جالب السرور لربات الخدور

عبد الكريم الحميد

تقرئين في هذا الكتاب إن العيون لها كلام صامت ... قد لا يعبر عنه كل لسان! لغة العيون بليغة وصريعها ... لا يُفْتدى وهو الجريح العاني! إن تقربي ركب الغُواة فإنما ... ركب الغواة إلى الجحيم يسير ما أجمل الدين الذي صرنا به ... بين الهداية والضلال نفرّق! من ذا يقول بأن من ... يدعو النساء إلى السفور خيراً يريد بقوله ... لا .. والذي مرج البحور! لا تُخدعي إن الجمال لفي التُّقى ... وستذكرين نصيحتي يوم اللقا لكنه ذكْر يفوت آوانه ... إذ ما هناك سوى السعادة والشّقا فتأهبي للموت قبل نزوله ... ماذا لديك من الوسائل للبقا؟!! دعي داع دعاك إلى السعير ... أفيقي قبل قاصمة الظهور أما للقبر سعيك كل يوم ... وبعد القبر صائحة النشور قالوا السفور تقدم فتقدمي ... بشجاعة فارم الحجاب وأقدمي! من تستجيب لدعوة هدّامة ... للدين فهي على طريق جهنم إن الحرائر إن مشين سوافراً ... بين الرجال فعرضهن مهدّر كم من يُغَرّ بأنه متمسك ... بالدين وهو مغرر بأماني!! أين العقول وأبن الدين أين هما ... وهل نعيش بلا عقل ولا دين!!

لا يرتجى الخير من شر ولو كثرت ... فيه الأقاويل من مدح وتهوين! أنظر لعمرك إنه متقلّص ... كالظل .. وانظر سرعة الأيام عند انتهاء الخطْو تعلم أنما ... قد كنت في لهو وفي أحلام! إن السفور وسيلة لمفاسد ... تربو على الإحصاء والتبيان أنسيتموا ما حل فيمن قلنا ... من شؤم ما عملوا من العصيان! الشيخ/ عبد الكريم الحميد

المقدمة.

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة الحمد لله الهادي إلى أقوم طريق، والصلاة والسلام على الرحيم بأمته الناصح الشفيق .. ... أما بعد .. فهذه ذكرى لعلها أن تصادف من في قلبها حياة فتزداد بها إيماناً وتقوى، أو تصادف من قلبها تائه في أودية المهالك، فلعلها تؤوب وتنوب بعد أن سلكت تلك المسالك. وتعلم أنها لم تخلق لتلهو وتلعب، وتأكل وتشرب، فبالله ما الفرق بين هذه وبهيمة الأنعام إلا أمان البهيمة من سوء المنقلب. الأمر أكبر وأخطر مما يتصوره اللاهون، ويتخيله الغافلون ويظنه الجاهلون، (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ).

إذا قيل إنك جميلة

إذا قيل .. إنك جميلة إذا قيل إنك جميلة، فهل يعني هذا أن تعرضي جمالك في أسواق الفساد والرذيلة، سائلي نفسك إن كنت نبيلة، أبهذا أمرت أم لهذا خلقت؟ أم تطمعين أن تكون للفجرة خليلة؟. إن الجمال نعمة إذا كان مصوناً محفوظاً عن الأدناس، وهو نقمة إذا كان سلعة تعرض على فجرة الناس. إن الصورة الجميلة إذا عُرضت للفتنة، بقيت في سخط الإله وصارت على صاحبتها بلية ومحنة. وكذلك الصوت الجميل، إذا استعمل في الغناء والأباطيل فهو صوت بغيض للجليل. إن الذي خلق الصور والأصوات، أراد أن تُستعمل في طاعته لا باتباع الهوى والضلالات، (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً).

لا تخدعي إن الجمال لفي التُّقى ... وستذكرين نصيحتي يوم اللقا لكنه ذكر يفوت أوانه ... إذ ما هناك سوى السعادة والشقا فاليوم توبي واخلعي ثوب الهوى ... هو ثوب سوء ما يزال مخرّقا وتأهبي للموت قبل نزوله ... ماذا لديك من الوسائل للبقا كم قد رأيت صحيحة ما راعها ... إلا النذير إلى المقابر سائقا

سكر الهوى

سكر الهوى خرجت بزينتها لعرض جمالها ... بعباءة زعمت ستستر حالها شغلت عيوناً مع قلوب أسلمت ... داعي الهوى أرسانها ورِحالها شعرت بأن الكل ينظر نحوها ... راع الخلائق حسنها وجمالها يا فرحة غمرت فؤاد غريرة ... ظنت سعادتها يهل هلالها فرحت بسخط إلهها وتنعمت ... بشقاوة حلت بها أثقالها لقد رأوك في السوق، بملابس الفجور والفسوق، خالعة جلباب الحياء، مسخطة من في السماء، مرضية من يجري منك في العروق، علموا أنك تزينت وتبرجت للناظرين، فاستجابت لك عيون الفاسقين، وتمنوا لو رأوك عارية كيوم تولدين، ليشبع منك نهمهم، ويقضوا منك وطرهم، وأنت وهم في غفلة عن عواقب هذا الأمر العظيم، وكأن من عصى الإله لم يُتوعد بنار الجحيم، إنك في سكر الهوى غاوية،

وعن ربك لاهية، ولدينك ناسية، والله لقد أصبت بداهية، ولكنك لا تشعرين. دعي داع دعاك إلى السعير ... أفيقي قبل قاصمة الظهور أما للقبر سعيك كل يوم ... وبعد القبر صانحة النشور جمالك قشرة وإلى زوال ... ولا تدرين عاقبة الأمور جمالك صار مجلبة لداء ... هو الإعجاب داعية الغرور سيذبل بعد يوم ثم يوم ... ويأتي الغم من بعد السرور لبست البنطلون، ووقفت ساعات أمام المرأة، ولسان حالها يقول هذه الكلمات، أين أنتم يا من ينظرون؟! لقد خرجت المسكينة من الوقار والسكينة إلى هَوَج يشبه الجنون!!. برزت في الأسواق تتبختر، قال لها إبليس لم يرك أحد إلا هام وتحيّر، أنت من الحور ولست من البشر، هي غافلة عن الغَرور (¬1)، ونفسها الأمارة بالشرور، ولو عاد لها عقلها ساعة، لتفكرت في قبح البضاعة، وأنها قشرة على أنجاس في غاية الفضاعة!!. ¬

_ (¬1) الغرور: الشيطان.

دواء للنساء والرجال

دواء للنساء والرجال من الإعجاب والكبر قال بعضهم: يا مُظهر الكبر إعجاباً بصورته ... أنظر خلاك فإن النتن تثريب لو فكر الناس فيما في بطونهم ... ما استشعر الكبر شبان ولا شيب هل في ابن آدم مثل الرأس مكرمة ... وهو بخمس من الأقذار مضروب أنف يسيل وأذن ريحها سهك ... والعين مرمصة والثغر ملعوب يا ابن التراب ومأكول التراب غداً ... أقصر فإنك مأكول ومشروب الرجيع في الأمعاء. والبول في المثانة. والمخاط في الأنف. والبزاق في الفم. والوسخ في الأذنين. والصديد تحت البشرة. والصنان تحت الإبط. ويغسل الغائط كل يوم مرتين. قال ابن مسعود رضي الله عنه: إذا أعجبت أحدكم امرأة فليذكر مناتنها.

يبين قول ابن مسعود ما قاله مالك بن دينار: إن لم تتعطر زفِرَت. وإن لم تستك بخِرَت وإن لم تمتشط وتدّهن قمِلت وشعثت. وإن تُعمّر عن قليل هرمت. ذات حيض وبول وأقذار جمة.

