جهود علماء المسلمين في تمييز صحيح السيرة النبوية من ضعيفها

عبد الكريم بن زيد عكوي

مقدمة

مقدمة ... تمهيد: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه. إن من المتفق عليه عند علماء الإسلام في القديم والحديث أن المحدِّثين من علماء الإسلام كانوا أمناء على السنة النبوية، بما وضعوه من القواعد الدقيقة لفحص الأخبار ونقد المرويات. وكان غرضهم من ذلك تمييز ما صح من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليقدموه للباحثين والمجتهدين، حتى يتم بناء الأحكام على الصحيح دون غيره. ولما كانت السيرة النبوية – في جزء كبير منها- موضعا للأحكام الفقهية في مجالات مختلفة من الأسرة والبيت إلى التصرفات العامة والعلاقات الدولية، فقد أولاها المحدثون عناية بالغة، فعملوا على تصحيح مروياتها. ومن أسباب العناية بها أيضا أن السيرة النبوية هي من الظروف العامة المحيطة بنزول الوحي وبورود الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومعلوم أن أسباب الورود لها فائدة في شرح الأحاديث وبيان فقهها. ولهذا لما صنفت كتب مصطلح الحديث عقد المصنفون أنواعا من علوم الحديث تدخل في ظروف الحديث وملابساته لفائدتها في الفهم الصحيح. منها ما ذكره الحاكم النيسابوري في النوع الثامن والأربعين من علوم الحديث وهو معرفة مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أورد فيه ما لا يسع المحدث جهله من سيرة رسول الله ومغازيه وبعوثه وسراياه وسنته في ذلك كله. ووجه ذلك أن عهد النبي صلى الله عليه وسلم هو الزمن الذي وردت

فيه الأحاديث، وأن أحوال عهد النبوة هي الظروف العامة المحيطة بالحديث النبوي، وأن استحضار أحداث السيرة والمغازي له فائدة في تنزيل الأحاديث على محالها، لأن أعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم في تجهيز الجيوش وبعث السرايا وغيرها، مما يدخل في السيرة من السنن الفعلية التي تدل على أنواع هذه التصرفات: أهي تصرف بالتبليغ أم بالإمامة أم بالقضاء. يقول الحاكم:" هذا النوع من هذه العلوم: معرفة مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه وبعوثه وكتبه إلى ملوك المشركين وما يصح من ذلك وما يشذ وما أبلى كل واحد من الصحابة في تلك الحروب بين يديه، ومن ثبت، ومن هرب، ومن جبن عن القتال، ومن كرَّ، ومن تدين بنصرته صلى الله عليه وسلم، ومن نافق، وكيف قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم، ومن زاد، ومن نقص، وكيف جعل سلب القتيل بين الاثنين والثلاثة وكيف أقام الحدود في الغلول. وهذه أنواع من العلوم لا يستغني عنها عالم…" (1) ومن الأسباب العلمية أيضا التي حملت المحدِّثين على العناية بنقد أخبار السيرة وتصحيحها، أن استحضار أحوال عصر النبوة وأخبار المغازي له فائدة في نقد الأحاديث والأخبار. فنقد الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد يتوقف على عرضه على الوقائع التي صحت في السيرة النبوية. وبناء على هذا الأصل تم نقد كثير من الأحاديث، وسيأتي شيء من ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى. فهذه هي الأسباب التي حملت المحدِّثين على العناية بتحقيق السيرة النبوية. ولهذا نجد أخبار السيرة مبثوثة في كتب الحديث

_ (1) "معرفة علوم الحديث" ص: 238.

ودواوين السنة، ومنها ما خصص فيه المؤلفون كتبا للمغازي والسير مثل ما فعل البخاري في جامعه الصحيح حيث عقد كتاباً للمغازي، أخرج فيه ما صح عنده من أخبار المغازي. ومعنى ذلك أن السيرة النبوية عند المحدِّثين جزء من السنة النبوية. ومع مرور الزمن صارت السيرة النبوية علما قائما بذاته، فانفصلت عن الحديث، فوجدت كتب خاصة بها دون غيرها، واشتهر من علماء الإسلام طائفة ممن لهم عناية واهتمام بالتواريخ والسير والمغازي وأخبار الإسلام، وهم المعروفون بأئمة المغازي أو الأخباريين. وكان الغالب على هؤلاء الجمع والتقميش، دون الفحص والتفتيش، فوجد بذلك التساهل في كتب المغازي والسير. يقول الدكتور فاروق حمادة: "ومما ينبغي التنبه له… أن كتب السير ومثلها كتب التاريخ تسوق كل ما ورد في الباب مما صح أو لم يصح من الأخبار لتمحيصه وغربلته لا قطعا منهم بصحته، ولا جزما بصدقه…وفي هذا يقول الحافظ زين الدين العراقي المتوفى 806 ? في فاتحة ألفيته في السيرة النبوية: وليعلم الطالبُ أنَّ السِّيرا ... تجمع ما صح وما قد أنكرا والقصد ذكر ما أتى أهل السير ... به وإن إسناده لم يعتبر ولهذا كان الأئمة عبر العصور يتتبعون ما ورد في كتب السير ويبينون ما فيه من الضعيف والواهي والموضوع" (1) . ومعنى ذلك أن منهج النقد الذي

_ (1) مصادر السيرة النبوية وتقويمها " للدكتور فاروق حمادة ص 104، وانظر "السيرة النبوية الصحيحة" للدكتور أكرم ضياء العمري 1/39-40.

وضعه المحدثون، لم يكن له حضور عند أكثر من كتب في السيرة النبوية وتاريخ الإسلام، فكانوا يسوقون الأخبار والروايات من غير نقد ولا تمحيص. ولهذا بقي المحدثون يتتبعون أخبار السيرة النبوية بالنقد والتمحيص ليتميز الصحيح فيها من الضعيف. وبفضل جهود المحدِّثين والاعتماد على مناهجهم أمكن لعلماء الإسلام التمييز بين الصحيح من السيرة النبوية وضعيفها، وذلك لدقة مناهجهم وقوة مسالكهم في النقد. ويمكن بيان منهج المحدِّثين في نقد أخبار السيرة النبوية في الخطوات الآتية: 1- استقصاء مصادر الخبر وطرقه ورواته وألفاظه وصيغه: إن الناظر في كتب المحدِّثين والمتتبع لتصرفاتهم في التصحيح والتضعيف، يستوقف نظره ولوع علماء الحديث ونقاده بجمع طرق الحديث الواحد واستقصاء الأسانيد التي ورد بها، وحصر طرقه ومخارجه التي أتى منها، وبلغ منهم ذلك أَنْ حَمَلَ بعضَ مَنْ لم يعرف مسلك المحدِّثين على وصفهم بزوامل للأسفار. أو كما قال بعضهم: زوامل للأشعار لا علم عندها ... لعمرك ما يدري البعير إذا غدا بجيدها إلا كعلم الأباعر ... بأحماله أو راح ما في الغرائر (1) وذلك لما رآهم لا يكتفون بالسند الواحد للحديث حتى يضموا إليه غيره، وكانوا يفرحون بذلك؛ لأنه الطريق إلى معرفة هذا الحديث والحكم

_ (1) "تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة ص 17. والغرائر جمع غِرارة، وهي: وعاء من الخيش ونحوه توضع فيه الحبوب.

الصحيح عليه، ومعرفة أوصافه، وكل ما يمكن أن يعرض للأحاديث، ولهذا يقول يحيى بن معين: "لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها ما عقلناه" (1) . فكلما توسع الناظر في الحديث في جمع الطرق وتتبع الأسانيد التي ورد بها، كثرت فوائده وضَعُفَ احتمال غَلَطه في الحكم على الحديث، وعرف من ذلك ما لم يعرفه لو وقف عند السند الأول الذي وقف عليه أولاً. يقول الإمام أحمد: "الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضا" (2) . فكل سند للحديث الواحد يأتي بفائدة جديدة في الحكم على الحديث ومعرفة صفته، ولهذا جعل المحدثون الطريق الواحد بمنزلة خبر مستقل ولو كانت الطرق كلها تحكي عن الواقعة نفسها وتحمل المتن نفسه، وكانوا في العد يجعلون كل طريق حديثا واحدا، وفي هذا المعنى يقول الإمام مسلم بن الحجاج في بيان مسلكه في صحيحه:" إنا نعمد إلى جملة ما أسند من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنقسمها على ثلاثة أقسام، وثلاث طبقات من الناس، على غير تكرار إلا أن يأتي موضع لا يستغنى فيه عن ترداد حديث فيه زيادة معنى أو إسناد يقع إلى جنب إسناد؛ لعلة تكون هناك؛ لأن المعنى الزائد في الحديث المحتاج إليه يقوم مقام حديث تام، فلابد من إعادة الحديث الذي فيه ما وصفنا من الزيادة." (3) فصرح أن الزيادة في الإسناد تقوم مقام حديث تام. ويتأكد هذا خاصة في أخبار السير والمغازي لأنها في الغالب عبارة عنش

_ (1) "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" 2/212. (2) المصدر نفسه. (3) مقدمة صحيح مسلم بشرح النووي 1 / 48 –49.

