ثواب القرب المهداة إلى أموات المسلمين
سعيد بن وهف القحطاني
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليماً كثيراً، أما بعد: فهذه رسالة مختصرة في ((ثواب القرب المهداة إلى أموات المسلمين)) ذكرت فيها أربعة مباحث: المبحث الأول: مفهوم ثواب القُرَبِ لغةً واصطلاحاً. المبحث الثاني: ما يلحق الميت من عمله. المبحث الثالث: وصول ثواب القرب المهداة إلى أموات المسلمين، بيَّنت في هذا المبحث الأدلّة من الكتاب والسة في وصول ثواب القرب المهداة إلى أموات المسلمين. المبحث الرابع: أنواع القرب المهداة إلى أموات
المسلمين، ذكرت فيه أقوال أهل العلم في أنواع القرب المهداة إلى أموات المسلمين. وقد استفدت كثيراً من تقريرات وترجيحات شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى، كما استفدت كثيراً من تخريجات العلاّمة المحدث ناصر الدين الألباني غفر الله له ورحمه. واللهَ أسأل أن يجعل هذا العمل مباركاً، نافعاً، خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه، وأن ينفع به أموات المسلمين، ويشرح صدور المسلمين إلى الإهداء إلى أمواتهم الذين هم بأشد الحاجة إلى صدقاتهم، وإحسانهم؛ فإنه تعالى خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم. وصلّى الله، وسلّم على نبينا محمّد، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. المؤلف: أبو عبد الرحمن حرّر بعد عصر يوم الخميس 2/ 5/ 1426هـ الرياض
المبحث الأول: مفهوم ثواب القرب لغة واصطلاحا
المبحث الأول: مفهوم ثواب القرب لغة واصطلاحاً لغة: الثواب والمثوبة، والمثابة: الأجر، وجزاء الطاعة، ومنه ثواب العمل الصالح (¬1)، قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (¬2)، قال ابن الأثير رحمه الله: ((يقال: أثابه، يثيبه، إثابةً، والاسم: الثواب، ويكون في الخير والشر، إلاّ أنه بالخير أخصّ، وأكثر استعمالاً)) (¬3). اصطلاحاً: الثواب هو الأجر، وثواب الأعمال الصالحة. القُرَبُ لغةً: مفردها: قربة، والجمع: قُرَبٌ، وقرباتٌ، والقربان: جمعه: قرابين، وهو كل ما يتقرَّب به إلى الله تعالى من الطاعات، تقول: قَرَّبْت لله قرباناً، وتقرَّب إلى الله بشيء: طلب به القربة عنده. ¬
واصطلاحاً: القُرَب ما يُتقرَّب به إلى الله تعالى من أعمال البر والطاعة (¬1). قال الله تعالى: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬2). ¬
المبحث الثاني: ما يلحق الميت من عمله
المبحث الثاني: ما يلحق الميت من عمله يلحق الميت من عمله بعد موته كل عمل تسبب فيه الميت في حياته؛ للأدلة الآتية: الدليل الأول: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقةٍ جاريةٍ، أو علم ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له)) (¬1). الدليل الثاني: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنّ مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علماً علَّمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورَّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، يلحقه من بعد موته)) (¬2). الدليل الثالث: حديث معاذ بن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من ¬
الدليل الرابع: حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه -
علَّم علماً فله أجر من عمل به، لا ينقص من أجر العامل)) (¬1). الدليل الرابع: حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه -:أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم خيبر لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: (( ... فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حُمْرُ النَّعَم)) (¬2). وهذا يُبيِّن أهمية تعليم الناس الخير، ونشر العلم بينهم، قال الإمام الخطابي رحمه الله في معنى الحديث: ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك أجراً وثواباً من أن يكون لك حمر النعم، فتتصدق بها)) (¬3)، وقد ذكر القرطبي والأُبِّيُّ والسنوسيُّ رحمهم الله: ((إن في هذا الحديث الشريف حضّاً عظيماً على تعلم العلم وبثَّه في الناس، وعلى الوعظ والتذكير، ويعني أن ثواب تعليم رجل ¬
