جغرافية المناخ والنبات

يوسف عبد المجيد فايد

تمهيد

تمهيد: تتناول دراسة هذا الكتاب قسمًا كبيرًا من الجغرافيا الطبيعية تشمل دراسة للمناخ، ودراسة للنبات الطبيعي. وقد جرت العادة في الدراسات الجغرافية أن تقرن دراسة المناخ بدراسة النباتات الطبيعية؛ لما بينهما من صلة واضحة، فالنبات الطبيعي هو الصورة الحية على سطح الأرض لتفاعل الأحوال المناخية مع بعضها ومع التربة. ونحن إذا تكلمنا عن المناخ وأردنا التدليل على أثره فإنما نعطي عادة أمثلة من أحوال النبات الطبيعي في المنطقة. ومن ناحية أخرى فإننا إذا وصفنا النبات الطبيعي وأبرزنا خصائصه ففي أغلب الأحوال نرجع تلك الخصائص إلى مؤثرات مناخية. والكتاب يتناول أيضًا في قسمه المناخي أبحاثًا عن المناخ التفصيلي، وهو جانب هام من الدراسات المناخية الحديثة التي يتوخى دراسوها الدقة والتخصص، ويحوي أيضًا مبحثًا عن أثر المناخ في النواحي البشرية وهذه بلا شك هي الناحية النفعية التطبيقية من أي دراسة طبيعية. وهناك منحى نحوته في دراسة المناخ والنبات وكافة الدراسات الجغرافية التي قمت بها حتى الآن أو أنوي القيام بها في المستقبل، وهي التأكيد على ناحية التوزيعات متخذًا قارات العالم كوحدات لذلك التوزيع. والسبب في هذا أولاً أن الجغرافيا هي حسب كثير من التعريفات المتداولة لها علم التوزيعات، وثانيًا لأن القارة وحدة جغرافية لا تحتاج إلى تحديد مصطنع، وما أكثر التصنيفات الجغرافية التي تقسم العالم إلى أقاليم، ولكن ما أكثر الخلافات بين الجغرافيين حول هذه التصنيفات. أما استخدام القارة كأساس إقليمي لا خلاف حوله ونرجو أن يكون هذا الكتاب مفيدًا لطلاب الجغرافيا. والله ولي التوفيق المؤلف

محتويات الكتاب

محتويات الكتاب: أولا: المناخ مقدمة 11 الفصل الأول: الحرارة 18-39 الفصل الثاني: الضغظ الجوي والرياح 40-71 الفصل الثالث: الرطوبة والتساقط 72-96 الفصل الرابع: الكتل الهوائية والجبهات 97-106 الفصل الخامس: التصنيفات المناخية 107-111 الفصل السادس: المناخ التفصيلي 112-126 الفصل السابع: المناخ والإنسان 127-153 الفصل الثامن: مناخ العالم-إفريقيا 154-177 الفصل التاسع: أوربا باستثناء روسيا 178-198 الفصل العاشر: آسيا والاتحاد السوفييتي 199-226 الفصل الحادري عشر: أمريكا الشمالية والوسطى 227-246 الفصل الثاني عشر: أمريكا الجنوبية 247-259 الفصل الثالث عشر: استراليا ونيوزيلنده 260-272 الفصل الرابع عشر: القطب الشمالي والقارة القطبية الجنوبية 273-277 ثانيا: النبات الفصل الخامس عشر: التربة 280-290 الفصل السادس عشر: النباتات الطبيعية 291-304 الفصل السابع عشر: الغابات 305-322 الفصل الثامن عشر: الحشائش 323-332 الفصل التاسع عشر: الصحارى 333-340 الفصل العشرون: توزيع النبات بالقارات 341-362 قائمة المراجع 364-368

فهرس الأشكال والخرائط: 1 الغلاف الغازي 14 2 الترمومتر 19 3 ترمومتر النهاية العظمى 21 4 ترمومتر النهاية الصغرى 21 5 ترموجراف 21 6 الأشعة العمودية والأشعة المائلة 23 7 التغير السنوي في كمية الإشعاع 24 8 الإشعاع الشمسي وتوزيعه 25 9 الإشعاع الأرضي 28 10 مقارنة بين الإشعاع الشمسي والأرضي أثناء النهار 28 11 التغير السنوي في درجات الحرارة 29 12 انزلاق الهواء البارد 31 13 خطوط الحرارة المتساوية في يناير 34 14 خطوط الحرارة المتساوية في يولية 36 15 المدى الحراري السنوي 38 16 بارومتر تورشلي 41 17 بارومتر زئبقي 41 18 بارومتر أنرويد 41 19 باروجراف 42 20 توزيع مثالي لمناطق الضغط 47 21 الضغط والرياح في يناير 48 22 الضغط والرياح في يولية 49 23 دوارة الرياح 50 24 الأنيمومتر 51 25 اتجاه الرياح حسب قانون فرل 52 26 الرياح الموسمية 59 27 الرياح المحلية في حوض البحر المتوسط 61 28 مسارات أعاصير العروض الوسطى 65 29 نسيم البحر والبر 66 30 نسيم الوادي والجبل 67

31 الهيجرومتر 73 32 مقياس المطر 82 33 تكون السحب في الهواء 84 34 المطر التضاريسي 85 35 مطر إعصاري 86 36 توزيع نظري للمطر على سطح الأرض 88 37 توزيع الأمطار في ليبرفيل 89 38 توزيع الأمطار في واو 90 39 توزيع الأمطار في الملكال 91 40 توزيع الأمطار في الخرطوم 92 41 توزيع الأمطار في القاهرة 92 42 توزيع الأمطار في بومباي 93 43 توزيع الأمطار في شنغهاي 94 44 توزيع الأمطار في فالنسيا 95 45 توزيع الأمطار في في كويبك 95 46 توزيع الأمطار في كييف 96 47 ضد أعصار وأعصار في نصف الكرة الشمالي 102 48 مراحل حياة الإعصار 104 49 قطاعات توضيح الجبهة المنتهية 106 50 مكرر -الإقاليم المناخية حسب تصنيف كبين 111 51 تغير الحرارة بتأثير تباين السطح أثناء الليل 119 52 توزيع الرياح في منطقة بهاتل 122 53 تغير الحرارة مع الارتفاع في حقل قمح 125 54 أفريقيا- خطوط الحرارة المتساوية في يناير 156 55 أفريقيا-الضغط والرياح في يناير 157 56 أفريقيا- الحرارة في يولية 158 57 أفريقيا- الضغط والرياح في يولية 159 58 المطر السنوي في أفريقيا 162 59 أوربا-خطوط الحرارة المتساوية في يناير 181 60 أوربا -خطوط الحرارة المتساوية في يولية 183 61 أوربا- الضغط والرياح في يناير 185 62 أوربا- الضغط والرياح في يولية 187 63 المطر السنوي في أوربا 188

64 آسيا- الحرارة في يناير 201 65 آسيا- الحرارة في يولية 203 66 آسيا- الضغط والرياح في يناير 205 67 آسيا- الضغط والرياح في يولية 206 68 المطر السنوي في آسيا 208 69 أمريكا الشمالية- الحرارة في يناير 229 70 أمريكا الشمالية- الحرارة يولية 230 71 أمريكا الشمالية- الضغط والرياح في يناير 232 72أمريكا الشمالية- الضغط والرياح في يولية 234 73 المطر السنوي في أمريكا الشمالية 236 74 أمريكا الجنوبية- الحرارة في يناير 248 75 أمريكا الجنوبية- الحرارة في يولية 249 76 أمريكا الجنوبية- الضغط والرياح في يولية 252 77 أمريكا الجنوبية- الضغط والرياح في يناير 253 78 المطر السنوي في أمريكا الجنوبية 255 79 أستراليا- الحرارة في يناير 261 80 أستراليا- الحرارة في يولية 262 81 أستراليا- الضغط والرياح في يناير 265 82 أستراليا- الضغط والرياح في يولية 266 83 المطر السنوي في أستراليا 269 84 نطاقات التربة في العالم 287 85 توزيع النبات الطبيعي في أفريقيا 343 86 توزيع النبات الطبيعي في أوربا 346 87 توزيع النبات الطبيعي في آسيا 349 88 توزيع النبات الطبيعي في أمريكا الشمالية 356 89 توزيع النبات الطبيعي في أمريكا الجنوبية 360 90 توزيع النبات الطبيعي في أستراليا 361

المناخ

المناخ مدخل ... مقدمة: تعتبر دراسة المناخ ومعرفة خصائصه من الدراسات الهامة للإنسان في جميع جهات الأرض، وعلى مر العصور المختلفة، فقد لاحظ الإنسان الأعاصير العاتية وسقوط الأمطار وهبوب الرياح من وقت لآخر، وقد أدت ملاحظة الإنسان لتلك الظواهر الجوية والمناخية شهرًا بعد آخر، وفصلًا يلي الآخر وسنة تتلو الأخرى إلى محاولته فهم أسرار ومسببات تلك المظاهر والسعي إلى تفهم العوامل التي تتحكم فيها وتغيرها من وقت لآخر ومن مكان لآخر. ورغم مرور وقت طويل منذ بدء الحياة البشرية إلا أن الإنسان لم يتوصل بعد إلى تفسير الظواهر الجوية جميعًا. ولا تزال هناك بعض الظواهر الجوية التي تحتاج إلى الدراسة، والتفسير. ونحن نعرف أن الأرض في دورانها حول نفسها محاطة بغلاف غازي يعتبر جزءًا من الأرض، ولكننا عادة لا نفكر في هذا الغلاف الغازي مثل تفكيرنا في الغلاف المائي أو في قشرة الأرض، ولكن أثر الغلاف الغازي يبدو لنا واضحًا إذا تحرك الهواء بسرعة. فالهواء هو الحيز الذي نعيش فيه ونتحرك فيه وهو النسمات التي يتنفسها الإنسان والحيوان والنبات وبدونه يصبح كل شيء غير قادر على البقاء. وعن طريق الهواء تتساقط الأمطار وبواسطة قوة الهواء تسير السفن الشراعية، وتدار ماكينات الهواء وغيرها1. علم المناخ وعلم الميتورولوجيا: لا بد أن نعرف مدى الصلة وما هو الفرق بين علم المناخ وعلم الميتورولوجيا؟ إذ إن علم المناخ قريب الصلة بالميتورولوجيا

_ 1 T.a. blair, Climatology , New YOrk, 1942 pp 3-6.

فهما يتناولان معًا دراسة الغلاف الغازي أو الهواء The atmosphere وفي الواقع لم تكن هناك تفرقة واضحة بين العلمين في بادئ الأمر، ويعتبر بعض العلماء أن المناخ هو متوسط الأحوال الجوية في منطقة ما لفترة من الزمن، والبعض الآخر يعتبر المناخ هو علاقة الظواهر الجوية بالبيئة سواء كانت طبيعية أو بشرية، غير أن هذه المفاهيم للمناخ تضيق من حدود علم المناخ وتقصره على نواحي معينة، ويمكننا أن نعطي تعريفًا لعلم المناخ على أنه "العلم الذي يدرس الظواهر الجوية لفترة كافية من الزمن خاصة ما يتعلق منها بسطح الأرض". وقد يكون هذا المفهوم لعلم المناخ أقرب المفاهيم لتفكير الجغرافي. أما علم المتيورولوجيا فهو يتناول دراسة الظواهر الجوية في حد ذاتها وفي طبقة من طبقات الهواء سواء كان لتلك الظاهرة الجوية في حد ذاتها، وفي أي طبقة من طبقات الهواء سواء كان لتلك الظاهرة علاقة بسطح الأرض أم لا، كذلك قد تكون تلك الظاهرة فريدة أو مؤقتة. ونضرب لذلك مثلًا بعنصر المطر فإذا درسنا نظم المطر وتوزيعه على سطح الأرض فهذه الدراسة تعتبر من صميم علم المناخ، أما إذا درسنا العوامل الديناميكية التي تؤدي إلى سقوط المطر من عاصفة معينة في مكان ما فهذه الدراسة تدخل في نطاق علم الميتورولوجيا. وقبل أن نعرض لعناصر المناخ لابد أن نتكلم عن الغلاف الغازي وتكوينه وخصائصه. يمتد الهواء إلى عدة مئات من الكيلومترات فوق سطح الأرض وتقل كثافته بالارتفاع إلى درجة كبيرة فكثافة الهواء أكبر بالقرب من سطح الأرض عنها في طبقات الجو العليا وذلك بسبب ضغط الطبقات العليا على الطبقات السفلى، وتقل نسبة الأكسجين خاصة عند ارتفاع خمسة كيلو مترات، ويوجد نصف حجم الهواء المحيط بالأرض في الستة كيلو مترات السفلى من الغلاف الغازي، ومعلوماتنا محدودة عن الطبقات العليا من الغلاف الغازي. وفي الوقت الحاضر أمكن جمع معلومات أكثر عن الطبقات العليا عن طريق الطيران المرتفع والصواريخ التي تمكنت من الوصول إلى ارتفاع يقرب من 400 كم أو أكثر

فوق سطح الأرض غير أن أهمية المعلومات التي تصلنا عن طبقات الجو العليا أهمية محدودة في الدراسات المناخية خاصة المتعلق منها بالجغرافيا، حيث إن الظاهرات المناخية التي تهمنا معظمها متصل بالطبقات الأقل ارتفاعًا، فالسحاب على سبيل المثال يوجد عادة على ارتفاع يتراوح ما بين 9، 25 كيلو مترًا. وقد أمكن تمييز طبقات جوية في الغلاف الغازي أطلق عليها الأسماء التالية: 1- تربوسفير Troposphere. 2- ستراتوسفير Stratosphere. 3- أيونوسفير lONOSPHERE. ويقصد بالتروبوسفير الطبقة السفلية من الغلاف الغازي التي تمتد من سطح الأرض حتى ارتفاع يتراوح بين 8 و 15 كيلو متر "يختلف سمك التروبوسفير وغيره من الطبقات في العروض الاستوائية عنها في العروض الوسطى والعليا"، وفي هذه الطبقة تقل درجة الحرارة كلما ارتفعنا بمعدل 1درجة م لكل 150متر، ومعظم التغيرات اليومية في الظواهر الجوية تقتصر على هذه الطبقة من الغلاف الغازي ولا تتعداها إلى الطبقتين الأخريين. كذلك تحتوي هذه الطبقة على معظم بخار الماء والأكسجين وثاني أكسيد الكربون. وتنتمي طبقة التربوسفير وتبدأ طبقة الستراتوسفير عند خط يسمى التربوبوز Tropopause وتمتد طبقة الستراتوسفير من هذا الخط حتى ارتفاع يتراوح بين 55 و 80 كيلو متر، وتتميز تلك الطبقة بثبات حرارتها وخلوها، من العواصف. ويمكن أن تقسم طبقة الستراتوسفير إلى ثلاثة أقسام فرعية يتميز الأول "الأسفل" بصفاء الجو واستقراره وصلاحيته للطيران ولكن بمساعدة أجهزة الأكسجين. وتعرف الطبقة الوسطى بطبقة الأوزون ozone layer

وهي طبقة ساخنة تصل درجة حرارتها إلى 95 ْم، وقد تمكنت البالونات التي تحمل الإنسان أن تصل إلى طبقة الأوزون، وكذلك البالونات الصوتية استطاعت أن تصل إليها. أما القسم الثالث أو الطبقة العليا فهي طبقة مكهربة، ولذلك فهي أدنى الطبقات الهوائية التي تمتص الموجات اللاسلكية. وتبدأ طبقة الأويونوسفير من ارتفاع 90 كيلو متر وقد تصل إلى ارتفاع 360 كيلو متر أو أكثر، وتتميز تلك الطبقة العليا بخفة غازاتها، ولذلك يسود فيها غازا الهيدروجين والهليوم، وقد قدر أن طبقة الأيونوسفير لا يوجد فيها من الغلاف الغازي سوى نسبة ضئيلة جدًا من وزنه الكلي تقدر بنحو1: 30.000 فقط "شكل 1". "شكل 1"

تكوين الهواء: دلت التجارب على أن الهواء خليط معقد من عدة عناصر وغازات. أولًا: غازات تظل في الحالة الغازية تحت أي ظروف جوية. ثانيًا: بخار الماء وهو متغير فقد يتحول من الحالة الغازية إلى السيولة أو الصلابة. ثالثًا: يحوي الهواء بعض الأجسام الصلبة مثل ذرات الغبار وذرات الملح، والغازات الدائمة أهمها غازان يكونان معًا 99% من حجم الهواء إذا استثنينا بخار الماء وذرات البخار أو بمعنى آخر يكونان 99% من حجم الهواء الجاف النقي، هذان الغازان هما النتروجين والأكسجين وهما أيضًا يكونان نسبة كبيرة من الأحياء التي تعيش على سطح الأرض، ويكون النيتروجين 78% من حجم الهواء الجاف ويكون الأكسيجين 21% منه. أما النسبة المتبقية فتشمل الأرجون، وثاني أكسيد الكربون، وغازات أخرى مثل النيون والهليوم والكربتون والهيدروجين والزينون والأوزون والرادون وغيرها. ومن الملاحظ أن نسبة الغازات الدائمة قد ظلت ثابتة تقريبًا على مر الزمن ومن مكان لآخر، وإن كان البعض يذكر أن نسبة ثاني أكسيد الكربون قد زادت زيادة طفيفة في بعض الدول الصناعية نتيجة لعمليات احتراق الوقود1. بخار الماء في الهواء: تتم إضافة بخار الماء للهواء عن طريق التبخر من السطوح المائية ومن التربة ومن النباتات. وبخار الماء يكون جزءًا هامًا من الهواء. ولكن بعكس الغازات الأخرى التي أطلقنا عليها الغازات الثابتة نجد أن بخار الماء تتغير نسبته في الهواء من مكان لآخر ومن وقت لآخر، ففي

_ 1 G. F. Taylor Elementary Meteorolgy" Englewood Ciffs N. g 1959 PP 62-76.

المناطق الصحراوية تقل نسبة بخار الماء في الهواء إلى درجة كبيرة بسبب عدم وجود المياه وكذلك تقل نسبته في المناطق القطبية حيث تشتد البرودة، ويقل التبخر كما تقل مقدرة الهواء على حمل بخار الماء، وتزيد نسبة بخار الماء في الهواء في الأقاليم الدافئة المطيرة. ويظل جزء من بخار الماء في الهواء كغاز في كل الأوقات وتحت درجات الحرارة المختلفة حتى بعد حدوث التكاثف. ولبخار الماء علاوة على أهميته بالنسبة لأنه مصدر الماء الذي يتساقط على سطح الأرض أهمية في أثره على الظواهر الجوية الأخرى مثل: الحرارة والضغط الجوي. الغبار في الهواء: تتعلق في الهواء كميات هائلة من ذرات غير غازية، وقد يوجد الغبار في الهواء بصورة مرئية للعين إذ إنه أحيانًا يعطي الهواء صورة مغبرة غامقة، وهناك ذرات صلبة دقيقة جدًا توجد في الهواء حتى ولو لم ترها العين المجردة، وتتكون الذرات الدقيقة أحيانًا من الدخان أو أملاح البحر. ومن الطبيعي أن نجد ذرات الغبار أكثر في الطبقات السفلى من الهواء عنها في الطبقات العليا منه، كذلك تضاف ذرات الرماد البركاني إلى الهواء عن طريق مقذوفات البراكين وقت ثورانها، وكذلك الرماد المتخلف عن احتراق الشهب في الهواء. ولتلك الذرات المتعلقة في الهواء أهمية كبرى بسبب تأثيرها على الأحوال الجوية إذ إن معظم تلك الذرات تتشبع بالماء وتكون النواة التي تتم عليها عملية التكاثف لبخار الماء، كذلك تعتبر تلك الذرات سطوحًا تستقبل أشعة الشمس، فإذا كانت هناك كميات هائلة من الغبار في الهواء كما يحدث عادة في فترات النشاط البركاني فإن وجودها قد يؤدي إلى تقليل كمية الحرارة التي تصل إلى سطح الأرض، ويعتقد بعض العلماء أن زيادة النشاط البركاني في عصر البليستوسين قد تكون المسئولة عن إضعاف قوة الإشعاع الشمسي وحدوث العصر الجليدي. خصائص الهواء: هناك بعض القوانين المتعلقة بخصائص الهواء ومن أهم

تلك القوانين قانون بويل Boyle. وقد وجد بويل "1627-1691" أن حجم الغاز يتناسب تناسبًا عكسيًا مع الضغط إذا ظلت درجة حرارته ثابتة. أما شارل "1746-1723""charles" فقد اكتشف أنه إذا ظل حجم الهواء ثابتا فإن الضغط يزداد مع ارتفاع الحرارة، ثم أثبت جاى لوساك "Gay Lussac "1778-1850 أنه إذا ظل الضغظ ثابتًا فإن الحجم يزداد مع ازدياد الحرارة. ونخرج من هذه القوانين بنتيجة هامة تستخدم في الدراسات المناخية، وهي أن زيادة درجة الحرارة تؤدي عادة إلى زيادة حجم الهواء وارتفاعه إلى أعلى، ومن ثم انخفاض الضغط الجوي والعكس صحيح.

الفصل الأول: الحرارة

الفصل الأول: الحرارة أهم عناصر المناخ هي: 1- الحرارة. 2-الضغط الجوي. 3- اتجاه وسرعة الرياح. 4- الرطوبة والمطر. وسوف نتناول كل من هذه العناصر بالدراسة فيما يلي: الحرارة: يعتبر عنصر الحرارة من أهم عناصر المناخ، وتختلف درجات الحرارة في أنحاء العالم المختلفة اختلافًا كبيرًا. وللحرارة آثار واضحة على الإنسان والحيوان والنبات، كما أن للحرارة تأثيرا كبيرًا أيضًا على عناصر المناخ الأخرى مثل الضغط الجوي. ومن المعروف أن الحرارة عبارة عن تعبير عن قوة الطاقة الموجودة في أي جسم وبزيادة تلك الطاقة تزداد حرارة الجسم. وتقاس الحرارة بواسطة أجهزة أهمها ما يأتي: الترمومتر: وهو جهاز عادي بسيط، يتكون من أنبوبة زجاجية ذات مؤخر كروي في أحد طرفيها ويوضع بداخل الأنبوبة سائل ويستخدم الزئبق عادة لهذا الغرض، ويتغير ارتفاع الزئبق في الأنبوبة مع تغير الحرارة؛ إذ إن الزئبق جسم يتأثر بتغير الحرارة فيتمدد إذا ارتفعت الحرارة وينكمش إذا انخفضت الحرارة. وقد حدد ارتفاع الزئبق في الأنبوبة وعين مكانه بعلامة عند درجة حرارة تجمد الماء واعتبرت هذه النقطة على الأنبوبة درجة الصفر المئوي، كذلك حدد ارتفاع الزئبق في الأنبوبة عند درجة حرارة غليان الماء، واعتبرت تلك النقطة درجة 100 مئوية، ثم قسمت المسافة بين النقطتين إلى مائة قسم وبذلك يكون كل قسم درجة واحدة في الترمومتر المئوي وهذا الترمومتر اخترعه العالم السويدي

اندرز سلسيوس Anders Cilsius عام 1742م. أما في حالة الترمومتر الفرنهيتي، وهو الذي اخترعه دانيل فرنهيت Daniel Fehrenheit عام 1710م، وهو عالم طبيعة ألماني، فإن درجة التجمد في هذا الترمومتر هي 32 ودرجة الغليان هي 212 "شكل2". ويمكن تغيير درجات الحرارة من المئوي إلى الفرنهيت بسهولة إذ إن الدرجة الفرنهيت تساوي 9/5 من الدرجة المئوية. وقد يستخدم في بعض الترمومترات الكحول بدلًَا من الزئبق في المناطق شديدة البرودة؛ تجنبًا لاحتمال تجمد الزئبق في الأنبوبة إذ إن الزئبق يتجمد عند درجة حرارة 39,3درجة م ترمومتر مئوي ترمومتر فرنهيتي "شكل 2"

ترمومتر النهاية العظمى والصغرى: وهناك ترمومترات خاصة لقياس أعلى درجة حرارة وأقل درجة حرارة، وفي ترمومتر النهاية العظمى يوجد جزء ضيق في الأنبوبة بجانب الفقاعة مباشرة، بحيث إن الزئبق يستطيع المرور من الفقاعة إلى الأنبوبة، ولكنه لا يستطيع أن يعود إلى الفقاعة مرة أخرى عندما تنخفض الحرارة وينكمش الزئبق فيظل في مكانه في الأنبوبة مسجلًا بذلك أعلى درجة حرارة حدثت في فترة الرصد، وعند وضع هذا الترمومتر لا بد أن تكون الفقاعة في وضع مرتفع قليلًا عن الأنبوبة "شكل 3". أما ترمومتر النهاية الصغرى فيستخدم فيه الكحول بدلًا من الزئبق ويوضع في داخل الأنبوبة قضيب صغير من الزجاج، وعند وضع هذا الترمومتر يلاحظ أن تكون الفقاعة في وضع منخفض قليلًا عن الأنبوبة، وعندما تنخفض درجة الحرارة فإن السائل الكحولي ينكمش ويسحب معه القضيب الزجاجي نحو الفقاعة، ولكن عندما ترتفع درجة الحرارة ويتمدد السائل فإنه يترك القضيب الزجاجي ليحدد أقل درجة حرارة حدثت أثناء فترة الرصد "شكل 4". الترموجراف: وهو عبارة عن جهاز يسجل درجات الحرارة لفترة من الزمن تبلغ عادة أسبوعًا، ومن أشهر أنواع الترموجراف ذلك النوع الذي يتكون من أسطوانة تملأ بسائل ثم تغلق بإحكام، فعند حدوث أي تغير في الحرارة يتغير حجم الأسطوانة بالتمدد أو الانكماش، ويؤدئ ذلك إلى تحريك ذراع متصلة بالأسطوانة، ويثبت في نهاية الذراع ريشة تتحرك إلى أعلى وأسفل وترسم خطًا على ورقة ملفوفة حول الأسطوانة، ومقسمة رأسيًا إلى درجات وأفقيًا إلى أيام وساعات. وتدور الأسطوانة وحولها الورقة مثل الساعة فترسم الريشة خطًا بيانيًا يوضح التغيرات في درجات الحرارة في فترة الرصد "انظر شكل 5". درجة الدقة في رصد الحرارة: لا بد في رصد درجات الحرارة من التأكد من أن الترمومتر يسجل درجات الحرارة الفعلية للهواء فقد يحدث أن يتعرض الترمومتر لأشعة الشمس، والمعروف أن درجة الحرارة لا بد أن تسجل في الظل،

"شكل 3" ترمومتر النهاية العظمى "شكل 4" ترمومتر النهاية الصغرى "شكل 5" الترموجراف 1- جزء معدني يتأثر بحرارة الجو 2- رافعة تتصل بالجزء المعدني 3- ذراع تحرك ريشة على الأسطوانة 4- أسطوانة ملفوفة عليها ورقة

كذلك قد يتعرض الترمومتر لأثر الحرارة المنعكسة من مباني مجاورة فيسجل درجات حرارة أعلى من الواقع، كذلك لا بد أن يوضع الترمومتر في مكان يتخلله الهواء. وللحصول على متوسطات حرارية تفيد في الدراسات المناخية لا بد من الحصول على متوسطات لمدة 35 سنة. وأساس المتوسط الحراري السنوي هو المتوسط الحراري اليومي الذي يؤخذ من عدة قراءات للترمومتر أثناء اليوم تكون عادة في الساعة السابعة صباحًا ثم الثانية بعد الظهر ثم التاسعة مساء، وقد يؤخذ من المتوسط النهاية العظمى والنهاية الصغرى للحرارة أثناء اليوم، وقد وجد أن الفرق ضئيل جدًا بين النتائج التي يحصل عليها من الطريقتين؛ لذلك يمكن استخدام أيهما دون الوقوع في خطأ كبير. أشعة الشمس: مصدر حرارة الأرض الرئيسي هو الشمس فمن هذا الجسم الهائل الملتهب الذي تبلغ حرارة سطحه 700 درجة م تخرج أشعة قوية تصل إلى الأرض بعد مرورها في الفضاء لمسافة 93 مليون ميل فتعطي الأرض 1/2000.000.000من قوة الأشعة التي تخرج من الشمس، هذا الجزء البسيط من أشعة الشمس يصل إلى الأرض فيسخنها ويمدها بالضوء1. العوامل التي تتحكم في توزيع أشعة الشمس على سطح الأرض: تتوقف كمية الإشعاع الذي يصل إلى الأرض على عاملين: 1- تركيز أشعة الشمس أو الزاوية التي تصل بها أشعة الشمس إلى الأرض. 2- طول المدة التي تستمر فيها الشمس فوق الأفق. فنلاحظ أن شعاعًا يصل إلى الأرض في زاوية مائلة تكون قوته أقل من شعاع يصل عموديًا على

_ 1 H.C. Willett & F. Sandres،Descrptive Meteorology" New York 1959 PP 38- 81

الأرض؛ لأن الشعاع المائل يخترق مسافة أطول في الفضاء فيفقد جزءًا أكبر من قوته، بينما الشعاع العمودي الذي يخترق مسافة أقصر يفقد جزءًا أقل، كما أن الشعاع المائل يتوزع على مساحة أكبر من سطح الأرض فيقل تركيزه في حين أن الشعاع العمودي يتركز في مساحة أصغر فتزداد قوته "شكل6". أما العامل الثاني فهو لا يحتاج إلى شرح حيث إن أشعة الشمس إذا دامت مدة أطول-ويقصد بذلك طول النهار- كانت كمية الحرارة التي تكتسبها الأرض أكثر مما لو كان النهار قصيرًا. من هذا نستنتج أن خطوط العرض الواحدة عادة تكتسب كمية واحدة من الحرارة، وأنه باختلاف خطوط العرض تختلف درجات الحرارة "إذا تساوت الظروف الأخرى التي تؤثر في حرارة الإقليم". ولما كانت أشعة الشمس تقع عمودية على خط الاستواء أثناء الاعتدالين وهما الربيع والخريف فإن كمية الأشعة التي تصيب نصف الكرة الشمالي تساوي

الكمية التي تصيب النصف الجنوبي خلال هذين الفصلين. أما في الصيف الشمالي "من 22 يونية إلى 22 سبتمبر" فإن أشعة الشمس تكون عمودية على مدار السرطان، ومائلة على مدار الجدي؛ فيكتسب نصف الكرة الشمالي كمية أكبر من أشعة الشمس والعكس في الصيف الجنوبي "من22 ديسمبر إلى 21 مارس" حيث يكتسب نصف الكرة الجنوبي كمية أكبر من أشعة الشمس خلال ذلك الفصل، ويضاف إلى ذلك بالطبع طول النهار أثناء فصل الصيف وقصره أثناء فصل الشتاء. "شكل 7" أثر الهواء على الإشعاع الشمسي: تتأثر أشعة الشمس المخترقة للهواء في طريقها إلى سطح الأرض بالمحيط الهوائي الذي تمر فيه، وأهم أثر في هذا القبيل هو تقليل قوة تلك الأشعة، ويتوقف تأثير الهواء على أشعة الشمس على عدة عوامل منها: كمية السحب، وكمية الغبار الموجودة في الهواء. والأشعة المخترقة للهواء يضيع جزء منها بالتبدد Scattering، وجزء آخر بالانعكاس إلى طبقات الجو العليا Reflection، وجزء ثالث بالامتصاص Absorption. ويقدر أن 35% من جملة الأشعة المرسلة من الشمس نحو الأرض تضيع بواسطة التبدد والانعكاس ولا تستخدم في تسخين الأرض و 14% تمتص بواسطة الهواء،

ولا يصل إلى الأرض سوى 51% المتبقية وإن كانت 14% التي يمتصها الهواء تصل إلى الأرض بطريق غير مباشر فيما بعد عن طريق تسخين الهواء لسطح الأرض. "شكل 8" توزيع الإشعاع الشمسي على سطح الأرض: أشعة الشمس تكون قوية عند خط الاستواء ثم تقل نحو الشمال والجنوب ويسود هذا الوضع خاصة أثناء الاعتدالين، ولكن مركز الحرارة القصوى ينتقل إلى نصف الكرة الشمالي أثناء الصيف الشمالي ونحو النصف الجنوبي في فصل الصيف الجنوبي، وذلك مع حركة الشمس الظاهرية. ويمكن تمييز ثلاثة نطاقات حرارية عامة هي: 1- العروض السفلى. 2- العروض المتوسطة. 3- العروض العليا.

ففي العروض السفلى أو المدارية، وهي العروض المحصورة بين المدارين نجد الحرارة مرتفعة معظم الوقت واختلافها طفيف من موسم لآخر، أما العروض المتوسطة فبها فصل حرارة قصوى واحد ترتفع فيه الحرارة ارتفاعًا شديدًا، وفي العروض العليا والقطبية نجد أن فصل الحرارة القصوى قصير وحرارته ليست شديدة الارتفاع وفي الفصل الآخر لا تصلها أشعة تذكر، وتنخفض درجات الحرارة انخفاضًا كبيرًا في تلك العروض. الاختلاف بين اليابس والماء في درجة اكتساب الأشعة وفقدانها: وهناك اختلاف بين اليابس والماء فيما يتعلق بدرجات اكتساب الأشعة حتى إذا تساوت كمية الإشعاع الشمسي الساقطة على كليهما. كذلك يفقد اليابس حرارته أسرع من فقدان الماء لها. والسبب الأساسي لهذا الاختلاف هو الطبيعة السائلة التي تميز الماء فتعمد الأمواج، والتيارات المائية، وحركات المد والجزر إلى توزيع الحرارة على سطوح أكبر من الماء وعدم حفظها في جزء محدود كما هو الحال في اليابس، كذلك تستطيع أشعة الشمس أن تتغلغل في الماء أسرع بسبب شفافية الماء، ويؤدي هذا أيضًا إلى توزيع أشعة الشمس في طبقة كبيرة من الماء بينما تتركز في طبقة رقيقة في حالة اليابس. ومن المعروف أن الجسم الذي يكتسب الحرارة بسرعة يفقدها أيضًا بسرعة لذلك ترتفع حرارة اليابس بسرعة أثناء إرسال الشمس لأشعتها وتنخفض بسرعة أثناء الليل والشتاء بعكس الماء الذي يكتسب حرارته ببطء ويفقدها ببطء. وتتميز المناطق القارية البعيدة عن البحار بالتباين الكبير بين حرارة الليل والنهار وبين حرارة الصيف والشتاء، بينما تتميز السطوح المائية وبالتالي المناطق الساحلية بعدم الارتفاع الكبير في الحرارة أثناء النهار والصيف وعدم انخفاضها انخفاضًا كبيرًا أثناء الليل والشتاء.

مصادر تسخين الهواء: أولا: الامتصاص المباشر لأشعة الشمس المخترقة للهواء في طريقها من الشمس إلى الأرض وذلك في صورة موجات قصيرة كما ذكرنا سابقًا: ثانيًا: عن طريق الإشعاع الأرضي Terrestrial Radiation إذ الواقع أن الغلاف الجوي يستمد حرارته من الأرض وليس من الشمس مباشرة، وتقوم الأرض باكتساب جزء كبير من الإشعاع الشمسي المرسل إليها ثم تعكسه لتسخن به الهواء. ويختلف الإشعاع الأرضي تبعًا لنوع الغطاء الذي يغطي سطح الأرض، فالجليد أكثر قدرة على عكس الأشعة من الصخور والغطاء النباتي، كذلك يتم الإشعاع الأرضي بسرعة أكبر إذا كانت السماء صافية خالية من السحب والغبار؛ لذلك كانت ليالي الشتاء الطويلة الخالية من السحب قارصة البرودة. كيف يتم تسخين طبقات الهواء: 1- بطريق التلامس Conduction إذ أنه إذا تلامس جسمان أحدهما أكثر حرارة من الآخر فإن الحرارة تنتقل من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة. ب- بطريق التصاعد Convection وذلك بتصاعد هواء ساخن من طبقات هوائية إلى أخرى وهو يختلف عن التلامس في أنه في حالة التصاعد يتحرك الهواء نفسه من مكان لآخر في حركة تصاعدية فيسخن الطبقات التي يصل إليها، بينما في حالة التلامس تنتقل الحرارة من جسم لآخر ولا يشترط حركة الجسم نفسه. جـ- عن طريق الحرارة الكامنة عند التكاثف Latent heat of condensation ونعلم أن بخار الماء لكي يتبخر يحتاج إلى حرارة، وعندما يتم تحول الماء إلى بخار تكمن تلك الحرارة في ذرات البخار، فإذا ما تم التكاثف فإنه يتم أيضًا الإفراج عن تلك الحرارة الكامنة التي تستخدم في تسخين طبقات الهواء التي تمت فيها عملية التكاثف "انظر التفاصيل في شكل 9".

"شكل 9" التغير اليومي والفصلي للحرارة Daily & annual marsh of temperature يعتمد التوزيع الحراري في الشهر أو الفصل أو السنة على متوسط الحرارة اليومي، وهذا المتوسط الحراري اليومي يرتبط بالتوازن بين كمية أشعة الشمس الواردة إلى الأرض وكمية الإشعاع الصادرة منها، فمنذ شروق الشمس حتى الساعة الثانية أو الثالثة بعد الظهر تكون كمية الأشعة القادمة للأرض أكثر من الكمية الصادرة "شكل10"

وبالتالي ترتفع درجة الحرارة نتيجة لذلك، ولكن بعد الساعة الثالثة بعد الظهر وحتى شروق الشمس في اليوم التالي تكون كمية الأشعة القادمة أقل من كمية الأشعة الصادرة، وتبدأ الأرض في فقدان حرارتها بسرعة وبذلك تنخفض الحرارة وتصل إلى حدها الأدنى قبل شروق الشمس بوقت قصير "شكل 10". أما التغير السنوي للحرارة Annual marsh of temperature فهو صورة مكبرة من التغير اليومي للحرارة، ففي الصيف ترتفع درجات الحرارة وفي الشتاء تنخفض درجات الحرارة؛ بسبب اختلاف طول الليل والنهار واختلاف الزاوية التي تصل بها أشعة الشمس إلى الأرض من فصل لآخر عما ذكرنا سابقًا "شكل 11". التوزيع العمودي للحرارة في الهواء: انخفاض الحرارة مع الارتفاع: ثبت من عدة أرصاد جوية أن درجات الحرارة تنخفض مع الارتفاع، وقد أجريت تلك الأرصاد في مناطق جبلية

وبواسطة البالونات وفي الطائرات تحت ظروف عادية، غير أن انخفاض درجة الحرارة مع الارتفاع ليس ثابتًا باستمرار ولكنه يختلف من وقت لآخر ومن مكان لآخر، ويبلغ انخفاض الحرارة مع الارتفاع في المتوسط حوالي 1 درجة م لكل 150 مترًا. "وتسمى هذه القيمة Lapse rate" ويدل انخفاض درجة الحرارة مع الارتفاع على أن سطح الأرض هو مصدر الحرارة التي تسخن الهواء، وأن أشعة الشمس ولو أنها تسخن طبقات الهواء العليا بطريق مباشر أثناء مرورها خلالها في طريقها إلى سطح الأرض إلا أن مقدرة الهواء في الطبقات العليا على امتصاص أشعة الشمس ضعيفة، وبالعكس نجد أن الطبقات السفلى من الهواء بسبب كثرة الغبار وزيادة نسبة بخار الماء فيها تستطيع أن تمتص كمية أكبر من أشعة الشمس. غير أن هناك حالة خاصة نجد فيها أن درجات الحرارة تزداد مع الارتفاع عن سطح الأرض. ارتفاع الحرارة مع الارتفاع عن سطح الأرض Temperature inversion: وهو تعبير للدلالة على عدم انخفاض درجات الحرارة بالارتفاع، وقد تحدث هذه الحالة بالقرب من سطح الأرض أو تحدث في طبقات الجو العليا، ومن أنواع الانقلاب الرأسي في توزيع الحرارة ما يحدث بالقرب من سطح الأرض أثناء الليل إذ المعروف أن الأرض جسم جيد الإشعاع يفقد الحرارة بسرعة، وعندما يحدث هذا أثناء الليل يصبح سطح الأرض باردًا ويقوم بدوره بتبريد طبقات الهواء الملاصقة لسطح الأرض، وتنتشر هذه الظاهرة على وجه الخصوص في فصل الشتاء ويساعد على حدوثها طول الليل وصفاء السماء وهدوء حركة الهواء، ويساعد ذلك على استمرار عملية فقدان الحرارة في جزء معين من الهواء، وقد لوحظ في برج إيفل في مدينة باريس أن هناك تزايدًا في درجة الحرارة مع الارتفاع على مدار السنة وذلك فيما بين منتصف الليل والساعة الرابعة صباحًا. كما أنه في المناطق التي يغطيها الجليد تحدث تلك الظاهرة بوضوح إذ المعروف أن الجليد

موصل رديء للحرارة ومن المعروف أيضًا أن سطح الجليد يعكس أشعة الشمس بدرجة كبيرة ويساعد هذا على انخفاض درجة حرارة السطوح الجليدية في شمال أوراسيا وأمريكا الشمالية، وهذا بالطبع عامل مساعد للعوامل الأخرى التي تعمل على خفض درجات الحرارة في تلك العروض. وفي المناطق ذات السطح المتباين حيث توجد مرتفعات وفيما بينها أودية أو أحواض منخفضة يلاحظ أنه عندما يبرد الهواء الذي يوجد فوق المرتفعات فإن كثافته تزداد فيضطر إلى الانزلاق إلى أسفل والتراكم في الأجزاء المنخفضة وتسمى هذه الظاهرة Air draiage، ولذلك نجد أنه في مثل هذه الجهات يحدث الصقيع في فصل الخريف أول ما يحدث في الأجزاء المنخفضة، كذلك آخر وقت لحدوث الصقيع في فصل الربيع يكون في الأجزاء المنخفضة أيضًا، ومن نتائج ذلك أن زراع الموالح "وهي من المحاصيل الحساسة ضد البرودة" في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة يختارون الأجزاء المرتفعة لزراعة أشجار الموالح ويتجنبون الأجزاء المنخفضة السهلية التي تزرع عادة خضروات أو حبوبًا، كما أن فنادق الاستشفاء في سويسرا توجد على سفوح المرتفعات وليس في بطون الأودية، ومزارع البن في البرازيل تسود على سفوح المرتفعات وتتجنب حوض الأمزون أو الأودية المنخفضة.

الصقيع: Frost يعرف الصقيع بأنه تلك الحالة التي يتكون فيها ذلك الجسم الأبيض المتكثف في حالة صلبة Hoafrost أو قد يطلق على درجات الحرارة إذا انخفضت تحت الصفر المئوي "32ف" حتى ولو لم يوجد الصقيع الأبيض، ويهتم الزراع بمعرفة مواعيد حدوث الصقيع ومدة بقائه ودرجة شدته، وقد جرت العادة أن تعتبر الفترة بين حدوث آخر صقيع في الربيع وأول صقيع في الخريف فترة النمو Growing season على أساس أن الصقيع قد لا يوجد، ورغم هذا لا يوجد نمو. وخطر الصقيع محدود أو معدوم في العروض المدارية، أما في العروض المعتدلة فإن خطر الصقيع ومواعيد حدوثه تعتبر من الأهمية بمكان. توزيع الحرارة في العالم: خطوط الحرارة المتساوية: وهي عبارة عن الخطوط التي تصل بين جهات ذات درجات حرارة واحدة، وتعمل هذه الخرائط لفترات زمنية مختلفة قد تكون ليوم واحد أو لشهر أو للمتوسط السنوي، وعادة تعدل درجات الحرارة في المحطات المختلفة لمستوى سطح البحر؛ وذلك لتلافي طغيان أثر عامل التضاريس على العوامل الأخرى في التأثير على درجة حرارة المكان. غير أنه في الدراسات التفصيلية للحرارة يمكن رسم خرائط الحرارة المتساوية على أساس درجات الحرارة الفعلية دون تعديلها لمستوى سطح البحر، وتساعد خرائط الحرارة المتساوية على إعطاء صورة واضحة وسريعة عن توزيع الحرارة في العالم، غير أن تلك الخرائط الحرارية العامة المعدلة لسطح البحر ليست مفيدة في الدراسات التطبيقية بدراسة علاقة الحرارة بالزراعة أو الصناعة أو غيرهما. الصفات العامة للتوزيع السنوي للحرارة في العالم: إذا نظرنا إلى خرائط خطوط الحرارة المتساوية نجد أن خطوط الحرارة تتجه عامة وبصورة إجمالية من الغرب إلى الشرق مع خطوط العرض، وهذا بالطبع مظهر متوقع حيث إن العامل الرئيسي الذي يؤثر في التوزيعات الحرارية هو خط العرض. وكل

المناطق التي تقع على خط عرض واحد تنال نفس القدر من أشعة الشمس إذا استثنينا بعض العوامل المحلية التي تغير من هذه الصورة العامة. وتوجد أعلى درجات حرارة في العروض الاستوائية والمدارية حيث يزداد الإشعاع الشمسي؛ بينما أقل درجات حرارة نجدها عند القطبين حيث لا يقل الإشعاع الشمسي إلى أقصى حد، ونلاحظ أنه في نطاق يمتد بين خط الاستواء وخط عرض 20 درجة أو 25 درجة شمالًا وجنوبًا تتباين درجات الحرارة في الاتجاه من الشمال إلى الجنوب تباينًا طفيفًا وأن هناك تجانسًا في درجات الحرارة في هذه العروض، وفيما وراء خطي عرض 25 درجة شمالًا وجنوبًا متجهين نحو القطبين تبدأ درجات الحرارة في الانخفاض السريع. وبمقارنة نصف الكرة الشمالي بنصف الكرة الجنوبي يتضح لنا أن خطوط الحرارة المتساوية السنوية أكثر استقامة، وأقل تعرجًا في نصف الكرة الجنوبي عنها في النصف الشمالي، ويرجع ذلك إلى أن مظاهر السطح في نصف الكرة الجنوبي أكثر تجانسًا منها في النصف الشمالي، كما أن نصف الكرة الجنوبي تقل به المساحات اليابسة وتزداد المساحات المائية، ومن المعروف أن الانتقال من الماء إلى اليابس أو العكس يؤدي إلى اختلافات في درجات الحرارة نلاحظها في مناطق السواحل، كما أن أثر التيارات البحرية يبدو واضحًا بجوار سواحل القارات، فهناك التيارات البحرية الباردة بمحاذاة سواحل بيرو وشمال شيلي في أمريكا الجنوبية، وكاليفورنيا في أمريكا الشمالية، وساحل جنوب غرب إفريقية وتؤدي هذه التيارات إلى انثناء خطوط الحرارة المتساوية نحو خط الاستواء، ومن ناحية أخرى نجد أن التيارات البحرية الدفيئة في العروض العليا تؤدي إلى انثناء خطوط الحرارة المتساوية نحو القطبين، وهذه الحالة نلاحظها على ساحل أوربا الغربي والشمالي الغربي بسبب تيار المحيط الأطلسي الشمالي الدافئ وعلى السواحل الشرقية للولايات المتحدة، وكندا بسبب مرور تيار الخليج الدافئ وعلى السواحل الشرقية لآسيا بسبب مرور تيار كيروسيفو الدافئ. الاختلافات الفصلية في خطوط الحرارة المتساوية: إذا قارنا خريطة خطوط الحرارة المتساوية في يناير ويونية نلاحظ ما يأتي:

1- أن خطوط الحرارة المتساوية تتحرك نحو الجنوب في يناير، ونحو الشمال في يولية وذلك تبعًا لحركة الشمس الظاهرية. 2- الانتقال الفصلي لخطوط الحرارة المتساوية نحو الجنوب والشمال أكثر وضوحًا فوق القارات عنه فوق المحيطات. 3- أعلى درجات حرارة في الصيف وأقل درجات حرارة الشتاء توجد فوق الكتل القارية الكبرى مثل أوراسيا وأمريكا الشمالية والأولى على وجه الخصوص. 4- في نصف الكرة الشمالي نجد أن خطوط الحرارة المتساوية في يناير تنحني فجأة نحو خط الاستواء فوق القارات الباردة، ونحو القطب فوق المحيطات الأكثر دفئًا، بينما في يولية نجد أن العكس صحيح "الشكل 13". 5- لا نجد في نصف الكرة الجنوبي ذلك التباين بين اليابس والماء بسبب سيادة المسطحات المائية كما ذكرنا من قبل. 6- أقل درجات حرارة في يناير في العالم توجد في شمال شرقي آسيا وهو ذلك الجزء الذي يسمى قطب البرودة وتليها جرينلند وشمال أمريكا الشمالية. 7- التغير في درجات الحرارة مع خطوط العرض أكثر وضوحًا في يناير منه في يوليو وخاصة في نصف الكرة الشمالي حيث نلاحظ تقارب خطوط الحرارة المتساوية من بعضها البعض في ذلك الفصل "شكل 14". المدى الحراري السنوي: يقصد بالمدى الحراري السنوي Mean annual range الفرق بين أعلى درجة حرارة وأقل درجة حرارة أثناء السنة ويلاحظ أن خطوط المدى الحراري السنوي -هي الأخرى- تأخذ اتجاهًا عامًا من الشرق إلى الغرب

مع خطوط العرض، ويتضاءل المدى الحراري السنوي عند خط الاستواء إذ يصل إلى أقل من خمس درجات مئوية، ثم يأخذ هذا المدى في الازدياد التدريجي كلما اتجهنا شمالًا أو جنوبًا نحو القطبين. غير أن الزيادة في نصف الكرة الشمالي أسرع منها في نصف الكرة الجنوبي؛ ذلك لأن النصف الجنوبي يغلب عليه توزيع الماء، والمعروف أن الفروقات الفصلية في الحرارة تقل فوق المسطحات المائية الواسعة عنها فوق اليابس "شكل 15". ويزداد المدى الحراري السنوي فوق الكتل اليابسة الكبيرة ذات المناخ القاري الحاد حيث ترتفع درجات الحرارة في الصيف وتنخفض في الشتاء، ومن أمثلة ذلك: الصحراء الكبرى في إفريقية ووسط قارة آسيا وأمريكا الشمالية، ونلاحظ أن زيادة المدى الحراري السنوي في الجهات الواقعة في العروض العليا ترجع أساسًا إلى شدة انخفاض حرارة الشتاء، بينما في العروض السفلى ترجع إلى شدة ارتفاع حرارة الصيف. ويصل المدى الحراري السنوي في شمال آسيا إلى حوالي 65 درجة م، وفي شمال أمريكا الشمالية إلى 45 درجة م، بينما يصل في العروض المدارية في إفريقيا واستراليا وأمريكا الجنوبية في داخل القارات إلى حوالي 17م تقريبًا. الإنسان والحرارة: هنا ما يسمى بالحرارة المحسوسة Sensible Temperature ويقصد بها درجة الحرارة التي يحس بها الإنسان بصرف النظر عن درجة الحرارة التي يقيسها الترمومتر، وبعكس ترمومتر الحرارة نجد أن جسم الإنسان عبارة عن جهاز له حرارته الداخلية التي يقوم بتوليدها وتظل تلك الحرارة ثابتة في كل الأوقات تحت الظروف العادية؛ لذلك فإن أي عامل يؤدي إلى فقدان حرارة الجسم يؤدي بدوره إلى الإخلال بذلك التوازن الحراري لجسم الإنسان، ونسلم بالطبع بأن الاختلاف في حرارة الهواء هو المصدر الأساسي لذلك الإحساس غير أن هناك عوامل أخرى مثل الرياح والرطوبة وأشعة الشمس كلها عوامل تؤثر في مدى شعور الإنسان بحرارة الجو، فيوم رطب حار أقسى على جسم الإنسان

من آخر حار جاف حتى لو تساوت درجات الحرارة؛ ذلك لأن فقدان العرق بالتبخر في اليوم الجاف يكون أسرع منه في اليوم الرطب، وفقدان العرق بالتبخر يستنفد جزءًا من حرارة الجسم، كذلك حركة الهواء بسرعة تجعل الإنسان يشعر بالبرودة؛ ذلك لأن الجسم يفقد حرارته بسرعة، فالهواء الملامس لجسم الإنسان إذا ارتفعت حرارته بملامسة الجسم تحرك وحل محله هواء بارد. لكل هذه العوامل يعتبر البعض جسم الإنسان ترمومتر غير دقيق لا يصلح لقياس حرارة الهواء1.

_ G. T.Trewartha،An introduction to Climate New York, 1954 p.40.

الفصل الثاني: الضغط الجوي والرياح

الفصل الثاني: الضغط الجوي والرياح الضغط الجوي ليس له أثر مباشر على نواحي البيئة الطبيعية أو البشرية كما هو الحال في حالة الحرارة والمطر، غير أن له أهمية كبيرة في أثره على حركة الرياح وبالتالي على الأمطار. قياس الضغط الجوي: من المعروف أن الضغط الجوي عبارة عن القوة الناتجة عن ضغط الهواء أو ثقله، وهذا الثقل يتغير من وقت لآخر غير أن الإنسان لا يشعر كثيرًا بهذا التغير في الضغط كما يشعر بتغيرات الحرارة مثلًا. وتستخدم عدة أجهزة في قياس الضغط الجوي وأهمها: البارومتر الزئبقي: الفكرة الأساسية في عمل هذا البارومتر هو عبارة عن: أنبوبة زجاجية طولها حوالي ثلاثة أقدام تملأ بالزئبق ثم تقلب وتوضع فتحتها في إناء مملوء بالزئبق، وبذلك يتدفق الزئبق من الأنبوبة في الإناء ويصبح ارتفاع الزئبق في الأنبوبة معبرًا عن قوة الأنبوبة وإذا قل الضغط انخفض الزئبق "شكل 16" وهذا الجهاز البسيط اخترعه تورشلي Torricelli في عام 1642، ومعظم الأجهزة التي تستخدم حاليًا لقياس الضغط الجوي ليست إلا تحسينات شكلية على هذا الجهاز "شكل 17". بارومتر أنرويد Aneroid: وهو من الأجهزة الشائعة لقياس الضغط ويتكون من صندوق معدني قابل للتمدد والانكماش، وهذا الصندوق مفرغ من الهواء ويتأثر هذا الصندوق بتغيرات الضغط الجوي، وتتصل التحركات الناتجة عن ذلك بمؤشر يدور على دائرة مقسمة حسب المقياس المستخدم "شكل 18"، غير أن

بارومتر أنرويد ليس دقيقًا مثل البارومتر الزئبقي، ولكنه سهل الاستعمال، ويمكن نقله من مكان لآخر بسهولة. الباروجراف: وهو عبارة عن بارومتر أنرويد في تصميمه؛ غير أنه يسجل الضغط الجوي أثناء دورانه، وهو شبيه في هذا بالترموجراف "شكل19". 1- الرقائق المعدنية التي تتأثر بالضغط الجوي. 2- الرافعة المتصلة بالرقائق. 3- الذراع. 4- الأسطوانة الدوارة التي يرسم عليها منحنى الضغط. وحدات الضغط الجوي: من المعروف أن عمودًا من الهواء في مساحة قدرها بوصة مربعة ويمتد من سطح الأرض إلى قمة الغلاف الغازي يبلغ وزنه 14.7رطل، وهذا الوزن يساوي وزن عمود من الزئبق طوله 29.9 بوصة أو 760ملليمترًا، ويقاس الضغط الجوي أحيانًا بوحدات يشار لها بالملليبار0.1 بوصة من الزئبق تساوي 3.4 ملليبار تقريبًا".

ويعتبر متوسط الضغط الجوي عند سطح البحر 29.92 بوصة أو 760 ملليمتر أو 1013.2 ملليبار. الاختلافات في الضغط الجوي ومصدرها: يختلف الضغط الجوي من مكان لآخر ومن وقت لآخر، فنجد على سبيل المثال في خرائط الضغط الخاصة بالعالم مناطق واضحة للضغط المرتفع وأخرى للضغط المنخفض، كذلك إذا نظرنا إلى الخريطة الجوية اليومية للجمهورية العربية المتحدة أثناء فصل الشتاء نجد أنه في بعض الأحيان توجد انخفاضات جوية تمر إلى الشمال من ساحل مصر الشمالي من الغرب إلى الشرق، ويؤدي مرورها إلى حدوث تقلبات هامة في الأحوال الجوية في المنطقة. وهناك نوعان من نظم الضغط الجوي، أولهما: مناطق ضغط مرتفع تسمى بأضداد الأعاصير أو الارتفاعات، وثانيهما: مناطق ضغط منخفض تسمى بالأعاصير أو الانخفاضات. ومناطق الضغط المرتفع والمنخفض بعضها نتيجة لظروف حرارية Thermal وبعضها لظروف ديناميكية Dynamic وبعضها نتيجة للاثنين معًا. وما دمنا نعرف أن كثافة الهواء ووزنه يتأثران بالحرارة السائدة فإنه من المتوقع أن أي اختلافات في الحرارة سوف تؤدي إلى اختلافات في الضغط الجوي، فالهواء إذا زادت حرارته فإنه يتمدد وإذا برد فإنه ينكمش؛ لذلك فعمود من الهواء الساخن الخفيف يزن أقل من عمود آخر من الهواء البارد الثقيل. ووجود الهواء الساخن الخفيف منخفض الضغط والهواء البارد الثقيل مرتفع الضغط يؤدي بدوره إلى حركة أفقية في الهواء من الضغط المرتفع إلى الضغط المنخفض. غير أنه ليس من المحتم أن تكون مناطق الدفء ذات ضغط منخفض دائمًا، ومناطق البرودة ذات ضغط مرتفع مستمر. ومن أمثلة مناطق الضغط التي تنتج عن أثر حراري منطقة الضغط المنخفض التي توجد فوق وسط آسيا في فصل الصيف ومنطقة الضغط المرتفع التي توجد فوقها في الشتاء، ومن أمثلة مناطق الضغط الناتجة عن أثر ديناميكي مناطق الضغط المرتفع التي توجد حول خطي عرض 30 شمالًا وجنوبًا حيث تفترق الرياح فيتجه بعضها نحو خط الاستواء وهي التجاريات، والأخرى نحو الدائرتين القطبيتين وهي الرياح الغربية العكسية أو الغربيات، ويؤدي هذا الافتراق للرياح Divergence إلى وجود تيارات هوائية هابطة تعمل على زيادة ثقل الهواء ومن

ثم ارتفاع الضغط؛ ولا يفوتنا أن هذا العامل الديناميكي يفوق العامل الحراري في التأثير على الضغط الجوي إذ إن هذه العروض تتميز بالحرارة المرتفعة نسبيًا. التوزيع العمودي للضغط الجوي: حيث إن الهواء له وزن فإنه من الواضح أن يقل وزن الهواء أو ضغطه بالارتفاع، فالطبقات السفلى من الهواء هي أكثرها ضغطًا، وينخفض الضغط الجوي بمعدل بوصة واحدة أو 34 ملليبار لكل 10 قدم. ويتأثر الجسم البشري بالضغط المنخفض إذا انخفض انخفاضًا شديدًا فيصاب الإنسان بأعراض منها الإغماء وإدماء الأنف وغير ذلك. وفيما يلي جدول يوضح متوسط انخفاض الضغط بالارتفاع: الارتفاع بالقدم الضغط الجوي بالبوصة 18.000 41,94 17.000 15,56 16.000 16,21 15.000 16,88 14.000 17,57 13.000 18,29 12.000 19,03 11.000 19,79 10.000 20,58 9.000 21,38 8.000 22,22 7.000 23،09 6.000 23,98

الارتفاع بالقدم الضغط الجوي بالبوصة 5.000 24.89 4.000 25.84 3.000 26.81 2.000 27.82 1.000 28.86 سطح البحر 29.92 التوزيع الأفقي للضغط الجوي: يمثل توزيع الضغط الجوي في الخرائط بواسطة خطوط الضغط المتساوي lsobars وهي خطوط تصل بين الأجزاء المتساوية الضغط على ارتفاع واحد؛ حيث إن قيمة الضغط الجوي تعدل لمستوى سطح البحر كما هو الحال في خطوط الحرارة المتساوية وتوجد خرائط للضغط الجوي لتعطي صورة لتوزيع الضغط على ارتفاع 10.000قدم أو 18.000 قدم فوق سطح البحر، ولهذه الخرائط أهمية كبيرة في الدراسات المتعلقة بالرياح والسحب والأمطار. وحيث تتقارب خطوط الضغط المتساوي من بعضها فإن هذا يعتبر دليلًا على أن الضغط الجوي عميق وأن الرياح الناتجة قوية شديدة السرعة والعكس صحيح. ومن دراسة خرائط توزيع الضغط الجوي يتضح لنا ما يأتي: 1- أن هناك نطاقات للضغط الجوي تمتد من الغرب إلى الشرق مع خطوط العرض ولكن هذه النطاقات تكون أحيانًا متصلة فوق اليابس والماء وأحيانًا تنفصل، ومن الملاحظ أن توزيع مناطق الضغط أكثر تجانسًا في نصف الكرة الجنوبي عنه في نصف الكرة الشمالي.

2- تنتقل مناطق الضغط المرتفع والمنخفض نحو الشمال ونحو الجنوب تبعًا لحركة الشمس الظاهرية كما لاحظنا سابقًا بالنسبة لخطوط الحرارة المتساوية. 3- مناطق الضغط المرتفع في العروض الوسطى تكون قوية في الأجزاء الشرقية من المحيطات وضعيفة في الأجزاء الغربية منها، ويرجع ذلك إلى أنه في الأجزاء الشرقية من المحيطات تكون الرياح متجهة من مناطق أبرد إلى مناطق أكثر دفئًا ويكون هواؤها ثقيلًا فيهبط في الأجزاء الشرقية وبذلك يرتفع الضغط، أما على الجانب الغربي لمناطق الضغط المرتفع؛ فإن الهواء يكون قادمًا من العروض الاستوائية وحرارته مرتفعة فيميل إلى الصعود إلى أعلى، وبذلك يساعد على انخفاض الضغط في هذا الجزء، يضاف إلى ذلك أن الأجزاء الشرقية من المحيطات في هذه العروض تتميز بمرور تيارات بحرية باردة تعمل على خفض حرارة الهواء وزيادة وزنه وبالتالي ارتفاع ضغطه، ومن أمثلة ذلك تيار كناريا البارد في الجزء الشرقي من المحيط الأطلسي الشمالي، أما السواحل الغربية للمحيطات في هذه العروض فتمر بها تيارات بحرية دفيئة تعمل على زيادة حرارة الهواء الموجود في المنطقة، وتمدده وبالتالي انخفاض ضغطه، ومثال ذلك تيار الخليج الدافئ على السواحل الشرقية للولايات المتحدة. 4- مناطق الضغط المرتفع فوق القارات تتحول إلى مناطق للضغط المنخفض أثناء فصل الصيف بسبب ارتفاع الحرارة فوق اليابس في ذلك الفصل. 5- الضغط المنخفض حول الدائرة القطبية الجنوبية يكون نطاقًا متصلًا "شكل 20" بينما نصف الكرة الشمالي نجد هذا النطاق متقطعًا في عدة مراكز تقوي أو تضعف تبعًا للفصول، ففي يناير نجد مركزين واضحين للضغط المنخفض: أحدهما فوق المحيط الهادي الشمالي "الانخفاض الألوشي" والآخر فوق المحيط الأطلسي الشمالي "الانخفاض الأيسلندي" ولكن هذين الانخفاضين يضعفان في يوليه إلى درجة كبيرة.

6- في يناير تتكون منطقة قوية للضغط المرتفع فوق وسط آسيا وأخرى أقل قوة فوق وسط أمريكا الشمالية "شكل 21". ونلاحظ أنه مع زيادة الارتفاع عن سطح البحر تبدأ مناطق الضغط التي توجد بالقرب من السطح في الضعف والتغير بحيث نجد على ارتفاع حوالي 10.00 "شكل 20" قدم أن الضغط يصبح مرتفعا عند خط الاستواء ويأخذ الضغط في الانخفاض نحو القطبين وهذا ما يؤدي إلى وجود تيارات هوائية عليا تتجه بصفة عامة من منطقة خط الاستواء نحو القطبين.

الرياح: قياس اتجاه الرياح: يستخدم في قياس اتجاه الرياح جهاز يسمى دوارة الرياح Wind Vane "شكل 23" وتسمى الرياح باسم الجهة التي تهب منها: أي الاتجاه الذي يشير إليه سهم دوارة الرياح: أي أن اتجاه الرياح يكون شرقيًا إذا هبت الرياح من الشرق. ويبلغ طول دوارة الرياح عادة 30 بوصة وتركب على قوائم ويكون لها ذيل من جزأين، كل جزء عرضه 8 بوصات وطوله 12بوصة، والزاوية المحصورة بينهما 22 درجة وهناك جهاز يسمى إيروفين Veroane يعطي تسجيلًا مستمرًا لاتجاه الرياح. قياس سرعة الرياح: ويستخدم في قياس سرعة الرياح جهاز يسمى "شكل 23" دوارة الرياح

أنيموميتر Anemometer وأشهرها أنيوميتر روبنسون وهو عبارة عن عمود مثبت فيه عدد من أنصاف الدوائر المعدنية، ويتصل العمود بعداد، وعندما تدور الأجزاء المعدنية بفعل الرياح يسجل العداد قراءات يمكن ملاحظتها في فترة محددة من الزمن ثم تحسب سرعة الرياح على أساسها "شكل 24". وهناك جهاز حديث يعطي سرعة الرياح ويسمى أنيموسكوب Anemoclpe والعوامل التي تؤثر في حركة الرياح هي: الضغط الجوي واختلافاته: السبب الأساسي في هبوب الرياح هو الاختلاف في الضغط الجوي من مكان لآخر وبذلك يكون هبوب الرياح عبارة عن محاولة من الطبيعة لإيجاد حالة من التوازن ويدل اتجاه خط الضغط المتساوي على اتجاه الرياح إذ تهب الرياح عادة شبه موازية لخطوط الضغط إلا في حالات خاصة. "شكل 24" الأنيموميتر

انحراف الرياح بسبب دوران الأرض حول نفسها: لو أن الأرض كانت ثابتة لوجدنا أن الرياح تهب مباشرة وفي خط مستقيم من الضغط المرتفع إلى الضغط المنخفض، غير أنه بسبب دوران الأرض فإن الرياح في هبوبها يصيبها انحراف عن الاتجاه المباشر فتنحرف على يمين اتجاهها في نصف الكرة الشمالي وعلى يسار اتجاهها في نصف الكرة الجنوبي، ويسمى هذا بقانون فرل Ferrl Law "شكل 25". اتجاهات الرياح حسب قانون فرل "شكل25"

الارتفاع عن سطح الأرض وأثره على سرعة الرياح: تزداد سرعة الرياح عادة بالارتفاع عن سطح الأرض، وتكون الزيادة كبيرة في المائة قدم الأولى، إذ تبلغ سرعة الرياح عند ارتفاع 33 قدمًا ضعف سرعتها على ارتفاع 1.5 قدم، والسبب في انخفاض سرعة الرياح في الجزء الأسفل من الغلاف الغازي هو وجود عوائق السطح، وتعمل عوائق السطح أيضًا على تغيير اتجاه الرياح وانقسام التيار الهوائي الواحد إلى عدة أقسام حسب شكل التضاريس أو وجود مباني أو أشجار أو غير ذلك الرياح السطحية الدائمة: يقصد بالرياح السطحية تلك التي تهب في الجزء السفلي من الغلاف الغازي على ارتفاع يتراوح بين 1.000 و 2.000 قدم من سطح الأرض، ومن الصورة العامة لتوزيع مناطق الضغط على سطح الكرة الأرضية يمكن لنا رسم صورة عامة للرياح السائدة، فمن منطقتي الضغط المرتفع عند خطي عرض 30 درجة شمالًا وجنوبًا تهب رياح متجهة نحو منطقة الضغط المنخفض الاستوائي وتسمى هذه الرياح التجارية وهي بسبب دوران الأرض حول نفسها تصبح شمالية شرقية إلى شمال خط الاستواء وجنوبية شرقية في النصف الجنوبي. كذلك تهب رياح من مناطق الضغط المرتفع عند 30 شمالًا وجنوبًا إلى مناطق الضغط المنخفض حول الدائرتين القطبيتين في الشمال والجنوب وهذه هي الرياح الجنوبية الغربية في نصف الكرة الشمالي الغربية في نصف الكرة الجنوبي، وهذه هي الرياح العكسية. أما فيما وراء خطي عرض 60 أو 65 شمالًا وجنوبًا فإن الأرصاد الجوية قليلة ولا يمكن الاعتماد عليها في رسم صورة واضحة للرياح في تلك الجهات، وإن كانت بعض الدراسات المتناثرة تدل على أن هناك رياحًا قطبية

شرقية تهب شمالية شرقية في نصف الكرة الشمالي وجنوبية شرقية في نصف الكرة الجنوبي. وفي النطاق الذي تتقابل فيه الرياح التجارية من الشمال ومن الجنوب وذلك في العروض الاستوائية يوجد نطاق تسود فيه رياح متغيرة وضعيفة ويسمى هذا النطاق بأسماء مختلفة مثل الجبهة المدارية lnter-trcpical covergence أو منطقة الركود الاستوائي Doldrnms كذلك يوجد بين منطقة التفرقة بين الرياح التجارية والرياح الغربية العكسية في نصفي الكرة نطاق آخر تسود فيه رياح ضعيفة متغيرة وذلك حول خطي عرض 30 شمالًا وجنوبًا ويسمى هذا النطاق عروض الخيل Horse Latitudes "شكل 75". غير أن هذه الصورة العامة لتوزيع الرياح تعدل منها بعض الظروف المحلية مثل تداخل اليابس والماء أو وجود المرتفعات ويحدث ذلك على وجه الخصوص في نصف الكرة الشمالي. وفيما يلي بعض صفات الرياح السطحية الدائمة كل على حدة: الرياح التجارية: Trades تهب الرياح التجارية -كما ذكرنا- من نطاق الضغط المرتفع في عروض الخيل نحو نطاق الضغط المنخفض الاستوائي. ويتمثل الضغط المرتفع فيما وراء مدار السرطان في منطقة الضغط المرتفع الأزوري في المحيط الأطلسي الشمالي ومنطقة الضغط المرتفع في المحيط الهادي الشمالي ومنطقتي الضغط المرتفع فوق كتلتي أوراسيا وأمريكا الشمالية في يناير، أما في نصف الكرة الجنوبي فتتمثل في مناطق ضغط مرتفع فوق المحيطات الثلاثة الجنوبية ومناطق الضغط المرتفع فوق قارات استراليا والنصف الجنوبي من إفريقيا وأمريكا الجنوبية وهي توجد في فصل الشتاء الجنوبي فقط، ومن المعروف أن

الرياح التجارية تهب شمالية شرقية في نصف الكرة الشمالي، وجنوبية شرقية في نصف الكرة الجنوبي متجه نحو منطقة الضغط الاستوائي، غير أن منطقة الضغط المنخفض عند خط الاستواء تنتقل إلى الشمال قليلًا في فصل الصيف الشمالي مع حركة الشمس الظاهرية فتضطر الرياح التجارية إلى عبور خط الاستواء الفلكي لكي تصل إلى منطقة الضغط المنخفض وبذلك يصبح اتجاهها جنوبية غربية، وتحدث حالة مماثلة في الصيف الجنوبي عندما تنتقل منطقة الضغط المنخفض الاستوائي إلى جنوب خط الاستواء فتعبر الرياح التجارية الشمالية الشرقية خط الاستواء ويصبح اتجاهها شمالية غربية. والرياح التجارية تتصف بعدم التغير من وقت لآخر، وقد أدى هذا إلى تسميتها بالتجاريات فهي ثابتة في سرعتها، كذلك تقل الاضطرابات الجوية في مناطق نفوذ الرياح التجارية إذا قورنت بالرياح الغربية العكسية، وتبلغ سرعة الرياح التجارية عادة ما بين 16، 24 كيلو متر في الساعة، غير أنها أكثر هدوءًا في الأجزاء الشرقية من المحيطات، أما في الأجزاء الغربية فهي أقل استقرارًا. كذلك نجد أن الرياح التجارية أسرع في نصف الكرة الجنوبي "حوالي23 كيلو متر في المتوسط" منها في نصف الكرة الشمالي "حوالي 18 كيلو متر في المتوسط" والسبب في هذا أن المسطحات المائية التي تغلب على نصف الكرة الجنوبي لا تمثل عائقًا يحد من سرعة الرياح، بينما في نصف الكرة الشمالي حيث يغلب اليابس والتضاريس المرتفعة فتقل سرعة الرياح نتيجة لهذه العوائق. الرياح الغربية: تخرج هذه الرياح من مناطق الضغط المرتفع حول خطي عرض 30 شمالًا وجنوبًا متجهة نحو القطبين، فهي بذلك تختلف عن الرياح التجارية في أنها تتحرك من جهات معتدلة إلى جهات باردة نسبيًا، ولذلك فهي تحمل إليها الدفء على عكس الرياح التجارية التي تعمل على تلطيف حرارة الجهات المدارية التي تسود فيها.

والرياح الغربية العكسية رياح متغيرة من وقت لآخر، إذ تتغير في سرعتها واتجاهها تغيرًا كبيرًا، خاصة وأن نطاق الرياح الغربية تسود به الأعاصير التي تنتقل من الغرب إلى الشرق. وأثناء هبوب تلك الأعاصير تسود اضطرابات في اتجاه الرياح وسرعنها وقد تحدث عواصف كما قد تهب رياح من جميع الجهات، والرياح الغربية -كما هو الحال في جميع المظاهر المناخية الأخرى- أكثر انتظامًا في نصف الكرة الجنوبي عنها في نصف الكرة الشمالي، كما أن الرياح الغربية تتصف بزيادة قوتها في فصل الشتاء عنها في فصل الصيف وخاصة في نصف الكرة الشمالي، فعندما تصبح القارات مناطق ضغط منخفض في الصيف يقلل هذا من حدة الاختلاف في الضغط بين مناطق الضغط فوق القارات، وفوق المحيطات، وبالتالي يؤدي ذلك إلى ضعف الرياح. الرياح القطبية: تهب هذه الرياح من منطقتي الضغط المرتفع القطبي نحو مناطق الضغط المنخفضة عند الدائرتين القطبيتين الشمالية والجنوبية، والرياح القطبية تكون شمالية في نصف الكرة الشمالي وجنوبية شرقية في نصف الكرة الجنوبي، وهي رياح ضعيفة عادة، ولذلك عندما تلتقي الرياح الغربية العكسية قد تطغى عليها الأخيرة وتسود في مناطق نفوذها، ويؤدي التقاء الرياح القطبية بالرياح العكسية إلى تكوُّن جبهة هوائية تتولد على طولها الانخفاضات الجوية أو الأعاصير التي تتحرك من الغرب إلى الشرق والتي سنتكلم عنها بالتفصيل فيما بعد. الرياح الموسمية: الرياح الموسمية Monsoons أثر مباشر للاختلافات الحرارية بين اليابس والماء بحيث يؤدي ذلك إلى تغير في الضغط الجوي من فصل لآخر، ومن ثم إلى نشأة نظام فصلي للرياح في تلك الجهات، والسبب في هذا الوضع هو الاختلاف في درجة التسخين والبرودة بين اليابس والماء، ففي فصل الشتاء تبرد الكتل اليابسة بدرجة

أكثر من البحار المجاورة، ويؤدي إلى زيادة كثافة الهواء فوق اليابس وبالتالي إلى ارتفاع الضغط فوق اليابس عنه فوق الماء، وينتج عن ذلك هبوب الرياح الموسمية الشتوية، ولأن الرياح الموسمية الشتوية تنشأ فوق اليابس البارد فإنها عادة جافة وباردة. أما في فصل الصيف فينعكس الوضع إذ تصبح الحرارة مرتفعة في المناطق القارية مما يؤدي إلى تركز مناطق للضغط المنخفض فوق اليابس، بينما يكون الضغط فوق الماء أكثر ارتفاعًا ويترتب على ذلك هبوب رياح من البحر إلى اليابس، وهذه هي الرياح الموسمية الصيفية، وبما أن هذه الرياح تنشأ فوق الماء فإنها تكون رطبة ودفيئة وتحمل معها الأمطار "شكل 26". وتعتبر الرياح الموسمية ذات أثر كبير من حيث الحرارة وسقوط المطر في المناطق التي تسود فيها، وينتج عن هذا اختلافات موسمية واضحة في الأحوال المناخية، في تلك المناطق، فالصيف يتميز بالدفء والمطر بينما الشتاء يتميز بالبرودة والجفاف، ويجب أن نلاحظ أن النظام الموسمي ما هو إلا تعديل للنظام العادي للرياح في تلك المناطق. فعلى سبيل المثال في شرق آسيا تهب رياح شمالية في فصل الشتاء على الأجزاء الجنوبية والشرقية من القارة وهذه هي الموسمية الشتوية أو بمعنى آخر هي الرياح التجارية الشمالية الشرقية معدلة تعديلًا بسيطًا. مناطق نفوذ الرياح الموسمية: تعتبر قارة آسيا أهم مناطق نفوذ الرياح الموسمية، ويدخل تحت تأثير الرياح الموسمية كل الأجزاء الشرقية والجنوبية الشرقية من القارة ممتدة من منشوريا وكوريا واليابان نحو الجنوب الشرقي إلى الهند وباكستان، وفي الواقع يوجد في قارة آسيا نوعان للرياح الموسمية هما: 1- الرياح الموسمية الشرقية التي تؤثر في الصين واليابان وكوريا وهي تتصف بأنها أقوى في الشتاء عن فصل الصيف، وفي كلا الفصلين ينقطع هبوب الرياح الموسمية أحيانًا بسبب مرور الانخفاضات الجوية في هذه العروض، وينتج عن الرياح الموسمية الشتوية انخفاض شديد في درجات الحرارة على طول سواحل شرقي آسيا، وهي في الواقع من أكثر جهات العالم انخفاضًا في الحرارة

في ذلك الفصل خاصة وأن هذه المناطق ليست مرتفعة ارتفاعًا كبيرًا عن سطح البحر، كذلك تتميز هذه الرياح الموسمية بجفافها كما هو الحال في شمال الصين وفي منشوريا، غير أنه عندما تحدث جبهات بين تيارين هوائيين مخلتفين كما هو الحال فوق اليابان وجنوب الصين فإن الأمطار تسقط بكميات متوسطة، وإن كانت كميتها أقل من المطر الصيفي الذي ينتج عن الرياح الموسمية الصيفية. 2- الرياح الموسمية في جنوب آسيا: وهي من أصل مداري وترتبط بانخفاض شديد في الضغط الجوي فوق شمال الهند وتكون أشد عنفًا في فصل الصيف عنها في فصل الشتاء، وفي الواقع ليست الرياح الموسمية الشتوية سوى الرياح التجارية العادية كما ذكرنا من قبل، وتسقط الرياح الموسمية الصيفية كميات هائلة من الأمطار، أما في فصل الشتاء فإن الرياح الموسمية الشتوية تتصف بالجفاف إلا في حالة مرور الرياح على مسطحات مائية ثم مقابلتها لمرتفعات كما يحدث على ساحل كرومندل في شرق الهند وفي جزيرة سيلان. وفيما عدا آسيا فإن النظام الموسمي ليس في نفس القوة ويوجد نظام شبه موسمي في جنوب وجنوب شرق الولايات المتحدة وفي شمال استراليا وفي الحبشة وسواحل اليمن وعسير وغير ذلك. الرياح المحلية: أولًا: الرياح المحلية الحارة: 1- الخماسين: الخماسين رياح رملية هواؤها شديد الحرارة تهب من الجهات الصحراوية الجنوبية على شمال مصر، ويرجع سبب هبوبها إلى مرور انخفاضات جوية آتية من الغرب بعضها يتجه في سيره على طول ساحل البحر المتوسط وهذا النوع كثير الحدوث في شهر فبراير وبعضها الآخر يأتي على طول الصحراء الليبية وهو النوع الغالب في شهري إبريل ومايو.