حكايات لوقائع وحوادث، وهذه الحوادث تكون متلاحقة، والرواة لها ليسوا كلهم في مرتبة واحدة من الحفظ والضبط، فيحفظ بعضهم ما لم يحفظ غيره، ويروي بعضهم ما لا يرويه غيره. ولهذا نص المحدثون على ضرورة استقصاء طرق الخبر وتتبع أسانيده التي ورد بها، حتى يمكن حصر صيغه واستكمال وقائعه وأجزائه. فكل إسناد من أسانيد الحديث الواحد لا يخلو في الغالب من فوائد وزيادات في نص الحديث ومتنه. فأسانيد الخبر تتعدد بتعدد رواة ذلك الخبر ونقلته، والرواة والنقلة يختلفون في الحفظ والاستيعاب، وقد ينقل بعضهم ما غفل عنه الآخر، ولا سيما في نقل الأحاديث الطويلة ورواية الوقائع المتلاحقة الحوادث، والنوازل المتنوعة المشاهد والمواضع، فمن اقتصر على سند واحد فقد اكتفى برواية واحدة، فلم يؤمن عليه ألا يكتمل عنده متن الحديث، وأن تغيب عنه أجزاء كثيرة من الواقعة، أو يقف على الحديث بمعناه دون لفظه، فلا مناص من البحث عن الروايات الأخرى. وما أكثر الأخبار الواردة في مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا يمكن استكمال وقائعها وجمع أجزائها إلا بجمع الروايات المختلفة واستقصاء أسانيدها وطرقها؛ ولهذا وجد عند بعض علماء المغازي ورواة السيرة النبوية ما سماه بعضهم بالسند الجماعي: وهو أن يجمع الراوي في الرواية بين أكثر من واحد ممن سمع منه الواقعة، ويضم سماعاته منهم بعضها إلى بعض لتستقيم الواقعة وتكتمل أجزاؤها، ولو اقتصر على الواحد لجاءت الواقعة قاصرة؛ لأن هؤلاء روى بعضهم من الواقعة ما لم يرو غيره؛ لأن كل واحد حفظ ما لم يحفظ غيره، فلابد من ضم ذلك كله بعضه إلى بعض. وهذا من منهج إمام الحديث والمغازي في عصره ابن شهاب الزهري،

فقد أخرج البخاري بسنده عنه في قصة الإفك، قال الزهري: حدثني عروة ابن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، وكلهم حدثني طائفة من حديثها، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت له اقتصاصا، وقد وعيت عن كل رجل منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة وبعض حديثهم يصدق بعضا، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض." (1) قال الحافظ ابن حجر في شرح قول الزهري "وبعضهم كان أوعى..": "هو إشارة إلى أن بعض هؤلاء الأربعة أميز في سياق الحديث من بعض من جهة حفظ أكثره، لا أن بعضهم أضبط من بعض مطلقاً، ولهذا قال: "أوعى له" أي للحديث المذكور خاصة… وحاصله أن جميع الحديث عن مجموعهم لا أن مجموعه عن كل واحد منهم" (2) . فهذا هو المنهج الذي وضعه المحدثون لجمع الأخبار الطويلة التي تتفرق أجزاؤها بحسب تفاوت حفظ الحفاظ، عندما يروي بعضهم ما لم يرو غيره. فلاستكمال الأخبار لابد من تتبع أسانيدها واستقصاء طرقها، فتجتمع بذلك ألفاظه وصيغه، فيكتمل متنه. وهذا المسلك هو المعروف عند علماء الحديث بالمتابعات أي أن المحدث لا يكتفي بالحديث الواحد في مصدر واحد بسند واحد وإنما يبحث له عن أسانيد أخرى فإن وجدت فالحديث له متابعات، وهي مما يتقوى بها الحديث، وإذا لم تكن له متابعات سموه فرداً غريباً.

_ (1) "صحيح البخاري" كتاب المغازي، باب حديث الإفك. (فتح الباري 7/431) . ومسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب في حديث الإفك وقبول التوبة (صحيح مسلم 4/2129) ، صحيح مسلم بشرح النووي 17/102-103) . وأخرجه أيضا الإمام احمد في مسنده، 6/194. (2) فتح الباري 8 / 457

وأما الفائدة الثانية: فهي أن اعتبار المصادر المتنوعة وضم بعضها إلى بعض، يتم به استكمال الخبر وجمع أطرافه؛ لأن كل مصدر إنما يورد منه طرفا أو جزءا، فبعضها يكمل بعضا. وإن هذا المنهج الذي وضعه المحدثون منهج عام يصلح في النقد التاريخي عامة، وليس في الحديث والسيرة النبوية فقط. وقد عبر المؤلفون في النقد التاريخي في العصر الحاضر عن هذا المسلك بتعابير مختلفة، لكنها لا تخرج في حقيقتها عما سطره المحدثون. فقد نصوا على أن منهج النقد التاريخي يقوم أولا على استقصاء الخبر في جميع المصادر المتوافرة، ولا يجوز للناقد أن يزدري أي مصدر قد يرد به الخبر. إن المؤرخ الذي يقف على خبر تاريخي في مصدر من المصادر أو في وثيقة، لا يكتفي بهذا الخبر من خلال مصدر واحد وإنما يجب عليه استقصاء مصادر الخبر ومظانه المتنوعة. واستقصاء مصادر الخبر "يقتضي عدم الاكتفاء بما يبين للعين أو يعثر عليه بأيسر جهد، بل يتطلب الاستقصاء البعيد والتفتيش الدقيق في كل ركن وزاوية أملا في أن ينكشف شيء جديد" (1) . فكلما عثر المؤرخ على الخبر المنظور فيه في مصدر عَبَرَ منه إلى غيره، فينظر في الخبر الواحد من خلال مصادر عديدة وشواهد متنوعة، " فلا يزدري أيا من المصادر أو يهمله؛ لأن أقلها لدى النظرة الأولى قد يغدو بعد التحقيق أكثرها خطورة، وأغناها بالمعلومات" (2) . فهذا ما نص عليه المحدثون لما ذكروا وجوب تتبع مصادر الخبر واستقصاء أسانيده ومخارجه، وبهذا تمكن علماء الإسلام من جمع أخبار السيرة النبوية.

_ (1) "نحن والتاريخ" ص: 97. (2) نفسه ص: 71.

2- تحكيم علم الرجال وقواعد الجرح والتعديل: وهذا أيضا منهج راسخ عند المحدِّثين. فقد اشترط المحدثون لمن ينظر في الخبر لتحقيقه ومعرفة درجته من حيث الصحة والضعف، أن يستحضر أحوال رواته من جهة العدالة والضبط، ومن جهات أخرى لا صلة لها بالعدالة ولا بالضبط، مثل حياة الراوي، مولدا ووفاة، وبلدا ورحلة وتواريخ ذلك كله. بل إنه في بعض الحالات قد يعرف عدالة الرجل وضبطه، لكنه مع ذلك يحتاج إلى أخباره الأخرى، مثل حاجته إلى معرفة البلاد التي دخلها، ومقامه بين أقرانه وغيره ممن يشاركه في الرواية، وفهمه لهذا الحديث الذي يرويه وعلمه به، والطريقة التي تحمل بها هذا الحديث، وتاريخ سماعه، وتاريخ التحديث به. وكلما توسع الناظر في الحديث في استحضار ذلك، حصلت له فوائد جليلة، ولا سيما إذا كان للحديث المنظور فيه معارض، فيحتاج إلى الحكم بالنسخ أو التوفيق أو الترجيح، وإن كثيرا من ضوابط الترجيح ترجع إلى أحوال رواة الحديث من هذه الجهات المختلفة. ولهذا ذكر المصنفون في مصطلح الحديث أنواعا كثيرة تتعلق بأحوال الرواة وأخبارهم، ونصوا على ضرورة استحضارها. وهذه الأنواع هي (1) : * معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد. * معرفة الصحابة. * معرفة التابعين. * معرفة رواية الأكابر عن الأصاغر.

_ (1) الأنواع مأخوذة من مقدمة ابن الصلاح مع زيادات السيوطي عليه في " تدريب الراوي".

* معرفة رواية الأقران. * معرفة الأخوة. * معرفة رواية الآباء عن الأبناء. * معرفة رواية الأبناء عن الآباء. * معرفة من اشترك في الرواية عنه اثنان تباعد ما بين وفاتيهما. * معرفة من لم يرو عنه إلا واحد. * معرفة من ذكر بأسماء أو صفات مختلفة. * معرفة المفردات من الأسماء والكنى والألقاب. * معرفة الأسماء والكنى ومن اشتهر بها. * معرفة كنى المعروفين بالأسماء. * معرفة ألقاب المحدِّثين والرواة. * معرفة المؤتلف والمختلف. * معرفة المتفق والمفترق. * معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم. * معرفة النسب التي على خلاف ظاهرها. * معرفة المبهمات من الرجال والنساء. * معرفة الثقات والضعفاء.

* معرفة من اختلط من الثقات. * معرفة طبقات العلماء والرواة. * معرفة الموالي والمنسوبين إلى القبائل منهم. * معرفة أوطان الرواة وبلدانهم. * معرفة رواية الصحابة بعضهم عن بعض والتابعين بعضهم عن بعض. * معرفة ما رواه الصحابة عن التابعين عن الصحابة. * معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه وعكسه. * معرفة من وافقت كنيته كنية زوجه. * معرفة من وافق شيخه اسم أبيه. * معرفة من اتفق اسمه واسم أبيه وجده. * معرفة من اتفق شيخه والراوي عنه. * معرفة من وافق اسمه نسبه. * معرفة الأسماء التي يشترك فيها الرجال والنساء. * معرفة من لم يرو إلا حديثا واحدا. * معرفة الحفاظ وما اختص به كل منهم من ناحية العلم. ويظهر أن هذه الأنواع تتعلق بأحوال الرواة وأخبار الرجال من جهات مختلفة زائدة على العدالة والضبط. وباستحضار هذه الجهات كلها من أخبار

الرواة، تمكن المحدثون من تحقيق الأخبار وتمييز الصحيح من غيره، والترجيح بين الأخبار المختلفة. فكان الناقد يسمع الخبر أو يقف عليه في مصدره المكتوب، فيستحضر جميع ما يتصل بالرجل الذي رواه في حياته وأحواله وتواريخ مولده ووفاته ورحلاته والبلاد التي دخلها، ومن لقيه من الرجال والشيوخ، وكانوا يستحضرون هذه الأخبار حتى بالنسبة للصحابة رضوان الله تعالى عليهم، فإنهم وإن كانوا عدولا، فإن الاعتبار بأخبارهم وأحوالهم وتواريخهم وتراجمهم له فائدة في نقد مرويات السيرة النبوية خاصة. وبالاعتبار بأحوال رجال الحديث وأخبار رواته استخلص المحدثون فوائد جليلة في الحكم على الحديث وبيان أقسامه وأنواعه وصفاته، منها:

