جمع القرآن - دراسة تحليلية لمروياته
أكرم الدليمي
الإهداء
الإهداء بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (29) صدق الله العظيم [سورة ص: الآية 29]
الإهداء إلى من أشرقت بولادته شمس المعرفة لتخرج البشرية من الظلمات الى النور قدوتي وسيدي وحبيبي رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم. إلى والدي العزيزين حفظهما الله من كل مكروه. الى مشايخي الكرام أدامهم الله. أهدي هذا الجهد برّا وصدقة جارية الباحث
شكر وتقدير
شكر وتقدير في بداية هذا البحث، أتقدم بالشكر الجزيل الى استاذي الفاضل الأستاذ الدكتور عمر محمود حسين السامرائي لإشرافه على بحثي، ولما بذله من جهد علمي، فله من الله الأجر ومني وافر التقدير. وأتوجه بالشكر الجزيل الى الأستاذة الأفاضل رئيس لجنة المناقشة وعضويها الذين يتكرمون علي بقبول مناقشة هذا البحث وتقويمه. كما لا يفوتني أن أسجل خالص شكري وتقديري للمسئولين على ادارة كل من مكتبة كلية الإمام الأعظم ومكتبة جامع الراوي وجامع الحاج محمد الفياض في الفلوجة لما لمسناه منهم من مساعدة. وأشكر كل من تفضل علي باعارتي كتابا أو ارشاده الي من زملائي وأصدقائي. ولا يفوتني أن أتقدم بشكري الوافر الى مكتب أم القرى لما بذله من خدمة ونصيحة، جزاهم الله عني خيرا ..... والله ولي التوفيق. الباحث
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة الحمد لله الذي نور بكتابه القلوب، وأنزله في أوجز لفظ وأعجز أسلوب، فأعيت بلاغته البلغاء، وأعجزت حكمته الحكماء، وأسكتت فصاحته الخطباء. والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الذي خصه الله بجوامع الكلم وآتاه الحكمة وفصل الخطاب، وعلى آله وصحابته ومن اهتدى بهديه إلى يوم الحساب. أما بعد .. فإن أحق ما يشتغل به الباحثون، وأفضل ما يتسابق فيه المتسابقون، مدارسة كتاب الله، ومداومة البحث فيه، والغوص والبحث عن لآلئه والكشف عن علومه وحقائقه، وإظهار إعجازه، وتجلية محاسنه، ونفي الشكوك والريب عنه، فقد قال فيه سبحانه وتعالى: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) «1»، وورد في الأثر: (إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله، وهو النور المبين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن تبعه، ... فاتلوه، فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات. أما إني لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف) «2».
وورد أيضا: (هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا تنقضي عجائبه ... ) «1». والقرآن العظيم لا يدرك غوره ولا تنفد درره، وهو الكتاب الذي صلحت به الدنيا، وحول مجرى التاريخ، وأقام أمة كانت مضرب الأمثال في الإيمان والإخاء والعدل والوفاء والوفاق والوئام، وأضل العالم بلواء الأمن والسلام حقبا من الزمن، وصير أمة البداوة- أهل الكرم والشهامة- إلى سادة الحضارة، فجعلهم علماء، حكماء، قادة في الحكم والسياسة، والسلم والحرب، عقمت الدنيا أن تجود بمثلهم، هذا الجيل الذي نال تكريما نبويا: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) «2».
وهو المعجزة العظمى، والحجة البالغة الكبرى الباقية على مر الدهر لرسول البشرية سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، تحدى به الإنس والجن كافة أن يأتوا بمثله أو ببعضه، فباءوا بالعجز والبهر، قال عز شأنه: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88) «1». فما أجدر الأعمار أن تفنى فيه، والأزمان أن تشتغل به. وأشكر الله سبحانه وتعالى على نعمته العظمى بأن حقق لي أملا كبيرا كان يملأ نفسي وهو أن أحيا في رحاب كتاب الله تاليا متدبرا، ودارسا متأملا، وذلك بعد أن تم اختياري لهذا الموضوع وبعد استخارة الله تعالى، واستشارة أهل العلم والفضل، وبعد موافقة لجنة الدراسات العليا في كلية العلوم الإسلامية مشكورة على هذا الموضوع الذي هو (جمع القرآن دراسة تحليلية لمروياته)، والذي شجعني على ذلك أكثر أن هذا الموضوع- بحسب علمي- لم تكتب فيه مسبقا رسالة جامعية، فوجدت في نفسي رغبة ملحة تدفعني إلى الكتابة فيه، خدمة لكتاب الله الذي فيه عزنا وسؤددنا وبه صلاح البلاد والعباد. والبحث في هذا الموضوع له أهمية كبرى ولا سيما أنه يتعلق بالدراسات القرآنية في هذا العصر خاصة، عصر مواجهة التحديات وصراع العقائد والأفكار، والحرب على الإسلام والمسلمين قائمة على قدم وساق، وقد اختلطت الرايات وكثرت الشعارات، فما أحرانا أمة التوحيد أن نرفع راية القرآن التي لا تهزم، وأن نقاتل بسيف الإسلام الذي لا يثلم .. فقرآننا هو الحل الحتمي لمشكلات عصرنا. فلا عجب أن نجد لدى الصدر الأول فمن بعدهم العناية الكبيرة والاهتمام الأكبر للقرآن الكريم على مر العصور والأزمان، منذ زمن الرسول صلى الله عليه وسلم
وإلى يومنا هذا، فحفظوا لفظه، وفهموا معناه، واستقاموا على العمل به، وأفنوا أعمارهم في البحث فيه، والكشف عن أسراره، ولم يدعوا درة من درره إلا وغاصوا لإخراجها، فألفوا في ذلك المؤلفات القيمة، فمنهم من ألف في تفسيره، ومنهم من ألف في رسمه وقراءته، ومنهم من ألف في محكمه ومتشابهه، ومنهم من ألف في مكيه ومدنيه، ومنهم من ألف في جمعه وتدوينه في الرقاع واللخاف والأكتاف، ثم في المصاحف، ومنهم من ألف في استنباط الأحكام منه. ومنهم من ألف في ناسخه ومنسوخه، ومنهم من ألف في أسباب نزوله، ومنهم من ألف في إعجازه، ومنهم من ألف في مجازه، ومنهم من ألف في أمثاله، ومنهم من ألف في أقسامه، ومنهم من ألف في غريبه، ومنهم من ألف في إعرابه، ومنهم من ألف في قصصه، ومنهم من ألف في تناسب آياته وسوره. وقد تبارى علماؤنا في هذا المضمار الفسيح، حتى زخرت المكتبة الإسلامية بميراث مجيد من تراث سلفنا الصالح، وعلمائنا الأعلام، وكانت هذه الثروة- ولا تزال- مفخرة نتحدى بها أمم الأرض، ونباهي بها أهل الملل في كل عصر ومصر. وأضحت هذه العناية بحق أروع مظهر عرفه التاريخ لحراسة كتاب الله، الذي هو بحق سيد الكتب وأجلها، وأبعدها عن التحريف والتغيير، وبذلك هيأ الله الأسباب الكثيرة لحفظ كتابه، وهذا مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9) «1». وقد بذلت جلّ اهتمامي في هذا البحث على دراسة المرويات التي تتعلق بكتابة القرآن وجمعه، وكذلك دراسة الروايات التي يساء فهمها في صحة نقل القرآن والرد على من حرف بزيادة أو نقصان، وقد اجتمع لديّ مائة رواية مع
المكرر فيها، ثم عكفت على دراسة الأسانيد غير المكررة منها، فكانت تسعا وأربعين رواية ما عدا ما تفرع منها من أسانيد، وقد كلفني هذا جهدا كبيرا ووقتا طويلا. أما أهم المصادر التي اعتمدت في هذا البحث بعد كتاب الله تعالى فمتعددة. ففي الحديث: الصحيحان- البخاري ومسلم وشروحهما، وسنن الترمذي وأبي داود والنسائي وبعض السنن الأخرى، وكذلك كتب التفسير والتاريخ والتراجم وعلوم القرآن، لعل كتاب المصاحف لابن أبي داود هو خير معين لي في جمع المرويات ودراستها، لأنه احتوى على أغلبها. ومراجع أخرى حديثة لها علاقة بالبحث من كتب الشيعة وكتب المستشرقين وغيرها. أما خطة البحث فكانت قائمة على مقدمة وأربعة فصول وخاتمة: أما الفصل الأول فهو: كتاب القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيه: تمهيد وثلاثة مباحث. وأما الفصل الثاني فهو: جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي عند الله، وفيه مبحثان. وأما الفصل الثالث فهو: نسخ القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفيه مبحثان. وأما الفصل الرابع فهو: شبهات حول جمع القرآن، وفيه مبحثان أيضا. أما الخاتمة فقد ذكرت فيها أهم نتائج البحث التي توصلت إليها. وهذا جهدي أضعه بين يدي القارئ الكريم لعلي أكون قد رسمت الصورة المثلى لهذا الموضوع الكريم، وأسأله تعالى أن يتقبل مني هذا العمل، ويرزقنا الإخلاص في القول والفعل. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الفصل الأول كتابة القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم
الفصل الأول كتابة القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفيه تمهيد وثلاثة مباحث: التمهيد: التعريف بالقرآن وجمعه في الاصطلاح واللغة. المبحث الأول: جمعه في الصدور. المبحث الثاني: جمعه في السطور. المبحث الثالث: الأحاديث المروية في العهد النبوي لكتابة القرآن.
التمهيد وفيه: التعريف بالقرآن وجمعه في اللغة والاصطلاح
التمهيد وفيه: التعريف بالقرآن وجمعه في اللغة والاصطلاح 1 - تعريف القرآن في اللغة والاصطلاح: إن الله سبحانه وتعالى يريد أن يعرفنا بكلامه العظيم في كتابه الكريم. وأن نلاحظ الحياة المباركة فيه، وأن نعيش هذه الحياة في ظلاله .. والإقبال على كتابه الكريم، والذي حمل شريعة الإسلام، ما معناه في لسان العرب؟ هل هو اسم مشتق أو جامد؟ وإذا كان مشتقا فأي نوع من المشتقات؟ وقع خلاف كثير بين العلماء في الإجابة على هذه الأسئلة، ونحن نجمل القول فيها ونقول: تعريف القرآن لغة: لقد ذهب العلماء في لفظ (القرآن) مذاهب، فهو عند بعضهم غير مشتق، وغير مهموز، وعند بعضهم مشتق ومهموز، فممن رأى أنه بغير همز: الشافعي، والفراء، وابن كثير «1».
يقول الشافعي: إن لفظ القرآن المعرف ب (ال) ليس مشتقا ولا مهموزا، بل ارتجل ووضع علما على الكلام المنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ف (القرآن) عند الشافعي لم يؤخذ من قرأت، ولو أخذ من قرأت كان كل ما قرئ قرآنا، ولكنه مثل التوراة والإنجيل «1». ويقول الفراء: إنه مشتق من القرائن جمع قرينة، لأن آياته يشبه بعضها بعضا، فكأن بعضها قرينة على بعض، وواضح أن النون في قرائن أصلية «2». وممن رأى أن لفظ (القرآن) مهموز: الزجاج «3»، واللحياني «4»، وآخرون. يقول الزجاج: إن لفظ (القرآن) مهموز على وزن فعلان، مشتق من القرء بمعنى الجمع، ومنه قرأ الماء في الحوض إذا جمعه، لأنه جمع ثمرات الكتب السابقة «5». ويقول اللحياني: إنه مصدر مهموز بوزن الغفران، مشتق من قرأ بمعنى [تصوير]
تعريف القرآن اصطلاحا:
تلا، سمي به المقروء تسمية للمفعول بالمصدر «1». وقال الزرقاني: (أما لفظ القرآن: فهو في اللغة مصدر مرادف للقراءة. ومنه قوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) «2»، ثم نقل من هذا المعنى المصدري وجعل اسما للكلام المعجز المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم من باب إطلاق المصدر على مفعوله، ذلك ما نختاره استنادا إلى موارد اللغة وقوانين الاشتقاق ... ، فلفظ قرآن مهموز، وإذا حذف همزه فإنما ذلك للتخفيف، وإذا دخلته (ال) بعد التسمية فإنما هي للمح الأصل لا للتعريف) «3». وهذا هو الرأي الراجح، والله أعلم. تعريف القرآن اصطلاحا: إن القرآن الكريم يتعذر تحديده بالتعارف المنطقية ذات الأجناس والفصول ولكن نقول: (هو ما بين هاتين الدفتين)، أو نقول: هو (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ..... إلى قوله: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) «4». ولذلك اختلف العلماء في تعريفه. فمنهم من أطال في التعريف وأطنب بذكر جميع خصائص القرآن، ومنهم من اختصر وأوجز، ومنهم من اقتصد وتوسط، وأقرب هذه التعريفات وأشملها أن يقال فيه: (إنه الكلام المعجز المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته) «5»، المبدوء بسورة الفاتحة المختوم بسورة الناس. وهذا الذي أرجحه وأميل إليه لكونه أجمع وأشمل.
2 - تعريف الجمع في اللغة والاصطلاح:
2 - تعريف الجمع في اللغة والاصطلاح: ففي اللغة يقال للجمع: جمع الشيء عن تفرقه يجمعه جمعا وجمعه وأجمعه، فاجتمع، واستجمع السيل: أي اجتمع من كل موضع، وأمر جامع يجمع الناس، وفي التنزيل: وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ... «1». وكما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أوتيت جوامع الكلم) «2»، وفي صفته صلى الله عليه وسلم: أنه كان يتكلم بجوامع الكلم: أي أنه كان كثير المعاني، قليل الألفاظ «3». أما في الاصطلاح: فكلمة جمع القرآن تطلق تارة ويراد منها حفظه واستظهاره في الصدور. ومنه قوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) «4». وتطلق تارة أخرى ويراد منها كتابته كله حروفا وكلمات وآيات وسورا. فهذا جمع في الصحائف والسطور، وذاك جمع في القلوب والصدور «5». وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: (يراد جمعه- أي القرآن الكريم- جمعه على جميع الوجوه والقراءات التي نزل بها، ويراد به: جمع ما نسخ منه بعد تلاوته. وما لم ينسخ، ويراد به: تلقيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا واسطة، ويراد به كتابته) «6».
المبحث الأول جمعه في الصدور
المبحث الأول جمعه في الصدور وفيه مطلبان: المطلب الأول: كيفية تلقي الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مولعا بالوحي، يترقب نزوله عليه بشوق، فيحفظه، ويفهمه. وإن الكيفية التي كان ينزل بها الملك جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن من الأمور الغيبية التي لا تعرف إلا عن طريق القرآن أو الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن التلقي عن الله مباشرة ليس في مستطاع الإنسان، فلا يمكن أن يتحقق إيصال المعرفة الإلهية إلى البشر إلا بأحد الطرق الثلاثة «1» التي أشار إليها القرآن الكريم، كما في قوله تعالى:* وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) «2». معنى الوحي في اللغة والشرع: أما في اللغة: فقد قال ابن منظور: هو إعلام في خفاء، ولذلك صار الإلهام يسمى وحيا «3». وقال الراغب الأصفهاني: أصل الوحي الإشارة السريعة «4». وإن السرعة والخفاء من سمات الوحي ومزاياه. وقال الآلوسي:
الوحي أصله التفهيم، وكل ما فهم به شيء من الإلهام والإشارة والكتب فهو وحي «1». أما الوحي في الشرع: فقد قال الأنباري: إنما سمي وحيا لأن الملك أسره على الخلق وخص به النبي صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله إليه «2». والوحي بمعنى آخر: هو كلام الله تعالى المنزل على نبي من أنبيائه والذي يلقيه الله إلى ملائكته من أمر ليفعلوه، كما قال تعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ... «3». وقال الزرقاني: الوحي هو أن يعلم الله تعالى من اصطفاه من عباده كل ما أراد اطلاعه عليه من ألوان الهداية والعلم، ولكن بطريقة سوية خفية غير معتادة للبشر «4». وزبدة القول ... إن الوحي شرعا: إلقاء الله الكلام أو المعنى في نفس الرسول أو النبي بخفاء وسرعة بملك أو بدون ملك «5». وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم الكيفية التي يلقي بها الملك الوحي إليه، وشهد الصحابة رضي الله عنهم حالة النبي صلى الله عليه وسلم لحظة التلقي ووصفوها، فمن ذلك ما رواه ابن سعد في طبقاته والإمام أحمد في مسنده عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه الوحي كرب له «6».
ولا يدع رسول الله صلى الله عليه وسلم مجالا للشك في شدة يقظته ووعيه في لحظة تلقي القرآن من جبريل، كما جاء في الحديث الذي يرويه الإمام البخاري في صحيحه، (عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشد علي، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا، فيكلمني فأعي ما يقول، قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا) «1». فكانت همته عليه الصلاة والسلام بادئ ذي بدء بعد انقطاع الوحي منصرفة إلى أن يحفظه ويستظهره، ثم يقرؤه على الناس على مكث ليحفظوه ويستظهروه «2»، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعجل- في بادئ الأمر- في حفظ القرآن، فيسابق جبريل عليه السلام وهو يلقي إليه القرآن ساعة الوحي، فيردد الآيات قبل أن ينتهي الملك من الوحي مخافة أن ينسى منه شيئا، وكان ذلك مما يشق عليه صلى الله عليه وسلم، فجاء القرآن يطمئنه في أول الطريق، وينهاه عن تلك العجلة، فقال تعالى: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي
عِلْماً «1». وجاءت آيات أخرى تؤكد أن حفظ القرآن مكفول للنبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (19) «2». وكانت ثمرة ذلك التمكين لحفظ القرآن، وهذه المدارسة له بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام أن حفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن حفظا لا حظ للنسيان فيه. كما جاء في الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما إذ يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن) «3». قال مجاهد: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتذاكر القرآن في نفسه مخافة أن ينسى، فقال الله عز وجل: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (6)) «4». فقرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القرآن على أصحابه، فكان بعضهم يكتبونه وآخرون يحفظونه، وأدوه إلى من جاء بعدهم من أجيال المسلمين، وظل القرآن محفوظا كما تلقاه الصحابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يومنا هذا، وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنهم أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو يقرأ على راحلته سورة الفتح) «5».
المطلب الثاني: كيفية تلقي الصحابة رضي الله عنهم القرآن وحفظه
وجاء في الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أنه قال: (قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: اقرأ علي، قلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: نعم. فقرأت سورة النساء) «1». المطلب الثاني: كيفية تلقي الصحابة رضي الله عنهم القرآن وحفظه شهد الصحابة رضي الله عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوحى إليه، وحدثهم صلى الله عليه وسلم عن بدء الوحي وأحواله، فاستبانت من خلال ذلك كله خصائص الوحي، واستقر في أفئدتهم علم اليقين بأن هذا هو وحي الله العظيم إلى نبيه الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فالصحابة رضي الله عنهم هم من قوم قد تمرنوا على الحفظ عبر مئات السنين، وكانوا يفتخرون بقوة حافظتهم، وجودة ملكتهم. والقرآن الكريم نزل في مدة بلغت ثلاثا وعشرين سنة، وكانوا كلما نزلت آية مفردة أو آيات، حفظتها الصدور ووعتها القلوب، وكان كتاب الله في المحل الأول من عناية صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم به، حيث كانوا يتنافسون في استظهاره وحفظه، ويتسابقون إلى مدارسته وتفهمه ويتفاضلون فيما بينهم على مقدار ما يحفظون منه، وربما كانت قرة عين السيدة منهم أن يكون مهرها في زواجها سورة من القرآن يعلمها إياها زوجها. وكانوا يهجرون لذة النوم وراحة الهجود إشارة للذة القيام به في الليل، والتلاوة له في الأسحار، والصلاة به
والناس نيام، حتى لقد كان الذي يمر ببيوت الصحابة في غسق الدجى يسمع فيها دويا كدوي النحل بالقرآن، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يذكي فيهم روح هذه العناية بالتنزيل يبلغهم بما أنزل إليه من ربه، ويبعث إلى من كان بعيد الدار منهم من يعلمهم ويقرئهم. كما بعث مصعب بن عمير وابن أم مكتوم إلى أهل المدينة قبل هجرته صلى الله عليه وسلم يعلمانهم الإسلام، ويقرءانهم القرآن، وكما أرسل عليه الصلاة والسلام معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى مكة بعد هجرته للتحفيظ والإقراء «1». قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: (كان الرجل إذا هاجر دفعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل منا يعلمه القرآن، وكان يسمع لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ضجة بتلاوة القرآن حتى أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخفضوا أصواتهم لئلا يتغالطوا) «2». وجاء في الأثر عن عبد الله بن حبيب، أبي عبد الرحمن السلمي أنه قال: (حدثنا الذين كانوا يقرءوننا كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل معا) «3». وجاء في الحديث الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن، قال: آلله سماني؟ قال: نعم، وقد ذكرت عند رب العالمين، قال: وذرفت عيناه واشتهر بين الناس بأن أبيّ أقرؤكم) «4».
وتدل هذه الرواية وغيرها على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن لبعض صحابته، ويهتم بأن يحفظوه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر على بيوت الأنصار ويستمع إلى ندى أصواتهم بالقراءة في بيوتهم، وكما جاء في الحديث الذي يرويه الإمام البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأعرف رفقة الأشعريين بالليل حين يدخلون، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوها بالنهار) «1». وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: لو رأيتني البارحة وأنا أستمع لقراءتك؟ لقد أعطيت مزمارا من مزامير آل داود) «2». وفي رواية الإمام مسلم بزيادة: (لو علمت والله يا رسول الله أنك تسمع لقراءتي لحبرته لك تحبيرا) «3». وبعد الحفظ والإتقان كان كل حافظ ينشر ما حفظه ويعلمه للأولاد والصبيان، والذين لم يشهدوا النزول ساعة الوحي من أهل مكة والمدينة ومن حولهم من الناس، فلا يمضي يوم أو يومان إلا وما نزل محفوظ في صدور كثيرين من الصحابة، وكان الحفظة والقراء يعرضون على النبي صلى الله عليه وسلم ما كانوا يحفظون من القرآن «4».
وعلى الرغم من أن القرآن الكريم لم يجمع في مكان واحد- سيأتي بيان سبب ذلك «1» - إلا أن ترتيبه في الحفظ لم يتغير، لأنه كان ترتيبا توقيفيا من الله تعالى، فقد ورد أن جبريل عليه السلام كان يقول: (ضعوا آية كذا في موضع كذا) «2»، ولا ريب أن جبريل كان لا يصدر في ذلك إلا عن أمر الله عز وجل، وهناك روايات متنوعة صحيحة كثيرة تدل دلالة قاطعة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام كانوا يقرءون القرآن الكريم على هذا الترتيب نفسه الذي يبدأ بسورة الفاتحة وينتهي بسورة الناس. ومن هنا كان حفاظ القرآن في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم جما غفيرا من الصحابة الكرام، فمنهم من حفظه كله، ومنهم من حفظ بعضه، ومن هؤلاء الحفاظ المشهورين: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وسعد وابن مسعود وحذيفة وسالم مولى أبي حذيفة وأبو هريرة وابن عمر وابن عباس وعمرو بن العاص وابنه عبد الله ومعاوية وابن الزبير وعبد الله بن السائب وعائشة وحفصة وأم سلمة، وهؤلاء كلهم من المهاجرين رضي الله عنهم أجمعين. وحفظ القرآن من الأنصار في حياته صلى الله عليه وسلم: أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو الدرداء ومجمع بن حارثة وأنس بن مالك وأبو زيد الذي سئل عنه أنس فقال: إنه أحد عمومتي رضي الله عنهم أجمعين «3». وقيل: إن بعض هؤلاء إنما أكمل حفظه للقرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأيا ما تكون الحال،
فإن الذين حفظوا القرآن من الصحابة كانوا كثيرين حتى بلغ عدد القتلى منهم في بئر معونة ويوم اليمامة مائة وأربعين «1» على أرجح الروايات، وسيأتي الحديث عن بعضهم مفصلا في المبحث القادم إن شاء الله تعالى. ثم إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور لا على حفظ المصاحف والكتب، يعد أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة، فجاء في الحديث الذي يرويه الإمام أحمد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن ربي قال لي: قم في قريش فأنذرهم، فقلت له: رب إذن يثلغوا رأسي حتى يدعوه خبزة، فقال: مبتليك ومبتل بك ومنزل عليك كتابا لا يغسله الماء تقرأه نائما ويقظانا، فابعث جندا أبعث مثلهم وقاتل بمن أطاعك من عصاك، وأنفق من ينفق عليك) «2». فأخبر تعالى أن القرآن لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل بالماء، بل يقرأ في كل حال كما جاء في الأثر عن صفة أمته صلى الله عليه وسلم: (أنا جيلهم في صدورهم) «3»، وذلك بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه إلا في الكتب ولا
يقرءونه كله إلا نظرا لا عن ظهر قلب، ولما خص الله تعالى بحفظه من شاء من أهله أقام له أئمة ثقات تجردوا لحفظه، وبذلوا أنفسهم في إتقانه، وتلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم حرفا حرفا، لم يهملوا منه حركة ولا سكونا ولا إثباتا ولا حذفا، ولا دخل عليهم في شيء منه شك «1». ولعل من أهم العوامل التي ساعدت الصحابة رضي الله عنهم على حفظ كتاب الله وتعلمه هو: وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم، يحفظهم من الكتاب والسنة ما لم يحفظوه ويعلمهم ما جهلوه، ويجيبهم إذا سألوه .. ، ولا ريب أن هذا عامل مهم ييسر لهم الحفظ ويهون عليهم الاستظهار، ولا سيما إذا لاحظنا أنه صلى الله عليه وسلم كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ... ، وقد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء «2»، فأحبوه حبا ملك مشاعرهم، فما حكاه التاريخ الصادق عنهم من أنه ما كان أحد يحب أحدا مثل ما كان يحب أصحاب محمد محمدا صلى الله عليه وسلم «3». وكذلك ينبغي عدم التقليل من أهمية المشافهة والحفظ، لأن الصحابة رضي الله عنهم حفظوا الحكم والأمثال والقصص والأشعار في الجاهلية فكيف لا تتوافر هممهم على حفظ القرآن في الإسلام، وهو أساس علاقتهم ودستور حياتهم. وللمشافهة أهمية خاصة لأنها تفيد في التركيز على الفهم والاستيعاب، وكذلك ما كان للناس آنذاك حياة معقدة كالتي نعيشها
في عصرنا، فهمومهم ومشاغلهم بسيطة، فكان الحفظ دقيقا ومهما، ولذلك فإن الحفظ في صدور الرجال كان أساسيا في جمع القرآن الكريم كوسيلة أولى في هذا المضمار «1».
المبحث الثاني جمعه في السطور
المبحث الثاني جمعه في السطور وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: أدوات الكتابة لقد ظل الاهتمام بحفظ القرآن الكريم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مرافقا ومسايرا الاهتمام بكتابته، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤه على صحابته، ويقرءونه فيما بينهم، وكان عليه الصلاة والسلام يأمر بكتابة ما ينزل عليه من القرآن فور نزوله حتى تظاهر الكتابة في السطور، جمع القرآن في الصدور. والأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر بكتابته والترغيب فيها كثيرة، منها: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه .. ) «1»، نفهم من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز كتابة القرآن، بل أمر بها، ولكن قد لا تتوافر لديهم وقت النزول تلك المادة المطلوبة للكتابة، ولهذا تنوعت أدوات الكتابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم «2»، وهذا يدل على مدى المشقة التي كان يتحملها الصحابة رضي الله عنهم في كتابة القرآن، وقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن البراء بن عازب أنه قال: لما نزلت: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «3»، قال
النبي صلى الله عليه وسلم: ادع لي زيدا وليجيء باللوح والدواة والكتف، أو الكتف والدواة، ثم قال: اكتب: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ، وخلف ظهر النبي صلى الله عليه وسلم عمرو ابن أم مكتوم الأعمى، فقال: يا رسول الله فما تأمرني؟ فإني رجل ضرير البصر، فنزلت مكانها: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ «1». وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه شيء من القرآن يدعو بعض من يكتب عنه، وكانوا يكتبونه على: العسب، واللخاف، والرقاع، والكرانيف، وقطع الأديم، وعظام الأكتاف، والأضلاع، والأقتاب «2». قال الخطابي «3»: (العسب)، بضم العين والسين: جمع عسيب، وهو جريد النخل، كانوا يكشفون الخوص ويكتبون في الطرف العريض. و (اللخاف)، بكسر اللام: جمع لخفة، وهي صفائح الحجارة الرقيقة و (الرقاع): جمع رقعة وتكون من جلد أو ورق. و (الكرانيف)، جمع كرنافة، وهي أصول السعف الغلاظ، و (قطع الأديم): هي الجلد، و (عظام الأكتاف) عظام أكتاف الإبل. و (الأقتاب) جمع قتب. وهو الخشب الذي يوضع على ظهر البعير ليركب عليه «4». وقال الحارث المحاسبي في كتاب (فهم السنن): كتابة القرآن ليست
بمحدثة، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرقا في الرقاع، والأكتاف، والعسب، والقرطاس «1». غير أن هذا التنوع لا يعني أن الكتابة على تلك المواد الخشنة كانت تشمل أكثر القرآن الكريم، فهنالك أدلة كثيرة تدل على أن المواد اللينة من ورق، أو جلد، بل حتى الحرير كانت من ضمن المواد الأصلية التي كتب عليها القرآن الكريم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. روى الإمام الترمذي وأحمد بن حنبل عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع) «2»، والرقاع يكون من جلد أو ورق. وكانت العرب قبل الإسلام وبعده تعرف من وسائل الكتابة أدواتها اللينة كالجلد والورق ولا سيما إذا تصورنا أن مكة كانت مركزا تجاريا مهما تقوم التجارة فيها على توثيق العقود وتدوين الحسابات، ومن الأدلة الأخرى أيضا: لقد كتبت صحيفة قريش في مقاطعة بني هاشم وصحيفة صلح الحديبية ورسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء لدعوتهم إلى الإسلام على مواد لينة كما تقتضي بذلك الأخبار الموثقة «3». وكيف لا تنتشر هذه الأدوات اللينة بين المسلمين وقد جاوروا أهل الكتاب، وكانت بأيديهم كتب يتدارسونها، وقد تكررت إشارات القرآن إلى هذه الكتب، كما خاطب القرآن العرب بأسماء هذه الأدوات اللينة كالصحف
والقراطيس كما في قوله تعالى: إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (18) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (19) «1»، وقوله تعالى: وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) «2»، وقوله تعالى: قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً «3». وذكر القرآن أيضا القلم والسجل والورق، كل ذلك موجه إلى العرب الذين لصقت بهم صفة الأمية خلال التاريخ، فلا ريب أنها لم تكن أمية جهل بالقراءة والكتابة، وإنما هي وثنية كانوا يدينون بها «4». إضافة إلى أنه لو صح أن معظم القرآن الكريم قد كتب على المواد الخشنة لكانت تلك المواد تحتاج في الهجرة إلى حمل قافلة، لأن القرآن الذي نزل بمكة يعد ثلثي القرآن، ولم تحدثنا أخبار الهجرة أن مثل هذه القافلة قد جيء بها إلى المدينة قبل النبي صلى الله عليه وسلم أو بعده «5». وقد ورد في قصة إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أن أوائل سورة (طه) كانت مكتوبة في رقعة في بيت فاطمة بنت الخطاب أخت عمر، ولم تكن هذه الصحيفة إلا واحدة من صحف كثيرة متداولة بين المسلمين في مكة يقرءون
فيها القرآن «1». وجاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنهم أنه قال: لما خطب النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة قام إليه رجل من اليمن يقال له أبو شاه، وطلب إليه أن يكتبوا الخطبة، فقال صلى الله عليه وسلم: (اكتبوا لأبي شاه) «2». وهنا يبرز سؤال، أو ربما يسأل سائل ويقول: لماذا لم يجمع القرآن في مصحف واحد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتضم المواد المشار إليها والتي استعملت في الكتابة بعضها إلى بعض؟ إن ذلك يرجع إلى ما كان يترقبه النبي صلى الله عليه وسلم من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته، وكان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يقرر ترتيب الآيات، فيقول: (ضعوا الآية كذا في موضع كذا) «3». وإن ذلك لم يكن خاضعا للاجتهاد منه عليه الصلاة والسلام لأن جبريل عليه السّلام كان يعارض النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن مرة في رمضان من كل عام، وفي العام الذي توفي فيه صلى الله عليه وسلم عارضه به مرتين «4». وهكذا انقضى العهد النبوي السعيد والقرآن مجموع على هذا النمط، والصحابة رضي الله عنهم الذين كانوا يكتبون القرآن لم يلتزموا بتوالي السور وترتيبها، وذلك لأن أحدهم كان إذا حفظ سورة أنزلت
على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كتبها، ثم خرج في سرية مثلا ونزلت في وقت غيابه سورة أخرى، فإنه كان إذا رجع يأخذ في حفظ ما ينزل بعد رجوعه وكتابته، فيستدرك ما كان يفوته في غيابه «1». وهكذا فقد ظل القرآن يكتب في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم على القطع المتفرقة، دون أن يجمع ويكتب على الصورة التي نجدها للمصحف اليوم، وتأكيدا لما ذكرنا، فقد روى الطبري في تفسيره عن محمد بن شهاب الزهري أنه قال: (قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء، وإنما كان في الكرانيف والعسب) «2». وقد ذكر ابن عبد البر ووافقه ابن حجر والسيوطي أن القرآن كان مكتوبا ومجموعا، ولكن في الصحف والألواح والعسب، قال في الاستيعاب: (وكان القرآن مجموعا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يكن في مصحف واحد، بل كان في صدور الرجال وفي العسب واللخاف والرق وأكتاف الإبل وما إلى ذلك) «3». وقال ابن حجر: (إن القرآن كان كله قد كتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في الصحف والألواح والعسب، لكن غير مجموع في موضع واحد، ولا مرتب) «4». وجاء في الإتقان: (وإنما لم يجمع في مصحف منظم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن القرآن كان ينزل مفرقا، ولأن السورة ربما نزل بعضها ثم تأخر نزول
المطلب الثاني: كتاب القرآن من الصحابة
تتمتها، فكان القرآن يكتب على القطع حتى إذا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألهم الله الخلفاء الراشدين جمع القرآن على نسق ما كان يقرأ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من القطع التي كتبت بين يديه) «1». وكذلك أنه لم يوجد من الدواعي لكتابته في مصحف أو مصاحف مثل ما وجد على عهد أبي بكر، ولا مثل ما وجد في عهد عثمان رضي الله عنهما، فالمسلمون وقتئذ بخير، والقراء كثيرون، والفتنة مأمونة، وأدوات الكتابة غير ميسورة، وعناية الرسول تفوق الوصف، وكذلك أن القرآن الكريم نزل منجما على مدى أكثر من عشرين سنة. ولو جمع في مصحف والحال على ما أشرنا لكان عرضة لتغيير الصحف، أو المصاحف كلما وقع نسخ أو حدث سبب، وذلك عسير جدا «2». المطلب الثاني: كتاب القرآن من الصحابة إن الكتابة أهم وسيلة لحفظ الأفكار ونقل المعرفة من جيل إلى جيل، لكن الكتابة كانت قليلة في بلاد العرب، حين ظهر الإسلام، فكان الكتاب في مدن الجزيرة العربية آنذاك أفرادا معدودين. قال البلاذري وهو يتحدث عن الكتابة في مكة: (دخل الإسلام وفي قريش سبعة عشر رجلا كلهم يكتب)، وقال عن الكتابة في يثرب: (إن الإسلام جاء وفيهم عدة يكتبون)، وذكر منهم أحد عشر كاتبا «3». ولم تمنع قلة الكتاب ولا وسائل الكتابة الصعبة من تدوين ما ينزل على
النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن، وما يحتاج إليه من كتابات أخرى مثل كتابة رسائله صلى الله عليه وسلم وغيرها، فالذين اختصوا منهم بكتابة القرآن كانوا يسمون بكتاب الوحي، وكانت كتابة القرآن تخضع للمراجعة والتدقيق حتى لا يتطرق احتمال الخطأ والنقصان إلى كتاب الله تعالى. فقد ورد عن زيد بن ثابت أنه قال: (كنت أكتب الوحي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يملي علي، فإذا فرغت قال: اقرأه، فأقرؤه، فإن كان فيه سقط أقامه، ثم أخرج به إلى الناس) «1». فكان زيد رضي الله عنه من أكثر الصحابة كتابة، وهذا ما قال به أبو بكر رضي الله عنه: إنك كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا غاب زيد بن ثابت دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان عنده من الكتاب، فقد ورد عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان ينزل عليه من السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه شيء يدعو بعض من يكتب عنده، فيقول: ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا) «2». وقد اختلف المؤرخون في عدد كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي نوع المهمات الكتابية التي ألقيت على كل منهم، فذكر البعض منهم عددا محدودا جدا لا يكاد يعقل، وذكر البعض الآخر عددا معقولا، ولكنه لم يسم لنا، فأوقعنا في حيرة وتساؤل. والسؤال الذي يطرأ على البال في هذا المجال هو: هل أن جميع الكتاب كانوا يكتبون باستمرار أم أنهم كانوا يتناوبون فيما بينهم؟ وهل استبدل بعضهم وحل محله البعض الآخر؟
ذكر البلاذري «1» أسماء أحد عشر كاتبا هم: أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن سعيد بن أبي سرح، وعثمان بن عفان، وشرحبيل بن حسنة، وجهيم بن الصلت، وخالد بن سعيد، وأبان بن سعيد، والعلاء بن الحضرمي، ومعاوية بن أبي سفيان، وحنظلة بن الربيع رضي الله عنهم أجمعين. أما الطبري «2» فقد ذكر أسماء عشرة من كتابه صلى الله عليه وسلم مضيفا: علي بن أبي طالب ومختزلا شرحبيل بن حسنة، وجهيم بن الصلت. وذكر المسعودي أسماء ستة عشر كاتبا مضيفا إلى قائمة البلاذري والطبري الأسماء الآتية: المغيرة بن شعبة، والحصين بن نصيرة، وعبد الله بن الأرقم، والعلاء بن عقبة، والزبير بن العوام، وحذيفة بن اليمان، ومعيقيب الدوسي رضي الله عنهم «3». وقال المسعودي مبينا وجهة نظره في عدد الكتاب الذين ذكرهم: (وإنما ذكرنا من أسماء كتابه صلى الله عليه وسلم من ثبت على كتابته، واتصلت أيامه فيها وطالت مدته، وصحت الرواية على ذلك من أمره دون من كتب الكتاب أو الكتابين والثلاثة، إذ كان لا يستحق بذلك أن يسمى كاتبا ويضاف على جملة كتابه) «4». ونلاحظ من خلال كلام المسعودي هذا أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم كتاب، ليس للرسائل فقط، بل هناك من كتاب الوحي أو الرسائل أو الصدقات أو المعاملات أو المداينات أو المغانم أو لأغراض إحصائية وما إلى ذلك. عن الإمام الدميري «5» رحمه الله تعالى، قال: (كان الزبير بن
العوام وجهم بن الصلت يكتبان أموال الصدقات، وحذيفة بن اليمان حوض النخل، والمغيرة بن شعبة والحصين بن نمير يكتبان المداينات والمعاملات، وشرحبيل بن حسنة يكتب التوقيعات إلى الملوك) «1». أما ابن عبد البر «2» فقد سمى لنا ثلاثة وعشرين كاتبا، وإذا استبعدنا من قائمته الذين ذكرهم البلاذري والطبري والمسعودي نجد أن قائمته تزيد على قائمتي الطبري والمسعودي بالأسماء الآتية: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد، وعبد الله بن رواحة، ومحمد بن مسلمة، وعبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول، وعمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين. وذكر الديار بكري أسماء أربعة وثلاثين كاتبا استوعبت القوائم المشار إليها مع زيادة متمثلة في: طلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، والأرقم بن أبي الأرقم، وعبد الله بن زيد بن عبد ربه، وسعيد بن العاص، وحويطب بن عبد العزى العامري، وأبي سلمة بن عبد الأسد، وحاطب بن عمرو بن حنظلة رضي الله عنهم أجمعين، وقال: (قيل: إن كتابه نيف وأربعون وأكثرهم ملازمة له زيد بن ثابت ومعاوية بن أبي سفيان بعد الفتح) «3». وأوصلهم العراقي إلى اثنين وأربعين «4».
وأيا كان الأمر، فإن المصادر تشير إلى أن عدد الكتاب تراوح بين ستة وعشرين وثلاثة وأربعين كاتبا «1»، وكانوا يتناوبون على الكتابة، وكان أكثرهم مداومة على كتابة الوحي زيد بن ثابت رضي الله عنه بعد الهجرة، ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بعد الفتح. ولم يكن جميع الكتاب يكتبون الوحي، والواقع أن هذه المسألة مهمة جدا في معرفتها «2». ويفهم من هذه النصوص، ونصوص أخرى: أن كتاب الوحي المعتمدين هم: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، وإن غاب هؤلاء تولى الكتابة من حضر من الكتاب وهم: معاوية بن أبي سفيان، وخالد بن سعيد، وأبان بن سعيد، والعلاء بن الحضرمي، وحنظلة بن الربيع رضي الله عنهم. وكان عبد الله بن سعد بن أبي سرح يكتب الوحي ثم ارتد عن الإسلام، ثم رجع إلى الإسلام يوم فتح مكة وحسن إسلامه. هؤلاء هم الذين أشارت المصادر إلى أنهم كتبوا الوحي، وكان حنظلة بن الربيع خليفة كل كاتب من كتابه صلى الله عليه وسلم إذا غاب عن عمله «3». ويتضح لدى الاستقراء أن ثمة تخصصا كان موجودا في الكتابة والكتّاب. وهذا لا يعني ضرورة أن ينفرد كاتب كخالد بن سعيد بن العاص أو حنظلة الأسيدي بالكتابة بين يديه صلى الله عليه وسلم في سائر ما يعرض من أمور «4»، علما أن
أهم أنواع الكتابة وأعظمها شرفا هي كتابة الوحي، التي ألمحت أن زيد بن ثابت الأنصاري كان ألزم الصحابة لكتابتها. فقد ورد الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ادع لي زيدا وليجيء باللوح والدواة) «1». ويمكن أن نصنف الكتابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم على الشكل الآتي: 1 - كتاب الوحي. 2 - كتابة رسائل النبي صلى الله عليه وسلم «2» وما يعرض من حوائجه عليه الصلاة والسلام. 3 - كتابة المداينات بين الناس والعقود والمعاملات. 4 - كتابة أموال الصدقات. 5 - كتابة الخرص «3». 6 - كتابة المغانم. 7 - كتابة العهود والمواثيق والصلح. وفضلا عن ذلك فقد وردنا عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس، فكتبنا له ألفا وخمسمائة رجل، فقلنا: نخاف ونحن ألف وخمسمائة!! فلقد رأيتنا ابتلينا حتى أن الرجل ليصلي وحده وهو خائف) «4». يستنتج من ذلك أنهم كتبوا أسماء المسلمين لأغراض إحصائية. ولا مشاحة أنهم كانوا يحتاجونها في السلم والحرب. ومن نافلة القول التأكيد على أمانة الكتاب ومدى الثقة بهم، لأنهم
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا صح أن وجد بينهم من لم يكن أمينا فسرعان ما يتضح أمره. فورد عن أنس رضي الله عنه خادم النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنه كان رجل نصرانيا فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم عاد إلى نصرانيته، فكان يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض، ثم أعمقوا له ثلاث مرات، فيصبح وقد لفظته الأرض، فعلموا أنه ليس من عمل الناس فتركوه) «1». وهذه الرواية الصحيحة بالرغم من أهميتها إلا أن آيات القرآن كانت أصرح الدلالة في هذا الجانب إذ يقول الباري عز وجل: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ «2»، وقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9) «3». ويبدو لي أن من الكتاب من ألقيت عليه مهمة تعليم القراءة والكتابة التي صورت لنا المصادر أن الإسلام كان حفيا بها في بواكير محنته مع أهل الشرك والضلال، وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل من أسرى بدر تعليم أبناء المسلمين القراءة والكتابة فداء لأسرهم. إن هذا يعكس دون أدنى ريب الوجه الثقافي والحضاري الصاعد في شريعة الإسلام الخالدة، فكان مصعب بن عمير قد نزل- عند مقدمة المدينة- على أسعد بن زرارة فكان يطوف به على دور الأنصار يقرئهم القرآن ويدعوهم إلى الله عز وجل. وكان مع مصعب بن عمير عبد الله ابن أم مكتوم «4». ولكي تتضح تلك الأنواع المتخصصة بالكتابة أرى من الضروري
1 - أبان بن سعيد الأموي:
إيراد استعراض مختصر لبعض الكتاب، وسأذكرهم على ترتيب الحروف: 1 - أبان بن سعيد الأموي: أبو الوليد أبان بن سعيد بن العاص بن عبد شمس القريشي الأموي. أسلم بين الحديبية وخيبر وحسن إسلامه، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على بعض سراياه، ومنها سرية نجد، ثم ولاه البحرين برها وبحرها بعد أن عزل عنها العلاء بن الحضرمي سنة تسع للهجرة، فكان يأخذ الصدقات من البحرين، والجزية على من لم يسلموا أو لم ينزل عليها حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم واعتبره البلاذري والطبري من كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، غير أنهما لم يبينا لنا نوع الكتابة التي تولاها، وعده ابن عبد البر من كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، وعده كذلك الزنجاني. وقال الواقدي: ثم قدم أبان على أبي بكر من البحرين وسار إلى الشام فقتل يوم أجنادين سنة 13 هـ، في خلافة الصديق رضي الله عنه «1». 2 - الأرقم بن أبي الأرقم: هو أبو عبد الله الأرقم بن عبد مناف بن أسد بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي من المهاجرين الأولين، قديم الإسلام، قيل: إنه سابع سبعة، وقيل: بل أسلم بعد عشرة أنفس، وفي داره كان النبي صلى الله عليه وسلم متخفيا من قريش بمكة يدعو الناس إلى كلمة الله طيلة المدة التي كانت الدعوة فيها سرية. وكان ممن كتب للنبي صلى الله عليه وسلم، أسلم في داره كبار الصحابة في ابتداء الإسلام. وشهد الأرقم بدرا وأحدا والمواقف كلها، واختلف في تاريخ وفاته، فقيل: إنه توفي يوم وفاة الصديق رضي الله عنه، وقيل: بل كانت وفاته
3 - أبي بن كعب الأنصاري
بالمدينة سنة 55 هـ، وهو ابن بضع وثمانين سنة. وأوصى أن يصلي عليه سعد بن أبي وقاص «1». 3 - أبي بن كعب الأنصاري أبو المنذر أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية الأنصاري الخزرجي. حدث عنه الكثيرون، وأنه أول من كتب للنبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار، كان إذا غاب أبي لأمر ما تولى الكتابة زيد بن ثابت «2»، فكان مؤتمنا على الوحي، وسيد القراء، وإلى جانب كتابة الوحي، فإنه كتب الرسائل «3»، وهو من الذين جمعوا القرآن الكريم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم «4». قال عنه صلى الله عليه وسلم: (ليهنك العلم أبا المنذر) «5»، فكان أحد فقهاء الصحابة وأقرأهم لكتاب الله. وهناك اختلاف في سنة وفاته، فقيل: سنة 19 هـ، وقيل: سنة 22 هـ، وقيل: في خلافة عثمان رضي الله عنه، وهذا هو الراجح، بدليل قول الواقدي: (وقد سمعنا من يقول: مات في خلافة عثمان سنة ثلاثين، قال: هو أثبت الأقوال عندنا، وذلك أن عثمان أمره أن يجمع القرآن) «6».
4 - ثابت بن قيس الخزرجي:
4 - ثابت بن قيس الخزرجي «1»: أبو محمد، وقيل: أبو عبد الرحمن ثابت بن قيس بن شماس بن زهير بن مالك الأنصاري الخزرجي، كان خطيب الأنصار ويقال له: خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم «2». وكان من نجباء الصحابة، شهد أحدا وبيعة الرضوان وما تلاها من المشاهد، وإخوته لأمه عبد الله بن رواحة وعمرة بنت رواحة، وهو زوج جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول. آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين عمار بن ياسر، وقيل: بل المؤاخاة بين عمار وحذيفة، وكان جهير الصوت خطيبا بليغا، قال عند مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة: (نمنعك ما نمنع به أنفسنا وأولادنا) «3»، وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس) «4». وعند ما نزلت الآية الكريمة: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ «5»، جعل يبكي فطمأنه النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ممن كتب للنبي صلى الله عليه وسلم «6».
5 - جهيم بن الصلت:
5 - جهيم بن الصلت: هو جهيم بن الصلت بن المغلب، ويقال: مخرمة بن عبد مناف، أسلم بعد الفتح، قال البلاذري: كان يعلم الخط في الجاهلية، فجاء الإسلام وهو يكتب فكتب للنبي صلى الله عليه وسلم «1». ودليل آخر على أنه كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم أنه عند ما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه بحسنة بن رؤية فصالحه عليه الصلاة والسلام وكتب له كتابا، وفي آخره: كتب جهيم بن الصلت «2». وكان جهيم بن الصلت والزبير بن العوام يكتبان أموال الصدقات وكيفية تقسيمها على ما جاء في القرآن الكريم «3». 6 - حذيفة بن اليمان «4»: أبو عبد الله حذيفة بن حسيل (واليمان لقب له) بن جابر بن عمرو بن ربيعة، أحد الصحابة المشهود لهم، كان يكتب خرص الحجاز. شارك في معارك الإسلام الخالدة، ومنها تحرير العراق في معركة نهاوند سنة 21 هـ، استعمله الفاروق عمر رضي الله عنه على المدائن ولم يزل بها حتى مات بعد استشهاد عثمان رضي الله عنه بأربعين يوما، وقيل أيضا: إن وفاته كانت سنة 35 هـ، وهو القائل: (لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة منافقوها)، وكان أعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنافقين، وبأخبار الفتن، فهو صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم «5».
7 - الحصين بن نمير الأنصاري:
7 - الحصين بن نمير الأنصاري «1»: هناك اشتباه وقع فيه المؤرخون في تحديد من هو هذا الصحابي لتشابه الأسماء، فهناك الحصين بن نمير الأنصاري والحصين بن نمير السكوني، وقد ذكر المؤرخون من كتاب النبي صلى الله عليه وسلم الحصين بن نمير ولم يوضحوا نسبه. قال المسعودي: كان الحصين بن نمير والمغيرة بن شعبة يكتبان فيما يعرض حوائجه «2»، وكانا يكتبان المداينات والمعاملات «3». ولقد خلط ابن عساكر بين حصين بن نمير السكوني والحصين بن نمير الأنصاري. وكان الأول أميرا ليزيد بن معاوية على قتال أهل مكة وحاصر عبد الله بن الزبير، وكان إبراهيم ابن الأشتر قد هاجم هذا الجيش الذي تحت إمرة السكوني سنة 66 هـ- 67 هـ وقتل الأمير وعددا من معاونيه، وبعث برءوسهم إلى المختار «4». وذكر ابن حجر حصين بن نمير الأنصاري الذي أغار على تمر الصدقة في غزوة تبوك سنة 9 هـ، ثم ذكر حصين بن نمير آخر وقال: ما أدري الذي قبله أو غيره. ذكره ابن عساكر في تاريخه وقال: كان عامل عمر رضي الله عنه على الأردن، ثم أميرا ليزيد بن معاوية، نسبه ابن الكلبي فقال: حصين بن نمير بن فاتك بن لبيد بن جعفر بن الحارث بن سلمة بن سكانة، وقال: إنه كان شريفا بحمص وكذا ولده، إلى أن يقول: فلا أدري أراد هذا أو أراد الذي قبله «5».
8 - حنظلة بن الربيع:
8 - حنظلة بن الربيع «1»: حنظلة بن الربيع بن صيفي بن رباح بن مخاشن بن معاوية بن أسيد التميمي ابن أخى أكثم بن صيفي الحكيم المشهور، وكان يلقب بحنظلة الكاتب، كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، وإذا غاب واحد من الكتاب فهو ينوب عنه «2»، وهذا يشير على ما يبدو إلى إمكانيته الفذة من ناحية، وأنه لم يختص بنوع معين من الكتابة، ومن ناحية أخرى فهو موضع ثقة نظرا لما كان يتولاه من أمور الكتابة وبهذا الشكل. شهد القادسية، وتوفي في خلافة الفاروق رضي الله عنه بعد أن فتح الله على المسلمين البلاد، فتفرقوا فيها، فصار حنظلة الكاتب إلى الرها فمات فيها «3». وقال ابن حجر: بل مات في خلافة معاوية، ورثته امرأة من قومه وقيل زوجته بقصيدة منها البيت الذي نصه: إن سواد الرأس أودى به ... حزني على حنظلة الكاتب وقد توهم الديار بكري فقال: استشهد في أحد «4»، لأن الذي استشهد في أحد إنما هو حنظلة بن أبي عامر غسيل الملائكة «5».
