جلسات رمضانية للعثيمين

ابن عثيمين

جلسات رمضانية لعام 1410هـ[1]

جلسات رمضانية لعام 1410هـ[1] رمضان شهر كريم، وفرصة غالية يجب استغلالها في تكثير الحسنات والتقرب إلى رب السماوات بجميع أنواع النوافل والطاعات، وفي هذه المادة بيان منزلة هذا الشهر العظيم وفضله، والحث على الإكثار من الصلوات، وقراءة القرآن، وفضل تناول السحور.

استغلال شهر رمضان للتزود من الأعمال الصالحة

استغلال شهر رمضان للتزود من الأعمال الصالحة إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فبلَّغ النبي صلى الله عليه وسلم الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وأظهره الله تعالى على ما سواه، حتى ملكت هذه الأمة مشارق الأرض ومغاربها، وهذا من نعمة الله عز وجل، فصلوات الله وسلامه على محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الإخوة الكرام: فإن الذي نصر أوَّل هذه الأمة، وأظهر دينها على جميع الأديان، ودك به صروح كسرى وقيصر وغيرهم من أئمة الكفر، قادر على أن ينصر آخر هذه الأمة؛ لأن سنة الله تعالى في عباده واحدة، ولكن الناس إذا أضاعوا أمر الله أضاعهم الله، وإذا نسوا الله نسيهم الله، وإلا فلو رجعنا رجوعاً حقيقياً إلى ربنا عز وجل لوجدنا النصر والكرامة والعزة، ولكن مع الأسف الشديد أن كثيراً من المسلمين أضاعوا أمر الله فأضاعهم الله عز وجل. أيها الإخوة الكرام: إن الإنسان في هذه الحياة الدنيا لن يعمَّر، ولن يبقى، فهو موجود من العدم، وصائر إلى العدم، وإن الساعات التي تمر بالإنسان في هذه الدنيا كأنها لحظات، بل هي لحظات: لحظة تتلوها لحظة، وهكذا إلى أن يصل الإنسان إلى آخر نهايته، وهذا أمر يشعر به كل واحدٍ منا. لقد مضى على رمضان العام الماضي اثنا عشر شهراً برمضان، يعني: بعد رمضان أحد عشر شهراً كلها مضت، ومع ذلك فكأنها أحد عشر ساعة، كأننا بالأمس القريب نصلي رمضان عام (1409هـ) ، والآن نصلي عام (1410هـ) ، وما هي إلا لحظات زالت، وهكذا أيضاً ما بقي من أعمارنا سوف يزول بهذه السرعة، إذاً فالواجب علينا -أيها الإخوة- أن ننتهز هذه الفرصة، أن ننتهز فرصة وجودنا في الدنيا حتى نعمل للآخرة، والعجب أن الذي يعمل للآخرة ينال الدنيا والآخرة، والذي يعمل للدنيا يخسر الدنيا والآخرة، لا أقول ذلك من عند نفسي ولكني أقول ذلك بكتاب الله، قال الله عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] الحياة الطيبة الدنيا {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] في الآخرة. أما عكس ذلك فاستمع: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} [الكهف:103-105] . أيها الإخوة الكرام: إذا علمنا هاتين الحقيقتين، وهما: أولاً: سرعة الدنيا وزوالها، وأنها تمضي لحظة بعد أخرى، حتى يأتي الإنسان الموت، وعلمنا أيضاً أن الكاسب والرابح هو المؤمن، وأن من لم يكن مؤمناً عاملاً بالصالحات فهو خاسر، استدللنا لذلك بالواقع وبكتاب الله عز وجل، فإنه جدير بنا أن ننتهز فرصة وجودنا في هذه الدنيا لأننا لابد أن ننتقل، لابد أن نُذكر كما كنا نَذكر غيرنا، الذين كانوا من قبلنا وأدركناهم، كانوا يتحدثون كما نتحدث، ويخبرون كما نخبر، وأصبحوا الآن خبراً من الأخبار. بينا يرى الإنسان فيها مخبراً حتى يرى خبراً من الأخبار هو في الأول مخبر ويكون خبراً يخبر عنه: فلان رحمه الله، هذا هو الحقيقة. إذاً فلننتهز -يا إخواني- هذه الفرصة لا سيما في المواسم، مواسم الخيرات التي جعلها الله لعباده، كالأسواق التجارية بل هي التجارة حقيقة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف:10-11] . علينا أن ننتهز هذه الفرصة، رمضان متى يأتي؟ ربما يموت الإنسان قبل أن يدركه رمضان الثاني، كما تعلمون أن هناك أناساً كانوا معكم في العام الماضي الآن هم في قبورهم مرتهنون بأعمالهم، لا يملكون أن يزيدوا حسنة في حسناتهم ولا أن ينقصوا سيئة من سيئاتهم، هذا الذي مر عليهم ربما يمر عليك، بل قطعاً سيمر عليك، لكن ربما يمر عليك قبل أن يعود إليك رمضان، إذاً: فانتهز الفرصة! ونحن الليلة في الليلة الثالثة من رمضان انظروا سرعة ذهابه، يعني: مضى منه يومان كاملان، ونحن الليلة في الليلة الثالثة، وسيمر سريعاً فلننتهز هذه الفرصة.

الحث على الطاعات في ليالي رمضان

الحث على الطاعات في ليالي رمضان

التعبد لله بالإفطار

التعبد لله بالإفطار أولاً: في الليل، يبدأ الإنسان ليله بالتقرب إلى الله تعالى بأكل الفطور، الإنسان يبتدئ ليله بالتقرب إلى الله تعالى بأكل الفطور، أكل الفطور هو مما يلائم الطبيعة، لأن الإنسان يشتهي الأكل. ومع ذلك هو عبادة تتقرب بها إلى الله. إذاً: نبتدئ ليلنا بالتقرب إلى الله تعالى بأكل الفطور، وأنا أقول لكم ذلك من أجل أن ينوي الإنسان عند فطره أنه يفطر طاعة لله ورسوله واتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، هل منكم أحد يدرك هذه النية؟ أو إذا أذَّن وإذا هو يشتهي التمر والماء أكله تشهياً لا تعبداً، أكثر الناس هكذا، ونحن منهم نسأل الله أن يتوب علينا إلا أن يمن الله علينا بالتذكر، لابد أن يتذكر الإنسان.

إحسان عبادة إجابة النداء والوضوء والصلاة

إحسان عبادة إجابة النداء والوضوء والصلاة ثانياً: يجيب المؤذن وهو يفطر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن) لكن في حيَّ على الصلاة تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله! يجيب ويدعو وهو مفطر، يجمع بين عبادتين، ثم بعد ذلك يخرج من بيته يمشي إلى أي شيء؟ إلى المسجد متطهراً، لا يخطو خطوة واحدة إلا رفع الله له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، يقدم رجله اليمنى، هذه سنة قولية أو فعلية؟ فعلية، ويقول: باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، هذه سنة قولية، يسأل الله أن يفتح له أبواب رحمته. ثم يدخل مع الإمام يصلي مع الإمام كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم، فيتقرب إلى الله في هذه الصلاة من وجهين: الوجه الأول: أنه يؤدي فريضة من فرائض الإسلام وهي الصلاة. الوجه الثاني: أنه يتابع الإمام، ومتابعة الإمام فيها أجر وعبادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها، قال: (إذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا) إذاً: تكون عبادة، فيؤدي عبادتين: فريضة الإسلام، واتباع الإمام الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم باتباعه. أما إذا أتينا إلى الصلاة أو نظرنا إلى الصلاة، فيالها من روضة يانعة فيها من كل فاكهة زوجان، تكبير لله قرآن تسبيح دعاء هيئات متعددة كلها تنبئ عن التعظيم، أنت ترفع يديك عند التكبير تعظيماً لله تركع تعظيماً لله، ولهذا تقول في ركوعك: سبحان ربي العظيم، لتجمع بين التعظيم القولي والتعظيم الفعلي، إذا رفعت تثني على الله عز وجل؛ لأنه مجيبٌ لمن حمده، سمع الله لمن حمده يعني: أجاب لمن حمده، وتحمد الله عز وجل، ثم تسجد على الأعضاء السبعة، هذه الأعضاء تتناول أدنى ما في البدن وأعلى ما في البدن، ما هو أدنى ما في البدن؟ القدمان، وأعلى ما في البدن؟ الوجه، تسجد كلك، من هامك إلى إبهامك تعظيماً لله عز وجل. ترى أعلى ما فيك وأشرف ما فيك في مداس الناس في الأرض، والله! لو أمرك أكبر ملك في الدنيا أن تسجد له ما وافقت إطلاقاً، لأبيت أشد الإباء، لكنك ولله الحمد تنقاد وبكل سهولة، وتتلذذ بهذا أيضاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وجعلت قرت عيني في الصلاة) في سجودك تبتهل إلى الله عز وجل. تجتهد في الدعاء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (وأما السجود فأكثروا في الدعاء، فقَمِنٌ أن يستجاب لكم) . ثم ترفع وتجلس بين السجدتين وتسأل الله المغفرة والرحمة والهداية، وتعيد السجود مرة ثانية. الله أكبر! الركوع مرة واحدة والسجود مرتين، لأن السجود أشد خضوعاً وخشوعاً، لأنك لست تنحني فقط بل تنحني وزيادة، وتضع أشرف ما فيك على الأرض ولهذا كُرِّر في الصلاة، ولم يكرر الركوع في الصلاة إلا في صلاة الكسوف، لأنها صلاة خوف ورهبة، فلهذا كرر فيها الركوع تعظيماً لله عز وجل، ثم عند ختام الصلاة تثني على الله بالتحيات، وبالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم تسلم عليه، وبالسلام عليك وعلى عباد الله الصالحين، وبالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وبالاستعاذة بالله من عذاب جهنم وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال. ما زلنا الآن في أول الليل، ما هي الصلاة التي أديناها؟ صلاة المغرب.

فعل المباح بنية العبادة

فعل المباح بنية العبادة ثم تذهب إلى البيت راجعاً يكتب لك ممشاك حيث احتسبته على الله ذاهباً وراجعاً، وتتعشى لتتقوى على طاعة الله، ولذلك ينبغي لنا -نسأل الله أن يوقظ قلوبنا- ألا ننوي بأكلنا وشربنا مجرد التشهي، أن ننوي به: أولاً: امتثال أمر الله عز وجل، لأن الله أمرنا بالأكل والشرب في أي آية؟ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} [الأعراف:31] {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ} [البقرة:172] . ثانياً: ننوي بذلك حفظ أبداننا؛ لأن بدنك أمانة عندك ائتمنك الله عليه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] هذه الأمانة الدينية، والأمانة البدنية الدنيوية: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء:29] {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195] إذاً: فننوي بالأكل حفظ هذا البدن الذي جعله الله أمانة عندك نقيه الشر في الدنيا والآخر. ثالثاً: ننوي بذلك التنعم بنعم الله، التنعم بنعم الله قربة؟ نعم لأنه يدل على قبولك لنعمة الله عليك، قبولك لمنة الله عليك، ومعلوم أن قبول ذي المنة اعتراف بفضله عز وجل، فأنت تعترف بفضل الله، وتتمتع بنعمه، ولهذا جاء في الحديث: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه) إذاً: ويحب أن يتبسط عباده بنعمه؛ لأن الكريم يحب أن ينتفع الناس بكرمه. رابعاً: تنوي بذلك التقوِّي على الطاعة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (تسحروا فإن في السحور بركة) أمرنا بالسحور من أجل التقوِّي على الصيام، فأنت تنوي بأكلك وشربك التقوِّي على طاعة الله. إذاً انقلبت هذه النعمة التي يتمتع بها أكثر الناس تشهياً، انقلبت عبادة، فبإمكان الإنسان الموفق أن يقلب عاداته عبادات، والغافل تكون عباداته عادات، يروح يصلي على العادة، يتوضأ على العادة، يمكن لو عاش في بيئة أخرى غير مسلمة يمكن أن يمشي على ما هم عليه عادة، لكن الموفق يجعل من عاداته عبادات.

قيام رمضان وبعض أحكامه

قيام رمضان وبعض أحكامه بعد هذا تذهب إلى المسجد كما قلنا في الأول تتوضأ في البيت وتسبغ الوضوء، وهنا أنبه إلى أنه يحسن للإنسان أن يتوضأ في بيته أحسن من المسجد؛ لأجل أن يخرج وهو متطهر، فإن من توضأ في بيته فأسبغ الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفع الله له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا وصل المسجد وصلى فإن الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة. تدخل في صلاة العشاء، تدخل في قيام رمضان؛ لأن التراويح قيام رمضان، لولا أننا نعتقد أنه قيام رمضان لكنا لم نقم رمضان، هو قيام رمضان تماماً، انتبه لا تظن أنه صلاة فقط مجرد هو صلاة لكن هو قيام رمضان، الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه) ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطيل فيه الصلاة، قالت عائشة رضي الله عنها لما سئلت: (كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، قالت: ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة -رضي الله عنها وهي من أعلم الناس بصلاته- يصلي أربعا، ً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً) . هذا الحديث إذاً أربع وأربع ثمان وثلاث إحدى عشر، لكن قولها: يصلي أربعاً، قد يحتمل أن المعنى يصليها جميعاً في تسليمة واحدة، ثم يصلي أربعاً في تسليمة واحدة، وهذا محتمل، لكن يحتمل وجهاً آخر، أنه يصلي أربعاً بتسليمتين يعني: يصلي ركعتين ثم ركعتين ثم يستريح، والدليل على هذا أمران: الأمر الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) ولم يعهد من الرسول عليه الصلاة والسلام أنه صلى أكثر من اثنتين إلا في الوتر، الوتر كان يوتر بخمس أو بسبع ولا يجلس إلا في آخرها، أو بتسع ويجلس في الثامنة ويتشهد ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة ويتشهد ويسلم، لكن في الوتر ما عهد عنه أنه صلى أكثر من ركعتين، وقد قال هو عليه الصلاة والسلام قوله: (صلاة الليل مثنى مثنى) . والوجه الثاني: مما يؤيد هذا أنها قالت (ثم) وثم هذه للترتيب والمهلة فيجعل بين الأربع والأربع شيئاً من المهلة، ولهذا أخذ الناس هذا العمل، فصار الناس في صدر هذه الأمة يصلون أربعاً ثم يستريحون ثم يصلون أربعاً، ولهذا سميت تراويح من الراحة، ما هي تراويح بمعنى السرعة، لا، من الراحة! يصلون صلاة طويلة ثم يستريحون، يصلي أربعاً ويستريح، ويصلي أربعاً ويستريح، ثم يصلي ثلاثاً. وظاهر قولها رضي الله عنها أنه لا يسلم في هذه الثلاث، لأنه وتر والوتر إذا أوتر بثلاث يسردها، لكن قد صح عن ابن عمر أنه يسلم في الركعتين ويأتي بالثالثة، فإن فعلت هذا أو هذا فكله جائز، لكني أرجح أن الثلاث تكون سرداً بتسليمة واحدة. انتهينا من صلاة أول الليل، بعد ذلك هل يكتب للإنسان أجر إلى الفجر؟ استمع: (أقام النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ثلاث ليالٍ، فقالوا: يا رسول الله! لو نفلتنا بقية ليلتنا -يعني: لو زدت النفل هنا بمعنى الزيادة، لو زدتنا بقية الليلة انظر الهمة العالية، نحن لو أطلنا قال الناس: أطال فلان، ابحثوا عن غيره أخف منه، لكن الصحابة قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: انفلنا بقية الليلة زدنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) اللهم لك الحمد قيام ليلة وأنت نائم! نعم قيام ليلة وأنا نائم، هكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام نعمة من الله، إذاً يكتب للإنسان الذي يقوم مع الإمام حتى ينصرف قيام ليلة كاملة قاله النبي صلى الله عليه وسلم.

السحور فضله وأحكامه

السحور فضله وأحكامه تقوم في آخر الليل تأكل وتشرب، وهذا الأكل والشرب كله خير، أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (تسحروا فإن في السحور بركة) وقال: (فصل ما بيننا وبين صيام أهل الكتاب أكلة السحور) اليهود والنصارى يصومون، لكن صيامهم هباء منثوراً بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كفار لا ينفعهم إيمانهم، لو صاموا سنةً كاملة ليست بشيء، ولا تقبل منهم: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85] متى يتسحر اليهود والنصارى؟ في نصف الليل؛ لأن نهارهم يبدأ من نصف الليل، لكن المسلمين هم الموافقون للواقع، متى يبدأ نهارهم؟ إذا بدأ النهار وبدأ الصبح، فأوفق من يكون للواقع هم المسلمون، يصومون في النهار ويفطرون في الليل، فهل هذا السحور فيه فائدة؟ نعد الفوائد: أولاً: امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قال: تسحروا. ثانياً: الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه كان يتسحر، ولم يكن بين سحوره وبين صلاته إلا مقدار خمسين آية، أيضاً يؤخر السحور. ثالثاً: أن في هذه الأكلة معونة على طاعة الله؛ لأن الإنسان إذا تسحر كفاه ذلك كل اليوم، كم تشرب كل يوم إذا لم تكن صائماً؟ كثير، لكن إذا كنت صائماً سبحان الله! الشرب الذي في السحور يكفيك، هذا من بركته قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تسحروا فإن في السحور بركة) . رابعاً: إظهار المخالفة لليهود والنصارى؛ لأن هذا السحور هو فصل ما بيننا وبين صيام اليهود والنصارى، ولا شك أن إظهار مخالفة اليهود والنصارى مما يقرب إلى الله: (من تشبه بقوم فهو منهم) بل إغاظة اليهود والنصارى مما يقرب إلى الله، بل إغاظة كل كافر مما يقرب إلى الله، قال الله تعالى: {وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة:120] وقال الله تعالى في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه قال: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح:29] . ما نصانع الكفار لأن الكفار لا يصانعوننا، ولكنا نفعل كل ما يغيظهم، نتقرب بذلك إلى الله، ونعلم أن هذا قربة لنا؛ لأن هذا لنا فيه أجر وهذا وصف محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه. الخامس: أنه فيه ما ذكرنا من قبل من فوائد الأكل، يعني: السحور أكل، فيه التنعم بنعم الله، حفظ البدن، امتثال أمر الله، وغير ذلك. إذاً: تسحرنا -يا إخواني- أجر أم غير أجر؟ أجر، ولكن كل هذه الأمور تحتاج إلى أن الإنسان يتذكر، أكثر الناس لا يتذكر يأكل الأكل يتنعم به ترفهاً بدنياً لا أنه يتنعم به تنعماً عبادياً، لا. إلا أن يشاء الله، إذا استيقظ الإنسان واستحضر انتفع، أما في النهار فأنت في عبادة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ميزان هذه العبادة ما هي؟ مرتبتها في الإسلام، ركن من أركان الإسلام، تقوم به من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ولو كنت نائماً، ولو كنت تبيع أو تشتري، أو تتحدث مع أصحابك، أنت في ركن من أركان الإسلام، سبحان الله!

فضل قراءة القرآن في رمضان

فضل قراءة القرآن في رمضان هذه نعمة من الله عز وجل في هذا الشهر المبارك، تقرأ القرآن كل حرف من حروف القرآن فيه عشر حسنات. قال ابن عصفور ويروى مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) يعني: ثلاثة حروف تعتبر ثلاثين حسنة، وهذا أمر لا يدرك عدده إلا الله عز وجل، كل هذا لأنك تقرأ كلام رب العالمين عز وجل، خالق السماوات والأرض الذي هو أحب حبيب إليك، ما ظنك لو جاءتك رسالة من صديق لك، كل ساعة تطلعها من جيبك وتقرأها، كأنما تواجه صديقك أو حبيبك، أليس كذلك؟ أنت إذا قرأت كلام الله لا شك أن المؤمن أحب شيء عنده هو الله عز وجل، يقرأ كلام الله عز وجل، من جهة التعظيم ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من قراءة القرآن في رمضان. وكان جبريل يدارسه القرآن وكان يقرأ في كل سنة مرة، إلا السنة التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه قرأه عليه مرتين، لماذا؟ من أجل الاستثبات، وأن القرآن ولله الحمد محفوظ إلى آخر حياة الرسول عليه الصلاة والسلام، لم يتغير، لا بنقص، ولا بزيادة، ولهذا قال العلماء: من أنكر حرفاً منه وهو عالمٌ به فهو كافر، حرف واحد تنكره وأنت تعلم تكون كافراً، لأنك مكذب لله ورسوله وإجماع المسلمين، أما الله فيقول: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} [الجاثية:29] ويقول عز وجل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6] هذا كلام الله! أخبر به عن نفسه، وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد بلَّغ أمته، وقال هذا كلام ربي، بلغهم: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:67] أما المسلمون فأجمعوا كلهم على أن هذا القرآن الذي بين أيدينا، من فاتحته إلى خاتمته كلام الله، وأنه محفوظ، وأنه ليس فيه زيادة، وليس فيه نقص، بل هو محفوظ بحفظ الله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] فالحمد لله. المهم أن كتاب الله عز وجل ينبغي للمؤمن أن يكثر من تلاوته لا سيما في هذا الشهر المبارك، ولا حرج أن يجعل الإنسان لنفسه شيئاً معيناً من القرآن يحافظ عليه، سواءً في رمضان أو في غيره، لا تقل هذا بدعة، أجعل كل يوم جزءاً أو كل يوم نصف جزء أو كل يوم جزئين أو ثلاثة، لأن بعض الناس يشتبه عليه الأمر، يقول: أخشى أني لو أجعل في اليوم شيء معين من القرآن أن هذا بدعة، هذا ليس بدعة هذا تنظيم، أنا لست أتقرب إلى الله عز وجل بهذا العدد المعين جزء أو جزئين، لكن أريد أن أحفظ وأنظم قراءتي للقرآن، لأن الإنسان لو يجعل أنه كل ما فرغ قرأ يمكن يمر عليه الشهرين وما قرأ، لكن إذا جعل له شيئاً معيناً؛ جزء أو نصف جزء أو جزئين أو ثلاثة، حافظ عليه، وسهل عليه، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل) فلو أن الإنسان منا حرص على أن يجعل له شيئاً معيناً في كل يوم في رمضان، وشيئاً معيناً في كل يوم في غير رمضان، حتى ينظم نفسه بالنسبة لقراءة القرآن كان هذا حسناً وليس ببدعة. وهكذا يتقلب الإنسان في هذا الشهر من طاعة إلى أخرى، إذا وفق لاستغلال الفرصة، فأنا أوصيكم ونفسي في هذا الشهر بتقوى الله عز وجل واستغلال الفرصة بقدر المستطاع، مع الاستعانة بالله سبحانه وتعالى، ولهذا ينبغي لنا بل يجب علينا أن نقرن أفعالنا بالاستعانة بالله عز وجل، نقرنها بالاستعانة، الاستعانة عبادة أم غير عبادة؟ الاستعانة عبادة، إذاً أنت إذا فعلت شيئاً من العبادات مستعيناً بالله، أعانك الله ومع ذلك قربك إليه لأن الاستعانة عبادة. أسأل الله تعالى أن يعينني وإياكم في هذا الشهر وفي غيره، على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يثبتنا على الحق إلى أن نلقاه وهو راضٍ عنا، إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

حكم التهنئة بقوله: مبروك أو كل عام وأنتم بخير

حكم التهنئة بقوله: مبروك أو كل عام وأنتم بخير Q ما حكم التهنئة في أول الشهر بقوله: مبروك أو كل عام وأنتم بخير، فهل هي من السنة أم لا؟ A الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، التهنئة بشهر رمضان لا بأس بها، وهي عادة معروفة عند الناس يتخذونها من باب الدعاء، يدعو بعضهم لبعض بهذا ولا بأس به، وقد ذكر بعض أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبشر أصحابه برمضان، يقول: (أتاكم رمضان) مبشراً لهم به، ولكن كلمة: (كل عام وأنتم بخير) هذه يظهر لي أنهم يريدون الدعاء بهذا، يعني جعلك الله في كل عام بخير، لكن لو قالوا كلمة أحسن من هذا وأخص، مثل أن يقول: بارك الله لك في الشهر وأعانك فيه على طاعته، وما أشبه ذلك لكان هذا أحسن من (كل عام وأنتم بخير) .

حكم المزاح والضحك في رمضان

حكم المزاح والضحك في رمضان Q نلاحظ على كثير من الناس ممن حسنت نياتهم أنهم يفرحون بمجيء رمضان، فيستعدون له بقلوبهم، ولكنهم إذا جاءهم رمضان فإننا لا نلاحظ عليهم أي تغير، فكلامهم يكثر فيه المزاح، وقلوبهم قبل الصلاة وبعد الصلاة وأثناء الصلاة واحدة لا تتغير إلى آخر ذلك، فماذا تنصحهم؟ A الواقع أن المسلمين يفرحون برمضان على وجهين: الوجه الأول: من يفرح برمضان لأنه ينشط في رمضان على العبادة، ويكثر من العبادة، وهذا لا شك هو الأصل، وهو المقصود، وهو الطيب. الوجه الثاني: ومنهم من يفرح برمضان لكثرة خيراته، وكثرة نعم الله عز وجل وعفوه على عباده، ولما فيه من الأسباب الكثيرة التي يغفر الله بها للإنسان كالصيام مثلاً. والذي ينبغي للإنسان أن يفرح في رمضان للأمرين جميعاً، يفرح لأنه ينشط على العبادة ويكثر منها، ويتعبد الله عز وجل بقدر ما يستطيع، ويفرح به أيضاً بما فيه من الخيرات والبركات ونعم الله عز وجل، فإن فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. وأما كون الإنسان في رمضان لا يضحك ولا يمزح مع أصحابه ولا يتحدث إليهم، فهذا ليس هو المقصود، المقصود ربما يكون ضحك الإنسان ومزحه مع إخوانه من أجل إدخال السرور عليهم، ربما يكون من العبادة أن يدخل الإنسان السرور على إخوانه. ومع ذلك فإنه ينبغي له ألا يكثر من الضحك والمزاح.

تبييت نية الصيام من الليل

تبييت نية الصيام من الليل Q ما رأيكم في رجل في آخر يوم من شعبان لم يعلم بطلوع هلال رمضان ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر من أول يوم من رمضان، فهل يستكمل صومه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له) هل يلزمه القضاء؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً. A إذا كان هذا الإنسان نائماً على أنه إن كان غداً من رمضان فهو صائم فهذه نية صحيحة ويصح بها الصوم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى) . فهذا الرجل يقول في نفسه: إن كان غداً من رمضان فأنا صائم، فإذا تبين أنه من رمضان فقد نوى نية صحيحة، وأما الحديث الذي أشار إليه: (من لم يبيت النية من الليل فلا صيام له) فهذا حديث تكلم العلماء فيه، وضعفه كثير من أهل العلم، ورجحوا أنه موقوف وإذا كان موقوفاً، فليس فيه دليل، ثم نقول كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن المراد بذلك من علم؛ لأن النية تتبع العلم، فمن لم يعلم فكيف ينوي؟ فيكون الإنسان الذي يعلم أن غداً من رمضان ليس له الحق أن يؤخر النية حتى يطلع الفجر؛ لأنه عالم بل لابد أن ينوي قبل أن يطلع الفجر، إذا كان عالماً وكلامنا في الشخص الذي لم يعلم.

صفة النية المتعلقة بالصيام

صفة النية المتعلقة بالصيام Q هذا السؤال متعلق بالسؤال الذي سبق، يقول: سمعت لك جواباً في برنامج نور على الدرب أن كل يوم له نيته الخاصة به، فما هي صفة هذه النية، وهل هي قول أم نية في القلب؟ A لا أدري عن هذا السماع الذي سمعه، أنا أرى أن النية الواحدة في أول رمضان كافية عن كل رمضان، ولا حاجة إلى تبييت النية كل ليلة، إلا إذا قطع الإنسان صومه في أثناء رمضان بعذر؛ ثم أراد أن يصوم بعد زوال هذا العذر، فلابد من تجديد النية. فمثلاً: أول ليلة من رمضان ينوي الإنسان الصوم، ولو سألته هل ستصوم غداً؟ يعني بعد اليوم الأول، لقال: نعم، فهو ناوٍ من حين يدخل رمضان إلى آخر رمضان ونيته واحدة، ثم إن الإنسان إذا قام في آخر الليل، وقرَّب الأكل وأكل وشرب ناوٍ أو غير ناوٍ؟ ناوٍ، لو قيل له: صم ولا تنوِ الصيام، يستطيع أو لا يستطيع؟ لا يستطيع، كما قال بعض العلماء: لو كلفنا الله عملاً بلا نية لكان من تكليف ما لا يطاق، صحيح! لو أن الله قال: يا عبادي! اعملوا ولا تنووا، لا نطيق، كيف نعمل ونحن نعمل باختيارنا ولا ننوي؟ ما من إنسان يفعل باختياره إلا وهو ناوٍ. لكن مسألة أن الإنسان يقوم في آخر الليل ويتسحر معروف أنه ناوٍ، لكن لو فرضنا رجلاً نام قبل غروب الشمس اليوم، وما استيقظ إلا بعد طلوع الفجر من الغد، مضى عليه الليل كله وهو نائم، هنا يأتي الخلاف، من قال: إنه لابد أن ينوي لكل يوم من ليلته؛ فصومه على هذا غير صحيح؛ لأنه ما نوى! ومن قال: تكفي النية الأولى، قال: صومه صحيح، وهذا لا شك أنه هو القول الراجح الصحيح، لأن هذا النائم الذي نام بعد العصر اليوم، هل نيته أنه يصوم غداً أو لا يصوم؟ نيته أنه يصوم ما في ذلك إشكال، إلا إذا كان هناك عذر في أثناء الشهر، ثم يزول العذر فلابد أن يجدد النية، مثلاً: لو سافر الرجل وأفطر في سفره، ثم رجع إلى بلده، نقول: لابد أن تجدد النية؛ لأن النية الأولى انقطعت أفطرت، فلابد من أن تجدد النية، والمرأة إذا حاضت تجدد النية.

حكم التهاون في عدم تناول طعام السحور

حكم التهاون في عدم تناول طعام السحور Q هناك بعض الناس يتهاونون في السحور حيث أنهم ينامون في الساعة الثالثة ويقولون: نقوم قبل الفجر ونشرب ماءً ويكفي ذلك، فما رأي فضيلتكم بذلك؟ A صحيح أن الأمر يكفي، أي: لو تسحر الإنسان في وسط الليل، ونام إلى قرب طلوع الفجر ثم قام وشرب كفى بلا شك، لكن الأفضل أن يؤخر السحور كله في آخر الليل، لأن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور) أما الجملة الأولى: (عجلوا الفطر) فهي ثابتة في الصحيحين، وأما الثانية فهي مروية عن الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا إن لم يصح من قوله فقد صح من فعله أنه كان يؤخر السحور.

حكم استعمال بخاخ الربو للصائم

حكم استعمال بخاخ الربو للصائم Q هل استعمال بخاخ الربو يفطر في رمضان؟ A بخاخ الربو نوعان: النوع الأول المسدس الذي يجعل فيه حبوباً ثم يُطلق وتنفجر في الفم، وتنزل إلى المعدة هذا يفطِّر، وإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يبقى كل النهار بدونه، فإنه لا بأس أن يفطر والأمر واسع لأنه داخل في قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185] وإذا قدر أن هذا من الأمراض المستعصية التي لا يرجى زوالها، فإنه يطعم عن كل يومٍ مسكيناً، ثم إن قدر أن الله عافاه والله على كل شيء قدير؛ فإنه لا يلزمه إعادة الإطعام ولا الصوم، لأن هذا الرجل برئت ذمته في الإطعام فلا تعود مشغولة بدون سبب. أما النوع الثاني من البخاخ الذي يزول فيه ضيق النفس فهو هواء غاز، لا يصل منه جرم إلى المعدة هذا لا بأس به ولو كان الإنسان صائماً ولا يفطر.

حكم صلاة النافلة بعد الوتر

حكم صلاة النافلة بعد الوتر Q إذا صلى المرء صلاة التراويح وصلى الوتر، ثم خرج إلى منزله ثم ذهب إلى أحد المساجد لاستماع إحدى المحاضرات هل يصلي تحية المسجد إذا دخل ذلك المسجد؟ A هذه المسألة ينبغي أن نفهمها جيداً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) ولم يقل لا تصلوا بعد الوتر، وبين العبارتين فرق، لو قال: لا تصلوا بعد الوتر، قلنا: لا تصل بعد الوتر لا في بيتك، ولا في دخول المسجد، بل يكون هناك تعارض بين هذا الحديث وحديث: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) يعني معنى ذلك أنك إذا ختمت صلاة الليل فأوتر فإذا قدر لك أن تصلي بعد ذلك فلا حرج ما دمت حين أوترت وأنت تظن أنك لن تصلي بعد ذلك فإنك إذا صليت بعده فلا حرج، مثال ذلك: رجل أوتر مع الإمام على أنه لن يصلي، ثم قُدِّر له في آخر الليل فقام، وقال: أحب أن أستغل آخر الليل بالصلاة، فصلى يجوز أم لا يجوز؟ يجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل لا تصلوا بعد الوتر، قال: (اجعلوا آخر صلاتكم في الليل وتراً) وأنا قد جعلت آخر صلاتي بالليل وتراً وأوترت لكن قدر لي أن أقوم أصلي ركعتين صلاة الليل مثنى مثنى، أما إذا وجد سبب فهذا أبين وأبين، إذا وجد سبب للصلاة بعد الوتر فهذا أبين وأبين، مثلاً: أوترت في مسجدك ثم ذهبت إلى مسجد آخر ووجدت الناس يصلون ادخل معهم وصلِّ، فإن أوتروا فقم بعد الوتر وصلِّ ركعة أكمل ليكون شفعاً؛ لأنك قد أوترت من قبل، وكذلك إذا دخلت المسجد فصلِّ ركعتين تحية المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) .

حكم التفريط في قضاء الصيام إلى بعد رمضان الثاني

حكم التفريط في قضاء الصيام إلى بعد رمضان الثاني Q شخص عمره ثلاث عشرة سنة وعليه قضاء ستة عشر يوماً من رمضان الفائت، ولم يبدأ بقضائها إلا في يوم اثنين وعشرين، في هذه الحالة سوف يأتي رمضان قبل إكمال الأيام فهل يقضي بعض رمضان الثاني باقي الأيام، وهل هناك فرق بين البالغ وغير البالغ في هذه الحالة، جزاكم الله خيرا؟ A نعم هناك فرق بين البالغ وغيره، وهو أنه إذا كان هذا الرجل الذي له ثلاث عشرة سنة، إذا كان لم يبلغ فلا قضاء عليه هو حر، إن شاء قضى وإن شاء لم يقضِ؛ لأن الذي دون البلوغ لا يلزمه الصوم فلا يلزمه القضاء، وأما إن كان بالغاً فإنه يلزمه القضاء ولا يجوز أن يؤخره إلى ما بعد رمضان الثاني، وعلى هذا فإننا نقول لهذا الشخص: إن كنت مفرطاً في هذا التأخير، لأنك لم تبدأ إلا بعد اثنين وعشرين من شعبان، فإن كنت مفرطاً فاستغفر الله، وإذا انتهى رمضان فأكمل الباقي عليك، ستة أيام لأنه صام من ثلاثة وعشرين إلى تسعة وعشرين الجميع سبعة أيام ويبقى عليه ستة أيام يقضيها بعد رمضان، هذا مع التوبة والاستغفار مما حصل منه.

الأفضلية في قراءة القرآن ليلا

الأفضلية في قراءة القرآن ليلاً Q مدارسة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم كانت في الليل، هل يؤخذ منه أن قراءة القرآن ليلاً أفضل من النهار؟ A لا شك أن قراءة القرآن في الليل في الغالب أشد حضوراً في القلب، ولا سيما إن كانت ناشئة وهي التي تكون بعد النوم، قال الله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل:6] ولكن هذا غير متعين بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأننا نعلم جميعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو إمام الأمة، ومتولي أمورها، وهو في النهار مشغول في شأن الخلق، وتدبير أمورهم، وفي الليل لا شك أنه أفرغ، فاجتمع في ذلك أنه أفرغ، وأنه في الغالب أحضر للقلب، فدراسة الناس الآن إذا كان في النهار أفضل لقلبه، وفي الليل يشتغل قلبه، فإنه يقرأ في النهار، وإن نظرنا إلى الغالب فالغالب أنه في الليل أحضر للقلب، وأقرب إلى التدبر.

حكم الاشتراك في قراءة القرآن في رمضان

حكم الاشتراك في قراءة القرآن في رمضان Q هل يؤخذ من مدارسة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم للقرآن فضيلة الاشتراك في قراءته؟ A هذا لا يؤخذ منه فضيلة الاشتراك، ولهذا لا نفضل الاشتراك على الانفراد مطلقاً، ولا الانفراد على الاشتراك مطلقاً، فإذا كان الإنسان ضعيفاً في القراءة فالاشتراك مع شخص أقرأ منه أحسن، من أجل أن يقوِّم قراءته، إذا كان يكسل أو يأتيه النعاس فاشتراكه مع غيره أحسن، من أجل إذا جاءه النعاس قرص أذنه، حتى لا يأتيه النعاس، مثل ما كان الرسول يفعل مع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، عبد الله بن عباس لما أحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي قام فصلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان ينعس فكان النبي عليه الصلاة والسلام يأخذ بأذنه إذا نعس، إذا كان هناك مصلحة فالاشتراك أفضل، إذا كان الأصلح في الانفراد لأنه أقوى على التدبر، ولأنه يقرأ الكلام كله بلفظه لا باستماعه، صار الانفراد أفضل، المهم أن الانفراد أو الاشتراك لا يفضل أحدهما على الثاني بكل حال وإنما ينظر للمصلحة. السؤال: هل يحصل الفضل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم) الحديث، هل يحصل في الاجتماع في البيت أو المزرعة أو البر على قراءة القرآن؟ الجواب: الله أعلم، ظاهر الحديث أنه لا يحصل إلا إذا اجتمعوا في بيت من بيوت الله، وذلك في المساجد، لأنه يجتمع في ذلك شرف المكان، وشرف القرآن، أما إذا كانوا في مكان آخر فظاهر الحديث أنه لا يحصل لهم هذا.

حكم الإفطار عند الغير لينال فضل تفطير الصائم

حكم الإفطار عند الغير لينال فضل تفطير الصائم Q ماذا يقول فضيلتكم برجل أراد الإفطار عند أخيه المسلم، لا لشيء إلا لأجل أن يتيح لأخيه الآخر فضل تفطير الصائم؟ A هذا جيد ولاشك، لكن خير منه أن يقول لأخيه: ائتِ إليَّ وافطر معي، لكي ينال هو أجر تفطير الصائم ويسلم من أن يكون للآخر عليه منة، وربما يضيق على الآخر، فلو قال: الليل سأفطر عندك، نعم. ربما يكون ذاك في ضيق وما استعد له، أو لا يحب أن يفطر معه أحد، يحب أن يفطر هو وأهله، وإذا كان يحب هذا فأولى ما يبر نفسه، يقول: يا فلان! تفضل عندي. قد يقول هذا الأخ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وإذا كان أحب أن يفطر عندي الصائمون فأنا أحب لأخي أن يفطر عنده الصائمون، نقول: ألست أنت تحب أن يفطر عندك الصائمون؟ يقول: نعم أحب ذلك، نقول: هل تقدم بخيرك غيرك؟ لا، في مسائل العبادات أمرنا الله عز وجل بالاستباق إليها، قال: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148] {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ} [آل عمران:133] لا تؤثر غيرك في القربات أبداً، ولهذا قال العلماء: يكره للإنسان أن يؤثر غيره بالطاعة فلا يؤثر غيره بالصف الأول ويتأخر هو مثلاً، كل طاعة لا تؤثر غيرك فيها، قالوا: لأن هذا دليل على قلة رغبته في الطاعة، لا سيما في مثل مسألتنا، تذهب تسأله أنك تأتي تأكل عنده فطوراً وعشاء، نعم. مع أن الصحيح في مسألة الإيثار أن نقول: الإيثار بالواجب حرام، والإيثار بالمستحب خلاف الأولى إلا لمصلحة، والإيثار بالمباح حلال، فالإيثارات أقسامها ثلاثة: إيثار بالواجب وهذا حرام، إيثار بالمستحب وهذا خلاف الأولى إلا لمصلحة، إيثار بالمباح وهذا يحمد عليه الإنسان: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9] يؤثرون بالأكل يعطون غيرهم يأكلو ولو كانوا جائعين، هذا الشيء من المباح. الإيثار بالواجب مثاله: رجل ليس معه إلا ماء قليل إن توضأ به كفاه، وإن آثر به غيره نقص عنه وبقي هو يريد يتيمم، نقول: هذا لا يجوز أن تؤثر غيرك، أنت توضأ به وجوباً، إنسان ليس عليه إلا ثوب، وأخوه عريان ولا يمكن أنه يعطيه، إلا وهو متعرٍ، نقول: لا تتعرَ، مع أن مسألة الثوب قد لا تصح مثالاً؛ لأننا نقول: صل به أولاً ثم أعطه صاحبك، لكن مسألة الماء منطبقة تماماً، مثال صحيح. والإيثار بالمستحب مثل الصف الأول، رأيت إنساناً وأنت في الصف الأول قمت من مكانك وقلت: تفضل يا فلان! هذا خلاف الأولى والفقهاء نصوا بأنه مكروه، لكن الصحيح أنه خلاف الأولى، وأنه إذا وجدت مصلحة فلا بأس، مثل لو أنك تأخرت لهذا الرجل من باب التأليف، لأن بعض الناس إذا رأى أن الناس يؤثرونه ازداد رغبة في الخير والصلاة مع الجماعة، فأنت مثلاً تفعل هذا لأجل أن تؤلفه حتى يرغب هذا طيب، أو إنسان جاء أبوه وتأخر له، هذا أيضاً طيب، لأن أباك في هذه الحالة سوف يراها لك ويحسبها من برك. أما المباح فهو معروف مثل أن تعطي غيرك الطعام وأنت تشتهيه، لكن تؤثره هذا طيب.

إجزاء صلاة التراويح مع الجماعة عن قيام الليل

إجزاء صلاة التراويح مع الجماعة عن قيام الليل Q أنا شاب -ولله الحمد- أصلي التراويح مع الجماعة في المسجد، ولكن في بعض الأحيان أريد أن أصلي في الثلث الأخير من الليل، فهل لي ذلك؟ A الذي يظهر لي أن من قام مع الإمام حتى ينصرف لا يصلي في آخر الليل؛ لأن الصحابة أنفسهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفلهم بقية ليلتهم فقال: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليل) وفي هذا -والعلم عند الله- إشارة إلى ألا يشق الإنسان على نفسه ويكتفي بصلاته مع الإمام، فإذا اكتفى بصلاته مع الإمام كفى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل قوموا أنتم، إن شئتم فقوموا الباب مفتوح، ما قال هذا، بل قال: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) ولكن كما نعلم أن الأئمة فيما سبق يؤدون الصلاة تماماً، يعني يمكنون الناس من الدعاء، ومن سؤال الرحمة، ومن قراءة القرآن على الوجه الذي ينبغي، بخلاف كثير من الأئمة اليوم، كثير من الأئمة اليوم -الله يهدينا وإياهم- يسرعون إسراعاً عظيماً، ما يطمئن الإنسان، ولا يدعو؛ لأنهم يحبون أن الناس يملئون مساجدهم إلا من شاء الله، والناس يحبون العجلة، غالب الناس يحب العجلة، فكثير من الناس يفعل هذا. أنا حدثني إنسان ثقة رحمة الله عليه يقول لي: دخلت مسجداً في زمان مضى-لكن الآن الحمد لله أخذ المساجد شباب طيب ملتزم، وصار يمشي أحسن من قبل- فأدركت أناساً يركضون ركضاً عظيماً، يقول: إنه دخل وصلى مع الجماعة التراويح، ولما نام في الليل، يقول: كأني دخلت هذا المسجد فوجدت أهله يحندون، الحند: مثل الرقص، كأنهم يرقصون، أي: أن صلاتهم في رؤياه صارت كأنها لعب، ليس فيها فائدة، وهذا لا شك أنه صحيح لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي لا يطمئن: (ارجع فصل فإنك لم تصل) وقال عليه الصلاة والسلام: (تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان -أي: عند الغروب هذا في صلاة العصر- قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلا) .

حكم استعمال الإبر الطبية للصائم

حكم استعمال الإبر الطبية للصائم Q هناك امرأة أخذت في هذا اليوم إبرة في الرحم وهذه الإبرة ضرورية وهي على موعد لأخذ إشاعة ملونة، ويجب أخذ هذه الإبرة، وقد أخذت الإبرة وخرج على إثرها دم ليس بالقليل، فهل تقضي هذا اليوم؟ A الصحيح أن الإبر لا تفطر أبداً مهما كانت، إلا إذا كان يستغنى بها عن الأكل والشرب، يعني إذا كانت توضع في المريض بحيث لا يحتاج إلى الأكل والشرب فهذه نقول: إنها بمعنى الأكل والشرب، فتكون مفطرة لا يتناولها الإنسان إلا عند الضرورة، وإذا اضطر إليها تناولها وأفطر والحمد لله. وأقول لكم بصراحة: نقول لكم هذا ونحن نسأل الله أن يغفر لنا، لأن الإنسان قد يقول قياسها على الأكل والشرب قياس مع الفارق، كيف الفارق؟ يقول: الأكل والشرب يحصل فيه لذة ومتعة بالأكل والشرب بخلاف هذه، هذه تنفع الجسم كما ينفع الأكل والشرب إن قدر أن نفعها للجسم مساوٍ لنفع الأكل والشرب، لكن التلذذ في الأكل والمضغ والحصول في المعدة هذا لا يحصل بهذه الإبر، فيمكن أن يكون الأكل والشرب حرمه الله لما فيه من اللذة والتغذية، ولهذا يقولون: إن المصاب المريض تجد في نفسه شوقاً عظيماً للأكل والشرب، ولو كان يتغذى بها، إذاً ففيها نقص، لكن نحن نقول: إنها تفطر وإن الإنسان إذا احتاج إليها فإنه لا يحتاج إليها إلا في مرض، وإذا كان مريضاً فإنه يحل له أن يفطر ويقضي. أما الدم فلا يضر لأنها ليست حجامة ولم تأخذ هذا لأجل الدم. ونسأل الله أن يلحقنا وإياكم خيراً وأن يجعل عملنا صالحاً وخالصاً لله.

جلسات رمضانية لعام 1410هـ[2]

جلسات رمضانية لعام 1410هـ[2] لأول وهلة ينظر إلى الصيام وكأنه جوع مجرد، ومشقة جوفاء، لكن الله الحكيم العظيم ما شرعه إلا لحكم عظيمة، أعظمها: التقوى. وفي هذا اللقاء بيان لكثير من أحكام الصيام، وإجابات قيمة على أسئلة الحاضرين.

الحكمة من الصوم

الحكمة من الصوم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم. وبعد: فإننا في هذه الجلسة سنتحدث -إن شاء الله- عن الصيام وما يتعلق به من أحكام وذلك للأهمية؛ لأن كثيراً من الناس يجهل حكمة الصوم ويجهل كثيراً من مسائله، فنبدأ أولاً بذكر حكمة الصوم. ما هي الحكمة من أن الله عز وجل فرض على عباده الصوم بل جعله أحد أركان الإسلام التي لا يقوم الإسلام إلا بها، مع أن فيه تعباً على الجسم وعلى النفس، يتجنب الإنسان فيه مشتهياته من الأكل والشرب والنكاح، ويلحقه من الضعف، ضعف النفس، وضعف البدن، ولا سيما في الأيام الطويلة الحارة، ما يجعله أو ما يلحقه المشقة؟ فنقول جواباً على هذا Q يجب أن نعلم قبل كل شيء أن الله سبحانه وتعالى من أسمائه الحكيم، وقد تكرر في القرآن كثيراً، والحكيم هو ذو الحكمة الذي يضع الأشياء في مواضعها {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} وبناءً على هذه العقيدة التي يجب أن يعتقدها كل مسلم، وهي أن الله عز وجل له الحكمة في شرعه وقدره، بناءً على ذلك يرضى المسلم ويسلم بشرع الله عز وجل، كما يرضى ويسلم بقضاء الله وقدره، قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن:11] قال علقمة -أحد أصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه-: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلِّم، ولما سئلت عائشة رضي الله عنها: [ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة] . فوظيفة المسلم الإيمان بقضاء الله وقدره، والإيمان بشرع الله وحكمه، فنقول: إن الله لم يشرع الصيام إلا لحكمٍ عظيمة، أهمها وأجلها وأعظمها: التقوى. تقوى الله عز وجل، لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] هذه الحكمة، من أجل تقوى الله عز وجل، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للصائم: (إذا سابه أحد أو شاتمه فليقل: إني صائم) أي: لا يسبه ويرد عليه بالمثل، ليقل: إني امرؤ صائم، والصائم لا يسب ولا يشتم ولا يصخب، بل عنده الطمأنينة والوقار والسكينة، وتجنب المحرمات والأقوال البذيئة؛ لأن الصوم جنة، يتقي به الإنسان محارم الله ويتقي به النار يوم القيامة، هذه أعظم حكم الصيام. ومن حكم الصيام: تعويد الإنسان على المشقة، على تحمل المشقات والتعب، لأن الترف والنعيم وتيسر الأكل والشرب لن يدوم، فيعوِّد الإنسان نفسه على تحمل المشاق. ومن حكم الصوم كسر حدة النفس؛ لأن النفس إذا كمل لها نعيمها، من أكل وشرب ونكاح، حملها ذلك على الأشر والبطر ونسيان الغير، وأصبح الإنسان كالبهيمة ليس له هم إلا بطنه وفرجه، فإذا كبح جماح نفسه وعودها على تحمل المشاق، وتحمل الجوع، وتحمل الظمأ، وتحمل اجتناب النكاح، صار في هذا تربية عظيمة لها. ومن حكم الصوم: أن الإنسان يذكر به نعمة الله عز وجل، بماذا؟ بتيسير الأكل والشرب والنكاح، لأن الإنسان لا يعرف الشيء إلا بضده، كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء. الإنسان لا يدري قدر النعمة إلا إذا فقدها، وانظر الآن مثالاً قريباً: لو أن النفس حبس، أي: صار الإنسان لا يستطيع أن يتنفس لوجد المشقة العظيمة، مع أننا نتنفس ونحن نتكلم، نتنفس ونحن نأكل، نتنفس ونحن نشرب، نتنفس ونحن في اليقظة، نتنفس ونحن في المنام، ولا نشعر بهذه النعمة العظيمة. وكم مرة يتنفس الإنسان في الدقيقة في الساعة في اليوم في الشهر في السنة، ولا تعرف هذه النعمة، أو لا تعرف قدر هذه النعمة إلا إذا فقدتها، ولهذا إذا أصيب الإنسان بضيق النفس يجد الحرج العظيم، نسأل الله لنا ولكم العافية، لا يلتذ لا بنوم ولا بأكل ولا بشرب ولا بمخاطبة أحد، إذاً إذا صمت وامتنعت عن الأكل والشرب والنكاح عرفت قدر نعمة الله عليك بالأكل والشرب والنكاح، ففيه تذكر نعمة الله. ومن حكمة الله عز وجل في إيجاب الصوم: أن يذكر الإنسان إخوة له مصابين بالجوع والعطش وفقد النكاح، فيرحمهم ويحنو عليهم ويعطيهم مما أعطاه الله عز وجل، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، ينفق ويجود عليه الصلاة والسلام. وهذه الذكرى -أي: ذكرى إخوانك المعوزين- تحملك على أن تتصدق عليهم، وأن تتبرع لهم، وأن تحسن إليهم، والحكم كثيرة في الصوم، لكن كثير من الناس اليوم نجد يوم صومهم ويوم فطرهم سواء، لا تجد عند الإنسان سكينة الصوم ولا الوقار ولا تجنب السب والشتم والكذب والخيانة أبداً، يوم فطره ويوم صومه سواء عنده، وهذا نقص عظيم في الصوم. أما ما يصام عنه من الأمور الحسية، يعني: نحن الآن ذكرنا حكمة الصوم.

مفطرات الصوم

مفطرات الصوم ًما هي الأشياء التي يصام عنها؟ الأشياء التي يصام عنها هي التي يسميها العلماء المفطرات، أو مفسدات الصوم، وهي الأكل والشرب والنكاح والقيء وخروج الدم بالحجامة والحيض والنفاس. هذه المنصوص عليها وفيها أشياء مقيسة ليست منصوصاً عليها. فالأكل والشرب والنكاح منصوص عليها في قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] . القيء منصوص عليه في حديث أبي هريرة الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه) ذرعه يعني: غلبه: (ومن استقاء عمداً فليقض) . خروج الدم بالحجامة منصوص عليه أيضاً في قوله صلى الله عليه وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) هذه خمسة. خروج دم الحيض والنفاس منصوص عليه في قوله صلى الله عليه وسلم: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم) وقد أجمع العلماء على إلحاق النفاس بالحيض. بقي علينا أشياء ليست منصوصاً عليها منها ما كان بمعنى الأكل والشرب، وهي: الإبر المغذية التي يستغنى بها عن الأكل والشرب، يعني: أن الإنسان إذا تناولها اكتفى بها عن الأكل والشرب، هذه تلحق بالأكل والشرب قياساً. ومنها: خروج المني بشهوة بفعل من الإنسان، فإنه يفطر، من العلماء من قال: إنه ملحق بالجماع، لأن كلاً منهما يوجب الغسل، فكان كلٌ منهما مفسد للصوم ومنهم من قال: إنه منصوص عليه، وذلك أن خروج المني بشهوة هو أعلى أنواع الشهوة، والصوم صوم عن الأكل والشرب والشهوة، لقوله تعالى في الحديث القدسي: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) . على كل حال، خروج المني بشهوة بفعل من الصائم يفسد الصوم هذا عليه والأئمة الأربعة: مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وأما خروج المذي بشهوة فلا يفسد الصوم، ولا يمكن أن يلحق بالمني لأن المذي لا يوجب الغسل، وليس هو الشهوة ولهذا يخرج من الإنسان من غير أن يشعر به بخلاف المني، وعلى هذا فلا يصح إلحاقه بالمني، والأصل بقاء الصوم وصحته حتى يقوم دليل على فساده، وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن يحفظها: كل ما ثبت في الشرع فإنه لا ينقض إلا بالشرع، يعني: ما ثبت بدليل شرعي لا ينقض إلا بدليل شرعي، فإذا ثبت هذا الصيام لا يمكن أن يفسده إلا بدليل من الشرع، ولا دليل على أن المذي ناقض ومفسد للصوم، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو أيضاً مذهب الظاهرية وهو صحيح. ذكرنا الأكل، والشرب، والنكاح، وخروج القيء عمداً، وخروج الدم بالحجامة، وخروج دم الحيض والنفاس، وما كان بمعنى الأكل والشرب، وخروج المني بشهوة، بفعل من الصائم. هذه الأشياء المفطرة هل فيها كفارة؟ A لا ليس فيها كفارة إلا واحداً فقط وهو الجماع، الجماع فيه كفارة بشرط أن يكون في نهار رمضان ممن يجب عليه الصوم، فإن كان في غير نهار رمضان مثل أن يكون الإنسان يقضي قضاءً، يعني: عليه أيام من رمضان يقضيها فحصل الجماع فإنه ليس فيه كفارة، فإذا كان في نهار رمضان ممن لا يجب عليه الصوم، فكذلك ليس فيه كفارة، مثل: أن يكون الإنسان مسافراً، ومعه أهله وقد صام هو وأهله، ولكن في أثناء النهار أتى أهله، فإنه ليس عليه كفارة ولا إثم أيضاً؛ لأن المسافر يجوز أن يفطر بأي شيء كان، مما أحله الله عز وجل، إذاً عليه القضاء لأنه أفطر فعليه القضاء، وما عدا الجماع ليس فيه كفارة حتى لو أنزل الإنسان فإنه لا كفارة عليه، لكن إذا كان صومه واجباً فعليه إثم وعليه القضاء.

حكم من أفطر ناسيا أو جاهلا أو غير قاصد

حكم من أفطر ناسياً أو جاهلاً أو غير قاصد ثم هذه المفطرات لا تفطِّر إلا إذا تناولها الإنسان عالماً ذاكراً قاصداً. عالماً: وضده الجاهل. ذاكراً: وضده الناسي. قاصداً: وضده غير القاصد. فلو أن الإنسان أكل وشرب يظن أن الفجر لم يطلع فتبين أنه طالع فليس عليه قضاء، بل صومه صحيح، لأنه جاهل ولو أكل ناسياً فصومه صحيح، ولو أكل مكرهاً أتاه إنسان وهدده بالحبس أو بالقتل أو بضرب يؤلمه، حتى أكل فلا قضاء عليه وصومه صحيح، وكذلك لو تمضمض ودخل الماء إلى جوفه بدون قصد فصومه صحيح، لأنه غير قاصد. ما هو الدليل على أن الجاهل والناسي وغير القاصد لا يفطر؟ الدليل عموم وخصوص، أي: هناك أدلة عامة وأدلة خاصة، وأنا أقول لكم: الأدلة العامة يجب إبقاؤها على عمومها فلا يخرج منها أي صورة إلا بدليل، هذا أيضاً خذوها: الأدلة العامة يجب إبقاؤها على عمومها فلا يخرج منها أي صورة، أي: ما يخرج منها أي شيء إلا بدليل، لأن كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم محكم جاء باللغة العربية، فما كان داخلاً تحت الدلالة فإنه باقٍ على ما دل عليه اللفظ إلا بدليل. الأدلة العامة: قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] في أي شيء؟ لا تؤاخذني في أي شيء؟ في كل شيء يقع منا خطأ أو نسيان فلا تؤاخذنا فيه (قال الله: قد فعلت) هذه القاعدة العامة العظيمة من الله عز وجل إذا ادعى إنسان أن شيئاً خارجاً منها قلنا له: عليك الدليل. دليل آخر من القرآن: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] . إذاً ما لا نقصده فليس علينا جناح فيه ما وقع منا بغير قصد فليس علينا جناح فيه: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] . هناك أدلة خاصة في مسألة الأكل جاهلاً أو ناسياً عدي بن حاتم رضي الله عنه أراد أن يصوم، فجعل تحت وسادته عقالين يعني: حبلين يعقل بهما البعير، وجعل يأكل ويشرب وينظر إلى العقالين الأسود والأبيض، لما تبين الأسود من الأبيض أمسك ظناً منه أن قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187] أن المراد به الخيط الحبل، فلما أصبح أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ذلك بياض النهار وسواد الليل) ولم يأمره بالإعادة مع أن الذي يأكل حتى يبين العقال الأسود والأبيض سوف يأكل وقد ارتفع النهار وقد ارتفع الفجر، لم يأمره بالإعادة لأنه جاهل بالحكم، يظن أن هذا معنى الآية. أيضاً الجاهل بالوقت يظن أن الوقت وقت إفطار وقت أكل وليس كذلك، ما رواه البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: أفطرنا في يوم غيمٍ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم ظهرت الشمس، أكلوا وأفطروا في يوم غيم ظن منهم أن الشمس قد غربت، وبعد ذلك ظهرت الشمس إذاً أكلوا في النهار، لكن جهلاً منهم، جهلاً بالوقت، ما علموا أن الشمس لم تغرب، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء، ما أمرهم، لو كان القضاء واجباً لأمرهم به كما أمر الذي أساء في صلاته قال له: (صل فإنك لم تصل) لو كان القضاء واجباً لأمرهم به، ولو أمرهم به لنقل إليه لا يمكن أن يترك؛ لأنه لو أمر به لكان من الشرع، والشرع محفوظ لابد أن يصل إلى آخر الأمة كما وصل إلى أولهم. إذاً نقول: لا قضاء، وكما أن هذا مقتضى دلالة الحديث، فهو أيضاً مقتضى الأدلة العامة، {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، وهو كذلك مقتضى القياس على ما صح به الحديث: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) والجهل والنسيان صنوان، يعني: قرينان فإذا عفي عن الإنسان بالنسيان، عفي عنه في جهل ولا فرق. أما عدم القصد فيؤخذ من قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106] ووجه الأخذ من هذه الآية أن الله رفع حكم الكفر عمن أكره عليه فما دون الكفر من معاصي من باب أولى، كما جاء في الحديث أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) . هذه لمحة وجيزة سريعة فيما يتعلق بالمفطِّرات ولكن يجب أن نعلم أن الإنسان مأمور بالصوم عن أمرين عن أمور حسية وهي هذه المفطرات، وعن أمور معنوية وهي قول الزور والعمل به والجهل، فعلينا أن نحفظ صيامنا حتى يكون نافعاً مؤثراً، وحتى نتربى به، فلا يخرج رمضان إلا وقد تأثرنا بهذا الصوم، نسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.

الأسئلة

الأسئلة

حكم شم البخور للصائم

حكم شم البخور للصائم Q ذكرت -يا فضيلة الشيخ- في خطبة الجمعة أن من المفطرات البخور، وقلتم: إن له جرماً يدخل في الأنف، مع أنكم ذكرتم في مجالس شهر رمضان كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية، أنه ليس مناط التكليف في المفطرات، في كل ما يدخل في الجوف، فهل البخور بمعنى الأكل والشرب؟ أفيدونا أثابكم الله؟ A البخور المحظور منه أن تستنشقه لا أن تتبخر به لو تبخرت به وتصاعد إلى أنفك شيء من دخانه بغير قصد لم يضر لكن كونك تجعل المبخرة تحت أنفك ثم تستنشق حتى يصل الدخان إلى جوفك، هذا مثل الماء، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام للقيط بن صبرة: (وبالغ فيَّ الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) فلما قال له: إلا أن تكون صائماً، بحثنا ما هي الحكمة في أن الصائم لا يبالغ، الحكمة: لئلا ينزل شيء من الماء إلى جوفه، فعلم بهذا أن كل ما يخشى منه نزول شيء إلى الجوف، أو أن كل ما نزل إلى الجوف من طريق الأنف فهو كالنازل إليه من طريق الفم.

وقت الإمساك عن الطعام في رمضان

وقت الإمساك عن الطعام في رمضان Q يتفاوت المؤذنون في أذان الفجر، فإذا أذن من نراه أوثق فهل نمسك على أول أذانه، أم لنا أن نأكل حتى ينتهي؟ وهل يجوز للمؤذن أن يحتاط فيؤذن في أول الوقت على ظنه وهو لا يرى طلوع الفجر، إنما يتبع في ذلك التقويم، كل ذلك خوفاً على صيام الناس مع احتمال تصويم الناس قبل الوقت؟ A الواقع أن مسألة أذان الفجر في وقتنا الحاضر، مشكلة كيف إشكالها؟ الناس لا يمكن أن يروا الفجر بسبب الإضاءة، لا يمكن أن يروه إلا من كان بعيداً، فهم يعتمدون في الحقيقة على الحساب بلا شك، وهنا صرنا نعمل بالحساب بحسب التوقيت اليومي، ولا نعمل بالحساب بحسب التوقيت الشهري، وهذا حق، أي مسألة أننا لا نعمل بالحساب بحسب التوقيت الشهري هذا حق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الحكم بالرؤية: (إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا) وكذلك الإمساك اليومي أو الإفطار اليومي، معلق أيضاً بالرؤية، قال الله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} [البقرة:187] وبماذا يتبين الخط الأبيض؟ في اللمس لا، بالشم لا، بالذوق لا، بالرؤية لكن الآن نحن نمشي على الحساب، حتى يتبين لنا بالحساب وإلا ما نشاهده. على كل حال، ما دمنا نمشي على الحساب، فالحساب أدق من الرؤية، لأن الحساب يبني على تقدير درجات معينة، ولهذا تجد فيه اختلافاً، حتى الحساب الآن فيه اختلاف فهو يمشي على درجات معينة لا على رؤية، ولهذا يقال لنا -ونحن ما جربنا- إن الإنسان الذي يبعد عن الأضواء يجد الفرق العظيم بين تبين الصبح وبين أذان الناس، يعني أن أذان الناس يسبق تبين الصبح؛ لأن هذا مقدر ببعد الشمس عن الأفق بدرجات قد يرى الصبح وقد لا يرى، لهذا نقول: إنه لا يجوز للمؤذن أن يحتاط فيقدم، هذا لا يجوز حرام عليه لأنه إذا فعل ذلك وقع في محاذير، ولنعدها: المحذور الأول: حرمان المسلمين مما أباح الله لهم؛ لأنه إذا أذن وأمسك الناس قبل أن يطلع الفجر، معناه أنه حرم الناس من الأكل والشرب إلى الفجر، وهذا شيء عظيم، ربما يكون الإنسان في هذه اللحظة قام من نومه، يريد أن يشرب ماءً، ولكن سمع الأذان فوقف هذه مشكلة. المحذور الثاني: أنه قد يصلي الإنسان الفجر على الأذان، أي: شخص يكون متوضئاً وينتظر متى يؤذن حتى يقوم ويصلي كالمرأة في البيت، والمريض في البيت، فيكون هذا صلَّى قبل دخول الوقت وهذا خطر عظيم، كيف يحتاط الإنسان بمنع المسلمين مما أباح الله لهم، وبكون المسلمين يصلون قبل الوقت، أين الاحتياط؟ هذا حقيقة إشغال للذمة، يعني: المؤذن يتعلق الناس بذمته. المحذور الثالث: أننا إذا قلنا بأن الأذان للفجر لا يجوز إلا بعد دخول الوقت كسائر الأذانات، يعني: أذان الظهر لا يصلح إلا بعد دخول الوقت، أذان العصر لا يصلح إلا بعد دخول الوقت، أذان المغرب لا يصلح إلا بعد دخول الوقت، أذان العشاء لا يصلح إلا بعد دخول الوقت، انتبه! أذان الفجر فيه خلاف بين العلماء، منهم من قال: لا يصلح إلا بعد دخول الوقت، ومنهم من قال يصح ولو قبل أن يدخل الوقت ولكن في زمن قريب من الوقت، لكن إذا قلنا بأنه لا يصح إلا بعد دخول الوقت، وأذن المؤذن قبل الوقت، يكون أذانه صحيحاً أم غير صحيح؟ غير صحيح. فالإنسان ينبغي له أن يتقي الله عز وجل، وأن يحتاط في أذان الفجر خاصة، وفي غيره من الأذانات، لكن المشكل الآن أن بعض الناس يجتهد وهو مخطئ، فيقول: أتقدم أربع دقائق من أجل الناس أن يمسكوا، ليس هناك إمساك الإمساك يكون إذا تبين الفجر، أما قول بعض الناس إمساك قبل خمس دقائق ثم الفجر هذا ما أنزل الله به من سلطان، كل واشرب إلى أن ترى الفجر. فإذا أذن المؤذن وعلم أن المؤذن حريص على ضبط ساعته، وعلى التأني وعدم السرعة، فإن الإنسان ينبغي له -من باب الاحتياط- أن يمسك إذا أذن المؤذن، ولا يأكل وبعض العلماء يرخص له، إذا كان الإناء في يده أن يشرب، وإذا كانت التمرة في يده أو اللقمة في يده أن يأكل، بعض العلماء يرخص في هذا لحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند بسند جيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمع أحدكم الأذان والإناء في يده فلا يضعه حتى يقضي نهمته منه، أو قال: حتى يشرب) قال: هذا دليل على أنه إذا أذن والإناء في يده فلا بأس أن تشرب، أما أن تأخذ من الأرض بعد الأذان وهو قد أذن على طلوع الفجر فلا تأخذه. على كل حال الذي أنصح به إخواننا أن يكونوا قد هيئوا أنفسهم وألا يعرضوا صيامهم للخطر.

انتقاض الصوم بالنية

انتقاض الصوم بالنية Q رجل مسافر نوى قطع صيامه لكنه لم يجد ما يفطر به، ولما كان قريباً من وقت الغروب استأنف نية الإمساك، فما حكم صيامه؟ A رجل مسافر نوى أن يفطر يعني: قطع الصوم، ثم أراد أن يعود إلى الصوم من جديد، لما رأى أن المغرب قريب، فهل يصح هذا أو لا؟ نقول: لا يصح، لأنه لما نوى قطع الصوم انقطع، حتى وإن لم يأكل ويشرب ما دام نوى قطع الصوم فإنه ينقطع، ولو استأنف الصوم لم يصح لأن صوم الفريضة لابد أن يكون من قبل طلوع الفجر.

حكم من زاد ركوعا في صلاة الوتر

حكم من زاد ركوعاً في صلاة الوتر Q رجل ركع بعد ما قنت في الوتر وقد ركع قبله، مع العلم أنه هو الإمام، فماذا يفعل؟ A إذا ركع القانت في الوتر بعد القنوت فإن هذا الركوع يعتبر زيادة في الصلاة، وإذا كان زيادة فالواجب في ذلك سجود السهو ويكون سجوده بعد السلام، لأن سجود السهو إذا كان سببه الزيادة فمحله بعد السلام، ولا فرق بين الإمام وغير الإمام، لكن المأموم إذا كان لم يفته شيء من الصلاة يتحمل عنه الإمام سجود السهو، أي: لو فرض من المأموم ولو بركعة، ولما رأى الناس سجدوا قام ثم سجد، نقول: أنت أيها المأموم زدت ركوعاً ولكن لما كنت لم يفتك شيء فسلِّم مع الإمام ولا سجود عليك،يتحمل عنك الإمام، وإن كان قد فاتك شيء فإنه يجب عليك إذا قضيت ما فاتك أن تسجد للسهو.

حكم إخراج النقود بدلا عن الإطعام على من لا يستطيع الصوم

حكم إخراج النقود بدلاً عن الإطعام على من لا يستطيع الصوم Q رجل كبير مريض لا يستطيع الصوم، فهل يجزئ إخراج النقود بدلاً عن الإطعام، وهل يجزئ عن ذلك أن يدفعها فيما يسمى تفطير مجاهد؟ A يجب علينا أن نعلم قاعدة مهمة وهي: أن ما ذكره الله عز وجل بلفظ الإطعام أو الطعام وجب أن يكون طعاماً، وقد قال الله تعالى في الصوم: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184] وقال في كفارة اليمين: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة:89] . وفي الفطرة فرض النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من طعام، فما ذكر في النصوص بلفظ الطعام أو الإطعام فإنه لا يجزئ عنه الدراهم، وعلى هذا فالكبير الذي كان فرضه الإطعام لا يجزئ أن يخرج بدلاً عنه دراهم، لو أخرج بقدر قيمة الطعام عشر مرات لم يجزئه، لأنه عدول عما جاء به النص كذلك الفطرة، قال بعض الناس: لو أخرج صاعاً من الذهب لم يجزئ عن صاعٍ من الحنطة؛ لأن الذهب غير منصوص عليه والحنطة منصوص عليها، أي: مذكورة من القرآن، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فالذي حمل بعض الناس أن يقولوا هذا القول، قال: أنا معي أصل، هل نص الرسول على الدينار والدرهم؟ لا، (من طعام) وعلى هذا فنقول للأخ الذي لا يستطيع الصوم لكبره: أطعم عن كل يومٍ مسكيناً ولك في الإطعام صفتان: الصفة الأولى: أن توزع عليهم في بيوتهم، كل واحد تعطيه خمس الصاع من الرز وتجعل معهم ما يؤدمه وأي شيء، فاصنع طعاماً وادع إليه عدد المساكين الذي يجب أن تطعمهم، يعني يمكن إذا مضى عشرة أيام تصنع طعام عشاء، وتدعو عشرة من الفقراء يأكلون، وكذلك في العشر الثانية، والعشر الثالثة، كما كان أنس بن مالك رضي الله عنه حين كبر وصار لا يستطيع الصوم، يطعم ثلاثين فقيراً في آخر يومٍ من رمضان. وأما صرفه لما يسمى بتفطير مجاهد، فالمجاهد ليس عندنا حتى نفطره وإذا دفعنا ما يفطره اليوم متى يصل إليه، ربما يصل بعد يومين ثلاث وربما لا يصل إلا بعد العيد والله أعلم، حسب بعد المواصلات، وحسب تسهيل الوصول، لكن شيئاً طلب منك اجعله في بلدك، حتى تكون مطمئناً على وصوله في وقته، ومثل ذلك أيضاً الفطرة لا تخرجها إلا في بلدك مهما كان الأمر، حتى أن العلماء قالوا: يحرم على الإنسان أن يخرج فطرته في غير بلده، فإن كان ليس في بلده فقراء أخرجها في أقرب البلاد إليه من البلاد التي فيها الفقراء، والفطرة والأضاحي مطلوبة من الشخص تتعلق ببدنه، ولهذا قال العلماء: لو كان الإنسان في بلد وماله في بلد أخرج فطرته في البلد الذي هو فيه، وأخرج زكاة المال في البلد الذي فيه المال. وكوننا نجعل حتى الفطرة والأضحية تذهب إلى المكان الفلاني والمكان الفلاني، والناس الفلانيين والناس الفلانيين هذا خطأ، لأن هذه عبادات مقصودة منا، الأضحية إذا دفعناها إلى مكان ما بقيت بيوتنا ليست فيها أضحية فلا نقيم فيها شعائر الإسلام والأضحية من الشعائر، ولهذا قال العلماء: لو تصدق بقيمة الأضحية ألف مرة ما أجزأت عن الأضحية، لأن الله يقول: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37] وأنا أرى أن مساعدة المجاهدين في أفغانستان أو في غيرها من بلاد المسلمين ينبغي أن يحث الناس على التبرع، حتى يجعلوا من أموالهم نصيباً للجهاد في سبيل الله، أما أن تجعل الزكوات الواجبة التي هي خارجة على كل حال ومفروضة، تجعل في الجهاد، ولا تبذل أموال خاصة للجهاد، معنى ذلك أننا دفعنا ضريبة الجهاد مما أوجب الله علينا من الزكاة، فكأننا لم نشارك في الجهاد، يعني: الزكاة مطلوبة منا، وفتح هذا الباب للناس أن يجعلوا زكاة أموالهم وزكاة أبدانهم تصرف في الجهاد في أفغانستان أو غيرها، أنا عندي أنه يجب أن يتأمل الإنسان فيه، حتى لا نفتح للناس وقاية أموالهم بزكوات أموالهم، نقول: اجعل من مالك للجهاد حتى تكون مجاهداً أما أن تجعل زكاتك في الجهاد كيف هذا؟ صحيح أن المجاهدين لهم حق في الزكاة، لكن غير المجاهدين سبعة أصناف لهم حق في الزكاة أيضاً، فاجعل التبرع للجهاد من مالك، واجعل من زكاتك للجهاد، واجعل لبقية الأصناف نصيبهم. على كل حال الذي أريد أن أقوله في مسألة الزكاة: زكاة الفطر لا يجوز أن تخرج في غير بلد الإنسان، الأضحية لا يجوز أن تصرف إلا في بلد الإنسان، الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام، جعلها الله للمقيمين في أوطانهم، كما جعل للحجاج هدايا في مكة والله حكيم، أما أن نصرف دراهم للمكان الفلاني والمكان الفلاني، وتبقى بيوتنا معطلة من الأضاحي، أو من العقيقة -مثلاً- بالنسبة للأولاد فلا. افتح للمسلمين التبرع للجهاد بأموالهم؛ لأن الجهاد بالمال عديل الجهاد بالنفس، دائماً يقرن في القرآن بين الجهاد بالمال والجهاد بالنفس، ويقدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس. أما أن نجعل زكواتنا والأشياء التي أوجب الله علينا نجعلها في الجهاد، ونبقي دراهمنا محفوظة ما نشارك في الجهاد، هذا فيه شيء من النظر، ولست أقول لا يتبرع! ينبغي أن نتبرع للمجاهدين في كل مكان؛ لأنهم إخوتنا وعلينا نصرتهم، لكن كوننا نجعل واجباتنا التي أوجب الله علينا في أموالنا، أو أوجبها الله شعيرة من شعائر الإسلام، تكون في بيوتنا، نصرفها يميناً وشمالاً هذا فيه نظر.

حكم تنبيه الصائم إذا سها فأكل أو شرب

حكم تنبيه الصائم إذا سها فأكل أو شرب Q إذا رأيت صائماً يأكل أو يشرب فما حكم التنبيه له، وكيف يكون تنبيهه؟ A يجب إذا رأيت من يأكل أو يشرب وهو صائم أن تنبهه؛ لأنه وقع في سهو والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، ولهذا لو رأيت شخصاً نائماً وقت الصلاة، هل تقول: إن النائم مرفوع عنه القلم فلا أوقظه، أو توقظه؟ طبعاً! توقظه، والعلماء قالوا: يجب إعلام النائم بدخول وقت الصلاة قبل أن يخرج وقت الصلاة، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا نسيت فذكروني) الصائم الذي يأكل ناسياً معذور، لكن العالم به ليس بمعذور؛ لأنه يعلم أن هذا يفعل مفسداً لصومه لولا العذر، إذا كان يعلم بذلك فلينبهه.

حكم من جامع زوجته في نهار رمضان ناسيا أو جاهلا

حكم من جامع زوجته في نهار رمضان ناسياً أو جاهلاً Q ما هو الصحيح فيمن جامع امرأته في نهار رمضان ناسياً أو جاهلاً هل عليه كفارة أم لا؟ A جميع مفطرات الصوم ومنها الجماع، إذا كان الإنسان جاهلاً أو ناسياً أو غير قاصد، فإنها لا تفطر، وعلى هذا فمن جامع زوجته ناسياً فليس عليه شيء، وصومه صحيح، ومن جامعها جاهلاً كأن يظن أن الفجر لم يطلع، لا جاهلاً بالحكم لأني لا أظن أن أحداً عاش بين المسلمين يجهل أن جماع الصائم حرام، كل الناس يعلمون أنه حرام، لكن الجاهل في الجماع يمكن أن يكون جهل طلوع الفجر، أي: يجامع زوجته في آخر الليل، وهو لا يظن أن الفجر قد طلع، فيتبين أنه طالع، فحينئذ نقول: صومه صحيح ليس عليه كفارة، ومثل ذلك لو كان يجامع أهله فأذن الفجر، على طلوع الفجر فإنه يجب عليه أن ينزع وصومه صحيح وليس عليه كفارة.

المسافر لا يفطر إلا بعد خروجه من البلد

المسافر لا يفطر إلا بعد خروجه من البلد Q هل يجوز لمن نوى السفر أن يفطر قبل أن يخرج من بيته؟ فإذا كان يجوز له ذلك فما الحكم فيما لو نوى السفر فأفطر قبل الخروج، ثم لم يتيسر له السفر، أرجو التوضيح؟ A لا يجوز لمن نوى السفر أن يفطر حتى يخرج من البلد، وذلك؛ لأن رخص السفر مربوطة أو منوطة بحصول السفر فعلاً، لأن الله تعالى يقول: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:101] إذا ضربتم، ولم يقل: إذا أردتم الضرب في الأرض، فالضرب لا يكون إلا في الخروج من البلد، فلا يجوز لمن أراد السفر أن يفطر، إلا لمن سافر فعلاً. ولكن هاهنا مسألة وهي: إذا أراد أن يسافر في الطيارة من بلدٍ في القصيم فمعلوم أن المطار ليس في البلد، ليس في بريدة، وليس في عنيزة، ولا في الرس، ولا في البكيرية، ولا في أي مدينة من مدن القصيم، مستقل! هل يجوز لمن أراد أن يسافر في الطائرة وهو في المطار أن يفطر؟ الجواب: نعم يجوز؛ لأنه خرج عن بلده ويجوز أيضاً أن يقصر الصلاة لأنه أيضاً خرج عن بلده، والعلماء قالوا: متى خرج عن عامر البلد فقد شرع في السفر فيجوز له رخص السفر.

الدعاء المأثور عند الإفطار

الدعاء المأثور عند الإفطار Q ما هو الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند الإفطار؟ A الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الإفطار لم تكن في الصحيحين ولا في أحدهما، لكنها في السنن، ومنها: (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت) اللهم لك صمت: وهذا إخلاص، وعلى رزقك أفطرت: وهذا شكر لله عز وجل. وورد أيضاً فيما إذا اشتد الحر وأفطر الصائم: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك حين إفطاره، وهذا الحديث واضح أنه في يوم كان شديد الحر، لأن العروق يابسة، والظمأ حصل، فإذا شرب قال: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر) أجر الصوم، وأجر مشقة الظمأ.

حكم رؤية الدم بعد تيقن الطهر للمرأة الصائمة

حكم رؤية الدم بعد تيقن الطهر للمرأة الصائمة Q امرأة حائض رأت علامة الطهر في الليل فاغتسلت وصامت من الغد، وفي أثناء النهار خرج منها قدر يسير من الدم علماً أنها استوفت في حيضتها المدة المعتادة، هل تصوم وتصلي أم أن ذلك دم حيض، وإذا كان هذا الدم يسيراً ويستمر أياماً فما الحكم؟ A إذا كانت المرأة هذه قد تيقنت الطهر في آخر الليل وصامت، فإن النقطة والنقطتين بعد الطهر ليست بشيء، لا تمنع لا من صلاة ولا من صيام، كالصفرة والكدرة، وعليه فصوم هذه المرأة صحيح، ولا قضاء عليها، حتى لو جاء في اليوم الثاني والثالث والرابع نقطة أو نقطتان ليس بشيء.

تصفيد الشياطين في رمضان

تصفيد الشياطين في رمضان Q كيف نجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم فيما معناه: (إذا جاء رمضان صفدت الشياطين فلا يخلصون إلا ما كانوا يخلصون إليه في غيره) وبين ما يفعله كثير من الناس من المعاصي في هذا الشهر الكريم، من إغواء الشيطان لهم، بترك بعض الصلوات أو غيرها من المعاصي؟ A يجب أولاً أن نعلم قاعدة مهمة، وهي: أن ما ثبت في الكتاب والسنة فلن يخالف الواقع أبداً، فإن وجد في الواقع المحسوس المعلوم ما ظاهره أنه يخالف الكتاب والسنة، فماذا نصنع؟ نقول: يجب تأويل الكتاب والسنة لأن فهمنا يكون حينئذ خطأً، يكون الله ما أراد هذا الذي فهمنا، ولا الرسول صلى الله عليه وسلم أراد هذا الذي فهمنا. إذا حصل في الواقع ما يخالف ظاهر الكتاب والسنة، يؤول ويكون فهمنا أن المراد به ما خالف الظاهر فهماً خطأً، لأن كلام الله ورسوله لا يمكن أن يناقض الواقع إطلاقاً، فهذا الذي ذكره السائل أن رمضان تصفد فيه الشياطين، ولا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، والواقع كما قال: يوجد أناس من الفسقة يزداد فسقهم في رمضان، فالشياطين الآن مصفدة عنهم أم مصفدة فيهم؟ والله أعلم مصفدة فيهم. على كل حال العلماء رحمهم الله قالوا: إن في بعض روايات هذا الحديث تصفد مردة الشياطين، وليست الشياطين كلها تصفد، إنما تصفد المردة، وبناءً على ذلك تسلط غير المردة على هؤلاء الفسقة، ولا مانع، وبعضهم قال: إنها تصفد الشياطين كلها، وذكر المردة في بعض الألفاظ لا يقتضي التخصيص؛ لأن لدينا قاعدة وهي: أن ذكر بعض أفراد العام بحكم مطابق للعام لا يكون ذلك تخصيصاً. إذاً كيف يحمل؟ يقال: يحمل بالنسبة لأهل الحق والإيمان تصفد الشياطين عنهم فلا يخلصون إلى ما يخلصون إليه في غير، وحينئذٍ نتخلص من تسليط الشياطين على الفسقة في هذا الشهر.

البخل والتقتير على الزوجة والأولاد

البخل والتقتير على الزوجة والأولاد Q رجل يقتر على زوجته وأولاده مما يجعلهم في حاجة إلى مساعدة غيرهم، وقد نشب بينهم خلاف فقال: إن أخذت شيئاً من أهلك فأنتِ حرام عليَّ، وقد ندم مؤخراً على كلامه ويريد أن يرجع عنه، فماذا يفعل وهل يجوز أن يدفع لها أخوها من زكاة ماله؟ A أولاً: أنا أنصح هذا الرجل المقتر، بأنه آثم عاصٍ لله عز وجل، إذا قتر فيما يجب عليه لزوجته وأولاده، لأن الله أوجب عليه الإنفاق على زوجته وعلى أولاده، فإذا بخل فقد عصى الله عز وجل، والبخل مرض، من الذي يوصف بالبخل؟ اليهود هم أصحاب البخل، هل ترضى لنفسك بأنك تكون مشابهاً لليهود؟ أبداً، لا أحد من المسلمين يرضى أن يكون مشابهاً لليهود أبداً، ولكن البخل من أخلاق اليهود، مع كونه معصية لله ورسوله، مع كون هذا الرجل سفيهاً في عقله، بعد أن كان ناقصاً في دينه فهو سفيه في عقله كيف؟ لمن يعود هذا المال إذا بخل به؟ إذا مات يعود إلى ورثته وقد يكون من بينهم زوجته وهؤلاء الأولاد الموجودون الآن، فإن لم يكن له زوجة ولا أولاد من الذي يرثه؟ بنو عمه البعيدون، فيبخل بالمال على نفسه وعلى أقرب الناس إليه ليكون لبني عمه البعيدين، فإن لم يكن له بنو عم فلبيت المال أبعد وأبعد، هذا مسكين هذا المال الذي يبخل به يرثه إما أولاده أو زوجته الموجودون، وإما بنو عمه البعيدون، وإما من هو أبعد وهو بيت المال. هذا إن بقي المال مع إنه ربما يسلط عليه آفة تفنيه، ربما يصاب هذا البخيل بأمراض يحتاج معها إلى أموال كثيرة فتفنى أمواله وهو حي. فنحن نقول لهذا الرجل: أنت الآن ناقص الإيمان سفيه العقل، ونقول له: (إن كل يوم تطلع فيه الشمس فيه ملكان أحدهما يقول: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الثاني: اللهم أعط ممسكاً تلفاً) هل تحب الخلف أم التلف؟ يمكن البخيل هذا يحب التلف، إنما كل إنسان يحب الخلف، ما يمكن يحب التلف، ثم نقول اقرأ قول الله عز وجل {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39] الذي يرزقك الله، لا تظن أن المليون الذي عندك إذا نقص عشر ليرات معناه: لم يعد تماماً، بل سيصبح أكثر، يتم المليون وزيادة: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39] . فنصيحتي لهذا الرجل أن يتقي الله ويقوم بالواجب لزوجته وأولاده حتى يبارك الله له في ماله ويتخلص من مشابهة اليهود، أما بالنسبة للزوجة والأولاد فلها شرعاً أن تأخذ من ماله بغير علمه ما تقوم به كفايتها، تسطو على الصندوق إن كانت تعرف المفتاح، وتأخذ ما تريد بشرط ألا تسرف، تأخذ من المخبأة إذا علَّق الثوب تأخذ منه حاجتها، بشرط ألا تسرف، لها ذلك شرعاً لأن هند بنت عتبة شكت زوجها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لا يعطيها ما يكفيها وولدها قال: (خذي من ماله ما يكفيك ويكفي ولدك بالمعروف) . فإذاً نقول: أنتِ حرة لكِ الحق أن تأخذي، فإن لم تستطيعي كأن يكون هذا الرجل يحمل مفتاح الصندوق معه، والمخبأة لا يجعل فيها شيئاً أو حصل لها شيء، ماذا تعمل؟ تأخذ من أقاربها ولا تموت هي وأولادها، لها أن تأخذ، وإذا حرم عليها أن تأخذ من أقاربها، لم يلزمها أن تطيعه في ذلك، لها أن تأخذ، وهو الذي يتعب ليتخلص من هذا التحريم. وإذا كان هذا الرجل حاضراً يقول: إن شاء الله لن أعود إلى البخل فأنا أفتيه أن يكفر كفارة يمين عن هذا التحريم، وينحل التحريم، يطعم عشرة مساكين ويتركها تأخذ من الذي تريد، وخير من ذلك أن يعطيها هو من ماله.

كيفية نصح المقصر في صلاة الجماعة والمستهزئ بالمتدينين

كيفية نصح المقصر في صلاة الجماعة والمستهزئ بالمتدينين Q زوجي يصلي الأوقات كلها ولكن في غير المسجد، يصليها في المنزل وهو يصوم أيضاً، لكن يكثر الكلام عن الدين والمتدينين والاستهزاء بهم، وأنا أناصحه في ذلك على قدر استطاعتي، فما نصيحتكم وما رأيكم يا فضيلة الشيخ؟! A رأيي أن تستمري في نصيحته، أنا أخاطب المرأة السائلة أن تستمر في نصيحة زوجها، ولعل الله أن يهديه لكن لا تستمروا في نصيحته على وجه يضجره، بل تتحين الفرص إذا كان هادئ البال، طيب القلب، مطمئناً راضياً تحدثه، أما أن تضجره كلما دخل قالت: صلِ مع الجماعة، كلما دخل قالت: صلِ مع الجماعة، جلس يأكل يتغدى قالت: صلِ مع الجماعة، يتعشى قالت: صلِ مع الجماعة يشرب القهوة قالت: صلِ مع الجماعة، هذا تضجره ربما يغضب ويقول شيئاً يخرجه من الدين وهو لا يدري. وأما كونه يسخر بأهل الدين، فهذه نقطة هامة يجب الوقوف عندها، إن سخر بأهل الدين من أجل ما هم عليه من الدين، يعني كراهة لدين الله فهذا كفر مخرج عن الملة، ولو صلى وصام، لأن الله يقول: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65-66] كفرهم الله بعد إيمانهم لاستهزائهم بالله وآياته ورسوله. أما إذا كان يكرههم لا للدين الذي هم عليه، فهذا لا يكفر لكنه أخطأ خطأً عظيماً، لأن الواجب علينا محبة من يحب الله ورسوله، لكن قد يقول لي قائل: كيف نفرق بين من يستهزئ بالمتمسكين بالدين على وجه شخصي، أو يستهزئ لأنه متمسك بالدين؟ يعني قد يقول الإنسان: لا أعرف الفرق، كيف الفرق؟ نقول: لو أن أحداً من الناس الذين يجلهم هذا الرجل، فعل مثل ما فعل هؤلاء الملتزمون، ما كرهه فهذا نعلم أنه لم يكره الدين وإنما كره هؤلاء لأشخاصهم، لكن لو فعله واحد غيرهم ممن يجله ويعظمه، ما كرهه وهذا شيء يقع كثيراً، أي: ما أحب أسمي شخصاً بعينه حتى أضرب به المثل لكن لو وجد عالم من علمائنا المعتبرين، الذي هم محل الثناء عند الناس فعل مثل ما فعل هؤلاء الأخوة الملتزمون، لم تجد هذا الرجل يسخر منه ولا يستهزئ به، لكن إذا فعله هؤلاء سخر منهم. إذاً الاحتقار هنا لما هم عليه من الدين أم لأشخاصهم؟ هذا واضح بأنه لأشخاصهم بدليل أنه لو فعله إنسان آخر يجله ما استهزأ فهذا هو الفرق. على كل حال نصيحتي لهذا الرجل أن يقوم بما أوجب الله عليه من الصلاة مع الجماعة، وليعلم أن تركه للجماعة نقص في صيامه وفي دينه أيضاً، لأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وترك الجماعة في المساجد لا شك أنه معصية.

التقوى والزهد والورع

التقوى والزهد والورع Q كيف يستشعر الإنسان التقوى وبماذا تحصل؟ وما الفرق بين التقوى والورع؟ A هذا في الحقيقة سؤال مشكل، كيف يكون الإنسان تقياً، مشكل لكن جوابه سهل، يكون تقياً بفعل أوامر الله واجتناب نواهيه، وأهم ما يكون الصلاة وحضور القلب فيها، وكل المشاكل التي تصيب الإنسان من الخواطر والوساوس والتهاون كله بسبب إضاعة الصلاة: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} [مريم:59] {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45] حاول أنك تكون دائماً مستحضر القلب في صلاتك، تجد أن الله يمن عليك بالتقوى بكل سهولة، فهذا أهم دواء يتداوى به الإنسان، وأما الفرق بين التقوى والورع، فلا فرق بينهما في الحقيقة؛ لأن الورع تعريفه: ترك ما يضر في الآخرة، والتقوى ترك ما يضر في الآخرة، لأن التقوى فعل الأوامر واجتناب النواهي، وترك الأوامر أو فعل النواهي يضر بالآخرة، والورع كما قال العلماء: ترك ما يضر في الآخرة، لكن ما الفرق بين الورع والزهد؟ فلان زاهد وفلان ورع ما الفرق؟ قالوا: إن الزهد أعلى مقاماً من الورع، الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع ترك ما يضر وبينهما مرحلة، ما هو الذي بينهما؟ الذي ليس بنافع ولا ضار يفعله الورع ولا يفعله الزاهد، لأن الزاهد لا يفعل إلا ما ينفع. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جلسات رمضانية لعام 1410هـ[1-3]

جلسات رمضانية لعام 1410هـ[1-3] إن الله جل وعلا قد بين لنا الحلال والحرام، وهو الذي بيده التحليل والتحريم، وقد تحدث الشيخ عن الأشياء المحرمة التي ذكرها الله جل وعلا في كتابه، ثم ذكر حكم طعام أهل الكتاب.

وقفات مع آيات بينات من سورة المائدة

وقفات مع آيات بينات من سورة المائدة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وإمام المتقين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فإننا في هذه الليلة تَلَونا قولَ الله عزَّ وجلَّ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة:3] إلى آخر الآية. وهذا من المُحَرَّم المفصَّل، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119] . وإنما كان التفصيل في المحرم؛ لأن ما أحله الله لنا أكثر مما حرمه علينا؛ فجعل المحرمات محصورة مفصَّلة معيَّنة، أي: وما سوى ذلك فهو حلال. وبناءً على هذه الآية: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} لو شككنا في شيء من الأشياء، مطعوماً كان أم مأكولاً أم ملبوساً أم مستعملاً، لو شككنا فيه هل هو حلال أو هو حرام؟ لقلنا: إنه حلال؛ لأنه لو كان حراماً لفصَّله الله لنا؛ فإن الله تعالى قد فصَّل لنا ما حرَّم علينا. فلو صاد الإنسان طيراً، وأشكل عليه هل هو حلال أو حرام؟ فهو حلال، هذا هو الأصل. ولو وجد زاحفاً في الأرض من الحيوانات الكثيرة في الأرض، وأشكل عليه أحلال هو أم حرام؟ فهو حلال؛ حتى يقوم دليل على التحريم؛ لأن الله سبحانه وتعالى فصَّل لنا ما حرم علينا. ومع ذلك فإن هذه المحرمات المفصَّلة إذا اضطر الإنسان إليها صارت حلالاً، ولهذا قال: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119] فما دعت الضرورة إليه من المحرمات ولو كان من أخبث ما يكون من المحرمات، فإنه يكون حلالاً لنا، ولا يُستثنى من هذا شيء؛ لأن الله عزَّ وجلَّ قال: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} . في آية المائدة -التي نحن بصدد الكلام عليها بما تيسر- يقول الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة:3] : فمن الذي حرمها؟ الذي حرمها هو الله عزَّ وجلَّ؛ لأنه لا يتولى التحليل أو التحريم إلا الله عزَّ وجلَّ، كما قال الله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل:116] . ولقوله: {قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس:59] . فالذي بيده التحليل والتحريم والإيجاب والإباحة هو: الله عزَّ وجلَّ.

تفسير قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة)

تفسير قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة) حرم الله علينا الميتة، والميتة قال العلماء: هي: كل حيوان مات حتف أنفه، أو ذُكِّي بغير ذكاة شرعية. فالأول الذي مات حتف أنفه: هذا ميتة لغة وشرعاً. والذي ذُكِّي على غير وجه شرعي: هذا ميتة شرعاً؛ وإلا فقد يكون أُنْهِرَ الدم فيه؛ لكنه ميتة؛ لأنه لم يذكَّ على طريق شرعي. فلو أن رجلاً ذَكَّى شاة بحادٍّ، يعني: بسكين حادة، وقطع كل ما يعتبر قطعه، ولكنه لم يذكر اسم الله عليها، فإنها تكون حراماً، تكون ميتة، لماذا؟ لأنها لم تذكَّ على وجه شرعي. ولو أن وثنياً أو مرتداً ذبح شاة وقال: باسم الله، وقطع ما يجب قطعه فإن هذه الشاة ميتة شرعاً. وعلى هذا فلو أن رجلاً لا يصلي ذكى شاة وقال: باسم الله، وقطع ما يجب قطعه فإن هذه الشاة لا تحل؛ لأن الذي لا يصلي مرتد كافر، لا تحل ذبيحته. إذاً: الميتة ما هي؟ هي: التي تموت حتف أنفها، يعني: تموت بدون سبب، أو بذكاة غير شرعية. يُستثنى من ذلك: ما استثناه الرسول عليه الصلاة والسلام وهو: السمك، والجراد؛ فإن السمك ميتته حلال، حتى وإن لم تَصِده، لو وجدته على ساحل البحر ميتاً فهو حلال تأكله، وكذلك الجراد لو وجدته ميتاً فهو حلال تأكله؛ اللهم إلا أن يكون قد قُتل بمواد كيماوية، يُخشى منها الضرر، فهذا لا يؤكل من أجل ضرره؛ لا من أجل أنه ميت، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن عمر رضي الله عنهما: (أحلت لنا ميتتان ودمان: فأما الميتتان: فالجراد، والحوت، وأما الدمان: فالكبد، والطحال) .

تفسير قوله تعالى: (والدم)

تفسير قوله تعالى: (والدم) الثاني: {وَالدَّمُ} [المائدة:3] : الدم: هذا عام يشمل كل دم؛ لكن بشرط ألا يكون الدم مما ذُكِّي ذكاة شرعية، فإن كان مما ذُكِّي ذكاة شرعية فإنه حلال، يعني: لو أنك ذبحت شاة ذبيحة شرعية وماتت، وبدأتَ تسلخها وظهر منها دم ولو كان كثيراً، فإن ذلك حلال؛ لأنه خرج من مُذَكىً ذكاة شرعية، أما ما خرج من حيوان حي فهو حرام، وكانوا في الجاهلية إذا سافروا وانقطع بهم السفر، ونفد طعامهم يَفْصِد الإنسانُ عِرْقاً من ناقته ويَمُصُّه، يشرب الدم، هذا عند الضرورة لا بأس به؛ لكن لغير الضرورة لا يجوز.

تفسير قوله تعالى: (ولحم الخنزير)

تفسير قوله تعالى: (ولحم الخنزير) قال تعالى: {وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة:3] :- وهو حيوان خبيث معروف حرام. وقد أَعَلَّ الله عزَّ وجلَّ الميتة والدم ولحم الخنزير بقوله: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام:145] {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام:145] أي: خبيث، خبيث شرعاً، وخبيث طبعاً؛ لأن هذه الثلاثة: الميتة، والدم، ولحم الخنزير تؤثر على صحة الإنسان، تؤثر عليها تأثيراً بالغاً؛ لكن أحياناً تظهر أعراض هذا التأثير بسرعة، وأحياناً تتأخر.

تفسير قوله تعالى: (وما أهل لغير الله به)

تفسير قوله تعالى: (وما أهل لغير الله به) قال تعالى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة:3] : أي: ما ذُكِر عليه اسم غير الله، مثل: أن يقول عند الذبح: باسم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، أو باسم المسيح، أو باسم الرئيس، أو باسم الملِك، أو باسم الملَك، أو ما أشبه ذلك، فإنه يكون حراماً لا يحل، كل ما ذُكِر عليه اسم غير الله فهو حرام سواءً ذَكَرَ معه اسم الله أم لم يذكر، لو قال: باسم الله واسم الرسول، ثم ذبح صار حراماً، لأنه اختلط حرام بحلال، ولا يمكن ترك الحرام إلا باجتناب الحلال فصار حراماً.

تفسير قوله تعالى: (والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع)

تفسير قوله تعالى: (والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع) قال تعالى: {وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ} [المائدة:3] : هذه أربع؛ لكن هذه الأربع من الميتة؛ إلا أن ميتتها على صفة معينة. المنخنقة هي: التي تموت خنقاً، سواءً خنقاً بالحبل، رُبِط حبل في رقبتها حتى خُنِقَت، أو خنقاً بدخان، أو خنقاً بحبس الهواء عنها، أو بأي سبب من أسباب الخنق، فإنها تكون حراماً وهي من الميتة؛ أي: نوع من الميتات. الموقوذة هي: التي تموت بضرب، تضربها بعصا حتى تموت، أو بحبل قوي شديد حتى تموت هذه أيضاً حرام؛ لأنها موقوذة. المتردية هي: الساقطة من العالي؛ من الشيء العالي؛ من جبل، تدحرجت من الجبل حتى ماتت، أو سقطت من جدار، أو ما أشبه ذلك. والنطيحة هي: المنطوحة التي نطحتها أختها، يعني: شاتان تناطحتا، فقتلت إحداهما الأخرى، هذه أيضاً حرام؛ لأنها نطيحة. قال تعالى: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة:3] : ما أكل السبُع: السبُع يعني: الذي يعدو على الفريسة من الغنم أو غيرها، فيأكل منها شيئاً ويبقي شيئاً.

تفسير قوله تعالى: (إلا ما ذكيتم)

تفسير قوله تعالى: (إلا ما ذكيتم) قال الله عزَّ وجلَّ: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة:3] : يعني: إلا ما أدركتم ذكاته فذكيتموه من المنخنقة، والموقوذة، والمتردية والنطيحة، وما أكل السبع، فما أدركناه حياً فإننا نذبحه، ويكون حلالاً؛ ولكن كيف نعلم أنه حي، يعني: جئنا إلى شاة قد فرى الذئب بطنها، وهي الآن محتضَرة، تكاد أن تموت، فذبحناها؛ سمينا وذبحناها، كيف نعرف أن فيها حياة؟ قال بعض العلماء: نعرف ذلك بأن يتحرك شيء منها، يد، أو رِجل، أو أذن، أو ذنَب، أي شيء يتحرك فهي دليل على أن فيها حياة فتحل، فإن لم يتحرك منها شيء، فإنها لا تحل، فجعلوا علامة الحياة الحركة، وقالوا: إذا ذبحناها وتحرك منها أي جزء، فإنها تكون حلالاً؛ لأن حركتها دليل على أنها تألمَّت من الذبح، ولا تتألم إلا وفيها حياة، ولو غمَّضت بعينها أو فتحت بعينها؟ كذلك أيضاً دليل على أنها حية. وقال بعض العلماء: بل العلامة سَيَلان الدم الأحمر الحار، ولو لم تتحرك؛ لأنها قد تكون مع شدة الألم الذي أصابها من أكل الذئب، أو من التناطح، أو من الوقذ، أو من التردي، أو من الإنخناق قد تكون لا تتحرك؛ لأن قواها انحطت؛ لكن إذا سال منها الدم الأحمر الحار فهذا دليل على أنها حية، فتكون حلالاً. قالوا: والدليل على هذا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أَنْهَرَ الدمَ وذُكِرَ اسمُ الله عليه فكُلْ) وهذا الذبح هو أَنْهَرَ الدم، خرج الدم الحار الأحمر، أما لو ذبحناها فخرج منها دمٌ أسود بارد يسيل بصعوبة، فهذا دليل على أنها قد ماتت. وهذا القول هو القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. وعلى هذا فتكون علامة الحياة في هذه الذبيحة هو: سيلان الدم الأحمر الحار الذي يخرج من الحية عادة.

تفسير قوله تعالى: (وما ذبح على النصب)

تفسير قوله تعالى: (وما ذبح على النصب) قال الله تعالى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة:3] : يعني: ما ذبح للأصنام فهو حرام بكل حال، ولم يَستثنِ الله منه شيئاً؛ ما استثنى منه شيئاً؛ لأنه ذبح لغير الله، فيكون حراماً. وعلى هذا فما ذُبِح للقبور تقرُّباً لأصحابها فهو حرام، وما ذُبِحَ تعظيماً لملِك من الملوك، أو رئيسٍ من الرؤساء تعظيماً لا تكريماً فإنه حرام؛ لأنه أُهِلَّ لغير الله به، وهو أيضاً شرك مُخْرِج عن الملة، يجب على صاحبه أن يتوب إلى الله؛ لأنه لا أحد يُعَظَّم بالذبح إلا الله عزَّ وجلَّ: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2] {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162] . وانتبه لقولنا: ما ذُبِح تعظيماً لا تكريماً. أما لو ذُبِحَ تكريماً له؛ ليأكله ضيافةً، فهذا لا بأس به، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) . لكن تعظيماً، يعني: نعظمه بمجرد الذبح هذا لا يكون أبداً إلا لرب العالمين عزَّ وجلَّ: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة:3] .

تفسير قوله تعالى: اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم)

تفسير قوله تعالى: اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم) ثم قال بعد جُمَلٍ: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة:5] . قوله: {الْيَوْمَ} أي: وقت نزول هذه الآية. أُحِلَ لنا الطيبات: كل طيب أباحه الله عزَّ وجلَّ وهذا من فضله وضد ذلك الخبيث، فكل خبيث فهو محرم علينا، وهذا من حماية الله لنا أن مَنَعَنا مما يضرنا؛ لأن الإنسان بشر ضعيف ظلوم جهول؛ لكن الله عزَّ وجلَّ حَمَاه مما يضره، فحرم عليه كل خبيث. قال تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} . مَن هُم الذين أوتوا الكتاب؟ الذين أوتوا الكتاب هم: اليهود والنصارى، كما قال الله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ} [الأنعام:156] فأهل الكتاب هم: اليهود والنصارى. طعامهم حلٌ لنا:- حسناً! ما هو طعامهم؟ يعني: الخبز، والتمر، والأرز، وما أشبهه؟! لا. المراد بطعامهم: ذبائحُهم، كما قال ذلك عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ترجمان القرآن: [أي: ما ذبحوه، فهو حلال لنا] ولا نسأل، لا يلزمنا أن نسأل، وليس من حقنا ولا من المشروع لنا أن نسأل كيف ذبحوه، بل سؤالنا كيف ذبحوه من باب التنطع في دين الله، فإذا وُجِدَت ذبيحةُ يهودي أو نصراني فكُلْها، ولا تقل: كيف ذَبَحْتَها؟! ولا تقل: هل سَمَّيْتَ عليها؟! سؤالك هذا خلاف السنة. فالنبي صلى الله عليه وسلم سيد الوَرِعين؛ أهدت إليه المرأة في خيبر شاة فأكل منها، ولا قال: كيف ذبحتيها؟! ولا قال: هل سَمَّيْتِ الله عليها؟! وكذلك دعاه غلام يهودي إلى طعام؛ خبز وإهالة سنخة، وأكل ولم يسأل. ورأى مع عبد الله بن مغفل رضي الله عنه جِراباً فيه شحم، في غزوة خيبر، رُمِي به فأخذه عبد الله بن مغفل، فالتفت، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يضحك حين قفز عبد الله وأخذه بسرعة وأقَرَّه على ذلك. وجاءه قوم فقالوا: (يا رسول الله! إن قوماً يأتوننا بلحم، لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال: سَمُّوا أنتم وكُلُوا) وكانوا حديثي عهد بكفر، لِتَوِّهِم مسلمين، وحديثُ عهدٍ بالكفر يَخْفَى عليه كثير من أحكام الإسلام، فقال: (سَمُّوا أنتم وكُلُوا) وفي هذا شيء من الانتقاد عليهم حين سألوا: هل يحل لنا هذا وإلاَّ لا؟! كأنه قال: لَسْتُم مسئولين عن فعل غيركم، ولا تسألوا عنه، اسألوا عن فعلكم، فعلكم أنتم إذا أردتم أن تأكلوا فسَمُّوا الله على الأكل. إذا وَرَدَتْنا ذبيحةٌ من يهود أو نصارى Q كيف ذبحوها، أو هل سَمَّوا الله عليها، هذا خلاف السنة، وهو من التنطع في الدين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون) ؛ لأن الإنسان الذي يتنطع في الدين يتعب ويبقى في قلق وفي شك، لو أراد الإنسان أن يسلك سبيل التنطع لقلنا: حتى الذي يُجْلَب في أسواق المسلمين يحتاج أن نسأل عنه، ربما أن الجزار ما سَمَّى! ربما أن الجزار لا يصلي، لا ندري، وكذلك أيضاً نسأل؛ جاء إنسان يعرض علينا سلعة نقول: تعال، ربما هذا غاصب للسعلة أو سارق، نحقِّق معه. نقول: تعال، من أين جاءتك السلعة هذه؟! قال: والله! اشتريتها من فلان. هات فلان. من أين اشتريتها يا فلان؟! قال: من فلان. هات فلان. من أين اشتريتها؟! قال: والله! ورثتها من أبي. ثم لازم ننظر أسباب الإرث، هي متوفرة أم لا، والموانع منتفية. !! لو أراد الإنسان أن يتنطع في الدين تعب وهلك؛ لكن هذا من رحمة الله بنا، أن نُجْرِي الأمور على ظاهرها، وما دام الشيء وقع من أهله، فلا تسأل كيف وقع، هذه قاعدة شرعية، إذا وقع الشيء من أهله فلا تسأل كيف وقع، فالأصل السلامة وعدم القوادح، ولهذا قال: (سَمُّوا أنتم وكُلُوا) نعم لو جاءتنا ذبيحة لا ندري مَن ذبحها، ونحن في بلاد غير إسلامية، في بلاد -مثلاً- شيوعية، أو في بلاد وثنية، هنا نعم نسأل؛ لأن هذه بلاد غير إسلامية، وغير نصرانية، ليست من بلاد النصارى أو اليهود، فإذاً: لابد أن نسأل خوفاً من أن يكون الذابح ليس أهلاً للذبح. ونقتصر على هذا القدر.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الدم المتبقي في الذبيحة

حكم الدم المتبقي في الذبيحة Q ما حكم الدم المتبقي في الذبيحة؟ A أما الدم فهو معروف هذا الأحمر الذي يخرج من الحيوان هو الدم، واستُثْنِي من ذلك ما يكون بعد الذبح، هذا حلال. أن تشربه. أما ما كان بعد الذبح فهو حلال طاهر، يعني: لو شققت القلب بعد ذبحها وفيه الدم هذا وأكلته ما فيه مانع، نعم.

معنى الاستقسام بالأزلام

معنى الاستقسام بالأزلام Q ما معنى الاستقسام بالأزلام؟ الجوب: كان العرب في الجاهلية إذا هَمَّ الإنسان بأمر وتردد فيه استقسم بالأزلام، فوضع أشياء؛ ثلاثة أشياء مكتوب في واحد منها: (افعل) ، ومكتوب في الثاني: (لا تفعل) ، والثالث: ما فيه كتابة، ثم يضعها في كيس أو ما أشبه ذلك، ويخلط بينها، ثم يخرج منها واحداً، إذا كان فيه (افْعَلْ) : فَعَل، إذا كان فيه (لا تفعل) : لَمْ يَفْعَل، وإذا خرج السهم الغير مكتوب فيه أعاد الاستقسام مرة أخرى، والاستقسام معناه: طلب القِسْم والنصيب، يعني: طلب ما يُقْسَم لك. هذا الاستقسام أبدله الله عزَّ وجلَّ في الإسلام بخير منه؛ بصلاة الاستخارة، وهو: أن الإنسان إذا هَمَّ بأمر وتردد فيه صلى ركعتين، فإذا سلَّم دعا بالدعاء المشهور: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك ... ) إلى آخره، فإذا استخار الإنسان وتبيَّن له الأمر، أو انشرح صدره لشيء من الأشياء أقدم عليه. والعلم باختيار الله لك يكون بأسباب: إما أن يرى الإنسان رؤيا ترجِّح أحد الأمرين. وإما أن ينشرح صدره لأحد الأمرين. وإما أن يقدَّر له الشيء بدون أن يتسبب له. وإما أن يستشير أحداً فيشير عليه بأحد الأمرين. كل هذا يدل على أن الله اختار لك، ولهذا الاستخارة من أحسن ما يكون للإنسان؛ ولكن المراد بالأمر الذي تتردد فيه، فالحديث حديث الرسول عليه الصلاة والسلام قوله: (إذا هَمَّ أحدُكم بالشيء فليصلِّ ركعتين ... ) إلى آخره، المراد: بالشيء الذي تتردد فيه، ولهذا نحن نعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يصلِّ صلاة الاستخارة في الغزو إذا أراد الغزو، ولا يصلِّي صلاة الاستخارة حين أراد الحج، ولا يصلِّي صلاة الاستخارة إذا أراد أن يصلِّي، ولا يصلِّي صلاة الاستخارة إذا أراد أن يعِظَ الناس، أبداً! فهذا ليس على عمومه، بل المراد: إذا هَمَّ بأمر وتردد فيه.

