مكتبة الإيمان بالمنصورة 1421هـ -2000م. 19 - الأناجيل "دراسة مقارنة": د/أحمد طاهر، طبعة: دار المعارف - بدون. 20 - الإنجيل والصليب: د/ عبد الأحد داود، طبع في القاهرة سنة 1351هـ. 21 - تأثر اليهودية بالأديان الوثنية: د/ فتحى محمَّد الزغبي، طبعة: دار البشير، الطبعة الأولي 1414 هـ - 1994 م. 22 - تاريخ الديانة اليهودية: أ/ محمَّد خليفة حسن، طبعة دار قباء- القاهرة، الطبعة الأولي 1998 م. 23 - تاريخ الدعوة إلى الله بين الأمس واليوم: أ/آدم عبد الله الآلوري، مكتبة وهبة -الطبعة الثانية 1399 هـ - 1979 م. 24 - تاريخ الإنجيل والكنيسة: أ/ أحمد إدريس، طبعة: دار حراء للنشر والتوزيع -مكة المكرمة- بدون. 25 - تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب: أ/ عبد الله الترجمان الأندلسى، طبعة دار المعارف، الطبعة الثالثة. تحقيق د/محمَّد على حماية، 1992 م. 26 - التربية في التوراة "العهد القديم" عرض وتقويم بميزان الإِسلام: د/عابد توفيق الهاشمي، طبعة مؤسسة الرسالة -الطبعة الأولي- 1420هـ - 2000م. 27 - التطرف اليهودي -تاريخه - أسبابه- علاماته: د/عبد الراضى محمَّد، طبعة مكتبة التوعية الإِسلامية، الطبعة الأولي 1413 هـ -1993 م. 28 - التعاليم الدينية اليهودية: د/ على خليل، طبعة المركز الفلسطيني للإعلام- رسالة ضوئية على شبكة الانترنت على موقع www.palestine.inbo.org. 29 - التعصب الصليبي: د/عمر عبد العزيز، طبعة دار الاستقامة- 1417هـ - 1996 م. 30 - التوراة السامرية: ترجمة الكاهن السامرى أبو الحسن إسحاق الصوري، تحقيق د/أحمد حجازي السقا، طبعة دار الأنصار- القاهرة - الطبعة الأولي 1398 هـ -1978 م. 31 - التوراة - العقل - العلم - التاريخ: د/ بدران محمَّد بدران، طبعة دار الأنصار، 1399 هـ - 1979 م.

32 - جذور البلاء: أ/ عبد الله التل، طبعة المكتب الإِسلامى - بيروت. 33 - جنايات بني إسرائيل على الدين والمجتمع: د/ محمَّد محمود سيد ندا، طبعة دار اللواء- بدون. 34 - جهود الإمامين ابن تيمية وابن قيم الجوزية في دحض مفتريات اليهود: أ/ سميرة عبد الله بكر بناني- جامعة أم القرى -مكة المكرمة- 1418 هـ - 1997 م. 35 - جهود علماء المسلمين في نقد الكتاب المقدس من القرن الأوّل الهجري حتى نهاية القرن السابع الهجري "عرض ونقد": د/ ياسر أبو شبانه الرشيدى "رسالة دكتوراه". 36 - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: شيخ الإِسلام ابن تيمية ت728 هـ، طبعة دار ابن خلدون للتراث -الاسكندرية- بدون، وهذه الطبعة أربعة مجلدات. 37 - الجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح: للألوسى البغدادي ابن مفسر القرآن ت 1317 هـ، طبعة دار البيان العربي - الطبعة الأولي 1408 هـ -1987 م القاهرة. 38 - الجوهر الفريد في رد التثليث وإثبات التوحيد: أ/ أيوب بك صبري بن عبد الله، طبعة المطبعة العامرة- الشرقية- الطبعة الأولي 1319 هـ القاهرة. 39 - دائرة المعارف الكتابية: تأليف وليم وهبة بباى، ط /دار الثقافة- القاهرة- 1996 م. 40 - خُلق المسلم: فضيلة الشيخ محمَّد الغزالي، طبعة دار الدعوة، الطبعة الثالثة 1141هـ - 1990 م. 41 - دراسات في التوراة: أ/ عطية إبراهيم الشوادفي، طبعة مجمع البحوث الإِسلامية- 1406 هـ - 1985 م. 42 - دراسة في الأناجيل الأربعة: أ/ محمَّد السعدي، طبعة دار الثقافة بقطر، ط 1 - 1405 هـ / 1985 م. 43 - دراسات في اليهودية: د/محمود مزروعة، طبعة دار الطباعة المحمدية، القاهرة الطبعة الأولي 1407 هـ - 1987 م. 44 - شبهات النصارى وحجج الإِسلام: أ/محمَّد رشيد رضا، طبعة دار المنار-الطبعة الثانية- 1367 هـ. 45 - العقيدة اليهودية وخطرها على الإنسانية: د/ سعد الدين السيد صالح، طبعة دار الصحابة - الامارات 1990 م. 46 - الفارق بين المخلوق والخالق: الباجة جي زادة البغدادي ت 1330هـ، طبعة مكتبة الثقافة الدينية- تعليق د/ أحمد حجازي السقا، طبعة 1407 هـ -1987 م. 47 - الفكر الديني اليهودي "أطواره ومذاهبه": د/حسن ظاظا، طبعة دار القلم- دمشق، الطبعة الثانية -1407هـ -1987 م.