9 - خالد بن سعيد بن العاص:
9 - خالد بن سعيد بن العاص «1»: أبو سعيد خالد بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي أحد السابقين الأولين وكان من المهاجرين إلى الحبشة هو وأخوه عمرو، أقام بالحبشة إذ هاجر إليها وكانت معه امرأته وابناه سعيد وخالد اللذان ولدا بأرض الحبشة، وكان خالد يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم في سائر ما يعرض من أموره هو وحنظلة الكاتب «2». قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم خيبر سنة 7 هـ، وأسهم له النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع معه إلى المدينة وبعثه عاملا على صدقات اليمن، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عامله على صنعاء اليمن، وأقره الصديق رضي الله عنه أميرا على جيش فتح الشام لتحريرها من الروم، فحاربهم في مرج الصفر «3»، فقيل: إنه قتل فيه، وقيل: إنه بقي حيا حتى شهد اليرموك. روي عن أم خالد بنت خالد أنها قالت: (كان أبي خامسا في الإسلام وهاجر إلى أرض الحبشة، وأقام بها بضع عشرة سنة وولدت أنا بها وأبي أول من كتب بسم الله الرحمن الرحيم) «4». وجاء في الاستيعاب أنه استشهد يوم أجنادين، أما في الإصابة فقد ذكر موضعان فقال: (إنه استشهد في مرج الصفر، وعن موسى بن عقبة أنه استشهد
10 - خالد بن الوليد:
يوم أجنادين، وقد اختلف أهل التاريخ أيهما كان قبل والله أعلم) «1». ورجح البلاذري أنه مات في مرج الصفر التي وقعت بعد أجنادين بعشرين ليلة، وأن فتح مدينة دمشق بعده «2». 10 - خالد بن الوليد «3»: أبو سليمان خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القريشي المخزومي، سيف الله وأمه لبابة الصغرى، وهو أحد أشراف قريش في الجاهلية وعليه كانت القبة والأعنة «4». ذكره ابن عبد البر مع الذين كتبوا للنبي صلى الله عليه وسلم «5». اختلف في تحديد وقت إسلامه، فقيل: هاجر خالد بعد الحديبية، وقيل: بل كان إسلامه بين الحديبية وخيبر، وذهب بعضهم إلى القول أن إسلامه كان سنة ثمان للهجرة مع عمرو بن العاص وعثمان بن طلحة، ولما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رمتكم مكة بأفلاذ أكبادها) «6»، حسن إسلامه وولاه النبي صلى الله عليه وسلم على أعنة الخيل وسماه (سيفا من سيوف الله) «7»، وشهد فتح مكة مسلما، وبعثه صلى الله عليه وسلم إلى
11 - الزبير بن العوام:
بيت العزى، وكان مما تعظمه قريش وكنانة ومضر بنخلة فهدمها وجعل يقول: كفرانك اليوم لا سبحانك ... إني رأيت الله قد أهانك وقال بعض المؤرخين: لا يصح لخالد مشهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الفتح. ومضى أميرا على الجيوش التي ذهبت للقضاء على المرتدين، ولما حضرته الوفاة قال: شهدت مائة زحف أو زهاءها وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة أو رمية، ثم ها أنا ذا أموت كما يموت البعير، فكان رضي الله عنه يطمع بالشهادة في سبيل الله، وكانت وفاته بحمص. وقيل: توفي في المدينة سنة 21 هـ أو 22 هـ، في خلافة عمر الفاروق رضي الله عنه والأكثر أنه مات بحمص والله أعلم «1». 11 - الزبير بن العوام «2»: الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القريشي الأسدي أبو عبد الله، حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفية، كما جاء في الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: (الزبير بن العوام ابن عمتي وحواري أمتي) «3». وهو أول من سل سيفا في سبيل الله، وهو من العشرة المبشرة بالجنة، وكان الزبير بن العوام وجهيم بن الصلت يكتبان للنبي صلى الله عليه وسلم في أموال
12 - زيد بن ثابت الأنصاري:
الصدقات «1»، ويقومان بتصفيتها وتوزيعها على ما ورد في الآية الكريمة* إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ «2». أبلى الزبير بلاء عظيما في معارك الإسلام الخالدة، وفي اليرموك على وجه التحديد، استشهد سنة 36 هـ، في وقعة الجمل، قتله ابن جرموز بوادي السباع «3». منصرفا تاركا للقتال طالبا للنجاة من الفتن، فأخذ ابن جرموز سيفه بعد أن قتله وأخبر عليا رضي الله عنه فبشره بالنار، لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بشر قاتل ابن صفية بالنار) «4»، فقال ابن جرموز متهكما: يا ويلنا إن قاتلناكم ويا ويلنا إن قاتلنا معكم فنحن في النار «5». وكان الإمام علي رضي الله عنه يقول: (والله إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير من أهل هذه الآية: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (47) «6». 12 - زيد بن ثابت الأنصاري «7»: هو زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي، كاتب الوحي للنبي
صلى الله عليه وسلم. قتل أبوه في يوم بعاث قبل الهجرة بخمس سنين «1»، وعند ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا إلى المدينة كان زيد صبيا ذكيا نجيبا، وكان عمره إحدى عشرة سنة. فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعلم خط اليهود، فأجاد الكتابة وحفظ القرآن الكريم وأتقنه، وكتب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم، كما كتب زيد مغانم النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتولاها معيقيب ابن فاطمة الدوسي «2». ثم كتب الكتب إلى الملوك وأجاب عنها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يترجم من الفارسية والرومية والقبطية والحبشية، وكان قد تعلمها في المدينة من أهل هذه الألسن، كما جاء في حديث: (يا زيد تعلم كتابة يهود، فإني ما آمنهم على كتابي) «3». وفي حديث آخر عن زيد بن ثابت قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (إني أكتب إلى قوم أخاف أن يزيدوا علي أو ينقصوا فتعلم السريانية فتعلمتها في سبعة عشر يوما) «4». وروي عنه أيضا أنه قال: (كنت إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم فغشيته السكينة فوقعت فخذه على فخذي فما وجدت شيئا أثقل منها. ثم سري فقال لي: اكتب، فكتبت في كتف «لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون» «5»، فقام عمرو بن أم مكتوم فقال: كيف بمن لا يستطيع؟ فما انقضى كلامه حتى غشيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم السكينة، ثم سري عنه فقال: اكتب غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ «1». واستصغر يوم بدر، وكان أفرض الصحابة، وأحد أصحاب الفتوى كما روى ذلك ابن سعد بإسناد صحيح، قال: كان زيد بن ثابت أحد أصحاب الفتوى وهم ستة: عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبو موسى الأشعري، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم «2». وأوضح ابن عبد البر أن زيدا كان ألزم الصحابة لكتابة الوحي مع أنه كان يكتب كثيرا من الرسائل، وسبقت الإشارة إلى أن أبي بن كعب كان أول من كتب للنبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار، فإذا لم يكن حاضرا دعا زيد بن ثابت، وكانا يتناولان الكتابة في الوحي، كما كتبا كتبه صلى الله عليه وسلم إلى الناس «3». وانتدب في زمن الصديق رضي الله عنه لجمع القرآن، ثم عينه عثمان رضي الله عنه لكتابة المصحف وثوقا بحفظه، ودينه وأمانته وحسن كتابته وكتب بعد النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهم جميعا، كما كتب لهما معيقيب الدوسي معه «4». وقرأ عليه القرآن جماعة من الصحابة والتابعين، منهم: ابن عباس وأبو عبد الرحمن السلمي، وحدث عنه ابنه خارجة، وأنس بن مالك، وابن عمر، وعبيد بن السباق، وعطاء بن يسار وغيرهم، وكان ابن عباس يأتي بابه وينتظر خروجه ليسمع منه العلم، فإذا ركب أخذ بركابه، فيقول: ما هذا يا ابن عباس؟
13 - شرحبيل بن حسنة:
وفي رواية الشعبي: تنح يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا، هكذا نفعل بالعلماء والكبراء. وكان عمر رضي الله عنه يستخلفه على المدينة إذا حج، وكان من الراسخين في العلم، وكان رأسا في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض «1». وقد اختلف في وفاته فقيل: سنة 45 هـ، وقيل: سنة 55 هـ، وقيل غير ذلك، وأكثر الأقوال على أنه توفي سنة 45 هـ «2». 13 - شرحبيل بن حسنة «3»: قال القاضي الرامهرمزي: هو شرحبيل بن عبد الله بن المطاع بن عمرو من كندة، وأمه حسنة مولاة معمر بن حبيب الجمحي، هي من بطن حمير، وكان سفيان بن معمر بن حبيب بن وهب الجمحي تزوجها بعد عبد الله بن المطاع وتبنى ابنها في الجاهلية، فولدت له جابرا وجنادة ابني سفيان، فلما قدموا من الحبشة نزلوا على قومهم من بني زريق، ونزل شرحبيل مع أخويه لأمه، ثم هلك سفيان وأبناءه في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فتحول شرحبيل بن حسنة على بني زهرة فحالفهم «4». وكان ممن كتب للنبي صلى الله عليه وسلم «5»، وهناك من ذهب إلى أنه أول كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم «6». وكان من مهاجرة الحبشة مصدرا في وجوه قريش، ثم أصبح أميرا مجاهدا
14 - عامر بن فهيرة:
في تحرير الشام، كما ولاه الفاروق رضي الله عنه ربع أرباع الشام، وكانت وفاته شهيدا في طاعون عمواس سنة 18 هـ، وهو ابن سبع وستين سنة «1». 14 - عامر بن فهيرة «2»: هو عامر بن فهيرة التميمي، مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأحد السابقين إلى الإسلام، وكان ممن يعذب في الله، وأوضح ابن إسحاق أنه كان مولودا من الأزد للطفيل بن عبد الله بن سخبرة، فاشتراه الصديق رضي الله عنه وأعتقه، فأسلم وحسن إسلامه، وهو من الذين كتبوا للنبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة «3». وكان له دور مهم في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم مع انه كان راعيا للأغنام، فكان يريحها ليحتلب منها النبي صلى الله عليه وسلم والصديق رضي الله عنه مدة لبثهم في غار ثور متخفين عن أعين المشركين، ثم يسير بغنمه ليخفي آثار عبد الله بن أبي بكر الذي كان يواصل النبي صلى الله عليه وسلم بأخبار قريش، وآثار أخته أسماء ذات النطاقين التي كانت تأتي بالطعام للنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وكانت وفاته سنة 4 هـ، عند بئر معونة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث أربعين رجلا إلى أهل نجد للدعوة إلى الإسلام، فذهب عدد من خيار المسلمين وأميرهم المنذر بن عمرو، ومنهم عامر بن فهيرة، فساروا حتى نزلوا ببئر معونة وهي أرض بين بني عامر وحرة بني سليم فغدروا بهم رحمهم الله «4».
15 - عبد الله بن الأرقم:
15 - عبد الله بن الأرقم «1»: هو عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف القيسي الزهري، أسلم عام الفتح وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، واستكتبه عمر الفاروق رضي الله عنه، وكان يجيب الملوك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأشار المسعودي على أن عبد الله بن الأرقم والعلاء بن عقبة كانا يكتبان بين الناس المداينات وسائر العقود والمعاملات «2»، فلما ولي عمر رضي الله عنه استعمله على بيت المال في خلافته، واستمر في خلافة عثمان رضي الله عنهم سنتين حتى استعفاه من ذلك فأعفاه، وكانت وفاته في خلافة عثمان رضي الله عنه. 16 - عبد الله بن رواحة «3»: عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس الأنصاري الخزرجي، كني ب (أبي عمرو وأبي محمد)، نزيل دمشق، وهو بدري، روى عنه أبو هريرة وابن عباس رضي الله عنهم، وكان نقيبا في بيعة العقبة الثانية، وكان شاعرا، وهو أخو أبي الدرداء لأمه، وهو الذي جاء ببشارة وقعة بدر إلى المدينة، ويعتبر من كتاب الأنصار المشهورين، وكتب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، واستشهد في غزوة مؤتة سنة 8 هـ، بعد صاحبيه زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وكان ابن رواحة رضي الله عنه قوي الإيمان وهو القائل: والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
17 - عبد الله بن سعد:
فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا إن العدو قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا وكان أحد شعراء النبي صلّى الله عليه وسلم الذين كانوا ينافحون عنه وفيه، وكحسان بن ثابت وكعب بن مالك «1». وفيه قال صلّى الله عليه وسلم: (رحم الله ابن رواحة إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة) «2». 17 - عبد الله بن سعد «3»: هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري من بني عامر بن لؤي بن غالب. أسلم وكتب للنبي صلّى الله عليه وسلم، قال الطبري: هو أول من كتب للنبي صلّى الله عليه وسلم من قريش في مكة، ثم ارتد ولحق بالمشركين، يقول: كان يملي علي (عزيز حكيم)، فأقول: (عليم حكيم) «4». ونزل فيه قوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ... «5». ثم أسلم وحسن إسلامه. وله رواية وحديث. وولاه الفاروق رضي الله عنه الصعيد كما ولي مصر لعثمان رضي الله عنه، وهو الذي فتح إفريقيا وقتل جرجير صاحبها. وغزا ذات الصواري سنة أربع وثلاثين، ورجح ابن حجر أن وفاته كانت سنة 59 هـ، وقيل: في خلافة علي رضي الله عنه سنة ست وثلاثين «6».
18 - العلاء بن الحضرمي:
18 - العلاء بن الحضرمي «1»: العلاء بن عبد الله بن عباد بن أكبر بن ربيعة، كان من حلفاء بني أمية ومن سادة المهاجرين، ولاه النبي صلّى الله عليه وسلم البحرين ثم وليها لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وتروي المصادر أن الفاروق رضي الله عنه بعثه أميرا على البصرة فمات قبل أن يصل إليها. ونقل الذهبي عن محمد بن سيرين أن العلاء كتب للنبي صلّى الله عليه وسلم «2». وقال المسعودي: (ربما كتب بين يديه) «3»، وعده البلاذري والطبري من كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم «4». ومن فضائله رضي الله عنه ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: (رأيت ثلاثة أشياء في العلاء لا أزال أحبه أبدا، قطع البحر على فرسه بواد أرين، وقدم يريد البحرين فدعا الله بالدهناء فنبع لهم ماء فارتووا، ونسي رجل منهم بعض متاعه فرد فلقيه ولم يجد الماء، ومات ونحن على غير ماء فأبدى الله سحابة فمطرنا، فغسلناه وحفرنا له بسيوفنا ودفناه ولم نلحد له)، وكانت وفاته سنة 21 هـ «5». 19 - محمد بن مسلمة «6»: أبو عبد الرحمن محمد بن مسلمة بن سلمة بن خالد بن عدي من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج حليف لبني عبد الأشهل. ولد قبل البعثة باثنتين
20 - معاوية بن أبي سفيان:
وعشرين سنة في قول الواقدي، وهو ممن سمي في الجاهلية محمدا، وقيل: يكنى أبا عبد الله، وقال ابن سعد: أسلم قديما على يد مصعب بن عمير وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي عبيدة «1»، وكان يقال له: فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من كتاب النبي صلى الله عليه وسلم «2». استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في بعض غزواته، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم بدرا والمشاهد كلها إلا غزوة تبوك، فإنه تخلف بإذن من النبي صلى الله عليه وسلم، فأذن له أن يقيم بالمدينة. وكان ممن ذهب إلى قتل كعب بن الأشرف اليهودي الذي آذى المسلمين وتكلم على نسائهم «3». وكان ممن اعتزل الفتنة فلم يشهد الجمل ولا صفين، وقال حذيفة في حقه: إني لأعرف رجلا لا تضره الفتنة، فذكره وصرح بسماع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن الكلبي: ولاه عمر رضي الله عنه على صدقات جهينة، وقال غيره: كان عند عمر معدا لكشف الأمور المعضلة في البلاد. قال الواقدي: مات بالمدينة في صفر سنة ست وأربعين وهو ابن سبع وسبعين سنة، وأرخه المدائني ومحمد بن الربيع أنه مات سنة ثلاث وأربعين في داره بالمدينة «4». 20 - معاوية بن أبي سفيان «5»: معاوية بن أبي سفيان، صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي. ولد قبل البعثة بخمس سنين، أسلم قبل أبيه في عمرة
القضاء بعد الحديبية، ولم يظهر إسلامه إلا يوم الفتح سنة 8 هـ. وهو أخو أم حبيبة رضي الله عنهما. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر وأم حبيبة رضي الله عنهم، وروى الحديث عن غيرهم. كما روى عنه خلق من الصحابة والتابعين، منهم ابن عباس وعبد الله بن الزبير والنعمان بن بشير ومروان بن الحكم، وسعيد بن المسيب وأبو إدريس الخولاني «1». تولى كتابة الرسائل فيما بين النبي صلى الله عليه وسلم وعرب البادية، قال المدائني: كان زيد بن ثابت يكتب الوحي، وكان معاوية بكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فيما بينه وبين العرب، وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان كاتبا للوحي «2». قال البلاذري: كتب له بعد إسلامه عام الفتح. وقال المسعودي: كتب له معاوية قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بأشهر «3». تجمع الروايات على أن معاوية كتب الرسائل والوحي، وكان هو وزيد بن ثابت ملازمين للكتابة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في الوحي وغيره. وفي مسند الإمام أحمد- وأصله في مسلم- عن ابن عباس قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (ادع لي معاوية، وكان كاتبه) «4». وقد ولاه الفاروق رضي الله عنه الشام بعد أخيه يزيد رضي الله عنهما، وأقره عثمان رضي الله عنه، وكان إذا رآه يقول: هذا كسرى العرب، وقال عنه الفاروق أيضا: تعجبون من دهاء هرقل وكسرى، وتدعون معاوية «5».
21 - معيقيب بن أبي فاطمة:
وقد قال بعض المؤرخين: أنه عاش عشرين سنة أميرا، وعشرين سنة خليفة، وبهذا جزم محمد بن إسحاق «1». وكانت وفاته في رجب سنة ستين هجرية على الصحيح. 21 - معيقيب بن أبي فاطمة «2»: هو معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي ابن عدنان بن عبد الله الأزدي، كان حليفا لبني أسد، أسلم بمكة قديما وشهد بدرا وبيعة الرضوان وغيرها، وكان من مهاجرة الحبشة، كتب للنبي صلى الله عليه وسلم، ويبدو أنه كان مختصا بكتابة مغانم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عليها قبله زيد بن ثابت «3». وهو صاحب خاتم النبي صلى الله عليه وسلم، كما كتب بعد النبي صلى الله عليه وسلم للصديق والفاروق رضي الله عنهما وكان على بيت المال في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، وروى عنه ابناه محمد والحرث، وابن ابنه إياس بن الحرث، وكانت وفاته سنة 40 هـ «4». 22 - المغيرة بن شعبة الثقفي «5»: هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن قيس الثقفي أبو محمد، وقال الطبري: أبو عبد الله، أسلم يوم الخندق، وشهد الحديبية
23 - يزيد بن أبي سفيان:
واليمامة وفتوح الشام واليرموك، له مائة وستة وثلاثون حديثا، اتفق البخاري ومسلم على تسعة، وانفرد البخاري بحديث ومسلم بحديثين، وعنه ابناه حمزة وعروة والشعبي وخلق وكان عاقلا أديبا حازما ذا رأي ودهاء كبير، ذكره المؤرخون كواحد من كتاب النبي صلى الله عليه وسلم «1». وقال عنه ابن سعد: كان يقال له: مغيرة الرأي، وقال الشعبي: كان من دهاة العرب، استعمله الفاروق رضي الله عنه على البحرين، وشكوا منه فعزله ثم ولاه البصرة. وفتح ميسان وهمدان، ثم عزله الفاروق وولاه بعد ذلك على الكوفة، وأقره عثمان رضي الله عنه ثم عزله. وكانت وفاته بالكوفة سنة 50 هـ. وهو أمير عليها، وقيل: سنة 49 هـ. والأول هو الصواب كما قال ابن حجر، وقال: ونقل فيه الخطيب الإجماع «2». 23 - يزيد بن أبي سفيان «3»: هو يزيد بن أبي سفيان صخر بن حرب الأموي أبو خالد الأمير. يقال له يزيد الخير، هو أخو معاوية من أبيه، وأخو أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنهم جميعا. له أحاديث، روى عنه عياض الأشعري، وجنادة بن أبي أمية، ولي فتح الشام. كان من العقلاء الألباء والشجعان المذكورين، أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه، وشهد حنينا وأسهم له النبي صلى الله عليه وسلم من غنائمها، كتب للنبي صلى الله عليه وسلم في مراسلاته، واستعمله على صدقات بني فراس «4». توفي في طاعون عمواس سنة 18 هـ.
المطلب الثالث: خط المصاحف
وهكذا ... فالقرآن الكريم حظي بأوفى نصيب من عناية النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، فلا تصرفهم عنايتهم بحفظه عن عنايتهم بكتابته. ولكن بمقدار ما سمحت به وسائل الكتابة وأدواتها في عصرهم «1». المطلب الثالث: خط المصاحف قبل أن نتحدث عن خط المصاحف الذي كتب به القرآن الكريم. والذي كتب بالكتابة العربية، وبالخصائص والمميزات التي كانت تمتاز بها آنذاك ... لا بد أن نتحدث عن أصل الخط العربي، متى أنشئ وكيف وصل إلى بلاد الجزيرة العربية وبالذات إلى مكة قبل الإسلام؟ إن معرفة أصل الخط العربي مشكلة في التاريخ معقدة. تناولها بعض المؤرخين بالرواية تارة، وبالتخمين تارة أخرى. ويرجع ذلك إلى أن تاريخ الشعب العربي في الجاهلية وعلاقته آنذاك بالشعوب الأخرى من حوله، فلم يقيدوا كتابا إلا نتفا يسيرة جدا أثبتها الشعراء في قصيدهم، وتناقلها الرواة محرفة ومزيدة على مر الأجيال إلى أن جاءت إلينا غامضة متناقضة «2». إلا أن ابن أبي داود ذكر في كتابه المصاحف ثلاث روايات تبين لنا أصل الخط العربي، وكيفية دخوله إلى بيئة قريش «3». قال في باب خطوط المصاحف: 1 - حدثنا عبد الله، قال: حدثنا عبد الله بن محمد الزهري، حدثنا سفيان، عن مجالد عن الشعبي، قال: سألت المهاجرين من أين تعلمتم الكتابة؟ قالوا: من
أهل الحيرة، وسألنا أهل الحيرة من أين تعلمتم الكتابة؟ قالوا: من أهل الأنبار «1». 2 - حدثنا عبد الله، قال: حدثنا علي بن حرب عن هشام بن محمد بن السائب، قال الأكيدر دومة «2»، هو الأكيدر بن عبد الملك الكندي، وأخوه بشر بن عبد الله الذي علمه أهل الأنبار خطنا هذا، فخرج بشر إلى مكة، فتزوج الصهباء بنت حرب بن أمية فولدت له جاريتين. 3 - عن هشام بن محمد: أن خطنا هذا سمي الجزم «3». وأول من كتب به، كتبه قوم من عدي يقولون هم من بولان، وكان الشرقي يقول مرامر بن مروة وسلمة بن حزرة وهم الذين وضعوا هذا الكتاب. قال أبو بكر: إن بشرا لما تزوج الصهباء بنت حرب علم هذا الخط
سفيان بن حرب، وقال: إن عمر بن الخطاب ومن بمكة من قريش تعلموا الكتابة من حرب بن أمية «1». وروايات السجستاني هذه لا تختلف في المصدر الأول للخط. وهو الأنبار، ولكنه يجعل وصف حركة انتقاله من الأنبار إلى الحيرة، ثم إلى المهاجرين في الخبر الأول، ويفصل في الخبرين الآخرين أمر إنشاء الخط في الأنبار أو أمر انتقاله منها إلى مكة. وهناك أقوال أخرى في أصل الخط العربي منها: ما روي عن كعب الأحبار أن آدم عليه السّلام قد وضع الكتاب العربي والسرياني قبل موته بثلاثمائة عام. وروي أن إدريس عليه السّلام أول من خط بالقلم بعد آدم، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أول من وضع الكتاب بالعربية إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام «2». ويرى بعض العلماء أن الخط توقيفي، وأن هذه الحروف داخلة في الأسماء التي علم الله آدم «3»، استدلوا بآيات قرآنية منها قوله سبحانه وتعالى: عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5) «4»، وقوله تعالى: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (1) «5»، وسيأتي الحديث عن ذلك في اختلاف العلماء في التمسك بالرسم العثماني هل هو توقيفي أو لا؟ إذن فتاريخ دخول الخط العربي إلى البيئة المكية كان موجودا قبل البعثة
النبوية وتشير الروايات إلى أن ورقة بن نوفل كان يكتب الكتاب العربي والكتاب العبراني «1». وحين قاطعت قريش النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين في بداية الدعوة بمكة كتبوا كتابا بذلك وعلقوه في جوف الكعبة «2». أما الخط في المدينة (يثرب)، فقد قال علماء السيرة: إن النبي صلى الله عليه وسلم دخلها وكان فيها يهودي يعلم الصبيان الكتابة، وكان فيها بضعة عشر من الرجال يعرفون الكتابة ومنهم سعيد بن زرارة، والمنذر بن عمرو، وزيد بن ثابت، فكانوا يعرفون الخط الحجازي المأخوذ من الحيرى، وأول من نشر الكتابة بطريقة عامة هو الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بعد الكتاب، وجعل فدية الكاتبين منهم أن يعلم كل واحد منهم عشرة من صبيان المدينة، ففعلوا ذلك، وانتشر الخط بالتدريج من ذلك الحين في المدينة «3». أما القرآن الكريم، فقد كتب في المصاحف بالكتابة العربية المتداولة حاليا والتي تتألف من ثمانية وعشرين حرفا، وكانت تمتاز بمميزات وخصائص، فالحروف ليست معجمة آنذاك «4»، والحركات غير مرسومة إلى جانب مميزات أخرى، تتمثل في حذف حروف المد أحيانا، أو رسم التاء المدورة مبسوطة،
الرأي الأول:
أو وصل بعض الكلمات أو فصلها .. إلخ «1». كذلك كان الصحابة قد جردوا القرآن حين كتبوه في المصحف من كل زيادة ليست من النص القرآني، وكانوا يقولون: (جردوا القرآن ولا تخلطوه بشيء) «2». فلم يكتبوا أسماء السور ولا ما يتعلق بكونها مكية أو مدنية، ولم يبينوا عدد آياتها، ولا كانوا يشيرون إلى رءوس الأجزاء «3»، فكانوا ملتزمين بالقواعد الهجائية وأصول الرسم، وهذه الطريقة في الكتابة التي ارتضاها عثمان رضي الله عنه سماها العلماء ب (الرسم العثماني للمصحف) نسبة إليه «4». وقد اختلف علماء المسلمين في وجوب التمسك بالرسم القرآني المأثور- أو بالرسم العثماني- فمنهم من قال بأن هذا الرسم توقيفي. ويجب الأخذ به، ولا تجوز مخالفته. ومنهم من قال ليس توقيفيا عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه اصطلاح ارتضاه عثمان رضي الله عنه، فيجب الالتزام به، ومنهم من قال: إن الرسم العثماني اصطلاحي، ولا مانع من مخالفته «5». وإليك تفصيل هذه الآراء الثلاثة: الرأي الأول: إنه توقيفي لا تجوز مخالفته، وذلك مذهب الجمهور «6». واستدلوا بأدلة منها:
1 - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له كتاب يكتبون الوحي وقد كتبوا القرآن فعلا بهذا الرسم وأقرهم الرسول على كتابتهم، ومضى عهده صلى الله عليه وسلم والقرآن على هذه الكتابة لم يحدث فيه تغيير ولا تبديل، بل ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يضع الدستور لكتاب الوحي في رسم القرآن وكتابته، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لمعاوية رضي الله عنه وهو من كتبة الوحي: (ألق الدواة وحرف القلم وانصب الباء وفرق السين، ولا تعور الميم، وحسن الله، ومد الرحمن، وجود الرحيم، وضع قلمك على أذنك اليسرى فإنه أذكر لك) «1». وكما يقول صاحب كتاب (إتحاف فضلاء البشر): لم يكن ذلك من الصحابة كيف اتفق، بل عن أمر- عندهم- قد تحقق، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقر هذا الرسم «2». (والذي نعتقده في هذا الشأن هو أن الله الذي أكد حفظه لكتابه إذ يقول: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9) «3»، لم يكن ليدع الخطأ يقع في كتابه، أصل شريعته، وعماد دينه، ولا يلهم نبيه تصحيحه) «4». 2 - إن كتابة القرآن الكريم على الهيئة المعروفة حاليا هو (لأسرار لا تهتدي إليها العقول وهو سر من الأسرار خصها الله به كتابه العزيز دون سائر الكتب السماوية، فلا يوجد شيء من هذا الرسم في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في غيرها من الكتب السماوية) «5».
(وكما أن نظم القرآن معجز، فرسمه معجز، وكيف تهتدي العقول إلى سر زيادة الألف في (مائة) «1» دون (فئة) «2»، وإلى سر زيادة الياء في (بأييد) «3»، و (بأييكم) «4» ؟ أم كيف تتوصل إلى سر زيادة الألف في (سعوا) ب (الحج) «5»، ونقصانها من (سعو) ب (سبأ) «6»، وأم كيف تبلغ العقول إلى درجة حذف بعض أحرف من كلمات متشابهة دون بعض؟ .. إلخ) «7». ونقل العلامة ابن المبارك عن شيخه عبد العزيز الدباغ، إذ يقول في كتابه الإبريز: (رسم القرآن من أسرار الله المشاهدة وكمال الرفعة، قال ابن المبارك: فقلت له: هل رسم الواو بدل الألف نحو (الصلاة، والزكاة، والحياة، ومشكاة) وزيادة الواو في (سأوريكم، وأولئك، .. ) وكالياء في نحو (هديهم، وبأييكم) فقال: هذا كله صادر من النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي أمر الكتاب من الصحابة أن يكتبوه على هذه الهيئة فما نقصوا ولا زادوا على ما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أيضا الشيخ عبد العزيز الدباغ: (ما للصحابة ولا لغيرهم في رسم القرآن ولا شعرة واحدة، وإنما هو توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي أمرهم أن يكتبوه وعلى الهيئة المعروفة بزيادة الألف ونقصها لأسرار لا تهتدي إليها العقول .. ) «8». ثم جاء أبو بكر فكتب القرآن بهذا الرسم في صحف، وبإشراك الصحابة
الرأي الثاني:
ورضاهم، ولم يخالفها أحد منهم ثم حذا حذوه عثمان في خلافته، فاستنسخ تلك الصحف في مصاحف على تلك الكتبة وعلى ملأ من الصحابة، وأقر أصحاب النبي عمل أبي بكر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين، وانتهى الأمر بعد ذلك إلى التابعين وتابعي التابعين، فلم يخالف أحد منهم في هذا الرسم، ولم ينقل أن أحد منهم فكر أن يستبدل به رسما آخر من الرسوم التي حدثت في عهد ازدهار التأليف ونشاط التدوين، بل بقي الرسم العثماني محترما متبعا في كتابة المصاحف لا يمس استقلاله ولا يباح حماه «1». وما دام قد انعقد الإجماع على تلك الرسوم فلا يجوز العدول عنها إلى غيرها إذ لا يجوز خرق الإجماع بوجه «2». (والإجماع حجة. حسبما تقرر الأحوال، ومحال في حق الصحابة رضي الله عنهم أن يخالفوا ما أقره النبي صلى الله عليه وسلم ويتصرفوا في القرآن بأي زيادة أو نقصان ... ) «3»، ويقول الزرقاني في المناهل: (وانعقاد الإجماع على تلك المصطلحات في رسم المصحف دليل على أنه لا يجوز العدول عنها إلى غيرها) «4». الرأي الثاني: إن رسم المصحف اصطلاحي، وليس توقيفيا عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل ارتضاه عثمان رضي الله عنه وتلقته الأمة بالقبول، فيجب الالتزام به والأخذ به، ولا تجوز مخالفته. وقد اصطلح الكتبة في عهد عثمان رضي الله عنه هذا الرسم بعد أن جعل لهم ضابطا لذلك بقوله للرهط القريشيين الثلاثة: (إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في
شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما نزل بلسانهم) «1». فأمر عثمان رضي الله عنه زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام باستنساخ المصاحف، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة بعد أن طلبها منها ووعدها أن يردها إليها بعد أن يستنسخها «2». وحين اختلفوا في كتابة (التابوة) وقال النفر القريشيون: (التابوت) وترافعوا إلى عثمان رضي الله عنه قال: (اكتبوها (التابوت) فإنما أنزل القرآن على لسان قريش) «3». ومن الأدلة الأخرى على الالتزام بالرسم العثماني: (روى السخاوي بسنده أن مالكا رحمه الله سئل: أرأيت من استكتب مصحفا، أترى أن يكتب على ما استحدثه الناس من الهجاء اليوم؟ فقال: لا أرى ذلك، ولكن يكتب على الكتبة الأولى، قال السخاوي: والذي ذهب إليه مالك هو الحق، إذ فيه بقاء الحالة الأولى إلى أن تعلمها الطبقة الأخرى، ولا شك أن هذا هو الأحرى بعد الأخرى إذ في خلاف ذلك تجهيل الناس بأولية ما في الطبقة الأولى) «4». قال أبو عمرو الداني: لا مخالف لمالك من علماء الأمة في ذلك. وقال أيضا: سئل مالك عن الحروف في القرآن مثل الواو والألف، أترى أن يغير من المصحف إذا وجد فيه كذلك؟ قال: لا قال أبو عمرو: يعني الألف والواو
الرأي الثالث:
المزيدتين في الرسم المعدومتين في اللفظ نحو (أولوا) «1». وقال الإمام أحمد بن حنبل: تحرم مخالفة خط مصحف عثمان في الواو أو الألف أو الياء أو غير ذلك «2». وقال البيهقي في شعب الإيمان: (من كتب مصحفا ينبغي أن يحافظ على الهجاء الذي كتبوا به تلك المصاحف ولا يخالفهم فيه ولا يغير مما كتبوه شيئا فإنهم كانوا أكثر علما وأصدق قلبا ولسانا وأعظم أمانة، فلا ينبغي أن يظن بأنفسنا استدراكا عليهم) «3». الرأي الثالث: وقال بعض العلماء: إن الرسم العثماني اصطلاحي ولا مانع من مخالفته إذا اصطلح الناس على أمر خاص للإملاء، وأصبح شائعا بينهم. قال القاضي أبو بكر الباقلاني في كتابه (الانتصار): وأما الكتابة فلم يفرض الله على الأمة فيها شيئا، إذ لم يؤخذ على كتاب القرآن وخطاط المصاحف رسم بعينه دون غيره أوجبه عليهم، وترك ما عداه، إذ وجوب ذلك لا يدرك إلا بالسمع والتوقيف. وليس في نصوص الكتاب ولا مفهومه أن رسم القرآن وضبطه لا يجوز إلا على وجه مخصوص وحد محدود لا يجوز تجاوزه. ولا نص في السنة ما يوجب ذلك، ويدل عليه، ولا في إجماع الأمة ما يوجب ذلك، ولا دلت عليه القياسات الشرعية، بل السنة دلت على جواز رسمه بأي وجه سهل، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر برسمه ولم يبين لهم وجها معينا، ولا نهى أحد عن
كتابته، ولذلك اختلفت خطوط المصاحف، فمنهم من كان يكتب الكلمة على مخرج اللفظ، ومنهم من كان يزيد وينقص لعلمه بأن ذلك اصطلاح، وأن الناس لا يخفى عليهم الحال .. وأن الخطوط إنما هي علامات ورسوم تجري مجرى الإشارات والرموز، فكل رسم دال على الكلمة معيد لوجه قراءتها تجب صحته وتصويب الكاتب به على أي صورة كانت .. وبالجملة، فكل من ادعى أنه يجب على الناس رسم مخصوص وجب عليه أن يقيم الحجة على دعواه. وأنى له ذلك) «1». ويميل الزركشي إلى ما يفهم من كلام العز بن عبد السلام من أنه يجوز بل يجب كتابة المصحف الآن لعامة الناس على الاصطلاحات المعروفة الشائعة عندهم، ولا تجوز كتابته لهم بالرسم العثماني الأول لئلا يوقع في تغيير الجهال، ولكن يجب في الوقت نفسه المحافظة على الرسم العثماني كأثر من الآثار النفيسة الموروثة عن سلفنا الصالح، فلا يهمل مراعاة لجهل الجاهلين، بل يبقى في أيدي العارفين الذين لا تخلو منهم الأرض «2». وقال الزركشي معقبا على قول الإمام مالك عند ما سئل: (هل يكتب المصحف على ما أحدث الناس من الهجاء؟ فقال: لا، إلا على الكتبة الأولى)، قال- أي الزركشي-: (وهذا كان في الصدر الأول والعلم حي غض، وأما الآن فقد يخشى الإلباس، ولهذا قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: لا تجوز كتابة المصحف الآن على الرسوم الأولى باصطلاح الأئمة، لئلا يوقع في تغيير من الجهال، ولكن لا ينبغي إجراء هذا على إطلاقه، لئلا يؤدي إلى درس العلم،
وشيء أحكمته القدماء لا يترك مراعاته لجهل الجاهلين، ولن تخلو الأرض من قائم الله بحجة) «1». وانطلاقا من هذا الرأي يدعو بعض الناس اليوم إلى كتابة القرآن الكريم وفق القواعد الإملائية الشائعة المصطلح عليها، حتى تسهل قراءته على القارئين من طلاب المدارس، ولا يشعر الطالب في أثناء قراءته للقرآن باختلاف رسمه عن الرسم الإملائي الاصطلاحي في المصحف «2». والذي أراه أن الرأي الثاني هو الرأي الراجح، وأنه يجب كتابة القرآن بالرسم العثماني المعهود في المصاحف، والذي ارتضاه عثمان لنفسه بجمع من الصحابة رضي الله عنهم، وتلقته الأمة بالقبول، فيجب الالتزام والأخذ به، ولا تجوز مخالفته، والله أعلم.
المبحث الثالث الأحاديث المروية في العهد النبوي لكتابة القرآن
المبحث الثالث الأحاديث المروية في العهد النبوي لكتابة القرآن توطئة: إن دراسة هذه المرويات ضرورية جدا، وذلك لمعرفة أصح الطرق منها وأضعفها، والتمييز بين الثابت منها والمنسوب إليها- كما سيأتي، وقد بذلت جهدا كبيرا في تتبع رجال هذه الروايات والكشف عنهم. وتبيان ما قاله علماء الجرح والتعديل فيهم. وسأتناول دراسة هذه الأسانيد دراسة نقدية، إضافة إلى تحليل المتن عند ما تقتضي الحاجة إلى ذلك. وقد توسعت في دراسة تحليل المتن ولا سيما في الصحيحين، لأنني لم أدرس رجال الإسناد فيهما، فماذا عساي أن أضيف أو أن أتكلم على رجال الإسناد في صحيح البخاري. وهو أصح كتاب بعد كتاب الله تبارك وتعالى، وكذلك من بعده كتاب مسلم اللذان تلقتهما الأمة الإسلامية بالقبول. أما المرويات الأخرى التي هي خارج الصحيحين، فقد توسعت في دراسة أسانيدها، وبيان حال رجالها، وأوجزت في تحليل المتن فيها، لأن دراسة أسانيد هذه المرويات هو العمدة في بحثنا .. ومن الله تعالى التوفيق. أولا: أ- حدّثنا سليمان بن حرب حدّثنا شعبة عن عمرو بن مرّة عن إبراهيم عن مسروق قال: ذكر عبد الله عند عبد الله بن عمرو فقال ذاك رجل لا أزال أحبّه بعد ما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: (استقرءوا القرآن من أربعة، من عبد الله بن مسعود فبدأ به. وسالم مولى أبي حذيفة، وأبيّ بن كعب، ومعاذ بن
دلالة الحديث:
جبل)، قال: لا أدري بدأ بأبيّ أو بمعاذ بن جبل «1». ب- وردت هذه الرواية في صحيح البخاري في وضع آخر عن طريق حفص بن عمر بسنده عن مسروق ولكن بلفظ: (خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود وسالم ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب) «2». ج- ووردت هذه الرواية في صحيح مسلم بلفظ: (اقرءوا القرآن من أربعة نفر ... ) الحديث «3». دلالة الحديث: قوله صلى الله عليه وسلم: (استقرءوا القرآن من أربعة) أو (خذوا القرآن من أربع) أي: تعلموه منهم، والأربعة المذكورون، اثنان من المهاجرين وهما عبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة، واثنان من الأنصار وهما: معاذ بن جبل، وأبي بن كعب. وسالم هو ابن معقل مولى أبي حذيفة «4». وقال الإمام النووي، وابن حجر، فيما معناه: وتخصيص هؤلاء الأربعة بأخذ القرآن عنهم إما لأنهم كانوا أكثر ضبطا لألفاظه، وأتقن لأدائه، وإن كان من غيرهم أفقه لمعانيه، أو لأنهم تفرغوا لأخذه منه صلى الله عليه وسلم وغيرهم اقتصروا على أخذ بعضهم من بعض. أو لأن هؤلاء تفرغوا لأن يؤخذ عنهم، وأنه صلى الله عليه وسلم أراد الإعلام بما يكون بعد وفاته صلى الله عليه وسلم من تقدم هؤلاء الأربعة وتمكنهم وأنهم أقعد من
ثانيا:
غيرهم في ذلك، فندب إلى الأخذ عنهم، لا أنه لم يجمعه غيرهم «1». ثانيا: أ- حدّثني محمّد بن بشّار حدّثنا يحيى حدّثنا شعبة عن قتادة عن أنس رضي اللهم عنه قال: (جمع القرآن على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم أربعة، كلّهم من الأنصار: أبيّ، ومعاذ بن جبل، وأبو زيد، وزيد بن ثابت، قلت لأنس: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي) «2». ب- ورواية الإمام مسلم عن قتادة أيضا أنه قال: (سمعت أنسا يقول: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة، كلهم من الأنصار: معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، قال قتادة: قلت لأنس: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي) «3». دلالة الحديث: قوله: (جمع القرآن) أي: استظهره حفظا «4». وقال الإمام النووي نقلا عن المازري «5»: هذا الحديث مما يتعلق به بعض الملاحدة في تواتر القرآن، وجوابه: أنه ليس فيه تصريح بأن غير الأربعة
لم يجمعه، فقد يكون مراده الذين علمهم من الأنصار أربعة، أما غيرهم من المهاجرين والأنصار الذين لا يعلمهم فلم ينفهم، ولو نفاهم كان المراد نفي علمه، ومع هذا فقد روى غير مسلم حفظ جماعات من الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر منهم المازري خمسة عشر صحابيا. وثبت في الصحيح أنه قتل يوم اليمامة سبعون ممن جمعوا القرآن، وكانت اليمامة قريبا من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء الذين قتلوا من جامعيه يومئذ، فكيف الظن بمن لم يقتل ممن حضرها ومن لم يحضرها وبقي بالمدينة أو بمكة أو غيرهما، ولم يذكر في هؤلاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ونحوهم من كبار الصحابة الذين يبعد كل البعد أنهم لم يجمعوه مع كثرة رغبتهم في الخير وحرصهم على ما دون ذلك من الطاعات. وليس من شرط التواتر أن يحفظ كل فرد جميعه، بل إذا حفظ الكل الكل ولو على التوزيع كفى «1». وهناك أجوبة أخرى لحديث أنس رضي الله عنه، ذكرها القاضي أبو بكر الباقلاني وغيره من أهمها: 1 - فلا يلزم أن يكون غيرهم جمعه. 2 - المراد لم يجمعه على جميع الوجوه والقراءات التي نزل بها إلا أولئك. 3 - إن المراد بجمعه تلقيه من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا واسطة بخلاف غيرهم. 4 - أنهم تصدوا لإلقائه وتعليمه فاشتهروا به، وخفي حال غيرهم. 5 - المراد بالجمع الكتابة، فلا ينفي أن يكون غيرهم جمعه حفظا على ظهر قلب، وأما هؤلاء فجمعوه كتابة وحفظوه عن ظهر قلب. وهناك احتمال آخر، وهو أن المراد إثبات ذلك للخزرج دون الأوس فقط، بقرينة المفاخرة، فلا ينفي ذلك من غير القبيلتين من المهاجرين ومن جاء
بعدهم. ويحتمل أن يقال: إنما اقتصر عليهم أنس لتعلق غرضه بهم «1». ولذلك ... الذي يظهر من كثير من الأحاديث أن أبا بكر رضي الله عنه كان يحفظ القرآن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ليس من هؤلاء الأربعة الذين خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ القرآن وقد جاء بالأثر أنه: (بنى مسجدا بفناء داره فكان يقرأ فيه القرآن) «2». وهذا مما لا يرتاب فيه مع شدة حرص أبي بكر على تلقي القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم. وجاء في صحيح مسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) «3»، وكما جاء في الأثر أيضا: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يؤم في مكانه لما مرض) «4»، فيدل ذلك على أنه كان أقرأهم. وأخرج النسائي بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو قال: (جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأه في كل شهر ... ) «5» الحديث. ج- وهناك رواية أخرى في صحيح البخاري تخالف رواية قتادة من وجهين، وهذه الرواية هي: (حدثنا معلى بن أسد حدثنا عبد الله بن المثنى قال: حدثني ثابت البناني وثمامة عن أنس بن مالك قال: (مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، قال: ونحن
ورثناه) «1». الوجه الأول: الذي خالفت فيه رواية قتادة التي ذكرناها قبل قليل: التصريح بصيغة الحصر في الأربعة «2». ثانيهما: ذكر أبي الدرداء بدل أبي بن كعب. فأما الوجه الأول فقد تقدم الجواب عنه من عدة احتمالات. فلا نسلم حمله على ظاهره، واستدل الإمام القرطبي أيضا إضافة إلى بعض ما تقدم: من أنه قتل يوم اليمامة سبعون من القراء وقتل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ببئر معونة مثل هذا العدد «3». قال: وإنما خص أنس الأربعة من القراء بالذكر لشدة تعلقه بهم دون غيرهم «4». وأما الوجه الثاني من المخالفة: هو ذكر أبي الدرداء بدلا من أبي، قال بعض العلماء بأن ذكر أبي الدرداء وهم، والصواب أبي بن كعب «5». وقال ابن حجر: وقد أشار البخاري إلى عدم الترجيح باستواء الطرفين، ويحتمل أن يكون أنس حدث بهذا الحديث في وقتين، فذكره مرة أبي بن كعب، ومرة أبا الدرداء. وقد روى ابن أبي داود من طريق محمد بن كعب القرظي قال: (جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار: معاذ بن جبل،
وعبادة بن الصامت، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء، وأبو أيوب الأنصاري) «1». قال ابن حجر: إسناده حسن مع إرساله. وهو شاهد جيد لحديث عبد الله بن المثنى في ذكر أبي الدرداء وإن خالفه في العدد والمعدود «2». إذن .. فهذه الرواية- التي خالفت رواية قتادة- الحصر فيها حصر إضافي وليس حصرا حقيقيا حتى ينفي أن يكون غير هؤلاء الأربعة قد جمعه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسيدنا أنس رضي الله عنه هو صادق في كلتا الروايتين، لأنه ليس بمعقول أن يكذب نفسه- حاشاه- فتعين أنه يريد الحصر الذي أورده الحصر الإضافي، بأن يقال: إن أنسا رضي الله عنه تعلق غرضه في وقت ما بأن يذكر الثلاثة ويذكر معهم أبي بن كعب دون أبي الدرداء، ثم علق غرضه في وقت آخر بأن يذكر الثلاثة ويذكر معهم أبا الدرداء دون أبي بن كعب، وهذا التوجيه يتعين المصير إليه جمعا بين هاتين الروايتين، وبينهما وبين روايات أخرى ذكرت غير هؤلاء «3». وقوله: (وأبو زيد): القائل ذلك هو أنس بن مالك رضي الله عنه. قال قتادة: قلت: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي. رجح الإمام النووي أن أبا زيد هو: (سعد بن عبيد بن النعمان الأوسي من بني عمرو بن عوف، بدري، يعرف بسعد القاري. استشهد بالقادسية سنة خمسة عشرة في أول خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قال ابن عبد البر: هذا هو قول أهل الكوفة) «4».
وبهذا جزم الطبراني «1»، إلا أن الواقدي «2» رجح أنه: هو قيس بن السكن بن قيس بن زعور بن حرام الأنصاري النجاري، ويرجحه قول أنس: (أحد عمومتي) فإنه من قبيلة بني حرام «3». وجاء في صحيح البخاري أيضا عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (مات أبو زيد ولم يترك عقبا وكان بدريا) «4». فقول أنس: (أحد عمومتي، نحن ورثناه) في الرواية الأولى يرد على من يرجح أن أبا زيد المذكور هو سعيد بن عبيد بن النعمان، لأن أنسا خزرجي وسعد بن عبيد أوسي. قال ابن حجر: وإذا كان كذلك احتمل أن يكون سعد بن عبيد ممن جمع ولم يطلع أنس على ذلك «5». وقد ذكر ابن أبي داود فيمن جمع القرآن قيس بن أبي صعصعة، وهو خزرجي، ويكنى أبا زيد وهذا ما رجحه ابن حجر، قال: (ثم وجدت عند ابن أبي داود ما يرفع الإشكال من أصله، فإنه روى بإسناد على شرط البخاري إلى ثمامة عن
ثالثا:
أنس أن أبا زيد الذي جمع القرآن اسمه قيس بن السكن، قال: (وكان رجلا منا بني عدي بن النجار أحد عمومتي، مات ولم يدع عقبا، ونحن ورثناه)، قال ابن أبي داود: (مات قريبا من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فذهب علمه ولم يؤخذ عنه وكان عقبيا بدريا) «1». والذي أرجحه وأميل إليه، أن أبا زيد الذي هو أحد عمومة أنس بن مالك هو: قيس بن السكن .. لأن كليهما خزرجي، والله تعالى أعلم. ثالثا: أ - حدّثنا محمّد بن بشّار حدّثنا وهب بن جرير حدّثنا أبي قال: سمعت يحيى بن أيّوب يحدّث عن زيد بن ثابت قال: كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلّف القرآن من الرّقاع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طوبى للشّام)، فقلنا: لأيّ ذلك يا رسول الله: قال: (لأنّ ملائكة الرّحمن باسطة أجنحتها عليها) «2». بيان حال الرواة: 1 - محمد بن بشار: (،؛) هو محمد بن بشار بن عثمان بن داود بن كيسان، أبو بكر العبدي. (،؛) روى عن: وهب بن جرير، ووكيع بن الجراح، ويحيى بن سعيد القطان. (،؛) روى عنه: الجماعة، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وغيرهم. (،؛) قال ابن حجر: ثقة من العاشرة، مات سنة اثنين وخمسين وله بضع وثمانون سنة «3».
2 - وهب بن جرير:
2 - وهب بن جرير: (،؛) هو وهب بن جرير بن حازم بن زيد بن عبد الله، أبو العباس، الأزدي. (،؛) روى عن: أبيه جرير بن حازم، وشعبة بن الحجاج، وحماد بن زيد. (،؛) روى عنه: إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن بشار. (،؛) قال ابن حجر: ثقة من التاسعة، مات سنة ست ومائتين «1». 3 - جرير: (،؛) هو جرير بن حازم بن زيد بن عبد الله بن شجاع أبو النصر الأزدي. (،؛) روى عن: أيوب السجستاني، والحسن البصري، ويحيى بن أيوب. (،؛) روى عنه: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وابنه وهب بن جرير بن حازم. (،؛) قال ابن حجر: ثقة لكن في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه، وهو من السادسة، مات سنة سبعين بعد ما اختلط، لكن لم يحدث في حال اختلاطه «2». 4 - يحيى بن أيوب: (،؛) هو يحيى بن أيوب الغافقي، أبو العباس المصري. (،؛) روى عن: هشام بن عروة، ويزيد بن أبي حبيب. (،؛) روى عنه: جرير بن حازم، ويحيى بن سعيد الأنصاري. (،؛) قال أحمد بن حنبل: سيئ الحفظ، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سئل أبي: يحيى بن أيوب أحب إليك أو ابن أبي الموال؟ قال: يحيى بن أيوب أحب إلي، ومحل يحيى الصدق، يكتب حديثه ولا يحتج به.
6 - عبد الرحمن بن شماسة:
(،؛) قال ابن حجر: صدوق، ربما أخطأ، من السابعة، مات سنة ثمان وستين مائة «1». 6 - عبد الرحمن بن شماسة: (،؛) هو عبد الرحمن بن شماسة بن ذؤيب بن أحور أبو عمرو المهدي. (،؛) روى عن: زيد بن ثابت، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعائشة رضي الله عنها. (،؛) روى عنه: يزيد بن أبي حبيب، والحارث بن يعقوب. (،؛) قال ابن حجر: ثقة من الثالثة، مات سنة إحدى ومائة أو بعدها «2». الحكم على الرواية: قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب إنما نعرفه من حديث يحيى بن أيوب «3». ب - وردت هذه الرواية في مسند الإمام أحمد، قال: حدثنا يحيى بن إسحاق، أخبرنا يحيى بن أيوب، حدثنا يزيد بن أبي حبيب: أن عبد الرحمن بن شماسة أخبره: أن زيد بن ثابت قال: بينا نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نؤلف القرآن من الرقاع ... ) «4» الحديث. بيان حال الرواة: تقدمت ترجمتهم في الرواية الأولى، إلا يحيى بن إسحاق.
الحكم على الرواية:
(،؛) فهو يحيى بن إسحاق، أبو زكريا، ويقال: أبو بكر السيلحيني البجلي. (،؛) روى عن: حماد بن زيد، وحماد بن سلمة، ويحيى بن أيوب المصري. (،؛) روى عنه: أحمد بن حنبل، وأحمد بن خيثمة، وزهير بن حرب. (،؛) قال أحمد بن حنبل: شيخ صالح، ثقة، سمع من الشاميين، ومن ابن لهيعة، وهو صدوق. (،؛) وقال ابن حجر: صدوق من كبار العاشرة، مات سنة عشر ومائتين «1». الحكم على الرواية: طريق الإمام أحمد حسن، لأن فيه صدوقان، يحيى بن إسحاق، ويحيى بن أيوب، وبقية رجاله ثقات، وبهذا الإسناد تنتفي الغرابة من الحديث، والله أعلم. دلالة الحديث: قوله: (نؤلف القرآن من الرقاع): أي ترتيب الآيات حسب إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم، والرقاع تكون من جلد أو ورق «2». رابعا: أ - حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا الوليد، قال: حدثتني جدتي، عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث الأنصاري، وكانت قد جمعت القرآن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرها أن تؤم أهل دارها، وكان لها مؤذن، وكانت تؤم أهل دارها «3».
