جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة
ناصر الدين الألباني
باب المقدمات
بسم الله الرحمن الرحيم باب المقدمات: مقدمة الطبعة الجديدة: إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد؛ فهذه هي الطبعة الجديدة لكتابي "حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة"، وهي تختلف عن سابقاتها بزيادات مهمة في جوانب عديدة، أهمها تلك الزيادة في الأحادث وآثار السلف الدالة على أن وجه المرأة وكفيها ليس بعورة، فمثلًا هناك زيادة خمسة أحاديث "من صفحة 70 – 72"، حيث أصبح عدد الأدلة ثلاثة عشر دليلًا بدلًا من ثمانية أدلة في الطبعات السابقة، وكذلك أضفنا في هذه الطبعة عددًا من أهم الآثار السلفية الدالة على ذلك، يجدها القارئ "في صفحة 96 – 103" وأهم من ذلك كله تلك الصفحات التي ألحقناها بـ "ص 51 – 53" وبينا فيها دقة نظر ابن عباس ومن تبعه من الصحابة والمفسرين في تأويل قوله
تعالى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ، وأن المراد الوجه والكفان، والمعنى: إلا ما ظهر عادة بإذن الشارع وأمره. فلا يرد حينئذ الاعتراض أو الإشكال الذي كنت أوردته على تفسير ابن جرير والقرطبي هناك، فراجعه فإنه مهم جدًّا، وفيه بيان أن الفضل في التنبه لهذا يعود إلى الحافظ ابن القطان الفاسي في كتابه الجامع النظر في أحكام النظر، وذلك من بركة الاستمرار في البحث وطلب العلم للوصول إلى الحق مما اختلف فيه الخلق. وهناك زيادة تحت عنوان "فائدة مهمَّة" "ص144 – 117" حول خطورة استخدام الخادمات الكافرات في بيوت المسلمين. وكذلك الزيادة من "ص 121 – 123" حول بعض ألوان ثوب المرأة، والتي قد تعتقد بعض النساء أنها من الزينة، وهي ليست كذلك، والأدلة عليها ... بالإضافة إلى العديد من الزيادات المعلولة والمختصرة، يجدها القارئ مبثوثة في مواقع مختلفة، حسبما يقتضيه البحث والتدقيق العلمي. ومن ناحية أخرى؛ فإن هناك فقرات كانت في الطبعات السابقة في الهامش، فرأينا في هذه الطبعة أن تنقل إلى المتن؛ لأهميتها وضرورة إبرازها؛ كالمادة الموجودة من صفحة "74 – 79" تحت عنوان: "إبطال دعوى أن هذه الأدلة كلها كانت قبل فرضية الحجاب"، بالإضافة إلى فقرات متفرقة نقلت من الهامش إلى المتن حسبما رأينا أن المصلحة تقتضي ذلك. هذا، وقد شرعت منذ مدة ليست بالقصيرة –ربما قاربت السنتين- بكتابة مقدمة لهذه الطبعة الجديدة، اضطرت من خلالها أن
أتعرَّض لبعض الذين تناولوا كتابي هذا –أو بالأحرى قولي بأن وجه المرأة وكفيها ليسا بعورة- تناولوا بالنقد غير العلمي، والمصحوب بالتجريح كأني أنتصر لهذا الرأي متَّبعًا فيه هواي، ولا سلف لي فيه! فبدأت باستعراض أدلتهم وردودهم، وتتبع أقوالهم وشبهاتهم واحدة واحدة غالبًا، كما عُنيتُ بالرد على الشيخ التويجري عناية خاصة في كتابه: "الصارم المشهور"؛ لأنه كبيرهم في ذلك ومن أسبقهم! وأحيانًا أرد عليهم ردًّا عامًّا، وهذا حينما يكون الدليل واضحًا لا لبس فيه ولا غموض.... وهكذا، حتى وجدتني قد تجمع عندي ما يزيد على مائة صفحة بخط يدي من الحجم الكبير، أي أنه لو أتممته ونسقته؛ لقارب حجمه هذا الكتاب –الأصل- أو يزيد، مما جعل أمر إلحاق هذا الذي تجمع تحت اسم مقدمة الطبعة الجديدة لهذا الكتاب أمرًا غير مناسب من جوانب عديدة، منها أن حجمه سيزيد إلى الضعف، ومنها –وهو الأهم- تلك البحوث المتخصصة النادرة التي تناولتها بالبحث، فرأيت بعد نظر وتفكير أن أفصل هذا الذي كتبته عن هذه المقدمة، وأن أخرجه كتابًا مستقلًا؛ ليكون بيانًا للناس، ولعله –إن شاء الله- يكون هكذا أنفع لهم، وأسهل تداولًا، وسميته: "الرَّد المفحم على من خالف العلماء وتشدد وتعصب، وألزم المرأة أن تستر وجهها وكفيها وأوجب، ولم يقنع بقولهم: إنه سنة ومستحب". ولكن يبدو لي أنه لا بد هنا من أن أحصر أهم أخطاء المخالفين المتشددين بالقدر المستطاع من الإيجاز، فأقول: أولًا: فسَّروا الإدناء في آية الجلابيب الآتية بتغطية الوجه، وهو
خلاف أصل هذه الكلمة في اللغة، وهو: التقرب؛ كما في كتب اللغة، وكما أفاده العلامة الراغب الأصبهاني في المفردات، ثم قال: ويقال: دانيت بين الأمرين: أدنيت أحدهما من الآخر. ثم ذكر الآية، ويكفي في ذلك حجة أن ابن عباس ترجمان القرآن فسرها بذلك، فقال: تدني الجلباب إلى وجهها، ولا تضرب به؛ أي: لا تستره. وسيأتى تخريجه قريبًا، وأن ما احتجوا به مما ينافيه؛ لا يصح عنه. ثانيًا: فسّروا الجلباب بأنه الثوب الذي يغطي الوجه، ولا أصل له في اللغة أيضًا، بل هو ينافي تفسير العلماء بأنه الثوب الذي تلقيه المرأة على خمارها، ولم يقولوا: على وجهها، حتى الشيخ التويجري نفسه حكي هذا التفسير عن ابن مسعود -رضي الله عنه- وغيره من السلف، وهو الذي كنت ذكرته في الكتاب كما سيأتي ص83. ثالثا: أصروا جميعًا على أن الخمار غطاء الرأس والوجه! فزادوا تفسيره الوجه من عند أنفسهم؛ ليجعلوا آية: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} حجة لهم، وهي عليهم؛ لأن الخمار لغة غطاء الرأس فقط، وهو المراد كلما جاء ذكره مطلقًا في السنة؛ كأحاديث المسح على الخمار وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" 1.
بل هذا الحديث يؤكد بطلان تفسيرهم؛ لأن المتشددين أنفسهم –فضلًا عن أهل العلم- لا يستدلون به على شرطية ستر المرأة لوجهها في الصلاة، وإنما الرأس فقط: {فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} . ويزيده تأكيدًا تفسيرُهم لقوله تعالى في آية "القواعد": {أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} بالجلباب، فقالوا: فيجوز للقاعدة أن تظهر أمام الأجانب بخمارها كاشفة وجهها، صرح بذلك أحد فضلائهم، أما الشيخ التويجري؛ فيشير إلى ذلك ولا يفصح! كما هو مشروح في موضعه من "الرد المفحم". وقد تتبعت أقوال العلماء سلفًا وخلفًا في كل الاختصاصات، فرأيتهم أجمعوا على أن الخمار غطاء الرأس، وسميت ثمة أكثر من عشرين عالِمًا، وفيهم بعض الأئمة والحفاظ، ومنهم أبو الوليد الباجي المتوفى "474 هـ"، وزاد هذا في البيان، فقال جزاه الله خيرا: "ولا يظهر منها غير دور وجهها". رابعا: ادعى الشيخ التويجري الإجماع على أن وجه المرأة عورة، وقلده في ذلك كثير ممن لا علم عنده وفيهم بعض الدكاترة! وهي دعوى باطلة، لم يسبقه أحد إليها، وكتب الحنابلة التي تفقه عليها –فضلًا عن غيرها- كافية للدلالة على بطلانها، وقد ذكرت هناك في الرد كثيرًا من عباراتهم؛ مثل عبارة ابن هبيرة الحنبلي في كتابه الإفصاح، وفيها أن مذهب الأئمة الثلاثة أنه ليس بعورة؛ قال: "وهو رواية عن الإمام أحمد". وقد رجح هذه الرواية كثير من الحنابلة في مصنفاتهم كابْني قدامة
وغيرهما، ووجه ذلك صاحب المغني بقوله: "لأنَّ الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء، والكفين للأخذ والإعطاء". ومنهم العلامة ابن مفلح الحنبلي الذي قال فيه ابن قيِّم الجوزية: "ما تحت قبة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مُفلح". وقال له شيخه ابن تيمية: "ما أنت ابن مفلح، بل أنت مفلح". وهنا أرى لزامًا عليّ أن أبادر إلى نقل كلام هذا المفلح إلى القرّاء؛ لما فيه من العلم والفوائد العديدة، التي منها تأكيد بطلان دعوى الشيخ التويجري، ومنها موافقة كلامه -رحمه الله- ومن ذُكِرَ معه من العلماء الأعلام لصحة ما اخترته في هذه المسألة سابقًا ولاحقًا. قال في كتابه القيم "الآداب الشرعية" –وهو من مراجع الشيخ التويجري، الأمر الذي يدل على أنه على علم به، ولكنه يكتم الحقائق العلمية عن قراء كتابه، ثم يدعي خلافها! - قال المفلح رحمه الله: هل يسوغ الإنكار على النساء الأجانب إذا كشفن وجوههن في الطريق؟ ينبني "الجواب" على أن المرأة هل يجب عليها ستر وجهها، أو يجب غض النظر عنها؟ في المسألة قولان:
قال القاضي عياض في حديث جرير رضي الله عنه قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نظر الفجأة؟ فأمرني أن أصرف بصري. رواه مسلم1: "قال العلماء رحمهم الله تعالى: وفي هذا حُجَّة على أنه لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها، وإنما ذلك سنة مستحبة لها، ويجب على الرجل غض البصر عنها في جميع الأحوال؛ إلا لغرض شرعي. ذكره الشيخ محيي الدين النووي ولم يزد عليه". ثم ذكر المفلح قول ابن تيمية الذي يعتمد عليه التويجري في كتابه: "ص170" ويتجاهل أقوال جمهور العلماء، وقول القاضي عياض، وموافقة النووي عليه، ثم قال المفلح: فعلى هذا؛ هل يشرع الإنكار؟ ينبني على الإنكار في مسائل الخلاف، وقد تقدم الخلاف فيه. فأما على قولنا وقول جماعة من الشافعية وغيرهم: أن النظر إلى الأجنبية جائز من غير شهوة ولا خلوة؛ فلا ينبغي الإنكار". قلت: وهذا الجواب يلتقي تمامًا مع قول الإمام أحمد، رحمه الله ورضي عنه: "لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه"2.
قلت: وهذا لو كان الحق معه؛ فكيف إذا كان مبطلًا مكابرًا مضللًا، إن لم نقل: مكفِّرًا؟! فقد قال التويجري في كتابه: "ص 249": "ومن أباح السفور للنساء يعني به سفور الوجه فقط، واستدلَّ على ذلك بمثل ما استدل به الألباني؛ فقد فتح باب التبرج على مصراعيه، وجرّأ النساء على ارتكاب الأفعال الذميمة التي تفعلها السافرات الآن"! وفي مكان آخر "ص233": "إلى الإلحاد في آيات الله! ". كذا قال أصلحه الله وهداه؛ فماذا يقول في ابن المفلح والنووي والقاضي عياض وغيرهم من المقدسيين ومن سبقهم من الجمهور الذين هم سلفي فيما ذهبت إليه؟! خامسًا: اتفاق التويجري ومن معه من المتشددين على تأويل الأحاديث الصحيحة حتى لا تتعارض مع رأيهم! كما فعلوا بحديث الخثعمية، وقد تلونوا في إبطال دلالته على وجوه مضحكة مبكية، رَدَدْتُها هناك، وأحدها سيأتي في الكتاب "ص 64" مع إبطاله، ومع ذلك فلا تزال طائفة منهم يصرون عليه، وهو زعمهم أنها كانت محرمة! وهم يعلمون أن إحرامها لا يمنعها من السدل على وجهها! والتويجري يسلم تارة بأنها كانت سافرة، ولكنه يعطل دلالته بقوله: "ليس في دليل على أنها كانت مستديمة لكشفه"! يريد أن الريح كشفت عن وجهها، وفي هذه اللحظة رآه الفضل بن العباس!!
فهل يقول هذا عربي يقرأ في الحديث: "فأخذ الفضل ينظر يلتفت إليها، وفي الرواية الأخرى: "فطفق ينظر إليها وأعجبه حسنها"؟! أليست هذه مكابرة ولها قرنان بارزان؟! وتارة يؤوله بالنظر إلى قدِّها وقوامها!! إلى غير ذلك من التأويلات الباطلة التي بينا بطلانها مع ذكر أحاديث أخرى تأولوها على هذا النحو، رددناها هناك. سادسًا: تواطؤهم على الاستدلال بالأحاديث الضعيفة والآثار الواهية؛ كحديث ابن عباس في الكشف عن العين الواحدة، مع علمهم بصعفة المبين في الكتاب "ص 88" ضمن الجواب عنه، بل قد ضعفه أحدهم. إلى غير ذلك من الأحاديث التي فصلت القول بضعفها هناك، ومن أهمها حديث: "أفعمياوان أنتما؟! ". فقد تتابعوا على تقويته تقليدًا للتويجري، وهذا لغيره، وعلى الاحتجاج به على تحريم نظر المرأة إلى الرجل ولو كان أعمى! مع أنه ضعيف عند المحققين من الحفاظ كالإمام أحمد والبيهقي وابن عبد البر، ونقل القرطبي أنه لا يصح عند أهل الحديث، وعلى ذلك جرى كثير من الحنابلة من المقادسة وغيرهم، وهو الذي يقتضيه علم الحديث وأصوله؛ كما هو مبين في "الإرواء" "6/ 210".
ومع ذلك كله تجرأ الشيخ عبد القادر السندي –مسايرة منه للشيخ التويجري وغيره- فزعم أن إسناده صحيح! ففضح بذلك نفسه، وكشف به عن جهله أو تجاهله –للأسف- لأن فيه مجهولًا لم يروِ عنه غير واحد، مع مخالفته لأولئك الأعلام، وقد جاء في تأييد زعمه –على خلاف ما عهدناه عنه- بالعجب العجاب من التدليس والتضليل والتقليد وكتم العلم والإعراض عن قواعده مما لا يخطر في بال أحد، وهذا كلُّه مشروح هناك في نحو أربع صفحات كبار، ومن ذلك تجاهله أنه معارض لحديث فاطمة بنت قيس، وإذنه لها بالنزول في دار ابن أم مكتوم الأعمى، وهى ستراه حتمًا، وعلل ذلك -صلى الله عليه وسلم- بقوله لها: "فإنك إذا وضعت خمارك؛ لم يرك". وفي رواية للطبراني عنها قالت: "وأمرني أن أكون عند ابن أم مكتوم؛ فإنه مكفوف البصر، لا يراني حين أخلع خماري". وثمة أحاديث أخرى واهية حشرها التويجري في كتابه، وقد ذكرت هناك على سبيل المثال عشرًا منها، وفيها بعض الموضوعات! سابعًا: تهافتهم على تضعيف بعض الأحاديث الصحيحة والآثار الثابتة عن الصحابة، وتجاهلهم الطرق المقوية لها، أو تضعيفها من بعضهم تضعيفًا شديدًا؛ كحديث عائشة في المرأة إذا بلغت: "لم يصلح أن يُرَى منها إلا وجهها وكفَّاها"؛ فقد أصروا على الاستمرار في تضعيفه؛ يقلد الجاهل فيهم من لا علم عنده! مخالفين في ذلك من قواه من حفاظ الحديث
كالبيهقي والذهبي؛ كما كنت ذكرت ذلك عنهما في الكتاب كما سيأتي "ص 57 – 59"، وتجاهل أكثرهم طرقه، ومنهم بعض الأفاضل، بل صرح التويجري "ص 236" أنه لم يأت إلا من حديث عائشة، وقد رأى بعينه في الموضع المشار إليه من الكتاب طريقين آخرين: أحدهما: عن أسماء بنت عميس، والآخر: عن قتادة مرسلًا بسند صحيح عنه. وقلده في ذلك كثير من المقلدة، وفيهم بعض النسوة كمؤلفة ما سمته: "حجابك أختي المسلمة" ص33، كما تجاهلوا تقوية من ذكرنا من الحفاظ وغيرهم كالمنذري والزيلعي والعسقلاني والشوكاني، وتنطع بعضهم ممن يظهر نفسه أنه من العارفين بهذا العلم الشريف –وفي مقدمتهم الشيخ السندي- فادعوا شدة ضعف بعض رواته؛ لكي يفروا من قاعدة تقوية الضعيف بمثله؛ موهمين ومدلسين على القراء أنه لا موثق لهم، ولا يستشهد بهم، ومنهم عبد الله بن لَهيعة؛ مخالفين في ذلك طريقة علماء الحديث في الاستشهاد به، ومنهم الإمام أحمد وابن تيمية رحمة الله عليهما، كما تجاهلوا جميعًا أن العلماء، ومنهم الإمام الشافعي يقوون الحديث المرسل إذا عمل به أكثر العلماء، وقد عملوا بهذا الحديث كما تقدم، ويأتى في الكتاب، يضاف إلى ذلك مقويات أخرى: الأول: أنه رُوِيَ عن قتادة بسنده عن عائشة. الثاني: أنه جاء من طريق أخرى عن أسماء. الثالث: أنه عمل به هؤلاء الرواة الثلاثة: أما قتادة؛ فقد قال في تفسير آية الإدناء: "أخذ الله عليهنَّ أن
يُقَنِّعْنَ على الحواجب"؛ يعني: وليس على وجوههن كما قال الطبري: ب- وأما عائشة؛ فقالت في المحرمة: "تُسدِل الثوب على وجهها إن شاءت". رواه البيهقي بسند صحيح. قلت: فتخيير عائشة المحرمة في السدل دليل واضح على أن الوجه عندها ليس بعورة، وإلا لأوجبت ذلك عليها كما يقول المخالفون، ولذلك كتم قولها هذا عن قرائهم جمهور هؤلاء المؤلفين المتشددين، وفي مقدمتهم التويجري، وتعمد حذفها من رواية البيهقي هذه مؤِّلف: "فصل الخطاب"! وله أشياء أخرى من هذا القبيل بينتها هناك. والشاهد أن هذا الأثر الصحيح عنها مما يقوي حديثها المرفوع، وهذا مما جهله القوم أو تجاهلوه، وأحلاهما مرٌّ! ج- وأما أسماء؛ فقد صح أن قيس بن أبي حازم رآها امرأة بيضاء موشومة اليدين كما سيأتي في الكتاب مخرجًا، وذلك من فوائد هذه الطبعة. الرابع: أثر ابن عباس المتقدم "ص6". "تدني الجلباب إلى وجهها، ولا تضرب به". ومثله تفسيره لآية الزِّينة: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} بالوجه والكفين كما تقدم أيضًا، ويأتي في الكتاب "ص59". ومعه أثر ابن عمر أيضًا مثله. ولا بد لي بهذه المناسبة من التنبيه على حقيقة مرة للعبرة والتعريف
والتذكير بالحكمة القائلة: الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف الرجال. ذلك أن الشيخ التويجري في الوقت الذي يصر فيه على رفض حديث عائشة هذا مع ما له من الشواهد منها حديث قتادة المرسل؛ فإنه يقبل حديثًا آخر لها فيه: أنها انتقبت.... وفيه أنها قالت في صفية ونساء الأنصار "يهودية بين يهوديات"! وسنده أيضًا، ومتنه منكر جدًّا كما ترى، ومع ذلك فإن الشيخ يقويه بقوله "ص181": وله شاهد مرسل"، ثم ذكره من مرسل عطاء! وفي إسناده كذاب! فليتأمل القراء الفرق الكبير بين هذا الشاهد الموضوع وبين الشاهد الصحيح للحديث الأول عن قتادة مع الشواهد الأخرى له، ثم ليقل: لماذا قبل التويجري حديث عائشة هذا ورفض ذاك؟! الجواب: لأن المقبول فيه الانتقاب –مع أنه لا يفيد الإيجاب- والمرفوض ينفيه! فإذن الشيخ لا ينطلق فيما يذهب إليه –هنا- من القواعد العلمية الإسلامية، وإنما من –مثل- القاعدة اليهودية: الغاية تبرر الوسيلة! والله المستعان. ثامنًا وأخيرًا: من عجائب بعض المتأخرين من الحنفية المقلدين وغيرهم أنهم –تقليدًا منهم لأئمتهم- يتفقون معنا على المخالفين المتشديين، لكنهم سرعان ما يتفقون معهم على أئمتهم! وذلك أنهم اجتهدوا –وهم المقلدون- فقيدوا مذهب الأئمة فقالوا: بشرط أمن الفتنة؛ يعنون: فتنة الرجال بالنساء، ثم غلا أحد الجهلة من المقلدة المعاصرين
فنسب هذا الشرط إلى الأئمة أنفسهم! فنتج من ذلك عند بعض من لا علم عنده إلا التحطيب والتحويش: أن لا خلاف بين الأئمة والمخالفين! وليس يخفى على الفقيه حقًّا أن الشرط المذكور باطل يقينًا؛ لأنه يعني الاستدراك على رب العالمين؛ ذلك لأن الفتنة بالنساء لم تحدث فيما بعد حتى نوجد لها حكمًا خاصًّا لم يكن من قبل، بل إنها كانت في عهد التشريع، وما قصة افتنان الفضل بن العباس بالمرأة الخثعمية وتكراره النظر إليها ببعيدة عن ذاكرة القراء الكرام. ومن المعلوم أن الله تعالى لما أمر الرجال والنساء بغض الأبصار، وأمر النساء بالحجاب والتستر أمام الرجال؛ إنما جعل ذلك سدًّا للذريعة ودرءًا للفتنة، ومع ذلك لم يأمرهن عز وجل بأن يسترن وجوههن وأيديهن أمامهم، وأكد ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- في القصة المشار إليها بعدم أمره المرأة أن تستر وجهها، وصدق الله القائل: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} . والحقيقة أن الشرط المذكور إنما ذكره العلماء –ومنهم مؤلف الفقه على المذاهب الأربعة ص12- في نظر الرجل إلى وجه المرأة، فقالوا: يجوز ذلك بشرط أمن الفتنة، وهذا حق؛ بخلاف ما فعله المقلدة، فكأنهم استلزموا أن تستر المرأة وجهها وجوبًا، ولا تلازم؛ فإنهم يعلمون أن الشرط المذكور –بحق- لازم أيضًا على النساء، فلا يجوز لهن النظر إلى وجه الرجال إلا إذا أمنت الفتنة؛ فهل يستلزمون منه أن يستر الرجال أيضًا وجوههم عن النساء درءًا للفتنة كما كانت تفعل بعض القبائل المعروفين بـ "الملثمين"؟!
ولو أنهم قالوا: يجب على المرأة المتسترة بالجلباب الواجب عليها إذا خشيت أن تصاب بأذى من بعض الفساق لإسفارها عن وجهها: أنه يجب عليها في هذه الحالة أن تستره دفعًا للأذى والفتنة؛ لكان له وجه في فقه الكتاب والسنة، بل يقال: إنه يجب عليها أن لا تخرج من دارها إذا خشيت أن يخلع الجلباب من رأسها من قبل بعض المتسلطين الأشرار المدعمين من رئيس لا يحكم بما أنزل الله كما وقع في بعض البلاد العربية منذ بضع سنين مع الأسف الشديد. أما أن يجعل هذا الواجب شرعًا لازمًا على كل النساء في كل زمان ومكان، وإن لم يكن هناك من يؤذي المتجلببات؛ فكلَّا ثم كلَّا، وصدق الذي قال: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} . هذه هي أهم أخطاء المخالفين المتشديين التي رأيت أنه لا بد من ذكرها هنا مع الاختصار قدر الاستطاعة؛ لصلتها القوية بالكتاب كما هو ظاهر. ثم ختمت الرد المفحم بالتذكير بأن التشدد في الدين –مع نهي الشارع الحكيم عنه- لا يأتي بخير، ولا يمكن أن يخرج لنا جيلا من الفتيات المسلمات يحملن الإسلام علمًا وتطبيقًا بتوسط واعتدال، لا إفراط فيه ولا تفريط، لا كما بلغني عن بعض الفتيات الملتزمات في بعض البلاد العربية، أنهن لما سمعن بقوله -صلى الله عليه وسلم: "لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين"؛ لم يتجاوبن معه، وقلن: ننتقب ونفدي!! وما كان هذا منهن إلا لما يقرع مسامعهن من التشديد في وجوههن!
إنني لا أستطيع أن أتصور أن مثل هذا التشديد –وهذا واحد من أمثلة لديَّ- يمكن أن يخرج لنا نساء سلفيات بإمكانهن أن يقمن بكل ما تطلبه حياتهن الاجتماعية المشروعة، على نمط ما كان عليه نساء السلف الصالح، ولا بأس من ذكر نماذج صالحة منهن، مع تخليص الروايات؛ اكتفاء بسوقها بألفاظها مخرجة هناك، فمنهن: أم شريك الأنصارية التي كان ينزل عليها الضيفان؛ كما في الحديث الآتي في الكتاب "ص66". وامرأة أبي أسيد التي صنعت الطعام للنبي -صلى الله عليه وسلم- ومن معه يوم دعاهم زوجها أبو أسيد يوم بنى بها، فكانت هي خادمهم وهي العروس. وأسماء بنت أبي بكر التي كانت تخدم الزبير زوجها: تعلف فرسه، وتكفيه مؤنته، وتسوسه، وتنقل النوى على رأسها من أرض الزبير، وهي على بعد ثلثي فرسخ "أكثر من ثلاثة كيلو مترات"، وتدق النوى. والمرأة الأنصارية التي استقبلت النبي -صلى الله عليه وسلم، وبسطت له تحت النخيل، ورشت حوله، وذبحت له طعامًا، فأكل هو وأصحابه. وعائشة وأم سليم اللتان كانتا تحملان القرب وتسقيان القوم؛ وكما سيأتي "ص40". والرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ التي كانت تنفر مع نساء من الأنصار، فيسقين القوم، ويخدمنهم ويداوين الجرحى، ويحملن القتلى إلى المدينة.