أخذ الدم للتحاليل لا ينقض الصيام

أخذ الدم للتحاليل لا ينقض الصيام Q ذهبتُ إلى المستشفى فاشترطوا أخذ الدم للتحليل خلال الصيام فهل هذا ينقض الصيام؟ A أخذ الدم للتحليل لا يضر الصائم شيئاً؛ لأنه ليس بمعنى الحجامة، والأصل صحة الصوم، وكذلك قلع الضرس، لا يؤثر على الصوم؛ ولكنه إذا قلع ضرسه لا يبتلع الدم؛ لأن الدم حرام كما قرأناه قبل قليل، وكذلك لو أرعف أنفُه فإنه لا يضره شيء، وكذلك لو انجرح شيء من بدنه، فإنه لا يضره؛ ولو كثر الدم؛ لأن ذلك بغير اختياره.

حكم صرف الرجل زكاته لأخته الأرملة الفقيرة

حكم صرف الرجل زكاته لأخته الأرملة الفقيرة Q هذا رجل عنده أخت متزوجة وزوجها متوفَّى عنها، وهي مقيمة في بيت زوجها وعلى ماله، فهل يجوز صرف زكاة أخيها إليها، مع العلم أن لها وارثاً وهي بنتٌ واحدة؟ A إذا كانت هذه فقيرة فإنه يجوز أن يَدفع إليها من الزكاة ما تقوم به كفايتها؛ إلا إذا كان يستطيع أن ينفق عليها فإنه يجب عليه الإنفاق بقدر استطاعته، فإذا أنفق عليها استغنت بإنفاقه عن الزكاة.

حكم بيع التلفاز

حكم بيع التلفاز Q فضيلة الشيخ! أنا امرأة أشاهد التلفاز؛ ولكن هداني الله ولله الحمد، فهل يجوز بيعه، أي: هذا الجهاز؟ A بيع التلفاز لا يجوز؛ إلا إذا بعته من شخص يغلب على ظنك أنه يستعمله في شيء حلال، مثل: أن تبيعه على شخص يستعمله في الأخبار، أو شخص يستعمله في الفيديو الحلال، فهذا لا بأس به، وأما أن تبيعه على عامة الناس، فمن المعلوم أن عامة الناس يستعملون هذا الجهاز في أشياء مُحَرَّمة. والقاعدة الشرعية: أنه لا يجوز أن يبيع الإنسان شيئاً على شخص يغلب على ظنه أنه يستعمله في شيء مُحَرَّم؛ لأن هذا من باب التعاون على الإثم والعدوان، فإذا جاء شخص يريد أن يشتري هذا الجهاز يعرفه البائع وأنه لم يستعمله في المُحَرَّم فلا بأس من بيعه.

الصلاة لا تسقط بأي حال من الأحوال

الصلاة لا تسقط بأي حال من الأحوال Q يوجد في المستشفى مريض له ستة أشهر ولم يصلِّ؛ حيث لا يستطيع، وكذلك الصيام، ما هو العمل لأداء الصلاة والصوم عنه؟ وجزاك الله خيراً. A أما الصلاة فلا أظن أحداً لا يستطيعها؛ لأن الصلاة يجب أن يصلي الإنسان قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنب؛ يومئ برأسه، فإن لم يستطع أومأ بعينه، ولا يومئ بالإصبع كما يفعله العامة؛ فإن هذا لا أصل له، فإن عجز عن الإيماء بالعين صلى بقلبه، يعني: كبَّر وقرأ يعني: الفاتحة بعد الاستفتاح، ثم كبَّر ونوى أنه ركع، وقال: سبحان ربي العظيم، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ونوى أنه رفع، فيصلي بالنية، فإن كان ليس له وعي، فإن الصلاة في هذه الحال تسقط عنه؛ لأنه غير مميِّز. أما الصوم فإنه إن استطاع أن يصوم صام، وإن لم يستطع فإنه يُنْظَر إن كان مرضُه يُرجى برؤه، انْتُظِر حتى يُشْفَى فيصوم، وإن كان لا يُرجى برؤه: فإنه يُطْعَم عنه عن كل يوم مسكين.

حكم الذهاب إلى الكاهن أو الساحر لفك السحر

حكم الذهاب إلى الكاهن أو الساحر لفك السحر Q هذا سؤال طويل، فحواه: أن امرأة زوجها قد أصيب بالسحر، فهل يجوز لها أن تذهب إلى كاهن أو ساحر ليَفُكَّ سحرَه عنه؟ A أولاً: قد يَتَوَهَّم بعضُ الناس أن الإصابة هذه بسحر وليس كذلك، فأسباب الأمراض كثيرة لا تنحصر في السحر؛ قد تكون سحراً، وقد تكون عيناً، وقد تكون مرضاً ليس له سبب، أو له سبب غير معلوم لنا. لكن على كل حال إذا تحققنا أنه سحر فقد اختلف أهل العلم رحمهم الله: هل يجوز أن يُحَلَّ السحر بسحر للضرورة؟ أو لا يجوز؟ وفي هذا قولان في مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وإذا استفتَتْ إنساناً فأفتاها بما يرى، وهي واثقة من فتواه فلتعمل بها.

كيفية مدارسة القرآن في رمضان

كيفية مدارسة القرآن في رمضان Q فضيلة الشيخ! ما هي صورة مدارسة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم في رمضان للقرآن؟ وهل يدل على أن الاجتماع أفضل من الانفراد على القرآن؟ وهل هناك مزية لليل على النهار في المدارسة؟ نرجو التوضيح! وجزاكم الله خيراً؟ A نعم. أما كيفية المدارسة فلا أعلم كيفيتها. وأما هل المستحب أن يجتمع الناس على القرآن أو أن يقرأ كل إنسان بانفراده؟ فهذه ترجع إلى الإنسان نفسه، إن كان إذا اجتمع إلى إخوانه وتدارسوا القرآن صار أخشع لقلبه وأنفع في علمه فالاجتماع أفضل، يعني: إذا كان إذا اجتمعوا صار هناك حضور قلب، وخشوع، وتدبر للقرآن، وتساؤل فيما بينهم؛ مناقشة في معناه، فهذا أفضل، وإن كان الأمر بالعكس فالإفراد أفضل. وأما مدارسة جبريل للنبي عليه الصلاة والسلام فهو من أجل تثبيت القرآن بقلب النبي صلى الله عليه وسلم. وأما الفقرة الثالثة في السؤال، وهو: هل لليل مزية في دراسة القرآن؟ نعم، فدراسة القرآن في الليل لها مزية؛ لكن الإنسان قد يكون له أشغال في الليل مثلاً، أو لا يستطيع أن يدرس في الليل، ويجعل أكثر دراسته في النهار، أو بالعكس، فالإنسان ينظر ما هو أنفع له؛ لعموم قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (احرص على ما ينفعك) فما كان أنفع لك إذا لم يكن محظوراً شرعاً فأنت تلجأ إليه أحسن، أو فإن لجوءك إليه أحسن.

حكم لبس (دبلة) الخطوبة

حكم لبس (دبلة) الخطوبة Q وهذه سائلة تسأل عن حكم (دبلة) الزواج! هل يجوز للمرأة لبسها أم لا؟ A (الدبلة) إذا كانت مصحوبة باعتقاد، فهي حرام بلا شك، وعلامة كونها مصحوبة باعتقاد: أن بعض الناس يكتب اسم الزوج على دبلة زوجته، واسم الزوجة على دبلة الزوج، وهذا يدل على أن هناك عقيدة، وأن كون اسم زوجته بيده واسمه بيد زوجته، معناه: الاقتران، ولهذا إذا قلنا لبعض الناس الذين عليهم دبل من الذهب: هذا حرام، ويجب خلعها، قالوا: إني إذا خلعتُه تزعل الزوجة، نعم، هذا يدل على أن هناك عقيدة. فإذا كان لبسها مصحوباً بعقيدة فلا شك أنه حرام. وإذا لم يكن به عقيدة فقد يقال: إنه حرام؛ لأن أصله من النصارى، فيكون منشؤه منشأً محرَّماً، وفيه تَشَبُّه. وقد يقال: إنه لما شاع بين المسلمين صار غير خاص بالنصارى، فيكون من جنس الألبسة التي تكون أصلها عند غير المسلمين، ثم تشيع فيهم وفي المسلمين، فيزول التَّشَبُّه. ولا شك أن عدمها أولى فيما أرى.

حكم استخدام المال العام في المنفعة الشخصية

حكم استخدام المال العام في المنفعة الشخصية Q فضيلة الشيخ! أحبك في الله، السؤال: تمر علينا في مكاتب الدولة -حيث أننا موظفون- بعضُ الأمور التي نتحرَّج منها؛ ولكن الناس غير حريصين على السؤال عنها، فما الحكم في هذه الأمور، مثاله: استخدام آلات تصوير الأوراق، واستخدام الهاتف، والخروج أثناء الدوام، والتأخر في الحضور، والانصراف مبكرين، ومجاملة بعض الموظفين الذين تحت رئاستنا، والكثير الكثير، أفتونا مأجورين؟! A أولاً: أسأل الله الذي أحببتنا فيه أن يجعلنا وإياك وإخواننا من أحباب الله. أما بالنسبة لما ذكره من المسائل: فمن المعلوم أن الأصل في المال الذي بين أيدينا للدولة، الأصل أنه محرم، وأنه لا يجوز لنا أن نستعمله في المسائل الخاصة بنا، فآلة التصوير -مثلاً- لا نستعملها في الأشياء التي من خصائصنا، أما إذا كان من مصلحة العمل، فالأمر واضح أنه جائز. وأما استخدام الهاتف فالظاهر أن الدولة تسمح به إذا كان في داخل البلد، بدليل أنها نزعت (الصِّفْرَ) منه، ونَزْعُها (الصِّفْرَ) يدل على أمرين: الأول: على منع الاتصال الخارجي. الثاني: وعلى جواز الاتصال الداخلي. فيكون هذا جائز. وأما استعمال أوراق الدولة فهذا لا شك أنه حرام إذا استعملتَه في الأشياء الخاصة، أما إذا استعملته في أشياء من مصلحة العمل فلا بأس به. وأما التأخر في الحضور، أو التقدم في الخروج، فهو أيضاً حرام، ويُعتبر سرقة وقتٍ مملوك لغيرك، فكما أنك لا ترضى أن ينقص راتبك ولو شيئاً قليلاً، فلا يجوز لك أن ترضى أن تُنْقِص وقت الدولة ولا تهتم به. وأما مجاملة من تحت أيديهم فهذا يُنظَر فيه، إن جاملوه في أمر لهم فيه سعة، فلا بأس، وإن جاملوه في أمر ليس لهم فيه سعة، فإن ذلك لا يجوز، مثال ذلك: لو جاملت الذين تحت يدك في تقديم شخص غيره أحق منه، مثل: هذه المعاملات عندك مكدَّسة، جاءك إنسان من الموظفين عندك، وأخرج من أسفل المعاملات معاملة صديق له، وقال: انظر فيها، فقدمتَها على غيرها، فهذا لا يجوز؛ لأن الله قال: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:58] وأما إذا لم يترتب عليه، أي: على مجاملة من تحت يدك شيء من المحرمات، فلا بأس بالمجاملة؛ لأن المجاملة من الأخلاق الحسنة إذا لم تكن على حساب الدين، أو على حساب الغير.

حكم الدم الخارج من المرأة بسبب عملية جراحية

حكم الدم الخارج من المرأة بسبب عملية جراحية Q امرأة بعد إجراء عملية جراحية لازمها خروج الدم، ويزيد مع الحركة، فما الحكم في صومها وغُسلها؟ A نعم. لقد بيَّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الدم بياناً شافياً كافياً، فقال عليه الصلاة والسلام في المستحاضة: (إنما ذلكِ دم عرق) وهذا يدل على أن كل دم يخرج من المرأة من العروق ليس له حكم الحيض، فهذا الدم الذي خرج من العملية بالنسبة لهذه المرأة ليس بحيض قطعاً؛ لأنه خرج بسبب العملية، وعلى هذا فلا يلزمها غسل من أجله، ولا يمنعها من صوم، ولا صلاة، ولا معاشرة زوج؛ لأن ذلك ليس بحيض، وكذلك لو كان في المرأة قرحة في رحمها يخرج منها الدم، فإن ذلك لا يمنع من صيام، ولا صلاة، ولا معاشرة زوج، ولا يوجِب الغسل، وذلك لأنه دم عرق، والرسول عليه الصلاة والسلام قال كلمة واضحة بيِّنة، فكل ما كان سببه غير الدم الطبيعي فإنه ليس بحيض. السائل: إذا لم تميز بين الدم الخارج بسبب العملية ودم الحيض؟ الشيخ: إذا لم تميز بينهما، فإنها أولاً: تجلس أيام عادتها، إذا كان الدم الذي يخرج من العملية ويخرج من الحيض مستمراً، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فإن نسيت عادتها، فإنها تجلس غالب الحيض ستة أيام أو سبعة، من أول كل شهر.

حكم رفع اليدين في دعاء القنوت وتقبيلها بعد الدعاء

حكم رفع اليدين في دعاء القنوت وتقبيلها بعد الدعاء Q ما حكم رفع اليدين في دعاء القنوت؟ ومسح الوجه وتقبيلهما بعد الانتهاء من ذلك الدعاء؟ A أما رفع اليدين في دعاء القنوت فهو صحيح، ثبت عن عمر وبعض الصحابة رضي الله عنهم، كـ أبي هريرة. وأما مسح الوجه بعد انتهاء الدعاء فليس بسنة، لا في القنوت ولا في غير القنوت. وأما تقبيلهما فهو أيضاً أبعد وأبعد من السنة، فلا يشرع للإنسان إذا مسح وجهه بعد الانتهاء من الدعاء أن يقبل يديه. فالرفع -إذاً- سنة، والمسح والتقبيل ليسا بسنة؛ لكن المسح وردت فيه أحاديث ضعيفة، وأما التقبيل فلم يرد فيه حديث، لا صحيح ولا ضعيف.

حكم التصدق بعمل ولائم في مجتمعات غير فقيرة

حكم التصدق بعمل ولائم في مجتمعات غير فقيرة Q ما حكم الذبائح في رمضان التي تصنع منها الولائم وهي ما تسمى بعشاء الوالدين، وهل هي أفضل من التصدق بالمال أم بما يحب الناس من الأرزاق وغيرها؟ أفيدونا أفادكم الله؟ A عشاء الوالدين تسمية حديثة، وأصلها أن الناس فيما سبق فيهم إعواز، وفيهم فقر، ويفرحون بالطعام، إذا حصل لهم، ومن المعلوم أن رمضان من أفضل أوقات الصدقة فكان الناس يحرصون على أن يطعموا الطعام في رمضان، فيصنعون طعاماً للفقراء، يأتون ويتعشون ويحصل في هذا خير كثير. أما في الوقت الحاضر فمن المعلوم أن الطعام الآن -ولله الحمد- يستغني عنه أكثر الناس، بل أحياناً تدعو الناس أن يأتوا للطعام ولا يجيبك أحد؛ لأن كل واحد مستغنٍ ولله الحمد، ففائدة الطعام الآن قليلة، فلو أنه صُرف هذا الذي يُنفق في الطعام، صُرف دراهم للفقراء لكان أنفع وأفيد وأفضل. وأما ما يفعله بعض الناس الآن وهي حادثة أيضاً حديثة، أنهم يصنعون كل يوم ولائم، ويذبحون الذبائح، ويقولون: هذه عِشوة، فهذه إذا قصدوا بها التقرب فهي بدعة بلا شك؛ لأن هذا ليس من عادة السلف، والذبح لا يكون قربة إلا في الأضاحي والهدي إلى البيت الحرام والعقيقة، أما رمضان ما فيه ذبح، فيه ذبح للأكل، ما هو ذبح ليتقرب به الإنسان إلى الله عزَّ وجلَّ، وهذه مسألة سمعتُ الآن أنه يجتمع الناس من الحارة، يجعلونها كل ليلة عند واحد، ذبيحة أو ذبيحتان، فهي في الحقيقة ولائم وليست صدقات، ويحصل فيها من إتلاف الأموال وإضاعتها ما هو معلوم. ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى أن ندعو للأموات، ونجعل العمل لنا، الأعمال الصالحة اجعلها لنفسك، صلاة قراءة قرآن صدقات، اجعلها لنفسك، واجعل الميت له الدعاء، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له) . والعجيب أن بعض الناس إذا تصدق لنفسه، يكون في إخلاصه ورجاء الثواب أضعف مما إذا تصدق عن ميت! تجده إذا تصدق عن الميت يشعر بأنه سيثاب على ذلك، ويشعر بأن هذا فيه قربة، وإذا تصدق عن نفسه صار أضعف عنده، وهذا لا شك من الجهل. فأنت يا أخي! انفع نفسك، واجعل لأمواتك الدعاء، هذا هو المشهور.

حكم الذبائح بالصعق الكهربائي

حكم الذبائح بالصعق الكهربائي Q طريقة الذبح بالصعق الكهربائي قبل استعمال السكين، سواءً كان من المسلمين، أم من أهل الكتاب؟ A يقول هذا: طريقة الذبح بالصعق الكهربائي، هل هو حلال أو حرام؟ نقول: أما إذا اقتُصِر على الصعق بالكهرباء حتى ماتت فهي حرام؛ لأنها وقيذ؛ موقوذة. وأما إذا كان تُصعق ثم تُذبح ويخرج الدم قبل أن تموت، فالذبيحة حلال؛ لكن الصعق فيه أذية لها، وفيه تعذيب، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة) . لكن قالوا لي: إنهم كانوا يستعملونه في البقر والشيء الكبير الذي يعجزون عن طرحه، فيضربونه بشيء يصعق به، حتى يُغمى عليه، ثم يذبحونه، فإذا كانوا لا يقدرون عليه إلا على هذا الوجه صار حلالاً، أما إذا كان يمكن أن يُذبح بدون الصعق فالصعق لا شك أنه أذية، وأنه خلاف ما أمر به النبي عليه الصلاة والسلام من إحسان الذبح.

جلسات رمضانية1410هـ[2-3]

جلسات رمضانية1410هـ[2-3] في هذا الدرس تحدث الشيخ عن مفاتح الغيب وفصل فيها، وذكر كلام بعض الناس الذين يدّعون أنهم يعلمون ما في الأرحام، ورد على هذه الشبهة بشيء من التفصيل والإيضاح.

وقفة مع قوله تعالى: (وعنده مفاتح الغيب.

وقفة مع قوله تعالى: (وعنده مفاتح الغيب ... ) الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فقد استمعنا إلى قول الله عزَّ وجلَّ: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59] . هذه الآية الكريمة من أنصع آيات العلم تفصيلاً، فإن الله سبحانه وتعالى ذكر فيها مفاتح الغيب، ثم ذكر فيها تفاصيل أخرى، ومفاتح الغيب بيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي مذكورة في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34] . هذه خمسة أمور.

تفسير قوله تعالى: (إن الله عنده علم الساعة)

تفسير قوله تعالى: (إن الله عنده علم الساعة) قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} وهو يوم القيامة، وهنا قال: {عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} قدم الخبر ليفيد الاختصاص، فمن ادَّعى علم الساعة فهو كاذب وكافر، ومن صدَّقه أيضاً فهو كافر؛ لأنه لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله عزَّ وجلَّ، حتى قال الله لرسوله: {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا} [النازعات:42-44] . وقال: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب:63] . وقال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: (أخبرني عن الساعة، قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل) جبريل عليه الصلاة والسلام أشرف الملائكة وأعلمهم، يسأل محمداً صلى الله عليه وسلم أشرف البشر وأعلمهم عن الساعة، فيقول له: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل) يعني: إن كنتَ تجهلها أنت فأنا كذلك أجهلها؛ لأنه لا يعلمها إلا الله. نعم، للساعة أشراط، يظهرها الله عزَّ وجلَّ مُقَدِّمَة لتلك الساعة؛ لأن الساعة حدث عظيم، فلهذا صار له مقدمات تشير إلى قربه.

تفسير قوله تعالى: (وينزل الغيث)

تفسير قوله تعالى: (وينزل الغيث) قال تعالى: {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} [لقمان:34] . الغيث: المطر، وهو -أي: المطر- غيثٌ ولكن الله سبحانه وتعالى قد لا يجعله غيثاً؛ لأن الغيث قد لا يحصل به الإنقاذ من الشدة، وأحياناً يَنْزِل المطرُ ولا يكون إنقاذاً من الشدة، كما في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس السنة ألا تُمْطَروا -يعني: ليس الجدْب ألا تُمْطَروا- وإنما السنة أن تُمْطَروا فلا تنبت الأرض شيئاً) وصدق النبي عليه الصلاة والسلام، الغيث يُنَزِّله الله عزَّ وجلَّ، لا أحد يستطيع أن يُنَزِّل الغيث، مهما كانت قدرته وقوته، لا يمكن أن يُنَزِّل الغيث أبداً؛ لأن ذلك خاص لله عزَّ وجلَّ، والذي يخلق الغيث هو الله، ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا نزل المطر حَسَرَ عن ثوبه ليصيب بَدَنَه، وقال: (إنه حديث عهدٍ بربه) أي: مخلوق جديد، فيصيب بدني من حين أن خُلق، ولا أحد يستطيع أن يخلق إلا الله عزَّ وجلَّ، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الحج:73] استمعوا، الله عزَّ وجلَّ يطلبنا أن نستمع: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} [الحج:73] هذا الذباب الضعيف المهين لا يمكن أن يخلقه أحد ممن تدعونه من دون الله، ولو اجتمعوا له. انظر هذا تحدٍّ، تحدٍّ بالآيات الكونية. وهناك تحدٍّ بالآيات الشرعية: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88] فالله عزَّ وجلَّ يتحدى الناس، يتحدى الخلق بالآيات الكونية كما في الآية الأولى، وبالآيات الشرعية كما في الآية الثانية.

تفسير قوله تعالى: (ويعلم ما في الأرحام)

تفسير قوله تعالى: (ويعلم ما في الأرحام) قال تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [لقمان:34] : يعلم ما في الأرحام، ماذا نظن المراد بالأرحام في هذه الآية؟ هل الأرحام بنو آدم، أو بنات آدم؟ A لا. بل أرحام كل ذات رحم، من بنات آدم، وسائر الحيوانات، يعلم عزَّ وجلَّ ما في أرحامها، ولا يعلم ما في الأرحام إلا الله سبحانه وتعالى الذي خلقها، لا يعلم ما في الأرحام إلا خالقها سبحانه وتعالى.

تفسير قوله تعالى: (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا)

تفسير قوله تعالى: (وما تدري نفس ماذا تكسب غداً) قال تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً} [لقمان:34] : صدق الله، لا تدري أي نفس، نفس هنا نكرة في سياق النفي فتشمل كل نفس، لا تدري أي نفس مهما بلغت في الفراسة، ومهما بلغت في الذكاء، لا تدري ماذا تكسب غداً، نعم الإنسان يخطط بأنه سوف يعمل غداً كذا وكذا؛ ولكن هل ذلك يتم؟ A قد يتم وقد لا يتم؛ لكن لا تدري يقيناً بأنك غداً تكسب كذا وكذا، أبداً: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:23-24] . {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً} كلمة غد، هل المراد بها اليوم الذي يلي يومك؟ أو مستقبل الزمن؟ مستقبل الزمن. يعني: اليوم الذي يلي يومك وما بعده وما بعده لا تعلم ماذا تكسب فيه.

تفسير قوله تعالى: (وما تدري نفس بأي أرض تموت)

تفسير قوله تعالى: (وما تدري نفس بأي أرض تموت) قال تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34] : أي نفس لا تدري بأي أرض تموت، تجد الإنسان يولد في بلد، ويعيش فيها، ولا يطرأ على باله أن ينتقل عنها، ثم إذا أراد الله أن يقبضه في أرض، جعل له حاجة في هذه الأرض، تحثه إلى أن يمشي إليها، فيموت فيها، وهو لا يدري، البعير تنشأ في جهة من جهات الأرض، تولد، تكبر، ثم تُستعمل للركوب أو غير الركوب، وتُذبح في بلاد بعيدة عن بلادها، أو تموت في بلاد بعيدة عن بلادها، كل نفس لا تدري بأي أرض تموت. وهل تدري في أي يوم تموت؟! لا. لا تدري، من لا يدري بأي أرض -مع أنه باختياره أن ينتقل من أرض إلى أرض- لا يدري أيضاً بأي يوم يموت، فجهالة الزمن أشد من جهالة المكان؛ لأن المكان يمكن للإنسان أن ينتقل، يمكن يبقى في الأرض ويقول: لا أمشي؛ لكن الزمن يمشي غصباً عنه، لا تدري نفس بأي أرض تموت. فهذه مفاتح الغيب خمس.

مسألة في معرفة الناس اليوم لما في الأرحام وبعض ما يتعلق بمفاتح الغيب

مسألة في معرفة الناس اليوم لما في الأرحام وبعض ما يتعلق بمفاتح الغيب فإذا قال قائل: ما وجه كونها مفاتح للغيب؟ وA الساعة: مفتاح الآخرة. نزول الغيث: مفتاح حياة الأرض. ما في الأرحام: يعني: يكون الإنسان في بطن أمه، أو أي حيوان في بطن أمه مفتاح الوجود في الحياة. عمل الغد: مفتاح عمل المستقبل. الموت: مفتاح الانتقال من الدنيا إلى الآخرة. فلهذا صارت هذه الخمس مفاتح. فإذا قال قائل: إنهم الآن يعلمون ما في الأرحام، هل هو ذكر أو أنثى! فهل يتعارض مع هذه الآية؟ الجواب: قد يقول بعض الناس يتعارض، وحينئذ إما أن نأخذ بالآية، أو نأخذ بما قالوا؛ لأن المتعارضَين لا يثبتان جميعاً، إذْ لو ثبتا جميعاً لم يكن هناك تعارض، فهل تأخذ بما دل عليه القرآن، أو بما هو واقع الآن؟ نأخذ بما جاء به القرآن وبما دل عليه؛ لكن الكلام: هل الواقع يعارض القرآن؟ لا، هذا شيء مستحيل. لا يمكن أن يوجد شيء له حقيقة معلومة قطعاً فيعارض القرآن أبداً، مستحيل؛ لأن القرآن حق والواقع حق، والحقان لا يتعارضان؛ لأن كل شيئين نعتبرهما حقاً إن قلنا بتعارضهما فهذا إما جمع بين النقيضين، وإما رفع للنقيضين، وهذا كله من المستحيل. وإذا حدث شيء يعارض القرآن في الظاهر وجب عليك أن تعيد النظر مرة بعد أخرى، ليتبين لك أنه لا معارضة، فإن عجزت عن الجمع، فالواجب عليك أن تقول: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران:7] وتقف؛ لأنه كل إنسان يستطيع أن يجمع بين الواقع والقرآن، قد يكون قاصراً لا يفهم، أو مقصراً لا يجتهد. إذاًَ: كيف الجمع؟ نقول: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [لقمان:34] لم يذكر الله عزَّ وجلَّ مُتَعَلَّق العلم، وإن كان في بعض الأحاديث الإشارة إلى أن المراد العلم بالذكورة والأنوثة، ومعلوم أن الجنين علمه ليس بالذكورة والأنوثة فقط: بالذكورة والأنوثة، أن يخرج حياً أو ميتاً، أن يبقى في الدنيا طويلاً أو قصيراً، أن يبقى غنياً أو فقيراً، أن يبقى شقياً أو سعيداً، كل هذا ممكنٌ، كل هذا يتعلق بعلم الجنين، هل الناس يعلمون هذه الأشياء؟ أبداً، حتى الذكورة والأنوثة لا يعلمونها إلا بعد أن يكون ذكراً أو أنثى، أما قَبْلُ ما يعلمون؛ لأنه لَمَّا كان نطفة لا يعلمونه، حسب علمنا إلى الآن لا يعلمون، إنما يعلمون بعد أن يُخَلَّق، وإذا خُلِّقَ صار من عالم الشهادة لا من عالم الغيب؛ لكنه عالم من عالم الشهادة المحجوبة: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ} [الزمر:6] ؛ لكن لو نزيل هذه الظلمات الثلاث علمنا به أم لا؟ علمنا به، وشاهدناه. إذاً: فهو بعد التخليق من عالم الشهادة المحجوبة، لولا هذه الحُجُب لعلمنا به، فإذا وُجدت أجهزة تنفذ من هذه الحجب فلا مانع أن يُعلَم أنه ذكر أو أنثى. ثانياً: ينَزَّل الغيث: جاء في الحديث الصحيح: (لا يعلم متى ينزل المطر إلا الله) . فهل هذا يعارض ما نسمع في الإذاعة: أن الطقس المتوقَّع يكون كذا وكذا وكذا؟ الجواب: لا، لا يتعارض؛ لأنه لا يمكن يتعارض القرآن مع الواقع إطلاقاً، كيف لا يتعارض؟ لأن العلم المذكور: أن الطقس مبني على شيء محسوس، ليس على علم غيب؛ لكنه لا يُعلَم إلا بأجهزة دقيقة، ليس كل واحد يعلم، فهناك -بإذن الله عزَّ وجلَّ- تكيُّفات للجو يكون بها صالحاً للإمطار، فيتوصلون بالأجهزة الدقيقة إلى معرفة هذه التكيُّفات، كما أننا نحن لو شاهدنا السماء مظلمة والغيوم ملبَّدة فإننا نتوقع نزول المطر، نتوقع المطر، إذاًَ: لا معارضة، لا معارضة بين الواقع وبين القرآن الكريم.

تفسير قوله تعالى: (ويعلم ما في البر والبحر.

تفسير قوله تعالى: (ويعلم ما في البر والبحر ... ) ثم قال الله تعالى في الآية التي نحن بصدد تفسيرها: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام:59] : (ما) هنا اسم موصول مفيد للعموم، {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} كل ما في البر وكل ما في البحر، لا يخفى عليه شيء، لا دقيقه ولا جليله. {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا} [الأنعام:59] : أيُّ ورقة تسقط فهو يعلمها، بأي شيء؟ يعلم هذه الورقة بعينها، ومن أي موضع سقطت من غصن الشجرة، وفي أي مكان من الأرض سقطت، وكيف سقطت، كل ما يتعلق بهذه الورقة الساقطة يعلمها، فما بالك بالورقة النابتة التي تنبت، يكون علمه بها من باب أولى؛ لأن النابتة مخلوقة، والمخلوق معلوم، كما قال تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] والساقطة أيضاً مخلوقة؛ لكن الساقطة تسقط مرة واحدة، والمخلوقة تنمو شيئاً فشيئاً، أي ورقة صغيرة أو كبيرة من أي شجرة في أي مكان وفي أي زمان تسقط، فالله تعالى يعلمها.

تفسير قوله تعالى: (ولا حبة في ظلمات الأرض.

تفسير قوله تعالى: (ولا حبة في ظلمات الأرض ... ) قال تعالى: {وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ} [الأنعام:59] : حبة، صغيرة أو كبيرة؟ كلها، صغيرها وكبيرها. {فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ} [الأنعام:59] تصوَّر ما هي الظلمات التي تكون في الأرض؟! يعني: افرض -مثلاًَ- أن الظلمات تتوارد أو تتكاثف عليه الحُجُب في الأرض، لنفرض أن حبة في قاع البحر مندفنة في التراب، في ليلة مغيمة، ممطرة، مظلمة، ننظر الظلمات الآن كم تكون؟ الظلمة الأولى: التراب الذي على هذه الحبة. والثانية: الماء، ماء البحر. والثالثة: ماء المطر؛ لأن المطر له ظلمة. والرابعة: ظلمة الليل. والخامسة: ظلمة السحاب. كل هذه الظلمات الخمس داخلة في قوله: {ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ} [الأنعام:59] هذه الحبة الصغيرة الدقيقة في هذه الظلمات يعلمها الرب عزَّ وجلَّ. قال تعالى: {وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ} [الأنعام:59] : وهذا أعم ما يكون تعميماً من بعده تخصيص؛ لأنه ما من شيء إلا رطب أو يابس، كل رطب أو يابس فهو معلوم لله عزَّ وجلَّ مهما كان وفي أي مكان. وهذا دليل على عموم علم الله سبحانه وتعالى، وليس المقصود منه أن يخبرنا الله عزَّ وجلَّ عن هذه الصفة العظيمة من صفاته فحسب، بل المقصود شيء آخر. ماذا يعني كمال صفة العلم لله عز وجل؟! هو أن نتعبد لله تعالى بمقتضى هذا العلم، هذا هو المهم، أن نتعبد لله بمقتضى هذا العلم، إذا أردتَ أن تعمل معصية، إن ذكرتَ أن الله يعلم تُقْدِم عليها أم لا؟ لا تُقْدِم، ما تُقْدِم عليها. ما دمتُ أعلم يقيناً بأن الله يعلم فإنه لا يمكن أن أقدم عليها أبداً؛ إلا ناقص الإيمان -نسأل الله العافية- هذا يمكن؛ لكن مع تمام العلم، ومع تمام الإيمان بعلم الله المحيط بكل شيء لا تقدم عليها؛ لأن الله قال لنا في الكتاب: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] تصوَّر هذه الملاقاة التي ستكون المحاسبة فيها عن علم. كذلك أيضاً: الفائدة الثالثة، الفائدة الأولى: أن نعرف هذه الصفة العظيمة من صفات الله، والثانية: أن نتعبد لله بمقتضاها. والثالثة: أن نعامل عباد الله بمقتضاها أيضاً، فلا نخون أحداً، ولا نخدعه في غير موضع الخداع، الخيانة لا نخون أحداً. الخداع نُقَيِّم، لا نخدعه في غير موضع الخداع، في موضع الخداع نخدعه. الخيانة لا نخون أبداً بدون تفصيل. والخداع لا نخدع في غير موضع الخداع؛ لأنه في موضع الخداع يجب الخداع، بل هو صفة كمال، كما قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142] . الخيانة صفة نقص، لا يجوز أن نخون، ولهذا قال الله تعالى: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ} [الأنفال:71] ولم يقل: فخانهم، قال: {فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:71] ؛ لأن الخيانة ذم، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا تخن من خانك) ولم يقل: لا تخدع من خدعك، بل قال: (الحرب خدعة) ويُذكر أن علي بن أبي طالب لما بارزه عمرو بن ود، وخرج إليه من الصف، صاح به علي رضي الله عنه، قال: [ما خرجتُ لأبارز رجلَين فظن عمرو أن معه آخر، فالتفت، لما التفت ضربه علي؛ حتى طيَّر رأسه] نعم، هذه خديعة؛ لكن خديعة في محلها أم لا؟! في محلها. وتكون صفة كمال. لأن هذا الرجل خرج لأي شيء؟ ليقتل علي بن أبي طالب، إذاً: له أن يتوصل إلى حماية نفسه وقتل عدوه بأي طريق. المهم أن المقصود من ذكر هذه الصفة العظيمة (العلم) ثلاثة أمور، ما هي؟ الأول: معرفة عموم علم الله، وهذه الصفة العظيمة. الثاني: أن نتعبد لله بمقتضاها. الثالث: أن نعامل عباد الله بمقتضاها. كثيرٌ من الناس إذا أمكنه أن يخون أحداً أو أن يخدعه في غير محل الخداع خانه وخدعه؛ كأنه لا يدري أن الله يعلم عزَّ وجلَّ، وهذا من ضعف الإيمان.

تفسير قوله تعالى: (إلا في كتاب مبين)

تفسير قوله تعالى: (إلا في كتاب مبين) وفي ختام الآية الكريمة يقول عزَّ وجلَّ: {إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59] : كتاب مبين، إما أن تكون من (أَبَانَ) المتعدي أو من (أَبَانَ) اللازم. إن كانت من (أَبَانَ) اللازم فهي بمعنى: بيِّن، يعني: في كتاب بيِّن واضح مفصَّل. أو من (أَبَانَ) المتعدي فيه بمعنى: أظْهَرَ ومَيَّز. وكلا الوصفين بالنسبة لهذا الكتاب الذي أشار الله إليه كلاهما حق ثابت، والمراد به: اللوح المحفوظ، فإن اللوح المحفوظ كتب الله فيه مقادير كل شيء؛ كما جاء في الحديث الصحيح: (أن الله لما خلق القلم قال له: اكتب، قال رب: ماذا أكتُب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة) فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. نسأل الله تعالى أن يكتب لنا ولكم الخير والصلاح والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم. والحمد لله رب العالمين. وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

حكم صلاة النفل بعد الوتر

حكم صلاة النفل بعد الوتر Q هذا أخ أرسل إلينا بهذه الملاحظة، وهو: أن بعض الإخوة إذا دخلوا المسجد والإمام يصلي التراويح لم يدخلوا مع الإمام، بحجة أنهم أوتروا، فما هو رأي فضيلتكم؟ A بسم الله الرحمن الرحيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) ولم يقل: إذا صليتم الوتر فلا تصلوا! وبين العبارتَين فرق، فالإنسان إذا انتهى من صلاة الليل يوتر؛ ولكن إذا وجد سبباً للصلاة بعد هذا الوتر فإنه لا نهي عن الصلاة، نعم لو قال الرسول صلى الله عليه وسلم: إذا أوترتم فلا تصلوا، قلنا: لا تصلِّ بعد هذا؛ لأنك مَنْهِيٌّ، فإذا أوتر الإنسان في مسجده، ودخل المسجد، سواءً كان فيه جماعة أم لم يكن فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، وإن كان فيه جماعة صار مأموراً بالصلاة من وجهين: الوجه الأول: من أجل دخول المسجد. والوجه الثاني: من أجل موافقة الجماعة؛ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام للرِّجُلَين اللذَين رآهما لم يصليا معهم صلاة الفجر، قال: (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد الجماعة، فصليا معهم، فإنها لكما نافلة) . فنقول للإخوة: ادخلوا معنا في الصلاة، وإذا كنتم قد أوترتم فلا وتران في ليلة، فانووا إذا دخل الإمام في الوتر انوُوها شفعاً؛ فإذا سلَّم فائتوا بركعة، وهذا له أصل في السنة، أصله في السنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان يصلي بأهل مكة الرباعية ويقصرها، كان يقول لهم: (أتموا يا أهل مكة، فإنا قومٌ سفر) فإذا سلم الرسول عليه الصلاة والسلام من الصلاة المقصورة قاموا فأتموها، وليس هذا مخالفة للإمام، المخالفة للإمام أن تخالفه وأنت مرتبط به، لا أن تزيد عليه إذا كان مقتضى صلاتك الزيادة؛ لأنك لم تخالفه حين كنتَ مرتبطاً به.

وقفة مع حديث: (إذا سمع أحدكم النداء والإناء في يده.

وقفة مع حديث: (إذا سمع أحدكم النداء والإناء في يده ... ) Q هل يمكن أن نوجه دلالة الحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما بسند صحيح من رواية أبي هريرة مرفوعاً: (إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه) زاد أحمد وغيره بسند صحيح على شرط مسلم: (وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر) هل يمكن أن يوجَّه الحديث على ما إذا أذن المؤذن في بداية بزوغ الفجر، فإن الله قد أرخص له، إذا كان على هذه الصفة، وهو إذا رفعه إلى فيه؟ A نعم، أنا عندي أن هذا الحديث موجَّه على أحد وجهين: الوجه الأول: إما أن يكون المؤذن يؤذن بالتحري، والذي يؤذن بالتحري قد يصيب وقد لا يصيب، كالمؤذنين عندنا الآن. والوجه الثاني: أن يكون ذلك بالتأذين من المؤذن عن يقين، ومشاهدته للفجر؛ ولكن هذا من باب الرخصة، لما كان الإنسان رفع الماء ليشرب، تعلقت به نفسه، ولهذا لو كان في الأرض لا تحمله، لا ترفعه من الأرض، بل لابد أن يكون في يدك، وإلاَّ كانت النفس قد تعلقت بهذا الماء الذي رفعه، كان من رحمة الله عزَّ وجلَّ أن يقضي الإنسان نهمته منه، كما لو حضر الطعام والإمام يصلي فإنك تأكل من الطعام، ولو فاتتك الصلاة، فتُسقط بذلك واجباً؛ لأن نفسك متعلقة بهذا الطعام الذي قُدِّم بين يديك. فالحديث لا يخرج عن أحد هذين الوجهين. الوجه الأول ما هو؟ أن المؤذن يؤذن بالتحري؛ لكن هذا قد يمنعه رواية أحمد، أنه يؤذن حين بزوغ الفجر؛ إلا أنه يؤيده ما ثبت في الصحيحين من قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن بلالاً يؤذن بليل؛ فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) هكذا جاء الحديث مرفوعاً بهذا اللفظ. الوجه الثاني: قلنا: أن هذا من باب الرخصة، وهو أنه لما اشتد تعلق النفس بهذا الماء المرفوع رخص له الشارع أن يقضي نهمته منه، وإن كان في وقت يُمنع منه، ونظير ذلك: (لا صلاة بحضرة طعام) أو (إذا قُدِّم العَشاء فابدءوا به قبل صلاة العِشاء) . أما ما يفعله بعض الناس إذا أذَّن قدَّم السحور، هذا لا يتفق أبداً، لا مع الحديث ولا مع نص الآية. أو بعض الناس يجيء بحديث، جاء به من جيبه، وليس من كيسه، جاء به من جيبه، يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستتر بناقته لئلا يرى طلوع الفجر، (عَلَشَان) يأكل، كيف هذا؟! كل واحد يستتر بالجدار ويأكل على مهله. والله! هذا الحديث جاء في الماء.

حكم تناول الدواء بعد طلوع الفجر للصائم

حكم تناول الدواء بعد طلوع الفجر للصائم Q هذه سائلة تقول: بعد طلوع الفجر نَسِيَت أخذ الدواء وأَخَذَتْه والصلاة تُقام، فهل لها صوم، أم تعيده؟ A الذي أرى أن تعيد صومها هذا، وأن الواجب عليها إذا طلع الفجر ألا تتناول الدواء ولو نسيته، بل تبقى صائمة، ثم إن احتاجت أو اضطُرت في أثناء النهار إلى تناول هذا الدواء، فلتُفطر.

انقطاع الدم أو الصفرة والكدرة قبل الطهر

انقطاع الدم أو الصفرة والكدرة قبل الطهر Q من مدة سنتين أسقطتُ، وبعد الإسقاط أصبح معي خلاف في الدورة الشهرية، حيث أنه يكون في الثلاثة الأيام الأولى منها دم، وفي الثلاثة الأيام الأخيرة ليس معي شيء، فتظهر الطهارة في اليوم السادس، وفي اليوم السابع ينزل معي دم بني اللون (كُدرة) ويستمر أربعة أيام، هل في هذه الفترة جلوس أم لا؟ A الفترة الأخيرة التي بعد الطهر -إذا كان الدم ليس دم العادة- ليس حيضاً، فلها أن تصوم، وتصلي، ولا حرج عليها، وأما ما قبل الطهر فإنه من الحيض حتى وإن كان صُفرة أو كُدرة، ما دام متصلاً بالدم؛ بالحيض فإنه يعتبر من الحيض، ولهذا تقول أم عطية رضي الله عنها: [كنا لا نعد الصُّفرة والكُدرة بعد الطهر شيئاً] أما قبل الطهر فما دام تابعاً للحيض ومتصلاً به فله أحكامه.

حكم الصيام لمن فيه قرحة في المعدة

حكم الصيام لمن فيه قرحة في المعدة Q رجل مصاب بقرحة في المعدة، ونصحه الأطباء بالفطر وعدم الصوم خوفاً على حياته؛ ولكنه صام وأغفل كلامهم، هل يأثم لأنه عرَّض نفسه للتهلكة، أم له أجر على ذلك؟ A إذا كان هذا الرجل يشق عليه الصوم؛ ولكنه يتصبَّر فإنه أخطأ في ترك رخصة الله عزَّ وجلَّ؛ لأن الله قال: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] فإن تسبب ذلك إلى ضرر فقد يكون آثماً؛ لأنه ألقى بنفسه إلى التهلكة، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.

جلسات رمضانية 1410هـ[1-4]

جلسات رمضانية 1410هـ[1-4] أسئلة متتالية وأجوبة مسددة متوالية في فنون شتى وعلوم متنوعة تترى، في الصيام والقيام والزكاة وغيرها من المسائل الاجتماعية والعلمية تضمنتها هذه الجلسة المباركة.

قاعدة في معرفة الميسر

قاعدة في معرفة الميسر الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: كل معاملة تدور بين المغنم والمغرم فهي ميسر، ولا تجوز إلا في ثلاثة أشياء، وهي المسابقة على: الخيل. والإبل. والسهام. وأجاز الشارع هذا لأجل المصلحة؛ لأنها تعين على الجهاد في سبيل الله، وما سوى ذلك من المغالبات والمقامرات فإنها حرام.

قاعدة في معرفة المصالح والمفاسد

قاعدة في معرفة المصالح والمفاسد يقول الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة:219] الإثم أتى به مفرداً، والمنافع أتى بها جمعاً على صيغة منتهى الجموع، وهذه المنافع مهما كثرت ومهما عَظُمت الإثم الذي في الخمر والميسر أكبر من النفع، ولهذا قال: {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:219] . وعلى هذا فنأخذ فائدة أو قاعدة عظيمة في الشريعة، وهي: إذا غلبت المفسدة على المصلحة، وجب ترك الشيء والبُعْد عنه، وإذا تساوت المصلحة والمفسدة أيضاً يُترك؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وإذا غلبت المصلحة على المفسدة أُخِذ بالمصلحة. فالمهم أن جميع الأشياء: إما أن تكون مصلحتها راجحة، أو مرجوحة، أو مساوية، هذه ثلاثة أقسام، أو يكون الشيء ذا مصلحة خالصة، أو ذا مضرة خالصة. فالأقسام إذاً خمسة: مصلحة خالصة. مضرة خالصة. مصلحة راجحة. مضرة راجحة. مصلحة ومضرة متساويتان. أما ما مصلحته خالصة: فإن الشرع يَحُثُّ عليه. وأما ما مضرته خالصة: فإن الشرع يُحَذِّر منه. وأما ما مصلحته متساويتان: فالشرع أيضاً يُحَذِّر منه؛ لأنه إذا اجتمعت مفسدة ومصلحة فدرء المفاسد أولى من جلب المصالح. وأما ما مضرته راجحة: فالشرع أيضاً يُحَذِّر منه. وأما ما مصلحته راجحة: فالشرع يُرَغِّب فيه. فصار الشرع يُرَغِّب في شيئين: الأول: ما مصلحته خالصة. والثاني: ما مصلحته راجحة. ويُحَذِّر من ثلاثة أمور: 1/ ما مضرته خالصة. 2/ ما مضرته راجحة. 3/ ما تساوى فيه الأمران، والذي تساوى فيه الأمران إنما حذَّر الشرع؛ لأن المفسدة أقبح وأشد تأثيراً من المصلحة؛ لأن المفسدة إذا اجتمعت مع المصلحة فهي أقبح من المصلحة، وأشد تأثيراً، ولهذا نُهي عنها.

الأسئلة

الأسئلة

مكفرات الكبائر

مكفرات الكبائر Q هل الكبائر يكفِّرها الصوم؟ A الكبائر من الذنوب لا تكفَّر إلا بتوبة: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء:31] والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (ورمضان إلى رمضان مكفِّر لما بينهما ما اجتنبت الكبائر) .

تحريم الخمر قليله وكثيره

تحريم الخمر قليله وكثيره Q قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) هل إذا تناولت يسيراً ولا يحصل إسكار ولا يظهر أثره، هل يكون هذا الشيء حراماً؟ A قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من أسكر كثيره فقليله حرام) معناه: أن الشيء إذا تناولتَ منه كثيراً حصل الإسكار، وإن تناولت يسيراً لم يحصل الإسكار، حَرُم حتى اليسير الذي ليس فيه إسكار سدَّاً للذريعة، وليس المعنى: ما كان فيه قليل من خمر فهو حرام، لا ليس هذا هو المعنى، فالشيء الذي فيه قليل من الخمر يُنظر إن ظهرت آثار الخمر فيه من طعم أو لون أو سَكَر فهو حرام، وإن لم يظهر فإنه ليس بحرام؛ لأنه اضمحلَّ وزال أثره. ولهذا لو أن الماء أصابته نجاسة يسيرة لم تؤثر عليه بقي على طهوريته، كذلك هذا الشراب لما صار فيه نقطة أو نقطتان من الخمر؛ لكن لم يؤثر فيه، فإنه باقٍ على حِلِّه. وكذلك العطور إن استُعملت للشرب فهي حرام، أما لغير الشرب، فهي عندي محل نظر، أنا لا أحرمها ولكنني لا أستعملها إلا للضرورة، مثل: تقييم جرح أو شبهه، ولا أقول: إنها حرام؛ لأنها ما اتُخذت على وجه محرم، ثم هي على كل حال ليست بنجسة، فلو أصابت الثياب أو الفرش فهي طاهرة وليست بنجسة؛ لأنه لا يوجد دليل على نجاستها، بل ولا هناك دليل على نجاسة الخمر، بل الأدلة تدل على أن الخمر طاهر طهارة حسية، وإن كان من الناحية المعنوية خبيثاً ومحرماً.

حكم صيام يوم الشك لقضاء يوم من رمضان السابق

حكم صيام يوم الشك لقضاء يوم من رمضان السابق Q شخص عليه قضاء يوم من رمضان، ففرَّط في قضائه حتى جاءه يوم الشك من رمضان الحالي، فصام يوم الشك، فجاء الخبر بثبوت شهر رمضان، فما الحكم؟ هل يُلزم بأن يصوم مع الناس؟ أو يجعل هذا اليوم عن القضاء الذي عليه؟ وهل يلزمه شيء من هذا القبيل مع القضاء؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً. A يوم الشك هذا العام جاء الخبر فيه قبل طلوع الفجر، ومعلوم أنه إذا ثبت دخول رمضان فإنه لا يصح أن يصوم فيه أي صوم كان، لا صوم فائت، ولا تطوع، ولا نذر، ولا كفارة؛ لأن أيام رمضان متعينة لرمضان، حتى قال العلماء: لو سافر وصادف سفرُه في اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من رمضان وقال: سأصوم الأيام البيض، فإنه لا يجوز؛ لأن رمضان مخصوص للفريضة فقط، فريضة رمضان. وعلى هذا فنقول للأخ: إن تبيَّن لك قبل طلوع الفجر أن اليوم من رمضان فصُم رمضان، وإن لم يتبيَّن إلا بعد، فألغِ نية القضاء واجعلها لرمضان.

حكم المسابقات الرمضانية

حكم المسابقات الرمضانية Q هذا يسأل عن الفوازير الرمضانية، يقول: هل هي من قبيل الميسر أم لا؟ علماً أن (الفوازير) هي مسابقات الأطفال، يجمعون إجابة الأسئلة الثلاثين، ثم يجرون (اقتراعاً) والفائز له جائزة، فما الحكم في ذلك؟ A هذا لا بأس به؛ لأن الجائزة من غير المتعاملَين. فإذا كانت الجائزة من غير المتعاملَين فلا بأس بها؛ لأنه لو قال قائل: مَن أجاب على عشرة أسئلة من خمسة عشر فله كذا، فلا بأس، أو قال: مَن سبَق على الأقدام مثلاً فله كذا وكذا، فهذا لا بأس به؛ لأنه لا يوجد فيه غُنم وغُرم، بل هذا رجل متبرع محسن جعل هذه الجائزة لمن سبق.

حكم ابتلاع الصائم الريق

حكم ابتلاع الصائم الريق Q هل صحيح قول بعض الفقهاء: ويُفْطِر -أي: الصائم- بريق أخرجه إلى بين شفتيه ثم يبلعه؟ A نعم، قال بعض أهل العلم: إذا أخرج الإنسان ريقه إلى ما بين شفتيه فقد انفصل عن فمه، فإذا أعاده فإنه يُفْطِر، وعلى هذا فالاحتياط ألا يبتلعه بعد أن أخرجه إلى ما بين شفتيه؛ لأنه انفصل من فمه. أما إذا كان في فمه فإنه لا يُفْطِر حتى لو جمع الإنسان ريقه أو وصلت النخامة إلى فمه فابتلعها فإنه لا يُفْطِر؛ لكن لا ينبغي له أن يبتلع النخامة بعد أن تصل إلى فمه.

مسألة السهو في صلاة التراويح

مسألة السهو في صلاة التراويح Q إذا صلى الإمام في التراويح ثلاث ركعات كيف يفعل؟ A إذا قام إلى الثالثة في التراويح ناسياً فإنه يرجع، حتى لو قرأ الفاتحة فإنه يرجع ويجلس ويتشهد ويسلم، ثم يسجد سجدتين، فقد نص الإمام أحمد رحمه الله على أن الرجل إذا قام إلى الثالثة في صلاة الليل، فكأنما قام إلى ركعة ثالثة في صلاة الفجر، ومعلوم أن الإنسان إذا قام إلى ركعة ثالثة في صلاة الفجر وجب عليه أن يرجع؛ لأن الفجر لا يمكن أن يُصلَّى ثلاثاً، وكذلك صلاة الليل لا تزد على ركعتين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) . وأنا سمعتُ أن بعض الأئمة إذا قام إلى الثالثة سهواً وذكَّروه استمر وصلى أربعاً، وهذا في الحقيقة جهل منهم، مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) والواجب أن الإنسان إذا ذُكِّر في صلاة الليل أو التروايح ولو بعد أن شرع في القراءة فيجب أن يرجع ويجلس ويقرأ التحيات ويسلم، ثم يسجد سجدتين للسهو ويسلم.

حكم صلاة التراويح بعد صلاة الوتر

حكم صلاة التراويح بعد صلاة الوتر Q من صلى التراويح وقد أوتر، ثم دخل مسجدكم -يعني: هنا- فهل الأولى أن يدخل معكم في صلاة التراويح؟ أم ماذا يفعل؟ A الأَولى أن يدخل معنا، وإن كان قد أوتر؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكما نافلة) وصلاته معنا صلاة ذات سبب، وهو حضور الإنسان إلى الجماعة، كما أن الإنسان لو أوتر ثم دخل المسجد بعد الوتر يصلي ركعتين، لا يجلس حتى يصلي ركعتين، فذوات الأسباب لا تمنع من كون آخر صلاة الليل وتراً.

حكم المداومة على الوتر بقراءة سورتي الأعلى والكافرون

حكم المداومة على الوتر بقراءة سورتي الأعلى والكافرون Q المداومة على الوتر بقراءة سورتي الأعلى والكافرون هل هو سنة؟ A نعم، من السنة أن يقرأ الإنسان إذا أوتر بثلاث، أن يقرأ في الأولى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] وفي الثانية: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] وفي الثالثة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] ؛ ولكن إن قرأ غيرها من السور فلا بأس؛ لأن هذا على سبيل الاستحباب، لا علي سبيل الوجوب.

جواز صلاة المفترض خلف المتنفل

جواز صلاة المفترض خلف المتنفل Q من دخل المسجد والإمام يصلي التراويح ولم يصلِّ الفريضة بعد فما العمل؟ A إذا دخلت المسجد والإمام يصلي التراويح وأنت لم تصلِّ صلاة الفريضة فادخل مع الإمام بنية الفريضة، فإن أدركتَ الإمام من أول الركعة فإذا سلَّم فأتِ بركعتين، وإن أدركته في الركعة الثانية، فإذا سلَّم فأتِ بثلاث ركعات، المهم أنك تدخل مع الإمام وإن كان الإمام متنفلاً وأنت مفترض، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على هذه المسألة، وقال: إذا دخل وهم في التراويح ولم يصلِّ العشاء فليدخل معهم بنية صلاة العشاء، ثم يكمِّل ما بقي من صلاته.

معنى قول عائشة: فلا تسأل عن حسنهن وطولهن

معنى قول عائشة: فلا تسأل عن حسنهن وطولهن Q ما معنى قول عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حُسْنِهِنَّ وطُوْلِهِنَّ، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حُسْنِهِنَّ وطُوْلِهِنَّ) الحديث؟ A معناه واضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي ثمان ركعات؛ لكن يفصل بينهن، فيصلي أربعاً يُطِيْلُهُنَّ ويُحْسِنُهُنَّ في القراءة والركوع والسجود والقيام والقعود، ثم يفصل قليلاً، ثم يصلي أربعاً، ولهذا كان السلف رحمهم الله يصلون التراويح هكذا، يصلونها أربع ركعات، ثم يجلسون قليلاً يستريحون، ثم يستأنفون الصلاة، ولهذا سُمِّيت (تراويح) من الراحة؛ لأنهم يستريحون بعد كل أربع ركعات. وظاهر حديثها هذا: (يصلي أربعاً) أنه يقرن بين الأربع، وهذا محتمل؛ ولكن هذا المحتمل من المتشابه الذي يجب أن يُحمل على المُحكم، والمُحكم هو قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (صلاة الليل مثنى مثنى) وعلى هذا فيكون أربعاً؛ لكن مثنى مثنى، يسلِّم من الركعتين، ويكون فائدة في ذكرها الأربع أن هذه الأربع لم يفصل بينها بفاصل كالفاصل الذي بينها وبين الأربع الباقية.

حكم قول القائل: ونعوذ بك منك

حكم قول القائل: ونعوذ بك منك Q ما حكم قول الإمام: (ونعوذ بك منك) وكذلك، قولهم: (هب المسيئين منا للمحسنين) وهل تجوز الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر دعاء القنوت؟ A قول الداعي: (نعوذ بك منك) فهذا من باب التفويض إلى الله عزَّ وجلَّ؛ لأن الأمر من الله وإلى الله، فهو يعوذ بالله من الله عزَّ وجلَّ، وهو كقوله: لا ملجأ منك إلا إليك، فكما أن الإنسان يفر من الله إلى الله، كذلك يعوذ بالله من الله، والله سبحانه وتعالى يقدِّر الخير بفضله ويقدِّر الشر بحكمته، فهو يعوذ برضا الله من سخطه، ويعوذ بالله من الله عزَّ وجلَّ، أي: يعوذ بالخير من الشر، هذا معنى قوله: نعوذ بك منك، وهذا نظيره في ملوك الدنيا لو أنك قلت للملك: أنا بوجهك، الملك الذي يريد أن يعاقبك مثلاً، تقول: أنا بوجهك، أي: أنني أفر منك إليك، هذا هو معنى قوله: نعوذ بك منك. وأما هب المسيئين منا للمحسنين فهذه إن صحَّت؛ لأنني لا أدري هل تصح عن السلف؛ لكن إن صحَّت فالمراد هب المسيئين منا للمحسنين، أننا جمع يجمع بين أناس مسيئين ومحسنين، فشفِّع المحسنين في المسيئين، كما لو شفعتَ عند ملك لشخص، وقلت: أعطه لي، أي: بوجهي ومن أجلي، فمعنى: هب المسيئين منا للمحسنين أي: اجعل المحسنين شفعاء للمسيئين. وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر دعاء القنوت، فقد نص عليها أهل العلم، واستدلوا بعموم الحديث: (الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تصلي على نبيك) فإذا صلى الإنسان على نبيه صلى الله عليه وسلم في آخر القنوت فلا بأس، وإن ترك ذلك واقتصر على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر التشهد فلا بأس؛ لأن الصلاة عمل واحد.

معنى القصة البيضاء

معنى القصَّة البيضاء Q كثير من النساء تجهل القَصَّة البيضاء؛ لذلك يغتسلن من غير أن يرينها دائماً، فما الحكم؟ A القَصَّة البيضاء معناها: أن المرأة إذا طهرت من الحيض فإنها إذا جعلت قطنة بيضاء في محل الحيض خرجت بيضاء، ليس فيها كُدرة، فإذا كان الأمر كذلك فهذا هو علامة الطُّهر، ولا يلزم أن يكون هناك ماء أبيض سائل، لا يلزم؛ لأن بعض النساء لا يكون معهن ذلك؛ فإذا رجعت القَصَّةُ البيضاءُ بيضاءَ ما فيها أثر، فهذا هو علامة الطُّهر، وإذا حصل الطُّهر ثم جاء بعده كُدرة أو صُفرة، فإن ذلك لا يضر، قالت أم عطية رضي الله عنها: (كنا لا نعد الصُّفرة والكُدرة بعد الطهر شيئاً) .

حكم صيام المرأة قبل التأكد من طهرها

حكم صيام المرأة قبل التأكد من طهرها Q امرأة نوت الصيام من الليل؛ لكنها لم تغتسل إلا وقت الظهر؛ وذلك لأنها تريد أن تتأكد من أنها طاهرة؛ لأنها تخشى أن يخرج منها دم، وفي وقت الضحى رأت القَصَّة البيضاء، فما حكم صيامها؟ A صيامها غير صحيح؛ لأنها صامت من غير أن تتأكد من الطُّهر، والأصل بقاء الحيض حتى تتيقن الطُّهر، وهكذا كل ما كان موجوداً فالأصل بقاؤه على وجوده، حتى يقوم اليقين على زوال ذلك الوجود؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين شُكي إليه الرجل يُخَيَّل إليه أنه يجد شيئاً في الصلاة، قال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) فنقول لهذه المرأة التي لم تتيقن أنها طهرت: انتظري حتى يتيقن الطُّهر، فإذا طَهُرَتْ في أثناء النهار فإن شاءت أمسَكَتْ، وإن شاءت لم تُمسك، أي: إن بقيت على فطرها فلا بأس؛ لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن المرأة إذا طهرت من الحيض في أثناء النهار أو المسافر إذا قدم وهو مفطر، وقدم إلى بلده في أثناء النهار فالراجح من أقوال أهل العلم أنه لا يلزمهما الإمساك، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله، ولا دليل على وجوب الإمساك بدون فائدة؛ لأنه إذا قلنا: أمسك ويلزمك القضاء، صار مجرد تعذيب لهذا الرجل بدون فائدة شرعية.

حكم استعمال السواك للصائم

حكم استعمال السواك للصائم Q ما حكم استعمال السواك للصائم؟ وإن كان جائزاً فما حكم ابتلاع ما يبقى في فم الصائم من طعم للسواك؟ A السواك للصائم وغيره سنة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (السواك مَطْهَرة للفم مرضاة للرب) في كل وقت، في الصباح، وفي الظهر، وبعد العصر، ثم إن كان السواك له طعم، مثل السواك الجديد فلا يبتلع الطعم، وإن لم يكن له طعم فلا بأس أن يبتلع ريقه وإن كان قد تسوَّك.

جدول زمني في شهر رمضان

جدول زمني في شهر رمضان Q ما هو الجدول المناسب اتباعه في شهر رمضان المبارك؟ A هذا لا يمكن ضبطه -الواقع- يعني: لا يمكن أن نحدد شيئاً معيناً لكل واحد من الناس، الناس يختلفون، هذا عنده عمل، وهذا طالب علم يدرس في مدرسته أو كليته أو معهده، وهذا آخر عنده أشغال أخرى، لا يمكن أن تُحَدَّد؛ لكن الإنسان الكيِّس الحازم هو الذي لا يضيع شيئاً من وقته إلا بما يعلم فائدته؛ لأن الوقت أغلى من المال، المال لو فُرِض أنه نَفَدَ يمكن يُسْتَرْجَع؛ لكن الزمن لا يمكن أن يُسْتَرْجَع أبداً؛ ولهذا الإنسان الكيِّس الحازم الفطن يحرص على وقته أكثر مما يحرص على ماله، والعجب أن كثيراً من الناس، أو أكثر الناس يحرص على ماله ويضعه في الصناديق أو يضعه في البنوك يزعم أن هذا أحفظ له، أو ما أشبه ذلك؛ لكن وقته قد ضيعه ضياعاً كاملاً في غير فائدة، بل قد يكون ضيعه فيما فيه مضرة، وكسب إثماً والعياذ بالله. فعلينا أن نحرص جميعاً على أوقاتنا التي هي أثمن من أموالنا، وألا نصرفها إلا في خير، إما خير محض، وإما خير راجح، وإما وسيلة لخير. والله الموفق، والحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

جلسات رمضانية 1410هـ[2-4]

جلسات رمضانية 1410هـ[2-4] في هذه المادة تحدث الشيخ عن مسائل في الربا، وكيف يتم التخلص من الأموال الربوية، وذكر ما يشترط عند الذهب بالذهب، أو الفضة بالفضة، وكذلك الشروط في اختلاف الأصناف.

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة.

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة ... ) الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: يقول الله عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران:131-132] . فقد صدَّر الله هذه الآيات الكريمة بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: [إذا سمعتَ الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا) فأَرْعِها سمعَك، فإما خيراً تؤمر به، وإما شراً تُنهَى عنه] وصدق رضي الله عنه، فإن الله تعالى لا يصدِّر الآيات بهذا الخطاب وهذا النداء وبهذا الوصف؛ وصف الإيمان إلا لأمر هام، إما خيراً يؤمر به الناس، وإما شراً يُنهَون عنه. وفي هذه الآيات الكريمة الذي خاطبنا الله به شر نهانا عنه، فقال: {لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً} . وكانوا في الجاهلية يأكلون الربا أضعافاًَ مضاعفة، بالصراحة والوضوح، كان الرجل إذا ديَّن شخصاً أرضاً أو ثمن مبيع أو غير ذلك مما يثبت في الذمة؛ لأن الدين في الشرع: كل ما ثبت في الذمة فهو دين، من ثمن مبيع، أو باقي صداق امرأة، أو أجرة بيت، أو دكان، أو غير ذلك، كل ما ثبت في الذمة فهو دين، كانوا في الجاهلية إذا حلَّ الدين المؤجل قال الدائن للمدين: إما أن تقضي الدين، وإما أن تربي، أي: أن تزيده، فإذا كان (10. 000) مثلاً وحلَّ، وليس عند المدين شيء، قال له الدائن: إما أن توفيني العشرة آلاف بأي وسيلة كانت، وإما أن تُربي، أي: تجعل العشرة مثلاً أحد عشر ألفاً، أو اثني عشر ألفاً، حسب ما يفرضه هذا الدائن الظالم على المدين. والمدين المعسر يحرم على دائنه أن يتكلم معه بطلب الدين، يعني: لا يجوز أن يقول: أوفني وهو يعلم أنه فقير، فكيف بمطالبته؟! وكيف بحبسه؟! كما يفعل الآن بعض الناس الظلمة والعياذ بالله، يحل الدين على الفقير وهو يعلم أنه فقير لا يجد شيئاً، ثم يطالبه عند الجهات المسئولة، ويطلب حبسه، وهذا لا شك أنه معصية لله عزَّ وجلَّ، وأن الذي يفعل ذلك ربما يعاقب في الدنيا قبل الآخرة، ربما يُصاب بالإعسار والإفلاس، ويتسلط عليه الناس كما تسلط على هذا الفقير. المهم أنهم كانوا في الجاهلية إذا حل الدين قال: أوفني أو أرْبِ، يعني: زِدْ، فإذا حل مرة ثانية قال: أوفني أو زِدْ، فإذا حل مرة ثالثة قال: أوفني أو زِدْ، حتى يتضاعف الدين، وتكون المئات ألوفاًَ، فنهى الله المؤمنين عن ذلك. {لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} : اتقوا الله يعني: اتخذوا الوقاية من عذابه بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ لتنالكم رحمة الله عزَّ وجلَّ، وإذا لم تفعلوا {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:24] . {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران:131] يعني: اتقوا الله واتقوا عذابه بالنار التي أعدها الله للكافرين، وفي هذا دليل على أن الربا خصلة من خصال الكفر؛ لأنه قال: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران:131] بعد أن نهانا عن الربا.

مسائل في الربا

مسائل في الربا وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم الربا فيما يكون، وكيف يكون؟

الأشياء التي تجري فيها الربا

الأشياء التي تجري فيها الربا أما ما يكون فيه الربا فقال صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح. -كم هذه؟ ستة. ستة أصناف- مِثْلاً بمِثْل -يعني: بعتَ ذهباً بذهب، أو فضة بفضة، أو براً ببر، أو شعيراً بشعير، أو تمراً بتمر، أو ملحاً بملح، مِثْلاً بِمِثْل- سواءًَ بسواء, يداًَ بيد) فاشترط النبي عليه الصلاة والسلام المماثَلة والمقابَضة، إذا بِيْعَ شيء من هذه الأصناف بجنسه فلابد فيه من أمرين: المماثَلة: بحيث لا يزيد أحدهما على الآخر. والمقابَضة: يداً بيد. فإن زِدتَ أو تأخرت في القبض فإنك مرابٍ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن زاد أو استزاد فقد أربى) أي: دخل في الربا، فإذا بعتَ ذهباً بذهب، إذا بعت عشرة غرامات بأحد عشر غراماً فهذا حرام؛ لأجل الزيادة، وإذا بعتَ عشرة غرامات بعشرة غرامات لكن لم تقبض فهذا حرام من أجل عدم القبض. والربا الذي يكون بعدم القبض يسميه العلماء: ربا النسيئة؛ لأنه تأخر في القبض. والذي يكون فيه الزيادة يسميه العلماء: ربا الفضل. فقد ينفرد ربا الفضل، وقد ينفرد ربا النسيئة، وقد يجتمعان. إذا اختلفت الأصناف، لم يكن إلا ربا النسيئة. فإذا بعتَ ذهباًَ بفضة فلا بأس بالزيادة والنقص ولكن لابد من التقابض قبل التفرق. إذا بعتَ تمراً ببُر، فلا بأس من التفاضل؛ ولكن لابد من التقابض قبل التفرق. إذا بعتَ شعيراً بملح، لا بأس بالزيادة؛ ولكن لابد من التقابض قبل التفرق. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد) . فإن قلتَ: لو بعتُ ذهباً ببُر، هل يجب التقابض؟ ف A ظاهر الحديث أنه يجب التقابض؛ لأنه قال: (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم) ، وذهبٌ ببُر اختلفت الأصناف، فيجوز أن نبيع كيف شئنا؛ ولكن يجب أن يكون يداً بيد، هذا هو ظاهر هذا الحديث؛ لكن قد دلت السنة أنه إذا كان أحد الصنفين نقداً، يعني: ذهباً أو فضة فلا بأس من التأخير في القبض، إذا كان أحد العوضين ذهباً أو فضة فلا بأس من التأخير في القبض. بأي دليل؟ بحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قَدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يُسْلِفون في الثمار السنة والسنتين -يعني: يعطون دراهماً بتمر بعد سنة أو بعد سنتين- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أسلف في شيء فليُسْلِف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم) وهذا يتأخر في القبض، وقد جاءت به السنة صريحة. فدل ذلك على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا اختلفت هذه الأصناف) يعني: الأربعة فقط، وهي: البر، والشعير، والتمر، والملح. إذا بِيْع جنسٌ بغير جنسه فلابد من التقابض قبل التفرق، ولا يُشترط التساوي، أما إذا بيع جنس من هذه الأصناف الأربعة بذهب أو فضة، فإنه لا يُشترط فيه التساوي، ولا يُشترط فيه التقابض أيضاً؛ لكن إذا بيع ذهب بفضة، فإنه لابد فيه من التقابض، أما التساوي فليس بشرط؛ لأن الذهب لا يساوي الفضة؛ لكن لابد من التقابض. ودليل ذلك أحاديث وردت في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن بأن الذهب بالفضة لابد أن يكون فيه التقابض قبل التفرق.

بيع وشراء العملات الورقية

بيع وشراء العملات الورقية إذا قال قائل: ما تقولون في هذه العملات الورقية؟! الذهب والفضة معلومان بالسنة؛ لكن هذه العملات الورقية ماذا نقول فيها؟ فقد اختلف العلماء فيها؛ لأنها خرجت متأخرة، ما كانت معروفة عند العلماء السابقين، خرجت متأخرة، والمتأخرون اختلفوا فيها على ستة أقوال، وأقرب الأقوال فيها: أنه يجري فيها ربا النسيئة دون ربا الفضل، يعني: إذا بعت شيئاً بشيء متفاضلاً فلا بأس، لكن لابد من التقابض قبل التفرق، وهذا قول وسط بين من يقول: إنه لا يجري فيها ربا فضل ولا ربا نسيئة، وبين من يقول: إنه يجري فيها ربا الفضل وربا النسيئة، فهذا قول وسط، أنه يجري فيها ربا النسيئة؛ لأن ربا النسيئة هو الأشد والأعظم؛ حتى ذهب بعض السلف قديماً إلى أنه لا ربا إلا في النسيئة، بناءً على حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الربا في النسيئة) . لكن انعقد الإجماع بعد ذلك على مقتضى السُّنَّة الأخرى التي فيها إثبات ربا الفضل، وإثبات ربا النسيئة. فأقرب الأقوال عندي في مسألة الأنواط، يعني: الأوراق، أوراق العملة أنه يجري فيها ربا النسيئة دون ربا الفضل، وأن ربا الفضل فيها جائز، بل هو ليس رباً شرعياً؛ لأنه مثلما لو بعتُ عليك ثوباً بثوبين لا بأس به بالاتفاق، أو بعتُ عليك بعيراً ببعيرين، لا بأس به أيضاًَ، كذلك لو بعتُ ورقةًَ بورقتين لا بأس به؛ لكن إذا كانت الدولة واحدة، فإن كان ورقة بما يقابلها من معدن آخر فلا بأس بالزيادة، وليس فيه إشكال عندي؛ لكن إذا كانت ورقة بورقة؛ لكن ورقة جديدة نظيفة وأخرى فيها تمزق فهذه في نفسي تردُّد، هل تجوز الزيادة في هذا أو لا تجوز، والاحتياط: ألا يكون فيها زيادة. والمهم -أيها الإخوة- أن الربا إثم عظيم وجُرم كبير، وقد قال الله تعالى في من لم ينتهِ عن الربا قال: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:279] . ومع الأسف الشديد أننا نحن معشر الأمة الإسلامية الذين فُضِّلنا على كل الأمم -ولله الحمد- فينا اليوم من يتعاطى الربا وكأنه بيع حلال، ففينا بعد ذلك شبه من اليهود؛ لأن اليهود هم المشهورون بأكل الربا، فمن أكل الربا فإن فيه شبهاً من اليهود، إخوان القردة والخنازير والعياذ بالله. نسأل الله لنا ولكم الحماية والوقاية من الشر، إنه جواد كريم.

الأسئلة

الأسئلة

كيفية التخلص من الأموال الربوية

كيفية التخلص من الأموال الربوية Q شخص له مبلغ كبير في بنك من البنوك بلغت فوائده الربوية (10. 000) ريال تقريباً، فهل يأخذها ويتصدق بها؟ أو يصرفها في أعمال البر العامة؟ أم يتركها للبنك يتاجرون بها ويربحون بسببها، فيحس بالذنب يلاحقه؟ نرجو توضيح هذه المسألة، وفقكم الله للصواب؟ A لا شك أن بقاء هذا الشيء الذي يسميه السائل: فائدة، لا شك أن بقاءه في البنك ينمِّي ماله ويزيده؛ لكن إذا كان هذا الرجل لا يحب أن ينمِّي مال البنك فلماذا يعطي البنك ماله؟! إذا كان صادقاً في أن يبتعد عن البنوك وعن فوائدها الربوية فلماذا يضع دراهمه في البنك أصلاً؟! لو أن الناس هجروا البنوك ولم يضعوا أموالهم فيها لأفلست البنوك؛ لأن أموال البنوك وأرباح البنوك من أموال الشعب، تَرِدُ عليهم وينتفعون بها، وهذا الربح الذي يعطونك إياه ليس فائدة مالك أبداً حتى تقول: إني تركتُ فائدة مالي لهم، بدليل أن هذا الربح مُطَّرِد، يزيد بزيادة الدقائق، ليس بزيادة الأيام فحسب، وليس هناك ربح يكون بهذا الوجه. ثم إن مالك الذي هو مالك ربما يتَّجر بها البنك ويخسر، وربما يتلف، ربما يصيب البنك حريق فتتلف أموال عظيمة من جملتها مالك، ومع هذا يعطونك الفائدة، فالفائدة هذه ليست فائدة مالك، ولكنها رباً صريح يعطيه البنك لمن جعل ماله عنده، وبعبارة أصح: يعطيه البنك لمن أقرضه ماله؛ لأنك أنت إذا أعطيت البنك فقد أقرضتَه المال؛ لأن البنك يضعه في صندوقه وينتفع به، ليس وديعة، وإن كان الناس يسمونها وديعة؛ لكنها كذب، ما هي وديعة، الوديعة أن يبقى مالك بعينه محفوظاً بكيسه، لا يتصرف فيه المودَع أبداً، هذه الوديعة. أما شيء تعطيه إياه ويضعه في صندوقه ويتصرف فيه فهذا يسميه الفقهاء: قرضاً، وليس وديعة، والمعاني لا تتغير بتغيُّر الأسماء أبداً، ولهذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه في آخر الزمان يشرب أقوام الخمر ويسمونها بغير اسمها، فهل تنتقل عن الخمر إلى الاسم الجديد؟ لا. هي خمر، هكذا أيضاً هذه التي نسميها ودائع وهي عند البنوك ليست وديعة أبداً، بل هي قرض ينتفع بها البنك. فنقول لهذا السائل: أولاً: لماذا تضع مالك عند البنك وأنت تشعر بأن في هذا تنمية لأموالهم وزيادة فيها؟! فإذا قلت: إنني مضطر إلى ذلك؛ قلنا: الضرورة لا تبيح لك أخذ الربا أبداً، وبيننا وبينك كتاب الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:278-279] أي: اتركوا الربا الذي أنتم عقدتموه من قبل، حتى ربا الجاهلية الذي تم العقد عليه قبل الإسلام قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (ربا الجاهلية موضوع، وأول رباً أضع من ربانا: ربا العباس بن عبد المطلب) . والشرع لا يتغير باستحسان العقول، بعض الناس يقول: لماذا أخلِّي هذا المال الكثير عند البنك يربحُه؟ نقول: ما ربحه، مالك ما ندري هل ربح أم خسِر؟! وهل ربح أضعاف أضعاف الذي أعطاك أو أقل؟! لا ندري، هذا ليس ربحاً، ولا يجوز أن نسميه ربحاً؛ هذا رباً، رباً صريح، ولهذا -كما قلتُ- يزيد بزيادة الساعات والدقائق والأيام، إذا تأخر أضيف إليه زيادة، كلما تأخر، يُحسب بالدقيقة، كيف يقال هذه فائدة؟! أين الفائدة؟! فإذا كان ربك يقول لك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا} [البقرة:278] اتركوا الباقي، كيف تأخذه أنت؟! أليس الله يعلم أنك لو قبضته وتصدقت به أو صرفته في منفعة عامة أليس الله يعلم أن ذلك يكون؟ الجواب: بلى، يعلم هذا، لماذا لم يقل للعباد: خذوه وتصدقوا به أو اصرفوه في المصالح العامة؟! الله عزَّ وجلَّ لا يمكن أن يحرم عباده مما فيه الخير أبداً، وأن يأمرهم بما فيه الشر! لا يأمر إلا بالصالح أو الأصلح، ولولا أن الصالح أو الأصلح في تركه ما قال: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا} ثم في تركه له فوائد عظيمة؛ خلافاً لما يتراءى لبعض الناس من سطح المسألة وظهرها: من أكبر فوائده: أن الناس إذا علموا أو إذا شعروا بأن هذه التي يسمونها فوائد كثيرة تبلغ ملايين ما هي (10. 000) كما قال السائل، فإن هذا سيضطَّرهم إلى أن يوجدوا معاملات بديلاً عن هذا، أما إذا استمروا على هذا أو استمرءوه، قال: آخذ، وأصرفه في مصالح عامة، وربما يشح بها أيضاً، ربما تمنعه نفسه، هو أخذها بهذه النية؛ ولكن مع كثرتها إذا صار يقلِّبها يقول: والله! هذه مليون، مليونان، عشرة ملايين، لا، خلِّها وسننظر فيما بعد، يموت وهو ما صرفها في شيء، أو ربما يغلبه الشح وتبقى، ثم هو لو فرضنا أن الرجل أخذها وصرفها فوراً إلى شيء نافع فغيره لا يدري هل أخذها وصرفها أم لا؟! فيقتدي به، يحصل في هذا شر كبير. فالمهم أن تركها امتثالاً لأمر الله عزَّ وجلَّ وتحسُّباً للفوائد العظيمة التي ستكون في تركها، لا شك أنه متعيِّن. وما استحسنه بعض الناس من أن تأخذها وتصرفها في المصالح العامة هذا استحسان في مقابلة النص، ولا -والله- أعلم لأحد حجة إذا وقف بين يدي الله يوم القيامة، وقد قال الله: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا} لا أعلم له حجة أن يقول: يا رب! أخذته لأني أرى أن فيه مصلحة، المصلحة كلها في طاعة الله ورسوله، ليست في شيء سواهما، طاعة الله ورسوله فوق كل شيء. وثِق أيضاً بأنك إذا تركت هذا طاعة لله ورسوله فستكون العاقبة حميدة لك، وستجد لذة طعم هذا الترك إلى أن تموت، لا سيما إذا كثر المال المتروك. فعلى كل حال نقول: لا تأخذه، ولا تصرفه في المصالح؛ لأنك إن صرفته في المصالح أو تصدقت به تقرباً إلى الله لم يُقبل منك، وبُؤت بالإثم، كسبت الإثم ولم يقبل منك هذا، وإن أنفقته في المصالح أو تصدقت به تخلصاً منه صرت كمن تلوث بالنجاسة ثم حاول أن يغسلها، ما الفائدة؟ إذا كنتَ تعرف أن هذا لا يحل لك ما الفائدة أنك تأخذ وتصرف، قال: والله! الفائدة أنني أحرمهم إياه؛ لأنه ربما يأخذونه ويضعونه في الكنائس، أو يضعونه في أسلحة يقاتلون بها، نقول: إذا كان هذا الاحتمال وارداً عندك، فأصل إدخالك المال محرم؛ لأنهم سيستعينون به على ذلك.

حكم المسابقات

حكم المسابقات Q هذا سؤال قد طُرح على فضيلة الشيخ في الحلقة الماضية، وهو عن فوازير رمضان، وورد إلينا الآن تنبيه وهو: قضية اصطحاب هذه الفوازير للموسيقى والغناء وظهور بعض البنات ونحو ذلك! والسؤال يتجدد عن حكم هذه الفوازير! قضية فوازير رمضان يحصل فيها غناء وموسيقى؟ A حسناً! الفوازير هذه، وهو اسم والله! ما أدري إِيْشْ هذه الفوازير! جمع فزُّورَة؟ جمع فزُّورة. الفزُّورة إِيْشْ هي؟! أََلْغاز. لكن ما هي لغة عربية الظاهر. الجواب: على كل حال أنا أقول: إذا كان يصحبها ظهور بنات جميلات فالواجب الإعراض عنها، ولا يجوز الاستماع إليها وفيها موسيقى، ولا يجوز النظر إليها وفيها بنات يفتنَّ الناظر، فيجب الإعراض عنها. ولكن هذا يمكن أن يستمع الإنسان إليها من جهة أخرى؛ لكن قيل لي: إن فيها مفسدة ثانية، وهي: أنه لا يقبلون الإجابة إلا بعد أن يسلم الإنسان دراهم -قسيمة- يقولون: ما نقبل إلا إذا سلمت دراهم -والله ما أدري- خمسة ريالات، أو خمسة عشر ريالاً، ما أدري، هل منكم يعرفها؟ أو أنهم لا يقبلون الإجابة إلا بشراء كتيب أو دفتر تكتب عليه الإجابة. إذا كان كذلك وهو أن الإجابة لا تقبل إلا بشراء هذا الكتيب، ولنقل: إنه بخمسة ريالات، هذا الذي سلم خمسة ريالات ما سلَّم لأجل الكتيب، يمكن الكتيب لا يساوى ريالاً واحداً؛ إنما سلَّم لأجل الجائزة، أو سلَّم أيضاً لأجل أن يُقبل فقط حتى نقول: إن العوض هنا معلوم، وهو قبول إجابته، هو لولا هذه الجائزة التي قدِّرت ما تقدم في الإجابة، وحينئذ يكون سلَّم خمسة ريالات بناءً على أنه سيحصل على جائزة، وهذه الجائزة ربما تحصل وربما لا تحصل، وربما تكون أضعاف أضعاف الخمسة ريالات، وربما تكون -ما أدري- أقل. عل كل حال: إذا بنيتَ هذا على القاعدة المعلومة عند أهل العلم وهي: أن كل عقد يكون دائراً بين الغُنم والغُرم فإنه داخل في الميسر، علمتَ أن هذا من الميسر. قد يقول قائل: مصلحة أو ريع هذا الكتيب لن يدخل على الذين وضعوا هذه المسابقة، ووضعوا هذه الجائزة، حتى نقول: إنه من باب الميسر، وإنما سيُصرف إلى جهات أخرى، فيقال: هذا صحيح؛ لكن أصل المعاملة بالنسبة للمتقدم هي ميسر؛ لأن يعرف أنه مُخاطِرٌ الآن، إما أن تروح عليه الخمسة ريالات التي صرفها، وإما أن يحصِّل أكثر، فهي في الحقيقة وإن كانت أهون مما إذا كان الذي يأخذه مَن وضَع الجائزة؛ لكن هي داخلة في الميسر، وهذه مشكلة في الحقيقة حصلت من المسابقة في هذا العام.

حكم الزكاة على المدين

حكم الزكاة على المدين Q هذه سائلة تقول في سؤالها: عندي بضاعة أبيع وأرتزق منها، فهل تجب عليَّ الزكاة، علماً بأنني مدينة؟ A نعم. القول الراجح من أقوال أهل العلم: أن الزكاة واجبة على من عنده مال زكوي، وإن كان مديناً؛ لأن النصوص التي دلت على وجوب الزكاة في الأموال الزكوية نصوص عامة ما فيها استثناء، ولم يأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث واحد؛ لا صحيح ولا ضعيف، في أن ما يقابل الدين يُسقَط ولا تجب فيه الزكاة أبداً، بل كان الرسول عليه الصلاة والسلام يبعث الناس إلى أخذ الزكاة من أهل المواشي ومن أهل الثمار ولم يقل لهم: اسألوا أهل الثمار: هل عليهم ديون أم لا؟! مع أنه كما سمعتم كانوا يسلفون في الثمار السنة والسنتين، غالبهم يصير عليه دين، ولا تقوم فلاحته إلا بالتديُّن لها، ومع ذلك ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول للناس الذين يقبضون الزكاة يقول: اسألوهم: هل عليهم ديون؟ فأسقِطوا عنهم ما يقابل الدين! فلما لم يقل ذلك مع دعاء الحاجة إليه عُلِم أن الدين ليس بمانع من وجوب الزكاة فيمن عنده مال زكوي. وقول بعض الفقهاء رحمهم الله: إن الزكاة وجبت مواساة، وأن المدين ليس أهلاً للمواساة، هذا من جملة ما أشرنا إليه، من جملة التحسين المعارِض للنص، وكل شيء يعارض النص فإنه مرفوض وغير مقبول. فالصحيح أن الإنسان الذي عنده مال زكوي سواءً كان دراهم أو كان تجارةً أو كان سائمةً من بهيمة الأنعام، أو كان ثماراً؛ فإنه يجب عليه أن يزكيه إذا وجبت فيه الزكاة, ولو كان عليه دين، فإذا قدَّرنا أن رجلاًَ عنده بضاعة تساوي [10. 000] ريال، وهو مدين بعشرة آلاف ريال، عليه دين (10. 000) ريال وجب عليه أن يزكي التجارة التي عنده، وإذا احتاج إلى قضاء الدين أعطيناه نحن من الزكاة، وقضينا دينه؛ لأنه غارم، فالحمد لله! الله لن يضيع أحداً، فالذي يؤدي الزكاة وعليه دين نقول له: إذا اضطررت يوماً من الأيام إلى أن نقضي دينك قضيناه من الزكاة. وعلى هذا فنقول في جواب سؤال المرأة: إنه يجب عليها أن تزكي هذا المال الذي تتجر به ولو كان عليها دين.

حكم تتبع المساجد لطلب الصوت الحسن

حكم تتبع المساجد لطلب الصوت الحسن Q أرشدونا فيما هو الأفضل: تتبُّع المساجد لطلب الصوت الحسن، أم الذهاب إلى من يطبق السنة ويحافظ على الخشوع؛ ولكنه لا يمتاز بصوت حسن، مع أن الحاجة داعية إلى ذلك؟ A لا شك أن الصوت الحسن مرغوب، والإنسان يحب أن يستمع القرآن من صوت حسن، بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أذن الله لشيء إِذْنَه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن) أي: ما استمع الله تعالى لشيء مثلما يستمع لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن. وسمع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة أبا موسى الأشعري يقرأ القرآن، واستمع لقراءته، ثم قال له النبي عليه الصلاة والسلام في الصباح، قال: (لقد استمعتُ إلى قراءتك الليلة، وقد أوتيتَ مزماراً من مزامير آل داوُد -أي: صوتاً حسناً- فقال: أوَسَمِعْتَ ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم. قال: لو علمتُ لحبَّرتُه لك تحبيراً) يعني: زينتُه أحسن. وفي هذا دليل على أن الإنسان لا بأس أن يحسِّن صوته من أجل أن يستمع الناس إليه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أبي موسى لما قال هذا. لكن إذا كان الذهاب -أي: ذهاب الرجل- يؤدي إلى هجران المساجد الأخرى، وضعف همم أصحاب الحي، فإن بقاء الإنسان في مسجده أفضل، وكذلك أيضاً لو كان مسجد حيه يطبق السنة أكثر صار أيضاًَ صلاته في مسجد حيه أفضل. وهذا القارئ الذي يقرأ يمكن للإنسان أن يستمع إلى قراءته في مسجل ويخشع لها، ثم الخشوع في الحقيقة هو حضور القلب بين يدي الله عزَّ وجلَّ، وليس هذا البكاء الطويل العريض الذي أحياناً يصل إلى إزعاج لبعض الناس، فالرسول صلى الله عليه وسلم أشد الناس خشوعاً، وكان إذا سجد يُسمع لصدره أزيز كأزيز المِرْجَل، خفي، ليس بهذا الصراخ الذي يُسمع من بعض الناس. فالذي أرى أنه لا بأس أن الإنسان يذهب إلى مسجد حسن الصوت، إذا كان هذا ألذ وأطيب لقلبه وأخشع؛ ولكن يُلاحظ أنه إذا كان هناك من يطبق السنة أكثر فهو أولى، وكذلك إذا ذهب إلى هذا المسجد تخلو مساجد الحي أو تضعف همم الناس، فإن وجوده في مسجده أفضل ليكثِّر الناس، ولا سيما إذا كان رجلاً له قيمة في المسجد، فإن هذا أيضاً ربما يُحدث شيئاًَ في قلب الإمام. أما أولئك الذين سمعنا أنهم يأتون من نحو ثمانين كيلو، ومائة كيلو، وما أشبه ذلك، فهذا لا شك أن هذا تصرف خاطئ، خاطئ جداً؛ لأن هذه المسافة؛ ثمانين كيلو، ساعة ذهاب، وساعة إياب، بدون فائدة، إلا مجرد الاستماع لهذا الصوت، هذا إضاعة وقت، والوقت أشرف من أن يُضاع في مثل هذا الشيء، صحيحٌ أن قصد العبادة فيه أجر لا شك؛ لكن إلى هذا الحد؟! تضيع عليك ساعتان من هذه الليالي الشريفة؟! هذا -في رأيي- أنه تصرفٌ خاطئ، وكلامنا على الشخص الذي يكون في البلد نفسه.

حكم نزول السائل الأصفر من المرأة الحامل

حكم نزول السائل الأصفر من المرأة الحامل Q هذه سائلة تقول: إذا نزل من المرأة الحامل سائل أصفر، فهل تقضي هذا اليوم علماً بأنها في الشهر الثامن؟ A لا، الحامل لا يضرها ما نزل منها من دم أو صُفرة؛ إلا إذا كان عند الولادة أو قبلها بيوم أو يومين مع الطلق، فإنه إذا نزل منها دم صار نفاساً، وكذلك في أوائل الحمل، فإن بعض النساء في أوائل الحمل لا تتأثر عادتهن، تستمر على طبيعتها وعادتها، فهذه أيضاً دمُها يكون دمَ حيض. وأما ما يحدث أحياناً في أثناء الحمل فهذا لا يضر ولا يؤثر، تصوم المرأة وتصلي إلا أنها عند الصلاة تتحفظ لئلا يخرج شيء منها أثناء الصلاة، بقدر الإمكان، وكذلك أيضاًَ تتوضأ لوقت كل صلاة.

التحذير من خروج النساء إلى الأسواق

التحذير من خروج النساء إلى الأسواق Q تشكو النساء من فراغ كثير خصوصاً في مثل هذه الليالي؛ لا يجدن أمامهن إلا التلفاز أو الفيديو، فما نصيحتكم لهنَّ في قضاء هذه الأوقات؟ وآخر يشتكي من كثرة خروج النساء إلى الأسواق، نرجو التوجيه؟ A أما خروج النساء إلى الأسواق فلا شك أنه محزن ومؤسف، والمسئولية تقع أول ما تقع على الرجال أولياء الأمور؛ لأنهم هم الذين نصبهم الله تعالى قوَّامين على النساء، فقال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34] ، وقال: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228] . ولا يجوز للإنسان أن يدع نساءه هكذا طلقاً، يذهبن حيث شئن، لا في الليل ولا في النهار، لا في رمضان، ولا في غيره، بل الواجب عليه الملاحظة والمراقبة، لا سيما مع خوف الفتنة، بأن تخرج المرأة متطيبة أو متبرجة أو ما أشبه ذلك. فأنا أجعل المسئولية الكبرى على أولياء الأمور، يجب أن تُمنع المرأة من الخروج من البيت إلى الأسواق في الليل، حتى لو أدى ذلك إلى منعها من المسجد؛ ولا يعارض هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) لأني أمنعها من الخروج إلى المسجد حيث إنها إذا خرجت إلى المسجد مرت على السوق، وقامت تتجول فيه بلا فائدة، فأنا أمنعها لا عن المسجد؛ ولكن عمَّا يكون بعد المسجد، وإلا أحرصُ عليها بأن أتلقاها من حينِ ما تخرج من المسجد وأذهب بها إلى البيت. وأما فراغ النساء في البيوت، فالمرأة هي التي جعلت الفراغ لنفسها، وعندي أنه لا فراغ، أما بالنسبة للفتيات الصغار فغالبهنَّ في المدارس، وهي عليها مسئولية للمدرسة، يمكنها أن تُمضي ليلها في مطالعة الدروس، ما دامت لم تَنَمْ. وأما الكبار فشئون البيت كثيرة، يمكنها أن تسعى في أمور بيتها أو تنام كما كانت النساء من قبل، كانت النساء من قبل ليس عندهن تلفاز، وليس عندهن فيديو، ولا راديو، ولا شيء، وأمورهن قائمة، بل هي والله أحسن من الوقت هذا، تجد المرأة الفارغة قلبها متعلق بعبادتها وشئون بيتها، وليس لها نظر ولا التفات إلى أي شيء آخر؛ لكن النساء هنَّ اللاتي أشغلن أنفسهن بهذه المشاهد، أو هذه المسامع، وهنَّ في غنى عنها، فبإمكانها إذا انتهت صلاة التراويح أن تبقى في البيت إن كانت تدرس، تراجع دروسها، إن كانت مدرِّسة تراجع ما تريد أن تدرِّسه، إن كانت تقرأ القرآن قرأت القرآن، إن كانت لا تقرأ اشتغلت بشئون بيتها، إذا لم يكن شغل وانتهى الشغل تنام، وليس بإشكالٍ المسألةُ، المسألةُ ليس هنالك إشكال، وليس هناك فراغ؛ لكن النساء هنَّ اللاتي يخلقن هذا الإشكال، ويطلبن حلَّه وحله -والحمد لله- يسير وسهل.

حكم العمل بجهاز الكمبيوتر في معرفة ما في بطون الأمهات وغير ذلك

حكم العمل بجهاز الكمبيوتر في معرفة ما في بطون الأمهات وغير ذلك Q سائل يسأل عن حكم العمل بجهاز الكمبيوتر؛ حيث أنه يحكم على ما في بطون الأمهات بالذكورة أو الأنوثة ويخبر قبل شهر بالطلوع والغروب والسحاب والمطر؟! A نعم، الاشتغال بهذا لا بأس إذا لم يشغل عما هو أهم منه؛ لأن هذا داخل في عموم قوله تعالى: {وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282] وفي قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} [الجاثية:13] وفي قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة:29] . فهذه المسائل لا بأس بتعلُّمها؛ إلا إذا أشْغَلَت عما هو واجب وأهم منها فهذا شيء آخر؛ لكن إذا لم تشغل فإنها مفيدة جداً، وفيها مصلحة أيضاً حتى للمسلمين عموماً، حتى لا يبقى الشعب المسلم أبله؛ يترقى الناس إلى الصنائع العظيمة التي تخدمهم خدمة لا يتصورها العقل. ولقد جاءتني ورقة من امرأة، تقول لي: لماذا تقول: الكمبيوتر؟! لأن الكمبيوتر لغة إنجليزية، ولكن قل: العادُّ، أو الحاسِبُ، أو ما أشبه ذلك، فأنا تعجبتُ! سبحان الله! عندي رجال كثير ما قالوا في هذا شيء، وهذه المرأة تنتقدني، والانتقاد في محله يُشكر الإنسان عليه، ولهذا هل يمكن أن نغيره؟ أقول: إن غيرناه فذاك هو الأحسن، وإن لم نغيِّره فلا حرج؛ لأن اللغة العربية الفصحى فيها كلمات مترجمة منقولة من لغة أخرى، حتى في القرآن الكريم كلمات أصلها أعجمية؛ لكن استعملها العرب فكانت من كلامهم، وتسمى هذه الكلمات كلمات معرَّبة، فلا حرج أن نسمي هذه الأسماء بما سماها أصحابها، وليس في هذا بأس. على كل حال أقول: إن الاشتغال بالكمبيوتر لا بأس به إذا لم يشغل عن واجب أو ما هو أهم؛ لأن فيه مصلحة. وأما العلم بما في بطن الأنثى بعد أن يُخَلَّق فهذا أمر وقع الآن وعُلم، ولا يعارض قول الله عزَّ وجلَّ: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [لقمان:34] لأن هذا العلم إنما يكون بعد الوجود، وعلم الله تعالى لما في الأرحام كائن قبل الوجود، يعلم ما سيكون في رحم هذه الأنثى وإن لم تحمل، ويعلم أيضاً ما في بطنها قبل أن يُخَلَّق، ويعلم مآل هذا الحمل، ويعلم حياته وعمله وكل أحواله، وهم لا يتوصلون إلا إلى علم شيء محسوس بعد وجوده، وبعد وقوعه، وهو: الذكورة والأنوثة. وكذلك أيضاً علمهم بما سيكون من المطر، هو علم يُدرك؛ لكنه بآلات قوية الحساسية، والله عزَّ وجلَّ جعل لكل شيء سبباً، فالأمطار لها أسباب، والغيوم لها أسباب، كله في هذا الغلاف الجوي، فهناك آلات دقيقة جداً جداً يتبين بها بعد دراستها وإجراء الاختبار عليها أن الجو متكيِّف لأن يكون المطر قريباً أو بعيداً وهو يقول إنه إلى شهر، وهذا علم جديد؛ لأن الذي أعرف أنه إلى (24) ساعة، وأنهم وصلوا الآن إلى ثلاثة أيام، ما أدري هل زاد ذلك أم لا. فهذه أيضاًَ أمور تُدرك بالحس، وليست من أمور الغيب، ولا بأس أن يصدقها الإنسان؛ لكن لو قال قائل لإنسان: إنه سيكون لك كذا، وسيكون لك كذا، هذا هو الذي من علم الغيب، ولا يجوز لأحد أن يصدقه، ولهذا أحذركم من قراءة بعض المجلات التي تَرِدْ إلى المملكة فيها الطالع المنحوس، والطالع المسعود، وما أشبه ذلك، ويذكرون طالع الإنسان: أنت في أي نجم ولِدْت؟ إن ولدت في كذا سيحصل كذا وسيحصل كذا، هذا حرام ولا يجوز أن نصدقه، والتصديق به من الكفر.

حكم الصور على الفرش والبطانيات

حكم الصور على الفرش والبطانيات Q ابتلينا بالصور في الثياب والكتب والمجلات والفُرُش، فما حكم الفُرُش والبطانيات التي يكون فيها رسماً لحيوانات، وهل تجوز الصلاة في الغرف التي فيها مثل هذه البطانيات؟ A الواقع أننا كما قال السائل ابتلينا بهذه الصور، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة) وإذا أخذنا بعموم هذا الحديث شمل كل شيء فيه صورة؛ ولكن جمهور أهل العلم يقولون: إن الصورة التي تُمْتَهَن -وهي: التي في الفرش- لا بأس بها، ويجوز أن يستعملها الإنسان؛ ولكن مع ذلك أنا أشير أن الإنسان يدعها حتى في الأشياء التي تُمْتَهَن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم إلى بيت عائشة ورأى نمرقة -يعني: وسادة- فيها صورة، فوقف، وعُرِفَت الكراهية في وجهه، فقالت عائشة رضي الله عنها: (إني أتوب إلى الله ورسوله، ماذا صنعتُ يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أصحاب هذه الصور يُعَذَّبون، يقال: أحيوا ما خلقتم) ثم أمرها صلى الله عليه وسلم أن تشقها نصفين، فهذا يدل على أنه حتى وإن كانت في الأشياء التي تُمْتَهَن فإن تجنبها أولى، فتجنب هذه الصور أولى بكل حال؛ حتى في الفرش والمَخاد والمساند. لكن هناك شيء أيضاً ابتلي الناس به، وهو ما يكون في المجلات والجرائد، وعندي أنه لا يلزم الإنسان أن يطمس كل ما يجد في المجلات والجرائد من أجل المشقة، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] والإنسان لم يشترِ هذه المجلات والجرائد من أجل صورها، بل من أجل ما فيها من الأخبار والعلوم، ولهذا يوجد مجلات مخصوصة للصور، تجدها مشتملة على هذه الصور، هذه لا شك أنها حرام، ولا يجوز للإنسان أن يدخلها بيته. وبهذه المناسبة أقول: إنه يجب على الرجال أن يلاحظوا النساء الناقصات في العقول والدين، فإن النساء ابتلين الآن بشراء مجلات الأزياء، تجد المرأة عندها مجلة أو مجلتان من مجلات الأزياء تنظر إليهم، وهذا من الغزو الفكري الذي غزا به أعداءُ المسلمين المسلمين في عقر دارهم وهم لا يعلمون، ما بالنا وبال هذه الألبسة التي قد تكون محرمة في ذاتها، وقد تكون محرمة من أجل ما اشتملت عليه من التشبُّه، ثم هي أيضاً تُعرض في صور -والعياذ بالله- شبه عارية، في صور فاتنة، تلقى الصورةَ طويلةً وجميلةً ومتخصِّرةً وواضعةً يدها على خصرها، وعليها هذا الزي، كأنما تقول لنسائنا: افعلن مثلما فعلتُ، فالواجب على الرجال إذا رأوا مثل هذه المجلات بأيدي النساء أن يأخذوها ويحرقوها، وأن يوبخوا النساء في اقتنائها؛ حتى لا ينتشر الشر بيننا، أنا أقول: إن البلاد الإسلامية التي تحلل كثير منها من الأخلاق أول ما ابتُليَت به مثل هذه المجلات، دُخِّلت على الناس في البيوت، فاقتدى الناس بها، وأخذوها شيئاًَ فشيئاً، حتى أصبحت الأزياء في كثير من بلاد الإسلام أصبحت مزرية، لا يجيزها ذو عقل سليم، فضلاًَ عن صاحب الدين. أما الصلاة في الأماكن التي توجد فيها مثل هذه الصور فإن كانت من الأشياء المباحة كالذي يُمْتَهَن على قول جمهور أهل العلم فلا بأس بها، وإن كانت من الأشياء التي غير مباحة، مثل الصور المعلقة فإنه لا يُصلى في هذا المكان حتى تُنَزَّل الصور، مع أن هذه الصور المعلقة لا يجوز أن تعلَّق أبداً مهما كان المصوَّر، بعض الناس يضع صورته في برواز ويعلقها في المجلس، أو يضع صورة والده، أحياناً يضعون صورة الوالد وهو ميت، نسأل الله العافية، وبعض الناس يضع صور اللاعبين؛ لاعبي الكرة، وللناس إرادات وأهواء، المهم كل الصور المعلقة لا تجوز أياً كان المعلَّق. والصلاة على تلك البُسُط لا شك أنها تشغل المصلي، الشيطان حريص على إشغال المصلي لا سيما إذا كان أمامه صورة، فسوف تشغله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم في خميصة -ثوب مُعَلَّم له أعلام- فنظر إلى أعلامها نظرة -كما جاء في الحديث- نظرة واحدة فلما انصرف من صلاته أمر بأن تؤخذ هذه الخميصة وتُعطى أبا جهم، وتؤخذ أمبجانية أبي جهم بدلاًَ عنها، فتأمَّلَ الرسول عليه الصلاة والسلام، ونظر إليها نظرة، فكيف بمن يجلس وينظر الصور، وينظر الرأس واليدين والرجلين، ويخطط ويزين، الشيطان أيضاًَ يجيء له بتخيلات أخرى غير الموجودة في الفراش، فالواجب أو الذي ينبغي للإنسان أن يتجنب كل ما يشغله عن صلاته. إن شاء الله تعالى إلى جلسة قادمة. والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

جلسات رمضانية لعام 1411هـ[1-1]

جلسات رمضانية لعام 1411هـ[1-1] إن الواجب على المسلم أن يتدبر في أحكام الله وأوامره لأجل أن يؤجر على ذلك عند الله سبحانه وتعالى، ومن هذه الأحكام صيام شهر رمضان متى فرض الله صيام شهر رمضان؟ وكيف كان تطور فرضية شهر رمضان من الله سبحانه؟ ومن الذين كلفهم الله سبحانه بصيامه؟ حتى نقوم بالعبادة خير قيام، فننال الأجر الكبير والثواب الجزيل من الله تعالى.

مسائل تتعلق بصيام رمضان

مسائل تتعلق بصيام رمضان الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: يقول الله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص:73] . ثم إن الله تعالى جلل هذه النعمة بما أنزله من الغيث والمطر على غالب بلادنا ولله الحمد. ثم إن هذه النعمة جُلِّلت بأمر ثالث وهو: انتهاء الحر قبل أن يأتي هذا الشهر المبارك؛ لأنه لو بقي على ما كان عليه لاختلت عبادات كثير من الناس في هذا الشهر، ولقلقوا، ولفاتهم الخير الذي جعله الله تعالى في هذا الشهر. هذه النعم وأمثالها وأمثال أمثالها، وأضعافها، وأضعاف أضعافها كلها يجب على المرء المؤمن أن يتأملها، حتى يعرف نعم الله عليه من الفضل والإحسان، وحتى يحب الله عزَّ وجلَّ، فإن من أكبر أسباب محبة الله: أن ينظر الإنسان إلى نعم الله سبحانه وتعالى، ولهذا جاء في الأثر: (أحبوا الله لِمَا يغذوكم به من النعم) . فإن الإنسان بطبيعته التي جبله الله عليها يحب من يحسن إليه ولو كان من بني جنسه، فكيف إذا كان المحسن عليه هو الخالق عزَّ وجلَّ، فإنه يحبه أكثر وأكثر. ولكن من الناس من انحرف عن هذه الفطرة والعياذ بالله، وعن هذه الطبيعة التي خلق الله الخلق عليها، وجَبَلَهم عليها، فصار إذا أصابتهم نعمة أضافها إلى سببها، ونسي المسبب لها وهو الله، كما ثبت ذلك في الصحيح: عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغداة على إثْر سماء كانت من الليل في الحديبية -يعني: على إثْر ماء مطر نزل- فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال الله عزَّ وجلَّ: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مُطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مُطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) مع أن الكواكب ليست سبباً لنزول المطر؛ لكنها ظروف وأوقات لنزول المطر، يقدر الله سبحانه وتعالى الأمطار في نوء دون نوء، وفي وقت دون وقت، لحكمة اقتضت هذا. أقول: إن بعض الناس لينسبون النعم إلى غير مسديها، أي: إلى غير الله عزَّ وجلَّ، ينسبونها إلى قوتهم، وإلى بسالتهم إذا كان هناك حرب وانتصار، وإلى أناس لا يملكون لهم ولا لأنفسهم نفعاً ولا ضراً. والواجب أن ننسب النعم أولاً وآخراً إلى الله عزَّ وجلَّ، حتى نعطي للحق حقه، لأن هذا ما يقتضيه الدين الإسلامي، فـ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل:90] . في هذه السنة، وبعد زوال هذه الغمة العظيمة يجيء هذا الشهر في وقت معتدل، إبَّان دخول فصل الربيع الذي هو أحسن فصول السنة، وأريحها للبدن. لذلك سيكون إن شاء الله تعالى صومنا في هذا الشهر سهلاًَ، والليل أطول مما مضى من الأعوام السابقة. فالذي ينبغي لنا أن نستغل هذه الفرصة فيما يقرب إلى الله عزَّ وجلَّ. ولكن أبشركم ونفسي بأن الإنسان إذا قام مع الإمام حتى ينصرف في صلاة التراويح، فإنه يُكتب له قيام ليلة كاملة، ولو كان نائماً على فراشه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قام بأصحابه ذات ليلة حتى مضى شطر الليل، قالوا: (يا رسول الله! لو نفلتنا بقية ليلتنا! قال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة) وهذا يدل على أن هذا القيام الذي نسميه في أول الليل يغني عنه قيام في آخر الليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشدهم إلى أن يقوموا في آخر الليل، لم يقل: من شاء منكم فليقم في بيته، بل قال: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة) من أجل ألا يتعب أبدانهم. ومع ذلك فإن العشر الأواخر من هذا الشهر كان منهج النبي صلى الله عليه وسلم إحياؤها، يحيي الليل كله، ويوقظ أهله؛ لأنها أفضل أيام الشهر، ولياليها أفضل ليالي الشهر، وفيها ليلة القدر التي من قامها إيماناً واحتساباً غُُفر له ما تقدم من ذنبه، كما صح في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. درسنا في هذه الليلة أن نعرف: متى فُرِضَ الصيام؟ وكيف تطور فرضُه؟ وعلى من يجب الصيام؟

فرضية الصيام

فرضية الصيام أما الأول: فإن الصيام فُرض في السنة الثانية من الهجرة، كما فُرضت الزكاة في السنة الثانية من الهجرة، على قول بعض أهل العلم. فُرض الصيام في السنة الثانية من الهجرة، وكان أول ما فُرض: أن من شاء صام، ومن شاء افتدى أي: أطعم عن كل يوم مسكيناً. ثم فُرض الصيام عيناً، وكان لابد أن يصوم الإنسان. فإذاً: تطور الصيام مرتين: المرة الأولى: التخيير. والثانية: تعيين الصوم. ثم هناك تطور آخر، فكان الناس إذا صلوا العشاء أو نام الإنسان ولو قبل العشاء، فإنه يحرم عليه الأكل والشرب والجماع إلى أن تغرب الشمس من اليوم الثاني؛ ولكن الله خفَّف وقال: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] فيسَّر الله على عباده، وصار الإنسان له أن يأكل ويشرب ويجامع إلى طلوع الفجر، سواء نام قبل ذلك أم لم ينم.