الحجاب (حوار مع فتاة نصرانية)

الحجاب [حوار مع فتاة نصرانية] جاءت فتاة نصرانية لأحد العلماء، وقالت له: أنا عرفت عن الإسلام الشيء الكثير، وقد أعجبت بهذا الدين وأحكامه، وأحببته حباً كثيراً، ولكن حكماً واحداً صار سبباً لعدم دخولي في الإسلام، وقد ناقشت حوله عدة أشخاص فلم أحصل منهم على جواب مقنع، وإذا استطعت أنت –أيها العالم- أن تبين لي فائدة هذا الحكم فإنني سأدخل في الإسلام؟ فقال العالم: وما هو ذلك الحكم؟ فقالت: حكم الحجاب، فلماذا فرض الإسلام الحجاب على المرأة؟، ولماذا لا يتركها تخرج سافرة كالرجل؟ فقال العالم: هل ذهبت إلى سوق الصاغة، وإلى المحلات التي تُباع فيها الذهب والمجوهرات؟.

فقالت الفتاة: نعم. فقال العالم: هل رأيت أن الصائغ قد وضع الذهب والمجوهرات في الصندوق وقفل باب الصندوق؟. فقالت: نعم. فقال لها: لماذا لم يترك المجوهرات في متناول الأيدي؟ ولماذا أودعها في الصندوق المقفول؟ فقالت: لكي يحرسها من اللصوص والأيدي الخائنة. فقال لها: وهذه هي فائدة الحجاب، إن المرأة ريحانة .. المرأة جوهرة .. ياقوتة يجب المحافظة عليها من الخائنين والفاسدين، ويجب حفظها في شيء يسترها من عيون المجرمين، -كما يحفظ اللؤلؤ في الصدف- حتى لا تقع فريسة لهم، والحجاب فقط هو الساتر والحافظ لها. إن المرأة المحجبة آمنة من الخائنين، لأن جسدها مستور ومحاسنها مستورة، فالناس لا يرون منها شيئاً، ولا يطمعون فيها، وهم في معزل عنها، ولا يلفتهم شيء منها،

بل يتهيبونها ويستحيون منها، كل ذلك لأجل (الحجاب) إذاً فالحجاب وقاية لك، وصيانة لشرفك وكرامتك. نعم، أيتها الفتاة، هذا جانب من فائدة الحجاب، وهنا تهلل وجه الفتاة النصرانية، وقالت: الآن اقتنعت بهذا الحكم الإسلامي، والآن عرفت الحكمة منه، والآن طاب لي الدخول في الإسلام، ثم تشهدت الشهادتين. هذا الحوار الجميل يبين لنا أن الله أراد المحافظة على كرامة المرأة، وأراد صيانة المجتمع وحمايته، فأوجب الحجاب كشرط أساسي لذلك. قالوا السفور تقدم فتقدمي ... بشجاعة فارم الحجاب وأقدمي إن الحجاب عن الحضارة حاجب ... فارميه ترقي للرقي بسلم هي خدعة من ماكر متحيّل ... داعي فجور فاسق ومذمم من تستجيب لدعوة هدامة ... للدين فهي على طريق جهنم حسدوا العفيفة والمصونة أنها ... تأبى التبذل للخبيث المجرم

هذا زمان المرأة الرَّجُلة، ترتكب الآثام لا خائفة من الله ولا من الناس خجلة، إنها حبالة الشيطان وشراكه، من وقع في شباكها صعب فكاكه، وقرب هلاكه.

المرأة الصالحة

المرأة الصالحة أما المرأة الصالحة فالشيطان عنها بعيد، يقترب من قلبها ليدعوها لحزبه ولكنه يندحر لما يرى فيه من آثار الوعد والوعيد، هذه أيقنت بوعد الله ووعيده، وأنها من جملة إمائة وعبيده، علمت أنها مملوكه ومالكها أمرها بالحجاب، صيانة لها عن الكلاب والذئاب، وحماية لها عن مواطن الارتياب. علمت أن في طاعة مالكها كل ما تسمو إليه النفوس الشريفة، وكل ما تصبو إليه الصالحة العفيفة. أليس أسمى المطالب وأعلاها مطلب السعادة؟!، وهل تدرك بغير طاعة من ثواب طاعته الحسنى وزيادة؟، إن هذا في الآخرة أما في الدنيا فعزة الإيمان وشرفه وسموه، وسرور المطيع وعلوه.

آثار المعاصي على القلوب

أثر المعاصي على القلوب إن للمعاصي آثار سوء في القلوب هي أعظم من آثار الآلام على الأبدان، إنها مجلبة للهموم والغموم والأحزان، إن لها عقوبات معجلة ذكر أهل العلم منها: نسيان العبد لنفسه فينسيه الله عيوب نفسه ونقصها وآفاتها فلا يخطر بباله إزالتها وإصلاحها. ويسيه أمراض نفسه وقلبه وآلامها فلا يخطر بقلبه مداواتها ولا السعي في إزالة عللها وأمراضها التي تؤول إلى الفساد والهلاك، فهو مريض مثخن بالمرض ومرضه مترام به إلى التلف ولا يشعر بمرضه ولا يخطر بباله مداواته، وهذا من أعظم العقوبة للعامة والخاصة. ومن تأمل هذا الموضع تبين له أن أكثر هذا الخلق قد نسوا أنفسهم حقيقة وأضاعوا حظها من الله وباعوها رخيصة

بثمن بخس بيع الغبن، وإنما يظهر لهم هذا عند الموت. ويظهر هذا كل الظهور يوم التغابن. ومن عقوباتها: أنها تزيل النعم الحاضرة وتقطع النعم الواصلة. فتزيل الحاصل وتمنع الواصل. ومن عقوباتها: أنها تباعد عن العبد وليه وأنصح الخلق له وأنفعهم له، ومن سعادته في قربه منه، وهو الملك الموكل به، وتدني منه عدوه وأغش الخلق وأعظمهم ضرراً له وهو الشيطان. فإن العبد إذا عصى الله تباعد منه الملك بقدر تلك المعصية، فليس شيء أنفع للعبد من صحبة الملك، وإذا اشتد قربه من العبد تكلم على لسانه وألقى على لسانه القول السديد. وإذا بَعُد منه وقرب الشيطان من العبد تكلم على لسانه قول الزور والفحش حتى يُرى الرجل يتكلم على لسان الملك والرجل يتكلم على لسان الشيطان. وإذا آذى العبد الملك بأنواع المعاصي والظلم والفواحش

دعا عليه ربه وقال: (لا جزاك الله خيراً) كما يدعو له إذا أكرمه بالطاعة والإحسان. قال بعض الصحابة رضي الله عنه: (إن معكم من لا يفارقكم فاستحيوا منهم وأكرموهم). ومن عقوباتها: أنها تستجلب مواد هلاك العبد في دنياه وآخرته، فإن الذنوب هي أمراض القلوب متى اسْتحكمت قتلت ولا بد.

طب الأبدان وطب الأديان

طب الأبدان وطب الأديان وكما أن الجسم لا يكون صحيحاً إلا بغذاء يحفظ قُوته، واستفراغ يستفرغ المواد الفاسدة والأخلاط الردية التي متى غلبت عليه أفسدته جميعه، وحُمْية يمتنع بها من تناول ما يؤذيه ويخشى ضرره. فكذلك القلب لا تتم حياته إلا بغذاء من الإيمان والأعمال الصالحة تحفظ قوته. واستفراغ بالتوبة النصوح يستفرغ بها المواد الفاسدة والأخلاط الردية منه. وحُمْية توجب له حفظ صحته واجتناب ما يضادها، وهي عبارة عن ترك استعمال ما يضاد الصحة. والتقوى: اسم يتناول هذه الأمور الثلاثة فما فات منها فات من التقوى بقدره.

وإذا تبين هذا فالذنوب مضادة لهذه الأمور الثلاثة، فإنها تستجلب المواد المؤذية، وتستوجب التخليط المضاد للجميع. وتمنع الاستفراغ بالتوبة النصوح. فانظر إلى جسم عليل قد تراكمت عليه الأخلاط ومواد المرض وهو لا يستفرغها ولا يحتمي لها كيف تكون صحته وبقاؤه؟، ولقد أحسن القائل: جسمك بالحمية أحصنته ... مخافة من ألم طاري وكان أولى بك أن تحتمي ... من المعاصي خشية الباري فمن حفظ القوة بامتثال الأوامر، واستعمل الحمية باجتناب النواهي، واستفرغ التخليط بالتوبة النصوح لم يدع للخير مطلباً ولا من الشر مهربا.