"شكل 26"

وتهب الخماسين على مصر في فترات متقطعة أثناء فصل الربيع، وإن كانت موجاتها لا تستمر أكثر من يومين أو ثلاثة في كل مرة. ويذكر المستر ستون Sutton في إحدى مقالاته عن الخماسين1 أن عدد الموجات التي سجلت في مدة 16 سنة كانت 185 موزعة كالآتي: فبراير مارس أبريل مايو يونية 41 44 48 34 18 ويقصر البعض اسم الخماسين على الموجات الحارة التي تحدث ابتداءً من شهر إبريل، ولذلك يصح أن نميز بين الموجات المبكرة "فبراير ومارس" وبين الموجات المتأخرة "إبريل ومايو ويونية"، فالأولى عبارة عن رياح خماسينية قصيرة المدى تدوم نحو يوم أو يومين، بينما الموجات التي تحدث في شهري إبريل ومايو تسبب ارتفاعًا شديدًا في الحرارة لمدة قد تصل إلى ثلاثة أيام. أضف إلى ذلك أن الموجات المتأخرة نحس بها أكثر، وتأثيرها أوضح من سابقتها؛ وذلك لأن الشمس في شهر أبريل تكون قد تحركت حركتها الظاهرية من خط الاستواء واتجهت شمالًا صوب مدار السرطان فتكون الصحراء الكبرى قد ارتفعت حرارتها تبعًا لذلك، فإذا مر انخفاض جوي على سواحل مصر هبت من الصحراء رياح ساخنة حارة وفي الواقع أن هبوب الرياح من الجنوب نحو شمال مصر لا يقتصر على فصل الربيع، وإنما هو يحدث حتى في أوائل فصل الشتاء أي قد يحدث في شهر ديسمبر نتيجة لمرور انخفاض جوي مبكر، غير أنه في ذلك الوقت من السنة لا يوجد فرق كبير بين حرارة الجنوب والشمال فوصول هواء من الصحراء إلى مصر السفلى لا تكون له آثار جوية تذكر. ويبدأ الانخفاض الجوي عادة في التكون في الغرب ثم يتحرك شرقًا نحو الدلتا فإذا كان الانخفاض شديد العمق اشتد هبوب الرياح، ولرياح الخماسين آثار سيئة على النباتات خاصةً في محافظتى الجيزة والقليوبية حيث تقع أكبر مساحة

_ 1 Sutton, L.J. & Barometric Dapression of the kham asin Tybe, physical Deparment paper, Government press Gairo 1932

من أراضي الخضر، والفاكهة في مصر، وتتعرض مثل هذه المزروعات الحساسة للتلف الذي ينجم عن انخفاض الرطوبة النسبية انخفاضًا واضحًا دون المعدل. 2- السيروكو والسولانو: السيروكو رياح شديدة العنف تهب من شمال إفريقيا إلى صقلية وجنوب إيطاليا واليونان، ويساعد على شدتها التغير السريع في الضغط الجوي من الجنوب إلى الشمال، وتعمل السيروكو على رفع درجة الحرارة في كثير من المناطق التي تهب عليها وخاصة في فصل الربيع، كما أن السيروكو تتميز بالرطوبة العالية ذلك لأنها تحمل بخار الماء نتيجة لمرورها فوق البحر المتوسط؛ لذلك فهي تؤدي إلى مضايقة الإنسان بسبب اجتماع الحرارة والرطوبة، كذلك للسيروكو آثار سيئة على النباتات، فكثير من أشجار الفاكهة التي يشتهر بها إقليم البحر المتوسط يتلف بسببها أما السولانو فهي رياح ساخنة شأنها في ذلك شأن رياح السيروكو وتهب هذه الرياح على جنوب أسبانيا وبخاصة منطقة جبل طارق "شكل27". 3- رياح الهرمطان: وهي نوع آخر من الرياح المحلية الساخنة التي تحمل الرمال، وتهب من الصحراء الكبرى في فصلي الشتاء والربيع نحو ساحل غانا

وإفريقيا الغربية، وسبب هبوبها التباين بين الضغط المرتفع فوق الصحراء الكبرى في الشتاء وبين الضغط المنخفض الاستوائي، وتؤثر رياح الهرمطان على زراعة القطن في شمال نيجيريا؛ لذلك يقوم السكان بزراعة أشجار نخيل الزيت لصد هذه الرياح، وتثير رياح الهرمطان أثناء هبوبها سحبًا من الرمال والأتربة فوق اليابس الإفريقي والسواحل الغربية للقارة المطلة على المحيط الأطلسي. ومن أمثلة رياح الهرمطان رياح الهبوب التي تهب على أواسط وشمال السودان في فصل الصيف وهي ناتجة عن ارتفاع درجة حرارة اليابس ارتفاعًا كبيرًا خلال هذا الفصل، مما يؤدي إلى تكون مناطق ضغط منخفض محلية ينخفض فيها الضغط انخفاضًا شديدًا، بحيث يؤدي هذا إلى حدوث تيارات هوائية صاعدة محملة بالأتربة، وفي نفس الوقت تعمل الرياح الجنوبية على تجمع الأتربة في تلك المناطق المتفرقة ودفعها على هيئة سحب هائلة من التراب. ومن أمثلة الرياح المحلية الحارة أيضًا رياح تعرف باسم لفش Leveshe تهب على الأجزاء الجنوبية من أسبانيا قادمة من الجنوب الشرقي، وكذلك رياح البريكفيلدرز Brickfielders التي تهب على جنوب استراليا في الربيع والصيف ورياح زوندا Zonda التي تهب على إقليم بتاجونيا في جنوب الأرجنتين ورياح الجبلي في طرابلس الغرب وغير ذلك. ثانيا: الرياح المحلية الدفيئة: 1- رياح الفهن Fohn، وهي رياح دافئة جافة تهب على المنحدرات الشمالية لجبال الألب في أوربا خاصة في سويسرا وألمانيا، وهي تهب عندما يوجد ارتفاع جوي في منطقة سهل لمباردي ثم يمر انخفاض جوي فوق وسط أوربا من الغرب إلى الشرق، فيؤدي هذا إلى اندفاع الهواء من الضغط المرتفع نحو الضغط المنخفض، ويضطر هذا الهواء إلى عبور مرتفعات الألب ويصعد على المنحدرات الجنوبية، فتنخفض حرارته ويحدث تكاثف وسقوط أمطار على هذه السفوح، ثم يبدأ الهواء في الهبوط على المنحدرات الشمالية ويؤدي هبوطه إلى تسخينه وارتفاع حرارته Adiabetic heating هذا بالإضافة إلى الحرارة

الكامنة التي تضاف إلى الهواء نتيجة لعملية التكاثف؛ لذلك يصبح هذا الهواء دفيئًا وجافًا، وقد ترتفع درجة الحرارة في الجهات التي تتأثر برياح الفهن 12درجة م غير أن هذا الارتفاع في الحرارة لا تكون له آثار سيئة مثل رياح الخماسين أو السيروكو، إذ إن السكان في وسط أوربا يرحبون عادة بوصول الفهن التي تعمل على إذابة الثلوج، ويستفاد منها في نضج بعض المحاصيل في جنوب ألمانيا والنمسا كالتفاح والكمثري غير أنه بسبب جفافها قد تؤدي إلى حدوث حرائق في الغابات لأنها لا تعمل على جفاف الأشجار. 2- الشنوك Chinook: وهي تشبه الفهن إلى حد كبير، وتهب رياح الشنوك في فصلي الشتاء والربيع من المحيط الهادي نحو غرب أمريكا الشمالية فتعترضها جبال روكي فيضطر الهواء إلى الصعود على السفوح الغربية للمرتفعات ثم الانحدار بشدة على سفوحها الشرقية، وكلمة شنوك ذات أصل هندي أمريكي وتعني آلة الثلوج إذ إن هذه الرياح تعمل على رفع درجة الحرارة وتساعد على إذابة الثلوج ونضج بعض الغلات في براري كندا والولايات المتحدة. ومن أمثلة الرياح المحلية الدفيئة أيضًا رياح سانتا أنا Santa Anna وهي تهب على جنوب كاليفورنيا بالولايات المتحدة في فصلي الربيع والشتاء عندما يوجد ضغط مرتفع إلى الشرق من المرتفعات الغربية فيخرج منه الهواء ويعبر المرتفعات ثم ينحدر إلى الساحل الغربي دفيئًا وجافًا. ثالثا: الرياح المحلية الباردة: 1- المسترال Mistral: وهي رياح شديدة البرودة، وتهب في فصل الشتاء من أواسط فرنسا نحو الجنوب على طول وادي الرون وتندفع بسرعة إذ يتراوح متوسط سرعتها بين 55، 65 كيلو مترا في الساعة؛ والسبب في هبوب هذه الرياح هو مرور الانخفاضات الجوية على الحوض الغربي للبحر المتوسط مما يؤدي إلى جذب الرياح من داخل القارة الأوربية، وبسبب وجود الحواجز الجبلية تضطر الرياح إلى البحث عن منفذ تسلكه فتجد أمامها وادي الرون فتندفع على طوله بسرعة كبيرة.

ولرياح المسترال آثار سيئة على المزروعات في المنطقة، وقد عملت الحكومة الفرنسية على تلافي أضرارها بواسطة زراعة نطاقات الغابات على طول الريفيرا الفرنسية. 2- البورا: Bora وهي رياح شمالية باردة، وهي تشبه المسترال إلى حد كبير، ومنطقة نفوذها في حوض البحر المتوسط أيضًا، وتهب البورا في فصل الشتاء في منطقة البحر الأدرياني ويكون اتجاهها شماليًا ثم تعبر جبال الألب الدينارية وتهبط على سفوحها الغربية فترتفع حرارتها نتيجة لذلك وتكتسب صفة الفهن. وهناك أمثلة أخرى للرياح المحلية الباردة غير المسترال والبورا، مثال ذلك الرياح التي تهب على طول ساحل نيو سوث ويلز في استراليا وتعرف باسم Southely Busters وتعمل هذه الرياح على خفض درجات الحرارة إلى أكثر من 15 درجة م خلال بضع دقائق من هبوبها. ويساعد على هبوب هذه الرياح مرور انخفاضات جوية عميقة على البحار المجاورة، كذلك تهب على البرازيل رياح جنوبية وجنوبية غربية باردة في فصل الشتاء تعرف باسم رياح بامبيرو Pampero سببها مرور انخفاضات جوية في الأجزاء الشمالية من البرازيل متجهة من الغرب إلى الشرق. هناك نظم يومية للرياح تنشأ نتيجة لظروف محلية خاصة. ولهذه آثار مناخية هامة في الجهات التي تهب فيها ومن أمثلة الرياح اليومية نسيم البحر والبر ونسيم الوادي والجبل. 1- نسيم البحر ونسيم البر: في الجهات المدارية وفي العروض المتوسطة يصبح لنسيم البحر ونسيم البر أثر واضح في المناخ، ونسيم البحر والبر ما هو إلا صورة مصغرة من الرياح الموسمية، غير أن حركة الهواء يومية بدلًا من أن تكون فصلية، ويهب نسيم البحر نحو اليابس الساخن أثناء النهار، ومن اليابس البارد أثناء الليل يهب نسيم البر نحو الماء "شكل 29" تأثير نسيم البحر إلى مسافة حوالي 15 أو 20 كيلو مترًا من الساحل وذلك في العروض المدارية،

أما في العروض المعتدلة حيث يقتصر أثر نسيم البحر على فصل الصيف، فإن أثره يصل إلى مسافة محدودة من الساحل. ويشتد أثر نسيم البحر على طول السواحل المدارية الجافة وعلى طول السواحل التي تمر بجوارها تيارات باردة بحيث يصبح الفرق واضحًا بين حرارة الماء وحرارة اليابس، ونسيم البر أضعف عادة من نسيم البحر، وفي الجهات المدارية نجد أن لنسيم البحر أثر ملطف إذ قد يؤدي هبوبه إلى انخفاض درجة الحرارة حوالي 8 أو 10 درجات مئوية في ظرف

1/4 أو 1/2 ساعة؛ لذلك كانت تلك السواحل مرغوبة لسكنى الإنسان خاصة في فصل الصيف. 2- نسيم الجبل ونسيم الوادي: وهو يشبه نسيم البحر والبر من ناحية "شكل 30" أنه رياح يومية، ففي أثناء النهار يسخن الهواء في الأودية فيتمدد ويصعد إلى أعلى، وهذا الهواء الدافئ المتصاعد يسمى نسيم الوادي ويرى أثره في ظهور

السحاب المرتفع من النوع التراكمي Cumulus لذلك قد تسقط الأمطار بعد الظهر نتيجة لعملية التصعيد هذه، وبعد غروب الشمس يبدأ الهواء على المرتفعات في البرودة فيزداد وزنه ويتزلق إلى أسفل ليجتمع في بطون الأودية ويسمى هذا الهواء البارد نسيم الجبل "شكل 29". العواصف المدارية: توجد عواصف من أنواع مختلفة في العروض المدارية، ولكن أشدها عنفًا هي التي توجد في نطاق الرياح التجارية الشمالية الشرقية، ولذلك كانت معظم المناطق التي تتأثر بالعواصف المدارية تقع على الجوانب الغربية من المحيطات، وتحدث معظم العواصف المدارية فوق الماء والأجزاء اليابسة التي تتأثر بها محدودة، وهذه العواصف المخربة تشبه إلى حد كبير أعاصير العروض المعتدلة، ومن أهم ما يميز العواصف المدارية أنها شديدة السرعة والانخفاضات الجوية التي تصاحبها شديدة العمق؛ وتصل سرعة الرياح في هذه العواصف أحيانًا إلى 120 كيلو مترًا في الساعة كما أن الأمطار التي تسقط نتيجة لها تكون غزيرة جدًا على هيئة سيول ولا يوجد اختلاف كبير في كمية المطر أو في توزيع الحرارة في أجزاء العاصفة المدارية، ويكثر مرور العواصف المدارية في فصلي الصيف والخريف، ولكل عاصفة مركز أو عين، وهذه عادة تتصف بالهدوء ويخلوها من السحب، ونصف قطر هذه العين يتراوح بين 8، 40 كيلو مترًا. وينتج عن العواصف المدارية تخريب شديد المناطق الساحلية التي تمر بها العاصفة وترتفع الأمواج فتغرق الشواطئ. وأهم المناطق التي تتأثر بالعواصف المدارية هي: 1- منطقة البحر الكاريببي بما في ذلك خليج المكسيك، وتهب على هذه الجهات عواصف مدارية تعرف باسم الهريكين Hurricanes وتتولد هذه العواصف فوق خليج المكسيك أو فوق البحر الكاريببي أو فوق المحيط الأطلسي الجنوبي، ومن هذه المناطق تتجه عواصف الهريكين نحو شبه جزيرة فلوريدا

وهي أكثر جهات الولايات المتحدة تأثرًا بهذه العواصف كذلك يتأثر بها جنوب شرق وشرق الولايات المتحدة ثم يتلاشى أثرها قرب لونج إيلاند Long lsland قريبًا من مدينة نيويورك. وموسم الهريكين يشمل أواخر فصل الصيف وأوائل الخريف خاصة شهري أغسطس وسبتمبر، وهي تهب سبع مرات في السنة في المتوسط، ولكل عاصفة تاريخ حياة وأدوار يتتبعها رجال الأرصاد الجوية ويسجلون حركتها وتطورها ويصدرون إنذاراتهم لسكان المناطق المعرضة لخطر العاصفة، وتفقد الهريكين قوتها إذا تحركت فوق اليابس؛ ذلك لأنها تفقد العامل الأساسي في قيامها واستمرارها ألا وهو بخار الماء الذي تستمده من المسطحات المائية، وقد تتجدد العاصفة بمرورها فوق الماء مرة أخرى ويحدث هذا في حالة عبور العاصفة لشبه جزيرة فلوريدا من خليج المكسيك ثم عودتها إلى المحيط الأطلسي، ومن أشد العواصف التي أصابت الولايات المتحدة تلك التي هبت على فلوريدا في سبتمبر سنة 1926 ودمرت معظم مدينة ميامي، وصحبت هذه العاصفة أمواج هائلة طغت على أجزاء من المدينة، وقد قدرت الخسائر التي نجمت عن هذه العاصفة بحوالي 80 مليون دولار1. 2- منطقة البحر العربي وخليج بنغال وتصاب هذه المنطقة بعواصف مدارية مدمرة تؤدي إلى عرقلة الملاحة خاصة في فصلي الصيف والخريف، وتحدث العواصف في هذه الجهات خاصة في فترات هدوء الرياح الموسمية، ويقدر حدوثها بحوالي ثلاث مرات في المتوسط. 3- منطقة بحر الصين وحول جزر الفلبين، وتعرف العواصف المدارية في هذه العروض باسم التيفون Typhoons، وتصحبها أمطار غزيرة وهي تؤثر في منطقة واسعة وتصل سرعة الرياح أثناء هبوبها إلى حوالي 120 كيلو مترًا في

_ 1 T. A. Blair& R. C. Fite Weather Elements pp 212-220

الساعة، لذلك تؤدي إلى تخريب المناطق الساحلية التي تتأثر بها. ومن أمثلة ذلك ما حدث لجزيرة لوزون أحدى جزر الفلبين. 4- منطقة المحيط الهندي، وتتأثر بالعواصف المدارية في هذا المحيط الجهات الواقعة إلى الشرق من جزيرة مدغشقر، ويكثر هبوب هذه العواصف في فصلي الشتاء والربيع، ومتوسط هبوبها حوالي سبع مرات في السنة. 5- منطقة المحيط الهادي إلى الشرق من قارة استراليا ويطلق على العواصف المدارية في هذه المنقطة اسم Willy-Willy وموسمها فصلا الشتاء والربيع ومعدل هبوبها قليل لا يزيد عن مرتين في السنة. وتبدأ العاصفة المدارية عادة بنصف قطر لا يزيد في المتوسط على 80 كيلو مترًا ثم تزداد مساحتها حتى يصل نصف قطرها إلى أكثر من 700 كيلو متر. وبسبب شدة عمق الانخفاض الجوي الذي يصاحب هذه العواصف سريعة نحو أن خطوط الضغط المتساوي تقترب من بعضها؛ لذلك تهب الرياح سريعة نحو المركز. ولاحظ أن المركز يكون عادة عديم السحب هادئ نوعًا؛ لذلك قد يتوهم البعض أثناء مرور التيارات أنها قد انتهت ولكن لا تلبث العاصفة أن تتجدد مرة أخرى عندما يبدأ نصفها الآخر في المرورة بالمنطقة. الترنيدو: الترنيدو Tornado نوع فريد من العواصف المحلية، وهي صغيرة الحجم إذا قورنت بالعواصف المدارية، إذا يبلغ نصف قطرها 1/2 كيلو متر وهي تشبه القمع لمن يراها من بعيد إذ إن جزءًا من السحابة يمتد في شبه قمع نحو سطح الأرض وهذا الجزء يمثل عملية التصعيد الشديد للهواء وبخار الماء في مركز العاصفة، والترنيدو رغم صغرها من أكثر أنواع العواصف تدميرًا ويرجع ذلك إلى شدة انخفاض الضغط الجوي في مركز العاصفة لدرجة أن ذلك يؤدي أحيانًا إلى انفجار المباني التي تتعرض لها، كما أن العاصفة قد تعمل على رفع أشياء

أو حيوانات أو أشخاص من أماكنهم والإلقاء بهم في أماكن أخرى؛ لذلك يبنى الأهالي في المناطق التي تتعرض للترنيدو مخابئ يلجأون إليها يحتمون بها وقت هبوب هذه العواصف المخربة. وتتكون عواصف الترنيدو نتيجة لعملية تسخين شديدة لهواء رطب ويترتب على ذلك تصاعد سريع للهواء ومن ثم انخفاض الضغط انخفاضًا كبيرًا. وارتفاع نسبة بخار الماء في ذلك العمود المتصاعد من الهواء يساعد على خفض ضغطه فيندفع هواء آخر من حركة أفقية نحو مركز العاصفة من جميع الجهات بسرعة شديدة. وهناك رأي آخر يفسر حدوث الترنيدو بأنه نتيجة لتوليد انخفاضات جوية محلية صغيرة على طول جبهة التقاء بين كتلتين هوائيتين مختلفتين في اتجاههما وحرارتهما. وأكثر جهات العالم تعرضًا لعواصف التريندو هو حوض المسيسبي الأدنى والأوسط في الولايات المتحدة. ومن أمثلة عواصف الترنيدو ما تعرضت له مدينة جلفستن الواقعة على خليج المكسيك في جنوب الولايات المتحدة في سبتمبر 1900، وقد أدت إلى ارتفاع الأمواج في خليج المكسيك وطغيانها على اليابس، وقد راح ضحية تلك العاصفة نحو ستة آلاف شخص رغم أن السكان كانوا قد أنذروا بالعاصفة قبل هبوبها.

الفصل الثالث: الرطوبة والتساقط

الفصل الثالث: الرطوبة والتساقط قياس الرطوبة: هناك ما يسمى بالرطوبة المطلقة Absolutc Humidty وهي عبارة عن الكمية الحقيقية لبخار الماء الموجود في الهواء مقيسة بعدد الجرامات في المتر المكعب من الهواء, وتصل الرطوبة المطلقة منتهاها في المناطق الاستوائية ثم تقل نحو القطبين، كما أنها تتأثر كذلك بوجود المسطحات المائية والغطاء النباتي. أما الرطوبة النسبية Relative Humidity فهي عبارة عن نسبة بخار الماء في الهواء، وهذه النسبة هي عبارة عن كمية بخار الماء الفعلية في الهواء منسوبة إلى كمية بخار الماء التي يستطيع الهواء أن يحملها تحت نفس درجة حرارته، أو بمعنى آخر طاقة الهواء على حمل بخار الماء فمثلًا إذا كان الهواء في درجة حرارة 30 درجة م يستطيع أن يحمل 8 ذرات من بخار الماء في المتر المكعب الواحد، ولكنه يحمل فعلًا 6 ذرات فقط، فمعنى هذا أن درجة تشبع الهواء هي ثلاثة أرباع فقط، والرطوبة النسبية في هذه الحالة هي 6/8×100= 75%. وتقاس الرطوبة بواسطة أجهزة تسمى السيكرومترات Psychrometers ويتكون السيكرومتر من أنبوبتين من الزجاج مملوءتين بالزئبق وتوضع الأنبوبتان في وضع رأسي على حامل يمكن تحريكه بسهولة، والأنبوبتان أو بمعنى آخر الترمومتران من نوع واحد، غير أن أحدهما تُلَفّ قطعة من القماش النظيف حول فقاعته، وتبلل قطعة القماش بالماء "شكل 31". ثم يترك الترمومتران في الهواء لمدة دقيقة أو دقيقتين ثم يقرأ الترمومتران، وبالطبع تكون قراءة الترمومتر الجاف هي عبارة عن درجة الحرارة العادية، بينما قراءة الترمومتر

المبلل ستكون أقل من الترمومتر الآخر، ويرجع انخفاض درجة حرارة الترمومتر المبلل إلى تأثر فقاعة الترمومتر بعملية تبخير الماء الموجود في قطعة القماش، وما تستنفذه عملية التبخير من حرارة، ويسمى الفرق بين درجة الحرارة العادية ودرجة الحرارة التي يعطيها الترمومتر المبلل depdressiom of the wet bulb وباستعمال جداول خاصة يمكن الحصول على رطوبة الهواء. شكل 31: الهيجرومتر. وهناك جهاز حديث لقياس درجة حرارة الترمومتر المبلل بطريقة آلية دون الحاجة إلى تحريك الترمومتر في الهواء ويدار هذا الجهاز بالكهرباء ويسمى تليسيكرومتر Telepsychrometsr. وهناك جهاز آخر لقياس الرطوبة في الهواء بطريقة مباشرة, وهو الهيجروجراف Hyhrograph وتستخدم فيه شعرة تشد في جزء من الجهاز وتتأثر

بتغير الرطوبة في الهواء فتتمدد، وتنكمش وتؤدي حركتها إلى تحريك ريشة ترسم خطًا متصلًا على إسطوانة دوارة فتسجل بذلك التغيرات التي تحدث في الرطوبة، ومن المعروف أن شعر الإنسان يزيد طوله مع زيادة نسبة الرطوبة في الهواء. بخار الماء في الهواء: بخار الماء في الهواء أو بمعنى آخر الرطوبة من عناصر المناخ الهامة، ورغم أن بخار الماء يكون 2% فقط من حجم الهواء إلا أن هذه النسبة البسيطة تعتبر أهم العناصر المكونة للهواء، وبخلاف الغازات الأخرى في الهواء. فإن نسبة بخار الماء تختلف في الهواء من مكان لآخر ومن وقت لآخر، فهي تتراوح بين صفر، 5%، وترجع أهمية بخار الماء في الهواء إلى العوامل الآتية: 1- وجود بخار الماء في الهواء يعتبر دليلًا على إمكان حدوث التكاثف في الهواء أو سقوط أمطار أو غير ذلك من صور التكاثف التي سنتكلم عنها فيما بعد. 2- لبخار الماء أثر في الإشعاع الأرضي للحرارة، إذ إن وجوده في الهواء ينظم عملية فقدان الأرض لحرارتها وبذلك ينظم حرارة الأرض. 3- كمية بخار الماء في الهواء تدل على كمية الحرارة الكامنة في ذرات البخار الموجودة في الهواء. 4- لنسبة بخار الماء في الهواء علاقة كبيرة بمقدرة الإنسان على تحمل الحرارة المرتفعة أو عدم تحملها. وتعتمد مقدرة الهواء على حمل بخار الماء على درجة حرارة الهواء، فالهواء الحار أكثر مقدرة على حمل بخار الماء من الهواء البارد، وبالتالي تزداد مقدرة الهواء على حمل بخار الماء إذا زادت حرارته. التبخر: بخار الماء مثل الغازات الأخرى لا يمكن رؤيته في الهواء بواسطة العين المجردة، وينتقل بخار الماء إلى الهواء عن طريق التبخر Evaporation

وتتوقف سرعة التبخر وكميته على درجة حرارة الهواء على درجة جفافه وكذلك على مدى تحركه، ففي الأيام الحارة الجافة ذات الرياح النشيطة يكون التبخر سريعًا. وهناك صفات عامة لتوزيع التبخر هي: 1- التبخر فوق المحيطات أكثر من التبخر فوق القارات حيث مصدر الماء متوفر في الأولى وقليل في الثانية. 2- يزداد التبخر في العروض الاستوائية والمدارية بسبب ارتفاع الحرارة، ويقل في العروض العليا والقطبية بسبب البرودة. ومصدر بخار الماء في الهواء هو المحيطات والبحار التي تغطي حوالي ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، كذلك يضيف سطح الأرض الرطب والنباتات كمية من بخار الماء للهواء، وهذه المياه تعاد مرة أخرى إلى سطح الأرض عن طريق التكاثف، ويلاحظ أن حوالي نصف كمية بخار الماء في الهواء توجد في الجزء الأسفل من الغلاف الغازي تحت ارتفاع 2500 متر. نقطة الندى: Dew Point إذا أصبح الهواء مشبعًا ببخار الماء عند درجة حرارة معينة ثم انخفضت حرارة الهواء عن ذلك أو أضيفت إليه كميات أخرى من بخار الماء فإنه يحولها إلى ماء "إذا كانت درجة حرارة الهواء فوق الصفر" أو ثلج "إذا كانت حرارة الهواء تحت الصفر"، ويقال إن التكاثف قد حدث، وتسمى درجة الحرارة التي يحدث عندها التكاثف بدرجة الندى أو نقطة الندى. التكاثف ومظاهره Codensation يحدث التكاثف في الهواء نتيجة لانخفاض حرارته، ويحدث التكاثف في صور مختلفة منها الندى والصقيع الأبيض والضباب والسحاب والمطر، والملاحظ أن المطر لا يحدث نتيجة لظروف محلية محدودة -كما هو الحال بالنسبة للندى والصقيع والضباب- وإنما يحدث عادة نتيجة لتبريد كتل هوائية كبيرة قادرة على إسقاط كميات كبيرة من المياه.

الضباب: Fog الضباب عبارة عن ذرات وقتية متطايرة من بخار الماء، ويختلف الضباب في كثافته إذ قد يكون كثيفًا جدًا بحيث يمنع الرؤية ويؤدي ذلك إلى أخطار في الملاحة والمواصلات، وقد يكون الضباب خفيفًا بحيث لا يمنع الرؤية لمسافة كبيرة. وهناك أنواع مختلفة من الضباب: أولًا: ضباب يحدث فوق اليابس نتيجة لفقدان الأرض لحرارتها بالإشعاع ويسمى ضباب الإشعاع Radiational fog ويسود هذا النوع في الليالي ذات الهواء الساكن، فتبرد الأرض ويبرد الهواء الملامس لها فيحدث التكاثف، ويكثر هذا النوع من الضباب في الأدوية والأحواض المنخفضة حيث يتجمع الهواء البارد، ويلبث ضباب الإشعاع فترة قصيرة حيث إنه يتكون في ساعات الليل البارد ثم تبدده الشمس بعد شروقها في الساعات الأولى من النهار. ثانيًا: الضباب المنتقل Advectional fog ,وهو يتكون في الهواء الرطب الدفيء إذا تحرك فوق سطوح باردة فيبرد حتى تصل حرارته إلى نقطة الندى، وهنا نجد السبب الرئيسي لحدوث هذا الضباب هو تحرك الهواء من مكان دافئ إلى مكان أبرد، ويكثر حدوث هذا النوع من الضباب فوق المحيطات خاصة في فصل الصيف، وعلى شواطئ البحيرات الداخلية وعلى اليابس في العروض المعتدلة أثناء فصل الشتاء، ومن المناطق التي يكثر فيها تكون هذا النوع من الضباب السواحل التي تمر بجوارها تيارات بحرية باردة مثل ساحل كاليفورنيا وحول جزيرة نيوفوندلند في أمريكا الشمالية، وساحل شيلي في أمريكا الجنوبية، وساحل إفريقيا الشمالي الغربي، وحول جزر اليابان في شمال شرق آسيا. ثالثا: ضباب الجبهات الهوائية Frontal fog وهو الذي يتكون في مناطق التقاء كتلتين هوائيتين مختلفتين في درجة حرارتها، فيؤدي التقاء الهواء البارد بالهواء الدافئ الرطب إلى حدوث التكاثف على طول جبهة الالتقاء ومن ثم يتكون الضباب.

الندى: Dew تستمر عملية إضافة بخار الماء إلى الهواء أثناء النهار، وعندما تنخفض حرارة الهواء أثناء الليل بسبب الإشعاع الأرضي تقل مقدرته على حمل بخار الماء ويقترب أو يصل فعلًا إلى حالة التشبع وفي هذه الحالة يتكاثف بخار الماء على شكل قطرات صغيرة من الماء ويتم هذا التكاثف على أي جسم صلب مثل زجاج النوافذ وأوراق النباتات ويعرف هذا الماء المتكاثف باسم الندى، وقطرات الندى ما تلبث أن تتبخر بعد شروق الشمس بوقت قصير. والظروف التي يجب توافرها لتكوين الندى هي: أولًا: أن تكون السماء صافية خالية من السحب خلال الليل؛ لأن ذلك يساعد على سرعة فقدان الأرض لحرارتها عن طريق الإشعاع كما ذكرنا من قبل. ثانيًا: أن تكون حركة الهواء ضعيفة أو معدومة؛ لأن ذلك يعطي فرصة لتكاثف بخار الماء وتحوله إلى نقط مائية فوق الأجسام الصلبة. ثالثًا: وجود كتل هوائية رطبة ترتفع فيها نسبة بخار الماء. ويحدث التكاثف على هيئة ندى إذا كان الهواء قد وصل إلى نقطة الندى وكانت درجة حرارته حينئذ أعلى من الصفر المئوي، أما إذا وصل الهواء إلى نقطة الندى وكانت درجة حرارته تحت الصفر المئوي فإن التكاثف في هذه الحالة يحدث على هيئة صقيع أبيض Hoarfrost. الصقيع: lirost سبق أن تكلمنا عن الصقيع في الفصل الخاص بالحرارة كمظهر من مظاهر انخفاض درجة الحرارة عن معدل معين، وفي هذا القسم من الكتاب نتكلم عن الصقيع الأبيض كمظهر من مظاهر التكاثف والصقيع يشبه الندى في كيفية تكونه، ولكن الفرق بينهما في حالة الصقيع يتحول بخار الماء من الحالة الغازية إلى الحالة الصلبة مباشرة وتسمى هذه الظاهرة Sublimation، والصقيع الأبيض عبارة عن بللورات من الثلج. الثلج: Snow يعتبر الثلج مظهرًا من مظاهر التساقط شأنه في ذلك شأن

المطر، كما أنه كمية الثلج الساقطة تضاف أو تعتبر هي وحدها كمية التساقط Precip talion ويلاحظ أن كل قدم من الثلج يساوي بوصة واحدة من المطر، ويلاحظ أن قياس كمية الثلج الساقطة من الأمور الصعبة والنتائج التي يحصل عليها غير دقيقة. وذلك يرجع إلى أن أجهزة قياس الثلج لا تظل في أماكنها طول السنة وإنما يسرع بوضعها عندما يبدأ الثلج في السقوط وبذلك يضيع جزء لا يتم تسجيله، كذلك على سفوح المرتفعات لا يمكن للجهاز أن يتلقى كل الثلج الساقط بسبب زاوية الميل، ويضاف إلى ذلك أن الثلج الذي يسقط في مكان ما وخاصة في مناطق المرتفعات لا يظل في مكانه وإنما ينحدر إلى المناطق المجاورة. والثلج عبارة عن قطرات متجمدة وله أشكال مختلفة، فقد يكون على هيئة مثلثات أو معينات أو غيرها، ويغطي الثلج المتساقط سطح الأرض في طبقة هشة في أول الأمر ولكنها لا تلبث أن تتماسك إذا ما كثرت كمية الثلج الساقطة فيتحول الثلج في هذه الحالة إلى الجليد lce. وتسقط كميات من الثلج في العروض دون المدارية ولكن الثلج في هذه العروض لا يلبث على سطح الأرض فترة طويلة وإنما يذوب بعد سقوطه بفترة قصيرة، أما في العروض الاستوائية والمدارية فإن الثلج لا يسقط إلا على الارتفاعات العالية، كذلك يسقط الثلج في العروض المعتدلة الباردة. غير أن الثلج لا يوجد بصفة دائمة هناك إلا في مناطق المرتفعات، حيث يوجد ما يسمى "بخط الثلج الدائم" وهو الارتفاع الذي فوقه يظل الثلج دون ذوبان طول السنة سواء في الشتاء أو في الصيف، وارتفاع هذا الخط كبير في العروض الاستوائية والمدارية ثم يقل كلما اتجهنا نحو القطبين حتى نصل إلى عروض يظل الثلج فيها على سطح الأرض طول العام حتى على ارتفاع سطح البحر. البرد: Hail هو مظهر آخر من مظاهر التساقط غير أنه يسقط نادرًا وفي مناطق محدودة، والبرد عبارة عن كرات من الجليد، يتراوح نصف قطرها بين 1.5 إلى 10 سنتيمترات، وقد يكون حجم حبات البرد كبيرًا بحيث تؤدي إلى تهشم زجاج النوافذ، كما حدث في مدينة طرابلس الغرب في ليبيا في شتاء سنة

1955 وفي القاهرة في يوم 8 نوفمبر سنة 1966، ويحدث سقوط البرد عادة أثناء هبوب العواصف الرعدية، فيحدث أن تتكاثف قطرات من الماء ثم تتجمد داخل السحب ويضاف إليها قطرات أخرى فيثقل وزنها وتحاول السقوط ولكن بسبب وجود حركة التصاعد القوية فإن التيارات الهوائية الصاعدة تحملها معها إلى أعلى حتى يزداد وزنها ولا يستطيع الهواء حملها فتسقط إلى الأرض. ويندر سقوط البرد في المناطق القطبية لخلوها من العواصف الرعدية، وكذلك يندر سقوطه في المناطق الاستوائية؛ لأن البرد يذوب قبيل وصوله إلى الأرض. السحب: Cloud تتكون السحب من ملايين من الجزئيات الصغيرة من الماء، وبسبب صغر هذه الجزئيات يستطيع الهواء أن يحملها وتتمكن الرياح من نقلها وتحريكها من مكان لآخر. وهناك تشابه كبير بين السحب والضباب، والضباب ليست إلا سحابة ترسو على سطح الأرض. وأهمية السحب في دراسة المناخ هي أنها مصدر الأمطار والثلوج المتساقطة وإن كان ليس من الضروري أن تسقط جميع السحب أمطارًا إلا أن سقوط الأمطار لا بد أن يسبقه وجود سحب، كما أن للسحب أثرًا آخر يتعلق بالإشعاع الشمسي والإشعاع الأرضي كما ذكرنا من قبل. وتنقسم السحب إلى الأنواع الرئيسية الآتية: المجموعة الأولى: وهي السحب المرتفعة ومتوسط ارتفاعها 20.000 قدم وتنقسم إلى: 1- السمحاق: Cirrus وتوجد هذه السحب على ارتفاع كبير وتتكون من حبات الثلج وتشبه في شكلها الريش أبيض اللون. وليس لهذه السحب ظل على سطح الأرض. ويدل وجودها على الجو الصحو ولكن إذا زاد سمكها وكثافتها دل ذلك على قرب حدوث جو رديء.

ب- السمحاق الركامي Cinrocumlus ويوجد على شكل قطع أو بقع بيضاء وفي مجموعات مع بعضها. جـ- السمحاق الطبقي Cirrostratu وهذه السحب توجد على شكل قناع أبيض يغطي السماء فيصبح شكلها مثل اللبن، وقد تحجب هذه السحب ضوء الشمس. المجموعة الثانية: وهي السحب متوسطة الارتفاع. ومتوسط ارتفاعها يتراوح بين 6500قدم و 2.00 قدم وتنقسم إلى: أ- الركامي المرتفع Altocumulus وهذه السحب تشبه الكتل وتكون طبقات تنتظم على شكل خطوط أو موجات ويختلف عن السمحاق الركامي في أن كتلة أكبر حجمًا ويضرب لونها إلى الغمق في الجزء الأسفل. ب ـ الطبقي المرتفع Altostratus وهذه السحب عبارة عن طبقة ذات لون رمادي أو ضارب إلى الزرقة وتوجد بها بقع تحجب أشعة الشمس. المجموعة الثالثة: وهي السحب المنخفضة وارتفاعها أقل من 6500 قدم وقد تصل إلى قرب سطح الأرض وتنقسم إلى: أ- الركامي الطبقي Statocumulus ويتكون من لفات كثيفة من السحب بينها أجزاء خفيفة وقطع السحاب منظمة في أشكالها ولونها رمادي غامق. ب- الطبقي Stratus وهي سحب منخفضة رمادية اللون منتظمة تشبه الضباب ولكنها لا تصل إلى سطح الأرض وإن كانت قريبة منها وقد تسقط منها قطرات من المطر الخفيف. جـ- المزن الطبقي Nimbosrtatus وهو سحاب كثيف عديم الانتظام من ناحية الشكل، ويحتمل سقوط المطر منه وهو غامق اللون.

المجموعة الرابعة: وهي السحب ذات الامتداد الرأسي الكبير ويتراوح ارتفاعها بين 1600قدم، 6000قدم، وتنقسم إلى: أ- الركامي Cumulus وهي سحب تشبه في شكلها زهرة القرنبيط، وهذه السحب يدل وجودها على أن هناك حركة تصعيد في الهواء، غير أن معظمها يوجد أثناء الجو الصحو. ب- المزن الركامي Cumulonimbus وهي سحب ترتفع رأسيًا حتى تصل إلى مستوى التكاثف ويصحبها سقوط أمطار غزيرة وحدوث رعد وبرق وأحيانًا سقوط البرد. المطر والتساقط: كيف يحدث التساقط: ذكرنا سابقًا أنه لا بد من وجود سحب حتى يمكن سقوط الأمطار، ولسقوط المطر لا بد من وجود نواة تتكاثف حولها حتى يصبح حجم قطرات المياه من الثقل بحيث لا يستطيع الهواء حملها فتسقط إلى الأرض، ومن العوامل الأساسية التي يترتب عليها سقوط الأمطار حالة الثبات Stability أو عدم الثبات lnstability في الكتلة الهوائية، ومن المعروف أن الأمطار تسقط إذا كانت الكتلة الهوائية تتصف بعدم الثبات، وعدم الثبات في الكتلة الهوائية معناه أن الهواء لا يقاوم الارتفاع الرأسي أو التصعيد، وأن معدل انخفاض الحرارة بالارتفاع كبير، أما في حالة الثبات فإن الهواء يقاوم أي حركة رأسية ولا توجد فرصة لحدوث حركة تصعيد ويساعد على ذلك بالطبع تبريد الأجزاء السفلى من الكتلة الهوائية بحيث يصبح معدل انخفاض الحرارة قليل جدًا. وفي هذه الحالة تنعدم فرص سقوط المطر. قياس المطر: جهاز قياس المطر Rain gage عبارة عن إناء أسطواني نصف قطره 20سم يوجد في جزئه العلوي قمع يصل المطر الساقط عن طريقه إلى

داخل الإناء، وبداخل الإناء أنبوبة طولها حوالي 50 سم ويمكن قياس كمية المطر الموجودة في الأنبوبة بواسطة مسطرة توضع داخل الأنبوبة "شكل 32". "شكل 32" مقياس المطر. وهناك جهاز قياس مطر يعمل بالكهرباء ويقوم بتسجيل كل 0.025 سم من المطر تسقط ويستقبلها الجهاز. وللحصول على نتائج دقيقة لا بد أن يوضع جهاز المطر في مكان مكشوف بعيدًا عن الأشجار والمباني، كذلك لا يصح وضع الجهاز في مكان مرتفع كثيرًا عن الأجزاء المحيطة؛ لأن شدة سرعة الرياح تعرقل وصول المطر الساقط كله إلى الجهاز أنواع المطر حسب أسباب سقوطه: يمكننا القول أن جميع التساقط يحدث نتيجة لعملية تبريد الكتلة الهوائية بسبب ارتفاع الهواء إلى أعلى، لذلك علينا أن

ندرس الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع الهواء إلى أعلى، غير أننا يجب أن نأخذ في الاعتبار عند الكلام عن كل عامل من هذه العوامل على حدة، أنه ليس من الضروري أن يسقط المطر نتيجة لعامل واحد فقط في كل حالة، وإنما قد يجتمع عاملان أو حتى ثلاثة مرة واحدة في مكان واحد. المطر التصاعدي: نتيجة لتسخين الهواء فإنه يتمدد ويضطر للارتفاع إلى أعلى وبارتفاعه يبرد حتى تصل درجة حرارته إلى نقطة الندى فيحدث التكاثف، وحدوث التكاثف يؤدي إلى إطلاق سراح الحرارة الكامنة في ذرات بخار الماء وتعمل هذه الحرارة على تسخين طبقات الهواء التي تمت بها عملية التكاثف، فيحدث تصعيد آخر وهكذا تستمر العملية على مستويات مختلفة حتى تنخفض نسبة بخار الماء في الهواء أو حتى يبرد إلى درجة لا تساعد على ارتفاعه مرة أخرى ومن صفات مطر التصعيد أنه يحدث في مناطق محدودة وليس على نطاق واسع والسحب المصاحبة لهذا النوع ولكنها من الأمطار هي الركامي أو المزن الركامي. وتستمر الأمطار فترة قصيرة من الزمن ولكنها أمطار غزيرة منهمرة؛ لذلك فهي غير مفيدة كثيرًا للمحاصيل الزراعية ويضيع معظمها في الجريان على سطح الأرض ويضر ذلك بالتربة إذ يؤدي إلى جرفها وتعريتها. وقد تحدث العواصف الرعدية الناتجة عن التصعيد في العروض المعتدلة والباردة أثناء الساعات الدفيئة من النهار وذلك في فصل الصيف فقط. وأهم مناطق سقوط مطر التصعيد هي العروض الاستوائية والمدارية حيث يسقط المطر هناك بصورة منتظمة في كل أيام السنة وفي الساعات الدفيئة من النهار. المطر التضاريسي: تضطر الكتل الهوائية إلى الارتفاع إذا قابلت عوائق تضاريسية مثل الجبال والهضاب العالية وحتى التلال أحيانًا. وحيث إن بخار الماء يتركز في الطبقات السفلى من الغلاف الغازي. فإن مطر التضاريس قد

يسقط نتيجة لوجود أي عائق حتى إذا كان منخفضًا فسواحل القارات في مواجهة الرياح قد تكون سببًا لسقوط أمطار غزيرة حتى لوكانت تلك السواحل منخفضة، "شكل 33" ومن أمثلة العوائق التضاريسية التي تؤدي إلى سقوط أمطار غزيرة جبال هملايا في شمال الهند وجبال كسكيد Cascade في غرب الولايات المتحدة، وتسقط الأمطار غزيرة على السفوح المواجهة للرياح d Windwa أما السفوح غير المواجهة للرياح Leeward فلا يصيبها نصيب يذكر من الأمطار ويقال إنها تقع في ظل المطر Rain Shadow وذلك؛ لأن الرياح تفقد معظم ما بها من بخار الماء على السفوح المواجهة لها، كما أن الرياح بعد عبورها للمرتفعات وفقدانها لبخار الماء تكون دفيئة بسبب هبوطها وما يصحب ذلك من عملية تسخين وبسبب إضافة الحرارة الكامنة الناتجة عن تكاثف بخار الماء إلى الهواء "شكل 32، شكل 34". وليس لمطر التضاريس دورة يومية أو فصلية خاصة كما هو الحال بالنسبة للمطر

التصاعدي، وإنما نجد أن مطر التضاريس يجتذب المطر الموجود في الكتل الهوائية التي تمر على المرتفعات وقت مرورها، وقد تحتاج الكتلة الهوائية إلى عملية رفع بسيطة حتى يحدث التكاثف ويسقط المطر. "شكل 34" المطر الإعصاري: يسقط هذا النوع من الأمطار نتيجة لمرور انخفاضات جوية أو ما نسميه بالأعاصير Cyclones ويحدث أن يجتذب الإعصار تيارات هوائية من الشمال والجنوب أو بمعنى آخر من مصدرين مختلفين في حرارتهما، وعندما يحدث تقابل بين تيارين هوائيين فلابد من حدوث حركة تصاعدية، وبالطبع يصعد الهواء الدافئ وهو الأخف وزنا إلى أعلى، "شكل 35" وارتفاع الهواء إلى أعلى يؤدي إلى برودته وحدوث التكاثف خاصة إذا كان الهواء محملًا ببخار الماء، وهذا الوضع يحدث أثناء مرور الأعاصير في العروض المعتدلة حيث تلتقي الكتل الدفيئة القادمة من العروض المعتدلة بالكتل الهوائية الباردة القادمة من ناحية القطب. أما في حالة تقابل الكتل الهوائية في المناطق الاستوائية والمدارية فإنه لا تنتج عن ذلك آثار مناخية هامة؛ ذلك لأن الكتل الهوائية التي تتقابل في هذه العروض تكون متشابهة من حيث حرارتها. فصلية المطر: Seasonality أي مناقشة تفصيلية للمطر لا يكفي أن تتناول كمية المطر السنوي فقط، ولكن لا بد من معرفة فصلية المطر ومدى الاعتماد على

"شكل 35" المطر وتركيز المطر ودرجة غزارته. وكذلك درجة احتمال سقوط المطر أو عدم سقوطه. فمن المهم أن نعرف متى يسقط المطر، وفي أي فصل من الفصول، إذ لا يكفي أن نعرف أن كمية المطر السنوي في مكان ما هي 40 سم إذ قد يسقط من هذه الكمية 30 سم في فصل الصيف أو بالعكس، ولفصلية المطر أهمية كبيرة فيما يتعلق بالنباتات، ففي العروض الوسطى تستفيد النباتات من مطر الصيف أكثر من مطر الشتاء؛ ذلك لأنه في الصيف يأتي المطر مع ارتفاع درجة الحرارة وهو فصل النمو عندما تكون النباتات في حالة نشاط. وفي العروض المدارية لا يهم كثيرًا في أي فصل من فصول السنة يسقط المطر، حيث إن الحرارة مرتفعة باستمرار. درجة الاعتماد على المطر: Reliabity وهذه تتعلق بمدى الذبذبة التي تحدث في كمية المطر من سنة لأخرى، وقد لوحظ أن الذبذبة في الأقاليم ذات المطر الغزير أقل منها في الأقاليم الجافة أو بمعنى آخر أن درجة الاعتماد على المطر تقل كلما قلت كميته، ولهذا أهمية كبيرة بالنسبة للزراعة في الأقاليم شبه الجافة والجافة حيث تتعرض المحاصيل لأخطار قلة المطر أو تأخره في بعض السنوات، كذلك في الدراسات المناخية لا بد من الحصول على إحصائيات عن المطر لمدة طويلة قد تصل إلى 25 سنة في حالة الأقاليم الجافة حتى تكون النتئائج دقيقة، بينما قد تكفي 10 سنوات في حالة الأقاليم المطيرة.

تركيز المطر ودرجة غزارته: lntensity من المهم أن نعرف عدد الأيام التي يسقط فيها المطر وكمية المطر التي تسقط في اليوم الماطر، ويهتم الزراع بمعرفة عدد الأيام التي يسقط بها المطر وكيفية توزيعها على مدار السنة لما في ذلك من أهمية قصوى بالنسبة للمحاصيل. التوزيع العام للمطر في العالم: يعتمد توزيع المطر في العالم على عوامل متعددة فقد تكون مرتبطة بمرور الأعاصير أو بحدوث حركة تصعيد للهواء عن طريق تسخينه أو قد تكون منطقة مرتفعات، ومن أهم مظاهر توزيع المطر في العالم ما يلي: 1- هناك منطقة مطر غزير حول خط الاستواء وذلك في منطقة الجبهة المدارية lnter Tropical Convergence. 2- المناطق دون المدارية Subtropical تتميز بقلة المطر حيث تفترق الرياح عند خطي عرض 30 شمالًا وجنوبًا، ويوجد هواء هابط وضغط مرتفع مما لا يساعد على سقوط الأمطار. 3- بالاتجاه نحو القطبين تبدأ كمية المطر في الزيادة وتوجد منطقة مطر غزيرة فيما بين خطي عرض 40، 50 شمالًا وجنوبًا، وهذا هو نطاق تقابل الرياح وحدوث الأعاصير. 4- تبدأ كمية المطر في القلة مرة أخرى نحو القطبين فيما وراء خطي عرض 55 شمالًا وجنوبًا. 5- من تفاصيل توزيع المطر أن المناطق الجافة وشبه الجافة تتركز في غرب القارات حيث تشتد حركة هبوط الهواء في مناطق الضغط المرتفع وحيث تمر بهذه السواحل الغربية تيارات مائية باردة، وفي العروض الوسطى والعليا نجد أن الأجزاء الجافة توجد في قلب القارات حيث تبعد عن مصدر الرطوبة، وتبدو هذه الظاهرة أكثر وضوحًا في قارات نصف الكرة الشمالي بسبب اتساع الكتل اليابسة "شكل 36".

التوزيع الفصلي للمطر: نلاحظ على التوزيع الفصلي للمطر في العالم ما يأتي: 1- لا توجد فصلية واضحة للمطر في العروض الاستوائية، فالمطر يتوزع فيها على مدار السنة. 2- إلى الشمال والجنوب من خط الاستواء بين خطي عرض 10، 15 تبدأ الفصلية في سقوط المطر في الظهور، وترتبط قيمة المطر بفصل الحرارة المرتفعة وبانتقال الجبهة المدارية إلى الشمال والجنوب مع حركة الشمس الظاهرية. 3- في العروض المدارية بين خطي عرض20 درجة، 30 درجة شمالًا وجنوبًا نجد أن فصل المطر هو فصل الشتاء وهو فصل مرور الأعاصير "شكل 36"

4- في العروض العليا ابتداء من خط عرض 40 درجة ومتجها نحو القطب توجد عروض مطيرة طول العام، غير أن السواحل الغربية في هذه العروض تنال كمية من المطر في فصل الشتاء، أما داخل القارات وشرقها فينال كمية أكبر من المطر في فصل الصيف "انظر شكل 36". 5- قلب القارات مطره أكثر في فصل الصيف نتيجة لارتفاع حرارته وحدوث حركة تصعيد للهواء. نظم المطر: يمكن أن نجمل نظم المطر وتوزيعها على العالم فيما يلي1: 1- النظام الاستوائي: ويسود على جانبي خط الاستواء بين خطي عرض 5 درجة شمالًا وجنوبًا، وتبلغ كمية المطر السنوي في هذا النطاق حوالي 150 سم سنويًا وقد تصل إلى 200 سم، وهناك بالطبع بعض اختلافات محلية نتيجة لتباين مظاهر السطح أو توزيع اليابس والماء فالمطر في حوض الكونغو أقل منه "شكل 37"

_ S. petterssen lntroduction to Meteorolgy ,New York, 1958 pp 265-282

في جزر الهند الشرقية؛ وذلك لارتفاع السطح في جزر الهند الشرقية، ولأنها محاطة بالماء. ويسقط المطر في الأقاليم الاستوائية طول العام، وليس هناك فصل جفاف، غير أن للمطر الاستوائي قمتان في الاعتدالين الربيعي والخريفي، وهاتان القمتان ترتبطان بحركة الشمس الظاهرية، وتمثل هذا النظام مدينة ليبرفيل في حوض الكنغو "شكل 37". وتأخذ قمتا المطر في الاقتراب من بعضها كلما بعدنا عن خط الاستواء؛ لذلك يمكن تمييز نظام شبه استوائي يظهر بين خطي عرض 5، 8 درجة شمالًا وجنوبًا، وفي هذا النظام تبدأ كمية المطر في القلة، وتبدأ قمة المطر في التركيز في فصل الصيف، وتمثل هذا النظام مدينة واو في جنوب السودان "شكل 38". 2- النظام السوداني: وقمة المطر في هذا النظام توجد في فصل الصيف. بحيث يصبح فصل الشتاء فصل جاف. كذلك كمية المطر في هذا الإقليم أقل منها في الإقليم الاستوائي. وتظل كمية المطر في التدرج نحو القلة حتى نصل إلى الإقليم

الصحراوي الحار. ويمثل النظام السوداني مدينة ملكال في وسط السودان "شكل 39". "شكل 39" 2- النظام الصحراوي الحار: ابتداء من خطي عرض 18 درجة شمالًا وجنوبًا يأخذ المطر في الندرة، ويظهر في النظام الصحراوي ويمتد حتى خطي عرض 30 درجة شمالًا وجنوبًا خاصة في غرب ووسط القارات، ويلاحظ أن أطراف الإقليم الصحراوي المتاخمة للإقليم السوداني تنال أمطارها في فصل الصيف فتتبع في ذلك النظام السوداني. بينما الأطراف المتاخمة لإقليم البحر المتوسط تنال أمطارها في فصل الشتاء متأثرة في ذلك بالأعاصير التي تصيب إقليم البحر المتوسط في فصل الشتاء. ومن أمثلة الإقليم الصحراوي على أطراف الإقليم السوداني مدينة الخرطوم، ومن أمثلة الإقليم الصحراوي على أطراف إقليم البحر المتوسط مدينة القاهرة "شكل 41". 4- النظام الموسمي: سبق أن عرضنا النظام الموسمي للرياح وشرحنا كيف أن النظام الموسمي يخضع للفصلية الحادة؛ نتيجة لاختلاف درجة حرارة اليابس

"شكل 41" والماء في فصل الصيف والشتاء وما يترتب على ذلك من اختلافات في الضغط الجوي، ومن المعروف أن الرياح الموسمية الشتوية الخارجة من اليابس لا تحمل مطرًا؛ لذلك يتميز فصل الشتاء في الإقليم الموسمي بالجفاف فيما عدا بعض أجزاء محدودة بسبب ظروف محلية خاصة، أما في فصل الصيف فتسقط أمطار غزيرة

تجلبها الرياح الموسمية الصيفية التي تهب من البحار محملة ببخار الماء، وقد سجلت أكبر كميات للمطر في العالم في الأقليم الموسمي في مدينة تشيرابونجي على السفوح الجنوبية لجبال هملايا، حيث تصل كمية المطر السنوي إلى حوالي 1060 سم. ومن أمثلة النظام الموسمي مدينة بومباي في الهند "شكل 42". "شكل 42" 5- نظام البحر المتوسط: يوجد هذا النظام بين خطي عرض 30، 40 درجة شمالًا وجنوبًا في غرب القارات، وكذلك في منطقة حوض البحر المتوسط، وفي فصل الصيف تسود في هذا الإقليم الظروف الصحراوية الجافة، أما في فصل الشتاء فيتعرض هذا الإقليم لمرور الانخفاضات الجوية التي تؤدي إلى سقوط مطر إعصاري، وتتراوح كمية المطر في هذا الإقليم بين 50، 150سم، ويمثل هذا النظام مدينة الجزائر.

6- النظام الصيني: يظهر هذا النظام في شرق القارات في نفس عروض نظام البحر المتوسط، ويتميز هذا النظام بسقوط أمطاره طول العام، وإن كانت هناك قمة واضحة في فصل الصيف، ويساعد على زيادة المطر في فصل الصيف وجود النظام الموسمي في هذه الجهات، وكمية المطر في هذا الإقليم أكثر منها في إقليم البحر المتوسط، ويمثل هذا الإقليم مدينة شنغهاي "شكل 43". "شكل 43" 7- نظام غرب أوربا: يوجد هذا النظام على السواحل الغربية للقارات بين خطي عرض 40، 60 درجة شمالًا، وجنوبًا، ويسقط المطر في هذا الإقليم طول العام، وإن كانت هناك قمة ملحوظة أثناء فصلي الشتاء والخريف بسبب ازدياد نشاط الأعاصير في هذين الفصلين، ويمثل هذا النظام مدينة فالنسيا في جنوب غرب جزيرة أيرلندة "شكل 44". 8- النظام اللورنسي: ويسود هذا النظام في شرق القارات في عروض إقليم غرب أوربا، وقد سمي بهذا الاسم نسبة إلى حوض سنت لورنس بأمريكا الشمالية، ويسقط المطر في هذا الإقليم طول العام غير أن هناك قمة واضحة في فصل الصيف، ويمثل هذا النظام مدينة كويبك في كندا "شكل 45".

9- النظام القاري في العروض المعتدلة: يوجد هذا النظام في الأجزاء الداخلية من العروض المعتدلة، والمطر في هذا الإقليم قليل إذ تسود به ظروف صحراوية أو شبه صحراوية، ومعظم الأمطار في هذا الإقليم تسقط في فصل الصيف "شكل 45"

عندما ترتفع الحرارة فوق اليابس وينخفض الضغط، وبذلك يسود نظام شبه موسمي، بينما في فصل الشتاء تتركز مناطق ضغط مرتفع فوق القارات فلا تسمح بوصول رياح رطبة إليها، وبذلك يسود الجفاف، ويمثل هذا النظام مدينة كييف عاصمة أوكرانيا في الاتحاد السوفيتي "شكل 46". "شكل 46" 10- نظام التندرا: ويسود هذا النظام في المناطق القطبية حيث تشتد البرودة طول العام، والمطر في هذا الإقليم نادر بسبب ارتفاع الضغط وشدة البرودة التي لا تساعد على أن تحمل الكتل الهوائية كمية كبيرة من بخار الماء، ويسقط معظم المطر في فصل الصيف القصير ولا تتعدى كمية المطر في هذا الإقليم 25 سم في السنة، لذلك يطلق البعض على هذه الجهات اسم الصحراء الجليدية.

الفصل الرابع: الكتل الهوائية والجبهات

الفصل الرابع: الكتل الهوائية والجبهات Air Masses and Fronts الكتلة الهوائية عبارة عن جزء كبير من الهواء المتجانس من ناحية حرارته ورطوبته، وتتكون الكتلة الهوائية إذا ظل الهواء لفترة طويلة فوق سطح متجانس يتميز بالمساحة الواسعة؛ وذلك حتى يكتسب الهواء صفات الإقليم، وتسمى هذه الأقاليم التي تتكون فيها الكتل الهوائية Source Regions، ومعظم مناطق تكون الكتل الهوائية توجد في مناطق الضغط المرتفع، حيث الهواء راكد وحركته الرأسية ضعيفة، ومن أمثلة ذلك سيبيريا وشمال كندا في فصل الشتاء، والصحراء الكبرى في فصل الصيف. وبالطبع لا تظل الكتلة الهوائية في مكانها طول الوقت، وإنما تتحرك وتصيبها عادة تعديلات في صفاتها المناخية من ناحية الحرارة والرطوبة خاصة في أجزائها السفلى نتيجة لمرورها على سطوح تختلف صفاتها المناخية عن الكتلة الهوائية في مصادرها الأصلية، غير أن الكتل الهوائية تظل محتفظة بالكثير من صفاتها الأساسية التي اكتسبتها في أقاليم مصادرها الأصلية. وعندما تتقابل كتلتان هوائيتان مختلفتان في حرارتهما ورطوبتهما، فإنهما لا تندمجان مع بعضهما بسهولة، وإنما يتكون حد فاصل بينهما حيث يبدأ الهواء الأكثر دفئًا في الصعود فوق الهواء الأبرد، وتسمى منطقة التقابل هذه بسطوح عدم الاستمرار Surfaces of Discontinuity أو بالجبهات FronrsK والجبهات ليست خطوطًا وإنما هي مناطق واسعة يتراوح عرضها عادة بين 50، 80 كيلو مترًا. ولوجود الجبهات أثر كبير في الصفات المناخية للمنطقة التي تتأثر بها،

ولا تظل الجبهات في أماكنها وإنما تتحرك تبعًا لحركة الشمس الظاهرية، وعلى طول الجبهات تتكون اضطرابات جوية وتتولد الأعاصير التي يكون هواء الكتلة الدفيئة جزءًا منها بينما يكون هواء الكتلة الباردة الجزء الآخر، فإذا كان الهواء الدافئ أقوى فإنه يتحرك بسرعة ويصعد إلى أعلى وتسمى هذه بالجبهة الدفيئة Warm Front، أما إذا كان العكس وكان الهواء البارد هو الذي يدفع الهواء الدافئ إلى أعلى ويحل محله تسمى هذه بالجبهة الباردة Cold Front. تقسيم الكتل الهوائية: أي تصنيف للكتل الهوائية لا بد أن يبدأ باعتبار مصادرها الأصلية وتستخدم الحروف الأبجدية كرموز لتمييز الكتل الهوائية عن بعضها، فهناك تقسيم على أساس خطوط العرض سواء أكانت الكتلة الهوائية قطبية ويرمز لها بالحرف p أو مدارية ويرمز لها بالحرفT. أما الدرجة الثانية من التقسيم فهي على أساس طبيعة المصدر سواء أكانت قادمة من اليابس ويرمز لها بالحرف c أو قادمة من فوق مسطحات مائية ويرمز لها بالحرف m. وإذا كانت الكتلة الهوائية تتميز بالثبات أي أن انخفاض الحرارة بالارتفاع في أجزائها المختلفة أقل من المعدل العادي وكان احتمال سقوط المطر منها ضعيفًا يرمز لها بالحرفs، أما إذا كانت غير ثابتة فإنه يرمز لها بالحرف u. وأخيرًا إذا كانت الكتلة الهوائية أبرد من السطح الذي تمر فوقه رمز لها بالحرف k أما إذا كانت أدفأ أضيف لها الحرف w ومجموع هذه الحروف يعطي الصفات العامة الأساسية للكتلة الهوائية فمثلًا إذا رمزنا لكتلة هوائية بأنها cp sk فمعنى هذا أن الكتلة الهوائية ذات أصل قطبي قاري أي أنها تأتي من العروض العليا ومن داخل القارات وإنها تتميز بالثبات، ولا يحتمل أن يصحبها سقوط مطر كما أن درجة حرارتها منخفضة عن السطوح التي تمر عليها. أما إذا رمزنا لكتلة هوائية أخرى بأنها m Tuw فمعنى هذا أنها ذات أصل مداري بحري أي أنها تأتي من العروض المدارية وتتكون فوق مسطحات مائية

كما أنها غير ثابتة ويحتمل أن تصحبها أمطار، كذلك درجة حرارتها أدفأ من السطوح التي تمر عليها. وبالإضافة إلى هذه الأقسام الرئيسية للكتل الهوائية يوجد قسمان آخران وإن كان توزيعهما في العالم قليل، وهما الكتل الهوائية القطبية ويرمز لها بالحرف A، والكتل الهوائية الاستوائية ويرمز لها1 بالحرف "E". الجبهات الهوائية: ذكرنا من قبل أن مناطق الجبهات الهوائية هي المناطق التي تتلاقى فيها كتل من الهواء متفاوتة في خصائصها، وعلى هذا نجد ثلاثة أنواع رئيسية لهذه الجبهات الهوائية: 1- الجبهة المدارية: وتتكون في العروض القريبة من خط الاستواء نتيجة لتلاقي الكتل الهوائية المدارية إلى الشمال من خط الاستواء والكتل الأخرى إلى الجنوب من خط الاستواء، وهذه الكتل الهوائية لا تختلف عن بعضها كثيرًا من ناحية درجات الحرارة؛ لذلك كانت الاضطرابات الجوية الناتجة عنها ضعيفة وآثارها المناخية محدودة. 2- الجبهة القطبية ويرجع الفضل الأكبر في دراستها إلى عالم المناخ والمتيورلوجي النرويجي بيركنز Bjerknes الذي يعتبر أول من درس الظواهر الجوية في العروض المعتدلة على أساس ربطها بالكتل الهوائية والجبهات، وتبدو الجبهة القطبية كمجموعة من الجبهات يتكون بعضها فوق اليابس وبعضها الآخر فوق الماء، وتتفاوت الكتل الهوائية التي تلتقي في هذه العروض من ناحية حرارتها ورطوبتها فبعضها قدام من العروض المدارية وتكون حرارته مرتفعة ورطوبته عالية وبعضها الآخر قادم من ناحية القطبين أكثر برودة وأقل رطوبة، ويؤدي تقابل هذه الكتل المختلفة إلى حدوث اضطرابات جوية عنيفة تطغى آثارها على الصفات المناخية للعروض التي تتأثر بها.

_ 1 Jerome Namias, "An lntrcduction to the Study of Air Mass and lsentropic Analysis" Milton Mass 1940

3- الجبهة المتجمدة وتوجد في العروض العليا بالقرب من الدائرتين القطبيتين وهنا تلتقي الكتل الهوائية القادمة من القطبين مع الكتل الهوائية القادمة من العروض الوسطى "30 ْ- 40 ْ"، وتتميز هذه الجبهة بأن نشاطها ضعيف. ويلاحظ أن هذه الجبهات الثلاثة تتحرك نحو الشمال والجنوب مع حركة الشمس الظاهرية نحو الشمال في يولية ونحو الجنوب في يناير، وإذا قارنا بين توزيع الكتل الهوائية والجبهات في فصل الشتاء وفي فصل الصيف نلاحظ ما يلي:- أ- أن الجبهة المدارية تكون إلى شمال خط الاستواء بقليل في فصل الصيف الشمالي وإلى الجنوب منه في فصل الصيف الجنوبي، ومعظم هذه الجبهة يتكون فوق الماء، وعادة نجد أن الرياح على طول هذه الجبهة أقل حرارة من الجهات التي تهب عليها. ب - الجبهات القطبية في شهر يوليو في نصف الكرة الشمالي تتقابل عندها كتل هوائية متفاوتة في حرارتها ورطوبتها، وتتمثل في الكتل القطبية القارية على اليابس cp والبحرية على الماء mp وفي الكتل المدارية البحرية القادمة من الجنوب mT. جـ- تتحرك الجبهات القطبية في نصف الكرة الشمالي نحو الجنوب في يناير بحيث يتأثر بها حوض البحر المتوسط، وجزء كبير من المحيط الأطلسي ممتدًا من جزر آزور حتى خليج المكسيك، كذلك جزء من المحيط الهادي ممتدًا من جزر الهند الشرقية نحو الشرق؛ لذلك تتعرض هذه المناطق في فصل الشتاء لمرور الأعاصير التي تتجه من الغرب إلى الشرق على طول هذه الجبهة وتسبب سقوط الأمطار الشتوية التي تتميز بها هذه العروض. د- الجبهة المتجمدة في نصف الكرة الشمالي يصل أثرها في يناير إلى جزيرة سبتزبرجن وجزيرة نوفيا زمليا فقط، أما في يولية فإن أثرها يمتد إلى جزيرة جرينلند وبعض أجزاء من أوراسيا وأمريكا الشمالية.

هـ- الجبهة القطبية في نصف الكرة الجنوبي سواء في الصيف أو في الشتاء تتميز بأنها منطقة التقاء كتل هوائية بحرية؛ وذلك بسبب سيادة الماء في هذه العروض وقلة المساحات اليابسة التي لا تصلح كمصادر لتكوين كتل هوائية قارية. الظواهر المناخية المرتبطة بالجبهات الهوائية: بعد أن عرضنا عرضًا سريعًا للكتل الهوائية والجبهات يحسن أن ندرس بعض الظواهر الجوية التي ترتبط بوجود الكتل الهوائية والجبهات. ولعل أهم هذه الظواهر مرور الانخفاضات الجوية أو ما يسمى بالأعاصير, وتكثر الأعاصير على وجه الخصوص في منطقة هبوب الرياح الغربية ويصحب مرور الأعاصير أو الانخفاضات الجوية مرور ارتفاعات جوية أو أضداد الأعاصير Anti-Cyclones. الأعاصير وأضداد الأعاصير: تظهر الأعاصير في خرائط الطقس اليومية على هيئة دوائر مغلقة، وتسود الأعاصير خاصة بين خطي عرض 35 ْ، 65 ْ شمالًا وجنوبًا وبما أن الأعاصير وأضداد الأعاصير توجد في منطقة الرياح الغربية فإنها تتحرك من الغرب إلى الشرق مع اتجاه هذه الرياح، وفي حالة الإعصار يكون أقل أجزائه ضغطًا في المركز ثم يأخذ الضغط في الارتفاع نحو الأطراف، ويكون الاختلاف في الضغط بين المركز والأطراف حوالي بوصة, أما في حالة ضد الإعصار فإن المركز هو أكثر أجزائه ضغطًا ثم يقل الضغط نحو الأطراف ويكون الاختلاف بين المركز والأطراف حوالي نصف بوصة في المتوسط. حجم الإعصار وضد الإعصار: توجد أحجام مختلفة للإعصار ولكنها عادة تغطي مساحة كبيرة تبلغ مثلًا ثلث مساحة الولايات المتحدة الأمريكية أو الحوض الشرقي للبحر المتوسط أو بمعنى آخر حوالي 2 مليون كيلو متر مربع. اتجاه الإعصار وحركته: ذكرنا سابقًا أن الإعصار وضد الإعصار يتحركان عادة من الغرب إلى الشرق، غير أنه توجد بعض الأعاصير التي لا تتجه دائمًا من الغرب إلى الشرق كما أن الإعصار قد يتخذ طريقًا يختلف قليلًَا عن الطريق الذي تتخذه الأعاصير الأخرى، ومن ناحية سرعة حركة الإعصار نجد أنه في

"شكل47" الولايات المتحدة يتحرك الإعصار بسرعة حوالي 30 كيلو مترًا في الساعة أثناء فصل الصيف وحوالي 45 كيلو مترًا في الساعة أثناء فصل الشتاء، أما ضد الإعصار فهو أقل سرعة من الإعصار, وعلى هذا الأساس نجد أن الإعصار قد يستغرق يومين أو ثلاثة لعبور الولايات المتحدة من الساحل الغربي إلى الساحل الشرقي، كما أن الأعاصير التي تمر في شمال مصر تستغرق يومًا أو يومًا ونصف من حدود مصر الغربية إلى حدودها الشرقية. وكما هو الحال بالنسبة لمناطق الضغط والرياح من حيث إنها تتحرك نحو الشمال والجنوب مع حركة الشمس الظاهرية. فإن الأعاصير وأضداد الأعاصير تتحرك أيضًا نحو الشمال والجنوب من فصل لآخر، وقد عرفنا في فصل سابق أن إقليم البحر المتوسط يتعرض لأعاصير الرياح الغربية العكسية في فصل الشتاء فقط عندما تتحرك مناطق الضغط والرياح ويقع الإقليم في طريق الأعاصير التي تتحرك من الغرب إلى الشرق في منطقة نفوذ الرياح الغربية العكسية، أما في فصل

الصيف فإن إقليم البحر المتوسط يظل بعيدًا عن مناطق نفوذ الأعاصير فتسود به ظروف صحراوية جافة. تكون الإعصار وتاريخ حياته: يبدأ تكون الإعصار بتغلب الهواء الدافئ على الهواء البارد على طول جبهة يطلق عليها الجبهة الدفيئة. وباستمرار هذا التغلب يبدأ الإعصار في النمو والقوة، وفي الجزء الجنوبي والجنوبي الشرقي من الإعصار يوجد هواء دافئ قادم من المناطق المدارية ومتجه نحو المناطق القطبية، وفي الناحية الغربية والشمالية الغربية من الإعصار يوجد هواء بارد جاف ذو أصل قطبي، ودورة الهواء في الإعصار تسمح بأن ينزلق الهواء الدافئ فوق الهواء البارد في جزء من الإعصار وذلك على طول الجبهة الدفيئة، وفي جزء آخر يتقدم الهواء البارد نحو الجنوب فيدفع الهواء الدافئ إلى أعلى ويحل محله ويسمى هذا الجزء بالجبهة الباردة، ويظل تقدم الجبهة الباردة نحو الجبهة الدفيئة حتى تلتقي الجبهتان أخيرًا ويتمكن الهواء البارد من التغلب واقتطاع الجزء الدافئ من الهواء ورفعه إلى أعلى ويقضي على الإعصار أو يتم امتلاؤه ويسمى هذا Occlusion "شكل 48". ولا تتصف الأعاصير بعنف الرياح فيها إلا نادرًا. ومن المعروف أن سقوط الأمطار يصحب مرور الأعاصير بينما تكون السماء صافية والجو ميال للبرودة أثناء مرور ضد الإعصار؛ ذلك لأن الهواء في الإعصار يكون صاعدًا بينما في ضد الإعصار يكون هابطًا. صفات المطر المصاحب للإعصار: يمكن تمييز ثلاثة أجزاء في الإعصار بها مطر: 1- مطر الجبهة الدفيئة إلى الشمال والشمال الشرقي والشرق من مركز الإعصار حيث يتقابل الهواء الدافئ الرطب القادم من الجنوب مع الهواء البارد الجاف القادم من ناحية القطب "هذه الاتجاهات بالنسبة لنصف الكرة الشمالي" لذلك يصعد الهواء بسهولة فوق الهواء البارد كما لو كان الهواء البارد سلسلة جبلية

"شكل 48"

وتحدث عملية تبريد للهواء الدافئ ويبدأ تكون السحب وسقوط المطر أو الثلج ويتميز مطر الجبهة الدفيئة بأنه خفيف أو متوسط ولكنه يستمر فترة طويلة قد تصل إلى حوالي 24 ساعة دون انقطاع، ولذلك يكون هذا المطر مفيدًا للنباتات. 2- مطر الجبهة الباردة إلى الجنوب والجنوب الغربي من مركز الإعصار حيث يوجد أيضًا نطاق يضطر الهواء فيه إلى الصعود إلى أعلى، وهنا تندفع التيارات الهوائية الباردة القادمة من الغرب والشمال الغربي وتدفع الهواء الدافئ الذي يوجد أمامها إلى أعلى وتحل محله، وعلى طول الجبهة الباردة تكون الرياح عنيفة والمطر عادة غزيرًا ولكنه يستمر لفترة قصيرة. 3- هناك مطر يسقط في الجزء الدافئ من الإعصار ولكنه لا يرتبط بحركة انزلاق الهواء الدافئ فوق الهواء البارد على طول الجبهة الدفيئة، وإنما هو عبارة عن حركة تصعيد للهواء الدافئ في الجزء الشرقي والجنوب الشرقي من الإعصار، وتتكون في هذا الجزء السحب من النوع الركامي والمزن الركامي ويصحب سقوط الأمطار رعد وبرق. درجات الحرارة أثناء مرور الإعصار: في الجزء الجنوبي والجنوبي الشرقي من الإعصار توجد الكتل الهوائية الدفيئة وعلى ذلك يبدأ الإعصار بارتفاع درجات الحرارة أثناء مرور هذا الجزء من الإعصار، ثم تسود درجات حرارة عادية أثناء مرور الجزء الأوسط من الإعصار، ثم تنخفض درجات الحرارة فجأة عند وصول الجبهة الباردة في مؤخرة الإعصار "شكل 49" ويساعد انخفاض درجات الحرارة اشتداد سرعة الرياح في هذا الجزء الخلفي من الإعصار. درجات الحرارة أثناء مرور ضد الإعصار: من الطبيعي أن نتوقع مثلًا أن ضد إعصار شتوي قوي قادم من أوربا أو شمال غرب آسيا ومتجه نحو الجنوب حتى يصل إلى منطقة البحر المتوسط سوف يأتي معه بدرجات حرارة منخفضة هي المسئولة عن موجات البرد التي نشعر بها في مصر في بعض أوقات فصل الشتاء، أما إذا كان الهواء الشمالي قادمًا من منطقة المحيط الأطلسي فإن برودته تكون أقل، ويساعد على انخفاض درجات الحرارة أثناء مرور ضد الإعصار أن السماء تكون صافية وهذا يساعد على زيادة الإشعاع الأرضي أثناء ليل الشتاء الطويل.

"شكل 49"

الفصل الخامس: التصنيفات المناخية

الفصل الخامس: التصنيفات المناخية بعد أن استعرضنا في الفصول السابقة عناصر المناخ المختلفة، لا بد أن نصل إلى وسيلة تجمع هذه العناصر المختلفة بحيث تخدم بها دراسة أجزاء سطح الأرض ونلاحظ أنه لا يوجد جزءان على سطح الأرض يتصفان بصفات مناخية واحدة غير أنه لا بد من التجميع بحيث نضع الأجزاء المتشابهة مناخيًّا في إقليم مناخي واحد، وبذلك نستطيع إعطاء صفات عامة للإقليم كوحدة. والفرع الذي يعالج هذه الناحية يسمى دراسة التصنيفات المناخية Climatic Classifications. وتعتبر دراسة التصنيفات المناخية من أهم نواحي الدراسات الجغرافية، إذ المعروف أن الهدف النهائي في علم الجغرافيا هو الوصول إلى تقسيم سطح الأرض إلى أقاليم جغرافية متميزة والتعرف على الصفات الطبيعية والبشرية لكل إقليم وهي الصفات التي تميز ذلك الإقليم عن غيره من الأقاليم، لذلك كانت التصنيفات المناخية ذات أهمية كبيرة في هذا المجال؛ لأنها تسهم في تحديد الإقليم الجغرافي في ناحية من نواحيه، ونقصد بذلك صفات الإقليم المناخية. وربما كان أعم تقسيم مناخي هو ذلك الذي قدمه لنا الإغريق القدماء الذين قسموا الكرة الأرضية إلى ثلاثة نطاقات حرارية عظمى، ففي العروض المدارية يوجد الإقليم عديم الشتاء حيث درجات الحرارة مرتفعة طول العام، وفي العروض العليا يوجد الإقليم عديم الصيف حيث درجات الحرارة منخفضة طول العام، وفيما بين هذا وذاك يوجد إقليم واسع تتضح فيه الفروق المناخية بين فصل وآخر ذلك هو الإقليم المعتدل، وواضح من هذا التقسيم العام أن الأساس فيه هو عامل الحرارة فقط دون اعتبار لعناصر المناخ الأخرى. كذلك قدم بعض الجغرافيين العرب تقسيمات مناخية للعالم شبيهة بتقسيم الإغريق اعتمدوا فيها على اختلافات الحرارة تبعًا لخطوط العرض.

وفي العصر الحديث ظهر عدد كبير من التصنيفات المناخية من أهمها تصنيف سوبان Supan، وتصنيف كبن Koppen، تصنيف أوستن ملر Austin Miller، وتصنيف ثور نثويت Thornthwaite ثم تصنيف بيلي Bailey. ويعتبر تصنيف كبن أهم هذه التصنيفات وأكثرها ذيوعًا، وهو يستخدم في معظم دول العالم، وقد طبق على جهات عديدة بواسطة المهتمين بالدراسات المناخية في تلك الجهات لذلك سنفرد له الدراسة التالية: تصنيف كبن: كان هدف كبن أن يقدم تصنيفًا مناخيًّا يعتمد على أسس إحصائية بحيث يستطيع أي شخص استخدامه، كما حاول أن يجعل حدود أقاليمه المناخية تتمشى مع حدود الأقاليم النباتية؛ لأنه كان يؤمن بالارتباط الوثيق بين الظروف المناخية وتوزيع النباتات. وقد ظهر أول تصنيف لكبن سنة 1900، وقد استخدم فيه المتوسطات الشهرية والسنوية للحرارة والمطر. وقد قام كبن بتعديل تصنيفه عدة مرات في السنوات 1918، 1923، 1928، 1931، وأخيرًا ظهر التصنيف في ثوبه الأخير سنة 1936 في كتابه Hanbuch der Klimatologie. ويشمل تصنيف كبن خمسة أقاليم رئيسية أعطاها رموزًا مستخدمًا الحروف الأبجدية، وقسم الأقاليم الرئيسية إلى أقاليم فرعية على درجتين مستخدمًا في تقسيم الدرجة الأولى فصلية المطر، وفي تقسيم الدرجة الثانية فصلية الحرارة، وفي تمييز المناخ الجاف عن المناخات الأخرى استخدم كبن معادلة تجمع بين الحرارة والمطر حسب موسم سقوط الأمطار؛ ذلك لأن كبن كان يعتقد أن فاعلية المطر تتأثر بدرجات الحرارة السائدة وبموسم سقوط الأمطار. أقاليم كبن الرئيسية: يعتمد التمييز بينها على متوسط حرارة أبرد شهور السنة، والحروف هي: A,B,C,D,E.

الإقليم A به أبرد شهور السنة, حرارته أعلى من 18 ْم "64.4 ْف" الإقليم C به أبرد شهور السنة, حرارته بين - 3 ْم، 18 ْم "26.6 ْف، 64.4 ْف". الإقليم D به أبرد شهور السنة, حرارته أقل من- 3 ْم، ولكن أدفأ شهور السنة فوق 10 ْم "50 ْف". الإقليم E به أدفأ شهور السنة, حرارته أقل من 10 ْم. أما الإقليم B وهو الجاف فيميز عن الأقاليم الأخرى بواسطة معادلة، وقد قسم كبن المناخ الجاف إلى قسمين BS وهو مناخ الإستبس، BW وهو مناخ الصحراء "انظر توزيع كبن في العالم شكل100". وفيما يلي المعادلات التي استخدمها كبن لتمييز المناخ الجاف عن المناخات المطيرة "درجات الحرارة بالفهرنهيت وكمية المطر بالبوصة". فصل المطر الحد بين BS والمناخ المطير الحد بين BW,BS إذا كان المكان مطره صيفي إذا كان المكان مطره شتوي إذا كان المكان مطره طول العام حيث م هي كمية المطر السنوي عند منطقة الحد بين الإقليمين، ح هي متوسط الحرارة السنوي في المكان.