من يجب عليهم صيام رمضان

من يجب عليهم صيام رمضان أما مَن يلزمه الصوم فإنه مَن جَمَعَ ستة شرائط: 1/ الإسلام. 2/ والبلوغ. 3/ والعقل. 4/ والقدرة. 5/ والإقامة. 6/ وانتفاء المانع. أما الإسلام: فضده الكفر. فالكافر لا يلزمه الصوم، أو نلزمه به، ولا نلزمه بقضائه إذا أسلم؛ لأنه قبل أن يسلم ليس من أهل العبادات، حتى لو صام لم يصح صومه، ولم يُقبل منه. وأنه إذا أسلم فإننا لا نأمره بالقضاء، لقول الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38] فإذا أسلم في أثناء الشهر لم يلزمه قضاء ما مضى، وإذا أسلم في أثناء اليوم لم يلزمه قضاء ذلك اليوم؛ ولكن يمسك بقية الشهر في المسألة الأولى، وبقية اليوم في المسألة الثانية. أما العقل: فضده الجنون، وإن شئت فقل: ضده فَقد العقل، من جنون أو غيره:- فالمجنون ليس عليه صوم، وفاقد العقل لحادث أو كبر أو غير ذلك ليس عليه صوم، وليس عليه كفارة؛ لأنه قد رُفع عنه القلم، فليس من أهل التكليف. وأما البلوغ: فضده الصغر. فالصغير لا يلزمه الصوم؛ لكنه يختلف عن المجنون أو عن فاقد العقل، لأنه إذا صام صحَّ صومه، بل إن العلماء يقولون: يجب على وليه أن يأمره بالصوم ليعتاده، ويتمرن عليه، اقتداءً بـ السلف الصالح، الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصوِّمون أولادهم حتى إن الصبي ليبكي من الجوع، فيُعطى لعبة يتلهى بها إلى الغروب. وأما القدرة: فضدها العجز. وقد قسم أهل العلم العجز إلى قسمين: 1- عجزٌ مستمر. 2- وعجزٌ طارئ غير مستمر. فالعجز المستمر: كعجز الكبير عن الصوم، وعجز المريض مرضاً لا يرجى برؤه كالسرطان، والجُذام، وشبهه، فهؤلاء لا يلزمهم الصوم؛ لأنهم عاجزون عنه؛ ولكن يلزمهم أن يطعموا عن كل يوم مسكيناً، وكيف يكون الإطعام؟ للإطعام صفتان: الصفة الأولى: أن يصنع طعاماً غداءً وعشاءً، ومعلوم أن الغداء يكون بعد رمضان، غداءً وعشاءً، ويطعمهم إياه، كما كان أنس بن مالك يفعل ذلك حينما كبر. الصفة الثانية: أن يعطي كل واحد مُدَّاً من الأرز، ويَحْسُن أن يجعل معه لحماً أو شيئاً يؤدِّمه، والمُدُّ: مقابل خُمُس الصاع في صاعنا هنا في القصيم، وذلك لأن المُدَّ الموجود في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كان ربع صاع النبي صلى الله عليه وسلم، الصاع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان أربعة أمداد، وصاع النبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة إلى صاعنا أربعة أخماس، بل يقل قليلاً. أما القسم الثاني من العجزة، فهو: العاجز عن الصوم عجزاً طارئاً يُرجى زواله: فمن مرض مرضاً طارئاً بحمى أو غيرها، فهذا ينتظر حتى يُشفى، ثم يصوم، كما قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] . فإن قُدِّر أن هذا المرض تمادى به واستمر حتى مات فليس عليه شيء، لا إطعام، ولا صيام؛ وذلك لأن الله أوجب عليه أن يقضي، ولم يدرك القضاء، فصار كمن مات قبل دخول رمضان، لا يلزمه أن يُصام عنه، إلا إذا شُفي وقدر على الصوم؛ ولكنه تهاون حتى مات، فإنه يُقضى عنه بعدد الأيام التي قدر فيها على الصوم فلم يصم. أما الشرط الخامس فهو: الإقامة. الإقامة يعني: أن يكون الإنسان مقيماً: وضده المسافر، فالمسافر لا صوم عليه، يخيَّر بين أن يصوم ويفطر والصوم أفضل، إلا مع المشقة فالفطر أفضل؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم في السفر؛ إلا أنه أفطر لما شق على أصحابه. قال أبو الدرداء رضي الله عنه: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر في رمضان، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن رواحة) . وأما انتفاء المانع فهو: ألا تكون المرأة حائضاً ولا نُفَساء، فإن كانت حائضاًَ أو نُفَساء فإنه لا يلزمها الصوم، بل لو صامت الحائض أو النُّفَساء لم يصح صومها، بإجماع المسلمين. وإذا حاضت المرأة في أثناء نهار رمضان وهي صائمة بطل صومها، وإذا حاضت بعد غروب الشمس ولو بلحظة، فصومها صحيح، حتى لو أحست (بمغص) قبل أن تفطر ولكنها لم ترَ الدم إلا بعد الفطور فإن صومها صحيح؛ خلافاً لما يظن بعض النساء أنها إذا حاضت قبل أن تصلي المغرب بطل صوم يومها، فإن هذا لا أصل له، ولا صحة له. هذه الشروط الستة، شروط من يجب عليه الصوم أداءً. ومنها ما هو شروطٌ للوجوب أداءً وقضاءً مثل: الإسلام، والعقل، فإن فاقد العقل لا صوم عليه، لا أداءً ولا قضاءً، وكذلك الكافر لا صوم عليه، لا أداءً ولا قضاءً، البلوغ أيضاً شرط للوجوب أداءً وقضاءً، فالصبي لا يجب عليه الصوم، لا أداءً ولا قضاءً. بقي الإقامة، والقدرة، وعرفتم التفصيل فيها. وإلى هنا ينتهي درسنا لهذه الليلة. ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الاستقامة على دينه، والثبات عليه.

الأسئلة

الأسئلة

كيفية قضاء المسلم وقته في رمضان

كيفية قضاء المسلم وقته في رمضان Q كيف يقضي المسلم وقته في رمضان؟ A لابد أن نعلم أن الأعمال منها ما هو فاضل ومنها ما هو مفضول، وأن المفضول قد يقترن به من المصالح ما يجعله أفضل من الفاضل، ولذلك كان من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يتحرى الأفضل، لا يدوم على حال واحدة، فيصوم حتى يقال: لا يفطر، ويفطر حتى يقال: لا يصوم، وكذلك يقوم حتى يقال: لا ينام، وينام حتى يقال: لا يقوم، فمثلاً قراءة القرآن في رمضان لا شك أنها فاضلة، وأن فيها أجراً؛ لكن لو أن الإنسان خرج في جنازة يشيعها كان هذا أفضل؛ لأن الجنازة تفوت، وقراءة القرآن لا تفوت، كذلك لو أتى له شخص يسأله عن مسائل العلم، واشتغل بذلك، لو وفد إليه وفد يحتاج إلى تلقٍ وإلى ضيافة، فاشتغل بذلك، كل هذا على أجر، حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم يشتغل مع أهله وهو معتكف، كما جاءت إليه صفية تحدثه ذات ليلة، وجلس يحدثها عليه الصلاة والسلام.

حكم الإطعام عن الأيام المتعددة وإعطائه مسكينا واحدا

حكم الإطعام عن الأيام المتعددة وإعطائه مسكيناً واحداً Q هل يجزئ طبخ الطعام بأن يطعم المساكين بعدد أيام الصوم، إذا أطعم طعاماً هل يجزئ أن يعطي عن الأيام المتعددة مسكيناً واحداً؟ A لا يجزئ أن يعطي عن الأيام المتعددة مسكيناً واحداً؛ لأن كل يوم يجب أن يكون له مسكين؛ لقول الله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184] فلابد أن يكون المساكين بعدد الأيام التي عليه، فلو أطعم واحداً أو اثنين وعليه عشرة أيام ما يجزئ، ولو أطعم تسعة لابد أن يكمِّل العاشر، نعم.

مصلى المرأة في بيتها ليس له حكم المسجد

مصلى المرأة في بيتها ليس له حكم المسجد Q بعض النساء وخاصة الكبيرات في السن تتوضأ قبل الصلاة بمدة، فتأتي قبل الأذان فتصلي ركعتين أو أكثر، فهل تعتبر هاتان الركعتان تحية للمسجد؟ وهل يعتبر مكانها الذي تصلي فيه في المنزل مثل المسجد بالنسبة للرجال؟ A مكان المرأة الذي تصلي فيه في البيت ليس مسجداً، بل هو مصلى، ولهذا لا يصح لها أن تعتكف فيه، ولا يلزمها إذا جلست فيه أن تصلي ركعتين، فهو ليس بمسجد. وعلى هذا فإذا تطهرت قبل الوقت نظرنا إن كان في وقت نهي فإنها لا تصلي إلا سنة الوضوء على القول الراجح، وهو أن النوافل التي لها سبب ليست داخلة في النهي، وما عدا ذلك، أي: من النوافل التي ليس لها سبب فإنه لا يجوز لها أن تصلي إذا كان الوقت وقت نهي. أما إذا لم يكن وقت نهي فلها أن تصلي ما شاءت.

حكم أداء صلاة الراتبة قبل الأذان

حكم أداء صلاة الراتبة قبل الأذان Q وهل تجوز صلاة السنة الراتبة القبلية قبل الأذان؟ A لا تجوز، السنة الراتبة القبلية لابد أن تكون بعد دخول الوقت، فلو أن الإنسان صلى الراتبة القبلية قبل دخول الوقت ولو بلحظة؛ فإنها لا تجزئه عن الراتبة، بل لابد أن يعيدها. وبهذه المناسبة أود أن أنبه على مسألة خطيرة وهي: صلاة الصبح؛ لأن المؤذنين يؤذنون قبل الوقت، عندما يؤذنون قبل الوقت بخمس دقائق، أو ست دقائق، فيأتي بعض الناس -ولاسيما في أيام الصيام- ويتعجل ويصلي، وهذا خطر عظيم، إذا كبر للإحرام قبل دخول الوقت فصلاته غير صحيحة، يعني: لا تبرأ بها ذمته، وإن كانت تصح نفلاً؛ لكنها لا تبرأ بها الذمة، ولذلك ينبغي في صلاة الفجر وسنتها أن تتأخر على الأقل عشر دقائق بعد الأذان، حتى نتيقن أو يغلب على ظننا أن الوقت قد دخل.

حكم إطعام الصغير والكافر من كفارة الصيام

حكم إطعام الصغير والكافر من كفارة الصيام Q هل يجزئ في الإطعام أن يُطعم صغيراً أو كافراً؟ A الصغير الذي يأكل الطعام لا بأس أن يطعم منه، وأما الكافر فلا يجوز أن يطعم من الكفارات؛ لأنه يشترط في الكفارات أن يكون مصرفها إلى المسلمين؛ لكن الزكاة أوسع؛ لأنها تجوز للكافر المؤلَّف الذي يؤلَّف على الإسلام، وأما الكفارات: كفارة الصيام، أو كفارة اليمين، أو كفارة الظهار، فإنها لا تجزئ إذا صرفت إلى الكافر.

حكم إفطار المصاب بمرض السكر أو السرطان

حكم إفطار المصاب بمرض السكر أو السرطان Q ذكرتم في خطبة الجمعة الماضية أن السكر من الأمراض المستديمة، وأن المصاب بمرض السكر له أن يفطر ويطعم، ومن المعروف أن كثيراً من المصابين بمرض السكر يصومون ولا يضرهم، فما مقياس المرض المستديم؟ وهل المصاب بمرض السكر يفطر على كل حال؟ A لا. لا يفطر على كل حال؛ لا المصاب بمرض سكر، ولا المصاب بمرض السرطان، لا يفطر المريض إلا إذا كان الصوم يشق عليه، فإذا كان الصوم يشق عليه فإنه يفطر. وأمراض السكر تختلف؛ لكن مرض السكر فيه نوع لا يمكن أن يصبر صاحبه عن تناول الحبوب، وإذا فقد هذه الحبوب يُغمى عليه وربما يموت، ويستمر معه هذا شتاءً وصيفاً، فمثل هذا يُعتبر من الأمراض الممتدة التي يُطْعِم مَن أصيب بها عن كل يوم مسكيناً.

تفضيل قراءة القرآن في رمضان

تفضيل قراءة القرآن في رمضان Q إذا كان طالب العلم قد وضع برنامجاً لنفسه في اليوم والليلة، فيجعل مثلاً الثلثين من الوقت لحفظ المتون والاطلاع، وما تبقى لأكله وشربه وقراءة القرآن، فهل يستمر على ذلك ولو في رمضان؟ أم يجعل أكثر وقته لقراءة القرآن؟ أفيدونا وجزاكم الله خيراًَ. A الذي ينبغي في رمضان أن تجعل أكثر قراءتك لكتاب الله عزَّ وجلَّ؛ لأن لقراءة القرآن في هذا الشهر مزية ومنفعة لا تكون في غيره من الشهور، ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام ينزل عليه جبريل في رمضان يدارسه القرآن؛ لأنه أُنْزل في هذا الشهر، فكان هذا الشهر أولى الشهور به. فالذي ينبغي أن يكثر من قراءة القرآن في هذا الشهر، ويطالع ما يحتاج إلى مطالعته أو حفظه في كتب العلم، والعلم لا يذهب بذَهاب رمضان، يمكن أن يتدارك ما نقص عليه في رمضان فيما بعد.

كيفية تعليم كافر أسلم قبل رمضان بأيام

كيفية تعليم كافر أسلم قبل رمضان بأيام Q إذا أسلم كافر قبل رمضان بأيام؛ ولكن صعُب تعليمه بشروط الصيام بسبب اللغة، مع العلم أنه أُخذ إلى مكتب الدعوة، وعَرَف أنه يصوم عن الأكل والشرب؛ ولكن لا يعرف ما الفائدة من هذا الصوم، فما العمل؟ أرشدونا إلى كيفية مساعدته جزاكم الله خيراً. A إي نعم، العمل أن يُبَيَّن له أن الصوم عبادة، وأن الإنسان إذا صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، وأن الجنة فيها باب يُقال له: الريان، لا يدخله إلا الصائمون، ويُبَيَّن له أيضاً أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك، فيُبَيَّن له فضائل الصوم، حتى يرغب، وإذا كان لا يجيد اللغة فيُعَلَّم ولو بالإشارة.

بم يثبت دخول رمضان؟

بم يثبت دخول رمضان؟ Q إنَّا قد رأينا الشيخ الجليل يَسأل بعد أن انصرف من صلاة العشاء عمن سمع ثبوت دخول الشهر من الإذاعة أو غيرها، مع أن شهري رجب وشعبان قد تمَّ كل واحد منهما ثلاثين يوماً، أفلا يثبت دخول شهر رمضان بتمام عدة شعبان ثلاثين؟ A صحيح؛ لكن هم يقولون: إنه لم يثبت دخول رجب ولا شعبان، وإذا كان كذلك، فاحتمال أن الشهور التي قبلها كانت تامة، فتتم ثلاثة أشهر، وحينئذ لابد أن نتأخر يوماً، لهذا سألنا، مع أن الذي كان يغلب على الظن أن لديهم شيئاً من الاقتناع بأن الليلة من رمضان على كل حال؛ لأنهم -كما سمعتُ- طلبوا من الناس أن يتحروا الهلال ليلة الجمعة، وإذا كان كذلك، فهذا يدل على أنهم مقتنعون بأن ليلة الجمعة الثلاثين من شعبان؛ لأن التحري لا يكون إلا في ليلة الثلاثين؛ أما قبل ليلة الثلاثين فلا داعي للتحري، هكذا قالوا؛ على كل حال الحمد لله أنه ثبت، وكان من نيتنا أننا نصلي صلاة القيام بناءًَ على أنهم طلبوا أن يتحرى الناس الهلال ليلة الجمعة. كما أن الذي قال بالمذهب أيضاً يقيم التراويح هذه الليلة؛ لأنها غَيْمٌ أو قتر، وإذا كان غَيْماً أو قتراً، أو إذا كانت السماء غَيْماً أو فيها قتر، فإن الصوم واجب على المسلمين في المذهب وإن لم يُرَ الهلال، فتُصلى التراويح أيضاً؛ لكن هذا القول نرى أنه ضعيف، ولا نعمل به؛ إلا أننا بناءً على ما غلب على ظننا، من أن الجهات المسئولة مقتنعة، أو غالب على ظنها أنه سيكون الليلة من رمضان.

نصيحة لمن لم يخشع في صلاة التراويح

نصيحة لمن لم يخشع في صلاة التراويح Q أثناء صلاة التراويح أحس بضيق في نفَسي وعدم الخشوع، فبماذا تنصحونني؟ A أنصحك بأن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن الظاهر أن هذا من الشيطان، فإنه قد يأتي الإنسان في حال عبادته فيضيِّق عليه الأمر، إما بضيق التنفس، أو بالملل، أو ما أشبه ذلك. فإذا أحس بهذا فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وليتدبر ما يقرؤه في حال صلاته، أو ما يستمع إليه من إمامه، فإن التدبر من أسباب الخشوع في الصلاة.

الدعاء الوارد في الجلوس بين السجدتين

الدعاء الوارد في الجلوس بين السجدتين Q أرجو بيان الدعاء بين السجدتين، حيث أراك تطيل فيهما؟ A نعم، الدعاء بين السجدتين معروف: رب اغفر لي، وارحمني، وعافني، وارزقني، واجبرني. والإطالة: ممكن للإنسان أن يأتي بدعاء آخر يختاره لنفسه، ويمكن أن يكرر الدعاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا أحياناً يكرر الدعاء ثلاث مرات.

حكم إخراج كفارة اليمين نقودا

حكم إخراج كفارة اليمين نقوداً Q هل يجوز في الكفارات أن تدفع مالاً لهيئة الإغاثة، أو لإعانة المجاهدين، أو إفطاراً؛ حيث إن كل مجاهد يحتاج إلى أربعة ريالات تكفيه؟ A لا. الإطعام لا يجوز أن يُدفع دراهم ولا قروشاً، بل لابد أن يكون إطعاماً، كما جاءت به السنة، وإذا كان يريد أن يدفع دراهم إلى هيئة الإغاثة أو إلى المجاهدين، ووكَّل شخصاً يشتري بهذه الدراهم طعاماً ليطعمه من يجب إطعامه فلا بأس، إذا وثق منه.

حكم من أخر قضاء رمضان حتى جاء رمضان الثاني

حكم من أخر قضاء رمضان حتى جاء رمضان الثاني Q ما الحكم الشرعي في رجل أخر قضاء الصوم الواجب عليه حتى أدركه رمضان ولم يقضِ ما عليه؟ فهل يلزمه إطعام إذا قضاه بعد دخول رمضان الآخر، أفيدونا وجزاكم الله خيراً؟ A أما إذا كان بعذر من جهل أو مرض أو سفر فلا شيء عليه، وأما إذا كان لغير عذر فقد اختلف العلماء في هذه المسألة: منهم من قال: يلزمه مع القضاء إطعام لكل يوم مسكيناً. ومنهم من قال: إنه لا يلزمه الإطعام. وهذا القول هو الصحيح، أنه لا يلزمه الإطعام؛ لكن عليه أن يتوب ويستغفر، ودليل ذلك قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] ولم يذكر الله الإطعام، وقوله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] يشمل كل يوم من أيام الدنيا، سواء كان قبل رمضان أو بعد رمضان، والواجبات لا يُلْزَم بها العباد إلا بدليل، حتى لو فُرض أنه صح عن بعض الصحابة الأمر بالإطعام، فلعل هذا على سبيل الاستحباب، وأما الإيجاب وتأثيم الناس بترك الإطعام ففي النفس منه شيء، ولهذا كان القول الراجح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة أن من أخَّر القضاء عن رمضان الثاني بلا عذر فهو آثم، وعليه أن يتوب ويستغفر، ويكفيه أنه يصوم بدون إطعام.

الذكر الذي يقال بعد الوتر

الذكر الذي يقال بعد الوتر Q ماذا يقول المصلي بعد الانتهاء من صلاة التراويح؟ وA أما إذا أُتِمَّت التراويح بالوتر، فإنه إذا انتهى من الوتر وسلَّم منه يقول: سبحان الملك القدوس؛ ثلاث مرات، ويرفع صوته في الثالثة. وأما إذا كانت قياماً بدون وتر، فلا أعلم في هذا شيئاً؛ لأن هذا ليس كالصلوات الخمس التي يستغفر الإنسان فيها ثلاثاً ويقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، ولا أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول شيئاً إذا تطوع سواء في الصلوات الراتبة أو في قيام الليل، إلا في الوتر فيقول: سبحان الملك القدوس؛ ثلاث مرات، ويرفع صوته في الثالثة كما جاء في الحديث.

حرمة خلو المرأة مع السائق الأجنبي عند ذهابها إلى المسجد

حرمة خلو المرأة مع السائق الأجنبي عند ذهابها إلى المسجد Q للأسف جداً! هناك بعض النسوة تأتي إلى المسجد لصلاة التراويح مع السائق، وهذا أمر نحب أن تنبهوا عليه في هذه الليلة وغيرها؛ لما يكثر منه في المساجد؟ A أولاً أنبه على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، وأكثر أجراً؛ لكن إذا كانت محتاجة إلى الصلاة في المسجد، لكونها في البيت لا تستطيع أن تصلي لكثرة الأولاد الذين يشغلونها، فإن الصلاة في المسجد قد تكون أفضل من هذه الناحية، بشرط أن يكون عند أولادها من يقوم عليهم، وأما أن تأتي للمسجد وتترك الأولاد فهذا إضاعة أمانة، وهي إلى الإثم في هذه الحال أقرب منها إلى الأجر. وإذا كانت أو إذا كان الأفضل أن تأتي إلى المسجد فإنه لا يجوز أن تأتي وحدها مع السائق؛ لأن ذلك من الخلوة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي من أخطر الخلوات، كما سمعنا عن وقائع وقعت إذا خلا السائق بالمرأة، ولا تستهين المرأة بهذا الأمر، لا تقل: هذا السائق رجل -مثلاً- طيب، وأنا آمنة منه، لا. الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فربما يزين في نفوسهما شراً فيقع المحظور. المهم: أن المرأة يحرم عليها أن تأتي وحدها مع السائق، أما إذا كانت مع نساء فلا بأس؛ لأن هذا ليس بسفر، وليس بخلوة. وسنجعل إن شاء الله انتهاء الدرس في الساعة الرابعة بالتوقيت الغروبي. والله أعلم. وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

جلسات رمضانية لعام 1411هـ[2-1]

جلسات رمضانية لعام 1411هـ[2-1] إن الله سبحانه وتعالى لم يفرض على عباده فرائض إلا لحكم أرادها، وفوائد ومصالح تعود عليهم، علمها من علمها، وجهلها من جهلها، وقد ذكر الشيخ رحمه الله في هذه المادة عدداً من فوائد صيام شهر رمضان المبارك، ثم ختم ذلك بأجوبة على بعض الأسئلة المتعلقة بشهر رمضان.

حكم ترك صيام رمضان

حكم ترك صيام رمضان الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه هي الجلسة الثانية في شهر رمضان لعام: (1411هـ) للقاء بكم في الجامع الكبير في عنيزة ليلة الثلاثاء. ولقد رأيتم ما صنعنا في صلاة الوتر، حيث قرأنا سوراً غير السور التي تقرأ في العادة، والتي هي السنة، وذلك لأجل أن يتبين للناس أن قراءة سورة الأعلى وسورة الكافرون وسورة الإخلاص ليس على سبيل الوجوب؛ لكنه على سبيل الاستحباب. كما أنه ليس من شرط الوتر القنوت، أعني: الدعاء بعد الركوع، فالوتر: أن يأتي الإنسان بصلاة الوتر واحدة، أو ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو تسعاً، أو إحدى عشرة، والقنوت ليس بشرط لصحة الوتر، فإن قنت الإنسان فهو خير، وإن ترك فهو خير، وكلٌّ جاءت به السنة؛ لكن في رمضان يحب الإنسان أن يداوم على الدعاء لكثرة الجمع، وكثرة الجمع من أسباب إجابة الدعاء، أما في غير رمضان فالأولى ألا يداوِم الإنسان على القنوت، أي: على الدعاء بعد الركوع. ثم إننا استمعنا في كتاب ربنا عزَّ وجلَّ إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] فبين الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أن الصيام فرض عيني يجب على كل مسلم، وسبق في الدرس الماضي بيان شروط الوجوب، وأنها ستة، وهذا الفرض هو الركن الرابع من أركان الإسلام، وقد ذكر فقهاء الحنابلة رحمهم الله عن الإمام أحمد بن حنبل: أن من ترك الصيام تهاوناً فهو مرتد كافر، كمن ترك الصلاة، وحجة هذا القول: أن كلاً منهما ركن من أركان الإسلام، والشيء لا يقوم إلا بأركانه، كأركان الخيمة وعمد الدار؛ ولكن القول الراجح أنه ليس شيء من أركان الإسلام سوى الشهادتين تحصل الردة بتركه إلا الصلاة، كما في حديث عبد الله بن شقيق قال: [كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة] . على كل حال هو فرض، وهذا الفرض ليس خاصاً بهذه الأمة بل بجميع الأمم، كما قال تعالى: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:183] وهذا يدل على أهميته، أي: الصوم، وأنه مصلح لكل الأمم، وأنه لا بد للأمم من صوم.

فوائد مقتطفة من صيام رمضان

فوائد مقتطفة من صيام رمضان

فوائد من قوله تعالى: (كما كتب على الذين من قبلكم)

فوائد من قوله تعالى: (كما كتب على الذين من قبلكم) وفي قوله تعالى: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:183] فائدتان عظيمتان: الفائدة الأولى: تسلية هذه الأمة، وأنها لم تُكَلَّف شيئاً لم تُكَلَّف به الأمم السابقة. لأن من المعلوم أن في الصوم نوع مشقة؛ ولاسيما في أيام الصيف الطويلة الحارة؛ ولكن الله سلَّى هذه الأمة بأن الصوم قد كتب على مَن قبلَهم. وهذه فائدة عظيمة؛ لأن الإنسان يتسلَّى بما يصيب غيره، كما أشار الله إليه في قوله عن أهل النار: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف:39] لأن العادة أن الإنسان إذا شاركه غيره في العقوبة هانت عليه العقوبة؛ لكن يقول الله لأهل النار: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف:39] فلن يعين بعضكم بعضاً، ولن يسلي بعضكم بعضاً. وتقول الخنساء في رثاء أخيها صخر، تقول: ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلتُ نفسي وما يبكون مثل أخي ولكن أسلي النفس عنه بالتأسي وهذا يدل على أن الإنسان يتأسى بغيره، ويتسلَّى به، ففي قوله: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} تسلية لهذه الأمة أن ترى أنها كلفت بأمر شاق، لم تكلف به الأمم السابقة. الفائدة الثانية: رقي هذه الأمة إلى الخصال الحميدة التي ترقَّى إليها مَن سبقَها. يعني: أن جميع الفضائل التي سبقت إليها الأمم فإن هذه الأمة ولله الحمد حازتها، لم تُحرم هذه الأمة خصلة من الخصال الحميدة التي وصلت إليها الأمم السابقة. فهاتان فائدتان عظيمتان في قوله: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} .

كف النفس عن محارم الله وإلزامها بطاعة الله

كف النفس عن محارم الله وإلزامها بطاعة الله ثم قال تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] وهذه الفائدة هي روح الصوم، وهي: تقوى الإنسان لربه عزَّ وجلَّ:- والتقوى: اسم من الوقاية، فهي -أي: التقوى- أن يَتَّخِذ الإنسانُ وقاية من عذاب الله؛ ولكن بماذا يَتَّخِذ وقاية من عذاب الله؟ بفعل الأوامر، واجتناب النواهي. وقد قيل في تعريف التقوى: خلِّ الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى واصنع كماشٍ فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرةً إن الجبال من الحصى يعني: أن تدع الصغائر والكبائر، هذه التقوى. فالتقوى: أن يقوم الإنسان بما أوجب الله عليه، وأن يدع ما حرم الله عليه؛ لأن هذه هي الوقاية من عذاب الله سبحانه وتعالى. ومن المعلوم أنه لا أحد يقوم بما أوجب الله عليه إلا وهو عالم به. إذاً: فالعمل مسبوق بعلم، أليس كذلك؟ ولا يترك شيئاً محرماً عليه إلا وقد سبقه العلم بذلك، وهذا يغني عن قول بعضهم: التقوى: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تدع ما نهى الله على نور من الله، تخشى عقاب الله، كل هذه تعاريف؛ لكنها تنصب في هذا المعنى الجامع، وهي فعل الأوامر وترك النواهي. ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من لم يدع قول الزور، والعمل به، والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) يعني: ليس لله إرادة وغرض في أن يعذب الخلق بحرمانهم من الأكل والشرب، إنما الحكمة من الصوم هي: أن يدع قول الزور، والعمل به، والجهل وهو: ليس عدم العلم، الجهل: العدوان على الغير، هذا هو الجهل، كما قال الشاعر الجاهلي: ألا لا يجهلن أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا فالجهل هو: العدوان على الغير. إذاًَ: من فوائد الصوم: كف النفس عن محارم الله، وإلزامها بطاعة الله.

تربية النفس على الصبر والتحمل

تربية النفس على الصبر والتحمل ومن فوائد الصوم: أن فيه تربية للنفس على الصبر والتحمل. على أي شيء؟ الصبر عن المحبوب، وعلى المكروه. فالصوم جامع لأنواع الصبر الثلاثة، ففيه: صبر على طاعة الله. وصبر عن معصية الله. وصبر على أقدار الله المؤلمة. الصبر على طاعة الله: لأن الإنسان يحبس نفسه على أن يقوم بهذا الأمر، هذا صبرٌ على ماذا؟ على طاعة الله. صبرٌ عن محارم الله: يتجنب الصائم ما حرم الله عليه، سواءً كان محرماً لخصوص الصوم كالأكل والشرب، أو محرماً على سبيل العموم كالغيبة والكذب، فهو يصبر نفسه عن فعل المحرم. صبر على أقدار الله المؤلمة: وهي ما يصيب الصائم من الهلع والعطش والجوع والخمول؛ لأن كل هذا يحصل للصائم، لاسيما في أيام الصيف الطويلة الحارة. لذلك كان فيه تربية عظيمة للنفس على الصبر والتحمل.

تذكر الإنسان لما أنعم الله به عليه من الغنى

تذكر الإنسان لما أنعم الله به عليه من الغنى ومن فوائد الصوم: أن الإنسان يتذكر به نعمة الله عليه بالغنى، وتيسير الأكل والشرب والنكاح؛ لأنه في النهار لا يأكل، ولا يشرب، ولا يتمتع بالنساء، يعني: لا يتمتع بالنساء بالجماع. فيتذكر نعمة الله عليه بتيسيرها، وأنه إذا حرمها فات عليه كثير من مقاصده، فيتذكر النعمة.

استشعار الإنسان لحال إخوانه الفقراء

استشعار الإنسان لحال إخوانه الفقراء ومن فوائد الصوم أيضاً: أن الإنسان يتذكر به حال إخوانه الفقراء. فإن الفقراء يعجزون عن الأكل والشرب والنكاح، فيتذكر حال إخوانه فيعطف عليهم، ويرحمهم. كثير من الناس في عهدنا -ولله الحمد- لا يجدون صعوبة في الأكل والشرب؛ لأنه ميسر؛ لكن يجدون صعوبة في النكاح، فإذا صام الإنسان وامتنع عن إتيان أهله تذكر حال الشباب الذين يحتاجون إلى نكاح، فعطف عليهم، وأعانهم، وساعدهم؛ لأن الشيء لا تعرف فائدته إلا بضده، إذا وُجد الضد عرف قدر النعمة، أما إذا كان دائماً في نعمة؛ فإنه لا يعرف قدرها.

إتمام الإنسان لحقيقة العبودية

إتمام الإنسان لحقيقة العبودية من فوائد الصوم أيضاً: أن الإنسان يتمم حقيقة العبودية. كيف ذلك؟ لأننا نرى العبادات إما فعل أمر يحتاج إلى جهد، وإما ترك شيء محبوب إلى النفوس، وإما بذل محبوب إلى النفوس. فالصلاة مثلاً جهد يحتاج إلى عمل، ولا يخفى علينا جميعاً أن الناس في أيام الشتاء يحتاجون إلى وضوء، وإلى خروج إلى المساجد في الأيام الشاتية الباردة، فيحصل في هذا نوع من المشقة، فيقول الإنسان: أنا عبد لله، أفعل ما أمر ولو شق عليَّ، ولهذا جعل النبي عليه الصلاة والسلام من الرباط: إسباغ الوضوء على المكاره، إسباغ الوضوء على المكاره جعله من الرباط، وجعل كثرة الخطا إلى المساجد من الرباط أيضاً. وكفٌّ عن محبوب: لأن الإنسان قد يهون عليه الشيء من الجهد؛ لكن لا يصبر عن المحبوب، ففي الصيام كف النفس عن المحبوب: الأكل، والشرب، والنكاح؛ لاسيما الشاب الذي كان قريب عهد بالزواج، يشق عليه تركه؛ لكن إذا تركه طاعة لله في موضع لا يعلم عنه إلا الله، كان في هذا تحقيق العبودية. الثالث ما هو؟ بذل المحبوب: وهذا في الزكاة، فالزكاة بذل محبوب إلى الإنسان، وبذل المحبوب شاق على النفس، قد يكون بعضُ الناس يهون عليه أن يصاب بدنُه، ولا يهون عليه أن يصاب مالُه، ولا يخفى عليكم قصة الرجل الذي عثر، فانجرحت إصبعه، فقال: (شُوَيْ وشخص لاَّ في النِّعْلَة) يعني: جرح رجله أهون عليه من قطع النِّعْلَة. إذاًَ: المال صار حبيباً إليه، وكل شخص يحب المال. فتجد أن العبادات -سبحانه الله! سبحان الذي شرعه! - متنوعة لأجل أن يُعرف تمام عبودية الإنسان لله؛ لأن الإنسان قد يهون عليه شيء، ولا يهون عليه الشيء الآخر. البخيل ربما لو تقول: اركع لله واسجد طول النهار، ولا تبذل درهماً واحداً، يفعل ولا يبالي! والكريم الكسول يقول: خذ مني من الدراهم ما شئت، ولا تكلفني بسجدة واحدة، نعم، لأنه كسول خامل! فإذا تنوعت العبادات عُرف حقيقة عبودية الإنسان لله عزَّ وجلَّ. فهذه أيضاًَ من فوائد الصيام.

إعانة الإنسان على التخلي عن الأشياء المحرمة

إعانة الإنسان على التخلي عن الأشياء المحرمة من فوائد الصيام -ولاسيما في وقتنا هذا وما قبله-: أن الإنسان المدمن على الشيء المحرم يكون الصوم عوناًَ له على التخلي عنه. نعم، إذا كان مدمناً على أكل شيء محرم، أو شرب شيء محرم، فإن الصوم يكون عوناً له على التخلي عن هذا الشيء، ولنضرب لهذا مثلاً بمن ابتلوا بشرب الدخان، فإن الصوم يعينهم على التخلي عنه، كيف؟ لأنهم في النهار لن يتناولوه، لن يشربوا، أيش يبقى عندنا؟ يبقى الليل، فيمكن أن يشتغل بالأكل المباح، وبالسمر مع إخوانه الذين لا يشربون الدخان, ويتلهى وإن شق عليه؛ لكن يتلهى ويصبر حتى يمرن نفسه، وهو إذا مرَّن نفسه في خلال شهر كامل عن شرب الدخان فسوف يسهل عليه الإقلاع عنه. هذا من فوائد الصوم. والله سبحانه وتعالى عليم حكيم، فقد تكون هناك حكم كثيرة فاتتنا؛ لكن أهم شيء أنه سبب للتقوى، ولذلك يجب على الصائم مراعاة الواجبات فعلاً والمحرمات تركاً ما لا يجب على غيره؛ حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، وإن أحد سابَّه أو شاتمََه فليقل: إني امرؤٌ صائم) إلى هذا الحد؟! حتى لو أن أحداً اعتدى عليك بالسب والشتم لا تقابله، قل: إني صائم. وقال عليه الصلاة والسلام: (من غشنا فليس منا) . وقال عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، قالوا: من هم يا رسول الله؟! خابوا وخسروا، قال: المُسْبِل، والمنَّان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) . المنفق سلعته، يعني: المروج سلعته بالحلف الكاذب، مثل أن يقول: والله ما في السوق أحسن منها، أو يقول: والله لقد أعطيت بها كذا وكذا وهو كاذب، أو يقول: لقد اشتريتها بكذا وكذا وهو كاذب، أو ما أشبه ذلك، ثم يحلف على هذا الشيء، فيكون منفقاً سلعته بالحلف الكاذب، هذا من الذين لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم. أما المسبل: فهو الذي أسبل ثوبه خيلاء، فإذا أسبل ثوبه خيلاء فإن الله تعالى لا يكلمه، ولا ينظر إليه، ولا يزكيه، وله عذاب أليم. أما إذا أسبله لغير الخيلاء فإن عذابه أهون، ويعذَّب لكن أهون، قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (ما أسفل من الكعبين ففي النار) أي: أنه يعاقب بقدر مخالفته فقط، فإذا نزل عن الكعبين نحو (سنتيمتر) نعم يعذَّب من هذا القدم بمقدار (سنتيمتر) فقط، والباقي ليس فيه عذاب، ولا يلحقه الإثم بأن الله لا يكلمه، ولا ينظر إليه, ولا يزكيه. ولا تستغرب أن يكون العذاب على بعض البدن؛ لأن هذا موجود حتى في الدنيا، إذا كوي الإنسان مع شيء من جسده صار الألم على نفس المكان؛ لكن الجسم كله يتألم لا شك؛ لكن المباشر هو ما وقع عليه الكي. ولا تستغرب أيضاً وقوع ذلك شرعاً، هذا المثال الذي ذكرنا حسي؛ لكن شرعاً أيضاً؛ حيث إن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى أقدام بعض الصحابة بعد وضوئهم لم يمسها الماء، فنادى بأعلى صوته: (ويل للأعقاب من النار) فجعل الذي يعذب الأعقاب التي حصل فيها الإخلال بالواجب، وهو غسل القدم. إذاً: يجب على الصائم وعلى غيره أن يتجنب المحرم، وأن يقوم بالواجب؛ لكن هو في حق الصائم أولى، ولهذا قال بعض السلف: ينبغي للصائم أن يكون عليه وقار الصوم في قوله ودلِّه وفعله -في قوله، وفي دلِّه يعني: هيئته ووقاره وسكونه، وفي فعله- ولا يجعل يوم صومه ويوم فطره سواء، ولكن نحن -نسأل الله أن يعاملنا بعفوه- نجعل يوم صومنا ويوم فطرنا سواء، بل بعض الناس يجعل يوم صومه أردى من يوم فطره، تجده ينام إلى الظهر، ومن الظهر إلى العصر، ومن العصر إلى الغروب، وربما يدع صلاة الظهر وصلاة العصر إلى أن يقوم عند غروب الشمس والعياذ بالله، أين الصوم؟! أين الصوم؟! صوم هذا لن ينفع، صوم هذا عذاب عليه فقط، حَرَم نفسه من الأكل والشرب؛ لكنه لم يأت بجوهر الصوم ولبه وحقيقته، صومه شكلي فقط، تبرأ به الذمة؛ لكنه ناقص جداً، مُخَرَّقٌ مُخَرَّق، ويوشك أن تجتاح أوزار هذه الأعمال ثواب صومه عند الموازنة يوم القيامة، تُوازَن الحسنات والسيئات، ربما تكون سيئات أعماله في هذا الصوم أكثر من حسناته بالصوم، فيضيع عليه، ويكون خاسراً لها. إذاً: علينا أن نراعي هذه المسائل في صومنا، وأن نعرف ما هي الحكمة من الصوم، حتى نقوم بذلك، وأسأل الله أن يعيننا وإياكم عليها، أنا أشد الناس تقصيراً في هذا؛ ولكن أسأل الله العفو لنا ولكم. هذه بعض ثمرات الصوم الذي أوجبه الله على عباده في كل ملة في هذا الدين الذي ختم الله به الأديان، وفي جميع الأديان السابقة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] . ثم بين الله أن هذا الصوم ليس شهوراً ولا سنين، وإنما هو أيام معدودات، كم؟ إما ثلاثون يوماً أو تسعةٌ وعشرون يوماً، أيامٌ معدودة قليلة، فاصْبِر نفسَك، واتقِ الله في هذه الأيام، حتى تربي نفسك وتعتاد على التقوى فيما يُستقبل من عمرك.

إجابة دعوة الصائم

إجابة دعوة الصائم ثم ذكر الله عزَّ وجلَّ أحكام الصوم، ومن لا يستطيعه لسفر أو مرض، ثم قال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] لأن الصوم زمن إجابة دعاء. وقد جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (إن للصائم دعوة لا ترد) . وهذه فرصة؛ لأنه ذكر إجابة الدعاء بعد ذكر الصوم؛ لكن قال: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} [البقرة:186] بماذا؟ بما فرضتُ عليهم من الصوم والتقوى: {وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] .

تحريم أكل أموال الناس بالباطل

تحريم أكل أموال الناس بالباطل ولما ذكر الله التحريم في هذا الزمن القصير، أياماً معدودات، وفي أشياء خاصة مما أحل الله للإنسان حرمها الله تعالى لحق نفسه، ذكر التحريم العام، فقال: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة:188] بعد آية الصوم قال: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:188] هذا حرام مطلقاً، أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، وندلي بها إلى الحكام، كيف ندلي بها إلى الحكام؟ يعني: أن الإنسان يجد ما يجب عليه لأخيه من مال، ويقول: أنا وأنت نذهب إلى الحاكم، والحاكم إذا تحاكم إليه الخصمان، وليس للمدعي بينة فماذا يصنع؟ سيقول للمدعى عليه: احلف أنه ليس عندك شيءٌ لفلان، فإذا حلف برئ، يعني برئ بمعنى: أنها انقطعت الخصومة. ولهذا قال: {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} [البقرة:188] لأن كثيراً من الناس يأكل أموال الناس بالباطل عن طريق المحاكم؛ يجيء لشخص: ويقول: أقرضني من فضلك عشرة آلاف ريال، وأنا أجيء بها لك إن شاء الله في أقرب فرصة ممكنة ممكن ألا يجيء بها إلا يوم القيامة؛ لكن هو يقول: في أقرب فرصة ممكنة. حسناً! تذهب لفلان يكتب بيننا، أو شهود. قال: لا، ما تأمنِّي؟! أنا عندك خائن؟! ثم يخجِّله حتى يعطيه عشرة آلاف ريال بدون شهود. ثم بعد مدة يأتي يطلبه: فيقول له: اصبر، يأتي الله بالرزق، أنا قلت لك: في أقرب فرصة ممكنة، ولم تحصل الفرصة حتى الآن. وهكذا، وفي النهاية؟ يقول: ما عندي لك شيء. اتق الله! كيف ما عندك لي شيء؟! قال: نعم، عندك شهود؟ وإلا أنا وأنت إلى المحكمة. إذا حضرا عند القاضي ماذا يقول؟ القاضي سيقول للذي قال: إني أقرضتُه عشرة آلاف، سيقول: هات الشهود، إذا ما عندك شهود يحلف خصمك. الخصم سيحلف أو لا؟ الغالب أنه يحلف؛ لأن نيته سيئة، فيحلف. فيقال للمدعي: في أمان الله، اخرج، ليس لك شيء. إذاً: أكل المال بالباطل، مدلياً بذلك إلى الحكام: {لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:188] . وإن الإنسان -ختاماً لهذا الكلام على هذه الآية أو الآيات- إذا تأمل القرآن وجد فيه معانٍ عظيمة من كل زوج بهيج: في الأخبار، في الأحكام، في البلاغة، في كل شيء؛ لكن يحتاج إلى تأمل، خذ بعض الآيات في وقت فراغك، وصفاء ذهنك، وتأملها تجد فيها العجب العجاب؛ لأن الكلام كلام الله عزَّ وجلَّ، لا تنقضي عجائبه أبداً. لكن الغفلة الحاصلة منا لا نرى هذه المعاني العظيمة في كتاب الله عزَّ وجلَّ؛ لأن أكثر من يقرأ القرآن يحب أن ينتهي منه ويختمه، ويجيء إلى آخر رمضان قال: ختمتُ القرآن عشر مرات، أو عشرين مرة، هذا ما هو المقصود، المقصود تدبُّرٌ: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ} [ص:29] ماذا قال؟ {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص:29] لم يقل: ليقرءوه سرداً بدون تأمل: {لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ} [ص:29] هذا التدبر: تفكُّر في المعاني. {وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] وهذا امتثال. فأولاً: قراءة. ثم تدبر وتفكُّر في المعاني. ثم امتثال وتذكُّر.

الأسئلة

الأسئلة

حكم أداء السنة الراتبة قبل دخول وقتها

حكم أداء السنة الراتبة قبل دخول وقتها Q فضيلة الشيخ! ذكرتم في اللقاء الأول أن الذمة تنشغل في الراتبة، وأن الإنسان إذا أداها قبل الأذان فإنها لا تبرأ بها الذمة، أرجو توضيح هذا القول! وهل هي واجبة؟ لأن هذا ما تبادر لي! وجزاكم الله خيراً. A نعم، الإنسان مطالَب بفعل الفرائض والنوافل؛ لكن تختلف الفرائض عن النوافل من وجهين: الوجه الأول: قوة الطلب والأمر في الفرائض أكثر من قوته في النوافل. الوجه الثاني: أن ترك النوافل ليس فيه إثم، بخلاف ترك الفرائض. إذاً: فإذا صلى النافلة المؤقتة في غير وقتها، فإن الطلب لم يسقط بذلك؛ لكن ليس الطلب الذي يأثم به الإنسان، بل هو طلب لا يأثم به، فهذا الرجل نقول له: إنك لم تُسْقِط الطلب بهذه الراتبة أو بهذه النافلة؛ ولكنه لا يأثم بذلك، والعبارة لا شك أن فيها إيهام إذا كانت على ما ذكر السائل؛ لأني الآن لا أستحضر اللفظ، إذا كانت على ما ذكر السائل ففيها إيهام أن النوافل يأثم الإنسان بتركها، ولكنه في الواقع لا يأثم بتركها؛ لكنه مطالب بفعلها إلا أنه طلب دون الطلب بالفرائض، فإذا فعل النافلة المؤقتة في غير وقتها فإن الطلب لم يسقط بذلك.

أحوال الناس تجاه صلاة التراويح

أحوال الناس تجاه صلاة التراويح Q الذين يحضرون هذا الدرس انقسموا إلى ثلاثة أقسام: منهم من بقي عند الباب خارج المسجد، ومنهم من دخل وصلى تحية المسجد وجلس ينتظر، ومنهم من دخل معنا في الصلاة، فما حكم هؤلاء بالفضل بينهم؟ A إذا دخلوا وصلوا مع الإمام فهم على خير، وزيادة في الأجر؛ ولكنهم إذا شاركوا الإمام في الوتر وهم قد أوتروا من قبل، فإنهم يشفعون الوتر، أي: أنهم يقومون فيأتون بركعة؛ لأنه لا وتران في ليلة. وأما الذين دخلوا وصلوا تحية المسجد وجلسوا فقد أخطئوا بعض الشيء، لأن الذي يدخل المسجد ويجد الناس يصلون مأمور بالدخول معهم، وموافقتهم من أجل أن يحصل الاجتماع، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الرجلين الذين جاءا وهو يصلي الفجر، ولم يدخلا في القوم قال: (ما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: صلينا في رحالنا، قال: إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجدنا فصليا معنا، فإنها لكما نافلة) . وأما الذين لم يدخلوا وبقوا في السوق فليس عليهم شيء؛ لأن الصلاة التي يصليها الإمام نافلة، إن شاءوا دخلوا وصلوا، وإن شاءوا لم يدخلوا، فليس عليهم شيء؛ لكن قد فاتهم الأجر، إلا إذا كانوا يتكلمون بصوت يشوِّش على الجماعة، فإنهم في هذا يكونون آثمين؛ لأن التشويش على المصلين يؤدي إلى إفساد العبادة أو نقصها، وهذه جناية، ولهذا لما خرج النبي عليه الصلاة والسلام على أصحابه وهم يصلون في المسجد، وكل واحد منهم يقرأ ويرفع صوته، قال عليه الصلاة والسلام: (إن المصلي يناجي ربه -ليس يناجي أحداً سواه، والله يسمع ولو كان الصوت خفياً- فلا يجهرن بعضُكم على بعض في القراءة) . وفي حديث آخر: (لا يؤذينَّ بعضُكم بعضاً) فجعل الرسول عليه الصلاة والسلام هذا إيذاءً، وصدق رسول الله، إذا سَمعتَ إنساناً يَجهر بالقراءة حولك، وأنت تصلي لا شك أنه يؤذيك، ويشوش عليك، وربما تكرر الآية مرتين أو ثلاثاً مع الانشغال. ومن هنا نأخذ خطأ أولئك الذين يصلون في المنارة، الآن بعض الناس في المنارة يفتحون مكبر الصوت على المنارة وهو يصلي الفريضة أو النافلة، هذا لا شك أنهم مخطئون، وأنهم إلى الإثم أقرب منهم إلى السلامة؛ لأنهم يؤذون من حولهم من أهل البيوت، يمكن بعض الناس يريد يصلي، ومن النساء من تصلي في بيتها، وهذا مكبر الصوت يشوش عليها، ما يتركها تصلي، ربما يوجد أناس في البيوت يحتاجون إلى نوم وراحة، لمرض أو غير مرض، فيشوش عليهم هذا الصوت، ويزعجهم ويقلقهم، وأيضاً في المساجد المتقاربة يحصل التشويش، ولقد حُدِّثْت أن بعض الناس في المساجد القريبة تكون قراءة إمام المسجد الذي هو جار لمسجدهم قراءة جيدة، وإلقاء طيب، وصوت جميل، فينسجمون معه، ويتركون إمامهم، فإذا قال المسجد المجاور: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] قال هؤلاء: آمين، أحياناً ربما يرفعون معه، هذا من أعظم الجناية على الناس. ولهذا أنا أرجو منكم إذا سمعتم مسجدنا على هذا أن تنصحوه لله، وتقولوا: إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام هو الحكم بيننا وبينك فهذا كلامٌ لأصحابه، قال: (لا يؤذين بعضُكم بعضاًَ في القراءة) هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهو الحكم عليه الصلاة والسلام: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59] نحن لا نعارضك بعقولنا، حتى تقول: أنا عندي عقل مثلك، نعارضك بنص واضح، وأنت تؤذي، لا أحد يشك في أذيتك. ثم أي نتيجة تحصل بذلك؟! ما هي النتيجة؟! هل هو يصلي للناس الذين خارج المسجد أم لأهل المسجد؟! لأهل المسجد، فأي نتيجة في هذا؟! إذا كنت محتاجاً إلى استعمال مكبر الصوت من أجل أن ينشِّطك فاستعمله داخلياً فقط، وفيه بركة، على أني أنا أحب أن الإمام لا يجعل شيئاً يتكئ عليه للنشاط في القراءة، بل يجعل النشاط في القراءة أمراً ذاتياً من نفسه، ما يعتمد على مكبر الصوت أو غيره، فيُخَلِّي نفسه ليتعود، لأجل يرفع الصوت، ويحسِّن النغمة بقدر الاستطاعة، حتى لا يعتمد على نغمة صوت مكبر الصوت. ثم إن فيه ضرراً أيضاً من ناحية ثانية، كما احتج عندي بعض الناس بالإقامة في المنارة، بعض الناس الآن إذا أراد أن يقيم وهم كثير يقيمون في المنارة، يقولون: هذه الإقامة أفسدت علينا أولادنا، إذا قلنا: قم للصلاة، قال: لم يقم بعد، فإذا أقام ذهب يتوضأ وفاته بعض الصلاة أو كل الصلاة، فكانوا يشتكون من هذا، لكني أنا ما أحببت أن أجيب على شكواهم، قلت: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة) وهذا يدل على أن الإقامة في مسجد الرسول تُسمع من خارج المسجد، فلا أستطيع أن أنهى عن شيء قد تكون السنة دلت على جوازه. الصلاة أضر وأضر؛ لأن الذي يسمع صوت الإمام وهو يصلي يقول: هذه أول ركعة، والصلاة تُدرك بركعة. قال له الثاني: لا يا أخي! الصلاة تدرك بتكبيرة الإحرام قبل أن يسلم. فيقول بعض العلماء: إن الإنسان إذا أدرك تكبيرة الإحرام قبل السلام فقد أدرك الصلاة. فاصبر إذا ما بقي إلا تكبيرة الإحرام قبل السلام دخلنا. فيفوتون الصلاة عليهم. إذاً: ففيها ضرر حتى على الناس، أنهم ينتظرون آخر ركعة ويحضرون. فإذاً: لا فائدة، بل مضرة على من أراد الصلاة في هذا المسجد، ومضرة على المساجد الأخرى، ومضرة على الناس في بيوتهم. وإذا أردنا أن نقول: من الناحية الاقتصادية إن فيها مضرة أيضاً، وهي: استهلاك الكهرباء، أنت قد تقول: إن هذا مكبر الصوت بسيط، يعني: عن (لمبتين) أو ثلاث؛ لكن إذا كان في البلد مائة مكبر مثلاً كم تكون الكمية؟ كبيرة، تكون الكمية كبيرة، وبيت مال المسلمين محترم. لكن أنا أقول: لا بأس إذا كان ينشط الإنسان أنه يستعمله في داخل المسجد، ما فيه إن شاء الله بأس، ولا نقدر نتحجر على الناس كثيراً، أما أن يجعله على المنارة فهذا لا شك أنه أذية على مَن حوله من المساجد، وعلى الأفراد في البيوت، وأذية على الناس أيضاً من جهة الذين يريدون أن يصلوا معه، ينتظرون آخر ركعة.

حكم قضاء الفوائت المتروكة عمدا

حكم قضاء الفوائت المتروكة عمداً Q أنا في سنوات مضت أفطرت يوماً بجهل مني بسبب رفقة السوء، والآن بعد أن منَّ الله عليَّ بالهداية، ندمتُ على ذلك، فهل أقضي ذلك اليوم، أم ماذا أفعل؟ أفيدونا! جزاكم الله خيراً؟ A الصحيح أنه لا يجب على الإنسان قضاء الفوائت التي تعمد تركها من صلاة أو صوم؛ لأن هذه العبادات كالصلاة والصوم مؤقتة بزمن معين، والعبادة المؤقتة بزمن معين إذا أخرها الإنسان عن وقتها بدون عذر شرعي فإن قضاءه إياها لا ينفعه، وإذا كان قضاؤه إياها لا ينفعه لم يكن من إلزامه بالقضاء فائدة، ولهذا كان الصحيح أن نقول لهذا السائل: لا يلزمك أن تقضي اليوم الذي تركته؛ ولكن أكثر من الأعمال الصالحة، والتوبة إلى الله، والحسنات يذهبن السيئات.

حكم من جامع أهله في نهار رمضان بدون إنزال

حكم من جامع أهله في نهار رمضان بدون إنزال Q رجل كان يعتقد أن الجماع في نهار رمضان دون الإنزال لا يفسد الصوم، فماذا عليه؟ A إذا كان مثله يجهله، يعني: بمعنى أنه عامي حقيقة، ولا يطرأ على باله أن هذا مفسد للصوم، فإن صومه صحيح غير فاسد، وليس عليه قضاء، وليس عليه كفارة. أما إذا كان مثله لا يجهله، يكون مثلاً قد قرأ وعرف، أو سمع من الناس فإنه لا عذر له، فالمؤمن إذا كان صادقاً في جهله ومثله يجهله؛ فلا شيء عليه، لا قضاء، ولا كفارة، ولا إثم؛ لعموم قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] . ولأن الصحابة رضي الله عنهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أفطروا في يوم غيم ثم طلعت الشمس، ولم يؤمروا بالقضاء؛ لأنهم كانوا جاهلين بالوقت، والأكل والشرب كالجماع لا فرق بينهما كلاهما مفسد، فإذا لم يفسد الأكل والشرب في حال الجهل، فكذلك الجماع.

جواز صلاة ركعتين من التراويح بنية راتبة العشاء

جواز صلاة ركعتين من التراويح بنية راتبة العشاء Q هل تجزئ ركعتان من صلاة التراويح عن راتبة العشاء الآخرة؟ A إي نعم، إذا نوى الإنسان أن هاتين الركعتين عن الراتبة كما لو صلى العشاء في مسجد، وجاء إلى مسجد آخر ووجدهم يصلون التراويح، ودخل معهم بنية أن التسليمة الأولى لراتبة العشاء، فإن ذلك يجزئه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) . السائل: إذا فعلها وهو إمام، يعني: ربما يقتدي به الناس! الشيخ: نعم، أما إذا فعلها وهو إمام فعلى نيته أيضاً، ولكن الذين وراءه على نياتهم، إذا كانوا ينوون بها قيام الليل فهي من قيام الليل.

حكم تناول الإبر غير المغذية في نهار رمضان

حكم تناول الإبر غير المغذية في نهار رمضان Q امرأة مريضة بالسكر، أمرها الطبيب أن تأخذ إبرة (الأنسولين) الخاصة بمرض السكر قبل الإفطار بربع ساعة، هل هذه الإبرة تفطر في هذه الحال، أم لا؟ A هذه لا تفطر؛ لأن جميع الإبر لا تفطر، إلا ما كان يغني عن الأكل والشرب، وهو الذي يُحقن في الإنسان عن طريق الأنف فيستغني به عن الأكل والشرب، أما ما سوى ذلك فإنه لا يفطِّر، ولا يمكننا أن نقول للناس: إن صومكم فسد بدون دليل شرعي، وليس عندنا دليل شرعي يدل على أن كل ما وصل إلى البدن فهو مفطِّر، لأن الله تعالى بيَّن قال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة:187] فما كان أكلاً وشرباً أو بمعنى الأكل والشرب، فهو مفطِّر، وما عدا ذلك فإن الإنسان لا يَجْسُر أن يقول: هذا مفطر، ولهذا نرى أن الذي يقول: إن هذه الأشياء مفطرة احتياطاً نرى أنه احتاط من وجه، ولكنه لم يحتط من وجه آخر، لم يحتط من حيث إبطال عبادة الناس بدون دليل؛ لأن إبطال عبادة الناس بدون دليل أيضاً يحتاج إلى احتياط، لا تبطل عبادة الناس إلا بدليل واضح تقابل به ربك، نعم، إذا استشارك وقال: ماذا تشير عليَّ؟ فحينئذ ربما نقول: أشر عليه بما ترى أنه أحوط، وهو تجنب هذا الشيء الذي فيه الشبهة، أما إذا قال: هل يفطِّر أو لا؟ فتقول: يفطِّر، هذا صعب إلا بدليل.

حكم استعمال النساء حبوب منع الحيض في رمضان

حكم استعمال النساء حبوب منع الحيض في رمضان Q امرأة عادتها الشهرية خمسة عشر يوماً، خمسة أيام في أول رمضان، وعشرة أيام في العشر الأواخر من رمضان، فتريد أن تستعمل حبوباً لمنع العادة في العشر الأواخر من رمضان، فما الحكم في ذلك؟ مع العلم أن قصدها الصلاة والتهجد مع المسلمين لا أنها لصعوبة القضاء؟ A بناءً على ما سمعتُ من أطباء ثقات أرى ألا تستعمل هذه الحبوب؛ لأنها ضارة على الرحم، وعلى دم المرأة، وعلى العادة، وعلى الجنين، يعني يقولون: من أسباب تشوُّه الأجنَّة الذي كثر في هذا الزمان تناول هذه العقاقير. فالذي أرى أن لا تستعملها، بل أرى أن ترضى بما قدَّر الله عزَّ وجلَّ من هذا الحيض، وليكن لها أسوة بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عائشة في حجة الوداع أحرمت بعمرة كسائر النساء، فأتاها الحيض في أثناء الطريق بـ سرف، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال: (ما لك؟ لعلك نفستِ! -يعني: حضتِ! - قالت: نعم يا رسول الله! قال: هذا شيء كتبه الله على بنات آدم) ما هو عليك أنت وحدك. كتبه الله كتابة شرعية أم كونية؟ كتابة كونية، قدر الله عزَّ وجلَّ بكتابته الأزلية التي كتبها في الأزل أن بنات آدم يحضن، فكأنه يقول: هذا شيء مكتوب، ولا فرار عن المكتوب، فاصبري، ثم أمرها عليه الصلاة والسلام أن تحرم بحج، وتدخل الحج على العمرة لتكون قارنة. الشاهد: أني أقول: لا تستعمل النساء هذه الحبوب؛ لما ثبت عندي من أضرارها، ولأن الرضا بما قدر الله على النساء من الحيض الذي فيه الامتناع عن الصوم وعن الصلاة خير من فعل الأسباب المانعة للحيض. ثم اعلم أيضاً أن كل شيء يكون بمقتضى الطبيعة التي جَبَلَ الله عليها الخلق إذا وجد ما يصادم هذا الشيء فإنه يكون ضرراً على البدن، هذا شيء يعرفه الإنسان، وإن لم يكن طبيباً، شيء بمقتضى الطبيعة والجِبِلَّة لابد أن يخرج فإن حبسه لا شك أنه ضرر، واعتبر ذلك بما لو كان بولاً أو غائطاً، وأكلتَ حبوباً تمسكه، هل سيؤثر ذلك على البدن؟ نعم، سيؤثر على البدن لا شك، وإن كان ما جاءك بول، ولا غائط؛ لكن سيؤثر انحباسه في العروق، والعادة أنه يخرج، لا شك أنه ضرر، كذلك هذا الدم؛ دم الحيض. فالذي نرى أن النساء يتركنه، والحمد لله إذا أفطَرَت فقد أفطَرَت بأمر الله، وإذا ترَكَت الصلاة فقد ترَكَت الصلاة بأمر الله.

حكم ذهاب الأئمة لأداء العمرة وتركهم إمامة المساجد

حكم ذهاب الأئمة لأداء العمرة وتركهم إمامة المساجد Q أنا إمام في مسجد وأريد أن أذهب في العشر الأواخر إلى مكة؛ لأنني أشعر أنني إذا بقيتُ هنا سوف أحس بالفراغ؛ لأني مرتبط بإخوة لهم نشاط، وسوف يذهبون إلى مكة، وأحب الذهاب معهم من أجل أن أستفيد في الوقت، مع العلم أنني سوف أستأذن من الأوقاف، وأقوم بتوكيل من يصلي عنِّي، أفتوني جزاكم الله خيراً؟ A بالمناسبة: قد أتتنا ورقة من الأوقاف اليوم بمنع سفر الأئمة إلى العمرة أو غيرها، وأنهم لا يرخصون لأحد، وهذا حقيقة، يعني: أنه قد يكون قراراً مفيداً؛ لأنه يوجد بعض الناس -الله يهدينا وإياهم- من اليوم إلى آخر رمضان يفرون، إما إلى مكة، وإما إلى أفغانستان، وإما إلى غيره، فيَضِيْعون ويُضَيِّعون ما أوجب الله عليهم، وبعضهم إذا دخلت العشر يذهب. ولكن الذي نرى أن المرتبط بأمر واجب يجب عليه أن يبقى في هذا الأمر؛ لأن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] والعقد الذي بينك وبين الدولة إن صح أن نسميه عقداً أن تكون إماماً في كل وقت، لاسيما في حاجة الناس في رمضان. ويقول: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء:34] . وأنت يا أخي! لا يزين لك الشيطان القيام بالنافلة مع ترك الواجب، إن فعل الواجب أفضل بكثير من فعل النافلة، قال الله تعالى في الحديث القدسي: (وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضتُه عليه) . لكن قد تقولون: لماذا أنت تذهب أيضاً في العشر؟ أو بعد نصف الشهر؟ فأنا أقول: إننا نجد مصلحة كبيرة في تعليم الناس، ولولا أنه يتسنى لنا التعليم ما ذهبنا؛ لكن نظراً إلى أنه يحصل في التعليم استفادة كثيرة، يمكن بعضكم شاهدها، مع الاستئذان من إدارة الأوقاف، ومع وضع أحد يقوم باللازم إن شاء الله تهون علينا، وإن اعترضتم وسدَّدتم ما نذهب. على كل حال أنا أرى إن شاء الله تعالى أنَّا في حِل؛ لأننا نذهب إلى مصلحة كبيرة، يعني: حتى بعض الناس من دخول الشهر وهم يقولون: ائتي الناس كثيرون، والناس كثيرون، والناس كثيرون؛ لكن ما هو بصحيح أن الواحد يذهب شهراً كاملاً.

جلسات رمضانية لعام 1411هـ[2]

جلسات رمضانية لعام 1411هـ[2] يجب على كل مسلم يريد أن يعبد ربه على بصيرة وعلم أن يعلم ويفقه كل عبادة يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى، حتى تكون عند الله أرجى للقبول. وقد تكلم الشيخ في هذه المادة عن كل ما يفسد الصيام ويبطله، ويكون حائلاً بين العبد وبين قبول صيامه، ثم أتبع ذلك بأجوبة نافعة في الموضوع.

مفسدات الصوم

مفسدات الصوم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإن درسنا في هذه الليلة؛ ليلة الخميس الموافق للخامس من شهر رمضان عام: (1411هـ) سيكون إن شاء الله في بيان مفسدات الصوم، التي يسميها العامة المفطِّرات. ويجب أن نأخذ قاعدة قبل الدخول في مفسدات الصوم بخصوصها، وهي: أن مفسدات العبادات سواء كان ذلك من مفسدات الوضوء التي تسمى نواقض الوضوء، أو من مفسدات الصلاة التي تسمى مبطلات الصلاة، أو من مفسدات الصوم، أو من مفسدات الحج، أو من مفسدات المعاملات، كلها لابد فيها من دليل، وذلك لأن الأصل في العبادات التي يقوم بها العبد على مقتضى الشرع الأصل فيها الصحة حتى يقوم دليل من الشرع على أنها فاسدة. هذه قاعدة متفق عليها بين العلماء؛ لأن الأصل أن ما وقع صحيحاً، فهو صحيح، حتى يقوم دليل على فساده، ولهذا استفتى جماعة من الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوم يأتون إليهم بلحم ولا يدرون هل سَمُّوا الله عليه أم لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (سَمُّوا أنتم وكلوا) لأن الأصل في الفعل الواقع من أهله أنه صحيح حتى يقوم دليل الفساد. وعلى هذا فإذا قلنا في مفسدات الصوم: إن هذا مفسد فلابد لنا من دليل، فإن لم يكن هناك دليل فإن قولنا مردود علينا، كل إنسان يقول لك: إن هذا مفطِّر فطالبه بالدليل، قل: أنا صائم بأمر الله، وعلى مقتضى شريعة الله، فأتني بدليل من عند الله يدل على أن هذا الشيء مفطِّر، فإن لم تأتني بدليل فأنا قائم بأمر الله، متبع لشريعة الله، مخلص لله، ومن عَبَدَ الله مخلصاً له الدين، متبعاً لشريعة سيد المرسلين فإن عمله صالح مقبول عند الله، أفهمنا هذه القاعدة؟ إذاً: نقول: لا يمكن أن نقول: إن هذا الشيء مفطِّر إلا مقروناً بالدليل، فإن لم يكن فلا قبول. فنقول: المفطِّرات أشياء محصورة: ا/ الأكل. 2/ والشرب. 3/ والجماع. 4/ والإنزال بشهوة بفعل من الصائم. 5/ وما كان بمعنى الأكل والشرب. 6/ والقيء عمداً. 7/ وخروج الدم بالحجامة. 8/ وخروج دم الحيض. 9/ وخروج دم النِّفاس. هذه تسعة أشياء عرفناها بالتتبع؛ لأنه ليس في الكتاب والسنة أن هناك تسعة أشياء مفطِّرة، أو مفسدة للصوم؛ لكن العلماء رحمهم الله يتتبعون الأدلة، ويستقرئونها، ويستنتجون منها ما يستنتجونه من الأحكام.

الأكل والشرب والجماع

الأكل والشرب والجماع الأكل، والشرب، والجماع. هذه ثلاثة دليلها في آية واحدة، وهي قوله تبارك وتعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة:187] يعني: النساء: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة:187] يعني: بالجماع، أي: اطلبوا الولد الذي كتبه الله لكم بالجماع: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] الصيام يعني: الإمساك عن هذه الأشياء الثلاثة إلى الليل، والليل يكون بغروب الشمس كما سنذكره إن شاء الله. إذاً: هذه ثلاثة ذُكرت في آية واحدة. قوله تعالى: {بَاشِرُوهُنَّ} أي: بذلك الجماع؛ لأنه قال: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} ولا ابتغاء للولد إلا بالجماع. والجماع مفسد للصوم، سواء كان الصوم فرضاً أو نفلاً، فمن جامع وهو صائم فسد صومه؛ لكن إذا كان في نهار رمضان ممن يلزمه الصوم ترتب عليه خمسة أشياء: الأول: الإثم. الثاني: فساد الصوم. الثالث: لزوم الإمساك إلى الغروب. الرابع: القضاء. الخامس الكفارة. خمسة أشياء، إذا وقع الجماع من صائم في نهار رمضان يلزمه الصوم، ترتب عليه هذه الأشياء الخمسة. الأول: الإثم؛ لأنه انتهك واجباً، بل فريضة من فرائض الإسلام. والثاني: فساد الصوم؛ لأنه ارتكب محظوراً من محظورات الصوم وهو: الجماع؛ لأن الله قال: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} وهذا لم يتم الصيام إلى الليل. الثالث: وجوب الإمساك، يعني: يجب أن يمسك وإن كان صومه فاسداً؛ عقوبة له، واحتراماً للزمن؛ لأننا لو لم نلزمه بالإمساك، لكان كل واحد ما يهمه يفعل المفطِّر ويأكل ويشرب؛ لكن نلزمه بالإمساك عقوبة له، واحتراماً للزمن. الرابع: وجوب القضاء؛ لأنه أفسد عبادته، فلزمه قضاؤها كما لو أحدث المصلي في صلاته، فإنه يلزمه قضاؤها. والخامس: الكفارة، والكفارة مغَلَّظة، وقد بيَّنَتها، ففي الصحيحين: من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! هلكتُ! قال: ما أهلكك؟ قال: وقعتُ على امرأتي في رمضان وأنا صائم، فسأله النبي عليه الصلاة والسلام: هل يجد رقبة؟ قال: لا. هل يستطيع أن يصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. هل يستطيع أن يطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا. ... ) . كم هذه من خصلة؟ ثلاث: عتق رقبة؛ فإن لم يجد، فصيام شهرين متتابعين؛ فإن لم يستطع، فإطعام ستين مسكيناً. (. فجلس الرجل، ثم جيء بتمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال للرجل: خذ هذا فتصدَّق به، فقال: يا رسول الله! أعَلى أفقرَ مِنِّي؟! والله ما بين لابَتَيها أهل بيت أفقر مني! -طمع الرجل- فضحك النبي عليه الصلاة والسلام، ثم قال: أطعمه أهلك) . الشاهد من هذا: وجوب الكفارة. حسناً! قلنا: إنه تجب الكفارة إذا كان في نهار رمضان، والإنسان ممن يلزمه الصوم، فإن كان لا يلزمه الصوم كرجل مسافر، ولنقل: إنه ذاهب إلى العمرة، وهو صائم هو وأهله في مكة؛ لكن في أثناء النهار جامع زوجته، ماذا يترتب عليه؟ لا يترتب عليه من هذه الأمور الخمسة إلا واحد فقط، هو: القضاء، وإلا فليس عليه إثم، ولا يلزمه الإمساك، ويفسد الصوم لا شك، الصوم يفسد، وليس عليه كفارة. ولهذا يجب على المفتين إذا سألهم أحدٌ في مكة وقال: إنه جامع أهله، لا يقول: عليك الكفارة، بل يسأله: هل أنت من أهل مكة أو أنت من المسافرين المعتمرين؟ إن قال: أنا من المعتمرين، ماذا يقول؟ يقول: ليس عليك إلا القضاء، الآن كل واشرب بقية النهار، ولا حرج عليك، واقضِ هذا اليوم أنت وأهلك. إن قال: أنا من أهل مكة فالصوم يلزمه، يقول: عليك خمسة أشياء: حسناً! إذا قُدِّر أن الشخص جامع في نهار رمضان والصوم لازمٌ له، ولم يُنْزِل، هل تلزمه هذه الأحكام الخمسة؟ نعم، يعني: العبرة بالجماع. ولو أنزل بدون جماع! لا تلزمه الكفارة، ولكن بقية الأحكام الأربعة تلزمه: الإثم، والإمساك، وفساد الصوم، والقضاء؛ لكن الكفارة لا تلزمه؛ لأن الكفارة لا تلزم إلا بالجماع فقط. حسناً! هذه ثلاثة أشياء.

إنزال المني بشهوة

إنزال المني بشهوة الرابع: إنزال المني بشهوة بفعل الصائم. انتبه! فلو نزل بغير شهوة؛ لأنه قد ينزل لمرض، فإنه لا يفسد الصوم. لو نزل بشهوة بغير فعل من الصائم، يعني: وهو نائم، لا شيء عليه. ولو فكَّر فأنزل؛ لكن ما حرَّك شيئاً، لا شيء عليه؛ لأن هذا ليس من فعله، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدَّثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم) . حسناً! إذا قال قائل: نطالبك بالقاعدة التي ذكرتَ وهي: الدليل، أين الدليل على أن الإنزال بشهوة بفعل الصائم مفسد للصوم؟ نقول: الدليل على هذا: قوله تعالى في الحديث القدسي في الصائم: (يدع طعامه وشرابه وشهوته) والمني شهوة، والدليل على أنه شهوة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: نعم، أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم، قال: كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) والذي يوضع المني، فسماه الصحابة الشهوة، وأقرهم النبي عليه الصلاة والسلام، والشهوة مما يدعه الصائم، فهذا هو الدليل. ولذلك اتفق الأئمة الأربعة: مالك، وأحمد، والشافعي، وأبو حنيفة على أن إنزال المني مفطِّر. حسناً! إنزال المذي؟ المذي الذي يأتي بتحرك الشهوة؛ ولكن بدون إحساس، كثير من الناس مذَّاء، بمجرد ما يحس بالشهوة ينزل هذا المذي بدون إحساس، فهل يفسد الصوم؟ لا، لا يفسد الصوم؛ حتى لو كان بفعل الإنسان، لو فُرِض أن الإنسان قبَّل زوجته فأمذى فصومه صحيح، وليس عليه إثم؛ لأنه لم يفعل مفسداً. ذهب بعض العلماء إلى أنه إذا أمذى بفعله فسد صومه؛ ولكننا نقول على القاعدة التي أشرنا إليها في الأول: أين الدليل؟ ليس هناك دليل، ليس فيه دليل على أن الإمذاء مفسد للصوم.

ما كان بمعنى الأكل والشرب

ما كان بمعنى الأكل والشرب ما هو الخامس من المفطِّرات؟ الأكل، والشرب، والجماع، والإنزال؛ إنزال المني بفعل من الإنسان. ما كان بمعنى الأكل والشرب. نعم. ما كان بمعنى الأكل والشرب فإنه مفطِّر، وهي: الإبر المغذية، ليست التي تنشِّط الجسم، لا، الإبر المغذية التي يُستغنى بها عن الأكل والشرب، بمعنى: أنه إذا تناولها الإنسان اكتفى عن الأكل والشرب، هذه مفطِّرة؛ لأنها بمعنى الأكل والشرب، انتبه! إذا قال قائل: ما هي أكل ولا شرب، نقول: إنها قائمة مقام الأكل والشرب، والشريعة الإسلامية لا تفرق بين متماثلين، ولا تجمع بين مختلفين، فإذا كان هذا بمعنى الأكل والشرب وجب أن يُعطى حكم الأكل والشرب. إذاً: فساد الصوم بهذه الإبر المغذية من باب القياس أو من باب النص؟ من باب القياس، ما فيه دليل لا من القرآن ولا من السنة؛ لكن فيه قياس. وبناءً على ذلك فإن قاعدة من ينكرون القياس تقتضي ألا تكون هذه الإبر مفطِّرة، أليس كذلك؟ لأن الذين ينكرون القياس مثل الظاهرية رحمهم الله يقولون: ما فيه أكل وشرب، غيره ما نقبل أنه يكون مفطِّراً، ونحن ننكر القياس. وعلى قولهم تكون هذه الإبر غير مفطِّرة. لو جاءنا رجل فقيه غير ظاهري من أصحاب القياس والمعاني وقال: هذه الإبر لا نوافقكم في قياسها على الأكل والشرب؛ لأنها تختلف عن الأكل والشرب، والقياس لابد فيه من تساوي الأصل والفرع في علة الحكم. الأكل والشرب تحصل فيه لذة عند الأكل، يتلذذ الإنسان فيه بفمه، وبلعه، وملء معدته منه، فيجد لذة وراحة. هذه الإبر هل يجد فيها ذلك؟ لا، لا يجد فيها ذلك، أليس كذلك؟ نعم. لا يجد فيها ذلك، ولذلك يقولون: أنتم لا تقيسون جماع الرجل لزوجته بين فخذيها على جماعه إياها في فرجها، مع أنه في كل منهما لذة، وفي كل منهما إنزال؛ لكن لذة الجماع غير لذة الفخذين. إذاً: لذة الأكل والشرب غير لذة هذه الإبر. فإذاً: لا تقيسونها. الحقيقة: لو قال لنا قائل هذا القول لتوقفنا، ما هناك جواب بيِّن على هذا الإيراد؛ لكننا نقول: من باب الاحتياط: أن الإنسان لو تناول الإبر المغذية التي تغني عن الأكل والشرب، فإنها تفطِّر، ثم إن الغالب أن الإنسان لا يتناول هذه الإبر إلا وهو مريض يحتاج إلى الفطر، فنقول: الحمد لله، إذا تناولت هذه، اضطررت إليها وتناولتها، فأنت الآن مفطر، كُلْ إن أمكنك واشرب؛ لأنك مفطر بسبب المرض. إذاً: ليس القول بتفطير هذه الإبر المغذية قولاً يقينياً؛ ولكنه قول احتياطي، أما الإبر الأخرى التي لا تغني عن الطعام والشراب؛ فإنها لا تفطر، ولا إشكال عندي فيها، سواء أُخِذت عن طريق الوريد، أو عن طريق العضلات، أو من أي طريق؛ حتى لو نشَّطت البدن، وحصل فيها تنشيط للبدن، أو شفاء للبدن، فإنها لا تفطِّر؛ لأن العلة ليست تنشيط البدن، العلة تغذيته عن طريق الأكل والشرب، وإلا لقلنا: كل منشِّط مفطِّر، ومعلوم أن الإنسان لو اغتسل في أيام الحر، ينشط وإلا لا؟! ينشط بلا شك، هل نقول: يفطر؟ لا، ما نقول: يفطر. إذاً: لا يمكن لإنسان نظر بتأمل أن يقول: إن جميع الإبر مفطِّرة، لا، ما يمكن، بل نقول: إن الإبر التي لا يُستغنى بها عن الطعام والشراب غير مفطِّرة مهما كانت، من أي نوع كانت، ومن أي مكان ضُرِبت.

القيء عمدا

القيء عمداً السادس: القيء عمداً. لو أن الإنسان تقيأ عمداً، أدخل إصبعه مثلاً في فمه حتى قاء، أو نظر إلى شيء كريه حتى قاء، وجعل ينظر إليه حتى قاء، أو شمَّ رائحة كريهة وجعل يتعمدها؛ لأجل يقيء فقاء، أو عصر بطنه بشدة حتى تقيأ، نعم. المهم إذا قاء عمداً فإن صومه يفسُد ويبطُل. نأخذ بالقاعدة، ماذا؟ ما هو الدليل؟ الدليل: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه -ذرعه القيء يعني: غلبه- ومن استقاء عمداً فليقضِ) هذا الحديث. وفيه أيضاً تعليل، وهو أن الإنسان إذا قاء، وأخرج ما في معدته من الطعام لحقه الهزال والجوع الشديد، ولاسيما إذا تقيأ من أول النهار، وفي الأيام الطويلة، لابد أن يلحق الجسم تعب شديد. فمن رحمة الله نقول: إذا تقيأ الإنسان عمداً إن كان لغير عذر فهو حرام عليه في الصوم الواجب؛ لأنه يفسد صومه. وإن كان لعذر قلنا: من رحمة الله أن نقول: إنك أفطرت، لماذا؟ لأنه إذا تقيأ لعذر يبيح له الفطر قلنا له: الآن كُل واشرب؛ لأن كل من أفطر لعذر شرعي، فإنه يجوز أن يأكل ويشرب. خذوا بالكم من هذه القاعدة، فهي مفيدة أيضاً: كل من أفطر لعذر شرعي في أول النهار فإنه يجوز أن يأكل ويشرب بقية النهار، فهمتم القاعدة هذه؟ إي نعم، هذه القاعدة مفيدة جداً للإنسان، فنقول لهذا الرجل الصائم: إذا قال لك الأطباء، أو أنت رأيت أنه من الضروري أن تتقيَّأ، افرض أن الإنسان أكل طعاماً متسمماً، الطعام المتسمم من أقوى علاجه أن يتقيأ الإنسان الطعام، فإذا تقيأه خرج هذا الطعام المتسمم، وخف عليه، فإذا فعل هذا قلنا له: الآن قمت تقيأت بعذر شرعي، فكُل واشرب حتى تعود عليك قوة بدنك. فصار القول بأن القيء مفطِّر من رحمة الله؛ لأنه إذا كان الإنسان غير محتاج إليه قلنا له: لا تتقيأ في الصوم الواجب، تفسد صومك، وإن احتاج إليه قلنا: تقيأ وكُل واشرب بقية يومك؛ لأن القاعدة التي ذكرنا أن مَن أفطر لعذر شرعي فإن له أن يأكل ويشرب بقية اليوم. عرفتم يا جماعة؟!

الحجامة

الحجامة السابع: الحجامة. خروج الدم بالحجامة، وعلى القاعدة نطلب الدليل. الدليل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) وهذا يدل على أن المحجوم يفطر. وفيه أيضاً تعليل، وهو أن الحجامة إذا خرج منها دم كثير ضعُف البدن واحتاج إلى تغذية، ولهذا نجد الأطباء إذا أُخذ من الإنسان دم متبرع به، يأمرونه أن يشرب عصيراً أو شبهه ليعوِّض ما نقص من الدم. إذاً: الحجامة نقول: تفطِّر الصائم. والدليل: قوله عليه الصلاة والسلام: (أفطر الحاجم والمحجوم) . والتعليل: أنه يحصل بالحجامة ضعف شديد للبدن، يحتاج معه إلى تغذية. فالتفطير بالحجامة من رحمة الله، ولهذا نقول للصائم صوم فرض: يحرم عليك أن تحتجم، فإن اضطررت إلى ذلك فاحتجم وكُل واشرب، عوِّض البدن عن هذا النقص. حسناً! فإن قال قائل: إنه قد جاء في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم، واحتجم وهو صائم) وفي بعض الألفاظ: (احتجم وهو محرم صائم) فالجواب على ذلك: أنه إن صحَّت اللفظة: احتجم وهو صائم إن صحت فإنها لا تدل على أن الحجامة غير مفطِّرة، ولا تدل على أن هذا الصيام فرض، فإذا كان الصيام الذي احتجم فيه الرسول عليه الصلاة والسلام ليس فرضاً؛ فلا إشكال إطلاقاً؛ لأنه إذا احتجم أفطر وأكل وشرب؛ لأنه متنفِّل، والصائم المتنفل هو أمير نفسه، إن شاء استمر، وإن شاء أفطر. فيحتمل أنه نفل، ويحتمل أن الرسول عليه الصلاة والسلام احتجم في صيام فرض؛ لكنه أفطر؛ وابن عباس رضي الله عنهما لم يعلم ماذا كان للرسول بعد أن احتجم وهو صائم. فلا نأخذ بهذا النص المشتبه وندع نصاً محكماً؛ لأن النص المحكم مقدم على النص المتشابه، ويجب أن يُحمل النص المتشابه، سواء في القرآن أو في السنة، على وجه يوافق النص المحكم. لهذا نقول: ليس في هذا الحديث ما يدل على أن المحتجم لا يفطر. ثالثاً: من حَمْل حديث ابن عباس: أنه قبل أن يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (أفطر الحاجم والمحجوم) ويكون حديث ابن عباس بناءً على البراءة الأصلية؛ لأن الأصل أن الحجامة لا تفطِّر، ثم جاء الحكم الشرعي بأنها مفطِّرة. فإذا قال قائل: الحجامة مفطِّرة للمحتجم؛ لأن العلة في ذلك واضحة، ما هي العلة؟ الضعف الذي يلحق البدن، والنقص ولكن الحاجم بأي سبب يُفطَّر؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لأن الحجامة في ذلك العهد تحتاج إلى أن يمص الحاجم قارورة الحجامة. قارورة الحجامة فيها أنبوبة دقيقة يمصها الحاجم، إذا شطَّبَ محل الحجامة بالموسى، ووضع القارورة على محل التشطيب، رصَّها قليلاً، ثم فرَّغ الهواء الذي فيها بمصها، يمكن في أثناء المص يتسرب شيء من الدم في فم الحاجم من غير أن يشعر به، فأقيمت المَظِنَّة مقام المَئِنَّة. هكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. أما غيره من العلماء الذين قالوا: بأن الحجامة مفطِّرة، قالوا: الله أعلم، ما ندري، ولعلَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أفطر الحاجم) جعل الحاجم مفطراً؛ لأنه أعان المحتجم على ما يفطر به، فاكتسب من إثمه إذا كان الصوم واجباً؛ ولهذا يقول شيخ الإسلام: لو حَجَم بغير هذه الطريقة بآلات منفصلة -ما يمصها- فإنه لا يفطر. يعني: الحاجم؛ لأنه ليس هناك ما يحتمل أن يفسد صومه بدون أن يشعر به.

الحيض والنفاس

الحيض والنفاس الثامن: خروج دم الحيض، والتاسع: خروج دم النِّفاس. وانتبهوا لقولنا: خروج دم الحيض، فإنه يعني: أن الحيض لو تحرك وانتقل من موضعه؛ ولكن لم يخرج، فإن الصوم باقٍ لا يبطُل؛ خلافاً لما تفهمه النساء، من أن المرأة إذا رأت الحيض في ما بين أذان المغرب وصلاة المغرب، فإن صومها يبطُل، هكذا عندهن، وعند بعضهن أيضاً: إذا رأت الحيض في ما بين أذان المغرب وصلاة العشاء فإن صومها يبطُل، هذا غير صحيح، هذا كلام لا أصل له. ولذلك يجب علينا أن نعلم النساء. نقول: إذا غابت الشمس والحيض لم يخرج ويبرز فإن الصوم صحيح، ولو خرج وبرز بعد غروب الشمس بدقيقة واحدة فالصوم صحيح؛ لأنه يقول: خروج دم الحيض، لابد من خروجه، خروج دم الحيض أو النِّفاس. النِّفاس مثله أيضاً: النِّفاس لو أن المرأة أصابها الطلق قبل غروب الشمس؛ ولكن لم يخرج الدم إلا بعد غروب الشمس فصومها صحيح، وإن خرج قبل غروب الشمس فسد صومها. وحينئذ نرجع إلى القاعدة الأولى، الدليل، نعم؛ لأنه قد يقول قائل: كيف تفطر المرأة إذا خرج دم الحيض والنِّفاس، مع أن ذلك بغير اختيارها؟! فنقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المرأة مقرراً حالها: (أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصُم؟!) ولهذا أجمع العلماء على أن الحائض لا صوم لها، ومثلها النُّفَساء. وعلى هذا فنقول: الدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصُم؟!) . والحمد لله المرأة لم تختر أن يأتيها الدم فيمنع صحة صومها، وإنما هذا شيء كتبه الله على بنات آدم، فلا تجزع مما كتب الله، دخل النبي عليه الصلاة والسلام على عائشة رضي الله عنها، وهي تبكي، وكانت محرمة بالعمرة، فأتاها الحيض قبل أن تصل إلى مكة، فجعلت تبكي رضي الله عنها، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقال: (ما لكِ؟ لعلكِ نفِستِ! قالت: أجل -نفِستِ يعني: أتاها الحيض- قال: إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم) يعني: ليس خاصاً بكِ، كل النساء تحيض. فلهذا نقول للمرأة: لا تتعبي نفسك وضميرك، هذا شيء مكتوب على النساء، فإذا أتاها الحيض فلا تصُم، وما يفعله بعض النساء من محاولة منع الحيض في شهر رمضان، فإنه خطأ منهن، وذلك لأن هذه الموانع -الحبوب- ثبت عندنا أنها مضرة، وأنها تؤثر على المرأة، وعلى الرحم، وعلى الدم، وعلى الأعصاب، وعلى النسل. ولهذا نرى الآن كثرة الأولاد المشوَّهين. يقول بعض الأطباء: إن هذا من أسباب تناول هذه الحبوب والعقاقير، ومعلوم أن تشوُّه الولد مشكِل، فيه كآبة على الولد، وفيه كآبة على الوالدين, وفيه ضرر عظيم. هذه المفطرات الآن تسعة؛ ولكنها لا تفطر إلا بشروط، سنتكلم عليها -إن شاء الله تعالى- في الدرس القادم؛ لأن الوقت انتهى الآن. نعم، وأيضاً الرسول صلى الله عليه وسلم سمى الحيض نفاساً، وقال: (لعلكِ نفِستِ!) .

الأسئلة

الأسئلة

حكم صلاة تحية المسجد بعد صلاة الوتر

حكم صلاة تحية المسجد بعد صلاة الوتر Q نلاحظ على بعض القادمين إلى المحاضرة جلوسهم دون تأدية تحية المسجد، حيث أن المفهوم السائد لدى بعض الناس: أنه لا تصح الصلاة بعد صلاة الوتر، نرجو توضيح ذلك؟ A لا ينبغي للإنسان إذا دخل المسجد أن يجلس حتى يصلي ركعتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) بدون أي شيء، لو دخل في أي وقت، في الظهر، في العصر، في الفجر، في كل وقت؛ حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم قطع خطبته ليأمر من جلس أن يقوم فيصلي ركعتين: (فقد دخل رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة، فجلس، فقال له: هل صليتَ؟ قال: لا، قال: قم فصلِّ ركعتين وتجوَّز فيهما) انظر قطع الخطبة وأمره أن يصلي مع أن استماع الخطبة واجب، وأمره أن يصلي مع أنه إذا صلى سوف يتلهَّى عن سماع الخطبة. ولهذا ذهب كثير من العلماء إلى أن الإنسان إذا دخل يوم الجمعة والمؤذن يؤذن بين يدي الخطيب فإنه لا يجيب المؤذن، يصلي الركعتين؛ لأن استماع الخطبة أهم من إجابة المؤذن، فإن استماع الخطبة واجب، وإجابة المؤذن سنة. فإذاً: نقول للذين يدخلون بعد أن صلوا الوتر في مساجدهم: لا تجلسوا حتى تصلوا ركعتين، ويجب أن نفهم كلام الرسول عليه الصلاة والسلام على وجهه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: لا تصلوا بعد الوتر، بل قال: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) وبين العبارتين فرق عظيم، لو قال: لا تصلوا بعد الوتر لكان يُنهى الإنسان إذا أوتر أن يصلي؛ لكن لما قال: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) معناه: إذا ختمتم الصلاة في الليل فاختموها بالوتر؛ ولكن إذا وُجد سبب يقتضي الصلاة بعد الوتر فصلوا. ولهذا نقول: لو أنك أوترت مع الإمام، ثم قدِّر لك أن تقوم في آخر الليل، فصلِّ إذا شئت أن تصلي؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينهَ أن يصلي الإنسان بعد الوتر، بل أمر أن نجعل آخر صلاة الليل وتراً، وهذا الرجل حين أوتر مع الإمام ما كان يظن أنه سيقوم في آخر الليل مثلاًَ، فقام، إذا أحب أن يصلي ويتطوع فليتطوع؛ ولكن يتطوع بركعتين ركعتين، ولا يوتر؛ لأنه ليس في الليلة الواحدة وتران.

حكم بلع الريق المختلط بطعم السواك في نهار رمضان

حكم بلع الريق المختلط بطعم السواك في نهار رمضان Q ما حكم استعمال السواك الرطب للنكهة في نهار رمضان إذا كنتُ أحس بطعمه قد دخل في جوفي؟ A استعمال السواك الذي له طعم في حال الصيام في رمضان إن ابتلع الإنسان ريقه المتغيِّر بطعم السواك أفطر وفسد صومه، أما إذا تفله فإن الصوم لا يفسُد، ولهذا ينبغي للصائم إذا أراد أن يتسوك أن يتسوك بسواك قد زال طعمُه، حتى لا يؤثر عليه.

حكم تنظيف الأسنان بالمعجون في نهار رمضان

حكم تنظيف الأسنان بالمعجون في نهار رمضان Q ما حكم تنظيف الأسنان بالمعجون في نهار رمضان؟ A الأصل أنه لا بأس به إذا لم يبتلع شيئاً من المعجون؛ ولكن مع ذلك ننصح بعدم استعماله في النهار، والليل واسع والحمد لله، يستعمله في الليل؛ لأن هذا المعجون له نفوذ قوي، يدخل إلى الحلق، والإنسان لا يشعر به، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ لقيط بن صبرة: (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) خوفاً من أن يدخل شيء من الماء من غير شعور، والفقهاء رحمهم الله قالوا: يكره أن يبالغ الإنسان في المضمضة إذا كان صائماً؛ لأنه ربما ينزل شيء من الماء إلى جوفه من غير أن يشعر. فالذي أنصح به: أن يتجنب الصائم استعمال المعجون, وفي الليل ولله الحمد فسحة.

حكم خروج الماء الأبيض في نهار رمضان قبل الولادة

حكم خروج الماء الأبيض في نهار رمضان قبل الولادة Q أنا امرأة حامل يخرج مني ماء أبيض، وأحياناً أصفر، وأنا الآن في شهري التاسع، وأحس بطلق، هل هذا الماء يفطِّر أم لا؟ وجزاك الله خيراً. A لا يفطِّر هذا الماء، وذلك لأن النفاس دم، ولابد أن يكون هذا الدم مقروناً بالطلق، ولابد أيضاً أن يكون الطلقُ طلقَ ولادة، يعني: يكون قبل الولادة بيوم أو يومين؛ لأن بعض الحوامل ربما تحس بالطلق؛ لكنه ليس طلق ولادة، حركات في الجنين؛ ولكنها لا تلد، هذا لا عبرة به، حتى لو خرج معه الدم، العبرة بطلق الولادة الذي يكون قبل الولادة بيومين أو نحوها. فإذا خرج الدم مع هذا الطلق فهو دم نفاس لا يصح معه صوم، وأما الأشياء الأخرى التي تخرج وهي ليست بدم، فهذه لا تؤثر.

العبرة في بطلان صوم الحائض غروب الشمس لا الأذان

العبرة في بطلان صوم الحائض غروب الشمس لا الأذان Q هل المعوَّل عليه في بطلان الصيام بالنسبة للمرأة الحائض هو غروب الشمس أو سماع صوت المؤذن؟ وهل إذا حاضت بعد غروب الشمس المؤكد، ثم سمعت بعد ذلك الأذان، هل تفطر أم لا؟ A العبرة يا إخواني! ليس بأداء المؤذن، العبرة بما جعله الشرع عبرة، وعلَّق الحكم به، ففي الإمساك العبرة بتبيُّن طلوع الفجر، وليس بطلوعه، الله ربنا عزَّ وجلَّ يقول: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} [البقرة:187] ولم يقل: حتى يطلع الفجر، انظر العبارة، فرق {حَتَّى يَتَبَيَّنَ} [البقرة:187] حتى لو طلع وأنت ما رأيته ما عليك شيء، لابد أن يتبيَّن؛ ولكن ليس معنى ذلك أني أقول: اجلس في الحجرة حتى يأتيك النهار؛ لأن هذا الذي يجلس في الحجرة متى يتبيَّن له الفجر؟ نعم، عند الضحى، أنا قصدي إذا خرجت في مكان ليس فيه أنوار كهربائية، ولم ترَ الصبح، فكُل واشرب حتى لو أذَّن الناس كلهم لا يهمك؛ لكن نظراً إلى أن الناس الآن لا يستطيعون أن يخرجوا لينظروا الفجر، صاروا يعتمدون على الأذان، ولكن الأذان المعتبر هو الذي يؤذن إذا طلع الفجر، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن بلالاً يؤذن بليل؛ ليُوْقِظ نائمَكم، ويُرْجِع قائمَكم، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) هكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام. فالعبرة إذاً بماذا؟ بتبيُّن طلوع الفجر، فلو فُرِض أني أنا في الخارج، وليس هناك أنوار، وسمعتُ مؤذنين؛ لكن ما رأيت الفجر، وليس هناك مانع كغيم أو شبهه، فلي أن آكل وأشرب. غروب الشمس أيضاً، المعتبر غروب الشمس وإلاَّ الأذان؟ غروب الشمس، فإذا غربت الشمس، وإن لم يؤذن الناس، فكُل واشرب، وإن أذَّن الناس وهي لم تغرب لا تأكل ولا تشرب؛ لأن بعض الناس قد تغره الساعة مثلاً، أو يرى الجو قد أظلم، فيظن أن الشمس غربت فيؤذن وهي لم تغرب، لا عبرة به، المهم أن العبرة بغروب الشمس عند الإفطار، وبتبيُّن طلوع الفجر عند الإمساك، فإذا حاضت المرأة بعد غروب الشمس وقبل الأذان فصومها صحيح، وإن حاضت بعد الأذان قبل غروب الشمس فصومها فاسد، إي نعم.

التقدير الزمني بين غروب الشمس ووقت صلاة العشاء

التقدير الزمني بين غروب الشمس ووقت صلاة العشاء Q وهؤلاء مجموعة من النسوة يقلن: نحن نساء نصلي في البيوت، ونجد أن بعض المؤذنين يؤذنون لصلاة العشاء الساعة الثامنة إلا عشر دقائق، وبعضهم الساعة الثامنة، وبعضهم الثامنة والربع، بينما وجدنا أن وقت العشاء كما وضعتموه في تقويمكم الذي وضعتموه على مدار السنة أن وقت العشاء الساعة السابعة وإحدى وثلاثين دقيقة، فنرجو أن ترشدونا متى دخول وقت العشاء؟ A وقت العشاء لا يختص بالأذان في الحقيقة؛ لأن وقت العشاء أحياناً في بعض السنة وفي بعض الفصول يكون بين غروب الشمس ودخول وقت العشاء ساعة وربع ساعة، وأحياناً ساعة وثلث الساعة، وأحياناً ساعة وخمساً وعشرين دقيقة، وأحياناً ساعة وثلاثين دقيقة، يختلف، لا يمكن أن يُضبط في جميع الفصول. أما بالنسبة لرمضان فأنا قرأتُ في الجريدة بالأمس أن المدير العام لشئون المساجد أمر بأن يكون الأذان في جميع المملكة بعد الغروب بساعتين، يعني: الساعة الثانية بالغروب، والساعة الثامنة والربع بالزوال؛ لأن المغرب على ست وربع اليوم هذا، وهو يختلف، فعلى الذي يمتثل طاعة ولاة الأمور ألا يؤذن إلا بعد الغروب بساعتين، ونحن مأمورون بطاعة ولاة الأمور، وهو أيضاً في البيان الذي خرج في الصحف، أنا قرأت في جريدة الجزيرة مبني على فتوى من رئاسة الإفتاء في المملكة العربية السعودية، فإذا كان هذا القرار من ولاة الأمور، فإننا مأمورون بطاعتهم في غير معصية الله، وتأخير العشاء ليس من معصية الله، بل هو من طاعة الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة متأخراً في صلاة العشاء، بعد أن رقد النساء والصبيان، نام بعض الناس، فقال: (إن هذا لوقتها لولا أن أشق على أمتي) صلى الله عليه وسلم. إذاً: فالتأخير في العشاء أفضل، وفيه طاعة لولاة الأمور، وفيه أيضاً راحة للناس؛ لأن الناس أكثرهم يتعشى بعد صلاة المغرب، وإذا تعشى يريد أن يشرب القهوة قليلاً وإذا شرب القهوة يريد أن يتوضأ. فإذاًَ: تأخير أذان العشاء إلى الساعة الثانية لا شك أنه هو الأفضل شرعاً وطاعة لولاة الأمور ورفقاً بالناس.

حكم ابتلاع النخامة في نهار رمضان

حكم ابتلاع النخامة في نهار رمضان Q أشكو كثيراً عندما أصبح صائماً من البلغم، ولا أستطيع إخراجه، فيدخل إلى جوفي، فما حكمه؟ A هذه مشكلة، أحياناً يكون عند الناس غلو. يسأل بعض الناس يقول: دخلت فيه شوكةٌ، وخرجَ منه دم كدم البعوض فقط، هل يفطِّر؟ ما هو الجواب؟ لا يفطِّر، هو قياساً على ماذا؟ قياساً على الحجامة، فيقول: هل يفطِّر؟ ويسأل كثير من الناس أيضاً عن دم التحليل، شيء يسير، يحلَّل الدم ويُختبَر، هل يفطِّر أو لا؟ نقول: ما يفطِّر، يعني: هذا ليس حجامة، ولا بمعنى الحجامة. النخامة أيضاً سمع بعضُ الناس أن بعض العلماء قال: إن بلع النخامة يفطِّر، وبلع النخامة التي قال بعض العلماء: إنه يفطِّر هي: النخامة التي تصل بنفسها إلى اللسان في الفم، ثم يبتلعها الإنسان، ولا أظن أحداً يفعل هذا، لا أظن أن أحداً تصل النخامة إلى فمه ثم يبتلعها؛ لماذا؟ لأن النخامة مُسْتَقْذَرة، ما أحد يذهب يبلعها؛ لكن بعض الناس إذا صارت النخامة في الحلق، وجاءت من الخياشيم وراحت حَدَراً، حاوَل هو أن يطلِّعها بالقوة فتجده يتنخَّم ويتعصَّر كله لأجل أن تطلع هذه النخامة البعيدة خوفاً من ماذا؟ من أن يفطر، هذا خطأ، النخامة التي لا تصل إلى اللسان ليس فيها شيء، خلِّها تروح، ما عليك منها شيء، ولا تفسد الصوم، لكن هذا من مغالاة بعض العامة، ونحن نشكرهم على احتياطهم لدينهم يعني: هم يُشكَرون على هذا. فالذي يذهب إلى احترام الدين وإن أخطأ في المغالاة خير من الذي يتهاون؛ لكن مع ذلك العلم له فضل كبير، نور يهتدي به الإنسان. فنحن نقول: النخامة أولاً: أنها ليست محل اتفاق بين العلماء. فإن بعض العلماء يقول: إن النخامة لا تفطِّر حتى لو وصلت إلى الفم وابتلعها، ردَّها وابتلعها ما تفطِّر، هذه واحدة. ثانياً: الذين قالوا بأنها تفطِّر يقولون: إن التي تفطِّر هي التي تصل إلى الفم، ثم يبتلعها، أما شيء من الخياشيم إلى الحلقوم إلى الجوف فهذه لا تفطِّر إطلاقاً، نعم.

حكم القبلة في نهار رمضان

حكم القبلة في نهار رمضان Q ما حكم القُبْلة في نهار رمضان، علماً أن الإنسان يقدر أن يضبط نفسه؟ A نعم، قُبْلة الرجل لزوجته وهو صائم لا بأس بها، هي جائزة. وإن من العجائب أن بعض الإخوة الذين عندهم قراءة للعلم، وليس عندهم فقه للعلم، نعم، قالوا: إن قُبْلة الصائم سنَّة، يُسَنُّ أن يقَبِّل الإنسان امرأته وهو صائم، جعلوها من المستحبات، لماذا؟! قالوا: لأن عمر بن أبي سلمة سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الصائم يقَبِّل، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (سَلْ هذه؟ -يعني: أم سلمة - فأخبرت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم يقَبِّل وهو صائم، فقال: يا رسول الله! أنت لستَ مثلنا، غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر، قال: إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأتقاكم له) هذا الحديث أخذ بعضُ الإخوة منه: أنه يُسن للصائم أن يقَبِّل زوجته اقتداءً بالرسول عليه الصلاة والسلام؛ ولكنهم أبعدوا النجعة؛ إنما أشار الرسول عليه الصلاة والسلام إلى أن يسأل أم سلمة ليبين أن هذا جائز، ولهذا قال: (إني أخشاكم لله، وأتقاكم له) يعني: لن أفعل المحرم، ولم يقل: إني أسْبَقُكُُم إلى الخير، حتى يحث الناس عليه، وهذه من آفة القراءة بلا فقه. ولهذا ذُكر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يَرْثِي لهذه الحال، يقول: [كيف بكم إذا كثر قُرَّاؤكم، وقلَّ فقهاؤكم؟!] يعني: يكثر العلم؛ لكن ما هناك فقه! ما هناك فقه! لهذا أقول: إن القُبْلة للصائم جائزة ولا بأس بها، وليس فيها حرج، إلا إذا كان الإنسان قوي الشهوة سريع الإنزال ويخشى أنه إذا قَبَّل يُنزل، فهذا يتجنبها.

صلاة المغرب والعشاء لا تلزم المرأة إذا طهرت قبل الفجر

صلاة المغرب والعشاء لا تلزم المرأة إذا طهرت قبل الفجر Q فضيلة الشيخ! إذا طهُرَت المرأة قبل صلاة الفجر هل تلزمها صلاة المغرب والعشاء؟ A أولاً: إذا طهُرت المرأة قبل صلاة الفجر بعد منتصف الليل، فإنه لا يلزمها صلاة العشاء، ولا صلاة المغرب. لماذا؟ لأن وقت العشاء ينتهي بنصف الليل، بدلالة القرآن والسنة: أما القرآن: فقد قال الله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء:78] ثم قال: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء:78] دلوك الشمس يعني: زوالها، إلى غسق الليل يعني: ظلمة الليل، وأشد ما يكون الليل ظلمة عند انتصافه، هذه فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ولهذا كانت هذه الأوقات الأربعة كلها متوالية، ليس بينها فاصل، ثم قال: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء:78] ففصل. أما السنة فهي صريحة في هذا، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وقت العشاء إلى نصف الليل) وهو عليه الصلاة والسلام يعرف ماذا يقول، ويعني ما يقول وهو أعلم الأمة بشرع الله، وأنصح الأمة، وأعلمهم بما يقول، أليس كذلك؟ قال: (إلى نصف الليل) ليس هناك حديث يقول: إن صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، أبداً. الفجر صلاته مستقلة، نصف الليل الأخير يفصل بينها وبين العشاء، ونصف النهار الأول يفصل بينها وبين الظهر. على هذا إذا طهُرت المرأة بعد منتصف الليل ليس عليها عشاء ولا مغرب. وإن طهُرت قبل منتصف الليل وجبت عليها صلاة العشاء دون صلاة المغرب، وليس هناك دليل لا من الكتاب ولا السنة ولا الإجماع ولا القياس الصحيح على أنه يجب عليها صلاة المغرب مع صلاة العشاء، إنما رُوي ذلك عن اثنين من الصحابة بسند فيه نظر. فليس هناك في القرآن والسنة والإجماع أنه يجب عليها صلاة المغرب مع صلاة العشاء إذا طهُرت في صلاة العشاء، ولا صلاة الظهر مع صلاة العصر إذا طهُرت في وقت العصر، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة, ومن أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) ولم يقل: والظهر، ولو كان إدراكه صلاة العصر يكون مدركاً لصلاة الظهر لقاله، ولأن المرأة لو حاضت بعد دخول وقت الظهر لم تلزمها صلاة العصر، ولو حاضت بعد دخول وقت المغرب لم تلزمها صلاة العشاء. إذاً: ما الفرق بين الصلاة الأولى والصلاة الثانية؟ حيث نقول: إن طهُرت في الوقت الثاني لزمتها الأولى، وإن أدركها وقت الأولى لم تلزمها الثانية؟ هذا خلاف القياس. الخلاصة -أنا أطلتُ في هذا لأن هذا ينفع طلبة العلم- الخلاصة: أن المرأة إذا طهُرت من الحيض في وقت صلاة العصر لم يلزمها إلا صلاة العصر فقط، وإن طهُرت من الحيض في وقت العشاء وهو قبل منتصف الليل لم يلزمها إلا صلاة العشاء فقط. والله أعلم. والحمد لله رب العالمين. وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

جلسات رمضانية لعام 1411هـ[3]

جلسات رمضانية لعام 1411هـ[3] ذكر الشيخ في هذه المادة الشروط المترتبة على مفسدات الصوم، كالعلم وضده الجهل، والذكر وضده النسيان، والقصد وضده الإكراه، وأسهب الشيخ في شرح هذه الشروط، ثم ختم ذلك بأجوبة تتعلق بالموضوع وغيره.

شروط مفسدات الصوم

شروط مفسدات الصوم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. في هذه الليلة؛ ليلة الأحد الموافق للثامن من رمضان عام: (1411هـ) نتكلم على شروط مفسدات الصوم كما تكلمنا في الدرس الماضي عن المفسدات، وبينَّا أنها تسعة؛ لكن هذه المفسدات هي محظورات في الصيام، ولا تُفسد الصومَ إلا بشروط ثلاثة: 1/ العلم. 2/ والذكر. 3/ والقصد. وذلك لأن المشهور عند أهل العلم أن المحظورات يُعذر فيها الإنسان: بالجهل. والنسيان. والإكراه. أما المأمورات فإنها لا تسقط بالجهل، والنسيان، والإكراه، بل يفعل الإنسان ما يقدر عليه، ويتدارك ما يمكنه تداركه. وهذه القاعدة التي أصَّلها أهل العلم لها دلائل من الكتاب والسنة، وهي قاعدة مفيدة لطالب العلم. فمثلاً: الصلاة من باب فعل المأمور أو من باب ترك المحظور؟ A من باب فعل المأمور. والفرق بينهما لئلاَّ يشتبه: أن ما طُلب فعله فهو: مأمور، وما طُلب اجتنابه فهو: محظور. فالصلاة طُلب فعلها، إذاًَ: هي من باب فعل المأمور، لم تسقط لا بالنسيان، ولا بالجهل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلِّها إذا ذكرها) يعني: إذا ذكرها بعد النسيان، وإذا استيقظ بعد النوم. النائم تركها بقصد أو بغير قصد؟ بغير قصد، ولم تسقط عنه. والناسي تركها بغير ذكر، ولم تسقط عنه (فليصلِّها إذا ذكرها) . الجهل: جاء رجل فصلَّى في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل لا يطمئن في صلاته، وهو جاهل، لا يعلم أن الطمأنينة ركن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: (ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ) ولم يعذره بالجهل، بل كرر ذلك عليه حتى قال الرجل: (والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلِّمني، فعلَّمه) . إذاً: ففعل المأمور لا يسقط بالنسيان، ولا يسقط بعدم القصد، ولا يسقط بالجهل؛ ولكن يجب أن نعلم أنه يسقط الإثم بالنسيان، والجهل، وعدم القصد؛ لكن يقارب الإنسان في إيجاد هذا الشيء الذي طُلب منه فعلُه، واضح يا جماعة؟ فالمحظور إذا فعله الإنسان جاهلاً، أو ناسياً، أو غير قاصد، فإنه لا يلحقه حكمه، يُعفى عنه نهائياً، كأنه لم يفعله. ولهذه القاعدة أيضاً دلائل، فاجتناب النجاسة في الصلاة من باب ترك المحظور؛ لأنه يُقال: اجتنب النجاسة؛ لكن الطهارة من الحدث من باب فعل المأمور؛ لأنه يقال للمحدِث: تطهَّر، أما النجاسة فالمأمور يعني: يؤمر باجتنابها، فإذا فعلها الإنسان جاهلاًَ أو ناسياً فلا شيء عليه. دليل هذه القاعدة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى ذات يوم وعليه نعلان، وفيهما قذر، وفي أثناء الصلاة جاءه جبريل فأخبره أن فيهما قذراً، فخلعهما، ومضى في صلاته) مضى في صلاته. إذاً: كان أول صلاته متلبساً بمحظور وهو النجاسة، ولم يبطل أول الصلاة، لماذا؟ لأنه كان جاهلاً، لم يعلم عليه الصلاة والسلام أن في نعليه قذراً، فعُفي عنه؛ لأنه كان جاهلاً. حسناً! ترك الأكل والشرب للصائم من باب ترك المحظور، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) فأسقط عنه حكم هذا المحظور؛ لأنه كان ناسياً. وهذه القاعدة تنفعك أيضاً في غير العبادات: لو أن الإنسان حلف وقال: والله لا أدخل بيت فلان، فدخل بيتاً وهو لا يدري أنه بيت فلان، ثم علم أنه بيت فلان، فهل تلزمه الكفارة؟ لا؛ لأنه كان جاهلاً، لا يعلم أنه بيته. ولو قال: والله لا ألبس ثوبي هذا اليوم، ثم نسي فلبسه فليس عليه كفارة؛ لأنه ناسٍ، وبالحلف أصبح فعله محظوراً؛ لأنه ممنوع عليه، ممنوع عليه باليمين، فإذا فعله فقد فعل محظوراً. ولو قال لزوجته: إن كلمتِ فلاناً فأنتِ طالق، فنسيَت وكلمَته، فإنها لا تطلُق، أو كلمت شخصاً لا تعلم أنه فلان، فتبيَّن أنه هو، فإنها لا تطلق؛ لأنها كانت جاهلة. فالقاعدة هذه مفيدة لطالب العلم، ويدخل فيها من المسائل ما لا حصر له؛ لكن الإنسان إذا طبقها استراح. وهناك أدلة منصوصة غير المسائل التي بالاستقراء أخذنا منها الحكم؛ لأن القواعد تؤخذ أحياناً من الاستقراء، بمعنى: أن الإنسان يجمع مسائل من السنة أو من القرآن، فتتكون من هذه المسائل قاعدة، وأحياناً تكون منصوصة عليها. استمع إلى الآية الكريمة: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] . {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] . فنقول: بناءً على هذه القاعدة: يُشترط لإفساد الصوم بالمفطِّرات ثلاثة شروط: أن يكون عالماً، وضده الجاهل. وذاكراً، وضده: الناسي. وقاصداً، وضده: من لم يقصد.