معرفة الصحيح والضعيف

1- معرفة الصحيح والضعيف: فقد اشترط المحدثون لصحة السند عدالة رواته وضبطهم مع الاتصال وانتفاء الشذوذ والعلة القادحة. أما العدالة والضبط فإنما تعرفان بتتبع أحوال الرجل وأخباره من جهة التزامه أحكام الشريعة ومن جهة عنايته بالعلم وحفظه وصيانته. فإن الغرض في الرواية أن يبتعد الرجل عن الكذب والغلط، والكذب إنما يبعد عنه الدين والورع، وقلة الغلط تعرف بمقارنة الرجل في علمه وروايته بغيره ممن شاركه الرواية. ومن هنا يتبين لنا خطورة هذا المسلك والجهد الكبير الذي بذله المحدثون لتحقيق الحديث، فإن معرفة التزام الرجل الشريعة من عدمه، وضبطه من عدمه يحتاج إلى تتبع لحياة الرجل وأعماله وتصرفاته طول عمره، فإن أفعال الرجل وأعماله ممتدة في الزمان على مدى عشرات السنين، وممتدة في المكان أيضا، مع ما هو معروف من طبيعة

الإنسان، فإنه تارة يقبل على الطاعة وتارة يفتر عنها، وتارة يقع في المعصية، وتارة يقلع عنها، وتارة متيقظ متقن، وتارة غافل، وفي فترة من عمره جيد الحفظ صافي الذهن، وفي فترة أخرى تغلب عليه أسباب الشرود والاضطراب بسبب الهمِّ والغمِّ والهرم، فهذا كله حاضر في أذهان المحدِّثين وهم يفحصون الأحاديث. فقولهم بصحة السند إنما كان بعد استحضار جميع ما تقدم وتتبع كل ما سبق من حالات الرجل وحياته عبر سنوات عمره، وعبر المكان الذي أقام فيه وارتحل في أرجائه. وقولهم بأن الرجل ضابط حافظ، إنما هو بعد استحضار أحوال غيره من أقرانه ومقارنة روايته بروايتهم. وتجد المحدِّثين أحيانا يحكمون على الرجل بأنه ثقة تغير بآخرة، وإنما قالوا ذلك؛ لأنهم استحضروا حياته كلها حتى أواخر عمره وتغير حاله بسبب الهرم، أو بسبب عارض آخر يختلف باختلاف الأشخاص والرجال. وأما اتصال السند فإنما يعرف باستحضار تواريخ المواليد والوفيات وطبقات الرواة والبلدان التي دخلوها وتواريخ ذلك أيضا. وكذلك العلل والشذوذ إنما يعرف بمقارنة رواية الرجل بغيره واعتبار روايته برواية غيره.

اكتشاف كذب الرواة

2- اكتشاف كذب الرواة: فالمحدِّثون عندما ينظرون في حديث الرجل يستحضرون زمانه وعمره من مولده إلى وفاته، وبلده ورحلاته والبلدان التي دخلها ومن لقيه بها من الشيوخ والأقران وأخبار شيوخه وأقرانه وتواريخهم ورحلاتهم، وكثيرا ما يكتشفون كذب الراوي باعتبار ذلك. وهذا ما قصده الثوري في قوله: "لما استعمل

الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ" (1) . من ذلك مثلاً ما أخرجه الخطيب البغدادي بسنده عن عفير بن معدان الكلاعي قال: "قدم علينا عمرو بن موسى حمص، فاجتمعنا إليه في المسجد فجعل يقول: حدثنا شيخكم الصالح، فلما أكثر علينا قلت له: من شيخنا الصالح هذا؟ سمه لنا نعرفه. فقال: خالد ابن معدان. قلت له في أي سنة لقيته؟ قال: سنة ثمان ومائة. قلت: فأين لقيته؟ قال: لقيته في غزاة أرمينية. فقلت له: اتق الله يا شيخ ولا تكذب، مات خالد ابن معدان سنة أربع ومائة، وأنت تزعم أنَّك لقيته بعد موته بأربع سنين. وأزيدك أخرى، أنَّه لم يغز أرمينية قط، كان يغزو الروم. (2) فهذا عفير بن معدان الكلاعي نظر في حديث عمرو بن موسى مستحضراً حياته ورحلاته وتواريخ ذلك، وحياة من روى عنه ورحلاته وتواريخ ذلك. ومثال آخر، قال أبو الوليد الطيالسي، كتبت عن عامر بن أبي عامر الخزامي، فقال يوماً: حدثنا عطاء بن أبي رباح، فقلت له: في كم سمعت من عطاء؟ قال: في سنة أربع وعشرين ومائة. قلت: فإن عطاء توفي سنة بضع عشرة." (3) وكان المحدِّثون أيضا يكتشفون التحريف والكذب بالاعتبار بكتب الرجل وما كتبه وخطه والمداد الذي يكتب به. قال زكريا بن يحيى الحلواني: رأيت أبا داود السجستاني قد جعل حديث يعقوب بن كاسب وقاياتٍ على ظهور كتبه، فسألته عنه، فقال: رأينا في مسنده أحاديث أنكرناها، فطالبناه بالأصول، فدافعنا، ثم أخرجها بعد، فوجدنا الأحاديث في الأصول مغيرة بخط طري،

_ (1) "الكفاية" 119. (2) المصدر نفسه. (3) "ميزان الاعتدال" 2/360.

كانت مراسيل فأسندها وزاد فيها" (1) . فهذه أمثلة من فوائد علم الرجال والجرح والتعديل. ومعلوم أن المصنفين في السيرة النبوية وفي تاريخ الإسلام من المتقدمين، كانوا يلتزمون بشرط المحدِّثين، وهو النقل بالسند وعزو الروايات إلى مصادرها وبيان مخارجها. ولهذا كانت أخبار السيرة منقولة بأسانيدها، وذلك لبيان رواتها والكشف عن أصحابها. والغاية المرجوة من ذلك هي أن يتمكن الناظر في هذه الأخبار من معرفة درجتها وقيمتها من حيث الصحة والضعف. وإنما يحصل ذلك بتتبع أحوال الرواة في كتب الرجال ومعرفة مراتبهم في الجرح والتعديل. فعلماء الرجال جمعوا أخبار كل من له عناية بالعلم وكل من نقل ولو خبرا واحدا من الحديث أو السيرة النبوية، ودونوا ذلك في كتب الجرح والتعديل. ولهذا فإن من منهج تحقيق أخبار السيرة النبوية الاستعانة بعلم الرجال وتوظيف حقائق الجرح والتعديل. وعلى هذا المسلك يمكن وضع أخبار السيرة في مراتبها، وهذا ما نجده عند من اهتم بالسيرة من المحدِّثين خاصة، فتجدهم يزنون الأخبار اعتماداً على مراتب رجالها وأحوال رواتها. مثال ذلك: خبر ابن عباس أن خديجة ولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ستة: "عبد الله والقاسم وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، وولدت له ماريا القبطية إبراهيم". فالخبر في سنده أبو شيبة إبراهيم ابن عثمان وهو متروك. وعليه فإن هذا الخبر بحسب ميزان المحدِّثين من الضعيف (2) .

_ (1) المصدر نفسه 4/451. (2) "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" للهيثمي 9 / 217.

ترتيب مصادر الأخبار بحسب قوتها

3- ترتيب مصادر الأخبار بحسب قوتها: من القواعد العلمية التي سار عليها علماء الإسلام وبخاصة المحدِّثون، في تحقيق أخبار السيرة النبوية، تحديد المصادر الصحيحة للسيرة، وتقويم هذه المصادر. فمن المعلوم أن السيرة النبوية قد جمعت في كتب كثيرة، واهتم بها أصناف مختلفة من الباحثين والدارسين: من المفسرين والمحدِّثين، والمؤرخين والقصاص والأخباريين، وأهل الأدب والسمر… وهذه الكتب ليست في منزلة واحدة من حيث النقد والتمحيص، والمهتمون بها ليسوا كلهم من أهل الأمانة والتحري في النقل. ولهذا قرر علماء الإسلام أن أعلى المصادر وأوثقها مطلقا هو القرآن الكريم، وقد حوى قدرا غير يسير من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ومغازيه وأحواله وأحوال دعوته. ثم يليه في القوة كتب الحديث ومصادر السنة النبوية، ثم تأتي بعدهما المصادر الأخرى من كتب المغازي والسير وتاريخ الإسلام وغيرها (1) . فلابد من مراعاة هذا الترتيب. وبهذا يظهر الانحراف الكبير الذي حصل لكثير من الدارسين في العصر الحاضر في جمعهم أخبار السيرة على غير منهج، ومن غير مراعاة لمكانة المصادر ولا ترتيبها بحسب قوة منهجها. فليس من المنهج العلمي ما سار عليه كثير من المستشرقين، وكثير من المؤرخين العرب والمسلمين المعاصرين، من أخذهم أخبار السيرة النبوية من كتب السير والمغازي فقط دون القرآن الكريم وكتب الحديث والسنة النبوية. فالمنهج السديد والمسلك القويم أن يؤخذ الخبر من

_ (1) انظر في هذه المصادر كتاب الدكتور فاروق حمادة "مصادر السيرة النبوية وتقويمها".