كذلك قسم كبن الإقليم E إلى قسمين: ET وبه تكون درجة الحرارة في أدفأ شهور السنة فوق الصفر المئوي "32 ْف"، EF وبه تكون درجة الحرارة في أدفأ شهور السنة تحت الصفر المئوي. التقسيم من الدرجة الثانية: قسم كبن هذه الأقاليم الرئيسية بواسطة حروف أبجدية صغيرة على أساس نظام المطر، فإذا كان المطر موزعًا على مدار السنة فإنه يضاف حرف f , وإذا كان فصل الجفاف في الشتاء يضاف حرف w، وإذا كان فصل الجفاف في الصيف يضاف حرف S، وحالة الجفاف هذه يقصد بها أن أقل من 30% من كمية المطر السنوي تسقط في ذلك الفصل حتى يعتبر جافًّا، وقد قسم كبن السنة إلى قسمين فصل صيف يمتد من مايو إلى أكتوبر وشتاء من نوفمبر إلى إبريل. وفي حالة الإقليم المداري A يشترط لإضافة الحرف f أن تكون كمية المطر في أي شهر من شهور السنة أكثر من 2.4 بوصة، ومن أقسام الإقليم المداري النوع الذي نطلق عليه النظام الموسمي ويستعمل له كبن الحرف m، وفيه يوجد فصل جفاف في الشتاء ولكن أمطار الصيف تكون من الغزارة بحيث تعوض جفاف الشتاء ويمكن التعرف على المناخ الموسمي طبقًا لهذه المعادلة: فإذا كان ناتج المعادلة أكثر من كمية المطر في أجف شهور السنة اعتبر المناخ موسميًّا وإلا فهو من نوع السفانا Aw "شكل100". التقسيم من الدرجة الثالثة: استخدم كبن حروفًا صغيرة لتمييز الأقاليم المناخية تبعًا لحرارة فصل الصيف، فيضاف حرف a إذا كان متوسط حرارة أدفأ الشهور فوق 22 ْم "71.6 ْف" ويضاف حرف b إذا كان متوسط حرارة أدفأ الشهور بين22 ْم،10 ْم "71.6 ْف، 50 ْف" ويضاف حرف c

إذا كانت حرارة أدفأ الشهور أقل من 10 ْم، أما إذا كانت حرارة أبرد الشهور أقل من--38 ْم "--36.4 ْف" فإننا نضيف حرف d. أما في حالة المناخ الجاف B فقد استخدم كبن متوسط الحرارة السنوي لتمييز أقسامه من ناحية الحرارة. فإذا كان المتوسط السنوي للحرارة فوق 18 ْم أضيف الحرف h، وإذا كان أقل أضيف الحرف k، وإذا كان متوسط الحرارة في أدفأ الشهور أقل من 18 ْم أضيف الحرف k. إضافات أخرى: إذا كان المدى الحراري السنوي أقل من 5 ْم "9 ْف" أضيف حرف i. وإذا كانت قمة الحرارة تأتي قبل ميعاد الانقلاب الصيفي أضيف الحرف g. كذلك يضاف حرف n إذا كان الإقليم يتميز بكثرة الضباب. ولم يحاول كبن تصنيف مناخ الجبال المرتفعة لذلك يرمز لها في خرائطه عادة بالحرف1 H.

_ 1 B.Haurwitz & J. M Austin, "Climatology", New YorK 1944

الفصل السادس: المناخ التفصيلي

الفصل السادس: المناخ التفصيلي مقدمة: من المعروف أن معظم الدراسات التي تطالعنا في كتب المناخ تعتمد على إحصاءات مناخية مأخوذة من سجلات المراصد التي توضع أجهزتها في أكشاك تعلو عن سطح الأرض بمسافة مترين. وهذا الارتفاع موحد عالميًّا، لذلك فإن هذه الأرصاد تتم بعيدًا عن المستوى الذي يتأثر بالعوامل المحلية التفصيلية، ولما كانت الأحوال الجوية والمناخية في النطاق المحدود الذي يوجد من سطح التربة حتى ارتفاع المترين لها أهمية كبيرة من الناحيتين النظرية والعملية، فإن دراسة المناخ التفصيلي microclimatology تعتبر من أهم فروع علم المناخ. فسطح التربة هو الذي يمثل المصدر الذي يعطي الهواء حرارته ورطوبته حيث إن أشعة الشمس تخترق الهواء دون أن يمتص منها شيئًا يذكر والغالبية تصل إلى سطح الأرض فتسخنه ويقوم هو بتسخين طبقات الهواء التي تعلوه مبتدئًا بطبقة الهواء التي تلامس التربة مباشرة، وهذه الطبقة من الهواء هي موضوع دراسة المناخ التفصيلي. كذلك يؤثر شكل سطح الأرض على حركة الهواء من حيث اتجاهه وسرعته. أما من الناحية العملية فإن طبقة الهواء القريبة من سطح الأرض هي التي تؤثر في النباتات، ذلك لأن معظم النباتات تنمو قريبة من سطح الأرض وتحت ارتفاع المترين ولذلك يهتم الزراع بأحوال المناخ على النطاق التفصيلي micro وليس على النطاق الإقليمي الواسع macro كذلك يهتم هذا الفرع من علم المناخ إلى جانب هذا بدراسة مناخ المدن أو أجزاء منها والمزارع والغابات1.

_ 1 Sutton o. Y., "Understanding Weather," 1960 pp. 179-206

وللأسف نجد أن معظم الدراسات التي تتعلق بهذا الفرع قد عملت في العروض المعتدلة خاصة في ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية بعيدًا عن العروض المدارية والقطبية التي ما زالت تنتظر الدراسة التفصيلية: الحرارة: تعتبر الحرارة من أهم العوامل التي تؤثر في نمو النباتات، لذلك فإنها تأتي في مقدمة عناصر المناخ التي يهتم بها في الدراسة التفصيلية. وإذا نظرنا إلى هذا العنصر نجد أولًا أنه في طبقات الهواء القريبة من سطح الأرض تنتقل الحرارة من أسفل إلى أعلى ببطء شديد إذا ما قورنت بانتقالها بين طبقات الهواء في الارتفاعات التي فوق ذلك. والسبب في هذا هو أن المظاهر الطبوغرافية لا تتيح الحركة الحرة للهواء إلى أعلى. وعندما لا يتحرك الهواء نفسه من أسفل إلى أعلى، فإن انتقال الحرارة يتم عن طريق التوصيل Conduction فقط. ومن المعروف أن انتقال الحرارة من طبقة من الهواء إلى طبقة أخرى بواسطة حركة الهواء إلى أعلى تعادل 10 ْ من قوة انتقال الحرارة بين طبقات الهواء عن طريق التوصيل. فإذا نظرنا إلى تناقص الحرارة بالارتفاع في القدم أو القدمين من الهواء اللذان يعلوان سطح الأرض مباشرة نجدها نتيجة لذلك تنخفض بسرعة كبيرة في هذا الحيز. وقد أجريت تجربة في مدينة رفرسايد Riverside بولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية على طريق أسفلت بعد ظهر أحد الأيام فوجد أن حرارة الأسفلت نفسه مرتفعة بمقدار 18 ْف عن درجة حرارة الهواء على ارتفاع قدم واحد من سطح الأسفلت "انظر شكل 50"، ومن الممكن أن توجد مثل هذه الحالة في أي مكان آخر، ولكن بمعدل تناقص للحرارة Lapse rate أقل من هذا، وذلك عندما يكون سطح الأرض مكونًا من تربة بها بعض الرطوبة؛ ذلك لأن جزءًا من أشعة الشمس التي تصل إلى سطح التربة يستنفذ في تبخير الماء الموجود في التربة. كذلك تعتمد حرارة الجزء الأسفل من الغلاف الغازي القريب من سطح الأرض على مدى قدرة التربة على توصيل الحرارة إلى الهواء وهو ما يعبر عنه باصطلاح Heat conductivity 1, فإذا كانت هذه القدرة قليلة فإن سطح التربة يصبح شديد

_ Blair A. Thomas, "Weather Elements," N.J. 1959, p. 96 Willett Hurd C., "Descriptive meteorology," New York 1959, p. 38

الحرارة؛ لأنه يحتفظ بأشعة الشمس المرسلة إليه أو بمعظمها والعكس صحيح، وفي حالة انخفاض قدرة التربة على توصيل الحرارة إلى طبقة الهواء التي تعلوها، فإن جزءًا كبيرًا من حرارة التربة يتجه إلى أسفل متغلغلًا إلى باطن التربة فيقوم بتسخين التربة السفلى Subsoil أما في حالة سطح الماء فإن حرارة السطح لا ترتفع كثيرًا لأن نفاذ الحرارة إلى الطبقات السفلى يتم بدرجة أسرع، ولأن جزءًا من الحرارة يستنفذ في عملية تبخير الماء. "شكل 50" وقد أجرى الأستاذ جيجر دراسة لمكان قريب من مدينة ميونيخ بألمانيا لحصر عدد الأيام التي تزيد حرارتها عن 77 ْف "25 ْم" على ارتفاعات مختلفة من سطح الأرض وتوصل إلى النتائج التالية في الجدول:

أما أثناء الليل فإن أقل درجات حرارة تحدث أيضًا عند سطح الأرض مباشرة حيث إن فقدان الحرارة بالإشعاع يبلغ أقصاه من سطح الأرض، ومن المعروف أن سطح الأرض يفقد حرارته بالإشعاع أسرع من فقدان الهواء لها؛ لذلك نجد هناك انقلابًا في التوزيع العمودي للحرارة Temperature inversion في طبقات الهواء القريبة من سطح الأرض خاصة في الليالي التي لا توجد بها سحب والتي تتميز بعدم حركة الهواء؛ لأن ذلك يساعد على سرعة فقدان الحرارة من سطح الأرض1. وحيث إن قدرة الهواء على توصيل الحرارة أقل من قدرة التربة فإن التربة المسامية أقل قدرة على توصيل الحرارة من التربة الصماء أو ضيقة المسام، كما أن الأرض المحروثة أقل قدرة على توصيل الحرارة من الأرض غير المحروثة، كذلك الأرض المغطاة بالقش أو الحشائش الجافة أقل قدرة على توصيل الحرارة من الأرض العارية وذلك بسبب وجود الهواء بين عيدان القش وبعضها أو بينها وبين التربة. لذلك يحدث الصقيع في أغلب الأحيان في المناطق المغطاة بالقش ولذلك يجب التخلص من الحشائش الجافة التي تغطي التربة في المناطق المعرضة لحدوث الصقيع. الرطوبة: كما هو الحال بالنسبة للحرارة فإننا نجد رطوبة الهواء تبدي تغيرًا سريعًا في الاتجاه العمودي من سطح الأرض وخلال الطبقة المحدودة من الهواء القريبة من السطح. ولكي نتفهم توزيع الرطوبة في الجزء الأسفل من الغلاف الغازي لا بد أن نناقش أولًا الرطوبة المطلقة absolute humidity ذلك لأن دراسة هذا العنصر تتيح التعرف على الضوابط الطبيعية التي تؤثر على توزيع الرطوبة في الهواء. ولما كان مصدر رطوبة الهواء هو سطح الأرض فإن أعلى نسبة للرطوبة تكون عند سطح الأرض مباشرة والاستثناء لهذا يوجد في حالتين: الأولى عندما تكون هناك عملية تصعيد قوية للهواء المحمل ببخار الماء إلى الطبقات العليا والثانية عندما يحدث تكاثف في طبقة من الهواء تعلو بعض الشيء عن سطح الأرض. أما التغير اليومي للرطوبة المطلقة فإنه يحكم بواسطة الضوابط الطبيعية السابق ذكرها, فالحد الأدنى للرطوبة المطلقة عند سطح الأرض يحدث في الساعات المبكرة من النهار

_ 1 Trewartha Glenn T., "An lntroduction to Climate, New YorK 1954, P.30

عندما تكون الحرارة منخفضة، وكلما ارتفعت درجات الحرارة ترتفع كمية الرطوبة في الهواء بسرعة حتى تصل إلى نهايتها العظمى قبل الظهر ثم تبدأ الرطوبة المطلقة في القلة مرة أخرى لسببين أولهما أن سطح الأرض يصير جافًّا نسبيًّا بعد أن استمر التبخر منه لساعات طويلة من شروق الشمس حتى الظهر, وثانيهما أن انتقال بخار الماء من طبقة الهواء القريبة من سطح الأرض إلى الطبقات العليا تتم بسرعة كبيرة في ساعة الظهيرة ولذلك تقل كمية بخار الماء في الهواء القريب من سطح الأرض في الوقت الذي ترتفع فيه الحرارة إلى حدها الأقصى، ويبدو هذا الحد الأدنى للرطوبة المطلقة أكثر وضوحًا في المناطق الصحراوية الجافة. أما في ساعات المساء فتبدأ الرطوبة المطلقة في الارتفاع مرة أخرى. أما عن الرطوبة النسبية Relative humidity فإنها تقل كلما ارتفعنا عن سطح الأرض رغم أن درجة الرطوبة النسبية لا تتوقف على كمية بخار الماء في الهواء فقط، وإنما تتوقف في المقام الأول على درجات الحرارة. وقد لوحظ اختلاف يصل إلى 40% في درجة الرطوبة النسبية بين الهواء على ارتفاع 5 سم من سطح الأرض والهواء على ارتفاع 200 سم من سطح الأرض. ويمكن القول بصفة عامة أن معدل تناقص الرطوبة النسبية بالارتفاع أكثر وضوحًا أثناء الليل عنه أثناء النهار، ففي أثناء الليل تنخفض حرارة الهواء الملامس لسطح الأرض عن حرارة الهواء الذي يعلوه بدرجة واضحة كذلك تقل كمية بخار الماء في الهواء كلما ارتفعنا لذلك تنخفض الرطوبة النسبية بالارتفاع. أما خلال النهار فإن الحرارة تكون مرتفعة بالقرب من سطح الأرض وتقل بسرعة بالارتفاع -كما ذكرنا من قبل- لذلك فإن الرطوبة النسبية بالقرب من سطح الأرض لا تعلو كثيرًا عنها في طبقات الهواء الأكثر ارتفاعًا. ومهما كانت كمية بخار الماء كبيرة في الهواء القريب من سطح الأرض فإن ارتفاع الحرارة ارتفاعًا شديدًا يجعل الرطوبة النسبية منخفضة1. الرياح: تتغير الرياح أيضًا في اتجاهاتها وسرعتها بالقرب من سطح الأرض

_ 1 Landsberg, H: "Physical Climatology", p. 216 1945, poc

فتختلف بذلك عن الرياح في طبقات الهواء الأعلى. فبالقرب من سطح الأرض تكون الرياح بطيئة للغاية وذلك بسبب تأثير عوائق السطح Surface friction، ثم تزداد سرعة الرياح كلما ارتفعنا لأن عوائق السطح تقل أو ينعدم تأثيرها على الرياح1. ومن الجدول التالي يتضح أن عدد المرات التي سجلت فيها حالات ركود في الهواء تزيد في النطاق القريب من سطح إذا قورن بالنطاقات التي تعلوه: ونلاحظ أن حالات ركود الهواء تزداد بصفة خاصة في الساعات المتأخرة من المساء، ويقل عدد حالات الركود كلما ارتفعنا إلا في حالات نادرة، ومن الملاحظ أيضًا أن سرعة الرياح تزداد أثناء النهار عنها أثناء الليل. وبعد مناقشة أهم عناصر المناخ في الحيز الصغير من الغلاف الغازي القريب من سطح الأرض نفرد جزءًا لتوضيح أهم عناصر البيئة الطبيعية التي تؤثر على الأحوال المناخية التفصيلية. تأثير مظاهر السطح على المناخ التفصيلي: من المعروف أن مظاهر السطح تؤثر في الأحوال المناخية العامة على المقياس الكبير، كذلك نلاحظ أن مظاهر السطح

_ 1 Taylor, F. George, "Elementary Meteorology", 1959. pp. 133-134

تؤثر على الأحوال الجوية والمناخية في الحيز الصغير من الغلاف الغازي الذي نحن بصدده. ومن أهم مظاهر تأثير التضاريس على المناخ التفصيلي ظاهرة انحدار الهواء البارد إلى الأجزاء المنخفضة من سطح الأرض أثناء الليل، ويحدث هذا حتى بالنسبة للحفر الصغيرة. وقد قام الأستاذان مدلتون وميلار1 بقياس درجات الحرارة في أحد الشوارع الرئيسية في مدينة تورنتو Toronto في كندا وهو شارع يونج Yonge الذي يشق المدينة من بحيرة أنتاريو Ontario حتى الطرف الشمالي للمدينة وذلك في يوم 22 فبراير سنة 1936، وقد أجريت التجربة بواسطة ترمومتر ثُبِّت في سيارة على ارتفاع 27 بوصة من سطح الأرض. وقد بدئ في قياس درجات الحرارة على طول الطريق بعد منتصف الليل بست دقائق واستغرق القياس أربعين دقيقة في الاتجاهين من وإلى البحيرة، وكان الطرق مموجًا أي به ارتفاعات وانخفاضات. وقد تميز ذلك المساء الذي أجريت فيه التجربة بخلو السماء من السحب. وقد اتضح من القياس "شكل 51" أن درجات الحرارة تنخفض انخفاضًا واضحًا في الأجزاء المنخفضة من الطريق وبدرجة أقل من الأجزاء المنخفضة القريبة من البحيرة بسبب تأثير نسيم البحيرة على رفع درجات الحرارة بعض الشيء. وأهم ما يلاحظ هو الانخفاض الكبير لدرجات الحرارة عند الميل السابع من الطريق. وهذا التباين الواضح في درجات الحرارة بين قيعان الأودية والأجزاء المرتفعة يحدث بوجه خاص في الليالي الصحوة الهادئة الهواء, ففي مثل تلك الليالي يبرد سطح الأرض بسرعة بفعل الإشعاع وتنخفض درجة حرارة الهواء القريب من سطح الأرض فيبدأ هذا الهواء البارد الثقيل في الانزلاق إلى بطون الأودية والأجزاء المنخفضة من سطح الأرض حيث يتجمع فيها. ويشبه انحدار الهواء إلى أسفل انحدار الماء من أعلى الجبل إلى أسفل الوادي ولكن مع الفارق. وقد يقال إن انحدار الهواء من أعلى إلى أسفل يؤدي إلى تدفئته عن طريق الضغط بالهبوط adiabetic heating فإن هذا وإن صح في حالة المناخ الإقليمي على المقياس الكبير إلا أنه غير صحيح في حالة المناخ التفصيلي؛ ذلك لأن الارتفاعات صغيرة والمسافة التي ينحدرها الهواء لا تسمح

_ 1 Haurwitz Bernhard and James M. Austin, "Climatology", N. Y. 1944, p.164

بتدفئته أثناء هبوطه. والذي يحدث عادة أن الهواء البارد عندما ينزلق إلى الأجزاء المنخفضة فإنه يطرد الهواء الدافئ الموجود في بطن الوادي إلى أعلى، فيصعد هذا الهواء الدافئ نسبيًّا ويحتل جوانب الانحدار التي تصبح نتيجة لذلك أكثر دفئًا من بطن الوادي, ويتخذ الهواء الدافئ المتصاعد شكل دوامات على جانبي الوادي. وهذا الهواء الدافئ نفسه يبرد بعد ذلك ثم ينحدر مرة أخرى إلى بطن الوادي وهكذا1. وقد قام الأستاد جيجر Geiger بدراسة مماثلة إذ إنه سجل النهايات الصغرى للحرارة خلال سنة كاملة في بقعة قطعت غاباتها ومنسوب الانحدار فيها 1: 200 بالقرب من مدينة ميونيخ في جنوب ألمانيا. وقد وجد جيجر أنه حتى في الأجزاء

_ 1 Blair A. Thomas, "Climatology, General and Regional", N. Y. 1942, pp. 78-82

ذات السطح المستوي فإن انزلاق الهواء قد يعوقه حاجز بسيط مثل جذوع الأشجار الملقاة على سطح الأرض. وفي الجدول التالي نجد النهايات الصغرى للحرارة خلال شهري مايو ويونيه عندما يكون فصل الصقيع قد قارب الانتهاء، وخلال شهر أكتوبر أي في بداية فصل الصقيع. وقد أخذت القياسات في ثلاث نقط على طول المنحدر كل منها على ارتفاع 5 سنتيمترات عن سطح الأرض، وكانت النقطة الأولى عند حضيض المنحدر والثانية على بعد 48 مترًا من النقطة الأولى وعلى ارتفاع يزيد عن النقطة الأولى بـ 24 سنتيمترًا والثالثة على بعد 80 مترًا من النقطة الأولى وتزيد في ارتفاعها 40 سنتيمترًا عن النقطة الأولى. وقد وجد جيجر أن المتوسط الشهري للنهايات الصغرى أقل بكثير عند حضيض المنحدر عنها عند أعلى المنحدر، وبالتالي فإن التعرض للصقيع أكثر خطورة في الأجزاء المنخفضة عنه في الأجزاء المرتفعة. ورغم أن الفروق في درجات النهايات الصغرى للحرارة قليلة إلا أن هذه الفروق ذات أهمية كبيرة خصوصًا إذا لاحظنا أن هذه الارتفاعات محدودة أولًا وأن الفرق

بينها قليل جدًّا، كذلك نلاحظ أن مستوى هذه الارتفاعات جميعًا أقل من المستوى الذي توضع فيه أجهزة المراصد وهو مترين. أما عن سرعة الهواء الذي ينحدر من أعلى إلى أسفل فهي سرعة محدودة لا تزيد في العادة عن متر واحد في الثانية، ومن أهم العوامل التي تؤثر في حركة انحدار الهواء شكل الانحدار واتجاهه1، ولكي نتعرف على تأثير شكل الانحدار واتجاهه نضرب مثالًا بتل قبابي سيمتري الشكل غير شديد الانحدار، وبذلك تكون كمية الإشعاع الشمسي التي يستقبلها أي جزء من التل متوقفة على عوامل أخرى خلاف انحدار التل واتجاهه. والمفروض في هذه الحالة أن الجانب الشرقي يستقبل كمية من الأشعة مساوية للجانب الغربي من التل وأن أشعة الشمس توزع على الجانبين بالتساوي فهي تسخن الجانب الشرقي من شروق الشمس حتى الظهر وتسخن الجانب الغربي من الظهر حتى الغروب "على شرط أن تتساوى جميع الأشياء الأخرى مثل كمية السحب وحركة الهواء". غير أن التجارب الواقعية دلت على أن درجات الحرارة على الجانب الغربي من التل تكون أعلى من درجات الحرارة على الجانب الشرقي والسبب في ذلك أنه خلال النصف الأول من النهار وعندما تكون أشعة الشمس مسلطة على الجانب الشرقي من التل فإن الهواء يسخن أيضًا ويقوم هذا الهواء بتسخين الجانب الغربي من التل بعض الشيء وعندما تصل أشعة الشمس إلى الجانب الغربي في النصف الثاني من النهار فإنها لا تبدأ التسخين من الصفر، في حين أن تسخين الجانب الشرقي في الصباح يبدأ من الصفر بعد ساعات الليل الباردة. لذلك فإن السفوح الغربية للمرتفعات تكون أكثر حرارة من السفوح الشرقية إذا تساوت جميع الظروف الأخرى. ولما كان أشعة الشمس تصيب السفوح الجنوبية في نصف الكرة الشمالي أكثر من غيرها فإنه يمكننا أن نضيف أن السفوح الجنوبية هي أكثر السفوح حظوة بأشعة الشمس. وهذه القاعدة صحيحة إذا كانت المرتفعات ذات شكل منتظم وهو ما لا يتوفر في الطبيعة دائمًا، فقد يحدث أن يكون اتجاه التل بحيث تسلط أشعة الشمس على

_ 1 Sverre Petterssen, "Introduction to Meteorology" 1958, N. Y. pp. 164-169

سفحه الشرقي معظم ساعات النهار وحينذاك تكون درجات الحرارة على السفح الشرقي أعلى منها على أي جانب آخر. وهناك عامل آخر يتدخل لتغيير هذا الوضع المثالي وهو كمية السحب، فلو حدث أن زادت كمية السحب بعد الظهر فإن هذا يقلل من كمية أشعة الشمس التي تصل إلى الجانب الغربي. وهذه الحالة شائعة في العروض المدارية القريبة من خط الاستواء حيث تتجمع سحبها في ساعات ما بعد الظهر. أما عن التبخر فإنه يتدخل لصالح رفع درجات الحرارة على الجانب الغربي من التلال؛ ذلك لأن جزءًا كبيرًا من المياه التي توجد في التربة على الجانب الغربي يتبخر في النصف الأول من النهار، لذلك فإن ما يضيع من الحرارة في التبخير عندما تصل أشعة الشمس إلى الجانب الغربي يكون محدودًا، في حين أن جانبًا كبيرًا من أشعة الشمس المرسلة إلى الجانب الشرقي يضيع في تبخير المياه الموجودة في التربة على ذلك الجانب. وإلى جانب الحرارة التي تنال الاهتمام الأكبر في دراسة العلاقة بين مظاهر السطح والمناخ فإن الرياح والمطر يظهران تأثرًا ملحوظًا بالسطح أيضًا. فعلى المقياس الإقليمي الكبير نجد أن السفوح المواجهة للرياح تنال كمية أكبر من الأمطار إذا قورنت بالسفوح التي توجد في منصرف الرياح. أما على المقياس التفصيلي فإن الارتفاعات محدودة لدرجة أنها لا تؤثر على تبريد الهواء وحدوث التكاثف، ولذلك فإن العامل الأساسي الذي يؤثر في كمية المطر هو سرعة الرياح. وفي استعراض

توزيع الرياح وأثر مظاهر السطح, نعود مرة أخرى إلى المثال السابق الخاص بالتل القبابي السيمتري الشكل. وقد أجرى الأستاذ جيجر عدة تجارب أثبت بها أن سرعة الرياح تزداد على الجانب المواجه للرياح وخاصة عند قمة التل، كذلك تشتد السرعة على جانبي التل؛ ذلك لأن الرياح تعبر فوق التل وتدور حوله أيضًا لأن ارتفاعه ليس كبيرًا وامتداده ليس واسعًا. أما على الجانب الآخر للتل Lee side فإن سرعة الرياح تقل. ويتفق توزيع المطر مع توزيع الرياح فحيثما تشتد سرعة الرياح يقل المطر لذلك فإن كمية المطر تزداد على الجانب غير المواجه للرياح وهذا عكس ما يحدث على النطاق الإقليمي، والأدلة على ذلك كثيرة فالثلج الساقط يزداد على جوانب الكتل الصخرية والأشجار والمباني غير المواجهة للرياح، وبناء حواجز الثلج يراعى فيها أن تكون على الجوانب غير المواجهة للرياح. أثر النباتات على أحوال المناخ التفصيلي: يختص هذا الجزء بمناقشة تأثير النباتات على الأحوال المناخية التفصيلية، وتأثير النباتات هنا له أهمية واضحة؛ ذلك لأن معظم النباتات تنمو قريبًا من سطح الأرض، ووجود غطاء نباتي يعطي خصائص معينة لسطح الأرض كما أنه يغير من شكل الأرض1. أما فيما يتعلق بإعطاء التربة خصائص معينة فإننا نجد أن الأرض التي بها نباتات تمتص قدرًا أكبر من الحرارة إذا قورنت بالتربة العارية من النباتات، أما كمية الإشعاع الأرضي الذي يتم على هيئة موجات طويلة فهي أقل في حالة التربة ذات الغطاء النباتي عن التربة العارية، ومعنى هذا أن هناك توازن حراري للسطوح التي تغطيها النباتات عن تلك التي لا تغطيها نباتات. كذلك نجد أن النباتات توجد بها عدة سطوح لاستقبال الأشعة أو فقدانها ممثلة في الفروع والأوراق، لذلك فإن الفروع والأوراق العليا تحمي الفروع والأوراق السفلى من اكتساب قدر زائد أو فقدان قدر زائد من الحرارة وهكذا لا توجد تطرفات حرارية. وهناك عامل آخر يؤثر على حرارة السطوح المغطاة بالنباتات وهو تكون الندى الذي يعوق خروج الإشعاع الأرضي بنسبة تصل أحيانًا إلى 30% والعامل الوحيد

_ 1 Hawruitz, Bernhard, and Austin, James M. "Climatology", p.195

الذي يقلل من حرارة المناطق المغطاة بالنباتات هو عامل التبخر الذي يزداد حيثما توجد نباتات ولكن تأثيره لا يعادل العوامل الأخرى التي تساعد على زيادة الحرارة المكتسبة في المناطق التي بها غطاءات نباتية. ووجود غطاء نباتي يؤثر أيضًا على سرعة الرياح إذ هو يحد منها، ويزداد سمك طبقة الهواء التي تتأثر بهذا العامل كلما زاد ارتفاع النبات عن سطح الأرض كما هو الحال بالنسبة للأشجار العالية، كما يتضح من الجدول التالي: ويتضح من هذا الجدول أن سرعة الرياح قليلة بين جذوع الأشجار، ثم تزداد السرعة قليلًا عند قمم الأشجار، ولكنها تقفز مرة واحدة إذا ارتفعنا إلى ما فوق الأشجار. أما عن تأثير النباتات على الحرارة والرطوبة فيمكن الرجوع إلى شكل 53 حيث يظهر الجزء العلوي منه توزيع الحرارة في حقل قمح خلال فترات نموه المختلفة، ويبدو ارتفاع عيدان القمح بالخطوط الرأسية المظللة. وفي جميع الحالات يبدو تأثير امتصاص النبات لأشعة الشمس، فنلاحظ أن درجات الحرارة تتغير بسرعة كلما ارتفعنا خلال عيدان القمح بينما التغير قليل مع الارتفاع بعد أن نصعد فوق قمة النبات، ويرجع ذلك إلى أن حركة الحرارة إلى أعلى بطيئة بسبب تأثير النبات، وكلما كبر النبات وارتفع كلما قلت كمية أشعة الشمس التي تصل إلى سطح التربة، لذلك فإن أعلى درجة حرارة لا تكون عند التربة مباشرة وإنما على ارتفاع منها1.

_ 1 Sutton, O. G., "The Challenge of the Atmosphere", New York , 1961, pp. 159-179

ويظهر من الرسم أن القمح قد حصد في 26 يوليو لذلك فإن الخط البياني الأخير وهو خاص بالفترة من 26 يوليو إلى 12 أغسطس يوضح تناقص الحرارة بالارتفاع Lapse Rate على تربة عارية. أما تناقص الحرارة بالارتفاع أثناء الليل فهو موضح في الجزء الثاني من شكل 53 ومنه يتضح أن الأحوال عكس ما يوجد أثناء النهار، فعندما يكون النبات قصيرًا أو معدومًا فإن أقل درجات حرارة أثناء الليل تسجل عند سطح التربة مباشرة. وعندما يكبر النبات فإن أقل درجات حرارة تسجل على ارتفاع يقع بين سطح التربة وقمة النبات؛ وذلك لسببين: الأول أن الحرارة المفقودة لا تأتي من قمة النبات فقط ولكن من الأجزاء السفلى منه أيضًا؛ لأن قمم النبات لا تمثل سطحًا مستويًا متصلًا، والسبب الثاني هو أن الهواء الذي يوجد عند قمم النبات عندما يبرد فإنه يهبط من مكانه قليلًا ولكنه لا يصل إلى سطح التربة كما أن سطح التربة نفسه لا يمثل السطح الأساسي للإشعاع الأرضي لأنه مغطى بالنبات. لكل هذا فإن أقل درجات حرارة أثناء الليل في حقل القمح توجد في منتصف المسافة تقريبًا بين سطح التربة وقمة عيدان القمح1. ويختلف توزيع الحرارة في المزارع المختلفة إذا كانت النباتات من نوع آخر غير القمح، فقد سجلت أعلى درجات حرارة في حديقة زهور عند قمم النباتات تمامًا

_ 1 United States Department of Agriculture "Climate and Man", 1941,"S. C. Salmon: Climate and Small Grains", pp. 321-342

إذ إن أوراق الزهور تكون مسطحًا متصلًا يقوم مقام سطح التربة ويختلف عن سطح عيدان القمح، لذلك فإن سطح الزهور هو الذي يستقبل معظم أشعة الشمس الواردة وهو الذي يشع هذه الأشعة بدوره على هيئة موجات طويلة إلى الفضاء. كذلك الحال بالنسبة للغابات حيث إن تيجان الأشجار تقوم بدور سطح الأرض في استقبال أشعة الشمس وإشعاعها. وأعلى درجات حرارة خلال النهار في مناطق الأشجار توجد عند قمم الأشجار ثم تقل الحرارة نحو سطح الأرض الذي يوجد في الظل، أما فوق قمم الأشجار فإن الحرارة تقل بالمعدل العادي، وفي أثناء الليل يكون الهواء في الغابة أدفأ من الهواء في العراء؛ ذلك لأن الهواء داخل الغابة يكون محميًّا بواسطة جذوع الأشجار، وأثناء النهار يكون الهواء داخل الغابة أبرد من الهواء في العراء؛ وذلك بسبب الظل الذي توفره الأشجار وبسبب ضياع جزء من الحرارة في عملية التبخر، لذلك فإن الغابات تنشئ في المناطق التي توجد بها نظامًا شبيهًا بنسيم البحر والبر حيث تقوم الغابة في هذه الحالة بدور البحر، أما من ناحية الرطوبة فإنها تكون أعلى في مناطق النباتات عنها في المناطق الخالية وذلك بسبب ارتفاع كمية التبخر في مناطق النباتات. خاتمة: وهكذا نجد كيف أن الأحوال الجوية والمناخية في النطاق المحدود القريب من سطح الأرض بما فيه من تفاصيل طبوغرافية ونباتات ذات أهمية كبيرة كما أن بها الكثير من الدقائق التي تخفيها الدراسة المناخية الإقليمية. ولا شك أن دراسة المناخ التفصيلي تحتاج إلى التجارب الخاصة التي تجرى في منطقة البحث لأن القياسات التي تحتاجها لا تأتي عن طريق المراصد الجوية العادية. ولا بد لكي يتقدم علم المناخ والدراسات المناخية من الاهتمام بالمناخ التفصيلي، إذ علاوة على أهميته من الناحية الأكاديمية فإن له أهمية لا تنكر من الناحية التطبيقية.

الفصل السابع: المناخ والإنسان

الفصل السابع: المناخ والإنسان من الأمور التي تشغل بال السكان دائمًا هي كيف يمكنهم أن يعيشوا دون التعرض لتطرفات المناخ وتقلباته، وقد يكون الاهتمام بالمناخ هو السبب في أن أول موضوع للمناقشة في الصباح عندما يلتقي شخص بآخر يتناول الكلام عن حالة الطقس، وتبدو هذه الظاهرة واضحة على وجه الخصوص في البلدان التي يتميز طقسها بالتقلب من يوم ليوم ومثال ذلك الجزر البريطانية. وحتى في الجهات التي يستقر فيها الطقس وتقل تقلباته أو بمعنى آخر تسير الأحوال الجوية على وتيرة واحدة في فصول السنة المختلفة ومثال ذلك المناطق الاستوائية، فإن السكان كثيرًا ما يشيرون إلى الجو بل ويستخدمون بعض مظاهره كمواعيد ونضرب لذلك مثلًا بوقت سقوط المطر فيما بعد الظهر، فقد يتفق شخصان على التلاقي ويحددان ميعادًا لمقابلتهما قبل المطر أو بعده. وقد تعرف الإنسان على أهمية المناخ وتأثر به بصور مختلفة على مر العصور، فنجده قد صنع الشراع واستخدم الرياح في دفعه، وأقام الزراعة معتمدة على المطر قبل أن يعرف وسائل الري. كذلك لجأ إلى رد غائلة قسوة المناخ باستخدام النار والملابس للتدفئة في الجهات الباردة وغير ذلك من نواحٍ يضيق المجال عن حصرها. ونحن إذ نذكر هذا نود أن نؤكد أننا لا نقصد العودة بالتفكير الجغرافي إلى نظرية الخدم Environmenlalism، إذ إن أفكار وآراء الآنسة سمبل Miss Semple وكذلك الأستاذ هنتنجتون Ellsworth Huntington في كتاباتهما المتعددة قد أصبحت في ذمة التاريخ ولم يعد يؤمن بها سوى قلة نادرة

من الجغرافيين1. ولا شك أن هنتنجتون كان مبالغًا عندما ربط التاريخ البشري كله وبجميع تفاصيله وأحداثه بظروف المناخ وتغيراته. وقد وجدت فئة أخرى من العلماء عكفت على هدم نظريات سمبل وهنتنجتون وإثبات بطلانها. غير أن هذه الفئة الأخرى قد تطرفت أيضًا في منحاها نحو إغفال أثر عامل المناخ والتقليل من شأنه، ويمكننا القول أن تلك الفئة -التي تغلب العامل البشري وتجعل منه كل شيء ومن البيئة الطبيعية لا شيء- لا تقل انحرافًا عن هنتنجتون ومدرسته، ولكن ما يجب عمله هو إبراز أثر المناخ إذا وجد له أثر وتجنب إقحامه إذا لم يكن أثره ملموسًا، وغني عن الذكر أنه في إطار الظروف المناخية خاصة والطبيعية عامة للبيئة الجغرافية يستطيع الإنسان أن يكيف نفسه وأن يختار الطريق الذي يروق له داخل ذلك الإطار الذي تقدمه البيئة الطبيعية. ومن منا ينكر أن درجات الحرارة تتغير من الصيف إلى الشتاء وأننا نغير ملابسنا بين فصل وآخر مع تغيرات الحرارة2. وقد ظهرت نظريات كثيرة عن ارتباط المناخ بالإنسان من المراحل الأولى للحضارة البشرية. ويميل الكثيرون إلى الاعتقاد بأن الإنسان الأول قد بدأ حياته وأولى مراحل حضارته في منطقة لا بد أنها قد امتازت بالمناخ المعتدل الملائم لحياة الإنسان. فمثلًا لا يحتمل أن الموطن الأصلي للإنسان كان في منطقة ذات مناخ استوائي شديد الحرارة وغزير الأمطار، أو في مناخ قطبي شديد البرودة أو آخر كثير العواصف، ولكن لا بد أن أولى المراحل البشرية قد بدأت

_ 1 Ellsworth Huntuington: Mainsprings of Civilization John Wiley & Sons, lnc., 1945. 2 Thomas A. Blair & Robert C. Fite, Weather Elements Englewood Cliffs, N. J., Prentiee - Hall, lnc., 4 th ed.. 1959 359p.

في إقليم معتدل المناخ. غير أن الإنسان فيما بعد عندما تقدمت وسائله الحضارية ونمت شوكته واشتد عوده قد استطاع أن ينتقل وينتشر إلى الأقاليم ذات المناخات القاسية وأن يكيف نفسه بطريقة ذكية مع ظروف المناخ1. وينقسم هذا البحث إلى قسمين: القسم الأول يتناول جوانب تأثير المناخ على الإنسان ونشاطه, والقسم الثاني يتعلق بمدى قدرة الإنسان على التحكم في المناخ. المناخ وجسم الإنسان: فيما يختص بالحرارة نلاحظ أن جسم الإنسان يحافظ دائمًا تحت الظروف الصحية العادية على درجة حرارة ثابتة هي 37 ْم "98.6 ْف" وهي عبارة عن التوازن الذي ينظمه الجسم بين الحرارة المكتسبة والحرارة المفقودة. والمصدر الرئيسي لإمداد جسم الإنسان بالحرارة هو ما يتناوله من الطعام. وتؤدي حركة عضلات الجسم إلى توليد حرارة أيضًا ولا بد لكل هذه الحرارة أن تفقد وإلا ارتفعت حرارة جسم الإنسان إلى حد غير مرغوب فيه. ويحافظ الجسم على مستوى حرارته عن طريق العرق ودورة الدم، فالجلد والطبقة الدهنية التي توجد أسفله تكوِّن شبه غطاء طبيعي لبقية الجسم، ففي الأيام الباردة يقوم هذا الغطاء بحماية الجسم إذ تتقلص الأوعية الدموية وتظل بعيدة على السطح الخارجي للجسم كي تحافظ على حرارته لذلك يبدو الجلد باهت اللون. أما في الوقت الذي ترتفع فيه حرارة الجو فإن الأوعية الدموية تتضخم ويأخذ الجلد لونًا محمرًّا، إذ إن الدم يحمل الحرارة إلى الأجزاء الخارجية من الجسم حتى

_ 1 Markham, S. F., Climate and the Energy of nations, New York, 1947

يمكن فقدانها. كذلك يفقد الجسم جزءًا من حرارته عن طريق العرق وتبخره وذلك في الأوقات التي ترتفع فيها حرارة الجو. ولا يتوقف شعور الإنسان بالراحة على الحرارة فقط وإنما على عوامل أخرى مثل حركة الهواء ودرجة الرطوبة، ففي وقت تكون فيه الرطوبة النسبية 40% قد تكون درجة حرارة 25 ْم ملائمة لجسم الإنسان بينما مع درجة حرارة 20 ْم ورطوبة نسبية تصل إلى 80% يصبح الإنسان أقل ارتياحًا. كذلك إذا تحرك الهواء بسرعة فإن الجسم يفقد حرارته بسرعة ويشعر الإنسان بالبرد. ويجب ألا ننسى أن الهواء الحار إذا كانت رطوبته منخفضة جدًّا فإنه أيضًا لا يلائم الإنسان حيث إن الجفاف الشديد يؤذي الجلد ويؤدي إلى تشققه كذلك يؤدي إلى جفاف الأنف والحلق ويزيد قابلية الإنسان لنزلات البرد. وعلى كل حال فإن أنسب درجات الرطوبة هي ما تتراوح بين 40% و60%. ويمكن تشبيه جسم الإنسان بالترمومتر المبلل من ناحية تأثره بحرارة الجو، وقد وجد أن الإنسان يبدأ بالشعور بعدم الارتياح إذا وصلت درجة حرارة الترمومتر المبلل 29 ْم1. المناخ والأمراض: الأمراض التي تنتج عن المناخ مباشرة قليلة العدد، وأهم هذه الأمراض الإعياء الناتج عن شدة الحرارة وضربة الشمس والعمى الناتج عن شدة أشعة الشمس ولدغة البرد. ولكن قد يزيد المناخ أو يقلل من مقدرة الإنسان على

_ 1 Ward, Robert De Courcy Climate, Corsidered especially in relation to man, Ed. 2, 380 pp. New York and London, 1918.

مقاومة الأمراض، فشخص مريض بالسل مثلًا قد يساعد على شفائه هواء جيد في منطقة جبلية، بينما تعرض الإنسان لجو بارد ممطر قد يساعد على إصابته بأمراض مثل النزلات الشعبية أو غيرها. كذلك يؤثر المناخ على نمو وانتشار أنواع الجراثيم التي تسبب الأمراض ويصدق هذا خاصة على الملاريا التي لا تنتشر إلا تحت ظروف جوية معينة من ناحية الحرارة والرطوبة، هذا فيما يتعلق بميكروب المرض وبالنسبة أيضًا للبعوض الذي يحمله. ولا شك أن هناك عدد كبير من الأمراض يرتبط انتشارها بمواسم معينة وذلك مثل نزلات البرد والنزلات الشعبية، فأكثر حالات الإصابة بالبرد تحدث في شهور يناير وفبراير ومارس "في نصف الكرة الشمالي" وأقلها في يوليو وأغسطس. وقد أثبتت الإحصائيات الخاصة بمدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية أن عدد الوفيات يزداد عندما تنخفض الحرارة أو ترتفع فجأة عن المعدل العادي1. كذلك لوحظ أن الإصابة بالنزلات الشعبية تزداد في العروض الباردة عن العروض المدارية الحارة، وأن لأشعة الشمس أثر حسن في معالجة الجروح وبعض الأمراض الجلدية. كما وجد أيضًا أن جرثومة السل Tubercle bacilli إذا تعرضت لأشعة الشمس يقف نشاطها في ظرف ساعة واحدة، بينما في الضوء العادي تظل نشيطة ما بين 6، 24ساعة، وفي الظلام تعيش في حالة نشاط ما بين شهرين وثمانية عشر شهرًا، لذلك فإن مستشفيات الأمراض الصدرية لا بد أن توجد في مناطق مشمسة.

_ 1 Huntington, Ellsworth, Weather and health a study of daily mortality in New York City, Nat. Res. Council Bull. 75. 1930, 161 pp.

المناخ والمسكن: يعتبر المسكن من النواحي الهامة التي تتأثر بالمناخ وظروفه السائدة. ومن القواعد العامة التي عرفت منذ مدة طويلة أنه من الأفضل أن تقام المدن في المناطق التي تهب منها الرياح وليس في المناطق التي تهب إليها الرياح. كذلك من الأمور التي تناولتها الدراسة في هذا المجال سعة الشوارع واتجاهاتها. فمن حيث سعة الشوارع نلاحظ أن المدن التي توجد في العروض القريبة من خط الاستواء وفي العروض الحارة عامة تتميز بشوارعها الضيقة بحيث تكون المنازل متقاربة كي تحمي بعضها من أشعة الشمس وتستفيد من ذلك الطوابق السفلى لذلك تصبح حرارتها أقل مما لو كانت معرضة لأشعة الشمس. وفي المدن التي تقع في العروض المعتدلة الباردة والباردة حيث تهب رياح باردة سريعة يحسن أن يكون اتجاه الشوارع عموديًّا على اتجاه الرياح لتخفيف أثر الرياح بينما في الجهات الحارة حيث تهب رياح ملطفة كما هو الحال بالنسبة للرياح التجارية في مصر فالأفضل أن يكون اتجاه الشوارع موازيًا لاتجاه تلك الرياح. كذلك تحدد ظروف المناخ مواقع المساكن من حيث ملاءمتها للسكنى، فالمعروف في الأقاليم المعتدلة أن الأودية والمنخفضات ترتفع فيها درجات الحرارة ويكثر الضباب. كما أن المساكن المقامة على القمم المرتفعة تتعرض للرياح العنيفة وللأمطار والثلوج. وأنسب المواقع لإنشاء المساكن في تلك الجهات هي الارتفاعات المتوسطة في ظل الجبال حيث درجات الحرارة معتدلة وأشعة الشمس كافية وحيث لا توجد رياح شديدة1.

_ 1 Critchfield, Howard J: General Climatology, Englewood Cliffs, N. J., 1960, pp 378-392.

ورغم أن وسائل التدفئة الحديثة وتكييف الهواء قد جعلت من المناخ عاملًا ثانويًّا داخل المسكن إلا أن السطح الخارجي للمنزل يظل معرضًا للأحوال الجوية السائدة، فالجدران والسقف تمتص قدرًا كبيرًا من أشعة الشمس ثم تشعه بدورها إلى داخل المسكن. وتنال الجدران المتجهة ناحية الجنوب والغرب قدرًا من الأشعة أكبر من القدر الذي تناله الجدران المواجهة لناحيتي الشمال والشرق "نصف الكرة الشمالي" كذلك تختلف حرارة الجدران المعرضة للشمس عن تلك الواقعة في الظل وقد يصل هذا الاختلاف إلى 20 ْم. كذلك ترتفع حرارة السقف ارتفاعًا كبيرًا عندما تسقط عليه أشعة الشمس. وقد عملت تجارب في هذه الناحية فوجد أنه عندما تكون درجة حرارة الهواء 25 ْم فإن السقف الخشبي تصل حرارته إلى 58 ْم. كما وجد أيضًا أن الجدار الذي سمكه 10سم يسمح لقدر يبلغ 1/6 كمية الأشعة الواقعة عليه من الخارج بالنفاذ إلى داخل المسكن بينما الجدار الذي سمكه 20سم يسمح لقدر يبلغ 1/36 فقط من الأشعة الواقعة عليه بالنفاذ إلى الداخل. ومعنى هذا أن معظم التسخين الذي يحدث للمنزل من الداخل يتسرب عن طريق النوافذ والأبواب. أما أثناء الليل فإن الجدران والسقف قد تنخفض حرارتها بمقدار درجتين أو ثلاثة عن حرارة الهواء. وقد وجد المهندسون المختصون بعمليات تكييف الهواء أنه إذا دامت درجة حرارة الهواء تحت 17 ْم أو فوق 25 ْم لفترة طويلة فإن ذلك يستلزم التدفئة في الحالة الأولى والتبريد في الحالة الثانية حتى تصبح حرارة المسكن ملائمة. وفي تخطيط حاجة منزل ما للتدفئة أو التبريد يراعى موقعه بالنسبة للمنازل الأخرى من حيث تلاصقها أو تباعدها إذ إن تلاصق المنازل مع بعضها يجعلها في حاجة أقل للتدفئة. كذلك هناك اختلاف بين الطوابق المختلفة فالمعروف أن الأدوار السفلى تكون الاختلافات الحرارية فيها أقل وضوحًا بين فصل وآخر إذا قورنت بالأدوار العليا حيث المدى الحراري كبير.

أما عن مناخ الحجرة فهو يتوقف على طبيعة جدرانها وعلى اتجاه فتحات نوافذها وأبوابها وعلى طبيعة أرضيتها. وقد وجد أن حجرة صغيرة المساحة بها نافذة متوسطة الاتساع تفتح في اتجاه شمالي تحتاج إلى قدر من التدفئة في الشتاء يبلغ خمسة أضعاف ما تحتاجه حجرة أخرى نافذتها جنوبية. ويرجع هذا إلى استفادة النافذة الجنوبية بقدر كبير من أشعة الشمس. أما حالة الجدران والأرضية فتمثل عاملًا هامًّا يؤثر في حرارة الحجرة، إذ إن الجدران الباردة تجعل الإنسان يشعر بالبرد حتى لو كانت حرارة الهواء في الغرفة ليست شديدة الانخفاض، إذ إن الجسم في هذه الحالة سوف يفقد حرارته بالإشعاع إلى الجدار. كما أن الأرضية الباردة تؤدي إلى فقدان حرارة الجسم عن طريق الأقدام فيشعر الإنسان بالبرد خاصة إذا كان هناك تيار هوائي خفيف قرب سطح الأرض كما هي العادة غالبًا، إذ إن الهواء الدافئ في الحجرة يعمد إلى الارتفاع إلى أعلى بينما الهواء البارد يهبط إلى أسفل وبذلك تتعرض أقدام الشخص لمناخ يختلف عن المناخ الذي تتعرض له رأسه. ويتجه مهندسو المباني في بعض البلاد إلى وضع أنابيب مياه ساخنة في أرضية الحجرات. لذلك في دراسة مناخ الحجرة لا بد من مراعاة جميع الارتفاعات وليس ارتفاعًا واحدًا فقط. كذلك يختلف تركيب الهواء داخل الحجرة عنه في حالة الهواء الطلق إذ تقل نسبة الأكسجين وتزداد نسبة ثاني أكسيد الكربون داخل الحجرات المسكونة، كما تزداد نسبة المواد العالقة في داخل الحجرات بنسبة 25% عنها في الخارج وبالتدخين داخل الحجرة قد تصل النسبة إلى 200% أن 300%.1 وقد استطاع الإنسان بوسائله الحديثة أن ينظم درجات الحرارة داخل المسكن

_ 1 Landsberg, Helmut Physical Climatology, 2 nd. ed. State college, Pa, 1942, p 226.

إلى حد كبير أما درجات الرطوبة فلم يستطع التحكم فيها تمامًا، إذ المعروف أن الهواء داخل حجرات المسكن يكون عادة جافًّا خاصة في فصل الشتاء عندما تستخدم التدفئة الصناعية. ويمكن القول إن التغير الفصلي للرطوبة داخل الحجرة يكون عكس التغير في الهواء الطلق. واجتماع الحرارة المرتفعة مع الرطوبة المنخفضة بسبب التدفئة يجعل مناخ الحجرة شبيهًا بمناخ الصحراء. أما عن مناخ فراش النوم فالمعروف أن الفراش يعمل على الحد من التغيرات التي تحدث في درجات الحرارة وذلك بمنع التيارات الهوائية أو التقليل من أثرها. وفي وقت النوم يؤدي وجود الأغطية إلى أن تصبح درجة حرارة الفراش مختلفة عن درجة حرارة الحجرة ذاتها. وقد وجد أن درجة حرارة الفراش أثناء النوم تبلغ في المتوسط 25.2 ْم في الوقت الذي تكون فيه درجة حرارة الحجرة 12.2 ْم. وتتوقف درجة حرارة الفراش أثناء الليل على درجة حرارته في أول الليل قبل أن يأوي إليه الإنسان، فمثلًا إذا كانت درجة حرارة الفراش في بداية الليل 16 ْم فإن أقصى درجة حرارة يصل إليها أثناء الليل هي 29 ْم بينما بداية عند درجة حرارة 21 ْم سوف تؤدي إلى نهاية عظمى تصل إلى 31 ْم. وقد لوحظ أن جسم الإنسان أثناء النوم غير قادر على تعويض درجة حرارة الفراش إذا كانت منخفضة، لذلك يحسن تدفئة الفراش قبل النوم بالوسائل الصناعية. وقد لوحظ أنه بعد أن تصل درجة حرارة الفراش إلى الحد الأقصى أثناء الليل فإن انخفاضها قرب الصباح يكون طفيفًا لا يتجاوز 5 ْم. ومعنى هذا أنه حتى بالنسبة للفراش فإن درجات الحرارة فيه غير ثابتة من وقت لآخر مما يجعل من المناخ عاملًا مؤثرًا.

المناخ والملبس: من الأغراض الأساسية للملبس حماية الجسم من تغيرات الحرارة ومن أشعة الشمس ومن الأمطار. وتحمي الملابس جسم الإنسان من البرودة بواسطة حجز جزء من الهواء الساكن بين طياتها ويقوم هذا الهواء بمهمة العازل الحراري لأنه يمنع الفقدان المباشر لحرارة الجسم. لذلك فإن أفضل ملابس للشتاء هي الملابس الصوفية الواسعة. كما أن عدة طبقات من القماش الخفيف أفضل من طبقة واحدة من قماش ثقيل. كذلك تعد الملابس الضيقة غير ملائمة لأنها تمنع وجود طبقة من الهواء الملامس لجسم الإنسان. كذلك من المعروف أن الملابس الرطبة المبللة بالماء تفقد قدرتها العازلة للحرارة. وتعتبر الجوارب المبللة في الجو البارد من أسباب تجمد السيقان والأقدام إذا تعرض الشخص للبرودة الشديدة وكان جوربه مبللًا. ومن الوسائل التي تستخدم لمقاومة برودة الجو استخدام الملابس المجهزة بالتدفئة الكهربائية، وتستخدم هذه الملابس بواسطة الطيارين الذين يطيرون على ارتفاعات عالية في طائرات بها فتحات. غير أن مثل هذه الملابس غير عملية من ناحية تعميم استخدامها. ومن أخطار الظروف الجوية التي يجب تجنبها إصابة العيون برذاذ الثلج في المناطق القطبية، كذلك الإصابة بالعمى بسبب الضوء الباهر في الجهات التي يغطيها الجليد معظم السنة. ويستخدم الإسكيمو أغطية للعيون تحد من وصول الضوء الشديد إلى العين. وللوقاية ضد الحرارة الشديدة يجب أن تكون الملابس فضفاضة حتى تسمح

بتسرب حرارة الجسم. كذلك لا بد من استخدام الملابس ذات اللون الفاتح حتى تعكس أشعة الشمس. وقد وجد بدو الصحراء بالتجربة أن ارتداء الملابس يقيهم البرد ويقيهم الحر الشديد أيضًا. المناخ والزراعة: من المعروف أن المناخ بصفة عامة يحدد نوع النباتات التي تنمو في كل إقليم. وأهم عناصر المناخ التي تؤثر في النباتات هي الحرارة والمطر. فالحرارة هي العامل الذي يحدد النطاقات العامة للأنواع النباتية والمطر هو العامل الذي يحدد التوزيع التفصيلي للنباتات داخل تلك النطاقات العامة1. وهناك عناصر مناخية أخرى تؤثر في النباتات، ومثال ذلك الضوء والرياح التي تؤدي زيادة سرعتها إلى زيادة حاجة النباتات إلى المياه. كذلك قد تؤدي الرياح العنيفة من نوع التيفون أو التريندو إلى أضرار بالغة للنباتات. وقد حاول بعض العلماء ومنهم الأستاذ هوبكنز أن يعطي قيمًا إحصائية عن علاقة المناخ بالنباتات نلخصها فيما يلي2: 1- يتأخر الإزهار أربعة أيام لكل درجة من درجات العرض إلى الشمال أو الجنوب من خط الاستواء.

_ 1Burton E. Livingston and Forrest Shreve, The Distribution of Vegetation in The United States, as Related To Climatic Conditions "The Carnegie lnstitution of Washington,1921" 2 Hopkins, Andrew Delmar: Bioclimates - A science of life and Climate relations, U. S. Dept., of Agriculture. Misc. Publ. 280. 1038. 188 pp.

2- يتقدم الإزهار أربعة أيام إذا انتقلنا خمس درجات طولية من الشرق إلى الغرب في مناطق اليابس. 3- كلما ارتفعنا 400 قدم عن سطح البحر يتأخر الإزهار أربعة أيام. وتدخل دراسة ارتباط مراحل نمو النباتات بالأحوال المناخية ضمن علم الفنولوجي phenology وإذا تناولنا عامل الحرارة وحده بالتفصيل نجد أنه يؤثر في جميع العمليات الكيماوية في النبات مثل ذوبان المواد المعدنية وعمليات امتصاص النبات للمياه والمواد الغذائية. كذلك تؤثر الحرارة على قدرة النبات على النمو والتكاثر. فهناك نطاقات واضحة تسود فيها محاصيل معينة مثال ذلك نطاق القطن ونطاق الذرة ونطاق القمح في الولايات المتحدة. وتنمو الأنواع النباتية عادة في مدى حراري محدد، فنباتات الجهات القطبية يمكنها النمو تحت درجة -65 ْم كذلك تتحايل النباتات على البرودة الشديدة بقضاء فترة ركود في فصل الشتاء. غير أنه بالنسبة لكل نبات يوجد حد أدنى للحرارة لا يمكن للنبات أن ينمو إطلاقًا إذا انخفضت الحرارة عنه، كذلك للنبات حد أقصى للحرارة يقضي عليه إذا ارتفعت الحرارة عنه، كما توجد درجة حرارة ينشط عندها نمو النبات إلى أقصى درجة. ويطلق على درجات الحرارة الثلاثة هذه اسم درجات الحرارة الحدية Cardinal temperatures ويذكر لنا قانون فان هوف Vant Hoff أنه لكل ارتفاع في الحرارة بمقدار 10 درجات مئوية تتضاعف سرعة النمو ولكن فوق المعدل الحراري للنوع النباتي تبدأ سرعة النمو في النقصان حتى نصل إلى درجة الحرارة القصوى للنمو التي فوقها يتوقف النبات عن النمو تمامًا. وقد وجد أنه في حالة القمح مثلًا

الحد الأدنى للنمو يتراوح بين صفر، 5 ْم والمتوسط بين 25 ْ، 31 ْم والحد الأقصى بين 32 ْ، 37 ْم. أما بالنسبة للذرة والبطيخ وهي من المحاصيل الصيفية فنجد أن الحد الأدنى يتراوح بين 15 ْ، 18 ْم والمتوسط بين 31 ْ، 37 ْم والحد الأقصى بين 44 ْ، 50 ْم. غير أن هناك محاصيل يستمر نموها بنفس الدرجة في الفصل الحار وفي الفصل البارد ومثال ذلك العنب، ويجب ألا ننسى أن درجات الحرارة المثالية للنبات تختلف حسب مرحلة النمو. وقد اقترح بعض العلماء قيمة أسموها ساعات النمو أو أيام النمو، وهي عبارة عن الساعات أو الأيام التي تكون درجات حرارتها أعلى من الحد الأدنى اللازم لنمو النبات1. ومن المحاصيل التي تضار ضررًا شديدًا بسبب الحرارة المنخفضة القطن والأرز التي من الممكن أن يقضى عليها إذا انخفضت درجة الحرارة إلى الصفر المئوي لمدة يومين أو ثلاثة. أما محاصيل أخرى مثل البطاطس والذرة فيمكنها البقاء ولو أن سرعة نموها تقل تحت درجات الحرارة المنخفضة. ومن المعروف أن بعض الزراع يعمدون أحيانًا لأسباب معينة إلى إبطاء نمو النباتات عن طريق ري الأرض بمياه باردة. ويعتبر الصقيع أخطر الأحوال المناخية على النباتات. وهناك نوعان من

_ 1 Climate and Man, Yearbook of Agriclture, 1941 "U. S. Department of Agr", pp 292-307..

الصقيع نوع عبارة عن سيادة درجات حرارة تحت الصفر المئوي، وآخر عبارة عن تكون حبات من الثلج على السطوح الباردة. وتزداد خطورة الصقيع إذا حدثت موجاته خلال فصل الخريف أي في المراحل الأولى لنمو النبات وقبل أن يكون في حالة تمكنه من مقاومة غائلة البرد. كذلك يكون أثر الصقيع مخربًا إذا جاء في أواخر فصل الربيع أي في وقت الحصاد فهو يضر بالثمار. وقد يأتي الضرر لبعض المحاصيل بسبب تجمد التربة ومثال ذلك القمح الذي يتحمل درجات حرارة تحت الصفر ولكنه يضار عندما تتجمد التربة. أما إذا ارتفعت درجات الحرارة عن الحد اللازم لنمو النبات فإنه يصاب أيضًا بأضرار واضحة. مثال ذلك أن النبات قد ينضج ثماره قبل موعدها فتكون رديئة الطعم. كذلك تؤدي الحرارة المرتفعة إلى إحراق الأوراق أو تساقط الثمار على الأرض. وإذا نظرنا إلى عامل المياه فيمكننا تقسيم النباتات إلى ثلاثة أنواع من ناحية حاجتها إلى المياه: 1- نباتات محبة للماء وتسمى Hydrophytes. 2- نباتات متوسطة في درجة احتياجها للماء وتسمى Mesophytes. 3- نباتات محبة للجفاف وتسمى Xerophytes. والنوع الأول من النباتات يستطيع النمو حتى ولو وجدت المياه تحت جذوره بصفة دائمة لذلك فجذوره ضعيفة تستطيع النمو دون الحاجة إلى الأكسيجين، ويمكن اعتبار الأرز ضمن هذه المجموعة.

أما النوع الثاني الذي يحتاج إلى كمية متوسطة من المياه فهو يشمل معظم المحاصيل المعروفة. والنوع الثالث الذي ينمو تحت ظروف الجفاف يحمل صفات تساعد على عدم فقدانه للمياه أو على حصوله على المياه من الجو أو الأعماق البعيدة وتخزينها في جذعه وأوراقه. أما عامل الرياح فهو يؤثر في النباتات عن طريق نقله للحرارة والرطوبة من مكان لآخر، كذلك يؤدي هبوب الرياح وحركة الهواء إلى زيادة نسبة التبخر، كما أن الرياح تقوم بمهمة نقل البذور وعملية التلقيح أحيانًا، وقد تكون هذه المهمة مفيدة وقد تكون أيضًا ضارة إذا نقلت الرياح بذور حشائش غير مرغوب فيها إلى الحقول الزراعية وكما أن هبوب الرياح قد يؤدي إلى نقل الرمال والأتربة من مناطق مجاورة إلى الأراضي الزراعية، وكذلك نقل أملاح البحار والبحيرات وبذلك تزيد نسبة الملوحة في التربة. المناخ وتربية الحيوانات: من الواضح أن المناخ يؤثر في الحيوانات بصورة غير مباشرة عن طريق تأثيره في نوع وكمية النباتات التي تعتمد عليها الحيوانات في غذائها. لذلك عندما تنتج الحيوانات إنتاجًا جيدًا في إقليم من الأقاليم يقال إن الظروف الطبيعية في ذلك الإقليم تلائم تلك الحيوانات. وقد أثبتت بعض الأبحاث في الولايات المتحدة واتحاد جنوب إفريقيا1 أن بقر اللحم منذ الولادة حتى سن 30 شهرًا يتأثر بصورة مباشرة بفصلية المناخ.

_ 1 Lush, Jay., Jones, J. M, Dameron W. H., and Carpenter, O L, Normal Grewth of Range Catlle Tex. Agr. Exp. St: Bull, 409, 34 pp. 1930

كذلك كمية اللبن التي تدرها البقر تتأثر بالجفاف. وقد أثبت أبحاث أخرى1 أن كمية الدسم في اللبن تتأثر بحالة المناخ وذلك في دراسة أجريت على الأبقار في ولاية مين Maine بالولايات المتحدة. وقد لوحظ أيضًا فيما يتعلق بالبيض أن حجمه أكبر في العروض العليا عن العروض المدارية وأن حجمه يزداد في فصل الشتاء عن فصل الصيف "هذا مع مراعاة أن يكون النوع واحدًا". وبالنسبة للأغنام وجد أن نوع المرينو Merino لا تلائمه المناخات الرطبة، بينما الضأن البريطاني يجود في المناخ البارد الرطب أكثر من غيره. ومن ناحية علاقة كمية إنتاج اللبن بالمناخ وجد أنه إذا ارتفعت الحرارة من 5 ْم إلى 35 ْم فإن إنتاج الرأس من البقر ينخفض من 29 رطلًا إلى 17 رطلًا في اليوم. وفي سنغافورة عملت تجارب على بقر هاشتين Halstein فوجد أن المجموعة التي وضعت في حظائر تحت درجة حرارة 20 ْم تدر يوميًّا 24 رطلًا من اللبن، بينما مجموعة أخرى تركت في العراء حيث درجات الحرارة أكثر ارتفاعًا فكانت البقرة منها تدر 9أرطال فقط. كذلك وجد أن شدة الحرارة تقلل الإخصاب عند الثيران والأغنام بنسب متفاوتة، والدليل على ذلك وجود مواسم للتكاثر بين هذه الأنواع من الحيوانات ترتبط بالفصول, وقد علم المحاضر أثناء رحلة قام بها في مديرية دارفور بالسودان2 أن الأبقار التي يشتريها سكان جبل مرة من البدو الذين يعيشون

_ 1 Edmards, J., Effects of climatic factors on livestock, Am. Soc. Animal Production, 31, 1938, pp 48-53 2 تمت هذه الرحلة العلمية في شهور إبريل ومايو ويونية سنة 1958 لإعداد رسالة ماجستير عن مديرية دارفور قدمت لجامعة القاهرة في أكتوبر سنة 1959

في السهول المجاورة لهم ويحلبونها لتربيتها في منطقتهم الجبلية على ارتفاع يتراوح بين 4000، 7000 قدم تقل خصوبتها أو تنعدم تمامًا بعد مضي عدة سنوات، ولا شك أن للظروف المناخية الجديدة في المنطقة الجبلية خاصة اختلاف الضغط الجوي دخل كبير في هذا التغيير. المناخ والصناعة: تتأثر الصناعة بالمناخ في نواحٍ متعددة يصعب حصرها، ويمكن تقسيم ذلك الأثر إلى ناحيتين: الأولى هي اختيار موقع المصنع والثانية تأثير المناخ على عمليات التصنيع ذاتها. ومن ناحية اختيار الموقع تبرز أهمية المناخ في تأثيره على المواصلات، فمثلًا إذا كانت هناك صناعة تحتاج إلى النقل المائي على مدار السنة فمن العبث أن توجد مصانعها في منطقة تتجمد مياهها فترة من السنة. كذلك قد يكون سوء الأحوال المناخية في منطقة ما عاملًا غير مشجع لهجرة عدد كبير من الأيدي العاملة إليها، كما أن تكاليف الإنتاج تتأثر بمدى الحاجة إلى التدفئة وبتعميم المباني بحيث تتناسب مع الأحوال المناخية السائدة. كذلك تتأثر عمليات التصنيع بالظروف المناخية ولذلك تجهز المصانع بآلات التبريد والتكثيف لمواجهة الأحوال غير المرغوب فيها. ومن أهم الصناعات التي تذكر كمثال لارتباط الصناعة بالمناخ هي صناعة السينما، ففي المراحل الأولى لهذه الصناعة كانت تعتمد على ضرورة توفر السماء الصافية والشمس الساطعة حتى تتم عمليات التصوير بنجاح، وإن كانت قد اخترعت في الوقت الحاضر أنواع من الأفلام تقلل من أهمية أشعة الشمس كعامل مؤثر في نجاح التصوير، ولكن رغم هذا ما زال توفر الضوء والرؤية من العوامل التي لا يمكن إغفالها في التصوير في الخلاء. كذلك يؤدي هبوب رياح قوية

في منطقة تصوير الأفلام إلى تشويش أصوات الميكروفونات1. ومن الصناعات الأخرى التي ترتبط أيضًا بالظروف المناخية ارتباطًا وثيقًا صناعة الطائرات التي تحتاج إلى ظروف جوية ملائمة لإجراء الاختبارات وخلافها. وإذا أخذنا الولايات المتحدة كمثال نجد أن صناعة السينما وصناعة الطائرات تتركزان على الساحل الغربي في ولاية كاليفورنيا حيث المناخ معتدل والسماء صافية معظم الوقت. ومن الأمور التي تستدعي التفكير أيضًا تركز صناعة المنسوجات القطنية في مقاطعة لانكشير البريطانية وصناعة المنسوجات الصوفية في مقاطعة يوركشير وارتباط ذلك بزيادة الرطوبة الجوية في المقاطعة الأولى وانخفاضها في الثانية. وقد أدى انتشار الصناعة في العصر الحديث إلى نشأة مشكلة هامة ترتبط إلى حد ما بالمناخ تلك هي انتشار دخان المصانع في جو المناطق الصناعية خاصة فوق المدن الكبرى مثل لندن وبروكسل ولوس أنجلس وغيرها، حتى أنه يمكن تمييز هذه المدن على مسافة كبيرة بواسطة طبقة الدخان الكثيف التي تغطيها. ويؤدي وجود هذا الدخان إلى أضرار صحية كثيرة فهو يؤذي العيون والجهاز التنفسي للإنسان وقد يؤدي إلى الوفاة. ورغم أن وجود الدخان ليس أثرًا مباشرًا للمناخ إلا أن للظروف المناخية السائدة أثرًا على تراكمه، ومثال ذلك الحوض الذي تقع فيه مدينة لوس أنجلس بولاية كاليفورنيا الأمريكية، حيث يساعد وجود المنطقة في عروض الضغط المرتفع دون المدارية وسيادة التيارات الهوائية الهابطة إلى تراكم الدخان، لأن الهواء راكد في هذه المنطقة معظم السنة. هذا

_ 1 Critchfield, 1960, p 367.

بالإضافة إلى أن وجود المدينة في حوض تحيط به المرتفعات من معظم الجهات لا يساعد على تحرك الهواء بحرية من وإلى المنطقة؛ فيبقى الدخان فيها دون تصريف1. المناخ والطيران: تعتبر الأحوال الجوية من أهم ما يعنى به الطيران. وليس من العبث أن مصلحة الأرصاد الجوية تتبع وزارة الحربية في بلادنا. وتبدأ صلة الطيران بالمناخ منذ اللحظة الأولى لاختيار مواقع المطارات ومسارات الخطوط الجوية، فإلى جانب الاعتبارات الأخرى في اختيار المطار مثل شكل سطح الأرض وعدم وجود عوائق قريبة وقرب المطار من مراكز تجمع السكان، فإنه يجب مراعاة الظروف المناخية في المنطقة كأن تكون غير معرضة للضباب أو العواصف الرعدية أو السحب المنخفضة. كما أن تخطيط المطار والممرات الأرضية Runways يعتمد على اتجاهات الرياح السائدة بحيث تستطيع الطائرات الهبوط والإقلاع مع اتجاه الرياح. وقد تؤدي سوء الأحوال الجوية إلى إلغاء بعض الرحلات أو إغلاق بعض المطارات حتى تتحسن الأحوال الجوية مرة أخرى ويحدث ذلك مهما كانت الطائرات والمطارات مجهزة بأحدث الآلات العلمية. وتوجد أجهزة عديدة لجمع المعلومات المختلفة عن الأحوال الجوية وتوصيلها إلى الطيارين أولًا بأول. ويستلزم الأمر تبعًا لذلك أن يكون لدى الطيار دراية تامة بعلم الميتورلوجي حتى يستطيع أن يفسر الظواهر الجوية التي يصادفها، فلا بد له من معرفة ماهية الكتل الهوائية والجبهات الدفيئة والباردة والأعاصير وأضدادها

_ 1 Jbid, p. 368.

كذلك لا بد له من أن يعرف متى تحدث حركات التصعيد في الهواء، واحتمالات سقوط الثلج، واتجاهات الرياح وسرعتها. ومن أهم الظواهر الجوية التي تمثل خطرًا على الطيران ما يلي: العواصف الرعدية: تعتبر العواصف الرعدية من أخطر الظواهر الجوية على الطيران، وذلك بسبب الحركة الرأسية العنيفة للهواء إذ قد تصل سرعة التيارات الصاعدة أحيانًا إلى 100 ميل في الساعة. فإذا دخلت الطائرة في عاصفة كهذه فإنها قد تتعرض للتحطيم، في تلك الأثناء يصعب على الطيار أن يتحكم في الطائرة. لذلك يجب تجنب مناطق العواصف الرعدية كلما أمكن ذلك. وتزداد الخطورة في العاصفة الرعدية في الجزء الأمامي الأسفل من السحاب المزن الركامي Cumulonimbue وتمتد منطقة الرياح العنيفة إلى الجزء الأعلى من نطاق السحاب. ويتراوح ارتفاع هذا الجزء الخطير بين 800، 1000 متر وقد يصل إلى 2000 أو 2500 متر فوق سطح البحر. ويلاحظ أن العواصف الرعدية التي تتكون في منطقة ما نتيجة لعملية تسخين الهواء تحدث في مناطق متناثرة وعادة أثناء ساعات النهار لذلك يمكن تجنبها؛ لأنها تحدث في نطاق طويل على طول جبهة هوائية. وتصاحب العواصف الرعدية ظواهر جوية أخرى تزيد من خطورتها مثل حدوث البرق وسقوط البَرد وانعدام الرؤية، كذلك تحدث تغيرات مفاجئة في حالة الضغط الجوي تستلزم تعديلات مستمرة في أجهزة قياس الضغط والارتفاعات Altimeter. تكون الثلج فوق هيكل الطائرة: من أخطر ما يواجه الطيران تراكم الثلج فوق أجزاء الطائرة Icing،

ويتكون الثلج عندما تنخفض درجات الحرارة تحت درجة التجمد، كذلك يحسن تجنب المناطق التي فيها درجات الحرارة إلى الصفر، وعندما تنخفض درجات الحرارة فإن ذلك يؤدي إلى تجمد قطرات الماء المتكاثفة بمجرد اصطدامها بجسم الطائرة البارد. ويؤدي تراكم الثلج فوق جسم الطائرة إلى زيادة وزنها وتقليل سرعتها، وقد ينتج عن هذا سقوطها. وتتوقف سرعة تكوين الثلج فوق جسم الطائرة على سرعتها وارتفاعها وعلى كثافة السحاب ودرجة حرارته1. الضباب والسحاب والرؤية: يعتبر الضباب من الأخطار التي تواجه الطيران إذ تنتج عنه معظم حوادث الطيران، ويعتبر الطيران صعبًا إذا كان مدى الرؤية ميلًا أو أقل، أو إذا كان ارتفاع قاعدة السحاب 150 مترًا أو أقل. وتعتبر ظروف الطيران متوسطة الجودة إذا كان مدى الرؤية يتراوح بين ميل وثلاثة أميال وكان ارتفاع قاعدة السحاب بين 150، 450 مترًا، ولحسن الحظ أن وجود الضباب محلي، فقد يكون أحد المطارات مغلقًا بسبب وجود الضباب ومطار آخر قريب لا وجود للضباب به. وقد يؤدي وجود الضباب إلى تغطية أرض المطار فلا يستطيع الطيار الهبوط إلا بالاعتماد على الأجهزة وأحدثها ما يسمى "Approach Ground-Controlled " G.C.A، وتتوقف سلامة الطائرة في هذه الأحوال على دقة الإشارات التي يرسلها برج المراقبة وملاحظة تقدم الطائرة وحركتها على شاشة الرادار وتوجيه الطيار حتى يهبط بسلام. وهناك طريقة آلية حديثة لتوجيه الطائرات للهبوط

_ 1 Thomas A. Blair & Robert C. Fite: Weather Elements, 4 Kh ed Englewood Cliffs, n. J, 1957.

على بعد أميال بمعدل 60 طائرة في الساعة وتسمى هذه الطريقة Volscan1. ورغم أن الطيران هو أكثر وسائل المواصلات تأثرًا بالمناخ إذا ما قورن بالسكك الحديدية أو الطرق البرية والبحرية، إلا أن المناخ يعتبر أيضًا عاملًا مؤثرًا في هذه النواحي، فوجود الثلج في المناطق الجبلية المرتفعة خاصة في مناطق الممرات التي تعبرها خطوط حديدية أو طرق برية يؤدي إلى إعاقة سير المواصلات. ووجود الضباب والعواصف الشديدة تؤثر على سير القطارات والسيارات. وضعف الرؤية وسقوط الأمطار يقلل من سرعة وسائل النقل البري ويؤدي إلى الإضرار بالطرق. تحكم الإنسان في المناخ: أمام كل تلك المؤثرات التي فرضها المناخ على الإنسان ونشاطه لم يقف الإنسان مكتوف اليدين، وإنما نجده قد حاول التغلب على هذا العامل الطبيعي وهو في كفاحه ضد المناخ قد نحى منحيين: أحدهما التحايل على الظروف المناخية ومحاولة استغلالها كما هي بأقصى حد ممكن. والمنحى الآخر هو محاولته تعديل المناخ تمامًا أو بمعنى آخر تحويل البرودة إلى دفء والجفاف إلى مطر. وتنقسم الوسائل التي يتبعها الإنسان لتعديل المناخ لخدمة بعض الأغراض المحدودة إلى قسمين رئيسين: أحدهما يطلق عليه الوسائل التعويضية Compensation techniques وهي تشمل جميع الوسائل التي تستخدم في الحالات التي تكون فيها الظاهرة المناخية غير قابلة للتعديل. وقد

_ 1 "Computer Times Final Approaches" Aviation Age, Vol 21, January, 1954, pp 44-49.

ثبت أن نتائج هذه الوسائل تأتي بفوائد ملموسة. وإن كان إجراؤها يتم في مساحات محدودة للغاية، ومن الأمثلة على ذلك منع حدوث الصقيع محليًّا في مزرعة من مزارع الموالح بواسطة التدفئة الصناعية. ويسهل عمل ذلك عادة حيث إن طبقة الهواء البارد تشمل الجزء الأسفل من الغلاف الغازي، لذلك فإن تسخين طبقة محدودة من الهواء لا تتعدى أمتار قليلة قد يؤدي إلى إنقاذ محصول كبير من الموالح. وعملية التدفئة الصناعية لمزرعة موالح ليست باهظة التكاليف على كل حال ولكنها غير عملية بالنسبة لمساحات زراعية كبيرة تشمل إقليمًا بأكمله. والقسم الثاني من وسائل تعديل المناخ يطلق عليه الوسائل الدفتية Triggering Action technigues وذلك بإيجاد ظروف تؤدي إلى أن يعدل الجو نفسه نتيجة وجود تلك الظروف الجديدة. وتعتمد هذه الوسائل على إيجاد اضطرابات في المجرى الطبيعي للظواهر الجوية. ومن أهم النواحي التي أمكن الوصول إلى نتائج مرضية فيها هي إسقاط الأمطار أو زيادة سقوطها وذلك بواسطة إيجاد النوى Nuclei التي تتكثف حولها قطرات المطر، إذ المعروف أنه لا بد من وجود نواة ميكروسكوبية لكي تتكثف حولها قطرة المطر في الهواء قبل سقوطها إلى الأرض. وتتم عملية إسقاط الأمطار عن طريق رش كميات من ذرات الثلج الصغيرة أو مادة اليودور Iodide فوق السحاب، فتكون ذراتها بمثابة النوى التي تتكثف حولها قطرات المطر. ومن العمليات الأخرى التي تشبه ما تقدم إزالة الضباب من المطارات ويعمل هذا على وجه الخصوص للأغراض الحربية، ويمكن تحقيق هذا إذا كان الضباب يشمل طبقة محدودة من الغلاف الغازي، وتتم إزالة الضباب بواسطة تسخين الهواء أبو بواسطة عملية طرد آلية بالنفخ القوي وهي وسائل باهظة التكاليف.

ويقوم الإنسان أيضًا بإنشاء البحيرات الصناعية أو زراعة النباتات لتخفيف شدة الحرارة في منطقة مجاورة أو زراعة أشجار طويلة لتقوم كمصدات للرياح فتمنع سفي الرمال والأتربة عن الحقول الزراعية. غير أن أمل البشرية لا يتركز في هذه النواحي المحدودة التي سبق ذكرها مثل تسخين حديقة موالح أو إسقاط الأمطار من سحابة موجودة بالفعل. وإنما الآمال تتعلق عادة بتغيير المناخ على أساس إقليمي، وقد قويت تلك الآمال بعد التقدم العلمي الكبير الذي حققه الإنسان في القرن العشرين. ومن أمثلة تلك الآمال التي يرنو إليها الإنسان تحويل مجرى تيار الخليج الدافئ لكي يمر قريبًا من سواحل نيو إنجلند وشرق كندا وبذلك يؤدي إلى تدفئة مناخ هذه الجهات في فصل الشتاء1، وذلك بدلًا من أن ينحرف التيار في اتجاهه نحو الغرب عبر المحيط الأطلسي في تجاه غرب أوربا. وقد كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن إمكانية استخدام الطاقة الذرية لهذا الغرض. وشبيه بهذا الحلم ما تقدم به اليابانيون في أعقاب الحرب الثانية إلى السلطات الأمريكية مطالبين باستخدام الطاقة الذرية لتحويل مجرى تيار كيروشيو الدافئ ليمر بجوار السواحل الشمالية لجزر اليابان. غير أن أحدًا من العلماء لم يتقدم حتى الآن بمشروع عملي لتنفيذ ذلك، هذا بالإضافة إلى أن تيار الخليج الدافئ أو تيار كيروشيو يمران بمناطق رتبت حياتها منذ مئات السنين على الظروف المناخية التي يجلبها التيار، ولا شك أن تحويل مجراه يسيء إليها أشد إساءة. ومن المقترحات الأخرى الخاصة بتغيير المناخ استخدام الطاقة الذرية أيضًا

_ 1 Willett, Hurd C., and Frederick Sanders, Drscripive Medeorology, 2 nd. ed, New York 1959, p 342-346.

