ثلاث تراجم نفيسة للأئمة الأعلام

الذهبي، شمس الدين

ابن تيمية

ابْن تَيْمِية الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْمُفَسّر الْفَقِيه الْمُجْتَهد الْحَافِظ

الْمُحدث شيخ الْإِسْلَام نادرة الْعَصْر ذُو التصانيف الباهرة والذكاء المفرط تَقِيّ الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الْعَالم الْمُفْتِي شهَاب الدّين عبد الْحَلِيم بن الإِمَام شيخ الْإِسْلَام مجد الدّين أبي البركات عبد السَّلَام مؤلف الْأَحْكَام بن عبد الله بن أبي الْقَاسِم الْحَرَّانِي بن تَيْمِية وَهُوَ لقب لجده الْأَعْلَى مولده فِي عَاشر ربيع الأول سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة بحران وتحول بِهِ أَبوهُ وأقاربه إِلَى دمشق فِي سنة سبع وَسِتِّينَ عِنْد جور التتار منهزمين فِي اللَّيْل يجرونَ الذُّرِّيَّة والكتب على عجلة فَإِن الْعَدو مَا تركُوا فِي الْبَلَد دَوَاب سوى بقر الْحَرْث وكلت الْبَقر من ثقل العجلة ووقف الفران وخافوا من أَن يدركهم الْعَدو ولجأوا إِلَى الله تَعَالَى فسارت الْبَقر بالعجلة ولطف الله تَعَالَى حَتَّى انحازوا إِلَى حد الْإِسْلَام فَسمع من ابْن عبد الدَّائِم وَابْن أبي الْيُسْر والكمال بن عبد وَابْن أبي الْخَيْر وَابْن الصَّيْرَفِي وَالشَّيْخ شمس الدّين وَالقَاسِم الإربلي وَابْن عَلان وَخلق كثير وَأكْثر وَبَالغ وَقَرَأَ بِنَفسِهِ على جمَاعَة وانتخب وَنسخ عدَّة أَجزَاء وَسنَن أبي دَاوُد وَنظر فِي

الرِّجَال والعلل وَصَارَ من أَئِمَّة النَّقْد وَمن عُلَمَاء الْأَثر مَعَ التدين والنبالة وَالذكر والصيانة ثمَّ أقبل على الْفِقْه ودقائقه وقواعده وحججه وَالْإِجْمَاع وَالِاخْتِلَاف حَتَّى كَانَ يقْضى مِنْهُ الْعجب إِذا ذكر مَسْأَلَة من مسَائِل الْخلاف ثمَّ يسْتَدلّ ويرجح ويجتهد وَحقّ لَهُ ذَلِك فَإِن شُرُوط الإجتهاد كَانَت قد اجْتمعت فِيهِ فإنني مَا رَأَيْت أحدا أسْرع انتزاعا للآيات الدَّالَّة على الْمَسْأَلَة الَّتِي يوردها مِنْهُ وَلَا أَشد استحضارا لمتون الْأَحَادِيث وعزوها إِلَى الصَّحِيح أَو إِلَى الْمسند أَو إِلَى السّنَن مِنْهُ كَأَن الْكتاب وَالسّنَن نصب عَيْنَيْهِ وعَلى طرف لِسَانه بِعِبَارَة رشقة وَعين مَفْتُوحَة وإفحام للمخالف وَكَانَ آيَة من آيَات الله تَعَالَى فِي التَّفْسِير والتوسع فِيهِ لَعَلَّه يبْقى فِي تَفْسِير الْآيَة الْمجْلس والمجلسين وَأما أصُول الدّيانَة ومعرفتها وَمَعْرِفَة أَحْوَال الْخَوَارِج وَالرَّوَافِض والمعتزلة وأنواع المبتدعة فَكَانَ لَا يشق فِيهِ غباره وَلَا يلْحق شأوه هَذَا مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْكَرم الَّذِي لم أشاهد مثله قطّ والشجاعة المفرطة الَّتِي يضْرب بهَا الْمثل والفراغ عَن ملاذ النَّفس من اللبَاس الْجَمِيل والمأكل الطّيب والراحة الدُّنْيَوِيَّة وَلَقَد سَارَتْ بتصانيفه الركْبَان فِي فنون من الْعلم وألوان لَعَلَّ تواليفه وفتاويه فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع والزهد وَالْيَقِين والتوكل وَالْإِخْلَاص وَغير ذَلِك تبلغ ثَلَاث مئة مُجَلد لَا بل أَكثر وَكَانَ قوالا بِالْحَقِّ نهاء عَن الْمُنكر لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم ذَا سطوة وإقدام وَعدم مداراة الأغيار وَمن خالطه وعرفه قد ينسبني إِلَى التَّقْصِير فِي وَصفه وَمن

نابذه وَخَالفهُ ينسبني إِلَى التغالي فِيهِ وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك مَعَ أنني لَا أعتقد فِيهِ الْعِصْمَة كلا فَإِنَّهُ مَعَ سَعَة عمله وفرط شجاعته وسيلان ذهنه وتعظيمه لحرمات الدّين بشر من الْبشر تعتريه حِدة فِي الْبَحْث وَغَضب وشظف للخصم يزرع لَهُ عَدَاوَة فِي النُّفُوس ونفورا عَنهُ وَإِلَّا وَالله فَلَو لاطف الْخُصُوم ورفق بهم وَلزِمَ المجاملة وَحسن المكالمة لَكَانَ كلمة إِجْمَاع فَإِن كبارهم وأئمتهم خاضعون لعلومه وفقهه معترفون بشفوفه وذكائه مقرون بندور خطئه لست أَعنِي بعض الْعلمَاء الَّذين شعارهم وهجيراهم الاستخفاف بِهِ والازدراء بفضله والمقت لَهُ حَتَّى استجهلوه وكفروه ونالوا مِنْهُ من غير أَن ينْظرُوا فِي

