ثمرة التسارع إلى الحب في الله تعالى وترك التقاطع

القاسمي، جمال الدين

الورقة الأولى من "ثمرة التسارع" بخط المصنف

مقدمة المصنف

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمَّد وآله أجمعين، وبعد: فهذه رسالة سمَّيتها: "ثَمَرةُ التَّسارع إِلى الحب في الله تعالى وترك التقاطع" ذكرت فيها شذرة ممَّا ورد في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. فممَّا وَرَدَ في الحُبِّ في الله تعالى: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ يقولُ يَوْمَ القِيَامَةِ: أَيْنَ المُتَحابُّونَ بِجَلاَلِي، اليَوْمَ أُظِلُّهُمْ في ظِلِّي، يَوْمَ لَا ظِلَّ إلا ظِلِّي". رواه مسلم عن أبي هريرة (¬1). وعنه - صلى الله عليه وسلم -: "أنَّ رَجُلًا زارَ أَخًا لَهُ في قَرْيةٍ أُخرى، فَأَرْصَدَ (¬2) الله لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ (¬3) مَلَكًا، قَال: أَيْنَ تُرِيد؟ قَال: أُرِيدُ أَخًا لِي في هذِهِ الْقَرْيةِ. قَال: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تربُّها (¬4)؟ قَال: لَا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ في اللهِ. ¬

_ (¬1) (4/ 1988). (¬2) (فأرصد) أي أقعده يرقبه. (¬3) (على مدرجته) المدرجة هي الطريق، سُمِّيت بذلك لأنَّ الناس يدرجون عليها، أي يمضون ويمشون. (¬4) (تَربُّها) أي تقوم بإصلاحها، وتنهض إليه بسبب ذلك. من "شرح صحيح مسلم".

قَال: فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ، بِأَنَّ الله قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ". رواه مسلم عن أبي هريرة (¬1). وَعَنْ أَنَس أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُول الله، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَال: "وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ "، قَال: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا إلا أَنِّي أُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ. قَال: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ". قَالَ أَنَس: فَمَا رَأَيْتُ الْمُسْلِمِينَ فَرِحُوا بِشَيء بَعْدَ الإِسْلاَمِ فَرَحَهُم بِهَا. رواه البخاري ومسلم (¬2). وَعَن مُعَاذ بن جبل قَال: سمعت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله تعالى: "وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، والمُتَجَالِسِينَ فيَّ، والمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، والمُتبَاذِلِينَ فِيَّ"". رواه مالك (¬3). وفي رواية التِّرمذي (¬4): "قَال: يقُولُ الله تَعَالى: المُتَحَابُّونَ في جَلاَلِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِن نُورٍ، يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ والشُهَدَاءُ". وَعَن عمر قَال: قَال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ لأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمُ الأَنْبِيَاءُ والشُهَدَاءُ يَوْمَ القِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنَ الله"، قَالُوا: يَا رَسُول الله، تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ؟ قَالَ: "هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرَوحِ الله عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا، فَوَاللهِ إِنَّ ¬

_ (¬1) (4/ 1988). (¬2) البخاري (7/ 42، 10/ 553)، ومسلم (4/ 2032). (¬3) في "الموطإ" (2/ 953، 954)، وأحمد (5/ 233)، وابن حبان (575)، والحاكم (4/ 168)، وصحَّحه الحافظ المنذري في "الترغيب" (3/ 606). (¬4) (2390) وقال: "حسن صحيح"، وهو كما قال.

وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ وإِنَّهُمْ لَعَلَى نُورٍ، لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلَا يَحْزنونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسَ"، وقَرَأَ هذا الآيةَ: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62]. رواه أبو داود (¬1). وَعَن ابنِ عبَّاس قَال: قَال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذرٍّ: "يَا أَبَا ذَرّ، أَيُّ عُرَى الإِيمانِ أَوْثَق؟ "، قَالَ: الله وَرَسُوله أَعْلم. قَال: "المُوَالاَةُ في اللهِ، والحُبُّ في الله". رواه البيهقي في "شعب الإِيمان" (¬2). وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "إِذَا عَادَ المُسْلِمُ أَخَاهُ أَوْ زَارَهُ، قَال الله تعالى: طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وتَبَوَّأْتَ مِنَ الجَنَّة مَنْزِلًا". رواه الترمذي (¬3). ¬

_ (¬1) في "سننه" (3527)، وفي إسناده انقطاع، إلَّا أنَّه حسن بشواهده التي منها: حديث أبي هريرة عند ابن حبان (573)، وحديث أبي مالك الأشعري عند أحمد (5/ 343). (¬2) أخرجه الطبراني في "الكبير" (11/ 251)، والبيهقي في "شعب الإِيمان" (9068)، والبغوي في "شرح السُّنَّة" (13/ 53) وإسناده ضعيف جدًّا؛ فيه الحسين بن قيس الرحبي، متروك الحديث، إلَّا أنَّ أصل الحديث حسن بشواهده التي منها: حديث البراء بن عازب، الذي أخرجه أحمد (4/ 286)، وابن أبي شيبة في "الإِيمان" (110)، وإسناده ضعيف. ومرسل عمرو بن مرَّة: أخرجه وكيع بن الجرَّاح في "الزُّهد" (329)، فالحديث حسن لغيره، والله أعلم. (¬3) في "سننه" (2008)، وأحمد (2/ 326، 344، 354)، والبخاري في "الأدب المفرد" (345)، وقال الترمذي: "حديثٌ حسن"، وهو كما قال بشاهد له عند أبي يعلى في "مسنده" (4139)، وأبي نُعيم في "الحلية" (3/ 157) من حديث أنس. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/ 173): "رجاله رجال الصحيح غير ميمون بن عجلان، وهو ثقة".

وَعَنِ المِقْدَامِ بن مَعْدِي كرب عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنّهُ يُحِبّه". رواه أبو داود والترمذي (¬1). وَعَن أَنَسٍ قَال: مَرَّ رَجُلٌ بِالنَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْده نَاسٌ، فَقَال رَجُلٌ مِمَّنْ عِنْدَه: إِنِّي لأُحِبُّ هذَا للهِ؟ فَقَال النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَعْلَمْتَه؟ "، قَال: لَا، قَال: "قُمْ إِلَيْهِ فَأَعْلِمْهُ"، فَقَامَ إِلَيْهِ فَأَعْلَمَهُ، فَقَال: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ، قَال: ثُمَّ رَجَعَ، فَسَأَلَهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَال، فَقَال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ، وَلَكَ مَا احْتَسَبْتَ". رواه البيهقي في "الشعب"، وللترمذي نحوه (¬2). وَعَن أَبي سَعِيدٍ الخدري أنَّه سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقُول: "لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ". رواه الترمذي، وأبو داود والدَّارمي (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (4/ 130)، والبخاري في "الأدب المفرد" (542)، وأبو داود (5124)، والترمذي (4/ 284 من تحفة الأحوذي، ط الهند، وقد سقط من طبعة إبراهيم عطوة)، وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (20319)، والبيهقي في "شعب الإِيمان" (8596)، والبغوي في "شرح السُّنَّة" (13/ 66، 67)، وإسناده جيِّد. وأما رواية الترمذي فإنه أخرجها في "سننه" (2386)، ولفظها: "المرءُ مَع مَنْ أَحَبَّ، وله ما اكْتَسَبَ". وإسنادها ضعيف؛ فيها أبو هشام الرفاعي محمَّد بن يزيد، شيخ الترمذي، ليس بالقوي كما في "التقريب"، والحسن البصري لم يصرح بسماعه من أنس، فتبقى لفظة: "وله ما اكتسب" ضعيفة، ومما يدل على ضعفها أنَّ الإِمام أحمد أخرج هذا الحديث في "مسنده" (2/ 226، 283) بسند جيِّد من حديث أنس هذا وفيه: "ولك مَا احْتَسَبْتَ". (¬3) أخرجه أحمد (3/ 38)، وأبو داود (4833)، والترمذي (2395)، والدارمي (2/ 103)، والبيهقي في "شعب الإِيمان" (8937)، وإسناده حسن.

وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - "المَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ". رواه الإِمام أحمد، والترمذي، وأبو داود، والبيهقي (¬1). وَعَن يَزِيد بن نعامةَ قَال: قَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا آخَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَلْيَسْأَلْهُ عَنِ اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَمِمَّنْ هُوَ فَإِنَّهُ أَوْصَلُ لِلمَوَدَّةِ". رواه الترمذي (¬2). وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ أَنَّ عَبْدَيْنِ تَحَابَّا في الله عَزَّ وَجَلَّ، وَاحِدٌ في المَشْرِقِ وَآخَرُ في الْمَغْرِب؛ لَجَمَعَ الله بَيْنَهُمَا يَوْمِ القِيَامَةِ، يقُول: هذَا الّذِي كُنْتَ تُحِبُّهُ فيّ" (¬3). وَعَن أَبِي رَزِين، أَنّهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى مَلاَكِ هذَا الأَمْرِ الَّذِي تُصِيبُ بِهِ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَة؟ عَلَيْكَ بِمَجَالِسِ أَهْلِ الذِّكْرِ، وَإِذَا خَلَوْتَ فَحَرِّكْ لِسَانَكَ مَا اسْتَطَعْتَ بِذِكْرِ اللهِ، وَأَحِبَّ في الله وأَبْغِضْ في الله. يَا أَبَا رُزَين: هَلْ شَعَرْتَ أَنَّ الرَّجُلَ إِما خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ زَائِرًا أَخَاهُ شَيَّعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، كُلُّهُم يُصَلّونَ عَلَيْهِ ويقُولُون: رَبَّنَا إِنَّهُ وَصَلَ فِيكَ ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (2/ 303)، وأبو داود (4832)، والترمذي (2378)، والبيهقي في "شعب الإِيمان" (8990، 8991)، وفي "الآداب" (308)، وإسناده حسن. (¬2) في "سننه" (2392) وقال: "غريب لا نعرفه إلَّا من هذا الوجه، ولا نعرف ليزيد بن نعامة سماعًا من النبي - صلى الله عليه وسلم -"، وإسناده ضعيف؛ وذلك لأنَّ يزيد بن نعامة ليست له صحبة. (تهذيب الكمال للمِزِّي 32/ 255)، وفيه سعيد بن سلمان لم يوثقه غير ابن حبان. (¬3) أخرجه البيهقي في "الشعب" (8606) وإسناده ضعيف؛ فيه حكيم بن نافع القرشي، ضعيف الحديث.

ذكر الأحاديث الواردة في النهي عن التقاطع والتهاجر

فَصِلْهُ، فَإِن اسْتَطَعْتَ أَنْ تعمل جَسَدَكَ في ذلك فَافْعَل" (¬1). وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ في الجَنَّةِ لعمدًا مِن ياقوتَةٍ عَلَيْهَا غُرَفٌ مِن زَبَرْجَدٍ، لَهَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَة تُضِيءُ كَمَا يُضِيءُ الكَوْكَب الدُّرَّيّ"، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، مَنْ يَسْكُنها؟ قَال: "المُتَحَابُّونَ في الله، والمُتَجَالِسُون في الله، والمُتَلاَقُونَ في الله" (¬2). روى البيهقي الأحاديث الثَّلاثة في "شعب الإِيمان". ومِمَّا وَرَدَ في النَّهْي عَن التَّهَاجُرِ والتَّقَاطُعِ: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَث لَيَالٍ، يلتقيان فيُعرض هذا ويُعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام". رواه البخاري، ومسلم عن أبي أيوب الأنصاري (¬3). وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: قال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِيَّاكُمْ والظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسوا، وَلَا تَجَسَّسوا، وَلَا تناجَشوا، وَلَا تَحَاسَدوا، وَلَا تَبَاغَضوا، وَلَا تَدَابَروا، وَكُونُوا عِبَادَ الله إِخْوَانًا". وفي رواية: "وَلَا تَنَافَسوا". رواه البخاري، ومسلم (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في "الشعب" (8608)، وإسناده ضعيف، فيه عثمان بن عطاء المقدسي، وهو ضعيف. (¬2) أخرجه البزار (3592)، والبيهقي في "الشعب" (8589)، وقال الهيثمي في "المجمع" (10/ 278): "وفيه محمَّد بن أبي حُميد، وهو ضعيف". (¬3) البخاري (11/ 21)، ومسلم (4/ 1984). (¬4) البخاري (10/ 481)، ومسلم (4/ 1985، 1986).

وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: قَال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَفْتَحُ اللهُ أَبْوَابَ الجَنَّة يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِالله شَيْئًا، إِلَّا رَجُلٌ كَانَتْ بَيْنَهُ وبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاء، فَيُقَال: أَنْظِروا هذَينِ حتَّى يَصْطَلِحَا". رواه مسلم (¬1). وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يعرض أعمال النَّاس في كُلِّ جُمعةٍ مَرَّتَيْنِ، يَوْمَ الاثنينِ ويَوْمَ الخميس، فيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمنٍ إِلَّا عَبْدًا بَيْنَهُ وبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاء، فَيُقَال: اتْركُوا لهذَينِ حتَّى يَفِيئَا". رواه مسلم (¬2). وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَال: "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ، فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلاَثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ". رواه الإِمام أحمد، وأبو داود (¬3). وَعَن أَبِي خِراش السُّلمي أنَّه سَمِعَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يقُول: "مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً، فَهْوَ كسَفْكِ دمِهِ". رواه أبو داود (¬4). وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ ¬

_ (¬1) (4/ 1987). (¬2) (4/ 1988). (¬3) لم يروه الإِمام أحمد؛ وإنما رواه أبو داود (4914)، وصحَّحه الحافظ العراقي في "تخريج الإِحياء" (2/ 223) ولم يعزه إلى مسند أحمد. (¬4) أخرجه أحمد (4/ 221)، والبخاري في "الأدب المفرد" (404)، وأبو داود (4915)، والطبراني في "الكبير" (22 / رقم 779)، والحاكم (4/ 163)، والبيهقي في "الشعب" (6207)، وفي "الآداب" (302)، وقال الحافظ العراقي في "تخريج الإِحياء" (2/ 223): "إسناده صحيح".

يَهْجُرَ مُؤْمِنًا فَوْقَ ثَلاَث، فَإِنْ مَرَّت بِهِ ثَلاَثٌ فَلْيَلْقَه فَلْيُسَلِّم عليه، فَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلام فَقَد اشْتَرَكَا في الأَجْرِ، وإِنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَدْ بَاءَ بِالإِثْمِ، وَخَرَجَ المُسَلِّمُ مِنَ الهِجْرَةِ". رواه أبو داود (¬1). وَعَن أَبي الدَّرْدَاء قَال: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ والصَّدَقَةِ والصَّلاةِ؟ "، قَال: قُلْنَا: بَلَى. قَال: "إِصْلاَحُ ذَاتِ البَيْنِ، وفَسَادُ ذَاتِ البَيْنِ هِي الحَالِقَةُ". رواه أبو داود، والترمذي (¬2). وَعَن الزُّبَيْر قَال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "دَبَّ إِلَيْكُم دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُم: الحَسَدُ، والبَغْضَاءُ؛ هِي الحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ، ولكِنْ تَحْلِقُ الدِّين". رواه الإِمام أحمد، والترمذي (¬3). وَعَن أسماء بنت يزيد قالت: قال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَحِلُّ الكَذِبُ إِلَّا في ثَلاَثٍ: كَذِبُ الرَجُل مَعَ امْرَأَتِهِ لِيُرْضِيَهَا، والكَذِبُ في الحَرْبِ، والكَذِبُ ليصلحَ بَيْنَ النَّاسِ". رواه أحمد، والترمذي (¬4). ¬