القرآن الكريم، ثم من كتب الحديث، ثم من كتب السير والمغازي، ثم من كتب التاريخ العام، ثم يتتبع في سائر الكتب التي يمكن أن تكون مظاناً للسيرة، مثل كتب الأدب ونحوها، مع تقدير كل مصدر حق قدره وإعطائه المكانة التي يستحقها، فبهذا تكتمل صورة الخبر، ويمكن المقارنة بين المصادر من جهة الزيادة والتفصيل، ومن جهة الاختلاف والتعارض إن وجد، فيلجأ إلى الترجيح. فورود الخبر مثلا في صحيح البخاري ليس كوروده في الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني، فصحيح البخاري من أصح كتب الحديث وقد التزم فيه البخاري منهج التحقيق والنقد الحديثي في أعلى درجاته، فجمع الصحيح دون غيره، ولهذا وقع الاتفاق على صحة ما ورد فيه. أما كتاب الأغاني فهو من كتب الأدب، واهتم فيه صاحبه بإمتاع النفوس والأذواق فجمع فيه من الطرف والأخبار ما تغذى به مجالس اللهو ونوادي السمر. ومن كان هذا غرضه فإنه لاشك متساهل في نقد ما ينقله. ومن استحضر حال هذا الكتاب وهو ينظر فيما ورد فيه من الأخبار التاريخية، فإنه يقدر هذه الأخبار حق قدرها، ويتلقاها بمزيد من الحذر وغاية الاحتياط والتحري. ولبيان هذا الجانب في كتاب الأغاني ليعتبر به عند النظر فيه، يقول الدكتور زكي مبارك:" أريد أن أنص على ناحيتين في الأصبهاني وكتابه… وسيكون لهما أثر عظيم في دعوة المؤلفين إلى الاحتياط حين يرجعون إلى كتاب الأغاني يتلمسون الشواهد في الأدب والتاريخ". أما الناحية الأولى التي ذكرها الدكتور زكي مبارك فهي أحوال المؤلف صاحب الكتاب أبي الفرج الأصبهاني من جهة خلقه ومنهجه في الحياة، وهذا يدخل في الاعتبار بأحوال صاحب الخبر كما سبق بيانه.

وأما الناحية الثانية فهي أحوال كتاب "الأغاني"، وذلك ما بينه الدكتور زكي مبارك بقوله:"… فهو كتاب أدب لا كتاب تاريخ، وأريد بذلك أن المؤلف أراد أن يقدم لأهل عصره أكبر مجموعة تغذى بها الأندية ومجامع السمر، ومواطن اللهو ومغاني الشراب… ولهذا النحو في التأليف قيمة عظيمة جدا إذا فهمه القارئ على وجهه الصحيح، فهو دليل على خصوبة التصور والخيال، وبرهان على أن كُتَّاب اللغة العربية لم يحرموا من القصص الشائق الخلاب… ولكن الخطر كل الخطر، أن يطمئن الباحثون إلى أن لرواية الأغاني قيمة تاريخية، وأن يبنوا على أساسها ما يشاؤون من حقائق التاريخ" (1) . فهذا مثال لفائدة الاعتبار بقيمة الكتاب ومنهجه ومكانته من جهة التاريخ. ولتيسير هذا العمل على الباحثين في السيرة النبوية، قام أستاذنا الدكتور فاروق حمادة بتقويم الكتب والمصادر التي تضم أخبار السيرة النبوية، وبيان مكانتها التاريخية ليأخذ الناظر ذلك بعين الاعتبار، ورتب هذه المصادر بحسب قوتها ومكانتها ودرجة الوثوق بها، وذلك في كتابه "مصادر السيرة النبوية وتقويمها". ومما قاله في التمهيد: "لذلك فإن عملية تحديد المصادر الأصلية للسيرة النبوية أهم عمل أمام الدارس للسيرة النبوية خصوصا وللإسلام عموما، وتقويم هذه المصادر يعطيه العدة الكافية لتناول السيرة المحمدية نقية من الشوائب، ويطلع على حقيقتها وأبعادها…" (2) وهي إشارة إلى ضرورة استحضار مكانة الكتاب عند أخذ الخبر التاريخي منه، واستحضار

_ (1) – انظر " مصادر السيرة النبوية وتقويمها" للدكتور فاروق حمادة ص: 132-133. (2) "مصادر السيرة النبوية وتقويمها" ص: 29.

فالواجب على المؤرخ تتبع الخبر في مصادره واستقصاؤه من مظانه. وللتمثيل لعمل علماء الإسلام المحققين بهذه القاعدة، يمكن تتبع البخاري في كتاب المغازي من جامعه الصحيح، فهو لا يكاد يخرج في مصادره عن القرآن الكريم، ثم ما صح عنده من الأخبار التي يرويها بأسانيده عن الرواة الموثقين، ثم ينزل أحيانا ليأخذ عن أئمة المغازي والسير، لكن يبقى الأصل المعتمد عنده هو القرآن الكريم وما صح له بأسانيده. فإذا وجد في الخبر آية أو آيات من القرآن الكريم، فإن البخاري لا يستجيز لنفسه أن يورد شيئا مما صح عنده حتى يقدم له بالقرآن. فكان يورد الآيات في أول تراجم الأبواب، لتكون هي الأصل المعتمد، ثم يخرج أخباره بعد ذلك. من أمثلة ذلك قوله: بَاب قِصَّةِ غَزْوَةِ بَدْر ٍ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ} 1.

_ 1- (آل عمران: 123- 127) .

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} ....الآية [الأنفال: 7] . بَاب قَوْلِ اللَّهِ تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ، وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى َلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ، إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 9-13] . بَاب غَزْوَةِ أُحُدٍ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران: 121] . وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ

شُهَدَاء وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِين، وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ،أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ، وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} [آل عمران: 152] . وَقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللهُ ذو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِين} قَوْلِهِ: {تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً} [آل عمران: 169] . بَاب: {إذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 122] . بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: 155] . باب: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً

مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: 154] . بَاب غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18] . وكما يظهر فإنه يحرص على أخذ الأخبار من القرآن الكريم، بل في كثير من التراجم لا يزيد على آية من القرآن أو آيات. وأما نقله عن أصحاب المغازي فإنه يورده في التراجم، وقد نقل عن ابن إسحاق، وعروة بن الزبير رواية الزهري عنه، وموسى بن عقبة. مثال ذلك قوله: بَاب غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ أَوِ الْعُسَيْرَةِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَوَّلُ مَا غَزَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَبْوَاءَ ثُمَّ بُوَاطَ ثُمَّ الْعُشَيْرَةَ. بَاب غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ وَهِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَذَلِكَ سَنَةَ سِتٍّ وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَانَ حَدِيثُ الإِفْكِ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ * بَاب حَدِيثِ بَنِي النَّضِيرِ وَمَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فِي دِيَةِ الرَّجُلَيْنِ وَمَا

أَرَادُوا مِنَ الْغَدْرِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ كَانَتْ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ قَبْلَ أُحُدٍ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا} وَجَعَلَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ بَعْدَ بِئْرِ مَعُونَةَ وَأُحُدٍ. فهذه أمثلة من منهج علماء الإسلام في ترتيب مصادر السيرة والتعامل معها بحسب قوة منهجها. فلا يقدمون على كتاب الله تعالى شيئا ثم يثنون بكتب الحديث، ثم تأتي بعد ذلك المصادر الأخرى.

النقد الداخلي للأخبار

النقد الداخلي للأخبار مراعاة أحوال الخبر واستحضار لوازمه وما يحتف به من قرائن وملابسات ... 4- النقد الداخلي للأخبار. إن قواعد البحث والنقد التي سبق بيانها تتعلق كلها ببحث وتحليل العناصر الخارجية للخبر. فاستقصاء الطرق والأسانيد يحصل بها جمع أجزاء الخبر وضم بعضها إلى بعض. وتحكيم قواعد الرجال يتم به معرفة مراتب رواة الخبر من حيث العدالة والضبط مما يمكن من سبر روايتهم. وترتيب المصادر يمكن من الرجوع إلى المصادر الصحيحة المعتمدة. لكن هذه العناصر كلها إنما هي من متعلقات الخبر ولوازمه، وليس من مضمونه ومعناه. وهي جزء مهم من النقد، لكن النقاد ينظرون بعد ذلك إلى متن الخبر ومضمونه، فيحللون أجزاءه ومضامينه. فقد يكون المصدر المرجوع إليه مصدرا معتمدا في السيرة النبوية، مثل السنن الأربعة أو المسانيد أو غيرها من أمهات السنة النبوية، ورواته ممن تقبل روايتهم. لكن مع هذا كله يزيد النقاد في التثبت، فيتوقفون: لعل أحد هؤلاء الرواة قد حصل له وهم أو غلط، لأنه لا أحد يسلم من الغلط، لأن الثقة والأمانة لا تمنع من الوهم والخطأ. فالحكم بالثقة على الرجل

ليس قطعا بعدم احتمال صدور الخطأ منه، وإنما حكم بالظن الراجح. قال ابن الصلاح:" ومتى قالوا: "هذا حديث صحيح" فمعناه أنه اتصل سنده، مع سائر الأوصاف المذكورة. وليس من شرطه أن يكون مقطوعا به في حقيقة الأمر؛ إذ منه ما ينفرد بروايته عدل واحد، وليس من الأخبار التي أجمعت الأمة على تلقيها بالقبول". (1) . وبسبب هذا الاحتمال يعمد النقاد إلى النظر في متن الخبر فيحصرون عناصره المختلفة مثل ما ورد فيه من أعلام وأماكن ووقائع وغيرها، ثم يعرضونها على ما ثبت عندهم من الأخبار، وما تقرر من قواعد الشريعة وأصولها وقواعدها العامة، وما عرف من أصول العادة في أحوال البشر، وبناء على ذلك يكون الحكم على الخبر. ويمكن تفصيل ذلك من خلال القواعد الآتية: أ- مراعاة أحوال الخبر واستحضار لوازمه وما يحتفُّ به من قرائن وملابسات إن الأخبار والحوادث حلقات متصلة بعضها ببعض، فكل حدث له صلة بما بعده وما قبله، وكل واقعة لا تكون مستقلة بذاتها شاذة عن غيرها من الحوادث. ولهذا فإن التحقيق في الحدث التاريخي يوجب النظر فيه موصولا بغيره من الحوادث السابقة واللاحقة، مضموما إلى ما سواه من الأخبار والحوادث المتصلة بالزمان الذي يتعلق به، والمكان الذي يجري فيه. ولهذا فإن الناقد من علماء الإسلام لا ينظر في الخبر معزولاً عن غيره، وإنما

_ (1) مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث ص 83.