تصانيفه وَلَا فَهموا كَلَامه وَلَا لَهُم حَظّ تَامّ من التَّوَسُّع فِي المعارف والعالم مِنْهُم قد ينصفه وَيرد عَلَيْهِ بِعلم وَطَرِيق الْعقل السُّكُوت عَمَّا شجر بَين الأقران رحم الله الْجَمِيع وَأَنا أقل من أَن يُنَبه على قدره كلمي أَو أَن يُوضح نبأه قلمي فأصحابه وأعداؤه خاضعون لعلمه مقرون بِسُرْعَة فهمه وَأَنه بَحر لَا سَاحل لَهُ وكنز لَا نَظِير لَهُ وَأَن جوده حاتمي وشجاعته خالدية وَلَكِن قد ينقمون عَلَيْهِ أَخْلَاقًا وأفعالا منصفهم فِيهَا مأجور ومقتصدهم فِيهَا مَعْذُور وظالمهم فِيهَا مأزور وغاليهم مغرور وَإِلَى الله ترجع الْأُمُور وكل أحد يُؤْخَذ من قَوْله وَيتْرك والكمال للرسل وَالْحجّة فِي الْإِجْمَاع فرحم الله امْرَءًا تكلم فِي الْعلمَاء بِعلم أَو صمت بحلم وأمعن فِي مضايق أقاويلهم بتؤدة وَفهم ثمَّ اسْتغْفر لَهُم ووسع نطاق المعذرة وَإِلَّا فَهُوَ لَا يدْرِي وَلَا يدْرِي أَنه لَا يدْرِي وَإِن أَنْت عذرت كبار الْأَئِمَّة فِي معضلاتهم وَلَا تعذر ابْن تَيْمِية فِي مفرداته فقد أَقرَرت على نَفسك بالهوى وَعدم الْإِنْصَاف وَإِن قلت لَا أعذره لِأَنَّهُ كَافِر عَدو الله تَعَالَى وَرَسُوله قَالَ لَك خلق من أهل الْعلم وَالدّين مَا علمناه وَالله إِلَّا مُؤمنا محافظا على الصَّلَاة وَالْوُضُوء وَصَوْم رَمَضَان مُعظما للشريعة ظَاهرا وَبَاطنا لَا يُؤْتى من سوء فهم بل لَهُ الذكاء المفرط وَلَا من قلَّة علم فَإِنَّهُ بَحر زخار بَصِير بِالْكتاب وَالسّنة عديم النظير فِي ذَلِك وَلَا هُوَ بمتلاعب بِالدّينِ فَلَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ أسْرع شَيْء إِلَى مداهنة خصومه وموافقتهم ومنافقتهم وَلَا هُوَ يتفرد بمسائل بالتشهي وَلَا يُفْتِي بِمَا اتّفق بل

مسَائِله المفردة يحْتَج لَهَا بِالْقُرْآنِ وَبِالْحَدِيثِ أَو بِالْقِيَاسِ ويبرهنها ويناظر عَلَيْهَا وينقل فِيهَا الْخلاف ويطيل الْبَحْث أُسْوَة من تقدمه من الْأَئِمَّة فَإِن كَانَ قد أَخطَأ فِيهَا فَلهُ أجر الْمُجْتَهد من الْعلمَاء وَإِن كَانَ قد أصَاب فَلهُ أَجْرَانِ وَإِنَّمَا الذَّم والمقت لأحد رجلَيْنِ رجل أفتى فِي مَسْأَلَة بالهوى وَلم يبد حجَّة وَرجل تكلم فِي مَسْأَلَة بِلَا خميرة من علم وَلَا توسع فِي نقل فنعوذ بِاللَّه من الْهوى وَالْجهل وَلَا ريب أَنه لَا اعْتِبَار بذم أَعدَاء الْعَالم فَإِن الْهوى وَالْغَضَب يحملهم على عدم الْإِنْصَاف وَالْقِيَام عَلَيْهِ وَلَا اعْتِبَار بمدح خواصه والغلاة فِيهِ فَإِن الْحبّ يحملهم على تَغْطِيَة هناته بل قد يعدوها لَهُ محَاسِن وَإِنَّمَا الْعبْرَة بِأَهْل الْوَرع وَالتَّقوى من الطَّرفَيْنِ الَّذين يَتَكَلَّمُونَ بِالْقِسْطِ ويقومون لله وَلَو على أنفسهم وآبائهم فَهَذَا الرجل لَا أرجوا على مَا قلته فِيهِ دنيا وَلَا مَالا وَلَا جاها بِوَجْه أصلا مَعَ خبرتي التَّامَّة بِهِ وَلَكِن لَا يسعني فِي ديني وَلَا عَقْلِي أَن أكتم محاسنه وأدفن فضائله وأبرز ذنوبا لَهُ مغفورة فِي سَعَة كرم الله تَعَالَى وصفحة مغمورة فِي بَحر علمه وجوده فَالله يغْفر لَهُ ويرضى عَنهُ ويرحمنا إِذا صرنا إِلَى مَا صَار إِلَيْهِ مَعَ أَنِّي مُخَالف لَهُ فِي مسَائِل أَصْلِيَّة وفرعية قد أبديت آنِفا أَن خطأه فِيهَا مغْفُور بل قد يثيبه الله تَعَالَى فِيهَا على حسن قَصده وبذل وَسعه وَالله الْموعد مَعَ أَنِّي قد أوذيت لكلامي فِيهِ من أَصْحَابه وأضداده فحسبي الله وَكَانَ الشَّيْخ أَبيض أسود الشّعْر واللحية قَلِيل الشيب شعره إِلَى شحمة أُذُنَيْهِ كَأَن عَيْنَيْهِ لسانان ناطقان ربعَة من الرِّجَال بعيد مَا