_ (¬1) في "سننه" (4912)، ومن طريقه البيهقي في "الشعب" (6195)، وإسناده ضعيف؛ فيه هلال بن أبي هلال لا يعرف كما قال الحافظ الذهبي (الميزان 4/ 317). (¬2) أخرجه أحمد (6/ 444، 445)، وأبو داود (4919)، والترمذي (2509)، وإسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم. (¬3) أخرجه أحمد (1/ 167)، والترمذي (2510)، من طريق يعيش بن الوليد، أنَّ مولى لآل الزبير حدَّثه عن الزبير به، وإسناده ضعيف لجهالة مولى آل الزبير هذا. (¬4) أخرجه أحمد (6/ 459، 461)، والترمذي (1939)، وإسناده ضعيف، لضعف شهر بن حوشب، لكن يشهد له ما بعده، فهو به حسن.

كلام الخطابي في الكذب المباح

وَعَن أُمِّ كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعيط قالت: سمعت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ ويقُولُ خَيْرًا ويُنمي خَيْرًا". رواه الشيخان (¬1). وزَادَ مُسْلِم: "قَالَت: ولَمْ أَسْمَعه -تعني النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يُرَخِّصُ في شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا في ثَلاَثٍ: الحَرْبُ، والإِصلاَحُ بَيْنَ النَّاسِ، وحَدِيثُ الرَّجُل امْرَأَتَهُ وحَدِيثُ الْمَرْأَة زَوْجها" (¬2). قَالَ الخطَّابِي: "هذِهِ أُمُورٌ قد يَضطرُّ الإِنسان فيها إِلى زيادة القَوْلِ، ومجاوزة الصِّدق، طلبًا للسلامة، ودفعًا للضرر. فالكذب في الإِصلاح بين اثنين هو: أن يُنمي من أحدهما إِلى صاحبه خيرًا، ويبلغه جميلًا، وإِن لم يكن سمعه منه؛ يريد بذلك الإِصلاح. والكذب في الحرب: أن يظهر من نفسه قوَّة، ويتحدث بما يقوي به أصحابه ويكيد به عدوه. وأما كذب الرجل زوجته، هو: أن يعدها ويُمنِّيها ويُظهر لها من المحبة أكثر مما في نفسه؛ يستديم بذلك صحبتها ويُصلح به خلقها" (¬3). انتهى. والأحاديث في ذلك كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية لأُولي الهداية، والحمد لله في البداية والنِّهاية، على يد جامعه محمَّد جمال الدِّين القاسمي. ¬

_ (¬1) البخاري (5/ 299)، ومسلم (4/ 2011). (¬2) مسلم (4/ 2011، 2012). (¬3) "معالم السنن" للخطابي (7/ 236 - المطبوع بهامش مختصر سنن أبي داود للمنذري).

في 19 شوَّال سنة 1313 (¬1). * * * ¬

_ (¬1) انتهيت من مقابلة المنسوخ بخط مؤلفه في السابع عشر من شعبان المكرم سنة 1420 هـ في الروضة الشريفة بالمسجد النبوي بدار السُّنَّة، المدينة المنوَّرة، على ساكنها أفضل الصَّلاة والسَّلام، والحمد لله رب العالمين. ثُمَّ قابلته مرَّة أُخرى بأصله وذلك بقراءة الأخ في الله المحبّ جوهرة المدينة المنوَّرة المكنونة / هانئ بن عبد العزيز ساب المَدَني، وذلك في المسجد الحرام تجاه الكعبة المشرفة يوم الأربعاء بين العشاءين في الحادي والعشرين من رمضان المبارك سنة 1420 هـ.

§1/1