بيان حال الرواة:
بيان حال الرواة: 1 - أبو نعيم: (،؛) هو الفضل بن دكين، وهو لقب، واسمه: عمرو بن حماد بن زهير، أبو نعيم الكوفي. (،؛) روى عن: جرير بن حازم، وحماد بن زيد والوليد بن عبد الله بن جميع. (،؛) روى عنه: البخاري، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، ثبت، من التاسعة، مات سنة ثماني عشرة، وقيل: تسع عشرة، وكان مولده سنة ثلاثين، وهو من كبار شيوخ البخاري «1». 2 - الوليد: (،؛) هو الوليد بن عبد الله بن جميع الزهري. (،؛) روى عن: إبراهيم النخعي، وعبد الرحمن بن خلاد الأنصاري، عن جده عن أم ورقة، وقيل: عن جدته عن أم ورقة. (،؛) روى عنه: ابنه ثابت بن الوليد بن عبد الله، وأبو نعيم الفضل بن دكين. (،؛) قال يحيى بن معين: ثقة، وكذا قال العجلي:، وقال أبو حاتم: صالح الحديث. (،؛) وقال ابن حجر: صدوق يهم، ورمي بالتشيع، من الخامسة «2». 3 - جدته: (،؛) هي ليلى بنت مالك. (،؛) قال ابن حجر: لا تعرف، من الثالثة، ووقع في بعض الروايات عن جدته أم ورقة. والأول أثبت.
4 - أم ورقة:
(،؛) وقد روت عن أبيها مالك «1». 4 - أم ورقة: (،؛) بنت عبد الله بن الحارث بن عويمر بن نوفل الأنصارية. (،؛) روى حديثها الوليد بن عبد الله بن جميع، عن جدته عن أمها أم ورقة. وقيل: عن الوليد عن جدته ليلى بنت مالك عن أبيها عن أم ورقة، وقيل: عن الوليد عن جدته عن أم ورقة. (،؛) لها صحبة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة. وكانت تؤم أهل دارها. (،؛) ماتت في خلافة عمر، قتلها خدمها «2». (،؛) وورد في الخلاصة: أنها (أم ورقاء بنت عبد الله بن الحارث .. كذا في نسخة البخاري، وفي التهذيب والتقريب أم ورقة، وفي رواية حديثها اضطراب) «3». الحكم على الرواية: الرواية ضعيفة لجهالة ليلى بنت مالك، جدة الوليد بن عبد الله. ب - وردت هذه الرواية أيضا في طبقات ابن سعد، قال: (أنبأنا الفضل بن دكين، حدثنا الوليد بن عبد الله بن جميع، قال: حدثتني جدتي عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، ويسميها الشهيدة، وكانت قد جمعت القرآن، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غزا بدرا قالت له: أتأذن لي فأخرج معك أداوي جرحاكم وأمرض مرضاكم لعل الله يهدي لي شهادة؟ قال:
الحكم على الرواية:
إن الله مهد لك شهادة، فكان يسميها الشهيدة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرها أن تؤم أهل دارها، وكان لها مؤذن، فخدمها غلام لها وجارية كانت قد دبرتهما فقتلاها في إمارة عمر، وإنهما هربا، فكانا أول مصلوبين في المدينة، وقال عمر: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقول: انطلقوا بنا نزور الشهيدة) «1». وأورد هذه الرواية بشكل مختصر ابن خزيمة في صحيحه في باب إمامة المرأة النساء في الفريضة، وذكر الحديث: (انطلقوا بنا نزور الشهيدة) «2». الحكم على الرواية: نظرا لجهالة جدة الوليد- ليلى بنت مالك- والتي ورد ذكرها في رواية ابن سعد وفي مسند الإمام أحمد، فتكون الرواية ضعيفة، حيث قال عنها ابن حجر: لا تعرف، من الثالثة «3». خامسا: أ- حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء رضي الله عنه يقول: لما نزلت لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «4»، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا، فجاء بكتف فكتبها، وشكا ابن أم مكتوم ضرارته فنزلت لا يَسْتَوِي
الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ «1». ووردت هذه الرواية في مواضع أخرى من صحيح البخاري «2»، وكذا في صحيح مسلم «3»، ومسند الإمام أحمد «4»، والترمذي «5»، والنسائي «6»، وسنقتصر على رواية الإمام مسلم مع الرواية الأولى عند البخاري. ب- حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق: أنه سمع البراء يقول في هذه الآية: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا، فجاء بكتف يكتبها فشكا إليه ابن أم مكتوم ضرارته فنزلت لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ «7».
دلالة الحديث:
دلالة الحديث: في قوله تعالى: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95) «1». قال الإمام النووي: (فيه دليل لسقوط الجهاد عن المعذورين) «2»، من أهل الأعذار المبيحة لترك الجهاد، من العمى والعرج والمرض، ولهم ثواب، ولكن لا يكون كثواب المجاهدين، بل لهم ثواب نياتهم «3». إلا أن ابن حجر فصل القول بين القاعدين من أولي الضرر وغير أولي الضرر من المؤمنين، وحاصل قوله: (إن الله فضل المجاهدين على غير أولي الضرر من المؤمنين، أي أن المفضل عليه غير أولي الضرر، وأما أولو الضرر فملحقون في الفضل بأهل الجهاد إذا صدقت نياتهم) «4». والدليل على ما ذكره ابن حجر، حديث أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بالمدينة لأقواما ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه، قالوا: وهم بالمدينة يا رسول الله؟ قال: نعم، حبسهم العذر) «5».
سادسا:
وقال ابن حجر: فأفهمت إدخالهم في الاستواء «1»، لأن المراد منه استواءهم في أصل الثواب، لا في المضاعفة لأنها تتعلق بالفعل «2». وفي الحديث أيضا دلالة على أن أصل الجهاد فرض كفاية وليس فرض عين، قال الإمام النووي: (والصحيح أنه لم يزل فرض كفاية من حين شرع، وهذه الآية ظاهرة في ذلك لقوله تعالى: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً «3». وقد يكون فرض عين على من تعين عليه الجهاد، أو في حالة مداهمة العدو لديار المسلمين ما في أيامنا هذه. وفي الحديث أيضا جواز كتابة القرآن في الألواح والأكتاف، وفيه طهارة عظم المذكى، وجواز الانتفاع به «4»، وكذلك اتخاذ الكاتب وتقريبه «5». قوله: (وشكا ابن أم مكتوم ضرارته)، قال الترمذي: ويقال: عمرو ابن أم مكتوم، ويقال: عبد الله ابن أم مكتوم، وهو عبد الله بن زائدة، وأم مكتوم أمه) «6». واسم أمه: عاتكة، وكان أعمى «7». سادسا: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عبد العزيز بن رفيع قال: (دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس رضي الله عنهما، فقال له
دلالة الحديث:
شداد بن معقل: أترك النبي صلى الله عليه وسلم من شيء؟ قال: ما ترك إلا ما بين الدفتين، قال: ودخلنا على محمد ابن الحنفية فسألناه، فقال: ما ترك إلا ما بين الدفتين) «1». دلالة الحديث: قوله: (إلا ما بين الدفتين): ليس المراد منه ترك القرآن مجموعا بين الدفتين، لأن ذلك يخالف ما قام به أبو بكر من جمع القرآن، ثم عثمان رضي الله عنهما. وإنما لم يترك إلا ما في المصحف، الذي هو القرآن الكريم. قال ابن كثير: ومعناه أنه عليه السّلام ما ترك مالا ولا شيئا يورث عنه، كما قال عمرو بن الحارث «2» أخو جويرية: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ... ) «3» الحديث. وهذا ما توضحه رواية الإسماعيلي: (شيئا سوى القرآن) «4»، أي ما ترك شيئا من مال أو غيره سوى هذا المصحف الذي هو بين اللوحين. ومن الأدلة الأخرى التي تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك مالا ولا شيئا يورث ما جاء في الحديث الذي يرويه أبو الدرداء رضي الله عنه: (العلماء ورثة الأنبياء، إن
الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما أورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر) «1». قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إنما ترك ما بين الدفتين) يعني القرآن، والسنة المفسرة له ومبينة وموضحة، أي تابعة له، والمقصود الأعظم كتاب الله تعالى، كما قال تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا «2»، وهذا فيه رد أيضا على ما اختلقه الروافض من ادعاء التخصيص على إمامة علي رضي الله عنه، واستحقاقه الخلافة عند موت النبي صلى الله عليه وسلم كان ثابتا في القرآن، وأن الصحابة كتموه، وهي دعوى باطلة، لأن الصحابة لم يكتموا مثل قوله عليه الصلاة والسلام: (أنت عندي بمنزلة هارون من موسى) «3»، وغيرها من الظواهر التي قد يتمسك بها من يدعي تخصيص سيدنا علي بالإمامة دون غيره من الصحابة «4». وجاء في حديث عن علي رضي الله عنه: (ما عندنا إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة) «5». فالإمام علي رضي الله عنه أراد الأحكام التي كتبها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ما توضحه الرواية الأخرى في صحيح البخاري أيضا والتي يرويها بسنده عن أبي جحيفة «6»
سابعا:
قال: (قلت لعلي: هل عندكم كتاب؟ قال: لا إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم. وما في هذه الصحيفة، قال: قلت: فما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير. ولا يقتل مسلم بكافر) «1». وإنما سأله أبو جحيفة عن ذلك لأن جماعة من الشيعة كانوا يزعمون أن عند أهل البيت- ولا سيما عليا رضي الله عنه- أشياء من الوحي خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بها لم يطلع غيرهم عليها، وهذا ما تؤيده الرواية الأخرى في صحيح البخاري في موضع آخر من طريق إبراهيم التيمي عن أبيه قال: (خطب علي على منبر من آجر وعليه سيف فيه صحيفة معلقة، فقال: ثم والله ما عندنا من كتاب يقرأ إلا كتاب الله. وما في هذه الصحيفة. فنشرها فإذا فيها أسنان الإبل و ... الحديث) «2». وأما جواب ابن عباس وابن الحنفية رضي الله عنهم، فإنما أرادا من القرآن الذي يتلى، أو أرادا ما يتعلق بالإمامة، أي لم يترك شيئا يتعلق بأحكام الإمامة إلا ما هو بأيدي الناس «3». سابعا: قال الدير عاقولي «4» في فوائده: حدثنا إبراهيم بن بشار حدثنا سفيان بن
بيان حال الرواة:
عيينة عن الزهري عن عبيد عن زيد بن ثابت، قال: (قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء) «1». بيان حال الرواة: 1 - إبراهيم بن بشار: (،؛) هو إبراهيم بن بشار الرمادي أبو إسحاق البصري الحافظ الزاهد. (،؛) روى عن: سفيان بن عيينة، وعبد الله بن رجاء المكي، ومحمد بن حازم الضرير. (،؛) روى عنه: أبو داود، وأبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكجي، وأحمد بن أبي خيثمة. (،؛) قال البخاري: يهم في الشيء بعد الشيء، وهو صدوق. (،؛) قال أحمد: كان يغير الألفاظ فتكون زيادة في الحديث. (،؛) قال ابن حجر: حافظ له أوهام، من العاشرة، مات في حدود الثلاثين ومائتين «2». 2 - سفيان بن عيينة: (،؛) هو سفيان بن عيينة بن أبي عمران، واسمه ميمون أبو محمد الهلالي. (،؛) روى عن جرير بن حازم وسليمان الأعمش، والزهري. (،؛) روى عنه: إبراهيم بن بشار الرمادي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه. (،؛) قال عنه ابن حجر: ثقة، حافظ، فقيه، إمام، حجة، إلا أنه تغير حفظه بأخرة وكان ربما دلس، لكن عن الثقات، من رءوس الطبقة الثامنة، وكان
3 - الزهري:
أثبت الناس في عمرو بن دينار، مات سنة ثمان وتسعين ومائة وله إحدى وتسعون سنة «1». 3 - الزهري: (،؛) هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب أبو بكر الزهري، المدني أحد الأئمة الأعلام، وعالم الحجاز والشام. (،؛) روى عن: إبراهيم بن أبي عبلة، وأيوب السختياني، وسفيان بن عيينة. (،؛) قال عنه ابن حجر: الفقيه الحافظ، متفق على جلالته وإتقانه، وهو من رءوس الطبقة الرابعة، مات سنة خمس وعشرين، وقيل: سنة أربع وعشرين ومائة «2». 4 - عبيد: (،؛) هو عبيد بن السباق الثقفي، أبو سعيد المدني. (،؛) روى عن: أسامة بن زيد، وزيد بن ثابت، وجويرية بنت الحارث رضي الله عنهم. (،؛) روى عنه: ابنه سعيد بن عبيد، والزهري، وأبو أمامة أسعد بن سهل بن حنيف. (،؛) ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر: ثقة من الثالثة «3». 5 - زيد بن ثابت: (،؛) هو زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد أبو سعيد الأنصاري، صحابي جليل. (،؛) روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر الصديق، وعثمان بن عفان رضي الله عنهم.
الحكم على الرواية:
(،؛) روى عنه: أبان بن عثمان، وأنس بن مالك، وسليمان بن يسار. (،؛) قال ابن حجر: صحابي مشهور كتب الوحي، قال مسروق: كان من الراسخين في العلم، مات سنة خمس أو ثمان وأربعين، وقيل بعد الخمسين «1». الحكم على الرواية: رجالها ثقات سوى إبراهيم بن بشار، قال عنه البخاري: صدوق، وقال عنه ابن حجر: حافظ له أوهام، فالأثر: إسناده حسن، وهو موقوف على زيد بن ثابت، والله أعلم. دلالة هذا الأثر: قال الخطابي: (إنما لم يجمع صلى الله عليه وسلم القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته، فلما انقضى نزوله بوفاته، ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك، وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة، فكان ابتداء ذلك على يد الصديق بمشورة عمر) «2». قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن محفوظ في الصدور، ومكتوب في الصحف، مفرق الآيات والسور، أو مرتب الآيات فقط «3»، ولم يجمع في مصحف عام، حيث كان الوحي يتنزل تباعا فيحفظه القراء، ويكتبه الكتبة، ولم تدع الحاجة إلى تدوينه في مصحف واحد، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يترقب نزول الوحي من حين لآخر.
ثامنا:
قال الزركشي: (وإنما لم يكتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مصحف لئلا يفضي إلي تغييره في كل وقت، فلهذا تأخرت كتابته إلى أن كمل نزول القرآن بموته صلى الله عليه وسلم) «1». وبهذا يفسر الأثر المروي عن زيد بن ثابت: (قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء)، أي: لم يكن جمع مرتب الآيات والسور في مصحف واحد «2». ثامنا: حدثنا هداب بن خالد الأزدي، حدثنا همام عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي، قال همام: أحسبه قال: متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار) «3». دلالة الحديث: قال الإمام النووي: (اختلفوا في المراد بهذا الحديث الوارد في النهي، فقيل: هو في حق من يوثق بحفظه، ويخاف اتكاله على الكتابة إذا كتب، ويحمل الأحاديث الواردة بالإباحة على من لا يوثق بحفظه كحديث: (اكتبوا
لأبي شاه) «1»، وحديث صحيفة علي رضي الله عنه «2»، وحديث كتاب عمرو بن حزم الذي فيه الفرائض والسنن والديات، وحديث كتاب الصدقة ونصب الزكاة الذي بعث به أبو بكر رضي الله عنه أنسا رضي الله عنه حين وجهه إلى البحرين، وحديث أبي هريرة: (أن ابن عمرو بن العاص كان يكتب ولا أكتب)، وغير ذلك من الأحاديث. وقيل: عن حديث النهي منسوخ بهذه الأحاديث، وكان النهي حين خيف اختلاطه بالقرآن، فلما أمن ذلك أذن في الكتابة. وقيل: إنما نهى عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة لئلا يختلط فيه فيشتبه على القارئ في صحيفة واحدة، والله أعلم) «3». فمن خلال هذه الآراء التي ذكرها الإمام النووي يتبين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع أصحابه- في بداية الأمر- من تدوين الأحاديث، وذلك حتى يتسع المجال أمام القرآن، ويأخذ مكانه من الحفظ والكتابة معا، وحتى يثبت في صدور الحفاظ، وتألفه أسماعهم، وبذلك يزول خطر الالتباس، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم على جانب عظيم في الحفظ، فلم يكن هنالك خوف على السنن من الضياع. وشيء آخر جعل النبي صلى الله عليه وسلم ينهاهم عن كتابة الحديث: هي المحافظة على تلك الملكة التي امتازوا بها في الحفظ، فلو أنهم كتبوا لا تكلوا على المكتوب وأهملوا الحفظ. فتضيع ملكاتهم بمرور الزمن. أضف إلى هذا أن الكتابة لم تكن منتشرة فيهم، ولم يكونوا أتقنوها حتى تحل محل الحفظ، ولو أنهم كتبوا الحديث
لوقع الناس في حرج عظيم والتبس عليهم أمر السنة والكتاب «1». وبقي أن نقول: كيف نوفق بين أحاديث النهي عن كتابة السنة والإذن فيها؟ * فقد روى الإمام البخاري في صحيحه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اكتبوا لأبي شاه) «2»، يعني الخطبة التي سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة. * وفي حديث أبي هريرة أيضا أنه قال: (ليس أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب) «3». على غير ذلك من الآثار الدالة على إباحته صلى الله عليه وسلم كتابة الحديث عنه، وهي بظاهرها تتعارض مع حديث أبي سعيد في النهي عن ذلك: (لا تكتبوا عني ... ) «4». والجواب على هذا التعارض: أن النهي كان خاصا بوقت نزول القرآن خشية التباسه بغيره، والإذن بالكتابة كان في غير ذلك الوقت، أو أن النهي كان عن كتابة غير القرآن مع القرآن في صحيفة واحدة، والإذن كان بكتابة ذلك متفرقا يؤمن الالتباس، أو يقال: كان النهي عن الكتابة متقدما لخوف التباس القرآن بالحديث أو لخوف الاتكال على الكتابة- كما ذكرنا- وإهمال الحفظ أو غير ذلك، وكان الإذن متأخرا ناسخا للنهي السابق عند أمن اللبس أو عدم
تاسعا:
الخوف من الاتكال على المكتوب «1». والدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهم بالكتابة: ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه قال: (ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده .. الحديث) «2». فقد هم النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب لأصحابه كتابا حتى لا يختلفوا من بعده، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يهم إلا بحق، فهذا منه صلى الله عليه وسلم نسخ للنهي السابق في حديث أبي سعيد «3»، والله أعلم. تاسعا: أ- حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه قال: (كان رجل نصرانيا فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران، فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فعاد نصرانيا فكان يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبت له فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه فحفروا له فأعمقوه، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه فحفروا له واعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبح وقد لفظته الأرض، فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه) «4». قال ابن حجر عن الرجل النصراني: لم أقف على اسمه «5».
ولكن في رواية الإمام مسلم- التي ستأتي- من طريق ثابت عن أنس: (كان منا رجل من بني النجار ... ) «1»، أي هو من أقارب أنس بن مالك، ترك دينه والتحق بأهل الكتاب وتنصر، وهذا غير عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري الذي أيضا قد كتب للنبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتد ولحق بالمشركين، ثم أسلم في فتح مكة وحسن إسلامه، وقد ذكرته فيمن كتب للنبي صلى الله عليه وسلم في المبحث الأول «2». ب- حدثني محمد بن رافع حدثنا أبو النضر حدثنا سليمان وهو ابن المغيرة عن ثابت عن أنس بن مالك قال: (كان منا رجل من بني النجار قد قرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق هاربا حتى لحق بأهل الكتاب، قال: فرفعوه، قالوا: هذا قد كان يكتب لمحمد فأعجبوا به، فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم، فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، فتركوه منبوذا) «3». لم يصرح لنا أنس بن مالك رضي الله عنه باسم الرجل الذي ارتد عن الإسلام وكان من قبيلته، وكان يكتب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إلا أنه هرب والتحق بأهل الكتاب. قوله: (نبذته الأرض) أي طرحته على وجهها عبرة للناظرين بعد أن أهلكه الله تبارك وتعالى «4». ج- ووردت هذه الرواية عن أبي داود في كتاب المصاحف إلا أن فيها تصريح بما كان يملى عليه: حدثنا عبد الله، قال: حدثنا يونس بن حبيب، قال: حدثنا
بيان حال الرواة في هذه الرواية:
أبو داود، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك: (أن رجلا كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا أملى عليه: سَمِيعاً بَصِيراً، كتب: (سميعا عليما)، وإذا أملى عليه: سَمِيعاً عَلِيماً، كتب: (سميعا بصيرا)، وكان قد قرأ البقرة وآل عمران، وكان من قرأهما قد قرأ كثيرا فتنصر الرجل، وقال: إنما كنت أكتب ما شئت عند محمد، قال: فمات، فدفن فلفظته الأرض، ثم دفن، فلفظته الأرض، فقال أبو أنس: قال أبو طلحة: فأنا رأيته منبوذا على وجه الأرض) «1». بيان حال الرواة في هذه الرواية: 1 - عبد الله: (،؛) هو المصنف صاحب كتاب المصاحف عبد الله بن سليمان بن الأشعث أبو بكر السجستاني. (،؛) روى عن: أبيه وعمه وأبي طاهر بن السرج. (،؛) حدث عنه خلق كثير، منهم: ابن حبان، والحاكم، والدارقطني. (،؛) قال الذهبي: الإمام العلامة الحافظ شيخ بغداد، صاحب التصانيف، صنف السنن والمصاحف وغيرها، مات سنة 316 هـ «2». 2 - يونس بن حبيب: (،؛) هو يونس بن حبيب بن عبد القاهر، أبو بشر الأصبهاني. (،؛) روى عن: ابن أبي بكر بن أبي داود، وعبد الرحمن بن جعفر بن فارس. (،؛) وحدث عنه: أبو بكر بن أبي داود، وعبد الرحمن بن جعفر بن فارس. (،؛) قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه، وهو ثقة، وقال الذهبي: المحدث الحجة،
3 - أبو داود:
مات سنة سبع وستين ومائتين «1». 3 - أبو داود: (،؛) هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشر أبو داود السجستاني. (،؛) روى عن: إبراهيم بن بشار الرمادي، وأحمد بن حنبل. (،؛) وروى عنه: الترمذي، وابنه أبو بكر عبد الله بن أبي داود. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، حافظ، مصنف السنن وغيرها، من كبار العلماء، من الحادية عشرة، مات سنة خمس وسبعين «2». 4 - حماد بن سلمة: (،؛) هو حماد بن سلمة بن دينار أبو سلمة البصري. (،؛) روى عن: أيوب السختياني، وثابت البناني، وحجاج بن أرطأة. (،؛) روى عنه: خليفة بن خياط، وسفيان الثوري، وأبو داود الطيالسي. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، عابد، أثبت الناس في ثابت، وتغير حفظه بآخره، من كبار الثامنة، مات سنة سبع وستين ومائة «3». 5 - ثابت: (،؛) هو ثابت بن أسلم، أبو محمد البناني. (،؛) روى عن: أنس بن مالك، وعبد الله بن الزبير بن العوام، وعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم. (،؛) روى عنه: حماد بن سلمة، وسليمان الأعمش، وشعبة بن الحجاج. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، عابد، من الرابعة، مات سنة بضع وعشرين، وله
6 - أنس بن مالك:
ست وثمانون «1». 6 - أنس بن مالك: (،؛) هو أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي، خادم النبي صلى الله عليه وسلم، خدمه عشر سنين، مشهور، مات سنة اثنتين، وقيل ثلاث وتسعين، وقد جاوز المائة «2». الحكم على الرواية: الرواية رجالها ثقات، فإسنادها صحيح. عاشرا: قال: حدثنا عبد الله بن سليمان السجستاني- ابن أبي داود-: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا أبو صالح، حدثني الليث عن أبي عثمان الوليد بن أبي الوليد، عن سليمان بن خارجة بن زيد، عن خارجة بن زيد، قال: دخل نفر على زيد بن ثابت، فقالوا: حدثنا بعض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (ماذا أحدثكم، كنت جار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا نزل الوحي أرسل إلي فكتبت الوحي، وكان إذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا، فكل هذا أحدثكم عنه) «3». بيان حال الرواة: 1 - محمد بن يحيى: (،؛) هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس أبو عبد الله الذهلي.
2 - أبو صالح:
(،؛) روى عن: أحمد بن حنبل، وأبي صالح عبد الله بن صالح المصري. (،؛) روى عنه: الجماعة سوى مسلم. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، حافظ جليل، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وخمسين ومائتين على الصحيح، وله ست وثمانون سنة «1». 2 - أبو صالح: (،؛) هو عبد الله بن صالح بن محمد أبو صالح المصري. (،؛) روى عن: الليث بن سعد، وعطاء بن خالد المخزومي. (،؛) روى عنه: إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، ومحمد بن يحيى الذهلي. (،؛) قال ابن حجر: كاتب الليث بن سعد صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابته، وكانت فيه غفلة، من العاشرة، مات سنة اثنتين وعشرين، وله خمس وثمانون سنة «2». 3 - الليث: (،؛) هو الليث بن سعد بن عبد الرحمن أبو الحارث الفهمي. (،؛) روى عن: عبد ربه بن سعد الأنصاري، والزهري، والوليد بن أبي الوليد. (،؛) وروى عنه: أبو صالح عبد بن صالح، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن وهب. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، ثبت، فقيه، إمام مشهور، من السابعة، مات في سنة خمس وسبعين «3». 4 - الوليد بن أبي الوليد: (،؛) واسمه عثمان أبو عثمان القرشي.
5 - سليمان بن خارجة:
(،؛) روى عن: أبان بن عثمان، وأنس بن مالك، وسليمان بن خارجة بن زيد بن ثابت. (،؛) روى عنه: الليث بن سعد، وحيوة بن شريح، وسعيد بن أبي أيوب. (،؛) ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما خالف على قلة روايته. (،؛) وقال ابن حجر: لين الحديث من الرابعة «1». 5 - سليمان بن خارجة: (،؛) هو سليمان بن خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري. (،؛) روى عن: أبيه خارجة بن زيد. (،؛) روى عنه: الوليد بن أبي الوليد. (،؛) ذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) وقال ابن حجر: مقبول، من السادسة «2». 6 - خارجة بن زيد: (،؛) هو خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري أبو زيد. (،؛) روى عن: أسامة بن زيد، وأبيه زيد بن ثابت، وسهل بن سعد الساعدي. (،؛) روى عنه: ابنه سليمان بن خارجة، وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان، والزهري. (،؛) قال ابن حجر: ثقة فقيه من الثالثة، مات سنة مائة، وقيل قبلها «3». الحكم على الرواية: إسنادها ضعيف بسبب حال الوليد بن أبي الوليد، قال عنه ابن حجر:
الحادي عشر:
لين الحديث، وكذلك سليمان بن خارجة، قال عنه ابن حجر: مقبول، وعبد الله بن صالح قال عنه ابن حجر: صدوق، وبقية الرجال ثقات، وهذه الرواية موقوفة على زيد بن ثابت. الحادي عشر: قال الإمام النسائي رحمه الله تعالى: أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا المفضل عن ابن جريح عن عبد الله بن أبي مليكة عن يحيى بن حكيم بن صفوان عن عبد الله بن عمرو قال: (جمعت القرآن، فقرأت به في كل ليلة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: اقرأ به في كل شهر، فقلت: أي رسول الله دعني أستمتع من قوتي وشبابي، قال: اقرأ به في كل عشرين، قلت: أي رسول الله دعني أستمتع من قوتي وشبابي، فقال: اقرأ به في كل عشر، قلت: أي رسول الله دعني أستمتع من قوتي وشبابي، قال: اقرأ به في كل سبع، قلت: أي رسول الله دعني أستمتع من قوتي وشبابي، فأبى) «1». بيان حال الرواة: 1 - قتيبة بن سعيد: (،؛) هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف أبو رجاء الثقفي. (،؛) روى عن: إسماعيل بن علية، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن وهب. (،؛) روى عنه: الجماعة سوى ابن ماجة، وأحمد بن حنبل.
2 - المفضل:
(،؛) قال ابن حجر: ثقة، ثبت، من العاشرة، مات سنة أربعين ومائتين عن تسعين سنة «1». 2 - المفضل: (،؛) هو المفضل بن فضالة بن عبيد بن ثمامة أبو معاوية المصري. (،؛) روى عن: عبد الملك بن جريج، ومعمر بن راشد. (،؛) روى عنه: قتيبة بن سعيد، وحسان بن عبد الله الواسطي. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، فاضل، عابد، أخطأ ابن سعد في تضعيفه، من الثامنة، مات سنة إحدى وثمانين «2». 3 - ابن جريج: (،؛) عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج أبو الوليد القرشي. (،؛) روى عن: إسماعيل بن أمية القرشي، وعبد الله بن أبي مليكة. (،؛) روى عنه: إسماعيل بن علية، والمفضل بن فضالة المصري. (،؛) قال ابن حجر: ثقة فقيه، فاضل، وكان يدلس ويرسل، من السادسة، مات سنة خمسين أو بعدها، وقد جاوز السبعين، وقيل: جاوز المائة ولم يثبت «3». 4 - عبد الله بن أبي مليكة: (،؛) هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، واسمه زهير بن عبد الله أبو بكر التميمي. (،؛) روى عن: ذكوان مولى عائشة رضي الله عنها، ويحيى بن حكيم بن صفوان بن أمية. (،؛) روى عنه: أيوب السختياني، وعبد الله بن جريج.
5 - يحيى بن حكيم بن صفوان:
(،؛) قال ابن حجر: ثقة، فقيه، من الثالثة، مات سنة سبع عشرة ومائة «1». 5 - يحيى بن حكيم بن صفوان: (،؛) هو يحيى بن حكيم بن صفوان بن أمية القرشي. (،؛) روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص. (،؛) روى عنه: عبد الله بن أبي مليكة. (،؛) ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر: مقبول، من الثالثة «2». 6 - عبد الله بن عمرو: (،؛) هو عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل أبو محمد السهمي، أحد السابقين المكثرين من الصحابة، وأحد العبادلة الفقهاء، مات في ذي الحجة ليالي الحرة على الأصح بالطائف على الراجح «3». الحكم على الرواية: رجالها ثقات سوى يحيى بن حكيم، فقد وثقه ابن حبان وقبله ابن حجر، فالحديث إسناده ضعيف والله أعلم، ولكن هناك أحاديث أخرى صحيحة تبين مدى حرص الصحابة على مدارسة القرآن وحفظه، منها: أ- روى الإمام البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأعرف رفقة الأشعريين بالليل حين يدخلون، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوها بالنهار) «4». ب- وجاء في رواية أخرى أيضا في البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (لو رأيتني البارحة وأنا أستمع لقراءتك، لقد أعطيت
مزمارا من مزامير داود) «1»، وفي رواية الإمام مسلم: (لو علمت والله يا رسول الله إنك تسمع لقراءتي لحبرته لك تحبيرا) «2». فهذه الأحاديث هي من الشواهد الصحيحة لرواية عبد الله بن عمرو التي تبين مدى حرص الصحابة واهتمامهم بقراءة القرآن وحفظه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر على بيوتهم ويستمع إلى ندى أصواتهم، كما بينا ذلك في المبحث الأول من هذا الفصل.
الفصل الثاني جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه
الفصل الثاني جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وفيه مبحثان: المبحث الأول: بيان كيفية الجمع ونتائجه. المبحث الثاني: روايات جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
المبحث الأول بيان كيفية الجمع ونتائجه
المبحث الأول بيان كيفية الجمع ونتائجه المطلب الأول: فكرة الجمع وسببه تولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة بعد انتقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، في شهر ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة «1»، فبعد تسلمه مهام الخلافة واجه أخطارا عظيمة وأحداثا جسيمة، وكان أول ما واجهه- في خلافته- ارتداد قبائل من العرب عن الإسلام لأسباب مختلفة منها منعهم الزكاة، التي هي ركن من أركان الإسلام والأصل الذي اعتمد عليه أبو بكر رضي الله عنه فيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه حين قال: (لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخلف أبو بكر من بعده، وكفر من كفر من العرب، وأنكر بعضهم الزكاة، عزم أبو بكر على قتالهم، فقال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف نقاتل الناس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله)، فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب: فو الله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق) «2». فكان موقفه حازما من هذه الفتنة التي أخذت تعصف بأطراف الدولة الإسلامية، وانضم كثير من المرتدين إلى مدعي النبوة مسيلمة الكذاب، وكان جيش مسيلمة قريبا من مائة ألف، فجهز الصديق لقتال هؤلاء- جميعا- الجيوش التي كان في طليعتها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيادة
خالد بن الوليد، وكانوا قريبا من ثلاثة عشر ألفا، فالتقوا معهم، فانكشف الجيش الإسلامي لكثرة ما فيه من الأعراب، فنادى القراء من كبار الصحابة: يا خالد خلصنا، يقولون ميزنا من هؤلاء الأعراب، فتميزوا منهم وانفردوا، فكانوا قريبا من ثلاثة آلاف «1»، ثم صدقوا الحملة وقاتلوا قتالا شديدا، وجعلوا يتنادون: يا أصحاب سورة البقرة، فلم يزل ذلك دأبهم حتى فتح الله عليهم، وولى جيش الكفار فارا، وأتبعتهم السيوف المسلمة في أقفيتهم قتلا وأسرا، وقتل الله مسيلمة الكذاب وفرق شمل أصحابه، ثم رجعوا إلى الإسلام «2». ولم تمض إلا فترة يسيرة حتى عادت شبه الجزيرة العربية كلها إلى الإسلام، لكن عددا كبيرا ممن شارك في إخماد تلك الفتنة قد قتلوا في سبيل الله، ومن بينهم عدد من حفاظ القرآن، وتشير الروايات إلى أن معركة اليمامة التي أذل الله فيها مسيلمة الكذاب وجمعه، كانت من أعظم الغزوات في حروب الردة، كما كانت أجلها خطرا، وأبعدها أثرا، قد استشهد من المسلمين يومئذ مائتان وألف، ومن بينهم ثلاثمائة وستون من المهاجرين والأنصار من أهل قصبة المدينة وحدها، حتى أوصل بعض المؤرخين عدد الحفاظ إلى الخمسمائة، كما أشار إلى ذلك ابن كثير وابن الجزري «3». فلهذا أشار عمر رضي الله عنه على أبي بكر الصديق رضي الله عنه بأن يجمع القرآن لئلا يذهب بسبب موت من يحفظه من الصحابة بعد ذلك في مواطن القتال «4»، ولهذا قال أبو بكر بن أبي داود بسنده عن فضالة عن الحسن: أن عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله، فقيل: كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة،
فقال: إنا لله، ثم أمر بالقرآن، فكان أول من جمعه بمصحف «1». قال ابن كثير: وهذا منقطع فإن الحسن لم يدرك عمر، ومعناه أنه أشار بجمعه فجمع «2». وأشهر روايات جمع القرآن في خلافة الصديق هي التي يرويها الإمام الزهري عن عبيد بن السباق، في صحيح البخاري: (أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: أرسل إلي أبو بكر الصديق مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر رضي الله عنه: إن عمر أتاني، فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى إن استحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. قلت لعمر: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك، وقد كنت تكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال، ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فتتبعت القرآن أجمعه من العسيب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة، لم أجدها مع أحد غيره: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ «3»، حتى خاتمة
براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر في حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما) «1». وقد روى الإمام البخاري هذا الحديث في غير موضع من كتابه، ورواه الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي من طرق عن الزهري به «2». وهذه الرواية تشير إلى جملة قضايا هامة في تاريخ جمع القرآن في هذه الفترة، فهي: أولا: تبين السبب الذي دفع إلى جمع القرآن، وهو: الخوف من ذهاب شيء منه بذهاب حفظته، وهذا الموقف الذي عرضه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بضرورة جمع القرآن، كان تجربة من نوع جديد. ثانيا: توضح أن القرآن لم يجمع من قبل بهذه الصورة، وذلك مفهوم من تردد الصديق وزيد بن ثابت، وقولهم: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعد أن اطمأن الصديق وشرح الله صدره لذلك، عرض الفكرة على زيد بن ثابت، ورغب إليه أن يقوم بتنفيذها، تردد زيد أول الأمر، ولكن أبا بكر ما زال به يعالج شكوكه، ويبين له وجه المصلحة حتى اطمأن واقتنع بصواب ما ندب إليه «3». شرع زيد في جمع القرآن بطريقة محكمة، وضعها له أبو بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين، فيها ضمان لحياطة كتاب الله بما يليق به من تثبت بالغ وحذر دقيق، وتحريات شاملة، فلم يكتف بما حفظ في قلبه، ولا بما كتب بيده،
ولا بما سمع بأذنه، بل جعل يتتبع ويستقصي آخذا على نفسه أن يعتمد في جمعه على مصدرين اثنين: أحدهما: ما كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. والثاني: ما كان محفوظا في صدور الرجال. وبلغ من مبالغته في الحيطة والحذر، أنه لم يقبل شيئا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان أنه كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم «1». فقام زيد بن ثابت رضي الله عنه بجمع تلك القطع ونسخها في مصحف، كما قال زيد في رواية البخاري: (فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال) «2». وفي رواية: من العسب والرقاع والأضلاع، وفي رواية: من الأكتاف والأقتاب وصدور الرجال. ويدل على ذلك أيضا: ما قاله الحارث المحاسبي في كتابه فهم السنن: (كتابة القرآن ليست محدثة، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب، فإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعا، وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها القرآن منتشرا، فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء) «3». ومن هنا كان قرار أبي بكر فيما نرى هو أخطر قرار اتخذه في حياته، وأعظم الخطوات التي تمت في تاريخ هذه الأمة، لأنه حل أساس مشكلة أصولية
المطلب الثاني: لجنة جمع القرآن
ترتب على حلها سلامة النص القرآني من التحريف «1». وهو الأساس الذي انطلقت منه حركة الحضارة الإسلامية في التاريخ، مطمئنة إلى دستورها المنزل، وهذا من أحسن وأعظم ما فعله الصديق رضي الله عنه، فإن الله تعالى أقامه بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم مقاما لا ينبغي لأحد من بعده، فقد قاتل الأعداء من مانعي الزكاة، والمرتدين، والفرس والروم، ونفذ الجيوش، وبعث البعوث والسرايا، ورد الأمر إلى نصابه، بعد الخوف من تفرقه وذهابه، وجمع القرآن العظيم من أماكنه المتفرقة، حتى تمكن القارئ من حفظه كله، وكان هذا من سر قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9) «2»، فجمع الصديق رضي الله عنه الخير وكف الشرور رضي الله عنه وأرضاه «3». ولذلك قال علي رضي الله عنه: (أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر، إن أبا بكر أول من جمع القرآن بين اللوحين) «4». المطلب الثاني: لجنة جمع القرآن تشير رواية جمع القرآن السابقة إلى الصفات والمؤهلات التي جعلت أبا بكر الصديق رضي الله عنه يخص زيد بن ثابت رضي الله عنه بهذا العمل الجليل، فذكرت له أربع خصال كونه شابا، فيكون أنشط لما يطلب منه، وكونه عاقلا، فيكون أوعى له، وكونه لا يتهم، فتركن النفس إليه، وكونه كان يكتب الوحي، فيكون أكثر ممارسة له «5». فهذا الحديث يدل على جدارة زيد بهذه الثقة، لتوافر تلك المناقب التي
ذكرها فيه الصديق، ويؤيد ورعه ودينه وأمانته، قوله: (فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن) «1». بدأ زيد بن ثابت صاحب العقل الخصب، والورع الشديد، والأمانة العظيمة، والحفظ الدقيق، الموافق للعرضة الأخيرة بجمع القرآن، قال الزركشي: (وكان زيد قد شهد العرضة الأخيرة، وكان يقرئ الناس بها، حتى مات ولذلك اعتمده الصديق في جمعه، وولاه عثمان كتابة المصحف) «2». ولكن عمل عظيم مثل جمع القرآن في الصحف من القطع التي كان قد كتب عليها في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم، لا بد أنه احتاج إلى جهود كبيرة وهو ما يدعو إلى الاعتقاد أن بعض الصحابة قد وقف إلى جانب زيد في إنجاز هذا العمل الكبير «3»، ولعل في مقدمة من أسهم في ذلك عمر بن الخطاب، الذي كان ضمن كتاب الوحي، كما تقدم. ويدل على ذلك ما أخرجه ابن أبي داود من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: (قدم عمر، فقال: من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن فليأت به، وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب، وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان) «4». وذلك عن أمر الصديق له في ذلك. ويدل عليه ما أخرجه ابن أبي داود أيضا، ولكن من طريق هشام بن عروة عن أبيه، أن أبا بكر قال لعمر ولزيد: (اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه) «5».
وهو حديث رجاله ثقات، مع انقطاعه، قال ابن حجر: (المراد بالشاهدين الحفظ والكتابة) «1». وقال السخاوي في جمال القراء: إن المراد بهما رجلان عدلان إذ يقول ما نصه: (المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) «2». ولذلك قال في الحديث الذي رواه البخاري والذي ذكر سابقا: أنه لم يجد آخر سورة براءة إلا مع أبي خزيمة، أي لم يجدها مكتوبة إلا مع أبي خزيمة الأنصاري، مع أن زيدا كان يحفظها، وكان كثير من الصحابة يحفظونها، ولكنه أراد أن يجمع بين الحفظ والكتابة زيادة في التوثق، ومبالغة في الاحتياط، واتبع زيد بن ثابت وأعضاء اللجنة معه هذه الطريقة الدقيقة المحكمة لجمع القرآن «3». وقد استغرق إنجاز ذلك العمل ما يقرب سنة، فقد كان بين غزوة اليمامة- التي وقعت في الأشهر الأخيرة من السنة الحادية عشرة أو الأولى من السنة الثانية عشرة «4» - وبين وفاة الصديق رضي الله عنه التي كانت في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة للهجرة «5». ولا شك في أنه اكتمل العمل قبل وفاة الصديق إذ أن الروايات تشير إلى أن الصحف أودعت عنده بقية حياته، ثم أخذها عمر بعده، فكانت عنده محروسة معظمة مكرمة، فلما مات كانت عند حفصة أم المؤمنين، لأنها كانت وصيته من أولاده على أوقافه وتركته، حتى أخذها أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، لتكون رهن تصرفه «6».
وامتاز الجمع بما يأتي: 1 - جمع القرآن في مصحف واحد، ومرتب الآيات على الوضع الذي نقرؤه اليوم، وكانت كل سورة مستقلة في الكتابة بنفسها في صحف. ثم جمعت هذه الصحف وشدت بعضها إلى بعض. 2 - جمعه على أدق وجوه البحث العلمي. 3 - أنه ظفر بإجماع الأمة عليه. 4 - حوى الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن «1». 5 - ثبت نص القرآن بالتواتر، وروته جموع غفيرة يؤمن تواطؤها على الكذب. وتكفل الله بحفظه وتمت كتابته على أوثق وجه، فهو أصدق وثيقة عرفها التاريخ، لم يدخله تبديل ولا تغيير لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ «2». ومما ينبغي أن يعلم أن الجمع بهذه الدقة الفائقة والتثبت البالغ والاشتمال على هذه المميزات لم يكن لغير صحف أبي بكر رضي الله عنه، فهي النسخة الأصلية الموثوق بها، التي يجب الاعتماد عليها. نعم، قد كانت هناك صحف ومصاحف لبعض الصحابة كتبوا فيها القرآن، إلا أنها لم تحظ بما حظيت به صحف أبي بكر الصديق رضي الله عنه من الدقة والميزات، فبعض الصحابة كان يكتب المنسوخ، وما ثبت برواية الآحاد وبعض التفسيرات والتأويلات، ويكتب بعض الأدعية والمأثورات «3»، كما سيأتي
توضيح هذه المسألة في المبحث الأخير من الرسالة. وقال الزرقاني: وعلى هذا الدستور تم جمع القرآن بإشراف أبي بكر وعمر وأكابر الصحابة وإجماع الأمة عليه دون نكير، وكان ذلك منقبة خالدة لا يزال التاريخ يذكرها بالجميل لأبي بكر في الإشراف ولعمر في الاقتراح، ولزيد في التنفيذ، وللصحابة في المعاونة والإقرار «1».
المبحث الثاني روايات جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنهم
المبحث الثاني روايات جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أولا: قال عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني: حدثنا يعقوب بن سفيان، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان عن السدي عن عبد خير عن علي رضي الله عنه قال: (رحم الله أبا بكر هو أول من جمع بين اللوحين) «1». بيان حال الرواة: 1 - يعقوب بن سفيان: هو يعقوب بن سفيان أبو يوسف الفارسي الفسوي. روى عن: أبي نعيم الفضل بن دكين، وقبيصة بن عقبة. روى عنه: الترمذي، والنسائي. قال الذهبي: ثقة مصنف، خير، صالح، وقال ابن حجر: ثقة، حافظ، مات سنة سبع وسبعين ومائتين، وقيل بعد ذلك «2». 2 - أبو نعيم: هو الفضل بن دكين، ثقة، تقدمت ترجمته. 3 - سفيان: هو سفيان بن سعيد بن مسروق، أبو عبد الله الثوري.
4 - السدي:
روى عن: جعفر بن محمد الصادق، وأيوب السختياني. روى عنه: وكيع بن الجراح، وأبو نعيم الفضل بن دكين. قال ابن حجر: ثقة، حافظ، فقيه، عابد، إمام، حجة، وكان ربما دلس، مات سنة إحدى وستين بعد المائة وله أربع وستون «1». 4 - السدي: إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة أبو محمد، السدي الكبير، القرشي. روى عن عبد خير، وعمرو بن ميمون. روى عنه: سفيان الثوري، والحكم بن ظهير. قال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به، وقال أحمد بن حنبل: مقارب الحديث صالح، وقال النسائي: صالح، وقال ابن حجر: صدوق يهم، رمي بالتشيع، مات سنة سبع وعشرين ومائة «2». 5 - عبد خير: (،؛) هو عبد خير بن يزيد أبو عمار الهمداني. (،؛) روى عن: علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه. (،؛) روى عنه: السدي، وعامر الشعبي. (،؛) قال ابن معين والعجلي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر: ثقة مخضرم، لم تصح له صحبة «3». الحكم على الرواية: رجالها ثقات سوى إسماعيل السدي الكبير، فهو صالح عند الإمام أحمد
ومن هذه المتابعات:
والنسائي وصدقه ابن حجر، فالحديث: إسناده حسن، إلا أنه له متابعات، ولكن هذه المتابعات لا تخرجه عن الحسن بسبب حال السدي، والله أعلم، ومن هذه المتابعات: أ - حدثنا عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شيبة، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا سفيان، عن السدي عن عبد خير عن علي، قال: (أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر، فإنه أول من جمع بين اللوحين) «1». بيان حال الرواة: 1 - عمر بن شبة: هو عمر بن شبة بن عبيدة بن زيد الشمري، أبو زيد البصري. روى عن: أبي أحمد الزبيري، ومحبوب بن موسى. روى عنه: ابن ماجة، وأحمد بن يحيى النحوي. قال أبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: مستقيم الحديث، قال الدارقطني: ثقة. وقال الخطيب: ثقة عالم بالسير وأيام الناس. وقال ابن حجر: صدوق مات سنة اثنتين وستين ومائتين، وقد جاوز التسعين «2». 2 - أبو أحمد الزبيري: محمد بن عبد الله بن الزبيري بن عمرو بن درهم، أبو أحمد الزبيري. روى عن: سفيان الثوري، وعيسى بن عمر. روى عنه: عمر بن شيبة، ونصير بن علي الجهضمي. قال ابن معين والعجلي: ثقة، وزاد العجلي: يتشيع، وقال النسائي وابن معين: ليس به بأس، وقال ابن سعد: صدوق، وكان كثير الحديث، وقال أحمد بن
الحكم على الرواية:
حنبل: كان كثير الخطأ في حديث سفيان، قال ابن حجر: ثقة، ثبت، إلا أنه يخطئ في حديث الثوري، مات سنة ثلاث ومائتين «1». أما بقية رجال الإسناد فقد تقدمت ترجمتهم في الرواية السابقة. الحكم على الرواية: إسنادها حسن، بسبب حال السدي وعمر بن شيبة اللذان صدقهما ابن حجر. ب - حدثنا أحمد بن عبد الجبار الدارمي، قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن السدي عن عبد خير، قال: سمعت عليا يقول: (رحمة الله على أبي بكر، كان أول من جمع بين اللوحين) «2». بيان حال الرواة: 1 - أحمد بن عبد الجبار: هو أحمد بن عبد الجبار بن محمد بن عمير أبو عمر الكوفي الدارمي. روى عن وكيع بن الجراح، وحفص بن غياث، وأبي بكر بن عياش. روى عنه: ابن أبي داود، وأبو داود، وأبو سهل أحمد بن محمد بن زياد القطان. قال أبو حاتم: ليس بإسناده قوي، وقال ابنه ابن أبي حاتم: كتبت عنه وأمسكت عن التحديث عنه لما تكلم الناس فيه، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الدارقطني: لا بأس به، أثنى عليه أبو كريب. قال ابن حجر: إسناده ضعيف، وسماعه للسيرة صحيح. مات سنة اثنين وسبعين ومائتين «3».
2 - وكيع:
2 - وكيع: (،؛) هو وكيع بن الجراح بن مليح، أبو سفيان الرواسي. (،؛) روى عن: سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج وسفيان بن عيينة. (،؛) روى عنه: أحمد بن عبد الجبار، وهارون بن إسحاق، وعمر بن عبد الله. (،؛) قال أحمد بن حنبل: كان وكيع مطبوع الحفظ، كان حافظا حافظا. وكان وكيع أحفظ من عبد الرحمن بن مهدي كثيرا كثيرا. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، حافظ عابد، مات في آخر سنة ست وأول سنة سبع وتسعين ومائة «1». أما بقية رجال الإسناد تقدمت ترجمتهم في الروايات السابقة. الحكم على هذه الرواية: (،؛) قال ابن حجر في الفتح بعد أن أورد هذه الرواية، قال: إسنادها حسن «2». وقال ابن كثير بعد أن ذكر هذه الرواية في كتابه فضائل القرآن: هذا إسناد صحيح «3». (،؛) وذكر هذه الرواية أيضا أبو عبيد بسنده في كتابه فضائل القرآن «4». (،؛) وأوردها السخاوي بسنده عن ابن أبي داود «5».
ثانيا:
(،؛) وكذا أوردها أبو شامة في المرشد الوجيز «1». (،؛) وأوردها السيوطي في الإتقان عن ابن أبي داود وحكم على إسنادها بالحسن «2». (،؛) وأوردها الهندي في كنز العمال، وحسن إسنادها «3». هذه الرواية إسنادها حسن، والله أعلم. وكل هذه الروايات موقوفة على الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه. إذن .. فالرواية الأولى يبقى إسنادها حسنا، بسبب حال السدي الكبير الذي لم يتابعه أحد عليها، والله أعلم. ثانيا: حدثنا هارون بن إسحاق، قال: حدثنا عبدة عن هشام عن أبيه: (أن أبا بكر هو الذي جمع القرآن بعد النبي صلى الله عليه وسلم، يقول ختمه) «4». بيان حال الرواة: 1 - هارون بن إسحاق: (،؛) هو هارون بن إسحاق بن محمد بن مالك الهمداني، أبو القاسم الكوفي. (،؛) روى عن: عبدة بن سليمان، ووكيع بن الجراح، ومحمد بن فضيل. (،؛) روى عنه: ابن أبي داود، وروى عنه البخاري في جزء القراءة خلف الإمام، والترمذي. (،؛) قال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي: ثقة، وقال في أسماء شيوخه: نعم الشيخ كان، وذكره ابن حبان في الثقات.
2 - عبدة:
(،؛) قال ابن حجر: صدوق، مات سنة ثمان وخمسين ومائتين «1». 2 - عبدة: (،؛) هو عبدة بن سليمان الكلابي أبو محمد الكوفي. (،؛) روى عن: سفيان الثوري، وهشام بن عروة، وسعيد بن أبي عروبة. (،؛) روى عنه: هارون بن إسحاق، ومحمد بن سوار، وعبد الله بن سعيد الأشج. (،؛) قال أحمد بن حنبل: ثقة ثقة وزيادة مع صلاح في بدنه، وقال ابن حجر: ثقة ثبت، مات سنة سبع وثمانين ومائة، وقيل بعدها «2». 3 - هشام: (،؛) هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام، أبو المنذر الأسدي. (،؛) روى عن: أبيه عروة، ومحمد بن سيرين- مرسلا- وأبي بكر بن أبي مليكة. (،؛) روى عنه: عبدة بن سليمان، وحماد بن سلمة، وابن أبي الزناد، والليث بن سعد. (،؛) قال أبو حاتم: ثقة إمام في الحديث، وقال ابن سعد: كان ثقة ثبتا كثير الحديث حجة، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، ربما دلس، مات سنة خمس أو ست وأربعين ومائة، وله سبع وثمانون سنة «3».