بَين الْمَنْكِبَيْنِ جَهورِي الصَّوْت فصيحا سريع الْقِرَاءَة تعتريه حِدة ثمَّ يقهرها بحلم وصفح وَإِلَيْهِ كَانَ الْمُنْتَهى فِي فرط الشجَاعَة والسماحة وَقُوَّة الذكاء وَلم أر مثله فِي ابتهاله واستغاثته بِاللَّه تَعَالَى وَكَثْرَة توجهه وَقد تعبت بَين الْفَرِيقَيْنِ فَأَنا عِنْد محبه مقصر وَعند عدوه مُسْرِف مكثر كلا وَالله توفّي ابْن تَيْمِية إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى معتقلا بقلعة دمشق بقاعة بهَا بعد مرض جد أَيَّامًا فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ الْعشْرين من ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة وَصلي عَلَيْهِ بِجَامِع دمشق عقب الظّهْر وامتلأ الْجَامِع بالمصلين كَهَيئَةِ يَوْم الْجُمُعَة حَتَّى طلع النَّاس لتشييعه من أَرْبَعَة أَبْوَاب الْبَلَد وَأَقل مَا قيل فِي عدد من شهده خَمْسُونَ ألفا وَقيل أَكثر من ذَلِك وَحمل على الرؤوس إِلَى مَقَابِر الصُّوفِيَّة وَدفن إِلَى جَانب أَخِيه الإِمَام شرف الدّين رحمهمَا الله تَعَالَى وإيانا وَالْمُسْلِمين

البرزالي

البرزالي هُوَ الشَّيْخ الْمُحدث الإِمَام الْعَالم الْحَافِظ مُفِيد الشَّام مؤرخ الْإِسْلَام علم الدّين أَبُو مُحَمَّد الْقَاسِم بن الْعدْل الْكَبِير بهاء الدّين

مُحَمَّد بن يُوسُف بن الْحَافِظ زكي الدّين البرزالي الإشبيلي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي شيخ الحَدِيث ولد فِي جُمَادَى الأولى سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَحفظ الْقُرْآن والتنبيه ومقدمة فِي صغره وَسمع سنة ثَلَاث وَسبعين من أَبِيه وَمن القَاضِي عز الدّين بن الصَّائِغ فَلَمَّا سمعُوا صَحِيح مُسلم من الإربلي بَعثه وَالِده فَسمع الْكتاب فِي سنة سبع فَأحب الحَدِيث وَنسخ أَجزَاء وَدَار على الشُّيُوخ فَسمع من ابْن أبي الْخَيْر وَابْن أبي عمر وَابْن عَلان والمقداد وَابْن الدرجي وَابْن شَيبَان وَالْفَخْر وجد فِي الطّلب وَذهب إِلَى بعلبلك ثمَّ ارتحل إِلَى حلب سنة خمس وَثَمَانِينَ وفيهَا ارتحل إِلَى مصر وَأكْثر عَن الْعِزّ الْحَرَّانِي وطبقته وَكتب بِخَطِّهِ الصَّحِيح الْمليح كثيرا وَخرج لنَفسِهِ وللشيوخ شَيْئا كثيرا وَجلسَ فِي شبيبته مُدَّة مَعَ أَعْيَان الشُّهُود وَتقدم فِي الشُّرُوط ثمَّ اقْتصر على جِهَات تقوم بِهِ وَورث من أَبِيه جملَة وَحصل كتبا جَيِّدَة وأجزاء فِي أَربع خَزَائِن وَبلغ ثبته بضعَة وَعشْرين مجلدا وَأثبت فِيهِ من كَانَ سمع مَعَه وَله تَارِيخ بَدَأَ فِيهِ من عَام مولده الَّذِي توفّي فِيهِ الإِمَام أَبُو شامة فَجعله صلَة لتاريخ أبي شامة فِي خمس مجلدات أَو أَكثر وَله مجاميع مفيدة كَثِيرَة وَتَعْلِيق وَعمل فِي فن الرِّوَايَة قل من بلغ إِلَيْهِ