الدليل الخامس: حديث أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه -
واحد وإرشاده أفضل من ثواب الصدقة بهذه الإبل النفيسة؛ لأن ثواب الصدقة بها ينقطع بموتها، وثواب العلم والهدى لا ينقطع إلى يوم القيامة)) (¬1). الدليل الخامس: حديث أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله)) (¬2). الدليل السادس: حديث جرير بن عبد الله - رضي الله عنه -، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( ... من سنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً فَعُمِل بها بعده كُتِبَ له مثلُ أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيءٌ، ومن سَنَّ في الإسلام سُنَّةً سيئة، فَعُمِلَ بها بعده، كُتِبَ عليه مثل وِزْر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيءٌ)) (¬3). الدليل السابع: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬
الدليل الثامن: حديث أبي أمامة - رضي الله عنه -
قال: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثلُ أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثلُ آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)) (¬1). الدليل الثامن: حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - يرفعه: ((فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم)) ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الله، وملائكته، وأهل السموات، والأرضين، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، لَيُصلُّون على مُعَلِّم الناس الخير)) (¬2). الدليل التاسع: حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إنه ليستغفر للعالم مَن في السموات، ومَن في الأرض، حتى الحيتان في البحر)) (¬3). ¬
المبحث الثالث: وصول ثواب القرب المهداة إلى أموات المسلمين
المبحث الثالث: وصول ثواب القرب المهداة إلى أموات المسلمين مما يدل على وصول ثواب الأعمال المهداة إلى أموات المسلمين من الكتاب والسنة الأدلة الآتية: أولاً: الأدلة من القرآن الكريم، منها ما يأتي: الدليل الأول: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (¬1). الدليل الثاني: قوله - عز وجل -: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الله وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} (¬2). الدليل الثالث: قوله تعالى ذاكراً قول نوح: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً} (¬3). ¬
ثانيا: الأدلة من السنة النبوية المطهرة، منها ما يأتي:
الدليل الرابع: قوله تعالى ذاكراً قول إبراهيم: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} (¬1). ثانياً: الأدلة من السنة النبوية المطهّرة، منها ما يأتي: الدليل الأول: حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من مات وعليه صيام، صام عنه وليه)) (¬2). الدليل الثاني: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن امرأة ركبت البحر فنذرت، إن الله تبارك وتعالى أنجاها أن تصوم شهراً، فأنجاها الله - عز وجل -، فلم تصم حتى ماتت، فجاءت قَرابة لها [إما أختها أو ابنتها] إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكرت ذلك له، فقال: [أرأيتك لو كان عليها دين كنتِ تقضينه؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحقُّ أن يُقضى] ¬
الدليل الثالث: حديث ابن عباس رضي الله عنهما
[فـ] اقْضِ [عن أمك])) (¬1). الدليل الثالث: حديث ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: ((أن سعد بن عبادة - رضي الله عنه - استفتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن أمي ماتت وعليها نذر؟ فقال: ((اقضِهِ عنها)) (¬2). ¬
الدليل الرابع: حديث سعد بن الأطول - رضي الله عنه -