ينظر فيه آخذاً في الاعتبار كل ما يتصل به من الأخبار والحوادث، أي أنه يستحضر الإطار العام كله، فينظر في الخبر في انسجام مع الحوادث المتعلقة به سابقا ولاحقاً، وآخذاً بعين الاعتبار كل ما له صلة بالخبر المنظور فيه، وكل ما يتعلق بمضمونه وعناصره المتنوعة وكل ما يدخل في الظروف العامة للخبر. وإن هذه القاعدة – قاعدة استحضار ظروف الخبر ولوازمه- قاعدة عظيمة تدل على دقة مسلك النقد التاريخي عند علماء الإسلام، وتكشف تهافت ما تردد على بعض الألسنة من غفلة علماء الإسلام عن النقد الداخلي وفحص المتون، والاكتفاء بالنقد الخارجي المعتمد على أوصاف الرواة دون أحوال المتون. وإن الظروف العامة للخبر متنوعة ومختلفة، ولا يمكن حصرها أو عدها، لأنها تختلف باختلاف الأخبار. فهي كل ما له تعلق بالخبر المنظور فيه من جهة موضوعه ومضمونه، ومن جهة الأطراف والعناصر المذكورة في الخبر، من أعلام وأشخاص ومواضع جغرافية، ومعالم حضارية وقيم فكرية ومعنوية. والخطوة الأولى لعملية استحضار الظروف العامة للخبر هي حصر العناصر التي يتكون منها الخبر، فيتم تقسيمه إلى وحدات بحسب عناصره المتنوعة، فقد تكون عناصر جغرافية إذا ذكر في الخبر بلد أو موقع، وقد تكون عناصر فكرية وثقافية إذا كان الخبر يتعلق بقضية فكرية وعلمية، وقد تكون أعلاماً إذا ورد فيه أسماء أشخاص، وغيرها من العناصر المتنوعة التي يمكن أن يتضمنها الخبر. وهذه العناصر قد تكون منها عناصر أساسية هي صلب الخبر. وقد تكون ثانوية لأنها إنما تذكر فيه عرضا. وبعد حصر العناصر الواردة في الخبر، يعمد الناقد إلى كل عنصر فيبحث عنه مفصلا في مصادره ومظانه.

وكلما توسع الناظر في جمع ما يتعلق بالعناصر الواردة في الخبر، كان أكثر فائدة وأعظم لمعرفة حال الخبر المنظور فيه. مثال ذلك نقد العلماء لحديث صحيح من جهة رواته وإسناده وهو قول ابن عباس: "كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ثلاث أعطنيهن، قال: نعم، قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها، قال: نعم، قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك، قال: نعم، قال: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال: نعم" (1) . ولفحص هذا الخبر عمد النقاد إلى البحث خارج الخبر عما عرف واشتهر عن عناصره التي وردت فيه وهي: أبو سفيان بن حرب، وبخاصة زمن إسلامه، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، ومعاوية بن أبي سفيان. ولما استحضر الأئمة ما عرف من أحوال هذه العناصر ظهر أن هذا الخبر لا ينسجم معها، لأن المعروف في أخبار السيرة أن أبا سفيان إنما أسلم عام الفتح، وأن زواج النبي صلى الله عليه وسلم من أم حبيبة كان قبل ذلك بسنين. وفي ذلك يقول النووي: "إن هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالإشكال، وهذا مشهور لا خلاف فيه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد تزوج أم حبيبة قبل ذلك بزمن طويل" (2) . ولهذا حكم ابن حزم لهذا الحديث بالوضع (3) . ومثاله أيضاً نقد الحافظ ابن حجر لخبر أورده الواقدي وهو أن قدوم

_ (1) صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي سفيان. (2) "شرح النووي على صحيح مسلم" 16/63. (3) انظر "المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل" ص: 383.

ضمام بن ثعلبة على النبي صلى الله عليه وسلم كان سنة خمس. ولفحص هذا الخبر استحضر الحافظ ابن حجر رحمه الله الظروف العامة المتعلقة بالخبر فرجع إلى ما ثبت من أخبار عن قوم ضمام بن ثعلبة، وأخبار الوفود وغيرها. وهذا ما بينه بقوله عن هذا الخبر: "لكنه غلط من أوجه: أحدها: أن في رواية مسلم أن قدومه كان بعد نزول النهي عن سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم، وآية النهي في المائدة ونزولها متأخر جدا. ثانيها: أن إرسال الرسل إلى الدعاء إلى الإسلام إنما كان ابتداؤه بعد الحديبية، ومعظمه بعد فتح مكة. ثالثها: أن في القصة أن قومه أوفدوه، وإنما كان معظم الوفود بعد فتح مكة. رابعها: في حديث ابن عباس أن قومه أطاعوه ودخلوا في الإسلام بعد رجوعه إليهم، ولم يدخل بنو سعد وهو ابن بكر بن هوزان في الإسلام إلا بعد وقعة حنين وكانت في شوال سنة ثمان … فالصواب أن قدوم ضمام كان سنة تسع" (1) . ومن أمثلة ذلك أيضا نقد الخطيب البغدادي لخبر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع الجزية عن يهود خيبر، وكتب لهم عهدا بذلك، وأمر الإمام عليا بالكتابة، وأشهد سعد بن معاذ ومعاوية بن أبي سفيان. فهذه وثيقة تاريخية يراد فحصها ونقدها. فلما نظر الخطيب البغدادي في الوثيقة قال: هذا مزور، قيل له وكيف عرفت ذلك؟ قال: لأن فيه شهادة سعد بن معاذ، وقد مات قبل فتح خيبر، وفيه شهادة معاوية بن أبي سفيان، وإنما أسلم عام الفتح بعد فتح خيبر (2) . وإنما عرف الخطيب البغدادي زور هذه الوثيقة وعدم صحتها لما اعتبر بما يتصل بالعناصر الواردة في مضمونها، وبالظروف العامة التي ترجع إليها. فقد

_ (1) "فتح الباري" 1/152. (2) انظر " الوافي بالوفيات" 1/44-45، " الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ" ص: 26.

استحضر ما يتصل بالوثيقة من أخبار السيرة النبوية، مثل فتح خيبر، وعلاقة النبي صلى الله عليه وسلم باليهود، وأخبار الصحابة خاصة تواريخ وفياتهم وزمن إسلامهم وحضورهم الغزوات والمشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، واستحضر أيضا أحكام الجزية في الإسلام فظهر له أن الوثيقة مجافية لجميع ذلك، فهي شاذة عن التوجه العام للمجتمع الإسلامي في عهد النبوة. وزاد ابن قيم الجوزية في العناصر المعتدّ بها، في قوله:" … إن الجزية لم تكن نزلت حينئذ ولا يعرفها الصحابة ولا العرب، وإنما نزلت بعد عام تبوك… إن فيه " وضع عنهم الكلف والسخر" ولم يكن في زمانه كلف ولا سخر ولا مكوس… إن أهل خيبر لم يتقدم لهم من الإحسان ما يوجب وضع الجزية عنهم، فإنهم حاربوا الله ورسوله وقاتلوا أصحابه، وسَلُّوا السيوف في وجوههم، وَسَمُّوا النبي صلى الله عليه وسلم، وآووا أعداءه… إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسقطها عن الأبعدين مع عدم معاداتهم له كأهل اليمن… ليس في الصحابة رجل واحد قال: لا تجب الجزية على الخيبرية" (1) . فانظر: كيف يتحرك نظره رحمه الله خارج الوثيقة، وكيف ينتقل بين الأخبار المختلفة والحوادث المتنوعة، فينظر في الوثيقة مع اتساع نظره لينتشر خارجها ويستوعب كل ما يتصل بها، ويحتف بها من أخبار السيرة وأحكام الإسلام وشرائعه المتصلة بمضمون الوثيقة، وهي أحكام الجزية وعلاقة المسلمين بأهل الكتاب عامة واليهود خاصة. ومن أمثلة ذلك أيضاً: ما فعله الإمامان أبو الفتح بن سيد الناس وشمس الدين الذهبي في فحص خبر بحيرى الراهب وهو عن أَبِي مُوسَى الأشعري. قَالَ: خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَخَرَجَ مَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَشْيَاخٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا أَشْرَفُوا

_ (1) "المنار المنيف في الصحيح والضعيف" ص: 94-97.

عَلَى الرَّاهِبِ هَبَطُوا فَحَلُّوا رِحَالَهُمْ فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الرَّاهِبُ وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرُّونَ بِهِ فَلا يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ وَلا يَلْتَفِتُ قَالَ: فَهُمْ يَحُلُّونَ رِحَالَهُمْ فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُهُمُ الرَّاهِبُ حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: هَذَا سَيِّدُ الْعَالَمِينَ هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَبْعَثُهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ. فَقَالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ: مَا عِلْمُكَ فَقَالَ إِنَّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنَ الْعَقَبَةِ لَمْ يَبْقَ شَجَرٌ وَلا حَجَرٌ إَِلا خَرَّ سَاجِدًا وَلا يَسْجُدَانِ إِلا لِنَبِيٍّ وَإِنِّي أَعْرِفُهُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ أَسْفَلَ مِنْ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ مِثْلَ التُّفَّاحَةِ ثُمَّ رَجَعَ فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا فَلَمَّا أَتَاهُمْ بِهِ وَكَانَ هُوَ فِي رِعْيَةِ الإِبِلِ قَالَ أَرْسِلُوا إِلَيْهِ فَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْقَوْمِ وَجَدَهُمْ قَدْ سَبَقُوهُ إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ فَلَمَّا جَلَسَ مَالَ فَيْءُ الشَّجَرَةِ عَلَيْهِ. فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ مَالَ عَلَيْهِ. قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يُنَاشِدُهُمْ أَنْ لا يَذْهَبُوا بِهِ إِلَى الرُّومِ فَإِنَّ الرُّومَ إِذَا رَأَوْهُ عَرَفُوهُ بِالصِّفَةِ فَيَقْتُلُونَهُ. فَالْتَفَتَ فَإِذَا بِسَبْعَةٍ قَدْ أَقْبَلُوا مِنَ الرُّومِ فَاسْتَقْبَلَهُمْ فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكُمْ؟ قَالُوا: جِئْنَا؛ إِنَّ هَذَا النَّبِيَّ خَارِجٌ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَلَمْ يَبْقَ طَرِيقٌ إِلا بُعِثَ إِلَيْهِ بِأُنَاسٍ وَإِنَّا قَدْ أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ بُعِثْنَا إِلَى طَرِيقِكَ هَذَا فَقَالَ: هَلْ خَلْفَكُمْ أَحَدٌ هُوَ خَيْرٌ مِنْكُمْ قَالُوا إِنَّمَا أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ بِطَرِيقِكَ هَذَا قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ أَمْرًا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَهُ هَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ رَدَّهُ؟ قَالُوا: لا، قَالَ: فَبَايَعُوهُ وَأَقَامُوا مَعَهُ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَيُّكُمْ وَلِيُّهُ؟ قَالُوا: أَبُو طَالِبٍ. فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ حَتَّى رَدَّهُ أَبُو طَالِبٍ وَبَعَثَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ بِلالاً وَزَوَّدَهُ الرَّاهِبُ مِنَ الْكَعْكِ وَالزَّيْتِ* (1) . قال ابن سيد الناس: "في متنه نكارة وهي إرسال أبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً، وكيف

_ (1) الخبر عند الترمذي في جامعه، كتاب المناقب، باب ما جاء في نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، والحاكم في المستدرك 2/615 والطبري في تاريخه 2/277-278.