وَبلغ عدد مشايخه بِالسَّمَاعِ أَزِيد من أَلفَيْنِ وبالإجازة أَكثر من ألف رتب ذَلِك كُله وترجمهم فِي مسودات متقنة وَكَانَ رَأْسا فِي صدق اللهجة وَالْأَمَانَة صَاحب سنة وَاتِّبَاع وَلُزُوم للفرائض خيرا متواضعا حسن الْبشر عديم الشَّرّ فصيح الْقِرَاءَة قوي الدربة عَالما بالأسماء والألفاظ سريع السرد مَعَ عدم اللّحن والدمج قَرَأَ مَا لَا يُوصف كَثْرَة وروى من ذَلِك جملَة وافرة وَكَانَ حَلِيمًا صبورا متوددا لَا يتكثر بفضائله وَلَا ينتقص بفاضل بل يُوفيه فَوق حَقه ويلاطف النَّاس وَله ود فِي الْقُلُوب وَحب فِي الصُّدُور احتسب عدَّة أَوْلَاد درجوا مِنْهُم مُحَمَّد تَلا بالسبع وَحفظ كتبا وعاش ثَمَانِي عشرَة سنة وَمِنْهُم فَاطِمَة عاشت نيفا وَعشْرين سنة وكتبت صَحِيح البُخَارِيّ وَأَحْكَام الْمجد وَأَشْيَاء وَله إجازات عالية عَام مولده من ابْن عبد الدَّائِم وَإِسْمَاعِيل بن عزون والنجيب وَابْن عَلان وَحدث فِي أَيَّام شَيْخه ابْن البُخَارِيّ وَكَانَ حُلْو المحاضرة قوي المذاكرة عَارِفًا بِالرِّجَالِ والكبار لَا سِيمَا أهل زَمَانه وشيوخهم يتقن مَا يَقُوله وَلم يخلف فِي مَعْنَاهُ مثله وَلَا عمل أحد فِي الطّلب عمله حج سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأخذ عَن مشيخة الْحَرَمَيْنِ وَخرج أَرْبَعِينَ بلدانية ثمَّ حج أَرْبعا بعد ذَلِك

وَفِي عَام وَفَاته توفّي بَين الْحَرَمَيْنِ محرما وغبطه النَّاس بذلك وَكَانَ باذلا لكتبه وأجزائه سَمحا فِي أُمُوره مؤثرا متصدقا رحوما مَشْهُورا فِي الْآفَاق مقصدا لمن يلْتَمس سَمَاعه وَكَانَ هُوَ الَّذِي حبب إِلَيّ طلب الحَدِيث فَإِنَّهُ رأى خطي فَقَالَ خطك يشبه خطّ الْمُحدثين فأثر قَوْله فِي وَسمعت وتخرجت بِهِ فِي أَشْيَاء ولي قِرَاءَة دَار الحَدِيث سنة عشْرين وَسَبْعمائة وَقِرَاءَة الظَّاهِرِيَّة وَحضر الْمدَارِس وتفقه مُدَّة بالشيخ تَاج الدّين عبد الرَّحْمَن وَصَحبه وَأكْثر عَنهُ وسافر مَعَه وجود الْقُرْآن على الرضى بن دبوقا وَتفرد بِبَعْض مروياته وَتخرج بِهِ الطّلبَة وَمَا أَظن الزَّمَان يسمح بِوُجُود مثله فَعِنْدَ ذَلِك نحتسب مصابنا بِمثلِهِ وَلَقَد حزن الْجَمَاعَة خُصُوصا رَفِيقه أَبُو الْحجَّاج شَيخنَا وَبكى عَلَيْهِ غير مرّة وَكَانَ كل مِنْهُمَا يعظم الآخر وَيعرف لَهُ فَضله وَكَانَ رَحمَه الله وَعَفا عَنهُ قد أقبل على الْخَيْر فِي

آخر عمره وَضعف وَحصل لَهُ فتق وَختم لَهُ بِخَير وَللَّه الْحَمد وانتقل إِلَى رضوَان الله تَعَالَى بخليص فِي بكرَة يَوْم الْأَحَد الرَّابِع من ذِي الْحجَّة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة عَن أَربع وَسبعين سنة وَنصف وَولي بعده مشيخة النورية شَيخنَا الْمزي ومشيخة القوصية ابْن رَافع ومشيخة النفيسية العَبْد وَبَاقِي وظائفه جمَاعَة ووقف كتبه وعقارا جيدا على الصَّدَقَة قَرَأت على الْقَاسِم بن مُحَمَّد الْحَافِظ فِي سنة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة أخْبركُم الْمُسلم بن عَلان وَأَجَازَ لنا الْمُسلم قَالَ أَنا حَنْبَل قَالَ أَنا ابْن الْحصين قَالَ أَنا الْمَذْهَب قَالَ أَنا أَحْمد بن جَعْفَر ثَنَا عبد الله بن أَحْمد ثَنَا أبي ثَنَا الشَّافِعِي أنبأ مَالك عَن دَاوُد بن الْحصين عَن أبي سُفْيَان عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْمُزَابَنَة والمحاقلة والمزابنة اشْتِرَاء الثَّمر بِالتَّمْرِ فِي رُؤُوس النّخل والمحاقلة استكراء الأَرْض بِالْحِنْطَةِ وأخبرناه عَالِيا أَبُو الْفضل بن تَاج الْأُمَنَاء قِرَاءَة بالسفح عَن الْمُؤَيد بن مُحَمَّد الطوسي قَالَ لنا هبة الله بن سهل النَّيْسَابُورِي سنة ثَلَاثِينَ