الدليل الرابع: حديث سعد بن الأطول - رضي الله عنه -: ((أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالاً، قال: فأردت أن أُنفقها على عياله، قال: فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أخاك محبوسٌ بدينه [فاذهب] فاقضِ عنه)) [فذهبت فقضيت عنه، ثم جئت]، قال: يا رسول الله، قد قضيت عنه إلا دينارين ادَّعتهما امرأة، وليست لها بينة، قال: ((أعطِها فإنها مُحقة))، (وفي رواية: صادقة) (¬1). الدليل الخامس: حديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه -: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلَّى على جنازة (وفي رواية: صلَّى الصبح)،فلما انصرف قال: ((أهاهنا من آل فلان أحد؟)) [فسكت القوم، وكان إذا ابتدأهم بشيء سكتوا] فقال ذلك مراراً [ثلاثاً لا يُجيبه أحدٌ]، [فقال رجل: هُوذا]، قال: فقام رجل يجرُّ إزاره من مؤخر الناس [فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما منعك ¬
الدليل السادس: حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -
في المرتين الأولين أن تكون أجبتني؟] أما إني لم أنوِّه باسمك إلا لخير، إن فلاناً - لرجل منهم -[مأسور بدينه عن الجنة، فإن شئتم فافدوه، وإن شئتم فأسلموه إلى عذاب الله]،فلو رأيت أهله ومن يتحرون أمره قاموا فقضوا عنه، [حتى ما أحدٌ يطلبه بشيء] (¬1) (¬2). الدليل السادس: حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: ((مات رجل، فغسَّلناه وكفَّنَّاه وحنطناه، ووضعناه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث تُوضع الجنائز، عند مقام جبريل، ثم آذنّا رسول الله ¬
- صلى الله عليه وسلم - بالصلاة عليه، فجاء معنا، [فتخطى] خُطَىً، ثم قال: ((لعلَّ على صاحبكم ديناً؟)) قالوا: نعم، ديناران، فَتَخَلَّفَ، [قال: صلوا على صاحبكم]، فقال له رجل منَّا يُقال له: أبو قتادة: يا رسول الله هُما عَلَيّ، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((هما عليك وفي مالك، والميت منهما بريء؟)) فقال: نعم، فصلى عليه فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لقي أبا قتادة يقول. (وفي رواية: ثم لقيه من الغد فقال): ((ما صنعتِ الديناران؟)) [قال: يا رسول الله إنما مات أمس] حتى كان آخر ذلك (وفي الرواية الأخرى: ثم لقيه من الغد فقال: ((ما فعل الديناران؟)) قال: قد قضيتهما يا رسول الله، قال: ((الآن حين بَرَدَتْ عليه جلدُه)) (¬1) (¬2). ¬
الدليل السابع: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما
الدليل السابع: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن أباه استشهد يوم أُحُد، وترك ست بنات، وترك عليه ديناً [ثلاثين وسْقاً]، [فاشتد الغرماء في حقوقهم]، فلما حضره جذاذ النخل، أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله قد علمت أن والدي استشهد يوم أحد، وترك عليه ديناً كثيراً، وإني أُحب أن يراك الغرماء، قال: ((اذهب فبيدر كل تمر على حدة))، ففعلت، ثم دعوت، [فغدا علينا حين أصبح]، فلما نظروا إليه أغروا بي تلك الساعة، فلما رأى ما يصنعون أطاف حول أعظمها بيدراً ثلاثاً [ودعا في ثمرها بالبركة]، ثم جلس عليه، ثم قال: ((ادعُ أصحابك))، فما زال يكيل لهم، حتى أدَّى الله أمانة والدي (¬1)،وأنا والله راض أن يؤدي الله أمانة والدي، ولا أرجع إلى أخواتي بتمرة، فسلمت والله البيادر كلها حتى إني أنظر إلى البيدر الذي عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنه لم ينقص تمرة واحدة، [فوافيت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬
الدليل الثامن: حديث جابر - رضي الله عنه -
المغرب، فذكرت ذلك له فضحك، فقال: ((ائت أبا بكر وعمر فأخبرهما))، فقالا: لقد علمنا إذ صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما صنع أن سيكون ذلك)) (¬1). الدليل الثامن: حديث جابر - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم فيخطب، فيحمد الله، ويُثني عليه بما هو أهل له، ويقول: ((من يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، [وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار]، وكان إذا ذكر الساعة احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتدَّ غضبه، كأنَّه منذر جيش [يقول:] صبحكم ومساكم، من ترك مالاً ¬