وفي حديث آخر نحوه، وفيه: أنهن كن يعطين من الغنيمة. وأم عطية التي غزت معه صلى الله عليه وسلم سبع غزوات؛ تخلفهم في رحالهم، وتصنع لهم الطعام، وتداوي الجرحى، وتقوم على المرضى. وأم سليم أيضًا التي أخذت يوم حنين خنجرًا، فقال أبو طلحة: يا رسول الله! هذه أم سليم معها خنجر، فلما سألها صلى الله عليه وسلم؟ قالت: اتَّخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه! فجعل -صلى الله عليه وسلم- يضحك. وجرى الأمر على هذا المنوال بعد النبي -صلى الله عليه وسلم. فهذه أسماء بنت يزيد الأنصارية قتلت يوم اليرموك سبعة من الروم بعمود فسطاطها. ومثلها نساء خالد بن الوليد؛ فقد رآهن عبد الله بن قرط في غزوة الروم مشمرات يحملن الماء للمهاجرين. وهذه سمراء بنت نهيك الصحابية رآها أبو بلج عليها درع1 غليظ وخمار غليظ، بيدها سوط، تؤدب الناس، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر. إلى غير ذلك من النماذج الرائعة المبثوثة في كتب السير والتاريخ، ولكنني التزمت الصحة فيما ذكرت، وهي كلها واضحة الدلالة على أن هذه
الخدمات والبطولات ما كانت لتصدر من هذه النسوة الفاضلات لو كن متزمِّتات يرين أن الوجه والكفين من العورة؛ كتلك الفتيات! ذلك أمر بدهي فيما أرى؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رباهن على الحنيفية السمحة السهلة. وهذا هو الذي نريده من إخواننا المشايخ وكل داعية إلى الإسلام: أن يكونوا مصداق قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} ، وقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ، حذرين من الوقوع في الغلو المنهي عنه في قوله -صلى الله عليه وسلم: "إياكم والغلو في الدين؛ فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين" 1. وقوله -صلى الله عليه وسلم: "لا تشدِّدوا على أنفسكم؛ فإنما هلك من قبلكم بتشددهم على أنفسهم، وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات" 2. مذكرًا –والذكرى تنفع المؤمنين- أن تحقيق ذلك لا يمكن إلا بنبذ التعصب المذهبي، ودراسة السنة والسيرة النبوية الصحيحة من قول وفعل وتقرير، مع الاهتمام بمعرفة ما كان عليه السلف من أمور يصدق علينا –كما صدق عليهم- قول رب العالمين: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي
تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} . هذا، وقد بدا لي وأنا صدد تحضير مادة "الرد المفحم" أن أستبدل اسم الكتاب "حجاب المرأة المسلمة ... " بـ"جلباب المرأة المسلمة ... "؛ لما بينهما من الفرق في الدلالة والمعنى؛ كما كنت استظهرت ذلك في الكتاب كما سيأتي "ص83"؛ ولأن موضوع الكتاب ألصق بهذا الاسم دون ذاك، فبينهما عموم وخصوص، فكل جلباب حجاب1، وليس كل حجاب جلبابًا كما هو ظاهر، وشجعني على ذلك أنني رأيت المخالفين خلطوا بينهما كما بينته في البحث الثاني من الرد المفحم، واستشهدت على ذلك بقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: "فآية الجلابيب عند البروز من المساكن، وآية الحجاب عند المخاطبة في المساكن". ولذلك فقد انشرح صدري لنشره الآن بهذا العنوان: "جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة". سائلين الله تبارك وتعالى التوفيق لما يحبه ويرضاه. وقد قام بنشره صهري الكريم نظام سكجها صاحب المكتبة الإسلامية جزاه الله خيرًا، وللتاريخ أقول: إنه وحده يملك حق طبعه ونشره على هذه الحلة الجميلة التي تحلى بها لأول مرة.
وسابقًا كنت أعطيت حق طبعه الطبعة الثانية لصاحب المكتب الإسلامي زهير الشاويش، واستمر في طبعه على الأوفست عدة طبعات، وقفت على السادسة منها، وقد سقط منها السطر الأول من "الصفحة 49"، ولا أدري إذا كان مستمرًا في طبعه، رغم أني أنذرته بأن لا يعيد طبع شيء من كتبي، لا صفًّا جديدًا، ولا تصويرًا، لما ظهر لي بعد هجرتي إلى عمان من إخلاله بالأمانة العلمية والمادية وحق الصحبة –لا أقول: حق المشيخة التي يدعيها لي- مما لا مجال لذكره في هذه المقدمة، وحسب القراء الكرام مثال واحد على ذلك: أنه قرن اسمه مع اسمي في تحقيق كتاب التنكيل، وليس له فيه ولا حرف واحد من التحقيق، ثم طبعه –دون علمي طبعًا- بهذا التزوير ونشره على الناس! ولقد كان أحد المشهورين بطبع الكتب سرقة في مصر قد سطا على الكتاب، وزور فيه اسْمًا آخر لعالم معاصر متوفَّى قرنه محققًا معي! فغار منه صاحبنا القديم!، فقرن اسمه الكريم معه ومعي، كل ذلك تغيير شكل من أجل الأكل! فلينظر القارئ الكريم أيهما شر؟ وقد فصلت القول في صنيعهما هذا في مقدمة الطبعة الجديدة لـ "التنكيل" نشر مكتبة المعارف في الرياض، وله من مثل هذا الشيء الكثير والكثير جدًّا مما هو مبسوط في مقدمات الكتب التالية: "صحيح الكلم الطيب" الطبعة الجديدة، مكتبة المعارف، "صفة الصلاة" الطبعة الجديدة للمكتبة نفسها، "مختصر صحيح مسلم" للمنذري الطبعة الجديدة للمكتبة الإسلامية، "مختصر صحيح البخاري" المجلد الثاني، وقد صدر حديثًا بهمة دار ابن القيم – الدمام.
خاتمة: ثم إنني لما عزمت على وضع هذه المقدمة؛ كان الإخوة الذين نضَّدوا حروف الكتاب في "مركز دار الحسن لصف الكمبيوتر" قد قدموه إلينا مخرجا، منتظرين منا أن نقدم إليهم المقدمة لينضدوها أيضًا ويضموها إلى الكتاب، ولكني بسبب الاضطرار المذكور في أول المقدمة تبين لي أن الكتاب نشره، ولذلك وجدت نفسي ألحق بالكتاب المنضد والمخرج فوائد جديدة أخرى غير التي كانت نضجت من قبل، كنت أعثر عليها في أثناء تحضير "الرد"، ولا تسمح نفسي إلا أن أطلع القراء عليها، أفعل هذا وأنا ذاكر أن مثل هذا الإلحاق –والكتاب مخرج- مما لا يستسيغه المنضدون، من أجل ذلك فإنني أقدم اعتذاري إلى الإخوة الأفاضل القائمين على المركز مرتين: لهذا الإلحاق أولًا، ولا سيما وقد بلوا منا بنحوه سابقًا فتحملونا جزاهم الله خيرًا، ولهذا التأخير الذي لا عهد لنا ولا لهم بمثله ثانيًا، ولكنه مشيئة الله وقدره، فنعتذر إليهم، والعذر عند كرام الناس مقبول. وآخر دعوانا {أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . عمَّان 5 محرم 1412هـ محمد ناصر الدين الألباني
مقدمة الطبعة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الطبعة الثانية: الحمد لله رب العالمين، وصلاة الله وسلامه على أفضل رسله، وخاتم أنبيائه، وعلى آله وأصحابه، وإخوانه1؛ المتمسكين بسنته، والمتهدين بهديه، إلى يوم الدين. أما بعد؛ فهذه هي الطبعة الثانية لكتابنا "حجاب المرأة المسلمة"، يصدرها المكتب الإسلامي –جزى الله صاحبه خيرًا- بعد أن مضى على الطبعة الأولى منه عشر سنوات؛ ازددنا فيها إيمانًا بضرورة نشره وإذاعته بين المسلمين، وخصوصًا النساء اللاتي اغتررن بالمدينة الأوربية الزائفة، وانجرفن وراء بهارجها ومفاتنها، فتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وكشفن من أبدانهن أمام الرجال الأجانب؛ ما كانت إحداهن من قبل لا تتجرأ أن تظهره أمام أبيها ومحارمها!
ولقد علمت أن كتابنا هذا كان له الأثر الطيب –والحمد لله- عند الفتيات المؤمنات، والزوجات المحصنات، فقد استجاب لما تضمنه من الشروط الواجب توفرها في جلباب المرأة المسلمة الكثيرات منهن، وفيهن من بادرت إلى ستر وجهها أيضًا، حين علمت منه أن ذلك من محاسن الأمور، ومكارم الأخلاق، مقتديات فيه بالنساء الفضليات من السلف الصالح، وفيهن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن. ومع ذلك، فإن بعض أهل العلم وطلابه، ولا سيما المقلدين منهم –فإنهم مع إعجابهم بالكتاب وأسلوبه العلمي، وقوة حجته، ونصاعة برهانه- لم يرقهم ما جاء فيه من التصريح بأن وجه المرأة ليس بعورة، وقد كتب إلي بذلك أحد الأساتذة في المدارس الثانوية، وشافهني به آخرون هنا في سورية، وفي الحجاز أيضًا، وهؤلاء فريقان: الأول: من لا يزال يرى أن الوجه عورة، وليس ذلك عن دراسة الأدلة الشرعية، وتتبعها من مصادرها الأصلية، وإنما تقليدًا لمذهبه الذي نشأ عليه، أو البيئة التي عاش فيها، وفيها بعض المتحمسين لذلك أشد الحماسة بحسن نية، وعاطفة إسلامية، وغيرة دينية. وقد جلست إلى أحد هؤلاء الفضلاء جلسة دامت ساعات، تباحثنا فيها حول المسألة، وكان ذلك بطلب مني، لعلي أجد عنده، ما يؤيد رأيه، فلم أحظ بشيء من ذلك، وكل الذي سمعته منه، إنما هي شبهات عرضت له على بعض أدلة الكتاب، صدته عن الاقتناع بها، وتبني لازمها، فأجبته ليلتئذٍ عن شبهاته بما يسر الله، ثم فكرت
بعد ذلك في المسألة مرة أخرى، وأجلت النظر في أدلتها، وما وردني من شبهات حولها، فازددت بذلك اقتناعًا بصواب رأيي، وخطأ الرأي المخالف له، كيف لا، ورأينا هو ما ذهب إليه جماهير العلماء من المفسرين والفقهاء؛ كما هو مشروح في هذا الكتاب، وقد أوردت تلك الشبهات، وما فتح الله علي من الجواب في هذه الطبعة منه. الثاني: من يذهب معنا إلى أن الوجه ليس بعورة، ولكنه يرى مع ذلك أنه لا يجوز إشاعة هذا المذهب نظرًا لفساد الزمان، وسدًّا للذريعة، فإلى هؤلاء أقول: إن الحكم الشرعي الثابت في الكتاب والسنة لا يجوز كتمانه وطيه عن الناس؛ بعلة فساد الزمان أو غيره، لعموم الأدلة القاضية بتحريم كتمان العلم، مثل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159] . وقوله -صلى الله عليه وسلم: "من كتم علمًا ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار". رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم، وصححه هو والذهبي، وغير ذلك من النصوص الرادعة عن كتم العلم. فإذا كان القول بأن وجه المرأة ليس بعورة حكمًا ثابتًا في الشرع كما
نعتقد، فكيف يجوز القول بكتمانه، وترك تعريف الناس به؟! اللهم غُفرًا. نعم؛ من كان يرى أنه مع ذلك لا يجوز العمل به سدًّا للذريعة، فعليه هو بدوره أن يبين ذلك الذي يراه للناس ولا يكتمه، ويأتي بالأدلة التي تؤيد رأيه، وهيهات هيهات! فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرى الفضل بن العباس رضي الله عنه يلتفت إلى المرأة الخثعمية، وكانت امرأة حسناء ينظر إليها، وتنظر إليه، وهي غير محرمة –كما سأبينه- ثم لا يكون منه عليه الصلاة والسلام أكثر من أن يصرف وجه الفضل عنها، ولا يأمرها أن تستر وجهها عنه، فأي ذريعة ووسيلة أوضح من هذه، وهو -صلى الله عليه وسلم- القائل بهذه المناسبة: "رأيت شابًّا وشابة، فلم آمن الشيطان عليهما" 1. فهذا الحديث الصحيح، يقرر أن كشف المرأة عن وجهها –ولو كانت جميلة- حق لها، إن شاءت أن تأخذ به فعلت، وليس لأحد أن يمنعها من ذلك، بزعم خشية الافتنان بها، فمثل هذا الحديث منعنا من أن نقول برأي الفريق المذكور، وأوجب علينا إشاعة الرأي الصواب في المسألة. على أنه لم يفتنا أن نلفت نظر النساء المؤمنات إلى أن كشف الوجه وإن كان جائزًا، فستره أفضل، وقد عقدنا لذلك فصلًا خاصًّا في الكتاب "الصفحة 104". وبذلك أدينا الأمانة العلمية حق الأداء، فبينا ما يجب على المرأة، وما يحسن بها، فمن التزم الواجب فبها ونعمت، ومن أخذ بالأحسن فهو أفضل.
وهذا هو الذي التزمته عمليًّا مع زوجتي، وأرجو الله تعالى أن يوفقني لمثله مع بناتي حين يبلغن أو قبيل ذلك. ومن الغريب ما جاء في كتاب الأستاذ الذي سبقت الإشارة إليه: "وقد يلحظ أحدهم، أو يسمع حرصك الحسن على ستر أهلك الستر المطلوب دون السماح بإظهار الوجه، معاذ الله! فإذا قرأ ما كتبت، قال: خالفت فتواه تقواه، ورماك بما لا يجمل"!. وقد كنت أرسلت إليه جواب كتابه بتاريخ "23/ 9/ 74هـ"1، ومما فيه جوابًا على هذه الفقرة؛ قولي: "إن رماني أحدهم ظلمًا "بما لا يجمل"، فإن لي أسوة حسنة بالأنبياء والصالحين صولات الله عليهم أجمعين، الذين لم يرمهم أعداؤهم "بما لا يجمل" فقط، بل وبما يقبح، ومما لا شك فيه عندي؛ أن الرامي بما أشار إليه حضرة الكاتب، معتد ظالم، أو جاهل ينبغي أن يعلم، وذلك لأمرين. الأول: أن غاية ما قررته في الكتاب أن وجه المرأة ليس بعورة، وأنه يجوز أن تظهره بالشرط المذكور فيه، وهذا ليس معناه أنه يلزم القائل به أن يكشف وجه زوجه ولا بد؛ لأن هذا ليس من شأن الأمر الجائز، بل هو من لوازم الأمر الواجب، إذ إن كل واحد يعلم أن الجائز هو ما يجوز فعله، كما يجوز تركه، فإذا أنا أخذت بالترك أو أخذت بالفعل؛ فعلى الحالتين لم أخرج
عما أفتيت به من الجواز. فتبين من ذلك أن من قال فِيَّ: "خالفت فتواه تقواه"؛ كان بعيدًا جدًّا عن الفهم السليم، أو العدل. والآخر: أنني بجانب تقريري أن الوجه ليس بعورة، قد قررت أيضًا أن الستر هو الأفضل، ووردت فيه "ص104" على من زعم أن الستر بدعة وتنطع في الدين؛ بأحاديث وآثار أوردتها، ثم ختمتهما بما نصه "ص114": فيستفاد مما ذكرنا أن ستر المرأة لوجهها ببرقع أو نحوه مما هو معروف اليوم عند النساء المحصنات، أمر مشروع محمود، وإن كان لا يجب ذلك عليها، بل من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج". فهذا مني نص صريح في تفضيل الستر، ورد على الطائفتين المتشددتين: القائلين منهم بوجوبه، والقائلين منهم ببدعته، و"خير الأمور أوساطها"1. وحقيقة الأمر عندي؛ أنه وإن كان قلبي ليكاد يتفطر أسى وحزنًا من السفور المزري، والتبرج المخزي، الذي تهافتت عليه النساء في هذا العصر، تهافت الفراش على النار، فإنني لا أرى أبدًا أن معالجة ذلك يكون بتحريم ما أباح الله لهن من الكشف عن الوجه، وأن نوجب عليهن ستره بدون أمر من الله ورسوله. بل إن حكمة التشريع، والتدرج فيه، وبعض أصوله التي
منها بقوله -صلى الله عليه وسلم: "يسروا ولا تعسروا" 1، وأصول التربية الصحيحة، كل ذلك ليوجب على فقهاء الأمة ومربيها ومرشديها، أن يتلطفوا بالنساء، ويأخذوهن بالرفق لا بالشدة، ويتساهلوا معهن فيما يسر الله فيه، ولا سيما ونحن في زمن قل فيه من يأخذ بالعزائم من الأمور والفرائض، فضلًا عن المستحبات والنوافل! فإذا كان بعض العلماء اليوم يرون أن في كشف المرأة عن وجهها مع سترها لما سواه من بدنها مما أمرها الله به خطرًا عليها –زعموا- فنرى أنه لا يليق بهم أن يكتفوا من المسألة بإظهار الإنكار الشديد على من يخالفهم في الرأي، واتخاذ القرار بمنع دخول الكتاب إلى بلادهم، بل إن عليهم أمرين اثنين لا بد لهم من القيام بهما: الأول: أن يبينوا للناس حكم الله فيها، مستدلين عليه بالكتاب والسنة، لا تقليدًا للمذهب، أو اتباعًا للتقاليد، وبذلك فقط؛ يظهر للناس الصواب من الخطأ، بل الحق من الباطل {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد: 17] . إنهم إن فعلوا ذلك استجاب لهم النساء المؤمنات، فهل يفعلون؟! والآخر: أن يُعْنَوا بتربية الفتيات المسلمات تربية إسلامية صحيحة، وخصوصًا في المدارس والمساجد والجامعات، بتعليمهن وتثقيفهم الثقافة الشرعية النافعة، ومنع المجلات الخليعة أن تتسرب إليهن، وتفسد عليهم أخلاقهن، ونحو ذلك من الوسائل المبذولة في العصر الحاضر، مما يمك
استعماله في الشر والخير، {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35] . بمثل هذا وذاك يمكن أن يوجد جيل من النساء المؤمنات اللاتي إذا سمعن مثل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59] ؛ بادرن إلى امتثال أمره كما فعلت نساء الأنصار -رضي الله عنهن- حين نزل قوله عز وجل: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] ، بادرن فاختمرن بما تيسر لهن من الأزر كما هو مذكور في موضعه من الكتاب "الصفحة 78". فمثل هذه النسوة يمكن أن تؤمر بستر الوجه إن كان واجبًا، وأما أمر السواد الأعظم من النساء بذلك، في مثل بلادنا السورية، وغيرها كمصر ونحوها من البلدان الأخرى التي انتشر، أو بدأ ينتشر فيها التبرج والخلاعة بأبشع صوره، مما لم تنج منه مع الأسف حتى بلاد التوحيد التي كنا نأمل أن تكون الحصن الحصين للمسلمين من هذا التبرج، فأمر هذا الجنس من النساء بستر الوجه الذي لم يأمر الله به، وهن لا استعداد عندهن أن يسترن نحورهن وصدورهن وما هو أكثر من ذلك؛ مما لا يذهب إليه من كان عنده ذرة من رائحة فقه الكتاب والسنة. فمن الحكمة إذن، أن يقنع العلماء في هذا العصر بأن يستجيب النساء لما أمر الله بع من حجب البدن كله؛ حاشا الوجه والكفين، فمن حجبهما أيضًا منهن، فذلك ما نستحبه لهن، وندعو إليه. وأما إيجاب ذلك عليهن، فهو عندي تشدد في الدين، وتنطع لا يحبه الله، وخصوصًا على النساء اللاتي وصانا بهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيرًا، في أحاديث كثيرة، منها قوله عليه
الصلاة والسلام: "رفقًا بالقوارير" 1. ويوم يستجيب النساء المسلمات لأمر الله؛ إلا من شذ منهن، وتكون غريبة مهينة بين المستجيبات، فيومئذ يعود إلى المسلمين عزهم ومجدهم، وتقوم لهم دولتهم، وينصرهم الله على عدوهم {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم: 4] ، ولن يكون ذلك إلا إذا استجاب لأمره تعالى الرجال قبل النساء، وعسى أن يكون ذلك قريبًا. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: 24] . دمشق 25/ 7/ 1385هـ محمد ناصر الدين الألباني.
مقدمة الطبعة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الطبعة الأولى: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف: 26] ، وصلى الله على محمد المبعوث رحمة للناس أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد؛ فهذه رسالة لطيفة، وبحوث مفيدة، إن شاء الله تعالى، جمعتها لبيان اللباس الذي يجب على المرأة المسلمة أن تدثر به إذا خرجت من دارها، والشروط الواجب تحققها فيه حتى يكون لباسا إسلاميًّا، واستندت في ذلك على الكتاب والسنة، مسترشدًا بما ورد فيه من الآثار والأقوال عن الصحابة والأئمة، فإن أصبت فمن الله تعالى وله الفضل والمنة، وإن كانت الأخرى؛ فذلك مني، وأسأله العفو والمغفرة لذنبي، إنه عفو كريم، غفور رحيم. وقد كان ذلك بطلب من بعض الإخوان الأحبة، الذين نظن فيهم الصلاح والاستقامة، والحرص على العمل بما يدل عليه الكتاب والسنة.
وقد دنا يوم زفافه، جعله الله مباركًا عليه وعلى أهله وذريته، فرأيت من الواجب أن أبادر إلى إجابة طلبه، وتحقيق رغبته، على الرغم من ضيق وقتي، وانصرافي إلى العمل في مشروعي الذي أسميته "تقريب السنة بين يدي الأمة"، الذي شرعت فيه منذ سنتين وزيادة، مبتدئًا بـ "سنن أبي داود" ثم توقفت عنه منذ أشهر لعارض طرأ على عيني اليمنى، الذي أرجو الله تعالى أن يذهبه عني بفضله وكرمه. على الرغم من هذا فقد بادرت إلى تحرير هذه الرسالة القيمة، ثم قدمتها إليه هدية، عسى أن تكون له ولغيره -ممن عسى أن يقف عليها- عونًا على طاعة الله ورسوله في هذه المسألة، التي تهاون بها في هذا العصر أكثر الناس، وفيهم كثير من أهل العلم المفروض فيهم أن يكونوا قدوة لغيرهم في كل أمر من أمور الشريعة، فما بالك بغيرهم، حتى ندر أن ترى في هذه البلاد من وقف عند ما حدده الشارع فيها كما سترى. ولكنا نحمد الله تعالى على أنه لا تزال طائفة من أمته -صلى الله عليه وسلم- قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس1. أسأل الله تعالى أن يجعلنا من هذه الطائفة، وأن يجعل هذه الرسالة وكل ما كتبت وأكتب خالصًا لوجهه، وسببًا لنيل مرضاته، والفوز بجناته، إنه خير مسئول. دمشق 7/ 5/ 1370 هـ محمد ناصر الدين الألباني
الشرط الأول: استيعاب جميع البدن إلا ما استثنى
الشرط الأول: "استيعاب جميع البدن إلا ما استثني" فهو في قوله تعالى في [سورة النور: الآية 31] : {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} . وقوله تعالى في [سورة الأحزاب: الآية 59] : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} . ففي الآية الأولى التصريح بوجوب ستر الزينة كلها، وعدم إظهار شيء منها أمام الأجانب إلا ما ظهر بغير قصد منهن، فلا يؤاخذن عليه إذا بادرن
إلى ستره، قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره": "أي: لا يظهرن شيئًا من الزينة للأجانب، إلا ما لا يمكن إخفاؤه، قال ابن مسعود: كالرداء والثياب؛ يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها، وما يبدو من أسافل الثياب، فلا حرج عليها فيه؛ لأن هذا لا يمكن إخفاؤه". وقد روى البخاري "7/ 290"، ومسلم "5/ 197" عن أنس -رضي الله عنه- قال: "لما كان يوم أحد، انهزم الناس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو طلحة بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- مجوب عليه بحجفة1 له، ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر، وأم سليم، وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما "يعني الخلاخيل" تنقزان2 القرب على متونهما، تفرغانه في أفواه القوم". قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: "وهذه كانت قبل الحجاب، ويحتمل أنها كانت عن غير قصد للنظر". قلت: وهذا المعنى الذي ذكرنا في تفسير: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] هو المتبادر من سياق الآية، وقد اختلفت أقوال السلف في تفسيرها: فمن قائل: إنها الثياب الظاهرة.
ومن قائل: إنها الكحل والخاتم والسوار والوجه وغيرها من الأقوال التي رواها ابن جرير في "تفسيره" "18/ 84" عن بعض الصحابة والتابعين، ثم اختار هو أن المراد بهذا الاستثناء الوجه والكفان1، فقال: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عنى بذلك الوجه والكفين، يدخل في ذلك -إذا كان كذلك- الكحل والخاتم والسوار والخضاب، وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال في ذلك بالتأويل، لإجماع الجميع على أن على كل مصلٍّ أن يستر عورته في صلاته، وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها، وأن عليها أن تستر ما عدا ذلك من بدنها، إلا ما روي2 عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أباح لها أن تبدي من ذراعها قدر النصف، فإذا كان ذلك من جميعهم إجماعًا؛ كان معلومًا بذلك أن لها أن تبدي من بدنها ما لم يكن عورة كما ذلك للرجال؛ لأن ما لم يكن عورة فغير حرام إظهاره، وإذا كان لها إظهار ذلك كان معلومًا أنه مما استثنى الله تعالى ذكره بقوله: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] ؛ لأن كل ذلك ظاهر منها".
...................................................................................
...................................................................................
...................................................................................
...................................................................................
...................................................................................
...................................................................................
...................................................................................
...................................................................................