وَخَمْسمِائة قَالَ أَنا سعيد بن مُحَمَّد الْبُحَيْرِي قَالَ أَنا زَاهِر بن أَحْمد الْفَقِيه قَالَ أَنا إِبْرَاهِيم بن عبد الصَّمد العباسي ثَنَا أَبُو مُصعب الزُّهْرِيّ ع وَأَنا الْحَافِظ أَبُو الْحُسَيْن بن الْفَقِيه أَنا مكرم بن مُحَمَّد قَالَ أَنا أَبُو يعلى حَمْزَة بن فَارس السّلمِيّ سنة أَربع وَخمسين وَخَمْسمِائة ثَنَا أَبُو الْفَتْح نصر بن إِبْرَاهِيم الْفَقِيه قَالَ أَنا أَبُو بكر مُحَمَّد بن جَعْفَر الميماسي بعسقلان سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين ثَنَا مُحَمَّد الْعَبَّاس بن وصيف بغزة ثَنَا أَبُو عَليّ الْحسن بن الْفرج الْغَزِّي ثَنَا يحيى بن بكير المَخْزُومِي ح وَأَنا القَاضِي أَبُو مُحَمَّد بن علوان ببعلبك قَالَ أَنا بهاء الدّين بن إِبْرَاهِيم قَالَ أخبرتنا شهدة الكاتبة قَالَت أَنا أَحْمد بن عبد الْقَادِر اليوسفي ح وقرأته بحلب على أبي سعيد الثغري عَن عبد اللَّطِيف بن يُوسُف سَمَاعا قَالَ أَنا يحيى بن ثَابت بن بنْدَار قَالَ أَنا أبي قَالَا أَنا عُثْمَان بن مُحَمَّد العلاف قَالَ أَنا مُحَمَّد بن عبد الله الْبَزَّاز قَالَ أَنا إِسْحَاق بن الْحسن ثَنَا أَبُو عبد الرَّحْمَن القعْنبِي ح وَأَنا إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن الْمعدل قَالَ أَنا الْبَهَاء عبد الرَّحْمَن قَالَ أَنا عبد الْحق بن يُوسُف قَالَ أَنا مُحَمَّد بن عبد الْملك الْأَسدي قَالَ أَنا عمر بن إِبْرَاهِيم الزُّهْرِيّ قَالَ أَنا أَبُو بكر مُحَمَّد بن غَرِيب قَالَ أَنا أَحْمد بن مُحَمَّد الوشا ثَنَا سُوَيْد بن سعيد ح وَكتب إِلَيْنَا أَبُو مُحَمَّد بن هَارُون بن يُونُس قَالَ أَنا أَبُو الْقَاسِم بن بَقِي قَالَ أَنا مُحَمَّد بن عبد الْحق قَالَ أَنا مُحَمَّد بن

الْفرج الطلاعي قَالَ أَنا يُونُس بن مغيث قَالَ أَنا أَبُو عِيسَى يحيى بن عبيد الله بن يحيى بن يحيى اللَّيْثِيّ الْفَقِيه قَالَ أَنا عَم أبي عبيد الله بن يحيى بن يحيى ثَنَا أبي ح وقرأت على عَليّ بن مُحَمَّد وَجَمَاعَة عَن الْحُسَيْن بن الْمُبَارك وقرأت على أَحْمد بن عبد الْمُنعم الْقزْوِينِي قَالَ أَنا مُحَمَّد بن سعيد بِبَغْدَاد قَالَا أَنا أَبُو زرْعَة الْمَقْدِسِي قَالَ أَنا مكي بن عَلان سنة سبع وَثَمَانِينَ قَالَ أَنا القَاضِي أَبُو بكر الْحِيرِي ثَنَا أَبُو الْعَبَّاس الْأَصَم قَالَ أَنا الرّبيع بن سُلَيْمَان قَالَ أَنا مُحَمَّد بن إِدْرِيس الإِمَام جَمِيعًا عَن مَالك بن أنس فَذكره إِلَّا مَا كَانَ من ابْن إِدْرِيس فَإِنَّهُ قَالَ عَن أبي سُفْيَان مولى بني أبي أَحْمد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَو عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْمُزَابَنَة والمحاقلة وَذكر الحَدِيث فأظن الإِمَام رَحمَه الله كتبه من حفظه فتردد فِي اسْم الصاحب وَلَا يعد ذَلِك من الْعِلَل المؤثرة فَالْحَدِيث مخرج فِي الصَّحِيحَيْنِ لمَالِك من حَدِيث أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ بِلَا شكّ وَاسم أبي سُفْيَان قزمان تفرد بِهِ عَنهُ دَاوُد بن الْحصين أحد عُلَمَاء الْمَدِينَة وَإِن كَانَ غَيره أتقن مِنْهُ فقد قفز القنطرة وَاعْتَمدهُ مَالك وصاحبي الصَّحِيحَيْنِ كنيته أَبُو سُلَيْمَان العثماني مَوْلَاهُم يروي عَن عِكْرِمَة والأعرج وَطَائِفَة وثقة ابْن معِين وَغَيره وَأما سُفْيَان بن عُيَيْنَة فَقَالَ كُنَّا نتقي حَدِيثه وَقَالَ أَبُو زرْعَة لين الحَدِيث وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ لَوْلَا مَالِكًا حدث عَنهُ لترك حَدِيثه وَقَالَ إِمَام الصَّنْعَة عَليّ بن الْمَدِينِيّ مَا رَوَاهُ عَن عِكْرِمَة فمنكر وَقَالَ أَبُو دَاوُد