4 - أبوه (عروة بن الزبير):
4 - أبوه (عروة بن الزبير): (،؛) هو عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد أبو عبد الله المدني. (،؛) روى عن: أبي بكر الصديق، ولم يلقه، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، ومروان بن الحكم. (،؛) روى عنه: هشام بن عروة، وابن شهاب الزهري، وابن أبي مليكة. (،؛) قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث فقيها عالما مأمونا ثبتا، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: وكان من أفاضل أهل المدينة وعلمائهم. (،؛) وقال ابن حجر: ثقة، فقيه، مشهور، مات سنة أربع وتسعين على الصحيح، وكانت ولادته سنة ثلاث وعشرين وقيل غير ذلك «1». الحكم على الرواية: فيها هارون بن إسحاق، قال عنه ابن حجر: صدوق، والحديث مقطوع، لأن عروة بن الزبير لم يلق أبا بكر الصديق رضي الله عنه إذ كانت ولادة عروة سنة ثلاث وعشرين على الراجح، ووفاة أبي بكر سنة ثلاث عشرة من الهجرة «2». وأورد هذه الرواية أيضا السخاوي بسنده عن ابن أبي داود هكذا منقطعا «3»، فالرواية إسنادها منقطع، والله أعلم. فهذه الرواية تكون أيضا من الشواهد للحديث الأول: بأن أبا بكر أول من جمع بين اللوحين. وكما بينا في الفصل الأول بأن القرآن الكريم كان كله قد كتب في عهد
ثالثا:
النبي صلى الله عليه وسلم ولكن غير مجموع في موضع واحد. ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب، وأمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعا، وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها القرآن منتشرا، فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء «1». فعلي بن أبي طالب بين للناس أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أعظمهم أجرا في المصاحف، لأن هذا العمل هو من أكبر المصالح الدينية وأعظمها، من حفظه لكتاب الله في مصحف واحد لئلا يذهب منه شيء بموت من تلقاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «2». وإذا تأملنا ما فعله أبو بكر الصديق رضي الله عنه في جمع القرآن، فإن هذا يعد في فضائله وعظيم مناقبه، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ... ) «3». فما جمع القرآن أحد بعده إلا وكان له مثل أجره إلى يوم القيامة. ولهذا قال أبو بكر الصديق لزيد بن ثابت: (هو والله خير ... )، قال هذا عند ما سأله زيد: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ - كما سيأتي في الحديث الصحيح القادم-. ثالثا: حدثنا موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد حدثنا ابن شهاب عن عبيد بن السباق: (أن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر رضي الله عنه: إن عمر أتاني، فقال: إن
دلالة الحديث:
القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، قلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، لم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ «1»، حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر في حياته ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهم) «2». دلالة الحديث: ذكرنا هذا الحديث في المبحث الأول من هذا الفصل، وتحدثنا عنه من الناحية التاريخية، عن فكرة الجمع وسببه وعلى ماذا استندوا، وكذلك عن لجنة الجمع وعن الصفات والمؤهلات التي جعلت أبا بكر الصديق رضي الله عنه يخص زيد بن ثابت رضي الله عنه بهذا العمل، وبماذا امتاز هذا الجمع. وحتى لا يكون تكرار سوف أقتصر في هذا الحديث هنا على الدلائل
والمسائل التي لم نتحدث عنها هنالك من خلال هذا الحديث الصحيح. قوله: (أرسل إلي أبو بكر): قال ابن حجر: لم أقف على اسم الرسول إليه بذلك «1». أي اسم الرجل الذي أرسله أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى زيد بن ثابت. قوله: (قد استحر): أي اشتد وكثر، وهو استفعل من الحر، لأن المكروه غالبا يضاف إلى الحر، كما أن المحبوب يضاف إلى البرد، يقولون: أسخن الله عينه، وأقر عينه «2». قوله: (كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟): قال الخطابي: يحتمل أن يكون إنما لم يجمع القرآن في المصحف لما كان يترقبه صلى الله عليه وسلم من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته، فلما انقضى نزوله بوفاته صلى الله عليه وسلم ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء لوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة المحمدية زادها الله شرفا، فكان ابتداء ذلك على يد الصديق رضي الله عنه بمشورة عمر «3». قوله: (حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري)، وقع في رواية شعيب عن الزهري: (مع خزيمة الأنصاري) «4»، ووقع في رواية عبد الرحمن بن مهدي عن إبراهيم بن سعد: (مع خزيمة بن ثابت) «5».
وكذا أخرج الأخير ابن أبي داود من طريقين: من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري، ومن طريق يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري (مع خزيمة بن ثابت) «1». قال ابن حجر: (وقول من قال: عن إبراهيم بن سعد (مع أبي خزيمة) أصح. وأن الذي وجد معه آخر سورة التوبة غير الذي وجد معه الآية التي في الأحزاب «2»، وهي قوله تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ «3». قال ابن حجر: (فالأول اختلف الرواة فيه عن الزهري، فمن قائل: (مع خزيمة)، ومن قائل: (مع أبي خزيمة)، ومن شك يقول: (خزيمة أو أبو خزيمة)، والأرجح أن الذي وجد معه آخر سورة التوبة: أبو خزيمة بالكنية، والذي وجد معه الآية من الأحزاب خزيمة «4». وأبو خزيمة قيل هو: ابن أوس بن يزيد بن أصرم، مشهور بكنيته دون اسمه، وقيل: هو الحارث بن خزيمة «5»، وزاد أبو شامة: من بني النجار، شهد بدرا وما بعدها، توفي في خلافة عثمان «6»، إلا أن القرطبي لم يقف على اسمه، وقال: أبو خزيمة لا يوقف على صحة اسمه، وهو مشهور بكنيته «7».
أما خزيمة: فهو ابن ثابت ذو الشهادتين «1». قال أبو شامة: خزيمة بن ثابت بن الفاكه من الأوس، شهد أحدا وما بعدها، وقتل يوم صفين، وقيل غير ذلك «2»، وقد صرح الإمام البخاري به عند الحديث عن آية الأحزاب، كما جاء في الصحيح: عن خارجة بن زيد: أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (نسخت الصحف في المصاحف ففقدت آية من سورة الأحزاب، كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فلم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين ... ) الحديث «3». وقوله- في أصل الحديث الثالث-: (لم أجدها مع أحد غيره) - والحديث عن الآية التي في نهاية سورة التوبة-: أي لم يجدها مكتوبة، وكان زيد بن ثابت لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة، ولا يلزم من عدم وجدانه إياها حينئذ أن لا تكون تواترت عند من لم يتلقاها من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان زيد رضي الله عنه يطلب التثبت عمن تلقاها بغير واسطة، ولعلهم لما وجدها زيد عند أبي خزيمة تذكروها كما تذكرها زيد رضي الله عنه «4». قال الخطابي: هذا مما يخفى معناه، ويوهم أنه كان يكتفي في إثبات الآية
بخبر الشخص الواحد، وليس كذلك فقد اجتمع في هذه الآية: زيد بن ثابت وأبو خزيمة وعمر رضي الله عنهم «1». وحكى ابن التين «2» عن الداودي قال: لم يتفرد بها أبو خزيمة، بل شاركه زيد بن ثابت، فعلى هذا تثبت برجلين «3». لم يعلق ابن حجر على قوليهما فيقول: وكأنه ظن أن قولهم: لا يثبت القرآن بخبر الواحد، أي الشخص الواحد، وليس كما ظن، بل المراد بخبر الواحد خلاف الخبر المتواتر، فلو بلغت رواة الخبر عددا كثيرا وفقد شيئا من شروط المتواتر لم يخرج عن كونه خبر الواحد، والحق: أن المراد بالنفي نفي وجودها مكتوبة لا نفي كونها محفوظة «4». وقول ابن حجر هذا أولى من قول مكي بن أبي طالب: من أن زيدا وغيره كانوا يحفظون الآية، لكنهم نسوها، فوجدوها في حفظ ذلك الرجل، فتذاكروها واستيقنوها وأثبتوها في المصحف لحفظهم لها «5». قال أبو شامة: إن زيدا كان يتطلب نسخ القرآن من غير ما كتب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يجد كتابة تلك الآية إلا مع ذلك الشخص، وإلا فالآية محفوظة عنده وعند غيره، وهذا المعنى أولى مما ذكره مكي وغيره «6».
رابعا:
رابعا: حدثنا عبد الله، قال: حدثنا أبو الطاهر، قال: أخبرنا ابن وهب، أخبرني ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه، قال: (لما استحر القتل بالقراء يومئذ فرق أبو بكر على القرآن أن يضيع، فقال لعمر بن الخطاب ولزيد بن ثابت: اقعدا على باب المسجد فمن جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه) «1». بيان حال الرواة: 1 - أبو الطاهر: (،؛) هو أحمد بن عمرو بن عبد الله أبو الطاهر المصري. (،؛) روى عن: عبد الله بن وهب، وسفيان بن عيينة. (،؛) روى عنه: ابن أبي داود، وأبو زرعة، وبقي بن مخلد. (،؛) قال أبو حاتم: لا بأس به، وقال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) وقال ابن حجر: ثقة، مات سنة خمس وخمسين بعد المائتين «2». 2 - ابن وهب: (،؛) هو عبد الله بن وهب بن مسلم، أبو محمد المصري.
3 - ابن أبي الزناد:
(،؛) روى عن: ابن أبي الزناد، ومالك بن أنس، ويونس بن يزيد الأيلي. (،؛) روى عنه: أبو الطاهر، وعيسى بن إبراهيم بن مشرود، ومحمد بن سلمة المرادي. (،؛) قال أحمد بن حنبل: صحيح الحديث، يفصل السماع عن العرض والحديث من الحديث، ما أصح حديثه وأثبته. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، حافظ، عابد، مات سنة سبعين وتسعين ومائة، وله اثنان وسبعون «1». 3 - ابن أبي الزناد: هو عبد الرحمن بن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان القريشي مولاهم المدني. روى عن: هشام بن عروة، وأبيه عبد الله بن ذكوان. روى عنه: عبد الله بن وهب، ومحمد بن بشر. قال ابن المديني: كان عند أصحابنا ضعيفا. وقال ابن حجر: صدوق، تغير حفظه لما قدم بغداد، وكان فقيها، مات سنة أربع وستين ومائة، وله أربع وسبعون سنة «2». 4 - هشام بن عروة، وعروة بن الزبير: (،؛) ثقات، تقدمت ترجمتهما في الحديث الثاني من هذا المبحث. الحكم على الرواية: إسنادها منقطع، لأن عروة بن الزبير لم يلق أبا بكر الصديق رضي الله عنه.
خامسا:
وقال ابن حجر بعد أن أورد هذا الأثر: رجاله ثقات مع انقطاعه «1». ومعنى هذا الحديث كما قال الإمام السخاوي: (من جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله الذي كتب بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وإلا كان زيد جامعا للقرآن)، قال: (ويجوز أن يكون معناه: من جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله تعالى، أي من الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن، ولم يزد على شيء مما لم يقرأ أصلا، ولم يعلم بوجه آخر) «2». وذكر هذا عنه أبو شامة المقدسي «3»، وكذا السيوطي في الإتقان «4». وقال ابن حجر: (وكأن المراد بالشاهدين الحفظ والكتابة، أو المراد: أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن، وكان غرضهم أن لا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي صلّى الله عليه وسلّم لا مجرد الحفظ) «5». وزاد السيوطي فقال: (أو المراد: أنهما يشهدان على أن ذلك مما عرض على النبي صلّى الله عليه وسلّم عام وفاته) «6». خامسا: حدثنا عبد الله، قال: حدثنا علي بن حرب، قال: حدثنا جعفر بن عون عن إبراهيم بن إسماعيل الأنصاري، عن الزهري عن عبيد بن السباق عن زيد بن ثابت قال: (دعاني أبو بكر فقال: إنك رجل شاب كنت تكتب الوحي بين
بيان حال الرواة:
يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، اجمع القرآن فاكتبه، فو الله لو كلفوني نقل الجبال كان أيسر علي من الذي كلفني. فجعلت أتتبع القرآن من صدور الرجال ومن العسب ومن الرقاع ومن الأضلاع. ففقدت آية كنت أسمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم أجدها عند أحد، فوجدتها عند رجل من الأنصار مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ... «1»، فألحقتها في سورتها، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى مات، ثم عند عمر حتى مات، ثم عند حفصة) «2». بيان حال الرواة: 1 - علي بن حرب: (،؛) هو علي بن حرب بن محمد بن علي أبو الحسن الطائي. (،؛) روى عن: جعفر بن عون، ومحمد بن فضيل، وهشام بن محمد بن السائب. (،؛) روى عنه: ابن أبي داود، والنسائي، وابن أبي حاتم. (،؛) قال الدارقطني، ومسلمة بن القاسم: ثقة، قال أبو حاتم وابنه: صدوق، وقال النسائي: صالح، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) وقال ابن حجر: صدوق فاضل، مات سنة خمس وستين ومائتين، وقد جاوز الستين «3». 2 - جعفر بن عون: (،؛) هو جعفر بن عون بن عمرو أبو عون الكوفي.
3 - إبراهيم بن إسماعيل الأنصاري:
(،؛) روى عن: إبراهيم بن إسماعيل الأنصاري، وهشام بن سعد. (،؛) روى عنه: علي بن حرب، ومحمد بن إسماعيل الأحمسي. (،؛) قال أحمد بن حنبل: ليس به بأس، كان رجلا صالحا، ووثقه يحيى بن معين والعجلي، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) وقال ابن حجر: صدوق، مات سنة ست، وقيل: سبع ومائتين «1». 3 - إبراهيم بن إسماعيل الأنصاري: (،؛) هو إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع أبو إسحاق الأنصاري. (،؛) روى عن: الزهري، وعمرو بن دينار. (،؛) وروى عنه: جعفر بن عون، وابن أبي حازم. (،؛) قال ابن معين: ضعيف ليس بشيء، وقال أبو حاتم: كثير الوهم ليس بالقوي، يكتب حديثه ولا يحتج به، وهو قريب من ابن أبي حبيبة، وقال البخاري: كثير الوهم، وقال ابن عون: وهو مع ضعفه يكتب حديثه. (،؛) قال ابن حجر: ضعيف «2». الحكم على الرواية: فيه إبراهيم بن إسماعيل الأنصاري، قال ابن حجر عنه: ضعيف، وفي هذا الأثر أدرج إبراهيم بن إسماعيل قصة آية سورة الأحزاب مع رواية عبيد بن السباق التي فيها قصة آية سورة التوبة، والصحيح كما قال الحافظ ابن حجر:
سادسا:
إن قصة زيد بن ثابت مع أبي بكر وعمر عن عبيد بن السباق عن زيد بن ثابت. كما في الحديث الصحيح الذي ذكرناه قبل قليل- والذي يحمل رقم (ثالثا) -: (أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: أرسل إلي أبي بكر ... الحديث) «1»، وقصة حذيفة مع عثمان رضي الله عنهما عن أنس بن مالك «2»، كما في الحديث الصحيح: (أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان .. الحديث) «3». سادسا: أ - حدثنا عبد الله، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن النعمان، قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية: (أنهم جمعوا القرآن في مصحف في خلافة أبي بكر، فكان رجال يكتبون ويملي عليهم أبي بن كعب، فلما انتهوا إلى هذه الآية من سورة براءة: ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ «4». فظنوا أن هذا آخر ما أنزل من القرآن، فقال أبي: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أقرأني بعدهن آيتين: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) «5»، قال: فهذا آخر ما أنزل من القرآن، فختم الأمر بما فتح به بقول الله جل ثناؤه:
بيان حال الرواة:
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25 «1») «2». بيان حال الرواة: 1 - عبد الله بن محمد بن النعمان: (،؛) هو عبد الله بن محمد بن النعمان بن عبد السلام الأصبهاني المقري. (،؛) روى عن: محمد بن سعيد بن سابق، وسعيد بن سليمان، والفضل بن دكين. (،؛) روى عنه: ابن أبي داود، وأحمد بن الحجاج الكرخي، وأحمد بن جعفر بن معبد. (،؛) ذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو نعيم: ثقة مأمون، وكان من عباد الله الصالحين «3». 2 - محمد: (،؛) هو محمد بن سعيد بن سابق الرازي. (،؛) روى عن: أبي جعفر الرازي، وعبد الله بن المبارك. (،؛) روى عنه: عبد الله بن محمد بن النعمان، ويعقوب بن شيبة. (،؛) ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر: ثقة، مات سنة ست عشرة ومائتين «4».
3 - أبو جعفر:
3 - أبو جعفر: (،؛) هو عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان، أبو جعفر. (،؛) روى عن: الربيع بن أنس، ومغيرة بن مقسم. (،؛) روى عنه: محمد بن سعيد بن سابق، وعبد الله بن أبي جعفر الرازي. (،؛) قال أحمد بن حنبل: ليس بقوي في الحديث، وقال صالح الحديث، وقال ابن معين: ثقة، وهو يغلط فيما يرويه عن مغيرة، وقال أيضا: يكتب حديثه، ولكنه يخطئ، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال أبو حاتم: ثقة صدوق صالح الحديث. (،؛) وقال ابن حجر: صدوق سيئ الحفظ خصوصا عن مغيرة. مات في حدود الستين «1». 4 - الربيع: (،؛) هو الربيع بن أنس البكري، أو الحنفي، بصري، نزل خراسان. (،؛) روى عن: أبي العالية رفيع بن مهران، وأبي بن كعب رضي الله عنه. (،؛) روى عنه: أبو جعفر الرازي، والأعمش، وسليمان التيمي. (،؛) قال أبو حاتم: صدوق، وهو أحب إلي في أبي العالية من أبي خلدة، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن معين: كان يتشيع فيفرط، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) قال ابن حجر: صدوق له أوهام، رمي بالتشيع، مات سنة أربعين ومائة أو قبلها «2».
5 - أبو العالية:
5 - أبو العالية: (،؛) هو رفيع بن مهران، أبو العالية الرياحي البصري. (،؛) روى عن: أبي بن كعب، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود رضي الله عنهم. (،؛) روى عنه: الربيع بن أنس، وشعيب بن الحبحاب، وعاصم الأحول. (،؛) وثقة ابن معين، وأبو حاتم، والعجلي، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، كثير الإرسال، مات سنة تسعين، وقيل: ثلاث وتسعين، وقيل: بعد ذلك «1». الحكم على الرواية: في إسنادها انقطاع، وهذه الرواية موقوفة على أبي العالية، وكذلك فيها أبو جعفر- عيسى- قال عنه ابن حجر: صدوق سيئ الحفظ، والأثر من كلام أبي بن كعب، لكن أسقطه الراوي، وهذا ما توضحه الرواية الأخرى والتي ذكر في إسنادها أبي بن كعب، وهي: ب - قال عبد الله بن أبي داود: حدثنا يعقوب بن سفيان، قال: حدثني أبو جعفر أحمد بن عمر المكي، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر الرازي، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب: (أنهم جمعوا القرآن من مصحف أبي، فكان رجال يكتبون، يملي عليهم أبي بن كعب، فلما انتهوا إلى الآية التي في سورة براءة: ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ «2»، أثبتوا أن هذه الآية آخر ما أنزل الله تعالى من القرآن، فقال
بيان حال الرواة:
أبي بن كعب: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأني بعد هذا آيتين: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128) «1» إلى آخر السورة، قال: فهذا آخر ما نزل من القرآن، قال: فختم الأمر بما فتح الله به، بلا إله إلا الله يقول الله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) «2») «3». بيان حال الرواة: 1 - يعقوب بن أبي سفيان: (،؛) ثقة، تقدم في الحديث الأول من هذا المبحث. 2 - أبو جعفر أحمد بن عمر المكي: (،؛) لم أقف له على ترجمة. 3 - عبد الله بن أبي جعفر الرازي: (،؛) هو عبد الله بن جعفر عيسى بن ماهان الرازي. (،؛) روى عن: أبيه، وعن ابن جريج، وشعبة بن الحجاج. (،؛) روى عنه: أبو جعفر أحمد بن عمر المكي، وأحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله سعد الدشتكي. (،؛) قال أبو زرعة: صدوق، وقال أبو حاتم: صدوق ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات.
4 - أبو جعفر الرازي:
(،؛) قال ابن حجر: صدوق يخطئ «1». 4 - أبو جعفر الرازي: (،؛) هو عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان الرازي. (،؛) تقدم في الأثر السابق، وهو والد عبد الله بن أبي جعفر. (،؛) قال عنه ابن حجر: صدوق سيئ الحفظ «2». 5 - الربيع بن أنس: (،؛) تقدم في الأثر السابق، قال عنه ابن حجر: صدوق له أوهام «3». 6 - أبو العالية: (،؛) هو رفيع بن مهران الرياحي، ثقة، تقدم الحديث عنه. 7 - أبي بن كعب: (،؛) هو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد الأنصاري الخزرجي، أبو المنذر، صحابي جليل. (،؛) روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم. (،؛) وروى عنه: أبو العالية، وسعيد بن جبير، وحماد بن سلمة، والربيع بن أنس. (،؛) وقد تقدم الحديث عنه كثيرا في الفصل الأول.
الحكم على الرواية:
الحكم على الرواية: فيها: أحمد بن عمر المكي، لم أقف له على ترجمة، وعيسى بن أبي عيسى صدوق سيئ الحفظ، فالرواية ضعيفة، والله أعلم. سابعا: حدثنا عبد الله، قال: حدثنا أبو الطاهر، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك عن ابن شهاب عن سالم وخارجة: (أن أبا بكر الصديق كان جمع القرآن في قراطيس، وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك، فأبى حتى استعان عليه بعمر ففعل، فكانت تلك الكتب عند أبي بكر حتى توفي، ثم عند عمر حتى توفي، ثم كانت عند حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليها عثمان فأبت أن تدفعها إليه حتى عاهدها ليردنها إليها، فبعثت بها إليه، فنسخها عثمان هذه المصاحف ثم ردها إليها، فلم تزل عندها حتى أرسل مروان فأخذها فحرقها) «1». بيان حال الرواة: 1 - أبو الطاهر: (،؛) ثقة تقدم الكلام عنه في الحديث الرابع من هذا المبحث. 2 - ابن أبي وهب: (،؛) ثقة، تقدم في الحديث الرابع أيضا. 3 - مالك بن أنس: (،؛) هو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي، أبو عبد
4 - ابن شهاب:
الله المدني، الفقيه، إمام دار الهجرة. (،؛) روى عن: ابن شهاب، وزيد بن أسلم، وجعفر بن محمد الصادق. (،؛) روى عنه: ابن وهب، وعبد الرحمن بن مهدي، وروح بن عبادة. (،؛) قال ابن سعد: كان ثقة، مأمونا ثبتا ورعا عالما حجة. (،؛) قال ابن حجر: إمام دار الهجرة، رأس المتقين، وكبير المثبتين، مات سنة تسع وسبعين بعد المائة، وكان مولده سنة ثلاث وتسعين، وقال الواقدي: بلغ تسعين سنة «1». 4 - ابن شهاب: (،؛) هو محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري، ثقة تقدم الحديث عنه في الفصل الأول. 5 - سالم: (،؛) هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي. (،؛) روى عن: أبي بكر- ولم يدركه- وعبد الله بن عمر، وأم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنهما. (،؛) روى عنه: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وجابر الجعفي، وعبد الله بن يزيد الأزدي. (،؛) قال ابن سعد: ثقة، وكان كثير الحديث عالما من الرجال ورعا، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان يشبه أباه في السمت والهدي. (،؛) قال ابن حجر: كان ثبتا عابدا فاضلا، مات في آخر سنة ست بعد المائة «2».
6 - خارجة:
6 - خارجة: (،؛) هو خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري النجاري، أبو زيد المدني. (،؛) روى عن: زيد بن ثابت، وعن أسامة بن زيد، وسهل بن سعد. (،؛) روى عنه: سليمان بن خارجة بن زيد الزهري. (،؛) قال ابن سعد: ثقة، وكان كثير الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، فقيه، مات سنة مائة، وقيل قبلها «1». الحكم على الرواية: رجالها ثقات، لكن سالما وخارجة لم يسمعا من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولم يدركا عهده، فيكون الإسناد منقطعا. هناك بعض الروايات تشير إلى أن الذي جمع القرآن هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبعضها تشير إلى أن الذي جمع القرآن هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وإليك دراسة هذه الروايات، وبيان حال رجالها، وتأويلات العلماء لها. وقد وضعتها في هذا المبحث لعلاقتها لجمع القرآن في عهد الصديق رضي الله عنه. ثامنا: حدثنا عبد الله، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن خلاد، قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا مبارك عن الحسن: أن عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله، فقيل: كانت مع فلان يوم اليمامة، فقال: إنا لله، وأمر بالقرآن فجمع، وكان أول من جمعه في المصحف «2».
بيان حال الرواة:
بيان حال الرواة: 1 - عبد الله بن محمد بن خلاد: (،؛) لم أجد فيه جرحا ولا تعديلا «1»، وكذا قال د. محب الدين في دراسته لكتاب المصاحف «2». 2 - يزيد بن هارون بن زادان، أبو خالد السلمي: (،؛) روى عن همام بن يحيى، ومبارك بن فضالة، وحماد بن زيد. (،؛) روى عنه: عبد الله بن محمد بن خلاد، وإسحاق بن وهب، وأحمد بن سنان القطان. (،؛) قال أحمد بن حنبل: كان حافظا متقنا للحديث، وقال أبو حاتم: ثقة إمام صدوق في الحديث لا يسأل عن مثله، وقال ابن معين: ثقة. (،؛) وقال ابن حجر: ثقة، متقن عابد، مات سنة ست ومائتين، وقد قارب التسعين «3». 3 - مبارك بن فضالة، أبو فضالة البصري: (،؛) روى عن الحسن البصري، وبكر بن عبد الله المزني. (،؛) روى عنه: يزيد بن هارون، ومحمد بن سيرين. (،؛) قال العجلي: لا بأس به، وقال أبو زرعة: يدلس كثيرا، فإذا قال: حدثنا، فهو ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان يخطئ. (،؛) وقال ابن حجر: صدوق، يدلس ويسوي، مات سنة ست وستين ومائة على الصحيح «4».
4 - الحسن بن أبي الحسن، يسار أبو سعيد البصري:
4 - الحسن بن أبي الحسن، يسار أبو سعيد البصري: (،؛) روى عن: عمر بن الخطاب ولم يدركه، وأبي موسى الأشعري. (،؛) روى عنه: مبارك بن فضالة، وهشام بن حسان، وإسماعيل بن مسلم. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، فقيه، فاضل، مشهور، وكان يرسل كثيرا ويدلس، وذكره في الطبقة الثانية، مات سنة عشر ومائة، وقد قارب التسعين «1». الحكم على الرواية: فيها عبد الله بن محمد لم أجد فيه جرحا ولا تعديلا، وأيضا الإسناد منقطع، لأن الحسن البصري لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذا ما ذكره ابن كثير ووافقه ابن حجر، فقال: (وهذا منقطع فإن الحسن لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه) «2». ومعنى قوله: (كان أول من جمعه في المصحف) أي: أشار- عمر بن الخطاب- بجمعه في خلافة أبي بكر رضي الله عنه فنسب الجمع إليه لذلك؛ ولهذا كان مهيمنا على حفظه وجمعه، حتى أنه كان رضي الله عنه لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد له شاهدان، وذلك عن أمر الصديق له في ذلك «3». وقال ابن حجر: (فإن كان- الأثر- محفوظا حمل على أن المراد بقوله: (فكان أول من جمعه) أي: أشار بجمعه في خلافة أبي بكر، فنسب الجمع إليه لذلك) «4».
تاسعا:
تاسعا: حدثنا عبد الله، قال لنا أبو الطاهر، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عمر بن طلحة الليثي، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، قال: أراد عمر بن الخطاب أن يجمع القرآن، فقام في الناس فقال: من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن فليأتنا به، وكانوا كتبوا ذلك في الصحف والألواح، والعسب. وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شهيدان، فقتل وهو يجمع ذلك إليه فقام عثمان بن عفان فقال: من كان عنده من كتاب الله شيء فليأتنا به، وكان لا يقبل من ذلك شيئا حتى يشهد عليه شهيدان، فجاء خزيمة بن ثابت فقال: إني قد رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما، قالوا: وما هما؟ قال: تلقيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128) «1» ... إلى آخر السورة، قال عثمان: فأنا أشهد أنهما من عند الله، فأين ترى نجعلهما؟ قال: أختم بهما آخر ما نزل من القرآن، فختم بهما براءة «2». بيان حال الرواة: 1 - أبو الطاهر: (،؛) هو أحمد بن عمرو بن عبد الله بن السرج، ثقة، تقدمت ترجمته قبل قليل. 2 - ابن وهب: (،؛) هو عبد الله بن وهب بن مسلم القريشي، ثقة، تقدمت ترجمته قبل قليل.
3 - عمر بن طلحة بن علقمة بن وقاص الليثي:
3 - عمر بن طلحة بن علقمة بن وقاص الليثي: (،؛) روى عن: ابن عمرة محمد بن عمرو بن علقمة، وسعيد المقبري. (،؛) روى عنه: ابن وهب، وعبد الله بن عبد الحكيم. (،؛) قال أبو زرعة: ليس بالقوي، وقال أبو حاتم: محله الصدق، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر: صدوق «1». 4 - محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص أبو عبد الله الليثي: (،؛) روى عن: يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف. (،؛) روى عنه: عمر بن طلحة الليثي، وسفيان بن عيينة، ويحيى بن سعيد القطان. (،؛) قال ابن معين: ثقة، وقال مرة: ما زال الناس يتقون حديثه، قيل له: وما علة ذلك؟ قال: كان يحدث مرة عن أبي سلمة بالشيء من روايته ثم يحدث به مرة أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال أيضا: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) قال ابن حجر: صدوق له أوهام، مات سنة خمس وأربعين ومائة على الصحيح «2». 5 - يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة أبو محمد المدني: (،؛) روى عن: عمر بن الخطاب ولم يلقه، وأبيه عبد الرحمن بن حاطب. (،؛) روى عنه: محمد بن عمرو بن علقمة، ومحمد بن إسحاق.
الحكم على الرواية:
(،؛) قال العجلي، والنسائي، والدارقطني: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، مات سنة أربع ومائة «1». الحكم على الرواية: فيها محمد بن عمرو بن علقمة، وهو صدوق له أوهام، والإسناد أيضا منقطع، لأن يحيى بن عبد الرحمن لم يلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفيما يظهر من هذا الحديث أن المتن فيه نكارة- والله أعلم- لأنه يدل على أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الذي قام بجمع المصحف فقتل ولم يتم ذلك حتى أكمله عثمان رضي الله عنه بعد ذلك، فأتاه خزيمة بن ثابت بخاتمة براءة، وهذا مخالف لما هو معروف وثابت. إذ الراجح: أن الذي أتى بخاتمة براءة هو أبو خزيمة- كما مر بنا قبل قليل- وأيضا كان ذلك في خلافة الصديق رضي الله عنه، إلا أن عمر رضي الله عنه كان هو القائم على هذا الجمع بأمر الصديق له. عاشرا: قال لنا إسماعيل بن أسد، قال: حدثنا هوذة، قال: حدثنا عوف عن عبد الله بن فضالة، قال: لما أراد عمر أن يكتب الإمام أقعد له نفرا من الصحابة، وقال: إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلغة مضر، فإن القرآن نزل على رجل من مضر «2». بيان حال الرواة: 1 - إسماعيل بن أسد: (،؛) هو إسماعيل بن أسد بن شاهين أبو إسحاق البغدادي.
2 - هوذة:
(،؛) روى عن: هوذة بن خليفة، وحجاج بن محمد الأعور. (،؛) روى عنه: ابن أبي داود، وابن ماجة. (،؛) قال أبو حاتم: صدوق، وقال ابنه: ثقة، صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) وقال ابن حجر: صدوق، مات سنة ثمان وخمسين ومائتين «1». 2 - هوذة: (،؛) هو هوذة بن خليفة بن عبد الله بن عبد الرحمن، أبو الأشهب الأصم البصري. (،؛) روى عن: عوف الأعرابي، وروى عن: ابن جريج، وهاشم بن حسان. (،؛) روى عنه: إسماعيل بن أسد، وأحمد بن حنبل. (،؛) قال أحمد بن حنبل: ما أضبط هذا الأصم- يعني هوذة- عن عوف، وأرجو أن يكون صدوقا، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) وقال ابن حجر: صدوق مات سنة ستة عشر ومائتين «2». 3 - عوف: (،؛) هو عوف بن أبي جميلة الأعرابي، البصري. روى عن: عبد الله بن فضالة، والحجاج بن يوسف. (،؛) روى عنه: هوذة بن خليفة، والنضر بن شميل، ويحيى بن سعيد القطان. (،؛) قال أحمد بن حنبل: ثقة، صالح الحديث، وقال ابن معين: ثقة، وقال
4 - عبد الله بن فضالة الليثي الزهراني:
النسائي: ثقة ثبت. (،؛) وقال ابن حجر: ثقة رمي بالتشيع، مات سنة ست أو سبع وأربعين ومائة وله ست وثمانون سنة «1». 4 - عبد الله بن فضالة الليثي الزهراني: (،؛) روى عن: عمر بن الخطاب، وروى عن أبيه. (،؛) روى عنه: عوف بن أبي جميلة، وأبو حرب بن أبي السود. (،؛) قال ابن حبان: له صحبة، وقال ابن حجر: من أولاد الصحابة، له رؤية، ورواية مرسلة، عاش إلى زمن الوليد بن عبد الملك «2». الحكم على الرواية: إسنادها حسن، لأن فيها إسماعيل بن حسن وهوذة بن خليفة، فقد صدقهما ابن حجر، وبقية الرجال ثقات، لكن في المتن ما ينكر «3»، وهو أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يرد كتابة الإمام ولم يثبت هذا عنه، بل الذي قام بذلك الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه كما سيأتي بيان هذا في الفصل القادم إن شاء الله تعالى. الحادي عشر: أخرج ابن أبي داود من طريق عبد الله بن مغفل، وجابر بن سمرة قال: (قال عمر بن الخطاب: لا يملين في مصاحفنا إلا غلمان قريش وثقيف) «4».
أ - طريق عبد الله بن مغفل:
وردت هذه الرواية من طريقين: طريق عبد الله بن المغفل وجابر بن سمرة. فإليك بيان حال الرواة فيهما: أ- طريق عبد الله بن مغفل: حدثنا عبد الله، قال: حدثنا عبد الله بن محمد الزهري، قال: حدثنا وهب بن جرير بن حازم، قال: حدثنا أبي، قال: سمعت عبد الله بن عمير يحدث عن عبد الله بن مغفل، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: (لا يملين في مصاحفنا إلا غلمان قريش وثقيف) «1». [بيان حال الرواة:] 1 - عبد الله بن محمد: (،؛) هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور الزهري. (،؛) روى عن: سفيان بن عيينة، ووهب بن جرير بن حازم، وأبي داود الطيالسي. (،؛) روى عنه: ابن أبي داود، ومسلم، وأبو داود. (،؛) قال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) قال ابن حجر: صدوق، مات سنة ست وخمسين ومائتين «2». 2 - وهب بن جرير بن حازم: (،؛) هو وهب بن جرير بن حازم بن زيد أبو عبد الله الأزدي. (،؛) روى عن: عبد الله بن محمد الزهري، ومحمد بن يحيى بن عبد الكريم. (،؛) ذكره ابن حبان في الثقات، وقال أيضا: صالح الحديث، وقال: النسائي: ليس به بأس.
3 - جرير بن حازم:
(،؛) وقال ابن حجر: ثقة مات سنة ست ومائتين «1». 3 - جرير بن حازم: (،؛) هو جرير بن حازم بن زيد بن عبد الله أبو النضر الأزدي. (،؛) روى عن: أيوب السختياني، ومحمد بن سيرين. (،؛) روى عنه: ابنه وهب، وعبد الله بن وهب. (،؛) قال أبو حاتم: صدوق صالح، ووثقه ابن معين والقطان والعجلي والبزار. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، لكن في حديثه عن قتادة ضعفا، وله أوهام إذا حدث من حفظه، مات سنة سبعين ومائة «2». 4 - عبد الملك بن عمير بن سويد اللخمي: (،؛) روى عن: عبد الله بن مغفل، وجابر بن سمرة. (،؛) روى عنه: جرير بن حازم، وشيبان بن عبد الرحمن. (،؛) قال أبو حاتم: ليس بحافظ، وهو صالح تغير حفظه قبل موته، وقال النسائي: ثقة، فصيح عالم تغير حفظه، وربما دلس، مات سنة ست وثلاثين ومائة، وذكره في المرتبة الثالثة من مراتب المدلسين «3» 5 - عبد الله بن مغفل بن مقرن أبو الوليد المزني: (،؛) روى عن: عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولعله لم يسمع منه. وروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وروى عنه: عبد الملك بن عمير، وأبو إسحاق السباعي، ويزيد بن
الحكم على الرواية:
زياد. (،؛) قال العجلي: ثقة، من خيار التابعين، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) وقال ابن حجر: ثقة، مات سنة ثمان وثمانين «1». الحكم على الرواية: إسنادها حسن، بسبب حال عبد الله بن محمد الزهري، فقد صدقه ابن حجر: وفيه أيضا، عبد الملك بن عمير وهو ثقة تغير آخر عمره. ب- طريق جابر بن سمرة: حدثنا عبد الله، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن خلاد، قال: حدثنا يزيد قال: أخبرنا شيبان، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: (لا يملين في مصاحفنا إلا غلمان قريش وثقيف) «2». بيان حال الرواة: 1 - عبد الله بن محمد بن خلاد: (،؛) لم أجد له ترجمة، إلا ما قاله د. محب الدين عند تحقيقه لكتاب المصاحف: لم أجد فيه جرحا ولا تعديلا «3». 2 - يزيد بن زادان السلمي: (،؛) ثقة، تقدمت ترجمته قبل قليل.
3 - شيبان:
3 - شيبان: (،؛) هو شيبان بن عبد الرحمن التميمي مولاهم أبو معاوية البصري. (،؛) روى عن: عبد الملك بن عمير، والأعمش. (،؛) روى عنه: يزيد بن هارون، وعبيد الله بن موسى. (،؛) قال ابن معين، والعجلي، والنسائي، وابن سعد، والترمذي: ثقة، وزاد ابن سعد: كان كثير الحديث، وقال أبو حاتم: حسن الحديث، صالح يكتب حديثه، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) وقال ابن حجر: ثقة، صاحب كتاب، مات سنة أربع وستين ومائة «1». 4 - عبد الملك بن عميرة: (،؛) ثقة، تغير آخر عمره، وتقدمت ترجمته قبل قليل. 5 - جابر بن سمرة: (،؛) هو جابر بن سمرة بن جنادة السوائي، صحابي ابن صحابي. (،؛) روى عن: النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعمر بن الخطاب، وسعد بن أبي وقاص. (،؛) روى عنه: عبد الملك بن عمير، وسماك بن حرب، وتميم بن طرفة، مات بالكوفة بعد سنة سبعين، روى له أصحاب الكتب الستة، وله مائة وست وأربعون حديثا «2». الحكم على الرواية: فيها عبد الله بن محمد بن خلاد، لم أجد فيه جرحا ولا تعديلا، وفيها عبد الملك بن عمير وهو ثقة تغير آخر عمره، (لكن صرح الحافظ ابن حجر
أما رواية إسحاق بن إبراهيم
بأن الشيخين أخرجا له من رواية القدماء عنه) «1». وقال الدكتور محب الدين أيضا: (الإسناد صحيح لغيره، لأن عبد الله بن محمد الزهري «2» تابعه إسحاق بن إبراهيم وعبد الله بن محمد بن خلاد «3»، لكن في المتن ما ينكر ويخالف الواقع «4». أما رواية إسحاق بن إبراهيم ، والتي لم تدرس بعد، فإليك بيان حال رواتها: حدثنا عبد الله، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا سليمان، قال: حدثنا جرير ... الحديث نفسه «5». [بيان حال الرواة:] 1 - إسحاق بن إبراهيم: (،؛) هو إسحاق بن إبراهيم بن محمد المروزي الطويل، أبو يعقوب. (،؛) روى عن: سليمان بن أبي هوذة، ويحيى بن سليم الطائفي، وابن عيينة. (،؛) روى عن: ابن أبي داود، وأبو حاتم، وأبو القاسم الطبراني. (،؛) قال ابن أبي حاتم: سمع منه أبي، وأجمل القول فيه، وقال أبو الشيخ ابن حبان: شيخ صدوق صاحب أصول، من المعمرين، كان قد قارب المائة، مات سنة عشر وثلاثمائة، كثير الغرائب. (،؛) قال الذهبي: الشيخ الثقة المعمر «6».
2 - سليمان بن أبي هوذة:
(،؛) 2 - سليمان بن أبي هوذة: (،؛) روى عن: جرير بن حازم، وحماد بن سلمة. (،؛) روى عنه: إسحاق بن إبراهيم بن محمد المروزي الطويل، وعبد الله بن محمد بن الحسن المختار. (،؛) قال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عنه فقال: صدوق لا بأس به «1». 3 - جرير بن حازم بن زيد: (،؛) وثقه ابن حجر، وقد تقدمت ترجمته قبل قليل. الحكم على الرواية: فيها سليمان بن أبي هوذة، وهو صدوق، فالرواية إسنادها حسن، والله أعلم. هذا الأثر ذكره الحافظ ابن حجر وعزاه لابن أبي داود، ثم قال ناقدا له: وليس في الذين سميناهم أحد من ثقيف، بل كلهم إما قريشي أو أنصاري «2». وقد روى الخطيب البغدادي الأثر بسند ضعيف مرفوعا، ثم قال: وهو محفوظ من قول عمر بن الخطاب «3». هذه الروايات التي تشير إلى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الذي جمع القرآن، نرى أن في متنها ما ينكر- حتى وإن كان إسناد بعضها صحيحا- لأنه مخالف لما هو المعروف والثابت بأن الجمع قد تم في خلافة الصديق. إلا أن عمر رضي الله عنه كان هو القائم على هذا الجمع بأمر من أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه.
الثاني عشر:
الثاني عشر: حدثنا عبد الله، حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، قال: حدثنا ابن فضيل عن أشعث عن محمد بن سيرين قال: (لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم أقسم علي أن لا يرتدي برداء إلا لجمعة حتى يجمع القرآن في مصحف ففعل، فأرسل إليه أبو بكر بعد أيام، أكرهت إمارتي يا أبا الحسن؟ قال: لا والله إلا أني أقسمت أن لا أرتدي برداء إلا لجمعة فبايعه، ثم رجع) «1». بيان حال الرواة: 1 - محمد بن إسماعيل الأحمسي. (،؛) هو محمد بن إبراهيم بن سمرة أبو جعفر الأحمسي. (،؛) روى عن: ابن فضيل، وجعفر بن عون، ووكيع بن الجراح. (،؛) روى عنه: ابن أبي داود، والترمذي، والنسائي. (،؛) قال أبو حاتم: صدوق، وقال ابنه: صدوق ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، مات سنة ستين ومائتين، وقيل قبلها «2». 2 - ابن فضيل: (،؛) هو محمد بن فضيل بن غزوان أبو عبد الرحمن الضبي. (،؛) روى عن: أشعث بن سوار، وحصين بن عبد الرحمن السلمي، وعاصم الأحول.
3 - أشعث:
(،؛) روى عنه: محمد بن إسماعيل الأحمسي، وعلي بن حرب الطائي، وهارون بن إسحاق. (،؛) قال أبو حاتم: شيخ، وقال ابن معين: ثقة، وقال النسائي: ليس به بأس. (،؛) وقال ابن حجر: صدوق عارف رمي بالتشيع، مات سنة خمس وتسعين ومائة «1». 3 - أشعث: (،؛) هو أشعث بن سوار الكندي النجار. (،؛) روى عن: ابن سيرين، والحسن البصري، والشعبي. (،؛) روى عنه: محمد بن فضيل، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي. (،؛) قال أحمد: هو أمثل من محمد بن سالم، ولكنه على ذلك ضعيف الحديث. وقال ابن معين: ضعيف الحديث، وقال النسائي: ضعيف، وقال العجلي: ضعيف يكتب حديثه، وقال: لا بأس به، وليس بالقوي. (،؛) قال ابن حجر: ضعيف، مات سنة ست وثلاثين ومائة «2». 4 - محمد بن سيرين: (،؛) هو محمد بن سيرين الأنصاري، مولاهم، أبو بكر بن أبي عمرة البصري. (،؛) روى عن: كثير بن أفلح، وعثمان بن عفان، ولم يدركه، وعمر بن الخطاب، ولم يدركه، رضي الله عنهما. (،؛) روى عنه: أشعث بن سوار، وهشام بن حسان، وسعيد بن عبد الرحمن. (،؛) قال أحمد بن حنبل: من الثقات، وقال ابن معين والعجلي: ثقة، وقال
الحكم على الرواية:
ابن سعد: كان ثقة، مأمونا، عاليا، رفيعا، فقيها، وإماما كثير العلم، ورعا، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، عابد، كثير القدر، كان لا يرى الرواية بالمعنى، مات سنة عشر ومائة، كانت ولادته لسنتين خلت من خلافة عثمان رضي الله عنه «1». الحكم على الرواية: إسنادها ضعيف، وفيها أشعث بن سوار، والإسناد أيضا معضل لسقوط اثنين بين الحادثة وابن سيرين، ويؤيد هذا رواية ابن ضريس «2» إذ يروي فيها ابن سيرين عن عكرمة «3» الذي لم يشهد الواقعة، ولم يحتمل حضورها لتأخر ولادته، ورواية ابن ضريس فيها زيادة قول علي كرم الله وجهه: (رأيت كتاب الله يزداد فيه) «4». وأشار ابن حجر إلى هذه الرواية، ثم صرح بأن إسناده ضعيف لانقطاعه «5»، وقال ابن حجر تعليقا على هذا الأثر: (وعلى تقدير أن يكون محفوظا فمراده بجمعه: حفظه في صدره) «6». وأورد السيوطي رواية أخرجها ابن
أشتة، عن ابن بريدة «1»: أن أول من جمع القرآن في مصحف سالم مولى أبي حذيفة، وقد استغربها السيوطي وقال: (ومن غريب ما ورد في أول من جمعه ما أخرجه ابن أشتة في كتاب المصاحف من طريق كهمس عن ابن بريدة قال: أول من جمع القرآن في مصحف سالم مولى أبي حذيفة، أقسم لا يرتدي برداء حتى يجمعه فجمعه، ثم أثمروا يسمونه فقال بعضهم: سموه السفر، قال: ذلك تسمية اليهود، فكرهوه، فقال: رأيت مثله بالحبشة يسمى المصحف، فاجتمع رأيهم على أن يسموه المصحف. إسناده منقطع أيضا وهو محمول على أنه كان أحد الجامعين بأمر أبي بكر) «2». قلت: وقم وهم السيوطي عند ما ذكر أن سالما مولى أبي حذيفة كان أحد الجامعين بأمر أبي بكر، والصحيح أن أبا بكر لم يأمر سالما مولى أبي حذيفة بجمع القرآن، لأن سالما استشهد في معركة اليمامة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وجمع القرآن لم يكن إلا بعد انتهاء المعركة واستشهاد عدد كبير من الصحابة من حفظة القرآن بما فيهم سالم، مما أفزع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال: (إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن ... الحديث) «3». ومن الأدلة التي تبين أن سالما قتل يوم اليمامة، قال ابن حجر: وفي رواية سفيان بن عيينة: (فلما قتل سالم مولى أبي حذيفة خشي عمر أن يذهب
القرآن) «1». إذن فالرواية الأولى التي تشير إلى أن أول من جمع القرآن علي بن أبي طالب، رواية ضعيفة الإسناد، وفي إسنادها انقطاع، والرواية الثانية والتي تشير إلى أن سالما مولى أبي حذيفة أول من جمع القرآن، فهي أيضا في إسنادها انقطاع كما ذكر الإمام السيوطي. مع أن الجمع قد حصل بعد استشهاد سالم رضي الله عنه. إن جمع القرآن في صحف أو مصحف لم يعرف لأحد قبل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وهذا لا ينافي أن الصحابة كانت لهم صحف أو مصاحف كتبوا فيها القرآن من قبل، لكنها لم تظفر بما ظفرت به الصحف المجموعة على عهد أبي بكر من دقة البحث والتحري، ومن الاقتصار على ما لم تنسخ تلاوته، ومن بلوغها حد التواتر، ومن إجماع الأمة عليها. إن هذه الرواية- مع كونها ضعيفة- فهي تبين لنا: أن سيدنا عليا رضي الله عنه أو بعض الصحابة كان قد كتب القرآن في مصحف، لكنها لا تعطي هذا المصحف تلك الصفة الإجماعية، ولا تخلع عليه تلك المزايا التي للصحف أو المصحف المجموع في عهد أبي بكر رضي الله عنه، بل هي مصاحف فردية، وقد ذكر سيدنا علي رضي الله عنه هذه الحقيقة في الحديث الذي يرويه ابن أبي داود بسند حسن- والذي مر معنا في بداية هذا المبحث- إذ قال: (أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر، رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع بين اللوحين) «2». فهذا بيان صريح من سيدنا علي كرم الله وجهه بالأولوية لجمع أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين.
الفصل الثالث جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه
الفصل الثالث جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه وفيه مبحثان: المبحث الأول: دوافع توحيد المصاحف. المبحث الثاني: روايات جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه. [تصوير]
المبحث الأول دوافع توحيد المصاحف ونسخها
المبحث الأول دوافع توحيد المصاحف ونسخها وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: كثرة الأسباب والدوافع اتسعت الفتوحات الإسلامية، وامتدت في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وسمح عثمان للقريشيين أن ينتشروا في الأمصار، وكان عمر رضي الله عنه قد منعهم من ذلك، وأبقاهم في المدينة، وتفرق القراء في الأمصار، وأخذ أهل كل مصر عن من وفد إليهم من القراء، ووجوه القراءات التي يؤدون بها القرآن مختلفة باختلاف الأحرف التي نزل بها القرآن الكريم الذي هو أهم شيء حمله المسلمون إلى البلاد التي بلغتها حركة الفتح المستمرة في كل اتجاه. وكان تعلم القرآن وقراءته أهم ما يشغل بال الداخلين في الدين الجديد، فظهرت لذلك في الأمصار الإسلامية مدارس لتعليم القرآن وقراءته، وإن حركة نسخ المصاحف في الأمصار كانت في اتساع مستمر، وكان ذلك يتم في ظل رخصة الأحرف السبعة التي أذن بها النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن تيسيرا على المسلمين. ويبدو أن آثار تلك الرخصة قد ظهرت في الأمصار الإسلامية بصورة أكثر وضوحا منها في المدينة، وذلك بسبب البعد عن مهبط الوحي، ومكان الحفاظ، وبسبب الامتزاج اللغوي سواء بين العرب أنفسهم أم بينهم وبين غيرهم من الداخلين في الإسلام «1».
وكما قلنا عند ما تفرق المسلمون في الأقطار، وكان أهل كل إقليم من الأقاليم يأخذون بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة، فأهل الشام يقرءون بقراءة أبي بن كعب، وأهل الكوفة يقرءون بقراءة عبد الله بن مسعود، وأهل البصرة عن أبي موسى الأشعري، فكان بينهم اختلاف في حروف الأداء ووجوه القراءة. واستفحل الداء حتى كفّر بعضهم بعضا، أو كادت تكون فتنة في الأرض وفساد كبير حتى أن الرجل ليقول لصاحبه: إن قراءتي خير من قراءتك، ولم يقف هذا العمل عند حد، بل كاد يلفح بناره جميع البلاد الإسلامية حتى الحجاز، والمدينة، وأصاب الصغار والكبار على السواء «1». أخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق أبي قلابة أنه قال: لما كانت خلافة عثمان، جعل المعلم يعلم قراءة الرجل، والمعلم يعلم قراءة الرجل، فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين، حتى كفر بعضهم بعضا، فبلغ ذلك عثمان فخطب فقال: (أنتم عندي تختلفون، فمن نأى عني من الأمصار أشد اختلافا) «2». وصدق عثمان رضي الله عنه، فقد كانت الأمصار النائية أشد اختلافا ونزاعا من المدينة والحجاز، وكان الذين يسمعون اختلاف القراءات من تلك الأمصار إذا جمعتهم المجامع أو التقوا على جهاد أعدائهم، يعجبون من ذلك، وكانوا يمعنون في التعجب والإنكار كلما سمعوا زيادة في اختلاف طرق أداء القرآن، وتيقظت الفتنة التي كادت تطيح فيها الرءوس، وتسفك فيها الدماء، وتقود المسلمين إلى مثل اختلاف اليهود والنصارى في كتبهم، كما ورد في الحديث الذي يرويه
المطلب الثاني: ثمرة العمل واللجنة القائمة به:
الإمام الزهري عن أنس بن مالك- سيأتي بعد قليل- والذي يشير إلى اختلاف أهل العراق وأهل الشام في القراءة، وهم في غزوة في بقاع إرمينية وأذربيجان، مما دفع حذيفة بن اليمان (ت 36 هـ) إلى التوجه إلى دار الخلافة يدعو إلى وضع حد لذلك الخلاف. وساق لنا ابن أبي داود عدة روايات عن أبي الشعثاء، منها: أنه قال: (كنا جلوسا إلى المسجد وعبد الله يقرأ، فجاء حذيفة فقال: قراءة ابن أم عبد، وقراءة أبي موسى، والله إن بقيت حتى آتي أمير المؤمنين- يعني عثمان- لأمرته بجعلها قراءة واحدة) «1». ولعل أسبابا أخرى للجمع لم تذكرها الروايات، وإن عرفت من بين القرائن هي جهل الجمهور الجديد بنزول القرآن على سبعة أحرف، وهم حتى إن عرفوا الحديث الذي ينص على نزول القرآن على هذه الأحرف فإنهم يجهلون القراءات الصحيحة التي يحتكمون إليها عند الاختلاف «2»، وبذلك تضافرت الأسباب والدوافع التي من خلالها رأى عثمان رضي الله عنه بثاقب عقله، وصادق نظره، أن يتدارك الخلاف، وأن يستأصل الداء، بجمعهم على قراءة واحدة، القراءة العامة التي كان يقرؤها عامة الصحابة في المدينة وفي غيرها من الأمصار، وهي القراءة التي كتب عليها زيد رضي الله عنه القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي خلافة الصديق «3». المطلب الثاني: ثمرة العمل واللجنة القائمة به: شرع عثمان رضي الله عنه في تنفيذ هذا القرار الحكيم، وكان أول ما بدأ به
لتحقيق ذلك، أن خطب الناس في المدينة، وفيهم كثير من الصحابة، يستشيرهم ويدعوهم إلى القيام بهذه المهمة، والرواية المشهورة التي بينت خطوات ذلك العمل الكبير هي التي يرويها أبو عبيد في فضائله «1»، والبخاري في صحيحه «2»، وابن أبي داود في المصاحف «3»، وغير ذلك من المصادر «4»، عن ابن شهاب الزهري (ت 124 هـ) عن أنس بن مالك (ت 93 هـ). وإليك نص رواية البخاري: (حدثنا موسى، حدثنا إبراهيم، حدثنا ابن شهاب: أن أنس بن مالك حدثه: أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القريشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق). قال ابن شهاب: وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أنه سمع زيد بن ثابت قال: (فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ «1»، فألحقتها في سورتها في المصحف) «2». والمتأمل لهذا الحديث والنصوص الواردة في موضوعه يخرج بنتائج عدة، منها: إن جمع عثمان رضي الله عنه المصحف كان بمشورة حذيفة بن اليمان. والروايات الأخرى تفيد أن عثمان رضي الله عنه جمعه لما رأى اختلاف القراء بالمدينة، وكان عثمان رضي الله عنه توقع أن يكون قراء الأمصار أشد اختلافا، فلما جاء حذيفة رضي الله عنه تأكد لديه ما توقعه، فأمر بجمع القرآن «3». ثم أن الجمع في عهد عثمان رضي الله عنه اعتمد أساسا على الجمع الذي كتب في عهد أبي بكر رضي الله عنه، وقد حظي الجمع الأول بعناية الصحابة وموافقتهم، وتظافرت له جهود متعددة، وعلى رأس من تولى العمل به زيد بن ثابت، وقد اجتمع لزيد بن ثابت من الصفات ما يؤهله للقيام بذلك العمل خير قيام، فقد تربى في كنف الوحي، ويروي الذهبي أن ابن عمر قال يوم مات زيد بن ثابت: (يرحمه الله، فقد كان عالم الناس في خلافة عمر وحبرها، فرقهم عمر في البلدان ونهاهم أن يفتوا برأيهم، وحبس زيد بالمدينة يفتي أهلها) «4». وقد ظل زيد رضي الله عنه مترئسا بالمدينة في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض في عهد عمر وعثمان وعلي رضي الله عنه أجمعين، حتى توفي سنة خمس وأربعين «5».