العلم وعدم الجهل

العلم وعدم الجهل فلو أن الإنسان أكل وهو يظن أن الفجر لم يطلع، ثم تبين أنه قد طلع، فصومه صحيح؛ لأنه جاهل؛ لكن يجب عليه من حين أن يعلم أن الفجر قد طلع أن يمسك، حتى لو كانت اللقمة في فمه وجب عليه لفظُها، أو كان الماء في فمه وجب عليه مَجُّه، ولا يجوز أن يبلع بعد العلم بأن الفجر قد طلع. مثال آخر: رجل سمع في (الراديو) أذان الرياض، فظن أنه أذان عنيزة فأفطر، ثم بعد أن أكل وشرب أذَّن المؤذنون؛ لأن التوقيت بين عنيزة والرياض الفرق عشر دقائق تقريباً، أكل وشرب ثم أذن الناس، نقول لهذا الرجل: صومك صحيح، كيف صومه صحيح وهو أكل قبل أن تغرب الشمس؟ نقول: لأنه كان جاهلاً، لو علم أن هذا الأذان ليس أذان بلده ما أكل، إذاً: هو جاهل. مثالٌ ثالث: رجل احتجم، يظن أن الحجامة لا تفطِّر، يعني: لم يعلم أن الحجامة تفطِّر، فقيل له: إن الحجامة تفطِّر، بعد أن احتجم، فهل يفطر؟ لا؛ لأنه كان جاهلاً؛ لكن الفرق بين هذا الجهل والجهل في المثالين السابقين أن الجهل في المثالين السابقين جهل بالحال، والجهل في هذا المثال الثالث جهل بالحكم، ولا فرق بين الجهل بالحكم والجهل بالحال، كلاهما يُعذر به، ولا يترتب على الفاعل شيء؛ لأنه جاهل. مثال رابع: رجل جامع زوجته في نهار رمضان في حال يلزمه الصوم، وهو يدري أن الجماع حرام، وأنه مفطِّر؛ لكن لم يعلم أن فيه كفارة، نعم، نقول: صومه فاسد لا شك، لأن عالم أنه يفطِّر؛ ولكن هل تلزمه الكفارة؟ لو قال: أنا ما علمتُ أن في ذلك كفارة، ولو علمتُ أن في ذلك كفارة ما فعلتُ، نقول: جهلك بالعقوبة لا يمنع العقوبة، أنت قد علمت أنه حرام، وأنك قد ارتكبت إثماً، والعقوبة ليست إليك، إلى الله، ولهذا لم يعذر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي جاء إليه وقال: (يا رسول الله! هلكتُ، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعتُ على امرأتي في رمضان وأنا صائم) ثم أمره بالكفارة، ولم يعذره، مع أن الرجل يعلم عن الكفارة أو لا؟ لا يعلم، جاء يستفتي. إذاً: فالجهل بالعقوبة ليس بعذر، تلزمه العقوبة؛ لأنه فعل سبب العقوبة وهو عالم، وليس معذوراً، فلزمته العقوبة؛ وهي الكفارة.

الذكر وعدم النسيان

الذكر وعدم النسيان ومن شروط مفسدات الصوم الذكر وعدم النسيان. ونقول: النسيان أيضاً له أمثلة: رجل كان صائماً، فعطش، فشرب ناسياً أنه صائم، سواءً في الفريضة أو في النافلة، ثم بعد أن شرب ذكر أنه صائم، فصومه صحيح، وليس عليه شيء. حسناً! لو رَوِيَ؟ ولو رَوِيَ؛ لكن إذا ذََكََرَ ولو كان الماء في فمه وجب عليه أن يَمُجَّه، ولا يجوز له ابتلاعه بعد الذكر؛ لأن العذر زال. فإذا قال قائل: ما هو الدليل على ما ذكرتم؟ نقول: الدليل على ما ذكرنا نوعان: عام. وخاص. أما العام: فقوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] . هذا يشمل النسيان في الصوم، والخطأ في الصوم، والجهل من الخطأ. وأما الخاص: ففي الجهل: ما ثبت في صحيح البخاري: عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس) هكذا قالت. وجه الدلالة من هذا الحديث: أنه لو كان إفطارهم مفسداً لصيامهم لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم، وأمرهم بالقضاء، ولو أمرهم بالقضاء لنُقل إلينا؛ لأنه إذا أمرهم بالقضاء صار القضاء من الشرع، وإذا كان القضاء من الشرع فلابد أن يُنقل، وهذه أيضاً من القواعد المهمة لطالب العلم، أنه إذا لم يُنقل عن النبي عليه الصلاة والسلام شيء فإنه يُعلم أنه ليس من الشرع؛ لأنه لو كان من الشرع لنُقل؛ لأن الشرع محفوظ؛ كما قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] ولا يمكن أن يُنسى، ولما لم يُنقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالقضاء عُلِم أن القضاء ليس بواجب، إذْ لو كان واجباً لأمرهم، ولَنُقِل، واضح؟ هذا جهل بالحكم وإلاَّ بالحال؟ بالحال. الجهل بالحكم: عدي بن حاتم رضي الله عنه أصبح صائماً، وتلا قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187] . أتدرون ماذا صنع؟! أخذ عقالين وهما: الحبلان اللذان تُعقل بهما الإبل، أسود وأبيض، فوضعهما تحت الوسادة، وجعل يأكل وينظر إلى العقالين، فلما تبيَّن الأبيض من الأسود أمسك، ظناً منه أن الآية الكريمة يُراد بها هذا المعنى. فلما أصبح وأخبر النبيَّ صلى الله عليه وسلم بذلك قال له: (إن وِسادك لَعَريض أن وَسِع الخيط الأبيض والأسود) عريض يعني: واسع؛ لأن الخيط الأبيض هو: النهار؛ بياض النهار، والأسود: سواد الليل؛ لكن عدياً لم يتبين له ذلك، فجعل يأكل حتى ارتفع الضياء، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة، لماذا؟ لأنه كان جاهلاً، ونوع الجهل؟ جهل بالحكم، فلا يجب القضاء.

القصد وعدم الإكراه

القصد وعدم الإكراه بقي الشرط الثالث ما هو؟ القصد، يمكن أن نستدل عليه بقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] . وفي قوله تعالى في جزاء الصيد: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة:95] فإن قوله: {مُتَعَمِّداً} [المائدة:95] يخرج من ليس بمتعمد، فلابد من القصد. الذي لا يُقصَد له أنواع: منها: الإكراه: أن يُكره الإنسان على الشيء، فإذا أكره على الشيء، فإنه لا يلحقه حكم، يعني: يُعفى عنه، والدليل قوله تعالى في أعظم المحرمات، وهو الكفر: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ} [النحل:106] نعم، فهذا يدل على أن المُكرَه على فعل المحرم معفوٌّ عنه، لا يلزمه شيء. وبناءًَ على ذلك: لو أن الرجل أكره زوجته الصائمة فجامعها، فإن صومها صحيح، وليس عليها شيء، وتستمر في صيامها؛ لأنها مكرهة. ولو أن شخصاً أكره صائماً على أن يأكل، وقال: كُلْ وإلا حبستك، وخاف أن ينفذ ما قال، فأكل، فليس عليه شيء؛ لأنه مكره. ولو أن الإنسان تمضمض وهو صائم، فنزل الماء من فمه إلى معدته بدون قصد، فصومه صحيح؛ لأنه لم يتعمَّد، وقد قال الله تعالى: {وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] صومه صحيح. ولو أن المريض المغمى عليه صُب في فمه ماء من أجل أن يستيقظ، فهل يُفطر؟ لا. لماذا؟ لأنه بغير قصد، هو ما قصد؛ لكن صبُّوه عليه، وقال بعض العلماء في هذه المسألة بالذات: إنه يُفطر؛ لأنه لو كان صاحياً لرضي أن يُعالج حتى يزول عنه الإغماء؛ لكن المشهور عند الحنابلة رحمهم الله: أنه لا يفطر بهذا؛ لأنه ليس بقاصد، وإن كان يرضى؛ لكن هو الآن غير قاصد. فصارت هذه الشروط إذا انتفى واحدٌ منها فإنه لا فطر، والصوم صحيح، ويبقى الإنسان صائماً، لا ينقص من صيامه شيء. لو أن شخصاً تطيَّب ببخور، وطار شيء من دخان البخور إلى أنفه، ثم إلى جوفه بدون قصد، فليس عليه شيء؛ لأنه غير قاصد. واختلف العلماء رحمهم الله في مسألة، وهي: إذا أكره الإنسان على فعلٍ محرم: فإذا فعله لدفع الإكراه لا لقصد الفعل فلا شك أنه معذور، ولا خلاف في ذلك. لكن إذا فعله لقصد الفعل؛ غاب عن باله أنه يريد دفع الإكراه، فهل يسقط عنه إثم هذا الفعل أو لا؟ قال بعض العلماء: لا يسقط عنه؛ لأنه نوى الفعل. وقال آخرون: بل يسقط عنه؛ لعموم الأدلة الدالة على أنه يُعفى عن الإنسان في حال الإكراه؛ ولأن العامي لا يفرق بين أن يفعل الشيء لدفع الإكراه أو يفعله بقصد فعله. مثال ذلك: جاء شخص إلى عامي وأكرهه على أن يُفطر وهو صائم، قال: لازم تفطر وإلا، يهدِّده، فأخذ الماء وشرب، قصَد شُرب الماء؟ نعم قاصد، قصَد شُرب الماء، هذا واحد. ثانياً: عامي أكرِه على أن يُفطر وهو صائم، فأخذ الماء فشربه دفعاً للإكراه، لا قصداً للشرب. الثاني: لا يفطر، لا إشكال فيه، قول واحد؛ لأنه ما قصد الفعل، قصد دفع الإكراه. والأول: فيه خلاف: فمنهم من قال: إنه يؤاخذ لأنه قصد الفعل. ومنهم من قال: لا يؤاخذ لأنه وإن قصد الفعل فهو مكره على الفعل. وهذا الأخير أصحُّ، ما لم يتناسى الإكراه نهائياً، ويعتمد على أنه سيعمل هذا المُكرَه عليه، فإنه حينئذٍ لا شك أنه اختار. فالأحوال إذاً ثلاثة: أن يقصد دفع الإكراه دون الفعل، فهذا لا إشكال أنه لا حرج عليه. الثاني: أن يقصد الفعل؛ لكن من أجل الإكراه؟ ففيه خلاف، والصحيح: أنه لا حرج عليه. الثالث: أن يقصد الفعل متناسياً للإكراه؛ يعني: كأنه يقول: لما أُكرِهتُ أريد أن أفعل إذاًَ، ويفعله اختياراً، فهذا لا شك أنه عليه الحرج، وعليه حكم هذا الفعل. وإلى هنا ينتهي الكلام على المفطِّرات، وقد عرفنا شروطها، ومعرفة الشروط مهمة، وأخذنا من هذا التقرير قاعدتين مهمتين، وهما: أن فعل المأمور لا يسقط بالجهل، والنسيان، وعدم القصد. بخلاف ترك المحظور، إذا فعل الإنسان المحظور جاهلاً، أو ناسياً، أو غير قاصد، فلا شيء عليه. والله الموفق.

الأسئلة

الأسئلة

ما يترتب على الصائم من أحكام إذا أكل أو شرب عامدا

ما يترتب على الصائم من أحكام إذا أكل أو شرب عامداً Q ما هي الأحكام المترتبة على من أكل أو شرب عامداً؟ A إذا أكل الإنسان في نهار رمضان عامداً، ترتب عليه أربعة أحكام، لزمه الإمساك، وترتب عليه الإثم، ووجوب القضاء، وفساد الصوم ولا كفارة. يعني: كله ما فيه كفارة إلا الجماع في نهار رمضان، في حال تجب فيه.

حكم من أدركه الفجر في رمضان وهو جنب

حكم من أدركه الفجر في رمضان وهو جنب Q قرأتُ في أحد الكتب تحت موضوع: هدي النبي صلى الله عليه وسلم في صوم رمضان: أن من هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدركه الفجر وهو جنُب من أهله، فهل هذا صحيح؟ A صحيحٌ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنُب من أهله، ويصبح صائماً، وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذا في القرآن، فقال: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة:187] أي: بالجماع: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187] . فإذا أبيح للإنسان أن يجامع إلى أن يتبين الصبح لزم من ذلك ألا يغتسل إلا بعد تبيُّن الصبح، وهذا يدل على أن الإنسان يجوز أن يصبح جنباًَ وهو صائم، وكذلك يجوز للمرأة إذا طهرت من الحيض قبل طلوع الفجر أن تنوي الصوم وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر؛ لأن الحائض إذا طهرت من الحيض قبل اغتسالها، فإنها تشبه الجنب، فيجوز لها أن تنوي الصيام ولو كانت لم تغتسل، وتغتسل بعد طلوع الفجر.

حكم الشرب عند سماع أذان الفجر في رمضان

حكم الشرب عند سماع أذان الفجر في رمضان Q رجل يستيقظ من النوم مع الأذان الأخير، وعندما يسمع: (الله أكبر) يشرب، وهذا الشيء قد اعتاد عليه، فهل صومه صحيح؟ أفتونا. A أما صومه فصحيح، وأما عادته فسيئة، والذي ينبغي للإنسان: أن يحتاط لدينه، وألا يؤذن الفجر إلا وقد انتهى من كل شيء، لاسيما إذا كان المؤذن يتحرى ولا يؤذن إلا بعد أن يتيقن طلوع الفجر، فإن الواجب عليه الإمساك، ولا ينبغي للإنسان أن يتهاون، الفرق دقيقة أو دقيقتان. والعجب أن بعض الناس إذا أذَّن أكلَ وشربَ وأفتى لنفسه بأنه ما دام المؤذن لم يكمِّل الأذان فله أن يأكل ويشرب، ولكن هذا ليس بصحيح، إذا كان المؤذن لا يؤذن إلا بعد طلوع الفجر وجب الإمساك من حين أن يسمع المؤذن. غاية ما هنالك أنه جاء في مسند الإمام أحمد: أنه إذا سمع الإنسانُ المؤذنَ والإناء في يده فلا بأس أن يشرب، ما دام الإناء في يده، قد تهيأ للشرب، فليشرب، هذا أبلغ ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام في هذه المسألة.

حكم من نام عن صلاة العصر

حكم من نام عن صلاة العصر Q هل يجوز للشخص أن ينام إذا أتى من العمل عن صلاة العصر، مع العلم بأنه ينام قبل الأذان بنصف ساعة، وهو يأتي متعباً، فهل يدخل في حكم تارك الصلاة؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً. A هو لا يدخل في حكم تارك الصلاة، ولكن يجب عليه إذا نام قبل الوقت بنصف ساعة أن يجعل من ينبهه من أهله، أو ساعة منبهة، أو ما أشبه ذلك، فإن لم يمكن هذا، بأن كان أهله مثله ينامون، والساعة المنبهة لا تؤثر فيه شيئاً فعليه قضاء صلاة العصر وألا ينام قبل الصلاة، أما أن ينام عن صلاة العصر، وصلاة العصر هي أعظم الصلوات وأهمها، هي المذكورة في قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238] وهي: صلاة العصر، التي قال فيها النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة الأحزاب، يقول عن الكافرين: (ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً، شغلونا عن الصلاة الوسطى؛ صلاة العصر) هي التي قال فيها النبي عليه الصلاة والسلام: (من ترك صلاة العصر، فكأنما وُتِر أهله وماله) أي: كأنما فَقَد أهلَه ومالَه، إذا فُقِد الأهلُ والمالُ من شخص، تجد الناس يأتون إليه زرافات يعزونه؛ لكن الذي يترك صلاة العصر من يقول له: عظَّم الله أجرك، وأحسن عزاءك بترك صلاة العصر، يَقِلُّ مَن ينتبه لهذا. إذاً: فأنا نصيحتي لهذا الرجل أن يتقي الله عزَّ وجلَّ، وألا يُضِيْع صلاة العصر، ولا غيرها من الصلوات، والإنسان الحريص بإمكانه أن يعمل الأسباب التي تؤدي إلى تدارك هذا الشيء.

حكم من استمر حيضها في رمضان أكثر من خمس عشرة يوما

حكم من استمر حيضها في رمضان أكثر من خمس عشرة يوماً Q امرأة تقول: لقد حضت قبل رمضان بعشرة أيام، وما زال الدم يخرج مني حتى الآن، ولقد يئستُ من كثرة الغسل، فهل إذا خرج الدم في نهار رمضان أفطر أم لا؟ وهل علي فعل الصلاة؟ A الذي يظهر أن هذا الدم إذا كانت المرأة لا تستعمل الحبوب أن هذا استحاضة، فإذا تجاوز خمسة عشر يوماً فلتغتسل ولتصلِّ ولتصم حتى يأتي دور الحيض العادي، ثم تجلس عادتها، أما قبل الخمسة عشر فإنها تبقى لا تصلي ولا تصوم حتى تطهُر.

حكم من أفطر في رمضان ثم شك في عدد أيام فطره

حكم من أفطر في رمضان ثم شك في عدد أيام فطره Q أفطرتُ في رمضان لعذر، فشككتُ في عدد الأيام، فماذا أفعل؟ جزاكم الله خيراً. A خذ بالأنقص، يعني: إذا كنت قد أفطرت لعذر في رمضان، ويعني بذلك -والله أعلم- رمضان الماضي، ولم تعلم عدد الأيام التي أفطرتها، فخذ بالأنقص، فإذا كنت تشك هل أفطرت ثلاثة أيام أو أربعة فاجعلها ثلاثة، خذ بالأنقص، لماذا؟ لأن الأصل عدم الإفطار، فأنت إذا لم تتيقن أنك أفطرت أربعة أيام فإنه لا يلزمك إلا ما تيقنت وهو الثلاثة.

حكم تلبية المحرم للعمرة

حكم تلبية المحرم للعمرة Q رجل سافر إلى مكة بهدف العمرة، وقام بجميع الأعمال التي يُشرع للمعتمر فعلها من غسل، ولبس للإحرام، ونزول إلى الحرم، وأكمل عمرته، لكنه لم يقل وهو في الميقات: لبيك عمرة، فما عليه؟ A الصحيح أن التلبية ليست بواجبة، وليست بركن، وإنما هي سنة، فإذا لم يلبِّ الإنسان في حجه أو في عمرته، فإن نسكه تام، بمعنى أنه صحيح، وإن كان لا شك أنه ناقص بفوات هذه السنة؛ ولكنه لا يقال: إنه ليس بصحيح. فالرجل المعتمر الذي ذكر عن نفسه ما سمعتموه نقول له: إن عمرتك صحيحة، وليس عليك إثم. من قال إنها مثل تكبيرة الإحرام؟ أنا أشرتُ إلى أنها ليست بركن ولا واجبة.

لزوم تأخير أذان العشاء وتوحيده

لزوم تأخير أذان العشاء وتوحيده Q تكلمتم في الجمعة الماضية عن أذان العشاء، وأن الذي ينبغي تأخيره، ومع هذا ما زال بعض المؤذنين يؤذن قبل الوقت المحدد بعشر دقائق، فلماذا لا يكون هناك إلزام للجميع من الجهة المسئولة؟ A هذا السؤال ينبغي أن يوجه إلى الجهة المسئولة، ما دام يقول: لماذا لم يكن إلزاماً من الجهة المسئولة، فيوجَّه إلى الجهة المسئولة. وربما هؤلاء الإخوة المؤذنين الذين يؤذنون قبل الساعة الثانية، أو قبل مضي ساعتين من الغروب، ربما أنهم ما علموا بقرار الحكومة، أو ما علموا بما ذكره الخطباء في هذا البلد، لا أدري. على كل حال: الأَولى كما قال السائل أن توحَّد المساجد، وأن يكون الأذان كما قرر ولاة الأمر بعد الغروب بساعتين، ومن سمع منكم مؤذناً فليتصل به وليخبره، ربما يكون ناسياً، وربما يكون جاهلاًَ لم يعلم.

حكم من أصيبت إصبعة فمسح على قدمه كلها

حكم من أصيبت إصبعة فمسح على قدمه كلها Q لقد حصل لي قبل صلاة يوم الجمعة قبل الماضية أن أصيب أحد أصابعي بإصابة، وعلى إثر ذلك عُمل له لفافة على الإصبع فقط، ومنذ ذلك الحين وأنا أمسح على ظهر القدم عند كل صلاة، على صفة المسح على الجوارب، وليس عليها جوارب، فهل عملي صحيح؟ فإن كان غير صحيح فما حكم عملي ذلك؟ وما حكم الصلوات التي صليتُها؟ A هذا السؤال ينبني على القاعدة التي قررناها قبل قليل، وهي: أنها من باب فعل المأمور، وعلى هذا فيلزمه أن يعيد الصلوات التي صلاها بهذا الطهور؛ لأن طهارته غير صحيحة، إذ أن الإنسان إذا لف على إصبعه خرقة فإنه يغسل بقية العضو. فيجب على هذا الأخ السائل أن يغسل قدمه كلها إلا الملفوف عليه فيجزئه أن يمسح عليه. وعليه: فنقول له: أعد صلواتك الماضية.

حكم إخراج زكاة الفطر لمن هو في غير بلده

حكم إخراج زكاة الفطر لمن هو في غير بلده Q أنا من مصر، وأعمل بـ المملكة، وأعول أسرة تجب عليَّ نفقتها، هل أخرج زكاة الفطر عني وعنهم هنا بـ المملكة؟ أم عن نفسي ويخرجون عن أنفسهم هناك؟ أو يخرجون عني وعنهم في الوطن الأصلي؟ A الأَولى أن تخرج أنت عن نفسك هنا؛ لأن الفطرة تابعة للبدن، وأن يخرجوا هم عن أنفسهم هناك، هذه هي القاعدة، أن زكاة الفطر تتبع البدن، وزكاة المال تتبع المال، فلو فرضنا أن رجلاًَ في بلد، وماله في بلد آخر يُتَّجَر فيه، فإنه يخرج زكاة المال في البلد الآخر، لا في بلده هو، وأما زكاة الفطر ففي بلده هو؛ لأن هذه هي قاعدة الفقهاء رحمهم الله، على أن زكاة المال تتبع المال، وتُخرج في البلد الذي فيه المال، وزكاة الفطر تتبع البدن، وتُخرج في البلد الذي فيه الإنسان.

حال حديث: (من أفطر يوما من رمضان.

حال حديث: (من أفطر يوماً من رمضان ... ) Q مَن أفطر متعمداً نطالبه بالقضاء، وقد ورد حديث: (من أفطر يوماً من رمضان عامداًَ متعمداً فلو صام الدهر كله ما قضاه) أو كما ورد في الحديث، نرجو التوضيح؟ A هذا الحديث ضعيف عند كثير من أهل العلم، وإذا كان ضعيفاً، فإننا نرجع إلى القاعدة الأصلية: أن الإنسان إذا أفسد عبادته لزمه قضاؤها، كما أن الإنسان لو كان يصلي ثم أفسد صلاته لِحَدَثٍ، أو ضَحِكٍ، أو أَكْلٍ، أو شُرْبٍ، لزمه أن يقضي هذه الصلاة، كذلك الصوم إذا أفسده فإنه يلزمه أن يقضيه، بخلاف الرجل الذي ترك الصيام أصلاً، لم يصُم أصلاً، فإن جمهور العلماء يقولون: يجب عليه القضاء، والصحيح: أنه لا يجب عليه القضاء، لا رحمة به أو تخفيفاً عنه؛ ولكن لأن صيامه بعد زوال الوقت لا ينفعه، ولا تبرأ به ذمته، فلا نلزمه بشيء لا ينفعه.

حكم من نوى في سفره جمع تأخير فوصل والإمام في الصلاة الثانية

حكم من نوى في سفره جمع تأخير فوصل والإمام في الصلاة الثانية Q سائل يقول بأنه سيذهب إلى العمرة قريباً، ولكن يريد أن يعرف حكماًَ من أحكام الصلاة في السفر، وهو: أنه عندما يصل إلى مكة ينوي جمع تأخير، وقد وصل في وقت الصلاة الثانية، فماذا يفعل؟ A إي نعم، يعني: أن هذا المسافر نوى جمع التأخير فوصل إلى مكة ووجدهم يصلون صلاة العشاء، وهو لم يصلِّ المغرب ولا العشاء فماذا يصنع؟ نقول: ادخل معهم في صلاة العشاء وأنت بنية المغرب، فإن دخلت في أول ركعة فإن الإمام إذا قام إلى الرابعة لا يمكنك متابعته فما تصنع؟ تجلس وتقرأ التشهُّد وتسلِّم، وتدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، وإن دخلت مع الإمام في الركعة الثانية فإنك تسلم معه، وإن دخلت معه في الركعة الثالثة تأتي بعد سلامه بركعة، وإن دخلت في الرابعة تأتي بعد سلامه بركعتين، إي نعم، هذا هو أصح ما قيل في هذه المسألة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

الأحكام الخاصة والمشتركة بين الرجل والمرأة في العبادات

الأحكام الخاصة والمشتركة بين الرجل والمرأة في العبادات Q هل المرأة كالرجل بالنسبة لصلاة السنن الرواتب، والوتر، وصلاة الضحى، والجلوس في المسجد بعد الفجر حتى تطلع الشمس يعني: في مصلاها، وضحوا ذلك وجزاكم الله خيراً؟ A الأصل أن الرجال والنساء سواء في الأحكام الشرعية، إلا ما دل الدليل على أنه خاص بالرجال فيختص بهم، أو أنه خاص بالنساء فيختص بهنَّ، فصلاة الجماعة مثلاً قام الدليل على أنها خاصة بالرجال، هم الذين تلزمهم صلاة الجماعة، وأن يصلوا في المساجد، أما المرأة فلا تلزمها صلاة الجماعة، لا في المسجد مع الرجال، ولا في بيتها، بل إن بيتها أفضل لها من حضور الجماعة مع الرجال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا إماءَ الله مساجدَ الله، وبيوتُهنَّ خير لهنَّ) وهذه الجملة الأخيرة، وإن لم تكن في الصحيحين لكنها صحيحة، (بيوتهن خير لهنَّ) . وعلى هذا فنقول: المرأة كالرجل في جميع الأحكام، فإذا كانت مسافرة فإنها تفعل كما يفعل الرجل، بمعنى أنها لا تصلي راتبة الظهر، ولا راتبة المغرب، ولا راتبة العشاء، والباقي من السنن تفعلها، كما أن الرجل يفعل كذلك. أما بالنسبة لجلوسها في مصلاها في البيت حتى تطلع الشمس وتصلي ركعتين لتدرك العمرة والحجة كما جاء في الحديث الذي اختلف العلماء في صحته فإنها لا تنال ذلك؛ لأن الحديث: (من صلى الصبح في جماعة ثم جلس) والمرأة ليست ممن يصلي الصبح في جماعة، وإذا صلت في بيتها فإنها لا تنال هذا الأجر؛ لكنها على خير، إذا جلست تذكر الله، تسبح، تهلل، تقرأ القرآن؛ حتى تطلع الشمس، ثم إذا ارتفعت الشمس صلت ما شاء الله أن تصلي فهي على خير.

حكم من فعل ذنبا في رمضان

حكم من فعل ذنباً في رمضان Q فعلتُ ذنباً في رمضان فهل يبطل صيامي أم لا؟ A لا نعلم عن هذا الذنب، هل هو يُبطل الصوم أو لا! إنما إذا كان هذا الذنب من مفسدات الصوم، فإنه يبطل صومه، وقد ذكرنا المفسدات فيما سبق في درس من الدروس. أما إذا كان معصية لا تتعلق بالصيام فإنها لا تفسد الصوم، مثل: أن يغتاب الإنسان إخوانه المسلمين في نهار رمضان وهو صائم، هذا ذنب، كبيرة من الكبائر؛ ولكنه لا يفسد الصوم؛ إنما ينقِّص الصوم.

حكم من نوى العمرة ثم تجاوز الميقات إلى ميقات آخر فأحرم منه

حكم من نوى العمرة ثم تجاوز الميقات إلى ميقات آخر فأحرم منه Q نوينا العمرة من القصيم، وذهبنا من طريق المدينة، ومررنا بالميقات ولم نحرم، ثم ذهبنا إلى جدة، وجلسنا فيها أربعة أيام، ثم ذهبنا إلى الطائف وأحرمنا منه، فهل عمرتنا صحيحة؟ وجزاكم الله خيراً. A نعم، عمرتهم صحيحة؛ ولكن على كل واحد منهم فدية، أعني: دماً يُذبح في مكة، ويوزَّع على الفقراء، وذلك لأنهم تركوا واجباً من واجبات العمرة، وهو الإحرام من الميقات؛ لأنهم لما مروا بـ ذي الحليفة صار ميقاتهم ذا الحليفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هُنَّ لَهُنَّ، ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ ممن يريد الحج أو العمرة) . وكأنهم هم ذهبوا إلى السيل؛ لأن السيل ميقات أهل نجد، ومنهم: أهل القصيم، فظنوا أنهم إذا ذهبوا إلى السيل ذهبوا إلى ميقاتهم الأصلي، فكفى عن الميقات الفرعي، الذي هو ذو الحليفة، وهذا وإن كان بعض العلماء رخَّص فيه؛ لكنه قول ضعيف، مخالف لظاهر الحديث؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام جعل المواقيت أصلي، وفرعي: الأصلي: ما حدده الرسول عليه الصلاة والسلام: لأهل المدينة: ذو الحليفة. ولأهل الشام: الجحفة. ولأهل اليمن: يلملم. ولأهل نجد: قرن المنازل. ولأهل المشرق: ذات عرق. هذه المواقيت أصلية لأهل هذه البلاد؛ لكن قال في حديث ابن عباس: (ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ) فكان ميقات النجدي إذا مرَّ بـ ذي الحليفة هو ذو الحليفة، ولابد.

كيفية قص المرأة شعرها إذا اعتمرت

كيفية قص المرأة شعرها إذا اعتمرت Q امرأة تسأل عن الشعر إذا كان بأطوال مختلفة، فهل عليها التقصير من جميع الطبقات، أم تكفي الطبقة الأخيرة وهي الأطول؟ A يقول العلماء: إن المرأة يجب عليها أن تقصر من كل قرن أنملة، القرن يعني: الجديلة، ومعروف أن الجدائل تختلف في الطول والقِصَر. وعلى هذا: فإذا كان الرأس مختلفاً؛ بعضه طويل، وبعضه قصير، فعليها أن تقص من كل شيء منه مقدار أنملة.

حكم المريض الذي لا يرجى برؤه وعليه صوم من رمضان

حكم المريض الذي لا يرجى برؤه وعليه صوم من رمضان Q هناك رجل مريض له تقريباً ثمانية أشهر، ومرضه لا يُرجى برؤه، فما الحكم؟ A الحكم بالنسبة للصوم أن يكفِّر بأن يطعم عن كل يوم مسكيناً، إذا كان لا يمكنه أن يصوم. أما بالنسبة للصلاة فنقول له: في الفريضة صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جَنْب.

جواز طواف الوداع قبل صلاة الفجر لمن عزم الخروج من مكة بعد الفجر

جواز طواف الوداع قبل صلاة الفجر لمن عزم الخروج من مكة بعد الفجر Q إذا كنتُ أريد أن أسافر من مكة بعد صلاة الفجر مباشرة، فهل يجوز لي أن أطوف طواف الوداع قبل صلاة الفجر، أرجو توضيح الأفضلية؟ A إذا كان الإنسان يريد أن يغادر مكة بعد الصلاة مباشرة، وطاف قبل الصلاة مباشرة فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قَفَل راجعاً من الحج وطاف بالبيت طواف الوداع صلَّى الفجر في المسجد الحرام، ثم ركب، فدلَّ هذا على أن حيلولة الصلاة بين سفر الإنسان وطواف الوداع لا تؤثر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك. أما لو طاف مبكراً في آخر الليل، وبقي بعد الطواف لمدة ساعة أو نصف ساعة، ثم أذن، ثم صلى الفجر، فلابد أن يعيد الطواف؛ لأن الطواف لابد أن يكون آخر شيء، إلا أنه إذا حانت صلاة فريضة، أو شراء شيء في طريقه؛ حاجة في طريقه يشتريها، أو عرَّج على بيت لأقاربه أو أصدقائه وتغدَّى أو تعشى ومشى، كل هذا لا يضر.

حكم الذهاب إلى العمرة وترك الوظيفة أو إمامة المسجد

حكم الذهاب إلى العمرة وترك الوظيفة أو إمامة المسجد Q أسئلة كثيرة حول موضوع الإجازة الاضطرارية لمن يريد العمرة أو غير ذلك؟ A على كل حال كلمة اضطرار تعني: أنه لابد من ضرورة، والعمرة ليست ضرورة أبداً، حتى لو كانت فريضة والإنسان موظف فإنها لا تجب عليه؛ لأنه مشغول بوظيفة، فكيف وهي تطوُّع. وكذلك أيضاً بالنسبة لأئمة المساجد، هؤلاء الذين يذهبون إلى العمرة ويَدَعون مساجدهم، هم في الحقيقة كالذي يبني قصراً ويهدم مصراً، يذهبون إلى التطوع ويَدَعون الواجب، وهذا من قلة الفقه، عندهم رغبة في الخير ولا شك، ولم يحملهم على هذا إلا رغبة الخير؛ لكن عندهم قصور في الفقه، لا يعرفون ولا يميزون بين الأمور؛ لأن بقاءهم في عملهم الذي يؤدون فيه واجباً أفضل من ذهابهم إلى العمرة؛ لأن البقاء في العمل من باب الواجبات، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن الله قال: (ما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضتُه عليه) . فالإجازة الاضطرارية إذا أخذنا مدلول هذه الكلمة صار معناها أنها لا تحل إلا عند الضرورة، كإنسان مريض أو إنسان يريد أن يصاحب مريضاً ليس له أحد يمرضه إلا هو، أو ما أشبه ذلك، هذا فضلاً عما اطلعنا عليه من الكتاب الصادر من ديوان الخدمة بأن السفر للعمرة أو الاعتكاف في المساجد، وترك الواجب على الموظف غير مسموح به، نصاً، يعني: نصوا على العمرة؛ لأنه كثر التشاغل بها، ونصوا على الاعتكاف؛ لأنه كثر الاعتكاف من بعض الموظفين يعتكفون من أول العشر قبل أن تبدأ الإجازة، ويدعون أعمالهم، ونص ديوان الخدمة على أن هذا ممنوع، ولا يعتبر ضرورة.

كيفية زكاة المال الذي ساهم به صاحبه

كيفية زكاة المال الذي ساهم به صاحبه Q لديَّ مبلغ من النقود في البنك، وأخرج زكاته في رمضان من كل عام، وفي شهر ذي القعدة من العام الماضي وضعتُ جزءاً منها في مساهمة في أرض، وحتى الآن لم تنتهِ المساهمة، فهل عليها زكاة؟ جزاكم الله خيراً عنا وعن المسلمين! A الإنسان إذا وضع شيئاً من الدراهم في مساهمة أرض يريد بها التجارة والكسب فإن الحول الأول لا ينهدم، يعني: أن حول هذه التجارة ينبني على حول الدراهم، فمثلاً: إذا كان قد اشتراها في ذي القعدة، لا نقول: انتظر في زكاتها حتى يأتي شهر ذي القعدة، بل نقول: أخرج زكاتها مع زكاة مالك في رمضان، وإن كانت الأرض لم يتم عليها الحول؛ لأن عروض التجارة ينبني بعضُها على بعض، والمعتبر: الأول، وإلا لكان الرجل الذي يكون دائماً يحرِّك تجارته لا يجب عليه الزكاة مثلاً؛ لأن كل أمواله ما يتم عليها الحول، أو كثيراًَ من أمواله لا يتم عليها الحول. والحاصل: أن هذه ينبغي لطالب العلم وغير طالب العلم أن ينتبه لها: أن عروض التجارة ينبني حولها على ماذا؟ على الأصل، فمثلاً: لو كان عندي مال دراهم تحل زكاتها في رمضان، وفي شعبان اشتريت بهذا المال سلعة للتجارة، متى أزكي هذه السلعة؟ في رمضان، يعني بعد شهر واحد؛ عروض التجارة كما قلتُ لكم يُبنى فيها الحول على الأصل. وإلى هنا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جلسات رمضانية لعام 1411هـ[4]

جلسات رمضانية لعام 1411هـ[4] إن الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، جاءت في القرآن مقرونة بإقامة الصلاة وكذلك في سنة المصطفى، مما يدل على أهمية الزكاة، ولذلك جاء الوعيد الشديد، والتوعد بالعذاب الأليم في كتاب الله وسنة رسوله لمن لم يؤد الزكاة، سواء كان ذلك جاحداً لفرضيتها أو ممتنعاً عن أدائها بخلاً منه وتهاوناً، وقد بين الله على لسان رسوله المال الذي تجب فيه الزكاة، فليتعلم المسلم أمر دينه حتى يلقى الله على بصيرة.

تعظيم ركن الزكاة في الشرع

تعظيم ركن الزكاة في الشرع الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فقد انتهى ما أردنا أن نتكلم فيه فيما يتعلق بالصوم. أما الآن فنتكلم في هذه الليلة وهي: الليلة العاشرة من شهر رمضان عام: (1411هـ) نتكلم عن الزكاة، والزكاة أَوْكد من الصيام، لكن لما كان الصيام يختص بهذا الشهر بدأنا به قبل الزكاة، وإلا فإن الزكاة باتفاق المسلمين أَوْكد من الصيام. والعجب أننا لو رأينا شخصاًَ مفطراً يوماً من رمضان؛ لأنكرنا عليه أشد الإنكار، ولو رأينا رجلاً لا يزكِّي لم يكن عندنا ذاك الإنكار الذي ننكره عليه إذا لم يصُم يوماً من رمضان! وهذا من قلب الحقائق، وعدم الفقه. لو رأينا شخصاً أفطر يوماً من رمضان، وشخصاًَ آخر لم يصلِّ العصر لأنكرنا على الأول أشد من إنكارنا على الثاني! وهذا أيضاً من قلة الفقه، وعدم الوعي، صلاة واحدة يتركها أشد من يوم واحد يتركه من رمضان، بل أشد من رمضان كله على رأي بعض العلماء الذين يقولون: إن الإنسان إذا ترك صلاة واحدة كفر، وارتد عن الإسلام، أعرفتُم؟ الزكاة قرينة الصلاة في كتاب الله، ما أكثر الآيات التي يقول الله فيها: {أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} [الحج:41] {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43] وهي حق المال. وقد قاتل أبو بكر رضي الله عنه مَن منعوا الزكاة، قاتلهم حتى يؤدوها، ولما رُوْفِع في ذلك قال: [والله لو منعوني عَناقاً -وهي: الصغيرة من المعز- أو قال: عقالاً -وهو: ما تُقَيَّد به البعير- كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على ذلك] . انظر عِظَم الزكاة! وكثير من الناس اليوم يبخلون بها.

حكم تارك الزكاة والوعيد الشديد المترتب عليه

حكم تارك الزكاة والوعيد الشديد المترتب عليه فالزكاة إذاً أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، وهي قرينة الصلاة في محكم القرآن. ومن جحد وجوبها وهو بين المسلمين كان كافراً خارجاً عن الإسلام، نعوذ بالله. ومن منعها بخلاً مع إقراره بوجوبها فللعلماء في تكفيره قولان، هما روايتان عن الإمام أحمد بن حنبل: رواية يقول: هو كافر، إذا تركها بخلاً. ورواية أخرى يقول: هو مسلم. والراجح: أنه مسلم؛ لأنه ليس شيء من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة؛ لكنه والعياذ بالله يعرِّض النفس للعقوبة العظيمة التي ذكرها الله في الكتاب، وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة. ففي الكتاب: يقول الله عزَّ وجلَّ: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ} [آل عمران:180] الذي يبخل بما آتاه الله يظن أن هذا خيراً، أن ماله لا ينقص، فمثلاً: مائة ريال فيها من الزكاة كم؟ ريالان ونصف، إذا أخرج ريالين ونصف من مائة بقي سبعة وتسعون ونصف، يقول: هذا نقص، إذا خَلِّها تبقى من أجل أن يبقى مالي غير ناقص، فيظن أن ذلك خيراً؛ ولكن الله يقول وهو أصدق القائلين: {بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ} [آل عمران:180] شر في الدنيا، وفي الآخرة: أما في الدنيا: فإن الإنسان أخل بركن من أركان الإسلام، وعرَّض ماله للنقص والآفات التي تأكله، رغماً عن أنفه، ربما يُسلَّط على هذا الرجل آفات في ماله؛ احتراق، أو غرق، أو سرقة، أو ظلم من الولاة، أو غير ذلك، فيهلك المال، وربما يُصاب هذا الإنسان بمرض يجعله يضطر إلى أن يطرق باب كل بلد ومدينة من أجل الشفاء، وهذا أمر مشاهَد، هذا شر الدنيا، وإذا تخلف شر الدنيا جاء شر الآخرة، ما هو؟ استمع: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:180] هذا المال الذي بخلوا به يطوَّقون به يوم القيامة. يطوقون به يوم القيامة قلائد؟ زينة؟ أجيبوا. لا. ليس قلائد زينة، يطوق به كما فسره النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: (من آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاته مُثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع، له زبيبتان، يأخذ بلهزمتيه، يقول: أنا كنْزُك، أنا مالُك) أعوذ بالله، هذا التقليد. الشجاع: قال العلماء هو: الذكر العظيم من الحيات، والغالب أن ذكور الجنس أقوى من إناثه في كل ذوات الأرواح، أن الذكور أقوى من الإناث. أقرع: قال العلماء: يعني: ليس في رأسه شعر، أقرع، ونحن نعرف الأقرع الرأس يعني: الذي ليس عليه شعر، لماذا؟ قالوا: من كثرة السم، والعياذ بالله. (له زبيبتان) : الزبيبتان: غدتان في رأسه، مملوءتان من السم. (يأخذ بلهزمتيه) : يعني: شدقيه. (يقول: أنا مالُك، أنا كنْزُك) : عذاب بدني، وعذاب قلبي. العذاب البدني: بماذا؟ نسأل الله العافية بأنه يعض شدقيه؛ لأن الشدق هو الذي يدخل منه الأكل، أكل المال يكون من طريق الشدقين، فهذان الشدقان اللذان هما طريق الأكل يأخذ بهما هذا الشجاع الأقرع. هذا عذاب بدني. العذاب القلبي: ما هو؟ (يقول: أنا مالُك، أنا كنْزُك) لأنه إذا سمع هذا الكلام سوف يمتلئ قلبه غماً وحزناً، أن بخل بماله حين كان قادراً على إنفاقه، والآن يقدر وإلاَّ لا؟ ما يقدر: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ} [المائدة:36] ما ينفعه الآن، فتجد قلبَه يمتلئ حسرة وندماً على ما حصل منه من هذا البخل، اللهم قِنا شُحَّ أنفسنا. أما الآية الثانية فقال الله تعالى فيها: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:34-35] في هذه الآية -أيضاً يا إخواني- فيها عذابان: عذاب بدني، وعذاب قلبي. البدني: {فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} : الجباه: من الأمام، والظهور: من الخلف، والجُنوب: من اليمين والشمال، من كل ناحية -والعياذ بالله-: {فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} هذا عذاب بدني. والعذاب القلبي: {هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ} توبيخ، تقريع، تنديم والعياذ بالله. {هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} تصوَّر ماذا يكون قلبه والعياذ بالله! يتقطع حسرات؛ ولكن: {وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [سبأ:52] لا يمكن الآن -نسأل الله العافية- انتهى كل شيء. وقد جاءت السنة بتفسير هذا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام حين أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة، لا يؤدي منها حقَّها -وحقُّها أعظمُه: الزكاة- إلا إذا كان يوم القيامة صُفَّحَت له صفائح من نار، وأُحمي عليها في نار جهنم ... ) صفائح يجوز فيها إعراباً وجهان: الأول: النصب. والثاني: الرفع. صُفِّحَت يعني: الذهب والفضة. أو صُفِّحَت صفائحُ من نار: (. فأحمي عليها في نار جهنم، فيُكوى بها جنبُه وجبينُه وظهره -جنبُه: يريد جنبيه؛ لكنه مفرد مضاف، فيكون ماذا؟ عامَّاً، حسناً! - كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد -وهو في هذا العذاب والعياذ بالله- ثم يرى سبيله، إما إلى الجنة وإما إلى النار) هذا بيَّن كيف يُكوى بها. حسناً! نار الآخرة أعظم من نار الدنيا، فُضِّلت عليها بكم؟ بتسعة وستين جزءاً، يعني: أن نار الدنيا كلها نارٌ تساوى (1 من 70) من نار الآخرة، هذه تُصَفَّح من نار، نفس هذه الصفيحة تكون ناراً مشتعلة، يكوى بها جنبُه وجبينُه وظهرُه، وإذا بردت لا تُترك، تعاد مرة ثانية، يُحمى عليها في نار جهنم، ويُكوى بها جنبُه وجبينُه وظهرُه، والمدة خمسون ألف سنة. يا إخوان! والله ما هي دقيقة ولا ساعة ولا يوم ولا شهر، خمسون ألف سنة وهو في هذا العذاب، نسأل الله العافية. ماذا ينفعنا المال وهذه نتيجتُه؟! ثم إذا خلَّفه الإنسان إلى مَن يخلِّفه؟! قد يخلِّفه إلى قوم لا يقولون: اللهم ارحمه، إلى قوم يأكلونه ولا يترحمون على مَن خلَّفه لهم، فيُعاقب، فيكون لهم غُنْمُه، وعليه غُرْمُه. ثم هذه الزكاة التي أوجب الله عليك ليست كثيرة، قليلة بالنسبة للمال، ومَن الذي أعطاك المال؟ الله، أعطاك الكثير، وطلب منك القليل، وهو لنفسك ليس لله، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15] . وقال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97] . إنا لنعجب من قوم يقرءون القرآن، ويسمعون الأحاديث، وتجد الواحد منهم يتحيَّل بأنواع الحيل ليسقط الزكاة، وإذا أُفْتِي بشيء ذهب إلى مُفْتٍ آخر، لعله يفتيه بما هو أهون، ولا يقول لنفسه: خذي بالأحوط، خذي بالأحوط ما دمتِ في زمن الرخاء، لا، إذا سَمِع شيخاً يقول: يجب عليك زكاة الدَّين، قال: حسناً! نذهب إلى شيخ آخر يقول: لا يجب عليك زكاة الدَّين. عرفتم؟! حسناً! خُذ بالأحوط، إذا لم يكن هناك نص واضح يفصل بين الناس، فالأحوط أحسم؛ لأننا الآن في زمن سعة، نتصرف في أموالنا؛ لكن بعد الموت لا نتصرف، ما نستطيع. كذلك أيضاً نجد بعض الناس لا يحاسب نفسه محاسبة دقيقة في إخراج الزكاة، صاحب دكان، ولا يُحصي ماله الذي في دكَّانه، يأخذه جُزافاً، يعني: خرصاً، وليته إذا خرص أخذ بالأحوط، يأخذ بالأقل، هذا هو الغالب، أو يتهاون، أو إذا قوَّم السلعة التي للتجارة قوَّمها بأدنى القيمتين، كل هذا من الأمور التي سببها الشُّح والبخل، وهي ضرر عظيم على الإنسان في دينه، وفي دنياه. فالإنسان العاقل يعلم أن هذا المال من الله، وأن الذي أوجب فيه الزكاة مَن؟ هو الله عزَّ وجلَّ. وأن الزكاة ولله الحمد جزء يسير بالنسبة لما أعطانا الله.

المال الذي تجب فيه الزكاة

المال الذي تجب فيه الزكاة ثم هذه الزكاة لا تجب في كل ما نملك، أكثر ما نملكه من الأموال ليس فيها زكاة، لا تجب الزكاة إلا في الأموال النامية حقيقة أو حكماً، هذا ضابط، الضابط في الزكاة: أنه لا تجب إلا في الأموال النامية حقيقة أو حكماً، كيف حقيقة؟ حقيقة يعني: تزيد حقيقة. أو حكماً يعني: هي لا تزيد؛ لكن في حكم الزائدة. فمثلاً: المواشي يعني: الإبل والبقر والغنم تزيد أم لا؟ حقيقةً، التجارة تزيد حقيقةً، الدراهم التي أعدها الإنسان لزواجه، يجمع دراهم، ولا يبيع فيها ولا يشتري؛ لكنه قد أعدها لحاجة لزواج، أو شراء بيت، أو ما أشبه ذلك، هذه لا تزيد حقيقةً؛ لأنها لا تزيد، عنده عشرة آلاف ريال باقية ما زادت؛ لكنها حكماً تزيد؛ لأنه لو عمل بها لزادت. هذا هو الضابط في الأموال الزكوية، أنها لا تجب الزكاة إلا في المال النامي حقيقةً أو حكماً. الآن رجل عنده ضأن، وعنده دجاج، وعنده حمام، وعنده أرانب، وعنده ضباء، نعم، كم هذه؟ خمسة أنواع. ما الذي يجب فيه الزكاة؟ نوع واحد من الخمسة: الضأن، والباقي ما فيه زكاة؛ إلا إذا كان تجارة. ولو كان عند الإنسان ألف دجاجة، يعدها للنماء والتبييض، ما وجبت عليه زكاة فيها. لو عنده ألف رأس من الضباء، يريدها للتنمية، ليس بها زكاة. عنده ألف حمامة، الحمامة يقولون: إن في وقتنا هذا بعضُ الحمام يساوي ألفَي ريال، نعم، ((1000×2000)) من ألفين كم؟ مليونان، نعم. هل عليه زكاة في هذا؟ ما فيه زكاة إذا كان للتنمية، وليس للتجارة. إذاً: الحمد لله، الأموال أكثرها لا تجب فيها الزكاة، إنما تجب الزكاة في الأموال النامية حقيقةً أو حكماً، وهي أنواع خمسة.

الأسئلة

الأسئلة

تعظيم أمر الصيام

تعظيم أمر الصيام Q في أول كلامكم عن الزكاة تكلمتم أنها أهم من الصيام، وأن الإنسان لو أفطر يوماً من رمضان أو رمضان، فإن تارك الزكاة أعظم، أفلا بيَّنتم لنا عِظَم الذنب فيمن يُفطر يوماً من رمضان؛ لأنه ربما يفهم البعض أن ذلك هين. وفقكم الله لرضاه؟ A لا شك أن الإنسان إذا أفطر يوماً من رمضان فإنه أعظم من فعل الكبائر؛ لأن تَرْكَ ركنٍ من أركان الإسلام أعظم من الكبائر؛ يعني مثلاً: أعظم من الزنا، أعظم من شرب الخمر؛ لأن أركان الإسلام عليها مدار الإسلام، فهي بمنزلة الأعمدة للإسلام، لا يقوم إلا بها. ولا يجوز للإنسان أن يتساهل في أي يوم من أيام رمضان؛ لكننا ذكرنا أن الناس عندهم نقص في الفقه، أو عند بعضهم نقص في الفقه، يعظِّمون الصيام كثيراً؛ ولكنهم في الصلاة أو في الزكاة لا يرون لها عَظَمَة كعَظَمَة الصيام، حتى إن بعض الناس -يُقال لي، والله أعلم- يُقال: إنه يصوم ولا يصلي، نعم، يصوم ولا يصلي، أليس هذا من الجهل؟! لأن الذي يصوم ولا يصلي لا يُقبل صيامه، لو يصوم كل رمضان ما يفطر ولا في الليل مثلاً، يواصل كل رمضان، فإن الله لا يقبله منه إذا كان لا يصلي، لماذا؟ لأنه كافر، ومن شرط قبول الأعمال: أن يكون العامل مسلماً؛ لقوله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة:54] النفقات نفعها متعدد، ومع ذلك لا تقبل من الذي ينفق إذا كان كافراً، يعني: الآن الكافر، لو فرضنا واحداً من الكفار شق الطرق، ووضع ماءً للشرب، وبنى مساجد ومدارس، وطبع كتباً، هل تنفعه هذه؟ ما تنفعه أبداً، ولا تقبل منه؛ لأنه كافر. فالذي يصوم ولا يصلي بشِّروه بأن صومه مردود عليه، غير مقبول منه، فلا يُتعب نفسه؛ لكن هناك شيء هيِّن جداً، وهو ماذا؟ أن يتوب إلى الله، ويصلي، ويرجع إلى الإسلام، وحينئذٍ يُقبل صومه وسائر أعماله الصالحة.

الشجاع الأقرع ليس خاصا بتارك الزكاة

الشجاع الأقرع ليس خاصاً بتارك الزكاة Q هل الشجاع الأقرع الذي جاء في مانع الزكاة ورد فيمن ترك الصلاة؟ أم أنه خاص في عقوبة تارك الزكاة؟ أرجو التوضيح! A تارك الصلاة له عقوبة أعظم من هذا؛ لأن الشجاع الأقرع إنما يكون تارك الزكاة معذباً به في عرصات القيامة، ثم يرى سبيله، كما جاء في حديث أبي هريرة: (إما إلى الجنة، وإما إلى النار) . لكن تارك الصلاة معذَّب في نار جهنم بما فيها من أنواع العذاب أبد الآبدين والعياذ بالله. فهو أعظم بكثير من تارك الزكاة.

ثبوت أجر من تصدق في رمضان إلى يد وكيل الفقراء ثم أخرجت بعد رمضان

ثبوت أجر من تصدق في رمضان إلى يد وكيل الفقراء ثم أخرجت بعد رمضان Q لقد دفعتُ اليوم زكاة المال للمجاهدين الأفغان، وسألت المشرف: هل تصل للمجاهدين في رمضان، فقال: لا؛ لأنها تُجمع، فقد تصل في رمضان أو في شوال، فهل يُحسب لي أجرها في رمضان؟ A على كل حال أنت الآن أديتها إلى وكيل الأفغان، وما وصل إلى وكيل الشخص فكأنما وصل إلى الشخص نفسه، وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن يفهمها، ما وصل إلى وكيل الشخص فكأنما وصل إلى الشخص نفسه، هذه القاعدة تنفعك في عدة أبواب، منه مثلاً: زكاة الفطر، لو كان الفقير قال لك: إذا جاء وقت زكاة الفطر فإني موكِّلٌ فلاناً يقبض لي، ثم أعطيتَ وكيلَه في أيام دفع زكاة الفطر؛ ولكنها لم تصل إلى الفقير إلا بعد عشرة أيام من شوال، هل تكون مقبولة؟ الجواب: نعم. لماذا؟ لأن وكيل الإنسان قائم مقام الإنسان. فالذين يقبضون الصدقة للأفغان هم بمنزلة الأفغان؛ لأنهم ليسوا وكلاء لك، ولهذا لو قدِّر أن هذه الزكاة تلفت عند هؤلاء الذين قبضوها فهل يلزمك بدلها؟ لا. لا يلزمك زكاة بدلها، بل قد بلغت محلها. ولكن هاهنا أيضاً مسألة فيما يتعلق بصرف الزكاة في رمضان، هي الآن أصبحت مشكلة اجتماعية، كون الناس الآن يختارون رمضان لصرف الزكاة، أصبحت مشكلة اجتماعية، كيف ذلك؟ صار الناس لا يعرفون الفقراء في غير رمضان، في غير رمضان ما تجد أحداً يصرف زكاته اللهم إلا نادراً، فيكون على الفقراء حاجة في غير رمضان ولا يجدون من يتصدق عليهم. وهذه مشكلة. ثانياً: أن بعض الناس تحل زكاتُه مثلاً في رجب، ثم يقول: أؤخرها إلى رمضان؛ لأنه لو أخرجها في رجب يأتي رمضان ويريد أن يخرج زكاة أخرى وذلك لملاحقة الأغنياء عن عباداتهم، تجدهم دائماً شغالين يطلبون الأغنياء، ولا كأن رمضان إلا مجالاً للتسوُّل وملاحقة الأغنياء، ولا يلتفت كثير منهم إلى ما ينبغي أن يلتفتوا إليه من العبادة في هذا الشهر. فهي في الحقيقة مشكلة. ولذلك ينبغي لنا أن ندرسها تماماً، وأن ننظر هل من المصلحة أن نجعل زكواتنا كلها في رمضان؟! أو نجعلها في أوقات أخرى لأشد حاجة. والعلماء نصوا على أنه يجوز أن تؤخر الزكاة عن وقت وجوبها إلى وقت يكون فيه الناس أشد حاجة.

التفصيل في زكاة المال المشترك به في جمعية

التفصيل في زكاة المال المشترك به في جمعية Q أنا مشترك في جمعية بحيث لا يأتيني الدور إلا في مدار السنة، فهل هذا المال الذي يُدار بيننا عليه زكاة أم لا؟ A مثلاً: هؤلاء عشرة موظفين، كل واحد راتبه (10. 000) ريال، يُخصم من كل واحد (2000) ريال تُعطى لأول واحد، رقم (1) . يأتيه (18. 000) زيادة على راتبه، والثاني، والثالث، إلى آخره، هذا معناه أن كل واحد منهم لزمه لزملائه ديناً مقداره (18. 000) . فنقول: إن كان هذا الرجل قد أنفق هذه الأموال التي أخذها قبل تمام الحول فليس عليه زكاة. أما بالنسبة للذين أعطوا فعليهم الزكاة فيما أعطوا؛ لأن الدائن إذا ديَّن إنساناً غنياً وجب عليه الزكاة في هذا الدَّين، فصار الآن الآخذ إذا أنفق ما أخذ قبل تمام الحول فليس عليه شيء، والدافع عليه الزكاة؛ لأنه دائن طالب، والطالب إذا كان مطلوبه غنياً وجبت عليه الزكاة فيما يطلب منه.

خطورة التساهل في الديون

خطورة التساهل في الديون Q تساهل كثير من الناس في الديون، وذلك بسبب أنهم يُسدَّد عنهم من الزكاة! A هذا صحيح، أن الناس صاروا يتساهلون في الديون؛ لأنه إذا جاء رمضان قال: الحمد لله، أنا عليَّ عشرين ألف ريال اذهب للتاجر الفلاني والفلاني والفلاني هكذا قدِّم كشفاً، ويُقضى عنك ما تيسَّر. وهذه أيضاً من المشاكل التي تحتاج إلى حل؛ ولكن الإنسان العاقل لا يُقدم على الاستدانة من أحد إلا في الضرورة القصوى، وأظن أن الضرورة القصوى عندنا والحمد لله غير موجودة؛ لأنه بإمكان الإنسان أن يكون عاملاً ولو من عمال البلدية من أجل أن يكتسب الرزق، الناس في الزمن الأول يخرج الإنسان إلى الأودية يأتي بالحشيش ويبيعه ويشتري عشاءًَ له ولعائلته، يذهب إلى المُحْتَطَبات، يعني: محل حطب، يحتطب ويأتي ويبيعه ويأكل وعائلته، والناس هم الناس، كلهم بشر، السابقون واللاحقون. فالإنسان العاقل لا يستدين إلا للضرورة القصوى، والضرورة القصوى الآن كما قلت لكم متعذرة، يعني: معدومة، بإمكانه يذهب ويكون عاملاً ولو بـ (300) ريال أو (400) ريال أو (1000) ريال؛ لكن الناس نسأل الله العافية، صار بعض الناس يريد أن يباهي الأغنياء، إنسان غني عنده عشرات الملايين، وبيته مُكَمَّل، يجيء فقيرٌ ما يجد شيئاً يقول: لازم يكون بيتي مثل بيت هذا، فيذهب ويستدين قيمة سيارة (كدْلَك) قيمتها (80. 000) ألف، مع أنه يحصِّل سيارة داتسون بـ (20. 000) ألف. لماذا هذا؟ أليس هذا سخافة؟! سخافة وسفه، والعامة يقولون مَثَلاً -في الحقيقة- مَثَلاً جيداً، يقولون: (مد رجليك على قدر لحافك) اللحاف الذي نتغطى به، مد رجليك على قدره، إن كان هو طويلاً مدِّد كل رجليك، إن كان قصيراً قَرْفِص؛ لأنك لو تمد رجليك وهو قصير تعرضت للبرد، فهذا مثل جيد لو أننا سرنا عليه في حياتنا لحصَّلنا خيراً كثيراً. على كل حال: هذه مشكلة من المشاكل الاجتماعية، ولا ندري كيف نحل هذه المشكلة؛ لكن حلها أن نوعي الناس، ونقول: احذروا الدين ما استطعتم، لا تستدينوا أبداً إلا عند الضرورة القصوى.

حكم تأخير الزكاة عن وقتها

حكم تأخير الزكاة عن وقتها Q إذا كان الرجل عنده مال تَحُل زكاتُه في رمضان، فهل يجب عليه إخراج الزكاة كلها في رمضان؟ أو يجوز أن يعطيها الفقراء شيئاً فشيئاً على مدار السنة؟ A يجب عليه أن يخرجها فوراً، ولا يجوز أن يعطيها الفقراء على مدار السنة إلا إذا كان يؤخرها يتحرى أهلها، يعني: بمعنى أنه لم يتهيأ له أن يجد المستحقين في رمضان؛ لكن يجدهم على واحد واحد، اثنين اثنين، وهكذا، فإذا كان يؤخرها من أجل أن يتحرى أن تكون في أهلها، فهذا لا بأس به، والغالب أن الإنسان لا يؤخرها إلا لهذا السبب، أو لما يشبهه، فإذا كان تأخيرها لهذا السبب فلا بأس.

جواز إخراج زكاة الذهب على قدر قيمته وإن رخص

جواز إخراج زكاة الذهب على قدر قيمته وإن رخص Q هذا صاحب محل للذهب يقول: رخص الآن بيع الذهب، وقد حال الحول، فهل لي أن أؤخر إخراج الزكاة حتى ترتفع أسعار الذهب، ثم أخرج الزكاة؟ A أقول: جزاه الله خيراً على هذه النية، ولكن الواجب عليه أن يقدر الذهب الآن، إذا كان لا يريد أن يخرج من عين الذهب فليقدره الآن، ويخرج زكاته من قيمته الحاضرة، ولو كانت أقل، وكونه يؤخر حتى ترتفع الأسعار هذه نية طيبة؛ لكنه قد تختلف الأمور، ربما تنزل الأسعار أكثر، ما يدري، فهل إذا نزلت بَعْدُ يقول: أنتظرْ حتى ترتفع؟ ثم تنزل ثالثة. فالحاصل: أنه يجب أن يبادر بإخراج الزكاة، ويَعْتَبِر القيمة في وقت وجوب الزكاة، قَلَّت أم كَثُرت.

حكم زكاة الدين

حكم زكاة الدين Q استلف شخص مني مبلغاً من المال، ولم يرده إليَّ بَعْد، هل يجب عليَّ أن أخرج زكاة هذا المبلغ؟ A هذه تنبني على زكاة الدَّين، والدَّين اختلف العلماء رحمهم الله في وجوب الزكاة فيه: فقال بعض العلماء: إن الزكاة واجبة في الدَّين، سواء كان على معسر أو على موسر. وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة رحمهم الله، أن الدَّين تجب فيه الزكاة ولو كانت على أعسر الناس. القول الثاني: أن الزكاة لا تجب في الدَّين، لا على غني، ولا على فقير؛ لأنه ليس بيدك. القول الثالث: الوسط، أنه إن كان على غني وجبت الزكاة فيه, وإن كان على فقير لم تجب؛ لأن الدَّين الذي على الفقير كالمعدوم تماماً؛ لأنك أنت لا تستطيع أن تطالبه وهو معسر، بل لا ترفع لسانك إلى لهاتك في مطالبته إذا كان معسراً، يجب عليك أن تُنْظِره كما أمر الله عزَّ وجلَّ: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] إذاً: لست قادراً على هذا المال، وهذا لا تجب فيه الزكاة. وإن كان على موسر؛ ولكن أنت بنفسك أخَّرت الطلب فعليك الزكاة؛ لأن الذي على موسر وأنت الذي أخَّرته كأنه في مالك، فتجب فيه الزكاة. ثم إذا كان على معسر وقبضته، فهل تؤدي الزكاة عنه حالاً لسنة واحدة؟ أو تستأنف الحول؟ في هذا قولان للعلماء: منهم من قال: تستأنف الحول، ما عليك زكاة حتى يتم حوله. ومنهم من قال: تزكيه السنة التي قبضتها، ثم كل سنة تزكيه. وهذا القول أقرب للصواب.

حكم دفع الزكاة إلى الابن لقضاء دينه

حكم دفع الزكاة إلى الابن لقضاء دينه Q امرأة عندها زكاة من المال، ولها ولد مطلوب، وله معاش؛ ولكن لا يكفي سداد الدَّين، فهل تعطيه من الزكاة؟ A يجوز للأم وللأب إذا كان لهما ولد عليه دين لا يستطيع وفاءه أن يقضيا دينه من زكاتهما؛ لأنه غارم؛ ولكن الأحسن أن يذهب إلى الطالب الذي يطلب الولد، ويقول: أنت تطلب ابني كذا وكذا خُذ، ولا يعطيه الولد؛ لأن بعض الناس سفيه، إذا أُعطي لقضاء الدَّين صرفه في غيره، مع أن العلماء يقولون: إذا أُعطي الإنسان الزكاة لقضاء الدَّين فإنه يحرم أن يصرفها في غيره، لابد أن يصرفها في قضاء الدَّين، إلا إذا كان الدَّين الذي على الولد سببه نفقة واجبة على أبيه، يعني: أنه يقول -أبوه غني- فيقول لأبيه: أعطني النفقة، أبوه يماطل، فاحتاج الابن واستدان من أجل النفقة، ففي هذه الحال نقول للأب: لا يجوز أن تعطيه من زكاتك، بل يجب عليك أن تقضي دينه من مالك، لماذا؟ لأن إنفاقك عليه واجب. ولو قلنا: إنه يجوز دفع الزكاة في هذه الحال لقضاء دين الابن، لكان كل أب شحيح يمنع النفقة من أجل أن يضطر الولد إلى الدَّين، فإذا استدان قال: الآن أقضي دينك من زكاتي.

كيفية التعامل مع امرأة مسنة لا تصلي ولا تصوم

كيفية التعامل مع امرأة مسنة لا تصلي ولا تصوم Q توجد امرأة مسنة تبلغ من العمر أكثر من ستين سنة، وهي بكامل عقلها، ولكنها لا تصلي ولا تصوم، فماذا يجب على من يقوم برعايتها؟ نريد إفادتنا، جزاكم الله خيراً. A الواجب أن تؤمر هذه المرأة المسنة التي في كامل عقلها بالصلاة والصيام، وإذا لم تفعل يُرفع أمرها إلى ولاة الأمور من أجل أن يجبروها على الصلاة وعلى الصيام. أما إذا كانت (مُهَذْرِيَة) ما عندها عقل، فليس عليها صلاة ولا صيام. مع أني أظن أنه لا يمكن أن يوجد امرأة في كامل عقلها وهي في هذا السن، تأبى أن تصلي أو تصوم إلا وفي عقلها خلل، ما أظن أن امرأة عاقلة في مجتمعنا تأبى أن تصوم وتصلي.

حكم الطواف بدون طهارة

حكم الطواف بدون طهارة Q ما حكم الطواف من غير طهارة، مع أنه لم يعلم بالحكم، أو كان ناسياً؟ A الذي نرى أن الطهارة في الطواف ليست بشرط، إلا الحيض، فإنه لا يمكن أن تطوف المرأة وهي حائض، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عائشة لما حاضت: (افعلي ما يفعل الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت) ولما قيل له: إن صفية قد حاضت، قال: (أحابِسَتُنا هي؟!) . أما الطهارة من الحدث الأصغر فالراجح أنها ليست بواجبة في الطواف؛ لكنها سنة مؤكدة، لا شك أنها أفضل. ولا ينبغي للإنسان أن يدع الطهارة إذا أراد أن يطوف؛ لكن لو فُرِض أن أحداً طاف وانتهى وجاء يسأل، فإننا لا نلزمه بالإعادة، لا سيما إذا كان قد رجع إلى بلده، وانتهى من نسكه.

حكم طواف الوداع لصاحب العمرة

حكم طواف الوداع لصاحب العمرة Q نحن أخذنا عمرة ووصلنا مكة قبل الفجر، فأخذنا عمرتنا، واشترينا سحوراً وتسحَّرنا، ثم صلينا بالحرم صلاة الفجر، ونمنا، وصلينا الظهر، وبعد صلاة الظهر خرجنا إلى بلدنا ولم نطف طواف الوداع، فهل علينا شيء؟ حيث أن حديث الرسول: (ليكن أحدكم آخر عهده بالحرم) ونحن خرجنا بعد صلاة الظهر مباشرة! A الحديث ليس لفظه كما قال السائل، وإنما لفظ الحديث على وجهين: الوجه الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما: (كان الناس ينفرون من كل وجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ينفر أحد؛ حتى يكون آخر عهده بالبيت) . واللفظ الثاني: (أُمِر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خُفِّف عن الحائض) . وطواف الوداع للعمرة محل خلاف بين العلماء، فمن تركه مستنداً إلى فُتيا عالم موثوق بعلمه، فلا شيء عليه. أما من اعتقد أنه واجب -وهو القول الصحيح، أن طواف الوداع للعمرة واجب كما هو واجب في الحج- فإن المعروف عند العلماء أن تارك الواجب يلزمه فدية تُذبح في مكة وتوزَّع على الفقراء؛ إلا إذا كان الإنسان فقيراً لا يملك مالاً يشتري به الفدية، فإنها تسقط عنه؛ لقول الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] . ولا يلزمه أن يصوم عشرة أيام -كما قاله بعض العلماء: أن من عجز عن النسك الواجب لترك واجب يلزمه صيام عشرة أيام- فإن هذا القول لا دليل عليه، بل نقول: من ترك واجباً فإنه يحتاط بذبح فدية في مكة، توزع على الفقراء، ومن لم يجد فلا شيء عليه. أما بالنسبة لهؤلاء الذين رجعوا بعد أن بقوا في المسجد الحرام نصف النهار، ورجعوا بدون طواف، فأرى أن من الاحتياط وإبراء الذمة ما داموا لم يعتمدوا على قول لأحدٍ من العلماء أن يذبحوا فدية في مكة، كل واحد يذبح فدية في مكة، ويوزعها على الفقراء، ومن لم يجد فلا شيء عليه.

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان Q كَثُر في زماننا هذا وفي رمضان النوم بعد صلاة الفجر والسهر في الليل، فما رأيكم في هذا العمل؟ جزاكم الله خيراً، وما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذا العمل؟ A لا شك أن ما عليه الناس اليوم، هذه السنة وقبل هذه السنة من كونهم يمضون ليالي رمضان في أشياء غير نافعة، يعني: ليسو يسهرون على قراءة القرآن، أو على الصلاة، أو ما أشبه ذلك، غالبهم يسهرون على لغو لا فائدة فيه، وبعضهم يسهرون على شيء محرم من استماعٍ إلى أغانٍ، أو ألعاب محرمة، أو ما أشبه ذلك، ثم في النهار ينامون، من حين أن يصلوا الفجر إلى أن يأتي الظهر، ولا شك أن هذا حرمان عظيم. والذي ينبغي للإنسان أن ينام في الليل ما شاء الله، وأن يقوم في الليل، وإذا اقتصر على التراويح مع الإمام حتى ينصرف فهو قد قام ليلته؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتِب له قيام ليلة) . وعلى هذا فينام بعد التراويح إلى أن يأتي وقت السحور، فيقوم ويتسحَّر، وفي النهار يتعبد لله، إن كان موظفاً أو في عمل قام بما يجب عليه من العمل، وإذا كان فارغاًَ فليتعبد لله تعالى بأنواع العبادات، يحبس نفسه يومين وثلاثة في المسجد، في قراءة وصلاة، وسيجد مشقة أول يوم وثاني يوم؛ لكن بعد ذلك تكون عادة له يطمئن إليها قلبه، وينشرح بها صدره. أما هدي الرسول عليه الصلاة والسلام في رمضان فلا شك أن هديه أنه لا يمضيه إلا في أمر يقربه إلى الله، وكان يأتيه جبريل في الليل يدارسه القرآن كل سنة مرة واحدة فقط، كل الشهر يعرضه النبي عليه الصلاة والسلام مرة واحدة، إلا في العام الذي مات فيه، فإنه عارضه مرتين.

حكم إعطاء الزكاة من يستعين بها على المعصية

حكم إعطاء الزكاة من يستعين بها على المعصية Q هل يجوز إعطاء زكاة لشخص يعمل في عمل غير جائز، كبنك ربوي، أو يملك محلاً للحلاقة، ولكنه محتاج إلى تلك الزكاة، وهو يؤدي الصلاة؟ A ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا ينبغي أن تعطى الزكاة من يستعين بها على المعصية. كل إنسان فاسق لا ينبغي أن يعان على فسقه. فمثلاً إذا كان يشرب الدخان، ما نعطيه الزكاة؛ لأنه إذا أعطيناه، معروفٌ الْمُبتلى بهذا الدخان أول ما يشتري الدخان، فلا نعطيه. لكن من الممكن أن نعطي زوجته أو إذا كان له أولاد راشدون، نعطيهم ونقول: هذا أعطه أهلك، وما أشبه ذلك. أو نقول لهذا: إن عندنا زكاة، ما الذي يحتاجه البيت؟ يحتاج سكر، أرز، كذا كذا وكِّلنا نقبض الزكاة لك، ونشتري لك، في هذه الحال لا بأس. إذا قال: أنت وكيل، اقبض ما يأتيك من الزكاة لي، واشترِ به كذا وكذا، فهذا جائز. أما إذا كان الإنسان لا يستعين بالزكاة على المعصية؛ لكنه عاصٍ، فهذا يُعطى من الزكاة ما دام محتاجاً؛ ولكنه يُنصح عن المعصية، فلعل الله عزَّ وجلَّ أن يهديه على يد هذا الذي أعطاه.

تقديم تحية المسجد على الإفطار إذا دخل وقت أذان المغرب

تقديم تحية المسجد على الإفطار إذا دخل وقت أذان المغرب Q إذا دخلتُ المسجد أثناء وقت أذان المغرب في شهر رمضان أو غيره وكنتُ صائماً، فهل أصلي تحية المسجد أم أجلس للإفطار، ثم أصلي؟ وجزاكم الله خيراً. A ماذا تقولون يا جماعة؟! الإفطار ما يحتاج تعب، تمرة يجعلها في فمه ويمضغها ويأكلها وهو واقف، ما هي مشكلة. هذا كسؤال يرِدْ أيضاً: هل يُفْطِر المؤذن قبل أن يؤذن المغرب أو يؤذن ثم يُفْطِر؟ ماذا تقولون؟ يُفْطِر ويؤذن مع بعض. الأذان بسيط. لا، هذا أسهل، هذا أيضاً يأكل التمرة وهو واقف ويصلي تحية المسجد. المهم على كل حال يبدأ بالإفطار؛ لأن الإفطار ما يضر، يعني: الإفطار لا يلزم منه الجلوس، هو يقول: يجلس يفطر، نقول: ما هو لازم، يأكل تمرة وهو واقف، ثم يصلي ركعتين، ثم يكمل الفطور.

التفصيل في مرور المرأة أمام النساء أثناء الصلاة

التفصيل في مرور المرأة أمام النساء أثناء الصلاة Q هل تنقطع صلاة النساء وهنَّ يصلين التراويح إذا مرَّ بعض النساء أمام صفوفهنَّ أو لا تنقطع؟ A لا تنقطع إذا كنَّ مع الإمام؛ لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه. فالمرأة لا تقطع الصلاة إذا مرت بين صفوف الرجال خلف إمامهم، ولا تقطع الصلاة إذا مرت بين صفوف النساء خلف إمامهن، أو خلف إمامتهنَّ أيضاً؛ لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه. ودليل ذلك أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما مرَّ -وهو على حمار في منى، في حجة الوداع- مرَّ بين يدي بعض الصف ولم ينكر ذلك عليه أحد، مع أن الحمار يقطع الصلاة، وهذا دليل على أنه إذا مرَّ ما يقطع الصلاة بين أيدي المأمومين، فإن ذلك لا يضر. ولكن يبقى السؤال: هل يجوز للإنسان أن يمر بين يدي المأمومين؛ لأن المأمومين لن يدافعوه، يتركوه يمشي؛ لكن هل يجوز أن يمر بين أيديهم؟ أو نقول: إنه لا يجوز لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً من أن يمر بين يديه) ؟ قال أهل العلم أو قال بعض العلماء: إنه لا يجوز أن يمروا بين أيدي المأمومين. وقال آخرون: بل يجوز؛ لأن هذا لا يؤثر على صلاتهم شيئاً. لكن قد يقول قائل: هو لا يؤثر على الصلاة لكن يشوِّش على المأموم، إذا مرَّ الرجل بين أيدي المصلين يشوِّش عليهم، أو مرت امرأة لاسيما إذا كانت شابة جميلة تشوِّش عليهم. فنحن نقول: الأصل الجواز، وإذا كان يؤدي إلى تشويش على المصلين فليمتنع، ولا يمر من بيد أيديهم.

حكم إعطاء الكفار من الزكاة الواجبة والمستحبة

حكم إعطاء الكفار من الزكاة الواجبة والمستحبة Q يوجد في بلاد المسلمين كثيرٌ من العمال غير المسلمين من ديانات متعددة، فهل يجوز للإنسان أن يتصدق عليهم، سواء كانت صدقة واجبة كالزكاة، أو صدقة تطوُّع، أو ما يسمى عند العامة بالعشاء؟ A أما الصدقة الواجبة: فلا تجوز أن تدفع إلى الكافر مهما كان جنسه؛ إلا إذا كان مؤلَّفاًَ، يعني: من المؤلفة قلوبهم. وأما صدقة التطوع: فقد قال الله عزَّ وجلَّ: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة:8] فإذا كان هذا الكافر من قوم لم يقاتلونا في الدين، ولم يخرجونا من ديارنا، والمراد: إخراج المسلمين، ما هو أنت بالذات، فإنه لا بأس أن نتصدق عليهم. أما إذا كان ممن يقاتل المسلمين ويخرجهم من ديارهم، فإننا لا نتصدق عليه؛ لأنه يلزم من التصدق عليه أن نوفر من ماله مقدار ما تصدقنا به عليه، ثم هذا المال أين يذهب، يذهب إلى جهة يُقاتَل بها المسلمون، ولهذا اشترط الله عزَّ وجلَّ أنهم لم يقاتلونا، ولم يخرجونا من ديارنا: {أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} يعني: أن تعاملوهم بالبر والإحسان، أو بالقسط، بالعدل. فإذا كان هذا الإنسان الكافر من قوم لا يقاتلوننا، ولا يخرجونا من ديارنا فلا بأس بالصدقة عليه، وإلا فلا. إلى هنا تنتهي هذه الجلسة.

جلسات رمضانية لعام 1411هـ[5]

جلسات رمضانية لعام 1411هـ[5] تكلم الشيخ رحمه الله في هذه المادة عن الأموال التي تجب فيها الزكاة، ونص عليها الشرع كالذهب والفضة وعروض التجارات، ثم ختم ذلك بأجوبة يتعلق أكثرها بالموضوع.

زكاة الذهب والفضة

زكاة الذهب والفضة الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فقد سبق في الدرس السابق بيان حكم الزكاة، وحكم من أنكر وجوبها، وحكم من أقر بالوجوب ولكنه تركها بخلاً، وبيان عقوبة من منعها في كتاب الله، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما درس الليلة؛ ليلة الخميس الموافق للثاني عشر من شهر رمضان عام: (1411هـ) فإنه سيكون في بيان الأموال الزكوية؛ لأننا إذا عرفنا أن الزكاة واجبة ففي أي مال تجب؟ لا تجب الزكاة إلا في أموال معينة، ليس كل ما يملكه الإنسان تجب فيه الزكاة؛ ولكن الزكاة تجب في أموال معينة: الذهب. والفضة. والدَّين. وعروض التجارة. والمواشي؛ بهيمة الأنعام. والخارج من الأرض.

نصاب الذهب والفضة الذي تجب فيه الزكاة

نصاب الذهب والفضة الذي تجب فيه الزكاة نتكلم على الأشياء المتداوَلة بين الناس كثيراً، وهي: الذهب، والفضة، والدَّين: الذهب، والفضة: تجب فيهما الزكاة بإجماع المسلمين إلا خلافاً يسيراً في الذهب؛ لكن جمهور العلماء على الوجوب، والقرآن والسنة يدلان على ذلك. الذهب هو هذا الذهب الأحمر، وأما ما يعرف عند الناس بالذهب الأبيض الآن وهو (البلاتين) فهذا ليس بذهب شرعاً ولا لغة أيضاً؛ لكنه ذهب اصطلاحاً، كما سمى بعض الناس البترولَ الذهب الأسود، والذهب ليس فيه أسود ولا أبيض، الذهب هو الأحمر، المعدن المعروف. وأما الفضة فهي الفضة البيضاء، الوَرِق. الذهب، والفضة تجب فيهما الزكاة، وهي جزء يسير، جزء واحد من أربعين جزءاً، والجزء الواحد من أربعين جزءاً يمثل نسبة كم؟ ربع العشر، هذا شيء يسير، بالنسبة لما خوَّلك الله عزَّ وجلَّ، إذا أعطاك الله تعالى أربعين جزءاً من الذهب، لم يوجب عليك إلا جزءاً واحداً، وهذا الذي أوجب عليك ليس خسارة كما سبق في الدرس الماضي، بل هو غُنْم وغنيمة. الفضة كذلك تجب فيها الزكاة ومقدارها: جزء واحد من أربعين جزءاً؛ لكن لما كانت الفضة أرخص من الذهب صار نصابها أكثر من نصاب الذهب، فنصاب الذهب: (20) مثقالاً، ونصاب الفضة: (140) مثقالاً، فالذي عنده (100) من المثاقيل من الفضة ليس عليه زكاة، والذي عنده (20) مثقالاً من الذهب عليه الزكاة؛ لأن الذهب أغلى من الفضة، فلذلك كان نصابه أقل من نصاب الفضة. فكم يساوي نصاب الذهب بالنسبة للموازين العصرية الموجودة الآن؟ الحقيقة أن الذين حرروا هذا اختلفوا: فمنهم من قال: يساوي (71) غراماً. ومنهم من قال: (94) غراماً. ومنهم من قال: (85) غراماً. وبالجنيه قال بعضهم: (10) جنيهات سعودية، و (5 من 8) . وبعضهم قال: (11) وثلاثة أسباع. ولكن إذا أراد الإنسان أن يحتاط ويعتبر الأقل فهذا احتياط، وإذا قال: إنه لا يلزم المرء إلا ما تيقن وجوبه، فهذا يأخذ بماذا؟ بالأكثر. فمن راعى الاحتياط أخذ بالأقل، ومن راعى براءة الذمة أخذ بالأكثر، وقال: لا يلزم المرء إلا ما تيقن وجوبه، ومن توسط أخذ بالوسط. حسب علمي أنا، وأنا واحد من الناس المختلفين في هذا، أنه بالغرامات، هل يُقال غرام وإلاَّ جرام بالجيم؟ A كلاهما. حسناً! بالغرامات (85) غراماً، أعني: نصاب الذهب (85) غراماً، هذا نصاب الذهب. يقول بعض الناس: إن الذهب -يعني: الجنيه- السبائك ليس خالصاً من كل وجه، بل يضاف إليه أشياء توجب أن يبقى متماسكاً، وإلا لكان ليناً لا يثبت، فلذلك زادوا في النصاب، في مقابل ما وُضع معه من المعدن. والذين يقولون: إن هذه الزيادة غير مقصودة لذاتها، فهي كالملح في الطعام، ولهذا لو بعت طعاماً لا ملح فيه بطعام فيه ملح لم يكن هذا ربا؛ مع أن الطعام الذي فيه ملح معه غيره، لكن هذا الغير مقصود وإلاَّ غير مقصود؟ غير مقصود، قالوا: فالمادة التي تضاف إلى الذهب هذه غير مقصودة، فيُلغى حكمها، ويكون الحكم للذهب وكأنه خالص وإن كان فيه شيء من المادة أو المعدن غير الذهب. فحسب معلوماتي أنا أنه (85) جراماً، فما بلغ ذلك ففيه الزكاة، وما دون ذلك فليس فيه الزكاة.

الخلاف الوارد في زكاة الحلي والراجح فيه

الخلاف الوارد في زكاة الحلي والراجح فيه حسناً! لا فرق في الذهب بين أن يكون نقداً كالجنيهات التي يتبايع الناس فيها، أو سبائك أي: قطع من الذهب، وهذه تكون عند التجار الكبار يتبايعونها، أو حلياًَ من الذهب على القول الراجح من أقوال أهل العلم، أن الحلي ولو كان يستعمل ففيه الزكاة، ودليل هذا عمومات الأدلة الدالة على وجوب زكاة الذهب والفضة بدون تفصيل، والأصل في الأدلة والاستدلال بها أن ما جاء عاماً فالأصل دخول جميع الأفراد فيه إلا ما دل الدليل على استخراجه وتخصيصه، وهذا قاعدة مسَلَّمة دلت عليها اللغة العربية، ودلت عليها السنة النبوية، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنكم إذا قلتم: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض) من أين أخذنا هذا؟ من صيغة العموم، أنها شملت جميع أفراد الصالحين، حتى الملائكة والجن وغيرهم، فدلَّ ذلك على ماذا؟ على أن العام يشمل جميع أفراده. فإذا كان كذلك قلنا: إن الذهب المستعمل حلياً دخل في العموم، فهو فرد من أفراده، فمن أخرج الحلي من الذهب والفضة عن وجوب الزكاة فعليه الدليل. نحن تتبعنا أقوال أهل العلم منذ زمن، سواء الرسائل التي أُلِّفت حديثاً، أو كلام العلماء الأولين، لم نجد عندهم دليلاً عن معصوم، إنما هي آثار عن الصحابة مُعارَضَةٌ بمثلها، والميزان عند الاختلاف هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء:59] . ويقول عزَّ وجلَّ: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10] . فهم استدلوا بآثار صحيحة؛ لكن عن غير معصوم -عن بعض الصحابة- وهي معارضة بأقوال آخرين من الصحابة، استدلوا بأحاديث ضعيفة، ولا يقولون بها أيضاً، استدلوا بحديث جابر: (ليس في الحلي زكاة) وفيه عافية بن أيوب وهو ضعيف، وهو هالك عند بعض العلماء المحدِّثين، وهم أيضاً لا يقولون بهذا الحديث؛ لأننا لو أخذنا بالحديث لكان الحلي لا زكاة فيه مطلقاً، وهم يقولون: إنه إذا أُعد للإجارة ففيه الزكاة، وإن أُعد للنفقة ففيه الزكاة. إذاً: لم يأخذوا بهذا الحديث مع ضعفه، فلماذا يأخذون به في بعض الصور، ويدعونه في بعض الصور؟! واستدلوا بأقْيِسَة قالوا: كما أن ثياب الإنسان أو ثياب المرأة ليس فيها زكاة فكذلك حُلِيُّها؛ لأن الكل لباس. وهذا القياس مردود من وجهين: الوجه الأول: مخالفته للنص. والوجه الثاني: تناقضه. إذا قالوا: النص يجوز تخصيصه بالقياس. قلنا: نعم، صدقتم! النص يجوز تخصيصه بالقياس، ومنه: قياس العبد إذا زنى على الأَمَة إذا زنت، الأَمَة إذا زنت كم تُجلد؟ نصف ما على المحصنات من العذاب، ولم يذكر الله زنا العبد؛ لكن بالقياس على الأمة، فهو مخصص لعموم قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور:2] . ونحن لا ننكر أن يكون القياس مخصِّصاً؛ لكن إذا كان في مقابلة النص فلا نقبله، وما هو النص؟ حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وفي يد ابنتها مُسكتان غليظتان من ذهب -المُسَْكَتان هما: السواران- قال: تؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال: أَيَسُرُّكِ أن يُسَوِّرَك الله بهما سُوارَين من نار؟! فخلعتهما وألقتهما إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقالت: هما لله ورسوله) غضبت لله، فتركتهما، كما فعل سليمان حين غضب لله حينما ألهته الخيل عن صلاة العصر، فجعل يضرب سوقها وأعناقها غضباً لله, فهي فعلت ذلك حرمت نفسها من هذين السوارين غضباً لله عزَّ وجلَّ. فهذا الحديث نص مؤيد بالعمومات الثابتة في الصحيح، مثل: حديث أبي هريرة: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها ... ) وقد أشرنا إليه في الدرس الماضي. فإن المرأة التي عندها حلي من الذهب يُقال: إنها صاحبة ذهب؛ حتى في عرف الناس، يقال: هذه المرأة عندها ذهب، فهي صاحبة ذهب. وما الذي أخرجها؟! قالوا: أخرجها، أن في بعض الأحاديث: (وفي الرِّقَة ربع العشر) الرِّقَة: الفضة المضروبة عند أكثر أهل اللغة، وعند بعض أهل اللغة أن الرِّقَة: الفضة مضروبة كانت أو لا، وممن ذهب إلى هذا الرأي: ابن حزم، قال: إن الرِّقَة هي: الفضة مطلقاً، وقال: إن الزكاة في الحلي واجبة بهذا الحديث نصاً. إذاً: فالقياس الذي ذكروه لا يُقبل لوجهين: الوجه الأول: مصادمة النص، والقياس المصادم للنص يسمى عند الأصوليين: فاسد الاعتبار، لا عبرة به. الوجه الثاني: أن هذا القياس الذي زعموه متناقض، لا في طرده ولا في عكسه. نقول لهم: ما الأصل في الثياب؟ أوُجُوب الزكاة أم لا؟ A لا، عدم الوجوب. ما الأصل في الذهب؟ الوجوب. إذاً: كيف نقيس ما الأصل فيه الوجوب على ما الأصل فيه عدم الوجوب؟! ثانياً: لو أُعِدت الثياب للتأجير فعندهم لا زكاة فيها، كالعقار المعد للتأجير، ولو أُعِد الحلي للتأجير ففيه الزكاة! إذاً: أين القياس؟! لو أُعِدت الثياب للنفقة، معنى النفقة: امرأة عندها ثياب كثيرة، كلما احتاجت باعت وأكلت، فليس فيها زكاة، ولو أعدت حلي الذهب للنفقة، كلما احتاجت باعت منه وأكلت، ففيه الزكاة. إذاً: أين القياس؟! لو أن المرأة التي عندها حلي عَدَلت عن لبسه ونوته للتجارة صار للتجارة، ولو أنها عَدَلت عن لباس الثياب ونوتها للتجارة لم تكن للتجارة عندهم؛ لأنه يشترط للتجارة أن يكون الإنسان مَلَكَها بفعله بنية التجارة. إذاًَ: أين القياس؟! فتبيَّن أن دعوى القياس غير مقبولة لوجهين: الوجه الأول: مصادمة القياس للنص الوارد. والثاني: تناقضه. نعم. إذاًَ: لا قياس. والمسألة -كما يعلم طلبة العلم- خلافية بين العلماء من قديم الزمان؛ ولكن الواجب على طالب العلم أن ينظر في الأدلة، وأن يأخذ بما ترجح عنده، والواجب على العامة أن يتْبَعوا من يرونه أقرب إلى الحق بعلمه وأمانته.

زكاة الدين

زكاة الدين الدَّين: الديون على الناس إن كانت من غير الذهب والفضة فلا زكاة فيها إطلاقاً. مثاله: لو أن شخصاًَ سرق لك بعيراً فذبحه أو باعه، وجبت في ذمته لك بعير؛ لكن هذه البعير الذي في ذمته ما فيها زكاة. إنسان في ذمته لك (100) صاع بُر ليس فيه زكاة.

شروط الدين الذي تجب فيه الزكاة

شروط الدين الذي تجب فيه الزكاة إذا كان الدين من الذهب والفضة ففيه الزكاة؛ لكن بشرط أن يكون على مَلِيء، يعني: غني، باذل. المليء: مَن جَمَع وصفين هما: الغنى، يعني: القدرة على الوفاء. والبذل، يعني: أنه ليس بمماطل. فإن كان فقيراًَ، أي أن الدين على فقير فلا زكاة عليه، لو بقي (20) سنة. فإذا قدَّرنا أن شخصاً فقيراً في ذمته لك (1000) ريال، بقي (10) سنوات، فليس فيه زكاة. لماذا؟ لأنك غير قادر على هذا المال. لكن لو قال قائل: إنك قادر على المال، تقدر تشكوه، ويُلزم بالدفع! ف A هذا حرام، حرامٌ أن تطلب أو تطالب الفقير بقضاء الدين، إذا علمتَ أنه فقير يحرم عليك أن تقول: يا فلان! أعطني، ويحرم عليك أن ترفعه للمحكمة؛ لأن الله يقول: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] . الشرط الثاني: أن يكون باذلاًَ، يعني: غير مماطل، فإن كان مماطلاً نظرتَ، إن كان يمكن مطالبتُه فالزكاة واجبة عليك؛ لأن التفريط منه وإلاَّ منك؟ إن كان يمكن مطالبتُهّ! فالزكاة واجبة عليك؛ لأن التفريط منك، إذا شئتَ شكوتَه وأعطاك. وإذا كان لا يمكن مطالبتُه إما لكونه قريباً لك، لا يمكن أن تطالبه، أو لكونه زعيماً؛ كوزير، وأمير، وما أشبه ذلك، أو لكونك في بلد لا يأخذون الحق، لو طالبتَ ما التفتوا إليك، فإن هذا لا زكاة عليه. إذاً: فلا زكاة على الدين إن كان على فقير، أو على مماطل لا تُمْكِن مطالبتُه. ولكن الدين الذي على فقير أو مماطل لا تُمْكِن مطالبتُه إذا قدرتَ عليه واستوفيتَ حقك، فقد اختلف العلماء، هل تبتدئ حولاًَ جديداً كأنك ملكتَه الآن؟ أو تزكيه سنة كالثمر الحاصل؟ فإن ثمار اليوم تأخذها وتزكيها، يعني: ثمار النخل والزرع، عندما تأخذها تزكيها. والأحوط: أن تزكيه؛ ولكن سنة واحدة فقط، دون السنوات الماضية، ثم تستمر في تزكيته كلما حال عليه الحول. طَيِّبٌ! إذا كان لك مال ضائع أو مَنْسي، فافرض أنك وضعتَ (10. 000) ريال في مكان، ونسيتَ، وبعد (10) سنوات هدمتَ البيت الذي أنتَ واضعٌ فيه الدراهم هذه، ووجدتها، هل فيها زكاة لما مضى؟ لا، ما فيها زكاة؛ لأنك غير قادر عليها. كذلك لو ضاع عليك شيء، وبقيت تبحث عنه، وبقي سنوات ما وُجد، ثم جاءك إنسان به بعد (5) سنوات مثلاً، فليس فيه زكاة؛ لأنه منسي، لا يمكن أن تنتفع به، فلا زكاة فيه. فالمال المنسي، والمال الضائع، والمال المغصوب إذا كان غاصبه لا تُمْكِن مطالبتُه كل هذا ليس فيه زكاة؛ لأن المال الذي يُزَكَّى هو الذي يقدر الإنسان عليه، وينتفع به.

زكاة الأنعام

زكاة الأنعام أما الماشية، وهي: بهيمة الأنعام؛ الإبل، والبقر، والغنم: فنقول: كل حيوان لا يُعد للتجارة فليس فيه زكاة؛ إلا الإبل، والبقر، والغنم، كل حيوان لا يُعد للتجارة فليس فيه زكاة، إلا الإبل، والبقر، والغنم. حسناً! لو كان عند الإنسان أرانب كثيرة، عنده مثلاً (100) ، أو (500) أرنب تتوالد وهي ليست للتجارة؛ لكنه كلما ولدت وزادت عنده باع منها، فهذه ليس فيها زكاة. حسناً! لو كان عنده دجاج كثير ينتج، ليس فيها زكاة. حمام! ليس فيها زكاة. الإبل، والبقر، والغنم يُشترط فيها أن تكون سائمة، يعني: ترعى خارج محله؛ ليس من الزرع الذي زرعه هو؛ ولكن ترعى مِمَّا أنبت الله عزَّ وجلَّ السنة كلها أو أكثر السنة، فإن كان عنده ماشية؛ لكنه يعلفها أكثر السنة فليس فيها زكاة؛ حتى لو بلغت أربعين أو خمسين، لو كان عند الإنسان مائة بعير؛ لكنه يعلفها كل السنة أو أكثر السنة فليس فيها زكاة؛ لأنه يُشترط لوجوب الزكاة أن تكون سائمة الحول أو أكثر الحول.

زكاة الأرض

زكاة الأرض أما الخارج من الأرض: فليس كل خارج من الأرض فيه الزكاة أيضاً. الزكاة قيل: إنها محصورة بعدد. وقيل: إنها محصورة بوصف، وهو: أن يكون الخارج من الأرض مكيلاً مُدَّخراً، أما ما لا يُدَّخر فليس فيه زكاة، وأما ما ليس بمكيل فليس فيه زكاة. فننظر الآن الفواكه هل فيها زكاة؟ الفواكه! ما فيها زكاة؛ لأنها لا تُدَّخر. فإذا قال قائل: تُدَّخر، الآن توجد ثلاجات، تبقى الفواكه فيها ستة أشهر، سنة! نعم. قلنا: لكنها هي في نفسها من حيث هي لا تُدَّخر، فجميع الفواكه من البرتقال والرمان والتفاح وغيره ليس فيها زكاة. حسناً! ثمار النخل فيه الزكاة؟ نعم. لأنه مكيل ومدخر. الحبوب، الحنطة، الأرز، الشعير فيه الزكاة، لأنه مكيل ومُدَّخر. ولابد فيها من بلوغ النصاب، كل الأموال الزكوية لابد فيها من بلوغ النصاب. نصاب الخارج من الأرض: (300) صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: (231) بأصواعنا، وصاع نبوي زيادة، فهي قليلة والحمد لله، يعني: أنه لا يجب على الإنسان إلا ما بلغ النصاب، وكذلك في المواشي، وأنصبتها معروفة ومتنقلة. ونكتفي بهذا القدر من هذه الكلمات اليسيرة، التي نسأل الله أن ينفع بها.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الذهب الذي تعطيه الأم لبناتها وكيفية زكاتها

حكم الذهب الذي تعطيه الأم لبناتها وكيفية زكاتها Q هل الذهب الذي تشتريه الأم لبناتها يكون ملكاً لهنَّ أم لها؟ وهل يجوز لها أن تأخذه وتبيعه؟ وكيف إذا كان لديها ذهب ولدى بناتها ذهب هل يُضَم بعضُه إلى بعض في الزكاة أم ماذا؟ A بسم الله الرحمن الرحيم. الذهب الذي تعطيه الأم بناتها إن كان على سبيل العارية فهو ملكها، يُضَم إلى ما عندها من الذهب وتُخْرَج زكاته، ولها أن ترجع فيه متى شاءت. أما إذا كان على سبيل الهبة فهو للبنات، وكل واحدة من البنات ملكها خاص بها، لا يُضَم إلى الأخرى في تكميل النصاب. وعلى هذا فلو كانت خمس بنات، كل واحدة منهن تملك نصف نصاب، وهُنَّ خمس بنات، لو نظرنا إلى مجموعهنَّ لقلنا: عندهنَّ نصابان ونصف، فعليهنَّ الزكاة؛ لكننا لا ننظر إلى ذلك، كل واحدة منفردة عن الأخرى، فلا يكون عليهنَّ زكاة؛ لأن كل واحدة لا تملك إلا نصف نصاب، فلا زكاة عليها.

حكم إعطاء الزكاة للأقارب الفقراء

حكم إعطاء الزكاة للأقارب الفقراء Q امرأة عندها ذهب وتقول: هل يجوز أن أعطي زكاتي لزوجي إذا كان ضعيفاً وعليه ديون كثيرة؟ وهل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ابدأ بمن تعول) عام في كل شيء؟ A نعم، يجوز للمرأة أن تعطي زكاتها لزوجها إذا كان فقيراً، ولاسيما إذا كان عليه ديون؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة عبد الله بن مسعود (زوجك وولدك أحق من تصدقتِ عليهم) فيجوز لها أن تقضي دين زوجها من زكاتها، ولا حرج عليها في ذلك. ويجب علينا ونحن طلبة علم أن نعلم أن النصوص إذا وردت عامة وجب الأخذ بعمومها، ولا يُخرَج شيء من أفرادها إلا بدليل، هذه قاعدة سبقت الإشارة إليها قريباً، فقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة:60] هذه ألفاظ عامة تشمل القريب والبعيد، بل قد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (صدقتك على ذي القرابة صدقة وصلة) . فمثلاً: إذا كان الإنسان عنده أب فقير، وعنده صدقة، نقول: هل أبوك داخل في الفقراء الذين في الآية؟ نعم، لا شك أنه داخل، فقير. ما هو الدليل على أنك لا تعطيه من زكاتك؟ أين الدليل؟ ما في دليل. لكن إذا كان الفقير ممن تجب عليك نفقته فلا يجوز أن تعطيه من زكاتك للنفقة، أخذتم بالَكُم؟! إذا كان القريب ممن تجب عليك نفقته فلا يجوز أن تعطيه من زكاتك لنفقته، لماذا؟ لأنك إذا أعطيته من زكاتك لنفقته كأنك لم تخرج الزكاة؛ لأنه الآن أعطيته نفقة، والنفقة واجبة عليك. فإذاً: القاعدة أن نقول: كل قريب تجب عليك نفقته فإنه لا يجوز أن تعطيه من زكاتك لماذا؟ لنفقته، وتأمَّل قوله: لنفقته، فإن أعطيته لغير النفقة فلا بأس. مثاله: لو أن والدك لزمه غُرْم! تسبب في حادث مثلاً، ولزمه غُرْم، هل يجوز أن تقضي عنه غُرْمه من زكاتك؟ نعم يجوز. لكن هل يجوز أن تنفق عليه من زكاتك وأنت يلزمك نفقته؟ لا. الفرق: أنه لا يلزمك دفع الغُرْم عن أبيك، ويلزمك الإنفاق على أبيك. وكذلك العكس: لو أن شخصاً له ابن فقير، والأب قادر على الإنفاق عليه، فأعطاه أبوه من زكاته، ما تقولون؟ هذا شخص له ابن فقير، والأب قادر على الإنفاق عليه، فهل يجوز أن يعطيه من زكاته؟ لا؛ لأنه تجب عليه نفقته. لكن لو أن الابن صار عليه غُرْم من حادث حصل منه، أو شيء أتلفه، ولزمه غرامته، فهل يَجوز لأبيه أن يقضي غرامته من زكاته؟ نعم؛ لأن الأب لا يلزمه دفع الغُرْم عن ابنه. فهذه هي القاعدة في هذه المسألة أن نقول: القرابات داخلون في العموم، فلهم حق الزكاة، الزكاة للفقراء أيِّ إنسان. لكن إذا كان يلزم مِن إعطائه مِن زكاتك سقوط النفقة عنك فإن ذلك لا يجزئك، يعني: إذا كان القريب ممن تلزمك نفقته فإنه لا يجوز أن تعطيه من زكاتك للنفقة. أما حديث: (ابدأ بمن تعول ... ) يعني: معناه إذا كان عند الإنسان شيء، فضل من مال، فليبدأ بمن يعول، وليس المراد الصدقة، الصدقة كما ذكرنا على التفصيل الذي سمعتم.

حكم إعطاء الزكاة لقريب يشرب الدخان

حكم إعطاء الزكاة لقريب يشرب الدخان Q عندي زكاة ولي أخ فقير وعليه دَين؛ ولكن يشرب الدخان، هل لي أن أعطيه زكاة مالي عن الدَّين؟ وجهني إلى ما فيه مصلحتي! A نعم، يجوز أن تقضي دَينه، وإن كان يشرب الدخان؛ لأن الدَّين لا علاقة له بالدخان. نعم لو فرضنا أنه تديَّن ليشتري الدخان فهذا قد نقول: إن المسألة قد يتردد الإنسان في جواز إعطائه؛ لأنه مثلاً إذا لزمه مائة ريال من أجل الدخان، وقضيتَ عنه اشترى مرة ثانية، وصار كأنك تنفق عليه ليدخن، فهذا محل تردد. أما لو كان الدَّين لزمه لغير الدخان، مثل: الإنسان اشترى نفقة لأولاده وهو يشرب الدخان، فقضيتَ دينَه، فهذا لا بأس به.

حكم إعطاء الخادمة من الزكاة

حكم إعطاء الخادمة من الزكاة Q هل تُعطى الخادمات من الزكاة؟ أرجو الإجابة عليه للحاجة! A نعم، يجوز أن تعطى الخادمات من الزكاة إذا كان لهنَّ عوائل فقراء. أما بالنسبة للخادمة نفسها فهي غنية؛ لأنها تأكل مع أهل البيت، ولها راتب؛ لكن إذا كان هناك عوائل في بلدها محتاجون فقراء فلا بأس أن يعطيها الإنسان من الزكاة؛ لأنها في حاجة.

حكم المذي في نهار رمضان

حكم المذي في نهار رمضان Q ما حكم من أنزل الْمَذي بشهوة في نهار رمضان؟ وإذا كان يوجب كفارة؟ الرجاء الإيضاح، وجزاكم الله عنا خير الجزاء. A المذي لا يفسد الصوم، سواء كان ذلك بتفكير، أو بتقبيل، أو بضم، المهم أن المذي لا يفسد الصوم، وقد سبق بيان المفطِّرات، وأنا أحيل الأخ السائل على الشريط الذي تكلمنا فيه عن المفطِّرات؛ لأنه إن شاء الله سيستفيد منه.

حكم الدم القليل الخارج من فرج المرأة في غير وقت الحيض

حكم الدم القليل الخارج من فرج المرأة في غير وقت الحيض Q امرأة طهُرت من الحيض في أول يوم من رمضان، وبعد (9) أيام صار يأتيها بعد مجيئها من صلاة التراويح دمٌ يسيرٌ خفيفٌ أحمرٌ فاتح لمدة (3) ليال، ينقطع بسرعة، فماذا عليها وهو في غير وقت حيضها؟ A هذه ليس عليها شيء، وهذا الذي يخرج منها ينقض الوضوء فقط، ولا يوجب غسلاً، ولا يُسقِط صلاةً، ولا يُفسد صوماً، وقد أُثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: [إذا كان الدم ينقُط نقطة أو نقطتين كدم الرُّعاف فإن هذا ليس بشيء] وهذه قاعدة مفيدة للنساء، فالنقطة والنقطتان ليست بشيء، لا تضر المرأة؛ لكنها تنقض الوضوء.

إخراج زكاة الحلي يكون بقدر قيمته حال الاستعمال

إخراج زكاة الحلي يكون بقدر قيمته حال الاستعمال Q إذا كان الحلي مخلوطاً بفصوص، وعند الشراء تُحسب قيمة الفصوص، وعند البيع لا تُحسب، هل يعتبر وزنه مع الفصوص على اعتبار وقت الشراء؟ أو يوزن مجرداً عن الفصوص؟ A الفصوص لا تُحسب من الزكاة، أو ليس فيها زكاة، إنما يُعتبر الذهب خالصاً هو الذي فيه الزكاة، وأيضاً يُعتبر قيمته ملبوساً، يعني: لو فرضنا هذا السوار يساوي خمسمائة وهو جديد؛ لكنه بعد الاستعمال يساوي أربعمائة فالزكاة على الأربعمائة ما هي على الجديد؛ لأنها هي لا تملك الجديد الآن، تملكه الآن مستعملاً، وهذه ربما يخطئ فيها بعض الناس، يذهب إلى الصائغ ويَزِنُه على اعتبار أنه جديد، ويُقَوِّمُه على أنه جديد وليس كذلك، بل يقال للصائغ: كم تشتري هذا المُكَسَّر لو عرضناه عليك؟ إذا قال: أشتريه بكذا وكذا، ولا يُمْكِن أن أزيد، قال: ما يُمْكِن يزيد على هذا. إذاً: تُزكَّى قيمته الحاضرة، وهو مستعمل. وأما ما فيه من الفصوص والخليط الذي ليس بذهب فليس فيه زكاة؛ لكن أنا لَفَتَ نظري قولُه: إنه عند البيع يُحسب، وعند الشراء لا يُحسب، كيف هذا؟ فهم عند الشراء يحسبوه، يعني: أغلى من الذي يباع من غير فصوص، يعني: الجرام باثنين وخمسين بالفصوص، وبدون فصوص باثنين وأربعين ريال. طَيِّبٌ! وعند الشراء! وعند الشراء باثنين وأربعين. وعند البيع! عند البيع يحسبوه بدون فصوص، حتى لو كان فيه فصوص. {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين:1-3] كونهم إذا باعوا يحسبونه ذهباً، وإذا اشتروا لا يحسبوه. على كل حال: إذا تراضوا بينهم، أنا ما أقول شيئاً، لا أقول شيئاً، إذا تراضوا، وقال الذي عرض المستعمل على الصائغ: ألغِ قيمة الفصوص، ورضي، ما يُلام، إذا قال: أنا ما آخذ إلا بدون قيمة الفصوص، هذا شأنه، يعني: ما نلومه، يعني: أن الصائغ يقول: أنا لا أحسب الفصوص بشيء، إذا رضي البائع بهذا نعم، ما فيه شيء.