أَحَادِيثه عَن عِكْرِمَة مَنَاكِير وَعَن غَيره مُسْتَقِيم الحَدِيث وَقَالَ عَبَّاس بن مُحَمَّد الدوري هُوَ عِنْدِي ضَعِيف وَقَالَ ابْن عدي صَالح الحَدِيث قلت هَذِه الْعبارَة فِي التوثيق منحطة عَن قَوْلهم ثِقَة وَحجَّة وَهِي من نعوت التَّعْدِيل لَا التجريح وَتَفْسِير الْمُزَابَنَة والمحاقلة يجوز أَن يكون من قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيحْتَمل أَن يكون من تَفْسِير الصَّحَابِيّ رَضِي الله عَنهُ أَو من بعده وَالله أعلم آخرهَا

المزي

الْمزي هُوَ حَافظ الْعَصْر ومحدث الشَّام ومصر وحامل لِوَاء الْأَثر

وعالم أَنْوَاع نعوت الْخَبَر صَاحب معضلاتنا وموضح مشكلاتنا الشَّيْخ جمال الدّين أَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن الزكي عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف بن عَليّ بن عبد الْملك ابْن أبي الزهر الْقُضَاعِي الْكَلْبِيّ الْمزي الْحلَبِي المولد خَاتِمَة الْحفاظ وناقد الْأَسَانِيد والألفاظ مولده بِظَاهِر حلب فِي عَاشر ربيع الآخر سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة وَطلب الحَدِيث فِي أول سنة خمس وَسبعين وهلم جرا وَإِلَى الْآن لَا فتر وَلَا قصر وَلَا عَن الْعلم وَالرِّوَايَة تَأَخّر فأعلى مَا عِنْده بِالسَّمَاعِ أَصْحَاب ابْن طبرزد وحنبل والكندي وَابْن الحرستاني ثمَّ ابْن ملاعب والرهاوي وَابْن الْبناء ثمَّ ابْن أبي لقْمَة وَابْن البن وَابْن مكرم والقزويني ثمَّ ابْن اللتي وَابْن صباح وَابْن الزبيدِيّ وَأَعْلَى مَا سمع بِإِجَازَة عَن ابْن كُلَيْب وَابْن بوش وَالْجمال وخليل بن بدر والبوصيري وأمثالهم ثمَّ الْمُؤَيد الطوسي وزاهر الثَّقَفِيّ وَعبد الْمعز الْهَرَوِيّ وَسمع الْكتب الْأُمَّهَات الْمسند والكتب السِّتَّة والمعجم الْكَبِير والسيرة والموطأ من طرق والزهد والمستخرج على مُسلم والحلية وَالسّنَن للبيهقي وَدَلَائِل النُّبُوَّة وتاريخ الْخَطِيب وَالنّسب للزبير وَأَشْيَاء يطول ذكرهَا وَمن الْأَجْزَاء ألوفا ومشيخته نَحْو الْألف سمع أَبَا الْعَبَّاس ابْن سَلامَة وَابْن أبي عمر وَابْن عَلان والمقداد والعز الْحَرَّانِي وَابْن الدرجي والنواوي

والزواوي والكمال عبد الرَّحِيم وَابْن البن وَالقَاسِم الإربلي وَابْن الصَّابُونِي والرشيد العامري وَمُحَمّد بن القواس وَالْفَخْر ابْن البُخَارِيّ وَزَيْنَب وَابْن شَيبَان وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن مَنَاقِب وَإِسْمَاعِيل بن الْعَسْقَلَانِي وَالْمجد ابْن الْخَلِيل والعماد ابْن الشِّيرَازِيّ والمحيي ابْن عصرون وَأَبا بكر بن الْأنمَاطِي والصفي خَلِيلًا وغازيا الحلاوي والقطب بن الْقُسْطَلَانِيّ وطبقتهم والدمياطي والفاروثي واليونيني وَابْن بلبان والشريشي وَابْن دَقِيق الْعِيد وَابْن الظَّاهِرِيّ والتقي الأسعردي وطبقتهم وتنزل إِلَى طبقَة سعد الدّين الْحَارِثِيّ وَابْن نَفِيس وَابْن تَيْمِية وَلم يتهيأ لَهُ السماع من ابْن عبد الدَّائِم وَلَا الْكرْمَانِي وَلَا ابْن أبي الْيُسْر وَنَحْوهم وَلَا أَجَازُوا لَهُ مَعَ إِمْكَان أَن يكون لَهُ إجَازَة المرسي وَالْمُنْذِرِي وخطيب مردا واليلداني وَتلك الحلبة حفظ الْقُرْآن وتفقه للشَّافِعِيّ مُدَّة وعني باللغة فبرع فِيهَا وأتقن النَّحْو وَالصرْف وَله عمل فِي الْمَعْقُول وَبَاعَ مديد فِي الْمَنْقُول وَمَعْرِفَة بِشَيْء من الْأُصُول وكتابته حلوة منسوبة وَفِيه حَيَاء وحلم وسكينة وَاحْتِمَال كثير وقناعة وإطراح للتكلف وَترك للتجمل والتودد وانجماع عَن النَّاس وصبر على من يغتابه أَو يُؤْذِيه وَقلة كَلَام إِلَّا أَن يسْأَل فَيُفِيد ويجيب ويجيد وَكَانَ معتدل الْقَامَة أَبيض بلحية سَوْدَاء أَبْطَأَ عَنهُ الشيب ومتع بحواسه وذهنه وَكَانَ قنوعا بالقوت غير متأنق فِي مأكل وَلَا ثوب وَلَا نعل وَلَا مركب بل يصعد إِلَى الصالحية وَغَيرهَا مَاشِيا بهمة وجلادة وَهُوَ