وهذا الترجيح غير قوي عندي؛ لأنه غير متبادر من الآية على الأسلوب القرآني وإنما هو ترجيح بالإلزام الفقهي وهو غير لازم هنا؛ لأن للمخالف أن يقول: جواز كشف المرأة عن وجهها في الصلاة أمر خاص بالصلاة فلا يجوز أن يقاس عليه الكشف خارج الصلاة لوضوح الفرق بين الحالتين. أقول هذا مع عدم مخالفتنا له في جواز كشفها وجهها وكفيها في الصلاة وخارجها لدليل بل لأدلة أخرى غير هذه كما يأتي بيانه وإنما المناقشة هنا في صحة هذا الدليل بخصوصه لا في صحة الدعوى فالحق في معنى هذا الاستثناء ما أسلفناه أول البحث وأيدناه بكلام ابن كثير. ويؤيده أيضًا ما في "تفسير القرطبي" "12/ 229":
"قال ابن عطية: ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بأن لا تبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه أو إصلاح شأن ونحو ذلك فـ {إِلاَّ مَا ظَهَرَ} على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه". قال القرطبي: "قلت: هذا قول حسن إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة وذلك في الصلاة والحج فيصلح أن يكون الاستثناء راجعًا إليهما يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال لها: "يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا"، وأشار إلى وجهه وكفيه، فهذا أقوى في جانب الاحتياط ولمراعاة فساد الناس فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها والله الموفق لا رب سواه". قلت: وفي هذا التعقيب نظر أيضًا؛ لأنه وإن كان الغالب على الوجه والكفين ظهورهما بحكم العادة فإنما ذلك بقصد من المكلف والآية حسب فهمنا إنما أفادت استثناء ما ظهر دون قصد فكيف يسوغ حينئذ جعله دليلًا شاملًا لما ظهر بالقصد؟ فتأمل. ثم تأملت فبدا لي أن قول هؤلاء العلماء هو الصواب وأن ذلك من دقة نظرهم رحمهم الله وبيانه: أن السلف اتفقوا على أن قوله تعالى: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} يعود إلى فعل يصدر من المرأة المكلفة غاية ما في الأمر أنهم
اختلفوا فيما تظهره بقصد منها فابن مسعود يقول: هو ثيابها أي: جلبابها. وابن عباس ومن معه من الصحابة وغيرهم يقول: هو الوجه والكفان منها. فمعنى الآية حينئذ: إلا ما ظهر عادة بإذن الشارع وأمره. ألست ترى أن المرأة لو رفعت من جلبابها حتى ظهر من تحته شيء من ثيابها وزينتها -كما يفعل ذلك بعض المتجلببات السعوديات- أنها تكون قد خالفت الآية باتفاق العلماء فقد التقى فعلها هذا مع فعلها الأول وكلاهما بقصد منها لا يمكن إلا هذا فمناط الحكم إذن في الآية ليس هو ما ظهر دون قصد من المرأة -فهذا مما لا مؤاخذة عليه في غير موضع الخلاف أيضًا اتفاقًا- وإنما هو فيما ظهر دون إذن من الشارع الحكيم فإذا ثبت أن الشرع سمح للمرأة بإظهار شيء من زينتها سواء كان كفًّا أو وجهًا أو غيرهما فلا يعترض عليه بما كنا ذكرناه من القصد؛ لأنه مأذون فيه كإظهار الجلباب تمامًا كما بينت آنفًا. فهذا هو توجيه تفسير الصحابة الذين قالوا: إن المراد بالاستثناء في الآية الوجه والكفان وجريان عمل كثير من النساء في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعده كما سترى في النصوص الآتية المتواترة معنا. ويعود الفضل في التنبه لهذا التوجيه -بعد الله تعالى- إلى الحافظ أبي الحسن بن القطان الفاسي1 -رحمه الله تعالى- في كتابه القيم الفريد
الذي أطلعني الله عليه وأنا أهيئ مقدمة هذه الطبعة الجديدة ألا وهو: "النظر في أحكام النظر" فقد تكلم فيها بعلم واسع ونظر ثاقب على كل مسائله ومنها ما نحن فيه فنبهني على ما أشرت إليه قوله فيه "ق 14/ 2": "وإنما نعني بالعادة هنا عادة من نزل عليهم القرآن وبلغوا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الشرع وحضروا به خطاب المواجهة ومن لزم تلك العادة بعدهم إلى هلم جرا لا لعادة النسوان وغيرهم المبدين أجسادهم وعوراتهم". قلت: فابن عباس ومن معه من الأصحاب والتابعين والمفسرين إنما يشيرون بتفسيرهم لآية {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} إلى هذه العادة التي كانت معروفة عند نزولها وأقروا عليها فلا يجوز إذن معارضة تفسيرهم بتفسير ابن مسعود الذي لم يتابعه عليه أحد من الصحابة لأمرين اثنين: الأول: أنه أطلق الثياب ولا قائل بهذا الإطلاق؛ لأنه يشمل الثياب الداخلية التي هي في نفسها زينة كما تفعله بعض السعوديات كما تقدم فإذن هو يريد منها الجلباب فقط الذي تظهره المرأة من ثيابها إذا خرجت من دارها. والآخر: أن هذا التفسير -وإن تحمس له بعض المتشددين- لا ينسجم مع بقية الآية وهي: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ ... } الآية؛ فالزينة الأولى هي عين الزينة الثانية كما هو معروف في الأسلوب العربي: أنهم إذا ذكروا اسْمًا معرّفًا ثم كرروه فهو هو فإذا كان الأمر كذلك فهل الآباء ومن ذكروا معهم في الآية لا يجوز لهم أن
ينظروا إلا إلى ثيابهن الباطنة؟ ولذلك قال أبو بكر الجصاص -رحمه الله- في "أحكام القرآن" "3/ 316": "وقول ابن مسعود في أن {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} هو الثياب لا معنى له؛ لأنه معلوم أنه ذكر الزينة والمراد العضو الذي عليه الزينة ألا ترى أن سائر ما تتزين به من الحلي والقلب والخلخال والقلادة يجوز أن تظهرها للرجال إذا لم تكن هي لابستها فعلمنا أن المراد مواضع الزينة كما قال في نسق الآية بعد هذا: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ} والمراد موضع الزينة فتأويلها على الثياب لا معنى له إذ كان مما يرى الثياب عليها دون شيء من بدنها كما يراها إذا لم تكن لابستها". وكأنه لهذا لم يعرِّج عليه الحافظ ابن القطان في كتابه الآنف الذكر وقد ذكره في جملة ما قيل في تفسير الآية كما ذكر أقوال العلماء والمذاهب حولها بتفصيل وتحرير وتحقيق فيها لا أعرف له مثيلًا ثم ساق بعض الأحاديث التي يمكن الاستدلال بها على جواز إبداء المرأة لوجهها وكفيها للأجانب ومع أنه فاته الكثير من الأحاديث التي ذكرت في كتابنا هذا فقد ناقشها مناقشة دقيقة وميز صحيحها وسقيمها وما يصح الاستدلال به وما لا يصح من الناحية الفقهية دون أن يتحيز لفئة. ثم تكلَّم على الآية وفسرها تفسيرًا بديعًا يدل على أنه إمام في التفسير والفقه أيضًا كما هو في الحديث فأفاد -رحمه الله- أن النهي فيها مطلق من وجوه ذكرها وهي أربعة، وفصل القول فيها تفصيلًا رائعًا ويهمنا هنا منها رابعها فقال "ق 15/ 1":
"ومطلقة بالنسبة إلى كل ناظر ورد على إطلاقه منها استثناءان: أحدهما: على مطلق الزينة وخصص به منها {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} فيجوز إبداؤه لكل واحد. والآخر: على مطلق الناظرين الذين يبدي لهم شيء من ذلك فخصص منهم البعولة ومن بعدهم". وبعد أن ساق قول ابن مسعود وأقوال الصحابة والتابعين المخالفة وأقوال المذاهب والأحاديث المشار إليها آنفًا قال ملخصًا للموضوع وموضحًا رأيه فيه "ق 21/ 1": "الأحاديث المذكورة في الباب إما أن تدل على إبدائها جميع ذلك "يعني: الوجه والكفين" أو بعضه دلالة يمكن الانصراف عنها بتحميل اللفظ أو القصة غير ذلك لكن الانصراف عما يدل عليه ظاهر اللفظ أو سياق القصة لا يكون جائزًا إلا بدليل عاضد يصير الانصراف تأويلًا، وإذا لم يكن هناك دليل كان الانصراف تحكمًا، فعلى هذا يجب القول بما تظاهرت هذه الظواهر وتعاضدت عليه من جواز إبداء المرأة وجهها وكفيها لكن يستثنى من ذلك ما لا بد من استثنائه قطعًا وهو ما إذا قصدت بإبداء ذلك التبرج وإظهار المحاسن فإن هذا يكون حرامًا ويكون الذي يجوز لها إنما هو إبداء ما هو في حكم العادة ظاهر حين التصرف والتبذل فلا يجب عليها أن تتعاهده بالستر بخلاف ما هو في العادة "أي الشرعية" مستور إلا أن يظهر بقصد كالصدر والبطن فإن هذا لا يجوز لها إبداؤه ولا يعفى لها عن بدوه ويجب عليها ستره في حين التصرف كما يجب من
ستره في حين الطمأنينة ويعضد هذه الظواهر وهذا المنزع قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ؛ فمعنى الآية: لا يبدين زينتهن في مواضعها لأحد من الخلق إلا ما كان عادة ظاهرة عند التصرف فما وقع من بدوِّه وإبدائه بغير قصد التبرج والتعرض للفتنة فلا حرج فيه". ثم قال "ق 21/ 2": "ويتأيَّد المعنى الذي حملنا عليه الآية من أن الظاهر هو الوجه والكفان بقوله تعالى المتقدم متصلًا به: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} فإنه يفهم منه أن القرطة قد يعفيهن عند بدو وجوههنَّ عن تعاهد سترها فتنكشف، فأمرن أن يضربن بالخمر على الجيوب حتى لا يظهر شيء من ذلك إلا الوجه الذي من شأنه أن يظهر حين التصرف؛ إلا أن يستر بقصد وتكلف مشقة، وكذلك الكفان وذكر أهل التفسير أن سبب نزول الآية هو أن النساء كن وقت نزولها إذا غطين رءوسهن بالخمر يسدلنها خلفهن كما تصنع النبط فتبقى النحور والأعناق بادية فأمر الله سبحانه بضرب الخمر على الجيوب ليستر جميع ما ذكر وبالغ في امتثال هذا الأمر نساء المهاجرين والأنصار فزدن فيه تكثيف الخمر". ثم ذكر حديث عائشة الآتي "ص 78" لكن من رواية أبي داود بلفظ: "شققن أكنَف -وقال ابن صالح: أكثف- مروطهن فاختمرن بها". وقال: "هذا إسناد حسن"!.
ثم قال الحافظ ابن القطان -رحمه الله تعالى: "فإن قيل: هذا الذي ذهبت إليه من أن المرأة معفو لها عن بدو وجهها وكفيها -وإن كانت مأمورة بالستر جهدها- يظهر خلافه من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} الآية؟ فالجواب أن يقال: يمكن أن يفسر هذا "الإدناء" تفسيرًا لا يناقض ما قلناه وذلك بأن يكون معناه: يدنين عليهنَّ من جلابيبهن ما لا يظهر معه القلائد والقرطة مثل قوله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} فإن "الإدناء" المأمور به مطلق بالنسبة إلى كل ما يطلق عليه "إدناء" فإذا حملناه على واحد مما يقال عليه "إدناء" يقضي به عن عهدة الخطاب إذ لم يطلب به كل "إدناء" فإنه إيجاب بخلاف النهي والنفي". ويلاحظ القراء الكرام أنَّ هذا البحث القيم الذي وقفت عليه بفضل الله من كلام هذا الحافظ ابن القطان يوافق تمام الموافقة ما كنت ذكرته اجتهادًا مني وتوفيقًا بين الأدلة: أن الآية مطلقة كما ستراه مصرحًا به "ص87" فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. نعم حديث عائشة عند أبي داود دليل واضح على جواز إظهار المرأة الوجه والكفين لولا أن فيه ما بيناه في التعليق1، إلا أنه من الممكن أن
يقال: إنه يقوى بكثرة طرقه وقد قواه البيهقي كما يأتي أدناه فيصلح حينئذ دليلًا على الجواز المذكور لا سيما وقد عمل به كثير من النساء في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث كن يكشفن عن وجوههن وأيديهن بحضرته -صلى الله عليه وسلم- وهو لا ينكر ذلك عليهن وفي ذلك عدة أحاديث نسوق ما يحضرنا الآن منها:
...................................................................................
1 - عن جابر بن عبد الله قال: "شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ثم قام متوكئًا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته، ووعظ الناس وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال: "تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم"، فقامت امرأة من سِطَة1 النساء "أي: جالسة في وسطهن" سفعاء الخدين "أي: فيهما تغير وسواد" فقالت: لِمَ يا رسول الله؟ قال: "لأنكن تكثرن الشكاة، وتكفرن العشير"، قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتمهن"2.
2- عن ابن عباس "عن الفضل بن عباس":
"أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع [يوم النحر] والفضل بن عباس رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-[وكان الفضل رجلًا وضيئًا ... فوقف النبي -صلى الله عليه وسلم- للناس يفتيهم] "، الحديث وفيه: "فأخذ الفضل بن عباس يلتفت إليها وكانت امرأة حسناء "وفي رواية: وضيئة" "وفي رواية: فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها" [وتنظر إليه] فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذقن الفضل فحول وجهه من الشق الآخر". وفي رواية لأحمد "1/ 211" من حديث الفضل نفسه: "فكنت أنظر إليها فنظر إلَيّ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلب وجهي عن وجهها، ثم أعدت النظر فقلب وجهي عن وجهها، حتى فعل ذلك ثلاثًا وأنا لا أنتهي". ورجاله ثقات لكنه منقطع إن كان الحكم بن عتيبة لم يسمعه من ابن عباس وروى هذه القصة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وذكر أن الاستفتاء كان عند المنحر بعد ما رمى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجمرة وزاد: "فقال له العباس: يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك؟ قال: "رأيت شابًّا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما".
...................................................................................
3- عن سهل بن سعد:
"أن امرأة جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-[وهو في المسجد] فقالت: يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي [فصمت فلقد رأيتها قائمة مليًّا أو قال: هوينًا] فنظر إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصعد النظر إليها وصوبه ثم طأطأ رأسه فلما رأت المرأة أنه لم يقصد فيها شيئًا جلست"، الحديث. 4 - عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفن من الغلس". ووجه الاستدلال بها هو قولها: "لا يعرفن من الغلس" فإن مفهومه أنه لولا الغلس لعرفن وإنما يعرفن عادة من وجوههن وهي مكشوفة فثبت المطلوب. وقد ذكر معنى هذا الشوكاني "2/ 15" عن الباجي. ثم وجدت رواية صريحة في ذلك بلفظ:
"وما يعرف بعضنا وجوه بعض"1. 5 - عن فاطمة بنت قيس: "أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة "وفي رواية: آخر ثلاث تطليقات" وهو غائب ... فجاءت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك له ... فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال: "تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك [عنده] "، "وفي رواية: "انتقلي إلى أم شريك" -وأم شريك امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله ينزل عليها الضيفان- فقلت: سأفعل فقال: "لا تفعلي إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان فإني أكره أن يسقط خمارك أو ينكشف الثوب "وما يعرف بعضنا وجوه بعض" 1. 5 - عن فاطمة بنت قيس: "أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة "وفي رواية: آخر ثلاث تطليقات" وهو غائب ... فجاءت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك له ... فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال: "تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك [عنده] "، "وفي رواية: "انتقلي إلى أم شريك" -وأم شريك امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله ينزل عليها الضيفان- فقلت: سأفعل فقال: "لا تفعلي إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان فإني أكره أن يسقط خمارك أو ينكشف الثوب عن ساقيك فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن أم مكتوم [الأعمى] " -وهو من البطن الذي هي منه- " [فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك] "، فانتقلت إليه فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي ينادي: الصلاة جامعة فخرجت إلى المسجد.
فصليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما قضى صلاته جلس على المنبر فقال: "إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميمًا الداري كان رجلًا نصرانيًّا، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثًا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال"، الحديث. وينبغي أن يعلم أن هذه القصة وقعت في آخر حياته -صلى الله عليه وسلم- لأن فاطمة بنت قيس ذكرت أنها بعد انقضاء عدتها سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يحدث بحديث تميم الداري وأنه جاء وأسلم. وقد ثبت في ترجمة تميم أنه أسلم سنة تسع فدل ذلك على تأخر القصة عن آية الجلباب فالحديث إذن نص على أن الوجه ليس بعورة. 6 - "صحيح" عن ابن عباس رضي الله عنهما:
"قيل له: شهدت العيد مع النبي -صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، ولولا مكاني من الصغر ما شهدته حتى أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت فصلى [قال: فنزل1 نبي الله -صلى الله عليه وسلم- كأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده ثم أقبل يشقهم] ثم أتى النساء ومعه بلال [فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} ، فتلا هذه الآية حتى فرغ منها ثم قال حين فرغ منها: "أنتن على ذلك؟ "، فقالت امرأة واحدة لم يجبه غيرها منهن: نعم يا نبي الله قال:] فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة [قال: فبسط بلال ثوبه ثم قال: هلم لكن فداكن أبي وأمي] فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه، "وفي رواية: فجعلن يلقين الفتخ والخواتم" في ثوب بلال ثم انطلق هو وبلال إلى بيته".
7 - عن سُبَيْعَةَ بنت الحارث: أنها كانت تحت سعد بن خولة فتوفي عنها في حجة الوداع وكان بدريًّا، فوضعت حملها قبل أن ينقضي أربعة أشهر وعشر من وفاته فلقيها أبو السنابل بن بعكك حين تعلَّت1، من نفاسها وقد اكتحلت [واختضبت وتهيأت] فقال لها: اربعي2 على نفسك -أو نحو هذا- لعلك تريدين النكاح؟ إنها أربعة أشهر وعشر من وفاة زوجك قالت: فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت له ما قال أبو السنابل بن بعكك فقال: "قد حللت حين وضعت".
8 - عن عائشة -رضي الله عنها: "أن امرأة أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- تبايعه ولم تكن مختضبة فلم يبايعها حتى اختضبت". 9 - عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي. قال: "إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك"، فقالت: أصبر فقالت: إني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف، فدعا لها. 10 - وعن ابن عباس أيضًا، قال: "كانت امرأة تصلي خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حسناء من أحسن الناس [قال ابن عباس: لا والله ما رأيت مثلها قط] فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطيه [وجافى يديه] فأنزل الله تعالى:
{وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} ". 11 - عن ابن مسعود قال: رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأة فأعجبته فأتى سودة وهي تصنع طيبًا وعندها نساء فأخلينه فقضى حاجته ثم قال: "أيما رجل رأى امرأة تعجبه فليقم إلى أهله فإن معها مثل الذي معها". 12 - عن عبد الله بن محمد عن امرأة منهم قالت: دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا آكل بشمالي وكنت امرأة عسرى فضرب يدي فسقطت اللقمة فقال: "لا تأكلي بشمالك وقد جعل الله تبارك وتعالى لك يمينا"، أو قال: "وقد أطلق الله عز وجل لك يمينا".
13 - عن ثوبان -رضي الله عنه- قال: جاءت بنت هبيرة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي يدها فتخ من ذهب [أي: خواتيم كبار] فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يضرب يدها بعصية معه يقول: "أيسرك أن يجعل الله في يدك خواتيم من نار؟ "، الحديث. ففي هذه الأحاديث دلالة على جواز كشف المرأة عن وجهها وكفيها فهي تؤيد حديث عائشة المتقدم وتبين أن ذلك هو المراد بقوله تعالى: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] كما سبق "ص51" على أن قوله تعالى فيما بعد: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] يدل على ما دلت عليه بعض الأحاديث السابقة من عدم وجوب ستر المرأة لوجهها؛ لأن "الخمر" جمع خمار وهو ما يغطى به الرأس1. و"الجيوب" جمع
"الجيب"، وهو موضع القطع من الدرع والقميص وهو من الجوب وهو القطع فأمر تعالى بلَيِّ الخمار على العنق والصدر فدل على وجوب سترهما ولم يأمر بلبسه على الوجه فدل على أنه ليس بعورة ولذلك قال ابن حزم في "المحلى" "3/ 216 - 217": "فأمرهن الله تعالى بالضرب بالخمار على الجيوب وهذا نص على ستر العورة والعنق والصدر وفيه نص على إباحة كشف الوجه لا يمكن غير ذلك".
إبطال دعوى أن هذه الأدلة كلها كانت قبل فرضية الجلباب: أقول: فإن قيل: إن ما ذكرته واضح جدًّا غير أنه يحتمل أن يكون ذلك وقع قبل فرض الجلباب فلا يصح الاستدلال حينئذ إلا بعد إثبات وقوعه بعد الجلباب. وجوابنا عليه من وجهين. الأول: أن الظاهر من الأدلة أنه وقع بعد الجلباب وقد حضرنا في ذلك حديثان: الأول: حديث أم عطية -رضي الله عنها: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أمر النساء أن يخرجن لصلاة العيد قالت أم عطية: إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: "لتلبسها أختها من جلبابها". متفق عليه. ففيه دليل على أن النساء إنما كن يخرجن إلى العيد في جلابيبهن وعليه فالمرأة السفعاء الخدين كانت متجلببة. ويؤيده الحديث الآتي وهو: الحديث الثاني: حديثها أيضًا قالت: لما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة جمع نساء الأنصار في بيت، ثم أرسل إليهن عمر بن الخطاب، فقام على الباب فسلم عليهن، فرددن السلام فقال: "أنا رسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليكن"، فقلن: مرحبًا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبرسوله فقال: "تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئًا ولا تسرقن ولا تزنين ولا تقتلن أولادكن ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن ولا تعصين في معروف؟ "، فقلن: نعم فمد عمر يده من خارج الباب، ومددن أيديهن من داخل، ثم قال: "اللهم اشهد"، وأمرنا "وفي رواية: فأمرنا" أن
نخرج في العيدين العتق والحيض ونهينا عن اتباع الجنائز ولا جمعة علينا فسألته عن البهتان وعن قوله: {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} ؟ قال: هي النياحة"1. ووجه الاستشهاد به إنما يتبين إذا تذكرنا أن آية بيعة النساء: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] إنما نزلت يوم الفتح كما قال مقاتل "الدر" "6/ 209" ونزلت بعد آية الامتحان كما أخرجه ابن مردويه عن جابر "الدر" "6/ 211" وفي "البخاري" عن المسور أن آية الامتحان نزلت في يوم الحديبية وكان ذلك سنة ست على الصحيح كما قال ابن القيم في "الزاد" وآية الحجاب إنما نزلت سنة ثلاثة وقيل: خمس حين بنى -صلى الله عليه وسلم- بزينب بنت جحش كما في ترجمتها من "الإصابة". فثبت من ذلك أن أمر النساء بالخروج إلى العيد إنما كان بعد فرض
الجلباب، ويؤيده أن في حديث عمر أنه لم يدخل على النساء وإنما بايعهن من وراء الباب وفي هذه القصة أبلغهن أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- النساء بأن يخرجن للعيد وكان ذلك في السنة السادسة عقب رجوعه -صلى الله عليه وسلم- من الحديبية بعد نزول آية الامتحان والبيعة كما تقدم وبهذا تعلم معنى قول أم عطية في أول حديثها الثاني: "لما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة" أي: من الحديبية ولا تعني قدومه إليها من مكة مهاجرًا كما قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة. فتأمل. الوجه الآخر: إذا فرضنا عجزنا عن إثبات ما ذكرنا فإن مما لا شك فيه عند العلماء أن إقراره -صلى الله عليه وسلم- المرأة على كشف وجهها أمام الرجال دليل على الجواز وإذا كان الأمر كذلك فمن المعلوم أن الأصل بقاء كل حكم على ما كان عليه حتى يأتي ما يدل على نسخه ورفعه ونحن ندعي أنه لم يأت شيء من ذلك هنا بل جاء ما يؤيد بقاءه واستمراره كما سترى فمن ادعى خلاف ذلك فهو الذي عليه أن يأتي بالدليل الناسخ وهيهات هيهات. على أننا قد أثبتنا فيما تقدم من حديث الخثعمية أن الحادثة كانت في حجة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي كانت بعد فرض الجلباب يقينًا وما أجابوا عنها تقدم إبطاله بما لا يبقي شبهة. ويؤيد ذلك قوله تعالى في صدر الآية المتقدمة: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} الآية [النور: 30-31] فإنها تشعر بأن في المرأة شيئًا مكشوفًا يمكن النظر إليه فلذلك أمر تعالى بغض النظر عنهن وما ذلك غير
الوجه والكفين. ومثلها قوله -صلى الله عليه وسلم: "إياكم والجلوس بالطرقات، فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" 1. وقوله: "يا علي! لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة" 2.
وعن جرير بن عبد الله قال: "سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نظر الفجأة؟ فأمرني -صلى الله عليه وسلم- أن أصرف بصري"1. هذا؛ وقد ذكر القرطبي "12/ 230" وغيره في سبب نزول هذه الآية: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] . "أن النساء كن في ذلك الزمان إذا غطين رءوسهن بالأخمرة وهي المقانع سدلنها من وراء الظهر كما يصنع النبط فيبقى النحر والعنق والأذنان لا ستر على ذلك. فأمر الله تعالى بلَيِّ الخمار على الجيوب". وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "يرحم الله نساء المهاجرين الأُوَل لما أنزل الله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شققن مروطهن فاختمرن بها "وفي رواية: أخذن أُزرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها"2.
وعن الحارث بن الحارث الغامدي قال: " [قلت لأبي ونحن بمنى:] ما هذه الجماعة؟ قال: هؤلاء القوم قد اجتمعوا على صابئ لهم قال: فنزلنا "وفي رواية: فتشرفنا" فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو الناس إلى توحيد الله والإيمان به وهم يردون عليه [قوله] ويؤذونه حتى انتصف النهار وتصدع عنه الناس وأقبلت امرأة قد بدا نحرها [تبكي] تحمل قدحًا [فيه ماء] ومنديلًا فتناوله منها وشرب وتوضأ ثم رفع رأسه [إليها] فقال: "يا بنية خمري عليك نحرك ولا تخافي على أبيك [غلبة ولا ذلا] "، قلت: من هذه؟ قالوا: [هذه] زينب بنته"1.
ثم إن قوله تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31] ؛ يدل على أن النساء يجب عليهن أن يسترن أرجلهن أيضًا. وإلا لاستطاعت إحداهن أن تبدي ما تخفي من الزينة "وهي الخلاخيل" ولاستغنت بذلك عن الضرب بالرجل ولكنها كانت لا تستطيع ذلك، لأنه مخالفة للشرع مكشوفة ومثل هذه المخالفة لم تكن معهودة في عصر الرسالة ولذلك كانت إحداهن تحتال بالضرب بالرجل لتعلم الرجال ما تخفي من الزينة فنهاهن الله تعالى عن ذلك وبناء على ما أوضحنا قال ابن حزم في "المحلى" "3/ 216": "هذا نص على أن الرجلين والساقين مما يخفى ولا يحل إبداؤه". ويشهد لهذا من السنة حديث ابن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة"، فقالت أم سلمة: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: "يرخين شبرًا" 1، فقالت: إذن تنكشف أقدامهن قال: "فيرخينه ذراعًا لا يزدن عليه". أخرجه الترمذي "3/ 47" وقال: "هذا حديث حسن صحيح"2.
وفي الحديث رخصة للنساء في جر الإزار؛ لأنه يكون أستر لهن وقال البيهقي: "وفي هذا دليل على وجوب ستر قدميها"1. وعلى هذا جرى العمل من النساء في عهده -صلى الله عليه وسلم- وما بعده وترتب عليه بعض المسائل الشرعية فقد أخرج مالك وغيره عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنها سألت أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر؟ قالت أم سلمة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يطهره ما بعده". وعن امرأة من بني عبد الأشهل قالت: "قلت: يا رسول الله إن لنا طريقًا إلى المسجد منتنة فكيف نفعل إذا مطرنا؟ قال: "أليس بعدها طريق هي أطيب منها؟ "، قالت: قلت: بلى، قال: "فهذه بهذه" 2.
ومن أجل ذلك كان من شروط المسلمين الأولين على أهل الذمة أن تكشف نساؤهم عن سوقهن وأرجلهن لكي لا يتشبهن بالمسلمات كما جاء في "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم" "ص 59"1. ثم إن الله تعالى بعد أن بين في الآية السابقة -آية النور- ما يجب على المرأة أن تخفي من زينتها أمام الأجانب ومن يجوز أن تظهرها أمامهم أمرها في الآية الأخرى إذا خرجت من دارها أن تلتحف فوق ثيابها وخمارها بالجلباب أو الملاءة؛ لأنه أستر لها وأشرف لسيرتها وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} . [الأحزاب: 59] . ولما نزلت خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من
الأكسية1. والجلباب: هو الملاءة التي تلتحف به المرأة فوق ثيابها على أصح الأقوال2، وهو يستعمل في الغالب إذا خرجت من دارها كما روى الشيخان وغيرهما عن أم عطية رضي الله عنها قالت: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق3، والحيَّض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير
ودعوة المسلمين. قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: "لتلبسها أختها من جلبابها". قال الشيخ أنور الكشميري في "فيض الباري" "1/ 388" تعليقًا على هذا الحديث: "وعلم منه أن الجلباب مطلوب عند الخروج، وأنها لا تخرج إن لم يكن لها جلباب". والجلباب رداء ساتر من القرن إلى القدم. وقد مر مني أن الخمر في البيوت والجلابيب عند الخروج وبه شرحت الآيتين في الحجاب: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] والثانية: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59] ". وقال في المكان الذي أشار إليه "1/ 256" بعد أن فسر الجلباب والخمار بنحو ما تقدم: "فإن قلت: إن إدناء الجلباب يغني عن ضرب الخمر على جيوبهن قلت: بل إدناء الجلباب فيما إذا خرجت من بيتها لحاجة وضرب الخمر في عامة الأحوال فضرب الخمر محتاج إليه". قلت: وتقييده الخمر بالبيوت فيه نظر؛ لأنه خلاف الظاهر من الآية الأولى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ} ... {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31] فإن النهي عن الضرب بالأرجل قرينة واضحة على أن الأمر بضرب الخمر خارج الدار أيضًا وكذلك قوله في صدر الآية:
{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} . .. الآية [النور: 31] فالحق الذي يقتضيه العمل بما في آيتي النور والأحزاب أن المرأة يجب عليها إذا خرجت من دارها أن تختمر وتلبس الجلباب على الخمار؛ لأنه كما قلنا سابقًا أستر لها وأبعد عن أن يصف حجم رأسها وأكتافها وهذا أمر يطلبه الشارع كما سيأتي بيانه عند الكلام على "الشرط الرابع" والذي ذكرته هو الذي فسر به بعض السلف آية الإدناء ففي "الدر" "5/ 222". "وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} قال: يسدلن عليهن من جلابيبهن وهو القناع فوق الخمار ولا يحل لمسلمة أن يراها غريب إلا أن يكون عليها القناع فوق الخمار وقد شدت به رأسها ونحرها". واعلم أن هذا الجمع بين الخمار والجلباب من المرأة إذا خرجت قد أخل به جماهير النساء المسلمات فإن الواقع منهن إما الجلباب وحده على رءوسهن أو الخمار وقد يكون غير سابغ في بعضهن كالذي يسمى اليوم بـ"الإشارب" بحيث ينكشف منهن بعض ما حرم الله عليهن أن يظهرن من زينتهن الباطنة كشعر الناصية أو الرقبة مثلًا. وإن مما يؤكد وجوب هذا الجمع حديث ابن عباس: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} الآية واستثنى من ذلك: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا} الآية. وتمام الآية: {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 60] .