الدليل التاسع: حديث عائشة رضي الله عنها
فلورثته، ومن ترك ضياعاً (¬1) أو ديناً فعليَّ، وإليَّ، وأنا [أ] ولى [بـ] المؤمنين (وفي رواية: بكل مؤمن من نفسه)) (¬2). الدليل التاسع: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من حَمَل من أمتي ديناً، ثم جهد في قضائه فمات ولم يقضه فأنا وليُّه)) (¬3). الدليل العاشر: يُبادر بقضاء دينه بعد موته من ماله، فإن لم يكن له مال فعلى الدولة، فإن لم تقم به، وتطوّع به ¬
الدليل الحادي عشر: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين))
بعض الحاضرين جاز؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يُؤتى بالرجل الميت عليه الدين، فيسأل: ((هل ترك لدينه من قضاء؟))، فإنحُدِّث أنه ترك وفاء صلّى عليه، وإلاّ قال: ((صلُّوا على صاحبكم))، ولمّا فتح الله عليه الفتوح قال: ((أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن تُوفِّيَ وعليه دين، فعليَّ قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته)) (¬1). الدليل الحادي عشر: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يُغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين)) (¬2). الدليل الثاني عشر: تُنفَّذ وصيته: الثلث فأقلّ؛ لأن إنفاذ الوصية واجب، والإسراع بالتنفيذ إما واجب أو مستحب؛ لأن الوصية إن كانت في واجب، فَلِلْإسراع في إبراء ذمته، وإن كانت في تطوع فللإسراع في الأجر له، والوصية إما ¬
الدليل الثالث عشر: ومما يلحقه ما يفعله الولد الصالح من الأعمال الصالحة
واجبة، وإما تطوّع، قال أهل العلم: فينبغي أن تنفذ قبل أن يدفن (¬1)؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نفس المؤمن مُعلَّقةٌ بدَيْنه حتى يُقضى عنه)) (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله)) (¬3). الدليل الثالث عشر: ومما يلحقه ما يفعله الولد الصالح من الأعمال الصالحة؛ فإن لوالديه مثل أجره دون أن ينقص من أجره شيء؛ لأن الولد من سعيهما وكسبهما، والله - عز وجل - يقول: {وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى} (¬4)،وقال رسول ¬
الدليل الرابع عشر: حديث عائشة رضي الله عنها
الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإنّ ولده من كسبه)) (¬1). الدليل الرابع عشر: حديث عائشة رضي الله عنها: ((أن رجلاً قال: إن أمي افتلتت (¬2) نفسها [ولم تُوصِ]، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجرٌ إن تصدقتُ عنها [ولي أجر]؟ قال: نعم، [فتصدَّق عنها])) (¬3). ¬
الدليل الخامس عشر: حديث ابن عباس رضي الله عنهما
الدليل الخامس عشر: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن سعد بن عبادة - أخا بني ساعدة - توفيت أمه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله إن أمي توفيت، وأنا غائب عنها، فهل ينفعها إن تصدقت بشيء عنها؟ قال: ((نعم))، قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف (¬1) صدقةٌ عليها)) (¬2). الدليل السادس عشر: حديث سعد بن عبادة - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، إن أمي ماتت، أفأتصدق عنها؟ قال: ((نعم)) قلت: فأي صدقة أفضل؟ قال: ((سقي الماء)) ¬
الدليل السابع عشر: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -
فتلك سقاية سعد بالمدينة (¬1). الدليل السابع عشر: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن أبي مات وترك مالاً ولم يُوصِ فهل يُكفِّر عنه أن أتصدق عنه؟ قال: ((نعم)) (¬2). الدليل الثامن عشر: حديث عبد الله بن عمرو: ((أن العاص بن وائل السهمي أوصى أن يُعتق عنه مائة رقبة، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة، وأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية، قال: حتى أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن أبي أوصى أن يُعتق عنه مائة رقبة، وإن هشاماً أعتق عنه خمسين، وبقيت عليه خمسون، أفأعتق ¬