نصيحة لرجل أسرف على نفسه بالمعاصي

نصيحة لرجل أسرف على نفسه بالمعاصي Q أنا شاب أسرفتُ على نفسي بالمعاصي كثيراً؛ ولكنني لا زلتُ متمسكاً بالصلاة على الرغم من أنني أؤخرها عن وقتها كثيراً، وأخشى أن أتركها نهائياً فأكفر بالله، فما رأيكم؟ وفقكم الله! A الرأي يا أخي السائل! أن تقبل على الله عزَّ وجلَّ، وما دام معك أصل الإيمان -الحمد لله- بالصلاة، فجاهد نفسك على ترك المعاصي، وفعل الطاعات، وثِقْ أنه كلما ازداد الإنسان إقبالاً على الله ازداد إقبال الله عليه، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المقبلين على الله الذين يقبل الله عليهم، قال الله تعالى في الحديث القدسي: (مَن تقرَّب إليَّ شبراً تقربتُ إليه ذراعاً، ومَن تقرَّب إليَّ ذراعاً تقرَّبتُ منه باعاً، ومَن أتاني يمشي أتيته هرولة) ففضل الله أوسع من عملك. فأقبِل على الله يا أخي! وأكثِر من الطاعات، وجاهد نفسك، واليوم يكون فعلك للطاعات جهاداً، وغداً يكون طبيعة وجِبِلَّة؛ لأن الإنسان إذا اعتاد على الشيء صار له عادة. لكل امرئ من دهره ما تعودا فأنت عليك أن تقبل إلى الله عزَّ وجلَّ بجِد وإخلاص حتى يعينك الله. وأقول للجميع: كلما توليت عن طاعة، فاعلم أن سبب ذلك وجود معصية من قبل جعلتك تتولى عن الطاعة، ودليل ذلك قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدة:49] جعل التولي مصيبة ببعض ذنوب سابقة. ولهذا إذا رأيت من نفسك إعراضاً عن الطاعة فحاسب نفسك، لابد أن هناك معاصٍ هي التي أوجبت لك أن تتولى عن الطاعة، ولو كنت نقياً لكنتَ مقبلاًَ على طاعة الله. أسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره، وعلى حسن عبادته، إنه جواد كريم.

نصيحة لرجل يريد حفظ القرآن وتعلم العلم

نصيحة لرجل يريد حفظ القرآن وتعلم العلم Q أنا شاب جاوزتُ الثلاثين من عمري، فهل حفظي للقرآن الكريم بعد هذا العمر يبقى في ذاكرتي؟ أرجو إعطائي النصيحة في ذلك، وكيف أتعلم ما ينفعني من أمور ديني، أي: كيف أبدأ؟ علماً أنه لا يوجد لدينا من يقوم بالتدريس يومياً في بلدنا، بل هناك بعض المحاضرات الشهرية، فأرجو إفادتنا، وجزاكم الله عنا وعن طلاب العلم خيراً. A أما بالنسبة لحفظ القرآن فليس له سن معين؛ لكن القرآن يحتاج إلى تعاهد أكثر من غيره؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تَفَصِّياً من الإبل في عُقُلِها) فأنت احفظ القرآن ولا تيأس، ولو كان بلغت الثلاثين؛ ولكن تعاهده وأكثر من قراءته، ولك في كل قراءة تقرؤها في كل حرف عشر حسنات، ولو للتحفظ، حتى ولو كان للتحفظ، فحافظ على القرآن ولو كنت ابن الثلاثين، وإذا علم الله من نيتك أنك حريص على حفظه وبقائه أعانك عليه؛ لأن الله يقول: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17] . والصحابة الذين أسلموا حفظوا القرآن وهم كبار، ولم يمنعهم تقدم السن من حفظ القرآن. أما طلب العلم فأنا أشير عليك إذا كان بإمكانك أن تلتحق بالكليات مثل: الجامعة الإسلامية، أو جامعة الإمام محمد بن سعود، وتدرس فيها، وتقرأ على المشايخ الموجودين في المنطقة، ثم ترجع إلى بلدك وتكون معلماًَ، أنا أشير عليك بهذا إذا أمكن، فإن لم يمكن فالعلم في وقتنا هذا ولله الحمد ميسَّر، هناك أشرطة كثيرة، ورسائل، وكتب، وأنا أشير عليك مرة ثانية بأن تحضر إلى البلاد التي فيها فروع للكليات وتدرس فيها، وتدرس على علماء المنطقة، ثم ترجع إن شاء الله إلى بلدك معلماً مرشداً.

حكم رفع البصر إلى السماء في الصلاة

حكم رفع البصر إلى السماء في الصلاة Q أنا أرى كثيراً من الإخوة المصلين هداهم الله يرفعون أبصارهم إلى أعلى، خصوصاً عند دعاء القنوت، فما توجيهكم في ذلك؟ A لا يجوز للإنسان أن يرفع بصره إلى السماء، وهو من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعَّد عليه، واشتد قوله في ذلك؛ حتى قال عليه الصلاة والسلام: (لَيَنْتَهُنَّ عن ذلك أو لَتُخْطَفَنَّ أبصارُهم) وعيد شديد، حتى إني رأيت بعض العلماء قال: إذا رفع الإنسان بصره إلى السماء بطلت صلاته، ووجب عليه أن يعيدها من جديد؛ لأنه محرم، وسوء أدب مع الله، أنت بين يدي الله كيف ترفع بصرك إلى السماء؟! هذا حرام ولا يجوز؛ لا في دعاء القنوت، ولا بعد قول: سمع الله لمن حمده؛ لأننا رأينا بعض الناس إذا قال: سمع الله لمن حمده رفع وجهه إلى السماء، وهذا حرام ولا يجوز.

حكم من أخر صلاة العشاء إلى بعد منتصف الليل

حكم من أخر صلاة العشاء إلى بعد منتصف الليل Q امرأة أخَّرت صلاة العشاء الآخر إلى منتصف الليل، الساعة: (12) ، أو (12. 30) تقريباً، فما حكم صنيعها ذلك، مع أنها بالغة عاقلة؟ A لا يجوز لإنسان لا الرجل ولا المرأة أن يؤخر صلاة العشاء إلى ما بعد منتصف الليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وقت العشاء إلى نصف الليل) معناه ما بين الثلث والنصف فقط، وهذا أفضل، يعني: تأخير صلاة العشاء إلى ثلث الليل، ما بين الثلث والنصف أفضل، ولهذا فإن المرأة في بيتها لو جاءت تسأل: هل الأفضل لي أن أصلي عندما يؤذن للعشاء، يعني صلاة العشاء الأخيرة أو أن أؤخرها إلى ثلث الليل؟ قلنا: أن تؤخريها إلى ثلث الليل أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تأخر ذات ليلة حتى استعجله الصحابة، فخرج إليهم وصلى عليه الصلاة والسلام وقال: (إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي) ثلث الليل كم في الوقت الحاضر؟ نحسب من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. مداخلة: الساعة: (12) . الشيخ: لا، لا، لا يصل (12) . (11) . الشيخ: بالتوقيت العربي كم؟ مداخلة: الفجر؟ الشيخ: نعم. مداخلة: (10. 15) ، (10. 10) ، (10. 05) . الشيخ: حسناً (10. 05) . مداخلة: حسب التقويم. الشيخ: لا. مداخلة: إذا جاء نصف الليل. الشيخ: نصف الليل كم؟ حسناً! (10. 10) ، يعني: معناه إنه (05. 05) بالتوقيت العربي. ! مداخلة: النصف. الشيخ: هذا النصف، (05. 05) ، نعم، الآن عندنا التوقيت العربي: الخامسة إلاَّ ربعاً، يعني: الباقي: ثلث وينتصف الليل. مداخلة: (11. 30) . الشيخ: نعم. (11. 30) .

جلسات رمضانية لعام 1411هـ[6]

جلسات رمضانية لعام 1411هـ[6] لقد أمرنا الله عز وجل بأوامر، ونهانا عن نواهٍ، ولذلك يجب على الأمة أن تأخذ أوامر الله وتنفذها على السمع والطاعة، ومن هذه الأوامر أمر الزكاة، حيث أنها أعظم ركن بعد الصلاة، ومن واجبات الزكاة أن نصرفها حيث أمرنا الله عز وجل في الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله في القرآن الكريم.

أهل الزكاة وبيان أحوالهم

أهل الزكاة وبيان أحوالهم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإننا في هذه الليلة؛ ليلة الأحد الخامس عشر من شهر رمضان عام: (1411هـ) نكمل ما نريد أن نتكلم عليه من مسائل الزكاة. وموضوع الدرس هو: أهل الزكاة، بيانهم، وأحوالهم. وذلك أن الزكاة لا تكون مقبولة عند الله حتى توضع في المواضع التي أمر الله أن توضع فيها، فمن وضعها في غير أهلها فكمن صلَّى الصلاة في غير وقتها، وحينئذ تكون مردودة عليه غير مقبولة منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود عليه، غير مقبول منه. ولم يجعل الله سبحانه وتعالى تقسيم الزكاة موكولاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا إلى مَن دونه من الأمة، بل تولى سبحانه وتعالى قسم ذلك بنفسه، وبيَّنه أكمل بيان، فقال سبحانه وتعالى في سورة التوبة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60] يعني: أن الله فرض أن تكون الصدقات لهؤلاء، وهذا الفرض ناشئ عن علم وعن حكمة، ولهذا قال: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60] فهو سبحانه وتعالى أعلم بمن هو أهل للزكاة، وهو سبحانه وتعالى أحكم؛ حيث وضعها في موضعها. نرجع إلى أول الآية فنقول: إن الآية قد صُدِّرت بـ (إِنَّمَا) وإِنَّمَا من أدوات الحصر، والحصر يعني: إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما سواه. ويعني: أن هناك أشياء خرجت عن هذا المحصور؛ لأنه لو دخل كل شيء لم يكن للحصر فائدة، وانتبه لهذه النقطة؛ لأنه سيكون عليها عَود إن شاء الله في آخر الآية. أقول: إن الحصر يفيد أن هناك شيئين: محصور فيه، وخارج عن الحصر؛ لأننا لو لم نقل بذلك لم يكن للحصر فائدة. إذاً: فالزكاة محصورة في هؤلاء الأصناف الثمانية، لا تخرج عنهم، ومن أخرجها عنهم فقد وضعها في غير موضعها، قال الله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ) وما المراد بالصدقات؟ الزكوات؛ لأن كلمة صَدَقَة تُطلق على الزكاة الواجبة، وعلى صدقة التبرع، وعلى الإنفاق على الأهل، وعلى الإنفاق على النفس، كل مالٍ يُبذل لله فإنه صدقة، لكن المراد بالصدقات هنا: الزكوات، بدليل قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:103] . وبدليل: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا بكر كتب: [هذه فريضة الصدقة -يعني: الزكاة- للفقراء. ] اللام للتمليك والاستحقاق، أي: أنهم يملكونها على وجه الاستحقاق لها، فهم يملكونها على أنها حلال لهم، كما لو كسبوها بالبيع والشراء [. للفقراء، والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم] أربعة في نسق واحد، كل هؤلاء الأربعة داخلون في ضمن ما تقتضيه اللام، اللام من الاستحقاق والتمليك. الفقراء والمساكين محتاجون؛ لكن الفقراء أحوج من المساكين، ودليل ذلك أن الله بدأ بهم في الاستحقاق، وإنما يُبدأ بالأهم فالأهم، والأَولى فالأَولى.

الفقراء

الفقراء الفقراء: يقول العلماء: هم الذين لا يجدون شيئاً من الكفاية، أو يجدون دون نصفها. فمثلاً: إذا كان هناك رجل عنده عائلة، ليس له كسب لا من عمل، ولا من تجارة، ولا من غلة وقف، نسمي هذا فقيراً. مثال آخر: رجل عنده راتب وظيفة مقداره (2000) ريال؛ لكن عنده عائلة كبيرة لا يكفيها إلا ستة آلاف ريال في الشهر، والراتب (2000) ريال في الشهر، ما هذا؟ فقير. لماذا؟! لا يجد نصف الكفاية؛ لأن راتبه (2000) ريال، ومصروفه. ! (6000) آلاف. إذاً: فهو لا يجد نصف الكفاية. مثال ثالث: رجل عنده راتب (3000) ريال؛ لكنه ينفق في ضروراته (6000) ريال، هذا مسكين؛ لأن المسكين يجد نصفها فما فوق؛ لكن لا يجد الكل. مثال رابع: رجل راتبه (4000) ريال؛ لكنه ينفق في ضروراته (6000) ريال، هذا مسكين؛ لأنه لا يجد الكفاية، إنما يجد أكثر الكفاية. مثال خامس: رجل عنده راتب (6000) ريال، وإنفاقه الضروري (6000) ريال. هذا غني، ليس فقيراً، ولا مسكيناً. إذاً: عرفنا أن الفقير هو الذي لا يملك نصف الكفاية؛ يعني: لا يملك شيئاً، أو لا يملك إلا أقل من النصف.

المساكين

المساكين وأما المسكين فهو: الذي يملك النصف؛ لكن لا يملك الكل. هذا هو الفرق بينهما. هذان الصنفان يأخذان الزكاة لحاجتهما أو للحاجة إليهما؟ لحاجتهما. إذاً: فما دام في الحاجة على وصف الفقر والمسكنة فهما من أهل الزكاة، وإذا اغتنيا فليسا من أهل الزكاة. حسناً! الغنى ينقسم إلى قسمين: غنى بدن. وغنى مال. أما غنى المال فعرفتموه، الذي يجد الكفاية. أما غنى البدن فهو الذي لا مال عنده؛ لكنه يستطيع أن يكتسب ببدنه، قوي مكتسِب، ما عنده مال، ما عنده ادِّخار؛ لكن يستطيع أن يعمل وينفق على نفسه وأهله، هذا نقول عنه: إنه غني. ولهذا جاء رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألانه الصدقة، فنظر فيهما عليه الصلاة والسلام فقال: (إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسِب) هذا نسميه غناً بدنياً، أو نسمي صاحبه غنياً بالبدن. فإن كان قوياً لكن لا يكتسب لأن البطالة في البلد كثيرة، لا يجد عملاً! أسميه فقيراً؟ نعم؛ لأنه قوي كالفيل من قوته؛ ولكنه لا يجد عملاً؛ لأن هناك بطالة، فنقول: هذا فقير. {لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة:60] .

العاملون عليها

العاملون عليها الثالث: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة:60] : انتبه لكلمة (عامل عليه) ، ولم يقل: (العامل فيها) ، {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} و (العاملين فيها) بينهما فرق عظيم: العامل عليها يعني: الذي له ولاية عليها، ولهذا جاء حرف الجر (على) دون (في) ، فمن هو العامل عليها؟ هو الموكل من قبل ولي الأمر على قبض الزكاة من أهلها وصرفها في مستحقها، هذا العامل عليها. إذاً: العمالة نوع من الولاية. أما العامل فيها فليس له حق منها، ولنضرب مثلاً يتضح به المقام: أرسل ولي الأمر هيئة لقبض الزكاة من سائمة بهيمة الأنعام، من الإبل، فقبضت من الزكاة أربعين بعيراً، هذه الإبل تحتاج إلى راعٍ، استأجرنا لها رعاة، فعندنا الآن على هذه الإبل عاملون عليها وهم: الهيئة الذين نصبهم الإمام، أو نصبهم ولي الأمر، وعندنا عاملون فيها وهم: الرعاة. العاملون عليها يُعطَون نصيبهم من الزكاة، وأما العاملون فيها فيُعطون نصيبهم من بيت المال، يُجعل لهم راتب من قبل ولي الأمر، ولا يأخذوا شيئاً من الزكاة؛ لأن الله قال: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة:60] ولم يقل: العاملين فيها. هؤلاء نعطيهم لحاجتهم؟ أو للحاجة إليهم؟ للحاجة إليهم. نعم، للحاجة إليهم، ولهذا نعطيهم ولو كانوا أغنياء؛ لو كان العامل عليها غنياً ثرياً عنده أموال كثيرة أعطيناه من الزكاة؛ لأننا لسنا نعطيه لحاجته، بل للحاجة إليه. حسناً! هذا رجل معتبر في البلد يعطيه الناس زكواتهم يفرقها، هل يكون من العاملين عليها؟ لا؛ لأننا قلنا: العاملون عليها الذين ينصبهم مَن؟ ولي الأمر، لهم ولاية؛ لكن هؤلاء وكلاء عن أصحاب الزكاة وليسو عاملين عليها، فالذي عليه الزكاة يجب أن يؤديها إلى الفقير إما بنفسه وإما بوكيل، وهؤلاء وكلاء عمَّن عليهم الزكاة، عن أصحاب الأموال؛ ولذلك لا يعطَون من الزكاة على أنهم عاملون عليها. ولو تلف المال عند هذا الرجل، هل يكون مضموناً للفقراء أو لا؟ A مضمون للفقراء على كل حال؛ لكن إن كان متعدياً أو مفرطاً فالضمان عليه دون صاحب المال، وإن كان غير متعدٍّ ولا مفرِّط فالضمان على صاحب المال. المهم أن المال مضمون للفقراء؛ لكن لو تلف المال عند العاملين عليها، هل يكون مضموناً للفقراء؟ لا؛ لأن العامل عليها يقبضها باسم ولي الأمر، فإذا دفع أهل الأموال الزكاة إلى العاملين عليها فقد برئت ذممهم؛ لأن العاملين عليها أيديهم أيدي ولاة الأمور، فقد وصلت إلى أصحابها، انتبهوا! وبناءًَ على ذلك فإن جمعيات البر الخيرية المصرَّح لها من قبل الدولة إذا وصلها المال، فقد برئت ذمم أصحاب المال؛ لأن هؤلاء وكلاء عن الدولة وعن ولي الأمر، بخلاف الذي يُرسل أهل الأموال زكاتهم إليه، لكونه عارف بالبلد، وثقة، فإن هذا لو تلف المال عنده لكان مضموناً للفقراء. عليه أو على صاحب المال؟ حسب التفصيل الذي ذكرنا؛ عليه إن فرَّط أو تعدى، وإلاَّ فعلى صاحب المال.

المؤلفة قلوبهم

المؤلفة قلوبهم الصنف الرابع: المؤلفة قلوبهم: قال تعالى: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة:60] لماذا أنث المؤلفة مع أن (القلب) مذكر؟ لأن القلوب جمع. وكل جمع مؤنث، نعم، كما قال الزمخشري: لا أبالي بجمعهم كل جمع مؤنثُ نعم، كل جمع مؤنث، فيجوز تأنيثه إلا جمع المذكر السالم فإن اللغة المشهورة أنه لا يؤنث، فلا يصح أن تقول: جاءت المسلمون؛ لكن يصلح أن أقول: جاءت الرجال؛ لأن الرجال جمع تكسير، والمسلمون جمع مذكر سالم. قال ابن مالك: والتاء مع جمعٍ سوى السالم مِنْ مذكرٍ كالتاء مع إحدى اللَّبِنْ إذاً: المؤلفة قلوبهم أُنِّث الوصف؛ لأن القلوب جمع، فيجوز تأنيثه. المؤلفة قلوبهم يعني: الذين يُعطَون من الزكاة لتأليف قلوبهم وجذبها إلى الإسلام وإلى الإيمان، قال العلماء: والمؤلفة قلوبهم أصناف: أولاً: مَن يُعطى ليَقوَى إيمانُه. والثاني: مَن يُعطى ليُؤمِن نظيرُه. والثالث: مَن يُعطى ليُدفَع شرُّه. كل هؤلاء من المؤلفة قلوبهم. والرابع: مَن يُعطى لإيمانه، يعني: ليُؤمِن، ليس ليَقوَى إيمانه، بل ليُؤمِن. فنعطيهم لهذه الأغراض. رجل رأيناه مقبلاً على الإيمان؛ لكن يحتاج إلى جذب، فأعطيناه من الزكاة ليؤمن، نقول: صحيح؛ لأنه مؤلَّفٌ قلبُه. رجل آخر مؤمن لكن إيمانه مهزوز، فأعطيناه ليثبت، يصح. الثالث: مؤمن؛ لكن له نظير إذا أعطينا هذا ورأى الأموال أسلم نظيره، نعطيه من أجل أن يسلم نظيره، فهنا المصلحة لغيره، أعطيناه مع أن المصلحة لغيره. الرابع: أن يكون هناك إنسان شرير من المسلمين فنعطيه لكف شره وأذاه. كل هؤلاء من المؤلفة قلوبهم. ولكن اختلف العلماء: هل يُشترط أن يكونوا سادة ذوي طاعة في قومهم -لأن السادة إذا صلحوا صلح من تحتهم- أو لا يُشترط ذلك؟ فأكثر العلماء على أن المؤلفة قلوبهم لابد أن يكونوا سادة كبراء في قومهم، حتى نكسبهم ومَن وراءَهم. ولكن بعض العلماء يقول: بل نعطي المؤلَّف، وإن لم يكن سيداً في قومه من أجل إقامة دينه، وإذا كنا نعطيه إذا كان فقيراً لغذاء البدن؛ فالمؤلَّف قلبُه نعطيه لأجل غذاء الروح وتقوية الإيمان، وتقوية الإيمان عند الرجل أهم من أن يُملأ بطنُه من الطعام. والراجح: أن ولي الأمر ينظر للمصلحة.

الرقاب

الرقاب قال تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة:60] :- الرقاب: يقول العلماء أيضاً: إنها أصناف: الصنف الأول: رجل مكاتَب يُعان في أداء كتابته. والصنف الثاني: رجل رقيق يُشترى فيُعتق. والصنف الثالث: أسير عند الكفار وهو مسلم فيُعطى آسروه من الزكاة ليفكُّوه. هذه ثلاثة. أما الأول: المكاتَب: فصورته: أن العبد يَشتري نفسه من سيده بثمن مؤجل، وهذا مشروع، وأوجبه كثير من أهل العلم، بالشرط الذي ذكر الله في القرآن، وهو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} [النور:33] . والأمر للوجوب عند الظاهرية، وعند كثير من المتأخرين، مثل: محمد رشيد رضا، وبعض العلماء. وأكثر العلماء على أن الأمر للاستحباب؛ لأنه ملكه ولا يُلزم بإخراج ملكه عن سيطرته. على كل حال، ليس هذا موضع البحث في هذا والترجيح. فإذا كاتب العبدُ سيدَه، واشترى نفسه من سيده بثمن؛ فإننا نعينه من الزكاة من أجل أن نخلص نفسه من الرق. والثاني: رقيق عبد: اشتريناه من سيده بالزكاة وأعتقناه. والثالث: أسير مسلم عند الكفار: افتديناه، وقلنا للكفار: أطلقوا أسيرنا بمال، ونعطيهم من الزكاة. ومثله أيضاً: مَن كان أسيراً عند غير الكفار، كما يوجد في عصرنا الحاضر ما يسمى بالاختطاف، لو أن فئة ظالمة خطفت رجلاً مسلماً وقالت: لا أطلقه إلا بمال، فإنه يجوز أن نعطيهم من الزكاة؛ لأنه لا فرق بين اختطاف هؤلاء وأسر الكفار، كلٌّ يراد به إنقاذ المسلم من الظلَمة. قوله: {وَفِي الرِّقَابِ} جاءت (في) بدلاً عن (اللام) ؛ لأن الرقاب لا يشترط فيهم التمليك؛ ولهذا لو ذهبنا إلى سيد المكاتَب، وقلنا: يا فلان! هذه قيمة الكتابة، يجوز؟ نعم يجوز، حتى وإن لم يعلم العبد؛ لأنه لا يُشترط التمليك.

الغارمون

الغارمون قال تعالى: {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة:60] : الغارمون هم: المدينون، وقسمهم العلماء رحمهم الله إلى قسمين: 1- غارم لنفسه. 2- وغارم لغيره. الغارم لنفسه: هو من لحقه الدَّين لغرض نفسه، كرجل تديَّن واشترى سيارة، تديَّن واشترى بيتاً للسُّكنى، تديَّن وتزوَّج، وما أشبه ذلك، هذا غارم لنفسه، لمصلحة نفسه. والثاني: غارم لمصلحة غيره: مثل: رجل رأى بين قبيلتين من الناس شحناء وعداوة ربما تؤدي إلى الاقتتال، فقال لهم: يا جماعة، اصبروا! لنجلس على بساط البحث والصلح لنصلح بينكم، فنعطيكم أنتم (10. 000) ريال، وأنتم نعطيكم (10. 000) وكفوا، فوافقوا، وتصالحوا على (10. 000) ريال تُدفع لكل قبيلة، الرجل هذا غرم الآن، التزم بماذا؟ بغُرْم. بكم؟ بعشرين ألف ريال. فهل يُعطى هذه الغرامة؟ أو نقول: نحن لم نوكلك حتى نعطيك؟ A نعطيه هذه الغرامة، حتى لو كان غنياً يستطيع أن يدفع ليس عشرين ألفاً فحسب! بل عشرين مليوناً، فنعطيه ونقول: تفضل، هذه عشرون ألفاً أعطِ القبيلة رقم [1] عشرة، وأعط القبيلة رقم [2] عشرة. فهمتم؟ نعم. لماذا نعطيه؟ لأن هذه مصلحة عامة، ينبغي أن يُشجع الفاعل عليها. ولو قلنا: والله نحن ما وكلناك، والغُرْم عليك لكان في هذا تحطيم لأهل الإصلاح، أليس كذلك؟ كلٌّ يقول: أنا ما علي، اتركهم يقتتلون، ما دمتُ إذا سعيتُ بينهم بالصلح على مال صار المال عليَّ فأنا ما عليَّ منهم، ولهذا قال العلماء: إن هذا من ذاك، المكافأة لهذا الرجل على معروفه العظيم الذي كفَّ فيه القتال. الغارم لنفسه مسكين، لا يُعطى إلا إذا كان فقيراً، ويُعطى بقدر غُرْمه فقط، وإذا كان يُخشى إذا أُعطي لغُرْمه أن يُتلف المال ولا يقضي الدَّين، قلنا: اجلس في بيتك ونحن نقضي غُرْمك، نذهب إلى الطالب ونوفي عنه؛ لأننا لو أعطيناه وسلطناه على المال لأضاعه وأتلفه، إذاًَ: نذهب نحن إلى الطالب ونعطيه، ونقول: فلان مطلوب لك منه بألف ريال، فخذها وإن لم يعلم ذلك، وإن يعلم المطلوب ما علينا منه، نحن الآن أعطيناه، ولهذا قال الله: (وفي الرقاب والغارمين) ، ولم يقل: للغارمين، لو قال: للغارمين لكان يجب علينا أن نملِّك الغارم هذا المال؛ لكن قال (في) التي للظرفية، يعني: أن الزكاة تكون في هذه الجهة؛ لا للشخص الغارم؛ ولكن يُشترط للغُرْم للنفس: أن يكون عاجزاً عن السداد، فإن كان قادراً؛ فإنه لا يُعطى. واشترط بعض العلماء: أن يكون غُرْمه في غير حرام، فإن كان في حرام؛ فإنه لا يُعطى، بل يقال: تُبْ أولاً، ثم نعطيك ثانياً. فإن كان هذا المدين، وهو الغارم لنفسه قادراً على الوفاء؛ فإننا لا نعطيه؛ لأنه ليس بحاجة. ولو كان عنده سيارة تساوي (10. 000) ريال، وهي سيارة كبيرة عليه، بمعنى أن مثله لا يقتنيها؛ لأنها فخمة، أنا قلت: بعشرة آلاف ريال، وأظنها تساوي أكثر. عنده سيارة بمائة ألف؛ ولكنه يستطيع أن يبيعها بمائة ألف، ويشتري سيارة بعشرين ألفاً، والدَّين الذي عليه (60. 000) ، ماذا نقول؟ لا نعطيه؛ لأنه قادر على الوفاء. اشترط بعض العلماء أن يكون الغُرْم في غير حرام: فلو كان هذا الرجل غارماً؛ لكن غُرْمه بسبب شراء الدخان، فعلى هذا القول لا نعطيه؛ لأننا لو قضينا دَينه الحاصل عليه في المحرم لكان في هذا إغراء له على المحرم، أليس كذلك؟ لذلك قالوا: لا يُعطى حتى يتوب، فنقول لهذا الرجل: تُبْ من شرب الدخان ونقضي دَينك، أما أن تأتي إلينا تطلب منا أن نوفي عنك ثمن شيء محرم من أجل أن تزيد في شراء المحرم، فإننا لا نعين على الإثم والعدوان. وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، أنه يُشترط أن يكون الغُرْم في غير حرام؛ لأنه إذا كان في حرام وسدَّدنا عنه فقد أعناه على الحرام. لو أنه غرم في زواج، هل يُعطى؟ نعم يُعطى؛ لأن هذا غُرْم في غير حرام، بل قد يكون في واجب، فيُعطى ويُسدَّد، كل الدين الذي عليه؟ نعم، كل الدَّين، لو يبلغ (100. 000) نسدِّده، ولو من زكاة رجل واحد. وبعض الناس أخذ على العادة القديمة، حيث يوزع زكاته على عشرة ريالات، وريالين، وما أشبه ذلك، هذا زمن مضى، الآن العشرة ريالات ليست بشيء عند الناس. نعم، يقول: أنا أحب أن يكون نفعها عاماً، وينسى أن الوقت تغيَّر، الآن إذا أعطيته شيئاً كثيراً انتفع انتفاعاً كبيراً؛ لكن إذا أعطيته عشرة ريالات، مباشرة يذهب يشتري بها برتقالاًَ، لماذا؟ لأنها لا تساوي شيئاًَ، فيبددها. لذلك يجب أن نقول: شمول الزكاة مع إعطاء اليسير في الوقت الحاضر قد تكون من غير المصلحة، أما حين كان الناس يشترون الذبيحة بخمسة عشر قرشاً، يعني: بريال إلا ربعاً، ويشتري البُر الذي تطبخ فيه الذبيحة الكاملة بربع ريال، فإن هذا يصح أن نقول: توزَّع الزكاة على عشرة وعلى ريال، وما أشبه ذلك؛ لكن الوقت اختلف.

في سبيل الله

في سبيل الله قال تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:60] : في سبيل الله، سبيل بمعنى: طريق، وسبيل الله: كل ما يوصل إلى الله فهو في سبيل الله، قال الله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153] فكل ما يوصل إلى الله فهو من سبيل الله. فمن ثَمَّ حصل خلاف بين العلماء في المراد بسبيل الله، فقال بعض العلماء: المراد بقوله: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} كل ما كان مقرِّباً إلى الله من الجهاد، والعلم، وإصلاح المدارس، وبناء المساجد، وإصلاح الطرق، كل شيء. ولكن أكثر أهل العلم قال: المراد من {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} ما تُبذل فيه النفقة لإعلاء كلمة الله، وهو جهاد الكفار، كما قال تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران:169] . وقال تعالى: {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:54] . وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة:111] ماذا؟ {بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:111] . فالمراد من {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} الجهاد، وهذا هو الصحيح، ويدل لصحة هذا وأن المراد بقوله: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} خصوص الجهاد، الحصر الذي استفدناه من قوله: (إنما) وهذا هو الذي أشرتُ إليه، وقلتُ لكم إنه سيأتي عودٌ عليه في آخر الآية. فالمراد الجهاد في سبيل الله: وهو قتال الكفار، ولا فرق بين أن تعطي المجاهدين أو تشتري أسلحة ليجاهدوا بها، لا فرق، فيجوز مثلاًَ أن تشتري أسلحة بالزكاة وتعطيها إياهم؛ لكن الذي يتولى الشراء ولي الأمر، أنت ادفع الدراهم ليُشترى بها السلاح، ويجوز أن تعطي المجاهد نفسه، ليجاهد في سبيل الله.

ابن السبيل

ابن السبيل أما قوله: {وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة:60] : فالسبيل هو: الطريق. وابن: الذي ولَدَهُ الطريق. لا! لماذا؟! الطريق لا يلد أحداً؛ لكن ابن السبيل المراد به: المسافر؛ لأنه لملازمته للسفر أو للطريق صار مثل الابن له؛ لأن الابن والأب متلازمان، قالوا: ومنه قوله العرب: ابن الماء، لطير الماء. فهناك طير يُسَمَّى طير الماء معروف، يُسَمَّى ابن الماء، مع أن الماء لم يلده؛ لكنه ملازم له. إذاًَ: فابن السبيل هو: المسافر، فإذا وُجد مسافر في بلد قد انقطع به السفر أُعطي من الزكاة ما يوصله إلى بلده، ولو كان هو في بلده غنياً؛ لأنه الآن محتاج. فهؤلاء ثمانية أصناف، هم أهل الزكاة، إذا صُرِفت في غيرهم فإنها لا تُقبل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . واعلم أن الواجب بمقتضى الأصول الفقهية أن نأخذ بالعموم، فلا نخرج أحداً من هؤلاء إلا بدليل، فكل من كان فقيراً فهو من أهل الزكاة، سواء كان أخاً لك، أو عماً، أو خالاً، أو ابن أخ، أو ابن عم، أو ابن خال، أو أباً، أو أماً، أو جداً، أو جدةً، أو غير ذلك، كل من انطبق عليه وصف استحقاق فهو مستحق، هذا هو الأصل. فإذا قال لنا قائل: هؤلاء لا تدفع الزكاة إليهم. ماذا نقول؟ نقول: نحن عندنا عموم، هات الدليل على أنها لا تقبل، إن جاء بدليل فعلى العين والرأس، إن جاء بتعليل تشهد له النصوص فكذلك على العين والرأس.

حكم إعطاء بني هاشم من الزكاة

حكم إعطاء بني هاشم من الزكاة إذا كان الرجل من بني هاشم وهو فقير! هل يأخذ من الزكاة؟ A لا يأخذ. إذاً: فيه دليل، فبنو هاشم خرجوا من هذا العموم بالدليل، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث العباس بن عبد المطلب على الصدقة، وأراد العباس أن يأخذ منها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّها لا تَحل لنا، إنَّها أوساخ الناس، لا تَحل لآل محمد) . فبنو هاشم لا يأخذون من الصدقة الواجبة، هل يأخذون من صدقة التطوع؟ فيه خلاف، اختلف العلماء: قال بعض العلماء: لا يأخذون لعموم الحديث: (إن الصدقة لا تحل لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس) . وقال بعض العلماء: تحل لهم. لكن على القول بأنها تحل لهم فيه حلُّ مُشْكِلٍ: إذا وجدنا رجلاً من بني هاشم فقيراً والناس الفقراء يأخذون من الصدقات وهو ما يأخذ! إذا قلنا بجواز صدقة التطوع فإشكاله ينحل، لماذا؟ لأننا سنعطيه صدقة تطوع. وإذا قلنا بالقول الثاني: إن صدقة التطوع لا تحل لبني هاشم، ماذا؟ يصير مشكلاً على الفقير. نعطي له. يكون مُشْكِلاً. حينئذٍ ندخل في قاعدة عامة أخرى، وهي: وجوب إنقاذ الجائع، فنعطيه من باب إنقاذ الجائع، مسكين، كل يوم الصباح نعطيه خبزاً، إذا جاء الظهر قال: أعطوني، قلنا: لا، الخبزة تكفيك؛ لأننا لا نعطيك إلا على سبيل الإنقاذ، والخبزة في اليوم وفنجان شاي تنقذك، نعم. ولهذا على قول بأن الصدقة التطوع والواجبة لا تحل لبني هاشم، فيه إشكال كبير! قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنهم إذا مُنعوا الخُمُس يُعطَون من الصدقة، ولو من الزكاة. إذا مُنعوا من الخُمُس الذي هو: خُمُس الفيء، والآن ما هناك خُمُس، نعم؛ لكن يجب على ولي الأمر أن يعطيهم من بيت المال، يرتب لهم رواتب من بيت المال، إذا لم يمكن هذا قال: فإنها تحل لهم الصدقة؛ ولكن قوله هنا ضعيف رحمه الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال للعباس: (إنها لا تحل لآل محمد) ، لم يقل: لأنهم يُعطَون من الخُمُس، مع أنهم في ذلك الوقت يُعطَون من الخُمُس، بل قال: (لأنها أوساخ الناس) . فالصحيح: أنها لا تحل لهم الصدقة الواجبة سواء مُنعوا الخُمُس أو لا. وأما صدقة التطوع فهي محل نظر؛ لكن جمهور العلماء على جواز صدقة التطوع لهم.

الراجح في مسألة قضاء دين الأموات من الزكاة

الراجح في مسألة قضاء دين الأموات من الزكاة ذكرنا قبل قليل أنه يجوز أن نقضي الدَّين عن المدين وإن لم يعلم، واستدللنا بأن الله قال: {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة:60] بـ (في) ، فهل يجوز أن نقضي من الزكاة دين الميت؟ حكى ابن عبد البر أنه لا يجوز دفع الزكاة في قضاء دين الميت بالإجماع، وأن العلماء أجمعوا على أنه لا يُقضى من الزكاة دَين على ميت. وقال بعض العلماء: بل يُقضى منها دَين الميت؛ لأن قضاء الدين لا يُشترط فيه التمليك، حتى نقول: لابد أن يكون المدين حيَّاً؛ ولكن هذا القول ضعيف. والصواب: ما عليه الجمهور، الذي حكاه بعضهم إجماعاً، أنه لا يُقضى من الزكاة دين على ميت، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الزكاة من أهل الأموال، ويؤتي بالرجل المدين ليُصلَّى عليه، ولم يُحفظ عنه يوماً واحداً أنه قضى دين الميت من الصدقة، مع أن الصدقات متوفرة؛ لكن لما فتح الله عليه واتسع المال عنده صار يقضي دين الميت ويصلي عليه، وهذا دليل واضح على أن الأموات لا يجوز أن تقضى ديونهم من الزكاة، وأيضاً فإن مقتضى العادة أن الناس يعطفون على الأموات أكثر مما يعطفون على الأحياء، فإذا قلنا بجواز قضاء الدين عن الميت، انهمك الناس في قضاء الديون عن الأموات ونسوا الأحياء، مع أن الديون تذل الأحياء ولا تذل الأموات، تذل الأحياء في حياتهم؛ لأن الدين ذل؛ إلا من مات قلبُه هذا ما يذله شيءٌ أبداً؛ لكن القلب الحي يكون دينه ذلاً، وإذا مات صار ديناً في ذمته. فإذاًَ: يكون هناك جنايتان: إذلاله في حياته، وتعلق الدين بذمته بعد وفاته؛ لكن الميت ليس عليه إلى جناية واحدة فقط، وهو تعلق الدين، مع أن السنة تدل على أنه لا يوفى ديون الأموات من الزكاة. ولهذا: القول الراجح بلا شك عندي ما عليه جمهور العلماء، وحكاه بعض العلماء إجماعاً بأنه لا يُقضَى دين الأموات من الزكاة، أما التبرع بقضاء دين الميت هذا شيء واسع، ولا أحد يمنع منه. ثم قال الله تعالى: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60] أي: أن الله فرض علينا الزكاة، وأن نصرفها في هذه المصارف. {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} فلعلمه عزَّ وجلَّ ولحكمته جعل الزكاة في هذه الأصناف، ولم يُسند قَسمها لا إلى الرسول، ولا إلى مَن بعده. وإلى هنا انتهى ما أردنا أن نتكلم فيه.

الراجح في قضاء دين الأقارب

الراجح في قضاء دين الأقارب ولكن ذكرتُ لكم أن الواجب الأخذ بالعموم، وأن كل من انطبق عليه وصف من هذه الأوصاف فإنه تُدفع إليه الزكاة إلا بدليل، وذكرنا دليلاً في بني هاشم، وقلت لكم: أو بتعليل اقتَضَتْه القواعد الشرعية، ومن التعليل الذي اقتضته القواعد الشرعية أن تدفع الزكاة من أجل حماية المال. مثال ذلك: إنسان نزل به ضيف، وإذا نزل بك ضيف وجب عليك أن تضيِّفه، وكان هذا الرجل عنده زكاة، فاشترى بزكاته ضيافة للضيف فهذا غير جائز؛ لأنه يجب عليه أن يضيفه من ماله الخاص، فإذا انتهت الضيافة فلا بأس أن يعطيه من الزكاة؛ لأن الضيافة واجبة؛ فأنت الآن إذا دفعت الزكاة معناه أنك حميت مالك من ضيافة هذا الرجل. كذلك إنسان له أب فقير، والولد غني يستطيع أن ينفق على أبيه، فقال: أدفع زكاتي لأبي لكي يستغني بها عن الفقر؟ نقول: لا يجوز هذا؛ لأن إنفاقه على أبيه واجب، فإذا دفع الزكاة نفقة لأبيه حمى ماله. كذلك إنسان حصل لأبيه حادث، صدم سيارة وتكسرت السيارة، ثم قدرت بخمسة آلاف، فدفع من زكاته (5000) عن الغرامة التي لزمت والده، هذا جائز؛ لأن الإنسان لا يجب عليه أن يتحمل الغُرْم عن أبيه، وكذلك بالعكس، لو كان الإنسان له ولد حصل منه حادث، وأُلزم بغُرْم خمسة آلاف، فيجوز للأب أن يقضي غُرْمه من زكاته؛ لأن تسديد غُرْم الولد ليس واجباً على الأب. كذلك الزوجة هل يجوز أن تقضي دين زوجها؟ A نعم يجوز ذلك؛ لأن الزوجة لا يجب عليها الإنفاق على زوجها، ولا قضاء دينه. هل يجوز للزوج أن يقضي دين زوجته؟ الجواب: نعم، يجوز ذلك؛ لأنه ليس واجباً عليه أن يقضي دين زوجته. فالحاصل إذاً أن نقول: الأصل أن العمومات في أصحاب الزكاة باقية إلا بدليل من نص أو تعليل تعتبره الشريعة. والله الموفق.

الأسئلة

الأسئلة

وجه تقديم (الثيبات) في قوله تعالى: (ثيبات وأبكارا)

وجه تقديم (الثيبات) في قوله تعالى: (ثيبات وأبكاراً) Q لقد ذكرتم بأن إعطاء الزكاة للفقراء أفضل من إعطائه للمساكين، وذلك لذكرهم أولاً في الآية الكريمة: {لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة:60] وقد قال الله تعالى في الآية الأخرى: {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً} [التحريم:5] فهل يعني أن الثيب أفضل من البكر؛ وذلك لورود اسمها أولاً في الآية؟ أفيدونا أفادكم الله. A بسم الله الرحمن الرحيم. هذه قاعدة التقديم أخذنا من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، لما دنا من الصفا بعد أن طاف قال: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] أبدأ بما بدأ الله به. وقال العلماء في آية الزكاة: بدأ الله بالفقراء لأنهم أشد حاجة من المساكين، وإنما يُبدأ بالأهم فالأهم، وهذا شيء واضح. وأنا لم أقل إن إعطاء الفقراء أفضل من المساكين، فأحب أن يصحح الأخ سؤاله، قد يكون إعطاء المسكين أفضل من إعطاء الفقير؛ لكون المسكين صاحب طاعة وعبادة وعائلة وتعفُّف، والفقير ليس على هذا الوصف، فهنا وإن كان الفقير أشد حاجة لكن إعطاء المسكين في هذه الحال أفضل. ونحن لم نقل: إن إعطاء الفقير أفضل، وأنتم سمعتم ما قلتُ. قلنا: الفقير أهم؛ لأنه أشد حاجة، وهنا فرق بين هذا وهذا، فقد يكون فقيراً جداً وهناك مسكين أنشط منه، ونفضل إعطاء المسكين؛ لأن التفضيلات لها اعتبارات كثيرة. وأما ما أشار إليه في الآية الكريمة: {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً} [التحريم:5] فلأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتزوج المرأة ليطرب نفسه، ويتمتع، ويتلذذ، وإنما يعتبر عليه الصلاة والسلام اعتبارات أخرى، ولهذا لم يتزوج بكراً إلا عائشة لأنها ابنة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فلهذا بدأ بالثيبات، ليشير إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يتزوج المرأة لبكارتها ولكن للمعاني الجليلة ولو كانت ثيباً. فهذا هو وجه تقديم الثيبات على الأبكار في الآية الكريمة.

الأحوال التي يستحق فيها العاملون على الزكاة الأخذ منها

الأحوال التي يستحق فيها العاملون على الزكاة الأخذ منها Q إذا كان العاملون عليها -يعني: الزكاة- لهم رواتب من الدولة فهل لهم شيء من الزكاة؟ A نعم، إذا كان لهم رواتب على العمل على الزكاة، فإنهم لا يُعطَون من الزكاة. وأما إذا كان لهم رواتب على أعمال أخرى، وانتدبوا في الزكاة، فلهم الأخذ منها.

وجوب الزكاة في المواشي على السائمة منها

وجوب الزكاة في المواشي على السائمة منها Q من المعلوم أن البادية الآن يُطعمون المواشي ويتركونها في البر، فهل عليها زكاة أم لا؟ A المواشي إذا لم تكن سائمة فليس فيها زكاة إلا إذا كانت للتجارة، فمثلاً المواشي التي عند البادية إذا كانوا يعلفونها كل السنة أو أكثر السنة، وليست تجارة، إنما هي تنمية فليس عليهم فيها زكاة، ولو بلغت مئات الرءوس، يعني: لو فرضنا عنده (100) بعير يكد عليها، وليس هو ممن يتَّجرون بالإبل؛ لكنهم ممن يقتنونها وينمُّونها، فإن هذا لا زكاة عليه في إبله؛ لأنها ليست سائمة، أما لو كان ممن يتجرون بالإبل يبيعون ويشترون فيها فعليه الزكاة، ولو لم يكن عنده إلا بعير واحد إذا بلغت قيمتها النصاب.

مقدار النصاب في عشرة آلاف ريال

مقدار النصاب في عشرة آلاف ريال Q أنا شاب أمتلك من المال فوق (10. 000) ريال، وسمعت الوعيد الشديد على مانع الزكاة، فأرشدني بارك الله فيك إلى ما يلي: النصاب الذي تجب الزكاة فيه! وما مقدار الزكاة عني؟ كيف أبدأ بأداء الزكاة؟ هل أبدأ بدفعها؟ أم أبدأ بحساب الحول، ثم إذا حال الحول أخرجتُها؟ A الزكاة واجبة على المال، وإن أعده الإنسان لضرورته، فإذا كان عند الإنسان مال، قد أعده للزواج فإن الزكاة واجبة فيه، قد أعده لشراء البيت فإن الزكاة واجبة فيه، قد أعده لشراء الكتب فإن الزكاة واجبة فيه؛ خلافاً لما يظن بعض العوام أن ما أعده الإنسان لضرورات حياته، فليس فيه زكاة، هذا خطأ، المال النقدي فيه الزكاة على كل حال؛ لكن لابد من أن يبلغ النصاب، وأن يتم الحول عليه، فلو أن الإنسان ملك (10. 000) ريال كما في السؤال؛ لكن قبل أن يتم حولها أنفقها، تزوج وبذلها في المهر، فليس فيها زكاة؛ لأن من شرط وجوب الزكاة؟ تمام الحول. أما النصاب فإنه في الفضة (56) ريالاً من الفضة، أو ما يعادلها من العملة السعودية، الوَرَق، وإذا قلنا: أو ما يعادلها فإنه يختلف اختلاف قيمة الفضة، الفضة أحياناً ترتفع قيمتها، وأحياناً تنخفض قيمتها، فمثلاً: بلغ الريال الفضة من الفرانسي أكثر من (100) ريال بالعملة الورقية، الآن في هذه السنة الريال بسبعة عشر ورقةً، الفرانسي كم نزل؟ من (100) إلى (17) . الريال العربي الفضة أرخص من الفرانسي، يعني: يُمكن في (10) ، أنا ما أدري عن قيمته، ما سألتُ عنه؛ لكنه يساوي (10) تقريباً، والذي يُسأل عنه: التجار، إما الصيارفة وإما مؤسسة النقد، وإما التجار الذين يتعاملون بالفضة، فإذا قالوا: إن الريال الفضة يساوي (10) ريالات عملة، وكان نصاب الفضة [56] ريالاً، فكم نصاب العملة؟ (560) ، وإذا قالوا: يساوي [5] كم يصير؟ (280) ، حسب السعر، وإذا قالوا: يساوي (20) صار النصاب من العملة: (1120) . المهم أنه ما يمكن ضبطه؛ لكن اربطه بالفضة، وهي: [56] ريالاً. على كل حال: الأسئلة نتركها للدرس القادم، ليلة الثلاثاء إن شاء الله.

نصيحة لأئمة المساجد في تبكيرهم لصلاة الفجر في رمضان

نصيحة لأئمة المساجد في تبكيرهم لصلاة الفجر في رمضان Q مما يلاحظ في رمضان أن أئمة المساجد يبكرون في صلاة الفجر جداً، ولا يقرءون إلا من قصار المفصَّل، فهل هذه هي السنة؟ وكيف يُجمع بين ذلك وبين الأحاديث العامة، وكون النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ على راتبة الفجر في الحضر والسفر، ويجلس بين الأذان والإقامة قدر (50) آية؟ أرجو التعليق مع التوضيح. A والله مشكلة الناس في الأذان مشكلة مقلقة؛ لأن أمرها خطير جداً، فأذان الفجر حسب تقويم أم القرى فيه تقديم (5) دقائق، فالذي يؤذن على تقويم أم القرى يكون قد أذن قبل الوقت بخمس دقائق، وإذا صلى الإنسان بعد الأذان مباشرة، فقد صلى قبل الوقت، وصلاته مردودة عليه، وغير مقبولة. والناس الآن نسأل الله لنا ولهم الهداية يتبارون أيهم يخرج أولاًَ، لا يتبارون أيهم أحسن عملاً، لا. كأن الأفضل من يخرج أولاً، وهذا غلط من الأئمة؛ لأن الإمام هو الذي بيده الإقامة، ومن المؤذنين الذين يبكرون. انظروا مثلاًَ أذان العشاء قررت الحكومة أن يكون بعد الغروب بساعتين، التزم أناس طاعة لله وطاعة لولي الأمر؛ لأن الله أمرنا أن نطيع ولاة أمورنا، وولاة الأمور عللوا التأخير بثلاث علل وفوائد، نعم، وهناك زيادة على هذه العلل، وهو أنه أيسر للصائمين، والوقت متَّسع، وتأخير صلاة العشاء أفضل ففيه أيضاً طاعة لله ورسوله؛ لأننا أمرنا بطاعة ولي الأمر إلا في المعصية؛ لكن مع ذلك بعض المؤذنين نسأل الله لنا ولهم الهداية أصروا إلاَّ أن يخالفوا الأمر، كأنما يقولون: {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} [النساء:46] وهذا لا شك أنه قلة فقه، لا أستطيع أن أقول قلة دين؛ لأنهم على دين؛ لكن قلة فقه، فلو أنهم أطاعوا الله بطاعة ولاة الأمور لكان خيراً لهم، ولكان خيراً للناس عموماً، من أجل أن يظهر المسلمون بمظهر الاتحاد والاتفاق، لا يظهرون بمظهر واحدٍ إلى الآن، فأحدهم يكون قد انتهى من الصلاة، والآخر ما بعدُ أذَّن، كما هو الواقع الآن في صلاة العشاء، هناك أناس يمكن انتهوا من الصلاة، والآخرون لم يؤذنوا بعد. فالفجر خطره عظيم جداً، والواجب التأخر، حتى نتيقن طلوع الفجر؛ لأن الله تعالى يقول في القرآن: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} [البقرة:187] يتبيَّن لكم، حتى قال بعض المتأخرين: إن الله لم يقل: حتى تتبيَّنوا، إشارة إلى أننا لا نذهب نطالع على الفجر هل طلع وإلاَّ لا، بل نبقى نأكل حتى هو يتبيَّن، وليس نحن نذهب ندوِّرُه ونطلبه؛ لأن الله قال: حتى يتبيَّن لكم. وعلى كل حال: سواء كان هذا مراد الله عزَّ وجلَّ أو أن المراد حتى يتبيَّن بنفسه أو بتبيُّنه، الله أعلم؛ لكن على كل حال لابد من التبيُّن، ولابد من التريُّث، حتى يؤدي الناس سنة الفجر، كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام بأن لا نزال نأكل حتى يتبيَّن الفجر، أمرنا بذلك حينما قال: (إن بلالاً يؤذن بليل؛ ليوقظ نائمكم، ويرجع قائمكم، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر. قال بعض الرواة: وكان رجلاً أعمى، لا يؤذن حتى يقال: أصبحتَ أصبحتَ) . وهل نحن الآن، هل يقال: أصبحتَ أصبحتَ إذا سمعنا المؤذنين؟! لا. ما يقال: أصبحتَ أصبحتَ، يعني: الذين يذهبون الخلاء، ونحن لا نطيعهم؛ لكن هم يقولون: نحن إذا كنا في الخلاء لا يتبيَّن الفجر إلا بعد أذان الناس بثلث ساعة، نعم، ولهذا يُشَنِّعون علينا، يقولون: لماذا ما تنهون الناس عن هذا التلاعب، يصلون قبل الفجر، ويمتنعون عن الأكل قبل الفجر، فنقول: والله نحن عندنا أشياء نمشي عليها، وهناك تقويمات، الفلكيون العصريون اتفقوا عليها، ومسألة التبيُّن أمر نسبي، قد يتبيَّن لغيركم ولم يتبيَّن لكم. على كل حال: أنا أود أن نحتاط لديننا، وألا نتعجَّل في صلاة الفجر، حتى نتيقن طلوع الفجر. أما تقصير صلاة الفجر في أيام الصيام فليس من السنة، ليس من السنة أن تقصِّر؛ لكن قد يكون هناك عوارض تقتضي تقصير الصلاة، مثل: لو كان الوقت بارداً، والسماء ممطرة، والناس يُخشى أن يلحقهم البول والإدرار، ورأى الإمام من المصلحة أن يخفف حتى لا يشق على الناس؛ لكان هذا تخفيفاً عارضاً، والتخفيف العارض يقع حتى من الرسول عليه الصلاة والسلام، كان يدخل في الصلاة عليه الصلاة والسلام وهو يريد أن يطيلها، فيسمع بكاء الصبي فيخففها عليه الصلاة والسلام مراعاة لأمه. والحمد لله رب العالمين. وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

جلسات رمضانية لعام 1411هـ[7]

جلسات رمضانية لعام 1411هـ[7] لقد فضل الله عز وجل شهر رمضان على سائر الشهور، لكثرة اجتماع العبادات فيه، ففرض فيه الصيام، وأنزل القرآن، وشرع زكاة الفطر، والاعتكاف في مساجده سبحانه، ولذا فقد حقق الله تعالى لأمة محمد عليه الصلاة والسلام انتصارات عظيمة في شهر رمضان كغزوة بدر وفتح مكة وغير ذلك من الانتصارات.

الفتوحات والشرائع التي وقعت في شهر رمضان

الفتوحات والشرائع التي وقعت في شهر رمضان الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإنه بمناسبة إقبال العشر الأواخر من شهر رمضان، والتي يمضي الناس أكثرَها في التهجد، فإن هذه الجلسة آخر جلسة في هذا العام، وذلك في ليلة الثلاثاء، الموافق للسابع عشر من شهر رمضان، عام: (1411هـ) اليوم السابع عشر الذي كلما مر يتذكر المسلمون فيه انتصاراًَ عظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بل للأمة الإسلامية إلى يوم القيامة، انتصار الحق على الباطل، الانتصار الذي ارتفع به مجد الإسلام، وازداد المسلمون به إيماناً، ولم يكُ من الانتصارات التي لا يزداد بها المنتصرون إلا بطراً وعمىً عن الحق والعياذ بالله. انتصار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه انتصاراً يزدادون به شكراً وعبادة ورجوعاً إلى الله لا رجوعاً إلى ما كانوا عليه من الفسق واللغو، كما يفعله من يفعله من هذه الأمة. ولهذا يجب على الأمة الإسلامية إذا أزال الله عنها ما تكره أن تشكر الله على هذه النعمة، وأن تزداد عبادة وتقرباً إلى الله؛ لأنها إن لم تفعل فستُسلب عنها النعمة التي عادت إليها على وجه أشد وأنكى من الأول؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ * حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} [المؤمنون:67-77] أكبر من الأول: {إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [المؤمنون:77] آيسون من كل خير والعياذ بالله. فنسأل الله تعالى أن يهدي الأمة الإسلامية، وأن يردها رداً جميلاً، وأن يجعل لها مما جرى في الأيام الماضية القريبة عبرة وعظة يحملها على الرجوع إلى الله، وعلى تحكيم كتاب الله بين عباد الله، وعلى البُعد عن المجون والسرف والترف الذي منه يكون التلف.

غزوة بدر الكبرى

غزوة بدر الكبرى في هذا اليوم، وهو يوم بدر خرج النبي عليه الصلاة والسلام من المدينة يريد عيراً لقريش، يعني: حمولة جاءت من الشام إلى مكة، يريد أن يأخذها عليه الصلاة والسلام؛ لأن قريشاً هي التي اعتدت عليه، فلا يقول قائل: كيف يخرج يأخذ أموال الناس؛ لأن أموال قريش غير محترمة بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه؛ حيث إنهم حرب للرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه، والحربي دمه غير محترم، وماله غير محترم، وهم الذين أخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من ديارهم. فعلم كبير العير بخروج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم وهو أبو سفيان، وكان ذلك اليوم مشركاً، فأرسل إلى أهل مكة يستنجدهم ويستصرخهم يقول: أنقذوا عيركم فخرجوا، ولكنهم والعياذ بالله خرجوا أشَرَاًَ وبطراً ورئاء الناس، وخرجوا بكبرائهم لِمَا أراد الله عزَّ وجلَّ، خرجوا بكبرائهم ورؤسائهم، يريدون النبي صلى الله عليه وسلم، وجمع الله بينهم وبين رسوله صلى الله عليه وسلم على غير ميعاد. فالتقوا في بدر، وكانوا ما بين (1900) ، والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه (300) رجل وبضعة عشر رجلاً فقط، ومع ذلك ليس معهم إلا سبعون بعيراً وفرسان فقط؛ ولكن الله سبحانه وتعالى نصرهم على عدوهم. قال الله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال:12] الملائكة تثبت المؤمنين: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} [الأنفال:12] المؤمنون تثبيت، وهؤلاء رعب، والتثبيت يقتضي الثبات والمقاومة، والرعب يقتضي الخوف والهرب: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} [الأنفال:12] يعني: لا تأتوا من أسفل، من فوق: {وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال:12] قال العلماء: يعني: كل البدن؛ حتى البنان الذي هو أطراف البدن يُضرب من قبل الملائكة. {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:13] . فانتصر المسلمون ولله الحمد، وقتلوا من قريش (70) رجلاً، وأسروا (70) رجلاً، قتلوا كبراءهم؛ أبا جهل، وغيره، حتى إنهم صاروا حول قُلُب بدر جثثاً مضى عليها الزمن، وانصهرت من الشمس، ووَرمت، وجيَّفت، فسُحب منهم (24) رجلاً من أشراف قريش وأُلقوا في القَلِيب. ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام أقام ثلاثة أيام في مكانه؛ لأن هذه من عادته عليه الصلاة والسلام أنه إذا ظهر على قوم أقام في عرصتهم ثلاثة أيام، ثم ركب راحلته ووقف على القَلِيب، وجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: يا فلان بن فلان! يا فلان بن فلان! يكلمهم، يقول: (هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فإني قد وجدتُ ما وعدني ربي حقاً -الله أكبر! - قالوا: يا رسول الله! كيف تكلمهم وهم جيَف؟! قال: ما أنتم بأسْمَعَ لِمَا أقول منهم) يعني: أنهم يسمعون أكثر منكم، يوبخهم عليه الصلاة والسلام، ويا حسرتهم والعياذ بالله على هذا التوبيخ! ثم رجع النبي عليه الصلاة والسلام غانماً معه الأسرى.

فتح مكة

فتح مكة وفي هذا الشهر أيضاً حصل فتح مكة؛ لكنه في العشرين من هذا الشهر، فتح مكة أم القرى، التي كانت مملوءة شركاً وكفراً، ففُتِحت ولله الحمد، فصار بدل الكفر إيمان، وبدل الشرك توحيد ولله الحمد، وجعل النبي عليه الصلاة والسلام يطعن الأصنام التي أقيمت حول الكعبة ويقول: جاء الحق وزهق الباطل، وجعلت تتهاوى ولله الحمد. وهذا الشهر الكريم فيه عبادات الصيام والقيام، وقد تكلمنا عليهما، والزكاة كما هو الغالب عند كثير من المسلمين يخرجونها في هذا الشهر، وتكلمنا على ما شاء الله منها.

مشروعية الاعتكاف في رمضان

مشروعية الاعتكاف في رمضان وفيه أيضاً: الاعتكاف: الاعتكاف من العكوف، وهو: لزوم الشيء، كما قال إبراهيم: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء:52] فهو: لزوم المساجد لطاعة الله، حتى يتفرغ الإنسان للعبادة، وينقطع من الدنيا، ويقبل على ربه. وأصل مشروعية الاعتكاف من أجل طلب ليلة القدر، انظر الليلة العظيمة! من أجل طلبها. اعتكف النبي عليه الصلاة والسلام العشر الأول يعني: أول الشهر، ثم اعتكف العشر الأاوسط، يترجاها، ثم قيل له: إنها في العشر الأواخر، وأُرِيَ في المنام أنه يسجد في صبيحتها على الماء والطين. فلما تمت العشرون الأولى أَخبر النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه أنه أُرِيَ ليلةَ القدر، وأنه رأى في المنام أنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين، وكان هذا الصبح (20) ، قال: (من كان منكم معتكفاً فليعتكف العشر الأواخر) لأنه ما جاءت الليلة هذه التي رآها في المنام، فلما كان ليلة (21) أمطرت السماء، وكان مسجد النبي عليه الصلاة والسلام من عريش، وهو الذي يسميه الناس: (عِشَّة) . فلما أمطرت السماء، وَكَفَ المسجدُ، وخَرَّ المطر على الأرض، وصارت الأرض طيناً، فلما صلى النبي عليه الصلاة والسلام الصبح سجد على الماء والطين، ليلة (21) . فاعتكف النبي عليه الصلاة والسلام العشر الأواخر كلها. فهذا هو أصل مشروعية الاعتكاف، ولهذا لا يُسن الاعتكاف إلا في رمضان في العشر الأواخر منه، طلباً لليلة القدر، وما ذكره بعض الفقهاء من أنه يُسن للإنسان أن يعتكف كل وقت، وأنه يُسن إذا دخل المسجد أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه فيه، فإنه قول عارٍ عن الدليل، أين النبي صلى الله عليه وسلم من هذا؟ لم يعتكف في حياته في غير رمضان إلا مرة اعتكف في شوال؛ لأنه ترك الاعتكاف في رمضان، لما أراد أن يعتكف خرج وإذا نساؤه قد ضربن أخبية، يردن الاعتكاف، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (آلْبِرَّ يُرِدْنَ؟!) يعني: هل هنَّ يُرِدْنَ البِرَّ، يقُمْن يعتَكِفْنَ؟! أو من أجل كل واحدة تنظر للثانية، وتسوِّي الخباء مثلها؟! ثم أَمَر بالأخبية فنُقضت، ثم ترك الاعتكاف تلك السنة، ما اعتكف عليه الصلاة والسلام، ثم قضاه في شوال، ولم يعتكف أبداً في غير رمضان. إذاً: نقول لا يُسن للإنسان أن يعتكف في غير رمضان، بل لا يُسن أن يعتكف إلا في العشر الأواخر من رمضان، فيلزم المسجد للعبادة من صلاة وقراءة وذكر وغير ذلك، ولا يخرج منه إلا لما لابد له منه، مثل: لو لم يكن في المسجد ميْضأة يخرج يتوضأ، وليس فيه مرحاض فيخرج يقضي حاجته، يحتاج إلى مراجعة الطبيب يخرج، وإلاَّ فيبقى في المسجد؛ لكن لا بأس أن يكلم أحداً من خارج المسجد، وهو في داخل المسجد، ويخرج رأسه إليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في مسجده، ويخرج رأسه إلى عائشة ترجِّله؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان يتخذ الشعر، حيث إنه في ذلك الوقت كان عادة الناس. هذا مما يُسن في العشر الأواخر؛ الاعتكاف. ويجب أن يكون الاعتكاف في مسجد تُصلى فيه الجماعة، والأفضل أن يكون في الجامع؛ لئلا يحتاج إلى الخروج من المسجد للجمعة؛ إلا من كان إماماً أو مؤذناً في مسجد فإنه لا يجوز أن يعتكف في الجامع؛ لأنه إذا اعتكف في الجامع أهمل واجباً عليه وهو: الإمامة، والأذان، ومعلوم أن القيام بالواجب أحق من القيام بالسنة، خلافاً لما يظن بعض الناس الذين ليس عندهم فقه، تجدهم يحرصون على السنة ويهملون الواجب، يتركون ما أوجب الله عليهم من الوفاء به، من التزام الإمامة والأذان، ويذهبون إلى الشيء المستحب، هذا خطأ، هذا كالذي يعمر قصراً ويهدم مصراً. قال أهل العلم: ولا بأس أن يزوره أحد من أهله أو من أصدقائه، ويتحدثون إليه يسيراً، كما حصل ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث جاءته امرأته صفية بنت حيي في ليلة من الليالي، وتحدثت معه ساعة، ثم انقلبت. وفي هذه العشر الأواخر استحباب التهجُّد كل الليل إذا أمكن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر أيقظ أهله, وشد المئزر، وأحيا الليل، وأيقظ أهله، ولم يكن يوقظهم في العشر الأواسط، ولا الأول، يوقظهم للتهجد في العشر الأواخر؛ لأن العشر الأواخر تُرجى فيها ليلة القدر؛ ليلة القدر التي من قامها إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، فينبغي للإنسان أن يحيي الليل كله بالتهجُّد إذا أمكن. واعلم أن الاشتغال للعبادة في مقدمات العبادة تابع للعبادة، فإذا قام الإنسان وتوضأ ومشى إلى المسجد، فكل هذا يعتبر تابعاً للعبادة، فهو من العبادة. وهذا التهجد ليس محصوراً في عدد معين على وجه الوجوب، يعني: معناه لا يجب أن نقتصر على (11) ركعة، لنا أن نزيد إلى (13) ، إلى (15) ركعة، إلى أكثر من ذلك؛ حسب نشاطنا وقوتنا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد وإن كان هو بنفسه لم يزد على (11) ، أو (13) ركعة؛ لكن لم يحدد، ما قال للناس: لا تزيدوا على هذا، بل سأله رجل قال: (يا رسول الله! ما ترى في صلاة الليل؟ قال: مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة أوترت له ما قد صلَّى) فهذا الرجل لا يعرف كيف صلاة الليل، فكيف يعرف قدرها؟ فأخبره النبي عليه السلام بالكيفية ولم يخبره بالكمية، يعني: بالقدر، فدلَّ هذا على أن القدر موكول للإنسان، أحياناً يرغب الإنسان أن يطيل القراءة والركوع والسجود ويقلل العدد، وأحياناً يرغب أن يخفف القراءة والركوع والسجود ويكثر العدد، والأمر في هذا كله واسع ولله الحمد، ليس شيءٌ منه واجباً، بل هو على حسب راحة الإنسان، وعلى حسب نشاطه.

مشروعية زكاة الفطر

مشروعية زكاة الفطر وينبغي في هذه العشر في آخرها -بل يجب- دفع صدقة الفطر، وهي صاع من طعام، أي طعام كان، وأطعمتنا اليوم هي: الأرز، والبُر، والتمر، والمكرونة. والواجب صاع من الطعام؛ لكن المكرونة فيها شيء من جنس المصران، يعني: مجوفة، هذه لا تعتبر بالكيل؛ لأن الكيل سيكون نصف الصاع فضاء، ولكن تعتبر بالوزن، الوزن قال العلماء: إن المعتبر البُر الرزين وهو البُر الجيد وليس البر الخفيف. فإذا اتخذ الإنسان من هذا مكيالاً يسع ما قدره العلماء من البُر الرزين، فهذا هو الصاع، وقد سَبَرْنا ذلك ووجدنا أن الصاع النبوي بالنسبة للصاع المعروف عندنا هنا في عنيزة أربعة أخماس، بل إن الصاع الموجود عندنا يزيد بعض الشيء. وبناءً على ذلك فإذا كان صاع النبي صلى الله عليه وسلم (4) أمداد نبوية، فصاعنا الآن كم؟ (5) أمداد نبوية، فإذا أخرج الإنسان أربعة أخماس صاع بصاعنا الموجود، فقد أخرج الفطرة كاملة، والفطرة: صاع من البُر، أو التمر، أو الأرز، صاع من هذه الأطعمة لا فرق بين أن تكون القيمة متفقة أو مختلفة، ولذلك قدرها النبي عليه الصلاة والسلام صاعاً من طعام، قال أبو سعيد: [وكان الطعام يومئذِ: التمر، والشعير، والزبيب، والأقط] مع أن هذه الأربعة مختلفة القيمة؛ لكن لا عبرة فيه. ولهذا كان القول الصحيح الراجح الذي لا شك فيه عندنا أن إخراج القيمة في زكاة الفطر لا يجزئ، وإخراج الفرش والملابس لا يجزئ، لابد أن تكون من طعام؛ كما فرضها النبي عليه الصلاة والسلام قال ابن عمر رضي الله عنهما: (فرض النبي عليه الصلاة والسلام زكاة الفطر: صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير) وكان الشعير في ذلك الوقت طعاماً لهم، كالتمر. وهذه الفطرة أفضل وقت في إخراجها صباح العيد قبل الصلاة، هذا أفضل شيء، ويجوز قبل ذلك بيوم أو يومين، لا أكثر، ولا يجوز أن تؤخر لما بعد الصلاة، فإن أخرتها بعد الصلاة بدون عذر فهي صدقة، ولا تُقبَل منك زكاةً، بل تكون صدقة من الصدقات، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

أعمال الإنسان الموفق وأعمال الإنسان الغافل

أعمال الإنسان الموفق وأعمال الإنسان الغافل أما بقية الخمس دقائق فإننا نتكلم فيها على موعظة ينبغي للإنسان أن ينتبه؛ لأن مواسم الخيرات أوقات ربح للإنسان الموفق، فالموفق ينتهزها بالعمل الصالح المقرب إلى الله عزَّ وجلَّ، ولاسيما في رمضان، فيجتهد في أداء الصلاة فريضةً، وبالتطوع، وبالزكاة إذا كان الحول قد تَمَّ، وبالصدقة، وببر الوالدين، والإحسان إلى الخلق، وصلة الرحم والجيران والأيتام وغير ذلك، ويتمرن في هذا الشهر على العبادة، وعلى مكارم الأخلاق والإقبال على الله، وما هي إلا أيام وليالٍ معدودة، ثم تنتهي وتزول، نحن الآن في الليلة السابعة عشر، ولو سألنا سائل: كم نقدر المدة التي مضت؟ نقول: كأنها أمس، كأنها لحظات. إذاً: فاعتبر المستقبل في الماضي، فكما أن الماضي مضى سريعاً، فالمستقبل سوف يمضي سريعاً، فأنت انتهز الفرصة، ولا تضيع الوقت، والإنسان الموفق -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم موفقين- هو الذي يتخذ من عاداته عبادات، والغافل هو الذي يجعل عباداته عادات، الغافل يجيء مثلاً: يقوم يتوضأ ويصلي على العادة، ويتناول الطعام والشراب واللباس أيضاً على العادة. أما الإنسان الموفق فهو الذي يجعل العبادات عبادات، يشعر بأنه يتقرب إلى الله، وكذلك يحتسب الأجر، وأنها ستكون ذخراً له؛ يعني: سلفاً مقدماً: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} [البقرة:245] الأعمال الصالحة هي في الحقيقة سلف، دراهم تقدمها لتأخذها مضاعفة: (الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة) الإنسان العاقل يشعر بأن الأمور العادية يمكن أن تكون عبادات، الأكل والشرب نحن نتناوله على أنه شهية لنفوسنا من طبيعتنا، لكن الموفق يمكن أن يجعل هذا الأكل والشرب عبادة، مثلاً: في السحور، كلنا نجلس على مائدة السحور، نعم، هل نشعر ونحن نأكل السحور بأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (تسحروا فإن في السحور بركة) ؟! إلا من شاء الله وهم قليل. إذاًَ: إذا جلست على السحور تذكر: أولاً: أمر النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: (تسحروا) . ثانياً: سنته، أنه هو نفسه صلى الله عليه وسلم كان يتسحَّر، فكأنه أمامك يتسحر وأنت تقتدي به. ثالثاً: رجاء بركة هذا السحور؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (فإن في السحور بركة) . هذه الأمور الثلاثة، ما ندري هل نحن نشعر بها عند التناول للسحور أو لا؟! أو نأكل السحور بنية دنيَّة؛ من أجل أن نستعين به على الصوم، أكثر الناس هكذا يبيتون في السحور، لأجل يتقوَّون على الصوم، ولهذا إذا كان في أيام الصيف الشديد الحرارة، الطويل النهار، ملأ بطنه من الماء حتى يكون كالقربة، من أجل ألا يعطش. لكن الإنسان الموفق يلاحظ الأمور الثلاثة التي ذكرناها، وهذا يأتي بالتبعية. في الإفطار نتناول الإفطار؛ لأن الطبيعة تقتضي ذلك وتطلبه، فنأكله تمتعاً وتلذذاً؛ لكن هل نحن نشعر بأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (إذا أفطر أحدكم فليفطر على رُطَب، فإن لم يجد فعلى تمر، فإن يجد فعلى ماء) هل نشعر بهذا؟! وأننا نفطر امتثالاً لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام؟! أو نشعر بأننا نفطر ونبادر بالفطور رجاء الخير؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) ؟ احرص أن تكون مائدة الإفطار عندك وقت الأذان، من أجل أن تبادر، فلا يؤذن وأنت بعيد عن الأكل، إن أذن وأنت بعيد عن الأكل ربما يفوتك الخير، بادر بالأكل: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) . وفي الأثر أن الله تعالى يقول: (أحب عبادي إليَّ أعجلهم فطراً) . إذاً: انظر! العبادات عند الغافل عادات، والعادات عند العاقل عبادات. كلنا يلبس الثياب عند الصلاة، وعند الخروج إلى السوق، هل نحن نشعر بلباسنا عند الصلاة أننا ممتثلون قول الله عزَّ وجلَّ: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] عندنا مثلاً ومن عاداتنا أننا نغطي الرأس بالزينة، يعني: الواحد منا يلبس غترة وشماغاً، فهل إذا أراد أن يصلي يحرص على لباس الغترة والشماغ وجميع اللباس وإلاَّ لا؟! نعم؛ لأن الله يقول: {خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف:31] ؛ لكن لو كنا في بلد اعتادوا ألا يلبسوا اللباس فوق الرأس، صار كشف الرأس عندهم لا نقص فيه، ولا ينقص الصلاة شيئاً؛ لماذا؟ لأن الزينة لا تتناوله. فالزينة في كل موضع بحسبه، إي نعم. مداخلة: هل لبس (المشلح) زينة يا شيخ؟ الشيخ: لا، لبس (المشالح) الآن بدأت تَخِفُّ، كان الناس من قبل يلبسون (المشالح) كثيراً، حتى صغار السن، الواحد له (13) سنة، (14) سنة يشتري له أبوه (مشلحاً) ، ويرى أن هذا فخراً، الآن صار الأمر بالعكس، تأتي المسجد وما تجد فيه إلاَّ إن وجدتَ واحداً، أو اثنين، وحتى أيضاً الموجودون يلفتون النظر. على كل حال، كل شيء بحسبه. فالخلاصة: أنه ينبغي أننا نختم هذا الشهر بكثرة الأعمال الصالحة والرجوع إلى الله، واسألوا الله تعالى الثبات، والقبول، واغتنام الفرصة. والله الموفق.

الأسئلة

الأسئلة

نصيحة في منع النساء من النزول إلى الأسواق في ليالي رمضان

نصيحة في منع النساء من النزول إلى الأسواق في ليالي رمضان Q أمر مهم وخطير نشاهده في العشر الأواخر من رمضان، وهو كثرة نزول النساء إلى السوق لشراء ملابس العيد؛ لكن الطامة الكبرى أنه ينقلب الليل نهاراً، وموسم العبادة والتجارة مع الله إلى موسم تجارة مع الخلق، مع أنه يمكن النزول في النهار، فما نصيحتكم للنساء وللرجال؟ وما تعليقكم على هذا؟ A نصيحتي لهؤلاء النساء وأوليائهنَّ: أن يتقوا الله عزَّ وجلَّ في هذه الليالي المباركة التي يُرجى فيها الأجر، فإن نزول النساء إلى الأسواق، ولا سيما أن بعض النساء تنزل على وجه فيه فتنة -والعياذ بالله- من الطيب واللباس الجميل، والحركات التي تثير الشهوة، فنصيحتي لهؤلاء أن يمنعوا نساءهم منعاً باتاً من النزول في الليل، وأن كل واحد منهم يقول لكل واحدة من النساء: أي حاجة تريدينها أطلبيها مني وأنا آتي بها، أو أنزل أنا وإياكِ بالنهار. أما بالليل فعليهم أن يريحوا الخلق من الفتنة؛ لأنه كثيراً ما تثار الشهوة إلا من هذه المسألة. ومعلوم أن مزاحمة المرأة للرجال من الأشياء المحرمة، حتى إن المرأة في المسجد يُندب لها أن تكون بعيدة عن الرجال، خير صفوف النساء آخرها، بل إن المرأة لا مكان لها في صف الرجال، تصلي وحدها خلف الصف، كله من أجل أن لا تقرب من الرجل، بينما لو جاء رجل يصلي في مكانها لكانت صلاته باطلة؛ لأن الرجل لا يقوم خلف الصف وحده إلا لعذر، أما هي لا تقوم في الصف، تكون خلف الصف، كل ذلك من أجل البعد عن الفتنة. وأرى من الواجب على الرجال أن يمنعوا النساء من النزول في ليالي العشر، حفظاً لهنَّ، وحفظاً للشباب الذين يتجولون في هذه الأسواق.

حكم قضاء الاعتكاف الفائت في رمضان

حكم قضاء الاعتكاف الفائت في رمضان Q ذكرتَ في أثناء الكلام عن الاعتكاف أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الاعتكاف سنة، وقضاه في شوال، فهل يُسن قضاء الاعتكاف مطلقاً؟ أو يجب قضاؤه وجوباً؟ أرجو التفصيل في ذلك؟ A ليس بواجب أن يُقضى الاعتكاف؛ لأنه سنة، والسنة إن شاء الإنسان فعلها وإن شاء تركها. وأما قضاؤه لمن فاته فإن الأصل في فعل النبي صلى الله عليه وسلم التأسي، فإذا كان من عادة الإنسان أن يعتكف وترك الاعتكاف في رمضان لعذر، وقضاه في شوال، فله قدوة وأسوة وهو الرسول عليه الصلاة والسلام. وقد يقول قائل: إن قضاء النبي صلى الله عليه وسلم الاعتكاف في شوال لئلا تظن الأمة أن استحبابه نُسِخ من أجل فعل نساء النبي عليه الصلاة والسلام، كما أن العلم بليلة القدر نُسِخ من أجل تلاحِي رجلين من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، فإن النبي عليه الصلاة والسلام خرج ذات يوم ليخبر أصحابه أن ليلة القدر في تلك السنة في الليلة المعينة، فتلاحى رجلان، يعني: تخاصما، فرُفِعت، فيمكن أن يقول قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من شوال لما لم يعتكف العشر الأواخر من رمضان؛ لئلا تظن الأمة أن الاعتكاف نُسِخ، لا من أجل التشريع؛ لكن الأصل المشروعية.

حكم اعتكاف النساء في المساجد

حكم اعتكاف النساء في المساجد Q ما حكم اعتكاف النساء في المساجد الخاصة بهن؟ وهل يجوز لها أن تعتكف مع زوجها في المسجد إذا كان هناك خباء لهما؟ وإذا كان لا يجوز في الحالتين فهل للنساء نصيب في الاعتكاف؟ أرجو بيان ذلك، وجزاك الله خيراً. A أما اعتكاف المرأة في بيتها فليس بشيء كما نص عليه العلماء؛ لأن الله قال: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187] . وأما اعتكافها في المسجد مع زوجها فهذا يمكن، مثل أن تكون حجرة الزوج في المسجد داخل المسجد، وتعتبر من المسجد فإن الاعتكاف ممكن من الزوج وزوجته في هذه الحجرة. وأما صنع الأخبية لهنَّ في وسط المساجد في عصرنا الحاضر ففيه تضييق على الناس، وربما يكون فيه فتنة تربو مفسدتها على مصلحة الاعتكاف.

القيام ببر الوالدين أعظم من الاعتكاف في الحرم

القيام ببر الوالدين أعظم من الاعتكاف في الحرم Q أيهما أفضل لمن أراد الاعتكاف في المسجد الحرام: أن يعتكف، أم يقوم بشأن والديه بالذهاب بهما للحرم وإرجاعهما للمنزل طيلة ليالي العشر؟ A الأفضل له أن يقوم بشئون والديه؛ لأن بر الوالدين أفضل من الجهاد في سبيل الله، قال النبي عليه الصلاة والسلام حين سأله عبد الله بن مسعود، قال: (يا رسول الله! أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها؟ قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: بِر الوالدين، قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله) فبر الوالدين لا شك أفضل من الاعتكاف، فإذا كان والداه محتاجَين له فإن الأفضل القيام بحاجتهما سواء في مكة أو في بلدهما.

جواز الخروج من المعتكف للحاجة

جواز الخروج من المعتكف للحاجة Q إذا أردتُ الاعتكاف في المسجد الحرام، فهل يجوز لي أن أذهب لكي أشتري طعاماً، خصوصاً وأني لا أجد من يحضر لي طعاماً؟ ومتى تنتهي مدة الاعتكاف إذا كانت في العشر الأواخر؟ A نعم، يجوز للمعتكف إذا لم يكن له أحد يأتيه بأكله وشربه أن يخرج ويأكل ويشرب ثم يرجع؛ لأن هذه حاجة لا بد منها. وأما متى ينتهي الاعتكاف فإنه ينتهي بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان؛ لأن رمضان ينتهي بغروب الشمس من آخر يوم من أيامه، والاعتكاف إنما يُشرع في رمضان، فإذا انتهى رمضان انتهى زمن الاعتكاف، وعلى هذا فإذا خرج الإنسان من المسجد بعد غروب الشمس من آخر يوم من رمضان إلى بيته، فإنه يعتبر قد اعتكف العشر الأواخر.

أقسام الفقراء الذين يسألون الناس

أقسام الفقراء الذين يسألون الناس Q يقول الله عزَّ وجلَّ: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:24-25] فكثيراً ما نوافق من يسألون في أبواب المساجد أو في الحرم، وقد يكون جلوسهم وسؤالهم بشكل دائم قد اعتادوا عليه، فهل من المستحب أن نعطيهم لنحقق ترغيب الله في ذلك؟ أرجو التفصيل في ذلك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. A أولاً: لابد أن نعرف من هو المحروم؛ لأن كثيراً من العامة يفسرون المحروم بغير معناه الصحيح، كثير من العامة يفسرون المحروم بأنه البخيل الذي حرمه الله من الانتفاع بماله، وليس كذلك؛ وإنما المحروم من حرمه الله المال، وهو الفقير، والسائل: يشمل السائل لفقره، والسائل لحاجة؛ لأن السؤال مِن الناس مَن يسأل لحاجته، ومنهم من يسأل لضرورته، ومنهم من يسأل تكثُّراًَ، ومنهم من يسأل مرضاً والعياذ بالله، فيه مرض يحب السؤال. فالذين لهم حق هم الذين يسألون لضرورتهم، يعني: إذا علمتَ بأن هذا السائل في ضرورة إلى ما سأل تعرف حاله تماماً، أو لحاجته، إذا عرفت أن هذا يحتاج، ليس هو في ضرورة يعني: أكله وشربه ولباسه وسكنه موجود؛ لكن يحتاج إلى ما يحتاج الناس إليه مثل وقتنا الحاضر: الثلاجة، والمروحة، والمكيف، هذا ليس ضرورياً؛ لكنه حاجة لا شك، فإذا سأل لحاجته وأنا أعرف فإنه يُشرع لي أن أعطيه. أما إذا سأل تكثُّراً فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من سأل الناس أموالهم تكثُّراً فإنما يسأل جمراً، فليستقل أو ليستكثر) فإذا عرفت أن هذا الرجل يسأل تكثُّراً؛ لأني أعرف أنه غني؛ فإنني لا أعطيه، بل إن من حقه عليَّ أن أنصحه، وأن أقول له: اتقِ الله، فإن المسألة كَدٌّ يُكَدُّ بها وجه الرجل، حتى يأتي يوم القيامة وليس على وجهه مزعة لحم، أنصحه؛ لأنني لو أعطيته في هذه الحال لأغريتُه، وشجَّعتُه على أن يسأل بدون حاجة. فهنا لا نعطيه، بل ننصحه؛ لأنه معتدٍ بسؤاله، والسؤال حرام عليه، وقد قال الله تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] . كذلك أيضاً من كان سؤاله مرضاً؛ لأن بعض الناس يحب السؤال، فهو مريض، هذا أيضاً هل الأحسن أن نتابع مرضه، ونأخذ به، أو الأحسن أن نحاول القضاء على مرضه؟ الثاني لا شك. إذاً: فلنحاول القضاء على المرض، وننصحه، ونقول: هذا لا ينبغي، بل هذا حرام عليك أن تسأل بغير حاجة. هذه مواقفنا مع هؤلاء السُّؤَّال. ومن السائلين -والعياذ بالله- من يظهر بمظهر المصاب بعاهة، فتجده لا يتكلم، مع أنه إذا خرج من المسجد صار قس بن ساعدة، يعني: خطيباً مُصْقعاً؛ لكنه في المسجد لا يتكلم، يؤشر إشارة، أو يأتي بأصوات غريبة، ولقد جاء في هذا المسجد رجل منذ سنوات صلى معنا المغرب، وصار يسأل الناس وهو محدق إلى الأرض، كأن في ظهره وجع، لا يستطيع أن يرفع ظهره، ويظهر للناس بهذا المظهر، من صلاة المغرب، وجاء الدرس، وانتهى الدرس، والرجل هكذا محدودب إلى الأرض، جالس ونحن نتوجع له، مسكين! ما يستطيع يرفع ظهره، وإلى أن أقيمت صلاة العشاء، وصلى العشاء، وتفرق الناس وهو على هذه الحال، سبحان الله! يعطيه الله جلداً على هذه الحال! وأقسم لي رجل صدوق ثقة قال: هذا الرجل الذي رأيناه البارحة والله إنه ليقفز قفز الغزلان في الحائط، يقول: رأيته أنا بعيني. فيوجد بعض الناس والعياذ بالله عنده مرض السؤال، هذا لا ينبغي أن نساعده، بل الذي ينبغي أن ننصحه؛ حتى يتخلص من هذا المرض.

وجوب إخراج زكاة الفطر طعاما

وجوب إخراج زكاة الفطر طعاماً Q ذكرتُم أنه لا يجوز أن تُخرج زكاة الفطر نقداً، فإذا طَلب ذلك ولي الأمر فهل يُطاع؟ A لا. لا يُطاع؛ بمعنى: أنه لا تبرأ الذمة بدفعها؛ ولكن يُعطى ولي الأمر ما طلب؛ لئلا ننابذه، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (اسمع وأطِع، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك) . والأحوط للإنسان، والأبرأ لذمته أن يُخرجها من الطعام؛ لأنه قادر عليه. ونظير ذلك: أن يقول ولي الأمر: لا أحد يصلي بطهارة، هل يُطاع؟ لا. ما يُطاع، حتى لو صلى الإنسان بغير طهارة ما قُبِِلت منه؛ ولا يجوز أن يُطاع أحدٌ في معصية الله. فالأحوط بلا شك لهذا الذي يجبره ولي الأمر أن يسلم زكاة الفطر دراهم أن يخرجها من الطعام، وينوي بهذه الدراهم التي أعطاها امتثال أمر النبي عليه الصلاة والسلام في السمع والطاعة.

حكم الجهل بصيغة التشهد

حكم الجهل بصيغة التشهد Q امرأة كبيرة في السن تصلي ولله الحمد؛ ولكنها تقول بأنها لا تعرف أن تقرأ إلا التحيات لله والصلوات والطيبات فقط، فتقول: فما الحكم في ذلك؟ وهل تصح صلاتها أم لا؟ A إذا كانت لا تعرف من التحيات إلا هذه الكلمات الأربع: التحيات لله والصلوات والطيبات، فإنها ما عجزت عنه يسقط عنها، لقول الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] . وقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] . والتحيات لا نعلم لها بدلاً، الفاتحة إذا عجز الإنسان عنها ولم يحفظ، قلنا له: اقرأ ما سواها من القرآن بقدر الفاتحة، وإذا قال: لا يعرف شيئاً من القرآن، قلنا: سبِّح، واحمَد، وهلِّل، وكبِّر بمقدار الفاتحة، ثم اركع، أما التشهد فلا بدل له، فإذا كانت لا تعرف إلا هذه الأربع يسقط عنها، لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] .

ما ينبغي فعله يوم العيد وليلة العيد

ما ينبغي فعله يوم العيد وليلة العيد Q ماذا يفعل المسلم في ليلة العيد ويوم العيد، خاصة وأن الناس قد اعتادوا في هذه الأيام أن يخرجوا إلى الأسواق والمنتزهات؟ A ليلة العيد كغيرها من الليالي يعني: ينبغي للإنسان أن يستغلها بما ينفعه عند الله عزَّ وجلَّ، ومن ذلك: كثرة التكبير، والتحميد، والتهليل: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. وأما الخروج إلى المنتزهات إذا كان خروجاً نزيهاً ليس فيه تبرج النساء، ولا اختلاط بهن فإنه لا بأس به؛ لأن الأصل الحِل، وإن كانت الحال الأولى أحسن، وهي أن نستغلها بطاعة الله عزَّ وجلَّ؛ لكن الشيء الذي لم تدل الشريعة على تحريمه الأصل فيه الحِل. ولكن يجب أن نلاحظ شيئاً آخر، وهو: ألا نتخذ من هذا التنزُّه أذية؛ لأنه أحياناً يحصل أذية إما بالسيارات، وإما بالدراجات الهوائية، فبعض الناس يتجول في الأسواق بالسيارات ويُفَحِّط، ويستخدم بوق السيارة المزعج، أو يكونون صغاراً معهم دراجات هوائية يؤذون بها الناس، ويعرضون أنفسهم لخطر السيارات، وشر من ذلك أيضاًَ: ما يفعله بعض الناس من المفرقعات، الذين يشغلون الناس بها ليلاًَ ونهاراً، ما يكفيهم أن يقتصروا على ليلة العيد حتى يعلم الناس أنه عيد، قد علموا أنها عيد بدون مفرقعاتهم؛ لكن هم يقولون: نحن نفعل هذا من أجل أن يعرف الناس أنه عيد، وهم لا يقصدون هذا، فهم إلى قبل البارحة، وهم يضربون هذه المفرقعات للإخبار بدخول شهر رمضان، وهو قد شارف على الانتهاء الآن، سبحان الله!

مشروعية الاعتكاف في رمضان دون غيره

مشروعية الاعتكاف في رمضان دون غيره Q إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل (11) و (13) ولم يزد عليها، ولكنه لم يحدد عدد ركعات صلاة الليل، أليس في اعتكافه في رمضان عدم تحديد لزمن الاعتكاف أيضاً؟ فإذا كان ليس كذلك فمن أين أخذنا تحديد زمن الاعتكاف؟ A نحن أخذنا عدم تحديد ركعات الصلاة من جواب الرسول عليه الصلاة والسلام. أما الاعتكاف فإنه لم يشرعه النبي عليه الصلاة والسلام إلا في رمضان، وقد بيَّن أنه اعتكف من أجل ليلة القدر، ومن المعلوم أن ليلة القدر لا تكون في غير رمضان، فإن ليلة القدر قطعاً في رمضان لقول الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185] فالقرآن أُنزِل في رمضان، وفي أي ليلة؟ في ليلة القدر: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:1] . فإذا أخذنا بالدليل الأول والثاني تعيَّن أن تكون ليلة القدر في رمضان، والرسول عليه الصلاة والسلام إنما اعتكف طلباً وابتغاءً لليلة القدر.

الجمع بين الأدلة في مسألة سماع الموتى

الجمع بين الأدلة في مسألة سماع الموتى Q سمعنا في أول الدرس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينادي أهل القَلِيب في بدر، وأخبر أنهم يسمعون، فكيف نجمع بين هذا وبين قوله تعالى: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل:80] ؟ A الجواب على هذا من وجهين: الوجه الأول: أن كثيراً من المفسرين قال: إن معنى قوله: {لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل:80] يعني: أن الميت لا يسمع دعاء الحي، فلو أنك أتيت إلى جثة إنسان، وقلت: يا فلان! اتقِ الله، اترك المعاصي، واعمل بالطاعات، هل يسمع؟ ما يسمع. وقالوا: المراد بالسمع: سمع الإجابة، يعني: أنك مهما قلتَ للميت لم يسمع سمع إجابة. فكذلك هؤلاء الذين دعوتَهم هم بمنزلة الأموات، لن يستجيبوا، وهذا القول أصلح. القول الثاني: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل:80] : يعني: لو ذهبت إلى المقبرة تدعوهم، ما أسمعتهم. فإذا كان كذلك فهذا العموم مخصوص لأهل بدر، ومخصوص أيضاً، بأهل قَلِيب بدر، ومخصوص بالإنسان عند موته إذا دُفن، فإن الإنسان إذا دُفن وانصرف عنه أصحابه يسمع قرع نعالهم وهم ذاهبون عنه.

جواز إخراج الوالد الزكاة عن أولاده وأولاد أولاده

جواز إخراج الوالد الزكاة عن أولاده وأولاد أولاده Q هل يحق لوالدي أن يخرج زكاة الفطر عني وزوجتي وأولادي، علماًَ أني في منزلٍ مستقل وقادر على أن أخرجها؟ فما حكم إخراجها عني من قِبَل والدي؟ A زكاة الفطر واجبة على الإنسان نفسه، لقول ابن عمر: (فرض النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على الحر، والعبد، والذكر، والأنثى، والصغير، والكبير من المسلمين) كل إنسان تجب عليه الفطرة بنفسه؛ لكن إذا أخرجها ولي الأمر عن نفسه وعمَّن تحت ولايته فلا بأس، فإن ابن عمر رضي الله عنه كان يخرجها عن نفسه وعن من يَمُونُهم. فإذا أخرجها الإنسان عنه وعن أهل بيته وعن أولاده ولو كانوا في مكان آخر ورضوا بذلك فلا حرج، بل قد يكون في هذا بر لوالديه؛ لأن بعض الآباء لو قال له الابن: يا أبتِ! أنا أريد أن أخرج زكاة الفطر لنفسي، ربما يغضب، ويقول: أتراني عاجز؟! أنا من يوم وأنت صغير وأنا الذي أخرج زكاتك، واليوم تجيء وتقول: أنا سأخرج زكاتي لنفسي؟! يعني: بعض الآباء ما عنده فهم، فإذا رأى الولد أن من أسباب رضا والده أن يمكنه من دفع الزكاة فلا بأس، وإلا فالأصل أن الزكاة واجبة على كل إنسان بنفسه.

استحباب ذكر الدعاء على الصفا والمروة في كل شوط

استحباب ذكر الدعاء على الصفا والمروة في كل شوط Q في العمرة هل نقول الدعاء على الصفا والمروة في كل شوط، أو في الشوط الأول فقط؟ A الدعاء الذي على الصفا والمروة الذي هو: التكبير، وقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده, وهزم الأحزاب وحده) يقال في كل مرة، كلَّما صعدتَ على الصفا وصعدتَ على المروة فإنك تقوله. أما قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] فإنها لا تقال إلا مرة واحدة إذا دنا الإنسان من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} لا إذا صعد عليه، بل قبل أن يصعد، ولا يكرره مرة ثانية، ولا يقوله عند المروة، خلافاً لما يفعله العامة الآن يقرءون هذه الآية كلما صعدوا الصفا وكلما صعدوا المروة، وهذا جهل منهم، وطلبة العلم عليهم مسئولية في هذا، إذا سمعوا أحداً يقول هذا الكلام وهو يعرفه، ويؤخذ بقوله، قالوا له: هذا غير مشروع، فسينتفع؛ لكن بعض الناس ممن لا يعرفك لو قلت: هذا غير مشروع أقام عليك الدنيا، وكيف ما هو مشروع؟! هذا موجود في المنسَك. والقرآن أيضاً. كالذين يقولون: إذا انتهيت من القراءة قُل: صدق الله العظيم، هذا غير مشروع، ما كان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا انتهى من القراءة يقول: صدق الله العظيم، قال: أعوذ بالله! أنت ما تقرأ القرآن؟! أليس الله يقول: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ} [آل عمران:95] ؟! نعم، يعرف كيف يستدل؛ لكنه أعمى، ما يستدل بدليل واضح في المسألة. قال الله: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ} يعني: إذا كمَّلت القراءة؟! لا، نحن نقول: صدق الله، والذي لا يقول ذلك ليس بمؤمن، لكن هل هو مشروع كلما توقفتَ عن القراءة تقول: صدق الله؟! لا، غير مشروع.

جواز الخروج من الحرم بنية الرجوع من غير طواف وداع وسنية ركعتي طواف الوداع

جواز الخروج من الحرم بنية الرجوع من غير طواف وداع وسنية ركعتي طواف الوداع Q إذا أراد معتمر أن يخرج إلى جدة لاستقبال زملائه في المطار، فهل عند خروجه من مكة عليه طواف وداع، مع العلم أنه سيرجع بعد عدة ساعات، في نفس اليوم؟ وهل لطواف الوداع ركعتين بعده؟ A أما الشق الأول من السؤال: فليس عليه طواف وداع؛ لأن الرجل خرج وسيرجع، ولهذا لما خرج الصحابة إلى منى في الحج لم يطوفوا للوداع، مع أنهم خرجوا إلى الحِل، فإن عرفة من الحِل، فإذا خرج الإنسان من مكة ونيته أن يرجع فلا وداع عليه. وأما الشق الثاني وهو: صلاة ركعتين بعد طواف الوداع، فإن أهل العلم يقولون: كل طواف فإنه مشفوع بركعتين سنة، والنبي عليه الصلاة والسلام لما طاف للوداع في حجه صلى بعده صلاة الفجر، ثم ركب، ولهذا لو أن إنساناً اقتصر بعد الطواف على صلاة فريضة فإنها تجزئه عن صلاة الركعتين؛ لأن المقصود أن يعقب الطواف بصلاة.

الزكاة في ثمر النخل

الزكاة في ثمر النخل Q عندي نخل في البيت، قد يبلغ النصاب، وأود أن أبيع منه إن استغنيتُ عن بعض الثمر، فهل على الثمر زكاة، أم في نفس النخل؟ A الأصل في زكاة ثمر النخل أنه في عين التمر؛ ولكن إذا رأى الإنسان من المصلحة أن يخرج من قيمته، فلا حرج في ذلك.

جلسات رمضانية 1412هـ[1]

جلسات رمضانية 1412هـ[1] بدأت هذه الجلسة بالكلام عن الصوم وفضيلته، واحترام هذا الشهر الكريم بعمل الطاعات وهجر واجتناب المنكرات، وضرورة الحرص على الصلوات؛ لما فيها من خير عظيم وأجر كبير. ثم أجاب الشيخ عن بعض الأسئلة المتعلقة بالنية في الصوم ووقت الإمساك، وكذا بعض أحكام الحاجم والمحتجم والحائض والنفساء وكفارة المريض الذي مات وعليه صوم، وغيرها من الأسئلة.

الصوم وأثره في حياة المسلم

الصوم وأثره في حياة المسلم الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى وخليله المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهداهم اقتدى، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فإننا في هذه الليلة، ليلة الأحد الخامس من شهر رمضان عام (1412هـ) نفتتح لقاءاتنا معكم كجاري العادة في كل شهر رمضان، وسيكون اللقاء في يومين من الأسبوع، يوم السبت ليلة الأحد ويوم الثلاثاء ليلة الأربعاء بحول الله وقوته، هذا اللقاء ليس محاضرات تقال وتسكب فيها العبارات وتنمق فيها، ولكنه لقاء يتقدم الأسئلة فيه بحث يسير في فقه الصوم، أو الصلاة، أو الزكاة، أو غيرها من شئون المسلمين، ثم بعد ذلك يتلوها الأسئلة.

تعريف الصوم

تعريف الصوم إن أهم ما يختص به هذا الشهر الصيام الذي فرضه الله على عباده وجعله ركناً من أركان الإسلام، والصيام حقيقة وروحاً ومعنىً هو: إمساك الإنسان عن المحرمات التي حرمها الله عز وجل على الصائم بخصوصه وهي مفسدات الصوم، أو على المسلم عموماً وهي جميع المحرمات، فالصوم حقيقة وروحاً ومعنى هو الإمساك عن المحرمات الخاصة بالصوم أو العامة. والخاصة بالصوم هي مفسدات الصوم مثل الأكل والشرب، والعامة هي التي تحرم في كل زمان مثل الغيبة والنميمة والكذب والسب والشتم وكل قول منكر، ولكن الإمساك عن الأكل والشرب والنكاح هو وسيلة للإمساك عن المحرمات العامة، لأن هذه المحرمات الخاصة بالصوم -وهي مفسدات الصوم- إنما حرمت على الإنسان من أجل أن تتربى نفسه على ترك المألوف اتباعاً لرضى الله عز وجل، كما جاء في الحديث القدسي في شأن الصوم أن الله قال: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) فإذا ترك الإنسان هذه الأشياء المباحة لولا الصوم كان تركه للمحرم العام من باب أولى أن يلتزم به، وقد أشار الله تعالى إلى هذه الحكمة في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] هذه الفائدة وهذه الحكمة تقوى الله عز وجل بالصيام، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) يعني: أن الله سبحانه وبحمده ما فرض علينا الصوم ليضيق علينا بترك المألوف والمحبوب للنفس من طعام وشراب ونكاح، ولكنه فرضه علينا من أجل أن نتجنب قول الزور والعمل به -أي بالزور- والجهل، هذه هي الحكمة من الصوم الذي فرضه الله على عباده.

الإسراف المالي والبدني في رمضان

الإسراف المالي والبدني في رمضان ونحن نعلم أن الإنسان إذا ربى نفسه طيلة شهر رمضان على ترك المحرمات فسوف تتربى نفسه على ذلك في المستقبل، فهو مدرسة للنفس تتمرن فيه على ترك المحبوب بمحبة الله عز وجل، أي: لأن الله يحب ذلك، فإذا مرن نفسه في هذا الشهر كاملاً على ترك المألوف والمحبوب لنفسه تبعاً لرضى الله عز وجل ومحبته فإن النفس سوف تتربى وسوف تتغير وسوف يكون رمضان بمنزلة النار لصهر الحديد والذهب والفضة حتى يخرج خالصاً نقياً من الشوائب، فلننظر حال كثير من الناس اليوم: نجد كثيراً من الناس يجعل رمضان مرتعاً للشهوات، ففي الليل يسرف في الأكل عند الإفطار، عند العشاء، عند السحور، في جوف الليل، ليس له هم إلا أن ينظر ما تشتهيه نفسه من الأطعمة ويشتريه، وليته يشتريه بقدر حاجته، بل يشتري كثيراً ويفسد باقيه، وربما لا يجد من يأكله، فيقع في الإسراف البدني والإسراف المالي؛ أما الإسراف البدني فهو ملء البطن، وملء البطن قال فيه حكيم القلوب والأبدان محمد صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه) الوعاء: الآنية (فإن كان لا محالة -يعني: هو أراد أن يملأ بطنه- فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه) ولكن نجد كثيراً من الناس مع الأسف في ليالي رمضان يسرفون إسرافاً عظيماً. كذلك هذا إسراف في المال؛ لأن الإنسان ينفق مالاً كثيراً في هذه الليالي في غير حاجة، ولو علم الإنسان قدر المال واهتمام الله عز وجل به ما أسرف في بذله قال الله تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} [النساء:5] فالمال لا ينبغي أن يكون إلا بيد إنسان رشيد، يعرف كيف يتصرف تملكاً وتصرفاً، أما السفيه فلا يعطى المال، السفيه هو الذي يبذله في غير فائدة كما قال أهل العلم: إن السفيه هو الذي يبذل ماله في حرام، أو في غير فائدة، وأنه يجب الحجر عليه، ومنعه من التصرف. فالمال له شأن عظيم ولهذا قال: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} [النساء:5] ومعنى قوله: {جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} [النساء:5] أي: صيرها قياماً تقوم به مصالح دينكم ودنياكم.

نصيحة لمن يؤخرون الصلاة عن وقتها في رمضان

نصيحة لمن يؤخرون الصلاة عن وقتها في رمضان نجد أيضاً بعض الناس يقتل نهار رمضان، يقتله قتلاً، لا يذبحه بسكين بل يقتله بحجر، يقتل هذا النهار الذي هو من أشرف أيام السنة بالنوم، فينام من حين الفجر إلى أن يؤذن الظهر ومن حين أن يصلي الظهر إلى أن يؤذن العصر، ومن حين أن يصلي العصر إلى غروب الشمس، هذا إذا كان حريصاً على الصلاة، وإلا فسمعت أن بعض الناس ينام من حين أن يتسحر ولا يقوم إلا للعمل؛ عمل الوظيفة، ولا يصلي الفجر، لا مع الجماعة ولا في وقتها، ومثل هذا لا تقبل صلاته، كل إنسان ينام عن صلاة الفجر أو غيرها من الصلوات باختياره ولا يقوم فإنه إذا صلاها بعد خروج وقتها لا تقبل منه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ًليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود. ثم تجده إذا قام للعمل ورجع من بعد صلاة الظهر، وقد لا يصلي نام إلى قرب الغروب حتى يقوم ليأكل والعياذ بالله، هذا في الحقيقة لم يقدر هذا الشهر حق قدره، وما عرف أن عمر الإنسان أنفاسه غالية، أغلى ما يكون عند الإنسان هو الزمن، هو أغلى من الذهب والفضة والسيارات وغير ذلك. واستمع إلى قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99-100] ما قال لعلي أتبسط فيما تركت، وأخرج به للنزهة وأركب المراكب الفخمة وأسكن القصور المشيدة، قال: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} من المال، قال الله عز وجل: {كَلَّا} [المؤمنون:100] أي: لا رجوع، {إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون:100] ويجوز أن تكون (كَلَّا) بمعنى حقاً، أي: حقاً إنها كلمة هو قائلها، فهي لها معنيان وكلاهما لا ينافي الآخر، فتكون بالمعنى هذا وبالمعنى هذا، كلا لا رجوع، فهي حرف ردع، كلا بمعنى حقاً أن يقول هذا الكلام {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:99-100] هذا البرزخ هو ما بين موت الإنسان وقيام الساعة؛ سواء دفن، أو ألقي في البحر، أو بقي على ظهر الأرض فأكلته السباع، فكل هذا يسمى برزخاً؛ لأن البرزخ هو الفاصل بين شيئين كما قال تعالى: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ} [الرحمن:20] وهذا الذي بين موت الإنسان وقيام الساعة برزخ بين الدنيا وبين الآخرة. على كل حال: ينبغي لنا أن نغتنم أوقات هذا الشهر خصوصاً وأوقات جميع أعمارنا عموماً بماذا؟ بما يقرب إلى الله عز وجل، بطاعة الله حتى تكون حياتنا حياة حقيقية، نسعد بها في الدنيا والآخرة. أقول لكم قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، وأنا أشدكم تقصيراً ولكني أستغفر الله وأتوب إليه، وأسأله أن يلحقني وإياكم بالصالحين إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد. وإلى الأسئلة ولعل الله أن يجعل فيها خيراً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

القول الصحيح في الإمساك عند سماع الأذان

القول الصحيح في الإمساك عند سماع الأذان Q كثير من الأسئلة وردت حول من يتسحر والمؤذن يؤذن هل يصح أم لا يصح؟ وآخر يسأل: هل يصح أن نتابع المؤذن أم نتابع التقويم المنشور الآن؟ A الأذان علامة على طلوع الفجر إذا كان المؤذن يؤذن إذا رأى الفجر، ودليل هذا قول الله عز وجل: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187] أي: حتى يطلع الفجر ويتبين لكم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم) أي: من أجل أن يستيقظ النائم ويرجع القائم عن قيامه حتى يتسحر، (فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) هذا كله مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في هذا الحديث إدراج من بعض الرواة يقول: وكان -يعني ابن أم مكتوم - رجلاً أعمى لا يؤذن حتى يقال: أصبحت أصبحت. والتقويم الموجود -وهو تقوم أم القرى- متقدم على التقويم الذي في ساعة بلال، وعلى التقويم الذي صنعه بعض طلبة العلم في جامعة الملك فهد التي كانت تسمى جامعة البترول، متقدم عليها في الصبح خاصة بخمس دقائق، يعني: مثلاً اليوم هذا كان في تقويم أم القرى الفجر في الساعة الخامسة، وفي التقويم الذي أشرت إليه الساعة الخامسة وخمس دقائق، وفي تقويم الرابطة - رابطة العالم الإسلامي -الفجر الساعة الخامسة وثلاث دقائق، فعندنا الآن ثلاثة تقاويم، وقد ذكر العلماء: أنه إذا قال رجل لشخصين: أرقبا لي الفجر، فقال أحدهما: طلع الفجر، وقال الثاني: لم يطلع الفجر، قالوا: فيأخذ بقول الثاني؛ لأن الأصل عدم طلوع الفجر، والفجر لابد أن يتبين، وبناءً على هذا القول. نقول: الآن عندنا ثلاثة اختلفوا في طلوع الفجر فبقول من نأخذ؟ نأخذ بقول الأخير، لأن الأصل عدم طلوع الفجر. وعلى كل حال: من أذن على تقويم أم القرى وأكل الإنسان بعده -أي: بعد الأذان- فإنه لا حرج عليه حتى يتم خمس دقائق بين التقويمين، فإذا أتم خمس دقائق فهذا آخر ما علمنا ممن حدد طلوع الفجر، هذا إذا كنا في البلد، أما إذا كنا في البر وليس حولنا أنوار، فلا حاجة للرجوع إلى التقويم، نرجع إلى ما بينه ربنا عز وجل، ما هو؟ أن نرى نحن الفجر، ما دمنا لم نر الفجر وليس هناك غيم ولا قتر، فإننا نأكل حتى ولو فرض أننا في البر والسماء صاحية، وليس حولنا أنوار وصارت الساعة خمس وعشر، خمس وربع، ما رأينا الفجر فلنا أن نأكل، لأن الله حدد لنا. والعمل بالتوقيت ألجأت إليه الضرورة؛ لأن الناس لا يصعدون على المنارات، ولا يستطيعون رؤية الفجر تماماً بسبب الأنوار، فالضرورة ألجأتنا إليه، وإلا فهو في الحقيقة كلجوئنا إلى التقويم أو إلى الحساب الفلكي في رؤية الهلال، فما دمنا لا نعمل بالحساب الفلكي في رؤية الهلال، فكذلك أيضاً لا نعمل بالتقويم في أوقات الصلوات أو أوقات الإمساك والإفطار؛ لأن هذا كله مبني على حساب، لكن نظراً إلى أن الضرورة ألجأت إلى ذلك قلنا الضرورة لها أحكام نرجع إليها، فإذا اختلفت عندنا التقاويم وكان الحاسبون كلهم ثقات فإننا نأخذ بمن؟ بالأخير؛ لأننا إذا أخذنا بالأخير عملنا بالجميع، كلهم يقولون الساعة خمس وخمس مثل يومنا هذا قد طلع الفجر، لكن إذا قال التقويم الأول: الساعة خمس طلع الفجر، قال الثاني: ما طلع الفجر؟ لكن خمس وخمس كلهم يقولون طلع الفجر، إذاً فلنمسك على هذا.

حكم تبييت النية قبل دخول رمضان

حكم تبييت النية قبل دخول رمضان Q رجل لم يعلم بدخول شهر رمضان هذا العام إلا بعد أن رأى كثرة المصلين في صلاة الفجر، وسأل بعد الصلاة ما الخبر؟ فأخبر بدخول الشهر، فهل عليه القضاء لأنه لم يبيت النية، ولو كان قد نوى أنه إن كان غداً من رمضان فسوف يصوم، فماذا عليه؟ وجزاكم الله خيراً. A إذا كان نائماً على أنه يتوقع أن يكون رمضان غداً ونوى بقلبه أنه صائم، ما لم يتبين أن غداً من شعبان، فهذا صومه صحيح ولا إشكال فيه. لاحظوا الفروق لأنها دقيقة، إذا قال: أنا صائم غداً إلا أن يكون من شعبان، فهذا قد جزم بالنية، إذا قال: إن كان غداً من رمضان فأنا صائم، فهذا علق النية، إذا لم ينو لا هذا ولا هذا، نعم على أنه ليس من رمضان، ثم تبين له كما قال السائل: لما رأى الناس كثيرين في صلاة الفجر قالوا له: إنه قد دخل رمضان، فنوى من حين علم، فهذا يختلف عن الصورتين السابقتين، وكل هذه الصور الثلاث عند شيخ الإسلام لا توجب القضاء، يعني: أن صومه صحيح ولا قضاء عليه، ويستدل رحمه الله لذلك بقول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] وقال: إن هذا جاهل فلا يؤاخذ. ربما يرد عليه في الصورة الثالثة أنه نام ولم ينو فأجاب رحمه الله: إن النية تتبع العلم، ولا يمكن أن ينوي قبل أن يعلم، وهذا من حين علم نوى، فصيامه صحيح، فمن أخذ بقول شيخ الإسلام في هذه المسألة فلا حرج عليه، ومن قضى احتياطاً لقول العلماء الآخرين فلا حرج عليه.