وفي رواية عن ابن عباس: أنه كان يقرأ: "أن يضعن من ثيابهن"؛ قال: الجلباب. وكذا قال ابن مسعود1. قلت: فهذا نص في وجوب وضع الجلباب على الخمار على جميع النساء إلا القواعد منهن "وهن اللاتي لا يطمع فيهن لكبرهن" فيجوز لهن أن لا يضعن الحجاب على رءوسهن. أفما آن للنساء الصالحات حيثما كن أن يتنبهن من غفلتهن ويتقين الله في أنفسهن ويضعن الجلابيب على خمرهن؟! ومن الغريب حقًّا أن لا يتعرض لبيان هذا الحكم الصريح في الكتاب والسنة كل الذين كتبوا اليوم -فيما علمت- عن لباس المرأة مع توسع بعضهم على الأقل في الكلام على أن وجه المرأة عورة مع كون ذلك مما اختلف فيه والصواب خلافه كما تراه مفصلًا في هذا الكتاب والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. ثم إن قوله: "والجلابيب عند الخروج" لا مفهوم له إذ إن الجلباب لستر زينة المرأة عن الأجانب فسواء خرجت إليهم أو دخلوا عليها فلا بد على كل حال من أن تتجلبب ويؤيد هذا ما قاله قيس بن زيد: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طلق حفصة بنت عمر ... فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدخل عليها، فتجلببت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن جبريل أتاني فقال لي:
أرجع حفصة فإنها صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة" 1. هذا ولا دلالة في الآية على أن وجه المرأة عورة يجب عليها ستره بل غاية ما فيها الأمر بإدناء الجلباب عليها وهذا كما ترى أمر مطلق فيحتمل أن يكون الإدناء على الزينة ومواضعها التي لا يجوز لها إظهارها حسبما صرحت به الآية الأولى وحينئذ تنتفي الدلالة المذكورة ويحتمل
أن يكون أعم من ذلك فعليه يشمل الوجه. وقد ذهب إلى كل من التأويلين جماعة من العلماء المتقدمين وساق أقوالهم قي ذلك ابن جرير في "تفسيره" والسيوطي في "الدر المنثور" ولا نرى فائدة كبرى بنقلها هنا فنكتفي بالإشارة إليها ومن شاء الوقوف عليهما فليرجع إليهما1. ونحن نرى أن القول الأول أشبه بالصواب لأمور:
الأول: أن القرآن يفسر بعضه بعضًا. وقد تبين من آية النور المتقدمة أن الوجه لا يجب ستره فوجب تقييد الإدناء هنا بما عدا الوجه توفيقًا بين الآيتين. الآخر: أن السنة تبين القرآن فتخصص عمومه وتقيد مطلقه وقد دلت النصوص الكثيرة منها1 على أن الوجه لا يجب ستره فوجب تفسير هذه الآية على ضوئها وتقييدها بها. فثبت أن الوجه ليس بعورة يجب ستره، وهو مذهب أكثر العلماء كما قال ابن رشد في "البداية" "1/ 89" ومنهم أبو حنيفة ومالك والشافعي ورواية عن أحمد كما في "المجموع" "3/ 169" وحكاه الطحاوي في "شرح المعاني" "2/ 9" عن صاحِبَي أبي حنيفة أيضًا، وجزم في "المهمات" من كتب الشافعية أنه الصواب كما ذكره الشيخ الشربيني في "الإقناع" "2/ 110". لكن ينبغي تقييد هذا بما إذا لم يكن على الوجه وكذا الكفين شيء من الزينة لعموم قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] وإلا وجب ستر ذلك ولا سيما في هذا العصر الذي تفنن فيه النساء بتزيين وجوههن وأيديهن بأنواع من الزينة والأصبغة مما لا يشك مسلم -بل عاقل ذو غيرة- في تحريمه وليس من ذلك الكحل والخضاب لاستثنائهما في الآية كما تقدم. ويؤيد هذا ما أخرجه ابن سعد "8/ 238 - 239" من طريق سفيان عن منصور عن ربعي بن خراش عن امرأة عن أخت حذيفة وكان له أخوات
قد أدركن النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا معشر النساء أليس لكن في الفضة ما تحلين؟ أما إنه ليس منكن امرأة تحلى ذهبًا تظهره إلا عذبت به"، قال منصور: فذكرت ذلك لمجاهد فقال: قد أدركتهن وإن إحداهن لتتخذ لكمها زرًّا تواري خاتمها. وليس استشهادي في هذه الرواية بالحديث المرفوع وإن كان صريحًا في ذلك؛ لأن في إسناده المرأة التي لم تسم- وإنما هو بقول مجاهد: "تواري خاتمها" فهو نص صريح فيما ذكرت والحمد لله على توفيقه. ثم رأيت قول مجاهد بسند آخر صحيح عنه في "مسند أبي يعلى" "6989". هذا وقد أبان الله تعالى عن حكمة الأمر بإدناء الجلباب بقوله: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59] يعني أن المرأة إذا التحفت بالجلباب عرفت بأنها من العفائف المحصنات الطيبات فلا يؤذيهن الفساق بما لا يليق من الكلام بخلاف ما لو خرجت متبذلة غير مستترة فإن هذا مما يطمع الفساق فيها والتحرش بها، كما هو مشاهد في كل عصر ومصر. فأمر الله تعالى نساء المؤمنين جميعًا بالحجاب سدًّا للذريعة. وأما ما أخرجه ابن سعد "8/ 176": أخبرنا محمد بن عمر عن ابن أبي سبرة عن أبي صخر عن ابن كعب القرظي قال: "كان رجل من المنافقين يتعرض لنساء المؤمنين يؤذيهن فإذا قيل له؟ قال: كنت أحسبها أمة فأمرهن الله أن يخالفن زي الإماء ويدنين
عليهن من جلابيبهن". فلا يصح بل هو ضعيف جدًّا لأمور: الأول: أن ابن كعب القرظي -واسمه محمد- تابعي لم يدرك عصر النبوة فهو مرسل. الثاني: أن ابن أبي سبرة وهو أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة ضعيف جدًّا قال الحافظ في "التقريب": "رموه بالوضع". والثالث: ضعف محمد بن عمر وهو الواقدي وهو مشهور بذلك عند المحدثين بل هو متهم. وفي معنى هذه الرواية روايات أخرى أوردها السيوطي في "الدر المنثور" وبعضها عند ابن جرير وغيره وكلها مرسلة لا تصح؛ لأن منتهاها إلى أبي مالك وأبي صالح والكلبي ومعاوية بن قرة والحسن البصري ولم يأت شيء منها مسندًا فلا يحتج بها ولا سيما أن ظاهرها مما لا تقبله الشريعة المطهرة ولا العقول النيرة؛ لأنها توهم أن الله تعالى أقر إماء المسلمين -وفيهن مسلمات قطعًا- على حالهن من ترك التستر ولم يأمرهن بالجلباب ليدفعن به إيذاء المنافقين لهن. ومن العجائب أن يغتر بعض المفسرين بهذه الروايات الضعيفة فيذهبوا بسببها إلى تقييد قوله تعالى: {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 59] بالحرائر دون الإماء وبنوا على ذلك أنه لا يجب على الأمة ما يجب على
الحرة من ستر الرأس والشعر بل بالغ بعض المذاهب فذكر أن عورتها مثل عورة الرجل: من السرة إلى الركبة وقالوا: "فيجوز للأجنبي النظر إلى شعر الأمة وذراعها وساقها وصدرها وثديها"1. وهذا -مع أنه لا دليل عليه من كتاب أو سنة- مخالف لعموم قوله تعالى: {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 59] فإنه من حيث العموم كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} الآية [النساء: 43] ولهذا قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره: "البحر المحيط" "7/ 250": "والظاهر أن قوله: {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} يشمل الحرائر والإماء، والفتنة بالإماء أكثر؛ لكثرة تصرفهن، بخلاف الحرائر؛ فيحتاج إخراجهن من عموم النساء إلى دليل واضح". وسبقه إلى ذلك الحافظ ابن القطان في "أحكام النظر" "ق 24/ 2" وغيره. وما أحسن ما قال ابن حزم في "المحلى" "3/ 218 - 219": "وأما الفرق بين الحرة والأمة فدين الله واحد والخلقة والطبيعة واحدة كل ذلك في الحرائر والإماء سواء حتى يأتي نص في الفرق بينهما
في شيء فيوقف عنده". قال: "وقد ذهب بعض من وهل في قول الله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} ؛ إلى أنه إنما أمر الله تعالى بذلك؛ لأن الفساق كانوا يتعرضون للنساء للفسق، فأمر الحرائر بأن يلبسن الجلابيب ليعرف الفساق أنهن حرائر فلا يتعرضوهن"1. ونحن نبرأ من هذا التفسير الفاسد الذي هو إما زلة عالم أو وهلة فاضل عاقل أو افتراء كاذب فاسق؛ لأن فيه أن الله تعالى أطلق الفساق على أعراض إماء المسلمين وهذه مصيبة الأبد، وما اختلف اثنان من أهل الإسلام في أن تحريم الزنا بالحرة كتحريمه بالأمة، وأن الحد على الزاني بالحرة كالحد على الزاني بالأمة، ولا فرق وأن تعرض الحرة في التحريم
كتعرض الأمة ولا فرق ولهذا وشبهه وجب أن لا يقبل قول أحد بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا بأن يسنده إليه عليه السلام"1. ولا يعارض ما تقدم حديث أنس: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما اصطفى لنفسه من سبي خيبر صفية بنت حيي قال الصحابة: ما ندري أتزوجها أم اتخذها أم ولد؟ فقالوا: إن يحجبها فهي امرأته وإن لم يحجبها فهي أم ولد. فلما أراد أن يركب حجبها حتى قعدت على عجز البعير فعرفوا أنه تزوجها "وفي رواية: وسترها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحملها وراءه وجعل رداءه على ظهرها ووجهها ثم شده من تحت رجلها وتحمل بها وجعلها بمنزلة نسائه"2.
نقول: لا مخالفة بين هذا الحديث وبين ما اخترناه من تفسير الآية؛ لأنه ليس فيه نفي الجلباب وإنما فيه نفي "الحجاب" ولا يلزم منه نفي الجلباب مطلقًا إلا احتمالًا ويحتمل أن يكون المنفي الجلباب الذي يتضمن حجب الوجه أيضًا، كما هو صريح قوله في الحديث نفسه: "وجعل رداءه على ظهرها ووجهها"، ويقوي هذا الاحتمال أيضًا ما سيأتي بيانه، فهذه الخصوصية هي التي كان بها يعرف الصحابة حرائره عليه السلام من إمائه، وهي المراد من قولهم المتقدم سلبًا وإيجابًا: "إن يحجبها فهي امرأته وإن لم يحجبها فهي أم ولد". فيتضح من هذا أن معنى قولهم: "وإن لم يحجبها" أي: في وجهها فلا ينفي حجب سائر البدن من الأمة وفيه الرأس فضلًا عن الصدر والعنق فاتفق الحديث مع الآية والحمد لله على توفيقه1.
والخلاصة أنه يجب على النساء جميعًا أن يتسترن إذا خرجن من بيوتهن بالجلابيب لا فرق في ذلك بين الحرائر والإماء ويجوز لهن الكشف عن الوجه والكفين فقط لجريان العمل بذلك في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- مع إقراره إياهن على ذلك. ومن المفيد هنا أن نستدرك ما فاتنا في الطبعات السابقة من الآثار السلفية التي تنص على جريان العمل بذلك أيضًا بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- فأقول: 1- عن قيس بن أبي حازم قال: "دخلت أنا وأبي على أبي بكر -رضي الله عنه- وإذا هو رجل أبيض خفيف الجسم عنده أسماء بنت عميس تذب عنه وهي [امرأة بيضاء] موشومة اليدين كانوا وشموها في الجاهلية نحو وشم البربر فعرض عليه فرسان فرضيهما فحملني على أحدهما وحمل أبي على الآخر".
2- عن أبي السليل قال: جاءت ابنة أبي ذر وعليها مِجْنَبَتا صوف سفعاء الخدين ومعها قفة لها، فمثلت بين يديه وعنده أصحابه فقالت: يا أبتاه! زعم الحراثون والزراعون أن أفلُسَك هذه بهرجة فقال: يا بنية ضعيها فإن أباك أصبح بحمد الله ما يملك من صفراء ولا بيضاء إلا أفلسه هذه. 3 - عن عمران بن حصين قال: كنت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاعدًا إذ أقبلت فاطمة -رحمها الله- فوقفت بين يديه فنظرت إليها وقد ذهب الدم من وجهها فقال: ادني يا فاطمة فدنت حتى قامت بين يديه فرفع يده فوضعها على صدرها موضع القلادة وفرج بين أصابعه ثم قال: "اللهم مشبع الجاعة ورافع الوضيعة لا تجع فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم". قال عمران: فنظرت إليها وقد غلب الدم على وجهها وذهبت الصفرة كما كانت الصفرة قد غلبت على الدم
قال عمران: فلقيتها بعد فسألتها؟ فقالت: ما جعت بعد يا عمران! 4 - عن قبيصة بن جابر قال: "كنا نشارك المرأة في السورة من القرآن نتعلمها فانطلقت مع عجوز من بني أسد إلى ابن مسعود [في بيته] في ثلاث نفر فرأى جبينها يبرق فقال: أتحلقينه؟ فغضبت وقالت: التي تحلق جبينها امرأتك قال: فادخلي عليها فإن كانت تفعله فهي مني بريئة فانطلقت ثم جاءت فقالت: لا والله ما رأيتها تفعله فقال عبد الله بن مسعود: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لعن الله الواشمات والمستوشمات...." إلخ. 5 - عن أبي أسماء الرحبي أنه دخل على أبي ذر [الغفاري رضي الله عنه] وهو بالربذة وعنده امرأة له سوداء مُسغِبة ... قال: فقال: "ألا تنظرون إلى ما تأمرني به هذه السويداء ... ". 6 - وفي "تاريخ ابن عساكر" "19/ 73/ 2" وفي قصة صلب ابن الزبير أن أمه "أسماء بنت أبي بكر" جاءت مسفرة الوجه متبسمة.
7 - عن أنس قال: دخلَتْ على عمر بن الخطاب أمة قد كان يعرفها لبعض المهاجرين أو الأنصار وعليها جلباب متقنعة به فسألها: عتقت؟ قالت: لا. قال: فما
بال الجلباب؟ ضعيه عن رأسك إنما الجلباب على الحرائر من نساء المؤمنين فتلكأت فقام إليها بالدرة فضرب رأسها حتى ألقته عن رأسها. 8- عن عمر بن محمد أن أباه حدثه عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: أن أروى خاصمته في بعض داره فقال: دعوها وأباها فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من أخذ شبرًا من الأرض بغير حقه طُوِّقه في سبع أرضين يوم القيامة". اللهمَّ إن كانت كاذبة فأعمِ بصرها واجعل قبرها في دارها. قال: فرأيتها عمياء تلتمس الجدر تقول: أصابتني دعوة سعيد ب
زيد. فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئر في الدار فوقعت فيها فكانت قبرها. 9- عن عطاء بن أبي رباح قال: رأيت عائشة -رضي الله عنها- تفتل القلائد للغنم تساق معها هديا. 10- عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: أرسلني علي بن الحسين إلى الرُّبَيِّع بنت معوذ أسألها عن وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان يتوضأ عندها فأتيتها فأخرجت إلَيَّ إناء يكون مدًّا ... فقالت: بهذا كنت أخرج لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- للوضوء ... الحديث.
11- عن عروة بن عبد الله بن قشير: أنه دخل على فاطمة بنت علي بن أبي طالب قال: فرأيت في يديها مسكًا غلاظًا في كل يد اثنين اثنين. قال: ورأيت في يدها خاتمًا ... إلخ. 12- وعن عيسى بن عثمان قال: كنت عند فاطمة بنت علي فجاء رجل يثني على أبيها عندها فأخذت رمادًا فسفت في وجهه. 13- وعن يحيى بن أبي سليم قال: رأيت سمراء بنت نهيك وكانت قد أدركت النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها درع غليظ وخمار غليظ بيدها سوط تؤدب الناس وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. 14- عن ميمون -هو ابن مهران- قال: دخلت على أم الدرداء فرأيتها مختمرة بخمار صفيق قد ضربت
على حاجبها. قال: وكان فيه قصر فوصلته بسير. قال: وما دخلت في ساعة صلاة إلا وجدتها مصلية. 15- عن معاوية رضي الله عنه: دخلت مع أبي على أبي بكر-رضي الله عنه- فرأيت أسماء قائمة على رأسه بيضاء ورأيت أبا بكر-رضي الله عنه- أبيض نحيفًا. 16- عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه قال: "جاءت امرأة إلى سمرة بن جندب فذكرت أن زوجها لا يصل إليها فسأل الرجل فأنكر ذلك وكتب فيه إلى معاوية -رضي الله عنه- قال: فكتب: أن زوجه امرأة من بيت المال لها حظ من جمال ودين ... قال: ففعل ... قال: وجاءت المرأة متقنعة ... "1.
مشروعية ستر الوجه: هذا ثم إن كثيرًا من المشايخ اليوم يذهبون إلى أن وجه المرأة عورة لا يجوز لها كشفه بل يحرم وفيما تقدم في هذا البحث كفاية في الرد عليهم، ويقابل هؤلاء طائفة أخرى يرون أن ستره بدعة وتنطع في الدين، كما قد بلغنا عن بعض من يتمسك بما ثبت في السنة في بعض البلاد اللبنانية، فإلى هؤلاء الإخوان وغيرهم نسوق الكلمة التالية: ليعلم أن ستر الوجه والكفين له أصل في السنة، وقد كان ذلك معهودًا في زمنه -صلى الله عليه وسلم- كما يشير إليه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين" 1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "تفسير سورة النور" "ص 56". "وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن".
والنصوص متضافرة عن أن نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- كن يحتجبن حتى في وجوههن وإليك بعض الأحاديث والآثار التي تؤيد ما نقول: 1- عن عائشة قالت: خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب1 لحاجتها، وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها فرآها عمر بن الخطاب فقال: يا سودة! أما والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين قالت: فانكفأت راجعة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيتي وإنه ليتعشى وفي يده عرق -هو العظم إذا أخذ منه معظم اللحم- فدخلت عليه فقالت: يا رسول الله إني خرجت لبعض حاجتي، فقال لي عمر: كذا وكذا قالت: فأوحى الله إليه ثم رفع عنه وإن العرق في يده ما وضعه فقال: "إنه أذن لَكُنَّ أن تخرجن لحاجتكن" 2.
2- وعنها أيضًا في حديث قصة الإفك قالت: "فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان
ابن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج1، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرتُ -وفي رواية: فسترتُ- وجهي عنه بجلبابي"، الحديث. 3- عن أنس في قصة غزوة خيبر واصطفائه -صلى الله عليه وسلم- صفية لنفسه قال: "فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من خيبر ولم يُعَرِّس بها2، فلما قرب البعير لرسول الله ليخرج وضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجله لصفية لتضع قدمها على فخذه فأبت، ووضعت ركبتها على فخذه وسترها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحملها وراءه، وجعل رداءه على ظهرها ووجهها ثم شده من تحت رجلها، وتحمل بها وجعلها بمنزلة نسائه". 4- عن عائشة قالت:
"كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محرمات فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه". 5- عن أسماء بنت أبي بكر قالت: "كنا نغطي وجوهنا من الرجال وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام". 6 - عن صفية بنت شيبة قالت: "رأيت عائشة طافت بالبيت وهي منتقبة". 7- عن عبد الله بن عمر قال:
"لما اجتلى النبي -صلى الله عليه وسلم- صفية رأى عائشة منتقبة وسط الناس فعرفها". 8- عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: "أن عمر بن الخطاب أذن لأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحج في آخر حجة
حجها وبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف قال: كان عثمان ينادي: ألا لا يدنو إليهن أحد ولا ينظر إليهن أحد وهن في الهوادج على الإبل فإذا نزلن أنزلهن بصدر الشعب وكان عثمان وعبد الرحمن بذنب الشعب فلم يصعد إليهن أحد". ففي هذه الأحاديث دلالة ظاهرة على أن حجاب الوجه قد كان معروفًا في عهده -صلى الله عليه وسلم- وأن نساءه كن يفعلن ذلك وقد استن بهن فضليات النساء بعدهن وإليك مثالين على ذلك: 1- عن عاصم الأحول قال: "كنا ندخل على حفصة بنت سيرين1 وقد جعلت الجلباب هكذا: وتنقبت به فنقول لها: رحمك الله قال الله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ2 غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ}
-هو الجلباب- قال: فتقول لنا: أي شيء بعد ذلك؟ فنقول: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} فتقول: هو إثبات الحجاب"1.
...............................................................................................
2- عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن موسى القاضي قال: حضرت مجلس موسى بن إسحاق القاضي بالري، سنة ست وثمانين ومائتين، وتقدمت امرأة فادعى وليها على زوجها خمسمائة دينار مهرًا فأنكر فقال القاضي: شهودك. قال: قد أحضرتهم. فاستدعى بعض الشهود أن ينظر إلى المرأة ليشير إليها في شهادته فقام الشاهد وقال للمرأة: قومي. فقال الزوج:
تفعلون ماذا؟ قال الوكيل: ينظرون إلى امرأتك وهي مسفرة لتصح عندهم معرفتها. فقال الزوج: وإني أشهد القاضي أن لها عليَّ هذا المهر الذي تدعيه ولا تسفر عن وجهها. فردت المرأة -وأخبرت بما كان من زوجها- فقالت: فإني أشهد القاضي: أن قد وهبت له هذا المهر وأبرأته منه في الدنيا والآخرة. فقال القاضي: يكتب هذا في مكارم الأخلاق. فيستفاد مما ذكرنا أن ستر المرأة لوجهها ببرقع أو نحوه مما هو معروف اليوم عند النساء المحصنات أمر مشروع محمود وإن كان لا يجب ذلك عليها بل من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج. ومما تقدم بيانه يتضح ثبوت الشرط الأول في لباس المرأة إذا خرجت ألا وهو أن يستر جميع بدنها إلا وجهها وكفيها. "فائدة مهمة": قوله تعالى في آية النور المتقدمة في أول هذا الشرط: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [31] يعني: المؤمنات كما قال مجاهد وغيره من السلف خلافًا لبعض المعاصرين فإنه زعم أن المعنى: الصالحات من النساء سواء كنَّ مسلمات أو كافرات!
قال الشوكاني في "فتح القدير" "4/ 22": "وإضافة النساء إليهن تدل على اختصاص ذلك بالمؤمنات". وقال البيهقي في كتاب "الآداب" "ص 407 - لبنان": "وأما قوله: {نِسَائِهِنَّ} فقد رُوِّينا عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح: أن نساء من نساء المسلمين يدخلن الحمامات ومعهن نساء من أهل الكتاب فامنع ذلك". وفي رواية أخرى: "فإنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ينظر إلى عورتها إلا أهل ملتها". قلت: الرواية الأولى عند البيهقي في "السنن" "7/ 95" من طريق عيسى بن يونس: ثنا هشام بن الغاز بن ربيعة الجرشي عن عبادة بن نُسَيّ الكندي قال: كتب عمر ... إلخ. ورواه ابن جرير أيضًا "18/ 95". قلت: ورجاله ثقات لكنه منقطع فإن عبادة لم يدرك عمر -رضي الله عنه- بينهما نُسَي والد عبادة. هكذا رواه سعيد بن منصور في "سننه" كما في "تفسير ابن كثير" "3/ 284" ومن طريقه البيهقي: ثنا إسماعيل بن عياش عن هشام بن الغاز عن عبادة بن نُسي عن أبيه عن الحارث بن قيس قال: كتب عمر ... إلخ. الرواية الأخرى.
ورجاله ثقات غير نُسي فإنه لم يوثقه غير ابن حبان "5/ 482". وقال الحافظ في "التقريب": "مجهول". قلت: لكن المعنى المذكور متفق عليه بين المفسرين المحققين كابن جرير وابن كثير والشوكاني وغيرهم ممن لا يخرج عن التفسير المأثور ولا يعتد بآراء الخلف. إذا تبين ذلك فاعلم أن من الخطورة بمكان ما ابتلي به كثير من أغنياء المسلمين اليوم من استخدامهم النساء الكافرات في بيوتهم؛ لأنه لا يخلو الأمر من أن يقع الزوجان أو أحدهما في الفتنة والمخالفة للشريعة! أما الزوج فواضح؛ لأنه يخشى أن يزني بها وبخاصة أنه لا عفة عندهن بحكم كونهن كافرات لا يحرمن ولا يحللن كما صرح بذلك القرآن الكريم بحق أهل الكتاب، فكيف يكون حال الوثنيات "كالسيريلانكيات" اللاتي لا كتاب لهن؟! وأما بالنسبة للزوجة فمن الصعب جدًّا على أكثر مسلمات هذا الزمان، زوجات وبنات بالغات أن يحتجبن من تلك الخادمات كما تحتجب من الرجال إلا من عصم الله وقليل ما هن. ولو أننا فرضنا سلامة الزوجين من الفتنة فلن يسلم أولادهما من التأثر بأخلاقهن وعاداتهن المخالفة لشريعتنا هذا إذا لم يقصدن إفساد تربيتهم وتشكيكهم في دينهم كما سمعنا بذلك عن بعضهن.
هذا ولقد بلغني عن أحد المفتين -والعهدة على الراوي- أنه سئل عن استخدامهن، فأجاب بالجواز؛ لأنهن عنده بمنزلة السبايا والجواري اللاتي استحلت شرعًا بملك اليمين، فأخشى ما أخشاه أن يصل الأمر بمثل هذا المفتي أن يستحل أيضًا وطأهن قياسًا على ملك اليمين وبخاصة أن هناك من أسقط الحد عمن زنى بخادمته -ولو كانت مسلمة- بشبهة استئجاره إياها!! قال ذلك بعض الآرائيين القدامى، فالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله. هذا ما أردت بيانه للناس حول هذه المسألة لعل الله ينفع بها من قد يكون غافلًا عنها وينفع من كان معرضًا عن العمل بها وهو سبحانه ولي التوفيق والهادي إلى أقوم طريق.
الشرط الثاني: أن لا يكون زينة في نفسه
الشرط الثاني: "أن لا يكون زينة في نفسه" لقوله تعالى في الآية المتقدمة من سورة النور: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] فإنه بعمومه يشمل الثياب الظاهرة إذا كانت مزينة تلفت أنظار الرجال إليها، ويشهد لذلك قوله تعالى في [الأحزاب: 33] : {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} . وقوله -صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا تسأل عنهم 1: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيًا، وأمة أو عبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤونة الدنيا فتبرجت بعده فلا تسأل عنهم" 2.
و"التبرج: أن تبدي المرأة من زينتها ومحاسنها وما يجب عليها ستره مما تستدعي به شهوة الرجل"1. والمقصود من الأمر بالجلباب إنما هو ستر زينة المرأة، فلا يعقل حينئذ أن يكون الجلباب نفسه زينة وهذا كما ترى بين لا يخفى ولذلك قال الإمام الذهبي في "كتاب الكبائر" "ص 131": "ومن الأفعال التي تُلْعَن عليها المرأة إظهار الزينة، والذهب واللؤلؤ تحت النقاب وتطيبها بالمسك والعنبر والطيب إذا خرجت، ولبسها الصباغات والأزر الحريرية والأقبية القصار مع تطويل الثوب وتوسعة الأكمام وتطويلها وكل ذلك من التبرج الذي يمقت الله عليه، ويمقت فاعله في الدنيا والآخرة ولهذه الأفعال التي قد غلبت على أكثر النساء قال عنهن النبي -صلى الله عليه وسلم: "اطلعت على النار فرأيت أكثر أهلها النساء". قلت: وهو حديث صحيح أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث عمران بن حصين وغيره وزاد أحمد وغيره من حديث ابن عمرو مرفوعًا: "والأغنياء". وهذه الزيادة منكرة كما حققته في "سلسلة الأحاديث الضعيفة"
برقم "2800" من المجلد السادس يسر الله طباعته. قلت: ولقد بالغ الإسلام في التحذير من التبرج إلى درجة أنه قرنه بالشرك والزنى والسرقة وغيرها من المحرمات، وذلك حين بايع النبي -صلى الله عليه وسلم- النساء على أن لا يفعلن ذلك، فقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: "جاءت أميمة بنت رُقَيقة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تبايعه على الإسلام فقال: "أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئًا، ولا تسرقي، ولا تزني، ولا تقتلي ولدك، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولا تنوحي، ولا تتبرجي تبرج الجاهلية الأولى" 1. واعلم أنه ليس من الزينة في شيء أن يكون ثوب المرأة الذي تلتحف
به ملونًا بلون غير البياض أو السواد كما يتوهم بعض النساء الملتزمات وذلك لأمرين: الأول: قوله -صلى الله عليه وسلم: "طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه". وهو مخرج في "مختصر الشمائل" "188". والآخر: جريان العمل من نساء الصحابة على ذلك، وأسوق هنا بعض الآثار الثابتة في ذلك مما رواه الحافظ ابن أبي شيبة في "المصنف" "8/ 371 - 372": 1- عن إبراهيم -وهوالنخعي: أنه كان يدخل مع علقمة والأسود على أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- فيراهن في اللحف الحمر. 2- عن ابن أبي مليكة قال: رأيت على أم سلمة درعًا وملحفة مصبغتين بالعصفر.