لإذابة الثلوج الموجودة في القطبين الشمالي والجنوبي حتى تتحول هذه الجهات إلى أقاليم دفيئة يمكن سكناها واستغلالها. ويجري التفكير أيضًا في استخدام القنابل الذرية للقضاء على عواصف التيفون والهريكين، ورغم ما ينطوي عليه استخدام القنابل الذرية في هذه الأغراض من خطورة بسبب انتشار الإشعاع الذري وما له من مضار، فإن هذه الوسيلة باهظة التكاليف ولا ينتظر أن تعود بفوائد توازي ما ينفق عليها. وقد فكر العلماء أيضًا في تعديل درجة تأثير الغلاف الغازي على الإشعاع الشمسي والإشعاع الأرضي. إذ المعروف أن أي تعديل في تركيب الغلاف الغازي يؤدي إلى تغيير في درجة تأثيره على أشعة الشمس المخترقة له أو على الإشعاع الأرضي المتجه إلى الفضاء الخارجي، وبالتالي التأثير على كمية الحرارة المكتسبة، ومن ثم على الدورة الهوائية العامة وما يصحب ذلك من تغيرات في كمية المطر وتوزيعه. فلو افترضنا زيادة المواد العالقة بالهواء وزيادة بخار الماء في الهواء، فإن هذا سوف يقلل من كمية الإشعاع الشمسي التي تصل إلى الأرض وينتج عن هذا انخفاض درجة حرارة الأرض خاصة في العروض التي تحظى عادة بالنصيب الأكبر من أشعة الشمس، وانخفاض درجات الحرارة في العروض المدارية يؤدي بدوره إلى إضعاف الدورة العامة للرياح ومن ثم تقليل كمية الأمطار، ومن ناحية أخرى فإن نقص المواد العالقة بالهواء وزيادة شفافيته لنفاذ الإشعاع الشمسي يؤدي إلى زيادة التسخين خاصة في العروض المدارية ومن ثم تقوية الدورة العامة للرياح وزيادة كمية الأمطار والمواد التي يمكن أن تؤثر في درجة شفافية الغلاف الغازي هي بخار الماء والغبار

_ 1 Jlid, pp 348-349.

وثاني أكسيد الكربون. ويعد بخار الماء أهم العناصر التي تمتص الإشعاع الشمسي لذلك فإن أي تعديل لكميته في الهواء تؤدي إلى نتائج بالغة الأهمية بالنسبة للأحوال المناخية. كذلك تؤدي زيادة الغبار في الهواء إلى نفس النتائج مما حدى بالبعض إلى تفسير حدوث العصور الجليدية. بزيادة الغبار الناتج عن فترة نشاط بركاني سبقت حدوث العصور الجليدية. كذلك يظن بعض العلماء أن ما أصاب درجات الحرارة من انخفاض في الأربعين أو الخمسين سنة الأخيرة في أجزاء عديدة من العروض العليا يرجع إلى زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون في هواء تلك الجهات وزيادة المواد العالقة بالهواء نتيجة للاحتراق المتزايد للوقود في المناطق الصناعية. ومن الآمال التي يسعى العلماء إلى تحقيقها أيضًا لتعديل المناخ تغيير خاصية الانعكاس لبعض أجزاء من سطح الأرض، ومن أمثلة هذا التعديل رش الغطاءات الجليدية بمادة سوداء مثل مسحوق الفحم أو غير ذلك مما يساعد على تقليل انعكاس أشعة الشمس ومن ثم زيادة حرارة سطح الجليد وذوبانه. ومن الصعوبات التي تقوم أمام تحقيق ذلك المحافظة على وجود مسحوق الفحم على السطح دائمًا حيث إن ذوبان الجليد يبدأ عادة من أعلى وبذلك تزال تلك المادة المضافة أولًا بأول. أو أن يغطي الجليد المتساقط تلك الطبقة التي يوجد مسحوق الفحم عليها فيزول بذلك أثره في امتصاص أشعة الشمس. كذلك كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن تعديل درجة التبخر من المسطحات المائية، ويعتبر هذا التعديل من الأمور القريبة المنال ويتم ذلك عن طريق تغطية سطح الماء بمادة كيماوية تمنع عملية التبخر. وقد يكون مثل هذا الإجراء عمليًّا بالنسبة لمياه الخزانات، غير أنه غير ممكن بالنسبة للمسطحات المائية الواسعة، وإجراؤه بالنسبة للمسطحات المائية الكبيرة مثل المحيطات والبحار أمر غير

مرغوب فيه على كل حال، إذ المستحب والمفيد هو زيادة البخر وليس تقليله من تلك المسطحات المائية؛ لأن زيادة البخر تؤدي في النهاية إلى زيادة كمية الأمطار الساقطة وهذا مما يسعى إليه الإنسان. ويمكن القول بصفة عامة إن المحاولات الخاصة بتعديل المناخ لم تتعد في الوقت الحاضر التحايل على بعض الظروف المناخية وليس تعديلها بالمعنى الصحيح. ولتحقيق تعديلات هامة للمناخ لا بد من دراسات طويلة وفهم عميق للغلاف الغازي وخصائصه ودورته العامة.

الفصل الثامن: مناخ العالم

الفصل الثامن: مناخ العالم "إفريقيا" تمتد قارة إفريقيا بين خطي عرض 1َ2 37 ْشمالًا 1َ5 34 ْجنوبًا، وبذلك تقع القارة في الأقاليم المدارية والمعتدلة الدفيئة. والقسم الشمالي من القارة يتأثر بالظروف السائدة في قارتي آسيا وأوربا، بينما جنوب القارة يقع تحت تأثير المحيطات الجنوبية. ورغم هذا التباين إلا أننا نجد تكرارًا للأقاليم المناخية بشكل منتظم في شمال القارة وجنوبها إلى الشمال والجنوب من خط الاستواء. فهناك مساحة واسعة حول خط الاستواء يسود بها المناخ المداري المطير ومناخ السفانا كما يسود المناخ المعتدل جنوب خط الاستواء في أنجولا وروديسيا ويناظره في الشمال منطقة مرتفعات الحبشة، بينما الصحراء الكبرى تتكرر على صورة أصغر في صحراء كلها ري في الجنوب, وأخيرًا نجد إقليم البحر المتوسط يحتل الركن الشمالي الغربي والجنوبي الغربي من القارة. ولما كانت إفريقيا ممتدة في العروض المدارية ومحاطة بمحيطات دفيئة نسبيًّا لذلك لا يوجد مصدر للكتل الهوائية الباردة بالقرب من القارة، ولا توجد في إفريقيا أجزاء تمت للأقاليم الباردة أو إقليم التندرا بصلة، ولا تتمكن الكتل الهوائية القطبية التي تغزو جنوب أمريكا الجنوبية من قارة أنتاركتيكا من الوصول إلى جنوب إفريقيا حيث إن الفاصل المائي بين إفريقيا وأنتاركتيكا يصل اتساعه إلى نحو 3500 كيلو متر، حتى أن الكتل الباردة تكتسب درجات حرارة دفيئة في طريقها إلى إفريقيا فوق ذلك المسطح المائي الكبير. ولما كانت إفريقيا تتسع كثيرًا بين خطي عرض 20 ْ، 30 ْشمالًا، فإن المناخ الصحراوي يحتل منها مساحة واسعة تعتبر أكبر مساحة صحراوية في العالم

كله، ومن جهة أخرى نجد أن الإقليم الصحراوي في جنوب القارة صغير المساحة نسبيًّا لأن القارة تضيق إلى أقل اتساع لها في تلك العروض. مظاهر السطح وأثرها في مناخ إفريقيا: من أهم صفات السطح في إفريقيا أنها تخلو من السلاسل الجبلية الشاهقة، ولا توجد المرتفعات إلا في أجزاء محدودة من القارة حيث يصل الارتفاع إلى حوالي 3000 متر فوق سطح البحر، ولا نجد في إفريقيا أجزاء كثيرة يقل ارتفاعها عن 300 متر. ومعظم الهضاب الجنوبية في القارة يصل ارتفاعها إلى حوالي 1000 متر. وأهم مظاهر السطح في إفريقيا هي: 1- في الجزء الشمالي الغربي توجد مرتفعات جبال أطلس وهضبة الشطوط التي تفصل بين الساحل في الشمال والصحراء المنخفضة نسبيًّا في الجنوب، وقد يصل الارتفاع أحيانًا في بعض جهات المغرب إلى 3000 متر. 2- يتباين الارتفاع في الصحراء الكبرى، حيث توجد جبال منعزلة هنا وهناك تصل قممها إلى ارتفاع حوالي 2500 متر مثل جبال الأحجار وتبستي. 3- أهم المناطق الجبلية في القارة توجد في نطاق يمتد من روديسيا إلى ساحل البحر الأحمر، وفي منطقة بحيرة فكتوريا وفي الحبشة تصل بعض القمم إلى ارتفاع حوالي 4000 متر أو أكثر. 4- توجد بعض المناطق الجبلية المحدودة في جنوب شرق القارة منها جبال دراكنزبرج Drakensberg وفي جنوب غرب القارة مثل جبال أواز Auaz، وجبال الكمرون في غرب القارة، وجبال أنكاراترا Ankaratra في جزيرة مدغشقر وغير ذلك. ومن الصفات العامة للقارة أيضًا أنها خالية من البحار الداخلية وتقل بها أو تنعدم أشباه الجزر بعكس قارة أوربا، ولا توجد خلجان ذات أهمية سوى في منطقة خليج غانة وقابس وسرت وعدن، أما البحيرات فهناك بحيرات رودلف وفكتوريا ونياسا.

"شكل 54" ومن هذا العرض يتضح أنه لا توجد في إفريقيا سلاسل جبلية ممتدة امتدادًا طويلًا بحيث تعمل كحاجز مناخي هام مثل جبال روكي في أمريكا الشمالية أو الأنديز في أمريكا الجنوبية أو الهملايا في آسيا، غير أن هضاب وسط وشرق إفريقيا تؤثر في مناخ القارة تأثيرًا واضحًا. فنجد تلك الأقسام من القارة ذات مناخ أكثر جفافًا وأقل حرارة من منطقة ساحل غانا في غرب القارة وفي نفس خطوط العرض. وقد ساعدت ظروف الحرارة المنخفضة في هضاب وسط وشرق إفريقيا على جعلها مناطق مناسبة لسكنى الأوربيين مثل كينيا وروديسيا وغيرها.

وأهم مظاهر تأثير السطح على مظاهر المناخ في إفريقيا هي: 1- تعمل جبال أطلس على منع تأثير المنخفضات الجوية التي تغزو منطقة البحر المتوسط في الشتاء عن جنوب الجزائر والمغرب، بينما تؤدي هذه المرتفعات إلى زيادة كمية المطر في منطقة المرتفعات وذلك هو ما نسميه بالمطر التضاريسي. 2- يعزى سقوط كميات متوسطة من المطر في أجزاء من شرق إفريقيا إلى تأثير المرتفعات التي توجد في ذلك القسم من القارة. "شكل 55"

3- لما كانت السلاسل الجبلية في جزيرة مدغشقر تمتد عمودية على اتجاه الرياح فإن ذلك يعمل على سقوط كميات كبيرة من الأمطار على الساحل الشرقي للجزيرة. "شكل 56" 4- لا يوجد أثر كبير للجبال التي توجد في وسط الصحراء الكبرى من ناحية سقوط الأمطار، حيث الكتل الهوائية التي تغزو الصحراء تتصف بالجفاف. وبالإضافة إلى تأثير المرتفعات على سقوط المطر في بعض أجزاء إفريقيا فإن

لها تأثير واضح على درجات الحرارة، فنجد على سبيل المثال أن درجات الحرارة تقل حوالي 6 ْم في الجزء الجنوبي الشرقي من القارة عن الجزء الجنوبي الغربي منها. الضغط والرياح: أولًا: يناير: يمكن تلخيص أهم صفات توزيع الضغط والرياح في يناير فيما يلي: 1- يتعرض الجزء الشمالي من القارة إلى عملية تبريد، بينما الجزء الجنوبي يتعرض للتسخين، وتؤدي برودة النصف الشمالي من القارة إلى تكوين منطقة

ضغط مرتفع بالقرب من جبال أطلس وهضاب الجزائر، ويمكن اعتبار منطقة الضغط المرتفع هذه امتدادًا لمنطقة الضغط المرتفع الأزوري التي توجد فوق المحيط الأطلسي إلى الغرب من شمال إفريقيا، ويفصل بين منطقة الضغط المرتفع فوق الصحراء الكبرى ومنطقة الضغط المرتفع فوق آسيا منطقة للضغط المنخفض تتكون فوق البحر المتوسط، الذي يكون دفيئًا نسبيًّا في فصل الشتاء إذا قورن بالكتل اليابسة المحيطة به، وفي ضوء هذا التوزيع العام للضغط نجد أن الرياح تكون غربية في الجزء الساحلي من شمال إفريقيا، بينما تسود رياح خفيفة وركود في المنطقة الواقعة بين 20 ْ، 30 ْشمالًا. 2- يؤدي التسخين الشديد إلى الجنوب من خط الاستواء إلى تكوين منطقة للضغط المنخفض تتركز فوق النصف الجنوبي من إفريقيا وتمتد إلى الشمال من خط الاستواء حتى خط عرض 10 ْشمالًا تقريبًا، ويفصل هذا الضغط المنخفض بين منطقتي الضغط المرتفع الموجودتين فوق المحيط الهندي والمحيط الأطلسي الجنوبي وتهب الرياح التجارية الجنوبية الشرقية من مناطق الضغط المرتفع متجهة نحو مركز الضغط المنخفض الاستوائي. 3- عندما تعبر الرياح التجارية الجنوبية الشرقية خط الاستواء تغير اتجاهها وتصل إلى ساحل غانة كرياح جنوبية غربية ويجذبها الضغط المنخفض إليه، أما إلى الشمال من ساحل غانة فإن الرياح فوق الصحراء الكبرى والسودان والحبشة هي الشمالية والشمالية الشرقية. وهذه هي تجاريات نصف الكرة الشمالي. 4- على طول الساحل الشرقي للقارة يؤدي وجود منطقة الضغط المرتفع فوق المحيط الهندي، ومنطقة الضغط المنخفض فوق جنوب القارة ووسطها إلى هبوب رياح شمالية شرقية من الساحل إلى الداخل. ثانيًا: يولية: 1- مع حركة الشمس الظاهرية نحو مدار السرطان في يولية، يؤدي ارتفاع الحرارة في النصف الشمالي من إفريقيا إلى تكوين منطقة ضغط منخفض

فوق الصحراء الكبرى، ومنطقة ضغط مرتفع فوق جنوب إفريقيا، ونتيجة لذلك تسود الرياح التجارية الجنوبية الشرقية من 30 ْجنوبًا إلى خط الاستواء وهذه الرياح تغير اتجاهها لتصبح جنوبية غربية إلى الشمال من خط الاستواء حتى خط عرض 15 ْشمالًا. 2- في الشتاء الجنوبي تتعرض منطقة الكاب لهبوب الرياح الغربية العكسية وما يصحبها من انخفاضات جوية، فهي في ذلك مثل شمال غرب إفريقيا في يناير. 3- تقوى منطقة الضغط المرتفع الأزوري في يوليه ولما كانت منطقة الضغط المنخفض الاستوائي تمتد إلى جنوب الصحراء الكبرى في هذا الفصل فإن الرياح تكون شمالية شرقية على نصف القارة الشمالي في فصل الصيف وهذه هي تجاريات نصف الكرة الشمالي. علاوة على هذا النظام العام للضغط والرياح فوق القارة في الشتاء والصيف، فإن هناك نظمًا محلية للضغط والرياح تنتج عن الظروف المحلية للإقليم، مثال ذلك الرياح المحلية الحارة التي تهب من الصحراء الكبرى على شمال إفريقيا خلال فصل الربيع وأوائل الصيف نتيجة لمرور الانخفاضات والارتفاعات الجوية فوق البحر المتوسط من الغرب إلى الشرق كما شرحنا في الفصل الخاص بالرياح. وكذلك توجد مناطق عديدة تتأثر بنسيم البحر والبر ونسيم الوادي والجبل. التيارات البحرية وأثرها في مناخ إفريقيا: يتأثر مناخ سواحل إفريقيا بالتيارات البحرية التي تمر بجوارها، وأهم هذه التيارات هي: 1- تيار كناريا البارد الذي يتجه إلى الجنوب محاذيًا للساحل الشمالي الغربي للقارة في المحيط الأطلسي الشمالي، وتتميز مياه المحيط الأطلسي بين جبل طارق وداكار بالبرودة التي مبعثها ذلك التيار بالإضافة إلى حركة انقلاب المياه السفلى التي تكون حرارتها أبرد من المياه السطحية عادة. والسبب في حركة تيار كناريا هو الرياح التجارية الشمالية الشرقية الدائمة، ومن أهم آثار تيار كناريا البارد كثرة وجود الضباب على الساحل وسيادة الجفاف في الداخل.

2- إلى الجنوب من خط الاستواء وعلى ساحل إفريقيا الغربي أيضًا يوجد تيار بنجويلا البارد، الذي يتجه من الجنوب إلى الشمال فيحمل المياه الباردة إلى سواحل إفريقيا الجنوبية الغربية، وتصل درجات حرارة الماء على سواحل إفريقيا الجنوبية الغربية إلى حوالي 16 ْم أو أقل معظم السنة. وينتشر الضباب على هذا الساحل أيضًا. 3- يتجه هذان التياران البحريان إلى الغرب عند خطي عرض 15 ْشمالًا، 10 ْجنوبًا على التوالي، وبالقرب من خط الاستواء يتجه التيار الاستوائي أو تيار غانة نحو الشرق إلى الساحل الإفريقي، وهذا التيار يتميز بالدفء، ويؤثر هذا التيار في الجزء الممتد من داكار Dakar إلى ليبرفيل Libreville ونلاحظ "شكل 58"

أن الأجزاء التي تكتنفها التيارات الباردة تتصف بالجفاف بينما الأجزاء التي تتأثر بالتيارات الدفيئة تسقط بها الأمطار؛ ذلك لأن برودة الماء لا تساعد على تبخرها ومن ثم فالكتل الهوائية التي تمر فوق المياه الباردة لا تحمل بخار الماء بعكس تلك التي تمر فوق المياه الدفيئة. 4- تختلف ظروف الساحل الشرقي لإفريقيا عن الساحل الغربي. فحركة الهواء حول الضغط المرتفع المتمركز في المحيط الهندي تؤدي إلى اتجاه مياه دفيئة نحو القطب على طول الساحل الشرقي، وإلى الجنوب من خط الاستواء يسمى التيار البحري باسم تيار موزمبيق، والجزء الجنوبي منه حوالي خط عرض 35 ْجنوبًا يسمى تيار أجولهاس Agulhas وتعمل هذه التيارات على تدفئة الساحل الشرقي لإفريقيا لذلك نجد أن درجة حرارة الماء على الساحل الشرقي تزيد حوالي 8 ْم أو 10 ْم عن درجة حرارة الماء على الساحل الغربي في نفس العروض. كذلك تؤدي هذه التيارات الدفيئة على الساحل الشرقي إلى سقوط الأمطار في الجزء الجنوبي الشرقي من القارة. 5- يختلف اتجاه التيارات البحرية في الجزء الشمالي من المحيط الهندي إلى الشمال من خط الاستواء من فصل لآخر تبعًا لحركة الرياح الموسمية، ففي الصيف يؤدي هبوب الرياح الموسمية الجنوبية الغربية إلى اتجاه تيار بحري دافئ بجوار الساحل الإفريقي من الجنوب إلى الشمال، ويمر هذا التيار نحو الشرق عند خط عرض 10 ْشمالًا، لذلك فساحل الصومال وشبه الجزيرة العربية أبرد قليلًا من الساحل الإفريقي إلى الجنوب من هذه العروض. وفي الشتاء يؤدي هبوب الرياح الموسمية الشمالية الشرقية إلى تحرك تيار بحري من الشمال إلى الجنوب. وهو تيار بارد نسبيًّا, وعلى هذا فإن المياه الباردة توجد بجوار ساحل إفريقيا الشرقي إلى الشمال من خط عرض 10 ْشمالًا في كل الفصول، ويعتقد أن هذه المياه الباردة من العوامل المساعدة على قيام ظروف الجفاف في منطقة الصومال وشبه الجزيرة العربية. 6- التيارات البحرية في البحر المتوسط تدور في حركة ضد عقارب الساعة حول سواحل هذا البحر.

الكتل الهوائية في إفريقيا: تتأثر إفريقيا بعدد من الكتل الهوائية المختلفة وأهمها: أولًا: الكتل المدارية البحريةm T حيث إن معظم إفريقيا يقع في العروض المدارية فإن للكتل الهوائية المدارية أثر كبير في مناخها، والمصدر الرئيسي لهذه الكتل الهوائية الدفيئة الرطبة هو المحيطات التي تحيط بإفريقيا إلى الشمال والجنوب من خط الاستواء، غير أنه توجد بعض الاختلافات بين كتلة هوائية وأخرى تبعًا للظروف الإقليمية الخاصة بكل منها. وتتميز الكتل الهوائية في الجزء الشرقي من مناطق الضغط المرتفع دون المدارية بالثبات m Ts فهي توجد على الساحل الغربي الشمالي للقارة من جبل طارق إلى الرأس الأخضر Cape Verde، وعلى الساحل الغربي الجنوبي من رأس الرجاء الصالح إلى 15 ْجنوبًا، والمعروف أن الأجزاء الشرقية من مناطق الضغط المرتفع تتميز بحركة هبوط الهواء، وعدم وجود ظروف مناسبة لحدوث حركة تصعيد في الهواء وسقوط أمطار. أما الكتل الهوائية المدارية غير الثابتة m Tu فتوجد على الأطراف الغربية لمناطق الضغط المرتفع دون المدارية مثل الساحل الشرقي الجنوبي لإفريقيا أو توجد على طول جبهة الالتقاء المدارية l T C وهذه الكتل تتميز بارتفاع نسبة الرطوبة وبالدفء لذلك تجلب معها الأمطار التي تسقط خاصة على الساحل الشرقي لإفريقيا وفي وسط شرق إفريقيا. كذلك أمطار ساحل غانة في الجزء الممتد بين خطي عرض 5 ْشمالًا وجنوبًا تحملها الكتل الهوائية المدارية الرطبة غير الثابتة. أما في يوليه فإن الكتل الهوائية المدارية البحرية التي تتحرك إلى الشمال حتى تصل إلى داكار ورأس لوبيز Cape Lopez وتتجه هذه الكتل الهوائية نحو الشرق مع حركة الرياح، وتحدث حركة تصعيد في هذا الهواء مع سقوط أمطار غزيرة في هذا الفصل من السنة في المنطقة الممتدة بين 15 ْشمالًا، 5 ْجنوبًا، أما الهواء المداري الذي يغزو غربي إفريقيا إلى الجنوب من خط الاستواء فإنه يتميز بالثبات في فصل الصيف وكذلك في فصل الشتاء. ولذلك تسقط كمية

محدودة من الأمطار في يولية في هذا الإقليم الممتد بين خط الاستواء وخط عرض 30 ْجنوبًا أما إلى الشمال من خط الاستواء على الساحل الشرقي، فإن حركة الهواء تجعل اتجاه الكتل الهوائية من اليابس إلى الماء، لذلك لا يصل الهواء المداري البحري إلى الساحل الشرقي الشمالي لإفريقيا. ثانيًا: الكتل الهوائية المدارية القارية C T: وهناك مصدران رئيسيان لهذا الهواء الدافئ الجاف. أولًا ذلك النطاق الصحراوي الكبير الممتد بين 30 ْشمالًا, 15 ْشمالًا: وثانيًا صحراء كلهاري في جنوب إفريقيا وأثناء الشتاء الشمالي يسيطر هذا الهواء المداري القاري على معظم النصف الشمالي للقارة إلى الشمال من خط الاستواء، وباستثناء ساحل البحر المتوسط وساحل غانة، فإن هذا الهواء المداري القاري يسبب منطقة واسعة ذات سماء صافية وخالية من الأمطار، أما في جنوب غرب إفريقيا فإنه رغم عدم ثبات الهواء في يناير فإن قلة رطوبة الهواء تجعل كمية المطر الساقطة قليلة أما في الصيف الشمالي فإن الصحراء الكبرى تظل منطقة نفوذ للهواء المداري القاري الجاف، أما الإقليم الواقع إلى الجنوب من خط عرض 15 ْشمالًا فيقع تحت تأثير الهواء المداري البحري mt ku, ورغم شدة تسخين الهواء في المنطقة الممتدة بين خط عرض 15 ْشمالًا والبحر المتوسط فإن انخفاض نسبة رطوبة هذا الهواء لا تساعد على سقوط أمطار. وعلى طول ساحل البحر المتوسط تغزو المنطقة كتل هوائية قادمة من أوربا بعد عبورها للبحر، وفي فصل الصيف الشمالي توجد فوق جنوب أوربا كتل هوائية شبيهة بالكتل الهوائية المدارية البحرية بل وأكثر منها رطوبة، ورغم هذا يصل هذا الهواء إلى شمال إفريقيا فلا يسقط مطرًا لأن حرارته تزداد ومن ثم تزداد قدرته على حمل بخار الماء. ثالثًا: الكتل الهوائية القطبية البحرية mP يندر وصول الكتل الهوائية القطبية إلى إفريقيا التي تقع بعيدة عن العروض العليا, وفي خلال الشتاء الشمالي لا يتأثر بالهواء القطبي البحري سوى الطرف الشمالي الغربي من القارة، وهذا الهواء تجذبه الانخفاضات الجوية التي تمر فوق البحر المتوسط من الغرب إلى الشرق في هذا الفصل، ولما كان هذا الهواء محملًا ببخار الماء فإنه يسقط أمطارًا

غزيرة خاصة فوق منطقة المرتفعات في إقليم جبال أطلس، وبالمثل يغزو الهواء القطبي البحري الطرف الجنوبي من إفريقيا خاصة أثناء فصل الشتاء الجنوبي. رابعًا: الكتل الهوائية القطبية القارية CP يتأثر جزء من الساحل الشرقي لإفريقيا بالهواء القطبي القاري القادم من قارة آسيا, غير أن هذا الهواء يدخل عليه تعديل كبير أثناء مروره في عروض مدارية في طريقه إلى إفريقيا، فيفقد حرارته المنخفضة وجفافه بحيث يصعب التعرف عليه، أما الأطراف الجنوبية من القارة فهي لا تتأثر بالهواء القطبي حيث إنها تبعد كثيرًا عن القارة القطبية الجنوبية. الجبهات الهوائية: أهم مناطق الجبهات الهوائية في إفريقيا هي: 1- جبهة البحر المتوسط التي تمتد إلى الجنوب الغربي من المحيط الأطلسي: وتفصل هذه الجبهة بين الهواء القطبي البحري في الشمال والهواء المداري البحري في الجنوب، وفي الجزء الشرقي من هذه الجبهة يلتقي الهواء القطبي بهواء مداري قاري يأتي من داخل القارة الإفريقية. 2- بالقرب من خط الاستواء توجد جبهة الالتقاء المدارية وهي عبارة عن منطقة واسعة يتغير موضعها إلى الشمال والجنوب مع حركة الشمس الظاهرية من فصل لآخر. 3- توجد جبهة قطبية في نصف القارة الجنوبي تمتد من رأس الرجاء الصالح نحو الجنوب الشرقي، غير أن هذه الجبهة تظهر أحيانًا وتختفي أحيانًا أخرى. ومن أهم صفات هذه الجبهات أن جبهة البحر المتوسط تختفي في الصيف الشمالي، وأن الجبهة المدارية تتحرك نحو الشمال في الصيف الشمالي أيضًا, كذلك تختفي الجبهة القطبية في جنوب إفريقيا في الصيف الجنوبي لأنها تتحرك نحو الجنوب وبذلك تبعد عن القارة في ذلك الفصل.

الأعاصير وأضداد الأعاصير: تتأثر أجزاء صغيرة من القارة بالأعاصير التي تتكون على طول الجبهات الهوائية، فالأعاصير التي تتكون في منطقة البحر المتوسط هي المسئولة عن الأمطار التي تسقط في شمال إفريقيا من مراكش حتى القاهرة، وتتكون الانخفاضات الجوية إما فوق المحيط الأطلسي أو فوق البحر المتوسط، وفي الحالة الأولى تتحرك الانخفاضات في اتجاه جنوبي غربي ثم شمالي شرقي وبعد دخولها البحر المتوسط تتخذ مسارًا شرقيًّا، ويكون الهواء المداري البحري الجزء الدافئ من الإعصار عندما يكون الانخفاض ما زال إلى الغرب من جبل طارق، بينما يحل محله الهواء المداري القاري إلى الشرق من خط طول صفر، وبسبب ارتفاع الرطوبة في الهواء المداري البحري فإنه يحمل سحبًا كثيفة بينما تسود سماء صافية خالية من السحب مع وصول الهواء المداري القاري، على أن وصول الهواء المداري القاري تصحبه العواصف الرملية المشهورة، وفي الجزء الخلفي من أعاصير البحر المتوسط يوجد هواء قطبي بحري وتنتج عنه سحب وأمطار، وذلك على طول الجبهة الباردة من الإعصار، ولشكل الساحل الإفريقي الشمالي ووجود المرتفعات أثر واضح في تباين كمية المطر في الأجزاء المختلفة، إذ تؤدي مواجهة الساحل للرياح واصطدام الكتل الهوائية بالمرتفعات إلى سقوط المطر التضاريسي. وتمر بعض الانخفاضات إلى الجنوب من ممراتها العادية فتصل إلى جنوب المغرب والجزائر. وهذه الانخفاضات تكون عادة ضعيفة ولا تصحبها سحب كثيفة والأمطار التي تسقطها محدودة. وبالإضافة إلى وصول الأعاصير من المحيط الأطلسي فإن البحر المتوسط نفسه منطقة تتكون فيها الأعاصير، ومع اختفاء جبهة البحر المتوسط في الفترة من مايو إلى أكتوبر ينعدم مرور الأعاصير أو يندر إذ قد تتكون بعض الانخفاضات الضعيفة فوق المغرب والجزائر. وتختلف الاضطرابات التي تتكون على طول الجبهة المدارية عن انخفاضات البحر المتوسط، إذ تمتد الانخفاضات المدارية فوق مساحة محدودة، وأهم

الأعاصير المدارية هي ذلك النوع الذي يسمى الترنيدو التي تتحرك عادة من الشرق إلى الغرب وتصحبها أمطار غزيرة، ويكثر حدوث هذه الاضطرابات في بدء ونهاية فصل المطر، وتوجد مثل هذه الأعاصير في منطقة ساحل غانة ونيجيريا وحوض الكونغو وتوجد العواصف المدارية من نوع الهريكين في الجزء الجنوبي الغربي من المحيط الهندي، ويكثر حدوثها في الفترة من يناير إلى إبريل، وتنشأ هذه العواصف إلى الشرق من جزر سيشل Seehelles قرب خط عرض 10 ْجنوبًا ومعظم هذه العواصف تختفي قرب جزيرة مدغشقر خاصة على الجانب الشرقي منها. أما عن الأعاصير التي تتكون في منطقة إقليم البحر المتوسط في جنوب القارة فتتحرك بعد تكونها في اتجاه جنوبي شرقي لذلك فتأثيرها على مناخ جنوب القارة محدود لأنها تتحرك بعيدًا عن القارة. من هذا العرض يتضح لنا أمران: أولهما أن الأجزاء التي تنال مطرها نتيجة للأعاصير محدودة للغاية، وفي الواقع أن معظم أمطار إفريقيا تنتج عن عملية تصعيد الهواء. وثانيهما أن مناخ إفريقيا يتميز بالرتابة وعدم التغير الكبير من فصل لآخر أو من يوم لآخر في معظم أجزاء القارة، وهذا يرجع إلى نفس السبب الأول وهو قلة الأعاصير التي تؤثر في مناخ القارة. الأقاليم المناخية في إفريقيا: إقليم شمال غرب إفريقيا: يدخل ضمن هذا الجزء المناطق الساحلية ممتدة من مراكش إلى مصر بالإضافة إلى الجبال الداخلية والهضاب الموجودة في مراكش والجزائر وتونس. والمطر في هذا الإقليم من أصل إعصاري على طول جبهة البحر المتوسط، ولما كانت الأعاصير معدومة تقريبًا خلال فصل الصيف فإن مطر هذا الإقليم شتوي، وعلاوة على ذلك فإن كمية المطر تزداد حيث تقع الجبهة

الهوائية ومثال ذلك الساحل الممتد من طنجة إلى بنزرت، أما الساحل الجنوبي لمراكش فأمطاره قليلة، فكمية المطر في موجادور 33mogador سم في السنة والأجزاء الداخلية من مراكش يسقط بها مطر قليل في فصل الصيف بالإضافة إلى مطرها الشتوي ففي مدينة جريفل Geryvills تسقط 6 سم من المطر في شهر مايو، وهذا المطر الصيفي ينتج عن حركات تصعيد في الهواء في هذه المناطق الداخلية. وإلى الشرق من بنزرت يبدو تأثير الصحراء الكبرى واضحًا في الأجزاء الساحلية ذلك لأنه لا توجد سلاسل جبلية تحجب تأثير الصحراء عن ساحل البحر المتوسط كما هو الحال في منطقة المغرب، لذلك نجد كمية المطر قليلة في هذا الجزء الشرقي لأن الكتل الهوائية سواء كانت قادمة من الشمال أو الجنوب تتميز بقاريتها وانخفاض نسبة الرطوبة بها، وبالإضافة إلى ذلك فإن الأمطار تقل ثم تنعدم بسرعة إذا ما ابتعدنا عن الساحل نحو الداخل، فكمية المطر في مدينة الجزائر 75 سم في السنة، بينما في مدينة بسكره تصل إلى 17.5 سم في السنة. ومن ناحية الحرارة نجد أن الجزء الشمالي يتميز بدرجات حرارة أكثر ارتفاعًا في الشتاء وأقل حرارة في الصيف عن الأجزاء الداخلية، أما ساحل مراكش المطل على المحيط الأطلسي فحرارته منخفضة في فصل الصيف بسبب مرور تيار كناريا البارد، ويبدو أثر الصحراء الكبرى في ارتفاع درجة الحرارة في الجزء الواقع إلى الشرق من بنزرت خاصة في فصل الصيف. غير أن الشريط الساحلي يتمتع بدرجات حرارة ألطف من المناطق الداخلية بسبب تأثير البحر خاصة وأن الرياح السائدة تهب من البحر إلى اليابس، ومثال ذلك أن المناطق الداخلية يزيد متوسط حرارتها في شهر يولية 5 ْعن المناطق الساحلية. وترتفع درجات الحرارة ارتفاعًا شديدًا خلال الفترات التي تهب فيها رياح السيروكو التي تأتي من الصحراء في مقدمة الانخفاضات الجوية التي تمر فوق البحر المتوسط من الغرب إلى الشرق. إقليم الصحراء الكبرى: تشمل الصحراء الكبرى ذلك النطاق الجاف الواقع الممتد من البحر المتوسط في الشمال حتى خط عرض 15 ْشمالًا في الجنوب

وفي فصل الشتاء الشمالي تسود في هذا النطاق الرياح التجارية الشمالية الشرقية حتى خط عرض 12 ْشمالًا وتمنع هذه الرياح وجود أي كتل هوائية رطبة في المنطقة وفيما عدا الطرف الشمالي من الصحراء الكبرى فإن بقية الإقليم تسود به أحوال الجفاف، وتسقط بعض الأمطار الشتوية في الأطراف الشمالية من الصحراء الكبرى متأثرة بنظام البحر المتوسط. وفي فصل الصيف الشمالي يحدث العكس ويصبح الطرف الشمالي من الصحراء الكبرى عديم المطر، بينما الطرف الجنوبي ينال بعض الأمطار المرتبطة بمنطقة الضغط المنخفض الاستوائي التي تتحرك نحو الشمال في يولية، فكمية المطر في مدينة تمبكتو Timbuktu على الحد بين الصحراء الكبرى والإقليم السوداني عند خط عرض 20 ْشمالًا 22.5 ْسم سنويًّا يسقط منها 8.8 سم في شهر يولية وحده أما الجزء الممتد بين خطي عرض 28 ْ، 18 ْشمالًا فكمية المطر السنوي به لا تزيد عن 5 سم، ويلاحظ أيضًا أن نسبة السحب منخفضة جدًّا فوق الصحراء الكبرى في معظم الفصول، وذلك فيما عدا ساحل المحيط الأطلسي حيث تسود به السحب من النوع السمحاق المنخفض أثناء فصل الصيف. ويساعد انخفاض نسبة الرطوبة في الهواء المداري القاريCT الذي يسود في إقليم الصحراء الكبرى على ارتفاع درجات الحرارة أثناء النهار ارتفاعًا شديدًا وتنخفض درجات الحرارة أثناء الليل ولذلك فالمدى الحراري اليومي كبير، ومتوسط الحرارة في شهر يناير يصل إلى حوالي 18 ْم، أما فصل الصيف فتسود به درجات حرارة مرتفعة تكاد تكون أعلى درجات حرارة في العالم كله، فمتوسط حرارة الصيف حوالي 48 ْم، بل إن درجة حرارة بلدة العزيزية في جنوب ولاية طرابلس قد وصلت إلى 56.5 ْفي خلال فصل الصيف وهي أعلى درجة حرارة تم تسجيلها في أي مكان في العالم، هذا بالإضافة إلى هبوب العواصف الرملية من نوع الهرمطان. أما الكتل الجبلية المرتفعة في وسط الصحراء الكبرى مثل جبال الأحجار وتبستي فمناخها من نوع الاستبس وتسقط بها أمطار تنتج عن عمليات التصعيد

في فصل الصيف، وتقدر كمية المطر في منطقة هضبة الأحجار بحوالي 25 سم في السنة، وتتميز هذه الأجزاء المرتفعة بدرجات حرارة منخفضة نسبيًّا إذا قورنت بالمناطق المنخفضة المحيطة بها. إقليم السودان وساحل غانة: يعتمد نظام المطر وتوزيعه في غرب إفريقيا بين خط الاستواء وخط عرض 15 ْشمالًا على موقع الجبهة المدارية. ففي فصل الشتاء الشمالي توجد هذه الجبهة إلى الجنوب من خط الاستواء وذلك إلى الشرق من خط طول 15 ْشرقًا ولكنها تظل إلى الشمال من خط الاستواء إلى الغرب من خط طول 15 ْشرقًا؛ وذلك بسبب عملية التسخين لليابس الإفريقي إلى الشمال من خليج غانة، ويمكن اعتبار ساحل غانة الحد الجنوبي لمنطقة الضغط المنخفض. وبقدوم فصل الصيف تتحرك منطقة الضغط المنخفض نحو الشمال حتى تصل إلى خط عرض 20 ْشمالًا، وعلى طول الجبهة المدارية يلتقي الهواء المداري القاري من الشمال والمداري البحري من الجنوب وإلى الأخير تعزى الأمطار التي تسقط في هذه الجهات في فصل الصيف الشمالي. ومن ناحية قمة المطر نلاحظ أن المحطات التي توجد في أقصى شمال الإقليم تتمتع بقمة مطر واحدة تأتي في يولية أو أغسطس ومثال ذلك تمبكتو، بينما المحطات التي توجد في أقصى الجنوب تتمتع بقمتين تتبعان مرور منطقة الضغط المنخفض الاستوائي مرتين، غير أن أمطار الصيف تفوق أمطار الشتاء في العادة. كما نلاحظ أن المحطات الساحلية تسقط بها كمية أكبر من الأمطار وهي من نوع المطر التضاريسي ومن المناطق الساحلية التي تقل بها الأمطار حتى يمكن اعتبارها ضمن الإقليم شبه الصحراوي رغم أنها توجد ضمن ساحل غانة ذلك الجزء المحيط بخليج بنين Bight of Benin، والسبب في قلة المطر في هذا الجزء هو أن شكل الساحل يجعل الرياح الجنوبية الغربية السائدة تهب موازية للساحل فلا تسقط مطرًا، كما أن المياه في هذا الجزء تتميز بالبرودة النسبية مما لا يساعد على سقوط أمطار، فكمية المطر في مدينة أكرا Accra عاصمة جمهورية غانة تبلغ 68 سم في السنة، بينما في مدينة عنتبة Entebbe في أوغنده تصل إلى 145 سم، وأمطار الإقليم السوداني تحدث

مصحوبة بعواصف رعدية شديدة. وفي هذا الإقليم يوجد فصل جفاف واضح تسود به الرياح التجارية الشمالية الشرقية ويقل طول هذا الفصل الجاف كلما اتجهنا جنوبًا. ولا تصل العواصف الرملية إلى ساحل غانة، كما أن ظروف الجفاف التي تسود في الشمال تقلل منها وجود النباتات إلى الجنوب من خط عرض 1 ْشمالًا وفي الواقع يمكن وصف مناخ ساحل غانة بأنه من النوع الموسمي ولذلك فإن قمة الحرارة تأتي قبل موسم الأمطار ويمكن تقسيم السنة بالتالي إلى ثلاثة فصول: 1- فصل برودة وجفاف يمتد من نوفبر إلى فبراير. 2- فصل حرارة وجفاف يمتد من مارس إلى مايو. 3- فصل دفء ومطر من مايو إلى نوفمبر. وفي الجزء الشمالي من هذا الإقليم تصبح درجات الحرارة في فصل الشتاء أكثر انخفاضًا "المتوسط حوالي 12 ْم" وبالمثل تصبح درجات الحرارة في الصيف أكثر ارتفاعًا وذلك بسبب قلة المطر "المتوسط حوالي 34 ْم". وعلى هذا الأساس يمكن تتبع عدد من الأقاليم المناخية من ساحل غانة نحو الشمال فنجد أولًا المناخ المداري المطير على طول الساحل "Af" ثم مناخ السفانا "Aw" وإلى الشمال منه يوجد مناخ الاستبس "BS" أخيرًا نصل إلى الصحراء الحقيقية "Bw". وإلى الشرق من خط طول 10 ْشرقًا يوجد مثل هذا التتابع في الأقاليم المناخية، غير أن المؤثرات القارية تبدو بوضوح في هذا الجزء، فالأمطار أقل بسبب بعد هذا القسم عن مصدر الرطوبة، كما أن درجات الحرارة في الصيف أكثر ارتفاعًا من القسم الغربي. وتبدو قلة المطر في القسم الشرقي عن القسم الغربي إذا ما قارنا كمية المطر في ليبرفيل "246سم" بكمية المطر في منجلا "سمMongalla "97.5. وتنخفض نسبة السحب في القسم الشرقي فيما عدا خلال فصل الأمطار.

وتهب في شمال السودان أثناء الفصل الجاف رياح محملة بالأتربة تصاحب الرياح الشمالية الشرقية وتسمى هذه الرياح "الهبوب" Haboob ,وهي عبارة عن انخفاضات جوية شديدة وصغيرة المساحة على طول الجبهة المدارية في أوائل فصل الصيف قبل سقوط الأمطار. إقليم الكمرون وجنوب غرب إفريقيا: يتدرج مناخ غرب إفريقيا إلى الجنوب من خط الاستواء -كما هو الحال إلى شمال خط الاستواء- من المناخ الاستوائي المطير حتى نصل إلى الصحراء في أقصى الجنوب، غير أنه بسبب ضيق القارة الإفريقية في نصفها الجنوبي فإن هناك بعض الاختلافات بين شمال القارة وجنوبها أهمها: 1- على طول الساحل الغربي للقارة تظل منطقة الضغط المنخفض الاستوائي إلى الشمال من خط الاستواء طول العام، لذلك فإن حركة الهواء من الماء إلى اليابس في نصف القارة الجنوبي ضعيفة. 2- يصل تيار بنجويلا البارد حتى خط الاستواء تقريبًا، بينما تيار كناريا البارد في الشمال يصل إلى خط عرض 15 ْشمالًا ثم يحل محله تيار دافئ. وينتج عن العاملين قلة المطر على السواحل الغربية جنوب خط الاستواء إذا ما قورنت بمثيلتها شمال خط الاستواء. وفي شمال الكمرون يوجد نظام مطر شبيه بالنظام السائد في نيجيريا حيث موسم المطر الرئيسي يمتد من مايو إلى أكتوبر، ويتغير توزيع المطر حوالي خط عرض 2 ْأو 3 ْشمالًا ففي ليبرفيل بالقرب من خط الاستواء يمتد فصل المطر من سبتمبر إلى مايو بينما يسود الجفاف في شهري يولية وأغسطس. وإذا اتجهنا جنوبًا على طول الساحل فإن فصل الجفاف يزداد طولًا وكمية المطر تأخذ في القلة. وفي الداخل يتدرج المطر في قلة من الشمال إلى الجنوب كما هو الحال على الساحل. ويسقط المطر في شمال حوض الكنغو في فصل الصيف الشمالي وتقع

قمته في شهري يوليه وأغسطس، أما القسم الجنوبي من حوض الكنغو فيتميز بفصل جفاف يمتد من مايو إلى سبتمبر. وفي كل أنحاء حوض الكنغو يسقط المطر نتيجة لعملية التصعيد وتصحبه عواصف رعدية. وكمية المطر في حوض الكنغو أقل منها في حوض الأمزون في أمريكا الجنوبية رغم وقوعهما في خطوط عرض واحدة، ويرجع هذا إلى ظروف السطح المحلية إذ إن وجود المرتفعات إلى الشرق من حوض الكنغو يحجب الكتل الهوائية المدارية الرطبة عن الوصول إلى المنطقة, يضاف إلى ذلك وجود المياه الباردة على طول الساحل إلى الجنوب من خط الاستواء. وإلى الجنوب من حوض الكنغو تبدأ كمية المطر في القلة حتى نصل إلى الصحراء، وعلى الساحل في منطقة صحراء ناميب Namib يكثر الضباب نتيجة لمرور تيار بنجويلا البارد الذي يؤدي إلى حدوث عملية تكاثف لبخار الماء أثناء مرور الهواء الدافئ فوق المنطقة الساحلية, وإلى الداخل في صحراء كلهاري تسود السماء الصافية طول العام، ويساعد ارتفاع السطح إلى الجنوب من خط عرض 10 ْجنوبًا على التقليل من شدة الحرارة، هذا بالإضافة إلى تأثير نسيم البحر. إقليم جنوب إفريقيا: يختلف مناخ جنوب إفريقيا من مكان لآخر، وذلك بسبب التغيرات التي تطرأ على نظام الرياح من فصل لآخر وبسبب الاختلافات في مظاهر السطح. ففي فصل الشتاء الجنوبي عندما تنتقل منطقة الضغط المرتفع عند عروض الخيل نحو الشمال، يقع جنوب إفريقيا تحت تأثير الانخفاضات الجوية التي تمر من الغرب إلى الشرق فوق المحيطات الجنوبية، وتجلب هذه الانخفاضات المطر الإعصاري لجنوب إفريقيا في فصل الشتاء، ويزيد من كمية المطر عامل التضاريس في الأجزاء المرتفعة. وتقل كمية المطر نحو الداخل وعلى الساحل الشرقي. وأما في فصل الصيف الجنوبي فتتحرك منطقة الضغط المرتفع عند عروض الخيل حتى تصل إلى الجنوب من رأس الرجاء الصالح، بينما تتركز منطقة ضغط منخفض فوق اليابس في الداخل، وعلى ذلك يهب هواء مداري بحري من الماء

إلى اليابس على الساحل الشرقي إلى الشمال من رأس أجولهاس. والهواء المداري في هذا الجزء يتميز بالدفء والرطوبة العالية بسبب وجود تيار موزمبيق الدافئ على طول الساحل الشرقي الجنوبي لإفريقيا، ويقلل من ثبات هذه الكتلة الهوائية وجود الضغط المنخفض فوق القارة وينتج عن ذلك سقوط أمطار صيفية غزيرة على الساحل الشرقي وفي جزء من الداخل، وتقل كمية المطر من الساحل إلى الداخل فكمية المطر في مدينة دربان Durban على الساحل تصل إلى 107 سم سنويًّا بينما في مدينة كمبرلي Kimberly في الداخل تبلغ 40.5 سم فقط. أما الساحل الغربي في فصل الصيف، فهو عديم المطر؛ ذلك لأن اتجاه الرياح من اليابس إلى الماء. وتنحدر الرياح من المرتفعات مما يؤدي إلى تسخينها وتسمى رياح البرج Berg "وهي كلمة ألمانية معناها جبل" وهي شبيهة برياح الفهن والشنوك التي سبق الكلام عنها في الفصل الخاص بالرياح. وتتأثر درجات الحرارة بظروف السطح إلى حد كبير، ولما كانت أكثر المناطق ارتفاعًا توجد في الشمال فقد أدى ذلك إلى التقليل من أثر خط العرض. بينما تغير الحرارة مع خطوط الطول يبدو أكثر وضوحًا فدرجة حرارة يوليه في دربان 18 ْم بينما في بورت نولوث Port Nolloth تصل إلى 13 ْم ويرجع ذلك إلى تأثير التيارات البحرية "تيار بنجويلا البارد"، ويعمل هذا التيار على خفض درجات الحرارة في يناير حوالي 8 ْم على الساحل الغربي عنها على الساحل الشرقي حيث يعمل تيار موزمبيق الدافئ على رفع درجة حرارة الصيف في الأجزاء المطلة على المحيط الهندي. وتعمل المرتفعات على خفض درجات الحرارة فوق الهضاب الداخلية في فصل الشتاء حتى إن الصقيع يتكون أحيانًا أثناء الليل. ويمكن تلخيص مناخ جنوب إفريقيا في أنه مناخ بحر متوسط مطره شتوي وجاف في الصيف حول مدينة الكاب Capetown، ومناخ استبس وصحراء على الساحل الغربي والمطر شتوي قليل، أما الساحل الشرقي والجزء الشرقي الأوسط فمطره صيفي، وأخيرًا يسود مناخ رطب حار في الأودية الداخلية لنهري زمبيزى Zambezi ولمبوبوLimpopo.

إقليم شرق إفريقيا: يشمل هذا الإقليم الساحل الشرقي والقسم الشرقي الأوسط من القارة. ولما كانت موزمبيق إلى الجنوب من خط عرض 10 ْجنوبًا فإن مطرها يسقط في الصيف، ويسقط المطر في هذه المنطقة نتيجة لوصول الهواء المداري الرطب الذي يتجه من المحيط صوب منطقة الضغط المنخفض الاستوائي، ويقل المطر في هذا الإقليم في فصل الشتاء بسبب برودة اليابس النسبية، أما في فصل الصيف فإن كمية المطر تزداد بفعل التسخين الذي يصيب الكتل الهوائية فوق اليابس وبسبب وصول العواصف المتجهة من الشرق إلى الغرب في المحيط الهندي ويسود المطر الصيفي أيضًا في ملاوي وشمال روديسيا، فأكبر كمية شهرية للمطر تسقط في شهر يناير في مدينة زمبا Zomba في ملاوي وفي مدينة لفنجستون Livingstone في روديسيا الشمالية، ومعظم المطر من النوع التصاعدي وفصل المطر يمتد من نوفمبر إلى إبريل. وتختلف كمية المطر من مكان لآخر بسبب تباين السطح، ويبدو هذا واضحًا في كينيا وأوغندة وتنزانيا، وفصلية المطر في هذا الإقليم ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمرور الجبهة المدارية، فالجزء الجنوبي من تنزانيا يتمتع بقمة واحدة للأمطار، أما الأجزاء الشمالية فبها قمتان للمطر حيث إن الجبهة المدارية تمر بها مرتين. وتقل كمية المطر كلما اتجهنا غربًا ومثال ذلك أن كمية المطر إلى الغرب من بحيرة فيكتوريا أقل منها إلى الشرق من البحيرة. وتقل كمية المطر نحو الشمال بسبب قلة بخار الماء في الهواء وبسبب وجود المياه الباردة نسبيًّا بجوار الساحل كما شرحنا سابقًا. ويسقط المطر في فصل الصيف في الحبشة وإرتريا والصومال, أما الشتاء فهو فصل جاف. وتهب الرياح من الجنوب الغربي خلال فصل الصيف، ويصل هذا الهواء إلى الحبشة والصومال بعد أن يكون قد قطع مسافة طويلة فوق القارة لذلك فكمية المطر في هذا الجزء أقل من كمية المطر في الأجزاء الواقعة إلى الغرب منه. أما ساحل البحر الأحمر فهو يقع في ظل المطر حيث إن المرتفعات

الواقعة إلى الغرب منه تحجب عنه أمطار هذه الرياح الغربية. وتسقط أمطار قليلة على ساحل البحر الأحمر في فصل الشتاء تنتج عن وصول الرياح الموسمية الشتوية الخارجة من آسيا بعد عبورها للبحر الأحمر. وتحدث أعلى درجات حرارة قبل حلول فصل المطر كما هو الحال في غرب إفريقيا وترتفع درجات الحرارة ارتفاعًا شديدًا في أجزاء من شمال شرق إفريقيا القليلة المطر، وتنخفض درجات الحرارة أثناء فصل الشتاء ويلاحظ أن هناك اختلافات واضحة في درجات الحرارة تنتج عن الاختلافات في مظاهر السطح، فالجبال المرتفعة تتمتع بدرجات حرارة منخفضة أثناء فصل الصيف، بينما ترتفع الحرارة في الأودية والأحواض المنخفضة وعلى طول السهل الساحلي المنخفض. من هذا الوصف لمناخ شرق إفريقيا تتضح لنا حقيقة هامة وهي أنه لا يوجد مناخ مداري مطير "Af" في شرق إفريقيا حتى حول خط الاستواء حيث يسود جفاف في فصل الشتاء يجعل المنطقة تنتمي إلى إقليم السفانا. ويرجع ذلك إلى عامل الارتفاع الذي يؤدي إلى انخفاض الحرارة، وكذلك إلى الارتباط الشديد بين سقوط الأمطار وموقع الجبهة المدارية. جزيرة مدغشقر: تمتد المرتفعات في جزيرة مدغشقر من الشمال إلى الجنوب عمودية على اتجاه الرياح، لذلك تنال السواحل الشرقية من الجزيرة قسطًَا وافرًا من الأمطار، أما الجزء الغربي فيقع في ظل المطر. وفي فصل الصيف تخترق منطقة الضغط المنخفض الاستوائي شمال جزيرة مدغشقر لذلك تسقط أمطار غزيرة في القسمين الشمالي والشرقي من الجزيرة. وكذلك تسقط أمطار محدودة على الجزء الجنوبي الغربي من الجزيرة نتيجة لعملية التصعيد، وتتأثر جزيرة مدغشقر بمرور العواصف المدارية التي تحدث في هذا الجزء من المحيط الهندي في أواخر الصيف والخريف. وترتفع درجات الحرارة في النصف الجنوبي من الجزيرة في فصل الصيف. وبذلك يمكن تقسيم الجزيرة إلى ثلاثة أقاليم مناخية: الساحل الشرقي ويسود به مناخ مداري مطير "Af"، والساحل الغربي ويسود به مناخ السفانا "Aw" والمرتفعات ويسود بها مناخ معتدل دافئ "C".

الفصل التاسع: أوربا باستثناء روسيا

الفصل التاسع: أوربا باستثناء روسيا وجد من المستحسن لأسباب مناخية أن تدرس روسيا كلها مع قارة آسيا بدلًا من دراستها مع قارة أوربا. لذلك يعالج هذا الفصل ذلك النطاق الممتد إلى الغرب من خط طول 25 ْشرقًا. وبالرغم من امتداد أوربا بين خطي عرض 35 ْ، 70 ْشمالًا إلا أن التنوع المناخي في القارة محدود، وفيما عدا منطقة شبه جزيرة اسكندناوه، فإن بقية أوربا عبارة عن إقليم معتدل المناخ، ويكون الجزء الأكبر من السويد والنرويج القسم الرئيسي من الإقليم المعتدل البارد. ويرجع اعتدال مناخ أوربا إلى تأثير المحيط الممتد إلى الشمال والغرب والبحر المتوسط إلى الجنوب. وتصل المياه الدفيئة إلى الشمال حتى تصل إلى الدائرة القطبية الشمالية فتمنع بذلك حدوث فصل برودة طويل. وأهم تغير في مناخ أوربا يحدث إلى الشمال والجنوب من الجبال الجنوبية، حيث ينفصل مناخ البحر المتوسط في الجنوب "Cs" عن المناخ المعتدل المطير في الشمال "Cf". وقد كان لوجود قارة إفريقيا إلى الجنوب من خط عرض 35 ْشمالًا أثره الواضح في عدم وجود مصدر رئيسي للهواء المداري البحري. ولما كانت أوربا بعيدة عن العروض المدارية وعن الكتل الهوائية المدارية فإن القارة تخلو تمامًا من المناخ المداري، كذلك بسبب وفرة الكتل الهوائية البحرية التي تغزو القارة من المحيطات والبحار المجاورة تخلو أوربا من المناخ الصحراوي.

مظاهر السطح وأثرها في مناخ أوربا: تمتد سلسلة الجبال الرئيسية في قارة أوربا من الغرب إلى الشرق. ويمكن إجمال المناطق المرتفعة في القارة في أربعة أقسام. 1- مرتفعات اسكندناوه وتمتد في اتجاه جنوبي غربي شمالي شرقي وتصل بعض القمم إلى 2200 متر ومعظمها أقرب إلى الساحل الغربي منها إلى خليج بوثنيا Gulf of Bothnia، وعلى هذا فمعظم السويد يقع تحت ارتفاع 1000 متر فوق سطح البحر. 2- سلسلة جبال البرانس التي تفصل بين فرنسا وأسبانيا ويصل ارتفاعها إلى حوالي 3000 متر فوق سطح البحر، وهي من السلاسل الرئيسية في أوربا، وإلى الجنوب من سلسلة البرانس توجد سلاسل صغيرة أخرى فوق هضبة المزيتا. 3- سلاسل جبال الألب وهي أكثر جبال أوربا ارتفاعًا وتمتد من جنوب فرنسا إلى جنوب شرق النمسا، وتتشعب جبال الألب جنوبًا لتكون سلسلة جبال الألب الدينارية وامتداداتها في ألبانيا وبلغاريا واليونان. وإلى الشرق يوجد قوس جبلي يشمل جبال ترانسلفانيا وجبال الكربات، وهذه السلاسل الفرعية أقل ارتفاعًا من السلاسل الرئيسية التي تبلغ بعض قممها حوالي 350 متر فوق سطح البحر. 4- على طول امتداد شبه جزيرة إيطاليا تمتد جبال أبنين Apennines وهي من السلاسل الجبلية الرئيسية في جنوب أوربا. وبالإضافة إلى هذه السلاسل الرئيسية توجد سلاسل جبلية أخرى صغيرة, ومن أهم صفات هذه السلاسل أنها تمتد من الغرب إلى الشرق. وتتميز القارة الأوربية بكثرة الخلجان وأشباه الجزر على عكس قارة إفريقيا, ففي أوربا نجد البحر الأسود وبحر إيجه والبحر الأدرياتي وبحر الشمال وبحر بلطيق وخليج بوثينا وخليج فنلنده وخليج بسكاي Biscay. وتتميز أوربا أيضًا بوجود أجزاء منخفضة واسعة من أهمها الأجزاء

الساحلية في شمال فرنسا وبلجيكا وهولنده وألمانيا وجمهوريات البلطيق، وفي الجزر البريطانية والمجر توجد أجزاء كثيرة لا يزيد ارتفاعها عن 350 مترًا. ويمكن تلخيص أثر السطح على مناخ أوربا فيما يلي: 1- حيث إنه لا توجد سلاسل جبلية تمتد في القارة من الشمال إلى الجنوب فإن الكتل الهوائية البحرية تستطيع الوصول من المحيط الأطلسي إلى أقصى شرق القارة، ولذلك لا يوجد تغير مناخي فجائي في الاتجاه الغربي الشرقي في القارة. 2- تعمل السلاسل الجبلية الممتدة في جنوب أوربا من الغرب إلى الشرق على الفصل بين الأجزاء الشمالية الأكثر برودة والأجزاء الجنوبية الدفيئة، وتقوم هذه الجبال في نفس الوقت بحجب العواصف الرملية التي تغزو منطقة البحر المتوسط من الوصول إلى وسط وشمال القارة. 3- تقوم جبال شبه جزيرة اسكندناوه بعرقلة الدورة العادية للرياح في المنطقة، ولذلك نجد الساحل الغربي غزير المطر بينما السواحل الشرقية قليلة المطر لأنها تقع في ظل المرتفعات. 4- تستمد كثير من الكتل الهوائية التي تغزو أوربا كميات من بخار الماء أثناء مرورها فوق البحار والخلجان التي تحيط بالقارة. 5- كان لوجود السهول في شرق أوربا أثر واضح في سهولة وصول الكتل الهوائية القارية الباردة إلى غرب القارة. الضغط والرياح: أولًا: يناير: أهم صفات توزيع الضغط والرياح في فصل الشتاء في أوربا هي: 1- الاتجاه العام للرياح فوق كل أوربا -فيما عدا منطقة البحر المتوسط- من الجنوب الغربي، ويوجد انخفاض جوي يمتد من جزيرة أيسلند إلى نوفيا زمليا Novaya Zemlya، ومركز هذا الانخفاض هو جزيرة أيسلند، وفوق

"شكل 59"

جنوب شرق أوربا توجد منطقة للضغط المرتفع هي في الواقع امتداد لمنطقة الضغط المرتفع السيبيري. وفوق جبال الألب توجد منطقة أخرى للضغط المرتفع تنتج عن البرودة الشديدة في هذه الجهات في فصل الشتاء. وأخيرًا توجد منطقة ضغط مرتفع فوق جنوب أسبانيا يمكن اعتبارها امتدادًا لمنطقة الضغط المرتفع فوق جزر أزور في المحيط الأطلسي. ومع هبوب الرياح الغربية تغزو أوربا أعاصير تمر فوق القارة من الغرب إلى الشرق دون عائق وأهم مناطق نفوذها تقع بين خطي عرض 45 ْ، 70 ْشمالًا. 2- يوجد نطاق من الضغط المنخفض فوق البحر المتوسط الذي تتميز مياهه بالدفء النسبي في فصل الشتاء، وتمتد منطقة الضغط المنخفض هذه من أسبانيا إلى أطراف شبه الجزيرة العربية، وعلى الجانب الشمالي من منطقة الضغط المنخفض يكون اتجاه الرياح شرقيًّا وذلك في اليونان وشمال إيطاليا، أما في الجزء الغربي من البحر المتوسط فالرياح شمالية غربية. غير أننا يجب أن نأخذ في الاعتبار أن المناطق المحيطة بالبحر المتوسط في أوربا تتميز بالسطح المتضرس ولظروف السطح المحلية أثر كبير في اتجاه الرياح وقوتها، ومثال ذلك أن الأراضي المنحدرة وأودية الأنهار تساعد على ازدياد سرعة الرياح الشمالية التي تهب في مؤخرة الأعاصير المتمركزة فوق خليج جنوا، ونقصد بها رياح "المسترال" الباردة. وهناك رياح مماثلة على رأس البحر الأدرياتي وعلى طول ساحل دلماشيا حيث تسمى "البورا" أما إلى الجنوب من البحر المتوسط فهناك رياح حارة جافة تهب إلى البحر المتوسط من إفريقيا وهي رياح "السيروكو"، وتهب السيروكو في مقدمة الانخفاضات الجوية التي تمر من الغرب إلى الشرق فوق البحر المتوسط، وقد تصل رياح المسترال إلى إفريقيا وتسمى هناك رياح "ترامونتانا" Tramontana وبسبب مرور الانخفاضات الجوية نجد أن اتجاه الرياح يتغير من يوم ليوم. ثانيًا: يوليو: أهم صفات توزيع الضغط والرياح في الصيف هي:

"شكل 60"

1- أهم التغيرات التي تطرأ على نظام الضغط والرياح في الصيف هي زيادة قوة الضغط المرتفع فوق المحيط الأطلسي وانتقاله نحو الشمال، أما الضغط المنخفض الأيسلندي فإنه يضعف في الصيف، وبذلك تضعف حركة الأعاصير فوق أوربا، ويصبح التغير في الضغط الجوي فوق النرويج والسويد ضعيفًا وتوجد منطقة ضغط منخفض ثانوية إلى الشرق من مرتفعات اسكندناوة. 2- تزداد قوة الضغط المرتفع الأزوري ويمتد لسان منه فوق اليابس الأوربي. واتجاه الرياح فوق أوربا يصبح نتيجة لذلك من الشمال الغربي أو الغرب. 3- يمتد لسان من الضغط المنخفض الأسيوي فوق شمال إفريقيا، وتتميز رياح الصيف في منطقة البحر المتوسط بضعفها. 4- نلاحظ أن تأثير الأعاصير على مناخ أوربا في الصيف أقل منه في الشتاء، بسبب قلة النشاط الإعصاري في فصل الصيف. التيارات البحرية وأثرها في مناخ أوربا: لما كانت أوربا في الواقع شبه جزيرة لقارة آسيا ولما كانت تضيق نحو الغرب وتمتد نحو المحيط الأطلسي الشمالي، فإن لدورة المياه أثر واضح في مناخ القارة، وأهم التيارات البحرية التي تؤثر في مناخ أوربا هي: 1- يعتبر تيار الخليج الدافئ أهم التيارات البحرية في المحيط الأطلسي الشمالي، وعن طريق هذا التيار تصل المياه الدفيئة من جنوب غرب المحيط الأطلسي إلى شماله الشرقي نحو شمال غرب أوربا، وامتداد تيار الخليج الدافئ هو تيار المحيط الأطلسي الشمالي الدافئ الذي يتشعب في عدة فروع قبل أن يصل إلى السواحل الأوربية. فالتيار النرويجي يحمل المياه الدفيئة إلى سواحل اسكندناوه، وإلى الجنوب من هذا التيار يوجد تيار بحر الشمال وهو يسير في دورة ضد عقارب الساعة، وهنا تصل المياه الدفيئة إلى الجنوب على طول الساحل الشرقي للجزر البريطانية ويقويه تيار يسير في القنال الإنجليزي.

"شكل 61"

وهناك تيار بارد نسبيًّا يتجه من بحر بلطيق إلى بحر الشمال عبر مضيق سكاجيراك Skagerrak بين اسكندناوه والدانمرك. وعلى طول سواحل فرنسا وأسبانيا يجري فرع من تيار المحيط الأطلسي الدافئ فيؤدي إلى رفع درجات الحرارة في هذه الجهات. 2- يحدث تبادل للمياه بين المحيط الأطلسي والبحر المتوسط عبر مضيق جبل طارق، وفي البحر المتوسط توجد دورتان للمياه تفصل بينهما شبه جزيرة إيطاليا وجزيرة صقلية، وكلتاهما تدور في حركة ضد عقارب الساعة, ومن الصعب التعميم بخصوص التيارات في البحر الأسود والبحر الأدرياتي وبحر بلطيق؛ لأن دورة المياه في هذه البحار ترتبط باتجاهات الرياح المحلية. وأهم آثار التيارات البحرية على مناخ أوربا هي وجود المياه الدفيئة على السواحل الغربية لأوربا طول العام، وحيث إن اتجاه الرياح في أوربا شمال خط عرض 45 ْشمالًا هو من الغرب إلى الشرق، فإن الرياح تحمل ذلك الدفء إلى القارة فتقلل من برودة الشتاء. الكتل الهوائية في أوربا: من أهم صفات توزيع الكتل الهوائية في أوربا عدم وجود مصدر حقيقي للكتل الهوائية في القارة، لذلك يمكن اعتبار أوربا منطقة انتقال بين الكتل الهوائية المختلفة. أولًا: الكتل الهوائية القطبية البحرية "mP" في فصل الشتاء يأتي الهواء الذي يغزو أوربا شمال خط عرض 45 ْشمالًا من شرق المحيط الأطلسي. والهواء القادم من منطقة جرينلند وسبتز برجن يصل شمال غرب أوربا ككتلة هوائية غير ثابتة، أما الهواء القطبي القاري "C P" الذي يترك أمريكا الشمالية ويتجه نحو الجنوب الشرقي فوق المحيط الأطلسي ثم يتجه نحو الشمال الغربي فوق أوربا فقد أعطى الفرصة لاكتساب صفات جديدة من السطوح التي يمر عليها، فيصبح هذا الهواء دفيئًا ورطبًا. وعندما يصل الهواء القطبي البحري إلى شرق أوربا تكون الأجزاء السفلى منه قد زادت برودتها وبذلك يزداد ثباته.

أوربا-الضغط والرياح "يوليه" "بالملليبار" "شكل 62"

وفي أثناء فصل الصيف يؤدي هبوب الهواء القطبي البحري إلى سيادة جو لطيف في شمال غرب أوربا إلى الشمال من خط عرض 45 ْشمالًا، غير أنه مع ضعف حركة الرياح تظل الكتلة الهوائية فوق اليابس فترة طويلة مما يؤدي إلى زيادة حرارتها؛ بسبب اليابس الدافئ وينتج عن ذلك تكون سحب من النوع الركامي. وقد يحدث أن يتحرك هذا الهواء الدافئ مرة أخرى فوق المياه المجاورة فيبرد من أسفل وينتج عن عملية التبريد تكون الضباب فوق بحر الشمال، وتسود هذه الظروف الجوية في أوائل فصل الصيف عندما تكون ظروف اتجاه الرياح مواتية وتكون حرارة الماء ما زالت منخفضة نسبيًّا. "شكل 63" ثانيًا: الكتل الهوائية المدارية البحرية "mT": يقتصر المصدر الرئيسي

للهواء المداري البحري في فصل الشتاء على الجزء المداري من المحيط الأطلسي ويدخل كثير من التعديل على الهواء المداري أثناء رحلته حتى وصوله إلى أوربا، لذلك يصل وحرارته أقل منها في مصدره الأصلي، إذ تبلغ درجة حرارة هذا الهواء فوق شمال شرق أوربا 5 ْم، أما فوق مدينة برلين بألمانيا فتبلغ حرارته حوالي 7 ْم، ويتميز هذا الهواء المداري بارتفاع نسبة رطوبته، ولا يؤدي وصول هذا الهواء إلى سقوط أمطار غزيرة في أوربا1. ويصل الهواء المداري البحري ذو الصفات المعدلة إلى أوربا في فصل الصيف عندما يمتد الضغط المرتفع الأزوري فوق أوربا. ولما كان سطح القارة دفيئًا في فصل الصيف فإن هذا الهواء يتعرض لحركة تصعيد، أما إلى الجنوب من خط عرض 40 ْشمالًا فإن حالة الثبات التي تتميز بها الكتل الهوائية على الجانب الشرقي من الضغط المرتفع الأزوري لا تساعد على حدوث حركة تصعيد أو سقوط أمطار. ثالثًا: الكتل الهوائية القطبية القارية "C P": يوجد مصدر رئيسي للهواء القطبي القاري في فصل الشتاء في الجزء الشرقي من أوربا وامتداده في آسيا إلى الشمال من خط عرض 45 ْشمالًا. وتتميز هذه الكتل الهوائية بدرجات الحرارة المنخفضة انخفاضًا شديدًا، كما أن رطوبتها النسبية منخفضة. وتسود هذه الكتل الهوائية فوق شرق أوربا عندما يتحكم الضغط المرتفع السيبيري في دورة الرياح فوق شرق أوربا، غير أن الهواء القطبي القاري القادم من شمال آسيا يصل إلى أوربا بعد أن يكون قد اكتسب قليلًا من الدفء والرطوبة ولكنه يظل هواء باردًا بالنسبة إلى درجات الحرارة السائدة خاصة في غرب أوربا. ويصل الهواء القطبي القاري إلى أوربا في مؤخرة الأعاصير القوية التي تمر فوق شمال أوربا.

_ Petterssen. S,." Weather Analysis and Forecasting" p. 184 McGraw Hill Book Company lnc,. New York, 1940.

أما في فصل الصيف فإن دفء الأجزاء الجنوبية من أوربا يجعل الهواء القطبي القاري مقصورًا على العروض العليا فقط ويتميز ذلك الهواء في الصيف برطوبة متوسطة ودرجات حرارة معتدلة. رابعًا: الكتل الهوائية المدارية القارية "cT": تؤثر الكتل الهوائية المدارية القارية في إقليم البحر المتوسط فقط، وذلك في فصل الشتاء كما سيرد فيما بعد، أما في الصيف فإن الجزء الجنوبي من أوربا إلى الجنوب من خط عرض 45 ْشمالًا يعتبر مصدرًا للهواء المداري القاري، غير أن الهواء المداري القاري في جنوب القارة يختلف في خصائصه من مكان لآخر بسبب وجود البحار في تلك الجهات، ويتعرض الهواء المداري لعمليات التصعيد التي تؤدي إلى تكون السحب الركامية وسقوط الأمطار. خامسًا: الكتل الهوائية في إقليم البحر المتوسط: في الشتاء تغزو إقليم البحر المتوسط كتل هوائية تأتي من المناطق المجاورة، فمع مرور الأعاصير عبر البحر المتوسط من الغرب إلى الشرق ينجذب هواء بارد من الشمال نحو الساحل الإفريقي بينما ينتقل هواء إفريقي دافئ نحو الشمال عبر البحر المتوسط، وفوق الجزء الشمالي الغربي من حوض البحر المتوسط يصل الهواء القطبي البحري باردًا وجافًّا ومثال ذلك رياح المسترال التي سبق ذكرها، غير أن هذا الهواء بعد أن يعبر المياه الدفيئة يكتسب رطوبة وحرارة فيصل إلى الأجزاء الجنوبية من البحر المتوسط وقد أصبح دفيئًا ورطبًا، ويحدث نفس الشيء في الجزء الشرقي من حوض البحر المتوسط حيث يصل الهواء القطبي القاري باردًا وذلك مثل رياح البورا. أما في مقدمة الأعاصير فيوجد هواء دافئ جاف يأتي من إفريقيا "السيروكو". ويكتسب هذا الهواء الإفريقي بمروره فوق البحر المتوسط بعض الرطوبة كما أن حرارته تنخفض عن ذي قبل. أما في فصل الصيف عندما يكون الاختلاف في الحرارة بين اليابس والماء محدودًا فإن التباين بين الكتل الهوائية يكون محدودًا أيضًا. ويضاف إلى ذلك أنه بسبب انعدام مرور الأعاصير في المنطقة فإن انتقال الهواء من الجنوب إلى

الشمال أو العكس يحدث نادرًا، والحركة العادية للرياح في إقليم البحر المتوسط من الشمال إلى الجنوب، إذ يعبر الهواء الدافئ من وسط أوربا إلى شمال البحر المتوسط ويكون هذا الهواء جافًّا ثم تزداد رطوبته بعد عبور المسطحات المائية وبسبب ارتفاع حرارة الماء فإن الكتل الهوائية لا تفقد الكثير من حرارتها وبالتالي لا توجد سحب أو ضباب فنجد إقليم البحر المتوسط منطقة ذات سماء صافية خلال فصل الصيف. الجبهات الهوائية: أهم الجبهات الهوائية فوق أوربا هي الجبهة الأطلسية القطبية والجبهة المتجمدة وجبهة البحر المتوسط، ولهذه الجبهات الثلاث أثر واضح في مناخ أوربا، وفيما يلي عرض موجز لهذه الجبهات: في فصل الشتاء تفصل الجبهة الأطلسية القطبية بين الهواء القطبي القاري وبين الهواء المداري البحري، وتكون الجبهة قوية في الجزء الغربي من المحيط الأطلسي ولكنها تضعف وقد تختفي تمامًا في الجزء الشرقي. لذلك لا ينتج عن وجود هذه الجبهة اختلافات واضحة في الحرارة في جنوب أوربا. أما الجبهة المتجمدة Arctic فتوجد في منطقة الضغط المنخفض الكبيرة التي تمتد من جزيرة أيسلنده إلى نوفيا زمليا حيث تلتقي الكتل الهوائية المتجمدة الباردة مع الكتل الهوائية البحرية الأكثر دفئًا القادمة من الجنوب. وتضعف الجبهة المتجمدة أحيانًا عندما تمتد منطقة الضغط المرتفع السيبيري لتشمل معظم أوربا. أما الجبهة التي تتكون في منطقة البحر المتوسط فهي عند التقاء الهواء الأوربي البارد مع الهواء الأكثر دفئًا القادم من الجنوب وجبهة البحر المتوسط أقل دوامًا من الجبهتين الأولى والثانية. وفي فصل الصيف تضعف جميع الجبهات الهوائية وذلك بسبب قلة الاختلاف في درجات الحرارة بين الكتل الهوائية المختلفة، فجبهة البحر المتوسط تختفي تمامًا. أما الجبهة الأطلسية القطبية فتتحرك إلى أقصى شمال القارة.

الأعاصير وأضداد الأعاصير: تعتبر منطقة الضغط المنخفض الأيسلندي مركزًا لنشأة الانخفاضات الجوية أو تقويتها، وهذه الأعاصير تكون عادة قوية، وهي تتحرك عادة من جنوب جزيرة أيسلنده في اتجاه شمالي شرقي نحو النرويج. وهذه الأعاصير تتميز بأنها أقوى في الشتاء منها في الصيف. وقد تتخذ هذه الأعاصير، مسارات إلى الشمال من أيسلنده أو في وسط المحيط الأطلسي، غير أن معظم الأعاصير تتركز حول خط عرض 60 ْشمالًا في فصل الشتاء، وإن كانت توجد بعض الأعاصير التي تنتقل من الجزء القريب من أسبانيا حتى تصل إلى النرويج. ومن المعروف أن بعض الأعاصير التي تؤثر في مناخ أوربا تتكون فوق القارة ذاتها، وليس من الضروري أن تأتي إليها من المحيط الأطلسي، ومثال ذلك الأعاصير التي تتكون إلى الشرق من مرتفعات اسكندناوه أو تلك التي تتكون في خليج جنوا أو البحر الأدرياتي. ونلاحظ دائمًا أنه في مؤخرة الانخفاضات تمر ارتفاعات باردة. إذ إن عملية التوازن في الدورة الهوائية تجعل من الضروري أن تتابع الانخفاضات والارتفاعات الجوية في حركتها من الغرب إلى الشرق. ويؤدي مرور الأعاصير إلى سقوط أمطار غزيرة فوق غرب أوربا وشمالها، أما شرق القارة فقد لا يصيبه الكثير من المطر خاصة في فصل الشتاء عندما يقع تحت تأثير الضغط المرتفع السيبيري. أما في منطقة البحر المتوسط فنجد أن الجزء الجنوبي منها يتأثر بمرور الأعاصير خاصة في فصل الشتاء أما الجزء الشمالي فيكثر مرور الأعاصير به في الربيع والخريف. وبعكس الأعاصير التي ينتج عنها مطر وسحب، فإن أضداد الأعاصير يصحبها جو صحو خالٍ من السحب، غير أن درجات الحرارة تكون منخفضة أثناء مرور ضد الإعصار خاصة في العروض الشمالية. وفي فصل الصيف يقتصر مرور الأعاصير على الجزء الشمالي من أوربا، بينما الأمطار التي تسقط في وسط القارة تكون نتيجة لعملية التصعيد التي تحدث بسبب ارتفاع حرارة اليابس في ذلك الفصل.