48 - فلسطين في الميزان "ميزان العقل والمنطق والتوراة والقرآن": د/عابد توفيق الهاشمي، طبعة مؤسسة الرسالة- الطبعة الأولي 1420 هـ - 2000م. 49 - في مقارنة الأديان "بحوث ودراسات": أ. د/ محمَّد عبد الله الشرقاوي، طبعة دار الجيل - بيروت، مكتبة الزهراء -القاهرة- الطبعة الثانية 1410 هـ - 1990 م. 50 - القرآن والتوراة والإنجيل والعلم: د/ موريس بوكاي، طبعة دار الفتح للإعلام العربي- 1417 هـ - 1997 م. 51 - قصة الأديان "دراسة تاريخية مقارنة": د/رفقى زاهر، الطبعة الأولي- 1400هـ - 1980م. 52 - الكتاب المقدس: طبعة دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط، الإصدار الثالث 2001 م الطبعة الأولى. 53 - الكتب المقدسة بين الصحة والتحريف: د/يحيى ربيع، طبعة دار الوفاء بالمنصورة، 1415 هـ - 1994 م. 54 - الكنز المرصود في قواعد التلمود: د/يوسف نصر الله، طبعة دار القلم- الطبعة الأولي، 1408 هـ - 1987 م. 55 - الله واحد أم ثالوث؟: د/ محمَّد مجدي مرجان، الناشر دار النهضة العربية- القاهرة، 1972 م. 56 - ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمَّد؟: أ/ أحمد ديدات، ترجمة أ/ إبراهيم خليل أحمد- طبعة دار المنار - الطبعة الثانية 1409هـ -1989 م. 57 - محاضرات في مقارنة الأديان: أ/ إبراهيم خليل أحمد، طبعة دار المنار -القاهرة- الطبعة الأولي 1409 هـ - 1989 م. 58 - محاضرات في النصرانية: للإمام أبي زهرة، طبعة دار الفكر العربي- 1961 م. 59 - محمَّد - صلى الله عليه وسلم - في التوراة والإنجيل والقرآن: أ/ إبراهيم خليل أحمد، طبعة دار المنار- 1409 هـ - 1989 م. 60 - محمد - صلى الله عليه وسلم - في الكتاب المقدس: د/عبد الأحد داود، ترجمة فهمي شما، مراجعة وتعليق أ/ أحمد محمَّد الصديق، طبعة- بدون. 61 - مدخل لدراسة الأديان: د/صفوت مبارك، طبعة بدون. 62 - مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء: أ/ أحمد ديدات، ترجمة على الجوهري، طبعة دار الفضيلة للنشر والتوزيع 1989 م. 63 - المسيح في القرآن والتوراة والإنجيل: د/ عبد الكريم الخطيب، طبعة دار المعرفة - بيروت، الطبعة الثانية - 1396هـ -1976 م.