يقول القاضي أبو بكر الباقلاني: ويدل على صحة اختيار زيد أن أحدنا اليوم إذا أراد أن يكتب مصحفا يتخذه إماما لا يلتمس له أقدم أهل عصره حفظا وأفهمهم وأشجعهم، وإنما يلتمس أحسنهم ضبطا وخطا وأحضرهم فهما، دون من كانت تلك صفاته «1». ويبدو من الطبيعي- بعد ذلك- أن يولي الصديق زيد بن ثابت رضي الله عنهما كتابة القرآن، اقتداء بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، وأن يولي عثمان زيد بن ثابت رضي الله عنهما أمر الجماعة التي قامت بنسخ المصاحف الموحدة، لأنه كان أعلم من غيره وأكثر ممارسة في هذا المجال «2». ومن ثم يبدو طبيعيا أيضا أن لا يشترك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي كان في الكوفة وقت نسخ المصاحف في ذلك العمل، إضافة إلى أنه لم يكن من بين كتبة الوحي، الذين كتبوا للنبي صلى الله عليه وسلم «3»، وربما كان يعرف الكتابة، ولكن تلك ميزة يقدم بها من اتصف بها في عمل مثل كتابة المصحف ولا يعني ذلك تجهيلا لابن مسعود رضي الله عنه في علم القرآن، فقد كان من أوائل الذين أسلموا بمكة، (وقد أخذ من في رسول الله بضعا وسبعين سورة) «4»، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم حين سمعه يقرأ القرآن: (من أحب أن يقرأ غضا كما أنزل فليقرأ قراءة ابن أم
عبد) «1»، لكن زيدا كان إماما في الرسم، إضافة إلى حفظه، وابن مسعود كان إماما في الأداء «2». قال أبو بكر الأنباري: (ولم يكن الاختيار لزيد من جهة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم على عبد الله بن مسعود في جمع القرآن، وعبد الله أفضل من زيد وأقدم في الإسلام، وأكثر سوابق، وأعظم فضائل، إلا لأن زيدا كان أحفظ للقرآن من عبد الله، إذ وعاه كله ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي، والذي حفظ منه عبد الله رضي الله عنه في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم نيفا وسبعين سورة، ثم تعلم الباقي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فالذي ختم القرآن وحفظه ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي، أولى بجمع المصحف وأحق بالإيثار والاختيار، ولا يظن جاهل أن في هذا طعنا على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ لأن زيدا إذا كان أحفظ للقرآن منه فليس ذلك موجبا لتقدمه عليه؛ لأن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كان زيد أحفظ منهما للقرآن، وليس هو خيرا منهما ولا مساويا لهما في الفضائل والمناقب، وما بدا من عبد الله بن مسعود من نكير ذلك فشيء نتيجة الغضب ولا يعمل به ولا يؤخذ به، ولا يشك في أنه رضي الله عنه قد عرف بعد زوال الغضب عنه حسن اختيار عثمان ومن معه من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبقي على موافقتهم وترك الخلاف لهم ... ) «3». أما الثلاثة الذين تشير الرواية إلى اشتراكهم مع زيد فهم: 1 - عبد الله بن الزبير بن العوام أبو بكر القرشي الأسدي رضي الله عنه، كان أول مولود في الإسلام في المدينة من المهاجرين، ولي الخلافة تسع سنين إلى أن قتل سنة
ثلاث وسبعين من الهجرة «1». 2 - سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية رضي الله عنه، كان لسعيد عند موت النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين وذكر في الصحابة، وولي أمر الكوفة لعثمان رضي الله عنه، وإمرة المدينة لمعاوية رضي الله عنه، مات سنة ثمان وخمسين من الهجرة «2». 3 - عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي رضي الله عنه، قيل: كان ابن عشر سنين حين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، له رؤية، وكان من كبار ثقات التابعين «3». وقال الذهبي في الميزان: تابعي شهير ثقة من كتاب المصحف العثماني لا صحبة له «4»، وذكره ابن حبان في تابعي المدينة «5». فكان هؤلاء الثلاثة وهم في ذروة الشباب يعملون مع زيد بن ثابت الذي كان أكثرهم ممارسة لذلك العمل، والذي يعد رئيس اللجنة، فجلس هؤلاء النفر الأربعة يكتبون القرآن نسخا وإذا اختلفوا في موضع الكتابة على أي لغة، رجعوا إلى عثمان، كما اختلفوا في التابوت، أيكتبونه بالتاء أو الهاء؟ قال زيد بن ثابت: إنما هو التابوة، وقال الثلاثة القريشيون: إنما هو التابوت، فتراجعوا إلى عثمان، فقال: (اكتبوه بلغة قريش، فإن القرآن نزل بلغتهم) «6». وفي رواية: (قال عثمان رضي الله عنه: من أكتب الناس؟ قالوا: كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت، قال: فأي الناس أعرب؟ قالوا: سعيد بن العاص، قال عثمان:
فليمل سعيد وليكتب زيد) «1». ولعل عثمان رضي الله عنه أمد اللجنة بعدد آخر من الصحابة لمساعدتها في نسخ المصاحف التي أرسلها إلى الأمصار كما تشير إلى ذلك رواية ابن سعد، وابن أبي داود: أن محمد بن سيرين قال: إن عثمان جمع اثني عشر رجلا من قريش، والأنصار، فيهم: أبي بن كعب «2»، وأبو عامر جد مالك بن أنس، وكثير بن أفلح، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم «3». إلا أن ابن حجر لم يذكر إلا أسماء تسعة منهم، وقد أسقط في عدده عبد الله بن عمرو بن العاص، ولكن ذكره السيوطي في الإتقان «4» فنحن لا نعرف من كتبة الصحف سوى عشرة، أما الاثنان الباقيان، فلم نعرف اسمهما، ولم يطلع على اسمهما الحافظ ابن حجر، ولذا لم يطلع ابن حجر وهو المحقق البارع على اسم الشخص فمن العسير العثور عليه «5». ولذلك سنعتبر لجنة المصحف لجنة عشرية. وواضح من تكوين هذه اللجنة لإتمام هذا العمل أن نصفها من قريش، وهم رضي الله عنهم جميعا:
1 - عبد الله بن الزبير. 2 - سعيد بن العاص. 3 - عبد الله بن الحارث بن هشام. 4 - عبد الله بن عمرو بن العاص. 5 - عبد الله بن عباس. ونصفها من غير قريش، وهم: 1 - زيد بن ثابت. 2 - أبي بن كعب. 3 - أنس بن مالك. 4 - أفلح بن كثير مولى أبي أيوب الأنصاري. 5 - مالك بن أبي عامر، جد مالك بن أنس، وهو حميري يماني. فيكون التكوين قد روعي فيه أن يكون النصف من قريش، والنصف تقريبا من الأنصار، وواحد من اليمن «1»، وواضح من تكوين هذه اللجنة أنها من العرب الخلص، ما عدا أفلح بن كثير، فهو مولى أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، والموالي كثيرون في الصحابة، فلعل عثمان رضي الله عنه راعى في تكوينه اللجنة أن تمثل المهاجرين والأنصار واليمن من جهة، وأن تمثل الموالي من جهة أخرى، فهذا من حسن الاختيار وكان موفقا كل التوفيق «2». أما ما قاله الدكتور غانم قدوري في كتابه رسم المصحف: (من أن مشاركة أبي بن كعب في نسخ المصاحف كانت مثار تساؤل من الباحثين قدماء ومحدثين. ذلك أن الروايات تضطرب في تحديد سنة وفاته ... ) «3».
أقول: إن الدكتور غانم اعتمد بكلامه على ما قاله الإمام الذهبي، الذي اعتمد على رواية ابن أبي داود عن ابن سيرين، قال: جمع عثمان للمصحف اثني عشر رجلا من المهاجرين والأنصار، منهم أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وسعيد بن العاص) «1»، وهذه الرواية كما قال عنها الإمام الذهبي: (هذا إسناد قوي لكنه مرسل) «2»، وقال: (والظاهر وفاة أبي في زمن عمر، حتى أن الهيثم بن عدي وغيره ذكر موته سنة تسع عشرة، وقال محمد بن عبد الله بن نمير، وأبو عبيد، وأبو عمر الضرير: مات سنة اثنتين وعشرين، فالنفس إلى هذا أميل) «3». أقول: ولكن ثمة رواية أخرى رواها ابن أبي داود إسنادها صحيح أفادت أن أبي بن كعب رضي الله عنه كان مع اللجنة المنتخبة في نسخ المصاحف زمن عثمان رضي الله عنه، ويبدو أن الإمام الذهبي لم يطلع عليها، أو أنها لم تصح عنده، وكذا موقف من قلده كالدكتور غانم قدوري، وهذا يعني أن وفاة أبي بن كعب كانت سنة ثلاثين من الهجرة في زمن عثمان رضي الله عنه وليست في زمن عمر رضي الله عنه، وهذا ما رجحه الواقدي كما نقله عنه الذهبي في موضع آخر. قال الواقدي: (وقد سمعنا من يقول: مات في خلافة عثمان سنة ثلاثين، قال: وهو أثبت الأقوال عندنا، وذلك أن عثمان أمره أن يجمع القرآن) «4». أما رواية ابن أبي داود التي يرويها بسنده عن ابن سيرين عن كثير بن أفلح قال: (لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف، جمع له اثني عشر رجلا من
المطلب الثالث: عدد المصاحف التي تم نسخها
قريش والأنصار، فيهم أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، قال: فبعثوا إلى الربعة «1» التي في بيت عمر فجيء بها. قال: وكان عثمان يتعاهدهم، فكانوا إذا تدارءوا في شيء أخروه، قال محمد: فقلت لكثير- وكان فيهم فيمن يكتب-: (هل تدرون لم كانوا يؤخرونه؟ قال: لا، قال محمد: فظننت ظنا إنما كانوا يؤخرونها لينظروا أحدثهم عهدا بالعرضة الآخرة. فيكتبونها على قوله) «2». المطلب الثالث: عدد المصاحف التي تم نسخها بعد أن أتم عثمان رضي الله عنه نسخ المصحف، رد الصحف إلى حفصة، ثم أرسل إلى كل أفق من الأقطار بمصحف مما نسخوا، وأمر أن يحرق كل ما عداها مما يخالفها، سواء كانت صحفا أو مصاحف؛ وذلك ليقطع عرق النزاع من ناحية، وليحمل المسلمين على الجادة في كتاب الله من ناحية أخرى، فلا يأخذون إلا بتلك المصاحف التي توافر فيها من المزايا ما لم يتوافر في غيرها «3». والفرق بين المصحف والمصاحف: (أن الصحف الأوراق المجردة التي جمع فيها القرآن في عهد أبي بكر، وكانت سورا مفرقة كل سورة مرتبة بآياتها على حدة، لكن لم يرتب بعضها إثر بعض، فلما نسخت ورتب بعضها إثر بعض صارت مصحفا) «4».
ورواية الإمام الزهري عن أنس التي هي في الصحيح لا تشير في ظاهرها إلى عدد المصاحف التي تم نسخها، ولا أسماء الأمصار التي أرسلت إليها، وإنما تكتفي بالإشارة إلى عدد إرسال المصاحف إلى كل أفق من آفاق الدولة الإسلامية آنذاك. وهي عبارة توحي بأن عدد تلك المصاحف كان كبيرا، ولا سيما أن الهدف منها هو توحيد المصاحف وقراءة القرآن في كافة الأمصار، فمن المتوقع، إذن إرسال نسخة إلى كل إقليم أو مصر. ولكن وردت روايات عن الأجيال التي تلت جيل الصحابة تشير إلى عدد تلك المصاحف. وينقل ابن أبي داود روايتين في ذلك: الأولى: عن حمزة الزيات (ت 156 هـ)، والتي تجعل عدد المصاحف: أربعة، يقول حبيب الزيات القارئ: (كتب عثمان أربعة مصاحف، فبعث بمصحف منها إلى الكوفة. فوضع عند رجل من مراد، فبقي حتى كتبت مصحفي عليه) «1». وقال الداني: بأن أكثر العلماء على أن عثمان بن عفان رضي الله عنه لما كتب المصحف جعله على أربع نسخ، وبعث إلى كل ناحية من النواحي بواحدة منهن. فوجه إلى الكوفة إحداهن، وإلى البصرة أخرى، وإلى الشام الثالثة، وأمسك عند نفسه واحدة. ثم قال: وهو الأصح وعليه الأئمة «2». أما الرواية الثانية: التي تجعل عدد المصاحف سبعة، والتي أوردها ابن أبي داود عن أبي حاتم السجستاني، قال: لما كتب عثمان المصاحف حين جمع القرآن كتب سبعة مصاحف، فبعث واحدا إلى مكة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وآخر إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وحبس بالمدينة
واحدا) «1». ونقل الزركشي القولين في كتابه البرهان، وعزاهما إلى ابن أبي عمرو الداني في المقنع وقال: (أكثر العلماء على أن عثمان لما كتب المصاحف جعله على أربع نسخ، وبعث كل ناحية واحدا: الكوفة والبصرة والشام، وترك واحدا عنده، وقد قيل: إنه جعله سبع نسخ، وزاد: إلى مكة، وإلى اليمن، وإلى البحرين، قال: والأول أصح وعليه الأئمة) «2». وفي رواية للقرطبي: أن عثمان وجه للعراق والشام ومصر بأمهات «3»، وقال ابن حجر والسيوطي وكذا القسطلاني: المشهور أنها خمسة «4». إلا أن ابن كثير نراه يرجح الرواية التي تجعل عدد المصاحف سبعة. ويستغرب من قول القرطبي بأنها أربعة مصاحف. قال في فضائل القرآن: (ثم إن عثمان رضي الله عنه رد الصحف إلى حفصة رضي الله عنهما، فلم تزل عندها حتى أرسل إليها مروان بن الحكم يطلبها، فلم تعطه حتى ماتت، فأخذها من عبد الله بن عمر، فحرقها لئلا يكون فيها شيء يخالف المصاحف الأئمة، التي نفذها عثمان إلى الآفاق، مصحفا إلى مكة، ومصحفا إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وترك عند أهل المدينة مصحفا، وصحح القرطبي أنه إنما نفذ إلى الآفاق أربعة مصاحف، وهذا غريب) «5». لذلك نميل إلى أن الرأي القائل: إن اللجنة استنسخت سبعة مصاحف،
فأرسل عثمان بستة منها إلى الآفاق، واحتفظ لنفسه بواحدة منها. والله أعلم. وأيا ما يكن عدد تلك المصاحف على وجه اليقين، فإنها جميعا تماثلت في اشتمالها على القرآن كله «1». وإتماما للخطوة التي بدأت بنسخ المصاحف الموحدة، فقد أمر الخليفة عثمان رضي الله عنه بإحراق كل القطع والمصاحف التي كتب فيها القرآن من لدن الصحابة ليضع بذلك حدا لأي اختلاف يقع، سواء في الرسم أم في القراءة، وقد سارع من لديه شيء من ذلك إلى إحراقه، ثقة منه بالمصحف الذي تمتد أصوله إلى ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلّم، والذي ارتضته جموع الصحابة والتابعين في المدينة وغيرها من الأمصار. ولم يتخلف عن ذلك- في بادئ الأمر- إلا عبد الله بن مسعود ومن تبعه من أهل الكوفة، وأمر الصحابة بغل مصاحفهم «2». ولا يشك في أنه رضي الله عنه قد عرف بعد زوال الغضب عنه حسن اختيار عثمان ومن معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقي على مواقفهم وترك الخلاف لهم «3». وقال الباقلاني: (وقد وردت الروايات أن عثمان وعظه وحذره الفرقة. فرجع واستجاب إلى الجماعة وحث أصحابه على ذلك) «4». وقد أشرنا من قبل إلى أسباب اختصاص زيد بن ثابت بمهمة جمع القرآن وكتابته في خلافة الصديق، وتوليته أمر المجموعة التي قامت بنسخ المصاحف في خلافة عثمان. ولا بد من الإشارة- بعد ذلك- إلى أن نسخ المصحف الذي اجتمعت
عليه الأمة كان قد خضع للمراجعة والتمحيص، على نحو ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يطلب من زيد إعادة قراءة ما كتبه، فيقيم ما به من سقط- كما مر ذلك- مع أن زيدا ومن معه اعتمدوا على الصحف التي جمع فيها القرآن في خلافة الصديق، إذ أنهم- حرصا منهم على الاتفاق في هجاء بعض الكلمات- كانوا يرفعون ذلك إلى الخليفة عثمان- الذي كان أحد كتبة الوحي- على نحو ما حدث في كلمة (تابوت)، أو يستشيرون كبار الصحابة من حفاظ القرآن وكتبة الوحي، ليجتمعوا على رأي واحد في ذلك. ويروي أبو عبيد في فضائل القرآن قوله: (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك، قال: حدثني أبو وائل شيخ من أهل اليمن عن هانئ البربري مولى عثمان قال: كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف، فأرسلني بكتف إلى أبي بن كعب «1» فيها (لم يتسن) وفيها (لا تبديل للخلق)، وفيها (فأمهل الكافرين)، قال: فدعا بالدواة فمحا إحدى اللامين وكتب (لخلق الله)، ومحا (فأمهل) وكتب: (فمهل)، وكتب (لم يتسنه) ألحق فيها الهاء) «2». وينقل أبو عبيد في رواية أخرى، ولكن فيها زيد بن ثابت بدل أبي بن كعب: ( ... فقال زيد: سله عن قوله (لم يتسن)، فقال عثمان: اجعلوا فيها الهاء) «3». وهاتان الروايتان توضحان أنه قد كانت هناك مراجعة واستشارة في إثبات صورة كلمة ما، وتبيان مدى الحرص على أن يأتي المصحف دقيقا في
رسمه، حين يتوقف الكتبة عن إلحاق لام أو هاء أو حذف ألف حتى يستشار كبار الصحابة من كتبة الوحي وحفظة القرآن في إثبات ذلك أو حذفه. ورضي الله عن عثمان، فقد أرضى بذلك العمل الجليل ربه، وحافظ على القرآن، وجمع كلمة الأمة، وأغلق باب الفتنة، ولا يبرح المسلمون يقطفون من ثمار صنيعه هذا إلى اليوم وما بعد اليوم «1». ولن يقدح في عمله هذا أنه حرق المصاحف والصحف المخالفة للمصاحف العثمانية. فقد علمت وجهة نظره في ذلك، على أنه لم يفعل هذا الأمر الجليل إلا بعد استشارة الصحابة واكتساب موافقتهم، بل وظفر بمعاونتهم وتأييدهم وشكرهم. وقد أورد ابن أبي داود بسنده عن أبي مجلز قال: (لولا أن عثمان كتب القرآن لألفيت الناس يقرءون الشعر) «2». ولفظه عند البغوي: (يرحم الله عثمان لو لم يجمع الناس على قراءة واحدة لقرأ الناس القرآن بالشعر) «3». وأورد أبو عبيد في فضائله بسنده عن شعبة عن أبي إسحاق عن مصعب بن سعد قال: (أدركت الناس حين شقق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك، أو قال: لم يعب ذلك أحد) «4».
وأورد ابن أبي داود بسنده عن سويد بن غفلة يقول: سمعت عليا يقول: (رحم الله عثمان لو وليته لفعلت ما فعل بالمصاحف) «1»، وفي رواية أخرى: (لو لم يصنعه عثمان لصنعته) «2». وأورد السيوطي في الإتقان رواية أخرى قال: (أخرج ابن أبي داود بسند صحيح عن سويد بن غفلة قال: قال علي: لا تقولوا في عثمان إلا خيرا، فو الله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا، قال: ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد يكون كفرا، قلنا: فما ترى؟ قال: أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد، فلا تكون فرقة ولا اختلاف، قلنا: نعم ما رأيت) «3». فسيدنا عثمان رضي الله عنه لم يقدم على إحراق المصاحف الفردية إلا بعد مشورة وتأييد من الصحابة الكرام، فهذا سويد بن غفلة يقول- في الرواية التي يرويها عنه أبو بكر الأنباري- قال: (سمعت علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يقول: اتقوا الله وإياكم والغلو في عثمان، وقولكم: حراق مصاحف، فو الله ما حرقها إلا عن ملأ منا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) «4». فهذه الخصال من أكبر القربات عند الله تبارك وتعالى لسيدنا عثمان رضي الله عنه، ولهذا جاء في الأثر عن ابن أبي داود بسنده عن عبد الرحمن بن مهدي يقول: (خصلتان لعثمان بن عفان ليستا لأبي بكر ولا لعمر: صبره نفسه
حتى قتل مظلوما، وجمعه الناس على المصحف) «1». وبذلك تمت كلمة الأمة كلها على مصحف سيدنا عثمان رضي الله عنه. وقال القاضي عياض رحمه الله: (وقد أجمع المسلمون أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض المكتوب في المصحف بأيدي المسلمين مما جمع الدفتان من أول الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) «2» إلى آخر: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) «3» إنه كلام الله ووحيه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأن جميع ما فيه حق، وأن من نقص منه حرفا قاصدا لذلك أو بدله بحرف آخر مكانه أو زاد فيه حرفا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه، وأجمع على أنه ليس من القرآن عامدا لكل هذا أنه كافر) «4». وربما يسأل سائل ويقول: ما الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان رضي الله عنهما؟ من خلال ما سبق نستطيع أن نقول- وكما قال ابن التين «5» وغيره-: (الفرق بين جمع أبي بكر وبين جمع عثمان، أن جمع أبي بكر كان لخشية أن
المطلب الرابع: أقوال العلماء في معنى الأحرف السبعة ومناقشتها
يذهب من القرآن شيء بذهاب جملته، لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد. فجمعه في صحائف مرتبا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القرآن حين قرءوه بلغاتهم على اتساع اللغات، فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض، فخشي من تفاقم الأمر في ذلك، فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبا لآيات السورة، واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش محتجا بأنه نزل بلغتهم، وإن كان قد وسع في قراءته بلغة غيرهم رفعا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر، فرأى أن الحاجة إلى ذلك انتهت فاقتصر على لغة واحدة) «1». المطلب الرابع: أقوال العلماء في معنى الأحرف السبعة ومناقشتها لقد أجمع العلماء على تواتر روايات حديث الأحرف السبعة، والتي جاءت في صور متقاربة مؤكدة على معنى واحد، وهو: (إن هذا القرآن على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه) «2»، فقد ورد إلينا هذا الحديث عن طريق أربعة وعشرين صحابيا، وستة وأربعين سندا «3»، وأورده البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث. ومن الذين نص على تواتره أبو عبيد القاسم بن سلام والإمام السيوطي «4». ومن الأحاديث التي يرويها الإمام البخاري بهذا الخصوص: أن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه يقول: (سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلم، فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: كذبت، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسله، اقرأ يا هشام، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذلك أنزلت، ثم قال اقرأ يا عمر: فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه) «1». إن روايات الحديث لا تكاد توضح طبيعة الخلاف الذي كان يقع بين الصحابة في قراءة القرآن، فكانوا يرفعون أمره إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيجيز قراءة الجميع على أن القرآن أنزل على سبعة أحرف، رغم أنها تشير إلى أن ذلك الخلاف كان لا يتجاوز ألفاظ التلاوة إلى معاني الآيات «2». وقد حظي حديث الأحرف السبعة باهتمام كبير حتى كثرت فيه الأقوال وتعددت الآراء واختلفت وجهات النظر، ويرجع ذلك إلى أمور أهمها: أولا: أنه وثيق الصلة بالقرآن الكريم، وهو أساس الدين الذي قام عليه أمر الأمة ومصدر التشريع الذي تصوغ عليه حياتها. وثانيا: أن الأحاديث الواردة في نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف مع كثرتها
الرأي الأول:
وتعدد رواياتها جاءت مجملة لا تكشف عن حقيقة المراد بهذه الأحرف «1». وقد اختلف العلماء في تفسير هذه الأحرف اختلافا كثيرا، حتى قال أبو حاتم بن حبان البستي «2»: اختلف الناس فيها على خمسة وثلاثين قولا ووقفت منها على كثير «3». ونقل الإمام القرطبي عنه ذلك في مقدمة تفسيره «4». لذا فإني سأورد أهم تلك الآراء: الرأي الأول: ذهب أكثر أهل العلم «5» إلى أن المراد بالأحرف السبعة: سبع لغات من لغات العرب في المعنى الواحد. أي أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو: أقبل وتعال وهلم، وقال الطحاوي «6»: .... ، أبين ما ذكر في ذلك حديث أبي بكرة فقال: (جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ على حرف، قال ميكائيل: استزده: فقال اقرأ على حرفين، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف، فقال: اقرأ فكل كاف شاف إلا أن تخلط آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب بآية رحمة، نحو هلم وتعال وأقبل، واذهب وأسرع
الرأي الثاني:
وعجل) «1». (قال الطحاوي وغيره: وإنما كان ذلك رخصة أن يقرأ الناس على سبع لغات، وذلك لما كان يتعسر على كثير من الناس التلاوة على لغة قريش. وقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم علمهم بالكتابة والضبط وإتقان الحفظ، وقد ادعى الطحاوي والقاضي الباقلاني والشيخ أبو عمر بن عبد البر أن ذلك كان رخصة في أول الأمر، ثم نسخ بزوال العذر وتيسر الحفظ وكثرة الضبط وتعلم الكتابة) «2». وقال ابن كثير: (وقال بعضهم: إنما كان الذي جمعهم على قراءة واحدة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ... ، وإنما جمعهم عليها لما رأى من اختلافهم في القراءة المفضية إلى تفرق الأمة، وتكفير بعضهم بعضا، فرتب لهم مصاحف الأئمة على العرضة الأخيرة التي عارض بها جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر رمضان كان من عمره صلى الله عليه وسلم، وعزم عليهم أن لا يقرءوا بغيرها، وأن لا يتعاطوا الرخصة التي كانت لهم فيها سعة) «3». إذن ... فالأحرف السبعة هي: أوجه من اللغات- أي أوجه من المعاني المتقاربة- في المعنى الواحد بألفاظ مختلفة. الرأي الثاني: إن المراد بالأحرف السبعة: سبع لغات من لغات العرب، نزل عليها القرآن، على معنى أنه في جملته لا يخرج في كلماته عن سبع لغات هي أفصح لغاتهم، فأكثره بلغة قريش ومنه ما بلغة هذيل أو ثقيف أو هوازن أو كنانة أو
تميم أو اليمن، فهو يشمل في مجموعه اللغات السبع. وهذا الرأي يختلف عن سابقه؛ لأنه يعني أن الأحرف السبعة إنما هي أحرف سبعة متفرقة في سور القرآن إلا أنها لغات مختلفة في كلمة واحدة مع اتفاق المعاني «1». قال القرطبي: (ذهب إلى هذا القول أبو عبيد واختاره ابن عطية، قال أبو عبيد: وبعض اللغات أسعد من بعض، وقال القاضي الباقلاني: ومعنى قول عثمان أنه نزل بلغة قريش، أي معظمه، ولم يقم دليل على أن جميعه بلغة قريش كله، قال الله تعالى: قُرْآناً عَرَبِيًّا «2»، ولم يقل: قريشيا، قال: واسم العرب يتناول جميع القبائل تناولا واحدا، يعني حجازها ويمنها؛ ولأن لغة غير قريش موجودة في صحيح القراءات كتحقيق الهمزات فإن قريشا لا تهمز) «3». ولعل من أقدم ما تعرض لبيان المراد من حديث الأحرف السبعة- ممن وصلت إلينا آراؤهم- هو أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه: فضائل القرآن- وهو مطبوع- يقول أبو عبيد بعد أن أورد عشرا من روايات حديث الأحرف السبعة: قال أبو عبيد: قد تواترت هذه الأحاديث كلها على الأحرف السبعة إلا حديثا واحدا يروى عن سمرة بن جندب. (قال أبو عبيد: حدثنا عفان عن حماد «4» بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال: نزل علي القرآن على ثلاثة أحرف) «1». قال أبو عبيد أيضا: (والأحرف لا معنى لها إلا اللغات مع أن تأويل كل حديث منها بين في الحديث نفسه، ألا ترى أن عمر قال: سمعت هشام بن حكيم يقرأ الفرقان على غير ما أقرأ ... ) «2». نفهم من هذا أن أبا عبيد لم يأخذ برأي من قال: إن قراءة القرآن على سبع لغات كان رخصة في أول الأمر، ثم نسخ بزوال العذر، وعند ما اختلفوا بالقراءة وكادت تفترق الأمة، جمعهم عثمان رضي الله عنه على العرضة الأخيرة، بل نراه خالف هذا الرأي وقال في موضع آخر: (ولا نرى المحفوظ إلا سبعة أحرف لأنها المشهورة، وليس معنى تلك السبعة أن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه، هذا شيء غير موجود، ولكنه عندنا أنه نزل على سبع لغات متفرقة في جميع القرآن من لغات العرب، فيكون الحرف منها بلغة قبيلة، والثاني بلغة أخرى سوى الأولى، والثالث بلغة سواهما، وكذلك إلى السبعة) «3». وقال صاحب الكلمات الحسان: (وإن المصاحف قد اشتملت بالفعل على كل ما تواتر من الأحرف السبعة، ولم تترك منه شيئا، وهذا هو الذي جمع عثمان الناس عليه، ومنعهم عما سواه، ووافقه على ذلك الأصحاب وأجمعوا
الرأي الثالث:
عليه ... ) «1». وقال: (وإن عثمان لم يجمع الناس على حرف واحد مما تواتر، وإنما جمعهم على كل ما تواتر من الأحرف السبعة) «2». ونسب الزرقاني هذا الرأي إلى أكثر أهل العلم، وقال: هذا أصح الأقوال وأولاها بالصواب، وهو الذي عليه أكثر العلماء «3». الرأي الثالث: وحكاه الباقلاني عن بعض العلماء، وهو أن وجوه القراءات ترجع إلى سبعة أشياء، منها ما لا تتغير حركته، ولا تتغير صورته، ولا معناه، مثل: وَيَضِيقُ صَدْرِي «4»، ويضيق «5»، ومنها ما لا تتغير صورته ويختلف معناه، مثل: (فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) «6»، وقد يكون الاختلاف في الصورة والمعنى بأحرف مثل (ننشزها وننشرها) «7»، وهكذا مثل اختلاف الكلمة والمعنى أو بالتقديم والتأخير أو بالزيادة «8».
الرأي الرابع:
الرأي الرابع: إن المراد بالأحرف السبعة معاني القرآن، وهي أمر، ونهي، ووعد، ووعيد، وقصص، ومجادلة، وأمثال. قال ابن عطية: وهذا ضعيف لأن هذه لا تسمى حروفا «1». ولعل من المناسب أن نقول هنا: إن القراءات السبع ليست هي الأحرف السبعة التي اتسعت الصحابة في القراءة بها، وإنما هي راجعة إلى حرف واحد من السبعة، وهو الذي جمع عليه عثمان المصحف. وكان محمد بن جرير الطبري قد نص على أن المصحف العثماني قد كتب على حرف واحد، يقول: (فلا قراءة للمسلمين اليوم إلا بالحرف الواحد الذي اختاره لهم إمامهم الشفيق الناصح، دون ما عداه من الأحرف الستة الباقية) «2». وهو بناء على فهمه للأحرف بأنها لغات سبع في حرف واحد وكلمة واحدة باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني. وقال العسقلاني وغيره: (ليس المقصود بالأحرف السبعة قراءة معينة من القراءات التي صارت تنسب إلى قارئ معين، بل إن الأحرف السبعة جاءت لتشير إلى الرخصة التي نجد آثارها في وجوه القراءات- عامة- والتي ثبت نقلها. أما ما يسمى بالقراءات السبع فإنها لم توجد إلا على رأس المائة الرابعة من الهجرة حيث اختار الإمام أبو بكر بن مجاهد (ت 324 هـ) سبعة من أئمة القراءة في الأمصار ووضع كتاب السبعة في القراءات المروية عنهم) «3».
المطلب الخامس: ترتيب السور والآيات وعددها
والنتيجة التي توصلنا إليها هي أن المصحف العثماني قد كتب على حرف واحد- أي على قراءة معينة واحدة «1» - فالمراد بالأحرف السبعة: هي الأوجه من اللغات، أي سبعة أوجه من المعاني المتقاربة في المعنى الواحد بألفاظ مختلفة، وهذا هو الرأي الراجح، والله أعلم. المطلب الخامس: ترتيب السور والآيات وعددها القرآن الكريم سور وآيات، منها القصار ومنها الطوال. فالسورة في اللغة: بمعنى المنزلة والشرف، والسور جمع سورة، ومنه سورة القرآن، لأنها منزلة بعد منزلة مقطوعة عن الأخرى كما في قوله تعالى: ... فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ ... «2»، فالله جل ثناؤه جعلها سورا، مثل غرفة وغرف، ورتبة ورتب، فدل ذلك على تمييز سورة من سور القرآن عن سور من سور البناء «3». وفي الاصطلاح: أنها طائفة مستقلة من آيات القرآن ذات مطلع ومقطع، وهي مأخوذة من سور المدينة، وذلك إما لما فيها من وضع كلمة بجانب كلمة، وآية بجانب آية، وإما لما في السورة من معنى العلو والرفعة المعنوية الشبيهة بعلو السور ورفعته الحسية، وإما لأنها حصن وحماية لمحمد صلى الله عليه وسلم، وما جاء به كتاب الله القرآن، ودين الحق الإسلام، باعتبار أنها معجزة تخرس كل مكابر، أشبه بسور المدينة يحصنها ويحميها من غارة الأعداء «4».
أما سوره فعددها مائة وأربع عشرة سورة باتفاق أهل الحل والعقد «1». وبإجماع من يعتد به «2»، كما هي في المصحف العثماني، أولها الفاتحة وآخرها الناس. وقيل: مائة وثلاث عشرة سورة، بجعل الأنفال والتوبة سورة واحدة لاشتباه الطرفين وعدم البسملة. ويرده تسمية النبي صلى الله عليه وسلم كلا منهما «3». وقسم العلماء سور القرآن إلى أربعة أقسام، أعطوا كلا منها اسما معينا، وهي: الطوال، والمئون، والمثاني، والمفصل. وسوف نوجز أرجح الآراء فيها. 1 - الطوال: سبع، وهي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، واختلفوا في السابعة، أهي الأنفال وبراءة معا لعدم الفصل بينهما بالبسملة، أم هي سورة يونس «4»؟ 2 - المئون: هي السور التي تزيد آياتها على مائة أو تقاربها. 3 - المثاني: هي التي تلي المئين في عدد الآيات، وقال الفراء: هي السور التي آيها أقل من مائة آية، لأنها لا تثنى (أي تكرر) أكثر مما تثنى الطوال والمئون. 4 - المفصل: هو أواخر القرآن، واختلفوا في تعيين أوله، فقيل: أوله (ق)، وقيل غير ذلك، وصح النووي أن أوله الحجرات، وسمي بالمفصل لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة. والمفصل ثلاثة أقسام: طوال، وأوساط، وقصار. فطواله من أول (الحجرات) إلى سورة (البروج)، وأوساطه من سورة (الطارق) إلى سورة (لم يكن)، وقصاره من سورة (إذا زلزلت) إلى آخر القرآن على خلاف ذلك «5».
عدد آيات القرآن وطريقة معرفتها. قبل أن نعرف عدد آيات القرآن لا بد أن نعرف ما معنى الآية. آيات القرآن جمع آية، وتطلق الآية- وكما جاء في لسان اللغة- على عدة معان منها: 1 - المعجزة: كقوله تعالى: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ... «1»، أي معجزة واضحة. 2 - العلامة نحو قوله تعالى: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ ... «2»، أي علامة ملكه. 3 - العبرة، كقوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً ... «3»، أي عبرة لمن يعتبر. 4 - الجماعة: ومثال ذلك كما تقول العرب: خرج القوم بآيتهم، أي بجماعتهم «4». 5 - الأمر العجيب: كقوله تعالى: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ... «5». 6 - البرهان والدليل: نحو قوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ ... «6»، والمعنى: إن من براهين وجود الله تعالى واقتداره واتصافه بالكمال، خلق عوالم السماوات والأرض، واختلاف الألسنة والألوان «7».
وقيل: إن الآية إنما سميت آية لانفصالها من الآية الأخرى، وأنها في القرآن بمثابة البيت من القصيدة «1». أما طريقة معرفة الآية: فلا سبيل إلى معرفة آيات القرآن إلا بتوقيف من الشارع، لأنه ليس للقياس والرأي مجال فيها «2»، وعلى سبيل المثال: فقد اخرج الإمام مسلم والترمذي عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): يا أبا المنذر، أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ قلت: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ «3»، فضرب في صدري، وقال: (ليهنك العلم أبا المنذر) «4». فذكر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كلمة آية. وفي حديث آخر: قال (صلى الله عليه وسلم): (ثلاثون آية شفعت لرجل من عذاب القبر، ألا وهي سورة الملك) «5». وأما معنى الآية في الاصطلاح: (حد الآية قرآن مركب من جمل ولو تقديرا، ذو مبدأ ومقطع مندرج في سورة، وأصلها العلامة، لأنها علامة للفصل
والصدق أو الجماعة) «1». وقيل: الآية: طائفة من القرآن، منقطعة عما قبلها وما بعدها، ليس بينها شبه بما سواها «2». أما تعداد الآيات، فستة آلاف ومائتا آية، واختلفوا فيما زاد عن ذلك «3». قيل: وأربع عشرة آية، وقيل: وتسع عشرة آية، وقيل: وخمس وعشرون آية، أو ست وعشرون آية، وقيل: ست وثلاثون آية، وهذا ما قال به الأكثرون، فهو الراجح والله أعلم «4». وأما كلماته، (فقال الفضيل بن شاذان عن عطاء بن يسار: سبع وسبعون ألف كلمة، وأربعمائة وسبع وثلاثون كلمة [77437]) «5»، (وقيل: وسبب الاختلاف في عد الكلمات أن الكلمة لها حقيقة ومجاز، ولفظ ورسم، واعتبار كل منها جائز ... ) «6». وأما حروفه: فقال عبد الله بن جبير عن مجاهد: ثلاثمائة ألف حرف، وأحد وعشرون ألف حرف (321000) «7»، وقيل غير ذلك. (قال سلام أبو محمد الحماني: إن الحجاج جمع القراء والحفاظ والكتاب، فقال: أخبروني عن القرآن كله، كم من حرف هو؟ قال: فحسبناه، فأجمعوا على أنه ثلاثمائة وأربعون ألف وسبعمائة وأربعون حرفا (340740)، وقال:
لما أخبروني عن نصفه، فإذا هو الفاء من قوله في الكهف وَلْيَتَلَطَّفْ «1») «2». أما أطول الآيات فآية الدين، وأطول السور سورة البقرة، وهذه التجزئة تيسر على الناس الحفظ وتحملهم على الدراسة، وتشعر القارئ لسورة من السور بأنه قد أخذ قسطا وافيا وطائفة مستقلة من أصول دينه وأحكام شريعته «3». وسبب هذا الاختلاف: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقف على رءوس الآي، تعليما لأصحابه أنها رءوس آي، حتى إذا علموا ذلك وصل صلى الله عليه وسلم الآية بما بعدها طلبا لتمام المعنى، فيظن بعض الناس أن ما وقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم فاصلة، فيصلها بما بعدها معتبرا أن الجميع آية واحدة، والبعض يعتبرها آية مستقلة، فلا يصلها بما بعدها، وقد علمنا أن الخطب في ذلك سهل، لأنه لا يترتب عليه في القرآن زيادة ولا نقص «4». أما حكم ترتيب السورة والآيات القرآنية: بالنسبة للآيات، فقد انعقد الإجماع على أن ترتيب آيات القرآن على هذا النمط الذي نراه اليوم بالمصاحف، كان بتوقيف النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى «5». وأنه لا مجال للرأي والاختيار فيه، بل كان جبريل ينزل بالآيات على الرسول صلّى الله عليه وسلّم ويرشده إلى موضع كل آية من سورتها، ثم يقرأها النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه، ويأمر كتاب الوحي بكتابتها معينا لهم السورة التي تكون فيها الآية، وموضع الآية من هذه السورة، وكان صلى الله عليه وسلم يتلوه عليهم في صلاته وعظاته، وفي حكمه
وأحكامه، وكان يعارض به جبريل كل عام مرة وعارضه به في العام الأخير مرتين، كل ذلك كان على الترتيب المعروف لنا في المصاحف، وكذلك كان كل من حفظ القرآن أو شيئا منه من الصحابة حفظه مرتب الآيات على هذا النمط، وشاع ذلك وذاع وملأ البقاع والأسماع، يتدارسونه فيما بينهم، ويقرءونه في صلاتهم، ويأخذه بعضهم عن بعض، ويسمعه بعضهم عن بعض بالترتيب القائم الآن، فليس لواحد من الصحابة والخلفاء الراشدين يد ولا تصرف في ترتيب شيء من آيات القرآن الكريم «1». ومن الأدلة على أن وضع الآيات في المصاحف على هذا النمط هو توقيفي ما أخرجه البخاري عن ابن الزبير قال: قلت لعثمان: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً [البقرة: 240] قد نسختها الآية الأخرى، فلم تكتبها ولم تدعها؟ قال: يا ابن أخي، لا أغير شيئا منه من مكانه. ومنها ما رواه مسلم، عن عمر قال: ما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة، حتى طعن بإصبعه في صدري وقال: «تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء». وأما ترتيب السور فهل هو توقيفي أيضا، أو هو باجتهاد من الصحابة؟ خلاف. فجمهور العلماء على الثاني، منهم مالك «2»، والقاضي أبو بكر الباقلاني «3»، وقال الزرقاني: وينسب هذا القول إلى جمهور العلماء «4». الثالث: إن ترتيب بعض السور كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم وترتيب بعضها الآخر
كان باجتهاد من الصحابة. قال الزرقاني: (وقد ذهب إلى هذا الرأي فطاحل من العلماء، ولعله أمثل الآراء) «1». قال السيوطي نقلا عن البيهقي: (كان القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مرتبا سوره وآياته على هذا الترتيب إلا الأنفال وبراءة لحديث عثمان السابق) «2». ومال محمد بن عطية إلى أن كثيرا من السور كان قد علم ترتيبها في حياته صلى الله عليه وسلم كالسبع الطوال والحواميم والمفصل، وأن ما سوى ذلك يمكن أن يكون قد فوض الأمر فيه إلى الأمة بعده «3». وهذا ما رجحه الإمام السيوطي بقوله: (والذي ينشرح له الصدر ما ذهب إليه البيهقي، وهو: أن جميع السور ترتيبها توقيفي إلا براءة والأنفال) «4». إلا أنه سواء كان ترتيب السور توقيفيا أو اجتهاديا، فإنه ينبغي احترامه، خصوصا في كتابة المصاحف؛ لأنه عن إجماع الصحابة، والإجماع حجة، ولأن خلافه يجر إلى الفتنة، ودرء الفتنة وسد الذرائع واجب «5». فالرأي الراجح والله أعلم هو القول الأول: إن ترتيب السور كلها توقيفي بتعليم الرسول صلى الله عليه وسلم، والأدلة على ذلك كثيرة، منها أن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن إلى السماء الدنيا ثم فرقه في بضع وعشرين سنة، فكانت السورة
تنزل لأمر يحدث، والآية جوابا لمستخبر، ويوقف جبريل النبي صلى الله عليه وسلم على موضع السورة والآيات والحروف، فمن قدم سورة أو أخرها، أفسد نظم القرآن «1». قال أبو جعفر النحاس: (المختار أن تأليف السور على هذا الترتيب من رسول الله صلى الله عليه وسلم لحديث واثلة: (أعطيت مكان التوراة السبع الطوال)) «2». وروى البخاري عن ابن مسعود أنه قال في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء: (إنهن من العتاق الأول، وهن من تلادي) «3»، فذكرها نسقا كما استقر ترتيبها. وروي من طريق ابن وهب عن سليمان بن بلال قال: (سمعت ربيعة يسأل: لم قدمت البقرة وآل عمران وقد نزل قبلهما بضع وثمانون سورة مكية، وإنما أنزلتا بالمدينة؟ فقال: قدمتا وألف القرآن على علم ممن ألفه به، ثم قال: فهذا مما ينتهي إليه ولا يسأل عنه) «4». وقال الزركشي: (لترتيب وضع السور في المصحف أسباب تطلع على أنه توقيفي صادر عن حكم: بحسب الحروف كما في الحواميم، وثانيها لموافقة أول السورة لآخر ما قبلها، كآخر الحمد في المعنى وأول البقرة. وثالثهما: للوزن في اللفظ: كآخر (تبت) وأول الإخلاص، ورابعها: لمشابهة جملة السورة لجملة أخرى، مثل: (والضحى)، و (ألم نشرح)) «5».
المبحث الثاني روايات جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه ودراستها
المبحث الثاني روايات جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه ودراستها أولا: حدّثنا موسى حدّثنا إبراهيم حدّثنا ابن شهاب: أن أنس بن مالك حدّثه: أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشّام في فتح إرمينيّة وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمّة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنّصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثمّ نردّها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزّبير وسعيد بن العاص وعبد الرّحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثّلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنّما نزل بلسانهم، ففعلوا حتّى إذا نسخوا الصّحف في المصاحف ردّ عثمان الصّحف إلى حفصة وأرسل إلى كلّ أفق بمصحف ممّا نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفة أو مصحف أن يحرق) «1». دلالة الحديث: قال ابن حجر: المراد أن إرمينية فتحت في خلافة عثمان رضي الله عنه، وكان
عثمان قد أمر أهل الشام والعراق أن يجتمعوا على ذلك، وكان حذيفة من جملة من غزا معهم، وكان هو على أهل المدائن، وهي من جملة أعمال العراق «1». وأما إرمينية- بكسر أوله، وإسكان ثانيه، بعده ميم مكسورة وياء، ثم نون مكسورة-: بلد معروف، فهي مدينة عظيمة من نواحي خلاط، أي أول أذربيجان، وتشمل على بلاد كثيرة، وهي من ناحية الشمال. قال ابن السمعاني: هي من جهة بلاد الروم، وقيل: إنها من بناء أرمين من ولد يافث بن نوح «2»، و (أذربيجان) بفتح الهمزة والذال المعجمة، وسكون الراء، وقيل: بسكون الذال، وفتح الراء، وبكسر الوحدة، بعدها تحتانية ساكنة، ثم جيم خفيفة، وآخره نون، (أذربيجان) وهي الآن في تبريز وقصباتها- من مدن إيران- وهي تلي كور إرمينية من جهة المغرب «3». وكانت هذه القصة في سنة خمس وعشرين في بداية السنة الثالثة من خلافة عثمان رضي الله عنه، هذا ما تبينه رواية ابن أبي داود: أن سيدنا عثمان قال: (عهد نبيكم منذ ثلاث عشرة سنة ... ) «4»، قال ابن كثير: إسناد صحيح «5». قوله: (فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة)، قال القرطبي: (تفرق الصحابة في البلدان واشتد الأمر في ذلك وعظم اختلافهم، وتثبتهم ووقع بين
أهل الشام والعراق ما ذكره حذيفة رضي الله عنه، وذلك أنهم اجتمعوا في غزوة إرمينية كل طائفة بما روي لها، فاختلفوا، وأظهر بعضهم إكفار بعض والبراءة منه وتلاعنوا، فأشفق حذيفة مما رأى منهم. فلما قدم حذيفة المدينة فيما ذكره البخاري «1» والترمذي «2»، ودخل إلى عثمان رضي الله عنه قبل أن يدخل إلى بيته، فقال: (أدرك هذه الأمة قبل أن تهلك) «3». كان أهل كل إقليم من أقاليم الإسلام يأخذون بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة، فأهل الشام يقرءون بقراءة أبي بن كعب، وأهل الكوفة يقرءون بقراءة عبد الله بن مسعود، وأهل البصرة بقراءة أبي موسى الأشعري، فكان بينهم اختلاف في حروف الأداء ووجوه القراءة، بطريقة فتحت باب الشقاق والنزاع في قراءة القرآن، أشبه بما كان بين الصحابة قبل أن يعلموا أن القرآن نزل على سبعة أحرف. بل كان هذا الشقاق أشد، وذلك لبعد هؤلاء بالنبوة، وعدم وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم يطمئنون إلى حكمه، ويصدرون جميعا عند رأيه، مما أدى إلى أن يكفر بعضهم بعضا. وكادت أن تكون فتنة في الأرض وفساد كبير «4». إضافة إلى ذلك فإن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن لم تكن معروفة لأهل تلك الأمصار، ولم يكن من السهل أن يعرفوها كلها حتى يتحاكموا إليها، لأن كل صحابي في إقليم يقرئهم بما يعرف فقط من الحروف التي نزل عليها القرآن. قوله: (فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف). بعد أن قال حذيفة رضي الله عنه لعثمان رضي الله عنه ذلك أفزعه، وأرسل إلى
ثانيا:
حفصة أم المؤمنين أن ترسل إليه بالصحف التي عندها مما جمعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وليكتب ذلك في مصحف واحد، ثم يرد تلك الصحف إلى حفصة رضي الله عنها. والصحف هي: الأوراق المجردة التي جمع فيها القرآن في عهد أبي بكر، وكانت سورا مفرقة، كل سورة مرتبة بآياتها على حدة، لكن لم يرتب بعضها إثر بعض، فلما نسخت ورتب بعضها إثر بعض صارت مصحفا «1». قوله: (فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصحف)، فجلس هؤلاء النفر يكتبون بالقرآن نسخا. وفي رواية أخرى من طريق محمد بن سيرين: (جمع عثمان اثني عشر رجلا من قريش والأنصار، منهم أبي بن كعب ... ) «2»، وإذا اختلفوا في موضع الكتابة على أي لغة رجعوا إلى عثمان رضي الله عنه مثلما اختلفوا في (التابوت) أيكتبوه بالتاء أو الهاء؟ فكتبوه بالتاء بعد أن رجعوا إلى عثمان رضي الله عنه، قال: اكتبوه بلغة قريش «3». وقد بينا في المبحث الأول من هذا الفصل عدد المصاحف التي أرسلها سيدنا عثمان رضي الله عنه إلى الآفاق، وأمره رضي الله عنه بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. ثانيا: حدّثنا موسى بن إسماعيل. حدّثنا إبراهيم بن سعد. حدّثنا ابن شهاب: أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت: أنّه سمع زيد بن ثابت رضي الله عنه يقول: (فقدت
دلالة الحديث:
آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف كنت أسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ «1»، فألحقناها في سورتها في المصحف) «2». دلالة الحديث: لقد أشرت إلى هذه الرواية في الفصل السابق عند دراسة مرويات جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه، حين فصلنا القول في أن الذي وجد معه آخر سورة التوبة غير الذي وجد معه التي في الأحزاب، ورجحنا قول ابن حجر الذي يقول فيه: (إن الذي وجد معه آخر سورة التوبة أبو خزيمة بالكنية، والذي وجد معه آية من الأحزاب خزيمة بن ثابت) «3». قوله: (حين نسخنا المصحف): أي نسخ تلك الأوراق التي جمع فيها القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه، وكانت سورا مفرقة، ولم يرتب بعضها إثر بعض، فلما نسخت ورتب بعضها إثر بعض صارت مصحفا وذلك في عهد عثمان رضي الله عنه «4». ثالثا: حدثنا عبد الله، قال: حدثنا محمد بن عمر بن هياج، قال: حدثنا يحيى بن عبد الرحمن- يعني الأرحبي- حدثني عبد الله بن عبد الملك بن أبجر،
بيان حال الرواة:
عن إياد بن لقيط، عن يزيد بن معاوية، قال: إني لفي المسجد زمن الوليد بن عقبة في حلقة فيها حذيفة، قال: وليس إذ ذاك حجزة ولا جلاوزة، إذ هتف هاتف: من كان يقرأ على قراءة أبي موسى فليأت هذه الزاوية التي عند دار عبد الله، واختلفا في آية من سورة البقرة قرأ هذا: (وأتموا الحج والعمرة للبيت)، وقرأ هذا: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ «1»، فغضب حذيفة واحمرت عيناه، ثم قام ففرز «2» قميصه في حجزته «3»، وهو في المسجد، وذاك في زمن عثمان، فقال: إما أن يركب إلى أمير المؤمنين وإما أن أركب، فهكذا كان من قبلكم، ثم أقبل فجلس فقال: إن الله بعث محمدا فقاتل بمن أقبل من أدبر حتى أظهر الله دينه، ثم إن الله قبضه فطعن الناس في الإسلام طعنة جواد، ثم إن الله استخلف عمر، فنزل وسط الإسلام، ثم إن الله قبضه فطعن الناس في الإسلام طعنة جواد، ثم استخلف عثمان، وأيم الله ليوشكن أن تطعنوا فيه طعنة تخلفونه كله) «4». بيان حال الرواة: 1 - محمد بن عمر بن هياج: (،؛) هو محمد بن عمر بن هياج أبو عبد الله الهمداني. (،؛) روى عن: يحيى بن عبد الرحمن الأرحبي، وإسماعيل بن صبيح
2 - يحيى بن عبد الرحمن:
اليشكري. (،؛) روى عنه: ابن أبي داود، والترمذي، والنسائي. (،؛) قال النسائي: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) وقال ابن حجر: صدوق، مات سنة خمس وخمسين ومائتين «1». 2 - يحيى بن عبد الرحمن: (،؛) هو يحيى بن عبد الرحمن بن مالك بن الحارث الأرحبي. (،؛) روى عن: عبد الله بن عبد الملك بن أبجر، ويونس بن أبي يعفور. (،؛) وروى عنه: محمد بن عمر بن هياج، وإسحاق عن منصور السلولي. (،؛) قال أبو حاتم: شيخ لا أرى في حديثه إنكار يحدث عن عبيدة بن الأسود أحاديث غرائب، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي: صدوق. (،؛) وقال ابن حجر: صدوق، ربما أخطأ «2». 3 - عبد الله بن عبد الملك بن أبجر «3»: (،؛) لم أقف له على ترجمة. 4 - إياد بن لقيط: (،؛) هو إياد بن لقيط السدوسي.