الأقاليم المناخية في أوربا: إقليم شمال غرب أوربا: يشمل هذا الإقليم المناطق التي تتعرض للرياح الجنوبية الغربية التي تهب حول الضغط المنخفض الأيسلندي. ويتميز إقليم شمال غرب أوربا بمناخ معتدل مطير "C f". وتعزى أمطار هذا الإقليم إلى الأعاصير التي تمر فوقه في فصول السنة المختلفة ويزيد من تأثيرها وجود المرتفعات في بعض جهات الإقليم. ولا يوجد فصل جفاف في إقليم شمال غرب أوربا وإن كانت قمة المطر توجد في فصل الشتاء والخريف، فأكثر شهور السنة مطرًا في كل من بكستون Buxton بإنجلترا وأبردين Aberdeen باسكتلندا وفالنسيا Velencia بأيرلندا هو شهر ديسمبر، بينما أكثر الشهور مطرًا في مدينة لندن هو شهر أكتوبر. وقد يرجع السبب في هذا إلى أن الكتل الهوائية في فصل الخريف عندما تأتي من المحيطات الجنوبية تحمل كمية أكبر من بخار الماء لأن هذه المحيطات تتميز بالدفء خلال فصل الخريف، أما في الشتاء والربيع فتكون درجة حرارة الماء قد انخفضت نسبيًّا وهذا لا يساعد على عملية التبخر، ومن ثم تقل نسبة بخار الماء في الكتل الهوائية التي تمر عليها، وتقل كمية المطر في غرب أوربا من الغرب إلى الشرق، فالجزر البريطانية والنرويج تنال كمية أكبر من الأمطار إذا قارناها بفرنسا، فكمية المطر في برجن Bergen في غرب النرويج تبلغ 202.5 سم في السنة، بينما في بردو Bordeaux تبلغ 77 سم فقط، ويعتبر فصل الربيع أقل الفصول مطرًا في إقليم غرب أوربا إذ يقل به النشاط الإعصاري، وقد تزداد كمية المطر في بعض الأجزاء الداخلية من الإقليم خلال فصل الصيف بسبب عملية التصعيد خاصة في شهر يوليه ومثال ذلك مدينة جرينتش Greenwioh بإنجلترا التي يسقط بها 5.5 سم من المطر في شهر يوليه وحده. ويتميز إقليم شمال غرب أوربا بكثرة السحب ومعظمها من النوع الركامي الطبقي Stratcumulus والطبقي المنخفض Low stratus. كذلك يكثر

الضباب على سواحل شمال غرب أوربا في فصل الشتاء، ففي مدينة باريس مثلًا يحدث الضباب في ثمانية أيام في المتوسط خلال شهر يناير، ويكثر الضباب في فصل الخريف فوق الجزر البريطانية والنرويج، بينما يكثر في الربيع وأوائل الصيف في منطقة بحر الشمال. وتقل العواصف الرعدية في إقليم شمال غرب أوربا خاصة في فصل الشتاء وإن كانت بعض العواصف تحدث في فصل الصيف بسبب ازدياد حرارة اليابس خاصة في الأجزاء الداخلية من الإقليم، ففي باريس تحدث عواصف رعدية 5 أو 6 مرات خلال كل شهر من شهور الصيف الثلاثة وهي يونيه ويوليه وأغسطس. ومن أهم ما يميز توزيع الحرارة في الإقليم الارتفاع النسبي في درجات الحرارة أثناء فصل الشتاء، وينتج ذلك عن هبوب الرياح من الماء إلى اليابس حاملة الدفء الذي يتميز به المحيط الأطلسي خلال فصل الشتاء. وتسود البرودة في فترات محدودة عندما يصل الهواء السيبيري إلى غرب أوربا. وبالمثل يؤدي هبوب الرياح الغربية إلى خفض درجات الحرارة في الإقليم في فصل الصيف خاصة في الأجزاء الساحلية، فإذا قارنا فانو Fano بالدانمرك بفالنسيا في أيرلندا خلال فصل الشتاء نجد أن متوسط حرارة يناير في الأولى 1 ْم والثانية 7 ْم، وإذا قارنا باريس بفرنسا وبرست Brest بإنجلترا نجد أن متوسط حرارة يوليه في الأولى 18 ْم وفي الثانية 16 ْم. إقليم وسط أوربا: يبدأ التأثير البحري في الاختفاء بالابتعاد عن المحيط، غير أن عدم وجود حاجز جبلي في غرب القارة يعطي فرصة لوصول بعض المؤثرات البحرية إلى وسط أوربا بحيث يصبح التغير في المناخ من الغرب إلى الشرق تدريجيًّا، ويمثل إقليم وسط أوربا في الواقع منطقة انتقال بين المناخ المعتدل الرطب في شمال غرب أوربا والمناخ الجاف البارد شتاءًا في شرق أوربا ويتنازع النظامان مناخ وسط أوربا بين فصل وآخر، وتقل كمية المطر في وسط أوربا؛ ذلك لأن الأعاصير تصل إليه وهي منهكة قليلة الأمطار، وتزداد الأمطار

قليلًا في مناطق المرتفعات حيث يسقط المطر التضاريسي، وتسيطر منطقة الضغط المرتفع السيبيري أثناء فصل الشتاء على الأجزاء الشرقية من الإقليم فتمنع بذلك تأثير الأعاصير وتسود أحوال الجفاف أثناء شهور الشتاء ومثال ذلك مدينة وارسو عاصمة بولندا التي يسقط بها 3.2 سم فقط أثناء شهر يناير، بينما يسقط بها 7.5سم في شهر يوليه، وترجع غزارة الأمطار في فصل الصيف إلى عملية التصعيد، وتقل كمية المطر في الجهات التي تقع إلى الشرق من السلاسل الجبلية ومثال ذلك السويد وفنلندا. ورغم أن فصل الصيف هو فصل الأمطار الغزيرة في وسط أوربا، إلا أن نسبة السحب تزداد في فصل الشتاء، ففي وسط ألمانيا يبلغ متوسط نسبة السحب في يناير حوالي 6/8 ويرجع ذلك إلى تأثير غرب أوربا وانتشار سحبه إلى وسط القارة بالإضافة إلى أن سحب الشتاء من النوع الطبقي الذي يغطي معظم السماء، بينما سحب الصيف من النوع الركامي الذي يتجمع في تكتلات تترك بينها أجزاء مكشوفة من السماء. وفي فصل الشتاء يكثر الضباب في أجزاء واسعة من إقليم وسط أوربا ففي مدينة هامبورج Hamburg بألمانيا يحدث الضباب في 11يومًا في المتوسط خلال شهر ديسمبر. بينما يقل الضباب في فصل الصيف على اليابس. ويكثر الضباب فوق بحر بلطيق في الربيع. ويكثر حدوث العواصف الرعدية في إقليم وسط أوربا أثناء الصيف إذ يصل عددها إلى خمس في كل شهر من شهور الصيف. ومن ناحية الحرارة نلاحظ أن تغير الحرارة من الغرب إلى الشرق أكثر وضوحًا من تغيرها من الشمال إلى الجنوب، وتتميز الأجزاء الغربية من الإقليم بدرجات حرارة معتدلة أثناء فصل الشتاء بسبب تأثرها بالظروف البحرية، أما الأجزاء الشرقية وهي تقع تحت تأثير اليابس الأسيوي، فحرارتها منخفضة في فصل الشتاء. وتحدث موجات البرودة الشديدة في وسط أوربا عندما تغزو

المنطقة كتل هوائية قطبية قارية "cP" قادمة من سيبيريا وشمال روسيا، وتصل درجة حرارة يناير في بوخارست Bucharest برومانيا إلى 5 ْم. وترتفع درجات الحرارة ارتفاعًا واضحًا في فصل الصيف نتيجة للظروف القارية السائدة ففي بوخارست تصل درجة حرارة يوليه إلى 23 ْم. إقليم البحر المتوسط: تتميز الأراضي الواقعة إلى جنوب المرتفعات الجنوبية بمناخها المعتدل الدفئ وبصيفها الجاف، غير أن هناك بعض الاختلافات من منطقة إلى أخرى، ومثال ذلك أن شمال شرق إيطاليا يشبه في مناخه إقليم وسط أوربا إلى حد كبير. ويرتبط توزيع المطر في الإقليم بمرور الأعاصير الشتوية، وقد سبق أن ذكرنا أن خليج جنوا منطقة من مناطق تولد الأعاصير أو تقوية الأعاصير التي تأتي من المحيط الأطلسي، وتتبع الأعاصير مسارًا جنوبيًّا فوق البحر المتوسط خلال فصل الشتاء عندما تسيطر على جنوب أسبانيا وجبال الألب منطقتان للضغط المرتفع، ولذلك تزداد كمية المطر في ذلك الفصل في الجزء الجنوبي من إقليم البحر المتوسط. أما في فصلي الربيع والخريف فإن مسار الأعاصير يتزحزح شمالًا بحيث توجد قمتان للمطر في الجزء الشمالي من إقليم البحر المتوسط خلال هذين الفصلين. وتزداد كمية المطر على السفوح الغربية لمرتفعات إيطاليا وأسبانيا وشرق البحر الأدرياتي. وتسقط كميات لا بأس بها من الأمطار على الجزء الشرقي من حوض البحر المتوسط نتيجة لعملية تجديد شباب الأعاصير في منطقة خليج جنوا والأجزاء القريبة منه. وفي فصل الصيف يسيطر الضغط المرتفع الأزوري على منطقة البحر المتوسط ولذلك يندر المطر أو ينعدم. والمنطقة الوحيدة التي تسقط بها أمطار صيفية في إقليم البحر المتوسط هي شمال شرق إيطاليا وهي منطقة قليلة المطر في الشتاء ولكنها غزيرة الأمطار في الصيف نتيجة لعملية التصعيد. وتقل السحب في إقليم البحر المتوسط بحيث لا تتجاوز 5/8، ويرجع

ذلك إلى قلة النشاط الإعصاري إذا قورن بإقليم شمال غرب أوربا، وإلى سيادة ضد الإعصار خلال فصل الصيف وبعض فترات خلال فصل الشتاء. ويزداد الضباب في فصل الشتاء في الجزء الشمالي من إقليم البحر المتوسط خاصة أثناء مرور الجبهات الدفيئة، وأكثر مناطق الإقليم ضبابًا رأس خليج جنوا، ويقل الضباب كلما اتجهنا جنوبًا، إذ يبلغ عدد الأيام التي يتكون بها الضباب في جنوا 4 أو 5 أيام خلال شهر فبراير بينما يحدث لمدة يوم في المتوسط في مدينة روما في نفس الشهر. ولا تحدث عواصف رعدية في إقليم البحر المتوسط خلال فصل الصيف رغم ارتفاع درجات الحرارة، ويرجع ذلك إلى جفاف الكتل الهوائية السائدة في الإقليم في ذلك الفصل. ومن ناحية الحرارة يتميز إقليم البحر المتوسط بدرجات الحرارة المعتدلة في فصل الصيف وبالدفء في فصل الشتاء، أما شبه جزيرة أيبيريا فتسود بها درجات حرارة منخفضة على الساحل وأشد انخفاضًا في الداخل، بينما الصيف يتميز بالحرارة المرتفعة أما الساحل الجنوبي لفرنسا حول مدينة مرسيليا فشتاؤه بارد نوعًا؛ إذ تصل درجة حرارة مرسيليا في يناير إلى 7 ْم وقد تنخفض درجات الحرارة عن هذا المعدل في فترات هبوب رياح المسترال على طول وادي الرون. أما درجات الحرارة أثناء فصل الصيف فهي وإن كانت مرتفعة إلا أنها أقل ارتفاعًا منها في إقليم وسط أوربا إذا استثنينا بعض المناطق القارية مثل شمال شرق إيطاليا حيث ترتفع درجات الحرارة بها صيفًا لتضعها في نظام واحد مع إقليم وسط أوربا، وتنخفض درجات الحرارة على سواحل البحر الأدرياتي بسبب هبوب رياح البورا. وتتمتع الأجزاء الغربية والجنوبية من شبه جزيرة البلقان بمناخ البحر المتوسط المعتدل، مع زيادة في درجات الحرارة نحو الجنوب في كل فصول السنة.

أما شرق بلغاريا المطل على البحر الأسود فيتميز بشتائه البارد خاصة عندما تصله موجات باردة من الشمال والشرق ويشبه في ذلك وسط شبه جزيرة البلقان مما يجعل هذه المناطق أقرب في مناخها إلى وسط أوربا منها إلى إقليم البحر المتوسط. إقليم جبال الألب: فضلنا أن نفرد لمنطقة جبال الألب إقليمًا قائمًا بذاته وذلك بسبب ارتفاعها الذي يجعلها تختلف في ظروفها المناخية عن بقية أجزاء أوربا. ويتميز هذا الإقليم بغزارة أمطاره التي معظمها من النوع التضاريسي، وتسقط كميات غزيرة من المطر على السفوح المواجهة للرياح. وفي الجزء الشمالي من الإقليم توجد قمة المطر في فصل الصيف كما هو الحال في إقليم وسط أوروبا مع حدوث بعض العواصف الرعدية، أما إلى الشرق والجنوب فقمة المطر تقع خلال فصل الخريف كما هو الحال في شمال إيطاليا، وتقل الأمطار في الإقليم خلال فصل الشتاء عندما يسيطر الضغط المرتفع على المنطقة. وتقل السحب في إقليم الألب في فصل الشتاء بسبب حركة هبوط الهواء الناتجة عن وجود الضغط المرتفع وتبلغ نسبة السحب 4/8 خلال هذا الفصل. وتزداد السحب والضباب في الأودية المنخفضة حيث الهواء راكد معظم الوقت، وتنخفض درجات الحرارة بالارتفاع غير أن بعض الأودية تتصف ببرودتها في الشتاء نتيجة لتجمع الهواء البارد بها من الجهات المرتفعة المجاورة.

الفصل العاشر: آسيا والاتحاد السوفيتي

الفصل العاشر: آسيا والاتحاد السوفيتي تمتد قارة آسيا من خط الاستواء حتى خط عرض 80 ْشمالًا، ولما كانت أراضي الاتحاد السوفيتي في أوربا وثيقة الارتباط في ظروفها المناخية بقارة آسيا فقد رأينا أن يتضمن الكلام عن آسيا ذكر الأراضي السوفيتية في أوربا أيضًا. وبسبب هذا الامتداد الكبير لقارة آسيا فإنها تشمل أنواعًا مناخية عديدة تتدرج من المناخ المداري المطير Af إلى المناخ القطبي Er. ويعد أهم عامل يؤثر في مناخ القارة هو امتداد اليابس الأسيوي امتدادًا واسعًا حول خط عرض 30 ْشمالًا وإلى الشمال منه، وهذا النطاق يظل بمنأًى عن الهواء المداري الرطب بسبب وجود الجبال المرتفعة إلى الجنوب منه، وفي فصل الشتاء تؤدي الظروف القارية إلى تكوين نطاق من الضغط المرتفع فوق قلب القارة، ويتميز الهواء في وسط القارة ببرودته الشديدة وجفافه الواضح. ويخرج الهواء القاري من وسط القارة إلى جنوبها وشرقها ويكون لوصوله إلى هذه المناطق آثار هامة في مناخها، وهذا الهواء هو الرياح الموسمية الشتوية وبالعكس في فصل الصيف يؤدي التسخين الشديد إلى تكون منطقة للضغط المنخفض حول خط عرض 30 ْشمالًا وتتجه رياح من الجنوب والشرق وتكون من أهم صفاتها أنها رطبة محملة ببخار الماء، وهذه هي الرياح الموسمية الصيفية. وعلى ذلك فإن الشتاء هو فصل الجفاف والصيف هو فصل المطر في جنوب وشرق آسيا. وتسود الكتل الهوائية الجافة في وسط وشمال وغرب آسيا لذلك فإن كمية المطر في هذه الجهات محدودة للغاية.

مظاهر السطح وأثرها في مناخ آسيا: يتكون قلب آسيا من هضبة واسعة يحيط بها سلاسل جبلية أهمها: 1- جبال هملايا وتمتد من الغرب إلى الشرق على طول شمال شبه الجزيرة الهندية، وتشمل الهملايا أكثر جبال العالم ارتفاعًا إذ تصل بعض قممها إلى ارتفاع 9500 متر فوق سطح البحر. 2- بين جبال الهملايا وجبال كوين لن Kunlun في الشمال وبعض السلاسل الصغيرة في الجنوب توجد هضبة التبت العظيمة الارتفاع. 3- يوجد عدد من السلاسل الجبلية المتتابعة ممتدة في اتجاه جنوبي غربي شمالي شرقي من الخليج العربي حتى منغوليا، وأهم هذه السلاسل جبال هندوكوش Hindu Kush وجبال تيان شان Tien Shan. 4- يبدأ السطح في الانحدار التدريجي من هضبة التبت نحو الشمال حتى نصل إلى المحيط المتجمد الشمالي، وفي منغوليا وسيبيريا يوجد عدد من السلاسل الجبلية مثل Altai جبال التاي وجبال يابلونوي. 5- تمتد سلسلة جبلية صغيرة نحو الجنوب الشرقي إلى خليج سيام Siam. ويبلغ متوسط الارتفاع في الجزء الجنوبي الغربي من آسيا حوالي 700 متر وتتخلله بعض السلاسل الجبلية مثل جبال القوقاز التي تمتد من البحر الأسود إلى بحر قزوين. وأكثر السلاسل الجبلية في المنطقة تمتد من جوار البحر الأسود عند جنوب شرق إيران ويحف بها من الجنوب الخليج الفارسي وسهول دجلة والفرات. ويلاحظ أن معظم أراضي الاتحاد السوفيتي تقع على ارتفاع حوالي 350 مترًا فوق سطح البحر، وتخترقها من الشمال إلى الجنوب سلسلة جبال أورال Ural. هذا علاوة على بعض السلاسل الجبلية التي توجد في الجزر المحيطة بآسيا مثل جزر اليابان أو جزر الهند الشرقية، أو جنوب الهند وحواف شبه الجزيرة العربية.

"شكل 64"

ومن مظاهر السطح الهامة في آسيا أيضًا البحار الداخلية التي توجد في جنوب غرب آسيا مثل البحر الأسود وبحر قزوين وبحر أورال وبحيرة بيكال Baikal. وبالقارة عدد كبير من الخلجان مثل الخليج العربي والبحر العربي وخليج بنغال وخليج سيام وخليج تونكين Tonkin وبحر أختسك okhotsk ,وبحر كارا kara، غير أنه بسبب اتساع اليابس الآسيوي فإن أثر هذه البحار محلي ومحدود. ويمكن تلخيص أثر مظاهر السطح على المناخ فيما يلي: 1- تعمل جبال أورال على صد تقدم الهواء القطبي البحري نحو سيبريا من الغرب، وبالمثل تعمل جبال هملايا على منع الهواء المداري الرطب القادم من الجنوب من الوصول إلى وسط آسيا وكذلك تفصل مرتفعات شمال شرق آسيا بين المحيط الهادي وداخل القارة. ويؤدي وجود هذا الطوق من المرتفعات حول آسيا إلى حجز الهواء البارد داخل القارة وتراكمه بحيث يصبح وسط القارة منطقة شديدة البرودة في فصل الشتاء كما أنها تصبح منطقة قليلة المطر شتاء أيضًا. وفي فصل الصيف لا تتمكن الكتل الهوائية الرطبة من الوصول إلى وسط القارة. 2- تعمل المرتفعات في فصل الشتاء على حماية جنوب القارة من الموجات الباردة التي تأتي من الشمال, وقد يصل الهواء القطبي القاري إلى جنوب القارة بعد عبوره المرتفعات غير أنه يصل كهواء دافئ؛ ذلك لأن انحداره من المرتفعات إلى السهول يؤدي إلى تسخينه بالاحتكاك وبالطبع يكون هذا الهواء جافًّا على السفوح الجنوبية للمرتفعات، وهذه السفوح تصيبها أمطار غزيرة في فصل الصيف عندما تهب الرياح الموسمية الصيفية من الجنوب. 3- تعمل مرتفعات تركيا على منع وصول الكتل الهوائية من منطقة البحر المتوسط إلى وسط آسيا، ولكنها تساعد على زيادة الأمطار الشتوية في تركيا ذاتها. 4- تعمل المرتفعات الموجودة في جزر اليابان وجزر الفلبين على زيادة كمية المطر في هذه الجهات سواء في الصيف أو في الشتاء.

"شكل 65"

5- يلاحظ أن المطر أكثر غزارة على الساحل الجنوبي الغربي للهند منها على الساحل الجنوبي الشرقي لأن جبال الغات الغربية أكثر ارتفاعًا من جبال الغات الشرقية. 6- تؤثر البحار الداخلية في مناخ الأجزاء القريبة منها خاصة من ناحية زيادة الرطوبة. الضغط والرياح: أولًا: يناير أهم صفات التوزيع العام للضغط والرياح في نصف السنة الشتوي هي: 1- يتراكم الهواء البارد فوق وسط آسيا وتساعد الظروف الطبيعية من ناحية السطح واتساع اليابس على أن تصبح منطقة الضغط المرتفع فوق وسط آسيا شديدة العمق "1.35ملليبار". 2- تخضع دورة الهواء في شمال غرب روسيا لمنطقة الضغط المنخفض الموجودة هناك وهي في الواقع امتداد للضغط المنخفض الأيسلندي. ونتيجة للضغط المرتفع فوق القارة والضغط المنخفض في شمالها الغربي فإن حركة الهواء إلى الشمال من خط عرض 50 ْشمالًا تكون جنوبية غربية. وتمر بعض الأعاصير وأضداد الأعاصير فوق آسيا فتؤدي إلى تغيير اتجاه الرياح أثناء مرورها. 3- الاتجاه العام للرياح على الساحل الشرقي لآسيا هو من الشمال متأثرًا بالانحدار البارومتري من الضغط المرتفع الآسيوي إلى الضغط المنخفض الألوشي. ويؤدي وجود الضغط المرتفع فوق وسط آسيا إلى هبوب رياح شمالية غربية في شرق آسيا ورياح شمالية شرقية في جنوب شرق القارة، وهي الرياح التي تسمى الموسمية الشتوية.

"شكل 66"

"شكل 67"

4- يؤدي تسخين شمال استراليا في فصل الصيف الجنوبي إلى تكون منطقة ضغط منخفض تتحكم في دورة الهواء في الجهات المجاورة، فإلى الشمال من خط الاستواء تهب رياح شمالية شرقية على جزر الفلبين وجزر الهند الشرقية وعلى أثر عبور الرياح لخط الاستواء يتغير اتجاهها بحيث تصبح شمالية غربية في نصف الكرة الجنوبي، وهذا التغير في اتجاه الرياح يتبع قانون فرل المعروف. 5- تتبع دورة الهواء من الخليج العربي حتى بحر الصين في فصل الشتاء الدورة العامة حول الضغط المرتفع فوق وسط القارة، فالاتجاه العام هو الشمالي الشرقي وهذه هي الموسمية الشتوية. ويحدث التغير في اتجاه الرياح عند مرور الأعاصير فوق الهند. 6- الاتجاه العام للرياح في جنوب غرب روسيا هو الشمالي الشرقي، غير أن هذه المنطقة تتأثر أيضًا بالأعاصير. 7- يؤدي دفء الخليج العربي بالنسبة لليابس المجاور إلى تكون منطقة ضغط منخفض محلية يمكن اعتبارها امتدادًا لمنطقة الضغط المنخفض فوق البحر المتوسط، ولذلك تهب الرياح نحو الخليج العربي. ثانيًا: يوليه: بينما يسود ضد الإعصار فوق وسط القارة في فصل الشتاء يسيطر على وسط القارة ضغط منخفض أثناء فصل الصيف, وتنشأ منطقة الضغط المنخفض عن عملية التسخين الشديدة بسبب ارتفاع حرارة اليابس في ذلك الفصل وأهم مظاهر حركة الهواء في الصيف هي: 1- تسيطر على دورة الهواء في شمال غرب روسيا منطقة ضغط منخفض محلية تمتد عبر القارة حول خط عرض 65 ْشمالًا ويمكن اعتبارها امتداد للضغط المنخفض الأيسلندي، وتسود رياح شمالية على طول سواحل المحيط المتجمد الشمالي، أما في الجزء الجنوبي من منطقة الضغط المنخفض فالرياح جنوبية غربية. 2- يقع غرب روسيا وجنوبها الغربي تحت سيطرة منطقة الضغط المرتفع الأزوري ولذلك فإن اتجاه الرياح شمالية غربية وشمالية.

"شكل68" 3- تعتبر الرياح الشمالية على طول ساحل المحيط المتجمد الشمالي والجنوبية الشرقية على طول ساحل المحيط الهادي نتيجة مباشرة لوجود منطقة الضغط المنخفض على وسط القارة ومنطقتي الضغط المرتفع فوق سواحل المحيط الأطلسي والهادي. ويلاحظ أن النظام الموسمي في آسيا يشمل سواحل المحيط الهادي وهو بذلك أكثر قوة من النظام الموسمي في جنوب شرق الولايات المتحدة. وفوق الهند وبورما تسود الرياح الجنوبية الغربية، وإلى أقصى الغرب تسود رياح غربية حيث إن مركز الضغط المنخفض يوجد في شمال شرق شبه جزيرة الهند. 4- حيث إن الانحدار البارومتري يتجه من الشمال إلى الجنوب فإن الرياح السطحية في منطقة جزر الهند الشرقية ذات اتجاه جنوبي شرقي، ولكن على أثر عبور الرياح لخط الاستواء يصبح الاتجاه السائد جنوبي غربي في نصف الكرة الشمالي.

5- تنتقل منطقة الضغط المنخفض الاستوائي نحو الشمال ويصبح مركزها حول خط عرض 20 ْشمالًا على الساحل الشرقي لآسيا. 6- من أهم ما يجب ملاحظته على الرياح الموسمية أن الموسمية الشتوية أقوى من الموسمية الصيفية إلى الشمال من خط عرض 30 ْشمالًا، بينما الموسمية الصيفية أشد قوة فوق شبه الجزيرة الهندية. التيارات البحرية وأثرها في مناخ آسيا: حيث إن اليابس الأسيوي كبير الاتساع فإن الأجزاء التي تتأثر بالتيارات البحرية محدودة للغاية غير أنه في فصل الصيف عندما يكون اتجاه الرياح من المحيط إلى اليابس، فإن معظم أجزاء القارة تقع تحت تأثير الكتل الهوائية الرطبة القادمة من المحيطات المجاورة. وأهم التيارات البحرية التي تؤثر في آسيا هي: 1- التيار الاستوائي الشمالي والجنوبي اللذان يغيران اتجاههما حول الجزر الواقعة في غرب المحيط الهادي، فالتيار الاستوائي الجنوبي يتفرع جنوبًا وينقل المياه الدفيئة إلى سواحل جزيرة غينيا الجديدة New Guinea حتى إن درجة حرارة الماء تصل إلى 28 ْم معظم السنة. أما التيار الاستوائي الشمالي فيتفرع إلى فرعين: أحدهما شمالي والآخر جنوبي، وذلك بالقرب من جزر الفلبين. 2- تيار كيروشيو Kuroshio الذي يتصل بالتيار الاستوائي الشمالي، ويتجه من جزيرة فرموزة نحو سواحل اليابان ثم ينحرف شرقًا نحو سواحل أمريكا الشمالية وهناك فرع صغير من تيار كيروشيو وهو تيار تسوشيما Tsushima يدخل بحر اليابان حاملًا الدفء إلى سواحل اليابان الغربية. ونتيجة لهذه التيارات البحرية نجد أن متوسط حرارة الماء على سواحل اليابان عند خط عرض 37 ْشمالًا في فبراير 10 ْم، وهذا هو السبب الرئيسي في دفء فصل الشتاء في اليابان إذا قورن بفصل الشتاء في الصين. 3- على طول الساحل الشمالي الشرقي لآسيا يوجد تيار بحري بارد هو تيار أوياشيو Oyashio وهو فرع من التيار الألوشي Aluctian الذي يدور حول بحر

برنج Bering ويتجه جنوبًا إلى ساحل آسيا. وعند شمال جزر اليابان يتفرع هذا التيار البارد إلى فرعين: أحدهما يتحد مع تيار كيروشيو عند خط عرض 40 ْشمالًا بينما الآخر يتجه جنوبًا على طول الساحل الأسيوي. وفي فصل الشتاء تؤدي حركة الهواء البارد والمياه الباردة التي تحملها الأنهار إلى وجود مياه باردة في المناطق الساحلية، فنجد مثلًا أن درجة حرارة المياه الساحلية في فبراير عند خط عرض 23 ْشمالًا تبلغ حوالي 15 ْم بينما مياه البحر الأصفر تصل حرارتها إلى 10 ْم. أما في فصل الصيف عندما تتغير دورة الرياح الموسمية فإن المياه الباردة تقتصر على العروض العليا إلى الشمال من خط عرض 40 ْشمالًا. ويؤدي وجود التيارات البحرية بالقرب من جزر اليابان إلى نشأة الضباب. 4- في منطقة المحيط الهندي يتغير اتجاه التيارات البحرية من فصل لآخر تبعًا للتغير في اتجاه الرياح. وبصفة عامة نلاحظ أن حرارة الماء أثناء الشتاء تزداد نحو الجنوب، أما في فصل الصيف فإن أجزاء من خليج بنغال والبحر العربي تصل حرارة الماء فيها إلى أكثر من 27 ْم ويؤدي جريان المياه في البحر الأحمر نحو الجنوب في فصل الصيف إلى خفض درجة حرارة الماء في خليج عدن. 5- يؤثر البحر المتوسط تأثيرًا واضحًا في مناخ الأجزاء المحيطة به، ففي فصل الشتاء تتميز حرارة البحر المتوسط بالدفء، وهذه المياه الدفيئة تعتبر مصدرًا لبخار الماء للكتل الهوائية التي تكون جزءًا من الأعاصير الشتوية التي تمر في المنطقة وتصل إلى جنوب روسيا وشمال الهند. 6- حيث إن البحر الأسود وبحر قزوين يشغلان مساحات محدودة فإن حرارتهما تتغير من فصل لآخر، ففي فصل الشتاء تسود رياح شمالية ونجد أن حرارة القسم الشمالي من البحر الأسود تبلغ الصفر المئوي بينما حرارة القسم الجنوبي تصل إلى 7 ْم. 7- تتأثر روسيا بتيار المحيط الأطلسي الشمالي الدافئ عن طريق الرياح

الغربية التي تهب خاصة في فصل الشتاء وتصل أحيانًا إلى غرب آسيا. 8- يحمل التيار النرويجي المياه الدفيئة إلى شمال روسيا وبذلك تظل المياه مفتوحة دون تجمد حول نوفيا زمليا فترة طويلة. الكتل الهوائية: أورد الأستاذ بترسون petterson في كتابه السالف الذكر "Weather Analysis and Forecasting" وصفًا مفصلًا للكتل الهوائية في آسيا نلخصه فيما يلي: أولًا: الكتل الهوائية القطبية القارية "C P" حيث إن قارة آسيا تغطيها الثلوج في فصل الشتاء حتى شمال خط عرض 40 ْشمالًا وأحيانًا حتى خط عرض 30 ْشمالًا، فإن الأحوال القارية تعد مواتية لتكوين كتل هوائية قارية باردة. ويمنع الهواء البحري الدفء من الدخول إلى وسط آسيا في ذلك الفصل بسبب وجود الضغط المرتفع فوق قلب القارة وبسبب وجود الجبال التي تحيط بالقارة من معظم الجهات. وتتميز الكتل الهوائية فوق وسط وشمال آسيا بجفافها وبرودتها الشديدة. وإلى الغرب من خط طول 60 ْشرقًا يبدو أثر الكتل الهوائية القطبية البحرية في طبقات الجو العليا، وهذا الهواء أكثر رطوبة وأعلى حرارة من الهواء السيبيري. وعندما يتحرك الهواء القطبي القاري بعيدًا عن مصادره الأصلية تبدأ بعض صفاته في التغير إذ تكتسب الكتلة الهوائية بعض بخار الماء وترتفع حرارتها. ويحدث هذا أيضًا إذا عبرت الكتلة الهوائية مسطحًا مائيًّا مثل بحر قزوين أو بحر اليابان أو بحر الصين. وفي فصل الصيف تقتصر المصادر الأصلية للهواء القطبي القاري على العروض الشمالية القصوى أي شمال خط عرض 50 ْشمالًا. وتتصف الكتل الهوائية في هذا الفصل بدرجات الحرارة المتوسطة وبالرطوبة المنخفضة، ويتعرض هذا الهواء لعمليات التصعيد خلال فصل الصيف فتتكون السحب الركامية وتسقط الأمطار التي تصاحب العواصف الرعدية.

ثانيًا: الكتل الهوائية المدارية البحرية "mT": تقتصر المصادر الأصلية لهذا الهواء في فصل الشتاء على الأجزاء الجنوبية من المحيطات، أما فوق القارة فإن وجود هذا الهواء في فصل الشتاء يعتبر من الأمور النادرة، وقد يغزو الهواء المداري البحري الجزء الغربي من القارة في مقدمة الأعاصير التي تأتي عن طريق البحر المتوسط. ويوجد الهواء المداري البحري في الجزء الجنوبي الغربي من المحيط الهادي وفي منطقة جزر الهند الشرقية. وفي فصل الصيف تسود الكتل الهوائية المدارية البحرية فوق الهند وجنوب شرق وشرق آسيا، وهذا الهواء يتميز بعدم الثبات ويزيد من ذلك تسخينه فوق اليابس الحار، ومن أهم صفات هذا الهواء في الصيف ارتفاع نسبة رطوبته، ويؤدي وصول الهواء المداري البحري إلى جنوب وشرق آسيا إلى سقوط أمطار غزيرة في فصل الصيف. ثالثًا: الكتل الهوائية القطبية البحرية "mP" يلاحظ أنه سبب هبوب الرياح من اليابس الأسيوي إلى المحيط الهادي في معظم الأحيان فإنه لا توجد فرصة للهواء القطبي البحري الذي يشاهد فوق آسيا إلا أن يأتيها من المحيط الأطلسي، غير أنه بعد مروره الطويل فوق اليابس الأوربي يفقد معظم صفاته، فيصل إلى آسيا أقل حرارة ورطوبة عما كان عليه في مصادره الأصلية. وفي فصل الصيف يتكون الهواء القطبي البحري فوق مياه المحيط المتجمد الشمالي كما أن دورة الهواء تسمح بوصول الكتل الهوائية من المحيط الهادي إلى آسيا. رابعًا: الكتل الهوائية المدارية القارية "cT" يقتصر وجود الكتل الهوائية المدارية القارية فوق قارة آسيا على فصل الصيف، وفي هذا الفصل يوجد مصدر هذا الهواء في وسط وجنوب غرب آسيا حيث تشتد الحرارة في الصيف ويتصف

الهواء المداري بجفافه الشديد، وعندما يتحرك هذا الهواء نحو الشمال فإنه يكتسب قدرًا من الرطوبة كما أنه يفقد جزءًا من حرارته. الجبهات الهوائية: رغم أن آسيا تشغل مساحة واسعة فإنها تقع بعيدة عن معظم الجبهات الهوائية خاصة في فصل الشتاء. وعلى كل حال تتأثر آسيا بالجبهات الهوائية التي سبق ذكرها عند الكلام عن أوربا، وهي الجبهة الأطلسية القطبية والجبهة المتجمدة، وبخصوص الجبهة المتجمدة يلاحظ أن تكونها واستمرارها مرتبط بوجود هواء بحري إلى جنوبها وهواء قاري قطبي إلى شمالها. لذلك فامتداد هذه الجبهة إلى الشرق يتوقف على موقع الانخفاض الأيسلندي والارتفاع السيبيري. وعندما يوجد إعصار قوي إلى الشرق من موقعه العادي فإن الهواء الأطلسي يغطي شرق أوربا وغرب آسيا. أما إذا كان الانخفاض الأيسلندي في أقصى الغرب والارتفاع السيبيري ممتد غربًا فوق شمال غرب آسيا فإن الجبهة المتجمدة لن يكون لها أثر إلى الشرق من شمال اسكندناوه. وتؤثر جبهة البحر المتوسط في الظروف الجوية في غرب آسيا. ولكن أثرها يبدأ في الاضمحلال إلى الشرق من خط طول 50 ْشرقًا. وتنشأ الجبهة الهادية القطبية في غرب المحيط الهادي بين الهواء القطبي البارد والهواء البحري الدافئ، غير أن الجبهة الهادية يندر أن تتكون فوق الجزء الجنوبي الشرقي من القارة. أما عند الجبهة المدارية فموقعها في فصل الشتاء فوق وسط جزيرة سومطرة، وعلى طول هذه الجبهة تلتقي التيارات الهوائية المتجهة نحو منطقة الضغط المنخفض. وكما ذكرنا في الفصول السابقة تتحرك مناطق الجبهات الهوائية نحو الشمال والجنوب مع حركة الشمس الظاهرية، وذلك فيما عدا الجبهة المتجمدة التي تتجه

نحو الجنوب في فصل الصيف؛ ذلك لأنها تفصل بين الهواء البارد الذي يتكون فوق الجليد الذائب وبين الهواء المداري الدافئ، وفي إقليم البحر المتوسط تختفي الجبهة الهوائية في فصل الصيف. أعاصير العروض الوسطى: لأعاصير العروض الوسطى Extratropical Cyclones أثر كبير في مناخ بعض جهات آسيا، وقد سبق أن شرحنا الأعاصير التي تتكون في منطقة المحيط الأطلسي، وهذه الأعاصير تتجه عادة شرقًا فتؤثر في مناخ روسيا. غير أن قوة الأعاصير تضعف كلما اتجهت نحو الشرق، وينتج هذا عن قلة الاختلاف في الحرارة والرطوبة بين الكتل الهوائية الواقعة إلى شمال الإعصار وتلك الواقعة إلى جنوبه، هذا بالإضافة إلى انعدام موارد الرطوبة التي تغذى الإعصار، ويزيد عدد الأعاصير في المناطق البحرية، بينما يقل في المناطق القارية, وأكبر عدد من الأعاصير يحدث في شهري نوفمبر وديسمبر، وأقل عدد في شهر يونيه كما يبدو من الجدول الآتي:

أمريكا الشمالية - خطوط الحرارة المتساوية في يناير "بالمئوي" "شكل 69"

ومن هذا الجدول يتضح لنا أن هناك قمة للنشاط الإعصاري في فصل الشتاء فوق خليج جنوا, وأن هناك هبوطًا في العدد فوق المنطقة الجبلية بين خطي عرض 45 ْ، 50 ْشمالًا. وبصفة عامة يمكن القول إن عدد الأعاصير فوق اليابس أقل منه فوق المحيطات المجاورة؛ ذلك لأن الانخفاضات الجوية تمتلئ بمرورها فوق اليابس حيث إنه لا يوجد هواء بحري رطب لتغذيتها. العواصف المدارية: تؤثر العواصف المدارية في الأحوال الجوية في جنوب وجنوب شرق آسيا في كل فصول السنة، إذ إن هذا الإقليم تنشأ فيه عواصف مدارية تفوق في عددها أي إقليم آخر في العالم وأهم مناطق آسيا التي تتأثر بالعواصف المدارية هي: الإقليم الهندي: تنشأ العواصف المدارية عادة في المناطق ذات الرياح الخفيفة المتغيرة حيث تتوفر الرطوبة، ولما كانت الرياح الموسمية الصيفية والشتوية شبه منتظمة في اتجاهها بين الشمال والجنوب فإن احتمال حدوث العواصف المدارية وقت اشتداد الرياح الموسمية احتمال ضعيف للغاية، بينما في فترات تقدم أو تقهقر الرياح الموسمية الصيفية توجد ظروف مواتية لنشأة العواصف المدارية شمال خط الاستواء، وأهم فترة لحدوث العواصف المدارية في خليج بنغال هي من مايو إلى أكتوبر، أما في البحر العربي فتصل إلى القمة في شهر مايو ويونيه. وتصاحب العواصف المدارية في هذا الإقليم أمطار غزيرة ويرتفع مستوى المياه في البحار وتهب رياح عاتية مخربة. إقليم بحر الصين: تحدث العواصف المدارية في هذا الإقليم بكثرة ربما كانت نتيجة لتقابل تيارات هوائية مختلفة إلى الشرق من جزر الفلبين. وتأتي هذه التيارات الهوائية من المحيط الهندي ومن المحيط الهادي الشمالي والجنوبي، ويقل عدد العواصف المدارية في هذه المنطقة خلال فصل الشتاء عندما تتحكم الرياح الموسمية الشتوية في الدورة الهوائية في المنطقة، ولكنها تزداد نشاطًا في الفترة بين يونيه وأكتوبر، وتعرف العواصف المدارية في بحر الصين باسم التيفون

Typhoon، وقد تتحرك عواصف التيفون نحو الغرب لتصيب اليابس الآسيوي في تلك العروض. وينتج عن عواصف التيفون أمطار غزيرة تؤدي إلى وجود قمة للمطر في شهر أغسطس في وسط الصين، هذا بالإضافة إلى الأضرار التي تسببها عن طريق ارتفاع مياه البحار. أما من ناحية التوزيع العام لعواصف التيفون فنجد أن 60% منها تمر إلى الشمال من مدينة مانيلا Manila عاصمة الفلبين، وهناك عدد من العواصف يتكون ويتجه صوب الشرق لذلك لا يؤثر في الأحوال الجوية لجزر الفلبين. إقليم جزر الهند الشرقية: حيث إن هذا الإقليم يمتد بين خطي عرض 5 ْشمالًا، 10 ْجنوبًا فإن تأثره بالعواصف المدارية محدود للغاية. ويحدث أحيانًا أن تقترب منه بعض العواصف التي تنشأ على ساحل أستراليا الشمالي وذلك في الفترة بين يناير ومارس. الأقاليم المناخية في آسيا: إقليم شرق أوربا وروسيا وسيبيريا. ذكرنا عند الكلام عن مناخ وسط أوربا أن الأحوال المناخية تتدرج في التغير من الغرب إلى الشرق، ولما كان منطقة شرق أوربا خالية تقريبًا من السلاسل الجبلية ذات الامتداد الشمالي الجنوبي، فإن الأحوال المناخية تتغير تدريجيًّا في المنطقة من النظام المعتدل المطير "C f" في غرب أوربا إلى النظام القاري البارد "Db Dc" في وسط وشمال سيبيريا، وإلى الشمال من خط عرض 50 ْشمالًا يقع الحد بين النظامين C.D حول خط طول 20 ْشرقًا. وكمية المطر في معظم أجزاء روسيا محدود ومعظم المطر صيفي فيما عدا الطرف الجنوبي الغربي من الإقليم حيث يسود نظام البحر المتوسط بأمطاره الشتوية، وذلك حول البحر الأسود وبحر قزوين ثم امتداد محدود نحو بحيرة بلكاش Balkash وكمية المطر الشتوي في هذه المناطق أقل من كمية الأمطار التي

تسقط في حوض البحر المتوسط ذاته، فكمية المطر في مدينة باكو Baku في إقليم القوقاز 28 سم في السنة. وفي فصل الصيف يقل المطر أو ينعدم، فشهر يونيه هو أقل شهور السنة مطرًا في باكو. أما بقية روسيا فمطره معظمه يسقط في فصل الصيف على هيئة عواصف رعدية، وتقل العواصف الرعدية نحو الشمال بسبب البرودة. وفي الجزء الشمالي الغربي من روسيا تسقط أمطار شتوية نتيجة لمرور أعاصير المحيط الأطلسي، أما ساحل سيبيريا على المحيط الهادي فيتأثر بالأعاصير المتجهة نحو الشمال الشرقي، ولكن تأثير هذه الأعاصير لا يصل إلى داخل القارة. ويكثر الضباب في الجزء اليابس خلال فصل الشتاء بسبب الإشعاع أثناء الليل، أما على الساحل فيزداد الضباب في فصل الصيف والخريف وأهم مناطق تكون الضباب هي: 1- على طول ساحل المحيط المتجمد الشمالي حيث يؤدي وجود المياه الباردة إلى نشأة الضباب في فصل الصيف، ويحدث الضباب في 15 أو 20 يومًا خلال شهر يوليه وحده. 2- على طول الساحل الشمالي الشرقي لسيبيريا حيث توجد المياه الباردة خاصة في منطقة بحر أختسك okhotsk وحول شبه جزيرة كمتشتكا Kamchatka. وتتصف روسيا بشتائها القارص البرد، وتحمل الرياح الجنوبية الغربية بعض الدفء في فصل الشتاء لذلك تتجه خطوط الحرارة المتساوية في يناير من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي بين خطي طول 30 ْشرقًا، 130 ْشرقًا، وأبرد جهات الإقليم يوجد حول مدينة فرخويانسك Verkhoyansk حيث يساعد صفاء السماء على استمرار الإشعاع الأرضي وتصل درجة حرارة يناير إلى 45 ْم تحت الصفر، وتزداد الحرارة نحو ساحل المحيط الهادي بسبب تأثير المحيط الهادي ووصول الكتل الهوائية الدفيئة في بعض الأحيان، وعندما تمر الأعاصير فوق هذه المنطقة في فصل الشتاء يؤدي هبوب الرياح العنيفة إلى حدوث موجات

برد شديدة، وتسمى هذه الرياح البوران Buran أو البورجا Purga. وفي فصل الصيف ترتفع درجات الحرارة بسبب الظروف القارية السائدة إذ إن اليابس يسخن بسرعة خلال ذلك الفصل، وأكثر جهات الإقليم حرارة هي المنطقة الصحراوية في الجزء الغربي من الإقليم. وتؤثر البحار الداخلية تأثيرًا محليًّا في حرارة الأجزاء المحيطة بها، فنجد مثلًا أن متوسط حرارة يوليه في مدينة أركتسك Irkutk بالقرب من بحيرة بيكال 19 ْم. ويصنف كبن هذا الإقليم على أنه "D" في الجنوب "E" في الشمال, أما الجزء الجنوبي الغربي من روسيا فهو صحراوي جاف "B" وذلك في منطقة تركستان. إقليم جنوب غرب آسيا: يشمل هذا الإقليم الأراضي الواقعة إلى الجنوب من روسيا ممتدة من تركيا وشبه الجزيرة العربية أفغانستان وبلوخستان، وعلى عكس روسيا نجد هذا الإقليم متباين في تضاريسه علاوة على أنه يجاور المياه الدفيئة في البحر المتوسط والبحر العربي. لذلك يتنازع مناخ هذا الإقليم منطقتان: الأولى هي روسيا وشرق أوربا والثانية هي البحار الدفيئة في الجنوب والغرب، وفي فصل الشتاء تسيطر منطقة الضغط المرتفع المتمركزة فوق وسط آسيا على دورة الهواء في الإقليم, وذلك بالإضافة إلى الأعاصير التي مصدرها المحيط الأطلسي والبحر المتوسط وتؤدي الأعاصير إلى سقوط أمطار شتوية في الإقليم وتزداد كمية المطر على السواحل بينما تقل نحو الداخل، وبمرور الأعاصير تتغير درجات الحرارة في المنطقة، فالرياح الدفيئة تكون عادة مقدمة الإعصار وتكون قادمة من الجنوب بينما الرياح الباردة القادمة من الشمال تكون مؤخرة الإعصار. أما في فصل الصيف فيقع إقليم جنوب غرب آسيا تحت سيطرة الكتل الهوائية الجافة. فتسود الحرارة العالية والجفاف الشديد وقد تسقط بعض الأمطار التصاعدية في الجزء الجنوبي من إقليم القوقاز. وفي منطقة آسيا الصغرى تسقط أمطار غزيرة في الخريف والشتاء على السواحل

الشمالية مرتبطة بأعاصير البحر الأسود، بينما أمطار الصيف تنتج عن عملية تصعيد الهواء وتسود ظروف شبيهة بهذا على الساحل الجنوبي لتركيا، لذلك تصنف هذه المناطق طبقًا لكبن على أنها "Cs". ويكثر الضباب في فصل الشتاء والربيع في آسيا الصغرى. ويسود مناخ البحر المتوسط في سورية وفلسطين حيث تسقط الأمطار شتاء نتيجة لمرور الأعاصير، بينما الصيف فصل جفاف عندما تقع المنطقة تحت سيطرة الضغط المرتفع في طبقات الجو العليا، وتزداد كمية المطر على المرتفعات والهضبات الغربية عنها على الساحل، ومثال ذلك أن كمية المطر في شهر يناير في مدينة القدس تبلغ 16.3سم بينما تصل إلى 12.5 سم في مدينة يافا على الساحل، وإذا ابتعدنا عن الساحل يتحول المناخ من نظام البحر المتوسط إلى النظام الصحراوي بسرعة حيث تبدأ الظروف القارية في الظهور. ويسود النظام الصحراوي في معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية. وتسقط أمطار تصاعدية في اليمن في فصل الصيف. لذلك فإن درجات الحرارة في هذا الإقليم تتميز بالانخفاض النسبي في ذلك الفصل، وتسود ظروف الجفاف أثناء فصل الشتاء. ويؤدي وصول الأعاصير إلى شرق شبه الجزيرة العربية ومنطقة الخليج العربي إلى سقوط كمية محدودة من الأمطار، فكمية المطر في مدينة مسقط لا تتجاوز 2.7 سم في شهر يناير وهو أكثر شهور السنة مطرًا. وفيما عدا مرتفعات شمال بلاد العرب فإن معظم شبه الجزيرة تسوده درجات حرارة مرتفعة في فصل الصيف. والمناخ السائد في العراق هو من نوع الاستبس "BS" وتسقط أمطار قليلة في فصلي الشتاء والربيع نتيجة لمرور الأعاصير التي تتجه من منطقة جزيرة قبرص نحو الخليج العربي، أما أمطار الربيع فتسقط نتيجة للعواصف الرعدية ففي مدينة بغداد تحدث العواصف الرعدية في يومين أو ثلاثة خلال كل من

إبريل ومايو. وتحدث موجات باردة أثناء فصل الشتاء. وتأتي هذه الموجات من الشمال والشمال الشرقي. أما إيران وأفغانستان وبلوخستان فإن ارتفاعها يجعل درجات الحرارة في الصيف أقل ارتفاعًا منها في العراق، وتسقط الأمطار هنا أيضًا نتيجة لأعاصير فصل الشتاء وهي أمطار قليلة على كل حال، كذلك تحدث بعض الأعاصير الرعدية في فصل الربيع. إقليم وسط آسيا: يشمل هذا الإقليم هضبة التبت المرتفعة والحوض الكبير الذي يمتد من هضبة بامير في الغرب إلى جبال خنجان Khingan في الشرق. ويصل ارتفاع معظم أجزاء التبت إلى أكثر من 3500 متر، وأكثر جهاته ارتفاعًا جبال هملايا في الجنوب، وتعمل هذه المرتفعات على حماية الأجزاء الشمالية من الكتل الهوائية الرطبة القادمة من الجنوب، ودرجات الحرارة منخفضة في الإقليم بسبب الارتفاع الشاهق. ويسود نظامان للمطر في المنطقة: ففي القسم الغربي من التبت تسقط الأمطار في فصل الشتاء نتيجة لمرور الأعاصير وكمية المطر محدودة؛ لأن المنطقة تقع في ظل جبال هملايا. وفي شرق التبت يقل الارتفاع نسبيًّا وتسقط أمطار صيفية أما الشتاء فهو فصل جفاف. ويؤدي الارتفاع إلى انخفاض درجات الحرارة ففي مدينة ليه Leh تقل درجة حرارة يناير إلى 8 ْم تحت الصفر. أما الأجزاء شديدة الارتفاع فمناخها من نوع التندرا "ET". وفي قلب آسيا توجد منغوليا وسينكيانج وغرب منشوريا وهذه المناطق محاطة من جميع الجهات بسلاسل جبلية مرتفعة، ويتصف مناخ هذا الجزء بالأمطار المحدودة الكمية، أما من ناحية الحرارة فتغلب عليها الصفة القارية، ويشمل القسم الصحراوي صحراوات جوبي Gobi وتاريم Tarim وحوض زنجاري Dzungari وبعض الصحراوات الأخرى الصغيرة، وتتراوح كمية المطر في الجزء الغربي من الإقليم أقل من 10سم ويسقط معظمه في فصل الصيف، وتأتي هذه الأمطار عن طريق الرياح الموسمية الجنوبية الشرقية.

وحول هذه الصحراوات الجافة يمتد نطاق شبه صحراوي تسود به ظروف الإستبس حيث كمية المطر قليلة تصل إلى 15 سم في السنة وتسقط كلها في فصل الصيف على هيئة أمطار تصاعدية تصحبها عواصف رعدية. ويوجد هذا النوع من المناخ في شمال غرب منغوليا ووسط منشوريا وسفوح جبال خنجان وسينكيانج وتتذبذب كمية المطر في هذا الإقليم من سنة لأخرى، أما من ناحية الحرارة فيتميز بصيف دافئ وشتاء شديد البرودة. إقليم الهند وسيلان وبورما: يمكننا القول بوجه عام إن النظام الموسمي يتحكم في مناخ الهند، ويتميز يناير وفبراير بالبرودة والجفاف نتيجة لهبوب الرياح من اليابس إلى الماء، أما الجزء الشمالي الغربي من الهند فيتميز بأمطار شتوية تجلبها الأعاصير القادمة من الغرب. كذلك تسقط أمطار شتوية في أقصى جنوب الهند مرتبطة بالنظام الاستوائي في تلك العروض. ومن مارس حتى منتصف يونية ترتفع درجات الحرارة مع استمرار الجفاف وقد تسقط بعض الأمطار في إقليم بنغال وأسام وفي بورما نتيجة لعملية التصعيد. ومن منتصف يونية حتى منتصف سبتمبر تبدأ الرياح في الهبوب من المحيط إلى اليابس نحو منطقة الضغط المنخفض المتركزة فوق شمال غرب الهند وهذه هي الرياح الموسمية الجنوبية الغربية. ويؤدي سقوط الأمطار الغزيرة إلى تلطيف حرارة الصيف لذلك نلاحظ أن قمة الحرارة في الإقليم الموسمي تقع في شهر مايو أو شهر يونيه. وتزداد كمية المطر على جبال الغات الغربية وفي أسام وبورما والسفوح الجنوبية لجبال الهملايا بسبب عامل الارتفاع، ثم تقل كمية المطر نحو الشمال من أسام إلى بلوخستان: ومن منتصف سبتمبر حتى ديسمبر تسود درجات حرارة معتدلة ورياح خفيفة. وتحدث بين آن وآخر عواصف مدارية في منطقة خليج بنغال خلال هذه الفترة ويؤدي هبوب هذه العواصف إلى سقوط الأمطار. ومن هذا العرض يتضح لنا أن مناخ الهند يختلف اختلافًا واضحًا عن مناخ المناطق المحيطة

بها إذ إن الفصلية في هبوب الرياح وسقوط المطر تعتبر أهم ما يميز مناخ شبه الجزيرة الهندية. ومما هو جدير بالذكر أن الولايات الشمالية الغربية وهي ولايات البنجاب وراجبوتانا والسند هي أكثر ولايات الهند جفافًا؛ وذلك لأن الرياح الموسمية وهي الرياح الرئيسية في الإقليم تصل إليها بعد أن تكون قد فقدت معظم ما بها من بخار الماء. كذلك تقل الأمطار إلى الشرق من جبال الغات الغربية عند خط عرض 15 ْشمالًا وذلك بسبب المرتفعات إذ تصل كمية المطر إلى الشرق من الجبال إلى حوالي 12.5 سم في أغزر شهور السنة مطرًا. وفي جنوب شرق الهند وشرق جزيرة سيلان تسقط أمطار غزيرة في شهري أكتوبر ونوفمبر وهي فترة تراجع الرياح الموسمية الصيفية. ويجدر بنا أن نذكر أن أغزر جهات العالم مطرًا توجد في جزء من جبال هملايا وذلك بين تلال خاسي Khasi Hlills وجبال غرب بورما ومثال ذلك مدينة تشيرابونجي التي سجل فيها 1070 سم من المطر في السنة. وتسود أحوال مناخية مماثلة في بورما التي يتحكم النظام الموسمي في مناخها أيضًا كما هو الحال في الهند. وتسقط الأمطار في الفترة من يونية إلى سبتمبر. وتسود أحوال الجفاف في فصل الشتاء. ويزداد المطر في المناطق الساحلية وعلى سفوح المرتفعات كما هو الحال في مدينة رانجون Rangon حيث تصل كمية المطر السنوي إلى 250 سم. أما الأجزاء الواقعة في ظل المطر فأمطارها قليلة. ومثال ذلك مدينة مندلاي Mandalay حيث تصل كمية المطر السنوي بها إلى 87 سم. إقليم الصين واليابان وجنوب شرق آسيا: يخضع مناخ الصين للنظام الموسمي فيشبه بذلك مناخ الهند, غير أن الصين معرضة لوصول موجات باردة من وسط وشمال آسيا لذلك يتصف شتاؤها أحيانًا بالبرودة الشديدة. ويسقط معظم المطر في الفترة من مايو إلى سبتمبر وتقل الأمطار في فصل الشتاء، وتسقط

أمطار الشتاء نتيجة للأعاصير القليلة التي تمر فوق الإقليم من الغرب إلى الشرق. وتنخفض درجات الحرارة في الشتاء خاصة في شمال الصين، وتهب أحيانًا عواصف ترابية يطلق عليها تراب بكين "Peking dust" وتسود الظروف القارية في وسط الصين. ويتميز جنوب الصين بمناخه شبه المداري, غير أنه يتعرض أحيانًا لموجات باردة من الشمال تأتي مع الكتل الهوائية القارية القطبية وتسقط أمطار غزيرة في فترة هبوب العواصف المدارية، وتقل الأمطار كلما اتجهنا نحو الداخل ويكثر الضباب على الساحل وذلك بسبب وجود المياه الباردة. أما الصين الهندية وتايلاند وولايات الملايو فتدخل ضمن النظام المداري المطير وتنخفض درجات الحرارة أثناء فصل الشتاء عن المعدل المعروف في هذا الإقليم وتختلف كمية المطر من مكان لآخر حسب ظروف السطح المحلية، فنجد أن كمية المطر تزداد على الساحل الشرقي خلال فصل الشتاء وإلى الغرب تقع تايلاند في ظل هذه الأمطار الشتوية. ولما كانت ولايات الملايو قريبة من خط الاستواء ومحاطة من جميع الجهات تقريبًا بالمسطحات المائية فإن الأمطار تسقط بها طول السنة، ويوجد فصل جفاف قصير في الجزء الشمالي الغربي من المنطقة كما هو الحال في مدينة بينانج Penang حيث تصل كمية المطر في سبتمبر إلى 41 سم وفي فبراير إلى 7.8 سم. وتختلف الأحوال المناخية في جزر اليابان عنها في شمال الصين. وينشأ الاختلاف عن تعرض الجزر اليابانية للظروف المحيطة وعن مرور الأعاصير بالقرب من المنطقة لذلك لا تتعرض اليابان لفصل جفاف، وتسود درجات حرارة مرتفعة شتاء عنها في شمال الصين. ففي الشتاء تختلف حرارة السواحل الغربية عن السواحل الجنوبية كذلك

يوجد اختلاف جنوبي شمالي مع خطوط العرض، فنجد أن السواحل الشرقية تتعرض لتأثير المياه الدفيئة "تيار كيروشيو" وتسقط أمطار شتوية على السواحل الغربية لجزر اليابان، إذ إن الهواء القاري بعد خروجه من اليابس الأسيوي يكتسب حرارة ورطوبة أثناء مروره فوق بحر اليابان، وقد تتعرض اليابان لموجات باردة من الشمال أثناء فصل الشتاء. أما في فصل الصيف فتسود ظروف متماثلة في المنطقة الممتدة من جزيرة فرموزا حتى خط عرض 40 ْ شمالًا. وتسقط أمطار شتوية في اليابان عند مرور الأعاصير وتجلب هذه الأعاصير أيضًا هواء باردًا من الشمال، ويتضح أثر المطر الإعصاري إذا قارنا كانازاوا kanazawa وطوكيو، فأكثر شهور السنة مطرًا في الأولى هو ديسمبر بينما في الثانية هو سبتمبر، هذا علاوة على أن كمية المطر السنوي في الأولى تصل إلى 243 سم وفي الثانية 150 سم. وتكثر السحب والضباب على السواحل الغربية لجزر اليابان خاصة في الشتاء. إقليم جزر الهند الشرقية: تقع جزر الهند الشرقية الممتدة بين قارة استراليا واليابس الأسيوي في نطاق الإقليم المداري وتسود في الإقليم درجات الحرارة المرتفعة معظم السنة حيث إن الاختلافات الفصلية محدودة للغاية، وفي الأجزاء المرتفعة تسود درجات حرارة معتدلة. ونظام سقوط الأمطار في الإقليم يتبع حركة منطقة الضغط المنخفض الاستوائي، فإلى الشمال من خط عرض 5 ْ شمالًا توجد قمة للمطر في الفترة من يونية إلى أكتوبر، وتقل الكمية في الفترة من ديسمبر إلى إبريل، غير أن المطر لا ينعدم تمامًا في أي شهر من شهور السنة. أما حول خط الاستواء فالمطر موزع بانتظام على مدار السنة.

وتوجد بعض الاختلافات المحلية في الإقليم تنتج عن اتجاه السلاسل الجبلية وخطوط السواحل بالنسبة لاتجاه الرياح، فعلى سبيل المثال في نصف الكرة الشمالي وخلال فترة هبوب الرياح الموسمية الشمالية الشرقية تسقط أمطار أغزر على السواحل الشرقية عن السواحل الغربية، ويبدو هذا من مقارنة مدينة ليجاسبي Legaspi على الساحل الشرقي بمدينة مانيلا Manila على الساحل الغربي فكمية المطر السنوي في الأولى 317.5 سم وفي الثانية 200 سم. وبالمثل نجد في نصف الكرة الجنوبي خلال فترة هبوب الرياح الجنوبية الشرقية أن السواحل الشرقية تنال كمية أوفر من الأمطار إذا قورنت بالسواحل الغربية، هذا بالإضافة إلى أن الرياح تكون قادمة أصلًا من اليابس الاسترالي وكمية بخار الماء بها قليلة. وتسقط الأمطار في هذا الإقليم نتيجة لتقابل الكتل الهوائية الرطبة على طول الجبهة المدارية، كذلك نتيجة لعملية تصعيد الهواء بسبب ارتفاع حرارة اليابس خاصة أثناء الساعات الدفيئة من النهار.

الفصل الحادي عشر: أمريكا الشمالية والوسطى

الفصل الحادي عشر: أمريكا الشمالية والوسطى تمتد هذه القارة من خط عرض 10 ْشمالًا حتى القطب الشمالي، لذلك تتميز باختلافات مناخية واضحة، ولما كانت أمريكا الشمالية تبلغ أقصى اتساع لها في العروض العليا، فإن المناخ البارد يشغل بها مساحة أكبر من المناخات الأخرى ومن جهة أخرى تضيق القارة في الجنوب وتضيق بذلك مساحة الإقليم الصحراوي الحار والمداري المطير. ويغطى الجليد الجزء الشمالي الأقصى من القارة فيكون بذلك مصدرًا للكتل الهوائية القارية الباردة خاصة في فصل الشتاء وتتحرك هذه الكتل الباردة نحو الجنوب أحيانًا فتحمل معها موجات برد شديدة للولايات المتحدة، وقد تصل أحيانًا إلى المكسيك وأمريكا الوسطى، وقد أدى ضيق اليابس الأمريكي في العروض المدارية، وبالتالي اتساع المسطحات المائية المحيطة بالقارة إلى توفر مصادر الكتل الهوائية المدارية البحرية، وتؤثر هذه الكتل الهوائية في الجزء الشرقي من الولايات المتحدة على وجه الخصوص. مظاهر السطح وأثرها في مناخ أمريكا الشمالية والوسطى: تعتبر أهم مظاهر السطح في أمريكا الشمالية والوسطى وجود تلك السلاسل الجبلية المرتفعة التي تمتد في غرب القارة من ألاسكا إلى نيكاراجوا Nicaragua، ويمكن تقسيم هذه المرتفعات إلى ثلاثة أقسام: 1- السلسلة الشرقية وهي جبال روكي ويصل ارتفاعها إلى 3200 متر وأكثر أجزائها ارتفاعًا وتعقيدًا يوجد داخل الولايات المتحدة. 2- السلسلة الغربية وتتكون من سلاسل ألاسكا وسلاسل كولمبيا

البريطانية وجبال كسكيد cascade وسيرا نيفادا Sierra Nevada في الولايات المتحدة وسيرا ماديرا Sierra Madre في المكسيك. 3- السلاسل الساحلية التي يصل ارتفاعها إلى 1600 متر، وتوجد في ولاية كاليفورنيا وولاية أوريجون Oregon وفي كولمبيا البريطانية وألاسكا. ويفصل بين السلسلة الغربية وجبال روكي عدد من الهضاب المرتفعة والأودية. أما في الجزء الشرقي من القارة فتوجد سلاسل جبلية أقل ارتفاعًا ممتدة من هضبة لبرادور Labrador حتى جبال الأبلاش Appallacchian ويصل الارتفاع في هذا الجزء إلى حوالي 1600 متر. وبين المرتفعات الغربية والمرتفعات الشرقية تمتد السهول الوسطى من الدائرة القطبية في الشمال حتى خليج المكسيك في الجنوب. وفي أمريكا الشمالية تكثر الخلجان التي أهمها خليج المكسيك وألاسكا وهدسن Hudson Bay هذا بالإضافة إلى البحيرات التي أهمها البحيرات العظمى. وأهم مظاهر تأثير السطح على مناخ القارة هي: 1- يؤدي وجود المرتفعات الغربية إلى منع الكتل الهوائية الرطبة القادمة من المحيط الهادي من الوصول إلى وسط وشرق القارة إلا بعد أن تكون قد فقدت الكثير من خصائصها الأصلية. وتعمل هذه المرتفعات على سقوط أمطار تضاريسية غزيرة على السفوح الغربية للمرتفعات خاصة إلى الشمال من خط عرض 40 ْشمالًا. 2- لما كانت جبال روكي تقع إلى الشرق من السلسلة الغربية فإن تأثيرها على الكتل الهوائية المتجهة من الغرب إلى الشرق غير واضح، غير أن جبال روكي تقف بمثابة الحاجز للكتل الهوائية القطبية الباردة فتمنعها من الوصول إلى الساحل الغربي للقارة فيظل بذلك أكثر دفئًا في فصل الشتاء من الساحل الشرقي.

أمريكا الشمالية: خطوط الحرارة المتساوية في يناير "بالمئوي" "شكل 69"

أمريكا الشمالية: خطوط الحرارة المتساوية "يوليه" "بالمئوي" "شكل 70"

3- لا يوجد للمرتفعات الشرقية أثر يذكر على المناخ في المنطقة وذلك بسبب ارتفاعها القليل. 4- يتدرج المناخ في التغير من الشمال إلى الجنوب؛ وذلك بسبب عدم وجود مرتفعات غربية شرقية. 5- تعمل المياه الداخلية في القارة على تعديل مناخ الأجزاء القريبة منها، ففي فصل الشتاء عندما يغطي الجليد خليج هدسن يؤدي ذلك إلى أن تصبح المنطقة مصدرًا للكتل الهوائية القارية القطبية، كذلك تؤثر البحيرات العظمى على الكتل التي تمر بها. 6- يعتبر خليج المكسيك موردًا هامًّا للرطوبة التي تغذي الكتل الهوائية التي تمر فوقه في طريقها إلى جنوب وشرق القارة. الضغط والرياح: أولًا: يناير: يمكن تلخيص التوزيع العام للضغط والرياح في فصل الشتاء فيما يلي: 1- توجد منطقتان للضغط المرتفع فوق القارة: الأولى في شمال غرب كندا والثانية بين خطي عرض 30 ْشمالًا، 45 ْشمالًا فوق الولايات المتحدة. وينشأ الضغط المرتفع عن برودة القارة في فصل الشتاء. 2- تمتد منطقة الضغط المنخفض الأيسلندي نحو الغرب لتشمل جزءًا من شمال شرق أمريكا الشمالية ويصبح اتجاه الرياح على الساحل الشرقي بين 35 ْشمالًا والدائرة القطبية الشمالية من اليابس إلى الماء. 3- تعمل المرتفعات الغربية على منع الدورة الهوائية حول الانخفاض الألوشي من الوصول إلى داخل أمريكا الشمالية. وإلى الشمال من خط عرض 45 ْشمالًا تصبح الرياح جنوبية أو جنوبية شرقية على الساحل الغربي.

"شكل 71".

4- من المكسيك جنوبًا يبدأ الضغط في الانخفاض، وبذلك تسود رياح شرقية وشمالية شرقية على طول الساحل الشرقي. وقد تؤدي بعض المظاهر المحلية إلى التحكم في اتجاه الرياح، فنجد حول مدينة مازاتلان Mazatlan في المكسيك أن الرياح شمالية غربية. وفي هذا الفصل نلاحظ أن الأعاصير وامتداد الأعاصير التي تمر فوق القارة من الغرب إلى الشرق تؤثر في اتجاه الرياح تأثيرًا قد يفوق أحيانًا تأثير الدورة الهوائية العامة خصوصًا بين خطي عرض 30 ْ، 50 ْشمالًا. أما في العروض المدارية فإن الرياح التجارية الشرقية والشمالية الشرقية أكثر ثباتًا واستمرارًا، كذلك الحال إلى الشمال من خط عرض 50 ْ شمالًا حيث تقل الأعاصير وتسود حالة من الاستقرار في حركة الرياح في فصول السنة المختلفة. ثانيًا: يوليه: أهم مظاهر توزيع الضغط والرياح في فصل الصيف هي: 1- يؤدي تسخين اليابس إلى تكوين منطقة ضغط منخفض فوق القارة وذلك بدلًا من الضغط المرتفع في الشتاء. كذلك تضعف منطقتي الضغط المنخفض الأيسلندي والألوشي. 2- تمتد منطقة الضغط المرتفع الأطلسية فوق اليابس الأمريكي في فصل الصيف فيسبب ذلك رياحًا جنوبية غربية، كذلك تقوى منطقة الضغط المرتفع فوق المحيط الهادي وتسبب رياحًا شمالية غربية على طول الساحل الغربي للولايات المتحدة. 3- إلى الجنوب من مدار السرطان يختلف توزيع الضغط والرياح في الصيف اختلافًا طفيفًا عنه في الشتاء. وبصفة عامة يمكن القول أن فصل الصيف هو أكثر فصول السنة هدوءًا من ناحية حركة الرياح، وفي هذا الفصل تتحرك منطقة الأعاصير نحو الشمال مع حركة الشمس الظاهرية.

"شكل72"

التيارات البحرية: تتبع حركة التيارات البحرية على سواحل أمريكا الشمالية والوسطى الدورة العامة للرياح، فهناك تيار الخليج الدافئ الذي يتجه شمالًا على طول الساحل الشرقي للقارة. وتيار كاليفورنيا البارد الذي يتجه جنوبًا على طول الساحل الغربي. وقد يؤدي شكل الساحل أحيانًا إلى تغييرات محلية في اتجاه التيارات البحرية. وأهم ما يلاحظ على تأثير التيارات على مناخ القارة ما يأتي: 1- يحمل تيار فلوريدا الدافئ المياه الدفيئة في كل فصول السنة إلى المنطقة الممتدة بين 20 ْ، 25 ْشمالًا، بينما يحمل تيار كاليفورنيا على الساحل الغربي المياه الباردة إلى ذلك الساحل. ويبدو الاختلاف كبيرًا في فصل الصيف عندما يصبح الفرق بين درجة حرارة مياه المحيط الهادي على ساحل فلوريدا أعلى بمقدار 12 ْم من مياه المحيط الهادي على ساحل كاليفورنيا في نفس العروض. 2- تنخفض درجة حرارة الماء انخفاضًا كبيرًا إلى الشمال من مدينة سان فرنسيسكو على ساحل أمريكا الغربي بسبب الرياح الشمالية التي تعمل على قلب المياه الباطنية وإظهارها على السطح. 3- يتجه تيار جرينلند نحو الجنوب ليتصل بتيار لبرادور وتتجه المياه الباردة نتيجة لهذين التيارين إلى رأس هايتراس Cape Hatteras أما على الساحل الشمالي الغربي فيحمل تيار ألاسكا المياه الدفيئة إلى هذه العروض، لذلك نجد شمال خط عرض 45 ْشمالًا أن مياه المحيط الهادي أكثر دفئًا من مياه المحيط الأطلسي. 4- في العروض المدارية يقل الاختلاف في حرارة الماء بين الساحل الشرقي والساحل الغربي. 5- تنخفض درجة حرارة الماء حول ميناء نيوأورليانز Neworleans في الشتاء بسبب المياه الباردة التي يحملها نهر المسيسبي. الكتل الهوائية: أهم الكتل الهوائية التي تؤثر في مناخ أمريكا الشمالية والوسطى هي:

أولًا: الكتل الهوائية القطبية القارية "eP": يغطي الجليد أمريكا الشمالية في فصل الشتاء إلى الشمال من خط عرض 45 ْشمالًا ويتكون الهواء "شكل 73" القطبي البارد فوق ذلك الإقليم عندما تسود منطقة ضغط مرتفع ثابتة لفترة من الزمن، ولا تتمكن الكتل الهوائية البحرية الرطبة من الدخول إلى هذه المنطقة بسبب المرتفعات الغربية، غير أن الهواء الدافئ قد يغزو القسم الغربي من القارة في طبقات الجو العليا وذلك على ارتفاع 2 أو 3 كيلو متر. وعندما يتحرك الهواء القطبي القاري من مصدره الأصلي يبدأ في اكتساب

صفات جديدة منها زيادة حرارته ورطوبته، ويحدث ذلك مثلًا إذا مرت الكتلة الهوائية فوق البحيرات العظمى في مؤخرة إعصار قوي. وفي فصل الصيف يقتصر مصدر الهواء القطبي القاري على العروض الشمالية القصوى من القارة، وتختلف صفات الكتل الهوائية قليلًا عن فصل الشتاء ولكنها تظل باردة وجافة. ثانيًا: الكتل الهوائية المدارية البحرية "mT": توجد مصادر هذه الكتل الهوائية في مناطق الضغط المرتفع فوق المحيطات، وتتميز هذه الكتل الهوائية بارتفاع نسبة الرطوبة وبالدفء. ويلاحظ أنه في الجزء الغربي من منطقة الضغط المرتفع أي على السواحل الشرقية للولايات المتحدة تتميز الكتلة الهوائية بعدم الثبات، بينما في جزئها الشرقي أي على السواحل الغربية للقارة تسود حالة الثبات. وعندما تصل الكتل الهوائية المدارية البحرية إلى شرقي الولايات المتحدة في فصل الشتاء يعمل اليابس البارد على تبريدها من أسفل فيزداد ثباتها ولا يؤدي ذلك إلى سقوط مطر، إلا في حالة دخول هذا الهواء في دورة إعصارية فإنه يسقط مطرًا. أما في فصل الصيف فإن اليابس يقوم بتسخين الكتلة الهوائية من أسفل فيعمل ذلك على عدم ثباتها وبالتالي سقوط الأمطار. وعلى الساحل الغربي لا تصل الكتل الهوائية المدارية البحرية إلى داخل القارة إلا في فترات مرور الأعاصير حيث يكون ذلك الهواء المداري مقدمة الإعصار. أما إلى الجنوب من مدار السرطان فإن الهواء المداري البحري يتصف عادة بارتفاع حرارته ورطوبته، وينتج عن وجوده سقوط أمطار غزيرة إذا حدثت عملية تصعيد ويحدث ذلك في فصل الصيف. ثالثًا: الكتل الهوائية القطبية البحرية "mP": من صفات الهواء القطبي البحري أنه بارد ورطب. وتصل موجات متتابعة من الهواء القطبي البحري إلى الساحل الغربي لأمريكا الشمالية خلال فصل الشتاء وذلك بسبب تأثير الضغط المنخفض الألوشي ويضطر هذا الهواء إلى عبور المرتفعات الغربية لذلك يصل

إلى وسط القارة وشرقها أقل رطوبة عما كان عليه على الساحل الغربي، وعندما ينحدر الهواء القطبي البحري على السفوح الشرقية للمرتفعات الغربية تزداد حرارته بالاحتكاك "فهن". وفي فصل الصيف تقتصر منطقة نفوذ الهواء القطبي البحري على العروض الشمالية القصوى من الساحل الغربي إلى الشمال من خط عرض 55 ْشمالًا. أما الهواء القطبي البحري الذي يغزو شرق الولايات المتحدة فخصائصه تختلف قليلًا عن هواء المحيط الهادي لأن مروره فوق المحيط محدودة، ويغلب وصول الهواء القطبي من المحيط الأطلسي في فصل الصيف. رابعًا: الكتل الهوائية المدارية القارية "CT" لما كانت قارة أمريكا الشمالية تضيق في الجنوب فإن مصدر الهواء المداري القاري محدود للغاية وذلك في الجزء الجنوبي الغربي من القارة ويقتصر تكوين الهواء المداري القاري في أمريكا الشمالية على فصل الصيف فقط. ومن صفات هذا الهواء الحرارة المرتفعة والرطوبة المنخفضة. الجبهات الهوائية: أهم الجبهات الهوائية في منطقة قارة أمريكا الشمالية والوسطى هي الجبهة القطبية الأطلسية التي تمتد في فصل الشتاء بين جنوب كندا في الشمال وجزر الهند الغربية في الجنوب، وعلى طول هذه الجبهة يلتقي الهواء الدافئ المحيطي بالهواء البارد القاري. وفوق المحيط الهادي توجد جبهة في الجزء الغربي منه تفصل بين هواء سيبيريا البارد وهواء المحيط الهادي الدافئ، كذلك توجد جبهة أخرى في الجزء الشرقي من المحيط الهادي بالقرب من الساحل الأمريكي. وبالقرب من الساحل الشمالي الغربي لأمريكا الشمالية توجد جبهة ثالثة وفي هذه الجبهة يلتقي الهواء القطبي القاري بالهواء القطبي البحري. ويلاحظ أن الجبهات الهوائية تضعف في فصل الصيف وذلك بسبب قلة الاختلافات الحرارية بين الكتل الهوائية المختلفة، كما أن الجبهات الهوائية تتحرك في الصيف نحو الشمال.

أما الجبهة المدارية وهي التي توجد في منطقة الضغط المنخفض الاستوائي فهي تفصل بين كتل هوائية متشابهة لذلك لا توجد أعاصير قوية في هذا النطاق غير أن تقابل التجاريات يؤدي أحيانًا إلى نشأة بعض الأعاصير المدارية. أعاصير العروض المعتدلة أولًا: يناير: في فصل الشتاء يمكن تتبع ثلاثة أنواع من الأعاصير في منطقة المحيط الهادي إلى الغرب من أمريكا الشمالية وهي: 1- مجموعة تتكون حول خط عرض 30 ْشمالًا ثم تتحرك نحو ساحل جنوب كاليفورنيا وهذه الأعاصير تمتلئ عند وصولها إلى الساحل والمرتفعات الغربية، وقد تستمر في حركتها نحو الشرق فوق القارة, وتسبب هذه الأعاصير أمطارًا غزيرة فوق ولاية كاليفورنيا. 2- مجموعة تتكون فوق وسط المحيط الهادي الشمالي وتتحرك نحو الساحل الشمالي الغربي لأمريكا الشمالية. 3- مجموعة تتكون في منطقة الضغط المنخفض الألوشي وتتجه نحو كندا أما فوق القارة الأمريكية ذاتها فتتخذ الأعاصير أربعة طرق، فقد تتحرك الأعاصير فوق شمال كندا، أو فوق شمال الولايات المتحدة ومنطقة البحيرات العظمى ووادي سنت لورنس، أو فوق ولاية كلورادو ثم تجاه البحيرات العظمى، وأخيرًا قد تمر فوق الولايات الجنوبية ثم بمحاذاة ساحل المحيط الأطلسي. أما حركة أضداد الأعاصير فهي مرتبطة بحركة الأعاصير، فعادة يتحرك ضد إعصار نحو الجنوب في مؤخرة إعصار قوي، وقد تصل هذه الارتفاعات الجوية إلى أقصى جنوب القارة. وهناك مجموعة من الأعاصير تتحرك فوق شمال غرب المكسيك وتجلب هذه الأعاصير أحيانًا رياحًا باردة من الشمال يطلق عليها اسم الشماليات Northers. ثانيًا: يوليه: في فصل الصيف تتحرك مناطق الأعاصير نحو الشمال قليلًا.