64 - المسيحية: د/ أحمد شلبى، طبعة مكتبة النهضة المصرية، الطبعة الثامنة، 1984 م. 65 - المسيحية الحقة التي جاء بها المسيح "بين الالتزام والتحريف ودعوة الإِسلام": أ/ علاء أبو بكر، طبعة مكتبة وهبة 1418 هـ - 1997 م. 66 - المسيح في مصادر العقائد المسيحية: ل. م / أحمد عبد الوهاب، مكتبة وهبة الطبعة الأولي 1398 هـ - 1978 م. 67 - مشكلات العقيدة النصرانية: د/ سعد الدين السيد صالح، طبعة دار الأرقم للطباعة والنشر، الطبعة الثالثة 1992م. 68 - من دحرج الحجر؟: أ/ أحمد ديدات، ترجمة أ/ إبراهيم خليل أحمد، طبعة دار المنار- 1408 هـ - 1988 م. 69 - مناظرة بين الإِسلام والنصرانية لمجموعة من علماء المسلمين والنصرانية: طبعة دار الحديث- القاهرة، مكتبة ابن خزيمة بالرياض 1412 هـ. 70 - المناظرة الحديثة في علم مقارنة الأديان بين الشيخ ديدات والقس سواجارت: تقديم د/ أحمد حجازي السقا، طبعة مكتبة زهران- القاهرة. 71 - مناظرة الهند الكبرى في علم مقارنة الأديان بين العلامة رحمة الله الهندي والقس بفندر: تقديم د/ أحمد حجازي السقا، مكتبة الإيمان بالمنصورة. 72 - المنتخب الجليل من تخجيل من حرف الإنجيل: لأبي الفضل المالكي المسعودى ت 942 هـ - تحقيق أ. د/ بكر زكى عوض، مطبعة أولاد عثمان بالقاهرة، الطبعة الأولي 1414 هـ - 1993م. 73 - موقف ابن تيمية من النصرانية: د/مريم عبد الرحمن عبد الله زامل، جامعة أم القرى- مكة المكرمة- طبعة 1417 هـ -1997 م. 74 - النبوة والأنبياء في اليهودية والمسيحية والإِسلام: ل. م / أحمد عبد الوهاب، طبعة مكتبة وهبة ت الطبعة الثانية 1413 هـ- 1992 م. 75 - انزعوا قناع بولس عن وجه المسيح: أ/ أحمد زكى، طبعة دار الحداثة للطبع والنشر- الطبعة الأولي 1995 م. 76 - النصرانية تاريخًا وعقيدة وكتبًا ومذاهب "دراسة وتحليل ومناقشة": د/ مصطفي شاهين، طبعة دار الاعتصام، بدون. 77 - النصرانية والإِسلام: المستشار/ عزت محمَّد الطهطاوى، طبعة مكتبة النور للطباعة والنشر، الطبعة الثانية 1407 هـ -1987 م. 78 - النصرانية من التوحيد إلى التثليث: د/ محمَّد أحمد الحاج، طبعة دار القلم -دمشق- الدار الشامية بيروت- الطبعة الأولى 1413 هـ - 1992 م.

جامعة الأزهر كلية أصول الدين والدعوة بالمنصورة قسم الدعوة والثقافة الإِسلامية الدراسات العليا جهود علماء المسلمين في نقد الكتاب المقدس من القرن الثامن الهجري إلى العصر الحاضر "عرض ونقد" رسالة مقدمة لنيل درجة العالمية "الدكتوراه" في أصول الدين والدعوة والثقافة الإِسلامية تحت إشراف فضيلة الأستاذ الدكتور / عمارة نجيب محمَّد موسى أستاذ الدعوة المتفرغ بكلية أصول الدين بالمنصورة إعداد الباحث رمضان مصطفى الدسوقى حسنين 1424هـ / 2004م

دعاء اللهم اجعل هذا العمل صالحًا، ولوجهك الكريم خالصًا اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني. شكر وتقدير الحمد لله حمدًا كثيرًا كما أمر، والصلاة والسلام، على خير البشر، أشكر الله سبحانه شكر العارفين وأدعوه دعاء الخاشعين، بأن يرحم والديَّ كما ربياني صغيرا، اعترافًا بفضلهما، وإقرارًا بحسن صنيعهما، وأسأل الله العون على برهما. ثم أتقدم بخالص الشكر والتقدير، إلى أستاذي الفاضل المشرف على الرسالة أ. د/ عمارة نجيب محمَّد لما بذله معى من جهد، جزاه الله عني خير الجزاء وبارك الله له في عمله وأهله وولده ومتعه بالصحة والعافية، ونفع به طلاب العلم .. اللهم آمين.

جامعة الأزهر كلية أصول الدين والدعوة بالمنصورة قسم الدعوة والثقافة الإِسلامية الدراسات العليا جهود علماء المسلمين في نقد الكتاب المقدس من القرن الثامن الهجري إلى العصر الحاضر "عرض ونقد" رسالة مقدمة لنيل درجة العالمية "الدكتوراه" في أصول الدين والدعوة والثقافة الإِسلامية تحت إشراف فضيلة الأستاذ الدكتور / عمارة نجيب محمَّد موسى أستاذ الدعوة المتفرغ بكلية أصول الدين بالمنصورة إعداد الباحث رمضان مصطفى الدسوقى حسنين 1424هـ / 2004م

§1/1