حكم خروج بعض الطعام من المعدة إلى الفم

حكم خروج بعض الطعام من المعدة إلى الفم Q حينما يتسحر الإنسان ثم يمسك، فأحياناً يخرج من جوفه بعض الهواء، ويخرج معه شيء من الطعام ويبقى أثره في الفم، فإن رماه وأخرجه من فمه بقي الأثر، وإن ابتلعه فهذا مشكل، فما العمل والحال هذه؟ A الصورة: الظاهر أنه أحياناً يتجشأ الإنسان فيخرج من معدته بعض الطعام. نقول: إذا وصل إلى الفم فإنه لا يجوز أن تبلعه، لو بلعته وأنت عالم أفطرت ولكن اتفله، إما في منديل إذا كان معك مناديل أو في طرف ثوبك، وإذا قُدر أنه بقي طعام فاتفل حتى يزول الطعام، لأنك إذا تفلت مرة مرتين سوف يذهب الطعام وحينئذٍ لا يضرك، لكن لو فرض أن الرجل ابتلعه وهو لا يدري أن ذلك حرام عليه فصيامه صحيح، وهذه قاعدة ينبغي أن نأخذها: كل من فعل شيئاً من المفطرات وهو جاهل فصيامه صحيح ولا قضاء عليه، لقوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] . ولأن البخاري رحمه الله روى عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس) فصار إفطارهم في النهار، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء، ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به، ولو أمرهم به لنقل إلينا، فلما لم ينقل عُلم أنه لم يأمر به، ولما لم يأمر به علم أنه ليس بواجب، وهو كذلك. فإذا أكل الإنسان أو شرب جاهلاً يظن أنه في الليل فتبين أنه في النهار فصومه صحيح، وإذا أكل شيئاً يظن أنه لا يفطر فصومه صحيح، وإذا احتجم يظن أن الحجامة لا تفطر فصومه صحيح، كل من فعل شيئاً من المفطرات جاهلاً فصيامه صحيح ولا قضاء عليه ولا إثم عليه، كما أن الناسي كذلك لو أن شخصاً نسي فأكل أو شرب فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) الحمد لله، الله هو الذي أطعمك وسقاك فاحمد الله، إذا شربت من كأس الماء ناسياً فقل: الحمد لله، وتقول: الحمد لله الذي نساني أو لا؟ لأن الصوم صحيح إنما أطعمه الله وسقاه، وهذه من نعمة الله سبحانه وتعالى على العباد أن الشيء الذي يكون بغير قصد قلبي فإن الإنسان لا يلام عليه. ذكر لي أن شخصاً في قديم الزمان اشترى عنباً لأهله، وحمله في منديل وهو صائم، فنسي وجعل يأكل من هذا العنب وكان الناس فيما سبق ليسوا أغنياء يسهل عليهم الحصول على العنب، وكان هذا الشخص قد اشتهى العنب كثيراً، فلما وصل إلى أهله لم يبق في العنب إلا حبة واحدة، وهو يأكل وهو ناسٍ، فقال لما ذكره أهله أنه صائم: إن كان ما أكلت من العناقيد لا يفطر فهذه لا تفطر، وأكلها، فهل يفطر الآن؟ نعم، يفطر بالحبة، والعناقيد التي أكل من قبل؟ لا تفطره، لماذا؟ لأنه ناسٍ أطعمه الله عز وجل، لكن هذه الحبة هي التي أفسدت صومه، لكن قال لي بعض الطلبة: لا يفسد صومه على قاعدة أن الجاهل معذور، وهذا جاهل يحسب أن الأول يفسد الصوم فأكل هذه الباقية بناءً على فساد صومه، أظن أن هذا لا ينطبق عليه العذر بالجهل؛ لأن هذا رجل مفرط، كان الواجب عليه أن يسأل وليس كل من قلنا إنه يعذر بالجهل يعذر في كل حال، إذا كان مفرطاً وقام سبب طلب العلم يجب عليه أن يطلب العلم حتى يتبين. أما إذا تعدت الفم فدعها تمشي، يعني: لو أن إنساناً -مثلاً- أكل وبقي الأكل في حنجرته يعني تعدى الفم، هذا دعه يمشي لأنه في حكم الباطن.

حكم من صلى الفريضة ثم أدرك جماعة في مسجد آخر

حكم من صلى الفريضة ثم أدرك جماعة في مسجد آخر Q سائل يقول فضيلة الشيخ: حضرت إلى هذا المسجد فأدركت الركعة الأخيرة من صلاة العشاء فهل أكمل صلاة العشاء، أم آتي بركعة ثانية فقط، علماً بأني قد صليت العشاء في جماعة قبل أن أحضر إلى هذا المسجد؟ A الأفضل بلا شك أن تكمل الأربع، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) ولأنه رأى رجلين حين صلى الفجر في مسجد الخيف في منى في حجة الوداع لم يصليا قال: (ما منعكما؟ قالا: صلينا في رحالنا) يظنان أن الصلاة غير واجبة في المسجد، صليا في رحالهما، أو كانت رحالهما بعيدة فظنوا أن الصلاة قد انتهت، المهم هذه قضية عين لا تصح أن تكون دليلاً على أن الجماعة لا تجب في المسجد، كما استدل بها بعض الناس، وقال: هذا دليل على أن الجماعة لا تجب في المسجد لأن هذين الرجلين قالا: (صلينا في رحالنا) ولم ينكر عليهما صلى الله عليه وسلم بل قال: (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة) فظاهر الحديث أنه يصلي مع الإمام حسب صلاة الإمام، وإن اقتصر على الركعتين اللتين أدركهما أو إذا كان أدرك ركعة واحدة فأتى بواحدة تكملة للركعتين، فأرجو ألا يكون في هذا بأس لأن الصلاة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام نافلة، والنافلة يجوز أن يقتصر فيها الإنسان على ركعتين إذا لم يخالف إمامه، والإمام لما سلم فإن ما تقضيه بعد سلامه لا يخالفه. فخلاصة الجواب: أن الأفضل أن تكمل الأربع وإن اقتصرت على ركعتين فأرجو ألا يكون في ذلك بأس.

وجوب أداء صلاة الجماعة في المسجد وإثم تاركها

وجوب أداء صلاة الجماعة في المسجد وإثم تاركها Q يوجد في حارتنا جماعة يفطرون جميعاً كل ليلة عند واحد منهم ولهم مسجد لا يصلي فيه إلا هؤلاء الجماعة، ولكنهم في حال الإفطار يصلون في بيت من يفطرون عنده، فهل هذا جائز؟ وهل يجوز لي أن أفطر معهم وأصلي معهم؟ وإذا كان هذا العمل غير جائز علماً بأن إمام المسجد معهم أفتونا وفقكم الله؟ A أما اجتماعهم على الفطور كل يوم عند واحد فلا بأس به، وأما كونهم يصلون في البيت ويدعون المسجد فهم آثمون بذلك على القول الراجح: أن صلاة الجماعة يجب أن تكون في المساجد المعدة لذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) قال: إلى قوم، مع أن هؤلاء القوم ربما يصلون جماعة في مكانهم. المهم: أن القول الراجح من أقوال العلماء: أن الصلاة جماعة يجب أن تكون في المسجد، فهؤلاء فيما أرى بناءً على القول الراجح آثمون إذا صلوا في البيت والواجب أن يخرجوا إلى المسجد ويصلوا فيه.

أحكام احتجام الصائم في رمضان

أحكام احتجام الصائم في رمضان Q سمعنا من فضيلتكم بأن الحجامة تفطر الصائم بدليل حديث: (أفطر الحاجم والمحجوم) وهل ما ذكر عن جماهير أهل العلم أنهم ذهبوا إلى عدم فطره وكراهية ذلك بأدلة أخرى قوية تعارض هذا الحديث، كاحتجامه صلى الله عليه وسلم وهو صائم، هل هذا صحيح، نرجو التفصيل في هذه المسألة؟ وإذا كانت الحجامة من المفطرات فهل يدخل فيها الحاجم بظاهر لفظ الحديث؟ وما هو حال الحاجم في زماننا هذا؟ A تفطير الحجامة للصائم دل عليها حديث شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفطر الحاجم والمحجوم) قال الإمام أحمد: هو حديث صحيح، وصححه كذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وله رسالة ينبغي لطالب العلم قراءتها رسالة صغيرة تسمى: حقيقة الصيام، بحث فيها بحثاً جيداً عن الحجامة والاكتحال والحقنة وأشياء كثيرة مهمة جداً، وفيها أصول وقواعد ينتفع بها طالب العلم، وإذا كان هذا الحديث صحيحاً: (أفطر الحاجم والمحجوم) فإنه يجب أن يؤخذ على ظاهره، ولا يحل أن يحرف كما قال بعض العلماء الذين لا يرون أن الحاجم والمحجوم يفطران، قالوا: معنى أنهما كادا يفطران، كيف كادا يفطران؟ والرسول يقول: (أفطر) وقال بعضهم: إنهما كانا يغتابان الناس، فقال الرسول: (أفطر الحاجم والمحجوم) كيف يعلق النبي عليه الصلاة والسلام الحكم على وصف غير موجود ونلتمس نحن له وصفاً مفقوداً، يعني: الآن إذا قلنا أنهما أفطرا لأنهما يغتابان الناس صار الحكم مبنياً على الحجامة أم على الغيبة؟ على الغيبة، فكيف نلغي وصفاً علق الشارع الحكم عليه ونعتبر وصفاً لم يعلق الحكم عليه؟!! وأيضاً نقول لهم: هل الغيبة تفطر الصائم؟ لا. الغيبة صحيح أنهما تنافي مقصود الصيام وروح الصيام لكن لا تفطر الصائم، قال الإمام أحمد رحمه الله: لو كانت الغيبة تفطر لم يبق لنا صوم. لأنه لا سماح من الغيبة إلا من شاء الله. وأما حديث ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم) فإن قوله: (احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم) شاذ، يعني ذكر الصيام شاذ، وكذلك أشذ منه قول: (احتجم وهو محرم صائم) فإنه شاذ؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن محرماً يوماً من الأيام وهو صائم، هذه غزوة الحديبية في ذي القعدة ولم يدخل مكة وكذلك أيضاً عمرة القضاء كانت أيضاً في ذي القعدة وعمرته في حجه كانت في ذي القعدة ودخل مكة في رمضان في غزوة الفتح وهو غير صائم مفطر، فتبين أنه لا يصح الحديث: (احتجم وهو صائم محرم) ، أما وهو صائم وحده، فقالوا: إنه شاذ، ثم على فرض أنه محفوظ يحمل على ما قبل النسخ؛ لأن حديث شداد ناقل عن الأصل، وقد ذكر أهل العلم أن من المرجحات عند التعارض النقل عن الأصل؛ لأن الناقل عن الأصل معه زيادة علم. أما بالنسبة للحاجم فهل يفطر في وقتنا هذا أم لا؟ فالجواب عليه: من قال من العلماء: إن الإفطار بالحجامة أمر تعبدي فلا تعقل علته، فإنه يرى أن الحاجم في وقتنا يفطر كالمحجوم؛ لأن هذا تعبدي لا نعرف العلة. ومن رأى أن الحكم معلل كما هو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فإن الحاجم في وقتنا لا يفطر، وذلك لأن الحاجم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يمص القارورة التي يكون فيها الدم عند الحجامة، كانوا في الأول في قارورة من حديد ولها أنبوبة صغيرة رفيعة جداً، إذا شَرَطَ الحاجم محل الحجامة بالموسى وضع هذه القارورة على هذا المكان ثم يمص عن طريق الأنبوبة الصغيرة، لكي يفرغ الهواء، وإذا فرغ الهواء انجذب الدم حتى تمتلئ القارورة ثم تسقط، فكانوا فيما سبق يمصون هذه الأنبوبة التي في القارورة، وربما عند المص يصل شيء من الدم إلى حلق الحاجم وهو لا يشعر والمظنة أحياناً تلحق بالمئنة، يعني: أن المظنون يلحق أحياناً بالمتيقن. فعلى رأي شيخ الإسلام رحمه الله نقول: إن الحاجم في وقتنا الذي يحجم بالآلات وليس له علاقة بها لا يفطر، وما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله أقوم من القول بأن الحكم تعبدي؛ لأن الحكم إذا كان معللاً بعلة تشهد لها النصوص فإنه يجب أن يربط بها وجوداً وعدماً، بخلاف التعبدي المحض. لو قال لك قائل: لماذا صارت الظهر أربع ركعات ولم تكن ثمان ركعات؟ ماذا نقول: هذا تعبدي، تعبدنا الله بهذا العدد لابد أن نقوم به.

حكم الدم أو السائل الخارج قبل الولادة

حكم الدم أو السائل الخارج قبل الولادة Q سائلة تقول: إذا كانت المرأة حاملاً وفي شهرها الأخير خرج منها ماء من غير دم. فهل عليها صلاة، وماذا تفعل في صومها، وهل هو صحيح أم لا؟ A يقول أهل العلم: إن المرأة الحامل لا تحيض، إلا أن بعض النساء قد يستمر حيضها في الأشهر الأولى من الحمل على ما هو عليه، وأما الأشهر الأخيرة فلا يمكن أن يخرج منها الحيض، يقول الأطباء: إن الحامل لا تحيض أبداً، وإن الحيض دليل على عدم الحمل، وهذا هو الذي قاله الإمام أحمد رحمه الله، فقال: إنما تعرف النساء الحمل بانقطاع الحيض. على كل حال: هذه المرأة التي رأت الدم في شهرها الأخير نقول: هذا الدم ليس بحيض ولا نفاس ولا يمنع عن صلاة ولا صوم، إلا إذا كان مصحوباً بالطلق وكان عند الولادة أو قبلها بيومين أو ثلاثة، فإنه يكون نفاساً؛ لأن الطلق وقرب هذا الدم من الوضع يجعل هذا الدم دم نفاس، وإذا كان دم نفاس فإنها لا تصلي ولا تصوم. أما إذا كان الخارج ماء فهذا ليس بنفاس ولا حيض حتى وإن كان معه طلق؛ لأن النفاس هو الدم الذي يخرج من الرحم عند الولادة أو قبلها بيومين أو ثلاثة.

جواز استخدام (الدس) في نهار رمضان لمعرفة قرب الولادة

جواز استخدام (الدس) في نهار رمضان لمعرفة قرب الولادة Q هل تجوز للطبيبة أن تكشف بما يسمى (الدس) على المرأة الحامل في نهار رمضان لمعرفة قرب الولادة وغيره؟ A يجوز للطبيبة أن تختبر المرأة عن طريق (الدس) هل ولادتها قريبة أم بعيدة، لكن من باب الاحتياط نقول: ليكن ذلك في الليل؛ لأن بعض العلماء رحمهم الله يقولون: إن كل ما يصل إلى الجوف مفطر إلا ما كان عن طريق الإحليل فإنه لا يفطر؛ لأن الإحليل لا ينفذ، قال الفقهاء رحمهم الله: والإحليل هو الذي يكون عن طريق المثانة التي هي مجمع البول، لأن المثانة يدخل إليها الشيء ولا يخرج منها إلا مع الثقب الذي جعله الله عز وجل، والمثانة: عبارة عن كيس كحوصلة الطائر يتصل به عروق من الكلى تصب فيه الماء الزائد على البدن من الطعام والشراب، ثم يجتمع هذا الماء بهذا الكيس فإذا امتلأ أحس الإنسان بأنه محتاج إلى البول، ويخرج البول من طريق واحد إلى المخرج رأساً، فإذا دخل شيء من المخرج إلى هذه المثانة فإنه لا يفطر وإن كانت في الجوف، قالوا لأن المثانة لا يخرج منها الطعام، يعني: لا يخرج منها ما يدخل إليه، فهي مصب وليست مصدراً. على كل حال أقول: إن هذه المرأة التي احتاجت إلى عملية ما يسمونها (بالدس) ينبغي أن تجعل ذلك في الليل احتياطاً.

حكم (الكدرة) الخارجة في أيام الحيض وغيره

حكم (الكدرة) الخارجة في أيام الحيض وغيره Q امرأة حملت شيئاً ثقيلاً فأثر عليها فنزلت منها كدرة ولم تنقطع من بداية هذا الشهر، فماذا تفعل؟ مع العلم أن هذا ليس وقت دورتها؟ A تصوم وتصلي ولا تفطر وصومها صحيح وصلاتها صحيحة؛ لأن هذه الكدرة التي نزلت لها سبب وما هو؟ حمل هذا الثقيل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في دم المستحاضة: (إنه دم عرق) فدل هذا على أن جميع العروق وإن خرجت إفرازاتها من الفرج لا تعتبر حيضاً بل هي استحاضة. وعلى هذا فنقول: إن الذي خرج من هذه المرأة عند حملها هذا الثقيل وهو كدرة وفي غير أيام الحيض أيضاً دم لا عبرة به، أي: لا يمنع من صيام ولا صلاة.

ما تفعله المبتدأة في الحيض إذا تركت الصيام

ما تفعله المبتدأة في الحيض إذا تركت الصيام Q حائض تركت الصيام وعمرها ثلاث عشرة سنة خجلاً من أهلها، تقول: حيث إنهم لم يخبروها أنها حائض، فهل عليها أن تقضي تلك الفترة التي لم تصمها؟ A الذي نرى أن من تركت الصوم أول بلوغها بالحيض لصغر سنها إذا كانت في بيت بعيدين عن العلم وعن طلبة العلم كالناشئة في البادية فليس عليها صوم؛ لأن الأدلة الشرعية تدل على أن الجاهل الذي ليس عنده أصل يبني عليه معذور، وذلك في عدة أمور: في الصحيحين: (أن رجلاً دخل المسجد فصلى صلاة لم يطمئن فيها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع فصل فإنك لم تصل -ثلاث مرات يرده- فقال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني، فعلمه) ولم يأمره بقضاء الصلوات الفائتة، لماذا؟ لأنه جاهل وإنما أمره أن يعيد الصلاة الحاضرة لأن وقتها باق وهو مطالب بالصلاة في هذا الوقت. كذلك أيضاً: عمار بن ياسر أجنب فظن أن طهارة التيمم كطهارة الماء، فتمرغ بالصعيد كما تتمرغ الدابة وصلى، فلما حضر إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخبره الخبر فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا؛ وضرب بيديه الأرض ومسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه) ولم يأمره بإعادة الصلاة التي كان لا يتيمم لها التيمم الشرعي؛ وذلك لأنه جاهل. فهذه المرأة التي بلغت وهي صغيرة، وهي بعيدة عن العلم وعن طلبة العلم، وأهلها من الناس الذين عندهم غفلة كما يوجد في كثير من الناس قبل هذا الوعي الجديد والحمد لله، نقول: ليس عليها قضاء. أما إذا كانت في بيت علم، وفي مكان يمكنها أن تسأل بكل سهولة وصار منها نوع تفريط فإن الأبرأ لذمتها أن تقضي الصوم. وأما الصلاة فإن الغالب أنها تصلي، وهذا يشكل في الصوم فقط.

كفارة الصيام للمريض الذي لا يرجى برؤه

كفارة الصيام للمريض الذي لا يرجى برؤه Q والدي مريض منذ مدة ونصحه الأطباء بعدم الصيام وقد توفي بعدها وعليه خمسة أشهر لم يصمها بسبب مرضه وجهله بأحكام الشرع، فالسؤال هو: ماذا نفعل لكي نقضي صيامه، هل نتصدق عنه، أم نكفر؟ وما هي الكفارة؟ A المريض الذي لا يرجى شفاؤه لا يجب عليه الصوم أصلاً وإنما يجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، وأما الصوم فلا يجب عليه، ولا يجب على أوليائه إذا مات أن يقضوا عنه، لأن الفرض الذي يجب على هذا الرجل هو أن يطعم. وعلى هذا فنقول للسائل: أطعم عن أبيك عن كل يوم من هذه الأشهر مسكيناً، ولا بأس أن تكرر الأشهر كلها على ثلاثين مسكيناً، تعطيهم للشهر الأول ثم للثاني ثم للثالث ثم للرابع ثم للخامس، ومقدار الإطعام من الرز كيلو تقريباً لكل مسكين، ويحسن أن تجعل مع الطعام أو أن تجعل مع البر شيئاً يكون إداماً له من لحم أو غيره.

كفارة من تركت أولادها دون رضاعة حتى ماتوا

كفارة من تركت أولادها دون رضاعة حتى ماتوا Q امرأة من أهل البادية في زمن سابق أنجبت طفلين بهما عيب بسيط في أنفيهما وهو ما يطلق عليه (الشرم) وقمن النساء اللاتي ولدنها بتخويفها بأنها أنجبت شيئاً غير إنسان، فامتنعت من إرضاعهم لمدة ثلاثة أيام ثم توفيا بعد ذلك، علماً بأنها تابت واعترفت بذنبها، وصامت شهراً كاملاً من أجل هذا، فهل صومها صحيح؟ وماذا يجب عليها علماً بأنها قد تقدم بها العمر؟ A الواجب عليها أن تصوم عن كل نفس شهرين؛ لأنه أمكنها أن تنقذ هذين من الهلكة ولكنها لم تفعل، وهاذان الطفلان لا يمكن أن يقوما بما ينقذ حياتهما لأنهما طفلان، فهي تعمدت ترك الواجب وهو إرضاع هذين الطفلين حتى هلكا فعليها أن تصوم عن كل طفل شهرين متتابعين. أما الدية فهي بينها وبين ورثة هذين الطفلين إذا عفوا عنها وإلا فإنما تجب على عاقلتها، يعني: يجب على عاقلتها الدية وتكون لورثة هذين الطفلين.

حكم استعمال الأوكسجين للمريض في نهار رمضان

حكم استعمال الأوكسجين للمريض في نهار رمضان Q ما حكم استعمال الأكسجين الذي يوضع على فم المريض أكثر اليوم؛ هل يفطر؟ A الأكسجين الذي يعطى للمريض لا يفطر؛ لأن هذا الأكسجين ليس له جرم يصل إلى المعدة حتى نقول: إنه أكل أو شرب، لكنه بارد يفتح الشرايين حتى يتنفس الإنسان، وعلى هذا لا يكون أكلاً ولا شرباً وما ليس بأكل ولا شرب ولا بمعنى الأكل والشرب فإنه لا يفطر.

وقت ابتداء الحداد لمن توفي عنها زوجها

وقت ابتداء الحداد لمن توفي عنها زوجها Q توفي زوجي في حادث وأنا معه، ثم جلست في المستشفى ستة أيام ولم أعلم أنه متوفى حتى خرجت، فهل أبدأ مدة الحداد من وفاته، أم من حين علمت. أفتونا وفقكم الله؟ A قبل الإجابة على هذا السؤال نحب أن نعطي قاعدة وهي: (أن ما علق بسبب ثبت بوجود ذلك السبب، سواء علم به الفاعل أم لم يعلم) فعدة الوفاة سببها الوفاة، وعلى هذا فيكون ابتداؤها من وفاة الزوج حتى ولو لم تعلم إلا بعد مضي أربعة أشهر وعشر من موته فإن عدتها تنقضي وليس عليها شيء، وكذلك في الطلاق لو فرض أن رجلاً طلق زوجته ولم تعلم بطلاقه حتى حاضت ثلاث مرات، فإنها في هذه الحال لا يلزمها أن تعيد العدة، بل نقول: الآن خرجتي من العدة، فابتداء العدة في الموت من الموت، وابتداء العدة في الطلاق من الطلاق، وابتداء العدة في الفسخ من الفسخ، المهم أن ابتداء العدة يكون من حين وجود السبب لا من حين علم المرأة، المرأة لو لم تعلم إلا بعد انتهاء العدة لم يكن عليها شيء، انتهت عدتها وتتزوج مباشرة.

هيئة صلاة الليل وحكم من قام إلى ركعة ثالثة في صلاة التراويح

هيئة صلاة الليل وحكم من قام إلى ركعة ثالثة في صلاة التراويح Q لو أن إماماً في صلاة التراويح سها وقام إلى الركعة الثالثة فنبه فلم ينتبه، فهل يكتفي بثلاث أم يأتي برابعة؟ A الواجب على الإمام إذا سها في صلاة الليل وقام إلى ثالثة الواجب أن يرجع ويتشهد ويسلم ويسجد للسهو بعد السلام، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) فجعلها اثنتين اثنتين، فإذا قام إلى الثالثة قلنا: ارجع حتى ولو قرأ القرآن نقول له: ارجع، وتشهد وسلم ثم اسجد للسهو بعد السلام، قال الإمام أحمد: إذا قام إلى ثالثة في صلاة الليل فكأنما قام إلى ثالثة في صلاة الفجر. يعني: يلزم الرجوع فإن لم يفعل بطلت صلاته.

حكم طلب الغيث في القنوت والإطالة فيه

حكم طلب الغيث في القنوت والإطالة فيه Q ما رأي فضيلة الشيخ فيمن استغاث في القنوت فقال: اللهم أغثنا اللهم اسقنا الغيث. وآخر يقول: بعض الأئمة يسهب في دعائه في القنوت فيذكر الجنة وعذاب القبر من أجل أن يدخل على الناس البكاء فهل للإمام أن يصنع ذلك؟ وما توجيهكم وفقكم الله؟ A أما الدعاء بالغيث في القنوت فلا أرى في ذلك مانعاً؛ لأن الدعاء بالغيث دعاء بالحاجة الملحة، وليست حاجة خاصة بالإنسان بل هي حاجة عامة لجميع المسلمين، لا يقال: إن هذا لم يرد، نقول: لأن الذي ورد في طلب الغيث قضايا أعيان، فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام قطع خطبته يوم الجمعة ليدعو به، مع أن الأصل في الخطبة أنها ليست محل دعاء، فجواز الدعاء بطلب الغيث في القنوت الذي هو دعاء من باب أولى. أما تحويل دعاء القنوت إلى خطبة وعظ بحيث تذكر الجنة والنار والقبر وفراق الأحباب وما أشبه ذلك، فهذا لا شك أنه خلاف السنة؛ لأن الوعظ له وقت والدعاء له وقت آخر، والذي ينبغي للإنسان ألا يشق على المؤمنين بكثرة الدعاء، فكيف إذا حول الدعاء إلى خطب ومواعظ؟ فإنه يكون هذا أشق على الناس، وأهم شيء أن يسير الإنسان في عباداته على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو الخير والبركة، ليست العبادة ذوقاً إذا استحسنه الإنسان تعبد لله به، ولو كانت كذلك لقلنا: إن الصوفية على حق؛ لأن هذا العمل الذي يقومون به يرون أنه من أصلح ما يكون للقلوب، ويتذوقون له ذوقاً جيداً، لكنه ليس بصواب، وما ليس بصواب فهو خطأ وإن ظن صاحبه أنه صواباً. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جلسات رمضانية لعام 1412هـ[2]

جلسات رمضانية لعام 1412هـ[2] ذكر الشيخ في بداية جلسته بالآيات الدالة على الزكاة وفرضيتها، ثم تحدث عن عقوبة مانعيها، ثم ذكر الأموال التي تجب فيها الزكاة وفصل في أحكامها ونصابها، وعقب ذلك بدأ بالإجابة على الأسئلة المتعلقة بزكاة عروض التجارة وبعض أحكام زكاة الحلي المستعمل.

مسائل تتعلق بالزكاة

مسائل تتعلق بالزكاة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني، لقاء مسجد الجامع الكبير في عنيزة في شهر رمضان، الذي كان ليلة الأربعاء. الثامن من شهر رمضان عام (1412هـ) نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله لقاءً مباركاً، وأن يكثر من اللقاءات المباركة في جميع مساجد المسلمين على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه، وهدي سلفنا الصالح رضي الله عنهم. لقاؤنا هذه الليلة سوف نركزه على الزكاة التي هي ثالث أركان الإسلام من حيث العموم، وثاني أركان الإسلام لمن دخل الإسلام، لأن مفتاح الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأول ركن بعد ذلك الصلاة ثم الزكاة. وقد فرض الله سبحانه وتعالى الزكاة في كتابه، فقال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103] ، وقال: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43] ، وقال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} [البينة:5] . وقال تعالى حين ذكر أصناف أهل الزكاة: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60] .

عقوبة مانع الزكاة

عقوبة مانع الزكاة توعد سبحانه وتعالى من منعها في قوله: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران:180] ، وقال عز وجل: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:36-35] . وجاءت السنة مبينة للآية الأولى أنه ما من إنسان يؤتيه الله مالاً فلا يؤدي زكاته إلا إذا كان يوم القيامة مُثِّلَ له شجاع أقرع، قال أهل العلم: الشجاع الذكر العظيم من الحيات، والأقرع الأملس الرأس الذي ليس على رأسه شعر وذلك لكثرت سمه تمزق شعره والعياذ بالله، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (مثل له شجاعاً أقرع له زبيبتان -يعني: غدتان كل واحدة منهما مثل الزبيبة مملوءتان من السم، نسأل الله العافية- فيأخذ بلهزمتيه -يعني: يعض شدقيه- ويقول: أنا كنزك، أنا مالك) . أما الآية الثانية: ففسرها النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم -يعني: الصفائح من النار يحمى عليها في نار جهنم- فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) . ونحن إذا تأملنا الآيتين والحديث تبين لنا أن مانعي الزكاة يوبخون يوم القيامة ويعذبون، يوبخون يُقال: {هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ} [التوبة:35] وفي الحديث يقول: (أنا مالك، أنا كنزك) وهذا ألم قلبي. أما الألم البدني فقد عرفتم ماذا يكون من عض الشجاع الأقرع بشدقي هذا المانع من الزكاة ولكونها تكوى بها الجباه والجنوب والظهور، وهذا الوعيد الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام يدفع الوازع الديني الذي يكون في فطرة كل مؤمن حتى يقوم بأداء الزكاة، وذلك لأن النفس تميل إلى ما ينفعها وتهرب مما يضرها، فلهذا جاءت النصوص تارة بالترغيب وتارة بالترهيب وتارة بالجمع بينهما. وحينئذٍ لابد أن نعرف ما هي الأموال التي فيها الزكاة؟ وما هي الأموال التي لا تجب فيها الزكاة؟

قاعدة في الأموال التي تجب فيها الزكاة

قاعدة في الأموال التي تجب فيها الزكاة الأصل والقاعدة أن الزكاة لا تجب إلا في الأموال النامية حقيقة أو حكماً، فالنامية حقيقة مثل: الثمار والزروع تنمو حتى تكمل، وكأموال التجارة التي تكسب، هذه نامية حقيقة، أما النامية حكماً كالذهب والفضة إذا كان الإنسان لا يعمل بهما، هذه لا تنمو، يعني: لو كان عند إنسان مثلاً عشرة آلاف ريال أبقاها في الصندوق فإنها لا تزيد لكنها في حكم التي تنمو، لأنه لو شاء لا تجر بها، فنمت وزادت إذاً هذا الأصل. القاعدة العريضة والأصل: أن الزكاة لا تجب إلا في الأموال النامية حقيقةً أو حكماً. الحقيقة مثل؟ الثمار والزروع والمواشي التي تنمو. الشيخ: وحكماً؟ مداخلة: مثل إنسان جمع عشرة آلاف في صندوق مثلاً. الشيخ: أنا أريد جنس المال؟ ما هو المال الذي قلناه؟ مداخلة: مثل الذهب والفضة. الشيخ: مثل الذهب والفضة إذا كان الإنسان لا يتجر بها، هذه تجب فيها الزكاة مع أنها لا تنمو، لو وضعت في الصندوق عشرة آلاف ما تزيد، هذه هي القاعدة العريضة في الزكاة. وتجب في أصناف نعدها الآن بالأصابع إن شاء الله: - الذهب. - الفضة. - عروض التجارة. - الأوراق النقدية. - الخارج من الأرض. - المواشي. كم؟ هذه ستة.

وجوب الزكاة في الذهب والفضة

وجوب الزكاة في الذهب والفضة تجب الزكاة فيهما بدون تفصيل، للحديث الذي ذكرناه حديث أبي هريرة: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها. الحديث) أي فرد يخرج من هذا العموم فإننا نطالب المخرج بالدليل، فلو قال قائل: حلي المرأة من الذهب والفضة هل فيه الزكاة؟ A نعم. من أين نستدل؟ من عموم هذا الحديث، حديث أبي هريرة وهو في صحيح مسلم: (ما من صاحب ذهب ولا فضة) والمرأة التي عندها حلي هي صاحبة ذهب، ولهذا يقول الناس في عرفهم وعاداتهم: فلانة عندها ذهب، أو لها ذهب كثير، إذاً أي واحد من الناس من أبي بكر إلى أدنى عالم في عصرنا هذا إذا قال: إن الحلي من الذهب والفضة خارج عن هذا العموم فإننا نقول له: هات الدليل؟ على أن هذا العموم أيضا مؤيد بأدلة خاصة وهي ما رواه أبو داود وغيره من أصحاب السنن من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وعن أبيه: (أن امرأة أتت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب -والمسكتان: هما السواران- فقال: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: هل يسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار، فخلعتهما وألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ورسوله) وهذا نص في الموضوع مؤيد بالعموم. ومن عجبٍ أن بعض الناس طعن في سند هذا الحديث، وقد قال عنه ابن حجر في بلوغ المرام: إن إسناده قوي، وقال عنه الشيخ العلامة، شيخ عصره في هذه المملكة عبد العزيز بن عبد الله بن باز: إن سنده صحيح. ثم حاول آخر أن يطعن في متنه، وقال: كيف يقول الرسول للمرأة: (أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار) وهي لا تدري، وهل هذه علة؟ لا، ليست علة لسببين: السبب الأول: أنها قالت: لا، يعني: لا أؤديه، ويحتمل أنها عالمة ويحتمل أنها جاهلة، فإذا قلنا: إن الأصل الجهل فيرجح على احتمال أنها عالمة، قلنا الحديث يقول: (أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار إن لم تخرجي) يعني بعد قيام الحجة، وهذا واضح، فالوعيد عليها إذا علمت ولم تخرج، وحينئذٍ تنتفي العلة في متنه. السبب الثاني: أما قياسهم لحلي الذهب والفضة على اللباس والفرس والرقيق، ومن المعلوم أن اللباس ليس فيه زكاة بالإجماع، والفرس والرقيق ليس فيه زكاة بالنص، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) وكلمة عبد وفرس ليست ذهباً ولا فضة. ونحن نقول: ما سوى الذهب والفضة من غير ما تجب الزكاة بعينه لا تجب فيه الزكاة إذا اختصه الإنسان لنفسه، ولهذا نقول: أواني البيت ليس فيها زكاة، فرش البيت ليس فيها زكاة، مكاين الفلاحة ليس فيها زكاة، لكن الذهب والفضة تجب الزكاة فيها بعينها، كما تجب في المواشي بعينها إذا تمت الشروط، ولا يصح أن يقاس على الثياب وشبهها؛ لأنه قياس في مقابلة النص، والقياس في مقابلة النص مُطَّرح؛ لأنه يعبر عنه عند الأصوليين: فاسد الاعتبار، لا عبرة به، ويدل على تناقض هذا القياس أننا نقول لهم: أولاً: الثوب الأصل فيه عدم الوجوب، والذهب الأصل فيه الوجوب. ثانياً: الثوب إذا أعده الإنسان للأجرة فليس فيه زكاة، والذهب عندكم إذا عد للأجرة ففيه الزكاة، أين القياس؟! ثالثاً: الثياب إذا أعدها الإنسان للقنية، اشتراها يلبسها ثم بدا له أن يجعلها للتجارة فإنها لا تكون للتجارة، وأنتم تقولون: إن الحلي إذا اشتراه للقنية ثم نواه للتجارة صار للتجارة، وهذا أيضاً تناقض. على كل حال: الحمد لله أن الأقيسة المخالفة للنص دائماً تكون متناقضة، مع أنها من الأصل فاسدة الاعتبار. ثم نقول: هب أن الأدلة متكافئة، فما هو الأصل في الذهب والفضة؟ الوجوب. هذا واحد. هب أنها متكافئة فما هو الأحوط أن أخرج الزكاة أم لا؟ أن أخرج الزكاة. وبهذا تبين أن الزكاة واجبة في الحلي المعد للاستعمال، سواء استعمل أم لم يستعمل بشرط أن يبلغ النصاب، والنصاب عشرون مثقالاً من الذهب، وهو حسب ما قال لنا أهل الذهب: خمسة وثمانون جراماً. وأما الفضة فهي مثل الذهب إذا كانت حلياً وجبت فيها الزكاة كما لو لم تكن حلياً، ونصابها مائة وأربعون مثقالاً، ويبلغ بالجرامات خمسمائة وخمسة وتسعين. إذاً: الذهب والفضة تجب فيهما الزكاة على كل حال.

زكاة عروض التجارة

زكاة عروض التجارة عروض التجارة كل شيء اتجر به الإنسان من أي نوع كان من المال، فهو أعم أموال الزكاة، كل شيء يتجر به الإنسان فهو عروض تجارة. حسناً! المواشي عروض تجارة، إذا كان ينتظر فيها الربح، الثياب، الأواني، العقارات، كل شيء يريد به الإنسان الاتجار يعني التكسب فهو عروض تجارة، من أي نوع من المال. الصيارفة الآن الذين يبيعون بالصرف تعتبر نقودهم عروض تجارة، ولهذا الصيرفي يجب أن يضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب بخلاف غيره، لأن الصيرفي ذهبه وفضته عروض تجارة. حسناً لو كان عند الإنسان حمير يتجر بها فيها زكاة أم لا؟ مداخلة: فيها زكاة؛ عروض تجارة. الشيخ: إذا كان عند الإنسان معدات يستعملها يتجر باستثمارها، فماذا تقولون؟ مداخلة: عروض تجارة. الشيخ: لا ليست عروض تجارة ليس فيها زكاة، المواد التي لا تباع ليس فيها زكاة، فالآلات الصناعية والمكاين، مكاين الخراطة والنشارة والحدادة وغيرها هذه ليس فيها زكاة لأنها ليست عروض تجارة.

زكاة الأوراق النقدية

زكاة الأوراق النقدية الشيخ: الأوراق النقدية فيها الزكاة، الأوراق النقدية في الحقيقة ليست ذهباً ولا فضة ولا عروض تجارة. هل هي فضة أم لا؟ لا. هل هي عروض تجارة؟ لا. الصيارفة، صحيح يجعلونها عروض تجارة، يتجرون بها، لكن غير الصيارفة، إنسان -مثلاً- موظف يعدها للنفقة، ليست عروض تجارة، فلو قال قائل: إنه لا زكاة فيها، لأنها ليست ذهباً ولا فضة، ولا عروض تجارة، ولا ماشية، ولا خارج من الأرض، نقول: قد قال بها بعض الناس لكنه قول ضعيف جداً، وإنما نوجب فيها الزكاة لماذا؟ لأنها حلت محل الذهب والفضة، حلت محل النقدين. إذا قال: ريال مثلاً أو درهم ماذا يريدون؟ ريال من الفضة أو هذه الأوراق؟ هذه الأوراق. إذاً: فتجب فيها الزكاة لأنها أقيمت مقام النقدين الذهب والفضة.

زكاة الخارج من الأرض

زكاة الخارج من الأرض ليس كل خارج من الأرض يكون فيه الزكاة، الخارج من الأرض من الحبوب والثمار فقط، مثل: ثمر النخل، وثمر العنب، الحنطة، الشعير، الذرة، الرز، وما أشبه ذلك، أما ما سوى هذا فليس فيه زكاة، فلو كان عند الإنسان (مبطخة) كبيرة، تنتج من البطيخ الشيء الكثير، فهل فيها زكاة؟ لا ما فيها زكاة، لو صار فيها ريع كثير جداً فلا زكاة فيها، لكن الزكاة فيما يحصل من النقود إذا تم عليه الحول. إذاً نقول: الحبوب والثمار فقط هي التي فيها الزكاة، أما سائر ما يخرج من الأرض فليس فيه زكاة ولكن يزكى متى؟ يزكى ثمنه إذا تم عليه الحول وبلغ النصاب.

زكاة المواشي

زكاة المواشي الإبل، والبقر، والغنم خاصة، وما سواها لا زكاة فيه، فلو كان عند الإنسان مائة حمار ليست للتجارة ولكن للتنمية، الإنسان ينمي الحمير من أجل أن يكد عليها ولا يبيعها ويأخذ ثمنها، فليس فيها زكاة، عنده مائة فرس للتنمية ليس فيها زكاة، عنده مائة بغل ليس فيها زكاة، الزكاة في ثلاثة أصناف من البهائم هي: الإبل، والبقر، والغنم، وما عدا ذلك فليس فيه زكاة. ويشترط بلوغ النصاب، ويشترط أن تكون سائمة، قال العلماء: السائمة: هي التي ترعى ولا تعلف، ترعى كل الحول أو أكثر الحول، أما التي تعلف فليس فيها زكاة، وعلى هذا فالذي يوجد الآن عند البادية يشترون له الشعير ونحوه، ويطعمونه إياه، ليس فيها زكاة، لماذا؟ لأنها غير سائمة. حسناً! لو أعدها للتجارة فيها الزكاة وإن كانت غير سائمة؟ نعم وإن كانت غير سائمة، والإنفاق عليها كإنفاق التاجر على بضاعته، يعني: لا يمنع الزكاة.

نصاب الأموال الزكوية

نصاب الأموال الزكوية حسناً! هذه ستة أصناف من المال كلها فيها الزكاة، ولكن لابد أن تبلغ النصاب، عرفنا نصاب الذهب ونصاب الفضة، عروض التجارة ما نصابها؟ نصابها أن تبلغ نصاب الذهب أو الفضة، إذا كان الذهب أرخص من الفضة اعتبرنا نصاب الذهب، وإذا كان أغلى اعتبرنا نصاب الفضة، يعني: فتقدر بما هو أنفع لأهل الزكاة، إما بالذهب وإما بالفضة، وهل يكمل الذهب بالفضة أم لا؟ في هذا خلاف بين العلماء: منهم من يقول: يكمل نصاب الذهب من الفضة ونصاب الفضة من الذهب. ومنهم من يقول: لا. مثاله: رجل عنده نصف نصاب من الذهب ونصف نصاب من الفضة، هل يضم أحدهما إلى الآخر؟ يوجد خلاف، والصحيح: أنه لا يضم، وأن نصاب الذهب منفرد، ونصاب الفضة منفرد؛ لأن السنة جاءت هكذا، ولأن البر لا يضاف إلى الشعير في تكميل النصاب. يعني: لو كان عند إنسان مزرعة ليس فيها إلا نصف نصاب من الشعير، ونصف نصاب من القمح، هل يكمل هذا من هذا؟ لا. إذاً: الذهب لا يكمل من الفضة، والفضة لا تكمل من الذهب. وما مقدار الواجب في الذهب والفضة وعروض التجارة والأوراق النقدية؟ ربع العشر. يعني: واحداً من أربعين، وعلى هذا فإذا أردت استخراج الزكاة فاقسم ما عندك على أربعين، والخارج بالقسمة هو الزكاة، فإذا كان عندك أربعون ألفاً؟ فالزكاة ألف، وكم في خمسين ألفاً؟ مداخلة: ألف ومائة. الشيخ: ألف ومائة؟! الشيخ: كم في عشرة آلاف الزائدة عن الأربعين ألفاً؟ مداخلة: الشيخ: لا. مائتين وخمسين، الأربعين فيها ألف والعشرة بها مائتين وخمسين، فالمجموع ألف ومائتين وخمسين. على كل حال: المسألة بسيطة يعني ما يحتاج إلى تعب، اقسم ما عندك على أربعين والخارج بالقسمة هو الواجب. الواجب في الخارج من الأرض إن كان يسقى بلا مئونة يعني: يشرب من الأنهار، أو يشرب بعروقه، ففيه العشر كاملاً، وإذا كان يسقى بمئونة كالسواني والمكائن ففيه نصف العشر، إذا جعلنا فيه نصف العشر نقسمه على عشرين، وإن جعلنا فيه العشر نقسمه على عشرة، ويخرج الواجب. المواشي: قدر النبي عليه الصلاة والسلام أنصبتها نصاباً نصاباً، ويختلف الواجب بحسب النصاب، ففي خمس من الإبل شاة، وفي خمسة وعشرين بنت مخاض يعني: أنثى تم لها سنة، ويختلف في أربعين شاة شاة واحدة، وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه، وفي ثلاثمائة وتسعة وتسعين ثلاث شياه، يعني: مائتين وواحدة فيها ثلاث شياه، وثلاثمائة وتسعة وتسعين فيها ثلاث شياه، الوقص -أي: النقص والفرق- كبير جداً ما بين مائتين وواحدة إلى ثلاثمائة وتسعة وتسعين، لكن نحن نقول: سمعنا وأطعنا، إنسان عنده ثلاثمائة وتسعة وتسعين قلنا عليك ثلاث شياه، وإنسان عنده مائتين وواحدة قلنا: عليك ثلاث شياه، فجاء يصيح علينا أنا كيف علي ثلاث وذلك عليه ثلاث شياه، نقول: هذا حكم الله، قل: سمعنا وأطعنا. المهم أن الماشية أنصبتها محددة وليست كغيرها، يحدد أول النصاب والباقي ما زال بحسابه، هذه من قبل الشرع نمشي عليه. أما أهل الزكاة فنجعلها إن شاء الله في الدرس القادم حتى نتفرغ الآن للأسئلة التي جاءت وهي غير قليلة.

الأسئلة

الأسئلة

العبرة في الإمساك في الصوم

العبرة في الإمساك في الصوم Q رجل طوال الأيام الستة الماضية كان هو وأهله يتسحرون والمؤذن يؤذن، ولا يميز بين المؤذنين من المتقدم ومن المتأخر، ومن الضابط ومن غير الضابط، وينتهي قبل انتهاء آخر مؤذن من الأذان، فما حكم ذلك؟ وهل عليه قضاء؟ وإذا كان جاهلاً في الحكم أرجو بيان ذلك بياناً شافياً. وجزاكم الله خيراً؟ A أولاً: إن المؤذنين الذين يؤذنون على توقيت أم القرى يؤذنون قبل الفجر بخمس دقائق، وعلى هذا فالذي يأكل ويشرب والمؤذن يؤذن على هذا التوقيت لا حرج عليه، وقد ذكرنا في الدرس السابق هذه المسألة، وبينا أن العلماء رحمهم الله قالوا: إذا اختلف عليه رجلان يرقبان الفجر أحدهما يقول: طلع الفجر، والثاني يقول: لا، خذ بقول من يقول: لا، هذه واحدة. ثانياً: إذا كان هؤلاء جاهلين فإن الجاهل لا يفطر حتى لو أكل بعد الفجر يقيناً، لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] ، وقوله: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] ، ولأنه ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: (أن الناس أفطروا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس، ولم يأمرهم بالقضاء) ولو كان صومهم فاسداً لأمرهم بالقضاء؛ لأنه يجب على النبي عليه الصلاة والسلام أن يبلغ الناس شرع الله، فلما لم يأمرهم به عُلم أن القضاء ليس بواجب وهو الصحيح، وهو الماشي على القاعدة المطردة في الشريعة الإسلامية: أنه لا تفسد العبادة مع الجهل ولا مع النسيان. ولما حصلت مثل هذه القضية في عهد عمر رضي الله عنه، سألوه قالوا: يا أمير المؤمنين! ماذا نفعل؟ فقال: [الأمر يسير، إننا لم نتجانف لإثم] .

حكم استعمال منظار للمعدة في نهار رمضان مما أدى إلى القيء

حكم استعمال منظار للمعدة في نهار رمضان مما أدى إلى القيء Q شخص أخذ منظاراً للمعدة وهو صائم وأدخله في بطنه ثم استقاء فما حكم صومه؟ A أولاً لابد أن ينظر في هذه الآلة التي تنزل إلى المعدة هل هي خالية من مصاحبة دواء أم لا؟ فإن كان فيها دواء أو كان فيها دهن لتسهيل دخولها فإنه يفطر، ولا يجوز استعمالها في حال الصيام إذا كان الصوم واجباً، أما إذا كانت هذه الآلة ليس فيها شيء يصحبها لا دواء ولا دهن، ثم أدخلها فإنه لا حرج عليه، ولكن يجب عليه إذا أحس أنه سيقيء أن يأمر الطبيب بإخراجها حتى لا يقيء عمداً. هذا إذا كان الصوم واجباً، أما إذا كان تطوعاً فالأمر سهل، لو فسد الصوم ليس عليه شيء.

حكم أخذ الزكاة لمن كان مستغنيا بنفقة واجبة على أحد أقاربه

حكم أخذ الزكاة لمن كان مستغنياً بنفقة واجبة على أحد أقاربه Q امرأة تطلب من الزكاة وزوجها له راتب يبلغ ألفين ونصف، وعنده منزل يؤجره بمبلغ خمسة وعشرين ألف ريال، يعطي منها ما يقارب من عشرة آلاف لتسديد قرض البنك، وإذا قيل لها: لم تأخذين من أموال الزكاة وزوجك ميسور؟ قالت: إنه -حسب قولها- لا ينفق عليها النفقة الكافية، فهل يجوز لها أن تطلب من الزكاة؟ A أولاً: إذا كان الإنسان مستغنياً بنفقة واجبة على أحد من أقاربه، أو على الزوج إذا كانت زوجة فإنه لا يجوز أن يأخذها من الزكاة، فإن امتنع القريب أو الزوج من الإنفاق فلمن له الحق أن يأخذ من ماله بغير علمه، فإذا كانت المرأة مثلاً لا ينفق عليها زوجها، فلها أن تأخذ من ماله بغير علمه، ولا يعد هذا سرقة ولا خيانة، لأن هند بنت عتبة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا رسول! الله إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خذي من ماله ما يكفيك ويكفي بنيك) فأذن لها أن تأخذ من ماله بدون علمه، فإن كان لا يمكنها ذلك وزوجها بخيل ولو قالت: أعطني، لم يعطها، أو صار يهددها بالطلاق إن طلبت، يعني: بعض الرجال ليس عنده خوف من الله ولا مروءة، يقول لزوجته: إن طلبت مني النفقة سأطلقك، ففي هذه الحال لها أن تأخذ من الزكاة ما يكفيها ويكفي أولادها إذا كان أبوهم لا ينفق عليهم.

آلات النجارة والحدادة ليست من عروض التجارة

آلات النجارة والحدادة ليست من عروض التجارة Q لماذا آلات النجارة والحدادة ليست من عروض من التجارة؟ A لأن عروض التجارة هي أموال تروح وتجيء، يقصد بها التكسب، ولهذا سميت عروضاً جمع عرض، والعرض: هو الذي يعرض ويزول، أما آلات النجارة وآلات الحدادة وآلات الخياطة وما أشبهها فهي باقية، ليست مما يعرض فيزول، ولهذا لو فرض أن هذا الرجل الذي عنده آلة حدادة، إنسان يتكسب بالآلات وبالحدادة أيضاً، ويشتري هذه الآلة وهو معدها للتجارة صارت الزكاة واجبة في أصل هذه الآلة لأنها عروض تجارة، وفي استثمارها إذا تم عليها الحول.

حكم من لم تزك على ذهبها المستعمل للجهل بذلك

حكم من لم تزكِ على ذهبها المستعمل للجهل بذلك Q ماذا تقولون في امرأة لم تزكِ عن ذهبها طوال السنين الماضية ظناً منها أنه لا يجب في الذهب الذي يستعمل زكاة، فماذا يجب عليها؟ A الذي نرى أن من لم تعلم بوجوب الزكاة إلا هذا العام لا يجب عليها أن تؤدي الزكاة عما مضى؛ لأن هذه مسألة خلافية، وإذا كانت خلافية وكانت ليس على بالها أنها تجب فيها الزكاة بناءً على القول الثاني فليس عليها زكاة، لكن عليها أن تزكي من حين أن تعلم أن عليها زكاة على ما عندها من حلي ذهب أو فضة. وهنا نقطة أحب أن أنبه عليها وهي: أن بعض الأزواج يمنع زوجته من إخراج زكاة حليها بناءً على القول الثاني الضعيف الذي أشرنا إليه آنفاً، وهذا حرام عليه، لا يحل للزوج ولا للأب ولا للأخ أن يمنع أحداً يريد أن يزكي ماله، وعلى الزوجة أن تعصي زوجها بهذا، وأن تخرج الزكاة رغماً على أنفه؛ لأن طاعة الله أولى من طاعة الزوج، وقضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وزوجها لا ينجيها يوم القيامة من عذاب الله عز وجل، فتقول للزوج مثلاً: إذا قال هذه مسألة خلافية، وأنا ما أعتقد الوجوب، تقول: أنت لك اعتقادك وأنا لي اعتقادي، أنا لا يمكن أن أترك الزكاة وأنا يترجح عندي أنها واجبة، وفي هذه الحال يجب أن تعصيه طاعة لله عز وجل، فإذا قالت: أخشى أن يغضب، فلنا عن ذلك جوابان: أحدهما أن نقول: وليكن ذلك، لأن غضبه في رضى الله ليس بشيء. والجواب الثاني أن نقول: تداريه، يعني: أخرجي الزكاة من حيث لا يعلم، وبهذا تؤدين الزكاة الواجبة عليك وتسلمين من غضب الزوج وتنكيده عليك. لكن نحن من هنا نخاطب الأزواج نقول لهم: اتقوا الله! ما دامت الزوجة ترى الوجوب لا يحل لكم أن تمنعوها من أداء الواجب، وكذلك الأب لو قال لابنته: لا تخرجي الزكاة أنا ما أرى وجوبها، فإنها لها الحق أن تقول: لا سمع ولا طاعة، السمع والطاعة لله ولرسوله، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، لكن إذا خافت أن يغضب؛ لأن بعض الناس عقله ضعيف ودينه ضعيف يغضب، فإنها تداريه وتخرج بدون علمه.

صورة إخراج زكاة الحمام المعد للتجارة

صورة إخراج زكاة الحَمَام المعد للتجارة Q أنا ممن يربي الحَمَام وهي للتجارة وقد سمعت أن فيها الزكاة، فكيف أخرج زكاتها علماً أن بعضها يساوي خمسون ريالاً وبعضها يساوي ألف ريال، وبعضها يساوي مائة ريال، وقيمتها أحياناً تزيد وأحياناً تقل، أرجو توضيح كيفية إخراج زكاتها مع التمثيل إن أمكن؟ A إذا جاء وقت الزكاة وعندك هذا الحمام الذي تعده للتجارة فقومه، يعني: اعرف قيمته، فالتي قيمتها خمسون ريالاً اكتب خمسون ريال، قيمتها ألف اكتب ألفاً، قيمتها أربعمائة اكتب أربعمائة، قيمتها ثلاثة آلاف -أنا بلغني أنه يوجد حمام بثلاثة آلاف. خمسون ومائة ومائتين وألف وألفين وثلاثة آلاف وعشرة آلاف، بسيطة اجمع بعضها البعض وانظر كم تبلغ، واقسمه على أربعين وتظهر الزكاة، والعبرة بالقيمة وقت وجوب الزكاة، هذه العبرة، لا عبرة بما اشتريتها به، ولا عبرة بالزيادة في أثناء الحول ثم ترجع وتنقص، انظر قيمتها وقت وجوب الزكاة وأخرج ربع عشرها.

جواز دفع الزكاة أو الصدقة لمن ظهر حاجته إليها

جواز دفع الزكاة أو الصدقة لمن ظهر حاجته إليها Q ما حكم دفع الزكاة لفقراء الحرم، وأنا لا أعلم عنهم شيئاً، هل تعتبر من الزكاة أم من الصدقة؟ A من الصدقة إن نواها الإنسان صدقة، ومن الزكاة إن نواها زكاةً، فإذا دفعها الإنسان إلى شخص يظن أنه فقير فتبين أنه غني فزكاته مقبولة، وهذه من نعمة الله، لأننا لو قلنا إنه لابد أن نعلم أن المدفوع إليه من أهل الزكاة لكان في هذا مشقة، لكن يكفي إذا غلب على ظنك أن هذا من أهل الزكاة بأمارة كلباسه وهيئته أو بسؤاله وأنت لا تعلم عنه فأعطه من الزكاة وهي مجزئة وإن بان غنياً. والدليل على هذا: قصة الرجل الذي خرج فتصدق، فصار الناس يقولون: تُصدق الليلة على غني! فقال: الحمد لله على غني! ثم خرج في الليلة الثانية وتصدق، فصار الناس يتحدثون: تُصدق الليلة على زانية! -بغي، والعياذ بالله- ثم خرج الثالثة فتصدق، فجعل الناس يتحدثون: تُصدق الليلة على سارق! فقال: الحمد لله على سارق! فكأنه ظن أن الصدقة لم تقبل، فقيل له: إن صدقتك قد قبلت؛ أما الغني فلعله أن يتعظ فيتصدق، وأما البغي فلعل هذا يكفيها فتتوب من البغاء، فأما السارق فلعل هذا أيضاً يغنيه عن السرقة. فيتوب من السرقة ويتوب إلى الله، فالمهم أن الإنسان إذا نوى واجتهد وتبين خطؤه في الاجتهاد فإن اجتهاده صحيح ولا إثم عليه.

المعتبر في أداء زكاة عروض التجارة

المعتبر في أداء زكاة عروض التجارة Q غالب النساء لا تعلم عن الذهب الذي فيه زكاة لأنها تبيع وتشتري منه وتستبدل، فلا يبقى الذهب غالباً سنة، فيحول عليه الحول، فما الحكم في هذا؟ A إذا كان هذا عروض تجارة، يعني: أن المرأة تتجر بالذهب وتبيع وتشتري فيه، وهي ما دامت لم تبعه تتحلى به ففيه زكاة عروض، ولو كانت تبيع وتشتري فيه، وتعتبر الحول الأول، وهكذا جميع عروض التجارة ليس لها حول، فمثلاً: إذا اشتريت هذه الأرض في محرم وزكاتي تحل في محرم، وبقيت عندي وبعتها في ذي الحجة واشتريت أرضاً أخرى وجاء محرم، هل أزكي الأرض الأخرى أو أقول: إنها لم تتم السنة؟ الجواب: أزكي الأرض الأخرى ولو كنت لم أملكها إلا قبل الحول بشهر؛ لأن عروض التجارة ما يشترط فيها الحول، كلها تتبدل وكأنها سلعة واحدة، فهذه المرأة التي عندها ذهب تبيع وتشتري فيه وتلبسه أيضاً، نقول: هذا لا يشترط أن يبلغ آخر شيء الحول بل العبرة بالحول الأول، فإذا كانت هذه المرأة تحل زكاتها في رمضان وهي تبيع وتشتري في الذهب وفي شعبان اشترت ذهباً جديداً فنقول: إذا جاء رمضان فأدي الزكاة، لو لم يبق إلا شهراً واحداً فإنها تزكي.

حقيقة الحيض الذي يجب به الفطر على المرأة

حقيقة الحيض الذي يجب به الفطر على المرأة Q امرأة أحست بآلام الحيض في نهار رمضان، فقيل لها: إن أحسست بذلك حتى وإن كان قبل نزول الدم فلا عليك صيام، فعندما أحست بذلك أفطرت، فتبين لها أنه ليست آلام حيض فماذا تفعل؟ هل تصوم أو تقضي أو تمسك؟ A أقول: أعوذ بالله من فتنة المضلين الذين يفتون بغير علم، فهذا الذي أفتاها أفتاها بغير علم، وذلك أن الحيض لا عبرة به حتى يخرج، مجرد ألم في بطنها يقال: هذا حيض أفطري، سبحان الله!! يرى بعض العلماء أن الحيض إذا انتقل -ليس إذا أوجع البطن- ولكن ما خرج وبقي داخل الفرج، يرى أنه مثل الخارج، وهذا القول ضعيف. والصحيح: أنه لا تفطر المرأة أو لا يفسد صومها إلا بخروج الحيض بارزاً، أما ما دام مجرد أوجاع أو أنها أحست بأنه انتقل لكن ما خرج فهذا لا يؤثر شيئاً، والدليل على هذا: أن أم سليم سألت النبي صلى الله عليه وسلم: (هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم، إذا هي رأت الماء) فعلق الحكم برؤية الماء خارجاً، وكذلك الحيض. وعليه: فلو أن المرأة قبل غروب الشمس أحست بألم الحيض وانتقال الحيض أحست به، لكن لم يبرز خارج الفرج فإن صومها صحيح، مع العلم أن بعض النساء سمعت أنها تقول: إذا خرج الحيض بين غروب الشمس وصلاة المغرب بطل الصوم، وهذه القاعدة الحقيرة إنها قاعدة قاعدة، يعني: قاعدة لا تمشي، لأن المرأة إذا غابت الشمس والحيض لم يأتها فإن صومها صحيح، ولو نزل الحيض بعد الغروب بلحظة.

حرمة دخول الحائض المسجد

حرمة دخول الحائض المسجد Q فتاة أتاها الحيض فذهبت مع والدتها إلى المسجد لأن بيتهم لا يوجد فيه أحد، فخافت وذهبت مع والدتها إلى المسجد ومكثت فيه إلى أن انتهت الصلاة، فهل يجوز لها ذلك؟ وماذا تفعل بعد ذلك؟ A إذا كانت المرأة الحائض تخشى على نفسها إذا بقيت وحدها في البيت، فإن الواجب على أهلها أن يبقوا معها؛ وذلك لأن ذهابها إلى المسجد ومكثها فيه حرام، وتخلف أهلها عن صلاة التراويح مع الإمام ليس بحرام؛ بل هو الأفضل. يعني: لو سألنا سائل: أيهما أفضل للمرأة تأتي وتروح المسجد أو في بيتها؟ قلنا: في البيت أفضل، وعلى هذا نقول لهم: أنتم ابقوا معها في البيت، ليس هناك ضرورة، الذي يمكن أن يكون فيه ضرورة: لو أن امرأة حائض وهي في العمرة وقد أدت العمرة ثم حاضت بعد أدائها، ثم ذهب أهلها للوداع وهي حائض فإنها لا تودع لأن الوداع يسقط على الحائض، لكن إذا بقيت وحدها في البيت خطر عليها، ففي هذه الحالة نقول: اذهبي مع أهلكِ واجلسي في مكان معلوم من المسجد وهم يطوفون وإذا رجعوا ذهبت معهم، لأن هذا البقاء ضرورة، أما مسألة التراويح فليس ضرورة أن أهلها يذهبون إلى المسجد.

أقل نسبة بالريالات السعودية تجب فيها الزكاة

أقل نسبة بالريالات السعودية تجب فيها الزكاة Q ما هي أقل نسبة بالريالات السعودية الموجودة الآن تجب فيها الزكاة، نرجو التوضيح؟ A من المعلوم أن الأوراق النقدية ليس لها قيمة في ذاتها إنما هي خاضعة للعرض والطلب، ولهذا كانت الأوراق النقدية أول ما ظهرت يختارها الناس على الريال الفضي، الريال الفضي الذي كله فضة يختارون عليه هذه الورق، لأنها أخف، لكن الآن تغيرت الأحوال وصار ريال الفضة يشترى بعشرة أو تسعة أو أقل أو أكثر، المهم أنه يشترى بأكثر من ريال، وقد حررنا نصاب الفضة بالريالات السعودية فبلغ ستة وخمسين ريالاً عربية، فإذا كان عند الإنسان أوراق نقدية نقول: اذهب إلى الصيارفة وقل كم يساوي ريال الفضة العربي؟ فإذا قال: يساوي عشرة، فكم يكون النصاب من الأوراق؟ خمسمائة وستين؛ لأنه من الريال الفضة ستة وخمسين اضربها في عشرة تساوي خمسمائة وستين، طيب وإذا كان الريال الفضي يساوي خمسة فنصفها -أي: نصف خمسمائة وستين- كم نصفها؟ مائتين وثمانين.

تسديد الدين من أموال الزكاة

تسديد الدين من أموال الزكاة Q أنا عليَّ دين أسدده عبر أقساط شهرية وأستطيع تسديدها مع بعض الضيق، فهل يجوز أن آخذ الزكاة لتسديد الدين، وإن استغنيت فما هو الثواب المترتب على ذلك؟ هذا سؤالي وسؤال الكثيرين من أمثالي ممن يشتري السيارات بالأقساط؟ A الذي عليه دين ولا يستطيع الوفاء يجوز أن يأخذ من الزكاة لوفاء دينه، وإن كان قوته ماشياً وليس عليه قصور، لكن الدين يقضى من الزكاة فإن الغارمين لهم حق في الزكاة كما ذكرهم الله عز وجل وكما يأتي الكلام عليهم إن شاء الله في الدرس القادم.

حكم طلاق من هددها زوجها إن ذهبت السوق

حكم طلاق من هددها زوجها إن ذهبت السوق Q امرأة يرفض زوجها أن تذهب إلى السوق ولا يأتي لها بحاجاتها، ويقول: إن ذهبت فلا ترجعي، السؤال: هل يقع الطلاق إن ذهبت؟ وما الحل في مثل هذا الأمر؟ A الطلاق يقع إذا كان الزوج قد نواه، ولا يقع إذا كان لم ينوه وإنما قصد التهديد، والغالب أن الناس يقصدون بهذا التهديد، وأن زوجته غالية عليه، لو عصته ما رأى أنه يطلقها، لكن من الناس من يرى أنه إذا عصته لم تعد صالحة للبقاء معه فيطلقها، وحينئذٍ نقول: إنما الأعمال بالنيات، فمن نوى تهديها ومنعها بهذا الطلاق فإنها إذا عصته لا تطلق لكن عليه كفارة يمين، يطعم عشرة مساكين، لكل مسكين كيلو إلا قليلاً من الرز، وأما إذا قصد الطلاق فإنها تطلق؛ لأن الأعمال بالنيات. أما ماذا تصنع وهي تحتاج إلى خروج إلى السوق لشراء ثياب والزوج يمنعها، فإنها تبقى حتى يهديه الله ويسمح لها في بذلك.

طلب موعظة

طلب موعظة Q كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخول الصحابة بالموعظة، فنرجو منكم أن توجهوا لنا موعظة ترقيقية ترقق قسوة قلوبنا وتذكرنا بالله والدار الآخرة. وآخر يقول: نحن نشتاق لنسمع شيئاً جديداً من بعض التوجيهات، وقد كان لكم ذلك من تعليقكم على بعض الآيات في السابق، فنرجو يا فضيلة الشيخ! لو تحدثتم لنا في كل ليلة ولو عن آية من الآيات قبل الأحكام. A هذه مسألة سهلة إن شاء الله في الدرس القادم نتكلم على ما وعدنا به من أهل الزكاة وعلى بعض الآيات التي تمر بنا، والموعظة أيضاً إذا تيسر، لكني أنا في الحقيقة بضاعتي مزجاة في مسألة الوعظ، يوجد أناس أقوى مني وعظاً وأشد مني تأثيراً. ونسأل الله للجميع التوفيق. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

جلسات رمضانية لعام 1412هـ[3]

جلسات رمضانية لعام 1412هـ[3] تكلم الشيخ رحمه الله عن أصناف أهل الزكاة الذين يستحقونها، وما هي صفاتهم التي بها يعطون من أموال الزكاة، ثم تطرق لتفسير قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة:1] وأتى بما فيها من أحكام.

الأصناف التي تصرف لهم الزكاة

الأصناف التي تصرف لهم الزكاة الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإن هذا هو اللقاء الثالث من لقاءات شهر رمضان في الجامع الكبير في عنيزة، الواقع في ليلة الأحد، الثاني عشر من شهر رمضان عام (1412هـ) . وقد وعدنا فيما سبق أن يكون هذا اللقاء في الكلام عن أهل الزكاة الذين فرض الله سبحانه وتعالى صرف الزكاة إليهم، وذلك لأن الله عز وجل حد حدوداً لعباده وقال لهم: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة:229] فلما فرض عليهم الزكاة بين لهم أين توضع هذه الزكاة، في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة:60] هؤلاء ثمانية أصناف: الفقراء، والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل. قال العلماء: وهذه الآية تبين أن أهل الزكاة صنفان: 1- صنف يعطون لحاجتهم. 2- صنف يعطون لحاجة الناس إليهم، هذا من جهة. وأن أهل الزكاة صنفان أيضاً: 1- صنف يعطونها على سبيل التمليك, ولابد من تمليكهم. 2- صنف يعطونها على أنهم جهة لا يشترط التمليك.

من يعطى لحاجته، ومن يعطى لحاجة الناس إليه

من يعطى لحاجته، ومن يعطى لحاجة الناس إليه (الفقراء والمساكين) يعطون لحاجتهم. والعاملون عليها يعطون لحاجة الناس إليهم؛ لأن العاملين على الزكاة هم الذين ينصبهم ولي الأمر ليقوموا بجباية الزكاة وتصريفها في أهلها، فهم محتاجون إليهم. وفي الرقاب: محتاجون أو محتاج إليهم؟ محتاجون. (والغارمين) : الغارمون قسمان: محتاجون، ومحتاج إليهم؛ فإن كان الغرم لأنفسهم فهم محتاجون، وإن كان الغرم لغيرهم فهم محتاج إليهم، وذلك لأن الغارمين هم المدينون وهم نوعان: غارم لنفسه، وغارم لغيره، فإن كان الغرم في حاجة الإنسان كما لو استدان الإنسان لشراء حوائج له فهؤلاء يعطون لحاجتهم وإن كانوا غارمين لغيرهم وهم الذين يصلحون بين القبائل بعوض يلتزمون به، فهؤلاء محتاج إليهم. مثال ذلك: رجل فاضل رأى بين قبيلتين عداوة وشحناء فأصلح بينهم بعوض التزم به، فهذا يقال: غارم لغيره، ويعطى من الزكاة ما يسدد به الغرامة التي التزم بها للإصلاح بين الناس. (وفي سبيل الله) هؤلاء محتاجون أو محتاج إليهم؟ محتاج إليهم؛ لأن في سبيل الله هم المجاهدون والمجاهدون يعطون ولو كانوا أغنياء، إذاً هم يعطون لحاجة الناس إليهم لا لحاجتهم. فصار الذين يعطون لحاجة الناس إليهم: العاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، والغارمون لغيرهم، وفي سبيل الله، هؤلاء يعطون لحاجة الناس إليهم. والفقراء، والمساكين، والرقاب، والغارم لنفسه، وابن السبيل يعطون لحاجتهم.

من يعطى على سبيل التمليك أو أنها جهة من الجهات

من يعطى على سبيل التمليك أو أنها جهة من الجهات الوجه الثاني من أقسام هذه الآية: أنها دلت على أن الذي يعطى الزكاة ينقسم إلى قسمين: من يأخذها على سبيل التملك، ومن يأخذها على أنها جهة من الجهات. فما صدر بـ (اللام) فهو على سبيل التملك وما صدر بـ (في) فهو على سبيل الجهة، ولننظر: {لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة:60] . الأصناف الأربعة الأولى يعطونها لسبيل التمليك؛ لأن استحقاقهم صدر بـ (اللام) واللام تفيد الملك. أما الآخرون الأربعة فإن استحقاقهم صدر بـ (في) وفي للظرفية، والمعنى: أنهم جهة تصرف إليها الزكاة، ولهذا لو رأيت عبداً عند سيده، فذهبت فاشتريته من سيده من الزكاة، فهل أنا ملكت هذا العبد أو لا؟ لا، لكني اشتريته من سيده. كذلك أيضاً الجهاد في سبيل الله، لو أنني اشتريت أسلحة وأعطيتها المجاهدين ليجاهدوا فيها فهل أنا ملكتهم؟ لا، لأنهم صاروا بدونها بعد انتهاء الحرب، إذاً نقول: ما صدر بـ (في) فإنه لا يشترط فيه التمليك. الغارم المدين: لو ذهبت إلى الدائن وسددت دين المدين أجزأ أم لا؟ أجزأ مع أن المدين لم يملكه، لأنه صدر بـ (في) .

الشرح الإجمالي للأصناف التي تصرف لهم الزكاة

الشرح الإجمالي للأصناف التي تصرف لهم الزكاة

تفسير قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين)

تفسير قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) الفقراء والمساكين هم المحتاجون الذين لا يملكون كفايتهم وكفاية عائلتهم لمدة سنة، وكيف نعرف ذلك؟ نعرف ذلك إذا رأينا الرجل ليس بيده شيء ويشتري حوائج بيته بالدين، أو رأينا أن له راتباً محدوداً ونفقته أكثر من هذا الراتب، مثل لو كان راتبه ثلاثة آلاف ريال ونفقته أربعة آلاف ريال هذا فقير، يحتاج إلى ربع النفقة، ولهذا إذا كان هذا الرجل راتبه ثلاثة آلاف ريال وإنفاقه أربعة آلاف ريال نعطيه في السنة (12. 000) ريال لنسدد كفايته. فإذا قال قائل: لماذا حددتم بسنة؟ لماذا لا تعطونه كفايته على الدوام إلى أن يموت؟ قلنا: إعطاؤه إلى الموت غير ممكن، لماذا؟ لأنه لا ندري متى يموت، فإذا قدرنا أنه يموت بعد عشر سنوات وإنفاقه في السنة عشرة، نعطيه على هذا مائة، ولكن لا ندري قد يموت في أول سنة، ولهذا نقدر بسنة. وأيضاً: الأموال الزكوية لا تجب فيها الزكاة إلا عند تمام الحول، فهو يتمتع بهذه الزكاة حتى يأتي دور الزكاة الأخرى التي تكون عند الحول.

تفسير قوله تعالى: (والعاملين عليها)

تفسير قوله تعالى: (والعاملين عليها) أما العاملون عليها فقلت: إنهم الذين ينصبهم ولي الأمر لأخذ الزكاة من أهلها وصرفها في محلها، فهم نائبون عن ولي الأمر، ولهذا إذا وصلتهم الزكاة برئت ذمة المزكي ولو تلفت. لو أن الجباة الذين تبعثهم الدولة يأتون إلي ويأخذون زكاتي ثم تتلف قبل أن تصل إلى الفقراء فأنا منها بريء، بخلاف ما لو وكلت شخصاً قلت: يا فلان! هذه عشرة آلاف ريال زكاة وزعها على نظرك، ثم تلفت فإنها لا تبرأ الذمة، يجب عليَّ أن أخرج بدلها، ثم أرجع إلى صاحبي إن كان قد تعدى أو فرط فإنه يضمن، وإن لم يتعد ولم يفرط فلا ضمان عليه. أما العاملون عليها فالذي بلغهم من الزكوات تبرأ به الذمة حتى لو تلف، لأن العاملين عليها جهة صرف.

تفسير قوله تعالى: (والمؤلفة قلوبهم)

تفسير قوله تعالى: (والمؤلفة قلوبهم) المؤلفة قلوبهم من هم؟ المؤلفة قلوبهم: هم الذين يعطون لتأليفهم على الإسلام، أو لتأليفهم على قوة الإيمان، ولا يشترط على الأظهر أن يكونوا من السادة أي: من ذوي الشرف في بني جنسهم، بل كل من احتاج إلى التعليم فإنه يعطى، فلو رأينا شخصاً أسلم عن قرب ولكنه مزعزع، فإذا أعطيناه قوي إيمانه، فهنا نعطيه من الزكاة لتأليف قلبه، ولو خفنا شر إنسان فإننا نعطيه من الزكاة اتقاء شره، فهذا كله داخل في المؤلفة قلوبهم.

تفسير قوله تعالى: (وفي الرقاب)

تفسير قوله تعالى: (وفي الرقاب) قال العلماء إن لها صور: الصورة الأولى: أن يشتري عبداً من سيده فيعتقه، معلوم لكن من أي مال؟ يشتريه من مال الزكاة ثم يعتقه، أو أن يرى عبداً مكاتباً؛ والعبد المكاتب: هو الذي اتفق مع سيده على أن يبذل له دراهم ثم يعتق بعدها، فيعين هذا المكاتب من الزكاة، هذا أيضاً داخل في قوله: (وفي الرقاب) . الصورة الثانية: أن يرى أسيراً مسلماً عند الكفار فيأخذه منهم بعوض ليخلصه من الأسر أو ما وراء الأسر وهو القتل، هذا أيضاً داخل في قوله: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة:60] لأنه يفك هذا الأسير.

تفسير قوله تعالى: (والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل)

تفسير قوله تعالى: (والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل) الغارم: هو الذي عليه دين في ذمته كثمن مبيع، وأجرة بيت، وغرم حادث، وما أشبه ذلك، فهذا يعطى ما يسدد دينه، ويجوز أن أذهب إلى الذي يطلبه وأعطيه من الزكاة وأقول: هذا عن فلان لأنه داخل في قوله: {والْغَارِمِينَ} [التوبة:60] . أما في سبيل الله فهو الجهاد, إذا وجدنا أناساً يقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا، فإننا نعطيهم من الزكاة ما يكفيهم لجهادهم. وأما ابن السبيل: فهو المسافر الذي انقطع به السفر، ولم يجد ما يوصله إلى بلده، فيعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده. حاجات البيت: من ثلاجة، وغاز، وفرش، هل تعتبر من الكفاية أم لا؟ الغاز من الكفاية، والثلاجة الآن من الكفاية، والفرش بعضها من الكفاية وبعضها زائد، فمثلاً: فرش الدرج ليس من الكفاية، يعني: لو بقت الدرج غير مكسوة وغير مفروشة لاستقامت الحال، أما الفرش التي تكون في المجالس فهي من الحاجة لا شك. الزواج هل هو من الكفاية؟ نعم من الكفاية، لأن الإنسان يحتاج إليه، ولأن فيه مصالح كثيرة. ولهذا من هذا المكان نحث إخواننا أولياء البنات أن يحرصوا على تزويجهم وأن يقتنعوا بما تيسر من المهر لما في ذلك من الخير والبركة، فإن أعظم النكاح بركة أيسره مئؤنة مهراً أو غير مهر، وأما الصفقات التي يفعلها بعض الناس اليوم مع من ولاهم الله عليهن بحيث يبيعها كأنها سلعة، فهذا حرام ولا يجوز، والواجب أن نختار من هو أفضل في دينه وخلقه ونزوجه بما تيسر، ولكن مع ذلك نقول: إن الفقير المحتاج إلى النكاح يعطى من الزكاة لأنه داخل في قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة:60] .

حكم إعطاء القرابة والمدين وشراء أسلحة للمجاهدين من الزكاة

حكم إعطاء القرابة والمدين وشراء أسلحة للمجاهدين من الزكاة هل يجوز أن يعطي الإنسان من زكاته أحداً من قرابته؟ فيه تفصيل: إن كان ممن تجب عليه نفقته فإنه لا يجوز أن يعطيه الزكاة؛ لأنه إذا فعل ذلك فقد خدم ماله، وأحيا ماله، مثاله: رجل أخ لشخص غني والثاني فقير، فالواجب على الغني أن يقوم بكفاية الفقير ما دام لا يرثه إلا هو، ومن النفقة أن يزوجه فإن أبى زوجناه من الزكاة؛ لأن النكاح من أهم الحاجات وأعظمها وأفضلها. المدين داخل في قوله: {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة:60] وهل يشترط تمليكه أو لا؟ لا يشترط؛ لأنه داخل بـ (في) ، الغارمين معطوفة على ما سبق، وهو مجرور بـ (في) ، وعلى هذا فلا يشترط أن أملك المدين، بل يجوز أن أذهب إلى الدائن وأقول: إنك تطلب فلاناً كذا وكذا، وهذا سداده، وإن لم يعلم المدين؛ لأنه لا يشترط فيه تمليك المعطى. هل يجوز أن أشتري أسلحة من الزكاة وأعين بها المجاهدين؟ نعم. لأنه لا يشترط تمليكهم، وإذا لم يشترط تمليكهم فلي أن أشتري أسلحة وأدفعها إلى جبهات القتال. هذا ما أردنا أن نتكلم عليه حول أهل الزكاة.

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) أما ما اقترحتم من أن نتكلم على شيء من الآيات التي مرت علينا فأهم شيء قوله تعالى، بل هو من أهم شيء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] فإن هذه الآية موجهة لكل مؤمن أن يوفي بالعهد الذي بينه وبين عباد الله، سواء كانوا كفاراً أو مسلمين، وهذه الآية كقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء:34] فيدخل في ذلك: عقود المبايعات: يجب أن نفي بها، فلا يجوز أن نفسد البيع بعد انعقاده انعقاداً لازماً؛ لأن بعض الناس -والعياذ بالله- إذا رأى أنه مغبون في السلعة ذهب يماطل ويدعي أن فيها عيباً من أجل أن يفسخ العقد، وهذا حرام. ومن الوفاء بالعقود: الوفاء بالشروط المقرونة بالعقود؛ لأن الشروط المقرونة بالعقود أوصاف للعقود، والأمر بالوفاء بالعقود يشمل الأمر بها ذاتها والأمر بما تتضمنه من أوصاف، فيجب على الإنسان أن يوفي بالشرط الذي التزمه عند العقد. ومن ذلك: ما يكون بين الموظفين وبين الدولة من الشروط فإنه يجب علينا أن نوفي بها، فلا نتخلف عن موعد الحضور، ولا نتقدم على موعد النهاية، كذلك لا يجوز أن نذهب إلى العمرة وندع الوظيفة، ولا يجوز أن نذهب إلى المساجد إلى الاعتكاف وندع الوظيفة؛ لأن البقاء في الوظيفة فرض، الوظيفة عقد بين الموظف وبين الدولة وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} فإذا كانت الدولة لا تسمح أن يذهب الإنسان إلى عمرة أو أن ينحصر في مسجد فإنه لا يجوز أن يذهب إلى عمرة ولا أن ينحصر في مسجد، وما يسمى بالإجازة الاضطرارية فهي على اسمها إجازة اضطرارية؛ إن اضطر الموظف إليها فله الرخص، وإن لم يضطر فلا، ولننظر هل الذهاب إلى العمرة يعتبر ضرورة؟ لا، ليس ضرورة حسية، ولا ضرورة شرعية، بل هي نفل من النوافل، والقيام بواجب الوظيفة واجب، فكيف نسقط الواجب من أجل فعل مستحب؟!! ثم إن هذا الواجب قد رتب عليه مكافئة من الدولة، المكافئة تقابل جزءاً من زمن الخدمة، فإذا أهملت أجزاءً فإن هذا يعني أن الأجرة ينقص منها بقدر ما أهملت وهذا أمر خطير جداً، لأن هؤلاء الذين يدعون وظائفهم كل ساعة تمر عليهم فإنهم بها آثمون والعياذ بالله، وقد يتحيل بعض الناس فيقدم إلى مكتب العمل والعمال بأنه في ضرورة فيرجو الإجازة، ويذكر أنه ممرض لأبيه أو لابنته أو لابنه وهو كاذب في هذا، هذا حرام ولا يجوز؛ لأن التحيل على إسقاط الواجب لا يسقطه، بل لا يزيده إلا تأكيداً، والإنسان الذي يتحيل على إسقاط ما وجب الله لا شك أنه متحيل وأنه يخشى أن يقلب قلبه والعياذ بالله. ومن ذلك أيضاً: أن من المعروف أن الموظف لا يشتغل بالتجارة، بل إما أن يبقى على وظيفته ويدع التجارة، وإما أن يأخذ بالتجارة ويدع الوظيفة، أما الجمع بينهما فالمعروف أن هذا ممنوع، لكن يأتي واحد يتحيل يكتب الدكان باسم أحد من أولاده أو آبائه وهو في الحقيقة له، هذا يعتبر خيانة وأكل للمال بالباطل، ولا يحل للإنسان أن يخادع الدولة التي اشترطت عليه أنه لا يتاجر. فإن قال قائل: هل المضاربة تدخل في هذا؟ ف A المعروف أن المضاربة يكون العامل فيها هو العامل هذا هو المعروف، فإذا أعطى الشخص الموظف شيئاً من ماله لآخر ليعمل فيه والربح بينهما، فالظاهر أن هذا لا يدخل في المنع، لا بأس به، لماذا؟ لأن هذا الرجل الموظف لم يباشر العمل، من الذي يباشره؟ العامل المضارب، أما إذا تولى هو شيئاً من العمل فإنه يدخل في المنع، وعلى الإنسان أن يوفي بكل عقد إذا لم يكن محرماً. من العقود أو من أوصاف العقود: أن يشترط على المشتري بأن السلعة فيها كل عيب، فهل هذا الشرط صحيح؟ نقول: فيه التفصيل: إذا كان البائع لا يعلم العيوب التي فيها فلا بأس أن يشترط شرطاً عاماً فيقول: أنا بريء من كل عيب فيها، أما إذا كان يعلم بأن فيها العيب الفلاني فإنه يجب عليه أن يبين وإلا كان غاشاً، وقد بلغنا أن معارض السيارات إذا باعوا سيارة على الميكرفون كما يقولون: فإنهم يقولون: للمشتري فيها كل عيب، لا تشتري إلا إطار العجلات، لا تشتري إلا المفتاح، وما أشبه ذلك من الأشياء التي يوهمون فيها المشتري ويغرونه. فالمهم خلاصة هذه المسألة: أن البائع إذا كان يعلم العيب فإنه يجب عليه أن يبينه نصاً بعينه، وإذا كان لا يعلمه فلا بأس أن يبرأ على سبيل العموم. وهذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} من أجمع الآيات، ولهذا تأتي هذه الآية على جميع أبواب المعاملات من البيوع والإيجارات والرهون وغيرها، وكذلك أيضاً تأتي على جميع الشروط التي تشترط في عقود الأنكحة والأوقاف وغيرها، فهي من أجمع الآيات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} .

الأسئلة

الأسئلة

جواز الزواج بدون إذن الأم لمن احتاج إليه

جواز الزواج بدون إذن الأم لمن احتاج إليه Q أنا شاب بحاجة إلى الزواج، والدتي رفضت ذلك، وعذرها أننا لم نزل في بيت مستأجر، وأنه ما زال علينا بعض الديون، فهل يجوز لي أن أخالف رضاها وأجعل أحداً يخطب لي لأنها قد رفضت أن تخطب لي، أرجو النصيحة لي ولها؟ وماذا يفعل الشخص الذي كحالي وأنا موظف أستطيع -إن شاء الله- أن أجمع مهراً أو آخذ من يمين أو شمال، جزاكم الله عني خير الجزاء؟ A أولاً نصيحة موجهة للوالدة: لا يجوز لأي والدة أن تحول بين الولد وبين الزواج بعلل تافهة لا تمنع، والواجب عليها أن تنصح لابنها كما تنصح لنفسها، وأن تعينه على طاعة الله وعلى ما ينفعه، ولا شك أن النكاح من طاعة الله وأنه مما ينفعه، ولا يضره إذا تزوج بل لا يزيدها إلا خيراً، لأنه قد يتزوج امرأة صالحة تخدمه وتخدم والدته، كما يقع ذلك كثيراً ولله الحمد. أما بالنسبة له فإني أقول: لا حرج عليك أن تتزوج ولو كرهت أمك؛ لأن هذا مصلحة لك ودفع مضرة عنك، وهو لا يضر الأم شيئاً، فأنت ابحث الآن عن امرأة تكون صالحة ثم تزوج، وفي ظني أن الأم إذا رأت الأمر الواقع فإنها تستسلم له.

زكاة الغنم

زكاة الغنم Q هل على هذه الأعداد من الغنم زكاة أم لا، (104) من الخرفان منها ما لا يبلغ ستة أشهر. وجزاكم الله خيراً؟ A هذا العدد من الغنم فيه الزكاة إن كانت سائمة؛ لأن أدنى نصاب الغنم أربعون شاة، متى كان عند الإنسان أربعون شاة وجبت فيها الزكاة، لكن يشترط أن تكون للنماء والدر والتنمية، وأن تكون سائمة: وهي التي ترعى أكثر الحول، فأما التي للتجارة كالذي يكون مع الشريطية يشترون الشاة صباحاً ويبيعونها مساءً فهذا فيه الزكاة ولو كان أقل من ذلك بكثير ربما تكون شاة واحدة فيها زكاة لأن عروض التجارة معتبر فيها القيمة فمتى بلغت قيمتها نصاباً وجبت الزكاة، وأيضاً إذا كانت للتجارة لا يشترط أن تكون سائمة بل تجب فيها الزكاة ولو كانت معلوفة لأن عروض التجارة بمنزلة سلعة التاجر في الدكان، والتاجر في الدكان يحتاج إلى أجرة الدكان وتنظيف المحل وغير ذلك مما هو معروف. والحاصل أن هذه الغنم إذا كانت للتنمية والنسل فإنه يشترط أن تكون سائمة: وهي التي ترعى أكثر الحول، أما إذا كانت للتجارة فإن الزكاة واجبة فيها وإن كانت معلوفة.

وصف الاستحاضة وحكمها في الصلاة والصيام

وصف الاستحاضة وحكمها في الصلاة والصيام Q أنا فتاة أتتني الدورة في (18/ شعبان) ثم استمرت ثمانية أيام، وهي الأيام التي اعتدتها ولم أشاهد طهراً ولكني اغتسلت، ثم استمر الدم معي حتى هذا اليوم، إلا أنه توقف يوماً واحداً ثم عاد في النزول، مع العلم أنه يتأخر عني الحيض من أربعة إلى خمسة أشهر، كذلك أنا الآن أصوم وأصلي مع وجود هذا الدم. ما حكم صلاتي وصيامي، وما هو توجيهكم؟ A الأصل في الدم الذي يصيب المرأة أنه دم حيض هذا الأصل، لكن إذا وجد سبب يثير الدم وخرج الدم من العروق فليس بحيض لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة: (إنما ذلك دم عرق) . والاستحاضة أن تستمر المرأة أكثر المدة يعني: بأن ترى الدم خمسة عشر يوماً أو أكثر فهذه مستحاضة، والمستحاضة ترجع أولاً إلى عادتها فإذا كانت عادتها من أول الشهر ستة أيام فإنها تجلس من أول الشهر ستة أيام وتغتسل وتصلي، وإذا لم يكن لها عادة بأن كان من أول ما جاءها الحيض استمر معها فإنها تعمل بالتمييز؛ تنظر الدم إذا كان أسود فهو حيض، إذا كان منتناً فهو حيض -يعني: له روائح كريهة- إذا كان غليظاً فهو حيض، وإذا كان بالعكس كان رقيقاً وأحمر ولا رائحة له فهذه استحاضة، هذه علامة، وذكر بعض الناس المتأخرين أن من العلامات: أن دم الحيض لا يتجمد ودم غير الحيض يتجمد وعلل ذلك: بأن دم الحيض يخرج من أقصى الرحم بعد أن كان متجمداً يتشقق ثم يخرج، وأما غيره فالأمر بالعكس، فهذه من العلامات البينة إذا جربت وصارت على ما سمعنا. وإذا كان من (18/ شعبان) معناه: أنها أخذت اثنا عشر يوماً من شعبان واثنا عشر يوماً من رمضان أي: أربعة وعشرين يوماً، إذاً الآن تغتسل وتصلي وتصوم، وما فات من أيام الصلاة إن قضتها فهو أحسن وإلا فليس عليها شيء.

الضابط في إعطاء الزكاة لمن لا يكفيه راتبه

الضابط في إعطاء الزكاة لمن لا يكفيه راتبه Q فضيلة الشيخ: بعض الناس يقول: أخذ بعض الناس من قولكم إذا كان رجلاً كريماً يوسع على نفسه، ولم يكفه الراتب في المأكل فيجوز له الزكاة؟ A أما الإنفاق فإن الإنسان الذي ينفق نفقة الأغنياء وهو فقير يعتبر سفيهاً ويعتبر مسرفاً ولا يعطى من الزكاة، أما إذا كان ينفق نفقة الفقير أو نفقة مثله ولكن لا يكفيه الراتب فهذا يعطى من الزكاة وإلا لو أطلقنا للإنسان عنان ما يشتهي من المآكل والمشارب لكان لا يكفيه الشيء ولو كان كثيراً، فهذا ينظر كل إنسان بقدر حاجته.

معنى انصراف الإمام من الصلاة، وأجر قيام ليلة

معنى انصراف الإمام من الصلاة، وأجر قيام ليلة Q فضيلة الشيخ: والله! إني أحبك في الله، ما المراد بقوله عليه الصلاة والسلام: (حتى ينصرف) في الحديث الذي رواه أهل السنن في قوله عليه الصلاة والسلام: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ولو كان نائماً في فراشه) هل هذا الانصراف من الصلاة أم قيام الإمام من المحراب؟ A أقول: أحبه الله الذي أحبنا فيه، وأسأل الله أن يجعلنا جميعاً من أحبابه وأوليائه وحزبه. أما المسألة الأولى وهي قوله صلى الله عليه وسلم: (حتى ينصرف) فالمراد ينصرف من الصلاة وليس المراد أن ينصرف يقوم ويخرج بل ينصرف من الصلاة، ولهذا قال العلماء: إن الإمام إذا سلم سواء في التراويح أو غيرها لا يطيل القيام مستقبل القبلة بل إذا قال: أستغفر الله ثلاثاً، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ينصرف لئلا يحبس الناس، والناس ما دام الإمام لم ينصرف إلى اتجاههم فإنهم مأمورون بالبقاء، لكن لا يحبس الناس يبقى بقدر ما يقول: أستغفر الله ثلاث مرات، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم ينصرف، هذا المراد. وأما قوله: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (كتب له قيام ليلة ولو كان نائماً على فراشه) فإن قوله: (ولو كان نائماً على فراشه) إدراج، يعني: ليست من أصل الحديث، إنما المعنى صحيح؛ فإن الصحابة لما قام بهم النبي عليه الصلاة والسلام قالوا: (يا رسول الله! لو نفلتنا بقية ليلتنا -يعني: لو زدت- قال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) . وأحب أن أنبه أن بعض الناس ظن أن الرجل إذا تابع الإمام في الوتر ثم قام بعد سلامه وأتى بركعة ليكون الوتر شفعاً ظن أن هذا يخالف قوله: (حتى ينصرف) ونحن نقول: هذا غلط، قوله: (حتى ينصرف) فإذا سلم الإمام وأتيت بعده بركعة فإنك قد بقيت حتى انصرف، فالانصراف هو الحد الأعلى ولم يقل عليه الصلاة والسلام: وانصرف مع انصرافه، حتى نقول: إنك إذا شفعت لقد خالفت الحديث، بل قال: (من قام حتى ينصرف) ومن بقي مع الإمام حتى سلم ثم جاء بعده بركعة فقد بقي معه حتى ينصرف ولا شك في ذلك.

الفرق بين الفقير والمسكين

الفرق بين الفقير والمسكين Q ما الفرق بين الفقير والمسكين؟ A الفقير والمسكين إذا ذكر أحدهما مفرداً فهما بمعنىً واحد، وإن ذكرا جميعاً فالفقير أشد حاجة. قال العلماء: الفقير في آية الصدقات من يجد أقل من نصف الكفاية، والمسكين من يجد النصف فما فوق لكن لا يجد الكفاية التامة، ويتضح الحال بالمثال: رجل راتبه ألفان ونفقته ثلاثة آلاف فقير أو مسكين؟ هذا مسكين؛ لأنه يجد أكثر من النصف، الراتب ألفان والنفقة ثلاثة. إذاً: هو مسكين. رجل راتبه ألف ونفقته ثلاثة آلاف هذا فقير. رجل نفقته ألف وليس له راتب؟ فقير، وهذا أشد. أما إذا ذكرا جميعاً فكل واحد لوحده.

حكم إنفاق الزكاة في الكماليات

حكم إنفاق الزكاة في الكماليات Q إنسان عليه دين فأخذ زكاة من زوجته ليسدد بها دينه ولكنه وضعها في جيبه ثم أنفقها على نفسه وعلى زوجته في أشياء غير ضرورية وذلك في العام الماضي، فهل الزكاة عن زوجته مجزئة في هذه الحال؟ وإن كان لا فماذا يجب الآن؟ A أما الزكاة فهي مجزئة؛ لأنها وضعت في موضعها، وأما تصرف الزوج فهو خطأ؛ لأنه لا ينبغي للإنسان أن يتمتع بالكمال وهو عليه دين، صرح بعض العلماء: بأن الذي عليه دين لا يجوز أن يتصدق، مع أن الصدقة تقرب إلى الله قالوا: لأن قضاء الدين واجب والصدقة مستحبة.

وجوب الإنفاق على الجدة

وجوب الإنفاق على الجدة Q ما حكم دفع الزكاة للجدة وهي محتاجة إلى ذلك؟ وما حكم دفع الزكاة إلى أخي وعليه أقساط سيارة وهو محتاج للسيارة للذهاب والإياب بها إلى الجامعة وليس له دخل يستطيع دفع هذه الأقساط؟ A أما دفع الزكاة للأخ فلا بأس لأنه قضاء دين، وأما دفع الزكاة للجدة فإنه لا يجوز لأن الجدة يجب عليك أن تنفق عليها، اللهم إلا إذا لم يكن في مالك سعة تستطيع الإنفاق عليها فلك أن تعطيها من الزكاة، أما إذا كان في مالك سعة فالواجب عليك أن تنفق عليها من مالك الخاص.

حكم كشف المرأة وجهها أثناء الصلاة

حكم كشف المرأة وجهها أثناء الصلاة Q فضيلة الشيخ: هل الأفضل للمرأة أن تصلي كاشفة وجهها أم متغطية إذا لم يكن لديها رجال أجانب؟ وهل الغطاء حائل مكروه أثناء السجود؟ A الأصل للمرأة في حال صلاتها أن تكشف وجهها إذا لم يكن عندها رجال غير المحارم؛ لأن ذلك أحسن للصلاة وأمكن من مباشرة أعضاء السجود للأرض، ثم إنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يغطي الرجل فاه يعني: في حال الصلاة؛ لأن هذا يكتم النفس ويذهب انشراح الصدر. فالمرأة إذا كان ليس عندها رجال أجانب من غير المحارم نقول لها الأفضل تكشف الوجه، أما إذا كان عندها رجال أجانب فالواجب عليها أن تغطيه، وفي حال السجود الأفضل أن تباشر الجبهة محل السجود، وعلى هذا فإذا أرادت أن تسجد ولو كان حولها رجال كشفت عن وجهها وباشرت الأرض بوجهها.

معنى الجمع في السفر، ومتى يكون

معنى الجمع في السفر، ومتى يكون Q من المعلوم بأن جمع المسافر يكون إما جمع تقديم أو جمع تأخير، سؤالي هنا: ما هو حكم الجمع في وسط الوقتين؟ وهل يجوز لمن أراد السفر أن يجمع جمع تقديم في بلده فهو أيسر له خاصة النساء؟ A أقول: الجمع ليس معناه أن تكون الصلاتان بين الوقتين، الجمع معناه الضم، أن تضم إحدى الصلاتين إلى الأخرى إما الثانية للأولى إذا كان جمع تقديم، أو الأولى إلى الثانية إذا كان جمع تأخير، سواء في أول وقت الأولى أو في آخر وقت الثانية أو في الوسط، كلها على حد سواء، لكن افعل ما هو أرفق بك إن كان أرفق جمع التقديم فقدم وإن كان أرفق جمع التأخير فأخر. وأما جمع المسافر قبل أن يغادر بلده فإنه لا يجوز إلا إذا كان يخشى المشقة مثل أن تكون رحلته في الطائرة ويخشى أن يشق عليه تأخير العصر، أو امرأة كما جاء في السؤال يشق عليها أن تتوضأ في السفر فحينئذ لها أن تجمع جمع تقديم.

زكاة أموال الأسهم في الشركات

زكاة أموال الأسهم في الشركات السائل: هل يزكى المال الذي تمت المساهمة به في شراء مستشفىً وتشغيله، أم تزكى أرباحه فقط؟ وما حكم تزكية الأسهم في شركات الاستثمار حيث إن السهم قد يكون في بناء أو سيارة أو غيرها؟ A يجب أن نعلم أن الزكاة في الشركات والمساهمات إنما تجب في النقود فقط، أما الأعيان فلا تجب ما لم يكن يولج بها التجارة، فإن كان يولج بها التجارة فهي من عروض التجارة، أما إذا كان يريد التنمية في ذلك فإن أعيان المساهمات لا تجب فيها الزكاة.

أضرار الخادمات، وحكم وقوف الأبناء في وجه الآباء بسبب ذلك

أضرار الخادمات، وحكم وقوف الأبناء في وجه الآباء بسبب ذلك Q ما حكم من كان عنده خادمة في بيته غير مسلمة فماذا يفعل بها؟ وحول هذا في مسألة الخادمة هناك سؤال مقارب يقول: كثيراً ما يحصل بين والدي ووالدتي خلاف يصل إلى درجة الإهانة كأن يضربها أمامنا ونحن صغار ووالدتي صابرة على هذا، وحدث أن رأت والدتي ووالدي وهو يراود الخادمة عن نفسها، وتبع ذلك أنها ازدادت كرهاً لوالدي وصارت لا تطيقه في البيت، علماً بأن والدي يبلغ من العمر خمس وسبعون سنة، هل على والدتي إثم في أنها تقدم له الخدمة على أكمل وجه ولكنها لا تحدثه إطلاقاً واستمرت على هذه الحال أكثر من ثلاثة شهور، علماً بأنه مسامح لوالدتي على هذا، وهل ينطبق عليها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في غضب الزوج على زوجته، وأحياناً أقف في وجه أبي في حالة أفقد فيها شعوري خصوصاً عندما أرى والدتي تبكي أو تتشاجر معه فهل يلحقني إثم كبير في ذلك. أرجو منكم النصيحة والتوجيه في هذا؟ A هذا يا إخوان! من أكبر الزواجر عن جلب الخدم، رجل له خمسة وسبعون سنة يعني: ليس شاباً فيزني بهذه الخادمة والعياذ بالله وهو داخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: أشيمط زان -الأشيمط يعني: الشائب- وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته لا يبيع إلا بيمينه ولا يشتري إلا بيمينه) . وهذه المسألة التي ذكرها السائل ليست بعيدة لأنه يرد علينا أسئلة مثلها أو أشد والعياذ بالله، ونحن نحذر دائماً من استجلاب الخدم، وقد اتصلت بي امرأة مرة من المرات وقالت: إنها محتاجة إلى خادم، وأنها ترى بأن يأتي زوجها بخادم ولكن الزوج يأبى، فأشرت عليها بمشورة طيبة فقلت: أنا أرى أن يتزوج امرأة ثانية، ولكنها غضبت وضربت بالتلفون. ولا شك أن هذا خطأ منها بلا شك؛ لأن الزوجة الثانية يأتيها الزوج بالحلال وربما يهديها الله للكبيرة الأولى وتكون لها منزلة البنت تخدمها وتقوم بمصالحها، وإذا ضاقت بالثانية مثلاً نقول: أشيري عليه بثالثة لأن الغالب أنه إذا تزوج الثالثة هانت على النساء كما هو مشاهد؛ لأن الأولى إذا غارت من الثانية وجاءت الثالثة جديدة صارت ضد الثانية فهانت على الأولى والثانية الوسطى لا يهمها الثالثة لأنها كانت بالأول عندها امرأة ثانية يعني: الأمر قد هان عليها. على كل حال أقول: الإتيان بالخدم مضرتها شديدة، وأن من جملة الأسباب التي تهون مسألتها أن يتزوج الرجال امرأة ثانية يستفيدون السلامة من هؤلاء الخدم ويستفيدون أيضاً أن هؤلاء النساء العوانس اللاتي في البيوت يكون لهن أزواج يحصنون فروجهن، ونستفيد فائدة ثالثة وهي تكثير النسل في الأمة الإسلامية والذي كان عليه الصلاة والسلام يحث عليه يقول: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء) لهذا أنا أنصح لإخواننا الذين لهم قدرة وتحتاج بيوتهم إلى نساء أنصحهم بالزواج، وأنصح النساء أن يتحملن ذلك وأن يتذكرن أمهات المؤمنين وأن الرسول صلى الله عليه وسلم مات عن تسع، وأن هذا أمر ليس فيه شيء يتعب أو يخجل فلتحتسب المرأة الأولى ولتصبر ولتكن عوناً لزوجها على حل هذه المشكلة. أما بالنسبة للشخص فأنا أشكره على هذا العمل الطيب وأقول: حاول أن تخرج هذه الخادمة في أسرع وقت ممكن؛ لأن بقاءها في البيت ثغر لا شك. وأما كونه يقف في وجهه غضباً لله، والمطلوب يا شباب غضباً لله هذا طيب لكنه ينبغي أن يلاطفه في الكلام كما كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام يلاطف أباه وهو ينهاه عن الشرك يقول: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ} [مريم:42-43] ولم يقل: يا أبت إنك جاهل، قال: {جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً} [مريم:43-45] كل هذه: (يا أبت) كلها تلطف مع أبيه وهو مشرك كافر ولكن كان أبوه عنيفاً ماذا قال؟ {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ} [مريم:46] هذا استفهام استنكار، {أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ هذا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً} [مريم:46] نسأل الله العافية. نسأل الله لنا ولكم التوفيق، وأن يعيذنا وإياكم من مضلات الفتن، وأن يحمينا وإياكم مما يكرهه إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

جلسات رمضانية لعام 1412هـ[4]

جلسات رمضانية لعام 1412هـ[4] أتى الشيخ رحمه الله في هذه الجلسة بمعانٍ لكلمات مهمة تقال ولا يفهم معانيها عند بعض العامة رغم كثرة تردادها، فذكر معاني الكلمات في سورة الفاتحة، وكذا التشهد وما بعده من الدعاء، وبعض كلمات القنوت. وأجاب في أسئلته عن بعض الأحكام المتعلقة بالصيام والاعتكاف.

أهمية تدبر النصوص وفهم معانيها

أهمية تدبر النصوص وفهم معانيها الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع في شهر رمضان عام (1412هـ) في الجامع الكبير في مدينة عنيزة، وهو اللقاء الأخير في هذا الشهر، نسأل الله تعالى أن يجعل ما مر علينا من هذه اللقاءات خير وبركة. إن لقاءنا هذا سيكون موضوعه أمراً غريباً، وذلك أن أكثر المسلمين يقولون ما لا يفقهون، بل إن كثيراً منهم قد أكون بالغت إذا قلت أكثر، ولكن كثيراً منهم يقولون ما لا يفقهون، وأضرب لكم مثلاً في أمر يتكرر علينا في اليوم أكثر من سبعة عشرة مرة، ففي الفاتحة مثلاً التي هم أم القرآن والسبع المثاني والتي فرض الله على عباده أن يقرءوها في كل ركعة من صلواتهم الفريضة والنافلة والتي جمعت جميع معاني القرآن، هذه الصورة لو أننا ناقشنا واحداً من الناس: ما معنى هذه السورة؟ ما معنى آياتها؟ ما الذي تشتمل عليه؟ ما الذي تشير إليه؟ لوجدته خلواً من ذلك، لا يفهم ولا يفقه، ولكنه يقرأ ألفاظ وآيات امتثالاً لأمر الله ورسوله، وهذا حسن لا شك، لكن ليس هذا هو المقصود. كذلك أيضاً نحن نقرأ التشهد في كل صلاة إما مرة أو مرتين فهل نحن نعرف معاني ألفاظ التشهد؟ كثير من الناس لا يعرفون، إذاً كيف يدعون؟! كيف يثنون على الله بشيء لا يعرفونه؟!! هذا غريب. كذلك أيضاً: نحن نسبح الله في الركوع وفي السجود، ولكن هل نحن نعرف معنى: سبحان ربي العظيم، معنى: سبحان ربي الأعلى؟ كثير من الناس لا يعرف. نحن ندعو الآن في القنوت وتأمنون على الدعاء، لكن هل كل جملة معروفة لديكم؟ قد تكون بعض الكلمات غير معروفة لديكم، واضرب لهذا مثلا: (أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا) ما معناه؟ قد يقول قائل: كيف أدعو بهذا الدعاء (أصلح لنا ديننا) أليس الدين صالحاً؟ كيف نسأل الله أن يصلح لنا ما هو صالح؟ يفهم بعض الناس المعنى على هذا الوجه فيبقى حيران، وهو مع ذلك إذا قال إمامه: أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ماذا يقول؟ يقول: آمين، والإشكال في نفسه. إذاً هذه مشكلة -يا إخوان- ينبغي لنا إن لم أقل: يجب علينا أن نفهم معاني ما نقول، إذا كان الإنسان لو درس كتاباً في النحو أو البلاغة أو الفقه أو الحساب أو الطب أو الكيمياء أو الجغرافيا لابد أن يفهم معناه، فما بالنا لا نفهم معنى كلام الله عز وجل، ما بالنا لا نفهم معنى ما نثني به على ربنا عز وجل. لابد أن نفهم، لابد أن نفهم. ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: [كيف بكم إذا كثر قراؤكم وقَلَّ فقهاؤكم؟] القراء هم الذين يتلون لفظاً، والفقهاء هم الذين يعرفون المعنى (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين) . إذاً لابد أن نعرف، لابد أن نفقه، ولا حرج على الإنسان الذي لا يفهم أن يأخذ بيد طالب علم ويقول: جزاك الله خيراً ما معنى هذه الآية، ما معنى هذا الحديث، ما معنى هذا الدعاء، وإذا قال هكذا يكون طالب العلم ممنوناً بذلك، إذا علم أن صاحبه سأله مسترشداً فإنه سيفرح.