وتتميز أعاصير فصل الصيف بضعفها وبطء حركتها، وأهم مناطق تكوُّن الأعاصير في هذا الفصل توجد في شمال غرب القارة وعلى سواحل ألاسكا. العواصف المدارية: إلى الجنوب من الولايات المتحدة توجد دورة هوائية تختلف عن دورة الهواء في الشمال، وهذه المنطقة تقع بين منطقة الضغط المرتفع عند عروض الخيل ومنطقة الضغط المنخفض الاستوائي. ولما كانت الرياح في هذا النطاق تتجه نحو الشرق فإن الأعاصير التي تتكون في هذه العروض تتجه نحو الشرق أيضًا وتسمى هذه الأعاصير في أمريكا الشمالية بالهريكين Hurricanes، وأهم مناطق تكون عواصف الهريكين هي البحر الكاريبي وساحل أمريكا الوسطى المطل على المحيط الهادي، ويبدأ موسم الهريكين في يونيه ويستمر حتى نوفمبر ويصل قمته في سبتمبر. وترتبط عواصف الهريكين بهبوب رياح عنيفة وسقوط أمطار غزيرة. وعادة تمتلئ هذه العواصف عند وصولها إلى اليابس بسبب عدم وجود مورد لبخار الماء. الأقاليم المناخية في أمريكا الشمالية والوسطى: إقليم أمريكا الوسطى: ابتداء من بنما في الجنوب حتى المكسيك في الشمال يوجد مناخ مداري مطير "Af" فيما عدا المناطق الجبلية حيث تنخفض الحرارة، والرياح السائدة في هذا الإقليم هي الشرقية والشمالية الشرقية التي تسود على الساحل الشرقي طول العام وعلى الساحل الغربي في الشتاء فقط؛ إذ إن التجارية الجنوبية الشرقية في نصف الكرة الجنوبي تغير اتجاهها وتصبح جنوبية غربية على الساحل الغربي لأمريكا الوسطى، ويقع اليابس تحت سيطرة الكتل الهوائية المدارية البحرية طول العام لذلك تظل درجات الحرارة مرتفعة، كذلك تسقط أمطار غزيرة على هيئة عواصف رعدية. ومن أهم صفات المناخ في أمريكا الوسطى أن فصل الأمطار الغزيرة يمتد خلال فصل الصيف وأوائل الخريف، وتسقط كميات كبيرة من الأمطار في بعض

الجهات وذلك مثل المنطقة حول مدينة جريتون Greytown حيث سقطت 67.5 سم من المطر في الفترة من يونية إلى نوفمبر. إقليم المكسيك: تتنوع الظروف المناخية في المكسيك تبعًا لاتجاه الرياح السائدة وظروف السطح المحلية، ويمكن التعرف على أربعة أقاليم فرعية هي: 1- الساحل الشرقي من شبه جزيرة يوكاتان Yucatan حتى أقدام جبال سيراماديرا. 2- هضبة المكسيك وارتفاعها يزيد على 1800 متر، وتمتد من حدود الولايات المتحدة مع المكسيك حتى أمريكا الوسطى في الجنوب. 3- الساحل الجنوبي والساحل الغربي حتى خط عرض 25 ْشمالًا. 4- صحراء شمال غرب المكسيك. ويقع الجزء الشرقي من المكسيك تحت تأثير الكتل الهوائية البحرية المدارية القادمة من خليج المكسيك, ومن المعروف أن مياه خليج المكسيك تتميز بالدفء الدائم، ويؤدي هذا إلى ارتفاع درجات الحرارة في الجهات المجاورة لخليج المكسيك، وتنخفض الحرارة أثناء الشتاء نتيجة للظروف القارية السائدة إذ قد تصل الحرارة أحيانًا إلى 6 ْم في شمال المكسيك، أما جنوب المكسيك فيتمتع بدرجات حرارة مرتفعة نسبيًّا أثناء فصل الشتاء، أما من ناحية المطر فنجد أن موسم سقوط الأمطار في الجزء الشرقي من المكسيك هو فصل الصيف بالإضافة إلى بعض الأمطار التي تسقط في الخريف نتيجة لهبوب عواصف الهريكين، ويوجد قسم جنوبي في المكسيك ينال مطرًا طول العام، وفي شبه جزيرة يوكاتان تسقط أمطار صيفية أيضًا، أما على الساحل الغربي فتسقط أمطار شتوية خاصة في الجزء الجنوبي من كاليفورنيا السفلى. وتنخفض درجات الحرارة في هضبة المكسيك بسبب ارتفاعها إذ تصل درجة حرارة يولية في مدينة بوبلا Puebla17 م، أما في صحراء شمال غرب المكسيك

فترتفع درجات الحرارة ارتفاعًا شديدًا أثناء الصيف فتصل إلى 38 ْم بينما تنخفض في الشتاء إلى 7 ْم. وبالقرب من حدود الولايات المتحدة تسقط أمطار شتوية نتيجة لمرور الأعاصير ولكنها أمطار محدودة الكمية. ويشبه الجزء الجنوبي الغربي من المكسيك في مناخه شمال غرب أمريكا الوسطى، فالمدى الحراري السنوي صغير ويسود الجفاف في فصل الشتاء، أما الصيف فهو فصل المطر الغزير، وتبدأ كمية المطر في القلة إلى الشمال من خط عرض 25 ْشمالًا حيث توجد الصحراء التي تمتد نحو ولاية أريزونا في الولايات المتحدة وتشمل جزءًا كبيرًا من كاليفورنيا. وفي هذا القسم الصحراوي تسود رياح شمالية غربية في الصيف ويتميز الهواء بجفافه الشديد، أما في الشتاء فوجود منطقة الضغط المرتفع لا يساعد على مرور الأعاصير في المنطقة، وتسود درجات الحرارة المرتفعة أثناء الصيف، وقد توجد فترات برودة تنتج عن وصول كتلة هوائية قطبية باردة من الشمال أثناء فصل الشتاء. وفي الجزء الشمالي من كاليفورنيا السفلى يسقط المطر شتاء كما هو الحال في مدينة إنسنادا Ensenada حيث تسقط 6.5 سم من المطر في شهر يناير وحده، ويرتبط سقوط الأمطار في هذه المنطقة بمرور الأعاصير بينما يسود الجفاف الشامل في فصل الصيف، ودرجات الحرارة في كاليفورنيا السفلى ليست منخفضة أثناء الشتاء؛ ذلك لأن تعرضها للموجات الباردة قليل. ويكثر الضباب على الساحل خاصة في فصل الصيف. إقليم ألاسكا: من ناحية المناخ يمكن تقسيم ألاسكا إلى ثلاثة أقسام هي: 1- الساحل الجنوبي من كتشيكان Ketchikan إلى أتو Attu ويتميز بمناخ معتدل رطب "Cfc" ويؤدي مرور الأعاصير بكثرة بهذا القسم إلى سقوط أمطار غزيرة، وتقع قمة المطر خلال الشتاء والخريف وتعمل المؤثرات البحرية على الحد من برودة الشتاء، وقد تحدث موجات باردة عندما يصل الهواء القطبي القاري إلى المنطقة، فتنخفض الحرارة إلى - 30 ْم.

2- الساحل الغربي وهنا تبدأ درجات الحرارة في فصل الشتاء في الانخفاض كما هو الحال في دلنجهام Dillingham ونوم Nome حيث متوسط حرارة يناير في الأولى - 9 ْم وفي الثانية - 7 ْم، وتحدث الموجات الباردة في أي فصل من فصول السنة، وتقل كمية المطر في هذا الإقليم عن سابقه، إذ نجد كمية المطر في كودياك 53.2kodiak سم وفي دلنجهام 67.7 سم، وفي نوم 45.2 سم وفي بارو 14.2Barrow سم، كذلك يتحول نظام المطر في هذا القسم فيصبح المطر صيفيًّا في الغالب. 3- القسم الداخلي من ألاسكا ويتميز مناخه بالقارية إذ يسود شتاء شديد البرودة وصيف دافئ قد تصل الحرارة فيه إلى 30 ْم ومعظم الأمطار في هذا القسم صيفية تحدث نتيجة للعواصف الرعدية وهي أمطار قليلة على كل حال. إقليم ساحل المحيط الهادي: يتغير مناخ الساحل الغربي لأمريكا الشمالية من الشمال إلى الجنوب تبعًا لتغير موقع الضغط المرتفع في منطقة عروض الخيل والممرات التي تتبعها الأعاصير نتيجة لذلك، فعلى ساحل كندا الغربي تسقط أمطار غزيرة طول العام وإن كانت الأمطار تبلغ قمتها في فصل الشتاء والخريف عندما يصل النشاط الإعصاري إلى أشده، وتبدأ كمية المطر في القلة نحو الجنوب مع ظهور قمة واحدة للمطر أثناء فصل الشتاء، إذ إنه في فصل الصيف يؤدي وجود الضغط المرتفع بجوار الساحل الأمريكي إلى وجود رياح تهب موازية للساحل ومن ثم لا تسقط أمطار، فكمية المطر في لوس أنجلس 27.2Los Angeles سم يسقط 22% منها في شهر يناير وحده بينما يسقط أقل من 0.5 % في شهر يولية، ويندر أن تحدث العواصف الرعدية في هذا الإقليم. وتختلف درجات الحرارة من الجنوب إلى الشمال مع خطوط العرض، وكذلك تختلف من الساحل إلى الداخل بسبب البعد عن تأثير البحر، فالأجزاء الساحلية تتمتع بمناخ دافئ في الشتاء ومعتدل في الصيف، فتصل درجة حرارة مدينة يوريكا Eurcka في شهر يناير إلى 8 ْم، وتحدث موجات باردة عندما يصل هواء قاري إلى الساحل وإن كان هذا يحدث نادرًا.

ويكثر الضباب على الساحل الغربي وفي الداخل وهو على نوعين ضباب الإشعاع في الأودية الداخلية ويحدث أثناء فصل الشتاء عندما تؤدي برودة اليابس إلى حدوث التكاثف أثناء ليل الشتاء الطويل، والضباب الذي يحدث على الساحل مباشرة نتيجة لمرور الهواء الدافئ على المياه الباردة التي يتميز بها ساحل كاليفورنيا على وجه الخصوص نتيجة لمرور تيار كاليفورنيا البارد. إقليم الهضاب: ويشمل هذا الإقليم المنطقة المرتفعة السطح الممتدة من ألاسكا إلى المكسيك، ويعتمد مناخ هذا الإقليم على ظروف السطح، ويؤدي الارتفاع الكبير إلى انخفاض درجات الحرارة في فصل الصيف، بينما تنخفض الحرارة في الشتاء انخفاضًا كبيرًا فيما عدا القسم الجنوبي من الإقليم. وتقف الجبال الغربية كحاجز يمنع الكتل الهوائية القطبية البحرية من الوصول إلى داخل القارة، ولما كان إقليم الهضاب ذا موقع داخلي فإن حرارة الصيف أكثر ارتفاعًا منها في إقليم الساحل الغربي، فدرجة حرارة مدينة لاندر Lander في شهر يوليه تصل إلى 20 ْم وتدر الأعاصير التي تصل إلى إقليم الهضاب كمية محدودة من الأمطار، إذ إنها تفقد معظم أمطارها على السفوح الغربية للمرتفعات، وقد تحدث بعض العواصف الرعدية أثناء فصل الصيف، وفي الجزء الجنوبي من إقليم الهضاب تقل الأمطار بحيث يسود النظام الصحراوي. إقليم السهول العظمى: يتميز هذا الإقليم بمناخه القاري، والمدى الحراري السنوي كبير، إذ يحدث تغيير كبير في درجات الحرارة بين الصيف والشتاء، وفي فصل الشتاء تجتاح الإقليم موجات من الهواء القطبي القاري البارد أما في الصيف فتغزوه موجات حارة من الهواء المداري القاري، ففي مدينة شيكاجو مثلًا تصل درجة حرارة يناير إلى 40 ْم وفي يوليه تصل إلى 23 ْم. والأجزاء الشمالية من الإقليم شديدة البرودة شتاء ثم تأخذ الحرارة في الارتفاع نحو

الجنوب وتصحب الموجات الباردة رياحًا شديدة، ويسقط الثلج عادة ويحدث أحيانًا عندما يعبر الهواء القطبي البحري المرتفعات الغربية ثم ينحدر نحو الشرق إلى أن تحدث له عملية تسخين بالاحتكاك، وتسمى هذه الرياح الدفيئة باسم الشنوك. وموسم المطر في القسم الشمالي من السهول العظمى هو فصل الصيف وذلك بسبب عمليات تصعيد الهواء وتزداد كمية المطر كلما اتجهنا جنوبًا، ويبدو أثر الأعاصير ضعيفًا في هذا الإقليم لأنها تصل إليه منهكة قليلة الأمطار. إقليم ولايات خليج المكسيك: تظل درجات الحرارة في هذا الإقليم مرتفعة نسبيًّا طول العام ويرجع ذلك إلى خطوط العرض من جهة وقربه من المياه الدفيئة من جهة أخرى. وفي فصل الشتاء تصبح المنطقة مسرحًا للنشاط الإعصاري، بينما يحدث أحيانًا أن تصل إلى الإقليم كتل هوائية قطبية قارية باردة في مؤخرة الأعاصير التي تمر فوق الإقليم من الغرب إلى الشرق إذ تصل درجة الحرارة أحيانًا في نيو أورليانز إلى - 3 ْم، أما في فصل الصيف فتصل درجة الحرارة إلى 35 ْم في بعض الأحيان ونسبة الرطوبة ترتفع أثناء الصيف مما يجعل المناخ غير مريح بالنسبة لسكنى الإنسان. إقليم شرق أمريكا الشمالية: يتأثر هذا الإقليم بالأعاصير وأضداد الأعاصير في فصل الشتاء. وتنخفض درجات الحرارة أثناء فصل الشتاء. وتصل كتل هوائية مدارية بحرية إلى القسم الجنوبي من الإقليم، وذلك في مقدمة الأعاصير المتجهة نحو الشرق، وترتفع درجات الحرارة في الإقليم كلما اتجهنا جنوبًا حتى نصل إلى النظام المداري في الطرف الجنوبي من شبه جزيرة فلوريدا، ورغم هذا قد تصل موجات باردة أثناء فصل الشتاء ويحدث الصقيع حتى في الأجزاء الجنوبية القصوى من الإقليم، أما في فصل الصيف فترتفع درجات الحرارة في كل أنحاء الإقليم خاصة إلى الجنوب من خط عرض 40 ْشمالًا.

ويتوزع المطر على شهور السنة دون وجود قمة واضحة وتزداد كمية المطر في الجنوب ثم تقل نحو الشمال. وتسقط الأمطار نتيجة للأعاصير في فصل الشتاء وللتصعيد في فصل الصيف. ويكثر الضباب على السواحل الشمالية الشرقية لأمريكا الشمالية نتيجة لمرور الهواء الدافئ الرطب فوق تيار لبرادور البارد ويكثر هذا الضباب على وجه الخصوص حول جزيرة نيوفوندلند في فصل الصيف.

الفصل الثاني عشر: أمريكا الجنوبية

الفصل الثاني عشر: أمريكا الجنوبية تمتد قارة أمريكا الجنوبية بين خطي عرض 10 ْشمالًا، 55 ْجنوبًا، وفوق هذه المساحة الكبيرة تتنوع الظروف المناخية تنوعًا كبيرًا، وتبلغ أمريكا الجنوبية أقصى اتساع لها في العروض المدارية وذلك بعكس جارتها الشمالية؛ لذلك كانت أمريكا الجنوبية قارة دفيئة شأنها في ذلك شأن أفريقيا، وذلك فيما عدا الجبال المرتفعة، وفي حين تخلو أمريكا الجنوبية من المناخات الباردة حيث إنها بمنأى عن الكتل الهوائية القطبية الباردة فإنها تشمل أكبر مساحة من المناخات المدارية الرطبة "Af,Am" ورغم أن أمريكا الجنوبية لا تحوي مناطق ذات مناخ قطبي في سهولها فإن هذا المناخ يوجد ممثلًا في مرتفعاتها الجبلية. مظاهر السطح وأثرها في مناخ أمريكا الجنوبية: أهم مظاهر السطح في أمريكا الجنوبية هي وجود سلاسل جبال الإنديز المرتفعة التي تمتد من فنزويلا في الشمال إلى رأس هورن Cape Horn في الجنوب، وتصل جبال إنديز أقصى اتساعها عند خط عرض 20 ْجنوبًا حيث يصل الارتفاع إلى 3500 متر في المتوسط، ويبلغ اتساع المنطقة الجبلية في هذا القسم 450 كيلو مترًا، أما إلى الجنوب من خط عرض 40 ْجنوبًا فتأخذ الجبال في الانخفاض. وتعمل هذه الجبال في العروض المدارية على منع الكتل الهوائية القادمة من المحيط الهادي من الوصول إلى سهول البرازيل من الشرق، أما إلى الجنوب من خط عرض 15 ْجنوبًا فإن الجبال لا تصبح حاجزًا مانعًا أمام وصول الكتل الهوائية من المحيط الهادي إلى شرق القارة. وفي شرق البرازيل توجد منطقة جبلية أخرى غير أن الارتفاع هنا لا يزيد عن

"شكل74"

"شكل75"

1600 متر فوق سطح البحر، غير أن لهذه المرتفعات أثر واضح على مناخ البرازيل خاصة إذا كانت الرياح شرقية فإنها تضطر إلى الارتفاع ومن ثم سقوط أمطار تضاريسية غزيرة. أما في شمال البرازيل وفي جيانا وفنزويلا فتوجد مرتفعات قليلة ذات أثر محلي على مناخ هذه الجهات، ولكن هذه المرتفعات الشرقية لا تقف عقبة أمام الكتل الهوائية البحرية المتجهة من المحيط الأطلسي إلى داخل القارة. وبين هذه المرتفعات الجبلية في الغرب والشرق والشمال توجد سهول الأرجنتين وأورجواي وبرجواي والبرازيل. وهذه السهول لا يزيد ارتفاعها عن 350 مترًا. فوسط حوض الأمزون مثلًا ارتفاعه حوالي 160 مترًا عن سطح البحر. وتخلو أمريكا الجنوبية من البحار الداخلية كما أنه لا توجد بها بحيرات ذات شأن. غير أن الأنهار الكثيرة التي توجد في داخل القارة مثل الأمزون وبلاتا Plata لها أثر واضح على مناخ الأجزاء الداخلية من القارة. الضغط والرياح: لما كان خط الاستواء يقسم قارة أمريكا الجنوبية بحيث يترك جزءًا منها في نصف الكرة الشمالي والجزء الآخر في النصف الجنوبي وما يترتب على ذلك من اختلاف الفصول فقد رأينا أن نتكلم عن توزيع الضغط والرياح للعام كله إجمالًا. وفيما يلي أهم خصائص توزيع الضغط والرياح: 1- توجد منطقتان دائمتان للضغط المرتفع فوق المحيط الهادي الجنوبي والمحيط الأطلسي الجنوبي وتصل أطراف هاتين المنطقتين إلى سواحل أمريكا الجنوبية. 2- توجد منطقة ضغط منخفض فوق القارة حتى خط عرض 40 ْجنوبًا. 3- توجد منطقة ضغط منخفض ناتجة عن تسخين اليابس فوق براجواي في شهر يناير، وفي يوليه تتحول هذه المنطقة إلى ضغط مرتفع. 4- يحف طرف منطقة الضغط المرتفع في المحيط الأطلسي الشمالي بالساحل الشمالي الشرقي لأمريكا الجنوبية.

5- توجد منطقة ضغط منخفض بالقرب من خط الاستواء في كل فصول السنة. من هذا العرض يمكن التعرف على اتجاهات الرياح السائدة، ففي كل فصول السنة توجد رياح غربية إلى الجنوب من خط عرض 40 ْجنوبًا، وهي جنوبية على ساحل شيلي وبيرو، وحول خط عرض 30 ْجنوبًا تكون الرياح قوية في فصل الصيف عن فصل الشتاء وذلك بسبب الاختلاف الكبير في الضغط الجوي بين الانخفاض الموجود فوق القارة والارتفاع الموجود فوق المحيطات. أما على الساحل الشرقي للقارة فتوجد رياح شرقية في يناير فيما بين خطي عرض 10 ْ، 35 ْجنوبًا، وتضعف هذه الرياح بعض الشيء في يوليه، وتشاهد الرياح التجارية الشمالية الشرقية من نصف الكرة الشمالي على ساحل البرازيل بين خط الاستواء وخط عرض 10 ْجنوبًا. وفوق القارة ذاتها توجد رياح ضعيفة ومتغيرة، ويزداد تغير الرياح من فصل لفصل وضوحًا في القسم الجنوبي من القارة تجاه رأس هورن حيث تمر الأعاصير من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي، وفي مؤخرة هذه الأعاصير تهب رياح باردة من الجنوب. التيارات البحرية: يؤدي وجود مناطق الضغط المرتفع فوق المحيطات إلى وجود تيار بحري دافئ يتجه جنوبًا محاذيًا لساحل البرازيل الشرقي وهو تيار البرازيل، وعلى الساحل الغربي يوجد تيار بيرو البارد الذي يتجه نحو الشمال، أما في العروض السفلى فهناك تيار المحيط الأطلسي الاستوائي والمحيط الهادي الاستوائي. وفي الجزء الممتد إلى الجنوب من خط عرض 55 ْجنوبًا يسود التيار الغربي المتجه من الغرب إلى الشرق مع اتجاه الرياح الغربية العكسية، وهناك فرع من هذا التيار يتجه إلى الشمال بحذاء الساحل الشرقي هو تيار فلكلند Falkland البارد. ويتضح أثر التيارات البحرية في مناخ أمريكا الجنوبية مما يأتي:

"شكل76"

"شكل 77"

1- إلى الجنوب من خط عرض25 ْجنوبًا نجد مياه المحيط الأطلسي أبرد من مياه المحيط الهادي بسبب تيار فلكلند. 2- إلى الشمال من خط عرض 35 ْجنوبًا نجد مياه المحيط الأطلسي أكثر دفئًا من مياه المحيط الهادي بسبب تيار البرازيل الدافئ. الكتل الهوائية: تتأثر قارة أمريكا الجنوبية بعدد كبير من الكتل الهوائية وأهمها: أولًا: الكتل الهوائية المدارية البحرية "mT": وتتميز هذه الكتل بارتفاع نسبة الرطوبة وبالدفء. ويزداد ثبات الكتل الهوائية المدارية البحرية على الساحل الغربي لشيلي بينما تكاد تنعدم حالة الثبات على الساحل الشرقي للقارة، ولذلك يؤدي وجودها إلى سقوط أمطار عندما تتعرض لعمليات التصعيد، وعندما يتحرك الهواء المداري البحري إلى العروض الاستوائية ويدخل منطقة الضغط المنخفض الاستوائي يتعرض لحركة تصعيد تؤدي إلى سقوط الأمطار كما هو الحال على ساحل البرازيل الشرقي. ثانيًا: الكتل الهوائية المدارية القارية"CT" يؤدي تسخين اليابس في فصل الصيف الجنوبي إلى تكوين كتلة هوائية حارة وجافة في المنطقة بين خطي عرض 30 ْ، 40 ْجنوبًا، وتختفي هذه الكتلة الهوائية في فصل الشتاء. ثالثًا: الكتل الهوائية القطبية البحرية "mP" تقع المحيطات الجنوبية إلى الجنوب من خط عرض 40 ْجنوبًا، وحتى قارة أنتاركتيكا تحت تأثير الهواء القطبي البحري، ويغزو هذا الهواء جنوب شيلي والأرجنتين. الجبهات الهوائية: أولًا: جبهة أنتاركتيكا: في فصل الشتاء الجنوبي تمر أعاصير من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي في منطقة بحر بلجيك Pelgique وبعد كل موجة من الأعاصير تمر موجة من أضداد الأعاصير القادمة من القارة القطبية الجنوبية، وتصل الكتل الهوائية القطبية إلى منطقة بتاجونيا أحيانًا.

"شكل 78" ثانيًا: جبهة المحيط الهادي القطبية: تتكون الأعاصير في منطقة المحيط الهادي في فصل الشتاء الجنوبي على طول الجبهة التي تفصل بين الهواء المداري والهواء القطبي، وتتحرك هذه الأعاصير نحو الجنوب الشرقي إلى ساحل شيلي، وبوصول هذه الأعاصير إلى جبال أنديز تسقط أمطار تضاريسية غزيرة. أما الأمطار إلى الشرق من المرتفعات فهي قليلة. وتتحرك منطقة الأعاصير نحو الشمال في فصل الشتاء الجنوبي لتشمل وسط شيلي، بينما يقع هذا القسم بمنأى عن الأعاصير في فصل الصيف الجنوبي عندما تسوده أحوال الجفاف.

ثالثًا: جبهة المحيط الأطلسي القطبية: توجد هذه الجبهة بين الكتل الهوائية الباردة في الجنوب والكتل الهوائية الدفيئة في الشمال، وتتحرك هذه الجبهة نحو الشمال قليلًا إذا كانت الكتل الهوائية الباردة قوية. وتسقط أمطار غزيرة على ساحل الأرجنتين وجنوب البرازيل عندما تضطر هذه الكتل الهوائية إلى الصعود فوق المرتفعات. رابعًا: الجبهة الاستوائية: يحدث تغيير طفيف في موقع هذه الجبهة وقوتها من فصل لآخر، وتوجد هذه الجبهة في نصف الكرة الشمالي في يوليه. وعلى طول هذه الجبهة تمر أعاصير من الشرق إلى الغرب وهي محدودة العدد. وقد يحدث أحيانًا أن تصل موجات باردة من العروض العليا إلى المناطق المدارية بسبب مرور هذه الأعاصير ويطلق على هذه الرياح الباردة اسم فرياجم Friagem ويستمر هبوبها بين 3، 5 أيام ويؤدي هبوب هذه الرياح إلى انخفاض درجة الحرارة أحيانًا حوالي 30 ْم في يوم واحد، ولكن هذه الرياح لا تصل إلى داخل حوض الأمزون إطلاقًا. وتتحرك الجبهة الاستوائية نحو الجنوب في يناير فتسود الرياح التجارية الشمالية الشرقية على جزء كبير من شمال القارة. ويؤدي هبوب الرياح التجارية إلى سقوط أمطار قليلة في هذا الجزء من القارة. الأقاليم المناخية في أمريكا الجنوبية: إقليم ساحل شيلي والسفوح الغربية لجبال إنديز: يشمل هذا الإقليم الجزء الممتد بين خطي عرض 30 ْ، 55 ْجنوبًا. ويتأثر مناخ هذا الإقليم بجبهة المحيط الهادي القطبية حيث تلتقي الكتل الهوائية القطبية مع الكتل الهوائية المدارية خاصة عند مرور الأعاصير. ومن الجنوب من خط عرض 36 ْجنوبًا يسقط المطر الإعصاري والتضاريسي طول العام ويبلغ أقصاه حول خط عرض 53 ْجنوبًا، أما إلى الشمال من خط عرض 36 ْجنوبًا فيسقط المطر في فصل الشتاء فقط "Cs" وهذا هو نظام البحر المتوسط المعروف.

والمدى الحراري السنوي في هذا الإقليم صغير؛ ذلك لأن التأثير البحري يصل إليه من الرياح الغربية. وإلى الشمال من خط عرض 30 ْجنوبًا تبدأ الظروف الصحراوية في الظهور. إقليم السفوح الغربية لجبال إنديز 30 ْ، 5 ْجنوبًا: يقع هذا الإقليم تحت تأثير الضغط المرتفع المتمركز فوق المحيط الهادي الجنوبي، وتهب الرياح موازية للساحل لذلك لا تسقط أمطار إلا في المناطق شديدة الارتفاع حيث تسقط بعض الأمطار والثلوج. والتغير في درجات الحرارة على طول الساحل يكاد يكون معدومًا، هذا علاوة على أن درجة حرارة الماء في هذا القسم منخفضة نسبيًّا وتنخفض درجات الحرارة بالارتفاع كلما اتجهنا نحو الداخل، فدرجة حرارة يناير في لاباز La Paz 10 م وفي يولية 9 ْم. ويزداد الضباب في منطقة الشريط الساحلي في الشتاء, بينما على مقربة من الساحل دلت مشاهدات بعض السفن المحيطية على أن الضباب يزداد في فصل الصيف. والرياح السائدة هي الجنوبية وتزداد قوتها في فصل الصيف. إقليم شرق الإنديز إلى الجنوب من مدار الجدي: تفقد الرياح الغربية وأعاصيرها القادمة من المحيط الهادي أمطارها على مرتفعات الإنديز فتصل إلى هضبة بتاجونيا وهي شبه جافة، ومن ناحية الحرارة نلاحظ أن الساحل الشرقي لأمريكا الجنوبية في هذه العروض أكثر دفئًا من الساحل الغربي بصفة عامة. ومن هضبة بتاجونيا إلى مدار الجدي تسود الكتل الهوائية المدارية في فصل الصيف وينتج عن ذلك سقوط كمية متوسطة من الأمطار، أما في الشتاء فتسود الكتل الهوائية القطبية وكمية المطر قليلة. ويؤدي وصول الهواء القطبي

إلى انخفاض درجات الحرارة في فصل الشتاء، وترتفع درجات الحرارة قليلًا في الشتاء عندما تهب رياح غربية. وفي الجزء الساحلي بين خط عرض 40 ْجنوبًا ومدار الجدي يتوزع المطر على مدار السنة ويزداد المطر نحو هضبة البرازيل في الشمال. ويحدث الضباب في المنطقة الساحلية بسبب مرور الهواء الدافئ الرطب فوق مياه تيار فلكلند الباردة. إقليم وسط وشرق أمريكا الجنوبية إلى الشمال من مدار الجدي: يخضع وسط القارة بين السفوح الشرقية لجبال إنديز والسفوح الغربية لمرتفعات البرازيل للكتل الهوائية المدارية البحرية، وأمطار هذا الإقليم تصاعدية فيما عدا منطقة سفوح المرتفعات حيث المطر تضاريسي. ودرجات الحرارة في الإقليم مرتفعة طول العام كما هو الحال في الأقاليم المدارية كما أن المدى الحراري السنوي صغير ففي كويابا Cuiaba يصل المدى الحراري السنوي إلى 3.5 ْم. وعند خط عرض 20 ْجنوبًا تبلغ هضبة الإنديز أقصى اتساع لها وهنا يسود مناخ إستبس وصحراوي. ويضيق هذا الإقليم الجاف نحو الشمال حيث تبدأ الأمطار الصيفية في الازدياد. وكذلك تسقط أمطار صيفية على الساحل بين مدار الجدي وخط عرض 15 ْجنوبًا ففي مدينة ريودي جانيرو Rio de Janeiro تسقط 4.5 بوصة من المطر في شهر يناير وحده. أما الساحل الشرقي للبرازيل إلى الشمال من خط عرض 15 ْجنوبًا فمطره شتوي يسقط نتيجة لرفع الهواء القطبي فوق المرتفعات ففي مدينة باهيا Bahia يبدأ موسم المطر في شهر إبريل، ودرجات الحرارة في هذه المنطقة مرتفعة على مدار السنة وإن كانت تنخفض قليلًا أثناء فصل الشتاء. والقسم الداخلي من شمال شرق البرازيل يتميز بمناخ جاف فالأمطار الشتوية على الساحل الشرقي لا تمتد نحو الداخل، كما أن أمطار الصيف قليلة. إقليم الساحل الشمالي والشمالي الشرقي لأمريكا الجنوبية: تسقط الأمطار

في هذا الإقليم نتيجة لوصول الكتل الهوائية المدارية البحرية من المحيط الأطلسي الشمالي, وقمة المطر تقع في فصل الخريف الجنوبي عندما تكون منطقة الضغط المنخفض الاستوائي في نصف الكرة الجنوبي، والمطر في هذا الإقليم ذو أصل تصاعدي. وعلى سواحل جيانا توجد قمتان للمطر في يولية ويناير ويقل المطر في مارس وسبتمبر. أما درجات الحرارة فهي مرتفعة طول العام, وقمة الحرارة تقع خلال فصل الجفاف. إقليم أعالي الأمزون: تسقط أمطار غزيرة في هذا الإقليم طول العام وتصل إلى قمتها في فصل الصيف الجنوبي، والأمطار هنا تصاعدية، وترتفع الحرارة والرطوبة طول السنة. إقليم غرب أمريكا الجنوبية إلى الشمال من خط الاستواء: في الجزء الداخلي من الإقليم يسقط مطر صيفي ويقل المطر في الشتاء ففي كلابوزو Calabozo يسقط 8.9 بوصة من المطر بينما لا يسقط مطر إطلاقًا في يناير، ودرجات الحرارة مرتفعة طول العام. أما على الساحل الشمالي الغربي للقارة فسقوط الأمطار يعتمد على موقع منطقة الضغط المنخفض الاستوائي، فعندما تكون منطقة الضغط المنخفض في الجنوب تسقط الأمطار حتى خط عرض 5 ْجنوبًا ثم تقل كمية المطر إلى الجنوب من خط عرض 6 ْجنوبًا حيث تبدأ الظروف الصحراوية في الظهور، وعندما تتحرك منطقة الضغط المنخفض نحو الشمال تزداد كمية المطر في الجزء الشمالي من الإقليم وتصل حتى خليج بنما Panama أما على مرتفعات الإنديز فموسم المطر يتبع المناطق الساحلية الواقعة في نفس خطوط العرض, والمطر من النوع التصاعدي.

الفصل الثالث عشر: استراليا وينوزيلنده

الفصل الثالث عشر: استراليا وينوزيلنده ... الفصل الثالث عشر: استراليا ونيوزيلنده تمتد قارة أستراليا بين خطي عرض 10 ْ، 4 ْجنوبًا ولذلك يقع معظمها في العروض المدارية. ولما كانت القارة تتسع في العروض المدارية فإن للظروف القارية أثر واضح في أحوالها المناخية. وتسيطر منطقة الضغط المرتفع حول عروض الخيل على جزء كبير من القارة لذلك نجد أن مساحة واسعة منها تخضع للظروف الصحراوية. ويشمل الإقليم الصحراوي وسط القارة وهو بذلك يغطي مساحة واسعة لا تفوقها في المساحة سوى الصحراء الكبرى في إفريقيا، وتخلو استراليا من النظام المداري المطير. ويمثل إقليم السفانا مساحة صغيرة على طول الساحلين الشمالي والشرقي للقارة. كما أن استراليا تخلو من السلاسل الجبلية التي تقوم بمثابة حاجز أمام الكتل الهوائية المختلفة كما هو الحال بالنسبة لأمريكا الشمالية والجنوبية وآسيا. أما جزيرة تسمانيا وجزر نيوزيلنده فتقع مباشرة تحت تأثير الكتل الهوائية البحرية كما أن كمية الأمطار في هذه الجزر غزيرة. مظاهر السطح وأثرها في مناخ استراليا: لا توجد سلاسل جبلية عالية في استراليا كما ذكرنا، غير أن هناك نوعان من تضاريس القارة من مكان لآخر وأهم مظاهر السطح هي: 1- توجد سلسلة جبلية متوسطة الارتفاع تمتد على طول الساحل الشرقي من جنوب شرق القارة إلى أقصى شمالها، وتصل بعض قممها في الجنوب إلى 1500 متر فوق سطح البحر ويقل الارتفاع إلى حوالي 600 متر في الشمال. 2- ويتراوح الارتفاع في غرب استراليا بين 35، 360 مترًا فوق

"شكل79"

"شكل 80"

سطح البحر، وتوجد بعض الهضبات المتفرقة التي تصل في ارتفاعها إلى 1000 متر. 3- يصل الارتفاع في وسط شرق استراليا إلى 160 مترًا فوق سطح البحر وذلك فيما عدا سلسلة جبال فلندرز Flinders Range. 4- أهم الخلجان في استراليا هو خليج كربنتاريا Gulf of Carpentaria والخليج الاسترالي العظيم Great Australian Bight. وبعكس قارة أستراليا التي تكاد تخلو من السلاسل الجبلية نجد أن السطح في تسمانيا ونيوزيلنده جبلي في الغالب، إذ يصل الارتفاع في وسط تسمانيا إلى حوالي 1600 متر. وفي نيوزيلنده نجد سلسلة جبلية تمتد من الشمال إلى الجنوب على طول مجموعة الجزر، حيث يصل الارتفاع أحيانًا إلى 3500 متر فوق سطح البحر. وتقترب السلسلة الجبلية من الساحل الغربي في الجزيرة الجنوبية بينما تقترب من الساحل الشرقي في الجزيرة الشمالية وفي الجزيرة الشمالية توجد إلى جانب ذلك جبال فردية هنا وهناك. ويبدو أثر التضاريس على مناخ القارة فيما يلي: 1- لما كان اتجاه الرياح إلى الشمال من خط عرض 30 ْجنوبًا من الشرق إلى الغرب فإن المرتفعات الشرقية تعمل على رفع الكتل الهوائية ويؤدي هذا إلى سقوط أمطار غزيرة على الساحل الشرقي للقارة. بينما يصل المطر فوق السهول الواقعة إلى الغرب. 2- إلى الجنوب من خط عرض 30 ْجنوبًا تعمل المرتفعات الشرقية أيضًا على زيادة المطر في ولايات فكتوريا ونيوسوث ويلز وقلته حول الخليج الاسترالي العظيم. 3- تعمل مرتفعات تسمانيا على زيادة كمية المطر في الجزء الغربي المواجه للرياح السائدة.

4- تقوم مرتفعات نيوزيلنده بنفس التأثير الذي تقوم به مرتفعات تسمانيا فتزداد كمية المطر في غرب نيوزيلنده وتقل في شرقها. توزيع الضغط والرياح: أولًا: يوليه: أهم مظاهر توزيع الضغط والرياح في الشتاء هي: 1- تسيطر الدورة الهوائية حول منطقتي الضغط المرتفع على المحيطات إلى شرق وغرب القارة ومنطقة الضغط المرتفع المحلية حول القارة ذاتها على اتجاه الرياح في فصل الشتاء. 2- تسود رياح غربية إلى الجنوب من خط عرض 30 ْجنوبًا خاصة في منطقة تسمانيا والجزيرة الجنوبية من نيوزيلنده. والاختلاف الرئيسي بين الصيف والشتاء هو انتقال منطقة الضغط المرتفع دون المدارية إلى الجنوب في يناير فتصل إلى خط عرض 37 ْجنوبًا تقريبًا. وكذلك الحال بالنسبة لمنطقة الضغط المنخفض الاستوائية التي تمتد فوق شمال استراليا. وإلى الجنوب من منطقة الضغط المرتفع تسود الرياح الغربية. التيارات البحرية: التيارات البحرية التي تتحكم في درجات حرارة الماء على سواحل استراليا. 1- إلى الجنوب من القارة تتحرك المياه من الغرب إلى الشرق, وهذا التيار الغربي البارد يؤثر في حرارة السواحل الجنوبية لنيوزيلنده، فتظل بذلك باردة طوال العام. كما أن هذا التيار يؤثر في حرارة الكتل الهوائية المتجهة من الجنوب إلى الشمال. 2- يتفرع من التيار الغربي تيار آخر يتجه شمالًا بحذاء ساحل استراليا الغربي ويعمل هذا التيار الفرعي على برودة الساحل الغربي للقارة وعلى تكوين الضباب. 3- يمر بجوار الساحل الشرقي لاستراليا تيار بحري دافئ هو تيار شرق

"شكل 81"

"شكل 82"

استراليا، ويتجه هذا التيار جنوبًا, وفرع منه يمر بجوار الساحل الغربي لجزر نيوزيلنده. لذلك نجد في شهر فبراير أن درجة حرارة الماء على ساحل استراليا الشرقي عند خط عرض 25 ْجنوبًا هي22 ْم بينما على الساحل الغربي في نفس العروض تبلغ 19 ْم في نفس الشهر. غير أنه بصفة عامة نجد أن دورة التيارات البحرية حول استراليا أقل قوة وانتظامًا منها حول القارات الأخرى. الكتل الهوائية: تؤثر في مناخ استراليا ثلاث كتل هوائية رئيسية هي المدارية القارية والمدارية البحرية والقطبية البحرية، وفيما يلي عرض موجز لكل منها: أولًا: الكتل الهوائية المدارية القارية "CT": مصدر هذه الكتل الهوائية هو الإقليم الصحراوي في وسط وغرب استراليا، وتصل هذه الكتل الجافة إلى القسم الجنوبي من القارة في فصل الصيف الجنوبي، ويتميز الجو بقلة السحب والأمطار في الفترات التي تسود فيها هذه الكتل الهوائية. أما في القسم الشمالي من القارة فإن هذا الهواء أكثر رطوبة بسبب تأثره بالمسطحات المائية الدفيئة. ويسود الهواء المداري القاري في فصل الشتاء إلى الشمال من خط عرض 30 ْجنوبًا. ثانيًا: الكتل الهوائية المدارية البحرية "mT": يعتبر المحيط الهادي المصدر الرئيسي للهواء المداري البحري. أما الهواء الذي يغزو غرب استراليا من المحيط الهندي فيتميز بالثبات لأنه يوجد في الجزء الشرقي من منطقة ضد الإعصار دون المدارية لذلك لا يؤدي وصوله إلى غرب القارة إلى سقوط أمطار. أما في فصل الصيف فهناك الهواء المداري البحري غير الثابت الذي يتجه نحو منطقة الضغط المنخفض الاستوائي ويؤثر بذلك في القسم الشمالي من استراليا. ثالثًا: الكتل الهوائية القطبية "mP" مصدر هذه الكتل الهوائية هو

المحيطات التي توجد إلى الجنوب من خط عرض 40 ْجنوبًا. وفي بعض الأحيان ينشأ الهواء القطبي فوق قارة أنتاركتيكا ثم يمر فوق المحيطات فيكتسب حرارة ورطوبة قبل وصوله إلى استراليا ونيوزيلنده، ويدخل هذا الهواء أحيانًا كجزء من الأعاصير التي تمر في جنوب القارة من الغرب إلى الشرق ويؤدي هذا إلى سقوط أمطار غزيرة خاصة في فصل الشتاء وهو الفصل الذي تنشط فيه حركة مرور الأعاصير. الجبهات الهوائية: هناك الجبهة القطبية التي تفصل بين الهواء المداري البحري والهواء القطبي البحري وهذه الجبهة يتغير موقعها من وقت لآخر. وفي فصل الشتاء تمتد هذه الجبهة من غرب أستراليا إلى جنوبها الشرقي. وهناك جبهة قطبية أخرى تؤثر في استراليا في الشتاء وهي التي تمتد من جنوب شرق إفريقيا نحو الشرق وهي تفصل بين الهواء القطبي البحري والهواء المداري البحري. وفي فصل الصيف تتحرك الجبهة القطبية الإفريقية نحو الجنوب. وهناك جبهة هوائية أخرى على الساحل الشمالي لاستراليا وهي الجبهة المدارية وعلى طولها يلتقي الهواء المداري البحري مع الهواء المداري القاري ويحدث نتيجة لالتقائهما حركات تصاعدية وسقوط أمطار. الأعاصير وأضداد الأعاصير: أهم مجموعات الأعاصير التي تؤثر في مناخ استراليا هي: 1- الأعاصير التي تتكون على طول الجبهة القطبية الإفريقية في كل فصول السنة ثم تتحرك نحو الجنوب الشرقي وتمر بالقرب من نيوزيلنده وجنوب استراليا ويؤدي ذلك إلى سقوط الأمطار في هذه الجهات ويزيد من الأمطار في جزيرة تسمانيا وجود المرتفعات. 2- عندما توجد جبهة باردة فوق ولاية كوينزلند تتكون الأعاصير على طول هذه الجبهة وتتحرك نحو الجنوب الشرقي إلى الشمال من نيوزيلنده أو عبر

الجزيرة الشمالية. ويؤدي مرور هذه الأعاصير إلى سقوط أمطار غزيرة في تلك الجبهات. 3- في فصل الصيف تتكون عواصف مدارية في غرب المحيط الهادي وتعبر جزر نيوزيلنده ويؤدي وجودها إلى سقوط أمطار غزيرة في كوينزلند. 4- هناك مجموعة من الأعاصير المدارية تتكون إلى الشمال من استراليا ثم تتحرك نحو الساحل الشمالي الغربي للقارة، فيؤدي ذلك إلى سقوط أمطار غزيرة ويكثر حدوث هذه العواصف خلال فصلي الصيف والخريف. أما أضداد الأعاصير فهي تتحرك من الغرب إلى الشرق بسرعة تبلغ 20 أو 25 ميلًا في الساعة، غير أن مناخ استراليا لا يتأثر كثيرًا بأضداد الأعاصير كما هو الحال في أمريكا الشمالية والجنوبية مثلًا. "شكل 83"

الأقاليم المناخية في استراليا: إقليم الساحل الشمالي: ويشمل هذا الإقليم شمال كوينزلند والأراضي المحيطة بخليج كربنتاريا وبحر تيمور Timor Sea ويمكن تمييز فصلين مختلفين في هذا الإقليم، فصل دافئ ممطر وذلك هو فصل الصيف، وفصل بارد جاف وهو فصل الشتاء. وتسقط الأمطار الصيفية نتيجة لوصول الكتل الهوائية المدارية البحرية المتجهة نحو منطقة الضغط المنخفض الاستوائي. ومعظم أمطار هذا الإقليم تصاعدية ففي مدينة دارون Darwin تحدث العواصف الرعدية في 32 يومًا خلال شهري ديسمبر ويناير. وتسقط أمطار غزيرة على سواحل كوينزلند نتيجة للتضاريس المرتفعة خاصة عندما تصل إليها العواصف المدارية. وتقل الأمطار كلما اتجهنا نحو الغرب حتى تنعدم تمامًا في صحراء غرب استراليا. ودرجات الحرارة مرتفعة في فصل الصيف وهي ليست منخفضة انخفاضًا كبيرًا في فصل الشتاء وقد سجلت درجة حرارة 44 ْم في مدينة وندهام Wyndham، وطبقًا لظروف المطر والحرارة في هذا الإقليم فإنه يتبع نظام السفانا بشتائه الجاف. إقليم شرق كوينزلند: إلى الشمال من خط عرض 25 ْجنوبًا يتبع شرق كوينزلند من حيث نظام المطر إقليم الساحل الشمالي، وتسقط أمطار تضاريسية غزيرة في الأجزاء الساحلية بينما تسود أحوال الجفاف في الداخل. ومن صفات هذا الإقليم أيضًا جفاف فصل الشتاء. وإن كانت بعض الأمطار تسقط شتاء نتيجة لمرور بعض الأعاصير القليلة. ودرجات الحرارة مرتفعة في الصيف، غير أن درجات الحرارة في الشتاء منخفضة لذلك يصنف هذا الإقليم طبقًا لكبن C. إقليم جنوب شرق استراليا: يشمل هذا الإقليم جنوب شرق كوينزلند ونيوسوث ويلز وفيكتوريا، ويتوزع المطر في هذا الإقليم بانتظام، ويزداد المطر الصيفي في الجزء الشمالي من الإقليم ومثال ذلك مدينة برسبين Brisbane التي يسقط بها 15.7سم من المطر في شهر يناير، بينما يزداد المطر الشتوي كلما اتجهنا جنوبًا. ويتأثر هذا الإقليم بمرور الأعاصير خاصة في فصل الشتاء.

ولما كان الساحل الشرقي لاستراليا يقع قريبًا من مصدر الكتل الهوائية المدارية البحرية فإن أمطاره أغزر من الداخل، والعواصف الرعدية في هذا الإقليم أقل من سابقيه غير أن حدوثها ليس معدومًا تمامًا، ففي مدينة نيوكاسل Newcastle تحدث العواصف الرعدية 15 يومًا أثناء السنة. ودرجات الحرارة في هذا الإقليم ليست شديدة الارتفاع بسبب موقعه بالنسبة لخطوط العرض ويصنف هذا الإقليم "C" طبقًا لكبن. إقليم الساحل الجنوبي: تسقط الأمطار في هذا الإقليم خلال فصل الشتاء عندما تمر الأعاصير من الغرب إلى الشرق فوق الإقليم، أما الصيف فهو فصل جفاف تقريبًا. وبسبب موقع الخليج الاسترالي العظيم فإن أمطاره قليلة إذا قورنت بأمطار جنوب غرب استراليا ومنطقة خليج سبنسر. وتساعد درجات حرارة الشتاء المعتدلة على أن يصبح هذا الإقليم تابعًا لنظام البحر المتوسط. أما حول الخليج الاسترالي العظيم فيسود نظام الاستبس. إقليم وسط وغرب استراليا: تنعدم الأمطار تقريبًا على طول الساحل الغربي لاستراليا بين خطي عرض 18 ْ، 28 ْجنوبًا وفي داخل القارة حتى خط طول 140 ْشرقًا وتنتج أحوال الجفاف في الشتاء عن وجود منطقة الضغط المرتفع فوق وسط القارة وغربها، أما في الصيف فإن حركة الهواء من الشرق إلى الغرب لا تساعد على وصول الكتل الهوائية الرطبة إلى وسط وغرب القارة إلا بعد أن تكون قد فقدت معظم ما بها من بخار الماء على الساحل الشرقي، والأطراف الجنوبية من الإقليم وهي الأطراف المتاخمة لإقليم البحر المتوسط تنال أمطارها في فصل الشتاء، أما الأطراف الشمالية من الإقليم فيسقط مطرها صيفًا. وترتفع درجات الحرارة في الإقليم خلال فصل الصيف بينما تنخفض في فصل الشتاء.

جزيرة تسمانيا: تقع تسمانيا في مهب الرياح الغربية العكسية طول العام، وكمية المطر بها متوسطة. ويزداد المطر في غرب تسمانيا عن شرقها؛ لأنه يقع في مهب الرياح الغربية. وتتأثر الجزيرة بالظروف البحرية لذلك فإن مناخها معتدل سواء في الصيف أو في الشتاء. جزر نيوزيلنده: تقع جزر نيوزيلنده في منطقة نفوذ الرياح الغربية العكسية، لذلك كانت أمطارها إعصارية. ويتأثر القسم الشمالي من نيوزيلنده بالأعاصير في فصل الشتاء فقط أما في الصيف فإن منطقة الأعاصير تتحرك جنوبًا، وبذلك يصبح مرور الأعاصير بعيدًا عن ذلك الجزء الشمالي من المنطقة، أما الجزيرة الجنوبية فتتعرض للأعاصير طول العام، ويؤدي وجود المرتفعات إلى سقوط أمطار تضاريسية أيضًا؛ ولذلك يزداد المطر على السواحل الغربية لجزر نيوزيلنده، بينما يقل على السواحل الشرقية وفي الداخل، ولا توجد أجزاء جافة تمامًا في نيوزيلنده؛ إذ تبلغ كمية المطر السنوي في المتوسط 100سم. وبسبب موقع نيوزيلنده البحري فإن مناخها معتدل على مدار السنة، شأنها في ذلك شأن جزيرة تسمانيا.

الفصل الرابع عشر: القطب الشمالي والقارة القطبية الجنوبية

الفصل الرابع عشر: القطب الشمالي والقارة القطبية الجنوبية في هذا الفصل سوف نعطي فكرة عامة عن مناخ الجهات القطبية؛ ذلك لأن الأرصاد المناخية في هذه الجهات قليلة أو نادرة، ونلاحظ أن عملية تسخين الهواء في هذه العروض ضعيفة في فصل الصيف، أما فصل الشتاء فهو شديد البرودة، والاختلافات في الأحوال المناخية من مكان إلى آخر تنتج عن تباين في السطح أو توزيع اليابس والماء، ولما كان السطح بصفة عامة أكثر ارتفاعًا في القارة القطبية الجنوبية عنه حول القطب الشمالي لذلك نجد أن المناخ أشد برودة في المناطق المحيطة بالقطب الجنوبي، ومن ناحية المطر تتميز المناطق القطبية بمطرها القليل حيث يسود الضغط المرتفع في هذه الجهات، كما أن قدرة الهواء على حمل بخار الماء ضعيفة بسبب البرودة. مظاهر السطح وأثرها على مناخ المناطق القطبية: يمكن إجمال تأثير مظاهر السطح على مناخ المناطق القطبية فيما يلي: 1- تتكون قارة أنتاركتيكا من هضبة عظيمة الارتفاع تمتد فوقها سلاسل جبلية عديدة يصل بعضها إلى ارتفاع 3500 متر فوق سطح البحر، وأهم البحار الداخلية في القارة هي بحر روس Ross وبحر ودل Weddell وتعتبر قارة أنتاركتيكا مصدرًا رئيسيًّا للهواء القطبي القاري شديد البرودة؛ وذلك بسبب انخفاض الحرارة بها طول العام، ويؤدي التباين في شكل تضاريسها إلى وجود رياح محلية باردة تشتهر بها معظم جهات القارة خاصة حول بحر روس. 2- تتكون جزيرة جرينلند من هضبة مرتفعة تصل بعض قممها إلى ارتفاع 3500 متر فوق سطح البحر. ويساعد هذا الارتفاع الكبير على انخفاض

الحرارة انخفاضًا كبيرًا وعلى عدم السماح للأعاصير بغزو سماء الجزيرة اللهم إلا حول الأطراف المنخفضة. 3- إلى الشمال من كندا توجد عدة جزر ممتدة من جزيرة بانكس Banks lsland في الغرب إلى جزيرة بفين Baffin lsland في الشرق، وبعكس جرينلند فإن هذه الجزر لا يتجاوز ارتفاع السطح فيها 200 متر فوق سطح البحر. 4- باستثناء بعض الجزر المتناثرة فإن منطقة القطب الشمالي تتكون من المحيط المتجمد الشمالي. وفي فصل الشتاء يساعد وجود الغطاء الجليدي على تكوين الكتل الهوائية القطبية القارية، أما في فصل الصيف فإن ذوبان الجليد يؤدي إلى الحد من شدة البرودة، هذا بالإضافة إلى وجود المسطحات المائية كمورد للرطوبة؛ لذلك فهواء الصيف يتميز بارتفاع نسبة الرطوبة إذا قورن بهواء الشتاء. توزيع الضغط والرياح: أولًا: يناير: نلاحظ على توزيع الضغط والرياح في يناير ما يأتي: 1- تؤدي البرودة الشديدة في شمال سيبيريا وكندا إلى تكوين منطقة ضغط مرتفع تمتد فوق المحيط الهادي بينما يقع شمال المحيط الأطلسي تحت سيطرة منطقة الضغط المنخفض الأيسلندي. لذلك فإن الرياح تصبح شرقية في منطقة القطب الشمالي؛ أما حول مضيق بهرنج فتوجد رياح خفيفة أو هادئة، وقد يقطع هبوب الرياح الشرقية هبوب رياح أخرى من اتجاهات مختلفة. 2- تؤدي البرودة الشديدة إلى تكوين منطقة ضغط مرتفع فوق جرينلند بحيث تفصل بين الامتداد الشرقي والامتداد الغربي لمنطقة الضغط المنخفض الأيسلندي. وتوجد رياح محلية في جرينلند تختلف في اتجاهاتها عن الرياح السائدة. 3- تسود رياح شمالية غربية في الجزر الواقعة إلى الشمال من كندا لوقوعها بين منطقة الضغط المرتفع في الغرب ومنطقة الضغط المنخفض الأيسلندي في الشرق.

4- تهب رياح شمالية شرقية في منطقة جزيرة سبتزبرجن Spiztbergen وجزيرة فرانز جوزيف Franz Josef Land. 5- يقع القطب الجنوبي في مركز منطقة الضغط المرتفع القطبية وإن كان وجود بحر روس يؤدي إلى انحراف منطقة الضغط المرتفع قليلًا نحو المحيط الهندي، كذلك يؤدي الدفء النسبي في منطقة بحر ودل إلى وجود منطقة ضغط منخفض في الجزء الشمالي من منطقة الضغط المرتفع. وتسود رياح شرقية في معظم جهات أنتاركتيكا مع بعض الاختلافات المحلية التي تنتج عن شكل التضاريس. ثانيًا: يوليه: أهم تغيير يحدث في يوليه هو أن منطقة الضغط المرتفع حول القطب الشمالي تصبح ضعيفة، كما أن منطقتي الضغط المنخفض الأيسلندي والألوشي تضعف في الصيف. وتهب رياح صيفية ومتغيرة في المنطقة، أما في منطقة القطب الجنوبي فإن البرودة الشديدة تساعد على وجود ضغط مرتفع. الكتل الهوائية: أولًا: الكتل الهوائية القطبية القارية "C P": يتميز الهواء القطبي القاري خلال فصل الشتاء بالبرودة الشديدة وبانخفاض نسبة الرطوبة، أما في فصل الصيف فإن ارتفاع درجة الحرارة وذوبان الجليد يؤديان إلى ارتفاع الحرارة والرطوبة في الكتل الهوائية. ثانيًا: الكتل الهوائية القطبية البحرية "m P": تتكون هذه الكتل الهوائية في مناطق الضغط المنخفض ومن مميزاتها ارتفاع نسبة الرطوبة. ويصل الهواء القطبي البحري إلى العروض القطبية كجزء من الأعاصير التي تمر بالمنطقة. الجبهات الهوائية والأعاصير وأضداد الأعاصير: أولًا القطب الشمالي وجزيرة جرينلند: في فصل الشتاء تمر أعاصير عديدة من منطقتي الضغط المنخفض الأيسلندي والألوشي وذلك إلى الجنوب الشرقي من جرينلند، ويندر أن تمر هذه الانخفاضات إلى الشمال من خط عرض 75 ْشمالًا، ويؤدي مرور هذه الأعاصير إلى سقوط أمطار وثلوج في جنوب وجنوب شرق جرينلند. وتتحرك الأعاصير

أحيانًا من أمريكا الشمالية نحو المحيط الأطلسي بالقرب من السواحل الجنوبية والغربية لجزيرة جرينلند. ومن الملاحظ أن حركة الأعاصير في هذه المنطقة تضعف في فصل الصيف ومن المعروف أن أضداد الأعاصير تمر في مؤخرة الأعاصير المتجهة من الغرب إلى الشرق. ثانيًا: القارة القطبية الجنوبية: تمر أعاصير العروض الوسطى في المنطقة القطبية الجنوبية طول العام، وتقوى الأعاصير حول القطب الجنوبي في فصل الصيف وذلك بعكس القطب الشمالي. الأقاليم المناخية في المناطق القطبية: يمكننا القول: إن هذه المناطق جميعها تتبع مناخ التندرا "ET" والمناخ المتجمد "EF" ولكن يمكن تقسيم هذه المناطق إلى الأقاليم الآتية: إقليم البحر القطبي والأرخبيل الهندي: تبلغ كمية التساقط إلى الشمال من خط عرض 80 ْشمالًا حوالي 10سم، وتزداد كمية التساقط كلما اتجهنا جنوبًا إذ تقترب من 25سم في كمبرلاند سوند Cumberland Soundويسود الجفاف في الشتاء إلى الشمال من خط عرض 80 ْشمالًَا بينما يسقط مطر قليل في فصل الصيف وإلى الجنوب من خط عرض 80 ْشمالًا لا تزال الأمطار الصيفية هي الغالبة. والمدى الحراري السنوي كبير، ودرجات الحرارة في الشتاء أكثر ارتفاعًا منها في سيبيريا بينما تظل الحرارة في الصيف منخفضة. إقليم جرينلند: تزداد كمية التساقط في جنوب جرينلند ثم تقل نحو الشمال. ولما كانت بعض الأعاصير تتجه قريبة من الساحل الشرقي والبعض الآخر قريبة من الساحل الغربي فإن كمية التساقط لا تختلف كثيرًا من ساحل إلى آخر، ومعظم التساقط في شمال جرينلند في الصيف. وتنخفض درجات الحرارة كلما اتجهنا

شمالًا، وتنخفض درجات الحرارة في فصل الشتاء على سواحل جرينلند بسبب وجود المسطحات الجليدية قريبة منها. وتظل الحرارة منخفضة في الصيف بسبب وجود التيارات البحرية الباردة على سواحل جرينلند. أما داخل الهضبة فهو بارد طول العام. ومن أهم مظاهر المناخ في منطقة سواحل جرينلند هبوب رياح باردة في مؤخرة الأعاصير. إقليم أنتاركتيكا: تزداد الأمطار في فصل الصيف نتيجة لاشتداد حركة الأعاصير حول القطب الجنوبي، وتقل كمية التساقط من Point Charcot بوينت شاركوت وجزيرة لوري Laurie lsland نحو دويتشلاند ترفت Deutschland Trift مما يدل على أن كمية التساقط قليلة إلى الجنوب من خط عرض 80 ْجنوبًا. وتبلغ كمية التساقط حوالي 37 سم عند خط عرض 65 ْجنوبًا وتصل إلى حوالي 10 سم عند خط عرض 75 ْجنوبًا. وتنخفض درجات الحرارة في أنتاركتيكا انخفاضًا شديدًا بسبب الارتفاع إذ تصل درجة حرارة أدفأ شهور السنة إلى أقل من الصفر المئوي. وتتعرض القارة القطبية الجنوبية للعواصف الثلجية العنيفة شأنها في ذلك شأن جرينلند.

النبات

النبات الفصل الخامس عشر: التربة ... الفصل الخامس عشر: التربة من أقسام الجغرافيا الطبيعية الدراسات المتعلقة بالتربة Pedology ودراسة النبات الطبيعي والحيوانات التي تقطن الأقاليم النباتية المختلفة، لذلك يطلق على هذا القسم من الجغرافيا الطبيعية اسم الجغرافيا الحيوية، وهو تكملة للدراسات الخاصة بسطح الأرض والتضاريس والدراسات المناخية، وبعكس التضاريس والمناخ التي تكاد لا تتأثر بتدخل الإنسان نجد التربة والنبات والحيوان تتأثر بنشاط الإنسان وتدخله في البيئة الطبيعية. فالإنسان قد يغير التربة من مكان لآخر، وقد يؤدي نشاطه من نوع ما إلى إزالة التربة وتعريتها إذا أساء استعمالها بواسطة الرعى أو تقطيع الأشجار على نطاق واسع من أجل إخلاء الأرض للزراعة أو للاستفادة بالأخشاب لأغراضه المختلفة، كذلك يضيف الإنسان إلى التربة باستخدام المخصبات أو يستنفد بعض المواد الموجودة فيها باستمرار زراعتها لمدة طويلة دون استخدام الأسمدة، ويظهر أثر الإنسان في البيئة الطبيعية على نطاق أوسع بالنسبة للنبات الطبيعي، حتى إنه يصعب أحيانًا التعرف على النبات الأصلي الذي كان يغطي إقليمًا ما حيث إن الإنسان قد أزاله ولم يبق منه أي شيء في الوقت الحاضر. وفي بعض مناطق العالم مثل غربي الولايات المتحدة تكون الأرض مغطاة بغابات طبيعية ولكنها ليست الغابات التي كانت توجد في الإقليم أصلًا وإنما غابات حديثة حلت محل الغابات التي كانت توجد في المنطقة قبل عصر البليوستوسين. وقد أزيلت الغابات الأصلية ثم تركت المنطقة دون تدخل من الإنسان لمدة طويلة سمحت بنمو ثانٍ لنباتات طبيعية نرى بعضها ما زال قائمًا حتى الوقت الحاضر. أما الحيوانات فقد تأثرت في فصائلها وتوزيعها بالإنسان أكثر من أي مظهر آخر من مظاهر البيئة الطبيعية. فقد أدى وجود الإنسان وتكاثر أعداده وقيامه

بصيد الحيوانات وقنصها إلى هجرة الحيوانات إلى أقاليم أقل اكتظاظًا بالجنس البشري أو إلى إبادتها وانقراضها نهائيًّا. كذلك قام الإنسان باستئناس بعض الحيوانات النافعة والقابلة للاستئناس فازدادت أعدادها وتكاثرت وتركز وجودها في البيئات الملائمة لوجودها مثل البقر في العروض المعتدلة والجاموس في جنوب آسيا وبعض مناطق إفريقيا والإبل في الصحراوات المدارية وغيرها. وفيما يلي أهم نواحي دراسة التربة: أصل التربة: تعتبر التربة من أهم مكونات البيئة الطبيعية، فكل موارد طعام الإنسان تأتي بطريق مباشر أو غير مباشر من التربة وذلك عن طريق النباتات أو الحيوانات التي بدورها تتغذى على نباتات تنمو في التربة. لذلك وجب أن نهتم بدراسات التربة من نواحيها المختلفة. وتتكون التربة من مواد مختلفة من المعادن والمواد العضوية, وعلى هذه المكونات تعيش النباتات. وتنشأ التربة نتيجة لعوامل تأخذ مجراها في الصخور الأساسية الموجودة في المنطقة وهذه العوامل تقوم بعملها ببطء، وبعضها ميكانيكي والبعض الآخر كيماوي، بالإضافة إلى عمل الأحياء التي تعيش في الأرض كالحشرات والبكتريا، وبقايا النباتات التي تذبل وتموت وتختلط بقاياها بالتربة، لذلك فإن التربة على وجه التحديد هي الجزء من سطح الأرض الذي يمتد في الباطن إلى حيث توجد المواد العضوية فقط، وهذا العمق عادة يتراوح بين 2و 3 أمتار وأسفل هذا توجد الصخور الصلدة. بروفيل التربة: يمكن القول إن التربة تتكون نتيجة لتعرية الصخور فعندما يتعرض الصخر لعوامل التعرية تبدأ عملها فيه وتؤدي إلى إيجاد غطاء من صخور مفتتة غير متماسكة يسمى Regolith وفيما بين هذه الجزئيات المفتتة يتغلغل الهواء والماء وتضرب النباتات جذورها باحثة عن غذاء، كذلك تبدأ بعض الحيوانات الصغيرة والحشرات تدب في هذا المحيط الجديد، ومن ذلك الحين وهو بداية الحياة النباتية والحيوانية في الجزء العلوي من هذا الطابق الصخري المفكك يمكن أن نطلق على هذا التكوين اسم تربة، وأول دلائل تكوين التربة

من الناحية الكيماوية هو أن تتكون طبقات متباينة يمكن تمييزها عن بعضها عن طريق اللون والتكوين الكيماوي والميكانيكي وهذه الطبقات تسمى Horizons ويطلق عادة على الجزء السطحي من التربة اسم الطابق "horizon A" وهذا هو الطابق المعرض للتغير فدائمًا تضاف إليه مواد جديدة تنقل إليه بواسطة عوامل التعرية من مناطق أخرى قريبة أو بعيدة، لذلك يطلق البعض على هذا الطابق "منطقة السرقة" ويحوي عادة المواد العضوية التي تتراكم عليه من النباتات وبقاياها التي توجد في المنطقة، فالأوراق الذابلة المتساقطة في أقاليم الغابات تكون طبقة من الغطاء البني اللون المفكك أو اللزج إذا كان رطبًا. وإذا أزيلت هذه الأوراق تجد تحتها طبقة سوداء مكونة من تآكل الأوراق القديمة التي تعرضت لعمليات تكون التربة لمدة طويلة. وتسمى هذه الطبقة السوداء المتآكلةhumus. وهذه الطبقة تعتبر في غاية الأهمية بالنسبة للزراعة إذا تحولت المنطقة للإنتاج الزراعي. ويوجد تحت الطابق طابق آخر أكثر تماسكًا وهو يحوي كثيرًا من المواد التي كانت توجد سابقًا في الطابق "أ" ثم نقلت بواسطة المياه المتغلغلة في التربة إلى الطابق السفلي الذي يسمى الطابق ب "horizon B" أما الطابق الثالث ج "horizon c" فهو عبارة عن صخور مفتتة. ومن هذه الصخور تتكون التربة التي تكون الطابقين العلويين أ، ب. أما تحت الطابق ج فيوجد الصخر الصلب نفسه. وهذا الطابق الصخري يسمى أحيانًا الطابق د " D horizon" والخطوط ما بين طوابق التربة وبعضها تكون أحيانًا واضحة بيِّنة وأحيانًا تكون غير واضحة تمامًا. كذلك نلاحظ أنه ليس من الضروري أن تكون كل هذه الطوابق موجودة في كل مكان. ففي بعض المناطق خاصة على جوانب المنحدرات حيث لا توجد نباتات قد تؤدي عوامل التعرية إلى إزالة الطابق تمامًا وقد يزال جزء من الطابق ب أو كله تقريبًا بحيث يصبح الطابق ج هو الموجود على السطح. لون التربة: كان طابق أو جزء من طابق من التربة له خصائصه المعينة من ناحية اللون، ويعتبر لون التربة من أول الأشياء التي يمكن للمشاهد غير الفني

ملاحظتها، ولكن لا بد من معرفة أن لون التربة ليس دليلًا على خصوبتها بأية حال. ويمكن الاستدلال من اللون على وجود المواد العضوية في التربة حيث إن المواد العضوية المتآكلة تعطي للتربة لونًا ضاربًا للسواد، وعندما تقل المواد العضوية يأخذ اللون في التغير بحيث يصبح بنيًّا غامقًا ثم بنيًّا فاتحًَا ثم رماديًّا وهكذا. كذلك يؤثر التكوين الكيماوي للتربة في اللون، فوجود الحديد ومكوناته يعطي التربة لونًا ضاربًا للحمرة أو الصفرة أو الزرقة. كذلك بعض الأملاح تعطي للتربة لونًا مبيضًا. ونجد عادة أن الجزء السطحي من الطابق أأكثر غمقًا من الأجزاء الأخرى ثم تقل الغمقة في الأجزاء السفلى من التربة. حجم حبيبات التربة: تتباين أحجام حبيبات التربة تباينًا كبيرًا، ومن المعروف أنه إذا كان حجم الحبيبات أكبر من حبة الذرة فإن هذه لا تعتبر تربة تامة التكون، ويمكن تقسيم حبات التربة إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي الرمل والطين والطمي، وحبات الرمل هي ما يتراوح قطرها بين 0.5ملليمتر و1 ملليمتر، الطين بين 0.002 ملليمتر و0.05 والطمي أقل من 0.002 ملليمتر وليس معنى هذا أن التربة لا بد أن تحوي حبيبات كلها من حجم واحد, ولذلك عندما يقال إن التربة رملية فمعنى هذا أن نسبة عالية من الرمل تسود بها. كذلك توجد أنواع من التربة تسمى بتسميات تدل على أنها خليطة من عدة مكونات مثل رملية طفلية أو طفل أو طفلية طينية أو طينية طفلية غرينية وغير ذلك. كذلك يمكن وصف التربة من ناحية حجم الحبيبات بأدق من هذا كأن يقال إن التربة تتكون من رمل ناعم جدًّا أو رمل خشن. ولحجم الحبيبات أهمية كبيرة في مقدرة التربة على الاحتفاظ بالماء وعلى تحويل المواد الغذائية إلى الصورة التي تكون بها صالحة لغذاء النبات. فالتربة ذات الحبيبات الدقيقة أقدر على تغذية النبات من التربة ذات الحبيبات الكبيرة حيث إن الأولى تعطي مساحة أكبر من سطوح حبيباتها لجذور النبات لتمتد بها وتستمد غذاءها منها، وفي معظم أنواع التربة نجد أن الطابق "أ" حبيباته خشنة، بينما الطابق "ب" حبيباته أدق؛ لأن الحبيبات الدقيقة تحمل بواسطة المياه المتغلغلة من الطابق "أ" إلى الطابق "ب".

نسيج التربة أو بنيانها: يقصد بنسيج التربة أو بنيانها أو تركيبها structure النظام الذي تتجمع فيه جزئيات التربة بعضها مع البعض الآخر. فقد تتجمع الجزئيات مع بعضها في رقائق أفقية أو قد تتجمع مع بعضها في كتل مستديرة، وقد توجد الجزئيات في غير ما نظام أو ترتيب خاص، ونسيج التربة يتغير من وقت لآخر نتيجة لتغير نسبة الرطوبة في التربة. العوامل التي تتحكم في تكوين التربة هناك خمسة عوامل تتحكم في تكوين التربة، وفي سرعة تكوينها أو بطء ذلك التكوين، تلك العوامل هي: 1- المناخ 2- النبات 3- المواد الأساسية التي تتكون منها ذرات التربة 4- درجة الانحدار 5- الزمن. أولًا: المناخ: يعتبر المناخ أهم عامل من العوامل التي تتحكم في تكوين التربة، فوجود مطر غزير معناه وفرة المياه في التربة، كذلك تعتبر الحرارة من العوامل الهامة، إذ إن فاعلية المياه في التربة تتوقف على درجات الحرارة. ففي الإقليم المداري المطير Af حيث المطر غزير طول السنة والحرارة مرتفعة في كل الفصول تنشط المياه في عملها في التربة من الناحيتين الميكانيكية والكيماوية، ويستمر هذا في كل شهور السنة، وعكس هذا يحدث في الأقاليم الجافة BW حيث يندر المطر وقد لا تصل أي كمية منه إلى باطن الأرض ولذلك لا يوجد أثر لعمليات نقل مكونات التربة من السطح إلى الباطن ويشبه الإقليم الصحراوي في هذا إقليم التندرا الشديد البرودة E حيث تتجمد المياه معظم السنة وتكون النتيجة أن فعلها يتوقف. ثانيًا: النبات: يقتصر تأثير النبات على التربة فيما يختص بإمدادها بالمواد العضوية، وتعتبر الحشائش أكثر أنواع النبات إمدادًا للتربة بالمواد العضوية تليها الغابات.

وقد سبقت الإشارة إلى أن هناك أنواع معينة من المناخ تساعد ظروفها على غنى الحياة النباتية وأخرى تجعل الحياة النباتية قليلة أو نادرة الوجود، كذلك هناك أنواع نباتية سريعة التحلل في التربة وأخرى بطيئة، ففي الأقاليم المدارية المطيرة حيث تنمو الغابات نجد أن المواد العضوية المتحللة كثيرة، ويتم تحللها على مدار السنة، بينما في مناطق النباتات الباردة نلاحظ أن تحلل المواد العضوية يتم ببطء شديد. ثالثًا: المواد الأساسية التي تتكون منها ذرات التربة: من المعروف أن التربة تختلف عن بعضها في ألوانها وحجم ذراتها، وفي معظم الأحيان يرجع هذا الاختلاف إلى اختلافات في الصخور التي توجد في المنطقة والتي استمدت منها التربة ذراتها، ولا بد في هذه الحالة من التأكد من أن التربة محلية وليست منقولة من مكان آخر بفعل الجليد أو المياه الجارية أو الرياح. رابعًا: درجة الانحدار: يؤثر انحدار الأرض في التربة تأثيرًا محليًّا، ففي الأجزاء شديدة الانحدار يزداد فعل المياه الجارية فتقوم بعمليات نحت واضحة كذلك يؤدي هذا إلى التقليل من كمية المياه التي تتسرب إلى باطن الأرض، وقد تؤدي عمليات النحت إلى إزالة الطبقة العليا من التربة تمامًا A بل قد تزال التربة كلها وتصبح المنطقة صخرية عارية من أي غطاء يمكن أن يطلق عليه تربة، ويحدث هذا في الحالات التي يكون فيها الانحدار شديدًا وكمية الجريان كبيرة ودائمة. وعلى عكس ذلك قد يكون الانحدار سهلًا لدرجة أنه لا يساعد على تصريف المياه وبذلك تتحول معظم المياه إلى الباطن وتكون النتيجة ارتفاع مستوى الماء الباطني وتوقف العمليات الميكانيكية والكيماوية في التربة. خامسًا: عامل الزمن: لا بد لتكوين أي تربة من مرور بعض الوقت ولا يمكن تقدير المدة اللازمة لتكوين التربة إذ إن المدة تختلف حسب الظروف المناخية ونوع الغطاء النباتي.

أنواع التربة في العالم: تربة اللاتريت: من أهم خصائص هذا النوع من التربة لونها الأحمر أو الأصفر وعمقها الكبير، وتظهر دراسة هذه التربة أن سمك طبقة الدوبال قليل. وتؤدي سرعة تحلل المواد العضوية إلى عدم خصوبة هذه التربة. كذلك تقل بها المواد المعدنية. وتنتشر تربة اللاتريت في إقليم الغابات المدارية في حوض الأمزون وجنوب شرق البرازيل وفي بعض أجزاء أمريكا الوسطى وجنوب شرق الولايات المتحدة، كذلك توجد في وسط إفريقيا وعلى السواحل الجنوبية الشرقية منها والأجزاء المنخفضة في جزيرة مدغشقر، وتوجد أيضًا في جنوب شرق آسيا وفي الجزر المنتشرة في جنوب غرب المحيط الهادي، ويضم البعض إلى هذه المناطق أجزاء محدودة من سواحل البحر المتوسط في جنوب أوربا والأجزاء الجنوبية من أشباه الجزر الجنوبية في قارة استراليا على أساس أن التربات في هذه الأجزاء الأخيرة شبيهة بتربة اللاتريت إلى حد كبير. تربة البودزل ذات اللون البني الرمادي: إذا اتجهنا ناحية القطبين مبتعدين عن نطاق اللاتريت نجد في مناطق الغابات المعتدلة والباردة التربة التي يطلق عليها اسم Podzol وهي تتصف أيضًا بقلة سمك طبقة الدوبال التي توجد على سطح التربة وإن كانت أكثر سمكًا بقليل منها في إقليم الغابات المدارية، ويتميز الجزء العلوي من تربة البودزل بلونه البني الرمادي أما الجزء الأسفل فلونه رمادي غامق وذراته دقيقة، وهذه التربة متوسطة الخصوبة، ويوجد هذا النوع من التربة في شمال الولايات المتحدة وكندا وفي شمال أوراسيا حيث توجد الغابات وفي شرق آسيا خاصة شمال الصين وكوريا ومعظم جزر اليابان. تربة التندرا: توجد تربة التندرا في المناطق القطبية وكذلك في مناطق المرتفعات العالية، ويغطى سطح التربة بطبقة من النباتات المتآكلة ذات اللون البني الغامق، وفي بعض المناطق يوجد تحت هذا الغطاء تربة ذات لون رمادي

"شكل 84"

يبلغ سمكها قدم واحد أو أقل، ثم يلي ذلك النطاق المتجمد من التربة، ويضعف أثر العوامل المكونة للتربة في هذا الإقليم وذلك بسبب شدة البرودة وتجمد التربة معظم السنة. تربة البراري السوداء: تتكون هذه التربة في مناطق الحشائش وهي تمتاز بالخصوبة الشديدة، وتعطي بقايا الحشائش المتحللة للتربة لونًا أسود داكنًا ويبلغ سمك التربة ما بين 3، 5 أقدام. ومن أهم مناطق هذا النوع من التربة ذلك النطاق الذي يوجد في وسط الولايات المتحدة، وهناك نطاق آخر في جنوب شرق أوربا وفي أجزاء متفرقة في وسط آسيا، كما تنتشر في أجزاء من برجواي وفي شمال الأرجنتين وشمال أورجواي وجنوب شرق البرازيل في أمريكا الجنوبية. تربة التشرنوزمChernozem: وتوجد هذه التربة على الأطراف الجافة لمناطق تربة البراري السوداء وهي شبيهة بها إلى حد كبير، وتتميز باللون الأسود، وتربة التشرنوزم تكثر بها المواد العضوية، لذلك فهي تتميز بالخصوبة العالية غير أنها لا تصلح لزراعة المحاصيل التي تتطلب كميات كبيرة من المياه، حيث إنها توجد على أطراف الإقليم المطير، غير أن مناطق تربة التشرنوزم قد أصبحت في العصر الحديث أهم مناطق إنتاج القمح في العالم. التربات ذات اللون الكستنائي والبني: توجد هذه التربات على أطراف مناطق التشرنوزم في الأجزاء الأكثر جفافًا، وهذه التربة أفتح لونًا، ويبلغ سمكها حوالي 3 أقدام، وينتشر هذا النوع من التربة في الولايات المتحدة إلى الشرق مباشرة من جبال روكي، وفي الأرجنتين إلى الشرق من جبال الإنديز، وفي استراليا تنتشر هذه التربة على شكل شريط يحيط بصحراواتها، وفي روسيا توجد هذه التربة في نطاق يمتد من بحر قزوين إلى بحيرة بلكاش، وتغطي هذه التربة الجزء الأكبر من الإقليم السوداني في إفريقيا وأطراف صحراء كلهاري في جنوب القارة. التربة الصحراوية: التربة الصحراوية قليلة السمك لا يتعدى سمكها بوصات

قليلة، ولونها رمادي وتتميز بالغنى في المواد المعدنية؛ وذلك يرجع إلى قلة المياه وسيادة الجفاف، ويمكن الاستفادة من هذه التربة إذا توفرت موارد المياه للزراعة. أثر الإنسان على التربة: عرضنا فيما سبق للنواحي الطبيعية المتعلقة بالتربة ولنتائج هذا التفاعل فيما فصلناه عن توزيع التربة وأنواعها في العالم، غير أننا يجب أن لا ننسى أن الإنسان في أجزاء كثيرة من العالم قد غير من الصورة الطبيعية للبيئة والتربة من عناصر البيئة التي تناولتها يد الإنسان بالتغيير، كذلك أثر الإنسان في التربة بطريق غير مباشر، وذلك عن طريق التحكم في عوامل تكوين التربة مثل المياه والنبات، وتتمثل نواحي تأثير الإنسان على التربة فيما يلي: إزالة النبات: عندما يتجه الإنسان إلى زراعة الأرض فإن أول شيء يعمله هو إزالة النباتات، وكثير من السكان الأصليين مثل سكان حوض الأمزون يقومون بحرق النباتات الصغيرة وتشذيب الأشجار الكبيرة بحيث تضعف وتموت أيضًا. وهناك آخرون يقومون بتقطيع أشجار الغابات وإزالة بقاياها، كذلك يعتبر الرعاة مسئولون عن إزالة النباتات نتيجة لاستخدامها في الرعي خاصة إذا استخدمت المنطقة في الرعي بدرجة كثيفة فقد يؤدي هذا إزالة النباتات تمامًا overgazing وبالتالي إزالة التربة وتعريتها وأخطر أنواع الحيوانات في هذه الناحية هي الأغنام والماعز. وإزالة النباتات سواء بالحريق أو التقطيع أو الرعي تؤدي إلى إزالة أحد العوامل التي تشترك في تكوين التربة. الزراعة: عندما تستخدم الأرض في الزراعة يؤدي هذا إلى تغيير في حجم ذرات التربة ونسيجها، فيؤدي الحفر والحرث إلى قلب التربة بحيث يصبح النطاق B على السطح والنطاق A في أسفله، ويؤدي هذا بالطبع إلى تغيير شامل في النظام الذي تعمل به عوامل تكوين التربة، فقد يؤدي وجود ذرات دقيقة على السطح كانت من قبل موجودة على عمق كبير إلى زيادة كمية الذرات الدقيقة وبالتالي على ضيق مسام التربة وصعوبة تغلغل المياه من السطح إلى أسفل ونتيجة هذا هو إضعاف العمليات الميكانيكية والكيماوية في التربة. وبالإضافة إلى أثر العمليات الآلية من حرث وحفر في التربة هناك آثار

أخرى تتعلق بنوع الغطاء النباتي الذي يزرعه الإنسان، فقد تكون النباتات من نوع له جذور مختلفة عن النباتات الطبيعية التي كانت تنمو في التربة من قبل استخدام الأرض للزراعة فمثلًا جذور نباتات كالقمح والشعير تختلف عن جذور أشجار الغابة، كذلك يلاحظ أن استغلال التربة في الزراعة بصفة دائمة يجعلها أكثر عرضة لعوامل التعرية المائية والهوائية. طريقة استخدام التربة: عندما تزال النباتات الطبيعية من الأرض لاستغلالها في الزراعة توضع عادة خطة للاستفادة من التربة إلى أقصى درجة تلك الخطة قد لا تكون ملائمة لنوع التربة، فقد تكون التربة رطبة وفي هذه الحالة لا بد من تحسين الصرف بالمنطقة، وفي مكان آخر قد تكون التربة خشنة الحبيبات مما يؤدي إلى سرعة فقدانها للمياه وجفافها، وهنا لا بد من إيجاد طريقة للتخلص من هذا النقص، وذلك بواسطة توفير كميات كبيرة من المياه للري، أو إضافة مواد ناعمة كالطمي إلى التربة.