من العقوبات الشرعية المترتبة على الذنوب

من العقوبات الشرعية المترتبة على الذنوب فإن لم تَرُعْك تلك العقوبات –والتي تقدم ذكرها- ولم تجد لها تأثيراً في قلبك فأحضر العقوبات الشرعية التي شرعها الله ورسوله على الجرائم، كما قطع يد السارق في ثلاثة دراهم، وقطع اليد والرِّجل على قطع الطريق على معصوم المال والنفس، وشق الجلد بالسوط على كلمة قذف بها المحصن، أو قطرة خمر يدخلها جوفه، وقتل بالحجارة أشنع قتله في إيلاج الحشفة في فرج حرام، وخفف هذه العقوبة عمن لم تتم عليه نعمة الإحصان، وفرّق بين رأس العبد وبدنه إذا وقع على ذات محرم، أو ترك الصلاة المفروضة، أو تكلم بكلمة كفر، وأمر بقتل من وطئ ذكراً مثله وقتل المفعول به، وأمر بقتل من أتى بهيمة وقتل البهيمة معه (¬1). ¬

_ (¬1) البهيمة ليست مكلفة وإنما يفسد لحمها ودرها وتستقذر. والله أعلم.

وعزم على تحريق بيوت المتخلفين عن الصلاة في الجماعة، وغير ذلك من العقوبات التي رتبها الله على الجرائم.

من العقوبات العاجلة والمترتبة على الذنوب

من العقوبات العاجلة والمترتبة على الذنوب -كلما دعتك نفسك إلى مقارفة المعاصي والذنوب -فاستحضر بعض العقوبات التي رتبها الله سبحانه وتعالى عليها وجوّز وصولها إليك، واجعل ذلك داعياً للنفس إلى هجرانها. وأنا أسوق إليك منها طرفاً يكفي العاقل مع التصديق ببعضه فمنها: الختم على القلوب والأسماع، والغشاوة على الأبصار، والأقفال على القلوب، وجعل الأكنة عليها، والرَّيْن عليها، والطبع عليها، وتقليب الأفئدة والأبصار، والحيلولة بين المرء وقلبه، وإغفال القلب عن ذكر الرب، وإنساء العبد نفسه، وترك إرادة الله تطهير القلب، وجعل الصدر ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء، وصرف القلوب عن الحق، وزيادتها مرضاً على مرضها، وإركاسها، وإنكاسها. ومنها: التثبيط عن الطاعة والابتعاد عنها.

ومنها: جعل القلب أصم لا يسمع الحق، أبكم لا ينطق به، أعمى لا يراه. فتصير النسبة بين القلب وبين الحق الذي لا ينفعه غيره كالنسبة بين أذن الأصم والأصوات، وعين الأعمى والألوان، ولسان الأخرس والكلام. وبهذا يُعلم أن الصم والبكم والعمى للقلب بالذات والحقيقة، وللجوارح بالعَرَض والتبعية، (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ). وليس المراد نفي العمى الحسي عن البصر وإنما المراد أن العمى التام على الحقيقة هو عمى القلب. والمقصود أن من عقوبات المعاصي جعل القلب أعمى أصم أبكم. ومنها: الخسف بالقلب كما يُخسف بالمكان وما فيه. فيخسف به إلى أسفل سافلين وصاحبه لا يشعر.

وعلامة الخسف به أنه لا يزال جوّالاً حول السفليات والقاذورات والرذائل. كما أن القلب الذي رفعه الله وقرّبه إليه لا يزال جوالاً حول البر والخير ومعالي الأمور من الأعمال والأقوال والأخلاق. قال بعض السلف: إن هذه القلوب جوالة، فمنها ما يجول حول الشر، ومنها ما يجول حول الخير. ومنها: مسخ القلب فيمسخ كما تمسخ الصورة. ويصير القلب على قلب الحيوان الذي شابهه في أخلاقه وأعماله وطبيعته. فمن القلوب ما يمسخ على خنزير لشدة شبه صاحبه به، ومنها ما يمسخ على قلب كلب أو حمار أو حية أو عقرب أو غير ذلك. فسبحان الله كم من قلب منكوس وصاحبه لا يشعر وقلب ممسوخ، وقلب مخسوف به، وكم من مفتون بثناء الناس عليه، ومغرور بستر الله عليه، ومستدرج بنعم الله

عليه. وكل هذه عقوبات وإهانات ويظن الجاهل أنها كرامة. (¬1) إنتهى كلام ابن القيم رحمه الله مختصراً. ¬

_ (¬1) من الجواب الكافي لابن القيم باختصار.

الثياب الشفافة

الثياب الشفافة يا من تثير غرائز الرجال، بثياب شفافة زعمت أنها للجمال، كذبت بل هذه ثياب الإبتذال للفسقة والأنذال، وليست هذه ثياب، إنها ثقوب لتمرير عيون الذئاب، ماذا تريدين بهذا أيتها الفاتنة المفتونة؟. أما خشيت أن تبوئي بسخط من الله فتصبحين وتمسين ملعونة؟. أين الستر وأين الصيانة؟، وأين منك زواجر الشريعة والديانة؟، تتشبهين بالعجم، وهم أراذل الشعوب والأمم. غَرَّتك منهم دنياً مزخرفة جذابة، قد أصبحت للقلوب والعقول خلابة، أتراك مستيقنة أم أنت مرتابة؟، أما علمت أنها جنتهم التي بها في هذه الدنيا يتنعمون وعليها يتنافسون وأنهم وقود جهنم فيها يخلدون.

سُلِبْت عقلك مع دين خُلِقْت له ... وزاكي العقل مقرون مع الدين طلبت أنسك في درب سيمحقه ... ويورث الهم في كل الأحايين فطاعة الله لا أنس يماثلها ... ومؤثر الغي مأسور الشياطين هموم قلبك لا شيء يفرّجها ... إلا الإنابة أو خسران مغبون شفاء قلبك في توحيد خالقه ... ففطرة الله في شرع وتكوين

النقاب

النقاب حِيَل تدور على العباءة والنقاب وسائر الثياب، والمطلب واحد وإن تعددت الأسباب، وهو التكشف والعُري لإثارة الغرائز وتهييجها، وإشعال نار الشهوات الكامنة وتأجيجها، وقتل الحياء بالتدريج ووأد العفة بالتهييج. نار الشهوة إذا انطلقت متفلتة من زمام التقوى وخطامها فهي لا تُبقي ولا تذر، فالحذر الحذر، فأول السيل قطر ثم ينهمر. إن كان عقلك حاضر فتصوري العواقب إنه لا يتم للشيطان مكره إلا حين يكون عقلك عازب، وشياطين الإنس والجن يزحزحونه بهذه المقدمات لتحصل لهم الأغراض والمطالب.

الحب والحبيب

الحب والحبيب أراك سمعت عن الحب والحبيب، من منافقين لا حظ لهم في الآخرة ولا نصيب، أغروك بزخرف القول من الغزل والتشبيب، فظننت أن ذلك غاية المطالب، ونهاية المآرب، وأنه الجالب للسعادة والسرور، والنعيم والحبور. إن هؤلاء قطاع طريقك عن حقيقة الحب وعن من ليس لك سواه حبيب، وإنما أرادوا بهذه الوسائل الحصول على أغراضهم منك وبعد ذلك فلك منهم التضييع والتسييب. أتصدّقين الفاسق الفاجر وتظنين أن له أمانة، وقد خان مولاه معك هذه الخيانة، هو مأمور مثلك بغض البصر وحفظ الفرج والبعد عن مواطن التهم والريب، لكنه عصى ربه ولبس ثياب الفسق والعيب، فصار يبحث عن خليلة، يحتال بكل حيلة. ويتوسل بكل وسيلة. يعطيك معسول الكلام لتنقادي له مطيعة ذليلة.