3- عن القاسم -وهو ابن محمد بن أبي بكر الصديق. أن عائشة كانت تلبس الثياب المعصفرة وهي محرمة. وفي رواية عن القاسم: أن عائشة كانت تلبس الثياب الموردة بالعصفر وهي مُحْرِمَة. 4- عن هشام عن فاطمة بنت المنذر. أن أسماء كانت تلبس المعصفر وهي محرمة. 5- عن سعيد بن جبير. أنه رأى بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- تطوف بالبيت وعليها ثياب معصفرة.
الشرط الثالث: أن يكون صفيقا لا يشف
الشرط الثالث: "أن يكون صفيقًا لا يشف" لأن الستر لا يتحقق إلا به وأما الشفاف فإنه يزيد المرأة فتنة وزينة وفي ذلك يقول -صلى الله عليه وسلم: "سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات على رءوسهن كأسنمة البخت، العنوهن فإنهن ملعونات". زاد في حديث آخر: "لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا" 1. قال ابن عبد البر: "أراد -صلى الله عليه وسلم- النساء اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي
يصف ولا يستر فهن كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة"1. وعن أم علقمة بن أبي علقمة قالت: "رأيت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر دخلت على عائشة وعليها خمار رقيق يشف عن جبينها فشقته عائشة عليها وقالت: أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور؟ ثم دعت بخمار فكستها"2.
وعن هشام بن عروة: "أن المنذر بن الزبير قدم من العراق فأرسل إلى أسماء بنت أبي بكر بكسوة من ثياب مروية وقوهية1 رقاق عتاق بعدما كف بصرها، قال: فلمستها بيدها ثم قالت: أف ردوا عليه كسوته قال: فشق ذلك عليه وقال: يا أمه إنه لا يشف. قالت إنها إن لم تشف فإنها تصف"2. وعن عبد الله بن أبي سلمة: "أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كسا الناس القباطي3، ثم قال:
لا تَدَّرِعها نساؤكم فقال رجل: يا أمير المؤمنين قد ألبستها امرأتي فأقبلت في البيت وأدبرت فلم أره يشف. فقال عمر: إن لم يكن يشف فإنه يصف"1. وفي هذا الأثر والذي قبله إشارة إلى أن كون الثوب يشف أو يصف كان من المقرر عندهم أنه لا يجوز وأن الذي يشف شر من الذي يصف ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: "إنما الخمار ما وارى البشرة والشعر"2. "صحيح" وقالت شميسة: "دخلت على عائشة وعليها ثياب من هذه السيد3 الصفاق4 ودرع
وخمار ونقبة1 قد لونت بشيء من عصفر"2. من أجل ذلك كله قال العلماء: ويجب ستر العورة بما لا يصف لون البشرة ... من ثوب صفيق أو جلد أو رق3، فإن ستر بما يظهر فيه لون البشرة من ثوب رقيق لم يجز؛ لأن الستر لا يحصل بذلك4. وقد عقد ابن حجر الهيتمي في "الزواجر" "1/ 127" بابًا خاصًّا في لبس المرأة ثوبًا رقيقًا يصف بشرتها وأنه من الكبائر ثم ساق فيه الحديث المتقدم "ص 125" ثم قال: "وذكر هذا من الكبائر ظاهر لما فيه من الوعيد الشديد ولم أر من صرح بذلك. إلا أنه معلوم بالأولى مما مر في تشبههن بالرجال". قلت: وتأتي الأحاديث في لعن المتشبهات بالرجال عند الكلام على الشرط السادس.
الشرط الرابع: أن يكون فضفاضا غير ضيق فيصف شيئا من جسمها
الشرط الرابع: "أن يكون فضفاضًا غير ضيق فيصف شيئًا من جسمها" لأن الغرض من الثوب إنما هو رفع الفتنة ولا يحصل ذلك إلا بالفضفاض الواسع وأما الضيق فإنه وإن ستر لون البشرة فإنه يصف حجم جسمها أو بعضه ويصوره في أعين الرجال وفي ذلك من الفساد والدعوة إليه ما لا يخفى فوجب أن يكون واسعًا وقد قال أسامة بن زيد: "كساني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبطية كثيفة مما أهداها له دحية الكلبي فكسوتها امرأتي فقال: ما لك لم تلبس القبطية؟ قلت: كسوتها امرأتي فقال: "مرها فلتجعل تحتها غلالة، فإني أخاف أن تصف حجم عظامها" 1. فقد أمر -صلى الله عليه وسلم- بأن تجعل المرأة تحت القبطية غلالة -وهي شعار يلبس تحت الثوب- ليمنع بها وصف بدنها والأمر يفيد الوجوب كما تقرر في
الأصول ولذلك قال الشوكاني في شرح هذا الحديث "2/ 97" ما نصه: "والحديث يدل على أنه يجب على المرأة أن تستر بدنها بثوب لا يصفه وهذا شرط ساتر العورة وإنما أمر بالثوب تحته؛ لأن القباطي ثياب رقاق لا تستر البشرة عن رؤية الناظر بل تصفها". وهو كما ترى قد حمل الحديث على الثياب الرقيقة الشفافة التي لا تستر لون البشرة فهو على هذا يصلح أن يورد في الشرط السابق ولكن هذا الحمل غير متجه عندي بل هو وارد على الثياب الكثيفة التي تصف حجم الجسم من ليونتها ولو كانت غير رقيقة وشفافة وذلك واضح من الحديث لأمرين: الأول: أنه قد صرح فيه بأن القبطية كانت كثيفة أي: ثخينة غليظة فمثله كيف يصف البشرة ولا يسترها عن رؤية الناظر؟ ولعل الشوكاني رحمه الله ذهل عن هذا القيد "كثيفة" في الحديث ففسر القبطية بما هو الأصل فيها. الثاني: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد صرح فيه بالمحذور الذي خشيه من هذه القبطية فقال: "إني أخاف أن تصف حجم عظامها". فهذا نص في أن المحذور إنما هو وصف الحجم لا اللون. فإن قلت: فإذا كان الأمر كما ذكرت وكانت القبطية ثخينة فما فائدة الغلالة؟ قلت: فائدتها دفع ذلك المحذور؛ لأن الثوب قد يصف الجسم ولو
كان ثخينًا إذا كان من طبيعته الليونة والانثناء على الجسد كبعض الثياب الحريرية والجوخ المعروفة في هذا العصر فأمر -صلى الله عليه وسلم- بالشعار من أجل ذلك. والله تعالى أعلم. وقد أغرب الشافعية فقالوا: "أما لو ستر اللون ووصف حجم الأعضاء فلا بأس كما لو لبس سروالًا ضيقًا" قالوا: "ويستحب أن تصلي المرأة في قميص سابغ وخمار وتتخذ جلبابًا كثيفًا فوق ثيابها ليتجافى عنها ولا يتبين حجم أعضائها"1.
والقول بالاستحباب فقط ينافي ظاهر الأمر فإنه للوجوب كما تقدم وعبارة الإمام الشافعي -رضي الله عنه- في "الأم" قريب مما ذهبنا فقد قال: "1/ 78": "وإن صلى في قميص يشف عنه لم تجزه الصلاة ... فإن صلى في قميص واحد يصفه ولم يشف كرهت له ولا يتبين أن عليه إعادة الصلاة ... والمرأة في ذلك أشد حالًا من الرجل إذا صلت في درع وخمار يصفها الدرع وأحب إلي أن لا تصلي إلا في جلباب فوق ذلك وتجافيه عنها لئلا يصفها الدرع". وقد قالت عائشة رضي الله عنها: "لا بد للمرأة من ثلاثة أثواب تصلي فيهن: درع وجلباب وخمار،
وكانت عائشة تحل إزارها فتجلبب به"1. وإنما كانت تفعل ذلك لئلا يصفها شيء من ثيابها وقولها: "لا بد" دليل على وجوب ذلك وفي معناه قول ابن عمر رضي الله عنهما: "إذا صلت المرأة فلتصل في ثيابها كلها: الدرع والخمار والملحفة"2. وهذا يؤيد ما سبق أن ذهبنا إليه من وجوب الجمع بين الخمار والجلباب على المرأة إذا خرجت. "انظر ص 84 - 85". ومما يحسن إيراده هنا استئناسًا ما روي عن أم جعفر بنت محمد بن جعفر أن فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت: "يا أسماء! إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء أن يطرح على المرأة الثوب فيصفها فقالت أسماء: يا ابنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا أريك شيئًا رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبًا فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله تعرف به المرأة من الرجل. فإذا مت أنا فاغسليني أنت وعلي ولا يدخل علي أحد فلما توفيت غسلها علي وأسماء رضي الله عنهما"3.
فانظر إلى فاطمة بضعة النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف استقبحت أن يصف الثوب المرأة وهي ميتة فلا شك أن وصفه إياها وهي حية أقبح وأقبح فليتأمل في هذا مسلمات هذا العصر اللاتي يلبسن من هذه الثياب الضيقة التي تصف نهودهن وخصورهن وألياتهن وسوقهن وغير ذلك من أعضائهن ثم ليستغفرن الله تعالى وليتبن إليه وليذكرن قوله -صلى الله عليه وسلم: "الحياء والإيمان قرنا جميعًا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر" 1.
الشرط الخامس: أن لا يكون مبخرا مطيبا
الشرط الخامس: "أن لا يكون مبخرًا مطيبًا" لأحاديث كثيرة تنهى النساء عن التطيب إذا خرجن من بيوتهن ونحن نسوق الآن بين يديك ما صح سنده منها: 1- عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية". 2- عن زينب الثقفية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
"إذا خرجت إحداكن إلى المسجد فلا تقربن طيبًا". 3- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة أصابت بخورًا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة". 4- عن موسى بن يسار عن أبي هريرة: "أن امرأة مرت به تعصف ريحها فقال: يا أمة الجبار المسجد تريدين؟ قالت: نعم، قال: وله تطيبتِ؟ قالت: نعم قال: فارجعي فاغتسلي فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من امرأة تخرج إلى المسجد تعصف ريحها فيقبل الله منها صلاة حتى ترجع إلى بيتها فتغتسل".
ووجه الاستدلال بهذه الأحاديث على ما ذكرنا العموم الذي فيها. فإن الاستعطار والتطيب كما يستعمل في البدن يستعمل في الثوب أيضًا لا سيما وفي الحديث الثالث ذكر البخور فإنه بالثياب أكثر استعمالًا وأخص. وسبب المنع منه واضح وهو ما فيه من تحريك داعية الشهوة وقد ألحق به العلماء ما في معناه كحسن الملبس والحلي الذي يظهر والزينة الفاخرة وكذا الاختلاط بالرجال1. وقال ابن دقيق العيد: "وفيه حرمة التطيب على مريدة الخروج إلى المسجد لما فيه من تحريك داعية شهوة الرجال"2. قلت: فإذا كان ذلك حرامًا على مريدة المسجد فماذا يكون الحكم على مريدة السوق والأزقة والشوارع؟ لا شك أنه أشد حرمة وأكبر إِثْمًا وقد ذكر الهيتمي في "الزواجر" "2/ 37" أن خروج المرأة من بيتها متعطرة متزينة من الكبائر ولو أذن لها زوجها. ثم إن هذه الأحاديث عامة تشمل جميع الأوقات وإنما خص بالذكر العشاء الآخرة في الحديث الثالث؛ لأن الفتنة وقتها أشد فلا يتوهمن منه أن خروجها في غير هذا الوقت جائز. وقال ابن الملك:
"والأظهر أنها خصت بالنهي؛ لأنها وقت الظلمة وخلو الطريق والعطر يهيج الشهوة، فلا تأمن المرأة في ذلك الوقت من كمال الفتنة بخلاف الصبح والمغرب فإنهما وقتان فاضحان وقد تقدم أن مس الطيب يمنع المرأة من حضور المسجد مطلقًا"1.
الشرط السادس: أن لايشبه لباس الرجل
الشرط السادس: "أن لا يشبه لباس الرجل" لما ورد من الأحاديث الصحيحة في لعن المرأة التي تتشبه بالرجل في اللباس أو غيره. وإليك ما نعلمه منها: 1- عن أبي هريرة قال: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل".
2- عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ليس منا من تشبه بالرجال من النساء ولا من تشبه بالنساء من الرجال".
...................................................................................
...................................................................................
3- عن ابن عباس قال: "لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال: "أخرجوهم من بيوتكم". قال: فأخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- فلانًا وأخرج عمر فلانًا". وفي لفظ: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال". 4 - عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ثلاث لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق والديه، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال، والديوث". 5 - عن ابن أبي مليكة -واسمه عبد الله بن عبيد الله- قال: قيل لعائشة رضي الله عنها: إن المرأة تلبس النعل؟ فقالت: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرجلة من النساء". وفي هذه الأحاديث دلالة واضحة على تحريم تشبه النساء بالرجال،
وعلى العكس وهي عامة تشمل اللباس وغيره إلا الحديث الأول فهو نص في اللباس وحده وقد قال أبو داود في "مسائل الإمام أحمد" "ص 261": "سمعت أحمد سئل عن الرجل يُلبس جاريته القرطق1؟ قال: لا يلبسها من زي الرجال لا يشبهها بالرجال". قال أبو داود: "قلت لأحمد: يلبسها النعل الصرارة؟ قال: لا إلا أن يكون لبسها للوضوء. قلت: للجمال؟ قال: لا. قلت: فيجز شعرها؟ قال: لا"2.
وقد أورد الذهبي تشبه المرأة بالرجال، وتشبه الرجال بالنساء في "الكبائر" "ص 129" وأورد بعض الأحاديث المتقدمة ثم قال: "فإذا لبست المرأة زي الرجال من المقالب والفرج والأكمام الضيقة فقد شابهت الرجال في لبسهم قتلحقها لعنة الله ورسوله ولزوجها إذا أمكنها من ذلك أو رضي به ولم ينهها؛ لأنه مأمور بتقويمها على طاعة الله ونهيها عن المعصية لقول الله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، الرجل راع في أهله ومسئول عنهم يوم القيامة" متفق عليه وهو مخرج في "غاية المرام" "269". وتبعه على ذلك الهيتمي في "الزواجر" "1/ 126" ثم قال: "عد هذا من الكبائر واضح لما عرفت من هذه الأحاديث الصحيحة وما فيها من الوعيد الشديد والذي رأيته لأئمتنا أن ذلك التشبه فيه قولان،
أحدهما أنه حرام، وصححه النووي بل صوبه، وثانيهما أنه مكروه، وصححه الرافعي في موضع، والصحيح بل الصواب ما قاله النووي من الحرمة، بل ما قدمته من أن ذلك كبيرة، ثم رأيت بعض المتكلمين على الكبائر عده منها وهو ظاهر". وقال الحافظ في "الفتح" "10/ 273 - 274" عند شرح حديث ابن عباس المتقدم برقم "3" باللفظ الثاني: "لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال" ما مختصره: "قال الطبري: لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالنساء ولا العكس وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: ظاهر اللفظ الزجر عن التشبه في كل شيء، لكن عرف من الأدلة الأخرى أن المراد التشبه في الزي وبعض الصفات والحركات ونحوها لا التشبه في أمور الخير. قال: والحكمة في لعن من تشبه إخراجه الشيء عن الصفة التي وضعها عليه أحكم الحكماء، وقد أشار إلى ذلك في لعن الواصلات بقوله: "المغيرات لخلق الله"1.
فثبت مما تقدم أنه لا يجوز للمرأة أن يكون زيها مشابِهًا لزي الرجل فلا يحل لها أن تلبس رداءه وإزاره ونحو ذلك كما تفعله بعض بنات المسلمين في هذا العصر من لبسهن ما يعرف بـ"الجاكيت" و"البنطلون" وإن كان هذا في الواقع أستر لهن من ثيابهن الأخرى الأجنبية. فاعتبروا يا أولي الأبصار. ثم وجدت لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- فصلًا جيدًا رأيت من المناسب إيراده في هذا المكان لوثيق صلته به ولما فيه من الفوائد الغزيرة والتحقيق العلمي وهو جواب سؤال وجه إليه وهذا نصه مع الجواب كما جاء في "الكواكب" لابن عروة الحنبلي "ج 93/ 132-134" المحفوظ في المكتبة الظاهرية بدمشق تحت رقم "579 -تفسير": "مسألة في لبس الكوفية للنساء ما حكمها إذا كانت بالداير والفرق وفي لبسهن الفراجي فما الضابط في التشبه بالرجال في الملبوس؟ هل هو بالنسبة إلى ما كان على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو كل زمان بحسبه؟ الجواب: الحمد لله. الكوفية التي بالفرق والداير من غير أن تستر الشعر المسدول هي من لباس الصبيان والمرأة اللابسة لذلك متشبهة بهم. وهذا النوع قد يكون أوله من قبل النساء قصدن التشبه بالمردان كما يقصد بعض البغايا أن تضفر شعرها ضفيرًا واحدًا مسدولًا بين الكتفين وأن ترخي لها السوالف وأن تعتم لتشبه المردان في العمامة والعذار والشعر ثم قد تفعل الحرة بعض ذلك لا تقصد هذا لكن هي في ذلك متشبهة بالرجال.
وقد استفاضت السنن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحاح وغيرها بلعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء وفي رواية: أنه لعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وأمر بنفي المخنثين وقد نص على نفيهم الشافعي وأحمد وغيرهما وقالوا: جاءت سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالنفي في حد الزنا وبنفي المخنثين. وفي "صحيح مسلم"1 عنه أنه قال: "صنفان من أهل النار من أمتي لم أرهما بعد: كاسيات عاريات مائلات مميلات على رءوسهن مثل أسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، ورجال معهم سياط مثل أذناب البقر يضربون بها عباد الله". وقد فسر قوله: "كاسيات عاريات" بأن تكتسي ما لا يسترها فهي كاسية وهى في الحقيقة عارية مثل من تكتسي الثوب الرقيق الذي يصف بشرتها أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها مثل: عجيزتها وساعدها ونحو ذلك، وإنما كسوة المرأة ما تسترها، فلا تبدي جسمها ولا حجم أعضائها؛ لكونه كثيفًا واسعًا. ومن هنا يظهر الضابط في نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن تشبه الرجال بالنساء وعن تشبه النساء بالرجال وأن الأصل في ذلك ليس هو راجعًا إلى مجرد ما تختاره الرجال والنساء ويشتهونه ويعتادونه فإنه لو كان كذلك لكان إذا اصطلح قوم
على أن يلبس الرجال الخمر التي تغطي الرأس والوجه والعنق والجلابيب التي تسدل من فوق الرءوس حتى لا يظهر من لابسها إلا العينان! وأن تلبس النساء العمائم والأقبية المختصرة ونحو ذلك أن يكون هذا سائغًا! وهذا خلاف النص والإجماع فإن الله تعالى قال للنساء: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ} الآية، وقال: {قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} الآية وقال: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} ، فلو كان اللباس الفارق بين الرجال والنساء مستنده مجرد ما يعتاده النساء أو الرجال باختيارهم وشهوتهم لم يجب أن يدنين عليهن الجلابيب ولا أن يضربن بالخمر على الجيوب ولم يحرم عليهن التبرج، تبرج الجاهلية الأولى؛ لأن ذلك كان عادة لأولئك وليس الضابط في ذلك لباسًا معينًا من جهة نص النبي -صلى الله عليه وسلم- أو من جهة عادة الرجال والنساء على عهده بحيث يقال: إن ذلك هو الواجب وغيره يحرم فإن النساء على عهده كن يلبسن ثيابًا طويلات الذيل، بحيث ينجرُّ خلف المرأة إذا خرجت، والرجل مأمور بأن يشمر ذيله حتى لا يبلغ الكعبين، ولهذا لما نهى -صلى الله عليه وسلم- الرجال عن إسبال الإزار وقيل له: فالنساء؟ قال: "يرخين شبرًا"، قيل له: إذن تنكشف سوقهن قال: "ذراعا لا يزدن عليه"، قال الترمذي: "حديث صحيح" حتى إنه لأجل ذلك روي أنه رخص للمرأة إذا جرت ذيلها على مكان قذر ثم مرت به على مكان طيب أنه يطهر بذلك1، وذلك قول طائفة من أهل العلم في مذهب أحمد وغيره جعلا
المجرور بمنزلة النعل الذي يكثر ملاقاته النجاسة، فيطهر بالجامد كما يطهر السبيلان بالجامد؛ لما تكرر ملاقاتهما النجاسة، ثم إن هذا ليس معينًا للستر، فلو لبست المرأة سراويل أو خفًّا واسعًا صلبًا كالمعرق وتدلي فوقه الجلباب بحيث لا يظهر حجم القدم؛ لكان محصلًا للمقصود بخلاف الخف اللين الذي يبدي حجم القدم، فإن هذا من لباس الرجال، وكذلك المرأة لو لبست جبة وفروة لحاجتها إلى ذلك لدفع البرد لم تنه عن ذلك، فلو قال قائل: لم يكن النساء يلبسن الفراء؟ قلنا: فإن ذلك يتعلق بالحاجة، فالبلاد الباردة تحتاج إلى غلظ الكسوة وكونها مدفئة وإن لم يحتج إلى ذلك في البلاد الحارة. فالفارقة بين لباس الرجال والنساء يعود إلى ما يصلح للرجال وما يصلح للنساء وهو ما ناسب ما يؤمر به الرجال وما يؤمر به النساء، فالنساء مأمورات بالاستتار والاحتجاب دون التبرج والظهور؛ ولهذا لم يشرع لها رفع الصوت في الأذان والتلبية ولا الصعود "كذا ولعله: في الصعود" إلى الصفا والمروة ولا التجرد في الإحرام كما يتجرد الرجل فإن الرجل مأمور أن يكشف رأسه وأن لا يلبس الثياب المعتادة وهي التي تصنع على قدر أعضائه، فلا يلبس القميص ولا السراويل ولا البرنس ولا الخف، لكن لما كان محتاجًا إلى ما يستر العورة ويمشي فيه، رخص له في آخر الأمر إذا لم يجد إزارًا أن يلبس سراويل، وإذا لم يجد نعلين أن يلبس خفين، وجعل ذلك بدلًا للحاجة العامة، بخلاف ما يحتاج إليه حاجة خاصة لمرض أو برد،
فإن عليه الفدية إذا لبسه ولهذا طرد أبو حنيفة هذا القياس، وخالفه الأكثرون للحديث الصحيح1، ولأجل الفرق بين هذا وهذا، وأما المرأة فإنها لم تنه عن شيء من اللباس؛ لأنها مأمورة بالاستتار والاحتجاب، فلا يشرع لها ضد ذلك، لكن منعت أن تنتقب وأن تلبس القفازين؛ لأن ذلك لباس مصنوع على قدر العضو ولا حاجة بها إليه. وقد تنازع الفقهاء هل وجهها كرأس الرجل أو كبدنه؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره فمن جعل وجهها كرأسه، أمرها إذا سدلت الثوب من فوق رأسها أن تجافيه عن الوجه كما يجافي عن الرأس ما يظلل به، ومن
جعله كاليدين -وهو الصحيح- قال: لم تنه عن ستر الوجه، وإنما نهيت عن الانتقاب كما نهيت عن القفازين، وذلك كما نهي الرجل عن القميص والسراويل، ونحو ذلك، ففي معناه البرقع وما صنع لستر الوجه، فأما تغطية الوجه بما يسدل من فوق الرأس فهو مثل تغطيته عند النوم بالملحفة ونحوها، ومثل تغطية اليدين بالكمين وهي لم تنه عن ذلك. فلو أراد الرجال أن ينتقبوا ويتبرقعوا، ويدعوا النساء باديات الوجوه، لمنعوا من ذلك، وكذلك المرأة أمرت أن تجتمع في الصلاة، ولا تجافي بين أعضائها، وأمرت أن تغطي رأسها، فلا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار، ولو كانت في جوف بيت لا يراها أحد من الأجانب، فدل ذلك على أنها مأمورة من جهة الشرع بستر لا يؤمر به الرجل حقًّا لله عليها وإن لم يرها بشر وقد قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} ، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن". وقال صلى الله عليه وسلم: "صلاة إحداكن في مخدعها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في حجرتها أفضل من صلاتها في دارها وصلاتها في دارها أفضل من صلاتها في مسجد قومها وصلاتها في مسجد قومها أفضل من صلاتها معي" 2. وهذا كله لما في ذلك من الاستتار والاحتجاب.
ومعلوم أن المساكن من جنس الملابس، كلاهما جعل في الأصل للوقاية ودفع الضرر، كما جعل الأكل والشرب لجلب المنفعة، فاللباس يتقي الإنسان به الحر والبرد ويتقي به سلاح العدو، وكذلك المساكن يتقي بها الحر والبرد ويتقي بها العدو، وقال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} وقال: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} ، فذكر في هذا الموضع ما يحتاجون إليه لدفع ما قد يؤذيهم وذكر في أول السورة ما يضطرون إليه لدفع ما يضرهم،
فقال تعالى: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} ، فذكر ما يستدفئون به ويدفعون به البرد؛ لأن البرد يهلكهم، والحر يؤذيهم؛ ولهذا قال بعض العرب: البرد بؤس والحر أذى؛ ولهذا السبب لم يذكر في الآية الأخرى وقاية البرد فإن ذلك تقدم في أول السورة وهو في أثناء السورة ذكر ما أتم به النعمة، وذكر في أول السورة أصول النعم ولهذا قال: {كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} . والمقصود هنا أن مقصود الثياب يشبه مقصود المساكن والنساء مأمورات في هذا بما يسترهن ويحجبهن فإذا اختلف لباس الرجال والنساء مما كان أقرب إلى مقصود الاستتار والاحتجاب كان للنساء وكان ضده للرجال. وأصل هذا أن تعلم أن الشارع له مقصودان: أحدهما: الفرق بين الرجال والنساء، والثاني: احتجاب النساء فلو كان مقصوده مجرد الفرق، لحصل ذلك بأي وجه حصل به الاختلاف وقد تقدم فساد ذلك بل أبلغ من ذلك أن المقصود بلباس أهل الذمة إظهار الفرق بين المسلم والذمي، ليترتب على كل منهما من الأحكام الظاهرة ما يناسبه، ومعلوم أن هذا يحصل بأي لباس اصطلحت الطائفتان على التمييز به، ومع هذا فقد روعي في ذلك ما هو أخص من الفرق فإن لباس الأبيض لما كان أفضل من غيره كما قال -صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالبياض فليلبسه أحياؤكم وكفنوا فيه موتاكم"، لم يكن من السنة أن يجعل لباس أهل الذمة الأبيض ولباس أهل الإسلام المصبوغ،
كالعسلي والأدكن ونحو ذلك بل الأمر بالعكس وكذلك في الشعور وغيرها فكذلك الأمر في لباس الرجال والنساء ليس المقصود به مجرد الفرق، بل لا بد من رعاية جانب الاحتجاب والاستتار. وكذلك أيضًا ليس المقصود مجرد حجب النساء وسترهن دون الفرق بينهن وبين الرجال؛ بل الفرق أيضًا مقصود حتى لو قدر أن الصنفين اشتركوا فيما يستر ويحجب بحيث يشتبه لباس الصنفين لنهوا عن ذلك، والله تعالى قد بين هذا المقصود أيضًا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} ، فجعل كونهن يعرفن باللباس الفارق أمرًا مقصودًا ولهذا جاءت صيغة النهي بلفظ التشبه بقوله -صلى الله عليه وسلم: "لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء"، فعلق الحكم باسم التشبه وبكون كل صنف يتصف بصفة الآخر. وقد بسطنا هذه القاعدة في "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم" وبينا أن المشابهة في الأمور الظاهرة تورث تناسبًا وتشابُهًا في الأخلاق والأعمال ولهذا نهينا عن مشابهة الكفار ومشابهة الأعاجم ومشابهة الأعراب، ونهي كل من الرجال والنساء عن مشابهة الصنف الآخر. والرجل المتشبه بالنساء يكتسب من أخلاقهن بحسب تشبهه حتى يفضي به الأمر إلى التخنث المحض والتمكين من نفسه كأنه امرأة، ولما كان الغناء مقدمة ذلك وكان من عمل النساء، كانوا يسمون الرجال المغنين
"مخانيث". والمرأة المتشبهة بالرجال تكتسب من أخلاقهم حتى يصير فيها من التبرج والبروز ومشابهة الرجال ما قد يفضي ببعضهن إلى أن تظهر بدنها كما يظهره الرجل، وتطلب أن تعلو على الرجال كما يعلو الرجال على النساء، وتفعل من الأفعال ما ينافي الحياء والخفر المشروع للنساء، وهذا القدر قد يحصل بمجرد المشابهة. وإذا تبين أنه لا بد من أن يكون بين لباس الرجال والنساء فرق يميز بين الرجال النساء وأن يكون لباس النساء فيه من الاستتار والاحتجاب ما يحصل مقصود ذلك، ظهر أصل هذا الباب وتبين أن اللباس إذا كان غالبه لبس الرجال نهيت عنه المرأة، وإن كان ساترًا كالفراجي التي جرت عادة بعض البلاد أن يلبسها الرجال دون النساء والنهي عن مثل هذا يتغير [بتغير] العادات وأما ما كان الفرق عائدًا إلى نفس الستر فهذا يؤمر فيه النساء بما كان أستر ... ولو قدر أن الفرق يحصل بدون ذلك فإذا اجتمع في اللباس قلة الستر والمشابهة، نهي عنه من الوجهين. والله أعلم".