الحكم على الرواية:
(،؛) روى عن: يزيد بن معاوية العامري، والبراء بن عازب، والحارث بن حسان العامري. (،؛) روى عنه: عبد الله بن عبد الملك الحر، وعبد الملك بن عمير، والثوري. (،؛) قال أبو حاتم: صالح الحديث، ووثقه ابن معين، والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) وقال ابن حجر: ثقة «1». (،؛) قال ابن حجر في الإصابة: قال ابن حبان والمستغفري: له صحبة، واستدركه أبو موسى، وغفل ابن حبان فأعاده في التابعين، وقال في التقريب: قيل: له صحبة «2». الحكم على الرواية: فيها عبد الله بن عبد الملك لم أقف له على ترجمة، ويحيى بن عبد الرحمن الأرحبي صدوق ربما أخطأ، ولم أجد له متابعا، فالرواية إسنادها ضعيف والله أعلم. رابعا: حدثنا عبد الله، قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر وعبد الرحمن، قالا: حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن رجل عن سويد بن غفلة، قال: قال علي حين حرق عثمان المصاحف: (لو لم يصنعه هو لصنعته) «3».
بيان حال الرواة:
وفي رواية أخرى عند أبي داود عن أبي داود الطيالسي قال: (لو لم يصنعه عثمان لصنعته) «1». بيان حال الرواة: 1 - محمد بن بشار: (،؛) هو محمد بن بشار بن عثمان بن داود، ثقة، تقدم في مرويات الفصل الأول. 2 - محمد بن جعفر: (،؛) هو محمد بن جعفر الهذلي مولاهم أبو عبد الله البصري المعروف بغندر. (،؛) روى عن: شعبة بن الحجاج، وعوف بن أبي جميلة. (،؛) روى عنه: محمد بن بشار، وروى عنه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين. (،؛) قال العجلي: ثقة، وكان أثبت الناس في حديث شعبة. (،؛) وقال ابن سعد: ثقة إن شاء الله، وقال أبو حاتم: كان صدوقا، وكان مؤديا في حديث شعبة، ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) قال ابن حجر: ثقة صحيح الكتاب، إلا أن فيه غفلة، مات سنة ثلاث أو أربع وتسعين بعد المائة «2».
3 - عبد الرحمن:
3 - عبد الرحمن: (،؛) هو عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري مولاهم أبو سعيد البصري. (،؛) روى عن: إبراهيم بن سعد الزهري، وشعبة بن الحجاج، ومالك بن أنس. (،؛) روى عنه: محمد بن بشار بندار، وأحمد بن سنان، وأحمد، وابن معين. (،؛) قال أحمد بن حنبل: كان ثقة خيارا من معادن الصدق صالحا مسلما، وقال أبو حاتم: هو إمام ثقة أثبت من يحيى بن سعيد، وأتقن من وكيع، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان من الحفاظ المتقنين. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، ثبت، حافظ، عارف بالرجال والحديث، قال ابن المديني: ما رأيت أعلم منه، مات سنة ثمان وتسعين ومائة، وهو ابن ثلاث وسبعين «1». 4 - شعبة: (،؛) هو شعبة بن الحجاج بن الورد أبو بسطام العتكي البصري. (،؛) روى عن: علقمة بن مرثد، والحكم بن عتيبة، وعمرو بن دينار. (،؛) روى عنه: أبو داود الطيالسي، ومحمد بن جعفر بن غندر، وعبد الرحمن بن مهدي. (،؛) قال الثوري: شعبة أمير المؤمنين في الحديث، وقال الشافعي: لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق، وقال ابن سعد: كان ثقة مأمونا، صاحب حديث، حجة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان من سادات أهل
5 - علقمة بن مرثد:
زمانه حفظا وإتقانا وورعا وفضلا، وهو أول من فتش بالعراق عن أمر المحدثين وجانب الضعفاء والمتروكين حتى صار علما يقتدى به. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، حافظ، متقن، مات سنة ستين ومائة «1». 5 - علقمة بن مرثد: (،؛) هو علقمة بن مرثد الحضرمي أبو الحارث الكوفي. (،؛) روى عن: سويد بن غفلة، وعقبة بن جرول الحضرمي. (،؛) روى عنه: شعبة بن الحجاج، ومحمد بن أبان الجعفي. (،؛) قال أحمد بن حنبل: ثقة، ثبت في الحديث، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال النسائي والعجلي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) وقال ابن حجر: ثقة «2». 6 - سويد بن غفلة: (،؛) هو سويد بن غفلة أبو أمية الجعفي الكوفي. (،؛) روى عن: علي بن أبي طالب، وأبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم. (،؛) روى عنه: علقمة بن مرثد، وإبراهيم النخعي، والشعبي. (،؛) قال ابن معين والعجلي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي: ثقة إمام زاهد قوام. (،؛) قال ابن حجر: مخضرم من كبار التابعين، مات سنة ستين وله مائة
الحكم على الرواية:
وثلاثون سنة «1». الحكم على الرواية: رجالها ثقات سوى الرجل المبهم الذي روى عنه علقمة بن مرثد، فالرواية إذن إسنادها ضعيف، إذ قال أبو داود الطيالسي، وعبد الرحمن بن مهدي، ومحمد بن جعفر: (عن علقمة بن مرثد عن رجل عن سويد بن غفلة)، إلا أن يعقوب بن إسحاق الحضرمي «2» انفرد بقوله: (عن علقمة بن مرثد عن سويد بن غفلة) «3»، ولم يذكر الرجل المبهم، ورواية الثلاثة أرجح- فيما يظهر لي والله أعلم- لأن شعبة بن الحجاج صرح في رواية أخرى: ( ... قال شعبة، عمن سمع سويد بن غفلة ... ) «4»، فالإسناد فيه رجل لم يسمّ. ولقد بينا في المبحث الأول أن الصحابة رضي الله عنهم قد وافقوا سيدنا عثمان في حرقه للمصاحف ولم ينكر أحد منهم، وإنما نقم عليه ذلك الرهط الذين تمالئوا عليه وقتلوه- قاتلهم الله- وذلك في جملة ما أنكروا مما لا أصل له، وأما سادات المسلمين من الصحابة ومن نشأ في عصرهم ذلك من التابعين فكلهم وافقوه «5».
خامسا:
خامسا: حدثنا عبد الله حدثنا أحمد بن سنان، قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن مصعب بن سعد، قال: أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك، وقال: لم ينكر ذلك منهم أحد «1». بيان حال الرواة: 1 - أحمد بن سنان: (،؛) هو أحمد بن سنان بن أسد بن حبان، أبو جعفر القطان الواسطي. (،؛) روى عن: عبد الرحمن بن مهدي، وأبي معاوية محمد بن حازم، ومحمد بن هارون. (،؛) روى عنه: ابن أبي داود، والبخاري، ومسلم. (،؛) قال أبو حاتم: ثقة، صدوق، وقال النسائي: ثقة. (،؛) قال ابن حجر: ثقة حافظ، مات سنة تسع وخمسين بعد المائتين، وقيل قبلها «2». 2 - عبد الرحمن بن مهدي: (،؛) هو عبد الرحمن بن مهدي بن حسان أبو سعيد العنبري. (،؛) ثقة، وقد تقدم في الحديث السابق. 3 - شعبة بن الحجاج بن الورد: (،؛) ثقة، وقد تقدم في الحديث السابق.
4 - أبو إسحاق:
4 - أبو إسحاق: (،؛) هو عمرو بن عبد الله بن عبيد السبيعي، ويقال: ابن أبي شعيرة الهمداني. (،؛) روى عن: مصعب بن سعد، وخمير بن مالك، ومسروق بن الأجدع. (،؛) روى عنه: شعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، وعمرو بن ثابت. (،؛) قال عنه أحمد بن حنبل: ثقة، ولكن هؤلاء الذين حملوا عنه بآخره، ووثقه ابن معين، والنسائي، والعجلي، وأبو حاتم، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، مكثر عابد، اختلط بآخره، مات سنة تسع وعشرين ومائة، وقيل قبل ذلك «1». 5 - مصعب بن سعد: (،؛) هو مصعب بن سعد بن أبي وقاص، أبو زرارة الزهري. (،؛) روى عن: عثمان بن عفان، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما. (،؛) روى عنه: أبو إسحاق السبيعي، والزبير بن عدي. (،؛) قال العجلي: ثقة، وقال ابن سعد: كان كثير الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، مات سنة ثلاث ومائة «2». الحكم على الرواية: إسنادها صحيح، والله أعلم. ومن دلائل الأثر: أن سيدنا عثمان رضي الله عنه عند ما حمل الناس على القراءة
سادسا:
بوجه واحد وعلى اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار، وذلك عند ما خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات، فجمعهم على قراءة واحدة، وعلى مصحف واحد، وأمر بإحراق المصاحف الأخرى، فلم ينكر عليه أحد، بل أعجبهم ذلك لما فيه من مصلحة المسلمين «1». سادسا: حدثنا عبد الله، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الصواف، قال: حدثنا يحيى بن كثير، قال: حدثنا ثابت بن عمارة الحنفي، قال: (سمعت غنيم بن قيس المازني قال: قرأت القرآن على الحرفين جميعا، والله ما يسرني أن عثمان لم يكتب المصحف وأنه ولد لكل مسلم كلما أصحب غلاما فأصحب له مثل ما له، قال: قلنا له: يا أبا العنبر لم؟ قال: لو لم يكتب عثمان المصحف لطفق الناس يقرءون الشعر) «2». بيان حال الرواة: 1 - إسحاق بن إبراهيم: (،؛) هو إسحاق بن إبراهيم بن محمد أبو يعقوب الصواف البصري. (،؛) روى عن: يحيى بن كثير، وعبد الله بن بكر السهمي، ويزيد بن هارون. (،؛) روى عنه: ابن أبي داود، والبخاري، وأبو داود. (،؛) قال ابن حجر: ذكره البزار في سننه، فقال: ثقة، ثم قال: وحكى
2 - يحيى بن كثير:
الخطيب توثيقه للدارقطني، كذا قرأته بخط مغلطاي، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) وقال ابن حجر أيضا: ثقة، مات سنة ثلاث وخمسين بعد المائتين «1». 2 - يحيى بن كثير: (،؛) هو يحيى بن كثير بن درهم أبو غسان العنبري. (،؛) روى عن: ثابت بن عمارة الحنفي، وعثمان بن سعيد الكاتب، ومعاذ بن العلاء. (،؛) روى عنه: إسحاق بن إبراهيم الصواف، وابنه الحسن بن يحيى، وعمرو بن علي. (،؛) قال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، مات سنة ست ومائتين «2». 3 - ثابت بن عمارة: (،؛) هو ثابت بن عمارة، أبو مالك الحنفي البصري. (،؛) روى عن: غنيم بن قيس المازني، وأبي الحوراء السعدي. (،؛) روى عنه: يحيى بن كثير، وشعبة وأبو بحر البكراوي. (،؛) قال أحمد بن حنبل: ليس به بأس، وقال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: ليس عندي بالمتين، وقال النسائي: لا بأس به.
4 - غنيم بن قيس المازني:
(،؛) قال ابن حجر: صدوق فيه لين، مات سنة تسع وأربعين ومائة «1». 4 - غنيم بن قيس المازني: (،؛) أبو العنبر البصري. (،؛) روى عن: سعد بن أبي وقاص، وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما. (،؛) روى عنه: ثابت بن عمارة الحنفي، وسليمان التيمي، وعاصم بن الأحول. (،؛) وثقة النسائي، وابن سعد، وقال الأخير: كان ثقة قليل الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، مات سنة تسعين «2». الحكم على الرواية: رجالها ثقات، سوى ثابت بن عمارة، قال عنه ابن حجر: صدوق فيه لين، فالحديث إسناده حسن وله شاهد آخر إسناده صحيح كما سيأتي في الأثر القادم. سابعا: حدثنا عبد الله، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان، قال: حدثنا محمد بن عبد الله، حدثني عمران بن حدير، عن أبي مجلز، قال: (لولا أن عثمان كتب القرآن لألفيت الناس يقرءون الشعر) «3».
بيان حال الرواة:
بيان حال الرواة: 1 - يعقوب بن سفيان: (،؛) ثقة، تقدم في مرويات الفصل الثاني. 2 - محمد بن عبد الله: (،؛) هو محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري، أبو عبد الله البصري. (،؛) روى عن: عمران بن حرير، والأشعث بن عبد الملك. (،؛) روى عنه: يعقوب بن سفيان، وإسحاق بن إبراهيم بن زيد. (،؛) وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: صدوق ثقة، وقال النسائي: ليس به بأس. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، مات سنة خمس عشرة ومائتين «1». 3 - عمران بن حدير: (،؛) أبو عبيدة السدوسي البصري. (،؛) روى عن: أبي مجلز، وعكرمة مولى ابن عباس. (،؛) روى عنه: محمد بن عبد الله الأنصاري، وحماد بن سلمة. (،؛) قال أحمد بن حنبل: بخ بخ، ثقة. ووثقه ابن معين، والنسائي، وابن المديني، وابن سعد، وذكره ابن حبان في الثقات.
4 - أبو مجلز:
(،؛) وقال ابن حجر: ثقة ثقة، مات سنة تسع وأربعين ومائة «1». 4 - أبو مجلز: (،؛) هو لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي. (،؛) روى عن: ابن عمر، وابن عباس، وأنس رضي الله عنهم. (،؛) وروى عنه: قتادة، وسليمان التيمي. (،؛) قال ابن أبي حاتم: سئل أبو زرعة عنه، وقال: بصري ثقة، وقال العجلي: ثقة، وذكره ابن حبان في مشاهير التابعين بالبصرة، وقال: مات بالكوفة سنة عشر ومائة قبل الحسن بقليل. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، من كبار الثالثة، مات سنة ست وقيل: تسع ومائة، وقيل غير ذلك «2». الحكم على الرواية: رجالها ثقات، فالإسناد صحيح، والله أعلم. تبين لنا هذه الرواية على أهمية ما قام به سيدنا عثمان رضي الله عنه من جمع الناس على مصحف واحد، الذي وضعه على العرضة الأخيرة التي عارض بها جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر رمضان من عمره عليه الصلاة والسلام. وذلك لأن الداء استفحل وكادت تكون فتنة كبيرة، حتى إن الرجل ليقول لصاحبه: إن قراءتي خير من قراءتك. حتى أن الأمصار البعيدة كان الناس فيها أشد اختلافا ونزاعا بسبب بعدهم عن مكان مهبط الوحي، ومكان الحفظة من الصحابة، لأن كل إقليم يأخذ بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة، وكان ذلك يتم في ظل رخصة
ثامنا:
الأحرف السبعة التي أذن بها النبي صلى الله عليه وسلم «1». ولهذا تميز سيدنا عثمان رضي الله عنه بهذا العمل على سائر الصحابة رضي الله عنهم كما ستبينه لنا الرواية القادمة التي يرويها لنا ابن أبي داود بسند صحيح. ثامنا: حدثنا عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن سنان: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: خصلتان لعثمان بن عفان ليستا لأبي بكر ولا لعمر: صبره نفسه حتى قتل مظلوما، وجمعه الناس على المصحف «2». بيان حال الرواة: 1 - أحمد بن سنان: (،؛) ثقة، تقدمت ترجمته في هذا المبحث. 2 - عبد الرحمن بن مهدي: (،؛) ثقة، تقدمت ترجمته في هذا المبحث. الحكم على الرواية: إسنادها صحيح والله أعلم. من دلائل الرواية: إن خصائص ومزايا سيدنا عثمان كثيرة، ربما يشترك معه فيها كثير من الناس، ولكن هاتين الخصلتين لم تكونا لأحد غيره.
تاسعا:
فصبره على نفسه حتى قتل مظلوما: أخرج ابن عساكر عن الزهري قال: قلت لسعيد بن المسيب: هل أنت مخبري كيف كان قتل عثمان؟ وما كان شأن الناس وشأنه؟ ولم خذله أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟ فقال ابن المسيب: (قتل عثمان مظلوما، ومن قتله كان ظالما، ومن خذله كان معذورا ... ) «1». الحديث بطوله في كتب التاريخ والسير «2». أما جمعه الناس على مصحف واحد، فقد توسعنا في الحديث عن هذه المسألة في الحديث السابق، وفي المبحث الأول من هذا الفصل. تاسعا: حدثنا عبد الله، قال: حدثنا شعيب بن أيوب، حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا عمرو بن ثابت، قال: حدثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الشعثاء، قال: (كنا جلوسا في المسجد وعبد الله يقرأ، فجاء حذيفة فقال: قراءة ابن أم عبد، وقراءة أبي موسى الأشعري، والله إن بقيت حتى آتي أمير المؤمنين، يعني عثمان لأمرته بجعلها قراءة واحدة. قال: فغضب عبد الله، فقال لحذيفة كلمة شديدة، قال: فسكت حذيفة) «3». بيان حال الرواة: 1 - شعيب بن أيوب: (،؛) هو شعيب بن أيوب بن زريق بن معبد، أبو بكر الصريفيني. (،؛) روى عن: يحيى بن آدم، ويحيى بن سعيد القطان. (،؛) روى عنه: ابن أبي داود، وأبو داود، وأبو بكر البزار.
2 - يحيى بن آدم:
(،؛) وثقه الدارقطني، والحاكم، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطئ ويدلس كل ما في حديثه من المناكير مدلسة. (،؛) وقال الذهبي: وثق. (،؛) قال ابن حجر: صدوق يدلس، من الحادية عشرة، مات سنة إحدى وستين ومائتين «1». 2 - يحيى بن آدم: (،؛) هو يحيى بن آدم بن سليمان أبو بكر الكوفي. (،؛) روى عن: إبراهيم بن حميد الرؤاسي، وعمرو بن ثابت، وجرير بن حازم، ووكيع بن الجراح. (،؛) روى عنه: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ومحمد بن غيلان. (،؛) وثقه ابن معين، والنسائي، وأبو حاتم. (،؛) وقال ابن حجر: ثقة، حافظ، فاضل، من كبار التاسعة، مات سنة ثلاث ومائتين «2». 3 - عمرو بن ثابت: (،؛) هو عمرو بن ثابت بن هرمز، أبو محمد الكوفي. (،؛) روى عن: أبيه، وحبيب بن أبي ثابت، وسليمان الأعمش. (،؛) وروى عنه: إبراهيم بن إسحاق، وأبو داود الطيالسي، ويحيى بن آدم. (،؛) قال أبو حاتم: ضعيف الحديث، يكتب حديثه، كان رديء الرأي شديد التشيع، وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم، وقال أبو زرعة: ضعيف.
4 - حبيب بن أبي ثابت:
(،؛) قال ابن حجر: ضعيف، رمي بالرفض، من الثامنة، مات سنة اثنتين وسبعين ومائة «1». 4 - حبيب بن أبي ثابت: (،؛) واسمه قيس بن دينار، أبو يحيى الكوفي. (،؛) روى عن: أبي الشعثاء، وعن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص، وروى عن ابن عمر، وابن عباس. (،؛) روى عنه: إسماعيل بن سالم، والثوري، وشعبة بن الحجاج. (،؛) وثقه: ابن معين، والعجلي، والنسائي. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، فقيه، جليل وكان كثير الإرسال والتدليس، من الثالثة، مات سنة تسع عشرة ومائة «2». 5 - أبو الشعثاء: (،؛) هو سليم بن أسود بن حنظلة، أبو الشعثاء، المحاربي الكوفي. (،؛) روى عن: حذيفة وعبد الله بن مسعود، وأبي موسى الأشعري. (،؛) روى عنه: حبيب بن أبي ثابت، وابنه الأشعث، وإبراهيم النخعي. (،؛) قال ابن حجر: ثقة بالاتفاق، مات في زمن الحجاج، وقيل: سنة ثلاث وثمانين وقيل بعدها «3».
الحكم على الرواية:
الحكم على الرواية: فيها عمرو بن ثابت ضعيف رمي بالرفض، وشعيب بن أيوب صدوق، فالرواية إسنادها ضعيف، والله أعلم. عاشرا: حدثنا عبد الله، قال: حدثنا الحسن بن مدرك وإسحاق بن إبراهيم بن زيد، قالا: حدثنا يحيى بن حماد، قال: حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي شعثاء المحاربي، قال: قال حذيفة: يقول أهل الكوفة: قراءة عبد الله، ويقول أهل البصرة: قراءة أبي موسى، والله لئن قدمت على أمير المؤمنين لأمرته أن يغرقها، قال: فقال عبد الله: أما والله لئن فعلت ليغرقنك الله في غير ماء، قال شاذان «1»: في سقرها «2». بيان حال الرواة: 1 - الحسن بن مدرك: (،؛) هو الحسن بن مدرك بن بشير أبو علي السدوسي البصري. (،؛) روى عن: عبد العزيز بن عبد الله، ويحيى بن حماد. (،؛) روى عنه: البخاري، والنسائي، وابن ماجة، وابن أبي داود. (،؛) قال أبو داود: كذاب، كان يأخذ أحاديث فهد بن عوف فيلقيها على يحيى بن حماد، وقال الذهبي: كذبه أبو داود ووثقه غيره. قال النسائي: ليس به بأس.
2 - إسحاق بن إبراهيم بن زيد:
(،؛) قال ابن حجر: لا بأس به، ونسبه أبو داود إلى تلقين المشايخ «1». 2 - إسحاق بن إبراهيم بن زيد: (،؛) هو إسحاق بن إبراهيم بن زيد الفارسي المعروف بشاذان. (،؛) روى عن: المقرئ عبد الله بن يزيد المكي، ويحيى بن حماد، وأبي داود الطيالسي. (،؛) روى عنه: ابن أبي داود، وأحمد بن علي الجارودي، ونصر بن أبي نصر الشيرازي. (،؛) قال ابن أبي حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) قال ابن حجر: له مناكير وغرائب مع أن ابن حبان ذكره في الثقات «2». 3 - يحيى بن حماد: (،؛) هو يحيى بن حماد بن أبي زياد أبو بكر الشيباني. (،؛) روى عن: جرير بن حازم، وحماد بن مسلمة، وأبي عوانة. (،؛) روى عنه: البخاري، وإبراهيم بن دينار، والحسن بن مدرك. (،؛) قال أبو حاتم، والعجلي، وابن سعد: ثقة، وزاد الأخير: كان كثير الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، عابد، مات سنة خمس عشرة ومائتين «3».
4 - أبو عوانة:
4 - أبو عوانة: (،؛) هو الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي البزار، مشهور بكنيته. (،؛) روى عن: سليمان الأعمش، وإسماعيل بن سالم، وعامر الأحول. (،؛) روى عنه: يحيى بن حماد الشيباني، وإسماعيل بن علية، ويحيى بن حماد. (،؛) قال أبو زرعة: ثقة إذا حدث من كتبه، وقال أبو حاتم: كتبه صحيحة، وإذا حدث من حفظه غلط غلطا كثيرا، وهو صدوق ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) وقال ابن حجر: ثقة، ثبت، من السابعة، مات سنة خمس أو ست وسبعين ومائة «1». 5 - الأعمش: (،؛) هو سليمان بن مهران، أبو محمد الأعمش، الأسدي الكوفي. (،؛) روى عن: أنس بن مالك، وإبراهيم النخعي، وحبيب بن أبي ثابت. (،؛) روى عنه: أبان بن تغلب، وجرير بن حاتم، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، حافظ عارف بالقراءات، ورع لكنه يدلس، مات سنة سبع وأربعين ومائة أو ثمان «2». 6 - حبيب بن أبي ثابت: (،؛) ثقة، يدلس، تقدمت ترجمته في الحديث السابق. 7 - أبو الشعثاء المحاربي: (،؛) هو سليم بن أسود.
الحكم على الرواية:
(،؛) ثقة، تقدمت ترجمته في الحديث السابق. الحكم على الرواية: فيها إسحاق بن إبراهيم بن زيد، له مناكير وغرائب، وفيها أيضا: الحسن بن مدرك، قال عنه ابن حدرد: لا بأس به، ونسبه أبو داود إلى تلقين المشايخ، فالرواية إسنادها ضعيف، والله أعلم. الحادي عشر: حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن أبي شيبة قال: حدثنا ابن أبي عبيدة، قال: حدثنا أبي عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الشعثاء، قال: كنت جالسا عند حذيفة وأبي موسى وعبد الله بن مسعود، فقال حذيفة: أهل البصرة يقرءون قراءة أبي موسى، وأهل الكوفة يقرءون قراءة عبد الله، أما والله أن لو قد أتيت أمير المؤمنين لقد أمرته بغرق هذه المصاحف، فقال عبد الله: إذن تغرق في غير ماء «1». بيان حال الرواة: 1 - إبراهيم بن عبد الله بن أبي شيبة: (،؛) هو إبراهيم بن عبد الله بن أبي شيبة بن أبي بكر بن أبي شيبة. (،؛) روى عن: إبراهيم بن إسماعيل، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن أبي عبيدة. (،؛) روى عنه: النسائي، وابن ماجة، وابن أبي داود. (،؛) قال أبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) قال ابن حجر: صدوق، مات سنة خمس وستين بعد المائتين «2».
2 - ابن أبي عبيدة:
2 - ابن أبي عبيدة: (،؛) هو محمد بن أبي عبيدة بن معن بن عبد الرحمن المسعودي الكوفي، واسم أبيه عبد الملك. (،؛) روى عن: أبيه، وعن وكيع. (،؛) وروى عنه: إبراهيم بن عبد الله بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله بن نمير. (،؛) قال ابن معين: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، من العاشرة، مات سنة خمس ومائتين «1». 3 - أبو عبيدة: (،؛) هو عبد الملك بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله أبو عبيدة المسعودي الكوفي. (،؛) روى عن: الأعمش، وأبي إسحاق الشيباني. (،؛) روى عنه: أحمد بن يحيى الكوفي، وابنه محمد بن أبي عبيدة، وعبد الله بن المبارك. (،؛) وثقه: ابن معن والعجلي. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، من السابعة «2». 4 - الأعمش: (،؛) هو سليمان بن مهران، ثقة، تقدم في الأثر السابق.
5 - حبيب بن أبي ثابت:
5 - حبيب بن أبي ثابت: (،؛) قال عنه ابن حجر: ثقة يدلس، وقد تقدم الكلام عنه في الأثر السابق. 6 - أبو الشعثاء: (،؛) هو سليم بن أسود، وقد تقدم الحديث عنه في الأثر السابق أيضا. الحكم على الرواية: فيها إبراهيم بن عبد الله، قال عنه ابن حجر: صدوق، وفيها أيضا: حبيب بن أبي ثابت، قال عنه ابن حجر: ثقة فقيه، وكان كثير الإرسال والتدليس، وربما دلس هنا عند ما قال: عن أبي الشعثاء، ولم يصرح بالسماع، وبقية رجال الرواية ثقات: فالرواية إسنادها ضعيف والله أعلم «1». الثاني عشر: حدثنا عبد الله، حدثنا علي بن حرب، قال: حدثنا ابن فضيل، قال: حدثنا حصين عن مرة قال: (ذكر لي أن عبد الله وحذيفة وأبا موسى فوق بيت أبي موسى فأتيتهم، فقال عبد الله لحذيفة: أما أنه قد بلغني أنك صاحب الحديث، قال: أجل، كرهت أن يقال: قراءة فلان وقراءة فلان، فيختلفون كما اختلف أهل الكتاب، قال: وأقيمت الصلاة، فقيل لعبد الله: تقدم فصل، فأبى، فقيل لحذيفة: تقدم .. فأبى، فقيل لأبي موسى: تقدم، فإنك رب البيت) «2».
بيان حال الرواة:
بيان حال الرواة: 1 - علي بن حرب: (،؛) هو علي بن حرب بن محمد بن حرب بن حيان أبو الحسن الطائي. (،؛) روى عن: أحمد بن حنبل، وأبيه حرب بن محمد بن محمد بن فضيل بن غزوان. (،؛) روى عنه: النسائي، وابن أبي داود، وابن أبي حاتم. (،؛) قال أبو حاتم وابنه: صدوق، وقال النسائي: صالح وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) وقال ابن حجر: صدوق، فاضل، من صغار العاشرة، مات سنة خمس وستين ومائتين، وقد جاوز التسعين «1». 2 - ابن فضيل: (،؛) هو محمد بن فضيل بن غزوان بن جرير، أبو عبد الرحمن الضبي. (،؛) روى عن: إسماعيل بن أبي خالد، وحبيب بن أبي عمرة، وحصين بن عبد الرحمن. (،؛) روى عنه: علي بن حرب، وأحمد بن حنبل، وزهير بن حرب. (،؛) قال أحمد بن حنبل: كان يتشيع وكان حسن الحديث، قال يحيى بن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: شيخ، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) قال ابن حجر: صدوق، عارف رمي بالتشيع، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومائتين «2».
3 - حصين:
3 - حصين: (،؛) هو حصين بن عبد الرحمن أبو الهذيل السلمي. (،؛) روى عن: إبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، ومرة بن شرحبيل. (،؛) روى عنه: إسماعيل بن زكريا، وجرير بن حازم، ومحمد بن فضيل. (،؛) قال أحمد بن حنبل: الثقة المأمون، من كبار أصحاب الحديث. (،؛) وثقه: ابن معين، والعجلي، وأبو زرعة، وقال أبو حاتم: ثقة في الحديث. في أخرة ساء حفظه، صدوق. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، تغير حفظه في الآخر، مات سنة ست وثلاثين بعد المائة وله ثلاث وتسعون «1». 4 - مرة: (،؛) هو مرة بن شرحبيل الهمداني أبو إسماعيل الكوفي. (،؛) روى عن: حذيفة بن اليمان، وعبد الله بن مسعود، وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم. (،؛) روى عنه: حصين بن عبد الرحمن، وأسلم الكوفي، وعامر الشعبي. (،؛) وثقه: ابن معين، والعجلي، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) وقال ابن حجر: ثقة، عابد من الثانية، مات سنة ست وسبعين، وقيل غير ذلك «2». الحكم على الرواية: فيها علي بن حرب صدوق، وكذلك ابن فضيل صدوق، وفيها
الثالث عشر:
حصين بن عبد الرحمن وثقه ابن حجر، إلا أنه قال: تغير حفظه في الآخر، وأيضا مرة بن شرحبيل لم يصرح بمن حدثه به، فالإسناد منقطع. وهذه الرواية يشهد لها الأثران السابقان، بأن أهل البصرة يقرءون بقراءة أبي موسى الأشعري، وأهل الكوفة يقرءون بقراءة عبد الله بن مسعود، وأن هذه الحادثة حصلت قبل أن يأتي حذيفة بن اليمان إلى أمير المؤمنين سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه ويخبره باختلاف المسلمين حول قراءة القرآن، ويخشى أن يختلفوا كما اختلف أهل الكتاب. الثالث عشر: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أخبرنا عبدة بن سليمان حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله: (أنه قال: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ «1»، ثم قال: على قراءة من تأمروني أن أقرأ؟ فلقد قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، ولقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أعلمهم بكتاب الله، ولو أعلم أن أحدا أعلم مني لرحلت إليه، قال شقيق: فجلست في حلق أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما سمعت أحدا يرد ذلك عليه ولا يعيبه) «2». دلالة الحديث: يدل الحديث على كراهية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في بداية الأمر على ما قام به سيدنا عثمان رضي الله عنه من توحيد المصاحف على مصحف واحد، وقراءة
واحدة، وإحراق المصاحف الأخرى، قال الإمام النووي: (إن ابن مسعود كان مصحفه يخالف مصحف الجمهور، وكانت مصاحف أصحابه كمصحفه، فأنكر عليه الناس وأمروه بترك مصحفه، وبموافقة مصحف الجمهور وطلبوا مصحفه ليحرقوه كما فعلوا بغيره فامتنع وقال لأصحابه: غلوا مصاحفكم، أي اكتموها، ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة، يعني فإذا غللتموها جئتم بها يوم القيامة، وكفى لكم بذلك شرفا، ثم قال على سبيل الإنكار ومن هو الذي تأمرونني أن آخذ بقراءته وأترك مصحفي الذي أخذته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ولو أعلم أن أحدا أعلم مني لرحلت إليه) «1». وقد بينا في المبحث الأول من هذا الفصل بأن ابن مسعود رضي الله عنه قد عرف بعد زوال الغضب عنه حسن اختيار عثمان ومن معه من الصحابة رضي الله عنهم جميعا، فترك الخلاف وبقي على موافقتهم. ويدل هذا الحديث أيضا على جواز ذكر الإنسان نفسه بالفضيلة والعلم ونحوه للحاجة وتحصيل مصلحة للناس، فمن المصلحة قول يوسف عليه الصلاة والسلام: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ «2»، ومن دفع الشر قول عثمان رضي الله عنه وقت حصاره: (إنه جهز جيش العسرة وحفر بئر رومة) «3»، ومن الترغيب قول ابن مسعود هذا، وأن الصحابة لم ينكروا عليه، والمراد أعلمهم بكتاب الله، فلا يلزم أن يكون أعلم من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، ولا يلزم أن يكون أفضل منهم عند الله، ولكن ذكرهم
الرابع عشر:
ورغبهم بعلمه وبما قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحقه «1»، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: (خذوا القرآن من أربع ... ) «2»، وذكر منهم ابن مسعود رضي الله عنه. الرابع عشر: حدثنا عبد الله، أن محمد بن بشار حدثه، أن يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر وابن أبي عدي، وسهل بن يوسف، قالوا: حدثنا عوف بن أبي جميلة، قال: حدثني يزيد الفارسي، قال: حدثني ابن عباس رضي الله عنهما قال: قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ووضعتموهما في السبع الطوال، ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا من كان يكتب فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وإذا نزلت عليه الآية يقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فظننت أنها منها، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما، ولم أكتب بينهما سطرا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ووضعتهما في السبع الطوال «3».
بيان حال الرواة:
بيان حال الرواة: 1 - محمد بن بشار: (،؛) ثقة، تقدمت ترجمته. 2 - يحيى بن سعيد بن فروخ أبو سعيد القطان: (،؛) روى عن: حماد بن سلمة، والثوري، وعوف الأعرابي. (،؛) روى عنه: أحمد بن حنبل، وزهير بن حرب، ومحمد بن بشار. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، متقن، حافظ، إمام قدوة، من كبار التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين وله ثمان وسبعون «1». 3 - محمد بن جعفر أبو عبد الله الهذلي البصري المعروف ب (غندر): (،؛) روى عن: الثوري، وشعبة بن الحجاج، وعوف الأعرابي. (،؛) روى عنه: أحمد بن حنبل، وزهير بن حرب، ومحمد بن بشار. (،؛) قال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله، وقال العجلي: ثقة، وكان من أثبت الناس في حديث شعبة، وقال ابن مهدي: غندر أثبت في شعبة مني، قال أبو حاتم: كان صدوقا وكان مؤديا في حديث شعبة ثقة، وذكره ابن
4 - ابن أبي عدي:
حبان في الثقات، وقال: كان من خيار عباد الله. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، صحيح الكتابة إلا أن فيه غفلة، مات سنة ثلاث أو أربع وتسعين بعد المائة، رووا عنه أصحاب الكتب الستة «1». 4 - ابن أبي عدي: (،؛) هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي السلمي البصري. (،؛) روى عن: شعبة بن الحجاج، وعوف بن أبي جميلة، وسعيد بن أبي عروبة. (،؛) روى عنه: أحمد بن حنبل، ووكيع بن الجراح، ومحمد بن بشار. (،؛) قال عنه أبو حاتم والنسائي والعجلي وابن سعد: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) وقال ابن حجر: ثقة من التاسعة، مات سنة أربع وتسعين على الصحيح «2». 5 - سهيل بن يوسف الأنماطي أبو عبد الرحمن البصري: (،؛) روى عن: الحجاج بن أرطأة، وشعبة بن الحجاج، وعوف بن أبي جميلة. (،؛) روى عنه: أحمد بن حنبل، وخليفة بن خياط، ومحمد بن بشار، وابن معين.
5 - عوف بن أبي جميلة الأعرابي البصري:
(،؛) وثقه يحيى بن معين، والنسائي، والدارقطني، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، رمي بالقدر من كبار التاسعة، مات سنة تسعين ومائة «1». 5 - عوف بن أبي جميلة الأعرابي البصري: (،؛) ثقة، رمي بالقدر، تقدمت ترجمته في مرويات الفصل الثاني. 6 - يزيد الفارسي: (،؛) هو يزيد بن الفارسي البصري. (،؛) روى عن: عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وعبيد الله بن زياد. (،؛) روى عنه: عوف بن جميلة الأعرابي، وعبد الله بن فيروز. (،؛) قال أبو حاتم: لا بأس به، وقال ابن حجر: مقبول، روى له أبو داود والترمذي والنسائي «2». الحكم على الرواية: فيها يزيد الفارسي، وقد قال فيه ابن حجر: مقبول، وقال أبو حاتم: لا بأس به، فنتيجة الرواية: إسنادها ضعيف إلا إذا هناك متابع فيرتقي بها إلى الحسن. ومن دلائل هذه الرواية: أن ترتيب الآيات في كل سورة كان توقيفيا
متلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولما لم يفصح النبي صلى الله عليه وسلم بأمر براءة أضافها عثمان رضي الله عنه إلى الأنفال اجتهادا منه رضي الله عنه «1». وقد توسعت بالحديث عن حكم ترتيب الآيات والسور في المطلب الخامس من المبحث الأول من هذا الفصل. أما البسملة في أوائل السور: فقد قال ابن حجر: كان من علامة ابتداء السور نزول بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أول ما ينزل شيء منها «2». يدل على ذلك ما أخرجه البيهقي في سننه من طريق عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم ختم السورة حتى ينزل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) «3». وفي رواية: (فإذا نزلت بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ علموا أن السورة قد انقضت) «4». يعني هذا بأن البسملة هي دلالة على انقضاء ما قبلها وعلى ابتداء سورة بعدها، وذكر السيوطي في الإتقان عن القشيري «5» أنه قال: الصحيح أن التسمية لم تكن فيها- أي في سورة براءة- لأن جبريل
عليه السّلام لم ينزل بها فيها «1»، وفي المستدرك عن ابن عباس قال: (سألت علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لم لم تكتب في براءة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ؟ قال: لأنها أمان، وبراءة نزلت بالسيف) «2»، قال الزركشي: البسملة نزلت مع السورة في بعض الأحرف السبعة، فمن قرأ بحرف نزلت فيه عدها، ومن قرأ بغير ذلك لم يعدها «3».
الفصل الرابع شبهات حول جمع القرآن
الفصل الرابع شبهات حول جمع القرآن وفيه مبحثان: المبحث الأول: شبهات المستشرقين. المبحث الثاني: شبهات غير المستشرقين. [تصوير]
المبحث الأول شبهات المستشرقين
المبحث الأول شبهات المستشرقين وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: شبهات المستشرقين حول جمع القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان القرآن الكريم ولا يزال هدفا لأعداء الإسلام، يسددون إليه سهام المطاعن، ويتخذون من علومه مثارا للشبهات، يلفقونها زورا وكذبا. وقبل أن نبدأ بدراسة شبهات المستشرقين حول جمع القرآن، لا بد أن نبين- ولو باختصار- ما معنى الاستشراق؟ فالاستشراق هو: دراسة غير الشرقيين لحضارات الشرق وأديانه ولغاته وتاريخه وعلومه واتجاهاته النفسية وأحواله الاجتماعية، ولا سيما الحضارة الإسلامية وأحول المسلمين في مختلف العصور «1». واختصر هذا التعريف الدكتور الساموك فقال: الاستشراق هو: علم يدرس لغات الشرق وتراثهم وحضارتهم ومجتمعاتهم وماضيهم وحاضرهم «2». والاستشراق كان وما يزال جزءا لا يتجزأ من قضية الصراع الحضاري بين العالم الإسلامي والعالم الغربي، فقد كان للاستشراق أكبر الأثر في صياغة التصورات الأوربية عن الإسلام، وفي تشكيل مواقف الغرب إزاء الإسلام على
الشبهة الأولى وردها:
مدى قرون عديدة «1». هناك شبه يثيرها أهل الأهواء لتوهين الثقة بالقرآن، والتشكيك في دقة جمعه، وسوف نورد أهم هذه الشبه، ونرد عليها إن شاء الله تعالى. الشبهة الأولى وردها: قالوا: إن في طريقة كتابة القرآن وجمعه دليلا على أنه قد سقط منه شيء لم يكتب في المصاحف التي بين أيدينا «2». واعتمدوا في هذه الشبهة على المزاعم الآتية: 1 - أن محمدا قال: (رحم الله فلانا لقد أذكرني كذا وكذا آية من سورة كذا). وفي رواية: (أسقطتهن من آية كذا وكذا) وفي رواية: (كنت أنسيتها) «3». 2 - أن ما جاء في سورة الأعلى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (6) إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ «4»، يدل بطريق الاستثناء الواقع فيه على أن محمدا قد أسقط عمدا أو نسي آيات لم يتفق له من يذكره إياها «5». أما احتجاجهم الأول: فيجاب عنه: بأن تذكير الرسول صلى الله عليه وسلم بآية أو آيات قد أنسيها أو أسقطها نسيانا لا يشكك في جمع القرآن، فإن الرواية التي جاء فيها التعبير بالإسقاط تفسرها الرواية الأخرى (أنسيتها)، وإليك الروايات بنصها من صحيح البخاري، وبيان ما قاله العلماء في مدلولها:
أ- عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في المسجد، فقال: رحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتهن من سورة كذا وكذا)، وزاد عباد بن عبد الله «1»: عن عائشة: (تهجد النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي، فسمع صوت عباد يصلي في المسجد، فقال: يا عائشة أصوت عباد هذا؟ قلت: نعم، قال: اللهم ارحم عبادا) «2». ب- حدثنا أحمد بن أبي رجاء حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في سورة بالليل، فقال: يرحمه الله، لقد أذكرني آية كذا وكذا كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا) «3». إن احتجاجهم بهذا الحديث وبجميع ألفاظه لا ينهض حجة لهم فيما زعموا من الشك في الأصل الذي قامت عليه كتابة القرآن وجمعه، بل الأصل سليم قويم وهو وجود هذه الآيات مكتوبة في الوثائق التي استكتبها الرسول صلى الله عليه وسلم ووجودها محفوظة في صدور أصحابه الذين تلقوها عنه، والذين بلغ عددهم مبلغ التواتر، وأجمعوا جميعا على صحته- كما بينا في ثنايا البحث من الفصل الأول
والثاني من هذه الرسالة- إنما قصارى هذا الخبر أنه يدل على أن قراءة ذلك الرجل- عباد بن بشر- ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم إياها، وكان قد أنسيها، أو أسقطها أي أسقطها نسيانا لا عمدا «1». وهذا النوع من النسيان لا يزعزع الثقة بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يشكك في دقة جمع القرآن ونسخه، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد حفظ هذه الآيات من قبل أن يحفظها ذلك الرجل، ثم استكتبها كتاب الوحي، وبلغها الناس محفوظة عنه. وليس في الحديث الذي احتجوا به أن هذه الآيات لم تكن بالمحفوظات التي كتبها كتاب الوحي، وليس فيه ما يدل على أن أصحاب الرسول كانوا قد نسوها جميعا، حتى يخاف عليها الضياع، أو السقوط عند الجمع الأول، واستنساخ المصحف الإمام «2». قال ابن حجر: (النسيان من النبي صلى الله عليه وسلم يكون على قسمين: أحدهما: نسيانه الذي يتذكره عن قرب وذلك قائم بالطباع البشرية، وعليه يدل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود في السهو: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون) «3». والثاني: أن يرفعه الله عن قلبه إرادة نسخ تلاوته. وهو المشار إليه بالاستثناء في قوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (6) إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ «4». فأما القسم الأول فعارض سريع الزوال لظاهر قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ
نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9) «1». وأما الثاني فداخل في قوله تعالى:* ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها ... «2») «3». قال الإمام النووي: (قوله صلى الله عليه وسلم: (كنت أنسيتها) يدل على جواز النسيان عليه صلى الله عليه وسلم فيما قد بلغه إلى الأمة) «4». وقال القاضي عياض، وتابعه ابن حجر: جمهور المحققين على جواز النسيان عليه صلى الله عليه وسلم ابتداء فيما ليس طريقه البلاغ واختلفوا فيما طريقه البلاغ «5». قال ابن حجر: وكذا فيما طريقه البلاغ لكن بشرطين: أحدهما: أنه بعد ما يقع منه تبليغه، والآخر: أنه لا يستمر على نسيانه بل يحصله له تذكرة إما بنفسه وإما بغيره «6». وأما احتجاجهم الثاني: وهو الاستثناء الذي في قوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (6) إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ «7»، وممن قال بهذا المستشرق شاخت «8» الذي حاول الطعن في قطعية ثبوت القرآن الكريم، وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أسقط عمدا أو
أنسي آيات من القرآن الكريم «1». قال الإمام الباقلاني: (وقوله فَلا تَنْسى، أورد على وجه الإخبار لا على وجه الأمر، لأن النسيان لا يفعل ولا ينزل) «2». وقال الزرقاني: إن هذا الاستثناء صوري لا حقيقي، فلا يدل على ما زعموا، والحكمة فيه أن يعلم الله عباده أن نسيانه صلى الله عليه وسلم الذي وعده إياه في قوله: فَلا تَنْسى، وإنما هو محض فضل من الله وإحسان، ولو شاء سبحانه أن ينسيه لأنساه، وفي ذلك الاستثناء فائدتان: إحداهما ترجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث يشعر دائما أنه مغمور بنعمة الله وعنايته ما دام متذكرا للقرآن لا ينساه، والثانية تعود إلى أمته حيث يعلمون أن نبيهم صلى الله عليه وسلم فيما خصه الله به من العطايا والخصائص لم يخرج عن دائرة العبودية فلا يفتنون فيه كما فتن النصارى في المسيح ابن مريم «3». والدليل على أن هذا الاستثناء صوري لا حقيقي أمران: الأول: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يتعب نفسه بكثرة قراءة القرآن حتى وقت نزول الوحي مخافة أن ينساه، فاقتضت رحمة الله بحبيبه صلى الله عليه وسلم أن يطمئنه من هذه الناحية، وأن يرحمه من هذا العناء، فقال تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) «4»، وفي آية أخرى: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ
أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً «1». والثاني: إن قوله تعالى: إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ يعلق وقوع النسيان على مشيئة الله إياه، والمشيئة لم تقع بدليل ما ذكرناه من قوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17). إذن فالنسيان لم يقع «2». وثمة رأي آخر لمعنى الاستثناء، وهو: أنه استثناء حقيقي، غير أن المراد به منسوخ التلاوة دون غيره، ويكون معنى الآية: أن الله تعالى يقرئ نبيه صلى الله عليه وسلم فلا ينسيه إلا ما شاءه. وهو ما نسخت تلاوته لحكمة من الحكم، بدليل قوله تعالى: * ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها «3»، والمعنى: أن كل آية نذهب بها على ما تقتضيه الحكمة والمصلحة من إزالة لفظها أو حكمها أو كليهما معا إلى بدل أو غير بدل نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أي نوع آخر هو خير للعباد بحسب الحال في النوع والثواب. وأيا ما كان معنى الاستثناء في آية سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (6) إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ فإنه لا يفهم منه أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم نسي حرفا واحدا مما أمر بتلاوته وتبليغه للخلق «4». ويقول السيد محمد رشيد رضا عن الاستثناء في هذه الآية: فهو يؤكد عدم نسيان النبي صلّى الله عليه وسلّم لأن الاستثناء بالمشيئة قد استعمل في أسلوب القرآن
الشبهة الثانية وردها:
للدلالة على الثبوت والاستمرار كما في قوله تعالى: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ «1»، وكما في قوله: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ «2». والنكتة في الاستثناء في هذه الآيات هي بيان أن هذه الأمور الثابتة الدائمة إنما كانت كذلك بمشيئة الله تعالى لا بطبيعتها نفسها، فليس امتناع نسيان الوحي طبيعة لازمة للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو تأييد ومنحة من الله، وليس خلود أهل الجنة في الجنة واجبا عقليا أو طبيعيا، وإنما هو بإرادة الله ومشيئته «3». الشبهة الثانية وردها: المستشرق آرثر جفري الذي حقق كتاب المصاحف لابن أبي داود قبل أن يحققه الدكتور محب الدين عبد السبحان تحقيقه العلمي، قال المستشرق جفري في مقدمته لكتاب المصاحف: (لما قبض النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يكن في أيدي قومه كتاب) «4». ثم بين وجهة نظر المستشرقين حول جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان كلما نزلت عليه آيات أمر بكتابتها، وكان يعرض على جبريل مرة في كل سنة ما كتب من الوحي في تلك السنة، وعرضه عليه مرتين سنة موته ... ثم قال: وهكذا جمع القرآن كله في حياة النبي صلى الله عليه وسلم في مصحف وأوراق، وكان مرتبا كما هو الآن في سوره وآياته إلا أنه كان في صحف لا في مصحف). ثم يعقب فيقول: (وهذا الرأي لا يقبله المستشرقون، لأنه يخالف ما جاء
في أحاديث أخرى: أنه قبض صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن في شيء)، ودليل آخر لرأيه يقول: وهذا يطابق من خوف عمر بن الخطاب وأبي بكر الصديق، لما استحر القتل بالقراء يوم اليمامة، قالا: نخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن كلها فيذهب قرآن كثير، ويتبين من هذا أن سبب الخوف هو قتل القراء، ولو كان القرآن قد جمع وكتب لما كانت هناك علة لخوفهما. ويضيف قائلا: وفضلا عن ذلك فإن علماء الغرب لا يوافقون على أن ترتيب نص القرآن كما هو اليوم في أيدينا من عمل النبي صلى الله عليه وسلم «1». أقول: إن المنهج الذي درج عليه المستشرقون هنا في الأخذ بالأحاديث التي يتبين من ظاهرها عدم جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ورفض الأحاديث التي تفيد جمعه في عهده صلى الله عليه وسلم، هذا المنهج يجافي المنهجية العلمية السديدة، فهناك بعض الأحاديث تحتاج إلى فهم دقيق ودراسة عميقة وتوفيق بينها وبين الأحاديث الأخرى لإزالة هذا الغموض. والتوصل بعد ذلك إلى نتيجة علمية، فعلماء المسلمين لهم تعليقات وتوضيحات حول هذه الأحاديث كحديث زيد بن ثابت عند ما قال: (قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء) «2». أما ما ذكره المستشرق في بداية هذه الشبهة عن جمع القرآن، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يأمر بكتابته حين نزوله، هذا أمر مشهور ومتواتر بين المسلمين. ثم يعقب فيقول: (وهذا الرأي لا يقبله المستشرقون)، فلا يهمنا قبولهم وموافقتهم لهذه القضية بعد عدم قبولهم ما هو أهم من ذلك ألا وهو وحدانية الله تعالى «3».