إن الذي أودع قلبك هذه المحبة لا يرضى بذلها للأغيار إنها أصل العبودية ولبها فكيف تبذلينها للفسقة والفجار، حتى الزوج المطيع لربه، ليس له منك، ولا لك منه إلا المودة والرحمة، لا مجاورة الحد بالمحبة، فما طوفان الحب والمحبة في هذا الزمان، إلا أثر الزيغ والطغيان، وما خلق الله الصور الجميلة لتعبد من دونه وإنما للابتلاء والإمتحان. وما أودع المحبة القلوب إلا لتتعلق به دون من سواه من الخلائق، لأنها في الحقيقة قواطع وعوائق، أما سمعت بيوم المزيد، حيث يتجلى الحبيب الحق للعبيد، فيغشاهم نوره وينظرون إليه بأبصارهم من فوقهم، فلا تزيغ أبصارهم عن رؤية معبودهم وإلههم، لكمال لذتهم وتمام نعيمهم وغاية فرحهم وسرورهم. هذا هو المطلب الأسني، فلا تكوني مغبونة بالتعلق بالخسيس الفاني الأدنى، إن كنت فهمت المعنى وإلا فروحك سفلية، لا تصلح للمقامات العلية، والحلل السنية،

فاسألي ربك البتوفيق للهداية، وأن يجنبك سبل الضلالة والغواية. صور الجمال إلى الفناء تصير ... وإلى التحول فالزمان يسير يا من تعلق قلبها في صورة ... هذا افتتان قد أتاك نذير فتعوذي بالله من غاو طغى ... وحداك فيه من الأمور خطير من خان مولاه احذريه فإنه ... سيكون في كل الشرور جدير أنت الملومة بالتعرض للذي ... تُنْهين عنه وقد نهاك خبير إن تقربي ركب الغواة فإنما ... ركب الغواة إلى الجحيم يسير

الأغاني يا من هيجتها الأغاني، وفتحت لها أبواب الخيالات والأماني، أنت الملومة بتعرضك للمحظور، وجرأتك على عظائم الأمور. إن الغناء مفسد للقلوب، ومن أعظم الصوارف عن المحبوب، يُهيج ويغري بالسفليات المليئة بالآفات والعيوب، هو قرآن الشيطان، فلا يجتمع في القلب هو وقرآن الرحمن. سكر الغناء أشد من سكر الشراب، إنه يخطف الأرواح ليجول بها في مهامه الخيال ومفاوز السراب. من شُغِفت به تلاعب بها الشيطان وأسلمها للذئاب، إن حقيقة ما يُصوّت به المغني كلام يجاوز به الحدود، فيصف العيون والخدود، والثغور والقدود.

شاطح بالخيال، داع إلى عبادة الجمال، يظهر الحزن والتأوه تلك الساعة، ليروّج على السفهاء فاسد البضاعة، وتصاحبه آلات لها طنين ورنين، تُستخف بها عقول الفاسقين، وكل ذلك خيال كالأحلام إن كنت تعقلين. إذا سكت المغني من أصواته، وسكتت آلاته، فالسامع من رأى حلماً في نومه ثم أفاق من سباته، لا شيء بين يديه إلا التخيل والأماني الباطلة، مع زيادة ظلمة الران على قلبه والكدر على روحه العاطلة. إن وظيفة المغني صرف قلبك عما خلق له من محبة المعبود، وهو يعلم أنه لا يحصل له ذلك إلا بالتخييل بلا حدود، هو يصور الرجل للمرأة بأنه غاية الأماني والمراد ويصور المرأة للرجل مثل ذلك ليستحكم الفساد. ما يزال في ذكر الحب والحبيب، والعشق والتشبيب وكأن الله أودع المحبة قلوب عبيده وإمائه ليتعلق بعضهم ببعض، ومن أجل ذلك خلق الله السموات والأرض.

وقد قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ). المراد: بغاية الذل والمحبة يوحدون. التشريك بالمحبة داء لا يشبه الأدواء، وهو من عظيم المصائب والبلوى، كيف بمن يصرح بإخلاص المحبة لمخلوق محشو بالأنجاس، وهو كسائر الناس، جماله قشرة تغشي الأقذار والأدناس، وسرعان ما تذبل وتتحول جيفة في الآخر نطفة مهينة في الأول، وبين ذلك تحمل النتن والريح في الباطن تتجول، خلق الله الخلق هكذا ليعرف العبد قدره وقدر غيره من العباد، فلا يهيم بكل واد، وينسى البعث يوم المعاد، ويضل عن معبوده الجميل الجليل الذي لا يرضى مشاركة الأنداد. الذي يحب لجماله محبة مقرونة بإجلاله. فمحبته لجماله محركة للإرادة والطلب وصدق الإنابة. وإجلاله يوجب الخوف من مقته وطرد العبد عن بابه.

إن الغنا لَرُقى الزنا ومُفتّحٌ ... أبواب تخييل لمن هو عاطل فيهيم في وديان غيّ سارحاً ... ويظل في أوقاته متخايل متصور عشق الجمال نعيمه ... وكمال لذته وما هو آمل قرآن شطان وعقد قرانه ... لا يرتضيه من الرجال العاقل هو منبت في القلب داء نفاقه ... هو في البداية والنهاية باطل

الخلوة جالبة للشقوة

الخلوة جالبة للشقوة كم خلوة دون المحارم أفسدت ... عِرْضاً مصوناً والتجارب تُخبر يا ثالث (¬1) يغري بكل محرم ... ويُهوّن الفحشاء حتى تصغر كم صاد في هذا التحيّل غافلاً ... يا حيلة هي للعقول تحيّر قُرب الحمى مُغرٍ بكسر سياجه ... ما حام حول حمى الإله مظفر إن التي تخلو بغير محرم متعرضة للذم وموجبات الحسرة والندم، كم من جريئة لذلك فعلت فتحسرت وندمت، الحذر الحذر من مقاربة ما نهى عنه المشرّع وزجر، فالشارع حكيم، ومقاربة ذلك اقتراب من العذاب الأليم. بالخلوة تمكن للشيطان لا يدركه بغيرها من الأمور، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع في المحذور. ¬

_ (¬1) هو الشيطان -كما ورد في الحديث.

تنخلع العصمة، وتستحكم الغفلة، وتثور الشهوة، وتغطي القلب الظلمة، والشيطان يزيّن ويهوّن ما يوجب العذاب والشقوة. كيف التخلص من هذه البلوى، إلا بدخول حصن التقوى، فالحذر الحذر، فإن النار تشتعل بصغار الشرر.

الأزياء وجمال الخرق المصبوغة

الأزياء وجمال الخِرَق المصبوغة التي تُتابع ما يسمونه (الأزياء) مفتونة عمياء، مالها مسلوب، ودينها محروب، مسرفة في المال، مخدوعة بالجمال، وستعلم في المآل أن أعمالها هذه وبال. التجمل بالثياب ليس التشبه بالكافرات والعاهرات، وإنما للستر والتجمل الذي لا يكون بفساد الدين واتباع الضلالات، إن لباس التقوى أجمل لباس، لكن حرمه أكثر الناس، لأن القلوب أظلمت من الذنوب وكثرة العيوب والأدناس. يا من تظن جمالها بخُرَيْقة ... مصبوغة بزواهي الألوان نسجت على زي ليظهر جسمها ... ليكون مقودها مع الشيطان توبي فإنك بالفتون مقيمة ... خافي العذاب وحامي النيران أنت الجميلة بالتقى لا بالهوى ... كل الجمال بطاعة الرحمن وغداً ترين عجائباً في حشرنا ... والله ما خطرت على إنسان هول شديد والعري لباسنا ... أمر عظيم روع الثقلان عرض على الرحمن جل جلاله ... وصحائف نشرت بلا كتمان إن الحساب لمذهل لعقولنا ... والوزن حق ليس بالبهتان

أعمالنا إما هباءاً طائراً ... عمل الضلال محقق الخسران أو أنها أعمال تقوى يُرتجى ... فيها الزكاء مثقل الميزان ثم الصراط على جهنم ظاهراً ... بالعين ننظره بلا نكران إما كبرق أو أجاود خيلنا ... هذا مرور محققي الإيمان والويل للهاوي بقعر مظلم ... فوق التصور ما هناك يعاني أما التقي فقد مضى بطريقه ... مستقبلاً بالروح والريحان فيرى الجنان ونورها متلألئ ... ويرى القصور مشيدة البنيان يا للنعيم مع الخلود وقرة ... للعين ما خطرت على الأذهان أعط روحك من العناية ولو بعض ما تعطينه جسمك من الاهتمام والرعاية، حتى لا تخسري في النهاية. فروحك خُلقت للدوام في دار الشقاء أو دار النعيم والإنعام، والجسم غداً ستأكله الديدان والهوام، وأنت تبنين آمالاً لدنيا فانية، وأنت فيها على وشك النّقلة والترحال!!. المستقبل هو ما أمامك من العذاب أو النعيم، ولا نجاة إلا بسلوك الصراط المستقيم، هو معنوي في الدنيا سلوكه التزام طاعة الله باتباع رسوله الكريم، وفي الآخرة حسي وهو الذي