الشرط السابع: أن لا يشبه لباس الكافرات
الشرط السابع: "أن لا يشبه لباس الكافرات" لما تقرر في الشرع أنه لا يجوز للمسلمين -رجالًا ونساء- التشبه بالكفار سواء في عباداتهم أو أعيادهم أو أزيائهم الخاصة بهم. وهذه قاعدة عظيمة في الشريعة الإسلامية خرج عنها اليوم مع الأسف كثير من المسلمين حتى الذين يعنون منهم بأمور الدين والدعوة إليه جهلًا بدينهم أو تبعًا لأهوائهم أو انجرافًا مع عادات العصر الحاضر وتقاليد أوروبا الكافرة حتى كان ذلك من أسباب ذل المسلمين وضعفهم وسيطرة الأجانب عليهم واستعمارهم {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11] لو كانوا يعلمون. وينبغي أن يعلم أن الأدلة على صحة هذه القاعدة المهمة كثيرة في الكتاب والسنة وإن كانت أدلة الكتاب مجملة فالسنة تفسرها وتبينها كما هو شأنها دائمًا. فمن الآيات قوله تعالى في [الجاثية: 16 - 18] : 1- {وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ
الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ، وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} . قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في "الاقتضاء" "ص 8": "أخبر سبحانه وتعالى أنه أنعم على بني إسرائيل بنعم الدين والدنيا، وأنهم اختلفوا بعد مجيء العلم بغيًا من بعضهم على بعض، ثم جعل محمدًا -صلى الله عليه وسلم- على شريعة من الأمر شرعها له وأمره باتباعها ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون وقد دخل في {الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} كل من خالف شريعته. و"أهواؤهم": هو ما يهوونه وما عليه المشركون من هديهم الظاهر الذي هو من موجبات دينهم الباطل وتوابع ذلك فهم يهوونه. وموافقتهم فيه اتباع لما يهوونه. ولهذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين في بعض أمورهم ويسرون به ويودون أن لو بذلوا مالًا عظيمًا ليحصل ذلك. ولو فرض أن ليس الفعل من اتباع أهوائهم، فلا ريب أن مخالفتهم في ذلك أحسم لمادة متابعتهم في أهوائهم وأعون على حصول مرضاة الله في تركها، وأن موافقتهم في ذلك قد تكون ذريعة إلى موافقتهم في غيره. فإن: "من حام حول الحمى أوشك أن يواقعه" وأي الأمرين كان حصل المقصود في الجملة وإن كان الأول أظهر. ومن هذا الباب قوله تعالى في [الرعد: 36 - 37] : 2- {وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ
مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآَبِ، وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ} . والضمير في {أَهْوَاءَهُمْ} يعود والله أعلم إلى ما تقدم ذكره وهم الأحزاب الذين ينكرون بعضه فدخل في ذلك كل من أنكر شيئًا من القرآن من يهودي أو نصراني أو غيرهما وقد قال تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [الرعد: 37] ومتابعتهم فيما يختصون به من دينهم وتوابع دينهم اتباع لأهوائهم بل يحصل اتباع أهوائهم بما هو دون ذلك". وقال تعالى في [الحديد: 16] : 3- {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} . قال شيخ الإسلام "ص 43": "فقوله: {وَلَا يَكُونُوا} نهي مطلق عن مشابهتهم وهو خاص أيضًا في النهي عن مشابهتهم في قسوة قلوبهم وقسوة القلوب من ثمرات المعاصي". وقال ابن كثير عند تفسير هذه الآية "4/ 310": "ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية".
ومن ذلك قوله تعالى في [البقرة: 104] : 4- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . قال الحافظ ابن كثير "1/ 148": "نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم، وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص عليهم لعائن الله فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا قالوا: راعنا، ويورون بالرعونة، كما قال تعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 46] . وكذلك جاءت الأحاديث بالإخبار عنهم بأنهم كانوا إذا سلموا إنما يقولون: "السام عليكم" والسام هو الموت ولهذا أمرنا أن نرد عليهم بـ"وعليكم"1، وإنما يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم علينا، والغرض أن الله تعالى نهى المؤمنين عن مشابهة الكافرين قولًا وفعلًا". وقال شيخ الإسلام عند هذه الآية ما مختصره "ص22": "قال قتادة وغيره: كانت اليهود تقوله استهزاء، فكره الله للمؤمنين أن يقولوا مثل قولهم وقال أيضًا: كانت اليهود تقول للنبي -صلى الله عليه وسلم: راعنا سمعك، يستهزئون بذلك، وكانت في اليهود قبيحة. فهذا يبين أن هذه الكلمة نهي المسلمون عن قولها؛ لأن اليهود كانوا يقولونها، وإن كانت من اليهود قبيحة،
ومن المسلمين لم تكن قبيحة لما كان في مشابهتهم فيها من مشابهة الكفار وتطريقهم إلى بلوغ غرضهم". وفي الباب آيات أخرى وفيما ذكرنا كفاية فمن شاء الوقوف عليها فلينظرها في "الاقتضاء" "ص: 8-14 و22 و42". فتبين من الآيات المتقدمة أن ترك هدي الكفار والتشبه بهم في أعمالهم وأقوالهم وأهوائهم من المقاصد والغايات التي أسسها وجاء بها القرآن الكريم، وقد قام النبي -صلى الله عليه وسلم- ببيان ذلك وتفصيله للأمة، وحققه في أمور كثيرة من فروع الشريعة، حتى عرف ذلك اليهود الذين كانوا في مدينة النبي -صلى الله عليه وسلم- وشعروا أنه عليه السلام يريد أن يخالفهم في كل شئونهم الخاصة بهم كما روى أنس بن مالك رضي الله عنه: "إن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت فسأل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- النبي -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} إلى آخر الآية فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح"، فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير، وعباد بن بشر، فقالا: يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا أفلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأرسل في آثارهما، فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما"1.
وأما السنة فالنصوص فيها كثيرة طيبة في تأييد القاعدة المتقدمة، وهي لا تنحصر في باب واحد من أبواب الشريعة المطهرة، كالصلاة مثلا، بل قد تعدتها إلى غيرها من العبادات والآداب والاجتماعيات والعادات، وهي بيان وتفصيل لما أجمل في الآيات السابقة ونحوها كما قدمت الإشارة إليه. وها نحن أولاء نسوقها بين يديك؛ لتكون على بصيرة فيما ذهبنا إليه:
من "الصلاة": 1- عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قال: "اهتم النبي -صلى الله عليه وسلم- للصلاة، كيف يجمع الناس لها، فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضًا، فلم يعجبه ذلك قال: فذكر له القنع يعني الشَّبور "وفي رواية: شبور اليهود"1، فلم يعجبه ذلك، وقال: "هو من أمر اليهود"، قال: فذكر له الناقوس، فقال: "هو من أمر النصارى"، فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد ربه وهو مهتم لِهَمِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأري الأذان في منامه". الحديث2.
...................................................................................
...................................................................................
2- عن عمرو بن عبسة قال:
"قلت: يا نبي الله أخبرني عما علمك الله وأجهله أخبرني عن الصلاة. قال: "صلِّ صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حين تطلع الشمس حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صلِّ فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة، فإن حينئذ تسجر جهنم، فإذا أقبل الفيء فَصَلِّ فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة حين تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار". 3- عن جندب -وهو ابن عبد الله البجلي- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت بخمس وهو يقول:
"ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك". 4- عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "خالفوا اليهود، فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا في خفافهم". 5- عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
"إذا صلى أحدكم في ثوب فليشده على حقوه1، ولا تشتملوا كاشتمال اليهود". 6- عن جابر بن عبد الله قال:
"اشتكى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره، فالتفت إلينا فرآنا قيامًا، فأشار إلينا فقعدنا فصلينا بصلاته قعودًا فلما سلم قال: "إن كدتم لتفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود، فلا تفعلوا ائتموا بأئمتكم إن صلى قائمًا فصلوا قيامًا وإن صلى قاعدًا فصلوا قعودًا". زاد في رواية: "ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها".
7- عن ابن عمر رضي الله عنه: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى رجلًا وهو جالس معتمد على يده اليسرى في الصلاة فقال: "إنها صلاة اليهود"، وفي رواية: "لا تجلس هكذا إنما هذه جلسة الذين يعذبون". ومن "الجنائز": 1- عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"اللحد لنا، والشق لأهل الكتاب". ومن "الصوم": 1- عن عمرو بن العاص أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "فَصْلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السَّحَر". 2- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الدين ظاهرًا ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون". 3- عن ليلى امرأة بشير بن الخصاصية -رضي الله عنه وعنها- قالت
أردت أن أصوم يومين مواصلة فنهاني عنه بشير وقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهاني عن ذلك وقال: "إنما يفعل ذلك النصارى، صوموا كما أمركم الله، وأتموا الصوم كما أمركم الله و {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} ، فإذا كان الليل فأفطروا". 4 - عن ابن عباس قال: "حين صام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول
الله! إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع"، قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم". 5 - عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:
"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم يوم السبت ويوم الأحد أكثر مما يصوم من الأيام ويقول: "إنهما يوما عيد المشركين فأنا أحب أن أخالفهم". ومن "الحج": 1- عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال:
"إن المشركين كانوا لا يفيضون من "جمع"1 حتى تشرق الشمس على "ثبير"2، وكانوا يقولون: أشرق ثبير كيما نغير فخالفهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فدفع قبل أن تطلع الشمس". ومن "الذبائح": 1 - عن رافع بن خديج قال:
"قلت: يا رسول الله إنا ملاقو العدو غدًا وليست معنا مُدى؟ قال -صلى الله عليه وسلم: "ما أنهر الدم وذُكر اسم الله فكل، ليس السنّ والظفرَ وسأحدثك: أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة".
ومن "الأطعمة": 1 - عن عدي بن حاتم قال: "قلت: يا رسول الله إني أسألك عن طعام لا أدعه إلا تحرجًا قال: "لا تدع شيئًا ضارعت فيه نصرانية" 1.
ومن "اللباس والزينة": 1- عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال:
"رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليّ ثوبين معصفرين فقال: "إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها". 2- عن علي -رضي الله عنه- رفعه: "إياكم ولبوس الرهبان فإنه من تزيا بهم أو تشبه فليس مني". 3 - عن أبي أمامة قال:
"خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال: "يا معشر الأنصار، حمروا وصفروا، وخالفوا أهل الكتاب"، قال: فقلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "تسرولوا وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب"، قال: فقلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يتخففون ولا ينتعلون قال: "فتخففوا وانتعلوا وخالفوا أهل الكتاب"، قال: فقلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم ويوفرون سبالهم1، قال -صلى الله عليه وسلم: "قصوا سبالكم، ووفروا عثانينكم وخالفوا أهل الكتاب". 4 - عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
"خالفوا المشركين أحفوا الشوارب وأفوا اللحى". 5- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
"جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس". 6- وعنه قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم:
"إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم".
7- وعنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى".
...................................................................................
...................................................................................
8- عن ابن عباس قال:
"كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم وكان المشركون يفرقون رءوسهم فسدل النبي -صلى الله عليه وسلم- ناصيته ثم فرق بعد". ومن "الآداب والعادات": 1 - عن جابر بن عبد الله مرفوعا: "لا تسلموا تسليم اليهود فإن تسليمهم بالرءوس والأكف والإشارة"1.
...................................................................................
...................................................................................
2- عن الشريد بن سويد قال:
"مر بي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا جالس هكذا، وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على ألية يدي، فقال: "أتقعد قِعدة المغضوب عليهم؟! ". 3- عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
"نظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود تجمع الأكباء1 في دورها".. 4 - عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
...................................................................................
"إياكم وهاتان1 الكعبتان الموسومتان اللتان تزجران زجرا فإنها ميسر العجم". "متنوعات": 1- عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تطروني2 كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبد الله،
فقولوا: عبد الله ورسوله".
2- عن أبي واقد الليثي:
"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما خرج إلى حنين مر بشجرة للمشركين يقال لها: ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتهم، [ويعكفون حولها] ؛ قالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله، "وفي رواية: الله أكبر" هذا كما قال قوم موسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ} ، والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم، [سنة سنة] ". 3- عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
"بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبدَ الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم".
...................................................................................
فثبت مما تقدم أن مخالفة الكفار وترك التشبه بهم من مقاصد الشريعة الإسلامية العليا، فالواجب على كل مسلم رجالًا ونساء أن يراعوا ذلك في شئونهم كلها، وبصورة خاصة في أزيائهم وألبستهم؛ لما علمت من النصوص الخاصة فيها وبذلك يتحقق صحة الشرط السابع في زي المرأة. هذا وقد يظن بعض الناس أن هذه المخالفة إنما هي أمر تعبدي محض، وليس كذلك؛ بل هو معقول المعنى واضح الحكمة فقد تقرر عند العلماء المحققين أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين الظاهر والباطن، وأن للأول تأثيرًا في الآخر، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، وإن كان ذلك مما قد لا يشعر به الإنسان في نفسه، ولكن قد يراه في غيره. قال شيخ الإسلام، رحمه الله "ص105-106": "وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة، حتى إن الرجلين إذا كانا من بلد واحد ثم اجتمعا في دار غربة كان بينهما من المودة والائتلاف أمر عظيم وإن كانا في مصرهما لم يكونا متعارفَين أو كانا متهاجرين؛ وذلك لأن
الاشتراك في البلد نوع وصف اختصا به عن بلد الغربة. بل لو اجتمع رجلان في سفر أو بلد غريب، وكانت بينهما مشابهة في العمامة أو الثياب، أو الشعر، أو المركوب، ونحو ذلك؛ لكان بينهما من الائتلاف أكثر مما بين غيرهما. وكذلك تجد أرباب الصناعات الدنيوية يألف بعضهم بعضًا ما لا يألفون غيرهم، حتى إن ذلك يكون مع المعاداة والمحاربة؛ إما على الملك، وإما على الدين، وتجد الملوك ونحوهم من الرؤساء -وإن تباعدت ديارهم وممالكهم- بينهم مناسبة تورث مشابهة ورعاية من بعضهم لبعض، وهذا كله موجب الطباع ومقتضاه، إلا أن يمنع من ذلك دين أو غرض خاص. فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية تورث المحبة والموالاة فكيف بالمشابهة في أمور دينية؟ فإن إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان ... وقال سبحانه: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: 22] فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يوجد مؤمن يواد كافرًا فمن وادّ الكفار فليس بمؤمن والمشابهة الظاهرة مظنة الموادة فتكون محرمة". وقال في مكان آخر "ص 6 - 7": "وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ارتباط ومناسبة فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أمورًا ظاهرة وما يقوم بالظاهر من سائر
الأعمال يوجب للقلب شعورًا وأحوالًا وقد بعث الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بالحكمة التي هي سنته وهي الشرعة والمنهاج الذي شرعه له فكان من هذه الحكمة أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالين، فأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر، وإن لم يظهر لكثير من الخلق في ذلك مفسدة لأمور: منها: أن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسبًا وتشاكلًا بين المتشابهين يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال، وهذا أمر محسوس فإن اللابس ثياب أهل العلم يجد من نفسه نوع انضمام إليهم، واللابس ثياب الجند المقاتلة مثلًا يجد من نفسه نوع تخلق بأخلاقهم ويصير طبعه متقاضيًا لذلك؛ إلا أن يمنعه مانع. ومنها أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب، وأسباب الضلال، والانعطاف على أهل الهدى والرضوان، وتحقق ما قطع الله من الموالاة بين جنده المفلحين، وأعدائه الخاسرين، وكلما كان القلب أتم حياة وأعرف بالإسلام الذي هو الإسلام -لست أعني مجرد التوسم به ظاهرًا أو باطنًا بمجرد الاعتقادات من حيث الجملة- كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطنًا وظاهرًا أتم وبعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد. ومنها أن مشاركتهم في الهدي الظاهر توجب الاختلاط الظاهر حتى يرتفع التمييز ظاهرًا بين المهديين المرضيين وبين المغضوب عليهم والضالين ... إلى غير ذلك من الأسباب الحكيمة.
هذا إذا لم يكن ذلك الهدي الظاهر إلا مباحًا محضًا لو تجرد عن مشابهتهم فأما إن كان من موجبات كفرهم كان شعبة من شعب الكفر، فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع معاصيهم فهذا أصل ينبغي أن يتفطن له". وكان قد قال في أول الكتاب "ص 7–8": "وهنا نكتة ... وهي أن الأمر بموافقة قوم أو بمخالفتهم قد يكون؛ لأن نفس قصد موافقتهم أو نفس موافقتهم مصلحة، وكذلك نفس قصد مخالفتهم أو نفس مخالفتهم؛ مصلحة، بمعنى أن ذلك الفعل يتضمن مصلحة للعبد أو مفسدة، وإن كان ذلك الفعل الذي حصلت به الموافقة أو المخالفة لو تجرد عن الموافقة والمخالفة لم يكن فيه تلك المصلحة أو المفسدة؛ ولهذا نحن ننتفع بنفس متابعتنا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- والسابقين في أعمال لولا أنهم فعلوها؛ لربما قد كان لا يكون لنا مصلحة؛ لما يورث ذلك من محبتهم وائتلاف قلوبنا بقلوبهم، وأن ذلك يدعونا إلى موافقتهم في أمور أخرى إلى غير ذلك من الفوائد، كذلك قد نتضرر بموافقتنا الكافرين في أعمال لولا أنهم يفعلونها لم نتضرر بفعلها وقد يكون الأمر بالموافقة والمخالفة؛ لأن ذلك الفعل الذي يوافق فيه أو يخالف متضمن للمصلحة أو المفسدة ولو لم يفعلوه، لكن عبر عنه بالموافقة والمخالفة على سبيل الدلالة والتعريف، فتكون موافقتهم دليلًا على المفسدة، ومخالفتهم دليلًا على المصلحة، واعتبار الموافقة والمخالفة على هذا التقدير من باب قياس الدلالة، وعلى الأول من باب قياس العلة وقد يجتمع الأمران -أعني
الحكمة الناشئة من نفس الفعل الذي وافقناهم أو خالفناهم فيه ومن نفس مشاركتهم فيه- وهذا هو الغالب على الموافقة والمخالفة المأمور بهما والمنهي عنهما، فلا بد من التفطن لهذا المعنى، فإنه به يعرف معنى نهي الله لنا عن اتباعهم وموافقتهم مطلقًا ومقيدًا". قلت: وهذا الارتباط بين الظاهر والباطن مما قرره -صلى الله عليه وسلم- في قوله الذي رواه النعمان بن بشير قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح1، حتى رأى أنَّا قد عقلنا عنه ثم خرج يومًا فقال: "عباد الله، لَتُسَوُّنَّ صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم"، وفي رواية: "قلوبكم" 2. فأشار إلى أن الاختلاف في الظاهر -ولو في تسوية الصف- مما يوصل إلى اختلاف القلوب فدل على أن الظاهر له تأثير في الباطن ولذلك رأيناه -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن التفرق حتى في جلوس الجماعة، ويحضرني الآن في ذلك حديثان: 1- عن جابر بن سمرة قال:
"خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرآنا حِلقًا1، فقال: "مالي أراكم عِزين؟ " 2. 2 - عن أبي ثعلبة الخشني قال: "كان الناس إذا نزلوا منزلًا تفرقوا في الشعاب والأودية فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
"إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان". فلم ينزل بعد ذلك منزلًا إلا انضم بعضهم إلى بعض، حتى يقال: لو بسط عليهم ثوب لعمهم.
الشرط الثامن: أن لا يكون لباس شهرة
الشرط الثامن: "أن لا يكون لباس شهرة" 1: لحديث ابن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من لبس ثوب شهرة في الدنيا، ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة، ثم ألهب فيه نارًا" 2.
...................................................................................
وإلى هنا ينتهي بنا الكلام على الشروط الواجب تحققها في ثوب المرأة وملاءتها وخلاصة ذلك: أن يكون ساترًا لجميع بدنها؛ إلا وجهها وكفيها، على التفصيل السابق، وأن لا يكون زينة في نفسه، ولا شفافًا، ولا ضيقا يصف بدنها، ولا مطيبًا، ولا مشابها للباس الرجال ولباس الكفار، ولا ثوب شهرة. فالواجب على كل مسلم أن يحقق كل هذه الشروط في ملاءة زوجته وكل من كانت تحت ولايته لقوله -صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته". والله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] .
أسأل الله تعالى أن يوفقنا لاتباع أوامره، واجتناب نواهيه. وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. دمشق 9/ 5/ 1371 هـ. وكتب: محمد ناصر الدين الألباني أبو عبد الرحمن
الفهارس
الفهارس: 1- المواضيع والفوائد: 3- مقدمة الطبعة الجديدة، والإشارة إلى بعض مزاياها على الطبعات السابقة، أهمها: بيان دقة نظر ابن عباس في تأويل آية: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ، وتأكيد أن الآية تعني الوجه والكفين. 4- شروع المؤلف في وضع مقدمة لهذه الطبعة؛ فيها الرد على الشيخ التويجري وأمثاله من المتشددين، فلما رآها طالت حتى صارت أكبر من الأصل؛ أفرزها في كتاب خاص بعنوان: "الرد المفحم على من خالف العلماء ... "، واستخلص منها أهم أخطاء المخالفين في هذه المقدمة بإيجاز. 5- أولًا: تفسيرهم آية "الإدناء" بتغطية الوجه، وبيان أنه خلاف اللغة وتفسير ابن عباس وغيره لها. ثانيًا: تفسير "الجلباب" بالثوب الذي يغطي الوجه؛ خلافًا للغة أيضًا وتفسير العلماء! ثالثًا: إصرارهم على تفسير "الخمار" بغطاء الرأس والوجه، فزادوا فيه "الوجه" من كيسهم! - رابعًا: ادعاء التويجري الإجماع على أن وجه المرأة عورة، وهي دعوة باطلة لم يسبق إليها، وبيان أنه خلاف مذهب الأئمة الثلاثة ورواية عن أحمد، وعليها كثير من محققي الحنابلة: كابني قدامة وابن مفلح، وتصريح الباجي المالكي بأنه لا يشمل الوجه.
8- نص كلام العلامة ابن مفلح في ذلك، وتضريحه بأنه لا ينبغي الإنكار على النساء إذا كشفن وجوههن في الطريق. 9- قول الإمام أحمد: "لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه"، ومخالفة التويجري إياه بتضليله الألباني؛ لأنه أباح للنساء الكشف عن الوجه!. 10- خامسًا: اتفاق المخالفين المتشددين على تأويل الأحاديث دفاعًا عن قولهم؛ كحديث الخثعمية الذي تأولوه بما يضحك ويبكي! انظر التفصيل "ص62-64". 11 - سادسًا: تواطؤهم على الاستدلال بالأحاديث الضعيفة؛ كحديث: "أفعمياوان أنتما؟! "؛ مع تضعيف أهل الحديث له وبعض فقهاء الحنابلة! 12- تجرؤ الشيخ عبد القادر السندي على مخالفته الأئمة المشار إليهم؛ بزعمه أن إسناده صحيح! مع جهالة راويه، والإشارة إلى ما جاء به من التدليس والإعراض عن القواعد العلمية في سبيل تأييد زعمه! وإلى تجاهله معارضته لحديث فاطمة الصحيح الصريح بجواز وضعها الخمار عنها أمام الضرير. "انظر حديثها مخرجًا ص66". 12- سابعًا: تهافتهم على تضعيف بعض الأحاديث الصحيحة والآثار الثابتة عند أهل العلم، واستمرارهم على ذلك بعد أن أقيمت عليهم الحجة! كحديث عائشة: "إذا بلغت المرأة.... لم يصلح أن يرى منها إلا وجهها وكفاها"، ومكابرة التويجري في زعمه أنه لم يأت إلا من حديثها! "انظر التفصيل ص58". 13- تجاهلهم تقوية الحفاظ للحديث؛ كالمنذري والزيلعي والعسقلاني
والشوكاني، وتنطع بعضهم ممن يدعي العلم برده؛ كما تجاهلوا قواعد علمية لتقوية الحديث الضعيف سنده، وبيان بعضها، وشرح ذلك ببعض الآثار، ومنها قول عائشة في المحرمة: "تسدل الثوب على وجهها إن شاءت"، والتويجري ومن وراءه يخالفونها!. 15- حقيقة مرة: يصر الشيخ التويجري على تضعيف حديث عائشة مع ما له من الشواهد المقوية له، ومع ذلك يقبل حديثًا آخر لها؛ لأن فيه انتقابها مع ضعف سنده؛ لأن له شاهدًا مرسلًا، مع أن فيه كذابًا!. 16- ثامنًا وأخيرًا: مخالفة بعض المتأخرين الحنفية لأئمتهم مقلدين مجتهدين!! ثم نسب إليهم بعض الجهلة المعاصرين ما ليس من قولهم، ثم جاء من لا علم عنده، فزعم أن لا خلاف اليوم إذن في وجوب تغطية الوجه أمنًا للفتنة!!! وإلزام المؤلف لهؤلاء بوجوب ستر الرجال أيضًا لوجوهم أمام النساء درءًا للفتنة!! 17- رأي المؤلف: لو قيل بوجوب ستر المرأة لوجهها خشية أن تؤذى إذا أسفرت؛ لكان له وجه في الفقه، وختم المؤلف لكتابه المشار إليه آنفًا -"الرد المفحم ... "- بأن التشديد أو التشدد في الدين لا يأتي بخير، ومثل على ذلك بعض الفتيات المتأثرات بتوجيهات التويجري؛ لما سمعن بحديث: "لا تنتقب المرأة المحرمة ... "؛ قلن: ننتقب ونفدي!! بخلاف ما كان عليه نساء السلف؛ مثل أم شريك التي كان ينزل عليها الضيفان، وامرأة أسيد التي صنعت الطعام يوم زفافها للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، والمرأة الأنصارية التي استقبلته -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وبسطت له ... و.... و.... والرُّبَيِّع بنت معوذ التي كانت مع أنصاريات يسقين القوم ويخدمنهم ... وأم سليم أيضًا التي أتخذت خنجرًا ... وأسماء بنت يزيد التي قتلت سبعة من الروم بعمود فسطاطها! و ... و.... فهل كن متزمتات يرين أن الوجه والكفين عورة كتلك الفتيات؟!