الفصل السادس عشر: النباتات الطبيعية

الفصل السادس عشر: النباتات الطبيعية عوامل الحياة النباتية: تدرس الجغرافيا النباتية توزيع النبات الطبيعي على سطح الأرض وتشرح الظروف الطبيعية التي أدت إلى هذا التوزيع. ويقصد بالنبات الطبيعي ما تخرجه الأرض من نبات من تلقاء نفسها دون أن يتدخل الإنسان في هذه العملية، فإذا تدخل الإنسان فيها بغرس الأشجار أو بذر الحبوب أو ري التربة أو غير ذلك فلا يعتبر هذا نباتًا طبيعيًّا وإنما يعتبر نباتًا مزروعًا، وبمعنى آخر يمكن القول إن النبات الطبيعي هو ثمرة الظروف الطبيعية وحدها وأن الزراعة ثمرة جهود الإنسان في استغلال الظروف الطبيعية. والظروف الطبيعية التي تنتج النبات الطبيعي كثيرة ولكن أهمها التربة والمناخ حتى يمكن القول بصفة عامة أن النبات الطبيعي نتيجة التفاعل بين عاملي التربة والمناخ. وبحسب اختلاف ظروف التربة والمناخ على سطح الأرض تختلف الصور أو الأشكال الطبيعية للنبات ويمكن تحديد عدد هذه الصور أو الأشكال في ثلاثة: أشجار وحشائش وصحراء ويطلق على الظروف الطبيعية مجتمعة تعبير البيئة الطبيعية، ويحاول النبات -كأي كائن حي- أن يكيف نفسه بحسب بيئته الطبيعية وأن يتلاءم معها، فإن لم يستطع ذلك فإنه يفنى. ولدراسة الجغرافية النباتية أهمية كبيرة إذ تتوقف على صورة النبات الطبيعي بالإقليم صورة المجهود البشري من حيث نوع الحرفة التي يحترفها السكان ودرجة تقدمهم الاقتصادي. ومن هنا كان الإلمام بتوزيع الأنواع النباتية وربط هذا التوزيع بالبيئة الطبيعية من الموضوعات التي يجب أن يعنى بها طالب الجغرافيا عناية كبيرة فالنبات نتيجة للبيئة الطبيعية من ناحية وأساس الحياة البشرية من ناحية أخرى أو هو حلقة الوصل بين الظروف الطبيعية وبين الإنسان.

ويدخل في ميدان هذه الدراسة أيضًا التي بذلها الإنسان لإزالة النبات الطبيعي وإحلال الزراعة أو الرعي أو أي نشاط بشري آخر محلها. فقد غيرت هذه الجهود البشرية من توزيع النبات الطبيعي على سطح الأرض، فلا بد لدارس الجغرافيا النباتية من أن يعنى -إلى جانب دراسة التوزيع الطبيعي للنبات- بالتعديل الذي أدخله الإنسان على هذا التوزيع. وإذا كان النبات الطبيعي -الذي هو موضوع دراستنا- وليد البيئة الطبيعية فلا بد لدراسة هذا النبات وتوزيعه على سطح الأرض من معرفة شتى عوامل البيئة الطبيعية التي تشكله وتتحكم في توزيعه، وأهم هذه العوامل هي الحرارة والرطوبة والضوء والرياح والهواء والتربة ويمكن أن نطلق عليها جميعًا تعبير "عوامل الحياة النباتية". والنبات كائن حي يولد ويعيش ويموت، شأنه في ذلك شأن الحيوان والإنسان وهو مثل الحيوان والإنسان أيضًا محتاج دائمًا للغذاء لكي يقيم به بنيانه، بل هو يتخير غذاءه، فإذا كان بعض الحيوان يأكل العشب وبعضه الآخر يأكل اللحم، وإذا كان الإنسان لا يأكل كل شيء بل يختار لنفسه من الأطعمة ما يريد، فكذلك النبات يحب هذا النوع من الغذاء ويكره ذاك. وإذا كان في الحيوان والإنسان ما يألف الحر وما يألف البرد فكذلك النبات. وإذا كانت حياة الحيوان والإنسان مستحيلة بغير هواء فكذلك النبات. ولكن المشهور أن النبات يحتاج إلى الماء حاجة شديدة تفوق حاجته إلى الأشياء الأخرى، والحقيقة أن الماء بالنسبة للنبات يؤدي غرضين هما الغذاء والارتواء. إذ إن العناصر الغذائية لا يمكن أن تصل إلى جسم النبات إلا مذابة في الماء، فالماء يذيب ما في التربة من عناصر غذائية ثم يسري بها في جسم النبات فيغذيه، وبعد أن يمتص جسم النبات ما في الماء من غذاء يتخلص من الماء نفسه بطريقة البخر لكي يخلي السبيل إلى ماء جديد محمل بالغداء. أي

لا بد من وجود مجرى مائي دائم خلال النبات يصل بين الجذور -التي تمتص من التربة الماء المحمل بالغذاء- وبين الأوراق التي تتخلص من الماء الزائد بعد أن استنفذ النبات ما به من غذاء. وهذه المادة الغذائية التي تصل إلى النبات لا قيمة لها إذا لم تحول إلى مادة حية تدخل في كيان النبات، وهذا ما تقوم به مادة البروتوبلازم التي تؤدي وظيفة تحويل المادة الغذائية إلى مادة حية تدخل في تركيب النبات. ولكن مادة البروتوبلازم لا تستطيع أن تؤدي وظيفتها هذه إلا بتوفر قدر معين من الحرارة والضوء, ومن هنا كانت حاجة النبات إلى الحرارة والضوء. ومن هنا أيضًا كان تنوع النبات واختلاف أشكاله نتيجة لاختلاف الحرارة والضوء في البيئات الطبيعية المختلفة. يضاف إلى هذا أن لكل نبات جزئياته فالقدر من الماء والهواء والضوء الذي يلائم نمو الجذور قد لا يلائم نمو الأوراق أو تكون الأزهار أو نضوج الثمار، ومن هنا اختلفت حاجة النبات إلى هذه العناصر في أدوار حياته المختلفة. فمثلًا نجد من النبات ما يحتاج إلى الماء الوفير في دور الإنبات ولكنه يحتاج إلى الجفاف الشديد في دور النضوج. والنبات من الكائنات الحية المرنة التي تغير من كثافتها وحجمها وشكلها ولونها وبنائها نتيجة لظروف البيئة الطبيعية التي تقوم فيها، ولا تقتصر حاجة النبات إلى الماء والهواء والحرارة والضوء كعناصر غذائية فحسب بل يحتاج النبات إلى هذه العناصر كوسيلة من وسائل نشر الحبوب أو وسيلة من وسائل التلقيح والإخصاب، يضاف إلى هذا أن بعض الحشرات والحيوانات تقوم للنبات بوظيفة التلقيح والإخصاب. ويشترك النبات مع الكائنات الحية الأخرى في صفة الكفاح. فبعض النبات يكافح في سبيل الضوء وبعضه يكافح في سبيل الرطوبة، بل إن من النبات ما يعتدي على غيره من الكائنات الحية ويحاول حماية نفسه من اعتداء هذه الكائنات عليه نباتية كانت أو حيوانية أو بشرية. وسنناقش فيما يلي أهمية كل عناصر البيئة الطبيعية بالنسبة للنبات.

أثر الحرارة في النبات: إذا كانت درجة الحرارة تقل بالتدريج من خط الاستواء إلى القطبين فكذلك الحياة النباتية تقل بالتدريج في نفس الاتجاه من حيث الحجم والكثافة والتنوع، وإذا كانت درجة الحرارة تقل بالتدريج كلما ارتفعنا من قاعدة أي جبل إلى قمته فكذلك الحياة النباتية تقل في نفس الاتجاه، وهذا دليل واضح على الارتباط الوثيق بين درجة الحرارة وبين النبات، فكلما ازدادت الحرارة كلما أسرع النبات في نموه وكبر حجمه وازدادت كثافته بشرط توفر المياه، وكلما قلت درجة الحرارة كلما أبطأ النبات في نموه وصغر حجمه وتضاءلت كثافته حتى مع توفر المياه. ويختلف النبات بحسب مدى حاجته للحرارة، بل إن كل جزء من أجزاء النبات يحتاج إلى قدر من الحرارة يختلف عن الجزء الآخر، فيخرج البراعم في درجة حرارة معينة تختلف عن الدرجة التي يخرج فيها الأوراق أو الأزهار أو غير ذلك، ولكن أهم هذه الدرجات هي النهاية العظمى والصغرى التي يحتملها كل نبات، وتختلف النباتات عن بعضها في ذلك اختلافًا كبيرًا. فدرجة الحرارة التي لا تعلو كثيرًا عن درجة التجمد "درجة الصفر المئوي" قد تقتل نباتات المنطقة الحارة، بينما تعيش بعض نباتات المنطقة الباردة في درجة حرارة أقل من درجة التجمد بحوالي 70 درجة مئوية، وتزدهر النباتات ذات الأوراق في درجة حرارة 70 ْم، بينما بعض النباتات الأخرى من نفس المنطقة الحارة تموت في درجة تتراوح بين 35 و4 ْم. وإذا كانت هذه النهايات المتطرفة خطرًا على حياة النبات، فإن الأخطر منها التغير الفجائي في درجة الحرارة. فالنبات الذي عاش في درجة الصفر أثناء الليل يموت إذا ما تلا ذلك صباح مشمس ترتفع فيه درجة الحرارة. ويقال دائمًا إن الزراع يخشون الذوبان الفجائي للثلج أكثر مما يخشون التجمد. وأشد النباتات تعرضًا لأخطار النهايات المتطرفة وأخطار التغير الفجائي في

درجة الحرارة هي تلك التي تختزن كمية كبيرة من المياه في أنسجتها أو تلك التي تحتاج بسبب حياتها النشيطة إلى مجرى مائي خلالها يضمن سريان الماء بسرعة وباستمرار بين قاعدة النبات وبين قمته, فنباتات الصبير وغيرها من النباتات التي تسمى بـ "المكتنزة باللحم" -مثل هذه النباتات- قد تعيش في الصحاري الحارة ولكنها تختفي من الجهات الباردة كما أنها لا تقوى على مقاومة التقلبات الشديدة في درجة الحرارة. وعلى العكس من ذلك النباتات الهادئة البطيئة في نموها، فإنها أكثر مقاومة وأشد احتمالًا للتقلبات الحرارية، ومثل هذه النباتات يوجد خارج الجهات التي تلائم الحياة النباتية النشيطة. ويتخذ النبات وسائل واقية للحرارة والبرودة، فتوجد نباتات عارية لا يحميها شيء تتجمد لعدة شهور متتالية -في موسم الأزهار في بعض الأحيان- ثم بمجرد ذوبان الثلوج تستأنف حياتها من المرحلة التي وقفت عندها بعد التجمد، فمثل هذا النبات لم يصبه ضرر من البرد وكل ما يحدث أن يقف نموه في فترة البرد ثم يستأنف النمو في فترة الدفء. أثر المياه في النبات: يختلف النبات عن الحيوان والإنسان في أن اكتسابه للمياه ليس مقصورًا على ما يوجد في التربة وإنما يشمل أيضًا ما يوجد في الهواء على شكل بخار. على أن معظم النباتات الضخمة تتلقى مياهها من التربة من خلال جذورها ثم تتخلص من الزائد منه بتنفسه على هيئة بخار غير مرئي من خلال أفمام صغيرة منتشرة فوق الطبقة الخارجية للأوراق والجذوع. والجو الذي يحتوي على كمية كبيرة من بخار الماء ذو فائدة كبيرة للنبات، فإذا ما وجد بخار الماء في الهواء في أوقات متفرقة أو في حالة دائمة تغزر الحالة النباتية وتكون في حالة خضرة نضرة, وزيادة بخار الماء في الهواء عن المعتاد من الظواهر الاستثنائية ذات الصفة المؤقتة. ولذلك ليس هناك ضرر على النبات من هذه الزيادة. وأما نقص الرطوبة في الهواء فيكون في حالتين: إما النقص المؤقت كما في الأقاليم ذات الفصول الجافة والتي تهب عليها رياح جافة، وإما النقص المستمر كما في الأقاليم الصحراوية.

ويحمي النبات نفسه ضد فقدان الرطوبة من خلال أوراقه وجذوعه بعدة طرق، ولما كانت الرياح تزيد من عملية البخر، ثم هي تزداد قوة كلما ارتفعت عن سطح الأرض، فإن قوتها على إحداث البخر تزداد عند قمم الأشجار فتتأثر بهذه القوة الأشجار العالية أكثر من الأشجار الواطية، ولما كانت قمة الشجرة في الوقت نفسه هي أبعد أجوائها عن المصدر الرئيسي للماء وهو التربة، فمعنى هذا أن قمم الأشجار أكثر عرضة للجفاف لبعدها عن التربة من جهة ولازدياد تأثير الرياح عليها من جهة أخرى ونتيجة لهذا كانت الأشجار المعرضة للجفاف أقصر من تلك التي لا تخشى الجفاف، ويرتبط سمك الجذع بقصره عادة، وكذلك نجد الأوراق الحساسة التي يفقد عن طريقها معظم الرطوبة تتناقص عددًا وحجمًا في حالة الجفاف، كما تتخذ هذه الأوراق لنفسها جلدًا سميكًا أو طبقة من الشعر أو الشمع أو الصمغ أو غير ذلك لمقاومة البخر، وفي بعض الأحيان تلتف الورقة على نفسها لنفس الغرض. وأما الجذوع فإنها تحمي نفسها ضد البخر باتخاذ قشرة سميكة أو غطاء من الفلين. وأما النباتات التي لا تخشى فقدان الماء وعلى الأخص الأشجار فتكون طويلة رفيعة وتكون ذات أوراق عريضة رقيقة وخفيفة وذات أفمام قليلة في جلدها الرقيق. وكذلك قشرة جذوعها تكون رقيقة وناعمة كما أنها تتنفس بحرية. وكثيرًا من أشجار الغابات الاستوائية تتقي التناوب بين زيادة المطر وزيادة الجفاف بأن تنقسم أوراقها إلى وريقات تتحرك بحرية وتستطيع أن تقف مستقيمة بحيث لا تعرض للشمس إلا حافاتها، وتدور مع الشمس بحيث لا يتعرض منها للشمس إلا هذه الحافات كما أنها تنحني في وقت المطر. وإذا كانت المياه الباطنية مضمونة دائمًا فيمكنها أن تعوض أي جفاف في الهواء، كذلك إذا وجد مجرى مائي في الصحراء فإنه يضمن الحياة النباتية الغنية على شواطئه، ومثال ذلك مصر التي ما هي إلى شريط ضيق من الغنى النباتي على شاطئ النيل في قلب صحراء شديدة الجدب. وزيادة الماء في التربة فوق القدر الذي يحتاجه النبات يضر به؛ لأنه يمنعه من

التنفس بحرية، وفي الأقطار الحارة نجد النباتات التي تنمو في مستنقعات دائمة، فلا تستطيع جذورها أن تتنفس بحرية لعدم وجود الهواء في الماء الراكد، نجد مثل هذه النباتات ذات أعضاء خاصة تظهر فوق سطح الماء للقيام بوظيفة التنفس، ومن أمثلة ذلك المانجروف الذي ينمو على شواطئ البحار في الجهات الاستوائية المنخفضة، فلهذه الأشجار جذور خاصة للتنفس. ثم إذا كانت المياه الباطنية تندر في التربة بصفة مؤقتة أو دائمة فإن النبات يتخذ لنفسه جذورًا طويلة قوية لكي تمتص المياه الباطنية على أعماق كبيرة تحت السطح. ومثال ذلك أشجار الكافور فإنها تستطيع أن تنمو نموًّا جيدًا في الأقطار الجافة بفضل جذورها الطويلة، وقد وجد أن لبعض النباتات الصحراوية جذورًا طويلة تصل إلى عمق 40 قدمًا. وليست كل أنواع المياه مفيدة للنبات، فالمياه الملحية لا تستطيع التوغل في الجذور بل قد تمتص هي نفسها المياه من الجذور، ويحدث هذا في الجهات القلوية أو الملحية. وتحتوي المياه في كثير من المستنقعات على أحماض مشتقة من النباتات المتعفنة، وفي هذه الحالة تكون التربة الجافة أفضل من مثل هذه التربة الكثيرة المياه, وتكون نباتات مثل هذه الجهات المستنقعية على هيئة نباتات الجهات الجافة قصيرة الجذوع ذات أوراق صغيرة بل تكون عديمة الأوراق في بعض الأحيان. وتستطيع نباتات كثيرة أن تعيش في الجهات القليلة المياه، وذلك باختزان الماء في أنسجتها والاحتفاظ بقدر دائم من هذا الماء المختزن لا تبدد منه شيئًا بالبخر، وإذا ما بدد منه شيء عوضته في الظروف النادرة التي تسقط فيها الأمطار في هذه الجهات. وبسبب الحرص على ما بها من ماء مختزن تكون أوراقها صغيرة جدًّا حتى لا تتعرض للبخر، وتوصف هذه النباتات بأنها أشبه بقرب ماء غير مسامية حتى لا ينفذ الماء منها إلى الخارج، كما تسمى أحيانًا بالنباتات البدينة أو المكتنزة باللحم وتسمى أيضًا مخازن الماء أو مستودعات الماء، ومن أمثلتها الباوباب أو شجرة خبز القرود "عيش القرود" ومن أمثلتها أيضًا أنواع الصبير المختلفة والتين الشوكي.

وخلاصة هذا كله أن كمية الماء التي يستطيع النبات أن يحصل عليها تعتبر أهم عامل يحدد شكل النبات وطريقة حياته، فالنباتات التي تنمو في الجهات ذات المياه الغزيرة -سواء في التربة أو في الجو- تكون طويلة الساق عريضة الأوراق، وأما النباتات التي تنمو في جهات محدودة المياه فإنها تكون قصيرة الساق صغيرة الأوراق وتكون ذات جذور طويلة لكي تصل إلى المياه الباطنية البعيدة الغور فتخزنها أجسامها المنتفخة. وتسمى النباتات التي تنمو في الجهات الغزيرة الأمطار بالنباتات المحبة للمياه، ويكون نمو هذه النباتات نشيطًا وغزيرًا. وأما النباتات التي تعيش في الجهات الجافة فيكون نموها بطيئًا وتوصف بأنها من النباتات المقتصدة لأنها تقتصد في استهلاك المياه وتدخر في جسمها قدرًا منه من موسم المطر لموسم الجفاف الشديد، وتقضي هذه النباتات موسم الجفاف في نوم أو ركود أي إن نموها يقف في هذا الموسم ثم تتجدد حياتها في الأوقات التي تتوفر فيها الرطوبة، وهي حينما تنمو في موسم المطر تنمو نموًّا سريعًا جدًّا كأنها على سباق؛ وذلك لكي تستغل كل دقيقة من هذا الموسم، ويعبر بعض الكتَّاب عن هذه الحالة بأن هذه النباتات أصابتها حمى النمو، ويتكيف شكلها نتيجة للجفاف فتكون جذورها أحيانًا على شكل بصلات أو أنابيب أو مصاصات وذلك للحصول على الماء أولًا ثم اختزانه ثانيًا. وفي جهات الجفاف الدائم تبقى معظم النباتات في حالة حياة غير محسوسة، في شكل حبوب غير ظاهرة. فإذا ما سقط مطر مفاجئ تنطلق هذه الحبوب نحو الحياة انطلاقًا سريعًا ولكن في صورة حشائش مؤقتة ثم لا تلبث أن تموت بعد أسابيع قليلة مخلفة وراءها حبوبًا جديدة تنتظر دورها في النمو تحت تأثير مطر مفاجئ آخر، على أن بعض الحبوب تبقى حية لعدة سنوات وتخرج عدة دفعات من الحشائش بعد كل مطر مفاجئ. أثر الضوء في النبات: الضوء ضروري لحياة النبات؛ لأن المادة الخضراء "وهي المسماة كلوروفيل"

لا تنمو ولا تعيش إلا في الضوء, والنباتات التي لا تحصل على قدر كافٍ من الضوء كما في قيعان الغابات الكثيفة تكون ضعيفة هزيلة ذات أوراق وفروع قليلة، وتميل مثل هذه النباتات إلى الطول لعلها تصل إلى الضوء في أعلى الغابة. وإذا كان مقدار الضوء متوسطًا فإن هذا يلائم ازدهار النبات بالأوراق الخضراء ولكنه لا يكفي ازدهارها بالأزهار النضرة، وأما إذا كان مقدار الضوء وفيرًا فإن هذا يلائم النباتات القصيرة ذات الأوراق الصغيرة ولكن أزهار مثل هذه النباتات تكون كبيرة عادة وذات ألوان زاهية. فإذا زاد الضوء عن حاجة النبات فإنه يتلف مادته الخضراء، ولذلك نجد في الأقطار ذات الشمس الساطعة أن أوراق النبات -وعلى الأخص الأشجار- تدور مع الشمس بحيث لا تعرض لأشعتها إلا حافات الأوراق، ومن الأمور الملفتة للنظر دوران الأوراق في الغابات الاستوائية. وكثرة الضوء في بعض الأقطار الشمالية تعوض نقص الحرارة، ولذلك تزرع الحبوب في العروض العليا رغم قصر فصل الصيف وبرودته. أثر الرياح في النبات: كلما كان الهواء جافًّا كلما أخرج النبات ما به من ماء على هيئة بخار من خلال سطحه المعرض للهواء، ولا سيما من خلال الأوراق والمسام الموجودة في جذوعه، فإذا كان هذا البخار يحمل بعيدًا باستمرار بواسطة الهواء فإن عملية البخر من النبات ستزداد كذلك، وهذا هو التأثير الرئيسي للرياح على النبات، وإذا كانت عملية البخر بتأثير الرياح أسرع من عملية تعويض الرطوبة بواسطة الجذور فإن الأجزاء العارية من النبات تجف وتيبس، وبسبب هذا تموت الأوراق والبراعم والفروع وترجع عدم قدرة النبات على تعويض ما يفقده من رطوبة إلى جفاف التربة أحيانًا وإلى تجمدها أحيانًا أخرى، ففي كلا الحالتين لا يجد النبات ماء سائلًا يمتصه. وتوجد هذه الحالة في الجهات القطبية وفي الصحاري والنطاقات الجبلية.

والرياح القوية قد تمنع وجود النباتات الغزيرة النمو، الطويلة الجذوع، العريضة الأوراق، كما قد تحد من نمو الأشجار بصفة عامة، ويحدث حول القطبين وفوق الجبال، وحتى الأعشاب لا تستطيع النمو في الجهات ذات الرياح العنيفة كما هو الحال في جزر المحيط الهادي التي برغم توفر الماء والحرارة وكل الظروف الملائمة لوجود الغابات الكثيفة فإن حافات الجبال وقممها المعرضة للرياح العنيفة جرداء من الأشجار بل ومن الأعشاب الطويلة. وقد لوحظ أن الرياح هي التي تعين في معظم الأحوال حدود الأعشاب القطبية والألبية. ويتخذ النبات عدة وسائل لمقاومة الجفاف الذي تسببه الرياح القوية منها قصر الجذوع وصغر الأوراق، كما تكون الأوراق سميكة قليلة المسام. وتتركز هذه المسام على الجانب السفلي للورقة متخذة شكل تعرجات وحزات، كما تكون الأعشاب والأشجار الصغيرة قزمية ومنحنية. وأما الفروع والبراعم فإن معظمها يموت ويكون ما تبقى منها قصيرًا ومتجمعًا إلى بعض حتى ينجو من أثر الرياح العنيفة. والزوابع العنيفة قد تقتلع غابة بأكملها، كما أن الرياح البحرية المحملة بالأملاح تمنع نمو الأشجار بقرب الساحل؛ لأن الأملاح الزائدة عن الحاجة تقتل معظم النباتات، على أنه لا ينبغي أن تنسينا كل هذه العيوب فضل الرياح على النبات، إذ إن معظم الجهات المطيرة مدينة بأمطارها للرياح التي تجلب إليها الرطوبة من أماكن بعيدة، ومن أحسن الأمثلة على ذلك الرياح الموسمية والرياح الغربية. أثر التربة في النبات: يحصل النبات على معظم حاجته من الماء وعلى غذائه المعدني من التربة، وبهذا كانت كمية الماء في التربة من أهم الأشياء في حياة النبات، فإذا زادت هذه الكمية أو قلت عن حاجته الفعلية تعرضت حياته للخطر وتتوقف كمية الماء في التربة على حجم الذرات أو الجزئيات الصغيرة التي تتكون منها هذه التربة، فالماء ينزلق سريعًا من فوق التربة الصخرية أو يتسرب خلال شقوقها، كما أن الماء

يتوغل خلال التربات الحجرية والحصباوية والرملية إلى آخر مدى يستطيع الوصول إليه، وبذلك يترك الطبقة السطحية من التربة جافة لتأثرها بالبخر، ولذلك تكون مثل هذه التربات المسامية جافة وجرداء من النبات رغم ما يسقط عليها من أمطار. وأما التربات المكونة من الطين والطفل فتكون ذراتها دقيقة، وبذلك لا تسمح للمياه بالتسرب سريعًا إلى باطن التربة أو التبخر إلى الهواء، ومثل هذه التربات يكون أكثر خصوبة من السابقة. ويمكن القول عمومًا أن الطين والطفل والتربات السوداء تقاوم تسرب المياه إلى الباطن أو إلى الهواء، وتوصف هذه التربات بأنها ثقيلة، وأحيانًا تكون باردة لا يتخللها إلا القليل من الهواء، ويجف سطحها في بعض الأحيان فتصبح متماسكة وتكون غطاء غير مسامي شديد الضرر بالحياة النباتية. والتربة المكونة من الطين أو الطفل أكثر أنواع التربات ملاءمة للحياة النباتية. رغم أن قيمتها الفعلية تتوقف على حالة المناخ وبعض الظروف الأخرى. وأما التربات الأخف فإنها لا توفر للنباتات تربة متماسكة يثبت فيها جذوره، وبذلك لا تصلح للحياة النباتية الكثيفة مثل الغابات. وتناسب هذه التربات الخفيفة نمو الأعشاب والشجيرات وسائر النباتات ذات الجذور الضحلة. وتكتسب التربات التي نمت فيها النباتات مدة من الزمن خصوبة جديدة من بقايا النباتات الميتة والمتحللة مثل الجذور والأوراق والأخشاب ومن بقايا الحيوانات كالحشرات والديدان وغيرها، فإن هذه البقايا النباتية والحيوانية المتحللة تتجمع في طبقات التربة العليا مكونة ما يسمى بالتربة الخضراوية، وإذا حدث هذا التركيب في بيئة يتوفر فيها الهواء والرطوبة والدفء فإن التربة تكون شديدة الغنى بالغذاء اللازم للنبات. وأما إذا لم يتوفر الهواء والماء والحرارة فإنه تتكون من ذلك تربة رديئة تضر بالحياة النباتية. ويزداد النوع الأخير من التربة سوءًا في بعض الأحيان فتتجمع البقايا المتعفنة في هيئة طبقة داكنة اللون أسفنجية التركيب حمضية التكوين، ولا يعيش في مثل هذه التربة إلا أنواع نباتية قليلة. وفي الجهات التي تنمو فيها الحشائش بكثرة تتشابك جذيراتها التي لا حصر لها. فتكون غطاء من التربة غير مسامي، فلا يسمح بتخلل الماء

والهواء في التربة وبذلك تصبح هذه التربة ضارة بالنباتات الكبيرة وإن كانت تظل ملائمة لنمو الحشائش. وتختلف التربات اختلافًا كبيرًا في نسبة الغذاء المعدني الذي تحتويه، وكما هو الحال في الضوء والحرارة والماء نجد لكل نبات احتياجاته الخاصة من الغذاء من حيث النوع والكمية، فالغذاء الذي يناسب هذا النوع من النبات قد لا يناسب ذاك. وفي التربات الفقيرة ينمو النبات ببطء ولا يعلو كثيرًا عن سطح الأرض، كما أن بعض النباتات لا تستطيع النمو في بعض التربات، ومثل ذلك أن غابات القسطل لا تستطيع الوجود في التربات المحتوية على الجير. كما أن كمية الملح في التربة إذا وصلت إلى حد معين استحال معه نمو معظم النباتات، ولا توجد إلا نباتات قليلة تعيش في التربة المحلية كبعض الأعشاب والشجيرات. انقسام النبات إلى أشكال بحسب المناخ: هناك ثلاثة أشكال رئيسية للنبات هي: 1- الغابات 2- الحشائش 3- الصحاري. ويتضح من هذه الأسماء أن الرطوبة هي العامل الأول في هذا التقسيم، سواء أكانت هذه الرطوبة على شكل مطر يسقط على الأرض أو بخار يحمله الهواء. ثم يتدخل عامل الحرارة فيقسم كل شكل من هذه الأشكال الرئيسية إلى ثلاثة أيضًا: فتنقسم الغابات إلى: 1- غابات حارة ب- غابات معتدلة جـ- غابات باردة وتنقسم الحشائش إلى: أ- حشائش حارة ب- حشائش معتدلة جـ- حشائش باردة

وتنقسم الصحاري إلى: أ- صحاري حارة ب- صحاري معتدلة جـ- صحاري باردة العوامل التي تتحكم في توزيع النبات على سطح الأرض: بعد أن عرفنا العوامل المؤثرة في حياة النبات ننتقل إلى دراسة العوامل التي تتحكم في توزيعه فنجد أن توزيع النبات على سطح الأرض يخضع لثلاثة عوامل رئيسية هي ما يأتي: أولًا: التوزيع الفصلي للأمطار. ثانيًا: التوزيع الفصلي للحرارة. ثالثًا: نوع التربة. فأما العامل الأول -وهو توزيع المطر- فله أهمية خاصة في العروض الدنيا والوسطى -من صفر إلى 45ْ؛ وذلك لأن الحرارة متوفرة طول العام في كل أقاليم هذه العروض، فالتباين المناخي وما يتبعه من تباين نباتي إنما يرجع هنا إلى توزيع المطر، لذلك يتخذ توزيع المطر أساسًا للتمييز بين الأقاليم النباتية في هذه العروض. وأما العامل الثاني وهو توزيع الحرارة فله أهمية خاصة في العروض العليا -الأكثر من 45ْ؛ لأن الرطوبة متوفرة بهذه العروض بينما تقل درجة الحرارة؛ ولهذا يعتبر عامل الحرارة هو العامل الرئيسي في الاختلافات النباتية بالعروض العليا. وأما عن العامل الثالث فإن لكل تربة معينة نبات خاص يجود فيها، ولذلك تختلف أنواع النبات وفصائله باختلاف أنواع التربة، ولكن أغلب أنواع التربة صالحة لنمو النبات ولذلك يمكن إهمال هذا العامل عند دراسة التوزيع العام للأقاليم النباتية. فالتوزيع العام وليد العوامل المناخية وحدها "الحرارة والمطر" حتى يمكن القول إن الأقاليم النباتية ما هي إلا صور مناخية. وأما أثر التربة فمقصور على إحداث بعض الاختلافات المحلية.

وقد يتغلب نوع التربة على العامل المناخي فيؤدي إلى نمو الحشائش حيث تكون ظروف المطر والحرارة ملائمة لنمو الغابات، ومثال ذلك تربة الحجر الجيري التي تتسرب منها المياه. وقد يحدث العكس فتنمو الغابات حيث تكون ظروف المطر والحرارة ملائمة لنمو الحشائش ومثال ذلك التربة الصلصالية التي تختزن المياه، ولكن تغلب عامل التربة على العامل المناخي لا يكون إلا في حالات قليلة. وهناك مبادئ عامة في توزيع النباتات على سطح الأرض أهمها ما يأتي: أولًا: تحتوي كل منطقة من المناطق المناخية على الأنواع النباتية الثلاثة، فالمنطقة الحارة تحتوي على غابات وحشائش وصحاري، والمنطقة المعتدلة تحتوي كذلك على غابات وحشائش وصحاري، والمنطقة الباردة تحتوي أيضًا على غابات وحشائش وصحاري، وهناك تدرج في كل منطقة من الغابات إلى الحشائش إلى الصحاري في اتجاه شمالي جنوبي وفي اتجاه شرقي غربي، أي توجد أقاليم انتقال بين الأقاليم النباتية وبين بعضها. ثانيًا: هناك تدرج من قاعدة الجبل إلى قمته، وهذا التدريج يسير بنفس الترتيب من خط العرض الذي يقع عليه الجبل إلى القطب، فالغابات الصنوبرية التي على جبال الألب أو الهيمالايا أو الكربات، هي من نفس نوع الغابات الصنوبرية الواقعة في شمال سيبيريا وأوربا، وكذلك في أعلى الجبال يوجد ما يسمى بالحشائش الألبية وهي تعادل حشائش التندرا في أقصى الشمال. ثالثًا: توجد اختلافات محلية في توزيع النبات في كل إقليم نتيجة لاختلاف الظروف المحلية، إذ تؤثر هذه الظروف في حالة النبات فتغير من التوزيع العام الذي ذكرناه، ولكن هذه حالات نادرة.

الفصل السابع عشر: الغابات

الفصل السابع عشر: الغابات الأحوال المناخية التي تساعد على نمو الغابات: العامل الأول في وجود الغابات بأشكالها المختلفة هو توفر الرطوبة في التربة طول السنة أي أن جذور الأشجار تجد حاجتها من الماء في كل الأوقات، فوجود فصل جاف في إقليم ما لا يمنع من نمو الغابات؛ لأن التربة قد تختزن المياه اللازمة لتغذية جذور الأشجار في هذا الفصل، ومثال ذلك الغابات الموسمية التي تستطيع مقاومة الجفاف فترة تتراوح بين أربعة شهور وخمسة. وهناك عدة وسائل تتخذها الأشجار لمقاومة فصل الجفاف، من هذه الوسائل صغر الأوراق وسمك القشرة اقتصادًا للمستهلك من المياه بطريق البخر "النتح"، ومن هذه الوسائل اختزان الشجر للمياه في جذوعه وأوراقه في فصل المطر لكي يرتوي بها في فصل الجفاف، ومن هذه الوسائل نفض بعض الأوراق -أي التخلص منها- في فصل الجفاف. اقتصادًا للمستهلك من المياه من جهة وتقليلًا للمفقود بالبخر من جهة أخرى. ولا شك أن الغابة التي تحتاج أشجارها إلى الاقتصاد في استهلاك المياه لا تكون في كثافة الغابة التي تتمتع أشجارها بالرطوبة طول العام، فكلما ازداد الجفاف وطال فصله قلت أشجار الغابة وصغر حجمها وزادت المسافات بين كل شجرة وأخرى، وبذلك تتضاءل الغابة بازدياد الجفاف حتى تتحول في النهاية إلى إقليم حشائش. والعامل الثاني في وجود الغابات هو درجة الحرارة فتعتبر درجة الحرارة 43 ْف الحد الأدنى اللازم لنمو الأشجار، وتسمى المدة التي تزيد فيها الحرارة

عن هذه الدرجة "فصل النمو"، ويعتبر عامل الحرارة هو العامل الرئيسي في تحديد طول فصل النمو، وتقاوم الأشجار ظروف الحرارة المنخفضة وما يتبعها من تساقط الثلوج بعدة أمور منها اتخاذ الشكل المخروطي والأوراق الإبرية. أنواع الغابات: يتضح مما سبق أن الغابات تخضع للتوزيع الفصلي لعاملي الرطوبة والحرارة، فتحاول الأشجار في كل بيئة أن تتلاءم مع هذا التوزيع فتنقسم السنة بحسب الظروف المناخية إلى فصل نمو وفصل ركود. فإذا توفرت الحرارة والرطوبة طول العام، كان نمو الأشجار مستمرًّا طول العام كذلك، بمعنى أنه لا يوجد فصل نمو وفصل ركود، ومثل هذه الغابة تتخذ شكلًا خاصًّا هو الذي نسميه "الغابة دائمة الخضرة" وأشجار هذا النوع ضخمة عريضة الأوراق تحتفظ بها مخضرة طول العام فلا يتغير مظهر الشجرة من فصل إلى آخر. وأما إذا توفرت الحرارة طول العام ولم تتوفر الرطوبة أي تعرض الإقليم لفصل جفاف فإن الأشجار تنفض أوراقها لا سيما إذا اتفق فصل شدة الحرارة مع فصل شدة الجفاف، فهذا يزيد من عملية البخر وتبديد ما بالشجرة من رطوبة لاسيما وأن أوراق الأشجار النفضية من النوع العريض، ومثل هذه الغابة تتخذ شكلاً خاصًّا هو الذي نسميه "الغابة النفضية" لأنها تنفض أوراقها في فصل الجفاف. وأما إذ توفرت الرطوبة طول العام ولم تتوفر الحرارة، أي تعرض الإقليم لفصل تقل فيه درجة الحرارة عن 43 ْف لمدة تزيد على ستة شهور فإن نمو الأشجار يقف وتمر الغابة بفترة ركود، وتقاوم الأشجار هذه البيئة ذات الحرارة المنخفضة والثلوج المتساقطة باتخاذ الشكل المخروطي والأوراق الإبرية، أي إن هذه الغابة تتخذ شكلًا خاصًّا هو الذي نسميه "الغابة المخروطية"، ويلاحظ أن أشجار الغابة المخروطية تحتفظ بأوراقها طول العام أي لا تنفضها؛ وذلك لأن الرطوبة متوفرة طول العام لا سيما وأن الغابة المخروطية تستطيع أن تحيا على قدر من المطر أقل من القدر الذي تحتاجه الغابة النفضية وهو 15 بوصة.

خلاصة هذا أن طول فصل النمو هو الذي يتحكم في شكل الغابة، فإذا كان فصل النمو أقل من سنة وأكثر من ستة شهور، كان نوع الغابة نفضيًّا وإذا كان فصل النمو أقل من ستة شهور كان نوع الغابة مخروطيًّا. ويستخلص من هذا أيضًا أن الأشكال الرئيسية للغابات ثلاثة هي: 1- الغابات الدائمة الخضرة. 2- الغابات النفضية. 3- الغابات المخروطية. "أولًا" الغابات الدائمة الخضرة توجد الغابات الدائمة الخضرة في ثلاثة أقاليم هي: أ- الإقليم الاستوائي. ب- إقليم البحر المتوسط. جـ- الإقليم الصيني. وسنصف كلًّا منها ونوزعها ونبين قيمتها الاقتصادية. 1- الغابات الاستوائية: وصف الغابة: تنمو الغابة الاستوائية في أشد جهات العالم حرارة ورطوبة مجتمعين، وتسبب هذه الحرارة المرتفعة طول العام والمطر الغزير المتواصل نمو الغابات الكثيفة ذات الأشجار الضخمة، ويصف بعض الكتاب الغابة الاستوائية بأنها حديقة معلقة فوق أعمدة تتخللها سراديب مظلمة، وذلك لأن شدة الحرارة وغزارة المطر تسببان قوة النمو في هذه الغابة، حتى إن الأغصان التي تتألف منها تيجان الأشجار الطويلة تتشابك وتكون مظلة ضخمة تنمو تحتها طبقة من الأشجار القصيرة، ينمو بين هذه الطبقة الثانية من الأشجار خليط من النباتات الزاحفة والمتسلقة التي تتشابك أيضًا مع بعضها، ثم أخيرًا تنمو مجموعة من النباتات الطفيلية، ومن مجموع هذا كله يتألف ما نسميه بالغابات

الاستوائية، فهي غابة دائمة الخضرة، ذات طبقات، حتى ليبلغ اشتباك فروع الأشجار في أعلى الغابة إلى درجة تكوين غطاء متصل يكون هو بدوره تربة لنمو طبقة أخرى من النباتات، ويصف بعض الكتَّاب الغابة الاستوائية بأنها بحر عظيم من الخضرة. من الصفات العامة في الغابة الاستوائية تنوع أشجارها حتى ليندر أن نجد أكثر من شجرتين من نوع واحد في الفدان الواحد، ومن صفاتها أيضًا طول الجذوع وخلوها من الأفرع إلا في أعلاها حيث تنتهي بفروع كثيرة الأوراق تتشابك بعضها مع بعض بحيث تكون ستارًا كثيفًا يمنع ضوء الشمس من الوصول إلى أسفل الغابة. ومن أجل هذا كان قاع الغابة مظلمًا لا يكاد الضوء يصل إليه مما يدفع بالأشجار إلى التنافس في سبيل الوصول إلى الضوء، ولقد أدى تنافس النباتات في سبيل الوصول إلى أعلى الغابة حيث الضوء والهواء إلى وجود النباتات المتسلقة وقد سميت كذلك لأنها تتسلق غيرها للوصول إلى أعلى الغابة. وتزيد هذه النباتات المتسلقة من كثافة الغابة وصعوبة اختراقها، يضاف إلى ذلك أكوام النباتات المتعفنة التي تغطي قاع الغابة. وليس للحياة النباتية في هذه الغابة فصلية خاصة بمعنى أن السنة لا تنقسم فيها إلى فصول متعاقبة للنمو والإزهار والإثمار والموت، بل توجد هذه الفصول ممثلة في وقت واحد ويرجع السبب في هذه الفوضى إلى تشابه الحالة المناخية طول أيام السنة، وبذلك نجد شجرة مثمرة إلى جانب أخرى في دور الإزهار وبجانبهما ثالثة في دور الموت ... وهكذا. توزيع الغابات الاستوائية: توجد الغابات الاستوائية في سهول الأمازون بأمريكا الجنوبية "غابات السلفا" كما توجد في حوض الكنغو وساحل غانة بأفريقية ثم في الملايو وجزر الهند الشرقية بالقارة الأسيوية كما توجد غابات شبيهة بالغابات الاستوائية في برما وأسام وبنغال. ويعتبر إقليم الأمازون أفضل الأقاليم التي تتمثل فيها الغابات الاستوائية

أتم تمثيل فغاباته ضخمة الأشجار شديدة الكثافة، وأما حوض الكنغو وساحل غانة فمع أنهما يشتملان على المميزات العامة للغابات الاستوائية من حيث الكثافة ودوام الغابة وضخامة الأشجار، إلا أن الغابات الاستوائية الإفريقية أقل كثافة من مثيلاتها في أمريكا الجنوبية، وكذلك الغابات الاستوائية الأسيوية لا تبلغ مرتبة غابات أمريكا الجنوبية من حيث الكثافة وضخامة الأشجار، وطبيعة السطح الذي تنمو عليه مثل هذه الغابات إما أن يكون سهلًا منبسطًا أو سفح جبل لا يزيد ارتفاعه عن 1000متر. القيمة الاقتصادية للغابات الاستوائية: إن الظروف الطبيعية التي سببت كثافة الغابة الاستوائية وضخامة أشجارها هي نفس الظروف التي تعوق استثمار هذه الغابة حتى جعلت قيمتها الاقتصادية ضئيلة. فمن حيث الظروف المناخية نجد أن الرطوبة والحرارة مجتمعين تبعثان على خمول الجسم وضعف التفكير وخور الهمة، فالهنود الحمر بغابات الأمزون والأقزام بغابات الكنغو يعيشون معيشة بدائية للغاية لا يبذلون مجهودًا في استغلال بيئتهم بل يقنعون بما جادت عليهم هذه البيئة من خيرات غذائية وفيرة. بل إن بعض هؤلاء يحيى حياة أقرب ما تكون إلى حياة القردة إذ يبنون أكواخهم فوق قمم الأشجار، ومع أنه في بعض الجهات التي تقل فيها كثافة الغابة ينشط السكان في استثمارها، إلا أن المناخ الحار الرطب يجعل حدًّا لهذا النشاط ويقف حائلًا دون زيادته ومن أمثلة ذلك استغلال غابات شبه جزيرة الملايو وغابات جزر الهند الشرقية مثل جاوة وبرنيو. ومن حيث نوع الأخشاب نجد أنها من الأنواع الصلبة التي لا يسهل قطعها وتشكيلها وبذلك كانت فائدتها محدودة ولعل أبلغ الأمثلة على ذلك أن مدينة مناؤس الواقعة في قلب غابات الأمازون تستورد أخشاب البناء من غابات الأقاليم المعتدلة بأمريكا الشمالية وذلك لندرة الأخشاب اللينة بالغابات الاستوائية. ومن حيث قوة النمو قد يظن أن هذه الصفة من مزايا الغابات الاستوائية

غير أن الواقع أن قوة النمو في هذه الغابات تجعل إزالة الأشجار وإعداد الأرض للزراعة أمرًا شاقًّا للغاية، كما تجعل المحافظة على الأرض وتنقيتها مما ينمو بها من أعشاب مهمة عظيمة التكاليف، وقد لوحظ أنه بعد الجهود المضنية في سبيل إزالة الغابة لاستثمارها في الزراعة أن هذه الزراعة غير ممكنة بسبب قوة النمو إذ سرعان ما تنمو النباتات البرية التي تتلف الزراعة مثل الغاب والحشائش الكثيفة. كما يتعرض الاستغلال الزراعي بالغابات الاستوائية لأخطار فيحدث في بعض الجهات التي تزال غاباتها ولا سيما في سفوح الجبال أن الأمطار الغزيرة تجرف التربة حتى تصل إلى الصخر الأصم. ومن أجل هذه الصعوبات في سبيل الاستثمار الاقتصادي، ينبغي ألا تخدعنا ضخامة الغابات الاستوائية فنعتقد أنها منطقة غنية بثروتها الاقتصادية، إذ الواقع أن هذه الغابات من أقل الأنواع النباتية إنتاجًا. ولكن الإنسان يعمل جاهدًا على التغلب على هذه الصعوبات وقد نجح في ذلك في كثير من الجهات؛ إذ أمكن استثمارها في إنتاج عدة غلات ذات قيمة اقتصادية كبيرة كالمطاط وزيت النخيل والكاكاو وقصب السكر، وأصبحت المزارع تنتشر في الإقليم الاستوائي على حساب الغابة، وقد حدث هذا نتيجة للنشاط الزراعي الذي قام في أقاليم المنطقة المعتدلة، فجزء كبير من صناعات الدول الكبرى في أوربا وأمريكا يعتمد على غلات الإقليم الاستوائي سواء المواد الغذائية أو المواد الخام اللازمة للصناعة. ويمكن القول إن المطاط ونخيل الزيت أهم أشجار الغابة الاستوائية من الناحية الاقتصادية، فهما مورد هام من موارد الثروة؛ لأن الصناعة الحديثة تعتمد عليهما ولكن جمع المطاط ونخيل الزيت من الأشجار البرية يكلف نفقات باهظة لما سبق أن ذكرناه من تفرق الأشجار التي من نوع واحد في أنحاء الغابة الاستوائية، فكان لا بد من الاعتماد على الأشجار المزروعة وقد نجحت هذه الطريقة إذ ثبت أن إنتاج المطاط البري في البرازيل لم يستطع منافسة

إنتاج المطاط المزروع في جزر الهند الشرقية. وما يقال عن المطاط يقال عن بقية الأشجار مثل نخيل الزيت والماهوجني والأبنوس وغيرها من الأشجار التي يمكن الاستفادة من ثمارها أو أخشابها. والسنة الزراعية في الإقليم الاستوائي غير منظمة بمعنى أنه لا يوجد تقسيم فصلي لمراحل الزراعة المختلفة، فلا يوجد فصل معين للبذر وآخر للحصاد، بل إن الفوضى التي وجدناها في النبات الطبيعي نجد مثيلًا لها في النبات المزروع. ويصحب انتشار المزارع عادة انتشار المساكن ونشأة القرى والمدن، مما أدى إلى تعمير جهات كثيرة من الإقليم الاستوائي ونشاط الحركة التجارية إلى جانب النشاط الزراعي. وكان لا بد بعد هذا التغيير الاقتصادي في حياة الغابة أن تتقدم طرق المواصلات، ولكن في هذه الناحية أيضًا تتغلب طبيعة الغابة الاستوائية التي تجعل مد الطرق البرية وصيانتها أمرًا عسيرًا للغاية يتطلب مجهودًا كبيرًا ومالًا وفيرًا ومن أجل هذا ما زالت الأنهار أيسر السبل لاجتياز الغابات الاستوائية فتركزت على شواطئها مراكز العمران المختلفة. ورغم كل هذه الجهود البشرية ما زال معظم الغابات الاستوائية على حالته الطبيعية لم تغير منه المحاولات التي بذلت لاستغلاله، وعلى الأخص غابات الأمازون والكنغو. وأما غابات ساحل غانة وشبه جزيرة الملايو وجزر الهند الشرقية فقد تقدم الاستغلال الاقتصادي بها تقدمًا كبيرًا. ب- غابات البحر المتوسط: يشغل إقليم البحر المتوسط المناخي الأجزاء الغربية من سواحل المنطقة المعتدلة الدفيئة، والنوع النباتي الطبيعي القائم في هذا الإقليم هو الغابات الدائمة الخضرة؛ لأن الظروف المناخية به تلائم نمو الأشجار ولا تلائم نمو الحشائش؛ وذلك لأن فصل المطر يتفق مع فصل البرودة، والشجرة هي النوع النباتي الذي يلائم هذه الحالة المناخية -حالة اجتماع المطر والبرودة في فصل واحد- إذ ترتوي الشجرة بالماء وتقاوم البرودة بمتانة بنيانها، وأما الحشائش فلا تستطيع

ذلك كما أن موسم الجفاف يتفق في هذا الإقليم مع موسم الحرارة وهي حالة مناخية لا تسمح إلا بقيام الأشجار، إذ تستطيع الشجرة في هذا الفصل أن تستفيد من الحرارة وتقاوم الجفاف بأساليب مختلفة لا تقوى عليها إلا الأشجار، وأما الحشائش فتحتاج إلى دفء ومطر في وقت واحد وهما عاملان لا يجتمعان في فصل واحد في إقليم البحر المتوسط، ومن هذا كان هذا الإقليم إقليم أشجار وليس إقليم حشائش. على أن حالة الغابة في هذا الإقليم بحسب كمية المطر ففي الجهات التي يتوفر فيها المطر تنمو الغابات الدائمة الخضرة حقيقة، فتكثر أشجار الصنوبر والأرز والبلوط الدائم الخضرة "الشاهلبوط" والكافور الدائم الخضرة "الجارا"، ثم في الجهات الأقل مطرًا ينمو البلوط النفضي والكافور النفضي ثم حينما يزداد فصل الجفاف طولًا تتدهور الغابة وتتحول إلى شجيرات ولكنها شجيرات دائمة الخضرة أيضًا مثل الصفصاف والآس والحصالبان. وأهم الصفات المناخية بإقليم البحر المتوسط التي لها تأثير على حالته النباتية صفتان: الصفة الأولى أن درجة الحرارة فوق الحد الأدنى اللازم لنمو النبات طول العام، والصفة الثانية أن موسم الجفاف -وهو الصيف- ليس جفافًا تامًّا في جميع الحالات، ومعنى هذا أن الحرارة والمطر متوفران في هذا الإقليم معظم شهور السنة، وهو ما يسمح بنمو الأشجار وتكاثفها إلى حد تكوين غابة في كثير من الحالات. ويمتاز هذا الإقليم بالتتابع المنتظم في أحواله المناخية، وقد ظهر هذا التتابع المنتظم في أدوار حياة النبات به، فيعتبر فصلا الربيع والخريف موسم الغزارة النباتية لاعتدال الحرارة وكفاية المطر بهما. وكذلك الشتاء يعتبر من مواسم الغنى النباتي بهذا الإقليم، ولكنه لا يصل إلى مستوى الربيع والخريف بسبب البرودة النسبية. وأما الصيف فهو فصل ركود حقيقي بسبب الجفاف الذي يزيد من قسوته شدة الحرارة التي تجعل أية كمية من المطر تسقط في هذا الفصل لا قيمة لها، إذ سرعان ما تضيع بالبخر، ويتوقف احتفاظ النبات بالحياة على قدرته على مقاومة هذا الجفاف الشديد

الذي يتصف به فصل الصيف، وتتخذ النباتات وسائل عدة لمقاومة الجفاف وتحاول بكل وسيلة الإقلال من إفراز المياه ومن هذه الوسائل سمك القشرة والأوراق الشوكية والأوراق ذات الغطاء الشمعي أو الوبري، وفي الحالات التي يعجز فيها النبات عن مقاومة الجفاف يتحول الإقليم إلى تربة جرداء وصخور عارية. ومن صفات هذا الإقليم المناخية كذلك ازدياد كمية المطر مع الارتفاع؛ لأن المطر التضاريسي غير قاصر على شهور الشتاء، وقد أدى هذا إلى كثافة الغابات الجبلية، ولكن الأشجار تتحول في هذه الحالة إلى أشجار نفضية عريضة الأوراق مثل شجرة الزان وأبو فروة، ثم تتحول هذه الغابة في أعلى الجبال إلى منطقة أعشاب ألبية. الاستثمار الاقتصادي: رغم أن هذا الإقليم إقليم أشجار لا تعتبر الأخشاب من موارده الاقتصادية. وبينما لا تستغل أخشاب الأشجار نجد ثمارها عظيمة القيمة، فتزرع أشجار الفواكه معتمدة على الرطوبة الطبيعية أو على الري. وإلى جانب زراعة الأشجار تزرع النباتات الحولية كالخضروات والحبوب، وعلى الأخص القمح. ومن أشجار هذه المنطقة ما يقاوم الجفاف بطبيعته كالزيتون، ومنها ما يحتاج إلى ري كالموالح، وهذه تشغل العمال في فصل الصيف "فصل الجفاف" ويلائم طول هذا الفصل نمو بعض الفواكه كالعنب، كما يلائم صناعة تجفيف الفواكه. بصفة عامة كالزبيب والتين. وأما فصول المطر "الشتاء والربيع" فتلائم زراعة الخضروات والحبوب التي يتم نضجها وضمها في أوائل فصل الصيف. وتنقسم الأشجار في هذا الإقليم إلى أشجار أصيلة وأشجار دخيلة، فالأشجار الأصيلة هي التي بها خاصية مقاومة الجفاف كأشجار الزيتون والتين والعنب وهذه من الأنواع التي تقاوم الجفاف بواسطة تعمق جذورها في التربة، وأما الأشجار الدخيلة فتحتاج في هذا الإقليم إلى ري صناعي إذ لا تحتمل موسم الجفاف الطويل، ومن أمثلتها أشجار الخوخ والبرتقال والليمون، ومع ذلك فقد استقرت هذه الفواكه في كل جهات إقليم البحر المتوسط المناخي حتى أصبحت تعتبر من مميزاته

ولكنها في الأصل من أشجار الإقليم الصيني أو الإقليم المداري ونقلها الإنسان إلى إقليم البحر المتوسط، إذ إنها تحتاج إلى رطوبة في فصل الصيف، وهي صفة لا تتوفر في إقليم البحر المتوسط، ولذلك لا بد لهذه الأشجار من أن تعتمد على الري الصناعي في فصل الصيف. ولا تنمو بهذا الإقليم نباتات مائية كثيرة إلا حيث تساعد العوامل المحلية على وجود الرطوبة في فصل الصيف كالأحراش التي تنمو على شواطئ الأنهار وكبساتين البرتقال التي تعتمد على الري، وكأشجار كاليفورنيا الحمراء التي ترتوي من الضباب في فصل الصيف الجاف. وتنمو النباتات الحولية سريعًا في فصل الربيع وتنتج حبوبها قبيل حلول فصل الجفاف، ويتخذ بعضها لنفسه جذورًا بصلية أو درنية، وتزدهر النباتات عادة في أوائل الربيع ثم تموت أزهارها في أوائل الصيف ولكن تبقى جذورها حية. ورغم أن كثيرًا من أشجار هذا الإقليم لا قيمة له كمورد للخشب فإن إزالة هذه الأشجار لاستغلال الأرض في الزراعة لا يكون إلا حيث تصلح التربة لذلك وحيث يتوفر الري الصناعي. وينمو في هذا الإقليم بعض العشب ولكنه عشب فقير قليل القيمة لا يصلح إلا لغذاء الماعز وهو حيوان هزيل يرضى بالقليل. ويمكن القول بصفة عامة بأن الحشائش ليست من نباتات البحر المتوسط؛ لأن موسم الحرارة لا يتفق مع موسم الرطوبة، ولهذا كانت الظروف أكثر ملاءمة لنمو الأشجار، ولما كانت المراعي الغنية غير موجودة بهذا الإقليم فقد تعذرت تربية الماشية وحل محلها الماعز وعلى ذلك نجد بهذا الإقليم نقصًا طبيعيًّا في موارد اللحوم وموارد الألبان كالزبد واللبن، ويحل محلها الفول بدلًا من اللحم وزيت الزيتون بدلًا من الزبد وعصير الفاكهة بدلًا من اللبن.

3- غابات الإقليم الصيني: لا ينخفض متوسط الحرارة في الإقليم الصيني في أي شهر من الشهور إلى درجة تحول دون نمو النبات، كما أن الرطوبة متوفرة به في كل الفصول ولذلك كان النوع النباتي الذي يلائم هذا الإقليم هو الأشجار الدائمة الخضرة كالصفصاف والبلوط. وإذًا فغابات إقليم الصين دائمة الخضرة مثلها في ذلك مثل إقليم البحر المتوسط, غير أن عدم وجود فصل جاف في إقليم الصين أتاح الفرصة لوجود أشجار أخرى مثل السرخس والخيزران وهي أنواع لا تستطيع أن تعيش في إقليم البحر المتوسط بسبب وجود فصل جاف به, وكذلك بينما نجد غابات البحر المتوسط فقيرة متناثرة ذات أشجار هزيلة بسبب قلة المطر ووجود الفصل الجاف، نجد غابات الإقليم الصيني غنية بأشجارها العالية الضخمة ذات الأوراق العريضة، وذلك لانتظام سقوط المطر بهذا الإقليم في كل فصول السنة من جهة ووفرة كميته من جهة أخرى. ومع أن الشجرة الدائمة الخضرة هي النوع النباتي الرئيسي السائد بهذا الإقليم إلا أنه توجد به بعض أشجار نفضية بل وصنوبرية في بعض الأحيان. فنجد في هذه الغابة أشجار البلوط والأسفندن والجوز والسوسن وأشجار النخيل والأشجار السرخسية والأشجار الصنوبرية ذات الأوراق الإبرية. وكثيرًا ما تضارع غابات الإقليم الصيني الغابات الاستوائية من حيث ضخامة الأشجار ولكنها أقل منها كثافة. الاستثمار الاقتصادي: لغابات الإقليم الصيني قيمة كبيرة كمورد للأخشاب؛ فكثير من أشجارها يعطي خشبًا جيدًا مثل أشجار البلوط والجوز وبعض الأشجار الصنوبرية التي يوجد بها الخشب المعروف باسم الخشب العزيزي. على أن أجزاء كثيرة من هذه الغابات قد اجتثت وحلت محلها الزراعة ومناخ الإقليم الصيني ملائم بطبيعته للرعي والزراعة. وهنا نلاحظ الفروق الهامة في الحالة النباتية بين الحافة الغربية للمنطقة المعتدلة الدفيئة "إقليم البحر

المتوسط" وبين الحافة الشرقية لهذه المنطقة "الإقليم الصيني" فإقليم البحر المتوسط أقل غنى في أشجاره؛ إذ ليست لأشجاره قيمة اقتصادية تذكر، وأقل غنى في مراعيه؛ حيث إنه لا يصلح لنمو الأعشاب، وأقل غنى في زراعته؛ بسبب قلة كمية المطر وطول فصل الجفاف. وأما في الإقليم الصيني فقد عرفنا أن لأشجاره قيمة اقتصادية كبيرة كمورد للأشجار. من حيث الرعي نجد أعشاب هذا الإقليم غنية بسبب توفر الدفء والمطر في كل فصول السنة. ومن حيث الزراعة تنمو به غلات قيمة كالتبغ والقطن والذرة والأرز والشاي وقصب السكر والبرتقال، بالإضافة إلى أنواع أخرى من الفاكهة لا تحتاج إلى ري، وتؤدي الظروف المناخية إلى نجاح الزراعة هنا نجاحًا عظيمًا، فالصيف طويل وفير الرطوبة خالي من الصقيع خلوًّا تامًّا لمدة ثلاثة شهور على الأقل، ولذلك كان هذا الفصل ملائمًا للنمو الغزير وتجنى الغلات في الخريف قبل حلول برودة الشتاء بعكس إقليم البحر المتوسط الذي تجنى غلاته في الربيع قبل حلول فصل الصيف فالعامل المناخي الهام في إقليم البحر المتوسط هو الرطوبة؛ وذلك لتوفر الدفء طول العام, وأما العامل المناخي الهام في إقليم الصين فهو الحرارة؛ وذلك لتوفر الرطوبة طول العام. وبينما نوع الحبوب السائد في إقليم البحر المتوسط هو القمح بسبب وجود فصل حار جاف يساعد على النضج والحصاد، نجد نوع الحبوب السائد في إقليم الصين هو الذرة في الجهات المتوسطة المطر، والأرز في الجهات الغزيرة المطر، وهما نوعان من الحبوب يحتاجان إلى حرارة ورطوبة مجتمعتين في فصل واحد، وكقاعدة عامة لا تنجح زراعة الحبوب الأخرى بإقليم الصين بسبب عدم وجود فصل حار جاف يسمح بنضجها وجنيها. ولكن يعوض هذا أن هذه الحرارة والرطوبة مجتمعتين في فصل الصيف يؤديان إلى ازدهار نباتات أخرى ذات قيمة اقتصادية كبيرة. مثل التوت والشاي الذين يغلان غلة من الأوراق القيمة خلال هذا الفصل. والغالب في هذا الإقليم أن تزرع الأرض بمحصول واحد في السنة. ولكن في جهاته التي تتمتع بشتاء دافئ تزرع الأرض بغلة أخرى بعد جني الغلة الصيفية.

وبسبب هذه الطاقة العظيمة في الإنتاج الزراعي، سواء ما يستخدم منها في إنتاج المنسوجات كالقطن والتوت، أو في إنتاج المواد الغذائية كالحبوب والفاكهة والشاي، كان هذا الإقليم قادرًا على إعالة عدد كبير من السكان. ولذلك عرفت بعض جهات هذا الإقليم بازدحام السكان بها ازدحامًا شديدًا. ثانيًا: الغابات النفضية: تنفض الأشجار أوراقها لأسباب مختلفة, ففي الإقليم الموسمي تسقط الأشجار أوراقها في فصل الصيف اتقاء شدة الحرارة، وفي الإقليم المعتدل تسقط الأشجار أوراقها في فصل الشتاء اتقاء شدة البرد. على أن الإقليم الرئيسي للغابات النفضية هو الحافة الغربية من المنطقة المعتدلة للباردة "إقليم غرب أوربا المناخي" ثم الحافة الشرقية من هذه المنطقة "إقليم سنت لورنس المناخي" ويعتبر هذان الإقليمان الموطن الأصلي للغابات النفضية، وهذا يرجع إلى أن أوراق الأشجار بهما رقيقة تتأثر سريعًا بالصقيع، فاختارت الأشجار فصل الشتاء ليكون فترة سكونها، فتتخلص من أوراقها قبل حلول هذا الفصل. ويطلق على الفصل الذي تتخلص فيه، الأشجار من أوراقها فصل السقوط في بعض الأقاليم، كما يطلق عليه اسم فصل الخريف في أقاليم أخرى مثل إنجلترا. ولا بد لقيام الغابات النفضية من وجود فصل شتاء بارد طويل ينخفض متوسط الحرارة به إلى أقل من 6 ْم، وهي النهاية الصغرى اللازمة لنمو النبات. فإذا ما كان الشتاء معتدلًا غير بارد كما في بعض جهات غرب أوربا نمت الأشجار الدائمة الخضرة ذات المظهر شبه المداري مثل أشجار عنب الديب في جنوب غرب أيرلنده وأشجار الآس والصفصاف في كورنوال، ولكن أغلب جهات إقليم غرب أوربا يسودها الشتاء الطويل البارد ولذلك كان النبات الطبيعي السائد بهذا الإقليم هو الغابات النفضية وتمتد هذه الغابات لمسافة كبيرة في الداخل إلى أن يضع تناقص المطر حدًّا لامتدادها، ويكون ذلك عند خط طول 50 ْشرقًا في أوراسيا، وأما في أمريكا الشمالية فامتداد الغابة النفضية

محدود، ومعظم الغابة بالحافة الغربية من المنطقة المعتدلة الباردة من النوع المخروطي، ولا تمتد شرقًا إلى ما بعد جبال كورديلليرا. ولا ينتج المناخ البحري الصرف -أي الواقع على حافة البحر مباشرة- أحسن الغابات النفضية؛ لأن من شروط قيام هذه الغابات وضوح الانتقال الفصلي في الحرارة والمطر، وهو شرط غير متوفر على السواحل، يضاف إلى هذا أن الرياح المحملة بالأملاح ضارة بالأشجار. ولكن بمجرد أن نغادر الشريط الساحلي ونصل إلى الجزء الداخلي الذي يوصف مناخه بأنه شبه بحري يجود نمو الغابات النفضية، ومن أمثلة ذلك غابات إنجلترا وفرنسا وألمانيا ومن أهم أشجار هذه الغابات البلوط والزان والدردار والإسفندان وأبو فروة والزيزفون والبتولا. وكذلك تتحول الغابة النفضية بالتدريج كلما اتجهنا شرقًا إلى منطقة حشائش ثم إلى منطقة شبه صحراوية بسبب تناقص المطر، حتى إذا ما اقتربنا من الحافة الشرقية تظهر الغابة من جديد بسبب تزايد المطر من جديد، ولكن الغابات في شرق القارات ليست نفضية صرفة، بل إن أشجارها خليط من المخروطية والنفضية. ثم إذا سرنا نحو القطب نجد أن هذه الأنواع النباتية كلها تتحول إلى غابات مخروطية تمتد في شريط متصل من شرق القارات إلى غربها خلال أوراسيا وأمريكا الشمالية وهي غابات لا تتبع المناخ المعتدل البارد الذي نحن بصدده وإنما تتبع المناخ البارد الصرف الذي سيرد ذكره فيما بعد. الاستثمار الاقتصادي: أخشاب الغابات النفضية ذات قيمة عظيمة إذ يمكن قطعها وتشكيلها بسهولة وهي في هذه الميزة تفوق أخشاب الغابات الاستوائية. ومن مميزات الغابة النفضية أيضًا تجمع النوع الواحد من الأشجار في بقعة واحدة إذ إن هذا ييسر عملية الاستغلال ويزيد من قيمتها الاقتصادية بالإضافة إلى قيمة أخشابها.

وكانت الغابات النفضية تغطي جهات كثيرة من شمال غرب أوربا ووسطها ولكنها اجتثت في الوقت الحالي وحلت محلها الزراعة والرعي والصناعة، وأما في أمريكا الشمالية فلم يتقدم المجهود البشري تقدمًا كبيرًا في إقليم الغابات النفضية؛ لأن معظم كلومبيا البريطانية -حيث تسود هذه الغابات- جبلي شديد الوعورة لا يشجع كثيرًا على الاستيطان البشري والاستغلال الاقتصادي، وعلى العكس من ذلك إقليم الغابات النفضية في شرق القارات، فقد تقدم هذا الإقليم تقدمًا كبيرًا في العالم الجديد حيث اجتثت الغابات في الولايات المتحدة الأمريكية وفي كندا وحلت محلها حركة صناعية كبرى. بينما في العالم القديم ما زال هذا الإقليم على حالته الطبيعية فلم يحدث في الإقليم الأسيوي تقدم صناعي كبير يضارع التقدم الذي وجد في الولايات المتحدة الأمريكية. وما زالت منشوريا معتبرة من الأقطار التي لم تعمل فيها يد الإنسان بالتغيير الكبير. ولقد سببت عملية إزالة الغابات النفضية اختفاء هذا النوع من مساحات كبيرة حيث حلت محلها الحشائش. ثم تزال هذه الحشائش في الغالب لكي تحل محلها الزراعة، والحشائش التي تحل محل الغابات بعد قطعها تكون عظيمة الكثافة بسبب غزارة المطر كما أنها تنمو في جميع فصول السنة بفضل شتاء المناخ البحري المعتدل؛ ولذلك تعتبر غذاء جيدًا للقطعان ولا سيما الماشية المدرة للألبان. الغابات الموسمية: تنمو هذه الغابات في جهات تشبه إقليم الغابات الاستوائية من حيث الحرارة وأما من حيث المطر فيوجد بها فصل جاف، وكان من الضروري أن يسبب هذا الفصل الجاف في جهات الغابات الموسمية اختلاف هذه الغابات عن الغابات الاستوائية، ويمكن أن نحصر وجوه الاختلاف بين النوعين فيما يلي: 1- الغابات الموسمية غابات نفضية أو على الأقل شبه نفضية، فهي ليست دائمة الخضرة كالغابات الاستوائية بل تنفض أشجارها أوراقها العريضة في موسم الجفاف اتقاء لفقدان الرطوبة. 2- الغابات الموسمية ليست في كثافة الغابات الاستوائية بل تتباعد

أشجارها عن بعضها، وواضح أن اختلاف نظام المطر بين الإقليمين هو السبب في الاختلاف في كثافة الغابة. 3- أحجام الأشجار أقل في الغابات الموسمية. 4- ليست الغابة الموسمية منقسمة إلى طبقات نباتية واضحة كالغابات الاستوائية بمعنى أن الحياة النباتية في أسفل الغابة ليست غزيرة. ومما تجدر ملاحظته أنه في موسم المطر لا تظهر فروق واضحة بين الغابات الاستوائية وبين الغابات الموسمية فإذا ما حل موسم الجفاف تظهر هذه الفروق، ومن أهم أشجار الغابات الموسمية البامبو, ويتضح من توزيع الغابات الموسمية أن هذه الغابات تسود في جنوب شرق آسيا وأمريكا الوسطى. ثالثًا: الغابات المخروطية "الصنوبرية" الغابات الصنوبرية ذات أشجار مخروطية الشكل إبرية الأوراق توجد في المنطقة المعتدلة الباردة والمنطقة دون القطبية حيث الشتاء طويل قارص البرودة، وقد اتخذت الأشجار في هذه الجهات الشكل المخروطي حتى لا يتراكم عليها الثلج المتساقط خلال فصل الشتاء، إذ إن معظم التساقط في هذا الفصل يكون على شكل ثلوج وليس على شكل أمطار. كما تقاوم الأشجار برودة هذه المنطقة باتخاذ الأوراق الإبرية السميكة ذات الطبقة الصمغية. وتمتد هذه الغابات في شمال أمريكا الشمالية في كندا وآلاسكا ثم في شمال أوربا في اسكندناوة وشمال روسيا ثم شمال آسيا في سيبيريا ثم في أعالي الجبال في شمال غرب أوربا ووسطها. ومعنى هذا أن الغابات المخروطية تكاد تكون مقصورة على النصف الشمالي من الكرة الأرضية بسبب اتساع مساحة اليابس به وضيق هذه المساحة في المنطقة دون القطبية بنصف الكرة الجنوبي. وتحتاج الغابة المخروطية إلى كمية صغيرة من الأمطار إذ يكفيها حوالي عشر بوصات من المطر مركزة في فصل النمو، وتقل كثافة الغابة وتصغر أشجارها كلما انتقلنا شمالًا أي كلما ابتعدنا عن المنطقة المعتدلة الباردة وتوغلنا في المنطقة

دون القطبية حتى نصل إلى حد تعجز فيه الأشجار نهائيًّا عن النمو، ويسمى هذا بالحد النهائي لنمو الغابات أي الحد الذي لا تنمو الغابات في شماله, وتعتبر الغابات دون القطبية أقل قيمة من الغابات المعتدلة الباردة بسبب صغر حجم الأشجار واختفاء الأنواع الجيدة من الصنوبر بالغابة دون القطبية. على أن الغابات المخروطية ليست خلوًّا من الأشجار النفضية بل توجد بها هذه الأشجار مثل الجوز والبتولا والصفصاف والراتنج بل ويمتد وجود الأشجار النفضية حتى الحد النهائي لنمو الغابات. والتحول من غابات نفضية إلى غابات مخروطية سببه مناخي، وهو قيام نوع من الأشجار لا يحتاج لأن ينفض أوراقه بل يستطيع أن يحتفظ بهذه الأوراق على أن تتخذ المظهر الإبري لمقاومة البرد. ولكن في بعض الأحيان يكون التحول من غابات نفضية إلى غابات مخروطية لأسباب تتعلق بالتربة، فحيث توجد التربة الرملية مثلًا في المنطقة المعتدلة الباردة تقوم الغابات المخروطية في الجهات التي كان ينتظر أن تقوم فيها الغابات النفضية، والقيمة الاقتصادية للغابة المخروطية كبيرة إذ تعتبر من المصادر الهامة لتموين العالم بالأخشاب اللينة بل هي أعظم مورد في العالم لهذا النوع من الأخشاب، إذ تفوق الغابات النفضية في هذه الميزة وهي ليونة الخشب وسهولة قطعه وتشكيله، كما تعتبر هذه الغابات من الموارد الهامة للب الخشب اللازم لصناعة الورق، وللحيوانات ذات الفراء التي تعيش فيها. وفيما يختص بقطع الأخشاب تقدم استغلال هذه الغابات في كل من أوربا وأمريكا الشمالية. فأما في شمال أوربا فإن غاباتها المخروطية تستغل منذ زمن بعيد حتى أصبحت مساحات كثيرة فيها خالية من هذه الأشجار، وأما في أمريكا الشمالية فتستغل غابات كندا استغلالًا جيدًا حيث توجد أشجار الصنوبر الأبيض والأحمر والراتنج -كل في التربة الملائمة له- ويقع مركز قطع الأخشاب في شرق كندا على طول شواطئ سنت لورنس كما تستغل أشجار الشربين والراتنج من كلمبيا البريطانية استغلالًا جيدًا كذلك. وأما في آسيا فما زال استغلال الغابات

المخروطية ضعيفًا لظروف طبيعية كثيرة منها كثافة الغابة وجريان الأنهار نحو الشمال مما يجعل اختراق الغابة عسيرًا بسبب الكثافة أولًا وبسبب جريان الأنهار نحو الجهات غير المغمورة ثانيًا؛ فلا يمكن أن تتخذ وسيلة من وسائل نقل الإنسان أو الأخشاب خلال هذه الغابات، بل إن هذه الظروف الطبيعية التي عليها الأنهار تجعل وجودها من العوامل التي تعوق الاستغلال الاقتصادي, فهذه الأنهار تتجمد في الشتاء ثم تأخذ في الذوبان ابتداء من الربيع وبطبيعة الحال تذوب أجزاؤها العليا أولًا لتعرضها للدفء قبل غيرها بسبب وقوعها في الجنوب، فإذا ما اتخذت هذه المياه الذائبة مجراها نحو الشمال وجدت مجرى النهر في الأجزاء الوسطى والدنيا ما زال في حالة تجمد لأن الدفء لم يصبها بعد بسبب وقوعها في الشمال فلا يجد الماء طريقًا فيفيض على الجانبين وبذلك تتحول الغابة المخروطية في سيبيريا -في موسم الدفء والنشاط- إلى مستنقعات تعوق الحركة والاستغلال وتفسد الحالة الصحية، فضلًا عن أن مياه المستنقعات تتلف الأخشاب وتجعل مرتبتها الاقتصادية منحطة. ولا يمكن اختراق الغابات السيبيرية إلا في الشتاء حينما تتجمد المياه، ولكن في هذا الفصل أيضًا يصعب استغلال الغابة، فالأنهار متجمدة والمحيط المتجمد الشمالي نفسه متجمد، مما يجعل عملية نقل الخشب وتسويقه متعذرة، وباهظة التكاليف، ولذلك ظلت الغابات السيبيرية بكرًا حتى الوقت الحاضر إلا على حافاتها الجنوبية. وأما استخدام لب الخشب في عمل عجينة الورق فتتفوق في ذلك كندا واسكندناوه، وأما صيد الحيوانات ذات الفراء فتتفوق في ذلك سيبيريا والمنطقة المحيطة بخليج هدسن. وقد أجهدت الغابات المخروطية إجهادًا كبيرًا فنضب معينها من جهات كثيرة حتى لتعتبر كندا وروسيا القطرين الوحيدين في العالم اللذين ما زالا قابلين للاستغلال في هذه الناحية الاقتصادية.