وأبو بكر حينئذ لم يبلغ العشر سنين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أسنُّ من أبي بكر بأزيد من عامين، وكانت للنبي صلى الله عليه وسلم تسعة أعوام على ما قاله أبو جعفر محمد بن جرير الطبري وغيره، واثنا عشر على ما قاله آخرون، وأيضا فإن بلالاً لم ينتقل لأبي بكر إلا بعد ذلك بأكثر من ثلاثين عاماً، فإنه كان لبني خلف الجمحيين، وعندما عذب في الله على الإسلام اشتراه أبو بكر رضي الله عنه رحمة له واستنقاذاً له من أيديهم، وخبره بذلك مشهور" (1) . فقد نظر ابن سيد الناس في الخبر مع استحضار الأخبار المتصلة به والظروف العامة المحيطة به، وهي أخبار أبي بكر وتاريخه، وبلال بن رباح وعلاقته بأبي بكر وتاريخ عتقه، فتبين له أن الخبر لا يستقيم، ولو حصر نظره في الخبر منفرداً معزولاً عن غيره ما اجتمعت له هذه الفوائد. وتبع أبا الفتح بن سيد الناس في ذلك الإمام شمس الدين الذهبي وزاد عليه في تفصيل نقد الخبر من داخله فقال:"… وأيضا فإذا كان عليه غمامة تظله كيف يتصور أن يميل فيء الشجرة، لأن ظل الغمامة يعدم في الشجرة التي نزل تحتها، ولم نر النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أبا طالب قط بقول الراهب، ولا تذاكرته قريش ولا حكته الأشياخ مع توافر هممهم ودواعيهم على حكاية مثل ذلك، فلو وقع لاشتهر بينهم أيما اشتهار، ولبقي عنده صلى الله عليه وسلم حس من النبوة، ولما أنكر مجيء الوحي إليه أولا بغار حراء وأتى خديجة خائفا على عقله، ولما ذهب إلى شواهق الجبال ليرمي نفسه. وأيضا فلو أثر

_ (1) "عيون الأثر" 1/55.

هذا الخوف في أبي طالب ورده كيف كانت تطيب نفسه أن يمكنه من السفر إلى الشام تاجرا لخديجة؟ " (1) ولهذا حكم الذهبي على الخبر بقوله: "أظنه موضوعا وبعضه باطل" (2) فانظر سعة نظر الذهبي رحمه الله، وانتشار فكره خارج الخبر المنظور فيه ليستحضر وقائع بعيدة في الظاهر عن خبر بحيرى، لكن بالتدبر يظهر فائدتها في فحص الخبر. فبادئ النظر لا يجد وجها للصلة بين خبر بحيرى وبين دخول النبي صلى الله عليه وسلم على خديجة بعد أن جاءه الوحي بحراء. وأيضا ما وجه الصلة بين خبر بحيرى وذهاب النبي إلى الجبال ليرمي نفسه؟ فهذه الوقائع تبدو بعيدة عن هذا الخبر، ولهذا فهي مظنة الغفلة عنها، ولن يستحضرها إلا من فطن لفائدتها وصلتها بالخبر المنظور فيه. ففي هذه الأمثلة يظهر كيف كان علماء الإسلام ينقدون متون الأخبار اعتمادا على الظروف العامة واللوازم والملابسات. ومن فوائد استحضار الظروف العامة معرفة كون الخبر منسجما مع غيره من الأخبار والوقائع المعروفة المقررة، أو معارضته لذلك، فإن وجد ما يعارضه من الوقائع والأخبار الثابتة فإنه يكون موضعا للتوقف في صحته، أو يرد بالمرة، ولهذا يحرص النقاد – وهم ينظرون في متن الخبر- على استحضار ما قد يكون معارضا للخبر محل البحث والنظر، وهو ما يمكن تسميته باستحضار معارض الخبر.

_ (1) "السير" للذهبي 1 / 49، وانظر " السيرة النبوية الصحيحة" 1/107-108. (2) "تلخيص المستدرك" بهامش المستدرك 2/615-616.

استحضار معارض الخبر

ب- استحضار معارض الخبر: لقد نص المحدثون من علماء الإسلام على أن النظر في الخبر الواحد لتحقيقه وفحصه، تستصحب معه الأخبار التي تعارضه حقيقة أو ظاهرا، لأنه قد يكون في الوقائع المقررة ما قد يعارضه، أو يرد في أخبار أخرى ما قد يشوش عليه. ولهذا فقد أفرد المصنفون في مصطلح الحديث نوعين لمعارض الحديث وهما معرفة الناسخ والمنسوخ من الحديث، ومعرفة مختلف الحديث. وقد طبق النقاد هذا المنهج فكانوا ينظرون: لعل للخبر ما يناقضه. وإن هذا المنهج مقرر في مناهج النقد التاريخي عامة، وليس فقط في مجال الحديث والسيرة النبوية. فالواجب على المؤرخ الناقد - وهو ينظر في الخبر- أن يستحضر احتمال وجود خبر يعارضه، ينفي ما يثبته، أو يثبت ما ينفيه. ولهذا فالواجب عليه أن ينتشر بحثه ويتسع نظره خارج الخبر، فإن وجد له معارضا وجب ضمه إليه. "فقد تتعدد الروايات التاريخية في أمر واحد، فتتوافق أو تتناقض، وحيث تتناقض يحسن بالمؤرخ أن يؤكد بادئ ذي بدء وقوع التعارض". (1) ثم عليه في هذه الحال الترجيح بين الخبرين. فلا يجوز بحال للمؤرخ أن يقتصر على خبر واحد له ما يعارضه. ولهذا نجد ابن جرير الطبري – وهو من أشهر من ألف في التاريخ - قد يورد في تاريخه الروايات المتناقضة في الحدث الواحد، في موضع واحد من كتابه (2) ، وقصده من ذلك التيسير على المؤرخ الناقد ليعتبر هذه الروايات بعضها ببعض فيجتهد في الترجيح. ثم إن المؤرخ لا ينزل الخبر الذي له معارض منزلة الخبر الذي لم يجد له معارضاً.

_ (1) "مصطلح التاريخ" ص: 86. (2) "انظر " مصادر السيرة النبوية وتقويمها" للدكتور فاروق حمادة، ص: 111.

وهذا الأصل - كما تقدم - راسخ عند علماء الحديث حتى عَدُّوه نوعاً من مصطلح الحديث سموه "مختلف الحديث". ومن أمثلة استحضار معارض الخبر في نقد أخبار السيرة النبوية أن البخاري أخرج في صحيحه (1) حديث ابن عباس: "تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم". والحديث من جهة إسناده صحيح ثابت عن ابن عباس، ومع ذلك فإن الحافظ ابن حجر لم يقتصر عليه، وإنما بحث له عن معارض فوجد أحاديث تعارضه، ونقل عن العلماء أقوالاً في بيان وقوع التعارض وفي الترجيح. مما ذكر من ذلك قول ابن عبد البر:"اختلفت الآثار في هذا الحكم، لكن الرواية أنه تزوجها وهو حلال، جاءت من طرق شتى، وحديث ابن عباس صحيح الإسناد، لكن الوهم من الواحد أقرب من الوهم من الجماعة، فأقل أحوال الخبرين أن يتعارضا فتطلب الحجة من غيرهما، وحديث عثمان صحيح في منع نكاح المحرم فهو المعتمد". (2) ومما حصل فيه التعارض أيضاً في سيرة الخلفاء الراشدين المهديين بيعة عليٍّ أبا بكر رضي الله عنهما، ففيه روايات أنه من أول من بايع كما بايع غيره من الصحابة في السقيفة، وفيه أنه بايع مرتين، وفيه أنه لم يبايع إلا متأخراً. فلا يجوز للمؤرخ أن يقف على رواية دون أخرى، وإنما الواجب ضم الروايات بعضها إلى بعض والترجيح بينها. من هنا يظهر لنا القصور الكبير الذي وقع لكثير من المصنفين في السيرة النبوية وتاريخ الإسلام في العصر

_ (1) كتاب النكاح، باب نكاح المحرم. (فتح الباري 9/165) (2) "فتح الباري" 9/165-166.