ينصب على متن الجحيم، وعلى حسب السير هنا يكون السير هناك. فاعملي للنجاة والفكاك. ويل الزواني والزناة فإنهم ... متعرضون لصلي نار تحرق تنّورهم متوقد يا ويلهم ... ولقد رآه صادق ومصدّق كم خُوِّفوا كما أنذروكم حُذّروا ... بل للجنان وحسنها كم شُوّقوا!! لكنهم يأبون نصح نصيحهم ... إلا الذين إلى الهداية وُفقوا سود القلوب وفي الطباع وقاحة ... ألِفوا الزنا وهو الحرام الموبق يا نطفة خُلقت لطاعة ربها ... حلّت مكاناً محكماً بل موثق سيقت إليه ولو تقول لأنكرت ... إن الجماد من الإله ليفرق لكن يوم الحشر ينطق ربنا ... ما شاء من شيء ولو لم ينطق كم من فتاة غرها متوحش ... يبدي اللطافة للأديم يمزق ما راعها إلا اضطراب حشائها ... خوف الفضيحة أصبحت تتحرق إن التفكر بالعواقب نافع ... بحر الهوى للمبحرين سيغرق لا تخدعي بتغزل من ماكر ... يوليك ألوان المديح ويُغدق مالي بذي الدنيا سواك مؤنس ... قلبي بحبك والِه متعلق جودي علي بساعة نخلو بها ... إن الخليل بخِلّه مترفق لا تخدعي بزخارف من قوله ... كم قد يَغُرّ من النساء المنطق يا حية مثل الحرير مساسها ... والسّم من أنيابها متدفق إن التقية لا تقارب ريبة ... أما المريب فعِرْضه متخرق لكن بعض الفاجرات هي التي ... تُغري الرجال بكل فحش تنعق

شيطانة في صورة مأنوسة ... تَعِس الذي بشراكها هو يعلق بلسانها وبنانها تدعو إلى ... كشف الحجاب ببحرها كم تُغرق تدعو إلى سبل الرذائل والخنا ... ومطيعها بالأسر يصبح موثق

سفور وفجور

سفور وفجور من كان يدعو للسفور ... فهو الحريص على الفجور وهو الذي يبني وما ... يبني سوى صرح الشرور وهو الذي في هدمه ... للدين ليس له نظير وهو الوكيل حقيقة ... لعدونا ذاك الغرور وهو المعين له بما ... يرضيه وهو له وزير وهو العدو لديننا ... وعدوه أبداً حقير دارت عليه دوائر ... للسوء تجعله أسير ورماه رب العرش في ... جُنح المساء أو البكور بقوارع تودي به ... وتزيره ظلم القبور يا ويل من نسي الذي ... بعث الرسول لنا نذير وأقام ديناً قيماً ... فيه السعادة والحبور فيه النساء مكرمات ... ومحصنات في الخدور إن النساء بديننا ... مثل الرجال بلا نكير لكن بطاعة ربنا ... ما ذاك في كل الأمور ترجو جنان الخلد مع ... خوف التردي في السعير مستورة في خدرها ... إذ هن ربات الخدور جعل القوامة ربنا ... في شأنهن على الذكور

ما علمهن سوى الذي ... جبريل جاء به البشير يعملن فيه على التقى ... متجنبات للشرور ورجاؤهن سعادة ... وتجارة ليست تبور ما علمهن رياضة ... أو أرضنا صارت تدور ما علمهن طبيعة ... أو هندسات للكفور ما علم غير محمد ... في دينهن سوى حقير ما نهج غير محمد ... إلا كأعمى والبصير خفن العذاب مخلدات ... ومؤبدات في السعير أما النساء بوقتنا ... فمشابهات للذكور متبرجات مثلما ... عهد الجهالة والشرور متعلقات بالسفول ... همم على هذا تدور جعلت سعادتها بما ... تشقى به يوم النشور استدبرت ريح الصبا ... واستقبلت ريح الدّبور يا ويحها ما ساقها ... أوقادها إلا خبير بالمكر والكيد الذي ... يبديه ألْين من حرير لتخِرّ من عليائها ... صيد بلا تعب كبير من ذا يحسّن ظنه ... بمهيج ذات الخدور أن أُخرجي .. أن إركبي .. ... أن إعملي مثل الذكور من كان يعقل فهو ذو ... علم بعاقبة الأمور من ذا يقول بأن من ... يدعو النساء إلى السفور

خيراً يريد بقوله ... لا والذي مرج البحور لا والذي خلق السما ... والشمس والقمر المنير خاف النبي منافقاً ... علم اللسان له غُرور في زخرف من قوله ... جعل الضرير هو البصير وبزخرف من قوله ... جعل العسير هو اليسير وبزخرف من قوله ... جعل الحجارة كالحرير خاف النبي نساؤنا ... أن يختلطن مع الذكور إذ أن هذا ضامن ... للموبقات بلا نكير يا فتنة إشعالها ... لا كالحريق غشى القصور كلا ولا إشعالها ... كالمال أتلفه السعير فالأمر أعظم هوْله ... مما يحيط به الضمير هو في الحقيقة مهلك ... ومدمر وهو الخطير لا سيما في وقتنا ... هذا الذي عدم النظير من شك في هذا فما ... يدري بديهات الأمور مخدوعة تلك التي ... نهقت لها جُرْب الحمير هي صدّقت هذيانهم ... إذ عقلها فيه القصور مظلومة في بيتها ... محبوسة مثل الأسير هي كالرجال فما لها ... تبقى محطّمة الشعور الذئب نادى أرنباً ... هيا إلى نيل السرور

نسعى جميعاً للذي ... فيه السعادة والحبور هي صدّقته وغادرت ... جحراً يُكِنُّ من الحَرور يا للسعادة أدركت ... من نابه ذاك الطرير يا من نسي معبوده ... مستبعداً يوم النشور من ربنا وعظٌ أتى ... بكتابه وهو المنير وبسنة الداعي إلى ... سبل الرشاد من الأمور من كان ينسى فالذي ... يُحصي عليه هو الخبير يجد الكتاب مدون ... فيه الصغير مع الكبير يوم المعاد مصيرنا ... إما الجنان أو السعير والقبر إما روضة ... من جنة فيها السرور أو حفرة النيران مع ... قمع يشيب له الصغير والساعة اقتربت وما ... هذا التمرد والغرور إلا لأن قلوبنا ... صارت إلى مرض خطير إن الديار جوارنا ... كانت على خير كثير فتقوضت أركانها ... لما فشا فيها السفور فاجتاحها هذا الذي ... طوفانه مثل البحور هدم لدين المصطفى ... عند المساء وفي البكور حتى عفت تلك الرسوم ... وتبدلت تلك الأمور ولقد سلكنا دربهم ... شبراً بشبر في المسير حتى تحوّل حالنا ... من يُسرنا نحو العسير

ومن الهداية للضلال ... ومن الظلال إلى الحرور برق الحضارة غرّنا ... يا بارق ليس المطير بل عارض بخداعنا ... بزخارف كُسِيَت غرور إن التشبه ماحق ... للخير جالب الشرور دنياً تخالف طبعنا ... والدين تجعله نكير لم يبق فينا سالم ... إما قتيل أو كسير يا عزة كانت لنا ... قبل التشبه بالكفور يا ذلة حلّت بنا ... لما تهتكت الستور ما ديننا إلا حمى ... وسياجه تقوى الغفور ما ديننا إلا هدى ... نقفوا به أثر البشير وهو الكفيل بنصرنا ... والعز في كل الأمور فالعز قارن ديننا ... والذل يُلْبسَه الكفور وعلى النبي صلاتنا ... حين العشيّ وفي البكور