وأما ما استشهد به المستشرق آرثر جفري، مما اعترى أبا بكر وعمر رضي الله عنهما من خوف ضياع القرآن بقتل حفاظه، للتدليل على وجهة نظرهم بعدم كتابة القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا دليل على قصوره وجهله، وأمر غير مسلم به لهذا التدليل؛ لأن المنهج الذي عليه زيد بن ثابت في كتابة المصحف والذي وصفه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. كان يستلزم الاعتقاد في جمعه على المحفوظ في الصدور والمكتوب في السطور. فكانت الطريقة أن يأتي كل صحابي بما لديه من القرآن مكتوبا ليوافق ما كان يحفظه زيد بن ثابت وعمر بن الخطاب وغيرهما من الصحابة حين نسخ القرآن في المصحف. وهذا زيادة في الإتقان، وللتأكد من المطابقة بين المكتوب والمحفوظ، ولهذا انتابهما الهلع والخوف حينما قتل عدد من الحفاظ، فخافا في المستقبل أن يذهب الآخرون، فيفقد المحفوظ منه، والذي هو أحد مصدري النص القرآني «1». ثم يقول المستشرق آرثر جفري في آخر هذه النقطة: (وفضلا عن ذلك فإن علماء الغرب لا يوافقون على أن ترتيب نص القرآن كما هو اليوم في أيدينا من عمل النبي صلى الله عليه وسلم) «2». قلت: ترتيب نص القرآن أمر لا خلاف فيه- كما بينا في الفصل الثالث
من الرسالة- وأنه توقيفي من عمل النبي صلى الله عليه وسلم «1»، وهذا الترتيب مشهور لا ينكره أحد إلا جاهل معاند أو جاحد «2»، وسنذكر دليلا واحدا على ذلك، لكي لا نكرر ما ذكرناه في ثنايا البحث. روى الإمام البخاري عن ابن الزبير رضي الله عنه قال: (قلت لعثمان: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً «3»، وقد نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها، أو تدعها؟! قال: يا ابن أخي لا أغير شيئا من مكانه) «4». وفي جواب عثمان رضي الله عنه دليل على أن ترتيب الآي توقيفي «5». أشرت قبل قليل إلى حديث زيد بن ثابت الذي يقول فيه: (قبض النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يكن القرآن جمع في شيء) «6». هذا الأثر استشهد به المستشرق على أن القرآن الكريم لم يكن يجمع في شيء في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فتمسك بهذا الأثر للطعن بجمع القرآن وترك الأحاديث الأخرى التي تبين كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابة القرآن الكريم كلما نزلت عليه آيات حتى جمع في السطور والصدور، إلا أنه لم يكن مرتبا في مصحف واحد. ولكن الدكتور محب الدين أراد أن يعالج هذه المسألة من خلال رده على آرثر جفري، وقد أخطأ ولم يوفق فيها- والله أعلم- لأنه أنكر هذه الرواية
أصلا، بل وطعن بمن يقول بها ولم يعالجها معالجة علمية، فلا أدري لماذا لم يدرس الدكتور محب الدين هذه الرواية ويرد على المستشرق ردا علميا كما رد عليه في مسائل أخرى؟ ومن كلام الدكتور محب الدين حول هذه المسألة قال: (وما أورده- أي المستشرق- من أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض ولم يجمع القرآن في شيء، فهذا لا يقوله من لديه أدنى دراية بعلوم القرآن للأحاديث الواردة الثابتة الدالة على أنه كان هناك كتّاب للوحي يكتبون القرآن عقب نزوله بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله: (شيء) نكرة في سياق النفي، يدل على أن القرآن لم يجمع قط، فهذه دسيسة عدائية ظاهرة، وأوائل أحاديث الكتاب ترد عليه ذلك) «1». أقول: لا أدري لماذا هذا التحامل على هذا الحديث من الدكتور محب الدين، هل الحديث لم يصح عنده أو أنه لم يطلع عليه في الكتب المعتمدة؟ على أن هذا الحديث مشهور وموجود في بعض كتب الحديث وعلوم القرآن والتي تناولت موضوع جمع القرآن، فذكره الإمام ابن حجر في الفتح، والسيوطي في الإتقان «2». إلا أن ذلك المستشرق استشهد بهذا الحديث كي يشكك ويطعن في صحة نقل القرآن، وأنه لم يجمع في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد درست هذا الأثر في الفصل الأول من هذه الرسالة وتوصلت إلى أن إسناده حسن، كما أشرت إلى ذلك قبل قليل، إلا أن الخلاف هو حول فهم هذا الحديث ومعناه. وحتى لا أكرر ما ذكرته سابقا وباختصار أقول: إنما لم يجمع القرآن في المصحف زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما كان يترقبه عليه الصلاة والسلام من ورود ناسخ لبعض
الشبهة الثالثة وردها:
أحكامه أو تلاوته، قال الزركشي: وإنما لم يكتب في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم في مصحف لئلا يفضي إلى تغييره في كل وقت. فلهذا تأخرت كتابته إلى أن كمل نزول القرآن بموته صلّى الله عليه وسلّم «1». قال مناع القطان بعد أن ذكر قول الزركشي: وبهذا يفسر الأثر المروي عن زيد بن ثابت: (قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء). أي: لم يكن جمع مرتب الآيات والسور في مصحف واحد «2». الشبهة الثالثة وردها: المستشرق ريجي بلاشير «3» الذي يعد في طليعة المستشرقين المعنيين بالدراسات القرآنية، قال في كتابه (القرآن نزوله وتدوينه): (يبدو أن فكرة تدوين مقاطع الوحي الهامة التي نزلت في السنوات السالفة على مواد خشنة من الجلود واللخاف، لم تنشأ إلا بعد إقامة محمد في المدينة) «4». ويمضي بلاشير في ذكر شبهاته حول كتابة القرآن، بل حول حفظه في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم، فقد شك في حرص النبي صلّى الله عليه وسلم على كتابة الآيات فور نزولها، وأن خوفه كان شديدا لما نزل عليه؛ ولأن المسلمين كانوا في صراع مع يهود المدينة الذين كانوا يسيطرون على وسائل الكتابة، واستخلص أن النص القرآني لم يكتب بأكمله في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم، وهو لا ينافي اختلاط النص الأصلي ببعض الزيادات الطفيفة التي أدخلت عليه في العهود المتأخرة «5».
الشبهة الرابعة وردها:
أقول: لقد بينت في الفصل الأول من الرسالة أن الرسول صلّى الله عليه وسلم قد اتخذ له كتابا من خيرة صحابته، وبينت الرأي الراجح في عددهم وأشهرهم لكتابة الوحي، والنبي عليه الصلاة والسلام لم ينه عن كتابة الحديث في البداية إلا لتوجيه العناية الكلية إلى القرآن الكريم وحده فالرسول عليه الصلاة والسلام لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا بعد تحفيظه كله في الصدور، وكتابته في السطور- كما ذكرت هذا سابقا-. ففكرة تدوين مقاطع الوحي كانت بالمدينة، فلا نجد في متناول يد بلاشير ما يستند إليه من أدنى دليل فيما يذهب إليه إلا مجرد تكهن وتخمين. وإن حقائق التاريخ ووقائعه تؤكد مسايرة كتابة الوحي وحفظه في العهد المكي كما كان في العهد المدني «1». الشبهة الرابعة وردها: قال المستشرق جولد سهر «2» في بداية بحثه في كتابه (مذاهب التفسير الإسلامي): (لا يوجد كتاب تشريعي اعترفت به طائفة دينية اعترافا عقديا على أنه نص منزل أو موحى به يقدم نصه في أقدم عصور تداوله مثل هذه الصورة من الاضطراب وعدم الثبات كما نجد في النص القرآني) «3». جولد سهر الذي نصب نفسه قاضيا وأصدر حكمه المزعوم بالاضطراب المنقطع النظير في القرآن والذي لم يوجد مثله في أي كتاب تشريعي آخر، نقول: أين رأى جولد سهر عن كتب الشرائع السابقة في
نصوصها الأصلية حتى تصح له المقارنة والحكم على الاضطراب بالقرآن، فالتوراة والإنجيل والكتب المتداولة اليوم لدى اليهود والنصارى نسخ مختلفة ومحرفة في نصوصها، فتاريخ التوراة والإنجيل وصحة نسبتهما أبعد ما يكون من الصحة والوثوق، وهذا أمر لا يخفى على المعنيين بدراستهما، لذا فلا نسلم لجولد سهر إجراء مثل هذه المقارنة بين نصر القرآن الذي لا يرقى إلى صحته شك كما قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ «1»، وبين التوراة والإنجيل المتداولة لدى اليهود والنصارى والتي لا شك في تحريفها وعدم صحتها، والفضل بما شهدت به الأعداء، فهذا موريس بوكاي الذي ينتهي من المقارنة بين نص القرآن وبين نص التوراة والإنجيل إلى القول: (صحة القرآن التي لا تقبل الجدل تعطي النص مكانة خاصة بين كتب التنزيل ولا يشترك مع نص القرآن في هذه الصحة لا العهد القديم ولا العهد الجديد) «2». ويمضي موكاي قائلا: (أما ما يخص العهد القديم، فإن تعدد كتاب نفس الرواية بالإضافة إلى تعدد المراجعات لبعض الكتب على عدة فترات قبل العصر المسيحي، هو من أسباب الخطأ والتناقض، وأما فيما يخص الإنجيل، فلا يستطيع أحد أن يجزم أنها تحتوي على رواية أمينة لرسالة المسيح .. ويختلف الأمر بالنسبة إلى القرآن، فهو فور تنزيله، وأولا بأول كان النبي صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنون من حوله يتلونه عن ظهر قلب، وكان الكتبة من صحبه يدونونه، إذا فالقرآن يتمتع منذ البداية بعنصري الصحة- الحفظ والتدوين- هذين اللذين لا تتمتع بهما الأناجيل ... ) «3». يقول جولد سهر: إن معنى الاضطراب وعدم الثبات في النص، يعنيان
أن النص ورد على صور مختلفة أو متضاربة لا يعرف الثبات منها، فأين موجود هذا الاضطراب وعدم الثبات؟ أفي القرآن أم في التوراة والإنجيل؟ فكما يقال: فمن فمك أدينك، فهل تحتوي التوراة والإنجيل نصا أمينا غير محرف وغير مضطرب، إنها كلها محرفة وكلها مضطربة. وقد اطلعت على نسخة مكونة من العهد القديم والعهد الجديد، وقرأت فيها بعض النصوص، فلا يليق هذا الكلام أن ينسب إلى رب العالمين أو إلى نبي من الأنبياء «1». أما القرآن الكريم فنصه موحد منذ نزوله على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وليس فيه شيء من الاضطراب البتة، أما القراءات المشهورة التي أشار إليها المستشرق سهر، فهي متواترة ومقطوع بصحة نسبتها إلى مصدرها الأصلي، وهو النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، والذي كان على بينة من اختلافها في النص الواحد، على أن هذا الاختلاف لا يتناول كلمة كلمة وآية آية «2»، وقد تناولت مسألة القراءات في المبحث الأول من الفصل الثالث، فلا داعي لتكراره والحديث عنه هنا بأكثر من الذي أشرنا إليه، فليس هناك أي تضارب أو اضطراب في النص بسبب القراءات، بل إن هذه القراءات قد شدت المسلمين على الحفاظ على النص القرآني الموحد أكثر فأكثر.
المطلب الثاني: شبهات المستشرقين حول جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه
المطلب الثاني: شبهات المستشرقين حول جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه هناك شبه أثيرت من قبل المستشرقين حول جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حاول المستشرق هنري ماسيه التشكيك في تثبيت النص القرآني، إذ قال: (عند وفاة محمد لم يكن هناك أية مجموعة للنصوص القرآنية فرزت بشكل نهائي، وما من شك في أن عددا من مجموعة الوحي الأول لم تكن قد حفظت، ولكن شذرات هامة كانت قد سجلت كتابته على عظام مسطحة وأوراق نخيل أو حجارة) «1». لقد تعود هؤلاء المستشرقون على إصدار أحكامهم حول الإسلام ورسوله وكتابه من غير دليل من الواقع، بل على محض ما تجود به أخيلتهم الخصبة، وكذلك تعودوا على رفض الأخبار والروايات الصحيحة ما دامت تأتي مناقضة لتلك الأحكام المسبقة، ومخيبة آمالهم في التشكيك في مصداقية الإسلام، وأنه دين الله اختاره للإنسانية جمعاء. فهنري كغيره يضرب بعرض الحائط تلك الأخبار التي تفيد بشكل قاطع أن القرآن كان محفوظا في صدور المئات من الحفاظ، وأنه لم يفتهم شيء منه، والتي تؤكد كتابة القرآن كله في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، بل إن تلاوته كانت شغلهم الشاغل في الصلوات وغيرها، يتقربون بها إلى الله، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبعث بالحفاظ لتعليمه خارج مكة والمدينة من المسلمين الجدد «2». وقد رد أبو بكر الباقلاني على مثل هذه المزاعم حيث قال: إن الصدر
الأول ومن بعدهم من المسلمين كانوا يعظمون القرآن تعظيما ما بعده من تعظيم، فكانوا يتقربون إلى الله بالحياطة والعناية منه والحفظ له، فكيف يكون هذا موقفهم من القرآن، واهتمامهم به، وهم لا يحفظونه ولا يضبطونه، فكيف يصح ذلك وقد مكث الصحابة نيفا وعشرين سنة ينزل فيهم القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، وينقلونه عنه ويحضهم على حفظه، وقد ثبت في أحاديث كثيرة للنبي صلى الله عليه وسلم مبينا جزاء وثواب من تعلمه وحفظه وعمل به «1». كقوله صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) «2»، وقوله: (الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه له أجران، أجر القراءة وأجر المشقة) «3»، وقوله: (تعلموا سورة البقرة وآل عمران فإنهما الزهراوان) «4». إلى غيرها من الأحاديث الأخرى التي يحثهم بها على تلاوة القرآن وحفظه والعمل به. فكيف يصح أن يقال على جميع الأمة من الصحابة وغيرهم بتضييع القرآن؟! ويدل على بطلان ما يدعونه من اضطراب نقل القرآن، أن جميع السلف والخلف وهم خلق لا يجوز على مثلهم التراسل والتطابق ينقلون أن القرآن الذي في مصاحفنا هو جميع القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم «5». ويدل على صحة نقل القرآن الكريم قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا
لَهُ لَحافِظُونَ (9) «1»، وقوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) «2». أما المستشرق بلاشير، فحاول زرع الشكوك حول عملية جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وذلك حين رجح أن نسخ المصحف الذي بدأ في حياته لم ينته إلا في عهد عمر، إذ كان قد بدأ قبل موت أبي بكر بخمسة عشر شهرا. ثم تساءل- بلاشير-: (هل كان عمل هذا المصحف حلا للموقف الذي خشيه عمر؟ وأجاب قائلا: لقد كان المجتمع بحاجة إلى مجموعة مكتوبة من الوحي معترف بها من الجميع، ليطبقها الجميع، فهل كانت هذه صحف أبي بكر؟ كلا، إذ أن هذه الصحف كانت ملكا خاصا لأبي بكر وعمر بصفتهما الشخصية، لا للخليفة رئيس الجماعة، ولقد دل كل شيء على أن الخليفة الأول وصاحبه حين أحسا مغبة أن لا يكون لديهما نص كامل للوحي، كلفا أحد كتاب الوحي ممن سبق أن استخدمهم محمد في هذه الوظيفة بأن يهيئه لهما، ولنا أن نتساءل عن إمكانية أن تصدر محاولة عمر عن سبب آخر: هو الرغبة في تملك نسخة شخصية من الوحي كما كان يملكها صحابة آخرون للنبي، فإن الأمر لم يكن في ذهن أبي بكر وعمر أمر فرض مصحف إمام على جماعة المؤمنين، وإنما يبدو أنه من المستحسن ألا يكون رئيس الجماعة في وضع أقل من بعض الصحابة ممن هم أحسن حالا) «3». وقد تابعه في هذه الادعاءات تلميذه الدكتور مصطفى مندور، فإذا قال
بلاشير عن محاولة عمر في تملك نسخة شخصية من الوحي، وإنها كانت مليكة شخصية، فقد قال مندور: إن حفصة ورثتها على أنها ذمة مالية شخصية «1». نقول: ماذا عن انتقالها إلى عمر بعد أبي بكر رضي الله عنهما، ثم ما القيمة لنسخة من القرآن الكريم لدى رجل- كعمر بن الخطاب رضي الله عنه- جمعه حفظا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم «2»، وفي عصر كان المحفوظ فيه أوثق ثبوتا وأعظم حياة في وجدانه وعلى لسانه، إن لم يكن ذلك من أجل الأمة بأسرها «3»، فأبو بكر وعمر رضي الله عنهما لم يقوما بما قاما به معا إلا بدافع الإخلاص لكتاب الله تعالى والخشية عليه من أن يطرأ عليه ما يكدر صفاءه كما تلقاه المسلمون من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أن انتهى زيد رضي الله عنه من جمعه لقي عمله استحسان ورضا جميع الصحابة وتواتر ما فيه «4». وقد وقع بلاشير في مغالطة أخرى عند ما قال: بأن جمع أبي بكر للقرآن كان مسبوقا ومصحوبا بمحاولات أخرى فردية، وهو يشير إلى أسماء عدد من الصحابة منهم معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبي الدرداء، وأبي زيد بن السكن، كما يستدل على ذلك بخبر أبي السباق، ذكره في جمع القرآن، نعم لقد حصلت محاولات فردية سبقت وصحبت جمع أبي بكر للقرآن، ولكنها لم تكن لجمع القرآن، بل لتقييد محفوظ كل منهم، وكان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك بعده مخافة النسيان أو الخطأ «5».
المطلب الثالث: شبهات المستشرقين حول جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه
أما ما ادعاه بلاشير بأن جمع القرآن الذي بدأ في حياة أبي بكر قد كمل في خلافة عمر، فغير مسلم به؛ لأن جمع القرآن قد تم في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وبالتحديد بعد واقعة اليمامة، وقبل وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكانت العملية قد استمرت سنة وليس كما ادعى بلاشير بأنه تم خلال خمسة عشر شهرا «1». إن هدف بلاشير من هذا الادعاء هو التقليل من قيمة العمل العظيم الذي أمر به أبو بكر رضي الله عنه، وتجريده من كونه نتيجة جهود جبارة تضافرت مجتمعة فأفرزته، وبالتالي إضفاء الشخصية والمصلحة الذاتية عليه مما يجعله فاقدا لصفة التواتر المطلوبة في القرآن «2». المطلب الثالث: شبهات المستشرقين حول جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه حاول بعض المستشرقين التشكيك في مصحف عثمان رضي الله عنه، فمنهم من زعم- كالمستشرق هنري- بأنه لا يتضمن الوحي كله، وبأنه قد أضيفت إليه بعض الإضافات التفسيرية والتذييلات، مع تغيير أماكن بعض الجمل «3». ومنهم من زعم- كبلاشير وجفري- بأنه فرض على المسلمين فرضا وجوبه بمقاومة، ولم يعتمد في جمعه على مصاحف الصحابة كمصحف ابن مسعود وغيره، والتي كانت مختلفة معه «4»، دعوى ومزاعم كثيرة لا أساس لها
ولا سند من حقيقة الأمر وواقع الحال. فأما ما ذكره هنري فلا يخلو من كونه إقامة دعوى بدون دليل، إذ لو كان صادقا في ادعائه لأتى بدليل ولوضع يده على بعض تلك الإضافات التي ضمت إلى القرآن، وسكت عنها العلماء المسلمون على حد زعمه، ولبين لنا أماكن تغيير تلك الجمل حتى يكون لنا موقف من مناقشته على ضوء ذلك. أما إطلاقه الكلام من غير تبيان، فيعد خلافا واضحا للمسلك العلمي الذي ينبغي اتباعه في مثل هذه الدراسات «1»، وأنه ليس هناك أي قول لأحد المسلمين بتجويز وضع كلمة ما في مصحف بدل كلمة في المصحف العثماني المنسوخ قطعا عن مصحف أبي بكر المأثور يقينا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز قراءة كلمة ما مغايرة لما في ذلك المصحف، أو إغفال حرف ما حتى ولو لم يختل المعنى. أما ما يخص تعدد القراءات مما يسمى بالسبع أو العشر، فليس هو في صدد اختلاف في الألفاظ، أو نقص أو زيادة فيها، وإنما هو في صدد اختلاف الأداء في القراءة «2». أما ما جاء في ادعاء بلا شير وآرثر جفري، فيمكن تفنيد هذا الادعاء بأن مصاحف الصحابة لم تكن تختلف فيما بينها، كما لم تكن مختلفة في مجموعها مع المصحف الإمام كما زعم بلاشير وجفري اللذان يبدو أنهما استندا في إصدار حكمهما على تلك القراءات التي رويت بطرق الآحاد أو القراءات الشاذة أو القراءات التفسيرية المنسوبة إلى أصحاب تلك المصاحف، تلك القراءات التي لم تثبت قرآنيتها. وليس أدل على هذه الحقيقة من أن القراء الذين تلقوا قراءاتهم على
أصحاب تلك المصاحف لم ينقلوا عنهم قراءة تخالف ما يحتمله رسم المصحف الإمام الذي كتب في عهد عثمان رضي الله عنه، والذي حظي بإجماع الصحابة وتواتر ما فيه، والذي جاء كاملا من غير زيادة ونقص فيه، وقد توسعنا بالحديث عن رسم المصحف الإمام في الفصل الأول من الرسالة «1». يقول الدكتور عبد الله دراز: نظرا لغيرة المسلمين الأوائل وهم بطبيعة الحال أكثر تحمسا لكلام الله تعالى من خلفائهم يستحيل علينا أن نعلل قبول الكافة لمحصف عثمان دون منازعة أو معارضة بأنه راجع إلى انقياد غير متبصر من جانبهم. ولقد قرر المستشرق (نولدكه) في كتابه (تاريخ القرآن): أن ذلك يعد أقوى دليل على أن النص القرآني على أحسن صورة من الكمال والمطابقة «2». قال الآمدي «3»: (إن المصاحف المشهورة في زمن الصحابة كانت مقروءة عليه صلّى الله عليه وسلّم ومعروضة، وكان مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه آخر ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم وكان يصلي به إلى أن قبض) «4»؛ ولأن زيد بن ثابت رضي الله عنه كان قد قرأ العرضة الأخيرة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل انتقاله صلّى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، وزيد بن ثابت كان عليه الاعتماد الأكثر من الكتاب في نسخ مصحف الإمام في زمن سيدنا عثمان رضي الله عنه. أما فيما يتعلق بترتيب الآيات والسور، فقد ادعى لويس جارديه، والأب قنواني في كتابيهما (فلسفة الفكر الديني بين المسيحية والإسلام)، قالا: (إن
عثمان بن عفان أقبل إلى القرآن في خلافته، فقسمه إلى سور وآيات، ورتب السور وراء بعضها حسب طولها، فأطولها أولا ثم ما دونها طولا وهكذا) «1». أما المستشرق بلاشير فزعم: (أن إعادة ترتيب السور الذي اقترحه فولدكه ومدرسته ينال هنا كامل أهميته أنه يلقي على المصحف أضواء مطمئنة ويرد وضع النصوص إلى آفاق سهلة الإدراك، لكونها مقرونة إلى السياق التاريخي المعقول) «2». أما المستشرق ريجرد بيل، فقد ذهب أبعد من بلاشير ونولدكه حينما زعم: (أن الترتيب الحالي والمعروف لدى المسلمين ترتيب خاطئ، وضع كيفما اتفق، فسور وآيات وضعت في الآخر، وكان عليها أن تكون في الأول، والعكس صحيح) «3». وما هذه الأقوال إلا ادعاءات وافتراءات ومزاعم مخالفة للحقيقة والواقع، وليس هناك أدنى دليل في دعمها وتبريرها، فها هو دأب المستشرقين لم يتركوا جانبا من الجوانب المتعلقة بالقرآن الكريم إلا وقد وجهوا مطاعنهم إليه، لذا كان أمرا طبيعيا لهم أن يطعنوا في ترتيب الآيات والسور في المصحف العثماني، ظنا منهم أنه تم باجتهاد جامعيه. فيما يتعلق بهذا الأمر، فقد عقدت مطلبا خاصا في الفصل الثالث حول ترتيب الآيات والسور «4»، ولا أريد أن أكرر ما ذكرت، ولكن أقول باختصار: إن ترتيب الآيات في السور هو بتوقيف من النبي صلّى الله عليه وسلم، وبتوجيه من الوحي، لأن
ترتيب الآيات في سورها يعد ذاته مظهرا من مظاهر إعجاز القرآن الكريم، والنبي صلّى الله عليه وسلّم، وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (4) «1». إن ترتيب الآيات في السور بهذا الشكل العجيب البديع، وبهذا الترابط بين الآيات بعضها ببعض، والذي يبدو لمتأمله وكأنها حلقات مترابطة في سلسلة من ناحية اللفظ والمعنى فيه، فيجد الترابط والتلاحم التامين بين الآية وسابقتها ولاحقتها. على الرغم من أن هذه الآيات كان نزولها متفرقا، واستمر أكثر من عشرين عاما، فترتيب الآيات إنما هو وجه آخر من وجوه الإعجاز القرآني. إن عثمان رضي الله عنه لم يكن مستبدا برأيه في جمع القرآن، وإنما كل خطوة يخطوها أقدم عليها في جمع القرآن كان نتيجة استشارة الصحابة رضي الله عنهم، حملة القرآن وحفاظه، وكانت اللجنة برئاسة زيد بن ثابت وسعيد بن العاص هي التي قامت بجمع القرآن، وكان لعثمان رضي الله عنه دور الإشراف المباشر على تنفيذ المشروع، وإقرار ما يتوصل القائمون به، بعد عرضه على الصحابة والإجماع عليه «2». أما دعوى بلاشير وغيره من المستشرقين إلى إعادة ترتيب السور في المصحف الشريف بالشكل الذي يريدونه، فليس من ورائها إلا محاولة تحقيق هدف سياسي، وهو ضرب وحدة المسلمين إذ من المعلوم تاريخيا أن مصحف عثمان رضي الله عنه بشكله وترتيبه المعروف إنما جسد وحدة المسلمين ووحدة كلمتهم عليه، فعليه فإن أي محاولة للمساس به بأي شكل من الأشكال، إنما تستهدف ضرب وحدة المسلمين وما اجتمعت عليه إرادتهم وكلمتهم مهما كانت الحجج الواهية التي حاول المغرضون التستر من ورائها، فلو كان بلاشير ونولدكه
وغيرهما صادقين في ادعائهما لبينوا لنا الغموض المزعوم الناجم من الترتيب العثماني للسور القرآنية «1». إن أي مساس بالمصحف في شكله وترتيبه يعد خرقا صارخا لما تم عليه إجماع المسلمين في عهد عثمان رضي الله عنه، والإجماع هو من الأدلة الواجب اتباعها من وجهة النظر الإسلامية. وخلاصة القول مما سبق في هذا المطلب: إن النتائج التي توصل إليها المستشرقون في دراساتهم عن المصحف نتائج خاطئة؛ لأنها متمخضة عن روايات ضعيفة أو موضوعة، أو قائمة على محض خيالهم وأوهامهم، فكانت مجافية للحقيقة والواقع، وبعيدة عن النتائج العلمية التي توصل إليها العلماء المسلمون من دراساتهم حول المصحف الشريف بالاستناد إلى الروايات الصحيحة الواردة حوله، والتي اشتملت على: المصحف المتداول اليوم الذي هو مرتب على وفق ترتيب النبي صلّى الله عليه وسلم لآياته وسوره، وبتوجيه من الوحي، واشتمل على كل ما ثبت أنه قرآن غير مرفوع وغير منسوخ التلاوة حين وفاة الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلم، وكذلك فإن التواتر لم ينقطع بين المسلمين على أن هذه المصاحف المتداولة اليوم إنما هي نسخة طبق الأصل في النص والترتيب لتلك المصاحف العثمانية التي تم نسخها بأمر من الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه. وكما مر في الفصل الثالث بأن المصاحف العثمانية قد تم نسخها نصا وترتيبا عن المصحف المحرر زمن الخليفة الراشد الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه على ملأ من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، والذي اشتمل على كل ما ثبت أنه قرآن غير مرفوع وغير منسوخ التلاوة حين وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم «2».
المبحث الثاني دراسة روايات في كتب أهل السنة يساء فهمها في صحة نقل القرآن
المبحث الثاني دراسة روايات في كتب أهل السنة يساء فهمها في صحة نقل القرآن لقد أثيرت شبهة في شكل روايات فيها آيات منسوخة التلاوة، أو قراءات شاذة، وهذه الروايات موجودة عند أهل السنة ولكن أسيء فهمها. على أن هذا النوع من النسخ حصل فيه خلاف عند أهل السنة، فمنهم من أجازه شرعا وعقلا، ومنهم من أجاز وقوعه عقلا، ولكنه لم يقع في كتاب الله، لأن روايات أحاديثه آحاد، والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر «1»، وسيأتي توضيح هذه المسألة عند دراسة هذه الروايات بعد قليل إن شاء الله تعالى. إن معرفة الناسخ والمنسوخ أمر مهم في فهم الإسلام، وفي الاهتداء إلى صحيح الأحكام، وإن الإلمام بهذا النوع من علوم القرآن يكشف النقاب عن سير التشريع الإسلامي، ويطلع الإنسان على حكمة الله في تربيته للخلق وسياسته للبشر، والنسخ من أهم قضايا القرآن، والمفسرون عموما يهتمون بالناسخ والمنسوخ، حتى قال أحد العلماء: لا يجوز لأحد أن يفسر كتاب الله إلا بعد أن يعرف الناسخ والمنسوخ «2». ومن الآثار الواردة التي تدل على أهمية هذا العلم، ما روي عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنه مر على قاص فقال له: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال له: هلكت وأهلكت «3».
أما معرفة النسخ في اللغة والاصطلاح: ففي اللغة: يطلق على عدة معان، منها: الإزالة، والإبطال، يقال: نسخت الشمس الظل أي أزالته «1»، وقوله تعالى: فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ... «2»، أي يزيله ولا يجعل له شيئا عوضا عنه «3». أما النسخ في الاصطلاح، فلقد عرف بتعريفات كثيرة، ولعل أدق تعريف للنسخ منها هو ما اختاره ابن الحاجب «4»: (رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر) «5». فجمهور العلماء قالوا بجواز النسخ عقلا ووقوعه شرعا، وذلك لأن نصوص الكتاب والسنة دالة على جواز النسخ ووقوعه «6»، منها قوله سبحانه
الرواية الأولى:
وتعالى: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ ... «1»، وقوله سبحانه وتعالى: * ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ... «2». ومن أدلة وقوع النسخ من السنة النبوية، ما جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (قال عمر رضي الله عنه: أقرأنا أبي وأقضانا علي، وإنا لندع من قول أبي، وذلك أن أبيا يقول: لا أدع شيئا سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى* ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) «3». أما أنواع النسخ في القرآن، فقد ذكر العلماء المثبتون للنسخ أن النسخ في القرآن على ثلاثة أنواع: الأول: نسخ التلاوة والحكم معا. الثاني: نسخ الحكم مع بقاء التلاوة. الثالث: نسخ التلاوة مع بقاء الحكم «4». وسنبدأ الآن بدراسة بعض الروايات في كتب أهل السنة يساء فهمها. واتخذت مطعنا على أهل السنة بتحريف القرآن: الرواية الأولى: روي عن ابن عبّاس عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (إنّ الله بعث محمّدا صلّى الله عليه وسلم بالحقّ وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل إليه آية الرّجم، فرجم رسول الله صلّى الله عليه وسلم
ورجمنا بعده، ثمّ قال: كنّا نقرأ: (لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم)، أو (إنّ كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم) «1». وفي رواية الحاكم من طريق كثير بن الصلت قال: (كان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص يكتبان المصحف، فمرا على هذه الآية، فقال زيد: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، فقال عمر: لما نزلت أتيت النبي فقلت: أكتبها، فكأنه كره ذلك، فقال عمر: ألا ترى أن الشيخ إذا زنى ولم يحصن جلد، وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم) «2». إن آية الرجم (الشيخ والشيخة إذا زنيا) هي آية نسخت تلاوتها، (قال ابن حجر: السبب في نسخ تلاوتها لكون العمل على غير الظاهر من عمومها، قلت- أي الإمام السيوطي-: وخطر لي في ذلك نكتة حسنة، وهو أن سبب التخفيف على الأمة بعدم اشتهار تلاوتها وكتابتها في المصحف وإن كان حكمها باقيا لأنه أثقل الأحكام وأشدها وأغلظ الحدود، وفيه الإشارة إلى ندب الستر) «3». وأورد آية الرجم الإمام الباقلاني بلفظ قريب من الرواية الأولى، وقال: (روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: إن الله تعالى بعث محمدا صلّى الله عليه وسلم بالحق،
وأنزل عليه الكتاب، وكان فيما أنزل الله آيتا الرجم، فرجم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، وأن آية الرجم في كتاب الله حق، (والشيخ والشيخة فارجموهما البتة جزاء بما قضيا من الشهوة نكالا من الله والله عزيز حكيم)، قالوا- أي الرافضة-: وهذا تصريح بنقص القرآن. وهذا الحديث بأن يكون حجة عليهم أولى؛ لأنه آية الرجم لما كانت قرآنا منزلا لم يذهب حفظها على عمر ولا على غيره، وإن كانت منسوخة التلاوة باقية الحكم، والدليل على أنها منسوخة أن جميع الرواة وكل من تكلم في الناسخ والمنسوخ ذكروا نسخها، وذلك حجة قاطعة، ويدل على ذلك أيضا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الملأ من الصحابة: لولا أن يقال زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله لأثبتها، فلو كانت ثابتة التلاوة لم يقل هذا) «1». وإن قيل: كيف يقع النسخ إلى غير بدل، وقد قال تعالى:* ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها «2»، وهذا إخبار لا يدخله خلف؟ فالجواب أن تقول: كل ما ثبت الآن في القرآن ولم ينسخ فهو بدل مما قد نسخت تلاوته، فكل ما نسخه الله من القرآن مما لا نعلمه الآن فقد أبدله بما علمناه وتواتر إلينا لفظه ومعناه «3». إذن إن آية الرجم (الشيخ والشيخة إذا زنيا)، هي آية نسخت تلاوتها وبقي حكمها، وقد ذكرها الإمام السيوطي في الضرب الثالث- في تقسيماته للنسخ- (ما نسخ تلاوته دون حكمه) «4»، أما ما ذكره الخوئي باتهامه أهل السنة
بحذف آية الرجم ولأنهم يقولون بنسخ التلاوة، فهو مردود «1»، وبدليل ما أوردناه من أدلة على جواز نسخ التلاوة، وكذلك فقد اعترف بهذا النسخ واستدل بهذه الآية كبار علماء الشيعة منهم: 1 - أبو علي الفضل الطبرسي، إذ قال: النسخ في القرآن على ضروب، ومنها ما يرتفع اللفظ ويثبت الحكم كآية الرجم «2». 2 - أبو محمد الطوسي الملقب بشيخ الطائفة، إذ قال: النسخ في القرآن من أقسام ثلاثة: منها ما نسخ لفظه دون حكمه كآية الرجم، وهي قوله: (والشيخ والشيخة إذا زنيا) «3». 3 - كمال الدين عبد الرحمن العتائقي الحلي، إذ قال: المنسوخ على ثلاثة ضروب: منها ما نسخ خطه وبقي حكمه، فما روي منه: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله) «4». 4 - محمد باقر المجلسي، صحح رواية آية الرجم التي بالكافي، وقال: وعدت هذه الآية مما نسخت تلاوتها دون حكمها «5». فهذه الآية (الشيخ والشيخة إذا زنيا ... ) غير موجودة في المصحف
الرواية الثانية:
العثماني مع أن حكمها معمول به حتى قيام الساعة، وثابت في الشريعة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم «1». الرواية الثانية: عن عمرة «2» عن عائشة رضي الله عنهما أنها قالت: (كان فيما أنزل من القرآن (عشر رضعات معلومات يحرمن)، ثم نسخن (بخمس معلومات) فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن) «3». ولا يهمنا ما قاله الخوئي لأن كبار علماء الشيعة أقروا هذا النسخ وقالوا به، منهم أبو جعفر الطوسي الملقب بشيخ الطائفة، إذ قال: ( ... نسخ التلاوة والحكم معا مثل ما روي عن عائشة أنها قالت: كان فيما أنزل الله عشر رضعات يحرمن ثم نسخن) «4». إذن فبما أن هذه العبارة (عشر رضعات) غير موجودة في المصحف
حتى تتلى كذلك العمل بها غير موجود، فثبت وقوع نسخ التلاوة والحكم جميعا «1». قال الباقلاني: (وقولها: لقد كانت تقرأ إلى أن مات رسول الله إنما تعني به أنه كان مما يحفظه كثير من الناس، ولم تقل أنه كانت قراءته واجبة، وقد قال الله تعالى:* ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها «2»، فنص أنه ينسخ الآية ويزيلها، وقد ينسخ التلاوة ويبقى الحكم، وينسخ الحكم وتبقى التلاوة، وربما نسخا جميعا) «3». قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث: (ومعناه أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدا، حتى أنه صلى الله عليه وسلم توفي وبعض الناس يقرأ خمس رضعات، ويجعلها قرآنا متلوا لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده، فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك وأجمعوا على أن هذا لا يتلى) «4». وكذا قال الإمام السيوطي، عند قولها: (فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن)، قال: بأن المراد قارب الوفاة، أو أن التلاوة نسخت أيضا ولم يبلغ ذلك كل الناس إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوفي وبعض الناس يقرؤها) «5». وقد يراد من هذا أيضا أنه كان فيما أنزل من شرح القرآن وبيانه، ولا شك أن السنة شارحة للقرآن ومبينة له، قال تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ
الرواية الثالثة:
لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ «1». وأيضا فإن جبريل كان ينزل بالسنة كما ينزل بالقرآن، ويكون الأمر من نسخ السنة بالسنة، ويكون قولها في الحديث: (فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن)، أي من حكم القرآن على أنه سنة لا قرآن، ولا شك أنهم كانوا يعنون بحفظ السنة أيضا، أو يكون المراد وهن فيما يعلم من أحكام القرآن «2». قال ابن حجر: وهذه الرواية مهما صحت فهي رواية آحاد، ورواية الآحاد لا يثبت بها القرآن، لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر «3». الرواية الثالثة: جاء في صحيح مسلم: (أن أبا موسى الأشعري بعث إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرءوا القرآن، فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فانسيتها، غير أني قد حفظت منها لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها، غير أني حفظت منها: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة) «4». وأوردها السيوطي في روايتين منفصلتين تحت عنوان: ما نسخ
الرواية الرابعة:
تلاوته دون حكمه «1». وقد توسعنا في الحديث عن نسخ التلاوة في الرواية الأولى قبل قليل، وكذلك أوردها الخوئي في البيان متهما أهل السنة بالطعن في القرآن «2». وقد أجاز هذا النسخ أيضا واستدل بهذه الرواية كبار علماء الشيعة خلافا للخوئي، منهم: 1 - أبو علي الطبرسي، إذ قال: جاءت أخبار كثير بأن أشياء كانت في القرآن فنسخ تلاوتها، فمنها: ما روي عن أبي موسى: أنهم كانوا يقرءون (لو أن لابن آدم واديين من مال لابتغى إليهما ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب)، ثم رفع «3». 2 - كمال الدين العتائقي الحلي، إذ قال: (ما نسخ خطه وحكمه، هي: لو أن لابن آدم واديين من فضة لابتغى لهما ثالثا، ولو له ثالثا لابتغى رابعا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب) «4». 3 - أبو جعفر الطوسي، إذ قال: ... كانت أشياء في القرآن نسخت تلاوتها، منها: (لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب) ثم رفع «5». الرواية الرابعة: جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه في قصة أصحاب بئر معونة الذين قتلوا وقنت النبي صلى الله عليه وسلم يدعو على قاتليهم، قال أنس: ونزل فيهم قرآنا قرأناه
الرواية الخامسة:
حتى رفع: (أن بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا) «1». أوردها الإمام السيوطي تحت عنوان: ما نسخ تلاوته دون حكمه «2». وقال الإمام الباقلاني عن هذه الرواية والتي قبلها: فجوابنا عن جميع هذا الجنس أنه كان قرآنا رفعت تلاوته ونسخت «3». وقد قال بهذا النسخ أيضا كبار علماء الشيعة، منهم: 1 - أبو علي الطبرسي، إذ قال: جاءت أخبار كثيرة بأن أشياء في القرآن نسخ تلاوتها منها: عن أنس: أن سبعين من الأنصار الذين قتلوا ببئر معونة، قرأنا فيهم كتابا: بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا، ثم إن ذلك رفع «4». 2 - أبو جعفر الطوسي، إذ قال: كانت أشياء في القرآن نسخت تلاوتها، منها: (عن أنس بن مالك: أن السبعين من الأنصار الذين قتلوا ببئر معونة قرأنا فيهم كتابا: بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا، ثم إن ذلك رفع) «5». الرواية الخامسة: قال أبو عبيد: حدثنا إسماعيل بن جعفر عن المبارك بن فضيلة عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش: (قال لي أبي بن كعب: كأين تعد سورة
بيان حال الرواة
الأحزاب؟ قلت: اثنين وسبعين آية، قال: إن كانت لتضاهي سورة البقرة، وهي أطول من سورة البقرة) «1». وفي رواية: (إن كانت لتعدل سورة البقرة، وإن كنا لنقرأ فيها آية الرجم، قلت: وما آية الرجم؟ قال- أي أبي بن كعب-: إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم) «2». وفي رواية عروة بن الزبير عن عائشة: (كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مائتي آية، فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا ما هو الآن) «3». وسوف ندرس رواية أبي عبيد لنبين حال الرواة عند علماء الجرح والتعديل، ثم نحكم على الرواية. [بيان حال الرواة] 1 - أبو عبيد: (،؛) هو الإمام المجتهد العلامة أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي البغدادي. (،؛) صاحب المصنفات الكثيرة، منها كتاب فضائل القرآن، أحد كبار الأعلام، (ت 224 هـ) «4».
2 - إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير أبو إسحاق الأنصاري:
2 - إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير أبو إسحاق الأنصاري: (،؛) روى عن: سعد بن سعيد الأنصاري، وعبد الله بن دينار، ومالك بن انس. (،؛) روى عنه: إبراهيم بن عبد الله بن حاتم، وقتيبة بن سعيد، ويحيى بن حسان التنيسي. (،؛) وثقه احمد بن حنبل، وأبو زرعة، والنسائي، وابن معين. (،؛) قال ابن حجر: ثقة: ثبت من الثامنة «1». 3 - المبارك بن فضالة بن أبي أمية أبو فضالة العدوي: (،؛) روى عن ثابت البناني، وبكر بن عبد الله المزني، وعبد ربه بن سعيد. (،؛) روى عنه: عبد الله بن المبارك، والفضل بن دكين، والكرماني. (،؛) قال أبو زرعة: يدلس كثيرا، فإذا قال حدثنا فهو ثقة. وقال ابن المديني: هو صالح. (،؛) وقال ابن حجر: صدوق يدلس، من السادسة، مات سنة ست وستين على الصحيح «2». 4 - عاصم بن بهدلة: (،؛) وهو ابن أبي النجود أبو بكر الأسدي. (،؛) روى عن: حميد الطويل، وذكوان أبي صالح السمان، وزر بن حبيش. (،؛) روى عنه: أبان بن يزيد العطار، وحماد بن سلمة، وزهير بن
5 - زر بن حبيش:
حرب. (،؛) قال أحمد بن حنبل: كان رجلا صالحا، قارئا للقرآن، وقال أيضا: كان خيرا ثقة. (،؛) وقال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن حجر: صدوق له أوهام، حجة في القراءة وحديثه في الصحيحين، من السادسة، مات سنة ثمان وعشرين «1». 5 - زر بن حبيش: (،؛) روى عن: عمر وعلي وعبد الله وأبي رضي الله عنهم. (،؛) روى عنه: الشعبي وإبراهيم وعاصم. (،؛) وثقه يحيى بن معين، وذكره ابن حبان في الثقات، مات سنة اثنتين وثمانين «2». فالرواية إسنادها حسن بسبب حال المبارك بن فضالة وعاصم بن أبي النجود، ولها متابع آخر في مسند الإمام أحمد، كما مر بنا قبل قليل «3». ومعنى هذه الرواية كما قال الإمام الباقلاني: (قلنا: هذا الشيء لا يصح عن أبي، ولو صح فمعناه: أنها نسخت تلاوتها وأزيلت لأنه لم يقل فرطنا فيها ولا ضيعناها، وكيف يصح أن يضيع أو يفرط وهو الذي أدخل في مصحفه القنوت «4» الذي ليس هو قرآنا من شدة احتياطه وقوة اجتهاده) «5»، إلا أن الإمام السيوطي اعتبره من الضرب الثالث: ما نسخ
الرواية السادسة:
نسخ تلاوته دون حكمه «1». وقد أقر كبار علماء الشيعة هذا النسخ مستدلين بهذه الرواية خلافا للخوئي، منهم: 1 - أبو علي الطبرسي، قال: ... أن يكون معنى التأخير أن ينزل القرآن فيعمل به ويتلى، ثم يؤخر بعد ذلك بأن ينسخ فيرفع تلاوته البتة ويمحى ... ولا يعمل بتأويله، مثل ما روي عن زر بن حبيش أن أبيا قال له: كم تقرءون الأحزاب؟ قال: بضعا وسبعين آية. قال: قد قرأتها ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أطول من سورة البقرة «2». 2 - أبو جعفر الطوسي، إذ قال: قد جاءت أخبار متضافرة بأنه كانت أشياء في القرآن نسخت تلاوتها وعددها، وذكر منها أن سورة الأحزاب كانت تعادل سورة البقرة في الطول «3». الرواية السادسة: ما جاء في سورتي الخلع والحفد في مصحف ابن عباس وأبي بن كعب في رواية ابن الضريس «4»: (اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق) «5».
وقال السيوطي: أخرج الطبراني بسند صحيح عن أبي إسحاق، قال: أمنا أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد في خراسان، فقرأ بهاتين السورتين: إنا نستعينك ونستغفرك «1». وأخرج البيهقي وأبو داود في المراسيل عن خالد بن أبي عمران أن جبريل نزل بذلك على النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو في الصلاة مع قوله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ «2»، لما قنت يدعو على مضر «3». وأشار السيوطي إلى هذه الرواية في موضع آخر، وذلك عند الضرب الثالث: ما نسخ تلاوته دون حكمه، حيث قال: ومما رفع رسمه من القرآن ولم يرفع من القلوب حفظه، سورتا القنوت في الوتر، وتسمى سورتي الخلع والحفد «4». وأوردها الخوئي في كتابه (البيان) متهما أهل السنة بالطعن في القرآن «5»، على أن جمهور العلماء من أهل الفقه والحديث وخاصة علماء الحنفية، ذكروا أن هذا دعاء مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقنت به في الوتر، ولم يقل أحد منهم إنه كان سورة من القرآن «6». وعلى فرض أن أبيا أثبتها في المصحف على أنها قرآن، فالرواية رواية آحاد لا يصح الاحتجاج بها في إثبات القرآن القطعي الثبوت «7».
ويجاب عن ذلك أيضا بأن ثبوت النسخ شيء، وثبوت نزول القرآن شيء آخر، فثبوت النسخ يكفي فيه الدليل الظني بخبر الواحد، أما ثبوت نزول القرآن فهو الذي يشترط فيه الدليل القطعي بالخبر المتواتر، والذي معنا ثبوت النسخ لا ثبوت القرآن، فيكفي فيه أخبار الآحاد «1». وكتابة أبي بن كعب لهذا الدعاء في مصحفه لا يدل على القرآنية، ونحن نعلم أن مصاحف الصحابة لم تكن قاصرة على المتواتر، بل كان بعضها مشتملا على المنسوخ تلاوة وعلى رواية الآحاد، وعلى بعض التفسيرات، وتأويلات وأدعية ومأثورات، ومن ذلك هذا الدعاء الذي يقنت به كثير من المسلمين في الوتر، كما أن القنوت في الصلاة لا يدل على القرآنية. وذكر بعض العلماء أن أبيا رضي الله عنه كتبه في مصحفه، وسماه سورة الخلع والحفد لورود مادة هاتين الكلمتين فيه «2»، ولهذا ورد عن مصحف أبي أن عدد سور القرآن مائة وست عشرة سورة «3»، إلا أن الإمام السيوطي ذكرهما فيما نسخ تلاوته دون حكمه- كما مر- وقال في رواية أخرى: أخرج البيهقي من طريق سفيان الثوري عن ابن جريج عن عطاء بن عبيد بن عمير: (أن عمر بن الخطاب قنت بعد الركوع، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكافرين ملحق، قال ابن جريج: حكمة البسملة أنهما سورتان في
بيان حال الرواة:
مصحف بعض الصحابة) «1». بيان حال الرواة: أ- سفيان الثوري: (،؛) هو سفيان بن سعيد بن مسروق أبو عبد الله الثوري. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، حافظ، فقيه عابد ربما دلس، مات سنة إحدى وستين «2». ب- ابن جريج: (،؛) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، فقيه، فاضل، كان يدلس ويرسل، مات سنة خمسين ومائة «3». ج- عطاء بن أبي رباح: (،؛) واسمه أسلم، أبو محمد القريشي. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، فقيه، فاضل، لكنه كثير الإرسال، مات سنة أربع عشرة ومائة «4». د- عبيد بن عمير بن قتادة بن سعد أبو عاصم الليثي: (،؛) وثقه يحيى بن معين، وأبو زرعة، وقال ابن حجر: ولد على عهد النبي
الرواية السابعة:
صلى الله عليه وسلم، وقيل: توفي سنة أربع وستين «1». فالرواية إسنادها صحيح، والله أعلم، فهي مما نسخ تلاوته دون حكمه على رأي الإمام السيوطي ومن وافقه، ففي مثل هذه الروايات أخرجت من القرآن لأنها منسوخة وأعيدت إلى السنة فصارت منها، وكذلك فهي رواية آحاد لا يصح الاحتجاج بها في إثبات القرآن القطعي الثبوت بالخبر المتواتر. الرواية السابعة: روت حميدة بنت أبي يونس، قالت: قرأ علي أبي وهو ابن ثمانين سنة في مصحف عائشة: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما، وعلى الذين يصلون في الصفوف الأول، قال: قبل أن يغير عثمان المصاحف «2». وأوردها السيوطي في الإتقان تحت عنوان: ما نسخ تلاوته دون حكمه «3». وأوردها الخوئي في (البيان) متهما أهل السنة بالطعن في القرآن «4». أقول: إن الزيادة (وعلى الذين يصلون في الصفوف الأول) منسوخة التلاوة، وكانت موجودة قبل أن يجمع عثمان رضي الله عنه الناس على مصحف واحد، لأن عثمان رضي الله عنه حذف من القرآن ما كان منسوخ التلاوة، وتعد أيضا قراءة
الرواية الثامنة:
شاذة لأنها ليست متواترة «1». الرواية الثامنة: قال الخوئي: أخرج الطبراني بسند موثق عن عمر بن الخطاب مرفوعا: (القرآن ألف ألف وسبعة وعشرون ألف حرف)، وأوردها الخوئي في (البيان) متهما أهل السنة بالطعن في القرآن «2». وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس، ذكره الذهبي في الميزان لهذا الحديث، ولم أجد لغيره في ذلك كلاما، وبقية رجاله ثقات «3»، وذكر الإمام السيوطي هذه الرواية، وقال: (أخرجه الطبراني، ورجاله ثقات إلا شيخ الطبراني: محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس تكلم فيه الذهبي لهذا الحديث، وقد حمل ذلك على ما نسخ رسمه من القرآن أيضا، إذ الموجود الآن لا يبلغ هذا العدد) «4». وأعتقد أن مثل هذه الرواية ربما كانت من الروايات التي لم يتحقق من إسنادها، ويكون قد أوردها السيوطي أو غيره من باب العلم بها فقط، ولم يكن يقصد أن يثبت بها آيات من القرآن الكريم، ثم نسخت ورفعت. وقال صاحب كتاب فتح المنان: (وكان الأولى به رحمه الله- أي الإمام السيوطي صاحب الإتقان- أن يجرد هذا المؤلف العظيم في علوم القرآن عن
الرواية التاسعة:
ذكر هذه الروايات الضعيفة الهزيلة حتى لا يترك بلبلة في الأفكار، ولا يفتح بابا لأعداء الإسلام يلجئون منه للطعن في القرآن الكريم من هذا الطريق، ويستدلون بهذا الروايات على تحريف القرآن الكريم ... ) «1». الرواية التاسعة: أخبرنا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار، قال: سمعت بجالة التميمي قال: وجد عمر بن الخطاب مصحفا في حجر غلام في المسجد فيه: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أبوهم) «2». بيان حال الرواة: أ- عبد الرزاق بن همام بن نافع أبو بكر الصنعاني: (،؛) روى عن: الحجاج بن أرطأة، وسفيان بن عيينة، وابن جريج. (،؛) روى عنه: أحمد بن حنبل، وعلي ابن المديني. (،؛) قال ابن حجر: ثقة، حافظ، مصنف شهير، وكان يتشيع، من التاسعة، مات سنة إحدى عشرة ومائتين وله خمس وثمانون سنة «3». ب- ابن جريج: (،؛) ثقة، تقدم. ج- عمرو بن دينار أبو محمد المكي: (،؛) روى عن: بجالة بن عبدة التميمي. (،؛) روى عنه: أبان بن يزيد، وابن جريج.
د - بجالة بن عبدة التيمي:
(،؛) قال ابن حجر: ثقة ثبت، من الرابعة، مات سنة ست وعشرين ومائة «1». د- بجالة بن عبدة التيمي: (،؛) روى عن: عبد الله بن عباس، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما. (،؛) روى عنه: عمرو بن دينار، وقتادة بن دعامة. (،؛) قال أبو زرعة: ثقة، وقال ابن حجر: ثقة من الثانية «2». فالرواية إسنادها صحيح، والله أعلم. وأن كلمة (وهو أبوهم) تعد منسوخة التلاوة، وهي أيضا من القراءات الشاذة. عن هذه الزيادة (وهو أبوهم) قال بها كبار علماء الشيعة، وعدوها من القراءات الشاذة، منهم: 1 - محسن الفيض الكاشاني في كتابه (تفسير الصافي)، إذ قال: (عن الباقر والصادق عليهما السلام أنهما قرآ: وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم) «3». 2 - المفسر الكبير علي بن إبراهيم القمي عند تفسير الآية: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ «4»، قال: نزلت (وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم) «5». الرواية العاشرة: عن عروة قال: كان مكتوب في مصحف عائشة: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر) «6».