بعض معاني سورة الفاتحة

بعض معاني سورة الفاتحة لعلنا الآن نتعرض لبعض المعاني في سورة الفاتحة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] معنى الحمد: المدح المقرون بالمحبة التامة والتعظيم التام، وهذا هو الفرق بين المدح وبين الحمد، المدح قد يكون مع البغضاء ومع الاستهانة، لكن الحمد لا يكون أبداً إلا مع المحبة والتعظيم، قد يمدح الإنسان شخصاً وهو يبغضه لكن يمدحه خوفاً من شره أو رجاءً لما عنده، لكن الحمد مصحوب بالمحبة والتعظيم. وما معنى: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] أي: الخالق للعالم، المالك المدبر. وما صلة: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] بـ {رَبِّ الْعَالَمِينَ} لأنها جاءت بعدها: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} صلتها: أن ربوبية الله عز وجل للعالمين ربوبية مبنية على الرحمة، فهو رب وفي نفس الوقت رحيم. ثم ما صلة: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] بما قبلها، نحن إذا قرأنا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:2-3] فإننا نتصور ونتخيل الدنيا، فجاء ذكر الآخرة بعد ذلك: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} لينتقل الإنسان من حال الدنيا إلى حال الآخرة ويكون متعظاً. ثم بعد هذا الثناء على الله والتعظيم لله، يأتي دور العبادة، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:5] ثم هل العبادة يقوم بها الإنسان بلا معونة الله؟ A لا. فيأتي بعد ذكر العبادة الاستعانة: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] . ثم بعد إخلاص العبادة لله والاستعانة به يأتي دور الدعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6-7] . {اهْدِنَا الصِّرَاطَ} لم يقل (إلى) ولا (في) ما قال: اهدنا فيه، ولا اهدنا إليه، من أجل أن تشمل الهداية هداية الدلالة وهداية التوفيق، الإنسان بالنسبة للصراط المستقيم قد يكون بعيداً منحرفاً يميناً أو يساراً يحتاج هنا إلى ماذا؟ إلى هداية إليه أم هدايه فيه؟ إنسان بعيد عن الصراط المستقيم منحرف يمين أو يسار، يحتاج إلى هداية إليه أول يدله، نقربه إلى الصراط المستقيم، ثم بعد ذلك إذا دخل الصراط المستقيم يحتاج إلى هداية فيه، ولهذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ} [الفاتحة:6] ولم يقل: إلى الصراط، ليشمل الهداية التي هي الدلالة، والهداية التي هو التوفيق والثبات على الدين. وصراط من؟ صراط الذين أنعم الله عليهم، ووصف الصراط أولاً بأنه مستقيم ثم أثنى على سالكيه: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] . الناس ثلاثة أقسام: منعم عليهم، ومغضوب عليهم، وضالون. وتأمل البلاغة العظيمة قال: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ولم يقل: المنعم عليهم. والأمة الغضبية ماذا قال؟ {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} ولم يقل: الذين غضبت عليهم، لأن هذه الأمة الغضبية مغضوب عليها من قبل الله ومن قبل أولياء الله. والضال ضد المهتدي، فالناس ثلاثة أقسام: - القسم الأول: عالم بالحق وعامل به: هذا منعم عليه، فكأن الذي يقول: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} كأنه يسأل الله العلم والعمل. - القسم الثاني: عالم بالحق مستكبر عنه وهذا مغضوب عليهم. - الثالث: جاهل بالحق وهذا ضال. المغضوب عليهم اليهود، والمغضوب عليهم النصارى بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام، النصارى قبل بعثة الرسول ضالون، لكن بعد بعثة الرسول وعلمهم بالحق صاروا من قسم المغضوب عليهم، لاحظوا أنكم تجدون في كثير من كتب المفسرين أن المغضوب عليهم هم اليهود، والضالون هم النصارى، هذا قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن اليهود جاءهم عيسى بالحق واستكبروا، فعلموا الحق واستكبروا عنه، النصارى ما جاءهم بعد عيسى رسول لكن تاهوا. بعد مجيء محمد صار النصارى مثل اليهود بعد مجيء عيسى، يعني: قامت عليهم الحجة، فهم مغضوب عليهم ملعونون، كما لعن اليهود وغضب عليهم، قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (لعنة الله على اليهود والنصارى) ومع الأسف أنه يوجد الآن بيننا وفي بيوتنا خدم ومربيات كما يزعمون من أمة غضب الله عليها ولعنها والعياذ بالله! وإني لأعجب كيف تتردى أحوال المسلمين إلى هذه الحال، يربون أعداءهم بالمال وبالحفاوة، إلى حد أن وصل ضعف الدين ونقص العقل فصار الواحد يقول: إخواننا اليهود والنصارى -نعوذ بالله- إذا رأيت أن يكونوا إخوانك فأنت مثلهم. يقول: أصحاب الأديان الثلاثة السماوية، دين اليهود والنصارى هل هو قائم الآن؟ لا منسوخ. والذي نسخه هو الذي شرعه، رضيه لعباده ديناً في وقته وبعد مجيء الرسول عليه الصلاة والسلام لا يرضى إلا الإسلام، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85] إذاً هي ليست ديانة قائمة الآن، لا قائم من هذه الأديان الثلاثة إلا دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين) المراد بالصلاة هنا الفاتحة، لكن لعظمها في الصلاة وكون الصلاة لا تصح إلا بها، أطلق عليها الصلاة، كأن الفاتحة هي الصلاة كلها. (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: (الحمد لله رب العالمين) قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: (الرحمن الرحيم) قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: (مالك يوم الدين) قال: مجدني عبدي، وإذا قال: (إياك نعبد وإياك نستعين) قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين، وإذا قال: (اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) الحمد لله. نعمة، والله! ليتنا نستحضر هذا المعنى، ليتنا نستحضر هذا المعنى ونحن نصلي، يكون للقراءة طعم ولذة وذوق، لا ننساه أبداً، لكن نسأل الله أن يعفو عنا، نقرأ تلاوة على اللسان ولا نستحضر هذه المعاني العظيمة.

بعض معاني التشهد في الصلاة

بعض معاني التشهد في الصلاة

معنى كلمة: (التحيات لله)

معنى كلمة: (التحيات لله) أما التحيات، فما معنى (التحيات لله) ما هي التحيات؟ أصل التحية: كل لفظ دل على الإكرام، إذاً: كل لفظ للتعظيم والإكرام مستحق لله عز وجل، لا أحد يستحق أن يعظم غاية التعظيم إلا الله عز وجل، إذاً: جميع التعظيمات لله، (الصلوات لله) أي: لا يصلى إلا لله، ولهذا من صلى لغير الله فهو كافر.

معنى كلمة: (الطيبات)

معنى كلمة: (الطيبات) (الطيبات) أي طيبات؟ الطيبات ذات شقين: طيبات في وصف لله، وطيبات وصف للفاعل غير الله، (الطيبات لله) الطيبات باعتبار كونها وصفاً لله أنه عز وجل طيب الذات والصفات والأفعال، سبحانه وتعالى. وما معنى طيب الذات، والصفات، والأفعال باعتبارها كفعل للإنسان؟ الطيب ما وافق الشرع، والرديء ما خالف الشرع، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً) جاء في الحديث كلا الأمرين: طيب الذات والصفات والأفعال، لا يقبل إلا طيباً هذا فعل المخلوق، المخلوق قد يكون فعله طيباً وقد يكون خبيثاً. قال الله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور:26] فقسم الناس إلى طيب وخبيث، كل شيء ينقسم إلى طيب وخبيث {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة:267] كل شيء طيب وخبيث، النكاح في العقد الشرعي طيب، واللواط خبيث، {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ} [الأنبياء:74] . إذاً الطيبات في قوله: الطيبات، الطيبات من أين؟ من الأفعال وغيرها. نقول تنقسم إلى قسمين: باعتبار إضافتها إلى الله ماذا تكون؟ طيب الذات والصفات والأفعال، وباعتبار فعل المخلوق، ما وافق الشرع فهو طيب، وما خالفه فليس بطيب.

معنى: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)

معنى: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) ما معنى (السلام عليك) ؟ السلام من أسماء الله كما قال تعالى في سورة الحشر {السَّلامُ الْمُؤْمِنُ} [الحشر:23] لكن هل معنى (السلام عليك) يعني: الله عليك؟ لا، وإن كان بعض العلماء غفر الله لهم قال: إن المعنى اسم السلام عليك، لكن هذا غير صحيح، بل السلام هنا بمعنى التسليم، أي: سؤال السلامة. فإذا قلت: (السلام عليك أيها النبي) يعني: أسأل الله لك السلامة. وهنا إشكال قد يتعلق به الخرافيون، أو يتعلق به المشركون، يقول: السلام عليك، كيف تخاطب الرسول؟ إذاً معناه أن الرسول حاضر، (عليك) لأن الكاف للخطاب، ولا يخاطب إلا الحاضر، لو واحد يخاطب غائب قلت: هذا مجنون، لو كان لك ولد في بلد آخر فقلت يا فلان! اسمع قم للسحر قبل الفجر بنصف ساعة وكل واشرب وتهيأ حتى يطلع الفجر أمسك، تخاطبه وهو في بلد آخر ماذا يقول الناس؟ يقولوا: هذا مجنون، اربطوا هذا ابن الناس، لكن هنا يقول: (السلام عليك أيها النبي) مشكلة! جاء في حديث رواه البخاري عن ابن مسعود: (أنهم كانوا يقولون في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم (السلام عليك) وبعد مماته يقولون: السلام على النبي دون عليك) ولكن هذا لا يزيل الإشكال، لماذا؟ لأن الصحابة الذين مع الرسول في نفس المسجد يقولون: عليك وهو لا يسمع، فما بالك الذي في العوالي في أقصى المدينة والذي في مكة وفي بلاد أخرى، فالكاف هنا ليست للخطاب المعهود الذي يكون مع الحاضر، لكن يقول شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه القيم الذي نشير به على كل طالب علم وهو ما يعرف بكتاب إقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، يقول: إن الإنسان إذا قال السلام عليك، لقوة استحضاره للنبي عليه الصلاة والسلام الذي يدعو له بالسلامة كأنما يخاطبه، وإلا فلا خطاب، ولهذا كان قول ابن مسعود معارضاً بقول من هو أفقه منه وأعلم منه وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإنه صح في موطأ الإمام مالك: أن عمر خطب الناس على المنبر، يعلمهم التشهد بلفظ: (السلام عليك أيها النبي) في خلافته، السلام عليك أيها النبي، وعمر أفقه من ابن مسعود، وعمر قاله بمحضر الصحابة ولم ينكره أحد، وعمر قاله على المنبر علناً ليكون هذا من جنس الشعيرة التي تعلن، ولهذا ذهب بعض المعاصرين إلى أن الناس يقولون السلام على النبي إتباعاً لحديث ابن مسعود وكأنه لم يبلغه الحديث الذي ثبت في موطأ مالك رحمه الله باللفظ الذي ذكرته لكم، على المنبر وبحضرة الناس، ولم ينكروا. (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) نقول في السلام علينا مثل ما قلنا في السلام عليك، إن المعنى: الدعاء بالتسليم والسلام، ولكن الضمير يعود على من؟ علينا إن كنا في جماعة في المسجد، علينا نحن الجمع، وإلا فالمراد علينا نحن معشر أمة محمد. وأما (وعلى عباد الله الصالحين) فقد بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قلتم ذلك: فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض) نسلم على إبراهيم في هذا وعلى موسى وعيسى والأنبياء والملائكة كلها، نسلم عليهم، وفي تقديم السلام على النبي صلى الله عليه وسلم على أنفسنا دليل على أنه يجب أن نقدم الرسول عليه الصلاة والسلام على النفس، وهو كذلك، حق النبي صلى الله عليه وسلم علينا أعظم من حق أنفسنا على أنفسنا، ولهذا يجب فداؤه بالنفس والمال وتقديم هديه على هدي كل أحد.

معنى: (الشهادتين والاستعاذة من عذاب القبر والنار)

معنى: (الشهادتين والاستعاذة من عذاب القبر والنار) (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) : أي: أقر وأعترف اعترافاً يقينياً كأنما أشاهده رأي العين، ولهذا جاءت بلفظ (أشهد) . ومعنى: (أن لا إله إلا الله) : أي: لا معبود حق إلا الله. (وأن محمداً عبده ورسوله) : يعني: أنه عبد لا يعبد، بل هو مرهوب، ورسول لا يكذب صلوات الله وسلامه عليه. ثم تدعو الله بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى وآله، والتبريك عليه وعلى آله، ثم تقول: (أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنية المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال) لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن نستعيذ بالله في التشهد الأخير من هذه الأربع: من عذاب جهنم، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال. عذاب جهنم هو عذاب النار. وعذاب القبر: هو ما يكون في قبر الإنسان إذا مات، وسواء دفن أم لم يدفن؛ لأن القبر يعبر به عن الحفرة التي يدفن بها الإنسان ويعبر به عن البرزخ الذي بين موته وقيام الساعة، وأيهما المراد؟ البرزخ حتى وإن لم يذكر، لو فرض أن إنساناً مات في البر وأكلته السباع، أو ألقي البحر فهو قبر.

معنى: (الاستعاذة من فتنة المحيا والممات)

معنى: (الاستعاذة من فتنة المحيا والممات) (ومن فتنة المحيا والممات) فتنة المحيا، الإنسان -يا إخواني- ما دام حياً فالفتنة قد تدركه نسأل الله العافية، قد يفتن إما بشبهة وإما بشهوة، ولست أريد بالشهوة شهوة الجنس، الشهوة الهوى، يعني: قد يبتلى الإنسان بشبهه يلتبس عليه الحق فيضل، أو بهوى فيضل أيضاً، ولا تقل إني عالم لا يمكن أن أضل، قد لا تضل علماً ولكن تضل عملاً، ولهذا نقول: إن فتنة الدنيا إما في الجهل وإما في الهوى، إما شبهة تعتري الإنسان فيلتبس عليه الحق، وإلا شهوة سيئة يعني إرادة سيئة -نسأل الله العافية- يُفتن، ولهذا جاء في الدعاء المأثور (اللهم أرنا الحق حقاً) هذا العلم، (وارزقنا اتباعه) العمل. فتنة الممات: لها معنيان: المعنى الأول: فتنة الإنسان في قبره، لأن كل إنسان ميت يفتن في قبره يأتيه ملكان يسألانه عن ربه ودينه ونبيه، أسأل الله أن يثبتني وإياكم بالقول الثابت، وفتنة الممات الفتنة التي تكون عند الموت، وإنما نص عليها مع أنها في حال الحياة لعظمها، لأن أشد ما يكون الشيطان حرصاً على إغواء بني آدم في تلك اللحظة نسأل الله أن ينجينا وإياكم منه، وأشد ما يكون الإنسان ضعفاً في تلك اللحظة قد ضاقت عليه الأرض وضاقت عليه النفس، ووصلت الحلقوم فهو في أمر لا نتصوره، لا يتصوره إلا من وقع فيه، والشيطان في هذه الحال يحرص غاية الحرص على إغواء بني آدم، حتى إنه ورد في بعض الآثار أن الشيطان يتمثل بأب الإنسان أمامه ويقول: يا بني! يا بني! يا بني! كن يهودياً تابعاً لموسى، فيكون يهودياً، يختم له بسوء الخاتمة، وكذلك يقول: كن نصرانياً تابعاً للمسيح، فيفعل نسأل الله أن يثبتنا وإياكم فالمسألة خطيرة. وذكر في ترجمة الإمام أحمد رحمه الله إمام أهل السنة الذي نشهد الله على محبته هو وإخوانه من الأئمة، ذُكر أنه كان في سياق الموت يغمى عليه، فيقول: بعد، بعد، فلما أفاق قيل له: يا أبا عبد الله! ما هذا الذي تقول: بعد، بعد؟ قال: إن الشيطان إمامي يعض أنامله يقول: فتني يا أحمد -ما شاء الله- ولكني أقول: بعد بعد، لماذا؟ لأن الإنسان ما دامت روحه في جسده لا تؤمن عليه الفتنة، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: [من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة] وكم من أناس كانوا على الهدى المستقيم ثم ضلوا والعياذ بالله، نسأل الله أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت.

معاني كلمات القنوت

معاني كلمات القنوت نرجع إلى الجملة التي في القنوت بل جملتان أو أكثر. (أصلح لنا ديننا) نقول: كيف أصلح لك دينك، ودينك صالح؟ ف A أنه ليس المعنى أن يصلح الإسلام من حيث هو إسلام، أن يصلح دين الإسلام نفسه، هل أنت صالح في دينك؟ نعم قد يكون الإنسان صالحاً وقد يكون فاسداً، فمعنى: أصلح لنا ديننا يعني: اجعلنا صالحين في ديننا، ليس المعنى أصلح الدين الذي نحن عليه، لأن الدين الذي نحن عليه هو الإسلام هو صالح، لكن المعنى دين الإسلام نفسه هل هو صالح أو غير صالح؟ ثم اعلم -يا أخي- أن الدين ما يدين به الإنسان، قد يكون حقاً وقد يكون باطلاً، الشرك يسمى دين: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون:1-2] . إلى أن قال: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6] . إذاً: أصلح لي ديني الدين الذي أنا أعمل به، أصلحه يعني اجعلني صالحاً فيه، فالصلاح هنا يعود على الدين أم على عمل الإنسان؟ على عمل الإنسان، إذاً: لا إشكال في الموضوع. يقول بعض الناس: والله نحن نؤمّن على قول القائل: (متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أبقيتنا واجعله الوارث منا) ما معنى: اجعله الوارث منا؟ أسألكم أنا -أنتم جمع ما شاء الله- ما معنى: واجعله الوارث منا؟ مداخلة:. الشيخ: معناه: أن تبقى هذه الأسماع والأبصار والقوات إلى الممات حتى تكون وارثاً بعده. إذاً: ينبغي لنا أن نعرف معاني ما نقول، وأن نفقه ما نتكلم به، حتى يكون ذلك نافعاً، أما أن أقرأ القرآن كأنما أقرأه للتبرك، أو أن أدعو بدعاء لا أدري ما هو، يعني ما هو صحيح، نحن ننكر على المطوفين الذين يطوفون عند الكعبة ويقول بعضهم: اللهم اغنني بجلالك عن جرامك، لخطأ في النسخة، جعل الحاء تحتها نقطة، وقد تكون هذه النقطة قيء ذباب، الله أعلم، وكذلك حرام، ويدعو رافعاً صوته: بجلالك عن جرامك، الله المستعان، لماذا؟ لأن هؤلاء الذين يطوف بهم لا يدرون ماذا يقولون، نحن مثلهم وإن كنا نقول نحن بأنفسنا بلا مطوف لكن إذا كنا لا نعرف المعنى لا فرق. فالذي أدعو نفسي وإياكم إليه: أن نحرص أن نعرف معنى ما نقول، إما بمطالعة الكتب الموثوقة أو بسؤال أهل العلم، الحمد لله العلماء فيهم خير. نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في دينه، والعمل بما يرضيه واجتناب معاصيه.

الأسئلة

الأسئلة

حكم المريض الذي مات وعليه صوم

حكم المريض الذي مات وعليه صوم Q فضيلة الشيخ: توفيت أمي أمس العصر وهي لم تصم سوى أول يوم من رمضان، ماذا علينا أن نعمل هل نصوم عنها أو نطعم، مع العلم أن عقلها كان معها، أفتونا مأجورين؟ A إذا كان هذا المرض الذي أصابها في اليوم الثاني من رمضان لا يرجى زواله فإن الواجب أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، وإن كان مرضاً يرجى زواله ولكن عجزت عن الصوم فلا شيء عليها، لأن المريض مرضاً يرجى زواله الواجب عليه أن يصوم عدة من أيام أخر، فإذا مات قبل بلوغ هذه العدة سقط عنه الصوم كما لو مات الإنسان قبل دخول رمضان، فإنه لا يلزمه الصوم، أما إذا كان المرض لا يرجى برءه فإن العلماء يقولون: إن الواجب أن يطعم عن كل يوم مسكيناً. بقي قسم ثالث الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) القسم الثالث هو أن يفطر الإنسان في رمضان بعذر من مرض أو سفر ثم يستطيع أن يقضيه بعد ذلك ولكن يتأخر ثم يموت، فهذا هو الذي ينطبق عليه الحديث: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) مثال ذلك: رجل سافر في رمضان أسبوعاً وأفطر هذا الأسبوع ثم عاد إلى وطنه، وبقي شهراً أو شهرين يقول: أنا أصوم متى تيسير لأنني أن أؤخر الصوم إلى شعبان، فمات قبل أن يصوم، نقول: هذا الرجل مات وعليه صيام فيصوم عنه وليه، يعني وارثه، يصوم الوارث إن شاءوا صاموا يوماً واحداً، يعني: لو قدرنا عليه أسبوع كم يوماً؟ سبعة أيام، وله أولاد سبعة وصاموا كلهم يوماً واحداً أجزأ. فالأقسام ثلاثة الآن: من مرضه لا يرجى برءه، ما الواجب في حقه؟ أن يُطعم عنه، يطعم هو في حياته إن كان حياً أو بعد مماته عن كل يوم مسكيناً. مريض مرضاً يرجى برءه ولكن استمر به حتى مات؟ لا شيء عليه. مريض مرضاً يرجى برءه وعوفي من ذلك ولكنه أخر القضاء ثم مات قبل القضاء فهذا يصام عنه. لكن إذا قالوا لا نريد الصوم عسانا نقضي الذي علينا؟ نقول: أطعموا عن كل يوم مسكيناً ولا يلزمكم الصيام لأنه لو لزمكم الصيام لأثمتم بتركه وقد قال الله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] .

حكم من تهاون في قضاء الصوم حتى دخل عليه رمضان الآخر

حكم من تهاون في قضاء الصوم حتى دخل عليه رمضان الآخر Q ما حكم من كان عليه أيام من رمضان العام الماضي وتهاون وتكاسل فلم يقضها حتى أتى رمضان هذا العام هل يجزئه فقط قضاء الأيام التي عليه من العام الماضي بعد رمضان هذا العام؟ A أولاً: يجب أن نعلم أنه لا يجوز للإنسان أن يترك قضاء صوم رمضان الماضي إلى أن يأتي رمضان الحاضر بدون عذر، فإن فعل بغير عذر فعليه التوبة والاستغفار وعليه القضاء، واختلف العلماء: هل يجب عليه مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم؟ فمنهم من قال: يجب، ومنهم قال: لا يجب، والصحيح عدم الوجوب، وأنه يكفيه التوبة مع قضاء الصوم، لأن الله قال: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185] ولم يذكر إطعاماً، والإطعام يحتاج إلى دليل، وذلك لأن الأصل براءة الذمة وعدم الوجوب، فإذا لم يوجد دليل على وجوب الإطعام مع القضاء فإننا لا نوجبه على عباد الله. فالصحيح من أقوال العلماء في هذه المسألة: أنه يكفيه الصوم لكن لتأخره حتى رمضان يجب عليه أن يستغفر الله عز وجل.

حكم مزاولة الموظف للتجارة ومخالفة عقد العمل بذلك الفعل

حكم مزاولة الموظف للتجارة ومخالفة عقد العمل بذلك الفعل Q فضيلة الشيخ: لقد ذكرت في اللقاء السابق بأن النظام لا يسمح للموظف بأن يشتغل بالتجارة، ولكن يا فضيلة الشيخ! بعض الناس راتبه لا يكفيه، فهل يثقل كاهله بالديون، أم يعمل بالتجارة التي أباحها الله سبحانه وتعالى؟ A أقول لا يثقل كاهله بالديون، ولا يعمل بالتجارة، إذا كان يرى أن التجارة خير له من الوظيفة فليدع الوظيفة، وإن كان يرى أن الوظيفة خير له من التجارة فليدع التجارة. وأما قوله: التي أحلها الله، فنقول: نعم، الله أحل التجارة، لا شك في هذا، لكن الذي أحل التجارة، أوجب الوفاء بالعقود فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] وإذا كان الموظف يعلم أنه إذا دخل في الوظيفة منع من التجارة، فقد دخل على شرط يجب عليه أن يوفيه بهذا الشرط، ما لم يسقطه من شرطه، يعني: ما لم تسقطه الحكومة. وهذه العبارة التي أراد أن يهون مسألة التجارة للموظف كقوله: التي أباحها الله، يجب أن نعلم أن الشرع يقيد بعضه بعضاً، فتأتي أحاديث مطلقة لابد أن تقيد وهي كثيرة جداً، اقرأ قول الله تعالى في محرمات النكاح بعد أن ذكر المحرمات: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ} [النساء:24] لو قال قائل: هذه الآية تدل على أن المرأة يجوز تتزوج بلا ولي، يجوز تتزوج بلا رضا، يجوز أن تتزوج بلا شهود، لأن ما في الآية هذه، هل يستقيم هذا الكلام أم ما يستقيم؟ لا يستقيم، فقوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة:275] مطلق يحمل على نصوص أخرى، وهو وجوب الوفاء بالعقد، فأنت الآن دخلت مع الحكومة على أنك موظف لك ما للموظفين وعليك ما على الموظفين، لكن قد يقول قائل: إننا نرى من الموظفين الكبار من يمارس البيع والشراء وهم أكثر منا بملايين الدراهم، فما بالنا نحن الصغار لا نتمكن من البيع والشراء. والجواب عن هذا أن نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: (إنكم سترون بعدي أثرة؛ فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) يعني: ستجدون من يستأثر عليكم من الولاة ولكن اصبروا حتى تلقوني على الحوض، انظر فائدة الصبر أن يلقى الإنسان رسول الله على الحوض، هذا يساوي الدنيا كلها. وفي حديث عبادة بن الصامت قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرةٍ علينا) ما معنى أثرة؟ يعني استئثار علينا، يعني الذين يأمروننا يستأثرون علينا، حتى مع الأثرة علينا نقوم بالحق الذي لهم ونسأل الله أن يهديهم لأداء الحق الذي عليهم، هذه وظيفتهم، وأما الاحتجاج بشيء ليس حجة عند الله فهذا لا ينفع الإنسان.

بعض أحكام الاعتكاف

بعض أحكام الاعتكاف Q بما أن العشر الأواخر قد أوشكت فسؤالي ما هي فضيلة الاعتكاف؟ ومتى يدخل الإنسان في المعتكف؟ وما هي مبطلاته؟ وما الذي يشرع للمعتكف حال اعتكافه؟ وما هو الزمن الذي يمكن أن يخرج فيه المعتكف من معتكفه؟ A هذا السؤال متضمن عدة جمل لكن المهم منها: أن المعتكف يلتزم المسجد لطاعة الله عز وجل، ليتفرغ للطاعة، لأن الإنسان في بيته وسوقه يلهو عن الطاعة، فيتفرغ للطاعة، ويتفرغ لانتظار ليلة القدر لأن نبينا صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول يعني: يلتمس ليلة القدر، ثم اعتكف الأوسط يلتمس ليلة القدر أيضاً، ثم قيل له: إنها في العشر الأواخر فاعتكف العشر الأواخر، فينبغي أن يعلم المعتكف أنه ليس المراد من الاعتكاف أن يكون سحوره وفطوره في المسجد فقط، لا، المراد بالاعتكاف أن يتفرغ للطاعة، وأن ينتظر ليلة القدر. ويدخل المعتكف من غروب الشمس يوم عشرين، ويخرج منه بغروب الشمس آخر يوم من رمضان سواء ثلاثين أو تسعة وعشرين، متى ثبت دخول شوال انتهى زمن الاعتكاف. فالاعتكاف مشروع في العشر الأواخر من رمضان في أي مسجد من المساجد سواء في المسجد الحرام أو في المسجد النبوي أو في المسجد الأقصى أو في مساجد القرية أو في مساجد المدينة، قال الله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187] . وأما ما روي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) فهذا إن صح الحديث -وأقول إن صح- لأن ابن مسعود رد على حذيفة لما جاء حذيفة يقول لـ ابن مسعود: [إن قوماً اعتكفوا في مساجد الكوفة وإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة] قال: [لعلهم ذكروا ونسيت، وحفظوا وغفلت] أو كلمة نحوها، وهذا ولا شك أنه يعتبر لمزاً من ابن مسعود لـ حذيفة رضي الله عنه، يعني: أنت تقول وهم ربما حفظوا وأنت لم تحفظ، فأقول على تقدير صحة هذا الحديث: يحمل على الاعتكاف الكامل يعني لا اعتكاف كامل إلا في هذه المساجد الثلاثة، لأن هذه المساجد أفضل مساجد على وجه الأرض وهي التي تشد إليها الرحال، وأما أن نقول لمن اعتكفوا في المساجد ليس لكم اعتكاف فهذا بعيد من الصواب، وكيف يقول الله عز وجل: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187] بـ (ال) الدالة على الجمع وبـ (مساجد) الدالة على صيغة منتهى الجموع، ثم نقول: لا يدخل في هذا العموم إلا ثلاث مساجد، هذا ليس بصحيح. أما ما ينبغي أن يفعله المعتكف: فيشتغل بالقراءة والذكر والصلاة، ولا بأس أن يتحدث قليلاً إلى أصحابه الذين معه في الاعتكاف أو الذين يدخلون لزيارته فإنه قد ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام كان معتكفاً فزارته صفية إحدى زوجاته رضي الله عنهن، ولكن لا يعني ذلك أن يجعل الإنسان أكبر وقت في اعتكافه أن يتحدث إلى أصحابه كما يوجد في بعض المعتكفين في المسجد الحرام أكثر أوقاتهم التحدث فيما بينهم فإن لم يكن فالنوم، نوم وحديث، أين الاعتكاف؟ الاعتكاف تفرغ لعبادة الله عز وجل. أما ما يبطل الاعتكاف: فمباشرة النساء تبطل الاعتكاف، البيع والشراء يبطل الاعتكاف، وطبعاً المباشرة والبيع والشراء خارج المسجد يعني لو خرج الإنسان من المسجد لحاجة ثم باع أو اشترى أو باشر أهله فإن اعتكافه يبطل، يبطل أيضاً بالخروج لغير حاجة، فأما إذا خرج لحاجة مثل أن وجب عليه غسل فخرج يغتسل أو وضوء فخرج يتوضأ أو لئن لم يكن عنده من يأتي بطعامه وشرابه فخرج ليأكل ويشرب فهذه حاجة ولا بأس بها. أما الخروج للطاعة: كشهود الجنازة، وعيادة المريض، واستماع الذكر والمحاضرات وما أشبهها، فهذه لا تجوز إلا إذا اشترطها عند دخوله الاعتكاف، كأن قال: يا رب! إني اشترط أن أعود فلاناً، أو أن أشيع فلاناً لو مات، أو ما أشبه ذلك. وقد قسم العلماء رحمهم الله خروج المعتكف إلى ثلاثة أقسام: قسم يجوز بلا شرط. وقسم يجوز بشرط. وقسم لا يجوز لا بشرط ولا بغيره. فالذي يجوز بغير شرط هو الخروج لما لابد منه شرعاً أو لابد منه طبعاً. الذي لابد منه شرعاً كأن يخرج إلى الوضوء أو إلى صلاة الجمعة إذا كان في غير مسجد جامع أو ما أشبه ذلك. والذي لابد منه طبعاً كأن يخرج للبراز أو الأكل أو للشرب إذا تعذر من يأتي بهما، هذا جائز سواء اشترطه أم لم يشترطه. الثاني: جائز بشرط، وهو العبادة التي لا تنافي الاعتكاف: كعيادة المريض، تشييع الجنازة، حضور محاضرة أو ذكر وما أشبه ذلك. الثالث: ما لا يجوز لا بشرط ولا بغيره كأن يخرج لشيء ينافي الاعتكاف مثل أن يخرج لدكانه يبيع ويشتري يقول: الأيام هذه أيام موسم أيام عيد، أخرج أبيع وأشتري، أو إنسان يخرج ليتمتع بأهله يقول: إنه حديث عهد بعرس ويحب أن يتمتع بأهله نقول: لا بأس أن تتمتع بأهلك لكن لا تعتكف، فهذا لا يجوز لا بشرط ولا بغير شرط، لأنه يبطل الاعتكاف. ولعلنا نقتصر على هذا الجزء، ونحتفظ بالأسئلة عند الأخ حمود، ونستودعكم الله إلى السنة القادمة إن شاء الله، ومن أراد أن يأتي بالعمرة فسيكون إن شاء الله لنا دروس في المسجد الحرام إن شاء الله تعالى.

جلسات رمضانية 1415هـ[1]

جلسات رمضانية 1415هـ[1] اختص الله شهر رمضان بخصائص تميزه عن غيره من الشهور، فسن قيامه وصيامه، وجعل من أعظم مميزاته ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. وفي هذا اللقاء تعرض الشيخ لذكر بعض خصائص هذا الشهر، وأجاب عقب ذلك عن عدة أسئلة، تدور معظمها حول أحكام صيام وقيام رمضان وكذا الزكاة وغيرها.

خصائص شهر رمضان

خصائص شهر رمضان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الأول من اللقاءات التي تقررت في شهر الصيام، شهر رمضان، وأعني بذلك اللقاء الأول ليلة الخميس الثالث من شهر رمضان، عام (1415هـ) وأسأل الله تعالى أن يجعله لقاءً نافعاً وأن يتبعه بلقاءات نافعة. يجدر بنا أن نتكلم في هذا اللقاء على شهر رمضان المبارك، هذا الشهر الذي خصه الله تعالى بخصائص لم تكن موجودة في غيره، فمن ذلك أن الله تعالى أنزل فيه القرآن، والقرآن أنزله الله عز وجل هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان، يهتدي به الناس في أمور دينهم وأمور دنياهم، ولهذا كان القرآن مشتملاً على قضايا العباد في دينهم ودنياهم، في فردهم ومجتمعهم، في حربهم وسلمهم، في رخائهم وشدتهم، في منامهم ويقظتهم، في مرضهم وصحتهم، في كل شيء. الدين الإسلامي الذي جاء به القرآن الكريم يحل جميع المشاكل، ولكن قد تقع المشاكل إما لقلة العلم بألا يكون الإنسان واسع العلم فيخفى عليه شيء من القرآن أو السنة، وإما لقصور الفهم، يعني عنده علم لكنه قاصر الفهم، لا يفهم جيداً، فتفوته بعض الدلالات من الكتاب والسنة، تجده يحفظ لكن لا يفهم، فيفوته في ذلك خير كثير وعلم غزير، وإما من سوء القصد والإرادة، وهذا أسوأ الأمور الثلاثة في سوء القصد والإرادة. بمعنى أن الإنسان لا يريد الحق، يبحث في الأدلة، يتأمل، يفكر، لكن لا يريد الحق، يريد أن ينتصر لقوله ولو كان باطلاً، يريد أن يكون إماماً بين الناس مشهوراً بينهم، يرائي كما يرائي المجاهد في قتاله، فهذا أيضاً يفوته خيرٌ كثير، ويحجب عنه ما تدل عليه النصوص من المسائل والأحكام، وإلا فإن القرآن هدىً للناس وبينات واضحة من الهدى والفرقان، وقد قال الله تبارك وتعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:89] كل شيء يبينه القرآن. وقد ضل قومٌ حين زعموا أن دين الإسلام تنظيم لمعاملة فيما بين الإنسان والخالق، يعني يقتصر على العبادات، والأحوال الشخصية، ضل هؤلاء لأنهم زاغوا فأزاغ الله قلوبهم والعياذ بالله، وإلا فإننا نقول لهم: أي آية أطول في كتاب الله؟ آية الدين هي أطول آية في كتاب الله، ومع ذلك فهي في المعاملات، وما يوثق المعاملات من شهادة أو رهان، فكيف يقال: إن الإسلام لا شأن له في أمور الدنيا؟ ولا يقول ذلك إلا جاهل أو مغرض، فالقرآن الكريم تبيان لكل شيء، وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين، لكنه لغير المسلمين ليس هدىً ولا بشرى ولا رحمة؛ لأنهم والعياذ بالله {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة:124] . لأنهم يزيدون بنزولها تصديقاً، ويزيدون بنزولها عملاً فيزدادوا إيماناً {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:125] لأنهم يزدادون بنزول الآيات كفراً إلى كفرانهم، وتكذيباً إلى تكذيبهم، واستكباراً إلى استكبارهم، فلا تزيدهم إلا رجساً -والعياذ بالله- إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون، نسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة، وأن يتوفانا على الإيمان. فالقرآن يا إخواني! تبيانٌ لكل شيء، لكن الذي يحجب عنا مدلوله هو واحد من أمور ثلاث هي: الجهل، قصور الفهم، سوء القصد، الجهل يعني قصور العلم، ما يكون عندنا علم واسع، أو الفهم قاصر، أو سوء القصد والعياذ بالله، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله في كتاب العقيدة الواسطية ذلكم الكتاب المختصر الواسع العلم، قال فيه: (من تدبر القرآن طالباً الهدى منه تبين له طريق الحق) . (من تدبر) لابد من تدبر وتفكر في المعنى، لابد أن نحسن القصد وهو قوله رحمه الله: (طالبا ًالهدى منه -والنتيجة- تبين له طريق الحق) وصدق رحمه الله. فالمهم أنه بإنزال هذا القرآن صار الصيام فرضاً في هذا الشهر، وهي مناسبة عظيمة.

فرضية صيامه

فرضية صيامه ومن خصائص شهر رمضان أن الله فرض صيامه وجعله أحد أركان الإسلام، كما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله -وهذا ركن واحد- وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام) . ولكن الصيام نوعان: صيام جسدي، وصيام قلبي عملي. الصيام الجسدي: هو الإمساك عن ملذات الجسد مثل: الأكل والشرب والنكاح. الصيام القلبي العملي: هو الإمساك عن المحرمات، وعن ترك الواجبات، وقد أشار الله إلى ذلك في كتابه حيث قال: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] يعني فرض الصيام من أجل أن نتقي الله لا من أجل أن يعذبنا الله تعالى باجتناب ما نشتهيه من مأكل ومشرب ومنكح أبداً، قال الله تبارك وتعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} [النساء:147] لكن الحكمة البالغة العظيمة هي ماذا؟ التقوى {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} . وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) قول الزور: كل قول محرم من الغيبة، والنميمة، والسب، والشتم، وغير ذلك. العمل بالزور: العمل بالمحرم من النظر المحرم والعمل المحرم. والجهل: العدوان على الغير. والجهل خصه وإن كان زوراً لأن فيه عدواناً على الآخرين، وليس المراد بالجهل هنا عدم العلم بل هو العدوان على الغير. وعلى ذلك جاء قول الشاعر الجاهلي: ألا لا يجهلن أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينَ يعني لا يعتدي أحد علينا فنعتدي فوق عدوانه، لكن تعرفون هذا كلام جاهلي، والشرع يبيح لنا أن نعتدي على من اعتدى علينا بمثل ما اعتدى علينا، فصيام رمضان ليس المقصود به أن نترك الأكل والشرب والنكاح بل المقصود هو أن ندع قول الزور والعمل به والجهل.

مشروعية قيامه

مشروعية قيامه ومن خصائص هذا الشهر قيام لياليه، من أول ليلة إلى آخر ليلة، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) والتراويح التي نصليها الآن هي من قيام رمضان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام بأصحابه ثلاث ليالٍ في رمضان وكثر الناس، حتى ملئوا المسجد، ثم تخلى وقال: (إني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها) وعلى هذا فالتراويح سنة بفعل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ثم ترك الناس الجماعة بقيام رمضان زمن خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأول خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فخرج أمير المؤمنين عمر ذات يوم فوجد الناس يصلون أوزاعاً، الرجل وحده والرجلان والثلاثة فرأى أن يجمعهم على إمام واحد فجمعهم على أبي بن كعب، وتميم الداري، وأمرهما أن يقوما للناس بإحدى عشر ركعة، هكذا في الموطأ بإسناد صحيح ثابت. وأما حديث يزيد بن رومان أن الناس في عهد عمر كانوا يقومون بثلاث وعشرين ركعة فهذا أولاً ليس فيه التصريح باطلاع عمر على ذلك، وما فعل في عهد الخلفاء ليس كما فعل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، أي أن ما فعل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فهو سنة إقرارية لأنه على فرض أن الرسول لم يطلع عليه فالله قد اطلع عليه ولو كان لا يرضي الله لنزل به الوحي، وأما زمن الخلفاء فما فعل في عهدهم ولم يطلعوا عليه فإنه لا يقال إنه من سنتهم، ثم إن في سنده -أعني حديث يزيد بن رومان - مقالاً معروفاً، وعلى هذا فتكون السنة في قيام رمضان إحدى عشرة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وفي عهد عمر الذي أمر بهذه التراويح من قيام رمضان، ولذلك لا ينبغي أن نفرط بها، ولا ينبغي أن نختصرها وننقرها نقر الغراب كما يفعل بعض الأئمة نسأل الله لنا ولهم الهداية، لا يمكنون المأمومين من الطمأنينة ليسبحوا ويدعوا لأن هذا وقت قد لا يعود على الإنسان مرة أخرى، وقت ثمين، فالذي ينبغي للأئمة أن يطيلوا في التراويح يطيلوا القيام والركوع والسجود والقيام بعد الركوع، والجلوس بين السجدتين، حتى يتمكن الناس من الدعاء والتسبيح. ثم إنه ينبغي للإنسان أن يواظب على هذه التراويح، وإذا دخل مسجداً فصلى فيه فلا يخرج حتى تنتهي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما طلب الصحابة منه أن ينفلهم بقية الليلة ويقوم بهم إلى الفجر قال: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) وهذه من نعمة الله، يكتب لك قيام ليلة وأنت نائم في فراشك، فضل ونعمة، فليحرص الناس على التراويح، ولا ينصرفوا إذا صلوا في مسجد حتى ينصرف الإمام؛ ليكتب لهم قيام ليلة. وإذا دخل الإنسان والإمام يصلي صلاة التراويح وهو لم يصل صلاة العشاء فليدخل مع الإمام بنية العشاء، حتى لو كانوا جماعة، ليدخلوا مع الإمام بنية العشاء وإذا سلم من التراويح أتموا ما بقي، ولا يضر أن تكون صلاة المأموم فرضاً وصلاة الإمام نفلاً، لأن مثل هذا وقع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فإن معاذ بن جبل كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاة العشاء ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم نفس الصلاة، فهي في حقه نفل وفي حقهم فرض. ولما قال بعض العلماء: إنه لا يصح أن يكون المتنفل إماماً للمفترض، حاولوا رد حديث معاذ، يعني تحريفه، فقال بعضهم: لعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يطلع ما اطلع عليه، فلا يكون هذا إقراراً من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا من العجب!! والرد على هذا من وجهين: الوجه الأول: أن معاذ بن جبل شكاه بعض جماعته شكاه لمن؟ للرسول عليه الصلاة والسلام حين كان يطيل بهم، فغضب عليه الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: (أفتانٌ أنت يا معاذ؟) وأمره أن يخفف، فكيف يقال: إن الرسول لم يعلم. ثانياً: على فرض أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعلم به فهل الله علم به؟ نعم لا شك، وهل يقر الله تعالى أحداً يفعل ما لا يرضيه؟ أبداً، ولهذا لما كان قومٌ يخفون ما لا يرضيه بيَّنهم الله وفضحهم {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً} [النساء:108] ففضحهم الله، فاحتمال أن الرسول لم يعلم به وهو بعيد، يرد بأن الله علم به وأقره، ولو كان ليس من شريعته ولا يرضاه لبينه، إذاً بطل هذا التأويل. وقال آخرون: بل إن معاذاًَ ينوي النفل مع الرسول والفرض بقومه، سبحان الله، صلاته مع الرسول التي يأتي إليها من مكانه ليكون خلف الرسول عليه الصلاة والسلام يجعلها نافلة ويجعل صلاته بقومه فريضة هل هذا معقول؟! أبداً، الفريضة هي الأولى، والفريضة هي التي يتحرى أن يكون مأموماً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لكن بلاء بعض العلماء أنهم يحكمون قبل أن يستدلوا، أو يعتقدون قبل أن يستدلوا، ونحن نقول: استدل ثم اعتقد، استدل ثم احكم، هذا الصواب. فالحاصل أنك إذا جئت وقد فاتتك صلاة العشاء ووجدت الناس يصلون صلاة التراويح فادخل معهم بنية العشاء، وإذا سلم الإمام فأتم ما بقي عليك. ومن خصائص هذا الشهر المبارك: أن فيه ليلة القدر، أي ليلة الشرف، وليلة التقدير، فالقدر من القدر الذي هو الشرف ومن التقدير لأن هذه الليلة شريفة عظيمة، أعني ليلة القدر إذ أنها خير من ألف شهر، وفيها تنزل الملائكة والروح الذي هو جبريل، وفيها من كل أمر يأمر الله به يكتب فيها ما يكون في السنة، وهي سلام، وتنتهي إلى طلوع الفجر {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر:5] . هذه الليلة كان النبي صلى الله عليه وسلم يسهر الليالي من أجل إدراكها، بل كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعزف عن الدنيا، ويعتكف في المسجد تحرياً لهذه الليلة، فاعتكف العشر الأول طلباً لها، ثم العشر الوسطى طلباً لها، ثم قيل له إنها في العشر الأواخر، وأري أنها في العشر الأواخر فكان يعتكف في العشر الأواخر. إذاً: يمتاز شهر رمضان بأن فيه ليلة القدر.

الاعتكاف

الاعتكاف ومن خصائص هذا الشهر الاعتكاف، والاعتكاف: لزوم المسجد لطاعة الله، يعني: أن يبقى الإنسان في المسجد متفرغاً لطاعة الله عازفاً عن الدنيا، ولهذا لا يبيع ولا يشتري ولا يأتي أهله، بل ولا يخرج من المسجد إلا لما لابد منه شرعاً أو حساً، مثال الذي لابد منه شرعاً: لو أصاب المعتكف جنابة وخرج يغتسل، هذا لابد منه شرعاً، ومثال ما لابد منه حساً: لو أن المعتكف ليس له من يأتيه بالطعام والشراب، فخرج ليتعشى أو يتسحر فلا بأس، والسحور يسمى الغداء المبارك، لأنه يؤكل غدوة يعني في مقدم النهار، وليس في النهار.

انتصارات المسلمين في رمضان

انتصارات المسلمين في رمضان وقد أوقع الله تعالى في هذا الشهر المبارك انتصارات عظيمة للمسلمين، أولها: غزوة بدر، فقد كانت في السنة الثانية من الهجرة، وفيها انتصر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الكفار انتصاراً ساحقاً مع قلة العَدد والعُدد، وكثرت عَدد الأعداء وعُددهم، كان الأعداء ما بين التسع مائة إلى الألف، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما بين ثلاثمائة إلى بضعة عشر زائداً على الثلاثمائة، ومعهم سبعون بعيراً وفرسان يتعاقبون عليها، وحصل النصر العظيم، حتى قتل في تلك الغزوة سبعون من قريش وأسر سبعون. وقتل من صناديدهم أربعة وعشرون، وسحبوا حتى وضعوا في قليب بدر، فركب النبي صلى الله عليه وسلم ناقته ووقف على البئر، وجعل يكلمهم ويوبخهم يا فلان بن فلان باسمه واسم أبيه: (إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟! -و A نعم- فقيل: يا رسول الله! كيف تكلم أناساً صاروا جيفاً، فقال: ما أنتم بأسمع بما أقول منهم لكنهم لا يجيبون) لأنهم جيف وموتى. أما الانتصار الثاني: فهو فتح مكة البلد الأمين، الذي استولى عليه المشركون وبقوا مستولين عليه إلى السنة الثامنة من الهجرة، ففتحه الله على يد نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو أحق الناس بولايته كما قال تعالى في المشركين: {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الأنفال:34] . وقصة بدر وفتح مكة موجودة في كتب التاريخ، كما أن بقية الغزوات موجودة، ومن أراد أن يطلع على ذلك فعليه بـ زاد المعاد لـ ابن القيم رحمه الله فإنه جامع بين التاريخ والفقه، أو بـ البداية والنهاية لـ ابن كثير. أسأل الله لي ولكم الثبات على الأمر، والعزيمة على الرشد، وأن يجعل شهرنا هذا شاهداً لنا لا علينا، وأن يرزقنا فيه العمل بما يرضيه، إنه جواد كريم والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الأسئلة

الأسئلة

حكم من بدأ صيام رمضان في غير بلده

حكم من بدأ صيام رمضان في غير بلده Q شخص قدم إلى المملكة هذا اليوم، وأمسك هذا اليوم، وكان قادماً من إحدى الدول التي لم يدخل فيها رمضان إلا هذا اليوم فهل يقضي يوم أمس أم ماذا يفعل؟ A الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. لا يمكن أن نقول: يقضي يوم أمس لأنه صادفه في محل لم يثبت فيه دخول الشهر، ولكن ينظر إن تم الشهر هنا في المملكة العربية السعودية فقد صام هو تسعة وعشرين وانتهى الشهر بحقه، وإن لم يتم الشهر هنا بل دخل شوال في يوم الثلاثين من رمضان فعليه أن يقضي يوماً لأنه لا يمكن أن ينقص الشهر عن تسعة وعشرين.

توجيه حديث: (من قام مع الإمام)

توجيه حديث: (من قام مع الإمام) Q أشكل على بعض الناس قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) مع أنه لم يكن هناك أئمة يصلون بالناس صلاة التراويح فكيف يجاب على هذا الإشكال؟ A لا إشكال في هذا إطلاقاً، لأنه عليه الصلاة والسلام قال: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) وأول ما يدخل في هذا العموم الرسول عليه الصلاة والسلام، فكأنه قال لهم: من قام معي حتى أنصرف كتب له قيام ليلة، لكنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أراد أن يأتي بكلام عام ليكون للأمة إلى يوم القيامة، فقال: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) . وأيضاً فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لما سَنَّ لهذه الأمة صلاة قيام الليل في رمضان جماعة علم أن الأمة سوف تتخذ منه أسوة عليه الصلاة والسلام، فصح أن يقول: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) .

معنى تقييد الشياطين في رمضان

معنى تقييد الشياطين في رمضان Q ما المراد بقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشياطين في رمضان تقيد، وهل هو تقييد حقيقي أم لا، وهل هذا يشمل جميع الشياطين أرجو التوضيح؟ A بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المراد بهذا، حين قال: (فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه من قبل) يعني لا يستطيعون أن يضلوا مثلما أضلوا من قبل، في بقية الشهور، فهي لا تصفد تصفيداً مطلقاً بحيث لا تغوي أحداً، بل هي تغوي لكنه ليس كإغوائها في غير رمضان، لقوله: (فلا يخلصون إلى ما كان يخلصون إليه من قبل) هذا وجه. وجه آخر: أن في بعض ألفاظ الحديث (تصفد مردة الشياطين) يعني الأقوياء في شيطنتهم، وعلى هذا فيكون من دونهم يمكن أن يوسوس للناس، لأن بعض الناس قال: كيف تصفد الشياطين ونجد في بعض الناس من يزداد فسقه في رمضان، نقول: هؤلاء تسلط عليهم من دون المردة، أو يقال: إنه لولا رمضان لكان هذا الإغواء أكثر وأشمل وهذا التأويل الثاني أقرب إلى الواقع؛ لأن الواقع أن أهل الخير يكون لديهم رغبة في الخير، وبعداً عن الشر، وأهل الشر ربما يزداد شرهم في رمضان.

حكم استخدام مكبرات الصوت المشتملة على الصدى المتردد في الصلاة

حكم استخدام مكبرات الصوت المشتملة على الصدى المتردد في الصلاة Q ما حكم استعمال مكبرات الصوت التي فيها صدى يتردد منها قراءة الإمام في الصلاة؟ A أرى أنها حرام؛ لأنه يلزم منها زيادة حرف أو أكثر في القرآن، وهذا لا يجوز، والواجب على الأئمة أن يتقوا الله عز وجل وألا يتخذوا للقرآن مزامير كمزامير اللهو دون أن تكون مزامير كمزامير آل داود، مزامير آل داود حسن الصوت المجرد، أما أن يضيفوا إليه آلة تكرر معه بحيث يكون الحرف الأخير ثلاثة أو أربعة أو خمسة حروف فهذا والله تحريف للقرآن، ولا يجوز، والواجب عليكم بارك الله فيكم أن تنصحوا الأئمة الذين يتخذون هذا، وقولوا أنتم لستم تنشدون أغنية، بل تقرءون كلام الله فلا تزيدوا فيه حرفاً من الحروف، اتقوا الله في كتاب الله، واتقوا الله في عباد الله، وقد يتخذون القرآن غداً كأنه مزامير لهو.

دعاء الاستفتاح في صلاة التراويح

دعاء الاستفتاح في صلاة التراويح Q هل لصلاة التراويح دعاء استفتاح خاص كصلاة القيام، أم هو الدعاء العادي؟ A استفتاح صلاة التراويح ليس كاستفتاح صلاة التهجد الذي يكون بعد النوم، بل هو استفتاح كسائر الصلوات، يقول الإنسان: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبر، أو يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك. كلما افتتح التسليمة استفتح، مثلاً أربع ركعات بتسليمتين، يستفتح بالأولى ويستفتح أيضاً في التسليمة الثانية، وبلغني أن بعض الأئمة يستفتحون في الركعتين الأوليين فقط، يعني في التسليمة الأولى والباقي لا يستفتحون، من أجل السرعة، سبحان الله! أنت بين يدي الله، وأنت تقوم رمضان، والمسألة ليست إبلاً ناثرة، عبادٌ يقومون لله عز وجل، كيف لا تدعهم يستفتحون ويطمئنون في الصلاة وكأن الإنسان مرغم على أن يصلي هذه الصلوات، وهذا لا شك من الشيطان، فنحن نقول: الاستفتاح سنة كلما افتتح الصلاة ولو في التراويح.

السنة في افتتاح صلاة التراويح وصلاة الليل

السنة في افتتاح صلاة التراويح وصلاة الليل Q هل السنة في التراويح أن نفتتحها بركعتين خفيفتين كصلاة القيام؟ A لا. ليس هذا هو السنة، لأن صلاة القيام تفتتح بركعتين خفيفتين حيث إن الشيطان إذا نام الإنسان عقد على قافيته ثلاث عقد، فإذا قام وذكر الله انحلت عقدة، فإذا توضأ انحلت الثانية، فإذا صلى انحلت الثالثة، ولهذا كان المشروع تخفيف الركعتين الأولين في صلاة الليل ليكون ذلك أسرع في حل العقد.

حكم البخور للصائم

حكم البخور للصائم Q ذكرت أنه لا يستخدم البخور في نهار رمضان لأن فيه جرماً يصل إلى المعدة، سؤالي: كيف الاحتراز منه وهو يستخدم في البيوت والمساجد والطرقات؟ A أطالب هذا الأخ بصحة النقل، هو كذب علي، سواء متعمد أو غير متعمد، لم أقل لا تستعمل البخور، أنا أستعمل البخور وأنا صائم وليس في ذلك شيء، الذي ذكرنا أنه لا يستنشق البخور، يعني لا يضعه عند أنفه ويستنشقه، لأنه إذا فعل ذلك دخل الدخان حتى يصل إلى الجوف، وما وصل إلى الجوف عن طريق الأنف، فهو كالذي يصل إلى الجوف عن طريق الفم، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ لقيط بن صبرة: (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) فنقول تبخر وضع شماغك على المبخرة ولا حرج، حتى وإن كان أنفك داخل الغترة، ما يضر لأن الدخان ما يتصاعد إلى جوف الخياشيم إلا بالاستنشاق، لكن لا تستنشق، فليفهم هذا، فإن كان قد وقع في يد الأخ من هذه المطويات التي توزع باسمنا وفيه أنه لا يتبخر فليخبرنا جزاه الله خيراً من أجل أن ننبه على من طبع هذه المطوية، لأنه أحياناً الكتب المختصرة أو هذه المطويات يطبعها من هب ودب، ثم يزيد فيها وينقص، ولهذا نحن نحذر منها إذا رأى الإنسان فيها ما يستنكره فليحذر منه، وليتصل بمن نسبت إليه حتى يستفهم. السائل: إذا كان هذا الجرم مفطراً ألا يفسد الصلاة، كذلك إذا استنشق أثناء الصلاة وهذا مما لا يحترز منه؟ الجواب: أصل البخور في أثناء الصلاة منهي عنه، وإن لم يستنشقه لماذا؟ لأنه حركة لا تتعلق بمصلحة الصلاة، وكل حركة لا تتعلق بمصلحة الصلاة فإنه منهي عنها، وإن كثرت بغير ضرورة أبطلت الصلاة، وليس كل شيء لا يفطر الصائم أو يفطره يفسد الصلاة أو لا يفسده، فالمهم أننا نقول لا يتبخر المصلي مطلقاً سواء استنشق البخور أم لا. وإن قصد أن في المسجد رائحة بخور فهل يضر شمه؟ الجواب: لا يضر الشم، حتى الإنسان إذا تبخر يكون فيه رائحة بخور، وإذا تعطر يكون فيه رائحة العطر ولا يضر.

حكم المرضع التي تفطر لأجل طفلها

حكم المرضع التي تفطر لأجل طفلها Q امرأة عندها طفل رضيع، وصيامها يؤثر على هذا الطفل، فإذا أفطرت هذه المرأة لمصلحة طفلها ماذا يجب عليها؟ A إذا أفطرت المرضع لمصلحة الرضيع بحيث يتأثر بقلة اللبن مع الصيام فإنها تقضي الأيام التي أفطرتها فقط، وقال بعض أهل العلم: إنها إذا أفطرت من أجل مصلحة الرضيع وحده فإنها تقضي ما أفطرت، ويطعم من تلزمه نفقة الرضيع عن كل يوم مسكيناً، ولكن في ظني والعلم عند الله أنه في هذه الأيام لا يتأثر اللبن لأن الأيام باردة، والمرأة لا تحتاج إلى ماء، والنهار قصير، لكن أيام الصيف هي أيام حر، أيام يطول فيها النهار، ويمكن أن يتضرر الطفل إذا صامت الأم. السؤال: هل يجوز للمرأة المرضع أن تفطر إذا خافت على طفلها من قلة الحليب وهل تصوم يوماً وتفطر يوما؟ الجواب: هذا كما أجبنا في الأول، لكن قوله وهل تفطر يوماً وتصوم يوماً يعني لو فرضنا أنه لا ينقص لبنها إلا إذا واصلت الصوم، وأما إذا أفطرت يوماً وصامت يوماً فإنه لا ينقص، فنقول لها: إذاً تصوم يوماً وتفطر يوماً.

حكم استعمال البخاخ للعلاج

حكم استعمال البخاخ للعلاج Q أضطر لاستعمال بخاخ الصدر وله رائحة النعناع فهل يفطر استعماله، وماذا أفعل وأنا محتاج إليه؟ A هذا لا يفطر حسب ما استمعته الآن، لأن فيه شيء مثل الغاز ما يلبث حتى ينتهي. على كل حال إذا علم أن فيه جرماً فلا يبتلع الجرم، تكفيه الرائحة، وهذا الهواء البارد ربما يفتح مناسم الهواء يعني النفس. ووصول الشيء إلى الحلق لا يفطر الصائم، والذي يفطر الصائم ما يصل إلى المعدة، كما قال هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولكن لا يورد إنسان على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية الدخان، فهم يقولون: إنه يصل إلى الرئة ولا يصل إلى المعدة، لأن هذا ليس بصحيح، فإنه يصل إلى المعدة ويصل جزء كبير منه إلى الرئة، ولهذا يوجد أثر الدخان في أمعاء الشارب، فهو يصل بلا شك إلى المعدة، ثم هو يسمى شرباً، يقال شرب: فيدخل في قوله {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة:187] يدخل في ذلك من حيث إنه يفطر الصائم، لا من حيث إنه مأمور به، بل هو منهي عنه، وشرب الدخان حرام، لأنه ضرر في البدن، وإتلاف للمال، وضياع للوقت، وسبب للانقباض عند فقده، وسبب لمشقة الطاعة على الإنسان، وسبب لكراهة الإنسان الجلوس مع أهل الخير؛ لأنه لا يمكن أن يدخن بين أيديهم فتجده يكره الجلوس معهم، وإذا كان تائقاً إلى شرب السجارة ثم جاء رجل طيب حبيب يتحدث إليه بالخير تجده أثقل عليه من جبل أحد، لماذا؟ لأنه يريد أن يدخن، فيقول: ما هذا عندما ولعت السجارة وما بقي إلا علاقة بالكبريت جاء هذا الرجل وقام على رأسي، فيكره هذا فهو شر. والعجب أن بعض الدول الكافرة الآن تمنع منه منعاً باتاً، والجهال منا يشربونه بالأسواق وفي المجالس وفي كل مكان، نسأل الله لنا ولهم الهداية.

حكم استخدام لصقات طبية في رمضان

حكم استخدام لصقات طبية في رمضان Q حول موضوع التدخين يباع في بعض الصيدليات لصقة طبية توضع على الجسم تعطي الجسم حاجته من (النيكوتين) إلى أربعة وعشرين ساعة كخطوات للإقلاع عن التدخين، السؤال: إذا وضعت في الليل لمدة أربع وعشرين ساعة، ثم توضع غيرها فهل يكون الإنسان مفطراً في رمضان عند استخدامه لها؟ A لا يكون مفطراً في رمضان، وله أن يستعملها، بل قد يجب أن يستعملها إذا كان هذا طريقاً إلى الكف عن استعمال الدخان، ولا بأس للإنسان أن يترك المحرم شيئاً فشيئاً، لأن الله تعالى لما أراد تحريم الخمر لم يحرمه بتاتاً مرة واحدة، بل جعل ذلك درجات، فأباحه أولاً، ثم بين أن مضرته أكثر، ثم نهى عنه في وقت من الأوقات، ثم نهى عنه مطلقاً، فالمراتب أربع: أحله في قوله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً} [النحل:67] وهذا في سياق الامتنان فيكون حلالاً. عرض بتحريمه في قوله: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:219] منعه في وقت من الأوقات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء:43] وهذا يقتضي أن نتركه عند الصلاة. وحرمه بتاتاً في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة:90] ولهذا نزل تحريم الخمر وآنية الصحابة مملوءة من الخمر، حتى خرجوا بها إلى الأسواق وأراقوها في الأسواق وسبحان الله فما الفرق بيننا وبينهم؟ الفرق بيننا وبينهم في الامتثال كالفرق بين زمانهم وزماننا، لم يتلكأوا، لم يقولوا نشرب ما بقي في الأواني أبداً، تدار بينهم الكئوس فخرجوا وأراقوها في الأسواق امتنعوا منعاً باتاً، ولم يقولوا: إذا قد اعتدنا عل هذا وما أشبه ذلك لا، تركوه نهائياً؛ لأن عندهم من العزيمة ما يسهل عليهم الشدائد.

زكاة ما اتخذه الإنسان لنفسه

زكاة ما اتخذه الإنسان لنفسه Q رجل له عمائر سكنية، يؤجرها فكيف يؤدي زكاتها وهل يشترط في الأجرة أن يمضي عليها حولاً كاملاً من حين أن يستلمها من المستأجر؟ A العمائر المعدة للتأجير ليس فيها زكاة، لأن الإنسان قد اتخذ هذه العمائر لنفسه، وما اتخذه الإنسان لنفسه مما لا تجب الزكاة في عينه فليس فيها زكاة، انتبه للقيد، ما هو القيد؟ مما لا تجب الزكاة بعينه احترازاً من حلي الذهب والفضة، لأن الزكاة تجب في عينهم، فما اتخذه الإنسان لنفسه مما لا تجب الزكاة في عينه فليس فيها زكاة، دليل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) فالعمائر المعدة للاستغلال ليس فيها زكاة، لكن الزكاة في الأجرة، فمتى يؤدي زكاة الأجرة؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: يؤدي زكاة الأجرة من حين أن يقبضها، ولو لم تتم سنة، قياساً على الحبوب والثمار، فإن الإنسان يؤدي زكاتها من حين جنيها، لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:141] وقال: هذه تشبه الحبوب والثمار، فيؤديها إذا قبضها ولو لم يمض لها إلا ستة أشهر، وقال بعض أهل العلم يؤدي زكاتها -أي زكاة الأجرة- إذا تم لها سنة من العقد، فإذا عقد في محرم وقبض الأجرة في آخر ذي الحجة وجبت عليه الزكاة لأنه تم لها حول، وإن قبضها قبل ذلك فلا زكاة فيها إلا أن تبقى بيده حتى يتم الحول فحينئذٍ يزكيها، النقود زكاتها ربع العشر لأنها دراهم. لكن أسألكم الآن أيهما أحوط ما قاله شيخ الإسلام أو الثاني؟ ما قاله شيخ الإسلام أحوط، وإذا كان أحوط فليكن أولى إبراءً للذمة، والزكاة في الواقع ما هي غرم الزكاة غنيمة، وربما ينزل البركة فيما بقي من المال.

زكاة عروض التجارة

زكاة عروض التجارة Q رجل له شريك وعندهما معرض سيارات ويقومان ببيع سيارات لغيرهما بنسبة معينة، ولهما سيارات تخصهما يبيعانها، فكيف يخرجان الزكاة مع بيان حال الأرباح الموجودة عندهما ولم يقسمانها حتى الآن؟ A المال المشترك المعين كالمال المنفذ زكاته، وأما المال الخاص فمنفرد، لأن الزكاة مال منفرد، تقوم السيارات الموجودة في نهاية السنة لأنها للتجارة، والأرباح ستكون عندهما قد أخذاها من قبل فتزكى مع أموالهما، مع قيمة السيارة لأن الربح تبعٌ للأصل، لا يشترط فيه الحول، والتي لغيرهما في المعرض فقط ما عليها شيء بالنسبة لهما، أما بالنسبة لمالكي السيارات فعليهم الزكاة فيها.

جلسات رمضانية 1415هـ[2]

جلسات رمضانية 1415هـ[2] جعل الشيخ رحمه الله هذا اللقاء مخصصاً لشرح آيات سورة البقرة المتعلقة بالصيام، وكان درسه مزيجاً من الأحكام الشرعية واللفتات الوعظية المؤثرة، وكان آخر هذه الأحكام هو الحديث عن اختلاف مطالع القمر في البلدان وأقوال العلماء في ذلك. وفي أسئلة موجهة إليه أجاب عن مسائل شرعية تتعلق بالصلاة والصيام وغيرها.

وقفات مع آيات الصيام من سورة البقرة

وقفات مع آيات الصيام من سورة البقرة الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى على حين فترة من الرسل، وانطماس من السبل، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وفتح الله به آذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، وأعيناً عمياً، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الإخوة: فهذا هو اللقاء الثاني من لقاءات شهر رمضان المبارك، وهذه هي الليلة السادسة من شهر رمضان عام (1415هـ) أسأل الله تعالى أن يجعل هذه اللقاءات لقاءات مباركة علينا وعليكم، وعلى من بلغتهم من إخواننا المسلمين، في هذه الليلة سيكون حديثنا إن شاء الله عن الصيام، وخير ما نعتمد عليه كتاب الله عز وجل، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] إذا صدر الله تعالى القول بـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فإنما ذلك لأهمية الموضوع ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [إذا سمعت الله يقول: يا أيها الذين آمنوا؛ فأرعها سمعك -يعني استمع لها- فإما خيراً تؤمر به، وإما شراً تنهى عنه] فنحن الآن نرعِها أسماعنا.

وقفة مع قوله تعالى: (كتب عليكم الصيام)

وقفة مع قوله تعالى: (كتب عليكم الصيام) يقول جل وعلا: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183] كتب بمعنى: فرض، والكاتب هو الله عز وجل، هو الذي يفرض ما يشاء، ويوجب ما يشاء، ويحرم ما يشاء، يبيح ما يشاء، عز وجل، له الحكم في عباده كوناً وشرعاً، فلا معقب لحكمه وهو السميع العليم، والصيام في الشرع هو التعبد لله عز وجل بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، هذا هو الصيام، فهل يمكن أن نبدل هذا بقولنا من أذان الفجر إلى أذان المغرب؟ لا. لأنه قد يؤذن للفجر قبل الوقت، وقد لا يؤذن إلا بعد الوقت، وكذلك في المغرب قد يؤذن قبل الوقت، وقد لا يؤذن إلا بعد الوقت، فالمدار على طلوع الفجر وعلى غروب الشمس؛ لكن لما كان الناس في بيوتهم صاروا يعتمدون على المؤذنين إذا كان المؤذنون ثقاة، ودليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل ليوقظ نائمكم، ويرجع قائمكم، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) . فالصيام إذاً شرعاً: هو التعبد لله في الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. هذا الصيام شرعاً. وقوله عز وجل: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:183] فيه فائدتان عظيمتان: الفائدة الأولى: تسلية هذه الأمة حتى لا نقول: لماذا فرض علينا الصوم دون غيرنا؟ فقال: إن الصوم مفروض على الأمم السابقة. الفائدة الثانية: استكمال فضائل الأمم السابقة؛ لأن هذه الأمة كملت فضائل الأمم السابقة، فكل فضائل الأمم السابقة موجودة في هذه الأمة، وما كان من نقص فإنه كمل بهذه الأمة، ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وصح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه مثل نفسه بالنسبة لمن قبله من الأنبياء برجل بنى قصراً مشيداً عظيماً، فكان الناس يطوفون به، ويتعجبون منه، ويقولون: ما أحسن هذا القصر إلا موضع هذه اللبنة -في مكان لبنة ما تم- قال: (فأنا اللبنة) كمل الله به البناء. فكل الخيرات في الأمم يا إخواني! موجودة في هذه الأمة ولله الحمد، لكن هذه الأمة إذا عصت الله عز وجل فإنها لا يبالى بها، بل معصية هذه الأمة أشد من معصية الأمم التي قبلها لماذا؟ لأن الفضائل إذا استكملت صار المفرط فيها أشد لوماً، لكن مع ذلك خفف الله عن هذه الأمة، مع كوننا نحن أحق باللوم من غيرنا، لكن الله خفف عنا، قال الله تعالى في وصف نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف:157] في بني إسرائيل إذا فعل الإنسان منهم ذنباً لا يكفيه أن يتوب فيما بينه وبين الله، يكون ذنبه مكتوباً على بابه في الصباح -فضيحة- أما هذه الأمة فذنوبها مستورة ولله الحمد. يفعل الإنسان الذنوب ثم يتوب فيما بينه وبين الله فتبقى مستورة، نسأل الله تعالى أن يستر عيوبنا ويغفر ذنوبنا.

وقفة مع قوله تعالى: (لعلكم تتقون)

وقفة مع قوله تعالى: (لعلكم تتقون) وقوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] فيه بيان الحكمة من الصوم، فالله لا يريد منا أن نمتنع عن شهواتنا من أكل وشرب ونكاح فقط. بل يريد منا أن يكون ذلك وسيلة لما هو أهم. فما الأهم من الصوم؟ التقوى، هذا هو الأهم، والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم بالإضافة إلى الآية الكريمة التي معنا: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) ولهذا كان الموفقون من الناس الصائمين لا يكون يوم صومهم ويوم فطرهم سواء أبداً، يوم الصوم تجد الإنسان متقياً لله خاشعاً، قائماً بالواجبات، فاعلاً للمستحبات، يكثر من القراءة والذكر والصلاة والصدقة ومكارم الأخلاق.

وقفة مع قوله تعالى: (أياما معدودات فمن كان منكم مريضا.

وقفة مع قوله تعالى: (أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً ... ) قوله: {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:184] تقليل؛ لأن المعدود جمع مؤنث، وجمع المؤنث كله جمع قلة، وعلى هذا فالله عز وجل قلل هذه الأيام لأنها ثلاثون يوماً من ثلاثمائة وستين يوماً ثلاثون يوماً من ثلاثمائة وستين قليلة، ثم هي والحمد لله في أفضل مناسبة في شهر رمضان. {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] يعني: من كان مريضاً أو على سفر فليفطر وعليه عدة من أيام أخر، فهذان عذران يعذر بهما المرء عن الصوم، أولهما المرض، وهل المراد مطلق المرض ولو وجع السن، أو وجع العين اليسير، أو المراد به المرض الذي يشق معه الصوم؟ الثاني؛ وذلك لأن المرض الأول لا يكاد يخلو منه أحد، ثم المرض الأول لا تأثير للصوم فيه، ولا تأثير للفطر في شفائه، فلذلك لابد أن يقيد المرض بما يشق معه الصوم، أياً كان المرض، حتى لو فرض أن الإنسان أوجعته عينه وجعاً شديداً وقلق حتى لا يصبر عن الطعام والشراب فليفطر. فإن قال قائل: أيهما أفضل للمريض، أن يفطر ويقضي، أو الأفضل أن يصوم؟ قلنا: الأفضل هو الأيسر؛ لأن الله تعالى إذا رخص لنا برخصة فإنه يحب منا أن نأتي رخصه، لماذا؟ لأن الرخصة تسهيل وكرم، والكريم يحب أن تؤتى تكرمته، أليس كذلك؟ يعني حتى في بني آدم الرجل الكريم إذا بسط السماط ووضع فيه الطعام هل يحب أن الناس يأتون إليه ويأكلوا أو لا؟ نعم يحب هذا، فالله عز وجل إذا رخص للعباد رخصة يحب أن يأتي الناس رخصته، فنقول: المريض الأفضل في حقه هو الأيسر، إما الصوم وإما الفطر، وبعض الناس -نسأل الله لهم الهداية- يخاطرون بأنفسهم، يكونون مرضى يشق عليهم الصوم، أو يقول لهم الطبيب الثقة لابد أن تشرب الماء كل أربع ساعات، ومع ذلك يقول: لا. أتصبر، أصوم أتصبر هذا غلط، ربما لو يكون صومك سبباً لهلاكك، ربما تكون معيناً على قتل نفسك، ولهذا يجب على الإنسان إذا خاف الضرر أن يفطر. قوله: ((أَوْ عَلَى سَفَرٍ)) [البقرة:184] السفر أيضاً مبيحٌ للفطر، وهل يشترط في السفر المبيح للفطر أن يكون الصوم فيه شاقاً أو لا؟ A لا، لكن قد يقول قائل: لماذا فرقتم بين المريض وبين المسافر؟ المريض قلتم لابد أن يكون الصوم شاقاً مع المرض، والمسافر قلتم يفطر ولو لم يكن شاقاً. قلنا: لأن السنة بينت ذلك، فالناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومون ويفطرون بدون مشقة، فدل هذا على أن مجرد السفر رخصة، للصائم أن يفطر ويقضي بدل الأيام التي أفطرها، ولكن هل الأفضل أن يصوم المسافر، أو الأفضل أن يفطر؟ نقول: الأفضل الأيسر، إن كان الأيسر لك أن تصوم صم، وإن كان الأيسر أن تفطر أفطر، وعلى هذا فالذين يذهبون إلى مكة للعمرة لو سألوا هل نصوم أو نفطر، قلنا: الأفضل الأيسر، إذا كان الأيسر لك أن تفطر يوم قدومك من أجل أن تؤدي العمرة بنشاط فأفطر، الأمر واسع والحمد لله، فإن قال هل الأفضل أن أؤدي العمرة أول ما أصل وأفطر، أو أن أبقى على صومي وأؤديها في الليل؟ الأولى أفطر وأد العمرة؛ لأن الأفضل للمعتمر أن يكون أول ما يبدأ به في مكة أن يؤدي العمرة حتى كان الرسول عليه الصلاة والسلام لا ينزل عن راحلته إلا عند المسجد ثم يؤدي العمرة. وإذا كان الصوم يشق في السفر لكن مشقة ليست شديدة فما الأفضل؟ الأفضل الفطر، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (رأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه -صائم فازدحم الناس ينظرون إليه ويظللونه- قال: ما هذا؟ قالوا: صائم قال: ليس من البر الصيام في السفر) لأن هذا شق على نفسه وترك الرخصة. أما إذا شق مشقة شديدة فإن الصوم معصية، ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في رمضان حتى بلغ كراع الغميم -مكان معروف- فجاءوا إليه وقالوا: يا رسول الله! إن الناس قد شق عليهم الصيام -يعني وينتظرون ما تفعل- فدعى بماء وهو على راحلته ووضعه على فخذه والناس ينظرون فشرب، وكان ذلك بعد صلاة العصر، يعني ما بقي إلا قليل وقت، ومعلوم أن الناس إذا رأوا النبي صلى الله عليه وسلم قد شرب أن نفوسهم سوف تطمئن بالفطر؛ لأن إمامهم عليه الصلاة والسلام شرب أمامهم فتطمئن النفوس، فشرب الناس وخف عليهم الأمر، لكن بعض الصحابة عفا الله عنهم اجتهد، وكأنه قال: لم يبق إلا جزء يسير من الوقت فسأستمر في الصوم، فجاءوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يخبرونه، قالوا: يا رسول الله! إن بعض الناس قد صام -يعني قد استمر في صيامه -قال: (أولئك العصاة أولئك العصاة) كررها، يعني أنهم عصوا ببقائهم على الصوم مع المشقة. إذاً: المريض يفطر ويقضي، المسافر يفطر ويقضي، الأمر واسع ولله الحمد.

وقفة مع قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية.

وقفة مع قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية ... ) قال تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:184] . قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} ما معنى يطيقونه؟ أي يفعلونه بدون مشقة {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} يعني الذي يستطيع الصوم دون مشقة إذا شاء أن يترك الصوم ويفدي فلا بأس، لكن الصوم خير، ويعني ذلك أن الإنسان مخير بين الصيام وبين الإفطار ويفدي ولا يصوم، ولكن هذا قد يكون مشكلاً لأننا قررنا أنه لا فطر إلا لعذر، مرض أو سفر، كيف يكون للإنسان المطيق له أن يترك الصوم ويفدي، نقول: نعم، يمحو الله ما يشاء ويثبت، كان في أول ما فرض الصيام يخير الإنسان، إن شاء صام، وإن شاء فدى، والدليل على هذا قوله: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} فدل ذلك على أن الإنسان يطيق الصوم، فخيره الله بين الفدية وبين الصوم ولكنه قال: إن الصوم خير. وهذا هو أول ما فرض الصوم كما في الصحيحين من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه أول ما نزل فرض الصوم كان من شاء صام ومن شاء افتدى، ثم نزلت الآية التي بعدها {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185] فتحول الحكم إلى المريض الذي لا يرجى زوال مرضه، لأن المريض الذي يرجى زوال مرضه ما فَرْضُه؟ أن يفطر ويقضي، لكن المريض الذي لا يرجى زوال مرضه كمرض السرطان مثلاً، أو غيره من الأمراض التي لا يرجى زوالها، أو إنسان كبير يتعب لأن الكبر لا يرجى زواله، فهذا يفدي بدلاً عن الصوم؛ لأنه لا يمكن أن يقضي لو أفطر ما قضى، فيفدي وكيف يفدي، يطعم عن كل يوم مسكيناً، فإذا كان الشهر تسعة وعشرين كم يطعم؟ تسعة وعشرين مسكيناً. وإذا كان الشهر ثلاثين، يطعم ثلاثين مسكيناً. ولا يجوز أن تكرر على مسكين واحد، يعني لو قال: أنا سأطعم هذا الفقير كل يوم، قلنا: لا يجوز، لابد أن يكون المساكين بعدد الأيام، كيف؟ إما أن تصنع طعاماً إذا مضت عشرة أيام، أو تصنع عشاءً فيه اللحم والطعام وتدعوا عشرة فقراء، فإذا مضى عشر أخرى تصنع مثل الطعام الأول وتدعو عشرة فقراء، غيرهم وإذا مضت عشرة أيام وهي الأخيرة تصنع طعاماً وتطعم عشرة مساكين غير الأولين، وإن شئت فملكهم الطعام، يعني خذ رزاً ربع صاع لكل فقير وفرقه على فقراء بعدد الأيام. ثم قال عز وجل هذا زمن الصوم: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185] وقد سبق الكلام على هذا في اللقاء الأول.

وقفة مع قوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)

وقفة مع قوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) قال تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185] هل معنى هذا أن من لم يشهد لم يلزمه الصوم؟ اتفق العلماء أنه ليس الواجب أن يراه كل واحد، لأن هذا شيء متعذر، لكن إذا شهده من تثبت بشهادتهم الرؤية وجب الصوم، وبماذا تثبت الرؤية؟ رؤية شهر رمضان تثبت بشاهد واحد، إذا جاء إنسان عدل ثقة بدينه معروف بقوة البصر وشهد وقال: أشهد أني رأيت الهلال فإن الناس يصومون، لأن ابن عمر رضي الله عنهما قال: [تراءى الناس الهلال -يعني جعل بعضهم يري بعضهم الهلال- فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بالصيام] وابن عمر كان واحداً، إذا شهد شاهد بدخول رمضان فإنه يثبت دخوله، وكذلك شوال، لكن شوال لا يثبت إلا بشاهدين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا) فلابد من شاهدين؛ لأن شوال يكون فيه الفطر فاحتيج إلى الاحتياط فيه أكثر من رمضان، هكذا أيضاً علله بعض العلماء، لكن على كل حال سواء صحت هذه العلة أو غيرها فإن دخول رمضان يثبت بشهادة واحد، عدل في دينه، قوي في بصره، فلو جاءنا رجل ضعيف البصر لكن عدل في الدين ما فيه إشكال، وشهد أنه رأى الهلال، ونحن نعرف أن بصره ضعيف هل يقبل؟ لا يقبل، لماذا؟ لأن بصره ضعيف، ونعلم أن ما رآه تخيل أو توهم. ويذكر أن بعض القضاة الأذكياء جاءه رجل ثقة كان مع الذين يتراءون الهلال، وكان في القوم شباب ذووا نظر وبصر أقوياء، فجاء هذا الرجل الثقة العدل يشهد عند القاضي، قال: رأيت الهلال، فقال القاضي للآخرين: هل رأيتم الهلال؟ قالوا: ما رأيناه، والرجل معروف بأنه ثقة وصاحب دين، قال: رأيته قال: نعم، قال: فتشهد قال: أشهد، والآخرون يقولون: ما رأيناه، فالقاضي تحير كيف هؤلاء الشباب الذين بصرهم قوي ما رأوه، وهذا الرجل الكبير الشيخ يقول أنه رآه، ولا يستطيع أن يرد شهادته لأنه ثقة عدل، قال: هل تستطيع أن تريني إياه إذا ذهبت أنا وأنت إلى المكان الذي رأيته فيه؟ قال: نعم تفضل، فذهب القاضي والراعي إلى المكان، فقال: هل رأيته قال نعم هذا هو ويشير، القاضي جعل يحدد بصره ما يرى، ويقول: هل تراه يقول: نعم والقاضي ما يراه، فتنبه القاضي فمسح حاجب الرجل -الشعر الذي فوق العين مسحه- وقال له: هل ترى الهلال؟ قال: لا ما أراه، فصار يرى شعرة بيضاء. فلابد من أمرين العدالة في الدين، والثاني قوة البصر الذي يكون به النظر {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} . إذا رآه أهل بلد وثبت عندهم هل يلزم جميع الناس أن يصوموا أم ماذا؟ فيه خلاف يبلغ ستة أقوال للعلماء، ليس قولين بل ستة أقوال، لكن أشهرها التالي: الأول: أنه إذا ثبتت رؤيته في بلد إسلامي فإن جميع المسلمين في أقطار الدنيا عليهم أن يصوموا لأن قوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ} الخطاب فيه للمسلمين، ومن المعلوم أنه ليس المراد كل واحد لأن هذا متعذر فيكون المراد إذا شهده من تثبت به الرؤية وجب على المسلمين كلهم. وهذا القول فيه راحة في وقتنا الحاضر، لأننا نسمع أن في بعض البلاد تجد الناس في نفس البلد مختلفين، منهم من يتبع السعودية مثلاً، ومنهم من يتبع القضاء الذي في بلده، ومن يتردد فإذا قلنا بهذا القول: إذا ثبتت رؤيته بالبلاد الإسلامية لزم جميع الناس الصوم ما بقي إشكال، لكن هذا القول يشكل عليه أثر ونظر. أما الأثر: فما رواه مسلم في صحيحه في قصة كريب مولى أم الفضل أنه قدم من الشام إلى المدينة ورأى الناس سيصومون غداً فأخبرهم أنه ثبت هلال الشهر في الشام قبل ثبوته في المدينة بليلة، ولكن أبى الحبر ابن عباس رضي الله عنهما أن يأخذ بهذه الشهادة، وأبقى الناس على صيامهم، وقال: هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا أثر. أما النظر: فهو أن الواقع أن مطالع الهلال تختلف بحيث يرى في جهة ولا يرى في الجهة الأخرى، كما أن مطالع الشمس تختلف فتطلع في جهة قبل أخرى، ويطول مكثها في الأفق أكثر من جهة أخرى، الآن نحن في زمن الشتاء والكرة الأرضية النصف الجنوبي منها في زمن الصيف، ولهذا إذا سمعت أخبار شمالي الكرة الأرضية وجنوبها؛ فإن الجنوب أقصى ما يكون في الحرارة، والشمال أقصى ما يكون في البرودة، وذلك أن الشمس تكون على الجنوبيين أطول مدة، وعلى الشماليين أقصر، أو بالعكس. فكما أن مطالع الشمس تختلف بحسب الواقع فمطالع الهلال تختلف بحسب الواقع، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: مطالع الهلال تختلف باتفاق أهل المعرفة، فإن اتفقت المطالع وجب الصوم، وإن اختلفت لم يجب الصوم. وهذا القول أقرب إلى الأثر وإلى النظر. هناك قول ثانٍ: أن العبرة بما يحكم به ولي الأمر ما لم يخالف الشرع، إن خالف الشرع ليس عبرة، لكن إن كان محتملاً وحكم فإن كل من تحت ولايته ولو اختلفت المطالع يلزمهم الصوم، وهذا هو الذي عليه العمل اليوم فمثلاً: بلادنا -بلاد السعودية - جنوبها وشمالها تختلف فيه المطالع، ومع ذلك إذا حكم ولي الأمر بالصوم صام الجميع، هذا القول هو الذي عليه العمل الآن، ثم من الناس من يأخذ برؤية السعودية ومنهم من لا يأخذ حسب خلاف أهل العلم رحمهم الله.

وقفة مع قوله تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم.

وقفة مع قوله تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ... ) قال تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ * أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة:185-187] وإنما نص الله على إحلال الرفث إلى النساء ليلة الصيام؛ لأن الناس كانوا في الأول إذا صلوا صلاة العشاء أو ناموا ولو قبل صلاة العشاء حرم عليهم الأكل والشرب والجماع إلى أن تغرب الشمس من اليوم الثاني، وهذا فيه مشقة أو لا؟ نعم فيه مشقة، لاسيما مع طول النهار، إذا نام قبل صلاة العشاء أمسك إلى غروب الشمس من الغد، وإن صلى العشاء أمسك إلى غروب الشمس من يوم الغد، فشق ذلك على الناس، فأحل لهم هذه {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] الحمد لله نعمة.

الأسئلة

الأسئلة

حكم تكرار الآية في النافلة

حكم تكرار الآية في النافلة Q في صلاتنا اليوم خلفك وفقك الله سمعناك كررت قول الله عز وجل: {آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة:8] أكثر من مرة فهل مثل ذلك سنة في القيام؟ A ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صلاة الليل ما لم يثبت في صلاة الفجر، فمن ذلك أنه كرر قول الله تعالى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118] كررها إلى الصباح، وهو يصلي، وكذلك كان لا يمر بآية رحمة إلا سأل، ولا آية تسبيح إلا سبح، ولا آية وعيد إلا تعوذ، ففي صلاة الليل أشياء مشروعة لا تشرع في الفريضة، مثل هذه، فنحن نكرر هذا لعل قلوبنا تلين وتخشع وتذكر الإيمان بالله، ويمر بنا أيضاً آيات قد تكون جديرة بأن نكررها لكن نخشى من الإطالة والملل، فمن أجل هذا كررنا (آمنا بالله) .

الاختلاف في مكيال زكاة الفطر وضابط مقدار ذلك

الاختلاف في مكيال زكاة الفطر وضابط مقدار ذلك Q ذكرت وفقك الله في كتاب مجالس رمضان: أن الصاع في زكاة الفطر في كيلوين وأربعين غراماً، وهذه قابلت رفضاً كبيراً عند كثير من الناس في منطقتنا، فهم يقولون: إن الصاع من الأرز يختلف عن الصاع من الأقط أو من الدقيق أو من القمح، فما رأي فضيلتكم، وبماذا نرد عليهم؟ A نحن قدرناها بكيلوين وأربعين غراماً بالبر الرزين، ليس في كل شيء، فمن فهم أن هذا الوزن لكل شيء فقد أخطأ، بالبر الرزين، يعني البر الجيد الدجن، والبر معروف وهو القمح، فإذا اتخذت إناءً من القمح الجيد ووزنته وإذا امتلأ يزن كيلوين وأربعين غرام صافي من غير الإناء فهذا هو الصاع، خذ هذا الإناء معك وكِلْ به كُلّ شيء، تمر أو أرز، أو غيره، إذا كان الشيء خفيفاً فسيكون أقل من هذا الوزن، إذا كان الوزن خفيفاً سيكون الصاع أقل من هذا الوزن لأن حجم الخفيف أكبر، وإن كان ثقيلاً فسيكون الوزن أكثر ولابد، أكثر من كيلوين وأربعين غراماً، الآن وزن هذا من الرصاص وعندك بالة من القطن بحجم هذه الطاولة، يمكن هذه تكون أرجح منه، فالحجم ليس ملازماً للوزن، الوزن شيء والكيل شيء، ونحن قدرنا هذا بالبر الرزين. وكيفية ذلك كما قال العلماء: أن تتخذ إناءً يسع هذا الوزن من البر ثم تكيل به ما سواه، ونحن قدرنا هذا بناءً على تتبع ما قاله العلماء في زنة الصاع النبوي، ونص العلماء على أن المكاييل نقلت إلى الوزن لأنها أضبط، إذ أن الموزون يختلف، فلذلك نقلت إلى الوزن، وهذا الصحيح. الوزن أضبط، لكن ما هو الذي يعتبر في الوزن، كل شيء أو البر الرزين؟ الثاني: ولهذا إيراد السائل التمر والأقط هذا صحيح، لكنها ليست على ما فهمه هو، أن كل كيلوين وأربعين غراماً من أي طعام كان فهو صاع، لا. قد ينقص عن الصاع، فالمعتبر هو البر الرزين، يعني: الجيد الثقيل.

حكم استعمال الصائم لحبوب توضع تحت اللسان

حكم استعمال الصائم لحبوب توضع تحت اللسان Q شخص مصاب بمرض القلب وقد وصف له الطبيب حبوباً يضعها تحت لسانه عند شعوره بالألم ولا يبلعها، ولا يجد طعمها في حلقه، فهل يفطر لو استعملها في نهار رمضان عند شعوره بالألم؟ A لابد أن نعرف، هل هذه الحبوب تذوب أم لا، إن كانت تذوب، فلابد أن تجري مع الريق وحينئذٍ يفطر، أما إذا كانت لا تذوب أو أنها إذا ذابت لا يبتلع ريقه فلا بأس، لأنها لو كانت تذوب ولا يبتلعه المريض فلا بأس، كما أنا الآن نتمضمض والماء له طعم، ومع هذا لا يفسد الصوم لأن الفم في حكم الباطن أو الظاهر؟ الظاهر، ولهذا وجب تطهيره في الوضوء، ووجب تطهيره في الغسل. فالمهم إن كانت هذه الحبوب تذوب ويبتلع ريقه الذي ذابت فيه؛ فإنه يفسد صومه، ويلزمه القضاء، وإن كانت لا تذوب أو تذوب ولكنه لا يبتلع الريق فإنها لا تضره كما لو ذاقت المرأة طعم الطعام، أو ذاق الإنسان طعم الماء عند المضمضة، أو ما أشبه ذلك.

حكم المعتمر الذي ترك طواف الوداع

حكم المعتمر الذي ترك طواف الوداع Q اعتمر رجل ولم يوادع، وكانت عمرته قبل أسبوعين وهو سيعود إلى مكة بعد أسبوعين، فهل يقضي طواف الوداع، أم يلزمه الفدية بكل حال؟ A أولاً المعتمر لا نقول أن طواف الوداع واجب عليه، ولا نقول أنه غير واجب، إن كان المعتمر طاف وسعى وقصر ومشى إلى بلده فلا حاجة لإعادة الطواف، ويكفيه طواف القدوم الذي هو طواف العمرة؟ وإن كان بقي في مكة ولو ساعة وجب عليه أن يطوف للوداع، فإذا خرج بدون طواف فإن احتار وذبح فدية في مكة توزع للفقراء مع غناه وقدرته فهذا هو الأفضل أو الواجب، وإن لم يفعل لفقره أو حاجته أو ما أشبه ذلك فلا شيء عليه، ولا ينفع إعادته فيما بعد لأنه يسقط بفوات سببه لأن سببه الوداع فإذا طال الفصل فإنه يسقط وعليه الفدية.

فعل المعاصي في الليل وأثره على الصيام في النهار

فعل المعاصي في الليل وأثره على الصيام في النهار Q قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) هل فعل هذه الأمور في الليل كفعلها في النهار أفدني أفادك الله؟ A المراد فعل هذه الأشياء في النهار، لأنه قال: (فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) فهل ترك الطعام في الليل أم في النهار؟ في النهار، إذاً لو أن الإنسان فعل معصية في الليل ولكنه في النهار إذا صام حفظ نفسه فإن ذلك لا يؤثر على صومه، لأن المعاصي التي يفعلها في الليل لا تؤثر على صومه، لكن على كل حال كل إنسان يجب عليه أن يتجنب المعصية فإن سولت له نفسه فعلها فعليه أن يقلع ويتوب في الحال.

الوسطية في الصلاة

الوسطية في الصلاة Q إذا كان مع الإمام رجل كبير في السن ومريض بضيق النفس، فإذا سجد وأطال تأثر من ذلك بسبب ضيق النفس وطلب منه التخفيف واستدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيكم أَمَّ بالناس فليخفف) وإذا خفف طلب منه كبير السن -العاجز عن مسايرة المصلين- الإطالة خاصة في السجود وقال: إنه لا يضرك الإطالة والضعيف أمير الركب، فماذا يفعل هذا الإمام والحال هذه؟ A بقي قسم ثالث وهو الوسط الذي يقول: اجعل الصلاة وسطاً، فليجعل الصلاة وسطاً، والناس اليوم يفضلون التخفيف والإسراع، لكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يأمر الناس بالتخفيف لتكون صلاتهم كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يأمهم بالصافات، و (ألم) السجدة، بل صلى يوماً من الأيام صلاة المغرب بالأعراف، فالتخفيف ليس راجعاً إلى هوى الناس، بل راجع إلى موافقة السنة، فما وافق السنة فهو التخفيف، ثم يقال لهذا الذي يتضايق إذا أطال الإمام السجود بعض الشيء يقال له: الصلاة غير واجبة، أنت الآن تصلي تطوعاً، والتطوع يمكنك تركه، فينبغي للإمام أن يكون وسطاً بين هؤلاء وهؤلاء.

ما يجب على الإمام إذا زاد في التراويح

ما يجب على الإمام إذا زاد في التراويح Q إذا سها الإمام في صلاة التراويح فقام إلى ثالثة ثم سلم وقد صلى ثلاث ركعات، ثم نبهه من خلفه بعد ذلك فماذا يفعل والحال هذه؟ A إذا صلى في التراويح ثلاث ركعات ناسياً ونبه بعد السلام فإنه يسجد لسجود السهو سجدتين ويسلم، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين صلى الظهر خمساً، فلما سلم قيل له: (أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت خمساً، فثنى رجليه واتجه إلى القبلة وسجد السجدتين وسلم) .

أحكام سجود السهو لمن فاتته أول الصلاة

أحكام سجود السهو لمن فاتته أول الصلاة Q أرجو تفصيل الحكم في سجود السهو للمسبوق، إذا كان السجود قبل السلام وبعد السلام فإنه من المعلوم أنه إذا سجد الإمام قبل السلام سوف يتابعه المأموم، فهل يعيد هذا السجود أم لا، قياساً على عدم الاعتداد بالتشهد الأول إذا لم يكن في محله، لأنه لا يعتد به أرجو توضيح هذه المسألة في الحالين وفقك الله ونفع بك؟ A إذا كان سجود السهو قبل السلام فكما قال السائل سيتبعه المأموم المسبوق، ثم إذا قضى ما فاته فإن كان قد أدرك السهو مع الإمام كما لو ترك التشهد الأول وهذا المسبوق قد دخل في الركعة الثانية فإنه يجب عليه أن يسجد قبل السلام لأن سجوده الأول كان متابعة لإمامه في غير محله؛ لأن سجود السهو يكون في آخر الصلاة. وأما إذا كان السهو الذي حصل من الإمام قبل دخول هذا المسبوق معه كما لو ترك التشهد الأول وهذا دخل معه في الركعة الثالثة فإنه إذا أتم ما عليه لا يعيد سجود السهو؛ لأن سجود السهو في حقه إنما كان متابعة للإمام وقد حصلت، أما إذا كان سجود الإمام بعد السلام فإن المأموم لا يتابعه، بل يقوم لقضاء ما فاته، فإذا أتم صلاته فإن كان قد أدرك الإمام في السهو سجد للسهو بعد السلام، وإن كان سهو الإمام قبل أن يدخل معه فلا سجود عليه.

عدم إجزاء سندات الجمعية عن كفارة العاجز عن الصوم

عدم إجزاء سندات الجمعية عن كفارة العاجز عن الصوم Q إذا كان هناك رجلٌ مريض ومرضه لا يرجى شفاؤه فمن المعلوم أن عليه كفارة عن كل يوم، فهل يكفي أن يدفع هذه الكفارة قيمة إفطار صائم حسب ما يوزع من هذه الكروت من قبل جمعيات البر الخيرية أو غيرها، فإذا دفع الإفطار لثلاثين أو تسعة وعشرين يوماً حسب عدة الشهر لذلك المريض فهل يكفيه؟ A لا أرى أنه يكفيه، أولاً: لأن هذا الذي دفعه قد يؤكل وقد لا يؤكل، ربما يوضع الكرتون ليؤكل ولا يأكله أحد، والفدية لابد أن نعلم أنها وقعت في يد مستحقها، وأيضاً ربما يتكرر أكل الفقير الواحد لهذه الفدية، أليس كذلك؟ ربما يكون الذي تعطي يأكله اليوم فلان من الناس، واليوم الثاني يأكله نفس الرجل، واليوم الثالث كذلك، فهل تكون أطعمت مساكين أم مسكيناً واحداً؟ ولهذا لا نرى أنه يكفي.

بعض أحكام صلاة الوتر

بعض أحكام صلاة الوتر Q سمعت حديثاً قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا صلاتكم في آخر الليل) فما المراد بهذه الصلاة هل هي صلاة الوتر وها نحن قد صلينا الوتر الآن، أرجو توضيح هذا الحديث نفع الله بك، وجزاك عنا خير الجزاء؟ A لا أعلم هذا الحديث بهذا اللفظ، لكن قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) وقال: (من خاف ألا يقوم من آخر الليل فليوتر أول الليل، ومن طمع أن يقوم من آخر الليل فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة) وذلك أفضل ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر من أول الليل، ومن وسط الليل، ومن آخر الليل كما ذكرت ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فالوتر يكون من بعد صلاة العشاء وسنتها، حتى لو جمع الإنسان جمع تقديم وصلى العشاء مع المغرب، فإنه في هذه الحال يجوز أن يصلي النافلة -يعني الراتبة- بالمغرب والعشاء ويصلي الوتر، حتى وإن كان لم يعزز للعشاء في الأوقات الأخرى. فعلى كل حال المقصود أن تجعل آخر صلاتك بالليل وتراً. أنا أسأل: رجل أوتر ثم بعد الوتر رجع ودخل المسجد هل يصلي ركعتين، وهذا ما جعل آخر صلاته في الليل وتراً. هذه لها سبب، وهو دخول المسجد. رجل آخر أوتر قبل أن ينام ثم قدر له أن قام له في الليل هل يصلي أو لا يصلي؟ إذا صلى لم يجعل آخر صلاته في الليل وتراً. نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لا تصلوا بعد الوتر، انتبه للفرق، ما قال: لا تصلوا بعد الوتر، قال: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) وهذا الرجل أوتر أول الليل بناءً على أن هذا آخر صلاته، فقد امتثل الأمر، ثم قدر له أن قام وصلى؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ما نهى عن الصلاة بعد الوتر، فيجب أن نعرف الفرق بين العبارتين، لو قال: لا تصلوا بعد الوتر، قلنا إذا قمت من آخر الليل لا تصلِّ، لكن قال: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) وقد فعل، أوتر قبل أن ينام بناءً على أنه لن يتسنى له أن يقوم ثم قام.

حكم المدين الذي لم يعد يعلم بمكان الدائن

حكم المدين الذي لم يعد يعلم بمكان الدائن Q عندي مبلغ من المال لأناس قبل عشرين سنة لا أعرف أين هم الآن ولا محلهم، فماذا أفعل بهذا المال، هل أنفقه في سبيل الله، أم ماذا أصنع به؟ A أنفقه في سبيل الله، إما صدقة، وإما بناء مسجد، وإما شراء كتب، أو غيرها من أعمال الخير، بنية أنها لأصحابها، والله عز وجل يعلم أصحابه، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ولكن إن قدر أن أصحابه يأتون فيما بعد فأخبرهم قل: إني تصدقت بها، وأنتم بالخيار إن شئتم فهي لكم أجرها، وإن شئتم أضمنها لكم، ثم هم بالخيار.

حكم ختم القرآن كله في رمضان

حكم ختم القرآن كله في رمضان Q حرص بعض الأئمة على ختم القرآن في التراويح هل هو بدعة أم سنة؟ A لا أعلمه سنة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن أهل العلم يقولون: ينبغي للإمام أن يقرأ جميع القرآن في صلاة التراويح من أجل أن يسمع المأمومين كل القرآن، ويستحب أن يختم ختمة في كل رمضان.

ما يقوله المأموم في الوتر عند الثناء على الله عز وجل

ما يقوله المأموم في الوتر عند الثناء على الله عز وجل Q عند ثناء الإمام في دعائه في القنوت وفي التلاوة في صلاة التراويح على الله سبحانه وتعالى كقوله: إنك تقضي ولا يقضى عليك، فإن من خلفه يقولون: سبحانك! أو يا الله! هل هذا وارد عن السلف وله أصل؟ فإذا لم يكن كذلك فماذا يقال والحال هذه؟ A نعم هذا له أصل، ففي حديث حذيفة رضي الله عنه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل فكان لا يمر بآية تسبيح إلا سبح، ولا بآية رحمة إلا سأل، ولا بآية وعيد إلا تعوذ، لكن في القنوت لم يكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقنت في صلاة الوتر فلم يصح عنه ذلك، إلا أنه علم الحسن بن علي أن يقول في قنوت الوتر: (اللهم اهدني فيمن هاديت) فإذا ورد ثناء على الله عز وجل في قنوت الوتر وقال المأموم سبحانك فلا بأس، وكذلك لو ورد دعاء فأمن فلا بأس، لأن الإمام يدعو لنفسه ولهم.

حكم تلفظ الإمام بكلمة من غير القرآن

حكم تلفظ الإمام بكلمة من غير القرآن Q هل تبطل صلاة الإمام إذا سهى حين رد عليه من خلفه في قراءته فقال الإمام كلمة كاملة من غير القرآن مثل أن يقول: طيب أو نعم، فهل تبطل صلاته بهذا؟ A الإمام لن يقول ذلك إلا سبق لسان، وإذا كان سبق لسان فإنه لا يضر لأنه بغير قصد، وأما إذا قاله متعمداً فإنها تبطل الصلاة؛ لأن نعم جواب كلام آدميين، أما بدون قصد وإنما هو سبق لسان فإنه لا يضر، وكذلك لو قال آية من القرآن تدل على ذلك مثل لو قال: {رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً} [ص:33] فلا بأس. ولكن -بالمناسبة- يردّ علي ناس كثيرون وتختلط علي الأصوات فلا أعرف، ولهذا يحسن أن يكون الراد واحد واختاروا من تشاءون منكم. إذا كان أكثر من واحد يختلط عليه ثم بعض الناس يرد خطأ، مشكلة من تصدق، هذا أو ذاك؟! لذلك أنا أرى أن يقتصر الرد على واحد فاختاروا من يكون أندى صوتاً وأضبط قراءة.

حكم قول القائل: العصمة لله وحده

حكم قول القائل: العصمة لله وحده Q ما حكم قول القائل: العصمة لله وحده، لأني وجدت من يشنع على من يقول ذلك، ويصفه بالجهل، ويقول: مما يعصم الله، وما الذي كان يمكن أن يقع حتى عصم منه، وهذا القول -أي العصمة لله- في حصر العصمة بالله وحده ونفيها جزماً عن الأنبياء، أرجو توضيح هذا الأمر نفع الله بعلمك وغفر لك. A إن الله عاصم وليس بمعصوم، لأنه حاكم وليس بمحكوم، لا معقب لحكمه، ولهذا قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] وقال نوح لابنه: {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} [هود:43] . فإذا أراد القائل العصمة لله، أي أنه هو العاصم فهذا صحيح، وإن أراد العصمة لله أي: أنه معصوم، فالمعصوم اسم مفعول، واسم المفعول لابد له من فاعل، فيكون هناك عاصم يعصم الله فالله معصوم، وهذا خطأ، لأنه ليس فوق الله عاصم بل هو العاصم لمن شاء. أما الرسل عليهم الصلاة والسلام فهم معصومون من الخطأ في الحكم الذي يبلغونه عن الله، لقول الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] . وغير معصومين عن بعض الذنوب إلا أنهم يتوبون منها، فتقع مغفورة لهم ولا يلحقهم مثلبة بها، هذا أصح ما قيل في حق الرسل عليهم الصلاة والسلام. يعني مثلاً نحن يجوز أن نصر على معصية، أما الرسل فلا، لا يمكن أن يصروا على المعصية، لأنه لابد أن يقع من الله تنبيه لهم، فيغفر الله لهم. الحاصل: أن العصمة لله لا تقال، لأنها توهم أن المعنى لا معصوم إلا الله فيكون له عاصم؛ لأن المعصوم إنسان مفعول لابد له من فاعل، فلا تصح لله عز وجل، أما إذا قلت لا عصمة لله يعني أنه هو وحده العاصم فهذا صحيح، لكن في ظني أن قائلها لا يريد هذا المعنى، إنما يريد المعنى الأول، وهذا خطأ. الإصرار على المعصية لا يجوز، ومعنى يجوز أن نصر على المعصية ليس جواز الشرع، المراد الجواز العقلي، وإلا كيف نصر على معصية، المعصية حرام، لكن يجوز بمعنى جوازاً عقلياً أن نصر على معصية، وإلا فيجب علينا أن نتوب منها وقد نبهنا على ذلك في حينه.

لا يكفي لصلاة التراويح دعاء استفتاح واحد

لا يكفي لصلاة التراويح دعاء استفتاح واحد Q هل يكفي لصلاة التراويح دعاء استفتاح واحد؟ A لا يكفي استفتاح واحد؛ وذلك لأن كل ركعتين منفصلتان عن الركعتين قبلهما، ولهذا لو بطلت الركعتان الأخريان هل تبطل الركعتان الأوليان؟ لا، فهما منفصلتان، كل واحدة لها استفتاح، كل واحدة لها سلام، كل واحدة لها واجبات مستقلة فلا يكفي استفتاح واحد، لكن الذي يغلب على الأئمة عفا الله عني وعنهم محبة الإسراع، ومن أجل ذلك كانوا يسقطون دعاء الاستفتاح، كذلك أيضاً يسقطون أمراً هاماً في التشهد يسقطون الاستعاذة من عذاب جهنم، يعني لا يمكن للإنسان الذي يصلي خلف كثير من الأئمة أن يقرأ أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحياء والممات ومن فتنة المسيح الدجال. مع أن الاستعاذة من هذه الأربع مأمور بها. حتى إن طاوساً -وهو من كبار التابعين- لما أخبر ابنه أنه لم يتعوذ أمره أن يعيد الصلاة، ولا شك أنها متأكدة الاستعاذة من هذه الأربع، حتى إن بعض أهل العلم قال إنها من واجبات الصلاة، بل إن بعض الأئمة إذا وصلت إلى: وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سلم، يكون هو قد قال: اللهم صل على محمد، ولا يكمل الصلاة على الرسول وإنما يسلم مباشرة. والمسألة ليست مسابقة، المسألة صلاة قيام، الناس بين يدي الله عز وجل وهم يدعون الله عز وجل، على الأقل يكملون المشروع من التشهد لكن نسأل الله الهداية.

وسائل الخشوع في الصلاة

وسائل الخشوع في الصلاة Q نرجو من فضيلة الشيخ أن يذكر لنا وسائل الخشوع في الصلاة فنحن والله بأمس الحاجة إليها، ونشكو من عدم الخشوع فيها؟ A المعاصي لها تأثير على القلوب، كلما تراكمت المعاصي على القلب قَلَّ خشوعه، وقلت إنابته إلى الله عز وجل، فالمعاصي لها أثر، فمن أسباب الخشوع في الصلاة: أولاً: كثرة الاستغفار؛ لأن كثرة الاستغفار سبب للمغفرة. ثانياً: يكثر بين الناس إذا دخلوا الصلاة أن تطيش قلوبهم يميناً وشمالاً، وتتفرق، ومعلوم أن من لم يستحضر للقراءة ويتدبر معناها أنه لا يخشع، لأنه يقرأ وقلبه أين؟ في السوق، مع أصحابه، في الجو، في أي مكان، حتى إنه يفكر في أشياء ليس له فيها مصلحة إطلاقاً، هذا أيضاً من أسباب عدم الخشوع في الصلاة. ثالثاً: من أسباب عدم الخشوع: أن الإنسان المصلي لا يشعر أنه الآن بين يدي الله عز وجل، يعظمه ويمجده ويسبحه ويسأله، فلهذا لا يحصل الخشوع، بل يقل جداً، ولو كنا نشعر بأننا إذا قرأنا آية من الفاتحة أن الله عز وجل يناجينا بها، إذا قال المصلي: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] قال: مجدني عبدي، وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين، وإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل. من يشعر بهذا؟ أحياناً نشعر به لا بأس، لكن أكثر الأحيان في غفلة، لذلك لا يحصل الخشوع. كذلك من أسباب عدم الخشوع: أننا نصلي الفريضة وكأننا نؤدي ديناً واجباً، لا نشعر بأننا قمنا بعبادة فرضها الله عز وجل علينا وأننا نتبع فيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فنستحضر الإخلاص ونستحضر المتابعة، هذا مفقود في أكثر الناس ولهذا لا يحصل الخشوع. فنسأل الله تعالى أن يلين قلوبنا وقلوبكم لذكره وأن يرزقنا خشيته في السر والعلانية، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.

جلسات رمضانية لعام 1415هـ[3]

جلسات رمضانية لعام 1415هـ[3] تحدث الشيخ في هذا اللقاء عن الزكاة من أربعة جوانب، وهي: مرتبتها وفضلها في الإسلام، والتحذير من منعها، ثم الأموال التي تجب فيها الزكاة. وأجاب عقب ذلك عن أسئلة في أحكام صلاة التراويح، وكيفية إخراج الزكاة وغير ذلك.

مباحث في أبواب الزكاة

مباحث في أبواب الزكاة الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث في شهر رمضان وهو في الليلة العاشرة من شهر رمضان عام خمسة عشر وأربعمائة وألف، هذه اللقاءات التي نرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون نافعة للقائم والسامع، إن لقاءنا هذه الليلة سيكون حول الزكاة: أولاً: في بيان مرتبتها من دين الإسلام. ثانياً: في بيان فضلها. ثالثاً: في التحذير من البخل بها. رابعاً: هل كل مال فيه زكاة، أم الزكاة في أموال معينة.

مرتبة الزكاة في الإسلام

مرتبة الزكاة في الإسلام أما مرتبتها من الإسلام: فهي في المرتبة الثالثة؛ لأن أركان الإسلام خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله هذا واحد، وإنما كان واحداً لأن العبادة لا تصح إلا بإخلاص ومتابعة، فبشهادة أن لا إلا الله يكون الإخلاص، وبشهادة أن محمداً رسول الله تكون المتابعة. الثاني: إقامة الصلاة. الثالث: إيتاء الزكاة. الرابع: الصوم. الخامس: الحج. وهي ركن من أركان الإسلام، معلومة الوجوب بالضرورة من الدين ولهذا قال العلماء: من أنكر فرضية الزكاة وهو يعيش بين المسلمين فهو كافر؛ لأن فرضيتها من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام، هذه مرتبة الزكاة، وهي كما تقرءون كتاب الله قرينة الصلاة في مواضع كثيرة، إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة كثيرة.

فضل الزكاة

فضل الزكاة وأما فضلها: فلها فضل عظيم بينه الله تعالى في قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103] فهاتان فائدتان عظيمتان، الطهارة والزكاة. الطهارة من أي شيء؟ الطهارة من الذنوب، الطهارة من الأخلاق الرذيلة كالبخل الذي سماه الله تعالى فحشاء، في قوله: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:268] أي بالبخل، فهي تطهر من الأخلاق الرذيلة، تطهر من الذنوب، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار) والنار إذا رشت بالماء انطفأت بلا شك، وأولى ما يدخل في الصدقة الزكاة فهي تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار. كذلك أيضاً تزكي الإنسان، كيف تزكيه؟ تجعله في دائرة الكرماء، والله كريم عز وجل وهو يحب المحسنين، والزكاة من الإحسان، فهي تزكي الإنسان وتجعله كريماً، وإذا كان كريماً بماله كان كريماً بنفسه، وإذا كان كريماً بماله كان محباً لغيره. ومن فضائل الزكاة أنها تزيد المال، عكس ما يظن البخيل، البخيل يقول: إذا كان عندي مائة ريال وأخذت اثنين ونصفاً منها؛ نقصت، كم تكون؟ سبعة وتسعين ونصفاً، لكنها في الواقع لا تنقص المال، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: { (ما نقصت صدقة من مال) بل -هي أي الصدقة- تزيد في المال، كيف تزيد؟ يفتح الله تعالى على المنفق أبواب الرزق من حيث لا يشعر، كما قال الله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ:39] أي يأتي بشيء يخلفه، ويكون بدلاً عنه. كذلك تقي المال الآفات، ربما يقي الله مالك الآفات بسبب الزكاة قد يسلط على مانع الزكاة من يسرق ماله، قد يسلط على ماله آفات تهلكه، قد يسلط على نفس المالك أمراضاً تفني ماله، لكن الزكاة لا تنقص المال بل تزيده، واعلم أن بعض الناس يروي هذا الحديث فيقول: (ما نقصت صدقة من مال بل تزده بل تزده) وهذه جملة غلط. أولاً: أنها لم ترد عن النبي عليه الصلاة والسلام كلمة بل تزده. وثانياً: أنها جاءت مجزومة والجزم لحن في اللغة العربية إذا لم يكن هناك أداة جزم، ولو كانت من كلام الرسول لكانت: بل تزيده، نبهت على هذا لأن كثيراً ما يتردد على ألسنة الناس: (ما نقصت صدقة من مال بل تزده بل تزده) بل تزده هذه غلط. ومن فضائلها: أنها ترضي الفقراء على الأغنياء؛ لأن الفقير إذا أعطي من المال رضي على الغني، وقال: هذا الغني مَنَّ علي بماله وأشركني في ماله، لكن إذا بخل بالزكاة امتلأت قلوب الفقراء غلاً على الأغنياء، وربما يحصل فساد وسرقات، أو قتل، أو ما أشبه ذلك فهذه من مصالحها.