رد على مؤيد للسفور مبتهج به

رد على مؤيد للسفور مبتهج به وهذه الأبيات رد على مؤيد لسفور النساء واختلاطهن بالرجال ومنكر بشدة ووقاحة على من أنكر ذلك ومطلع قصيدته: [حدثٌ وربك بالمدائح أجدر ... وبسالة عند اللقاء تُزَمْجِر] وهذه القصيدة رد عليه: زمنٌ وربك بالعجائب يزخر ... فالحق يقلب باطل ويُصوّر أعمى البصيرة قام يمدح نسوة ... أشعلن نارا بالديانة تَسْعُر أما أبو جهل فيعلم أن ما ... قامت به هذي النساء فمنكر إبليس أصبح عاطلاً من شُغله ... قد ناب عنه خلائق لا تحصر مثل الذي قد قال في هذيانه: ... [حدث وربك بالمدائح أجدر] يعني سفور نسائنا يا ويله ... من هول يوم شمسه تتكور فَلْيُهِنك الوحي الذي سطرته ... أوحاه إبليس اللعين الأحقر أفلا تقول وما أراك مُوفّقاً ... حدثٌ وربك فادح مستنكر أصل الفساد وفرعه بل كله ... يا ليتني قد مت كي لا أحضر فالأرض كادت أن تميد بأهلها ... فرقاً وكاد سماؤنا يتفطر يا من يقول بنظمه وقصيده ... ليقال: قال وبالمحافل يُذْكر:

[حمداً لربي أن أعيش لكي أرى ... بنت الجزيرة صبرها يتفجّر] بعداً لعقلك حيث لم تَرْشُد به ... إن الجهول لبالشقاوة يفخر يا من يقول بجرأة لا يستحي ... والرب يسمع للعباد وينظر: [جعلوا النساء مثار رعب داهم ... يُخشى على الإسلام منه ويُحذر] وأقول قال نبينا وهو الذي ... بالحق جاء وأنت عنه تكبر ما كان بعدي فتنة أضرارها ... عظمت وجلّت فوق ما يُتصور مثل النساء على الرجال فما ترى ... قلنا بغير الحق يا مُتهوّر إنا نخاف على النساء إذا مشت ... بين الرجال سوافر أو حُسّر أن يحصل الضرر الذي قد قاله ... صلى عليه الماجد المتكبر يا من يقول وليس يدري قوله ... والله يعلم ما يقول ويذكر: [كيف السبيل إلى البناء وهذه ال ... أغلال في نصف الرعية تأسُر] سمَّيْت ما شرع الإله صيانة ... لنسائنا غلاًّ أما تتفكر لو كان أحمد في الحياة وبيننا ... خاصمته أنت المهان الأصغر أما البناء صدقت كيف سبيلنا ... لِبَنا الفجور ونصفنا يتستر!! وتقول أنت وأنت أكذب قائل ... يا شؤم وقت فيه أنت تصدّر: [إن الحرائر قد جُعِلْن أمانة ... أوصى بها ربي الولي الأكبر] هذي الأمانة من تراه بحملها ... حفظ الوصية وهو فيها أجدر أدْعاةُ إفساد النساء بنزعها ... حُجُب الكرامة أم دعاة المخفر النقل يشهد والعقول شهيدة ... بالحق والله العلي الأكبر إن الحرائر إن مشين سوافراً ... بين الرجال فعِرْضهن مُهَدّر

لا سيما في وقتنا هذا الذي ... صار التديُّن فيه أمراً منكر وفشى الفجور وأُوقِدَت نيرانه ... وتبخترت بين الرجال العُهّر بُعداً وسحقاً للذين تهوّكوا ... في ظلمة فعيونهم لا تُبصر من غرة هذا الغوي بزخرف ... من قوله فاليستعِذْ وليحذر كم أُُلبس الحق المبين ملابساً ... يبدو بها مثل الضلال مُزوّر لكن ربي ضامن لعباده ... أن الرشاد على الغواية يظهر (¬1)! ¬

_ (¬1) كتبت في ربيع الآخر عام 1411 هجرية. بمناسبة حدث قيادة ثُلة من الساقطات للسيارات إيذاناً بإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا .. والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

كسوف شمس الهدى

كسوف شمس الهدى شمس الهدى كسفت وغاب ضياؤها ... وغشى الظلام مرابع الإيمان فسق الشباب وزاد طغيان النسا ... وتوافر الأشرار في البلدان يا ربنا نشكو إليك مُصابنا ... أنت الرحيم ودائم الإحسان النهج أصبح غير نهج محمد ... بقي التسمي دونما برهان قامت نساء حظهن من الهدى ... والعقل حظاً كامل النقصان يطلبن أمراً منكراً بل جائراً ... بعداً لهن حبائل الشيطان درك الشقا جهدُ البلا سوء القضا ... وشماتة الأعداء والخسران نطق الرُّوَيْبض والترجل للنسا ... وسفورهن كسائر الذكران يا من تنكّر للديانة والهدى ... بعداً وسحقاً سائر الأزمان الدين صانك أن يُناوشك الردى ... لكن أبَيْت بنخوة الشيطان الذي حُصْنك عن مكايدة العِدى ... لكن أبيت حماية الرحمن إن السفور رذيلة ومشيعه ... يبغي الفساد وشِرْعة الأخدان إن السفور وسيلة لمفاسد ... تربو على الإحصاء والتبيان من يرض فيه فإنما لِدَياثة ... تأبى العفاف وصحة الإيمان ما شاع في بلد وأفلح أهله ... أنظر ترى ما حل في البلدان كثر الزنا فيها وأصبح أهلها ... صرعى وأسرى في حمى الشيطان قل للذين تظاهروا في إفكهم ... زوراً آتيتم ظاهر البطلان إن التظاهر بالمناكر جالب ... لمصائب تربو على الحسبان هذا ونحن بحالة تدعو إلى ... طلب الرضى من ربنا الديّان

كي يدفع الأعداء عنا رحمة ... منه وفضلاً فهو ذو إحسان فأتيتمو بموانع وقواطع ... تُدني العذاب وتوجب الحرمان لا حقّق الله المراد لمن طغى ... وبغى وصال براية الشيطان ربي توعّد من عصاه بنقمة ... عَجْلى وبعد مماته النيران خافوا عباد الله ما حُذِّرتموا ... أنسيتمو التهديد في القرآن أنسيتمو ما حل فيمن قبلنا ... من شؤم ما عملوا من العصيان أنسيتموا لا تحسبن إلهنا ... في غفلة عن فاعل النكران أنسيتمو قوا أهلكم ونفوسكم ... ناراً تلظّى دائم الأزمان هذا ونسأل ربنا بجلاله ... أن يكبت الأعداء بالخذلان ويقِرّ عين نبينا في قبره ... بصلاح أمته ونصر داني صلى عليه إلهنا فهو الذي ... شرع الحجاب صيانة النسوان (¬1) ¬

_ (¬1) كتبت هذه القصيدة في ربيع الآخر سنة 1411 هجرية. بمناسبة ما تقدم ذكره في الحاشية السابقة.

قصيدة في الرد على الشيخ الألباني في مسألة الحجاب

قصيدة في الرد على الشيخ الألباني في مسألة الحجاب (¬1) أنبينا أرسولنا الألباني ... حتى يُطاع بطاعة الرحمن؟! أم أنه قد زل في تهوينه ... شأن الحجاب وشأن كُلٍّ أمان! رأي يصر عليه ليس لرأيه ... أصل يقوم عليه ذا البنيان بل أصله جُرْف الغواية والهوى ... ينهار بالباني إلى النيران من ذا يشك بأن ستر نسائنا ... بُعْد عن الأوحال والأدران!! من ذا يشك بأنهن سوافر ... يصبحن مطمع سِفْلة الإنسان! من ذا يشك بأنهن سوافر ... يصبحن فتنة صادق الإيمان! ماذا جنت أمم الجهالة بعدما ... نظر الرجال محاسن النسوان! ماذا جنت أمم الجهالة بعدما ... ضاعت لديهم حرمة القرآن! وقعت أمور ليس يقدر قدْرها ... إلا عليم السر والإعلان ¬

_ (¬1) كتبت هذه القصيدة في عام 1410هـ، حينما شاع وذاع عن الشيخ/ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله وعفا عنه- القول بجواز كشف الوجه واليدين باجتهاد خاطئ إذ أنه مبني على أدلة واهية، فزلّ بفتواه تلك من زل من العباد خصوصاً الشعوب المجاورة على وجه التغليب، وتعصب لها من تعصّب ممن ليس لهم مستند من نص شرعي صحيح في مسألة الحجاب ودقائقها وحكمها وأسرارها .. وحصل من جراء ذلك من تمادي تلك الشعوب في الرذيلة ما لا يستره الذيل أو يعطيه الليل .. فحسبنا الله ونعم الوكيل.