فِي عشر التسعين وَكَانَ طَوِيل الرّوح ريض الْأَخْلَاق جدا لَا يرد بعنف وَلَا يتكثر بفضائله وَلَا يكَاد يغتاب أحدا وَإِذا كتب فِي النَّادِر كتابا إِلَى أحد لَا ينمقه وَلَا يزوقه وَكَانَ يستحم بِالْمَاءِ الْبَارِد فِي الشيخوخة وَأما معرفَة الرِّجَال فإليه فِيهِ الْمُنْتَهى لم أعاين مثله وَلَا هُوَ رأى فِي ذَلِك مثل نَفسه وَقَالَ لي لم أر أحفظ من الدمياطي وَكَانَ ملحوظا بالتقدم فِي ذَلِك من وَقت ارتحاله إِلَى مصر وَلما أمْلى عَليّ شَيخنَا ابْن دَقِيق الْعِيد لم يسألني عَن أحد إِلَّا عَن الْمزي فَقَالَ كَيفَ هُوَ صنف كتاب تَهْذِيب الْكَمَال فِي أَرْبَعَة عشر مجلدا أربى فِيهِ على الْكِبَار وَألف أَطْرَاف الْكتب السِّتَّة فِي سِتَّة أسفار وَخرج لجَماعَة وَمَا عَلمته خرج لنَفسِهِ لَا عوالي وَلَا موافقات وَلَا معجما وَكنت كل وَقت ألومه فِي ذَلِك فيسكت وَقد حدث بتهذيبه الَّذِي اختصرته أَنا ثَلَاث مَرَّات وَحدث بالصحيحين مَرَّات وبالمسند وبمعجم الطَّبَرَانِيّ وَدَلَائِل النُّبُوَّة وبكتب جمة وَحدث بِسَائِر أَجْزَائِهِ الْعَالِيَة بل

وبكثير من النَّازِلَة وَلَو كَانَ لي رَأْي للزمته أَضْعَاف مَا جالسته سَمِعت بقرَاءَته شَيْئا وافرا وَأخذت عَنهُ هَذَا الشَّأْن بحسبي لَا بِحَسبِهِ وَلنْ يخلفه الزَّمَان أبدا فِي مَعْرفَته مَعَ أَن عِنْد غَيره فِي معرفَة الرِّجَال والأمراء وَالْخُلَفَاء وَالنّسب مَا لَيْسَ عِنْده فَإِنَّهُ إِنَّمَا يعتني بالرواة الَّذين يجيئون فِي سماعاته ويجيد الْكَلَام فِي طبقاتهم وقوتهم ولينهم وَهَذَا الشَّأْن بَحر لَا سَاحل لَهُ وَإِنَّمَا المحثون بَين مستكثر مِنْهُ ومستقل وَكَانَ شَيخنَا لَا يكَاد يعرف قدره الطَّالِب إِلَّا بِكَثْرَة مُجَالَسَته أَو ينظر فِي تهذيبه لقلَّة كَلَامه وَكَانَ مَعَ حسن خطه ذَا إتقان قل أَن يُوجد لَهُ غلطة أَو تُوجد عَلَيْهِ لحنة بل ذَلِك مَعْدُوم وَكَانَ ذَا ديانَة وتصون وطهارة من الصغر وسلامة بَاطِن وَعدم دهاء وانزواء عَن الْعقل الْعرفِيّ المعيشي وَكَانَ يحكم ترقيق الْأَجْزَاء وترميمها وينقل عَلَيْهَا كثيرا إِلَى الْغَايَة ويفيد الطّلبَة وَيحسن بذلك إِلَى سَائِر أوقاف الخزائن بسعة نفس وسماحة خاطر لَا يخلف فِي ذَلِك وَكَانَ فِيهِ سذاجة توقعه مَعَ من يربطه على أَمر فيأكله ومستأكله حَتَّى لَا يزَال فِي إفلاس وَذَلِكَ لكرمه وسلامته وَكَانَ مَأْمُون الصُّحْبَة حسن المذاكرة والبشر خير الطوية محبا للآثار مُعظما لطريقة السّلف جيد المعتقد وَرُبمَا بحث بِالْعقلِ الملائم للنَّقْل فَيُصِيب وَيحسن غَالِبا بِحَسب مَا يُمكن وَرُبمَا غلط وَكَانَ الْكَفّ بِمثلِهِ أولى عَن الجدل فَإِن الْمُخَالف ينْتَقد عَلَيْهِ ذَلِك وَيلْزمهُ بالتناقض بِحَسب نظره فمذهب السّلف فِي غَايَة الصلف وَالسُّكُوت أسلم وَالله أعلم