التحذير من البخل بالزكاة

التحذير من البخل بالزكاة أما التحذير من منعها والبخل بها فاستمع إلى آيتين من كتاب الله: أولاهما قول الله تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ} [آل عمران:180] آتاهم يعني: أعطاهم، لا يحسبونه هو خيراً لهم {بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران:180] انظر قال: (وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) يعني أن هؤلاء الذين يبخلون لا يظنون أنهم ببخلهم بالمال سيخلدون بل سيهلكون، ويورث المال من بعدهم، فما الذي يجعل طوقاً في عنق الإنسان؟ هو المال، يجعله الله تبارك وتعالى يوم القيامة شجاعاً أقرع، الشجاع يعني الحية أو الذكر من الحيات العظيمة -نسأل الله العافية- هو الذي ليس على رأسه زغب أي شعر، أملس، قال العلماء: وهذا إنما يكون من كثرت السم في رأسه قد تساقط شعره، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من آتاه الله مالاً فلم يؤد منه زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان) (زبيبتان) يعني: شيئين مثل الزبيبتين- أتعرفون الزبيب؟ هو اليابس من العنب، هاتان الزبيبتان قال العلماء: إنهما وعاءان من السم والعياذ بالله (فيأخذ بلهزمتيه -يأخذ هذا المال يطوق يوم القيامة هذا الشجاع الأقرع فيأخذ بلهزمتيه أي شدقيه- ويقول: أنا مالك أنا كنزك) يوبخه، يقول: انظر الآن صرت عدواً لك، كان الإنسان في الدنيا صديقاً حميماً لماله، ولذلك يحرص عليه، ويجعله في الصناديق الوثيقة، ويحميه من الأمطار والمياه والغبار، فهو صديق حميم، هذا المال الذي يكون الإنسان له صديقاً حميماً في الآخرة ماذا يكون يوم القيامة؟ عدواً له، ويوبخه ويقول: أنا مالك وأنا كنزك، فيجتمع على هذا المانع للزكاة ألمان، أحدهما ألم حسي لأنه يعض على شدقيه، والثاني: ألم قلبي لأن قول المال: أنا مالك أنا كنزك لا شك أنه يعصر القلب فيجتمع عليه ألمان. أما الآية الثانية فهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:34-35] فما معنى يكنزون الذهب والفضة؟ هل معناها: أنهم يحفرون لها في الأرض ويدفنونها؟ لا. يكنزون أي: يمنعون زكاتها، ولو كانت على قمم الجبال، فمن منع زكاة ماله فقد كنزه، ولو كان على قمم الجبال، ومن أدى زكاة ماله فإنه لم يكنزه ولو كان في قعر الآبار، إذاً: معنى يكنزون الذهب والفضة: لا يؤدون الواجب فيها وأعظمه الزكاة. (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) إذا قال قائل: كيف يبشر بالعذاب؟ قال بعض العلماء: إطلاق البشارة على العذاب من باب التهكم بهم، وقيل: إن البشارة تكون في الخير والشر لكنها في الخير أكثر، وإنها سميت بشارة لأنها تؤثر على البشرة، الذي يسر يؤثر على البشرة نضرة وسروراً، والعكس انقباضاً وظلمة. {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} [التوبة:34-35] ونار جهنم فضلت على نار الدنيا كلها، أعظم ما في الدنيا من نار وأكبر ما في الدنيا من النار فضلت عليها نار جهنم بتسعة وستين جزءاً أعاذنا الله وإياكم منها، أهلها {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} [الكهف:29] إذا قرب من الوجه شواه، وإذا سقط في الأمعاء قطعها {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15] {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ} [الحج:19] {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} [الحج:20] يمضي من الجلود إلى ما في البطون، {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ} لم يقل يصب فوق، لأن ما يصب من فوق أبلغ مما يصب فوق، قد يصب الشيء على الشيء فوقه بهدوء ولا يؤثر، يضع هذا ويصب ما يؤثر، لكن يصب من فوق جاء مؤثراً لأنه يأتي من بعد فيؤثر ويكاد يخرق الرأس من تأثيره، فهم يصب من فوق رءوسهم الحميم؛ {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} . يحمى على هذا المال في نار جهنم فتكوى به جباههم وجنوبهم وظهورهم. الجباه مقدم الجسد وخص الجبهة لأنها أعلى ما في الجسد مما يواجه الناس، جنوبهم الأيمن أو الأيسر؟ الأيمن والأيسر، وظهورهم. قال بعض العلماء: وخص هذه الأربعة لأن المانع للزكاة قد يلاقي من سألها بوجه عابس فعذب الوجه، وقد يولي ظهره عنه ولا يهتم به فعذب الظهر، وقد يعرض عنه بجنبه فعذب الجنب. وقال بعض العلماء: بل هذه الجهات الأربع، فيعذب من كل جانب؛ لأن الجبهة من الأمام، والظهر من الخلف، والجنوب من اليمين والشمال، فالمعنى أنه يكوى بها من كل جانب، وأياً كان فنعوذ بالله من ذلك. جاء في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء مفسراً لذلك، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها) ، وفي لفظ: (زكاتها إلا إذا كان يومُ القيامة) أو يومَ القيامة بالنصب أو بالضم؟ يومُ بالرفع لأن (كان) هذه تامة، يعني إذا وجد يوم القيامة (إلا إذا كان يومُ القيامة صفحت له صفائح من نار) الذهب والفضة يكون نار كما أن الحطب إذا أوقدت به يكون ناراً هذه تصفح صفائح من نار، ويكوى بها جنبه، وجبينه، وظهره -مطابق تماماً للآية- (كلما بردت أعيدت -نعوذ بالله- في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) . تأمل كلما بردت أعيدت ليس في دقيقة، ولا ساعة، ولا يوم، ولا ليلة، ولا أسبوع، ولا شهر، ولا سنة؛ في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، كل إنسان يمنع زكاته هذا جزاؤه والعياذ بالله، حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. وهذان الحديثان وهاتان الآيتان يكفي واحد منها في الفزع والتحذير من منع الزكاة. ثم عجباً للإنسان! كيف يبخل بالزكاة وهو إذا ترك المال كان للذي من بعده! لا يدفن معه في القبر، ولو دفن معه في القبر ما نفعه، يتركه لغيره فيكون عليه غرمه ولمن وراءه غنمه، وربما يرثه من لا يقول: يرحمه الله، قد يكون ابن عم بعيد، أو ابناً عاقاً، أو أخاً قاطعاً أو ما أشبه ذلك. إذاً: بحثنا في مرتبتها من الإسلام، والثاني: فضلها، والثالث: التحذير من منعها والوعيد على ذلك.

الأموال التي تجب فيها الزكاة

الأموال التي تجب فيها الزكاة الرابع: هل كل مال فيه زكاة، أم الزكاة في أموال معينة؟ الزكاة في أموال معينة، وهي النامية حقيقة أو حكماً -انتبه لهذا الضابط-: النامية حقيقة أو حكماً -فمثلاً: الماشية تتوالد، هذه نامية حقيقة أم حكماً؟ رجل عنده أربعون شاةً ولدت كل شاة (سخلتين) إلا واحدة فولدت ثلاثاً، فهل نمت حقيقة أو حكماً؟ كانت في الأول أربعين، والآن مائة وواحداً وعشرين، فهي نامية حقيقة أم حكماً؟ حقيقة بدون توقف؛ لأنه حقيقة. إنسان عنده مال: ذهب، أو فضة؛ ولكنه لا يحركه، يجمعه ولا يبيع، ولا يشتري، ولا يبضع، ولا يعمل أي شيء، هذا نامٍ حكماً أو حقيقة؟ حكماً وفيه زكاة؛ لأن النقدين معدين للنماء في الأصل. إذاً: الزكاة لا تجب في كل مال بل فيما هو نامٍ، حقيقة أو حكماً وهذه من نعمة الله، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) عبده الذي يستخدمه ما فيه صدقة، فرسه الذي يركبه ما فيه صدقة، سيارته التي يركبها ما فيها صدقة، بيته الذي يسكنه ما فيه صدقة، وهلم جرا؛ لأن الزكاة إنما تجب في الأموال النامية حقيقة أو حكماً.

أدلة زكاة الذهب والفضة

أدلة زكاة الذهب والفضة ولنشخصها فنقول: تجب في الذهب والفضة أياً كانت متى ملك الإنسان نصاباً من الذهب فعليه الزكاة، ومتى ملك نصاباً من الفضة فعليه الزكاة سواء كانت نقوداً أو تبراً أي: قطع من الذهب أو من الفضة أو حلياً أو غير ذلك، ما فيه تفصيل {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة:34] عام، (ما من صاحب ذهب ولا فضة) عام. لا فرق، ما يفرق بين شيئين، ومن فرق بين شيئين من الذهب والفضة فعليه الدليل، وعلى هذا فالمرأة إذا كان عندها حلي من الذهب يلزم أن تزكيه إذا بلغ نصاباً وجوباً، لأننا لو سألناها وقلنا لها: يا أمة الله! هل أنت صاحبة ذهب فستقول: لا، جوابها صحيح أم غير صحيح؟ إذا قالت: لا. فالجواب غير صحيح، أنت صاحبة ذهب وفضة، ولهذا الناس يتحدثون ويقولون فلانة عندها ذهب كثير، عندها ذهب كثير، إذا كنت صاحبة ذهب أو فضة أدي زكاته، إذا كنت صاحبة ذهب أدي زكاته. فإن قال قائل: أليس الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقه) . A بلى قال ذلك، يقول: إذاً: ليس على المسلمة في حليها صدقة؛ لأنها أعدته للاستعمال كما أعده صاحب الفرس للاستعمال إذاً لا زكاة، فماذا نقول؟ نقول: هذا قياس فاسد الاعتبار، لأنه قياس مع النص، فإن قالوا: أين النص على الحلي؟ قلنا: العمومات تشمل جميع أفرادها، ومن أخرج شيئاً من أفراد العموم فعليه الدليل، والدليل على أن العمومات تشمل جميع أفرادها قول الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إنكم إذا قلتم السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض) أين العموم؟ في قولنا: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؟ قوله: (عباد الله) لأنه جمع مضاف فهو على العموم، يقول: (سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض) لأنه علمهم ذلك حين كانوا يقولون: السلام على الله من عباده، السلام على جبرائيل وعلى ميكائيل. وما أشبه ذلك، فلا حاجة أنكم تخصصون، الله هو السلام فلا تقولوا: السلام على الله، غير الله ناقص فقولوا السلام عليه، لا تقولوا على فلان وفلان، قولوا: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، إلا النبي عليه الصلاة والسلام، فالنبي خصص، ويبدأ به قبل أنفسنا، ماذا نقول: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) وانظر ترتيب التشهد مرتب على الأحقية، الأعظم حقاً من الله بدئ به، (التحيات لله والصلوات والطيبات) ثم الرسول: (السلام عليك أيها النبي) ثم نفسك: (السلام علينا) ثم العباد الصالحين: (وعلى عباد الله الصالحين) . فإذا قال قائل: أين ذكر الحلي؟ قلنا: لا يحتاج إلى ذكر فإن العموم يتناول جميع أفراده؟ ثم نقول: لدينا ثلاثة نصوص خاصة بالحلي أشار إليها الحافظ ابن حجر، بل ذكرها الحافظ ابن حجر في كتابه بلوغ المرام. أولها: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وعن أبيه: (جاءت امرأة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وفي يد ابنتها سواران غليظان من الذهب، فقال لها: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ -والجواب: لا يسرها، وحذف الجواب لأنه معلوم- فخلعتهما وألقتهما إلى الرسول وقالت: هما لله ورسوله) الله أكبر! ما طابت نفسها ببذل الزكاة فقط، بل بالحلي كله، (قالت: هما لله ورسوله) . ونظير هذا من بعض الوجوه أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً في يده خاتم ذهب، فقال: (يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده، ثم نزعه الرسول بيده صلوات الله وسلامه عليه ورمى به، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قيل للرجل: خذ خاتمك انتفع به، قال: والله لا آخذ خاتماً طرحه النبي صلى الله عليه وسلم) هكذا هؤلاء الرجال، هؤلاء النساء، هذه ألقت السوارين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ورسوله، والرجل أبا أن يأخذ الخاتم لأن الرسول طرحه. ولما خطب النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم خطبة العيد نزل إلى النساء ووعظهن وقال: (يا معشر النساء! تصدقن ولو من حليكن فإني رأيتكن أكثر أهل النار) ماذا صنعن؟ جعلت المرأة تأخذ خرصها وخاتمها وسوارها ثم تلقيه في ثوب بلال، بدون توقف، وربما تكون الواحدة منهن ليس عندها إلا هذا الخرص، أو هذا الخاتم لكن الإيمان يحمل الإنسان على شيء لا يحمله عليه ضعيف الإيمان. إذاً: القول الراجح من أقوال أهل العلم أن حلي الذهب وكذلك الفضة تجب فيه الزكاة، وهذا مذهب أكثر الأمة الإسلامية بعد المذاهب المتبوعة، لأنه مذهب أبي حنيفة رحمه الله وأصحابه، وهو رواية عن إمامنا الإمام أحمد رحمه الله أن حلي الذهب تجب فيها الزكاة، فإن قال قائل: نحن مرت بنا أزمان كثيرة لا نزكي وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، نقول: إذا لم تسمعوا أنتم به في آبائكم الأولين فقد سمع به أصحاب أبي حنيفة، ثم إن هذا لا يضر أن القول ينتشر بين الناس وهو ضعيف؛ لأن القول بعدم الوجوب هو المشهور من مذهب الإمام أحمد والناس ساروا عليه فيما سبق ثم تبين لبعضهم أن الراجح وجوب زكاة الحلي، وهذا اختيار شيخنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز وفقه الله، وقال عن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: إن إسناده صحيح، أما الحافظ ابن حجر فقال: إن إسناده قوي، وله شواهد، والحجة تثبت بأدنى من ذلك، وعلى هذا فتكون الأدلة العامة الصحيحة مؤيدة لهذا الحديث الخاص فيقوى بها. فإن قال قائل لزوجته وهي تريد أن تزكي عن حليها: لا تزكي، والراجح أنه لا زكاة، وكونه عامي (لا يعرف كوعه من كرسوعه) قال: لا، الراجح -بحسب ظنه- أنه ليس فيه زكاة. قالت: لا، أنا أرى أن فيه زكاة، إما لأنها قرأت أو لأنها وثقت بمن قال: فيه زكاة، قالت: فيه زكاة سأؤدي زكاته. قال: لا تؤدين الزكاة، هل تطيعه؟ لا تطيعه، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. فإذا كان ليس عندها مال وهو قال: أنا ما أخرج عنك الزكاة، ماذا تصنع؟ تبيع منه بقدر الزكاة وتخرج الزكاة، تسلم منها في الدنيا قبل الآخرة، فإن غضب زوجها وقال: أنت البارحة عليك سوارين والآن ما عليك إلا سوار واحد لأنها باعت أحد السوارين للزكاة، ماذا نقول؟ نقول: ليغضب، إذا غضب من طاعة الله فلا أرضاه الله. إذا قالت هي: إذا ألزمتموني أن أبيع من حليي كل سنة لأداء الزكاة بقيت ليس عندي حلي، نقول: لا. ليس صحيحاً؛ لأن الحلي إذا نقص عن النصاب لا زكاة فيه، فيبقى عندك من الحلي أربعة وثمانون غراماً، وهذه نعمة مع أن هذا أمر بعيد، ولا سيما هنا في المملكة والحمد لله المال متوفر. على كل حال الذهب والفضة فيهما زكاة بكل حال.

وجوب الزكاة في العملات الورقية

وجوب الزكاة في العملات الورقية العملة هل فيها زكاة؟ يقولون لنا: لا هي ذهب ولا فضة؟ نقول: نعم هي ليست ذهباً ولا فضة لكن هي مال الناس اليوم، وهي عند الناس بمنزلة الذهب والفضة، ولو قلنا: لا زكاة في العملة في وقتنا الحاضر كل الزكاة سقطت عن التجار، وهذا لا يمكن أن يقال به، إذاً: أوراق العملة فيها زكاة إذا بلغت نصاباً من الفضة، ونصاب الفضة حسب ما قرره العلماء ستة وخمسون ريالاً وتسأل أنت أهل المصارف تقول: كم تساوي ستة وخمسون ريالاً بالفضة من هذه العملة إذا قالوا: الريال الواحد بعشرة، كم يكون نصاب العملة؟ يكون خمسمائة وستين، وإن قالوا: الريال الواحد بعشرين، فيكون نصاب العملة ألفاً ومائة وعشرين وهلم جرا على كل حال هي هذه. وإن شاء الله تعالى للحديث بقية في الدرس القادم نذكر بقية الأموال الزكوية، ثم إن شاء الله نذكر من الذي تصرف إليهم الزكاة.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الزيادة على ركعتين في صلاة التراويح

حكم الزيادة على ركعتين في صلاة التراويح Q ما حكم من نسي وهو يصلي في صلاة التراويح فزاد ثالثة فلم يتذكر إلا وهو في آخر الثالثة أو في أول الرابعة فماذا يفعل؟ A صلاة التراويح من صلاة الليل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) فإذا قام في التراويح إلى الثالثة ثم ذكر وجب عليه الرجوع، فإن لم يفعل بطلت صلاته، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فإن بقي ناسياً إلى أن جلس للتشهد فليس عليه إلا سجود السهو بعد السلام، لماذا بعد السلام؟ لأنه عن زيادة، وكل سهو عن زيادة فإنه يكون بعد السلام. وإذا كان في أول الرابعة يجلس أيضاً ويتشهد ويسلم ثم يسجد سجدتين بعد السلام.

حكم تقديم راتبة العشاء على صلاة التراويح

حكم تقديم راتبة العشاء على صلاة التراويح Q ما حكم ترك سنة العشاء الراتبة، وصلاتها بعد التراويح، وذلك لكي يبادر بصلاة التراويح قبل تفرق الناس؟ A أشير على هذا الإمام أن يقدم التراويح على صلاة الفرض أيضاً!! هذا أسرع ثم يقيم الفرض وتكون سنة الفرض تلي الفرض!! أنا ما أظن إماماً يصل إلى هذا الحد من البلاهة! لا شك أن راتبة العشاء سنة لو تركها الإنسان ما عليه شيء، لكن ما دام يفعلها لماذا لا يجعلها تلي الفريضة التي هي راتبتها؟ فنقول لهذا الإمام: دع الناس يصلون راتبة العشاء ثم صل التراويح التي هي قيام الليل.

حكم ترك الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية

حكم ترك الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية Q ما حكم عدم قراءة المأموم للفاتحة في التراويح لأن الإمام لا يترك له فرصة فيكتفي بقراءة إمامه؟ A هذا أهون مما سبق، لأن بعض العلماء يقول: إن الصلاة الجهرية إذا استمع الإنسان إلى قراءة الإمام الفاتحة أجزأت عنه، وعلى هذا فلا يجب على المأموم إذا لم يتمكن من قراءة الفاتحة في سكتات الإمام أن يقرأ الفاتحة. لكن القول الراجح: أن قراءة الفاتحة واجبة على المأموم ولو كان يسمع قراءة إمامه، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ولأنه انفتل يوماً من الأيام من صلاة الصبح فقال: (مالي أنازع القرآن، لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) فحكم وعلل، قال: اقرأ بفاتحة الكتاب ولو كان الإمام يقرأها فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها، فنقول: اقرأ أنت أيها المأموم ولو كان إمامك يقرأ ولكن اجعل قراءتك بعد أن تستمع إلى قراءة الإمام الفاتحة، إذا أكمل الفاتحة فاشرع أنت في الفاتحة وأكملها ولو بدأ الإمام يقرأ.

حكم تغيير النية في الوتر من اثنتين إلى ثلاث

حكم تغيير النية في الوتر من اثنتين إلى ثلاث Q ما حكم تغيير الإمام نيته في الوتر بعد التكبير للشفع ينوي أن يجعله ثلاثاً، ونيته عندما كبر أنه يريد أن يصلي شفعاً ثم جعله ثلاثاً؟ A هذا لا يضر، لأن الشفع من الوتر، فالوتر بالثلاث إن شئت اقسمه وإن شئت صِلْ بعضه ببعض، يعني لك أن توتر بثلاث بتشهد واحد، ولك أن توتر بثلاث بتشهدين وسلامين، فمثلاً: لو دخل الإنسان على أنه يريد أن يصلي ركعتين ثم يسلم ثم يصلي الثالثة؛ ولكنه نوى أن يجعلها ثلاثاً سرداً فلا حرج، كما أن العكس جائز، لو دخل على أنه يريد ثلاثاً سرداً ثم عاد إلى اثنتين فلا بأس.

حكم مخالفة المأموم للإمام في النية

حكم مخالفة المأموم للإمام في النية Q ما حال المأموم إذا نوى أن يصلي الوتر مع الإمام ركعتين بسبح، وقل يا أيها الكافرون، ثم ركعة، ثم إن الإمام وصل ثلاث ركعات ببعضها؟ A المأموم لا يضره إذا نوى الوتر سواء سلم الإمام من ركعتين أم لم يسلم، لا يضره شيئاً.

حكم القراءة في الفجر والعشاء من المصحف لأجل ختم القرآن

حكم القراءة في الفجر والعشاء من المصحف لأجل ختم القرآن Q إمامٌ يصلي صلاة الفجر والعشاء بالمصحف حتى يكمل قراءة القرآن في صلاة التراويح؟ A نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الحكمة والعلم النافع، يظن بعض الناس أن التراويح لابد فيها من الختمة، وأقول: لم يرد في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن الخلفاء الراشدين فيما أعلم، بل ولا عن الصحابة أنهم كانوا يلازمون الختمة في التراويح، حسب قراءتنا، ربما يختمون مرة أو مرتين أو لا يختمون، لكن بعض العلماء رحمهم الله قال: ينبغي ألا يقصر عن الختمة في التراويح، ليس في صلاة الفرض، لأنه قد يقرأ في صلاة الفرض من قراءة التراويح وخلفه من لا يصلي معه التراويح، أو يكون هناك إنسان يحضر بعد الفريضة ويكون قد فاته شيءٌ من الختمة، فهذا اجتهاد في غير محله، بل الأولى على الإمام أن يجعل قراءة الفريضة على العادة، وقراءة التراويح وحدها، إن ختم فذاك، وإن لم يختم فلا يضر.

كيفية إخراج زكاة الثمار وعروض التجارة

كيفية إخراج زكاة الثمار وعروض التجارة Q فضيلة الشيخ: أنا صاحب مؤسسة وعقارات، ولا أعلم كيف أخرج زكاة هذه المؤسسة وهذه العقارات، فأرجو منك وفقك الله توضيح كيفية إخراج هذه الزكاة، ثم إن عندي مزرعة فيها قريباً من خمسين نخلة فهل فيها زكاة أرجو نفعي نفع الله بعلمك؟ A المؤسسة ليس فيها زكاة إلا النقود فقط وما أعد للبيع، وأما ما أعد للبقاء فليس فيه زكاة، فمثلاً إذا كان الإنسان عنده مخازن يخزن فيها المال لكنه لا يريد بيعها فالمخازن هذه وإن كثرت قيمتها ليس فيها زكاة، لأنها مثل العبد والفرس التي ليس فيها زكاة بنص الحديث، وأما ما يباع ويشترى به فهذا فيه الزكاة، لأنه عروض تجارة، كذلك أواني البقالات، والدواليب، وما أشبهها ليس فيها زكاة إلا ما كان يباع، فهذا فيه زكاة، وأما النخل الذي في البستان فتجب الزكاة في ثمره إذا بلغ نصاباً، ونصاب الثمار ثلاثمائة صاعٍ بصاع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهي مائتان وثلاثون صاعاً بأصواع نجد وزيادة صاع نبوي. أما العقارات فليس فيها زكاة، إلا إنسان عقاري يبيع ويشتري بالعقار، يشتري اليوم هذا ويبيع هذا، هذه فيها زكاة لأنها عروض تجارة، وأما العقارات المعدة للاستغلال فهذه لا زكاة فيها، ولو بلغت ملايين الدراهم، وإنما الزكاة في أجرتها، وأجرتها متى قبضها أخرج زكاتها، وإن لم يتم لها حول على ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أو إذا تم له الحول على القول الثاني.

حكم من نذر وهو جاهل بمعناه

حكم من نذر وهو جاهل بمعناه Q لي جدة كبيرة في السن تقول: إنها قبل خمس وخمسين سنة جاءها مرض شديد، مكث هذا المرض قريباً من ثلاثة أشهر وهي في حالة لا يعلم بها إلا الله، حتى إنها أشرفت على الموت، وفي إحدى الأيام صحت وهي لا تدري من الفرحة فقالت: صدقة ونذر وقالت: صيام شهرين متتابعين تقول: وأنا في ذلك الوقت لا أدري ما معنى النذر وما يترتب علي، تقول: وراحت الدنيا وكل لاه في طلب العيش وأنا الآن والحمد لله أسمع الراديو والفتاوى من المشايخ فوعيت وتذكرت تلك الأيام وقلت لابد لي من سؤال فماذا تصنع في صيامها الذي نذرت فيه أن تصوم شهرين متتابعين دون أن تدري ما معنى النذر وما يترتب عليه؟ A الظاهر لي أن هذه المرأة لا شيء عليها، لأنها ما دامت لا تدري ما هو النذر، فإنها لا تلزم بشيء لا تدري ما معناه، لكن في ظني أنه لابد أن يقع في قلبها شيء وإلا لكان كلامها لغواً، بمعنى أنها لما قالت: عليها نذر لابد من أن يقع في قلبها شيء، وإلا لماذا تقول لله علي نذر؟ فنقول: إذا كان قد وقع في قلبها شيء في تلك الساعة فما وقع في قلبها هو اللازم لها، لأن العبرة بالنية، وأما إذا لم يقع في قلبها شيء وهي لا تدري ما المعنى إطلاقاً ولا معنى النذر فالظاهر لي أنه لا شيء عليها، ولكن إن صامت فهو أحوط وأبرأ لذمتها، وقولها: إنه شهرين متتابعين نقول: إذا حصل مرض وأفطرت من أجل المرض أو حيض أو جاء رمضان أو الأعياد أو سافرت فأفطرت فإن هذا لا يضرها ولا يقطع التتابع.

حكم تأخير إخراج الزكاة من أجل ضبطها وإحصائها

حكم تأخير إخراج الزكاة من أجل ضبطها وإحصائها Q هل إعطاء الزكاة على الفور، بمعنى: إذا كان حولي يكون في شهر رمضان والبضاعة وزحام الناس يكثر في رمضان، فأحببت أن أؤخره إلى شهر شوال لكي أتفرغ للإحصاء، فهل علي شيء في ذلك؟ A ليس على الإنسان إذا أخر الزكاة لشهر أو شهرين ونصف وما أشبه ذلك من أجل إحصاء الزكاة وضبطها، فإن هذا التأخير من مصلحة الزكاة، ولمصلحة أهل الزكاة أيضاً حتى لا يفوتهم شيء، فهذا تأخير لا بأس به ولا يضر.

حكم إخراج الزكاة من مال الأيتام

حكم إخراج الزكاة من مال الأيتام Q عندي أيتام لهم مال، فهل في مالهم زكاة، علماً أن المال لا يباع ولا يشترى فيه، ولم ينفق عليهم منه؛ لأنهم يعيشون في بيتي أفدني أفادك الله؟ A الأيتام هم الصغار الذين لم يبلغوا، ومن ليس ببالغ لا تلزمه العبادات، لأنه مرفوع عنه القلم (وعن الصغير حتى يبلغ) لكن المال تجب فيه الزكاة ولو كان للأيتام، لأن الزكاة حق المال كما قاله أبو بكر رضي الله عنه، استدلالاً بقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج:24] وبقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ معاذ بن جبل: (أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم) ولهذا كان الراجح من أقوال أهل العلم أن الزكاة تجب في مال الصغير، وفي مال المجنون؛ لأنها حق المال، وعلى هذا فيلزم إخراج زكاة مال هؤلاء الأيتام إذا كان قد بلغ النصاب.

حكم إسقاط الدين عن المدين من الزكاة

حكم إسقاط الدين عن المدين من الزكاة Q أقرضت صديقاً لي فعجز عن السداد وهو فقير، فهل يصح أن أجعل ذلك من الزكاة فأسقطه عنه بنية كونه من الزكاة؟ A لا يصح أن يسقط الإنسان عن المعسر من دينه شيئاً ويحتسبه من الزكاة، قال شيخ الإسلام رحمه الله: لا يجزئ الدين عن زكاة العين بلا نزاع، وهذا واضح؛ لأن من أخرج الدين عن العين فهو كمن أخرج الرديء عن الطيب أو عن الجيد، لأن الدين ذاهب، والمال الذي بيدك بيدك وتحت تصرفك، فمثلاً إذا كان عندك مائة ألف ريال كم زكاتها؟ ربع العشر ألفان وخمسمائة ريال، وكان لك عند رجل فقير ألفان وخمسمائة، فقلت: يا فلان! ما في ذمتك هو زكاة، فهل أخرجته؟ فيصير المال الذي عليك أسقطت به ديناً، والمال الذي عندك عين تتصرف فيه، فيؤدي هذا إلى أنه كلما عجزنا عن الديون جعلناها هي الزكاة ولم نؤد شيئاً، ثم إن الزكاة فيها أخذ وإعطاء {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة:103] والإبراء ما فيه أخذ ولا إعطاء. وخلاصة الجواب: أنه لا يصح أن تسقط عن الفقير شيئاً من دينه وتحتسبه من الزكاة.

معنى الصدقة في قوله: (خذ من أموالهم صدقة)

معنى الصدقة في قوله: (خذ من أموالهم صدقة) Q هل هناك فرق بين الصدقة والزكاة في قول الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة:103] ؟ A الظاهر أن المراد بالآية الكريمة الصدقة الواجبة، لأنها هي التي يجب بذلها، أما صدقة التطوع فلا يجب، لكن عموم قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (الصدقة تطفئ الخطيئة) يشمل الزكاة وصدقة التطوع.

فدية من لا يرجى برؤه

فدية من لا يرجى برؤه Q عندي امرأة مريضة مرضاً لا يرجى برؤه فهل يجب علي أن أخرج عن هذه المريضة في كل يوم من أيام رمضان، أم أصبر حتى ينقضي شهر رمضان؟ A نقول: إن المريض بمرض لا يرجى برؤه كالكبر، والسرطان، والأمراض المزمنة؛ إذا كان الإنسان يشق عليه الصوم؛ فإنه يفدي عن كل يوم إطعام مسكين، سواء أطعمها كل يوم، أو جمع الفقراء جميعاً، لكن يجب أن نعلم أنه لا يكفي أن تكرر الإطعام على واحد من الفقراء، مثلاً تعرف فقيراً وكل يوم تذهب لتطعمه، هذا ما يكفي؛ لأن الواجب عن كل يوم مسكيناً، ولا يكفي أن ترددها على مسكين واحد، وعلى هذا فإن كان رمضان ثلاثين يوماً؛ نطعم ثلاثين مسكين، لكن كيف نطعمهم، نقول: إن شئنا جمعنا عشرة منهم إذا مضت عشرة أيام من الشهر وعشيناهم، وإذا مرت عشرون جمعنا عشرة آخرين وعشيناهم، وإذا مرت ثلاثون جمعنا عشرة غير الأولين وعشيناهم، أو جمعناهم جميعاً في آخر يوم كل الثلاثين. وقد كان أنس بن مالك رضي الله عنه خادم الرسول صلى الله عليه وسلم لما كبر وصار لا يستطيع الصوم صار يجمع ثلاثين فقيراً في آخر يوم ويطعمهم خبزاً وأدماً، وإن شئت فأعطهم الطعام، وتجعل الصاع من الرز لأربعة مساكين، عن كم يوم؟ عن أربعة أيام. إذا لم يجد المسكين يسقط عنه لأنه عجز عن الصيام وعجز عن الإطعام، لكن هذا فرض لا واقعي، فالمساكين موجودون إن لم تجدهم في بلدك تجدهم في بلد آخر لابد. يتعشون قد يختارون ثلثاً للطعام وثلثاً للشراب وثلثاً للنفس، المهم يطعمهم.

جلسات رمضانية 1415 [4]

جلسات رمضانية 1415 [4] بدأ الشيخ رحمه الله لقاءه بالحديث عن زكاة المواشي والزروع، ثم بدأ يبين أصناف أهل الزكاة الثمانية، وذكر صفاتهم المطلوبة فيهم حتى يكونوا أهلاً لأخذ الزكاة. ثم أجاب عن سؤال متعلق بمشكلة اجتماعية وهي ما ارتكبته بعض النساء من لبس البناطل وكشف الوجه والخروج إلى الأسواق وتعرضهن للفتن.

الأموال التي تجب فيها الزكاة

الأموال التي تجب فيها الزكاة الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع في هذا الشهر، شهر رمضان عام (1415هـ) الذي يتم في الجامع الكبير في عنيزة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكثر من مثل هذه اللقاءات بين أهل العلم وعامة الناس حتى ينتفع الناس بذلك، وحتى ينتفع العلماء بعلمهم؛ لأن العلم إنما ينتفع به إذا عمل الإنسان به في نفسه، وعمل الناس به من أجله. نسأل الله أن يرزقنا جميعاً علماً نافعاً، وعملاً صالحاً متقبلاً، ورزقاً طيباً واسعاً يغنينا به عن خلقه. لقاؤنا هذا تكملة لما سبق من بيان الزكاة، وقد سبق في اللقاء الماضي أن تكلمنا على الزكاة من حيث رتبتها في الإسلام، وفضلها، والوعيد فيمن بخل بها، وعلى الأموال الزكوية وذكرنا ضابطاً فيما تجب فيه الزكاة، وهذا الضابط هو أنها تجب في الأموال النامية حقيقة أو حكماً، والنمو يعني: الزيادة، وقولنا: حقيقة يعني أن المال ينمو حقيقة، وقولنا: حكماً يعني أنه لا ينمو ولكن في حكم النامي كعروض التجارة مثلاً، فإن عروض التجارة ربما تخسر وربما تزيد، وكالنقود التي أودعها الإنسان ولا يشتغل بها. وتكلمنا على أن الزكاة أيضاً لا تجب إلا في الأموال النامية وبينا شيئاً منها، وهو وجوب زكاة الذهب والفضة على أي حال كانت، وعروض التجارة أيضاً، فما هي عروض التجارة؟ كل مال أعد للتجارة حتى وإن كانت الزكاة لا تجب في عينه فهو عروض تجارة، الآن هذه الأكواب من الماء ليس فيها زكاة، لكن لو يتخذ الإنسان تجارته من هذه الأكواب وجبت فيه الزكاة، ثيابنا التي علينا ليس فيها زكاة لكن لو أن الإنسان اتخذ متجراً للثياب وجبت فيها الزكاة، هذه عروض تجارة. والرابع: المواشي وهي خاصة في ثلاثة أنواع: الإبل والبقر والغنم، وأما الخيل فلا زكاة فيه، وأما الضبي فلا زكاة فيه، وأما الدجاج فلا زكاة فيه، وأما الحمام فلا زكاة فيه، إنما الزكاة في قيمته إن أعد للتجارة، وأما عينه فلا، لا تجب الزكاة في البهائم بأعيانها إلا في ثلاثة أصناف هي: الإبل والبقر والغنم، لكن لا تجب فيها إلا بشرطين: أن تكون سائمة، وأن تبلغ النصاب، فما هي السائمة؟ السائمة: التي ترعى مما أنبته الله عز وجل من العشب ونحوه السنة كلها أو أكثر السنة، هذه السائمة، فأما التي تعلف السنة كلها أو أكثرها فليست سائمة، يعني ما فيها زكاة. لو كان الإنسان عنده مائة شاة يعدها للنماء ينميها وكلما توالدت باع أولادها أو أبقى أولادها للنماء ولكنه يعلفها فإنه لا زكاة فيها ولو بلغت قيمتها آلافاً، لماذا؟ لفقد شرطٍ من شروط وجوب الزكاة. ما هو؟ السائمة، ليست تسوم هذه لأن السوم هو الرعي، قال تعالى: {وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} [النحل:10] . حسناً إنسان عنده تسعٌ وثلاثون شاة سائمة من نماء فهل فيها زكاة؟ لا. لماذا؟ لأنها لم تبلغ النصاب، إذ أن النصاب أربعون شاة، فأول نصاب في الغنم أربعون شاة، وأول نصاب في الإبل خمس، وأول نصاب في البقر ثلاثون. إنسان عنده خمس شياه يتجر فيها، ويبيع ويشتري، اليوم يكون عنده خمس وغداً عشر وبعد غدٍ ما عنده شيء؛ لأنه باع فهل فيها زكاة؟ ما بلغت أربعين، ولكن هذه عروض تجارة فيها الزكاة إذا كانت تبلغ نصاباً أو عنده ما يكمل به النصاب. هذا ما نريد أن نتكلم عليه من الأموال الزكوية، الذهب والفضة وعروض التجارة وبهيمة الأنعام، وهي ثلاثة أصناف: إبل وبقر وغنم. أما زكاة الزروع والثمار فلا نطيل الكلام فيها لأنها لطائفة مخصوصة ولا تأتي إلا في السنة مرة.

الأصناف الثمانية المستحقة للزكاة

الأصناف الثمانية المستحقة للزكاة يجب أن نعلم أن الزكاة لها محل لا تجزئ إلا أن توضع فيه، كما أن الصلاة لها محل لا تصح إلا فيه، الصلاة لا تصح إلا في مكان طاهر، لو صُلي في مكان نجس ما صحت الصلاة، الزكاة أيضاً لا تجزئ إلا إذا وضعت في المحل الذي فرضه الله عز وجل. وقد فرض الله تعالى للزكاة ثمانية أصناف، بينها جل وعلا في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة:60] كم هؤلاء؟ ثمانية.

الفقراء والمساكين

الفقراء والمساكين الفقراء والمساكين هم الذين لا يجدون كفايتهم، لكن المسكين يجد النصف فما فوق ولكن لا يجد كمال حاجته، والفقير يجد أقل من النصف أو لا يجد شيئاً، وبهذا عرفنا أن الفقير أشد حاجة من المسكين، ولهذا بدأ الله بالفقراء. فإن قال قائل: هذا لا ينضبط لأن الإنسان لو فرضنا عنده مائة ألف وعنده عائلة هل يتيقن أن هذه المائة الألف تكفيه لمدة سنة؟ لا. لأنه قد يسرق، وقد تزيد الأشياء غلاءً فاحشاً وترتفع، وفي تقديرنا أنه يكفيه لكن مع ارتفاع الأسعار لا يكفيه، إذاً: ما هو الضابط؟ الضابط يمكن أن يقرب فيقال مثلاً: إنسان عنده راتب ولا يكفيه الراتب للسنة، لنفرض أن راتبه ثلاثة آلاف ريال، ولكنه ينفق في الشهر خمسة آلاف ريال ماذا تقولون في هذا؟ أفقير هو؟ نعم فقير، لأنه لا يجد الكفاية، كفايته خمسة آلاف وراتبه ثلاثة، نعطيه. إنسان راتبه سبعة آلاف لكن عنده جماعة كثيرة، لا يكفيه إلا عشرة نعطيه؟ الراتب سبعة لكن الإنفاق أكثر، كم نعطيه إذا كان ينفق عشرة آلاف في الشهر وعنده سبعة؟ نعطيه ثلاثة آلاف في الشهر، اضربها في اثني عشر، فنعطيه ستة وثلاثين ألفاً، نكمل سنة. لماذا نكمل له سنة لا نكمل له بقية حياته، ما هو الجواب؟ أولا: لا ندري متى يموت. ثانياً: يكون في هذا إجحاف على بقية الفقراء، لكن نعطيه لمدة سنة؛ لأنه بعد السنة سوف يعطى من الزكاة مرة ثانية فتزول حاجته.

العاملون عليها

العاملون عليها الفقراء والمساكين والعاملون عليها يعطون لحاجتهم، يقول الله عز وجل: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة:60] من هم العاملين عليها؟ هم الهيئة التي تنصبهم الحكومة لقبض الزكاة وتفريقها، منصوبون من قبل ولي الأمر فعملهم فيها عمل ولاية، وليس عمل وكالة، لماذا؟ لأنهم منصوبون من قبل ولي الأمر، كون لجنة تخرج إلى الناس وتأخذ الزكاة من أموالهم هؤلاء لهم من الزكاة، إلا إذا كان لهم راتب من الحكومة على هذا العمل فلا يحتاجون إلى العمالة. الذين يتولون الزكاة بالوكالة هل هم عاملون عليها؟ أنا قلت: العاملون هم الذين يتصرفون فيها بالولاية، وأنا أسأل: الذين يتصرفون فيها بالوكالة هل هم عاملون عليها؟ لا. ولهذا لو أن أحداً من الناس أرسل إليه تاجرٌ زكاته خمسة ملايين، وقال: وزعها على الفقراء، هل يستحق منها شيئاً؟ لا، لأنه يتصرف فيها بالوكالة لا بالولاية، وانظر إلى التعبير الإلهي: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} ولم يقل: والعاملين فيها، وكلمة (على) تدل على علو واستعلاء، وأن هذا العمل عمل ولاية، وأما الوكلاء الذين يوكلهم الأغنياء في تفريق الزكاة فليسوا من العاملين عليها، لكن إن احتسبوا الأجر فإن العامل في الصدقة كالمتصدق، فهم على خير، بمعنى أنك إذا أعطاك إنسان عشرة ريالات وقال: وزعها على الفقراء ووزعتها فأنت شريك في الأجر، فإن احتسبوا فهذا المطلوب، وإن لم يحتسبوا أعطاهم المالك من ماله لا من الزكاة.

المؤلفة قلوبهم

المؤلفة قلوبهم قال تعالى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة:60] المؤلفة: يعني الذين يعطون من أجل تأليف القلوب، فمن هؤلاء؟ أسألكم الآن: إذا كان بينك وبين شخص جفاء وعداوة هل تعطيه من زكاتك لتقربه إلى نفسك؟ قلبه مؤلف، أؤلف قلبه لكي لا ينفر مني؟ أقول: لا. المؤلفة قلوبهم هم الذين يعطون لتأليف قلوبهم على الإسلام، هؤلاء هم المؤلفة قلوبهم، تؤلف قلوبهم على الإسلام، إنسان كافر لكن نرى أنه يحب أن يسلم، فنعطيه من الزكاة لعل الله أن يهديه، إنسان مؤمن لكن ضعيف الإيمان، عنده شيء من الفسوق، والخروج عن الطاعة نعطيه ونؤلف قلبه من الزكاة. لكن اشترط أكثر العلماء أن يكون المؤلف من ذوي السيادة، يعني: أنه سيد في قومه، لأن هذا السيد إذا قوي إيمانه نفع الله به أمته، وأما الفرد من الناس فلا يعطى لتأليف قلبه ولو على الإسلام، وهذا قول جمهور العلماء، والصحيح أن الإنسان الفرد يعطى لتقوية إسلامه، لأننا إذا أعطيناه من أجل أن يشتري ثوباً يلبسه، أو رغيفاً يأكله، أو كأساً يشربه، وهذا غذاءٌ جسدي، فلماذا لا نعطيه لنغذيه غذاءً قلبياً دينياً، فالصحيح أن المؤلف لا يشترط به أن يكون ذا سيادة وشرف في قومه، ذكرنا الآن {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة:60] أربعة أصناف، هؤلاء لابد أن تسلمهم الزكاة وإذا سلمتهم الزكاة ملكوها ملكاً تاماً، لأن الله تعالى ذكر استحقاقهم باللام (للفقراء) واللام تدل على التمليك.

عتق الرقاب

عتق الرقاب ثم قال عز وجل: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة:60] الرقاب: جمع رقبة والمراد بذلك الإعتاق، يعني: وتصرف الزكاة في إعتاق العبيد، فإذا وجدنا عبيداً يباعون ولدينا زكاة فإننا نشتريهم لنعتقهم من الزكاة، وهذا يؤيد إلى ما أشرنا إليه قبل قليل من أن المؤلف قلبه لا يشترط أن يكون ذا سيادة؛ لأننا نعطي الزكاة في تحرير العبيد من الرق، ورق الهوى والمعاصي والشيطان أولى بأن يدفع بالزكاة. ومن الرقاب أن يفك منها الأسير المسلم، مثلاً: لو أن أحداً من الكفار اختطف مسلماً وقال: لا أعطيكم إياه إلا بفدية، فهل نفديه من الزكاة؟ نعم، نفديه من الزكاة، لأنه يدخل في عموم قوله: {وَفِي الرِّقَابِ} .

الغارمون

الغارمون قال تعالى: {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة:60] معطوفة على الفقراء أم على الرقاب؟ على الرقاب، وذلك لأن العامل أعيد (في) فانفصل ما بعدها عما قبلها فصارت الغارمين معطوفة على الرقاب، يعني: وفي الغارمين، فمن هو الغارم؟ الغارم: من في ذمته حق ماليٌ لا يستطيع وفاءه. مثلاً: إنسان اقترض من شخص مالاً، وعجز عن وفائه، هذا غارم أم غير غارم؟ غارم. إنسان آخر اشترى من شخص سيارة ثم عجز عن وفائها هذا أيضاً غارم، إنسان اشترى حوائج لبيته وعجز عن تسديدها هو أيضاً غارم، إنسان تزوج واستقرض لزواجه وعجز عن الوفاء، هل هو غارم؟ نعم. إذاً: الغارم هو كل من في ذمته حق مالي عجز عن وفائه من ثمن مبيع، أو أجرة، أو قرض، أو ضمان متلف، أو غير ذلك، هذا الغارم. هل يشترط تمليك الغارم؟ بمعنى أن أقول للغارم: خذ هذه الزكاة أوف بها، أو لا يشترط؟ لا يشترط لأن الله قال (الغارمين) عطفاً على قوله: (في الرقاب) ومعلوم أن الرقاب لا يشترط تمليكها، أنت تشتري العبد، ولا تملكه هذا المال، تشتري العبد بالزكاة وتعتقه، ولا تملكه الزكاة، إذاً: الغارم لا يشترط تمليكه، وعلى هذا فلو ذهبت أنت إلى الطالب الذي يطلب الغارم وقلت: يا فلان! أنت تطلب فلاناً كذا وكذا فيقول: نعم، تقول: تفضل، هذا الطلب تبرأ بذلك ذمتك أو لا، إذا قال قائل: الغارم ما علم ولا درى، نقول: وإن لم يكن يعلم لأنه لا يشترط تمليك الغارم. هل يجوز إسقاط الدين عن الغارم من الزكاة؟ بمعنى أن يكون علي زكاة تبلغ ألف ريال، ولي غارم مطلوب بألف ريال لكنه فقير، فأقول يا فلان! أسقطت عنك ألف ريال عن زكاتي هل يجزئ؟ لا يجزئ، لماذا؟ أولاً: لأن الزكاة أخذ وإعطاء {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة:103] هذا في القرآن، وفي السنة قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ معاذ بن جبل: (أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم) لابد من أخذ وإعطاء. ثانياً: الزكاة عن شيء معين بيدك تملكه، والدين في ذمة الفقير هل هو بيدك؟ لا. ولا تملكه، لكن كما يقول العوام: عبد ابن غنام يوم ألوى في البئر قال له السيد: أنت عتيق، وتعرفون هذه القصة قصة عبد رقيق عند سيده، يؤذيه سيده ويكده ويتعبه ليلاً ونهاراً فيطلب منه العتق، يا سيدي! أعتقني حررني فكني، ولكن يأبى، وفي يوم سولت لهذا العبد نفسه قال: البئر أو ابن غنام - ابن غنام سيده- فوقف على البئر وألقى نفسه في البئر، وفي حال هويه في البئر إذا سيده ينظر قال: أنت عتيق حر لله، حسناً متى قالها؟ بعد أن سقط في البئر، فلذلك صارت مضرب المثل إن صحت القصة فالله أعلم. على كل حال هذا الإنسان الذي عنده مثلاً مائة ألف وزكاتها بقدر ما في ذمة الفقير إذا أسقط عن الفقير وقال: أريدها من الزكاة نقول ما يصير هذا، المال الذي بيد الفقير مثل التالف ولا يجزي، قال شيخ الإسلام رحمه الله: والدين لا يجزئ زكاة عن العين بلا نزاع. سؤال ثان: هل يجوز أن أقضي دين الميت من الزكاة؟ إنسان ميت ليس له تركة، عليه دين هل يجوز أن أؤدي دين هذا الميت من الزكاة؟ لا. لا يجوز لماذا؟ أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقضي دين الأموات من الزكاة، أبداً، ولهذا كان إذا قدمت له الجنائز قال: هل عليه دين؟ إن قالوا: نعم، قال: له وفاء؟ إن قالوا: لا. قال: ما أصلي عليه، صلوا عليه أنتم ولا يصلي عليه مع أن الزكاة عنده، والصدقة عنده، لما فتح الله عليه وكثرت المغانم وكثرت الأموال صار يقول: إذا قيل هذا الميت عليه دين، قال: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم) كما قال ربه عز وجل: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب:6] ثم قال: (من ترك ديناً فعلي، ومن ترك مالاً وضياعاً فلورثته) إذاً قضاء الدين على الميت من الزكاة لا يجزي، لأن الرسول ما كان يقضيه. هذه واحدة. ثانياً: أيهما أولى أن نقضي دين الميت الذي قدم على ربه، وإذا كان قد أخذ أموال الناس يريد أداءها فإن الله يؤدي عنه كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه) ، أو أقضي دين الأحياء الذين ذل الدين على وجوههم؟ أيهم أولى؟ الأحياء لا شك، ولهذا يقال: الدين هَمٌّ في النهار، وسهر في الليل، هذا صحيح، وذل أيضاً، ولهذا تجد الإنسان المستغرق بالدين يتحاشى الناس، إذاً من الأولى: هذا الميت الذي قدم على ربه وربما يكون أخذ أموال ناس يريد أداءها فيؤدي الله عنه أو هذا الحي؟ الحي. ثالثاً: لو قلنا بجواز صرف الزكاة في ديون الأموات لكان الناس يفتشون في الدفاتر القديمة يكون سابع جد من أجداده عليه دين، يقول: والله بقي أن أؤدي الزكاة لهذا المدين، ثم إذا تابع السابع السادس الخامس الرابع الثالث الثاني الأول؛ تذهب أموال الناس كلها في قضاء ديون الأموات؛ لأن عاطفة الناس على الأموات أكثر من عاطفتهم على الأحياء فيقول: ارحم هذا الفقير المرتهن بدينه في قبره، ارحمه وأعطه زكاتك واقض ديون الأموات، ثم يذهب الرجل ينظر في دفاتر الناس هل على أبيك دين، أو جدك، أو جدتك، أو أمك، أو أختك؛ فتنتهي الزكاة للأموات. لذلك حكى بعض العلماء -كـ ابن عبد البر رحمه الله- إجماع العلماء على أن الزكاة لا تدفع في دين الميت، لكن الصحيح أن فيها خلافاً لكنه خلاف مرجوح، فالراجح أنها لا يقضى بها على ميت، وقد عرفتم وجه ذلك من دلالة السنة على هذا ودلالة النظر، هذا في الغارمين.

في سبيل الله

في سبيل الله قال تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة:60] ما المراد بقوله: (سبيل الله) ؟ المراد جهاد الأعداء بالسلاح -وأعني بهم الكفار- يدفع من الزكاة، لكن هل يعطى المجاهد أو يشترى به السلاح، أو يجمع بين الأمرين، أو ينظر للأحوج؟ ينظر للأحوج، لأن المجاهدين قد لا يحتاجون إلى السلاح لأن الأسلحة متوفرة لديهم؛ لكن يحتاجون إلى الطعام، والشراب، والرواحل، وما أشبه ذلك، وقد يكون عدد المحتاجين للسلاح كبيراً، وهو مستغنٍ بنفسه، لكن يحتاج إلى سلاح، أين نضع الزكاة؟ في السلاح، وقد تكون الحاجة متساوية فنبذل في هذا وهذا. هل يبنى بها مدارس، أو يشترى بها كتب، أو يعان بها طلبة علم؟ لا. في سبيل الله المراد السلاح، صحيح أن العلم في سبيل الله لكنه ليس المراد بالآية، إلا أن العلماء رحمهم الله قالوا: إذا تفرغ لطلب العلم وهو قادر على التكسب فإنه يعطى ما يكفيه من أجل طلب العلم، لكن بشرطين: التفرغ، والثاني: القدرة على التكسب، أما إذا كان غير قادر على التكسب وهو فقير لا نعطي العلم بل نعطيه لفقره وعدم قدرته على التكسب. {وَابْنِ السَّبِيلِ} السبيل هو الطريق، فمن ابنه؟ ابنه هو المسافر، فإذا وجدنا شخصاً مسافراً وانقطع به السفر أو تعطلت سيارته، أو ضاع ماله، أو سرق، وهو يريد أن يصل إلى بلده وهو غني من أكبر الأغنياء؛ لكن الآن ما بيده شيء نعطيه أو لا؟ نعطيه. لكن نعطيه ما يكفيه لسنة، أو ما يوصله إلى بلده؟ نعطيه ما يوصله إلى بلده. هؤلاء هم الأصناف التي تدفع فيهم الصدقات قال الله تعالى: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60] يعني الله فرض علينا أن نصرفها في هذه الأصناف، وبين أن هذا صادر عن علم وحكمة من الله عز وجل. لكن هناك موانع تمنع من صرف الزكاة لمن اتصفوا بهذه الأوصاف وهي: إذا كان هذا الفقير تجب نفقته على الغني، فهل يجوز أن يدفع الغني من زكاته لهذا الفقير ما يكون نفقة له؟ أخوه تجب نفقته عليه، إذا كان غنياً والأخ فقيراً وهو الذي يرثه وجب عليه النفقة، فيقول: أنا بدل ما أنفق عليه ألف ريال أعطيه زكاة، ألف ريال بالشهر هل يجوز أو لا؟ لا يجوز، لأن هذا يحفظ به ماليته، بدل أن يعطيه من ماله ألف ريال يجعلها من مال الفقراء من الزكاة، هذا حرام، ولا تجزئه. فإن كان على أخيه دين وهذا الرجل الغني قائم بالنفقة، لكن أخوه عليه دين إما أنه أتلف شيئاً فضمنه، أو لأي سيبب، هل يجوز أن يقضي الأخ دين أخيه من الزكاة؟ نعم يجوز، لماذا؟ لأنه لم يدفع عن نفسه واجباً، ولأنه لا يجب عليه أن يقضي دين أخيه. إنسان غني حدث لابنه حادث سيارة وتكسرت السيارة وغرم عشرة آلاف، والولد فقير ما عنده شيء، هل يجوز لهذا الأب أن يدفع الزكاة في هذا، أي في غرم ولده؟ نقول: يجوز، أن يدفع زكاته في قضاء غرم ولده، لأن الأب لا يلزمه قضاء الدين عن ابنه، وأصل المنع أنه متى كان الإنسان يدفع واجباً عليه في الزكاة فلا يجوز. نزل به ضيف والضيف يجب إكرامه، والضيف ما معه غداء، ولا عشاء، ولا بنزين لسيارته، فقال هذا الرجل الذي نزل به الضيف: أدفع له من زكاتي؟ لا يجوز، لماذا؟ لأنه يجب عليه ضيافته، وهو إذا دفع من ماله دفع واجباً عن نفسه بالزكاة، وهذا لا يجوز، وعليه لو قال قائل: هل يجوز دفع الأب زكاته لابنه؟ إن قلت: لا. أخطأت! وإن قلت: نعم. أخطأت! فيه تفصيل، إن كان للنفقة لا يجوز، وإن كان لغرم جاز.

الأسئلة

الأسئلة

نصيحة للنساء بالتزام الحجاب والحياء

نصيحة للنساء بالتزام الحجاب والحياء Q هذه اللقاءات المباركة نسأل الله أن يرفع بها الدرجات عنده سبحانه لكل من ساهم فيها، ولكن نرى أنها تركز على الأحكام دون الواقع الاجتماعي، وأعرض بين يديكم ما أقلقني وأزعجني. أولاً: واقع النساء في الأسواق حيث إن بعض المحلات لا تغلق إلا في الساعة الثانية ليلاً. ثانياً: الشباب على الأرصفة وفي البراري يسهرون الليل مع طوله على الورق واللعب والدشوش، أرجو إحياء نفوسنا بنصيحة ينفع الله بها، وما هو دور طلبة العلم وأهل الصلاح في مثل هذه الأمور؟ A نحن نشكر الأخ على هذا السؤال ونرى أنه لابد من معالجة المشاكل الاجتماعية؛ وذلك لأن الله تعالى قال: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} [يوسف:53] ولكن يا إخوان! المواضع لها أناس، والأحكام لها أناس، فكم من إنسان عنده فقه كبير في الدين، والفقه في الدين هو الفقه المحمود، وهو الذي قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) والفقه في الواقع وسيلة فقط لتطبيق الأحكام الشرعية عليه، لكن الفقه المحمود الذي يرفع الله به الدرجات إنما هو فقه الدين، فالناس يختلفون، هذا رجل عالم بأحكام الدين يعلم الناس، ويفتح للناس باب الاستدلال في الكتاب والسنة، وهذا إنسان عالم بالواقع يتتبع أحوال الناس وينظر فيها؛ لكن قد يكون قاصراً في الفقه في الدين، وكل واحد من الفقهين يكمل الآخر، لكن من الناس من يعطيه الله تعالى حسن إلقاء في الوعظ، تجده يحرك القلوب، وينشط أهل الخير، وبضاعته من العلم الشرعي مزجاة، لكن أعطاه الله تعالى بياناً وفصاحة وقدرة، وأهم شيء عندي أنا هو معرفة الناس بأحكام الشريعة، حتى لا يعبد الله على جهل، ولا سيما في هذا الوقت الذي كثر فيه المتعالمون، الذين يقدمون على الفتوى وكأنها لعقة عسل، أو حبة حلاوة، ويستشرفون لها ويتطلعون، ويريدون أن يتصدروا المجالس، وأن يتزببوا قبل أن يتحصرموا. لذلك كان واجباً على طلبة العلم العناية بمعرفة الأحكام الشرعية قبل أن يسحب البساط من تحت أرجلهم، ويتولى الفتيا من ليس أهلاً لها، وهناك أناس عندهم قدرة على الموعظة والتأثير أكثر من غيرهم، ونحن نضرب لكم مثلاً برجلين من العلماء المشهورين، ابن الجوزي رحمه الله صاحب التبصرة الواعظ المشهور، عنده قدرة على الموعظة مؤثرة، يجتمع عند موعظته آلاف الناس، وإذا تكلم في الوعظ ربما يصعق بعض الناس ويموت من قوة التأثير، وشيخ الإسلام ابن تيمية لا يستطيع مثل ذلك مع أن انتفاع المسلمين ونفع الإسلام بـ شيخ الإسلام أكثر بكثير؛ لأن عنده من العلم والفقه ما ليس عند ابن الجوزي فالله تعالى خلق وفرق، وليس الناس سواء، أنا من الذين لا يستطيعون المواعظ المؤثرة مثل بعض الناس، ولكن مع ذلك الذي طلبه الأخ السائل سهل ولا يحتاج إلى كبير عناء. أقول: إن مشكلة النساء في الواقع من عدة أوجه: أولاً: أن بعضهن نزع منهن الحياء -والعياذ بالله- فصارت الأنثى تتطلب الأزياء الكاشفة العارية من حيث لا تشعر، تشتري المرأة ما يسمى بالبردة لتطلع على لباس الكافرات وتقلدها، ثم تدعي أنها تخيطها خياطة إسلامية، إذا كانت خياطة إسلامية ليس مضاهاة لها، وإذا قدر أنها في هذه السنة خيطت خياطة إسلامية؛ في السنة الأخرى لا تخاط، لأننا نعرف أن الشر يتصاعد ولا يتناقض، هذه محنة إلى حد أن المرأة ذهبت تطلب أن تلبس البنطلون، امرأة تلبس البنطلون!! نحن رجال نستحي أن نمشي بالبنطلون حتى فيما بيننا، لا يستطيع الإنسان أن يمشي بالبنطلون؛ إلا أناس اعتادوها فيما بينهم في بلادهم، يا شباب! ما الفائدة من البنطلون للمرأة، إلا أنه يصف الحجم فخذها كبير! فخذه صغير! عجيزتها كبيرة! عجيزتها صغيرة! ثديها صغير! ثديها كبير! هذا هو حتى لو كانت المرأة في الوقت الحاضر تلبس بنطلوناً واسعاً؛ سيجيء الوقت عن قريب الذي تلبس فيه البنطلون الضيق، كما هي العادة الجارية. ثم إن البنطلون من لباس الرجال، يعني: على فرض أنه ساتر من كل وجه؛ واسع، وفضفاض، وطويل فإن فيه التشبه بالرجال، من الذي يلبس البنطلون حتى في البلاد الأخرى؟ إما كافرات، وإما رجال اعتادوه، ففيه تشبه إما بالكافرات، وإما بالرجال. ثانياً: عند النساء أيضاً قلة حياء في كشف الوجه، فتجد بعض النساء تلبس (ردفة) خفيفة جداً يظهر منها الوجه، وربما تكسو الوجه جمالاً أكثر مما لو كان مكشوفاً، وتدعي أن هذا هو الحجاب الشرعي، الحجاب الشرعي هو ما شرعه الله ورسوله، وأين في كتاب الله أو سنة رسوله جواز كشف الوجه للأجانب؟ أين ذلك؟ نقول لكل امرأة: أرينا آية من كتاب الله، أو حديثاً عن رسول الله عليه الصلاة والسلام صحيحاً يدل على جواز كشف الوجه؟ أبداً ما هناك إلا حديث أسماء بنت أبي بكر المنكر متناً الضعيف سنداً، وهذا لا عبرة به بإجماع العلماء، أن الحديث الضعيف سنداً أو المنكر متناً لا يحتج به، لأن من شرط الصحيح أن يكون رواه عدل تام الضبط بسند متصل، وأن يسلم من الشذوذ والعلة القادحة، وإنكار المتن علة قادحة لا شك. يقول هذا الحديث أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على الرسول عليه الصلاة والسلام بثياب رقاق -انظر بثياب رقاق يعني تصف ما وراءها- فأعرض عنها، وأسماء بنت أبي بكر في ذلك الوقت يمكن لها ثمانية عشر سنة، هل يمكن لامرأة بهذا الشباب تدخل على سيد المرسلين بثياب رقاق تصفها، يقول: فأعرض عنها ثم قال: (إن المرأة إذا بلغت سن المحيض لا يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى الوجه والكفين) هل يعقل هذا؟ لا يعقل، فالمتن منكر، ثم يسأل كل إنسان نفسه، أيهما أشد فتنة القدم أو الكف؟ القدم أشد فتنة؟ الله لا يقلب رءوسنا! لو أن امرأة أخرجت كفها وامرأة أخرجت قدمها أيهما أشد فتنة؟ الكف لا شك، ثم نقول: أيهما أشد فتنة امرأة ظهر قدمها أو ظهر وجهها؟ الثاني لا شك، هل يعقل أن الشريعة التي نزلت من لدن حكيم عليم أن تبيح للمرأة إظهار الوجه الجميل، ويجب عليها أن تستر الرجل المشوهة، هل يعقل؟ الشريعة من لدن حكيم خبير، لا يمكن أبداً أن يفرق الله بين متماثلين، أو يجمع بين مختلفين، فكيف بين شيئين متباعدين، فرق بين إظهار الوجه وإظهار القدم، ولهذا كلما تدبر الإنسان هذا القول وجده في غاية الضعف، أعني القول بأنه يجوز كشف الوجه. ثم على فرض أنه جاز كشف الوجه، يجب أن يمنع لأنه ذريعة لكشف ما وراء الوجه، وانظر البلاد التي رخص علماؤها بكشف الوجه للمرأة هل اقتصرت المرأة على الوجه؟ أبداً، أخرجت الوجه والرأس والرقبة والساق والرجل، وسد الذرائع من الطرق الشرعية الثابتة. انظر إلى قول الله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108] سب آلهة المشركين مطلوب، والله تعالى يسبها بأنها لا تسمع ولا تبصر ولا تجيب دعاءً، ومع ذلك إذا كان سب آلهة المشركين يؤدي إلى سب الله فيمنع لأنه ذريعة، وليس هو بعلة وسبب، بمعنى: متى وجد سب الآلهة وجد سب الله؛ فهو في هذه الحال ذريعة، فحرم الله هذه الذريعة؛ لأنها تؤدي إلى محرم. كشف الوجه لو قلنا بجوازه، لقلنا بمنعه؛ لأنه يؤدي إلى شيء محرم لا شك فيه، ولهذا نسأل دائماً عن النقاب -وهو البرقع- وهل تغطي المرأة وجهها بشيء ليس فيه إلا نقب للعينين، ولهذا يسما نقاباً، هل يجوز أم لا؟ إن قلت: لا يجوز مشكلة، وإن قلت: يجوز مشكلة أيضاً، فنقول: النقاب في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام معروف، كان النساء ينتقبن في عهد الرسول لا شك، والدليل على ذلك أنه قال في المحرمة: (لا تنتقب) فدل ذلك على أنه لباسٌ معروف؛ وإلا لم يكن لنهي المحرمة عن الانتقاب فائدة. ولكن إذا كان النقاب ذريعة إلى شيء لا يجوز؛ فيمنع، وإن كان جائزاً وهو ذريعة إلى ما لا يجوز تفتح المرأة هذه السنة لعينيها فقط، وبعدئذٍ يتوسع النقب، إلى الحاجب، والوجنة، وبعد ذلك لا يشعر، أوسع، حتى يزول الحياء عن المرأة، وإذا زال الحياء عن المرأة فلا تسأل! كل شيء يمكن يسهل معها. فنقول نحن: النقاب جائز ولا إشكال فيه عندنا لكننا نمنعه ونقول: تغطي المرأة وجهها كاملاً خوفاً من أن يترقى الأمر إلى شيء محرم. ثالثاً: ومما نعانيه من النساء كثرة تجولهن في الأسواق بدون حاجة، وهذا خطر عليهن من الفساق، وخطر منهن على المعتدلين، لماذا تتجول في السوق، بيتها خير لها، إذا كانت تريد حاجة فلتطلب من محرمها أن يقضي لها هذه الحاجة، أو تذهب على الأقل مع المحرم ويقف هو على صاحب الدكان ويقول: هاتي الحاجة الفلانية ويعرضها عليها. وكذلك أيضاً من مشاكل النساء أن بعضهن تمشي في الأسواق مشية الرجال بقوة وكلام وحديث، وهذا من المشاكل. رابعاً: من المشاكل أيضاً ما أشار إليه السائل أنها تخرج في الليل -بعد منتصف الليل- ربما تخرج معها امرأة أخرى وتكلم الرجل، ورأيت بعض النساء يدخلن في الدكان وليس في الدكان إلا البائع فقط، وكل هذا خطر عظيم. المسئول الأول: كل امرأة مسئولة عن نفسها، عليها أن تتقي الله عز وجل، وأن تحذر من هذا، ثم المسئول بالدرجة الثانية وليها من الرجال؛ لأن الله قال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:34] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] فالواجب على الرجال أن ينتبهوا، سبحان الله بعض الرجال لو ضاعت له غنمة واحدة سهر الليل يطلبها، أين ذهبت؟ ماذا فيها؟ بينما هو مهمل أبناءه وبناته الذين بصلاحهم فلاحه، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) . وأما ما أشار إليه السائل من جلوس الشباب على الأرصفة، وضياع الوقت ليس في أمر مباح فقط؛ بل في أمر محرم، فهذا أيضاً مشك

زكاة ما أعد للتنمية

زكاة ما أعد للتنمية Q هذا سؤال قد وجهته في اللقاء الماضي ولم يعرض، أنا صاحب مزرعة وعندي حمام تقدر بخمسة آلاف ريال ولكني أبيع منها أحياناً في الشهر بخمسمائة ريال، وأحياناً أكثر، وأحياناً أقل، وأحياناً لا أخرج شيئاً فهل عليها زكاة أم لا؟ وما مقدارها؟ A هذه ليس فيها زكاة، لأنها معدة للتنمية، فلا زكاة فيها، أما الإنسان الذي يتجر بالحمام، يعني يشتري هذا اليوم ويبيعه غداً، ويشتري غيره ليتكسب؛ فإن الحمام تكون من باب عروض التجارة، أما الذي يتخذه للتنمية متى نمت باع نماءها فليس فيها زكاة، ونماءها الذي يبيعه إذا أخذ العوض وهي دراهم؛ فإن بقيت عنده سنة زكاها، وإن أنفقها قبل تمام السنة سقطت زكاتها.

جلسات رمضانية (1415هـ) [5]

جلسات رمضانية (1415هـ) [5] تكلم الشيخ عن أول وأعظم انتصار في رمضان للمسلمين، وهو غزوة بدر، وكيف كسر الله شوكة الباطل بعصا الإيمان، وأجاب بعد ذلك عن الأسئلة، ومما ورد سؤال عن أحكام صلاة الوتر، وقد أجاب الشيخ عنه وأطال في ذكر أحكام صلاة الوتر.

انتصارات المسلمين في رمضان

انتصارات المسلمين في رمضان الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله على حين فترة من الرسل، وانطماس من السبل، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وفتح الله به قلوباً غلفاً، وآذاناً صماً، وعيوناً عمياً، فبارك الله في دعوته فبلغت مشارق الأرض ومغاربها، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الإخوة: فهذا هو اللقاء الخامس الذي يتم في شهر رمضان عام (1415هـ) وهو في الليلة السابعة عشرة من هذا الشهر في هذه الليلة، بل في يوم هذه الليلة اليوم السابع عشر مناسبة كبرى للمسلمين ألا وهي غزوة بدر التي انتصر فيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه على أبي جهل وأصحابه، انتصر فيها حزب الرحمن على حزب الشيطان. وسبب هذه الغزوة: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سمع أن أبا سفيان قدم من الشام بعير لقريش، ومن المعلوم أن المدينة بين الشام ومكة، فلما سمع بهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ندب أصحابه أن يخرجوا إلى هذه العير ليأخذوها، وإنما استباح النبي صلى الله عليه وسلم أموال قريش لأن قريشاً كانوا في حرب معه، وهم أيضاً -أعني: قريشاً- استباحوا ديار المسلمين وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم، فكانت أموال قريش حلالاً للمسلمين، فندب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من أجل أن يأخذوا هذه العير. ولكن أبا سفيان كان رجلاً ذكياً، لما سمع بما أراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خالف عن الطريق وسلك ساحل البحر، وأرسل إلى قريش يخبرهم بما أراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أخذ عيرهم. فقامت قريش برجالها، وحدها وحديدها، وفخرها، وخيلائها، وبطرها خرجت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، تريد غزوه، وهذا من نعمة الله عز وجل أن أغراهم بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى خرج كبراؤهم وصناديدهم وزعماؤهم إلى قتال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فالتقوا في بدر على غير ميعاد، ليس بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم موعد ولكنهم التقوا في هذا المكان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم على قلة وذلة، ليس معه إلا سبعون بعيراً فقط وفرسان، وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً يتعاقبون الإبل والفرسين، التقوا بعدوهم، وكان عدوهم ما بين تسعمائة إلى ألف في أقوى ما يكون من العدة، خرجوا كما قال الله تعالى: {مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ} [الأنفال:47] . التقوا بالمسلمين فأنزل الله تعالى في تلك الليلة غيثاً ومطراً لتثبيت الأرض للمسلمين، وجعل الأرض زلقاً للكافرين؛ لأن الكافرين كانوا في جهة أخرى فكان زلقاً لهم، أما المسلمون فكانوا في الرمل؛ ولكن الرمل مع المطر اشتد وقوي، حتى ثبت الله أقدام المؤمنين {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} [آل عمران:154] . فأنزل الله هذا المطر وألقى فيهم النوم والنعاس، حتى إن الواحد يسقط سيفه من يده، وهذا يدل على قوة طمأنينتهم وثقتهم بنصر الله عز وجل، إذ لم يكن في قلوبهم رعب؛ لأن من في قلبه الرعب لا يمكن أن ينام، ولكن الله تعالى ألقى في قلوبهم السكينة التقوا بهؤلاء الكفار فصارت ولله الحمد الهزيمة. قتل منهم سبعون رجلاً وأسر سبعون، ولم يستشهد من الصحابة إلا بضعة عشر رجلاً، وقتل من صناديدهم وكبرائهم نحو أربعة وعشرين رجلاً، فسحبوا جميعاً والقوا في قليب في بدر خبيثة منتنة رديئة إذلالاً لهم في الحياة، فلما انتهى القتال ركب النبي صلى الله عليه وسلم ناقته حتى وقف على البئر وقال: (يا فلان ابن فلان! -يخاطبهم بأسمائهم وأسماء آبائهم- هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً، فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً -يخاطبهم وهم أموات- قالوا: يا رسول الله! كيف تخاطب قوماً ماتوا؟ قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم؛ ولكنهم لا يجيبون) أموات يسمعون توبيخ الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ولكن لا يجيبون. وهذا من باب العزة بنصر الله عز وجل، فالمؤمن له العزة بدينه، كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:8] فمن عزة الرسول عليه الصلاة والسلام أنه وقف على القليب التي فيها صناديد قريش كـ أبي جهل ونحوه يوبخهم. وأسروا سبعين رجلاً دخلوا بهم المدينة مأسورين، وقتلوا سبعين رجلاً، وسمى الله هذا اليوم يوم الفرقان؛ لأن الله تعالى فرق فيه بين الحق والباطل، وبين أوليائه وأعدائه ومن ذلك اليوم عز الإسلام، وقوي، وخافه المشركون، وبرز النفاق في المدينة -النفاق يعني: إظهار الإيمان وإبطان الكفر- من السنة الثانية من الهجرة بدأ النفاق الذي يظهر فيه صاحبه بأنه مؤمن وهو كافر؛ لأن الإسلام صار له هيبة، هذه مناسبة في اليوم السابع عشر من شهر رمضان. وفي رمضان أيضاً مناسبة أخرى وهي غزوة الفتح، ومن المعلوم أيها الإخوة أن انتصار المسلمين في ذاك الزمن انتصار لنا اليوم، لأننا أمة واحدة، فنصرهم نصر لنا، فنسأل الله تعالى أن يرزقنا شكر نعمته، ونسأله أن ينصر إخواننا المجاهدين اليوم في الشيشان والبوسنة والهرسك وغيرها من بلاد المسلمين؛ لأن أعداء الإسلام تكالبوا على الإسلام اليوم، حتى صار زعماء منهم يصرحون ويقولون: إننا قضينا على عدونا الشيوعي؛ ولكن بقي عدونا الأصولي، ويعنون بالأصولي: المسلمين. وهذا لا شك أنه يرعبهم أكثر مما يرعبهم الشيوعيون؛ لأنهم ليسوا على دين، والمسلمون على دين منصور؛ ولذلك كانوا يخافونه فتسلطوا الآن، وقويت سلطتهم والعياذ بالله، وعدوانهم على المسلمين من كل ناحية، ولكن إن صدقنا الله صدقنا وعده، وإن نصرنا الله نصرنا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7] فنسأل الله تعالى أن ينصرنا بنصره، وأن يعزنا بدينه وألا يذلنا بمعاصينا إنه على كل شيء قدير.

فوائد متفرقة في باب الزكاة

فوائد متفرقة في باب الزكاة في اللقاء الماضي تكلمنا على الأموال الزكوية، أخذنا منها كم صنفاً؟ الذهب والفضة، وعروض التجارة، والأنعام وهي كالآتي: الإبل، والبقر، والغنم. هل الدين تجب فيه الزكاة أم لا؟ إذا كان على مليء باذل ففيه زكاة، وإن كان على فقير أو على غني مماطل فيه قيدٍ، أيضاً من لا تمكن مطالبته فإنه لا زكاة فيه، والذي لا تمكن مطالبته إما شرعاً وإما حساً، فالذي لا تمكن مطالبته شرعاً الأب، الإنسان لا يمكن أن يطالب أباه أبداً؛ إلا في شيء واحد فقط وهو النفقة الواجبة، يعني لو أن الأب أبى أن ينفق؛ فللابن أن يطالبه عند القاضي، أبى أن يزوج ابنه مع حاجته للزواج وفقره؛ فللابن أن يطالب أباه عند القاضي أن يزوجه؛ لأن له أن يطالب أباه بالنفقة الواجبة، أما الدين فلا، أو يعجز عن المطالبة به حساً كما لو كان الحق أو الدين على أمير، أو على جبار لا يستطيع أن يطالبه. الخلاصة: إذا كان على غني باذل ففيه الزكاة، وإن كان على فقير أو غني مماطل لا تمكن مطالبته فلا زكاة فيه. أصحاب الزكاة الذين يستحقون الزكاة أصناف ثمانية، مذكورون في آية من كتاب الله وهي: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60] . ما الفرق بين الفقراء والمساكين؟ الفقير أحوج من المسكين، والفقير هو: الذي لا يجد من النفقة إلا أقل من النصف، أو لا يجد شيئاً ودون الكفاية. هل الوكلاء في تفريق الزكاة لشخص معين من العاملين عليها، أم لا؟ A لا. فمثلاً: أعطيتك ألف ريال، وقلت: توزعه على المستحق هل لك منه شيء؟ لا. إذا كان هؤلاء قد وكل إليهم من قبل الدولة -الحكومة- هل يأخذون؟ الحكومة مثلاً جعلت أناساً على الزكاة يقبضونها ويفرقونها، هل لهم فيها حق؟ الجواب: إذا كان له راتب ما يستحق، وإذا لم يكن له راتب يستحق؛ لقوله: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة:60] . إذا كان رجل راتبه في الشهر ألف ريال ونفقته ألفي ريال، هل يعطى من الزكاة؟ نعم. كم يعطى؟ اثني عشر ألفاً في السنة.

الأسئلة

الأسئلة

كيفية أداء التراويح بعد الجمع في حال المطر

كيفية أداء التراويح بعد الجمع في حال المطر Q من الملاحظ في شهر رمضان هذه السنة نزول بعض الأمطار فهل يجمع الناس بين صلاة المغرب والعشاء؟ ثم إذا جمعوا فهل يصلون التراويح مباشرة، أم ماذا يصنعون؟ A أظن أننا تلونا بعد صلاة الجمعة قبل الماضية فتوى من اللجنة الدائمة بالتحذير من التساهل في الجمع بين المغرب والعشاء، أو الظهر والعصر وقالوا: إنه لا يجمع في المطر إلا إذا كان يبل الثياب، وتوجد معه مشقة، وعلقنا على ذلك وحذرنا من التهاون، وما زلنا على هذا، لكن إذا كان المطر حقيقة شديداً؛ فإن الجمع جائز، وإذا انتهى من الجمع فالذي أرى أن يخير الجماعة يقول: هل تحبون أن نصلي التراويح الآن وننصرف إلى البيوت، أو تنصرفوا إلى بيوتكم وكل يصلي في بيته، أو تأتون إلى المسجد ونصلي التراويح لكن هذه ممتنعة، لماذا؟ لأنهم لو قالوا: نعم نأتي للتراويح، قلنا: إذاً لا حاجة إلى الجمع، فما بقي عندنا إلا أن نخيرهم إن شاءوا أقاموا التراويح بعد صلاة العشاء وإن شاءوا انصرفوا وكل يصلي في بيته.

كيفية توزيع الزكاة

كيفية توزيع الزكاة Q هل أهل الزكاة يعطون من أموال الزكاة بحسب ترتيبهم الوارد في الآية؟ A ليسوا على الترتيب، بل ربما تعطي المسكين ولا تعطي الفقير، لكن من المعلوم أن كل من كان أشد حاجة فهو بها أولى، وإذا اجتمع قرابة وشدة حاجة وكان هذا القريب ممن لا تلزمك نفقته فهو أولى من البعيد، وكذلك فقراء البلد أولى من الفقراء في غير بلدك، ومن كان أقرب من بلدك أولى ممن كان أبعد.

الصفات الواردة في السنة لصلاة التراويح

الصفات الواردة في السنة لصلاة التراويح Q تكررت أسئلة النية في صلاة الوتر ثلاثاً أو اثنتين، وهذه الأسئلة تدور على الإمام والمأموم، وخاصة إذا كان المأموم ممن ينوي جهراً قبل صلاته؟ A الوتر صلاة مقيدة معينة، فهي صلاة وتر، وإذا كانت معينة فلابد فيها من النية من أولها، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) وعلى هذا فإذا كان الإمام من عادته أن يصلي أربع تسليمات ثم يوتر، فإن المأموم إذا صلى أربع تسليمات ثم قام الإمام بعد ذلك ينوي الوتر، وإذا نوى الوتر فهو على نيته سواء سرد الإمام الثلاث جميعاً أو سلم بالركعتين ثم أتى بالثالثة؛ لأن الركعتين اللتين تسبق الواحدة هي من الوتر لكنه وتر مفصول، وإذا سرد الثلاث جميعاً بتشهد واحد فهو وتر موصول، وكلاهما جائز. لكن سمعنا أن بعض الأئمة يصلي أربع تسليمات ويقوم للتسليمة الخامسة على أنها الوتر لكنه يقرأ فيها من قراءة التراويح حرصاً منه على أن يختم، وهذا غلط من وجوه: الوجه الأول: أننا لا نعلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ختم القرآن في التراويح أبداً، بل لم يصل إلا ثلاث ليال، وكذلك لا نعلم أن الصحابة كانوا يتعمدون ذلك، صحيح أن بعض العلماء من السابقين واللاحقين قالوا: ينبغي أن يقرأ القرآن كله على الجماعة ويختم. أما الوجه الثاني: أنه ترك القراءة المشروعة إلى قراءة غير مشروعة، ما هي القراءة المشروعة في الوتر؟ أن يقرأ بسبح في الركعة الأولى، وبالكافرون في الثانية، وبالإخلاص في الثالثة، وهذا عدل وأتى بقراءة غير مشروعة في الوتر. الوجه الثالث: أنه لبس على المصلين؛ إذ أن المصلي ولو كان قد دخل مع الإمام من أول الصلاة إذا قرأ الإمام من قراءة التراويح سوف يكون عنده شك، يقول: لعلي أخطأت في عدد الركعات السابقة، لعل هذه بقية التراويح ثم يبقى متردداً، وربما ينوي التراويح، فإذا نوى التراويح وصار هو الوتر ثم نواه في أثناء الصلاة لم يصح، ولم يكن وتراً، ولكن ماذا يصنع؟ نقول: إذا لم يصح أن يكون وتراً فإذا سلم إمامك فقم وائت بركعة لتكون شفعاً، ثم صل الوتر بعد ذلك، وإن شئت صليت آخر الليل. ولهذا يحصل الارتباك للمأمومين إذا فعل الإمام مثل هذا الشيء، والذي ينبغي للإمام أن يعلم أنه لا يصلي لنفسه حتى يصنع ما شاء، بل يصلي لغيره، ولهذا يعبر الصحابة فيقولون: [صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم] . فهو يصلي لغيره. ويوجد أيضاً بعض الأئمة يسرد بالجماعة تسع ركعات، من أول ما يبدأ إلى آخره تسع ركعات، بناءً على أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بتسع فسردها ولم يتشهد إلا في الثامنة ولم يسلم، ثم صلى التاسعة وسلم، وهذا أيضاً من الغلط، هو يقول: أريد أن أحيي السنة نقول: نعم أحيها؛ لكن هل الرسول عليه الصلاة والسلام -وهو أحرص منك على نشر السنة- صلى بأصحابه تسع ركعات؟ أبداً ما صلى إلا ركعتين ركعتين. ثم في هذا من المشقة على الناس ما هو ظاهر، قد يحصر الإنسان في أثناء الصلاة فإن انفتل من صلاته خجل، وإن استمر في صلاته تعب، بخلاف ما إذا كان المصلي على ركعتين ركعتين، فهو إذا سلم ذهب، ثم إن الناس يكفيهم أن يقال في الحديث الوتر على أصناف متعددة كذا وكذا وكذا ويعرفون، ولهذا ما عهدنا مشائخنا الذين هم أكبر منا، وأحرص منا على نشر السنة، ما رأيناهم يفعلون هذا، يصلون بالناس بتسع ركعات، بل ولا بسبع، ولا بخمس؛ فلذلك ينبغي للإمام أن يكون عنده حكمة في كيفية معاملة الناس، أليس الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إذا صلى أحدكم لنفسه فليطل ما شاء) لكن للناس يراعيهم حتى لا يحصل عليهم الارتباك والتعب. نعم لو فرضنا أن قوماً كانوا في بساتين محصورين ما عندهم أحد، واتفقوا فيما بينهم على أن يوتروا بتسع فلا حرج لأن هؤلاء اختاروا بأنفسهم، أما مسجد عام كل يدخل فيه، ولا يعلم الناس عما يريد الإمام؛ فهذه مشكلة، حتى لو فرض أن الرجل هذا أوتر بتسع، ثم إن الناس أول ما يكبرون ماذا ينوون: الوتر أم صلاة الليل؟ ينوون صلاة الليل، وينوون أن تكون اثنتين، ولا ينوون الوتر، معناه كل التسع الركعات هذه لا تجزئهم عن الوتر؛ لأنهم لم ينووا. فالمهم نحن نحث الأئمة على أن يراعوا الناس الذين وراءهم، والسنة يمكن فعلها في بيوتهم كما فعل الرسول في بيته، فالرسول لم يصل بالناس لا بتسع، ولا بسبع، ولا بخمس، يفعلونها في بيوتهم، ويبينون للناس السنة في القراءة وفي الحديث.

زكاة العسل

زكاة العسل Q أنا أتاجر في العسل فهل يجب علي الزكاة فيه، مع العلم بأني أشتري منه وأبيع، ولا يمضي عليه فترة؟ وإذا كان فيه زكاة فما مقدار هذه الزكاة الواجبة؟ وكيف أؤديها؟ A أما من جهة الذين يبيعون ويشترون في العسل فهؤلاء تجار عسل، وتجب عليهم الزكاة في العسل على أنها عروض تجارة كالتجار، فإذا جاء وقت الزكاة فإنهم يقدرون ثمن العسل الذي عندهم ويخرجون ربع العشر، وكيف أعرف ربع العشر؟ أعرف ربع العشر بأن أقسم الدراهم على أربعين، فما خرج بالقسمة فهو ربع العشر، فإذا كان عندي أربعون ألفاً كم ربع العشر؟ ألف. إذا أردت أن تعرف مقدار ربع العشر فاقسم ما عندك على أربعين، والخارج بالقسمة هو ربع العشر، أما إذا كان العسل يجنى -يعني: الإنسان عنده منحلة يجني منها العسل ويبيعه- فقد اختلف العلماء رحمهم الله: هل تجب فيه الزكاة أم لا تجب؟ فمنهم من قال: إن الزكاة واجبة فيه ومقدارها العشر، ومنهم من قال: إن الزكاة لا تجب فيه؛ لأنه ليس من الحبوب ولا من الثمار، لكن الأحوط للإنسان أن يخرج الزكاة عنه.

التفصيل في أحكام الاعتكاف

التفصيل في أحكام الاعتكاف Q فضيلة الشيخ: أرغب الاعتكاف في العشر الأواخر بمشيئة الله تعالى، ولكن عندي مشكلة وهي وجبة العشاء، فهل أخرج في كل ليلة فأذهب إلى أهلي وأتعشى ثم أرجع، وكذلك في صلاة الجمعة، أم لا بد لي من الاشتراط لصلاة الجمعة ووجبة العشاء؟ A خروج المعتكف ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: قسم يثبت بلا شرط. الثاني: قسم يثبت بالشرط. الثالث: قسم لا يثبت لا بالشرط ولا بغيره. -أما القسم الذي يثبت بلا شرط فهو كل شيء لا بد منه إما شرعاً وإما حساً، كل شيء لا بد منه فاخرج له سواء اشترطت أم لم تشترط، فالطعام لابد منه، فإذا لم يوجد من يأتي بالطعام إلى المسجد فله أن يخرج ويتغدى ويتعشى في بيته ويرجع -يتغدى يعني: السحور- لأن السحور يسمى غداءً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه لغداء مبارك) . كذلك صلاة الجمعة لا بد منها شرعاً أم حساً؟ الجواب: شرعاً، إذاً: يخرج إذا كان يعتكف في غير مسجد جامع ويصلي الجمعة؛ سواء اشترط أم لم يشترط. سؤال: الغسل من الجنابة؟ الجواب: لا بد منه شرعاً. سؤال: الغائط والبول، لابد منه شرعاً أم حساً؟ الجواب: حساً، يخرج بلا شرط. أما الذي يثبت بالشرط فهو الخروج لما يقصد شرعاً، مثل: أن يخرج لعيادة مريض، أو تشييع جنازة، أو نحو ذلك، فهذا يجوز بالشرط ولا يجوز بغير الشرط، فإذا كان المعتكف له قريب مريض واشترط أن يزوره كل يوم فله ذلك ولا يبطل اعتكافه، وكذلك لو كان يتوقع موت قريب له أو صديق أو أي إنسان، وقال: إن مات قريبي أو صديقي فلي أن أخرج فله ذلك. وأما الثالث الذي لا يثبت لا بالشرط ولا بغيره: فهو الخروج لما ينافي الاعتكاف، مثل: أن يكون الرجل حديث عهد بعرس، فيشترط باعتكافه أن يخرج كل ليلة إلى أهله ليجامع زوجته، هل يصح هذا الاشتراط أم لا؟ الجواب: لا يصح. - إنسان له دكان، واشترط عند اعتكافه أن يخرج كل عصر إلى دكانه، هل يصح أم لا؟ الجواب: لا يصح، لأنه ينافي الاعتكاف. -إنسان عنده دورة كرة قدم، واشترط في اعتكافه أن يخرج للمبارات؟ الجواب: لا يصح الشرط، لأن هذا ينافي الاعتكاف.

الولي الشرعي في عقد زواج المرأة

الولي الشرعي في عقد زواج المرأة Q فضيلة الشيخ: هذا سؤال ورد هذه الليلة من أمريكا، يقول السائل فيه: امرأة في أمريكا لها أب في الصومال، وقد تقدم لخطبتها أحد المسلمين هناك في أمريكا، لكن توقف الأمر عند الولي، وأبوها يشق الوصول إليه، ولها عم في كينيا وقد أرسل العم إلى أمريكا برسالة يوكل فيها من يكون ولياً للمرأة بالوكالة، فهل تصح هذه الصورة، فإن لم تصح فما العمل، أفتنا أفادك الله؟ A سبحان الله! عمها في كينيا يستطيع أن يبعث برسالة يوكل من يزوجها، وأبوها في الصومال لا يستطيع، كيف هذه الصورة؟ السائل: لعل هذا في الحرب. الشيخ: إذا تعذر الوصول إلى الولي الأقرب زوجها من بعده، فإن كان لها إخوة أشقاء أو لأب فإن عمها لا يصح له أن يزوجها، وإن لم يكن لها إخوة فعمها الشقيق أو لأب يزوجها، وحينئذٍ إذا بعث برسالة يوكل فلا حرج، يزوجها الوكيل بهذه الرسالة إذا كانت الرسالة ثابتة أن عمها هو الذي أرسلها، بشهود وتصديق ثقة. وإذا كان لا يمكن لا هذا ولا هذا فيزوجها من يدبر أمر المسلمين هناك؛ لأن من لا ولي لها فالسلطان وليها، ومن يدبر شئون المسلمين هناك هو السلطان. السائل: إذا كان يمكن الوصول إلى والدها ولكن مع المشقة؟ الشيخ: إذا كان يمكن الوصول إلى والدها مع مشقة شديدة فهذا وجوده كالعدم.

زكاة ذهب المرأة إذا كان زوجها عليه دين

زكاة ذهب المرأة إذا كان زوجها عليه دين Q فضيلة الشيخ: إذا كان الزوج عليه دين يعجز عنه وعنده زوجة لها ذهب تجب فيه الزكاة وليس لها دخل إلا من زوجها فكيف تخرج زكاة هذا الذهب؟ A لها أن تأخذ الزكاة من زوجها إذا وافق، وتخرج زكاته، فإن لم يوافق باعت من الحلي بقدر زكاتها وأخرجته. السائل: الزوج مدين؟ الشيخ: إذا كان الزوج مديناً ما بقي عليها إلا أن تبيع من ذهبها وتخرج الزكاة.

كيفية إخراج زكاة الأراضي

كيفية إخراج زكاة الأراضي Q رجل يتاجر بالأراضي فكيف يؤدي زكاة هذه الأراضي؟ A يقدر قيمة الأراضي في وقت وجوب الزكاة ويخرج ربع العشر، سواء كانت قيمتها عند وجوب الزكاة أكثر مما اشتراها به أو أقل، فإذا قدرنا أن رجلاً اشترى أرضاً بمائة ألف، وعند وجوب الزكاة كانت تساوي مائتي ألف -يعني: اثنين- كم يزكي: مائة ألف أم مائتي ألف؟ الجواب: يزكي مائتي ألف. وإذا اشتراها بمائتي ألف وكانت عند وجوب الزكاة لا تساوي إلا مائة ألف، كم يزكي؟ الجواب: مائة ألف. لكن أحياناً تركد الأراضي وكذلك السلع لا تتحرك، إن طلبت ارتفعت قيمتها، وإن جلبت نقصت قيمتها، فماذا يصنع؟ نقول: يعمل بالتحري، لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] ^ فيتحرى القيمة التي تساويها وقت وجوب الزكاة ويعتمد عليها.

كيفية إخراج زكاة المال إذا كان مغصوبا

كيفية إخراج زكاة المال إذا كان مغصوباً Q رجل غصب ماله ثم وجد هذا المال بعد سنوات فكيف يؤدي زكاة هذا المال في الوقت الحاضر؟ A ليس عليه زكاة، المال المغصوب إذا كان عند شخص لا تقدر على استخلاصه منه فليس فيه زكاة، وكذلك المال الضائع لو ضاعت -مثلاً- نقود وبقيت سنوات ثم وجدها فإنه ليس فيها زكاة عما مضى. والقاعدة: أن كل مال لا تقدر عليه فليس فيه زكاة، كالضائع والمجحود والمغصوب ممن لا يقدر على أخذه منه وغير ذلك.

حكم الاعتكاف لمن يدرس ويريد السفر بعد انتهاء الدراسة

حكم الاعتكاف لمن يدرس ويريد السفر بعد انتهاء الدراسة Q فضيلة الشيخ: أنا طالب أدرس هنا ولست من أهل هذه البلاد، وأردت أن أعتكف واشترطت أن أخرج للدراسة واشترطت أيضاً أن أسافر إلى أهلي بعد الانتهاء من دراستي لأكمل الاعتكاف هناك، أرجو تفصيل ذلك مع الدليل في الجواز وعدمه والله يحفظك؟ A الظاهر أن هذا الرجل مزق اعتكافه بالدراسة مرة وبالسفر مرة أخرى. وأقول: إن الاعتكاف من الأمور المسنونة، وطلب العلم أفضل من الاعتكاف، فلو دار الأمر بين أن أعتكف أو أن أطلب العلم قلنا: اطلب العلم، يعني: الاعتكاف من الأمور المسنونة ليس من الأمور الواجبة، بل إن بعض العلماء نفى أن يكون مسنوناً، وقال: إن الاعتكاف مضى زمنه لكن هذا القول ضعيف لا شك فيه. بل قد حكى بعض العلماء الإجماع على أن الاعتكاف مسنون، لكنه لا يجب الاعتكاف إلا بالنذر، من نذر اعتكافاً وجب عليه، وإذا كان من الأمور المسنونة فإن قيام الإنسان بالواجب أفضل من اعتكافه، وإن طلبه للعلم أفضل من اعتكافه، وعلى هذا فمن كان في وظيفة فقيامه بالوظيفة أفضل من اعتكافه، ومن كان طالب علم فقيامه بطلب العلم أفضل من الاعتكاف. وحينئذٍ نقول لهذا الأخ الذي يدرس: لا تعتكف، دراستك أفضل من اعتكافك، وإذا انتهت الدراسة فسافر إلى أهلك، والحمد لله إذا علم الله من نيتك أنه لولا أنك قدَّمت ما هو الأفضل على المفضول فلعل الله تعالى أن يثيبك على ما نويت.

حكم الدخول إلى المعتكف بعد دخول العشر الأخيرة من رمضان

حكم الدخول إلى المعتكف بعد دخول العشر الأخيرة من رمضان Q فضيلة الشيخ: من المعلوم لديكم أن الدراسة والأعمال لا تنتهي إلا بعد دخول العشر، فهل يصح الاعتكاف بعد مضي أول العشر، ثم إذا اعتكفت فمتى يكون دخولي في المعتكف ومتى يكون خروجي منه، هل أخرج ليلة العيد أم صباح العيد؟ A الذي يظهر لي أن الاعتكاف يتجزأ، وإلا فمن المعلوم أن الاعتكاف المسنون الذي جاءت به السنة أن يعتكف الإنسان جميع العشر من حين أن تغرب الشمس يوم عشرين من رمضان إلى أن تغرب الشمس آخر يوم من رمضان، هذا هو الاعتكاف الذي شرعه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والذي فعله. وأما إذا اعتكف خمسة أيام من العشر من أولها وآخرها فهذا لا شك أنه اعتكف بعض المدة، فإن قلنا بأن الاعتكاف يتجزأ وأن الإنسان يمكن أن يتصدق بخمسة دراهم من عشرة صح أن يعتكف بعض العشر دون بعض، وإذا قلنا: إنه عبادة واحدة لا يمكن أن تتجزأ وأن الإنسان إذا جزأه فهو كمن سجد بلا ركوع أو ركع بلا سجود، فبناءً على ذلك لا يحصل له أجر الاعتكاف. لكن الذي يظهر لي أنه يمكن أن يتجزأ، بمعنى أن الإنسان إذا فرغ من الدراسة اعتكف، ولكن لا يحصل على السنة الكاملة التي شرعها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأمته، وأما ما جاء من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه استفتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه نذر أن يعتكف ليلة أو يوماً في المسجد الحرام؟ فقال له: (أوف بنذرك) فهذا لا يدل على أن الاعتكاف يوم أو ليلة من الأمور المشروعة للمسلمين والتي يطلب من الإنسان أن يفعلها، لكنها من الأمور الجائزة التي إذا فعلها الإنسان لا ينكر عليه، لكنها ليست من الأمور المشروعة. فإذا قال قائل: ما هذه القاعدة التي ذكرت؟ هل يقر الإنسان على شيء غير مشروع؟ قلنا: نعم، يقر على شيء جائز لا ينكر، لكن ليس مطلوباً لا منه ولا من غيره، ونضرب لهذا مثالين: المثال الأول: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث رجلاً على سرية فكان يصلي بهم ويختم بـ (قل هو الله أحد) فسئل عن ذلك؟ فقال: لأنها صفة الله وأنا أحب أن أقرءها) فأقره النبي عليه الصلاة والسلام، لكن هل نقول: إنه يشرع لنا الآن في صلاتنا أن نختمها بـ (قل هو الله أحد) ؟ الجواب: لا. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: اختموا صلاتكم بـ (قل هو الله أحد) ولا كان هو يختم بـ (قل هو الله أحد) ، لكن رخص لهذا الرجل الذي حملته محبة الله على أن يختم بـ (قل هو الله أحد) . المثال الثاني: (جاءه رجل فقال: يا رسول الله! إن أمي افتلتت نفسها -أي: ماتت بغتة- وأظن أنها لو تكلمت لتصدقت، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم) . وجاءه سعد بن عبادة يستئذنه في أن يجعل بستانه صدقة لأمه، فأذن له، فهل يقال: إنه يشرع للإنسان أن يفعل مثل هذا؟ أو نقول: لو فعل لم ننكر عليه؟ الجواب: الثاني. ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحداً من المسلمين أن يقتطع من ماله لأمه أو أبيه إذا مات، لكنه أجاز ذلك. وندب إلى أن ندعو له دون أن نجعل لهم شيئاً من أموالنا، فقال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) هذا هو الذي يظهر لنا في حديث عمر بن الخطاب حينما نذر أن يعتكف يوماً أو ليلة في المسجد الحرام فأذن له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أما الاعتكاف المشروع المسنون الذي يكون على تمام الاقتداء والاتباع للرسول عليه الصلاة والسلام فهو اعتكاف جميع العشر.

حكم إظهار المرأة جبهتها أثناء الصلاة

حكم إظهار المرأة جبهتها أثناء الصلاة Q فضيلة الشيخ: أليس لنا منك نصيب في الموعظة والأسئلة، وسؤالها تقول: هل عدم إظهار المرأة للجبهة عند الصلاة حرام، بمعنى كلمة التحريم، أم الأمر يا فضيلة الشيخ سنة وضح لنا جزاك الله خيراً؟ A أما قولها: هل لها نصيب من الأسئلة والموعظة فنقول: نعم، لها نصيب كنصيب الرجال، نحن جعلنا للذكر مثل حظ الأنثى في العلم، وهي الآن تسمع بمكبر الصوت ما نعظ به الرجال، وتسمع ما نجيب، وإذا كانت ترسل أسئلة ولكن الشيخ حمود لم يقرأها فالجناية عليه. السائل: أنا لا أعلم. الشيخ: على كل حال هي تنتفع بهذا وبهذا. أما موضوع الجبهة وأنه يجب على المرأة التي تصلي في مكان فيه رجال أن تغطي وجهها في الصلاة فهذا حقيقة لا بد أن تغطي وجهها، لكن عند السجود إن تيسر لها أن تكشف الجبهة والأنف لتباشر ما تسجد عليه فهو أفضل، وإن لم يتيسر فالأمر واسع؛ لأن أنس بن مالك رضي الله عنه، يقول: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نصلي في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه) وثوبه متصل به كالخمار بالنسبة للمرأة متصلاً بها. وعلى هذا أقول: إن تيسر لها أن تكشف الوجه عند السجود فهذا طيب، وإن لم يتيسر فلا حرج، وإذا كان ليس حولها رجال كما يوجد الآن في مسجدنا هذا النساء يصلين وحدهن في مكان فإنها تكشف وجهها في الصلاة.

حكم صلاة المنفرد خلف الصف للرجال والنساء

حكم صلاة المنفرد خلف الصف للرجال والنساء Q فضيلة الشيخ: ما جاء في الحديث: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) هل هذا الحكم خاص للرجال أم النساء كذلك، فإن بعض النساء هداهن الله تحتج تصلي وحدها خلف الصف، ولربما صفت واحدة مع الأخرى فقط والفرج في الصف الأخير باقية، نرجو التنبيه على هذا؟ A النساء إذا كن يصلين جماعة في المدارس أو في البيوت فمصافتهن كمصافة الرجال، بمعنى أن الصف الأول أفضل من الثاني، والثاني أفضل من الثالث، وتلزمهن المصافة، فلو صلت الواحدة منفردة مع وجود مكان لها في الصف الذي أمامها فصلاتها باطلة كالرجل تماماً، وصفوفهن الأول فالأول، وأما إذا كانت تصلي مع الرجال فننظر: إذا كان ليس مع الرجال إلا واحدة فقط فإنها تصلي وحدها، لأنه لا مكان للمرأة في صفوف الرجال، وإن كان معها نساء فإنه لا بد لهن من المصافة، فلو انفردت واحدة منهن عن صفهن فصلاتها باطلة. فإذا قال قائل: إذا كان النساء يصلين في مكان من المسجد منفرد عن الرجال فهل الأفضل في صفوفهن الأول فالأول أو الآخر فالآخر؟ الجواب: الأول فالأول أفضل، لعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ قالوا: كيف ذلك؟ قال: يتراصون ويتمون الأول فالأول) أما إذا كانت النساء مع الرجال يعني: في جانب من المسجد يشاهدهن الرجال فإنه كلما تأخرت المرأة عن مشاهدة الرجال فهو أفضل، وعلى هذا يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) .

حكم نزول قطرات من الدم من المرأة

حكم نزول قطرات من الدم من المرأة Q امرأة أحست بأعراض الحيض وشاهدت نقطاً بسيطة من الدم، ولكن في اليوم الثاني والثالث والرابع لم تشاهد أي دم، فماذا تفعل في هذه الأيام الثلاثة، هل تصوم وتصلي أم لا؟ A نعم تصوم وتصلي؛ لأن الحيض هو السيلان، مأخوذ من قول العرب: حاض الوادي إذا سال، فالحيض الطبيعي لابد أن يسيل ويخرج إلى الملابس، وتحس به المرأة سائلاً، أما النقطة والنقطتان فليستا بشيء، وقد نقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه [أن المرأة إذا رأت دماً مثل الرعاف -يعني: نقطة نقطة- فإنه ليس بشيء] ^ وبناءً على ذلك تكون صلاة المرأة التي ذكرت عن نفسها ما سمعتم وصيامها صحيحين.

حكم صلاة المسافر خلف إمام يصلي التراويح

حكم صلاة المسافر خلف إمام يصلي التراويح Q من قدم على قوم وهم يصلون التراويح وهو مسافر أو في حكم السفر كمقيم يوماً أو يومين ثم يرحل، هل يصح أن يصلي مع الإمام المقيم صلاة العشاء ركعتين قصراً -يعني وهو يصلي التراويح-؟ A إذا دخل المسافر مع الإمام الذي يصلي التراويح فإنه يصلي ركعتين بنية العشاء ولا حرج؛ لأنه لم يخالف الإمام، بخلاف المسافر إذا دخل مع الإمام المقيم فصلى أربعاً فإنه لا بد أن يصلي أربعاً حتى وإن كان قد أدرك ركعتين، فإنه يجب عليه أن يأتي بالركعتين الباقيتين بعد سلام الإمام، ومثل ذلك أيضاً المستوطن إذا دخل المسجد والإمام يصلي التراويح فإنه يدخل معه بنية العشاء، فإذا سلم الإمام أتى بما بقي عليه من صلاة العشاء.

حكم تخطي الصفوف إلى الصفوف الأمامية قبل الصلاة

حكم تخطي الصفوف إلى الصفوف الأمامية قبل الصلاة Q فضيلة الشيخ: نشاهد بعض الشباب الذين يصلون معك أنهم يأتون ويكونون في الصف الثالث، فإذا رأوك قد قدمت تخطوا الصف الثاني ولربما الأول لأجل أن يكونوا في الأول، حتى إنه ليدخل أحدهم رجليه بين الرجلين الجالسين أو الواقفين ينتظرون دخولك، وبذلك يحرمون الذين في الصف الثاني من التقدم إلى الصف الأول وهم قد جاءوا قبلهم، لا أعلم ماذا يقول فضيلتكم في ذلك وجزاك الله خيراً؟ A الذي ينبغي للناس إذا دخلوا المسجد أن يتموا الأول فالأول، وكل يبقى في مكانه، وأما ما يفعله بعض الناس يكون في آخر المسجد ثم إذا قربت الإقامة قام إلى مكانه الذي حجزه في الصف الأول فآذى الناس بالتخطي، فهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في مثله: (اجلس فقد آذيت) ، وأما من ليس له مكان محجوز لكنه صلى وبينه وبين هذا المكان منفتح صف ينتظر إقامة الصلاة ثم يتقدم إلى الصف الأول فهذا لا بأس به، لأنه يقال للصف الثاني: لماذا لم تتقدم؟ تقدموا لمكان مفتوح، لكن لا ينبغي من جهة أن هذا يجعل في نفس الصف الثاني شيئاً على هذا الذي تقدمهم، يعني: يكون في أنفسهم عليه شيء، وكل شيء يوجب حمل القلوب بعضها على بعض فإنه ينبغي تجنبه، فدع المكان مفتوحاً لمن كان سبقك في الصف الثاني، وأنت تكون في مكانه.

حكم أداء العمرة أثناء صلاة التراويح

حكم أداء العمرة أثناء صلاة التراويح Q من وصل إلى مكة وهو يريد العمرة فلما وصل وجد الناس يصلون صلاة التراويح، فهل الأفضل له أن يصلي معهم صلاة التراويح أم يشرع في أداء العمرة؟ A الظاهر أن الأفضل أن يدخل معهم في صلاة التراويح؛ لأنها تفوت بانتهاء صلاة الإمام، والعمرة لا تفوت، وهذا الرجل الذي دخل المسجد قاصداً الطواف -طواف العمرة- لولا هذا المانع يكتب له إن شاء الله أنه بادر بعمرته.

حكم تأخير الإفطار عن وقته المحدد

حكم تأخير الإفطار عن وقته المحدد Q فضيلة الشيخ: أمسكت هذا اليوم بعد الوقت المحدد في الإمساكية بدقيقتين، فهل عليَّ شيء؟ A نرجو أن لا يكون عليك شيء، ولكنا نقول: لا تعد؛ استعد من قبل واحتط لنفسك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) .

حكم زكاة الرواتب الشهرية

حكم زكاة الرواتب الشهرية Q فضيلة الشيخ: نحن طلاب في الجامعة ولنا رواتب ولربما تأتينا بعد شهر أو شهرين، ولكن لا يبقى عندنا ما يحول عليه الحول فكيف نخرج زكاتها؟ A هذه ليس فيها زكاة ما دام الإنسان لا يبقى عنده المال إلى تمام الحول فإنه لا زكاة عليه.

بيان الميقات المحدد لمن أراد العمرة

بيان الميقات المحدد لمن أراد العمرة Q أنا رجل أريد أن أذهب إلى العمرة وأنا من سكان جدة وأنا مسافر إلى أهلي، ثم أريد أن آتي بعمرة بعد ذلك بأيام، فهل أحرم من الميقات أم من جدة؟ A لا يلزمه الإحرام من الميقات؛ لأنه إنما مر من الميقات مريداً أهله، وإذا أراد العمرة يحرم من أهله، بخلاف الذي ليس أهله في جدة إنما هو من أهل القصيم مثلاً، وسافر إلى مكة للعمرة ولغرض له في جدة، فهذا يلزمه أن يحرم من الميقات ثم يقوم بالعمرة ثم يقضي شغله، وإلا يحرم من الميقات ويبقى على إحرامه إلى أن ينتهي شغله ثم يذهب إلى مكة ويكمل عمرته.

حكم تركيب اللولب للمرأة من أجل منع الحمل

حكم تركيب اللولب للمرأة من أجل منع الحمل Q هل تركيب اللولب للمرأة حلال أو حرام، وما هو الحل الأمثل الذي تنصحون به -وفقكم الله- في عدم الحمل لمن كان عندها طفل صغير، فكم من المشاكل التي حصلت بين الزوج وزوجته بسبب هذا الأمر؟ A أنا مع الزوج الذي يقول: أريد منها -أي: المرأة- أن تحمل، لأنه كلما كثر الأولاد فهو أفضل، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (تزوجوا الودود الولود) أي: كثيرة الولادة، ولا ينبغي للمرأة أن تستعمل ما يمنع الحمل إلا عند الضرورة القصوى، وحينئذ تسأل الطبيب ما الذي تستعمله: أحبوباً أم لولباً؟ وأما بدون ضرورة قصوى فإن مشقة الحمل وتربية الأولاد أمر لا بد منه، والإنسان إذا استعان بالله ووافق شرع الله أعانه الله عز وجل.

§1/1