ما أمة هتكت حجاب نسائها ... إلا لتسلم أمرها الشيطان وإلى الدمار مع البوار ومركب ... ركبوه يُدْعى مركب الخذلان نزع النساء حجابهن علامة ... لحلول كل بلية وهوان لو كان للنسوان عقلاً كاملاً ... وتديناً من أحسن الأديان ونزعن عنهن الحجاب لفارقت ... تلك القلوب مشاعل الإيمان والله ما خطر العيون ولمحها ... إلا سهام القتل للطعان إن العيون لها كلام صامت ... قد لا يُعبِّر عنه كل لسان لغة العيون بليغة وصريعها ... لا يُفْتدى وهو الجريح العاني (¬1) وإذا رأيت زماننا وشروره ... هانت عليك مساوئ الأزمان فالكاشفات وجوههن كواسف ... من حلية الإيمان والقرآن والكاشفات وجوههن حبائل ... ومصائد لعدونا الشيطان والكاشفات وجوههن دواعياًً ... لزنا العيون مُهوِّنات الثاني قولوا لشيخ اسمه الألباني ... أنظر ديار الشام مع لبنان ماذ جنت تلك الديار وغيرها ... من موجبات مساخط الديّان لما ترجّل ساقطات نسائها ... سقط الرجال بفتنة النسوان إن التحجب واجب بكتابنا ... وبسنة المبعوث بالقرآن والله إن القلب والعقل الذي ... يزكو على التوحيد والإيمان ليرى السفور سفير كل غواية ... ومهالك تدني إلى النيران ويرى الذين تحيّلوا في حلّه ... قد بارزوا الرحمن بالعدوان ¬

_ (¬1) العاني: الأسير.

الشاشة

الشاشة إذا كانت النار لا تحرق، والبحر لا يُغْرق، فالشاشة للدين لا توبق. ويحك يا من أطلقت البصر في النظر، لقد أحاط بك الخطر، واستجلبت عظيم الضرر. معاول تهدم حصن العفاف والحياء، وتقتل الغيرة وتُظل عن الهدى. لا تعمل جيوش الغزاة الحانقين، مثل عمل الشاشات في إفساد الدين، ولقد بلغ الأمر غايته، والشر نهايته، حيث صرنا نسمع عن المحارم الأمور العظائم، وهذا من موجبات الدمار والبوار. أين العقول وأين الدين أين هما ... وهل نعيش بلا عقل ولا دين! تعاظم الخطب حتى صار عالمنا ... كأنما حشوه رجس الشياطين مُقارب الشر لا يأمن عواقبه ... وزارع الشوك لا يجني جنى التين وشاشة هُينت تُعطي لناظرها ... معاول الهدم للأخلاق والدين

خوارق غيّرت أحوال أمتنا ... عجائب طبقت راجت بتزيين لا يرتجى الخير من شر ولو كثرت ... فيه الأقاويل من مدح وتهوين وشاشة دمرت ما لا تُدمره ... أمراض سُلّ وأمراض الطواعين سهامها سُددت للدين تجعله ... مهازلاً مضحكات كل مفتون ويعكف القلب ساعات مطولة ... على الغناء وحكم بالقوانين كذا الإباحية النكراء ديدنهم ... وصاحب العقل من جنس المجانين ويُعرض الشر مقبولاً وحُقّ له ... فالقلب بات بلا حصن وتحصين مُسيّب مهمل من شاء يدخله ... وإنما خرْزه قُفْل الشياطين من عطل القلب عن ذل لخالقه ... فإنه دائب يسعى لسجَين من عطل القلب عن حب لمالكه ... فإنه للهوى ينقاد بالهون وفطرة القلب بالتغيير فاسدة ... وأصلها صالح لم يرض بالدون وإنما جاءها التغيير تربية ... وما عسى شاشة تبقي من الدين! كم من عفيف أطلق بصره في الشاشات، فرأى ما استخفه من ألوان الضلالات، وقد كان في عافية لولا عظم الفتنة، وشدة المحنة، ولولا تهوين من يهونون العظيم، ويصغرون شأن الجسيم، اتباعاً لأهوائهم ليضل بهم أشباههم وأمثالهم، أمر الإله بغض البصر، حفظاً للعبد من الضرر، وإبعاداً له من مكامن الخطر.

وأخبر سبحانه أن العبد مسؤول عن سمعه وبصره وفؤاده، فكم ممن رتع في المحرمات ناسياً يوم معاده، مات فاستقبلته الأهوال والشدائد كان للحق يعاند، وللباطل يعين ويساند. إن في الموت مجال فكر واعتبار لا ينتفع به إلا أولوا الأبصار، لكن حجاب الذنوب كثيف، كذلك فإن الحق ثقيل والباطل على النفوس خفيف، وإنما الشأن بالعاقبة حتى في هذه الدار. فقرين الحق انشراح الصدر واستنارة القلب، وقرين الباطل ضد هذا لا سيما مع التمادي والإصرار، ولو نعلم أثر السيئات على قلوبنا كما نعلم أثر الأوساخ على ثيابنا لما قر لنا قرار. فإلى الله المشتكى. عيناك تسئل عنهما يا ناظراً ... ما لا يحل وسامع البطلان والقلب خطْرته بعلم إلهنا ... فاحذر وساوس ماكر شيطان إن التقي يخاف يوماً شره ... هو مستطير موعد الثقلان إن النجاة عزيزة إن لم تكن ... متحلياً في حلية الإيمان كم من يُغر بأنه متمسك ... بالدين وهو مُغَرّر بأماني!!

السخرية بالدين علامة النفاق

السخرية بالدين علامة النفاق النفاق داء عضال، وسلاح فتاك قتال، إنه مدمر للفؤاد. يقلب تصوراته، فيرى الأمور منكوسة لانتكاسه، كما يراها معكوسة لانعكاسه. إن اسمه لا يكتب على الجبين، ولكن علاماته لأهل الإيمان تظهر وتبين. إن بغض الدين وأهله أعظم ميزة وعلامة للمنافقين، وإن تستروا بظواهر يخادعون بها المؤمنين. وقد فضحهم الله وكشف أستارهم، حتى تجلت لأهل الإيمان مكنوناتهم وأسرارهم. إن تسخروا بالدين أو تستهزئوا ... فالصرح عال ثابت البنيان بدر الدجى ماضره نبح علا ... الكلب كلب والدجى نوراني يا وارث الكفار في سخرية ... بالدين أنت مظاهر الشيطان ما إن ترى متديناً متمسكاً ... إلا نظرت بنظرة العدوان والقلب يبقى مشمئزاً مفعماً ... بكراهة للدين والإيمان

وإذا رأيت فويسقاً مستخبثاً ... أبديت بِشراً ظاهراً بعيان لتشابه في ظاهر مع باطن ... والجعل يألف سائر الجعلان سخرية بالدين كفر جاء في ... كَلِم المليك مُنزّل القرآن اقرأ بسورة توبة متمعناً ... فترى عواقب طاعة الشيطان قول تفوّه فيه من قد ظنه ... سهل وليس بموجب الكفران يا ساخراً بالدين ويحك إنما ... بارزت ذي الجبروت بالعدوان فانظر لنفسك ما عساك مؤمل ... يوم الجزاء تنال بالعصيان