الدليل التاسع عشر: حديث الشريد بن سويد الثقفي - رضي الله عنه -
عنه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنه لو كان مسلماً فأعتقتم أو تصدقتم عنه، أو حججتم عنه بلغه ذلك، (وفي رواية): فلو كان أقرّ بالتوحيد فصُمت وتصدقت عنه نفعه ذلك)) (¬1). (¬2). الدليل التاسع عشر: حديث الشِّرِّيد بن سويد الثقفي - رضي الله عنه - قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إن أمي أوصت أن تعتق عنها رقبة، وإن عندي جارية نوبية أفيجزئ عني أن أعتقها عنها؟ قال: ((ائتني بها)) فأتيته بها فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن ربك؟)) قالت: الله، قال: ((مَن أنا؟)) قالت: أنت رسول الله، قال: ((أعتقها فإنها مؤمنة)) (¬3). الدليل العشرون: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في ¬
الدليل الحادي والعشرون: حديث أبي رزين - رضي الله عنه -
الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: ((نعم)) وذلك في حجة الوداع. وفي رواية لمسلم: ((فحجي عنه)) (¬1). الدليل الحادي والعشرون: حديث أبي رزين - رضي الله عنه - أنه قال: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج، ولا العمرة، ولا الظعن، قال: ((فحج عن أبيك واعتمر)) (¬2). الدليل الثاني والعشرون: حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمرت امرأة سنان بن عبد الله الجهني أن يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أمها ماتت ولم تحج أفيجزئ عن أمها أن ¬
الدليل الثالث والعشرون: حديث ابن عباس رضي الله عنهما
تحج عنها؟ قال: ((نعم، لو كان على أمها دين فقضته عنها أكان يجزئ عنها؟)) قال: نعم، قال: ((فلتحج عن أمها)) (¬1). الدليل الثالث والعشرون: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فماتت قبل أن تحج أفأحج عنها؟ قال: ((نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟)) قالت: نعم. قال: ((اقضوا الله فالله أحق بالوفاء)) (¬2). وفي رواية: ((فاقضوا الله الذي له؛ فإن الله أحق بالوفاء)) (¬3). وفي رواية: أن رجلاً قال: إن أختي نذرت أن تحج وإنها ماتت فقال: ((فاقض الله فهو أحق بالقضاء)) (¬4). ¬
الدليل الرابع والعشرون: حديث ابن عباس رضي الله عنهما
الدليل الرابع والعشرون: حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من شبرمة؟)) قال: أخٌ لي أو قريبٌ لي، قال: ((حججت عن نفسك؟)) قال: لا. قال: ((حج عن نفسك ثم عن شبرمة)) (¬1). الدليل الخامس والعشرون: حديث عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين، عظيمين، سمينين، أقرنين، أملحين، موجوءين، فذبح أحدهما عن أمته، لمن شهد لله بالتوحيد وشهد له بالبلاغ، وذبح الآخر عن محمد وعن آل محمد - صلى الله عليه وسلم -)) (¬2). الدليل السادس والعشرون: حديث أبي رافع - رضي الله عنه - قال: ((ضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكبشين، أملحين، موجبين (¬3)، ¬
خصيين، فقال: أحدهما لمن شهد بالتوحيد، وله بالبلاغ، والآخر عنه وعن أهل بيته، قال: فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كفانا))، وفي رواية لأحمد: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ضحى اشترى كبشين، سمينين، أقرنين، أملحين، فإذا صلَّى وخطب الناس أُتي بأحدهما وهو قائم في مصلاَّه فذبحه بنفسه بالمدية (¬1) ثم يقول: ((اللهم إن هذا عن أمتي جميعاً ممن شهد لك بالوحدانية، وشهد لي بالبلاغ))، ثم يؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه ويقول: ((هذا عن محمد وآل محمد))، فيطعمها جميعاً المساكين، ويأكل هو وأهله منهما، فمكثنا سنين ليس رجل من بني هاشم يُضحِّي قد كفاه الله المؤنة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - والغُرْمَ)) (¬2). ¬
المبحث الرابع: أنواع القرب المهداة إلى أموات المسلمين