الحديث، عندما يظفرون برواية فيوردونها مقتصرين عليها، والحال أن ما يعارضها أكثر عدداً وأقوى درجة. من ذلك مثلا أن هناك رواية نقلها غير واحد من المؤرخين، واعتمدها كثير من الباحثين المعاصرين دون شك أو تردد، وهي أن عثمان بن عفان في خلافته نفى أبا ذر إلى الربذة لمعارضته توسع الصحابة، وبخاصة الولاة، في الأموال واقتناء متاع الدنيا. وقد بنى غير واحد من الباحثين المحدَثين من المستشرقين وغيرهم على هذه الرواية أحكاماً خطيرة منها أن عثمان قد اشتط في السلطة وقرب عشيرته وأجزل لهم العطاء، وغض الطرف عن ظلمهم واغتنائهم بسبب الولاية والسلطة، وأنه لحماية هذا الوضع كان لا يتردد في إنزال العقاب بمن يخالفه، فكان يضرب خيار الصحابة وينفيهم. انظر من ذلك قول أحدهم وهو يتحدث عن مالية الدولة في عهد عثمان: "فقد رأى فيها عثمان رضي الله عنه والولاة من أقاربه وفي مقدمتهم معاوية رضي الله عنه أن المال مال الله الموكول إليهم للتصرف فيه، كيفما شاؤوا، بينما رآه آخرون، وعلى رأسهم الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري رضي الله عنه مال المسلمين، وللمسلمين الحق في مراجعة الخليفة بشأنه ومحاسبته عليه". ويقول أيضاً: "هذا الفهم العثماني لطبيعة السلطة هو الذي دفع عثمان رضي الله عنه إلى التخشن في معاملة كثيرين من خيار الصحابة مثل عبد الله ابن مسعود وعمار بن ياسر وأبي ذر رضي الله عنهم، فضرب بعضهم ونف

_ ى بعضهم الآخر." (1) وإن المنهج التاريخي في التعامل مع الروايات

لايجيز تفسير الرواية وقبولها وبناء الأحكام عليها، إلا بعد إثبات سلامتها من المعارضة، أو بيان أن الروايات المعارضة مرجوحة لا تقوم أمامها، وفي هذه الحالة يجب الإشارة إلى الروايات المرجوحة. ولا تجد أثرا لذلك عند هؤلاء الباحثين، وإنما يذكرون هذه الرواية الوحيدة، ويوردونها وكأنها من البدهيات المسلمة التي لا معارض لها بوجه من الوجوه، ولو معارضة ضعيفة. وهذه – كما لا يخفى، ومن دون أدنى شك - مخالفة صريحة وخيانة واضحة لمنهج النقد التاريخي، القائم، من بين ما يقوم عليه على اعتبار الروايات المتعارضة ومقابلة بعضها ببعض. وإعمال هذه القاعدة في هذا الخبر يوجب البحث في المصادر التاريخية والتفتيش في سائر مظان الرواية التاريخية، لعل هناك ما يعارضها. وإن هذه الرواية إذا كانت تذكر أن عثمان بن عفان نفى أبا ذر وأخرجه من المدينة إلى الربذة، فإن هناك روايات أخرى تنفي ذلك وتثبت خلافه، منها ما أخرجه البخاري عن زيد بن وهب قال: مررت بالربذة، فإذا أنا بأبي ذر رضي الله عنه، فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ} ، قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب. قلت: نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذاك، وكتب إلى عثمان رضي الله عنه يشكوني، فكتب إليَّ عثمان أن اقدم المدينة، فقدمتها فكثر علي الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثمان، فقال لي: إن شئت تنحيت وكنت قريباً. فذلك

الذي أنزلني هذا المنزل، ولو أمروا علي حبشياً لسمعت وأطعت (1) . ورواية أخرى أوردها الحافظ ابن حجر وعزاها إلى أبي الحسن بن جدلم في فوائده عن عبد الله بن الصامت قال: "دخلت مع أبي ذر على عثمان فحسر عن رأسه فقال: والله ما أنا منهم، يعني الخوارج. فقال: إنما أرسلنا إليك لتجاورنا بالمدينة، فقال: لا حاجة لي في ذلك، ائذن لي بالربذة. قال نعم." (2) ورواية أخرى أوردها الشيخ محب الدين الخطيب في تعليقه على كتاب "العواصم من القواصم" لابن العربي، وعزاها إلى القاضي أبي الوليد بن خلدون وهي أن أبا ذر استأذن عثمان في الخروج من المدينة وقال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أخرج منها إذا بلغ البناء سلعاً، فأذن له ونزل الربذة وبنى بها مسجداً، وأقطعه عثمان صرمة من الإبل، وأعطاه مملوكين، وأجرى عليه رزقاً، وكان يتعاهد المدينة". (3) وإن أيَّ مؤرخ محقق يريد أن يسجل في تاريخه خروج أبي ذر إلى الربذة وسببه، يفترض فيه أن يضع هذه الروايات جميعاً بين يديه، فينظر فيها على الاجتماع ثم يرجح ما تؤيده الشواهد بحسب الاعتبارات الأخرى. ومن اكتفى برواية دون غيرها، وأغفل الروايات المعارضة، فمثله مثل القاضي الذي استمع إلى شهادة شاهد واحد، وتجاهل أمثاله من الشهود الذين يخالفونه في شهادته. ويجب التنبيه هنا على أن المعارضة قد تكون صريحة، كما في هذه الروايات في خروج أبي ذر إلى الربذة، وقد تكون غير صريحة، كأن يكون

_ (1) البخاري: كتاب الزكاة، باب ما أدي زكاته فليس بكنز. (2) "فتح الباري" 3/274. (3) " العواصم من القواصم" ص: 88، تعليق رقم 92، وانظر " حلية الأولياء" 1 / 160.

الخبر يتعلق بحادثة أخرى غير الحادثة التي يتعلق بها الخبر المنظور فيه أولا، لكنه بالتأمل والتدبر تظهر معارضته له في جهة من جهاته. مثال ذلك أن رواية فيها أن علي بن أبي طالب وبني هاشم رفضوا بيعة أبي بكر. فقد وردت روايات تعارضها معارضة صريحة. وهناك أخبار تعارضها، لكنها ليست صريحة في ذلك لأنها ليست في موضوع البيعة، وإنما في موضوع آخر بعيد عن ذلك، وهي سائر أخبار علي بن أبي طالب وأحواله وأعماله ومواقفه في سائر الأحداث التي شهدها زمن أبي بكر. ومن هذه الأخبار: - أن علياً لم ينقطع عن صلاة من الصلوات خلف أبي بكر الصديق. - أن علياً خرج مع أبي بكر إلى ذي القصة لما خرج إليها لقتال المرتدين. - لم يتخلف علي بن أبي طالب عن مشهد من المشاهد التي شهدها عامة الصحابة مع أبي بكر في خلافته. فهذه الأخبار - وإن لم تكن في بيعة علي أبا بكر أو عدم بيعته- فإنها تتصل بذلك؛ لأن ما تفيده يعارض أن يكون علي قد رفض بيعة أبي بكر، فلو رفضها فكيف يشهد الصلوات خلفه، وكيف يخرج معه إلى الجهاد؟، وكيف يحضر المجالس التي يجلس فيها أبو بكر خليفة يبتُّ في أمور الدولة؟. فهذه الأخبار ليست صريحة في المعارضة، لكن مضمونها لا ينسجم مع هذه الرواية. والاعتبار بالمعارض غير الصريح يلتقي مع الاعتبار بالظروف

العامة للخبر وبكل ما له صلة به، لأن هذه الأخبار المعارضة إنما تعرف من خلال استحضار ظروف الخبر وما يتصل به. فلابد للناقد إذن من الالتفات إلى كل ما يعارض الخبر المنظور فيه معارضة صريحة أو ضمنية، وعلى هذا المنهج سار النقاد من علماء الإسلام كما يظهر من الأمثلة المتقدمة.

تحكيم قواعد العادة وسنن الكون والحياة

ج- تحكيم قواعد العادة وسنن الكون والحياة: لقد تقرر عند المحدِّثين أن من علامات الحديث الموضوع فساد معناه ومخالفته الصريحة لمقتضيات العقول السليمة، ومناقضته لقواعد العادة التي فطر الله عليها البشر. يقول ابن الجوزي:" ما أحسن قول القائل: إذا رأيت الحديث يباين المعقول أو يخالف المنقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع" (1) وورد أيضا قولهم" من جملة دلائل الوضع أن يكون مخالفا للعقل…ويلتحق به ما يدفعه الحس والمشاهدة… أو يكون خبرا عن أمر جسيم تتوفر الدواعي على نقله بمحضر الجمع ثم لا ينقله منهم إلا واحد". (2) وقد اعتمد النقاد من علماء الإسلام هذا المنهج في تحقيق أخبار السيرة النبوية. لكن يجب التنبيه في هذا المقام على مسألة مهمة تتصل بهذا الموضوع وهي أن هناك أخبارا في السيرة النبوية في بيان معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم، فالنظر فيها بهذا المنظار إبطال لما ثبت قطعا من النبوة والرسالة، وإنما يشترط في ذلك أن يكون النقل نقل الثقة في دينه، العاقل الضابط لما يحدث به، وألا

_ (1) "تدريب الراوي في شرح تقريب النووي" للسيوطي 1 / 277. (2) المصدر نفسه 1 / 276.

يوجدَ من أمثاله المعاصرين له، مَنْ ينكر ذلك، أما من سوى النبي صلى الله عليه وسلم فلا يقبل ذلك عنه كائناً من كان حتى يتفق مع قوانين الكون والحياة وقواعد العادة. (1) ومعنى ذلك أن رد ما يخالف قواعد العادة من أخبار السيرة النبوية ليس على إطلاقه، وإنما هو خاص بالأخبار التي ليست في سياق دلائل النبوة. فإذا ورد خبر فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خصه الله بما لا يخص به غيره من التصرفات التي هي على خلاف العادة، وثبت ذلك بالسند الصحيح عن الثقات الأثبات، فإنه يقبل دون تردد، لأن الله تعالى خص نبيه صلى الله عليه وسلم بالوحي، فكيف لا يخصه بما دون ذلك من خوارق العادات؟ أما ما سوى ذلك فقد عمل فيه النقاد بهذا المنهج. والشواهد على ذلك كثيرة منها ما تقدم في خبر بحيرى الراهب، فقد حكم قواعد العادة وسنن الحياة وقوانين الاجتماع الإنساني، يظهر ذلك من بيانه عدم اشتهار هذا الخبر مع أن دواعي العادة توجب اشتهار مثله لأنه خطير في أمره عظيم فيما يدل عليه، بل كيف يغيب هذا حتى على صاحب الخبر نفسه صلى الله عليه وسلم، فلا يذكره، ولو في حال حاجته إليه؟ ويتجلى ذلك أيضا في إنكار الذهبي أن يميل فيء الشجرة مع وجود ظل الغمامة؛ فقواعد العادة وسنن الحياة لا تؤيد ذلك.