وفي صحيح مسلم أيضا في نفس الباب: عن البراء بن عازب قال: نزلت هذه الآية: (حافظوا على الصلوات وصلاة العصر) فقرأناها ما شاء الله، ثم نسخها الله فنزلت: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ... «1»، فقال رجل كان جالسا عند شقيق له: هي إذن صلاة العصر، فقال البراء: قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها الله، والله أعلم) «2». فهذا دليل واضح على أن هذه الزيادة- (وصلاة العصر) التي وردت في صحيح مسلم- كانت من القرآن، فنسخها الله سبحانه وتعالى. إن هذه الزيادة (وصلاة العصر) قال بها كبار علماء الشيعة، وعدوها من القراءات الشاذة منهم: 1 - علي بن إبراهيم القمي إذ قال في تفسيره: عن أبي عبد الله عليه السّلام أنه قال: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين) «3». 2 - هاشم البحراني، إذ قال في تفسيره: وفي بعض القراءات (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين) «4». 3 - محمد بن مسعود العياشي، ذكر في تفسيره: قال: روي عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال: قلت له: الصلاة الوسطى، فقال: (حافظوا على الصلوات
الرواية الحادية عشرة:
والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين) «1». الرواية الحادية عشرة: ورد في صحيح البخاري عن إبراهيم بن علقمة قال: (دخلت في نفر من أصحاب عبد الله الشام- أي أصحاب عبد الله بن مسعود- فسمع بنا أبو الدرداء فأتانا، فقال: أفيكم من يقرأ؟ فقلنا: نعم، قال: فأيكم أقرأ؟ فأشاروا إلي، فقال: اقرأ، فقرأت: (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى)، قال: أنت سمعتها من في صاحبك؟ قلت: نعم، قال: وأنا سمعتها من في النبي صلى الله عليه وسلم وهؤلاء يأبون علينا) «2». وهذه القراءة تعتبر شاذة وغير متواترة، وهي خبر آحاد تفيد النسخ فلا تكون من القرآن المجمع عليه حين جمعه عثمان رضي الله عنه «3»؛ لأن القراءة المتواترة هي: وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (3) «4». الرواية الثانية عشرة: روى الإمام أحمد وابن حبان من رواية حماد بن سلمة عن عاصم: (أن عبد الله بن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه) «5». وفي رواية: (أنه حكهما من مصحفه) «6».
وقد قال أغلب العلماء أن هذه الروايات غير صحيحة ومدسوسة على ابن مسعود منهم: الإمام النووي، قال في شرح المهذب: (أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من جحد شيئا منها كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل وليس بصحيح) «1». وقال ابن حزم: هذا كذب على ابن مسعود وموضوع، وكذا قال الفخر الرازي في أوائل تفسيره «2»، وقال الباقلاني: (وأما المعوذتان فكل من ادعى أن عبد الله بن مسعود أنكر أن تكونا من القرآن، فقد جهل وبعد عن التحصيل؛ لأن سبيل نقل القرآن ظاهرا مشهورا .. وكيف ينكر كونها قرآنا منزلا ولا ينكر عليه الصحابة، فلو أنكرها لم يستبعد ممن قرأ عليه أن يروي ذلك عنه ويذكره، فلما لم يرو عنه، ولا نقل مع جريان العادة دل على بطلانه وفساده) «3». قال الزركشي في ذكر عدد سور القرآن: (باتفاق أهل الحل والعقد مائة وأربع عشرة سورة، قال: وكان في مصحف ابن مسعود اثنا عشرة لم يكن فيها المعوذتان لشبهة الرقية، وجوابه: رجوعه عنه) «4». إلا أن الحافظ ابن حجر ذهب إلى صحة ما روي عن ابن مسعود، من أنه حذف المعوذتين من مصحفه، قال: (قول من قال أنه كذب عليه مردود والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل، بل الروايات صحيحة،
والتأويل محتمل، وقد أوله القاضي وغيره على إنكار الكتابة) «1». وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأهما في الصلاة، وهذا في صحيح مسلم عن عقبة بن عامر: (فإن استطعت أن لا تفوتك قراءتهما في الصلاة فافعل) «2». وروي عن عقبة بن عامر الجهني أيضا في صحيح ابن خزيمة، قال: كنت أقود ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، فقال: يا عقبة ألا أعلمك خير سورتين قرئتا؟ فعلمني: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) «3»، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) «4»، فهذه أخبار بنص الرسول صلى الله عليه وسلم على أنها قرآن منزل «5». وعلى فرض صحة الرواية- كما ذكر ابن حجر- من أنه حذف المعوذتين وكذلك الفاتحة، أو حكها، فالجواب عن هذا الاحتمال كما يأتي: 1 - فأما ما روي من حكه إياهما في المصحف فذلك بعيد، ويحتمل أن يكون حك الفواتح والفواصل، ويحتمل أن يكون رآها مكتوبة في غير موضعها الذي يجب أن تكتب فيه، ويمكن أن يكون رآها كتبت مغيرة بضرب من التغيير فحكها، وقال: لا تخلطوا به ما ليس منه، يعني فساد النظم «6». 2 - إن عدم كتابتهما أو حكهما لا يستلزم إنكار كونهما من القرآن، لجواز أنه
كان لا يكتبهما اعتمادا على حفظ الناس لهما لا إنكارا لقرآنيتهما، فالفاتحة يقرؤها كل مسلم في الصلاة، والمعوذتان يعوذ بهما المسلمون وأولادهم وأهليهم، وكما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرقي الحسن والحسين بهما «1» وبغيرهما من المعوذات كقوله صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) «2»، قال ابن قتيبة في مشكل القرآن: (وأما إسقاط الفاتحة من مصحفه فليس لظنه أنها ليست من القرآن، معاذ الله، ولكنه ذهب إلى أن القرآن إنما كتب وجمع بين اللوحين مخافة الشك والنسيان والزيادة والنقصان)، ومعنى ذلك أنه يرى أن الشك والنسيان والزيادة والنقصان مأمونة في سورة الحمد، لقصرها ووجوب تعلمها على كل أحد لأجل الصلاة «3». 3 - أنها رواية آحاد، فهي لا تعارض القطعي الثابت بالتواتر، والعبرة في التواتر أن يروى عن جمع يحيل العقل تواطئهم على الكذب، لا أن يخالف فيه مخالف، فظن ابن مسعود أنهما ليستا من القرآن لا يطعن في قرآنيتهما ولا ينقض تواتر القرآن. 4 - ويحتمل أن إنكار ابن مسعود لقرآنية المعوذتين والفاتحة- على فرض صحته- كان قبل علمه بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أذن في كتابتهما، وكأنه لم يبلغه الإذن في ذلك، فتوقف في أمرهما، فلما تبين له قرآنيتهما بعد وتيقنه، رجع إلى رأي الجماعة، وانعقد الإجماع على قرآنيتهما. ولعل هذا الجواب هو الذي تستريح إليه النفس، لأن قراءة عاصم عن
ابن مسعود ثبت فيها المعوذتان والفاتحة، وهي صحيحة، ونقلها عن ابن مسعود صحيح «1». وهناك روايات أخرى تجري بهذا المضمار أعرضنا عن ذكرها، إذ لا تختلف عما تقدم، فمنها منسوخة التلاوة، ومنها روايات شاذة، ومنها أصلها الكذب والاستهانة بالمسلمين، وجميعها لا يشكل دليلا واحدا مقنعا على دعوى التحريف. فمهما تعاقبت على هذا الكتاب العزيز الأجيال والسنون، فلا يزال غضا طريا كما أنزل، محفوظا بحفظ الله، فهو هداية الخالق لإصلاح الخلق، وشريعة السماء لأهل الأرض، وهو التشريع العام الخالد، الذي تكفل الله بحفظه، فقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9) «2»، والحمد لله في النهاية كما حمدناه في البداية، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.
الخاتمة
الخاتمة الحمد لله الذي أنعم عليّ بالتوفيق لإكمال هذه الأطروحة (جمع القرآن دراسة تحليلية لمروياته)، وقد توصلت إلى عدة حقائق ونتائج، أهمها: أولا: القرآن الكريم معجزة أبدية للنبي صلى الله عليه وسلم ومنهاج، إذ كل رسول مؤيد بمعجزة ومنهاج، فمعجزة موسى العصا، ومنهاجه التوراة، ومعجزة عيسى إحياء الموتى بإذن الله، ومنهاجه الإنجيل، إلا الرسول صلى الله عليه وسلم كانت معجزته عين منهاجه، وهو القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فبهذا تكون المعجزة مودعة في المنهاج ويظل المنهاج محروسا بالمعجزة. ثانيا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستنسخ أو يطبع نسخا كثيرة من القرآن الكريم، وإنما طبع مئات بل ألوف من نسخ القرآن الكريم، ولكن على صفحات القلوب بكلمات من نور الوحي، فأخرج جيلا قرآنيا فريدا بعقيدته وشريعته وأخلاقه وآدابه. ثالثا: لقد حرص المعلم المربي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في هذه المرحلة- مرحلة بدء الدعوة- على توحيد مصدر التلقي وتفرده، ألا وهو القرآن العظيم، فكان الصحابة يتلقون القرآن العظيم في مدرسة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وينصرف أحدهم بزاد حصيلته بضع آيات من القرآن نزل بها روح القدس على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فكانت كفيلة أن تنشئ هذا الجيل القرآني الفريد الذي ينزع بهذه الآيات كل أوطار الجاهلية وعقائدها وقيمها، وتنسكب في قلبه المعاني الآتية من الله رب العالمين. رابعا: ظهور ذلك الجيل القرآني الفريد لم يكن فلتة عابرة، ولا مصادفة عمياء، ولم يأت من فراغ، وإنما ثمرة جهد نبوي طويل دام أكثر من عشرين عاما في البناء، ومن أسرار ظهوره حسن التلقي للقرآن الكريم، إذ كانوا يتلونه بروح المعرفة المنشئة للعمل، وبشعور التلقي للتنفيذ.
خامسا: مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أميا- وأميته فضيلة ودليل صدق على نبوته- وبعث في أمة أمية صدورها سجلات حياتها فقد عوضها الله تعالى عن القراءة والكتابة بصدور حفظت للأمة كل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مرويات، سواء ما كان متعلقا بالوحي المكتوب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أو غير المكتوب عن المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، الذي أضاف إلى جمع القرآن في الصدور للتأكيد على كتابته في السطور ولعل هذا يشير إلى بعض سر تسمية كلام الله بالقرآن وبالكتاب. سادسا: حرص الصحابة الكرام على حفظ دستور الأمة من الضياع أثمر أروع عمل عرفه التاريخ لخدمة القرآن، وذلك بمشورة واقتراح عمري، وبإشراف من خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق، وبتنفيذ زيد بن ثابت، وبمعاونة وإقرار الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، وإجماع الأمة عليه دون نكير، فجمع القرآن بهذا العمل المبارك. سابعا: حب الخليفة الراشد الثالث سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وحرصه على توحيد الأمة بتوحيد دستورها، وجمعها على مصحف واحد، وهو المصحف الإمام، الذي اقترن باسمه، مصحف عثمان. فتم هذا العمل الخالد باقتراح من حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وبلجنة رباعية برئاسة زيد بن ثابت رضي الله عنه، ولعل سيدنا عثمان أمدّ اللجنة بعدد آخر من الصحابة لمساعدتها في نسخ المصاحف وتوحيدها، حتى أصبحت اللجنة عشرية، وبإشراف مباشر منه رضي الله عنه وأرضاه. ثامنا: نتيجة لدراستي لهذه الروايات دراسة عميقة، فقد تحصل لدي تسعا وأربعين رواية من غير المكرر منها، وما عدا ما تفرع منها من أسانيد، فكان خمس عشرة رواية صحيحة وست روايات طرق إسنادها حسن،
وست عشرة رواية ضعيفة، تناولتها في الفصول الثلاثة الأولى من الرسالة، وما تبقى وهو اثنتا عشرة رواية قد تناولتها في الفصل الرابع واتضح لي بأن سبعة منها صحيحة، ولكنها منسوخة التلاوة أو الحكم أو الحكم والتلاوة معا، والخمسة الباقية ضعيفة. تاسعا: أساليب أعداء الإسلام من المستشرقين كثيرة، ومنها الطعن في الرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه، وليس ذلك بمستبعد، فقد طعنوا قبل ذلك في المرسل، وهو الله تعالى. عاشرا: لا خوف على القرآن من أعدائه، ولكن من أدعيائه الذين ينتسبون إليه انتسابا جغرافيا أو وراثيا أو باطنيا، فيظهرون خلاف ما يبطنون، ظاهرهم أنهم حماته، وباطنهم أنهم طاعنون به، إذ يطعنون في النقلة- وهم الصحابة العدول- ليطعنوا في المنقول وهو كتاب الله المحفوظ كما وعد، وكل قول بزيادة أو نقصان أو تحريف فهو كفر والعياذ بالله، لأنه يخالف قوله سبحانه وتعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9) «1».
قائمة المصادر والمراجع بعد القرآن الكريم
قائمة المصادر والمراجع بعد القرآن الكريم حرف (أ) 1 - الإبانة عن معاني القراءات: لمكي بن أبي طالب الغنيمي، تحقيق: د. عبد الفتاح إسماعيل شلبي، مطبعة الرسالة. 2 - الإتقان في علوم القرآن: الإمام العلامة أبي الفضل جلال الدين عبد الرحمن أبي بكر السيوطي الشافعي (ت 911 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 3 - الاحتجاج: أبو منصور أحمد بن علي بن منصور الطبرسي (ت 620 هـ)، مؤسسة الأعلمي، بيروت. 4 - أحسن الوديعة في تراجم مشاهير مجتهدي الشيعة: محمد مهدي الموسوي الأصفهاني (معاصر)، ط 2 (1388 هـ)، المطبعة الحيدرية، النجف. 5 - الإحكام في أصول الأحكام: لابن حزم الأندلسي (ت 456 هـ)، ط 1 (1404 هـ)، دار الحديث، القاهرة. 6 - أجنحة المكر الثلاثة، التبشير، الاستشراق، الاستعمار- دراسة وتحليل وتوجه: عبد الرحمن حبنكة الميداني، دار القلم، دمشق (1407 هـ/ 1986 م). 7 - إرشاد الساري شرح صحيح البخاري: أحمد بن محمد القسطلاني (ت 923 هـ)، ط 6 (1304 هـ)، المطبعة الكبرى الأميرية، مصر.
8 - الاستشراق والتبشير قراءة تاريخية موجزة: للدكتور سيد الجليند، دار قباء بالقاهرة (1999 م). 9 - الاستبصار في نسب الصحابة من الأنصار: لموفق الدين عبد الله بن قدامة المقدسي (ت 620 هـ)، تحقيق: الأستاذ علي نويهض، دار الفكر، بيروت (1972 م). 10 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب: لابن عبد البر أبي عمر يوسف بن عبد الله القرطبي (ت 463 هـ)، تحقيق: علي محمد البجاوي، القاهرة، مصر (1960 م). 11 - الإسلام على ضوء التشيع: حسين الخراساني، بدون ذكر سنة الطبع أو المطبعة. 12 - الإسلام في وجه التغريب: أنور الجندي، دار الاعتصام، القاهرة. 13 - الإسلام، هنري ماسيه، ترجمها: بهيج شعبان، منشورات عويدات، بيروت، لبنان. 14 - الإصابة في تمييز الصحابة: لشهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)، أعادت طبعه بالأوفسيت مكتبة المثنى، بغداد. 15 - أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية، عرض ونقد: د. ناصر بن عبد بن علي القفاري، ط 2 (1415 هـ/ 1994 م). 16 - أصول الكافي: محمد بن يعقوب الكليني (ت 329 هـ)، دار الكتب الإسلامية، طهران (1388 هـ). 17 - الأعلام قاموس لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين: خير
الدين الزركلي، ط 4، دار العلم للملايين، بيروت. 18 - أعيان الشيعة: لمحسن الأمين العاملي، مطبعة ابن زيدون، دمشق. 19 - إنباه الرواة على أنباه النحاة: أبو الحسن علي بن يوسف القفطي (ت 646 هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط 1 (1950 م)، دار الكتب المصرية. 20 - الانتصار لصحة نقل القرآن والرد على من نحله الفساد بزيادة أو نقصان: للقاضي أبي بكر محمد بن الطيب بن محمد المعروف بالباقلاني (ت 403 هـ)، أطروحة دكتوراه، دراسة وتحقيق: القسم الأول، الجز الثالث، في كلية العلوم الإسلامية، جامعة بغداد، للشيخ عبد الوهاب إسماعيل الأعظمي، بإشراف الدكتور محمد رمضان عبد الله، والدكتور فرج توفيق الوليد. 21 - الانتصار لصحة نقل القرآن والرد على من نحله الفساد بزيادة أو نقصان: للقاضي أبي بكر الباقلاني، رسالة ماجستير، دراسة وتحقيق: الشيخ عبد القدوس أسامة، بإشراف الأستاذ الدكتور محمد رمضان عبد الله والدكتور عبد الحكيم الأنيس، كلية العلوم الإسلامية، جامعة بغداد (1419 هـ/ 1998 م). 22 - الأنوار النعمانية: نعمة الله الجزائري، مؤسسة الأعلمي، بيروت. 23 - الأنوار النعمانية: نعمة الله بن عبد الله بن محمد الحسيني الجزائري (ت 1112 هـ)، طبعة إيران. 24 - أوائل المقالات في المذاهب المختارات: محمد بن النعمان المفيد (ت 413 هـ)، تعليق فضل الله الزنجاني، ط 3 (1393 هـ)، المطبعة
حرف (ب)
الحيدرية، النجف. حرف (ب) 25 - بحار الأنوار: محمد باقر المجلسي (ت 111 هـ)، دار الكتب الإسلامية، طهران (1387 هـ). 26 - البداية والنهاية: لأبي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت 774 هـ)، ط 2 (1974 م)، مكتبة المعارف، بيروت. 27 - البرهان في تفسير القرآن: هاشم بن سليمان البحراني (ت 1108 هـ)، طبعة طهران (1375 هـ). 28 - البرهان في علوم القرآن: للإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي (ت 794 هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار التراث، القاهرة. 29 - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت 911 هـ)، مطبعة عيسى البابي الحلبي، ط 1 (1384 هـ). 30 - البيان في تفسير القرآن: أبو القاسم الخوئي، ط 3 (1394 هـ)، مؤسسة الأعلمي، بيروت، وكذا طبعة بغداد (1410 هـ/ 1989 م)، مطبعة العمال المركزية، بغداد. حرف (ت) 31 - تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة: عبد الله فياض، ط 2، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت. 32 - تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس: للشيخ حسين محمد بن الحسن (ت 982 هـ)، مؤسسة شعبان للنشر والتوزيع، بيروت.
33 - تاريخ الرسل والملوك (تاريخ الطبري): لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف بمصر (1963 م). 34 - تاريخ العروس: محمد مرتضى الزبيدي، المطبعة الأميرية (1350 هـ). 35 - تاريخ القرآن والتفسير: د. عبد الله محمود شحاتة، الهيئة المصرية العامة للكتاب (1392 هـ/ 1972 م). 36 - تاريخ القرآن: لأبي عبد الله الزنجاني (ت 1360 هـ)، ط 3 (1388 هـ/ 1969 م)، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان. 38 - التاريخ الكبير: لأبي عبد الله بن إسماعيل البخاري (ت 256 هـ)، ط 2 (1397 هـ/ 1977 م)، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد، الدكن، الهند. 39 - تاريخ بغداد: للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت 463 هـ)، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. 40 - تاريخ الخليفة ابن خياط: لأبي خليفة بن خياط (ت 240 هـ)، ط 1 (1368 هـ/ 1967 م)، مطبعة الآداب في النجف، ساعد المجمع العلمي العراقي على نشره. 41 - تاريخ دمشق: لابن عساكر أبي القاسم علي بن الحسن الدمشقي (ت
571 هـ)، دار الفكر، بيروت (1998 م). 42 - تاريخ واسط: أسلم بن سهل الرزاز الواسطي (ت 292 هـ)، تحقيق: كوركيس عواد، ط 1 (1406 هـ)، عالم الكتب، بيروت. 43 - التبيان في تفسير القرآن: لأبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي (ت 460 هـ)، مكتب الإعلام الإسلامي، إيران. 44 - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي: لأبي الفضل جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ)، تحقيق: محمود عبد اللطيف، المكتبة العلمية بالمدينة المنورة. 45 - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: لمحمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري أبو العلا (ت 1353 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت. 46 - تذكرة الحفاظ: لمحمد بن أبي عبد الله الذهبي الدمشقي (ت 748 هـ)، تحقيق: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، دار الكتب العلمية، بيروت (1374 هـ). 47 - التراتيب الإدارية، لمحمد بن عبد الحي الكتاني، بيروت. 48 - تفسير الصافي: محمد بن مرتضى المولى محسن الفيض الكاشاني (ت 1091)، منشورات مؤسسة الأعلمي، بيروت. 49 - ترتيب سور القرآن: لأبي الفضل جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ)، تحقيق وتعليق: د. السيد الجميلي، ط 1 (1986 م)، دار ومكتبة الهلال، بيروت. 50 - تفسير العياشي: محمد بن مسعود بن عياش العياشي في القرن الثالث
الهجري، تحقيق: هاشم المحلاتي، المطبعة العلمية، قم. 51 - تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير): لأبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي (ت 774 هـ)، صحح بإشراف فضيلة الشيخ خليل الميس، مدير أزهر لبنان، ط 2، دار القلم، بيروت، لبنان. 52 - تفسير القمي: علي بن إبراهيم بن هاشم القمي، صاحب تفسير القمي (ت 307 هـ)، دار السرور، بيروت. 53 - تفسير المنار: محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت. 54 - تقريب التهذيب: لأحمد بن عيسى بن حجر العسقلاني الشافعي (ت 852 هـ)، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، ط 2 (1395 هـ/ 1975 م)، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت. 55 - التنبيه والإشراف: لأبي الحسن علي بن الحسين المسعودي (ت 345 هـ)، بيروت (1388 هـ/ 1968 م). 56 - تهذيب التهذيب: لأحمد بن عيسى بن حجر العسقلاني الشافعي (ت 852 هـ)، ط 1 (1404 هـ/ 1984 م)، دار الفكر، بيروت. 57 - تهذيب الكمال في أسماء الرجال: لجمال الدين أبي الحجاج يوسف المزي (ت 742 هـ)، تحقيق: الدكتور بشار عواد معروف، ط 1 (400 هـ/ 1980 م)، مؤسسة الرسالة، بيروت. 58 - تهذيب اللغة: لأبي منصور محمد الأزهري، دار القومية العربية للطباعة (1384 هـ). 59 - تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال (للنجاشي): محمد علي الأبطحي، لم يذكر مكان الطبع.
حرف (ث)
حرف (ث) 60 - الثقات في الصحابة والتابعين وأتباع التابعين: لأبي حاتم محمد بن حبان البستي (ت 354 هـ)، تحقيق: السيد شرف الدين أحمد، ط 1 (1395 هـ/ 1975 م)، دار الفكر. حرف (ج) 61 - جامع البيان عن تأويل القرآن (تفسير الطبري): لمحمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ)، طبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر، ط 2 (1373 هـ/ 1954 م). 62 - جامع الرواة: محمد بن علي الأردبيلي، مكتبة المحمدي، إيران (1331 هـ). 63 - جامع المهلكات من الكبائر والمحرمات: عرفان بن سليم العشا الدمشقي، ك 1 (1421 هـ/ 2001 م)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 64 - جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله: لأبي عمر يوسف بن عبد البر القرطبي (ت 463 هـ)، طبعة دار الفكر، بيروت. 65 - الجامع لأحكام القرآن: لمحمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرج أبي عبد الله القرطبي (ت 671 هـ)، تحقيق: أحمد عبد العليم البردوني، ط 2 (1372 هـ)، دار الشعب، القاهرة. 66 - الجرح والتعديل: لعبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس أبو محمد الرازي التميمي (ت 327 هـ)، ط 1 (1371 هـ/ 1952 م)، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
حرف (ح)
67 - جمال القراء وكمال الإقراء: علم الدين السخاوي، تحقيق: د. علي حسين، مكتب التراث، مكة المكرمة (1987 م). 68 - الجمع الصوتي الأول للقرآن أو المصحف المرتل: للدكتور لبيب السعيد، ط 2، دار المعارف، القاهرة. حرف (ح) 69 - الحديث والمحدثون أو (عناية الأمة الإسلامية بالسنة النبوية): محمد محمد أبو زهو، ط 1 (1378 هـ/ 1958 م)، مطبعة مصر، شركة مساهمة مصرية. 70 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني (ت 403 هـ)، ط 1 (1352 هـ/ 1933 م)، مطبعة السعادة بمصر. 71 - حياة الصحابة: للعلامة الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي، حققه وعلق عليه الشيخ نايف العباس والدكتور محمد علي دولة، ط 2 (1403 هـ/ 1983 م)، دار القلم بدمشق. حرف (خ) 72 - الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة الإمامية الاثني عشرية ويليها مؤتمر النجف: السيد محب الدين الخطيب، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض. 73 - خلاصة تهذيب الكمال في أسماء الرجال: للإمام العلامة صفي الدين أحمد بن عبد الله الخزرجي الأنصاري (ت 923 هـ)، ط 2 (1391 هـ/ 1971 م)، مكتب المطبوعات الإسلامية، بيروت.
حرف (د)
حرف (د) 74 - دائرة المعارف الإسلامية: لمجموعة من المستشرقين، نقلها إلى العربية: محمد ثابت، طبعة طهران. 75 - الدر المنثور في التفسير المأثور: عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ)، دار الفكر، بيروت (1414 هـ). 76 - دراسات إسلامية: مجلة فصلية محكمة يصدرها قسم الدراسات الإسلامية في بيت الحكمة، بغداد، العدد السادس، السنة الثانية (1422 هـ/ 2001 م). 77 - دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة: موريس بوكاي، دار المعارف، لبنان. 78 - دروس في علوم القرآن: د. غانم قدوري، مطبعة دار الرسالة، بغداد (1985 م). حرف (ر) 79 - الرجال: الحسن بن علي بن داود الحلي، طبعة طهران (1383 هـ). 80 - رسم المصحف، دراسة لغوية تاريخية: د. غانم قدوري الحمد، ط 1 (1402 هـ/ 1982 م)، منشورات اللجنة الوطنية للاحتفال بمطلع القرن الخامس عشر الهجري، بغداد. 81 - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني: لأبي الفضل شهاب الدين السيد محمد الآلوسي البغدادي (ت 1270 هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. 82 - روضات الجنان في أحوال العلماء والسادات: محمد باقر الخوانساري،
حرف (س)
الدار الإسلامية، بيروت. 83 - الروضة الندية في شرح اللمعة الدمشقية: زين الدين الجبعي العاملي، مطبعة الآداب، النجف (1386 هـ). حرف (س) 84 - سنن ابن ماجة: أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، تحقيق: مصطفى الأعظمي، شركة الطباعة العربية، السعودية. 85 - سنن أبي داود: لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275 هـ)، مراجعة: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان (1408 هـ/ 1987 م). 86 - سنن البيهقي الكبرى: لأحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت 458 هـ)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة (1414 هـ/ 1994 م). 87 - سنن الترمذي: لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة (209 هـ- 297 هـ)، تحقيق وشرح: أحمد محمد شاكر، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 88 - سنن الدارمي: لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي (ت 255 هـ)، تحقيق: د. عبد الغفار سليمان البنداري، وسيد كسروي حسن، ط 1 (1411 هـ/ 1991 م)، بيروت. 89 - السنن الكبرى (سنن النسائي): لأحمد بن شعيب أبي عبد الرحمن النسائي (ت 303 هـ)، تحقيق: د. عبد الغفار سليمان البنداري، وسيد كسروي حسن، ط 1 (1411 هـ/ 1991 م)، بيروت.
حرف (ش)
90 - سير أعلام النبلاء: محمد بن أحمد بن عثمان بن قيماز أبو عبد الله الذهبي (ت 748 هـ)، تحقيق: شعيب الأرناءوط، ومحمد نعيم العرقسوسي، ط 9 (1413 هـ)، مؤسسة الرسالة، بيروت. 91 - السيرة النبوية: عبد الملك بن هشام أبو محمد الحميدي (ت 218 هـ)، حققها وضبطها وشرحها: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي، دار القلم، بيروت، لبنان. حرف (ش) 92 - الشافي في شرح أصول الكافي: عبد الحسين بن عبد الله المظفر، ط 2 (1389 هـ)، مطبعة الغزي، النجف. 93 - شرح السنة: للإمام حسين بن مسعود البغوي (ت 516 هـ)، تحقيق: شعيب الأرناءوط، ومحمد زهير الشاويش، ط 2 (1403 هـ) بيروت. 94 - شرح صحيح مسلم: للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت 676 هـ)، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان (1407 هـ/ 1987 م). 95 - الشيعة الاثني عشرية وتحريف القرآن: محمد عبد الرحمن السيف، ط 2 (1420 هـ/ 1999 م)، دار الأمل للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر. 96 - الشيعة بين الحقائق والأوهام: محسن الأمين، ط 3 (1397 هـ)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت. 97 - الشيعة في الميزان، محمد جواد مغنية، دار التعارف للمطبوعات. 98 - الشيعة والقرآن: إحسان إلهي ظهير، ط 5 (1404 هـ/ 1983 م)، إدارة ترجمان السنة، شادمان، لاهور، باكستان.
حرف (ص)
99 - الشيعة، المهدي، الدروز، تاريخ ووثائق: د. عبد المنعم النمر، ط 4 (1408 هـ/ 1988 م). حرف (ص) 100 - صحيح ابن حبان: لمحمد بن حبان بن أحمد أبي حاتم التميمي البستي (ت 354 هـ)، تحقيق: شعيب الأرناءوط، ط 2 (1414 هـ/ 1993 م)، مؤسسة الرسالة، بيروت. 101 - صحيح ابن خزيمة: لمحمد بن إسحاق بن خزيمة أبي بكر السلمي النيسابوري (ت 311 هـ)، تحقيق: د. محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت (1390 هـ/ 1970 م). 102 - صحيح البخاري: للإمام محمد بن إسماعيل أبي عبد الله الجعفي البخاري (ت 256 هـ)، مراجعة: د. مصطفى ديب البغا، بيروت (1407 هـ/ 1987 م). 103 - صحيح مسلم: للإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت 216 هـ)، مراجعة: محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت (1374 هـ/ 1954 م). 104 - صراط الحق: محمد آصف المحسني، مطبعة النعمان، النجف (1385 هـ). حرف (ط) 105 - طبقات الحفاظ: لأبي الفضل جلال الدين عبد الرحمن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ)، ط 1 (1403 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت. 106 - الطبقات الكبرى: لمحمد بن سعد بن منيع البصري (ت 230 هـ)،
حرف (ع)
دار صادر، بيروت. 107 - طبقات المدلسين أو (تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس): للحافظ أحمد بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة. حرف (ع) 108 - علوم القرآن والتفسير: د. محسن عبد الحميد، دار الحكمة للطباعة والنشر، بغداد (1991 م). 109 - عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية ومروياتها في كتب الحديث التسعة: دراسة وتخريج، رسالة ماجستير للباحثة انتصار قيس محمد، بإشراف: د. محمد بشار الفيضي، كلية العلوم الإسلامية، جامعة بغداد. حرف (غ) 110 - غاية النهاية في طبقات القراء: شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد الجزري (ت 833 هـ)، ط 1 (1352 هـ/ 1933 م)، مكتبة الخانجي، مصر. حرف (ف) 111 - فتح الباري شرح صحيح البخاري: للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (773 هـ- 852 هـ)، تحقيق: الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، ومحمد فؤاد عبد الباقي، ط 1 (1410 هـ/ 1989 م)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 112 - فتح المنان في نسخ القرآن: الشيخ علي حسن العريض، ط 1
(1973 م)، مكتبة الخانجي، مصر. 113 - فتوح البلدان: للإمام أبي الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري (ت 79 هـ)، تعليق رضوان محمد رضوان، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان (1398 هـ/ 1978 م). 114 - الفرق بين الفرق: لعبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي الأسفراييني (ت 429 هـ)، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة المعدني، الناشر: محمد علي صبيح وأولاده، القاهرة. 115 - فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب: حسين بن محمد النووي الطبرسي (ت 1320 هـ)، نسخة مخطوطة مستنسخة على نسخة في مكتبة الأوقاف المركزية في بغداد، تحت رقم (23072) بتاريخ 25/ 10/ 1979، (235) ط (224). 116 - الفصل في الملل والأهواء والنحل: علي بن أحمد بن حزم، مطبعة محمد علي صبيح، القاهرة (1384 هـ). 117 - فضائل القرآن ومعالمه وآدابه: لأبي عبيد القاسم بن سلام، تحقيق: الأستاذ أحمد بن عبد الواحد الخياطي، مطبعة فضالة، المغرب (1415 هـ/ 1995 م). 118 - فضائل القرآن: للإمام الحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القريشي الدمشقي (ت 774 هـ)، ط 3 (1978 م)، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت. 119 - الفهرست: محمد بن أبي يعقوب إسحاق المعروف بابن النديم (ت 438 هـ)، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.
حرف (ق)
120 - الفهرست: محمد بن الحسن الطوسي، تعليق: محمد صادق بحر العلوم، ط 2، المطبعة الحيدرية، النجف. 121 - الفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان: لشمس الدين أبي عبد الله بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية (ت 751 هـ)، حقق أصوله وضبطه جماعة من العلماء بإشراف الناشر، ط 2 (1408 هـ/ 1988 م)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 122 - في علوم القرآن: دراسات ومحاضرات، تأليف الدكتور محمد عبد السلام كفافي والأستاذ عبد الله الشريف، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت (1972 م). حرف (ق) 123 - القاموس المحيط: لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت 816 هـ)، ط 2 (1371 هـ/ 1952 م)، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر. 124 - القرآن نزوله وتدوينه وترجمته وتأثيره: ريجي بلاشير، ط 1 (1974 م)، دار الكتاب اللبناني، بيروت. 125 - القرآن وعلماء أصول ومراجع الشيعة الإمامية الاثني عشرية: للإمام السيد محمد الياسري، بدون ذكر سنة الطبع والمطبعة. حرف (ك) 126 - الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة: لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 هـ)، تحقيق عزت علي عيد عطية وموسى بن علي الموشي، مطبعة التأليف بمصر، دار الكتب الحديثة.
حرف (ل)
127 - الكامل في ضعفاء الرجال: لعبد الله بن عدي الجرجاني (ت 630 هـ)، ط 1 (1404 هـ)، دار الفكر، بيروت. 128 - كتاب الحياة (الكتاب المقدس)، كتب العهد القديم، التوراة، والعهد الجديد، الإنجيل، وقد ترجم بلغة عربية حديثة، ط 4 (1994) م، مصر الجديدة، القاهرة. 129 - الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار: أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي (ت 235 هـ)، تحقيق: كمال يوسف الحوت، ط 1 (1409 هـ)، مكتبة الرشد، الرياض. 130 - الكلمات الحسان في الحروف السبعة وجمع القرآن، تأليف: العلامة الشيخ محمد نجيب المطيعي الحنفي، الناشر: مكتبة الشرق الجديد، بغداد (1403 هـ/ 1982 م). 131 - كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال: العلامة علاء الدين المتقي بن حسام الدين الهندي، مؤسسة الرسالة، بيروت (1993 م). 132 - الكنى والألقاب: عباس القمي، المطبعة الحيدرية، النجف (1376 هـ). حرف (ل) 133 - لؤلؤة البحرين في الإجازات وتراجم رجال الحديث: يوسف بن أحمد البحراني، تحقيق: محمد صادق بحر العلوم، مطبعة النعمان، النجف. 134 - لسان العرب، لأبي الفضل جمال الدين محمد بن منظور (ت 571 هـ)، دار بيروت للطباعة والنشر (1375 هـ/ 1956 م). 135 - لسان الميزان: لابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)، ط 2
حرف (م)
(1390 هـ/ 1971 م)، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان. 136 - لطائف الإشارات لفنون القراءات: لشهاب الدين القسطلاني (ت 923 هـ)، تحقيق: الشيخ عامر السيد عثمان، والدكتور عبد الصبور شاهين، بالقاهرة (1392 هـ). 137 - لمعة الاعتقاد: عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي (ت 620 هـ)، المطبعة السلفية، القاهرة (1370 هـ). حرف (م) 138 - مباحث في علوم القرآن: للدكتور صبحي الصالح، ط 4 (1965 م)، دار العلم للملايين، بيروت. 139 - مباحث في علوم القرآن: لمناع القطان، ط 30 (1417 هـ/ 1996 م)، مؤسسة الرسالة، بيروت. 140 - مجمع البيان في علوم القرآن: أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 530 هـ)، مكتبة الحياة، بيروت. 141 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: علي بن أبي بكر الهيثمي (ت 807 هـ)، دار الريان للتراث، دار الكتاب العربي، القاهرة/ بيروت (1407 هـ). 142 - محاضرات في علوم القرآن: د. غانم قدوري حمد، ط 1 (1401 هـ/ 1981 م)، دار الكتاب للطباعة، بغداد. 143 - محمد بن كعب القرظي وأثره في التفسير: رسالة ماجستير للباحث أكرم عبد خليفة، بإشراف الدكتور هاشم عبد ياسين المشهداني،
كلية العلوم الإسلامية، جامعة بغداد (1417 هـ/ 1997 م). 144 - مختار الصحاح: محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي (ت 66 هـ)، دار الرسالة، الكويت (1403 هـ/ 1983 م). 145 - مدخل إلى القرآن الكريم- عرض تاريخي وتحليل مقارن: د. محمد عبد الله دراز، ترجمة محمد عبد العظيم علي، وراجعه: د. السيد محمد بدوري، ط 1 (1391 هـ/ 1971 م)، دار القرآن الكريم، الكويت؛ دار القلم، الكويت. 146 - المدخل في فقه القرآن- بحث مقارن: للدكتور فرج توفيق الوليد، دار الرسالة للطباعة، بغداد. 147 - المدخل لدراسة القرآن الكريم: للدكتور محمد بن محمد أبو شهبة، الطبعة الجديدة (1412 هـ/ 1992 م)، دار الجيل، بيروت. 148 - مذاهب التفسير الإسلامي: أجنتس جولد تسيهر، ترجمة الدكتور عبد الحليم النجار، ك 3 (1405 هـ/ 1985 م)، دار اقرأ، بيروت، لبنان. 149 - مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان: عبد الله بن سعد بن سليمان اليافعي (ت 768 هـ)، حيدرآباد (1337 هـ). 150 - مرآة العقول شرح الأصول والفروع: محمد باقر المجلسي، طبعة طهران (1325 هـ). 151 - المرشد الوجيز في علوم تتعلق بالكتاب العزيز: تأليف شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن شامة المقدسي (ت 664 هـ)، حققه طيار آلتي قولاج، دار صادر، بيروت.
152 - مسألة التقريب بين السنة والشيعة: د. ناصر بن عبد الله علي القفاري، ك 4 (1416 هـ)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط 1 (1416 هـ)، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض. 153 - المستدرك على الصحيحين: لمحمد بن عبد الله أبي عبد الله الحاكم النيسابوري (ت 405 هـ)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط 1 (1411 هـ/ 1990 م)، دار الكتب العلمية، بيروت. 154 - المستشرقون والقرآن الكريم: أطروحة دكتوراه لمحمد بهاء الدين حسين، بإشراف الأستاذ الدكتور عبد الستار حامد، في كلية العلوم الإسلامية، جامعة بغداد (1413 هـ/ 1993 م). 155 - المسلمون أمام تحديات الغزو الفكري: للشيخ إبراهيم النعمة، ط 2، مطبعة الزهراء الحديثة. 156 - مسند الإمام أحمد بن محمد بن حنبل (ت 241 هـ)، القاهرة، مؤسسة قرطبة. 157 - مشاهير علماء الأمصار: محمد بن حبان البستي (ت 354 هـ)، تحقيق: فلايشهمر، دار الكتب العلمية، بيروت (1959 م). 158 - المصاحف: لأبي عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 316 هـ)، تصحيح الدكتور آرثر جفري، ط 1 (1355 هـ/ 1936 م)، المطبعة الرحمانية، مصر؛ أعادت طبعه بالأوفسيت مكتبة المثنى، بغداد. 159 - المصاحف: لأبي عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 316 هـ)، دراسة وتحقيق ونقد: د. محب الدين
عبد السبحان واعظ، راجعه وصححه: كاظم طليب النعيمي، ط 1 (1416 هـ/ 1990 م)، إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، دولة قطر. 160 - مصنف الإمام عبد الرزاق: أبو بكر عبد الرزاق أبو همام الصنعاني، المكتب الإسلامي، بيروت. 161 - المعارف: لابن قتيبة أبي عبد الله بن مسلم (ت 276 هـ)، تحقيق: ثروت عكاشة، القاهرة (1960 م). 162 - معترك الأقران في إعجاز القرآن: لأبي الفضل جلال الدين عبد الرحمن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ)، تحقيق: أحمد شمس الدين، ط 1 (1408 هـ/ 1988 م)، دار الكتب العلمية، بيروت. 163 - المعتمد في أصول الدين: محمد بن الحسين بن الفراء أبو يعلى (ت 458 هـ)، تحقيق: وديع حداد، المطبعة الكاثوليكية (1974 م). 164 - المعجم الأوسط: لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360 هـ)، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد، وعبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين، القاهرة (1415 هـ). 165 - معجم البلدان: لياقوت بن عبد الله الحموي، طهران (1965 م)، ويطلب من مكتبة المثنى، بغداد، ومؤسسة الخانجي بمصر. 166 - المعجم الكبير: سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني (ت 360 هـ)، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، ط (1404 هـ/ 1983 م)، مكتبة العلوم والحكم، الموصل.
167 - معجم المفسرين من صدر الإسلام حتى الوقت الحاضر: عادل نويهض، ط 1 (1404 هـ/ 1984 م)، مؤسسة نويهض الثقافية، بيروت. 168 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، وضعه: محمد فؤاد عبد الباقي، ط 2 (1408 هـ/ 1988 م)، دار الحديث، القاهرة. 169 - معجم المؤلفين تراجم مصنفي الكتب العربية: عمر رضا كحالة، مطبعة الترقي بدمشق (1380 هـ/ 1960 م). 170 - معجم رجال الحديث: أبو القاسم الموسوي الخوئي، ط 1 (1390 هـ)، مطبعة الآداب، النجف. 171 - معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع: عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي أبو عبيد (ت 487 هـ)، تحقيق: مصطفى السقا، عالم الكتب، بيروت (1403 هـ). 172 - معرفة الثقات: لأحمد بن عبد الله العجلي (ت 261 هـ)، تحقيق: عبد العليم البستوي، ط 1 (1405 هـ/ 1985 م)، دار المدينة المنورة. 173 - معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار: للإمام شمس الدين أبي عبد الله الذهبي (ت 748 هـ)، تحقيق: محمد سيد جاد الحق، ط 1 (1969 م)، دار الكتب الحديثة. 174 - المعين في طبقات المحدثين: محمد بن أحمد الذهبي الدمشقي (ت 748 هـ)، تحقيق: د. همام عبد الرحمن سعيد، ط 1 (1404 هـ)، دار الفرقان، عمان، الأردن.
175 - المفردات في ألفاظ القرآن: للعلامة الراغب الأصفهاني (ت 425 هـ)، تحقيق: صفوان عدنان داودي، ط 1 (1416 هـ/ 1996 م)، دار القلم، دمشق؛ دار الشامية، بيروت. 176 - مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري (ت 330 هـ)، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، ط 1 (1369 هـ/ 1950 م)، طبع ونشر مكتبة النهضة المصرية، القاهرة. 177 - مقدمة ابن خلدون: لعبد الرحمن بن محمد بن خلدون المغربي (ت 808 هـ)، مطبعة مصطفى محمد، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. 178 - مقدمة في أصول التفسير: لأبي العباس أحمد بن تيمية (ت 728 هـ)، مطبوع باسم مقدمة التفسير ضمن مجموع الفتاوى لابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي، ط 1 (1381 هـ)، مطابع الرياض. 179 - مقدمتان في علوم القرآن: مقدمة كتاب المباني، ومقدمة ابن عطية، وقف على تصحيح هذه الطبعة الثانية وقوم نصها: عبد الله إسماعيل الصاوي، الناشر: مكتبة الخانجي، القاهرة (1392 هـ/ 1982 م). 180 - المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار: لأبي عمرو الداني (ت 444 هـ)، تحقيق: محمد أحمد دهان، ط 1 (1341 هـ)، دمشق. 181 - الملل والنحل: لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت 548 هـ)، تحقيق: محمد سيد كسروي، ط 2 (1395 هـ/ 1975 م)، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.
حرف (ن)
182 - مناهج المستشرقين: د. سعدون الساموك، ود. عبد القهار العاني، كلية الشريعة، جامعة بغداد (1989 م). 183 - مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية: مكتب التربية العربي لدول الخليج، صدر في إطار الاحتفال بالقرن الخامس عشر الهجري، السعودية، الرياض. 184 - مناهل العرفان في علوم القرآن: لمحمد بن عبد العظيم الزرقاني، دار الفكر. 185 - منهجية البحث الاستشراقي: د. سعدون محمود الساموك، بغداد (1998 م). 186 - موجز البيان في مباحث القرآن: كمال الدين الطائي، مطبعة سلمان الأعظمي، بغداد (1391 هـ/ 1971 م). 187 - موجز علوم القرآن: د. داود العطار، ط 2 (1399 هـ/ 1979 م)، منشورات الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان. 188 - الموطأ: للإمام مالك بن أنس (ت 179 هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، مصر. 189 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال: أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي (ت 748 هـ)، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. حرف (ن) 190 - الناسخ والمنسوخ: كمال الدين العتائقي الحلبي، مؤسسة آل البيت، بيروت.
حرف (هـ)
191 - الناسخ والمنسوخ: لأبي القاسم هبة الله بن سلامة (ت 410 هـ)، مطبوع بهامش أسباب النزول للواحدي، عالم الكتب، بيروت. 192 - الناسخ والمنسوخ: لأبي جعفر محمد بن أحمد بن إسماعيل الصفار المرادي المعروف بالنحاس (ت 338 هـ)، ط 1 (1323 هـ)، مطبعة السعادة في مصر. 193 - نزول القرآن على سبعة أحرف: لمناع القطان، دار القلم، بيروت. 194 - النشر في القراءات العشر: للحافظ أبي الخير محمد بن محمد الدمشقي الشهير بابن الجوزي (ت 833 هـ)، أشرف على تصحيحه ومراجعته للمرة الأخيرة: الأستاذ علي محمد الضباع شيخ عموم المقارئ بالديار المصرية، المكتبة التجارية الكبرى، شارع محمد علي، أعادت طبعه بالأوفسيت مكتبة المثنى، بغداد. 195 - نكت الانتصار لنقل القرآن: للإمام أبي بكر الباقلاني (ت 403 هـ)، دراسة وتحقيق: د. محمد زغلول سلام، الناشر: منشأة المعارف بالإسكندرية. 196 - النهاية في غريب الحديث والأثر: ابن الأثير الجزري (ت 606 هـ)، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، ومحمود الطناحي، بدون ذكر سنة الطبع والدار. حرف (هـ) 197 - هدي أهل الإيمان إلى جمع الخلفاء الراشدين القرآن: تأليف الشيخ محمد عارف بن أحمد بن سعيد، المعروف بابن المنير الحسيني الدمشقي (ت 1342 هـ)، تحقيق وتعليق: د. مصطفى عثمان صميرة، ط 1 (1417 هـ/ 1996 م)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
حرف (و)
حرف (و) 198 - الوافي: محمد بن مرتضى الفيض الكاشاني (ت 1091 هـ)، المكتبة الإسلامية، طهران. 199 - وحي الله حقائقه وخصائصه في الكتاب والسنة، نقض مزاعم المستشرقين: د. حسن ضياء عتر، ط 2 (1408 هـ)، دار الفنون للطباعة والنشر، جدة. 200 - الوشيعة في نقد عقائد الشيعة: موسى جار الله (ت 1369 هـ)، مطبعة الكيلاني بدون تاريخ. 201 - وفيات الأعيان وأنباء الزمان: للقاضي أحمد المشهور بابن خلكان، تحقيق: د. إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، لبنان. الدوريات 202 - مجلة الرسالة الإسلامية: العددان 121 - 122، محرم، صفر 1299 هـ، ك 1 1978، ك 2 1979 السنة الثانية عشرة، بغداد. 203 - مجلة الفتوى: مجلة إسلامية ثقافية شهرية للدكتور عبد الرزاق السعدي، السنة التاسعة، العدد (108)، دار الأنباء للطباعة والنشر، بغداد. 204 - مجلة المؤرخ العربي العددان: الرابع والتاسع عشر، لسنة 1975 م، وسنة 1981 م، مطبعة الجامعة، بغداد. 205 - مجلة الوعي الإسلامي: العدد 309، رمضان 1410 هـ/ 1990 م، السنة السادسة، الكويت.
فهرس المحتويات الإهداء 5 شكر وتقدير 7 المقدمة 9 الفصل الأول كتابة القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم التمهيد 17 1 - تعريف القرآن في اللغة والاصطلاح 17 تعريف القرآن اصطلاحا 19 2 - تعريف الجمع في اللغة والاصطلاح 20 المبحث الأول: جمعه في الصدور 21 المطلب الأول: كيفية تلقي الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن 21 معنى الوحي في اللغة والشرع 21 المطلب الثاني: كيفية تلقي الصحابة رضي الله عنهم القرآن وحفظه 25 المبحث الثاني: جمعه في السطور 32 المطلب الأول: أدوات الكتابة 32 المطلب الثاني: كتاب القرآن من الصحابة 38 المطلب الثالث: خط المصاحف 66 المبحث الثالث: الأحاديث المروية في العهد النبوي لكتابة القرآن 78 توطئة 78 أولا 78 دلالة الحديث 79 ثانيا 80 دلالة الحديث 80 ثالثا 86 بيان حال الرواة 86 الحكم على الرواية 88 بيان حال الرواة 88 الحكم على الرواية 89 دلالة الحديث 89
رابعا 89 بيان حال الرواة 90 الحكم على الرواية 91 الحكم على الرواية 92 خامسا 92 دلالة الحديث 94 سادسا 95 دلالة الحديث 96 سابعا 98 بيان حال الرواة 99 الحكم على الرواية 101 دلالة هذا الأثر 101 ثامنا 102 دلالة الحديث 102 تاسعا 105 بيان حال الرواة في هذه الرواية 107 الحكم على الرواية 109 عاشرا 109 بيان حال الرواة 109 الحكم على الرواية 111 بيان حال الرواة 112 الحكم على الرواية 114 الفصل الثاني جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه المبحث الأول: بيان كيفية الجمع ونتائجه 119 المطلب الأول: فكرة الجمع وسببه 119 المطلب الثاني: لجنة جمع القرآن 124 المبحث الثاني: روايات جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه 129 أولا 129 بيان حال الرواة 129
الحكم على الرواية 130 بيان حال الرواة 131 الحكم على الرواية 132 بيان حال الرواة 132 الحكم على هذه الرواية 133 ثانيا 134 بيان حال الرواة 134 الحكم على الرواية 136 ثالثا 137 دلالة الحديث 138 رابعا 143 بيان حال الرواة 143 الحكم على الرواية 144 خامسا 145 بيان حال الرواة 146 الحكم على الرواية 147 سادسا 148 بيان حال الرواة 149 الحكم على الرواية 151 بيان حال الرواة 152 الحكم على الرواية 154 سابعا 154 بيان حال الرواة 154 الحكم على الرواية 156 ثامنا 156 بيان حال الرواة 157 الحكم على الرواية 158 تاسعا 159 بيان حال الرواة 159 الحكم على الرواية 161
عاشرا 161 بيان حال الرواة 161 الحكم على الرواية 163 الحادي عشر 163 الحكم على الرواية 166 بيان حال الرواة 166 الحكم على الرواية 167 الحكم على الرواية 169 الثاني عشر 170 بيان حال الرواة 170 الحكم على الرواية 172 الفصل الثالث جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه المبحث الأول: دوافع توحيد المصاحف ونسخها 177 المطلب الأول: كثرة الأسباب والدوافع 177 المطلب الثاني: ثمرة العمل واللجنة القائمة به 179 المطلب الثالث: عدد المصاحف التي تم نسخها 188 المطلب الرابع: أقوال العلماء في معنى الأحرف السبعة ومناقشتها 196 المطلب الخامس: ترتيب السور والآيات وعددها 204 المبحث الثاني: روايات جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان (ودراستها 213 أولا 213 دلالة الحديث 213 ثانيا 216 دلالة الحديث 217 ثالثا 217 بيان حال الرواة 218 الحكم على الرواية 220 رابعا 220 بيان حال الرواة 221 الحكم على الرواية 224
خامسا 225 بيان حال الرواة 225 الحكم على الرواية 226 سادسا 227 بيان حال الرواة 227 الحكم على الرواية 229 سابعا 229 بيان حال الرواة 230 الحكم على الرواية 231 ثامنا 232 بيان حال الرواة 232 الحكم على الرواية 232 من دلائل الرواية 232 تاسعا 233 بيان حال الرواة 233 الحكم على الرواية 236 عاشرا 236 بيان حال الرواة 236 الحكم على الرواية 239 الحادي عشر 239 بيان حال الرواة 239 الحكم على الرواة 241 الثاني عشر 241 بيان حال الرواة 242 الحكم على الرواية 243 الثالث عشر 244 دلالة الحديث 244 الرابع عشر 246 بيان حال الرواة 247 الحكم على الرواية 249
الفصل الرابع شبهات حول جمع القرآن المبحث الأول: شبهات المستشرقين 255 المطلب الأول: شبهات المستشرقين حول جمع القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم 255 المطلب الثاني: شبهات المستشرقين حول جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه 271 المطلب الثالث: شبهات المستشرقين حول جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه 275 المبحث الثاني: دراسة روايات في كتب أهل السنة يساء فهمها في صحة نقل القرآن 281 بيان حال الرواة 298 بيان حال الرواة 301 الخاتمة 309 قائمة المصادر والمراجع 312 فهرس المحتويات 338