عبرة

عبرة أحيا ليلته كعادته مع الرفاق، وكان معهم على وئام ووفاق، كل ما يسخط الله قد باتوا عليه، وكل ما يرضى عدوهم الشيطان ركبوه ومالوا إليه، والشيطان محكم فيهم الوثاق، فلا صلاة ولا صوم ولا دين يكون فيه من النار انعتاق؛ رجع إلى المسكن آخر الليل ليتلذذ بالنوم كما تلذذ بالسهر، وما كان يعلم ما يجري به القضاء والقدر. ألقى نفسه على الفراش كالجيفة، طالت النومه وأيقظه بعض أهله ولما لم يجب ولم يتحرك أصابتهم من سكونه خيفة، ولما حركوه إذا هو راحل، لاقى ربه بعدما قطع إليه المراحل، بأعمال سوء وباطل، فانظر سوء الختام، ولا تكن ممن تاه في أودية الأماني والأحلام .. دُعِي الشقي فما استطاع تمنعاً ... طويت صحائفه على الإجرام وإلى القبور مُشَيّع في أهله ... ومروّع بملائك العلام

فالروح نادت لا يجاب نداؤها ... يا ويلتى ماذا أراه أمامي قبر مَهول من جهنم موقد ... مع ضيقه هو حالك الإظلام يا روعة مع وحشة في ظلمة ... أسفى على ما فات من أيامي!

عجيبة

عجيبة جمع من المال ما ضاقت به الخزائن الصغيرة، فاشترى خزانة كيبرة لماله .. دخلها يوماً من الأيام لِيُعدّ ويحصي وينظر فانغلق عليه بابها الثقيل المحكم فكانت النهاية. تصور هذا المصرع الرهيب المباغت. وتصور آمال صاحبه يظهر لك معنى قوله تعالى: (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) .. قف قبل إيقاف على الإرغام ... لا تخدعن بمهلة الأيام عند انتهاء الخطو تعلم أنما ... قد كنت في لهو وفي أحلام كم من علمت مباغت في غفلة ... قد كان مخدوعاً بذي الأوهام طول البقاء مؤمّل من قبلنا ... والكل لاقى مصرعاً لِحُمام فالموت يأتي بغتة لا منذر ... متقدم يأتيك بالإعلام

الأجل أقرب من الأمل

الأجل أقرب من الأمل أوشكت البناية على النهاية، وما بقى إلا القليل، وكل شيء يُعد ويهيأ ليوم الرحيل، والكل فرح مسرور، غير أن الأيام تفجأ بعظائم الأمور، صعد صاحبها بعض سطوحها ليرشه بالماء، فزلت قدمه فهوى من أعلاها مضرجاً بالدماء. فبدلاً من أن يسكنها سكن القبور، فتفكر بمآلك أيها المغرور إنك تبني بناء الخالدين على قنطرة العبور. لست بدار إقامة، ولم تكفل لك فيها السلامة، بل لقد أُعلمت بأنك تمر فيها مرور. تبني بناء مخلد في موطن ... هو دائب في النقض للإبرام كتب الفناء عليه قبل مؤمّل ... فيه البقاء وطالب لدوام أنظر لعمرك إنه متقلص ... كالظل وانظر سرعة الأيام العمر يُهدم والبناء مشيد ... والقبر يُحفر حالك الإظلام أعمال سوء لا تليق بموقن ... بالموت كيف بمدعي الإسلام

نور من الرحمن

نور من الرحمن نور من الرحمن جل جلاله ... زاهٍ بهيّ نوره متألق ما أجمل الدين الذي صرنا به ... بين الهداية والضلال نفرق! ما أكمل الدين الذي قد جاءنا ... من ربنا يدري بذاك موفق! هو نعمة محمودة من منعم ... ما عابه إلا الذي يتزندق والعيب في الجعل الذي من طبعه ... بغض الروائح إن تطيب وتعبق ويدحرج النتن الخبيث بأنفه ... هذا الذي بالجعل حتماً أليق ما أحسن الدين الذي صرنا له ... متنكرين بضده نتعلق! عصفت عليه عواصف في عصرنا ... لا رسمه تبقي ولا تترفق ما مثلها شيء يكون مشابه ... في كيفها وبكمها تتدفق حق على رب العباد بأنه ... يضع الذي في خِسّة يتسلق ما كان من دنياً طغغت وتزينت ... إلا أتاها موعد متحقق! لقد شغلتنا دنيا الكفار لما تشبهنا بهم وأثرت في قلوبنا آثار سوء كريهة، فصارت أعمالنا بأعمالهم شبيهة، حتى رحل من القلوب بغضهم والبراءة منهم واسْتهنا بالملة الحنيفة.

ولا عجب فالتشبه في الظاهر يدعو إلى المودة في الباطن وهذه إشارة لطيفة يدري بها الرجل العاقل والمرأة الحصيفة. لقد شغلتنا دنياهم عن ديننا وأفسدت علينا دنيانا، وذلك بإيثارنا الدنيا واتباع هوانا. دنيانا الطيبة السهلة البسيطة محقتها دنياهم محقا، وسحقتها سحقا، وحلّت محلها لا لنسعد بها وإنما لنشقى، فهي والله لا تناسب طباعنا، ولا تلائم أبداننا، إستبدلناها بدنيانا الطبيعية، فحلت بنا البلية، حيث كما ركنوا ركنا إلى الدنيا الدنيّة. دنياهم أُنشئت على مقتضى اتباع الهوى وحب الخلود، فلما تشبهنا بهم وردنا حوضهم المورود، فلا دنيانا صالحة ولا ديننا سليم، وإنما الصراط المستقيم وَضْع الدنيا حيث وضعها الله ورسوله الكريم، فهي مركب موصل للآخرة، ولكنها ركبتنا بدلاً من أن نركبها، وجعلتنا من أي طريق نطلبها، فالله المستعان، وعليه التكلان.

السرور المخلد

السرور المخلَّد تفكري في العواقب، وانظري بعيون للستور ثواقب، تعلمين أن ما ها هنا إلا النكد والعناء، ولا تعجبي فعلى هذا طُبعت دار الفناء. فاعملي لسرور دائم، فهذه صفة أرباب العزائم إذ أن هنالك الروح والريحان، والنعيم المقيم لأهل التقوى والإيمان، بجوار الرحيم الرحمن. شباب لا يغيّره طول الزمان، وجمال لا يعتريه عيب ولا نقصان، هناك ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين مع الأمن والأمان. إن ما يحصل لك من سرور في هذه الدنيا في ما يسخط الله ما هو إلا عيش النفس الأمارة بالسوء وحظها زيّنه لها الشيطان وعليه حضّها.

أما سرور النفس المطمئنة في الدنيا فبطاعة ربها الرحمن، فيدوم لها ذلك السرور حتى يُدخلها الجنة مولاها المنان. فتأملي الفرق بين من تستنزف سرورها وفرحها في هذه الدار، بما يغضب الجبار، وهو زادها إلى النار، وبين التقيّة المطيعة لمولاها عالم الأسرار.

المتاب قبل غلق الباب

المتاب قبل غلق الباب يا فريسة السباع الضارية، والوحوش العادية، عودي إلى أرحم الراحمين، وادخلي حصن التقوى مع المتقين، وفُرِّي إلى الله الذي أرسل إليك النذير المبين، ولا تقنطي من روح الله فقد ذم القانطين واعملي بالطاعة، فما هو إلا صبر ساعة، وتنقشع عن قلبك سُحُب الهم والغم وتزكو لك البضاعة، فحينئذ تستيقنين أنك قد كنت ضائعة مضاعة؛ إنك بالتوبة النصوح تزيحين عن قلبك الران، وتطهرينه من الأوساخ والأدران، ولا يحصل لك ذلك إلا بتوفيق ربك المنان. إن وُفِّقْت شعرت بالرّوح والسرور، وأحْسست بما قد كنت فيه من الظلمة عندما يهبك ربك النور، إنه نور في القلب تفرقين به بين الحق المنير والباطل الحقير، فاسألي الله هدايته وتوفيقه فإنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير. والحمد لله رب العالمين .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. كتبه/ عبد الكريم بن صالح الحميد وكان الفراغ منه في مساء الخميس 15/ 7/ 1421هـ- القصيم- بريدة

§1/1