20- حض المؤلف المشايخ والدعاة أن يكونوا {أُمَّةً وَسَطًا} ، وذكر حديثين في النهي عن الغلو في الدين والتشدد فيه. 21- سبب تعديل اسم الكتاب إلى "جلباب المرأة المسلمة"، وتفريق ابن تيمية بين الجلباب والحجاب. 22- الإشارة إلى أن حق طبع هذا الكتاب المعطى سابقًا للمكتب الإسلامي قد رفعته، وبيان السبب بما فيه عبرة لمن يعتبر. 23- خاتمة فيها اعتذار إلى منضدي الكتب. 25- مقدمة الطبعة الثانية. وفيها بيان أننا ازددنا إيمانًا بضرورة إعادة نشر الكتاب بعد أن رأينا استجابة الكثير من المؤمنات لما تضمن من بيان الشروط الواجب توفرها في الجلباب، وفيهن من بادرت إلى تغطية وجهها أيضًا اقتداء بأمهات المؤمنين وغيرهن. 26- بيان موقف أهل العلم وطلابه من الكتاب وأسلوبه وما فيه من التصريح بأن الوجه ليس بعورة، وأنهم فريقان، وذكر وجهة كل منهما، والرد عليهما بإيجا. 27- أحدهما يوافقنا -تقليدًا لمذهبه- ولكنه يرى -مجتهدًا "! "- أنه لا يجوز إشاعة ذلك سدًّا للذريعة، والرد عليه بنصوص النهي عن كتمان العلم، وحديث الخثعمية الذي وجدت فيه الذريعة ولم تؤمر بستر وجهها. 29- الرد على أحد الأساتذة الذي توهم أن فتواي بأن الوجه ليس بعورة مخالف لما عليه أهلي من الستر المطلوب، وجوابي عليه بكتاب أرسلته إليه. 30- إنكار المؤلف السفور المزري والتبرج المخزي، وبيان أنه لا تكون المعالجة بتحريم ما أباح الله، وإنما بأمرين: أحدهما: بيان الحكم للناس. والآخر: تربيتهم عليه. 35- مقدمة الطبعة الأولى. وفيه الدافع على تأليف الكتاب، والإشارة إلى
مشروعي: "تقريب السنة بين يدي الأمة"، وتاريخ البدء به، وأول ما بدئ به. 37- شروط الجلباب، وهي ثمانية1، وبيان أن بعضها يشترط فيها الرجال مع النساء. 39- الشرط الأول: "استيعاب جميع البدن إلا ما استثني". الاستدلال عليه بآيتي "النور" و"الأحزاب"، ومعنى قوله تعالى: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ، وأقوال السلف في تفسيرها. 41- اختيار ابن جرير أن المراد بها الوجه والكفان، ونص كلامه في ذلك، وتحديد معنى الوجه؛ خلافًا لبعض المعاصرين، وإشارة ابن جرير إلى ضعف حديث - إباحة كشف المرأة عن نصف ذراعها. "انظر التعليق". 42- حديث آخر بمعناه أنكر منه؛ لأنه أباح الذراع كله! والرد على الأستاذ المودودي في تقويته أحدهما بالآخر. 43- مستند المودودي في التقوية المذكورة، وبيان ما فيه من المخالفة لما اشترطه العلماء في التقوية. 44- قول النووي في ذلك، وذكر شرط آخر ضروري ذكره النووي في مكان آخر لم يرعه المودودي، وبيان ذلك من وجهين في بحث مهم نفيس قد لا تراه في مكان آخر، وفيه شرح نوع تدليس ابن جريج الذي تغافل عنه المودودي. 46- مناقشة المؤلف للمودودي في ادعائه أن الاستثناء المذكور في حديث المرأة الحائض بألفاظ مختلفة: "الكف"، "نصف الذراع"، "الذراع"،
هي أحاديث أربعة! وبيان أن الأمر ليس كذلك؛ لأنها من اضطراب الرواة، وأنه لا يصح منها إلا "الكف" مقرونًا بالوجه طبعًا، في بحث حديثي فقهي لا تجده في غير هذا الموضع. 48- الرد على المودودي في توفيقه بين تلك الألفاظ؛ لأن شرط التوفيق غير متحقق فيها، وأن توفيقه باطل في نفسه؛ لأنه مخالف لما في "حجابه"! 49- الرد عليه في تفريقه بين عبارتي: "لا يحل"، و"لم يصح"، وبيان ما يترتب على ذلك من الفساد، وأنهما بمعنى واحد، وذلك من وجهين مهمين، وذكر بعض الأمثلة على ذلك. 50- النظر في اختيار ابن جرير المتقدم، وتأييد النظر بقول ابن عطية الذي استحسنه القرطبي؛ إلا أن هذا مال إلى الاختيار المذكور، واستدل عليه بحديث: "إلاوجهها وكفاها"، ولدقة المسألة حض المؤلف على التأمل فيها. 51- ثم بدا له أن الصواب فيها ما اختاره ابن جرير والقرطبي، وبيان ذلك في بحث عزيز استفاد المؤلف أصله من كتاب الحافظ ابن القطان الفاسي "النظر في أحكام النظر"؛ فراجعه؛ فإنه نفيس جدًّا، وفيه بيان معنى لفظ: "عادة"، الوارد في كلام القرطبي، وبه يزول الإشكال والنظر المشار إليه آنفًا، ويتبين صواب تفسير ابن عباس ومن معه من السلف لآية: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} بالوجه والكفين. 53- بيان أنه لا يجوز معارضة تفسير السلف المذكور للآية بتفسير ابن مسعود الذي تفرد به لأمرين مهمين؛ فراجعهما. 54- ما قاله الجصاص في تضعيف تفسير ابن مسعود المذكور، ومثله كلام ابن القطان في تفسير الآية، وقد أبدع في ذلك وأتى بما لا تراه عند غيره من البيان أو الحجة.
وجهين، وعلى مَن قال من المعاصرين أنه ليس في الحديث أنها كانت كاشفة. 64 3- حديث سهل في المرأة التي عرضت نفسها له -صلى الله عليه وسلم- في المسجد ليتزوجها، فتأملها -صلى الله عليه وسلم، ورآها سهل قائمة ... ولم يكن تقدم منه -صلى الله عليه وسلم- رغبة فيها؛ كما قال الحافظ. 65 4- حديث عائشة في صلاة النساء متلفعات بمرطهن لا يعرف بعضهن وجوه بعض من الغلس. 66 5- حديث فاطمة بنت قيس، وأمره -صلى الله عليه وسلم- إياها أن تعتد عند ابن أم مكتوم لأنه أعمى فلا يراها إذا وضعت خمارها ... بعد أن كان أمرها أن تعتد عند أم شريك.. وبيان وجه دلالته على المطلوب، ومعارضته لحديث: "أفعمياوان أنتما؟! " الضعيف إسناده!! 67 6- حديث ابن عباس في شهوده صلاة العيد وخطبته -صلى الله عليه وسلم، ثم أتى النساء فوعظهن وأمرهن بالصدقة، فرأى ابن عباس أيديهن وهن يتصدقن.. وبيان أن القصة كانت بعد فرض الجلباب. 68 تأويل قوله: "فنزل نبي الله": بأنه لعله كان راكبًا، وبيان أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب في العيد قائمًا على الأرض، وما قاله ابن القيم في ذلك. 69 7- حديث سبيعة التي اكتحلت واختضبت وتجملت للخطاب بعد أن انقضت عدتها، ودلالته الصريحة على المطلوب. 70 8- حديث عائشة في امتناعه -صلى الله عليه وسلم- من مبايعة امرأة حتى اختضبت، وبيان حسنه أو صحته. 9- حديث المرأة السوداء التي كانت تصرع، ودعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- لها، واتفاق الشيخين عليه. 10- حديث المرأة الحسناء التي كانت تصلي، وحلف ابن عباس أنه ما
رأى مثلها قط، وتقدم بعض الصحابة إلى الصف الأول لئلا يراها، وقصة من حالفهم، ونزول آية {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ ... } ، وذكر من صححه من المتقدمين وغيرهم، وأنه مبطل لقول الشيخ التويجري. 71 11- حديث: رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأة فأعجبته ... وتخريجه من وجهين. 12- حديث المرأة التي ضرب -صلى الله عليه وسلم- يدها الشمال حين رآها تأكل بها، وأمره إياها أن تأكل باليمين، وبيان حسن إسناده. 72 13- حديث بنت هبيرة، وضربه -صلى الله عليه وسلم- يدها بعصية، وذكر من صححه، والإشارة إلى م ضعفه من المكابرين، وأن هذا الحديث وما قبله يبين المراد من آية: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ؛ كما بينته آية "الخمار"، وأنه غطاء الرأس؛ كالعمامة للرجل، وأن ذلك لا ينافي تعطية غير الرأس أحيانًا به، واستدلال ابن حزم بها. 74- إبطال دعوى أن هذه الأدلة كانت قبل فرضية الجلباب، وردها من وجهين، وفي الأول منهما حديثان عن أم عطية. 76- تأييد ما تقدم بآية وأحاديث الأمر بغض البصر. 78- حديث اختمار النساء المهاجرات حين نزول آية الضرب بالخمر على الجيوب، وقيام نساء الأنصار في الصلاة معتجرات؛ أي: كاشفات الوجوه. 79- حديث أمره -صلى الله عليه وسلم- ابنته زينب بتخمير نحرها في منى قبل انتشار الدعوة، وتصحيح أبي زرعة له. 80- الاستدلال بآية: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ.....} : على وجوب ستر النساء لأرجلهن، وتأييد ذلك بأحاديث أمرهن بإطالة ذيولهن لكي لا تنكشف أقدامهن، واستدلال البيهقي به على الوجوب.
81- بيان جريان العمل على ذلك من النساء، وما ترتب عليه من حكم الذيل إذا تنجس، وتناقض المودودي في قدمي المرأة. 82- من شروط المسلمين على الذميين أن تكشف نساؤهن عن سوقهن لكي لا تشبهن بالمسلمات، ثم انعكس الأمر ... وكلمة موجزة عن كتاب "الاقتضاء" لابن تيمية. 82- أمر النساء عامة بإدناء الجلابيب إذا خرجن، وإلقائها على خمرهن، وتفسير "الجلباب"، وأن الصحيح فيه أنه الذي يوضع فوق الخمار، وذكر بعض الآثار في ذلك. 85- بيان أن الجمع بين الخمار الجلباب عليه قد أخل به جماير النساء، وأنه واجب، وتأكيد ذلك بحديث لابن عباس. 86- استغراب المؤلف عدم تعرض من كتبوا في جلباب المرأة لهذا الواجب، بينما سودوا صفحات فيما ليس بواجب!! وتحقيق أن الجلباب ليس خاصًا بالخروج؛ خلافًا لبعضهم. 87- بيان أنه لا دلالة في آية "الجلباب" على أن الوجه عورة؛ لأن "الإدناء" مطلق ... وأنها مقيدة لوجهين.. "انظر مطابقة كلامي هذا لكلام الحافظ ابن القطان المذكور ص57"، وأن الوجه ليس بعورة عند أكثر العلماء، ومنهم الأئمة الثلاثة ورواية عن أحمد، وأنه ينبغي تقييد ذلك بأن لا يكون مزينًا بالأصبغة. 90- ذكر صحة أثر مجاهد في ستر نساء السلف لخواتيمهن بأكمامهن، وبيان حكمة الأمر بإدناء الجلباب، وترجيح أنه عام في الحرائر والإماء، وأن روايات تخصيصه بالحرائر لا تصح. 91- اغترار بعض المفسرين بتلك الروايات وتقييدهم "الإدناء" بها! 92- قول بعضهم بجواز نظر الأجنبي إلى شعر الأمة وصدرها! ورد ابن القطان وابن حزم القول المذكور.
93- زعم بعض المعاصرين أن الأمر بالجلباب كان لضرورة زمينة! 94- حديث أنس في اصطفائه -صلى الله علي وسلم- صفية ... وبيان أنه ليس فيه نفي الجلباب عن الأمة، وأن ما صح عن عمر من التفريق بين الحرة والأمة لا حجة فيه. 95- قول ابن تيمية: إن الحجاب خاص بالحرائر، وجوابه. 96- خلاصة ما تقدم في وجوب الجلباب، مع جواز كشف الوجه واليدين واستدراك آثار كثيرة في هذه الطبعة جرى العمل فيها بذلك بعده -صلى الله عليه وسلم: 1- رؤية قيس بن أبي حازم أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر الصديق بيضاء موشومة اليدين، وبيان صحة إسناده. 97 2- رؤية أبي السليل وغيره ابنة أبي ذر سفعاء الخدين. 3- رؤية عمران فاطمة -رضي الله عنها- وقد ذهب الدم من وجهها، وبيان حال إسناديهما. 98 4- رؤية ابن مسعود جبين عجز يبرق، وحسن سنده. 5- رؤية أبي أسماء الرحبي امرأة أبي ذو سوداء مسغبة، وصحة إسناده. 6- أسماء بنت أبي بكر جاءت مسفرة الوجه متبسمة. 99 7- قصة إنكار عمر على الأمة المتقنعة بالجلباب، وبيان أنها مع ذلك كان وجهها ظاهرًا، وأن الجلباب لا يعني تعطية الوجه. 100 8- رؤية محمد -والد عمر العمري- المرأة التي دعا عليها سعيد بن زيد بالعمى وهي عمياء ... في قصة، وبيان وجه دلالتها. 101 9- رؤية عطاء بن أبي رباح عائشة وهي تفتل القلائد، تخريجه من مصدر عزيز بسند صحيح.
101 10- إخراج الربيع بنت معوذ لعبد الله بن عقيل الإناء الذي كات تصب منه على كفيه -صلى الله عليه وسلم. 11-13- آثار فيها ظهور فاطمة بنت علي وغيرها أمام الأجانب بادية اليدين، وسمراء بنت نهيك عليها خمار تؤدب الناس، وصحة ذلك. 102 14- رؤية ميمون بن مهران أم الدرداء مختمرة ضربته على حاجبها، وبيان صحته. 15- رؤية معاوية -رضي الله عنه- أسماء زوجة أبي بكر بيضاء، وجودة سنده. 16- رؤية عبد الرحمن والد عيينة امرأة متقنعة، وبيان وهم كان وقع مني حول هذا الأثر.... وأن التقنع يعني 103 ستر الرأس دون الوجه. 104 - مشروعية ستر الوجه. 104 تحته بيان أن ستر المرأة لوجهها كان معروفًا في زمنه -صلى الله عليه وسلم، وتأييد ذلك بثماية نصوص، والرد على من زعم أنه بدعة أو تنطع. 105 1- خروج سودة لحاجتها، ومعرفة عمر إياها من جسامتها، وبيان وجه دلالته على ستر الوجه، وأن آية الحجاب تعني حجب أشخاصهن في بيوتهن إذا دخل عليهن غريب. 106 - ما قاله الحافظ وغيره في شرح الحديث، ورده على من ذهب إلى أنه لا يجوز لنسائه -صلى الله عليه وسلم- إظهار شخوصهن. 2- ستر عائشة وجهها عن صفوان بجلبابها في قصة الإفك. 3- جعله -صلى الله عليه وسلم- رداءه على ظهر صفية ووجهها حين اصطفاها. 107 4- سدل عائشة ومن معها من المحرمات الجلباب على وجوههن، وبيان أنه حسن في الشواهد.
5- تغطية أسماء بنت أبي بكر وغيرها وجوههن في الإحرام. 6- طافت عائشة منتقبة، وبيان علة إسناده. 108 7- انتقاب عائشة لما اجتلى -صلى الله عليه وسلم- صفية، وبيان علته وشواهده. "انظر لزامًا ص15". 109 8- إذن عمر لأزواجه -صلى الله عليه وسلم- بالحج، ونهي عثمان أن لا ينظر إليهن أحد، وبيان حال إسناده، وأن فيه حجب أشخاصهن، وأن ذلك لا ينافي ما تقدم. - أثران في انتقاب بعض من جاء بعدهن. 1- انتقاب حفصة بنت سيرين بجلبابها مع كونها من القواعد، وذكر اختلاف المفسرين في المراد من آية { ... أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} ، وتأييد قول من قال: إنه الخمار، وأنه قول ابن عباس. 110 احتجاج بعضهم بحديث مجيء أم خلاد وهي منتقبة إليه -صلى الله عليه وسلم، وبيان علته. 112 - ونحوه المرأة الجميلة التي أرادت أن تفتن عبيد الله بن عمير حين أسفرت عن وجهها، وتأكيد ما تقدم في تحديد الوجه؛ خلافًا للمودودي الذي أدخل فيه الأذنين أيضًا، والرد عليه بالحديث. 113 2- قصة الزوج الذي اعترف لزوجته بما ادعاه وليها عليه من المال؛ لكيلا تسفر عن وجهها أمام الشهود غيرة عليها. 114 - فائدة مهمة: 114 بيان أن المراد من آية {أَوْ نِسَائِهِنَّ} المؤمنات عند السلف؛ خلافًا لبعض المعاصرين، وذكر ما قاله الشوكاني والبيهقي فيها، وأثر ابن عمر في نهي النساء المسلمات أن يدخلن الحمامات ومعهن النساء الكتابيات، وتخريجه.
116 - التحذير من استخدام النساء الكافرات، وبيان بعض ما يترتب عليه من المفاسد بالنسبة للزوجين وأولادهما. 117 - الرد على من أفتى بجواز استخدامهن لأنهن عنده بمنزلة ملك اليمين!! 119 - الشرط الثاني: "أن لا يكون زينة في نفسه". 119 تحته حديث: "ثلاثة لا تسأل عنهم...."، وفيه: "وامرأة ... فتبرجت ... "، وبيان صحته، ووجه دلالته. 120 - شرح التبرج، وكلام الذهبي في ذلك، وأنه من أسباب كون النساء أكثر أهل النار، ومبايعته -صلى الله عليه وسلم- النساء على أن لا يتبرجن، وتخريجه برواية أحمد وغيره، وبيان أن زيادة: "والأغنياء" فيه زيادة منكرة. 121 - جواز كون جلباب المرأة بلون غير البياض أو السواد والدليل على ذلك؛ بخلاف ما إذا كان بعده ألوان، وما قاله العلامة الآلوسي في ذلك. 112 - بعض الآثار في التحاف أزواجه -صلى الله عليه وسلم- في اللحف الحمر والموردة بالعصفرة. 125 - الشرط الثالث: "أن يكون صفيقًا لا يشف". 125- بعض الأحاديث والآثار في ذلك. 126- تخريج أثر أم علقمة، وبيان أنها مجهولة، وسقوط ذكرها في بعذ الروايات، وتوهم المودودي في اعتبارها شاهدًا والطريق واحد! 127- تفسير الثياب "المروية" و"القوهية" و"القبطية"، ونهي بعض السلف عن لبس النساء لها لأنها تصف. 128- أثر عائشة في صفة الخمار المشروع، وتخريجه، وشرح الثوب "الصفيق" في اللغة.
129 - قول العلماء في وجوب ستر العورة بما لا يصف. 131 - الشرط الرابع: "أن يكون فضفاضًا". 131 تحته حديث إهدائه -صلى الله عليه وسلم- القبطية الكثيفة لأسامة، وقوله -صلى الله عليه وسلم: "إني أخاف أن تصف حجم عظامها"، وتخريجه من بعض المصادر المخطوطة العزيزة، وإفادته وجوب الشرطا المذكور. 132 - الرد على الشوكاني في حمله الحديث على ما يشف من الثياب الرقيقة!! وذلك من وجهين. 133 - الرد على الشافعية لقولهم بالاستحباب فقط! وبيان ما يرد عليهم من القول بجواز الجوارب اللحمية التي تحجم الساقين والفخذين ولا تشف عن لون البشرة!! 134 - قول الإمام الشافعي في المرأة تصلي في قميص يصف ولا يشف، ونصيحة المؤلف لبعض الفتيات المتحزبات أن لا يقصرن ثيابهن إلى نصف الساق مع لبسهن الجوارب التي تحجم السيقان ... وقول عائشة: لابد أن للمرأة من أن تصلي في جلباب. 135 - تخريج أثر عائشة المذكور، وعن ابن عمر نحوه. 135 - الاستئناس بأثر أسماء في اتخاذ نعش للنساء لا يصفهن، وتخريجه. 136 أمر المؤلف نساء العصر اللاتي يلبسن ما يحجم بعض أعضائهن أن يتأملن في ذلك، وأن يذكرن قوله -صلى الله عليه وسلم: "الحياء والإيمان قرنا جميعًا..". 137 - الشرط الخامس: "أن لا يكون مبخرًا مطيبًا". 137 تحته أربعة أحاديث صحيحة مع تخريجها، وفي الأخيرة منها أن صلاة المتطيبة إذا - صلت في المسجد لا تقبل. 139 - توجيه الاستدلال بالأحاديث المتقدمة، وما قال ابن دقيق العيد في ذلك، وبيان أنها تشمل جميع الأوقات.
140 - سبب تخصيص صلاة العشاء بالذكر في بعض الأحاديث. 141 - الشرط السادس: "أن لا يشبه لباس الرجل". 141 تحته خمسة أحاديث، أولها في لعن المرأة تلبس لبسة الرجل، وبيان صحته. 142 - حديث: "ليس منا من تشبه بالرجال من النساء...."، تخريجه، والكلام على إسناده بالتفصيل. 145 - لعن المترجلات والمشبهات من النساء بالرجال، تخريجه من رواية البخاري وجمع من حديث ابن عباس بلفظين. 146- حديث: "ثلاث لا يدخلون الجنة ... والمرأة المترجلة المتشبهة...."، تخريجه، وبيان صحته، ومن صححه، وتقصير المنذري وغيره في عدم عزوه لأحمد. 147 - أقوال للإمام أحمد في نهي الرجل أن يلبس جاريته من زي الرجال، وأن تجز شعرها، ومعنى الجز. 148 - عد الذهبي والهيتمي تشبه المرأة بالرجال من الكبائر. 149 - قول الطبري في ذلك، وما ذكره من الحكمة. 150 - فصل جيد من كلام ابن تيمية منقول عن مخطوط ضخم عزيز من المجلد "93/ 132-134"، فيه فوائد هامة لم تنشر من قبل، وهو جواب سؤال عن حكم لبس النساء لـ"الكوفية" و"الفراجي"، والضابط في ذلك. 151 - تفصيل ابن تيمية الضابط في النهي عن التشبه بالرجال، وأن ذلك لا يعود إلى العادة من الجنسين. - الضابطة تعود إلى ما يصلح للرجال وما يصلح للنساء، وتوضيح الشيخ
153 ذلك بأمثلة معروة فرق الشرع فيها بين الرجال النساء في الأذان والتجرد للإحرام. 155 - قوله: أمرت المرأة أن تجتمع في الصلاة! وتعليق المؤلف عليه. 155 - حديث في فضل صلاة النساء في بيوتهن، وتعديل المؤلف تعليقه السابق، وبيان أن الحديث على عمومه، وتأكيد أنه لا داعي لتهافت النساء على الصلاة في الحرمين الشريفين ومخالطتهن للرجال. 158 - قوله -رحمه الله: إن المشابهة في الأمور الظاهرة تورث تناسبًا وتشابهًا في الأخلاق ... 161 - الشرط السابع: "أن لا يشبه لباس الكافرات". 161 - الأدلة على ذلك في الكتاب، وتوجيه شيخ الإسلام ابن تيمية لها، واستدلاله بها، وهو بحث هام. 165 - قول اليهود لما أمر -صلى الله عليه وسلم- بمخالفتهم في اعتزالهم المرأة الحائض: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئًا إلا خالفنا! ودلالته على كثرة مخالفته -صلى الله عليه وسلم- لليهود، وبيان أن المخالفة تكون تارة في أصل الحكم، وتارة في وصفه؛ كما بينه ابن تيمية -رحمه الله. 166 - أدلة السنة على ذلك كثيرة في أنواع من أبواب الشريعة وسوقها. 167 - من الصلاة: فيه سبعة أحاديث: 167 1- حديث بدء شرعية الأذان بعد أن رفض -صلى الله عليه وسلم- اقتراح البوق والناقوس لأنهما من أمر اليهود والنصارى، وما قاله ابن تيمية في دلالتها، وأنها تشمل كراهة هذا النوع من الأصوات مطلقًا في غير الصلاة أيضًا. 168 ما ابتليت به الأمة في بعض البلاد بالضرب بالبوق في أوقات الصلوات، واستحباب خفض الصوت في الجنائز مخالفة لأهل الكتاب، وحديث:
168 "الجرس مزمار الشيطان". 169 - رأي المؤلف في الأجراس الحديثة، وبخاصة في أجراس ساعات الجدران التي تشبه جرس ساعة "لندن"، وتعطيله إياها من ساعات المساجد خاصة كلما سنحت له الفرصة، وقصته مع ساعة مسجد "قباء" سنة "1382هـ"! 170 2- حديث النهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة حسمًا لمادة المشابهة بكل طريق، وكلام ابن تيمة في ذلك. 171 3- حديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد، وما فيه من الدلالة على الموضوع. 172 4- حديث الأمر بالصلاة في النعال لمخالفة اليهود. 173 5- حديث النهي عن الاشتمال في الصلاة اشتمال اليهود. 174 6- حديث النهي عن الصلاة قيامًا وراء الإمام الجالس اضطرارًا؛ دفعًا للتشبه بأهل فارس، وكلام شيخ الإسلام في فقهه بما لا تراه لغيره، وتصريحه بأن النهي المذكور محكم على الصحيح عمل به الصحابة. 175 7- النهي عن الجلوس معتمدًا على اليد اليسرى في الصلاة مخالفة لليهود، وأثر عائشة في كراهة الصلاة متخصرًا لأنه فعل اليهود، ونهيه -صلى الله عليه وسلم- عنه، والتنبيه على ضعف حديث النهي عن الاعتماد على يده إذا نهض في الصلاة. 175 - ومن الجنائز: 175 1- حديث: "اللحد لنا، والشق لأهل الكتاب"، وتقوية ابن تيمية إياه لطرقه. 176 - ومن الصوم: وفيه أربعة أحاديث:
1- "فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب ... ". 2- التعجيل بالفطر مخالفة لهم. 176 3- النهي عن مواصلة الصيام مخالفة للنصارى. 177 4- أمره -صلى الله عليه وسلم- بضم التاسع إلى "عاشوراء" مخالفة لليهود. 178 5- حديث صومه -صلى الله عليه وسلم- يوم السبت والأحد مخالفة للمشركين، وما قاله الحافظ في صيامها، ورجوع المؤلف عنه لما تبين له ضعفه، وأن عدد أحاديث هذا الشرط أكثر من ثلاثين. 179 - ومن الحج: 179 1- مخالفته -صلى الله عليه وسلم- للمشركين بإفاضته من المزدلفة قبل طلوع الشمس، وتخريجه من رواية البخاري وغيره، وبيان وهم وقع لشيخ الإسلام فيه، وحديث آخر بمعناه فيه ما ليس في الأول، وتصحيح الحاكم والذهبي وإياه، وبيان علته. 180 - ومن الذبائح: 180 1- نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن الذبح بالظفر؛ لأنه مدى الحبشة، وبيان ابن تيمية أن العلة المشابهة، ورده على من رأى أن العلة أنه يشبه الخنق! وموافقة ابن الصلاح والنووي، وجواب الحافظ عما اعترض عليه. 182 - ومن الأطعمة: 182 1- حديث: "لا تدع شيئًا ضارعت فيه نصرانية، وبيان أنه حسن لغيره، ومعناه. 183 - ومن اللباس والزينة: وفيه ثمانية أحاديث: 183 1- حديث: "هذه من ثياب الكفار؛ فلا تلبسها"، وبيان ابن تيمية أنه يشمل ما يستحلونه من المحرمات أو ما يعتادونه، وبعض الآثار في النهي عن التشبيه بهم.