المبحث الرابع: أنواع القرب المهداة إلى أموات المسلمين تصل إليهم إذا أهدى ثوابها الحي إلى الميت المسلم؛ لما تقدم من الأدلة على ذلك، وسأذكر في هذا المبحث أقوال العلماء مع بعض ما استدلوا به على النحو الآتي: أولاً: قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وأيُّ قربة فعلها، وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك، إن شاء الله، أما الدعاء، والاستغفار، والصدقة، وأداء الواجبات فلا أعلم فيه خلافاً، إذا كانت الواجبات مما تدخله النيابة، وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (¬1)، وقال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الله وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} (¬2)، ودعا النبي ¬
- صلى الله عليه وسلم - لأبي سلمة حين مات (¬1)، وللميت الذي صلَّى عليه في حديث عوف بن مالك (¬2)، ولكل ميت صلَّى عليه، ولذي النجادين حين دفنه (¬3)،شرع الله ذلك لكل من صلَّى على ميت، وسأل رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت، فينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: ((نعم)) رواه أبو داود (¬4)، وروي ذلك عن سعد بن عبادة - رضي الله عنه - (¬5)، وجاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: ((أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته؟)) قالت: نعم، قال: ((فدين الله أحق ¬
أن يُقضى)) (¬1) وقال للذي سأله: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال: ((نعم)) (¬2)، وهذه أحاديث صحاح، وفيها دلالة على انتفاع الميت بسائر القُرب؛ لأن الصوم، والحج، والدعاء، والاستغفار عبادات بدنية، وقد أوصل الله نفعها إلى الميت، فكذلك ما سواها ... وروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعمرو بن العاص: ((لو كان أبوك مسلماً فأعتقتم عنه، أو تصدقتم عنه، أو حججتم عنه بلغه ذلك)) (¬3). وهذا عام في حج التطوع وغيره؛ ولأنه عمل برٍّ وطاعةٍ، فوصل نفعه وثوابه، كالصدقة، والصيام، والحج الواجب ... )) (¬4)، ثم ردَّ الإمام ابن قدمة رحمه الله ¬
على من قال: لا يصل إلى الميت إلا الواجب، والصدقة، والدعاء، والاستغفار، وبيَّن أن المسلمين يهدون الثواب إلى أمواتهم من غير نكير؛ ولأن الحديث صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الميت يُعذَّب ببكاء أهله عليه)) (¬1)، والله أكرم من أن يوصل عقوبة المعصية إليه ويحجب عنه المثوبة؛ ولأن الموصل لثواب ما سلموه، قادر على إيصال ثواب ما منعوه، والآية مخصوصة بما سلموه {وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى} وما اختلفنا فيه في معناه فنقيسه عليه (¬2)، وقال: ولا حجة لهم في الخبر الذي احتجوا به: ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة ... )) فإنما يدل على انقطاع عمله، وليس هذا من عمله فلا دلالة فيه ¬
ثانيا: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
عليه ... )) (¬1). ثانياً: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((الصحيح أنه ينتفع الميت بجميع العبادات البدنية: من الصلاة، والصوم، والقراءة، كما ينتفع بالعبادات المالية: من الصدقة، والعتق، ونحوها باتفاق الأئمة ... )) (¬2). ثالثاً: بين الإمام ابن القيم رحمه الله أن أرواح الموتى تنتفع من سعي الأحياء بأمرين: الأمر الأول: ما تسبب إليه الميت في حياته. الأمر الثاني: دعاء المسلمين له، واستغفارهم، والصدقة، والحج ... واختلفوا في العبادات البدنية: كالصوم، والصلاة، وقراءة القرآن، والذكر، فذهب الإمام أحمد وجمهور السلف إلى وصولها وهو قول بعض ¬
رابعا: قال في الروض المربع
أصحاب أبي حنيفة ثم قال: ((والدليل على انتفاعه بغير ما تسبب فيه: القرآن، والسنة، والإجماع، وقواعد الشرع)) (¬1) ثم ساق رحمه الله الأدلة على وصول ثواب الدعاء للميت، ووصول ثواب الصدقة، والصوم، والحج، وردَّ على المخالفين في ذلك، ثم قال: ((هذه النصوص متظاهرة على وصول ثواب الأعمال إلى الميت إذا فعلها الحي عنه وهذا محض القياس؛ فإن الثواب حق للعامل فإذا وهبه لأخيه المسلم لم يُمنع من ذلك، كما لم يُمنع من هبة ماله في حياته وإبرائه له من بعد موته)) (¬2). رابعاً: قال في الروض المربع: ((وأيُّ قربة: من دعاء، واستغفار، وصلاة، وصوم، وحج، وقراءة وغير ذلك فعلها مسلم وجعل ثوابها لميت مسلم أو حيّ نفعه ¬