الفصل الثامن عشر: الحشائش

الفصل الثامن عشر: الحشائش تنمو الحشائش في الجهات التي يكثر فيها المطر في فصل وينعدم في فصل آخر بشرط أن يتفق موسم المطر مع موسم الدفء فتنمو الحشائش نموًّا سريعًا في هذا الفصل الممطر الدافئ حتى إذا ما انتهى وحل فصل الجفاف والبرودة ماتت الحشائش وأصبحت الأرض مقفرة من النباتات, فهذه الفصلية الحادة في الحالة المناخية يظهر صداها في الحياة النباتية، فتوجد النباتات في فصل وتنعدم في فصل آخر، وليس هناك نوع نباتي يلائم هذه الحالة إلا الحشائش، فالأشجار تستغرق في نموها عدة سنين وتتخذ من الوسائل ما يقاوم تقلبات الفصول، وأما الحشائش فلا تتعدى حياتها بضعة شهور، ثم هي من الرقة والهزال بحيث تعجز عن مقاومة تقلبات الفصول، وبذلك لا تستطيع الحياة عامًا بأكمله بل تحيا مع موسم المطر والدفء وتموت بانتهاء الموسم. وتقع الجهات الملائمة لنمو الحشائش في الأجزاء الداخلية من كل المناطق المناخية الصالحة للحياة النباتية، أي كل المناطق المناخية باستثناء الجهات الصحراوية فتنمو الحشائش في الأجزاء الداخلية من الإقليم المداري ويعرف هذا النوع من الحشائش باسم السفانا، كما تنمو الحشائش في الأجزاء الداخلية من المنطقة المعتدلة ويعرف هذا النوع باسم الإستبس. كما تنمو الحشائش في الأجزاء الداخلية من المنطقة الباردة وتعرف باسم التندرا. وسنتناول بالدراسة كل نوع من هذه الأنواع الثلاثة على حدة. 1- حشائش السفانا: السفانا هي الحشائش المدارية وتسمى أيضًا الكامبوس واللانوس وهي تغطي مساحات كبيرة في أمريكا الجنوبية إلى الشمال والجنوب من غابات الأمازون

وكذلك في إفريقية في السودان ومرتفعات شرق أفريقية وحول صحراء كلهاري وتمتد في جنوب هذه القارة حتى ناتال، وتوجد في أستراليا على هيئة نطاق دائري حول الصحراء الوسطى. وواضح من هذا التوزيع أن حشائش السفانا تنمو في الأجزاء الداخلية من الإقليم المداري، وأما الجهات البحرية من هذا الإقليم فتنمو بها الغابات الضخمة القريبة الشبه من الغابات الاستوائية؛ وذلك بسبب الأمطار الغزيرة التي تسقط طول العام على هذه الجهات البحرية من الإقليم المداري. وقد سبق أن بينا الظروف المناخية في الأجزاء الداخلية من الإقليم المداري، وعرفنا أن السنة فيها تنقسم إلى فصلين: فصل الشتاء وتهب فيه الرياح التجارية الجافة، ثم فصل الصيف وتسقط فيه أمطار انقلابية تعمل على خلق نوع من الحشائش يمتاز بالطول والغزارة بسبب توفر الرطوبة والحرارة في فصل واحد. ويستحيل نمو الغابات في الأجزاء الداخلية من الإقليم المداري بسبب طول فصل الجفاف، وتصبح الحشائش هي النوع النباتي الوحيد الذي يستطيع النمو بغزارة وعلى نطاق واسع في هذه الأجزاء فتنمو وتكبر بسرعة مدهشة في موسم المطر وتموت بسرعة مدهشة كذلك في موسم الجفاف على أنه توجد في وسط حشائش السفانا أشجار قليلة متفرقة هنا وهناك، وليست هذه الأشجار من أشجار الجهات البحرية بهذا الإقليم، وإنما هي نوع من الأشجار التي تقاوم موسم الجفاف بوسائل مختلفة. والمنظر العام لإقليم السفانا أشبه بالبستان؛ لأنه عبارة عن امتداد هائل من الحشائش الطويلة تتخلله أشجار قليلة مبعثرة هنا وهناك، وفي البقع المنخفضة من هذا الإقليم تتجمع الأشجار في شكل غابة صغيرة، ثم على الحافات الجبلية تتفرق الأشجار أو تختفي تمامًا. ويبلغ طول حشائش السفانا من مترين إلى ثلاثة أمتار، ولكنها في بعض

الأماكن تبلغ ارتفاعًا يتراوح بين أربعة وخمسة أمتار، ويتخلل هذه الحشائش أعشاب وشجيرات، وبعض هذه الشجيرات ذات أوراق دائمة الخضرة، وبعضها من النوع الشوكي اتقاء لجفاف الشتاء ونتيجة لتفاعل عوامل السطح والتربة والمناخ نجد المظهر العام في إقليم السفانا يتنوع من مكان إلى آخر، ولذلك يمكن التمييز بين المظاهر الرئيسية الآتية من مظاهر السفانا: 1- جهات منخفضة تسمح الموارد المائية فيها بنمو الأشجار بغزارة، وتظهر هذه الأشجار في شكل تجمعات هنا وهناك أو في شكل غابات صغيرة محدودة المساحة مبعثرة داخل إقليم السفانا، وقد أطلق عليها بعض الرحالة اسم الواحات؛ وذلك لأن التضاد بين بقع الأشجار وبين الامتداد الواسع للحشائش شبيه بالتضاد بين البقع الخضراء وبين المساحات الرملية الهائلة في الصحراء. 2- جهات منبسطة تمتد فيها الحشائش لمسافات طويلة وهذه الحشائش مرصعة بأشجار النخيل المبعثرة هنا وهناك. 3- منطقة عشبية شجيرية مرصعة ببعض الأشجار التي على شكل المظلة "الشمسية". 4- جهات كثيفة الحشائش بحيث يتعذر اختراقها إذ ترتفع فيها الحشائش إلى حوالي ستة أمتار تتخللها أشجار منخفضة. 5- جهات مكشوفة تشغلها حشائش لا يزيد ارتفاعها عن متر، وتتخلل هذه أشجار البوباب أطل أشجار السفانا، وتسمى هذه الشجرة أحيانًا "عيش القرود". 6- جهات مكشوفة الحشائش خالية من الأشجار. والميزة الطبيعية لحشائش السفانا هي قدرتها على مقاومة الجفاف الطويل وكان لهذه الميزة في تكوينها، إذ إنها تنمو في خصلات متماسكة ذات جذور قوية متماسكة ويتجمع هشيم السنوات الماضية فيكون غطاء للتربة يحميها من

البخر ثم إن الغطاء في الوقت نفسه كالسفنجة يختزن بعض الماء فيُمَكِّن النبات من أن يحيا حياة النائم خلال الفصل الجاف. وتظهر التربة عارية بين خصل الحشائش المنعزلة. وفي كثير من الجهات تختلط حشائش السفانا بعدد من النباتات غير الحولية والشجيرات التي تتباين ما بين نفضي وشوكي ودائم الخضرة. ومما هو جدير بالملاحظة أن جهود الإنسان تعمل على انتشار حشائش السفانا في بعض الجهات؛ وذلك بسبب عادة حرق هذه الجهات فتموت بسبب ذلك الأشجار وسائر النباتات غير الحولية، ولا تستطيع النمو مرة أخرى بينما الحشائش تنمو فجأة وبسرعة بمجرد سقوط المطر في الموسم التالي, ومن أحسن الأمثلة على ذلك إفريقيا إذا امتدت فيها الحشائش على حساب الغابات الموسمية بل على حساب الغابات الاستوائية في بعض المناطق. وتلائم طبيعة السفانا حياة كثير من الحيوانات مثل الأبقار الوحشية "الوعول" والجاموس والحمار الوحشي والزراف ثم الفيلة وأفراف الماء وغيرها من الحيوانات آكلة العشب والأشجار، ثم هي بدورها طعام الحيوانات المفترسة آكلة اللحوم. الاستثمار الاقتصادي: جهات السفانا صالحة للاستغلال الاقتصادي بسبب وفرة المطر وصلاحية التربة واستواء السطح وسهولة المواصلات وغنى الموارد الطبيعية، ووجوه هذا الاستغلال متعددة منها الصيد وتربية الماشية والزراعة. ويستطيع الزارع بواسطة الري أن يزرع كل غلات الجهات الاستوائية والمدارية، ولذلك كانت مناطق السفانا محط أنظار الدول الأوروبية فتنافست في سبيل استعمارها وحاربت بعضها البعض في سبيل الاستيلاء عليها. والحياة الزراعية في إقليم السفانا متأثرة إلى حد كبير بالفصلية التي نشاهدها في المناخ، ففي الفصل المطير -الذي هو فصل الحرارة في نفس الوقت- تتوفر

الظروف الملائمة لنمو النبات، ثم في فصل الجفاف تتوفر الظروف الملائمة لجني الغلات، ومن أهم هذه الغلات القطن والذرة والبن وقصب السكر. ولكن أهم مقومات الحياة الاقتصادية بهذا الإقليم هو الرعي، والحيوان الذي يتلاءم مع هذا النوع من الحشائش هو الماشية، وبهذا كانت تربية الماشية أمرًا شائعًا في كل جهات السفانا الإفريقية وفي إقليم الكامبوس في البرازيل وإقليم اللانوس في فنزويلا. وسكان السفانا أكثر رقيًّا ونشاطًا من سكان الغابات الاستوائية، فليس في السفانا ذلك الخمول الذي تسببه الحرارة والرطوبة في الإقليم الاستوائي. فالفصلية الواضحة في المناخ المداري لا تجعل الحياة مملة وعلى وتيرة واحدة بل تجعلها متغيرة, فيتجدد نشاط الإنسان ويزداد إقباله على العمل وبذلك يزداد إنتاجه. 2- حشائش الإستبس: الإستبس هي حشائش المنطقة المعتدلة بقسميها الدافئ والبارد. وتسمى أيضًا حشائش البمباس وحشائش البراري وحشائش السهوب. وهي تشغل مساحات واسعة في نصف الكرة الشمالي في أوراسيا حيث تسمى بالإستبس. وفي أمريكا الشمالية حيث تسمى بالبراري ثم مساحات أقل سعة في نصف الكرة الجنوبي وتتوزع حشائش الإستبس على النحو التالي: أ- جنوب شرق أوربا. ب- جنوب غرب سيبيريا. جـ- براري أمريكا الشمالية. د- إقليم البمباس في أمريكا الجنوبية. هـ- هضبة جنوب إفريقيا. و حوض مري ودار لنج في استراليا. وقد كان لموقع هذه الجهات في وسط القارات بعيدًا عن البحر أثره في حالتها النباتية؛ فمن حيث الحالة المناخية نجد أن المناخ القاري هو السائد فتشتد الحرارة في الصيف حتى يصبح من الأمور المألوفة أن ترتفع الحرارة إلى

حوالي 3 ْمئوية, كما تشتد البرودة في فصل الشتاء حتى يصبح من الأمور المألوفة كذلك أن تنخفض درجة الحرارة إلى ما دون درجة الصفر ومن أثر بعد هذه الجهات عن البحر أيضًا قلة المطر؛ لأن الرياح الممطرة تقطع مسافات طويلة في سبيل الوصول إلى هذه الجهات، وبذلك تفقد معظم حمولتها من الرطوبة قبل الوصول إليها، فلا يصيبها إلا قدر ضئيل من المطر لا يسمح إلا بنمو نوع نباتي خاص هو الحشائش القصيرة الفقيرة. أو المتوسطة في الطول والغنى بحسب اختلاف الكمية الفعلية للأمطار التي تصيب الجهات المختلفة، ولا تمكن مثل هذه الحالة المناخية من نمو الأشجار حتى إنه من المميزات الخاصة بهذا الإقليم خلوه من الأشجار خلوًّا يكاد يكون تامًّا. وحشائش الإستبس هي النوع النباتي السائد في قلب القارات بصفة عامة سواء في ذلك المنطقة المعتدلة أو الباردة، وتمتاز المنطقة المعتدلة والمنطقة الباردة بنوعين من النبات، فحيث تسقط الأمطار بوفرة تقوم الغابات بفصائلها المختلفة ويكون هذا بقرب السواحل، وأما حيث تسقط الأمطار بقلة فتقوم الحشائش ويكون هذا في قلب القارات بصفة عامة، والانتقال تدريجي بين حشائش الإستبس وبين الغابات المعتدلة والباردة. على مثال الانتقال التدريجي الذي رأيناه بين الغابات الاستوائية وبين حشائش السفانا، أو بين حشائش السفانا وبين الصحراء. وموسم المطر في مناطق الإستبس هو الربيع وأوائل الصيف، ومعنى هذا أن موسم المطر متفق مع موسم الدفء وهو مما يساعد على نمو الحشائش وازدهارها ولكن لا تلبث الحرارة الشديدة في أواخر الصيف أن تقتل هذه الحشائش وقد سبق أن بينا أنه نتيجة لتأثر الأرض بحرارة الشمس في فصل الربيع تأخذ مناطق الضغط المنخفض في التكون فوق هذه المساحات الواسعة من اليابس، فتجتذب إليها الرياح المحملة بالرطوبة من المحيط فتسقط ما بها من مطر ولكنه مطر قليل كما سبق أن ذكرنا بسبب طول المسافة التي قطعتها الرياح في طريقها إلى قلب القارات حيث توجد مناطق الإستبس وإذا قارنا بين خرائط متوسط المطر السنوي وبين خرائط النبات في كل من أوربا وآسيا وأمريكا الشمالية لعرفنا أن هذه الحشائش توجد حيث يقل المطر عن حوالي 35 سم في السنة.

الاستغلال الاقتصادي: أهم النواحي التي يستغل فيها الإنسان جهات الإستبس هي الرعي والزراعة، فهما الحرفتان الرئيسيتان في هذا الإقليم. فمن حيث الرعي نجد بهذا الإقليم الغنم والماعز والخيل وقطعان الماشية. على أن نوع الحيوان يختلف من مكان لآخر في جهات الإستبس المختلفة، ففي استراليا وجنوب إفريقيا وبعض جهات الأرجنتين تسود تربية الأغنام، وأما في كندا وروسيا فيتعذر تربية الأغنام على نطاق واسع بسبب البرد الشديد، ثم في أورجواي وبعض الجهات الأخرى من الأرجنتين تسود تربية الماشية، ويمكن القول بصفة عامة إن الحياة الاقتصادية في كل هذه الجهات تعتمد اعتمادًا رئيسيًّا على الرعي. على أن مساحات كبيرة من إقليم الإستبس والبراري قد تحولت إلى الزراعة، وعلى الأخص الأجزاء التي قامت فيها وسائل الري، فمكنت من زراعة الحبوب، وأهم الحبوب التي تزرع في هذه الجهات القمح الذي يأتي في المرتبة الأولى في نصف الكرة الشمالي يتلوه الشعير والشوفان والشيلم، وأما في نصف الكرة الجنوبي فالغلة الرئيسية هي الذرة. ويساعد المناخ على نجاح زراعة الحبوب في جهات الإستبس. فإن رطوبة الربيع ودفئه يساعدان على نمو البذور وازدهار النبات ثم يأتي الصيف فيساعد على نضج الحبوب، ثم تلائم الحرارة والجفاف في أواخر الصيف موسم حصاد الغلات ولقد أصبحت الزراعة حرفة رئيسية في البراري بأمريكا الشمالية والبمباس في أمريكا الجنوبية، والفلد بجنوب إفريقيا والإستبس في استراليا، حتى لتعتبر هذه الجهات في الوقت الحالي مخزن العالم في الحبوب. ومع ذلك لا تزال هناك مساحات واسعة تسود فيها حرفة الرعي في جهات الإستبس الأسيوية. وتقوم بهذا الإقليم حرفة الصيد أيضًا، إذ تكثر به الحيوانات، وهي على نوعين: نوع آكل العشب الذي يعيش على الحشائش. ونوع آكل اللحوم الذي يعيش على النوع الأول.

3- حشائش التندرا: هذا الإقليم مقصور على نصف الكرة الشمالي فالمنطقة القطبية الشمالية عبارة عن بحر يحيط به يابس بينما المنطقة القطبية الجنوبية عبارة عن يابس يحيط به ماء، وليس اليابس القطبي الجنوبي صالحًا لنمو النبات لوقوعه في أقصى العروض القطبية الجنوبية، ثم لوقوعه تحت تأثير ضد الإعصار القطبي الذي يطرد كل تأثيرات الدفء، فلا تصل إلى الإقليم، حتى إن متوسط أكثر الشهور حرارة لا يرتفع في أي مكان فوق درجة التجمد ولذلك نجد الجليد يغطي أجزاءه طول العام, وأما اليابس القطبي الشمالي فتسمح العروض التي يقع فيها بنمو النبات، هذا فضلًا عن أن عوامل الدفء تستطيع الوصول إليه. وبذلك يتراجع خط الصفر الحراري المتساوي في شهر يناير إلى طرف سبتزبرجن عند خط عرض 77 ْشمالًا ونتيجة لهذا نجد هذا الإقليم -باستثناء جرينلند- به حرارة صيفية كافية لنمو النبات الذي يسوده النوع المسمى بحشائش التندرا. ومع ذلك فإن حشائش التندرا لا تنمو إلا بعد كفاح شديد ضد ظروف مناخية شديدة القسوة. فالسنة تنقسم إلى فصلين غير متكافئين، شتاء طويل شديد البرودة، ثم صيف قصير لا يتعدى شهرين أو ثلاثة، وعلى النبات أن يقطع أدوار حياته الثلاثة -الإنبات والنمو والنضوج- في خلال فصل الصيف القصير، قبل أن يداهمه الشتاء بصقيعه الدائم، ومثل هذا المناخ لا يلائمه إلا الحشائش؛ إذ إن الفصلية فيه شديدة الوضوح، ولكن الفصلية هنا تتضح في عامل الحرارة وليس في عامل المطر كما في حشائش السافانا، والفصلية الحادة في المناخ لا يلائمها بصفة عامة من أنواع النبات إلا الحشائش التي تنمو بسرعة كبيرة كأنما انتابتها حمى النمو بقصد الانتهاء من أدوار حياتها في فصل المطر والدفء. ونباتات هذا الإقليم قصيرة الجذور؛ لأن ذوبان الجليد في فصل الصيف يقتصر على التربة السطحية، وأما التربة السفلية فتظل متجمدة لا تسمح لجذور النبات بالتعمق فيها. ولا تتحمل هذه الظروف المناخية القاسية إلا نباتات قليلة أهمها

الطحالب والحشائش القصيرة. وقد تنمو أشجار قصيرة لا يزيد ارتفاعها عن قدم أو قدمين في الأماكن المحمية على طول المجاري المائية. وتتدرج الحياة النباتية في هذا الإقليم ففي أقصى الشمال تختفي النباتات تمامًا وتكون عبارة عن صحراء جليدية، ولكن في جنوبه تكثر الحياة النباتية نوعًا ما، وتنمو الشجيرات التي يزداد طولها ويكثر عددها وتتعدد أنواعها كلما تقدمنا نحو الجنوب. ويمكن القول بصفة عامة إن هذا الإقليم عبارة عن سهول عديمة الأشجار تقع شمال نطاق غابات المنطقة المعتدلة الباردة، إذ لا تنمو الأشجار عادة إذا انخفضت حرارة الصيف عن 50ْ ف وعلى هذا يمكن أن نعتبر خط الحرارة المتساوي 50 ْف في فصل الصيف الشمالي معينًا للحد الجنوبي لإقليم التندرا ويتبين من دراسة خرائط الحرارة المتساوية أنه لا توجد في نصف الكرة الجنوبي أجزاء من اليابس تقع جنوب خط الحرارة المتساوي 50 ْف لفصل الصيف فيما عدا مرتفعات القارة القطبية الجنوبية. الاستغلال الاقتصادي: حياة الإنسان في الإقليم عبارة عن كفاح مستمر ضد الطبيعة وهو يعتمد على حرفة الجمع والالتقاط فيلجأ إلى صيد البر والبحر ويلعب صيد البحر دورًا هامًّا في حياته حتى إن سكناه للعروض العليا تكاد تقتصر على الجهات الساحلية. ويتطلب التغير الفصلي حياة التجوال فالبيت الصيفي هو الخيمة الخفيفة المصنوعة من الجلد وأما البيت الشتوي فهو بناء من الطوب والثلج ومواد البناء نادرة ولا سيما الخشب. وتختلف وسيلة النقل والانتقال عند سكان هذا الإقليم في الصيف عنها في الشتاء ففي الصيف يستخدمون القوارب الصغيرة في البحار والأنهار؛ لأن معظم الأرض تغطيها المستنقعات في هذا الفصل. وأما في الشتاء فيستخدمون الزحافات التي تجرها الكلاب أو الرنة لأن تساقط الثلج وتجمد المياه يحول النهر والأرض وحتى البحر إلى طريق للانتقال متشابه. ويخضع الحيوان كذلك للتغير المناخي الحاد، فمعظم الطيور تهاجر في آخر

الصيف إلى الأقطار الأكثر دفئًا كما يتراجع حيوان الرنة إلى أطراف غابات التيجا ويتبعه الذئب القطبي، ولكن بعض الحيوانات تظل مقيمة بالإقليم مواجهة قسوة الشتاء مثل الأرنب القطبي والثور الأمريكي والرنة وهذه تبحث عن طعامها تحت الثلج فتنبش التربة للوصول إلى حشائش التندرا المدفونة تحت طبقة الجليد التي تكون عادة رقيقة في هذا الإقليم، ويعتبر البحر موردًا هامًّا من موارد الغذاء لبعض الحيوان مثل الدب القطبي. ولا تساعد الظروف الطبيعية على قيام حياة حيوانية غنية في هذا الإقليم وأهم ما يوجد به حيوان الرنة الذي يقتات من الطحالب والحشائش الأخرى التي تظهر فوق سطح الأرض في زمن الصيف، ويستطيع الحصول عليها في فصل الشتاء بأن ينبش بحوافره الجليد الذي يغطي هذه الحشائش كما سبق أن ذكرنا، وقد أمكن استئناس هذا الحيوان في آسيا فانتفعت به القبائل التي تعيش في إقليم التندرا بهذه القارة، فمدهم بالطعام واللباس كما استخدموه وسيلة للنقل. أما في تندرا أمريكا فلم يستأنس بل ما زالوا يصطادونه ويسمى هناك كاريبو. وفيما عدا الرنة والكاريبو يعتمد الأهالي في حياتهم على الأسماك فيصيدونها في المناطق الساحلية من خلال الثقوب في الجليد، وأما الزراعة فغير ممكنة في هذا الإقليم؛ لأن درجة الحرارة لا تسمح بنضج النبات.

الفصل التاسع عشر: الصحاري

الفصل التاسع عشر: الصحاري الصحراء تعبير نباتي يطلق على الأقاليم التي يندر فيها النبات. ويندر النبات في أي إقليم نتيجة عاملين: أولهما قلة المطر, وثانيهما قلة الحرارة ومن هنا انقسمت الصحاري إلى ثلاثة أقسام: أ- صحاري حارة. ب- صحاري معتدلة. جـ- صحاري باردة وسندرس فيما يلي كل قسم من هذه الأقسام. أ- الصحاري الحارة: توجد الصحاري الحارة حيث الحرارة وفيرة والمطر القليل, بل إن الحرارة هنا تعتبر من ضمن العوامل التي تساعد على زيادة الظروف الصحراوية لأنها تساعد على البخر وتبدد القدر الضئيل من المطر الذي يسقط في هذه الجهات. ويبلغ مقدار ما يسقط من المطر في الصحاري الحارة أقل من 25 سم في السنة، ولكن سرعان ما تبدد هذه الكمية بسبب شدة الحرارة ويسهل فهم هذه الحقيقة إذا ما عرفنا أن مقدار المطر الذي يسقط في جهات الغابات المخروطية هو 25 سم أيضًا، ومع ذلك يساعد هذا القدر في الجهات الباردة على نمو الأشجار لأن الحرارة منخفضة لا تبدد منه شيئًا. وتقع الصحاري الحارة في غرب القارات بعد الأقاليم المدارية من ناحية القطبين. وهي جهات يسودها الضغط المرتفع والتيارات الهوائية الهابطة من الطبقات العليا من الجو، ومن شأن الضغط المرتفع أن يطرد الرياح، ومن شأن التيارات الهوائية الهابطة أن تزداد قابلية لحمل أبخرة جديدة لا للتخلص مما بها

على شكل مطر. وكلا العاملين يحرم الجهات الصحراوية من الظروف المسببة للمطر. توزيع الصحاري الحارة: تشغل الصحاري الحارة مساحات كبيرة في نصف الكرة الشمالي. فهي تمتد في شمال إفريقية من ساحل المحيط الأطلسي غربًا إلى البحر الأحمر شرقًا، ثم تتجاوز البحر الأحمر إلى شبه جزيرة العرب، ومنها إلى حدود بلوخستان ثم إلى صحراء ثار في الهند، ثم في أمريكا الشمالية توجد الصحراء الحارة في كاليفورنيا وأما في نصف الكرة الجنوبي فالمساحات الصحراوية أقل لعدم اتساع مساحة اليابس في هذه الجهات. فيشمل الإقليم الصحراوي مساحات بين جبال الإنديز وبين المحيط الهادي في بيرو وشمال شيلي. ثم في جنوب إفريقية توجد صحراء كلهاري في غرب جنوب القارة وتمتد حتى المحيط الأطلسي حيث توجد صحراء ناميب Namib وكذلك في استراليا توجد الصحراء في غرب القارة ويجمع بين كل هذه الجهات -سواء في نصف الكرة الشمالي أو نصفها الجنوبي- صفتان طبيعيتان هما: 1- أنها تقع في عروض حارة. 2- المتوسط السنوي للمطر فيها أقل من 25 سم. ويتبين من هذا التوزيع أن أكبر الصحاري الحارة مساحة هي الصحراء الكبرى وشبه جزيرة العرب، ويمكن اعتبارهما إقليمًا صحراويًّا متصلًا تزيد مساحته عن مساحة القارة الأوروبية كلها، ويلاحظ في هذا التوزيع أيضًا أن إفريقيا الشمالية واستراليا سيئتا الحظ في أن أكبر عرض فيهما يقع في النطاق الصحراوي وعلى العكس من ذلك نجد أمريكا الشمالية تضيق سريعًا جنوب عرض 20 ْشمالًا وهو العرض الذي يحد الإقليم الصحراوي، ويعتبر خليج المكسيك في هذه الجهة مصدرًا للرطوبة يغذي الأراضي المحيطة به وبذلك يقلل من المساحة الصحراوية في أمريكا الشمالية. وكذلك الحال في أمريكا الجنوبية إذ تضيق

القارة في العروض الصحراوية فتنحصر الصحراء في شريط ضيق بين الجبال وبين الساحل في كل من بيرو وشمال شيلي وليس معنى الصحراء خلو الإقليم من النبات خلوًّا تامًّا بل معناه فقره الشديد في الحياة النباتية، وتنمو في الصحراء الحارة نباتات ذات طابع خاص فلا يستطيع أن يعيش في هذه الصحراء -بدون الري- إلا النباتات التي تحتمل الجفاف الشديد والتي تستطيع مقاومته بخفض البخر إلى أدنى حد ممكن وبمد جذورها في الأرض إلى أبعد حد ممكن حتى تصل إلى مستوى الماء الباطني، وباختزان المياه في سوقها وأوراقها ومن النباتات الصحراوية ما يبقى هامدًا عدة شهور بل عدة سنوات حتى إذا سقط عليه المطر استيقظ وعاد إلى الحياة. وبسبب عدم انتظام المطر الصحراوي لا توجد دورة فصلية للنبات بل نجد النبات الصحراوي وليد الصدفة يزدهر بسرعة عجيبة إذا سقط المطر، ولكنه ازدهار مؤقت لا يلبث أن يزول في فترة قصيرة. وحيثما تقترب الصحراء من البحر كما في بيرو وجنوب غرب إفريقية ينشأ من ذلك مصدر آخر من مصادر الرطوبة -غير المطر- يتمثل في الضباب الذي يتوغل في داخل اليابس في بعض الأحيان، ولبعض النباتات الصحراوية خاصية امتصاص الرطوبة من الضباب والندى بواسطة أوراقها, ومن أمثلة ذلك أيضًا اليمن حيث يغطي سفوحها ضباب من البحر الأحمر فيمد أشجار البن بالرطوبة فضلًا عن أنه يظللها ويحميها من شمس النهار المحرقة. الاستغلال الاقتصادي للصحاري الحارة: ليست الصحراء عديمة القيمة من ناحية الاستغلال الاقتصادي بل تستغل بعض جهاتها في ناحيتين هامتين: هما الزراعة واستخراج المعادن. الاستغلال الزراعي: نجد في بعض الصحاري أجزاء تقوم بها الزراعة المعتمدة على المياه الجوفية. وهذه هي التي نسميها الواحات. فالواحات عبارة عن أحواض منخفضة تتسرب إليها المياه من الجهات المرتفعة المحيطة بها ثم تظهر في منخفضات الواحات

على شكل ينابيع وآبار تكفي مياهها لري عدد كبير من الأفدنة وإعالة عدد وافر من السكان. ومن أحسن الأمثلة على ذلك واحات الصحراء الغربية في مصر مثل الخارجة وسيوة، هذا فضلًا عن أن بعض جهات الصحراء تجري فيها أنهار تنبع من جهات بعيدة عن الإقليم الصحراوي وتصل إلى الجهات الصحراوية فتجعل منها أقاليم وافرة الثروة الزراعية، ومن أحسن الأمثلة على ذلك مصر التي هي قطعة من الصحراء الصميمة أحالها النيل إلى قطر زراعي من الدرجة الأولى، ومن أحسن الأمثلة كذلك على تحول الصحراء إلى أرض مزروعة ما حدث في صحراء الكلورادو في أمريكا الشمالية وفي حوض نهر السند بالباكستان. ومما يبعث على الدهشة ذلك القدر الضئيل من المطر -أو حتى الندى- الذي تنمو عليه الغلات على حافات الصحراء، ولكن يمكن القول إن الزراعة في الصحراء تعتمد اعتمادًا رئيسيًّا على الري إما من المجاري المائية السطحية وإما من موارد الماء الباطنية حيث تنشأ الواحات وأشهر الغلات الصحراوية نخيل البلح الذي يجد في الصحراء الحارة أنسب الظروف لنموه، فرغم تعطش جذوره للمياه يتلفه المطر في فترة التلقيح كما يتلف ثمرته فيما بعد. فلكي ينتج النخيل ثمرًا جيدًا يحتاج إلى فصل حار طويل وهو ما لا يتوفر في الصحاري الباردة. وحيث يمكن الري تزرع الذرة بنوعيها الشامي والرفيعة وكذلك البقول تحت ظلال النخيل، وفي بعض الأحيان ينمو الكروم حيث تتسلق فروعه على جذوع النخيل وتنتج البساتين الصحراوية في بعض الجهات الرمان والتوت والكروم والمشمش والطباق والأفيون والقطن والقمح والذرة والشعير والبرسيم والبطيخ، وكل هذا بفضل وسائل الري الصناعي؛ وذلك لأن تربة الصحراء حينما تروى تكون شديدة الخصوبة عظيمة الإنتاج. الاستغلال المعدني: أجزاء كثيرة من الصحاري الحارة غنية بالمعادن، وإذا كان توزيع النبات

يرتبط بالمناخ ويعتمد على توفر المياه للنبات وللإنسان الذي يستغل هذا النبات, فإن توزيع المعادن لا يرتبط بشيء من هذا بل يوجد في جهات جرداء من الماء والنبات والإنسان. ومع ذلك يلجأ الإنسان لاستغلالها وينقل إليها بوسائل النقل الحديثة حاجته من الماء والطعام، ومن أمثلة ذلك منطقة النترات في شيلي ومنطقة الذهب في غرب استراليا ومنطقة الفوسفات وزيت البترول في صحراء مصر الشرقية. وفي كثير من الأماكن لا يحتاج كشف المعادن بالصحراء إلى مجهود كبير بل تتركز الأملاح السطحية بحيث يقوم التعدين المثمر ومثال أملاح النترات في شيلي والفوسفات في تونس، ولهذه الأملاح قيمة كبيرة كسماد، ولا شك أنه من المفارقات العجيبة أن أعظم مخصب في العالم يجلب من أشد أجزاء العالم جدبًا!. وخلاصة هذا أن الصحراء الحارة تساهم في الإنتاج العالمي بنصيب وافر، وهي تضم خليطًا من السكان يشتغل فريق منهم بالزراعة وفريق بالتعدين وفريق ثالث بالتجارة, غير أن الأجزاء الصحراوية ذات القيمة الاقتصادية لا تكون إلا نسبة ضئيلة جدًّا من المساحات الصحراوية بالعالم. ب- الصحراء المعتدلة: العامل الرئيسي في تكوين هذه الصحراء هو المناخ، فالمناخ في هذه الصحراوات قارس إذ تشتد الحرارة صيفًا وتشتد البرودة شتاء، وتتكون عليها في فصل الشتاء مناطق متسعة من الضغط المرتفع بسبب برودة الهواء، كما تتكون عليها في فصل الصيف مناطق من الضغط المنخفض تجذب لها الرياح من المحيط، ومع ذلك لا يسقط بها إلا نذر يسير من المطر؛ وذلك لأن الرياح تقطع مسافات بعيدة أو تجتاز جبالًا عالية قبل الوصول إلى هذه الجهات، وبذلك تفقد معظم ما بها من رطوبة قبل الوصول إليها، على أن بعض جهات هذا الإقليم القريبة من البحر المتوسط يسقط بها مطر شتوي ومثال ذلك إيران.

وتغطي بعض جهات هذه الصحاري المعتدلة طبقة فقيرة من الحشائش تتحول بالتدريج إلى مراعي الإستبس المعروفة. وترجع قحولة الصحراوات المعتدلة إلى ثلاثة عوامل رئيسية هي: أولًا: البعد عن البحر. ثانيًا: شكلها الحوضي بين أراضٍ مرتفعة. ثالثًا: ضد الإعصار الذي يقوم عليها شتاء. ونتيجة لهذا لا تستطيع الرياح الحاملة للمطر أن تتوغل في هذه الجهات، ثم هي إذا استطاعت الوصول إليها فإنما تهبط إلى أحواض، وبذلك تزيد حرارتها وتزداد قابليتها لحمل رطوبة جديدة لا للتخلص مما بها من رطوبة. ولا يتسع اليابس في العروض الوسطى اتساعًا يسمح بتكون الصحاري المعتدلة إلا في أوراسيا وأمريكا الشمالية وأما في نصف الكرة الجنوبي فلا نجد ما يجوز أن يعتبر من الصحاري المعتدلة إلا بتاجونيا، فهذه رغم ضيق أمريكا الجنوبية تعتبر صحراء بسبب الحاجز المحكم الذي تكونه الإنديز ضد الرياح الغربية. وأما في أوراسيا فتمتد هذه الصحراوات المعتدلة من بحر قزوين إلى حافة خنجان ولكنها غير متصلة بل تقوم فيها مجموعات من الجبال تكون واحات عالية تقطع الصحراء إلى عدد من الأحواض المنعزلة. وتتمثل الصحراء المعتدلة في أمريكا الشمالية في الحوض العظيم. وهنا ينبغي أن نلتفت إلى نوع الواحات في الصحراء الحارة والصحراء المعتدلة، فالواحات في الصحراء الحارة عبارة عن منخفضات تعتمد على الماء الباطني وأما الواحات في الصحراء المعتدلة فعبارة عن جبال مرتفعة تتلقى الرطوبة من طبقات الجو.

جـ- الصحراء الباردة: تقع الصحاري الباردة حيث درجة الحرارة في معظم شهور السنة أقل من الدرجة اللازمة للإنبات، وبذلك يتعذر نمو النبات. ففي المنطقة القطبية -حيث توجد هذه الصحاري- يطول الشتاء وتزداد برودته كما أن الصيف قصير المكث قليل الدفء، ونتيجة لهذه الظروف المناخية يستحيل نمو الأنواع النباتية بصورها المختلفة وواضح من هذا أن المظهر العام للإقليم القطبي شبيه بالمظهر العام للصحراء، ومن أجل هذا أطلق عليه اسم الصحراء الباردة أو الجليدية، فتشترك الصحراء الحارة والصحراء الباردة في ظاهرة هامة هي وجود جهات كثيرة جرداء من كل حياة نباتية بسبب قلة المطر في الصحراء الباردة. وهناك عامل مشترك آخر بين الصحراوين هو عدم ملاءمة المناخ لقيام الزراعة. وتنتشر الصحراء الباردة في أطراف القارات الشمالية في آسيا وأوربا وأمريكا الشمالية ثم في القارة القطبية الجنوبية. وكما تتدرج الحشائش الحارة "السفانا" إلى الصحراء الحارة تتدرج الحشائش الباردة "التندرا" إلى الصحراء الباردة ومن أحسن الأمثلة على ذلك جرينلنده في نصف الكرة الشمالي والقارة القطبية الجنوبية في نصف الكرة الجنوبي. ويوجد في جرينلنده وفي القارة الجنوبية "أنتاركتيكا" -حيث اجتمع عاملا الارتفاع والبعد عن خط الاستواء- مناخ أشد قسوة من مناخ التندرا. فجرينلنده إقليم جبلي مرتفع يتراوح ارتفاع قممه بين 5 و 11 ألف قدم، ولهذا كانت الجزيرة مغطاة بغطاء من الجليد لا يعرف سمكه. ولا يظهر من جرينلنده إلا شريط ساحلي ضيق. ولا يسكن من هذا الشريط الساحلي إلا جزؤه الغربي. والبحار المحيطة بها موطن لحيوانات كثيرة أهمها فرس البحر وبقر البحر والدببة القطبية والحيتان التي تمد الناس بالطعام واللباس كما تمدهم بالزيت للإضاءة والتدفئة.

أما أنتاركتيكا فهي قارة شامخة الارتفاع تحيط بالقطب الجنوبي ويغطيها كساء من الجليد الدائم الذي لا يذوب مطلقًا ولهذا كانت غير صالحة لقيام أية حياة نباتية أو حيوانية أو بشرية بها. الاستغلال الاقتصادي في الصحاري البرية: تكاد تكون الصحاري الباردة خالية من السكان ولكن قد يستطيع الإنسان بوسائل العلم الحديثة أن يستغلها في رعي بعض الحيوان مثل حيوان الكاريبو "الرنة الأمريكي" الذي تعتبر لحومه وجلوده ذات قيمة اقتصادية كبيرة كما قد تستغل بعض جهات الصحاري الباردة في استخراج المعادن كما في حوض نهر كلونديك في ألاسكا.

الفصل العشرون: توزيع النبات بالقارات

الفصل العشرون: توزيع النبات بالقارات إفريقيا: توضح الخريطة المبينة في "شكل 85" توزيع النبات بالقارة الإفريقية وفي هذه الخريطة نلاحظ ما يأتي: أولًا: حوض الكنغو وساحل غانة: تغطي الغابات الاستوائية معظم السفوح والسهول المنحدرة نحو المحيط الأطلسي على طول شواطئ خليج غانة كما تغطي هذه الغابات الجزء الأكبر من حوض الكنغو، وهو الجزء الذي يتميز بالمناخ الاستوائي الصميم من حرارة وفيرة طول العام إلى مطر غزير دائم. وحوض الكنغو عبارة عن هضبة مستوية السطح سهلية المظهر ترتفع فوق سطح البحر بحوالي 500 متر وتحاط من كل جانب بحافات هضاب أكثر ارتفاعًا، ونتيجة لارتفاع بعض الأجزاء يتخلل الغابات الاستوائية في حوض الكنغو بعض أشرطة من الأشجار الأقل صلابة بل وبعض مساحات من السفانا. ثانيًا: شرق إفريقيا: في شرق إفريقية تختلف الحالة النباتية اختلافًا كبيرًا جنوب خط الاستواء عنها شمال هذا الخط. ففي جنوب شرق القارة تزدهر الحياة النباتية بفضل الأمطار الصيفية التي تجلبها الرياح التجارية. فنجد في ناتال غابات شبه استوائية في الجهات المنخفضة ثم تقل كثافة الغابات وتتحول إلى حشائش كلما ارتفعنا فوق سفوح الهضبة واتجهنا نحو داخل القارة، ولكن إذا تتبعنا الساحل الشرقي نحو الشمال نجد نوع النبات السائد هو الغابات الحارة الرطبة الشبيهة بالغابات الاستوائية. وتقل الحالة النباتية غنى كلما بعدنا عن الساحل وارتفعنا فوق سطح الهضبة الإفريقية. ثم بمجرد أن نعبر خط الاستواء نحو الشمال تنقلب الحالة النباتية انقلابًا تامًّا وتتحول إلى الجدب فلا نجد في الصومال

إلا الحشاش الفقيرة التي تتخللها أشجار السنط. ثم إذا ما تابعنا السير شمالًا نجد الحالة النباتية تنقلب مرة أخرى في منطقة الحبشة، فتتحول من جديد إلى الغنى النباتي حيث تنمو الغابات الموسمية على المرتفعات الحارة الرطبة وتنمو الحشائش فيما عدا ذلك من أجزاء، ويعبر عن الحبشة بأنه إقليم غني يبرز وسط أقاليم مجدبة؛ والسبب في غنى الحبشة النباتي هو أمطارها الصيفية الغزيرة الناتجة عن اصطدام الرياح الموسمية بالهضبة المرتفعة، ولذلك بمجرد أن نغادر منطقة الهضبة نحو الشمال يعود الجدب مرة أخرى، بل يعود بشدة أكثر مما وجدناه جنوب الهضبة فنجد الصحراء التامة تسود الساحل الإفريقي من شمال هضبة الحبشة حتى ساحل البحر الأبيض المتوسط. ثالثًا: الصحراء: تشغل الصحراء قسمًا كبيرًا من القارة الإفريقية ولا سيما في نصف القارة الواقع شمال خط الاستواء، حتى أصبح لفظ "الصحراء" اسمًا علمًا يستخدم في اللغات الأجنبية للدلالة على "الصحراء الكبرى" في شمال إفريقية، وتعتبر هذه الصحراء الكبرى أهم ظاهرة جغرافية تستلفت الأنظار في القارة الإفريقية فهي عظيمة الاتساع لا يصطدم البصر فيها إلا ببعض الكثبان الرملية والتلال المبعثرة هنا وهناك وهي تمتد امتدادًا متصلًا من أقصى غرب القارة إلى أقصى شرقها أي أنها تمتد من ساحل المحيط الأطلسي حتى ساحل البحر الأحمر، وفي كل هذه المساحة الواسعة يسود جدب شديد وقحط عظيم وظمأ على نطاق واسع لا مثيل له في منطقة أخرى من العالم، ويندر في هذه الصحراء أن يقع البصر على خصلة من العشب أو على جذع شجرة ميتة من الظمأ، ولا يقطع هذا المنظر الممل في الصحراء إلا الواحات التي يقوم فيها بعض النبات معتمدًا على المياه الباطنية، بل إن مصر لا تعتبر أكثر من واحة أوجدها نهر النيل في هذه الصحراء؛ فمساحة الأراضي المزروعة في مصر لا تكاد تذكر إلى جانب المساحات الصحراوية التي تحيط بها من الشرق والغرب. ومثل هذا يقال على القسم الشمالي من السودان، فهو منطقة صحراوية ليس بها من علامات الحياة إلا الشريط الضئيل المساحة المطل على نهر النيل. وكذلك تشغل الصحراء مساحة كبيرة في النصف الجنوبي من إفريقيا ولكنها

تختلف عن الصحراء الشمالية في أنها أصغر مساحة وأقل جدبًا، وفي أنها تقتصر على الجزء الغربي من جنوب القارة، وأما الجزء الشرقي من جنوب القارة فيتمتع -كما سبق أن ذكرنا- بأمطار صيفية وفيرة تجلبها إليه الرياح التجارية الجنوبية الشرقية. وهذه الرياح الشرقية تسقط معظم حمولتها من الأمطار على الساحل الشرقي حتى إذا ما عبرت حافة الهضبة وتقدمت نحو الغرب كانت رياحًا جافة لا تحمل إلا قدرًا ضئيلًا من الرطوبة. حتى هذا القدر الضئيل من الرطوبة "شكل 85" "توزيع النبات الطبيعي في إفريقيا"

يفقد في الطريق فإذا ما وصلت الساحل الغربي كانت جافة تمامًا؛ ولذلك كان الشريط الساحلي الغربي المواجه لصحراء كلهاري أشد جهات القسم الجنوبي من القارة قحطًا وجدبًا، ويتصل هذا الجزء المجدب بصحراء ناميب عبر هضبة دامارا ناما وأما صحراء كلهاري نفسها فهي لا تخلو من بعض العشب الفقير وبعض الشجيرات الشوكية، ثم إذا ما تجاوزنا صحراء كلهاري عبر هضبة الفلد نجد جبال الكارو ينالها شيء من المطر الذي ينمو عليه بعض العشب، ولذلك تقوم بالمنطقة التي تمتد من صحراء كلهاري حتى جبال الكارو حياة الرعي والصيد. رابعًا: تشغل حشائش السفانا مساحة كبيرة من القارة الإفريقية في شمال خط الاستواء وفي جنوبه، وهو النوع النباتي الوحيد في القارة الذي تتصل أجزاؤه في شمال القارة وجنوبها، وتقع حلقة الاتصال بين السفانا الشمالية وبين السفانا الجنوبية في هضبة شرق إفريقيا التي قامت فيها حشائش السفانا -رغم وقوعها على خط الاستواء- بسبب ارتفاعها وكما هو واضح في الخريطة شكل 140 تمتد السفانا كشريط على الحافة الشمالية للغابات الاستوائية ثم تمتد السفانا عبر هضبة شرقي إفريقية إلى الجنوب فتشغل الهضبة الإفريقية حتى جبال دراكنزبرج. ولما كان ارتفاع الهضبة يزداد كلما تقدمنا جنوبًا، كما أن خط العرض يزداد في هذا الاتجاه، فإن السفانا تفقد خواصها الطبيعية الرئيسية في هذا الاتجاه كذلك، فنجد سفانا الزمبيزي تفقد صفتها كحشائش حارة وتتحول إلى حشائش أقل كثافة وطولًا تعرف باسم محلي هو حشائش الفلد، التي يمكن اعتبارها سفانا فقيرة ما زالت تتخللها بعض الأشجار، ثم إلى الجنوب من هذا تتحول إلى حشائش إستبس أي تخلو من الأشجار فضلًا عن قصرها وقلة كثافتها. خامسًا: في الركن الشمالي الغربي من القارة وكذلك في ركنها الجنوبي الغربي وركنها الجنوبي الشرقي تقوم الأشجار الدائمة الخضرة التي هي النبات الطبيعي في هذه الأجزاء من المنطقة المعتدلة الدفيئة. فالركن الشمالي الغربي من القارة الذي تفصله سلاسل جبال الأطلس عن سائر القارة يصيبه قدر كبير من المطر تنمو عليه حياة نباتية غنية تتمثل في أشجار البلوط الدائم الخضرة في الجهات المتوسطة

الارتفاع، ثم في المناطق الأكثر ارتفاعًا تنمو غابات الأرز، وأما في السفوح السفلى والوديان فتنمو أشجار الزيتون والبرتقال. وكذلك تقوم حياة نباتية شبيهة بهذه في الركن الجنوبي الغربي من القارة، وأما في الركن الجنوبي الشرقي فبسبب سقوط مطر صيفي وفير في السهل الساحلي تنمو حياة نباتية أكثر كثافة تقترب في طبيعتها من الغابات الشبه مدارية، ولا يقتصر نوع الأشجار على النوع الدائم الخضرة بل تكثر بها الأشجار النفضية، ولكن بمجرد أن نترك الساحل ونتدرج في الارتفاع على حافة الهضبة تتدرج الحياة النباتية تبعًا لهذا إلى أن يسود عشب من نوع السفانا فتعتبر هذه المنطقة العشبية امتدادًا لسفانا منطقة الزمبيزي. أوروبا: تبين الخريطة الموضحة "شكل 86" توزيع النبات الطبيعي في أوربا، وفي هذه الخريطة نلاحظ ما يأتي: أولًا: تعتبر النباتات الجبلية من أهم الظاهرات النباتية بالقارة. فتوزيع النبات بهذه القارة يتأثر بتوزيع مظاهر السطح "التضاريس" تأثرًا كبيرًا. وتحدث الجبال تغيرات فجائية وحادة في الحرارة والمطر ولهذا تتدرج عليها الأشكال النباتية تدرجًا فجائيًّا وحادًّا أيضًا ويبدأ هذا التدرج بالشكل النباتي الملائم للإقليم الذي يقوم عليه الجبل ثم تتدرج النباتات إلى أعلى الجبل بنفس ترتيبها في اتجاه القطب، فتنمو الغابات النفضية في أكثر الجهات مطرًا على السفوح السفلى، وتعلوها الغابات الصنوبرية. ثم نطاق ضيق من الحشائش الألبية التي تعادل حشائش التندرا في العروض العليا، وتمتاز البيئة الجبلية بالتنوع النباتي الشديد في مساحة صغيرة، ولذلك نجد الفرد الواحد من سكان الجبال يحترف الرعي والزراعة وقطع الغابات والصناعة في داخل مسكنه ويقسم وقته بين هذه الحرف جميعًا بحسب فصول السنة. فمن الأمور المألوفة في الألب الفرنسية بجنوب شرق فرنسا أن تقوم الأسرة الواحدة بزراعة الكروم على السفوح السفلى ثم بزراعة القمح والشعير على السفوح العليا ثم برعي الماشية في نطاق الحشائش الألبية

"شكل 86 توزيع النبات الطبيعي في أوربا"

الذي يعلو نطاق الغابات، وتشجع المسافة القصيرة بين المناطق النباتية على سفوح الجبال على الهجرة الفصلية من منطقة إلى أخرى، ويلاحظ أن مثل هذه الهجرة متعذرة بين العروض المختلفة بسبب طول المسافة بين إقليم نباتي وآخر، هذا فضلًا عن قيام الحدود السياسية بين الدول. ويتمثل هذا التدرج النباتي كاملًا فوق كثير من جبال أوربا مثل هضبة فرنسا الوسطى والفوج وشفارتزفالد "الغابة السوداء" ومرتفعات الرين الأدنى وغابة ثورنجيا والهارتز والمرتفعات الحافة ببوهيميا، فكل هذه الجبال تتدرج نباتاتها من الغابات النفضية إلى الحشائش الباردة "الألبية" وتوجد الغابات الصنوبرية بوفرة في جبال الكربات، وأما جبال الألب فالتدرج النباتي عليها شديد الوضوح يبدأ بالغابات النفضية ثم تتدرج إلى الغابات الصنوبرية ثم تنتهي إلى الحشائش الألبية. ثانيًا: تغطي الغابات بأنواعها المختلفة مساحة كبيرة من القارة الأوروبية، فالغابات الصنوبرية تغطي النصف الشمالي من روسيا واسكندناوه شمال خط عرض 63 ْشمالًا، وتغطي الغابات النفضية النصف الجنوبي من اسكندناوه ومعظم بريطانيا وشمال أسبانيا وغربها ثم باقي غرب أوروبا ووسطها. ويضيق نطاق هذه الغابات كلما اتجهنا شرقًا في القارة حتى ينحصر طرفها الشرقي -كما هو واضح من الخريطة- بين الغابات الصنوبرية وبين حشائش الإستبس. وأما غابات البحر المتوسط فتوجد في القسم الجنوبي من شبه جزيرة البلقان وبخاصة على السواحل الجنوبية الغربية للبحر الأسود ثم في يوجوسلافيا وألبانيا واليونان وإيطاليا وجنوب فرنسا وأسبانيا. ثالثًا: تشغل حشائش التندرا شريطًا ضيقًا في شمال أوروبا؛ وذلك لأن ساحل القارة الشمالي لا يمتد كثيرًا في العروض العليا هذا فضلًا عن عوامل الدفء التي تقترب من هذا الجزء المتطرف من القارة، ولذلك تستطيع الأشجار أن تنمو في جهات شديدة القرب من المحيط الشمالي، ويعبر عن هذا جغرافيًّا بأن خط الأشجار متقدم في هذه العروض العليا فلم يترك للتندرا إلا شريطًا ضيقًا، وأما الحشائش المعتدلة فميدانها الرئيسي جنوب روسيا إذ تنتشر بها هذه الحشائش حتى حافات الغابات نفضية كانت أو صنوبرية وتمتد حشائش الإستبس من رومانيا

إلى بلغاريا إلى وادي الفلجا الأدنى وتتصل في هذا المكان بنطاق الإستبس الآسيوي ويمكن القول إن الحد الغربي لحشائش الإستبس يمتد حتى قاعدة جبال الكربات، كما أن طبيعة المجر تلائمها حشائش الإستبس بسبب مناخها القاري الجاف، على أن مساحات كبيرة من الإستبس الأوروبية قد حولت إلى الزراعة بفضل وسائل الري والزراعة الحديثة. رابعًا: لا يوجد من أنواع الصحاري بالقارة الأوروبية إلا الصحراء الجليدية، وهذه تشغل شريطًا ضيقًا في أقصى شمال القارة، وأما الصحراء الحارة فلا وجود لها في هذه القارة لأن عروضها لا تسمح بذلك، فخط عرض 30 هو الحد الشمالي للصحاري الحارة في نصف الكرة الشمالي، وأما الصحراء المعتدلة فيمكن القول أيضًا إنها غير موجودة، ولو أنه يوجد بجنوب شرق القارة حول بحر قزوين بعض جهات الإستبس الشديدة الفقر إلى درجة تقترب من ظروف الصحراء المعتدلة. آسيا: بسبب امتداد قارة آسيا في خطوط العرض من الإقليم الاستوائي في الجنوب إلى الإقليم القطبي في الشمال تتتابع فيها الأشكال النباتية من الغابات الاستوائية والموسمية في الجنوب إلى حشائش التندرا والصحاري الجليدية في الشمال، ثم بسبب اتساع القارة من الشرق إلى الغرب ووجود الحواجز الجبلية التي تمنع وصول الرطوبة من البحر إلى الداخل يشغل قلب آسيا مساحات كبيرة من الصحاري المعتدلة والمناطق العشبية الفقيرة. وأخيرًا بسبب كثرة جبال القارة وهضابها وانتشارها في مساحات كبيرة منها نجد التوزيع الفعلي للنبات يخضع لعامل الارتفاع. ومثال ذلك إقليم ألتاي وإقليم التبت في المنطقة المعتدلة الباردة من الناحية المناخية ثم إقليم إيران وإقليم منغوليا اللذان يتبعان المنطقة المعتدلة الدفيئة من الناحية المناخية كذلك. وتبين الخريطة الموضحة في شكل 87 توزيع النبات الطبيعي في قارة آسيا، وفي هذه الخريطة نلاحظ ما يأتي:

أولًا: تشغل الجهات الصحراوية مساحة كبيرة من قارة آسيا فالصحراء الجليدية تمتد في شريط متصل شمال هذه القارة، وأما الصحراء الحارة فتشغل شبه جزيرة العرب وجنوب إيران وصحراء ثار، كذلك تشغل الصحاري المعتدلة أجزاء كبيرة من قلب القارة تمتد تقريبًا من البحر الأبيض المتوسط إلى عاموريا فوق سطح متنوع بين منخفضات ومدرجات وسلاسل جبلية عالية. وتختلف الصحاري الأسيوية عن الصحراء الكبرى الإفريقية في أن الفروق الحرارية اليومية والفصلية أكبر في الصحاري الأسيوية حيث الشتاء قارس البرودة والصيف شديد القيظ.

وتحيط بالصحاري حشائش الإستبس، وأقصى الصحاري المعتدلة نحو الغرب صحراء طوران، ويحيط بصحراء طوران من الشمال حشائش الإستبس التي تمتد حتى بحر قزوين، وفي قلب طوران يقع بحر آرال الذي يصب فيه النهران المشهوران سيحون وجيحون، ويستمد هذان النهران مياههما من ذوبان ثلوج البامير وتيان شان. وتقوم الزراعة على شواطئ هذين النهرين، فهما -أشبه بمصر- عبارة عن شريطين من الخضرة في قلب الصحراء، ويحف بالصحراء على طول القاعدة الشمالية الغربية للجبال نطاق من التلال والمدرجات ترتوي من مياه الجبال فتقوم عليها حياة نباتية، ولكن يبقى نمو الأشجار مقصورًا على جوانب النهر، وأما ما عدا ذلك فحشائش الإستبس هي النبات الطبيعي إذا لم يستخدم الري للزراعة. والجزء الغربي من سلاسل جبال تيان شان وألتاي وكذلك سلاسل خراسان تكثف رطوبة الرياح الشمالية فيصيبها قدر لا بأس به من المياه ولا سيما في الشتاء والربيع، ولذلك نجد حياتها النباتية شبيهة بحياة منطقة طوران، فتقوم الزراعة عند قواعد التلال ويقوم العشب في الجهات الأكثر ارتفاعًا، ثم نطاق من الغابات المخروطية ثم حشائش ألبية في أعلى "حشائش صيفية" ثم أخيرًا صحراء باردة فوق قمم الجبال. وكذلك هضبة إيران محاطة بحافات ألبرز وخراسان فتحميها من الرياح الشمالية، ولكن تجتاحها رياح باردة جافة فتتعرض للتطرف الحراري، ومن الناحية النباتية توجد بها منخفضات قاحلة تحيط بها حشائش الإستبس القصيرة الخالية من الأشجار إلا الأنواع الصحراوية كالشجيرات الملحية الرخوة المختزنة للعصارة والشجيرات الشوكية والأثل، ومثل هذه الحالة نجدها في خراسان وكوهستان، ويحيط أيضًا بهذه الصحراوات المنخفضة حشائش الإستبس القصيرة الخالية من الأشجار وتشغل هذه الحشائش المستويات الأعلى الجافة بالمنخفضات. وهنا نلحظ الفرق بين منخفضات الصحراوات المعتدلة ومنخفضات الصحراوات الحارة، فالمنخفضات الأخيرة أكثر جهات الصحراء غنى بالثروة النباتية، وأما منخفضات الصحراء المعتدلة فأكثرها جدبًا وفقرًا، وقد نشأ هذا الفرق نتيجة

لاختلاف مصدر الماء في كل منهما. ويشبه سهل أصفهان المروج الألبية، وتختلف الحياة النباتية في أجزاء هذا السهل بحسب ما يناله من ماء. وأما السلاسل الجبلية التي تخترق الهضبة فهي -كالسلاسل التي تحيط بالهضبة- تحتوي على وديان خصبة ذات مراعٍ جيدة، ولذلك يزداد عدد سكانها عن السهل المكشوف. وكذلك يوجد شبه بين شرق إيران وبين طوران، في صحاريها وأجزائها الملحة في المنخفضات ثم سهولها الهزيلة الحشائش ذات الشجيرات المبعثرة على قواعد فتحات الجبال في هندوكوش، ثم في واحاتها التي تقوم على شواطئ الأنهار، وتقوم الزراعة حول وديان الأنهار التي تنحدر من جبال هندوكوش نحو الجنوب والغرب، ومن أجل هذا كانت مركزًا لتجمع السكان، ويرجع الغنى النسبي لهذه الجهات إلى الأنهار التي تستمد ماءها من الثلاجات. ويمتد الحائط الجنوبي لهضبة إيران من أرمينيا إلى الهند عبر سلسلة زاجروس وهو حائط وعر مقفر إلا من بعض الواحات الجبلية المنعزلة، ولكن مظهرها العام صحراوي صرف. ثانيًا: تشغل الجهات الجبلية مساحة كبيرة أيضًا من قلب القارة الآسيوية، وتتصف الحالة النباتية فيها بالفقر الشديد. إذ تحيط الجبال المرتفعة من جميع الجهات بالهضاب الممتدة من البامير إلى خنجان فتمنع وصول الرياح المطيرة إليها. ومناخ هذه الهضاب متطرف من حيث الحرارة وجاف من حيث المطر، وأما نباتها فيغلب عليه الصفة الصحراوية, وأكثر الجهات جدبًا وفقرًا في الحياة النباتية حوض تاريم وجوبي الغربية. ويشغل حوض تاريم في معظمه صحراء تاكلامكان التي هي عبارة عن بحر من الكثبان الرملية المتنقلة. ويشغل الشريط الضيق الذي بينها وبين الجبال شجيرات هزيلة ومستنقعات وحشائش شتوية خشنة ثم واحات فوق الرواسب الغرينية ثم مساحات حصباوية، أي يغطيها الحصا والحصباء، ثم مدرجات مزروعة يقوم في أعلاها على سفوح الجبال المراعي الصيفية، ويوجد مثل هذا الترتيب النباتي على نطاق أوسع في صحراء جوبي أو صحراء شامو وعلى سفوح جبال ألتن تاج وكوينلن. ومن الأمور التي نتوقعها في نباتات الجبال المحيطة بهذه الهضاب أن سفوحها الخارجية -أي المواجهة

الرياح الممطرة -تكون كثيرة الأشجار، وأما سفوحها الداخلية أي الواقعة في ظل المطر فأشجارها قليلة أو معدومة- وأجزاء السلاسل التي تمتد في الصحراء مثل ألتاي وتيان شان خالية من الغابات وحتى مراعيها الألبية "الحشائش الباردة أو حشائش التندرا" مقصورة على الارتفاعات الكبيرة وينطبق هذا على زنجبار ومنغوليا أيضًا. ثم على هضبة البامير تجد السلاسل الجبلية تضغط نطاق ضيق من الحافات الشاهقة والوديان العالية، ويغطي الثلج هذه الوديان لشهور عديدة من كل عام ثم في فصل الصيف يذوب الجليد وتزدهر الحشائش الألبية التي يستغلها رعاة القرغيز استغلالًا جيدًا. أما على هضبة التبت فنجد السلاسل الجبلية تنتشر وتتباعد عن بعضها، كما يزداد عرض الوديان العالية بين الحافة الجبلية الشاهقة الارتفاع، ولا يمكن أن ينمو على هذه الارتفاعات التي تتراوح بين 4000، 5000 متر إلا الحشائش الألبية؛ وذلك لأن هذه المساحات المرتفعة تتعرض للتطرف بين الحرارة الشديدة والبرودة القاسية كما تتعرض للرياح الباردة في كل الفصول وللعواصف الثلجية في فصل الشتاء، ولا يستثنى من هذا إلا الجزء الشرقي من جنوب التبت حيث الظروف المناخية أقل حدة بحيث تسمح بقيام بعض الزراعة في الوديان الواسعة والسهول، ولذلك يتركز سكان التبت في هذا الجزء. وتتخلل السفوح الشرقية للتبت خوانق ضيقة بين حافات متوازية حادة، وتتلقى هذه السفوح أمطارًا وفيرة من الرياح الموسمية الصيفية التي تهب على الصين. ومن أجل هذا يزداد الغنى النباتي على هذه السفوح فتتدرج الحياة النباتية من الحشائش الألبية في أعلى يتلوها نطاق من الغابات المخروطية، يتلوها نطاق من الغابات النفضية ذات الأشجار العريضة الأوراق ثم تتحول هذه إلى غابات دائمة الخضرة من نوع غابات إقليم البحر المتوسط والإقليم الصيني ثم تتحول على السفوح السفلى إلى غابات كثيفة شبيهة بالغابات الموسمية أو الاستوائية.

ثالثًا: تشغل الجهات المتمتعة بالنظام الموسمي مساحة كبيرة من هذه القارة في جنوبها وجنوبها الشرقي وشرقها في الهند وبرما والصين الهندية وأرخبيل الملايو والصين وعاموريا واليابان. فأما في الهند فتهب الموسمية الجنوبية الغربية على الحافة الغربية لهضبة الدكن فتسقط أمطارًا غزيرة تقوم بسببها غابات كثيفة من النوع الاستوائي على ساحل مالابار, وكذلك تقوم مثل هذه الغابات في جنوب سيلان, وأما على الساحل الشرقي "ساحل كروماندل" وشمال سيلان فيسقط مطر أقل، ومن أجل هذا كانت الغابات مختلفة في نوعها وفي كثافتها فهي عبارة عن أشجار دائمة الخضرة على مسافات متباعدة. وأما وسط هضبة الدكن فيقع في ظل المطر، أي إنه قليل المطر فإذا أضفنا إلى هذا التربة التي لا تحتفظ بالرطوبة لعرفنا السبب في وجود أجزاء قاحلة في هذه الهضبة إلى جانب أجزاء يغطيها العشب وأخرى تغطيها الغابات النفضية وغابات التاكة. وإلى الشمال من هضبة الدكن نجد سهول السند والجانج، وتتدرج حالة الرطوبة في هذه السهول من الرطوبة الغزيرة في الشرق إلى الجفاف الشديد في الغرب حيث صحراء ثار، وتتبع سهول السند الصحراء الحارة التي تشمل أيضًا شبه جزيرة العرب والعراق، ولولا ما يأتي به نهر السند من مياه منحدرة إليه من جبال الهملايا لكانت سهوله عبارة عن صحراء حقيقية. وأما سهول الجانج فعلى النقيض من ذلك يصيبه مطر موسمي غزير وتأتيه مياه وفيرة من الأنهار التي تنبع من الهملايا أيضًا. ثم إذا تركنا السهول وانتقلنا إلى الهملايا في شمالها نجد الحياة النباتية تتدرج على سفوحها فتوجد النباتات المدارية إلى ارتفاع 5.000 قدم. ويكون القسم الغربي من هذه السفوح جافًّا وقسمها الشرقي رطبًا، ولذلك نجد الركن الشمالي الشرقي من الهند وسفوح الهملايا الدنيا في هذا الركن ثم غرب برما تسودها ظروف ملائمة لنمو الغابات الكثيفة من النوع الاستوائي. ثم على السفوح الوسطى للهملايا يوجد نطاق الأشجار الدائمة الخضرة يعلوه نطاق الغابات النفضية إلى ارتفاع 3500 متر بعد هذا الارتفاع يوجد نطاق الحشائش الألبية ويستمر حتى 4500 متر.

وأما برما فتسودها الغابات التي تتنوع بين غابات التاكة النفضية في برما الشرقية والسفلى بين غابات المنطقة المعتدلة الدفيئة على السفوح الجبلية المرتفعة "شبيهة بغابات الإقليم الصيني" وكذلك تتأثر الصين الهندية بالنظام الموسمي تأثرًا كبيرًا فتشغل معظم سيام وكمبوديا غابات التاكة والسافانا والأحراش وتغطي الغابات الكثيفة الجبال في شمالها وغربها، وتسود التاكه أيضًا في السفوح الدنيا، وأما في السفوح العليا فتسود غابات المنطقة المعتدلة الدفيئة "شبيهة بغابات الإقليم الصيني". ثم توجد الغابات الكثيفة الشبيهة بالاستوائية في المناطق المنخفضة في كوشن تشينا Cochoin China ولكن جزءًا كبيرًا منها أزيل لاستخدام الأرض في الزراعة. وأما شبه جزيرة الملايو فتقع في الإقليم الاستوائي وتشغلها الغابات الاستوائية وكذلك أرخبيل الملايو تقوم به الغابات الاستوائية الدائمة الخضرة على السفوح الجنوبية والشرقية والسهول المعرضة للأمطار الاستوائية الغزيرة، وأما السفوح الشمالية والغربية فتتعرض لفصل جاف ولذلك يتراوح نباتها بين الغابات النفضية التي من أهم أشجارها التاكه وبين السفانا التي تتخللها الأشجار، ثم على السفوح العليا تقوم الأشجار الدائمة الخضرة، وأخيرًا على القمم لا نجد إلا العشب. وأما في الصين فإنها لفرط ما استغلت في الزراعة لم يبق من نباتها الطبيعي إلا النذر اليسير. وتعتبر سلسلة تسينلنج شان -التي تسير من الغرب إلى الشرق- وكذا مرتفعات شمال اليانجتس فاصلًا طبيعيًّا بين نوعين من المناخ والنبات الطبيعي ففي شمال هذا الفاصل يقاسي الإقليم من التغيرات في الحرارة ومن الشتاء الجاف القارس البرد، ولذلك كان نباته من النوع الذي يزدهر في فصل الصيف. وأما في جنوب هذا فنجد المناخ يتحول إلى الظروف المعتدلة الدفيئة مع الرطوبة الدائمة ولذلك نجد السفوح الجنوبية لجبال تسينلنج تغطي بعضها الغابات الكثيفة، وقد أصبح هذا الفاصل بين النبات الطبيعي فاصلًا بين النبات المزروع أيضًا ففي الشمال يزرع الشعير والذرة بنوعيها والقمح والقطن والتبغ والعنب، وقد ساعد على ذلك التربة الصفراء الغنية التي تلائم الزراعة الكثيفة وتمكن من تكاثف السكان

بالإقليم. وأما جنوب هذا الفاصل فيزرع الأرز والشاي والقطن إلى جانب استغلال الغابات استغلالًا جيدًا. وفي شمال الصين نجد منشوريا وهي مقفولة من جميع الجهات بواسطة سلاسل جبلية ولذلك نجدها إقليمًا جافًّا تسوده حشائش الإستبس الخالية من الأشجار ولذلك يطلق عليها جوبي الشرقية أي إنها تعتبر إقليمًا صحراويًّا أو شبه صحراوي، ولا تزدهر الحياة النباتية في هذا الإقليم إلا في الشريط الساحلي الضيق وعلى سفوح الجبال شرقي زونجاريا حيث تنمو الغابات. ثم إلى الشمال من منشوريا توجد عاموريا وهي إقليم كثير التلال، ذو مناخ شبيه بوسط أوربا أي أنه مناخ قاري ولكنه أكثر قارية من وسط أوربا، أي أنه أكثر تطرفًا في حرارته، وبمعنى آخر نجد الفرق بين حرارة الصيف وبين برودة الشتاء أكثر في عاموريا منه في وسط أوربا. وينمو في هذا الإقليم بفضل ما يصيبه من مطر موسمي الغابات النفضية الغنية العريضة الأوراق والغابات المخروطية والحشائش. رابعًا: يوجد بالقارة الأسيوية أعظم نطاق من الغابات المخروطية بالعالم ولكنه أقلها استغلالًا في نفس الوقت، وتقع هذه الغابات في سيبيريا جنوب حشائش التندرا وتسمى "التاييجا" وتمتد هذه التاييجا السيبيرية دون انقطاع من جبال أورال تقريبًا خلال سهول شمال آسيا حتى كمتشتكا، أي أنه يمتد في شريط متصل من أقصى غرب القارة إلى أقصى شرقها. هذه هي الملاحظات الرئيسية على النبات الطبيعي بالقارة الأسيوية. وقد بينا في الخريطة رقم 134 توزيع نطاقاته بحسب الشكل النباتي السائد فيه نتيجة لظروف القارة الطبيعية من مساحة وسطح ومناخ. أمريكا الشمالية: تبين الخريطة الموضحة في شكل "88" توزيع النبات الطبيعي في أمريكا الشمالية، ونلاحظ على هذا التوزيع ما يأتي:

"شكل 88" توزيع النبات الطبيعي في أمريكا الشمالية أولًا: النبات الطبيعي السائد في أمريكا الشمالية هو الغابات، فالغابات المخروطية والغابات النفضية وغابات إقليم الصين والبحر المتوسط كلها ممثلة في أمريكا الشمالية على نطاق واسع وفي مساحات كبيرة. فالغابات المخروطية تغطي منطقة كبيرة من شمال القارة تمتد بدون انقطاع تقريبًا من المحيط الأطلسي في الشرق إلى المحيط الهادي في الغرب، وتخرج منها ألسنة طويلة تمتد فوق الجهات المرتفعة في الشرق والغرب، ويظهر هذا في الخط المتعرج الذي يحد هذه الغابات من الجنوب، ويلاحظ انحناء هذا الخط نحو الشمال في قلب القارة، إذ إن جفاف هذا الجزء يجعل حد الغابات يتزحزح نحو الشمال لكي تحل محلها حشائش الإستبس وتصبح الغابات أكثر غنًى في المنطقة الشرقية

بالقرب من البحيرات العظمى حيث الظروف المناخية أكثر ملاءمة لنمو الغابات، ولكن تختلط بها في هذا المكان أنواع من الأشجار ذات الأوراق العريضة، فلا تصبح أشجار الغابة مقصورة على الصنوبر والشربين والأرز وسائر الأشجار المخروطية، وإنما يوجد معها البلوط والإسفندان والقسطل وكثير من الأشجار النفضية الأخرى. وتمتد هذه الغابات الخليطة في الشرق على طول الأبلاش حتى ولاية كارولينا الشمالية كما يزداد تنوع أشجارها, وإقليم الأبلاش أكثر غنًى من إقليم البحيرات، فكان مغطى بالغابات النفضية التي تمتاز بالكثافة وتنوع الأشجار على أن هذه الغابات النفضية كانت تختلط بالغابات الصنوبرية في بعض المناطق وتبادل معها في مناطق أخرى وذلك بحسب الموقع الجغرافي لكل من هذه المناطق. وكذلك هضبة ألليجني التي ينحدر منها المسيسبي كانت مغطاة بغابات عريضة الأوراق شبيهة بغابات الأبلاش. ثم إذا ما غادرنا الهضبة في اتجاه الغرب تأخذ الغابة في التضاؤل حتى يتحول الشكل النباتي إلى حشائش معتدلة. وكذلك تغطي غابات الإقليم الصيني مساحة كبيرة في جنوب شرق القارة كما هو واضح من الخريطة ويزداد عرض هذه الغابات على شواطئ خليج المكسيك وفي دلتا المسيسبي وفي تكساس ثم يتضاءل شأن هذه الغابات كلما اتجهنا غربًا حتى تتحول أيضًا إلى سهول. وأما غابات البحر المتوسط فلا تشغل إلا شريطًا ضيقًا على المحيط الهادي شمال كليفورنيا. وكذلك تغطي الغابات الموسمية مساحات تحيط بخليج المكسيك ويطلق على هذه الغابات أحيانًا اسم "شبه مدارية" وهي على العموم غابات حارة رطبة، وقد أزيل جزء كبير منها وحلت محله الزراعة وتستمر ظاهرة الغابات هذه حتى أمريكا الوسطى، فتغطي الغابات الاستوائية الكثيفة "غابات السلفا" الأجزاء الشرقية المنخفضة لأنها تتلقى مطرًا غزيرًا من الرياح التجارية. وأما الأجزاء الغربية المنخفضة فغاباتها من النوع الموسمي؛ لأن المطر بها أقل، بل تشغل حشائش السفانا بعض جهات هذا الإقليم ثم على ارتفاع 3000 قدم تغطي سفوح التلال

غابات المنطقة المعتدلة الدائمة الخضرة، ثم على الارتفاعات الأعلى توجد الشجيرات القصيرة الهزيلة التي تتحول في النهاية إلى حشائش ألبية. ثانيًا: بينما تمتد الغابات هذا الامتداد الواسع الذي رأيناه في شمال القارة وشرقها وجنوبها الشرقي نجد وسط القارة يمتاز بشكل نباتي آخر يشغل مساحة كبيرة، ذات الشكل النباتي هو حشائش البراري المشهورة في أمريكا الشمالية، وتمتد هذه البراري أو الإستبس حتى كندا في الشمال وحتى قواعد جبال الروكي في الغرب وتخلو هذه الحشائش من الأشجار خلوًّا تامًّا إلا في بعض بقع حيث تظهر الأشجار كأنها جزر وسط محيط من الحشائش، كما أنه يظهر وسط هذه الحشائش في بقع أخرى تلال رملية أشد فقرًا من منطقة الحشائش، ويظهر في داكوتا بصفة خاصة ما يسمى "بالأراضي الرديئة" وهي أراضٍ قفراء مجدبة تتخلل حشائش البراري ثم في جنوب غرب القارة تصبح البراري أكثر فقرًا إلى أن تتلاشى، ويحل محلها إقليم قفر ينمو به نبات شوكي وعشب يابس وصبير وذلك في غرب تكساس ونيو مكسيكو، ثم بعد هذا يوجد الإقليم شبه الصحراوي في شمال المكسيك. وفيما عدا هذا النوع من الحشائش "حشائش البراري" تتمثل حشائش التندرا في أمريكا الشمالية في شريط ضيق على طول ساحل بحر برنج والأراضي المنخفضة في شمال القارة ويطلق على إقليم التندرا اسم الأراضي القفراء Barren grouuds وهو يمتد من مصب نهر ماكنزي إلى مصب نهر نلسون كما يشغل القسم الشمالي من لبرادور. وإقليم التندرا في ألاسكا أشبه بالحديقة لكثرة زهوره. ثم تتحول هذه الحديقة نحو الشرق إلى حشائش التندرا الصميمة التي لا ينبت فيها إلا العشب، ولا تستطيع الأشجار مهما كانت قزمية أن تظهر في التندرا الصميمة, ولكن إلى الجنوب من هذه المنطقة أي من هضاب ألاسكا وكولومبيا البريطانية إلى الطرف الشرقي من لبرادور تتحول منطقة التندرا إلى منطقة غنية تظهر فيها بعض الأشجار المخروطية كالصنوبر. ولكن يمكن اعتبار هذه المنطقة منطقة غابات فقيرة أكثر منها منطقة تندرا. ثالثًا: الظاهرة النباتية الثالثة ذات الأهمية في أمريكا الشمالية هي النباتات

الجبلية وتتمثل هذه بوضوح في النطاق الجبلي في الغرب حيث تمتد ثلاث سلاسل جبلية عالية ومتوازية من ألاسكا في الشمال إلى المكسيك في الجنوب، ورغم تنوع المناخ من الشمال للجنوب ومن الغرب للشرق فإن الحياة النباتية في هذه الجبال فقيرة أو تسودها الغابات الفقيرة التي تزداد فقرًا على الهضاب وفي الأحواض الفاصلة بينها. فالانتقال المناخي من الغرب للشرق حاد في كل من المطر والحرارة؛ ولذلك تصبح الغابات المخروطية أقل ارتفاعًا وأكثر جفافًا وأقل كثافة كلما اتجهنا على الجبال من الغرب للشرق حتى تصبح في أشد حالات فقرها في جبال روكي. ولكن السلسلة الساحلية معرضة لرياح المحيط الهادي المطيرة ولذلك تنمو عليها غابات صنوبرية تعتبر من أكثف الغابات الصنوبرية في العالم، ثم تقل كثافة هذه الغابات كلما اتجهنا شرقًا. أمريكا الجنوبية: تبين الخريطة الموضحة في شكل 89 توزيع النبات الطبيعي في أمريكا الجنوبية، وأهم ما نلاحظه على هذا التوزيع ما يأتي: أولًا: تغطي الغابات الاستوائية "غابات السلفا" مساحة كبيرة من القارة في حوض الأمازون، وهي مساحة من السهل المنخفض يمتد لمسافة 2000 ميل في داخل القارة وتعتبر هذه الغابات أكثف الغابات الاستوائية بالعالم، وتشتد هذه الغابات كثافة في السهل الفيضي للنهر ورافده، ثم خلف هذا النطاق يقع قسم الغابة الذي يجود بالمطاط وجوز الهند، وهو قسم أكثر قيمة من الناحية الاقتصادية؛ لأن اختراقه غير مستحيل كالقسم السابق كما تمتد الغابات الاستوائية على طول الساحل الشرقي والشمالي للبرازيل وجيانا وفنزويلا. ثانيًا: تغطي حشائش السفانا مساحة كبيرة من هذه القارة أيضًا تشمل الجزء الباقي من البرازيل الذي لا تغطيه الغابات الاستوائية ثم جيانا وفنزويلا فيما عدا النطاقات الساحلية. ويلاحظ أن الغابات تكون نطاقات حول منطقة السفانا وأنها تمتد ألسنة منها خلال الحشائش. ثالثًا: تمتد حشائش البامبا "ومعناها الخلاء" إلى الجنوب الغربي من

مستنقعات البارانا، وهذه الحشائش عبارة عن بحر من الحشائش الخالية من الأشجار، ثم هي تتحول تدريجيًّا إلى شبه صحراء كلما اقتربنا من الإنديز غربًا،

كما تتحول إلى صحراء حقيقية في بتاجونيا. ولكن في أقصى جنوب القارة في الجزء الذي يستدق فيها طرفها -أي في الطرف الجنوبي لبتاجونيا والجزء الشمالي الشرقي من فويجو- تستطيع الرياح الغربية أن تتخطى الإنديز التي تنخفض في هذا المكان وتسقط أمطارها في هذه الجهات فتعود حشائش الإستبس إلى الظهور مرة أخرى، وهي أيضًا خالية من الأشجار مثل البامبا شمال الصحراء. رابعًا: نباتات، الجبال الغربية متنوعة، فتغطي الغابات الحارة، ولكنها قليلة الكثافة، كولومبيا وإكوادور. ثم إلى الجنوب من ذلك تسود الظروف الصحراوية إلى أن تبلغ أقصاها في الشريط العريض الذي يسمى صحراء أتكاما.

ثم إلى الجنوب من خط عرض 30 ْجنوبًا تتحسن الحالة النباتية وتظهر غابات البحر المتوسط. ثم من خط عرض 40 ْجنوبًا إلى أقصى جنوب القارة في فويجو تغطي السفوح الغربية غابات من الصنوبر والزان. استراليا: تبين الخريطة الموضحة في شكل 90 توزيع النبات الطبيعي في أستراليا وأهم ما نلاحظه في هذه الخريطة ما يأتي: أولًا: تشغل الصحاري الحارة مساحة كبيرة من قارة استراليا حتى ليعبر عن هذه القارة بأنها صحراء حارة محاطة بنطاق نباتي غني. ثانيًا: لا توجد الغابات الاستوائية في استراليا نفسها لأنها تقع جنوب خط 10 ْجنوبًا، وأما الغابات الموسمية وتسمى أيضًا بالغابات المدارية الحارة الرطبة فتشغل الشريط الساحلي في شمال القارة وشمالها الشرقي بفضل الرياح الموسمية الصيفية. ولما كانت هذه الرياح تختلف قوتها من سنة إلى أخرى، هذا بالإضافة إلى أنها لا تكون في أشد قوتها إلا إذا اصطدمت بجبال، فلهذا كانت أمطار هذه الرياح غزيرة في بعض السنوات وقليلة في سنوات أخرى، كما أنها تكون غزيرة حيث مناطق الجبال وقليلة حيث الأرض منبسطة وبسبب هذه الظروف كانت الغابات غير كثيفة بل تتخللها بقع من الحشائش، كما أنها غابات نفضية إذ إن هذا هو النوع النباتي الذي يتلاءم مع هذه الظروف المناخية. ثالثًا: تشغل الغابات كذلك شرق القارة من مدار الجدي إلى الجنوب ولكنها من نوع غابات المنطقة المعتدلة الدفيئة وهي غابات غنية تسود بها شجرة الكافور، ثم تتدرج هذه الحالة النباتية في الاتجاه الغربي فتتحول إلى حشائش ثم إلى صحراء صميمة. ثم في جنوب القارة نجد أن امتدادها الجنوبي الشرقي والجنوبي الغربي يناله أمطار من الرياح الغربية في فصل الشتاء الجنوبي، ولذلك تنمو هنا الأشجار الدائمة الخضرة وعلى الأخص في جنوب غرب القارة. ويلاحظ تقوس الساحل الجنوبي من الوسط نحو الشمال، فهذا التقوس حرم هذا الجزء من أمطار الرياح الغربية وما يترتب عليها من أشجار.

المراجع

المراجع ... 1— Ackerman, Edward A. «The Koppen Classification oF Climates in North America*, Geog. Rev., Vol. .31, pp. 105— 111, 1941. 2- Bailey. Harry P. · A Simple moisture Index based Upon a Primary law of Evaporation". Geografiska Annaler, 1958. Hafte 3-4, pp. 196-215. 3 — «A method of determining the Warmth and Temperateness of Climate, «Geografiska Annaler, 1960 No,1-16. 4— Blair, Thomas A. -Weather Elements-. 3d. ed Prentice Hall, Inc. New York. 1948. 5— " Climatology, General and Regional, "Prenlice Hall Inc., 1942. 6 - Brooks, C. E. P, -Climate. Ernest Benn, Ltd , London, 1929. 7— Byers, Horace Robert. · General meteorolgy r. McQraw- Hill Book Company, Inc. New York, 1944. 8— Cain, Stanley A " Foundations of Plant Geography. Harper & Brother, New York, 1944, 9— Conrad, V. "Fundamentals of Physical Climatology", Harvard University, Blue Hill Meteorolgical observa. tory. Mutton, Mass, 1942. 10— Cotton, C. A. "Landscape as developed by the Processes of normal erosion". John wiley & Sons, Inc., New York 1948 11— Volcanoes as landscape Forms., John Wiley & Sons, Inc., New York, 1952 12— Davis, W. M, "Geographical Essays". Ginn & Comp., Boston, 1909. 13— Finch Vernor C. & others: Elements of Geography Physical and Cultural, McGraw— Hill Co., Inc. 4th, ed. New York, 1957.

14 — Glinka, K. D"The Great Soil Groups of the world and Their Development". English translation by C. F. Marbut. Edwards Bros, Inc., Ann. Arbor., Mich., 1927. 15— Hardy, M. F. "The Geography of Plants". Oxford University Press, New York, 1944. 16— Haurwitz, Berohard and James M. Austin'Climatology Mo Giaw-Hill Book Comp. Ioc. New York, 1944. 17— Hinds, N. E. A. "Geomorphology» Prentice - Hall, Inc,New York, 1952. 18— Kendrew, W. G."Climatology 3d. ed. "Climate". Oxford University Prese, New York, 1949. 19— Kuchler, A.W. "A Geographic System of Vegetation, Geog. Review, Vol. 37, pp. 233-240, 1947. 20— Lake, Philip. "Physical Gaography". Cambridge University Press, London and New York 1949. 21— Landeberg. Helmut. "Physical CJimstology". State College. Pennsylvania, 194l. 22— Lobeck, A. K. "Geomorphology ; An Introduction to the Study of Landscpea" McGraw-Hill Book Comp., Inc. New York, 1939. 23— Martonne,Enimanuel de. "A.Shorter Physical Geography" Alfred A. Korpf, New York, 1927. 24— Miller, A. Austin. "Climatology". 8d ed. E. Dutton & Co., Idc, New York, 1953. 25— Newbegin. Marion I, "Plant and Animal Geography" Methuen & Co., 1td., London, 1936, 26— Pettersen. Severre. "Introduction to Meteorology". McGraw-Hill Book Company. Inc. New York, 1941. 27— Richards, P. W. " The Tropical Rainforest., an Ecological Study". Cambridge University Presff. New York, 1952. 28— Robinson, Gilbert W. "Soils: Their Origin, Constitution, and Classifaction". 2 d ed. Thomas Muriy and Com, London, 1938. 29— Shaniz. H. L. and C, F. Marbut. The Vegetation and Soils of Africa. Research Series no, 13, American Geographical Society, New York. 1923,

30- Strahler, A. R. "Physical Geography". John Wiley & Sons, Inc. New York, 1951. 31- Taylur. George tf. (Elemetary Meteorology) . Prtntiea Hall Inc., New York, 2954- 32- Thornbuty, W. D. "Principles of Geomorphology" John Wiley & Sons, Inc., New York, 1937. 33- Thornthwaite, W. C "An Approach Toward a Balional Clasaincation of Climate", Geog. Review, Vol. 38, 1948. pp. 55-91. 34- Wooldridge, S. W. and R. S. Morgan, "Outlines of Geomorphology". Longmans, Green and Co. Inc. New York, 1937. 35- Von Engeln, 0. D. "Geomoiphology". The Macmillan Company, New York. 1942.

§1/1