وَبِكُل حَال فالخطأ فِي ذَلِك من قَاصد الْحق بتنزيه الْحق مغْفُور للْعَالم وَقد كَانَ اغْترَّ فِي شبيبته وَصَحب الْعَفِيف التلمساني فَلَمَّا تبين لَهُ ضلاله هجره وتبرا مِنْهُ فَالْحَمْد لله أسمع أَوْلَاده كثيرا وأحفاده وَحج وَسمع بالحرمين وَبَيت الْمُقَدّس ودمشق ومصر وحلب وحماة وحمص وبعلبك والإسكندرية وبلبيس وقطية وَغير ذَلِك وأوذي مرّة واختفى مُدَّة من أجل سَمَاعه لتاريخ الْخَطِيب وأوذي نوبَة أُخْرَى لقِرَاءَة شَيْء من كتاب أَفعَال الْعباد مِمَّا يتأوله الْفُضَلَاء المخالفون وَحبس فَصَبر وكظم وَقضى أَكثر عمره على الاقتصاد والقناعة وَقلة الدِّرْهَم إِلَى أَن توفّي شَيخنَا ابْن أبي الْفَتْح فَحصل لَهُ من جهاته حَلقَة الْخضر والْحَدِيث بالناصرية فأضاء حَاله وفرحنا لَهُ ثمَّ ولي دَار الحَدِيث سنة ثَمَان عشرَة بعد ابْن الشريشي ثمَّ فِيمَا بعد ترك الْحلقَة وَأخذت مِنْهُ الناصرية ثمَّ نزل عَن العزية لصَاحبه نجم الدّين وتكفى بِمَا تبقى على قلته بِنِسْبَة رتبته وَرُبمَا وصل بِشَيْء متمم لأولاده وَبَاعَ كِتَابيه بِأَلفَيْنِ وَمِائَتَيْنِ فأنفقها وَأَعْلَى مَا عِنْده مُطلقًا الغيلانيات وبإجازة جُزْء ابْن عَرَفَة وَابْن الْفُرَات سَمِعت مِنْهُ سنة أَربع وَتِسْعين وَأخذت عَنهُ صَحِيح البُخَارِيّ وَغير ذَلِك واستملى مِنْهُ قَاضِي الْقُضَاة أَبُو الْحسن الْحَافِظ وَسمع مِنْهُ قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين الْكِنَانِي والحافظ أَبُو الْفَتْح الْيَعْمرِي ومحب الدّين وَأَوْلَاده والسروجي وَابْن

الدمياطي وَابْن عبد الْهَادِي وابنا السفاقسي وَابْن رَافع وسبط التنسي وخلائق وَتخرج بِهِ جمَاعَة كالبرزالي وَابْن الْفَخر والعلائي وَابْن كثير وَابْن الْعَطَّار والجميزي وَابْن الجعبري وَآخَرين قَرَأت بِخَط أبي الْفَتْح قَالَ وَوجدت بِدِمَشْق الإِمَام الْمُقدم والحافظ الَّذِي فاق من تَأَخّر من أقرانه وَتقدم أَبَا الْحجَّاج الْمزي بَحر هَذَا الْعلم الزاخر الْقَائِل من رَآهُ كم ترك الأول للْآخر أحفظ النَّاس للتراجم وأعلمهم بالرواة من أعارب وأعاجم لَا يخص بمعرفته مصرا دون مصر وَلَا ينْفَرد علمه بِأَهْل عصر دون عصر مُعْتَمدًا آثَار السّلف الصَّالح مُجْتَهدا فِيمَا نيط بِهِ فِي حفظ السّنة من النصائح معرضًا عَن الدُّنْيَا وأسبابها مُقبلا على طَرِيقَته الَّتِي أربى بهَا على أَرْبَابهَا لَا يُبَالِي بِمَا ناله من الْأَزَل وَلَا يخلط جده بِشَيْء من الْهزْل وَكَانَ بِمَا يصنعه بَصيرًا وبتحقيق مَا يَأْتِيهِ جَدِيرًا وَهُوَ فِي اللُّغَة إِمَام وَله بالقريض إِلْمَام فَكنت أحرص على فَوَائده لأحرز مِنْهَا مَا أحرز وأستفيد من حَدِيثه الَّذِي إِن طَال لم يمل وَإِن أوجز وددت أَنه لم يوجز وَهُوَ الَّذِي حداني على رُؤْيَة الإِمَام شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية وسرد أَبُو الْفَتْح فضلا فِي تقريظ ابْن تَيْمِية وَلَقَد كَانَ بَين

الْمزي وَابْن تَيْمِية صُحْبَة أكيدة ومرافقة فِي السماع ومباحثة واجتماع وود وصفاء وَالشَّيْخ هُوَ الَّذِي سعى للمزي فِي تَوليته دَار الحَدِيث ولي فِي تَوْلِيَة التربة الصالحية وَجَرت فِي ذَلِك أُمُور ونكد من أضداد الشَّيْخ وسئلنا عَن العقيدة فَكتب لَهُم الْمزي بجمل وأعفيت أَنا من الْكِتَابَة ومردنا الْكل إِلَى الله تَعَالَى وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَكَانَ شَيخنَا أَبُو الْحجَّاج يترخص فِي الْأَدَاء من غير أصُول وَيصْلح كثيرا من حفظه ويتسامح فِي دمج الْقَارِي ولغط السامعين ويتوسع فَكَأَنَّهُ يرى أَن الْعُمْدَة على إجَازَة المسمع للْجَمَاعَة وَله فِي ذَلِك مَذَاهِب عَجِيبَة وَالله تَعَالَى يسمح لنا وَله بكرمه وَكَانَ يتَمَثَّل بقول ابْن مندة يَكْفِيك من الحَدِيث شمه توفّي فِي ثَانِي عشر صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَدفن بمقابر الصُّوفِيَّة من الْغَد وتأسفوا عَلَيْهِ وَلم يخلف أحدا مثله رَحمَه الله تَعَالَى

§1/1