184 2- إياكم ولبوس الرهبان ... "، وبيان ضعف إسناده، وتأويل قول الحافظ: "لا بأس بإسناده"! 184 3- "..... حمروا وصفروا، وخالفوا أهل الكتاب.... وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب...."، وبيان حسن إسناده، وشاهدين له، وتفسير غريبه. 185 4- "خالفوا المشركين: أحفوا الشوارب، وأوفوا اللحى"، تخريجه من رواية الشيخين، ومن رواية غيرهما بلفظ: "المجوس"، وتقويته ببعض الشواهد، وشرح ابن تيمية للحديث بما يدل على أن جنس المخالفة مقصود بالذات؛ فراجعه فإنه نفيس. 186 5- "جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس"، وتخريجه من رواية مسلم وغيره، واستظهار ابن تيمية أن المخالفة فيه علة تامة، وما يتفرع عنها؛ ولذا كره السلف أشياء غير منصوص عليها. 187 6- "إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم"، تخريجه من رواية الشيخين، وقول الشوكاني في دلالته، واهتمام السلف بالخضاب، وما قاله أحمد لمن رآه قد خضب، وتعليق ابن تيمية على الحديث بكلام نفيس جدًا؛ فراجعه. 189 7- "غيروا الشيب، ولا تشبهوا باليهود والنصارى"، تخريجه من رواية أحمد، وبيان أن إسناد حسن لذاته صحيح لشواهده، مع الإفاضة في تخريجها، والكلام على أسانيدها. 192 8- حديث تفريق النبي -صلى الله عليه وسلم- شعره مخالفة لأهل الكتاب، تخريجه برواية الشيخين وغيرهما، وبيان أن الفرق شعار المسلمين، والسر في موافقته أهل الكتاب أول الأمر.
193 - ومن الآداب العامة: 193 1- "لا تسلموا تسليم اليهود...."، تخريجه بسند جوده الحافظ، وتقويته بشاهد، وكراهة السلف التسليم باليد؛ إلا في بعض الأحوال؛ كالمصلي يرد بيده. 194 - مناقشة المؤلف للنووي في حمله الحديث على من رد إشارة باليد دون رد السلام باللفظ، وبيان ضعف الحديث الذي اعتمد عليه، وروايه شهر بن حوشب، واضطرابه في روايته، وبيان الراجح منها. 196 - تنبيه على وهم للحافظ في شاهد الحديث. 196 2- "أتقعد قعدة المغضوب عليهم؟! ". 197 3- "نظفوا أفنيتكم، ولا تشبهوا باليهود ... "، تخريجه من طرق وتحسينه بها. 198 4- "إياكم وهاتان الكعبتان ... فإنها ميسر العجم"، تخريجه، وتقويته بشواهده بما لا تراه في غير هذا المكان. 200 - متنوعات: 200 1- "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ... "، تخريجه برواية البخاري وغيره، وتفسير "الإطراء"، وبيان أنه أعم من إطراء النصارى لعيسى. 201 - غلو بعض المسلمين في مدحه -صلى الله عليه وسلم- بما لا يرضاه، مع إنكاره على الجارية قولها: وفينا نبي يعلم ما في غد! 202 - تفسير بعضهم قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ........ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ؛ قال: هو محمد -صلى الله عليه وسلم! وموقفه لما اعترض عليه! 2- ".... لتركبن سنن من قبلكم ... "، تخريجه من رواية الترمذي
202 وغيره، وهم لابن القيم، وتقصير لابن كثير، ودلالة الحديث على أن المشابهة لا يشترط فيها القصد. 203 3- "بعثت بين يدي الساعة ... ومن تشبه بقوم فهو منهم"، تخريجه بسند حسن، وذكر شاهد له حسن. 204 - استدلال ابن تيمية به على تحريم التشبه بالكفار، وبيانه للمراد من "التشبه"، ونقله الإجماع على كراهة التشبه. 206 - بيان أن الحكم المذكور معقول المعنى، وأن للظاهر تأثيرًا في الباطن؛ خيرًا كان أو شرًا، وكلام ابن تيمية في تأييد ذلك بما لا تجده لغيره. 210 - الاستدلال على ذلك بحديث: "لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم وقلوبكم"، وتخريجه، وذكر حديثين آخرين في النهي عن التفرق في جلوس الجماعة؛ تأكيدًا لارتباط الظاهر بالباطن. 211 - حديث: "ما لي أراكم عزين"، وشرح: "عزين". 211 - وحديث: "إن تفرقكم في هذه الأودية ... من الشيطان"، وما فيه من التنبيه على أن التفرق في الدين -كالصلاة مثلًا- أشد من التفرق في الأودية! 213 - الشرط الثامن: "أن لا يكون لباس شهرة". 213 فيه قوله -صلى الله عليه وسلم: "من لبس ثوب شهرة في الدنيا ... "، مع تفسيره وتخريجه وشواهد له. 215 - خلاصة الشروط المتقدمة، وأنه يجب على كل مسلم أن يحققها في أهله.
2- الأحاديث المرفوعة: 121 أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئًا، ولا تسرقي، ولا تزني 112 ابنك له أجر شهيدين 197 أتقعد قعدة المغضوب عليهم؟! 136 اجعليه. يعني: نعشًا فوق أضلاع ابنته رقية 025 إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني 097 ادني يا فاطمة! 138 إذا خرجت إحداكن إلى المسجد؛ فلا تقربن طيبًا 173 إذا صلى أحدكم في ثوب؛ فليشده على حقوه، ولا تشتملوا 042 إذا عركت المرأة؛ لم يحل لها أن تظهر إلا وجهها 050 اذبحها، ولن تصلح لغيرك 113 الأذنان من الرأس 101 اسكبي على وضوئي 101 اسكبي لي وضوءًا 174 اشتكى -صلى الله عليه وسلم، فصلينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر يُسمِع 165 اصنعوا كل شيء إلا النكاح 120 اطلعت على النار، فرأيت أكثر أهلها النساء
066 اعتدي عند ابن أم مكتوم؛ فإنه رجل أعمى، تضعين 11 و66 و100 أفعمياوان أنتما؟! 050 أفكلهم أعطيت مثل ما أعطيته؟! 203 الله أكبر! هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلهًا 097 اللهم! مشبع الجاعة! ورافع الوضيعة! لا تجع فاطمة بنت محمد 081 أليس بعدها طريق هي أطيب منها؟ 180 أما بعد؛ فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون 074 أمرنا أن نخرج في العيدين العتق والحيض، ونهينا عن اتباع 083 أمرنا أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق والحيض 9 و078 أمرني أن أصرف بصري. يعني: نظر الفجأة 012 أمرني أن أكون عند ابن أم مكتوم؛ فإنه مكفوف البصر 070 إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله 174 إن كدتم لتفعلوا فعل فارس والرم، يقومون على ملوكهم 025 أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد 068أنتن على ذلك؟ 136 أن ابنه له -صلى الله عليه وسلم- توفيت، وكانوا يحملون الرجال والنساء 197 إن الله نظيف يحب النظافة، جواد يحب الجود 070 أن امرأة أتته -صلى الله عليه وسلم- تبايعه، ولم تكن مختضبة، فلم 065 أن امرأة جاءت إليه -صلى الله عليه وسلم- وهو في المسجد 062 أن امرأة من خثعم استفتته -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع يوم النحر 212 إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان 47 و058 إن الجارية إذا حاضت؛ لم يصلح أن يرى منها 068 إن جبريل أتاني، فقال لي: أرجع حفصة؛ فإنها صوامة 078 إن لنساء قريش لفضلًا، وإني والله ما رأيت أفضل من 047 إن المرأة إذا بلغت المحيض؛ لم يصلح أن يرى منها 050 إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس
184 إن هذه من ثياب الكفار؛ فلا تلبسها 109 أن هند بنت عتبة كشفت عن نقابها لما بايعته -صلى الله عليه وسلم 165 إن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم؛ لم يؤاكلوها 177 إنما يفعل ذلك النصارى، صوموا كما أمركم الله 105 إنه أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن 094 أنه -صلى الله عليه وسلم- لما اصطفى لنفسه من سبي خيبر صفية 059 إنه ليس للمرأة المسلمة أن يبدو منها؛ إلا هذا وهذا 194 أنه -صلى الله عليه وسلم- مر في المسجد يومًا وعصبة من النساء قعود 175 إنها صلاة اليهود 183 إنهم يستمتعون بآنية الذهب والفضة في الدنيا 184 إنهم يوفرون سبالهم، ويحلقون لحاهم؛ فخالفوهم 179 إنهما يوما عيد المشركين، فأنا أحب أن أخالفهم 067 إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم 050 إني لا أشهد على جور 167 اهتم -صلى الله عليه وسلم- للصلاة كيف يجمع الناس لها؟ فقيل له: انصب الراية 058 أَوَ لَمْ تَرَيْ إلى هيئتها؟! إنه ليس للمرأة المسلمة 172 ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم 077 إياكم والجلوس بالطرقات!.. فإن أبيتم إلا المجلس؛ فأعطوا 020 إياكم والغلو في الدين! فإنما هلك من كان قبلكم 184 إياكم ولبوس الرهبان! فإنه من تزيى بهم أو تشبه؛ فليس 200 إياكم وهاتان الكعبتان الموسومتان اللتان تزجران زجرًا! 072 أيسرك أن يجعل الله في يدك خواتيم من نار؟! 137 أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها 138 أيما امرأة أصابت بخورًا؛ فلا تشهد معنا العشاء الآخرة 071 أيما رجل رأى امرأة تعجبه؛ فليقم إلى أهله؛ فإن
"ب-ث": 204 بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبدَ الله وحده 101 بهذا كنت أخرج لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- للوضوء 060 تصدقن؛ فإن أكثركن حطب جهنم 066 تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم 146 ثلاث لا يدخلون الجنة، ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة 119 ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة عصى إمامه ومات "ج-خ": 168 الجرس مزمار الشيطان 187 جزوا الشوارب، وأرخو اللحى؛ خالفوا المجوس 094 حاضت؟ اختمري بهذا 077 حق الطريق: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر 136 الحياء والإيمان قرنا جميعًا، فإذا رفع أحدهما؛ رفع الآخر 186 خالفوا المشركين: أحفوا الشوارب، وأوفوا اللحى 172 خالفوا اليهود؛ فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا في خفافهم 030 خير الأمور أوساطها "د، ر": 201 دعي هذا وقولي الذي كنت تقولين 28 و062 رأيت شابًّا وشابة، فلم آمن الشيطان عليهما 033 رفقًا بالقوارير
"س، ش": 203 سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلهًا 125 سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات، على رءوسهن 056 شققن أكنف مروطهن فاختمرن بها "ص، ط": 171 صلِّ صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حين تطلع 155 صلاة إحداكن في مخدعها أفضل من صلاتها في حجرتها 156 صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه 155 صلوا كما رأيتموني أصلي 151 صنفان من أهل النار من أمتي لم رأهما بعد: كاسيات 198 طهروا أفنيتكم؛ فإن اليهود لا تنظف أفنيتها 122 طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه "ع، غ": 210 عباد الله! لَتُسَوُّنَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم 210 عباد الله! لَتُسَوُّنَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم 157 عليكم بالبياض؛ فليلبسه أحياؤكم، وكفنوا فيه موتاكم 189 و205 غيروا الشيب، ولا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى "ف، ق": 178 فإذا كان العام المقبل إن شاء الله؛ صمنا اليوم التاسع
012 فإنك إذا وضعت خمارك؛ لم يرك 107 فخرج -صلى الله عليه وسلم- من خيبر ولم يعرس بها، فلما قرب البعير له 176 فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر 069 قد حللت حين وضعت "ك": 108 كان الركبان يمرون بنا ونحن معه -صلى الله عليه وسلم- محرمات، فإذا حاذوا 193 كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه 210 كان يسوي صفوفنا، حتى كأنما يسوي بها القداح 179 كان يصوم يوم السبت ويوم الأحد أكثر مما يصوم من 070 كانت امرأة تصلي خلفه -صلى الله عليه وسلم- حسناء من أحسن الناس 148 و215 كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته: الرجل راعٍ في أهله 065 كن نساء المؤمنات يشهدن معه -صلى الله عليه وسلم- صلاة الفجر متلفعات 101 كنت أسكب على كفيه ثلاث مرات "ل": 201 لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى 82 و168 و203 لتركبن سنن من كان قبلكم سنة سنة 74 و084 لتلبسها أختها من جلبابها 176 اللحد لنا والشق لأهل الكتاب 158 لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من 98 و149 لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات 141 لعن -صلى الله عليه وسلم- الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس
146 لعن -صلى الله عليه وسلم- الرجلة من النساء 145 و149 لعن -صلى الله عليه وسلم- المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء 145 و151 لعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء 191 لكنكم غيروا، وإياي والسواد 012 لم يصلح أن يرى منها إلا وجهها وكفاها 109 لما اجتلى -صلى الله عليه وسلم- صفية؛ رأى عائشة متنقبة وسط الناس 087 لما انقضت عدتي من أبي سلمة أتاني -صلى الله عليه وسلم، فكلمني بيني وبينه 074 لما قدم -صلى الله عليه وسلم- المدينة؛ جمع نساء الأنصار في بيت، ثم 040 لما كان يوم أحد؛ انهزم الناس عنه -صلى الله عليه وسلم، وأبو طلحة بين 082 لما نزلت؛ خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان 142 ليس منا من تشبه بالرجال من النساء ولا من تشبه 193 ليس منا من تشبه بغيرنا؛ لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى 142 ليس منا من تشبه من النساء بالرجال "م": 181 ما أنهر الدم وذكر اسم الله؛ فكل؛ ليس السن والظفر 131 ما لك لم تلبس القبطية؟ 191 ما لكم لا تغيرون؟ 211 ما لي أراكم عزين؟ 138 ما من امرأة تخرج إلى المسجد تعصف ريحها فيقبل الله 170 ما من عام إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم 197 مر بي -صلى الله عليه وسلم- وأنا جالس هكذا وقد وضعت يدي 196 مر -صلى الله عليه وسلم- وأنا في جوار أتراب لي، فسلم علينا 196 مر -صلى الله عليه وسلم- في نسوة عليهن 195 مر علينا -صلى الله عليه وسلم- في نسوة، فسلم علينا
194 مر في المسجد يومًا وعصبة من النساء قعود، فأشار 194 مر في المسجد يومًا وعصبة من النساء قعود، فسلَّم 131 مرها فلتجعل تحتها غلالة؛ فإني أخاف أن تصف 100 من أخذ شبرًا من الأرض بغير حقه؛ طوقه في سبع 148 و204 و205 من تشبه بقوم؛ فهو منهم 080 من جر ثوبه خيلاء؛ لم ينظر الله إليه يوم القيامة 027 من كتم علمًا؛ ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار 214 من لبس ثوب شهرة؛ أعرض الله عنه حتى يضعه متى 213 من لبس ثوب شهرة في الدنيا؛ ألبسه الله ثوب مذلة 154 من لم يجد إزارًا؛ فليلبس سراويل، ومن لم يجد نعلين "ن": 070 نزول: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِين} 198 نظفوا أفنيتكم، ولا تشبهوا باليهود؛ تجمع الأكباء في دورها 147 نهى أن تحلق المرأة رأسها 175 نهى أن يعتمد الرجل على يده إذا نهض في الصلاة 175 نهى رجلًا وهو جالس معتمد على يده اليسرى 175 نهى عن التخصر في الصلاة 205 نهى عن التشبه بالأعاجم 214 نهى عن الشهرتين: أن يلبس الثياب الحسنة التي ينظر إليه 170 نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت الغروب 183 نهى عن لبوس الحرير، وقال: إلا هكذا 175 نهى عن التخصر في الصلاة 075 نهينا عن اتباع الجنائز، ولا جمعة علينا
"هـ، و": 180 هدينا مخالف هديهم 167 هو من أمر اليهود 075 هي النياحة. تفسير: {ولا يعصينك في معروف} 025 وددت أنا قد رأينا إخواننا 203 والذي نفسي بيده؛ لتركبن سنة من كان قبلكم سنة سنة "لا": 071 لا تأكلي بشمالك وقد جعل الله تبارك وتعالى لك يمينًا 175 و197 لا تجلس هكذا؛ إنما هذه جلسة الذين يعذبون 182 لا تدع شيئًا ضارعت فيه نصرانية 036 لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من 193 لا تسلموا تسليم اليهود؛ فإن تسليمهم بالرءوس والأكف 193 لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى؛ فإن تسليم اليهود بالإشارة 020 لا تشددوا على أنفسكم؛ فإنما هلك من قبلكم بتشديدهم 168 لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس 179 لا تصوموا يوم السبت؛ إلا فيما افترض عليكم 200 لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم؛ إنما 066 لا تفعلي؛ إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان؛ فإني 155 لا تمنعا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن 17 و104 لا تنتقب المحرمة، ولا تلبس القفازين 065 لا حاجة لي في النساء 041 لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تخرج
182 لا يختلجن في نفسك شيء ضارعت فيه النصرانية 176 لا يزال الدين ظاهرًا ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود 006 لا يقبل الله صلاة حائض؛ إلا بخمار 154 لا يلبس المحرم القمص والعمائم ولا السراويل والبرانس "ي": 051 يا أسماء! إن المرأة إذا بلغت المحيض؛ لم يصلح أن 079 يا بنية! خمري عليك نحرك، ولا تخافي على أبيك غلبة 077 يا علي! لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى وليست 185 يا معشر الأنصار! حمروا وصفروا وخالفوا أهل الكتاب 090 يا معشر النساء! أليس لكن في الفضة ما تحلين؟ أما إنه 031 يسروا ولا تعسروا 081 يطهره ما بعده
3- رواة الأحاديث المرفوعة: ابن عباس "انظر: عبد الله بن عباس" ابن عمر "انظر: عبد الله بن عمر" ابن عمرو "انظر: عبد الله بن عمرو بن العاص" ابن مسعود "انظر: عبد الله بن مسعود" 184 أبو أمامة 211 أبو ثعلبة الخشني 214 أبو ذر 077 أبو طلحة 107 أبو غطفان بن طريف المري 137 أبو موسى الأشعري 25 و107 و125 و138 و141 و169 و176 و186 و187 و189 أبو هريرة 202 أبو واقد اللثي 089 أخت حذيفة 131 أسامة بن زيد 58 و136 أسماء ابنة عميس 194 و195 و196 أسماء بنت يزيد الأنصارية 81 و83 و87 و169 و178 أم سلمة 107 أم سنان الأسلمية 74 و083 أم عطية 081 امرأة من بني عبد الأشهل 071 امرأة منهم 40 و94 و107 و165 و191 أنس بن مالك 077 بريدة 072 ثوبان 210 جابر بن سمرة 60 و173 و193 جابر بن عبد الله 9 و78 و175 و196 جرير بن عبد الله 171 جندب بن عبد الله البجلي 079 الحارث بن الحارث الغامدي 180 رافع بن خديج 101 الرُّبَيِّع بنت معوذ 189 الزبير 137 زينب الثقفية 069 سبيعة بنت الحارث 197 و198 سعد بن أبي وقاص 100 سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل 064 سهل بن سعد 172 شداد بن أوس 196 الشريد بن سويد 12 و42 و47 و51 و56 و65 و70 و78 و94 و105 و106 و107 و146 عائشة
61و 67 و70 و113 و145 و154 و177 و192 عبد الله بن عباس 80 و104 و108 و136 و145 و172 و175 و185 و197 و203 و205 و213 عبد الله بن عمر 120 و125 و142 و183 و193 عبد الله بن عمرو بن العاص 71 و98 و149 و198 عبد الله بن مسعود 182 عدي بن حاتم 62 و77 و147 علي بن أبي طالب 179 و183 و200 عمرو بن الخطاب 097 عمران بن حصين 176 عمرو بن العاص 170 عمرو بن عبسة 167 عمومة من الأنصار لأبي عمير بن أنس 12 و066 فاطمة بن قيس 062 الفضل بن عباس 41 و47 و058 قتادة 086 قيس بن زيد 111 قيس بن شماس 168 قيس بن عباد 214 كنانة بن نعيم 176 ليلى امرأة بشير ابن الخصاصية 179 المسور بن مخرمة 210 النعمان بن بشير 182 هلب والد قبيصة
4- الآثار الموقوفة: "أ": 013 أخذ الله عليهن أن يُقَنِّعن على الحواجب 135 إذا صلت المرأة؛ فلتصل في ثيابها كلها: الدرع، والخمار، والملحفة 088 أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة 205 إن كان للكنيف والوضوء -يعني: نعلًا سنديًا- وأكره الصرار 086 {أن يضعن ثيابهن} : الجلباب 125 إن إبراهيم النخعي كان يدخل مع علقمة والأسود على أزواجه -صلى الله عليه وسلم 098 أن أسماء بنت أبي بكر جاءت مسفرة الوجه مبتسمة 123 أن أسماء كانت تلبس المعصفر وهي محرمة 183 أن حذيفة بن اليمان أتى بيتًا، فرأى فيه حادثتين فيه أباريق 123 أن سعيد بن جبير رأى بعض أزواجه -صلى الله عليه وسلم- تطوف بالبيت وعليها 175 أن عائشة كانت تكره أن يجعل يده في خاصرته 123 أن عائشة كانت تلبس الثياب المعصفرة وهي محرمة 123 أن عائشة كانت تلبس الثياب الموردة بالعصفر وهي مُحْرمة 102 أن عروة بن عبد الله بن قشير دخل على فاطمة بنت علي بن أبي طالب 109 أن عمر بن الخطاب أذن لأزواجه -صلى الله عليه وسلم- في الحج في آخر حجة 099 أن عمر بن الخطاب كان يضرب الإماء أن يتقنعن يقول 127 أن عمر بن الخطاب كسا الناس القباطي ثم قال: لا تَدَّرِعها
127 أن المنذر بن الزبير قدم من العراق، فأرسل إلى أسماء 115 أن نساء المسلمين يدخلن الحمامات ومعهن نساء 175 إن اليهود تفعله. يعني الاختصار في الصلاة 100 إنما الجلباب على الحرائر من نساء المؤمنين 128 إنما الخمار ما وارى البشرة والشعر 188 إني لأرى رجلًا يحيي ميتًا من السنة 098 ألا تنرون إلى ما تأمرني به هذه السويداء "ت": 6 و014 تدني الجلباب إلى وجهها ولا تضرب به 014 تسدل الثوب على وجهها إن شاءت "ج-خ": 097 جاءت ابنة أبي ذر وعليها مجنبتا صوف، سفعاء الخدين 103 جاءت امرأة إلى سمرة بن جندب، فذكرت أن زوجها لا يصل إليها 113 حضرت مجلس موسى بن إسحاق القاضي بالري سنة 030 خير الأمور أوساطها "د، ذ": 096 دخلت أنا وأبي على أبي بكر؛ وإذا هو رجل أبيض 102 دخلت على أم الدرداء، فرأيتها مختمرة بخمار صفيق، قد ضربت 128 دخلت على عائشة وعليها ثياب من هذه السيد الصفاق
099 دخلت على عمر بن الخطاب أمة قد كان يعرفها لبعض 109 ذهبت أنا وصاحب لي إلى عائشة، فاستأذنًا عليها، فألقت "ر، ز": 099 رأى عمر أمة لنا متقنعة، فضربها، وقال: لا تشبهي بالحرائر 126 رأيت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر دخلت على عائشة 102 رأيت سمراء بنت نهيك عليها درع غليظ وخمار غليظ 102 رأيت سمراء بنت نهيك -وكانت قد أدركته -صلى الله عليه وسلم- عليها 101 رأيت عائشة تفتل القلائد للغنم تساق معها هديًا 108 رأيت عائشة طافت بالبيت وهي منتقبة 122 رأيت على أم سلمة درعًا وملحفة مصبغتين بالعصفر 059 الزينة الظاهرة: الوجه والكفان "س، ص": 205 سئل أحمد عن نعل سندي يخرج فيه؟ فكره للرجل 177 صوموا التاسع والعاشر؛ خالفوا اليهود "ف، ق": 115 فإنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ينظر إلى 106 فبينا أنا جالسة في منزلي؛ غلبتني عيني، فنمت 102 رأيت في يديها مسكًا غلاظًا، في كل يد اثنين اثنين 099 فما بال الجلباب؟! ضعيه عن رأسك، إنما الجلباب
090 قد أدركتهن، وإن إحداهن لتتخذ لكمها زرًا تواري خاتمها "ك": 187 كان أبي إذا جز شعره؛ لم يحلق قفاه 148 كان أزواجه -صلى الله عليه وسلم- يأخذن من رءوسهن حتى تكون كالوفرة 090 كان رجل من المنافقين يتعرض لنساء المؤمنين يؤذيهن 112 كان امرأة جميلة بمكة كان لها زوج، فنظرت يومًا إلى وجهها 135 كانت عائشة تحل إزارها فتجلبب به 168 كانوا يستحبون خفض الصوت عند الذكر وعند القتال 193 كانوا يكرهون التسليم باليد 183 كتب إلينا عمر ونحن بأذربيجان مع عتبة بن فرقد 115 كتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح: إن نساء من نساء 059 الكف ورقعة الوجه. تقسير: {ولا يبدين زينتهن} 110 كنا ندخل على حفصة بنت سيرين، وقد جعلت الجلباب 098 كنا نشارك المرأة في السورة من القرآن نتعلمها 108 كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمتشط قبل ذلك 102 كنت عند فاطمة بنت علي، فجاء رجل يثني على أبيها "م. هـ": 110 ما أدركت أحدًا أفضله على حفصة. يعني: بنت سيرين 204 من بنى بأرض المشركين، وصنع نيروزهم ومهرجانهم 183 من تشبه بقوم فهو منهم 187 هو من فعل المجوس، ومن تشبه بقوم فهو منهم
"لا": 134 لا بد للمرأة من ثلاثة أثواب تصلي فيهن: درع، وجلباب، وخمار 128 لا تدرعها نساؤكم. يعني: القباطي 099 لا تشبهن بالحرائر 099 لا تشبهي بالحرائر 115 لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ينظر إلى عورتها 009 لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه "ي": 136 يا أسماء! إذا أنا مت؛ فاغسليني أنت وعلي، ولا يدخل 135 يا أسماء! إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء؛ أن يطرح 183 يا عتبة! إنه ليس من كد أبيك ولا من كد أمك، فأشبع 078 يرحم الله نساء المهاجرين الأول، لما أنزل الله 085 يسدلن عليهن من جلابيبهن، وهو القناع فوق الخمار 015 يهودية بين يهوديات
5- رواة الآثار الموقوفة: 109 إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف 125 إبراهيم النخعي 122 ابن أبي مليكة 6 و14 و59 و86 و88 و177 ابن عباس 59 و60 و135 ابن عمر 090 ابن كعب القرظي 086 ابن مسعود 098 أبو ذر الغفاري 148 أبو سلمة بن عبد الرحمن 097 أبو السليل 113 أبو عبد الله محمد بن أحمد بن موسى القاضي 183 أبو عثمان النهدي 9 و187 و205 أحمد بن حنبل 108 أسماء بنت أبي بكر 126 أم علقمة بن أبي علقمة 099 أنس بن مالك 110 إياس بن معاوية 183 حذيفة بن اليمان 85 و123 سعيد بن جبير 128 شميسة بنت عزيز بن عامر العتكية البصرية 108 صفية بنت شيبة 14 و15 و59 و128 و134 و175 عائشة 110 عاصم الأحول 115 عباد بن نُسَيّ الكندي 127 عبد الله بن أبي سلمة 204 عبد الله بن عمرو 103 عبد الرحمن والد عيينة 103 عروة بن عبد الله بن قشير 101 و193 عطاء بن أبي رباح 99 و115 و127 و183 عمر بن الخطاب 102 عيسى بن عثمان 135 فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم 123 فاطمة بنت المنذر 123 القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق 098 قبيصة بن جابر 013 قتادة 096 قيس بن أبي حازم 090 مجاهد 205 محمد بن أبي حرب
113 محمد بن أحمد بن موسى القاضي: أبو عبد الله 183 محمد بن سيرين 187 المعتمر بن سليمان التيمي 102 ميمون بن مهران 127 هشام بن عروة 030 وهب بن منبه 102 يحيى بن أبي سليم 109 يزيد بن بابنوس