خامسا: قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
ذلك)) (¬1) (¬2)، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((لكن بشرط أن يكون المحجوج عنه [أي الحي] عاجزاً عجزاً لا يُرجى زواله)) (¬3). خامساً: قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ((هناك أربعة أنواع من العبادات تصل إلى الميت بالإجماع وهي: الأول: الدعاء. الثاني: الواجب الذي تدخله النيابة. الثالث: الصدقة. الرابع: العتق، وما عدا ذلك فإنه موضع خلاف بين أهل العلم. فمن العلماء من يقول: إن الميت لا ينتفع بثواب الأعمال الصالحة إذا أُهدي له غير هذه الأمور الأربعة، ولكن ¬
الصواب أن الميت ينتفع بكل عمل صالح جُعِلَ له إذا كان الميت مؤمناً ... )) (¬1). ثم قال رحمه الله: [أما] قوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى} (¬2) [فـ] المراد والله أعلم: أن الإنسان لا يستحق من سعي غيره شيئاً، كما لا يحمل من وزر غيره شيئاً، وليس المراد أنه لا يصل إليه ثواب سعي غيره؛ لكثرة النصوص الواردة في وصول ثواب سعي الغير إلى غيره، وانتفاعه به إذا قصده به)) (¬3)، ثم ساق رحمه الله تعالى الأدلة على وصول ثواب: الدعاء، والصدقة عن الميت، والصيام، والحج، والأضحية، ثم ردَّ على من خصَّص ذلك بالولد، وبين أنه قد جاء ما يدل على جواز الحج عن الغير حتى من غير الولد، وذلك أنَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من ¬
سادسا: ذكر شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله
شبرمة؟)) قال: أخٌ لي أو قريب لي، قال: ((أحججت عن نفسك؟)) قال: لا. قال: ((حج عن نفسك ثم عن شبرمة)) (¬1) (¬2). وبيَّن أنه يجوز أن يُحج عن الميت الفرض والنَّفل؛ لهذا الحديث؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستفصل هذا الرجل عن حجه عن شبرمة هل نفل أو فرض؟ وهل كان شبرمة حيًّا أو ميتاً، قالوا: وإذا جاز أن يحج عن الميت الفرض بالنص الصحيح الصريح فما المانع من النفل؟ (¬3). سادساً: ذكر شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله: أن الميت تصل إليه الصدقة، والدعاء، والاستغفار، والحج، والعمرة، وقضاء الدَّين (¬4). ¬
ويُرجح رحمه الله أنه يقتصر على ما ورد به النص في وصول ثوابه إلى الميت؛ لأن العبادات توقيفية لا يجوز منها إلا ما دل عليه الشرع (¬1). وبين أن الصدقة تنفع الحي والميت، والدعاء، والحج، والعمرة، لكن الحي يحج عنه ويعتمر إذا كان عاجزاً. وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((هذه الأحاديث تدل على انتفاع الميت بالقربات: من الصدقات، والحج، والصوم، والدعاء، وغير ذلك، فهذا كله ينتفع به المسلم، أما غير المسلم فلا يُدْعى له، ولا يتصدق عنه، والأقرب والله أعلم أن قراءة القرآن عن الميت، والصلاة عنه لا تُفعل عنه؛ لأنّ العبادات توقيفية، وإنما يقتصر على ما شرع الله: كالدعاء، والحج، والعمرة، ¬
أولا: الدعاء، والاستغفار
والصدقة، والصوم وغير ذلك)) (¬1). وما ذهب إليه شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى: هو أرجح وأن العبادات توقيفية، وقد جاءت الأدلة في إهداء ثواب القرب إلى أموات المسلمين في العبادات الآتية: أولاً: الدعاء، والاستغفار. ثانياً: الحج: الفرض، والنفل. ثالثاً: العمرة: الفرض، والنفل. رابعاً: الصدقة مطلقاً: الفرض، والنفل، ومن ذلك الأضحية. خامساً: الصوم: الفرض. وجاء ما يدلّ على صيام النفل (¬2). سادساً: العتق: الفرض، والنفل. ¬
سابعا: الواجبات على الميت
سابعاً: الواجبات على الميت: كالنذور، والكفارات، وقضاء الدَّين، وغير ذلك من العبادات التي جاء بها النص، والله - عز وجل - أعلم (¬1). وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. ¬