_ (1) انظر "المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل" ص 133، هامش 142.

استحضار الكليات وتحكيم الأصول القطعيات

د- استحضار الكليات وتحكيم الأصول القطعيات: ومعنى ذلك أن الناقد الفاحص لخبر من الأخبار لا تغيب عنه أصول الشريعة وأحكامها الكلية وما ثبت منها من القطعيات. فكل خبر يجب أن ينسجم مع أصول الشريعة. وكل خبر يناقض أصلا مقررا بالقطع في الشريعة يحكم عليه بالرد من غير تردد. ولهذا رد علماء الإسلام أخباراً وردت في السيرة، لما رأوها تعارض ما تقرر من عصمة النبي صلى الله عليه وسلم. فهذا الأصل يوجب رد كل خبر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد لصنم، أو مدحه أو أقر باطلا أو نحو ذلك مما لا يتفق مع أصل العصمة. وعلى هذا المنهج رد المحققون خبر قصة الغرانيق. وفيه: أن الشيطان ألقى على لسان النبي صلى الله عليه وسلم مدح آلهة العرب وهي اللات والعزى ومناة. ففي بعض رواياته أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس في ناد من أندية قومه، كثير أهله، فتمنى يومئذ ألا يأتيه من الله شيء فينفروا عنه يومئذ، فأنزل الله: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم:1] فقرأ حتى إذا بلغ إلى قوله: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: 19–20] ألقى الشيطان كلمتين: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى … وقد رد النقاد هذا الخبر من جهات مختلفة، منها مناقضته لما ثبت بالقطع من أحكام الشريعة وأصول الملة. وفي هذا المعنى يقول ابن العربي المعافري في نقد الخبر: "اعلموا أنار الله أفئدتكم بنور هداه ويسر لكم مقصد التوحيد ومغزاه، أن الهدى هدى الله، فسبحان من يتفضل به على من يشاء، ويصرفه عمن يشاء… ونحن الآن نجلو بتلك الفصول الغمَّاءَ، ونرقيكم بها عن حضيض الدهماء إلى بقاع العلماء في عشرة مقامات:

المقام الأول: أن النبي إذا أرسل الله إليه المَلَك بوحيه، فإنه يخلق له العلم به حتى يتحقق أنه رسول من عنده، ولولا ذلك ما صحت الرسالة ولا تبينت النبوة… ولو كان النبي إذا شافهه الملك بالوحي لا يدري أملك هو أم إنسان، أم صورة مخالفة لهذه الأجناس ألقت عليه كلاما وبلغت إليه قولا، لم يصح له أن يقول إنه من عند الله ولا ثبت عندنا أنه أمر الله…ولا خلاف في المنقول ولا في المعقول فيها، ولو جاز للشيطان أن يتمثل فيها أو يتشبه بها، ما أمناه على آية ولا عرفنا منه باطلا من حقيقة، فارتفع بهذا الفصل اللبس وصح اليقين في النفس. المقام الثاني: أن الله قد عصم رسوله من الكفر وآمنه من الشرك، واستقر ذلك في دين المسلمين بإجماعهم فيه وإطباقهم عليه، فمن ادعى أنه يجوز عليه أن يكفر بالله أو يشرك فيه طرفة عين، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، بل لا تجوز عليه المعاصي في الأفعال، فضلاً عن أن ينسب إلى الكفر في الاعتقاد. المقام الثالث: أن الله قد عرف الرسول بنفسه وبصره بأدلته وأراه ملكوت سمواته وأرضه، وعرفه سنن من كان قبله من إخوته، فلم يكن يخفى عليه من أمر الله ما نعرفه اليوم، ومن خطر له ذلك فهو ممن يمشي مكباً على وجهه غير عارف بنبيه ولا بربه.

المقام الرابع: تأملوا – فتح الله أغلاق النظر عنكم - إلى قول الرواة الذين هم بجهلهم أعداء على الإسلام ممن صرح بعداوته، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جلس مع قريش تمنى ألا ينزل عليه من الله وحي، فكيف يجوز لمن معه أدنى مسكة أن يخطر بباله أن النبي صلى الله عليه وسلم آثر وَصْلَ قومه على وَصْلِ ربه، وأراد ألا يقطع أنسه بهم بما ينزل عليه من ربه الذي كان حياة جسده وقلبه وأنس وحشته وغاية أمنيته! وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، فإذا جاءه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة، فيؤثر على هذا مجالسة الأعداء.! المقام الخامس: … وأنا من أدنى المؤمنين منزلة، وأقلهم معرفة بما وفقني الله له… لا يخفى علي وعليكم أن هذا كفر لا يجوز وروده من عند الله (1) فهذه - كما لا يخفى - كلها أصول مقررة في الشريعة جعلها ابن العربي حكما تعرض عليه الأخبار. بعد أن أقام رحمه الله الحجة على بطلان خبر الغرانيق، واستحالة وقوعه لمناقضته أصول الشريعة، عبر عن هذا المنهج الذي اعتمده وأوصى به من أراد التحقيق فقال: "وقد أوعدنا إليكم توصية أن تجعلوا القرآن إمامكم وحروفه أمامكم". (2) وذلك لأن القرآن والسنة الصحيحة هما الأصل المعتمد في معرفة أصول الشريعة وكلياتها.

_ (1) أحكام القرآن 3 / 1300 – 1301. (2) نفسه 3 / 1303.

الخاتمة

الخاتمة ... خاتمة: هذه هي الخطوات التي سار عليها علماء الإسلام لتحقيق أخبار السيرة النبوية، وهذه هي جهودهم في فحصها وتمييز الصحيح منها من الضعيف. وخلاصة هذا المنهج هو النظر في الخبر مع استحضار جميع مخارجه وطرقه، واستقصاء مظانه ومصادره التي ورد فيها مع وضع كل مصدر في موضعه بحسب قوة منهج النقد أو ضعفه، والالتفات إلى أحوال الرواة والمؤرخين الذين نقلوا الخبر، والاعتداد بكل ما يتعلق به وبمضمونه من الظروف العامة، واللوازم، والاهتداء بقواعد العادة وسنن الكون والحياة والإنسان، وعدم الغفلة عن كل ما يعارضه من الأخبار والحوادث، وتحكيم أصول الشريعة وقواعدها القطعية.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... المصادر والمراجع: 1- "أحكام القرآن" أبو بكر محمد بن عبد الله ابن العربي - (ت:543) . تحقيق علي محمد البجاوي- دار المعرفة. 2- "الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ". شمس الدين السخاوي. نشر فرانز روزنتال. 3 – "تأويل مختلف الحديث" أبو محمد ابن قتيبة. ط: 1. 1405? – 1985 دار الكتب العلمية. 4 - "تدريب الراوي". السيوطي. 1409?/1988م دار الفكر. 5 - "تهذيب التهذيب" أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852) . ط: 1. 1404?/1984م دار الفكر. 6 – "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع". الخطيب (ت463) تحقيق د. محمود الطحان.- 1403?-1983م مكتبة المعارف الرياض. 7 - "السنن للترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي". 8 - "سنن ابن ماجه": 1395?-1975م دار إحياء التراث العربي. 9 - "سنن النسائي" بشرح الحافظ السيوطي وحاشية الإمام السندي: دار إحياء التراث العربي بيروت. 10 - "السيرة النبوية الصحيحة" الدكتور أكرم ضياء العمري. ط:6-1415?-1994م مكتبة العلوم والحكم المدينة المنورة. 11 - "صحيح البخاري بشرح فتح الباري" للحافظ ابن حجر– دار الفكر.

12 - "صحيح مسلم" مسلم بن الحجاج (ت.261) ط: 1- 1374هـ – 1955م دار إحياء الكتب العربية. 13- "شرح صحيح مسلم" أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (ت:676) دار الكتب العلمية. 14- " العواصم من القواصم" لأبي بكر بن العربي. (ت: 543) . حققه وعلق حواشيه الشيخ محب الدين الخطيب. ط:1- 1405هـ. دار الكتب السلفية. 15- "عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير" أبو الفتح محمد ابن محمد بن سيد الناس اليعمري الأندلسي (ت.734) ط. 3: 1402هـ/1982م. دار الآفاق الجديدة. 16- "فتح الباري" أحمد بن علي بن حجر. دار الفكر. 17 – "الكفاية في علم الرواية" للخطيب البغدادي. ط: 2، دار التراث العربي. 18 - "المدخل إلى التاريخ" نور الدين حاطوم- نبيه عاقل. 19 – "المستدرك على الصحيحين" الحاكم أبو عبد الله النيسابوري. دار المعرفة- بيروت. 20 - "مسند الإمام أحمد بن حنبل". الطبعة المصرية 1306هـ. 21 - "مصطلح التاريخ" د. أسد رسم. ط:1-1984م منشورات المكتبة البولسية بيروت. 22 – "مصادر السيرة النبوية وتقويمها" فاروق حمادة. ط:2. دار الثقافة. 23- "معرفة علوم الحديث" الحاكم أبو عبد الله النيسابوري. اعتنى بنشره

السيد معظم حسين. ط: 2. 1397? – 1977 م. دار الكتب العلمية. 24- "مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث" ابن الصلاح الشهرزوري. توثيق وتحقيق عائشة عبد الرحمن. 1974م – مطبعة دار الكتب. 25 - "المنار المنيف في الصحيح والضعيف" شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية (ت.751) – 1408?/1988م دار الكتب العلمية. 26 -"منهج كتابة التاريخ الإسلامي مع دراسة لتطور التدوين ومناهج المؤرخين" محمد بن صامل العلياني السلمي. ط:1 1406?/ 1986م. دار طيبة الرياض. 27- "المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل". فاروق حمادة. ط: 2. 28- "نحن والتاريخ" قسطنطين زريق ط:3 نيسان 1974م. 29- "الوافي بالوفيات" خليل بن أيبك الصفدي. ط:2 1394?/1974م دار النشر فرانز شتاير.

§1/1